مرويات الإمام الزهري في المغازي

محمد بن محمد العواجي

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة ... 2- الافتتاحية الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين، وبعد: فإن في تاريخ كل أمة من الأمم غير الإسلامية قادة وزعماء تدرس حياتهم وسيرهم وتؤلف الكتب في إبراز معطياتهم لتكون نبراساً للأجيال المتعاقبة بعدهم، فتظل ذكرى أولئك محدودة؛ لأنه لم ينقل منها إلا جانبها المشرق الذي ظهر فيه نبوغهم، وبقيت الجوانب الأخرى في ظلام دامس، إما لأنها لا تستحق أن ترى النور لشذوذها أو انحرافها، فليست مما يشرف، وإما لضحالتها فلا تستحق الذكر1. لكن الشخصية الوحيدة التي نقلت إلينا سيرتها بكل جزئياتها وأدق تفاصيلها هي شخصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله إلى الثقلين جميعاً وختم به الرسالات قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} 2، وقال سبحانه: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ

_ 1 من معين السيرة، صالح الشامي ص 5، بتصرف. 2 الأعراف آية رقم (158) .

رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} 1. ويقول جل شأنه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 2. من هنا كانت سيرته أعظم سيره يجب الاعتناء بها وحفظها واتخاذها قدوة ونبراساً نستضيء به في مسيرة الحياة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولقد كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم مليئة بالأحداث خاصة في العهد المدني حيث فرض الله عليه الجهاد وغزا وقاتل حتى أتاه اليقين. ولأهمية تلك الأحداث قام رجال من الصحابة نذروا أنفسهم لخدمة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فأولوها عناية خاصة وذلك لما اشتملت علية من مآثر وعظات وعبر، وكان على رأس هؤلاء الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (ت 78 هـ) ، فقد ذكر ابن سعد عنه أنه كان يخصص يوماً يجلس فيه لذكر المغازي3. ثم جاء دور كبار التابعين وعلى رأسهم عروة بن الزبير (ت92هـ) وسعيد بن المسيب (ت94هـ) ، وأبان بن عثمان بن عفان (ت105هـ)

_ 1 الأحزاب آية رقم (40) . 2 آل عمران آية رقم (85) . 3 الطبقات الكبرى (2/68) .

وغيرهم ممن اهتم بالسير والمغازي، يدل على ذلك تلك الروايات التي دونها كبار المحدثين عن هؤلاء. ولم ينقطع اهتمام المسلمين بدراسة السيرة والمغازي فقد جاء دور صغار التابعين وعلى رأسهم محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الذي فاق أقرانه فاهتم بعلم السير والمغازي اهتماماً بالغاً، فقد روى الخطيب البغدادي عن محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري قال: سمعت عمي الزهري يقول: "في علم المغازي علم الآخرة والدنيا"1. ومما يدل على اعتناء السلف بالمغازي ما ذكره الخطيب- رحمه الله - عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال: "كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدها علينا وسراياه، ويقول: يا بني هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها". وروي أيضاً عن علي بن الحسين أنه كان يقول: "كنا نُعَلَّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نُعَلَّم السورة من القرآن"2. وقال ابن كثير وهذا الفن مما ينبغي الاعتناء به والاعتبار بأمره والتهيؤ له"3، وكلامهم هذا يدل على أهمية هذا الفن العظيم.

_ وقد أفرد لها العلماء قديماً وحديثاً كتباً خاصةً واعتنوا بها عناية فائقة، 1 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/195، والبداية والنهاية 3/242. 2 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/195، والبداية والنهاية 3/242. 3 البداية والنهاية 3/242.

مرويات الإمام الزهري في المغازي تأليف: د. محمد بن محمد العواجي المقدمة 1- شكر وتقدير الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فإن نعم الله علينا كثيرة تنزى، وإن من أجل تلك النعم وأعظمها؛ نعمة الهداية إلى الإسلام فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ثم إنه من باب الاعتراف بالحق لأهله لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"1 ولقوله صلى الله عليه وسلم: " ... ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه"2. فإني أتقدم بالشكر الجزيل والعرفان الجميل للقائمين على هذا الصرح الشامخ الجامعة الإسلامية المحروسة إن شاء الله؛ الذين لا يألون جهداً في تذليل كل الصعوبات التي تقف حائلاً في وجه طلاب العلم، فجزاهم الله عني خيراً وأجزل لهم المثوبة في الدارين. كما أشكر القائمين على قسم التاريخ الإسلامي بكلية الدعوة

_ 1 سنن أبي داود رقم (4811) وقد صححه الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود رقم (4026) . 2 سنن أبي داود رقم (1672) وقد صححه الألباني، انظر: صحيح سنن أبي داود رقم (1468) .

وأصول الدين ممثلاً في رئيسه، الذين تفضلوا مشكورين بقبول هذا الموضوع ابتداءً فجزاهم الله عني خيراً، كما أشكر كل من أسدى إلي معروفاً في سبيل إبراز هذا البحث على الوجه المرضي وأخص بالذكر فضيلة عميد كلية الدعوة وأصول الدين فجزى الله الجميع خيراً. ولا يفوتني هنا أن أنوه بجهد المشرف السابق فضيلة الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري عمر الله قلبه بالإيمان فقد تفضل مشكوراً بالإشراف على هذه الرسالة لمدة تقارب سنتين إلا أن رحيله إلى خارج المملكة قد حال بينه وبين إتمام الإشراف على هذه الرسالة، فقد كان لتوجيهاته القيمة أكبر الأثر في نفسي، أسأل الله أن يمد له في عمره ويجزيه عنا خيراً. ثم أتقدم بالشكر والامتنان لفضيلة الدكتور عبد الصمد بن بكر عابد الذي تفضل مشكوراً بالإشراف على هذه الرسالة بعد رحيل المشرف السابق، فكان خير خلف لخير سلف، حباني - حفظه الله - بتوجيهات قيمة وآراء سديدة كل ذلك من أجل الوصول بهذه الرسالة إلى مستوى يقرب من الكمال، والحق أن تلك التوجيهات وتلك الآراء كان كثير منها غائباً عن ذهني مما جعلني اعتز بها كثيراً لما لمسته فيها من لهجة صادقة, وقد صاحب ذلك حسن خلق وكرم وسعة صدر، قل أن تجتمع هذه الأوصاف في علماء هذا الزمن، فجزاه الله عني خيراً الجزاء وأطال في عمره ومتعه بالصحة والعافية، كما أسأله جل وعلا أن يختم لنا وله بالحسنى. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

فرأيت خدمة لهذا الدين الحنيف جمع روايات الإمام الزهري في المغازي المتناثرة في بطون الكتب علَّ الله ينفع بها المسلمين، ولتكون حجة لي يوم القيامة إن شاء الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

3- سبب اختيار الموضوع يلحظ المطالع لمؤلفات العلماء المسلمين في القرون الأولى في السير والمغازي سواء في كتب المحدثين الذين أدخلوها ضمن مؤلفاتهم الحديثة كأصحاب الكتب الستة وغيرهم، أم المؤرخين الذين أفردوها بمؤلفات خاصة كابن إسحاق وغيره، يلحظ تكرار وتردد اسم علم من أعلام المسلمين هو ابن شهاب الزهري في جل تلك الروايات التي تتحدث عن المغازي النبوية، ولما لهذا العالم من مكانة مرموقة بين المسلمين على مر العصور، لما يتمتع به من صدق في الحديث وقوة في الذاكرة وغزارة في العلم، ولكونه كما قال الطبري: مقدماً في العلم بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم1. يضاف إلى ذلك عدم وقوفي على كتابٍ مؤلف يجمع مروياته في المغازي، كل ذلك كان دافعاً قوياً لي للكتابة عن مغازي هذا العالم الجليل.

_ 1 المنتخب من ذيل المذيل للطبري المطبوع مع تاريخ الطبري 11/645.

4- أهمية الموضوع تكمن أهمية موضوع مغازي الزهري في نقاط أهمها: 1- يعتبر ابن شهاب من صغار التابعين الذين رووا أخبار المغازي عن كبار التابعين من علماء المدينة، لأنهم أعلم الناس بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2- أن الزهري- رحمه الله - قد حمل معظم أخبار المغازي عن أربعة من بحور العلم: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وهؤلاء من كبار التابعين الذين بدورهم تلقوا أخبار المغازي عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى إدراكه لبعض الصحابة وأخذ بعض الروايات عنهم كأنس بن مالك رضي الله عنه وبهذا يكون سنده عالياً جداً مما يزيد رواياته قوة. 3- أن الزهري أسند القسم الأكبر من رواياته, والسبب في ذلك أن المغازي والسيرة كانتا في الأصل جزءاً من الحديث، وكان رواتها الأولون من المحدثين، فسلك الزهري نفسه هذا المسلك واستعمل الإسناد في أكثر رواياته، ولا غرابة في ذلك فالزهري نفسه يعتبر من كبار المحدثين بالإضافة إلى اهتمامه البالغ بالإسناد في الحديث.

5- منهجي في البحث 1- جمعت الروايات المتعلقة بالغزوات والسرايا من طريق الإمام الزهري فقط، دون ذكر الأحداث الأخرى، كالوفود ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم. 2- حاولت عند جمع تلك الروايات من بطون الكتب الاستيعاب قدر الإمكان. 3- جعلت لكل رواية رقماً خاصاً بها. 4- رتبت المادة حسب التسلسل الزمني. 5- ترجمت لرجال السند في كل رواية، إلا إذا كانت الرواية في الصحيحين أو في أحدهما. 6-اعتمدت تقريب ابن حجر في الحكم على أحوال رجال السند، أما إذا كان الرواة من غير رجال التقريب فإني استعين بكتب الرجال الأخرى. 7- أذكر حكم العلماء على كل رواية من حيث الصحة والضعف، فإذا لم أجد كلاماً للعلماء في ذلك أحاول الحكم عليها مطبقا في ذلك ما أعرفه من قواعد المحدثين. 8- عند تخريجي للرواية أذكر المصادر مرتبة حسب الأقدمية قدر المستطاع. 9- إذا كانت الرواية طويلة أذكر الإحالة في أولها، وان كانت قصيرة أذكرها في آخرها.

10- قارنت روايات الزهري مع غيرها من غير طريقه، وعند تعارضها أقدم الأقوى منها سواء كانت من طريق الزهري أَم من غيره. 11- لم أسق المرويات بأسلوبي وتعبيري، بل نقلتها كما رويت حفاظاً على لفظ الرواية. 12- شرحت الغريب وعرفت بالأماكن والبلدان في الحاشية. 13- اعتمدت على كتاب الإصابة لابن حجر في تراجم الصحابة غالباً. 14- اعتمدت على كتاب النهاية لابن الأثير في شرح الغريب غالباً. 15- اعتمدت على الكتب الحديثة في التعريف بالأماكن الجغرافية غالباً. 16- يلحظ أنني أسوق الإسناد من أوله إلى آخره مع تراجم موجزة لرجال الإسناد والحكم عليهم على طريقة المحدثين لروايات قد تكون الفائدة العلمية من هذه الروايات ليست كبيرة بحكم أنها ليست لها علاقة بالأحكام التشريعية والعقائد وبالتالي يتساهل في مثل هذه الروايات لكنه منهج اتبعته لنفسي.

6- خطة البحث بعد جمع المادة العلمية لهذا البحث جعلته في مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمه ثم ثبت المصادر فالفهارس العامة. تضمنت المقدمة ما يلي: 1- شكر وتقدير. 2- افتتاحية البحث. 3- سبب اختيار الموضوع. 4- أهميته. 5- منهج البحث. 6- الخطة. وكان التمهيد في مقدمات عامة بين يدي البحث وفيه فصلان: الفصل الأول: في فضل الجهاد ومدلول كلمتي "السير والمغازي عند المؤرخين". الفصل الثاني: في الدراسات السابقة، ونبذة عن موارد الرسالة. الباب الأول: في "ترجمة الإمام الزهري وفيه فصلان: الفصل الأول: في حياة الزهري ومنزلته العلمية، وفيه ثمانية مباحث. الفصل الثاني: في أثره في المغازي، وفيه ثلاثة مباحث. الباب الثاني: في سرايا النبي صلى الله عليه وسلم وغزواته (من أول سرية إلى نهاية

أحداث بني قريظة) وفيه ستة فصول: الفصل الأول: في الأحداث التي سبقت غزوة بدر الكبرى وفيه مبحثان. الفصل الثاني: في غزوة بدر الكبرى، والأحداث التي أعقبتها وفيه واحد وعشرون مبحثاً. الفصل الثالث: غزوة أحد والأحداث التي أعقبتها وفيه ثلاثة عشر مبحثاً. الفصل الرابع: في الأحداث التي وقعت بعد غزوة أحد حتى بداية غزوة بني المصطلق وفيه ثمانية مباحث. الفصل الخامس: في غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة "المريسيع". وفيه ثمانية مباحث. الفصل السادس: في غزوة الخندق والأحداث التي أعقبتها وفيه عشرة مباحث. وقد جعلت أحداث غزوة بني قريظة نهاية الباب الأول, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الآن نغزوهم". الباب الثالث: من غزوة الحديبية إلى نهاية غزوة تبوك والأحداث التي أعقبتها، وفيه خمسة فصول: الفصل الأول: في غزوة الحديبية والسرايا التي أعقبتها وفيه ثمانية مباحث.

الفصل الثاني: في غزوة خيبر والسرايا التي أعقبتها، وفيه تسعة عشر مبحثاً. الفصل الثالث: في غزوة فتح مكة والسرايا التي أعقبتها، وفيه تسعة مباحث. الفصل الرابع: في غزوة حنين وحصار الطائف، وفيه عشرة مباحث. الفصل الخامس: في غزوة تبوك والسرايا التي أعقبتها، وفيه ستة مباحث. الخاتمة: وفيها أهم النتائج التي توصلت إليها. ثبت المصادر والمراجع. الفهارس العامة: فهرس الآيات القرآنية. فهرس الأحاديث النبوية. فهرس الأعلام المترجم لهم. فهرس الأماكن والبلدان. فهرس الأمم والقبائل. فهرس الأشعار. فهرس الموضوعات.

تمهيد

التمهيد: في مقدمات عامة بين يدي البحث وفيه فصلان: الفصل الأول: في فضل الجهاد ومدلول كلمتي السير والمغازي. الفصل الثاني: في الدراسات السابقة ونبذة عن موارد الرسالة. الفصل الأول: فضل الجهاد ومدلول كلمتي السير والمغازي. وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: في الإذن بالجهاد. لما استقر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وأيده الله بنصره، بعباده المؤمنين الأنصار، وألف بين قلوبهم بعد العداوة والإحن التي كانت، فمنعته أنصار الله وكتيبة الإسلام من الأسود والأحمر، وبذلوا نفوسهم دونه وقدموا محبته على محبة الآباء والأبناء والأزواج، وكان أولى بهم من أنفسهم، رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة، وصاحوا بهم من كل جانب، والله سبحانه يأمرهم بالصبر والعفو والصفح حتى قويت الشوكة واشتد الجناح، فأذن الله لهم حينئذٍ في القتال، ولم يفرضه عليهم1، فقال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير} 2، وقد رجح ابن القيم أن الآية نزلت بالمدينة بأدلة ذكرها في الزاد. وهذه الآية أول آية نزلت في القتال3، وتعتبر هذه المرحلة هي الأولى في تشريع الجهاد.

_ 1 زاد المعاد لابن القيم 3/69-70. 2 سورة الحج آية (39) . 3 قال ذلك ابن عباس رضي الله عنه، انظر: سنن النسائي 6/2، وقال الزهري: أول آية نزلت في القتال كما أخبرني مسروق عن عائشة: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} أخرجه النسائي وإسناده صحيح كما قال ابن حجر في الفتح 7/280.

ثم فرض عليهم القتال بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم1 فقال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} 2، وهذه تعتبر المرحلة الثانية. ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة3، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كلُّه لِلَّهِ} 4، وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون} 5، وقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} 6، وهذه الآية تشير إلى أنه لا بد من جهاد الكفار أينما كانوا حتى ينتشر الإسلام

_ 1 زاد المعاد لابن القيم 3/71. 2 البقرة آية (190) . 3 زاد المعاد 3/71. 4 الأنفال آية (39) 5 البقرة آية (216) 6 سورة التوبة آية رقم (29) .

في الأرض دون أي عقبات تقف في وجهه، ويزيد ذلك وضوحاً قوله صلى الله عليه وسلم: "أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله"1. وحقها هو اعتناق الإسلام والمحافظة على عقيدته وشرائعه الكلية والجزئية وكان أول ما شرع الجهاد بعد هجرة النبي إلى المدينة.. اتفاقاً2.

_ 1 أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1399) و (1400) باب وجوب الزكاة، ومسلم رقم (20) في الإيمان باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأحمد في المسند 1/228-229، رقم (67) ، أرناؤوط. وأبو داود رقم (1556) ، والترمذي رقم (2610) ، والنسائي في الزكاة 5/14 باب مانع الزكاة. 2 ابن حجر، الفتح 6/37.

المبحث الثاني: فضل الجهاد وما أعده الله للمجاهدين وردت آيات كثيرة وأحاديث نبوية شريفة تبين منزلة المجاهد في سبيل الله عند ربه سبحانه وما أعد له من النعيم المقيم؛ من ذلك قوله جل شأنه: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} 1، وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 2، وقوله عز وجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} 3، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 4.

_ 1 سورة النساء آية رقم (74) . 2 سورة البقرة آية (218) . 3 سورة البقرة أية (154) . 4 سورة التوبة آية (111) .

وأخرج البخاري رحمه الله من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني"1. وأخرج من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله، قالوا: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره"2. وأخرج من حديث أنس رضي الله عنة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها"3. وأخرج من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغدو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أنى أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أُقتل ثم أحيا ثم أُقتل ثم أحيا ثم أقتل"4.

_ 1 صحيح البخاري رقم (2782) باب فضل الجهاد والسير. 2 صحيح البخاري رقم (2786) ، ومسلم برقم (1888) . 3 صحيح البخاري رقم (2794) ، ومسلم رقم (1880) . 4 صحيح البخاري رقم 2797) ، ومسلم نحوه رقم (1876) .

وأخرج من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا يُكْلَمُ أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يُكْلَم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك"1.

_ 1 صحيح البخاري رقم (2803) ، ومسلم برقم (1876) .

المبحث الثالث: مدلول كلمتي (السير والمغازي) من خلال مطالعة القارئ للنصوص القديمة يلحظ أن العلماء كانوا يعبرون بكلمة السيرة ويقصدون بها كل ما يتصل بحياة النبي صلى الله عليه وسلم منذ ولادته حتى وفاته، يظهر من خلال النص الذي ذكره أبو الفرج الأصفهاني عن المدائني قال وأخبرني ابن شهاب قال: قال لي خالد بن عبد الله القسري: "أكتب لي النسب فبدأت بنسب مضر وما أتممته، فقال: اقطعه قطعه الله مع أصولهم، واكتب لي السيرة"1. فيفهم من النص السابق أن المراد بـ (السيرة) سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كاملة بما فيها العهد المكي، والناظر للكتب التي ألفت في السيرة، واتخذت من هذا الاسم عنواناً لها أنها تتحدث جميعها عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم كلها، ومن تلك المؤلفات (سيرة ابن إسحاق. أما كلمة (المغازي) فإذا أطلقت فلا يراد بها _ في الغالب _ إلا غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه، يعرف ذلك من خلال مطالعة النصوص التي تتحدث عن ذلك، فقد روي عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال: كان أبي يعملنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدها علينا وسراياه، ويقول: "هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوها"2.

_ 1 الأغاني (19/59) . 2 تقدم تخريجه ص 7.

وروي عن علي بن الحسين أنه كان يقول: "كنا نُعَلَّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نُعَلَّم السورة من القرآن"1. فهذه النصوص تدل بوضوح على أن المقصود بكلمة (المغازي) غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه. فإذا أطلق اسم السيرة النبوية انصرف الذهن إلى أن هذه الكلمة تعني حياة النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكي والمدني. ولا يعني هذا أن الكتب التي حملت عنوان (المغازي) لا تتحدث عن الفترة المكية، لكن الغالب أنها لا تذكر إلا حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في الفترة المدنية. فإذا أطلق لفظ (السيرة) وحده شمل حياة النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية والمدنية، وإذا أطلق لفظ (المغازي) وحده شمل الفترة المدنية في الغالب، أما إذا قيل (السير والمغازي) فالمراد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كلها في مكة والمدينة والغزوات والسرايا والبعوث، والله أعلم.

_ 1 تقدم تخريجه ص 13.

المبحث الرابع: تعريف الغزوة، والسرية، والبعث، ومدلولها وتحته مطلبان: المطلب الأول: تعريفها لغة واصطلاحاً. أولاً: تعريفها لغة: أ - الغَزْوَةُ: المرّةُ من الغزوِ والاسم: الغَزَاة، وجمع الغازي: غُزاة وغُزَّى وغِزِيٌ وغُزَّاء. والمغزاة: موضع الغزو1. وقال صاحب اللسان: "غزاه غزواً، أراده وطلبه وقصده"2. وقال صاحب القاموس: "الغزوة ما غزي وطلب"3. وقال الحافظ ابن حجر: "المغازي جمع مغزى، يقال غزا يغزو غزواً ... وأصل الغزو القصد"4. ب – السرية في اللغة: بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد التحتية هي التي تخرج بالليل5، وهي فعيلة بمعنى فاعلة، سميت سرية لأنها تسري

_ 1 النهاية لابن الأثير 3/366. 2 لسان العرب: غزا. 3 القاموس المحيط: غزا. 4 فتح الباري 6/279. 5 الفتح 8/56.

ليلاً في خفية لئلا ينذر بهم العدو فيحذروا ويمتنعوا1. جـ - البعث في اللغة: يقال بَعَثَه يَبْعَثة بَعْثاً: أرسله وحده، وبعث به أرسله مع غيره، والبعث: الرسول، والجمع: بُعثان، والبعث: بَعْثُ الجند إلى الغزو، وقولهم: كنت في بعث فلان أي في جيشه الذي بعث معه، والبعوث الجيوش2. ثانياً – تعريف هذه الألفاظ اصطلاحاً: جمع الزرقاني تلك الألفاظ في تعريف واحد فقال: "كل عسكر حضره النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه يسمى غزوة، وما لم يحضره بل أرسل بعضاَ من أصحابه إلى العدو يسمى سرية أو بعثاً"3. فالزرقاني هنا لم يفرق بين السرية والبعث، بينما الحافظ ابن حجر ذكر تعريفاً محدداً بالنسبة للبعث فقال: "ما افترق من السرية يسمى بعثاً"4. ولكن يبدو أن تعريف الزرقاني أدقُّ؛ لأن الأوائل لم يفرقوا بين

_ 1 اللسان مادة (سرا) . 2 اللسان (بعث) . 3 شرح المواهب اللدنية للزرقاني 1/387. 4 فتح الباري 8/58. ولكن تعريف الحافظ هذا فيه نظر، لان معنى البعث الإرسال، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث البعوث من المدينة. فالبعث كلمة عامة تطلق على السرية التي خرجت من المدينة وعلى التي افترقت منها.

السرية والبعث كما سيأتي في المطلب الثاني. ويدل على ذلك تعريف ابن الجوزي للسرية حيث يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يخرج بعث السرايا"1. وقال ابن الأثير: "السرية الطائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو، وجمعها السرايا، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس"2. وكلام ابن الأثير في سبب تسمية السرية نفيس أيضاَ لا كما ذكر الحافظ ابن حجر، وصاحب اللسان، لأن السرية قد تخرج ليلاً وقد تخرج نهاراً. والله أعلم. وقد تباينت أقوال العلماء في العدد الذي يمكن إطلاق مسمى السرية عليه، فذكر ابن الأثير– كما تقدم3 – أن السرية يبلغ أقصاها أربعمائة، وذكر ابن منظور4 والفيروز آبادي5 أن السرية مابين خمس أنفس إلى مائة، وذكر الحافظ ابن حجر6 أنها من مائة إلى خمسمائة. وقد بحثت في كثير من المصادر فما وجدت سرية أكثر مما ذكره

_ 1 الوفاء بأحوال المصطفى ص 711. 2 النهاية 2/363، وجامع الأصول 9/478. 3 المصدر السابق. 4 اللسان مادة (سرا) . 5 القاموس مادة (سرا) . 6 الفتح (8/56) .

العلماء إلا سرية مؤتة؛ فإن عدد أفرادها كان ثلاثة آلاف رجل1، وأما ما ذكره بعضهم من تحديد السرية وأنها مابين خمسة إلى مائة أو من مائة إلى ثلاثمائة فربما كان قصدهم الغالب، وإلا فقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس سرية وحده إلى نبيح الهذلي بِعُرَنَة.2 وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أميه الضمري وسلمة بن أسلم ابن حريس سرية وحدهما إلى أبي سفيان بن حرب بمكه3. وأخرج البيهقي عن مجاهد قال: قد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود وخباباً سرية، وبعث دحية سرية وحده4. وعلى هذا يمكن القول: أن السرية لا يتجاوز عددها أكثر من ثلاثة آلاف رجل، كما في سرية مؤتة، وليس في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم سرية بلغ عددها أكثر من ذلك، كما أنه ليس في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حد أدنى للسرية، فقد تتكون السرية من رجل واحد فقط كما مر.

_ 1 انظر: سرية مبحث مؤتة في هذه الرسالة. 2 انظر الطبقات الكبرى (2/50) . 3 الطبقات الكبرى (2/93) . 4 السنن الكبرى (9/100) .

والطلب، أي قصد العدو وطلبه، يدل على ذلك ما أخرجه الإمام مسلم من حديث بريدة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصيته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: اغزوا بسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً ... " الحديث1. وما أخرجه البخاري من حديث يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة ابن الأكوع يقول: "غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات، مرة علينا أبو بكر، ومرة علينا أسامة"2. وقال ابن إسحاق وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعاً وعشرين غزوة، منها غزوة ودّان.."3. ثم قال: "وكانت بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه ثمانياً وثلاثين من بين بعث وسريّة: غزوة عبيدة بن الحارث أسفل من ثنية المَرْوَة، ثم غزوة حمزة بن عبد المطلب إلى ساحل البحر، من ناحية العيص، وغزوة سعد ابن أبي وقاص إلى الخَرار، وغزوة عبد الله بن جحش إلى نخلة، وغزوة زيد بن حارثة إلى القَرَدَة.."4.

_ 1 صحيح مسلم رقم (1731) . 2 صحيح البخاري مع الفتح 7/517 رقم (4270) ورقم (4271) . 3 ابن إسحاق (ابن هشام 2/608) . 4 المصدر السابق 2/609.

ويلحظ هنا أنه ذكر الغزوة والبعث والسرية؛ وعبّر عنها جميعاً بالغزوة، مما يدل على أنهم كانوا يقصدون بذلك المعنى اللغوي للغزو، وهو: القصد والطلب، وقد استمر حتى عصر الطبري، فقد أطلق الواقدي في مغازيه على كثير من السرايا اسم الغزوة، فأطلق على سرية الرجيع غزوة1، وعلى سرية علي بن أبي طالب إلى فدك غزوة2، وعلى سرية زيد بن حارثة إلى أم قِرْفة غزوة3، وعلى سرية عبد الله بن رواحه إلى أسير بن رازم غزوة4، وغيرها كثير كما أطلق على البعض الآخر من السرايا سرية مثل: سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء5، وسرية عكاشة بن محصن إلى الغِمْر6، وسرية زيد بن حارثة إلى بني سُليم بالجَمُوم7. وكذلك فعل البخاري في صحيحه حيث أطلق على سرية الرجيع بأنها غزوة8، وكذلك أطلق لفظ الغزوة على سرية زيد بن حارثة إلى

_ 1 مغازي الواقدي1 / 4. 2 مغازي الواقدي1 / 5. 3 مغازي الواقدي1 / 5. 4 مغازي الواقدي1 / 5. 5 مغازي الواقدي1 / 4. 6 مغازي الواقدي1 / 4. 7 مغازي الواقدي1 / 5. 8 صحيح البخاري مع الفتح 7/378.

الشام1، وعلى سرية مؤتة2. ونقل الطبري عن الواقدي قوله: "وفي جمادى الآخرة من هذه السنة كانت غزوة القَرَدَة، وكان أميرهم – فيما ذكر – زيد بن حارثة، قال: وهي أول سرية خرج فيها زيد بن حارثة أميراً"3. وقد أطلق على كثير من السرايا اسم الغزوة4. أما الزهري فقد عبر عن السرايا بقوله: "وبعث" فقد أخرج البيهقي في دلائل النبوة من طريق محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قالوا: - واللفظ متقارب -: هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها: يوم بدر في رمضان ... وكانت أول غزوة غزاها صلى الله عليه وسلم الأبواء، وغزوة العشيرة ... وغزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعوثاً فكان أول بعثٍ بعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعث عبيدة بن الحارث بن المطلب إلى قريش5 ... ثم ذكر جميع سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخدماً صيغة (وبعث) التي هي بمعنى (أرسل) ولا تدل على معنى غير الإرسال.

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 7/498. 2 صحيح البخاري مع الفتح 7/510. 3 تاريخ الطبري2/492. 4 مغازي الواقدي3/23، 26، 27، 32، 33، 35، 36، 41، 66، 131. 5 دلائل النبوة 5/462-465.

وعليه فإن المراد بلفظ: الغزوة والسريّة عند المتقدمين من القرون الأولى المعنى اللغوي، وهو: القصد والطلب، ولم يفرقوا بين اللفظتين من حيث اللغة والاصطلاح. أما المتأخرون فقد ذكروا تعريفاً اصطلاحياً فقط فرقوا فيه بين الغزوة والسرية فقالوا: إن الغزوة هي التي يحضرها النبي صلى الله عليه وسلم والسرية التي لم يحضرها النبي صلى الله عليه وسلم، كما سبق.

الفصل الثاني: في الدراسات السابقة ونبذة عن موارد الرسالة وفيه مبحثان: المبحث الأول: في الدراسات السابقة المبحث الثاني: في موارد الرسالة ودراسة تحليلية لأهمها. المبحث الأول: في الدارسات السابقة القسم الأول: دراسات تناولت شخصية الزهري كمحدث. القسم الثاني: دراسات تناولت شخصية الزهري كأحد علماء المغازي. فأما القسم الأول فقد كُتبت فيه العديد من البحوث من أهمها ثلاثة هي: الأول: وهي رسالة دكتوراه لسليمان بن حارث الضاري، بعنوان: (الإمام الزهري وأثرة في السنة) نال بها شهادة الدكتوراه عام 1398 هـ من كلية أصول الدين بالأزهر. والرسالة في جملتها تتحدث عن الزهري محدثاً كما هو عنوانها، إلا أنه ذكر تحت عنوان: (الزهري والتاريخ) أن الزهري كان من أجل علماء السيرة، ثم ذكر بعض روايات الزهري في السيرة والمغازي التي تدل على أن الزهري كان عالماً بالسيرة والمغازي، وهي جيدة في بابها، وموضوعها مغاير لموضوع هذه الرسالة. الثاني: هي رسالة ماجستير بعنوان: (الإمام الزهري المحدث رضي الله عنه) ، لعبيد الحازمي وقد نوقشت عام 1399هـ في جامعة أم القرى. لم تتحدث الرسالة عن الزهري مؤرخاً، إنما كان الحديث عن

الزهري محدثاً فقط، لكنه ذكر ترجمة للزهري تحدث فيها عن حياته وطلبه للعلم إلى غير ذلك مما تتطلبه الترجمة. الثالث: رسالة ماجستير أخرى بعنوان (طبقات الرواة عن الإمام الزهري ممن له رواية في الكتب الستة) . قدمها: فاروق بن يوسف البحريني عام 1411 هـ من كلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية. وقد جعل رسالته في بابين: الأول، علم الطبقات والزهري، والثاني: في طبقات الرواة عن الإمام الزهري. تحدث في الباب الأول تحت الفصل الثاني: عن حياة الزهري فذكر اسمه ونسبة وولادته ووفاته ثم شيوخه وتلاميذه وحفظه ... الخ. أما الباب الثاني: فقد جعله في مناهج العلماء في تصنيفهم لطبقات الرواة عن الزهري ولم يتطرق لمغازي الزهري؛ لأن موضوعاتها تختلف عن موضوعات هذه الرسالة. أما القسم الثاني: من الدراسات التي تناولت شخصية الزهري ورواياته في المغازي فأهمها ما يلي: أولاً: (المغازي النبوية) تصنيف الإمام محمد بن مسلم بن عبد الله ابن شهاب الزهري، حققه وقدم له د. سهيل زكار. هذا العنوان أطلقه الدكتور سهيل زكار على تلك الروايات التي استلها من مصنف عبد الرزاق من طريق معمر، والناظر لأول وهلة إلى

هذا العنوان يظن أن هذا الكتاب يجمع بين دفتيه جميع مرويات الإمام الزهري المبثوثة في بطون الكتب المدونة في الحديث والمغازي وغيرها، والحقيقة غير ذلك؛ فالكتاب لا يحتوي إلا على الروايات التي أخرجها عبد الرزاق في مصنفه من طريق معمر فقط، ويمكن تقسيم الروايات في هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: تناول فيه حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية وقد أورد في هذه الفترة ثمان روايات منها أربع روايات مرسلة وأربع روايات موصولة وهي: 1- الرواية الأولى: وهي مرسلة عن الزهري ذكرها تحت عنوان: ما جاء في حفر زمزم، ونذر عبد المطلب، ثم وقوع القرعة على ابنه عبد الله، ثم ذكر زواجه من آمنة بنت وهب، وحملها بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم وفاة عبد المطلب ثم تحكيم النبي صلى الله عليه وسلم في وضع الحجر الأسود، ثم زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة1. 2- الرواية الثانية: وهي موصولة عن عائشةذكر فيها بدء الوحي بالرؤيا الصالحة وإتيانه غار حراء بعد ما حبب إليه الخلاء، ونزول الوحي عليه2.

_ 1 انظر المغازي النبوية، للزهري، ص37 وما بعدها، تحقيق: سهيل زكار. 2 المصدر السابق ص 43.

3- الرواية الثالثة وهي مرسلة: ذكر فيها باختصار إسلام زيد بن حارثة وأنه أول من أسلم1. 4- الرواية الرابعة: ذكر فيها دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لم يتبعه غير رجلين من أشراف قومه، أبي بكر وعمر ثم ذكر فيها قصة إسلام عُمر2. 5- الرواية الخامسة: قصة الإسراء إلى بيت المقدس، وذكر فيها بعض من ارتد ممن كان قد أسلم، وهي مرسلة3. 6- الرواية السادسة: ذكر فيها فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وهي موصولة عن أنس4. 7- الرواية السابعة: ذكر فيها تكذيب قريش للنبي صلى الله عليه وسلم عندما أسري به، وسؤالهم إياه وصف بيت المقدس ورفع الله بيت المقدس للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي رواية موصولة من حديث جابر5. 8- الرواية الثامنة: ذكر فيها رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لموسى وعيسى وإبراهيم ووصفه لهم عليهم السلام، وهي موصولة عن أبي هريرة6. أما القسم الثاني: فقد تناول فيه الفترة المدنية ابتداء من الهجرة،

_ 1 المصدر السابق ص 46. 2 المصدر السابق ص 48. 3 المصدر السابق ص 46. 4 المصدر السابق ص 48. 5 المصدر السابق ص 49. 6 المصدر السابق ص 49.

لكن يهمنا ذكر الروايات التي تناولت غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه والتي بلغت (31) إحدى وثلاثين رواية فقط منها ثمان روايات موصولة والباقي إما عن الزهري أو عن عروة أو عن سعيد بن المسيب وهي حسب ترتيبها في الكتاب كما يلي: 1- غزوة الحديبية: ذكر فيها روايتين الأولى عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، وهي راوية طويلة تحدثت عن غزوة الحديبية كاملة تقريباً1. والرواية الثانية عن الزهري مرسلة، ذكر فيها حديث أبي سفيان مع هرقل زمن الهدنة2. 2- غزوة بدر: ذكر فيها روايتين: الأولى عن الزهري مرسلة، ذكر فيها استفتاح أبي جهل3. والثانية عن الزهري عن عروة، ذكر فيها أن بدراً أول مشهد يشهده الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر رئيس المشركين وتاريخ الوقعة وعدد جيش المسلمين والمشركين، ثم هزيمة المشركين4. 3- وقعة بني النضير: ذكر فيها روايتين: الأولى عن الزهري عن عروة، ذكر فيها تاريخ الغزوة، وحصار النبي صلى الله عليه وسلم لهم ونزولهم على

_ 1 المصدر السابق انظر ص 50. 2 المصدر السابق ص 58. 3 المصدر السابق ص 62. 4 المصدر السابق ص 62.

الجلاء1. الرواية الثانية: عن الزهري قال: وأخبرني عبد الله بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيها كتابة قريش إلى عبد الله بن أُبي وإلى اليهود يحثونهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم وإخراجه من المدينة، وذكر قصة نقضهم للعهد2. 4- وقعة أحد: ذكر فيها ثلاث روايات: الأولى مرسلة عن الزهري عن عروة ذكر فيها تاريخ الوقعة3. والثانية: كسابقتها عن عروة، ذكر فيها رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم قبل خروجه إلى أحد4. والرواية الثالثة: عن الزهري ذكر فيها خروج النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الكفار بعد أحد5. 5- وقعة الأحزاب وبني قريظه: ذكر فيها رواية واحدة عن الزهري عن ابن المسيب: ذكر فيها دور نعيم بن مسعود المجاشعي وتخذيله الفريقين6.

_ 1 المصدر السابق ص 71. 2 المصدر السابق ص 71-74. 3 المصدر السابق ص 76. 4 المصدر السابق ص 76. 5 المصدر السابق ص 78. 6 المصدر السابق ص 80.

6- وقعة خيبر: ذكر فيها روايتين: الأولى عن الزهري مرسلة، ذكر فيها أن غنائم خيبر كانت لأهل الحديبية1. والثانية: عن الزهري عن ابن المسيب، ذكر فيها دفع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر لليهود على أن يعملوها ولهم النصف2. 7- عمرة القضاء ذكر فيها رواية واحدة مختصرة، ذكر فيها تاريخ العمرة ومدة مكثه صلى الله عليه وسلم بمكة3. 8- فتح مكة: ذكر فيها أربع روايات مختصرة: الأولى: عن الزهري قال: "أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس ذكر فيها تاريخ خروجه إلى مكة، وعدد جيش المسلمين"4. الرواية الثانية: عن الزهري مرسلة: ذكر فيها تاريخ فتح مكة5. الراوية الثالثة: عن الزهري مرسلة: ذكر فيها بعث خالد بن الوليد ليقاتل من يعترضه من أهل مكة6. الرواية الرابعة: عبد الرزاق عن مالك عن الزهري ذكر فيها دخول

_ 1 المصدر السابق ص 84. 2 المصدر السابق ص 84. 3 المصدر السابق ص 85. 4 المصدر السابق ص 86. 5 المصدر السابق ص 86. 6 المصدر السابق ص 90.

النبي صلى الله عليه وسلم مكة وعلى رأسه المغفر1. 9- وقعة حنين: ذكر فيها سبع روايات بعضها مختصرة: الأولى: عن الزهري مرسلة، ذكر فيها خروج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه مسلمة الفتح إلى حنين وذكر رئيس المشركين ونصر الله للمسلمين ونزول الآية {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} 2. الثانية: عن الزهري قال: أخبرني كثير بن العباس بن عبد المطلب عن أبيه العباس، فذكر شهوده حنين وانكشاف الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير العباس وأبي سفيان بن الحارث، واندفاع النبي صلى الله عليه وسلم نحو المشركين على بغلته ثم نداء العباس للأنصار ورجوع الناس وانتصارهم3. الثالثة: عن الزهري قال: كان عبد الرحمن بن أزهر يحدث أن خالد بن الوليد.. فذكر إصابته بجرح وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم له والسؤال عنه4. الرابعة: قال الزهري: فأخبرني سعيد بن المسيب، وذكر عدد سبي هوازن5. الخامسة: قال الزهري: فأخبرني عروة بن الزبير، وذكر مجيء وفد

_ 1 المصدر السابق ص 91. ويلاحظ أن هذه الرواية ليست من طريق معمر 2 المصدر السابق ص 91. 3 المصدر السابق ص 92-93. 4 المصدر السابق ص 93. 5 المصدر السابق ص 93.

هوازن وتخيير الرسول صلى الله عليه وسلم لهم برد المال أو السبي، واختيارهم للسبي1. السادسة: عن الزهري مرسلة ذكر فيها أن امرأة من السبي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف وأخرى تحت صفوان بن أمية فاختارت كل واحدة الرجوع إلى أهلها2. السابعة: عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب ذكر فيها عمرة النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة3 10- قصة بئر معونة: ذكر فيها روايتين، الأولى: عن الزهري قال: أخبرني ابن كعب بن مالك، وذكر مجيء ملاعب الأسنة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية، ورد النبي صلى الله عليه وسلم لها لأنها من مشرك، ثم طلبه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث رجالاً يعلمون أهل نجد الإسلام، ثم ذكر مقتل القراء4. الثانية: عن الزهري عن عروة: ذكر فيها التماس المشركين لجسد عامر بن فهيرة فلم يقدروا عليه5. 11- غزوة تبوك: ذكر فيها ثلاث روايات، الأولى: عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه، وذكر

_ 1 المصدر السابق ص 93-94. 2 المصدر السابق ص 94. 3 المصدر السابق ص 94. 4 المصدر السابق ص 94-95. ويلاحظ هنا ذكره لبئر معونة بعد حنين مع أن حقها في السنة الرابعة. 5 المصدر السابق ص 95.

قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا1. الثانية: عن الزهري مرسلة، ذكر فيها قصة تخلف أبي لبابة وربط نفسه بسارية المسجد حتى يتوب الله عليه2. الثالثة: عن الزهري قال: أخبرني ابن كعب بن مالك، ذكر فيها إشارة أبي لبابة إلى حلقه عندما نزل بنو قريظة على حكم سعد، ويعني بذلك الذبح3. 12- مقتل ابن أبي الحُقَيق، رواية واحدة عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، ذكر فيها تنافس الأنصار - الأوس والخزرج - على التضحية من أجل الإسلام، وإصابة الأوس كعب بن الأشرف، ثم استئذان الخزرج النبي صلى الله عليه وسلم بقتل ابن أبي الحقيق، وذكر قصة قتله4. 13- حديث الإفك رواية واحدة مطولة عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من حديث عائشة، وذكر قصة الإفك بطولها5.

_ 1 المصدر السابق ص 106 وما بعدها. 2 المصدر السابق ص 111-112. 3 المصدر السابق ص112 4 المصدر السابق ص113. 5 المصدر السابق ص116.

14- غزوة ذات السلاسل رواية واحدة عن الزهري مرسلة: ذكر فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بعثين بعدما جاء الذين كانوا بأرض الحبشة إلى الشام إلى كلب وبلقين وغسان، وتأمير الرسول صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة على أحد البعثين وعلى الآخر عمرو بن العاص1. أما القسم الثالث من الكتاب: فقد ذكر فيه روايات تتعلق بفترة الخلافة الراشدة، وليس لها علاقة بالموضوع وبعد: فهذه هي محتويات كتاب مغازي الزهري المقتبسة من مصنف عبد الرزاق الفرق بين الدراستين: 1- يُلحظ أنه أورد عن الزهري في المغازي إحدى وثلاثين رواية كلها من طريق معمر عن الزهري إلا رواية واحدة من طريق مالك عن الزهري وليس من طريق معمر، وهي دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة وعلى رأسه المغفر2. أما دراستي فكانت جمع مرويات الزهري في المغازي من طريق معمر وغيره. 2- أن تلك الروايات كلها مقتبسة من مصنف عبد الرزاق، أما الروايات التي جمعتها فكانت من المصادر الحديثية المسندة والتاريخية

_ 1 المصدر السابق ص150، ويُلحظ هنا عدم ترتيب الغزوات حسب التسلسل الزمني في مصنف عبد الرزاق. 2 المصدر السابق 91.

وكتب الطبقات والتراجم وغيرها. 3- أن تلك الروايات كلها مرسلة ماعدا ثماني روايات فقط موصولة، مع عدم ذكر المصادر الأخرى التي وصلت هذه الروايات المرسلة، أما الروايات المرسلة التي جمعتها فقد قمت بذكر من وصلها في المصادر الأخرى إلا إذا لم أجد ذلك البتة. 4- أنه لم يذكر المصادر الحديثية التي خرجت هذه الروايات، وقد اعتمد اعتماداً كبيراً على الواقدي وابن سعد والبلاذري، بالإضافة إلى ذكر البخاري وأحمد أحياناً بينما دراستي كانت موثقة من الكتب المعتمدة. 5- أنه لم يتبع التسلسل الزمني للأحداث ولم ينظمها وفق ذلك فنجده يذكر الحديبية ثم غزوة بدر، ثم وقعة الرجيع ثم أحد، وهو وإن كان اتبع منهج مصنف عبد الرزاق لكن كان المفترض أن ينظمها وفق التسلسل الزمني، بينما اتبعت في دراستي المنهج الذي سلكه الأوائل كابن إسحاق والواقدي وابن سعد في التسلسل الزمني للأحداث. 6- عندما ترجم للزهري في المقدمة لم يذكر الأجزاء وأرقام الصفحات التي استقى منها تلك الترجمة واكتفى بذكر المصادر جملة بينما دراستي كانت موثقة بالجزء والصفحة. 7- لا يصح إطلاق اسم (مغازي الزهري) على هذا الكتاب دون تقييد لئلا يغتر به، ويظن أنه يحوي جميع مرويات الزهري في المغازي، بينما يمكن إطلاق هذا الاسم على هذه الدراسة.

8- أنه لا يعني أن الدكتور سهيل زكار لم يقدم شيئاً عن الزهري، بل قد اجتهد في استخراج روايات الزهري، ولكن في نظري لم يوفها حقها، والله أعلم. ثانياً: كتاب (بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب) تأليف د. عبد العزيز الدوري. أفرد ترجمةً للزهري من ص 86-102. وقد قسم ترجمته إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: تناول فيه حياة الزهري، فذكر ولادته ووفاته، وأبرز شيوخه في المدينة، وقوة حافظته، وطلبه للعلم، وحرصه على ذلك حتى فاق أقرانه. القسم الثاني: خصصه لمرويات الزهري، وقد قسمها إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى: فترة ما قبل الإسلام من ص 82-85. المجموعة الثانية: الفترة المكية حتى بعد بيعة العقبة ص 83-85. المجموعة الثالثة: الفترة المدنية، ابتدأها من الهجرة حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ويهمنا دراسة الروايات التي ذكرها في الفترة المدنية خاصةً ما يتعلق بالغزوات والسرايا، فقد ذكر عشرين عنواناً بين غزوة وسرية وهي:

_ 1- غزوة بدر ص (85) . 2- غزوة السَّوِيق ص 86.

3- مقتل كعب بن الأشرف ص 86. 4- مقتل ابن أبي الحُقيق ص 86. 5- غزوة بني قَيْنُقاع ص 86. 6- غزوة قرقرة الكُدْر ص 87. 7- سرية ضد بني سليم بِبُحران ص 87. 8- غزوة أُحد ص 87. 9- غزوة بني النضير ص 87. 10- غزوة الخندق ص 88. 11- غزوة بني قريظة ص 88. 12- سرية ضد بني لِحيان ص 88. 13- حديث الإفك ص 88. 14- سرية زيد بن حارثة إلى أم قِرْفَة ص 89. 15- صلح الحديبية ص 89. 16- غزوة خيبر ص 89. 17- فتح مكة ص 90. 18- غزوة هوازن ص 90-91. 19- غزوة تبوك ص 91. 20- غزوة دومة الجندل ص 91. هذه هي الغزوات والسرايا التي ذكرها الدوري عن الزهري أما القسم الثالث: فقد تحدث فيه عن منهج الزهري في الكتابة

التاريخية، وعن القيمة العلمية لهذه الروايات. والفرق بينها وبين هذه الدراسة: 1- أنه ذكر عناوين فقط للغزوات والسرايا دون أن يدخل في تفاصيل تلك الغزوات والسرايا. أما هذه الدراسة فقد ذكرت فيها تفاصيل تلك الغزوات والسرايا. 2- أنه لم يستوعب روايات الزهري للغزوات والسرايا. بينما هذه الدراسة قد استوعبت على وجه التقريب جميع روايات الزهري. 3- أنه اعتمد في ذكر هذه المعلومات على سبعة مصادر فقط هي: ابن إسحاق، الواقدي في المغازي، البلاذري في أنساب الأشراف، والخراج ليحيى بن آدم في رواية واحدة، وصحيح البخاري في روايتين: قصة الإفك، ودخول الرسول صلى الله عليه وسلم مكة منتصراً. أما دراستي فقد قارنتها بالعديد من المصادر الحديثية والتاريخية وغيرها. ثالثاً: الكتاب الثالث: رواية الشاميين للمغازي والسير في القرنين الأول والثاني الهجريين للدكتور: حسين عطوان. خصص الفصل الرابع من كتابه الذي يحتوي على خمسة فصول لدراسة حياة الزهري، وقد استغرقت هذه الدراسة من ص 71-150، شملت التعقبات التي كان يذكرها بعد نهاية كل مبحث.

وقد قسم هذه الترجمة إلى ست نقاط هي: 1- تعليمه وثقافته. 2- مصادر رواياته للمغازي والسيرة النبوية. 3- خصائص رواياته للمغازي والسيرة النبوية. 4- مصادر رواياته لتاريخ صدر الإسلام، ويقصد فترة الخلافة الراشدة. 5- تصنيف رواياته لتاريخ صدر الإسلام. 6- خصائص رواياته لتاريخ صدر الإسلام. ويهمنا الحديث عن النقطة الثانية وهي (مصادر رواياته للمغازي والسيرة النبوية) هذا المبحث الذي خصصه لذكر روايات الزهري في السيرة النبوية كاملة، أي كل ما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية والهجرة والفترة المدنية والوفود، ثم رسله إلى الملوك، ومرضه، فوفاته عليه الصلاة والسلام. وذلك من الكتب التالية: كتاب المغازي للواقدي، مصنف عبد الرزاق، ابن هشام، الطبقات الكبرى لابن سعد، أنساب الأشراف للبلاذري، تاريخ الطبري، عيون الأثر لابن سيد الناس، السيرة النبوية لابن كثير، وذلك حسب ترتيبه. وقد ذكر في هذه الكتب قوائم كبيرة ذكر فيها جميع روايات الزهري بالجزء والصفحة دون سرد للروايات وعمله هذا لا يتم إلا بعد الاستقراء التام للمصادر المذكورة حتى يتم تحديد روايات الزهري فيها،

وهو جهد واضح يشكر عليه. وتمتاز دراستي عن تلك بما يلي: 1- اعتمد على سبعة مصادر تاريخية ومصدر واحد في الحديث وهو مصنف عبد الرزاق، بينما كان اعتمادي على معظم الكتب الحديثية والتاريخية وغيرها. 2- أن عمله هذا وإن كان فيه جهد كبير إلا أن كثيراً من تلك الأرقام التي ذكرها في بعض المصادر مكرر في بعضها الآخر، فمثلاً ذكر أرقاماً في مغازي الواقدي وذكر أرقاماً أخرى في الطبقات الكبرى وعند المقارنة بين الكتابين تجد تلك الأرقام التي ذكرها في المغازي هي بعينها في الطبقات، أو بمعنى آخر أن ابن سعد نقل كثيراً من الواقدي فعمله يعتبر تكراراً لعمل شيخه الواقدي. بينما دراستي ليس فيها تكرار للروايات وإنما أذكر المصادر الأخرى لنفس الرواية تحت رقم واحد. 1- أنه ذكر أرقاماً فقط لروايات الزهري، بينما دراستي فيها تفصيل وسرد للوقائع التاريخية. رابعاً: (ترجمة الإمام الزهري التي استخرجها: شكر الله بن نعمة الله قوجاني من تاريخ دمشق لابن عساكر. هذه الترجمة اشتملت على ما يلي:

_ 1- ذكر اسمه ونسبه وكنيته، وتاريخ مولده، ونشأته وطلبه للعلم،

ثم ذكر شيوخه من الصحابة والتابعين. ثم حفظه القرآن وذاكرته، ومذاكرته مع نفسه، وسعة علمه، وتوثيقه ومدحه، ثم صفته وأخلاقه، ثم دعوته بالالتزام بالإسناد، ثم ذكر تلاميذه الشاميين والمصريين. ثم صلته ببني أمية ووفوده على مروان بن الحكم، وبقية خلفاء بني أمية، وتوليه القضاء لهم ومواقفه منهم، ثم المآخذ التي أخذت عليه ومنها صحبته للملوك. ثم ذكر مراسيله وإجازاته، ثم تاريخ وفاته ومكان دفنه، وهي ترجمة مطولة ووافية. هذا كل ما ذكره ابن عساكر رحمه الله عن الزهري واستخرجها قوجاني من تاريخه وجعلها في كتاب مستقل. والكتاب لم يتطرق إلى روايات الزهري في المغازي والسير، ذلك لأن ابن عساكر قد أفرد لها جزءاً كبيراً من تاريخه ذكر فيها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم جمع فيه روايات الزهري وغيره. وبالمقارنة بين هذا الكتاب وبين دراستي نجد أن هذه الترجمة خالية تماماً من ذكر روايات الزهري بينما دراستي شملت ترجمة الزهري ثم حصر رواياته في المغازي على وجه التقريب. خامساً: كتاب المغازي الأولى ومؤلفوها، للمستشرق الألماني جوزيف هورفتش، ترجمة: حسين نصار أفرد هذا المستشرق ترجمة للزهري من ص 49-68.

تحدث عن الزهري كأحد أبرز مدوني السيرة والمغازي، ودوره في فصل المغازي عن السنة في تأليف مستقل، ثم ذكر قربه من الخلفاء الأمويين، وناقش قضية وضعه الأحاديث لبني أمية التي تخدم مصالحهم السياسية معتمداً في ذلك على ما ذكره اليعقوبي في تاريخه1، من أن الزهري قد وضع حديث: "لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"2، لعبد الملك وأن الصلاة في مسجد بيت المقدس تقوم مقام المسجد الحرام وأن الصخرة التي بناها عبد الملك تقوم مقام الكعبة، وتوصل بعد مناقشة هذه القضية إلى أن الزهري لا يمكن أن يضع مثل هذه الأحاديث وهو في سن مبكرة، وهو بذلك يحاول الرد على الفرية. ثم ذكر بعض الغزوات التي ذكرت بعض الروايات التي ساقها الزهري معتمداً في ذلك على الطبقات الكبرى لابن سعد والطبري، وفهرست ابن النديم فقط. وبعد: فمقارنة دراستي بالدراسات السابقة لا يعني التقليل من شأن تلك الدراسات، وإنما القصد إبراز أوجه الاختلاف بينها وبين دراستي، وإلا فقد بذل أصحابها جهوداً طيبة، ولم يكن قصدهم من تلك الكتابات إلا إبراز القيمة العلمية لروايات الإمام الجهبذ، بل وينادون إلى إبراز تراثه العظيم من بطون الكتب.

_ 1 اليعقوبي 2/261. 2 سيأتي تخريج هذا الحديث في مبحث: الشبه الواردة على الزهري إن شاء الله.

وهناك بحوث عديدة كتبت عن الزهري، لكن ليس لها أهمية كبيرة كالكتب التي ذكرتها، وذلك مثل: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للسباعي، وتاريخ التراث العربي لسزكين، وغيرهما.

المبحث الثاني: دراسة تحليلية عن بعض مصادر الرسالة لابد لكل باحث أن يعتمد في تكوين بحثه بعد الله على مصادر عدّة يكون منها بحثه، ولكنها تختلف من حيث الأهمية، فبعض المصادر يكون البحث فيها أكثر التصاقاً بها، ولها تأثير عليه، والبعض الآخر يأتي عرضاً أو تكون مراجع مساعده، وقد جرت عادة الباحثين إعطاء نبذة يسيرة عن تلك المصادر التي أثرت تأثيراً مباشراً على تلك البحوث، وقد اعتمدت في بحثي على مصادر عدة كان لبعضها تأثير كبير عليه منها: 1- سيرة ابن إسحاق: وابن إسحاق هو: محمد بن إسحاق بن يسار، وقيل ابن كوثان، أبو بكر، وقيل أبو عبد الله القرشي المطلبي مولاهم المدني، صاحب السيرة النبوية. ولد سنة ثمانين، ورأى أنس بن مالك بالمدينة وسعيد بن المسيب وتوفي سنة 151 هـ وقيل 152 هـ1. قال علي بن المديني: "سمعت سفيان يقول: قال ابن شهاب: وسئل عن مغازيه – هذا أعلم الناس بها" – يعني ابن إسحاق2.

_ 1 سير أعلام النبلاء 7/33-34، وانظر: ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد 7/321-322، والتاريخ الكبير للبخاري 1/40، والصغير 2/111، وطبقات خليفة 271، وتاريخه 16، والمعرفة والتاريخ 2/27، وغيرها. 2 تاريخ بغداد 1/219.

وقال الشافعي: "من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد ابن إسحاق"1. وقال الذهبي: قلت: "قد كان في المغازي علاّمة"2. وقد كانت سيرة ابن إسحاق في الأصل مقسمة إلى ثلاثة أجزاء: المبتدأ والمبعث والمغازي، فالمبتدأ يتناول فيه التاريخ الجاهلي، ولا يعني ابن إسحاق في هذا الجزء بأسانيد أخباره إلا نادراً، ويستقي أخباره من الأساطير والإسرائيليات. وأما المبعث فيشمل حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة والهجرة، وتراه في هذا القسم يصدر الأخبار بموجز حاوٍ لها، ويدون مجموعات كاملة من القوائم، فتراه يذكر قائمة لمن أسلم من الصحابة بدعوة أبي بكر، وأخرى بالمهاجرين إلى أرض الحبشة وغيرها، وتزداد عنايته بذكر الأسانيد3. وأما القسم الثالث: وهو المغازي، فيتناول فيه حياة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وقد اتبع في هذا القسم منهجاً جديداً حيث يبدأ الخبر بموجز لمحتوياته ثم يتبعه بخبر من جميع الأقوال التي أخذها من روايته ثم يكمله بما جمعه هو بنفسه من المصادر المختلفة4. ويُلحظ جلياً في هذا القسم إيراده الأخبار تتقدمها الأسانيد التي

_ 1 المصدر السابق. 2 سير أعلام النبلاء 7/37. 3 مقدمة سيرة ابن هشام 1/11-12. 4 مقدمة سيرة ابن هشام 1/11-12. بتصرف.

منها الموصول والمنقطع، وأحياناً يورد الأخبار بدون إسناد أو برواة مجهولين. وقد رتب ابن إسحاق مادته على التسلسل الزمني للأحداث. ومما زاد سيرة ابن إسحاق قوة علميه تحرير ابن هشام1 لها، فقد قام رحمة الله عليه بحذف ما ليس له تعلق بذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما قام بحذف بعض الأشعار المنتحلة، وتعقب ابن إسحاق في كثير من الأمور، بل وأضاف إليها بعض الأشياء التي فاتت ابن إسحاق، فجاءت السيرة معروفة به، منسوبة إليه، حتى كاد الناس ينسون مؤلفها الأول ابن إسحاق2. وبالجملة فقد كانت سيرة ابن إسحاق من أهم المصادر التي اعتمدت عليها، فقد نقلت منها ستاً وعشرين رواية جعلت منها إحدى عشرة رواية في صلب الرسالة؛ لانفراده بها مصرحاً في أكثرها بالتحديث وقد ذكر في بعضها أدق التفاصيل عن بعض الغزوات، والباقي في الهامش شواهد لغيرها لكونها مختصرة جداً3.

_ 1 ابن هشام: هو عبد الملك بن هشام بن أيوب العلامة النحوي الأخباري، أبو محمد الذهلي السدوسي، وقيل: الحميري المعافري، نزيل مصر، هذب السيرة النبوية، وسمعها من زياد البكائي صاحب ابن إسحاق، توفي سنة 218 هـ. سير أعلام النبلاء 10/428-429. 2 مقدمة السيرة النبوية لابن هشام 1/11-12، بتصرف. 3 انظر: روايته في غزوة الحديبية.

2- مغازي الواقدي والواقدي هو: محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم، الواقدي المديني القاضي، صاحب التصانيف والمغازي، أبو عبد الله أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه1، ولد بعد العشرين ومائة، وتوفي سنة سبع ومائتين2. له العديد من المؤلفات تقرب من الثلاثين3، ومنها كتابه (المغازي) . وقد اختلف علماء الجرح والتعديل من المحدثين في توثيقه وتضعيفه إلى أقوال كثيرة، ملخصها ما ذكره الحافظ ابن حجر في التقريب حيث قال عنه: متروك مع سعة علمه4. ومقصود الحافظ من قوله متروك أي عند المحدثين، حيث لا تؤخذ أقواله في الفرائض والأحكام، أما في السير والمغازي فقد قال الإمام الذهبي: "وقد تقرر أن الواقدي ضعيف يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ

_ 1 سير أعلام النبلاء 9/454-467، ومقصود الذهبي بالضعف المتفق عليه، أي عند المحدثين فقط، أما عند المؤرخين فيحتاج إليه، بل هو إمام فيه. 2 المصدر السابق، وانظر: ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد 7/334، والتاريخ الكبير للبخاري 1/178، وطبقات خليفة 472، والجرح والتعديل 8/20، وعيون الأثر 1/67_72. 3 الفهرست لابن النديم 111، ومقدمة محقق مغازي الواقدي 1/10-13. 4 التقريب 498.

ونورد آثاره من غير احتجاج أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر ... "1. وقال ابن كثير: "الواقدي عنده زيادات حسنة وتاريخ محرر غالباً فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار، وهو صدوق في نفسه مكثار...."2. منهجه في كتابة المغازي: بدأ مغازيه بذكر قائمة طويلة من الرجال الذين نقل عنهم تلك الأخبار فذكر جميع مغازي النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه إجمالاً حتى وفاته صلى الله عليه وسلم ثم يذكر المغازي والسرايا واحدةً واحدةً مفصلةً، مع ذكر تاريخ محدد لكل غزوة وسرية، وغالباً ما يذكر تفاصيل جغرافية تحدد موقع الغزوة أو السرية، ثم يذكر الغزوات التي قادها الرسول صلى الله عليه وسلم وأسماء الذين استخلفهم على المدينة أثناء غيابه ... 3. ويستعمل الواقدي لفظ (قالوا) عند ذكره لتفاصيل الغزوة أو السرية معتمداً في ذلك على الإسناد الأول، وقد يأتي بإسناد جديد لبعض الحوادث. وقد استفدت منه في عدة روايات كان بعضها مكملاً للخبر الذي نقلته من غيره، أما الروايات الأخرى التي لم أجدها عند غيره من طريق الزهري مثل: غزوة بني قينقاع، وغزوة بني سُليم ببحران، وسرية كعب

_ 1 السير 9/469. 2 البداية والنهاية 3/234-235. 3 انظر: مقدمة محقق مغازي الواقدي 1/31.

ابن عمير الغفاري إلى قضاعة من ناحية الشام، وتفاصيل مقتل حمزة رضي الله عنه، ومقدار سبي غزوة بني المصطلق، وهي وإن كانت من طريق الواقدي إلا أنني وجدت لها شواهد في كتب السنة يجدها القاري في مظانها. 3- الطبقات الكبرى لابن سعد وابن سعد هو: محمد بن سعد بن منيع، أبو عبد الله البغدادي، كاتب الواقدي، ومصنف الطبقات الكبير، ولد بعد الستين ومائة، فقيل: مولده في سنة ثمان وستين، وتوفي ببغداد في يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنه 230 وهو ابن 62 سنة1. وكتابه الطبقات يعتبر أقدم كتاب وصل إلينا في الطبقات2. ويقع في ثماني مجلدات3. خصص الجزء الأول للحديث عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة حتى الهجرة ومؤاخاته بين المهاجرين والأنصار وكتبه إلى الملوك يدعوهم

_ 1 سير أعلام النبلاء 10/664-666، وانظر: ترجمته في تاريخ بغداد 5/321-322، ووفيات الأعيان 4/351-352، وتهذيب الكمال 25/255، وتهذيب التهذيب 9/182. 2 بحوث في تاريخ السنة المشرفة للدكتور: أكرم ضياء العمري 83. 3 نشر دار صادر، وهناك جزء تاسع مخصص للفهارس العامة، وهناك أجزاء ناقصة من هذه الطبعة؛ نشر منها حتى الآن خمسة أجزاء. تحقيق: د. محمد بن صامل السُّلَمي.

للإسلام ثم ذكر وفادات العرب على النبي صلى الله عليه وسلم، وخص الجزء الثاني للحديث عن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه. وقد استقى ابن سعد معلوماته عن مصادر كثيرة فكان عدد شيوخه في الطبقات ينيف على الستين شيخاً من المحدثين الذين اهتموا بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة والتابعين1. وقد وثق العلماء ابن سعد2، وأثنوا على كتابه الطبقات، فقال الخطيب البغدادي عنه: "كان من أهل العلم والفضل، وصنف كتاباً كبيراً في طبقات الصحابة والتابعين والخالفين إلى وقته فأجاد فيه وأحسن"3. وقال الذهبي: "كان من أوعية العلم، ومن نظر في الطبقات خضع لعلمه"4. ومنهج ابن سعد في ذكر الغزوات والسرايا يختلف باختلاف الخبر من حيث الأهمية، فبعد أن ذكر إسناداً جماعياً عن عدد من شيوخه ومنهم الواقدي في ذكر عدد الغزوات والسرايا إجمالاً بدأ بذكر الغزوات والسرايا فيتحدث عنها بالتفصيل مُصدِّراً ذلك بقوله: "ثم غزوة كذا، أو

_ 1 بحوث في تاريخ السنة المشرفة 86. 2 تهذيب التهذيب 9/182. 3 تاريخ بغداد 5/321. 4 سير أعلام النبلاء 10/665.

ثم سرية كذا"، دون ذكر إسناد لها، وكأنه اعتمد على الإسناد الأول الذي ذكر فيه الغزوات والسرايا إجمالاً. لكننا نجده يستعمل أسانيد جيدة عندما يدخل في تفاصيل الغزوات أو السرايا التي لها شأن كبير مثل غزوة بدر وأحد، وكسرية بئر معونة والرجيع على سبيل المثال، حتى إنه يستعمل الإسناد في جزئيات صغيرة، ويُصدّر الوقعة دائماً بذكر تاريخها فيذكر اليوم والشهر والسنة، مرتباً تلك الأحداث حسب التسلسل الزمني. وقد استفدت منه كثيراً في ذكر تواريخ الغزوات والسرايا1 وانفراده ببعض الروايات التي لم أجدها عند غيره، كما استفدت من ترتيبه للمادة العلمية وفق التسلسل الزمني، حيث أجد المعلومة التي أريدها منه كلما رجعت إليه بكل يسر وسهوله. 4- دلائل النبوة للبيهقي2 وهو: الحافظ العلاّمة الثبت الفقيه شيخ الإسلام، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِرْدي3، الخراساني.

_ 1 وقد كان ذلك في الهامش. 2 حققه عبد المعطي قلعجي في سبع مجلدات، وقد اعتمدت على الطبعة الأولى عام 1405هـ، دار الكتب، بيروت. 3 خُسْرَوْجِرْد: - بضم الخاء المعجمة، وسكون السين المهملة، وفتح الراء، وسكون الواو، وكسر الجيم، وسكون الراء، وفي آخرها الدال المهملة - قرية من ناحية بيهق، طبقات الشافعية للسبكي 4/8.

وبيهق عدة قرى من أعمال نيسابور على يومين منها. ولد في سنة أربع وثمانين وثلاث مائة في شعبان. وتوفي في عاشر شهر جمادى الأولى، سنة ثمان وخمسين وأربع مائه، وعاش أربعاً وسبعين سنة1. صنف كثيرا من الكتب، فعمل (السنن الكبير) في عشر مجلدات ليس لأحد مثله، وألف كتاب (السنن والآثار) في أربع مجلدات، و (دلائل النبوة) و (شعب الإيمان) و (والاعتقاد) و (مناقب الشافعي) و (كتاب النبوات الكبير) وغيرها2. قال الذهبي عن تصانيف البيهقي عامة: "تصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قلَّ من جوَّد تواليف مثل الإمام أبي بكر"3. وقال عنها ابن كثير: "وجمع أشياء كثيرة لم يسبق إلى مثلها، ولا يدرك فيها، منها كتاب السنن ونصوص الشافعي في عشر مجلدات ...

_ 1 أخذت هذه الترجمة من سير أعلام النبلاء 18/163، 167، 168، 169، وانظر: ترجمته في المنتظم لابن الجوزي 8/242، ومعجم البلدان لياقوت 1/538، ,الكامل لابن الأثير 10/52، ووفيات الأعيان لابن خلكان 1/75، وتذكرة الحفاظ للذهبي 2/1132، وطبقات الشافعية للسبكي 4/8، والبداية والنهاية لابن كثير 12/94، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي 5/77، وكشف الظنون لحاجي خليفة 1/9، وغيرها 2 سير أعلام النبلاء 18/165-166. 3 سير أعلام النبلاء 18/168.

ودلائل النبوة ... وغير ذلك من المصنفات الكبار والصغار التي لا تسامى ولا تدانى"1. وقال عن دلائل النبوة خاصة: "دلائل النبوة لأبي بكر البيهقي من عيون ما صنف في السيرة والشمائل"2. وقال السبكي: "وأما كتاب الاعتقاد، وكتاب دلائل النبوة، وكتاب شعب الإيمان، وكتاب الشافعي، وكتاب النبوات الكبير، فأقسم ما لواحد منها نظير"3. وقال عنه العلماء: كان البيهقي على سيرة العلماء، قانعاً باليسير متجملاً في زهده وورعه4. وقالوا عنه: واحد زمانه في الحفظ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط5. وقال عنه الذهبي: " ... لو شاء البيهقي أن يعمل مذهباً يجتهد فيه لكان قادراً على ذلك لسعة علومه ومعرفته بالاختلاف"6. وبحكم تتبعي لروايات الزهري في كتب التراث لم أجد كتاباً أغزر

_ 1 البداية والنهاية 12/94. 2 مقدمة تحقيق دلائل النبوة 1/7. 3 طبقات الشافعية 4/9. 4 سير أعلام النبلاء 18/167. 5 سير أعلام النبلاء 18/167. 6 سير أعلام النبلاء 18/169.

مادة فيما يتعلق بالمغازي من هذا السفر العظيم الذي قال عنه مؤلفه: "ويُعلم أن كل حديث أوردته فيه قد أردفته بما يشير إلى صحته، أو تركته مبهماً وهو مقبول في مثل ما أخرجته، وما عسى أوردته بإسناد فيه ضعف أشرت إلى ضعفه، وجعلت الاعتماد على غيره"1. وكلامه هذا فيه كثير من الصحة، وذلك لاعتماده كثيراً على الكتب الستة وغيرها وخاصة الصحيحين وقد أفدت منه فائدة كبيرة، وبخاصة من تلك الروايات التي جاءت من طريق موسى بن عقبة عن الزهري، ويمتاز هذا السفر بمميزات عدة أهمها في نظري اثنتان: 1- إتيانه بالروايات مسندة إلى قائلها. 2- سرده للحوادث والوقائع حسب التسلسل الزمني، فلا يقدم غزوة على أخرى، مما سهل عليّ البحث في كتابه هذا الذي يقع في سبع مجلدات. وقد استخرجت منه سبعاً وثلاثين رواية للزهري مرسلة وموصولة، ولم أجدها في غيره من المصادر الأخرى بالصورة التي أخرجها عن الزهري، مما يدل على تتبعه لروايات الثقات حتى في المغازي، وقد صدق عندما قال: "وعادتي في كتبي المصنفة في الأصول والفروع الاقتصار من الأخبار على ما يصح منها دون مالا يصح ... ومن وقف على تمييزي في كتبي بين صحيح الأخبار وسقيمها، وساعده التوفيق علم

_ 1 دلائل النبوة 1/46.

صدقي فيما ذكرته"1. 5- صحيح البخاري وهو لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَة2 الجعفي، ولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة3. وتوفي ليلة السبت ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين بعد المائتين، وكانت مدة عمره اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوماً4. وشهرة الصحيح غَنية عن الوصف لكن لا بأس بتسويد الورق بكلمات عنه. فقد صنف البخاري رحمه الله كتابه الصحيح في المسجد الحرام حيث قال: "صنفت كتابي الجامع في المسجد الحرام وما أدخلت فيه حديثاً

_ 1 المصدر السابق 1/47. 2 بَرْدِزْبَه: - بفتح الباء الموحدة، وسكون الراء المهملة، وكسر الدال المهملة، وسكون الزاي المعجمة، وفتح الباء الموحدة بعدها هاء - هدي الساري، مقدمة فتح الباري 477. 3 أخذت هذه الترجمة من هدي الساري 477، وانظر: ترجمته في: الجرح والتعديل 7/191، وتاريخ بغداد 2/4، ووفيات الأعيان 4/188، وتهذيب الكمال 24/430، وسير أعلام النبلاء 12/391، والوافي بالوفيات 2/206، وتهذيب التهذيب 9/47، وغيرها. 4 هدي الساري 493.

حتى استخرت الله تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته"1. وقيل: إن البخاري حوّل تراجم جامعه بين قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومنبره وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين2. وقال البخاري أيضاً: "ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين"3. وقال: "ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحيح حتى لا يطول"4. وروى الإسماعيلي عنه قال: "لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحاً وما تركت من الصحيح أكثر"5. ومنهجه في صحيحه يختلف عن المصنفات الأخرى، فتراه يورد الحديث في باب آخر وتجد قطعة من حديث ما هنا وقطعة أخرى منه هناك، وإنما عمل ذلك لمعان نقلها الحافظ ابن حجر في الهدي6. وقد تنافس العلماء في شرحه، فأول من شرحه الخطابي حَمْدُ بن

_ 1 هدي الساري 489. 2 هدي الساري 489، وقد جمع الحافظ بين القولين فقال: ولا ينافي هذا ما تقدم، لأنه يحمل على أنه في الأول كتبه في المسودة، وهنا حوله من المسودة إلى المبيضة. 3 المصدر السابق. 4 المصدر السابق 7. 5 المصدر السابق. 6 انظر: هدي الساري 15.

محمد ت (386) ، في كتابه إعلام السنن1، ثم توالى العلماء بعد في شرحه. وقد نال حظوة كبيرة لدى علماء الإسلام لم يحظ بها أي كتاب ألف في الحديث. قال النووي: " ... وأما محله فقال العلماء: هو أول مصنف صنف في الصحيح المجرد، واتفق العلماء على أن أصح الكتب المصنفة صحيحا البخاري ومسلم، واتفق على أن صحيح البخاري أصحهما صحيحاً وأكثرهما فوائد، وأجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثها"2. وقد استفدت من هذا السفر العظيم حيث ظفرت بست وعشرين رواية من غير المكرر كلها في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه، ومن بين تلك الروايات روايتان تتحدثان عن غزوتين مهمتين؛ الرواية الأولى عن حادثة الإفك التي وقعت لعائشة رضي الله عنها في غزوة بني المصطلق، والثانية عن غزوة الحديبية، وكل رواية من تلك الروايتين تمثل غزوة بحد ذاتها لذكر معظم ما حدث في تلك الغزوتين، وروايات البخاري بصفة عامة أعطت قيمة علمية كبيرة لروايات الزهري في المغازي.

_ 1 تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين 1/226، في علوم القرآن والحديث، انظر: ص 229-243. 2 تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/75.

5- كتاب النهاية في غريب الحديث لابن الأثير وهو القاضي الرئيس العلاّمة البارع الأوحد البليغ مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجَزَريّ، ثم الموصلي، الكاتب ابن الأثير، صاحب (جامع الأصول) و (غريب الحديث) وغير ذلك1. مولده بجزيرة ابن عمر في أحد الربيعين سنة أربع وأربعين وخمس مائة، عاش ثلاثاً وستين سنة توفي في سنة ست وست مئة بالموصل2. لقد اخترت هذا الكتاب العظيم من بين سائر الكتب المؤلفة في غريب الحديث لكون مؤلفه من علماء القرن السادس، فهو متأخر، ولشهرته بين طلاب العلم واعتمادهم عليه فيما يخص غريب الحديث. وقد ذكر محققا الكتاب أنهما لم يقفا على أحد صنف في غريب الحديث بعد ابن الأثير سوى ابن الحاجب المتوفى سنة 646 هـ، وانحصرت الجهود بعد ذلك في التذييل على النهاية واختصارها3.

_ 1 أخذت هذه الترجمة من سير أعلام النبلاء 21/488-491، وانظر: ترجمته في إنباه الرواة 3/257، ووفيات الأعيان 4/141، ودول الإسلام 1/84، وطبقات السبكي 5/153، والبداية والنهاية 13/54، وبغية الوعاة 2/274، وشذرات الذهب لابن العماد 5/22 وغيرها. 2 سير أعلام النبلاء 21/491. 3 النهاية 1/8 من مقدمة المحققين.

والكتاب قد طبع في خمس مجلدات1. ولا شك أنه قد اطلع على كتب من سبقوه ممن ألف في غريب الحديث فاستفاد منها، فكان كتابه بحق نهاية. وقد استفاد ابن الأثير من كتابين في غريب الحديث، الأول: كتاب أبي عبيد الهروي أحمد بن محمد المتوفى سنة 401 هـ في غريبي القرآن والحديث، والثاني كتاب (المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث) لأبي موسى محمد أبي بكر المديني الأصبهاني المتوفى سنه 581 هـ2. وقد أضاف مادة كثيرة مما فات الكتابين كما نص على ذلك في مقدمته حيث قال: " ... فتتبعتها واستقريت ما حضرني منها واستقصيت مطالعتها من المسانيد والمجاميع وكتب السنن والغرائب قديمها وحديثها، وكتب اللغة على اختلافها، فرأيت فيها من الكلمات الغريبة مما فات الكتابين كثيراً فصدفت حينئذ على الاقتصار على الجمع بين الكتابين وأضفت ما عثرت عليه ووجدته من الغرائب إلى ما في الكتابين في حروفها مع نظائرها وأمثالها"3. وقد بين منهجه في كتابه أنه سيسلك طريقة من سبقه ممن صنف مثل هذه الكتب باتباع ترتيب الكلمات على حروف المعجم بالتزام الحرف الأول والثاني من كل كلمة، واتباعهما بالحرف الثالث منها على

_ 1 تحقيق: طاهر الزاوي، ومحمود الطناحي. 2 النهاية 1/6و 7 من مقدمة المحققين. 3 مقدمة ابن الأثير لكتابه النهاية 1/10-11.

سياق الحروف1. وذكر أيضاً أنه سار على التزام ذكر الحرف الأول والثاني سواء كان الحرف زائداً أم أصلياً وذلك لسهولة الوصول إلى المراد، وذكر أن ذلك لم يكن نتيجة جهله بالحروف الزائدة والأصلية وإنما خشية أن يلتبس ذلك على طالبها، لا سيما وأكثر طلبة غريب الحديث لا يكادون يفرقون بين الأصلي والزائد2. هذا وقد اعتمدت على هذا الكتاب اعتماداً كلياً حيث لم أغادره في شرح غريب الحديث إلا إذا لم أجد بغيتي فأتناول غيره. 6- تقريب التهذيب3. للحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن حجر الكناني العسقلاني الشافعي المصري. كان مولده في شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة على شاطئ النيل بمصر القديمة، أما وفاته فكانت في أواخر شهر ذي الحجة، من سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة4.

_ 1 مقدمة ابن الأثير لكتابه النهاية 1/11. 2 مقدمة ابن الأثير لكتابه النهاية 1/11. 3 طبع الكتاب عدة طبعات، وقد اعتمدت طبعة محمد عوامة، الطبعة الثانية سنة 1408هـ، دار البشائر، بيروت. 4 انظر: ترجمته في رفع الإصر لابن حجر نفسه 1/85، حيث ترجم لنفسه مع قضاة مصر، ولحظ الألحاظ لابن فهد 326، والضوء اللامع للسخاوي 2/36، والسيوطي في ذيل طبقات الحفاظ 380. ونظم العقيان 45، وحسن المحاضرة 1/363، وشذرات الذهب 7/270، والبدر الطالع 1/87.

والكتاب يُعَدّ عصارة وخلاصة لتهذيب الكمال للحفاظ المزي وتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر نفسه. وقد بين الحافظ سبب تأليفه لهذا الكتاب ومنهجه فيه قال: فالتمس مني بعض الإخوان أن أجرد له الأسماء خاصة، فلم أوثر ذلك لقلة جدواه على طالبي هذا الفن ثم رأيت أن أجيبه إلى مسألته وأسعفه بطلبته على وجه يحصل مقصوده بالإفادة ويتضمن الحسنى التي أشار إليها وزيادة وهي: أنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وصف به بألخص عبارة وأخلص إشارة، بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالباً، يجمع اسم الرجل واسم أبيه وجده، ومنتهى أشهر نسبته ونسبه، وكنيته ولقبه مع ضبط ما يشكل من ذلك بالحروف ثم صفته التي يختص بها من جرح أو تعديل، ثم التعريف بعصر كل راو منهم، بحيث يكون قائماً مقام ما حذفته من ذكر شيوخه والرواة عنه إلا من لا يؤمن لبسه1. وقد قسم الرواة إلى اثنتي عشرة طبقة باعتبار أحوالهم جرحاً وتعديلاً.

_ 1 انظر: التقريب 73.

وكذلك باعتبار طبقاتهم، فمن كان من الطبقة الأولى والثانية فوفاته قبل المائة، ومن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة فهم بعد المائة، ومن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات فهم من المائتين، ومن ندر عن ذلك بينته1. والكتاب قد اعتمدته في بحثي فأحكم على الشخص في الإسناد بما ذكر عنه الحافظ لأن الكتاب قد حظي بالقبول عند عامة طلاب العلم، إلا إذا لم أجد الشخص في التقريب فحينئذ أستعين بالكتب الأخرى في الجرح والتعديل في الحكم على الشخص، وهو قليل. 7- فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر رحمه الله2. ألّف الحافظ ابن حجر هذا الكتاب لشرح صحيح البخاري، فأودع فيه من فنون العلم الشيء الكثير، وهو من أجلِّ تصانيفه وأكثرها شهرة وأعظمها نفعاً، قال عنه مصنفه: "لولا خشية الإعجاب لشرحت ما يستحق أن يوصف به هذا الكتاب، لكن لله الحمد على ما أولى وإياه أسأل أن يعين على إكماله منا وطولاً"3. وقد حظي هذا الكتاب بقبول منقطع النظير عند عامة العلماء

_ 1 انظر: المصدر السابق، ص: 74-75. 2 تقدمت ترجمته، قبل قليل. 3 الجواهر والدرر للسخاوي 155/أ.

وطلاب العلم، كما حظي صحيح البخاري من قبل فسبحان الواهب. روي عن ابن خلدون قوله: "إن شرح كتاب البخاري دين على الأمة"1 هو يقصد بذلك والله أعلم الشرح الوافي من غير نقص، وإلا فقد شرحه كثير من العلماء، وقد قال حاجي خليفة معقباً على كلام ابن خلدون "لعل ذلك الدين قضي بشرح المحقق ابن العسقلاني والعيني بعد ذلك"2. ولما طلب من الإمام الشوكاني رحمه الله أن يشرح صحيح البخاري قال: "لا هجرة بعد الفتح"3. وقد نقل الذهبي عن العز بن عبد السلام قوله: "ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل (المحلى) لابن حزم وكتاب (المغني) للشيخ موفق الدين ابن قدامة". قال الذهبي: "قلت: لقد صدق الشيخ عز الدين، وثالثها (السنن الكبير) للبيهقي، ورابعها (التمهيد) لابن عبد البر، فمن حصل هذه الدواوين وكان من أذكياء المفتين، وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقاً"4.

_ 1 التبر المسبوك، ص231. 2 كشف الظنون 2/640. 3 فهرس الفهارس 1/238. 4 سير أعلام النبلاء 18/193.

قلت: ولو رأى العز بن عبد السلام والذهبي رحمهما الله (فتح الباري) لابن حجر لذكراه في طليعة هذه الكتب وذلك لما اشتمل عليه من فنون العلم، فقد فتح الله على ابن حجر في العلم فناسب أن يسمى كتابه كذلك. وقد قام كثير من العلماء بشرح صحيح البخاري، لكن شرح الحافظ ابن حجر يعد في طليعتها وأوفاها شرحاً وتبياناً لمقاصد البخاري، كما أن الكتاب قد طبع عدة طبعات، وقد اعتمدت الطبعة السلفية التي حقق الأجزاء الأول منها سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، وتقع في ثلاثة عشر مجلداً من دون المقدمة. وقد نقلت من الصحيح أربعاً وعشرين رواية عن الزهري، اعتمدت في شرح ألفاظها وما يتعلق بها على كتاب (فتح الباري) وذلك لمعرفة الحافظ ابن حجر بمدلولات ألفاظ الحديث ومقاصد البخاري في صحيحه، ولشهرة الكتاب وتوفره لدى عامة العلماء وطلاب العلم. 8- كتاب معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية مؤلفه المقدم عاتق بن غيث البلادي، والبلادي فرع من قبيلة (حرب) 1 الشهيرة والمؤلف له اهتمامات خاصة بالأنساب والجغرافيا، وسبق أن ألف كتباً في هذين الفنين، فكتب في الأنساب كتاب (نسب حرب) ، تكلم فيه عن بطون قبيلة حرب وأصولها، وكتاب (معجم

_ 1 انظر: معجم قبائل الحجاز 46، ونسب حرب 73.

قبائل الحجاز) وهو كتاب نسب وتاريخ1. وكتب عن الأماكن والبلدان: (معجم المعالم الجغرافية) وهو هذا و (معجم معالم الحجاز) وهو كتاب أدبي جغرافي يقع في عشرة أجزاء، و (معالم مكة التاريخية والأثرية) و (بين مكة وحضرموت) وغيرها2. والمؤلف من الكتاب المعاصرين الذين أسهموا بمجهودات وافرة في مجال التأليف الجغرافي وأنساب بعض القبائل المعاصرة بالرغم من الانتقادات الموجهة إلى كتبه، حيث تحتاج إلى تحرير ومزيد عناية. وقد اعتمدته تقريباً في معرفة الأماكن والبقاع، لكونه يعرفها بالتعريف المشهور في زمننا من تحديده المسافة بالكيلو وما شابه ذلك، وهو كتاب قيم في بابه إلا أنه لم يستوعب المادة العلمية التي خصصه من أجلها في السيرة النبوية لابن إسحاق، تهذيب ابن هشام.

_ 1 انظر: القائمة التي وضعها في نهاية كتابه (معجم قبائل الحجاز) . 2 المصدر السابق.

الباب الأول: في ترجمة الإمام الزهري

الباب الأول: في ترجمة الإمام الزهري الفصل الأول: في حياة الإمام الزهري ومنزلته العلمية المبحث الأول: في اسمه ونسبه وكنيته وصفته ومولده ... الفصل الأول: حياة الإمام الزهري ومنزلته العلمية وفيه ثمانية مباحث: المبحث الأول: في اسمه ونسبه وكنيته وصفته ومولده اسمه ونسبه: هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله الأصغر1 بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب الزهري2.

_ (1 هناك رجل آخر اسمه عبد الله بن شهاب الأكبر، وهو أخو عبد الله الأصغر، كان اسمه عبد الجان، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، وهو ممن هاجر إلى أرض الحبشة، ومات بمكة قبل الهجرة إلى المدينة، وأخوه عبد الله بن شهاب الأصغر شهد أحداً مع المشركين، ثم أسلم بعد، ومات بمكة، نسب قريش لمصعب الزبيري، ص: 3و274، وانظر: الإصابة 2/375. 2 انظر: ترجمته في نسب قريش لمصعب الزبيري، ص 3و 274، والطبقات الكبرى لابن سعد 157، تحقيق زياد منصور، والعلل لأحمد 2/249، رقم (2543) ، وجمهرة النسب لابن الكلبي 79، والتاريخ الكبير للبخاري 1/220، والتاريخ الصغير له 1/356، وتاريخ خليفة بن خياط 261، والمعرفة والتاريخ للفسوي 1/620، والجرح والتعديل 8/71، والحلية لأبي نعيم 3/360، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم 130، وتاريخ دمشق (انظر: ترجمة الزهري تحقيق شكر الله قوجاني 38، وما بعدها) ، ووفيات الأعيان 4/177، وتهذيب الكمال 26/419، وسير أعلام النبلاء للذهبي 5/326، وتاريخ الإسلام له 5/136، وتذكرة الحفاظ له 1/108، والبداية والنهاية 340، وغيرها.

وأمه من بني الدئل من بكر بن عبد مناة بن كنانة1. وقيل اسمها: عائشة بنت عبد الله الأكبر بن شهاب2. كنيته: (أبو بكر) 3. صفته: قيل كان رجلاً دميماً4، ليس له ذاك النبل، لم يكن بالجميل5. وقال سفيان: "رأيت الزهري أحمر الرأس واللحية وفي حمرتها انكفاء6 قليل كأنه يجعل فيه كَتَمَاً"7. وقال أيضاً8: "كان الزهري أعيمش9 وعليه جميمة"10.

_ 1 نسب قريش 274، وطبقات خليفة 261، وتاريخ دمشق 38، 40، تحقيق قوجاني، وتهذيب الكمال 26/420. 2 الطبقات الكبرى لابن سعد (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة 157) تحقيق: زياد منصور. 3 المصادر السابقة. 4 الدمامة: - بالفتح - القِصَر، والقُبْح، ورجل دميم. النهاية 2/134. 5 العلل لأحمد 2/349 رقم (2543) . 6 انكفاء أي تغير. النهاية 4/183. 7 الكتم: نبت يخلط مع الوسمة، ويصبغ به الشعر أسود، وقيل: هو الوسِمة. النهاية 4/150، والوسِمة - بكسر السين، وقد تسكن - نبت، وقيل: شجر باليمن يخضب بورقه الشعر. النهاية 5/185. 8 المعرفة والتاريخ 1/620، وتاريخ أبي زرعة 535، وتاريخ دمشق 48، تحقيق شكر الله قوجاني. 9 العمش: محركة ضعف البصر مع سيلان الدمع في أكثر الأوقات. القاموس (عمش) . 10 جميمة: تصغير جمة، والجمة من شعر الرأس، ما سقط على المنكبين. النهاية 1/300.

وروى أيضاً: أنه كان رجلاً قصيراً، قليل اللحية، له شعيرات طوال، خفيف العارضين1. مولده: اختلف في تاريخ ولادته إلى أقوال: 1- قيل إنه ولد سنة خمسين2. 2- وقيل: إحدى وخمسين3. وهو أرجحها. 3- وقيل: ست وخمسين4. 4- وقيل: ثمان وخمسين5.

_ 1 المعرفة والتاريخ 1/633، وتاريخ دمشق 49، تحقيق شكر الله. 2 تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/613، وتهذيب الكمال 26/440، وسير أعلام النبلاء 5/326، وقال أبو داود عن أحمد بن صالح: يقولون: مولده سنة خمسين، تهذيب الكمال 26/440. 3 ذكر ذلك خليفة بن خياط في تاريخه 218، وانظر: وفيات الأعيان 4/178 وسير أعلام النبلاء 5/326. 4 قاله يحيى بن بكير، انظر: تهذيب الكمال 26/440، وسير أعلام النبلاء 5/326. 5 قاله الواقدي: انظر: الطبقات لابن سعد 185، تحقيق زياد منصور، وتاريخ دمشق 42، تحقيق قوجاني، وتهذيب الكمال 26/440، والبداية والنهاية 9/341-344. وأقرب هذه الأقوال إلى الصحة والله أعلم هو القول الثاني، لأن أكثرهم ذكروا أنه توفي وهو ابن اثنتين وسبعين سنة على ما سيأتي في مبحث وفاته. أما قول الواقدي فغير دقيق، لأنه ذكر ولادته في سنة 58 هـ بينما ذكر أنه توفي سنة 124 هـ وهو ابن اثنتين وسبعين سنة كما في تهذيب الكمال 26/441، وخمس وسبعين كما عند ابن سعد في الطبقات 158، وكلا القولين خطأ، فلو حسبنا الفترة التي عاشها بين تاريخ ولادته ووفاته كما قال الواقدي لوجدناها 66 سنة فقط، فيكون القول الثاني هو الأقرب إلى الصواب. وكلام الواقدي يكون دقيقاً إذا كان الزهري قد توفي سنة: 130هـ أو سنة: 133هـ.

المبحث الثاني: نشأته وطلبه للعلم، ومنزلته العلمية

المبحث الثاني: نشأته وطلبه للعلم، ومنزلته العلمية المطلب الأول: نشأته وطلبه للعلم ... المبحث الثاني: نشأته وطلبه للعلم، ومنزلته العلمية وفيه مطلبان: المطلب الأول: نشأته وطلبه للعلم: نشأ الزهري في المدينة فقيراً لا مال له مقطعاً من الديوان1، حتى ضاقت عليه الأرض، فلا يدري أين يتجه، ليحصل على مالٍ يسدُّ به حاجته وأهل بيته، ويقضي ديونه، حتى ألهمه ربه بالتوجه إلى الشام، فوفد على عبد الملك بن مروان سنة اثنتين وثمانين فقضى دينه، وفرّج الله همّه على يد الخليفة عبد الملك بن مروان2، ثم كرّ راجعاً إلى المدينة، ثم جعل يتردد بين الشام والحجاز حتى توفاه الله.

_ 1 الطبقات الكبرى (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم) ص 157، تحقيق: زياد منصور، من طريق الواقدي، وأخرجه الفسوي في المعرفة (1/ 628) ، من طريق ابن أبي فروة عن الزهري، وتاريخ دمشق (ترجمة الزهري 12) تحقيق: شكر الله قوجاني. 2 المصادر السابقة.

كانت بداية طلبه للعلم بالمدينة النبوية صغيراً، فبدأ - كما هو معتاد عند أبناء المسلمين - بحفظ القرآن الكريم، فحفظه في ثمانين ليلةً1، ثم أقبل على تعلِّم الأنساب، فذهب إلى عبد الله بن ثعلبة بن صُعير العدوي، وكان عالماً بالأنساب، فجلس يتعلم منه الأنساب عامةً ونسب قومه خاصةً، فجاء رجلٌ يسأل عبد الله بن ثعلبة عن مسألة فقهية في الطلاق فَعَيِيَ عن الجواب، وأشار إلى سعيد بن المسيب، فقال الزهري: قلت في نفسي: ألا أراني مع هذا الرجل المسن يعقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على رأسه2 وهو لا يدري ما هذا! فانطلقت مع السائل إلى سعيد بن المسيب، فجالسته سبع حجج، وأنا لا أظن أن أحداً عنده علم غيره3. وفي رواية: أن السائل عن المسألة الفقهية هو الزهري نفسه، فقال: إن كنت تريد هذا فعليك بهذا الشيخ سعيد بن المسيب4. ومهما يكن، فقد ترك الزهري تعلم الأنساب، واتجه إلى تعلم

_ 1 التاريخ الكبير للبخاري (1/ 220) ، والمعرفة والتاريخ للفسوي (1/ 633و349) وتاريخ دمشق (49- 50) . 2 يقصد بالمسح، مسح النبي صلى الله عليه وسلم وجهه عام الفتح كما في تاريخ البخاري الكبير (5/ 35- 36) ، ولفظه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم قد مسح وجهه عام الفتح". 3 انظر: الطبقات الكبرى (157- 158) ، والتاريخ الكبير للبخاري (5/ 35- 36) ، والمعرفة والتاريخ (1/ 472) ، وتاريخ دمشق (65) رقم (72) . 4 المصادر السابقة، والتاريخ الصغير للبخاري (1/ 157 - 158) .

الأحكام، فجدَّ واجتهد في تحصيل العلم حتى فاق أقرانه. قال عنه إبراهيم بن سعد الزهري: ما سبقنا ابن شهاب بشيء من العلم إلا أنه كان يشدُّ ثوبه عند صدره، ويسأل عما يريد، وكنا تمنعنا الحداثة1. وقال إبراهيم بن سعد أيضاً: قلت لأبي: بِمَ فاقكم الزهري؟ قال: كان يأتي المجالس من صدورها، ولا يأتيها من خلفها، ولا يبقي في المجلس شاباً إلا سأله، ولا كهلاً إلا سأله، ولا فتى إلا سأله، ثم يأتي الدار من دور الأنصار فلا يُبقي شاباً إلا سأله، ولا كهلاً إلا سأله، ولا فتى إلا سأله، ولا عجوزاً إلا سألها، ولا كهلةً إلا سألها، حتى يحاول ربات الحجال2. وقال أبو الزناد3: "كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس"4. وقال أيضاً: "كنت أطوف أنا وابن شهاب، ومع ابن شهاب الألواح

_ 1 الطبقات الكبرى (2/ 388 - 389) ، و (168) من القسم المتمم، تحقيق: زياد، والمعرفة (1/ 638) ، وتاريخ دمشق (56 - 57) رقم (55 و56) . 2 الرامهرمزي، المحدث الفاضل (260 - 261) ، وتهذيب الأسماء واللغات (1/92) ، وتهذيب الكمال (9/ 449) . 3 عبد الله بن ذكوان القرشي أبو عبد الرحمن المدني المعروف بأبي الزناد، ثقة فقيه، من الخامسة، ت سنة ثلاثين وقيل بعدها، ع، التقريب (ص:302) . 4 تاريخ دمشق (ص: 58) رقم (58) .

والصحف، قال: فكنا نضحك به"1. وقال صالح بن كيسان: "كنت أطلب العلم أنا والزهري، قال: فقال - أي الزهري - نكتب السنن، قال: فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: تعال نكتب ما جاء عن الصحابة، قال: فكتب ولم أكتب، قال: فأنجح وضيعت"2. ولعل الزهري كان حريصاً على أخذ العلم ممن عرف عنهم مثل سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وغيرهما من قريش، حتى وفد على عبد الملك3، فجعل عبد الملك يسائله عمن لقي، قال الزهري: فجعلت أسمي له وأخبره بمن لقيت من قريش لا أعدوهم، فقال عبد الملك: فأين أنت عن الأنصار؟ فإنك واجدٌ عندهم علماً، أين أنت عن ابن سيدهم خارجة بن زيد بن ثابت؟ أين أنت عن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية؟ قال: فسمى رجالاً منهم، قال: فقدمت المدينة فسألتهم وسمعت منهم، فوجدت عندهم علماً كثيراً4.

_ 1 المعرفة والتاريخ (1/ 639) ، وتاريخ أبي زرعة رقم (967) ، وتاريخ دمشق (60) رقم (61) من ترجمة الزهري. 2 الطبقات الكبرى (2/ 388) و (ص: 168) من القسم المتمم، تحقيق: زياد، والمعرفة والتاريخ (1/ 637) ، وتاريخ أبي زرعة رقم: (966) ، والحلية لأبي نعيم (3/ 360) ، وشرح السنة للبغوي (1/ 296) ، وتاريخ دمشق (62) رقم (65) . 3 عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، أمير المؤمنين. التقريب (ص: 365) . 4 الطبقات الكبرى (162) ، من القسم المتمم، وتاريخ دمشق (65) رقم (71) .

غير أنه داوم على الأخذ من أربعة كلهم بحور في العلم سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، كان هؤلاء قد أخذوا علمهم عن الصحابة فضم علمهم إلى علمه1، فصار أوحد أهل زمانه، ونجم أقرانه. وقد ساعده على ذلك أمور منها: كتابته، فقد كان يكتب كل ما سمع، ومنها قوة حافظته وذاكرته فقد توفرت عنده الأدوات التي يحتاجها طالب العلم، وهي الكتابة والحفظ والذكاء والفهم، فسبحان المعطي، فقد روي عنه قال: ما استودعت قلبي شيئاً قط فنسيته2. وقال معمر3: "سمعت الزهري يقول: ما قلت لأحد أعد عليّ"4. وقال الزهري: "اختلفت من الشام إلى الحجاز خمساً وأربعين سنة، فما كنت أسمع حديثاً أستطرفه"5.

_ 1 المعرفة والتاريخ (1/ 622 - 623) و (1/ 714) ، وتاريخ دمشق رقم (227) ترجمة الزهري، والتمهيد (5/ 108) ، والإرشاد للخليلي (1/ 89) . 2 التاريخ الكبير (1/ 22) ، والمعرفة والتاريخ (1/ 625 و635) ، وتاريح أبي زرعة رقم (952) ، والحلية لأبي نعيم (3/ 363) ، وتاريخ دمشق (72) رقم (73) ورقم (74) . 3 ستأتي ترجمته في مبحث (تلاميذ الزهري) . 4 تاريخ دمشق (84) رقم (93) من ترجمة الزهري. 5 المعرفة والتاريخ (1/ 363) ، وتاريخ أبي زرعة رقم (948) ، والحلية لأبي نعيم (3/ 362) .

وقال: "ما استعدت حديثاً قط، ولا شككت في حديث، إلا حديثاً واحداً، فسألت صاحبي فإذا هو كما حفظت"1. وقد اختبره هشام بن عبد الملك ذات يومٍ، فسأل الزهري أن يملي على بعض ولده، فدعا بكاتب، فأملى عليه أربع مائة حديث، ثم خرج الزهري من عند هشام، قال: أين أنتم يا أصحاب الحديث، فحدثهم بتلك الأربع مائة حديث، ثم أقام هشامٌ شهراً أو نحوه، ثم قال للزهري: إن ذلك الكتاب الذي أمليت علينا قد ضاع، قال: فلا عليك، ادع بكاتبٍ، فدعا بكاتب فحدثه بالأربع مائة حديث، ثم قابل هشام بالكتاب الأول، فإذا هو لا يغادر حرفاً واحداً2. وقال مالك بن أنس: حدث الزهري يوماً بحديث فلما قام قمت فأخذت بعنان دابته فاستفهمته، قال: تستفهمني؟ ما استفهمت عالماً قط ولا رددت شيئاً على عالم قط، قال: فجعل عبد الرحمن بن مهدي يعجب ويقول: فَذِيْكَ الطِّوال3 وتلك المغازي! 4.

_ 1 الطبقات الكبرى (166) القسم المتمم، والحلية (3/ 363) ، وتاريخ دمشق (85) ترجمة الزهري. 2 المعرفة والتاريخ (1/ 640) ، وتاريخ دمشق (89) رقم (102) من ترجمة الزهري. 3 أي الأحاديث الطوال. 4 الجرح والتعديل (8/ 72) رقم (318) ، وتاريخ دمشق (76) رقم (80) من ترجمة الزهري، وتهذيب الكمال (26/ 343) .

وقال مالك أيضاً: أخذت بلجام بغلة الزهري فسألته أن يعيد عليّ حديثاً، فقال: ما استعدت حديثاً قط1. وفي رواية أخرى قال: حدثنا ابن شهاب أربعين حديثاً فتوهمت في حديث منها، فانتظرته حتى خرج فأخذت بلجام بغلته ثم سألته عن حديث واحد شككت فيه فقال: أو لم أحدثكه؟ قال: قلت: بلى، ولكني توهمت فيه، فقال: لقد فسدت الرواية، خل لجام الدابة، فخليته ومضى2.

_ 1 تاريخ دمشق (79) رقم (84) . 2 تاريخ دمشق (83) رقم (92) من ترجمة الزهري.

المطلب الثاني: منزلته العلمية.

المطلب الثاني: منزلته العلمية. تبوأ الزهري مكانة بين الناس لم يصلها أحد من أقرانه فأثنى عليه كبار المحدثين واعترفوا بفضله، قال الإمام مالك بن أنس: "كان الزهري إذا دخل المدينة لم يحدث بها أحد من العلماء حتى يخرج الزهري"1. وذلك لإتقانه وحفظه. قال عمرو بن دينار: "ما رأيت أبصر للحديث من ابن شهاب"2. وقال: "ما رأيت أنصَّ للحديث من هذا الشيخ"3. وفي رواية: "ما رأيت مثل هذا القرشي قط"4. وقال أيضاً: "جالست جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس وابن الزبير، فلم أر أحداً أنسق للحديث من الزهري"5. وقال معمر: "ما رأيت مثل الزهري في وجهه قط، يعني الحديث، ولا مثل حماد ابن سلمة، يعني في الرأي"6.

_ 1 المعرفة والتاريخ (1/ 621) . 2 الطبقات الكبرى (174) ، القسم المتمم، تحقيق: زياد منصور، وتاريخ دمشق رقم (121) . 3 سنن الترمذي (2/ 402) ، والمعرفة والتاريخ (1/ 634) ، وتاريخ أبي زرعة رقم: (951) ، والتمهيد (6/111) . 4 التمهيد (6/ 102) . 5 المصدر السابق (6/ 103) . 6 التمهيد (6/ 103) ، وتاريخ الإسلام (5/ 146) ، وتاريخ دمشق رقم (122) ، والمعرفة والتاريخ (1/ 637) ، والحلية (3/ 361) .

وقال مكحول: "ما أعلم أحداً أعلم بسنة ماضية من الزهري"1. وقال: "ابن شهاب أعلم الناس"2. وقيل له: "من أعلم الناس؟ قال: ابن شهاب، فقيل: ثم من؟ قال ابن شهاب"3. وقال: "ما بقي على ظهرها أعلم بسنة ماضية من الزهري"4. وقال قتادة: "ما بقي على ظهرها إلا اثنان، الزهري وآخر، فظننا أنه يعني نفسه"5. وقال سفيان: "مات الزهري يوم مات وما على الأرض أحد أعلم بالسنة منه"6. وقال الليث: "قال يحيى بن سعيد: ما بقي

_ 1 الطبقات الكبرى (178) القسم المتمم، والطبقات الكبرى (2/ 389) ، والمعرفة والتاريخ (1/ 641 - 642) ، وتاريخ أبي زرعة رقم (958) . 2 التمهيد (6/ 103) . 3 المعرفة والتاريخ (1/ 636) ، وتاريخ أبي زرعة رقم (957) . 4 التمهيد (6/ 104) . 5 المعرفة والتاريخ (1/ 642) ، والتمهيد (6/ 107) . 6 المعرفة والتاريخ (1/ 621) ، وتاريخ أبي زرعة رقم (1450) ، والحلية (3/ 360) وتاريخ دمشق رقم (166) .

عند أحد من العلم ما بقي عند ابن شهاب"1. وقال الجُمَحي: "ما رأيت أحداً أقرب شيء من ابن شهاب من يحيى ابن سعيد ولولا ابن شهاب لذهب كثير من السنن"2. وقال مالك: "ما رأيت محدثاً فقيهاً إلا واحداً، قيل: من هو؟ قال: ابن شهاب"3. وقال ابن أُكَيمة4: "لولا ابن شهاب لذهب كثير من السنن"5. وقال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: "هل تأتون ابن شهاب؟ قالوا: إنا لنفعل، قال: فأتوه فإنه ليس أحد أعلم بسنة ماضية منه"6. وقال: "ما أتاك به الزهري بسنده فاشدد به يديك"7. وقال أيوب السختياني: "ما رأيت أحداً أعلم من الزهري"8.

_ 1 المعرفة (1/ 631) . 2 المعرفة (1/ 635) . 3 التمهيد (6/ 112) . 4 عمارة بن أكيمة الليثي المدني ثم الجندعي، ثقة من الثالثة، توفي سنة إحدى ومائة وله تسع وسبعون، التقريب (ص: 408) . 5 المعرفة والتاريخ (1/ 347) . 6 الحلية (3/ 360) . 7 تاريخ أبي زرعة رقم: (960) ، والإرشاد للخليلي (1/ 189) ، وتاريخ دمشق (1240) ترجمة الزهري. 8 الطبقات الكبرى (2/ 389) ، والطبقات (178) ، القسم المتمم، والتاريخ الكبير (1/ 220) ، والمعرفة والتاريخ (1/ 638) .

وقال أيضاً " ما رأيت أحداً أعلم من الزهري، فقيل له: ولا الحسن؟ قال: ما رأيت أعلم من الزهري"1. وقال أبو بكر الهذلي: "لم أر مثل هذا قط"2. وفي رواية له قال: "جالست الحسن وابن سيرين فما رأيت مثله، يعني الزهري"3. وعن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: "ما أرى أحداً جمع ما جمع ابن شهاب"4. وعن جعفر بن ربيعة قال: "قلت لعِراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أما أعلمهم بقضايا الرسول صلى الله عليه وسلم وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان، وأفقههم فقهاً وأعلمهم بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب، وأما أغزرهم حديثاً فعروة بن الزبير، وأعلمهم عندي جميعاً ابن شهاب، فإنه جمع علمهم جميعاً إلى علمه"5.

_ 1 الطبقات الكبرى (178) القسم المتمم، والتمهيد (5/ 106، 107) 2 الطبقات الكبرى (2/ 388) . 3 التمهيد (6/ 105) . 4 التاريخ الكبير (1/ 221) . 5 المعرفة والتاريخ (1/ 471 و1/ 622 - 623) .

وقال عنه عبد الملك بن مروان: "ما مات رجل ترك مثلك"1. وأخيراً قال عنه الليث بن سعد: "ما رأيت عالماً قط أجمع من ابن شهاب، ولا أكثر علماً منه، ولو سمعت من ابن شهاب يحدث عن الترغيب، فتقول لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن العرب والأنساب قلت: لا يحسن إلا هذا، فإن حدث عن الأنبياء وأهل الكتاب، قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة كان حديثه، ثم يتلوه بدعاء جامع يقول: اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة"2.

_ 1 المعرفة والتاريخ (1/ 629) . 2 التاريخ الكبير (1/ 5) ، والمعرفة والتاريخ (1/ 623) ، والحلية (3/ 363) ، والتمهيد (5/ 108) .

المبحث الثالث: في ذكر شيوخه الذين روى عنهم المغازي

المبحث الثالث: في ذكر شيوخه الذين روى عنهم المغازي المطلب الأول: في ذكر شيوخه الذين روى عنهم روايات قليلة في المغازي. ... المبحث الثالث: في ذكر شيوخه الذين روى عنهم المغازي وتحته مطلبان: المطلب الأول: في ذكر شيوخه الذين روى عنهم روايات قليلة في المغازي. روى الإمام الزهري رحمه الله عن شيوخ عدة1 في الحديث والسير والمغازي وغيرها، وسأقتصر على ذكر شيوخه الذين روى عنهم المغازي من الصحابة وغيرهم مرتبين على حروف المعجم. 1 - أنس بن مالك رضي الله عنه2. 2 - ثعلبة بن أبي مالك3. 3 - السائب بن يزيد رضي الله عنه4. 4 - سنان بن أبي سنان الدؤلي5. 5 - سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب6.

_ 1 انظرهم في تهذيب الكمال للمزي (26/ 420 - 427) . 2 وقد روى الزهري عنه في المغازي خمس روايات رقم (18، 110، 128، 149، 173) . 3 وقد روى عنه رواية واحدة رقم [41] 4 وقد روى عنه روايتين رقم [174، 189] 5 وقد روى عنه روايتين رقم [62، 160] . 6 وقد روى عنه أربع روايات رقم [63، 93، 155، 182] .

6 - عباد بن زياد، المعروف أبوه بزياد بن أبي سفيان1. 7 - عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب2. 8 - عبد الرحمن بن أزهر القرشي الزهري3. 9 - عبد الرحمن بن كعب بن مالك4. 10 - عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة5. 11 - عبد الله بن أبي حَدْرَد الأسلمي6. 12 - عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير7. 13 - عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك8. 14 - عبد الله بن موهب الشامي9. 15 - عمر بن أسيد بن العلاء الثقفي10.

_ 1 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [184] . 2 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [186] . 3 وقد روى عنه الزهري في المغازي روايتين رقم [165، 166] . 4 وقد روى عنه الزهري في المغازي اثنتي عشرة رواية رقم [47، 50، 51، 53، 54، 60، 84، 103، 112، 116، 178، 179] . 5 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [40] . 6 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [156] . 7 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [8] . 8 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [28] 9 وقد روى عنه الزهري في المغازي روايتين رقم [138،139] 10 وقد روى عنه الزهري في المغازي روايتين رقم [58،57]

16 - عمر بن محمد بن جبير بن مطعم1. 17 - عمرو بن جارية الثقفي2. 18 - عنبسة بن سعيد بن العاص الأموي3. 19 - كثير بن العباس بن عبد المطلب4. 20 - كلثوم بن الحصين الغفاري5. 21 - مالك بن أوس بن الحَدَثان6. 22 - محمد بن جبير بن مطعم بن عدي7. 23 - مسلم بن يزيد السعدي8. 24 - يزيد بن هرمز المدني مولى بني ليث9. 25 - أبو بكر بن سليمان بن أبي حثْمة10.

_ 1 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [175] 2 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [57] 3 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [127] 4 وقد روى عنه الزهري في المغازي روايتين رقم [163،164] 5 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [181] 6 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [32] 7 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [17] 8 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [147] 9 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [42] 10 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [10]

26 - أبو حازم سلمة بن دينار1. 27 - أبو أمامة بن سهل بن حُنيف2.

_ 1 وقد روى عنه الزهري في المغازي رواية واحدة رقم [15] 2 وقد روى عنه الزهري في المغازي روايتين رقم [73، 108]

المطلب الثاني: في ذكر شيوخه الذين أكثر عنهم، وكان لهم تأثير عليه.

المطلب الثاني: في ذكر شيوخه الذين أكثر عنهم، وكان لهم تأثير عليه. بالرغم من كثرة شيوخ الزهري إلا أنه قد انقطع إلى أربعة كلهم بحور فلازمهم مدة طويلة حتى أفرغ ما عندهم في جعبته وهم: 1- سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي، ت94 هـ1. 2- عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، ت 97 هـ، وقيل 93 هـ، وقيل أربع2. 3- عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، ت سنة 98 هـ وقيل 99 هـ3. 4- أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ت سنة 944. فهؤلاء الأربعة الذين أدركهم الزهري وأخذ جلَّ علمه منهم؛ لأن هؤلاء قد أدركوا كثيراً من الصحابة واستقوا علوم السنة منهم5، فبارك الله في أعمارهم حتى أدركهم الزهري فظفر بهم، يقول الزهري: أدركت

_ 1 سير أعلام النبلاء 4/217-246. 2 سير أعلام النبلاء 4/421-434. 3 سير أعلام النبلاء 4/475-479. 4 سير أعلام النبلاء 4/287-289. 5 الطبقات الكبرى 2/280و5/121.

من بحور قريش أربعة: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبا سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، فأما أبو سلمة بن عبد الرحمن فكان يماري ابن عباس فجرب بذلك علماً كثيراً1. وسعيد بن المسيب هو: سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو ابن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة، الإمام العَلَم، أبو محمد القرشي المخزومي، عالم أهل المدينة، وسيد التابعين في زمانه، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه وقيل: لأربع مضين منها. رأى عمر وسمع عثمان، وعلي اً وزيد بن ثابت، وأبا موسى وسعداً، وعائشة، وأبا هريرة، وابن عباس، ومحمد بن مسلمة، وأم سلمة، وخلقاً سواهم2. قال العطاف بن خالد: عن أبي حرملة عن ابن المسيب قال: "ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة"3. وعن سفيان الثوري: عن عثمان بن حكيم، سمعت سعيد بن

_ 1 الطبقات الكبرى 2/382، والمعرفة والتاريخ1/489و1/522، وتاريخ أبي زرعة رقم (945) ، والحلية 2/188، وفيها أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بدلاً من أبي سلمة، والتمهيد 6/305، وسير أعلام النبلاء 4/289، وفيه (..فحرم لذلك منه علماً كثيراً) . ولعله تصحيف من الطباعة. 2 سير أعلام النبلاء 4/217-218. 3 سير أعلام النبلاء 4/221

المسيب يقول: "ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد"1. وعن نافع أن ابن عمر ذكر سعيد بن المسيب فقال: "هو والله أحد المفتين"2. وقال قتادة ومكحول والزهري وآخرون، واللفظ لقتادة: "ما رأيت أعلم من سعيد بن المسيب"3. وقال علي بن المديني: "لا أعلم في التابعين أحداً أوسع علماً من ابن المسيب، هو عندي أجل التابعين"4. وقال أحمد بن حنبل وغير واحد: "مرسلات سعيد بن المسيب صحاح"5. وعن عبد الرحمن بن حرملة: سمعت ابن المسيب يقول: "حججت أربعين حجة"6. وقال مالك: قال ابن المسيب: "إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد"7.

_ 1 المصدر السابق. 2 المصدر السابق 4/222. 3 المصدر السابق. 4 المصدر السابق. 5 المصدر السابق. 6 سير أعلام النبلاء 4/222. 7 المصدر السابق.

فهذا العالم النحرير أحد شيوخ الزهري الذين أكثر عنهم ولازمهم مدة طويلة كما ذكر ذلك عن نفسه حيث قال: جالست سعيد بن المسيب ست سنين1. وفي رواية أخرى: "جالسته سبع سنين"2. وفي رواية ثالثة: "جالسته ثمان سنين"3. وفي رواية رابعة قال: "جالسته عشر سنين"4. ويجمع بين هذه الروايات بأنه جالسه ست سنين في بداية الأمر فأخبر عن تلك المدة، وكلما زاد مدة أخبر عنها حتى بلغت عشر سنين. وقال الزهري عنه: "كنت أطلب العلم من ثلاثة: سعيد بن المسيب وكان أفقه الناس، وعروة بن الزبير وكان بحراً لا تكدره الدلاء، وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة، وكنت لا أشأ أن أقع منه على علم ما لا أجد عند غيره إلا وقعت"5. وقد روى عنه الزهري في المغازي ست عشرة رواية من أصل 195

_ 1 الحلية 3/367. 2 المعرفة والتاريخ 1/359، و1/473، والحلية 3/366. 3 الطبقات الكبرى 171 (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة - تحقيق زياد منصور) والمعرفة والتاريخ 1/631، وتذكرة الحفاظ 1/109، والبداية والنهاية 9/341. 4 الطبقات الكبرى (2/ 383) ، والطبقات أيضاً القسم المتمم (165) ، وتاريخ دمشق ترجمة الزهري (54) رقم (48) تحقيق: شكر الله نعمة الله. 5 المعرفة والتاريخ (1/ 552) .

رواية. وأما عروة: فهو عروة بن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية، الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، الإمام عالم المدينة، أبو عبد الله القرشي الأسدي، المدني الفقيه، أحد الفقهاء السبعة1. ولد لست سنين خلت من خلافة عثمان2. قال ابن أبي الزناد: حدثني عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن قال: "دخلت مع أبي المسجد، فرأيت الناس قد اجتمعوا على رجل، فقال أبي: أنظر من هذا، فنظرت فإذا هو عروة، فأخبرته وتعجبت، فقال: يابني لا تعجب، لقد رأيت أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه"3. وذكره يعقوب بن سفيان ضمن جماعة وذكر لهم أخباراً، ثم قال: فهؤلاء الذين سميناهم ثقات متقنون يقوم حديثهم مقام الحجة، وهم فقهاء تابعي أهل المدينة4. وقال ابن عبد البر: "وكان أحد العشرة الفقهاء من تابعي المدينة ...

_ 1 سير أعلام النبلاء 4/421. 2 سير أعلام النبلاء 4/422 3 سير أعلام النبلاء 4/425. 4 المعرفة والتاريخ 1/354-355.

وكان عروة أحفظهم كلهم وأغزرهم حديثاً"1. ونقل ابن كثير عن الواقدي أنه قال: "كان فقيهاً عالماً حافظاً ثبتاً حجة عالماً بالسير وهو أول من صنف المغازي"2. وقد عرف الزهري منزلة ذلك الإمام العظيمة، حتى قال عنه: "إن كنت لآتي باب عروة بن الزبير فأجلس ثم أنصرف، ولو أشاء أن أدخل لدخلت إعظاماً له"3. ولازمه وأخذ عنه علماً كثيراً ولما أخذ عنه العلم وجده بحراً، ولذلك قال، وجدت عروة بحراً لا تكدره الدلاء4. وقال عنه أيضاً: ... وأما عروة فبئر لا تكدره الدلاء5. وقد أخذ الزهري عنه أحاديث كثيرة منها في المغازي (39) رواية من أصل (195) رواية. وهو أكثر شيوخ الزهري رواية للمغازي. وأما عبيد الله: فهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، الإمام الفقيه، مفتي المدينة وعالمها، وأحد الفقهاء السبعة، أبو

_ 1 التمهيد 8/5. 2 البداية والنهاية 9/101. 3 الطبقات 170، القسم المتمم، تحقيق زياد منصور، والمعرفة والتاريخ 1/638، وتاريخ دمشق، ص: 52-53 رقم (44) من ترجمة الزهري. 4 المعرفة والتاريخ 1/475. 5 الحلية 3/366.

عبد الله1. ولد في خلافة عمر أو بعيدها2. قال أحمد بن عبد الله العجلي: "كان أعمش، وكان أحد فقهاء المدينة، ثقة رجلاً صالحاً، جامعاً للعلم، وهو معلم عمر بن عبد العزيز"3. وقال أبو زرعة الرازي: "ثقة مأمون إمام"4. قال عنه تلميذه الزهري بعدما صحبه وجالسه: "لما جالست عبيد الله ابن عبد الله صرت كأني أصحب بحراً"5. وقال: "كنت أظن أني قد علمت العلم فلما جالسته رأيت أني كنت في شعاب من العلم"6. وقد روى عنه في المغازي ثمان روايات من أصل (195) رواية. وقال: "سمعت من العلم شيئاً كثيراً حتى ظننت أني قد اكتفيت، فلما لقيت عبيد الله بن عبد الله فإذا ليس في يدي من العلم شيءٌ"7.

_ 1 سير أعلام النبلاء 4/475. 2 المصدر السابق. 3 سير أعلام النبلاء 4/576. 4 المصدر السابق. 5 المعرفة والتاريخ 1/561. 6 تاريخ أبي زرعة رقم (1395) . 7 التمهيد 9/7.

وقال: "كنت إذا سألت عبيد الله بن عبد الله فكأنما أفجر بحراً"1. وقال: "أدركت أربعة بحور عبيد الله بن عبد الله أحدهم"2. وقال: "خدمت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حتى إن كان خادمه ليخرج فيقول: مَن بالباب؟ فتقول الجارية غلامك الأعيمش، فتظن أني غلامه، وإن كنت لأخدمه حتى لأستقي له وضوءه"3. وقال يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري: "لما أخذ ابن شهاب ما عند عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود العلم ورأى أنه قد نفضه فلم يبق عنده من العلم شيئاً إلا حواه واستغنى عنه، انقطع عنه فقال عبيد"الله: إذا شئتَ أن تلقى خليلاً مصافحاً لقيتَ وإخوان الثقات قليلُ4 وأما أبو سلمة فبالرغم أنه ذكره ضمن البحور الأربعة، لكنه لم يرو عنه في المغازي – فيما وقفت عليه – إلا ثلاث روايات فقط، ولعله يقصد بكثرة الأخذ عنه المرويات الأخرى التي لا علاقة لها بالمغازي. قال الذهبي: "قلت: لم يكثر عن أبي سلمة وهو من عشيرته، ربما كان بينهما شيءٌ، وإلا فما أبو سلمة بدون عروة في سعة العلم"5. يتضح مما سبق أن الزهري قد جمع علم أولئك الذين وصفهم بالبحور إلى علمه، فأصبح بحراً لا ساحل له.

_ 1 سنن الدارمي رقم (617) ، وتاريخ أبي زرعة رقم (942) . 2 التمهيد 9/8. 3 الحلية 3/362، وتاريخ دمشق رقم (50، 51، 52) ترجمة الزهري. 4 تاريخ دمشق رقم (52) ترجمة الزهري، تحقيق شكر الله. 5 سير أعلام النبلاء 4/289.

المبحث الرابع: في ذكر تلاميذه الذين رووا عنه المغازي وأبرزهم

المبحث الرابع: في ذكر تلاميذه الذين رووا عنه المغازي وأبرزهم المطلب الأول: في ذكر تلاميذه الذين رووا عنه روايات قليلة في المغازي، مرتبين على حروف المعجم. ... المبحث الرابع: في ذكر تلاميذه الذين رووا عنه المغازي وأبرزهم1. وتحته ثلاثة مطالب: المطلب الأول: في ذكر تلاميذه الذين رووا عنه روايات قليلة في المغازي، مرتبين على حروف المعجم. إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري2. أسامة بن زيد الليثي مولاهم3. إسحاق بن راشد الجزري4. إسماعيل بن رافع بن عويمر الأنصاري5. أشعث بن سوّار الكندي6.

_ 1 روى عن الزهري تلاميذ عدة ذكرهم المزي في تهذيب الكمال 26/427-431، ولكن اقتصرت على ذكر تلاميذه الذين رووا عنه المغازي فقط، لأن هذا ألصق بالبحث. 2 وقد روى عن الزهري روايتين من المغازي رقم (54، 58) . 3 وقد روى عن الزهري رواية واحدة من المغازي رقم (166) . 4 وقد روى عن الزهري روايتين من المغازي رقم (143، 186) . 5 وقد روى عن الزهري رواية واحدة من المغازي رقم (5) . 6 وقد روى عن الزهري رواية واحدة من المغازي رقم (23) .

سفيان بن حسين بن حسن الواسطي1. سفيان بن عيينة2. صالح بن أبي الأخضر اليمامي3. صالح بن كيسان المدني أبو محمد4. عاصم بن عمر بن قتادة5. عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي6. عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان بن حُنَيف الأنصاري7. عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي8. عبد الله بن زياد بن سمعان المخزومي9. عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي10.

_ 1 وقد روى عن الزهري روايتين من المغازي رقم (20، 111) . 2 وقد روى عن الزهري أربع روايات من المغازي رقم (70، 94، 110، 189) . 3 وقد روى عن الزهري رواية واحدة من المغازي رقم (190) . 4 روى عنه رواية واحدة رقم (67) . 5 روى عنه رواية واحدة رقم (81) 6 روى عنه رواية واحدة رقم (38) . 7 روى عنه روايتين رقم (96، 125) . 8 روى عنه رواية واحدة رقم (176) . 9 روى عنه رواية واحدة رقم (138) . 10 روى عنه رواية واحدة رقم (153) .

عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج1. عبد الواحد بن أبي عون2. عبد الله بن أبي زياد الرصافي3. عمرو بن دينار4. الليث بن سعد5. محمد بن أبي عتيق6. محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري7. محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي8. محمد بن عبد الله الزهري (ابن أخي الزهري) 9. الوليد بن محمد الموقّري، أبو بشر البلقاوي10. يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس11.

_ 1 روى عنه رواية واحدة رقم (184) . 2 روى عنه رواية واحدة رقم (46) . 3 روى عنه روايتين رقم (34، 109) . 4 روى عنه رواية واحدة رقم (32) . 5 روى عنه رواية واحدة رقم (47) . 6 روى عنه رواية واحدة رقم (62) . 7 وقد روى عنه ثلاث روايات رقم (40، 93، 150) . 8 روى عنه رواية واحدة رقم (127) . 9 وقد روى عنه ثمان روايات رقم (10، 16، 27، 75، 90، 132، 133، 136) . 10 روى عنه رواية واحدة رقم (82) . 11 روى عنه رواية واحدة رقم (156) .

المطلب الثاني: في أبرز تلاميذه وأوثقهم.

المطلب الثاني: في أبرز تلاميذه وأوثقهم. كان الزهري قد اشتهر بين الناس بغزارة علمه وقوة حافظته وذاكرته وعدالته، فهرع إليه الناس من كل مكان، فكان له من التلاميذ ما لا يحصي عددهم إلا الله، غير أن جماعة منهم لازموه ملازمة طويلة فأكثروا عنه مع توفر العدالة فيهم ومن هؤلاء.

_ 1- مالك بن أنس. 2- معمر بن راشد. 3- شعيب بن أبي حمزة. 4- يونس بن يزيد الأيلي. 5- عُقيل بن خالد الأيلي. قال أبو حاتم: "مالك بن أنس ثقة إمام الحجاز، وهو أثبت أصحاب الزهري"1. وقال أيضاً: "مالك أثبت أصحاب الزهري، فإن خالفوا مالكاً من أهل الحجاز حكم لمالك"2. وقال عبد الله بن أحمد: "قلت لأبي من أثبت أصحاب الزهري؟ قال: مالك أثبت في كل شيء"3. وقيل للجوزجاني: من أثبت في الزهري؟ قال: "مالك من أثبت الناس 1 الجرح والتعديل 1/17. 2 الجرح والتعديل 1/17. 3 العلل ومعرفة الرجال 1/370.

فيه"1. وقال عمرو بن علي: "أثبت من روى عن الزهري ممن لا يختلف فيه مالك بن أنس"2. قال أبو حاتم: "انتهى الإسناد إلى ستة نفر أدركهم معمر وكتب عنهم، لا أعلم اجتمع لأحد غير معمر من الحجار: الزهري، وعمرو بن دينار، ومن الكوفة أبو إسحاق والأعمش، ومن البصرة قتادة، ومن اليمامة يحيى بن أبي كثير"3. وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: "أثبت الناس في الزهري مالك بن أنس ومعمر، ويونس وعُقيل وشعيب بن أبي حمزة وابن عيينة"4. وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: "معمر ويونس عالمان بالزهري، ومعمر أثبت في الزهري من ابن عيينة"5. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: "سألت يحيى بن معين قلت: ابن عيينة أحب إليك في الزهري أو معمر؟ قال: معمر"6.

_ 1 شرح علل الترمذي 2/674. 2 الجرح والتعديل 8/ الترجمة رقم (902) . 3 الجرح والتعديل 8/رقم الترجمة (1165) . 4 تاريخ يحيى بن معين 2/543، ترجمة مالك. 5 الجرح والتعديل 8/رقم الترجمة (1165) . 6 تاريخ الدارمي رقم الترجمة (20،8،3) .

وقال ابن الجنيد: "سئل يحيى بن معين وأنا أسمع: من أثبت من روى عن الزهري؟ فقال: مالك بن أنس ثم معمر، ثم عُقيل، ثم يونس، ثم شعيب، والأوزاعي، والزبيدي، وسفيان بن عيينة، وكل هؤلاء ثقات"1. وقال ابن الجنيد: "سمعت يحيى بن معين يقول: وأصحاب الزهري شعيب ومعمر وعُقيل ويونس والأوزاعي، قال رجل ليحيى: فمالك بن أنس؟ قال: ذاك من أرفعهم"2. وقال ابن طهمان عن يحيى بن معين: "شعيب بن أبي حمزة ليس به بأس، وهو أعلم بالزهري من يونس ومعمر، ومالك بن أنس أوثق الناس في الزهري"3. فهؤلاء هم أكثر الناس أخذاً عن الزهري، وأكثر مرويات الزهري في المغازي من طريق هؤلاء خاصة معمر الذي روى عنه اثنتين وأربعين رواية في المغازي، ويليه في المرتبة الثانية يونس بن يزيد الأيلي الذي روى عنه خمس عشرة رواية في المغازي، ثم عُقيل بن خالد الذي روى عنه اثنتي عشرة رواية، ثم شعيب بن أبي حمزة الذي روى عنه تسع روايات في المغازي، ثم مالك بن أنس الذي روى عنه ثمان روايات.

_ 1 سؤالاته، الترجمة (156) . 2 سؤالاته ترجمة رقم (545) . 3 سؤالاته ترجمة رقم (138) .

المطلب الثالث: في تلاميذه الذين ألفوا في المغازي

المطلب الثالث: في تلاميذه الذين ألّفوا في المغازي: أما أبرز تلاميذ الزهري ممن ألّف في المغازي فهما الإمامان الجليلان: موسى بن عقبة بن أبي عياش، أبو محمد القرشي مولاهم الأسدي المدني توفي سنة 141هـ1. ومحمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم توفي سنة 151هـ2. وقد أثنى العلماء على موسى وعلى مغازيه. فقال الحافظ ابن حجر:. "ثقة فقيه إمام في المغازي"3. وقد روي عن الإمام مالك أنه كان إذا سئل عن المغازي قال: "عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي"4. وقال الشافعي: "ليس في المغازي أصح من كتابه مع صغره، وخلوه من أكثر ما يذكر في كتب غيره"5. وكان يحيى بن معين يقول: "كتب موسى بن عقبة عن الزهري من أصح هذه الكتب"6.

_ 1 سير أعلام النبلاء 6/114. 2 سير أعلام النبلاء 7/33. 3 التقريب 552. 4 دلائل النبوة للبيهقي 2/371، وسير أعلام النبلاء 6/115. 5 الرسالة المستطرفة 82. 6 تهذيب الكمال 29/120، وسير أعلام النبلاء 6/117.

وقد روى موسى بن عقبة عن الزهري في المغازي اثنتين وثلاثين رواية من أصل (195) رواية. وأما ابن إسحاق فهو المتخصص في علم المغازي1. قال عنه الزهري: "لا يزال بالمدينة علم جم ما دام فيهم ابن إسحاق"، وسئل الزهري عن مغازيه فقال: "هذا أعلم الناس بها - يعني ابن إسحاق"2. وقال عنه الإمام الشافعي: "من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق"3. وقال عنه الذهبي: "قلت قد كان في المغازي علاّمة"4. وقد روى عن الزهري روايات كثيرة في السير منها في المغازي خمس وعشرون رواية. وضعت منها في صلب الرسالة إحدى عشرة رواية، والباقي في الهامش كشواهد وذلك لاختصارها الشديد.

_ 1 انظر: سير أعلام النبلاء 7/53 2 سير أعلام النبلاء 7/36. 3 وسير أعلام النبلاء 7/36. 4 تاريخ بغداد 1/219، سير أعلام النبلاء 7/36.

المبحث الخامس: في مروياته المرسلة ونسبة التدليس إليه

المبحث الخامس: في مروياته المرسلة ونسبة التدليس إليه المطلب الأول: في مراسيله ... المبحث الخامس: في مروياته المرسلة ونسبة التدليس إليه وفيه مطلبان: المطلب الأول: في مراسيله1. وقد تكلم علماء الحديث عن مراسيل الزهري فوصفوها بأنها لا شيء. قال يحيى بن سعيد القطان: "مرسل الزهري شر من مرسل غيره لأنه حافظ، وكلما قدر أن يُسمى سَمَّى، وإنما يترك من لا يحسن أن يسميه2. وروى عنه قوله: "مرسل الزهري لا شيء"3. وقال ابن أبي حاتم: "كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة، ويقول: هو بمنزلة الريح، ثم يقول: هؤلاء حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء عقلوه"4.

_ 1 يُقصد بمراسيله ما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى زمانه ولم يذكر الصحابي أو الصحابة الذين روى عنهم تلك الروايات. 2 تاريخ دمشق، ترجمة الزهري، 157 رقم (245) تحقيق شكر الله. 3 المصدر السابق،160 رقم (259) تحقيق شكر الله، وتدريب الراوي 124. 4 المراسيل لابن أبي حاتم، 11.

وروي عن يحيى بن معين أنه قال: "مرسل الزهري ليس بشيء"1. لكن قيل لأحمد بن صالح المصري: "قال يحيى بن سعيد: مرسل الزهري شبه لا شيء، فغضب وقال: ما ليحيى ومعرفة علم الزهري ليس كما قال يحيى"2. فلعل الزهري - والله أعلم - كان يحذف بعض الرواة اختصاراً، ولذلك يسميهم عندما يسأل عنهم، فقد روي عن مالك بن أنس أنه قال: كنا نجلس إلى الزهري وإلى محمد بن المُنْكَدِر، فيقول الزهري: قال ابن عمر كذا وكذا، فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه فقلت: الذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به؟ قال: ابنه سالم3. قال ابن عبد البر: "فهكذا مراسيل الثقات، إذا سئلوا أحالوا على الثقات"4. وهذه الرواية تدل على أن ما ذكره القطان من قوله: " ... وإنما يترك من لا يحسن أو يستحي أن يسميه"، ليس مسلم به في كل الأحوال، كما أن يحيى بن سعيد القطان من متشددي أئمة الجرح والتعديل في الحديث، وعلى كل حال فهذا حكم المحدثين في الحلال والحرام أما في

_ 1 شرح علل الترمذي لابن رجب، 1/535. 2 تاريخ دمشق، ص160رقم الرواية (259) ترجمة الزهري تحقيق: شكر الله قوجاني. 3 الكفاية للخطيب، 318، وابن عبد البر في التمهيد، 1/37. 4 التمهيد، 1/37.

باب المغازي والسير فمراسيل الزهري مقبولة، وخاصة التي لا علاقة لها بالأحكام وصح مخرجها إلى الزهري. قال البيهقي: "كل حديث أرسله واحد من التابعين أو الأتباع، فرواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر من حمله عنه، فهو على ضربين: أحدهما: أن يكون الذي أرسله من كبار التابعين الذين إذا ذكروا من سمعوا منه ذكروا قوماً عدولاً يوثق بخبرهم، فهذا إذا أرسل حديثاً نظر في مرسله فإذا انضم إليه ما يؤكده من مرسل غيره، أو قول واحد من الصحابة أو إليه ذهب عوام أهل العلم، فإنا نقبل مرسله في الأحكام. والآخر: أن يكون الذي أرسله من متأخري التابعين الذين يعرفون بالأخذ عن كل واحد، وظهر لأهل العلم بالحديث ضعف مخارج ما أرسلوه، فهذا النوع من المراسيل لا يقبل في الأحكام، ويقبل فيما لا يتعلق به حكم من الدعوات وفضائل الأعمال والمغازي، وما أشبهها"1.

_ 1 دلائل النبوة 1/39-40.

المطلب الثاني: في نسبة التدليس

المطلب الثاني: في نسبة التدليس1 إليه. كان الزهري رحمه الله مدلساً، فقد وصفه الشافعي والدارقطني وغير واحد بذلك كما قال الحافظ2. ولكن تدليسه كان نادراً كما قال الذهبي3. وقد ذكره العلائي رحمه الله في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين، وهم ممن احتمل الأئمة تدليسهم، قال رحمه الله: "وثانيها: من احتمل الأئمة تدليسه وخرجوا له في الصحيح، وإن لم يصرح بالسماع، وذلك لإمامته أو لقلة تدليسه في جنب ما رَوَى أو لأنه لا يدلس إلا عن ثقة، كالزهري وسليمان الأعمش، وإبراهيم النخعي" ففي الصحيحين وغيرهما لهؤلاء الحديث الكثير مما ليس فيه التصريح بالسماع، وبعض الأئمة حمل ذلك على أن الشيخين اطلعا على سماع الواحد لذلك الحديث الذي أخرجه بلفظ (عن) ونحوها من شيخه4.

_ 1 التدليس هو: أن يروي الراوي عن شيخه حديثاً لم يسمعه منه بلفظ عن أو قال أو ذكر ونحو ذلك مما يوهم الاتصال ولا يصرح بحدثنا. جامع التحصيل 97، وتدريب الراوي 1/223-224. 2 تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس 109، وهذا بالطبع في حكم المحدثين. 3 ميزان الاعتدال 4/40 رقم الترجمة (8171) . 4 جامع التحصيل 113.

وقال أيضاً: "محمد بن شهاب الزهري العالم المشهور، مشهور به، وقد قبل الأئمة قوله (عن) "1. وقال برهان الدين الحلبي: "محمد بن مسلم الزهري العالم المشهور، مشهور به وقد قبل الأئمة قوله (عن) "2. وذكره الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله في الطبقة الثانية من المدلسين فقال: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري الفقيه المدني نزيل الشام مشهور بالإمامة والجلالة من التابعين، وصفه الشافعي والدارقطني وغير واحد بالتدليس، ولكن قال البرهان في التبيين في أسماء المدلسين، قد قبل الأئمة قوله (عن) 3. أما الحافظ ابن حجر فقد ذكره في الطبقة الثالثة4. وهم من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقاً، ومنهم من قَبِلَهم كأبي الزبير المكي5. وقد جعله الحافظ في مرتبة اختلف الأئمة عليها، فمن تشدد كيحيى القطان لم يقبل إلا ما صرح به، ومن اعتدل قَبِلَ، والزهري لم يكن من

_ 1 المصدر السابق 109. 2 التبيين لأسماء المدلسين 50. 3 إتحاف ذوي الرسوخ بمن رُمي بالتدليس من الشيوخ 47. 4 تعريف أهل التقديس 109، والنكت على كتاب ابن الصلاح 2/642. 5 تعريف أهل التقديس 23.

المكثرين من التدليس كما ذكر العلائي والذهبي فيما سبق ذكره على أن الحافظ ابن حجر نفسه قد وصف الزهري بقلة التدليس1. فالأولى أن يكون في الطبقة الثانية، وهي من احتمل الأئمة تدليسهم وخرجوا لهم في الصحيحين وغيرهما إما لإمامتهم أو لقلة تدليسهم، ومع ذلك حكم على تلك الأحاديث بالصحة2.

_ 1 انظر: فتح الباري 10/427 تحت حديث رقم (5995) . 2 انظر: على سبيل المثال سنن أبي داود رقم (3000) ، فقد حكم عليه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (2593) بالصحة وانظر: سنن الترمذي، حديث رقم (2116) ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم (1665) ، وانظر: سنن النسائي حديث رقم (2116) ، وقد صححه الألباني في صحيح سنن النسائي رقم (3366) . وانظر: سنن ابن ماجة حديث رقم (1399) وقد صححه الألباني في صحيح سنن النسائي رقم (1148) .

المبحث السادس: في بعض الشبهات التي أثيرت حوله

المبحث السادس: في بعض الشبهات التي أثيرت حوله الشبهة الأولى: في مخالطته الملوك من بني أمية: ذكر بعض علماء الزيدية1 أن مخالطة الزهري لسلاطين بني أمية يعد موالاة لهم وإعانة لهم، وهذا قدح وجرح في شخصية الزهري2، وأنه ما وقف معهم إلا ليعينهم على المظالم على العموم3. وقد تولى العلامة ابن الوزير4 في كتابه (العواصم والقواصم) الرد على هذه التهمة بكلام طويل أذكر منه ما يفي بالمقصود، قال رحمه الله: "والأمر في الزهري قريب والإشكال فيه سهل، لكن القدح الذي قدح به السيد على الزهري يقتضي القدح في كثير من العلماء والفضلاء، ممن خالط الملوك فإن التاركين لذلك من العلماء هم الأقلون عدداً، وإذا طالعت كتب التواريخ لم تكد تجد أحداً من العلماء إلا وله علاقة بالسلاطين أو مخالطة لهم أو وفادة عليهم أو قبول لعطاياهم، فمنهم المقل

_ 1 هو: علي بن محمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين الهادي، ت837هـ، البدر الطالع 1/485،وهو من شيوخ ابن الوزير. 2 العواصم والقواصم 8/187. 3 العواصم والقواصم 8/220. 4 اسمه: محمد بن إبراهيم بن الوزير اليماني، ت 840هـ، البدر الطالع 2/81، والضوء اللامع 6/272، وفهرس الفهارس 2/1024.

ومنهم المكثر"1. ثم قال: "وأما من خالط الملوك أو كاتبهم أو قبل عطاياهم فهو السواد الأعظم من المتقدمين والمتأخرين من الصحابة والتابعين، وأنا أذكر منهم عيوناً حسب ما حضرني. ثم ذكر رحمه الله نماذج من ذلك منها: 1- مخالطة يوسف عليه السلام لعزيز مصر2. 2- أن الحسن بن علي - رضي الله عنه - كان يكاتب معاوية ويدخل عليه، ويأخذ منه العطايا3. 3- ذكر أيضاً مخالطة الشافعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن لهارون الرشيد4. قلت: وأما قوله: إنه إنما وقف معهم ليعينهم على المظالم على العموم، فغير مسلم لوجهين: الوجه الأول: أنه كان يصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم، فقد أخرج عبد الرزاق في تفسيره قال: أنا معمر عن الزهري قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك، فقال: الذي تولى كبره منهم علي بن أبي طالب، قلت: لا، حدثني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة

_ 1 العواصم والقواصم 8/187-188. 2 العواصم والقواصم 8/207. 3 العواصم والقواصم 8/207. 4 العواصم والقواصم 8/211.

بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود كلهم سمعوا عائشة تقول: الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي1. وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري قال: "كنت عند الوليد بن عبد الملك فتلا هذه الآية {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 2، قال: نزلت في علي بن أبي طالب، قال الزهري: أصلح الله الأمير، ليس كذا أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها، قالت: وكيف أخبرك؟ قال: أخبرني عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها

_ 1 تفسير عبد الرزاق 2/51-52، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن شبه في تاريخ المدينة 1/237، والفسوي في المعرفة 1/393، وأخرج البخاري من طريق معمر عن الزهري قال: "قال لي الوليد بن عبد الملك: أبلغك أن علياً كان فيمن قذف عائشة؟ قلت: لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك - أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث - أن عائشة رضي الله عنها قالت لهما: "كان علي مسلماً في شأنها، فراجعوه فلم يرجع ... ". قال الحافظ: "فيه قوله: فراجعوه فلم يرجع" المراجعة في ذلك وقعت مع هشام بن يوسف فيما أحسب، وذلك أن عبد الرزاق رواه عن معمر فخالفه فرواه بلفظ (مسيئاً) كذلك أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرجين، وزعم الكرماني أن المراجعة وقعت في ذلك عند الزهري، قال: وقوله: "فلم يرجع" أي لم يجب بغير ذلك، قال: "ويحتمل أن يكون المراد: فلم يرجع الزهري إلى الوليد ... " الفتح (7/437) . 2 الآية رقم (11) من سورة النور.

أنها نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول المنافق"1. قال الحافظ ابن حجر: "وكأن بعض من لا خير فيه من الناصبة، تقرب إلى بني أمية بهذه الكذبة فحرفوا قول عائشة إلى غير وجهه لعلمهم بانحرافهم عن علي فظنوا صحتها حتى بين الزهري للوليد أن الحق خلاف ذلك، فجزاه الله تعالى خيراً"2. الوجه الثاني: قدح الزهري في الوليد بن يزيد، بسبب إسرافه في المعاصي. فقد أخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي الزناد قال: "كان الزهري يقدح أبداً عند هشام بن عبد الملك في خلع الوليد بن يزيد ويعيبه، ويذكر أموراً عظيمة لا ينطق بها، حتى يذكر الصبيان أنهم يخضبون بالحناء، ويقول هشام: لا يحل لك إلا خلعه"3. فيتضح مما سبق أن قولهم: إنما وقف الزهري مع بني أمية ليعينهم على المظالم على العموم لا دليل عليه، فقد دلت تلك النصوص المتقدم ذكرها على أن ابن شهاب الزهري رحمه الله كان لا يداهن في قول الحق أبداً وقد شهد له بذلك كبار أئمة الإسلام.

_ 1 الحلية لأبي نعيم 3/369. 2 فتح الباري 7/437. 3 الطبقات الكبرى، القسم المتمم (183) تحقيق: زياد منصور، وفي سندها الواقدي وهو متروك، لكن تشهد لها رواية الطبري في تاريخه 7/253، بألفاظ متقاربة.

قال الإمام الأوزاعي: "ما أدهن ابن شهاب لملك قط دخل عليه، ولا أدركت خلافة هشام أحداً من التابعين أفقه منه"1 فلا يصدق تلك التهمة إلا من أعمى الله بصيرته عن الحق الأبلج. وذكر الحافظ ابن حجر أنه قد ورد عند ابن مردويه من وجه آخر عن الزهري قال: "كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي، وهو يقرأ سورة النور مستلقياً فلما بلغ هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} حتى بلغ {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} ، جلس ثم قال: يا أبا بكر من تولى كبره منهم؟ أليس علي بن أبي طالب؟ قال: فقلت في نفسي: ماذا أقول؟ لئن قلت: لا لقد خشيت أن ألقى منه شراً، ولئن قلت: نعم، لقد جئت بأمر عظيم، قلت في نفسي: لقد عودني الله على الصدق خيراً، قلت: لا، قال: فضرب بقضيبه على السرير ثم قال: فمن فمن؟ حتى ردد ذلك مراراً، وقلت: لكنه عبد الله بن أبي2. وقد كان هشام بن عبد الملك يعتقد معتقد الوليد، فقد ذكر ابن حجر أن يعقوب بن شيبة أخرج في مسنده عن الحسن بن علي الحلواني عن الشافعي قال: حدثنا عمي قال: "دخل سليمان بن يسار على

_ 1 المعرفة والتاريخ1/639، وتاريخ أبي زرعة رقم (950) وتاريخ دمشق رقم (264) ترجمة الزهري. 2 فتح الباري 7/437.

هشام بن عبد الملك، فقال له: يا سليمان الذي تولى كبره من هو؟ قال: عبد الله بن أبي، قال: كذبت، هو علي، قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول، فدخل الزهري فقال: يا ابن شهاب من الذي تولى كبره؟ قال: ابن أبي، قال: كذبت هو علي، فقال أنا أكذب لا أبا لك، والله لو نادى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت، حدثني عروة وسعيد وعبيد الله، وعلقمة عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي1. الشبهة الثانية: وضعه لحديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... ". هذه الفرية ذكرها اليعقوبي فقال: "ومنع عبد الملك أهل الشام من الحج، وذلك أن ابن الزبير كان يأخذهم إذا حجوا بالبيعة، فلما رأى عبد الملك ذلك منعهم من الخروج إلى مكة، فضجّ الناس وقالوا: تمنعنا من حج بيت الله الحرام الذي هو فرض من الله علينا؟ فقال لهم: هذا ابن شهاب الزهري يحدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد بيت المقدس"2، وهو يقوم لكم مقام المسجد الحرام، وهذه الصخرة التي يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 1 الفتح 7/473، وقد أخرج هذه الرواية ابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الزهري رقم (266) ، والسيوطي في الدر المنثور 6/157. 2 سيأتي تخريجه بعد قليل.

وضع قدمه عليها لما صعد إلى السماء تقوم لكم مقام الكعبة، فبنى على الصخرة قبةً، وعلق عليها ستور الديباج، وأقام لها سدنة، وأخذ الناس بأن يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة، وأقام بذلك أيام بني أمية"1. والرد على هذه التهمة من وجوه: 1- أن هذه الحكاية ساقطةٌ مردودةٌ حسب قواعد النقل والعقل، فهي من حيث الإسناد لا أصل لها، ومن حيث المتن هي منكرةٌ مخالفة للواقع التاريخي، وذلك: أن هذه الحكاية تذكر أن عبد الملك منع الناس الذهاب للحج، ذلك لأن ابن الزبير كان يأخذهم إذا حجوا للبيعة، فيكون ذلك بين عام 65 و73هـ، لأن ابن الزبير قتل سنة 73هـ2. والزهري إنما قدم على عبد الملك سنه 82هـ3، فكيف يعقل أن يكون الزهري وضع لعبد الملك بن مروان هذا الحديث وقد تبين أنه لم يلقه بعد!!

_ 1 تاريخ البيعقوبي 2/261. 2 سير أعلام النبلاء 3/379. 3 المعرفة والتاريخ 3/333، وتاريخ دمشق رقم (2) و (10) من ترجمة الزهري، وأما وفوده على مروان بن الحكم فلا يصح، انظر: تاريخ دمشق رقم (10) .

2- أن حديث "لا تشد الرحال"1 قد رواه الزهري عن شيوخِه من أهل المدينة كسعيد بن المسيب (ت94هـ) ، وعروة بن الزبير (ت97 وقيل قبلها) ، فهل يعقل أن يسكت هؤلاء دون أن ينكروا على الزهري ذلك وهم الغيورون على السنة، فسكوتهم مشاركة على وضعه. 3- لو كان الأمر كذلك لعُدَّ قادحاً في علماءِ الحديثِ حفاظِ السنةِ وناقليها، والذابين عنها، في ذلك العصر وبعده حيث لم يتنبهوا ولم ينبهوا على ذلك، فعلم أن ذلك كذبٌ لا أصل له. 4- أن الحديث المذكور له متابعاتٌ كثيرة للزهري. وله شواهد أخرى أيضاً عن غير أبي هريرة2. فظهر إذاً أن دعوى الوضع باطلة. الشبهة الثالثة: اتهامه بالنصب3.

_ 1 الحديث أخرجه الحميدي رقم (943) ، وابن أبي شيبة (4/65) ، وعبد الرزاق في المصنف رقم (9158) ، وأحمد في المسند 12/191 رقم (7249) ، أرناؤوط والبخاري رقم (1189) ، ومسلم رقم (1397) ، والترمذي (2/124) ، وابن ماجه رقم (1/452) كلهم عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به. 2 قد ورد هذا الحديث من غير طريق الزهري عن أبي هريرة، وثبت عن عدة من الصحابة، منهم: أبو بصرة الغفاري، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبو الجعد الضمري، وعلي. ولذا حكم عليه الشيخ الألباني بأنه متواتر. انظر إرواء الغليل (3/226) رقم (773) . 3 أهل النصب الذين ناصبوا علياً رضي الله عنه أي أظهروا له العداء وفسقوه، أساس البلاغة للزمخشري 960، وفي القاموس: أهل النصب: المتدينون ببغض علي رضي الله عنه، لأنهم نصبوا له أي عادوه: نصب.

فقد اتهم الشيعة الزهري بذلك زوراً وبهتاناً. ويُلحظ أن هذه التهم الثلاث كلها صادرة من الشيعة. قال الطوسي: "محمد بن شهاب الزهري عدو"1. وقال ابن أبي الحديد: "وكان الزهري من المنحرفين عنه عليه السلام" - يعني علي بن أبي طالب -2. وهذه التهم مردودة من وجوه: الأول: أن موقف الزهري من الوليد بن عبد الملك في قصة من تولى كبر الإفك دليل على حبه لعلي رضي الله عنه. الثاني: أن مذهبه في علي رضي الله عنه هو مذهب أهل السنة من السلف الصالح حيث يقدم أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علياً - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - كما سيأتي في مبحث عقيدته. الثالث: أن الزهري قد روى عن جماعة كبيرة من آل البيت منهم: كثير بن العباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله والحسن ابنا محمد بن علي بن أبي طالب، وزين العابدين بن علي بن الحسن وزيد بن علي بن الحسن3، وأبو

_ 1 رجال الطوسي 101. 2 شرح نهج البلاغة 4/102، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. 3 تهذيب الكمال 26/420-427.

جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي الباقر1. الرابع: أنه قد أثنى على علي بن الحسين فقال فيه: "ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين"2. وقال عنه: "كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته، وأفقههم، وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان بن الحكم وابنه عبد الملك3. وقال: "لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين4. بل قيل: إن من أصح الأسانيد: الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي5. فكيف يعقل أن يكون ناصبياً، وآل البيت عنده بهذه المنزلة، سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.

_ 1 تهذيب الكمال 26/136. 2 المعرفة والتاريخ 1/544، وتاريخ أبي زرعة رقم (1477) والجرح والتعديل 6/178 رقم (977) . 3 الطبقات الكبرى لابن سعد 5/215، وتاريخ أبي زرعة رقم (973) . 4 الجرح والتعديل 6/178 رقم الترجمة (977) . 5 تاريخ دمشق رقم (130) وجامع الأصول 1/154، وانظر هامش (1) من نفس الصفحة حول كلام العلماء الذي نقله أحمد شاكر رحمه الله في أصح الأسانيد.

المبحث السابع: في عقيدته

المبحث السابع: في عقيدته طبقت شهرة الزهري أرجاء العالم الإسلامي في وقته بسبب ما كان يتمتع به من علم وعمل وورع وتقوى بالإضافة إلى سلامة معتقده، فقد كانت آراؤه العقدية موافقة لمنهج جمهور السلف. 1- قوله في الإيمان: نُقل عنه قوله: "فنرى الإسلام: الكلمة، والإيمان: العمل"1. وهذا هو مذهب أهل السنة2. أما المرجئة فيقولون: الإيمان قول، وهو مخالف لمذهب أهل السنة"3. 2- قوله في التفضيل: أخرج الفسوي في المعرفة والتاريخ من طريق معمر قال: "سألت الزهري عن عثمان وعلي أيهما أفضل؟ فقال: الدم الدم عثمان أفضلهما"4. 3- قوله في الصفات: روى عنه أنه قال: "أَمِرُّوها كما جاءت"5. ونقل البغوي عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي، وسفيان ابن عيينة، ومالك بن أنس عن هذه الأحاديث في الصفات فقالوا: "أمروها

_ 1 كتاب السنة لعبد الله بن أحمد رقم (570) ، والسنة للخلال رقم (964) . 2 كتاب السنة للخلال رقم (964) . 3 المصدر السابق. 4 المعرفة والتاريخ 2/806. 5 تاريخ أبي زرعة رقم (1779) و (1780) .

كما جاءت بلا كيف"1، وقال الزهري: "على الله البيان وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم"2. 4- رأيه في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... " الحديث3. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لطم الخدود" 4 وما أشبه، قال: "من الله العلم وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم". فيتبين مما سبق أن معتقده معتقد جمهور الأئمة من السلف الصالح رحمهم الله، وكيف لا يكون كذلك وهو القائل: الاعتصام بالسنة نجاة5.

_ 1 شرح السنة للبغوي 1/171، وتاريخ دمشق رقم (220) . 2 شرح السنة 1/171. 3 أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة رقم (520) ، وأبو نعيم في الحلية 3/369، ولفظه: قال: فسألت الزهري عنه ما هذا؟ فقال: من الله العلم وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم أمروا أحاديث رسول الله كما جاءت، وانظر الذهبي في السير 5/346. 4 السنة للخلال رقم (1001) وذكر المحقق: د. عطية الزهراني أن في إسناده عبيد الله ابن حنبل مجهول. 5 الحلية 3/369، وترجمة الزهري من تاريخ دمشق رقم (219) .

المبحث الثامن: في وفاته وسنه

المبحث الثامن: في وفاته وسنِّه توفي رحمه الله ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان سنة أربع وعشرين ومائة1. وقد توفي رحمه الله في ضيعة له بأدَامى2 بشَغْب3 وبَداَ4.

_ 1 الطبقات الكبرى لابن سعد 185، تحقيق زياد منصور، وطبقات خليفة 261، وتاريخ ابن أبي خيثمة 126/أمخطوط، وترجمة الزهري من تاريخ دمشق 38، 39، 41، 42، 47، 181، 184، 185، 189، 190، تحقيق قوجاني، ووفيات الأعيان 4/178، وتهذيب الكمال 26/441-442، وسير أعلام النبلاء 5/326، والبداية والنهاية 9/344. وقيل توفي: سنة ثلاث وعشرين ومائة، انظر: ترجمة الزهري من تاريخ دمشق 182 تحقيق قوجاني، ووفيات الأعيان 4/178، وتهذيب الكمال 26/441، والبداية والنهاية 9/344، وقيل: توفي سنة خمس وعشرين ومائة، المصادر السابق. والصحيح أنه توفي سنة أربع وعشرين ومائة، انظر: البداية والنهاية 9/344. 2 أدامى: بالفتح والقصر: لم يزد ياقوت في تعريفه عن قوله: موضع بالحجاز فيه قبر الزهري العالم الفقيه، معجم البلدان 1/125. 3 شغب: بفتح أوله وسكون ثانيه وآخره باء موحدة، وهو تهييج الشجر، وهي ضيعة، خلف وادي القرى كانت للزهري وبها قبره، معجم البلدان 3/352، وقال ابن خلكان: شغب وبدا: واديان وقيل قريتان بين الحجاز والشام في موضع هو آخر عمل الحجاز وأول عمل فلسطين, وفيات الأعيان 4/178. 4 وبَداَ: بفتح الباء الموحدة والدال المهملة وبعدها ألف، المصدر السابق. وكان رحمه الله قد أوصى أن يدفن على قارعة الطريق ليدعو له المارّة، انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد ص185، تحقيق زياد منصور، وترجمة الزهري من تاريخ دمشق 41، 189، تحقيق: قوجاني، ووفيات الأعيان 4/178، والبداية والنهاية 9/344.

سنه: وكان عمره حين وفاته اثنتين وسبعين سنة1.

_ 1 تاريخ ابن أبي خيثمة 126/أمخطوط، وترجمة الزهري من تاريخ دمشق 41، 47، 185، نقلاً عن الواقدي وص179 نقلاً عن الزبير بن بكار وغيره، ووفيات الأعيان 4/178، وتهذيب الكمال 26/441، نقلاً عن الواقدي والزبير بن بكر. وذكر ابن سعد عن الواقدي: أنه توفي عن خمس وأربعين سنة، الطبقات الكبرى 185، تحقيق زياد ونقله ابن كثير في البداية والنهاية 9/344. وقال ابن عساكر: "وقال الواقدي في التاريخ: وهو ابن تسعين"، انظر: ترجمة الزهري من تاريخ دمشق ص47، تحقيق شكر الله. والراجح: والله أعلم - أنه مات رحمه الله عن اثنتين وسبعين سنة كما هو قول الجمهور ورواية عن الواقدي كما نقل عنه ابن عساكر والمزي

الفصل الثاني: في أثر الزهري في المغازي

الفصل الثاني: في أثر الزهري في المغازي المبحث الأول: هل له كتاب في المغازي ... الفصل الثاني: في أثر الإمام الزهري في المغازي وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: هل له كتاب في المغازي؟ المبحث الثاني: في منهجه في رواية المغازي. المبحث الثالث: في القيمة العلمية لمغازي الزهري. المبحث الأول: هل له كتاب في المغازي؟ وردت بعض النصوص تدل على أن الزهري كان لديه كتاب أو صحيفة. فقد ذكر يعقوب الفسوي أنه سأل أبا سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم ... قلت له: فعبد الرحمن بن يزيد بن تميم أين هو من أخيه عبد الله؟ قال: كان عبد الله يتهم بالقدر، وكان عبد الرحمن عنده كتاب كتبه الزهري، وكان عند ابنه، لم يقض لنا أن نكتب عنه ذلك الكتاب1. والنص الثاني: ذكره أبو زرعة عن الأوزاعي قال: “دفع إليّ يحيى بن أبي كثير صحيفة فقال: أروها عني، ودفع إلىّ الزهري صحيفة فقال: اروها عني"2. النص الثالث: ذكر ابن الأثير في أسد الغابة تحت ترجمة سعد بن المنذر الأنصاري أن أبا نعيم ذكر أن بعض المتأخرين يعني ابن منده أنهم

_ 1 المعرفة والتاريخ 2/394-395. 2 تاريخ أبي زرعة رقم (375) و (2313) .

ذكروا أن سعد بن المنذر الأنصاري شهد العقبة وبدراً، قال أبو نعيم: "ولم أرَ له ذكراً في كتاب الزهري، ولا ابن إسحاق في العقبة"1. هذه النصوص التي اطلعت عليها، وهي ربما تشير إلى أن الزهري كانت لديه صحيفة أو كتاب، ولكن لم تشر تلك النصوص إلى أن هذه الصحيفة أو ذلك الكتاب كان مؤلفاً في الحديث أو المغازي أو في كليهما، مما يجعلنا لا نجزم بشيء من ذلك، ولكن يمكن القول حمل تلك النصوص على أن المراد بتلك الصحيفة أو الكتاب، الكتاب الذي كتبه الزهري في النسب كما سيأتي. وقد ذكر السهيلي في قصة نكاح النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة أن الزهري ذكر ذلك في سيره، وهي أول سيرة ألفت في الإسلام2. كما أن ابن كثير ذكر أن للزهري كتاباً في المغازي أو السير3، وكذلك قال حاجي خليفة4. وربما كان مستندهم تلك الروايات التي ذكرتها آنفاً، أو أنهم استندوا إلى روايات تدل على أن الزهري كان يكتب كل شيء وهي:

_ 1- ما روي عن صالح بن كيسان قال: اجتمعت أنا والزهري ونحن 1 أسد الغابة 2/377، ترجمة رقم (2046) . 2 الروض الأنف 1/214. 3 السيرة النبوية 1/249، 267. 4 كشف الظنون 2/1747.

نطلب العلم، فقلنا نكتب السنن قال: وكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ثم قال: تعالَ نكتب ما جاء عن الصحابة فإنه سنة، قال: قلت: إنه ليس بسنة فلا نكتبه، ولم أكتب فأنجح وضيعت1. 2- ما روي عن أبي الزناد قال: كنت أطوف أنا وابن شهاب، ومع ابن شهاب الألواح والصحف فكنا نضحك به2. 3- ما روي عن مالك بن أنس أنه كان يقول: سمعت الزهري يقول: حضور المجلس بلا نسخة ذلٌّ3. وحتى هذه النصوص لا تذكر أن للزهري كتاباً في السيرة أو المغازي، ولكنها روايات عامة. وهناك نصوص أخرى تدل دلالة واضحة أن الزهري لم يكن لديه كتاب في المغازي وكل ما عنده كتاب فيه نسب قومه وشيء من الشعر. فقد روي عن يونس بن يزيد الأيلي أنه قال للزهري: "أَخرج إليّ كتبك، فقال: يا جارية هات ذلك السفط، قال: فجاءت بسفط، فإذا فيه شيء من نسب قومه وشعر، قال: ليس عندي مكتوب أو نحو هذا"4. ولا يتصور أن يخفي الزهري شيئاً عن تلميذه يونس وهو من

_ 1 سبق تخريجه ص 99 2 سبق تخريجه ص 99 3 الحلية 3/366. 4 المعرفة والتاريخ 1/641.

خواصه، وكيف يكون ذلك وهو القائل ليونس: "إياك وغلول الكتب، قلت: وما غلولها؟ قال: حبسها عن أهلها"1. وقال قرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل: "لم يكن للزهري كتاب إلا كتاب فيه نسب قومه"2. وقال مالك: "ولقد هلك ابن المسيب ولم يترك كتاباً، ولا القاسم بن محمد، ولا عروة بن الزبير ولا ابن شهاب"3. فهذا مالك وهو من خواص تلاميذ الزهري ينفي وجود كتاب للزهري لا في المغازي ولا في غيره. وقال مالك أيضاً: "حدثنا ابن شهاب بحديث فيه طول، قلت: أعد أما كنت تحب أن يعاد عليك؟ قال: لا، فقلت: أكنت تكتب؟ قال: لا"4. وقال أيضاً: "قلت لابن شهاب – وأنا أريد أن أخصمه – ما كنت تكتب؟ قال: لا، قلت: ولا تسأل أن يعاد عليك الحديث؟ قال: لا"5.

_ 1 الحلية 3/366. 2 المعرفة والتاريخ 1/641، وتاريخ أبي زرعة رقم (953) . 3 تاريخ أبي زرعة رقم (1380) . 4 التاريخ الكبير للبخاري 1/221 ترجمة رقم (693) ، وتاريخ دمشق رقم (81، 82، 83، 85، 89،) ترجمة الزهري. 5 تاريخ أبي زرعة رقم (1281) ، وتاريخ دمشق (86و87) ترجمة الزهري.

وقال عبد العزيز بن أبي سلمة بن الماجشون: "سمعت ابن شهاب يقول: ما كتبت شيئاً قط، ولقد وليت الصدقة، فأتيت سالم بن عبد الله، فأخرج إليّ كتاب الصدقة فقرأه علي فحفظته"1. ويمكن حمل تلك النصوص العامة التي تدل على أن الزهري كان يكتب، يمكن حملها على أن ذلك كان أيام الطلب، وأن ذلك كان من أجل مذاكرتها وحفظها، ثم محاها بعد ذلك، يدل ذلك ذكر ما رواه إبراهيم بن سعد عن عكرمة قال: "كنا نأتي الأعرج، ويأتيه ابن شهاب، قال: فنكتب، ولا يكتب ابن شهاب، قال: فربما كان الحديث فيه طول، قال: فيأخذ ابن شهاب ورقة من ورق الأعرج، قال: وكان الأعرج يكتب المصاحف، ثم يكتب، ثم يقرأ، ثم يمحوه مكانه، وربما قام بما معه فيقرؤها ثم يمحوها"2. وأما ما ذكره الفسوي وأبو زرعة من أن الزهري كان له كتاب أو صحيفة، فبالرغم من عدم ذكر ما في تلك الصحيفة إلا أننا لا نستطيع الجزم بحملها على أنها تشتمل على مغازي الزهري، وربما كانت تلك الصحيفة من إملاء بعض تلاميذه، وأين تلك الصحيفة من علم الزهري؟ أما ما ذكره المتأخرون من أن للزهري كتاباً في المغازي أو السير، فإن أقوالهم تُحمل على أن المراد بسيرة الزهري تلك الروايات التي دونها

_ 1 التمهيد 5/108-109. 2 المعرفة والتاريخ 1/633، وتاريخ دمشق رقم (62و63) ، ترجمة الزهري.

تلامذته عنه، فنسبة تدوينها له من قبيل المجاز وكذلك يحمل كلام الدكتور: محمد مصطفى الأعظمي1. وأن الذي ترجح لدي عدم وجود كتاب للزهري لا في المغازي ولا في السيرة، وأن ما نسب إليه هو مما أملاه على تلاميذه في مجلس الرواية، سواء كان أحاديث في الأحكام أم المغازي أو غيره من غير تحديد بفن معين، والله أعلم.

_ 1 دراسات في الحديث النبوي 1/204، فقد ذكر نصاً عن إسحاق بن راشد الجزري يحدث عن الزهري فقيل له: أين لقيته؟ قال: مررت ببيت المقدس، فوجدت له كتاباً، ونص آخر عن جعفر بن برقان الكلابي أنه روى عن الزهري نسخة.

المبحث الثاني: في منهجه في روايات المغازي

المبحث الثاني: في منهجه في روايات المغازي عندما ينظر القاري في روايات الزهري يجده قد اتبع أسلوباً واضح المعالم ومنهجاً قوياً متزناً في إيراده للمعلومات، ويمكن تلخيص هذا المنهج في النقاط التالية: 1- إيراده للآيات القرآنية مستشهداً بها على بعض الأحداث باعتبار أن القرآن الكريم هو المصدر الأول للسير والمغازي، بل هو أصحها على الإطلاق، ولا تكاد تخلو غزوة من الغزوات إلا واستشهد الزهري بآيات بينات من القرآن الكريم تتحدث عن مجريات تلك الأحداث1.

_ 1 انظر: استشهاده بالآيات على سبيل المثال في الروايات ذات الأرقام التالية: الرواية رقم (2) و (3) و (5) من سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة. والرواية رقم (7) من غزوة بدر، وقد استشهد في هذه الرواية بآيات كثيرة، باعتبار أن هذه الرواية تتحدث عن غزوة بدر إجمالاً، والرواية رقم (26) من غزوة بني قينقاع. وانظر أيضاً: الرواية رقم (9) و (10) و (11) و (15) من غزوة بدر. والرواية رقم (35، 37، 39) من غزوة أحد، والرواية رقم (27) و (28) و (29) و (30) من غزوة بني النضير. والرواية رقم (63) و (64) و (65) و (66) من غزوة بني المصطلق. والرواية رقم (73) و (74) من غزوة الخندق، والرواية رقم (81) من غزوة بني قريظة. والرواية رقم: (118) من غزوة خيبر، والرواية رقم (124) من عمرة القضاء. والرواية رقم: (146) من فتح مكة، والرواية رقم (156) من غزوة حنين، والرواية رقم: (175) من غزوة تبوك، وغيرها.

2- التزامه الإسناد في جل رواياته. وباعتبار قربه من العهد النبوي فإن بعض رواياته قد أخذها عن بعض الصحابة كأنس بن مالك رضي الله عنه، الذي شاهد وحضر بعض غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه، كما أنه أخذ جل رواياته عن كبار التابعين خاصة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وعبد الله بن عبد الله بن عتبة وأضرابهم، مما يجعل سنده عالياً، وهذه الميزة أكسبت روايات الزهري قيمة علمية كبيرة. 3- مراعاته للتسلسل الزمني للأحداث. 4- اهتمامه بوضع التواريخ لبعض الغزوات والسرايا المهمة1. 5- قلة استشهاده بالشعر مقارنة بغيره كابن إسحاق والواقدي وابن سعد وغيرهم. 6- لا توجد في روايات الزهري حكايات إسرائيلية، أو أساطير خيالية، بل تراه يقدم صورة صادقة لتلك الأحداث معروضة عرضاً حسناً

_ 1 انظر على سبيل المثال: تأريخه لغزوة الأبواء رواية رقم (1) ، وسرية عبد الله بن جحش إلى نخلة، رواية رقم (2) ، وتأريخه لغزوة بدر الكبرى رواية رقم (6) . ولغزوة أحد رواية رقم (33) ، ولغزوة السويق رواية رقم (47) ، ولغزوة بني النضير رواية رقم (28) ، ولغزوة بني المصطلق رواية رقم (63) . ولغزوة الخندق رواية رقم (75) ، ولغزوة خيبر رواية رقم (99) ، ولعمرة القضاء رواية رقم (125) ، ولغزوة مؤتة رواية رقم (131) ، ولفتح مكة رواية رقم (137) ولحصار الطائف رواية رقم (173) وغيرها.

سهلاً ليس فيها من تهويل1. مما يدل بوضوح على أن روايات الزهري في المغازي لا تقل أهمية عنده عن الروايات الحديثية، فكلها من السنة. 7- عندما يتحدث عن غزوة أو سرية فإنه يوصل الحديث بعضه ببعض حتى نهاية الحديث دون أن يفصله بالكلام عن حديث آخر ثم العودة إليه كما يفعل ابن إسحاق والطبري مما يجعلك تعيش مع الحدث بانسجام تام2. هذا هو المنهج الذي سلكه الزهري في رواياته للمغازي، وهذا المنهج قد ترك صدى عميقاً في نفوس من جاء بعده، فأخذوا مروياته ودونوها، لما لها من أهمية كبيرة بسبب وضوح المنهجية عنده ولخلو مروياته من الإسرائيليات والأشعار المنتحلة.

_ 1 رواية الشاميين للمغازي والسير في القرنين الأول والثاني الهجريين 115، حسين عطوان. 2 كتب عبد العزيز الدوري عن منهج الزهري في المغازي في كتابه (بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب) ص23 وص93. وقد استفدت منه في عرض منهج الزهري في المغازي، فالفضل بعد الله يعود إليه. وعندما استعرضت مرويات الزهري وجدته كما قال الدوري يصل الحديث بعضه ببعض دون فصل، انظر مثلاً: الرواية رقم (2) لسرية عبد الله بن جحش، والرواية رقم (7) لغزوة بدر الكبرى، والرواية رقم (19) لغزوة أحد، والرواية رقم (42) لسرية بئر معونة، والرواية رقم (91) لغزوة الحديبية، والرواية رقم (102) لفتح مكة وغيرها.

المبحث الثالث: في القيمة العلمية لمغازي الزهري

المبحث الثالث: في القيمة العلمية لمغازي الزهري هناك أمور أعطت مرويات الزهري في المغازي أهمية وقيمة كبيرة وهي: 1- اعتماده على الإسناد: فالزهري يعَدّ من كبار المحدثين ومن الذين لهم عناية خاصة بالإسناد والتمسك به، وقد زاد اهتمامه بذلك عندما لحظ بعض الأحاديث التي تذهب إلى العراق فيزاد فيها، حيث يقول: يخرج الحديث من عندنا شبراً فيرجع ذراعاً – يعني من العراق1. وقد سمع أهل الشام يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أهل الشام مالي أرى أحاديثكم ليس لها أزمة ولا خطم2. فتمسك الناس بالإسناد من يومئذ3." وسمع مرة إسحاق بن أبي فروة يحدث فيرسل فغضب وقال: "قاتلك الله يا ابن أبي فروة ما أجرأَك على الله، ألا تسند حديثك يا ابن أبي فروة؟ ما هذه الأحاديث التي ليس لها خطم ولا أَزِمَّة"4.

_ 1 المعرفة والتاريخ 2/761. 2 تاريخ دمشق رقم (104) من ترجمة الزهري. 3 المصدر السابق. 4 الطبقات الكبرى لابن سعد 179-180، القسم المتمم، وشرح علل الترمذي 1/185، وتاريخ أبي زرعة (1324) ، والضعفاء للعقيلي 1/102، والمجروحين لابن حبان 1/132، والحلية 3/365، والإرشاد للخليلي 1/194، ومعرفة علوم الحديث للحاكم (8) بلفظ: (قاتلك الله يا ابن أبي فروة ما أجرأك على الله ... ) .

أما مروياته المرسلة فقد ورد لبعضها أو لبعض أجزائها شواهد موصولة من طرق صحيحة1، مما يزيد من قيمة روايات هذا الإمام. 2- أن معظم روايات الزهري عن أهل المدينة أبناء الصحابة الذين بدورهم تلقوا هذا العلم من أفواه الصحابة الذين عايشوا التنزيل، وعاصروا تلك الأحداث وشهدوها، فأكسبت هذه الميزة مزيداً من القوة لروايات الزهري. 3- أن روايات الزهري موافقة لما عند غيره من أهل المغازي إلا ما ندر2، بل وموافقة لما عند المحدثين الكبار أمثال الإمام أحمد، والبخاري،

_ 1 انظر على سبيل المثال: الرواية رقم (7) عن حديث غزوة بدر الرواية رقم (9) عن أسرى المشركين يوم بدر، الرواية رقم (25) أحداث غزوة أحد، الرواية رقم (27) عن أحداث غزوة بني النضير، الرواية رقم (45) عن سرية بئر معونة، الرواية رقم: (67) عن أحداث غزوة بني قريظة، الرواية رقم (82) عن فتح خيبر ومقتل مرحب اليهودي، الرواية رقم (92) عن قصة الشاة المصلية المسمومة التي قدمتها امرأة يهودية في خيبر للنبي صلى الله عليه وسلم، والرواية (103) عن غزوة مؤتة، الرواية رقم (108) عن كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، الرواية رقم (149) عن سرية مقتل ابن أبي الحقيق. وهذه أمثلة فقط تدل على أن بعض الروايات المرسلة قد وردت من طرق من غير طريق الزهري عند المحدثين وغيرهم. 2 مثل قوله في عدد أسرى المشركين في يوم بدر، انظر: الرواية رقم (9) . وتاريخ غزوة بني النضير، انظر: الرواية رقم (27) علماً أن الراجح ما قاله الزهري حسب ما ظهر لي، بالرغم من مخالفته لكُتَّاب المغازي.

ومسلم، وغيرهم. 4- أن روايات الزهري قد شملت معظم غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وجزءاً كبيراً من سراياه خاصةً تلك التي لها أهمية كبيرة، مثل سرية الرجيع، وسرية بئر معونة، وسرية مقتل كعب بن الأشرف، وسرية مقتل ابن أبي الحُقَيق، وسرية عبد الله بن أنيس لقتل خالد بن سفيان الهذلي، وسرية مؤتة.

الباب الثاني: في سرايا النبي صلى الله عليه وسلم وغزواته

الباب الثاني: في سرايا النبي صلى الله عليه وسلم وغزواته الفصل الأول: في الأحداث التي سبقت غزوة بدر الكبرى المبحث الأول: في بعث حمزة إلى سيف البحر ... الفصل الأول: في الأحداث التي سبقت غزوة بدر الكبرى. وفيه مبحثان: المبحث الأول: في بعث حمزة إلى سيف البحر، وغزوة الأبواء، وبعث عبيدة بن الحارث. 1ـ قال البيهقي في الدلائل1: وأخبرني أبو عبد الله2 الحافظ قال: أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني3 قال: حدثنا جدي4

_ 1 دلائل البيهقي 3/8-10.بسند حسن إلى الزهري، لكنها مرسلة. 2 هو محمد بن عبد الله الحاكم، صاحب المستدرك، قال الخطيب البغدادي: "كان من أهل الفضل والعلم والمعرفة والحفظ..". قال: "وكان ثقة، ولد سنة 321"، تاريخ بغداد 5/473. 3 إسماعيل بن محمد بن الفضل النيسابوري، أبو الحسن الشعراني من شيوخ الحاكم، قال الحاكم: ارتبت في لقيه بعض الشيوخ، وقال الذهبي: العابد الثقة، روى عن جده ورحل وجمع وأخرج لنفسه، مات سنة 347، ميزان الاعتدال 1/247- 248، والعبر 2/76. 4 هو الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي، أبو محمد الشعراني، قال ابن أبي حاتم: "تكلموا فيه"، الجرح والتعديل 7/69، وقال ابن الأخرم: "صدوق غالٍ في التشيع"، قال الحاكم: "ثقة لم يطعن فيه بحجة"، توفي سنة 282، انظر الجرح والتعديل 7/69، وتذكرة الحفاظ 2/226، وميزان الاعتدال 3/358.

قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر1 قال: حدثنا محمد بن فليح2 عن موسى ابن عقبة3 عن ابن شهاب قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة4 في ثلاثين راكباً وكان أول5 بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم - فساروا حتى بلغوا

_ 1 هو إبراهيم بن المنذر بن عبد الله بن المنذر الأسدي، صدوق تكلم فيه أحمد لأجل القرآن، من العاشرة، توفي 236، خ ت س ق، التقريب ص94 رقم (253) . 2 محمد بن فليح بن سليمان الأسلمي المدني، صدوق يهم، من التاسعة، توفي 197، خ س ق، التقريب 502 رقم (6228) . 3 موسى بن عقبة بن أبي عياش الأسدي مولى آل الزبير، ثقة فقيه، إمام في المغازي من الخامسة، لم يصح أن ابن معين لينه، توفي 141، ع، التقريب 552، رقم (6992) . 4 هو حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو عمارة عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، ارضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب ... ولد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وقيل بأربع، وأسلم في السنة الثانية من البعثة.. شهد بدراً.. عقد له صلى الله عليه وسلم لواء في سرية فكان ذلك أول لواء عقد في الإسلام، واستشهد بأحد رضي الله عنه. الإصابة 1/354. 5 وممن قال بذلك أيضاً: الواقدي في المغازي 1/2، وابن سعد في الطبقات 2/6، وخليفة في تاريخه 62، والطبري في تاريخه 2/402، وابن عبد البر في الاستيعاب 1/145، ثم قال: "وقيل: إن سرية عبيدة كانت قبل سرية حمزة، وقيل: إن أول لواء عقده صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش والأول أصح والله أعلم" ا. هـ. انظر: الدرر 96-97، وقد نقل الزرقاني والشامي تصحيح ابن عبد البر لهذا القول: انظر شرح المواهب اللدنية 1/390، وسبل الهدى والرشاد 6/21، أما ابن إسحاق فقد ذكر أن سرية عبيدة هي الأولى، انظر ابن هشام 1/595، ونقل ذلك عنه خليفة بن خياط في تاريخه 62. والطبري في تاريخه 2/404، وابن سيد الناس في عيون الأثر 1/354-355، وابن حجر في الفتح 7/84.

_ ثم قال ابن إسحاق: "وبعض الناس يقولون: كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد المسلمين وذلك أن بعثه وبعْث عبيدة كانا معاً فشبه ذلك على الناس ... "، ثم قال: "فالله أعلم، أي ذلك كان، فأما ما سمعنا من أهل العلم عندنا فعبيدة بن الحارث أول من عقد له"، ابن هشام 1/595-596. وقد ورد في المصنف لابن أبي شيبة 14/123، ومسند أحمد 3/118-119، رقم: (1529) أرناؤوط، والبزار في كشف الأستار رقم (1757) ، أن أول لواء عقد صلى الله عليه وسلم كان لعبد الله بن جحش إلى نخلة، ولكن مدار تلك الروايات على مجالد بن سعيد وهو ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره، انظر التقريب، 520، رقم (6478) . وقال الهيثمي في المجمع 6/67 "وهو ضعيف عند الجمهور". وقد كان هذا البعث في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك الواقدي في المغازي 1/ 2، وتبعه في ذلك ابن سعد كما في الطبقات 2/6، وخليفة بن خياط في تاريخه 62، والطبري في تاريخه 2/402، والبيهقي في الدلائل، 3/15، وابن القيم في الزاد 3/163، والذهبي في تاريخ الإسلام قسم السيرة ص 41، وابن كثير في البداية 3/234، وابن حجر في الفتح 7/280، والواقدي متروك عند المحدثين كما قال الحافظ في التقريب 498، مع سعة علمه، ولكن قوله مقبول هنا لأن القضية تتعلق بتاريخ بعث فقط، ولأن الواقدي من أئمة هذا الشأن، قال عنه ابن كثير رحمه الله: والواقدي رحمه الله عنده زيادات حسنة، وتاريخه محرر غالباً، فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار وهو صدوق في نفسه مكثار، البداية 3/234-235. أما ابن إسحاق فقد جعلها في شهر ربيع الأول من السنة الثانية، انظر ابن هشام 1/591، ونقل الطبري قول ابن إسحاق في تاريخه 2/404، وذكر ابن عبد البر أنها في جمادى الأولى من السنة الثانية، انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 1/145، وذكر الذهبي أنها في أحد البيعين، انظر: تاريخ الإسلام قسم المغازي ص45.

سِيْف1 البحر من أرض جهينة - فلقوا أبا جهل بن هشام في ثلاثين ومائة راكب من المشركين، فحجز بينهم، مخشي بن عمرو الجهني2 - وكان مخشي ورهطه حلفاء للفريقين جميعاً - فلم يعصوه، فرجع الفريقان كلاهما إلى بلادهم فلم يكن بينهم قتال، فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ثم غزا، فأول3 غزوة غزاها في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مقدم صلى الله عليه وسلم المدينة حتى

_ 1 سيف البحر: بكسر السين المهملة، انظر: سبل الهدى والرشاد، للصالحي، 6/12، والمراد بالسيف ساحل البحر. لسان العرب المحيط 2/254، رتبه على حروف الهجاء: يوسف خياط. 2 وعند ابن إسحاق: مجدي بن عمرو 1/595، وكذلك عند مسلم في صحيحه، انظر: مسلم بشرح النووي 18/138. ولم أجد لـ (مجدي) ولا لـ (مخشي) ترجمةً في كتب الصحابة، فلعله لم يسلم. 3 في الصحيحين من حديث زيد بن أرقم أن أول غزوة غزاها صلى الله عليه وسلم ذات العشيرة أو العسيرة. البخاري رقم (3949) وسلم بشرح النووي 12/195 ووجهه بعضهم بأن المراد: أول غزوة شهدها زيد مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه ربما خفي عليه ما قبل العشيرة وهي الأبواء لصغر سنه، انظر: السيرة النبوية لابن كثير 2/362، وفتح الباري 7/280-281.

بلغ (الأَبْواء) 1 ثم رجع2. [بعث عبيدة بن الحارث] فأرسل ستين رجلاً من المهاجرين الأولين، ولم يكن في تلك الغزوة من

_ 1 الأَبْواء: بالفتح ثم السكون وواو وألف ممدودة ... ، ويقال لها ودَّان: وهي قرية من أعمال الفُرُع من المدينة بينها وبين الجُحْفة مما يلي المدينة 23 ميلاً. معجم البلدان، لياقوت 1/79. وبالأبواء اليوم آبار كثيرة، ومزارع عامرة، والمكان المزروع منه يسمى اليوم (الخريبة) ، تصغير خربة، ويبعد المكان المزروع عن بلدة (مستورة) شرقاً ثمانية وعشرين كيلاً، والمسافة بين الأبواء و (رابغ) ثلاثة وأربعون كيلاً. المعالم الأثرية ص (17) . 2 وكون غزوة الأبواء هي أول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم قد أخرجها الطبري في الكبير17/16، رقم (12) ، بسند متصل من غير طريق الزهري، لكن في سندها كثير بن عبد الله المزني، قال عنه الهيثمي في المجمع، 6/68، ضعيف عند الجمهور، وقد حسن حديثه الترمذي، وبقية رجاله ثقات. انظر تفصيل الخبر عن غزوة الأبواء من غير طريق الزهري في سيرة ابن إسحاق (ابن هشام 1/591) بدون إسناد، والواقدي بإسناده الجمعي (1/11-12) ، وعنه ابن سعد في الطبقات (2/8) ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج في هذه الغزوة يريد قريشاَ وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فوادعته فيها بنو ضمرة، وكان الذي وادعه منهم مخشي بن عمرو الضمري، وكان سيدهم في زمانه ذلك، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيداً. المصادر السابقة.

الأنصار أحد وأمَّر عليهم عبيدة بن الحارث بن المطلب1، فلقوا بعثاً عظيماً من المشركين على ماء يدعى (الأحياء) 2 من رابغ3، فارتموا بالنبل، وانحاز المسلمون ولهم حامية تقاتل عنهم حتى هبطوا ثنية المرة، وسعد بن أبي وقاص4 صلى الله عليه وسلم يرمي عن أصحابه، ثم انكفأ بعضهم عن بعض، وأول من رمى بسهم في سبيل الله سعد بن أبي وقاص وهو أول يوم التقى فيه المسلمون والمشركون في قتال، وفر عتبة بن غزوان5 والمقداد بن

_ 1 هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي، أسلم قديماً وكان رأس بني عبد مناف حينئذ، شهد بدراً وبارز فيها مع حمزة وعلي، وكان قد جرح فمات بعد ذلك في الصفراء بعد مقفل النبي صلى الله عليه وسلم من بدر. الإصابة 2/449. 2 جمع حي من أحياء العرب، أو حي ضد الميت وهو ماء أسفل من ثنية المرة برابغ، انظر: معجم البلدان لياقوت 1/118، والمعالم الأثيرة لمحمد شراب 23. 3 رابغ: بعد الألف باء موحدة، وآخرة غين معجمة، معجم البلدان 3/11، وهي اليوم مدينة مشهورة بين جدة وينبع، على مسافة 155 كيلاً شمال جدة. المعالم الأثيرة ص (123) . 4 هو سعد بن مالك بن أهيب، ويقال له وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أبو إسحاق بن أبي وقاص أحد العشرة وآخرهم موتاً ... كان أحد الفرسان وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وهو أحد الستة من أهل الشورى، مات بالعقيق وحمل إلى المدينة فصلي عليه في المسجد سنة خمس وخمسين. الإصابة 2/33. 5 هو عتبة بن غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي ابن جابر بن وهب المازني حليف بني عبد شمس أو بني نوفل. من السابقين الأولين، هاجر إلى الحبشة ثم رجع مهاجراً إلى المدينة رفيقاً للمقداد، وشهد بدراً وما بعدها. الإصابة 2/455.

الأسود1 يومئذ إلى المسلمين وكانا في حبس قريش قد أسلما قبل ذلك فتوصلا2 بالمشركين حتى خرجا إلى عبيدة وأصحابه"3.

_ 1 هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود النهراني وقيل الحضرمي، قال ابن الكلبي: "كان عمرو بن ثعلبة أصاب دماً في قومه فلحق بحضرموت فحالف كندة فكان يقال له الكندي، وتزوج هناك امرأة فولدت له المقداد فلما كبر المقداد وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي، فضرب رجله بالسيف وهرب إلى مكة فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهري، وكتب إلى أبيه فقدم عليه، فتبنى الأسودُ المقدادَ فصار يقال له: المقداد بن الأسود، شهد بدراً وما بعدها، مات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه، الإصابة 3/454-455. 2 توصلا: أرياهم أنهما معهم حتى خرجا إلى المسلمين. النهاية 5/193. 3 انظر: أحداث سرية عبيدة بن الحارث في سيرة ابن إسحاق (ابن هشام 1/591) من دون سند، ومغازي الواقدي 1/10، وابن سعد في الطبقات 2/7.

المبحث الثاني: في بعث عبد الله بن جحش

المبحث الثاني: في بعث عبد الله بن جحش إلى نخلة1 2ـ روى ابن إسحاق خبر هذه السرية عن الزهري ويزيد2 بن رومان، عن عروة فقال: "وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش3 ابن رئاب الأسدي في رجب4 مقفله من بدر

_ 1 هما نخلتان: الشامية واليمانية، والمقصود هنا اليمانية، لأنها على الطريق القديم بين مكة والطائف والنخلتان متجاورتان في المنبع والمصب؛ فكلاهما تأخذ أعلا مساقط مياهها من السراة الواقعة غرب الطائف ثم تنحدر شمالاً ثم غرباً حتى تجتمعا في مَلْقى كان يسمى "بستان ابن معمر" ثم تكونان وادي مر الظهران. معجم المعالم الجغرافية 318، والمعالم الأثيرة 287. 2 هو يزيد بن رومان المدني، أبو رَوْح مولى آل الزبير، ثقة من الخامسة. مات سنة ثلاثين، وروايته عن أبي هريرة مرسلة. التقريب 601. 3 هو عبد الله بن جحش بن رياب، براء تحتانية وآخره موحدة ابن يعمر الأسدي حليف بني عبد شمس أحد السابقين، هاجر إلى الحبشة وشهد بدراً ... بعثه صلى الله عليه وسلم في سرية إلى نخلة. الإصابة 2/286-287. 4 حددتها بعض المصادر التاريخية في آخر يوم من رجب، انظر: تاريخ خليفة 62-63، وأنساب الأشراف للبلاذري 371، وتاريخ المدينة لابن شبة 2/472، وتاريخ الطبري 3/10-11، ودلائل البيهقي 3/17، والواحدي في أسباب النزول 69، وتفسير ابن كثير 1/254، والبداية والنهاية 3/248-250. وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في تفسيره 1/87 أن هذه السرية كانت في أول ليلة من رجب، وذكر ذلك أبو يعلي في المسند 3/102 رقم (1534) بسند حسن كما قال محققه حسين سليم أسد، والطبري في تفسيره 4/307 رقم: (4085، 4086، 4087، 4089، 4096) والطبراني في الكبير 2/62، رقم (1670) ، والواحدي في أسباب النزول 71 رقم (131) نقلاً عن المفسرين، وابن كثير في البداية 3/251.

الأولى1 وبعث معه ثمانية2 رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد وكتب له كتاباً وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين3 ثم ينظر فيه

_ 1 كان رجوعه من بدر الأولى في جمادى الآخرة عند ابن إسحاق، (ابن هشام 1/601) وعند الواقدي في المغازي ج1/12، أن ذلك كان في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهراً. 2 قال الواقدي في المغازي: "كانوا اثني عشر، ويقال: كانوا ثلاثة عشر، والثابت عندنا ثمانية". المغازي 1/17-18 ومما يرجح أنهم كانوا أقل من عشرة قوله: (ثمانية رهط) فإن الرهط من الرجال دون العشرة. النهاية (2/283) .وقال ابن سعد في الطبقات 2/10:بعثه في اثني عشر. 3 ورد عند الطبراني في الكبير 2/168 رقم (1670) من حديث أبي السوار العدوي عن جندب بن عبد الله وفيه ( ... وكتب له كتاباً وأمره أن لا يقرأ إلا في مكان كذا وكذا) كذا بالإبهام، قال في المجمع 6/198، ورجاله ثقات، وأخرجه البيهقي أيضاً في السنن الكبرى 9/21، والبخاري معلقاً، انظر: صحيح البخاري مع الفتح 1/153 بعد رقم (36) .

فيمضي لما أمره به، ولا يستكره من أصحابه أحداً. وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين ثم من بني عبد شمس بن عبد مناف: أبو حذيفة1 بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، ومن حلفائهم: عبد الله بن جحش، وهو أمير القوم، وعكاشة2 بن محصن ابن حرثان أحد بني أسد خزيمة حليف لهم. ومن بني نوفل بن عبد مناف: عتبة بن غزوان بن جابر حليف لهم. ومن بني زهرة بن كلاب: سعد بن أبي وقاص. ومن بني عدي بن كعب: عامر3 بن ربيعة حليف لهم؛ من عنز

_ 1 هو أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، قال معاوية اسمه: مهشم وقيل: هشيم: وقيل هاشم، وقيل: قيس،.. كان من السابقين إلى الإسلام وهاجر الهجرتين وصلى القبلتين. قال ابن إسحاق: "أسلم بعد ثلاثة وأربعين إنساناً..شهد بدراً، استشهد يوم اليمامة وهو ابن ستة وخمسين سنة ط. الإصابة 4/42-43. 2 هو عكاشة: - بضم أوله وتشديد الكاف وتخفيفها أيضاً -: ابن محصن بن حُرثان - بضم المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة - ابن قيس بن مرة بن بُكير بضم الموحدة ابن غنم بن داود ين أسد بن خزيمة الأسدي حليف بني عبد شمس، من السابقين إلى الإسلام، شهد بدراً، وورد ذكره في الصحيحين في حديث ابن عباس في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، قيل: استشهد في قتال أهل الردة، قتله طليحة بن خويلد. الإصابة 2/494-495. 3 عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن عبد الله بن الحارث بن رفيدة بن عنز بن وائل العنزي، أبو عبد الله حليف بن عدي ... كان أحد السابقين الأولين وهاجر إلى الحبشة ومعه امرأته ليلى بنت أبي حَثْمة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدراً وما بعدها. مات سنة 32،، كذا قال أبو عبيدة ثم ذكره في سنة سبع وثلاثين وقال: أظن هذا أثبت، وقال الواقدي، كان موته بعد قتل عثمان بأيام، وقيل غير ذلك. الإصابة 2/249.

ابن وائل، وواقد1 بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع أحد بني تميم حليف لهم، وخالد2 بن البكير أحد بني سعد بن ليث حليف لهم. ومن بني الحارث بن فهر: سهيل بن بيضاء3. فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب، فنظر فيه فإذا فيه: "إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة، بين مكة

_ 1 واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك.. التميمي الحنظلي اليربوعي، حليف بني عدي بن كعب شهد بدراً، كان مع سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة وهو الذي قتل ابن الحضرمي 3/628، بتصرف. 2 خالد بن بكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن بكر الليثي، حليف بني عدي بن كعب، مشهور من السابقين وشهد بدراً، واستشهد يوم الرجيع وهو ابن أربع وثلاثين سنة. الإصابة 1/402. 3 سهيل بن بيضاء القرشي، وبيضاء أمه واسمها: دعد، واسم أبيه وهب بن ربيعة بن عمرو بن عامر القرشي، شهد بدراً وتوفي سنة تسع. الإصابة 2/91. ويلحظ أن ابن إسحاق ذكر في بداية الرواية أنهم ثمانية، ولكنه ذكر أثناء الرواية تسعةً.

والطائف، فترصد بها قريشاً، وتعلم لنا من أخبارهم"، فلما نظر عبد الله ابن جحش في الكتاب قال: سمعاً وطاعة، ثم قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة أرصد بها قريشاً، حتى آتيه منهم بخبر، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماضٍ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد، وسلك1 على الحجاز حتى إذا كان بمَعْدِن2 فوق الفُرُع3 يقال له: بُحْران4 أضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيراً لهما، كانا يعتقبانه، فتخلفا عليه في طلبه ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بطن نخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيباً وأدماً، وتجارة من تجارة قريش فيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل

_ 1 سلك: السلوك مصدر سلك طريقاً، وسلك المكان يسلكه سلكاً وسلوكاً. والسَّلَكُ بالفتح مصدر سلكت الشيء فانسلك، أي أدخلته فيه فدخل، والمسلك: الطريق اللسان (سلك) . 2 مَعْدِن: هي قرية مهد الذهب، أو المهد، في نواحي المدينة على طريق نجد (المعالم الأثيرة 276) . 3 الفُرُع: بضم الفاء والراء، وآخره عين مهملة، واد فحل من أودية الحجاز يمر على مسافة 150 كيلاً جنوب المدينة، كثير العيون والنخل، (المعالم الأثيرة 267) . 4 بُحْران: بضم الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة جبل يقع شرق مدينة رابغ على مسافة 90 كيلاً. (المعالم الأثيرة 44) ، وضبطه البكري بفتح أوله على وزن فعلان، معجم ما استعجم 1/228.

بن عبد الله المخزوميان، والحكم بن كيسان؟، مولى هشام بن المغيرة، فلما رآهم القوم هابوهم، وقد نزلوا قريباً منهم، فأشرف لهم عكاشة بن محصن، وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا، وقالوا: عُمَّار، لا بأس عليكم منهم، وتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب، فقال القوم والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم، فليمتنعن منكم به ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم، وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان1، وأفلت2 القوم، نوفل بن عبد الله فأعجزهم، وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير وبالأسيرين، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش: أن عبد الله قال لأصحابه: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس وذلك قبل أن يفرض الله تعالى الخمس من المغانم. فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس العير وقسم سائرها بين أصحابه، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال: "ما أمرتكم بقتال في الشهر

_ 1 الحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة المخزومي، أسر في أول سرية جهزها رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وأميرها عبد الله بن جحش 2 أفلت: التَّفَلُّتُ والإفلات والانفلات: التخلص من الشيء فجأة من غير تمكث. النهاية (3/467) .

الحرام"، فوقَّف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً. فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سُقط في أيدي القوم وظنوا أنهم هلكوا، وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال، فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان في مكة: إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان، وقالت يهود – تفاءَلُ بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم - عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله بن عمرو، عمرت الحرب، والحضرمي حضرت الحرب، وواقد بن عبد الله، وقدت الحرب، فجعل الله ذلك عليهم لا لهم، فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّه} ِ1. أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به، وعن المسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} . أي قد كانوا يفتنون المسلم في دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه، فذلك أكبر عند الله من القتل {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ

_ 1 البقرة آية (217) .

اسْتَطَاعُوا} . أي ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه، غير تائبين ولا نازعين، فلما نزل القرآن بهذا من الأمر، وفرج الله تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين، وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا – يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان – فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم، فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه، وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيداً، وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافراً، فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر، فقالوا: يا رسول الله: أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين؟ فأنزل الله عز وجل فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1. فوضعهم الله عز وجل من ذلك على أعظم الرجاء، والحديث في هذا عن الزهري وزيد بن رومان عن عروة2

_ 1 البقرة آية (218) . 2 سيرة ابن هشام، 2/601-605. وهو حديث مرسل صحيح إلى عروة. وقد ورد موصولاً من طريق أبي السوار العدوي عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن كما قال محققه، انظر المسند 3/102-103، رقم: (1534) أرناؤوط، والطبراني في الكبير 2/162 رقم (1770) قال في المجمع: 6/198 رواه الطبراني ورجاله ثقات، والبيهقي في السنن 9/12. وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح رواية ابن إسحاق هذه ورواية الطبراني التي أخرجها عن جندب البجلي ورواية ابن عباس عند الطبري في التفسير، ثم قال: فبمجموع هذه الطرق يكون صحيحاً. الفتح 1/155. وقد ذكر السيوطي: أن حديث جندب بن عبد الله البجلي أخرجه الطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في سننه بسند صحيح، الدر المنثور 1/600. وأخرجها الطبري في التفسير 4/302 رقم (4082) مرسلة عن الزهري عن عروة، والبيهقي في السنن 9/58-59، والطبري أيضاً في التفسير 4/308 رقم (4086) مرسلة عن الزهري وعثمان الجزري ومقسم مولى ابن عباس. وبهذا يكون قد تابع الزهري. عثمان الجزري ومقسم.

3- قال عمر بن شبَّة1: حدثنا إبراهيم بن المنذر2 قال: حدثنا محمد بن فليح3، عن موسى بن عقبة4، عن ابن شهاب قال: لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعة عشر شهراً، ثم بعث عبد الله بن جحش في ركب من المهاجرين وكتب معه كتاباً فدفعه إليه، وأمره أن يسير ليلتين ثم

_ 1 تاريخ المدينة 2/472. 2 صدوق، تقدم في الرواية رقم (1) . 3 صدوق، يهم، تقدم في الرواية رقم (1) . 4 ثقة، تقدم في الرواية رقم (1) .

يقرأ الكتاب فيتبع ما فيه، وفي بعثه ذلك أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعمرو بن سراقة1، وعامر بن ربيعة، وسعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، وواقد بن عبد الله، وصفوان بن بيضاء2، فلما سار ليلتين فتح الكتاب فإذا فيه: (أن امض حتى تبلغ نخلة) ، فلما قرأه قال: سمعاً وطاعة لله ولرسوله، فمن كان منكم يريد الموت في سبيل الله فليمض فإني ماض على ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضى ومضى معه أصحابه، ولم يتخلف عنه منهم أحد وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفُرُع يقال له: بُحْرَن، أضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كان يتعاقبانه فتخلفا عليه في طلبه، ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارةٍ منْ تجارة قريش فيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل بن عبد الله المخزومي ان، والحكم بن كيسان، مولى هشام بن المغيرة، فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريباً منهم، فأشرف لهم عكاشة بن محصن، وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا وقالوا: عُمَّار لا بأس عليكم منهم،

_ 1 هو عمرو بن سراقة بن المعتمر بن أنس بن أداة بن رباح بن قرط بن عبد الله بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي العدوي ... ذكره موسى بن عقبة فيمن خرج في سرية عبد الله بن جحش ... وذكر خليفة أنه مات في خلافة عثمان رضي الله عنه، الإصابة (2/573) . 2 وفي سائر كتب المغازي: سهيل بن بيضاء. ويلاحظ أن ابن شبة ذكر ثمانية أشخاص، ولم يذكر عكاشة بن محصن ولا خالد بن البكير كما عند ابن اسحاق.

وتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر يوم من رجب فقال القوم: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم، وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وأفلت القوم؛ نوفل بن عبد الله فأعجزهم، وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير وبالأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة1. 4- قال البيهقي: أخبرنا أبو سعيد2 بن أبي عمرو الصيرفي، قال: حدثنا أبو محمد3 أحمد بن عبد الله المزني أخبرنا علي4 بن

_ 1 وهي رواية مرسلة. 2 هو محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفي أبو سعيد بن أبي عمرو النيسابوري، وصفه الذهبي بقوله: "الشيخ الثقة المأمون"، السير 17/350. 3 هو أحمد بن عبد الله بن محمد المزني الهروي، أحد الأئمة، أبو محمد المغفلي، قال الحاكم: "كان إمام أهل خرسان بلا مدافعة وكان فوق الوزراء، وكانوا يصدرون عن رأيه"، ت سنة 356 هـ شذرات الذهب لابن العماد، 3/18. 4 هو أبو الحسن: علي بن محمد بن عيسى الخزاعي الهروي الحكاني، وحكان: محلة على باب مدينة هراة، قال الذهبي: "ووثقه بعض الحفاظ" السير، 13/454.

محمد بن عيسى قال: حدثنا أبو اليمان1 قال أخبرنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية من المسلمين وأمَّر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي، فانطلقوا حتى هبطوا نخلة فوجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش في يوم2 بقي من الشهر الحرام، فاختصم المسلمون، فقال قائل منهم: هذه غرة من عدو، وغنم رزقتموه، ولا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم أم لا، وقال قائل منهم: لا نعلم اليوم إلا من الشهر الحرام، ولا نرى أن تستحلوه لطمع أشفيتم عليه، فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا3، فشدّوا على ابن الحضرمي فقتلوه، وغنموا عيره، فبلغ ذلك كفار قريش، وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين، فركب وفد كفار قريش حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقالوا: أتحل القتال في الشهر الحرام؟ فأنزل الله عز وجل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ

_ 1 أبو اليمان هم: الحكم بن نافع البهراني، بفتح الموحدة، أبو اليمان الحمصي، مشهور بكنيته ثقة ثبت، يقال إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وعشرين، ع، التقريب 176هـ. 2 تقدم الخلاف في ذلك ص131، وفي نظري أن هذا الخلاف (المراد الخلاف في تاريخ وقوع القتال في هذه السرية) ، لا يترتب عليه كبير فائدة لأن المقصود أن قتل ابن الحضرمي كان في الشهر الحرام، سواء كان ذلك في أوله أم في آخره، والله أعلم. 3 هذه العبارة ليست عند ابن إسحاق ولا ابن شبة.

كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} 1 إلى آخر الآية، فحدثهم الله في كتابه: أن القتال في الشهر الحرام حرام كما كان، وأن الذين يستحلون من المؤمنين هو أكبر من ذلك: من صدهم عن سبيل الله حين يسجنونهم ويعذبونهم ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفرهم بالله وصدهم المسلمين عن المسجد الحرام في الحج والعمرة، والصلاة فيه، وإخراجهم أهل المسجد الحرام وهم سكانه من المسلمين وفتنتهم إياهم عن الدين، فبلغنا2 أن النبي صلى الله عليه وسلم عقل3 ابن الحضرمي، وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه

_ 1 سورة البقرة (217) . 2 القائل (فبلغنا) عروة بن الزبير، يشهد لذلك ما أخرجه الواقدي في المغازي 1/18 من طريق معمر، عن الزهري عن عروة قال: فودى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الحضرمي، وحرم الشهر الحرام ... الحديث. 3 في رواية ابن إسحاق المتقدمة ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض العير والأسيرين وبعثت قريش إليه بفدائها، وهذا يدل على أنه لم يعقل ابن الحضرمي، لأنه لو عقله لما قبض العير ولا فادى الأسيرين، وقد ذكر البيهقي في الدلائل 3/111 رواية الزهري المطولة عن غزوة بدر وفيها إشارة حكيم بن حزام على عتبة أن يتحمل دية ابن الحضرمي ويرجع بالناس ... الخ، فلو كان عقله النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار حكيم على عتبة بذلك. وقد أخرج الواقدي من طريق الزهري، عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودى عمرو بن الحضرمي. المغازي (1/18) ، وذكر رواية أخرى عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يودِ ابن الحضرمي. المصدر السابق. ورجح الواقدي رأي ابن عباس ثم قال: "المجتمع عليه عندنا أنه لم يود". المغازي 1/18. ولم أر عقل ابن الحضرمي في الروايات التي ذكرت سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة.. لا من طريق الزهري ولا من غيره، سوى ما ذكر في هذه الرواية، والرواية التي ذكرها الواقدي عن الزهري.

حتى أنزل الله عز وجل: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 1. 5- وأخرج عبد الرزاق2 عن معمر3 عن الزهري. وعن عثمان4 الجزري عن مقسم5 مولى ابن عباس قال: "لقي واقد بن عبد الله

_ 1 سورة التوبة آية رقم (1) . 2 عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ، مصنف شهير عمي في آخر عمره، فتغير وكان يتشيع، من التاسعة توفي سنة إحدى عشرة وله خمس وثمانون، ع، التقريب 354، رقم 4064. 3 معمر بن راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن، ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهمام بن عروة شيئاً، وكذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة، توفي سنة أربع وخمسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة، ع، التقريب 541 رقم (6809) ، لكنه من أثبت الناس في الزهري، قال الدوري عن ابن معين أثبت الناس في الزهري مالك ومعمر ثم عد جماعة، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: معمر أثبت في الزهري من ابن عيينة، وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: معمر أحب إليك في الزهري أو ابن عيينة أو صالح بن كيسان أو يونس، فقال في ذلك معمر. تهذيب التهذيب 10/244. 4 عثمان بن عمرو بن ساج بمهملة وآخره جيم الجزري، مولى بني أمية، وقد ينسب إلى جده، فيه ضعف من التاسعة، س، التقريب 386 رقم (4506) . 5 مقسم - بكسر أوله - ابن بُحره بضم الموحدة وسكون الجيم، ويقال: نجدة بفتح النون وبدال، أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث، ويقال: مولى عبد الله بن عباس للزومه له، صدوق، وكان يرسل، من الرابعة، نوفي سنة 101، وماله في البخاري سوى حديث واحد خ4، التقريب، 545، رقم (6873) .

عمرو بن الحضرمي في أول ليلة من رجب وهو يرى أنه في جمادى فقتله، وهو أول قتيل من المشركين، فَعَيَّر المشركون المسلمين قالوا: أتقتلون في الشهر الحرام؟ فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ} 1. يقول: وكفر بالله، والمسجد الحرام، يقول: وصد عن المسجد الحرام {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ} من قتلكم عمرو بن الحضرمي، (والفتنة) ، يقول: والشرك الذي أنتم فيه أكبر من ذلك أيضاً. قال الزهري: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام ثم أحله بعد"2.

_ 1 سورة البقرة آية (217) . 2 تفسير عبد الرزاق 1/87-88، وتفسير الطبري 4/308، رقم (4086) . وهو حديث مرسل؛ مروي بإسنادين عن اثنين من التابعين هما الزهري ومقسم مولى ابن عباس، فرواه معمر عن الزهري، ورواه عن عثمان الجزري عن مقسم.

الفصل الثاني: في غزوة بدر الكبرى والأحداث التي أعقبتها

الفصل الثاني: في غزوة بدر الكبرى والأحداث التي أعقبتها المبحث الأول: في تاريخ الغزوة وعدد جيش المسلمين والمشركين ... الفصل الثاني: في غزوة بدر الكبرى والأحداث التي أعقبتها وفيه واحد وعشرون مبحثاً: المبحث الأول: في تاريخ الغزوة وعدد جيش المسلمين والمشركين فيها. 6- أخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في حديث عن عروة بن الزبير قال: أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدُ بالقتال في آي من القرآن فكان أول1 مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً2، وكان رأس المشركين يومئذٍ عتبة بن ربيع ة بن عبد شمس، فالتقوا ببدر يوم الجمعة3

_ 1 يشهد لذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس رضي الله عنه في قصة عمه أنس بن النضر رضي الله عنه، وأنه لم يشهد أول مشهد قاتل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعني بذلك بدراً، انظر البخاري مع الفتح، رقم (2805) ومسلم بشرح النووي 13/47. 2 بفتح الموحدة وسكون الدال المهملة، ثم راء، بلدة بأسفل وادي الصفراء تبعد عن المدينة ب- (155) كيلاً، وعن مكة (310) أكيال، وتبعد عن سيف البحر قرابة (45) كيلاً، معجم المعالم الجغرافية ص41. 3 وردت روايات أخرى عن الزهري تؤيد ما ذكر، انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 2/21، وتاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/164 رقم (38) ، والقول إن وقعة بدر كانت يوم الجمعة هو الراجح إن شاء الله. قال ابن سعد: "وهذا الثبت أنه يوم الجمعة". الطبقات الكبرى 2/20. وقال ابن عبد البر: "الأكثر على أن وقعة بدر كانت يوم الجمعة، صبيحة سبع عشرة من رمضان". الاستيعاب 1/13، وقال ابن عساكر: "والمحفوظ أنها كانت يوم الجمعة، تاريخ دمشق قسم السيرة 1/56، وقال ابن كثير: وهو الصحيح عند أهل السير والمغازي" تفسير ابن كثير 2/313. وقد وردت روايات تذكر أن الوقعة حصلت يوم الاثنين كما في الطبقات الكبرى لابن سعد 2/20 من حديث عامر البدري، قال ابن سعد: "وحديث يوم الاثنين شاذ" المصدر السابق، وورد أيضاً عند الطبراني في الكبير 12/237 رقم (12984) من حديث ابن عباس أنها يوم الاثنين، قال ابن عبد البر: "ولا حجة في مثل هذا الإسناد عند جميعهم إذ خالفه ما هو أكثر منه – يعني حديث ابن عباس –" انظر: الاستيعاب 1/13. وقال ابن كثير: "وقال يزيد بن أبي حبيب إمام أهل الديار المصرية في زمانه: كان يوم بدر يوم الاثنين، ولم يتابع على هذا، وقول الجمهور مقدم عليه، والله أعلم" التفسير، 2/313.

لسبع1 أو ست2 عشرة ليلة مضت من رمضان وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مئة وبضعة عشر رجلاً3 والمشركون بين الألف

_ 1 وقد وردت روايات أخرى عن الزهري أن الوقعة كانت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان بدون شك - انظر: الطبقات الكبرى2/21، وتاريخ أبي زرعة، 1/163 رقم (38) ودلائل البيهقي 3/127، وقد صح هذا التاريخ عن ابن مسعود، انظر: مصنف عبد الرزاق رقم (7697) والطبري في الكبير رقم (9579) وابن سعد 2/21. 2 الشك من عبد الرزاق وليس من الزهري كما ذكر ذلك الإمام أحمد في العلل 2/408 رقم (2828) تحقيق وصي الله بن عباس. 3 وهذا العدد ذكره البخاري في صحيحه، انظر: صحيح البخاري مع الفتح 7/290-291، رقم (3957-3958-3959) ، وهذا الإبهام قد فسره الإمام مسلم حيث ذكر في صحيحه أن عدد المسلمين في بدر ثلاث مائة وتسعة عشر رجلاً، انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 12/84، وهو المعتمد. وقد ذكر ابن أبي عاصم رواية عن الزهري تحدد فيها عدد جيش المسلمين بأنهم: ثلاثمائة وستة عشر رجلاً، انظر: الآحاد والمثاني، رقم (329) وفي سندها: يعقوب بن حميد بن كاسب المدني، قال ابن حجر: صدوق ربما وهم، التقريب رقم (7815) ، وذكر ذلك أيضاً البلاذري في أنساب الأشراف قسم السيرة 1/290، وفيها ضعف لأنها معلقة، لأن البلاذري لم يدرك إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، الذي توفي سنة 183، كما قال الذهبي في السير 8/307، علماً بأن البلاذري توفي سنة 279، كما ذكر ابن حجر في لسان الميزان 1/323، وقد يحتمل أن العبارة صحفت منذ فترة مبكرة حيث أصبحت (ثلاثمائة وستة عشر، بدلاً من: ثلاثمائة وتسعة عشر) والله اعلم. وقال ابن جرير: "أما عامة السلف فإنهم قالوا: كانوا ثلاثمائة رجل وبضعة عشر رجلاً" تاريخ الطبري 2/432. وقد وردت أقوال أخرى في عدتهم، انظرها في: الطبقات الكبرى لابن سعد 2/19، ومصنف ابن أبي شيبة 14 /382، 383، وتاريخ الطبري 2/431-433، ودلائل البيهقي 3/36، 41، والبداية والنهاية لابن كثير 3/268 وما بعدها، وفتح الباري لابن حجر 7/291، 292.

والتسعمائة1، وكان ذلك يوم الفرقان، وهزم الله يومئذ المشركين، فقتل

_ 1 قال ابن كثير: "وأما جمع المشركين فأحسن ما يقال فيهم أنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف" البداية 3/327. وفي صحيح مسلم أن عدد جيش المشركين كان ألفاً، انضر: صحيح مسلم بشرح النووي 12/84 من حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب.

منهم زيادة على سبعين مهج1، وأسر منهم مثل ذلك2. قال الزهري: "ولم يشهد بدراً إلا قرشي أو أنصاري أو حليف لأحد الفريقين"3.

_ 1 مُهَج: جمع مهجة وتطلق على دم القلب وعلى الأرواح، انظر: لسان العرب 3/541، ترتيب يوسف بن خياط، والقاموس 263، مادة: مهج. 2 الصحيح في ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحة من حديث البراء بن عازب رضي الله عنة: " ... وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة سبعين أسيراً وسبعين قتيلاً ... " صحيح البخاري مع الفتح 7/307 رقم (3986) ، ومسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، انظر مسلم بشرح النووي 12/86. 3 مصنف عبد الرزاق 5/348، رقم (9726) . وهو مرسل صحيح إلى عروة. وقوله: قال الزهري: "ولم يشهد بدراً ... " إلى آخر العبارة، أخرجها البيهقي في الدلائل 3/40 من طريق عبد الرزاق، وانظر: تاريخ الإسلام للذهبي قسم المغازي، ص80.

المبحث الثاني: في ذكر أحداث الغزوة إجمالا

المبحث الثاني: في ذكر أحداث الغزوة إجمالاً 7- قال البيهقي1: أخبرنا أبو الحسين2 بن الفضل القطان ببغداد، قال أخبرنا أبوبكر3 محمد بن عبد الله بن عتاب العبدي، قال أخبرنا أبو محمد4 القاسم بن عبد الله بن المغيرة الجوهري، قال: أخبرنا إسماعيل5 بن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى6 بن عقبة، ح، وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني

_ 1 دلائل النبوة للبيهقي، 3/101-119، وأخرج أجزاء منها: ابن إسحاق (ابن هشام 1/606) بعضها بإسناد جمعي فيهم الزهري، وبعضها بأسانيد ليس فيها الزهري، وبعضها بدون إسناد. 2 هو محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل الأزرق، روى عنه البيهقي والخطيب، وقال: كان ثقة تاريخ بغداد، 2/249-250، وقال الذهبي: "مجمع على ثقته"، مات سنة 415، السير، 17/331-332. 3 هو محمد بن عبد الله بن أحمد بن عَتَّاب العبدي، أبو بكر، قال عنه الخطيب: وكان ثقة، مات سنة 344، تاريخ بغداد، 5/452-453. 4 هو القاسم بن عبد الله بن المغيرة، أبو محمد، قال عنه الدارقطني: ثقة مأمون، تاريخ بغداد، 12/433-434. 5 هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، أبو عبد الله بن أويس المدني، صدوق، أخطأ في أحاديث من حفظه، من العاشرة، ت سنة ست وعشرين خ م د ت ق، التقريب، 108. 6 هو: إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، الأسدي مولاهم، أبو إسحاق المدني، ثقة، تكلم فيه بلا حجة، من السابعة، مات في خلافة المهدي، خ تم س، التقريب، 105، وبقية الإسناد تقدمت تراجمهم في الرواية رقم [1] .

إسماعيل بن محمد الشعراني، قال: حدثني جدي، قال: أخبرنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: أخبرنا محمد بن فليح1 عن موسى بن عقبة قال: قال ابن شهاب: - وهذا لفظ حديث إسماعيل عن عمه موسى بن عقبة - قال: فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل ابن الحضرمي شهرين ثم أقبل أبو سفيان2؟ بن حرب في عير3 قريش من الشام ومعه سبعون راكباً من بطون قريش كلها وفيهم: مخرمة4 بن نوفل، وعمرو بن العاص5، وكانوا تجاراً بالشام، ومعهم خزائن أهل مكة، ويقال: كانت عيرهم ألف

_ 1 تقدم في (1) . 2 هو أيو سفيان صخر بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، أسلم عام الفتح شهد حنينا والطائف، توفي أخر خلافة عثمان رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وتسعين وقيل ثمان وثمانين سنة الإصابة، 2/ 179- 180 3 العير: الإبل بأحمالها، النهاية 3/329. 4 هو مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، كان من مسلمة الفتح، توفي سنة أربع وخمسين وقيل سنة خمس وخمسين، قالوا: وعاش مائة وخمس عشرة سنة. الإصابة 3/390-391. 5 عمرو بن العاص بن وائل السهمي الصحابي المشهور، أسلم عام الحديبية وولي إمرة مصر مرتين وهو الذي فتحها، توفي سنة نيف وأربعين وقيل بعد الخمسين، التقريب 423، رقم (5030) .

بعير، ولم يكن لأحد من قريش أوقية1 فما فوقها إلا بعث بها مع أبي سفيان إلا حويطب بن عبد العزى، فلذلك كان تخلف عن بدر ولم يشهده، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكانت الحرب بينهم قبل ذلك وقتل ابن الحضرمي وأسر الرجلين عثمان2 والحكم3. فلما ذكرت عير أبي سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عدي4 بن أبي الزغباء الأنصاري من بني غنم، وأصلة من جهينة، وبسبس5 يعني ابن عمرو إلى العير عيناًً له، فسارا حتى أتيا حياً من جهينه قريبا ًمن ساحل البحر فسألوهم عن العير وعن تجارة قريش، فأخبروهما بخبر القوم، فرجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فاستنفر المسلمين للعير، وذلك في رمضان، وقدم أبو سفيان على الجهنيين وهو متخوف من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال: أحسَّوا من محمد، فأخبروه خبر الراكبين:

_ 1 بضم الهمزة وتشديد الياء، من معايير الأوزان، وكانت الأوقية قديماً عبارة عن وزن أربعين درهماً، تختلف باختلاف اصطلاح البلاد، النهاية 1/80. 2 هو عثمان بن عبد الله بن المغيرة، تقدم أنه مات كافراً. 3 هو الحكم بن كيسان، تقدمت ترجمته في مبحث سرية نخلة. 4 عدي بن أبي الزغباء واسمه سنان بن سبيع بن ثعلبة الجهني حليف بني النجار شهد بدراً وما بعدها، توفي في خلافة عمر رضي الله عنه. الإصابة 2/469-470. 5 بَسْبَس - بموحدتين مفتوحتين بينهما مهملة، ساكنة ثم مهملة مفتوحة - ابن عمرو بن ثعلبة الجهني حليف بني طريف بن الخزرج، ويقال له بسبسة كما في مسلم، رقم (1901) انظر: الإصابة 1/147.

عدي بن أبي الزغباء، وبَسْبَسْ، وأشاروا إلى مناخهما، فقال أبو سفيان: خذوا من بعر بعيريهما، فَفَتَّه، فوجد فيه النوى، فقال: هذه علائف1 أهل يثرب، وهذه عيون محمد وأصحابه، فساروا سراعاً خائفين للطلب، وبعث أبو سفيان رجلاً من بني غفار يقال له: ضمضم بن عمرو إلى قريش: أن انفروا فاحموا عيركم من محمد وأصحابه فإنه قد استنفر أصحابه ليعرضوا لنا. وكانت عاتكة2 بنت عبد المطلب ساكنة بمكة، وهي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مع أخيها العباس بن عبد المطلب، فرأت رؤيا3 قبل بدر، وقبل قدوم ضمضم عليهم، ففزعت منها،

_ 1 جمع عَلَف: وهو ما تأكله الدّابة، مثل جمل وجمال، النهاية لابن الأثير 3/287، مادة: عَلَفَ. 2 هي عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم عمة النبي صلى الله عليه وسلم، كانت زوج أبي أمية بن المغيرة والد أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عبد البر: اختلف في إسلامها، والكُثُر يأبون ذلك، وذكرها العقيلي في الصحابة كما ذكر ابن حجر ذلك في الإصابة، وقد ذكرها ابن منده في الصحابة، وكذا ابن سعد. انظر: الإصابة 4/357. 3 أخرج رؤيا عاتكة أيضاً ابن إسحاق بإسناد فيه مجهول حيث قال: فأخبرني من لا أتهم، ابن هشام 2/607، ووصله الحاكم في المستدرك 3/19-20، ولكن فيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، ضعفه ابن حجر، انظر: التقريب 167، رقم (1326) . وقد تعقب الذهبي الحاكم في التلخيص فقال عن حسين: وحسين ضعيف، المستدرك 3/20. وأخرجها ابن اسحاق موصولة قال: حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس، انظر: دلائل البيهقي 3/29. وأخرجها الطبراني في الكبير 24/348-349 رقم (860) وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف، وحديثه حسن كما قال الهيثمي، انظر: المجمع 6/69-70. وأخرجها أيضاً ابن مندة كما في الإصابة من طريق محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أم كلثوم بنت عقبة. انظر: الإصابة لابن حجر 4/357-358، وفي سندها محمد بن عبد العزيز بن عمر ابن عبد الرحمن بن عوف، قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك، وقال الدارقطني: "ضعيف"، لسان الميزان 5/26، قال أبو حاتم: "وليس لمحمد عن أبي الزناد والزهري وهشام بن عروة حديث صحيح"، الجرح والتعديل 8/8، وهذا من روايته عن الزهري. والخلاصة: أن رؤيا عاتكة قد وردت من عدة طرق مرسلة صحيحة، وموصولة ضعيفة فبعضها يقوي بعضاً.

فأرسلت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب من ليلتها فجاءها العباس فقالت: رأيت الليلة رؤيا قد أشفقت منها وخشيت على قومك منها الهلكة قال: وماذا رأيت؟ قالت: لن أحدثك حتى تعاهدني إنك لا تذكرها، فإنهم إن سمعوها آذونا وأسمعونا ما لا نحب، فعاهدها العباس فقالت: رأيت راكباً أقبل من أعلى مكة على راحلته يصيح بأعلى صوته: يا آل غُدر1 أخرجوا في

_ 1 في الإصابة 4/358: يا آل بدر، ولعل الصواب ما في هذه الرواية بدليل قوله: يا آل غدر ويا آل فُجر، قال ابن الأثير: غدر معدول عن غادر للمبالغة يقال للذكر غدر والأنثى غدار كفطام، وهما مختصتان بالنداء غالباً ... ، ومنه حديث عاتكة: يا لغدر يا لفجر. النهاية 3/345.

ليلتين أو ثلاث فأقبل يصيح حتى دخل المسجد على راحلته، فصاح ثلاث صيحات ومال عليه الرجال والنساء والصبيان، وفزع له الناس أشد الفزع، قالت: ثم أراه مَثَل على ظهر الكعبة، على راحلته، فصاح ثلاث صيحات فقال: يا آل غُدر ويا آل فُجر1: أخرجوا في ليلتين أو ثلاث ثم أراه مَثَل على ظهر أبي قبيس2 كذلك يقول يا آل غدر ويا آل فجر حتى أسمع من بين الأخشبين3 من أهل مكة ثم عمد إلى صخرة عظيمة فنزعها من أصلها ثم أرسلها على أهل مكة فأقبلت الصخرة لها حس4 شديد حتى إذا كانت عند أصل الجبل ارفضت5 فلا أعلم بمكة داراً ولا بيتاً إلا قد دخلتها فلقة6 من تلك الصخرة فقد خشيت على قومك،

_ 1 هو معدول عن فاجر للمبالغة، ولا يستعمل إلا في النداء غالباً، النهاية 3/414. 2 جبل مشرف على مسجد مكة، معجم البلدان، 4/308، وهو الجبل الذي يشرف على الكعبة من مطلع الشمس، المعالم الأثيرة 222. 3 الأخشبان جبلان بمكة أحدهما عن يمين المسجد الحرام والآخر عن يساره، أحدهما قُعَيقِعان بالضم ثم الفتح، بلفظ تصغير انظر: معجم البلدان لياقوت، 4/379، والآخر أبو قبيس. انظر المعالم الجغرافية للبلادي، 20. 4 الحسُّ: بكسر الحاء: من أحسست بالشيء، حسّ بالشيء وحُسّ حسًّا وحسيساً، وأحس به، شعر. اللسان (حسس) . 5 ارفضت: أي تفتَّتَتْ. شرح السيرة لأبي ذر الخشني 153. 6 فلقة: أي الكَسْرَةُ: القاموس المحيط ص1186، مادة فلق.

ففزع العباس من رؤياها ثم خرج من عندها فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة من آخر الليلة، وكان الوليد خليلاً للعباس، فقص عليه رؤيا عاتكة وأمره أن لا يذكرها لأحد، فذكرها الوليد لأبيه عتبة، وذكرها عتبة لأخيه شيبة، فارتفع الحديث حتى بلغ أبا جهل بن هشام واستفاض في أهل مكة فلما أصبحوا غدا العباس يطوف بالبيت فوجد في المسجد أبا جهل، وعتبة وشيبة ابني ربيعة، وأمية وأبي بن خلف، وزمعة بن الأسود، وأبا البختري في نفر من قريش يتحدثون، فلما نظروا إلى العباس ناداه أبو جهل: يا أبا الفضل إذا قضيت طوافك فهلم إلينا. فلما قضى طوافه جاء فجلس إليهم. فقال أبو جهل: ما رؤيا رأتها عاتكة؟ فقال: ما رأت من شيء. فقال أبو جهل: أما رضيتم يا بني هاشم بكذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء، إنا كنا وإياكم كفرسي رهان، فاستبقنا المجد منذ حين، فلما تحاكت الركب قلتم منا نبي، فما بقي إلا أن تقولوا: مِنَّا نبيّة، فما أعلم في قريش أهل بيت أكذب امرأة ولا رجلاً منكم، وآذاه أشد الأذى. وقال أبو جهل: زعمت عاتكة أن الراكب قال: اخرجوا في ليلتين أو ثلاث. فلو قد مضت هذه الثلاث تبينت قريش كذبكم، وكتبنا سجلاً: أنكم أكذب أهل بيت في العرب رجلاً وامرأةً، أما رضيتم يا بني

قصي أن ذهبتم بالحجابة1والندوة2 والسقاية3 واللواء4 والرفادة5 حتى جئتمونا بنبي منكم؟ فقال العباس: هل أنت منتهٍ، فإن الكذب فيك وفي أهل بيتك، فقال من حضرهما: ما كنت يا أبا الفضل جهولاً ولا خُرقاً6، ولقي العباس من عاتكة فيما أفشى عليها من رؤياها أذى شديداً. فلما كان مساء الليلة الثالثة من الليلة التي رأت عاتكة فيها الرؤيا

_ 1 المراد حجابة الكعبة، وهي سدانتها وتولي حفظها، النهاية 1/340. 2 قال ابن الأثير: "ندوت القوم أندوهم، إذا جمعتهم في النادي، وبه سميت دار الندوة بمكة لأنهم كانوا يجتمعون فيها ويتشاورون". النهاية 5/37. 3 السقاية: هي ما كانت قريش تسقيه الحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء، وكان يليها العباس بن عبد المطلب في الجاهلية والإسلام، النهاية 2/380-381. والمقصود أن هذه الأشياء كانت لبني عبد مناف وبني عبد الدار. انظر: ابن هشام 1/125، وأخبار مكة للأزرقي 1/107-110، والبداية لابن كثير 2/226. 4 اللواء: الراية ولا يمسكها إلا صاحب الجيش. النهاية 4/279، وسيأتي لها تعريفاً موسعاً قريباً. 5 الرفادة: هي شيء كانت تترافد به في الجاهلية، أي تتعاون فيخرج كل إنسان قدر طاقته فيجمعون مالاً عظيماً، فيشترون به الطعام والزبيب للنبيذ ويطعمون الناس ويسقونهم أيام الحج حتى ينقضي. النهاية 2/242. 6 الخُرق: بالضم: الجهل والحمق، وقد خَرِق خَرقاً، فهو أخرق، ومنه حديث جابر: فكرهت أن أجيئهن بخرقاء مثلهن (أي حمقاء جاهلة) وهي تأنيث الأخرق. النهاية في غريب الحديث 2/26.

جاءهم الراكب الذي بعث أبو سفيان وهو ضمضم بن عمرو الغفاري، فصاح، فقال: يا آل غالب بن فهر: انفروا فقد خرج محمد وأهل يثرب يعترضون لأبي سفيان فأحرزوا عيركم، ففزعت قريش أشد الفزع وأشفقوا من رؤيا عاتكة، وقال العباس: هذا زعمتم كذا وكذَّب عاتكة فنفروا على كل صعب1 وذلول2 وقال أبو جهل: أيظن محمد أن يصيب مثل ما أصاب بنخلة، سيعلم أنمنع عيرنا أم لا، فخرجوا بخمسين وتسعمائة مقاتل وساقوا مائة فرس، ولم يتركوا كارهاً للخروج يظنون أنه في صغو3 محمد وأصحابه ولا مسلماً يعلمون إسلامه ولا أحداً من بني هاشم إلا من لا يتهمون إلا أشخصوه معهم فكان ممن أشخصوا العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث، وطالب بن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب في آخرين وهنالك يقول طالب بن أبي طالب: إما يخرجن طالب ... بمقنب4 من هذه المقانب في نفر مقاتل محارب ... فليكن المسلوب غير السالب والراجع المغلوب غير الغالب

_ 1 الصعب من الدواب نقيض الذلول، والأنثى صعبة، والجمع صعاب، وأُصْعِبَ الجمل لم يُركب قطُّ. اللسان (صعب) . 2 دابة ذلول: أي ضد الصعب. اللسان (ذلل) . 3 الصغو: الميل: يقال: صَغوه معك، وصِغاه وصَغاه أي: ميله معك، وصاغية الرجل الذي يميلون إليه ويأتونه ويطلبون ما عنده ويغشونه، لسان العرب 2/445، مادة: (صغا) . 4 المقنب: الجماعة من الخيل مقدار ثلاثمائة أو نحوها، شرح السيرة لأبي ذر الخشني ص155.

فساروا حتى نزلوا الجحفة1، نزلوها عشاءً يتروون من الماء وفيهم رجل من بني المطلب بن عبد مناف يقال له جهيم بن الصلت بن مخرمة2، فوضع جهيم رأسه فأغفى3 رأسه ثم فزع فقال لأصحابه: هل رأيتم الفارس الذي وقف عليَّ آنفاً؟ فقالوا: لا؛ فإنك مجنون. فقال: قد وقف عليّ فارس آنفاً فقال: قتل أبو جهل، وعتبة، وشيبة، وزمعة، وأبو البختري، وأمية بن خلف، فعد أشرافاً من كفار قريش. فقال له أصحابه: إنما لعب بك الشيطان، ورفع حديث جهيم إلى أبي جهل فقال: قد جئتمونا بكذب بني المطلب مع كذب بني هاشم! سترون غداً من يقتل. ثم ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم عير قريش جاءت من الشام، وفيها أبو

_ 1 الجحفة: جيم مضمومة وحاء ساكنة وفاء ثم هاء، توجد اليوم آثارها شرق مدينة رابغ بحوالي (22) كيلاً إذا خرجت من رابغ تؤم مكة كانت إلى يسارك. معجم المعالم الجغرافية للبلادي 79-80. 2 هو جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف المطلبي، قال ابن سعد: "أسلم بعد الفتح". وقال ابن عبد البر: "أسلم عام خيبر، وأطعمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ثلاثين وسقاً ... " قال ابن اسحاق: "وهو الذي رأى أيام بدرٍ رجلاً على فرس يقول: قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وكان يكتب الصدقات لرسول الله صلى الله عليه وسلم". انظر: الإصابة 1/256. وقد ذكر رؤيا جهيم ابن إسحاق، انظر: ابن هشام 1/218، والواقدي في المغازي 1/42. 3 أغفى رأسه: أدنى جفونه. اللسان (غضض) .

سفيان بن حرب ومخرمة بن نوفل، وعمرو بن العاص، وجماعةٌ من قريش، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلك حين خرج إلى بدر على نَقْب1 بني دينار، ورجع حين رجع من ثنية الوداع2 فنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نفر ومعه ثلاثمائة3 وستة عشر رجلاً، وفي رواية ابن فليح: ثلاثمائة4 وثلاثة عشر رجلاً، وأبطأ عنه كثيرٌ من أصحابه، وتربصوا، وكانت أول وقعة

_ 1 بالفتح ثم السكون، الطريق الضيق في الجبل، وبنو دينار من الأنصار من بني النجار، ونقب بني دينار من الحرة الغربية بالمدينة، ولعله الطريق المعروف اليوم والذي يؤدي إلى ذي الحليفة، فقد كان شق في الحرة ثم عُبِّد، المعالم الأثيرة 289. 2 ثنية الوداع من سلع على متنه الشرقي، بداية شارع أبي بكر الصديق (سلطانة) وعند أول شارع سيد الشهداء وهي ثنية الوداع لمن يسافر إلى الشام عن طريق تبوك، معجم المعالم الجغرافية 332، والمعالم الأثيرة 296. 3 يشهد له حديث أبي موسى عند البزار (كشف الأستار 1784) ، قال الهيثمي بعد أن ذكره: "ورجاله ثقات"، انظر: المجمع 6/93، والحق أن في اسناده: ثابت بن عمارة، صدوق فيه لين كما قال ابن حجر رحمه الله، انظر: التقريب 132 رقم (823) . 4 قد وردت عدة روايات تذكر هذا العدد منها ما ذكره ابن إسحاق في رواية البكائي عنه، انظر: ابن هشام 1/706، والواقدي في المغازي 1/125، وأحمد في المسند 4/103 رقم (2232) ، أرناؤوط، وابن أبي شيبة في المصنف، 14/382، وابن سعد في الطبقات 2/20، والطبري في تاريخه، 2/431، والطبراني في الكبير 11/388، رقم (12083) ورقم (12063) ، وكلها فيها مقال، وتبقى رواية مسلم التي تذكر ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً هي الصحيحة والمعتمدة، مسلم بشرح النووي 12/84.

أعز الله تبارك وتعالى فيها الإسلام، فخرج في رمضان على رأس ثمانية عشر شهراً من مقدمه المدينة، ومعه المسلمون، لا يريدون إلا العير1، فسلك على نقب بني دينار، والمسلمون غير مقوِّين من الظهر، وإنما خرجوا على النواضح2 يعتقب النفر منهم على البعير الواحد، وكان زميل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي3 حليف حمزة، فهم معه ليس معهم إلا بعير واحدٌ، فساروا حتى إذا كانوا بعَرْق الظَّبْيَة4 لقيهم راكبٌ من قبل تهامة، والمسلمون يسيرون فوافقه نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن أبي سفيان فقال: لا علم لي به، فلما يئسوا من خبره قالوا له: سلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وفيكم رسول الله؟ قالوا: نعم. قال: أيكم هو؟ فأشاروا له إليه، فقال الأعرابي: أنت رسول الله كما تقول؟ قال: نعم. قال: إن كنت رسول الله كما تزعم فحدثني

_ 1 يشهد له ما رواه البخاري في صحيحه من أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر لا يريد إلا العير حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، انظر: صحيح البخاري مع الفتح 7/285. 2 النواضح: الإبل التي يستقى عليها، واحدها ناضح، النهاية في غريب الحديث 5/69. 3 هو مرثد بن أبي مرثد الغنوي، صحابي وأبوه صحابي واسمه: كناز بنون ثقيلة، وزاي وهما ممن شهد بدراً، قال ابن إسحاق: "استشهد مرثد في صفر سنة ثلاث في غزاة الرجيع" الإصابة 3/398. 4 عرق الظبية: يروى بضم الأول وفتحه، ويعرف اليوم (طرف الظبية) ، وهو قبل الروحاء بثلاثة أكيالٍ، انظر: المعالم الاثيرة 183.

بما في بطن ناقتي هذه. فغضب رجلٌ من الأنصار ثم من بني عبد الأشهل يقال له سلمة بن سلامة بن وقْش1 فقال للأعرابي: وقعت على ناقتك فحملت منك فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال سلمة حين سمعه أفحش، فأعرض عنه، ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلقاه خبر، ولا يعلم بنفرة قريش. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أشيروا علينا في أمرنا ومسيرنا. فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، إنا أعلم الناس بمسافة الأرض، أخبرنا عدي بن أبي الزغباء أن العير كانت بوادي كذا وكذا - قال ابن فليح في روايته: فكأنا وإياهم فرسا رهان إلى بدر، ثم اتفقا - قال: ثم قال: أشيروا عليَّ. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، إنها قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لتقاتلنك، فتأَهَّبْ لذلك أهبته، وأعد له عدته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا عليَّ. فقال المقداد بن عمرو عديد بني زهرة: إنا لا نقول لك كما قال

_ 1 هو سلمة بن سلامة بن وقْش بن زغبة الأشهلي الأنصاري أبو عوف شهد العقبة الأولى والثانية، وشهد بدراً والمشاهد كلها. قال إبراهيم بن المنذر: "مات سنة أربع وثلاثين"، وقال غيره: "بل تأخر إلى سنة خمس وأربعين وبه جزم الطبري"، قال: "مات وهو ابن أربع وسبعين سنة بالمدينة"، الإصابة 2/65.

أصحاب موسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} 1، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون2. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا عليّ. فلما رأى سعد بن معاذ3 كثرة استشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فيشيرون فيرجع إلى المشورة ظن سعدٌ أنه يستنطق الأنصار شفقاً ألا يستحوذوا معه، أو قال: ألا يستجلبوا معه على ما يريد من أمره. فقال سعد: لعلك يا رسول الله تخشى أن لا تكون الأنصار يريدون مواساتك، ولا يرونها حقاً عليهم إلا بأن يروا عدواً في بيوتهم وأولادهم ونسائهم، وإني أقول

_ 1 إشارة إلى الآية رقم (24) من سورة المائدة. 2 ورد عن ابن إسحاق: ".. ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه"، ابن هشام 1/615. وقد أخرج البخاري كلام المقداد في صحيحه، ولكن ليس عند المشورة وإنما عند دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك، انظر: صحيح البخاري مع الفتح، 7/287 رقم (3952) ، ومسند أحمد رقم (3698) تحقيق شاكر. 3 هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي، شهد بدراً باتفاق ورمي بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهراً حتى حكم في بني قريظة، ثم انتقض جرحه، فمات سنة خمس، الإصابة 2/37.

عن الأنصار وأجيب عنهم يا رسول الله، فاظعن1 حيث شئت، وصِل حبل من شئتَ، واقطع حبْل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذته منّا أحب إلينا مما تركت علينا، وما ائتمرت من أمرٍ فأمرنا لأمرك فيه تبعٌ، فوالله لو سرت حتى تبلغ البرك2من غِمْدِ ذي يَمَن لسرنا معك3. فلما قال ذلك سعد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيروا على اسم الله عز وجل؛ فإني قد رأيتُ مصارع القوم. فعمد لبدر.

_ 1 ظَعَنَ بالتحريك، ذهب وسار. انظر: لسان العرب 2/644، مادة ظَعَن. 2 المراد: برك الغِماد: وهو بكسر الغين المعجمة، وقال ابن دريد بالضمّ، والكسر أشهر، وهو موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر، انظر: معجم البلدان 1/399، وهي الآن بلدة صغيرة بين حَلي والقُنْفُذَة على الساحل، وتبعد عن مكة (600) كيلٍ تقريباً، المعالم الجغرافية 42. 3 أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس أن القائل هو: سعد بن عبادة رضي الله عنه، انظر: مسلم بشرح النووي 12/124. قال الحافظ ابن حجر: "وفيه نظر، لأن سعد بن عبادة لم يشهد بدراً، وإن كان يعدّ فيهم لكونه ممن ضرب له بسهم، ثم قال: ويمكن الجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم استشارهم في غزوة بدر مرتين: الأولى: وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبي سفيان، وذلك بين في رواية مسلم ولفظه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه حين بلغه إقبال أبي سفيان. والثانية: كانت بعد أن خرج، ثم قال: ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية، وهذا أولى بالصواب" فتح الباري 7/288.

وخفض أبو سفيان، فلصق بساحل البحر، وخاف الرصد على بدر، وكتب إلى قريش حين خالف مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى أنه قد أحرز ما معه، وأمرهم أن يرجعوا، فإنما خرجتم لتحرزوا ركبكم، فقد أحرز لكم. فلقيهم هذا الخبر بالجحفة، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نقدم بدراً فنقيم بها، ونطعم من حضرنا من العرب؛ فإنه لن يرانا أحدٌ من العرب فيقاتلنا. فكره ذلك الأخنس بن شريق1، فأحب أن يرجعوا، وأشار عليهم بالرجعة فأبوا وعصوه، وأخذتهم حمية الجاهلية، فلما يئس الأخنس من رجوع قريش أكبّ على بني زهرة فأطاعوه، فرجعوا، فلم يشهد أحدٌ منهم بدراً، واغتبطوا برأي الأخنس وتبركوا به، فلم يزل فيهم مطاعاً حتى مات، وأرادت بنو هاشم الرجوع فيمن رجع فاشتد عليهم أبو جهل بن هشام، وقال: والله لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع. وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل أدنى شيء من بدر عشاءً، ثم بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وبسبساً الأنصاري عديد بني ساعدة،

_ 1 الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي أبو ثعلبة حليف بني زهرة، اسمه: أبي، وإنما لقب الأخنس لأنه رجع ببني زهرة من بدر لما جاءهم الخبر أن أبا سفيان نجا بالعير، فقيل خنس الأخنس ببني زهرة، فسمي بذلك، ثم أسلم فكان من المؤلفة قلوبهم وشهد حنيناً ومات في خلافة عمر رضي الله عنه. الإصابة 1/25.

وهو أحد جهينة في عصابة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: اندفعوا إلى هذه الظِّراب1 وهو في ناحية بدر، فإني أرجو أن تجدوا الخبر عند القليب الذي يلي الظِّراب، فانطلقوا متوشحي السيوف، فوجدوا وارد قريش عند القليب الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا غلامين2 أحدهما لبني الحجاج بن أسود، والآخر لآل العاص، يقال له: اسلم، وأفلت أصحابهما قبل قريش، فأقبلوا بهما حتى أتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مُعَرَّسِه دون الماء، فجعلوا يسألون العبدين عن أبي سفيان وأصحابه لا يرون إلا أنهما لهم، فطفقا يحدثانهم عن قريش ومن خرج منهم وعن رؤوسهم فيكذبونهما وهم أكره شيء للذي يخبرانهم، وكانوا يطمعون بأبي سفيان وأصحابه ويكرهون قريشاً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلمقائماً يصلي يسمع ويرى الذي يصنعون بالعبدين، فجعل العبدان إذا أذلقوهما بالضرب يقولان نعم هذا أبو سفيان والركب، كما قال عز وجل: {أسفلَ مِنْكُمْ} قال الله تعالى: {إذْ أَنْتُم بالعُدوة الدنيا وهم بالعُدوَةِ القُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ

_ 1 الظراب الجبال الصغار، واحدها: ظَرِب - بوزن: كتف - وقد يجمع في القلة على أظرب. النهاية في غريب الحديث 3/156. 2 في صحيح مسلم أن الأسر وقع لغلام بني الحجاج، وهو أسود اللون، انظر: مسلم بشرح النووي 12/125، وانظر: سنن أبي داود رقم (2681) ، وفي مسند أحمد 2/259، رقم 948، أرناؤوط، أن الأسير مولى لعقبة بن أبي معيط.

وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي المِيعَاد وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أمْراً كان مفْعُولاً} 1. قال: فطفقوا إذا قال العبدان: هذه قريش قد جاءتكم كذبوهما وإذا قالا هذا أبو سفيان تركوهما، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صنيعهم بهما سلّم من صلاته، فقال: ماذا أخبراكم؟ قالوا: أخبرانا أن قريشاً قد جاءت. قال: فإنهما قد صدقا، والله إنكم لتضربونهما إذا صدقا وتتركونهما إذا كذبا. خرجت قريش لتحرز ركبها وخافوكم عليهم، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم العبدين فسألهما فأخبراه بقريش، وقالا: لا علم لنا بأبي سفيان، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم "كم القوم"؟ قالا: لا ندري، والله هم كثير، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أطعمهم أمس "؟ فسميا رجلاً من القوم، قال: "كم نحر لهم"؟ قالا: عشر جزائر، قال: "فمن أطعمهم أول أمس"؟ فسميا رجلاً آخر من القوم، فقال: "كم نحر لهم"؟ قالا تسعاً، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القوم ما بين التسع مائة والألف، يعتبر ذلك بتسع جزائر ينحرونها يوماً وعشر ينحرونها يوماً، وزعموا أن أول من نحر لهم حين خرجوا من مكة أبو جهل بن هشام، ونحر لهم بمرّ2 عشر جزائر، ثم نحر لهم أمية بن خلف

_ 1 سورة الأنفال: آية (42) 2 مرّ: المراد: مرّ الظهران، وهو وادٍ فحل من أودية الحجاز يمرّ شمال مكة على (22) كيلاً ويصب في البحر جنوب جدة، بقرابة عشرين كيلاً. انظر: معجم المعالم الجغرافية 288.

بعُسفان1 تسع جزائر، ونحر لهم سهيل بن عمرو بقُدَيد2 عشر جزائر، ومالوا من قديد إلى مياه من نحو البحر فظلوا فيها وأقاموا بها يوماً فنحر لهم شيبة بن ربيعة تسعاً ثم أصبحوا بالجحفة فنحر لهم يومئذ عتبة بن ربيعة عشراً، ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج أو قال العباس بن عبد المطلب عشراً، ونحر لهم الحارث بن عامر بن نوفل تسعاً، ونحر لهم أبو البختري على ماء بدر عشر جزائر، ونحر لهم مِقْيس الجمحي على ماء بدر تسعاً3، ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أذوادهم4. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشيروا عليّ في المنزل، فقام الحباب بن المنذر5، رجل من الأنصار ثم أحد بني سلمة، فقال: أنا يا رسول الله

_ 1 عُسفان: بضمّ العين وسكون السين وفاء وألف وآخره نون، هي بلدة على (80) كيلاًً من مكة شمالاً على الجادة إلى المدينة. انظر: معجم المعالم الجغرافية 208. 2 قُديد: بضمّ القاف وفتح الدال المهملة ومثناة تحت ودال أخرى، وهو وادٍ فحل من أودية الحجاز يقطعه الطريق من مكة إلى المدينة على نحو من (120) كيلاً. معجم المعالم الجغرافية، 249. 3 وقد أخرج الواقدي في المغازي (1/60) أن إيماء بن رحضة قد بعث إلى قريش ابناً له بعشر جزائر حين مروا به، أهداها لهم فشكروه على ذلك. 4 وردت هنا بالذال، ولكن يظهر أن معناها: أزودة بالزاي. والأزودة جمع زاد على غير القياس، النهاية 2/ 317 5 هو الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخزرجي ثم السلمي، قال ابن سعد: شهد بدراً، وقال: مات في خلافة عمر وقد زاد على الخمسين، الإصابة 1/302.

عالم بها وبقُلُبها، إن رأيت أن تسير إلى قليب منها قد عرفتها كثيرة الماء عذبة فتنزل عليها وتسبق القوم إليها وتغوّر ما سواها1، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيروا فإن الله تعالى قد وعدكم إحدى الطائفتين أنها لكم"، فوقع في قلوب الناس كثير الخوف، وكان فيهم شيء من تخاذل من تخويف الشيطان، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون مسابقين إلى الماء، وسار المشركون سراعاً يريدون الماء فأنزل الله عليهم في تلك الليلة مطراً واحداً، فكان على المشركين بلاءً شديداً منعهم أن يسيروا، وكان على المسلمين ديمة2 خفيفة لَبَّد لهم المسير والمنزل، وكانت بطحاء دَهِسَة، فسبق

_ 1 قصة مشورة الحباب أخرجها الحاكم في المستدرك 3/ 426- 427، قال عنها الألباني في تعليقه على كتاب (فقه السيرة للغزالي ص:240) : "وفي سنده من لم أعرفه، وقال عنها الذهبي في تلخيصه على المستدرك: "قلت: حديث منكر" ورواها ابن إسحاق بإسناد منقطع، (ابن هشام 1/ 620) ، وبإسناد مرسل إلى عروة كما في دلائل البيهقي 3/35، والطبري في تاريخه، 2/ 440 من طريق سلمة بن الأبرش عن ابن إسحاق، وذكرها ابن كثير عن الأموي، انظر: السيرة النبوية لابن كثير، 2/ 402، بإسناد منقطع، وفيها الكلبي وهو متروك، وابن شاهين كما في الإصابة 1/ 302 بإسناد ضعيف، وقد تتقوى إلى درجة الحسن لغيره كما قال باوزير في: مرويات غزوة بدر ص 164. 2 الديمة: المطر الدائم في سكون. النهاية 2/ 148.

المسلمون إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل، فاقتحم القوم القليب فماحوها حتى كثر ماؤها، وصنعوا حوضاً عظيماً ثم غوروا ما سواه من المياه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه مصارعهم إن شاء الله تعالى بالغداة، وأنزل الله عز وجل: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} 1. ويقال: كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسان على أحدهما مصعب بن عمير2، وعلى الآخر سعد بن خيثمة3، ومرة الزبير بن العوام، ومرة المقداد بن الأسود4.

_ 1 سورة الأنفال آية (11) . 2 مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب العبدري أحد السابقين إلى الإسلام يكنى أبا عبد الله، شهد بدراً وأحداً ومعه اللواء، فاستشهد، الإصابة 3/ 421. 3 سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب الأنصاري الأوسي أحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدراً واستشهد بها، الإصابة 2/25. 4 أخرج الحاكم في المستدرك 3/ 20 و361، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "ما كان معنا إلا فرسان، فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود - يعني يوم بدر" ثم قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين" وأقره الذهبي. والحق أن حميد بن زياد لم يرو له البخاري في صحيحه، وقال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب 181 رقم (1546) : "صدوق يهم"، وقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن علي رضي الله عنه ما يخالف هذه حيث قال علي رضي الله عنه: "ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد"، مسند أحمد رقم (1023) بتحقيق الأرناؤوط وزملائه، وأخرجه أبو يعلى رقم (280) وابن خزيمة رقم (899) ، وابن حبان رقم (2257) ، وأبو داود الطيالسي رقم (116) ، وأبو يعلى (3050) من طريق شعبة.

ثم صف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحياض، فلما طلع المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - زعموا: "اللهم هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم إني أسألك ما وعدتني"1 - ورسول الله صلى الله عليه وسلم ممسك بعضد أبي بكر يقول – "اللهم إني أسألك ما وعدتني". فقال أبو بكر: يا نبي الله أبشر فوالذي نفسي بيده لينجزن الله تعالى ما وعدك"2. فاستنصر المسلمون الله تعالى واستغاثوه، فاستجاب الله تعالى لنبيهصلى الله عليه وسلم وللمسلمين. وأقبل المشركون ومعهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يحدثهم أن بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنصرهم وأنه لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم لما أخبرهم من سير بني كنانة، قال: وأنزل الله تعالى:

_ 1 ورد نحو هذا الدعاء عند البخاري 6/ 99، رقم (2915) ، ومسلم بشرح النووي 12/ 84، وأخرجه الواقدي في المغازي (1/ 59) من طريق الزهري عن عروة مرسلاً. 2 كلام أبي بكر ونحوه عند البخاري ومسلم في المصدرين والمكانين المتقدمين.

{ولا تكونوا كَالذِينَ خَرجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَرَاً وَرِئَاءَ النَّاسِ} 1 هذه الآية والتي بعدها2، قال رجال من المشركين ممن ادعى الإسلام وخرج بهم المشركون كرهاً لما رأوا قلة مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه غرّ هؤلاء دينهم، قال الله تعالى: {وَمَنْ يتوكلْ على اللهِ فَإِنّ الله عزيزٌ حَكِيْمٌ} 3 الآية كلها. وأقبل المشركون حتى نزلوا وتَعَبَّوْا للقتال والشيطان معهم لا يفارقهم، فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة، فقال: هل لك أن تكون سيد قريش ما عشت؟ قال عتبة: فأفعل ماذا؟ قال: تجير بين الناس وتحمل دية ابن الحضرمي4 وبما أصاب محمد من تلك العير، فإنهم لا يطلبون من محمد غير هذه العير ودم هذا الرجل5.

_ 1 سورة الأنفال آية (47) . 2 وهي قوله تعالى: {وإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعمالَهُمْ وَقَالَ لا غالِبَ لَكُمُ اليوْمَ مِنَ النَّاسِ وإني جَارٌ لَكُمْ فلمّا تَراءَتِ الفِئتانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْه وقال إِني بَرِيءٌ مِّنْكم إني أرَى ما لا تَرَوْنَ إِنِّيْ أَخَافُ اللهَ واللهُ شديدُ العِقاب} . 3 سورة الأنفال آية (49) . 4 يعني: عمرو بن الحضرمي الذي قتل في سرية نخلة. 5 هذا يدل على أن قريشاً لم تخرج لإنقاذ عيرها فقط، بل لأخذ ثأر ابن الحضرمي أيضاً. وقد ذكر ابن حجر: أن غزوة بدر كانت بسبب قتل المسلمين ابن الحضرمي، الإصابة 2/ 498.

قال عتبة: نعم، قد فعلت ونعماً قلت ونعماً دعوت إليه، فاسع في عشيرتك فأنا أتحمل بها، فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك يدعوهم إليه، وركب عتبة بن ربيعة جملاً له فسار عليه في صفوف المشركين في أصحابه، فقال: يا قوم أطيعوني فإنكم لا تطلبون عندهم غير دم ابن الحضرمي، وما أصابوا من عيركم تلك، وأنا أتحمل بوفاء ذلك، ودعوا هذا الرجل، فإن كان كاذباً وليَ قتله غيركم من العرب فإن فيهم رجالاً لكم فيهم قرابة قريبة، وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أخيه أو ابنه أو ابن أخيه أو ابن عمه، فيورث ذلك فيهم إحناً وضغائن، وإن كان هذا الرجل ملكاً كنتم في ملك أخيكم، وإن كان نبياً لم تقتلوا النبي فتسبوا به، ولن تخلصوا أحسب إليهم حتى يصيبوا أعدادهم، ولا آمن أن تكون لهم الدبرة1 عليكم، فحسده أبو جهل على مقالته، وأبى الله عز وجل إلا أن ينفذ أمره، وعتبة بن ربيعة يومئذ سيد المشركين، فعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي2 وهو أخو المقتول فقال: هذا عتبة

_ 1 الدبرة: أي الدولة والظفر والنصرة، تفتح الباء وتسكّن، ويقال: على مَنِ الدبَرة؟ أيضاً، أي الهزيمة، النهاية 2/ 98. 2 ابن الحضرمي هو: عامر بن الحضرمي أخو عمرو المقتول في سرية ابن جحش، انظر: ابن هشام، 1/ 708، وأسد الغابة 4/ 74، رقم (3739) .

يُخَذِّل بين الناس، وقد تحمل بدية أخيك يزعم أنك قابلها، أفلا تستحيون من ذلك أن تقبلوا الدية؟ وقال أبو جهل لقريش: إن عتبة قد علم أنكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معه وفيهم ابنه وبنو عمه وهو يكره صلاحكم. وقال أبو جهل لعتبة وهو يسير فيهم ويناشدهم: انتفخ سَحَرُك، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وهو ينظر إلى عتبة: إن يكن عند أحد من القوم خير فهو عند صاحب الجمل الأحمر، وإن يطيعوه يرشدوا1، فلما حرض أبو جهل قريشاً على القتال أمر النساء يعولن عمراً، فقمن يصحن واعمراه واعمراه، تحريضاً على القتال، وقام رجال فتكشفوا يعيرون بذلك قريشاً، فاجتمعت قريش على القتال، وقال عتبة لأبي جهل: ستعلم اليوم من انتفخ سَحَرُه، أي الأمرين أرشد2، وأخذت قريش مصافها للقتال، وقالوا لعمير بن وهب: اركب فاحزر3 لنا محمداً وأصحابه، فقعد عمير على فرسه فأطاف برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم رجع إلى المشركين فقال: حزرتهم بثلاثمائة مقاتل زادوا شيئاً أو نقصوا شيئاً، وحزرت سبعين، ونحو

_ 1 من قوله: "إن يكن عند أحد ... إلى هنا" أخرجه أحمد في المسند 2/ 259 رقم: [948] أرناؤوط، بسند صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 362، 364، وأبو داود رقم (2665) ، والواقدي في المغازي (1/ 59) ، والبزار رقم (719) ، والطبري في التاريخ 2/ 424، والبيهقي في الدلائل 3/ 63، والسنن 9/ 331. 2 أخرج الواقدي في المغازي (1/ 62- 64) من طريق الزهري نحوه. 3 الحزر: عَدَدُ الشيء بالحَدْس أي بالتقدير. اللسان. حزر.

ذلك، ولكن أنظروني حتى أنظر هل لهم مدد أو خبيء، فأطاف حولهم وبعثوا خيلهم معه، فأطافوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم رجعوا، فقالوا: لا مدد لهم ولا خبيء، وإنما هم أكلة جزور طعام مأكول، وقالوا لعمير: حَرِّش بين القوم، فحمل عمير على الصف ورجعوا بمائة فارس، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: لا تقاتلوا حتى أوذنكم1، وغشيه نوم فغلبه، فلما نظر بعض القوم إلى بعض، جعل أبو بكر يقول: يا رسول الله قد دنا القوم ونالوا منا، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أراه الله تعالى إياهم في منامه قليلاً، وقلل المسلمين في أعين المشركين حتى طمع بعض القوم في بعض، ولو أراه عدداَ كثيراَ لفشلوا ولتنازعوا في الأمر، كما قال الله عز وجل، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فَرَسان: أحدهما لأبي مرثد الغنوي، والآخر للمقداد بن عمرو. وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فوعظهم وأخبرهم أن الله تعالى قد أوجب الجنة لمن استشهد اليوم، فقام عمير بن حُمام2 أخو بني سلمة عن عَجِين كان يعجنه لأصحابه حين سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن لي الجنة إن قُتِلتُ؟ قال: نعم، فشدّ على أعداء الله مكانه فاستشهده الله تعالى، وكان

_ 1 انظر ما يؤيده في صحيح مسلم بشرح النووي 13/ 45. 2 هو عمير بن الحُمام بضم المهملة، وتخفيف الميم ابن الجموح بن زيد بن حرام الأنصاري السلمي، الإصابة 3/31.

أول قتيل1 قتل. ثم أقبل الأسود بن عبد الأسد المخزومي يحلف بآلهته ليشرَبَنّ من الحوض الذي صنع محمد وليهدمنّه، فشدّ فلما دنا من الحوض لقيه حمزة بن عبد المطلب، فضرب رجله فقطعها، فأقبل يحبو حتى وقع في جوف الحوض فهدم منه، واتبعه حمزة حتى قتله. فلما قُتل الأسود بن عبد الأسد نزل عتبة بن ربيعة عن جمله حميّة لِما قال له أبو جهل، ثم نادى: هل من مبارز؛ فوالله ليعلمن أبو جهل أينا أجبن وألأم، ولحق أخوه شيبة، والوليد ابنه، فناديا يسألان المبارزة فقام إليهم ثلاثة من الأنصار فاستحيى النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لأنه كان أول قتال التقى فيه المسلمون والمشركون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد معهم، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون الشوكة لبني عمه، فناداهم النبي صلى الله عليه وسلم: أن ارجعوا إلى مصافكم، وليقم إليهم بنو عمهم2، فقام حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن

_ 1 ورد عند البيهقي في الدلائل 3/127، من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة أن أول قتيل من المسلمين، هو: مهجع مولى عمر بن الخطاب، وورد أيضاً عند البيهقي 3/123-124، من طريق عُقيل عن الزهري أن أول قتيل هو مهجع، وفي سنده أبو صالح كاتب الليث، وهو صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة، انظر: التقريب لابن حجر 307 رقم (3388) . ويمكن الجمع بين القولين: بأن أول من استُشهد من المهاجرين: مهجع مولى عمر، وأول من استشهد من الأنصار: عمير بن الحُمام. والله أعلم. 2 انظر قصة المبارزة في: ابن هشام 1/ 625، ومغازي الواقدي 1/ 68، ومغازي الأموي كما عند ابن كثير في السيرة 2/ 413، ومصنف ابن أبي شيبة 14/ 364، ومسند أحمد 2/ 259 رقم [948] أرناؤوط، وسنن أبي داود رقم (2665) ، والطبري في التاريخ 2/ 424، والبيهقي في الدلائل 3/ 63 و71، ومستدرك الحاكم 3/ 194. وقد ذكر البخاري قصة المبارزة ولكن باختصار، انظر أرقام الأحاديث عنده (3965، 3966، 3967، 3968، 3969، 4744) ، ومسلم بشرح النووي باختصار أيضاً 18/ 166- 167.

أبي طالب، وعبيدة بن الحارث بن المطلب، فبرز حمزة لعتبة، وبرز عبيدة لشيبة، وبرز علي بن أبي طالب للوليد1، فقتل حمزة عتبة، وقتل عبيدة شيبة، وقتل علي الوليد، وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها فاستنقذه حمزة وعلي فحُمِل حتى توفي بالصفراء2. وفي ذلك تقول هند بنت عتبة3:

_ 1 عند أبي داود رقم (2665) أن علياً برز لشيبة، وحمزة لعتبة، وعبيدة للوليد، قال ابن حجر في الفتح 7/ 297: إنها أصح الروايات. وانظر فيما يتعلق بأقوال العلماء في المبارزة: مرويات غزوة بدر للعليمي 207. 2 الصفراء: تعرف اليوم باسم (الواسطة) ، ووادي الصفراء من أودية الحجاز الفحول كثير القرى يلقاك على بعد (51) كيلاً من المدينة ثم يفارقك على (163) كيلاً منها، ثم يدفع في البحر على آثار مدينة الجار التاريخية، انظر: معجم المعالم الجغرافية 176- 177. 3 هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية العبشمية والدة معاوية بن أبي سفيان، أسلمت يوم الفتح، ماتت في خلافة عثمان رضي الله عنه، الإصابة 4/ 425-426.

أيا عيني جودي بدمع سرب1 ... على خير خندف2 لم ينقلب تداعى له رهطه غدوة ... بنو هاشم وبنو المطلب يذيقونه حر أسيافهم ... يعلونه بعدما قد ضرب وعند ذلك نذرت هند بنت عتبة لتأكلنَّ من كَبِد حمزةَ إن قدرت عليها، فكان قتل هؤلاء النفر قبل التقاء الجمعين. وعجّ3 المسلمون إلى الله يسألونه النصر حين رأوا القتال قد نشب، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إلى الله تعالى يسأله ما وعده ويسأله النصر، ويقول: "اللهم إنْ ظُهِرَ على هذا العصابة ظَهَر الشرك ولم يقم لك دين"، وأبو بكر رضي الله عنه يقول: يا رسول الله والذي نفسي بيده لينصرنك الله عزوجل وليبيضن وجهك، فأنزل الله عزوجل من الملائكة جنداً4 في أكتاف العدو،

_ 1 يقال: سربت العين سرباً، وسربت تسرب سروباً، وتسربت: سالت. لسان العرب2/ 127 (ترتيب يوسف خياط ط0سرب) . 2 خندف: قال في لسان العرب: الخندفة: مشية كالهرولة ومنه سميت، زعموا: خندف امرأة إلياس بن مضر واسمها: ليلى نسب ولد إلياس إليها وهي أمهم، لسان العرب 1/ 909، ترتيب يوسف خياط، والمراد: أن أباها خير خندف أي خير قبائل خندف وأفضلهم. 3 العج: هو رفع الصوت، النهاية 3/ 184. 4 من قوله: ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلى هنا له شاهد عند البخاري ومسلم، انظر: البخاري رقم (2915، 3953، 4875، 4877) ، ومسلم بشرح النووي 12/ 84- 85.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أنزل الله نصره، ونزلت الملائكة أبشر يا أبا بكر، فإني قد رأيت جبريل عليه السلام معتجراً يقود فرساً بين السماء والأرض، فلما هبط إلى الأرض جلس عليها، فتغيب عني ساعة ثم رأيت على شقيه1 غباراً".

_ 1 أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس ما يدل على نزول جبريل بفرسه عليه أداة الحرب يوم بدر، انظر: البخاري رقم (3995، 4041) . ومشاركة الملائكة في القتال يوم بدر ثابتة بالكتاب والسنة، فأما الكتاب فقوله تعالى: {إِذْ يُوْحِي رَبُّكَ إِلَى الملائِكَةِ أَنِّيْ مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِيْ فِيْ قُلُوبِ الذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَان} الأنفال آية (12) ، هذا إذا أرجعنا الضمير في قوله تعالى: {فاضْرِبوا} على الملائكة، وهو الراجح. وأما السنة: فلما رواه مسلم من حديث ابن عباس قال: "بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقياً، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه، كضربة السوط، فاخْضَرَّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري يحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "صدقت، ذلك مدد من السماء الثالثة" مسلم بشرح النووي 12/ 85- 86. وفي قصة أسر العباس عند أحمد: أن رجلاً من الأنصار قصير، جاء بالعباس أسيراً، فقال العباس: يا رسول الله إن هذا والله ما أسرني لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهاً على فرس أبلق ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله. فقال: "اسكت، فقد أيدك الله بملك كريم" المسند رقم (948) ، تحقيق أحمد شاكر وحكم عليه بالصحة.

وقال أبو جهل: اللهم انصر خير الدينين، اللهم ديننا القديم ودين محمد الحديث، ونكص الشيطان على عقبيه حين رأى الملائكة وتبرأ من نصر أصحابه، فأوحى الله عزوجل إلى الملائكة وأمرهم بأمره وحدثهم أنه معهم، وأمر بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفه من الحصباء فرمى بها وجوه المشركين فجعل الله تبارك وتعالى تلك الحصباء عظيماً شأنها لم تترك من المشركين رجلاً إلا ملأت عينيه، وجعل المسلمون بهم قتلاً، معهم الله والملائكة يقتلونهم ويأسرونهم ويجدون النفر كل رجل منهم منكباً على وجهه، لا يدري أن يتوجه يعالج التراب ينزعه من عينيه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر المسلمين قبل القتال إن رأوا الظهور أن لا يقتلوا عباس اً ولا عقيلاً، ولا نوفل بن الحارث، ولا أبا البختري في رجال1، فأسر هؤلاء النفر في رجال ممن أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 1 أخرج أحمد في المسند 2/ 97 رقم (676) بتحقيق الأرناؤوط وزملائه من رواية أبي إسحاق السبيعي عن حارثة بن مضرب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "من استطعتم أن تأسروا من بني عبد المطلب فإنهم خرجوا كرهاً" وأخرجه البزار (كشف الأستار رقم 1763) وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف 14/ 382، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "من لقي أحداً من بني هاشم فلا يقتله فإنهم خرجوا كرهاً".

وغيرهم إلا أبا البختري فإنه أبى أن يستأسر وذكروا له - زعموا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرهم أن لا يقتلوه إن استأسر فأبى، وأسر بشر كثير ممن لم يأمر النبي بإساره التماس الفداء، قال: ويزعم ناس أن أبا اليسر1 قتل أبا البختري - ويأبى عظيم الناس، إلا أن المجذّر2 هو الذي قتله، بل قتله أبو داود3 المازني، وسلبه سيفه وكان عند بنيه حتى باعه بعضهم من بعض بني أبي البختري وقال المجذر: بشر بِيُتم إن لقيتَ البختري ... وبشرنْ بمثلها مني بني أنا الذي أزعم أصلي من بلي ... أطعن بالحربة حتى تنثني ولا ترى مجذّراً يفري فريّ فزعموا أنه ناشده إلا استأسر وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله إن استأسر فأبى أبو البختري أن يستأسر وشد عليه بالسيف فطعنه

_ 1 اسمه: كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد الأنصاري السلمي، مشهور بكنيته، وهو الذي أسر العباس توفي سنة خمس وخمسين، الإصابة 4/ 221. 2 المجذر بن زياد بن عمرو بن أخرم بن عمرو بن عمارة البلوي، يقال اسمه: عبد الله والمجذر؛ لقب، وهو بالذال المعجمة، ومعناه الغليظ الضخم، الإصابة 3/ 363، وقد ذكر ابن حجر قصته مع أبي البختري يوم بدر وقوله لأبي البختري إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي منكم أبا البختري فلا يقتله"، فقال أبو البختري: وزميلي؟ فقال: لا والله فإني قاتله فقتله هو وزميله"، المصدر السابق. 3 أبو داود الأنصاري المازني قيل: اسمه عمرو، وقيل: عمير، الإصابة 4/ 58.

الأنصاري بين ثدييه وأجهز عليه1، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى فالتمس أبا جهل فلم يجده، حتى عرف ذلك في وجه رسول الله فقال: "اللهم لا يعجزني فرعون هذه الأمة". فسعى له الرجال حتى وجده عبد الله بن مسعود مصروعاً بينه وبين المعركة غير كبير مقنعاً في الحديد واضعاً سيفه على فخذيه ليس به جرح ولا يستطيع أن يحرك منه عضواً وهو منكب ينظر إلى الأرض، فلما رآه عبد الله بن مسعود أطاف حوله ليقتله وهو خائف أن يثور إليه وأبو جهل مقنع في الحديد، فلما دنا منه وأبصره لا يتحرك ظن عبد الله أن أبا جهل مثبت جراحاً فأراد أن يضربه بسيفه فخشي أن لا يغني سيفه شيئاً فأتاه من ورائه فتناول قائم سيفه، فاستله وهو منكب لا يتحرك، فرفع عبد الله سابغة البيضة عن قفاه فضربه، فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه، فلما نظر إليه إذا هو ليس به جراح وأبصر في عنقه جدراً وفي يديه وفي كتفيه كهيئة السياط2.

_ 1 قال ابن إسحاق: "وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام بنقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم". ابن هشام1/ 629. 2 ورد في صحيح مسلم 12/ 61- 63 بشرح النووي: أن مقتل أبي جهل كان على يد غلامين من الأنصار هما: معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن العفراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى سلبه إلى معاذ بن عمرو بن الجموح، وأخرج البخاري في صحيحه رقم (3962) عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ينظر ما صنع أبو جهل؟ ". فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه أبناء عفراء حتى برد، قال: أأنت أبو جهل؟ قال: فأخذ بلحيته قال: وهل فوق رجل قتلتموه؟ أو رجل قتله قومه؟ " انظر أيضاً: رقم (3961) ، و (3963) من البخاري، وانظر أيضاً: قصة أبي جهل عند أحمد في المسند 6/ 374 رقم [3824] أرناؤوط، وابن أبي شيبة في المصنف 14/ 372- 373، وأبي داود رقم (2709) وعند ابن هشام 1/ 634، وتاريخ الطبري2/ 454 - 456، ودلائل البيهقي 3/ 85- 86، ومغازي الواقدي 1/ 89- 90.

وأتى ابن مسعود النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذلك ضرب الملائكة، وقال: اللهم قد أنجزت ما وعدتني". ورجعت قريش إلى مكة مغلوبين منهزمين وكان أول من قدم بهزيمة المشركين الحيسُمان الكعبي وهو جد حسن بن غيلان، فاجتمع عليه الناس عند الكعبة يسألونه، لا يُسْأَلُ عن رجل من أشراف قريش إلا نعاه، فقال صفوان بن أمية1 وهو قاعد مع نفر من قريش في الحجر: والله ما يعقل هذا الرجل، ولقد طار قلبه، سلوه عني، فإني أظنه سوف ينعاني، فقال بعضهم للحيسُمان: هل لك علم بصفوان بن أمية؟

_ 1 هو صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة أبو وهب الجمحي، قتل أبوه يوم بدر كافراً، هرب يوم فتح مكة وأسلمت زوجته، فأحضر له ابن عمه عمير بن وهب أماناً من النبي صلى الله عليه وسلم، فحضر وحضر وقعة حنين قبل أن يسلم، ثم أسلم، انظر الإصابة 2/ 187.

قال: نعم، هو ذاك جالس في الحجر ولقد رأيت أباه أمية بن خلف قتل، ثم تتابع فلّ المشركين من قريش ونصر الله عزوجل رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأذلّ بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين، فلم يبق بالمدينة منافق ولا يهودي إلا وهو خاضع عنقه لوقعة بدر، وكان ذلك يوم الفرقان، يوم فرق الله تعالى بين الشرك والإيمان. وقالت اليهود: تيقنا أنه النبي الذي نجد نعته في التوراة، والله لا يرفع راية بعد اليوم إلا ظهرت، وأقام أهل مكة على قتلاهم النوح في كل دار من مكة شهراً، وجزّ النساء رؤوسهنّ، يؤتى براحلة الرجل أو بفرسه فيوقف بين ظهري النساء فَيَنُحْنَ حولها، وخرجن في الأزقة فسترنها بالستور، ثم خرجن إليها يَنُحْنَ. ولم يقتل من الأسرى صبراً1 غير عقبة بن أبي معيط2، قتله عاصم3 بن ثابت بن أبي الأقلح أخو بني عمرو بن عوف لما أبصره عقبة

_ 1 قال ابن الأثير: "وكل من قتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ فإنه مقتول صبراً". النهاية 3/ 8. 2 عند ابن هشام 1/ 644، كذلك وذكر أن علياً رضي الله عنه قتل النضر بن الحارث صبراً. وفي المعجم الأوسط للطبراني 4/ 135 رقم (3801) أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر ثلاثة صبراً، قتل: النضر بن الحارث من بني عبد الدار، وطعيمة بن عدي بن بني نوفل، وعقبة بن أبي معيط. 3 هو عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح قيس بن عصمة بن النعمان، جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه من السابقين الأولين من الأنصار، وكان أمير السرية التي ذهبت إلى بني لحيان فقتل فيها. الإصابة 2/ 244- 245. قال ابن هشام: "ويقال: قتله علي بن أبي طالب فيما ذكر لي عن ابن شهاب الزهري وغيره من أهل العلم". ابن هشام (1/ 644)

مقبلاً إليه استغاث بقريش، فقال: يا معشر قريش علام أقتل من بين من ههنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على عداوتك لله ورسوله". وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى قريش من المشركين فألقوا في قليب بدر ولعنهم وهو قائم يسميهم بأسمائهم، غير أن أمية بن خلف كان رجلاً مسمناً فانتفخ في يومه، فلما أرادوا أن يلقوه في القليب تفقأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوه"، وهو يلعنهم1: " هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً2؟ قال موسى بن عقبة: قال نافع: قال عبد الله بن عمر: قال أناس من أصحابه: يا رسول الله أتنادي ناساً موتى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنتم بأسمع لما قلت منهم"3.

_ 1 في البخاري رقم (4026) : يلقيهم. 2 من قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه إلى هنا، أخرجه البخاري حديث رقم: (4026) قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح بن سليمان عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلقيهم: "هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ " والمراد بقوله فذكر الحديث أي تعداد الزهري لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم. 3 من قوله قال موسى بن عقبة إلى هنا: رواية لموسى بن عقبة عن ابن عمر أدخلها بين روايته ورواية الزهري الطويلة، وقد ذكرها البخاري رقم (4026) .

قال1: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فدخل من ثنية الوداع، ونزل القرآن يعرفهم الله نعمته فيما كرهوا من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فقال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ} 2 إلى هذه الآية وثلاث آيات معها، وقال فيما استجاب للرسول وللمؤمنين: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} 3 هذه الآية وأخرى معها، وأنزل فيما غشيهم من النعاس أمنة منه حين وكلهم إليه حين أخبروا بقريش فقال: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ} 4 هذه الآية والتي بعدها، وأنزل في قتل

_ 1 قوله: قال: ... من كلام الزهري تتمة لروايته الطويلة. 2 سورة الأنفال (5-6) . 3 سورة الأنفال (9) . 4 سورة الأنفال الآية (11-12) .

المشركين والقبضة التي رمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحصباء، والله أعلم: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً} 1، هذه الآية والتي بعدها، وأنزل في استفتاحهم ودعاء المؤمنين: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ} 2، وقال في شأن المشركين: {وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} 3 هذه الآية كلها. ثم أنزل تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ} 4 في سبع آيات معها، وأنزل في منازلهم، فقال: {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} 5 والآية التي بعدها، وأنزل فيما يعظهم به: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ} 6 الآية وثلاث آيات معها، وأنزل فيما تكلم به

_ 1 سورة الأنفال، الآية (17) 2 سورة الأنفال، الآية (19) 3 سورة الأنفال، الآية (19) 4 سورة الأنفال، الآية (20) 5 سورة الأنفال، الآية (42) 6 سورة الأنفال، الآية (45)

رجال من أهل الإسلام خرج بهم المشركون كرهاً، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: {غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ} 1، الآية كلها، وأنزل في قتلى المشركين ومن اتبعهم {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} 2 الآية وثمان آيات معها، وعاتب الله عزوجل النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فيما أسروا وكره الذي صنعوا ألا يكونوا أثخنوا العدو بالقتل، فقال الله عزوجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} 3، ثم سبق من الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إحلال الغنائم وكانت حراماً على من كان قبلهم من الأمم، كان فيما يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - أنه كان يقول: "لم تكن الغنائم تحل لأحد قبلنا فطيبها الله عزوجل لنا"4، فأنزل الله فيما سبق من كتابه بإحلال الغنائم فقال: {لَّوْلاَ كِتَابٌ

_ 1 سورة الأنفال، الآية (49) 2 سورة الأنفال، آية (50) . 3 سورة الأنفال، آية (67) . 4 هذا اللفظ يشهد له ما أخرجه البخاري (6/220 رقم 3124 مع الفتح) ومسلم رقم (1747) من حديث أبي هريرة مرفوعاً "ثم أحلّ الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا".

مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1 هذه الآية والتي بعدها، وقال رجال ممن أسر: يا رسول الله: إنا كنا مسلمين وإنما أخرجنا كرهاً فعلام يؤخذ منا الفداء، فأنزل الله عزوجل فيما قالوا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} 2.

_ 1 سورة الأنفال، آية (68) . 2 سورة الأنفال، آية (70) ، والرواية بطولها مرسلة، ولكن قد ورد لبعض فقراتها شواهد في الصحيحين وفي غيرهما، انظر ما تقدم من الحواشي.

المبحث الثالث: في استفتاح أبي جهل

المبحث الثالث: في استفتاح أبي جهل 8 - قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَيْرٍ العذري1 حليف بني زهرة، أنه حدثه: أنه لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض، قال أبو جهل بن هشام: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأَحِنْه2 الغداة، فكان هو المستفتح"3.

_ 1 هو عبد الله بن ثعلبة بن صُعير - بمهملتين مصغراً - ويقال: ابن أبي صعير، له رؤية ولم يثبت له سماع، مات سنة سبع - أو تسع - وثمانين، وقد قارب التسعين، خ (د) س التقريب 298 رقم (3242) . 2 الحين - بالفتح -: الهلاك، وقد حان الرجل: هلك. اللسان 1/772، حين. 3 ابن هشام والواقدي في المغازي 1/70، ومسند أحمد 39/65 - 66 رقم: [23661] ، أرناؤوط، ومصنف ابن أبي شيبة 14/360، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 1/ 454 رقم (631) ، وأنساب الأشراف للبلاذري، قسم السيرة 1/ 129، والنسائي في السنن الكبرى 10/106، رقم (11137) ، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، ط: الأولى، 1421هـ. والطبري في التاريخ 2/449، والحاكم في المستدرك 2/328، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. وأخرجه البيهقي في الدلائل 3/74. وهو حديث صحيح. وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَد جَاءَكمُْ الفَتْحُ} ، قال: "استفتح أبو جهل بن هشام، فقال: اللهم أينا كان أفجر بك وأقطع للرحم فأحنه اليوم، يعني محمداً ونفسه، فقتله الله يوم بدرٍ كافراً إلى النار". مصنف عبد الرزاق 5/347 رقم (9725) ، والتفسير 1/256، وهو مرسل، إسناده صحيح إلى الزهري، وانظر: تفسير ابن كثير 2/ 296.

المبحث الرابع: في رمي النبي صلى الله عليه وسلم حصيات في وجوه المشركين

المبحث الرابع: في رمي النبي صلى الله عليه وسلم حصيات في وجوه المشركين 9 - قال أبو نعيم1: حدثنا أبو بكر2 بن مردويه، حدثنا علي ابن أحمد3، ودعلج4 بن أحمد، قالا: حدثنا محمد5 بن أيوب، قال: أخبرني إبراهيم6 بن يحيى بن عباد، قال: حدثني أبي7، عن محمد بن

_ 1 دلائل النبوة لأبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني، رقم (330) . تحقيق: محمد بن محمد الحداد، الطبعة الأولى 1409هـ دار طيبة للنشر والتوزيع. 2 ابن مردويْه: هو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحافظ الكبير أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويْه بن فورك بن موسى الأصبهاني، مات سنة ثمان وتسعين وأربع مائة، قال السِّلَفيُّ: (كتبنا عنه كثيراً، وكان ثقة جليلاً) السير 19/207. 3 هو علي بن أحمد بن محمد بن بادويه القزويني المعروف ببادويه، أبو الحسن، وثقه الخطيب، تاريخ بغداد، 11/322 – 323، والخليلي، انظر: الإرشاد، 2/771، رقم [645] . 4 هو: دَعْلَج بن أحمد بن دَعْلَج بن عبد الرحمن، أبو محمد السجستاني المعدل، قال الخطيب: كان ثقة ثبتاً، تاريخ بغداد، 8/387 –388. 5 هو محمد بن أيوب بن يحيى الضُّريس الرازي، قال ابن أبي حاتم: كتبنا عنه، وكان ثقة صدوقاً، الجرح والتعديل، 7/198، وقال الخليلي في الإرشاد، 2/684 رقم: (446) : ثقة متفق عليه. 6 هو إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد بن هانئ الشجري - بفتح المعجمة والجيم - لين الحديث، من العاشرة، ت، التقريب، 95. 7 هو يحيى بن محمد بن عباد بن هانئ الشجري - بمعجمة وجيم مفتوحتين - ضعيف، وكان ضريراً يَتَلقن، من التاسعة، ت، التقريب، 596 رقم (7637) .

إسحاق 1، عن الزهري، عن عروة عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت صوت حصيات وقعت من السماء كأنهن وقعن في طست، فلما اصطف الناس أخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى وجوه المشركين، فانهزموا، فذلك قول الله عزوجل: {ومَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} 2. 10 - قال الواقدي3: حدثني محمد بن عبد الله4، عن

_ 1 صدوق إذا صرّح بالتحديث، وقد تقدم. 2 سورة الأنفال، آية (17) . ورميُ النبي صلى الله عليه وسلم بالتراب أو الحصى في وجوه المشركين يوم بدر؛ قد وردت من طرق لا تخلو من مقال؛ انظر: مغازي الواقدي 1/95، والطبري في تفسيره، رقم: (15822) ، والطبراني في الكبير رقم (3127) ، والأوسط، رقم (9097) ، وتاريخ الطبري 2/421-424، وفي التفسير رقم (15827) والبيهقي في الدلائل 3/79، وأبو نعيم في الدلائل 2/ 605 –606، والطبراني في الكبير رقم: (11750) ، وأبو القاسم الأصبهاني في دلائل النبوة، رقم (39) تحقيق مساعد الراشد، فهذه الروايات على ضعفها تدل على أن الرمية حصلت من النبي صلى الله عليه وسلم في بدر. وقد ثبت عن الزهري ما يدل على أن تلك الرمية كانت في أُحد، في قصة قتل أبي بن خلف، كما أخرج ذلك عبد الرزاق عن الزهري، انظر: المصنف 5/347 رقم (9725) ، والتفسير 1/256، وتفسير الطبري 10/136 _ 137، وقد رواه الحاكم في المستدرك 2/ 327، موصولاً عن سعيد بن المسيّب عن أبيه، والواحدي في أسباب النزول 236 رقم (471) وسيأتي إن شاء الله عند الحديث عن غزوة أحد. 3 هو محمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي المدني القاضي، نزيل بغداد، متروك مع سعة علمه، من التاسعة، توفي سنة 207 هـ وله ثمان وسبعون، ق، التقريب 498 رقم (6175) . 4 هو محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني، ابن أخي الزهري، صدوق له أوهام، من السابعة، توفي سنة اثنتين وخمسين، وقيل: بعدها، (ع) ، التقريب، ص (490) .

الزهري، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثْمة1، قال: سمعت حكيم بن حزام، يقول: ما وجهت وجهاً قط كان أكره لي من مسيري إلى بدر، ولا بان لي في وجه قط ما بان لي قبل أن أخرج، ثم يقول: قدم ضمضم فصاح بالنفير، فاستقسمت بالأزلام، كلّ ذلك يخرج الذي أكره، ثم خرجت على ذلك حتى نزلنا مرّ الظهران، فنحر ابن الحنظلية2 جُزُراً، فكانت جزور منها بها حياة، فما بقي خباء3 من أخبية العسكر إلا أصابه من دمها، فكان هذا بيّناً، ثم هممت بالرجوع، ثم أذكر ابن الحنظلية وشؤمه، فيردني حتى مضيت لوجهي، فكان حكيم يقول: لقد رأيتنا حتى بلغنا الثنية البيضاء - والثنية البيضاء التي تهبطك على فخ وأنت مقبل

_ 1 هو أبو بكر بن سليمان بن أبي حثْمة عبد الله بن حذيفة العدوي، المدني، ثقة عارف بالنسب، من الثالثة، خ م د ت س، التقريب 623. 2 ابن الحنظلية: هو أبو جهل، قال ابن هشام (1/623) : "والحنظلية أم أبي جهل، وهي أسماء بنت مُخرَّبة، أحد بني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم". 3 الخباء: أحد بيوت العرب من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، ويكون على عمودين أو ثلاثة، والجمع: أَخْبية. النهاية 2/9.

من المدينة - إذا عَدّاس1 جالس عليها، والناس يمرون، إذ مرّ عليه ابنا ربيعة، فوثب إليهما فأخذ بأرجلها في غَرْزهما، وهو يقول: بأبي وأمي أنتما، والله إنه رسول الله، وما تساقان إلا إلى مصارعكما، وإن عينيه لتسيل دموعهما على خديه، فأردت أن أرجع أيضاً، ثم مضيت، ومرّ به العاص بن منبه بن الحجاج فوقف عليه حين ولى عتبة وشيبة، فقال: ما يبكيك؟ فقال: يبكيني سيداي وسيدا أهل هذا الوادي، يخرجان إلى مصارعهما، ويقاتلان رسول الله، فقال العاص: وإن محمداً رسول الله؟ قال: فانتفض عدّاس انتفاضة، واقشَعرّ جلده، ثم بكى، وقال: إي والله إنه لرسول الله إلى الناس كافّة، قال: فأسلم العاص بن منبه، ثم مضى وهو على الشكّ حتى قتل مع المشركين على شكٍّ وارتياب، ويقال: رجع عدّاس ولم يشهد بدراً، ويقال: شهد بدراً وقتل يومئذ، والقول الأول أثبت عندنا2. 11 - وأخرج الواقدي من طريق معمر عن الزهري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اكفني نوفل بن خويلد) 3، وأقبل نوفل يومئذ

_ 1 هو عدّاس النصراني غلام عتبة وشيبة ابني ربيعة، السيرة النبوية لابن هشام 1/ 421. 2 مغازي الواقدي 1/ 34- 35، والواقدي متروك. 3 هو نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي القرشي الأسدي أخو خديجة. الإصابة 1/ 46 (ترجمة ابنه: الأسود بن نوفل) رضي الله عنه، وقد قتل نوفل يوم بدرٍ كافراً. نسب قريش، ص: 229 _230.

وهو مرعوب، قد رأى قتل أصحابه، وكان في أول ما التقوا هم والمسلمون، يصيح بصوت له زجل رافعاً صوته: يا معشر قريش إن هذا اليوم يوم العلاء والرفعة، فلما رأى قريشاً قد انكسرت جعل يصيح بالأنصار: ما حاجتكم إلى دمائنا؟ أما ترون ما تقتلون؟ أما لكم في اللبن من حاجة؟ فأسره جَبَّار بن صخر1 فهو يسوقه أمامه فجعل نوفل يقول لجبار - ورأى عليا ً مقبلاً نحوه - قال: يا أخا الأنصار، من هذا؟ واللات والعزّى إني لأرى رجلاً إنه ليريدني، قال: هذا علي بن أبي طالب، قال: ما رأيت كاليوم رجلاً أسرع في قومه منه، فيصمد له عليٌّ فيضربه، فنشب سيف عليّ في حَجَفته ساعة، ثم نزعه، فيضرب ساقيه، ودرعه مشمرة، فقطعها، ثم أجهز عليه فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من له علم بنوفل بن خويلد؟ فقال علي بن أبي طالب: أنا قتلته، قال: فكبر رسول الله وقال: "الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه". وأقبل العاص بن سعيد يحث للقتال، فالتقى هو وعلي فقتله علي، فكان عمر يقول لابنه سعيد بن العاص: إني لأراك معرضاً تظن أني قتلت

_ 1 هو جبار بن صخر بن أمية بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري ثم السلمي، يكنى أبا عبد الله ... كان خارصاً للنبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر بعد عبد الله بن رواحة، توفي سنة ثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه وهو ابن اثنتين وستين سنة، الإصابة 1/ 220.

أباك؟ - في أصل ابن أبي حية -، والله ما قتلت أباك، ولا أعتذر من قتل مشرك، ولقد قتلت خالي بيدي؛ العاص بن هشام بن المغيرة، فقال سعيد: لو قتلتَه لكان على الباطل وأنت على الحق. قال: قريش أعظم الناس أحلاماً وأعظمها أمانة لا يبغيهم أحد الغوائل إلا كبه الله لفيه. وكان علي يقول: إني يومئذ بعدما ارتفع النهار ونحن والمشركون قد اختلطت صفوفنا وصفوفهم، خرجت في إثر رجل منهم، فإذا رجل من المشركين على كثيب رمل وسعد بن خيثمة، وهما يقتتلان حتى قَتل المشركُ سعدَ بنَ خيثمة والمشرك مقنع في الحديد وكان فارساً، فاقتحم عن فرسه، فعرفني وهو معلّم ولا أعرفه، فناداني: هلمّ ابن أبي طالب لِلبَراز، قال: فعطفت عليه فانحط إليّ مقبلاً، وكنت رجلاً قصيراً فانحططت راجعاً لكي ينزل إليّ، فكرهت أن يعلوني بالسيف، فقال: يا ابن أبي طالب، فررت؟ فقلت: قريباً مفَرُّ ابن الشترا1، قال:

_ 1 قال مصعب الزبيري في كتابه نسب قريش (ص: 200) "إن هذا مثل تضربه العرب". قال الزمخشري في الفائق (1/ 636) وابن الأثير في النهاية (2/443) : "ابن الشترا" رجل كان يصيب الطريق، وكان يأتي الرفقة فيدنو منهم، حتى إذا هموا به نأى قليلاً، ثم عاودهم حتى يصيب منهم غرة، زاد ابن الأثير: المعنى: أن مفرّه قريب وسيعود، فصار مثلاً.

فلما استقرت قدماي وثبتُّ، أقبل فلما دنا مني ضربني فاتقيت بالدرقة فوقع سيفه فلحِج - يعني لزك - فأضربه على عاتقه وهو دارع فارتعش، ولقد فضّ سيفي درعه، فظننت أن سيفي سيقتله، فإذا بريق سيف ورائي، فطأطأت رأسي، ويقع السيف فأطن قِحْف رأسه بالبيضة، وهو يقول: خذها وأنا ابن عبد المطلب، فالتفت من ورائي فإذا حمزة بن عبد المطلب1.

_ 1 المغازي 1/ 91-93. ولم أر أحداً خرجه غير الواقدي، وهو متروك.

المبحث الخامس: في عدد أسرى المشرك

المبحث الخامس: في عدد أسرى المشركين 12- قال البيهقي: وأخبرنا أبو الحسين1 بن الفضل القطان، قال: أخبرنا عبد الله2 بن جعفر، قال: أخبرنا يعقوب3 بن سفيان قال: أخبرنا أبو صالح4، قال: حدثني الليث5 قال: حدثني عُقيل6 عن ابن

_ 1 ثقة تقدم في الرواية رقم (7) . 2 هو عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان، أبو محمد الفارسي النحوي، نقل الخطيب توثيقه عن جماعة، تاريخ بغداد، 9/428- 429، وضعفه بعضهم بسبب حكاية باطلة لم تثبت عنه، ذكره الخطيب. المصدر السابق. 3 يعقوب بن سفيان الفارسي أبو يوسف الفسوي، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، توفي سنة سبع، وقيل بعد ذلك، ت س التقريب 608. 4 عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني، أبو صالح المصري، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وعشرين، وله خمس وثمانون سنة، خت د ت ق، التقريب 308 رقم (3388) . 5 الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور من السابعة، مات في شعبان سنة خمس وسبعين، ع، التقريب 464 رقم (5684) . 6 عُقيل بالضم: ابن خالد بن عَقيل، بالفتح، الأَيْلي، بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام، أبو خالد الأموي مولاهم، ثقة ثبت، سكن المدينة ثم الشام ثم مصر، من السادسة، مات سنة أربع وأربعين على الصحيح، ع، التقريب 396رقم (4665) .

شهاب قال: "كان أول قتيل قتل يوم بدر من المسلمين مِهْجَع1 مولى عمر بن الخطاب، ورجل من الأنصار فهزم يومئذ المشركون وقتل منهم زيادة على سبعين، وأسر منهم مثل ذلك) 2. 13- وقال الواقدي: فحدثني محمد بن عبد الله3، عن الزهري

_ 1 مهجع: هو مهجع العكي مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال ابن هشام: أصله من عك فأصابه سباء، فمنّ عليه عمر فأعتقه، وكان من السابقين إلى الإسلام، وشهد بدراً، واستشهد بها، وقال موسى بن عقبة: كان أول من قتل ذلك اليوم. الإصابة (3/ 466) . 2 دلائل النبوة للبيهقي 3/ 123- 124، وأخرج في 3/ 127 عن ابن شهاب عن عروة نحواً من هذا، وكذلك عبد الرزاق في المصنف 5/ 348 رقم (9726) ، ومغازي الواقدي 1/ 144 وانظر البلاذري في الأنساب 1/ 305، وتاريخ الإسلام للذهبي قسم المغازي 113. وقوله: " ... وقتل منهم زيادة على سبعين وأسر منهم مثل ذلك" يخالف ما رواه البخاري من حديث البراء بن عازب وفيه ... "وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسيراً وسبعين قتيلاً" البخاري مع الفتح 7/307 رقم 3986، وورد كذلك عند مسلم 12/ 86 بشرح النووي من حديث ابن عباس، وأنساب الأشراف للبلاذري قسم السيرة 1/ 305، ويتضح من رواية الزهري أن قتلى المشركين زيادة عن السبعين وأن الأسرى مثل ذلك، والحق: أن ما ذكره البخاري ومسلم في تحديد العدد بسبعين فقط هو الذي يجب المصير إليه. 3 تقدمت ترجمته في الرواية رقم (10) .

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالأسرى خيراً". فقال أبو العاص بن الربيع: كنت مع رهط من الأنصار جزاهم الله خيراً، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده الكسرة فيدفعها إليّ، وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد: كانوا يحملوننا ويمشون1. 14- وقال الواقدي أيضاً: حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال: قدم بالأسرى قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم بيوم2، ويقال: قدموا في آخر النهار من اليوم الذي قدم فيه3.

_ 1 المغازي 1/ 119. وهذه الرواية لم أجدها عند غير الواقدي، وهو متروك. 2 يظهر أن هذا هو الصواب في قدوم الأسرى، فقد أخرج البيهقي في الدلائل (3/ 130-131) من حديث هشام بن عروة عن أبيه وفيه: " ... فجاء زيد بن حارثة على العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبشارة، قال أسامة: فسمعت الهَيْعَة، فخرجت فإذا زيد قد جاء بالبشارة، فوالله ما صدقت حتى رأيت الأسارى، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بسهمه" وقد صحح الألباني سند رواية البيهقي هذه، انظر: تعليقه على فقه السيرة للغزالي ص250. والرواية تدل على أن الأسرى قدموا قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم. 3 المغازي 1/ 119، والواقدي متروك.

المبحث السادس: في نزول الملائكة بدرا

المبحث السادس: في نزول الملائكة بدراً 15- قال الأموي1: حدثنا أبي2 عن ابن إسحاق3، حدثني الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعير، أن أبا جهل حين التقى القوم قال: "اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة. فكان هو المستفتح4، فبينما هم على تلك الحال وقد شجع الله المسلمين على لقاء عدوهم وقللهم في أعينهم حتى طمعوا فيهم خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة في العريش ثم انتبه فقال: "أبشر يا أبا بكر؛ هذا جبريل معتجر بعمامته آخذ بعنان فرسه يقوده على ثنايا النقع أتاك نصر الله وعدته"5.

_ 1 هو: سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو عثمان البغدادي، ثقة ربما أخطأ، من العاشرة، مات سنة تسع وأربعين، خ م د ت س. التقريب 242. 2 هو يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو أيوب الكوفي، نزيل بغداد، لقبه الجمل، صدوق يغرب، من كبار التاسعة، مات سنة أربع وتسعين، وله ثمانون سنة، ع. التقريب 590. 3 هو محمد بن إسحاق تقدم. 4 إلى هنا أخرجه الإمام أحمد وغيره بسند صحيح. انظر: المبحث الثالث رقم [8] . 5 البداية والنهاية 3/ 284، وقد حسن الألباني سنده. انظر تعليقه على فقه السيرة للغزالي ص244.

16- قال البيهقي: أخبرنا أبو نصر1 بن قتادة. قال: حدثنا محمد2 بن محمد بن داود المسوري، قال: حدثنا عبد الرحمن3 بن محمد بن إدريس، قال حدثنا محمد4 بن عُزيز، قال: حدثني سلامة5، عن عُقيل6 قال: حدثني ابن شهاب قال: قال أبو حازم7، عن سهل بن سعد 8:

_ 1 اسمه: عمر بن العزيز بن قتادة، ذكره السبكي في طبقات الشافعية 3/ 201- 204، وقال: سمع من محمد بن إسماعيل القفال، وروى عنه البيهقي، ولم أجد له ترجمة مع البحث في مظان ترجمته. 2 لم أعثر على ترجمته مع طول البحث. 3 هو عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، وصفه الذهبي بالحافظ الثبت ابن الحافظ الثبت، ميزان الاعتدال 2/ 587. 4 هو محمد بن عُزيز، بمهملة وزايين، مصغر، ابن عبد الله بن زياد، فيه ضعف، وقد تكلموا في صحة سماعه من عمه سلامة من الحادية عشرة، مات سنة سبع وستين س ق. التقريب ص 496. 5 هو: سلامة بن رَوح الأيلي، قال أبو حاتم: "يكتب حديثه"، وقال أبو زرعة: "منكر الحديث". ميزان الاعتدال 2/183. 6 تقدم في رقم (12) . 7 هو سلمة بن دينار، أبو حازم الأعرج الأفْزَر التمار، المدني القاص، مولى الأسود ابن سفيان، ثقة عابد، من الخامسة، مات في خلافة المنصور، ع، التقريب ص (247) . 8 سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الساعدي، الإصابة (2/ 88) .

قال أبو أسيد الساعدي 1 بعدما ذهب بصره: "يا ابن أخي والله لو كنتُ أنا وأنت ببدر ثم أطلق الله لي بصري لأريتك الشعب الذي خرجت علينا منه الملائكة غير شك فلا تمار"2.

_ 1 أبو أسيد (بالتصغير) : هو مالك بن ربيعة بن البدن بن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري، الساعدي، أبو أسيد، مشهور بكنيته، شهد بدراً وأحداً، وما بعدها. الإصابة (3/ 344) . 2 دلائل النبوة 3/ 53، وسند هذه الرواية فيه ضعف ولكن شهود الملائكة ثابت، انظر: البخاري رقم (2915، و3953، و4875، و4877) ومسلم بشرح النووي 12/84-85.

المبحث السابع: في من الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض كفار قريش

المبحث السابع: في منِّ الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض كفار قريش 17- قال الواقدي في المغازي: فحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: "أَمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأسرى يوم بدر أبا عَزَّة عمرو بن عبد الله بن عمير الجمحي، وكان شاعراً، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لي خمس بنات ليس لهن شيء، فتصدق بي عليهن يا محمد، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو عَزَّة: أعطيك موثقاً لا أقاتلك ولا أكثر عليك أبداً، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خرجت قريش إلى أحد جاءه صفوان بن أمية فقال: اخرج معنا، فقال: إني أعطيت محمداً موثقاً ألا أقاتله ولا أكثر عليه أبداً، وقد منَّ علي، ولم يمنَّ على غيري حتى قتله أو أخذ منه الفداء، فضمن صفوان أن يجعل بناته مع بناته إن قتل، وإن عاش أعطاه مالاً كثيراً لا يأكله عياله، فخرج أبو عزة يدعو العرب ويحشرها، ثم خرج مع قريش يوم أحد، فأسر ولم يؤسر غيره من قريش: فقال: يا محمد إنما خرجت مكرهاً ولي بنات فامنن علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين ما أعطيتني من العهد والميثاق؟ لا والله، لا تمسح عارضيك بمكة تقول: سخرت بمحمد مرتين"1.

_ 1 مغازي الواقدي 1/ 110-111، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9/ 65 من طريق الواقدي، وأخرجه ابن إسحاق، ابن هشام 2/ 60، عن شيوخه ومنهم الزهري. وذكره ابن حجر في الفتح 10/ 530 تحت رقم (6133) عند شرحه لحديث: "لا يلدغ المؤمن من جُحر مرتين" قال رحمه الله: "وأول ما قاله - يعني حديث لا يلدغ..- لأبي عزة الجمحي وكان شاعراً فأسر ببدر فشكى عائلةً وفقراً فمنَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأطلقه بغير فداء فظفر به بأحد ... وأمر بقتله". وقد ذكر ابن إسحاق (ابن هشام 1/ 659- 660) أربعة نفر ممن منَّ عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم من غير فداء، هم: أبو العاص بن الربيع، وأبو عزة الشاعر، والمطلب بن حنطب المخزومي، وصيفي بن أبي رفاعة المخزومي.

المبحث الثامن: في مجيء وفد قريش بفداء أسراهم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كان المطعم حيا"

المبحث الثامن: في مجيء وفد قريش بفداء أسراهم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان المطعم حياً. 18- قال عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير1، عن أبيه2 رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدرٍ: "لو كان المطعم بن عدي حياً فكلمني في هؤلاء النتنى3 لتركتهم"4.

_ 1 محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل النوفلي، ثقة عارف بالنسب، من الثالثة، مات على رأس المائة، ع. التقريب 471. 2 جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي ... كان من أكابر قريش وعلماء النسب وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسارى بدر فسمعه يقرأ الطور ... وأسلم بين الحديبية والفتح، مات سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين، الإصابة 1/ 225- 226. 3 النتن: الرائحة الكريهة، اللسان (نتن) ، وقال ابن الأثير: سماهم نتنى لكفرهم. النهاية (5/14) . 4 أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (9400) ، والحميدي في المسند 1/ 254 رقم (558) ، وأحمد في المسند 27/ 292 رقم [16733] أرناؤوط، والبخاري (مع الفتح 6/ 243 رقم (3139) ، و7/ 323 رقم (4024) ، وأبو داود رقم (2689) ، وابن الجارود في المنتقى رقم (1091) ، والطبراني في الكبير رقم (1504) ورقم (1506) ورقم (1508) والفسوي في المعرفة والتاريخ 2/734، وأبو يعلى في المسند رقم (7416) ، وأبو عبيد في الأموال رقم (302) ، والبغوي في شرح السنة 11/ 82- 83، رقم (2713) ، وأبو نعيم في الدلائل رقم (188) ، والبيهقي في الدلائل 1/359) ، والسنن الكبرى 2/ 194 و9/ 67. قال الحافظ ابن حجر: "المراد بالنتنى، أسارى بدر من المشركين، وقوله: ليتركنهم له، أي بغير فداء". ثم قال: "وبين ابن شاهين من وجه آخر السبب في ذلك وأن المراد باليد المذكورة ما وقع منه حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي، وقد ذكر ابن إسحاق القصة في ذلك مبسوطة، وكذلك أوردها الفاكهي بإسناد حسن مرسل وفيه: (أن المطعم أمر أربعة من أولاده فلبسوا السلاح، وقام كل واحد منهم عند ركن من الكعبة، فبلغ ذلك قريشاً فقالوا له: أنت الرجل الذي لا تخفر ذمتك) . وقيل: المراد باليد المذكورة: أنه كان من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب". فتح الباري7/ 324.

المبحث التاسع: مطالبة الأنصار الرسول صلى الله عليه وسلم بترك فداء العباس

المبحث التاسع: مطالبة الأنصار الرسول صلى الله عليه وسلم بترك فداء العباس 19- قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: حدثني

أنس رضي الله عنه: أن رجالاً من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا1 فداءه، فقال: "لا تدعون منه درهماً"2.

_ 1 قال الحافظ ابن حجر: "المراد أنهم أخوال أبيه عبد المطلب، فإن أمّ العباس هي (نُتيلة) بالنون والمثناة مصغرة بنت جنان بالجيم والنون، وليست من الأنصار، وإنما أرادوا بذلك أن أمّ عبد المطلب منهم، لأنها سلمى بنت عمرو بن أُحيحة - بمهملتين مصغر - وهي من بني النجار، ومثله ما وقع في حديث الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم نزل على أخواله بني النجار، وأخواله حقيقة إنما هم بنو زهرة، وبنو النجار أخوال جده عبد المطلب. الفتح 5/168. ثم قال رحمه الله: "قال ابن الجوزي: وإنما قالوا ابن أختنا لتكون المنة عليهم من إطلاقه بخلاف ما لو قالوا: عمك، لكانت المنة عليه صلى الله عليه وسلم، وهذا من قوة الذكاء، وحسن الأدب في الخطاب، وإنما امتنع صلى الله عليه وسلم من إجابتهم لئلا يكون في الدين نوع محاباة". الفتح 7/168. 2 صحيح البخاري مع الفتح 5/167 –168، رقم (2537) و 6/167، رقم (3048) و7/321 رقم (4018) بلفظ: "والله لا تذرون منها درهماًً"، وابن حبان في صحيحه: الإحسان رقم (4794) ، والحاكم في المستدرك 3/22، 3/323، والبيهقي في السنن الكبرى 6/322، و9/68، وفي الدلائل 3/141 – 142.

المبحث العاشر: مقدار فداء العباس بن عبد المطلب

المبحث العاشر: مقدار فداء العباس بن عبد المطلب 20 - قال البيهقي1: حدثنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب2، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الجبار3، قال: أخبرنا يونس بن بكير4، عن ابن إسحاق بالإسناد الذي ذكر لقصة بدرٍ، وهو عن يزيد بن رومان، عن الزهري عن عروة5 وجماعة سماهم6، فذكروا القصة، وقالوا فيها: "فبعثت قريشٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فداء

_ 1 دلائل النبوة للبيهقي 3/142 – 143. 2 هو أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي مولاهم المعقلي النيسابوري، قال عنه الحاكم: كان محدث عصره بلا مدافعه، ووصفه الذهبي بقوله: الثقة محدث الشام. تذكرة الحفاظ 3/ رقم (835) . 3 أحمد بن عبد الجبار بن محمد العطاردي، أبو عمر الكوفي، ضعيف، وسماعه للسيرة صحيح، من العاشرة، لم يثبت أن أبا داود أخرج له، توفي سنة اثنتين وسبعين، وله خمس وتسعون سنة، د. التقريب 81، رقم (64) . 4 يونس بن بكير بن واصل الشيباني، أبو بكر الجمال الكوفي، صدوق يخطئ، من التاسعة توفي سنة تسع وتسعين، خت م د. ت ق التقريب 613، رقم (7900) 5 في المطبوع: عن عروة عن الزهري، والصواب: عن الزهري عن عروة؛ لأن عروة شيخ الزهري كما هو معلوم، ولعل ذلك خطأ من الطابع، والله أعلم. 6 الجماعة الآخرون هم: محمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر. دلائل البيهقي 3/31، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عن هؤلاء، المصدر السابق.

أسراهم، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا به1، وقال العباس بن عبد المطلب: يا رسول الله، إني قد كنت مسلماً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَعْلِمْ2 بإسلامك فإن يكن كما تقول، فالله يجزيك بذلك، فأما ظاهراً منك فكان علينا، فافد نفسك وابني أخيك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب3، وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب4، وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر5. قال: ما إخال ذلك عندي يا رسول الله.

_ 1 قد تباين فداء الأسرى من شخص لآخر حسب يسر كل واحد وعسره، فقد قال ابن هشام 1/ 660: كان فداء المشركين يومئذ أربعة آلاف درهم للرجل، إلى ألف درهم، إلا من لا شيء له، فمنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه. وانظر: المصنف لعبد الرزاق 5/ 206 رقم (9393) ، وأبو داود 3/ 61- 62 رقم (2691) ، ودلائل البيهقي 3/ 140. 2 معلم الشيء: مظنته وما يستدل به. القاموس 1472. أي: اجعل لنفسك علامة نعرف إسلامك بها، أو المراد: أظهره لنا. والله أعلم. 3 هو: نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن حبان: له صحبة. الإصابة 3/ 577. 4 عقيل - بفتح أوله - ابن أبي طالب بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أخو علي وجعفر وكان الأسن يكنى أبا يزيد ... تأخر إسلامه إلى عام الفتح وقيل: أسلم بعد الحديبية، وهاجر في أول سنة ثمان، وكان قد أسر يوم بدر ففداه عمه العباس، مات في أول خلافة يزيد. الإصابة 2/ 494. 5 لم أجد له ترجمة.

قال: فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل1، فقلتَ لها: إن أصبت في سفري هذا، فهذا المال لبنيّ، الفضل بن العباس2، وعبد الله بن العباس3، وقثم بن العباس4. فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله، إن هذا شيءٌ ما علمه أحدٌ غيري وغير أم الفضل، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، ذاك شيءٌ أعطانا الله تعالى منك.

_ 1 أم الفضل امرأة العباس بن عبد المطلب، اسمها: لبابة بنت الحارث الهلالية، وهي لبابة الكبرى، أسلمت قبل الهجرة فيما قيل، وقيل بعدها، وقال ابن سعد: "أم الفضل أول امرأة آمنت بعد خديجة، قال ابن حبان: ماتت في خلافة عثمان قبل زوجها العباس". الإصابة 4/ 484. 2 الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكبر الأخوة وبه كان يكنى أبوه وأمه، واسمها لبابة بنت الحارث الهلالية، كان أسن ولد العباس وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحنيناً وثبت معه يومئذ. الإصابة 3/ 208. 3 عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو العباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولد وبنو هاشم بالشعب قبل الهجرة بثلاث، اتفقوا على أنه مات بالطائف سنة ثمان وستين، واختلفوا في سنه، فقيل: ابن إحدى وسبعين، وقيل: ابن أربع والأول هو الأقوى. الإصابة 2/ 330. 4 قثم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، أخو عبد الله وأخوته أمه أم الفضل، كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم، وكا أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم. الإصابة 3/ 266.

ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه. وأنزل الله عزوجل فيه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} 1، فأعطاني الله مكان العشرين2 الأوقية في الإسلام عشرين عبداً، كلهم في يده مالٌ يضرب به، مع ما أرجو من مغفرة الله عزوجل.

_ 1 سورة الأنفال آية (70) . 2 وقد أخرج أبو نعيم في الدلائل 2/ 476- 477 رقم (410) أن فداء العباس كان مائة أوقية، وعقيل ثمانين، وسنده حسن كما قال ابن حجر في الفتح 7/ 322. وقد ذكر هذا القدر من الفداء؛ ابن إسحاق بدون إسناد، انظر: دلائل البيهقي 3/ 141.

المبحث الحادي عشر: في أسر أبي العاص بن الربيع يوم بدر ورد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته عليه

المبحث الحادي عشر: في أسر أبي العاص بن الربيع يوم بدر وردّ النبي صلى الله عليه وسلم ابنته عليه 21- قال الطحاوي: حدثنا عبيد الله بن محمد المؤدب1، قال: ثنا عباد بن العوام2، عن سفيان بن حسين3، عن الزهري، أن أبا العاص4 أُخذ أسيراً يوم بدرٍ، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه ابنته5.

_ 1 هو عبيد الله بن محمد بن المؤدب أبو معاوية، عن دحيم، ضعفه أبو تمام الرازي وجماعة، وقال ابن عساكر: "كان ضعيفاً". ميزان الاعتدال 3/ 14، ولسان الميزان 4/ 111. 2 عباد بن العوام بن عمر الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي، ثقة، من الثامنة، توفي سنة خمس وثمانين وله نحو من سبعين، ع، التقريب 290، رقم (3138) . 3 سفيان بن حسين بن حسين أبو محمد أو أبو الحسن الواسطي، ثقة في غير الزهري، باتفاقهم، من السابعة، مات بالري مع المهدي وقيل: في أول خلافة الرشيد، خت، التقريب 244 رقم (2437) . 4 هو أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف العبشمي، قيل أسلم قبل الفتح بيسير، وحكى أبو أحمد الحاكم: أنه أسلم قبل الحديبية، بخمسة أشهر، توفي في خلافة أبي بكر في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من الهجرة، انظر: الإصابة 4/ 121- 122. 5 شرح معاني الآثار، للطحاوي 1/ 260. وهي رواية ضعيفة وفيها ألفاظ منكرة، وقد يفهم من هذه الرواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم رد زينب على أبي العاص أيام بدر وهو على شركه، قال ابن عبد البر: وقال

_ الزهري: كان هذا قبل أن تنزل الفرائض، التمهيد 12/ 21. ثم قال ابن عبد البر: وقال آخرون: قصة أبي العاص منسوخة بقوله عزوجل: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} الآية إلى قوله: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} ، ومما يدل على أن قصة أبي العاص منسوخة إجماع العلماء على أن أبا العاص بن الربيع كان كافراً، وأن المسلمة لا يحل أن تكون زوجة لكافر، التمهيد 12/ 21. وقد ثبت عند ابن إسحاق من غير طريق الزهري أن زينب أرسلت في فداء زوجها لما أسر يوم بدر، فقال: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد عن عائشة قالت: "لما بعث أهل مكة فداء أسراهم، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها، قالت: فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لها رقة شديدة وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها مالها فافعلوا، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها". ابن هشام 1/ 653، وأحمد في المسند 43/ 381 رقم [26362] أرناؤوط، وأبو داود رقم (2692) قال الألباني في صحيح أبي داود 2/ 512 رقم (2341) : "حسن". وأخرجه عن ابن إسحاق الطبري في التاريخ 2/ 468، والطبراني في الكبير 22/ 428 رقم (1050) والحاكم في المستدرك 3/ 236 و4/ 44- 45، وسكت عنه الذهبي والبيهقي في الدلائل 3/ 145. وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على مصاهرة أبي العاص، فقد أخرج البخاري من حديث المسور (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن، قال: "حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي" البخاري مع الفتح 7/ 85 رقم (3129) قال الحافظ: "وقد أسر أبو العاص ببدر مع المشركين وفدته زينب فشرط عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسلها إليه فوفى له بذلك، فهذا معنى قوله في آخر الحديث (وعدني فوفى لي) " الفتح (7/ 85) . ولم يردها النبي صلى الله عليه وسلم إليه إلا بعد أن أسلم قبل فتح مكة. انظر ابن هشام (658- 659) ??

المبجث الثاني عشر: فيمن لم يحضر بدرا لعذر، وأعطي سهما

المبجث الثاني عشر: فيمن لم يحضر بدراً لعذر، وأُعطي سهماً: 22- قال ابن شبة: حدثنا عثمان بن عمر1، قال: حدثنا يونس2،عن الزهري قال: قسم3 رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان يوم بدرٍ، قال: كان تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصابتها الحصْبة4، فجاء

_ 1 عثمان بن عمر بن فارس العبدي، بصري، أصله من بخارى، ثقة، قيل: كان يحيى بن سعيد لا يرضاه، من التاسعة، ت سنة تسع ومائتين ع، التقريب رقم (4504) . 2 يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي، بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام، أبو يزيد، مولى آل أبي سفيان، ثقة، إلا أن في روايته عن الزهري وهماً قليلاً، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة ت سنة تسع وخمسين على الصحيح، وقيل سنة ستين، (ع) ، التقريب ص614 رقم (7919) . 3 لم تذكر المصادر التي وقفت عليها روايات عن الزهري تتحدث عن كيفية تقسيم غنائم بدر، إلا ما أخرجه البخاري من حديث علي رضي الله عنه قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذٍ ... الحديث، البخاري - مع الفتح 7/ 316 رقم (4003) وانظر رقم: (2089، 2375، 3091، 5793) ، وأخرجه مسلم رقم (1979) ، وأحمد في المسند رقم (1201) تحقيق الأرناؤوط، وأبو داود رقم (8629) . 4 الحَصْبَة والحَصَبَة والحَصِبَة، بسكون الصاد وفتحها وكسرها: البَثْرُ الذي يخرج بالبدن، ويظهر في الجلد، تقول منه: حَصِب جلدُه بالكسر يَحْصب فهو محصوب. اللسان (حصب) .

زيد بن حارثة1 بشيراً بوقعة بدرٍ، وعثمان رضي الله عنه قائم على قبر رقية يدفنها2. 23- وقال ابن أبي عاصم: حدثنا يعقوب بن حميد3، نا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: قدم سعيد بن زيد4 من

_ 1 زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. الإصابة 1/ 563، 1/ 31. 2 تاريخ المدينة 1/ 103، 104. وهو مرسل، وقد ورد ما يشهد له عند البخاري في الصحيح 7/ 54 رقم (3698) مع الفتح، عن سبب تغيب عثمان رضي الله عنه عن بدر، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم له: (إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه) . ذكر ذلك في حديث طويل، وأخرجه أحمد في المسند 10/ 52- 53 رقم [5772] ط: أرناؤوط، وفي فضائل الصحابة 1/ 456 رقم (737) ، والترمذي 5/ 629، رقم (3706) . وذكر الواقدي عن جمع من شيوخه عن الزهري وغيره أن عدد من لم يشهد بدراً وأعطي سهماً ثمانية، انظر: المغازي 1/ 152. وقد ورد من غير طريق الزهري أن عدد الذين ضرب لهم بسهمٍ ولم يشهدوا بدراً تسعة نفر، ذكرهم أحمد العليمي في (مرويات غزوة بدر) ص420-423 فانظرهم هناك. 3 يعقوب بن حميد بن كاسب المدني، نزيل مكة، وقد ينسب لجده، صدوق ربما وهم، من العاشرة، توفي سنة أربعين أو إحدى وأربعين، عخ ق التقريب ص (607) . 4 سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة المبشرين بالجنة. الإصابة (2/ 46) .

الشام بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم من بدر، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم في سهم فقال: "لك سهمك"، قال: وأجري يا رسول الله؟ قال: "وأجرك"1.

_ 1 الآحاد والمثاني 1/ 177 رقم (225) ، والطبراني في الكبير 1/ 149، رقم (339) ، وأبو نعيم في معرفة الصحابة 2/ 5 رقم (548) ، ورواه من غير طريق الزهري: الطبراني في الكبير 1/ 149 رقم (338) ، وأبو نعيم 2/ 5 رقم (549) ، والحاكم في المستدرك 3/ 438 كلهم من طريق عروة، وهو مرسل.

المبحث الثالث عشر: في اصطفاء الرسول صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر

المبحث الثالث عشر: في اصطفاء الرسول صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر 24 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان1، عن أشعث2، عن محمد3، قال: خمس الله، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم، والصفيّ؛ كان يصطفى له من المغنم خير رأس من السبي إن كان سبي، وإلا غيره بعد الخمس، يضرب له بسهمه، شهد أو غاب مع المسلمين بعد الصفي، قال: واصطفى صفية بنت حيي يوم خيبر. قال4 أشعث: وقال أبو الزبير5، وعمرو بن دينار6، والزهري:

_ 1 هو عبد الرحيم بن سليمان الكناني، أو الطائي، أبو علي الأشلّ المروزي، نزيل الكوفة، ثقة، له تصانيف، من صغار الثامنة، مات سنة سبع وثمانين. ع. التقريب 354 رقم (4056) 2 هو أشعث بن سوّار الكندي، النجار الأفرق الأثرم، صاحب التوابيت، قاضي الأهواز، ضعيف، من السادسة، مات سنة ست وثلاثين، البخاري م ت س ق. التقريب 113 رقم (524) . 3 قوله (عن محمد) يعني محمد بن سيرين، انظر: الدر المنثور 3/178. 4 يظهر أن القائل: ابن أبي شيبة، فيكون هذا الجزء من الحديث معلقاً، وهو موضع الشاهد. 5 هو محمد بن مسلم بن تَدْرُس - بفتح المثناة، وسكون الدال المهملة، وضمّ الراء - الأسدي مولاهم، أبو الزبير المكي، صدوق، إلا أنه يدلس، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين، ع. التقريب 406، رقم (6291) . 6 هو عمرو بن دينار المكي أبو محمد الأثرم الجمحي مولاهم، ثقة ثبت، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين ومائة، ع. التقريب رقم (5024)

اصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار1 يوم بدر2.

_ 1 اسم لسيف عاصم بن منبه بن الحجاج. انظر: مصنف ابن أبي شيبة 12/433 رقم (15156) و14/386 رقم (18582) . 2 مصنف ابن أبي شيبة 12/432 رقم (15155) بسند فيه أشعث بن سوار، وهو ضعيف. وقد أخرج سعيد بن منصور من غير طريق الزهري، عن عكرمة: أن سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار كان لأبي العاص بن منبه، فقتله رسول الله يوم بدر وتسلحه، السنن 2/255 رقم (2682) وأخرج الواقدي في المغازي 1/ 103 من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب أن الرسول صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يومئذٍ، ومن طريق الواقدي؛ أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/485) .

المبحث الرابع عشر: في وقع هزيمة بدر على المشركين

المبحث الرابع عشر: في وقع هزيمة بدر على المشركين 25- أخرج البخاري في صحيحه1 من طريق الزهري، عن عروة ابن الزبير: (أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه قطيفة2 فدكية3 وأسامة وراءه يعود سعد بن عبادة4 في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، فسارا، حتى مرا

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 8/ 230 رقم (4566) و10/ 591 رقم (6207) ، وأخرجه مسلم برقم (1798) في الجهاد والسير، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وصبره على أذى المنافقين. وعبد الرزاق في المصنف رقم (9784) ، ومن طريقه أحمد في المسند 36/101، رقم [21767] الأرناؤوط، وابن إسحاق في السيرة (ابن هشام 2/ 236- 238) ، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة 1/ 356- 357، وابن حبان في صحيحه 14/ 543 رقم (6581) والطبراني في الكبير مختصراً 1/ 162 رقم (385) . 2 أي كساء غليظ. فتح الباري 8/ 231. 3 فَدَك: بفتح الفاء والدال، قرية من شرقي خيبر، وتعرف اليوم بالحائط، وتبعد عن المدينة بمرحلتين. انظر: فتح الباري 8/ 231، ومعجم المعالم الجغرافية 235. وتقدر المرحلة بأربعين كيلاً في هذا العصر. 4 سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن حرام الأنصاري الخزرجي سيد الخزرج، يكنى أبا ثابت، وأبا قيس. كان أحد النقباء ليلة العقبة، اختلف في شهوده بدراً، فأثبته البخاري، وقال ابن سعد: كان يكتب بالعربية، ويحسن العوم والرمي، فكان يقال له الكامل، وكان مشهوراً بالجود، هو وأبوه وجده وولده. الإصابة 2/ 30.

بمجلسٍ فيه عبد الله بن أُبي بن سلول1، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أُبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفي المسلمين عبد الله بن رواحة2، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة3، خمَّر4 ابن أُبّيٍّ أنفه بردائه وقال: لا تغبروا علينا. فسلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثم وقف، فنزل فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن. فقال له عبد الله بن أبي بن سلول: أيها المرء، لا أحسن مما تقول إن كان حقاً، فلا تؤذنا به في مجالسنا، فمن جاءك فاقصص عليه. قال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا في مجالسنا، فإنا نحب ذلك. فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون5، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم دابته، فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال رسول

_ 1 عبد الله بن أبي بن سلول، يكنى أبا الحباب، كان رأس المنافقين، وممن تولى كبر الإفك في عائشة، الاستيعاب 3/ 71 رقم (1608) . 2 عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصاري، الخزرجي، الشاعر المشهور، يكنى أبا محمد، من السابقين الأولين من الأنصار، وكان أحد النقباء ليلة العقبة، وشهد بدراً وما بعدها إلى أن استشهد بمؤتة. الإصابة 2/ 306. 3 عَجَاجة: بفتح المهملة وجيمين الأولى خفيفة. أي غبارها. الفتح 8/ 232. 4 خمَّر: أي غطى. الفتح 8/ 232. 5 يتثاورون: بمثلثة، أي يتواثبون، أي قاربوا أن يثب بعضهم على بعض فيقتتلوا، يقال: ثار القوم إذا قاموا بسرعة، الفتح 8/ 232.

الله صلى الله عليه وسلم: أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو الحباب؟! يريد عبد الله بن أبي، قال: كذا وكذا. فقال سعد بن عبادة: أي رسول الله، بأبي أنت، اعف عنه واصفح، فوالذي أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحرة1 على أن يتوجوه2 ويعصبوه3 بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شَرِقَ4 بذلك، فذلك فعل به ما رأيت، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى، قال الله تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} 5 الآية. وقال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ

_ 1 قال الحافظ ابن حجر: "هذا اللفظ يطلق على القرية، وعلى البلد، والمراد هنا المدينة النبوية". الفتح 8/ 232. 2 أي: يرئسوه عليهم ويسودوه. الفتح 8/ 232. 3 يعصبوه: سمي الرئيس مُعصباً لما يعصب برأسه من الأمور، أو لأنهم يعصبونه رؤوسهم بعصابة لا تنبغي لغيرهم يمتازون بها. الفتح 8/ 232. 4 "شَرِقَ" بفتح المعجمة وكسر الراء، أي غَصَّ به، وهو كناية عن الحسد، يقال: غصّ بالطعام وشجِيَ بالعظم وشَرِق بالماء إذا اعترض شيءٌ من ذلك في الحلق، فمنعه الإساغة. الفتح 8/ 232. 5 آل عمران آية (186) .

أَهْلِ الْكِتَابِ} 1، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو عنهم ما أمره الله به، حتى أُذِن له فيهم، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً فقتل الله بها من قتل من صناديد الكفار وسادة قريش، فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منصورين غانمين معهم أسارى من صناديد الكفار وسادة قريش قال ابن أُبيّ بن سلول ومن معه من المشركين عبدة الأوثان: هذا أمرٌ قد توجه، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأَسلَموا) .

_ 1 البقرة آية (109) .

المبحث الخامس عشر: في محاولة عمير بن وهب قتل النبي صلى الله عليه وسلم

المبحث الخامس عشر: في محاولة عمير بن وهب قتل النبي صلى الله عليه وسلم 26- قال الطبراني1: حدثنا الحسن بن هارون بن سليمان الأصبهاني2، ثنا محمد بن إسحاق المسيبي3، ثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: ولما رجع المشركون إلى مكة وقد قتل الله عزوجل من قتل منهم، أقبل عمير بن وهب الجمحي4 حتى جلس إلى

_ 1 معجم الطبراني الكبير 17/ 59 رقم (119) بسند حسن إلى ابن شهاب، ودلائل النبوة لأبي القاسم التيمي رقم (202) تحقيق: مساعد راشد محمد، والإصابة 3/ 36. وقد أخرجه ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 661) بسند حسن إلى عروة. وهناك شواهد أخرى، منها ما أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 4/ 200- 201 بإسناد صحيح عن عكرمة مرسلاً. وما أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 147- 149، وما رواه الواقدي في المغازي 1/ 125- 127. 2 هو الحسن بن هارون بن سليمان الأصبهاني، قال عنه أبو الشيخ: "كتبنا عنه المغازي عن موسى بن عقبة، وكان قد كُفّ بصره، وكان من المتورعين، حسن الحديث" بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني 1/ 144 رقم (269) . 3 محمد بن إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن المسيبي من ولد المسيب بن عابد المخزومي، المدني، صدوق، من العاشرة، ت سنة ست وثلاثين، م د، التقريب 467 رقم (5723) . 4 عمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي، يكنى أبا أمية. الإصابة 3/ 36.

صفوان بن أمية في الحجر، فقال: قبَّح الله العيش بعد قتلى بدرٍ. قال: أجل والله، ما في العيش خيرٌ بعدهم، ولولا دينٌ عليّ لا أجدُ له قضاءً، وعيالاً لا أدعُ لهم شيئاً لرحلتُ إلى محمدٍ فقتلته إن ملأت عيني منه، فإنَّ لي عنده علة أعتل بها له، أقول: قدمتُ على ابني هذا الأسير. ففرح صفوان بقوله، وقال: عليَّ دينُك، وعيالُك أسوة عيالي في النفقة، لا يسعني شيءٌ وأعجز عنهم. فحمله صفوان وجهزه، وأمر بسيف عمير فصُقِلَ1 وسُمّ، وقال عمير لصفوان: اكتمني أياماً. فأقبل عمير حتى قدم المدينة، فنزل بباب المسجد، وعقل راحلته، وأخذ السيف فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فنظر إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في نفرٍ من الأنصار يتحدثون عن وقعة بدرٍ، ويذكرون نعمة الله فيها، فلما رآه عمر معه السيف فزع وقال عمرُ: هذا الكلبُ، هذا عدو الله الذي حرّش بيننا يوم بدر وحزرَنا للقوم، ثم قام عمر ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا عمير بن وهب قد دخل المسجد متقلداً سيفاً وهو الغادر الفاجر يا نبي الله لا تأمنه. قال: ":أدخله"، فخرج عمر فأمر أصحابه أن يدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يحترسون من عمير إذا دخل عليهم، ثم دخل عليهم، ثم دخل

_ 1 صقله: جلاه، فهو مصقول وصقيل، والصيقل شحاذ السيوف، وجلاّؤها. القاموس ص1321 مادة صقل.

عمر وعمير حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع عمير سيفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: (تأخر عنه) فلما دنا منه عمير قال: انعموا صباحاً - وهي تحية أهل الجاهلية - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أكرمنا الله عن تحيتكم، وجعل تحيتنا تحية أهل الجنة وهي السلام". فقال عمير: إن عهدك بها لحديث. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أبدلنا الله خيراً منها، فما أقدمك يا عمير؟ ". قال: قدمت في أسرانا، فإنكم العشيرة والأهل. قال رسول الله: "فما بال السيف في رقبتك؟ ". قال عمير: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا من شيء؟ إنما نسيته في رقبتي حين نزلت، ولعمري إني لي بها عبرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصدقني، ما أقدمك؟ ". قال: ما قدمت إلا في أسيري. قال: " فما الذي شرطت لصفوان بن أمية في الحجر؟ ". ففزع عمير وقال: ماذا شرطت له؟ قال: "تحملت له بقتلي على أن يعول بنيك، ويقضي دينك، والله حائل بينك وبين ذاك" قال عمير: أشهد أنك رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي وبما يأتيك من السماء، وأن هذا الحديث كان بيني وبين صفوان بالحجر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يطلع عليه أحد

غيره وغيري، فأخبرك الله به، فآمنت بالله ورسوله، والحمد لله الذي ساقني لهذا المساق. ففرح به المسلمون حين هداه الله. وقال عمر: والذي نفسي بيده، الخنزير كان أحب إلي من عمير حين طلع، ولهو أحبّ إليّ من بعض بنيّ. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلس يا عمير نواسيك"، وقال لأصحابه: "علموا أخاكم القرآن، وأطلقوا له أسيره". فقال عمير: يا رسول الله، قد كنت جاهداً فيما استطعتُ على إطفاء نور الله، فالحمد لله الذي ساقني وهداني، فأذن لي فلألحق بقريش فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، لعل الله يهديهم ويستنقذهم من الهلكة. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحق بمكة، وجعل صفوان بن أمية يقول لقريش في مجالسهم: أبشروا بفتح ينسيكم وقعة بدر. وجعل يسأل كل راكب قدم من المدينة: هل كان بها من حدث؟ وكان يرجو ما قال، حتى قدم عليه رجل من المدينة، فسأل صفوان بن أمية عنه، فقال: قد أسلم، فلعنه المشركون، وقالوا: صبأ1. وقال صفوان: إن لله عليّ أن لا أنفعه بنفقة أبداً، ولا أكلمه من رأسي كلاماً أبداً. وقدم عليهم عمير فدعاهم إلى الإسلام ونصحهم جهده، وأسلم بشر كثير.

_ 1 يقال: صبأ فلان إذا خرج عن دينه إلى دين غيره، وكانت العرب تسمي النبي صلى الله عليه وسلم الصابئ لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام. النهاية 3/ 3.

6- أسير بن عمرو أبو سليط1. 7- أمية بن لوذان بن سالم بن ثابت2. 8- أنس بن معاذ الأنصاري3. 9- أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم4. 10- أنيس بن قتادة5. 11- أوس بن ثابت بن المنذر6. 12- أوس بن خولي7. 13- أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت8. 14- أوس بن عبد الله بن الحارث بن خولي9. 15- أوس بن معاذ10. 16- إياس بن البكير11.

_ 1 المعجم الكبير للطبراني 1/ 213، رقم (577) . 2 مجمع الزوائد 6/ 94. 3 أسد الغابة 1/ 154. 4 الآحاد والمثاني 1/261، والمعجم الكبير للطبراني 1/ 269، ومجمع الزوائد 6/ 94. 5 الآحاد والمثاني 3/ 404، والمعجم الكبير للطبراني 1/ 268، ومجمع الزوائد 6/ 94. 6 المعجم الكبير للطبراني 1/ 288، ومجمع الزوائد 6/ 94. 7 المعجم الكبير للطبراني 1/ 299، ومجمع الزوائد 6/ 94، والإصابة 1/ 84. 8 المعجم الكبير للطبراني 1/ 225، ومجمع الزوائد 6/ 94. 9 مجمع الزوائد 6/ 94. 10 المعجم الكبير للطبراني 1/ 228. 11 الآحاد والمثاني 1/264.

حرف الباء 17- بجير بن أبي بجير1. 18- بسبس الجهني2. 19- بشر بن البراء بن معرور3. 20- بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس4. 21- بشير بن عبد المنذر5. 22- بلال بن رباح6. حرف التاء 23- تميم بن الحارث بن قيس السهمي7. 24- تميم بن زيد الأنصاري8. 25- تميم مولى خراش بن الصمة9.

_ 1 أسد الغابة 1/ 196، والمعجم الكبير للطبراني 2/ 49، ومجمع الزوائد 6/ 94، والإصابة 1/ 138. 2 المعجم الكبير للطبراني 2/ 84، وأسد الغابة 1/ 213، ومجع الزوائد 6/ 94. 3 مجمع الزوائد 6/ 94. 4 مجمع الزوائد 6/ 94. 5 مجمع الزوائد 6/ 94. 6 الآحاد والمثاني 1/ 263. 7 المعجم الكبير للطبراني 2/ 62. 8 أسد الغابة 1/ 258- 259. 9 المعجم الكبير للطبراني 2/ 61، وأسد الغابة 1/ 258، ومجمع الزوائد 6/ 94، والإصابة 1/ 186.

26- تميم مولى بني غنم بن السلم بن مالك1. 27- تميم بن يعار الخدري2. حرف الثاء 28- ثابت بن أجدع3. 29- ثابت بن أخرم4. 30- ثابت بن أرقم بن ثعلبة بن عدي بن النجار5. 31- ثابت بن أوس بن المنذر بن حرام بن عمرو6. 32- ثابت بن ثعلبة بن زيد بن حرام7. 33- ثابت بن حسان بن عمرو8. 34- ثابت بن خالد بن النعمان9.

_ 1 الآحاد والمثاني 2/ 61، ومجمع الزوائد 6/ 94، والإصابة 1/ 186. 2 المعجم الكبير للطبراني 2/ 61، ومجمع الزوائد 6/ 94، والإصابة 1/ 186. 3 المعجم الكبير للطبراني 2/ 79. 4 المعجم الكبير للطبراني 2/ 71. 5 الآحاد والمثاني 3/ 404، ومجمع الزوائد 6م 94، وعنده ثابت أحرم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان. 6 مجمع الزوائد 6/ 95. 7 المعجم الكبير للطبراني 2/ 79، ومجمع الزوائد 6/ 95. 8 المعجم الكبير للطبراني 2/ 80، وأسد الغابة 1/ 266، ومجمع الزوائد 6/ 95. 9 المعجم الكبير للطبراني 2/ 78، وأسد الغابة 1/ 266، ومجمع الزوائد 6/ 95.

35- ثابت بن ربيعة1. 36- ثابت بن عتيك2. 37- ثابت بن عمرو بن زيد بن عدي3. 38- ثابت بن هزال4. 39- ثابت بن وديعة5. 40- ثعلبة بن الجذعي6. 41- ثعلبة بن الحارث7. 42- ثعلبة بن حاطب8. 43- ثعلبة بن عتمة9. 44- ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عبيد10.

_ 1 المعجم الكبير للطبراني 2/ 80، ومجمع الزوائد 6/ 95. 2 المعجم الكبير للطبراني 2/ 78. 3 المعجم الكبير للطبراني 2/ 80، ومجمع الزوائد 6/ 95، وأسد الغابة 1/ 274. 4 المعجم الكبير للطبراني 2/ 79، وأسد الغابة 1/ 279. 5 المعجم الكبير للطبراني 2/ 79، 80- 81. 6 المعجم الكبير للطبراني 2/ 79، 98، وأسد الغابة 1/ 283، ومجمع الزوائد 6/ 95. 7 أسد الغابة 1/ 283. 8 سنن النسائي 7/ 238، وسنن البيهقي 6/ 94، ومجمع الزوائد 6/ 95. 9 مجمع الزوائد 6/ 95. 10 مجمع الزوائد 6/ 95.

45- ثقيف بن عمرو1. حرف الجيم 46- جابر بن خالد بن عبد الأشهل2. 47- جابر بن خالد بن مخلد بن إياس3. 48- جابر بن خالد بن مسعود4. 49- جابر بن عبد الله بن خالد5. 50- جابر بن عبد الله بن رئاب بن نعمان6. 51- جابر بن عتيك بن الحارث7. 52- جبير بن غياس بن مخلد بن رزيق8. حرف الحاء 53- الحارث بن أنس بن مالك9.

_ 1 الآحاد والمثاني 1/ 262. 2 المعجم الكبير للطبراني 2/ 187، ومجمع الزوائد 6/ 95. 3 مجمع الزوائد 6/ 95. 4 الإصابة 1/ 211. 5 المعجم الكبير للطبراني 2/ 188. 6 مجمع الزوائد 6/ 95، والإصابة 1/ 212. 7 المعجم الكبير للطبراني 2/ 189، ومجمع الزوائد 6/ 95. 8 المعجم الكبير للطبراني 2/ 146، ومجمع الزوائد 6/ 95، والإصابة 1/ 225. 9 أسد الغابة 1/ 378.

54- الحارث بن أويس1. 55- الحارث بن حاطب2. 56- الحارث بن خزمة بن أبي غنم بن سالم بن عوف3. 57- الحارث بن سراقة4. 58- الحارث بن سواد5. 59- الحارث بن الصمة بن عبيد بن عامر6. 60- الحارث بن قيس بن مالك7. 61- الحارث بن قيس بن مخلد8. 62- الحارث بن معاذ بن النعمان9. 63- حارثة بن حمير بن أشجع10.

_ 1 أسد الغابة 1/ 380، ومجمع الزوائد 6/ 95. 2 الآحاد والمثاني 3/ 403، ومجمع الزوائد 6/ 95. 3 مجمع الزوائد 6/ 95. 4 مجمع الزوائد 6/ 95. 5 مجمع الزوائد 6/ 95. 6 أسد الغابة 1/ 398- 399، ومجمع الزوائد 6/ 95. 7 مجمع الزوائد 6/95. 8 مجمع الزوائد 6/95. 9 مجمع الزوائد 6/96. 10 مجمع الزوائد 6/96، والإصابة 1/ 297.

64- حارثة بن زيد بن أبي زهير1. 65- حارثة بن سراقة2. 66- حارثة بن يزيد3. 67- حاطب بن أبي بلتعة4. 68- حاطب بن عمرو بن عبد شمس5. 69- حباب بن المنذر6. 70- حريث بن زيد بن ثعلبة بن عبد الرب7. 71- حصين بن الحارث بن المطلب8. 72- حمزة بن عبد المطلب9.

_ 1 أسد الغابة 1/ 425، ومجمع الزوائد 6/96. 2 مجمع الزوائد 6/96. 3 الإصابة 1/ 297. 4 الآحاد والمثاني 1/ 262، ومجمع الزوائد 6/96. 5 الآحاد والمثاني 1/265. 6 أسد الغابة 1/436. 7 مجمع الزوائد 6/96، والإصابة 1/381. 8 الآحاد والمثاني 1/ 261. 9 الآحاد والمثاني 1/ 261.

حرف الخاء 73- خارجة بن زيد1. 74- خالد بن البكير بن عبد ليل بن ناشب2. 75- خالد بن زيد أبو أيوب3. 76- خباب بن الأرت بن موسى مولى بني زهرة4. 77- خباب مولى عتبة5. 78- خزيمة بن أوس6. 79- خنيس بن حذافة بن قيس بن سهم7. 80- خوات بن جبير بن النعمان8. 81- خولي بن أبي خولي9.

_ 1 الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 525. 2 الآحاد والمثاني 1/ 264. 3 المعجم الكبير للطبراني 4/ 118، أسد الغابة 1/572، ومجمع الزوائد 6/95. 4 الآحاد والمثاني 1/263. 5 الآحاد والمثاني 1/262. 6 أسد الغابة 2/132. 7 الآحاد والمثاني 1/264. 8 الآحاد والمثاني 1/403. 9 الآحاد والمثاني 1/403.

حرف الذال 82- ذكوان بن عبد قيس بن خلدة1. 83- ذو الشمالين بن عبد بن عمرو بن نضلة2. حرف الراء 84- رافع بن الحارث بن سواد3. 85- رافع بن جعدية4. 86- رافع بن سهل بن زيد5. 87- رافع بن عبية6. 88- رافع بن عجندة7. 89- رافع بن المعلى بن لوذان8. 90- رافع بن يزيد9.

_ 1 مجمع الزوائد 6/97. 2 الآحاد والمثاني 1/263. 3 المعجم الكبير للطبراني 5/24. 4 مجمع الزوائد 6/97. 5 المعجم الكبير للطبراني 5/27، وأسد الغابة 2/ 193، ومجمع الزوائد 6/97. 6 الآحاد والمثاني 3/ 403. 7 المعجم الكبير للطبراني 5/ 24، ومجمع الزوائد 6/ 97. 8 المعجم الكبير للطبراني 5/ 20، وأسد الغابة 2/ 199. 9 مجمع الزوائد 6/97.

91- ربعي بن أبي ربعي1. 92- ربعي بن رافع بن الحارث2. 93- ربيع بن إياس بن غنم بن أمية بن لوذان3. 94- ربيعة بن أكثم حليف بني عبد شمس4. 95- رخيلة بن ثعلبة بن خلدة5. 96- رفاعة بن عمرو الخزرجي6. 97- رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان7. 98- رفاعة بن عبد المنذر8. 99- رفاعة بن عمرو بن زيد9. 100- رفاعة بن قيس بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم10.

_ 1 المعجم الكبير للطبراني 5/4611، ومجمع الزوائد 6/97. 2 الآحاد والمثاني 3/ 403، وعنده ربعي بن أبي رافع، وأسد الغابة 2/204. 3 المعجم الكبير للطبراني 5/5606، ومجمع الزوائد 6/97. 4 الآحاد والمثاني 1/262، ومجمع الزوائد 6/97. 5 المعجم الكبير للطبراني 5/4639، وأسد الغابة 2/220. 6 المعجم الكبير للطبراني 5/ 48. 7 المعجم الكبير للطبراني 5/ 35، ومجمع الزوائد 6/98. 8 الآحاد والمثاني 3/403، والمعجم الكبير للطبراني 5/49، ومجمع الزوائد 6/98. 9 أسد الغابة 2/232. 10 مجمع الزوائد 6/98.

حرف الزاي 101- الزبير بن العوام1. 102- زياد بن الأخرس2. 103- زياد بن عمرو الجهني حليفاً لهم3. 104- زياد بن لبيد4. 105- زيد بن أبي أوفى5. 106- زيد بن الحارث بن الخزرج6. 107- زيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان7. 108- زيد بن حارثة8. 109- زيد بن الخطاب بن نفيل9. 110- زيد بن عمرو بن وديعة10.

_ 1 الآحاد والمثاني 1/262. 2 الإصابة 1/ 556. 3 المعجم الكبير للطبراني 5/266. 4 المعجم الكبير للطبراني 5/5889. 5 أسد الغابة 2/277. 6 مجمع الزوائد 6/100. 7 المعجم الكبير للطبراني 5/255رقم (5153) . 8 الآحاد والمثاني 1/ 261، ومجمع الزوائد 6/95. 9 الآحاد والمثاني 1/ 264، ومجمع الزوائد 6/96. 10 مجمع الزوائد 6/96.

111- زيد بن المزين1. 112- زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس2. حرف السين 113- سالم بن عمير بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة3. 114- سالم مولى أبي حذيفة4. 115- سعد بن أبي وقاص5. 116- سعد بن خثمة6. 117- سعد بن خولة من بني عامر7. 118- سعد بن الربيع8.

_ 1 المعجم الكبير للطبراني 5/5159، وأسد الغابة 2/ 300، والإصابة 1/571. 2 المعجم الكبير للطبراني 5/5159، والإصابة 1/573. 3 الآحاد والمثاني 3/403. 4 الآحاد والمثاني 1/ 262. 5 صحيح ابن حبان (الإحسان 10/60 رقم: 4249) ،والمعجم الكبير للطبراني 1/136 رقم 289، و1/143. 6 المعجم الكبير للطبراني 6/29، وعند ابن حجر في الإصابة خيثمة 2/25، وكذلك عند ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 3/404. 7 صحيح مسلم، رقم (1484) ، وأبو داود رقم (2306) ، والنسائي 5/196، وابن حبان 10/630، والطبراني 24/295، رقم (729) ، والآحاد والمثاني 1/265. 8 المعجم الكبير للطبراني 6/22 رقم (5397) ، وأسد الغابة 2/348، ومجمع الزوائد 6/97.

119- سعد بن زيد بن مالك بن عبد بن كعب1. 120- سعد بن عبادة بن دليم2. 121- سعد بن عبيد بن النعمان3. 122- سعد بن عثمان بن خلدة4. 123- سعد بن سهل بن عبد الأشهل بن حارثة5. 124- سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن عبد الأشهل6. 125- سعد مولى حاطب بن أبي بلتعة7. 126- سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل8. 127- سنان بن أبي سنان9. 128- سلمة بن سلامة بن وقش10.

_ 1 أسد الغابة 2/351، ومجمع الزوائد 6/ 97. 2 مجمع الزوائد 6/97. لم يشهد بدراً، ولكن ضرب له بسهم. 3 الآحاد والمثاني 3/ 403. 4 المعجم الكبير للطبراني 6/49. 5 مجمع الزوائد 6/97. 6 المعجم الكبير للطبراني 6/5، ومجمع الزوائد 6/97. 7 الآحاد والمثاني 1/262، ومجمع الزوائد 6/97. 8 الآحاد والمثاني 1/ 264. وهو ممن لم يحضر بدراً بل كان بالشام. 9 الآحاد والمثاني 1/ 262. 10 مجمع الزوائد 6/97.

129- سماك بن خرشة1. 130- سويبط بن حرملة بن سعد بن مالك2. 131- سهل بن حُنيف3. 132- سهل بن سعد الساعدي4. 133- سهل بن عتيك بن النعمان5. 134- سهل بن عدي6. 135- سهل بن قيس بن أُبي بن كعب7. 136- سهيل بن بيضاء8. 137- سهيل بن رافع9. 138- سهيل بن عبيد بن النعمان10.

_ 1 المعجم الكبير للطبراني 17/103، ومجمع الزوائد 6/96. 2 الآحاد والمثاني 1/263. 3 المعجم الكبير للطبراني6/71، والمستدرك1/ 260، وسنن البيهقي4/39- 40. 4 المعجم الكبير للطبراني 19/260. 5 أسد الغابة 2/474. 6 مجمع الزوائد 6/97. 7 المعجم الكبير للطبراني 6/105، رقم (6542) ، وأسد الغابة 2/476. 8 الآحاد والمثاني 1/266. 9 المعجم الكبير للطبراني 6/211. 10 المعجم الكبير للطبراني 6/211، وأسد الغابة 2/479، ومجمع الزوائد 6/97.

حرف الشين 139- شجاع بن وهب الأسدي1. 140- شماس بن عثمان بن الشريد بن سويد2. حرف الصاد 141- صفوان بن بيضاء3. 142- صفوان بن وهب الفهري4. 143- صهيب بن سنان بن موسى مولى النمر بن قاسط5. حرف الضاد 144- الضحاك بن حارثة الخزرجي الأنصاري6. 145- الضحاك بن عمرو الخزرجي الأنصاري7. 146- ضمرة بن كعب8.

_ 1 الآحاد والمثاني 1/262. 2 الآحاد والمثاني 1/263. 3 الآحاد والمثاني 1/266. 4 أسد الغابة 3/31 رقم (4089) . 5 الآحاد والمثاني 1/263. 6 أسد الغابة 3/46، والإصابة 2/205. 7 أسد الغابة 3/48، والإصابة 2/27. 8 أسد الغابة 3/ 62.

حرف الطاء 147- الطفيل بن الحارث بن المطلب1. 148- الطفيل بن مالك بن خنساء الأنصاري2. 149- طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو التيميّ3. 150- طليب بن عمير بن قصيّ4. حرف الظاء 151- ظهير بن رافع عمّ رافع بن خديج5. حرف العين 152- عاصم بن البكير المزني6.

_ 1 الآحاد والمثاني 1/261. 2 أسد الغابة 3/81، والإصابة 2/226. 3 الآحاد والمثاني 1/263، والمعجم الكبير للطبراني 1/136رقم (288) ، والمعجم الصغير 2/126، ومستدرك الحاكم 3/368، وهو ممن لم يشهد بدراً، ولكن أعطي سهماً، وأجر من شهدها. 4 الآحاد والمثاني 1/263. 5 سنن أبي داود رقم (3394) ، وأسد الغابة 3/104رقم (2654) ، وقد ذكره مسلم برقم (1547) دون التصريح بالاسم، حيث ذكر رافع بن خديج أن عميه وكانا قد شهدا بدراً..) وقد ذكر مسلم (1548) أن عميه؛ ظهير بن رافع ... انظر مسلم 3/1181، وانظر: ابن عبد البر في الاستيعاب 2/142. 6 الإصابة 2/246.

153- عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح1. 154- عاصم بن عدي بن الجد بن عجلان2. 155- عاصم بن قيس3. 156- عاقل بن العكير4. 157- عاقل بن البكير5. 158- عامر بن ربيعة من بني عدي6. 159- عامر بن فهيرة7. 160- عامر بن البكير الليثي8. 161- عامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس9.

_ 1 الآحاد والمثاني 3/404، والمعجم الكبير للطبراني 7/174، ومجمع الزوائد 6/97. 2 الآحاد والمثاني 3/404، والمعجم الكبير للطبراني 17/17،وذكر أن الرسول ردّه من الطريق، وضرب له بسهم، ومجمع الزوائد 6/97. 3 الآحاد والمثاني 3/403. 4 الآحاد والمثاني 3/410. 5 الآحاد والمثاني 1/264. 6 تاريخ المدينة 3/842، والآحاد والمثاني 1/264، والمستدرك 3/379، والإصابة 3/228. 7 الآحاد والمثاني 1/263، المعجم الكبير للطبراني 1/136 رقم (287) وفي الصغير 1/126، والمستدرك 4/393. 8 أسد الغابة 3/31. 9 أسد الغابة 3/117.

162- عباد بن بشر1. 163- عبادة بن الصامت2. 164- عبد الرحمن بن عوف3. 165- عبد الله بن ثعلبة بن حزمة بن أحرم4. 166- عبد الله بن جحش5. 167- عبد الله بن جدعة بن قيس بن عمرو6. 168- عبد الله بن حرام7. 169- عبد الله بن حُيي بن النعمان8. 170- عبد الله بن ربيع بن قيس بن عمرو9. 171- عبد الله بن رواحة بن امرئ القيس10.

_ 1 عيون الأثر 1/451. 2 صحيح البخاري مع الفتح 3/64، والتاريخ الصغير له 1/91، وتاريخ أبي زرعة 1/576، وسنن الدارقطني رقم 402. 3 الآحاد والمثاني 1/263. 4 مجمع الزوائد 6/99. 5 الآحاد والمثاني 1/262. 6 مجمع الزوائد 6/99. 7 مجمع الزوائد 6/99. 8 الآحاد والمثاني 3/403. 9 مجمع الزوائد 6/99. 10 مجمع الزوائد 6/99.

172- عبد الله بن زيد بن العجلان1. 173- عبد الله بن سراقة أخو عمرو2. 174- عبد الله بن سرخس بن النعمان بن أمية3. 175- عبد الله بن سلمة بن مالك بن الحارث بن زيد بن عدي4. 176- عبد الله بن سلمة البلوي الأنصاري بالحلف5. 177- عبد الله بن سهيل بن عمرو6. 178- عبد الله بن طارق الظفري البلوي7. 179- عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول8. 180- عبد الله بن عبد مناف الأنصاري السلمي9. 181- عبد الله بن عثمان، أبو بكر الصديق10.

_ 1 أسد الغابة 3/540. 2 الآحاد والمثاني 1/264، وأسد الغابة 3/255. 3 مجمع الزوائد 6/99. 4 الآحاد والمثاني 3/404. 5 الإصابة 2/321. 6 الآحاد والمثاني 1/265. 7 أسد الغابة 3/284، ومجمع الزوائد 6/99. 8 مجمع الزوائد 6/99، والإصابة 2/336. 9 مجمع الزوائد 6/99، والإصابة 2/338. 10 الآحاد والمثاني 1/263.

182- عبد الله بن عيسى الأنصاري1. 183- عبد الله بن عرفطة2. 184- عبد الله بن عمرو بن حرام3. 185- عبد الله بن عمير الخزرجي4. 186- عبد الله بن عوسجة العرني5. 187- عبد الله بن قيس بن خالد6. 188- عبد الله بن قيس بن صخر بن جذام بن ربيعة الخزرجي الأنصاري7. 189- عبد الله بن مخرمة بن عبد العزّى بن أبي قيس بن عبد ودّ8. 190- عبد الله بن مسعود بن أمّ عبد9.

_ 1 أسد الغابة 3/302 2 مجمع الزوائد 6/100. 3 أسد الغابة 3/346، ومجمع الزوائد 6/101. 4 أسد الغابة 3/356، والإصابة 2/ 355. 5 الإصابة 2/255. 6 أسد الغابة 2/ 366. 7 مجمع الزوائد 6/99، والإصابة 2/ 339. 8 الآحاد والمثاني 1/265. 9 الآحاد والمثاني 1/263.

191- عبيد بن أبي عبيد الأوسي الأنصاري1. 192- عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف2. 193- عبيد بن زيد الخزرجي الزرقي3. 194- عتبان بن مالك بن عمرو بن عجلان4. 195- عتبة بن غزوان5. 196- عثمان بن عفان6. 197- عثمان بن مظعون7. 198- عثمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد8. 199- عدي بن أبي الزغباء9.

_ 1 الآحاد والمثاني 3/403، وأسد الغابة 3/544، ,الإصابة 2/445. 2 الآحاد والمثاني 1/261، ومجمع الزوائد 6/101. 3 الإصابة 2/444. 4 صحيح البخاري، رقم (686) ومسلم رقم (223) ، وصحيح ابن حبان رقم: (2075) ورقم (223) ، وسنن ابن ماجه 3/249. 5 الآحاد والمثاني 1/262. 6 صحيح البخاري رقم (3698) ،والمعرفة والتاريخ 3/159، والآحاد والمثاني 1/262، ومجمع الزوائد 6/99، والإصابة 4/304، ولم يشهدها، ولكن خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم لتمريض رقية، وأعطي سهمه، وله أجر من شهدها. 7 الآحاد والمثاني 1/264. 8 مجمع الزوائد 6/99. 9 الإصابة 4/480.

200- عروة بن عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب1. 201- عقبة بن الحصين بن وبرة الخزرجي2. 202- عقبة بن عامر الأنصاري أبو مسعود3. 203- عقبة بن وهب، أخو شجاع الأسدي4. 204- علي بن أبي طالب5. 205- عكاشة بن محصن الأسدي6. 206- عمار بن حزم بن زيد7. 207- عمار بن ياسر8. 208- عمر بن الخطاب9. 209- عمرو بن أبي سرح10.

_ 1 مجمع الزوائد 6/99. 2 أسد الغابة 4/39، والإصابة 2/481. 3 التاريخ الصغير للبخاري 1/135. 4 الآحاد والمثاني 1/262. 5 البخاري مع الفتح رقم (2375) ، و (2089) ومسلم رقم (1979) ومسند أحمد 2/282، رقم [1201] الأرناؤوط.، والمعرفة والتاريخ 1/274، وأبو داود رقم (2926) ، ومسند أبي يعلى رقم (547) والآحاد والمثاني 1/261. 6 الآحاد والمثاني 1/262. 7 مجمع الزوائد 6/101. 8 الآحاد والمثاني 1/264. 9 الآحاد والمثاني 1/264. 10 الآحاد والمثاني 1/266.

210- عمرو بن إياس1. 211- عمرو بن الحارث2. 212- عمرو بن سراقة3. 213- عمرو بن عَنَمة4. 214- عمرو بن عوف حليف لبني عامر بن لؤي5. 215- عمرو بن معاذ أخو سعد بن معاذ6. 216- عمير بن أبي وقاص استشهد ببدر7. 217- عمير بن عامر ويكنى أبا داود بن مالك8. 218- عمير بن معبد بن الأزعر9. 219- عويم بن ساعدة10.

_ 1 أسد الغابة 4/168. 2 الآحاد والمثاني 1/266. 3 الآحاد والمثاني 1/264. 4 الإصابة 3/9. 5 الآحاد والمثاني 1/265. 6 الإصابة 3/17. 7 الآحاد والمثاني 1/263، ومجمع الزوائد 6/101. 8 مجمع الزوائد 6/101. 9 الآحاد والمثاني 3/ 404. 10 الآحاد والمثاني 3/ 403.

220- عياض بن زهير1. حرف الفاء 221- فروة بن عمرو2. حرف القاف 222- قتادة بن النعمان3. 223- قدامة بن مظعون الجمحي4. 224- قيس بن أبي صعصعة5. 225- قيس أبو الأقلح6. 226- قيس بن مخلد7. حرف الكاف 227- كعب بن زيد بن قيس الأنصاري8.

_ 1 الآحاد والمثاني 1/ 266. 2 مجمع الزوائد 6/101. 3 المعجم الكبير للطبراني 19/3. 4 الآحاد والمثاني 1/264، والتاريخ الكبير للبخاري 1/68، والإصابة 3/288. 5 أسد الغابة 4/429. 6 الآحاد والمثاني 3/404. 7 أسد الغابة 4/445. 8 الإصابة 3/296.

حرف الميم 228- مالك بن عمرو1. 229- مالك بن قدامة2. 230- مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة3. 231- مبشر بن عبد المنذر4. 232- محرز بن وهب، ويقال: ابن نضلة5. 233- محمد بن مسلمة بن خالد بن مجدعة بن حارثة بن الحارث6. 234- المدلجي بن عمرو من بني سليم7. 235- مرارة بن الربيع8. 236- مرثد بن أبي مرثد حليف لحمزة بن عبد المطلب9.

_ 1 الآحاد والمثاني 1/262، والإصابة 3/351، وذكر أنه حليف لبني عدي. 2 الآحاد والمثاني 3/404. 3 الآحاد والمثاني 1/263. 4 الآحاد والمثاني 3/403. 5 الآحاد والمثاني 1/262. 6 المعجم الكبير للطبراني 19/222، ومجمع الزوائد 6/101. 7 الآحاد والمثاني 1/ 262. 8 صحيح البخاري مع الفتح 7/309. 9 الآحاد والمثاني 1/261.

237- مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب1. 238- مسعود بن أوس2. 239- مسعود بن خلدة بن عامر3. 240- مسعود بن ربيعة بن عمرو القاري4. 241- مسعود بن سعد الأوسي الأنصاري5. 242- مصعب بن عمير بن هاشم العبدري6. 243- مظهر بن رافع7. 244- معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن غنم8. 245- معاذ بن ماعص بن قيس9. 246- معبد بن قيس بن صخر10.

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 7/327، رقم (4025) ، والآحاد والمثاني 1/261. 2 أسد الغابة 4/158. 3 الآحاد والمثاني 3/410. 4 الآحاد والمثاني 1/363. 5 الإصابة 3/411. 6 الآحاد والمثاني 1/262. 7 صحيح مسلم 3/1181. 8 الآحاد والمثاني 3/406، والمعجم الكبير للطبراني 20/28، ومجمع الزوائد 6/101. 9 الآحاد والمثاني 3/410. 10 الآحاد والمثاني 3/408.

247- معتب بن عوف بن عامر، ويقال له: (معتب بن حمراء) 1. 248- معتب بن عبيد حليف لهم2. 249- معتب بن قشير بن مليل بن زيد3. 250- معقل بن المنذر بن سرح4. 251- معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب5. 252- معن بن عدي بن الجد بن عجلان6. 253- المقداد بن عمرو حليف بني زهرة7. 254- المنذر بن قدامة8. 255- المنذر بن محمد بن أحيحة بن الجلاح بن حريش بن جحجبا أبو عبدة9.

_ 1 الآحاد والمثاني 1/264. 2 الآحاد والمثاني 3/405. 3 الآحاد والمثاني 3/ 404. 4 الآحاد والمثاني 3/409. 5 الآحاد والمثاني 1/ 264. 6 الآحاد والمثاني 3/ 404. 7 صحيح البخاري رقم (6865) ، المعجم الكبير للطبراني 20/250 رقم (295) ، وسنن البيهقي 8/195، والآحاد والمثاني 1/263، ومجمع الزوائد 6/101. 8 الآحاد والمثاني 3/404، وأسد الغابة 4/271. 9 الآحاد والمثاني 3/404.

256- مهجع مولى عمر1. حرف النون 257- النعمان بن أبي حزمة2. 258- النعمان بن عمرو بن رفاعة الأنصاري3. 259- النعمان بن غصن4. 260- النعمان بن عصر5. 261- نعيمان بن عمرو6. 262- نهيل بن نعمان بن خنساء7. حرف الواو 263- واقد بن عبد الله8. 264- وهب بن سعد بن أبي سرح9.

_ 1 الآحاد والمثاني 1/264. 2 الآحاد والمثاني 3/403. 3 الإصابة 3/569- 570. 4 أسد الغابة 4/338. 5 الآحاد والمثاني 3/ 405. 6 الآحاد والمثاني 3/413. 7 مجمع الزوائد 6/101. 8 الآحاد والمثاني 1/264 9 الآحاد والمثاني 1/265.

حرف الهاء 265- هلال بن أبي خولي1. 266- هلال بن أمية2. حرف الياء 267- يزيد بن الحارث3.

_ 1 الآحاد والمثاني 1/264. 2 صحيح البخاري مع الفتح 7/309. 3 الإصابة 3/654.

الكنى أبو أيوب الأنصاري = خالد بن زيد. 268- أبو بردة بن نيار بن عمرو بن عبيد1. أبو بكر الصديق = عبد الله بن عثمان. 269- أبو الحارث بن قيس بن خالد الأنصاري الزرقي2. 270- أبو حبة بن عمرو بن ثابت3. 271- أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة4. أبو دجانة =سماك بن خرشة. 272- أبو سبرة بن أبي رُهم بن عبد العزّى بن أبي قيس بن عبد ودّ العامري5.

_ 1 المعجم الكبير للطبراني 22/192، ومجمع الزوائد 6/102. 2 الإصابة 4/ 40. 3 الآحاد والمثاني 3/403، المعجم الكبير للطبراني22/325، أسد الغابة رقم 5788. 4 البخاري مع الفتح 7/320، 9/131، والتاريخ الكبير للبخاري 2/215 رقم (730) ، والنسائي 5/63، والآحاد والمثاني 1/262، والمعجم الكبير للطبراني 4/55، ومستدرك الحاكم 2/163. 5 الآحاد والمثاني 1/265.

273- أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال المخزومي1. 274- أبو سنان بن محصن2. 275- أبو ضياح بن ثابت بن النعمان3. 276- أبو طلحة بن زيد بن سهل بن الأسود4. 277- أبو عبيدة بن الجراح5. 278- أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة6. 279- أبو قيس بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة7. 280- أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم8. أبو لبابة بن عبد المنذر = بشير. 281- أبو مرثد الغنوي حليف لحمزة بن عبد المطلب9. 282- أبو مليل بن الأزعر بن زيد بن عطاف10.

_ 1 الآحاد والمثاني 1/263. 2 الآحاد والمثاني 1/262. 3 الآحاد والمثاني 3/403. 4 المعجم الكبير للطبراني 5/90 رقم (4673) . 5 الآحاد والمثاني 5/90 رقم (4673) . 6 الآحاد والمثاني 1/266. 7 الآحاد والمثاني 3/404. 8 الآحاد والمثاني 3/403، والمعجم الكبير للطبراني 5/30. 9 الآحاد والمثاني 1/261. 10 الآحاد والمثاني 3/403.

283- أبو الهيثم بن التيَّهان1.

_ 1 مجمع الزوائد 6/101.، والإصابة 4/213. وهذا العدد الذي ورد ذكره هنا مخالف لما ورد ذكره في الصحيحين، وفي السير عامة، ولكن قد ذكر الزهري في الرواية رقم (6) أن عدد من شهد بدراً ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً وهو المعتمد؛ لأنه لا يعني أن عدم وهذا العدد الذي ورد ذكره هنا مخالف لما ورد ذكره في الصحيحين، وفي السير عامة، ولكن قد ذكر الزهري في الرواية رقم ذكره لبقيتهم أنهم لم يشهدوها، وقول الزهري في الرواية السابقة الذكر أنهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ذكره عن شيخه عروة موقوفاً عليه، أما موسى بن عقبة فقد ذكر في مغازيه أنهم (316) رجلاً. انظر: مرويات موسى بن عقبة لمحمد باقشيش ص 126. وأما ابن إسحاق فقد ذكر أن عددهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً. انظر: ابن هشام (2/706) . وذكر الواقدي في المغازي (1/23) أن عددهم (305) رجلٍ وثمانية تخلفوا، وقد تبعه في ذلك ابن سعد في الطبقات (2/12) ، ثم ذكر ابن سعد أقوالاً أخرى في عدتهم. المصدر السابق.

المبحث السادس عشر: فيمن شهد بدرا من المهاجرين والأنصار وحلفائهم رضي الله عنهم

المبحث السادس عشر: فيمن شهد بدراً من المهاجرين والأنصار وحلفائهم رضي الله عنهم1. حرف الألف 1- إربد بن رقيش بن رائب2. 2- الأرقم بن أبي الأرقم3. 3- أسعد بن زيد بن الفاكهة4. 4- الأسود بن زيد بن ثعلبة بن غنم5. 5- أسود بن سريع التميمي السعدي6.

_ 1 هذه القائمة نقلتها من: الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم 1/ 261- 266، و3/ 403- 414، والمعجم الكبير للطبراني بأجزائه، ومجمع الزوائد للهيثمي، وهي من طريق موسى بن عقبة عن الزهري، وقد جاء ذكر بعضهم عرضاً في المصادر الأخرى بدون سند، فيقولون مثلاً: ذكره الزهري فيمن شهد بدراً. ويلحظ أن هذه القائمة شملت الذين حضروا بدراً والذين لم يشهدوها وكانوا في حكم من شهدها وأعطوا من غنائمها، وكان لهم أجر من شهدها. 2 الآحاد والمثاني 1/262. 3 الآحاد والمثاني 1/263. 4 أسد الغابة 1/ 89، ومجمع الزوائد 6/ 94. 5 أسد الغابة 1/ 103، ومجمع الزوائد 6/ 94، والإصابة 1/ 44، المعجم الكبير للطبراني 1/ 288. 6 أسد الغابة 1/ 103.

المبحث السابع عشر: في غزوة السويق

المبحث السابع عشر: في غزوة السَّوِيْق1

_ 1 السَّوِيْق: هو ما يتخذ من الحنطة والشعير، لسان العرب المحيط 2/ 243، مادة: سوق. قال ابن هشام 2/ 45: "وإنما سميت غزوة السَّوِيْق ... أن أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السَّوِيْق، فهجم المسلمون على سَويق كثير فسميت: غزوة السَّوِيْق". وقد ذكر الواقدي عن الزهري أنه قال: "كانت في ذي الحجة، على رأس اثنين وعشرين شهراً"، المغازي 1/ 128، وذكر ابن إسحاق: أنها كانت في شهر ذي الحجة، ابن هشام 2/ 44.

27- قال البيهقي: وأخبرنا أبو عبد الله1 الحافظ قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني، قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا إبراهيم بن المنذر قال: أخبرنا ابن فليح، عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: كان أبو سفيان بن حرب حين قتل الله عزوجل من قتل من المشركين ببدر من أشرافهم ومن وجوههم نذر أن لا يمس رأسه دهن ولا غسل ولا يقرب أهله حتى يغزو محمداً ويحرق في طوائف المدينة، فخرج من مكة سراً خائفاً في ثلاثين2 فارساً ويقول بعض الناس: بل أكثر من ذلك ليحل يمينه حتى نزل بجبل من جبال المدينة يقال له: نبت3، فبعث

_ 1 تقدم الكلام على الإسناد في الرواية رقم (1) . 2 في مغازي الواقدي من طريق الزهري أنهم كانوا: مائتي راكب، المغازي 1/ 181، وكذلك في سيرة ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 44) ، أما في مغازي عروة (161) من طريق أبي الأسود فقد ذكر ثلاثين راكباً كما في رواية الزهري هنا. ورواية ابن إسحاق أرجح لأنه رواها عن محمد بن جعفر بن الزبير ويزيد بن رومان، وكلاهما ثقة كما قال ابن حجر في التقريب (471) و (601) ، عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، وهو ثقة، ويقال: له رؤية كما قال ابن حجر في التقريب (319) ، أما رواية الأسود عن عروة فهي ضعيفة لأنها جاءت من طريق ابن لهيعة وهو ضعيف. انظر: التقريب (319) . 3 نبت: هكذا في دلائل البيهقي، ولم أجد لهذه اللفظة ذكراً في المصادر، ولعلها مصحفة من: (ثيب) . ففي مغازي عروة 161: (ثيب) وكذلك سيرة ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 44) ، والمغانم المطابة 85، أما البلادي فقد قال: قلت وأرى صوابه (تيأم) فهو جبل تراه من الطرف الشمالي من المدينة مطلع شمس على الطريق النجدية، وهو من صدر قناة مشرف على وادي الخَنَق وسد العاقول، وينطق اليوم: (تيام) بتسهيل الهمزة. معجم المعالم الجغرافية 73.

رجلاً أو رجلين من أصحابه وأمرهما أن يحرقا أدنى نخلة يأتيانها من نخيل المدينة، فوجدا صَوْراً1 من صيران نخل العُريض2 فأحرقا فيها وانطلقا، وانطلق أبو سفيان وأصحابه سراعاً هاربين قبل مكة3.

_ 1 الصَّوْر: الجماعة من النخل ولا واحد له من لفظه، ويجمع على صيران، النهاية 3/ 59. 2 العُريض: بضم العين المهملة وفتح الراء، وسكون المثناة التحتية، وآخرها ضاد معجمة، ناحية من المدينة في طرف حرة (واقم) شملها اليوم العمران وما زالت معروفة. معجم المعالم الجغرافية 205. 3 دلائل النبوة للبيهقي 3/ 164- 165، والدرر لابن عبد البر 139- 140، وتاريخ الإسلام للذهبي قسم المغازي 138- 140. وقد أخرج نحو هذه الرواية من طريق الزهري الواقدي في المغازي 1/ 181- 182، وعنه ابن سعد في الطبقات 2/ 30، والبلاذري في أنساب الأشراف قسم السيرة 1/ 310. وانظر هذه الرواية في مغازي عروة 161، ومن طريقه أخرجها البيهقي في الدلائل 3/ 165، كما أخرجها ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 44) عن عبد الله بن كعب بن مالك، ومن طريقه أخرجها خليفة في تاريخه 59، والطبري في تاريخه 2/ 483. وقد ذكر ابن إسحاق أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج في طلبهم حتى بلغ قَرْقَرَة الكُدْر، ثم انصرف راجعاً، وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، ورأوا أزواداً من أزواد القوم قد طرحوها في الحرث يتخففون منها للنجاء، فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أتطمع لنا أن تكون غزوة؟ قال: "نعم". ابن هشام (2/ 45) .

المبحث الثامن عشر: في غزوة بني قينقاع

المبحث الثامن عشر: في غزوة بني قينقاع1 28- قال الواقدي: فحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن

_ 1 بنو قينقاع: إحدى القبائل اليهودية الشهيرة في المدينة، ومنهم الصحابي الجليل عبد الله بن سلام من ذرية يوسف النبي عليه السلام، انظر: الإصابة 2/ 320، والسمهودي وفاء الوفاء 1/ 164. وقد ذكر المؤرخون سببين لهذه الغزوة: 1- أن يهود بني قينقاع أظهروا الحسد والبغضاء عندما انتصر المسلمون في بدر، يظهر ذلك من خلال تهديدهم للنبي صلى الله عليه وسلم عندما دعاهم إلى الإسلام. انظر: مرويات يهود المدينة 77 للسندي. 2- أن أحد يهود بني قينقاع عقد طرف ثوب امرأة مسلمة في سوقهم فلما قامت تكشفت فاستنجدت بالمسلمين فقتلوا اليهودي ووقع الشر بينهم، انظر: ابن هشام 2/ 47- 48، ورسالة السندي 79. أما تاريخها فقد كانت في شوال من السنة الثانية من الهجرة، كما ذكر الطبري في تاريخه 2/ 479- 480، من طريق الواقدي عن الزهري مرسلاً، ولم أجده في مغازي الواقدي، وقد تبع ابن سعد الواقدي في ذلك، الطبقات 2/ 28. وذكر الواقدي بدون إسناد أنها كانت يوم السبت من شوال على رأس عشرين شهراً، حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى هلال ذي القعدة، المغازي 1/ 176.

عروة قال: لما نزلت هذه الآية: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} 1 فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية2.

_ 1 سورة الأنفال آية رقم (58) . 2 مغازي الواقدي 1/ 177. وخبر إجلائهم في الصحيحين، انظر: البخاري حديث رقم (4028) ومسلم حديث رقم (1766) .

المبحث التاسع عشر: في غزوة بني النضير وسببها

المبحث التاسع عشر: في غزوة بني النضير1 وسببها 29- عبد الرزاق2 عن معمر عن الزهري قال وأخبرني

_ 1 هو النضير بن النحام بن الخزرج بن الصريح بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاوي بن جبر بن النحام بن عازر بن عيزر بن هارون بن عمران عليه السلام، وفاء الوفاء للسمهودي 1/ 161. 2 مصنف عبد الرزاق 5/ 358 رقم (9733) بسند صحيح وفيه جهالة الصحابي وهي لا تضر لأن الصحابة كلهم عدول. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أبو داود في السنن 3/ 156 رقم (3004) وحكم عليه الألباني بالصحة، انظر: صحيح سنن أبي داود 2/ 583، ومن طريق عبد الرزاق أيضاً أخرجه ابن مردويه بسند صحيح إلى معمر عن الزهري كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح 7/ 331 ثم قال بعد ذكره لرواية ابن مردويه: وكذا أخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق. وأخرج أبو عبيد في الأموال رقم (18) عن محمد بن كثير، عن معمر، عن الزهري نحوه مرسلاً. ومن طريق أبي عبيد أخرجه البلاذري في أنساب الأشراف 1/ 339.

_ وأخرجه البيهقي من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، دلائل النبوة 3/ 178، ففي هذه الرواية الثابتة بيان سبب وقعة بني النضير وأنها كانت بعد بدر، بل بعدها بستة أشهر كما ستحددها الروايات الآتية في مبحث (تاريخ غزوة بني النضير) ، وقد وافق الزهري السهيلي في الروض 3/ 250، والذهبي 153 في السيرة النبوية. أما ابن إسحاق فقد ذكر سبباً آخر لوقعة بني النضير تتلخص "بأن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني النضير ليستعين بهم على دفع دية رجلين معاهدين قتلهما خطأ عمرو بن أمية الضمري في أعقاب حادثة بئر معونة، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جدار لبني النضير فهموا بإلقاء حجر عليه وقتله، فأخبره الوحي بذلك، فانصرف عنهم مسرعاً إلى المدينة ثم أمر بحصارهم فنزلوا على الصلح ... " تلخيص هذا السبب اقتبسته من السيرة الصحيحة للعمري 1/ 307، وانظر الخبر مفصلاً عند ابن هشام 2/ 190، وروى ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة مثل ذلك، مغازي عروة 164، وابن لهيعة ضعيف. وهذا السبب الذي ذكره ابن إسحاق عن يزيد بن رومان، مرسل، ولا يرتقي لمعارضة السبب الذي ذكره عبد الرزاق بسند صحيح، وبما أن السبب الذي ذكره ابن إسحاق يعود إلى حادثة بئر معونة التي كانت في السنة الرابعة، فلا بد أن تكون غزوة بني النضير في السنة الرابعة، وسيأتي التفصيل في تاريخ الغزوة في المبحث الآتي. قال الحافظ ابن حجر: "فهذا أقوى مما ذكره ابن إسحاق (يقصد الرواية المتقدمة التي ذكرها عبد الرزاق) من أن سبب غزوة بني النضير طلبه صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الرجلين، لكن وافق ابن إسحاق جل أصحاب المغازي، فالله أعلم، وإذا ثبت أن سبب إجلاء بني النضير ما ذكر من همهم بالغدر به صلى الله عليه وسلم وهو إنما وقع عندما جاء إليهم ليستعين بهم في دية قتيلي عمرو بن أمية، تعين ما قاله ابن إسحاق يعني في تاريخ الغزوة، لأن بئر معونة كانت بعد أحد بالاتفاق". اهـ. الفتح 7/ 331- 332.

عبد الله1 بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كفار قريش كتبوا إلى عبد الله بن أُبي بن سلول، ومن كان يعبد الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر، يقولون: إنكم آويتم صاحبنا، وإنكم أكثر أهل المدينة عدداً، وإنا نقسم بالله لتقتلُنه أو لتخرجٌنَّه أو لنستعن عليكم العرب، ثم لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم، فلما بلغ ذلك ابن أبي ومن معه من عبدة الأوثان تراسلوا، فاجتمعوا، وأرسلوا، وأجمعوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلقيهم في جماعة، فقال: لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ما كانت لتكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، فأنتم هؤلاء تريدون أن تقتلوا أبناءكم وإخوانكم، فلما سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تفرقوا، فبلغ ذلك كفار قريش، وكانت وقعة بدر، فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة2 والحصون، وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلنّ كذا وكذا، ولا

_ 1 قال الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة (153) : "أظنه انقلب، وأنه عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب بن مالك شيخ الزهري، وهو مترجم في (التهذيب) ولكن ذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة في الثقات، كالذي وقع هنا، فلعله ابن عمه والله أعلم". وهو ثقة عالم من الثالثة، مات في خلافة هشام خ م د س، التقريب 344 رقم (3929) . 2 الحلْقة: بسكون اللام: هي السلاح عاماً، وقيل: هي الدروع خاصة، النهاية 1/ 427.

يحولن بيننا وبين خدم نسائكم شيء - وهو الخلاخل - فلما بلغ كتابهم اليهود أجمعت بنو النضير على الغدر، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أخرج إلينا في ثلاثين رجلاً من أصحابك، ولنخرج في ثلاثين حبراً1، حتى نلتقي في مكان كذا، نصف بيننا وبينكم، فيسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلُّنا. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه، وخرج إليه ثلاثون حبراً من يهود، حتى إذا برزوا في براز الأرض، قال بعض اليهود لبعض: كيف تخلصون إليه، ومعه ثلاثون رجلاً من أصحابه، كلهم يحب أن يموت قبله، فأرسلوا إليه: كيف تفهم ونفهم، ونحن ستون رجلاً؟ أُخرج في ثلاثة من أصحابك، ويخرج إليك ثلاثة من علمائنا فيسمعوا منك، فإن آمنوا بك آمنَّا كلنا، وصدقناك. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة نفر من أصحابه واشتملوا على الخناجر، وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى ابن أخيها، وهو رجل مسلم من الأنصار، فأخبرته خبر ما أرادت بنو النضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فسارَّه بخبرهم، قبل أن يصل النبي صلى الله عليه وسلم

_ 1 الأحبار: جمع حَبْر بالفتح والكسر، وهو العالم المحكم للشيء، ومنه قيل لكعب: كعب الأحبار، تفسير ابن جرير الطبري 10/ 341 رقم (12010) ، طبعة شاكر، والنهاية 1/ 328.

إليهم، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان من الغد، غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب1، فحاصرهم، وقال لهم: إنكم لا تأمنون عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه، فأبوا أن يعطوه عهداً، فقاتلهم يومهم ذلك هو والمسلمون، ثم غدا الغد على بني قريظة بالخيل والكتائب، وترك بني النضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه، فانصرف عنهم، وغدا إلى بني النضير بالكتائب، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء2، وعلى أن لهم ما أقلَّت الإبل إلا الحلقة - والحلقة: السلاح - فجاءت بنو النضير، واحتملوا ما أقلَّت إبل3 من أمتعتهم، أبواب بيوتهم، وخشبها، فكانوا يخربون بيوتهم فيهدمونها فيحملون ما وافقهم من خشبها، وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام4، وكان بنو النضير من سبط5 من أسباط بني إسرائيل لم يصبهم جلاء منذ كتب الله على بني إسرائيل الجلاء، فلذلك أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلولا ما كتب الله عليهم من الجلاء

_ 1 كتائب: جمع كتيبة، وهي القطعة العظيمة من الجيش، النهاية 4/ 148. 2 الجلاء: الخروج، يقال: جلا عن الوطن يجلو جلاءاً، وأجلى يجلي إجلاءاً: إذا خرج مفارقاً، النهاية 1/ 291. 3 هكذا في المطبوع من المصنف، ولعلها: الإبل. 4 لم يجلوا جميعاً إلى الشام بل ذهب بعضهم إليها وذهب البعض الآخر إلى خيبر مثل: حيي بن أخطب، وابن أبي الحقيق، وسلاّم بن مشكم وغيرهم، يدل على ذلك قتالهم في غزوة خيبر وقتل ابن أبي الحقيق وأسر صفية وزواجها من النبي صلى الله عليه وسلم. 5 السبط: جمعه أسباط، والأسباط في أولاد إسحاق بن إبراهيم بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل، فهو واقع على الأمة، والأمة واقعة عليه، النهاية 2/ 334.

لعذبهم في الدنيا كما عذبت بنو قريظة، فأنزل الله: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1 حتى بلغ: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وكان نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فأعطاه الله إياه، وخصه بها، فقال: {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} 2 يقول: بغير قتال، قال: فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها للمهاجرين، وقسمها بينهم، [و] لرجلين من الأنصار3 كانا ذوي حاجة، لم يقسم لرجل من الأنصار غيرهما وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في يد بني فاطمة.

_ 1 سورة الحشر آية (1) . 2 سورة الحشر، آية (6) . 3 هما: 1- أبو دجانة - سماك بن خرَشة -. 2- سهل بن حُنيف. انظر: ابن سعد الطبقات الكبرى 3/ 471- 472.

المبحث العشرون: في تاريخ غزوة بني النضير

المبحث العشرون: في تاريخ غزوة بني النضير 30- عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في حديثه عن عروة: ثم كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود، على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكانت منازلهم ونخلهم بناحية من المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة - يعني السلاح - فأنزل الله فيهم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأوَّلِ الْحَشْرِ} 1 فقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، فكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسباء، وأما قوله: {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} فكان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام2.

_ 1 سورة الحشر، الآيات الأولى. 2 مصنف عبد الرزاق 5/ 357- 358 رقم (9732) ، وهو مرسل صحيح إلى عروة. وقد أخرج البخاري تاريخ الغزوة تعليقاً عن الزهري فقال: "قال الزهري عن عروة: كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أحد" صحيح البخاري مع الفتح 7/ 329، باب: (حديث بني النضير) . وقال الحافظ ابن حجر في الفتح 7/ 330 في شرحه للغزوة تحت رقم (4082) قال: "وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري أتم من هذا، ثم ذكر لفظ عبد الرزاق"، وقال أيضاً: "وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في حديثه عن عروة قال: "كانت وقعة أحد على رأس ستة أشهر من وقعة بني النضير، المصنف" 5/ 363.

31- وقال الحاكم: أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي1 الصنعاني بمكة، ثنا علي بن المبارك الصنعاني2، ثنا زيد بن المبارك الصنعاني3، ثنا محمد بن ثور4، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من

_ 1 لم أجد له ترجمة. 2 هو علي بن محمد بن عبد الله بن المبارك الصنعاني، لم أجد له ترجمة في كتب الرجال. 3 زيد بن المبارك الصنعاني، سكن الرملة، صدوق عابد، من العاشرة، د، التقريب 224 رقم (2155) . 4 محمد بن ثور الصنعاني، أبو عبد الله العابد، ثقة من التاسعة، مات سنة تسعين تقريباً، د س، التقريب 471 رقم (5775) .

الأمتعة والأموال إلا الحلقة - يعني: السلاح -، فأنزل الله فيهم: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} إلى قوله: {لأوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا} 1، فقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم ذلك ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي، وأما قوله لأول الحشر فكان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام2. 32- وقال أبو عبيد3: وحدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن

_ 1 سورة الحشر الآيات الأولى. 2 مستدرك الحاكم 2/ 482، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد وافقه الذهبي في التلخيص، ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 178، ثم قال: وذكر عائشة فيه غير محفوظ، والله أعلم. أ. هـ. وهو كما قال، لأن رواية عبد الرزاق لم تذكر عائشة ولفظ رواية عبد الرزاق كرواية الحاكم. وقد حكم عليه الألباني بالصحة، انظر حاشية فقه السيرة للغزالي (ص: 303) . وقال الدكتور أكرم العمري بعد أن ذكر هذه الرواية في كتابه السيرة الصحيحة 1/ 305: فرغم أن البيهقي قال: إن ذكر عائشة غير محفوظ، ولكن الذهبي صححها! ويبدو لي أنها من قبيل زيادة الثقة المقبولة، ولم يذكر غير البيهقي علة الإرسال فيها. 3 هو القاسم بن سلاّم - بالتشديد - البغدادي أبو عبيد، الإمام المشهور، ثقة فاضل، مصنف، من العاشرة، مات سنة أربع وعشرين، ولم أر له في الكتب حديثاً مسنداً، بل من أقواله في شرح الغريب، حت د ت، التقريب 450 رقم (4562) .

سعد عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب "أن وقيعة بني النضير من اليهود كانت على رأس ستة أشهر من وقيعة بدر، وكان منزلهم ونخلهم ناحية من المدينة، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء"1.

_ 1 الأموال لأبي عبيد ص 14 رقم (19) ، وهذه الرواية وإن كان فيها بعض الضعف من أجل عبد الله بن صالح وكونها مرسلة أيضاً لكن لها شواهد تقدمت، منها ما هو متصل كرواية عبد الرزاق، ومنها ما هو مرسل كرواية عروة عند عبد الرزاق في المصنف 5/ 357- 358، و5/ 363، وكلها تدل على أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وقبل أحد وليست بعد حادثة بئر معونة كما ذكر ابن إسحاق مستدلاً على ذلك بالسبب الذي ذكره في إجلاء بني النضير وهو خروجه صلى الله عليه وسلم إليهم يستعينهم في دية الكلابيين، وأن ذلك كان بعد بئر معونة أي في السنة الرابعة، وقد تابع ابن إسحاق في كون غزوة بني النضير في السنة الرابعة بعد بئر معونة بعض أصحاب المغازي كالواقدي في المغازي 1/ 363، وابن سعد في الطبقات 2/ 57، وقال بذلك موسى بن عقبة كما عند البيهقي في الدلائل 3/ 179- 180، ورواية ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة كما عند البيهقي في الدلائل 3/ 180، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 339. أما ابن القيم فقد جزم بأنها كانت بعد أحد، وأن التي بعد بدر بستة أشهر هي غزوة بني قينقاع، قال رحمه الله: "وزعم محمد بن شهاب الزهري، أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وهذا وهم منه أو غلط عليه، بل الذي لا شك

_ فيه أنها كانت بعد أحد والتي بعد بدر بستة أشهر: هي غزوة بني قينقاع ... " زاد المعاد 3/ 249. وقال ابن كثير: "ذكر البيهقي والبخاري قبله خبر بني النضير قبل وقعة أحد، والصواب إيرادها بعد ذلك، كما ذكر ذلك محمد بن إسحاق وغيره من أئمة المغازي، وبرهانه أن الخمر حرمت ليالي حصار بني النضير، وثبت في الصحيح أنه اصطبح الخمر جماعة ممن قتل يوم أحد شهيداً فدل على أن الخمر كانت إذ ذاك حلالاً، وإنما حرمت بعد ذلك فتبين ما قلناه من أن قصة بني النضير بعد وقعة أحد والله أعلم". أ. هـ. البداية والنهاية 4/9. والذي يظهر لي - والله أعلم - أن غزوة بني النضير كانت قبل أحد وبعد بدر بستة أشهر كما قال الزهري وذلك لقوة الروايات التي وردت عن الزهري في ذلك، وقد تقدم أن منها الثابت المتصل والمرسل، أما ما ذكره ابن إسحاق من أنها كانت بعد بئر معونة أي في السنة الرابعة، فإن مستنده في ذلك تلك الرواية التي حدثه بها يزيد بن رومان وهو من صغار التابعين فهي لا ترقى إلى معارضة ما ذكره الزهري، وفي هذه الحالة يتعين الأخذ بقول الزهري، أما ما ذكره ابن كثير من أن الخمر حرمت ليالي بني النضير، وهو دليل على تأخرها عن أحد لكون بعض من شهد أحداً من الصحابة قد شربها صباح ذلك اليوم، فإنه لا يسلَّم بذلك لعدم ورود دليل صحيح يدل على ذلك، بل قد ذكر المفسرون أن الخمر قد حرمت بعد أحد، ولم يحددوها بليالي بني النضير، وقيل بعد الأحزاب، حيث أخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: نزل تحريم الخمر في سورة المائدة بعد غزوة الأحزاب، وغزوة الأحزاب كانت سنة خمس على الصحيح؛ وأخرج ابن مردويه عن وهب بن كيسان قال: قلت لجابر: متى حرمت الخمر؟ قال: بعد أحد. انظر: فتح القدير للإمام الشوكاني 2/75، ورواية جابر لم تحددها بليالي بني النضير، فتبقى رواية الزهري هي الراجحة، وهو ما رجحه الإمام البخاري رحمه الله، والله أعلم.

المبحث الحادي والعشرون: في مصير أموال بني النضير

المبحث الحادي والعشرون: في مصير أموال بني النضير 33- أخرج البخاري في صحيحه من طريق الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي الله عنه قال: "كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف1 المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ينفق على أهله منها نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع2 عدة في سبيل الله"3.

_ 1 الإيجاف: سرعة السير، وقد أوجف دابته يوجفها إيجافاً إذا حثها، النهاية 5/ 157. 2 الكراع: اسم لجميع الخيل، النهاية 4/ 165. 3 صحيح البخاري مع الفتح 6/ 93 رقم (2904) و8/ 629 رقم (4885) و9/ 501 رقم (5357) بلفظ: (يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم) قال الحافظ: "ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يقسم في فقراء المهاجرين وفي مشترى السلاح والكراع" فتح الباري 6/ 206، وانظر البخاري مع الفتح 9/ 502 رقم (5358) ، ومسلم كتاب الجهاد والسير رقم (1757) ، وأبا داود رقم (2965) ، والترمذي رقم (1719) ، والنسائي 7/ 132، ومسند أحمد 1/ 417، رقم [337] الأرناؤوط، والشافعي في السنن المأثورة (672) ، ومسند الحميدي (22) ، وتاريخ المدينة لعمر بن شبة 1/ 208، وأبا عبيد في الأموال (17) و (26) ، والبلاذري في أنساب الأشراف قسم السيرة 1/ 518 رقم (1043) ، وفتوح البلدان له (ص: 33) ، والبحر الزخار المعروف بمسند البزار رقم (255) ، ومنتقى الجارود كما في الغوث رقم (1097) ، والسنن الكبرى للبيهقي 6/ 345، ودلائل النبوة له 3/ 185.

الفصل الثالث: في غزوة أحد والأحداث التي أعقبتها

الفصل الثالث: في غزوة أحد والأحداث التي أعقبتها المبحث الأول: في سبب وقعة أحد ... المبحث الأول: في سبب وقعة أحد 34- قال ابن إسحاق: وكان من حديث أحد، كما حدثني محمد بن مسلم الزهري، ومحمد1 بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة2، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ3 وغيرهم من علمائنا كلهم قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد، وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد قالوا أو من قاله منهم: لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب4 ورجع فَلُّهُم5 إلى مكة، ورجع أبو سفيان بن حرب بِعيرِه، مشى عبد الله بن أبي

_ 1 هو محمد بن يحيى بن حَبَّان، بفتح المهملة وتشديد الموحدة، ابن مُنْقذ الأنصاري، المدني، ثقة فقيه، من الرابعة، مات سنة إحدى وعشرين وهو ابن أربع وسبعين ع، التقريب 512. 2 عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأوسي الأنصاري أبو عمر المدني، ثقة عالم بالمغازي، من الرابعة، توفي بعد العشرين ومائة، ع، التقريب (ص: 286) . 3 هو حصين بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ الأشهلي، أبو محمد المدني، مقبول، من الرابعة، د س، التقريب 170 رقم (1368) . 4 القليب: البئر التي لم تطو، ويذكر ويؤنث، النهاية 4/ 98. 5 الفَلُّ: القوم المنهزمون، من الفَلِّ: الكسر. وهو مصدر سُمي به النهاية (3/ 473) .

ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش: إن محمداً قد وتركم1، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، فلعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منا، ففعلوا2.

_ 1 الموتور: من قتل له قتيل فلم يدرك بدمه. القاموس المحيط 631 - 632. 2 سيرة ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 60) ، ومن طريقه أخرجه الطبري في التاريخ 2/ 499 - 500، وفي التفسير 3/ 46، والبيهقي في دلائل النبوة 3/ 224، وانظر: تفسير ابن كثير 2/ 30، وتاريخ الإسلام للذهبي قسم المغازي 168، وفتح الباري لابن حجر 7/ 346، وهي رواية حسنة إلى الزهري وإن لم تميز روايته لأن شيوخ ابن إسحاق الآخرين ثقات ما عدا الحصين بن عبد الرحمن فإنه مقبول كما ترى، لكن قد توبع.

المبحث الثاني: في تاريخ الغزوة

المبحث الثاني: في تاريخ الغزوة 35- قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين1 بن الفضل القطان ببغداد، قال أخبرنا عبد الله2 بن جعفر النحوي قال حدثنا يعقوب3 بن سفيان قال: حدثنا الحجاج بن أبي منيع4 قال: حدثنا جدي5 عن الزهري عن عروة قال: "ثم كانت وقعة أُحُد6 في شوال7 على رأس سنة من وقعة

_ 1 ثقة تقدم في الرواية رقم [7] . 2 ثقة تقدم في الرواية رقم [12] . 3 ثقة تقدم في الرواية رقم [12] . 4 حجاج بن أبي منيع: يوسف، وقيل: عبيد الله بن أبي زياد الرصافي، ثقة، من العاشرة، خت، التقريب 153 رقم (1138) . 5 عبيد الله بن أبي زياد الرصافي؛ صدوق، من السابعة، خت، التقريب 371، رقم (4291) . 6 أحد: بضم أوله وثانيه معاً: اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة أحد، وهو جبل أحمر، بينه وبين المدينة قرابة ميل في شمالها، وعنده كانت الوقعة العظيمة، معجم البلدان 1/ 109. وهو يبعد عن المسجد النبوي خمسة كيلومترات وربع الكيلومتر بدءاً من باب المجيدي أحد أبواب المسجد النبوي الشريف (مرويات غزوة أحد، حسين الباكري 19، وهي رسالة ماجستير، نوقشت بالجامعة الإسلامية عام 1399 - 1400هـ) . وقد وصله العمران اليوم، بل تعداه. 7 وقد ذكر الزهري أنها في شوال في رواية أخرى أخرجها البيهقي في الدلائل 3/ 206، من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب وستأتي بطولها. في الرواية الآتية رقم (36) . وممن قال أنها في شوال: ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 60) ، والواقدي 1/ 199، إلا أنه قال يوم السبت لسبع خلون من شوال، وعبد الرزاق كما في المصنف من طريق الزهري رقم (9735) ، والبلاذري في تاريخ أنساب الأشراف، قسم السيرة 1/ 311، 312، وخليفة بن خياط في تاريخه 67، وحدد قتادة اليوم والشهر فقال: واقع نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام المقبل بعد بدر في شوال يوم السبت لإحدى عشرة ليلة مضت من شوال. دلائل البيهقي 3/ 201، وذكر خليفة بن خياط عن ابن إسحاق عن الزهري ويزيد بن رومان، أن رسول الله خرج عشية الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من شوال، وكانت الوقعة يوم السبت للنصف من شوال. تاريخ خليفة 67.

بدر، ورئيس المشركين يومئذ أبو سفيان بن حرب1.

_ 1 دلائل النبوة للبيهقي 3/ 201، و3/ 206، 3/ 278.

المبحث الثالث: في عدد جيش المسلمين والمشركين يوم أحد

المبحث الثالث: في عدد جيش المسلمين والمشركين يوم أحد 36- قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين1 بن الفضل القطان ببغداد، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر النحوي2، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان3، قال: حدثنا أصبغ بن الفرج4، قال: أخبرني ابن وهب5، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أُحد، قال: حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشوط6

_ 1 ثقة تقدم في الرواية رقم (7) . 2 ثقة تقدم في الرواية رقم (12) . 3 ثقة تقدم في الرواية رقم (12) . 4 أصبغ بن الفرج بن سعيد الأموي مولاهم الفقيه المصري أبو عبد الله، ثقة، مات مستتراً أيام المحنة سنة خمس وعشرين، من العاشرة، خ د. ت س التقريب 113 رقم (536) . 5 هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، مولاهم أبو محمد المصري الفقيه، ثقة حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة سبع وسبعين، وله اثنتان وسبعون سنة (ع) التقريب 328، رقم (3694) . 6 الشوط: هو مكان ملعب التعليم بالمدينة الآن، انظر: العياشي، المدينة بين الماضي والحاضر، 369، وقال البلادي: إن مكانه بين وادي قناة وبين المدينة، معجم المعالم الجغرافية 170. وفي تفسير عبد الرزاق من رواية الزهري (حتى إذا كان بالواسط من الجبانة..) قال السمهودي: واسط؛ أطم لبني خدرة. وفاء الوفاء 4/1329. وذكر السمهودي: أن الشوط يقع في شامي ذباب، قرب منازل بني ساعدة. وفاء الوفاء 4/1248، فلعل المكانين قريبان من بعضهما، وقريبان أيضاً من الجبانة.

من الجبانة1، انخزل2 عبد الله بن أبي بقريب من ثلث الجيش، ومضى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في سبعمائة3، وتعبأت قريش وهم ثلاثة4 آلاف، ومعهم مائتا فرس، قال: جنَّبوها وجَعَلوا على ميمنة الخيل خالدَ بنَ الوليد5، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل6، هكذا، وجدته في

_ 1 الجبانة اسم موضع، يقع شمالي المدينة. وفاء الوفاء 4/1248. 2 انخزل: أي انفرد. النهاية 2/29. 3 يعني أن الجيش الإسلامي كان ألفاً قبل رجوع عبد الله بن أبي بثلثه. 4 ذكر ذلك موسى بن عقبة عن الزهري في رواية أخرجها البيهقي في الدلائل 3/206، وكذلك قال ابن إسحاق (ابن هشام 2/66) والواقدي في المغازي 1/203، وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/37. 5 هو خالد بن الوليد بن مغيرة القرشي المخزومي سيف الله المسلول، أبو سليمان أسلم سنة سبع بعد خيبر، وقيل قبلها 1/413. 6 هو عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي، أسلم عام الفتح، قتل بأجنادين كما قال الجمهور، وقيل قتل يوم اليرموك؛ سنة خمس عشرة في خلافة عمر، وقيل: قتل يوم مرج الصُّفَّر، وذلك سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر. الإصابة 2/496.

كتابي1. قال البيهقي: وأعاد يعقوب بن سفيان هذه القصة بهذا الإسناد بعينه تخالف هذه القصة في بعض ألفاظها، ويقول فيها: والمسلمون يومئذ قريب من أربع مائة رجل، والمشركون يومئذ قريب من ثلاثة آلاف. وقوله الأول أشبه بما رواه موسى بن عقبة2، وأشهر عند أهل المغازي، وإن كان المشهور عن الزهري أربع مائة3.

_ 1 دلائل النبوة للبيهقي 3/220-221، وسندها صحيح. 2 في رواية أخرجها البيهقي في الدلائل 3/206. 3 سيأتي في رواية البيهقي من طريق موسى بن عقبة عن الزهري أن عدد المسلمين كانوا سبعمائة كما في صدر هذه الرواية، بعد انسحاب ابن أُبي بثلث الجيش، وفي الرواية التي ذكرها ابن إسحاق عن شيوخه ومنهم الزهري. انظر: تفسير الطبري 3/4. ولم أجد ما ذكره البيهقي من أن المشهور عن الزهري أنهم كانوا أربعمائة.

المبحث الرابع: في ذكر أحداث غزوة أحد إجمالا

المبحث الرابع: في ذكر أحداث غزوة أحد إجمالاً 37- قال البيهقي في الدلائل1: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن عتاب، قال: حدثني القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة، وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ في المغازي، قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب، وهذا لفظ حديث إسماعيل عن عمه: موسى بن عقبة قال: ورجعت2 قريش فاستجلبوا من استطاعوا من مشركي العرب، وسار أبو سفيان بن حرب في جمع قريش وذلك في شوال من العام المقبل من وقعة بدر، حتى طلعوا من بئر الحماوين3، ثم نزلوا ببطن الوادي4

_ 1 دلائل النبوة 3/206، وسندها حسن، وقد تقدم تراجم إسناد هذه الرواية. 2 أي من بدر، كما ستحددها روايات أخرى ستأتي قريباً. 3 لم أجد له تعريفاً بعد البحث. 4 اسم هذا الوادي (وادي قناة) بفتح القاف والنون وألف، وآخرها هاء، انظر معجم البلدان لياقوت الحموي 4/399، وانظر: وفاء الوفاء للسمهودي 3/1074، والمدينة بين الماضي والحاضر للعياشي 490، ومعجم المعالم الجغرافية للبلادي 258.

الذي قِبَل أُحد، وكان رجال من المسلمين الذين لم يشهدوا بدراً ندموا على ما فاتهم من سابقة بدر، وتمنوا لقاء العدوّ، وليبلوا ما أبلى إخوانهم يوم بدر فلما نزل أبو سفيان والمشركون بأصل أُحدٍ، فرح المسلمون الذين لم يشهدوا بدراً بقدوم العدوّ عليهم، وقالوا: قد ساق الله إلينا بأمنيتنا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري ليلة الجمعة رؤيا فأصبح فجاءه نفر من أصحابه، فقال: " رأيت البارحة في منامي بَقَراً والله خير"، وفي رواية ابن فليح "بقَراً تُذْبح"، ورأيت سيفي ذا الفقار انفصم1 من عند ظُبَّته2 - أو قال: به فلول3 فكرهته وهما مُضَبَّبتان - ورأيت أني في درع حصينة4 وأني مردف كبشاً، فلما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم برؤياه، قالوا: يا رسول الله! ماذا أولت رؤياك؟ قال: أوّلت البقر الذي رأيت نفراً فينا وفي القوم، وكرهت ما رأيت

_ 1 انفصم: انقطع، وفصمه يفصمه: كسره فانفصم وتفصم، القاموس 1478 مادة (فصم) . 2 ظبة السيف: أي طرفه وحده. النهاية لابن الأثير 3/ 156، ولسان العرب 2/ 641. 3 الفلة: الثلمة في السيف، وجمعها: فلول. النهاية 3/ 472. وأخرج الواقدي في المغازي (1/ 209) عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ورأيت في سيفي فلاً فكرهته"، فهو الذي أصاب وجهه صلى الله عليه وسلم. 4 المراد بالدرع الحصينة: المدينة، وذلك كما جاء في تأويله صلى الله عليه وسلم لهذه الرؤيا انظر: مسند أحمد 4/ 259 رقم (2445) بتحقيق: شعيب الأرناؤوط وزملائه.

بسيفي"، ويقول رجال: وكان الذي رأى بسيفه الذي أصاب وجهه فإن العدو أصابوا وجهه يومئذ، وفصموا رَباعيته، وخرقوا شفته، يزعمون أن الذي رماه عتبة بن أبي وقاص، وكان البَقَرُ من قُتل يومئذ من المسلمين، وقال: "أولت الكبش أنه كبش كتيبة العدو فقتله"، وفي رواية ابن فليح: "يقتله الله، وأوّلت الدرع الحصينة المدينة، فامكثوا1، وأجمعوا الذراري في الآطام2، فإن دخل علينا القوم في الأزقة قاتلناهم"، ورموا من فوق البيوت وكانوا قد شكوا أزقة المدينة بالبنيان، حتى كانت كالحصن. فقال الذين لم يشهدوا بدراً: كنا يا نبي الله نتمنى هذا اليوم وندعو الله، فقد ساقه الله إلينا وقرَّب المسير. وقال رجال من الأنصار: متى نقاتلهم يا نبي الله إن لم نقاتلهم عند شَعَبِنا3؟ وقال رجال: ماذا نمنع إذا لم نمنع الحرث يزرع، وقال رجال قولاً صدقوا به ومضوا عليه، منهم حمزة بن عبد المطلب قال: "والذي أنزل

_ 1 كان هذا رأي النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنهم يمكثون في المدينة فيقاتلونهم فيها، ولا يخرجون إلى العدو. انظر: مستدرك الحاكم 2/ 128ـ129، ودلائل البيهقي 3/ 204 - 205. 2 الأطم: بالضم: بناء مرتفع وجمعه آطام، ومنه الحديث: ":حتى توارت بآطام المدينة" يعني أبنيتها المرتفعة كالحصون. النهاية 1/ 54. 3 من معاني: الشَعَب: الزرع، اللسان (شعب) ، والمراد: إذا لم نقاتلهم عند زرعنا وأموالنا فمتى نقاتلهم؟!

عليك الكتاب لنجالدنَّهم". وقال يعمر1 بن مالك بن ثعلبة وهو أحد بني سالم: "يا نبي الله لا تحرمنا الجنة، فوالذي نفسي بيده لأدخلنها"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بمَ؟ قال: بأني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت، فاستشهد يومئذ. وأبى كثير من الناس إلا الخروج إلى العدو، ولم يتناهوا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيه، ولو رضوا بالذي أمرهم به كان ذلك، ولكن غلب القضاء والقدر، وعامة من أشار إليه بالخروج لم يشهدوا بدراً، قد علموا الذي سبق لأصحاب بدر من الفضيلة2 فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة

_ 1 لم أجد ليعمر ترجمة، ولعله: النعمان بن مالك بن ثعلبة أخو بني سالم، انظر: مغازي الواقدي 1/ 211، والإصابة 3/ 565. 2 من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه: " ... لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، فدمعت عينا عمر، وقال: "الله ورسوله أعلم". صحيح البخاري مع الفتح 7/ 305 رقم (3983) ، وما أخرجه البخاري من حديث معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه - وكان من أهل بدر - قال: "جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدُّون أهل بدر فيكم، فقال: من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها - قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة) . صحيح البخاري مع الفتح 7/ 311 - 312 رقم (3992) . ومنها ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر أن عبداً لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدراً والحديبية" مسلم بشرح النووي 16/ 55.

وعظ الناس وذكرهم، وأمرهم بالجد والجهاد، ثم انصرف من خطبته وصلاته، فدعا باللأمة1 فلبسها، ثم أذن في الناس بالخروج، فلما رأى ذلك رجال من ذوي الرأي قالوا: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمكث بالمدينة، فإن دخل علينا العدو قاتلناهم في الأزقة وهو أعلم بالله وما يريد، ويأتيه الوحي من السماء، ثم أشخصناه، يا نبي الله: امكث كما أمرتنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب وآذن بالخروج إلى العدو أن يرجع حتى يقاتل2، وقد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم إلا

_ 1 اللأمة: مهموزة: الدرع، وقيل: السلاح، ولأمة الحرب أداته، وقد يترك الهمز تخفيفاً. النهاية 4/ 320. 2 أخرجه البيهقي في السنن 7/ 41 موصولاً بإسناد حسن عن ابن عباس، ثم قال رحمه الله: (وهكذا ذكره موسى بن عقبة عن الزهري، وكذلك ذكره محمد بن إسحاق بن يسار عن شيوخه من أهل المغازي وهو عام في أهل المغازي وإن كان منقطعاً، وقد كتبناه موصولاً بإسناد حسن. أ. هـ. وانظر: ابن هشام 2/ 60، ومغازي الواقدي 1/ 214، والطبقات الكبرى 2/ 38. وأخرج عبد الرزاق عن الزهري بلفظ: "إنه لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يلقى البأس" تفسير عبد الرزاق 1/ 135. وأخرجها الطبري في التفسير 7/ 372، بإسناد حسن إلى قتادة ولكنه مرسل، وأخرجها الحاكم في المستدرك 2/ 128 - 129، وصححها ووافقه الذهبي، وقد حسن إسناد هذه الرواية الألباني في تعليقه على حاشية فقه السيرة للغزالي (ص: 269) ، وذلك بناء على ما ذكر من روايات يقوي بعضها بعضاً، والله أعلم.

الخروج، فعليكم بتقوى الله والصبر عند البأس إذا لقيتم العدوّ، انظروا ما أمركم به فافعلوه،: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فسلكوا على البدائع1 وهم ألف2 رجل والمشركون ثلاثة آلاف، فمضى رسول الله حتى نزل بأُحد، ورجع عنه عبد الله بن أُب ي بن سلول في ثلاثمائة فبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة فقال كعب بن مالك3 الأنصاري: إنّا بهذا الجذع لو كان أهله ... سوانا لقد ساروا بليل فأقشعوا4 جلادٌ على ريب الحوادث لا ترى ... على هالك عيناً لنا الدهر تدمع ثلاثة آلاف ونحن نصية5 ... ثلاثِ ميْينٍ إن كثرنا وأربع

_ 1 البدائع: اسم موضع بين المدينة وبين جبل أحد على الطريق الشرقية مع الحرّة إلى جبل أُحد، وفاء الوفاء، للسمهودي 1/282، ويسمى هذا المكان بالشيخين، وبه مسجد يقال له: مسجد الشيخين، ويقال له: مسجد البدائع. انظر: وفاء الوفاء 3/865، ويسمى الآن بمسجد المستراح، وهو على الناحية الغربية لشارع سيد الشهداء. انظر: الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم ص: 175. 2 يؤيد ذلك ما أخرجه البيهقي من طريق يونس عن ابن شهاب في الرواية المتقدمة رقم (19) . 3 هو كعب بن مالك بن أبي بن كعب الأنصاري السلمي شهد العقبة، وبايع بها وتخلف عن بدر وشهد أحداً وما بعدها وتخلف في تبوك وهو أحد الثلاثة الذي تيب عليهم، قال البغوي: بلغني أنه مات بالشام في خلافة معاوية. الإصابة 3/ 302. 4 أقشع القوم: تفرقوا، لسان العرب المحيط 3/ 93، مادة (قشع) . 5 النصية: من يتنصى من القوم، أي يختار من نواصيهم، وهم الرؤوس والأشراف، وقد انتصيت في القوم رجلاً: أي اخترته. النهاية 5/ 68.

فراحوا سراعاً موجفين كأنهم ... غمام هراقت ماءها الريح تقلع ورحنا وأخرانا بطاء كأننا ... أسود على لحم ببيشة ظُلّع فلما رجع عبد الله بن أُب ي بالثلاث مائة، سقط في أيدي الطائفتين من المسلمين، وهمتا أن تفشلا، وهما بنو حارثة وبنو سلمة1 كما يقال، وصفَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بأصل أُحد وصف المشركون بالسبخة2 التي قِبَل أُحد، وتعبأ الفريقان للقتال، وجعل المشركون على خيلهم خالد ابن الوليد بن المغيرة، ومعهم مائة فرس، وليس مع المسلمين فرس، وحامل لواء3 المشركين من عبد الدار، واشتكى صاحب لوائهم طلحة بن عثمان

_ 1 يؤيد ذلك ما ذكره البخاري من أن المراد بالطائفتين: بنو حارثة وبنو سلمة، انظر صحيح البخاري مع الفتح 7/ 357. 2 السبخة: محركة ومسكنة: أرض مالحة، أو هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر. النهاية 2/ 333. 3 اللواء: بكسر اللام والمد هي: الراية، ويسمى أيضاً العلم، وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه، وقال أبو بكر بن العربي: اللواء غير الراية، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية: ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح، وقيل اللواء دون الراية، وقيل اللواء: العلم الضخم، والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار، والراية يتولاها صاحب الحرب، فتح الباري 6/ 126. وقد أخرج الترمذي من حديث ابن عباس قال: "كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض" سنن الترمذي 3/ 115. قال الحافظ ابن حجر بعد ذكره لحديث ابن عباس: "وهو ظاهر في التغاير، فلعل التفرقة بينهما عرفية"، الفتح 7/ 477. وقد ورد أن لواء النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة أبيض. سنن الترمذي 3/ 115، وقد يكتب عليها بعض العبارات مثل: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فتح الباري 7/ 477. أو يكون فيها هلال أبيض، التراتيب الإدراية للكتاني 1/ 320، وتكون مربعة ذراع في ذراع. ابن حجر الفتح 6/ 126.

أخو شيبة بن عثمان1، وكانت لهم الحجابة، والندوة، واللواء، فقال أبو سفيان بن حرب: إن اللواء ضاع يوم بدر حتى قتل حوله من قد علمتم، وأرى أن أعارضهم بلواء آخر، فقالت بنو عبد الدار والأحلاف2: إن شئتم فارفعوا لواءً آخر، ولكن لا يرفعه إلا رجل من بني عبد الدار، فقال أبو سفيان: بل عليكم بلوائكم فاصبروا عنده. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين رجلاً من الرماة فجعلهم نحو خيل

_ 1 شيبة بن عثمان وهو الأوقص بن أبي طلحة بن عبد الله بن عبد العزى القرشي العبدري الحجبي أبو عثمان، أسلم يوم الفتح، وكان ممن ثبت يوم حنين، توفي سنة تسع وخمسين، الإصابة 2/ 161. 2 الأحلاف: ست قبائل هي: عبد الدار، وجمح، ومخزوم، وعدي، وكعب، وسهم، سموا بذلك لأنهم لما أرادت بنو عبد مناف ما في أيدي عبد الدار من الحجابة والرفادة واللواء والسقاية، وأبت عبد الدار، عقد كل قوم على أمرهم حلفاً مؤكداً على أن لا يتخاذلوا، فأخرجت جفنة مملوءة طيباً فوضعتها لأحلافهم وهم أسد، وزهرة، وتيم، في المسجد عند الكعبة، ثم غمس القوم أيديهم فيها، وتعاهدوا، وتعاقدت بنو عبد الدار وحلفاؤها حلفاً آخر مؤكداً فسُمّوا الأحلاف لذلك. النهاية 1/425.

العدو، وأَمَّر عليهم عبد الله بن جبير1 أخا خوَّات بن جبير2 وقال لهم: "أيها الرماة3، إذا أخذنا منازلنا من القتال فإن رأيتم خيل المشركين تحركت وانهزم أعداء الله فلا تتركوا منازلكم إني أتقدم إليكم أن لا يفارقن رجل منكم مكانه، واكفوني الخيل"4. فوعز5 إليهم فأبلغ، ومن نحوهم كان الذي نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ

_ 1 هو عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري الأوسيّ، شهد العقبة وبدراً واستشهد بأحد، وكان أمير الرماة يومئذ، وكان المشركون عندما انهزموا ذهبت الرماة ليأخذوا من الغنيمة فنهاهم عبد الله بن جبير فمضوا وتركوه. الإصابة 2/286. 2 هو خوَّات بن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس الأنصاري الأوسيّ، شهد بدراً والمشاهد كلها، عاش إلى سنة أربعين، ومات وهو ابن أربع وسبعين سنة بالمدينة. الإصابة 1/457_458. 3 كان عددهم خمسين رجلاً أميرهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه. صحيح البخاري مع الفتح 6/162 رقم (3039) ومسند أحمد 4/209، وصحح شاكر إسناده، والمستدرك 2/296، وصححه ووافقه الذهبي. 4 وردت قصة الرماة عند البخاري بألفاظ فيها بعض الاختلاف، انظر: صحيح البخاري مع الفتح 6/ 162، رقم (3039) ، 7/ 349 رقم (4043) ، وانظر هذه القصة في مسند أحمد 4/ 209، وصحح شاكر إسناده، والمستدرك 2/ 296، وصححه ووافقه الذهبي، وانظر أيضاً مغازي الواقدي 1/ 219 - 220، وابن سعد 2/ 39. 5 وعز: وعز إليه في كذا أن يفعل أو يترك، وأوعز، ووعز: تقدم وأمر، القاموس المحيط 679. ر

والذي أصابه، فلما عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه عهده في القتال، وكان حامل لواء المهاجرين رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا عاصم1 إن شاء الله لما معي، فقال له طلحة - يعني ابن عثمان ـ: هل لك يا عاصم في المبارزة؟ قال: نعم، فبدره ذلك الرجل، فضرب بالسيف على رأس طلحة حتى وقع السيف في لحيه فقتله، فكان قتل صاحب لواء المشركين تصديقاً لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أني مردف كبشاً، فلما صرع صاحب اللواء انتشر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وصاروا كتائب2 متفرقة، فجاسوا3 العدوّ ضرباً حتى أجهضوهم عن أثقالهم، وحملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مراتٍ، كل ذلك تنضح بالنبل، فترجع مغلولةً، وحمل المسلمون فنهكوهم قتلاً، فلما أبصر الرماة الخمسون أن الله عزوجل قد فتح لإخوانهم قالوا: والله ما نجلس ههنا لشيءٍ، قد أهلك العدو إخواننا في عسكر المشركين، وقال طوائف منهم: على ما نصفُّ، وقد هزم الله العدو؟! فتركوا منازلهم التي عهد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ألاّ يتركوها، وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول،

_ 1 ورد في سيرة ابن هشام 2/ 73: أنا أبو الفصم، والرجل هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما ذكر في المصدر السابق، وتفسير الطبري 7/ 281 من مراسيل السدي. 2 الكتيبة: القطعة العظيمة من الجيش والجمع: كتائب. النهاية 4/ 148. 3 الجوس: هو طلب الشيء بالاستقصاء والتردد خلال الدور والبيوت في القارة، القاموس المحيط 691.

فأوجفت1 الخيل فيهم قتلاً، وكان عامتهم2، في العسكر، فلما أبصروا ذلك الرجال المتفرقة أن الخيل قد فعلت ما فعلت، اجتمعوا وأقبلوا وصرخ صارخ: أُخراكم أُخراكم، قُتِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فسقط في أيدي المسلمين فقتل منهم من قتل وأكرمهم الله بأيدي المشركين وأصعد الناس في الشعب لا يلوون على أحد3، وثَبَّت الله عزوجل النبي صلى الله عليه وسلم حين انكشف عنه من انكشف من أصحابه، وهو يدعوهم في أخراهم حتى جاءه من جاءه منهم إلى قريب من المِهْرَاسِ4 في الشِّعب. فلما فُقِدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال رجل منهم: إن رسول الله قد قُتل فارجعوا إلى قومكم فيؤمنونكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، فإنهم داخلون البيوت. وقال رجل منهم: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا.

_ 1 الإيجاف: سرعة السير، وقد أوجف دابته يوجفها إيجافاً إذا حثّها. النهاية 5/ 157. 2 لم يبق من الرماة مع أميرهم سوى اثني عشر رجلاً كما في البخاري حديث رقم (3039) . 3 كما قال تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ... } الآية، آل عمران (153) . 4 المهراس: بالكسر ثم السكون وآخره سين مهملة، وهو حجر يشبه القدح يمسك ماء المطر، والمراد المهراس الذي في الشعب من جبل أحد، معجم المعالم الجغرافية 306 - 307.

وقال آخرون: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون عن دينكم، وعلى ما كان عليه نبيكم، حتى تلقوا الله شهداء؟ منهم: أنس بن النضر1 شهد له بها سعد بن معاذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: أحد بني قشير الذي قال: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا. ومضى النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس أصحابه، فإذا المشركون نحو وجهه على طريقه، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبلوه، قال: "اللهم إن تشأ لا يغلبك أحد في الأرض، وقال: اللهم إن تشأ لا تعبد" 2. فانصرف المشركون والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو أصحابه مصعداً في الشعب، معه عصابة صبروا معه، منهم: طلحة بن عبيد الله3، والزبير بن العوام، وبايعوه على الموت وجعلوا يسترونه بأنفسهم ويقاتلون معه حتى قتلوا إلا

_ 1 هو أنس بن النضر بن ضمضم الأنصاري الخزرجي عم أنس بن مالك، كان قد غاب عن بدر وشهد أحداً واستشهد بها. انظر: الإصابة 1/ 74. 2 قد ورد بمعناه في غزوة بدر كما في البخاري رقم (2915) ومسلم بشرح النووي 12/ 84، من حديث عمر رضي الله عنه، وقد قال الحافظ ابن حجر: "ووقع عند مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام أيضاً يوم أحد". فتح الباري 7/ 289. 3 هو طلحة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمرو بن كعب القرشي التيمي أبو محمد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق، وأحد الستة أصحاب الشورى، قتل يوم الجمل سنة ست وثلاثين. الإصابة 2/ 229ـ230.

ستة نفر أو سبعة وهم مع ذلك يمشون حول المهراس، ويقال: كان كعب ابن مالك أول من عرف عين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فقد من وراء المغفر فنادى بصوته الأعلى: الله أكبر، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه، - زعموا - رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن اسكت1 - وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكُسِرت رَباعيتُه2، وكان أُبيّ بن خلف قال حين افتدى: "والله إن عندي لفرس أعلفها كل يوم فَرَق3 ذرة، ولأقتلنّ عليها محمداً"، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 1 يشهد له ما رواه عبد الرزاق في مصنفه 5/ 363 - 366 رقم (9735) عن الزهري عن عروة وفي تفسيره عن الزهري 1/ 134، وما رواه إسحاق بن راهويه في مسنده كما في إتحاف الخيرة للبوصيري، رقم (4565) عن الزهري دون ذكر عروة، وانظر مسند إسحاق في المطالب العالية للحافظ ابن حجر، رقم (4262) وقال عنه الحافظ: "رجاله ثقات ولكنه مرسل أو معضل". وأخرجه ابن سعد عن الزهري كما في الطبقات 2/45-46، وزاد بعد قوله (أن اسكت) فأنزل الله تعالى جده {وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل} الآية، وأخرجه ابن إسحاق عن الزهري مرسلاً (ابن هشام 2/83) ، وأخرجه الطبري في التفسير 7/308 رقم (8066) ، وفي التاريخ 8/518، وورد موصولاً عند الواقدي في المغازي 1/236 من رواية الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه، ومن طريقه أخرجه الطبراني في الأوسط 2/22 رقم _1104) ، ولكن الواقدي متروك. 2 الرَّباعية: - بفتح الراء وتخفيف الموحدة ـ: السنّ التي بين الثنية والناب، والمراد: أنها كسرت فذهبت منها فلقة ولم تقلع من أصلها (انظر: فتح الباري 7/366) . 3 الفَرَق بالتحريك، مكيال يسع ستة عشر رطلاً، وهي اثنا عشر مداً، أو ثلاثة آصع، وأما الفرق بالسكون: فمائة وعشرون رطلاً. النهاية 3/437.

حِلْفَته، فقال: "بل أنا أقتله إن شاء الله". فأقبل أُبيٌّ مقنعاً في الحديد على فرسه تلك يقول: لا نجوت إن نجا محمد، فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قتله. قال موسى بن عقبة [عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبيه، قال: أقبل أُبي بن خلف يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريده] 1، فاعترض له رجال من المؤمنين فأمرهم رسول الله فخلوا طريقه، واستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل مصعب بن عمير وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أُبي بن خلف من فُرْجة بين سابغة البيضة والدرع فطعنه بحربته فوقع أُبيّ عن فرسه، ولم يخرج من ترقوته دم، قال سعيد: فكسر ضلعاً من أضلاعه، ففي ذلك نزل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} 2، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخور خوار الثور، فقالوا: ما جزعُك إنما هو خَدْش3، فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أنا أقتل أبياً"4، ثم

_ 1 ما بين المعقوفتين من مستدرك الحاكم 2/327، ولعلها سقطت من دلائل النبوة للبيهقي. 2 سورة الأنفال آية (17) . 3 خدش الجلد: قشره بعود أو نحوه، خدشه يخدشه خدشاً، والخدوش جمعه. النهاية 2/14. 4 ستأتي قصة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي في مبحث مستقل.

قال: والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بيْ بأهل المجاز1 لماتوا أجمعون، فمات أُبيّ قبل أن يقدم مكة، فلما لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ونظروا إليه، ومعه طلحة والزبير وسهل بن حُنيف والحارث بن الصمّة أخو بني النجار ظنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النفر من عدوهم فوضع أحدهم سهماً على كبد قوسه فأراد أن يرمي، فلما تكلموا وناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفوه، فكأنه لم يصبهم بلاء في أنفسهم قطّ حين عرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو كذلك إذ عرض لهم الشيطان نفسه ووسوسته وتحزينه حين أبصروا عدوهم قد انفرجوا عنهم، فبينما هم كذلك يذكرون قتلاهم وإخوانهم، ويسأل بعضهم بعضاً عن حميمه، فيخبر بعضهم بعضاً بقتلاهم، وقال: اشتد حزنهم، أدبر الله عليهم المشركين، وغمهم بهم ليذهب بذلك الحزن عنهم، فإذا عدوهم فوق الجبل قد علوهم، فنسوا عند ذلك الحزن والهموم على إخوانهم، ثم أنزل الله عزوجل على طائفة {مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسَاً يَغْشَى طائفةً مِنْكُم} 2 كما قال: {وطائفةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيرَ الحقِّ ظَنَّ الجاهليَّةِ يقولونَ هَلْ لنا مِنَ الأمرِ مِنْ شَيءٍ قُلْ إنَّ الأمرَ كلَّه للهِ يُخْفُون في

_ 1 المجاز: أو ذو المجاز: بفتح الميم وتخفيف الجيم وآخره زاي، وهو من أشهر أسواق العرب في الجاهلية، يقع بسفح جبل كبكب من الغرب يراه من يخرج من مكة على طريق نخلة اليمانية، معجم المعالم الجغرافية للبلادي 278 - 279. 2 سورة آل عمران آية (154) .

أنفسِهِم مَا لا يُبْدُوْنَ لكَ يقولونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شيءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا} قال الله عزوجل: {قُل لوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُم} 1 إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، وكانا غَمَّين: فهذا الغمّ الآخر، والغمّ الأول: حين أُصعدوا في الشعب منهزمين، فأنساهم الهزيمة ما يخافون من طلب العدو وقتالهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا اليوم"2 ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وندب أصحابه، فانتدب منهم عصابة، فأصعدوا في الشعب حتى كانوا هم والعدو على السواء فراموهم بالنبل، وطاعنوهم حتى أهبطوهم عن الجبل، وانكفأ المشركون عنهم إلى قتلى المسلمين فَمَثَّلوا بهم: يقطعون الآذان والأنوف، والفروج، ويبقرون البطون، وهم يظنون أنهم قد أصابوا النبي صلى الله عليه وسلم وأشراف أصحابة، ثم إنهم قد اجتمعوا وصفوا مقاتلتهم، فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال إلا أنكم ستجدون في قتلاكم شيئاً من مُثْلَة، وإني لم آمر بذلك ولم أكرهه3، ثم قال: أُعل هبل، يفخر

_ 1 سورة آل عمران آية (154) . 2 أخرجه ابن إسحاق (انظر: ابن هشام 2/ 86) ومن طريقه أخرجه الطبري، في التفسير 7/ 309 رقم الحديث (8066) تحقيق: شاكر، وأخرجه الطبري في التفسير عن السدي، انظر: نفسير الطبري 7/ 307 رقم (8064) . 3 يشهد لهذا ما أخرجه البخاري بألفاظ متقاربة، صحيح البخاري مع الفتح 7/ 349 - 350 رقم (4043) ، وانظر: مسند أحمد 4/ 209، 6/ 181 تحقيق شاكر، وابن إسحاق (ابن هشام 2/ 93) بدون إسناد، والواقدي في المغازي 1/ 296، والحلية لأبي نعيم 1/ 39 من طريق الزهري.

بآلهته. فقال: عمر: اسمع يا رسول الله ما يقول عدو الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ناده فقل: الله أعلى وأجل، لا سواء: قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار". قالوا: "إن لنا العزى ولا عزى لكم". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله مولانا ولا مولى لكم". ثم نادوا محمداً باسمه1، فلما علموا أنه حيٌّ ونادوا رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرافاً فعلموا أنهم أحياء، كبتهم الله فانكفؤوا إلى أثقالهم، لا يدري المسلمون ما يريدون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن رأيتموهم ركبوا وجعلوا الأثقال تتبع آثار الخيل فهم يريدون أن يدنوا من البيوت والآطام التي فيها الذراري والنساء، وأقسم بالله لئن فعلوا لأواقعنهم في جوفها، وإن كانوا ركبوا الأثقال وجنبوا الخيل فهم يريدون الفرار"، فلما أدبروا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص في آثارهم فقال: أعلم لنا أمرهم، فانطلق سعد يسعى حتى علم علمهم، ثم رجع فقال: رأيت خيلهم تضرب بأذنابها مجنوبة2 مدبرة، ورأيت القوم قد

_ 1 انظر: صحيح البخاري مع الفتح 7/ 349 رقم (4043) بألفاظ متقاربة من ألفاظ هذه الرواية. 2 جنب الرجل: دفعه، وسحابة مجنوبة هبت بها الجنوب، لسان العرب 1/ 508، والقاموس 89، والمعنى: دفعوها إلى جهة الجنوب ذاهبين إلى مكة والله أعلم.

تحملوا على الأثقال سائرين فطابت أنفس القوم لذهاب العدو، وانتشروا يتبعون قتلاهم، فلم يجدوا قتيلاً إلا قد مَثَّلُوا به إلا حنظلة بن أبي عامر1، كان أبوه مع المشركين فتُرِك له، وزعموا أن أباه وقف عليه قتيلاً، فدفع صدره برجله ثم قال: ذنبان أصبتهما قد تقدمت إليك في مصرعك هذا يا دُبَيْس2، ولعمر الله إن كنت لواصلاً للرحم براً بالوالد، ووجدوا حمزة ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم قد بقر بطنه، وحملت كبده، احتملها وحشي3 وهو قتله يذهب بكبده إلى هند4 بنت عتبة في نذر نذرته حين

_ 1 هو: حنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن مالك بن أمية الأنصاري الأوسي المعروف بغسيل الملائكة، وكان أبوه في الجاهلية يعرف بالراهب واسمه عمرو، ويقال: عبد عمرو، استشهد حنظلة بأحد لا يختلف أصحاب المغازي في ذلك. الإصابة 1/ 360 - 361. 2 الدبسة: لون بين السواد والحمرة. النهاية 2/ 99. 3 هو: وحشي بن حرب الحبشي مولى بني نوفل، قيل: كان مولى طعيمة بن عدي، وقيل: مولى أخيه مطعم، وهو قاتل حمزة قتله يوم أحد، أسلم وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان قدومه عليه مع وفد أهل الطائف، شارك في قتل مسيلمة، يكنى أبا سلمة، وقيل: أبا حرب، شهد اليرموك ثم سكن حمص ومات بها في خلافة عثمان. الإصابة 3/ 361. 4 هي: هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية العبشمية والدة معاوية، أسلمت يوم الفتح، ماتت في خلافة عمر بعد أبي بكر بقليل في اليوم الذي مات فيه أبو قحافة. الإصابة 4/ 425 - 426.

قتل أباها يوم بدر، وأقبل المسلمون على قتلاهم يدفنونهم فدفن حمزة في نمرة1 كانت عليه إذا رفعت إلى رأسه بدت قدماه، وإذا أنزلت إلى رجله بدا وجهه، فجعلوا أعواداً من شجرٍ وحجارةٍ فوضعوا على قدميه وغطوا وجهه2. قال موسى: قال ابن شهاب: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لدفن الشهداء قال: "زملوهم3 بجراحهم فإنه ليس كَلْم4 يكلم في الله إلا وهو يأتي يوم القيامة يَدْمَى لونه لون الدم، وريحه ريح المسك" 5، ثم قال

_ 1 النمرة: شملة فيها خطوط بيض وسود. لسان العرب 721، والنهاية 5/ 118. 2 يشهد لذلك ما أخرجه الترمذي من حديث الزهري عن أنس، سنن الترمذي رقم (1016) ، وقال الترمذي: حديث أنس حديث غريب، وقد حكم عليه الألباني بالصحة، انظر: صحيح سنن الترمذي 1/ 297 - 298، تحت رقم (1027) . والطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 14 - 15، وسنن الدارقطني 4/ 116 رقم (43) ، ومصنف ابن أبي شيبة 7/ 367، ومستدرك الحاكم 1/ 365، 2/ 120، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 10. 3 زملوهم: لفوهم فيها، يقال: تزمل بثوبه إذا التف به. النهاية 2/ 313. 4 هو جمع: كليم: وهو الجريح، وأصل الكلم: الجرح. النهاية 4/ 199. 5 أخرجه أحمد في المسند 39/ 63 رقم [23658] الأرناؤوط من طريق معمر عن الزهري، وسنن سعيد بن منصور رقم (2583) ، والنسائي في السنن 4/ 78 رقم (2002) ، و6/ 29 رقم (3148) ، وكتاب الجهاد لابن أبي عاصم، رقم (176) ، والآحاد والمثاني له 5/ 68 رقم (2608) ، والطحاوي في مشكل الآثار 1/ 99ـ100، ومسند ابن الجعد رقم (1638) ، والبخاري من حديث مالك عن أبي الزناد ومسلم من حديث سفيان ولفظه: "لا يُكْلم أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يُكْلَم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعُب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك" البخاري رقم (2803) ومسلم رقم (105) ، (1876) باب فضل الجهاد 3/ 1496، عبد الباقي.

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا الشهيد على هذا يوم القيامة"1. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفنون على عينيه، ولم يغسلهم ولم يصل على أحد منهم كما يصلي على الموتى، ولم يدفنهم في غير ثيابهم التي قتلوا فيها، قال: وهم يدفنون الرهط في الحفرة الواحدة: (أي هؤلاء كان أكثر أخذاً للقرآن؟) فإذا أشير إلى الرجل منهم قدمه في اللحد قبل أصحابه حتى فرغ من دفنهم، وخرج نساء من المهاجرات والأنصار يحملن على ظهورهن الماء والطعام وخرجت فيهن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأت أباها والذي به من الدماء اعتنقته، وجعلت تمسح الدماء عن وجهه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله، واشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله"2. وقال سهل بن سعد الساعدي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر

_ 1 أخرجه البخاري من طريق الزهري، صحيح البخاري مع الفتح 3/ 209، رقم (1343) ، وابن إسحاق (ابن هشام 2/ 98) . 2 أخرجه البخاري في الصحيح، فتح الباري 7/ 372، ومسلم 2/ 150، ومسند أحمد انظر: الفتح الرباني 21/ 57، وابن هشام 2/ 85 - 86.

لقومي فإنهم لا يعلمون" 1. قال موسى بن عقبة: قال ابن شهاب: رمى يومئذٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني الحارث بن عبد مناة يقال له: ابن قَمِئَة2، ويقال: بل رماه عتبة بن أبي وقاص3، قال: وسعى علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى المهراس، وقال لفاطمة: أمسكي هذا السيف غير ذميمة، فأتى بماءٍ في مَجنَّة4 فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب منه فوجد له ريحاً، فقال: (هذا

_ 1 له شاهد عند البخاري رقم (3477) ، وأحمد 6/ 103 - 104 رقم [3611] الأرناؤوط، والفسوي في المعرفة والتاريخ 1/ 338، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 4/ 123 رقم (2096) ، وابن حبان (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 3/ 254 رقم 973) ، والطبراني في الكبير 6/ 120 رقم 5694، وقال في المجمع 6/ 117 "ورجاله رجال الصحيح، قال أبو حاتم: "يعني هذا الدعاء أنه قال يوم أحد لما شُجَّ وجهه قال: (اللهم اغفر لقومي) ذنبهم بي من الشج لوجهي لا أنه دعاء للكفار بالمغفرة، ولو دعا لهم بالمغفرة لأسلموا في ذلك الوقت لا محالة". الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 3/ 255. 2 اسمه: عبد الله بن قمئة الليثي. ابن هشام 2/94. 3 ذكر الذهبي في المغازي، ص (192) عن معمر، عن الزهري، وعن عثمان الجزري، عن مقسم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة حين كسر رباعيته "اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافراً"، فما حال عليه الحول حتى مات كافراً إلى النار) قال الذهبي: وهو مرسل. وانظر: السيرة النبوية لابن كثير (2/59) . وقد ذكر الواقدي في المغازي (1/245) نحواً من هذا من غير طريق الزهري. 4 المجنّ: الترس. النهاية 4/301، وفي رواية ابن إسحاق (ابن هشام 2/85) أن علياً ملأ درقته من ذلك الماء.

ماء آجن) 1، فمضمض منه وغسلت فاطمة عن أبيها، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف عليّ مخضباً دماً، قال: (إن تكن أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، والحارث2 بن الصِّمَّة، وسهل3 بن حُنيف) 4، ثم قال: "أخبروني عن الناس ما فعلوا وأين ذهبوا"؟ قالوا: كفر عامتهم، فقال: "إن المشركين لم يصيبوا منا مثلها حتى نبيحهم"، ثم أقبلوا إلى دورهم وقد كان أبو سفيان ناداهم والمشركون حين ارتحلوا أن موعدهم الموسم موسم بدر، وهي سوق كانت تقوم ببدر كل عام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا لهم نعم قد فعلنا".

_ 1 الماء الآجن: الماء المتغير الطعم واللون. لسان العرب المحيط 1/26. 2 هو الحارث بن الصِّمَّة - بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم - ابن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر بن مالك بن النجار والد أبي جهم عُدّ في أهل بدر، كسر بالروحاء فرده النبي صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهم وشهد أحداً واستشهد ببئر معونة. الإصابة 1/181. 3 هو: سهل بن حُنيف بن وهب بن العكيم الأوسي الأنصاري، يكنى أبا سعد وأبا عبد الله من أهل بدر، وكان من السابقين، وثبت يوم أُحد حين انكشف الناس، وبايع يومئذ على الموت. الإصابة 2/87. 4 أخرجه الحاكم في المستدرك 3/24، وصححه وأقرّه الذهبي، وأخرجه الطبراني كما في المجمع 6/123، وقال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح".

قال أبو سفيان: فذلك الموعد1. وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عرض يومئذ سيفه فقال: "من يأخذ هذا بحقه"؟ قالوا: وما حقه؟ قال: يضرب به إذا لقي العدوّ"، فقال عمر - زعموا - أنا آخذه، فأعرض عنه، ثم عرضه الثانية، فقال الزبير: أنا آخذه فأعرض عنه، فوجد عمر والزبير في أنفسهما من ذلك، ثم عرضه الثالثة بذلك الشرط، فقال أبو دجانة سماك بن خرشة2 أخو بني ساعدة: أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فدفعه إليه. فصدق به حين لقي العدو وأعطى السيف بحقه3.

_ 1 بدر الموعد: ستأتي في بحث مستقل إن شاء الله تعالى. 2 اسمه: سِماك بن خرشة، وقيل: أوس بن خرشة، متفق على شهوده بدراً، وقد كثرت فيه الجراحة يوم أُحد، وثبت أنه أخذ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ففلق به هام المشركين، قيل: إنه شهد موقعة اليمامة، وشارك في قتل مسيلمة، واستشهد بها. انظر: الإصابة 4/58. 3 يشهد له ما أخرجه مسلم في صحيحه 16/224، النووي، ومغازي ابن إسحاق [انظر: ابن هشام 2/66] والمغازي للواقدي 1/258-259، وسنن سعيد بن منصور 2/364، ومصنف ابن أبي شيبة 14/401، ومعجم الطبراني الكبير 19/ 9 رقم (14) ،والمطالب العالية 4/221، وأخرجه أيضاً البزار في مسنده 3/193- 194 رقم (979) ، وانظر: تاريخ الأمم والملوك للطبري 2/510، والكنى للدولابي 1/69، ومستدرك الحاكم 3/230، والإصابة لابن حجر 4/58-56.

وزعموا أن كعب بن مالك قال: كنت فيمن خرج من المسلمين فلما رأيت مُثَل المشركين بقتلى المسلمين قمت فتجاوزت، فإذا رجل من المشركين جمع اللأمة تحوية المسلمين ويقول: استوسقوا1 كما تستوسق جرد الغنم، قال: وإذا رجل من المسلمين قائم ينتظره، وعليه لأمته، فمضيت حتى كنت من ورائه، ثم قمت أقدر المسلم والكافر ببصري، فإذا الكافر أفضلهما عدة وهيئة، قال: فلم أزل أنظرهما حتى التقيا، فضرب المسلم الكافر على حبل عاتقه ضربة بالسيف بلغت وركه وتفرق فرقتين ثم كشف المسلم عن وجهه، فقال: كيف ترى يا كعب أنا أبو دجانة. فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم أزقَّة المدينة إذا النوح والبكاء في الدور، فقال: "ما هذا"؟ قالوا: هذه نساء الأنصار يبكين قتلاهنّ، قال: وأقبلت امرأة تحمل ابنها وزوجها على بعير قد ربطتهما بحبل ثم ركبت بينهما، وحمل منهم قتلى فدفنوا في مقابر المدينة، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن حملهم، وقال: "واروهم2 حيث أصيبوا"3، وقال رسول الله حين سمع البكاء: "لكن حمزة لا بواكي له "، واستغفر له، فسمع ذلك سعد بن معاذ وسعد بن

_ 1 استوسقوا: أي استجمعوا وانضموا. النهاية 5/185. 2 واروهم: أي ادفنوهم، وارى الميت: دفنه. لسان العرب 1/ 994. 3 يشهد له ما رواه الإمام أحمد في المسند 22/ 208 رقم [14305] الأرناؤوط، وعبد الرزاق في المصنف 5/ 278، والحميدي 2/ 544، وابن أبي شيبة 5/ 321، وأبو داود 3/ 202 رقم (3165) ، والنسائي 4/ 79، والترمذي 5/ 279 مع التحفة.

عبادة ومعاذ بن جبل وعبد الله بن رواحة، فمشوا في دورهم فجمعوا كل نائحة وباكية كانت بالمدينة، فقالوا: والله لا تبكين قتلى الأنصار حتى تبكين عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد ذكر أنه لا بواكي له بالمدينة. - وزعموا - أن الذي جاء بالنوائح عبد الله بن رواحة، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم البكاء قال: (ما هذا؟) فأخبر بما فعلت الأنصار بنسائهم، فاستغفر لهم وقال لهم خيراً، وقال: (ما هذا أردت، وما أحب البكاء، ونهى عنه) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من عمل الجاهلية لن تتركهن أمتي: النياحة على الموتى، والطعن في الأنساب، وقيل هذا المطر بنوء1 كذا وكذا، وليس بنوء إنما هو عطاء الله ورزقه"2. وأخذ المنافقون عند بكاء المسلمين في المكر والتفريق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحزين المؤمنين وظهر غش اليهود وفارت المدينة بالنفاق فور المِرْجَل3، وأظهروا النفاق والغش عند بكاء المسلمين ما كانوا مستخفين، وقالت اليهود: لو كان نبياً ما ظهروا عليه، ولا أصيب منه ما أصيب،

_ 1 مطرنا بنوء كذا: أي مطرنا بفضل نجم كذا، والأنواء ثمان وعشرون منزلة، ينزل القمر كل ليلة منها منزلة، وإنما غلّظ النبي من أمر الأنواء لأن العرب كانت تنسب المطر إليها. النهاية 5/ 122. 2 يشهد له ما رواه البخاري في صحيحه 7/ 156 مع الفتح، ومسلم 2/ 57 - 59، والترمذي 3/ 325. 3 المرجل: هو بالكسر الإناء الذي يُغلى فيه الماء. النهاية 4/ 315.

ولكنه طالب ملك تكون له الدولة مرة وعليه مرة، وكذلك أهل طلب الدنيا بغير نبوة1. وقال المنافقون نحو قولهم، وقالوا للمسلمين: لو كنتم أطعتمونا ما أصابوا الذي أصابوا منكم. وقدم رجل من أهل مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخبره عن أبي سفيان وأصحابه فقال: نازلتهم فسمعتهم يتلاومون، يقول بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئاً، أصبتم شوكة القوم وحدَّهم ثم تركتموهم ولم تبروهم، فقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وبهم أشد القرح بطلب العدو ليسمعوا بذلك، وقال: لا ينطلقن معي إلا من شهد القتال، فقال عبد الله بن أبي ّ: أنا راكب معك. فقال: (لا) ، فاستجابوا لله ورسوله على الذي بهم من البلاء فانطلقوا، فقال الله عزوجل في كتابه: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} 2.

_ 1 قال ابن هشام: "وذكر غير زياد، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري: أن الأنصار يوم أحد قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ قال: لا حاجة لنا فيهم" (ابن هشام 2/ 94) وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة، إلا أنها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف تماماً مكر اليهود وخبثهم. 2 سورة آل عمران آية (172) .

قال: وأقبل جابر بن عبد الله السلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي رجعني وقد خرجت معك لأشهد القتال، فقال: ارجع وناشدني أن لا أترك نساءنا، وإنما أراد حين أوصاني بالرجوع رجاء الذي كان أصابه من القتل، فاستشهده الله، فأراد بي البقاء لتركتِه، ولا أحب أن تتوجه وجهاً إلا كنت معك، وقد كرهت أن يطلب معك إلا من شهد القتال، فأْذَنْ لي، فأَذِنَ لَه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم العدو حتى بلغ حمراء الأسد1، ونزل القرآن في طاعة من أطاع ونفاق من نافق وتعزية المسلمين وشأن مواطنهم كلها، ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غدا فقال جل ثناؤه: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 2 ثم ما بعد الآية في قصة أمرهم حتى بلغ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللهُ

_ 1 حمراء الأسد: جبل أحمر جنوب المدينة على (20) كيلاً، إذا خرجت من ذي الحليفة تؤم مكة، عن طريق بدر، المعالم الأثيرة 103. وخروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد قد ذكره الزهري في عبد الرزاق 5/ 363 رقم (9735) و5/ 566 رقم (9736) ، ويشهد لذلك ما أخرجه البخاري في ذكر غزوة حمراء الأسد، صحيح البخاري مع الفتح 7/ 337 رقم (4077) ، ومسلم بشرح النووي 15/ 191، وابن أبي شيبة في المصنف 12/ 94، والحميدي في مسنده رقم (263) ، وابن سعد في الطبقات 3/ 104. 2 سورة آل عمران آية (121) .

عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} 1 مع سبع آيات بعدها، والرهط الذين تولوا رجلان من بني زريق: سعد بن عثمان2 وأخوه عقبة بن عثمان3، ورجل من المهاجرين4: تولوا حتى انتهوا إلى بئر حزم5، وفي رواية ابن فليح إلى الجَلَعْب6، ثم عفا الله عنهم، ثم إن المسلمين استكثروا الذي أصابهم من البلاء يوم أحد7، وقد كانوا أصابوا يوم بدر من المشركين

_ 1 سورة آل عمران آية (155) . 2 هو: سعد بن عثمان بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق الأنصاري الزرقي أبو عبادة شهد بدراً كما قال موسى بن عقبة وغيره. الإصابة 2/ 31. 3 هو عقبة بن عثمان بن خلدة بن عامر بن زريق الأنصاري، ذكره ابن إسحاق وغيره فيمن شهد بدراً وذكره فيمن فر يوم أحد، حتى بلغ جبلاً مقابل الأعوص فأقام به ثم رجع، الإصابة 2/ 490. 4 لعله يقصد عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد ثبت أنه كان ممن استزله الشيطان يوم أحد. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 7/ 54، ونص عليه ابن إسحاق كما في المطالب العالية المسندة رقم (4258) ، وإتحاف الخيرة المهرة رقم (4563) . 5 لم أجد لها ذكراً. 6 الجلعب: بفتحتين وسكون العين المهملة: جبل بناحية المدينة، معجم البلدان 2/ 154. 7 حيث استشهد من المسلمين في أحد سبعون رجلاً، كما ثبت ذلك في البخاري وغيره، انظر: صحيح البخاري مع الفتح 7/ 374 رقم (4078) ، وانظر قبل ذلك رقم (3039، 4043) ، والترمذي السنن 5/ 999 رقم (3129) ، ومسند أحمد من زوائد ابنه عبد الله 35/ 153 رقم [21230] الأرناؤوط، وتفسير النسائي رقم (299) ، والطبراني في الكبير 4/ 157 رقم (2937) ، والحاكم في المستدرك 2/ 358 - 359، والبيهقي في الدلائل 3/ 289، وهو الصواب.

ضعف ذلك1، فأنزل الله عزوجل في ذلك: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 2وآيات معها بعدها، ثم سمى موسى بن عقبة من قتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وذكر فيهم: اليمان3 أبا حذيفة4 واسمه حسيل بن جبير

_ 1 حيث قتلوا سبعين وأسروا سبعين كما ثبت في البخاري ومسلم وغيرهما. انظر: الفتح 7/ 307 رقم (3986) ، ومسلم بشرح النووي 12/ 86، واستدل الحافظ ابن حجر بقوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا} قال: واتفق أهل العلم بالتفسير على أن المخاطبين بذلك أهل أُحد، وأن المراد بـ {أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا} يوم بدر ... ، الفتح 7/ 307. 2 آل عمران آية (165) . 3 اسمه: حسيل - بالتصغير ويقال بالتكبير - ابن جابر بن ربيعة بن فروة بن الحارث بن مازن بن عبس المعروف باليمان العبسي والد حذيفة، قتل يوم أحد، قتله المسلمون وهم يظنون أنه من المشركين. الإصابة 1/ 331. 4 هو: حذيفة بن حُسيل بالتصغير ويقال بالتكبير، المشهور بابن اليمان العبسي، من كبار الصحابة، كان أبوه قد أصاب دماً فهرب إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل فسماه قومه اليمان لكونه حالف اليمانية، شهد حذيفة أحداً والخندق وما بعدها وله في الخندق ذكر حسن، استعمله عمر على المدائن فلم يزل بها حتى بعد قتل عثمان وبعد بيعة علي بأربعين يوماً وذلك سنة ست وثلاثين. الإصابة 1/ 317 - 318.

حليف لهم من بني عبس أصابه المسلمون زعموا في المعركة لا يدرون من أصابه، فتصدق حذيفة1 بدمه على من أصابه. قال موسى بن عقبة: قال ابن شهاب قال عروة بن الزبير: أخطأ به المسلمون يومئذ فتوشقوه2 بأسيافهم يحسبونه من العدو، وإن حذيفة ليقول أبي أبي فلم يفقهوا قوله حتى فرغوا منه، قال حذيفة: يغفر الله لكم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. قال: ووداه3 رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد حذيفة عنده خيراً4،

_ 1 يشهد له ما أخرجه ابن إسحاق (سيرة ابن هشام 2/ 88) عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد قال: "اختلفت سيوف المسلمين على اليمان والد حذيفة يوم أحد، ولا يعرفونه فقتلوه فأراد رسول الله أن يَدِيَه فتصدق بديته على المسلمين"، وقد عنعن ابن إسحاق في هذه الرواية، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه أحمد في المسند 39/ 46 - 47، رقم [23639] الأرناؤوط. 2 تواشقوه بأسيافهم: أي قطعوه وشائق كما يقطع اللحم إذا قدد. لسان العرب 3/ 932 (وَشَقَ) والنهاية 5/ 189. 3 وداه: أي أعطى ديته، يقال: وديت القتيل إذا أعطيت ديته. النهاية 5/ 169. 4 قصة مقتل والد حذيفة ذكرها البخاري في الصحيح (فتح الباري 7/ 361) دون ذكر الدية، وابن سعد في الطبقات 2/ 45، ومسند الشافعي (انظر: بدائع المنن في جمع مسند الشافعي والسنن رقم 1463) من مرسل عروة، والحاكم في المستدرك 3/ 379، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 132، وفي معرفة السنن والآثار له 12/ 196 رقم (11440) .

قال: وجميع من استشهد من المسلمين يوم أحد من قريش والأنصار تسعة وأربعون رجلاً1، وقتل من المشركين يوم أحد ستة عشر رجلاً2.

_ 1 هذا مخالف لما ثبت في البخاري (فتح الباري 7/ 307 رقم 3986) من أن عدد القتلى يوم أحد سبعون، 7/ 374 رقم (4078) ، و7/ 349 رقم (4043) ، وفي رواية أخرى للزهري توافق ما في الصحيح أنه قال: "فأصيب يومئذ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل نصف عدة من أصيب ببدر من المشركين من القتلى والأسرى" دلائل البيهقي 3/ 278. 2 وقد ذكر ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 129) أن عدد من قتل من المشركين: اثنان وعشرون رجلاً وذكر أسماءهم، وذكر الواقدي في المغازي 1/ 307؛ أن عددهم سبعة وعشرون رجلاً، وذكر ابن سعد في الطبقات 2/ 42: ثلاثة وعشرون رجلاً.

المبحث الخامس: في رد النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة لصغرهم

المبحث الخامس: في ردِّ النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة لصغرهم 38- قال البخاري في التاريخ الصغير: حدثني إبراهيم بن يحيى1، ثنا أبي2، عن ابن إسحاق، ثنا الزهري، عن عروة بن الزبير، ردَّ النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ نفراً استصغرهم فيهم: عبد الله بن عمر3 ابن أربعة عشر، وأسامة بن زيد4، والبراء بن عازب5 وعَرَابة بن أوس6، وزيد بن

_ 1 تقدمت ترجمته في الرواية رقم (9) . 2 ضعيف تقدم في الرواية رقم (9) . 3 هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، ولد سنة ثلاث من البعثة، وهاجر وهو ابن عشر سنين، عرض على النبي يوم بدر فاستصغره ثم بأحدٍ فكذلك ثم بالخندق فأجازه وكان عمره خمس عشرة سنة، توفي سنة أربع وثمانين. الإصابة 2/ 347. 4 أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن زيد بن امرئ القيس بن عامر ابن النعمان الكلبي، الحب بن الحب، يكنى أبا محمد، ويقال: أبا زيد، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره عشرون سنة، وقيل: ثماني عشرة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أمّره على جيش عظيم، فمات النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوجه، فأنفذه أبو بكر. الإصابة 1/ 31. 5 هو البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جثم بن مجدعة الأنصاري الأوسي يكنى أبا عمارة، ويقال: أبا عمرو، له ولأبيه صحبة، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فاستصغره فرده صلى الله عليه وسلم، أما أحد فقد شهدها كما ثبت في البخاري حديث رقم (3039) ، مات سنة اثنتين وسبعين. الإصابة 1/ 142. 6 هو عَرابة - بفتح أوله والراء الخفيفة وبعد الألف الموحدة - ابن أوس بن قيظي بن عمرو الأوسي ثم الحارثي، استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فرده النبي صلى الله عليه وسلم. الإصابة 2/ 473.

أرقم1، وزيد بن ثابت2، ورافع بن عدي3، فتطاول له رافع، فأذن له، فسار معهم، وخُلِّف بقيتهم حرس للذراري والنساء4.

_ 1 هو: زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج، مختلف في كنيته، قيل: أبو عمر، وقيل: أبو عامر، استصغره يوم أحد وأول مشاهده الخندق وقيل: المريسيع، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة وثبت ذلك في الصحيح. الإصابة 1/ 560. 2 هو: زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان الأنصاري الخزرجي أبو سعيد وقيل أبو ثابت، وقيل غير ذلك في كنيته، استصغر يوم بدر، وقيل: إنه شهد أحداً، ويقال: أول مشاهده الخندق، كتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة اثنتين أو ثلاث أو خمس وأربعين وقيل سنة إحدى أو اثنتين أو خمس وخمسين وفي خمس وأربعين قول الأكثر. الإصابة 1/ 561. 3 هكذا في المطبوع من التاريخ الصغير، ولم أجد أحداً ذكره فيمن رده النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ولعله رافع بن خديج، كما في ابن هشام 2/ 66، ومغازي الواقدي 1/ 216، وعيون الأثر 2/ 12، وهو ممن أجازه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان ابن خمس عشرة سنة ولأنه كان رامياً. ولعل البخاري نسبه إلى جده عدي، لأن رافعاً اسمه: رافع بن خديج بن عدي ... والله أعلم. 4 التاريخ الصغير 1/ 146، بسند ضعيف. وقد ذكر البخاري في هذه الرواية بعض من ردهم النبي صلى الله عليه وسلم لصغرهم، وذكر بعض المؤرخين بقيتهم فبلغوا أربعة عشر صبياً. انظرهم في: ابن هشام 2/ 66، ومغازي الواقدي 1/ 216، وعيون الأثر لابن سيد الناس 2/ 12 - 13. وبالرغم من ضعف هذه الرواية إلا أن رد النبي صلى الله عليه وسلم لبعضهم ثابت في الصحيحين وغيرهما، انظر: صحيح البخاري 7/ 392 رقم (4097) ومسلم 3/ 1490 رقم (1868) .

المبحث السادس:طلب الأنصار من النبي صلى الله عليه وسلم الإستعانة بحلفائهم من اليهود

المبحث السادس: طلب الأنصار من النبي صلى الله عليه وسلم الاستعانة بحلفائهم من اليهود 39- قال ابن هشام: وذكر غير زياد عن محمد بن إسحاق عن الزهري: أن الأنصار يوم أحدٍ قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله؛ ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ فقال: "لا حاجة لنا فيهم"1.

_ 1 السيرة النبوية (ابن هشام 2/ 64) ، وهي رواية موقوفة على الزهري، وفيها ضعف لإبهام الراوي في السند؛ فلا يعرف من الذي نقل هذا عن ابن إسحاق، بالإضافة إلى عنعنة ابن إسحاق. لكن لهذه الرواية شاهد من غير طريق الزهري. فقد أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وذلك من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى إذا خلف ثنية الوداع نظر وراءه فإذا كتيبة خشناء؛ قال صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ قال: هو عبد الله بن أبيّ بن سلو ل في مواليه من اليهود من بني قينقاع، وهم رهط عبد الله بن سلام، فقال: أو قد أسلموا؟ فقال: لا، فإنهم على دينهم، قال: قل لهم: فليرجعوا؛ فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين. المطالب العالية لابن حجر 4/ 398 رقم (4263) وقال: "هذا إسناد حسن"، وانظر أيضاً إتحاف الخيرة للبوصيري 5/ 222 - 223 وحسن إسناده، وأخرجه الواقدي في المغازي (1/ 215 - 216) ، وابن سعد في الطبقات (2/ 48) ، والطبراني في الأوسط (5/ 221 رقم 5142) ، والحاكم (2/ 122) دون ذكر أحد، والبيهقي في السنن (9/ 37) دون ذكر أحد أيضاً.

المبحث السابع: في قتل النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف يوم أحد

المبحث السابع: في قتل النبي صلى الله عليه وسلم أبيّ بن خلف يوم أحد 40- قال ابن سعد: أخبرنا قتيبة بن سعيد البلخي1، أخبرنا ليث ابن سعد، عن عبد الرحمن بن خالد2، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: أنّ أُبَيَّ بن خلف الجمحي أسر يوم بدر، فلما افتدى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عندي فرساً أعلفها كل يوم فَرَق ذرة لعلي أقتلك عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل أنا أقتلك عليها إن شاء الله) ، فلما كان يوم أحد أقبل أبيّ بن خلف يركض فرسه تلك حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعترض رجال من المسلمين له ليقتلوه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأخروا استأخروا، فقام رسول الله بحربة في يده فرمى بها أبيّ بن خلف فكسرت الحربة ضلعاً من أضلاعه، فرجع إلى أصحابه ثقيلاً، فاحتملوه حتى ولّوا به وطفقوا يقولون له: لا بأس بك، فقال لهم أُبيّ: ألم يقل لي: بل أنا أقتلك إن شاء الله؟ فانطلق به أصحابه فمات ببعض الطريق فدفنوه، قال سعيد بن المسيب: وفيه أنزل الله تبارك وتعالى:

_ 1 هو: قتيبة بن سعيد بن جميل، بفتح الجيم، ابن طريف الثقفي، أبو رجاء البغلاني، بفتح الموحدة وسكون المعجمة وبغلان من قرى بلخ، يقال: اسمه يحيى، وقتيبة لقب، وقيل: علي، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة أربعين عن تسعين سنة، ع. التقريب 454. 2 هو: عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي، أمير مصر، صدوق من السابعة، توفي سنة سبع وعشرين، خ م ق ت س. التقريب 339.

{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} 1 الآية2. 41- وأخرج الحاكم من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبيه3 قال: أقبل أبيّ بن خلف يوم أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريده، فاعترض رجال من المؤمنين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا سبيله فاستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أُبيّ من فرجة بين سابغة4 الدرع والبيضة5، فطعنه بحربته فسقط أبيّ عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم، فكسر ضلعاً من أضلاعه، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور فقالوا له: ما أعجزك إنما هو خدش، فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل أنا أقتل أُبياًّ) 6، ثم قال: والذي نفسي بيده

_ 1 سورة الأنفال آية (17) . 2 الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 46، وهو مرسل حسن إلى سعيد بن المسيب، وقد وصله الحاكم كما في الرواية الآتية. 3 هو المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخومي والد سعيد، له ولأبيه صحبة، شهد بيعة الرضوان كما ثبت في الصحيحين. الإصابة 3/ 420. 4 في مصنف عبد الرزاق 5/ 357 رقم (9731) تسبغة، والتسبغة: شيءٌ من حلق الدروع والزرد يعلق بالخوذة دائراً معها ليستر الرقبة وجيب الدرع. النهاية 2/ 337. 5 البيضة: الخوذة. النهاية 1/ 172. 6 كما في مصنف عبد الرزاق 5/ 355 - 357 رقم (9731) ، وكتاب السير للفزاري 203 بسند مرسل.

لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون، فمات أُبَيٌّ إلى النار فسحقاً لأصحاب السعير قبل أن يقدم مكة، فأنزل الله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} 1.

_ 1 سورة الأنفال آية (17) . والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 327، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وأخرجه الواقدي في المغازي 1/ 250، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 256 من طريق الزهري مرسلاً وبألفاظ مقاربة، وأخرجه الطبري في تفسيره 9/ 136 - 137 مرسلاً عن الزهري. وقد ورد أن هذه الآية نزلت في رمي النبي صلى الله عليه وسلم المشركين يوم بدر، انظر: تفسير الطبري 13/ 445، تحقيق: أحمد شاكر، و13/ 442ـ443، و13/ 444، والطبراني في الكبير 3/ 203 رقم (3127، 3128) . وقيل: إنها نزلت في رمي النبي صلى الله عليه وسلم المشركين عندما اجتمعوا في الحجر بمكة وتعاقدوا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب فرماهم بها فما من إنسان أصيب بشيء منها إلا قتل يوم بدر. انظر: مسند أحمد 4/ 269، شاكر. ويظهر والله أعلم أن الآية تناولت بعمومها جميع هذه الحوادث، خاصة وأنه قد ثبت عند الحاكم في المستدرك كما مر أن الآية نزلت في رمي النبي صلى الله عليه وسلم أبيّ بن خلف، قال ابن كثير بعد ذكره للحديث الذي أخرجه الحاكم من طريق الزهري عن ابن المسيب عن أبيه: وهذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضاً جداً، ولعلهما أرادا أن الآية بعمومها تناولته لا أنها نزلت فيه خاصة كما تقدم. انظر: تفسير ابن كثير 2/ 296.

المبحث الثامن:في إلقاء النوم على المسلمين يوم أحد

المبحث الثامن: في إلقاء النوم على المسلمين يوم أحد 42- أخرج الطبراني في الكبير؛ من طريق ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن المسور، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في قوله: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا} 1، قال: ألقي علينا النوم يوم أحد2.

_ 1 سورة آل عمران آية (154) . 2 معجم الطبراني الكبير 1/ 135 رقم (285) ، وفي الأوسط 4/ 271 رقم (4172) قال الهيثمي في المجمع 6/ 117، ورواه الطبراني في الأوسط وفيه ضرار بن صرد وهو ضعيف، ونسبه إلى الكبير في 6/ 328، وأخرجه الطبري في التفسير 7/ 318 رقم (8079) ، وأبو نعيم في دلائل النبوة رقم (422) من طريق الزهري. ويشهد له ما أخرجه في الصحيح معلقاً بصيغة الجزم، صحيح البخاري مع الفتح 7/ 365 رقم (4068) ، وموصولاً 8/ 228 رقم (4562) ، والترمذي في السنن 5/ 229، رقم (3007، 3008) ، والحاكم في المستدرك 3/ 397، وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"، وأقره الذهبي، وابن سعد في الطبقات الكبرى 3/ 505، والطبري في تفسيره 7/ 318 رقم (8076) ، ورقم (8077) ، ورقم (8078) ، والبلاذري في أنساب الأشراف قسم السيرة 1/ 327.

المبحث التاسع: في شهود النساء الغزوات

المبحث التاسع: في شهود النساء الغزوات 43- قال البخاري: حدثنا عبدان، أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، قال ثعلبة بن أبي مالك: (إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطاً1 بين نساء من نساء المدينة، فبقي مرط جيد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - يريدون أم كلثوم بنت علي2 - فقال عمر: أم سليط3 أحق، وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: فإنها كانت تزفر4 لنا القرب يوم أحد.

_ 1 المروط: الأكسية، الواحد: مِرْط، يكون من صوف، وربما يكون من خز أو غيره. النهاية 4/ 319. 2 هي: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولدت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها عمر فأصدقها أربعين ألفاً وأنجبت له زيداً ورقية، الإصابة 4/ 492. 3 أم سليط: امرأة من المبايعات، حضرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، قال عمر بن الخطاب: كانت تزفر لنا القرب يوم أحد. الاستيعاب 4/ 4923 رقم (3595) ، وقال الحافظ ابن حجر: قلت: ثبت ذكرها في صحيح البخاري عن عمر كناها عمر بابنها سليط بن أبي سليط بن أبي حارثة، وهي أم قيس بنت عبيد ذكر ذلك ابن سعد. الإصابة 4/ 460. 4 تزفر: بفتح أوله وسكون الزاي وكسر الفاء أي تحمل. الفتح 6/ 79. وأما قول البخاري: (تزفر: تخيط) فقد قال الحافظ: "كذا في رواية المستملي وحده، وتُعقب بأن ذلك لا يعرف في اللغة، وإنما الزفر الحمل، وهو بوزنه ومعناه"، ثم قال الحافظ: "قلت: وقع عند أبي نعيم في المستخرج بعد أن أخرجه من طريق عبد الله ابن وهب عن يونس قال عبد الله: تزفر: تحمل، وقال أبو صالح كاتب الليث: تزفر: تخرز". قال الحافظ: "فلعل هذا مستند البخاري في تفسيره" (الفتح 6/ 79) .

قال أبو عبد الله: تزفر: تخيط1. 44- وقال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس2، قال: ثنا أحمد بن خالد3 - يعني الوهبي - ثنا ابن إسحاق، عن أبي جعفر4 والزهري عن يزيد بن هرمز5 قال: كتب نجدة الحروري6 إلى ابن عباس يسأله عن النساء: هل كن يشهدن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل كان

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 6/ 79 رقم (2881) ، 7/ 366 - 367 رقم (4071) . 2 هو: محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي، النيسابوري، ثقة، حافظ، جليل، من الحادية عشرة، توفي سنة ثمان وخمسين على الصحيح وله ست وثمانون سنة خ4، التقريب رقم (6387) . 3 هو: أحمد بن خالد بن موسى الوهبي الكندي أبو سعيد، صدوق من التاسعة، توفي سنة أربع عشرة. التقريب 79 رقم (30) . 4 هو: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر، ثقة فاضل، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة، التقريب 497 رقم (6151) . 5 هو: يزيد بن هرمز المدني، مولى بني ليث، وهو غير يزيد الفارسي على الصحيح وهو والد عبد الله، ثقة، من الثالثة، توفي على رأس المائة، م د ت س. التقريب 606. 6 هو: نجدة بن عامر الحروري من رؤوس الخوارج، قتل سنة سبعين، لسان الميزان 6/ 148 رقم (520) .

يضرب لهنّ بسهم؟ قال: فأنا كتبت كتاب ابن عباس إلى نجدة: قد كن يحضرن الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أن يضرب لهن بسهم فلا، وقد كان يرضخ1 لهن2.

_ 1 الرضخ: العطية القليلة. النهاية 2/ 228. 2 سنن أبي داود 3/ 74، وفيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس، وقد صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 521 رقم (2369) ، ويشهد له ما أخرجه مسلم في صحيحه بلفظ مقارب. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 12/ 190. وشهود النساء الغزوات لمداواة الجرحى وسقيهم الماء ثابت في الصحيحين وغيرهما، انظر: صحيح البخاري مع الفتح 7/ 361 رقم (4064) ومسلم بشرح النووي 12/ 187 - 188، والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 30.

المبحث العاشر: في ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد

المبحث العاشر: في ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد 45- أخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وعن عثمان الجزري عن مقسم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد حين كسر رباعيته ودمى وجهه فقال: "اللهم لا يحل عليه الحول حتى يموت كافراً" 1 فما حال عليه الحول حتى مات كافراً إلى النار. 46- وأخرج2 عن معمر عن الزهري في قوله تعالى: {وَعَصَيْتُم

_ 1 تفسير عبد الرزاق 1/ 131 - 132، والمصنف 5/ 290 - 291، ومن طريق عبد الرزاق أخرجها البيهقي في الدلائل 3/ 265، وذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام قسم المغازي 192، وهي رواية مرسلة، وانظر: ابن هشام 2/ 79، فقد ذكر ابن إسحاق بإسناد متعدد منهم الزهري، إصابة النبي صلى الله عليه وسلم رباعيته، وشج وجهه الشريف، وقد أخرج هذه الرواية من طريق ابن إسحاق. الطبري في تفسيره 7/ 308 رقم (8065) وهي مرسلة أيضاً. ولكن يشهد لها ما أخرجه البخاري في صحيحه (مع الفتح 7/ 372 رقم 4075) بلفظ: ( ... وكُسِرتْ رباعيته يومئذٍ، وجرح وجهه، وكسرت البيضة على رأسه) دون ذكر الدعاء. وأخرجه مسلم (بشرح النوي 12/ 148 - 149) بلفظ: ( ... جُرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه ... ) دون ذكر الدعاء. وانظر: طبقات ابن سعد 2/ 42. 2 تفسير عبد الرزاق 1/ 135 - 136، والمصنف 5/ 363 - 366 رقم (9735) .

مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ} 1 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد حين غزا أبو سفيان وكفار قريش: "إني رأيت كأني لبست درعاً حصينة، فأولتها المدينة فاجلسوا في صمعكم2، وقاتلوا من ورائه"، وكانت المدينة قد شبكت البنيان فهي كالحصن، فقال رجل ممن لم يشهد بدراً: يا رسول الله اخرج بنا إليهم فلنقاتلهم، وقال عبد الله بن أبي بن سلول: نعم ما رأيت يا رسول الله، إنا والله ما نزل بنا عدو قط فخرجنا إليه إلا أصاب فينا، ولا ثبتنا في المدينة وقاتلنا من ورائها إلا هزمنا عدونا، فكلمه ناس من المسلمين فقالوا: يا رسول الله اخرج بنا إليهم فدعا بلأمته فلبسها، ثم قال: (ما أظن الصرعى إلا ستكثر منكم ومنهم، إني أرى في النوم بقراً منحورة فأقول: بقر والله خير، فقال رجل: يا رسول الله بأبي وأمي فاجلس بنا، قال: "إنه لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يلقى البأس". فانطلقت به الأدلاء بين يديه حتى إذا كان بالواسط من الجَبَّنَةِ انخذل عبد الله بن أبيّ بن سلول بثلث الجيش أو قريب من ثلث الجيش، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم حتى لقيهم بأحد وفاجؤوهم، فعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه إن هزموهم ألا يدخلوا لهم حجراً ولا يتبعوهم، فلما التقوا هزموهم وعصوا

_ 1 سورة آل عمران آية (152) . 2 الأصمع: المترقي أشرف المواضع، القاموس 953، صمع: فكأنه أراد اجلسوا في أحسن الأماكن ليكمن للعدو فيها.

النبي وتنازعوا الغنائم، ثم صرفهم الله ليبتليهم كما قال: وأقبل المشركون، وعلى خيلهم خالد بن الوليد بن المغيرة، فقتل من المسلمين سبعون رجلاً، وأصابتهم جراح شديدة، وكسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم ووثئ1 بعض وجهه حتى صاح الشيطان بأعلى صوته: قتل محمد، قال كعب بن مالك: فكنت أول من عرف النبي صلى الله عليه وسلم، عرفت عينيه من تحت المغفر فناديت بصوتي الأعلى: هذا رسول الله، فأشار إليّ أن اسكت، ثم كفَّ الله المشركين والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقوف، فنادى أبو سفيان بعدما مُثِّلَ بِبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجدعوا، ومنهم من بقر بطنه، فقال أبو سفيان: إنكم ستجدون في قتلاكم بعض المثل، وإن ذلك لم يكن عن ذوي رأينا ولا ساداتنا، ثم قال أبو سفيان: أُعل هبل، فقال عمر بن الخطاب: الله أعلى وأجل، فقال أبو سفيان: أَنعمت فعال عنها2، قتلى بقتلى بدر، فقال عمر: لا يستوي القتل؛ قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، قال أبو سفيان: لقد خبنا إذن، ثم انصرفوا راجعين، وندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلبهم بعدما أصابهم القرح، فطلبوهم حتى بلغوا قريباً من حمراء الأسد ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم. 47- وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: ضرب وجه

_ 1 الوثء: والوثاءة: وصم يصيب اللحم لا يبلغ، أو توجع في العظم بلا كسر، أو هو الفك. القاموس 69 (وثا) . 2 في المصنف: (أنعمت عيناً) .

النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بالسيف سبعين ضربة وقاه الله شرها كلها1.

_ 1 ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح 7/ 372، ثم قال: وهذا مرسل قوي، ويحتمل أن يكون أراد بالسبعين حقيقتها أو المبالغة في الكثرة. وقد ورد هذا النص في المصنف هكذا: (ولقد أخبرنا عبد الرزاق أن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب يومئذ بالسيف سبعين ضربة، وقاه الله شرها) . المصنف 5/ 367 تحت رقم (9736) .

المبحث الحادي عشر:في مقتل حمزة رضي الله عنه

المبحث الحادي عشر: في مقتل حمزة رضي الله عنه. 48- قال الواقدي1: فحدثني عبد الله بن جعفر2 عن ابن أبي عون3 عن الزهري عن عروة، قال: حدثنا عبيد الله بن عدي بن الخيار4، قال: غزونا الشام في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه فمررنا بحمص بعد العصر، فقلنا: وحشي، فقالوا: لا تقدرون عليه، هو الآن يشرب الخمر5 حتى يصبح، فبتنا من أجله6 وإنا لثمانون رجلاً، فلما صلينا الصبح جئنا إلى منزله فإذا شيخ كبير قد طرحت له زِرْبيّة7 قدر

_ 1 مغازي الواقدي 1/287، والواقدي متروك، ولكن أصل الحديث في البخاري، حديث رقم (4072) ، ولكن ليس فيه شرب الخمر. 2 هو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، أبو محمد المدني، ليس به بأس، من الثامنة، توفي سنة سبعين، وله بضع وسبعون، خت، م 4، التقريب 298. 3 هو عبد الواحد بن أبي عون المدني، صدوق يخطئ، من السابعة، توفي سنة أربع وأربعين، خت، ق، التقريب 367. 4 هو: عبيد الله بالتصغير بن عدي بن الخيار القرشي النوفلي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين. الإصابة 3/74. 5 ذكر ابن سعد في الطبقات 7/419، بإسناد منقطع أنه أول من ضرب في الخمر بحمص، أما رواية البخاري فلم تذكر ذلك. انظر: البخاري حديث رقم: (4072) 6 لم تذكر رواية البخاري أنهم باتوا. 7 الزربية: الطِّننِفَسة، وقيل: البساط ذو الخمل، وتكسر زايها وتفتح وتضمّ، وجمعها زرابيّ. النهاية 2/300.

مجلسه، فقلنا له: أخبرنا عن قتل حمزة، وعن مسيلمة، فكره ذلك وأعرض عنه، فقلنا له: ما بتنا هذه الليلة إلا من أجلك، فقال: إني كنت عبداً لجبير ابن مطعم بن عديّ، فلما خرج الناس إلى أُحُد دعاني، فقال: قد رأيت مقتل طعيمة بن عديّ، قتله حمزة بن عبد المطلب يوم بدر، فلم تزل نساؤنا في حزن شديد إلى يومنا هذا، فإن قتلتَ حمزةَ فأنتَ حرٌّ، قال: فخرجت مع الناس ولي مزاريق1، وكنتُ أمرّ بِهند بنت عتبة فتقول: إيه أبا دَسْمة2، اشف واشتفِ، فلما وردنا أُحُداً نظرت إلى حمزة يقدم الناس يهدّهم هدّاً، فرآني وأنا قد كمنتُ3 له تحت شجرةٍ فأقبل نحوي، ويعترض له سباع الخزاعي، فأقبل إليه، فقال: وأنت أيضاً يا ابن مقطعة البظور4 ممن يكثر علينا هلمّ إليّ، قال: وأقبل حمزة فاحتمله حتى رأيت بَرَقان5 رجليه، ثم ضرب به الأرض ثم قتله، وأقبل نحوي سريعاً حتى يعترض له جرف فيقع فيه، وأزرقه بمزراقي فيقع في ثنته6 حتى خرج من بين رجليه فقتله، وأَمُرُّ بهند بنت عتبة فأعطتني حليها وثيابها، وأما

_ 1 المزراق الرمح القصير. القاموس: زرق. 2 إيه أبا دسمة، الدّسِم الأسود الدنيء. النهاية 2/118. 3 كمنت له: أي استترت واستخفيت. النهاية 4/201. 4 البظْر: - بفتح الباء - الهنة التي تقطعها الخافضة من فرج المرأة عند الختان. النهاية 1/138. 5 برقان رجليه: أي لمعانها. النهاية 1/120. 6 الثُّنَّة: ما بين السرة والعانة من أسفل البطن. النهاية 1/224.

مسيلمة، فإنا دخلنا حديقة الموت، فلما رأيته زرقته بالمزراق وضربه رجل من الأنصار1 بالسيف، فربك أعلم أينا قتله، إلا أني سمعت امرأة تصيح فوق الدَّير قتله العبد الحبشيّ. قال عبيد الله: فقلت: أتعرفني؟ قال: فأكرّ بصره عليّ، وقال: ابن عدي، ولعاتكة بنت أبي العيص؟ قال: قلت: نعم. قال: أما والله ما لي بك عهد بعد أن رفعتك إلى أمك في مِحَفَّتها2 التي ترضعك فيها. ونظرت إلى برقان قدميك حتى كان الآن، وكان في ساقي هند خدمتان من جزع3 ظفار، ومسكتان من ورِق، وخواتم من ورِق، كنّ في أصابع رجليها فأعطتني ذلك.

_ 1 هو: عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، وقيل: غيره. والأول أشهر. انظر: فتح الباري 7/370. 2 المحفة: - بالكسر -: مركب النساء كالهودج. القاموس: حفف. 3 سيأتي التعريف بها في غزوة بني المصطلق.

المبحث الثاني عشر: في تسمية من استشهد بأحد من طريق الزهري

المبحث الثاني عشر: في تسمية من استشهد بأحد من طريق الزهري1. 1- أنيس بن قتادة الأنصاري2. 2- أوس بن أرقم3. 3- إياس بن أوس الأنصاري4. 4- ثابت بن الدحداحة5. 5- ثعلبة بن ساعدة بن مالك بن خالد بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري6. 6- ثعلبة بن سعد بن مالك من بني ساعدة7. 7- الحارث بن أوس بن رافع الأنصاري8.

_ 1 ما كان في هذه القائمة معزواً إلى الطبراني فهو من طريق موسى بن عقبة عن الزهري، وما كان معزواً لغيره فقد جاء ذكره عرضاً كقولهم: ذكره الزهري فيمن استشهد بأحدٍ. 2 الطبراني في الكبير 1/268-269 رقم (777) ومجمع الزوائد 6/123. 3 الطبراني في الكبير 1/230 رقم (630) ومجمع الزوائد 6/123. 4 الطبراني في الكبير 1/275 رقم (802) ومجمع الزوائد 6/123. 5 السنن الكبرى للبيهقي 6/216. 6 أسد الغابة رقم (599) . 7 الطبراني في الكبير 2/88 رقم (1393) والمجمع 6/123. 8 مجمع الزوائد 6/123.

8- الحباب بن قيظي1. 9- حنظلة بن أبي عامر بن الراهب الأنصاري ثم الأوسيّ2. 10- ذكوان بن عبد قيس الأنصاري3. 11- رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة، عقبيٌّ، بدريٌّ4. 12- زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس الأنصاري الخزرجي5. 13- سعد بن أبي قيس بن أبي بن كعب بن القين الأنصاري6. 14- سعد بن الربيع7. 15- سعد بن سويد الأنصاري الخزرجي8. 16- سعد بن سهيل، من بني دينار، وقيل: من بني خنساء9. 17- عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة والد جابر10.

_ 1 أسد الغابة، رقم (1022) . 2 الطبراني في الكبير 4م10 رقم (3487) والمجمع 6/123. 3 الطبراني في الكبير 4/233 رقم (4221) والمجمع 6/123. 4 الطبراني في الكبير 5/48-49، وأسد الغابة رقم (1695) ، ومجمع الزوائد 6/123. 5 أسد الغابة رقم (1878) . 6 مجمع الزوائد 6/124. 7 مستدرك الحاكم 3/607، ومجمع الزوائد 6/124. 8 الطبراني في الكبير 6/48 رقم (5472) ، وأسد الغابة 2/354، ومجمع الزوائد 6/124. 9 أسد الغابة 2/354 رقم (2008) . 10 صحيح البخاري مع الفتح 5/59، ودلائل النبوة للفريابي 84 رقم (49) ،والحلية لأبي نعيم 2/4 رقم (89) ، والسنن الكبرى للبيهقي 6/64، ومجمع الزوائد 6/124.

18- عبد الله بن عمرو الدوسيّ1. 19- عبد الله بن عمرو بن وهب ثعلبة بن الخزرجي الأنصاري2. 20- عمارة بن مخلد بن الحارث3. 21- عمرو بن مطرف بن علقمة الأنصاري4. 22- عمرو بن معاذ بن النعمان امرؤ القيس5. 23- مخيريق النضري الإسرائيلي، من بني النضير، ويقال: إنه من بني قينقاع6.

_ 1 الإصابة رقم (4860) . 2 أسد الغابة 3/354 رقم (3096) والإصابة رقم (4857) . 3 أسد الغابة 4/ 143 رقم (3818) . 4 أسد الغابة 4/271 رقم (4022) . 5 الإصابة 3/17. 6 الإصابة 3/393. هؤلاء الذين نصّ الزهري على استشهادهم في أحد، ومعلوم أنه قد ثبت أن الذين استشهدوا في أُحُد كانوا سبعين كما تقدم.

المبحث الثالث عشر: في كيفية دفن شهداء أحد وعدم الصلاة عليهم

المبحث الثالث عشر: في كيفية دفن شهداء أحد وعدم الصلاة عليهم ... المبحث الثالث عشر: كيفية دفن شهداء أحد وعدم الصلاة عليهم 49- أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، قال: أنا شهيد على هؤلاء، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يغسلهم"1.

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 3/212، و3/209 رقم (1343) و 3/211 رقم (1345) و3/217 رقم (1353) ، و7/374 رقم (4079) ، وسنن أبي داود رقم (3138، 3139) والترمذي رقم (1036) والنسائي 4/62، وابن ماجه رقم (1514) ومنتقى ابن الجارود (انظر: غوث المكدود رقم 552) ، والطبقات الكبرى 3/562، وعبد الرزاق في المصنف 5/272، وابن أبي شيبة في مصنفه 12/290 رقم (12861) والبيهقي في السنن الكبرى 4/34،,في معرفة السنن والآثار 5/251 –252 رقم (7418) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/501) ومسند ابن الجعد رقم (1638) ، والبغوي في شرح السنة 5/ 365 رقم (1500) . وقد أخرج أبو داود في سننه 3/196 عن أسامة بن زيد الليثي عن الزهري عن أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بحمزة، وقد مثِّل به، ولم يصلِِّّ على أحد من الشهداء غيره". ولكن العلماء رجحوا رواية الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر، وقالوا: بأن أسامة غلط فيه، انظر: نيل الأوطار للشوكاني 4/78. والحق أن ما في الصحيح مقدم على غيره.

المبحث الرابع عشر: غزوة بدر الآخرة

المبحث الرابع عشر: غزوة بدر الآخرة 50- قال البيهقي1: أخبرنا أبو الحسين2 بن الفضل، قال: أخبرنا ابن عتاب3 العبدي، قال: حدثنا القاسم4 بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا إسماعيل5 بن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل6 بن إبراهيم

_ 1 دلائل النبوة للبيهقي 3/ 384، بسند حسن إلى الزهري، وكذلك ذكرها ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 210) إلا أنه جعلها سنة أربع وبسياق مختلف، أما الواقدي فقد جعلها في ذي القعدة على رأس خمس وأربعين شهراً، المغازي 1/ 384، وتبع الواقدي في ذلك ابن سعد كما في الطبقات الكبرى 2/ 59. قال ابن كثير: "قال الواقدي: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها في ألف وخمسمائة من أصحابه واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة، وكان خروجه إليها في مستهل ذي القعدة يعني سنة أربع، والصحيح قول ابن إسحاق أن ذلك في شعبان من هذه السنة الرابعة، ووافق قول موسى بن عقبة أنها في شعبان، لكن قال في سنة ثلاث وهذا وهم فإن هذه تواعدوا إليها من أحد وكانت أُحد في شوال سنة ثلاث، والله أعلم". البداية والنهاية 4/ 89. وهو كما قال رحمه الله: والدليل على ذلك أن ابن شهاب الزهري قد ذكر غزوة بدر الآخرة عن عروة بن الزبير أنها كانت في شعبان سنة أربع. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي، قسم المغازي 249 - 251. 2 ثقة تقدم في الرواية رقم [7] . 3 ثقة تقدم في الرواية رقم [7] . 4 ثقة تقدم في الرواية رقم [7] . 5 صدوق تقدم في الرواية رقم [7] . 6 هو: إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة الأسدي مولاهم أبو إسحاق المدني، ثقة، تكلم فيه بلا حجة، من السابقين، مات في خلافة المهدي، خ تم س، التقريب 1050.

ابن عقبة (ح) وأخبرنا أبو عبد الله1 الحافظ، قال: أخبرنا إسماعيل2 الشعراني، قال: حدثني جدي3، قال: حدثنا إبراهيم4 بن المنذر عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة عن ابن شهاب - وهذا لفظ حديث إسماعيل، عن عمه موسى - قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدراً، وكان أهلاً للصدق والوفاء صلى الله عليه وسلم، فاحتمل الشيطان أولياءه من الناس، فمشوا في الناس يخوفونهم وقالوا: قد أخبرنا وأنتم أن قد جمعوا لكم مثل الليل من الناس يرجون أن يوافقوكم فينتهبوكم فالحذر الحذر لا تغدوا، فعصم الله المسلمين من تخويف الشيطان، فاستجابوا لله ورسوله وخرجوا ببضائع لهم، وقالوا: إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له، وإن لم نلقه ابتعنا ببضائعنا، وكان بدر متجراً يوافى5 كل عام، فانطلقوا حتى أتوا موسم بدر، فقضوا منه حاجتهم، وأخلف أبو سفيان الموعد، فلم يخرج هو ولا أصحابه، وأقبل رجل من

_ 1 ثقة تقدم في الرواية رقم [1] . 2 ثقة تقدم في الرواية رقم [1] . 3 ثقة تقدم في الرواية رقم [1] . 4 صدوق تقدم في الرواية رقم [1] . 5 يوافي: أي يأتونه كل عام. لسان العرب 3/ 960.

بني ضمرة1 بينه وبين المسلمين حلف فقال: والله إن كنا لقد أُخبرنا أنه لم يبق منكم أحد فما أعملكم إلى أهل هذا الموسم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يبلغ ذلك عدوه من قريش: أعملنا إليه موعد أبي سفيان وأصحابه وقتالهم، وإن شئت مع ذلك نبذنا إليك وإلى قومك حلفكم ثم جالدناكم قبل أن نبرح منزلنا هذا. فقال الضمري: معاذ الله بل نكف أيدينا عنكم ونمسك بحلفكم، وزعموا أنه مر عليهم ابن حُمام2 فقال: من هؤلاء؟ فقالوا: رسول الله وأصحابه ينتظرون أبا سفيان ومَن معه من قريش، فخرج يرتجز: تهوى على دين أبيها الأتلد3 ... إذ نفرت من رفقتي محمد وعجوة موضوعة كالجلمدِ ... إذ جعلتْ ماء قديد موعد ....................................... ... وصبحت مياهها ضحى الغدِ فذكروا أن ابن الحمام قدم على قريش فقال: هذا محمد وأصحابه ينتظرونكم لموعدكم، قال أبو سفيان: قد والله صدق، فنفروا وجمعوا

_ 1 هو: مخشي بن عمرو الضمري، كما في سيرة ابن هشام 2/ 210، ولم أجد لمخشي هذا ترجمة في الاستيعاب لابن عبد البر ولا في الإصابة. 2 لم أجد له ترجمة. وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 60) أن الذي قدم على قريش معبد بن أبي معبد الخزاعي. 3 التالد: القديم، لسان العرب 1/ 325.الجلمد والجلمود: الصخر. لسان العرب 1/ 490.

الأموال، فمن نشط منهم قووه، ولم يقبل من حد منهم دون أوقية، ثم سار حتى أقام بمَجَنَّة1 من عُسْفَان2 ما شاء الله أن يقيم، ثم ائتمر هو وأصحابه، فقال أبو سفيان: ما يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه السّمر وتشربون من اللبن، ثم رجع إلى مكة، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بنعمة من الله وفضل، فكانت تلك الغزوة تدعى غزوة جيش السَّويْق3، وكانت في شعبان سنة ثلاث.

_ 1 مَجَنَّة: بالفتح وتشديد النون، قال الحموي: كانت مجنة بمر الظهران قرب جبل يقال له الأصغر، وهو بأسفل مكة على قدر بريد منها، معجم البلدان 5/ 58ـ59، ومرّ الظهران/ وادٍ شمال مكة ويبعد عنها (22) كيلاً، انظر: معجم المعالم الجغرافية للبلادي 288. 2 عُسْفَان: بضم العين وسكون السين، وفاء وألف، وآخره نون: وهي بلدة على (80) كيلاً من مكة شمالاً. انظر: معجم المعالم الجغرافية 208. 3 المراد بجيش السويق: جيش أبي سفيان، لأن أبا سفيان لما رجع بجيشه سماهم أهل مكة جيش السويق، يقولون: إنما خرجتم تشربون السويق. انظر: ابن هشام 2/ 210. وقد تقدم أن أبا سفيان خرج بعد وقعة بدر حتى دخل المدينة فحرق بعض نخيلها، ثم هرب، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم في طلبه، ولكن أبا سفيان فاته بعد أن طرح ما معهم من الطعام ليتخففوا منها، فسميت تلك الغزوة غزوة السويق. انظر: المبحث السابع عشر: غزوة السويق. وابن هشام (2/ 45) ، وهذه غير تلك.

الفصل الرابع: في الأحداث التي وقعت بعد غزوة أحد حتى بداية غزوة بني المصطلق

الفصل الرابع: في الأحداث التي وقعت بعد غزوة أحد حتى بداية غزوة بني المصطلق المبحث الأول: في غزوة بن سليم ببحران بناحية الفرع ... المبحث الأول: في غزوة بن سُليم ببُحْران بناحية الفُرُع 51- قال الواقدي حدثني معمر بن راشد، عن الزهري قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعاً من بني سُليم كثيراً ببحران1، تهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ولم يظهر وجهاً فخرج2 في ثلاث مائة رجل من أصحابه فأغذوا السير حتى إذا كانوا دون بحران بليلة لقي رجلاً من سُليم فاستخبروه عن القوم وعن جمعهم، فأخبره أنهم قد افترقوا أمس ورجعوا إلى مائهم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبس مع رجل من القوم ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى ورد بحران وليس به أحد، وأقام أياماً ثم رجع ولم يلق كيداً، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل وكانت غيبته عشر ليال3.

_ 1 بحران: جبل يضرب إلى الخضرة والسمرة، بين وادي حَجرْ المعروف قديماً بالسائرة، ومَرّ عُنيب المعروف اليوم بمر، ووادي رابغ، يقع بحران عند التقائهما، يفترقان عنه شرق مدينة رابغ على (90) كيلاً، وهو في ديار زُبيد من حرب، معجم المعالم الجغرافية (ص 40) . 2 كان خروجه لليالٍ خلون من جمادى الأولى على رأس سبعة وعشرين شهراً، مغازي الواقدي 1/ 196. وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 35 دون إسناد. 3 مغازي الواقدي 1/ 196- 197، وقد ذكرها ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 46) بدون إسناد وفيها اختصار شديد، وذكرها أيضاً ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 35- 36) بدون إسناد.

المبحث الثاني: في مقتل كعب بن الأشرف

المبحث الثاني: في مقتل كعب بن الأشرف 52- قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس1، أن الحكم ابن نافع2 حدثهم قال: أخبرنا شعيب3، عن الزهري، عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه، وكان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، وكان كعب بن الأشرف4 يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون ومنهم المشركون؛ يعبدون الأوثان، واليهود؛ وكانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم

_ 1 قد ذكر ابن إسحاق أن مقتل كعب بن الأشرف كان قبل أحد. انظر: ابن هشام 2/ 273، وذكر الواقدي أن قتله كان على رأس خمسة وعشرين شهراً في ربيع الأول، المغازي 1/ 184، وذكر ابن سعد في الطبقات 2/ 31، أن مقتله كان لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2 هو: الحكم بن نافع البهراني بفتح الموحدة، أبو اليمان الحمصي، مشهور بكنيته، ثقة ثبت، يقال: إن أكثر حديثه عن شعيب ... ، من العاشرة، توفي سنة اثنتين وعشرين، ع، التقريب 176 رقم (1464) . 3 شعيب بن أبي حمزة الأموي مولاهم، واسم أبيه دينار، أبو بشر الحمصي، ثقة عابد، قال ابن معين: من أثبت الناس في الزهري، من السابعة، توفي سنة اثنتين وستين أو بعدها، ع، التقريب 267 رقم (2798) . 4 هو: كعب بن الأشرف، من بني طيء، ثم أحد بني نبهان، ولكن أمه من بني النضير، البداية 4/ 5.

وأصحابه: فأمر الله عزوجل نبيه بالصبر والعفو، ففيهم أنزل الله: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} 1 الآية، فلما أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطاً يقتلونه، فبعث محمد بن مسلمة 2، وذكر قصة قتله3، فلما قتلوه فزعت اليهود والمشركون فغدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: طُرِق4 صاحبنا فقتل، فذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول، ودعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينه وبينهم كتاباً ينتهون إلى ما فيه، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة5.

_ 1 سورة البقرة آية (33) . 2 محمد بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الحارثي، أبو عبد الرحمن المدني حليف بني عبد الأشهل، ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة في قول الواقدي وهو ممن سمي في الجاهلية محمداً، شهد بدراً وما بعدها إلا تبوك. الإصابة 3/ 383. 3 ستأتي قصة قتله في الرواية الآتية رقم (53) . 4 طرق: أي جاؤوه ليلاً، وكل آت بالليل طارق. النهاية 3/ 121. 5 سنن أبي داود 3/ 154 رقم (300) وقد قال عنه الألباني في صحيح أبي داود 2/581- 582، صحيح الإسناد، ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في الدلائل 3/ 198، وأخرجه أيضاً من طريق عبد الكريم بن الهيثم قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري فذكره بلفظ أتم مما عند أبي داود، ولكنه مرسل وسيأتي. انظر: دلائل النبوة 3/ 196- 198، والسنن الكبرى 9/ 183،

_ وتاريخ الإسلام للذهبي، قسم المغازي 161، قال الحافظ ابن حجر في الفتح 7/ 337، وروى أبو داود والترمذي من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب بن مالك عن أبيه: (أن كعب بن الأشرف ... ) فذكر طرفاً منه. يرجح الدكتور أكرم العمري في السيرة النبوية الصحيحة (1/ 276- 277) أن الوثيقة في الأصل وثيقتان، ثم جمع المؤرخون بينهما، إحداهما تتناول موادعة الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود، والثانية توضح التزامات المسلمين من مهاجرين وأنصار، وحقوقهم وواجباتهم، ثم ذكر ان الراجح عنده أن وثيقة اليهود كتبت قبل موقعة بدر الكبرى، وقد استند في ترجيحه هذا إلى روايات ذكرها أبو عبيد في الأموال (رقم 518) والبلاذري في أنساب الأشراف (1/ 286) ، أما طلب اليهود من النبي صلى الله عليه وسلم بعد مقتل ابن الأشرف أن يكتب لهم صحيفة كما في رواية أبي داود الصحيحة فإنه لا مانع بعد مقتل كعب أن تعاد كتابة الصحيفة تأكيداً أو تجديداً لتعود الطمأنينة إلى النفوس بعد هذه الحادثة التي أرعبت يهود والمشركين. ويذكر الدكتور العمري أن الوثيقة بين المهاجرين والأنصار قد كتبت بعد وثيقة موادعة يهود. المصدر السابق. ورواية أبي داود هذه أصح من تلك الروايات التي تدل على أن وثيقة موادعة يهود كانت قبل بدر، لكن لا بد من التوفيق الذي ذكره العمري؛ لأن بني قينقاع قد أجلوا قبل حادثة مقتل كعب بن الأشرف، وقد كان سبب إجلائهم كما ذكر ابن إسحاق أنهم أول يهود نقضوا ما بينهم ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بين بدر وأُحد. انظر: ابن هشام (2/ 47) .

53- وقال ابن شبة1: قال الحزامي2، حدثنا ابن وهب، عن حيوة بن شريح3 وابن لهيعة4، عن عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً، وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه،

_ 1 تاريخ المدينة لابن شبة 2/459، بسند صحيح إلى عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 76 رقم (154) . وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً} قال: هو كعب بن الأشرف، ثم ذكر قصة مقتله بألفاظ مقاربة لما عند ابن شبة، انظر: تفسير عبد الرزاق 1/ 142، وأخرج الواقدي عن الزهري، عن كعب بن مالك، فذكر نحوه، المغازي (1/ 184) ، وأخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 33، من طريق الزهري مختصراً، ومن طريق ابن سعد ذكره ابن سيد الناس في عيون الأثر 1/ 452. 2 هو إبراهيم بن المنذر، تقدم في الرواية رقم (1) . 3 حيوة بن شريح، بفتح أوله وسكون التحتانية، وفتح الواو، بن صفوان التجيبي، أبو زرعة المصري، ثقة ثبت فقيه زاهد، من السابعة، مات سنة ثمان وقيل تسع وخمسين، ع، التقريب 185، رقم (1600) . 4 هو عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء ابن عقبة الحضرمي، أبو عبد الرحمن المصري القاضي، صدوق من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون، مات سنة أربع وسبعين، وقد ناف على الثمانين، م د ت ق، التقريب 319 رقم (3563) .

ويحرض عليهم كفار قريش في شعره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهي أخلاط: منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم المشركون الذين يعبدون الأوثان، ومنهم اليهود أهل الحلقة، والحصون، وهم حلفاء الحيّين الأوس والخزرج، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم استصلاحهم وموادعتهم، وكان الرجل يكون مسلماً وأبوه مشركاً، والرجل يكون مسلماً وأخوه مشركاً، وكان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذونه أشد الأذى، فأمر الله نبيه والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم، وفيهم أنزل تبارك وتعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} 1 وفيهم أنزل الله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 2 فلما أبى كعب أن ينزع عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذى المسلمين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ في خمسة3 رهط، فأتوه عشية في مجلسه

_ 1 سورة آل عمران آية (186) . 2 سورة البقرة آية (109) . 3 ذكر الطبراني في روايته أربعة هم: 1- سعد بن معاذ، 2- محمد بن مسلمة، 3- وأبو عيسى بن حبر الأنصاري، 4- والحارث بن أخي سعد بن معاذ. معجم الطبراني الكبير 19/ 77 رقم (154) .

بالعوالي1، فلما رآهم كعب أنكر شأنهم، وكاد يذعر منهم، فقال لهم: ما جاء بكم؟ قالوا: بنا حاجة إليك. قال: فليدن إلي بعضكم فليحدثني بها، فدنا إليه بعضهم، فقال: جئناك لنبيعك أدراعاً لنا نستعين بأثمانها. فقال لهم: والله لئن فعلتم ذلك لقد جهدتم ثم جهدتم منذ نزل بكم هذا الرجل، ثم واعدهم أن يأتوه عشاءً حين يهدأ عنه الناس، فجاؤوه فناداه رجل منهم، فقام ليخرج إليهم، فقالت له امرأته: ما طرقوك ساعتهم هذه لشيء مما تحب. قال: بلى، إنهم قد حدثوني حديثهم، فخرج إليهم، فاعتنقه محمد بن مسلمة2، وقال لأصحابه: لا تستنكروا إن قتلتموني وإياه جميعاً، قال: وطعنه بعضهم بالسيف في خاصرته، فلما قتلوه فزعت اليهود ومن كان

_ 1 المقصود بالعوالي: عالية المدينة، وهي ما كان في الجهة الجنوبية من المدينة وأدناها إلى المسجد النبوي يبعد ميلاً، انظر: وفاء الوفاء للسمهودي 4/ 1260- 1262، ويطلق على تلك الجهات (العوالي) إلى يومنا هذا، انظر: معجم المعالم الجغرافية 197. 2 محمد بن مسلمة، تقدم التعريف به في الرواية رقم (50)

معهم من المشركين، فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا، فقالوا: قد طُرق صاحبنا الليلة، وهو سيد من ساداتنا فقتل غيلة1، فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوله في أشعاره ويؤذيهم به، ودعاهم إلى أن تكتب بينهم وبين المسلمين صحيفة فيها جماع أمر الناس، فكتبها صلى الله عليه وسلم. 54- وأخرج ابن شبّ َة من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: كان كعب ابن الأشرف اليهودي أحد بني النضير قد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء، وفد على قريش فاستعان بهم عليه، فقال أبو سفيان بن حرب: أناشدك، أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه، وأننا أهدى في رأيك وأقرب إلى الحق فإنا نطعم الجزور الكوماء2، ونسقي اللبن ونطعم ما هبت الشمال. قال: أنتم أهدى سبيلاً، ثم خرج مقبلاً قد أجمع رأي المشركين على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم معلناً بعداوته وهجائه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لنا من ابن الأشرف؟ قد استعلن بعداوتنا وهجائنا وقد خرج إلى قريش فأجمعهم على قتالنا، وقد أخبرني الله بذلك، ثم قدم على أخبث ما كان ينتظر قريشاً أن تقدم فينا طبائعهم3، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين ما

_ 1 غيلة: أي خفية واغتيال: وهو أن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد، النهاية 3/ 403. 2 الجزور الكوماء: أي مشرفة السنام عاليته. النهاية 4/ 211. 3 هكذا في المطبوع من تاريخ ابن شبة 2/ 455، والصواب: [أن يقدم فيقاتلنا معهم] . كما في مغازي موسى بن عقبة، جمع ودراسة وتخريج: محمد باقشيش أبو مالك، ص: 181.

أنزل الله فيه أن كذلك، والله أعلم، قال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} 1 وآيات معها فيه وفي قريش2.

_ 1 سورة النساء آية (51) . 2 تاريخ المدينة 2/ 454- 455، وهو مرسل. وقصة مقتل كعب بن الأشرف ذكرها البخاري في صحيحه، انظر: الفتح 7/ 336 رقم (4037) ، ومسلم رقم (1801) ، وأبو داود كما مر رقم (3000) ، وابن هشام في السيرة 2/ 51، والواقدي في مغازيه 1/ 184، وابن سعد 2/ 33، والمعجم الكبير للطبراني 19/ 76 رقم (154) ، والبيهقي في الدلائل 3/ 187، وفي السنن له 9/ 81- 82 كما مر، وتفسير عبد الرزاق 1/ 142، وتفسير الطبري 8/ 466 الأثر رقم (9786) فما بعده، وتاريخه 2/ 495، وعيون الأثر لابن سيد الناس 1/ 142، وتاريخ الإسلام للذهبي قسم المغازي 161.

المبحث الثالث: في سرية مقتل ابن أبي الحقيق

المبحث الثالث: في سرية مقتل ابن أبي الحُقيق 55- عبد الرزاق1 عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن

_ 1 مصنف عبد الرزاق (5/ 407) رقم 9747. وقد اختلف المؤرخون في تحديد السنة التي وقعت فيها هذه السرية، فذكر البخاري عن الزهري معلقاً قال: وقال الزهري: هو بعد كعب بن الأشرف، الصحيح مع الفتح (7/ 340) ، قال الحافظ: وقد وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه عن حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري. الفتح (7/ 342) ، وتغليق التعليق 4/ 107، وقد استقرأت تاريخ الفسوي ولم أجده، أما ابن إسحاق فقد ذكرها عقب الخندق وقريظة. ابن هشام (2/ 273) . وقد كانت الخندق وقريظة في السنة الخامسة. وقد وافق الواقدي ابن إسحاق وأضاف لها تحديداً أدق فقال: خرجوا ليلة الاثنين في السحر لأربع خلون من ذي الحجة على رأس ستة وأربعين شهراً وغابوا عشرة أيام. المغازي (1/ 391) ، وقال بعد أن ساق الخبر: ويقال: كانت السرية في شهر رمضان سنة ست. المصدر السابق (1/ 395) . أما ابن سعد فقد جعلها سنة ست في رمضان. الطبقات الكبرى (2/ 91) . وأرخها الطبري في النصف من جماد الآخرة من السنة الثالثة. تاريخ الطبري (3/ 6) . والسبب في إرسال تلك السرية أنَّ أبا رافع كان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه. البخاري رقم (4039) . وفي رواية أبي الأسود عن عروة التي أخرجها البيهقي في الدلائل (4/ 38) : أن سلام بن أبي الحقيق أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب يدعوهم إلى قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعل لهم الجعل العظيم.

كعب بن مالك1 قال: إن مما صنع الله لنبيه أن هذين الحيين من الأنصار - الأوس والخزرج - كانا يتصاولان2 في الإسلام كتصاول الفحلين لا يصنع الأوس شيئاً إلا قالت الخزرج: والله لا تذهبون به أبداً فضلاً علينا في الإسلام، فإذا صنعت الخزرج شيئاً، قالت الأوس مثل ذلك، فلما أصابت الأوس كعب بن الأشرف، قالت الخزرج: والله لا ننتهي حتى نجزئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي أجزأوا عنه، فتذاكروا أوزن3 رجل من اليهود، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في قتله، وهو سلاَّم بن أبي الحقيق4 الأعور، أو أبو رافع بخيبر، فأذن لهم في قتله، وقال: "لا تقتلوا وليداً ولا

_ 1 عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري أبو الخطاب المدني، ثقة من كبار التابعين، ويقال: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، توفي في خلافة سليمان، ع، التقريب (ص: 349) . 2 الصولة: الحملة والوثبة، والمعنى: أي لا يفعل أحدهما شيئاً إلا فعل الآخر معه شيئاً مثله. النهاية (3/ 61) . 3 أوزن القوم: أوجههم. القاموس. وزن. 4 اختلف المؤرخون في اسم أبي الحقيق. فذكر البخاري، أن اسمه: عبد الله بن أبي الحقيق، ويقال: سلاّم بن أبي الحقيق. انظر: الصحيح مع الفتح (7/340) ، أما عروة بن الزبير فذكر أن اسمه: سلام بن أبي الحقيق. انظر: دلائل البيهقي (4/38) ، وكذلك قال الزهري كما في هذه الرواية، وابن إسحاق (ابن هشام 2/273) وابن سعد في الطبقات (2/91) ، وكنيته أبو رافع، والحقيق: بمهملة وقاف مصغر. الفتح (7/342) .

امرأة"1، فخرج إليهم رهط2 فيهم عبد الله بن عتيك3 وكان أمير القوم أحد بني سلمة، وعبد الله بن أنيس4، ومسعود بن سنان5، وأبو قتادة6، وخزاعي بن أسود7 - رجل من أسلم - حليف لهم، ورجل

_ 1 نَهْيُ النبي صلى الله عليه وسلم سرية ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان: أخرجها مالك في الموطأ، كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو، حديث رقم 3، وأبو عبيد في الأموال رقم (99) وابن زنجويه في الأحوال رقم (151) ، كلهم من طريق ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك مرسلاً. وأخرجه الشافعي في المسند (2/118) رقم (394) والحميدي في مسنده (2/385) رقم (874) وابن أبي شيبة (12/381-382) رقم (14061) وسعيد بن منصور في سننه رقم (2627) والبخاري في التاريخ الكبير (5/310) ، والبيهقي في السنن (9/77، 78) ومعرفة السنن والآثار له (13/225) والطحاوي في شرح معاني الآثار (10/221) كلهم من طريق الزهري عن ابن كعب بن مالك عن عمه. وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (10/ 221) من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك. 2 الرهط من الرجال ما دون العشرة. النهاية 2/283. 3 عبد الله بن عتيك: - بفتح المهملة وكسر المثناة - ابن قيس بن الأسود من بني سلمة بكسر اللام. الفتح (7/343) . 4 عبد الله بن أنيس الجهني، أبو يحيى حليف بني سلمة من الأنصار. الفتح (7/343) . الإصابة 2/278) . 5 مسعود بن سنان الأسلمي، حليف بني سلمة، شهد أحداً، واستشهد باليمامة. الفتح (7/343) . 6 أبو قتادة: ربعي الأنصاري، المشهور أن اسمه الحارث، وستأتي ترجمته في غزوة تبوك. 7 خزاعي بن أسود، وقيل: أسود بن خزاعي الأسلمي، حليف بني سلمة من الأنصار.. وذكره موسى بن عقبة عن ابن شهاب في قتلة ابن أبي الحقيق. الإصابة (1/42-43) ، والفتح (7/343) .

آخر يقال له: فلان بن سلمة1، فخرجوا حتى جاءوا خيبر، فلما دخلوا البلد عمدوا إلى كلّ بيت منها فغلقوا من خارجه على أهله، ثم أسندوا إليه في مشربة2 له في عجلة من نخل3، فأسندوا فيها حتى ضربوا عليه بابه، فخرجت إليهم امرأته، فقال: ممن أنتم؟ فقالوا: نفر من العرب أردنا الميرة4، قالت: هذا الرجل ادخلوا عليه، فلما دخلوا عليه5، أغلقوا عليهم الباب ثم ابتدروه بأسيافهم، قال قائلهم: والله ما دلني عليه إلا بياضه على الفراش في سواد الليل، كأنه قبطية6 ملقاة، قال: وصاحت بنا

_ 1 لم أقف على اسمه. 2 المشربة: - بالضمّ ,الفتح - الغرفة. النهاية (2/455) . 3 في عجلة من نخل: هو أن ينقر الجذع ويجعل فيه مثل الدرج ليصعد فيه إلى الغرف وغيرها. وأصل العجلة: خشبة معترضة على البئر والغرب معلق بها. النهاية (3/186) . وقال الحافظ: "العجلة: - بفتح المهملة والجيم ـ: السلم من الخشب". الفتح (7/344) . 4 المِيرة: - بالكسر - جلب الطعام. القاموس (مير) . 5 الذي في صحيح البخاري رقم (4039) و (4040) من حديث البراء أن الذي دخل هو عبد الله بن عتيك وحده، حيث جاء فيه: "فقال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي أن ادخل..". 6 كأنه قبطية: القبطية: الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء. النهاية (4/ 6) .

امرأته، قال: فيرفع الرجل منا السيف ليضربها به، ثم يتذكر نهي النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولولا ذلك فرغنا منها بليل، قال: وتحامل عبد الله بن أنيس1 بسيفه في بطنه حتى أنفذه، وكان سيئ البصر، فوقع من فوق العجلة، فوثيت2 رجله وثياً منكراً، قال: فنزلنا فاحتملناه، فانطلقنا به معنا حتى انتهينا إلى مَنْهَر3 عين من تلك العيون، فمكثنا فيه. قال: وأوقدوا النيران وأشعلوها في السعف وجعلوا يلتمسون ويشتدون، وأخفى الله عليهم مكاننا، قال: ثم رجعوا، قال: فقال بعض أصحابنا أنذهب فلا ندري أمات عدو الله أم لا؟ فخرج رجل منا حتى حشر في الناس، فدخل معهم، فوجد امرأته مكبة وفي يدها المصباح، وحوله رجال يهود، فقال قائل منهم: أما ولله لقد سمعت صوت ابن عتيك، ثم أكذبت نفسي، فقلت: وأنّى ابن عتيك بهذه البلاد؟ فقالت شيئاً ثم رفعت رأسها، فقال: فاض4 وإله يهود - تقول مات -، قال: فما سمعت كلمة كانت ألذّ منها في نفسي، قال: ثم خرجت فأخبرت

_ 1 الذي في صحيح البخاري رقم (4039) و (4040) أن عبد الله بن عتيك هو الذي قتله. 2 الوثء: وصم يصيب اللحم ولا يبلغ العظم، أو هو توجع في العظم بلا كسر. اللسان: (وثأ) . وعند البخاري رقم (4040) فانكسرت ساقي فعصبتها. 3 المنهر: شق في الحصن يجري منه الماء. القاموس (نهر) . 4 فاض: أي مات. القاموس (فاض) .

أصحابي أنه قد مات، فاحتملنا صاحبنا، فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بذلك. قال: وجاؤوه يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ على المنبر يخطب، فلما رآهم قال: " أفلحت1 الوجوه" 2. 56- وقال ابن شبة: حدثنا محمد بن سليمان بن أبي رجاء3 قال:

_ 1 الفلاح: البقاء والفوز والظفر. النهاية (3/ 469) . 2 وقد أخرج ابن إسحاق نحوه من طريق الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك (ابن هشام 2/ 273) . وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري في التاريخ (2/ 495) ، والبيهقي في الدلائل (4/33) ، وابن الأثير في أسد الغابة (1/ 98) مختصراً. ومن طريق ابن إسحاق أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 462) عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك والذي في سيرة ابن هشام (2/ 273) عن عبد الله بن كعب بن مالك مصرحاً فيها بالتحديث. وأخرج نحوه ابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 464) من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب مرسلاً. وقد أخرجه البخاري في الصحيح من غير طريق الزهري، وذلك من حديث البراء ابن عازب رضي الله عنه. انظر: البخاري مع الفتح (7/ 340- 342) رقم (4039، 4040) . 3 هو: محمد بن سليمان بن أبي رجاء الهاشمي، أبو سليمان، يروي عن ابن أبي الزناد، الثقات لابن حبان 9/ 95.

حدثنا إبراهيم بن سعد1، عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أنه أخبره أن الرهط الذين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل ابن أبي الحقيق قتلوه ثم أتوا يوم الجمعة، والنبي قائم على المنبر، فلما رآهم قال: (أفلحت الوجوه) ، قالوا: أفلح وجهك يا رسول الله2، قال: "أقتلتموه؟ " قالوا: نعم. قال: فدعا بالسيف الذي قتلوه به وهو قائم على المنبر فسله، ثم قال: “أجل هذا طعامه في ذباب السيف” وكان الرهط الذين قتلوه: عبد الله بن عتيك، وعبد الله بن أنيس، وأسود الخزاعي - حليفاً لهم - وأبا قتادة فيما يظن إبراهيم3 - قال إبراهيم: ولا أحفظ الخامس4.

_ 1 إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، أبو إسحاق المدني، نزيل بغداد، ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح من الثامنة، ت سنة خمس وثمانين، ع، التقريب 89. 2 قوله: "أفلح وجهك يا رسول الله" أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 464) من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب. 3 في سنن البيهقي (3/ 221- 222) من طريق إبراهيم بن سعد: فيما يظن الزهري، ولا يحفظ الزهري الخامس ... ) . 4 تاريخ المدينة (2/ 467) ، وهو: حديث مرسل. والحديث أخرجه البيهقي في السنن (3/ 221- 222) ، من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري به، وأخرجه البيهقي في الدلائل (4/ 34) من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال ابن كعب ... فذكره.

المبحث الرابع: في سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن عبد الله بن نبيح الهذلي

المبحث الرابع: في سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن عبد الله بن نبيح الهذلي 57- قال عمر بن شبَّة1: حدثنا الحزامي قال: حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: بعث2 رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس السلمي إلى سفيان بن عبد الله بن نبيح الهذلي ثم اللحياني3، وهو بعُرَنَة4 من وراء مكة - أو بعرفة - قد اجتمع إليه

_ 1 تاريخ المدينة المنورة (2/ 468) وهو حديث مرسل. 2 تاريخها: كانت هذه السرية في الخامس من محرم على رأس خمسة وثلاثين شهراً من الهجرة، الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 50) أما الواقدي فقد ذكر أنها كانت في يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس أربعة وخمسين شهراً، المغازي 2/ 531. وهذا ذهول منه رحمه الله لأنه قد ذكر في حديثه عن غزوة الرجيع أنها حدثت بسبب قتل المسلمين سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي، وذكر أن غزوة الرجيع كانت في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً، انظر: مغازي الواقدي 1/ 354، وفتح الباري 7/ 380. 3 هكذا جاء اسمه في هذه الرواية وفي رواية موسى بن عقبة عند البيهقي في الدلائل (4/ 41) ، وعند أحمد في المسند 25/ 440- 442 رقم [16047] أرناؤوط، من طريق ابن إسحاق أنه: خالد بن سفيان بن نبيح، وهي رواية حسنة صرح فيها ابن إسحاق بالتحديث، وسماه ابن إسحاق كذلك انظر: ابن هشام 2/ 619، وسنن أبي داود رقم (1249) وفيه عنعنة ابن إسحاق. بينما ذكره بعض كتاب السير أنه: سفيان بن خالد بن نبيح، انظر: مغازي الواقدي 2/ 531، وابن سعد في الطبقات 2/ 50، والبيهقي في الدلائل 4/ 40. 4 وادي عُرَنَة: عُرَنَة: بعين مهملة مضمومة، وراء مفتوحة، ونون وتاء مربوطة: هو الوادي الفحل الذي يخترق أرض المغمس فيمر بطرف عرفة من الغرب عند مسجد نمرة، ثم يجتمع مع وادي نعمان غير بعيد من عرفة، ثم يأخذ الواديان اسم عرنة، فيمر جنوب مكة ... ثم يغرب حتى يفيض في البحر جنوب جدة على قرابة (30) كيلاً. معجم المعالم الجغرافية 205.

الناس ليغزو فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يقتله، فقال عبد الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما صفته يا رسول الله؟ قال: "إذا رأيته هبته1 وفرقت2 منه" قال: ما فرقت من شيء قط. فانطلق عبد الله يتوصل بالناس ويعتزي3 إلى خزاعة، ويخبر من لقي إنما يريد سفيان ليكون معه، فلقي سفيان وهو ببطن عرنة وراء الأحابيش4 من حاضرة مكة، قال عبد الله: فلما رأيته هبته وفرقت منه. فقلت: صدق الله ورسوله، ثم كمنت5 حتى هدأ الناس، ثم اعتورته6 فقتلته، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بقتله قبل قدوم عبد الله، وحكوا - والله أعلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عصا فقال: "تخصر7 بها، أو أمسكها، فكانت - زعموا - عنده حتى أمر بها

_ 1 هبته: أي خفت منه، وضعفت أمامه، القاموس (هبت) . 2 فرقت منه: فَرِق: كفرح: فزع. القاموس (فرق) . 3 يعتزي إلى خزاعة: أي ينتسب إليهم. القاموس (عزى) . 4 سبق التعريف بها. 5 ثم كمنت: كمن له: أي استخفى،.. والداخل في الحرب لا يفطن له، القاموس (كمن) . 6 العتر: الذبح، القاموس (عتر) . 7 المخصرة: ما يختصره الإنسان بيده فيمسكه من عصا، أو عكازة، أو مقرعة، أو قضيب، وقد يتكئ عليه. النهاية (2/ 36) .

فجعلت في كفنه بين جلده وثيابه، ولا ندري من أين بعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن أنيس إلى ابن نبيح، أمن المدينة أم من غيرها"1.

_ 1 يشهد لهذه الرواية المرسلة ما أخرجه أحمد في المسند (25/ 440- 442 رقم [16047] أرناؤوط) من طريق ابن إسحاق وهي حسنة فقد صرح فيها ابن إسحاق بالتحديث، وأبو داود في سننه رقم (1249) لكن فيها عنعنة ابن إسحاق، علماً بأن الحافظ ابن حجر حسنها، الفتح 7/ 380، وأخرجها ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 619) مرسلة. وأخرجها البيهقي في الدلائل (4/ 40) من طريق أبي الأسود عن عروة ومن طريق موسى بن عقبة مرسلة، المصدر السابق 4/ 41، ووصلها في مكان آخر، وانظر الواقدي، المغازي (2/ 531) ، وابن سعد في الطبقات (2/ 50) .

المبحث الخامس: في سرية الرجيع سنة ثلاث

المبحث الخامس: في سرية الرَّجِيْع1 سنة ثلاث2 58- أخرج البخاري3 من طريق الزهري عن عمرو بن جارية الثقفي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عَيْناً، وأمَّر عليهم عاصم4 بن ثابت، وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب5 فانطلقوا حتى إذا كان بين عُسْفان ومكة ذُكِروا لِحَيٍّ من هُذيل يقال لهم بنو

_ 1 الرجيع: بفتح الراء وكسر الجيم، هو في الأصل اسم للروث سمي بذلك لاستحالته، والمراد هنا اسم موضع من بلاد هذيل، كانت الوقعة بقرب منه فسميت به، ابن حجر الفتح (7/ 379) ، ويعرف اليوم باسم (الوطْيَة) يقع شمال مكة على قرابة سبعين كيلاً قبيل عسفان إلى اليمين، معجم المعالم الجغرافية للبلادي، (138) ، والمعالم الأثيرة (125) . 2 ذكر ذلك ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 169) ، وقال الواقدي "كانت في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً" المغازي 1/ 354. 3 البخاري مع الفتح (7/ 378 رقم (4086) ، و (3045) و (7402) . 4 هو: عاصم بن ثابت بن أبي الأَقْلح بالقاف والمهملة، الأنصاري. الفتح (7/ 380) ، وكونه جدٌ لعاصم بن عمر بن الخطاب، قالوا: لأن عمر رضي الله عنه تزوج جميلة بنت عاصم بن ثابت، فولدت له عاصماً. المصدر السابق (7/ 381) . 5 هو: عاصم بن عمر بن الخطاب، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مات سنة سبعين وقيل بعدها، خ م د ت س، التقريب 286، رقم (3069) .

لِحْيَان1، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصوا آثارهم، حتى أتوا منزلاً نزلوه، فوجدوا فيه نوى2 تمر زودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فَدْفَدْ3، وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة4 نفر بالنبل، وبقي

_ 1 بنو لحيان: بكسر اللام، وقيل بفتحها وسكون المهملة، ولحيان هو ابن هذيل نفسه، وهذيل هو ابن مدركة بن إلياس بن مضر، وزعم الهمداني النسابة: أن أصل بني لحيان من بقايا جرهم دخلوا في هذيل فنسبوا إليهم. فتح الباري (7/ 381) . 2 النوى: النواة في الأصل: عجمة التمرة، النهاية (5/ 132) ، وقيل: هي التمرة. القاموس (1728 (نوى) . 3 الفدفد: الموضع الذي فيه غِلَظ وارتفاع. النهاية (3/ 420) . 4 جاء التصريح في رواية أخرى عند البخاري بأنهم عشرة، انظرها برقم (3989) وكما في هذه الرواية، وانظر سنن أبي داود رقم (2660) ، ومصنف عبد الرزاق رقم (9730) ومصنف ابن أبي شيبة (14/ 455) ، ومسند أحمد (13/ 459- 461، رقم [8096] ) والطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 55) ، لكنه لم يسم منهم إلا سبعة فقط، وصحيح ابن حبان رقم (7039) ، والطبراني في الكبير (17/ 175 رقم 463) مختصراً ورقم (4191) ، والسنن الكبرى للبيهقي (9/ 145) ، ودلائل النبوة له (3/ 324) ، وأبا نعيم في الحلية (1/ 112) ، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 120) ، والذهبي في تاريخ الإسلام قسم المغازي (ص: 230) . وقال بعض كتاب السير أن عددهم: ستة، قال موسى بن عقبة: ويقال: كان أصحاب الرجيع ستة، دلائل النبوة للبيهقي (3/ 327) ، وتاريخ الإسلام للذهبي قسم المغازي (ص: 232) ، وذكر ابن إسحاق أن عددهم ستة أميرهم مرثد بن أبي مرثد، ابن هشام (2/ 169) ، وتبع ابن إسحاق خليفة بن خياط في تاريخه (ص: 74) ، وذكر الواقدي أنهم سبعة، ثم قال: يقال: كانوا عشرة. المغازي (1/ 354) . والصحيح أن عددهم عشرة أميرهم عاصم بن ثابت، كما في الصحيح.

خبيب1 وزيد2 ورجل آخر3، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قِسِيِّهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث الذي معهما: هذا أول الغدر فأبى أن يصحبهم، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل، فقتلوه، وانطلقوا بخُبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر، فمكث عندهم أسيراً حتى إذا أجمعوا قتله استعار موساً من بعض بنات4 الحارث ليستحد بها،

_ 1 هو: خُبيب بن عدي بن مالك بن عامر بن مجدعة بن جَحْجَبَى الأوسي الأنصاري، شهد بدراً، وأحد العشرة في سرية الرجيع. الإصابة (1/ 418) . 2 زيد بن الدَّثِنَة بفتح الدال وكسر المثلثة، بعدها نون ابن معاوية البياضي، شهد بدراً وأحداً، وكان في غزوة بئر معونة، فأسره المشركون وقتلته قريش بالتنعيم، الإصابة (1/ 565- 566) هكذا في الإصابة، والصواب أن زيداً كان مع أهل الرجيع كما في الصحيح، وانظر: الاستيعاب (2/ 122) . 3 هو: عبد الله بن طارق، كما في سيرة ابن هشام (2/ 169) . 4 قيل: اسمها: زينب بنت الحارث، وهي أخت عقبة بن الحارث الذي قتل خبيباً، وقيل: امرأته. الفتح (7/ 382) .

فأعارته، قالت: فغفلت عن صبي لي1، فدرج2 إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعت فزعة عرف ذا منها، وفي يده الموسى، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذاك إن شاء الله، وكانت تقول: ما رأيت أسيراً قط خيراً من خُبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب، وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزق رزقه الله، فخرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا ما بي جزع من الموت لزدت فكان أول من سنَّ الركعتين عند القتل هو3، ثم قال: اللهم أحصهم عدداً، ثم قال: ما إن أبالي حين أُقْتَلُ مسلماً ... على أي شق كان لله مصرعي يبارك وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... على أوصال4 شِلْوٍ5 مُمزَّع6

_ 1هذا الصبي هو: أبو حسين بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي المحدث. الفتح (7/ 382) . 2 درج: أي مشى إليه. القاموس 240 (دَرَجَ) . 3 أخرج الواقدي من طريق الزهري (2/ 358) أن أول من سن الركعتين خبيب. 4 الأوصال: جمع وصل وهو العضو، فتح الباري (7/ 384) . 5 الشلو: بكسر المعجمة الجسد، وقد يطلق على العضو، ولكن المراد به هنا الجسد. فتح الباري (7/ 384) . 6 الممزع: بالزاي ثم المهملة: المقطع، ومعنى الكلام: أعضاء جسد يقطع. فتح الباري (7/ 384) .

ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيماً1 من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبْر2 فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء3. 59- قال ابن سعد4: أخبرنا عبد الله بن إدريس الأودي5، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان

_ 1 لعل العظيم هو: عقبة بن أبي معيط. الفتح (7/ 384) . 2 الظلّة: بضم المعجمة: السحابة، والدبْر: بفتح المهملة وسكون الموحدة: الزنابير، وقيل: ذكور النحل ولا واحد له من لفظه. الفتح (7/ 384) . 3 وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (9730) ، وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 55) وفيها ذكر سبب بعث هذه السرية، وستأتي، وتاريخ خليفة بن خياط (ص: 75) ، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد (13/ 459- 461 رقم [8096] ) ، وأخرجه أبو داود رقم (2660) مختصراً، وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (7093) ، والطبراني في الكبير رقم (4191) ، و (17/ 175 رقم 463) ، وسنن البيهقي (9/ 154) ، والدلائل (3/ 324) ، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 112) ، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 120) . 4 الطبقات الكبرى (2/ 55- 56) . 5 هو: عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي، بسكون الواو، أبو محمد الكوفي، ثقة فقيه عابد، من الثامنة، مات سنة اثنتين وتسعين وله بضع وسبعون سنة، ع، التقريب 295.

الظفري1، وأخبرنا معن بن عيسى الأشجعي2، أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب، عن عمر بن أسيد بن العلاء بن جارية3 - وكان من جلساء أبي هريرة رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رهط من عَضَل4 والقَارَة5 وهم إلى الهوْن بن خزيمة فقالوا: يا رسول الله: إن فينا إسلاماً، فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن ويعلمونا شرائع الإسلام، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم عشرة6 رهط: عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، ومرثد بن أبي مرثد، وعبد الله بن طارق، وخبيب بن عدي،

_ 1 عاصم بن عمر بن قتادة، تقدم في الرواية رقم (34) . 2 هو: معن بن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم، أبو يحيى المدني، القزاز، ثقة ثبت، قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك، من كبار العاشرة، مات سنة ثمان وتسعين ومائة، ع، التقريب 542. 3 هو: عمرو بن أبي سفيان بن أسيد، بفتح أوله ابن جارية بالجيم، الثقفي المدني حليف بني زهرة، وقد ينسب إلى جده، ويقال: عمر، ثقة، من الثالثة، خ م د س، التقريب (422) . 4 عَضَل: بفتح المهملة ثم المعجمة بعدها لام: بطن من بني الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، ينسبون إلى عَضَل بن الديش بن محكم. فتح الباري (7/ 379) . 5 القارة: بالقاف وتخفيف الراء بطن من الهون أيضاً ينسب إلى الديش المذكور، المصدر السابق. وقال ابن دريد: القارة أكمة سوداء فيها حجارة كأنهم نزلوا عندها فسموا بها. المصدر السابق. 6 ذكر عشرة رهط، ولكن لم يسم إلا سبعة وقد ورد عددهم عشرة عند البخاري رقم (3989) .

وزيد بن الدَّثِنة، وخالد بن أبي البكير، ومعتب بن عبيد، وهو أخو عبد الله بن طارق لأمه، وهما من بلي حليفان في بني مظفر، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت، وقال قائل: مرثد بن أبي مرثد، فخرجوا حتى إذا كانوا على الرجيع، وهو ماء لهذيل بصدور الهَدَة1، والهدة على سبعة أميال منها، والهدة على سبعة أميال من عسفان، فغدروا بالقوم واستصرخوا عليهم هذيلاً، فخرج إليهم بنو لحيان فلم يرع القوم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم، فأخذ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيوفهم فقالوا لهم: إنا والله ما نريد قتالكم إنما نريد أن نصيب بكم ثمناً من أهل مكة ولكم العهد والميثاق ألاّ نقتلكم، فأما عاصم بن ثابت ومرثد بن أبي مرثد وخالد

_ 1 عند البخاري في الصحيح رقم (3989) : حتى إذا كانوا بالهدة ... الحديث، وذكر الحافظ ابن حجر: أنها الهدْأَة، بسكون الدال بعدها همزة مفتوحة، وذكر أنه عند الكشميهني بفتح الدال وتسهيل الهمزة، وعند ابن إسحاق بتشديد الدال بغير ألف. الفتح (7/ 380) . وقال البكري: "هكذا رواه البخاري عن عمر بن أسيد عن أبي هريرة فلما كانوا بالهدأة (بفتح الهاء وإسكان الدال المهملة بعدها همزة مفتوحة" معجم ما استعجم (1/ 642) . والذي في البخاري: (الهدة) بدون همزة، وهي كذلك عند ياقوت. انظر معجم البلدان (5/ 395- 396) . قال ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 170) : "وهي على سبعة أميال من عسفان. وتبعد عن مكة ما يقرب من (65) كيلاً. انظر: معالم مكة التاريخية والأثرية لعاتق بن غيث البلادي (ص: 111) .

بن أبي البكير ومعتب بن عبيد فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهداً وعقداً أبداً، فقاتلوهم حتى قتلوا، وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق فاستأسروا وأعطوا يأيديهم، وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه، من سلافة بنت سعد بن شُهيد، وكانت نذرت لتشربن في قِحْفِ1 عاصم الخمر، وكان قتل ابنيها مسافعاً وجلاساً يوم أحد فحمته الدبر، فقالوا: أمهلوه حتى تمسي فإنها لو قد أمست ذهبت عنه فبعث الله الوادي فاحتمله، وخرجوا بالنفر الثلاثة حتى إذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران2 وأخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه، فقبره بمر الظهران، وقدموا بخبيب وزيد مكة، فأمّا زيد فابتاعه صفوان بن أمية، فقتله بأبيه، وابتاع حجير بن أبي إهاب خبيب بن عدي لابن أخته عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل ليقتله بأبيه، فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم، ثم أخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما، وكانا صليا ركعتين ركعتين قبل أن يقتلا، فخبيب أول من سنّ ركعتين عند القتل.

_ 1 قِحف: المراد قحف الرأس وهو الذي فوق الدماغ، وقيل: ما انفلق من جمجمته وانفصل. النهاية (4/ 17) . 2 القَرَن: بالتحريك، الحبل الذي يشد به، والقرن: الحبل. النهاية (4/ 53) .

المبحث السادس: في سرية بئر معونة سنة أربع

المبحث السادس: في سرية بئر مَعُونة1 سنة أربع2 60- عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: أخبرني ابن كعب ابن مالك3 قال: جاء ملاعب الأسنة4 إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية، فعرض عليه

_ 1 بئرة مَعُونة: - بفتح الميم وضم العين المهملة - مكان من ديار نجد، قريبة من أُبْلى، وأبلى سلسلة جبلية سوداء تقع غرب المهد (معدن بني سليم قديماً) إلى الشمال، وتتصل غرباً بحرة الحجاز العظيمة، وهي اليوم ديار (مطير) ولم تعد (سليم) تقربها، انظر: معجم المعالم الجغرافية (52) ، والمعالم الأثيرة (43) . 2 ذكر ابن إسحاق أنها كانت في شهر صفر على رأس أربعة أشهر من أحد، (ابن هشام 2/ 183) ، وانظر: مغازي الواقدي (1/ 346) ، والطبقات الكبرى (2/ 51) . وكذلك ذكرها البلاذري في أنساب الأشراف قسم السيرة (1/ 194) . قال ابن كثير: "وأغرب مكحول رحمه الله حيث قال: إنها كانت بعد الخندق". البداية والنهاية (4/ 73) .، وذكر الزرقاني: أن بعضهم جعلها في المحرم، وقدمها على بعث الرجيع، شرح المواهب (2/ 74) . 3 هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، كما في الطبقات الكبرى (2/ 54، 3/ 555) ، وقد صرح الزهري بالحديث عنده. 4 هو: أبو براء عامر بن مالك بن جعفر، المشهور بملاعب الأسنّة. انظر: ابن هشام (2/ 184) . قال السهيلي: "سمي ملاعب الأسنّة في يوم (سُوبان) وهو يوم كانت فيه وقيعة في أيام جبلة، وهي أيام حرب كانت بين قيس وتميم، وكان سبب تسميته في يوم سوبان ملاعب الأسنة أنَّ أخاه الذي يقال له: فارس قرزل، وهو طفيل بن مالك كان أسلمه في ذلك اليوم، وفر، فقال عامر: فررت وأسلمت ابن أمك عامراً يلاعب أطراف الوشيج المزعزع فسمي ملاعب الأسنة". الروض (3/ 238) .

الإسلام فأبى أن يسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إني لا أقبل هدية مشرك. قال: فابعث إلى أهل نجد من شئت فأنا لهم جار، فبعث إليهم نفراً عليهم المنذر ابن عمرو1، وهو الذي كان يقال له: المعنق ليموت2، وفيهم عامر بن فهيرة3، فاستجاش4 عليهم عامر بن الطفيل من بني عامر فأبوا أن

_ 1 هو: المنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة الخزرجي الساعدي الأنصاري، عقبي بدري نقيب، استشهد يوم بئر معونة، كان يلقب: (المعنق ليموت) . انظر: الإصابة (3/ 460- 461) . 2 أعنق ليموت: أي إن المنية أسرعت به وساقته إلى مصرعه. النهاية (3/ 310) . 3 هو: عامر بن فهيرة التميمي، مولى أبي بكر، أحد السابقين، وكان ممن يعذب في الله، استشهد ببئر معونة. الإصابة (2/ 256) . وقد روى الزهري عن عروة بن الزبير مرسلاً: أنهم لما دُفنوا التمسوا جسد عامر ابن فهيرة فلم يقدروا عليه، فيرون أن الملائكة دفنته. مصنف عبد الرزاق (5/ 383) ، وأنساب الأشراف، قسم السيرة (1/ 194) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم رقم (441) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 55، 2/ 54) ، والحلية لأبي نعيم (1/ 110) ، وابن هشام (2/ 186) ، والطبراني في الكبير من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وغيره (19/ 71 رقم 140) ، وأسد الغابة (3/ 137) ، وعيون الأثر (2/ 69) ، والإصابة (2/ 256) . وقصة قتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة قد أخرجها البخاري في الصحيح من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. صحيح البخاري مع الفتح (7/ 388 رقم (4093) . أما كونه قد رفع إلى السماء ووضع على الأرض فقد أخرجه البخاري عن عروة مرسلاً (المصدر السابق) . وقد ذكر الواقدي عن الزهري أن الذي قتل عامراً هو: جبار بن سلمى الكلابي. مغازي الواقدي، وأنساب الأشراف قسم السيرة (1/ 194) ودلائل أبي نعيم رقم (441) . 4 استجاش: أي طلب لهم الجيش وجمعه عليهم. النهاية (1/ 324) .

يطيعوه، وأبوا أن يخفروا1 ملاعب الأسنة، قال: فاستجاش عليهم بني سُليم2 فأطاعوه، فاتبعوهم بقريب من مائة رامٍ، فأدركوهم ببئر معونة، فقتلوهم إلا عمرو بن أميّة الضمري3، فأرسلوه"4.

_ 1 يقال: خفرت الرجل: أجرته وحفظته، وخفرته إذا كنت له خفيراً، أي حامياً وكفيلاً، وأخفرت الرجل، إذا نقضت عهده وذمامه. النهاية (2/ 52) . 2 هم بنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خَصَفَة بن قيس بن عيلان. انظر: جمهرة النسب للكلبي (394- 395) ، ونهاية الأرب للقلقشندي (271) ومعجم قبائل الحجاز للبلادي (ص: 226) . 3 وكان عددهم: سبعين رجلاً. انظر: البخاري مع الفتح (6/ 18- 19 رقم (2801) و (7/ 385 رقم (4088) ورقم (4090) ، ومسلم بشرح النووي (13/ 47) ومسند أحمد، انظر: فتح الرباني (3/ 297 و21/ 63- 64) ، وابن سعد (2/ 52) ، والطبري في تاريخه (2/ 546ـ549) ، ودلائل البيهقي (3/ 343) وهو الصحيح. أما ابن إسحاق فقد ذكر أنهم كانوا أربعين رجلاً. ابن هشام (2/ 184) ، وتبعه الواقدي، المغازي (2/ 346) . ثم قال الحافظ ابن حجر بعد ذكره لرواية ابن إسحاق التي تذكر الأربعين: "ويمكن الجمع بينه وبين الذي في الصحيح بأن الأربعين كانوا رؤساء، وبقية العدة أتباعاً". الفتح (7/ 387) . 4 ذكر ابن إسحاق أن عمراً كان في سرح القوم فنجا من القتل، ثم ذكر رجلاً آخر هو: كعب بن زيد أخو بني دينار بن النجار فإنهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل بالخندق، ثم ذكر رجلاً ثالثاً من الأنصار، قال ابن هشام: هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح، انظر ذلك عند ابن هشام (2/ 185) . أما رواية البخاري ففيها: " ... فقتلوا جميعاً غير الأعرج" ويظهر أن المراد بالأعرج: حرام أخو أم سليم، كما في روايته في الصحيح، وليس كذلك، بل هو: كعب بن زيد من بني دينار بن النجار، كما نبه على ذلك الحافظ". انظر: الفتح (7/ 386- 387) . وهو موافق لرواية ابن إسحاق المتقدمة. أما الواقدي فقد ذكر بأن الذي نجا مع عمرو بن أمية: الحارث بن الصمة. المغازي (2/ 348) . وقال ابن سيد الناس بعد ذكره لبعض من استشهد: "والمختلف في قتله في هذه الواقعة مختلف في حضوره، فأرباب المغازي متفقون على أن الكل قتل إلا عمرو ابن أمية الضمري، وكعب بن زيد بن قيس بن مالك بن عبد الأشهل بن حارثة ابن دينار، فإنه جرح يوم بئر معونة ومات بالخندق". عيون الأثر (2/ 71) . وقد ذكر أصحاب المغازي أن عمراً أسره عامر بن الطفيل فجزّ ناصيته ثم أعتقه على رقبة كانت على أمه. انظر: ابن هشام (2/ 185) ومغازي الواقدي (1/ 348) ، والطبقات الكبرى (2/ 52) ، ودلائل البيهقي (3/ 342) .

قال الزهري: فأخبرني عروة بن الزبير أنه لما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أمِنْ بينهم؟ قال الزهري: “وبلغني أنهم لما دُفنوا التمسوا جسد عامر بن فهيرة فلم يقدروا عليه، فيرون أن الملائكة دفنته"1.

_ 1 المصنف (5/ 382- 383) .

المبحث السابع: في أثر وقعة بئر معونة على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين

المبحث السابع: في أَثَرِ وقعة بئر معونة على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين1 61- أخرج الإمام مسلم في صحيحه من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنهما سمعا أبا هريرة يقول: “ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر، ويرفع رأسه: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد) ثم يقول وهو قائم: “اللهم أنج الوليد بن الوليد2، وسلمة ابن هشام3، وعياش بن أبي ربيعة4، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم

_ 1 عن أنس رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة. ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 54) . 2 هو: الوليد بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي، أخو خالد بن الوليد، كان حضر بدراً مع المشركين فأُسر فافتداه أخواه هشام وخالد، ولما أسلم حبسه أخواله فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت كما في الصحيح. الإصابة (3/ 639) . 3 سلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي أخو أبي جهل والحارث، يكنى أبا هشام، كان من السابقين، استشهد بِمَرْجِ الصُّفَّر في المحرم سنة أربع عشرة، وقيل استشهد بأجنادين. الإصابة (2/ 68- 69) . 4 عياش بن أبي ربيعة واسمه عمرو، يلقب بذي الرمحين، ابن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي ابن عم خالد، كان من السابقين، وهاجر الهجرتين، ثم خدعه أبو جهل، إلى أن رجعوه من المدينة إلى مكة فحبسوه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت كما ثبت في الصحيح. الإصابة (3/ 47) .

اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسني يوسف، اللهم العن لحيان ورعلاً1، وذَكْوان2 وعُصَيَّة3 عصت الله ورسوله” 4 ثم بلغنا أنه ترك

_ 1 رِعْل: بكسر الراء وسكون المهملة بعدها لام، هم بطن من بني سُليم، ينسبون إلى رعل بن عوف بن مالك بن امرئ القيس بن لهيعة بن سليم. فتح الباري (6/ 19) تحت حديث رقم (2801) و (7/ 279) . 2 ذكوان: بطن من بني سليم أيضاً ينسبون إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم. الفتح (7/ 279) . 3 عُصيَّة: بطن من بني سليم - مصغر -، قبيلة تنسب إلى عصية بن خفاف بن ندبة بن بهثة بن سليم. الفتح (7/ 392) . 4 صحيح مسلم (1/ 466 رقم 675) ، وأخرجه مسلم أيضاً من طرق مختلفة، وألفاظ متقاربة انظرها بعد هذا الحديث. وأخرجه البخاري في الصحيح (الفتح 8/ 226 رقم 4559) دون ذكر لحيان ورعل وذكوان وعصية. وأخرجه البخاري من غير طريق الزهري وفيه ذكر القبائل المذكورة، صحيح البخاري مع الفتح (7/ 385 رقم 4090) ، وأخرجه الشافعي في مسنده (1/ 86- 87) ، والحميدي رقم (939) ، وأحمد في المسند (12/ 431، رقم [7465] أرناؤوط) ، والنسائي 2/ 201، وأبو عوانة من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري به، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 316- 317) ، والدارمي في سننه (1/ 374) ، وابن خزيمة رقم (619) ، والطبري في تهذيب الآثار رقم (539) ، والطحاوي (1/ 242) ، وابن حبان رقم (1972) ، والبيهقي في السنن (2/ 197 و244) ، والبغوي في شرح السنة رقم (637) .

ذلك لما أنزل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} 1.

_ 1 الآية (128) من سورة آل عمران. وقد أخرج البخاري من حديث أنس رضي الله عنه سبب نزول هذه الآية وأن ذلك كان في أحد عندما شج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عليه الصلاة والسلام: "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ ". فنزلت الآية: {ليسَ لكَ مِنَ الأمْرِ شيء} البخاري مع الفتح (7/ 365 رقم 4069) . قال الحافظ: "قلت: وهذا إن كان محفوظاً احتمل أن يكون نزول الآية تراخي عن قصة أحد، لأن قصة رعل وذكوان كانت بعدها، والصواب أنها نزلت في شأن الذي دعا عليهم بسبب قصة أحد، والله أعلم. اهـ. ثم قال: "ويؤيد ذلك ظاهر قوله تعالى في صدر الآية: {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: يقتلهم {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} أي يخزيهم {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} أي: فيسلموا {أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} أي: إن ماتوا كفاراً". انظر: الفتح 7/ 366، تحت رقم (4070) . وقال رحمه الله في موضع آخر (الفتح 8/ 227) ، عند شرحه للحديث رقم (4560) المتعلق بقصة رعل وذكوان ونزول الآية فيهم: قال: تقدم استشكاله في غزوة أحد، وأن قصة رعل وذكوان كانت بعد أحد، ونزول: {ليسَ لكَ مِنَ الأمْرِ شيء} كان في قصة أحد، فكيف يتأخر السبب عن النزول، ثم ذكر بلاغ الزهري عند مسلم وقال عنه: "وهذا لا يصح، ثم حاول الجمع بين سبب نزول الآية في أحد ونزولها في قصة بئر معونة فقال: ويحتمل أن يقال إن قصتهم كانت عقب ذلك وتأخر نزول الآية عن سببها قليلاً ثم نزلت في جميع ذلك والله أعلم". اهـ. الفتح (8/ 227) . وَذِكْرُ بني لحيان في هذه الرواية وهْمٌ حيث إنهم أصابوا بعث الرجيع وليس لهم علاقة بحادثة بئر معونة، قال ابن سيد الناس بعد ذكره لرواية مسلم: وهو يوهم أن بني لحيان ممن أصاب القُرَّاء يوم بئر معونة وليس كذلك، وإنما أصاب هؤلاء رعل وذكوان وعصية ومن صحبهم من سليم، وأما بنو لحيان فهم الذين أصابوا بعث الرجيع، وإنما أتى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم كلّهم في وقت واحد، فدعا على الذين أصابوا أصحابه في الموضعين دعاءً واحداً. عيون الأثر (2/ 72) . وقال ابن حجر: "ذكر بني لحيان في هذه القصة وهم، وإنما كان بنو لحيان في قصة خبيب في غزوة الرجيع التي قبل هذه". الفتح (7/387) تحت رقم (409) .

المبحث الثامن: في غزوة ذات الرقاع

المبحث الثامن: في غزوة ذات الرقاع1

_ 1 اختلف أصحاب السير والمغازي في تاريخ وقوعها، فقد ذكر ابن إسحاق أنها في جمادى سنة أربع بعد غزوة بني النضير، ابن هشام (2/ 203) ، وقال الواقدي: إنها كانت في المحرم ليلة السبت لعشر خلون منه، وذلك على رأس سبعة وأربعين شهراً، المغازي (1/ 395) ، وتابع ابن سعد شيخه الواقدي في ذلك. انظر: الطبقات (2/ 61) . قال الحافظ ابن حجر: "وأما موسى بن عقبة فجزم بتقديم وقوع غزوة ذات الرقاع، لكن تردد في وقتها، فقال: لا ندري كانت قبل بدر أو بعدها، أو قبل أحد أو بعدها، وهذا التردد لا حاصل له، بل الذي ينبغي الجزم به أنها بعد غزوة بني قريظة". اهـ. فتح الباري (7/ 417) . وبمعنى هذا ذكر ابن القيم في الزاد (3/ 254) ، ونَقْلُ ابن القيم وابن حجر لهذا القول عن موسى بن عقبة فيه نظر،

_ لأن محمد باقشيش قد ذكر في رسالته (مرويات موسى بن عقبة) نقلاً عن مسند أبي عوانة، أن موسى بن عقبة يجعل غزوة ذات الرقاع بعد بني النضير. انظر: رسالة الباحث محمد باقشيش (مرويات موسى بن عقبة:214) . والصواب أن ذات الرقاع كانت بعد خيبر وهو ما رجحه البخاري وابن حجر وذلك لأمور منها: 1- أن أبا هريرة رضي الله عنه شهدها، وأبو هريرة لم يسلم إلا في سنة سبع عام خيبر. انظر: صحيح البخاري مع الفتح (7/ 426 رقم (4137) ، ومسند أحمد (14/ 12 رقم [8260] أرناؤوط) وسنن أبي داود رقم (1240) ، وسنن النسائي (3/ 173- 174) ، وصحيح ابن خزيمة رقم (1361) ، وشرح معاني الآثار (1/ 314) ، والمستدرك للحاكم (1/ 338) ، والسنن الكبرى للبيهقي (3/ 264) . 2- أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه شهدها مع أنه قد ثبت أن أول مشاهده رضي الله عنه الخندق، سنة خمس من الهجرة. انظر ذلك في صحيح البخاري مع الفتح (2/ 429 رقم (943) ورقم (4132) ، وسنن الدارمي رقم (1521) ، ومنتقى ابن الجارود. انظر: الغوث رقم (233) ، والطبراني في الكبير (12/ 280 رقم (13114) ، وسنن البيهقي (3/ 260) ، ودلائل النبوة له (3/ 379) . 3- شهود أبي موسى الأشعري رضي الله عنه للغزوة، وهو إنما قدم من الحبشة سنة 7هـ- عام خيبر. انظر: صحيح البخاري مع الفتح (7/ 417 رقم (4128) ، هذه الأمور وغيرها ذكرها الحافظ بمعناها في الفتح (7/ 417) ، ثم قال رحمه الله بعد ذكره للخلاف في ذلك: "فالأولى الاعتماد على ما ثبت في الحديث الصحيح" (الفتح 7/ 418) ويقصد بذلك وقوعها بعد خيبر. وسميت بذات الرقاع: لما لفوا في أرجلهم من الخرق. صحيح البخاري مع الفتح (7/ 417) من حديث أبي موسى رضي الله عنه. وذكر أهل المغازي في تسميتها بذلك أموراً غير ذلك. انظرها في الفتح (7/ 419) .

62- أخرج البخاري من طريق محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن سنان بن أبي سنان الدؤلي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره: "أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل نجد1 فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة في وادٍ كثير العضاة2 فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في العضاة يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة3، فعلق بها سيفه، قال جابر: فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي4 جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا

_ 1 قبل نجد: المراد بها غزوة ذات الرقاع، كما وقع التصريح بها في حديث آخر، أخرجه البخاري عن جابر رضي الله عنه. انظر: الصحيح مع الفتح 7/ 426 رقم (4136) ، ووقع التصريح بها أيضاً عند أبي داود من حديث أبي هريرة، وفيه " ... خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجد حتى إذا كنا بذات الرقاع من نخل لقي جمعاً من غطفان ... " سنن أبي داود 2/ 34 رقم (1241) ، وتاريخ الطبري 2/ 556- 557. 2 كثير العضاة: - بكسر المهملة وتخفيف الضاد المعجمة - كل شجر يعظم له شوك، وقيل: هو العظيم من السمر مطلقاً. فتح الباري 7/ 427. 3 تحت سمرة: أي شجرة كثيرة الورق، الفتح 7/ 427، وقال ابن الأثير: هو ضرب من شجر الطلح، الواحدة سمرة. النهاية 2/ 399. 4 اسم الأعرابي: غورث بن الحارث، ذكره البخاري معلقاً: الصحيح مع الفتح 7/ 426 رقم (4136) .

اخترط1 سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتاً2، فقال لي: ما يمنعك مني؟ قلت: الله3، فها هو ذا جالس، ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم"4. 63- وأخرج البخاري أيضاً من طريق شعيب عن الزهري، قال: سألته هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم - يعني صلاة الخوف - قال: أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل نجد5، فوازينا6 العدو، فصافَفْنا

_ 1 اخترط: أي سله من غمده، وهو افتعل من الخرط. النهاية 2/ 23. 2 صلتاً: بفتح المهملة وسكون اللام بعدها مثناة، أي: مجرداً من غمده. الفتح 7/ 427. 3 إشارة إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} . 4 صحيح البخاري مع الفتح 7/ 426 رقم (4135) ، وانظر رقم (4136) ورقم (2910) و (2913) و (4139) ، ومسلم رقم (843) وما بعدها، وتفسير عبد الرزاق 1/ 185، والمعرفة والتاريخ 1/ 390، وصحيح ابن حبان 10/ 399 رقم (4537) ، والسنن الكبرى للبيهقي 6/ 319، والدلائل 3/ 373، ودلائل النبوة لقوَّام السنة الأصبهاني التيمي 2/ 683 رقم (89) ، وتاريخ الإسلام للذهبي، قسم المغازي ص 248، والإصابة 3/ 189. 5 قبل نجد: المراد غزوة ذات الرقاع كما تقدم. ونجد كل ما ارتفع من بلاد العرب، وهذه الغزوة كانت شرق المدينة جهة نجد على بعد مائة كيلو تقريباً عند بلدة الحناكية اليوم، انظر: معجم المعالم الجغرافية 317. 6 فوازينا: بالزاي: أي قابلنا. الفتح 2/ 430.

لهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا، فقامت طائفة معه تصلي، وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا فكان الطائفة التي لم تصل، فجاءوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين"1.

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 2/ 429 رقم (942) كتاب الخوف، و7/ 422 رقم (4132) ، والنسائي 3/ 171 رقم (1539) ، والدارمي رقم (1521) ، وسنن البيهقي 3/ 260، والدلائل له 3/ 379.

الفصل الخامس: في غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع

الفصل الخامس: في غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع المبحث الأول: في تايخ الغزوة ... المبحث الأول: في تأريخ الغزوة 64- قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل1 ببغداد، قال: أخبرنا أبو عمرو2 بن السماك، قال: حدثنا حنبل3 بن إسحاق، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي عن محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب في ذكر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثم قاتل بني المصطلق4 وبني لحيان في شعبان5 من سنة خمس6.

_ 1 اسمه: علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أبو الحسين الأموي المعدل، قال الخطيب: "كان صدوقاً ثقة ثبتاً حسن الأخلاق". تاريخ بغداد 12/ 98- 99. 2 هو: عثمان بن أحمد بن عبد الله بن يزيد أبو عمرو الدقاق المعروف بابن السماك، قال الخطيب: "وكان ثقة ثبتاً". تاريخ بغداد 11/ 302. 3 هو: حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد، أبو علي الشيباني، ابن عم أحمد ابن حنبل، قال الخطيب: "وكان ثقة ثبتاً". تاريخ بغداد 8/ 286- 287. 4 المصطلق: بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء وكسر اللام بعدها قاف، وهو لقب واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة، بطن من بني خزاعة. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير 3/ 219، وفتح الباري 7/ 430 تحت رقم (4138) . 5 باتفاق المؤرخين، وانظر ابن هشام 2/ 289، ومغازي الواقدي 1/ 404، والطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 63 و8/ 218، وتاريخ الطبري 2/ 604، والبيهقي في السنن9/ 54، والدلائل 4/45، وعيون الأثر 2/134، وتاريخ الإسلام للذهبي قسم المغازي 349، والبداية والنهاية 4/156، وفتح الباري7/ 430. 6 دلائل النبوة للبيهقي من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب مرسلة، ثم قال:

_ "وهذا أصح مما روي عن ابن إسحاق أن ذلك كان سنة ست، وقد ذكر البخاري في الصحيح عن موسى بن عقبة أنها سنة أربع" صحيح البخاري مع الفتح 7/ 428. لكن المشهور عن موسى بن عقبة أنه ذكرها سنة خمس، قال ابن كثير بعد ذكره لقول البخاري: "هكذا رواه البخاري عن مغازي موسى بن عقبة أنها كانت في سنة أربع، والذي حكاه عنه وعن عروة أنها كانت في شعبان سنة خمس". البداية والنهاية 4/ 156. وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكره لقول البخاري: "وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس، فكتب سنة أربع، والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم؛ سنة خمس" الفتح 7/ 430. ثم قال: "وقال الحاكم في الإكليل: قول عروة وغيره أنها كانت في سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق". الفتح 7/ 430. ثم قال ابن حجر أيضاً: "قلت: ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك كما سيأتي، فلو كان المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك كان فيها لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطاً، لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة، وكانت سنة خمس على الصحيح كما تقدم تقريره، وإن كانت كما قيل سنة أربع فهي أشد، فيظهر أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان لتكون قد وقعت قبل الخندق، لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس أيضاً فتكون بعدها فيكون سعد بن معاذ موجوداً في المريسيع ورمي بعد ذلك بسهم في الخندق، ومات من جراحته في قريظة". الفتح 7/ 430. ثم ذكر رحمه الله مرجحاً آخر على أنها كانت سنة خمس فقال: "ويؤيده أيضاً أن حديث الإفك كان سنة خمس، إذ الحديث فيه التصريح بأن القصة وقعت بعد نزول الحجاب، والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة فيكون المريسيع بعد ذلك فيرجح أنها سنة خمس، وأما قول الواقدي: إن الحجاب كان في ذي القعدة سنة خمس فمردود، وقد جزم خليفة وأبو عبيدة وغير واحد بأنه كان سنة ثلاث، فحصلنا في الحجاب على ثلاثة أقوال أشهرها سنة أربع والله أعلم". اهـ. الفتح 7/ 430. وممن ذكرها في سنة خمس أبو معشر السندي. انظر: الفتح 7/ 430. وهو بصير بالمغازي كما قال أحمد. انظر: التهذيب 10/ 420 رقم (758) ، والواقدي في المغازي 1/ 404، وابن سعد في الطبقات الكبرى 3/ 63 و8/ 218، والبلاذري في أنساب الأشراف 341، وابن عبد البر في الاستيعاب 4/ 366، وابن الجوزي كما في المنتظم 3/ 214، وتاريخ الإسلام للذهبي، قسم المغازي 349، وابن القيم في الزاد 3/ 256. وأما ابن إسحاق فقد ذكر أنها وقعت سنة ست. انظر: ابن هشام 2/ 289، وتبعه في ذلك خليفة بن خياط في تاريخه 80، والطبري كما في التاريخ 2/ 604، والطبراني كما قال الهيثمي في المجمع 6/ 289.

المبحث الثاني: في مقولة ابن أبي في غزوة بني المصطلق

المبحث الثاني: في مقولة ابن أبيّ في غزوة بني المصطلق 65- قال ابن شبَّة1: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا محمد ابن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: خرج عبد الله بن أبيّ في عصابة من المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فلما رأى كأن الله قد نصر رسوله وأصحابه أظهروا قولاً سيئاً في منزل نزله

_ 1 تاريخ المدينة 1/ 349، بسند مرسل، وتشهد له الرواية الآتية عند ابن أبي حاتم.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: جعال1 - وهم زعموا - أحد بني ثعلبة، ورجل من بني غفار يقال: جهجاه2، فعلت أصواتهما واشتد جهجاه على المنافقين، ورد عليهم، وزعموا أن جهجاه خرج بفرس لعمر رضي الله عنه يسقيه - وكان أجيراً لعمر رضي الله عنه - ومع جعال فرس لعبد الله بن أبيّ، فأوردوهما الماء فتنازعوا على الماء واقتتلوا، فقال عبد الله بن أبيّ: هذا ما جاوزنا به، آويناهم ومنعناهم ثم هؤلاء يقاتلون، وبلغ حسان بن ثابت الذي كان بين جهجاه الغفاري وبين

_ 1 هو جعال بن سراقة الضمري، أوالغفاري أو الثعلبي. الإصابة 1/ 235. 2 هو جهجاه بن سعيد، وقيل: ابن قيس، وقيلك ابن مسعود الغفاري، شهد بيعة الرضوان بالحديبية، مات بعد عثمان بأقلّ من سنة. الإصابة 1/ 253. وورد في الصحيحين من طريق عمرو بن دينار عن جابر قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ... " دون ذكر لأسماء معينة. صحيح البخاري رقم (4097) ، ومسلم بشرح النووي 16/ 138، وفي رواية مسلم الأخرى من طريق أبي الزبير عن جابر: " ... اقتتل غلامان؛ غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار ... " مسلم بشرح النووي 16/ 137- 138. أما ابن إسحاق فقد ذكر أن المتنازعين هما: جهجاه بن مسعود أجير لعمر بن الخطاب من بني غفار، وسنان بن وبر الجهني حليف ابن عوف بن الخزرج. ابن هشام 2/ 290، وفي مغازي الواقدي 2/ 215، جهجاه بن سعيد الغفاري وسنان بن وبر الجهني، وكذا ذكر ابن سعد في الطبقات 2/ 64- 65. وعند الطبري في التفسير 28/ 113- 114: "اقتتل رجلان أحدهما من جهينة والآخر من غفار) .

الفتية الأنصاريين فغضب، وقال: وهو يريد المهاجرين من القبائل الذين يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام: أمسى الجلابيب1 قد عزوا وقد كثروا ... وابن الفُريعة2 أمسى بيضة البلد3 فخرج رجل من بني سليم مغضباً من قول حسان رضي الله عنه فلما خرج ضربه حتى قيل قتله، ولا يراه إلا صفوان بن معطل، فإنه بلغنا أنه ضرب حسان بالسيف4، فلم يقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده لضرب السلمي حسان، فقال: خذوه، فإن هلك حسان فاقتلوه، فأخذوه فأسروه وأوثقوه، وبلغ

_ 1 الجلابيب: جمع جلباب وهو الإزار والرداء، وقيل: الملحفة. النهاية 1/ 283، ويعني بالجلابيب: الغرباء. الروض الأنف 4/ 21. 2 ابن الفريعة هو: حسان بن ثابت رضي الله عنه وهي الفريعة - بالفاء والعين المهملة مصغراً - بنت خالد بن حبيش الخزرجية. الإصابة 1/ 326. 3 بيضة البلد: يعني متفرداً، وهي كلمة يتكلم بها في المدح تارة وفي معنى القِلِّ أخرى، يقال: فلان بيضة البلد أي: أنه واحد في قومه، عظيم فيهم، وفلان بيضة البلد: يريد أنه ذليل ليس معه أحد. الروض 4/ 21، وانظر ديوان حسان 69، تحقيق: عبد أمهنا. 4 الذي ذكره ابن إسحاق كما في ابن هشام (2/ 304- 305) بسند صحيح كما ذكر ذلك ابن حجر في تعجيل المنفعة 128: أن صفوان ضرب حساناً بعد أن آذاه وهجاه بعد اتهامه في قصة الإفك. وأما ضربه في هذه فهي قبل حدوث قصة الإفك كما يفهم من سياق الرواية، ويمكن أن يقال بتعدد الحادثة.

ذلك سعد بن عبادة فخرج في يومه فقال: أرسلوا الرجل، فأبوا عليه، فقال عمر رضي الله عنه: أثمّ إلى قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتمون وتؤذونهم وقد زعمتم أنكم نصرتموهم؟ فغضب سعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولقومه فنصرهم، وقال: أرسلوا الرجل، وأبوا عليه حتى كاد يكون بينهم، فقال: ثم أرسلوه، فخرج به سعد إلى أهله فكساه حلة1، ثم أرسله فبلغنا أن السلمي دخل المسجد ليصلي فيه فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من كساك؟ كساه الله من ثياب الجنة"2. قال: كساني سعد بن عبادة، وقال عبد الله بن أبيّ: والله لولا نفقتكم على هؤلاء السفهاء الذي ليس لهم شيء إلا ما ركبوا رقابكم، وما خرج معهم رجل واحد منهم، وللحقوا بعشائرهم فالتمسوا العيش، ولو أنا قد رجعنا إلى المدينة لقد أخرج الأعز منها الأذل، فأحصى الله عزوجل عليه ما قال وسمع زيد بن أرقم3- رجل من بني الحارث بن الخزرج -

_ 1 الحلة: واحدة الحلل، وهي: برود اليمن، ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد. النهاية 1/ 432. 2 ذكر هذه القصة الحافظ في الإصابة 2/ 191 ولم أجدها في كتب الحديث. 3 هو: زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج، مختلف في كنيته قيل: أبو عمر، وقيل: أبو عامر، استصغر يوم أحد، أول مشاهده الخندق، وقيل: المريسيع، وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، ثبت ذلك في الصحيح وهو الذي سمع عبد الله بن أبيّ يقول: ليخرجن الأعز منها الأذل، مات بالكوفة أيام المختار سنة ست وستين وقيل: ثمان وستين. الإصابة 2/ 560.

قول عبد الله بن أبيّ فأخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل لك في ابن أبيّ، فإنه يقول آنفاً: والله لولا نفقتكم على هؤلاء السفهاء ليس لهم شيء إلا ما ركبوا رقابكم، وما اتبعه منهم رجل وللحقوا بعشائرهم فالتمسوا العيش، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، أخبرني زيد بن أرقم أنه سمع هذا منه، فابعث إليه يا رسول الله عباد بن بشر1 أخا بني عبد الأشهل، أو معاذ بن عمرو ابن الجموح2 فليقتله، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، فلما رأى ذلك عمر رضي الله عنه سكت، وتحدث أهل عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة عبد الله بن أبيّ وأفاضوا3 فيها، فأذّن مكانه بالرحيل ولم يتقارّ4 في منزله، ولم يكن إلا أن نزل فارتحل، فلما استقل الناس قالوا: ما شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتقارّ في منزله لقد جاءه خبر، لعله أغير على المدينة وما فيها؟ فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن أبيّ فسأله عما تكلم به، فحلف بالله ما قال

_ 1 هو: عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل ذكره موسى بن عقبة فيمن شهد بدراً، قال واستشهد باليمامة، وهو ابن خمس وأربعين سنة. الإصابة 2/ 263. 2 هو: معاذ بن عمرو بن الجموح الأنصاري الخزرجي السلمي، تقدم في مبحث غزوة بدر. 3 أفاض القوم في الحديث يفيضون إذا اندفعوا فيه. النهاية 3/ 485. 4 أي يسكن ويقيم في منزله. النهاية 4/ 37.

من ذلك شيئاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن كان سبق منك قول شيء فتب"، فجحد وحلف فوقع رجال بزيد بن أرقم، وقالوا: أسأت بابن عمك1 وظلمته، ولم يصدقك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هم يسيرون رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يوحى إليه فلما قضى الله قضاءه في موطنه وسرّي عنه فإذا هو زيد بن أرقم، فأخذ بأذنه فعصرها حتى استشرف2 القوم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما شأنه فقال: "أبشر فقد صدق الله حديثك" فقرأ عليه سورة المنافقين حتى بلغ ما أنزل الله في ابن أبيّ: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} 3 إلى قوله: {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} 4 فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء5 من طريق

_ 1 ليس المراد أنه ابن عمه حقيقة، بل المراد أنه من قومه من الخزرج. انظر: ترجمته في الإصابة 2/ 560. 2 استشرف: أصل الاستشراف: أن تضع يدك على حاجبك وتنظر كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء، وأصله من الشرف: العلو، أي يتطلعون إليه وينظرون. النهاية 2: 462. 3 المنافقون، آية (7) . 4 المنافقون، آية (8) . 5 هكذا في الأصل [بقباء من طريق عمق] وعند البيهقي في الدلائل 4/ 59: فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم [صنعاء من طريق عمان ... ] ، وعند ابن إسحاق [ابن هشام 2/ 292] : (ثم راح بالناس حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع - يقال له: بقعاء - ... ) ويبدو لي أن هذا هو الصحيح، وأن كلمة (قباء) هنا محرفة من بقعاء. والله أعلم. والنقيع: وادٍ فحل من أودية الحجاز يقع جنوب المدينة ... أوله على بعد [40] كيلاً، وأقصاه على قرابة [120] كيلاً قرب الفرع. معجم المعالم الجغرافية 320.

عُمَق1 سرح ظهرهم، وأخذتهم ريح شديدة حتى أشفق، وقال الناس: يا رسول الله ما شأن هذه الريح؟ فزعموا أنه قال: "مات اليوم منافق عظيم النفاق2 ولذلك عصفت وليس عليكم منها بأس إن شاء الله" وكان موته غائظاً للمنافقين. قال جابر رضي الله عنهما: فرجعنا إلى المدينة فوجدنا منافقاً عظيم النفاق مات يومئذ، وسكنت الريح آخر النهار، فجمع الناس ظهرهم وفقدت راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإبل، فسعى الرجال يلتمسونها، فقال رجل من المنافقين كان في رفقة من الأنصار: أين يسعى هؤلاء الرجال؟ قال أصحابه: يلتمسون راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المنافق: ألا يحدثه الله بمكان راحلته؟

_ 1 العُمَق: موضع على جادة طريق مكة بين معدن بني سُلَيم وذات عرق، اللسان، عُمَق. 2 ذكر ابن إسحاق أن اسمه: رفاعة بن زيد بن التابوت. ابن هشام 2/ 292، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير 4/ 158، وهبوب الريح ذكرها مسلم عن جابر (شرح النووي على مسلم 17/ 127) دون ذكر لاسم الغزوة أو ذكر لاسم الرجل، وذكره أحمد في المسند 22/ 276 رقم [14378] أرناؤوط، وليس فيها أيضاً ذكر الغزوة.

فأنكر عليه أصحابه ما قال، وقالوا: قاتلك الله، فلم خرجت وهذا في نفسك؟ لا صحبتنا الساعة. فمكث المنافق معهم شيئاً ثم قام وتركهم فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع الحديث، فوجد الله قد حدثه حديثه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنافق يسمع: "إن رجلاً من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ألا يحدثه الله بمكان ناقته، وإن الله أخبرني بمكانها، ولا يعلم الغيب إلا الله، وإنها في الشعب المقابل لكم قد تعلق زمامها بشجرة" 1، فعمدوا إليها فجاءوا بها، وأقبل المنافق سريعاً حتى أتى الذين قال عندهم ما قال، فإذا هم جلوس مكانهم لم يقم منهم أحد من مجلسه، فقال: أنشدكم بالله هل أتى منكم أحدٌ محمداً، فأخبره بالذي قلت؟ قالوا: اللهم لا، ولا قمنا من مجلسنا هذا بعد. قال: فإني قد وجدت عند القوم حديثي، والله لكأني لم أُسلم إلا اليوم، وإن كنت لفي شك من شأنه، فأشهد أنه رسول الله، فقال له أصحابه: فاذهب إليه فليستغفر لك، فزعموا أنه ذهب إليه فاعترف بذنبه،

_ 1 ذكر ابن إسحاق هذه القصة من غير طريق الزهري، في غزوة تبوك، انظر: ابن هشام 2/ 523، وذكرها الواقدي في مغازيه: حدثني يونس بن محمد عن يعقوب بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد، ثم ذكر المتن، انظر: المغازي 3/ 1009- 1010، وذكر ابن كثير نقلاً عن ابن إسحاق هذه القصة مقتصراً على ذكر نزول المطر وضياع ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر: البداية والنهاية 5/ 9.

فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزعمون انه ابن اللّصيت1، ولم يزل - زعموا - يفسل2 حتى مات". 66- وقال ابن أبي حاتم3: حدثنا محمد بن عزيز الأيلي4 حدثني سلامة5، حدثني عقيل أخبرني محمد بن مسلم أن عروة بن الزبير وعمرو

_ 1 هو زيد بن اللصيت القينقاعي، انظر: سيرة ابن هشام 2/ 533، ومغازي الواقدي 3/ 1010، وأسد الغابة 2/ 298. قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد عن رجال من بني عبد الأشهل، فذكر حديثاً طويلاً يتعلق بغزوة تبوك، ثم ذكر قصة ابن اللصيت، وقد تبعه في ذلك الواقدي كما تقدم 3/ 1010، وابن جرير الطبري في التاريخ 3/ 105- 106، وابن الأثير كما في أسد الغابة 2/ 298، وابن سيد الناس كما في عيون الأثر 2/ 295، وابن إسحاق قد صرح بالسماع فيظهر أن حديثه حسن، ولا مانع من تعدد القصة، والله أعلم. 2 يفسل: الفسل: الرذل الذي لا مروءة له. القاموس 1346، مادة (فسل) . 3 ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4/ 371- 372، وقد راجعت تفسير ابن أبي حاتم المطبوع حديثاً ولم أعثر عليه. 4 هو: محمد بن عُزيز - بمهملة وزايين، مصغر - ابن عبد الله بن زياد، فيه ضعف، وقد تكلموا في صحة سماعه من عمه سلامة، من الحادية عشرة، مات سنة سبع وستين، س ق، التقريب 496 رقم (6139) . 5 هو: سلامة بن روح بن خالد أبو روح الأيلي، - بفتح الهمزة بعدها تحتانية - ابن أخي عقيل بن خالد يكنى أبا خَرْبَق - بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة مفتوحة، وقيل بصيغة التصغير -، صدوق له أوهام، وقيل: لم يسمع من عمه وإنما يحدث من كتبه، من التاسعة، مات سنة سبع - أو ثمان - وتسعين، حت س ق، التقريب 261 رقم (2713) .

ابن ثابت الأنصاري1 أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة المريسيع2، وهي التي هدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها مناة الطاغية3 التي كانت بين قفا المُشَلَّل4 وبين البحر، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فكسر

_ 1 عمرو بن ثابت: صوابه عمر - بضم أوله -، انظر: التهذيب 8/ 10، والتقريب 419 بقد رقم (4995) ، وهو عمر بن ثابت الأنصاري الخزرجي المدني، ثقة، من الثالثة، أخطأ من عده من الصحابة، م، التقريب 410 رقم (4870) . 2 المريسيع: بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانية بينهما مهملة مكسورة وآخره عين مهملة، هو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم، فتح الباري 7/ 430. وكانت ديار بني المصطلق جهة (قُديد) وهي على بعد 120 كيلاً من مكة إلى جهة المدينة؟ انظر: معجم المعالم الجغرافية 249، ويبعد ماء المريسيع عن ساحل البحر قرابة (80) كيلاً تقريباً، المصدر السابق ص 291، وانظر: تحديد وتفصيل ديار بني المصطلق وخزاعة عموماً في رسالة (مرويات غزوة بني المصطلق) للشيخ إبراهيم القريبي من ص: 53- 58. 3 مناة الطاغية: اسم صنم في جهة البحر مما يلي قديداً بالمشلل على سبعة أميال من المدينة، وكان الأزد وغسان يهلون له ويحجون إليه، معجم البلدان لياقوت الحموي 5/ 204، ومعجم المعالم الجغرافية 303، وذكر أن موقعه كان في بلدة صَعْبَر اليوم بين رابغ وخليص. 4 المُشَلَّل: - بضم الميم وفتح الشين المعجمة، وتشديد اللام الأولى - وهي ثنية تأتي أسفل قديد من الشمال إذا كنت في بلدة (صعبر) بين رابغ والقضيمة كانت المشلل مطلع الشمس مع ميل إلى الجنوب، وحرة المشلل هي التي تراها من تلك القرية سوداء مدلهمة، معجم المعالم 298.

مناة1، فاقتتل رجلان في غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك أحدهما من المهاجرين والآخر من بهز2، وهم حلفاء الأنصار، فاستعلى الرجل الذي من المهاجرين على البهزي فقال البهزي: يا معشر الأنصار، فنصره رجال من الأنصار، وقال المهاجري: يا معشر المهاجرين، فنصره رجال من المهاجرين، حتى كان بين أولئك الرجال من المهاجرين والرجال من الأنصار شيء من القتال، ثم حجز بينهم فانكفأ3 كل منافق أو رجل في قلبه مرض إلى عبد الله بن أبيّ بن سلول فقال: قد كنت ترجى وتدفع،

_ 1 ذكر خالد بن الوليد في هذه الغزوة التي كانت سنة خمس وكسره لمناة غريب، فإن خالداً لم يكن أسلم بعد حيث ذكر ابن إسحاق إسلامه كان قُبيل فتح مكة، ابن هشام 2/ 277. وقد ورد عند البخاري في الصحيح أن خالداً كان على طليعة جيش قريش زمن الحديبية. انظر: الفتح 5/ 329، والحديبية سنة ست من الهجرة. ولعل أحد الرواة أدرجها هنا لذكر مناة الطاغية. 2 بَهْز: إحدى قبائل بني سُليم، وهو: بهز بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور السلمي ثم البهزي، انظر: أسد الغابة لابن الأثير 1/ 456، ترجمة الحجاج بن عِلاط، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم 262، وتاج العروس للزبيدي 4/ 10، ومعجم قبائل العرب لعمر كحالة 1/ 110. 3 انكفأ: أي مال ورجع. النهاية 4/ 183.

فأصبحت لا تضر ولا تنفع، قد تناصرت علينا الجلابيب - وكانوا يدعون كل حديث الهجرة الجلابيب - فقال عبد الله بن أبيّ عدو الله: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل1. قال مالك بن الدُّخْشُن2، وكان من المنافقين: ألم أقل لكم لا

_ 1 كلام عبد الله بن أبيّ هذا قد ورد في الصحيحين. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 8/ 652 رقم (4907) ، ومسلم بشرح النووي 17/ 120. 2 الصواب: مالك بن الدخشم. انظر ترجمته في: الاستيعاب 3/ 405 رقم (2292) ، وأسد الغابة 5/ 22، والإصابة 3/ 343. قال ابن عبد البر: "مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن غَنم بن عوف بن عمرو بن عوف، شهد العقبة في قول ابن إسحاق وموسى والواقدي، قال أبو عمر: لم يختلفوا أنه شهد بدراً وما بعدها من المشاهد، وهو الذي أسر سهيل بن عمرو، وكان يتهم بالنفاق، وهو الذي أسرَّ فيه الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله" فقال الرجل: بلى، ولا شهادة له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أليس يصلي؟ " قال: بلى، ولا صلاة له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولئك الذين نهاني الله عنهم"، (الحديث أخرجه مسلم، كتاب الإيمان رقم 54، وأحمد 19/ 377- 378 رقم [12384] أرناؤوط، وعبد الرزاق في المصنف رقم (18688) . قال ابن عبد البر: "والرجل الذي سارَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه هو: عتبان بن مالك، وروى قتادة عن أنس بن مالك قال: ذُكر مالك بن الدخشم عند النبي صلى الله عليه وسلم فسبوه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي"، (أخرجه البخاري في صحيحه، الفتح 7/ 21 رقم (3673) ، ومسلم كتاب فضائل الصحابة، رقم (222) وغيرهما) . قال أبو عمر: لا يصح عنه النفاق، وقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه. والله أعلم". أ. هـ. الاستيعاب 3/ 405- 406.

تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا1، فسمع بذلك عمر بن الخطاب، فأقبل حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في هذا الرجل قد أفتن الناس أضرب عنقه، يريد عمر عبد الله بن أبيّ2، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو قاتله أنت إن أمرتك بقتله"؟ فقال: نعم، والله لئن أمرتني بقتله لأضربن عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجلس) ، فأقبل أسيد بن حضير وهو أحد الأنصار ثم أحد بني عبد الأشهل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس أضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو قاتله أنت إن أمرتك بقتله"؟ قال: نعم، والله لئن أمرتني بقتله لأضربن بالسيف تحت قرط

_ 1 الذي في الصحيحين أن الذي قال ذلك إنما هو عبد الله بن أبيّ بن سلول، انظر: صحيح البخاري مع الفتح 8/ 644 رقم (4900 و 4904) ، ومسلم بشرح النووي 17/ 120. 2 ورد في الصحيحين ما يشهد لهذا من حديث جابر وفيه: " ... فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه". البخاري مع الفتح 8/ 648 رقم (4905) ، ومسلم بشرح النووي 16/ 138.

أذنيه1. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلس"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آذنوا بالرحيل" فهجَّر2 الناس فسار يومه وليلته والغد حتى مَتَعَ3 النهار، ثم نزل ثم هجر بالناس مثلها حتى صبح بالمدينة في ثلاث سارها من قفا المشلل، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أرسل عمر فدعاه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي عمر أكنت قاتله لو أمرتك بقتله"؟ فقال عمر: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لو قتلته يومئذ لأرغمت أنوف رجال لو أمرتهم اليوم بقتله لقتلوه4، فيتحدث الناس أني قد وقعت على أصحابي فأقتلهم صبراً" 5 وأنزل الله عزوجل: {هُمُ الذِيْنَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا على مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} 6 إلى قوله تعالى:

_ 1 القرط: نوع من حلي الأذن معروف، ويجمع على أقراط وقرطة، وأقرطة. النهاية 4/ 41، والمراد أن يضرب عنقه. 2 فهجَّر الناس: التهجير والتهجُّر، والإهجار؛ السير في الهاجرة، والهاجرة: اشتداد الحر نصف النهار. النهاية 5/ 246. 3 متع النهار: إذا طال وامتد وتعالى. النهاية 4/ 293. 4 إلى هنا ورد نحوه عند ابن هشام 2/ 293، وزاد: قال: قال عمر: "قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري". 5 تقدم أن في الصحيحين ما يشهد لذلك. 6 سورة المنافقين، آية (7) .

{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} 1 الآية، هكذا ساقه ابن كثير في تفسيره، ثم قال: وهذا سياق غريب وفيه أشياء نفيسة لا توجد إلا فيه.

_ 1 سورة المنافقين، آية (8) .

المبحث الثالث: في حديث الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها

المبحث الثالث: في حديث الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها 67- قال البخاري رحمه الله1: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقّاص وعبيد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها2 من

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 7/431 رقم (4141) . 2 يُعد الزهري أول من استخدم جمع الإسانيد ليكتمل السياق وتتصل الأحداث دون أن تقطعها الأسانيد. أكرم العمري: السيرة الصحيحة 1/55. وقد انتقد على الزهري في هذا حيث لم يذكر حديث كلٍّ منهم على جهته، كما حكى ذلك القاضي عياض، ونقله الحافظ العراقي في طرح التثريب 8/47. ولكن هذا الانتقاد ليس في محله، فقدقال الإمام النووي رحمه الله: "هذا الذي ذكره الزهري من جمعه الحديث عنهم جائز لا منع منه، ولا كراهة فيه، لأنه قد بيّن أن بعض الحديث عن بعضهم، وبعضه عن بعضهم، وهؤلاء الأربعة أئمة حفاظ ثقات من أجلِّ التابعين، فإذا ترددت اللفظة من هذا الحديث بين كونها عن هذا أو ذاك لم يضرّ، وجاز الاحتجاج بها لأنهما ثقتان، وقد اتفق العلماء على أنه لو قال حدثني زيد أو عمرو وهما ثقتان معروفان بالثقة عند المخاطب جاز الاحتجاج به" النووي على مسلم 17/ 102- 103. وقال في موضع آخر أثناء تعداده لفوائد الحديث: "إحداها جواز رواية الحديث الواحد عن جماعة عن كل واحد قطعة مبهمة منه وهذا وإن كان فعل الزهري وحده فقد أجمع المسلمون على قبوله والاحتجاج به" النووي على شرح مسلم 17/ 116. وقال ابن رجب في شرح العلل (359) بعد أن ذكر أقوال بعض العلماء فيمن يفعل ذلك: "ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة فالظاهر أن لفظهم لم يتفق، فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديث، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك وغيره". قال الحافظ ابن حجر: "وحاصله أن جميع الحديث عن مجموعهم لا أن مجموعه عن كل واحد منهم". الفتح 8/ 457.

بعض وأثبت له اقتصاصاً وقد وعيتُ عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضاً وإن كان بعضهم أوعى له من بعض، قالوا: قالت عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة1 غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع

_ 1 هي: غزوة بني المصطلق - المريسيع - كما جاء ذلك مصرحاً في بعض الروايات، انظر: ابن هشام 2/ 297، وأبا يعلى في مسنده 8/ 322 رقم (4927) ، وتاريخ الطبري 2/ 611، والطبراني في الكبير 23/ 97- 97 رقم (145) ، ودلائل النبوة للبيهقي 4/ 63، إلا أنه قال: المريسيع، و4/ 73، وقال البخاري: "وقال النعمان بن راشد عن الزهري: "كان حديث الإفك في غزوة المريسيع"، البخاري مع الفتح 7/ 428، وقد وصل هذه الرواية البيهقي في الدلائل 4/ 63، والجوزقي كما ذكر الحافظ ابن حجر في التغليق 4/ 123.

رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أنزل الحجاب1، فكنت أحمل في هودجي2 وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع3 ظَفَار4 قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، قالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم

_ 1 تقدم الكلام على الحجاب ونزوله وأنه كان سنة أربع على المشهور، انظر: الرواية رقم [65] من هذا البحث. 2 الهودج: - بفتح الهاء والدال بينهما واو ساكنة آخره جيم - محمل له قبة تستر بالثياب ونحوه يوضع على ظهر البعير، يركب عليه النساء ليكون أستر لهن. الفتح 8/ 458. 3 الجزع: - بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها مهملة -، وهو خرز يماني، النووي على مسلم 17/ 104. وانظر: فتح الباري 8/ 458- 459. 4 ظفار: بوزن قطام، - وهي مبنية على الكسر -، اسم مدينة لحمير باليمن، النهاية 3/ 158، وانظر الفتح 8/ 459.

يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يُهَبَّلْن1 ولم يغشهن اللحم وإنما يأكلن العُلقة2 من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل فساروا، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب، فتيممت3 منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليّ فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطَّل السلمي4 ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه5 حين عرفني، فخمرت6 وجهي

_ 1 يُهبَّلن: - بضم التحتانية وتشديد الموحدة - أي: لم يكثر عليهن اللحم، يقال: هبّله اللحم إذا كثر عليه وركب بعضه بعضاً. النهاية 5/ 240. 2 العُلقة: - بضم المهملة وسكون اللام - من الطعام: أي البلغة منه/ النهاية 3/ 289، والنووي على مسلم 17/ 104. 3 تيممت منزلي: أي قصدته. النووي على مسلم 17/ 104. 4 هو: صفوان بن المعطل بن ربيعة - بالتصغير -، ابن خزاعي السلمي ثم الذكواني، الإصابة 2/ 190، والمعطّل: - بفتح الطاء المهملة المشددة -. الفتح 8/ 461. 5 أي: قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، كما جاء مصرحاً بذلك عند ابن إسحاق. انظر: ابن هشام 2/ 298. 6 خمرت وجهي: أي غطيتنه، والتخمير: التغطية، النهاية 2/ 77، والنووي على مسلم 17/ 105.

بجلبابي ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فقمت إليها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين1 في نحر الظهيرة2، وهم نزول، قال: فهلك من هلك، وكان الذي تولى كبر الإفك3 عبد الله بن أبيّ بن سلول، قال عروة: أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه4، وقال عروة أيضاً: لم يسم من أهل الإفك أيضاً إلا حسان بن ثابت5، ومسطح ابن أثاثة6، وحمنة بنت

_ 1 موغرين: - بضم الميم وسكون الغين المعجمة والراء المهملة -، أي: نازلين في وقت الوغرة - بفتح الواو وسكون الغين -: وهي شدة الحر لما تكون الشمس في كبد السماء. شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 105. 2 في نحر الظهيرة: أي أولها، ونحر النهار والشهر: أوله. القاموس 617، مادة (نحر) . 3 كبر الإفك: كبر الشيء معظمه أي إثمه، النووي مع مسلم 17/ 105، والفتح 8/ 464، والإفك: أسوأ الكذب وأقبحه، وهو مأخوذ من أفك الشيء إذا قلبه على وجهه، فالإفك هو الحديث المقلوب، وقيل هو: البهتان. فتح القدير للشوكاني 4/ 12. 4 يستوشيه: أي يستخرجه بالبحث عنه والتفتيش، ثم يفشيه ويشيعه ويحركه ولا يدعه يخمد. فتح الباري 8/ 464. 5 هو: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن سعد: عاش في الجاهلية ستين وفي الإسلام ستين. ومات وهو ابن عشرين ومائة. الإصابة 1/ 326. 6 هو: مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي، كان اسمه عوفاً وأما مسطح فلقبه، وأمه بنت خالة أبي بكر الصديق، توفي سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان، ويقال عاش إلى خلافة علي وشهد معه صفين ومات في تلك السنة سنة سبع وثلاثين. الإصابة 3/ 408- 409.

جحش1 في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال الله تعالى، وإن كبر ذلك يقال عبد الله بن أبيّ بن سلول، قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال: فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وِقاء2 قالت عائشة: فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهراً والناس يفيضون3 في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني4 في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: "كيف تيكم5؟ "

_ 1 هي: حمنة بنت جحش الأسدية أخت أم المؤمنين زينب، كانت زوج مصعب ابن عمير فقتل عنها يوم أحد، فتزوجها طلحة بن عبيد الله، كانت من المبايعات وشهدت أحداً فكانت تسقي العطشى، وتحمل الجرحى وتداويهم. الإصابة 4/ 275. 2 ديوانه رضي الله عنه (62) . 3 يُفيضون: - بضم أوله - أي يخوضون، من أفاض إذا أكثر منه. الفتح 8/ 465 4 يَريبني: - بفتح أوله - من الريب، ويجوز الضم من الرباعي، يقال: رابه وأرابه. الفتح 8/ 465. ورابه: شككه وأوهمه، شرح النووي على مسلم 17/ 106. 5 تيكم: - بالمثناة المكسورة - وهي للمؤنث مثل ذاكم للمذكر، الفتح 8/ 465، قال الحافظ: واستدلت عائشة بهذه الحالة على أنها استشعرت منه بعض جفاء ولكنها لما لم تكن تدري السبب لم تبالغ في التنقيب عن ذلك حتى عرفته. الفتح 8/ 465.

ثم ينصرف فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت حين نقهت1، فخرجت مع أم مسطح2 قِبَل المناصع3، وكان متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكُنُف4 قريباً من بيوتنا، قالت: وأمرنا أمر العرب الأُول5 في البرية6 قبل الغائط، وكنا

_ 1 نقهت: - بفتح القاف وقد تكسر -، والأول أشهر، والناقِه: - بكسر القاف - الذي أفاق من مرضه ولم تتكامل صحته. الفتح 8/ 465. 2 أم مسطح: - بكسر الميم وسكون السين، وفتح الطاء بعدها حاء مهملة - قيل: اسمها سلمى، الفتح 8/ 465، قال الحافظ: وفيه نظر لأن سلمى اسم أم أبي بكر، ثم ظهر لي أن لا وهم فيه فإن أم أبي بكر خالتها. فسميت باسمها. الفتح 8/ 465. 3 قبل المناصع: أي جهتها، والمناصع: صعيد أفيح خارج المدينة، كان أهل المدينة يتبرزون فيها، الفتح 8/ 465، وشرح النووي على مسلم 17/ 106. 4 الكنف: - بضمتين - جمع كنيف وهو الساتر، والمراد به هنا المكان المتخذ لقضاء الحاجة، الفتح 8/ 465. 5 وأمرنا أمر العرب الأُول: - بضم الهمزة وتخفيف الواو -: صفة العرب، وبفتح الهمزة وتشديد الواو: صفة الأمر، قال النووي: "كلاهما صحيح تريد أنهم لم يتخلقوا بأخلاق العجم" الفتح 8/ 456، وانظر: شرح النووي على مسلم 17/ 107. 6 في البرية: - بفتح الموحدة وتشديد الراء ثم التحتانية -، والمراد البعد عن البيوت. الفتح 8/ 465.

نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، قالت: فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رُهم بن المطلب1 بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعَثَرَت2 أم مسطح في مِرْطها3، فقالت: تَعِسَ مسطح4، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين

_ 1 ابنة أبي رُهم: - بضم الراء وسكون الهاء -، وفي رواية صالح: بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وهو الصواب، واسم أبي رهم: أنيس. الفتح 8/ 465. 2 عثرت: عثر: كبا، والعثرة: الزلة، وعثر به فرسه: سقط، اللسان 2/ 684، مادة (عثر) . 3 المرط: - بكسر الميم - كساء من صوف، وربما كان من خز أو غيره. النهاية 4/ 319. قال الحافظ: "وهذه ظاهره أنها عثرت بعد أن قضت عائشة حاجتها ثم أخبرتها الخبر بعد ذلك، لكن في رواية هشام بن عروة - حديث رقم [4757]- أنها عثرت قبل أن تقضي عائشة حاجتها، وأنها لما أخبرتها الخبر رجعت كأن الذي خرجت له لا تجد منه لا قليلاً ولا كثيراً، وكذا وقع في رواية ابن إسحاق (2/ 299) ، قالت: "فوالله ما قدرت أن أقضي حاجتي" وفي رواية ابن أويس: (فذهب عني ما كنت أجد من الغائط، ورجعت عودي على بدئي) وفي حديث ابن عمر: (فأخذتني الحمى وتقلص ما كان مني) ، ويجمع بينهما بأن معنى قولها: "وقد فرغنا من شأننا) أي من شأن المسير، لا قضاء الحاجة". اهـ. كلام الحافظ. الفتح 8/ 466. 4 تَعِسَ: - بفتح المثناة وكسر العين المهملة وبفتحها أيضاً بعد سين مهملة - أي كب بوجهه، أو هلك ولزمه الشر. الفتح 8/ 466.

رجلاً شهد بدراً؟ قالت: أي هُنْتاه1، ولم تسمعي ما قال؟ قالت: وقلت: ما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك قالت: فازددت مرضاً على مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: (كيف تيكم؟) فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأريد أن أستيقن الخبر من قبلهما. قالت: فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي: يا أماه ماذا يتحدث الناس، قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما امرأة قط وضيئة2 عند رجل يحبها لها ضرائر3 إلا أكثرن عليها4، قالت: فقلت: سبحان الله أو لقد تحدث الناس بهذا5؟

_ 1 هنتاه: أي حرف نداء للبعيد، وقد يستعمل للقريب حيث ينزل منزلة البعيد، والنكتة فيه هنا أن أم مسطح نسبت عائشة إلى الغفلة عما قيل فيها ولإنكارها سبّ مسطح فخاطبتها خطاب البعيد، وهي بضم الهاء وسكون النون، وقد تفتح، بعدها مثناة وآخرها هاء ساكنة، الفتح 8/ 466. 2 وضيئة: بوزن عظيمة من الوضاءة أي حسنة جميلة، وعند مسلم من رواية ابن ماهان (حظية) بمهملة ثم معجمة من الحظوة أي رفيعة المنزلة. الفتح 8/ 467. 3 ضرائر: جمع ضرة، وقيل للزوجات ضرائر لأن كل واحدة يحصل لها الضرر من الأخرى بالغيرة. الفتح 8/ 467. 4 أكثرن عليها: أي القول في عيبها. الفتح 8/ 467. 5 زاد الطبري (التفسير 18/ 91) من طريق معمر عن الزهري: "وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم"، وفي رواية ابن هشام (عند البخاري رقم 4757) : "فقلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم، قلت: ورسول الله؟ قالت: نعم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم". الفتح 8/ 467. ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "طرق الحديث مجتمعة على أن عائشة بلغها الخبر من أم مسطح، لكن وقع في حديث أم رومان ما يخالف ذلك ولفظه: "بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار، فقالت: فعل الله بفلان وفعل، فقلت: وما ذاك؟ قالت: ابني ومن حدث الحديث، قالت: وما ذاك؟ قالت: كذا وكذا" هذا لفظ المصنف في المغازي، ولفظه في قصة يوسف: "قالت: إنه نمى الحديث، قالت عائشة: أي حديث؟ فأخبرتها، قالت: فسمعه أبو بكر؟ قالت: نعم، قالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، فخرت مغشياً عليها". وطريق الجمع بينهما: أنها سمعت ذلك أولاً من أم مسطح ثم ذهبت لبيت أمها لتستيقن الخبر منها، فأخبرتها أمها بالأمر مجملاً كما مضى من قولها هوني عليك وما أشبه ذلك، ثم دخلت عليها الأنصارية، فأخبرتها بمثل ذلك بحضرة أمها، فقوي عندها القطع بوقوع ذلك، فسألت هل سمعه أبوها وزوجها؟ ترجياً منها أن لا يكونا سمعا ذلك ليكون أسهل عليها، فلما قالت لها إنهما سمعاه غشي عليها". الفتح 8/ 467- 468.

قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ1 لي دمع ولا أكتحل بنوم2، ثم أصبحت أبكي، قال: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين اسْتَلْبَثَ3 الوحي يسألهما ويستشيرهما في

_ 1 لا يرقأ لي دمع: بالقاف بعدها همز: أي لا ينقطع. الفتح 8/ 467. 2 أكتحل بنوم: استعارة للسهر. الفتح 8/ 467. 3 استلبث الوحي: بالرفع أي طال لبث نزوله، وبالنصب أي: استبطأ النبي صلى الله عليه وسلم نزوله، الفتح 8/ 468

فراق أهله. قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه، فقال أسامة: أهلك ولا نعلم إلا خيراً، وأما علي فقال: يا رسول الله لم يضيق عليك والنساء سواها كثير1 وسل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة2، فقال: أي بريرة:

_ 1 كذا بصيغة التذكير كأنه أراد الجنس. الفتح 8/ 468. قال الحافظ: "وهذا الكلام الذي قاله علي حمله عليه ترجيح جانب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عنده من القلق والغم بسبب القول الذي قيل، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الغيرة، فرأى علي أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن يتحقق براءتها فيمكن رجعتها، ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين. الفتح 8/ 468. وقال النووي: "هذا الذي قاله علي رضي الله عنه هو الصواب في حقه لأنه رآه مصلحة ونصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم في اعتقاده ولم يكن ذلك في نفس الأمر، لأنه رأى انزعاج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وتقلقه فأراد راحة خاطره، وكان ذلك أهم من غيره" شرح النووي على مسلم 17/ 108. وقال الحافظ ابن حجر: "وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: "لم يجزم علي بالإشارة بفراقها لأنه عقب ذلك بقوله: "وسل الجارية تصدقك" ففوض الأمر في ذلك إلى نظر النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه قال: إن أردت تعجيل الراحة ففارقها، وإن أردت خلاف ذلك فابحث عن حقيقة الأمر إلى أن تطلع على براءتها، لأنه كان يتحقق أن بريرة لا تخبره إلا بما علمته، وهي لم تعلم من عائشة إلا البراءة المحضة". الفتح 8/ 468. 2 بريرة هي: مولاة عائشة رضي الله عنها، - وهي بفتح الموحدة وكسر الراء - الفتح 8/ 469، انظر ترجمتها في الإصابة 4/ 251- 252.

هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً قط أغمصه1، غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن2 فتأكله، قالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبيّ وهو على المنبر فقال: "يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما يدخل على أهلي إلا معي"، قالت: فقام سعد بن معاذ3 أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان4 ابنة عمه من فخذه، وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، قالت: وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية5،

_ 1 أغمصه: - بغين معجمة وصاد مهملة - أي: أعيبه. الفتح 8/ 470. 2 الداجن: - هي بدال مهملة ثم جيم -: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج إلى المرعى، وقيل هي كل ما يألف البيوت مطلقاً شاة أو طيراً. الفتح 8/ 470. 3 هو سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري. تقدمت ترجمته. 4 أم حسان اسمها: الفُريعة بنت خالد بن خنيس بن لوذان بن عبدود زيد بن ثعلبة. الفتح 8/ 472. 5 احتملته الحمية: - بمهملة ثم مثناة ثم ميم -: أي أغضبته. الفتح 8/ 472.

فقال لسعد: كذبت لعمر الله1 لا تقتله ولا تقدر على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد2 فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين3، قالت: فثاور4 الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، قالت: فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت5، قالت: فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع

_ 1 كذبت لعمرو الله: العمر - بفتح العين المهملة - هو البقاء، والعُمر بضمها، لكن لا يستعمل في القسم إلا بالفتح. الفتح 8/ 472. 2 قوله: وهو ابن عم سعد: أي من رهطه، ولم يكن ابن عمه لحاًّ، لأنه سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، وأسيد بن حضير بن سماك بن عقيل بن امرئ القيس، إنما يجتمعان في امرئ القيس، وهما في التعدد إليه سواء. الفتح 8/ 474. وقوله: "لحاًّ" أي لاصق القرابة. القاموس (لحح) . 3 تجادل عن المنافقين: أطلق أسيد ذلك مبالغة في زجره عن القول الذي قاله، وأراد بقوله: فإنك منافق، أي تصنع صنيع المنافقين. الفتح 8/ 474. 4 فثاور: هكذا في هذه الرواية، وفي الرواية الأخرى رقم [4750] : فتثاور الحيان: - بمثناة ثم مثلثة -: تفاعل من الثورة، والحيان بمهملة ثم تحتانية تثنية حي، والحي كالقبيلة، أي نهض بعضهم إلى بعض من الغضب. الفتح 8/ 474. 5 حتى سكتوا وسكت: وفي رواية ابن حاطب (فلم يزل يومئ بيده إلى الناس ها هنا حتى هدأ الصوت) وفي رواية فليح: فنزل فخفضهم حتى سكتوا) ، ويحمل على أنه سكتهم وهو على المنبر ثم نزل إليهم أيضاً ليكمل تسكيتهم، ووقع في رواية عطاء الخراساني في المعجم الكبير للطبراني 23/ 77 عن الزهري (فحجز بينهم) الفتح 8/ 474.

ولا أكتحل بنوم، قالت وأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي1، فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة2 من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي. قالت: فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، ولقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "أما بعد يا عائشة إنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله، وإن كنت ألممت3 بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف ثم تاب، تاب الله عليه"، قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص4 دمعي حتى ما أحسُّ منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول

_ 1 الفلق بالسكون: الشق. النهاية 3/ 471- 472. 2 قال الحافظ في الفتح 8/ 474: "لم أقف على اسمها". 3 ألممت بذنب: أي وقع منك على خلاف العادة، وهذه حقيقة الإلمام ومنه "ألمت بنا والليل مرخ ستوره" الفتح 8/ 475. 4 قَلَصَ دمعي: - بفتح القاف واللام ثم المهملة -: أي: استمسك نزوله فانقطع، ومنه قلص الظل، وتقلص إذا شمر. قال القرطبي: "سببه أن الحزن والغضب إذا أخذ أحدهما فقد الدمع لفرط حرارة المصيبة" الفتح 8/ 475.

الله صلى الله عليه وسلم عني فيما قال، فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت أمي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت - وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيراً1 - إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقونني، ولئن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني منه بريئة - لتُصَدِّقنِّي، فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف2 حين قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون} 3، ثم تحولت فاضطجعت على فراشي4، والله يعلم أني حينئذ بريئة5، وأن الله

_ 1 قال ابن حجر: "قالت هذا توطئة لعذرها لكونها لم تستحضر اسم يعقوب عليه السلام) كما سيأتي". الفتح 8/ 475. 2 إلا قول أبي يوسف: زاد ابن جريج في روايته "واختلس مني اسمه"، وفي رواية هشام بن عروة: (والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه) ، وفي رواية أبي أويس: "نسيت اسم يعقوب لما بي من البكاء واحتراق الجوف" ووقع في حديث أم رومان رقم (4143) "مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه" وهي بالمعنى للتصريح في حديث هشام وغيره بأنها لم تستحضر اسمه. فتح الباري 8/ 474. 3 سورة يوسف، آية رقم (18) . 4 في رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عند الطبراني في الكبير 23/ 105: "ثم وليت وجهي إلى الجدار" وصالح بن أبي الأخضر ضعيف لا يعتبر به، كما في التقريب، 271 رقم (2844) . 5 في رواية معمر عن الزهري "أنا والله حينئذ أعلم أني بريئة" صحيح مسلم بشرح النووي 17/ 112.

مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله تعالى مُنزلٌ في شأني وحياً يتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرؤني الله بها، فوالله ما رام1 رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء2 حتى إنه ليتحدر منه العرق مثل الجُمان3 - وهو في يوم شات - من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فسُرِّي4 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: "يا عائشة أما الله فقد برَّأَكِ"، قالت: فقالت لي أمي قومي إليه،

_ 1 رام: أي فارق، ومصدره الريم بالتحتانية، بخلاف معنى طلب فمصدره الروم، ويفترقان في المضارع يقال: رام يروم روماً، ورام يريم ريماً. الفتح 8/ 476. 2 البُرَحاء: - بضم الموحدة وفتح الراء ثم مهملة ثم مد - هي شدة الحمى، وقيل شدة الكرب، وقيل: شدة الحر، ومنه: برح بي الهم إذا بلغ مني غاية. الفتح 8/ 476. 3 مثل الجُمان: الجمان - بضم الجيم وتخفيف الميم -: اللؤلؤ، وقيل: حب يعمل من الفضة كاللؤلؤ، وقال الداوودي: "خرز أبيض، والأول أولى، فشبهت قطرات عرقه صلى الله عليه وسلم بالجمان لمشابهتها في الصفاء والحسن". الفتح 8/ 476. 4 فسري: - بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة -: أي كشف. الفتح 8/ 477

فقلت: لا والله لا أقوم إليه، فإني لا أحمد إلا الله عزوجل1، قالت: وأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} 2 العشر الآيات، ثم أنزل الله تعالى هذا في براءتي. قال أبو بكر الصديق - وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته وفقره - والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله تعالى: {ولا يَأْتَلِ أُولُوْ الفَضْلِ} إلى قوله: {واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 3 قال أبو بكر الصديق: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً، قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش4 عن

_ 1 قال الحافظ ابن حجر: وعذرها في إطلاق ذلك ما ذكرته من الذي خامرها من الغضب من كونهم لم يبادروا بتكذيب من قال فيها ما قال، مع تحققهم حسن طريقتها، قال ابن الجوزي: إنما قالت ذلك إدلالاً كما يدل الحبيب على حبيبه. الفتح 8/ 477. 2 سورة النور، من آية رقم (11) ، ووقع في رواية عطاء الخراساني عن الزهري عند الطبراني في الكبير 23/ 78: فأنزل الله عزوجل: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} إلى قوله: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} . 3 سورة النور، آية (22) . 4 هي: زينب بنت جحش الأسدية أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأمها أميمة عمة النبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث وقيل: سنة خمس، ونزلت بسببها آية الحجاب، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، وفيها نزلت: {فلمّا قَضَى زَيدٌ منها وَطَرَاً زَوَّجْنَاكَهَا} ماتت سنة عشرين وهي بنت خمسين. الإصابة 4/ 313- 314.

أمري فقال لزينب: ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري1 والله ما علمت إلا خيراً، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني2 من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع3، قالت: وطفقت4 أختها حمنة تحارب لها5، فهلكت فيمن هلك"6. قال ابن شهاب: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل، ليقول: سبحان الله، فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنَفِ7 أنثى قط، قالت: ثم قتل

_ 1 أحمي سمعي وبصري: أي من الحماية، فلا أنسب إليهما ما لم أسمع وأبصر. الفتح 8/ 478. 2 تساميني: أي تعاليني من السمو، وهو العلو والارتفاع، أي تطلب من العلو والرفعة والحظوة عند النبي صلى الله عليه وسلم ما أطلب، أو تعتقد أن الذي بها عنده مثل الذي لي عنده. الفتح 8/478. 3 فعصمها الله بالورع: أي حفظها ومنعها بالمحافظة على دينها ومجانبة ما تخشى سوء عاقبته. الفتح 8/478. 4 طفِقت: - بكسر الفاء،,حكي فتحها - أي جعلت وشرعت. الفتح 8/478. 5 تحارب لها: أي تجادل لها وتتعصب وتحكي ما قال أهل الإفك لتنخفض منزلة عائشة وتعلو مرتبة أختها زينب. الفتح 8/ 478. 6 أي حدَّثت فيمن حدّث، أو أثمت مع من أثم. الفتح 8/ 478. 7 أي: ما جامعها، والكَنَف - بفتحتين - الثوب الساتر، ومنه قولهم: أنت في كنف الله أي: في ستره. الفتح 8/ 462.

بعد ذلك في سبيل الله"1.

_ 1 اختلف في سنة استشهاده على أقوال عدة: فقد ذكر ابن إسحاق أنه استشهد في غزوة أرمينية في خلافة عمر سنة تسع عشرة. الفتح 8/ 461. وقيل: كان استشهاده بأرض الروم في خلافة معاوية رضي الله عنه، سنة أربع وخمسين. الفتح 8/ 461. وقيل سنة 58 هـ كما في الاستيعاب 2/ 280- 281. وقيل سنة 59 كما في الاستيعاب 2/ 280- 281، وقيل: سنة 60 كما جزم به الطبري والواقدي، وانظر: سير أعلام النبلاء 2/ 550، والإصابة 2/ 190. ولكن لا يستقيم قول من قال بأن وفاته كانت سنة 58 أو 59 أو 60، لكون عائشة رضي الله عنها توفيت سنة 57هـ أو 58هـ. انظر: الإصابة 4/ 361. والحديث أخرجه البخاري أيضاً في عدة مواضع من كتابه ففي كتاب التفسير رقم (4750) من طريق يونس بن يزيد الأيلي، وفي كتاب الشهادات رقم (2661) من طريق فليح بن سليمان كلاهما عن الزهري بإسناده بألفاظ متقاربة، وأخرجه من طريق يونس وصالح عن الزهري في مواضع متفرقة من صحيحه. انظر: ج5 رقم (2637) و6 رقم (2879) ، وج7 رقم (4025) ، وج8 رقم (4690) ، وج 11 رقم (6662) و (6676) وج 13 رقم (7500 و7545) . وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه من طريق يونس ومعمر كلاهما عن الزهري بإسناده، وهو قريب من لفظ يونس وفليح عند البخاري، انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 102- 114، و17/ 114 من طريق صالح بن كيسان وفليح كلاهما عن الزهري بإسناده، قال مسلم: بمثل حديث يونس ومعمر بإسنادهما. وأخرجه أيضاً عبد الرزاق في المصنف (5/ 410) وأحمد في المسند 42/ 404- 412 رقم [25623] أرناؤوط. وإسحاق بن راهويه في مسنده رقم (186، 187 و560 و561) من مسند عائشة، وابن شبة في تاريخ المدينة 1/ 311- 318، وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد 1/ 24 رقم (114) ، والطبراني في الكبير 23/ 50- 56 رقم (133 ورقم 134 و138 و144 و145 و147) ، وصحيح ابن حبان 10/ 13 رقم (4212) ومسند أبي يعلى رقم (4927 و4933) ، والطبري في تاريخه 2/ 610- 618، وفي تفسيره 18/ 88- 92، والبيهقي في السنن 7/ 74 و302، وفي الدلائل له 4/ 64 من طرق عن الزهري عن شيوخه، وبعضهم اقتصر على أجزاء من حديثه، وبعضهم في سياقه مخالفة لما في الصحيح ولكن المعنى واحد.

المبحث الرابع: في الذي تولى كبر الإفك

المبحث الرابع: في الذي تولى كبر الإفك 68- قال البخاري في صحيحه: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} 1 قالت: "عبد الله بن سلول2.

_ 1 سورة النور، جزء من الآية رقم (11) . 2 صحيح البخاري مع الفتح 8/ 451 رقم (4749) . وورد أيضاً عنده من طريق صالح بن كيسان عن الزهري في حديث الإفك المتقدم أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبيّ بن سلول. الصحيح رقم (4141) . وكذلك ورد عنده من طريق يونس عن الزهري. انظر: الصحيح مع الفتح رقم (4750) .

69- وقال ابن شبة: حدثنا هارون بن عبد الله1 قال: حدثنا عبد الرزاق بن همام عن معمر عن الزهري قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك2 فقال: الذي تولى كبره علي بن أبي طالب، فقلت: كلا يا أمير المؤمنين، أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعبيد الله بن عتبة، وعلقمة بن وقاص عن عائشة رضي الله عنها قالت: "الذي تولى كبره عبد الله بن أبيّ، قال: فما كان جرمه؟ قلت: أخبرني رجال من قومك: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان مسيئاً في أمري"3. 70- وقال أبو نعيم: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن4، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي5، ثنا إسماعيل بن موسى

_ 1 هارون بن عبد الله بن مروان البغدادي، أبو موسى الحمال، بالمهملة البزار، ثقة، من العاشرة، توفي سنة 43 وقد ناهز الثمانين، م، التقريب 569 رقم (7235) . 2 هو: الخليفة أبو العباس الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي، مات في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين وله إحدى وخمسون سنة، وكان في الخلافة عشر سنين سوى أربعة أشهر. سير أعلام النبلاء 4/ 347- 348. 3 تاريخ المدينة لابن شبة 1/ 337 بسند رجاله ثقات، وأخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ 1/ 393، والبيهقي في دلائل النبوة 4/ 72. 4 أحمد بن محمد بن الحسن، لم أجد له ترجمة. وقد راجعت كتاب (معرفة الصحابة) فلم أجده. 5 هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران أبو العباس الثقفي ولد سنة 216، قال الخليلي في إرشاده: ثقة متفق عليه من شرط الصحيح، وقال الخطيب البغدادي (تاريخه 1/ 248) : "كان من الثقات الأثبات" وانظر: سير أعلام النبلاء 14/ 388.

السعدي1، ثنا ابن عيينة عن الزهري، قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك فتلا هذه الآية: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قال: نزلت في علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، قال الزهري: أصلح الله الأمير، ليس كذا. قال: أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها نزلت في عبد الله ابن أبيّ بن سلول المنافق"2.

_ 1 وقيل: الفزاري وقيل: السدي، قال النسائي: "لا بأس به"، وقال ابن حبان في الثقات: "مات سنة 245هـ". انظر: ثقات ابن حبان 8/ 104، والكامل في الضعفاء 1/ 318، وتهذيب التهذيب 1/ 335، والتقريب 492. 2 حلية الأولياء 3/ 369. فهذه الروايات كلها تفيد أن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبيّ، وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها كما عند البخاري رقم (4757) من غير طريق الزهري أن الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبيّ وحمنة، ولكن عقّب الطبري في تفسيره بقوله: "وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: الذي تولى كبره من عصبة الإفك كان: عبد الله بن أبيّ، وذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم والسير أن الذي بدأ بذكر الإفك عبد الله بن أبيّ بن سلول" التفسير 18/ 89. وقال ابن كثير في تفسيره: "ثم الأكثرون على أن المراد بذلك إنما هو: عبد الله بن أبيّ بن سلول قبحه الله ولعنه، وقيل: المراد به حسان بن ثابت وهو: قول غريب، ولولا أنه وقع في صحيح البخاري ما قد يدل على إيراد ذلك لما كان لإيراده كبير فائدة فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل ومناقب ومآثر" التفسير 3/ 272.

المبحث الخامس: في جلد أهل الإفك

المبحث الخامس: في جلد أهل الإفك 71- عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّهم1.

_ 1 مصنف عبد الرزاق 5/ 420 رقم (9750) ، وأخرجه أبو يعلى في مسنده من غير طريق الزهري مرسلاً أيضاً. المسند 8/ 338 رقم [4932] ، وثبت موصولاً من غير طريق الزهري وذلك من رواية عمرة عن عائشة رضي الله عنها عند أحمد في المسند 40/ 76- 77، رقم [24066] أرناؤوط، وعند ابن شبة في تاريخ المدينة 1/ 337، وأبي داود في سننه رقم (4474) ، والترمذي في السنن رقم (3138) ، والنسائي في السنن الكبرى رقم (7351) ، وابن ماجه رقم (2567) ، والطبراني في الكبير 23/ 163 رقم (263) ، والبيهقي في الدلائل 4/ 74، ومدارها على محمد بن إسحاق وقد عنعن لكنه قد صرح بالتحديث عند البيهقي في الدلائل فالحديث حسن. قال البخاري في كتاب الاعتصام من صحيحه: باب قول الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} وشاور علياً وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة فسمع منهما حتى نزل القرآن فجلد الرامين ولم يلتفت إلى تنازعهم ولكن حكم بما أمر الله. الصحيح مع الفتح 13/ 339.

المبحث السادس: في سبي جويرية بنت الحارث

المبحث السادس: في سبي جويرية بنت الحارث 72- قال ابن شبة: حدثنا سويد بن سعيد1 قال: حدثنا الوليد بن محمد الموقري2 عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بني المصطلق، وسبى يومئذ جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار3، وكان من شأن عائشة رضي الله عنها، بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ساهم بين نسائه في غزوة بني المصطلق أيتهن تخرج معه، فخرج سهم عائشة وأم سلمة رضي الله عنها فخرج بهما معه4.

_ 1 سويد بن سعيد بن سهل الهروي الأصل، ثم الحدثاني، بفتح المهملة والمثلثة، ويقال له: الأنباري بنون ثم موحدة، أبو محمد، صدوق في نفسه، إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، فأفحش فيه ابن معين القول، من قدماء العاشرة، توفي سنة أربعين وله مائة سنة، م ق، التقريب 260. 2 الوليد بن محمد الموقري: - بضم الميم وبقاف مفتوحة مشددة - أبو بشر البلقاوي، مولى بني أمية، متروك من الثامنة، توفي سنة اثنتين وثمانين، ت ق، التقريب 583. 3 هي: جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة، وهو المصطلق بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو الخزاعية المصطلقية، لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق سنة خمس أو ست وسباهم، وقعت جويرية - وكانت تحت مسافع بن صفوان المصطلقي - في سهم ثابت بن قيس. الإصابة 4/ 265. 4 تاريخ المدينة 1/ 318 - 319، وفي سنده الوليد بن محمد الموقري متروك كما تقدم آنفاً.

ثم ذكر حديث الإفك الطويل وفيه بعض الألفاظ مخالفة لما في الصحيح كخروج أم سلمة مع عائشة. 73- وقال الطبراني: حدثنا القاسم بن عبد الله بن مهدي الأخميمي1، ثنا عمي محمد بن مهدي2، ثنا عنبسة بن خالد3، ثنا يونس بن يزيد عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق من خزاعة في غزوته التي هدم فيها مناة4، غزوة المريسيع5.

_ 1 القاسم بن عبد الله بن مهدي الأخميمي من شيوخ ابن عدي، كان بعض شيوخ مصر يضعفه، واتهمه الدارقطني بوضع الحديث. الميزان 3/ 373، ولسان الميزان 4/ 461. 2 هو: محمد بن مهدي بن يزيد الأخميمي، روى القاسم بن عبد الله بن مهدي عنه عن يزيد بن يونس الأيلي، عن أبيه، عن الزهري نسخة طويلة، قال ابن عدي: ويزيد هذا حدّث عنه ابن وهب، ويقال: إن محمد بن مهدي لم يره، ولم يلحقه. اللسان 5/ 398. 3 عنبسة بن خالد بن يزيد الأموي مولاهم الأيلي، بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة، صدوق من التاسعة، توفي سنة ثمان وتسعين ومائة، خ د، التقريب 432. 4 قد تقدم عند ابن كثير في الرواية التي ذكرها عن ابن أبي حاتم أن ذكر مناة فيها غريب، وأن الصواب أن هدمها كان بعد غزوة الفتح. وقد أخرجها ابن هشام في تهذيب السيرة (2/ 294) ، وأحمد في المسند 43/ 384- 385 رقم [26265] أرناؤوط، وخليفة بن خياط في تاريخه (80) ، وأبو داود في سننه رقم (3931) ، والطبري في تاريخه 2/ 610، والحاكم في المستدرك 4/ 26، والبيهقي في الدلائل 4/ 49- 50، من طرق عن ابن إسحاق ليس فيها الزهري، وقد صرح بالتحديث عند الأكثر. وانظر تصحيح الألباني لذلك في صحيح أبي داود رقم (3327) . 5 المعجم الكبير للطبراني 24/ 58 رقم (151) ، وفيه القاسم بن عبد الله بن مهدي الأخميمي شيخ الطبراني اتهمه الدارقطني بوضع الحديث. انظر: ميزان الاعتدال 3/ 373، وقال الهيثمي في المجمع (9/ 246) : " القاسم بن عبد الله بن مهدي ضعيف، وانظر قصة سبي جويرية عند الطبراني في الكبير 6/ 85 رقم (5588) من طريق الزهري وفي سنده الأخميمي أيضاً.

المبحث السابع: في ضرب صفوان لحسان بالسيف

المبحث السابع: في ضرب صفوان لحسان بالسيف 74- قال ابن شبة: حدثنا أحمد بن عيسى1 قال: وحدثنا عبد الله ابن وهب2 عن يونس عن ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن صفوان بن المعطل ضرب حسان بن الفريعة بالسيف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء هجاه حسان، فلم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم، قال حسان حين برئ: القَوَد3، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيده، وقال: "إنك قلت قولاً شيناً"، وعقل4 رسول الله صلى الله عليه وسلم جرحه ذلك5.

_ 1 هو: أحمد بن عيسى التنيسي المصري، ليس بالقوي من الحادية عشرة، مات سنة ثلاث وسبعين، التقريب 83 رقم (87) . 2 هو: عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي، ثقة حافظ، تقدم في الرواية رقم (35) . 3 القود: القصاص، وقتل القاتل بدم القتيل، وقد أقدته به أقيده إقادة، واستقدت الحاكم سألته أن يقيدني. النهاية 4/ 119. 4 العقل: الدية. النهاية 3/ 278. 5 تاريخ ابن شبة 1/ 344، بسند صحيح إلى ابن المسيب ولكنه مرسل. وقد ذكر يونس بن بكير ضرب صفوان لحسان في زياداته على مغازي ابن إسحاق موصولة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، انظر: الإصابة 2/ 190- 191، وأخرجها الحاكم في المستدرك 3/ 519، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وسكت عنه الذهبي. وأخرجه الطبراني في الكبير 23/ 111- 117 رقم (151) ، وقال الهيثمي في المجمع (9/ 236) : "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح".

المبحث الثامن: في مقدار سبي غزوة بني المصطلق

المبحث الثامن: في مقدار سبي غزوة بني المصطلق 75- وقال الواقدي: وحدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، وعبد الله بن الحارث بن نوفل1 قالا: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمس المسلمين مَحْمِية2 بن جَزء الزُبيدي، قالا: وكان يجمع الأخماس، وكانت الصدقات على حِدتها، أهل الفيء بمعزل عن الصدقة، وأهل الصدقة بمعزل عن الفيء، وكان يعطي من الصدقة اليتيم والمسكين والضعيف، فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفيء وأخرج من الصدقة، ووجب عليه الجهاد، فإن كره الجهاد وأباه لم يعطَ من الصدقة شيئاً، وخلوا بينه وبين أن يكسب لنفسه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع سائلاً، فأتاه رجلان

_ 1 هو: عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، أبو يحيى المدني، ثقة، من الثالثة، توفي سنة تسع وتسعين، خ، م، د. س. التقريب 309. 2 هو: مَحْمِية: - بفتح أوله وسكون ثانيه، وكسر ثالثه، ثم تحتانية مفتوحة - ابن جزء - بفتح الجيم وسكون الزاي ثم همزة - ابن عبد يغوث الزُبيدي - بضم أوله - حليف بني سهم من قريش. كان قديم الإسلام، وهاجر إلى الحبشة، وكان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على الأخماس. الإصابة 3/388.

يسألانه من الخمس، فقال: إن شئتما أعطيتكما منه، ولا حظّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، قالوا: فاقتسم السبي وفرق، فصار في أيدي الرجال، وقسمت الرِّثَّة1، وقسم النعم والشاة، وعدلت الجزور بعشر من الغنم، وبيعت الرثة فيمن يريد، وأسهم للفرس سهمان، ولصاحبه سهم، وللراجل سهم، وكانت الإبل ألفي بعير وخمسة آلاف شاة، وكان السبي مائتي أهل بيت، فصارت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس وابن عمّ له، فكاتبها على تسع أواق ذهب2.

_ 1 الرِّثَّة: هو المتاع البالي. النهاية 2/195. 2 مغازي الواقدي 1/ 410. والواقدي متروك، فالرواية ضعيفة.

الفصل السادس: في غزوة الخندق والأحداث التي أعقبتها

الفصل السادس: في غزوة الخندق والأحداث التي أعقبتها المبحث الأول: في سبب غزوة الخندق ... المبحث الأول: في سبب غزوة الخندق1 76- قال ابن إسحاق فحدثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير عن عروة بن الزبير ومن لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك ومحمد بن كعب القرظي، والزهري وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، وغيرهم من علمائنا كلهم قد اجتمع حديثهم في الحديث عن الخندق2 وبعضهم يحدث ما لا يحدث به بعض قالوا3: إنه كان من حديث الخندق أن نفراً من اليهود ومنهم: سلاّم بن أبي

_ 1 سميت هذه الغزوة بهذا الاسم لأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. فتح الباري 7/ 392. 2 أي: عن غزوة الخندق. 3 لعل ابن إسحاق أخذ هذا المنهج - أعني منهج الإسناد الجمعي - عن شيخه الزهري، وقد تقدم كلام العلماء حول طريقة الزهري في اتباعه لهذا المنهج في قصة الإفك التي حدثت في غزوة بني المصطلق رواية رقم [68] ، هذه الرواية مروية بإسنادين: 1- عن يزيد بن رومان، عن عروة، وهي حسنة إلى عروة، ولكنها مرسلة. 2- عن مجهول عن جمع من الشيوخ ومنهم الزهري، وهي ضعيفة لجهالة شيخ ابن إسحاق.

الحقيق النضري، وحُيي بن أخطب النضري، وكنانة بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفرٍ من بني النضير، ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب1 على رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرجوا حتى قدموا على قريش مكة، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} 2 إلى قوله تعالى: {أَمْ

_ 1 الأحزاب: الطوائف من الناس، جمع حزب بالكسر. النهاية 1/ 376. 2 أخرج ابن حبان في صحيحه (الإحسان 14/ 534، رقم 6572) من حديث ابن عباس أن هذه الآية نزلت في كعب بن الأشرف قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة أتوه فقالوا: نحن أهل السقاية والسدانة وأنت سيد أهل يثرب، فنحن خير أم هذا الصنيبير المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا؟ فقال: أنتم خير منه. فنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} ونزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا} الآية، وقال محقق الكتاب شعيب الأرناؤوط: "إسناده صحيح على شرط الصحيح"، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 164، عن عكرمة مرسلاً، وابن جرير الطبري في تفسيره 8/ 466 رقم (9786) بالسند المتقدم عند ابن حبان، وأخرجه عن عكرمة مرسلاً، انظر: رقم (9787) و (9789) ، والواحدي في أسباب النزول 160 رقم (320 و321) . وأخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة مرسلاً كما قال ابن كثير في تفسيره 1/ 513: "وذكر خروج كعب بن الأشرف إلى مكة ومعه حيي بن أخطب. ثم قال ابن كثير في تفسيره 1/ 513: "وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: (لما قدم كعب) " فذكره.

يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ} أي: من النور {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} 1. قال: فلما قالوا ذلك لقريش، سرّهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا لذلك، واتعدوا له، ثم خرج أولئك النفر من يهود، حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليهم، وأن قريشاً قد تابعوهم على ذلك فاجتمعوا معهم فيه2.

_ 1 الآيتان من سورة النساء (51- 52) . 2 ابن هشام 2/ 214- 215، وأخرج نحوه ابن جرير الطبري في تفسيره 8/ 469 رقم (9792) ، من حديث ابن عباس ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري في التاريخ 2/ 565. فقال: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق عمن قاله قال: أخبرني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حيي بن أخطب وسلاَّم بن أبي الحقيق أبو رافع والربيع بن أبي الحقيق، فذكر نحوه. ثم قال أبو جعفر الطبري بعد ذكره لأقوال العلماء في ذلك: "وأولى الأقوال بالصحة في ذلك قول من قال: إن ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن جماعة من أهل الكتاب من اليهود، وجائز أن تكون كانت الجماعة الذين سماهم ابن عباس في الخبر الذي رواه محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد أو يكون حُيياً وآخر معه إما كعباً وإما غيره". تفسير الطبري 8/ 471 رقم (9794) .

77- أخرج الواقدي1 عن جمع كبير من الرواة ومنهم الزهري قالوا: لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر، وكان بها من اليهود قوم أهل عدد وجلد، وليست لهم من البيوت والأحساب ما لبني النضير - كان بنو النضير سِرَّهم وقريظة من ولد الكاهن من بني هارون - فلما قدموا خيبر خرج حيي بن أخطب، وكنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي من الأوس من بني خَطْمة، وأبو عامر الراهب في بضعة عشر رجلاً إلى مكة يدعون قريشاً وأتباعها إلى حرب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا لقريش: نحن معكم حتى نستأصل

_ 1 المغازي 2/ 441- 443 ولم تتميز هنا رواية الزهري من غيره.

محمداً. قال أبو سفيان: هذا الذي أقدمكم ونزعكم؟ قالوا: نعم، جئنا لنحالفكم على عداوة محمد وقتاله، قال أبو سفيان: مرحباً وأهلاً، أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد، قال النفر: فأخرجْ خمسين رجلاً من بطون قريش كلها أنت فيهم، وندخل نحن وأنتم بين أستار الكعبة حتى نلصق أكبادنا بها، ثم نحلف بالله جميعاً لا يخذل بعضنا بعضاً، ولتكونن كلمتنا واحدة على هذا الرجل ما بقي منا رجل، ففعلوا فتحالفوا على ذلك وتعاقدوا، ثم قالت قريش بعضها لبعض: قد جاءكم رؤساء أهل يثرب وأهل العلم والكتاب الأول فسلوهم عما نحن عليه ومحمد، أينا أهدى؟ قالت قريش: نعم، فقال أبو سفيان: يا معشر يهود، أنتم أهل الكتاب الأول والعلم، أخبرونا عما أصبحنا نحن فيه ومحمد، ديننا خير أم دين محمد؟ فنحن عُمَّار البيت وننحر الكوم، ونسقي الحجيج، ونعبد الأصنام، قالوا: اللهم أنتم أولى بالحق منه، إنكم لتعظمون هذا البيت، وتقومون على السقاية، وتنحرون البُدْن وتعبدون ما كان عليه آباؤكم، فأنتم أولى بالحق منه، فأنزل الله تعالى في ذلك: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى

مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} 1، فاستعدوا لوقتٍ وَقَّتُوه، فقال صفوان بن أمية: يا معشر قريش إنكم قد وعدتم هؤلاء القوم لهذا الوقت وفارقوكم عليه، فَفُوا لهم به، لا يكون هذا كما كان، وعدنا محمداً بدر الصفراء فلم نف بموعده واجترأ علينا بذلك، وقد كنت كارهاً لميعاد أبي سفيان يومئذ. فخرجت يهود حتى أتت غطفان، وأخذت قريش في الجهاز، وسيرت في العرب تدعوهم إلى نصرها، وألّبوا أحابيشهم ومن تبعهم، ثم خرجت اليهود حتى جاءوا بني سُليم، فوعدوهم يخرجون معهم إذا سارت قريش، ثم ساروا في غطفان فجعلوا لهم تمر خيبر سنة، وينصرونهم ويسيرون مع قريش إلى محمد إذا ساروا، فأنعمت بذلك غطفان، ولم يكن أسرع إلى ذلك من عيينة بن حصن2، وخرجت قريش ومن تبعها من أحابيشها أربعة آلاف، وعقدوا اللواء في دار الندوة، وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وكان معهم من الظهر ألف بعير وخمسمائة بعير، وأقبلت سُليم فلاقوهم بمر الظهران، وبنو سُليم يومئذ سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية، وهو أبو أبي الأعور الذي كان مع معاوية بن أبي

_ 1 سورة النساء، آية رقم (51) . 2 هو: عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو ... الفزاري أبو مالك، له صحبة، وكان من المؤلفة، أسلم قبل الفتح، وشهدها وشهد حنيناً والطائف، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني تميم فسبى بعض بني العنبر؛ كان ممن ارتد في عهد أبي بكر، ثم عاد إلى الإسلام، عاش إلى خلافة عثمان. الإصابة 3/ 54- 55.

سفيان بصفين، وخرجت قريش يقودها أبو سفيان بن حرب، وخرجت بنو أسد وقائدها طليحة بن خويلد الأسدي، وخرجت بنو فزارة وأوعبت، وهم ألف يقودهم عيينة بن حصن، وخرجت أشجع وقائدها مسعود بن رُخيلة وهم أربعمائة، لم توعب أشجع، وخرج الحارث بن عوف يقود قومه مرة وهم أربعمائة. لما أجمعت غطفان السير أبو الحارث بن عوف المسير وقال لقومه: تفرقوا في بلادكم ولا تسيروا إلى محمد، فإني أرى أن محمداً أمره ظاهر لو ناوأه من بين المشرق والمغرب لكانت له العاقبة، فتفرقوا في بلادهم ولم يحضر واحد منهم، وهكذا روى الزهري وروت بنو مرة1.

_ 1 وهذه الرواية ضعيفة لكونها جاءت من طريق الواقدي ولكونه جمع بين كثير من الرواة ولم يفرق بينهم، وبالتالي لم تعرف رواية الزهري من غيرها، ولكنها عند الإخباريين مقبولة.

المبحث الثاني: في تايخ الغزوة

المبحث الثاني: في تايخ الغزوة ... المبحث الثاني: في تأريخ الغزوة 78- قال أبو عبيد القاسم بن سلام1: حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد عن عُقيل بن خالد عن ابن شهاب قال: كانت وقعة الأحزاب بعد أحد بسنتين2.

_ 1 القاسم بن سلاّم بالتشديد البغدادي، أبو عبيد، الإمام المشهور، ثقة، فاضل، مصنف من العاشرة، مات سنة أربع وعشرين، ولم أر له في الكتب حديثاً مسنداً، بل من أقواله في شرح الغريب، خت د ت، التقريب 450. 2 كتاب الأموال، لأبي عبيد 158 رقم (445) ، وأخرجه ابن زنجويه في كتاب الأموال 1/ 398 رقم (657) ، والبيهقي في الدلائل 3/ 394، وكلها من طريق عبد الله بن صالح، كاتب الليث، قال عنه الحافظ: صدوق كثير الغلط. التقريب 308، ومثل هذه الروايات مما يتساهل فيها. قال ابن كثير: وقد كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة نص على ذلك ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 214) ، وعروة بن الزبير كما في دلائل البيهقي 3/ 394، وقتادة (انظر: دلائل البيهقي 3/ 394) ، والبيهقي (دلائل 3/ 395) وغير واحد من العلماء سلفاً وخلفاً. البداية والنهاية 4/ 93. وذكر ابن سعد عن الواقدي أنها كانت سنة خمس، الطبقات 4/ 84، والبلاذري في أنساب الأشراف 1/ 427. ومما يدل على أن غزوة الأحزاب كانت في السنة الخامسة ما أخرجه الطبراني في الأوسط 4/ 65 رقم (3624) من حديث ابن عباس قال: "كان قدومنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس من الهجرة خرجنا متوصلين بقريش عام الأحزاب، وأنا مع أخي الفضل ... حتى دخلنا المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق، وأنا يومئذ ابن ثمان سنين وأخي ابن ثلاث عشرة سنة".

79- قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله1 الحافظ، قال: أخبرنا إسماعيل2 بن محمد بن الفضل الشعراني، قال: حدثنا جدي3 قال: حدثنا إبراهيم4 بن المنذر قال: حدثنا محمد5 بن فليح، عن موسى6 بن عقبة عن ابن شهاب ح وأخبرنا أبو الحسين7 بن الفضل القطان، قال: أخبرنا محمد8 بن عبد الله بن عَتَّاب قال: حدثنا القاسم9 بن عبد الله بن المغيرة قال: ابن أبي10 أويس قال: حدثنا إسماعيل11 بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل يوم بدر في رمضان سنة اثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل

_ 1 ثقة، تقدم في الرواية رقم [1] . 2 ثقة، تقدم في الرواية رقم [1] . 3 ثقة، تقدم في الرواية رقم [1] . 4 صدوق، تقدم في الرواية رقم [1] . 5 صدوق، تقدم في الرواية رقم [1] 6 ثقة، تقدم في الرواية رقم [1] 7 ثقة، تقدم في الرواية رقم [7] . 8 ثقة، تقدم في الرواية رقم [7] . 9 ثقة، تقدم في الرواية رقم [7] . 10 صدوق، تقدم في الرواية رقم [7] . 11 ثقة، تقدم في الرواية رقم [1] .

يوم الخندق وهو يوم الأحزاب وبني قريظة في شوال سنة أربع1.

_ 1 دلائل النبوة للبيهقي 3/ 392- 393، والسند حسن إلى الزهري، لكنه مرسل. وقال البخاري: "قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع" الصحيح مع الفتح 7/ 392. وقد عقب الحافظ ابن حجر على كلام البخاري فقال: "قلت: وتابع موسى على ذلك مالك وأخرجه أحمد عن موسى بن داود عنه" الفتح 7/ 393، وانظر: رواية مالك المذكورة في دلائل البيهقي 3/ 397، ثم ذكر أن ذكر الخندق في السنة الخامسة هو المعتمد، المصدر نفسه. وقال في موضع آخر عند حديثه على من قال بأن غزوة بني المصطلق كانت في شعبان سنة ست فقال: "فلو كان المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك كان فيها لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطاً، لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة، وكانت سنة خمس على الصحيح". الفتح 7/ 430، وقريظة كانت بعد الخندق مباشرة. فيظهر مما تقدم أن للعلماء في تاريخ الغزوة قولين: قول إنها في سنة أربع، كما قال مالك وابن عقبة والبخاري والفسوي، ورواية عن الزهري، وقول إنها سنة خمس وعلى ذلك الجمهور ومعهم الزهري في رواية. أما إذا أخذنا بما ذكره البيهقي من الجمع بين الروايتين - كما سيأتي - فلا إشكال، ويكون الخلاف لفظي والمعنى واحد. وقد جمع البيهقي رحمه الله بين القولين بكلام حسن أظهر من خلاله عدم اختلافهم في تاريخ الغزوة فقال: قلت: "لا اختلاف بينهم في الحقيقة، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل يوم بدر لسنة ونصف من مقدمه المدينة في شهر رمضان، ثم قاتل يوم أحد من السنة القابلة لسنتين ونصف من مقدمه المدينة في شوال، ثم قاتل يوم الخندق بعد أحد بسنتين على رأس أربع سنين ونصف من مقدمه المدينة، فمن قال: سنة أربع أراد بعد أربع سنين وقبل بلوغ الخمس، ومن قال: سنة خمس أراد بعد الدخول في السنة الخامسة وقبل انقضائها، والله أعلم" أ. هـ. دلائل البيهقي 3/ 395. واختلافهم في ذلك مبني على أن بعض العلماء جعلوا التاريخ الهجري من شهر المحرم من السنة القابلة وحذفوا الأشهر الماضية، وهو قول مخالف للجمهور الذي عدَّ التاريخ الهجري من أول شهر محرم من السنة التي قدم فيها صلى الله عليه وسلم المدينة. انظر: دلائل البيهقي 3/ 396، والفتح 7/ 268.

المبحث الثالث: في أحداث غزوة الخندق إجمالا

المبحث الثالث: في أحداث غزوة الخندق إجمالاً 80- قال البيهقي1: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: أخبرنا إسماعيل ابن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني قال: حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا محمد بن فليح2 عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب (ح) وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد، واللفظ له، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن عتَّاب العبدي، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة قال: حدثني ابن أبي أويس قال: حدثنا

_ 1 دلائل النبوة 3/ 398- 407، بسند حسن إلى الزهري، لكنه مرسل. 2 تقدمت تراجم رواة السند في الرواية رقم [1] و [7] .

إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة قال: خرج أبو سفيان وقريش ومن اتبعهم من مشركي العرب معهم حيي بن أخطب، واستمدوا عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، فأقبل بمن أطاعه من غطفان. وبنو أبي الحقيق كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق سعى في غطفان وحضهم على القتال على أن لهم نصف ثمر خيبر1، فزعموا أن الحارث ابن عوف2 أخا بني مرة قال لعيينة بن بدر وغطفان: يا قوم أطيعوني ودعوا قتال هذا الرجل وخلّوا بينه وبين عدوه من العرب، فغلب عليهم الشيطان، وقطع أعناقهم الطمع، فانقادوا لأمر عيينة بن بدر على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبوا إلى حلفائهم من أسد، فأقبل طليحة3 فيمن اتبعه من بني أسد وهما حليفان: أسد وغطفان، وكتبت قريش إلى الرجال من بني سُليم أشرافٍ بينهم وبينهم أرحام، فأقبل أبو الأعور4 فيمن اتبعه من

_ 1 خيبر سيأتي التعريف بها عند الحديث عن غزوة خيبر. 2 هو الحارث بن عوف بن أبي حارثة المزني من فرسان الجاهلية، قدم في وفد بني مرة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك. الإصابة 1/ 286. 3 هو: طليحة بن خويلد بن نوفل بن فضلة بن الأشتر ... الأسدي الفقعي، قدم في وفد بني أسد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد ارتد، فهرب إلى الشام، ثم أسلم إسلاماً صحيحاً، استشهد بنهاوند سنة إحدى وعشرين. الإصابة 2/ 234. 4 هو: عمرو بن سفيان بن عبد شمس بن سعد بن قائف ... بن ثعلبة بن سليم أبو الأعور السلمي مشهور بكنيته، قال أبو عمر: شهد حنيناً مع مالك بن عوف ثم أسلم، الإصابة 2/ 540.

سليم مدداً لقريش، فخرج أبو سفيان في آخر السنتين فيمن اتبعه من قبائل العرب، وأبو الأعور فيمن اتبعه من بني سُليم، وعيينة بن بدر في جمع عظيم، فهم الذين سماهم الله الأحزاب1، فلما بلغ خروجهم النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في حفر الخندق2، وخرج معه المسلمون فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في العمل معهم، فعملوا مستعجلين ويبادرون قدوم العدو، ورأى المسلمون أنما بطش رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم في العمل ليكون أجدّ لهم وأقوى

_ 1 إشارة لقوله تعالى: {يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ} الآية [سورة الأحزاب آية (20) ] إلى قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب آية (22) ] . 2 يقع الخندق في المنطقة الشمالية من المدينة، بين سلع وأسفل حرة الوبرة إلى طرف واقم من الشمال الشرقي ليربط بينهما. انظر: معجم المعالم الجغرافية 114، والعمري في السيرة الصحيحة 2/ 420، والدر الثمين الغالي الشنقيطي 205. وكان طوله: خمسة آلاف ذراع وعرضه تسعة أذرع، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة، انظر: تفسير الطبري 21/ 33، ومجمع الزوائد 6/ 130، والفتح 7/ 397، وكان الذي أشار به سلمان الفارسي رصي الله عنه، انظر: ابن هشام 2/ 223، ومغازي الواقدي 2/ 445، وفتح الباري 7/ 393.

لهم بإذن الله عزوجل، فجعل الرجل يضحك من صاحبه إذا رأى منه فترة1، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يغضب اليوم أحد من شيء ارتجز2 به ما لم يقل قول كعب أو حسان فإنهما يجدان من ذلك قولاً كثيراً ونهاهما أن يقولا شيئاً يحفظان3 به أحداً، فذكروا أنه عرض لهم حجر في محفرهم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم معولاً من أحدهم فضرب به ثلاثاً فكسر الحجر في الثالثة، فزعموا أن سلمان الخير الفارسي4 أبصر عند كل ضربة برقة5 ذهبت في ثلاث وجوه كل مرة يتبعها سلمان بصره، فذكر ذلك سلمان6 لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت كهيئة البرق أو موج الماء عن ضربة ضربتها يا رسول الله، ذهبت إحداهن نحو المشرق والأخرى نحو الشام، والأخرى نحو اليمن،

_ 1 فترة: أي ضعف. النهاية 3/ 408. 2 الرَّجز: بحر من بحور الشعر معروف ونوع من أنواعه. وتسمى قصائده أراجيز، فهو كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشعر، ويسمى قائله راجز. النهاية 2/ 199. 3 يحفظان به: أي يغضبان. النهاية 1/ 408. 4 هو: سلمان أبو عبد الله الفارسي، ويقال له: سلمان الإسلام، وسلمان الخير، أصله من رام هرمز وقيل من أصبهان، وكان أول مشاهده الخندق، وشهد بقية المشاهد وفتوح العراق. الإصابة 2/ 62. 5 برقة: أي لمعان كالبرق. النهاية 1/ 120. 6 المعروف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي بشر الصحابة بالفتوحات عند تكسيره للحجرة التي عجز الصحابة عن تكسيرها، كما روى ذلك أحمد والنسائي وحسن الحافظ ابن حجر إسنادها. انظر: فتح الباري 7/ 397، والطبراني في الكبير 11/ 376.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وقد رأيت ذلك يا سلمان؟ " قال: نعم، قد رأيت ذلك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإنه أُبْيضَ1 لي في إحداهن مدائن كسرى2 ومدائن من تلك البلاد، وفي الأخرى مدينة الروم، والشام، وفي الأخرى مدينة اليمن وقصورها، والذي رأيت النصر يبلغهن إن شاء الله"، وكان سلمان يذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وكان سلمان رجلاً قوياً، فلما وكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل جانب من الخندق، قال المهاجرون: يا سلمان احفر معنا، فقال رجل من الأنصار: لا أحد أحق به منا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما سلمان منا أهل البيت"3. [وقال عبد الله بن عباس: لما قتل الأسودَ العنسيَّ كذابَ صنعاء فيروز الديلمي وقدم قادمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسلموا قالوا: يا رسول الله من نحن؟ قال: "أنتم إلينا أهل البيت ومنا"، فلما قضوا حفر

_ 1 البياض: ضد السواد، الإصابة 1/ 295، والمراد: أنه ظهر لي شيء أبيض. 2 المدائن: جمع مدينة وتقع هذه المدائن بين أرض الفرات ودجلة بناها الأكاسرة من آل ساسان، بينهما وبين بغداد ستة فراسخ. ياقوت 5/ 74- 75. 3 أخرجه ابن سعد في الطبقات 4/ 98، والحاكم 3/ 589، وقال الذهبي: "سنده ضعيف، وأخرجه الطبراني في الكبير 6/ 212 رقم (6040) قال في المجمع (6/ 130) : "وفيه كثير بن عبد الله المزني وقد ضعفه الجمهور وحسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات"، وقال الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته ص 480- 481 رقم (3272) : "ضعيف جداً".

خندقهم وذلك في شوال سنة أربع، وهو عام الأحزاب] 1 وعام الخندق أقبل أبو سفيان بن حرب ومن معه من مشركي قريش ومن اتبعه من أهل الضلالة فنزلوا بأعلى وادي قناة من تلقاء الغابة، وغلقت بنو قريظة حصنهم، وتأشموا2 بحيي بن أخطب وقالوا: لا تكونوا من هؤلاء القوم في شيء فإنكم لا تدرون لمن تكون الدَّبْرة3، وقد أهلك حيي قومه ما حذروه، وأقبل حيي حتى أتى باب حصنهم، وهو مغلق عليهم، وسيد اليهود يومئذ كعب بن أسد، فقال حيي: أَثَمَّ كعب؟ قالت امرأته: ليس ههنا، خرج لبعض حاجاته. فقال حيي: بل هو عندك مكث على جشيشته4 يأكل منها، فكره أن أصيب معه من العشاء. فقال كعب: ائذنوا له فإنه مشؤوم، والله ما طرقنا بخير، فدخل حيي فقال: إني جئتك والله بعز الدهر إن لم تتركه عليّ، أتيتك بقريش وسقت إليك الحليفين: أسدٌ وغطفان فقال كعب بن أسد: إنما مثلي ومثل ما جئت به كمثل سحابة أفرغت ما فيها ثم انطلقت، ويحك يا حيي دعنا

_ 1 من قوله: وقال ابن عباس إلى هنا، أظنه من كلام موسى بن عقبة، والله أعلم. 2 تأشموا: لعل معناها تشاءموا، والشؤم: ضد اليُمْن، وقد شأم فلان على قومه يشأمهم فهو شائم إذا جر عليهم الشؤم. اللسان (شأم) . 3 الدَّبَرْ: بالفتح الهلاك. النهاية 2/ 98. 4 الجشيشة: الحنطة تطحن طحناً جليلاً، ثم تجعل في القدور ويقلى عليها لحم أو تمر وتطبخ وقد يقال لها: دشيشة، النهاية 1/ 273.

على عهدنا لهذا الرجل فإني لم أر رجلاً أصدق ولا أوفى من محمد وأصحابه والله ما أكرهنا على دين ولا غصبنا مالاً ولا ننقم من محمد وعملك شيئاً، وأنت تدعو إلى الهلكة فنذكرك الله إلا ما أعفيتنا من نفسك. فقال: والله لا أفعل ولا يختبزها محمد إلى يوم القيامة، ولا نفترق نحن وهذه الجموع حتى نهلك، وقال عمرو بن سعد القرظي: يا معشر يهود إنكم قد حالفتم محمداً على ما قد علمتم أن لا تخونوه ولا تنصروا عليه عدواً، وأن تنصروه على من دهم1 يثرب2، فأوفوا على ما عاهدتموه عليه فإن لم تفعلوا فخلوا بينه وبين عدوه، واعتزلوهم، فلم يزل بهم حيي حتى شامهم3، فاجتمع ملأهم في الغد على أمر رجل واحد، غير أن بني شعبة أسداً4 وأسيداً وثعلبة خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زعموا وقالت اليهود: يا حيي انطلق إلى أصحابك فإنا لا نأمنهم فإن أعطونا من أشرافهم من كل من جاء معهم رهناً5 فكانوا عندنا فإذا نهضوا لقتال

_ 1 دهم: أي فاجأ. النهاية 2/ 145. 2 يثرب: هي مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم واسمها القديم (يثرب) ، فغيرها وسماها: (طيبة الطيبة) كراهة للتثريب وهو اللوم والتعيير، وقيل سميت باسم رجل من العمالقة، وقيل: هو اسم أرضها. النهاية 5/ 292. 3 شامهم: أي عدل بهم عن رأيهم. القاموس، مادة (شمم) . 4 هم ممن أسلموا من بني قريظة. انظر: الإصابة 1/ 33. 5 قال في القاموس: "الرهن: ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك، القاموس مادة (رهن) ".

محمد وأصحابه خرجنا نحن فركبنا أكتافهم، فإن فعلوا ذلك فاشدد العقد بيننا وبينهم، فذهب حيي إلى قريش فعاقدوه على أن يدفعوا إليه السبعين، ومزقوا صحيفة القضية1 التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم، ونبذوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحرب وتحصنوا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبأ أصحابه للقتال، وقد جعلهم المشركون في مثل الحصن بين كتائبهم، فحاصروهم قريباً من عشرين ليلة2، وأخذوا بكل ناحية حتى ما يدري الرجل أتم صلاته أم لا، ووجهوا نحو منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة يقاتلونه يوماً إلى الليل، فلما حضرت الصلاة، صلاة العصر، دنت الكتيبة، فلم يقدر النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه الذين كانوا معه أن يصلوا الصلاة على نحو ما أرادوا فانكفأت الكتيبة مع الليل فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شغلونا عن صلاة العصر ملأ الله بطونهم وقبورهم ناراً"3، وفي

_ 1 هي الصحيفة التي عملها النبي صلى الله عليه وسلم وكتبها بين المسلمين واليهود عندما قدم المدينة بعد الهجرة وكان من ضمن بنودها: أن بينهم النصر جميعاً على من دهم يثرب، انظر هذه الصحيفة والوثيقة في رسالة هارون رشيد محمد إسحاق، بعنوان: صحيفة المدينة دراسة حديثية وتحقيق، من قسم الدراسات العليا من كلية التربية جامعة الملك سعود عام 1405هـ- ص133 فما بعدها. 2 وفي مصنف عبد الرزاق 5/ 367 رقم (9737) بضع عشرة ليلة، وتفسيره 1/ 83، وأخرج الواقدي في المغازي 2/ 291 من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلاً أن مدة الحصار كانت بضعة وعشرين يوماً، وأخرج كذلك ابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 73 عن الزهري عن ابن المسيب، وفي رواية أخرى لسعيد بن المسيب: أنهم حاصروهم أربعاً وعشرين ليلة. انظر: الإصابة 2/ 73. 3 أخرجه البخاري في الصحيح. انظر: الفتح 7/ 405 رقم (4111) وانظر رقم (4112) ورقم (2931) ورقم (4533) ومسلم في المساجد (627) باب التغليظ في تفويت الصلاة، وأبا داود في الصلاة رقم (409) ، وأحمد 2/ 129 رقم [591] أرناؤوط، والدارمي في الصلاة 1/ 280، باب في الصلاة الوسطى من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي رصي الله عنه.

رواية ابن فليح: "بطونهم وقبورهم ناراً"1. فلما اشتد البلاء على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه نافق ناس كثير وتكلموا بكلام قبيح، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فيه الناس من البلاء والكرب جعل يبشرهم ويقول: "والذي نفسي بيده ليفرجن عنكم ما ترون من الشدة، وإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمناً، وأن يدفع الله عزوجل إليّ مفاتيح الكعبة، وليهلكن الله كسرى وقيصر ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله عزوجل". وقال رجل ممن معه لأصحابه: ألا تعجبون من محمد يعدنا أن نطوف بالبيت العتيق وأن نقسم كنوز فارس والروم ونحن ههنا لا يأمن أحدنا أن يذهب الغائط، والله لما يعدنا إلا غروراً2، وقال آخرون ممن معه: إئذن لنا فإن بيوتنا عورة3، وقال آخرون: يا أهل يثرب لا مقام

_ 1 هكذا في المطبوع من دلائل النبوة للبيهقي 3/ 402، ولعلها: "قبورهم وبطونهم ناراً" 2 ذكر الله عنهم ذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُوراً} [الأحزاب آية رقم (12) ] . 3 حكى الله عنهم في ذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِرَاراً} [الأحزاب آية (13) ] .

لكم فارجعوا1. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أخا عبد الأشهل، وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة2 وخوات بن جبير إلى بني قريظة ليكلموهم ويناشدوهم في حلفهم، فانطلقوا حتى أتوا باب حصن بني قريظة، استفتحوا ففُتح لهم، فدخلوا عليهم فدعوهم إلى الموادعة3 وتجديد الحلف، فقالوا: الآن وقد كسروا جناحنا، يريدون بجناحهم المكسورة بني النضير، ثم أخرجوهم وشتموا النبي صلى الله عليه وسلم شتماً، فجعل سعد بن عبادة يشاتمهم، فأغضبوه، فقال سعد بن معاذ لسعد بن عبادة: إنا والله ما جئنا لهذا ولَمَا بيننا أكثر من المشاتمة ثم ناداهم سعد بن معاذ فقال: إنكم قد علمتم الذي بيننا وبينكم يا بني قريظة، وأنا خائف عليكم مثل يوم بني

_ 1 جزء من الآية السابقة. 2 هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك الخزرجي الأنصاري الشاعر المشهور يكنى أبا محمد من السابقين الأولين من الأنصار وكان أحد النقباء ليلة العقبة، وشهد بدراً وما بعدها إلى أن استشهد بمؤتة. الإصابة 2/ 306. 3 الموادعة: يقال: توادع الفريقان: إذا أعطى كل واحد منهم الآخر عهداً ألاَّ يغزوه، النهاية (5/ 167) .

النضير أو أمّر منه. فقالوا: أكلتَ أَيْر أبيك، فقال: غير هذا من القول كان أجمل وأحسن منه. فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يئسوا مما عندهم، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوههم الكراهية لما جاءوا به، فقال: ما وراءكم؟ فقالوا: أتيناك من عند أخابث خلق الله وأعداهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأخبروه بالذي قالوا، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتمان خبرهم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، وهم في بلاء شديد يخافون أشد من يوم أحد فقالوا: حين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً: ما وراءك يا رسول الله، قال: "خيراً فأبشروا"، ثم تقنع بثوبه فاضطجع ومكث طويلاً واشتد عليهم البلاء والخوف حين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا أنه لم يأته من بني قريظة خير، ثم إنه رفع رأسه فقال: "أبشروا بفتح الله ونصره"، فلما أصبحوا دنا القوم بعضهم إلى بعض، فكان بينهم رمي بالنبل والحجارة، قال ابن شهاب: قال سعيد بن المسيب1: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد" 2، وأقبل نوفل بن عبد الله المخزومي وهو من المشركين

_ 1 انظر: مصنف عبد الرزاق 5/ 367 رقم (9737) . 2 هذا الدعاء ذكره صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر كما في البخاري وغيره. انظر: الصحيح مع الفتح 7/ 287، وأخرجه ابن سعد عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلاً. الطبقات الكبرى 2/ 73.

على فرس له ليقحمه1 الخندق فقتله الله، وكبت به المشركين وعظم في صدورهم وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنّا نعطيكم الدية على أن تدفعوه إلينا فندفنه، فرد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم: إنه خبيث خبيث الدية، فلعنه الله، ولعن ديته، فلا أربَ2 لنا بديته، ولسنا مانِعِيكُم أن تدفنوه، ورمي سعد بن معاذ رمية فقطعت منه الأكحل3 من عضده4 ورماه زعموا حبان بن قيس5 أخو بني عامر بن لؤي، ثم أحد بني العَرِقَة6، ويقول آخرون: أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم، وقال سعد بن معاذ: رب اشفني من بني قريظة قبل الممات فرَقَأَ7 الكلْم8 بعدما كان قد انفجر، وصبر أهل

_ 1 ليقحمه: يقال: اقتحم الإنسان الأمر العظيم، وتقحمه، إذا رمى نفسه فيه من غير روية وتثبت. النهاية 4/ 18. 2 لا أرب: أي لا حاجة. النهاية 1/ 35. 3 الأكحل: عرق في وسط الذراع يكثر فصده. النهاية 4/ 154. 4 العضد: ما بين الكتف والمرفق. النهاية 3/ 252. 5 قال السهيلي: "هو حبان بن قيس بن العرقة. الروض 3/ 280، قال: وحبان هو عبد مناف بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي. ويشهد له ما في صحيح البخاري فقد ذكر أن الذي رماه: حبان بن العرقة". انظر: الصحيح مع الفتح 7/ 411. 6 العَرِقَة: هي: قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم تكنى أم فاطمة، سميت العرقة لطيب ريحها. وهي جدة خديجة أم أمها هالة. الروض 3/ 280. 7 رقأ: يقال: رقأ الدمع والدم والعرق يرقأ رقوءاً بالضم إذا سكن وانقطع. النهاية 2/ 248. 8 الكلم: الجرح. النهاية 4/ 199.

الإيمان على ما رأوا من كثرة الأحزاب وشدة أمرهم، وزادهم يقيناً لموعد الله تبارك وتعالى الذي وعدهم، ثم رجع بعضهم عن بعض، ثم إن أبا سفيان أرسل إلى بني قريظة أن قد طال ثُواؤنا1 ههنا وأجدب2 من حولنا فما نجد رعياً للظهر، وقد أردنا أن نخرج إلى محمد وأصحابه فيقضي الله بيننا وبينهم فماذا ترون؟ وبعثت بذلك غطفان، فأرسلوا إليهم: أن نعم ما رأيتم فإذا شئتم فانهضوا فإنا لا نحبسكم إذا بعثتم بالرهن إلينا، وأقبل رجل من أشجع يقال له نعيم بن مسعود3 يذيع4 الأحاديث وقد سمع الذي أرسلت به قريش وغطفان إلى بني قريظة والذي رجعوا إليهم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار إليه وذلك عشاءً، فأقبل نعيم بن مسعود حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبَّةً له تُركية ومعه نفر من أصحابه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما وراءكم؟ ".

_ 1 ثوى: المثوى المنزل من ثوى بالمكان يثوي إذا أقام فيه. النهاية 1/ 230. 2 الجدْب: هو القحط، وهي الأرض التي لا نبات فيها. النهاية 1/ 242- 243. 3 هو: نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ الأشجعي يكنى أبا سلمة الأشجعي أسلم ليالي الخندق، وهو الذي أوقع الخلف بين الحيين قريظة وغطفان، قتل في أول خلافة علي رصي الله عنه، وقيل مات في خلافة عثمان رصي الله عنه. الإصابة 3/ 568. 4 ذاع الخبر يذيع ذيعاً وذيوعاً: انتشر، والمذياع: بالكسر من لا يكتم السر. القاموس (ذاع) .

قال: إنه والله مالك طاقة بالقوم وقد تحزبوا عليك وهم معالجوك، وقد بعثوا إلى بني قريظة أنه قد طال ثواؤنا وأجدب ما حولنا وقد أحببنا أن نعاجل محمداً وأصحابه فنستريح منهم، فأرسلت إليهم بنو قريظة: أن نعم ما رأيتم فإذا شئتم، فابعثوا بالرهن ثم لا يحبسكم إلا أنفسكم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني مسر إليك شيئاً فلا تذكره"، قال: نعم، قال: "إنهم قد أرسلوا إليّ يدعونني إلى الصلح وأرد بني النضير إلى دورهم وأموالهم"، فخرج نعيم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غطفان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحرب خدعة1، وعسى الله أن يصنع لنا"، فأتى نعيم غطفان فقال: إني لكم ناصح وإني قد اطلعت على غدر يهود، تعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكذب قط، وإني سمعته يحدث أن بني قريظة، قد صالحوه على أن يرد عليهم إخوانهم من بني النضير إلى ديارهم وأموالهم، ويدفعوا إليه الرهن، ثم خرج نعيم ين مسعود الأشجعي حتى أتى أبا سفيان بن حرب وقريشاً فقال: اعلموا أني قد اطلعت على غدر يهود،

_ 1 خدعة: قال النووي: فيها ثلاث لغات مشهورات، واتفقوا على أن أفصحهن خَدعة بفتح الخاء وإسكان الدال، والثانية بضم الخاء، والثالثة بضم الخاء وفتح الدال، النووي على مسلم 12/ 45. وقوله صلى الله عليه وسلم: "الحرب خدعة" أخرجه البخاري في الجهاد رقم (3030) ، ومسلم في الجهاد رقم (1739) ، وأبو داود رقم (2636) ، والترمذي في الجهاد رقم (1675) .

إني سمعت محمداً يحدث أن بني قريظة صالحوه على أن يرد عليهم إخوانهم من بني النضير إلى دورهم وأموالهم، على أن يدفعوا إليه الرهن ويقاتلون معه ويعيدون الكتاب الذي كان بينهم، فخرج أبو سفيان إلى أشراف قريش فقال: أشيروا عليّ وقد ملّوا مقامهم، وتعذرت عليهم البلاد، فقالوا: نرى أن نرجع ولا نقيم فإن الحديث على ما حدثك نعيم والله ما كذب محمد، وإن القوم لغدر. وقال الرُّهْن حين سمعوا الحديث: والله لا نأمنهم على أنفسنا ولا ندخل حصنهم أبداً، قال أبو سفيان: لن نعجل حتى نرسل إليهم فنتبين ما عندهم، فبعث أبو سفيان إليهم عكرمة بن أبي جهل وفوارس، وذلك ليلة السبت، فأتوهم فكلموهم فقالوا: إنا مقاتلون غداً فاخرجوا إلينا. قالوا: إن غداً السبت وإنا لا نقاتل فيه أبداً. قال عكرمة: إنا لا نستطيع الإقامة، هلك الظهر والكراع ولا نجد رعياً. قالت اليهود: إنا لا نعمل يوم السبت عملاً بالقتال، ولكن امكثوا إلى يوم الأحد، وابعثوا إلينا بالرهن، فرجع عكرمة وقد يئس من نصرهم، واشتد البلاء والحصر على المسلمين وشغلتهم أنفسهم فلا يستريحون ليلاً ولا نهاراً، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث رجلاً فيخرج من الخندق فيعلم ما خبر القوم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه1 فقال: "هل أنت

_ 1 الذي في صحيح مسلم 3/ 1414- 1415 رقم (1788) "أن النبي صلى الله عليه وسلم انتدب حذيفة بن اليمان رصي الله عنه بعد أن نادى في الناس أن يأتوه بخبر القوم، فلما لم يجبه أحد عين حذيفة رصي الله عنه"، ولم أر في المصادر التي وقفت عليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً من أصحابه فاعتل.

مطلع القوم؟ " فاعتل1 فتركه، وأتى آخر، فقال مثل ذلك، وحذيفة بن اليمان يسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ذلك صامت لا يتكلم مما به من الضر والبلاء، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يدري من هو، فقال: "من هذا؟ " قال: أنا حذيفة بن اليمان، قال: "إياك أريد، أسمعت حديثي منذ الليلة ومسألتي الرجال لأبعثهم فيتخبرون لنا خبر القوم؟ " قال حذيفة: والذي بعثك بالحق إنه لبأُذني، قال: "فما منعك أن تقوم حين سمعت كلامي؟ " قال: الضر والجوع، فلما ذكر الجوع، ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قم حفظك الله من أمامك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك وعن يمينك وعن شمالك حتى ترجع إلينا،" فقام حذيفة مستبشراً بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه احتمل احتمالاً، فما شكا من جوع ولا خوف ولا درى شيئاً مما أصابه قبل ذلك من البلاء، فانطلق حتى أجاز الخندق من أعلاه، فجلس بين ظهري المشركين، فوجد أبا سفيان قد أمرهم أن يوقدوا

_ 1 اعتل: العلة بالكسر: المرض. القاموس 1338 (علل) .

النيران، وقال: ليعلم كل امرئ مَنْ جليسه، فقبض حذيفة على يد رجل عن يمينه، فقال: من أنت؟ قال: أنا فلان، وقبض يد رجل عن يساره قال: من أنت؟ قال: أنا فلان، وبَدَرَهُم بالمسألة خشية أن يفطنوا له، ثم إن أبا سفيان أذَّن بالرحيل، فارتحلوا وحملوا الأثقال، فانطلقت ووقفت الخيل ساعة من الليل، ثم انطلقت، وسمعت غطفان الصياح والإرصاء1 من قبل قريش، فبعثوا إليهم، فأتاهم الخبر برحيلهم فانقشعوا2 لا يلوون على شيء، وقد كان الله عزوجل قَبْلَ رحيلهم قد بعث عليهم بالريح3 بضع عشرة ليلة، حتى ما خلق الله لهم بيتاً يقوم، ولا رمحاً حتى ما كان في الأرض منزل أشد عليهم ولا أكره إليهم من منزلهم ذلك، فأقشعوا والريح أشد ما كانت معها جنود الله لا تُرى كما قال الله عزوجل4، ورجع حذيفة ببيان خبر القوم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي - وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج محمد بن مسلمة وأصحابه فقتلوا كعب بن الأشرف، فلم يزل قائماً يصلي حتى فرغوا منه وسمع التكبير، - ولما دنا

_ 1 لم يتبين لي معناها. 2 انقشعوا: تفرقوا. القاموس المحيط (قشع) . 3 إشارة لقوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا ... } الآية [الأحزاب آية رقم (9) ] . 4 قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} [الأحزاب آية رقم (9) ] .

حذيفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يدنو حتى ألصق ظهره برجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فثنا ثوبه حتى دفئ، ثم انصرف إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن القوم، فأخبره الخبر، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قد فتح الله عزوجل لهم وأقرّ أعينهم، فرجعوا إلى المدينة شديداً بلاؤهم مما لقوا من محاصرة العدوّ، وكانوا حاصروهم في شتاء شديد فرجعوا مجهودين فوضعوا السلاح1.

_ 1 وقد أخرج الواقدي في المغازي 2/486 من طريق معمر، عن الزهري مرسلاً نحوه.

المبحث الرابع: في هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد الصلح بينه وبين غطفان وعدوله عن ذلك

المبحث الرابع: في هَمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد الصلح بينه وبين غطفان وعدوله عن ذلك 81- قال ابن إسحاق1: فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري: إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري2، وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة3، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه، فقالا له: يا رسول الله أمراً تحبه فنصنعه أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئاً تصنعه لنا؟ قال: (بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت

_ 1 ابن هشام 2/ 223. والرواية حسنة إلى الزهري. 2 في رواية عبد الرزاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عيينة فقط. انظر: الرواية في التفسير، (1/ 83) وستأتي. 3 المراوضة: المجاذبة في البيع والشراء، وهو ما يجري بين المتبايعين من الزيادة والنقصان، وقيل هي المواصفة بالسلعة، وهو أن تصفها وتمدحها عنده. النهاية 2/ 276- 277.

العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم1 من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما،" فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قِرىً2 أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فأنت وذاك". فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا"3. 82- عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: لما كان يوم الأحزاب حصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة، حتى خلص إلى كل امرئ منهم الكرب، وحتى قال النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المسيب: "اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد" 4. فبينما هم على ذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن بن بدر:

_ 1 كالبوكم: أي: اشتدوا عليكم. النهاية 4/ 195، والقاموس (كلب) . 2 قرى: الضيف - بالكسر والفتح والمدّ - القاموس، مادة (قرى) . 3 الجهد: - بالضمّ - الوسع والطاقة، وبالفتح: المشقة. النهاية 1/320، والمراد: أي ليجتهدوا وليبذلوا ما في وسعهم في تهديدنا، فلن نعطيهم شيئاً. 4 تقدم أن هذا الدعاء ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر كما في البخاري وغيره. وقد تكرر منه صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء في أكثر من موضع.

"أرأيت إن جعلت لك ثلث ثمر الأنصار أترجع بمن معك من غطفان، وتخذل بين الأحزاب؟ " فأرسل إليه عيينة: إن جعلتَ لي الشطر فعلتُ1، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقال: "إني أرسلت إلى عيينة، فعرضت عليه أن أجعل له ثلث ثمركم، ويرجع بمن معه من غطفان، ويخذل بين الأحزاب فأبى إلا الشطر"، فقالا: يا رسول الله إن كنت أُمرتَ بشيء فامض لأمر الله. قال: "لو كنت أُمرت بشيء ما استأمرتكما، ولكن هذا رأي أعرضه عليكما". قالا: فإنا لا نرى أن تعطيهم إلا السيف. قال ابن أبي نجيح: قالا: فوالله يا رسول الله، لقد كان يمرّ في الجاهلية يجرّ صرمه2 في عام السنة حول المدينة ما يطيق أن يدخلها، أفلآن حين جاء الله بالإسلام نعطيهم ذلك3؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فنعم إذاً"4.

_ 1 في رواية ابن إسحاق (ابن هشام 2/223) أن الصلح كان على الثلث فقط. 2 الصرمة: القطعة الخفيفة من الإبل. النهاية 3/ 62. 3 إلى هنا أخرجها أبو عبيد في الأموال رقم (445) عن الزهري مرسلاً، ومن طريق أبي عبيد أخرجها البلاذري في أنساب الأشراف 1/ 345. 4 تفسير عبد الرزاق 1/ 83، والمصنف 5/ 367 رقم (9737) وقد وردت هذه الرواية في المصنف دون ذكر معمر والزهري، فلعلهما سقطا والله أعلم. وهي رواية صحيحة إلى الزهري. وانظر مغازي الواقدي 2/ 477، فقد ذكر هذه الرواية عن الزهري عن سعيد بن المسيب ولكن الواقدي متروك. وقضية المفاوضة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين غطفان بشأن إعطائهم بعض ثمار المدينة ويرجعوا عنه، انظرها في كشف الأستار 1/ 331- 332، ومجمع الزوائد 6/ 132، بإسنادين كلاهما حسن، وانظر: مغازي الواقدي 2/ 477، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 73 من طريق الزهري عن ابن المسيب مرسلاً، وابن أبي شيبة 14/ 420، وابن إسحاق كما مر، ودلائل البيهقي 3/ 398- 407.

المبحث الخامس: في شهداء المسلمين وقتلى المشركين يوم الخندق

المبحث الخامس: في شهداء المسلمين وقتلى المشركين يوم الخندق1. 1- أنس بن أوس بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم الأنصاري2. 2- أنس بن معاذ بن أوس بن عبد عمرو3. 3- ثعلبة بن عَنَمة - بفتح المهملة والنون - ابن عدي الخزرجي الأنصاري4.

_ 1 من جاء ذكره في هذه القائمة في معجم الطبراني فهو من طريق موسى بن عقبة عن الزهري، والباقون ذكروا من دون إسناد أي تعليقاً عن الزهري. 2 الإصابة 1/68، عن الزهري. 3 المعجم الكبير 2/90 تحت رقم (770) ومجمع الزوائد 6/142، عن الزهري. 4 المعجم الكبير 2/90، تحت رقم (1403) ، عن الزهري. وقد ذكر ابن إسحاق أنّ شهداء الخندق ستة نفر، الثلاثة الذين ذكرهم الزهري، وزاد عليهم: سعد بن معاذ، وعبد الله بن سهل، والطفيل بن النعمان. ابن هشام 2/252، من غير طريق الزهري.

وقد ذكر الزهري أن عدد قتلى المشركين في غزوة الخندق ثلاثة: 1- عمرو بن عبد ودّ العامريّ1. 2- نوفل بن عبد الله المخزومي2. 3- حسل بن عمرو بن عبد ودّ العامريّ3.

_ 1 المستدرك 3/32، عن الزهري. 2 السير، للفزاري 115، رقم (32) ، والمستدرك للحاكم 3/32، ودلائل النبوة للبيهقي 3/404، عن الزهري. وقال ابن هشام: أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده عشرة آلاف درهم، فيما بلغني عن الزهري (ابن هشام 2/253) . 3 ابن هشام 2/253، عن الزهري.

المبحث السادس: في غزوة بني قريظة

المبحث السادس: في غزوة بني قريظة المطلب الأول: في تحديد خروجه إليهم ... المبحث السادس: في غزوة بني قريظة1. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: في تحديد خروجه إليهم. 83- قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر2 بن الحسن القاضي، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب3، قال: حدثنا محمد4 بن خالد بن خَليّ، قال: حدثنا بشر5 بن شعيب عن

_ 1 بنو قريظة هم: أبناء قريظة بن النمام بن الخزرج بن الصريح بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاوي بن جبر بن النمام بن عازر بن عيزر بن هارون بن عمران عليه السلام. وفاء الوفاء للسمهودي 1/ 161. وقد سار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة بثلاثة آلاف رجل وستة وثلاثين فرساً. انظر: ابن هشام 2/ 234، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 74. 2 هو: الإمام العالم المحدث مسند خراسان، قاضي القضاة أبو بكر أحمد بن أبي علي الحسن بن الحافظ أبي عمرو أحمد بن محمد بن أحمد الحرشي الحيري، النيسابوري، الشافعي، قال السمعاني: هو ثقة في الحديث. السير 17/ 356. 3 تقدم في رواية رقم [20] . 4 هو محمد بن خالد بن خَليّ - بوزن علي - الكلاعي أبو الحسين الحمصي، صدوق من الحادية عشرة، س، التقريب 4762. 5 هو بشر بن شعيب بن أبي حمزة، دينار القرشي مولاهم، أبو القاسم الحمصي، ثقة من كبار العاشرة، قال ابن حبان: "قال البخاري: تركناه"، فأخطأ ابن حبان، وإنما قال البخاري: "تركناه حياً سنة اثنتي عشرة"، مات سنة ثلاث عشرة خ، س، التقريب 123.

أبيه1. قال: حدثنا الزهري، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عمه عبد الله بن كعب أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب وضع عنه الَّلأْمة، واغتسل واستجمر فتبدا له جبريل عليه السلام فقال: عَذِيرك من محارب، ألا أراك وضعت اللأمة، وما وضعناها بعد، قال: فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً، فعزم على الناس ألا يصلوا العصر حتى يأتوا بني قريظة، قال: فلبس الناس السلاح، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس فاختصم الناس عند غروب الشمس فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة، فإنما نحن في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس علينا إثم، وصلى طائفة من الناس احتساباً، وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس، فصلوها حين جاءوا بني قريظة، فلم يُعَنِّفْ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً منهم2.

_ 1 هو شعيب بن أبي حمزة الأموي، مولاهم، واسم أبيه دينار، أبو بشر الحمصي، ثقة عابد، قال ابن معين: من أثبت الناس في الزهري، من السابعة، مات سنة اثنتين وستين، أو بعدها، (ع) ، التقريب، 297. 2 دلائل النبوة للبيهقي 4/ 7 بسند حسن، وأخرجه الطبراني في الكبير 19/ 80 رقم (160) من طريق مرزوق بن أبي الهذيل عن الزهري به، ومن طريق مرزوق ابن أبي الهذيل أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة ص 247. وله شاهد عند البخاري في الصحيح من حديث عائشة وابن عمر مختصراً. انظر: البخاري مع الفتح رقم (4117 و4119) ، ومسلم برقم (1770) ، وأحمد 21/ 84 الفتح الرباني. وأخرج ابن إسحاق نحوه من حديث الزهري مرسلاً (ابن هشام 2/ 233) وأبو عبيد في الأموال 164 رقم (463) عن الزهري مرسلاً، ومن طريقه أخرجه ابن زنجويه في الأموال 1/ 416 رقم (683) ، وأخرجه البيهقي في الدلائل (4/ 11- 19) مطولاً. وأخرج نحوه أبو نعيم في الدلائل رقم (437 عن الزهري عن سعيد بن المسيب.

المطلب الثاني: في تخذيل نعيم بن مسعود الأحزاب

المطلب الثاني: في تخذيل نعيم بن مسعود الأحزاب 84- قال الزهري1 في حديثه عن ابن المسيب: فبينا هم كذلك إذ جاءهم نعيم بن مسعود الأشجعي، وكان يأمنه الفريقان، كان موادعاً لهما، فقال: إني كنت عند عيينة وأبي سفيان إذ جاءهم رسول بني قريظة: أن اثبتوا فإنا سنخالف المسلمين إلى بيضتهم2، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلعلنا أمرناهم بذلك، وكان نعيم رجلاً لا يكتم الحديث، فقام بكلمة النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه عمر، فقال: يا رسول الله إن كان هذا الأمر من الله فامضه، وإن كان رأياً منك فإن شأن قريش وبني قريظة أهون من أن يكون لأحد عليك فيه مقال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليّ الرجل ردوه"، فردوه فقال: "انظر

_ 1 مصنف عبد الرزاق 5/368، رقم (9737) ، هذه الرواية علقها عبد الرزاق عن الزهري فهي ضعيفة، لكن يشهد لبعض ما جاء فيها ما أخرجه البخاري ومسلم كما سيأتي. 2 بيضتهم: أي مجتمعهم وموضع سلطانهم، ومستقر دعوتهم، بيضة الدار: وسطها ومعظمها. النهاية 1/ 172.

الذي ذكرنا لك، فلا تذكره لأحد" فإنما أغراه، فانطلق حتى أتى عيينة وأبا سفيان، فقال: هل سمعتم من محمد يقول قولاً إلا كان حقاً؟ قالا: لا، قال: فإني لما ذكرت له شأن قريظة، قال: فلعلنا أمرناهم بذلك، قال: أبو سفيان: سنعلم ذلك إن كان مكراً، فأرسل إلى بني قريظة، أنكم قد أمرتمونا أن نكتب وأنكم ستخالفون المسلمين إلى بيضتهم فأعطونا بذلك رهينة، فقالوا: إنها دخلت ليلة السبت، وإنا لا نقضي في السبت شيئاً1، فقال أبو سفيان: إنكم في مكر من بني قريظة، فارتحلوا، وأرسل الله عليهم الريح وقذف في قلوبهم الرعب، فأطفأت نيرانهم وقطعت أرسان2 خيولهم، وانطلقوا منهزمين من غير قتال، قال: فذلك حين يقول: {وكفى اللهُ المؤمنين القِتَالَ وكانَ اللهُ قَوِيّاً عَزِيْزَاً} 3. قال: فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلبهم، فطلبوهم حتى بلغوا حمراء

_ 1 السبت: الراحة والسكون، أو أصله من القطع ترك الأعمال، وسَبَتَتْ اليهود تسبت إذا أقاموا عمل يوم السبت، وقيل: سمي يوم السبت، لأن الله خلق العالم في ستة أيام آخرها يوم الجمعة، وانقطع العمل فسمي اليوم السابع يوم السبت. النهاية 2/ 331. 2 أرسان: جمع رَسَن وهو الحبل الذي يقاد به البعير وغيره، يقال: رسنت الدابة وأرسنتها، النهاية 2/ 224. 3 سورة الأحزاب، آية (25) .

الأسد، قال: فرجعوا، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته1، واغتسل واستجمر2، فنادى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل: عذيرك3 من محارب، ألا أراك قد وضعت اللأمة؟ ولم نضعها نحن بعد، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً؛ فقال لأصحابه: "عزمت عليكم ألا تصلوا العصر4 حتى تأتوا بني قريظة"، فغربت الشمس قبل أن يأتوها، فقالت طائفة من المسلمين: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن تدعوا الصلاة، فصلوا، وقالت طائفة: إنا لفي عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علينا من بأس، فصلت طائفة إيماناً واحتساباً، وتركت طائفة إيماناً واحتساباً، قال: فلم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من الفريقين5، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم

_ 1 تقدم التعريف بها في غزوة أحد. 2 استجمر: بالجمر، إذا تبخر بالعود. اللسان (جمر) . وانظر ما يشهد لذلك في صحيح البخاري مع الفتح 7/ 407. 3 عذيرك: هو فعيل. بمعنى فاعل: أي هات من يعذرك فيه. النهاية 3/ 197. 4 يشهد له ما رواه البخاري في صحيحه. الفتح 7/ 407 رقم (4119) ، ومسلم (1770) إلا أنه ذكر الظهر بدلاً من العصر، وقد نقل ابن حجر جمع بعض العلماء بين الروايتين أي الرواية التي تذكر العصر والأخرى التي تذكر الظهر، والتي ذكرها مسلم في صحيحه فقال: "وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلى الظهر، وبعضهم لم يصلها، فقيل لمن لم يصلها لا يصلين أحد الظهر، ولمن صلاها، لا يصلين أحد العصر. الفتح 7/ 409. 5 يشهد له ما رواه البخاري ومسلم. انظر: البخاري مع الفتح 7/ 407- 408 رقم (4119) ومسلم رقم (1770) .

فمر بمجالس بينه1 وبين بني قريظة، فقال: "هل مر بكم من أحد؟ " فقالوا: نعم، مر علينا دحية الكلبي2 على بغلة شهباء3 تحته قطيفة4 ديباج5، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس ذلك ولكنه جبريل، أُرسل إلى بني قريظة ليزلزل حصونهم ويقذف في قلوبهم الرعب"، فحاصرهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يستروه بِحُجُفِهم6 ليقوه الحجارة حتى يسمع كلامهم، ففعلوا، فناداهم: "يا إخوة القردة والخنازير"، فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فاحشاً7، فدعاهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم، فأبوا أن يجيبوه إلى الإسلام فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، وأبوا

_ 1 هذه المجالس مجالس بني (غَنْم) . انظر: الرواية رقم [86] ص 408، وانظر: البخاري رقم (4118) . 2 هو: دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج الكلبي صحابي مشهور، أول مشاهده الخندق، وقيل أحد، ولم يشهد بدراً، وكان يضرب به المثل في حسن الصورة، وكان جبريل عليه السلام ينزل على صورته، عاش إلى خلافة معاوية. الإصابة 1/ 473- 474. 3 شهباء: الشهب: بياض بصدغه سواد. القاموس، مادة (شهب) . 4 القطيفة: كساء له خَمْل ... ، القاموس، مادة (قطف) . 5 الديباج: الثياب المتخذة من الإبريسم. فارسي معرب. النهاية 2/ 97. 6 الحجف: التروس من جلود بلا خشب ولا عقب، واحدتها حجفة. القاموس، مادة (حجف) . 7 الفحش: القول القبيح. القاموس، مادة (فحش) .

أن ينزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم فنزلوا على داء1، فأقبلوا بهم وسعد ابن معاذ أسيراً2 على أتان3، حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستأمراً ينتظره فيما يريد أن يحكم به فيجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد أن يقول: انفر بما أنا حاكم وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بقول نعم، قال سعد: فإني أحكم بأن يقتل مقاتلتهم وتقسم أموالهم وتسبى ذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصاب الحكم"4، قال: وكان حيي بن أخطب استجاش5 المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء لبني قريظة، فاستفتح عليهم ليلاً فقال سيدهم6: إن هذا رجل مشؤوم فلا يشأمنكم حيي، فناداهم يا بني قريظة ألا تستجيبون؟ ألا تلحقوني؟ ألا تضيفوني؟ فإني جامع مغرور. فقالت بنو قريظة: والله لنفتحن له فلم يزالوا حتى فتحوا له، فلما دخل عليهم أُطُمَهم7 قال: يا بني قريظة: جئتكم

_ 1 هكا في المطبوع من المصنف. 2 أسيراً: أي مُعْتَلاًّ. القاموس (أسر) . 3 الأتان: أنثى الحمير. النهاية 1/ 21. 4 يشهد له ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رصي الله عنه وفيه: ( ... فقال: تُقْتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، قال: قضيت بحكم الله، وربما قال: بحكم الملك) . البخاري مع الفتح 7/ 411 رقم 4121، ومسلم رقم (1768) . 5 استجاش: أي طلب لهم الجيش وجمعه عليهم. لسان العرب (جيش) . 6 هو: كعب بن أسد. كما في رواية البيهقي الماضية. الدلائل 3/ 398- 407. 7 الأطم: بالضم؛ الأبنية المرتفعة كالحصون. النهاية 1/ 54.

في عز الدهر، جئتكم في عارض برد لا يقوم لسبيله شيء، فقال له سيدهم: أتعدنا عارضاً برداً؟ ينكشف عنا وتدعنا عند بحر دائم لا يفارقنا، إنما تعدنا الغرور، قال: فواثقهم وعاهدهم لئن انفضت جموع الأحزاب أن يجيء حتى يدخل معهم أطمهم، فأطاعوه بالغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فلما فض الله جموع الأحزاب انطلق حتى إذا كان بالروحاء1 ذكر العهد والميثاق الذي أعطاهم، فرجع حتى دخل معهم فلما أقبلت بنو قريظة أتى به مكتوفاً بِقَدٍّ2، فقال حيي للنبي صلى الله عليه وسلم: أما والله ما لمتُ نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فضربت عنقه3.

_ 1 الروحاء: - بفتح الراء وسكون الواو والحاء المهملة -: اسم موضع من أعمال الفُرُع وتبعد عن المدينة (75) كيلاً. معجم المعالم الجغرافية 143 و164. 2 القد: قطعة من الجلد. اللسان 3/ 28، مادة (قدد) . 3 وانظر: تفسير عبد الرزاق 1/84، وابن هشام 2/ 241، ومغازي الواقدي 2/ 516.

المطلب الثالث: في أحداث غزوة بني قريظة إجمالا

المطلب الثالث: في أحداث غزوة بني قريظة إجمالاً 85- قال البيهقي1: أخبرنا أبو عبد الله2 الحافظ قال أخبرنا إسماعيل3 بن محمد بن الفضل قال: حدثنا جدي4 قال: حدثنا إبراهيم5 ابن المنذر قال: حدثنا محمد6 بن فليح عن موسى7 بن عقبة عن ابن شهاب (ح) وأخبرنا أبو الحسين8 بن الفضل القطان، واللفظ له قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب9 قال: حدثنا القاسم10 بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا أبو11 أويس قال: حدثنا إسماعيل12 بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألوه أن يحكم فيهم رجلاً، اختاروا من شئتم من أصحابي،

_ 1 دلائل البيهقي 4/ 19- 22. 2 ثقة، تقدم في الرواية رقم [1] . 3 ثقة، تقدم في الرواية رقم [1] . 4 ثقة، تقدم في الرواية رقم [1] . 5 صدوق، تقدم في الرواية رقم [1] . 6 صدوق، تقدم في الرواية رقم [1] . 7 ثقة، تقدم في الرواية رقم [1] . 8 ثقة، تقدم في الرواية رقم [7] . 9 ثقة، تقدم. 10 ثقة، تقدم في الرواية رقم [7] . 11 صدوق، تقدم في الرواية رقم [7] . 12 ثقة، تقدم في الرواية رقم [50] .

فاختاروا سعد بن معاذ فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأمر رسول الله بسلاحهم فجعل في قبته1، وأُمِر بهم فكُتِّفوا2، وأوثقوا، وجُعلوا في دار أسامة، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فأقبل على حمار أعرابي3، يزعمون أن وطأة برذعته4 من ليف5، واتَّبعه رجل من بني عبد الأشهل، فجعل يمشي معه ويعظِّم حق بني قريظة، ويذكر حلفهم، والذي أبلوه في يوم بعاث، ويقول: اختاروك على من سواك من قومك رجاء رحمتك وعطفك، وتحننك عليهم، فاستَبْقِهم، فإنهم لك جمال وعدد، قال: فأكثر ذلك الرجل ولا يرجع إليه سعد شيئاً حتى دنوا فقال الرجل: ألا ترجع إليّ فيما أكلمك فيه؟ قال سعد: قد آن لي أن لا تأخذني في الله لومة لائم، ففارقه الرجل فأتى قومه، فقالوا: ما وراءك، فأخبرهم أنه غير مستبقيهم، وأخبرهم بالذي كلمه به والذي رجع سعد إليه، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم،

_ 1 القبة من الخيام: بيت صغير مستدير، وهو من بيوت العرب. النهاية 4/ 3. 2 المكتوف: هو الذي شدت يداه من خلفه. النهاية 4/ 150. 3 أعرابي: أي أَنَّ الحمار المذكور ليس ملكاً له، وإنما أسلفوه، وهو من العربان. النهاية 3/ 202، أو أن يكون معناه أنه منسوب إلى العرب. النهاية 3/ 203. 4 البرذعة: الحلس الذي يلقى تحت الرجل، والجمع: براذع، وخص بعضهم به الحمار، اللسان (برذع) 5 الليف: ليف النخل معروف، القطعة منه ليفة، وليفت الفسيلة غلظت. اللسان (ليف) .

وتسبى ذراريهم ونساؤهم وتقسم أموالهم1، فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعدٍ: "لقد حكمت فيهم بحكم الله عزوجل". فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاتلتهم، وكانوا زعموا ستمائة2 مقاتل، قتلوا عند دار أبي جهل3 التي بالبلاط4، ولم تكن يومئذ بلاط، فزعموا أن دماءهم بلغت أحجار الزيت5 التي كانت بالسوق، وسبى نساءهم

_ 1 وقد أخرج البلاذري من طريق عبد الرزاق عن معمر قال: سألت الزهري، هل كانت لبني قريظة أرض؟ فقال: سديداً قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على السهام، فتوح البلدان 35، ومعنى سديداً: أي عيوناً لأن السُدُد بالضم: العيون التي لا يبصر بها، كما في القاموس: (سدد) 2 ذكر ابن إسحاق بدون إسناد أن عدتهم ست مائة أو سبع مائة، ثم قال: والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمان مئة والتسع مائة، ابن هشام 2/ 241، وفي مسند أحمد من حديث أبي الزبير عن جابر: أن عدتهم كانوا أربعمائة، المسند 23/ 190 رقم [14773] أرناؤوط، وسنده حسن كما قال العمري في السيرة الصحيحة 1/ 316. وقال الحافظ ابن حجر: وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل، فيحتمل في طريق الجمع أن يقال إن الباقين كانوا أتباعاً، الفتح 7/ 414 رقم (4122) . 3 ذكر ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 240- 241) : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بهم إلى سوق المدينة فحفر لهم خنادق ثم ضرب أعناقهم في تلك الخنادق. 4 البلاط: ضرب من الحجارة تفرش به الأرض، وهو موضع معروف بالمدينة. النهاية 1/ 152. 5 أحجار الزيت: موضع بالمدينة قريب من الزوراء، وهو موضع صلاة الاستسقاء، معجم البلدان 1/ 109، وهذا المكان يقع اليوم في الجهة الغربية من المسجد النبوي الشريف قرب مسجد الغمامة الذي بناه العثمانيون. انظر: الدر الثمين 237.

وذراريهم وقسم أموالهم بين من حضر من المسلمين، وكانت جميع الخيل التي كانت للمسلمين ستاً وثلاثين1 فرساً، فقسم لها لكل فرس سهمين، وأخرج حيي بن أخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أخزاك الله؟ " قال له: لقد ظهرت عليّ، وما ألوم نفسي في جهادك والشدة عليك، فأمر به فضربت عنقه، وكل ذلك بعين سعد بن معاذ وكان عمرو ابن سعد اليهودي في الأسرى، فلما قدموا إليه ليقتلوه فقدوه، فقال: أين عمرو، قالوا: والله ما نراه، وإن هذه لرمته التي كان فيها فما ندري كيف انفلت، فقال رسول الله: "أفلتنا بما علم الله في نفسه"2. وأقبل ثابت بن قيس بن شَمَّاس3 أخو بني الحارث بن الخزرج إلى

_ 1 وكذلك ذكر ابن سعد في الطبقات 3/ 74، وابن سيد الناس في عيون الأثر 2/ 104. 2 قصة نجاة عمرو بن سعد من القتل، ذكرها أبو عبيد في الأموال رقم (301) من طريق الليث بن سعد عن عُقيل عن ابن شهاب وفيها ... فقتل منهم يومئذ كذا وكذا رجلاً، إلا عمرو بن سعد - أو ابن سعدى - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه كان يأمر بالوفاء وينهى عن الغدر فلذلك نجا"، أما ابن إسحاق فقد ذكر هذه القصة بدون إسناد وفيها: أنه ذهب فلم يدر أين توجه من الأرض إلى يومه هذا. ابن هشام 2/ 238. 3 هو: ثابت بن قيس بن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، خطيب الأنصار. الإصابة 1/ 195.

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هب لي الزبير1 وامرأته، فوهبهما، فرجع ثابت إلى الزبير فقال: يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني؟ وكان الزبير يومئذ كبير أعمى، قال: هل ينكر الرجل أخاه؟ قال ثابت: أردت أجزيك اليوم بتلك2، قال: افعل فإن الكريم يجزي الكريم، قال: قد فعلت، قد سألتك رسول الله فوهبك لي، فأطلق عنك الأسار، قال الزبير: ليس لي قائد وقد أخذتم امرأتي وبني، فرجع ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله ذرية الزبير وامرأته فوهبهما له فرجع ثابت إلى الزبير فقال: قد رد إليك الرسول صلى الله عليه وسلم امرأتك وبنيك. قال الزبير: فحائط لي فيه أغدق3 ليس لي ولأهلي عيش إلا به، فرجع ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله حائط الزبير فوهبه له فرجع ثابت إلى الزبير فقال: قد رد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك ومالك فأسلم تسلم،

_ 1 ذكر الزبير وقصته مع ثابت بن قيس، ذكرها ابن إسحاق عن الزهري مرسلاً، (ابن هشام 2/ 242) ، ومن طريق ابن إسحاق أخرجها الطبري في التاريخ 2/ 589، وأخرج هذه الرواية أيضاً أبو عبيد في الأموال ص 111 رقم (301) ومن طريقه أخرجها ابن زنجويه في كتابه الأموال 1/ 299 رقم (461) . 2 قال ابن إسحاق: وقد كان ثابت بن قيس بن شماس كما ذكر لي ابن شهاب الزهري أتى الزبير بن باطا القرظي، وكان يكنى أبا عبد الرحمن، وكان الزبير قد منَّ على ثابت في الجاهلية في يوم بعاث فأخذه وجز ناصيته ثم خلَّى سبيله، ابن هشام 2/ 243، فأراد ثابت رصي الله عنه رد تلك الصنيعة للزبير. 3 الغدق: محركة: الماء الكثير. القاموس 1180 مادة (غدق) .

قال: ما فعل المجلسان؟ فذكر رجالاً من قومه بأسمائهم، فقال ثابت: قد قتلوا وفرغ منهم، ولعل الله أن يهديك وأن يكون أبقاك لخير. قال الزبير: أسألك بالله وبيدي عندك إلا ما ألحقتني بهم فما في العيش خير بعدهم. فذكر ذلك ثابت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالزبير فقتل، فلما قضى الله عزوجل قضاءه من بني قريظة ورفع الله عن المؤمنين بلاء تلك المواطن نزل القرآن يعرف الله فيه المؤمنين نعمة الله تبارك وتعالى التي أنعم عليهم بها حين أرسل على عدوهم الريح وجنوداً لم تروها على الجنود التي جاءتهم من فوقهم ومن أسفل منهم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ويظنون بالله الظنونا حين نزل البلاء والشدة بأحاديث المنافقين، فإنه قالت طائفة منهم: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً، ووقعت طائفة منهم يفرقون عن نصر الله ورسوله ويدعون إخوانهم ويأمرون بترك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر حدة ألسنتهم وضعفهم عن البأس، ثم ذكر المسلمين وتصديقهم عند البلاء، وذكر أن {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيْلاً،} 1 ثم ذكر أنه ردّ {رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} 2، ثم ذكر بني قريظة ومظاهرتهم عدو

_ 1 سورة الأحزاب آية (23) . 2 سورة الأحزاب آية (25) .

الله ورسوله فقال: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} 1 وما سلّط المسلمون عليهم من قتلهم وسبائهم وما أورثهم من أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديراً، وأنزل في القرآن قرآناً إذا قرأته عرفته تسعاً وعشرين آية فاتحتها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} 2. 86 - قال البيهقي3: أخبرنا أبو عبد الله4 الحافظ قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل قال: حدثنا جدي قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب (ح) وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان واللفظ له، قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة عن الزهري قال:

_ 1 جزء من آية (26) من الأحزاب. والصياصي: الحصون. انظر: تفسير الطبري 21/ 95. وتفسير ابن كثير 3/ 478. 2 الأحزاب آية (9) . 3 دلائل النبوة 4/ 11- 14. والرواية حسنة إلى الزهري لكنها مرسلة. 4 سبق التعريف برجال إسناد هذه الرواية في الرواية المتقدمة رقم [86] .

فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون في المغتسل يرجل1 رأسه قد رجَّل أحد شقيه، أتاه جبريل عليه السلام على فرس عليه لأمته، حتى وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل: غفر الله لك، أقد وضعت السلاح؟ قال: نعم، قال جبريل: لكن نحن لم نضعه منذ نزل بك العدو، وما زلت في طلبهم، فقد هزمهم الله، ويقولون: إن على وجه جبريل عليه السلام لأثر الغبار، فقال له جبريل: إن الله قد أمرك بقتال بني قريظة، وأنا عامد لهم بمن معي من الملائكة صلوات الله عليهم لأزلزل بهم الحصون، فاخرج بالناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر جبريل فمر على مجلس بني غنم وهم ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم: مر عليكم فارس الآن؟ فقالوا: مر علينا دحية الكلبي على فرس أبيض، تحته نمط2 أو قطيفة3 من ديباج4 عليه اللأمة، فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذاك جبريل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه دحية الكلبي بجبريل عليه السلام، فقال: الحقوني - يعني قريظة -، فصلوا فيهم العصر، فقام ومن شاء الله عزوجل منهم فانطلقوا إلى بني قريظة، فحانت العصر وهم في الطريق، فذكروا

_ 1 الترجل: تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه. النهاية 2/ 203. 2 نمط: ضرب من السبط له خمل رقيق، واحدها: نمط. النهاية 5/ 119. 3 القطيفة: كساء له خمل. النهاية 4/ 84. 4 تقدم شرحها.

الصلاة، فقال بعضهم لبعض: ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمركم أن تصلوا العصر في بني قريظة، وقال آخرون: هي الصلاة، فصلى منهم قوم، وأخرت طائفة منهم الصلاة، حتى صلوها ببني قريظة بعد أن غابت الشمس، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عجّل منهم الصلاة ومن أخّرها، فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعنّف أحداً من الطائفتين، قال: ولما رأى عليّ بن أبي طالب رصي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً تلقاه، وقال: ارجع يا رسول الله، فإن الله كافيك اليهود، وكان عليّ سمع منهم قولاً سيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه، فكره علي أن يسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِمَ تأمرني بالرجوع؟! فكتمه ما سمع. فقال: أظنك سمعت بي منهم أذى؟ فامض، فإن أعداء الله لو رأوني لم يقولوا شيئاً مما سمعت. فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصنهم وكانوا أعلاه، نادى بأعلى صوته نفراً من أشرافها حتى أسمعهم فقال: أجيبونا يا معشر يهود، يا إخوة القردة، قد نزل بكم خزي الله. فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتائب المسلمين بضع عشرة ليلة، وردّ الله عزوجل حيي بن أخطب الحصار، فصرخوا بأبي لبابة بن عبد المنذر، وكانوا حلفاء للأنصار، فقال أبو لبابة: لا آتيهم حتى يأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أذنت لك. فأتاهم أبو لبابة، فبكوا إليه وقالوا: يا أبا لبابة، ماذا ترى؟ وما تأمرنا؟ فإنه لا طاقة لنا بالقتال.

فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه، وأمَرَّ عليه أصابعه يريهم، إنما يراد بكم القتل. فلما انصرف أبو لبابة سقط في يده، ورأى أنه قد أصابته فتنة عظيمة، فقال: والله لا أنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أُحدث لله عزوجل توبةً نصوحاً يعلمها الله عزوجل من نفسي. فرجع إلى المدينة، فربط يديه إلى جذعٍ من جذوع المسجد، فزعموا أنه ارتبط قريباً من عشرين ليلةً1. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر حين راث2 عليه أبو لبابة: أما فرغ أبو لبابة من حلفائه؟ قالوا: يا رسول الله قد والله انصرف من عند الحصن، وما ندري أين سلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد حدث لأبي لبابة أمرٌ، ما كان عليه؟ فأقبل رجلٌ من عند المسجد فقال: يا رسول الله، قد رأيت أبا لبابة ارتبط بحبل إلى جذع من جذوع المسجد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أصابته بعدي فتنة، ولو جاءني لاستغفرت له، فإذا فعل هذا فلن أحركه من مكانه حتى يقضي الله فيه ما يشاء.

_ 1 قد ربط أبو لبابة نفسه مرة أخرى بعد غزوة تبوك عندما تخلف عنها وكانت في ليال شديدة الحرارة كما أخرج البيهقي في الدلائل من طريق شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وذكر حديث أبي لبابة بن عبد المنذر وفيه: (ففزع أبو لبابة فارتبط بسارية التوبة التي عند باب أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً بين يوم وليلة في حر شديد ... ) . دلائل النبوة للبيهقي 5/ 270. وذكر ابن هشام بدون إسناد (2/ 238) أنه مكث مرتبطاً بالجذع ست ليال. 2 راث: أي أبطأ. القاموس المحيط 218.

87- قال البيهقي1: ثنا أبو سعيد محمد2 بن موسى بن الفضل، قال: حدثنا أبو محمد أحمد3 بن عبد الله المزني قال: أخبرنا علي4 بن محمد بن عيسى، حدثنا أبو اليمان5 قال: أخبرني شعيب عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن بني قريظة كانوا حلفاء لأبي لبابة، فاطلعوا إليه وهو يدعوهم إلى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا لبابة: أتأمرنا أن ننزل؟ فأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح. فأخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له: لم تر عيني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسبت أن الله غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك، فلبث حيناً ورسول الله صلى الله عليه وسلم عاتب عليه، ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوكاً وهي غزوة العسرة، فتخلف عنه أبو لبابة فيمن تخلف، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها جاءه أبو لبابة، فارتبط بسارية التوبة التي عند باب أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً6 بين يومٍ وليلة في حرٍّ شديد، لا يأكل فيهن ولا يشرب قطرةً، وقال: لا يزال هذا مكاني حتى أفارق الدنيا أو يتوب

_ 1 دلائل النبوة 5/ 270. 2 ثقة، تقدم في الرواية رقم [4] . 3 تقدم في الرواية رقم [4] . 4 تقدم في الرواية رقم [4] . 5 ثقة، تقدم في الرواية رقم [4] . 6 وانظر: نفسير الطبري 9/ 146 في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ... } الآية.

الله عليّ، فلم يزل كذلك حتى ما يسمع الصوت من الجهد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه بكرة وعشية، ثم تاب الله تعالى عليه، فنودي أن الله تعالى قد تاب عليك، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق عنه بيده1، فقال أبو لبابة حين أفاق: يا رسول الله، إني أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأنتقل إليك فأساكنك، وإني أختلع2 من مالي صدقة إلى الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقال صلى الله عليه وسلم: "يجزئ عنك الثلث". فهجر أبو لبابة دار قومه، وساكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصدق بثلث ماله، ثم تاب فلم ير منه بعد ذلك في الإسلام إلا خيراً حتى فارق الدنيا3.

_ 1 أخرج نحو هذه الرواية الواقدي في المغازي 2/ 508 من طريق الزهري مرسلاً. 2 أختلع: أي أخرج. النهاية 2/ 65. 3 وقد أخرج هذه الرواية الواقدي في المغازي 2/ 509 و2/ 508، 509، وانظر: تفسير ابن جرير الطبري 9/ 146، فقد أخرج من طريق معمر عن الزهري هذه الرواية مختصرة. وانظر تفسير ابن كثير 2/ 30. وقد أخرج ابن جرير الطبري رواية البيهقي من طريق معمر، عن الزهري، إلا أنه ذكر فيها أن سبب ربط أبي لبابة وتوبته إنما كانت بسبب تخلفه عن غزوة تبوك، ولم تذكر الرواية شيئاً عن بني قريظة. انظر: تفسير الطبري 5/ 11 ط شاكر. وهذه الرواية التي أخرجها البيهقي عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أقوى من رواية ابن جرير الطبري التي أخرجها عن الزهري، لأن مراسيل سعيد أقوى من مراسيل الزهري. ويمكن الجمع بين الروايتين: بأن تخلفه عن غزوة تبوك ضاعف من ذنبه، فأدى به ذلك إلى المبادرة بالتوبة النصوح من الذنبين معاً. والله أعلم.

المبحث السابع: في غزوة بني لحيان

المبحث السابع: في غزوة بني لحيان 88- وأخرج الواقدي1 عن جمع من الرواة ومنهم الزهري قالوا: وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاصم بن ثابت وأصحابه وجداً2 شديداً فخرج في مائتي رجل ومعهم عشرون فرساً في أصحابه فنزل بمضرب القبة من ناحية الجرف، فعسكر في أول نهاره وهو يظهر أنه يريد الشام، ثم راح مبرداً فمر على غرابات3 ثم على بَيْن4 حتى خرج على صخِرات الثمام5، فلقي الطريق هناك، ثم أسرع حتى انتهى إلى بطن غُران6 حيث كان مصابهم، فترحم عليهم وقال: هنيئاً لكم الشهادة،

_ 1 مغازي الواقدي 2/ 535- 537. 2 وعند ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 279) : (أنه خرج إلى لحيان يطلب بأصحاب الرجيع ... ) . 3 غراب: جبل أسود غرب المدينة يمر به طريق الشام الرئيسي يسمى اليوم (حَبَشي) لأن لونه أسود بصفار كلون الحبش، يبعد حبشي سبعة أكيال عن المدينة. معجم المعالم الجغرافية 223. 4 بَيْن: هي أرض على الضفة اليسرى لوادي مَلَلْ على (45) كيلاً من المدينة جنوباً يمين طريق السيارات اليوم. معجم المعالم الجغرافية 224. 5 هكذا عند الواقدي (صخيرات الثمام) وعند ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 279) صخيرات اليمامة. وقد كانت محطة على طريق مكة من المدينة على قرابة (50) كيلاً من المدينة، وقبل السيالة بثلاثة أكيال فقط. معجم المعالم الجغرافية 224. 6 غُران: على وزن غراب. وادٍ فحل بين أَمَج وعسفان، وأمج يعرف اليوم بخليص وعسفان يبعد (80) كيلاً من مكة. معجم المعالم الجغرافية 224 و208.

فسمعت به لحيان فهربوا رؤوس الجبال، فلم يقدر منهم على أحد، فأقام يوماً أو يومين وبعث السرايا في كل ناحية، فلم يقدروا على أحد، ثم خرج حتى أتى عسفان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: (إن قريشاً قد بلغهم مسيري وأني قد وردت عسفان وهم يهابون أن آتيهم، فاخرج في عشرة1 فوارس) ، فخرج أبو بكر فيهم حتى أتوا الغميم2، ثم رجع أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق أحداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا يبلغ قريشاً فيذعرهم، ويخافون أن نكون نريدهم"، وخبيب بن عدي يومئذ في أيديهم، فبلغ قريشاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الغميم، فقالت قريش: ما أتى محمد الغميم إلا يريد أن يخلص خبيباً، وكان خبيب وصاحباه في حديد موثقين، فجعلوا في رقابهم الجوامع وقالوا: قد بلغ محمد ضَجنان3 يريدكم، فقال خبيب: وهَل؟ قالت: نعم، قال خبيب: يفعل الله ما يشاء، قالت: والله ما ينتظرون بك إلا أن يخرج الشهر الحرام ويخرجوك فيقتلوك،

_ 1 عند ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 280) : ثم بعث فارسين. 2 الغميم: قال البلادي (معجم المعالم الجغرافية 263) : "قلت: هي نعف من حرة ضجنان، تقع جنوب عسفان بستة عشر كيلاً، على الجادة إلى مكة"، أي على (64) كيلاً من مكة على طريق المدينة، وتعرف اليوم ببرقاء الغميم، ذلك أنها برقاء في تكوينها. 3 ضجنان: هي حرة شمال مكة، يمر الطريق بنصفها الغربي على مسافة (54) كيلاً على طريق المدينة تعرف اليوم بحرة المحسنية. معجم المعالم الجغرافية 183.

ويقولون: أترى محمداً غزانا في الشهر الحرام ونحن لا نستحل أن نقتل صاحبه في الشهر الحرام؟ وكان مأسوراً عندهم، وخافوا أن يدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو يقول:" آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة على الأهل، اللهم أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال، اللهم بلِّغنا بلاغاً صالحاً يبلغ إلى خير، مغفرة منه ورضواناً"1 وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة أربع عشرة ليلة، وكان استخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وكانت سنة ست في المحرم2. وهذا

_ 1 لم أعثر على هذا النص في كتب الحديث، ولكن قد ثبت عند البخاري حديث رقم (2295) ومسلم حديث رقم (1344) من حديث ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من غزو أو حج يكبر على كل شرف ثلاث تكبيرات ويقول: " ... آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده". وأخرج ابن حبان في صحيحه حديث رقم (2712) من حديث البراء: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفر قال: (آيبون تائبون لربنا حامدون". وأخرج أحمد 4/ 156 رقم [2311] أرناؤوط وابن أبي شيبة (10/ 358- 359 و12/ 517) ، والبيهقي في السنن 5/ 250 من حديث ابن عباس وفيه: ... "فإذا أراد الرجوع قال: آيبون تائبون عابدون لربنا ساجدون، فإذا دخل بيته قال: توباً توباً لربنا أوباً لا يغادر علينا حوباً". 2 وعند ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 279) خرج في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة، وعند ابن سعد في الطبقات (2/ 78) بدون إسناد: أنها كانت في شهر ربيع الأول سنة ست من مهاجره.

أول ما قال هذا الدعاء ذكره أصحابنا كلهم1.

_ 1 وهذه الرواية ضعيفة لورودها من طريق الواقدي. وقد أخرج هذه الرواية ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 279- 280) بسند مرسل، وفيه عنعنة ابن إسحاق، وأخرجها ابن سعد 2/ 79 عن ابن إسحاق، وقد صرح ابن إسحاق عنده بالتحديث، لكن لم يذكر ابن سعد في سنده (عبد الله بن كعب) .

المبحث الثامن: في سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم

المبحث الثامن: في سرية زيد بن حارثة إلى بني سُليم بالجَمُوم 89- ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: وبعث1 رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في غزوة الجموم2، فأصاب زيد نعماً وشاءً وأسر جماعة من المشركين3.

_ 1 كان هذا البعث في ربيع الآخر سنة ست، ابن سعد، الطبقات الكبرى 2/ 86، بدون إسناد، ودلائل البيهقي 4/ 84. 2 هو - بفتح الجيم وميمين بينهما واو -، وهو ماء وقيل: أرض لبني سُليم. انظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان 2/ 163، ومعجم المعالم الجغرافية للبلادي 85. قلت الجموم: يبعد عن مكة من جهة الشمال قرابة (30) كيلاً وهي منطقة واسعة جداً. 3 عيون الأثر لابن سيد الناس 2/ 151، وذكرها البيهقي في الدلائل 5/ 463- 464، ضمن المغازي والسير التي رواها عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب، حيث أخرج من طريق محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قالوا: هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها ... وذكر منها بعث زيد إلى بني سُليم، فقال: " ... وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة أربع مرار، مرة نحو بني قرد من هذيل، ومرة نحو حذام من نحو الوادي، ومرة نحو مؤتة، وغزوة الجموم من بني سُليم ... ". وذكره ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 612) مختصرة جداً بدون إسناد.

المبحث التاسع: في سرية زيد بن حارثة إلى بني فزارة لقتل أم قرفة

المبحث التاسع: في سرية زيد بن حارثة إلى بني فزارة لقتل أم قِرْفة 90- أخرج أبو نعيم من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأة من بني فزارة يقال لها: أم قرفة1، قد جهزت ثلاثين راكباً من ولدها وولد ولدها قالت: اقدموا المدينة فاقتلوا محمداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اثكلها بولدها، وبعث2 إليهم زيد بن حارثة، فالتقوا بالوادي3، وقُتل أصحابُ زيد فارتث4 جريحاً، وقدم المدينة فعاهد أن لا يمس ماءً حتى يرجع إليهم، فبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً، فالتقوا، فَقَتَل بني فزارة، وقتل ولد أم قرفة، وقتل أم قرفة، وبعث بدرعها5 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصبه بين رمحين، وأقبل زيد حتى قدم المدينة، قالت عائشة رضي الله عنها: ورسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة في بيتي، فقرع الباب: فخرج إليه يجر ثوبه حتى

_ 1 أم قرفة: اسمها فاطمة بنت ربيعة بن بدر، انظر: الواقدي في المغازي 2/ 564، وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 90. 2 كان هذا البعث في شهر رمضان سنة ست. الطبقات الكبرى 2/ 90. 3 أي: بوادي القرى، ابن هشام 2/ 617، والطبقات الكبرى 2/ 90. 4 ارتث: الارتثاث أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف قد أثخنته الجراح. النهاية 2/ 95. 5 درع المرأة: قميصها. النهاية 2/ 114.

اعتنقه وقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم) 1. 91- وقال الواقدي: فحدثني محمد، عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، قالت: وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتى زيد فقرع الباب، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه عرياناً2، ما رأيته عرياناً قبله حتى اعتنقه وقبله، ثم سأله فأخبره بما ظفره الله3.

_ 1 دلائل النبوة رقم (426) وهي رواية ضعيفة لعنعنة ابن إسحاق. وقد ذكر هذه الرواية الذهبي في سير أعلام النبلاء 1/ 226- 227. عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، وفيها عنعنة ابن إسحاق، وذكرها ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 617) بدون إسناد وبألفاظ مغايرة قليلاً وفيها زيادات يسيرة، وكذلك ذكرها ابن سعد في الطبقات، 2/ 90. 2 وقولها: عرياناً، أي عاري الصدر والظهر، بدليل قول عائشة رضي الله عنها في حديث آخر: (ما رأيت منه ولا رأى مني) . 3 مغازي الواقدي 2/ 565 و3/ 1126. والواقدي متروك.

المبحث العاشر: في سرية عبد الله بن رواحة إلى اليسير بن رزام اليهودي بخيبر

المبحث العاشر: في سرية عبد الله بن رواحة إلى اليُسير بن رزام اليهودي بخيبر 92- أخرج البيهقي من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: بعث1 رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكباً فيهم عبد الله بن أنيس السلمي إلى اليسير بن رزام اليهودي2، فأتوه بخيبر، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجمع غطفان ليغزوه بهم، فأتوه فقالوا: أرسلنا إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعملك على خيبر، فلم يزالوا به حتى تبعهم في ثلاثين رجلاً مع كل رجل منهم رديف من المسلمين، فلما بلغوا قَرقَرة ثبار3، وهي من خيبر على ستة أميال ندم اليسير4، فأهوى بيده إلى سيف عبد الله بن أنيس ففطن له عبد الله فزجر بعيره، ثم اقتحم يسوق بالقوم حتى إذا استمكن من اليسير ضرب رجله فقطعها، واقتحم اليسير

_ 1 كان ذلك البعث في شوال سنة ست، انظر: مغازي الواقدي (2/ 566) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 2/ 92) . 2 وقيل: اسمه: أسير بن رزام بالزاي، انظر: مغازي الواقدي (2/ 566) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 92) ، قال ابن هشام: ويقال ابن رازام (السيرة 2/ 618) . 3 قرقرة ثبار: بالفتح وتكرير القاف والراء، معجم البلدان (4/ 326) وهو: قاع جنوب خيبر بين الحرة والصهباء المعروفة اليوم باسم (جبل عطوة) وهو على (6) أكيال من خيبر يقسمه الطريق إلى المدينة. معجم المعالم الجغرافية 253. 4 في المطبوع من الدلائل: البشير بالشين المعجمة، والصواب ما أثبته.

وفي يده مِخْرَش1 من شَوْحَط2 فضرب به وجه عبد الله شجة مأمومة3، كل4 رجل من المسلمين على رديفه فقتله غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شداً، ولم يصب من المسلمين أحد وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في شجة عبد الله بن أنيس فلم تقح ولم تؤذه حتى مات. لفظ حديث موسى بن عقبة5.

_ 1 المِخرش والخراش: عصا معوجة الرأس كالصولجان. النهاية (2/ 22) . 2 الشوحط: شجر تتخذ منه القسي. القاموس (شحط) . 3 هي الشجة التي تبلغ أم الرأس، وهي الجلدة التي تجمع الدماغ. النهاية (1/ 68) . 4 هكذا في المطبوع من دلائل النبوة للبيهقي (4/ 294) ، ويظهر أن في الكلام سقطاً، ولعله "ومال كل رجل"؛ لأن ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 612- 619) ذكر في روايته: "..ومال كل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه من يهود، فقتله..". 5 دلائل النبوة (4/ 294) وهو حديث مرسل. وقد أخرج هذه الرواية ابن إسحاق بدون إسناد (السيرة النبوية 2/ 618) والواقدي من طريق أبي الأسود عن عروة، المغازي (2/ 566) وابن سعد في الطبقات (2/ 92) بدون إسناد، وأبي نعيم في الدلائل (2/ 516- 517) رقم (444) من طريق أبي الأسود عن عروة.

المجلد الثاني

المجلد الثاني الباب الثالث:من غزوة الحديبية إلى غزوة تبوك الفصل الأول: غزوة الحديبية المبحث الأول: في سبب الغزوة ...

_ وذكر ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه أنها كانت في شهر شوال: مصنف ابن أبي شيبة 14/429. وذكر أيضاً يعقوب بن سفيان من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية في رمضان وكانت الحديبية في شوال. المعرفة والتاريخ 3/258، قال ابن القيم عقب ذكره لهذه الرواية: وهذا وهم، وإنما كانت غزاة الفتح في رمضان. زاد المعاد 3/287. وذكرها ابن كثير، وقال معقباً عليها: وهذا غريب جداً عن عروة. البداية 4/164. وقال الحافظ ابن حجر: "جاء عن هشام بن عروة عن أبيه أنه خرج في رمضان واعتمر في شوال، وشذّ بذلك". فتح الباري 7/440، والصواب أنها كانت في شهر ذي القعدة كما في صحيح البخاري رقم (1781) و (1844) و (2699) و (4251) وصحيح مسلم بشرح النووي 8/234-235، وأحمد في المسند 30/594 رقم [18635] أرناؤوط. وقد كانت في السنة السادسة. انظر: ابن هشام 2/308، ومغازي الواقدي 1/383، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/95، وتاريخ الطبري 2م620، والبداية والنهاية 4/164، وقال البيهقي بعد ذكره لتاريخ الغزوة بأنها كانت سنة ست في ذي القعدة: قلت: هذا هو الصحيح، وإليه ذهب الزهري وقتادة، وموسى ابن عقبة، ومحمد بن إسحاق بن يسار وغيرهم، واختلف فيه على عروة بن الزبير. دلائل البيهقي 4/91، ونقل كلام البيهقي ابن القيم في الزاد 3/286. وانظر: البيهقي 4/92 فقد ذكر رواية أبي الأسود عن عروة أنها في ذي القعدة سنة ست، وبذلك يكون عروة في رواية أبي الأسود عنه موافقاً للجمهور. وقال الإمام النووي: "وقد أجمع المسلمون أن الحديبية كانت سنة ست من الهجرة في ذي القعدة" التهذيب 7/78، وقال ابن كثير: "وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف". البداية والنهاية 4/164. وقال الحافظ ابن حجر: "كانت الحديبية سنة ست بلا خلاف". التلخيص الحبير 4/90. وقد خالف هذ االإجماع ابن الديبع فذكر أنها كانت في السنة الخامسة، حدائق الأنوار 2/609

الفصل الأول: المبحث الأول: في سبب الغزوة 93- قال ابن إسحاق1: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن مسور2 بن مخرمة ومروان بن الحكم3 أنهما حدثاه، قالا: خرج4 رسول الله صلى الله عليه وسلم عام

_ 1 السيرة النبوية (ابن هشام 2/308-309) وسنده حسن. 2 مسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري، أبو عبد الرحمن، له ولأبيه صحبة، توفي سنة أربع وستين، الإصابة 3/419-420. 3 هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أبو عبد الملك الأموي المدني، ولي الخلافة في آخر سنة 64 هـ- ومات سنة خمس في رمضان، وله ثلاث - أو إحدى وستون - سنة، لا تثبت له صحبة، من الثانية، خ، التقريب 525. 4 كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية يوم الإثنين، ذكر ذلك الواقدي، المغازي 2/573، وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/95، وابن سيد الناس في عيون الأثر 2/160، نقلاً عن ابن سعد، والقسطلاني، في المواهب اللدنية 2/179، وقال العيني: "وكان خروجه صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لهلال ذي القعدة سنة ست بلا خلاف" عمدة القارئ 14/6. وذكر ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه أنها كانت في شهر شوال: مصنف ابن أبي شيبة 14/429. وذكر أيضاً يعقوب بن سفيان من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية في رمضان وكانت الحديبية في شوال. المعرفة والتاريخ 3/258، قال ابن القيم عقب ذكره لهذه الرواية: وهذا وهم، وإنما كانت غزاة الفتح في رمضان. زاد المعاد 3/287. وذكرها ابن كثير، وقال معقباً عليها: وهذا غريب جداً عن عروة. البداية 4/164. وقال الحافظ ابن حجر: "جاء عن هشام بن عروة عن أبيه أنه خرج في رمضان واعتمر في شوال، وشذّ بذلك". فتح الباري 7/440، والصواب أنها كانت في شهر ذي القعدة كما في صحيح البخاري رقم (1781) و (1844) و (2699) و (4251) وصحيح مسلم بشرح النووي 8/234-235، وأحمد في المسند 30/594 رقم [18635] أرناؤوط. وقد كانت في السنة السادسة. انظر: ابن هشام 2/308، ومغازي الواقدي 1/383، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/95، وتاريخ الطبري 2م620، والبداية والنهاية 4/164، وقال البيهقي بعد ذكره لتاريخ الغزوة بأنها كانت سنة ست في ذي القعدة: قلت: هذا هو الصحيح، وإليه ذهب الزهري وقتادة، وموسى ابن عقبة، ومحمد بن إسحاق بن يسار وغيرهم، واختلف فيه على عروة بن الزبير. دلائل البيهقي 4/91، ونقل كلام البيهقي ابن القيم في الزاد 3/286. وانظر: البيهقي 4/92 فقد ذكر رواية أبي الأسود عن عروة أنها في ذي القعدة سنة ست، وبذلك يكون عروة في رواية أبي الأسود عنه موافقاً للجمهور. وقال الإمام النووي: "وقد أجمع المسلمون أن الحديبية كانت سنة ست من الهجرة في ذي القعدة" التهذيب 7/78، وقال ابن كثير: "وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف". البداية والنهاية 4/164. وقال الحافظ ابن حجر: "كانت الحديبية سنة ست بلا خلاف". التلخيص الحبير 4/90. وقد خالف هذ االإجماع ابن الديبع فذكر أنها كانت في السنة الخامسة، حدائق الأنوار 2/609.

الحديبية1 يريد زيارة البيت2، لا يريد قتالاً، وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبع مائة رجل3، فكانت كل بدنةٍ عن عشرة نفر،

_ 1 تقع الحديبية الآن غرب مكة على بعد (22) كيلاً على الطريق إلى جدة، وقد تغير اسمها إلى الشميسي، معجم المعالم الجغرافية للبلادي 94، ونسب حرب له 350، والمعالم الأثيرة لمحمد شرّاب 97، وهي بالتخفيف والتثقيل لغتان، كما قال ابن حجر في الفتح 7/439. وهي بئر سمي المكان بها، وقيل شجرة حدباء صغرت وسمي المكان بها. الفتح 5/334. 2 يشهد له ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1778) فقد ذكر أنه خرج معتمراً, هذا هو السبب الذي خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من أجله. وذكر بعضهم أن سبب خروج النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا رآها أنه دخل البيت هو وأصحابه واستبشروا. انظر: مغازي الواقدي 2/572،وتاريخ اليعقوبي 2/54، وإمتاع الأسماع للمقريزي 1/274، وشرح المواهب اللدنية 2/179. 3 قال الحافط ابن حجر: "وأما قول ابن إسحاق من أنهم كانوا سبعمائة فلم يوافق عليه لأنه كان استنباطاً من قول جابر: "فنحرنا البدن عن عشرة", وكانوا نحروا سبعين بدنة، وهذا لا يدلّ على أنهم لم ينحروا غير البدن مع أن بعضهم لم يكن محرماً أصلاً) . فتح الباري 7/440. وقال ابن حزم: "وقد قال بعضهم: كانوا سبعمائة وهذا وهم شديد ألبتة". جوامع السيرة 207. وقال ابن القيم: "وغلط غلطاً بيِّناً من قال: كانوا سبعمائة". زاد المعاد 3/288.

وكان جابر بن عبد الله فيما بلغني1 يقول: كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة2.

_ 1 قوله وكان جابر بن عبد الله فيما بلغني، القائل هو ابن إسحاق بدليل قوله فيما بعد: قال الزهري. 2 سيأتي التحقيق في ذلك قريباً إن شاء الله في الرواية رقم [96]

المبحث الثاني: في أحداث الغزوة إجمالا

المبحث الثاني: في أحداث الغزوة إجمالاً 94- أخرج البخاري1 من طريق معمر، قال: أخبرني الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان - يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه - قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، حتى كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين، فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقَتَرة الجيش2، فانطلق يركض نذيراً لقريش، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية3 التي يُهبط عليهم منها بركت به راحلتُه، فقال الناس: حَلْ حَلْ4، فألحت.

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 5/ 329- 333 رقم (2731، 2732) . 2 القترة: - بفتح القاف والمثناة -: الغبار الأسود. الفتح 5/ 335. 3 المراد بالثنية؛ ثنية المِرَار، كما عند ابن إسحاق 2/ 308- 309، وستأتي بطولها، والفتح 5/ 335، وثنية المِرَار: - بكسر الميم والتخفيف الراء -: هي طريق في الجبل تشرف على الحديبية، الفتح 5/ 335، وقال البلادي: "إذا وقفت في الحديبية ونظرت شمالاً عدلاً، رأيت جبلين بارزين بينهما فج واسع هذا الفج ثنية المرار" معجم المعالم، 106. 4 حَلْ حَلْ: - بفتح المهملة وسكون اللام -: كلمة تقال للناقة إذا تركت المسير، وقال الخطابي: "إن قلت حل واحدة فالسكون، وإن أعدتها نونت في الأولى وسكنت في الثانية". الفتح 5/ 335.

فقالوا: خَلأتِ1 القَصواء2. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل3، ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطةً يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها". ثم زجرها فوثَبَتْ. قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثَمَدٍ4 قليل الماءِ يَتَبَرَّضُهُ5 الناسُ تَبَرُّضَاً، فلم يلبِّثْهُ6 الناسُ حتى نزحوه، وشُكِيَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطشُ، فانتزَعَ سهماً من كِنانتهِ7، ثم أمرهم

_ 1 خلأت: أي بركت. القاموس (خلأت) . 2 القصواء: - بفتح القاف بعدها مهملة ومد -: اسم ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقصو قطع طرف الأذن. الفتح 5/ 335. 3 حبسها حابس الفيل: أي حبسها الله عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها، ومناسبة ذكرها: أن الصحابة لو دخلوها على تلك الصورة وصدتهم قريش لوقع بينهم قتال قد يفضي إلى سفك الدماء، كما لو قدر دخول الفيل. الفتح 5/ 335. 4 على ثمد: بفتح المثلثة والميم، أي حفيرة فيها ماء مثمود أي: قليل. الفتح 5/ 366. 5 يتبرضه الناس: - بالموحدة والتشديد والضاد المعجمة -: هو الأخذ قليلاً قليلاً، والبرض: - بالفتح والسكون - اليسير من العطاء، قال صاحب العين: هو جمع الماء بالكفين. الفتح 5/ 337. 6 فلم يلبث حتى نزحوه: - بضم أوله وسكون اللام -: من الألباث، وقال ابن التين: بفتح اللام وكسر الموحدة الثقيلة، أي لم يتركوه يلبث أي يقيم. الفتح 5/ 337. 7 فانتزع سهماً من كنانته: أي أخرج سهماً من جعبته، الفتح 5/ 337.

أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش1 لهم بالرِّيِّ حتى صدروا عنه2. فبينما هم كذلك إذ جاء بُدَي لُ بن وَرْقاء الخزاعيّ3 في نفر من قومه من خُزاعة - وكانوا عيبة4 نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تِهامة5 - فقال إني تركتُ كعب بنَ لؤيّ6 وعامرَ بنَ لؤيّ نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العُوذُ7 المطافيلُ8، وهم مقاتلوك وصادوك

_ 1 يجيش: - بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة -: أي يفور. الفتح 5/ 337. 2 إلى هنا أخرجه الواقدي في المغازي 2/ 587. 3 هو: بديل بن ورقاء بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى بن ربيعة بن جزي ... الخزاعي، كان إسلامه قبل الفتح، وقيل يوم الفتح. الإصابة 1/ 141. 4 وكانوا عيبة نصح: العيبة - بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة -: ما توضع فيه الثياب لحفظها، أي أنهم موضع النصح له والأمانة على سره، ونصح بضم النون، وحكى ابن التين فتحها، كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب. الفتح 5/ 337. 5 من أهل تهامة: لبيان الجنس، لأن خزاعة كانوا من جملة أهل تهامة - بكسر المثناة - هي مكة وما حولها، وأصلها من التهم وهو شدة الحر وركود الريح. الفتح 5/ 337. 6 قوله: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي: إنما اقتصر على ذكر هذين لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع ترجع أنسابهم إليهما. الفتح 5/ 338. 7 العوذ: - بضم المهملة وسكون الواو بعدها معجمة -: جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن، النهاية 3/ 319، والفتح 5/ 338. 8 المطافيل: الأمهات اللائي معها أطفالها. الفتح 5/ 338.

عن البيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نجئ لقتال أحدٍ، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشاً قد نَهِكتْهُم1 الحرب وأضرّت بهم، فإن شاؤوا مادَدْتهم مدةً ويُخَلُّوا بيني وبين الناس، فإنْ أظهرْ، فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جَمُّوا2، وإن هم أبَوا، فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، وليُنفِذَنَّ الله أمرَهُ". فقال بُديل: سأبلِّغُهم ما تقول. قال: فانطلق حتى أتى قريشاً، قال: إنّا جئناكم من هذا الرجل، وسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرِضَه عليكم فعَلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعتَه يقول. قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فقام عروة بن مسعود3 فقال: أيْ قومِ! ألستُم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: أوَ لستُ بالولد؟ قالوا:

_ 1 نهكتهم الحرب: - بفتح أوله وكسر الهاء -: أي أبلغت فيهم حتى أضعفتهم، الفتح 5/ 338. 2 فقد جموا: أي استراحوا. الفتح 5/ 338. 3 هو: عروة بن مسعود بن معتب - بالمهملة والمثناة المشددة - ابن مالك بن كعب بن عمرة بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي، وهو عم والد المغيرة بن شعبة، كان أحد الأكابر من قومه، وثبت ذكره في الحديث الصحيح في قصة الحديبية وكانت له اليد البيضاء في تقرير الصلح، أسلم لما انصرف الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف، ورماه رجل من ثقيف فقتله، الإصابة 2/ 477.

بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت1 أهل عكاظ2 فلما بلّحوا3 عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض لكم خطة رشدٍ اقبلوها ودعوني آته، قالوا: ائته، فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحواً من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك: أيْ محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح4 أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى فإني والله لا أرى وجوهاً، وإني لأرى أشواباً5 من الناس خليقاً

_ 1 استنفرت: أي دعوتهم إلى نصركم. الفتح 5/ 339. 2 عكاظ: - بضم المهملة وتخفيف الكاف -: من أشهر أسواق العرب كان يوجد في الجهة الشرقية الشمالية من بلدة (الحويّة) اليوم، ويقع شمال شرقي الطائف على قرابة خمس وثلاثين كيلاً في أسفل وادي شَرِب. معجم المعالم الجغرافية 215. 3 فلما بلحوا: - بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم مهملة مضمومة -: أي امتنعوا، والتبلح: التمنع من الإجابة. الفتح (5/ 339) . 4 اجتاح: - بجيم ثم مهملة -: أي أهلك بالكلية. الفتح 5/ 340. 5 أشواباً: - بتقديم المعجمة على الواو -، كذا للأكثر، ووقع (أوشاباً) بتقديم الواو، والأشواب: الأخلاط من أنواع شتى، والأوباش: الأخلاط من السفلة، فالأوباش أخص من الأشواب. الفتح 5/ 340.

أن يفرُّوا ويدَعوك، فقال له أبو بكر: امصص1 بَظْرَ اللات، أنحن نفرُّ عنه ونَدَعُهُ؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال أما والذي نفسي بيده لولا يد2 كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما تكلم أخذ بلحيته، والمغيرة ابن شعبة3 قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف4 وقال له: أخِّرْ يدَك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟

_ 1 امصص بظر اللات: - بألف وصل ومهملتين الأولى مفتوحة بصيغة الأمر -، والبظر: بفتح الموحدة وسكون المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة، واللات: اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها وكان عادة العرب الشتم بذلك، لكن بلفظ الأم، فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة. الفتح 5/ 340. 2 لولا يد: أي نعمة. الفتح 5/ 340، وقال ابن حجر: "إن اليد المذكورة في الحديث: أن عروة كان تَحمَّل بدية فأعانه أبو بكر فيها بعون حسن، وفي رواية الواقدي: عشر قلائص" الفتح 5/ 340. 3 هو: المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد ... الثقفي أبو عيسى أو أبو محمد، أسلم قبل عمرة الحديبية، وشهدها وبيعة الرضوان، وشهد اليمامة وفتوح الشام والعراق، ولاه معاوية الكوفة فاستمر على إمرتها حتى مات سنة خمسين. الإصابة 3/ 452- 453. 4 نعل السيف: هو ما يكون في القراب من فضة ونحوها. الفتح 5/ 341.

قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أيْ غُدَر1، ألستُ أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمّا الإسلام فأقبلُ، وأما المال فلست منه في شيء"، ثم إن عروة جعل يرمُق2 أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه، قال: فوالله ما تنخّم3 رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كفِّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يُحِدُّون4 إليه النظر تعظيماً له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أيْ قومِ، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدتُ على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إنْ رأيت مليكاً قط

_ 1 أي غدر: - بالمعجمة - بوزن عمر معدول عن غادر مبالغة في وصفه بالغدر، الفتح 5/ 341. قال ابن حجر: "وذلك أنه خرج مع ثلاثة عشر نفراً إلى ثقيف من بني مالك فغدر بهم وقتلهم، وأخذ أموالهم فتهايج الفريقان بنو مالك والأحلاف رهط المغيرة، فسعى عروة عم المغيرة حتى أخذوا منه دية ثلاثة عشر نفراًً واصطلحوا". الفتح 5/ 341. 2 يرمق: - بضم الميم - أي يلحظ. الفتح 5/ 341. 3 تنخم: النخامة: البزقة التي تخرج من أقصى الحلق، ومن مخرج الخاء المعجمة. النهاية 5/ 34. 4 وما يحدون: - بضم أوله وكسر المهملة -: أي: يديمون. الفتح 5/ 341.

يعظمه أصحابُه ما يعظم أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم محمداً. والله إنْ يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدَلَكَ بها وجهَه وجلدَه، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيماً له، وإنه قد عرض عليكم خطة رُشْد فاقبلوها. فقال رجل1 من بني كنانة: دعوني آتيه، فقالوا: ائته. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا فلان، وهو من قوم يعظِّمون البُدْنَ2، فابعثوها3 له"، فبعثت له، واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يُصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البُدن قد قُلّدت4 وأشعرت5، فما أرى أن يُصدوا عن البيت، فقام رجل منهم يقال له:

_ 1 فقال رجل: هو: (الحليس) - بمهملتين مصغر -، ابن علقمة، وهو من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة وكان من رؤوس الأحابيش، وهم (بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو المصطلق بن خزاعة، وبنو القارة بن الهون بن خزيمة) الفتح 5/ 342. 2 البدن: البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة، وهي بالإبل أشبه، وسميت بدنة لعظمها وسمنها. النهاية 1/ 108. 3 فابعثوها له: أي أثيروها دفعة واحدة. الفتح 5/ 342. 4 تقليد البدنة: شيء تعلم به أنها هدي. القاموس (قلد) . 5 إشعار البدن: هو أن يشق أحد جنبي سنام البدنة حتى يسيل دمها ويجعل ذلك لها علامة تعرف بها أنها هدي. النهاية 2/ 479.

مِكْرَ زُ بن حفص1، فقال: دعوني آتيه. فقالوا: ائته، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا مِكرَز، وهو رجل فاجر"، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو2. قال معمر: فأخبرني أيوب3 عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو قال النبي صلى الله عليه وسلم: " قد سهل لكم من أمركم". قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هاتِ اكتب بيننا وبينكم كتاباً، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب4 فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

_ 1 مكرز: - بكسر الميم وسكون الكاف، وفتح الراء بعدها زاي -: بن حفص بن الأخيف، من بني عامر بن لؤي. الفتح 5/ 342. 2 هو: سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي العامري، خطيب قريش أبو زيد، هو الذي تولى أمر الصلح بالحديبية، ذكره ابن إسحاق فيمن أعطاه النبي مائة من الإبل من المؤلفة، توفي بالطاعون سنة ثمان عشرة. الإصابة 2/ 93- 94. 3 هو: أيوب بن أبي تميمة: كيسان السختياني - بفتح المهملة بعدها معجمة ثم مثناة ثم تحتانية، وبعد الألف نون - أبو بكر البصري، ثقة، ثبت حجة، من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، توفي سنة 131 هـ-، وله خمس وستون، (ع) ، التقريب 117. 4 هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما ذكر ذلك عبد الرزاق في المصنف من رواية الزهري 5/343، والبخاي من غير طريق الزهري. صحيح البخاري مع الفتح 5/303. وذكر الحافظ ابن حجر: أن ابن شبة أخرج من طريق عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه أن الكتاب عندنا، كاتبه محمد بن مسلمة. وذكر أنه يُجمع بأن أصل كتاب الصلح بخط علي كما هو في الصحيح، ونسخ مثله محمد بن مسلمة لسهيل بن عمرو. الفتح 5/343. وقد ذكر الواقدي أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختلف هو وسهيل بن عمرو على أخذ الكتاب بعدما كتب، فقال سهيل عندي، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: بل عندي، فاختلفا، فكتب له نسخة فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب الأول، وأخذ سهيل نسخته. المغازي 2/612. وهذا يؤيد ما ذكره الحافظ ابن حجر في جمعه بين الروايتين. والله أعلم

"بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال سهيل: أما "الرحمن" فوالله ما أدري ما هي، ولكن اكتب: "باسمك اللهم" كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا "بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتب باسمك اللهم" ثم قال: "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله"، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله، ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكنِ اكتب: "محمد بن عبد الله". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب "محمد ابن عبد الله". قال الزهري: وذلك لقوله: "لا يسألونني خطة يعظمون فيها ر

حرمات الله إلا أعطيتهم إياها"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "على أن تُخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به". فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أُخذنا ضغطة1، ولكن ذلك من العام المقبل فكتب، فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منّا رجل - وإن كان على دينك - إلا رددتَه إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يُرَدُّ إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو2 يرسف3 في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقضِ الكتابَ بعد، قال: فوالله إذاً لم أصالحك على شيء أبداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأجزه4 لي، قال: ما أنا بمجيزه

_ 1 والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة: بضمّ الضاد، وسكون الغين المعجمتين، ثم طاء مهملة، أي قهراً. الفتح 5/343. 2 هو أبو جندل بن سهيل بن عمرو القرشيّ العامريّ، قيل اسمه: عبد الله، وكان من السابقين إلى الإسلام، وممن عذب بسب إسلامه، ثبت ذكره في صحيح البخاري في قصة الحديبية، وذكره أهل المغازي فيمن شهد بدراً وكان أقبل مع المشركين فانحاز إلى المسملين، ثم أسر بعد ذلك، وعذب ليرجع عن دينه، استشهد باليمامة، وهوابن ثمان وثلاثين سنة. الإصابة 4/34. 3 يرسف في قيوده: - بفتح أوله وضم المهملة وبالفاء - أي يمشي مشياً بطيئاً بسبب القيد. الفتح 5/344. 4 فأجزه لي: بصيغة فعل الأمر، من الإجازة أي امض لي فعلي فيه، فلا أرده إليك، أو استثنيه من القضية. الفتح 5/345.

لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل، قال مِكْرَ ز: بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أيْ معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله، قال: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ألستَ نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلِمَ نعطي الدّنِيَّة1 في ديننا إذاً؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري، قلت: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوفَ به2؟ قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال: قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، قال: فأتيتُ أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: أيها الرجل: إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره،

_ 1 الدنية: - بفتح المهملة وسكون النون وتشديد التحتانية - أي الخصلة المذمومة. النهاية 2/137، والفتح 5/346. 2 في رواية ابن إسحاق: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة أنهم سيطوفون بالبيت وذلك لرؤيا رآها، فلما لم تتحقق بسبب الصلح دخل على الناس من ذلك أمر عظيم، انظر: سيرة ابن هشام 2/ 318.

فاستمسك بِغَرْزِه1، فوالله إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، قال الزهري2: قال عمر فعملت لذلك أعمالاً3، قال: فلما فرغ من قضيةِ الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا، ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة4، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة:

_ 1 فاستمسك بغرزه: - هو بفتح الغين المهملة وسكون الراء بعدها زاي وهو - أي الغرز - للإبل بمن-زلة الركب للفرس، والمراد به التمسك بأمره وترك المخالفة له كالذي يمسك بركب الفرس فلا يفارقه. الفتح 5/ 346. 2 قال الزهري: "قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً": قال الحافظ: "هو موصول إلى الزهري بالسند المذكور، وهو منقطع بين الزهري وعمر" الفتح 5/346. 3 قوله: أعمالاً: المراد الأعمال الصالحة ليكفر عنه ما مضى من التوقف في الامتثال ابتداءاً. الفتح 5/346. قال الحافظ: "وفي رواية ابن إسحاق (ابن هشام 2/317) وكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي، وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به. وعند الواقدي (مغازيه 2/ 607) من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري قال عمر: "لقد أعتقت بسبب ذلك رقاباً وصمت دهراً". الفتح 5/ 346. 4 هي: أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشية المخزومية أم المؤمنين اسمها هند، كان قد تزوجها ابن عمها أبو سلمة بن عبد الأسد فمات عنها، فتزوحها النبي صلى الله عليه وسلم في جمادى الآخرة سنة أربع وقيل سنة ثلاث وكانت ممن أسلم قديماً هي وزوجها وهاجرا إلى الحبشة ثم قدما مكة وهاجرا إلى المدينة. توفيت سنة 63هـ-. الإصابة 4/ 458.

يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بُدْنَه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً، ثم جاءه نسوةٌ مؤمنات1 فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} حتى بلغ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} 2 فطلق عمر يومئذ امرأتين3، كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان4 والأخرى

_ 1 ثم جاءه نسوة مؤمنات: ظاهره أنهن جئن إليه بالحديبية وليس كذلك وإنما جئن إليه بعد في أثناء المدة. الفتح 5/ 348. 2 سورة الممتحنة آية (10) . 3 المرأتان: قريبة بنت أبي أمية، وابنة جرول الخزاعي، البخاري معلقاً عن عقيل عن الزهري رقم (2733) وذكر أن الأخرى تزوجها أبو جهم، وذكرها ابن إسحاق عن الزهري مرسلاً. ابن هشام 2/ 327. 4 هو: معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي أمير المؤمنين ولد قبل البعثة بخمس سنين وقيل بسبع وبثلاث عشرة، قيل أسلم بعد الحديبية وكتم إسلامه حتى أظهره عام الفتح، صحب النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له وولاه عمر الشام، مات في رجب سنة ستين على الصحيح. الإصابة 3/ 433- 434.

صفوان بن أمية، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير1 رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين2 فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين فخرجا به، حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً، فاستله3 الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به، ثم جربت به، ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد4، وفرّ الآخر، حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: لقد رأى هذا ذعراً، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير، فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

_ 1 أبو بصير: اسمه عتبة بن أَصيد - بالفتح -، ابن جارية - بالجيم - بن أسيد - بالفتح - أيضاً، ابن عبد الله بن غيرة - بكسر المعجمة وفتح التحتانية - ابن عوف بن ثقيف، أبو بصير - بفتح الموحدة - الثقفي، حليف بني زهرة، الإصابة 2/ 452. 2 فأرسلوا في طلبه رجلين: هما: خنيس - مصغراً - ابن جابر، ورجل آخر اسمه: كوثر، مغازي الواقدي 2/ 624، وكذلك ذكرهما ابن سعد كما في الفتح 5/ 349، ودلائل البيهقي 4/ 172، وقد سماه جحش بن جابر، وسيأتي. 3 فاستله: أي أخرجه من غمده. الفتح 5/ 349. 4 فضربه حتى برد: - بفتح الموحدة والراء -: أي خمدت حواسه، وهي كناية عن الموت، الفتح 5/ 349.

"ويل امِّهِ1 مِسْعَرَ حرب2 لو كان له أحد "3، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعيرٍ4 خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا5 لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} حتى بلغ {الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} 6 وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم

_ 1 ويل امه: - بضم اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة -، وهي كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم، لأن الويل: الهلاك. الفتح 5/ 350. 2 مسعر حرب: - بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة وبالنصب على التمييز -: أي يسعرها. الفتح 5/ 350. 3 لو كان له أحد: أي ينصره ويعاضده ويناصره. الفتح 5/ 350. 4 ما يسمعون بعير: أي بخبر عير - بالمهملة المكسورة - أي: قافلة. الفتح 5/ 350. 5 إلا اعترضوا لها: أي وقفوا في طريقها بالعرض، وهي كناية عن منعهم لها من السير. الفتح 5/ 350. 6 سورة الفتح آية (24- 26) . قال الحافظ ابن حجر: "وظاهره أنها نزلت في شأن أبي بصير وفيه نظر، والمشهور في نزولها ما أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع ومن حديث أنس: أنها نزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن يأخذوا من المسلمين غرة، فظفروا بهم فعفا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم فن-زلت الآية، وقيل في نزولها غير ذلك" الفتح 5/ 350، وانظر الحديث الذي أخرجه مسلم 12/ 187 بشرح النووي، وأحمد في المسند 27/ 354 رقم [16800] أرناؤوط.

يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت1.

_ 1 أخرجه أحمد أيضاً 31/ 243- 253 رقم [18928] أرناؤوط، وعبد الرزاق في المصنف 5/ 330-342 رقم (9720) ، والطبراني في الكبير 20/ 9- 15، رقم (13) ، والسنن الكبرى للبيهقي 9/ 218- 221، ودلائل النبوة له 4/ 99- 108.

المبحث الثالث: في أول من بايع بيعة الرضوان

المبحث الثالث: في أول من بايع بيعة الرضوان 95- أخرج الطبراني في الأوسط فقال: حدثنا أحمد1، ثنا محمد ابن عبد الله بن عبيد بن عقيل2 ثنا يعقوب بن محمد الزهري3، قال: نا عبد العزيز بن عمران4، عن محمد بن عبد لعزيز بن عمر بن عبد الرحمن ابن عوف5 عن الزهري، عن سالم6 عن أبيه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 1 هو أحمد بن يحيى بن زهير التستري، قال عنه الذهبي: "الإمام الحجة المحدث البارع، علم الحفاظ، شيخ الإسلام أبو جعفر"، قال الحافظ أبو عبد الله بن منده: "ما رأيت في الدنيا أحفظ من أبي إسحاق بن حمزة، وسمعته يقول: ما رأيت في الدنيا أحفظ من أبي جعفر بن زهير التستري"، وقال أبو بكر بن المقرئ: حدثنا تاج المحدثين أحمد بن يحيى بن زهير، فذكر حديثاً، توفي سنة 310هـ"-، تذكرة الحفاظ 2/ 757- 759، وسير أعلام النبلاء 14/ 362. 2 هو: محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل - بفتح العين - الهلالي أبو مسعود البصري، صدوق من الحادية عشرة، د س ق، التقريب 489 رقم (6034) . 3 هو يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني، نزيل بغداد، صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء، من كبار العاشرة، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين، خت، ق، التقريب 608 رقم (7834) 4 هو عبد العزيز بن عمران بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني، الأعرج يعرف بابن أبي ثابت، متروك، احترقت كتبه فحدث من حفظه، فاشتد غلطه، وكان عارفاً بالأنساب، من الثامنة، توفي سنة سبع وتسعين، ت، التقريب 358. 5 هو محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، قال البخاري عنه: "منكر الحديث"، وقال النسائي: "متروك". وقال الدارقطني: "ضعيف"، وقال أبو حاتم: "ثلاثة إخوة ليس لهم حديث مستقيمط. لسان الميزان 5/259-260. 6 هو: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عمر أو أبو عبد الله، المدني أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتاً عابداً فاضلاً يشبه بأبيه في الهدي والسمت، من كبار الثالثة، توفي في آخر سنة ست على الصحيح. (ع) التقريب 226.

يوم الحديبية الناس للبيعة1 فجاء أبو سنان بن محصن2 فقال: يا رسول الله أبايعك على ما في نفسك قال: "وما في نفسي؟ " قال: أضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك الله أو أقتل، فبايعه وبايع الناس على بيعة أبي سنان3.

_ 1 المراد بالبيعة: بيعة الرضوان، والتي تمت تحت الشجرة، ونزل فيها قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} الآية من سورة الفتح (18) . انظر: مسلم بشرح النووي 12/174-175. وسببها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى قريش يخبرهم أنه إنما جاء يريد البيت الحرام لقضاء نسكه، لا يريد قتالاً، فبلغه أن قريشاً قتلت عثمان، فقال: لا نبرح حتى نناجز القوم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للبيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة". انظر: ابن هشام 2/315، وتفسير ابن جرير 26/86، ودلائل النبوة للبيهقي 4/133. 2 أبو سنان بن محصن أخو عكاشة، ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدراً، مات في حصار بني قريظة. انظر: الإصابة 4/96. 3 المعجم الأوسط للطبراني 2/326-327، ثم قال: لم يروِ هذا الحديث عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، ولا عن محمد إلا عبد العزيز بن عمران، تفرد به يعقوب بن محمد. وقال الهيثمي في المجمع (6/146) "رواه الطبراني في الأوسط وفيه: عبد العزيز بن عمران وهو متروك. قلت: وفي سنده أيضاً: محمد بن عبد العزيز بن عمران، قال البخاري عنه: "منكر الحديث"، وقال النسائي: "متروك" كما تقدم، وفيه أيضاً: يعقوب بن محمد بن عيسى، قال عنه الحافظ ابن حجر: "صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء"، كما مرّ في التقريب. فالحديث لا يثبت سنداً ولا متناً لأن أبا سنان بن محصن مات في حصار بني قريظة، كما ذكر ابن حجر، وحصار بني قريظة كان في السنة الخامسة، والحديبية في السنة السادسة، فكيف يكون ذلك؟!! والمشهور: أن أول من بايع هو أبو سنان ابن وهب، كما ذكر ذلك ابن هشام في السيرة 2/316، وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/100، والبيهقي في الدلائل 4/ 137، وابن عبد البر في الاستيعاب 4/ 246-247. وذكر ابن حجر في الإصابة 4/ 91، أن البغوي أخرج في ترجمة أبي سفيان بن الحارث من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم قال: أوّل من بايع تحت الشجرة: أبو سفيان بن الحارث، ثم تعقبه بقوله: (لم يصب في ذلك، فقد أخرجه غيره من هذا الوجه، فقال: أبو سنان ابن وهب، وهو الصواب، وهو المستفيض عند أهل المغازي كلهم، واسم أبي سنان عبد الله) . وقد ذكر مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أنه أول من بايع، مسلم بشرح النووي 12/174-175. والجمع بين ما ذكره مسلم وأهل المغازي: أن أبا سنان أول من بايع مطلقاً، وأن سلمة أول من بايع من الأنصار، فأوليته بالإضافة إلى ما دون أبي سنان، ذكر ذلك السفاريني في شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/733.

_ "منكر الحديث"، وقال النسائي: "متروك" كما تقدم، وفيه أيضاً: يعقوب بن محمد بن عيسى، قال عنه الحافظ ابن حجر: "صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء"، كما مرّ في التقريب. فالحديث لا يثبت سنداً ولا متناً لأن أبا سنان بن محصن مات في حصار بني قريظة، كما ذكر ابن حجر، وحصار بني قريظة كان في السنة الخامسة، والحديبية في السنة السادسة، فكيف يكون ذلك؟!! والمشهور: أن أول من بايع هو أبو سنان ابن وهب، كما ذكر ذلك ابن هشام في السيرة 2/316، وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/100، والبيهقي في الدلائل 4/ 137، وابن عبد البر في الاستيعاب 4/ 246-247. وذكر ابن حجر في الإصابة 4/ 91، أن البغوي أخرج في ترجمة أبي سفيان بن الحارث من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم قال: أوّل من بايع تحت الشجرة: أبو سفيان بن الحارث، ثم تعقبه بقوله: (لم يصب في ذلك، فقد أخرجه غيره من هذا الوجه، فقال: أبو سنان ابن وهب، وهو الصواب، وهو المستفيض عند أهل المغازي كلهم، واسم أبي سنان عبد الله) . وقد ذكر مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أنه أول من بايع، مسلم بشرح النووي 12/174-175. والجمع بين ما ذكره مسلم وأهل المغازي: أن أبا سنان أول من بايع مطلقاً، وأن سلمة أول من بايع من الأنصار، فأوليته بالإضافة إلى ما دون أبي سنان، ذكر ذلك السفاريني في شرح ثلاثيات مسند أحمد 2/733.

المبحث الرابع: في أحداث الغزوة وشروط الصلح

المبحث الرابع: في أحداث الغزوة وشروط الصلح 96- قال ابن إسحاق1: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنهما حدثاه قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالاً، وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة نفر. وكان جابر بن عبد الله فيما بلغني يقول: كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة. قال الزهري: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي، - قال ابن هشام: ويقال: بُسْر - فقال: يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العُوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور2، وقد نزلوا بذي طُوى3 يعاهدون الله

_ 1 سيرة ابن هشام 2/308-320. 2 لبسوا جلود النمور: كناية عن شدة الحقد والغضب، تشبيهاً بأخلاق النمر وشراسته. النهاية 5/118. 3 ذو طوى: وادٍ من أودية مكة، وهو اليوم في وسط عمرانها، من أحيائه: العتيبية، وجرول، و (بئر ذي طوى) لا زالت معروفة بجرول. معجم المعالم الجغرافية 188 والمعالم الأثيرة 176.

لا تدخلها عليهم أبداً، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدّموها إلى كُراع الغَمِيم1. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا ويح2 قريش! لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خَلَّوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة) 3. ثم قال: منْ رجلٌ يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟ [قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رجلاً من أسلم قال: أنا يا رسول الله، قال: فسلك بهم طريقاً وعراً أجرل4 بين شعاب، فلما خرجوا منه، وقد شق ذلك على المسلمين، وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: قولوا نستغفر الله ونتوب

_ 1 كُراع الغميم: يقع جنوب عسفان بستة عشر كيلاً على الجادة إلى مكة أي على بعد (64) كيلاً من مكة، على طريق المدينة، وتعرف اليوم ببرقاء الغميم. معجم المعالم الجغرافية (263-264) . 2 ويح: كلمة ترحم وتوجع، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها. النهاية 5/235. 3 أو تنفرد هذه السالفة: السالفة: صفحة العنق، وانفرادها، كناية عن الموت. جامع الأصول 8/303. 4 الأجرل: كثير الحجارة، ومن رواه: أجرد: فمعناه: ليس فيه نبات. الإملاء المختصر في شرح غريب السير، لأبي ذر الخشني. 3/45، تحقيق: عبد الكريم خليفة.

إليه"، فقالوا ذلك، فقال: والله إنها للحِطَّةُ1 التي عُرِضت على بني إسرائيل، فلم يقولوها] 2. قال ابن شهاب: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحَمْش3 في طريقٍ تُخرِجُه على ثنية المُرار مهبط الحديبية من أسفل مكة، قال: فسلك الجيش ذلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم؛ رجعوا راكضين إلى قريش، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك في ثنية المرار بركت ناقته، فقالت الناس: خلأت الناقة، قال: ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تَدْعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها. ثم قال للناس: انزلوا. قيل: له يا رسول الله ما بالوادي ماء ننزل عليه، فأخرج سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً4 من أصحابه فنزل به في قليب من تلك

_ 1 يريد قوله تعالى لبني إسرائيل: {قُولُوا حِطَّةٌ} قال المفسرون: معناه: اللهم حط عنا ذنوبنا. المصدر السابق. 2 ما بين المعقوفتين: رواية مستقلة أدخلها ابن إسحاق في رواية الزهري الطويلة. 3 بين ظهري الحمش: - بإهمال الحاء وسكون الميم - تقع شمال ثنية المرار. معجم المعالم الجغرافية للبلادي 106، ثم قال: وأرى صوابه (الحمض) لأن تلك الأرض تسمى الحمض لكثرة نبات العصلاء فيها. المصدر السابق. 4 عند ابن إسحاق أنه: ناجية بن جندب بن عمير، سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن هشام 2/ 310. وذكر الواقدي: أن الرجل ناجية بن الأعجم، المغازي 2/ 587، وقال في مكان آخر: أن الرجل اسمه خالد بن عبادة، المغازي 2/ 589، وروى البيهقي عن موسى بن عقبة أنه: خالد بن عبادة، دلائل البيهقي. وذكر الواقدي: أنه البراء بن عازب، المغازي 2/ 589، وقيل: بريدة بن الخصيب، ذكره ابن حجر في الإصابة 3/62، وقال في الفتح 5/ 337: ويمكن الجمع بأنهم تعاونوا على ذلك بالحفر وغيره وعند البخاري رقم (4150) من حديث البراء بن عازب في قصة الحديبية: (فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم مضمض، ودعا ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا) . وأخرج مسلم نحوه من حديث سلمة بن الأكوع، انظر: مسلم بشرح النووي 12/175، قال الحافظ في الفتح: ويمكن الجمع بأن يكون الأمران معاً وقعا، وقد روى الواقدي (المغازي 2/ 588- 589) من طريق أويس بن حولي: (أنه صلى الله عليه وسلم توضأ في الدلو ثم أفرغه فيها وانتزع السهم فوضعه فيها، وهكذا ذكره أبو الأسود في روايته عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم تمضمض في دلو وصبه في البئر، ونزع سهماً من كنانته فألقاه فيها ودعا ففارت) . الفتح 5/ 337.

القُلُب فغرزه في جوفه، فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن1. قال الزهري في حديثه: فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه بُديل بن ورقاء الخزاعي في رجال من خزاعة فكلموه وسألوه ما الذي جاء به؟ فأخبرهم أنه لم يأت يريد حرباً وإنما جاء زائراً للبيت، ومعظماً

_ 1 حتى ضرب الناس بعطن: مبرك الإبل حول الماء، يقال: عطنت الإبل فهي عاطنة، وعواطن إذا سقيت. النهاية 3/ 258.

لحرمته، ثم قال لهم نحواً مما قال لبشر بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش! إنكم تَعْجلون على محمد، إن محمداً لم يأت لقتال، وإنما جاء زائراً هذا البيت، فاتهموهم وجَبهوهم1، وقالوا وإن كان جاء ولا يريد قتالاً فوالله لا يدخلها علينا عنوةً أبداً، ولا تحدث بذلك عنا العرب. قال الزهري: وكانت خزاعة عَيْبَة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئا كان بمكة2. قال: ثم بعثوا إليه مِكْرَ ز بن حفص بن الأخيف، أخا بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً، قال: هذا رجلٌ غادِرٌ، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قال لبديل وأصحابه، فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زَبَّان وكان يومئذ سيد الأحابيش، وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا من قومٍ يَتَألَّهون، فابعثوا الهديَ في وجهه حتى يراه،

_ 1 وجبهوهم: أي استقبلوهم بما يكرهون. النهاية 1/ 237. قال الحافظ ابن حجر: وإنما فعلوا ذلك لأنهم كانوا يعرفون ميل بديل وأصحابه للنبي صلى الله عليه وسلم، فتح الباري 5/ 339. 2 من قوله: قال الزهري: وكانت خزاعة ... إلى هنا، من كلام الزهري لا من جملة الحديث كما يدل على ذلك رواية أحمد فقد أخرج الحديث من طريق ابن إسحاق فلما وصل إلى هذا السياق قال: قال محمد: يعني ابن إسحاق قال الزهري: (وكانت خزاعة ... ) مسند أحمد 31/ 212 رقم [18910] أرناؤوط.

فلما رأى الهدي يسيل عليه من عُرض الوادي في قلائده، وقد أكل أوبارَه1 من طول الحبس عن محله، رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى، فقال لهم ذلك. قال: فقالوا له: اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك. قال الزهري في حديثه: ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي فقال: يا معشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذ جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ، وقد عرفتم أنكم والد وإني ولد - وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس - وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس بين يديه، ثم قال: يا محمد أجمعت أوشاب الناس، ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبداً، وأيم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً، قال: وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد؛ فقال: امصُص بظر اللات أنحن ننكشف عنه؟ قال: من هذا يا محمد؟ قال: هذا ابن أبي قحافة، قال: أما والله لولا يد كانت لك عندي

_ 1 أكل أوباره: أي أكل صوفه. انظر: القاموس (وبر) .

لكافأتك بها، ولكن هذه بها. قال: ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه، قال: والمغيرة ابن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد، قال: فجعل يقرع يده إذا تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن لا تصل إليك. قال: فيقول عروة: ويحك ما أفظك وأغلظك! قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عروة: من هذا يا محمد؟ قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، قال: أيْ غُدر، وهل غسلت سوءتك إلا بالأمس؟ قال الزهري: فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو مما كلم به أصحابه، وأخبره أنه لم يأت يريد حرباً، فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه؛ لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا يبصق1 بصاقاً إلا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه، فرجع إلى قريش، فقال: يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء أبداً، فَرُوا رأيَكم. قال الزهري: ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا بني عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: ائت محمداً فصالحه، ولا يكن في

_ 1 البصاق: كغراب: ماء الفم إذا خرج منه. القاموس (بصق) .

صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تحدّث العرب عنّا أنه دخلها علينا عنوة أبداً. فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً قال: "قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل". فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام وتراجعا ثم جري بينهما الصلح، فلما التأم1 الأمر ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب، فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر: أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر الزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله. ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألست برسول الله؟ قال: (بلى) ، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: (بلى) ، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: (بلى) ، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: " أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره، ولن يضيعني". قال: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيراً. قال: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه

_ 1 فلما التأم: اللئم بالكسر الصلح والاتفاق. القاموس (لأم) .

فقال: (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم) ، قال: فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن أكتب (باسمك اللهم) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اكتب باسمك اللهم) فكتبها، ثم قال: (اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل ابن عمرو) ، قال: فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب: "هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين1 يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه، وإن بيننا عَيْبَة2 مكفوفة3 وأنه لا إسلال4، ولا إغلال5، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد

_ 1 وقد قيل: إن مدة الهدنة كانت أربع سنين كما ذكر ذلك الطبراني في الأوسط 8/ 51 رقم (7935) ، قال الهيثمي في المجمع 6/ 146 "رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات"، وأخرجه ابن عدي في الكامل 5/ 1871، قال الحافظ ابن حجر: "سنده ضعيف، وهو منكر مخالف للصحيح". فتح الباري 5/ 343. 2 عيبة: مستودع الثياب. النهاية 3/ 327. 3 مكفوفة: المشرجة المشدودة: أي بينهم صدر نفي من الغل والخداع، مطوي على الوفاء بالصلح، وقيل: أراد أن بينهم موادعة، ومكافَّة عن الحرب تجريان مجرى المودة التي تكون بين المتصافين الذين يثق بعضهم إلى بعض. النهاية 3/ 327. 4 الإسلال: السرقة الخفية، وقيل: سل السيوف. النهاية 2/ 392. 5 الإغلال: الخيانة، أو السرقة الخفية، وقيل: لبس الدروع. النهاية 3/ 380.

وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه"، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وأنك ترجع عنا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك، فأقمت بها ثلاثاً، معك سلاح الراكب، السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها". فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد، قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيم، حتى كادوا يهلكون، فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه1، ثم قال: يا محمد قد لجت2 القضية بيني وبينك، قبل أن يأتيك هذا.

_ 1 أخذ بتلبيبه: يقال: لببت الرجل ولبّبته إذا جعلت في عنقه ثوباً أو غيره وجررته به. وأخذت بتلبيبة فلان: إذا جمعت عليه ثوبه الذي هو لابسه وقبضت عليه تجره. النهاية 4/ 223. 2 قد لجت: أي وجبت. النهاية 4/ 233.

قال: (صدقت) ، فجعل ينتره1 بتلبيبه ويجره ليرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته، يا معشرالمسلمين: أَأُرَدُّ إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ فزاد ذلك الناس إلى ما بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم". قال: فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، قال: ويدني قائم السيف منه، قال: ويقول عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، فضنّ2 الرجل بأبيه، ونفذت القضية، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب أشهد على الصلح رجالاً من المسلمين ورجالاً من المشركين: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو3، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن

_ 1 فجعل ينتره: النتر: جذب فيه قوة وجفوة. النهاية 5/ 12. 2 فضن الرجل بأبيه: الضنائن: الخصائص، واحدهم ضنينة فعيلة بمعنى مفعولة، من الضِّن وهو ما تختصه وتضن به، أي تبخل لمكانه منك وموقعه عندك. النهاية 3/ 104. 3 هو: عبد الله بن سهيل بن عمرو، أبو سهيل، أمه فاطمة بنت عامر بن نوفل بن عبد مناف، هاجر إلى الحبشة، ثم أخذه أبوه بعد أن رجع من الحبشة عن دينه، فأظهر الرجوع، وخرج معهم إلى بدر ففر إلى المسلمين وكان أحد الشهود بعد ذلك في صلح الحديبية، وكان أسن من أخيه أبي جندل، استشهد باليمامة وله ثمان وثمانون سنة. الإصابة 2/ 322- 323.

مسلمة1، ومكرز بن حفص وهو يومئذ مشرك، وعلي بن أبي طالب وكتب، وكان هو كاتب الصحيفة. قال الزهري في حديثه: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه ذلك قافلاً2، حتى إذا كان بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} 3.

_ 1 هو: محمود بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، قال ابن سعد: شهد محمود أحداً والخندق والحديبية وخيبر وقتل يومئذ شهيداً. الإصابة 3/ 387. 2 المقفل: مصدر قفل يقفل إذا عاد من سفره. النهاية 4/ 92- 93. 3 وأخرجه أحمد في المسند 31/ 212 رقم [18910] أرناؤوط، وابن أبي شيبة في المصنف 14/ 434، وأبو عبيد في الأموال رقم (442) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (551) ، وأبو داود 3/ 210 رقم (2766) ، والطبري في التاريخ 2/ 620- 629، والتفسير 26/ 95، والطبراني في الكبير 20/ 15 رقم (14) ، والحاكم في المستدرك 2/ 459، والبيهقي في السنن 5/ 215، و9/ 221، وفي الدلائل له 4/ 111، 112و 145، 150 و159- 160، كلهم عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور ومروان بن الحكم. قال ابن إسحاق: يقول الزهري: فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب، وأَمِنَ الناس بعضهم بعضاً، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. ابن هشام 2/ 322. قال ابن هشام: والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية، في ألف وأربعمائة، في قول جابر بن عبد الله، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين بعشرة آلاف، المصدر السابق 2/ 322.

المبحث الخامس: في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في بعض أموره

المبحث الخامس: في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في بعض أموره المطلب الأول: في استشارته صلى الله عليه وسلم أصحابه في قريش ... المبحث الخامس: في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في بعض أموره وفيه مطلبان: المطلب الأول: في استشارته صلى الله عليه وسلم أصحابه في قريش: 97- قال البخاري1: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري حين حدث هذا الحديث حفظت بعضه وثبتني2 معمر عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على صاحبه - قالا:

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 7/ 453 رقم (4178) . 2 قد بين يعقوب بن سفيان الفسوي القدر الذي حفظه سفيان عن الزهري والقدر الذي ثبّته فيه معمر، فأخرجه عن أبي بكر الحميدي عن سفيان فذكره بإسناده إلى قوله: (وأحرم منها بالعمرة) قال سفيان: فهذا الذي حفظت منه وأتقنته، وثبتني من ههنا معمر، انظر: المعرفة والتاريخ 2/ 722- 723.

ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع1 عشرة مائة2 من أصحابه

_ 1 البضع في العدد بالكسر، وقد يفتح، ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل ما بين الواحد إلى العشرة. النهاية 1/ 133. 2 أخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري قال: "حدثني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية في ألف وثمانمائة ... " المصنف 14/ 444- 451، رقم (18702) ، وهي مخالفة لرواية البخاري عن الزهري بالإضافة إلى أنها مرسلة عن عروة وفي سندها أيضاً عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري قال ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ، وستأتي ترجمته إن شاء الله. وقد ثبت عند البخاري ومسلم من غير طريق الزهري (أن عدد جيش المسلمين كان ألفاً وأربعمائة) ، صحيح البخاري رقم (4154) ، وصحيح مسلم رقم (1856) وثبت عند مسلم أن عددهم كان ألفاً وثلاثمائة وكانت أسلم ثُمن المهاجرين، صحيح مسلم رقم (1857) ، وأخرجه البخاري تعليقاً، صحيح البخاري رقم (4155) وثبت عند البخاري ومسلم أنهم كانوا: ألفاً وخمسمائة، صحيح البخاري رقم (3576) ومسلم كتاب الإمارة 73072. وقد وردت روايات أخرى فذكرت أعداداً مغايرة لما في الصحيحين، فقد ذكر ابن سعد في الطبقات (2/ 271) أن عددهم كان ألفاً وخمسمائة وخمسة وعشرين، وعند البلاذري في فتوح البلدان ص 32: أنهم كانوا ألفاً وخمسمائة وأربعين، وعند ابن أبي شيبة في المصنف رقم (36846) أنهم كانوا ألفاً وسبعمائة. قال ابن حجر: "وجزم موسى بن عقبة بأنهم كانوا ألفاً وستمائة". فتح الباري 7/ 440، وذكر هذا العدد ابن سعد في الطبقات 2/ 59. قال النووي بعد أن ذكر رواية ألف وأربعمائة، وألف وخمسمائة: "ويمكن أن يجمع بينهما بأنهم كانوا أربعمائة وكسراً، فمن قال: أربعمائة لم يعتبر الكسر، ومن قال: خمسمائة اعتبره، ومن قال: ألف وثلاثمائة ترك بعضهم لكونه لم يتيقن العدد، أو لغير ذلك" شرح النووي على مسلم 13/ 2، ونقل الحافظ ابن حجر نحوه. انظر: فتح الباري 7/ 441. أما البيهقي فقد مال إلى ترجيح رواية ألف وأربعمائة، فبعد أن ساق رواية أبي الزبير عن جابر ورواية أبي سفيان عن جابر قال: وهذه الرواية أصح، فكذلك قاله البراء بن عازب ومعقل بن يسار وسلمة بن الأكوع في أصح الروايتين عنه، ثم ساق رواية سعيد بن المسيب عن أبيه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ألفاً وأربعمائة) دلائل النبوة للبيهقي 4/ 98، وقال أيضاً: اختلفت الرواية عن جابر، فروي عنه أنهم كانوا ألفاً وخمسمائة، وروي عنه أنهم كانوا ألفاً وأربعمائة، وهذا أصح لموافقته معقل بن يسار وسلمة والبراء. معرفة السنن والآثار 14/ 62. ويلحظ أن خمسة من الصحابة رضي الله عنهم ممن شهدوا الوقعة اتفقت رواياتهم على أنهم كانوا ألفاً وأربعمائة. قال الدكتور أكرم العمري: "واتفاق خمسة من شهود العيان على أنهم كانوا ألفاً وأربعمائة أولى من سواه من الأقوال فهو أصح الصحيح وإن كان الجمع ليس بمتعذر والاختلاف ليس بكبير". السيرة الصحيحة 2/ 435.

فلما أتى ذا الحليفة1 قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة، وبعث عيناً له من خزاعة وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط2 أتاه عينه قال:

_ 1 ذو الحليفة: بالتصغير على وزن جهينة، وهي قرية بظاهر المدينة النبوية على طريق مكة بينها وبين المدينة تسعة أكيال تقع بوادي العقيق عند سفح جبل عير الغربي وتعرف اليوم [بآبار علي] المعالم الأثيرة 103. 2 غَدير الأشطاط: الغدير بفتح الغين المعجمة: القطعة من الماء يغادرها السيل، القاموس (غدر) ، وفتح الباري لابن حجر 5/ 334. والأشطاط: - بشين وطاءين مهملتين - جمع: شط، وهو جانب الوادي. فتح الباري 5/ 334.

إن قريشاً جمعوا لك جموعاً، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك، فقال: "أشيروا أيها الناس عليَّ أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله عزوجل قد قطع عيناً من المشركين وإلا تركناهم محروبين"، قال أبو بكر: يا رسول الله خرجت عامداً لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه، قال: "امضوا على اسم الله".

المطلب الثاني: في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم في عدم إمتثال أصحابه لما أمرهم بالتحليل

المطلب الثاني: في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم في عدم إمتثال أصحابه لما أمرهم بالتحليل ... المطلب الثاني: في استشارته صلى الله عليه وسلم أم سلمة في عدم امتثال أصحابه لمَّا أمرهم بالتحلل 98- قال ابن أبي شيبة في المصنف1: حدثنا خالد بن مخلد2 قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري3 قال: حدثني ابن شهاب، قال: حدثني عروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية في ألف وثمانمائة4 وبعث بين يديه عيناً له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر القوم، حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم غديراً بعسفان يقال له: غَدِيْر الأَشْطَاط، فلقيه عينه بغدير الأشطاط، فقال: يا محمد تركت قومك كعب ابن لؤي وعامر ابن لؤي قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم،

_ 1 مصنف ابن أبي شيبة 14/ 444- 451، رقم [18702] . 2 هو: خالد بن مخلد القطواني، - بفتح القاف والطاء - أبو الهيثم البجلي مولاهم، الكوفي، صدوق يتشيع وله أفراد، من كبار العاشرة، توفي سنة ثلاث عشرة، وقيل بعدها. خ م كد ت س ق، التقريب 190، رقم (1677) . 3 هو: عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان بن حنيف الأنصاري، الأوسي، أبو محمد المدني الأُمامي بالضم، صدوق يخطئ، من الثامنة، توفي سنة اثنتين وستين، وهو ابن بضع وسبعين، م، التقريب 345، رقم (3933) . 4 تقدم الكلام حول عدد المسلمين.

قد سمعوا بمسيرك وتركت عبدانهم يطعمون الخزيرة في دورهم، وهذا خالد بن الوليد في خيل بعثوه. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ماذا تقولون؟ ماذا ترون؟ أشيروا علي قد جاءكم خبر قريش مرتين وما صنعت، فهذا خالد بن الوليد بالغميم) . قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أترون أن نمضي بوجهنا ومن صدنا عن البيت قاتلناه؟ أم ترون أن نخالف هؤلاء إلى من تركوا وراءهم، فإن اتَّبَعْنَا منهم عنقٌ قطعه الله". قالوا: يا رسول الله الأمر أمرك والرأي رأيك، فتيامنوا في هذا الفعل فلم يشعر به خالد ولا الخيل التي معه حتى جاوز بهم قترة الجيش، وأوفت به ناقته على ثنية تهبط على غائط1 القوم يقال له: بَلْدَح2 فبركت، فقال: "حل حل"، فلم تنبعث، فقالوا: خلأت القصواء. قال صلى الله عليه وسلم: "إنها والله ما خلأت، ولا هو لها بخلق، ولكم حبسها حابس الفيل، أما والله لا يدعوني اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمة ولا يدعوني فيها إلى صلة إلا أجبتهم إليها) ، ثم زجرها فوثبت فرجع من

_ 1 غائط القوم: الغائط: البطن المطمئن من الأرض. النهاية 3/ 395- 396. 2 بَلْدح: - بفتح الباء وسكون اللام والحاء المهملة -: اسم موضع بالحجاز قرب مكة. النهاية في غريب الحديث 1/ 151، وهو وادٍ في مكة يسمى اليوم (الزاهر) معجم المعالم الجغرافية 49.

حيث جاء عوده على بدئه، حتى نزل بالناس على ثمد1 من ثماد الحديبية ظَنُون2، قليل الماء يتبرض الناس ماءها تبرضاً، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء، فانتزع سهماً من كنانته، فأمر رجلاً فغرزه في جوف القليب، فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بِعَطَن، فبينما هو على ذلك إذ مر به بُديل بن ورقاء الخزاعي في ركب من قومه من خزاعة فقال: يا محمد؛ هؤلاء قومك قد خرجوا بالعوذ المطافيل، يقسمون بالله ليحولُنَّ بينك وبين مكة، حتى لا يبقى منهم أحد، قال: "يا بديل إني لم آت لقتال أحد إنما جئت أقضي نسكي3 وأطوف بهذا البيت، وإلا فهل لقريش في غير ذلك، هل لهم إلى أن أمادهم مدة يأمنون فيها ويستجمون، ويخلون فيها بيني وبين الناس فإن ظهر فيها أمري على الناس كانوا فيها بالخيار أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، وبين أن يقاتلوا وقد جمعوا وأعدوا". قال بديل: سأعرض هذا على قومك. فركب بديل حتى مر بقريش فقالوا: من أين؟ قال: جئتكم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن شئتم أخبرتكم بما سمعت منه فعلت.

_ 1 ثمد: الثمد بالتحريك: الماء القليل. النهاية 1/ 221. 2 الماء الظّنون: الذي تتوهمه ولست على ثقة، فعول بمعنى مفعول، وقيل: هي البئر التي يظن أن فيها ماء وليس فيها ماء. وقيل: البئر القليلة الماء. النهاية 3/ 163. 3 المناسك: جمع منسك، - بفتح السين وكسرها -: وهو المتعبد، والنُّسْك والنُّسُك أيضاً: الطاعة والعبادة، وكل ما يتقرب به إلى الله تعالى. النهاية 5/ 48.

فقال أناس من سفهائهم: لا تخبرنا عنه شيئاً، وقال ناس من ذوي أسنانهم وحكمائهم: بل أخبرنا ما الذي رأيت وما الذي سمعت، فاقتص عليهم بديل قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عرض عليهم من المدة، قال: وفي كفار قريش يومئذ عروة بن مسعود الثقفي فوثب فقال: يا معشر قريش هل تتهمونني في شيء؟ ألست بالولد ولستم بالوالد؟ أولست قد استنفرت لكم أهل عكاظ؟ فلما بلحوا علي نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أطاعني. قالوا: بلى قد فعلت، قال: فاقبلوا من بديل ما جاءكم به وما عرض عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم1 وابعثوني حتى آتيكم بمصداقها من عنده، قالوا: فاذهب. فخرج عروة حتى نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، فقال: يا محمد هؤلاء قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤى قد خرجوا بالعوذ المطافيل يقسمون لا يخلون بينك وبين مكة حتى تبيد خضراءهم2، وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين: أن تجتاح قومك فلم تسمع برجل قط اجتاح أصله قبلك، وبين أن يسلمك من أرى معك، فإني لا أرى معك إلا أوباشاً من الناس لا أعرف أسمائهم ولا وجوههم. فقال أبو بكر، وغضب: امصص بظر اللات أنحن نخذله أو نسلمه؟

_ 1 في مصنف عبد الرزاق 5/ 334 رقم (9720) : "فإن هذا الرجل قد عرض عليكم خصلة رشد ... ". 2 تبيد خضراءهم: أي دهماءهم وسوادهم. النهاية 2/ 42.

فقال عروة: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك فيما قلت. وكان عروة قد تحمل بدية فأعانه أبو بكر فيها بعون حسن. والمغيرة بن شعبة قائم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى وجهه المغفر فلم يعرفه عروة، وكان عروة يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلما مدّ يده يمس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعها المغيرة بقدح كان في يده حتى إذا أخرجه قال: من هذا؟ قالوا: هذا المغيرة بن شعبة. قال عروة: أنت بذاك يا غدر، وهل غسلت عنك غدرتك الأمس بعكاظ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعروة بن مسعود مثل ما قال لبديل، فقام عروة فخرج حتى جاء إلى قومه فقال: يا معشر قريش إني قد وفدت على الملوك على قيصر في ملكه بالشام وعلى النجاشي بأرض الحبشة1 وعلى كسرى بالعراق، وإني والله ما رأيت ملكاً هو أعظم فيمن هو بين ظهريه من محمد في أصحابه، والله ما يشدون إليه النظر وما يرفعون عنده الصوت. وما يتوضأ من وضوء إلا ازدحموا عليه أيهم يظفر منه بشيء، فاقبلوا الذي جاءكم به بديل، فإنها خطة رشد. قالوا: اجلس ودعوا رجلاً من بني الحارث بن عبد مناف يقال له:

_ 1 الحبشة: اسم للأمة أطلق على أرضهم، وتسمى دولتهم: (أثيوبيا) ، وأرض الحبشة: هضبة مرتفعة غرب اليمن بينهما البحر، وعاصمتها: "أديس أبابا". معجم المعالم الجغرافية 91.

الحليس، فقالوا: انطلق فانظر ما قبل هذا الرجل وما يلقاك به. فخرج الحليس فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً عرفه قال: " هذا الحليس وهو من قوم يعظمون الهدي، فابعثوا الهدي في وجهه". فبعثوا الهدي في وجهه. قال ابن شهاب: فاختلف الحديث في الحليس، فمنهم من يقول: جاءه فقال له مثل ما قال لبديل وعروة، ومنهم من قال: لما رأى الهدي رجع إلى قريش فقال: لقد رأيت أمراً لئن صددتموه إني لخائف عليكم أن يصيبكم عنت فأبصروا بصركم، قالوا: اجلس، ودعوا رجلاً من قريش يقال له: مِكْرَ ز بن حفص بن الأحنف من بني عامر بن لؤي فبعثوه فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذا رجل فاجر ينظر بعين". فقال له مثل ما قال لبديل ولأصحابه في المدة، فجاءهم فأخبرهم فبعثوا سهيل بن عمرو من بني عامر بن لؤي يكاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذي دعا إليه، فجاءه سهيل بن عمرو فقال: قد بعثتني قريش إليك أكاتبك على قضية نرتضي أنا وأنت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم، اكتب بسم الله الرحمن الرحيم". قال: ما أعرف الله ولا أعرف الرحمن، ولكن اكتب كما كنا نكتب "باسمك اللهم) ، فوجد الناس من ذلك وقالوا: لا نكاتبك على خطة حتى تقر بالرحمن الرحيم. قال سهيل: إذاً لا أكاتبه على خطة حتى أرجع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتب باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد

رسول الله". قال: لا أقر، لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك ولا عصيتك ولكن "محمد بن عبد الله". فوجد الناس منها أيضاً، قال: "اكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو) . فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ألسنا على الحق. أو ليس عدونا على الباطل؟ قال: "بلى"، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: "إني رسول الله ولن أعصيه ولن يضيعني". وأبو بكر متنح بناحية، فأتاه عمر فقال: يا أبا بكر، فقال: نعم. قال: ألسنا على الحق؟ أو ليس عدونا على الباطل؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: دع عنك ما ترى يا عمر، فإنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يضيعه الله ولن يعصيه. وكان في شرط الكتاب أنه من كان منا فأتاك، فإن كان على دينك رددته إلينا، ومن جاءنا من قبلك رددناه إليك. قال: أما من جاء من قبلي فلا حاجة لي برده، وأما التي اشترطت لنفسك قبلك فبيني وبينك، فبينما الناس على ذلك الحال إذ طلع عليهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد خلى له أسفل مكة متوشحاً السيف، فرفع سهيل رأسه فإذا هو بابنه أبي جندل. فقال: هذا أول من قاضيتك على رده.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا سهيل إنا لم نقض الكتاب بعد". قال: ولا أكاتبك على خطة حتى ترده. قال: "فشأنك به"، قال: فهش أبو جندل إلى الناس فقال: يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنونني في ديني؟! فلصق به عمر وأبوه آخذ بيده يجتره وعمر يقول: إنما هو رجل ومعك السيف، فانطلق به أبوه. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عنهم من جاء من قبلهم يدخل في دينه، فلما اجتمعوا نفر منهم أبو بصير ردهم إليه وأقاموا بساحل البحر، فكأنهم قطعوا على قريش متجرهم إلى الشام، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نراها منك صلة أن تردهم إليك وتجمعهم فردهم إليه، وكان فيما أرادهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب أن يدعوه يدخل مكة فيقضي نسكه وينحر هديه بين ظهريهم. فقالوا: لا تحدث العرب أنك أخذتنا ضغطة أبداً، ولكن ارجع عامك هذا، فإذا كان القابل أذنا لك، فاعتمرت وأقمت ثلاثاً. وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للناس: "قوموا فانحروا هديكم واحلقوا واحلوا". فما قام رجل ولا تحرك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بذلك ثلاث مرات، فما تحرك رجل ولا قام من مجلسه. فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك دخل على أم سلمة وكان خرج بها في تلك الغزوة، فقال: يا أم سلمة ما بال الناس أمرتهم ثلاث مرار أن ينحروا وأن

يحلقوا وأن يحلوا فما قام رجل إلى ما أمرتهم به. قالت: يا رسول الله أخرج أنت فاصنع ذلك. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يمم هديه فنحره، ودعا حلاقاً فحلقه، فلما رأى الناس ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبوا إلى هديهم فنحروه، وأكب بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم أن يضم بعضاً من الزحام. قال ابن شهاب بدنة.

المبحث السادس: في استثناء النساء من شرط صلح الحديبية

المبحث السادس: في استثناء النساء من شرط صلح الحديبية 99- قال البخاري1:حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع مروان والمسور ابن مخرمة رضي الله عنهما يخبران2 عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ، كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يأتيك منا أحد3 وإن كان على دينك إلا رددته إلينا

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح 5/ 312 رقم (2711، 2712) . 2 في هذه الرواية تصريح بأن مروان والمسور أخذا حديث الحديبية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ابن كثير: "هذا هو الأشبه فإن مروان ومسوراً كانا صغيرين يوم الحديبية، والظاهر أنهما أخذاه عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين". السيرة النبوية 3/ 336. وقال الحافظ ابن حجر: "هكذا قال عُقيل عن الزهري، واقتصر غيره على رواية الحديث عن المسور بن مخرمة ومروان، وقد تبين برواية عُقيل أنه عنهما مرسل، وهو كذلك، لأنهما لم يحضرا القصة، وعلى هذا فهو من سند من لم يسم من الصحابة لأن مروان لا يصح له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحبة، وأما المسور فصح سماعه منه لكنه إنما قدم مع أبيه وهو صغير بعد الفتح، وكانت هذه القصة قبل ذلك بسنتين". الفتح 5/ 313. 3 ألا يأتيك منا أحد: يدل على أن هذا الشرط يشمل الرجال والنساء على حد سواء، وظل سارياً حتى هاجر نسوة من المؤمنات فاستثنى الرسول صلى الله عليه وسلم النساء من هذا الشرط، وذلك لن-زول الآية وهي قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ ... } الآية وهذا هو الأظهر، ويدل على ذلك ما جاء في رواية ابن أخي الزهري عند البخاري (الفتح 7/ 453) وفيه: " ... لا يأتيك أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا". ورواية الإمامين عن الزهري عند ابن أبي شيبة، (المصنف 14/ 449) ورواية ابن إسحاق عن الزهري وفيه: "من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رد عليهم" ابن هشام 2/ 317. وقد ورد الشرط المذكور مفيداً للعموم من غير طريق الزهري عند مسلم من حديث أنس (مسلم بشرح النووي 12/ 139) وعند ابن سعد في الطبقات من حديث عمر بن الخطاب والبراء بن عازب (الطبقات الكبرى 2/ 101) . ومما يدل على أن الشرط المذكور عام أيضاً مجيء الوليد بن عقبة وأخوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه رد أختهما، فإن قريشاً قد فهموا أن الشرط عام للرجال والنساء. ولا يعكر على هذا رواية معمر عن الزهري عند البخاري (الفتح 5/ 329) والتي جاء فيها: " ... وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ... " فلفظ رجل يدل على أن النساء مستثنيات من البداية، لكن يظهر أن معمر تفرد بهذه اللفظة مخالفاً بذلك سائر الروايات التي ذكرت الشرط على العموم، وكان ذلك حتى نزلت الآية، والله أعلم.

وخليت بيننا وبينه، فكره المؤمنون ذلك وامتعضوا1 منه وأبى سهيل إلا ذلك، فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة، وإن كان مسلماً،

_ 1 امتعضوا منه: بعين مهملة وضاد معجمة؛ أي: أنفوا وشق عليهم. الفتح (5/ 313) .

وجاء المؤمنات1 مهاجرات، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وهي عاتق2، فجاء أهلها3 يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ

_ 1 نقل ابن حجر أسماء بعضهن فقال: وسمى من المؤمنات المهاجرات المذكورات: أميمة بنت بشر، وكانت تحت حسان - ويقال: ابن الدحداحة - قبل أن يسلم فتزوجها سهل بن حنيف، وسبيعة بنت الحارث الأسلمية وكانت تحت مسافر المخزومي، ويقال: صيفي بن الراهب. وأم الحكم بنت أبي سفيان، كانت تحت عياض بن شداد، وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان، وعبدة بنت عبد العزى بن نضلة، كانت تحت عمرو بن ود، قلت: لكن عمرو بن ود قتل بالخندق، وكأنها فرت بعد قتله، وكان من سنة الجاهلية أن من مات زوجها كان أهلها أحق بها، فتح الباري 5/ 348 تحت رقم (2732) . قال ابن حجر: "ويقال كانت تحت عمرو بن العاص". الفتح 5/ 348. 2 وهي عاتق: أي بلغت واستحقت التزويج ولم تدخل في السن، وقيل: هي الشابة. الفتح 7/ 454. 3 ذكر البيهقي في السنن الكبرى 9/ 229 من طريق الزهري مرسلاً أن الذي جاء في ردها الوليد بن عقبة وأخ له لم يسمه. وقال ابن حجر: "فخرج أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة بن أبي معيط حتى قدما المدينة فكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردها إليهم ... "، ثم قال: أخرجه ابن مردويه في تفسيره. الفتح 7/ 454.

إلى قوله: {لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 1. 100- قال ابن إسحاق2:فحدثني الزهري عن عروة ابن الزبير قال: دخلت عليه يكتب كتاباً إلى ابن أبي هنيدة3 صاحب الوليد بن عبد الملك، وكتب إليه يسأله عن قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} 4، قال: فكتب إليه عروة بن الزبير: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلمكان صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه، فلما هاجر

_ 1 سورة الممتحنة، آية (12) وأخرجه البخاري من طريق ابن أخي الزهري عن عمه، فتح الباري، 7/ 453- 454 رقم (4180) . 2 سيرة ابن هشام 2/ 326- 327 بسند حسن إلى عروة لتصريح ابن إسحاق بالتحديث. 3 هو: عبد الرحمن بن هنيدة أو ابن أبي هنيدة العدوي، مولاهم المدني، رضيع عبد الملك، ثقة من الرابعة، قد، التقريب 352. 4 سورة الممتحنة آية رقم (10) .

النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام، أبى الله أن يُرْدَدْن إلى المشركين إذا هن امتحنّ بمحنة الإسلام فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة في الإسلام، وأمر برد صَدُقاتهن إليهم إن احتبسن عنهم، إن هم ردوا على المسلمين صداق من حبسوا عنهم من نسائهم ذلك حكم الله يحكم بينكم، والله عليم حكيم، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال، وسأل الذي أمره الله به أن يسأل من صدقات نساء من حبسوا منهن، وأن يردوا عليهم مثل الذي يردون عليهم إن هم فعلوا، ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم لرد رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء كما رد الرجال، ولولا الهدنة والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء، ولم يردد لهن صداقاً، وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد"1.

_ 1 وأخرجه الطبري في تفسيره 28/ 69 من طريق سلمة بن الفضل الأبرش، والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 228- 229، من طريق يونس بن بكير، والواحدي في أسباب النزول ص489- 490، من طريق عبد الله بن إدريس ثلاثتهم عن ابن إسحاق، وفيها بعض الاختصار. وأخرجه الواقدي مطولاً في المغازي 2/ 631، من طريق محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة. والواقدي متروك.

المبحث السابع: فيما ظهر من علامات النبوة في الحديبية

المبحث السابع: فيما ظهر من علامات النبوة في الحديبية 101- قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل، قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة1 عن ابن شهاب، قال: قال ابن عباس: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية كلمه بعض أصحابه فقالوا: جهدنا2 وفي الناس ظهر3 فانحره لنا، فنأكل من لحومه، وندهن من شحومه، ولنحتذي من جلوده. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تفعل يا رسول الله، فإن الناس إن يكن معهم بقية ظهر أمثل.

_ 1 تقدمت تراجم سند هذه الرواية. 2 جهدنا: جهد الرجل فهو مجهود إذا وجد مشقة. النهاية 1/ 320. 3 الظهر: الإبل التي يحمل عليها وتركب، يقال: فلان عنده ظهر أي إبل. النهاية 3/ 166.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابسطوا أنطاعكم1 وعباءكم" 2. ففعلوا، ثم قال: "من كان عنده بقية من زاد وطعام فلينثره"3، ودعا لهم ثم قال: "قربوا أوعيتكم فأخذوا ما شاء الله" 4.

_ 1 النطع: بالكسر وبالفتح والتحريك: بساط من الأديم، والجمع أنطاع ونطوع، القاموس (نطع) . 2 العباء: ضرب من الأكسية، الواحدة عباءة، وعباية، وقد تقع على الواحد لأنه جنس. النهاية 3/ 175. 3 نثر الشيء ينثره وينثره نثراً ونثاراً: رماه متفرقاً. القاموس (نثر) . 4 دلائل النبوة 4/ 119. وهذا الحديث سنده منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس، ويشهد له ما أخرجه مسلم من حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، فذكر نحوه. مسلم في كتاب اللقطة رقم (1729) وأخرج نحوه الطبراني في الأوسط 2/ 128- 129 رقم (1471) من حديث أبي هريرة، ولم يشهد أبو هريرة الحديبية لكونه لم يسلم إلا سنة سبع عام خيبر، فيحتمل أنه سمعه من بعض الصحابة.

المبحث الثامن: في قصة أبي بصير وأبي جندل رضي الله عنهما

المبحث الثامن: في قصة أبي بصير وأبي جندل رضي الله عنهما 102- قال البيهقي1: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب العبدي، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة2 عن ابن شهاب، وهو لفظ حديث القطان، قال: "ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة انفلت رجل من أهل الإسلام من ثقيف، يقال له: أبو بصير بن أسيد بن جارية الثقفي، من المشركين فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً مهاجراً، فبعث في أثره الأخنس بن شريق رجلين من بني منقذ، أحدهما: - زعموا - مولى، والآخر من أنفسهم، اسمه: جحش بن جار، وكان ذا جلد ورأي في أنفس المشركين،

_ 1 دلائل النبوة 4/ 172- 175. من مرسل الزهري، ولكن لبعض هذه الرواية شواهد صحيحة كما سيأتي. 2 تقدمت تراجم رجال إسناد هذه الرواية.

وجعل لهما الأخنس في طلب أبي بصير جعلاً1، فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع أبا بصير إليهما، فخرجا به حتى إذا كان بذي الحليفة، سل جحش سيفه ثم هزه فقال: لأضربن بسيفي هذا في الأوس والخزرج يوماً إلى الليل. فقال له أبو بصير: أو صارم2 سيفك هذا؟ قال: نعم. قال: ناولنيه أنظر إليه، فناوله إياه، فلما قبض عليه ضربه به حتى برد. ويقال: بل تناول أبو بصير سيف المنقذي بفيه وهو نائم فقطع إساره3، ثم ضربه به حتى برد، وطلب الآخر فجمز4 مذعوراً مستخفياً حتى دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: (لقد رأى هذا ذعراً) ، فأقبل حتى استغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء أبو بصير يتلوه، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: وفت ذمتك دفعتني إليهما، فعرفت أنهم سيعذبونني ويفتنوني عن ديني.

_ 1 الجعل: هو الأجرة على الشيء فعلاً أو أمراً. النهاية 1/ 276. 2 أَوَ صارم سيفك: الصرم: القطع. النهاية 3/ 62. 3 فقطع إساره: الإسار بالكسر مصدر أسرته أسراً وإساراً، وهو الحبل، والقد الذي يشد به الأسير. النهاية 1/ 48. 4 فجمز مذعوراً: أي أسرع هارباً من القتل، يقال: جمز يجمز جمزاً. النهاية 1/ 294.

فقتلت المنقذي، وأفلتني هذا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل أمه مِسْعَر حرب لو كان معه أحد" 1، وجاء أبو بصير بِسَلَبِه2 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خمس يا رسول الله. قال: "إني إذا خمسته لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه، ولكن شأنك بسلب صاحبك، واذهب حيث شئت". فخرج أبو بصير معه خمسة نفر كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حيث قدموا، فلم يكن طلبهم أحد، ولم ترسل قريش كما أرسلوا في أبي بصير حتى كانوا بين العِيْص3 وذي المروة4 من أرض جهينة على طريق عيرات قريش مما يلي سيف البحر، ولا يمر بهم عير لقريش إلا أخذوها

_ 1 من أول قول الزهري "ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة" إلى هنا أخرجه البخاري في صحيحه من طريق الزهري عن المسور ومروان. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 5/ 329. 2 السلب: ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه مما يكون عليه من سلاح وثياب ودابة وغيرها. النهاية 2/ 387. 3 العيص: بالكسر: منبت خيار الشجر، وهو واد لجهينة بين المدينة والبحر يبعد عن مدينة ينبع (150) كيلاً شمالاً، ولا زالت قرية عامرة في إمارة المدينة. المعالم الأثيرة 204. 4 يقع ذو المروة عند مفيض وادي الجزل، إذا دفع في (إضم) شمال المدينة المنورة على مسافة ثلاثمائة كيل، وما زالت معروفة بهذا الاسم، وكان بها سبرة بن معبد الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. المعالم الأثيرة 250.

وقتلوا أصحابها، وكان أبو بصير يكثر أن يقول: "الله ربي العلي الأكبر من ينصر الله فسوف ينصر ويقع الأمر على ما يقدر". وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو في سبعين راكباً أسلموا وهاجروا فلحقوا بأبي بصير وكرهوا أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة المشركين، وكرهوا الثواء بين ظهري قومهم، فنزلوا مع أبي بصير في منزل كريه إلى قريش، فقطعوا به مادتهم من طريق الشام، وكان أبو بصير زعموا وهو في مكانه ذلك يصلي لأصحابه، فلما قدم عليه أبو جندل كان هو يؤمهم، واجتمع إلى أبي جندل حين سمعوا بقدومه ناس من بني غفار، وأسلم وجهينة وطوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون، قال: فأقاموا مع أبي جندل وأبي بصير لا يمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا أصحابها، فأرسلت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب يسألون ويتضرعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير، وأبي جندل بن سهيل ومن معه فقدموا عليهم وقالوا: من خرج منا إليك فأمسكه غير حرج أنت فيه، فإن هؤلاء والركب قد فتحوا علينا باباً لا يصلح إقراره، فلما كان ذلك من أمرهم على الذين كانوا أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضية أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لهم فيما أحبوا وفيما كرهوا من رأي من ظن أن له قوة هي أفضل مما خص الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من العون والكرامة، ولم يزل أبو جندل وأبو بصير وأصحابهما الذين اجتمعوا إليهما هنالك حتى مر بهم أبو

العاص بن الربيع وكان تحته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشام في نفر من قريش فأخذوهم وما معهم وأسروهم1، ولم يقتلوا منهم أحداً لصهر أبي العاص رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو العاص يومئذ مشرك، وهو ابن أخت خديجة بنت خويلد لأمها وأبيها، وخلوا سبيل أبي العاص، فقدم المدينة على امرأته وهي بالمدينة عند أبيها كان أذن لها أبو العاص حين خرج إلى الشام أن تقدم المدينة فتكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمها أبو العاص في أصحابه الذين أسر أبو جندل وأبو بصير وما أخذوا لهم فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فخطب الناس فقال: (إنا صاهرنا ناساً، وصاهرنا أبا العاص، فنعم الصهر وجدناه، وإنه قدم من

_ 1 هذه الرواية التي ذكرها البيهقي عن الزهري تفيد أن الذي أسر أبا العاص بن الربيع ومن معه أبو بصير وأبو جندل، وأصحابهما، وهي مرسلة، أما ابن إسحاق فقد ذكرها بسياق آخر مرسلة عن يزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر، وذكر فيها أن الذي أسر أبا العاص سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت من المدينة (ابن هشام 1/ 657) وقد وصلها الحاكم من طريق ابن إسحاق، قال حدثني يحيى بن عباد ابن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة وفيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وجه السرية للعير التي فيها أبو العاص قافلة من الشام وكانوا سبعين ومائة راكب أميرهم زيد بن حارثة، وذلك في جمادى الأولى سنة ست من الهجرة ... ) وذكر بقية القصة، المستدرك 3/ 236. وقال الألباني عن رواية الزهري: "لا يصح، لأن ابن عقبة رواه عن الزهري مرسلاً". حاشية فقه السيرة للغزالي ص366، ثم قال: قد وصله الحاكم 3/ 236- 237، من حديث عائشة وإسناده جيد، فالأولى الاعتماد على هذا السياق دون ما في الكتاب. المصدر السابق.

الشام في أصحاب له من قريش، فأخذهم أبو جندل وأبو بصير فأسروهم، وأخذوا ما كان معهم ولم يقتلوا منهم أحداً، وأن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتني أن أجيرهم فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه؟ فقال الناس: نعم، فلما بلغ أبا جندل وأصحابه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي العاص وأصحابه الذين كانوا عنده من الأسرى ردَّ إليهم كل شيء أخذ منهم حتى العقال1، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وأبي بصير يأمرهم أن يقدموا عليه، ويأمر من معهما ممن اتبعهما من المسلمين أن يرجعوا إلى بلادهم وأهليهم، ولا يعترضوا لأحد مر بهم من قريش وغيرها، فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم زعموا على أبي جندل وأبي بصير، وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يقرؤه2، فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجداً3، وقدم أبو جندل على رسول

_ 1 العقال: الحبل الذي يعقل به البعير، وإنما يضرب المثل في مثل هذا بالأقل. النهاية 3/ 280. 2 في زاد المعاد لابن القيم 3/ 283، فمات وهو على صدره. 3 قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " ... لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" أخرجه البخاري في الصحيح مع الفتح 6/ 465 رقم (3453، 3454) ، ومسلم 1/ 376- 377 رقم (530، 531) ، ومصنف عبد الرزاق رقم (1588، 9754) ومسند أحمد 3/ 374 رقم [1884] أرناؤوط. ولكن ربما أن النهي لم يعلم به أبو جندل رضي الله عنه، والرواية مرسلة، وهذه من الألفاظ المنكرة فيها.

الله صلى الله عليه وسلم معه ناس من أصحابه ورجع سائرهم إلى أهليهم، وأمنت عيرات قريش، ولم يزل أبو جندل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد ما أدرك من المشاهد بعد ذلك وشهد الفتح ورجع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل معه بالمدينة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم سهيل بن عمرو المدينة أول خلافة عمر بن الخطاب، فمكث بالمدينة شهراً ثم خرج مجاهداً إلى الشام بأهله وماله، هو والحارث بن هشام1، فاصطحبا جميعاً، وخرج أبو جندل مع أبيه سهيل إلى الشام فلم يزالا مجاهدين بالشام حتى ماتا جميعاً، مات الحارث بن هشام فلم يبق من ولده إلا عبد الرحمن بن الحارث2 فتزوج

_ 1 هو: الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو عبد الرحمن القرشي المخزومي أخو أبي جهل وابن عم خالد بن الوليد، شهد بدراً وأحداً مع المشركين حتى أسلم يوم فتح مكة ثم حسن إسلامه، خرج من مكة بأهله وماله زمن عمر إلى الشام فلم يزل مجاهداً حتى ختم الله له بخير، فاستشهد يوم اليرموك، وقال الواقدي: "مات في طاعون عَمَواس". الإصابة 1/ 293- 294. 2 هو: عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم القرشي المخزومي يكنى أبا محمد، قيل: كان ابن عشر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حكى ذلك عن مصعب وهو وَهْمٌ بل كان صغيراً، وخرج أبوه بعد النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الجهاد بالشام فمات أبوه في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، وتزوج عمر أمه فنشأ في حجر عمر، كان ممن ندبه عثمان لكتابة المصاحف. قال ابن سعد: "كان من أشراف قريش"، وقال ابن حبان: "مات سنة ثلاث وأربعين". الإصابة 3/ 66.

عبد الرحمن فاختة بنت عتبة1، فولدت له أبا بكر بن عبد الرحمن2 وأكابر ولده، فهذا حديث أبي جندل وأبي بصير رضي الله عنهما".

_ 1 هي: فاختة بنت عتبة بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس، ولم يكن بقي من ولد سهيل بن عمرو غيرها، فسماهما عمر بن الخطاب (الشريدين) وقال: "زوجوا الشريد الشريدة لعل الله أن ينشر منهما خيراً، فتزوج عبد الرحمن فاختة، نسب قريش لمصعب الزبيري" 303. 2 هو: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي المدني، قيل: اسمه محمد، وقيل: المغيرة، وقيل: أبو بكر اسمه وكنيته أبو عبد الرحمن وقيل: اسمه كنيته. ثقة، عابد، فقيه، من الثالثة، توفي سنة 94هـ-، وقيل: غير ذلك، ع، التقريب 623.

الفصل الثاني: غزوة خيبر والأحداث التي أعقبتها

الفصل الثاني: غزوة خيبر والأحداث التي أعقبتها المبحث الأول: في سبب الغزوة. ... الفصل الثاني: المبحث الأول: في سبب الغزوة 103- قال البيهقي: وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر بن الحسن1 القاضي، قالا: حدثنا أبو العباس2 محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد3 بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس4 بن بكير عن محمد بن إسحاق، قال: حدثنا الزهري عن عروة عن مروان بن الحكم، والمسور بن مخرمة أنهما حدثاه جميعاً قالا: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فنزلت عليه سورة الفتح فيما بين مكة والمدينة، فأعطاه الله عزوجل فيها خيبر5

_ 1 ثقة تقدم في الرواية رقم (84) . 2 ثقة تقدم في الرواية رقم (84) . 3 أحمد بن عبد الجبار بن محمد العطاردي، أبو عمر الكوفي، ضعيف، وسماعه للسيرة صحيح، من العاشرة، لم يثبت أن أبا داود أخرج له، مات سنة اثنتين وسبعين وله خمس وتسعون سنة، د. التقريب 81، تقدمت ترجمته في الرواية رقم (20) . 4 يونس، تقدمت ترجمته في الرواية (20) . 5 خيبر - بمعجمة وتحتانية وموحّدة - بوزن جعفر، وسميت: خيبر/ بخيبر بن قانية وهو أول من نزلها. معجم ما استعجم للبكري 2/523،وفتح الباري 7/464، وهي تبعد عن المدينة من جهة الشمال قرابة (165) كيلاً بالطريق المعبد. معجم المعالم الجغرافية 118.

{وَعَدَكُمُ اللهُ مغَانِمَ كَثِيرةً تَأخذونَها فَعَجَّلَ لكم هذه} خيبر، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في ذي الحجة، فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم1، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرَّجِيْع2 - وادٍ بين خيبر وغطفان - فتخوف أن تمدهم غطفان، فبات به حتى أصبح فغدا إليهم3.

_ 1 وهو الصواب، وسيأتي من خالفه في ذكر الشهر في المبحث الثاني. 2 الرّجيع: بفتح الراء وكسر الجيم وآخره عين مهملة، مكان قرب خيبر، ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر نزل بوادٍ يقال له: الرجيع، فنزل بينهم وبين غطفان ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وهو غير الرجيع، الذي غدرت فيه عضل والقارّة بسرية عاصم بن ثابت وأصحابه. معجم البلدان 3/29. 3 دلائل النبوة 4/197.

المبحث الثاني: في تاريخ الغزوة.

المبحث الثاني: في تاريخ الغزوة 104- أخرج البيهقي في الدلائل من حديث محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب: هذا ذكر مغازي النبي صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها، فذكرهن، وقال في جملتهنّ: ثم قاتل يوم خيبر من سنة ست1

_ 1 دلائل النبوة للبيهقي 4/195، وممن قال بأنها سنة ست الإمام مالك كما في تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/230، وتاريخ دمشق لابن عساكر 1/33، وزاد المعاد 3/ 316، وممن قال بذلك أيضاً ابن حزم الظاهري، جوامع السيرة 167، وسيأتي التوجيه في ذلك. وحددّ ابن شهاب الشهر فذكر أن خيبر كانت في المحرم، انظر: دلائل البيهقي 4/197. وكذلك قال ابن إسحاق إلا أنه قال في السنة السابعة. ابن هشام 2/328. وممن قال بأنها في السنة السابعة أيضاً: الواقدي كما في المغازي 2/634، إلا أنه قال: كانت في شهر صفر أو ربيع الأول، وابن سعد كما في الطبقات 2/106، إلا أنه قال بأنها كانت في شهر جمادى الأولى وذكر البلاذري في أنساب الأشراف قسم السيرة، أنها كانت في صفر سنة سبع، قال: ويقال: في جمادى الأولى، ويقال: في شهر ربيع الأول. أنساب الأشراف 1/ 352 رقم (737) . قال ابن القيم في الزاد (3/ 316) : "والجمهور على أنها في السابعة، ولعل الخلاف مبني على أول التاريخ، هل هو شهر ربيع الأول شهر مقدمه المدينة، أو من المحرم في أول السنة؟ وللناس في هذا طريقان: فالجمهور على أن التاريخ وقع من المحرم، وأبو محمد ابن حزم يرى أنه من شهر ربيع الأول حين قدم. اهـ. وذكر نحو هذا التوفيق الحافظ ابن حجر في الفتح 7/ 464. ورجح قول ابن إسحاق. انظر: الفتح 7/ 464. وقد ذكر ابن سعد في موضع آخر أنها كانت في رمضان لثمان عشرة خلت منه، الطبقات 2/ 108، وكذلك ابن أبي شيبة في المصنف 14/ 463، حديث رقم (18726) ، وهذا غريب مع أن إسناد الحديث حسن كما ذكر ذلك ابن حجر في الفتح 4/ 465. فقد قال رحمه الله: "الحديث إسناده حسن، إلا أنه خطأ ولعلها كانت إلى حنين فتصحفت، وتوجيهه: بأن غزوة حنين كانت ناشئة عن غزوة الفتح، وغزوة الفتح خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها في رمضان جزماً". الفتح 7/ 465.

لمبحث الثالث: في فتح خيبر على يد علي رضي الله عنه وقتله مرحبا اليهودي.

المبحث الثالث: في فتح خيبر على يد علي رضي الله عنه وقتله مرحباً اليهودي 105- أخرج معمر في جامعه عن الزهري عن ابن المسيب: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: "لأدفعنَّ الراية إلى رجل يحب الله ورسوله - أو يحبه الله ورسوله" فدفعها إلى عليّ وإنه لأرمد ما يبصر موضع قدميه، فبصق في عينيه، وكان الفتح"1.

_ 1 جامع معمر المطبوع مع مصنف عبد الرزاق 11/ 228 رقم (20395) ومن طريق معمر أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 12/ 70 رقم (12147) . وفتح خيبر على يد علي رضي الله عنه ثابت في البخاري من غير طريق الزهري (صحيح البخاري مع الفتح 7/ 476 رقم (4209، 4210) من حديث سلمة بن الأكوع وسهل بن سعد، ومسلم رقم (2405و 2407) . ومسند أحمد 14/ 540 رقم [8990] أرناؤوط، والحاكم في المستدرك 3/ 37، ودلائل البيهقي 4/ 214- 215، عن الزهري مرسلاً وستأتي إن شاء الله.

106- أخرج سعيد بن منصور1 في سننه قال: نا إسماعيل بن عياش2 عن إسماعيل بن رافع3 عن الزهري قال: بارز علي رضي الله عنه رجلاً من اليهود يقال له مرحب فقتله وأخذ سلبه4. 107- وأخرج البيهقي من طريق محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم خيبر فوعظ الناس، فلما

_ 1 هو: سعيد بن منصور بن شعبة، أبو عثمان الخراساني، نزيل مكة، ثقة مصنف وكان لا يرجع عما في كتابه لشدة وثوقه به، مات سنة سبع وعشرين، وقيل بعدها، من العاشرة، ع، التقريب 241، رقم (2399) . 2 إسماعيل بن عياش بن سُليم العنسي، بالنون، أبو عتبة الحمصي، صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم، من الثامنة، توفي سنة إحدى - أو اثنتين - وثمانين، وله بضع وسبعون سنة، ي، التقريب 109، وهو هنا يروي عن إسماعيل ابن رافع، مدني بصري. 3 إسماعيل بن رافع بن عويمر الأنصاري المدني، نزيل البصرة، يكنى أبا رافع، ضعيف الحفظ، من السابعة، مات في حدود الخمسين، البخاري ت ق، التقريب 107 رقم (442) . 4 سنن سعيد بن منصور 2/ 261 رقم (2699) وسنده ضعيف، لكن يشهد لذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه - من غير طريق الزهري - من حديث سلمة بن الأكوع أن الذي قتل مرحباً هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 12/ 185- 186.

فرغ من موعظته، دعا علي بن أبي طالب وهو أرمد1 فبصق في عينيه ودعا له بالشفاء، ثم أعطاه الراية واتبعه المسلمون واتبعتهم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ووطنوا2 أنفسهم على الصبر، فلما أن دنا المسلمون من باب الحصن خرجت إليه اليهود بعاديتها3 فقتل صاحب عادية اليهود، فانقطعوا وقتل محمد بن مسلمة أخو بني عبد الأشهل مرحباًً اليهودي، لفظ حديث محمد ابن فليح4.

_ 1 الرمد: وجع العين وانتفاخها، لسان العرب. مادة (رمد) . 2 توطين النفس: تمهيدها، وطّن نفسه على الشيء وله فتوطنت، حملها عليه فتحملت وذلت له، لسان العرب، مادة (وطن) . 3 فخرجت عاديتهم: أي الذين يعدون على أرجلهم. النهاية 3/ 194. 4 دلائل النبوة للبيهقي 4/ 214- 215، وهو مرسل، وقد وصله ابن إسحاق من غير طريق الزهري فقال: فحدثني عبد الله بن سهل، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وذكر خروج مرحب وطلبه للمبارزة، وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ... من لهذا؟ " قال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله". ثم ذكر قصة قتله، ابن هشام 2/ 333، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه أحمد 23/ 338 رقم [15134] أرناؤوط. والحاكم في المستدرك 3/ 436، وإسناده حسن، فإن ابن إسحاق قد صرح فيه بالتحديث. وقال الحاكم في المستدرك (3/ 437) : "إن الأخبار متواترة بأسانيد كثيرة أن قاتل مرحب هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه". قال النووي: "هذا هو الأصح أن علياً هو قاتل مرحب، وقيل: إن قاتل مرحب هو محمد بن مسلمة، قال ابن عبد البر في كتابه الدرر في مختصر السير: قال محمد بن إسحاق إن محمد بن مسلمة هو قاتله، قال: وقال غيره: إنما كان قاتله علياً، قال ابن عبد البر: هذا هو الصحيح عندنا، قال ابن الأثير: الصحيح الذي عليه أكثر أهل الحديث وأهل السير أن علياً هو قاتله، والله أعلم" شرح النووي على مسلم 12/ 186. وقال الحافظ ابن حجر: "وقيل محمد بن مسلمة كان بارزه فقطع رجليه فأجهز عليه علي". فتح الباري (7/ 478) . وقد ذكر الواقدي: أن محمد بن مسلمة قطع ساقي مرحب، فقال مرحب: أجهز علي يا محمد. قال محمد: "ذق الموت كما ذاقه أخي محمود وجاوزه، فمر به علي فضرب عنقه، وأخذ سلبه". مغازي الواقدي 2/ 656. قلت: وبذلك يجمع بين الروايتين. وقيل: إن الذي قتله هو الحارث أخو مرحب فاشتبه على بعض الرواة، فإن لم يكن كذلك وإلا فما في الصحيح مقدم

المبحث الرابع: في استشهاد عامر بن الأكوع.

المبحث الرابع: في استشهاد عامر بن الأكوع 108- قال الإمام مسلم1: وحدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن "ونسبه غير ابن وهب فقال: ابن عبد الله بن كعب بن مالك) 2: أن سلمة بن الأكوع قال: لماض

_ 1 صحيح مسلم بشرح النووي 12/ 169. 2 قال النووي: "هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم وهو صحيح، وهو من فضائل مسلم ودقيق نظره وحسن خبرته وعظيم إتقانه، وسبب هذا: أن أبا داود والنسائي وغيرهما من الأئمة رووا هذا الحديث بهذا الإسناد وعن ابن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن وعبد الله بن كعب بن مالك عن سلمة قال أبو داود: "قال أحمد بن صالح: الصواب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، وأحمد بن صالح هذا هو شيخ أبي داود في هذا الحديث وغيره وهو رواية عن ابن وهب. قال الحافظ: والوهم في هذا من ابن وهب فجعل عبد الله بن كعب راوياً عن سلمة وجعل عبد الرحمن راوياً عن عبد الله وليس هو كذلك، بل عبد الرحمن يرويه عن سلمة وإنما عبد الله والده فذكره في نسبه، لأن له رواية في هذا الحديث، فاحتاط مسلم رضي الله عنه فلم يذكر في روايته عبد الرحمن وعبد الله كما رواه ابن وهب بل اقتصر على عبد الرحمن ولم ينسبه لأن ابن وهب لم ينسبه، وأراد مسلم تعريفه فقال: قال غير ابن وهب، وحذف مسلم ذكر عبد الله من رواية ابن وهب وهذا جائز. اهـ. شرح النووي على مسلم 12/ 170- 171.

كان يوم خيبر قاتَل أخي1 قتالاً شديداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارتدّ عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وشكوا فيه: رجلٌ مات في سلاحه، وشكوا في بعض أمره. قال سلمة: فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، فقلت: يا رسول الله، ائذن لي أن أرجز لك2، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر بن الخطاب: أعلم ما تقول. قال: فقلت: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا

_ 1اسمه: عامر بن الأكوع رضي الله عنه، كما في البخاري رقم (4196) ومسلم بشرح النووي 12/ 165. 2 الرجز: بحر من بحور الشعر، فهو كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشعر. النهاية 2/ 199.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقت". وأنزلنْ سكينةً علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا ......................... ... والمشركون قد بغوا علينا قال: فلما قضيت رجزي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال هذا؟ " قلت: قاله أخي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحمه الله". قال: فقلت: يا رسول الله، إن ناساً ليهابون الصلاة عليه، يقولون: رجلٌ مات بسلاحه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مات جاهداً مجاهداً"1. قال ابن شهاب: ثم سألت ابناً لسلمة بن الأكوع، فحدثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال حين قلت: "إن ناساً يهابون الصلاة عليه"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبوا، مات جاهداً مجاهداً، فله أجره مرتين "، وأشار بإصبعيه2.

_ 1 قوله: مات جاهداً مجاهداً: هو - بكسر الهاء وتنوين الدال - مُجاهداً - بضم الميم وتنوين الدال أيضاً - وفسروا الجاهد بالجاد في عمله أي أنه لجاد في طاعة الله، والمجاهد هو المجاهد في سبيل الله وهو الغازي. النووي على صحيح مسلم 12/ 168- 169. 2 وأخرجه أبو داود من طريق الزهري في الجهاد: باب في الرجل يموت بسلاحه رقم (2538) ، والنسائي 6/ 30- 32، وأحمد في المسند 27/ 29- 30 رقم [16503] أرناؤوط، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 7/ 470 رقم 3196) ، والطبراني في الكبير 7/ 7 رقم (6225، و 6227، و6230) ، والبخاري في التاريخ الكبير 5/ 312 مختصراً، وابن الأثير في أسد الغابة 3/ 125. وأخرج نحوه البخاري من غير طريق الزهري رقم (4196) ، ومسلم بشرح النووي 12/ 167- 169.

المبحث الخامس: في موقف بني فزارة من أهل خيبر.

المبحث الخامس: في موقف بني فزارة من أهل خيبر 109- أخرج البيهقي من حديث محمد بن فليح قال: حدثنا موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: كانت بنو فزارة1 ممن قدم على أهل خيبر ليعينوهم، فراسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يعينوهم، وسألهم أن يخرجوا عنهم ولكم من خيبر كذا وكذا2، فأبوا عليه، فلما فتح الله عليه خيبر أتاه من كان من بني فزارة، فقالوا: حظنا والذي وعدتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حظكم) أو قال: (لكم ذو الرُّقَيبة) 3 جبل من جبال خيبر، فقالوا: إذاً نقاتلك. فقال: "موعدكم جَنَفَا"4.

_ 1 بنو فزارة: بطن من غطفان، وفزارة هو ابن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان ابن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار معد بن عدنان، جمهرة أنساب العرب. لابن حزم 255. 2 في مغازي الواقدي (2/ 650) : أن ارجع بمن معك ولك نصف تمر خيبر هذه السنة. 3 ذو الرقيبة: تصغير الرقبة، جبل مطل على خيبر، معجم البلدان 3/ 60، والمعالم الأثيرة 129. 4 موعدكم (جنفا) : - بفتح الجيم والنون والمد -، وفي رواية - بضم الجيم -، وهو موضع في صقع خيبر ولا يزال معروفاً في الضغن، منحدر الحرة، حرة خيبر وفدك شرقاً، المعالم الأثيرة 92- 93.

فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا هاربين1.

_ 1 دلائل النبوة 4/ 248- 249 وهي رواية مرسلة. وقد ذكر الواقدي في المغازي (2/650- 651) هذه الرواية مطولاً بدون إسناد وفي سياقه بعض الاختلاف. أما ابن إسحاق فقد أشار إلى مظاهرة غطفان ليهود خيبر ولكن بسياق آخر فقد قال: فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه حتى إذا ساروا مرحلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حساً، ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم، فأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخلوا بين رسول الله وبين خيبر. ابن هشام 2/ 330.

المبحث السادس: في قصة الرجل الذي قتل نفسه.

المبحث السادس: في قصة الرجل الذي قتل نفسه. 110- قال البخاري1: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: شهدنا خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن كان معه يدّعي الإسلام: "هذا من أهل النار". فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال، حتى كثرت به الجراح، فكاد بعض الناس يرتاب، فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته، فاستخرج منها أسهماً، فنحر بها نفسه، فاشتد رجالٌ من المسلمين فقالوا: يا رسول الله، صدق الله حديثك، انتحر فلانٌ فقتل نفسه، فقال: "قم يا فلان، فأذّن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر". تابعه معمر عن الزهري.

_ 1 البخاري مع الفتح (7/ 471 رقم (4103) ، وقد روى البخاري نحو هذه الرواية من غير طريق الزهري، ولم يسم فيها الغزوة، وقد أخرجها مسلم ٌ من طريق الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، وذكر أن الغزوة حنين، انظر: صحيح مسلم رقم (111) ، وأخرجها أيضاً من غير طريق الزهري رقم (112) ولكنه لم يسم الغزوة. وأخرجها أحمد في المسند 13/ 453 رقم [8090] و28/ 453 رقم [17218] أرناؤوط من طريق الزهري، وسمى الغزوة (خيبر) ، ورواها ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 88) من غير طريق الزهري بإسناد منقطع، وذكر أن الغزوة أحد، وأن الرجل اسمه قُزمان، ووافق ابنَ إسحاق في ذلك الواقدي في المغازي (1/ 263) وقد يحمل ذلك على تعدد القصة، كما ذكر الباكري في (مرويات غزوة أحد) ص 249. والله أعلم.

المبحث السابع: في اصطفاء الرسول صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي رضي الله عنها وزواجه بها.

المبحث السابع: في اصطفاء الرسول صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي رضي الله عنها وزواجه بها 111- قال الطبراني: حدثنا القاسم1 بن عبد الله بن مهدي الأخميمي المصري، ثنا عمي محمد بن مهدي2، ثنا عنبسة بن خالد3، ثنا يونس، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف4، عن أبيه قال: سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب5 من بني النضير، وكانت مما أفاء الله عليه6.

_ 1 تقدمت ترجمته في الرواية رقم [74] ، وهو ضعيف واتهم بالوضع. 2 تقدمت ترجمته في الرواية رقم [74] ، وهو ضعيف واتهم بالوضع. 3 هو: عنبسة بن خالد بن يزيد الأموي مولاهم، الأيلي، بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة، صدوق، من التاسعة، توفي سنة ثمان وتسعين ومائة، خ د، التقريب 432. 4 هو: أسعد بن سهل بن حُني ف بضم المهملة، الأنصاري أبو أمامة، معروف بكنيته، معدود في الصحابة، له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، توفي سنة مائة، وله اثنتان وتسعون، ع، التقريب 104، والإصابة 1/ 97- 98. 5 هي: أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب بن سعنة بن ثعلبة بن عبيد بن كعب ابن أبي خبيب من بني النضير، وهم من سبط لاوى بن يعقوب ثم من ذرية هارون ابن عمران أخي موسى عليهما السلام، كانت تحت سلام بن مشكم ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق، فقتل كنانة يوم خيبر فصارت صفية في السبي، فأخذها دحية، ثم استعادها النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها. الإصابة 4/ 347. 6 المعجم الكبير 24/ 66 رقم (174) قال الهيثمي في المجمع (9/ 246) وفيه القاسم بن عبد الله بن مهدي وهو ضعيف وقد وثق.

112- وقال ابن أبي عاصم: حدثنا حسين بن حسن بن حرب1، نا حجاج2 بن أبي منيع، عن جده3، عن الزهري، قال: سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها من بني النضير يوم خيبر وهي عروس بكنانة4 بن أبي الحقيق5. 113- وقال أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة6، حدثنا ابن عيينة، عن

_ 1 هو الحسين بن الحسن بن حرب السلمي أبو عبد الله المروزي، نزيل مكة، صدوق من العاشرة، توفي سنة ست وأربعين، ت ق، التقريب 166 رقم (1315) . 2 تقدمت ترجمته في الرواية رقم [35] ، وهوثقة. 3 تقدمت ترجمته في الرواية رقم [35] ، وهو صدوق. 4 كانت قد تزوجت قبله بسلام بن مشكم، كما ذكر ابن حجر، الإصابة 4/ 347 5 الآحاد والمثاني 5/ 440 رقم (3110) ، وسنده حسن إلى الزهري، لكنه مرسل، وقد أخرجه الطبراني في الكبير 24/ 66 رقم (173) من طريق الحجاج بن أبي منيع قال: حدثني جدي عبيد الله بن زياد عن الزهري فذكره. وقصة سبي صفية ثابتة من غير طريق الزهري فقد أخرجها البخاري في مواضع عدة من صحيحه منها: الصحيح مع الفتح 1/ 479- 480 رقم (371) و7/ 478- 479 رقم (4211) ، ومسلم بشرح النووي 9/ 218- 224، كلاهما من حديث أنس رضي الله عنه، وأخرجها أيضاً سعيد بن منصور في سننه رقم (2676) وأبو داود في سننه رقم (2995) وغيرهم. 6 هو: زهير بن حرب بن شداد، أبو خيثمة النسائي، نزيل بغداد، ثقة، ثبت، روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث، من العاشرة، توفي سنة أربع وثلاثين، وهو ابن أربع وسبعين، خ م د س، التقريب 217.

الزهري، عن أنس1: أن النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ على صفية - أراه قال: بتمر وسويق -2.

_ 1 هو: أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار أبو حمزة الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد المكثرين عنه، خرج إلى بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام يخدمه، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ثماني غزوات، مات بالبصرة سنة تسعين وقيل: إحدى وتسعين، وقيل: سنة اثنتين وتسعين، وقيل: سنة ثلاث، وهو ابن مائة سنة وقيل: ابن مائة وثلاث سنين. وقيل: ابن مائة وسبع. الإصابة 1/ 71- 72. 2 مسند أبي يعلى 6/ 259، رقم (3559) . وهو حديث صحيح.

المبحث الثامن: في محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالسم.

المبحث الثامن: في محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالسم. ... المبحث الثامن: في محاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم بالسمّ. 114- قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا العباس بن محمد1، قال: حدثنا سعيد بن سليمان2 قال: حدثنا عباد هو ابن العوام3، عن سفيان يعني ابن حسين4، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن5 عن أبي هريرة: "أن امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاةً مسمومةً، فقال لأصحابه: "أمسكوا؛ فإنها مسمومة"، فقال: "ما حملكِ على ما صنعتِ؟ " قالت: أردت أعلم إن كنت نبياً فسيطلعك الله عليه، وإن كنت

_ 1 هو: العباس بن محمد بن حاتم الدوري أبو الفضل البغدادي خوارزمي الأصل، ثقة حافظ من الحادية عشرة، توفي سنة 71، وقد بلغ ثمانين سنة، ع، التقريب 249. 2 هو سعيد بن سليمان الضبي أبو عثمان الواسطي نزيل بغداد، البزار، لقبه سعدويه، ثقة حافظ من كبار العاشرة، توفي سنة خمس وعشرين وله نحو من سبعين، ع، التقريب 237. 3 عباد بن العوام بن عمر الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي، ثقة من الثامنة، توفي سنة خمس وثمانين أو بعدها وله نحو من سبعين، ع، التقريب 290. 4 هو: سفيان بن حسين، ثقة في غير الزهري، وقد تقدم في الرواية رقم [20] . 5 أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، ثقة مكثر، من الثالثة، توفي سنة أربع وتسعين، أو أربع ومائة، وكان مولده سنة بضع وعشرين، ع، التقريب 645.

كاذباً أريح الناس منك، قال: فما عرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم"1. 115- عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك2: "أن امرأةً يهوديةً3 أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم شاةً مصليَّةً4 بخيبر، فقال: "ما هذه؟ " قالت: هدية، وحَذِرت أن تقول: هي من الصدقة فلا يأكل، قال: فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأكل أصحابه، ثم أمسكوا، فقال للمرأة:

_ 1 دلائل البيهقي 4/ 259- 260، وسيأتي ما يقويه من روايات أخرى. 2 عند ابن سعد في الطبقات (2/ 201) عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وستأتي إن شاء الله، وعند أبي داود في السنن في رواية أخرى عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك رقم (4514) . 3 اسمها: زينب بنت الحارث أخي مرحب، وهي امرأة سلام بن مشكم، ذكر ذلك ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 337) وابن سعد في الطبقات الكبرى 2/ 201. أما النووي فقد قال: اسمها زينب بنت الحارث أخت مرحب اليهودي، روينا تسميتها هذه في مغازي موسى بن عقبة ودلائل النبوة للبيهقي، شرح النووي على مسلم 14/ 179. والذي في الدلائل (5/ 231) من طريق محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن اسمها: زينب بنت الحارث اليهودية وهي: ابنة أخي مرحب، ولم ينسبها، فالصواب أنها ابنة أخي مرحب، وليست أخته. والله أعلم. 4 مَصْلِيَّة: أي: مشوية، ويقال: صليت اللحم - بالتخفيف - أي شويته، فهو مصلي. النهاية 3/50.

"هل سممت هذه الشاة"؟ قالت: من أخبرك؟ قال: "هذا العظم - لساقها وهي في يده –". قالت: نعم. قال: (لِمَ؟) . قالت: أردت إن كنت كاذباً أن يستريح منك الناس، وإن كنت نبياً لم يضرك. قال: فاحتجم1 النبي صلى الله عليه وسلم على الكاهل2، وأمر أصحابه فاحتجموا فمات بعضهم"3.

_ 1 الاحتجام: مص الدم الفاسد من جسم الإنسان بعد الفصاد، والمحجم - بالكسر - الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المص، والمحجم أيضاً مشرط الحجامة. النهاية 1/ 347. 2 الكاهل: مقدم أعلى الظهر. النهاية 4/ 214. 3 لم تذكر الروايات إلا بشر بن البراء بن معرور رضي الله عنه. انظر: ابن هشام 2/ 338، والطبقات لابن سعد 2/ 202، ودلائل البيهقي 4/ 262، والسنن 8/ 46، والنووي في شرحه على مسلم 14/ 179.

قال الزهري: "فأسلمت1، فتركها2 النبي صلى الله عليه وسلم"3. قال معمر: وأما الناس فيقولون: قتلها النبي صلى الله عليه وسلم4.

_ 1 ذكرها ابن حجر في الإصابة 4/ 314، ولعله بناءً على رواية الزهري: انظر: المصدر السابق، وقال رحمه الله: ولم ينفرد الزهري بدعواه أنها أسلمت، فقد جزم بذلك سليمان التيمي في مغازيه، ولفظه بعد قولها: وإن كُنْتَ كاذباً أرحت الناس منك. وقد استبان لي الآن أنك صادق، وأنا أُشهد من حضر أني على دينك، وأن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، قال: فانصرف عنها حين أسلمت. الفتح 7/ 497 - 498. 2 اختلف العلماء هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فقد روى مسلم من حديث أنس أنهم قالوا: "ألا نقتلها؟ قال: لا". صحيح مسلم بشرح النووي 14/ 178، وكذلك عند أبي داود رقم (4510) من مرسل الزهري عن جابر، والبيهقي في السنن الكبرى 8/ 46، والدلائل 4/ 259. وروى أبو داود من حديث أبي هريرة وفيه: " ... فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت" السنن رقم (4512) ، وكذلك عند الحاكم في المستدرك 3/ 219- 220. وورد أنه دفعها إلى أولياء بشر بن البراء فقتلوها، الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 202. الجمع بين ذلك: قال النووي: "قال القاضي عياض: وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها أولاً حيت اطلع على سمها، وقيل له: اقتلها، فقال: لا، فلما مات بشر بن البراء من ذلك، سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصاً، فيصح قولهم: لم يقتلها أي في الحال، ويصح قولهم: قتلها أي بعد ذلك والله أعلم". اهـ. النووي على شرح مسلم 14/ 179. 3 مصنف عبد الرزاق 11/ 28 رقم (19814) . وسنده صحيح. 4 ومن طريق معمر أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 260- 261، وهو مرسل ويحتمل أن يكون عبد الرحمن حمله عن جابر. دلائل النبوة 4/ 262.

116- وأخرج البيهقي من طريق محمد بن فليح قال: حدثنا موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وقتل من قتل منهم، أهدت زينب بنت الحارث اليهودية وهي ابنة أخي مرحب لصفية شاةً مصليةً، وسمّتها، وأكثرت في الكتف والذراع لأنه بلغها أنه أحبّ أعضاء الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول الله على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة، فقدمت إليهم الشاة المصلية، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف وانتهش1 منها، وتناول بشر بن البراء عظماً فانتهش منه، فلما استرط2 رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ارفعوا أيديكم؛ فإن كتف هذه يخبرني أن قد بُغِيتُ3 فيها "، فقال بشر بن البراء: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلتُ، فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك4 طعامك، فلما أسغتَ ما في فيك لم أكن أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون

_ 1 أي أخذ بأطراف الأسنان. القاموس 785 مادة (نهش) . 2 سرط: أي ابتلعه. القاموس 864 مادة (سرط) . 3 في البداية والنهاية 4/ 210: نُعِيتُ فيها، أي أخبره بالموت الذي فيها. انظر: القاموس (نعى) . 4 يقال: أنغص الله عليه العيش: كَدَّره. القاموس (نغص) .

استرطتها وفيها بغي، فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه مثل الطيلسان1، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلى ما حول"2. 117- وقال الدارمي: أخبرنا الحكم بن نافع3، أنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: ثم كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاةً مصليَّةً، ثم أهدتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلممنها الذراع فأكل منها، وأكل الرهط من أصحابه معه، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "ارفعوا أيديكم"، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فدعاها فقال لها: "أسممتِ الشاة"؟ فقالت: نعم، ومن أخبرك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخبرتني هذه في يدي؛ الذراع4، فقالت: نعم، قال: "فماذا أردت إلى ذلك؟ "، قالت: قلت إن كان نبياً فلن يضره، وإن

_ 1 الطيلسان: ضربٌ من الأكسية الملونة. لسان العرب (طلس) . 2 دلائل النبوة 4/ 263- 264، وهذا الحديث مرسل، وسيأتي ما يشهد له إن شاء الله. 3 الحكم بن نافع البهراني: - بفتح الموحدة - أبو اليمان الحمصي، مشهور بكنيته، ثقة ثبت، يقال إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة، من العاشرة، توفي سنة اثنتين وعشرين، ع، التقريب 176، رقم (1464) . 4 في رواية عبد الرزاق المتقدمة: قالت: من أخبرك؟ قال: هذا العظم - لساقها وهي في يده - المصنف 11/ 28.

لم يكن نبياً استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة، حجمه أبو هندٍ1 مولى بني بياضة بالقرن والشفرة2، وهو من بني ثمامة، وهم حيٌّ من الأنصار"3.

_ 1 أبو هند: قيل: اسمه عبد الله، وقال ابن منده: يقال: اسمه: يسار، ويقال: سالم، وهو مولى فروة بن عمرو البياضي من الأنصار، تخلف عن بدر، وشهد المشاهد بعدها. الإصابة 4/ 211. 2 القرن والشفرة: أما القرن قيل: هو قرن ثور جُعِل كالمحجمة. النهاية 4/ 54. وأما الشفرة: فهي السكين العريضة. النهاية 2/ 484. وهما آلتان تستخدمان للحجامة. 3 سنن الدارمي 1/ 46 رقم (68) . وأخرجه أبو داود في السنن رقم (4510) من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب، ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في الدلائل 4/ 261- 262. وهو مرسل، لأن الزهري لم يسمع من جابر شيئاً، كما قال الخطابي في معالم السنن 4/ 658. وقال المنذري: هذا الحديث منقطع، الزهري لم يسمع من جابر بن عبد الله، عون المعبود 12/ 231. وقصة الشاة المسمومة قد وردت من غير طريق الزهري، فقد أخرجها البخاري في صحيحه رقم (3169) من حديث أبي هريرة، ومسلم في صحيحه مع شرح النووي 14/ 175 من حديث أنس بن مالك، وأبو داود رقم (4512) من حديث أبي هريرة، والدارمي في السنن 1/ 47 رقم (69) من حديث أبي هريرة أيضاً.

118- وقد أخرج ابن سعد 1 عن جمع من الرواة ومنهم الزهري زاد بعضهم على بعض، قالوا: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر واطمأن، جعلت زينب بنت الحارث أخي مرحب، وهي امرأة سلام بن مِشْكم، تسأل: أي الشاة أحبّ إلى محمد؟ فيقولون: الذراع، فعمدت إلى عنز لها فذبحتها، وصلتها، ثم عمدت إلى سُمٍّ لا يُطْني2، وقد شاورت يهود في سموم، فأجمعوا لها على هذا السمّ بعينه، فسمّت الشاة وأكثرت في الذراعين، والكتف، فلما غابت الشمس وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب بالناس، انصرف وهي جالسة عند رجليه، فسأل عنها فقالت: يا أبا القاسم هدية أهديتها لك، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت منها، فوضعت بين يديه، وأصحابه حضور، أو من حضر منهم، وفيهم بشر بن البراء بن معرور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادنوا فتعشوا"، وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فانتهش منها، وتناول بشر بن البراء عظماً آخر فنهش منه، فلما ازدرد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته ازدرد بشر بن البراء ما في فيه، وأكل القوم منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 1 الطبقات الكبرى لابن سعد 2/ 201- 203، وهي رواية ضعيفة لعدم معرفة رواة الزهري من بين أولئك الجمع من الشيوخ. 2 لا يطني: أي لا يسلم عليه أحد، يقال: رماه الله بأفعى لا تُطْني، أي لا يفلت لديغها. النهاية 3/ 141.

"ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع - وقال بعضهم فإن كتف الشاة - تخبرني أنها مسمومة". فقال بشر: والذي أكرمك لقد وجدت ذلك من أكلتي التي أكلت حين التقمتها، فما منعني أن ألفظها إلا أني كرهت أن أبغض إليك طعامك. فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون ازدردتها وفيها بغي، فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان، وماطله وجعه سنة لا يتحول إلا ما حول، ثم مات، وقال بعضهم: فلم يَرُمْ بشر من مكانه حتى توفي، قال: وطرح منها لكلب فأكل فلم يتبع يده حتى مات، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت الحارث فقال: "ما حملك على ما صنعت؟ ". فقالت: نلت من قومي ما نلت، قتلت أبي وعمي وزوجي، فقلت: إن كان نبياً فستخبره الذراع، وقال بعضهم: وإن كان ملكاً استرحنا منه، ورجعت اليهودية كما كانت، قال: فدفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ولاة بشر بن البراء فقتلوها - وهو الثبت - واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فاحتجموا أوساط رؤوسهم، وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ثلاث سنين، حتى كان وجعه الذي قبض فيه جعل يقول في مرضه: "ما زلت أجد من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر عداداً حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري"، وهو عرق في الظهر، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً صلوات الله عليه ورحمته وبركاته ورضوانه.

المبحث التاسع: في أثر ذلك السم على النبي صلى الله عليه وسلم.

المبحث التاسع: في أثر ذلك السمّ على النبي صلى الله عليه وسلم. 119- عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، أن أم مبشر1 قالت للنبي صلى الله عليه وسلم في المرض الذي مات فيه: ما تتهم بنفسك يا رسول الله؛ فإني لا أتهم بابني إلا الشاة المشوية التي أكل معك بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا لا أتهم إلا ذلك بنفسي، هذا أوان انقطاع أَبْهُرِي"2 يعني عرق الوريد3.

_ 1 اسمها: خُليسة بنت قيس بن ثابت بن خالد الأشجعية من نبني دهمان، كانت زوج البراء بن معرور، وبايعت ولها رواية، وهي أم بشر بن البراء بن معرور، قاله ابن سعد 4/ 285- 286. 2 الأَبْهُر: عرق في الظهر، يقال: هو الوريد في العنق، وهو متصل بالقلب، فإذا انقطع مات صاحبه. انظر: اللسان، مادة (بهر) . 3 مصنف عبد الرزاق 11/ 29 رقم (1981) ، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أبو داود في سننه رقم (4153) . قال الألباني: "صحيح الإسناد"، صحيح سنن أبي داود 3/ 855 رقم (3785) . ومن طريق معمر أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 219، وقال: هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص. وأخرجه البخاري معلقاً فقال: وقال بونس عن الزهري قال عروة قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة، ما زال ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم". صحيح البخاري مع الفتح 8/ 131 رقم (4428) . قال الحافظ: "وهذا قد وصله البزار والحاكم والإسماعيلي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بهذا الإسناد". الفتح 8/ 130. وأخرجه الدارمي من غير طريق الزهري، سنن الدارمي 1/ 46 رقم (67) .

المبحث العاشر: في فتح خيبر هل كان صلحا أم عنوة.

المبحث العاشر: في فتح خيبر هل كان صلحاً أم عنوة. ... المبحث العاشر: في فتح خيبر هل كان عنوةً أم صلحاً؟ 120- قال ابن إسحاق 1: فأخبرني ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوةً2 بعد القتال، وكانت خيبر مما أفاء الله عزوجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسها وقسمها بين المسلمين3، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها وتكون ثمارها بيننا وبينكم، وأُقركم ما أَقركم الله، فقبلوا، فكانوا على ذلك يعملونها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة4، فيقسم ثمرها، ويعدل

_ 1 ابن هشام 2/ 356- 357. 2 عنوة: أي قهراً، وفتحت هذه البلدة عنوة: أي فتحت بالقتال، اللسان مادة (عنا) . وقد وردت روايات عن الزهري تذكر أن بعضها فتح عنوة، وبعضها صلحاً، وستأتي إن شاء الله تعالى. 3 سيأتي أن غنائم خيبر كانت لأهل الحديبية. 4 خرص عليهم عبد الله بن رواحة عاماً واحداً، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله، فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء أخو بني سلمة هو الذي يخرص عليهم بعد عبد الله بن رواحة. ابن هشام 2/ 354.

عليهم في الخرص، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أقرها أبو بكر رصي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي. ثم أقرهم عمر رصي الله عنه صدراً من إمارته، ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي قبضه الله فيه: "لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان"1، ففحص عمر ذلك حتى بلغه الثبت، فأرسل إلى يهود فقال: إن الله عزوجل قد أذن في جلائكم، قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان". فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليأتني به أُنفده له2، ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليتجهز للجلاء.

_ 1 أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الجامع، باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة، حديث رقم (18) عن ابن شهاب مرسلاً، وعبد الرزاق في المصنف 4/ 126 رقم (7208) و6/ 54 رقم (9987) و10/ 357 رقم (9359) عنه عن الزهري عن ابن المسيب مرسلاً، والبلاذري في فتوح البلدان 41. وأخرج البخاري في باب إخراج اليهود من الجزيرة رقم (3167) من حديث أبي هريرة نحوه، وأخرج أيضاً من حديث ابن عباس رقم (3168) بلفظ: " ... أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ... ) ، وحديث ابن عباس أخرجه مسلم أيضاً رقم (1637) . 2 أنفذه له: أي أمضيه له. النهاية 5/91.

فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم. 121- وقال أبو داود: حدثنا ابن السرح1، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال2 122- قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس3، ثنا

_ 1 ابن السرح: أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح - بمهملات-، أبو الطاهر المصري، ثقة، من العاشرة، توفي سنة خمسين، م د س ق، النقريب 83. 2 السنن 3/ 161 رقم (3018) ومن طريق يونس عن الزهري أخرجه أبو عبيد في الأموال، رقم (141) ، ومن طريق أبي عبيد أخرجه ابن زنجويه في الأموال أيضاً 1/ 188 رقم (218) ، والبلاذري في الفتوح ص 41 كلهم عن الزهري مرسلاً. ويشهد لقول الزهري أن خيبر افتتحت عنوة ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أنس في مواضع عدة، منها رقم (371) وفيه: " ... فلما دخل القرية قال: "الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين"، قالها ثلاثاً، قال: وخرج القوم إلى أعمالهم، فقالوا: محمد - قال عبد العزيز وقال بعض أصحابنا - والخميس - يعني الجيش - قال: فأصبناها عنوة ... " أ. هـ. ومسلم رقم (1635) ، وأبو داود رقم (3009) ، والنسائي في النكاح باب البناء في السفر 6/ 132- 133. 3 ثقة حافظ جليل، تقدم في الرواية رقم [42] .

عبد الله بن محمد1، عن جويرية2، عن مالك3، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة ً4. 123- قال أبو داود: وقرئ على الحارث بن مسكين5 وأنا شاهد: أخبركم ابن وهب، قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب: أن خيبر كان بعضها عنوةً، وبعضها صلحاً، والكتيبة أكثرها عنوةً، وفيها صلحٌ،

_ 1 هو: عبد الله بن محمد بن أسماء، أبو عبيد الضُبَعي؛ بضم المعجمة وفتح الموحدة، أبو عبد الرحمن البصري، ثقة جليل، من العاشرة، مات سنة إحدى وثلاثين، خ م د س، التقريب 320. 2 جويرية: تصغير جارية، ابن أسماء بن عبيد الضُبَعي - بضم المعجمة وفتح الموحدة - البصري، صدوق، من السابعة، مات سنة ثلاث وسبعين، خ م د س ق، التقريب 143 رقم (988) . 3 هو: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي، أبو عبد الله، المدني الفقيه، إمام دار الهجرة، رأس المتقنين، وكبير المتثبتين، حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر، من السابعة، توفي سنة تسع وسبعين، وكان مولده سنة ثلاث وتسعين. وقال الواقدي: بلغ تسعين سنة، ع، التقريب 516. 4 السنن 3/ 161، كتاب الخراج والفيء رقم (3017) وهو مرسل قوي. 5 هو: الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف، مولى بني أمية، أبو عمرو البصري، قاضيها، ثقة فقيه، من العاشرة، توفي سنة خمسين، وله ست وتسعون سنة، د س، التقريب 148.

قلت لمالك: وما الكتيبة؟ قال: أرض خيبر؛ وهي أربعون ألف عَذْق1. 124- وقال أبو داود: حدثنا حسين بن علي العجلي2، ثنا يحيى ابن آدم3، ثنا ابن أبي زائدة4، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري وعبد

_ 1 المصدر السابق: 3/ 161. ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في السنن 6/ 316 و9/ 138. والعذق: - بالفتح - النخلة، وبالكسر: العرجون بما فيه من الشماريخ. النهاية 3/ 199. 2 هو: حسين بن علي بن الأسود العجلي، أبو عبد الله الكوفي نزيل بغداد، صدوق يخطئ كثيراً، لم يثبت أن أبا داود روى عنه، من الحادية عشرة، ت، التقريب 167 رقم (1331) . ولعل مستند الحافظ ابن حجر على قوله: لم يثبت أن أبا داود روى عن حسين العجلي، هو قول الآجري: "سمعت أبا داود يقول: حسين بن الأسود الكوفي [العجلي] لا ألتفت إلى حكايته أراها أوهاماً ... " قال الحافظ معقباً على كلام الآجري: "وهذا مما يدل على أن أبا داود لم يرو عنه، فإنه لا يروي إلا عن ثقة عنده ... " التهذيب 2/ 344، وانظر: تهذيب الكمال 6/ 393، حاشية رقم (5) . 3 هو: يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، أبو زكريا، مولى بني أمية، ثقة حافظ فاضل، من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث ومائتين، ع، التقريب 587. 4 هو: زكريا بن أبي زائدة: خالد، ويقال: هبيرة بن ميمون بن فيروز الهمداني الوادعي، أبو يحيى الكوفي، ثقة وكان يدلس وسماعه من أبي إسحاق بأخرة، من السادسة، توفي سنة - سبع أو ثمان أو تسع - وأربعين، ع، التقريب 216 رقم (222) .

الله بن أبي بكر 1 وبعض ولد2 محمد بن مسلمة قالوا: بقيت بقيةٌ من أهل خيبر تحصنوا، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسيّرهم، ففعل. فسمع بذلك أهل فدك3 فنزلوا على مثل ذلك، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصةً، لأنه لم يوجف4 عليها بخيل ولا ركاب5.

_ 1 هو: عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، القاضي، ثقة، من الخامسة، توفي سنة خمس وثلاثين وهو ابن سبعين سنة، ع، التقريب 297. 2 لعله محمود بن محمد بن مسلمة، لأن المزي ذكر ترجمة محمد بن مسلمة أن ممن روى عنه ابنه محمود بن محمد بن مسلمة، انظر: تهذيب الكمال 26/ 457 رقم الترجمة (5610) ، ولم أجد له ترجمة. 3 فدك: قرية شرقي خيبر، تعرف اليوم باسم (الحائط) ، معجم المعالم الجغرافية 235 4 الإيجاف: سرعة السير. النهاية 5/ 157. 5 السنن 3/ 161، كتاب الخراج والإمارة والفيء رقم (3016) وأخرجه البلاذري في فتوح البلدان 43، والبيهقي في السنن 6/ 317. والرواية المتقدمة التي أخرجها أبو داود عن ابن المسيب وهذه الرواية تدلان على أن خيبر فتح بعضها عنوة وبعضها صلحاً، وبالرغم من ضعفهما إلا أنه قد ثبت ما يشهد لهما من غير طريق الزهري، فقد أخرج أبو داود من حديث ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل والأرض، وألجأهم إلى قصرهم، فصالحوه على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلْقة ولهم ما حملت ركابهم ... " الحديث أخرجه أبو داود رقم (3006) . وما أخرجه من حديث سهل بن أبي خيثمة قال: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين نصفاً لنوائبه وحاجته، ونصفاً بين المسلمين ... ) الحديث أخرجه أبو داود

_ (3010) ، وما أخرجه من حديث بشير بن يسار أنه سمع نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: فذكر هذا الحديث. قال: فكان النصف سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعزل النصف للمسلمين لما ينوبه من الأمور والنوائب، انظر: السنن رقم (3011) . وقد حكم الألباني على هذه الروايات بالصحة، انظر: صحيح سنن أبي داود رقم (2597) ورقم (2601) ورقم (2602) على التوالي. فمن خلال ما تقدم نلحظ أن الروايات التي تذكر أن خيبر فتحت عنوة أقوى من من الروايات الأخرى التي ذكرت أن بعضها فتح عنوة وبعضها فتح صلحاً. ولكن يظهر أن الخلاف في ذلك قديم، فقد قال البيهقي بعد أن ذكر حديث بُشير بن يسار المتقدم: قلت: وهذا لأن بعض خيبر فتح عنوةً وبعضها فتح صلحاً، فقسم ما فتح عنوة بين أهل الخمس والغانمين، وعزل ما فتح صلحاً لنوائبه وما يحتاج إليه في مصالح المسلمين، والله أعلم. أ. هـ. دلائل البيهقي4/236. وقال النووي عند شرحه لحديث أنس الذي يفيد أن خيبر فتحت عنوة، قال: قال المازري: ظاهر هذاأن خيبر فتحت عنوة، وقد روى مالك عن ابن شهاب أن بعضها فتح عنوة وبعضها صلحاً، قال: وقد يشكل ما رُوي في سنن أبي داود أنه قسمها نصفين؛ نصفاً لنوائبه وحاجاته ونصفاً للمسلمين. قال: وجوابه ما قال بعضهم: إنه كان حولها ضياع وقرى، أجلى عنها أهلها، فكانت خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم وما سواها للغانمين، فكان قدر الذي خلوا عنه النصف، فلهذا قسم القسمين. أ.هـ. النووي على شرح مسلم 12/ 164- 165. وأما ابن عبد البر فقد اضطرب كلامه في كتابيه (الدرر) و (التمهيد) إلا أن يكون قد رجع عن أحد القولين فيحتاج حينئذ لمعرفة الكتاب المتأخر، هل هو الدرر أم التمهيد؟

_ فقد قال في الدرر (235-236) : هذا هو الصحيح في أرض خيبر أنها كانت عنوة كلها مغلوباً عليها. وقال: وأما من قال: إن خيبر كان بعضها صلحاً وبعضها عنوة، فقد وهم وغلط، وإنما دخلت عليهم الشبهة بالحصنين اللذين أسلما أهلهما في حقن دمائهم، فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظن أن ذلك لصلح، ولعمري إن ذلك في الرجال والنساء والذرية، كضرب من الصلح، ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال، فكان حكم أرضها حكم سائر أرض خيبر كلها عنوة غنيمة مقسومة بين أهلها. المصدر السابق. وقال: وربما شبِّه على من قال: إن نصف خيبر صلح ونصفها عنوة بحديث يحيى ابن سعيد، عن بشير بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر نصفين، نصفاً له ونصفاً للمسلمين. المصدر السابق. ثم قال: والحق: فالحق في هذا ما قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى بن عقبة وغيره عن ابن شهاب ا. هـ. وأما ما ذكره في التمهيد فيختلف تماماً عما ذكره هنا قال رحمه الله: أجمع العلماء من أهل الفقه والأثر وجماعة أهل السير على أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحاً وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمها فما كان منها صلحاً أو أخذ بغير قتال كالذي جلا عنه أهله عمل في ذلك كله بسنة الفيء، وما كان منها عنوة عمل فيه بسنة الغنائم إلا أن ما فتح الله عليه منها عنوة، قسمه بين أهل الحديبية، وبين من شهد الوقعة، وقد رويت في فتح خيبر آثار كثيرة ظاهرها مختلف، وليس باختلاف عند العلماء على ما ذكرت لك. التمهيد 6/ 446. ثم ذكر الأحاديث الدالة على أن خيبر فتحت عنوة والتي دلت على أن بعضها فتح صلحاً ثم قال: فهذا كله يدل على أن ما كان منها مأخوذاً بالغلبة قسم على أهل الحديبية ومن شهدها وخمس، وما كان منها مما انجلى عنه أهله وأسلموه بلا قتال، حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الفيء، واستخلص منه لنفسه كما فعل بفدك، فقف على هذا وتدبر الآثار تجدها على ذلك إن شاء الله. التمهيد 6/ 449.

المبحث الحادي عشر: في تقسيم غنائم خيبر على أهل الحديبية.

المبحث الحادي عشر: في تقسيم غنائم خيبر على أهل الحديبية. 125- عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: لما انصرف1 رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المدينة فغزا خيبر من الحديبية2، فأنزل الله عليه: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} إلى قوله: {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} 3، فلما فتحت خيبر جعلها لمن غزا معه الحديبية، وبايع تحت الشجرة، ممن كان غائباً وشاهداً من أجل أن الله كان وعدهم إياها، وخمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ثم قسم سائرها مغانم بين من شهدها من المسلمين ومن غاب4 عنها من أهل الحديبية5.

_ 1 أي: من الحديبية. 2 الصواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة من الحديبية فأقام بها حتى سار إلى خيبر في المحرم، انظر: ابن هشام 2/ 320، ودلائل النبوة للبيهقي 4/ 197، وزاد المعاد 3/ 317، والبداية والنهاية 4/ 181. ويحتمل أن يكون المراد: أنه نوى غزو خيبر من الحديبية. 3 الآية من سورة الفتح رقم (20) . 4 ذكر ابن إسحاق أن خيبر قسمت على أهل الحديبية، من شهد خيبر ومن غاب عنها، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، ابن هشام 2/ 349 5 مصنف عبد الرزاق 5/ 372 رقم (9738) بسند صحيح إلى الزهري لكنه مرسل.

126- وقال ابن شبة: حدثنا عثمان1 بن عمر قال: حدثنا موسى2، عن الزهري، قال: بلغني أن الخمس كان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل مغنم غنمه المسلمون شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يقسم لغائبٍ من مغنمٍ إلا يوم خيبر؛ قسم لغيّب الحديبية من أجل أنه كان أعطى خيبر المسلمين من أهل الحديبية؛ قال الله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللهُ مغَانِمَ كثيرةً تأخذونها فعجّلَ لَكُمْ هَذِهِ} فكانت لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب، ولم يشهدها من الناس معهم غيرهم3. 127- وقال أبو داود: حدثنا ابن السرح4، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: "خمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ثم قسم سائرها على من شهدها ومن غاب عنها من أهل الحديبية"5.

_ 1 عثمان بن عمر بن فارس العبدي، بصري، أصله من بخارى، ثقة، قيل: كان يحيى ابن سعيد لا يرضاه، من التاسعة، مات سنة تسع ومائتين، ع، التقريب 385. 2 موسى بن عقبة، ثقة، تقدم. 3 تاريخ المدينة 1/ 183. بسند صحيح إلى الزهري، لكنه مرسل. 4 أحمد بن عمرو بن عبد الله بن سرح، ثقة تقدم في الرواية رقم [118] . 5 سنن أبي داود 3/ 161، كتاب الخراج والإمارة والفيء رقم (3019) وقد حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 586 رقم (2608) .

المبحث الثاني عشر: في غزوة وادي القرى.

المبحث الثاني عشر: في غزوة وادي القرى 128- أخرج البيهقي1 من طريق الواقدي2 قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز3، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى4، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي5 قد وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبداً أسود

_ 1 دلائل النبوة 4/ 280- 281. والواقدي متروك، فالرواية ضعيفة. 2 الذي في مغازي الواقدي 2/ 709- 711 قوله: وكان أبو هريرة يحدث قال: (خرجنا ... ) فساقه بتمامه. 3 هو: عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان بن حنيف الأنصاري الأوسي أبو محمد المدني الأُمامي بالضم، صدوق يخطئ، من الثامنة، مات سنة اثنتين وستين وهو ابن بضع وسبعين، م، التقريب 345. 4 وادي القرى: واد بين المدينة والشام، وهو بين تيماء وخيبر فيه قرى كثيرة، ويعرف اليوم بوادي العلا، وهي مدينة عامرة شمال المدينة على قرابة (350) كيلاً، معجم البلدان 4/ 338، ومعجم المعالم الجغرافية 250. 5 رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي، قال ابن إسحاق: "قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية قبل خيبر فأسلم وحسن إسلامه، وأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم غلاماً". الإصابة 1/ 518.

يقال له مِدْعَم1، وكان يرحل2 لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أن نزلنا بوادي القرى انتهينا إلى يهود وقد ثوى3 إليها ناسٌ من العرب، فبينما مدعم يحطّ رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استقبلنا يهود بالرمي حيث نزلنا، ولم نكن على تعبئة، وهم يصيحون في آطامهم، فيقبل سهم عائر4 أصاب مدعماً فقتله، فقال الناس: هنيئاً له الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلا والذي نفسي بيده إن الشملة5 التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم يصبها المقسم لتشتعل عليه ناراً". فلما سمع بذلك الناس جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراكٍ6 أو

_ 1 هو: مدعم الأسود، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مولَّداً، أهداه رفاعة بن زيد الجذامي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أصابه سهم عائر فقتله. وقال البلاذري:" يقال: إنه يكنى أبا إسلام، ويقال: إن أبا إسلام غيره، قال: ويقال: إنما أهداه فروة بن عمر الجذامي، الإصابة 3/ 394، ومِدْعَم: - بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة –"، الفتح (7/ 489) . 2 الرحل: مركب البعير، وارتحله حط عليه الرحل، القاموس، مادة (رحل) . والمعنى: أنه يشد الرحل على البعير إذا ارتحل وينزعه إذا ثوى. 3 وقد ثوى: المثوى المنزل، من ثوى بالمكان إذا أقام فيه. النهاية 1/ 230. 4 عائر: - بعين مهملة بوزن فاعل -، أي لا يُدرى من رمى به. الفتح 7/ 489. 5 الشملة: كساء يتغطى به ويتلفف فيه. النهاية 2/ 501. 6 الشراك: - بكسر المعجمة وتخفيف الراء -: سير النعل على ظهر القدم. الفتح 7/ 489.

شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "شراك من نار أو شراكان من نار"1. وعبّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال، وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد ابن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام، وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا2 أموالهم، وحقنوا3 دماءهم، وحسابهم على الله. فبرز رجلٌ منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه عليّ فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه أبو دجانة فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم رجلٌ دعا من بقي إلى الإسلام، ولقد كانت الصلاة تحضر يومئذٍ، فيصلي بأصحابه ثم يعود فيدعوهم إلى الله ورسوله. فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم، فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا بأيديهم، وفتحها عنوةً، وغنمه الله أموالهم، وأصابوا أثاثاً ومتاعاً كثيراً، فأقام رسول

_ 1 إلى هنا أخرجه البخاري (البخاري مع الفتح 7/ 487 رقم (4234) ومسلم رقم (115) ، وابن إسحاق (ابن هشام 2/ 38) ، ومالك (الموطأ 1/ 459 رقم 25) ، وأبو داود رقم (2711) ، والنسائي (7/ 24) وابن حبان رقم (4851) ، والبيهقي في السنن (9/ 100) ، والبغوي في شرح السنة رقم (2822) ، وفي معالم التنزيل (1/ 367) كلهم من حديث أبي هريرة من غير طريق الزهري، وبألفاظ فيها اختلاف يسير، والمعنى واحد. 2 أحرزوا يقال: أحرزت الشيء أحرزه إحرازاً: إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ. النهاية 2/ 366. 3 حقنوا دماءهم: يقال: حقنت له دمه إذا منعت من قتله وإراقته. النهاية 2/ 416.

الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام، وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى، وترك الأرض والنخل بأيدي يهود، وعاملهم عليها، فلما بلغ يهود تيماء1 ما وطئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فَدَك2 ووادي القرى، صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية، وأقاموا بأيديهم وبأموالهم. فلما كان عمر بن الخطاب أخرج يهود خيبر وفدك، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى؛ لأنهما داخلتان في أرض الشام، ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز3، وأن ما وراء ذلك من الشام. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً بعد أن فرغ من وادي القرى وغنمه الله4.

_ 1 تيماء: مدينة تقع شمال المدينة على بعد (420) كيلاً. المعالم الأثيرة 74. 2 فدك: - بالتحريك وآخره كاف - معجم البلدان 4/ 238، وهي اليوم قرية شرقي خيبر على وادٍ يذهب سَيله مشرقاً إلى وادي الرُّمة، تعرف اليوم بالحائط. معجم المعالم الجغرافية ص 235. 3 الحجاز: مكة والمدينة والطائف ومخاليفها، لأنها حجزت بين نجد وتهامة أو بين نجد والسراة أو لأنها احتجزت بالحرار الخمس: حرة بني سليم، وواقم وليلى، وشوران، والنار. القاموس، مادة (حجز) . 4 ونقله الذهبي في تاريخ الإسلام، قسم المغازي 441، عن الواقدي قال: حديث عبد الرحمن بن عبد العزيز عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره. ونقله ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 218.

المبحث الثالث عشر: في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من خيبر ونومهم عن صلاة الصبح.

المبحث الثالث عشر: في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من خيبر ونومهم عن صلاة الصبح 129- قال الإمام مسلم: حدثني حرملة بن يحيى التُّجِيبي، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر1، سار ليله حتى إذا أدركه الكرى2 عرّس3، وقال لبلال: "اكلأْ لنا الليل"4، فصلى بلال ما قدِّر له، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما تقارب الفجر، استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر5، فغلبت بلالاً عيناه وهو مستندٌ إلى راحلته، فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلال، ولا أحدٌ من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظاً، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أي بلال"، فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ - بأبي أنت وأمي

_ 1 سيأتي أن ذلك قد وقع في غزوات أخرى. 2 أدركه الكرى: أي النوم. النهاية 4/ 170. 3 التعريس: نزول المسافر آخر الليل، نزلة للنوم والاستراحة. النهاية 3/ 206. 4 الكلاءة: الحفظ والحراسة. النهاية 4/ 194. 5 مواجه الفجر: أي مستقبله بوجهه. شرح النووي على مسلم 5/ 182.

يا رسول الله - بنفسك، قال: "اقتادوا"1 فاقتادوا رواحلهم شيئاً، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: "من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله قال: {َأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} 2".

_ 1 اقتادوا: أي جروا رواحلكم خلفكم. النهاية 4/ 119. 2 الآية من سورة طه رقم (14) . والحديث أخرجه أيضاً أبو داود رقم (435) في الصلاة: باب من نام عن الصلاة أو نسيها. ومن طريقه أخرجه أبو عوانة 2/ 253، والبيهقي في السنن 1/ 403 و2/ 217، وفي الدلائل 4/ 272. وأخرجه ابن حبان في صحيحه 5/ 422 رقم (2069) ، وأخرجه ابن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلاً، ابن هشام 2/ 340، وأخرجه مالك في الموطأ 1/ 13، كتاب وقوت الصلاة، باب النوم عن الصلاة عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلاً، ومن طريقه أخرجه الشافعي في المسند 1/ 55 رقم (162) . وقد وردت روايات أخرى من غير طريق الزهري أن ذلك كان زمن الحديبية، انظر: سنن أبي داود رقم (447) ، ومسند أحمد 6/ 170، رقم [3657] أرناؤوط، وابن أبي شيبة 2/ 64، والطبري في تفسيره 26/ 69، والبيهقي في الدلائل 4/ 274- 275. وورد أيضاً أن ذلك كان في غزوة تبوك، انظر: مغازي الواقدي 3/ 1015، عن عقبة بن عامر، ودلائل البيهقي 4/ 275. ويمكن الجمع بين الروايات بالقول بتعدد القصة، انظر: شرح النووي على مسلم 5/ 181- 182، وفتح الباري 1/ 449، وانظر: مرويات غزوة الحديبية للحكمي ص 243 وما بعدها.

قال يونس: وكان ابن شهاب يقرؤها: "للذكرى"1.

_ 1 صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 181.

المبحث الرابع عشر: في سرية أبان بن سعيد بن العاص إلى نجد.

المبحث الرابع عشر: في سرية أبان بن سعيد بن العاص إلى نجد. ... المبحث الرابع عشر: سرية أبان بن سعيد بن العاص إلى نجد 130- أخرج سعيد بن منصور قال: ثنا ابن عياش1، عن محمد ابن الوليد الزُّبيدي2، عن الزهري أن عنبسة بن سعيد3 أخبره أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص4 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث5 أبان بن سعيد بن العاص6 على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان بن سعيد

_ 1 هو: إسماعيل بن عياش، تقدم في الرواية رقم [105] ص 473. 2 هو: محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي - بالزاي الموحدة، مصغر - أبو الهذيل الحمصي، القاضي، ثقة ثبت، من كبار أصحاب الزهري، من السابعة، ت سنة ست - أو سبع أو تسع - وأربعين، خ م د س ق، التقريب 511. 3 هو: عنبسة بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، أخو عمر الأشدق، ثقة، من الثالثة، وكان عند الحجاج بالكوفة، مات على رأس المائة تقريباً، خ م د، التقريب 432. 4 هو: سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، قتل أبوه ببدر، وكان لسعيد عند موت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وذكر في الصحابة، وُلِّي إمرة الكوفة لعثمان، وإمرة المدينة لمعاوية، ت سنة ثمان وخمسين وقيل غير ذلك، بخ م مد س فق، التقريب 237. 5 لم تذكر المصادر زمناً معيناً لهذه السرية، لكنه يفهم من النص أن هذه السرية كانت في الزمن الذي حصلت فيه غزوة خيبر في المحرم من السنة السابعة (انظر: تاريخ غزوة خيبر من هذه الرسالة) ، كما أن المصادر لم تحدد الجهة التي ذهبت إليها هذه السرية على وجه الدقة، ولا ذكرت نتائجها أو عدد رجالها. 6 هو: أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي ... قال البخاري وأبو حاتم الرازي: له صحبة ... أسلم أيام خيبر وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، قتل يوم أجنادين سنة ثلاث عشرة. الإصابة (1/ 13) .

وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها، وإنَّ حُزُم1 خيلهم لَلِيف2، فقال أبان: اقسم لنا يا رسول الله، قال أبو هريرة: فقلت: لا تقسم لهم يا رسول الله، فقال أبان: أنت بها يا وَبْرُ3 تَحَدَّرَ4 علينا من رأسِ ضال5. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجلس يا أبان، ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم"6.

_ 1 حُزُم: - بمهملة وزاي مضمومتين -، فتح الباري 7/ 492 هو ما يشد به وسط الفرس، القاموس (حزم) . 2 الليف: ليف النخل معروف، القطعة منه ليفة. القاموس (ليف) . 3 الْوَبْرُ: بفتح الواو وسكون الموحدة؛ دابة صغيرة كالسنور وحشية. الفتح 7/ 492. 4 تَحَدَّر: أي تدلى وتدأدأ - بمهملتين بينهما همزة ساكنة - الفتح 7/ 492. 5 الضال: هو السدر البري، الفتح 7/ 492، ووقع في رواية البخاري رقم (4237) (واعجباً لوبرٍ تدلى من قدوم ضأن) قال الحافظ: "وأما الضأن، فقيل: هو رأس الجبل؛ لأنه في الغالب موضع مرعى الغنم، وقيل: هو بغير همز، وهو جبل لدوس قوم أبي هريرة. الفتح 7/ 492. وأراد أبان من ذلك تحقير أبي هريرة، وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع. وأنه قليل القدرة على القتال. الفتح 7/ 492. 6 سنن سعيد بن منصور 2/ 285- 286 رقم (2793) . ومن طريق سعيد بن منصور أخرجه أبو داود في سننه رقم (2723) وابن الجارود (1088) والبيهقي في السنن 6/ 334، وفي معرفة السنن والآثار 13/ 163 رقم (7776) ، وأخرجه أبو داود الطيالسي (2591) عن أبي عتبة عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري، وأخرجه من طريق إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري، ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (534) والطبراني في الأوسط رقم (3242) والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 244، وابن الأثير في أسد الغابة 1/ 47، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين رقم (273) من طريق الوليد بن مسلم قال: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: سمعت ابن شهاب الزهري يخبر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ... فذكره، ومن طريق الوليد بن مسلم أخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان رقم: 4814) . وقد أخرجه البخاري تعليقاً عن الزبيدي فقال: "ويذكر عن الزبيدي عن الزهري ... فذكره". قال الحافظ ابن حجر: " ... وطريقه هذه وصلها أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عنه، ووصلها أيضاً أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل أيضاً. فتح الباري 7/ 491. وقد قال الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 520 رقم (2364) : "صحيح". وأخرج هذه الرواية البلاذري في أنساب الأشراف 1/ 352، من طريق الزهري، وفيها أن الذي بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم هو سعيد بن العاص، وليس أبان بن سعيد، والصحيح الأول.

_ في السنن 6/ 334، وفي معرفة السنن والآثار 13/ 163 رقم (7776) ، وأخرجه أبو داود الطيالسي (2591) عن أبي عتبة عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري، وأخرجه من طريق إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري، ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (534) والطبراني في الأوسط رقم (3242) والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 244، وابن الأثير في أسد الغابة 1/ 47، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين رقم (273) من طريق الوليد بن مسلم قال: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: سمعت ابن شهاب الزهري يخبر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ... فذكره، ومن طريق الوليد بن مسلم أخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان رقم: 4814) . وقد أخرجه البخاري تعليقاً عن الزبيدي فقال: "ويذكر عن الزبيدي عن الزهري ... فذكره". قال الحافظ ابن حجر: " ... وطريقه هذه وصلها أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عنه، ووصلها أيضاً أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل أيضاً. فتح الباري 7/ 491. وقد قال الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 520 رقم (2364) : "صحيح". وأخرج هذه الرواية البلاذري في أنساب الأشراف 1/ 352، من طريق الزهري، وفيها أن الذي بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم هو سعيد بن العاص، وليس أبان بن سعيد، والصحيح الأول.

المبحث الخامس عشر: في عمرة القضاء.

المبحث الخامس عشر: في عمرة القضاء1 131- قال أبو يعلى: حدثنا أبو بكر بن زنجويه2، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة آخذ بِغَرْزِه وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمن في تنزيله

_ 1 قال الحافظ: "اختلف في سبب تسميتها عمرة القضاء، فقيل المراد ما وقع من المقاضاة بين المسلمين والمشركين من الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية، وقال آخرون: بل كان قضاء عن العمرة الأولى"، وقال السهيلي: "سميت عمرة القضاء لأنه قاضى فيها قريشاً، لا لأنها قضاء عن العمرة التي صُدَّ عنها؛ لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها، بل كانت عمرة تامةً. ولهذا عدوا عُمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أربعاً". فتح الباري 7/500. وقد عدها العلماء من المغازي ووجه ما ذكره الحافظ ابن حجر حيث قال: "ووجهوا كونها غزوة بأن موسى بن عقبة ذكر في المغازي عن ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم خرج مستعداً بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر فبلغهم ذلك ففزعوا، فلقيه مكرز فأخبره بأنه باق على شرطه". الفتح 7/ 499- 500. ثم قال الحافظ: "ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة"، المصدر السابق. وقال ابن الأثير: "أدخل البخاري عمرة القضاء في المغازي لكونها كانت مُسَبّبة عن غزوة الحديبية"، المصدر السابق. 2 هو: محمد بن عبد الملك بن زنجويه البغدادي أبو بكر الغزَّال، ثقة، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين، ع، التقريب 494.

................................. ... بأن خير القتل في سبيله1 132- قال البيهقي2: وأخبرنا أبو الحسين3 بن الفضل القطان،

_ 1 مسند أبي يعلى (6/ 273- 274) رقم (3579) والحديث أخرجه أيضاً أبو يعلى في المعجم رقم (3579) . وقد أخرجه أبو زرعة الدمشقي رقم (1153) ، والفاكهي في أخبار مكة، رقم (1922) ، والبيهقي في السنن (10/ 228) ، وفي الدلائل (4/ 322) ، وشرح السنة للبغوي (12/ 375) رقم (3405) كلهم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس به، وسنده صحيح. وقد أخرجه الترمذي رقم (2847) من طريق جعفر بن سليمان، ثم قال: قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقد روى عبد الرزاق هذا الحديث أيضاً عن معمر عن الزهري عن أنس نحو هذا، ورُوِيَ في غير هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه، وهذا أصح عند بعض أهل الحديث، لأن عبد الله بن رواحة قتل يوم مؤتة، وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك، سنن الترمذي (5/ 139) رقم (2847) . قال الحافظ ابن حجر: "قلت: وهو ذهول شديد وغلط مردود، وما أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته، ومع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة ... وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد ... وكيف يخفى عليه - أعني الترمذي - مثل هذا؟ ثم وجدت عن بعضهم أن الذي عند الترمذي من حديث أنس أن ذلك كان في فتح مكة، فإن كان كذلك اتجه اعتراضه، لكن الموجود بخط الكروخي راوي الترمذي ما تقدم. والله أعلم". اهـ. الفتح (7/ 502) . 2 دلائل البيهقي 4/ 314. 3 سبق التعريف برجال إسناد هذه الرواية في الرواية رقم [50] .

قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة1 عن ابن شهاب - قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام القابل من عام الحديبية معتمراً في ذي القعدة سنة سبع وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام حتى إذا بلغ يَأْجَجْ2 وضع الأداة كلها؛ الحُجُف3 والمجان4 والرماح والنبل ودخلوا بسلاح الراكب؛ السيوف، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن حزن العامرية5

_ 1 سبق التعريف برجال إسناد هذه الرواية في الرواية رقم [50] . 2 يَأْجَجْ: - بتحتية، فهمزة ساكنة، فجيمين، الأولى مفتوحة، وقد تكسر - وهو وادٍ قريب من مكة. سبل الهدى والرشاد 5/ 198. 3 الحجفة: الترس. النهاية 1/345. 4 المجن والمجان: وهو الترس أيضاً والتّرسة والميم زائدة، لأنه من الجُنَّة. النهاية 4/ 301. 5 هي: ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهرم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، أم المؤمنين، أخت أم الفضل - لبابة - كان اسمها برة، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي رهم بن عبد العزى العامري، وقيل: عند سخبرة بن أبي رهم المذكور، وقيل: عند حويطب بن عبد العزى، وقيل: عند فروة أخيه، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة سبع لما اعتمر عمرة القضية. الإصابة 4/ 411.

فخطبها عليه، فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، وكانت تحته أختها أم الفضل بنت الحارث1، فزوجها العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه فقال: "اكشفوا عن المناكب، واسعوا في الطواف" ليرى المشركون جلدهم وقوتهم، وكان يكابدهم بكل ما استطاع، فاستكف2 أهل مكة الرجال والنساء والصبيان ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون بالبيت، وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحاً3 بالسيف يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله ... أنا الشهيد أنه رسوله قد أنزل الرحمن في تنزيله ... في صحف تتلى على رسوله فاليوم نضربكم على تأويله ... كما ضربناكم على تنزيله4

_ 1 هي: لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية - أم الفضل - وهي أخت ميمونة أم المؤمنين، زوج العباس بن عبد المطلب، ووالدة أولاده: الفضل وعبد الله وغيرهما، وهي لبابة الكبرى مشهورة بكنيتها، ومعروفة باسمها. الإصابة 4/ 398. 2 استكف به الناس: إذا أحدقوا به، واستكفوا حوله ينظرون إليه. النهاية 4/ 190. 3 متوشحاً بالسيف: توشح بسيفه وثوبه: تقلد. القاموس (وشح) . 4 عند ابن إسحاق: (ابن هشام 2/ 371) : نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله قال ابن هشام: "نحن قتلناكم على تأويله ... إلى آخر الأبيات، لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم، والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين، والمشركون لم يقروا بالتنزيل، وإنما يقتل بالتأويل من أقر بالتنزيل". المصدر السابق. قال الحافظ ابن حجر: "وزعم ابن هشام في مختصر السيرة أن قوله: "نحن نضربكم على تأويله" إلى آخر الشعر، من قول عمار بن ياسر قاله يوم صفين، قال: ويؤيده أن المشركين لم يقروا بالتنزيل، وإنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل، انتهى. وإذا ثبتت الرواية فلا مانع من إطلاق ذلك، فإن التقدير على رأي ابن هشام: نحن نضربكم على تأويله، أي حتى تذعنوا إلى ذلك التأويل، ويجوز أن يكون التقدير: نحن ضربناكم على تأويل ما فهمنا منه حتى تدخلوا فيما دخلنا فيه، وإذا كان ذلك محتملاً وثبتت الرواية سقط الاعتراض، نعم الرواية التي جاء فيها: "فاليوم نضربكم على تأويله" يظهر أنها قول عمار، ويبعد أن تكون قول ابن رواحة، لأنه لم يقع في عمرة القضاء ضرب ولا قتال، وصحيح الرواية: نحن ضربناكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله يشير بكل منهما إلى ما مضى، ولا مانع أن يتمثل عمار بن ياسر بهذا الرجز، ويقول هذه اللفظة، ومعنى قوله: "نحن ضربناكم على تنزيله" أي في عهد الرسول فيما مضى، وقوله: "واليوم نضربكم على تأويله" أي الآن وجاز تسكين الباء لضرورة الشعر، بل هي لغة قرئ بها في المشهور. والله أعلم". اهـ. كلام الحافظ. الفتح 7/ 501.

ضربا يزيل الهام1 عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله قال: وتغيب رجال من أشراف المشركين كراهية أن ينظروا إلى

_ 1 الهام: جمع هامة وهي أعلى الرأس. ومقيله: موضعه، مستعار من موضع القائلة. النهاية 4/ 134.

رسول الله صلى الله عليه وسلم غيظاً وحنقاً1 ونفاسة، وحسداً، خرجوا إلى الخَنْدَمَة2 فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وأقام ثلاث ليال، وكان ذلك آخر القضية يوم الحديبية، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى3 ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة، فصاح حويطب: نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث، فقال سعد بن عبادة: كذبت لا أم لك، ليس بأرضك ولا أرض آبائك، والله لا يخرج، ثم نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيلاً وحويطباً فقال: إني نكحت فيكم امرأة، فما يضركم أن أمكث حتى أدخل بها، ونصنع ونضع الطعام فنأكل وتأكلون معنا، قالوا: نناشدك الله

_ 1 الحنق: الغيظ، يقال حنق عليه - بالكسر - يحنق فهو حنق، وأحنقه غيره فهو محنق. النهاية 1/ 451. 2 الخندمة: - بفتح الخاء المعجمة، وسكون النون، وفتح الدال والميم ثم هاء - وهي: جبال مكة الشرقية، تبدأ من أبي قبيس شرقاً وشمالاً، وقد شقت اليوم أنفاق عبر جبال الخنادم تدخل من عند المسجد الحرام وتخرج عند (محبس الجن) بطرف العزيزية الغربي. معجم المعالم الجغرافية 115. 3 هو: حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل ابن عامر بن لؤي القرشي العامري أبو محمد أو أبو الأصبغ، أسلم عام الفتح وشهد حنيناً، وكان من المؤلفة ... توفي في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين. الإصابة 1/ 364.

والعقد إلا خرجت عنا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل ببطن سَرِف1، وأقام المسلمون، وخلّف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع2 ليحمل ميمونة إليه حين يمسي، فأقام بسرف حتى قدمت عليه ميمونة، وقد لقيت ميمونة ومن معها عناء وأذى من سفهاء المشركين وصبيانهم، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف، فبنى بها ثم أدلج3 فسار حتى قدم المدينة، وقدّر الله أن يكون موت ميمونة بسرف بعد ذلك بحين، فماتت حيث بنى بها، وذكر قصة ابنة حمزة4، وذكر أن الله عزوجل أنزل في تلك العمرة: {الشَّهرُ الحَرَامُ

_ 1 سَرِف: - بفتح السين وكسر الراء وفاء -: هو وادٍ متوسط الطول من أودية مكة يأخذ مياه ما حول الجعرانة - شمال شرقي مكة - ثم يتجه غرباَ، وبه مزارع منها (ثُرَير) ، فيمر على (12) كيلاً شمال مكة، وحيث يقطع الطريق هناك يوجد قبر السيدة ميمونة أم المؤمنين على جانب الوادي الأيمن. معجم المعالم الجغرافية 157. 2 أبو رافع القبطي: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال: اسمه إبراهيم، ويقال: أسلم، وقيل: سنان، وقيل: يسار، وقيل: صالح، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: قرمان، وقيل: يزيد، وقيل: ثابت، وقيل: هرمز، ... قيل: كان مولى العباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه لما بشره بإسلام العباس، كان إسلامه قبل بدر، ولم يشهدها، وشهد أحداً وما بعدها، مات بالمدينة قبل عثمان بيسير. الإصابة (4/ 67) . 3 أدلج: أي: سار بالليل. النهاية (2/ 129) . 4 اسمها: عمارة، وقيل: فاطمة، وقيل: أمامة، وقيل: أمة الله، وقيل: سلمى، والأول هو المشهور. الفتح (7/ 505) ، وانظر: قصة ابنة حمزة في صحيح البخاري حديث رقم (4251) .

بِالشَّهْرِ الحَرَامِ والحُرُمَاتُ قِصَاص} 1، فاعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام الذي صدّ فيه"2. هذا لفظ حديث موسى بن عقبة، وفي رواية عروة عند قول سعد بن عبادة: "والله لا يخرج منها، إلا طائعاً راضياً. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحك: "لا تؤذ قوماً زارونا في رحالنا"، ثم ذكر الباقي بمعناه، ولم يذكر رجز عبد الله بن رواحة ولا قول من قال فزوجها العباس. 133- وأخرج الواقدي عن جمع من الرواة ومنهم الزهري قالوا: لما دخل هلال ذي القعدة سنة سبع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وألا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية، فلم يتخلف أحد شهدها إلا رجال استشهدوا بخيبر ورجال ماتوا، وخرج مع رسول الله

_ 1 سورة البقرة، آية (194) . 2 وقد أخرج عبد الرزاق في المصنف (5/ 373، رقم 9738) عن الزهري مرسلاً القدر المتعلق بمكث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وخروجه بعد انقضائها. وأخرجه الطبراني إلى قوله: " ... غيظاً وحنقاً" انظر: المجمع (6/ 146- 147) وقال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح" وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 30) القدر الذي يتعلق بزواج ميمونة، كلهم عن الزهري مرسلاً. واعتمار النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ومكثه ثلاثة أيام وخروجه بعد ذلك، ذكره البخاري في الصحيح رقم (4251) ، ومسلم بشرح النووي (9/ 10) . وأخرجها الواقدي في المغازي (2/ 731) عن شيوخه ومنهم الزهري.

صلى الله عليه وسلم قوم من المسلمين سوى أهل الحديبية ممن لم يشهد صلح الحديبية عُمَّاراً فكان المسلمون في عمرة القضية ألفين1.

_ 1 مغازي الواقدي (2/ 731) والواقدي متروك، فالرواية ضعيفة. وقال الحاكم في الإكليل: "تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان". فتح الباري (7/ 500) .

المبحث السادس عشر: في سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم.

المبحث السادس عشر: في سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سُليم. 134- قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين1 بن الفضل القطان، قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل، قال: حدثنا جَدِّي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: "ثم غزا2 ابن أبي العوجاء3 - وفي رواية القطان - ثم غزوة ابن أبي العوجاء – السلمي في ناس بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض بني سُليم،

_ 1 تقدمت ترجمة رجال إسناد هذه الرواية في الرواية السابقة رقم [50] . 2 كانت بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من عمرة القضية في ذي الحجة سنة سبع، مغازي الواقدي، 2/ 741. 3 هو: الأخرم بن أبي العوجاء السلمي الشامي، الإصابة (1/ 25) ، قال الحافظ: روي عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الأخرم هذا في سنة سبع سرية في خمسين رجلاً إلى بني سُليم فقتل عامتهم وتوصل ابن أبي العوجاء جريحاً، ويحتمل أن يكون هو محرز بن نضلة. الإصابة (1/ 25) .

فقُتل1 هو وأصحابه"2. 135- وقال الواقدي: حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم3، عن الزهري، قال: "لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضية رجع في ذي الحجة سنة سبع بعث ابن أبي العوجاء السلمي في خمسين رجلاً إلى بني سُليم وكان عين بني سُليم معه، فلما جمعوا جمعاً كثيراً، وجاءهم ابن أبي العوجاء والقوم معدون، فلما رآهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا جمعهم دعوهم إلى الإسلام، فرشقوهم بالنبل، ولم يسمعوا قولهم، وقالوا: لا حاجة لنا إلى ما دعوتم إليه، فرموهم ساعة، وجعلت الأمداد تأتي حتى أحدقوا من كل ناحية، فقاتل القوم قتالاً شديداً حتى قُتل عامتهم، وأصيب صاحبهم ابن أبي العوجاء جريحاً مع القتلى، ثم تحامل حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا المدينة في أول يوم من صفر سنة ثمان"4. ض

_ 1 وفي رواية الواقدي في المغازي (2/ 741) ،أن ابن أبي العوجاء لم يقتل وإنما جرح ثم تحامل حتى أتى الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 612) أنه أصيب هو وأصحابه. 2 دلائل النبوة (4/ 341) وسندها حسن إلى الزهري. 3 هو: ابن أخي الزهري، صدوق له أوهام، تقدم في الرواية رقم [10] . 4 مغازي الواقدي (2/ 741) والواقدي متروك؛ فالرواية ضعيفة، ومن طريق الواقدي أخرجها ابن سعد في الطبقات (4/ 275) والبيهقي في الدلائل (4/ 341- 342) ، وابن كثير في البداية (4/ 235) ، وذكرها أيضاً ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 123) ، والطبري في التاريخ (3/ 26) ، والذهبي في المغازي (ص: 469) .

المبحث السابع عشر: في سرية كعب بن عمير الغفاري إلى قضاعة من ناحية الشام.

المبحث السابع عشر: في سرية كعب بن عمير الغفاري إلى قضاعة من ناحية الشام. 136- قال الواقدي: ثنا محمد بن عبد الله، عن الزهري قال: "بعث1 رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري2 في خمسة عشر رجلاً حتى انتهوا إلى ذات أطلاح3 من الشام، فوجدوا جمعاً من جمعهم كثيراً فدعوهم إلى الإسلام، فلم يستجيبوا لهم ورشقوهم بالنبل، فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوهم أشد القتال، حتى قُتلوا فأفلت منهم رجل4 جريح في القتلى، فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمَّ بالبعث إليهم فبلغه أنهم قد ساروا إلى موضع آخر فتركهم"5.

_ 1 ذكر ابن سعد في الطبقات (2/ 127) أنها كانت في شهر ربيع الأول سنة ثمان. 2 كعب بن عمير الغفاري ... قال أبو عمر: "من كبار الصحابة، أمَّره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية فقتل ... " الإصابة (3/ 301) . 3 ذات أطلاح: موضع من وراء وادي القرى إلى المدينة أغزاه رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري في شهر ربيع الأول سنة ثمان. المعالم الأثيرة (30) . 4 في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب وأبي الأسود عن عروة؛ كما في الإصابة (3/ 301) أن الذي تحامل على جرحه هو كعب بن عمير. 5 مغازي الواقدي (2/ 752- 753) والواقدي متروك، فالرواية ضعيفة، ومن طريق الواقدي أخرجها ابن سعد في الطبقات (2 / 127) ، والبيهقي في الدلائل (4/ 357) ، وذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام قسم المغازي (477) . وأخرجها موسى بن عقبة عن ابن شهاب وأبو الأسود عن عروة قالا: بعث النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري نحو ذات أطلاح من البلقاء، فأصيب كعب ومن معه. انظر: الإصابة (3/ 301) .

المبحث الثامن عشر: في سرية ذات السلاسل.

المبحث الثامن عشر: في سرية ذات السلاسل 137- عبد الرزاق1 عن معمر عن الزهري قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما هاجر وجاء الذين كانوا بأرض الحبشة، بعث بعثين قِبَل الشام إلى كَلْب2 وبَلْقَين3 وغَسّان4 وكفار العرب الذين في مشارف الشام، فأمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد البعثين أبا عبيدة بن الجراح5 وهو

_ 1 مصنف عبد الرزاق (5/ 452) رقم (9770) ، وهي رواية صحيح إلى الزهري، لكنها مرسلة. 2 هو: كلب بن وبَرَة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة، جمهرة أنساب العرب (352 و455) . 3 بلقين: أو بنو القين: وهو النعمان بن جَسْر بن شيع الله بن أسد بن وبَرَة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة. جمهرة أنساب العرب (454) . 4 غسان: طوائف نزلوا بماء يقال له: "غسّان"، فنسبوا إليه. جمهرة أنساب العرب (462) . وهذه الطوائف والبطون من الأزد، منهم: بنو امرئ القيس، وجُهادة، وعدي، وعمرو، والجريش، وغيرهم من البطون، انظر: جمهرة أنساب العرب (472) . 5 هو: عامر بن عبد الرحمن بن الجراح بن هلال بن أهيب، ويقال: وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي الفهري، أبو عبيدة، كان إسلامه قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، أحد العشرة السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً. الإصابة (2/ 252) .

أحد بني فهر، وأمّر على البعث الآخر عمرو بن العاص1، فانتدب في بعث أبي عبيدة أبو بكر وعمر، فلما كان عند خروج البعثين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص فقال لهما: "لا تعاصيا"2، فلما فصلا عن المدينة جاء أبو عبيدة فقال لعمرو بن العاص: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا أن لا نتعاصيا فإما أن تطيعني وإما أن أطيعك، فقال عمرو بن العاص: بل أطعني، فأطاعه أبو عبيدة، فكان عمرو أمير البعثين كليهما، فوجد من ذلك عمر بن الخطاب وجداً شديداً، فكلم أبا عبيدة فقال: أتطيع ابن النابغة3 وتؤمّره على نفسك وعلى أبي بكر وعلينا ما هذا الرأي، فقال أبو عبيدة لعمر بن الخطاب: ابن أم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليّ وإليه أن لا نتعاصيا فخشيت إن لم أطعه أن أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 1 عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي، أمير مصر، يكنى أبا عبد الله، وأبا أحمد، أسلم قبل الفتح في صفر سنة ثمان، وقيل بين الحديبية وخيبر. الإصابة 3/2. 2 العصيان: خلاف الطاعة، عصاه يعصيه عَصْياً، ومعصية، وعصاه، فهو عاص وعصي. القاموس (عصى) . 3 النابغة: أم عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهي من بني عَنَزَة - بفتح المهملة والنون - انظر: الإصابة (3/2) .

وشكى إليه ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بمؤمريها1 عليكم إلا بعدكم"، يريد المهاجرين، وكانت تلك الغزوة تسمَّى ذات السَّلاسِل2 أسر فيها ناس كثيرة من العرب، وسُبُوا3.

_ 1 هكذا في نص المصنف، ولعل الصواب: (بمؤثر بها) كما قال محقق المصنف (5/ 453 ح: 6) . 2 ذات السلاسل: - بالمهملتين، والمشهور أنها بفتح الأول على لفظ جمع السلسلة - فتح الباري (7/ 26) شرح حديث (3662) ، وسميت بذلك لأن المكان الذي كانت فيه هذه المعركة كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة. فتح الباري (7/ 26) ، وضبطها ابن الأثير - بضم السين الأولى وكسر الثانية - النهاية (2/ 389) ، وذكر سبب تسميتها فقال: ماء بأرض جذام وبه سميت الغزوة وهو في اللغة الماء السلسال، وقيل: هو بمعنى السلسال. النهاية (2/ 389) . وقد سبق ابن إسحاق ابن الأثير في ذكر سبب تسميتها فذكر أنها سميت بذلك لماء بأرض جذام، يقال له: السلسل. ابن هشام (2/ 623) . وقيل: بل سميت بذلك لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا، فتح الباري (8/ 74) . وقد ذكر ابن سعد أنها وراء وادي القرى، بينها وبين المدينة عشرة أيام وأنها كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة. الطبقات الكبرى (2/ 131) ، وقال النووي: وكانت هذه الغزوة في جمادى الآخرة سنة ثمان من الهجرة، وكانت مؤتة قبلها في جمادى الأولى من سنة ثمان أيضاً، قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: "كانت ذات السلاسل بعد مؤتة فيما ذكره أهل المغازي، إلا ابن إسحاق فقال قبلها". شرح النووي على مسلم (15/ 153) . 3 هذه السرية أشار إليها البخاري رقم (4358) ومسلم بشرح النووي (15/ 253) ، ولكن بدون تفصيل. وانظر هذه السرية في مغازي عروة (ص: 207) ، من طريق موسى بن عقبة عن عروة وابن إسحاق (ابن هشام 2/ 623) ، ومغازي الواقدي (2/ 769- 771) والطبقات الكبرى (2/ 131) ، ومسند أحمد (الفتح الرباني 21/ 139- 140) من مرسل الشعبي وتفاصيل السرية رويت بطرق كلها مرسلة، ولكن أصلها ثابت في الصحيحين كما سبق. وكان من شأن هذه السرية ما ذكره الواقدي وملخصها: أن أبا عبيدة أطاع عمراً فآب إلى عمرو جمعٌ، فصاروا خمسمائة، فسار الليل والنهار حتى وطئ بلاد بَليٍّ ودوّخَها، وكلما انتهى إلى موضع بلغه أنه كان بهذا الموضع جمع، فلما سمعوا به تفرقوا، حتى انتهى إلى أقصى بلاد بليّ وعُذْرة وبَلْقَيْن، ولقي في آخر ذلك جمعاً ليس بالكثير، فقاتلوا ساعة وتراموا بالنبل، ورمي يومئذ عامر بن ربيعة بسهم فأصيب ذراعه، وحمل المسلمون عليهم فهربوا وأعجزوا هرباً في البلاد وتفرقوا، ودوّخ عمرو ما هنالك وأقام أياماً لا يسمع لهم بجمع ولا بمكان صاروا فيه، وكان يبعث أصحاب الخيل فيأتون بالشاء والنّعم، وكانوا ينحرون ويذبحون، لم يكن في ذلك أكثر من ذلك، ولم تكن غنائم تُقسم إلا ما ذكر له. مغازي الواقدي (2/ 771) ، ودلائل البيهقي (4/ 401) ، والبداية والنهاية (4/ 273) .

المبحث التاسع عشر: في سرية مؤتة.

المبحث التاسع عشر: في سرية مؤتة. المطلب الأول: في تأريخها وتعيين الأمراء لجيش مؤتة. ... المبحث التاسع عشر: في سرية مُؤْتَة. وفيه مطلبان: المطلب الأول: في تأريخها وتعيين الأمراء لجيش مؤتة.

138- وقال الواقدي: حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال: " إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس، فإن قتل فليرتض1 المسلمون منهم رجلاً فيجعلوه عليهم"2. 139- أخرج الطبراني عن ابن شهاب قال: ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى مؤتة3 وأمَّر4 عليهم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر

_ 1 اصطلح الناس وارتضوا خالد بن الوليد، ذكر ذلك ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 379- 380) ، وانظر: دلائل البيهقي (4/ 364) ، والبداية والنهاية (4/ 245) . وقال ابن هشام: "فأما الزهري فقال فيما بلغنا عنه: أمر المسلمون عليهم خالد بن الوليد ففتح الله عليهم، وكان عليهم حتى قفل إلى النبي صلى الله عليه وسلم". (ابن هشام: 2/ 383) . 2 سبل الهدى والرشاد للشامي (6/ 144) ، وسنده ضعيف. وقد استقرأت مغازي الواقدي، فلم أجده. 3 مؤتة: - بضم الميم وسكون الواو بغير همز - لأكثر الرواة، وبه جزم المبرد، ومنهم من همزها وبه جزم الجوهري وابن فارس. فتح الباري (7/ 510) ، وانظر: الصحاح للجوهري (1/ 268) ومجمل اللغة لابن فارس (2/ 819) . ثم قال ابن حجر: "وأما الموتة التي ورد الاستعاذة منها وفسرت بالجنون فهي بغير همز، الفتح (7/ 510) ، وهي الآن تقع شرق الأردن على مسيرة أحد عشر كيلاً جنوب الكرك، إذا سرت من معان إلى عَمَّان كانت مؤتة على يسارك إذا كنت في منتصف المسافة، وقربها مكان يدعى المزار، وفيها قبر جعفر رضي الله عنه. انظر: معجم المعالم الجغرافية للبلادي (304) "، والمعالم الأثيرة (237) . 4 قوله: وأمر عليهم: ورد ما يشهد له من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه عند البخاري في صحيح انظر:

ابن أبي طالب أميرهم، فان أصيب جعفر، فعبد الله بن رواحة أميرهم، فانطلقوا حتى لقوا ابن أبي سبْر ة الغساني بمؤته وبها جموع من نصارى

_ (صحيح البخاري مع الفتح 7/ 510 رقم 4261) ومن رواية أبي قتادة عند أحمد في المسند (37/ 244 رقم [22551] أرناؤوط) ، وابن أبي شيبة في المصنف (14/ 512) ، والنسائي في فضائل الصحابة (43- 44) حديث رقم (145) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 15/ 522، حديث رقم (7048) ، والطبراني في تاريخه (3/ 41- 42) ، والبيهقي في الدلائل (4/ 367) ، وقد كان عدد جيش المسلمين ثلاثة آلاف، ذكر ذلك عروة في مغازيه. انظر: دلائل البيهقي (4/ 363) ، وابن هشام (2/ 373) ، وقد قال الألباني في تعليقه على فقه السيرة للغزالي (ص: 396) "سنده صحيح". ويشهد له أيضاً ما رواه الإمام أحمد في المسند (3/ 278 رقم [1750] أرناؤوط) من رواية عبد الله بن جعفر والنسائي (5/ 180) رقم (8604) ، والطبراني في الكبير (2/ 105- 106 رقم (1461) . والواقدي في المغازي (2/ 756) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 128) ، ونقل ابن عساكر عن الوليد بن مسلم قال: وأخبرني سعيد بن عبد العزيز وغيره: أنهم كانوا ستة آلاف من المهاجرين والأنصار وغيرهم. تاريخ دمشق قسم السيرة (2/ 9) ، أما الروم ومن معهم من قبائل العرب فقد كان عددهم مائة ألف. انظر: مغازي الواقدي (2/ 760) ، وطبقات ابن سعد (2/ 129) . قال ابن كثير: "وقيل: كان الروم مائتي ألف ومن عداهم خمسون ألفاً، وأقل ما قيل: إن الروم كانوا مائة ألف، ومن العرب خمسون ألفاً". البداية والنهاية (4/ 242) .

العرب والروم، وبها تَنُوخ1، وبَهْراء2، فأغلق ابن أبي سبرة دون المسلمين الحصن ثلاثة أيام، ثم خرجوا فالتقوا على زرع أخضر، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وأخذ اللواء زيد بن حارثة فقتل، ثم أخذه جعفر فقتل، ثم أخذه ابن رواحة فقتل، ثم اصطلح3 المسلمون بعد أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد فهزم4 الله العدو، وأظهر المسلمون، وبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى5.

_ 1 تنوخ: هي من اليمن، وقد اختلف النسابون فيه، والأكثر أنهم من قضاعة، انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (453) ، وتاريخ ابن خلدون (2/ 248) ، ونهاية الأرب للقلقشندي (178) ، ومعجم قبائل العرب لكحالة (1/ 134) . 2 بهراء: هو بهراء بن عمرو بن الحافي بن قضاعة، انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (440) ، ونهاية الأرب للقلقشندي (172) ، ومعجم قبائل العرب لعمر رضا كحالة (1/ 110) . 3 اصطلاح المسلمين على خالد ذكره موسى بن عقبة في مغازيه (انظر: البيهقي في الدلائل 4/ 365، والواقدي في مغازيه 2/ 764، وابن سعد في الطبقات 2/ 129) . 4 ورد عند البخاري رقم (3063) من حديث أنس مرفوعاً ما يشهد لذلك، فقد جاء فيه: ( ... ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح الله عليه) . 5 مجمع الزوائد للهيثمي (6/ 160) ، ثم قال: رواه الطبراني ورجاله ثقات، وقد استقرأت معاجم الطبراني المطبوعة فلم أجده، فلعله في الأجزاء المفقودة من الكبير. وقد كانت هذه السرية في جمادى الأولى سنة ثمان: ذكر ذلك عروة بن الزبير، انظر: دلائل البيهقي (4/ 359) ، وابن إسحاق (ابن هشام 2/ 373) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 128) ، وعيون الأثر لابن سيد الناس (2/ 208) ، والبداية والنهاية (4/ 241) . وذكر ابن عبد البر في الدرر: أنها في جمادى الآخرة. وقد ذكر ابن حجر في الفتح (7/ 511) : أن خليفة بن خياط ذكرها في تاريخه سنة سبع، والذي في تاريخ خليفة (86- 87) أنها في سنة ثمان في جمادى الأولى.

المطلب الثاني: في بكاء عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وسببه.

المطلب الثاني: في بكاء عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وسببه. 140- قال أبو نعيم: حدثنا فاروق1 بن عبد الكبير، حدثنا زياد2 بن الخليل، حدثنا إبراهيم3، حدثنا محمد4 بن فليح، ثنا موسى ابن عقبة عن ابن شهاب قال: زعموا أن ابن رواحة بكى حين أراد الخروج إلى مؤتة، فبكى أهله حين رأوه يبكي، فقال: والله ما بكيت جزعاً من الموت، ولا صبابة5 لكم، ولكني بكيت من قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} 6 فأيقنت أني واردها

_ 1 هو: فاروق بن عبد الكبير بن عمر، المحدث المعمر، مسند البصرة، أبو حفص الخطابي البصري، قال عنه الذهبي: "وما به بأس، بقي إلى سنة إحدى وستين وثلاثمائة". السير (16/ 140- 141) . 2 هو: زياد بن الخليل التستري، قال الخطيب: وذكره الدارقطني فقال: لا بأس به، انظر: تاريخ بغداد (8/ 481- 482) . 3 هو: الحزامي صدوق تقدم. 4 صدوق يهم، تقدم. 5 الصبابة: الشوق، أو رقته، أو رقة الهوى، القاموس (صبب) . 6 سورة مريم، آية (71) .

ولم أدر أأنجو منها أم لا1.

_ 1 الحلية (1/ 165) تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. وقصة بكاء ابن رواحة أخرجها ابن إسحاق من طريق عروة بن الزبير، انظر: ابن هشام (2/ 373) ، ودلائل البيهقي (4/ 358- 360) ، وأخرجها ابن عساكر من طريق موسى بن عقبة نحوه، انظر: تاريخ دمشق قسم السيرة (2/ 12) .

المبحث العشرون: في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى إضم وقتلهم رجلا بعد إسلامه.

المبحث العشرون: في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى إِضَم وقتلهم رجلاً بعد إسلامه. 141- قال ابن شبة1: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن بكار2، قال: حدثنا الوليد بن مسلم3 قال: حدثنا عبد الله بن زياد بن سمعان4 وغيره عن ابن شهاب الزهري، عن عبد الله بن موهب5 عن قبيصة بن ذؤيب الكعبي6 قال:

_ 1 تاريخ المدينة (2/ 449) . 2 أحمد بن عبد الرحمن بن بكار بن عبد الملك بن الوليد بن بسر، بضم الموحدة وسكون المهملة، يكنى أبا الوليد البسري، صدوق تكلم فيه بلا حجة، من العاشرة، ت سنة ثمان وأربعين، ت ق، التقريب (81) . 3 الوليد بن مسلم القرشي مولاهم، أبو العباس الدمشقي، ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات آخر سنة أربع - أول سنة خمس - وتسعين، ع. التقريب (584) . 4 هو: عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي، أبو عبد الرحمن المدني، قاضيها، متروك، اتهمه بالكذب أبو داود وغيره، من السابعة، مد ق، التقريب 303. 5 هو عبد الله بن موهب الشامي، أبو خالد، قاضي فلسطين لعمر بن عبد العزيز، ثقة لكنه لم يسمع من تميم الداري، من الثالثة، ع، التقريب 325. 6 هو قبيصة بن ذؤيب - بالمعجمة، مصغر - ابن حلحلة - بمهملتين، بينهما لام ساكنة - الخزاعي، أبو سعيد، أو أبو إسحاق المدني، من أولاد الصحابة، وله رؤية مات سنة بضع وثمانين، ع، التقريب 435.

أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية1 فلقوا المشركين بإضم2 أو قريب منه، فهزم الله المشركين وغشي محلّم بن جثامة الليثي3 عامر بن الأضبط الأشجعي4، فلما لحقه قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فلم ينته بكلمته حتى قتله، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى محلم فقال: "أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ " فقال: يا رسول الله إن كان قالها فإنما يعوذ بها وهو كافر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا ثقبت عن قلبه؟ " قال: يريد - والله أعلم - إنما كان يعرب عن القلب واللسان، قال ابن سمعان: وإنه قتله محلم رغبة في سلاحه، وفيه نزلت هذه الآية: {ولا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ

_ 1 كانت هذه السرية قبل فتح مكة؛ انظر: (ابن هشام 2/626) وقال الواقدي: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث هذه السرية حين خرج لفتح مكة في شهر رمضان، وكانوا ثمانية نفر". المغازي (1/6) و (2/796) وتاريخ الطبري (3/36) . 2 إِضَم: - بكسر الهمزة وفتح الضاد المعجمة - سمي الوادي إضماً لتضام السيول عنده، حيث تجتمع سيول أودية: بطحان وقناة والعقيق، وتكون مسيلاً واحداً يصل إلى البحر الأحمر بين الوجه وأملج. المعالم الأثيرة (29) . 3 هو: محلّم بن جثامة بن قيس الليثي أخو الصعب بن جثامة ... قال ابن عبد البر: يقال: إنه الذي قتل عامر بن الأضبط، وقيل: إن محلماً غير الذي قتل، وأنه نزل حمص ومات بها أيام ابن الزبير. ويقال: إنه الذي مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ودفن فلفظته الأرض مرة بعد أخرى. الإصابة (3/ 369) . 4 هو: عامر بن الأضبط الأشجعي ... ذكره ابن شاهين وغيره، وساق قصة تدل على أنه قتل حين أسلم قبل أن يلقى النبي صلى الله عليه وسلم. الإصابة (2/ 247) .

لستَ مؤمناً} 1 قال الوليد: وأنبأنا أبو سعيد فكان يحدثنا أنه سمع الحسن يقول: إنما نزلت هذه الآية في قتل مرداس الفدكي2.

_ 1 سورة النساء، الآية (94) . 2 الحديث ضعيف من هذه الطريق، من أجل عبد الله بن زياد، لكن قد ورد الحديث من غير طريق الزهري، فقد أخرجه ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 626) عن عبد الله بن أبي حدود. ومن طريقه أخرجه أحمد في المسند (39/ 319، رقم: [23881] أرناؤوط) ، والطبري في تفسيره رقم (10212) تحقيق: شاكر، وسنده حسن، فقد صرح ابن إسحاق فيه بالتحديث، كما في السيرة النبوية ومسند أحمد، أما عند الطبري فقد ذكره بالعنعنة. وأخرجه الطبري أيضاً برقم (10211) من طريق ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر، وفيه عنعنة ابن إسحاق. وقد أخرج البيهقي من طريق شعيب عن الزهري عن عبد الله بن موهب عن قبيصة نحوه، إلا أنه لم يسم محلماً ولا عامراً وستأتي هذه الرواية. وأما قوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} فقد اختلف في سبب نزولها فقد ذكر البخاري في الصحيح رقم (4591) من حديث ابن عباس قال: "كان رجل في غُنيمة له فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك إلى قوله: {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ". وأخرجه أحمد في المسند (3/ 320، رقم 2023 ورقم 2462) تحقيق شاكر، وقال: "إسناده صحيح". وأخرجه أيضاً الترمذي في السنن (5/ 240) رقم (3030) ، وقال: هذا حديث

_ حسن. وانظر: صحيح سنن الترمذي للألباني (3/ 40 رقم 2426) ، وحكم عليه بالصحة. وأخرجه الحاكم أيضاً في المستدرك (2/ 235) وصححه. وروى البزار من طريق حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآية قصة أخرى، قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير، فقال له: أشهد أن لا إله إلا الله، فقتله المقداد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف لك بلا إله إلا الله غداً. وأنزل الله هذه الآية". الفتح (8/ 258) وهذه القصة يمكن الجمع بينها وبين التي قبلها بالتعدد. قال الحافظ ابن حجر: "ويستفاد منها تسمية القاتل، وأما المقتول فروى الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وأخرجه عبد بن حميد من طريق قتادة نحوه، واللفظ للكلبي أن اسم المقتول مرداس بن نهيك من أهل فدك، وأن اسم القاتل: أسامة بن زيد". الفتح (8/ 258) . قلت: قد أخرج البخاري في صحيحه مع الفتح (7/ 517) رقم (4269) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقَة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته. فلما قدما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ " قلت: كان متعوذاً. فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم". وهذه السرية كانت في رمضان سنة سبع كما ذكر ابن حجر في الفتح (7/258) وكان أميرها غالب بن عبد الله الليثي، وقتل أسامة لهذا الرجل في هذه السرية يدل على تعدد القصة. والله أعلم.

142- قال البيهقي: أخبرنا أبو القاسم1 عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن، قال: أخبرنا أبو بكر محمد2 بن أحمد بن خَنْب، قال: حدثنا محمد3 بن إسماعيل الترمذي، قال: حدثنا أيوب4 بن سليمان ابن بلال، قال: حدثنا أبو بكر5 بن أبي أويس، قال: حدثنا سليمان بن بلال6، عن محمد7 بن أبي عتيق، وموسى بن عقبة، عن ابن شهاب (ح) . وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس محمد بن

_ 1 لم أجد له ترجمة. 2 هو: أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب بن أحمد الدهقان، قال عنه الذهبي في السير (15/ 523- 524) : لا بأس به، وانظر ترجمته في تاريخ بغداد (1/ 296) . 3 هو: محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي، أبو إسماعيل الترمذي، نزيل بغداد، ثقة حافظ، لم يتضح كلام أبي حاتم فيه، من الحادية عشرة، مات سنة ثمانين. ت س. التقريب 468. 4 أيوب بن سليمان بن بلال القرشي المدني، أبو يحيى ثقة، لينه الساجي بلا دليل، من التاسعة، مات سنة 124 هـ، خ، د، س، ت، التقريب 118. 5 هو عبد الحميد بن عبد الله بن أويس الأصبحي، مشهور بكنيته كأبيه، ثقة من التاسعة، مات سنة 202هـ، خ، م، ت، س، التقريب 333. 6 هو سليمان بن بلال التيمي مولاهم، أبو محمد وأبو أيوب المدني، ثقة، من الثامنة، مات سنة 177 هـ- ع، التقريب 250 7 هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق: محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر التيمي، المدني، مقبول، من السابعة، خ، د، ت، س، التقريب 490.

يعقوب، قال: حدثنا محمد بن أسامة قال: حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال: حدثنا عبد الله بن موهب، عن قبيصة بن ذؤيب قال: أغار رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية من المشركين فانهزمت، فغشي رجل من المسلمين رجلاً من المشركين - وهو منهزم - فلما أراد أن يعلوه بالسيف قال الرجل: لا إله إلا الله، فلم ينزع عنه حتى قتله، ثم وجد في نفسه من قتله، فذكر حديثه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهلاّ نقّبت عن قلبه؟ " يريد أن يعبر عن القلب اللسان، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى توفي ذلك الرجل القاتل، فدفن فأصبح على وجه الأرض، فجاء أهله فحدثوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ادفنوه" فأصبح على وجه الأرض، فجاء أهله فحدثوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ادفنوه" فدفنوه، فأصبح على وجه الأرض، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثوه ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأرض قد أبت أن تقبله، فاطرحوه في غار من الغيران"1.

_ 1 الدلائل (4/309) بسند صحيح. وأخرج نحوه ابن إسحاق فقال: وحدثني من لا أتهم عن الحسن البصري، فذكر نحوه، وأخرجه الطبري في تفسيره رقم (10211) تحقيق شاكر، متصلاً من طريق ابن إسحاق، ولكن فيه عنعنة ابن إسحاق، وأخرج نحوه البيهقي في الدلائل (4/310) من طريق يونس بن بكير عن البراء بن عبد الرحمن الغنوي عن الحسن مرسلاً.

الفصل الثالث: فتح مكة شرفها الله والأحداث التي أعقبتها

الفصل الثالث: فتح مكة شرفها الله والأحداث التي أعقبتها المبحث الأول: في سبب هذه الغزوة. ... المبحث الأول: في سبب هذه الغزوة. 143- قال البيهقي1: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ2، وأبو بكر أحمد بن الحسن الحيري3، قالا: حدثنا أبو العباس4 محمد بن يعقوب. قال: حدثنا أحمد5 بن عبد الجبار، حدثنا يونس6 بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أنهما حدثاه جميعاً قالا: كان في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية بينه وبين قريش أنه من

_ 1 دلائل النبوة (5/ 5- 7) ، والسنن الكبرى له (9/ 233- 234) ، وأسد الغابة (4/ 224) ، ترجمة عمرو بن سالم الخزاعي، نقلاً عن ابن إسحاق وقد ذكر السبب مختصراً، والبداية والنهاية 4/ 278- 279، ونقلها ابن حجر في الإصابة 2/ 536، ترجمة عمرو بن سالم، وفي الفتح (7/ 519) 2 ثقة، تقدم في الرواية رقم [1] . 3 ثقة، تقدم في الرواية رقم [84] . 4 أبو العباس محمد بن يعقوب تقدم في الرواية رقم [20] . 5 تقدم في الرواية رقم [84] . 6 تقدم في الرواية رقم [20] .

شاء أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت1 خزاعة فقالوا: نحن ندخل في عقد محمد صلى الله عليه وسلم وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم، فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهراً2، ثم إن بني بكر الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم، وثبوا على خزاعة الذين

_ 1 الوثوب: النهوض والقيام. اللسان، مادة (وثب) . 2 وعند الواقدي في المغازي (2/ 783) : " ... فلما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهراً من صلح الحديبية تكلمت بنو نفاثة من بني بكر ... "، وتبعه في ذلك ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 134) . وتحديد الواقدي باثنين وعشرين شهراً غير مسلم به، لأن الصلح الذي تم في الحديبية كان في ذي الحجة، وقد ذكر الواقدي أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية كان في يوم الاثنين لهلال ذي القعدة، المغازي (2/ 573) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 95) ، وذكر الواقدي أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم أقام بالحديبية بضعة عشر يوماً، المغازي (2/ 616) ، وقال أيضاً: ... قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من الحديبية في ذي الحجة سنة ست. المغازي (2/ 634) . فلو حسبنا المدة من وقت الصلح إلى نقض بني بكر العهد لوجدناها تسعة عشر شهراً ابتداءً من شهر محرم أول سنة سبع إلى نهاية شهر رجب من السنة الثامنة، ولو أدخلنا شهر ذي الحجة من السنة السادسة وشهر شعبان من السنة الثامنة - تجاوزاً - لحصلنا على واحد وعشرين شهراً، فتبقى رواية الزهري التي بين أيدينا هي الراجحة، وذلك لعدم ورود روايات ثابتة تحدد وقت نقض العهد من بني بكر، والله أعلم.

دخلوا في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده ليلاً بماء لهم يقال له: الوتير1، قريب من مكة، فقالت قريش: ما يعلم بنا محمد، وهذا الليل وما يرانا أحد، فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح، فقاتلوا معهم للطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن عمرو بن سالم2 ركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر، وقد قال أبيات شعر، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشده إياها: اللهم إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا3 كنا والداً وكنت ولدا4 ... ثم أسلمنا ولم ننزع يدا

_ 1 الوتير: - بفتح الواو وكسر المثناة تحت، وآخره راء - وهو موضع معروف جنوب غرب مكة على حدود الحرم يبعد عن مكة (16) كيلاً، وقد أطلق اليوم على حيز منه اسم (الكعكية) نسبة إلى الكعكي الذي تملك هذا الحيز منه، معجم المعالم الجغرافية (331) . 2 هو: عمرو بن سالم بن حصين بن سالم بن كلثوم الخزاعي، قال ابن الكلبي وأبو عبيد والطبري: أن عمرو بن سالم هذا كان أحد من يحمل ألوية خزاعة يوم فتح مكة، الإصابة (2/ 536- 537) . 3 الأتلد: أي القديم، شرح السيرة للخشني (367) ، والنهاية (1/ 194) ، والقاموس: (تلد) . 4 هكذا في دلائل البيهقي، وفي سيرة ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 394) : قد كُنْتُمُ وُلْداً.... يريد أن بني عبد مناف أمهم من خزاعة، وكذلك قصي أمه فاطمة بنت سعد الخزاعية، الروض الأنف (4/ 97) .

فانصر رسول الله نصرا أعتدا1 ... وادع عباد الله يأتوا مددا2 فيهم رسول الله قد تجردا3 ... إن سيم خسفاً وجهه تربدا4 في فيلق5 كالبحر يجري مزبدا6 ... إنّ قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدّا ... وزعموا أن لستُ أرجو أحدا فهم أذلّ وأقلّ عددا ... قد جعلوا لي بكداءٍ7 مرصدا8 هم بيتونا بالوتير هجدا9 ... فقتلونا ركعاً وسجدا

_ 1 أعتدا: أي حاضراً، شرح السيرة للخشني (367) . 2 الأمداد: جمع مدد، مدهم بالأعوان والأنصار. النهاية (4/ 308) . 3 تجردا: أي شمر وتهيأ لحربهم، شرح السيرة، للخشني (367) . 4 تربدا: أي تغير إلى الغبرة. النهاية (2/ 183) . 5 الفيلق: الكتيبة العظيمة. النهاية (3/ 472) . 6 يقال: بحر مزبد، أي مائج يقذف بالزبد، والزبد: الرغوة التي تعلو الماء، اللسان: زبد. 7 كداء: - بالتحريك والمد - هو ما يعرف اليوم بريع الحجون، يدخل طريقه بين مقبرتي المعلاة، ويفضي من الجهة الأخرى إلى حي العتيبية وجرول. معجم المعالم الجغرافية (261- 262) . 8 رصده: أي رَقَبَهُ، القاموس (رصد) ، ويقال: رصدته إذا قعدت له على طريقه تترقبه. النهاية (2/ 226) . 9 هُجَّدا: الهجد: المصلون بالليل، أو النيام، وهو من الأضداد. النهاية (5/ 244) ، وشرح السيرة للخشني (367) .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نُصِرتَ يا عمرو بن سالم "1. فما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مرت عنانة في السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب"2، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز، وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يعمّي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم3.

_ 1 ويشهد له ما أخرجه أبو يعلى من حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: ( ... لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب ... ) المسند (7/ 343 رقم [4380] ) وسنده حسن كما قال المحقق حسين أسد، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى عن حزام بن هشام بن حبيش عن أبيه وقد وثقهما ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح، المجمع (6/ 162) ، وأخرج الطبراني في الكبير (23/ 433) ، وفي الصغير (2/ 73- 75) من حديث ميمونة بنت الحارث نحوه، إلا أن فيه: يحيى بن سليمان بن نضلة وهو ضعيف، كما قال الهيثمي في المجمع (6/ 163- 164) . وأخرجه ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 395) بدون إسناد، وابن سعد في الطبقات (2/ 134) ، بدون إسناد والطبري في تاريخه (3/ 45) . 2 ورد نحوه من رواية أبي الأسود عن عروة (انظر: المغازي للذهبي (528) ، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (14/ 485- 486) ، من طريق زكريا بن أبي زائدة قال: كنت مع أبي إسحاق فيما بين مكة والمدينة فسَايَرَنَا رجل من خزاعة، فقال له أبو إسحاق: كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رعدت هذه السحابة بنصر بني كعب ... الحديث، وفيه جهالة الرجل الخزاعي. 3 قال ابن حجر: "وقد روى البزار من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن

_ أبي سلمة عن أبي هريرة بعض الأبيات المذكورة في هذه القصة وهو إسناد حسن موصول" الفتح (7/ 520) . وقد نقل الهيثمي حديث أبي هريرة من رواية البزار وحكم عليه بالصحة، انظر: المجمع (6/ 165) ، وكشف الأستار (2/ 342 رقم 1817) ، وأخرجه البيهقي عن حماد بن سلمة بسنده إلى أبي هريرة. دلائل النبوة (5/ 13) ، وانظر البداية والنهاية (4/ 280) نقلاً عن البيهقي.

لمبحث الثاني: في تاريخ خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وعدد جيشه.

المبحث الثاني: في تاريخ خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وعدد جيشه. 144- قال البخاري: حدثني محمود، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، أخبرني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس -رضي الله عنهما -: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان1

_ 1 باتفاق جميع المؤرخين. ولكن اختلفوا في تعيين وقت الخروج، فقد أخرج ابن إسحاق من طريق الزهري أنهم خرجوا لعشر مضين من رمضان (ابن هشام 2/ 399) ، وأخرج مسلم عن الزهري مرسلاًً قوله: فصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، صحيح مسلم بشرح النووي (7/ 231) . وأخرج البيهقي رواية ابن إسحاق المتقدمة ثم قال: هكذا ذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق قوله: فخرج لعشر مضين من رمضان مدرجاً في الحديث. الدلائل (5/ 20) . وأخرج أحمد في المسند (4/ 301 رقم [2500] أرناؤوط) من حديث محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: كان الفتح في ثلاث عشرة خلت من رمضان. وأخرج أيضاً من طريق قزعة بن يحيى عن أبي سعيد قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان، المسند (18/ 342 رقم [11825] ) . قال الحافظ ابن حجر: "وهذ يدفع التردد الماضي ويعين يوم الخروج، وقول الزهري يعين يوم الدخول، ويعطي أنه أقام في الطريق اثني عشر يوماً". القتح (8/ 4) . وقد ورد عند أحمد أيضاً أنه خرج لثمان عشرة (المسند 18/375، رقم [11870] أرناؤوط) وفي رواية أخرى لتسع عشرة، أو سبع عشرة (18/218، رقم [11684] أرناؤوط) . قال الحافظ: "ويجمع بين هاتين بحمل إحداهما على ما مضى والأخرى على ما بقي، والذي في المغازي على الاختلاف في أول الشهر". الفتح (8/ 4) . وقد ذكر النووي رواية لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأخرى لست عشرة مضت، وثالثة لثمان عشرة، ورابعة لثنتي عشرة، وخامسة لسبع عشرة - أو تسع عشرة - بالشك، ثم قال: "والمشهور في كتب المغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة الفتح من المدينة لعشر خلون من رمضان ودخلها لتسع عشرة خلت منه". النووي على مسلم (7/ 234) .

ومعه عشرة آلاف1 وذلك على رأس ثمان2 سنين ونصف من مقدمه

_ 1 وورد عند البيهقي من رواية أبي الأسود عن عروة وهو قول موسى بن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في اثني عشر ألفاً من المهاجرين والأنصار، دلائل البيهقي (5/ 26، و5/ 36) . قال الحافظ ابن حجر بعد ذكره لمرسل عروة: "وكذا وقع في (الإكليل) و (شرف المصطفى) ثم قال: (ويجمع بينهما بأن العشرة آلاف خرج بها من المدينة ثم تلاحق بها الألفان" الفتح (8/4) . 2 قال الحافظ ابن حجر: "هكذا وقع في رواية معمر، وهو وهم، والصواب: على رأس سبع سنين ونصف، وإنما وقع الوهم من كون الغزوة كانت في سنة ثمان، ومن أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان نصف سنة سواء، فالتحرير أنها سبع سنين ونصف، ويمكن توجيه رواية معمر، بأنه بناء على التاريخ بأول السنة من المحرم، فإذا دخل من السنة الثانية شهران أو ثلاثة أطلق عليها سنة مجازاً من تسمية البعض باسم الكل، ويقع ذلك في آخر ربيع الأول، ومن ثم إلى رمضان نصف سنة، أو يقال: كان آخر شعبان تلك السنة آخر سبع سنين ونصف من أول ربيع الأول، فلما دخل رمضان دخلت سنة أخرى، وأول السنة يصدق عليه أنه رأسها، فيصح أنه رأس ثمان سنين ونصف أو أن رأس الثمان كان أول ربيع الأول وما بعده نصف سنة" اهـ. الفتح (8/ 4) .

المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون حتى بلغ الكَدِيد1 -وهو ماء بين عسفان وقُدَيْد -أفطر وأفطروا". قال الزهري2: "وإنما يؤخذ من أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآخر فالآخر"3.

_ 1 الكَدِيد: - بفتح الكاف وكسر الدال المهملة - وهو: ماء بين عسفان وقديد - بضم القاف على التصغير - كما بينته الرواية، الفتح (4/ 180) . وفي حديث ابن عباس عند البخاري رقم (1948) من وجه آخر (حتى بلغ عسفان) بدل الكديد. ووقع عند مسلم بشرح النووي (7/ 232) من حديث جابر (فصام حتى بلغ كراع الغميم) . قال الحافظ ابن حجر: قال عياض: واختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر فيه صلى الله عليه وسلم والكل في قصة واحدة، وكلها متقاربة والجميع من عمل عسفان. الفتح (4/ 181) . وبين الكديد وعسفان: عشرين كيلاً فقط، ويبعد عسفان عن مكة إلى الشمال (90) كيلاً، معجم المعالم الجغرافية (263) . 2 قوله: قال الزهري: إلى آخره، مدرج من قول الزهري كما قال الحافظ، انظر: الفتح (4/ 181) . وقد وقعت هذه الزيادة مدرجة عند مسلم بشرح النووي (7/ 231) من طريق معمر ويونس كلاهما عن الزهري، وبينّا أنه من قول الزهري، وظاهره أن الزهري ذهب إلى أن الصوم في السفر منسوخ، ولم يوافَق على ذلك، الفتح (4/ 181) . 3 صحيح البخاري مع الفتح (8/ 3) ، رقم (4276) . وأخرج البخاري أيضاً نحوه من طريق عُقيل عن ابن شهاب، صحيح البخاري مع الفتح (8/ 3) رقم (4275) ، ومن طريق مالك عن الزهري، صحيح البخاري مع الفتح (4/180) رقم (1944) ، وأخرجه مسلم من طريق الليث وسفيان ومعمر ويونس كلهم عن الزهري نحوه، انظر صحيح مسلم بشرح النووي (7/ 229- 231) . وقد ذكر هذه الرواية عبد الرزاق فقال: (قال الزهري) فساقها، وفيها: "وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة"، وقد تقدم جمع الحافظ في ذلك.

المبحث الثالث: في كتابة حاطب رضي الله عليه وسلم لأهل مكة يخبرهم بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم.

المبحث الثالث: في كتابة حاطب رضي الله عليه وسلم لأهل مكة يخبرهم بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم. ... المبحث الثالث: في كتابة حاطب رضي الله عنه لأهل مكة يخبرهم بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم 145- عبد الرزاق1 عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير في قوله تعالى: {يأيها الذينَءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّيْ وَعَدُوَّكُمْ أَوْلياءَ} 2 أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة3، قال:

_ 1 تفسير عبد الرزاق (2/ 286- 287) . 2 الآية الأولى من سورة الممتحنة. 3 هو: حاطب بن أبي بلتعة - بفتح الموحدة، وسكون اللام بعدها مثناة ثم مهملة مفتوحات -، ابن عمرو بن عمير بن سلمة بن سهل اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى، شهد بدراً، توفي سنة 30هـ- في خلافة عثمان وله خمس وستون سنة. الإصابة (1/ 300) .

كتب إلى كفار قريش كتاباً ينصح لهم فيه فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فأرسل علي اً والزبير1 فقال: "اذهبا فإنكما ستدركان امرأة2 بمكان كذا وكذا3، فأتياني بكتاب معها"، فانطلقا حتى أدركاها، فقالا: الكتاب الذي معك، قالت ما معي كتاب، قالا: والله لا ندع عليك شيئاً إلا فتشناه أو تخرجينه، قالت: أولستما مسلمين؟ قالا: بلى، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن معك كتاباً، فقد أيقنت أنفسنا

_ 1 في صحيح البخاري مع الفتح (8/ 633) رقم (4890) أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث علياً والزبير والمقداد. ومسلم بشرح النووي (16/ 55) وورد في الصحيحين أيضاً أبو مرثد الغنوي بدلاً من المقداد، صحيح البخاري مع الفتح (7/ 304) رقم (3983) ، ومسلم بشرح النووي (16/ 57) ، قال النووي: ولا منافاة بل بعث الأربعة علياً والزبير والمقداد وأبا مرثد، شرح النووي على مسلم (16/ 57) . وقال الحافظ ابن حجر: "فيحتمل أن يكون الثلاثة كانوا معه - يعني علياً - فذكر أحد الراويين ما لم يذكره الآخر، فالذي يظهر أنه كان مع كل منهما آخر تبعاً له" الفتح (7/ 520) . 2 ورد في بعض الروايات أن اسمها: سارة مولاة لبني هاشم، انظر: المصنف لابن أبي شيبة (14/ 485) ، ومغازي الواقدي (2/ 799) ، وتاريخ الطبري (3/ 60) . 3 ورد في صحيح البخاري من حديث علي وفيه: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ... ) ، الصحيح مع الفتح (8/ 633) رقم (4890) ، وروضة خاخ: موضع بقرب حمراء الأسد من حدود العقيق في نواحي المدينة، المعالم الأثيرة (107) .

أنه معك، فلما رأت جدّهما، أخرجت كتاباً من قرونها1 فرمت به، فذهبا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: "من حاطب بن أبي بلتعه إلى كفار قريش"، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: وما حملك على ذلك؟ قال: أما والله ما ارتبت2 في الله منذ أسلمت، ولكني كنت امرءاً غريباً3 فيكم أيها الحي من قريش، وكان لي بمكة مال وبنون فأردت أن أدفع عنهم بذلك. فقال عمر: ائذن لي يا نبي الله فأضرب عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مهلاً يا ابن الخطاب إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله قد اطلع إلى أهل

_ 1 من قرونها: القرون: الشعور، وكل ضفيرة من ضفائر الشعر قرن، النهاية (4/ 51) . وعند البخاري: من عقاصها، حديث رقم (4890) ، وعند أيضاًبرقم (3081) : (من حُجْزتها) ، والحُجْزة: - بضم المهملة وسكون الجيم بعدها زاي -: معقد الإزار والسراويل، فتح الباري (6/ 191) . ويجمع بين كونها أخرجته من حجزتها وبين كونها أخرجته من عقاصها، بأنها أخرجته من حجزتها فأخفته في عقاصها ثم اضطرت إلى إخراجه أو بالعكس أو بأن تكون عقيصتها طويلة بحيث تصل إلى حجزتها فربطته في عقيصتها وغرزته بحجزتها، وهذا الاحتمال أرجح. انظر: فتح الباري (6/ 191) . 2 أي: ما شككت، والريب بمعنى الشك، وقيل: هو الشك مع التهمة، النهاية (2/ 286) . 3 لأنه لم يكن من صلب قريش، وإنما كان حليفاً لبني أسد، الفتح (8/ 634) ، والإصابة (1/ 300) ، وقد ذكر ابن حجر في ترجمته أنه من لخم، الإصابة (1/ 300) ، ولخم: قبيلة يمنية قحطانية شهيرة؟ انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (422) .

بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فإني غافر لكم"1. 146- وقال الطبراني2: حدثنا موسى بن هارون3، ثنا هاشم بن الحارث4، ثنا عبيد الله بن عمرو5 عن إسحاق بن راشد6، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة7

_ 1 والحديث أخرجه أيضاً ابن جرير الطبري في تفسيره (28/ 39- 40) من طريق محمد بن ثور عن معمر عن الزهري به. وانظر: أسباب النزول للواحدي (441) رقم (811) ، فقد قال: قال جماعة المفسرين: إنّ هذه الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، يريد الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... } . 2 المعجم الكبير (3/ 184) رقم (3066) . 3 هو: موسى بن هارون بن عبد الله بن مروان أبو عمران البزار المعروف والده بالحمال، قال الخطيب: وكان ثقة عالماً، تاريخ بغداد (13/ 50- 51) . 4 هو: هاشم بن الحارث، أبو محمد المروزي، سكن بغداد وحدث بها، وكان ثقة، تاريخ بغداد (14/ 16) . 5 هو: عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الرقي، أبو وهب الأسدي، ثقة فقيه ربما وهم، من الثامنة، توفي سنة ثمانين عن ثمانين إلا سنة، ع، التقريب (373) . 6 هو: إسحاق بن راشد الجزري، أبو سليمان، ثقة، في حديثه عن الزهري بعض الوهم، من السابعة، توفي في خلافة أبي جعفر، خ، التقريب (100) . 7 هو: عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، - بفتح الموحدة والمثناة وسكون اللام بينهما ثم مهملة -، له رؤية، وعدوه في كبار ثقات التابعين، توفي سنة ثمان وستين، خت، التقريب (338) .

أنه حدث أن أباه كتب إلى كفار قريش كتاباً وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدراً، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً والزبير فقال: " انطلقا حتى تدركا امرأة معها كتاب فائتياني به". فانطلقا حتى لقياها، فقالا: أعطينا الكتاب الذي معك، وأخبراها أنهما غير منصرفين حتى ينزعا كل ثوب عليها، فقالت: ألستما رجلين مسلمين؟ قالا: بلى، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن معك كتاباً، فلما أيقنت أنها غير منفلتة منهما حلت الكتاب من رأسها فدفعته إليهما، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً حتى قرأ عليه الكتاب، فقال: أتعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: "فما حملك على ذلك؟ ". قال: هناك ولدي وذو قرابتي، وكنت امرأ غريباً فيكم معشر قريش، فقال عمر: ائذن لي في قتل حاطب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا، لأنه1 قد شهد بدراً، وإنك لا تدري لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم إني غافر لكم"2.

_ 1 وفي المعجم الأوسط (8/ 146) (لا، إنه) . 2 وأخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 146 رقم 8227) بنفس السند. وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما ثقات"، المجمع (9/ 304) ، وأخرجه أيضاً الحاكم في المستدرك (3/ 301) ، وسكت عليه الحاكم والذهبي، ولكن الذهبي ذكره في سير أعلام النبلاء (2/ 45) ، ترجمة حاطب، وقال: "إسناده صحيح وأصله في الصحيحين". وعزاه الحافظ في الإصابة (1/ 300) ، ترجمة حاطب، لابن شاهين والبارودي والطبراني وسمويه كلهم من طريق الزهري به. وقصة حاطب أخرجها البخاري في صحيحه من حديث علي رضي الله عليه وسلم في عدة مواضع. انظر: رقم (3007) ، ورقم (3081) ، ورقم (3983) ، ورقم (4274) ورقم (4890) ، ورقم (6259) ، ورقم (6939) ، وانظر: صحيح مسلم بشرح النووي (16/ 45- 57) .

المبحث الرابع: في مسير النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة

المبحث الرابع: في مسير النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة 147- قال الطبراني1:حدثنا أبو شعيب الحراني2، ثنا أبو جعفر النفيلي3، ثنا محمد بن سلمة4 عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على المدينة أبا رُهم كلثوم ابن حصين الغفاري5، وخرج لعشر6 مضين من رمضان فصام رسول

_ 1 المعجم الكبير (8/ 9) رقم (7264) . 2 لم أهتد إلى معرفته. 3 هو: عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل، - بنون وفاء مصغر -، أبو جعفر النفيلي الحراني، ثقة حافظ، من كبار العاشرة، توفي سنة أربع وثلاثين، خ، التقريب (321) ، رقم (3594) . 4 هو: محمد بن سلمة بن عبد الله الباهلي مولاهم، الحراني، ثقة، من التاسعة، توفي سنة 91هـ- على الصحيح، ر م، التقريب (481) ، رقم (5922) . 5 أبو رُهم: هو: كلثوم بن حصين بن خالد بن العسعس بن زيد بن العميس بن أحمس بن غفار، وقيل: ابن حصين بن عبيد بن خلف بن حماس بن غفار الغفاري، مشهور باسمه وكنيته، كان ممن بايع تحت الشجرة، واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة الفتح، الإصابة (4/ 70- 71) . 6 قوله: " ... وخرج لعشر مضين من رمضان" أخرجها ابن سعد في الطبقات (2/ 137) ، من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عبد الله بن عباس.

الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد ما بين عسفان وأمَجَ1 أفطر، ثم مضى حتى نزل مر الظهران2 في عشرة آلاف من المسلمين من مزينة3 وسُليم، وفي كل القبائل عدد وإسلام، وأوعب4 مع رسول الله

_ 1 أمَج: - بالتتحريك وآخره جيم -، ويعرف أمج اليوم: بخليص، واد زراعي على مائة كيل من مكة شمالاً على الجادة العظمى، معجم المعالم الجغرافية (32) . 2 مرور النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران قد ذكره البخاري (رقم 5453) من طريق الزهري، وذكره من غير طريق الزهري رقم (4280) . وقد ذكر الواقدي في المغازي (2/ 650- 651) هذه الرواية مطولاً بدون إسناد وفي سياقه بعض الاختلاف. أما ابن إسحاق فقد أشار إلى مظاهرة غطفان ليهود خيبر ولكن بسياق آخر فقد قال: فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه حتى ساروا مَنقلة - أي مرحلة - سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حساً، ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم، فأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخلوا بين رسول الله وبين خيبر. (ابن هشام 2/ 330) . 3 مزينة: من قبائل طابخة بن إلياس، وهم بنو عثمان وأوس ابني عمرو بن أد طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (480) . 4 أوعب: أي لم يتخلف منهم أحد عنه، والإيعاب: الاستقصاء في كل شيء، النهاية (5/ 205) .

صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار فلم يتخلف منهم أحد، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وقد عميت الأخبار عن قريش فلم يأتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ولا يدرون ما هو فاعل، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام1 وبديل بن ورقاء2 يتحسسون3 وينتظرون هل يجدون خبراً أو يسمعون به، وقد كان العباس بن عبد المطلب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق، وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب4 وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة5 قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه فكلمته أم سلمة فيهما فقالت: يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك، قال: (لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فهتك6 عرضي، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي

_ 1 تقدمت ترجمته. 2 تقدمت ترجمته في ص (436) . وذكر بديل بن ورقاء مع أبي سفيان ذكره البخاري (رقم 4280) . 3 يتحسسون: التحسس: الاستماع لحديث القوم، وطلب خبرهم في الخبر، القاموس (حسَّ) . 4 تقدمت ترجمته. 5 هو: عبد الله بن أبي أمية واسمه حذيفة، وقيل: سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته عاتكة وأخو أم سلمة رضي الله عنها. الإصابة (2/ 277) . 6 الهتك: خرق الستر عما وراءه، وقد هتكه فانهتك، والهتيكة: الفضيحة. النهاية (5/ 243) .

بمكة ما قال) ، فلما أخرج إليهما بذلك1، ومع أبي سفيان بُنَي له، فقال: والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لهما2، ثم أذن لهما فدخلا وأسلما، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران قال العباس: واصباح3 قريش، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر، قال: فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت عليها حتى جئت الأَراك4، فقلت: لعلِّي ألقى بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة، فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، قال: فوالله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان وأبو سفيان يقول: ما رأيت كاليوم قط نيراناً ولا

_ 1 أي: بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم. 2 الرِّقة: بالكسر: الرحمة، القاموس (رَقَقَ) ، والمراد بالرقة ضد القسوة. النهاية (2/ 252) . (يا صباحاه) هذه كلمة يقولها المستغيث، وأصلها إذا صاحوا للغارة، لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون عند الصباح، ويسمون يوم الغارة يوم الصباح، فكأن القائل: يا صباحاه، يقول: قد غشينا العدو. النهاية (3/ 6- 7) . 4 الأراك: - بفتح أوله - على لفظ جمع أراكة، وهو من مواقف عرفة من ناحية الشام، معجم ما استعجم للبكري (1/ 134) ، هكذا ذكر البكري، ولكن الموضع المذكور هنا ليس بعرفة قطعاً فلعل العباس رضي الله عليه وسلم يقصد الموضع الذي يكثر به شجر الأراك، وهو موضع يقع شمال مكة، ولم أجد من عرفَّه.

عسكراً، قال: يقول بديل: هذه والله نيران خزاعة حمشتها1 الحرب، قال: يقول أبو سفيان: خزاعة والله أذل وألأم من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها، قال: فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة2؟ فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم، قال: مالك فداك أبي وأمي، فقلت: ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش والله، قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ قال: قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب معي هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمنه لك، قال: فركب خلفي ورجع صاحبه، فحركتُ به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عليه وسلم، فقال: من هذا؟ وقام إليّ فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة، قال: أبو سفيان، عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة الرجل البطيء،

_ 1 حمشتها الحرب: يقال: حمش الشر: اشتد، وأحمشته أنا، وأحمشت النار إذا ألهبتها، النهاية (1/ 441) . 2 هي: كنية لأبي سفيان، انظر: الإصابة (2/ 178) ، وقد بحثت في كتب النسب فلم أجد في عقب أبي سفيان من يدعى (حنظلة) .

فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه، قال: قلت يا رسول الله إني أَجَرْتُه، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه، فقلت: لا والله لا يناجيه الليلة رجل دوني، فلما أكثر عمر في شأنه قلت: مهلاً يا عمر أما والله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا ولكنك عرفت أنه رجل من رجال بني عبد مناف، قال: مهلاً يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذهب به إلى رحلك يا عباس فإذا أصبح فائتني به، فذهبت به إلى رحلي فبات عندي، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ ". قال: بأبي أنت وأمي ما أكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً. قال: "ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ ". قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، هذه والله كان في نفسي منها شيء حتى الآن، قال العباس: ويحك يا أبا سفيان أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك. قال: فشهد بشهادة الحق وأسلم، قلت: يا رسول الله إن أبا سفيانض

رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئاً، قال: "نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن". فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عباس احبسه بمضيق1 الوادي عند خطم2 الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها"، قال: فخرجت به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه، قال: ومرت به القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال: من هؤلاء؟ فأقول: سُليم، فيقول: مالي ولسُليم، قال: ثم تمر القبيلة، قال: من هؤلاء؟ فأقول: مزينة، فيقول: مالي ولمزينة، حتى تعدت القبائل لا تمر قبيلة إلا قال: من هؤلاء؟ فأقول: بنو فلان، فيقول: مالي ولبني فلان، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء كتيبة فيها المهاجرون والأنصار لا يُرى منهم إلا الحدق3، قال: سبحان الله من هؤلاء يا عباس؟ قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن

_ 1 المضيق: ما ضاق من الأماكن والأمور، وهو ضد الاتساع، القاموس (ضفق) . 2 خطم: أصل الخطم في السباع: مقاديم أنوفها وأفواهها، فاستعارها للناس. النهاية (2/ 50) . فيكون المعنى: مقدمة الجبل أو طرفه. والمراد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر العباس أن يقعد أبا سفيان في طرف ذلك المضيق حتى يرى جيش الفتح وهو يمر من ذلك المضيق حيث لا طريق إلا منه فيكثر في عينه فيعلم أنه لا طاقة لأهل مكة بهذا الجيش. 3 تقدم معناها.

أخيك الغداة عظيماً، قلت: يا أبا سفيان إنها النبوة، قال: فنعم إذاً، قلت: النجاة إلى قومك، قال: فخرج حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه امرأته هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه، فقالت: اقتلوا الدسم الأحمس1 فبئس من طليعة قوم. قال: ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاء ما لا قبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، قالوا: ويلك وما تغني عنا دارك؟ قال: ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد2.

_ 1 الدَّسم الأحمس: أي الأسود الدنيء. النهاية (2/ 118) . 2 قال الهيثمي بعد ذكره لهذا الحديث: "رجاله رجال الصحيح". المجمع (6/ 167) . وقد أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 13) رقم (2765) من طريق يونس بن بكير عن جعفر بن برقان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، فذكر مثل حديث محمد بن إسحاق وأخرجه أبو داود برقم (3021) مقتصراً على ذكر إسلام أبي سفيان وقول الرسول له: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن طريق يونس بن بكير أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 43- 44) ، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي. قال الألباني في تعليقه على فقه السيرة للغزالي (408) بعد تصحيح الحاكم له قال: "وإنما هو حسن فقط"، ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في الدلائل (5/ 27) . وقد أخرجه إسحاق في مسنده والذهلي في الزهريات من طريق جرير بن حازم كما في المطالب العالية المسندة (4/ 418) وما بعدها، وقد حكم عليه بالصحة. وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 321) ، وصححه، وأخرجه البيهقي في الدلائل (5/ 31) مختصراً، وفي معرفة السنن والآثار له (13/ 297) . وأخرج البخاري في صحيحه مع الفتح (8/ 5- 6 رقم 4280) نحوه من غير طريق الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه، وأخرجه من غير طريق الزهري ابن جرير في تاريخه (3/ 52) من حديث ابن عباس، والبيهقي في الدلائل (5/ 32) . وذكره ابن إسحاق بدون إسناد (ابن هشام 2/ 400) فما بعدها.

148- قال البيهقي: أخبرنا الحسين1 بن بشران ببغداد، أخبرنا أبو جعفر2 الرزاز، قال: حدثنا أحمد3 بن الوليد الغمام، قال: حدثنا أبو بلال4 الأشعري، قال: حدثنا زياد5 بن عبد الله البكائي عن محمد بن

_ 1 ثقة، تقدم في الرواية رقم [65] . 2 أبو جعفر الرزاز هو: محمد بن عمرو بن البختري أبو جعفر، وكان ثقة ثبتاً، تاريخ بغداد (3/ 132) . 3 أحمد بن الوليد، بن أبي الوليد أبو بكر الغمام، وقال الخطيب: وكان ثقة، تاريخ بغداد (5/ 188) . 4 أبو بلال الأشعري: اسمه مرداس بن محمد بن الحارث بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، وقيل: اسمه محمد، وقيل: عبد الله، ضعفه الدارقطني، يقال: توفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين، ميزان الاعتدال (4/ 507) . 5 زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري البكائي، - بفتح الموحدة وتشديد الكاف -، أبو محمد الكوفي، صدوق ثبت في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين، ولم يثبت أن وكيعاً كذبه، وله في البخاري موضع واحد متابعة، من الثامنة مات سنة ثلاث وثمانين، خ م ت ق، التقريب (220) .

إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: جاء العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان بن حرب فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان يشهد أن لا إله إلا الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا الفضل انصرف بضيفك الليلة إلى أهلك واغد به". فلما أصبح غدا به عليه، فقال العباس: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن أبا سفيان رجل يحب الشرف والذكر، فاعطه شيئاً يتشرف به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" 1، فقال أبو سفيان: وما تسع داري؟ فقال: "من دخل الكعبة فهو آمن"، فقال: وما تسع الكعبة؟ فقال: "من دخل المسجد فهو آمن". فقال: وما يسع المسجد؟ فقال: "من أغلق بابه فهو آمن"، فقال: هذه واسعة2.

_ 1 قوله: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" أخرجها مسلم في صحيحه من غير طريق الزهري عن أبي هريرة في حديث طويل (3/ 1405 رقم 1780) وله شاهد آخر عند أبي داود من غير طريق الزهري عن ابن عباس، رقم (3022) وحسن إسناده الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 586 رقم 2611) . 2 دلائل النبوة (5/ 32) ، وهي رواية ضعيفة لعنعنة ابن إسحاق، لكن قد وردت شواهد تدل على ثبوتها، فقد أخرج نحوها مختصراً ابن أبي شيبة في المصنف (14/ 496) ، وأبو داود في السنن (3/ 162 رقم 3021) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 364 رقم 486) والطبراني في الكبير (8/ 10 رقم 7264) ، والبيهقي في السنن أيضاً (9/ 118) ، ومعرفة السنن والآثار (13/ 297) ، كلهم من طريق ابن إسحاق عن الزهري، وفيها جميعاً عنعنة ابن إسحاق، علماً بأن الألباني قد حكم عليها بأنها (حسنة) كما في صحيح سنن أبي داود (2/ 586 رقم 2610) .

149- وقال البيهقي1: أخبرنا أبو عبد الله الحاكم2، قال: أنبأنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب، (ح) . وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد واللفظ له، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن عتاب العبدي قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما يقال -في اثني عشر ألفاً3 من المهاجرين والأنصار ومن طوائف العرب: من أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، ومن بني سُليم، وقادوا الخيول، فأخفى الله عزوجل مسيره على أهل مكة حتى نزلوا بمر

_ 1 دلائل البيهقي (5/ 39- 49) بسند حسن إلى الزهري إلا أنها مرسلة، لكن يشهد لكثير من فقراتها ما جاء في الصحيحين وغيرهما كما سيأتي. 2 تقدمت تراجم سند هذه الرواية. 3 تقدم توفيق الحافظ ابن حجر بين من ذكر عددهم عشرة آلاف وبين من ذكرهم اثني عشر ألفاً في المبحث الثاني.

الظهران، وبعثت قريش أبا سفيان وحكيم بن حزام ومعهما بديل بن ورقاء، فلما طلعوا على مر الظهران حين بلغوا الأراك، وذلك عشاءً رأوا النيران والفساطيط1 والعسكر، وسمعوا صهيل2 الخيل، فراعهم ذلك فقالوا: هذه بنو كعب3 حشَّتها4 الحرب، ثم رجعوا إلى أنفسهم فقالوا: هؤلاء أكثر من بني كعب، قالوا: فلعلهم هوازن انتجعوا5 الغيث بأرضنا ولا والله ما نعرف هذا أيضاً، فبينما هم كذلك لم يشعروا حتى أخذهم نفر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم عيوناً لهم بخطيم أبعرتهم، فقالوا: من أنتم؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال أبو سفيان: هل سمعتم بمثل هذا الجيش نزلوا على أكباد قوم لم يعلموا بهم؟ فلما دخل بهم العسكر لقيهم عباس بن عبد المطلب6 فأجارهم وقال: يا أبا حنظلة

_ 1 الفساطيط: جمع فسطاط، وهو: - بالضم والكسر - المدينة التي فيها مجتمع الناس، وكل مدينة فسطاط، قال الزمخشري: (هو ضرب من الأبنية في السفر دون السرادق) النهاية (3/ 445) . 2 صهيل الخيل: أي: صوته. النهاية (3/ 63) . 3 بنو كعب: يعني خزاعة، وكعب أكبر بطون خزاعة. فتح الباري (8/ 7) . 4 حشّتها الحرب، وفي رواية أبي الأسود عن عروة: حاشتها الحرب، أي: جاشت بهم الحرب. الفتح (8/ 7) . 5 انتجعوا: التنجع والانتجاع والنجعة: طلب الكلأ ومساقط الغيث. النهاية (5/22) 6 في البخاري (8/ 5- 6) رقم (4280 مع الفتح) من مرسل عروة: (أن حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين أخذوا هؤلاء الثلاثة وأتوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم أبو سفيان ... ) .

ثكلتك1 أمك وعشيرتك، هذا محمد صلى الله عليه وسلم في جمع المؤمنين فادخلوا [عليه فأسلموا فدخلوا] 2 على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكثوا عنده عامة الليل يحادثهم ويسألهم، ثم دعاهم إلى الإسلام فقال لهم: اشهدوا أنه لا إله إلا الله، فشهدوا، ثم قال: اشهدوا أني رسول الله، فشهد حكيم وبديل، وقال أبو سفيان: ما أعلم ذلك، وخرج أبو سفيان مع العباس فلما نودي للصلاة، ثار الناس ففزع أبو سفيان، وقال للعباس: ماذا يريدون؟ قال: الصلاة، ورأى أبو سفيان المسلمين يتلقون وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما رأيت ملكاً قط كالليلة ولا ملك كسرى، ولا ملك قيصر، ولا ملك بني الأصفر، فسأل أبو سفيان العباس أن يدخله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدخله، فقال أبو سفيان: يا محمد قد استنصرتُ آلهتي، واستنصرت إلهك، فوالله ما لقيتك من مرة إلا ظهرت عليّ، فلو كان إلهي محقاً وإلهك مبطلاً لقد غلبتك، فشهد أن محمداً رسول الله، وقال أبو سفيان وحكيم: يا رسول الله أجئت بأوباش الناس من يعرف ومن لا يعرف إلى أصلك وعشيرتك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم أظلم وأفجر، قد غدرتم بعقد الحديبية،

_ 1 ثكلتك: أي: فقدتك، والثكل: فقد الولد، وهي من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب ولا يراد بها الدعاء، كقولهم: تربت يداك، وقاتلك الله. النهاية (1/ 217) . 2 ما بين الحاصرتين ليس في [ح] كما قال محقق الدلائل، عبد المعطي قلعجي.

وظاهرتم على بني كعب بالإثم والعدوان في حرم الله وأمنه". فقال بديل: قد صدقت يا رسول الله، قد غدروا بنا والله لو أن قريشاً خلّوا بيننا وبين عدونا ما نالوا منا الذي نالوا. فقال أبو سفيان وحكيم: قد كنت يا رسول الله حقيقاً أن تجعل عُدّتك وكيدك لهوازن فإنهم أبعد رحماً وأشد عداوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن يجمعهما لي ربي: فتح مكة، وإعزاز المسلمين بها، وهزيمة هوازن، وغنيمة أموالهم وذراريهم". فقال أبو سفيان وحكيم: يا رسول الله ادع لنا بالأمان، أرأيت إن اعتزلت قريش فكفت أيديها آمنون هم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، من كفّ يده وأغلق داره فهو آمن، قالوا: فابعثنا نؤذن بذلك فيهم: قال: انطلقوا فمن دخل دارك يا أبا سفيان ودارك يا حكيم1، وكف يده فهو آمن -ودار أبي سفيان بأعلى مكة، ودار حكيم بأسفل مكة -فلما توجها ذاهبين، قال العباس: يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان أن يرجع عن إسلامه فيكفر، فاردده حتى نقفه فيرى جنود الله معك، فأدركه عباس فحبسه، فقال أبو سفيان: أغدراً يا بني هاشم؟ فقال العباس: ستعلم أنا لسنا نغدر، ولكن لي إليك حاجة، فأصبح

_ 1 قوله ودارك يا حكيم، ورد ما يشهد له عند الطبري في تاريخه (3/ 54- 56) من رواية هشام بن عروة عن أبيه.

حتى ترى جنود الله وإلى ما أعد للمشركين، فحبسهم بالمضيق دون الأراك إلى مكة، حتى أصبحوا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى: لتصبح كل قبيلة قد ارتحلت ووقفت مع صاحبها عند رايته، وتظهر ما معها من الأداة والعدة، فأصبح الناس على ظهر، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه الكتائب، فمرت كتيبة على أبي سفيان، فقال: يا عباس أفي هذه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قال: فمن هؤلاء؟ قال: قضاعة، ثم مرت القبائل على راياتها، فرأى أمراً عظيماً رعبه الله به، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم وأمره أن يدخل من كَدَاء1 من أعلى مكة وأعطاه رايته وأمره أن يغرزها بالحجون2 ولا يبرح حيث أمره أن يغرزها حتى يأتيه، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضاعة وبني سُليم وناساً أسلموا قبل ذلك وأمره أن يدخل من أسفل مكة، وأمره أن يغرز رايته عند أدنى البيوت وبأسفل مكة بنو بكر وبنو الحارث بن عبد مناف

_ 1 كَدَاء: - بالتحريك والمد - الثَّنيَّة العليا بمكة مما يلي المقابر، وهو: المعلاة. النهاية (4/ 156) . 2 الحجون: - بضم الحاء المهملة والجيم، وآخره نون - هي الثنية التي تفضي على مقبرة المعلاة والمقبرة عن يمينها وشمالها مما يلي الأبطح، تسمى الثنية اليوم (ريع الحجون) ، معجم المعالم الجغرافية (94) .

وهذيل ومن كان معهم من الأحابيش قد استنصرت بهم قريش، وأمرتهم أن يكونوا بأسفل مكة، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع سعد رايته إلى قيس بن سعد ابن عبادة1 وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا أيديهم فلا يقاتلون أحداً إلا من قاتلهم، وأمرهم بقتل أربعة نفر، منهم: عبد الله بن سعد ابن أبي سرح2، والحويرث بن نقيذ3، وابن خطل4، ومقيس بن

_ 1 هو: قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي، مختلف في كنيته فقيل: أبو الفضل، وأبو عبد الله وأبو عبد الملك ... أخرج البغوي من طريق ابن شهاب قال: كان قيس حامل راية الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من ذوي الرأي من الناس ... شهد مع علي صفين ثم كان مع الحسن حتى صالح معاوية، فرجع قيس إلى المدينة ومات بها في آخر خلافة معاوية، الإصابة (3/ 249) . 2 هو: عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب - بالمهملة مصغراً - ابن حذافة بن مالك بن حسن بن عامر بن لؤي القرشي العامري، يكنى أبا يحيى، وكان أخا عثمان من الرضاعة، وكانت أمه أشعرية، كان عبد الله بن سعد يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فأزلّه الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح، فاستجار له عثمان فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم، أمّره عثمان على مصر، ولما وقعت الفتنة سكن عسقلان ولم يبايع لأحد ومات بها سنة ست وثلاثين. الإصابة (2/ 316-317) . 3 هو: الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي، السيرة النبوية لابن هشام (2/ 410) وقتله علي بن أبي طالب. 4 اسمه: عبد الله بن خطل، رجل من بني تيم بن غالب، السيرة النبوية لابن هشام (2/ 409) ، وقد ذكر ابن إسحاق أنه اشترك في قتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي. المصدر السابق. وذكر الواقدي في المغازي (2/ 859) أقوالاً أخرى في من قتله، وسيأتي الخلاف في اسمه.

صُبابة1 أحد بني ليث وهو من كلب بن عوف، وأمر بقتل قينتين2 لابن خطل كانت تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت الكتائب يتلو بعضها بعضاً على أبي سفيان وحكيم وبديل ولا تمر عليهم كتيبة إلا سألوا عنها حتى مرت عليهم كتيبة الأنصار فيها سعد بن عبادة فنادى سعد أبا سفيان فقال: اليوم يوم الملحمة ... اليوم تستحل الحرمة4

_ 1 مقيس بن صبابة: - بمهملة مضمومة وموحدتين الأولى خفيفة - الفتح (8/ 11) وعند ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 410) مقيس بن حبابة، وأن الذي قتله نميلة بن عبد الله رجل من قومه. 2 القينة: الأمة غنَّت أو لم تغن، والماشطة، وكثيراً ما تطلق على المغنية من الإماء. النهاية (4/ 135) . واسم الأولى: فرتنى (ابن هشام 2/ 410) والثانية: قرينة فتح الباري (8/ 11) ، وقد استؤمن للأولى فأسلمت، وقتلت الثانية. المصدر السابق. وقد أحصى الحافظ ابن حجر عدد من أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهم فبلغ عددهم ثمانية رجال وست نسوة. الفتح (8/ 12) . 3 يوم الملحمة: - بالحاء المهملة - أي يوم حرب لا يوجد منه مخلص، ومراد سعد بقوله: يوم الملحمة: يوم المقتلة الكبرى. الفتح (8/ 8) . 4 وكذلك وردت عند ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 406) ، والواقدي في مغازيه (2/ 821) ، والطبراني في الكبير 8/ 6 رقم 7263) ، ومغازي الأموي، انظر: عيون الأثر (2/ 223) . وفي البخاري مع الفتح (8/ 5- 6) رقم (4280) من مرسل عروة (اليوم تستحل الكعبة) .

فلما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان في المهاجرين، قال: يا رسول الله أمرت بقومك أن يقتلوا، فإن سعد بن عبادة ومن معه حين مروا بي ناداني سعد فقال: اليوم يوم الملحمة ... اليوم تستحل الحرمة وإني أناشدك الله في قومك، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة فعزله وجعل الزبير بن العوام مكانه على الأنصار مع المهاجرين، فسار الزبير بالناس حتى وقف بالحجون، وغرز بها راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة، فلقيته بنو بكر فقاتلوه فهزموا، وقتل من بني بكر قريباً من عشرين رجلاً، ومن هذيل ثلاثة أو أربعة، وانهزموا وقُتلوا بالحزورة1 حتى بلغ قتلهم باب المسجد وفرّ بعضهم حتى دخلوا الدور، وارتفعت طائفة منهم على الجبال، واتبعهم المسلمون بالسيوف ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين الأولين وأخريات الناس، وصاح أبو سفيان حين دخل مكة: من أغلق داره وكف يده فهو

_ 1 الحَزْوَرَة: - بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي - هي ما يعرف اليوم باسم القشاشية، مرتفع يقابل المسعى من مطلع الشمس كان ولا يزال سوقاً من أسواق مكة، معجم المعالم الجغرافية (98) .

آمن، فقالت له هند بنت عتبة وهي امرأته: قبحك الله من طليعة قوم وقبح عشيرتك معك، وأخذت بلحية أبي سفيان ونادت يا آل غالب: اقتلوا الشيخ الأحمق، هلاّ قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم، فقال لها أبو سفيان: ويحك اسكتي وادخلي بيتك، فإنه جاءنا بالحق. ولماّ علا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنية كداء نظر إلى البارقة1 على الجبل مع فضض2 المشركين فقال: "ما هذا؟ وقد نهيت عن القتال؟ ". فقال مهاجرون نظن أن خالداً قاتل، وبدئ بالقتال، فلم يكن له بد من أن يقاتل من قاتله، وما كان يا رسول الله ليعصيك، ولا يخالف أمرك3، فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثنية فأجاز على الحجون، فاندفع الزبير ابن العوام حتى وقف بباب المسجد وجُرح رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُرز بن جابر4 أخو بني محارب بن فهر، وحُبيش بن خالد5،

_ 1 البارقة: السيوف: أي رأى لمعانها. النهاية (1/ 120) . 2 فضض المشركين: الفضض كل متفرق ومنتشر، القاموس، (فضض) . والمعنى: مع بعض المشركين الذين تفرقوا عن بعض. 3 وقد ذكر عبد الرزاق في المصنف (5/ 378) عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي بعث خالداً بمن معه يقاتل المشركين بأسفل مكة. 4 هو كُرز بن جابر بن حسل بن لاحب بن حبيب بن عمرو بن سفيان بن محارب بن فهر القرشي الفهري، كان من رؤساء المشركين قبل أن يسلم، وأغار على سرح المدينة مرة، ثم أسلم. الإصابة (3/ 290- 291) . 5 هو: حبيش بن خالد بن سعد بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن خبيس - بمعجمة ثم موحدة ثم مهملة مصغراً - بن حرام بن حبيشة بن كعب بن عمرو الخزاعي، يكنى أبا صخر وهو أخو أم معبد، قتل مع خالد بن الوليد يوم فتح مكة. الإصابة (1/ 310) .

وخالد - يدعى الأشعر وهو أحد بني كعب، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ في قتل النفير أن يقتل عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان قد ارتد بعد الهجرة كافراً، فاختبأ حتى اطمأن الناس، ثم أقبل يريد أن يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه ليقوم إليه رجل من أصحابه ليقتله، فلم يقم إليه أحد ولم يشعروا بالذي كان في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم1: لو أشرت إليّ يا رسول الله لضربت عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تفعل ذلك". ويقال: أجاره عثمان بن عفان رضي الله عليه وسلم وكان أخاه من الرضاعة، وقتلت إحدى القينتين وكمنت الأخرى حتى استؤمن لها، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعاً على راحلته يستلم الأركان زعموا بمحجن، وكثُر الناس حتى امتلأ المسجد، واستكف المشركون ينظرون إلى رسول الله وأصحابه فلما قضى طوافه نزل، وأخرجت الراحلة، وسجد سجدتين، ثم انصرف إلى زمزم فاطلع فيها، وقال: "لولا أن تغلب بنو عبد المطلب على سقايتهم لنزعت بيدي

_ 1 نقل الحافظ ابن حجر عن سبط ابن الجوزي: أن الذي قال ذلك هو عباد بن بشر، وقيل: بل عمر بن الخطاب. الإصابة (2/ 317) .

دلواً"1 ثم انصرف في ناحية المسجد قريباً من المقام مقام إبراهيم عليه السلام، فكان المقام - زعموا - لاصقاً بالكعبة، فأخره رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه هذا2، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسجل3 من ماء زمزم فشرب

_ 1 أخرجه أحمد عن علي رضي الله عليه وسلم بلفظ: (يا بني عبد المطلب سقايتكم، ولولا أن يغلبكم الناس عليها لنزعت بها) المسند (2/ 5 رقم [562] أرناؤوط) والترمذي رقم (885) ، وأبو يعلى رقم (312و 544) ، وابن خزيمة رقم (2837 و2889) ، والطحاوي في مشكل الآثار (2/ 72- 73) ، والبيهقي في السنن (5/ 122) من طريق أبي أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، وبعضهم يزيد فيه على بعض، وسنده حسن، وأخرج نحوه الفاكهي في أخبار مكة، وقال محققه عبد الملك بن دهيش: سنده حسن (2/ 51 رقم 1130) ، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 55) . 2 المشهور أن الذي أخر المقام عمر رضي الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر: وكان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن أخّره عمر رضي الله عليه وسلم إلى المكان الذي هو فيه الآن. فتح الباري (8/ 169) تحت حديث رقم (4483) . ثم قال: أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح عن عطاء وغيره، وعن مجاهد أيضاً، وأخرج البيهقي عن عائشة مثله بسند قوي، ولفظه: (إن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر ملتصقاً بالبيت ثم أخّره عمر) المصدر السابق. وانظر: مصنف عبد الرزاق (5/ 48 رقم 8955) ، وحديث مجاهد في (5/ 47-48 رقم 8953) وقد ذكر ابن كثير في تفسيره (1/ 170) نحواً من كلام الحافظ ابن حجر. وذكر الحافظ ابن حجر أيضاً أن ابن مردويه أخرج بسند ضعيف عن مجاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حوّله. قال: والأول أصح. الفتح 08/ 169) . ونقل ابن كثير في تفسيره رواية ابن مردويه ثم قال: هذا مرسل عن مجاهد وهو مخالف لما تقدم من رواية عبد الرزاق عن معمر عن حميد الأعرج عن مجاهد: أن أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عليه وسلم وهذا أصح من طريق ابن مردويه مع اعتضادها بما تقدم. التفسير (1/ 171) . 3 السجل: الدلو الملأى ماء، ويجمع على سجال. النهاية، 2/344.

وتوضأ، والمسلمون يبتدرون وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبونه على وجوههم والمشركون ينظرون إليهم يتعجبون، ويقولون: ما رأينا ملكاً قط بلغ هذا ولا سمعنا به، ومرّ صفوان بن أمية عامداً للبحر، وأقبل عمير بن وهب بن خلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يؤمن صفوان بن أمية، وقال: إنه قد هرب فاراً نحو البحر، وقد خشيت أن يهلك نفسه فأرسلني إليه بأمان يا رسول الله فإنك قد أمنت الأحمر والأسود. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدرك ابن عمك فهو آمن". فطلبه عمير فأدركه فقال: قد أمنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له صفوان: لا والله لا أقر لك حتى أرى علامة بأمان أعرفها، فقال عمير: امكث مكانك حتى آتيك بها، فرجع عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن صفوان أبى أن يوقن لي حتى يرى منك آية يعرفها، فانتزع رسول الله صلى الله عليه وسلم بردة حَبِرة كان معتجراً بها حين دخل مكة، فدفعه إلى عمير بن وهب فلما رأى صفوان البرد أيقن واطمأنت نفسه وأقبل مع عمير حتى دخل المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان: أعطيتني ما يقول هذا من الأمان؟

قال: (نعم) ، قال: اجعل لي شهراً1 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل لك شهران لعل الله أن يهديك". وقال ابن شهاب: نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان وهو على فرسه فقال: يا محمد أمنتني كما قال هذا، إن رضيت وإلا سيرتني شهرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انزل أبا وهب) قال: لا والله لا أنزل حتى تبين لي، قال: فلك تسير أربعة أشهر2، وأقبلت أم حكيم بنت الحارث بن هشام3 وهي مسلمة يومئذ، وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في طلب زوجها، فأذن لها وأمّنه فخرجت بعبد لها رومي فأرادها على نفسها، فلم تزل تمنيه وتقرب له حتى قدمت على ناس من عكٍّ4 فاستغاثت بهم عليه فأوثقوه لها، وأدركت زوجها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عكرمة وثب عليه فرحاً وما عليه رداء حتى بايعه

_ 1 قوله: (اجعل لي شهراً) ورد مثله عند البيهقي من رواية أبي الأسود عن عروة. الدلائل (5/ 46) . 2 تخييره بأربعة أشهر ورد ما يشهد له عند مالك في الموطأ عن الزهري (الموطأ 2/ 543) رقم (44) وستأتي. 3 هي: أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومية زوج عكرمة بن أبي جهل قال أبو عمر: حضرت يوم أحد وهي كافرة، ثم أسلمت في الفتح، واستأمنت أم حكيم بنت الحارث لعكرمة فأمّنه النبي صلى الله عليه وسلم، الإصابة (4/ 443- 444) . 4 عك: قبيلة تنسب إلى اليمن، وعك هو: عك بن عدنان بن عبد الله بن الأزد. جمهرة أنساب العرب لابن حزم (375) .

وأدركته امرأته بتهامة، فأقبل معها وأسلم، ودخل رجل من هذيل حين هزمت بنو بكر على امرأته فاراً فلامته وعجزته وعيّرته بالفرار، فقال: وأنتِ لو رأيتنا بالخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة وألحقتنا بالسيوف المسلمة يقطعن كل ساعد وجمجمة لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة قال ابن شهاب: قالها حِماس1 أخو بني سعد بن ليث، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد: لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال؟ قال: هم بدأونا بالقتال، ووضعوا فينا السلاح، وأشعرونا بالنبل، وقد كففت يدي ما استطعت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قضاء الله عزوجل خير". قال: وكان دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة والفتح في رمضان سنة ثمان، ويقال: قال أبو بكر رضي الله عليه وسلم يومئذ: يا رسول الله أراني في المنام وأراك دنونا من مكة، فخرجت إلينا كلبة تهرُّ2، فلما دنونا منها استقلت على

_ 1 هو: حماس - بكسر أوله وتخفيف ثانيه وآخره مهملة - ابن قيس ويقال: ابن خالد بن قيس بن مالك الدئلي، ذكر ابن إسحاق والواقدي أنه كان بمكة يوم الفتح، فلما قرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة أعد سلاحه وقال لامرأته: إني لأرجو أن يخدمك الله منهم، ثم فرّ وذكر الأبيات. الإصابة (1/ 352) . 2 هَرَّ الكلب يهرُّ هَريراً، فهو هارٌّ وهرَّارٌ إذا نبح وكشّر عن أنيابه، وقيل: هو صوته دون نباحه. النهاية (5/ 259) .

ظهرها فإذا هي تشخب1 لبناً فقال: ذهب كلبهم، وأقبل درّهم، وهم سائلوكم بأرحامكم لاقون بعضهم فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه، فلقوا أبا سفيان وحكيم اً بمرّ، وقال حسان بن ثابت في مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة: عدمت بنيتي2 إن لم تروها ... تثير النقع3 من كتفي كَداءُ ينازعن الأعنة4 مصفيات5 ... يلطمهن بالخُمر النساء فإن أعرضتموا عنا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم ... يعين الله فيه من يشاء وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء هجوتَ6 محمداً فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء

_ 1 شخب: الشخب السيلان، وأصل الشخب من يخرج من تحت يد الحالب عند كل غمزة وعصرة بضرع الشاة. النهاية (2/ 450) . 2 في ديوانه (19) : عدمنا خيلنا، والبنية اسم من أسماء الخيل، انظر اللسان (بني) . 3 النقع: الغبار. النهاية (5/ 109) . 4 في الديوان (19) يبارين الأعنة، والمعنى: يجارينها في السرعة، والعُنة: سير اللجام الذي تمسك به الدابة، القاموس (عنن) . 5 في الديوان (19) مصعدات، وفي البداية والنهاية (4/ 310) مصغيات، بالغين المعجمة. 6 الذي هجا النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، وقد أسلم عام الفتح. الإصابة (4/ 90) .

فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء لساني صارم لا عيب فيه ... وبحري لا تَكَيده1 الدلاء قال: فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم إلى أبي بكر رضي الله عليه وسلم حين رأى النساء يلطمن الخيل بالخمر2. 150- قال الحاكم3حدثنا أبو العباس محمد4 بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الفتح حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين فسبعت5سليم، وأَلَّفَت6مزينة، وفي كل القبائل عدد وإسلام، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار، فلم

_ 1 في الديوان (21) : لا تكدره الدلاء، والمعنى: أن لسانه كالسيف القاطع وأن شعره كالبحر لا تؤثر فيه الدلاء التي يستقي بها، شرح الديوان (ص: 21) . 2 ذكر ابن كثير في البداية مقتطفات متفرقة من هذه الرواية، انظر: (4/ 291، 294، 295، 296) . 3 مستدرك الحاكم (3/43-44) ، وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي وإنما هو حسن فقط، كما قال الألباني، في تعليقه على فقه السيرة للغزالي (ص408) 4 تقدمت تراجم سند هذه الرواية. 5 أي كملت سبعمائة رجل. النهاية (2/336) 6 أي صارت ألفاً.

يتخلف عنه منهم أحد، وقد عميت الأخبار على قريش فلا يأتيهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو صانع، وكان أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثنية العقاب؛ فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله ابن عمك1 وابن عمتك وصهرك2، فقال: لا حاجة لي بهما؛ أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال، فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بن الحارث ابن3 له، فقال: والله ليأذننّ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنَذْهبَنَّ في الأرض حتى نموت عطشاً أو جوعاً، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لهما فدخلا عليه فأنشده أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره مما كان مضى منه فقال: لعمرك أني يوم أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمد لكالمدلج4 الحيران أظلم ليلهُ ... فهذا أوانُ الحق أُهدي وأهتدي

_ 1 تريد أبا سفيان بن الحارث لأنه ابن عمّ النبي صلى الله عليه وسلم. 2 لأن عبد الله بن أبي أمية أخو أم سلمة، وابن عمته عاتكة. الإصابة (2/277) . 3 ابنه هو: جعفر بن أبي سفيان وقد اسلم مع أبيه. الاستيعاب (4/237) . وذكر الحافظ ابن حجر نقلاً عن الزبير بن بكار وغيره أن جعفراً كان ممن ثبت يوم حنين مع النبي صلى الله عليه وسلم. الفتح (8/30) . 4 الدلجة: هي السير ليلاً، يقال: أدلج بالتخفيف إذا سار من أول الليل، وادَّلج - بالتشديد - إذا سار من آخره. النهاية (2/ 129) .

هدانيَ هادٍ غير نفسي ونالني إلى الله من طردّت كل مطرِّدِ أفر سريعاً جاهداً عن محمد وأدعى ولو لم أنتسب من محمد هُم عصبة من لم يقل بهواهم وإن كان ذا رأي يلَم ويفنَّد1 أريد لأرضيهم ولست بلائط2 مع القوم ما لم أهد في كل مقعد فقل لثقيف لا أريد قتالكم وقل لثقيف تلك غيري وأوعدي فماكنت في الجيش الذي نال عامراً ولا كل عن خير لساني ولا يدي قبائل جاءت من بلاد بعيدة توابع جاءت من سهام3 سردد4 قال: فذكروا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن طردت كل مطرد، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: أنت طردتني كل مطرد5.

_ 1 الفند في الأصل: الكذب، والمفند هو الذي لا فائدة من كلامه. النهاية (3/ 475) 2 اللائط: الملصق: يقال: لاط به يلوط لوطاً ولياطاً، إذا لصق به. النهاية (4/ 277) . 3 سهام: اسم موضع باليمامة كانت به وقعة أيام أبي بكر رضي الله عليه وسلم بين ثمامة بن أثال ومسيلمة الكذاب، معجم البلدان (3/ 288- 289) ، والمعالم الأثيرة (144) . وسهام اسم وادٍ باليمن قرب صنعاء اليمن، وسهام اسم رجل سمي به الموضع، وهو سهام بن الغوث بن حمير، ووادي سهام: قرب زبيد بيوم ونصف، معجم البلدان (2/ 289) . 4 سُردد: - بضم أوله وسكون ثانيه ودال مهملة مكررة الأولى منها مضمومة -، موضع من أرض زبيد باليمن، معجم البلدان (2/ 209) ، والمعالم الأثيرة (139) . 5 ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في الدلائل (5/ 27- 28) ، وابن الأثير في أسد الغابة (6/ 145) ، وأخرجه ابن إسحاق بدون إسناد

_ (ابن هشام 2/ 400- 401) . ووصله ابن جرير في التاريخ عن ابن إسحاق من غير طريق الزهري (2/ 5-- 51) ، ومعنى قوله: (أنت طردتني ... ) أي أنك ممن ساعد على إخراجي من مكة، والله أعلم. وانظر: النهاية (3/ 128) .

المبحث الخامس: في منزل الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة.

المبحث الخامس: في منزل الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة. ... المبحث الخامس: في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة زمن الفتح 151- روى البخاري من حديث الزهري عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد أنه قال زمن الفتح، يا رسول الله، أين تنزل غداً؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وهل ترك لنا عقيل من منزلٍ؟ "1. 152- وروى البخاري أيضاً من حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عليه وسلم قال حين أراد حنيناً: (منزلنا غداً إن شاء الله بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر) 2.

_ 1 رواه البخاري (مع الفتح 8/ 13 رقم 4282) . 2 رواه البخاري (مع الفتح 8/14 رقم 4285) .

المبحث السادس: في قتل خزاعة رجلا من هذيل بعد تحريم مكة.

المبحث السادس: في قتل خزاعة رجلاً من هذيل بعد تحريم مكة. ... المبحث السادس: قتل خزاعة رجلاً من هذيل بعد تحريم مكة 153- قال الإمام أحمد: ثنا وهب بن جرير1 قال: حدثني أبي2 قال: سمعت يونس3 يحدث عن الزهري عن مسلم بن يزيد4 أحد بنى سعد بن بكر أنه سمع شريح الخزاعي5 ثم الكعبي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في قتال بني بكر حتى أصبنا منهم ثأرنا وهو بمكة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برفع السيف فلقي رهط منا الغد رجلاً من هذيل في الحرم يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم

_ 1 هو: وهب بن جرير بن حازم بن زيد، أبو عبد الله الأزدي، البصري، ثقة، من التاسعة، توفي سنة ست ومائتين، ع، التقريب (585) . 2 هو: جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي، أبو النضر البصري، والد وهب، ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف وله أوهام إذا حدث من حفظه، وهو من السادسة، توفي سنة سبعين بعدما اختلط لكن لم يحدث في اختلاطه، ع، التقريب (138) . 3 يونس بن يزيد الأيلي، ثقة، تقدم، رقم الرواية [77] . 4 هو: مسلم بن يزيد السعدي، حجازي، مقبول، من الرابعة، التقريب (531) رقم (6651) . 5 هو: شريح بن عمرو الخزاعي، الإصابة (2/ 147) ، ثم قال الحافظ ابن حجر: ذكره ابن شاهين في الصحابة، ثم ذكر طرفاً من حديث شريح هذا.

وكان قد وترهم1 في الجاهلية وكانوا يطلبونه فقتلوه، وبادروا أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر2، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضباً شديداً والله ما رأيته غضب غضباً أشد منه فسعينا إلى أبي بكر وعمر وعلى رضي الله عنه نستشفعهم وخشينا أن نكون قد هلكنا، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قام فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله ثم قال: (أما بعد فإن الله عز وجل هو حرم مكة ولم يحرمها الناس وإنما أحلّها لي ساعة من النهار أمس وهى اليوم حرام كما حرمها الله عز وجل أول مرة وإن أعتى3 الناس على الله عز وجل ثلاثة: رجل قَتَل فيها، ورجل قَتَل غير قاتله، ورجل طُلِبَ بِذَحْلٍ4 في الجاهلية، وإني والله لأَدِيَنَّ5 هذا الرجل الذي قتلتم فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم6.

_ 1 الوِتْر: الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي، النهاية (5/ 148) . 2 أي فيأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم قتله، والله أعلم. 3 العتو: التجبر والتكبر، وقد عتا يعتو عتواً فهو عاتٍ. النهاية (3/ 181) . 4 الذَّحل: الوتر وطلب المكافأة بجناية جنيت عليه من قتل أو جرح ونحو ذلك، والذحل: العداوة أيضاً. النهاية (2/ 155) . 5 لأدين هذا الرجل: أي أعطي ديته، يقال: وديت القتيل إذا أعطيت ديته. النهاية (5/ 169) . 6 مسند أحمد (26/ 298- 299، رقم [16376] أرناؤوط) وهو حديث صحيح كما قال المحقق دون قوله: (وإنَّ أعتى الناس ... إلى قوله: (في الجاهلية) ، فحسن لغيره، ثم ذكر شواهد لهذه الرواية، فانظرها هناك، والمعرفة التاريخ للفسوي (1/ 397) ، والطبراني في الكبير (22/ 191) رقم (500) ، وقال في المجمع (7/ 174) ورجاله رجال الصحيح، وسنن البيهقي (8/ 71) ، وابن شاهين في الصحابة، كما في الإصابة لابن حجر (2/ 147) ، وأخرجه أبو جعفر الطبري من غير طريق الزهري، انظر: (تهذيب الآثار، السفر الأول من مسند ابن عباس ص: 41 حديث رقم [1] ) . وقصة قتل خزاعة لرجل من بني ليث عام الفتح، ذكرها مسلم في الصحيح رقم: (1355) من حديث أبي هريرة.

المبحث السابع: في كيفية دخول النبي صلى الله عليه وسلممكة عام الفتح.

المبحث السابع: في كيفية دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح 154- قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر1، فلما نزعه جاءه رجل فقال: إن ابن خطل2 متعلق بأستار الكعبة، فقال: "اقتلوه"3.

_ 1 المغفر: ما يلبسه الدارع على رأسه من الزرد ونحوه. النهاية (3/ 374) . 2 ابن خطل: اسمه: هلال بن خطل، وقيل: عبد العزى بن خطل، وقيل: عبد الله بن خطل، هذا قول ابن إسحاق وجماعة، وقال الزبير بن بكار: ابن خطل الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله يوم فتح مكة هو: هلال بن عبد الله بن عبد مناف بن أسعد ابن جابر بن كبير بن تميم بن غالب بن فهر. التمهيد (6/ 157) . 3 صحيح البخاري مع الفتح (4/ 59) رقم (1846) ، ورقم (3044، ورقم 4286، ورقم 5808) ، وهو في موطأ مالك في كتاب الحج باب (جامع الحج) رقم (247) ، وأخرجه مسلم في كتاب الحج حديث رقم (450) ، والحميدي في المسند رقم (1212) وأحمد في المسند (20/ 113 رقم [12681] أرناؤوط) ، وأبو داود رقم (2685) ، والترمذي رقم (1693) ، وفي الشمائل رقم (105) ، والنسائي في الحج (5/ 200- 201) ، وابن ماجه في الجهاد رقم (2805) ، وابن خزيمة في صحيحه رقم (3063) ، والدارمي في سننه رقم (1938، ورقم2456) ، وابن حبان في صحيحه رقم (3719) ، وأبو يعلى في مسنده رقم (3539) ، وابن أبي شيبة (14/ 492) ، وابن سعد في الطبقات (2/ 139) ، وأبو عبيد في الأموال (109 رقم 297) ، وابن زنجويه في الأموال (1/ 294 رقم 453) ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه (ص: 143) ، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 350) رقم (6149) ، والخليلي في الإرشاد (1/ 168) ، والبيهقي في السنن (6/ 323) ، والبغوي في شرح السنة (7/ 304) رقم (2006) ونقله ابن عبد البر في التمهيد عن مالك (6/ 157) .

المبحث الثامن: في تكسير النبي صلى الله عليه وسلم للأصنام التي حول الكعبة.

المبحث الثامن: في تكسير النبي صلى الله عليه وسلم للأصنام التي حول الكعبة. 155- أخرج أبو الوليد الأزرقي من طريق عبد العزيز بن عمران عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، منها ما قد شد بالرصاص، فطاف على راحلته، وهو يقول: "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً" ويشير إليها فما منها صنم

أشار إلى وجهه إلا وقع على دبره، ولا أشار إلى دبره إلا وقع على وجهه حتى وقعت كلها1.

_ 1 أخبار مكة للأزرقي (1/ 121) ، وفي سنده عبد العزيز بن عمران؛ متروك، انظر: التقريب (4114) . وقال ابن هشام: وحدثني من أثق به من أهل الرواية في إسناد له عن ابن شهاب فذكره، السيرة النبوية (1/ 416) . وهي رواية ضعيفة أيضاً لجهالة من حدث ابن هشام. وقد أخرجها أبو الوليد الأزرقي من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن علي بن عبد الله بن عباس قال: فذكره. انظر: أخبار مكة (1/ 120) وهي رواية ضعيفة أيضاً لعنعنة ابن إسحاق. ولكن يشهد لذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه من غير طريق الزهري وذلك من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عليه وسلم قال: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل وما يبدئ الباطل وما يعيد". صحيح البخاري مع الفتح (8/ 15- 16) رقم (4287) وانظر: صحيح مسلم رقم (1781) .

المبحث التاسع: في قصة إسلام صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل.

المبحث التاسع: في قصة إسلام صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل 156- أخرج مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن نساءً كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلمن بأرضهن وهن غير مهاجرات وأزواجهن حين أسلمن كفار، منهن بنت1 الوليد بن المغيرة، وكانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أماناً لصفوان بن أمية، ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، وأن يقدم عليه، فإن رضى أمراً قبله وإلا سيره شهرين، فلما قدم صفوان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه، ناداه على رؤوس الناس، فقال: يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك فإن رضيت أمراً قبلته، وإلا سيرتني شهرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انزل أبا وهب) ، فقال: لا والله لا أنزل حتى تبين لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل لك تسير أربعة أشهر) ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل هوازن بحنين فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعيره2 أداة وسلاحاً عنده فقال صفوان: أطوعاً أم كرهاً؟ فقال:

_ 1 اسمها: فاختة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية أخت خالد بن الوليد، كانت تحت صفوان بن أمية، أسلمت يوم الفتح وبايعت. الإصابة (4/ 374) . 2 استعارة النبي صلى الله عليه وسلم السلاح من صفوان أخرجها الحاكم في المستدرك من طريق ابن إسحاق (3/ 48- 49) ضمن حديث طويل وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والصواب أنه حسن فقط للكلام المعروف في ابن إسحاق، وروي أيضاً من طرق أخرى انظرها في إرواء الغليل (5/ 344- 346) .

(بل طوعاً) . فأعاره الأداة والسلاح التي عنده، ثم خرج صفوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر فشهد حنيناً والطائف وهو كافر، وامرأته مسلمة، ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح1. 157- قال ابن سعد: أخبرنا أحمد بن الحجاج الخراساني2، أخبرنا عبد الله بن المبارك3، قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن بعض

_ 1 موطأ مالك كتاب النكاح: باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله رقم [44] . قال ابن عبد البر: لا أعلمه يتصل من وجه صحيح، وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير وابن شهاب إمام أهلها، وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده إن شاء الله، التمهيد (12/ 19) . وقد أخرج البيهقي هذه الرواية من طريق مالك في السنن الكبرى (7/ 186- 187) وفي الدلائل (5/ 97) . وأخرج ابن إسحاق من غير طريق الزهري عن عروة بمعنى هذه الرواية (ابن هشام 2/ 417- 418) ، ومن طريق ابن إسحاق أخرجها الطبري في تاريخه (3/ 63) 2 هو" أحمد بن الحجاج البكري المروزي، ثقة من العاشرة، توفي سنة اثنتين وعشرين، خ، التقريب (78) . 3 عبد الله بن المبارك المروزي مولى بني حنظلة، ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، من الثامنة، توفي سنة إحدى وثمانين وله ثلاث وستون، ع، التقريب (320) .

آل عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم الفتح ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة أرسل إلى صفوان بن أمية بن خلف وإلى أبي سفيان بن حرب وإلى الحارث بن هشام، قال عمر: قلت: قد أمكن الله منهم أُعَرِّفُهُم بما صنعوا، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} 1) قال عمر: فانفضحت حياءً من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية لما كان مني، وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال2. 158- وقال الحاكم3: حدثنا أحمد بن سهل4 الفقيه ببخارى، ثنا سهل بن المتوكل5، ثنا إسماعيل بن أبي أويس6، عن أبيه7، عن

_ 1 سورة يوسف، آية رقم (92) . 2 الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 141-142) ، وهو ضعيف لجهالة بعض آل عمر، وقد أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم رقم (82) ، وابن زنجويه في كتابه الأموال رقم (455) كلاهما من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري عن بعض آل عمر به. 3 المستدرك (3/ 242) . 4 هو: أبو النصر، أحمد بن سهل البخاري الفقيه، ثقة متفق عليه، الإرشاد للخليلي (3/ 974) . 5 سهل بن المتوكل بن حجر، أبو عصمة البخاري، يروي عن أبي الوليد الطيالسي وأهل العراق، روى عنه أهل بلده، ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 294) ، وقال عنه: (إذا حدث عن إسماعيل بن أبي أويس أغرب عنه) . 6 تقدم في الرواية رقم [7] . 7 عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي، صدوق يهم، تقدم.

الزهري، عن عروة بن الزبير قال: قال عكرمة بن أبي جهل: لما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا محمد إن هذه1 أخبرتني أنك آمنتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت آمن"، فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبد الله ورسوله، وأنت أبر الناس وأصدق الناس وأوفى الناس. قال عكرمة: أقول ذلك وإني لمطأطئ رأسي استحياء منه، ثم قلت: يا رسول الله استغفر لي كل عداوة عاديتكها أو موكب أوضعت2 فيه أريد فيه إظهار الشرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها أو موكب أوضع فيه يريد أن يصد عن سبيلك"، قلت: يا رسول الله مرني بخير ما تعلم فأعلمه، قال: "قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وتجاهد في سبيله"، ثم قال عكرمة: أما والله يا رسول الله لا أدع نفقة كنت أنفقتها في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله ولا قاتلت قتالاً في الصد عن سبيل الله إلا أبليت ضِعْفَه في سبيل الله، ثم اجتهد في القتال حتى قتل يوم أجنادين شهيداً في خلافة أبي بكر رضي الله عليه وسلم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله عام حجته على هوازن يصدقها، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعكرمة يومئذ بتبالة3.

_ 1 يقصد زوجته أم حكيم بنت الحارث بن هشام كما في الرواية الآتية رقم [113] . 2 أوضعت فيه: أي أسرعت فيه القتال. النهاية (5/ 197) . 3 تبالة: وادٍ ذو قرى ومياه ونخل، يقع جنوب شرق الطائف على قرابة (200) كيل، يسيل من سراة غامد وبلقرن، من نواحي الباحة وبلجرشي وما والاهما، ثم يتجه شرقاً فيصب في بيشة، معجم المعالم الجغرافية (59) . والحديث فيه انقطاع، لأن عروة بن الزبير لم يدرك عكرمة، لأن ولادته كانت في آخر خلافة عمر رضي الله عليه وسلم على الراجح، تاريخ خليفة (156) ، وتاريخ دمشق لابن عساكر (11/ 564) .

159- مالك عن ابن شهاب: أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام، وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل، فأسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام، حتى قدم اليمن، فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه فرحاً، وما عليه رداء حتى بايعه، فثبتا على نكاحهما ذلك1.

_ 1 موطأ مالك، كتاب النكاح، باب: نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله، رقم الحديث (44) . ومن طريق مالك أخرجه البيهقي في السنن (7/ 178) ، ودلائل النبوة (5/ 98) . وأخرج نحوه ابن إسحاق عن الزهري (ابن هشام 2/ 418) ، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري في التاريخ (3/ 63) .

المبحث العاشر: في سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة.

المبحث العاشر: في سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة 160- قال البخاري: حدثني محمود، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، (ح) وحدثني نعيم، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: بعث1 النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جَذِيمة2، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا3، فجعلوا يقولون: صبأنا،

_ 1 هذا البعث كان عقب فتح مكة في شوال قبل الخروج إلى حنين عند جميع أهل المغازي، وكانوا بأسفل مكة من ناحية يلملم، فتح الباري (8/ 57) . وكان عددهم ثلاثمائة وخمسين من المهاجرين وبني سليم. ابن سعد (2/ 147) . 2 إلى بني جذيمة: - بفتح الجيم وكسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة -، أي ابن عامر ابن عبد مناة بن كنانة، فتح الباري (8/ 57) . قال الحافظ: "ووهم الكرماني فظن أنه من بني جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف، قبيلة من عبد قيس". الفتح (8/ 57) . 3 قوله: "فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا ... " قال الحافظ: "هذا من ابن عمر راوي الحديث، يدلّ على أنه فهم أنهم أرادوا الإسلام حقيقة، ويؤيد فهمه أن قريشاً كانوا يقولون لكل من أسلم صبأ، حتى اشتهرت هذه اللفظة، وصاروا يطلقونها في مقام الذم، ومن ثم لما أسلم ثمامة بن أثال وقدم مكة معتمراً، قالوا له: صبأت؟ قال: بل أسلمت، فلما اشتهرت هذه اللفظة بينهم في موضع أسلمت استعملها هؤلاء، وأما خالد فحمل هذه اللفظة على ظاهرها، لأن قولهم: صبأنا، أي خرجنا من دين إلى دين، ولم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا بالإسلام. أ.هـ. الفتح (8/ 57) . وقال الحافظ: "قال الخطابي: يحتمل أن يكون خالد نقم عليهم العدول عن لفظ الإسلام، لأنه فهم عنهم أن ذلك وقع منهم على سبيل الأنفة، ولما ينقادوا إلى الدين فقتلهم متأولاً قولهم". المصدر السابق. وأما ما ذكره ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 431) والواقدي في المغازي (3/ 876- 882) ، من أن خالداً إنما فعل ذلك إدراكاً لثأر قديم مع بني جذيمة، فلا يصح، لأن ابن إسحاق ذكر ذلك بدون إسناد، والواقدي متروك، ولا يؤخذ بقوله في مجال الأحكام الشرعية.

صبأنا1، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يومٌ، أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجلٌ من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد2، مرتين"3.

_ 1 صبأنا صبأنا: يقال: صبأ فلان إذا خرج من دين إلى دين غيره، من قولهم: صبأ ناب البعير إذا طلع، وكانت قريش تسمي النبي صلى الله عليه وسلم الصابئ، لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام. النهاية (3/ 3) . 2 قال الحافظ: "قال الخطابي: أنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم: صبأنا"، فتح الباري (8/ 57- 58) . 3 صحيح البخاري مع الفتح (8/ 56) رقم (4339) و (13/ 181 ورقم 7189) . وقد أخرج خبر هذه السرية أيضاً: عبد الرزاق في المصنف (5/ 221- 222 رقم 9434) ، ومن طريقه أخرجه أحمد في المسند (10/ 444- 445 رقم [6382] أرناؤوط) ، والنسائي في سنن رقم (5404) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 11/ 53، رقم: 4749) ، والبيهقي في الدلائل (5/ 113- 118) ، وفي السنن (9/ 115) وذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام، قسم المغازي (567) ، وابن كثير في البداية (4/ 313- 314) ، ومن غير طريق الزهري أخرجها ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 428) ، والواقدي في المغازي (3/ 875) ، وابن سعد (2/ 147- 149) بدون إسناد.

161- وقال ابن إسحاق1: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة ابن الأخنس2، عن الزهري، عن ابن أبي حدرد الأسلمي3 قال: كنت يومئذٍ في خيل خالد بن الوليد، فقال لي فتى4 من بني جذيمة وهو في

_ 1 سيرة ابن هشام (2/ 433) . 2 هو: يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس الثقفي، ثقة، من السادسة، توفي سنة ثمان وعشرين، د، س، ق، التقريب (608) . 3 هو: عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، اسمه: سلامة، وقيل: عبيد بن عمير بن أبي سلامة بن سعد بن شيبان ... الأسلمي أبو محمد، له ولأبيه صحبة ... قال الحافظ: روى ابن إسحاق في المغازي عن يعقوب بن عتبة عن ابن شهاب عن أبي حدرد أن ابنه عبد الله قال: كنت في خيل خالد بن الوليد فذكر الحديث في قصة المرأة التي عشقها الرجل وضربت عنقه فماتت عليه ... ، الإصابة (2/ 294- 295) . 4 هو: عبد الله بن علقمة الكناني. انظر: الكامل (2/ 175) .

سني، وقد جعلت يداه إلى عنقه برُمّة1، ونسوة مجتمعات غير بعيد منه: "يا فتى، فقلت: ما تشاء؟ قال: هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضى إليهن حاجة ثم تردني بعد فتصنعوا بي ما بدا لكم؟ قال: قلت: والله ليسيرٌ ما طلبت، فأخذت برمته فقدته بها حتى وقفت عليهن: فقال اسلمي حبيش2 على نفد من العيش: أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم ... بحلية3 أو ألفيتكم بالخوانق4 ألم يك أهلاً أن ينوّل عاشق ... تكلف إدلاج5السرى والودائق6 فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معاً ... أثيبي7 بود قبل إحدى الصفائق8

_ 1 الرُّمة: - بالضم -: قطعة حبل يشد بها الأسير أو القاتل إذا قيد إلى القصاص، النهاية (2/ 267) . 2 مرخم حبيشة. 3 حلية: اسم موضع أو هو: وادٍ بتهامة؛ أعلاه لهذيل، وأسفله لكنانة، معجم البلدان (2/ 297) . 4 الخوانق: اسم موضع، لكن لم أجد له تعريفاً من كتب الأماكن والبلدان. 5 الإدلاج: هو السير من أول الليل. النهاية (2/ 129) . 6 الودائق: جمع وديقة، أي حر شديد، أشد ما يكون من الحر بالظهائر. النهاية (5/ 169) . 7 أثيبي: من ثاب يثوب إذا رجع. النهاية (1/ 227) . 8 الصفائق: الحوادث، القاموس (صفق) .

أثيبي بود قبل أن تشحط1 النوى ... وينأى الأمير بالحبيب المفارق فإنّي لا ضيعت سر أمانة ... ولا راق عيني عنك بعدك رائق2 سوى أن ما نال العشيرة شاغل ... عن الودِّ إلا أن يكون توامق3 قالت: وأنت فحييت سبعاً وعشراً وتراً وثمانياً تترى. قال: ثم انصرفتُ به فضربتُ عنقه"4.

_ 1 شحط: الشحط: البعد، يقال: شحط فلان في السوم إذا أبعد. النهاية (2/ 449) . 2 رائق: من راق الشيء إذا صفا وخلص. النهاية (2/ 279) . 3 ومقه: أي أحبه، القاموس (ومق) . 4 وهذه الرواية إسنادها حسن، وقد أخرجها من طريق ابن إسحاق البيهقي في الدلائل (5/ 115) ، إلا أنه قال: حدثنا ابن أبي حدرد عن أبيه، وكذلك عند الذهبي قسم المغازي (568) ، وابن كثير البداية والنهاية (4/ 313) . وقد أخرج النسائي برقم (5404) والبيهقي في الدلائل (5/ 118) ، قصة مشابهة لهذه القصة من حديث ابن عباس وقال فيها: ".. فقال إني لست منهم، إني عشقت امرأة منهم، فدعوني أنظر إليها نظرة - قال فيه - فضربوا عنقه، فجاءت المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أما كان فيكم رجل رحيم" وقد صححها ابن حجر كما في الفتح (8/ 58) ، وأخرجها ابن حبان في صحيحه موارد الظمآن رقم (6696) ، والطبراني في الكبير والأوسط كما قال الهيثمي في المجمع (6/ 110) ، وقال: "إسناده حسن".

الفصل الرابع: غزوة حنين وحصار الطائف

الفصل الرابع: غزوة حنين وحصار الطائف المبحث الأول: في سبب الغزوة. ... المبحث الأول: في سبب الغزوة 162- قال خليفة بن خياط في تاريخه: نا وهب1 عن أبيه2 عن ابن إسحاق قال: حدثني عمرو بن شعيب3 عن أبيه4 عن جده5، قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري: أن هوازن6 لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه جمعها مالك

_ 1 وهب بن جرير بن حازم، ثقة تقدم في الرواية رقم [153] . 2 جرير بن حازم تقدمت ترجمته في الرواية رقم [153] . 3 هو: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق من الخامسة، توفي سنة ثمان وعشرين ومائة، الرواية، ع، التقريب، (423) . 4 هو: شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق، ثبت سماعه من جده، من الثالثة، الرواية، ع، التقريب (267) . 5 عن جده: وهو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي السهمي، كنيته أبو محمد عند الأكثر، ويقال أبو عبد الرحمن ... ، أسلم قبل أبيه، ويقال: لم يكن بين مولديهما إلا اثنتا عشرة سنة، مات بالشام سنة خمس وستين وهو يومئذ ابن اثنتين وسبعين، وقيل: مات بمكة وقيل: بالطائف. الإصابة (2/ 351- 352) . 6 قبيلة هوازن تنسب إلى: هوازن بن منصور بن عكرمة بن خَصَفَة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (264- 265) ، ونهاية الأرب للقلقشندي (362،391) ، وفتح الباري (8/29) . وتقع ديار هوازن ما بين غور تهامة إلى ما وراء بيشة، وناحية السراة والطائف وذي المجاز وحنين وأوطاس، انظر: مرويات غزوة حنين وحصار الطائف لإبراهيم القريبي (1/ 37) . والغور: هو كل ما انحدر سيله مغرباً.

ابن عوف النصري1، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة معه ألفان2

_ 1 هو: مالك بن عوف بن سعد بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، أبو علي النصري، كان رئيس المشركين يوم حنين، ثم أسلم، وكان من المؤلفة، وصحب، ثم شهد فتح القادسية وفتح دمشق. الإصابة (3/ 352) . 2 ذكر ذلك أيضاً ابن إسحاق بدون سند (ابن هشام 2/ 440) وقد أخرج البيهقي في الدلائل (5/ 121) من طريق ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه فسار بهم ... ) الحديث. وأخرج نحوه الطبري في تاريخه (3/ 73) من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر. وأخرجه أيضاً عن عروة وقتادة والسدي، انظر: تفسير الطبري (10/ 99-103) وقد أخرجه الواقدي عن شيوخه (المغازي 3/ 899) ، وابن سعد في الطبقات (2/ 154-155) . وكلها لا تسلم من ضعف من الناحية الحديثية إلا أنها تتقوى بمجموعها، كما ذكر ذلك القريبي في رسالته (مرويات غزوة حنين والطائف) (1/ 116) .

من أهل مكة مع عشرة آلاف1 من أصحابه واستعمل على مكة2 ابن أَسيد3 فالتقوا بحنين4، فجال المسلمون ثم كروا على عدوهم فهزم الله المشركين5.

_ 1 يشهد لذلك ما أخرجه البخاري مع الفتح رقم (4276) ومسلم رقم (1059) . 2 مسألة استعمال ابن أسيد على مكة وردت من طرق ترتقي إلى درجة الحسن كما قال الألباني في تعليقه على فقه السيرة للغزالي (433) ، كما أن الحافظ ابن حجر حسن رواية البخاري في تاريخه الكبير (1/ 419) ، التي تذكر أن عتاباً كان أميراً على مكة، وأنه لم يكسب من عمله ذلك إلا ثوبين. انظر: الإصابة (2/ 451) ، وانظر مرويات غزوة حنين للشيخ إبراهيم القريبي (1/ 105- 110) . 3 هو: عتاب - بالتشديد - بن أَسيد - بفتح أوله - بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس الأموي، أبو عبد الرحمن ويقال: أبو محمد، أسلم يوم الفتح، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة لما سار إلى حنين، وقيل إنما استعمله بعد أن رجع من الطائف، وحج بالناس سنة الفتح، وأمّره أبو بكر على مكة إلى أن مات. الإصابة (2/ 451) . 4 حنين: - بمهملة ونون مصغر - (فتح الباري 8/ 27) ، وهو واد من أودية مكة، يقع شرقها بقرابة ثلاثين كيلاً، يسمى اليوم (وادي الشرائع) ولا يعرف اليوم اسم حنين إلا الخاصة من الناس. معجم المعالم الجغرافية (ص:107) ، وقيل: يبعد عن مكة ستة وعشرين كيلاً شرقاً، وعن حدود الحرم من علمي طريق نجد أحد عشر كيلاً وهو واد يعرف اليوم ب- (الشرائع) المعالم الأثيرة (104) ، وسمي حنين بحنين ابن قابثة بن مهلائيل كما قال البكري. معجم ما استعجم (2/ 71-72، و472) . 5 تاريخ خليفة بن خياط (88) ، والحديث سنده حسن، لتصريح ابن إسحاق بالتحديث.

163- قال البيهقي1: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ2، وأبو بكر أحمد ابن الحسن القاضي، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر3، عن أبيه جابر بن عبد الله وعمرو بن شعيب4، والزهري، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم5، وعبد الله بن المكدم بن عبد الرحمن الثقفي6 عن حديث حنين حين سار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وساروا إليه، فبعضهم يحدث ما لا يحدث به بعض وقد اجتمع حديثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف

_ 1 دلائل النبوة (5/ 119- 120) . 2 تقدمت تراجم رجال الإسناد. 3 هو: عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله الأنصاري، أبو عتيق المدني، لم يصب ابن سعد في تضعيفه، من الثالثة، ع، التقريب (337) . 4 عمرو بن شعيب، تقدم في الرواية رقم [156] . 5 عبد الله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري المدني، القاضي، ثقة، من الخامسة، توفي سنة خمس وثلاثين، وهو ابن سعين سنة، ع، التقريب (ص: 297) . 6 هو: عبد الله بن المكدم - بالدال - الثقفي، وهو كذلك بالدال كما في سيرة ابن هشام (2/ 485) ، أما في التاريخ الكبير للبخاري (5/ 211) والجرح والتعديل (5/ 181) فهو بالراء المهملة (مكرم) روى عن عبد الله بن قارب، وعنه ابن إسحاق، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول ذلك. انظر: الجرح والتعديل (5/ 181) .

النصري بني نصر، وبني جُشَم، وبني سعد بن بكر، وأوزاعاً1 من بني هلال، وهم قليل، وناساً من بني عمرو بن عامر وعوف بن عامر، وأوعبت معه ثقيف الأحلاف2، وبنو مالك ثم سار بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق معه الأموال والنساء والأبناء، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، فقال: اذهب فادخل في القوم حتى تعلم لنا من علمهم، فدخل فيهم فمكث فيهم يوماً أو يومين، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد، فقال عمر رضي الله عنه: كذب، فقال ابن أبي حدرد: والله لئن كذبتني يا عمر لربما كذبت بالحق، فقال عمر: ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن أبي حدرد؟ فقال: "قد كنت ضالاً يا عمر فهداك الله"، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية فسأله أدراعاً عنده مائة3 درع وما يصلحها من عدتها، فقال: أغصباً يا محمد، فقال: بل

_ 1 أوزاعاً: أي جماعات متفرقة. النهاية (5/ 181) . 2 لأن ثقيفاً فرقتان: بنو مالك بن حطيط بن جشم بن قسي بن منبه بن بكر بن هوازن، وبنو عوف بن معاوية بن بكر بن هوازن، وهم الأحلاف، وسموا بذلك لتحالفهم على بني مالك، انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (266، 269) ، وانظر: تهذيب الأنساب لابن الأثير (1/ 33) ، وأسد الغابة (4/ 375) . 3 يؤيد هذا العدد رواية الحاكم في المستدرك (3/ 48- 49) وهي رواية حسنة، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، رقم الحديث (631) ، والسنن الكبرى للبيهقي (6/ 89) . وقد أخرج البيهقي في السنن (6/ 89- 90) أن العارية كانت ثمانين درعاً. وأخرج أبو داود في السنن رقم (3563) أن صفوان أعار النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين ما بين الثلاثين إلى الأربعين، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (3043) . وفي رواية أخرى: "أن الرسول صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان أدرعاً يوم حنين" دون أن يحدد العدد. انظر: سنن أبي داود رقم (3562) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (3042) وفي رواية أخرى لأبي داود رقم (3566) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لصفوان: "إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعاً وثلاثين بعيراً ... " وحكم عليه الألباني بالصحة. انظر: صحيح سنن أبي داود رقم (3045) .

عارية1 مضمونة حتى نؤديها عليك، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سائراً. زاد أبو عبد الله في روايته قال ابن إسحاق: حدثنا الزهري، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين في ألفين من مكة، وعشرة آلاف كانوا معه فسار بهم2.

_ 1 العارية: - مشددة، وقد تخفف - وهي: ما تداولوه بينهم، واستعار: طلب، واستعار منه، طلب إعارته. القاموس، مادة (عور) . 2 وهي رواية حسنة، ويشهد لهذه الرواية ما أخرجه الحاكم من طريق ابن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله رضي الله عنه: فذكر نحواً من هذه الرواية، انظر: مستدرك الحاكم (3/ 48- 49) ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والصواب أنه حسن للكلام المعروف في ابن إسحاق إذا صرح بالتحديث، ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 89) مختصراً. وأخرج هذه الرواية ابن إسحاق بدون إسناد، انظر: ابن هشام (2/ 439-440) والطبري في تاريخه (3/ 72- 73) .

المبحث الثاني: في تاريخ الغزوة.

المبحث الثاني: في تاريخ الغزوة. 164- قال ابن إسحاق: وحدثني ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة"1.

_ 1 سيرة ابن هشام (2/ 437) ، وهذه الرواية مرسلة، ومن طريق ابن إسحاق أخرجها ابن سعد في الطبقات (2/ 143) ، والحديث قد وصله أبو داود في سننه (2/ 11 رقم 1231) وابن ماجه (1/ 342 رقم 1076) من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال أبو داود: "روى هذا الحديث عبدة بن سليمان، وأحمد بن خالد الوهبي، وسلمة بن الفضل عن ابن إسحاق لم يذكروا فيه ابن عباس، يعني أنه مرسل كما قال البيهقي في السنن (3/ 151) ، وفي الدلائل (5/ 35) . ويشهد له أيضاً ما أخرجه الطبري في تاريخه عن عروة: أنه أقام عام الفتح نصف شهر، تاريخ الطبري (3/ 70) ، وذكر ابن حجر في الفتح (8/ 27) ، أن ابن شبة أخرج في كتابه (تاريخ مكة) عن عروة مثل ذلك، وتحديد خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين راجع إلى تحديد المدة التي دخل فيها صلى الله عليه وسلم مكة، ومدة مكثه فيها، وفي ذلك أقوال كثيرة: قال النووي: "والمشهور في كتب المغازي أنه خرج في غزوة الفتح من المدينة لعشر خلون من رمضان، ودخلها لتسع عشرة خلت منه" النووي على مسلم (7/ 434) . وفي مدة إقامته بمكة خلاف: فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم أقام خمس عشرة ليلة كما في رواية الزهري هذه.

المبحث الثالث: في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين ومروره بذات أنواط

المبحث الثالث: في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين ومروره بذات أنواط. 165- عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري، عن سنان بن

_ وقيل: سبعة عشر يوماً، وقيل: ثمانية عشر، وقيل: تسعة عشر، وقيل: عشرين يوماً، انظر: تخريج هذه الروايات في رسالة: عادل عبد الغفور (مرويات عروة بن الزبير في السير والمغازي) (ص: 757- 760) . والراجح والله أعلم أنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين، كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه رقم (1080) و (4298) ، و (4299) . قال البيهقي في السنن الكبرى (3/ 151) : "وأصحها عندي - والله أعلم - رواية من روى تسع عشرة، وهي الرواية التي أودعها محمد بن إسماعيل البخاري في الجامع الصحيح (فعلى هذا يكون خروجه صلى الله عليه وسلم إلى حنين في اليوم الثامن أو (حسب نقصان الشهر وتمامه) التاسع من شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة، أما لو أخذنا برواية الزهري هذه التي تذكر مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وأنها خمس عشرة ليلة مع ما ذكره النووي من أن الجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم وصل إلى مكة لتسع عشرة خلت من رمضان فيكون خروجه صلى الله عليه وسلم إلى حنين في خمس أو ست ليال مضين من شوال من السنة الثامنة، ويظهر أن هذا القول أخذ به ابن إسحاق كما عند الواقدي في مغازيه (3/ 899) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 150) ، والطبري في تاريخه (3/ 70) من طريق عروة، وابن كثير في البداية والنهاية (4/ 322) ، وفتح الباري (8/ 27) ، وذكر أن عمر بن شبة نقل ذلك عن عروة.

أبي سنان الديلي1، عن أبي واقد الليثي 2، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل حنين فمررنا بالسِّدْرة3 فقلنا: أي رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط4 كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} 5 إنكم تركبون سَنَن الذين من قبلكم"6.

_ 1 هو: سنان بن أبي سنان الديلي، المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة خمس ومائة، وله اثنتان وثمانون سنة، خ م ت س، التقريب (256) . 2 أبو واقد الليثي ... مختلف في اسمه، قيل: هو الحارث بن مالك، وقيل: ابن عوف، وقيل: عوف بن الحارث بن أسيد بن جابر بن عبد مناف ... ابن كنانة، حليف بني أسد، أسلم قديماً، وكان يحمل لواء بني ليث وضمرة، وسعد بن بكر يوم الفتح وحنين، وفي غزوة تبوك يستنفر بني ليث، عاش إلى خلافة معاوية. الإصابة (4/ 215-216) . 3 السّدرة: شجرة النبق. القاموس، مادة (سدر) . 4 ذات أنواط: هي اسم شجرة بعينها كانت للمشركين ينوطون بها سلاحهم، أي: يعلقونه بها، ويعكفون حولها. النهاية، 5/125. 5 سورة الأعراف، آية (138) . 6 تفسير عبد الرزاق (1/ 235) القسم الثاني بسند صحيح. وأخرجه أحمد في المسند (36/ 231، رقم [21900] أرناؤوط) ، والحميدي (2/ 375 رقم 848) ، وابن أبي شيبة في المصنف (15/ 101) ، والطيالسي رقم (1346) والترمذي في الفتن رقم (2180) وعنده إلى (خيبر) وهو خطأ، وأخرجه ابن إسحاق (سيرة ابن هشام 2/ 442) إلا أنه قال: وحدثني ابن شهاب، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي، عن أبي واقد الليثي، أن الحارث بن مالك قال: (خرجنا ... ) مما قد يظن أن الحارث غير أبي واقد، والصواب أن الحارث بن مالك هو أبو واقد الليثي كما في دلائل البيهقي (5/ 124) ، وحيث أورده من طريق ابن إسحاق وفيه: ... عن أبي واقد الليثي وهو الحارث بن مالك قال فذكره. وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم (76) والأزرقي في أخبار مكة (1/ 129-130) . والطبراني في الكبير رقم (3290و 3291 و3292 و3294) وابن حبان (الإحسان 14/ 94 رقم 6702) ، وأخرجه أيضاً البيهقي في الدلائل (5/ 125)

المبحث الرابع: في إعجاب المسلمين بكثرتهم.

المبحث الرابع: في إعجاب المسلمين بكثرتهم. 166- وقال الواقدي: حدثني معمر، عن الزهري قال: افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الله تعالى: {إِذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ} 1 قالوا: وكان فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة2 يصلي ركعتين، ثم غدا يوم السبت لست ليال خلون من شوال، واستعمل على مكة عتاب

_ 1 سورة النصر، آية رقم (1) . 2 الذي في البخاري أنه أقام تسعة عشر يوماً، انظر: صحيح البخاري، حديث رقم: (4298) و (4299) .

ابن أسيد1 يصلي بهم، ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه2، قالوا: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفاً من المسلمين عشرة آلاف من أهل المدينة وألفين من أهل مكة، فلما فصل، قال رجل3 من أصحابه: لو لقينا بني شيبان ما بالينا، ولا يغلبنا اليوم أحد من قلة، فأنزل الله عزوجل في ذلك: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُم} 4. 167- وأخرج الواقدي أيضاً من طريق موسى بن عقبة عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول

_ 1 سبق التعليق على تعيين عتاب بن أسيد؛ أميراً على مكة في الرواية الماضية؛ رقم: [162] . 2 وقد ذكر ذلك الحاكم في المستدرك (3/ 270) . 3 وعند البزار (كشف الأستار للهيثمي 2/ 246-247) أن القائل غلام من الأنصار. قال الهيثمي: وفيه علي بن عاصم بن صهيب ضعيف، مجمع الزوائد (6/ 178) . في الدلائل (5/ 123) ، أنه رجل، وهو مرسل. وعند ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 444) أنَّه رجل من بكر قال ذلك. وعنده أيضاً أن القائل رسول الله صلى الله عليه وسلم. المصدر السابق. وكلها أحاديث ضعيفة لكن يشهد لها قوله تعالى: {ويومَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تًغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً} الآية. وانظر: في هذه المسألة رسالة الدكتور القريبي: مرويات غزوة حنين (2/ 135) . 4 المغازي (3/ 889، والواقدي متروك فالحديث ضعيف، ولكن هناك ما يشهد لأكثر فقراته، والآية من سورة التوبة رقم (250) .

الله، لا نغلب اليوم من قلة، فأنزل الله عزوجل في ذلك: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ... } الآية1.

_ 1 مغازي الواقدي (3/ 390) ، وهو متروك، وأيضاً سعيد بن المسيب لم يدرك أبا بكر ففيه انقطاع.

المبحث الخامس: في وقائع المعركة.

المبحث الخامس: في وقائع المعركة. 168- قال الإمام مسلم1: وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو ابن سَرْح، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عباس: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي2، فلما التقى المسلمون والكفار ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق3 رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبَل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ

_ 1 صحيح مسلم بشرح النووي (12/ 113) . 2 وعند ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 591) : فروة بن عمرو الجذامي، وذكر أنه أسلم. وعند ابن عبد البر (الاستيعاب 3/325) : فروة بن عمرو النفاثي، وفي الإصابة (3/ 213) : (مروة بن عامر الجذامي أو ابن عمرو وهو أشهر، أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث بإسلامه، ولم ينقل أنه اجتمع به ... أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء ... ) . وقال النووي: "فروة بن نفاثة - بنون مضمومة ثم فاء مخففة ثم ألف ثم تاء مثلثة -، وفي الرواية التي بعدها رواية إسحاق بن إبراهيم قال فروة بن نعامة - بالعين والميم -، والصحيح المعروف الأول" شرح مسلم (12/ 113) . 3 طفق: بمعنى أخذ. النهاية (3/ 129) .

بلجام1 بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أَكُفُّها2 إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب3 رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي عباس ناد أصحاب الشجرة" 4، فقال عباس وكان رجلاً صَيِّتاً5: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب الشجرة؟ قال: فوالله لكأَنَّ عَطْفَتَهم حين سمعوني عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار، قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج6، فقالوا: يا بني

_ 1 اللجام: حبل أو عصا تدخل في فم الدابة وتلزق إلى قفاه، لسان العرب (لجم) . 2 أكفها: أي أمنعها. النهاية (4/ 192) . 3 الركاب للسرج: كالغرز للرحل، والجمع ركب، اللسان (ركب) . 4 هي: الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان، ومعناه: ناد أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية. النووي بشرح مسلم (12/ 115) . 5 رجلاً صيتاً: أي شديد الصوت عاليه. النهاية (3/ 64) وذكر النووي عن الحازمي في المؤتلف أن العباس رضي الله عنه كان يقف على سلع فينادي غلمانه في آخر الليل وهم في الغابة فيسمعهم، قال: وبين سلع والغابة ثمانية أميال، النووي على مسلم (12/ 115) . 6 قوله: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، هو: الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، ومن ولده: جشم وحارثة، فولد جشم عبد الأشهل وزعوراء، جمهرة أنساب العرب لابن حزم (338) .

الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا حين حمي الوطيس" 1، قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: "انهزموا ورب الكعبة"2، قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم3 كليلاً وأمرهم مدبراً4.

_ 1 هذا حين حمي الوطيس: - هو بفتح الواو وكسر الطاء المهملة وبالسين المهملة -، قال الأكثرون: هو شبه التنور يسجر فيه، ويضرب مثلاً لشدة الحرب التي يشبه حرها حره. وقال آخرون: الوطيس هو: التنور نفسه، وقال الأصمعي: هي حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها، فيقال: الآن حمي الوطيس ... ، قالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم، النووي على مسلم (12/ 116) . 2 وفي رواية معمر عن الزهري (انهزموا ورب الكعبة، انهزموا ورب الكعبة) مسلم بشرح النووي (12/ 117) . 3 فما زلت أرى حدهم كليلاً: - هو بفتح الحاء المهملة -، أي: ما زلت أرى قوتهم ضعيفة، النووي على مسلم (12/ 117) . 4 وأخرجه من طريق يونس الحاكم في المستدرك (3/ 327) ، والبغوي في شرح السنة (14/ 31) والبيهقي في الدلائل (5/ 137) . ومن طريق معمر عن الزهري أخرجه الواقدي في المغازي (3/ 898) ، وعبد الرزاق في المصنف (5/ 379) ، رقم (9741) ، وفي تفسيره (1/ 269) ، ومن طريقه أخرجه أحمد في المسند (3/ 296- 297 رقم [1775] أرناؤوط) ، وفي فضائل الصحابة رقم (1775) ، ومسلم رقم (1775) (76) ، وأخرجه من طريق معمر ابن سعد في الطبقات (2/ 155) ، وأبو يعلى في المسند رقم (3606) ، وابن حبان في صحيحه (15/ 523 رقم 7049) . وأخرجه الحميدي في مسنده (1/ 218 رقم 459) من طريق الزهري. ومن طريق سفيان عن الزهري أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 732) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 273 رقم 356) ، وفي كتاب الجهاد رقم (252) مختصراً، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 272) ، والحاكم في المستدرك (3/ 255) . وأخرجه ابن سعد كما في الطبقات (4/ 18) من طريق محمد بن عبد الله عن عمه ابن شهاب، وأخرجه ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 444- 445) ومن طريق ابن إسحاق أخرجه ابن سعد كما في الطبقات (3/ 75) ، والطبري في تفسيره (14/ 182) ، تحقيق: أحمد شاكر، وأخرجه الفزاري عن ابن جريج عن ابن شهاب مرسلاً، السير للفزاري (203) .

169- عبد الرزاق1 عن معمر عن الزهري قال: أخبرني كثير بن العباس بن عبد المطلب2 عن أبيه العباس قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب فلزمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه وهو على بغلة

_ 1 مصنف عبد الرزاق (5/ 379) رقم (9741) ، والتفسير (1/ 269) القسم الثاني. 2 هو: كثير بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي أبو تمام، صحابي صغير، مات بالمدينة أيام عبد الملك، خ م د س، التقريب (459) .

شهباء، وربما قال معمر: بيضاء، أهداها له فروة بن نعامة الجذامي، قال: فلما التقى المسلمون والكفار ولَّى المسلمون مدبرين، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار، قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقفها1، وهو لا يألو ما أسرعَ نحو المشركين، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغَرْز رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عباس ناد أصحاب السمرة، قال: وكنت رجلاً صَيِّتاً فناديت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله لكأن عَطْفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، يقولون: يا لبيك، يا لبيك، يا لبيك، وأقبل المسلمون فاقتتلوا هم والكفار، فنادت الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، ثم قُصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فنادوا: يا بني الحارث بن الخزرج، قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا حين حمى الوطيس" قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب الكعبة، قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً حتى هزمهم الله تعالى، قال: وكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يركض خلفهم على بغلة له2.

_ 1 في تفسير عبد الرزاق (1/ 269) : فكففتها، وعند مسلم بشرح النووي (12/ 113) : من طريق يونس: أكفها. 2 إلى هنا أخرجه عبد الرزاق متصلاً.

170- قال الحميدي: حدثنا سفيان1، قال: ثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: جُرِح خالد بن الوليد يوم حنين فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام وهو يقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ فخرجت أمشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلى رحل قد أصابته جراحة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده ودعا له قال2: وأرى فيه ونفث3 عليه4. قال عبد الرزاق: قال الزهري: وكان عبد الرحمن بن أزهر5 يحدث

_ 1 هو: سفيان بن عيينة، تقدم. 2 القائل هو: الزهري، ففي مسند أحمد (27/ 366 رقم [16811] أرناؤوط) ( ... قال الزهري: وحسبت أنه قال: ونفث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، وانظر: كذلك صحيح ابن حبان رقم (7090) . 3 نفث: النفث شبيه بالنفخ، وهو أقل من التفل، لأن التفل لا يكون إلا معه شيء من الريق. النهاية (5/ 88) . 4 مسند الحميدي (2/ 398) رقم (897) بسند صحيح. ومن طريق معمر أخرجه الشافعي في المسند (2/ 90) رقم (292) ، وأحمد في المسند (27/ 366، رقم [16811] أرناؤوط) وابن أبي عاصم في الآحاد (1/ 459) رقم (639) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 15/ 564- 565، رقم 7090) ، وقال محققه شعيب الأرناؤوط: سنده صحيح، وأخرجه البيهقي في السنن (8/ 319 و9/ 103) مختصراً. 5 عبد الرحمن بن أزهرالزهري أبو جبير المدني، صحابي صغير، مات قبل الحرة، وله ذكر في الصحيحين مع عائشة، أغفل المزي رقم (س) وهو في الأشربة، د س، التقريب (570) .

أن خالد بن الوليد بن المغيرة يومئذ كان على الخيل، خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن أزهر: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما هزم الله الكفار، ورجع المسلمون إلى رحالهم، يمشي في المسلمين ويقول: من يدلُّني على رحل خالد بن الوليد؟ فمشيت حتى - أو قال: فسعيت - بين يديه وأنا غلام محتلم، أقول: من يدل على رحل خالد؟ حتى دللنا عليه، فإذا خالد مستند إلى مؤخرة رحله، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى جرحه. 171- وقال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري1 - المصري ابن أخي رشدين بن سعد - أخبرنا ابن وهب2، أخبرني أسامة بن زيد3، أن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد فبينما هو كذلك إذ أتي برجل قد شرب الخمر، فقال للناس: اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من

_ 1 هو: سليمان بن داود بن حماد المهري أبو الربيع المصري، ابن أخي رشدين، ثقة، من الحادية عشرة، توفي سنة ثلاث وخمسين، د س، التقريب (251) . 2 هو: عبد الله بن وهب بن مسلم، ثقة، تقدم في الرواية رقم [121] . 3 هو: أسامة بن زيد الليثي مولاهم، أبو زيد المدني، صدوق يهم، من السابعة، مات سنة ثلاث وخمسين وهو ابن بضع وسبعين، خت م ع، التقريب (98) .

ضربه بالْمِيتَخَة1، قال ابن وهب: الجريدة الرطبة، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم تراباً من الأرض فرمى به في وجهه2.

_ 1 الميتخة: هذه اللفظة قد اختلف في ضبطها، فقيل: هي بكسر الميم وتشديد التاء، وبفتح الميم مع التشديد، وبكسر الميم وسكون التاء، قال الأزهري: وهذه كلها أسماء لجرائد النخل وأصل العرجون. النهاية 4/ 292. 2 سنن أبي داود (3/ 165- 166 رقم 4487 ورقم: 4488، ورقم: 4489) . ومن طريق أسامة بن زيد أخرجه أحمد في المسند (31/ 431 رقم [19079] أرناؤوط) ، عن الزهري أنه سمع عبد الرحمن بن أزهر يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره، وأبو عوانة (4/ 203) ، وصرح عنده الزهري بالسماع أيضاً والحاكم (4/ 374- 375) ، عن الزهري قال: حدثني عبد الرحمن بن أزهر ... فذكره. وقال الألباني: "حسن صحيح" انظر: صحيح سنن أبي داود (3/ 849 رقم: 3766) . وقال عبد القادر الأرناؤوط في جامع الأصول (3/ 585) : عن إسناد أبي داود رقم (4487 و4488) إسناده صحيح. وأخرجه الواقدي في المغازي (3/ 922)

المبحث السادس: في إعطاء المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين.

المبحث السادس: في إعطاء المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين. أولاً: إعطاؤه لصفوان بن أمية. 172- قال الإمام مسلم: وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح، أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح، فتح مكة، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحنين فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم، ثم مائة، ثم مائة. قال ابن شهاب1: حدثني سعيد بن المسيب، أن صفوان قال: والله

_ 1 من هنا إلى نهاية الحديث: أخرجه الفسوي في المعرفة (1/ 309) ، والطبري في تهذيب الآثار مسند عمر رقم (162) ، وزاد فيه: وأعطى حكيم بن حزام يومئذ مائة، وحكيم يسأله من النعم، ثم مائة، ثم مائة، وقد أخرجه الترمذي مطولاً من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ... الحديث، سنن الترمذي (3/ 44- 45 رقم 666) ، ثم قال: حديث صفوان رواه معمر وغيره عن الزهري عن سعيد بن المسيب: أن صفوان ابن أمية قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأن هذا الحديث أصح وأشبه، إنما هو: سعيد بن المسيب: أن صفوان. وأخرجه ابن سعد في الطبقات (5/ 449) ، وأحمد في المسند (45/ 607- 608 رقم [27638] أرناؤوط) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 81) رقم (779) ، والطبراني في الكبير (8/ 51) رقم (7340) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 11/ 159 رقم: 4828) كلهم من طريق ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن صفوان به، وأخرجه الطبري في تفسيره رقم (16847) مرسلاً عن الزهري قال: قال صفوان ... فذكره، ورواية مسلم ظاهرها الانقطاع، أما رواية الترمذي وأحمد وغيرهما فظاهرها الاتصال.

لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ1. 173- وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام يوم حنين عطاءً فاستقله فزاده، فقال: يا رسول الله، أَيّ أُعْطِيَتِكَ خير؟ قال: الأولى. قال: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا حكيم بن حزام إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، وحسن أكلة، بورك له فيه، ومن أخذه باستشراف2 نفس وسوء أكلة، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى". قال: ومنك يا رسول الله؟ قال: (ومني) قال: فوالذي بعثك بالحق

_ 1 صحيح مسلم (4/ 1806 رقم 2313) . 2 أصل الاستشراف: أن تضع يدك على حاجبك وتنظر، كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء، وأصله من الشرف والعلو، أي ما جاءك منه وأنت غير متطلع إليه ولا طامع فيه. النهاية (2/462) .

لا أرزأ1 بعدك أحداً شيئاً أبداً، قال: فلم يقبل ديواناً ولا عطاءً حتى مات، قال: وكان عمر بن الخطاب يقول: اللهم إني أشهدك على حكيم بن حزام أني أدعوه لحقه من هذا المال وهو يأبى، فقال: إني والله لا أرزأك ولا غيرك شيئاً2. 174- قال الواقدي: حدثني معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، قالا: حدثنا حكيم بن حزام: قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين مائة من الإبل فأعطانيها، ثم سألته مائة فأعطانيها، ثم سألته مائة فأعطانيها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حكيم بن حزام؛ إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول". قال: فكان حكيم يقول: والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدعوه إلى عطائه فيأبى يأخذه، فيقول

_ 1 أي: لا آخذ. النهاية (2/218) 2 مصنف عبد الرزاق (9/76) رقم (16409) . وهذا الحديث صورته مرسل، وقد أخرجه عبد الرزاق في المصنف11/102) رقم (20041) عن الزهري، عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب، وعن هشام عن أبيه، فذكر نحوه، وليس فيه أن ذلك كان حين غزوة حنين، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد وعروة بن الزبير؛ أخرجه الطبراني في الكبير (3/188) رقم (3078) وفيه أن ذلك العطاء كان في حنين.

عمر: أيها الناس إني أشهدكم على حكيم أني أدعوه إلى عطائه فيأبى أن يأخذه1.

_ 1 مغازي الواقدي (3/945) وهذه الرواية فيها التصريح بأن سعيد بن المسيب وعروة حدثهما حكيم بن حزام نفسه، وأن سؤاله للرسول صلى الله عليه وسلم كان بحنين، وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة حديثياً إلا أنه قد ورد ما يشهد لها، فقد أخرج البخاري من طريق يونس بن يزيد الأيلي، والأوزاعي وسفيان بن عيينة ثلاثتهم عن الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ... الحديث، ولكن ليس فيه أن ذلك كان في حنين، انظر: البخاري مع الفتح (3/ 335) رقم (1472) ، و (5/377) رقم (5750) ، و (6/ 249- 250) رقم (3143) و (11/ 258) رقم (6441) ، ومسلم بشرح النووي (7/ 125 -126) ، وأحمد في المسند (24/ 341 رقم [15574] أرناؤوط) ، والحميدي في مسنده (1/ 253 رقم 553) ، والترمذي في سننه رقم (2463) ، والنسائي في (5/ 100 -101) ، وتفسير الطبري (14/ 313 رقم 16847) تحقيق شاكر، وتهذيب الآثار له رقم (162) من مسند عمر، من طريق ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أن صفواناً قال: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ، وأعطى حكيم بن حزام يومئذ، وحكيم يسأله مائة من النعم، ثم مائة، ثم مائة، وأخرجه أيضاً الطبراني في الكبير (3/ 189 رقم (3079) و (3080) ، و (3082) و (3083) وكلها ليس فيها أن ذلك العطاء كان في حنين. والذي يظهر لي - والله أعلم - أن ذلك العطاء كان في حنين بصرف النظر عن عدم ذكر حنين في الروايات المتقدمة، ويكفي ما ذكره عبد الرزاق في روايته التي ذكرت أن ذلك كان في حنين، وكذا رواية الواقدي لوجود ما يشهد لها.

175- وقال ابن هشام1: حدثني من أثق به من أهل العلم في إسناد له، عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قريش وغيرهم، فأعطاهم يوم الجعرانة من غنائم حنين: من بني أمية بن عبد شمس: أبو سفيان بن حرب بن أمية، وطليق بن سفيان بن أمية، وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية. ومن بني عبد الدار بن قصي: شيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وأبو السنابل بن بَعْكَك بن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار، وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. ومن بني مخزوم بن يقظة: زهير بن أبي أمية بن المغيرة، والحارث بن هشام بن المغيرة، وخالد بن هشام بن المغيرة، وهشام بن الوليد بن المغيرة، وسفيان بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم2.

_ 1 السيرة النبوية (2/ 494- 496) والرواية فيها إبهام لشيخ ابن هشام وانقطاع أيضاً. 2 ذكر ابن إسحاق عن الزهري أن السائب بن أبي السائب ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه يوم الجعرانة من غنائم حنين. انظر ابن هشام (1/ 712) .

ومن بني عدي بن كعب: مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة، وأبو جهم بن حذيفة بن غانم. - ومن بني جمح بن عمرو: صفوان بن أمية بن خلف، وأحيحة بن أمية بن خلف، وعمير بن وهب بن خلف. - ومن بني سهم: عدي بن قيس بن حذافة السهمي. - ومن بني عامر بن لؤي: حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ودّ، وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب. ومن أفناء القبائل: - من بني بكر بن مناة بن كنانة: نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل. - ومن بني قيس ثم من بني عامر بن صعصعة ثم من بني كلاب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة: علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب. - ومن بني عامر بن ربيعة: خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وحرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو. - ومن بني نصر بن معاوية: مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع. - ومن بني سليم بن منصور: عباس بن مرداس بن أبي عامر أخو بني الحارث بن بُهْثَة بن سُليم. - ومن بني غطفان؛ ثم من بني فزارة: عيينة بن حصن بن حذيفة

ابن بدر. - ومن بني تميم، ثم من بني حنظلة: الأقرع بن حابس بن عقال، من بني مجاشع بن دارم.

المبحث السابع: في قدوم وفد هوازن على النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين ورد السبي إليهم

المبحث السابع: في قدوم وفد هوازن على النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين ورد السبي إليهم 176- قال البخاري1: حدثنا سعيد بن عفير، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عُقَيل عن ابن شهاب قال: وزعم عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة2 أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الحديث إليّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي، وإما المال، قد كنت استأنيت بهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير رادٍّ إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا: نختار سبينا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤونا تائبين، وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح (4/ 483 رقم (2307) و (2308) . 2 قال الحافظ ابن حجر: "وقد تقدم في أول الشروط في قصة صلح الحديبية أن الزهري رواه عن عروة عن المسور ومروان عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرسله، فإن المسور يصغر عن إدراك القصة ومروان أصغر منه، نعم كان المسور في قصة حنين مميزاً، فقد ضبط في ذلك الأوان قصة خطبة علي لابنة أبي جهل، والله أعلم، فتح الباري (8/ 33) .

يطيب بذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل، فقال الناس: قد طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفعوا إلينا عرفاؤكم أمركم، فرجع الناس، فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا1.

_ 1 وقع في رواية موسى بن عقبة المرسلة عند البيهقي في الدلائل (5/ 191- 192) : فأعطى الناس ما كان بأيديهم منهم إلا قليلاً منهم سألوه الفداء. وقال ابن إسحاق: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ " وفيه ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عيينة بن حصن: أما أنا وبنو فزارة فلا، وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا، فقالت بنو سليم: بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم". ابن هشام (2/ 498) . وقال الحافظ ابن حجر: " ... فالأغلب الأكثر طابت أنفسهم أن يردوا السبي لأهله بغير عوض، وبعضهم رده بشرط التعويض" فتح الباري (13/ 169) . والحديث أخرجه البخاري في عدة مواضع من صحيحه من طرق عن الزهري، انظر: البخاري مع الفتح (5/ 169، 209، 226، 227، رقم (2539 و2540 و2583 و2584 و2607 و2608) و (6/ 236 رقم 3131 و3132) من طريق عُقَيل عن الزهري، و (8/ 32- 33 رقم 4318 و4319) من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه، و (13/ 168 رقم 7176 و7177) من طريق موسى بن عقبة عن الزهري. ومن طريق عُقَيل عن الزهري ... أخرجه أبو داود رقم (2693) ، وأبو عبيد في الأموال، رقم (314) ، وابن زنجويه في الأموال رقم (483) ، والبيهقي في السنن (6/ 360) ، وفي الدلائل (5/ 190- 191) ، والبغوي في شرح السنة (11/ 86 رقم 2715) ، ومن طريق ابن أخي الزهري عن عمه ... أخرجه أحمد في المسند (31/ 230، رقم [18914] أرناؤوط) ، ومن طريق موسى بن عقبة عن الزهري ... أخرجه البيهقي في السنن (6/ 360) ، وفي الدلائل (5/ 192) مختصراً. ويشهد لما تقدم ما أخرجه ابن إسحاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو نحوه، انظر: سيرة ابن هشام (2/ 489) وسنده حسن حيث صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث. وأحمد في المسند (11/ 339، رقم [6729] و 11/ 612- 613 رقم [7037] أرناؤوط) ، وأبو داود في السنن رقم (2694) مختصراً، والنسائي في السنن (6/ 262) والطبراني في الكبير (5/ 270 رقم 5304) ، والبيهقي في الدلائل (5/ 194- 195) من طرق عن ابن إسحاق، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع كما في ابن هشام (2/ 489) ، وإحدى الروايتين عند أحمد في المسند (11/ 612 -613 رقم [7037] أرناؤوط) ، والباقي أخرجوه بالعنعنة.

قال عبد الرزاق: قال الزهري فأخبرني سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم سبى1 يومئذ ستة آلاف سبي من امرأة وغلام، فجعل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب.

_ 1 السَّبي: والسَّبيَّة والسَّبايا: فالسبي: النهب، وأخذ الناس عبيداً وإماءً. النهاية (2/ 340) .

قال الزهري1: وأخبرني عروة بن الزبير قال: لما رجعت هوازن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أنت أبر الناس وأوصلهم، وقد سُبي موالينا ونساؤنا، وأخذت أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني كنت استأنيت2 بكم ومعي من ترون، وأحب القول لديّ أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين، إما المال وإما السبي. فقالوا: يا رسول الله أما إذا خيرتنا بين المال وبين الحسب، فإنا نختار الحسب، أو قال: ما كنا نعدل بالحسب شيئاً، فاختاروا نساءهم وأبناءهم. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءوا مسلمين أو مستسلمين، وإنا قد خيرناهم بين الذراري والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب، وإني قد رأيت أن تردوا لهم أبناءهم ونساءهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب أن يكتب علينا حصته من ذلك حتى نعطيه من بعض ما يفيئه الله علينا فليفعل"، قال: فقال المسلمون: طيَّبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ 1 هذا معلق أيضاً وسيأتي الحديث عن السبي قريباً. 2 استأنيت بكم: أي انتظرت وتربصت، يقال: أنيت وأنَّيت وتأنيت واستأنيت. النهاية (1/ 78) .

قال: إني لا أدري من أذن في ذلك ممن لم يأذن، فأمروا عرفاءكم1 فليرفعوا ذلك إلينا، فلما رفعت العرفاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناس قد أسلموا ذلك، وأذنوا فيه رَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوازن نساءهم وأبناءهم، وخيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءً كان أعطاهن رجالاً من قريش بين أن يلبثن عندهم وبين أن يرجعن إلى أهلهن، قال الزهري: فبلغني أن امرأة منهم كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، فخيرت فاختارت أن ترجع إلى أهلها وتركت عبد الرحمن، وكان معجباً بها، وأخرى عند صفوان بن أمية فاختارت أهلها. قال الزهري: فأخبرني سعيد بن المسيب قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قسم بين المسلمين ثم اعتمر من الجِعِرانة2 بعدما قفل من غزوة حنين، ثم انطلق إلى المدينة، ثم أمَّر أبا بكر على تلك الحجة3.

_ 1 العرفاء: جمع عريف، وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم، فعيل: بمعنى فاعل، والعرافة: عملة. النهاية 3/ 218. 2 الجعرانة: - بكسر الجيم وكسر العين المهملة وتشديد الراء - وفيها رواية أخرى - وهي كسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء - وهي: مكان بين مكة والطائف، نزلها النبي صلى الله عليه وسلم لما قسّم غنائم هوازن مرجعه من غزاة حنين، ويقع شمال شرقي مكة، وقد اتخذها الناس مكاناً للعمرة اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم. المعالم الأثيرة (90) . وقد دخلت في العمران اليوم على طريق القادم من وادي الشرائع. 3 والحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/ 155) من طريق معمر عن الزهري.

177- قال أبو عبيد1: وأما أمر هوازن، فإن عبد الله بن صالح حدثنا عن الليث بن سعد قال: حدثني عُقيل بن خالد عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ستة آلاف من سبي هوازن - من النساء والصبيان والرجال - إلى هوازن حين أسلموا وخيّر نساءً كن عند رجال من قريش، منهم عبد الرحمن بن عوف، وصفوان بن أمية، وقد كانا استسرَّا2 المرأتين اللتين كانت عندهما، فخيرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارتا قومهما3.

_ 1 كتاب الأموال (117) رقم (314) ، وفي سنده عبد الله بن صالح، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه فيه غفلة، كما قال ابن حجر في التقريب 308 2 استسرَّا: أي اتخذاهما أمتين، لأن السّرية بالضم: الأمة التي بوأتها بيتاً منسوبة إلى السر بالكسر للجماع، وقد تسرّر وتسرّى واستسرَّ، القاموس مادة (سرر) . 3 وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (5/ 379 رقم 9741) معلقاً عن الزهري عن سعيد بن المسيب. والبيهقي في الدلائل (5/ 193) من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير. وأخرجه ابن زنجويه في الأموال (1/ 313 رقم 483) من طريق عُقيل عن ابن شهاب، وفي سنده عبد الله بن صالح كاتب الليث، وقد أخرجه الطبري في التفسير (14/ 184 رقم 16578) من طريق محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن الزهري. ويشهد له ما أخرجه الطبري في تاريخه (3/ 82- 83) من حديث هشام بن عروة عن أبيه. وخليفة بن خياط في تاريخه (90) من حديث هشام بن عروة أيضاً عن أبيه.

المبحث الثامن: في موقف الأنصار من تقسيم الغنائم

المبحث الثامن: في موقف الأنصار من تقسيم الغنائم 178- قال البخاري1:حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا هشام، أخبرنا معمر، عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال ناس من الأنصار - حين أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ما أفاء من أموال هوازن، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يعطي رجالاً المائة2 من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، قال أنس: فَحُدِّث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة3 من أدم4، ولم يدع معهم غيرهم، فلما اجتمعوا قام النبي صلى الله عليه وسلم

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح (8/ 52- 53 رقم 4331) . 2 تقدم أنه أعطى صفوان بن أمية وحكيم بن حزام مائة من الإبل، انظر: الرواية المتقدمة في مسلم رقم (2313) ومصنف عبد الرزاق رقم (16407) من طريق الزهري. وأخرج أحمد في المسند (20/ 365 رقم [13084] أرناؤوط) من حديث أنس قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وعيينة بن حصن مائة من الإبل ... ، وهو في البخاري رقم (4336) . وأخرج الطبري من حديث قتادة مرسلاً وفيه، وتألف أناساً من الناس فيهم أبو سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، والأقرع بن حابس ... الحديث، انظر: جامع البيان (10/ 100- 101) . 3 القبة من الخيام: بيت صغير مستدير، وهو من بيوت العرب. النهاية (4/ 3) . 4 الأديم: الجلد. القاموس، مادة (أدم) ، - وهي بفتح الهمزة والدال -: جلد مدبوغ، شرح المواهب (3/ 93) .

فقال: ما حديث بلغني عنكم؟ فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئاً، وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، فوالله لما تنقلبون به خير من مما ينقلبون به، قالوا: يا رسول الله قد رضينا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ستجدون أُثْرَة1 شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإني على الحوض، قال أنس: فلم يصبروا2.

_ 1 أُثْرَة: بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحتين، ويجوز كسر أوله من الإسكان، أي: الانفراد بالشيء المشترك، دون من يشركه فيه، والمعنى: أنه يستأثر عليهم بما لهم فيه اشتراك في الاستحقاق. الفتح (8/ 52) . 2 أي فيما بعد بدليل ما جاء عند مسلم رقم (1059) من طريق يونس عن الزهري وفيه (..قالوا: سنصبر) ، وفي رواية أخرى عنده من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه ... قال أنس: قالوا: نصبر، كرواية يونس عن الزهري، المصدر السابق. والحديث أخرجه البخاري في عدة مواضع، انظر: رقم (3147) من طريق شعيب عن الزهري، ورقم (5860) من طريق الزهري مختصراً. وأخرجه من غير طريق الزهري، انظر الأرقام (4331 و4332 و4334 و3778) . وأخرجه مسلم برقم (1059) من طريق الزهري وغيره. وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (19908) وأبو يعلى رقم (3594) وابن حبان في صحيحه (الإحسان رقم 7278) والبيهقي في السنن (6/ 337) ، وفي الدلائل (5/ 175) ، والبغوي في شرح السنة (14/ 173) رقم (3974) من طرق عن الزهري، وأخرجه أحمد في المسند من غير طريق الزهري عن أنس، انظر المسند (20/ 57- 58 رقم [12608] ورقم [12977] ورقم [12978] أرناؤوط) ، والحميدي رقم (1201) ، والترمذي رقم (3901) ، وأبو نعيم في الحلية (3/ 84) .

179- قال الطبراني1: حدثنا الحسن بن علي المعمري2، ثنا أيوب بن محمد الوزان3، ثنا عبد الله بن سليم4 عن رِشْدين بن سعد5، عن يونس بن يزيد6 وعُقيل7 عن الزهري، عن السائب بن

_ 1 المعجم الكبير (7/ 151) رقم (6665) . 2 هو: الحسن بن علي بن شبيب أبو علي المعمري الحافظ ... كان من أوعية العلم يذكر بالفهم ويوصف بالحفظ، وفي حديثه غرائب وأشياء ينفرد بها، وذكره الدارقطني فقال: "صدوق حافظ"، تاريخ بغداد (7/ 369- 372) . 3 هو: أيوب بن محمد بن فروخ بن زياد الوزان، من أهل الكوفة كنيته أبو سليمان توفي في ذي القعدة سنة 249، الثقات لابن حبان (8/ 127) . 4 هو: عبد الله بن سليم الجزري، أبو عبد الرحمن الرقي، مقبول، من كبار العاشرة، توفي سنة ثلاث عشرة، س، التقريب (306) . 5 رشدين: - بكسر الراء وسكون المعجمة - بن سعد بن مفلح المِهْري - بفتح الميم وسكون الهاء - أبو الحجاج المصري، ضعيف، رجح أبو حاتم عليه ابن لَهيعة، وقال ابن يونس: كان صالحاً في دينه، فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث، من السابعة، مات سنة ثمان وثمانين وله ثمان وسبعون سنة، ت ق، التقريب (209) . 6 ثقة، تقدم في الرواية رقم [77] . 7 ثقة، تقدم في الرواية رقم [68] .

يزيد1، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الفيء الذي أفاء الله بحنين من غنائم هوازن، فأفشى القسم في أهل مكة من قريش وغيرهم، فغضب الأنصار، فلما سمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في منازلهم ثم قال: "من كان ههنا ليس من الأنصار فليخرج إلى رحله". ثم تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمد الله عزوجل ثم قال: (يا معشر الأنصار قد بلغني من حديثكم في هذه المغانم التي آثرت بها أناساً أتألفهم على الإسلام، لعلهم أن يشهدوا بعد اليوم، وقد أدخل الله قلوبهم الإسلام) ثم قال: "يا معشر الأنصار ألم يَمُنّ الله عليكم بالإيمان وخصّكم بالكرامة، وسماكم بأحسن الأسماء أنصار الله وأنصار رسوله؟ ولولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً وسلكتم وادياً لسلكت واديكم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بهذه الغنائم الشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلما سمعت الأنصار قول النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: رضينا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أجيبوني فيما قلت: فقالت الأنصار: يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك إلى النور، ووجدتنا على شفا حفرة من النار، فأنقذنا الله بك، ووجدتنا ضلالاً فهدانا الله بك، فرضينا بالله رباًّ وبالإسلام ديناً

_ 1 هو: السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي، وقيل: غير ذلك في نسبه، ويعرف بابن أخت النمر صحابي صغير، له أحاديث قليلة، وحج في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر سوق المدينة، مات سنة إحدى وتسعين، وقيل: قبل ذلك، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، ع، التقريب (228) .

وبمحمد نبياً، فاصنع يا رسول الله ما شئت في أوسع الحل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما والله لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت: صدقتم، لو قلتم: ألم تأتنا طريداً فآويناك، ومكذَّباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وقبلنا ما رد الناس عليك، لو قلتم هذا لصدقتم"، قالت الأنصار: بل لله ولرسوله المن، والفضل علينا وعلى غيرنا، ثم بكوا فكثر بكاؤهم، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم معهم ورضي عنهم، فكانوا بالذي قال لهم أشد اغتباطاً1 وأفضل عندهم من كل مال2.

_ 1 الغبطة: بكسر الغين: حسن الحال والمسرة، القاموس مادة (غبط) . 2 قال الهيثمي في المجمع (10/ 31) وفيه رشدين بن سعد وحديثه في الرقائق ونحوها حسن، وبقية رجاله ثقات. والحق أن سنده ضعيف من أجل: رشدين بن سعد، كما مر، لكن للحديث شواهد صحيحة مر ذكرها في الرواية المتقدمة رقم [127] .

المبحث التاسع: في جفاء الأعراب وحلم النبي صلى الله عليه وسلم

المبحث التاسع: في جفاء الأعراب وحلم النبي صلى الله عليه وسلم. 180- قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عمر بن محمد بن جبير بن مطعم، أن محمد بن جبير قال: أخبرني جبير بن مطعم أنه بينما هو يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مَقْفَلهُ من حنين، فعلقت1 الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سَمُرة2، فخطفت رداءه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه3 نعماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً4.

_ 1 فعلقت الناس: أي نشبوا وتعلقوا. النهاية (3/ 288) . 2 إلى سمرة: بفتح المهملة وضم الميم، شجرة طويلة متفرقة الرأس، قليلة الظل صغيرة الورق والشوك، صلبة الخشب، قاله ابن التين. الفتح (6/ 254) . 3 العضاة: قيل: هي شجر الشوك كالطلح والعوسج والسدر، وقيل: السمرة هي العضاة، وقال الخطابي: ورق السمر أثبت وظلها أكثف، ويقال: هي شجرة الطلح، الفتح (6/ 254) . 4 صحيح البخاري مع الفتح (6/ 35) رقم (2821) . وأخرجه البخاري رقم (3148) وأخرجه عبد الرزاق (5/ 243) رقم (9497) ، وأحمد (27/ 320 رقم [16756] أرناؤوط) ، والفسوي في المعرفة (1/ 364) ، وأبو عبيد في الأموال رقم (619) ، وابن زنجويه في الأموال أيضاً (2/ 681) رقم (1140) ، والطبري في تهذيب الآثار رقم (151) ، السفر الأول من مسند عمر، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 13/ 85، رقم 5772) ، والطبراني في الكبير (2/ 130) رقم (1551، و1552، و1553، و1554، و 1555) ، وأبو الشيخ في أخلاق النبي رقم (102) ، والبغوي في شرح السنة (13/ 252) رقم (3689) ، وابن الأثير في أسد الغابة (4/ 272) ، كلهم من طريق الزهري، وفي بعضها اختلاف يسير في بعض الألفاظ.

181- وقال البخاري1: حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة والضحاك، عن أبي سعيد الخدري قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم ذات يوم2قسماً، فقال ذو الخويصرة3- رجل من بني تميم4: يا رسول الله؛ اعدل. فقال: ويلك، من يعدل إذا لم أعدل؟! فقال عمر: ائذن لي فلأضرب عنقه، قال: لا، إن له أصحاباً يحقر

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح (10/ 552) رقم (6163) . 2 هذا القَسْم كان في غزوة حنين كما في صحيح البخاري من غير طريق الزهري رقم (3150) ، ومسلم بشرح النووي (7/ 159) . وكتاب السنة لابن أبي عاصم من طريق الزهري، رقم (923، و924) ، ومسند أبي يعلى رقم (1022) . 3 ذو الخويصرة: اسمه: عبد الله بن ذي الخويصرة، كما في صحيح البخاري رقم: (6933) ، وقيل: اسمه: حرقوص بن زهير، أسد الغابة (2/ 172) ، وفي رواية عبد الرزاق في التفسير (1/ 277) ، أنه ابن ذي الخويصرة، وكذلك في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد (2/ 646) رقم (1550) ورقم (1477) . 4 هكذا في جميع الروايات أنه من بني تميم إلا في مسند أبي يعلى، رقم (1022) حيث ذكر أنه رجل من بني أمية، وأظنه تحريفاً من النساخ.

أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون1 من الدين كمروق السهم من الرميَّة2، يُنْظَرُ إلى نصله3 فلا يوجد فيه شيءٌ، ثم ينظر إلى رصافه4 فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نَضِيِّه5 فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قَذَذِه6 فلا يوجد فيه شيءٌ، سبق الفرث7 والدم،

_ 1 يمرقون من الدين كمروق السهم: معناه: يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ الصيد من جهة أخرى ولم يتعلق به شيء منه. النووي على مسلم (7/ 159) . 2 الرميَّة: هي الصيد المرمي كالغزالة مثلاً، النووي على مسلم (7/ 159) ، وفتح الباري (12/ 294) . 3 ينظر إلى نصله: النصل: حديدة السهم والرمح والسيف ما لم يكن له مقبض، القاموس (نَصَلَ) . 4 ثم ينظر إلى رصافه: يقال: رصف السهم إذا شدَّه بالرصاف وهو عَقَبٌ يُلْوى على مدخل النصل فيه. النهاية (2/ 227) . 5 ثم ينظر إلى نضيه: النضي: نصل السهم، وقيل هو السهم قبل أن ينحت. النهاية (5/ 73) . وقيل: عود السهم قبل أن يراش، وهو بفتح النون وحكي ضمها، وبكسر المعجمة بعدها تحتانية ثقيلة. فتح الباري (6/ 618) . 6 ثم ينظر إلى قذذه: القذذ: ريش السهم، واحدتها: قذة. النهاية (4/ 28) ، وفتح الباري (6/ 618) . 7 سبق الفرث والدم: الفرث: ما يوجد في الكرش، القاموس (فرث) ، والمعنى: أنهم يخرجون من الإسلام بغتة كخروج السهم إذا رماه رامٍ قوي الساعد فأصاب ما رماه فنفذ منه بسرعة بحيث لا يعلق بالسهم ولا بشيء منه من المرمي شيء. فتح الباري (12/ 294) .

يخرجون على حين فرقة من الناس، آيتهم رجل إحدى يديه مثل ثدي المرأة - أو مثل البضعة - تدردر1. قال أبو سعيد: أشهد لسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أني كنت مع علي حين قاتلهم، فالتمس في القتلى فأتي به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم2.

_ 1 تَدَرْدَر: بفتح أوله ودالين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وآخره راء، ومعناه: تتحرك وتذهب وتجيء، وأصله حكاية صوت الماء في بطن الوادي إذا تدافع. فتح الباري (12/ 295) . 2 والحديث أخرجه البخاري أيضاً في صحيحه رقم (6933) ومسلم رقم (1064) ، وعبد الرزاق في التفسير (1/ 277) ، وأحمد في المسند (18/164رقم [11621] أرناؤوط) ، وعبد الله بن الإمام أحمد في كتابه السنة (2/ 646رقم (1550) ، وابن أبي عاصم في السنة رقم (923، و924) ، وأبو يعلى في المسند رقم (1022) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان رقم 6741) ، والبغوي في شرح السنة (10/ 224) رقم (2552) ، والبيهقي في الدلائل (5/ 187) كلهم من طريق الزهري وفي بعض ألفاظها اختلاف يسير، والمعنى واحد.

المبحث العاشر: في حصار الطائف

المبحث العاشر: في حصار الطائف 182- قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين1 بن الفضل القطان، قال: أنبأنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة (ح) قال: وحدثنا يعقوب، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: وقاتل يوم حنين وحاصر الطائف2 في شوال سنة ثمان3.

_ 1 سبقت ترجمة رجال الإسناد جميعاً. 2 مدينة غنية عن التعريف تقع شرق مكة مع مَيْلٍ قليل إلى الجنوب على مسافة (99) كيلاً وترتفع عن سطح البحر (1630) متراً، المعالم الأثيرة (170) . 3 دلائل النبوة (5/ 156) . هذا قول الزهري، وهو قول موسى بن عقبة أيضاً كما ذكره البخاري، صحيح البخاري مع الفتح (8/ 43) . قال الحافظ ابن حجر: "وهو قول جمهور أهل المغازي لكن هناك قول أنه وصل إليها في أول ذي القعدة" الفتح (8/ 44) . وممن قال بأن الحصار كان في ذي القعدة ابن سعد في الطبقات (2/ 158) ، وابن القيم في الزاد (3/ 495) ، وشرح المواهب (3/ 29) . ولم أجد روايات عن الزهري في حصار الطائف إلا هذه الرواية. قال ابن إسحاق: "ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف حين فرغ من حنين ... حتى نزل قريباً من الطائف فضرب عسكره، فَقُتِل به ناس من أصحابه بالنبل، وذلك

_ العسكر اقترب من حائط الطائف، فكانت النبل تنالهم، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم، فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة، ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عمر أن يؤذن بالرحيل، وقد استشهد بالطائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً، سبعة من قريش، وأربعة من الأنصار، ورجل من بني ليث". ملخص ما ذكره ابن إسحاق في السيرة النبوية (ابن هشام 2/ 482، و 487) بسند معضل، وقد أخرج أحمد في المسند (20/ 57 رقم [12608] أرناؤوط) مدة الحصار، وأنها كانت أربعين ليلة، وسنده صحيح.

الفصل الخامس: غزوة تبوك والسرايا التي أعقبتها

الفصل الخامس: غزوة تبوك والسرايا التي أعقبتها المبحث الأول: في تاريخ الغزوة ... المبحث الأول: في تاريخ الغزوة. 183- قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا هشام، أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك1، وكان يحب أن

_ 1 تبوك: - بفتح المثناة فوق، وضم الموحدة، وبعد الواو كاف ـ، وهي: موضع بين وادي القرى والشام، وقد أصحبت اليوم إحدى مدن شمال الحجاز الرئيسية، لها إمارة تعرف بإمارة تبوك، وهي تبعد عن المدينة شمالاً بـ (778) كيلاً على طريق معبدة تمر بخيبر وتيماء، معجم المعالم الجغرافية (59) ، وانظر: معجم البلدان (2/14-15) ، والقاموس المحيط (تبك) ، وفتح الباري (8/ 111) . قال الحافظ: "وتبوك، المشهور فيها عدم الصرف للتأنيث والعلمية، ومن صرفها أراد الموضع، وقد وقعت تسميتها بذلك في الأحاديث الصحيحة منها حديث مسلم رقم (706) : إنكم ستأتون غداً عين تبوك، وقد أخرجه أحمد (36/ 387 رقم [22068] أرناؤوط) ، والبزار (كشف الأستار رقم 1845) من حديث حذيفة، قال ابن قتيبة: فبذلك سميت عين تبوك، والبوك الحفر، فتح الباري (8/ 111) . ويسمى جيشها بجيش العسرة، انظر: البخاري مع الفتح (8/ 110 رقم (4415) وقد كانت في رجب سنة تسع قبل حجة الوداع، بلا خلاف. وانظر: ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 515ـ 516) ، وابن سعد في الطبقات (2/ 165) ، وخليفة بن خياط في تاريخه (92) ، والطبري في التاريخ (3/ 100) ، وابن سيد الناس في عيون الأثر (2/ 292) ، وابن كثير في البداية (5/ 2) ، وابن القيم في زاد المعاد (3/ 526) ، وابن حجر في الفتح (8/ 111) ، وقال: ... فإن غزوة تبوك كانت في شهر رجب من سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف. ثم قال: "وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس أنها كانت بعد الطائف بستة أشهر، وليس مخالفاً لقول من قال في رجب إذا حذفنا الكسور، لأنه صلى الله عليه وسلم قد دخل المدينة من رجوعه من الطائف في ذي الحجة". الفتح (8/ 111) . وقد ذكر ابن سعد في الطبقات السبب الذي من أجله غزا صلى الله عليه وسلم تبوك وهو: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغه أن هرقل جمع الجموع من الروم ولخم وجذام وعاملة وغسان لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس وأعلمهم بالخروج إلى تبوك. انظر: الطبقات (2/ 165) بدون إسناد. أما اليعقوبي فد ذكر أن السبب في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك إنما هو المطالبة بدم جعفر بن أبي طالب، انظر: تاريخ اليعقوبي (2/ 67) ، وقيل: بل السبب: أن اليهود أشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بسكنى الشام بلاد الأنبياء وترك المدينة، فغزا صلى الله عليه وسلم تبوك، وقد ضعف هذا القول ابن كثير في تفسيره (3/ 53) ، ثم رجح أن السبب هو امتثال لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} ولقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} . وغزاها ليقتص وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه والله أعلم".أ. هـ. المصدر السابق.

يخرج يوم الخميس"1.

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح (6/ 113) رقم (2950) . وقد ذكر الواقدي أن خروجه إلى تبوك كان يوم الخميس، مغازي الواقدي (3/ 997) ، وابن سعد في الطبقات (2/ 167) ، والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 304) ، والطبراني في الأوسط (2/ 74) رقم (1291) ، والبغوي في شرح السنة (11/ 18ـ19) رقم (2672) .

المبحث الثاني: في تخلف بعض المسلمين عن غزوة تبوك

المبحث الثاني: في تخلف بعض المسلمين عن غزوة تبوك المطلب الأول: تخلف كعب بن مالك. ... المبحث الثاني: في تخلف بعض المسلمين عن غزوة تبوك وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تخلف كعب بن مالك. 184- قال البخاري1:حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب بن مالك - وكان قائد كعب من بنيه حين عمي - قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك، قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحداً تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر2، وإن كانت بدر أذكر3 في

_ 1 صحيح البخاري مع الفتح (8/ 113) رقم (4418) . 2 قوله: وما أحب أن لي بها مشهد بدر: أي أن لي بدلها، الفتح (8/ 117) . 3 أذكر: أي أعظم ذكراً، الفتح (8/ 117) .

الناس منها، كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط، حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورَّى1 بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرٍ شديد، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً2 وعدواً كثيراً فجلَّى3 للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة4 غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد5، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ6 - يريد الديوان - قال

_ 1 ورَّى بغيرها: أي أوهم بغيرها، والتورية أن يذكر لفظاً يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الآخر، فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد. الفتح (8/ 117) . 2 المفاز والمفازة: البرية القفر، والجمع: مفاوز، سميت بذلك لأنها مهلكة. النهاية (3/ 478) . 3 فجلّى: - بالجيم وتشديد اللام ويجوز تخفيفها ـ، أي: أوضح. الفتح (8/ 117) 4 أهبة غزوهم: الأهبة - بضم الهمزة وسكون الهاء - ما يحتاج إليه في السفر والحرب، الفتح (8/ 117) . 5 من قوله: "ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورّى بها" إلى هنا أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/ 167) من طريق الزهري. 6 ورد عددهم عند مسلم (بشرح النووي 17/ 100) من رواية معقل: يزيدون على عشرة آلاف. وعند الحاكم في (الإكليل) من حديث معاذ: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفاً، فتح الباري (8/ 117) ، وجزم ابن إسحاق بهذا العدد، انظر: دلائل البيهقي (5/ 219) ، ومغازي الذهبي (631) ، والبداية والنهاية (5/ 7) ، وذكر الواقدي في المغازي (3/ 1002) ، وابن سعد في الطبقات (2/ 166) : أنه كان معه عشرة آلاف فرس، قال الحافظ ابن حجر بعد ذكره لكلام الواقدي: فتحمل رواية معقل على إرادة الفرسان، الفتح: (8/ 118) ، وقال الحافظ: "وقد نُقل عن أبي زرعة الرازي أنهم كانوا في غزوة تبوك أربعين ألفاً، ولا تخالف الرواية التي في (الإكليل) أكثر من ثلاثين ألفاً لاحتمال أن يكون من قال أربعين ألفاً جبر الكسر".اهـ. المصدر السابق.

كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقض شيئاً، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد1، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئاً، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن انفصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئاً، ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئاً، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت فلم يقدّر لي ذلك، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً2 عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكُرْني

_ 1 حتى اشتد الناس بالجد: الجد - بكسر الجيم -: وهو الجد في الشيء والمبالغة فيه. الفتح (8/ 118) . 2 مغموصاً: - بالغين المعجمة والصاد المهملة -: أي مطعوناً عليه في دينه متهماً بالنفاق، وقيل معناه: مستحقراً. الفتح (8/ 118) .

رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: "ما فعل كعب؟ " فقال رجل من بني سَلِمة1: يا رسول الله حبسه برداه ونَظَرُه في عِطفه2. فقال معاذ بن جبل3: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه توجه قافلاً حضرني همي وطفقت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطه غداً؟ واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه4، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً5،

_ 1 فقال رجل من بني سلمة: - بكسر اللام - واسمه: عبد الله بن أنيس كما ذكر الواقدي في المغازي (3/ 997) قال الحافظ: "وهذا غير الجهني الصحابي المشهور، وقد ذكر الواقدي فيمن استشهد باليمامة عبد الله بن أنيس السلمي، فهو هذا" الفتح (8/ 118) . 2 ونظره في عطفه: - بكسر العين المهملة - وكني بذلك عن حسنه وبهجته. الفتح (8/ 118) . 3 قال الواقدي في المغازي (3/997) : "ويقال: الذي رد عليه المقالة أبو قتادة، ومعاذ ابن جبل أثبتهما عندي". 4 فأجمعت صدقه: أي جزمت بذلك وعقدت عليه قصدي. الفتح (8/ 119) . 5 ذكر ابن سعد في الطبقات (2/ 167) أن قدوم النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك كان في شهر رمضان سنة تسع.

وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، فجئته فلما سلمت عليه تبسَّم تبسُّم المغضب، ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: "ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ " فقلت: بلى، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلاً1، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد2 علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك"، فقمت، وثار3 رجال من بني سلمة، فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون

_ 1 ولقد أعطيت جدلاً: أي فصاحة وقوة كلام، بحيث أخرج عن عهدة ما ينسب إلي بما قيل ولا يرد. الفتح (8/ 119) . 2 تجد علي فيه: - بكسر الجيم - أي تغضب. الفتح (8/ 119) . 3 فقمت وثار رجال: أي وثبوا. الفتح (8/ 119) .

اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المتخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، فوالله ما زالوا يُؤَنِّبونَني1 حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت من هما؟ قالوا: مُرارة بن الربيع العَمْرِي2 وهلال بن أمية الواقفي3، فذكروا لي رجلين قد شهدا بدراً4 فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما

_ 1 ما زالوا يؤنبونني: - بنون ثقيل ثم موحدة - من التأنيب وهو اللوم العنيف، الفتح (8/ 119) . 2 مُرارة بن الربيع: - بضم الميم ورائين الأولى خفيفة -، العَمْرِي - بفتح المهملة وسكون الميم - نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. الفتح (8/ 119) . 3 هلال بن أمية الواقفي: - بقاف ثم فاء - نسبة إلى بني واقف بن امرؤ القيس بن مالك بن الأوس. الفتح (8/ 120) . 4 قال الحافظ ابن حجر: "هكذا وقع هنا، وظاهره أنه من كلام كعب بن مالك، وهو مقتضى صنيع البخاري، وقد قررت ذلك واضحاً في غزوة بدر (بعد حديث رقم: 3989) ، وممن جزم بأنهما شهدا بدراً أبو بكر الأثرم، وتعقبه ابن الجوزي ونسبه إلى الغلط فلم يصب، واستدل بعض المتأخرين لكونهما لم يشهدا بدراً بما وقع في قصة حاطب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهجره ولا عاقبه مع كونه جَسَّ عليه، بل قال لعمر لما هم بقتله: "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، قال: وأين ذنب التخلف من ذنب الجس؟ قلت: وليس ما استدل به واضح، لأنه يقتضي أن البدري عنده إذا جنى جناية ولو كبرت لا يعاقب عليها، وليس كذلك، فهذا عمر مع كونه المخاطب بقصة حاطب فقد جلد قدامة بن

_ مظعون الحد لما شرب الخمر وهو بدري كما تقدم (شرح الحديث رقم: 4011) ، وإنما لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم حاطباً ولا هجره، لأنه قبل عذره في أنه إنما كاتب قريشاً خشية على أهله وولده، وأراد أن يتخذ له عندهم يداً، فعذره بذلك، بخلاف تخلف كعب وصاحبيه، فإنهم لم يكن لهم عذر أصلاً، والله أعلم".اهـ. الفتح (8/ 120) . قلت: ولعل الحافظ ابن حجر يرد هنا على ابن القيم وهو المقصود بقوله: واستدل بعض المتأخرين، والله أعلم، فقد قال ابن القيم: وقوله: "فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً لي فيهما أسوة" هذا الموضع مما عُدَّ من أوهام الزهري، فإنه لا يحفظ عن أحد من أهل المغازي والسير ألبتة، ذكر هذين الرجلين في أهل بدر لا ابن إسحاق ولا موسى بن عقبة ولا الأموي ولا الواقدي، ولا أحد ممن عدَّ أهل بدر، وكذلك ينبغي ألاّ يكونا من أهل بدر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يهجر حاطباً ولا عاقبه وقد جس عليه، وقال لعمر لما هم بقتله: "وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وأين ذنب التخلف من ذنب الجس" زاد المعاد (3/ 577) . ثم نقل كلام ابن الجوزي قوله: "ولم أزل حريصاً على كشف ذلك وتحقيقه حتى رأيت أبا بكر الأثرم قد ذكر الزهري وذكر فضله وحفظه وإتقانه وأنه لا يكاد يحفظ عليه غلط إلا في هذا الموضع، فإنه قال: إن مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية شهدا بدراً، وهذا لم يقله أحد غيره، والغلط لا يعصم منه إنسان" زاد المعاد (3/ 577) . وقد أخرج ابن الجوزي حديث كعب، ثم قال عقبة: وقوله: "رجلين شهدا بدراً" وهم من الزهري فإنهما لم يشهدا بدراً، المنتظم (3/ 371) . قلت: والحديث يرد عليهم جميعاً فإنه ظاهر أنه من كلام كعب بن مالك رضي الله عنه كما ذكر الحافظ. والحق أن تعليل ابن القيم ليس في محله فقد ذكر أن من بين المتخلفين في غزوة تبوك أبا لبابة بن عبد المنذر، انظر: الرواية رقم [185] . وقد ثبت أن أبا لبابة عد من أهل بدر، انظر: مسند أحمد (6/ 3) ، وقال أحمد شاكر: "إسناده صحيح"، وانظر: الحاكم (3/20) ، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وانظر: مجمع الزوائد (6/ 68) ، وابن إسحاق (ابن هشام 1/ 612) ، والواقدي في المغازي (1/ 101) ، وابن سعد في الطبقات (2/ 12) ، والبداية والنهاية (3/ 360) ، ومع ذلك فقد ربط نفسه في سارية من سواري مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تاب الله عليه، فكون من شهد بدراً وجنى جناية لا يعاقب عليها - كما هو واضح من كلام ابن القيم رحمه الله كما قال الحافظ في الكلام السابق - لا يُسّلَّم له في ذلك، والله أعلم

لي، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنتُ أشبَّ القوم وأجلدَهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه فأسارقه1 النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليَّ وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة2 الناس مشيت حتى تسورت3 جدار

_ 1 فأسارقه: - بالسين المهملة والقاف - أي: أنظر إليه في خفية. الفتح (8/ 120) . 2 من جفوة الناس: - بفتح الجيم وسكون الفاء -، أي: إعراضهم. الفتح (8/ 120) . 3 حتى تسورت: أي علوت سور الدار. الفتح (8/ 120) .

حائط أبي قتادة1 وهو ابن عمي2 وأحب الناس إلي فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أُحبُّ الله ورسولَه؟ فسكت فعدت له فنشدته فسكت، فعدتُ له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار، قال فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نَبَطي من أنباط أهل الشام3 ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك، فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتاباً من ملك غسان4 فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مَضْيَعة5، فالحق بنا نُواسِك6.

_ 1 أبو قتادة بن ربعي الأنصاري، اسمه الحارث ... وجزم الواقدي وابن القداح وابن الكلبي بأن اسمه: النعمان، وقيل: اسمه عمرو، وأبو ربعي هو ابن بلدهة بن خُناس ابن عبيد بن غنم بن سلمة الأنصاري الخزرجي السلمي، الإصابة (4/ 158) . 2 وهو ابن عمي: ليس هو ابن عمه أخي أبيه الأقرب وإنما لكونهما معاً من بني سلمة، الفتح (8/ 120) . 3 إذا نبطي من أنباط أهل الشام: النبطي - بفتح النون والموحدة،، نسبة إلى استنباط الماء واستخراجه وهؤلاء كانوا في ذلك الوقت أهل الفلاحة، ويقال: إن النبط ينسبون إلى نبط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح. الفتح (8/ 121) . 4 من ملك غسان: - بفتح المعجمة وسين مهملة ثقيلة - هو: جَبَلَة بن الأيهم. الفتح (8/ 121) . 5 ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة: بسكون المعجمة ويجوز كسرها، أي: حيث يضيع حقك. الفتح (8/ 121) . 6 فالحق بنا نواسك: بضم النون وكسر المهملة؛ من المواساة، المصدر السابق.

فقلت لما قرأتها: وهذا أيضاً من البلاء، فتيممت1 بها التنور2 فسجرته3 بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول4 رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك"5، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.

_ 1 فتيممت بها: أي قصدت، المصدرالسابق. 2 التنور: ما يخبز فيه، المصدر السابق. 3 فسجرته: - بسين مهملة وجيم -: أي أوقدته، وأنث الكتاب على معنى الصحيفة، المصدر السابق. قال الحافظ: ودل صنيع كعب هذا على قوة إيمانه ومحبته لله ولرسوله، وإلا فمن صار في مثل حاله من الهجر والإعراض قد يضعف عن احتمال ذلك وتحمله الرغبة في الجاه والمال على هجران من هجره، ولا سيما مع أمنه من الملك الذي استدعاه إليه أنه لا يكرهه على فراق دينك، لكن لما احتمل عنده أنه لا يأمن من الافتتان حسم المادة وأحرق الكتاب ومنع الجواب. أ. هـ. المصدر السابق. 4 ذكر الواقدي في المغازي (3/ 1052) : أنه خزيمة بن ثابت. 5 هي: عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية الأنصارية أم أولاده الثلاثة: عبد الله، وعبيد الله، ومعبد، ويقال: إن اسم امرأته التي كانت يومئذ عنده: خَيرة - بالمعجمة المفتوحة ثم تحتانية - الفتح (8/ 121) .

قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية1 رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: "لا، ولكن لا يقربك"، قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي2: لو استأذنت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب، فلبثت بعد ذلك عشر ليالٍ حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله قد ضاقت عليَّ نفسي وضاقت عليَّ الأرضُ بما رحُبَتْ سمعت صوتَ صارخ أوفى3 على جبل سلع4 بأعلى صوته:

_ 1 اسمها: خولة بنت عاصم. المصدر السابق. 2 فقال لي بعض أهلي، قال الحافظ: لم أقف على اسمه، ويشكل مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام الثلاثة، ويجاب بأنه لعله بعض ولده، أو من النساء، ولم يقع النهي عن كلام الثلاثة للنساء اللاتي في بيوتهم، أو الذي كلمه بذلك كان منافقاً، أو كان ممن يخدمه ولم يدخل في النهي، الفتح (8/ 121) . 3 أوفى: - بالفاء مقصور - أي أشرف وأطلع. الفتح (8/ 121) . 4 على جبل سلع - بفتح المهملة وسكون اللام - وهو جبل صغير يحيط به عمران المدينة من كل اتجاه، وهو يقع إلى الشمال الغربي من المسجد النبوي الشريف، معجم المعالم الجغرافية (ص: 160) ، والدر الثمين لغالي الشنقيطي (232) .

يا كعب بن مالك أبشر، قال: فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن1 رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إليّ رجل2 فرساً، وسعى ساعٍ من أسلم3 فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ4، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقاني الناس فوجاً فوجاً5 يهنئونني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك، قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إليَّ طلحة بن

_ 1 وآذن: - بالمد والفتح المعجمة - أي: أعلم. الفتح (8/ 121) . 2 وركض إليّ رجل فرساً: قال الحافظ: "لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون هو حمزة بن عمرو الأسلمي" المصدر السابق. 3 وسعى ساع من أسلم: هو حمزة بن عمرو الأسلمي، المصدر السابق، وكذلك ذكر الواقدي، المغازي (3/ 1054) . وذكر الواقدي: أن الذي أوفى على سلع هو: أبو بكر الصديق، والذي خرج على فرسه الزبير بن العوام. المغازي (3/ 1054) . 4 والله ما أملك غيرهما يومئذ: يريد من جنس الثياب، وإلا فقد تقدم أنه كان عنده راحلتان. الفتح (8/ 122) . 5 فوجاً فوجاً: أي جماعة جماعة. المصدر السابق.

عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام إليَّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة1. قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور: "أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك". قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: "لا، بل من عند الله"، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه2، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي3 صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك"، قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، فقلت: يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت، فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله4 في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك

_ 1 ولا أنساها لطلحة: قالوا سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بينه وبين طلحة لما آخى بين المهاجرين والأنصار، والذي ذكره أهل المغازي أنه كان آخى الزبير لكن كان الزبير أخا طلحة في أخوة المهاجرين فهو أخو أخيه. الفتح (8/ 122) . 2 قال الحافظ: فيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من كمال الشفقة على أمته والرأفة بهم، والفرح بما يسرهم. الفتح (8/ 122) . 3 أنخلع من مالي صدقة: أي أخرج من جميع مالي. الفتح (8/ 122) . 4 ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله: أي أنعم عليه. المصدر السابق.

لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذباً، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت، وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: {لقَدْ تابَ اللهُ على النَّبيِّ والمهاجِرين والأنصارِ} إلى قوله: {وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِين} ، فوالله ما أنعم الله عليَّ من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال تبارك وتعالى: {سَيَحْلِفُوْنَ بِاللهِ لَكُمْ إذا انْقَلَبْتُم} إلى قوله: {فَإِنَّ اللهَ لا يرضَى عنِ القَومِ الفَاسِقِين} قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ1 رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه بذلك قال الله: {وعَلى الثَّلاثةِ الذينَ خُلِّفُوا} 2 وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو إنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه3.

_ 1 وأرجأ: - مهموز - أي أخر. 2 سورة التوبة، آية (118) . 3 والحديث أخرجه البخاري في صحيحه في عدة مواضع مختصراً ومطولاً، انظر: رقم (2947) و (2948) و (3889) و (4673) و (4676) و (4677) و (6255) و (6690) و (7225) . ومسلم رقم (2769) ، وأبو داود رقم (2773) و (4600) ، والترمذي رقم: (3102) ، والنسائي (7/ 22) رقم (2824) و (4822) ، وابن ماجه رقم (1393) ، وابن إسحاق (ابن هشام 2/ 531) ، وعبد الرزاق رقم (19744) ، وابن أبي شيبة (14/ 540) ، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة رقم (239) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 66) رقم (2012) مختصراً، والطبري في التفسير، رقم (17091) ، ورقم (17447) ، و (17448) ، و (17449) ، و (17450) ، وفي التاريخ (3/ 101) والطبراني في الكبير (19/ 42) رقم (90ـ103) ، وفي الأوسط (8/ 246) رقم (8535) ، وابن حبان في صحيحه رقم (3370) ، والبيهقي في السنن (2/ 460، و7/ 343، و9/ 33، و9/ 150، و9/ 147) ، وفي الدلائل (5/ 273) ، والبغوي في شرح السنة (5/ 224) رقم (108) و (11/ 41) رقم (1676) و (2691) كلهم من طرق عن الزهري.

لمطلب الثاني: في تخلف أبي لبابة رضي الله عنه.

المطلب الثاني: في تخلف أبي لبابة رضي الله عنه. 185- عبد الرزاق1عن معمر عن الزهري قال: كان أبو لبابة ممن تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال الزهري: فربط نفسه بسارية، ثم قال: والله لا أحل نفسي منها، ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب الله عليَّ، قال: فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاماً ولا شراباً حتى كان يخرُّ مغشياً عليه، قال: ثم تاب الله عليه، فقيل له: قد تيب عليك

_ 1 تفسير عبد الرزاق (1/ 286) القسم الثاني.

يا أبا لبابة، فقال: والله لا أحِلُّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يحلني، قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فحله بيده. ثم قال أبو لبابة: يا رسول الله إنَّ من توبتي أن أهجر داري في قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أختلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال: "يجزيك الثلث يا أبا لبابة"1.

_ 1 ومن طريق معمر عن الزهري أخرجها الطبري في التفسير (14/ 542) رقم (17149) تحقيق شاكر؛ وهي رواية صحيحة إلى الزهري لكنها مرسلة. وقد أخرج البيهقي في الدلائل (5/ 270) رواية مطولة في قصة أبي لبابة مع بني قريظة حين أشار إليهم أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح، وذكر تخلفه عن غزوة تبوك، فربط نفسه في سارية المسجد بعد غزوة تبوك حتى تاب الله عليه، وهذه الرواية أخرجها البيهقي من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب فذكرها بطولها. وقد تقدمت هذه الرواية في غزوة بني قريظة. وقد ذكر ابن جرير الطبري في تفسيره (14/ 446) آثاراً كثيرة كلها لا تخلو من مقال تدل على أن أبا لبابة كان من المتخلفين في غزوة تبوك ومن الذين اعترفوا بذنوبهم، وذلك تحت قوله تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم} التوبة، آية رقم: (102) . ثم ذكر كلام أهل التأويل في ذلك واختلافهم فيها، ثم قال: قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: نزلت هذه الآية في المعترفين بخطأ فعلهم في تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركهم الجهاد معه والخروج لغزو الروم حين شخص إلى تبوك، وأن الذين نزل فيهم جماعة، أحدهم أبو لبابة وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في ذلك، لأن الله جل ثناؤه قال: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} فأخبر عن اعتراف جماعة بذنوبهم، ولم يكن المعترف بذنبه الموثق نفسه بالسارية في حصار قريظة غير أبي لبابة وحده، فإذا كان ذلك كذلك وكان الله تبارك وتعالى قد وصف في قوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} بالاعتراف بذنوبهم جماعة، علم أن الجماعة الذين وصفهم بذلك ليست الواحد، فقد تبين بذلك أن هذه الصفة إذ لم تكن إلا لجماعة، وكان لا جماعة فعلت ذلك، فيما نقله أهل السير والأخبار، وأجمع عليه أهل التأويل، إلا جماعة من المتخلفين عن غزوة تبوك، صح ما قلناه في ذلك، وقلنا: (كان أبو لبابة) لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك) . وقد أخرج أحمد في المسند (25/ 27 رقم [15750] أرناؤوط) من طريق الزهري عن حسين بن أبي السائب بن أبي لبابة أن جده حدثه أن أبا لبابة حين تاب الله عليه في تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما كان سلف قبل ذلك من أمور، وجد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث، ومن نفس الطريق أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 385) ، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 448،رقم (1898) والبيهقي في السنن (4/ 181) ، وهذه الآثار تدل على أن أبا لبابة كان ممن تخلف عن غزوة تبوك فربط نفسه بسارية المسجد ليتوب من ذلك ومن إشارته لليهود في غزوة بني قريظة.

المطلب الثالث: في تخلف بعض المسلمين من أسلم وغفار.

المطلب الثالث: في تخلف بعض المسلمين من أسلم وغِفار. 186- عبد الرزاق1 عن معمر عن الزهري قال: أخبرني ابن أخي أبي رهم2 أنه سمع أبا رُهْم الغفاري، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

_ 1 مصنف عبد الرزاق (11/ 49 رقم 19882) . 2 اسمه: كلثوم بن الحصين الغفاري، كما في رواية البخاري في الأدب المفرد رقم (755) من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب به.

الذين بايعوه تحت الشجرة يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما سرى1 ليلة سرت قريباً منه إليه، وألقي عليَّ النعاس فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلته، فيفزعني دنوها خشية أن أصيب رجله في الغرز، فأؤخر راحلتي، حتى غلبتني عيني بعض الليل، فزحمت راحلتي رجله في الغرز، فأصابت رجله، فلم أستيقظ إلا لقوله: (حَسِّ) 2، فقلت: استغفر لي يا رسول الله، قال: سر، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يستخبرني عمن تخلف من بني غفار فأخبرته، فقال إذ هو يسألني: ما فعل الحمر الطوال الثطاط3؟ فحدثته بتخلفهم، قال: فما فعل النفر السود؟ أو قال: القصار الجعاد القطاط4- الذين لهم نعم بشبكة

_ 1 فلما سرى ليلة: السرى: السير بالليل، النهاية (2/ 364) ، أراد أنهم مشوا بالليل ذات ليلة. 2 قوله: حَسِّ: هي - بكسر السين والتشديد - كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مَضَّه أو أحرقه غفلة، كالجمْرة والضَّربَة ونحوها. النهاية (1/ 385) . 3 قوله: ما فعل الحمر الطوال الثطاط: هي جمع ثطّ، وهو الكوسج الذي عَرَى وجهه من الشعر إلا طاقات في أسفل حنكه، رجل ثطّ وأثط. النهاية (1/ 211) ، قال ابن الأثير: في حديث أبي رهم (النطاط) جميع نطناط، وهو الطويل، المصدر السابق. 4 قوله: الجعاد القطاط: الجعد في صفات الرجال يكون مدحاً وذماً، فالمدح معناه أن يكون شديد الأسْرِ والخلق، أو يكون جعد الشعر، وهو ضد السَّبط لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم، وأما الذم فهو القصير المتردد الخلق، وقد يطلق على البخيل أيضاً. النهاية (1/ 275) . والقطاط: القطط: الشديدة الجعودة، وقيل: الحسن الجعودة، والأول أكثر، المصدر السابق (4/ 81) .

شرخ1، فتذكرت في بني غفار فلم أذكرهم حتى ذكرت رهطاً من أسلم، قال: فقلت: يا رسول الله أولئك رهط من أسلم وقد تخلفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فما يمنع أحد أولئك حين يتخلف أن يحمل على بعير من إبله امرأً نشيطاً في سبيل الله، فإن أعز أهلي عليَّ أن يتخلف عني المهاجرون من قريش، والأنصار، وغفار، وأسلم2".

_ 1 قوله: "بشبكة شرخ: هو موضع بالحجاز في ديار غفار". النهاية (2/ 441) . وقال ياقوت: "شبكة شدخ: اسم ماء لأسلم من بني غفار". معجم البلدان (3/ 322) . وذكر البكري رواية أبي رهم وفيها: " ... لهم نعم بشبكة شدخ ... " معجم ما استعجم (3/ 783ـ 784) . 2 ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد في المسند (31/ 422ـ 423 رقم [19072] أرناؤوط) وابن أبي عاصم في الجهاد رقم _106) وفي الآحاد والمثاني له (2/ 237) رقم (991) ، والطبراني في الكبير (19/ 183) ، رقم (415) ، وأخرجه من طريق حجاج بن أبي منيع الرصافي عن جده عن الزهري به. انظر: المصدر السابق (418) . وأخرجه ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 528) فقال: (وذكر ابن شهاب الزهري عن ابن أكيمة الليثي عن ابن أخي رهم فذكره) . وأخرجه من طريق عبد الرزاق ابن حبان في صحيحه (الإحسان 16/ 246 رقم 7257) . وأخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم (755) من طريق صالح بن كيسان عن الزهري به. وأخرجه الفسوي في المعرفة رقم (1/ 394) من طريق حجاج عن جده عن الزهري به. انظر: مختصر زوائد البزار لابن حجر رقم (1403) وأسد الغابة (6/ 117) . والحديث فيه ضعف من أجل ابن أخي أبي رهم؛ فإنه مقبول كما ذكر ابن حجر في التقريب رقم (8493) . أما الذهبي فقد قال في الميزان (4/ 598) : "لا يعرف، تفرد عنه الزهري.

المبحث الثالث: في أحداث متفرقة حصلت في الغزوة

المبحث الثالث: في أحداث متفرقة حصلت في الغزوة المطلب الأول: في نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر ... المبحث الثالث: في أحداث متفرقة حصلت في الغزوة. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: في نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر. 187- قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد الجعفي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحِجْر1 قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين، ثم قَنَّع2 رأسه

_ 1 الحجر: - بكسر المهملة وسكون الجيم - منازل ثمود. الفتح 8/125. ويقع شمال مدينة العُلا بـ (22) كيلاً، وتبعد العُلا عن المدينة بـ (322) كيلاً، من جهة الشمال، والحجر وادٍ يأخذ مياه جبال مدائن صالح ثم يصب في صعيد وادي القرى. انظر: معجم المعالم الجغرافية 93. 2 ثم قنَّع رأسه: أي غطاه. النهاية (4/ 164)

وأسرع السير حتى أجاز1 الوادي2. 188- وأخرج أبو نعيم من طريق ابن إسحاق قال: فذكر لنا الزهري ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمرو بن قتادة وغيرهم من علمائنا قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر نزلها واستقى الناس من بئرها، فلما راحوا منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: "لا تشربوا من مائها شيئاً ولا

_ 1 حتى أجاز الوادي: أي قطعه. الفتح (8/125) 2 صحيح البخاري مع الفتح (8/125 رقم 4419) . والحديث أخرجه مسلم أيضاً رقم (2980) من طريق يونس عن ابن شهاب وعبد الرزاق في التفسير 1/231، والمصنف رقم (1624) وأحمد في المسند رقم (5342) تحقيق شاكر، ورقم (5705) من طريق معمر عن الزهري، وأخرجه من غير طريق الزهري رقم (5225) و (5404) و (5441) و (5645) و (5931) من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر. وأخرجه الطبري في التفسير (14/59-50) وابن حبان في صحيحه (الإحسان رقم 6199) كلاهما من طريق الزهري به، والبيهقي في الدلائل (5/233) من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر. وأخرجه البغوي في معالم التنزيل (3/156) ،وشرح السنة رقم (4165) من طريق الزهري به. وأخرجه ابن هشام في السيرة (2/522) بلاغاً عن الزهري أنه قال: لما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر..فذكر نحوه، وأخرجه الفزاري في السير (101) رقم (4) عن الزهري مرسلاً.

تتوضؤوا للصلاة، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئاً"، وقال: "لا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحبه"، قال: ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر في طلب بعير له، فأما الذي ذهب لحاجته فخنق على مذهبه1، وأما الذي ذهب في طلب بعير له فاحتملته الريح وطرحته بجبلي طيء2 فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا ومعه صاحب له؟ ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي، وأما الآخر الذي وقع بجبلي طيء فإن طيئاً أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة3.

_ 1 فخنق على مذهبه: الخناق والخناقة: داء أو ريح يأخذ الناس والدواب في الحلوق، والمذهب المكان الذي ذهب إليه لقضاء الحاجة. انظر: القاموس: (ذهب) واللسان (خنق) . 2 بجبليّ طيء: هما أجأ وسلمى، وعرف أجأ بأجأ بن عبد الحيّ، كان صلب في ذلك الجبل، ويقعان في حائل. المعالم الأثيرة (176) . وسلمى: صلبت في الجبل الآخر فعرف بها، وهي سلمى بنت حام. الروض الأنف (4/196) . 3 دلائل النبوة رقم (453) . وهذه الرواية ذكرها ابن إسحاق (ابن هشام 2/521) عن عبد الله بن أبي بكر عن ابن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، ليس فيها ذكر الزهري، وهي ضعيفة، لعنعنة ابن إسحاق، قال ابن هشام: بلغني عن الزهري أنه قال: لما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر سجَّى ثوبه على وجهه واستحث راحلته ثم قال: لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا وأنتم باكون، خوفاً أن يصيبكم مثل ما أصابهم. المصدر السابق، وهي ضعيفة أيضاً. ولكن يشهد لها ما أخرجه البخاري رقم (3378) من حديث ابن عمر، وفيه (..أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها، فقالوا: قد عَجَنَّا منها، واستقينا، فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين، ويهريقوا ذلك الماء) . وما أخرجه مسلم (1392) من حديث أبي حميد، وفيه " ... انطلقنا حتى قدمنا تبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستهبّ عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم منكم أحدٌ، فمن كان له بعير فليشدّ عقاله، فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيء" وهذه الرواية ذكرت أن الريح هبت في تبوك، وليس في الحجر، والله أعلم. وقد أخرج ابن كثير في البداية والنهاية 5/11 رواية ابن إسحاق عن العباس بن سهل بن سعد أو عن العباس بن سعد.

المطلب الثاني: في صلاة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم.

المطلب الثاني: في صلاة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم. 189- قال مسلم1: حدثني محمد بن رافع وحسن بن علي الحُلواني جميعاً عن عبد الرزاق - قال ابن رافع - حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج حدثني ابن شهاب عن حديث عباد بن زياد، أن عروة ابن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره؛ أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك، قال المغيرة: فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغائط، فحَمَلْتُ معه إداوة2 قبل صلاة الفجر، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إليَّ أخذت أهريق

_ 1 صحيح مسلم (1/318) رقم (274) . 2 الإداوة - بالكسر ـ: إناء صغير من جلد يتخذ للماء. النهاية (1/33) .

على يديه من الإداوة، وغسل يديه ثلاث مرات، ثم غسل وجهه، ثم ذهب يُخرجُ جُبته عن ذراعيه فضاق كُمَّا جُبَّتِهِ، فأدخل يديه في الجُبّة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة وغسل ذراعيه إلى المرفقين ثم توضأ على خفيه، ثم أقبل، قال المغيرة: فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدّمُوا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم، فأدرك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين، فصلى مع الناس الركعة الآخرة، فلما سلّم عبدُ الرحمن بنُ عوف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته فأفزع1 ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم ثم قال: "أحسنتم" أو قال: "قد أصبتم" يغبطهم أن صلَّوا الصلاة لوقتها2.

_ 1 الفزع في الأصل: الخوف. النهاية (4/443) ،والمراد: أن سبقهم النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة أوقعهم في الفزع. 2 وأخرجه مالك في الموطأ (كتاب الطهارة، باب ما جاء في المسح على الخفين رقم 41) . والشافعي في المسند (1/ 144) ، وعبد الرزاق رقم (847) ، ومن طريقه أحمد في المسند (30/ 130، رقم [18194] أرناؤوط) ، وأبو عوانة (2/ 215) ، وأبو داود رقم (149) ، والطبراني في الكبير (20/ 376ـ 377) ، رقم (880) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 5/ 602 رقم: 2224) ، والبيهقي في السنن (2/ 295) ، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه رقم (1642) من طريق يونس عن الزهري به، والبيهقي في السنن (3/ 123) .

المطلب الثالث: في إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم سره لحذيفة في شأن بعض المنافقين.

المطلب الثالث: في إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم سرَّه لحذيفة في شأن بعض المنافقين. 190- قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن1 علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد2 بن عبيد، ثنا عبيد3 بن شريك، وأحمد4 بن إبراهيم بن ملحان، قالا: حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عروة بن الزبير قال: "بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا تبوك نزل عن راحلته فأوحي إليه وراحلته باركة، فقامت تجر زمامها، حتى لقيها حذيفة بن اليمان فأخذ بزمامها فاقتادها، حتى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً فأناخها ثم جلس عندها حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال: من هذا؟ فقال: حذيفة بن اليمان5،

_ 1 علي بن أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج بن سعيد بن عبدان، أبو الحسن، قال الخطيب: قدم بغداد حاجاً في سنة 396هـ وكان ثقة. تاريخ بغداد 11/329. 2 هو أحمد بن عبيد بن إسماعيل البصري الصفار، أبو الحسن. قال الخطيب: روى عنه الدارقطني، وكان ثقة ثبتاً. تاريخ بغداد (4/261) . 3 عبيد بن عبد الواحد بن شريك، أبو محمد البزار، وكان ثقة صدوقاً، ت سنة 285 هـ. انظر: تاريخ بغداد 11/99-100. 4 هو أحمد بن إبراهيم، لم أعثر على ترجمته. 5 حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر: صحيح البخاري مع الفتح (7/ 90 رقم: 3742) ، ومسلم بشرح النووي (6/ 109ـ 110) . وقال الحافظ في الفتح (7/ 92) : "والمراد بالسر ما أعلمه به صلى الله عليه وسلم من أحوال المنافقين".

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أسر إليك أمراً فلا تذكره: " إني قد نهيت أن أصلي على فلان وفلان) ؛ رهط ذوي عدد من المنافقين، لم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرهم لأحد غير حذيفة بن اليمان، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته إذا مات رجل يظن أنه من أولئك الرهط أخذ بيد حذيفة فاقتاده إلى الصلاة عليه فإن مشى معه حذيفة صلى عليه وإن انتزع حذيفة يده فأبى أن يمشي معه انصرف عمر معه فأبى أن يصلي عليه وأمر عمر رضي الله عنه أن يصلى عليه1.

_ 1 السنن (8/ 200) ، وسنده صحيح إلى عروة، وقد أخرجه البيهقي أيضاً في السنن (8/ 200) من طريق معمر عن الزهري مرسلاً. وسنده صحيح إلى الزهري. وقد أخرجه الواقدي في المغازي (3/ 1045) من طريق معمر عن الزهري مرسلاً نحوه.

المطلب الرابع: في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بخمس خصال تقع قبل قيام الساعة.

المطلب الرابع: في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بخمس خصال تقع قبل قيام الساعة. 191- قال الطبراني: حدثنا حفص1 بن عمر بن الصباح الرقي، ثنا عمرو2 بن عثمان الكلابي، ثنا عبد الله3 بن عمرو - والصواب عبيد الله - عن إسحاق بن راشد4، عن الزهري، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب5، عن عوف بن مالك الأشجعي6 رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك في آخر السحر وهو في

_ 1 هو: حفص بن عمر بن الصباح الرقي الجزري، ويلقب بسنْجة. قال الذهبي: قال أبو أحمد الحاكم: حدث بغير حديث لم يتابع عليه. قلت: احتج به أبو عوانة. أ. هـ. السير (13/ 405ـ 406) ، ثم قال الذهبي: "وتوفي سنة ثمانين ومائتين، وهو صدوق في نفسه وليس بمتقن". المصدر السابق. 2 هو: عمرو بن عثمان بن سيار الكلابي، مولاهم، الرقي، ضعيف، وكان قد عمي، من كبار العاشرة، مات سنة سبع عشرة أو تسع عشرة، ق، التقريب (424) . 3 هو: عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الرقي، أبو وهب الأسدي، ثقة فقيه، ربما وهم، من الثامنة، مات سنة ثمانين، عن ثمانين إلا سنة، ع، التقريب (373) ، وانظر: تهذيب الكمال (19/ 136ـ137 و22/ 147، و2/ 419) . 4 تقدم في الرواية رقم [146] . 5 هو: عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي، أبو عمر المدني، ثقة، من الرابعة، توفي بحرَّان في خلافة هشام، ع، التقريب (334) . 6 هو: عوف بن مالك الأشجعي أبو حمَّاد، ويقال غير ذلك، صحابي مشهور، من مسلمة الفتح، وسكن دمشق ومات سنة ثلاث وسبعين، ع، التقريب (433) .

فسطاطه فسلمت عليه وقلت: أدخل يا رسول الله؟ قال: ادخل، فقلت: كلي؟ قال: كلك، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ست قبل الساعة: أولهن: موت نبيكم، قل: إحدى، قلت: إحدى، والثانية: فتح بيت المقدس، قل: اثنتين، قلت: اثنتين، قال: والثالثة: مُوتان1 يأخذكم كقعاص2 الغنم، قل: ثلاثاً، قلت: ثلاثاً، قال: والرابعة: يفيض فيكم المال حتى إن الرجل ليعطى مائة دينار فيظل يتسخطها3، قل: أربعاً، قلت: أربعاً، والخامسة: فتنة تكون بينكم فلا يبقى فيكم بيت مدر ولا وبر إلا دخلته، قل: خمساً، قلت: خمساً، والسادسة: هدنة4 تكون بينكم وبين بني الأصفر5 فيجتمعون لكم قدر حمل المرأة ثم يغدرون بكم فيقبلون في ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألفاً"6.

_ 1 الموتان: - بوزن البطلان - الموت الكثير الوقوع. النهاية (4/ 370) . 2 كقعاص الغنم، القعص: أن يضرب الإنسان فيموت مكانه، يقال: قعصته وأقعصته إذا قتلته قتلاً سريعاً. النهاية (4/ 88) ، وقال الحافظ ابن حجر: (هو داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة) . انظر: الفتح (6/ 288) تحت رقم (3176) . 3 يتسخطها: السَّخْط والسُّخط: الكراهية للشيء، وعدم الرضا به، النهاية (2/ 350) 4 هدنة: الهدنة: السكون، والهدنة، الصلح والموادعة بين المسلمين والكفار. النهاية (5/ 252) . 5 بنو الأصفر: الروم، فتح الباري (6/ 278) . 6 المعجم الكبير (18/54 رقم (98) . وهي ضعيفة من هذا الطريق، لكن قد صحّت الرواية من غير طريق الزهري كماسيأتي. وذكر الحافظ أنه وقع أكثر هذه العلامات، فقد مات النبي صلى الله عليه وسلم وحصلت الفتنة في عهد عثمان وأدت إلى قتله، وحصل طاعون عمواس الذي فتك بالناس، وفتح بيت المقدس في عهد عمر. فتح الباري (6/278) . والحديث من طريق إسحاق بن راشد أخرجه الحاكم في المستدرك (3/546-547) . وأخرجه البخاري من غير طريق الزهري، فقد أخرجه عن الحميدي رقم (3176) ، وأبو داود رقم (5000) ، وأحمد في المسند (39/392، رقم [2371] أرناؤوط) ، وابن ماجه رقم (4042) ، والطبراني في الكبير (18/ 41رقم 71 و 72 و 119 و 122 و 148 و 150) وابن حبان في صحيحه (الإحسان 15/66 رقم (6675) من طريق عوف بن مالك الأشجعي.

المبحث الرابع: في خبر مسجد الضرار

المبحث الرابع: في خبر مسجد الضرار 192- عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير، قال: الذين بني فيهم المسجد الذي أسس على التقوى بنو عمرو بن عوف، قال: وفي قوله تعالى: {وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 1 أبو عامر الراهب2، انطلق إلى الشام، فقال الذين بنو مسجداً ضراراً3 إنما

_ 1 وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله: وإعداداً لأبي عامر الفاسق الذي خالف الله ورسوله من قبل. تفسير الطبري: 14/469 تحت رقم (17186) تحقيق شاكر. 2 أبو عامر، هو: عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان، أحد بني ضبيعة، وهو والد حنظلة - غسيل الملائكة - ابن هشام (2/67) . 3 الضرار: من الضرّوهو ضدّ النفع، والضرار: أن تضرّه من غير أن تنتفع به. النهاية (3/81ـ82)

بنيناه ليصلي فيه أبو عامر1. 193- وقال الطبري: حدثنا ابن حميد2 قال: ثنا سلمة3، عن ابن إسحاق، عن الزهري ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم، قالوا: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من تبوك - حتى نزل بذي أوان4؛ - بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار-

_ 1 تفسير عبد الرزاق (1/287-288) القسم الثاني، وهي رواية صحيحة إلى عروة، لكنها مرسلة. وأخرج هذه الرواية المرسلة أبو جعفر الطبري في تفسيره (14/472) رقم (17196) شاكر، من طريق الزهري عن عروة عن عائشة به، وأخرجه من طريق عبد الرزاق ابن أبي حاتم في تفسيره رقم (1595) عن عروة فقط، دون ذكر عائشة. فالظاهر أن ذكر عائشة عند الطبري غير محفوظ، لأن ابن أبي حاتم في روايته المذكورة روى الحديث عن الحسن بن يحيى - شيخ الطبري - بإسناده عن عروة مرسلاً، فدل ذلك على أن ذكر عائشة فيه وهم. انظر: مرويات عروة بن الزبير، لعادل عبد الغفور، 794، رسالة دكتوراه. 2 هو محمد بن حميد بن حيان الرازي، حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه، من العاشرة، توفي سنة 248 هـ د ت ق التقريب 475. 3 هو سلمة بن الفضل الأبرش - بالمعجمة - مولى الأنصار، قاضي الري، صدوق كثير الخطأ، من التاسعة، مات بعد التسعين، وقد جاوز المائة، د ت فق، التقريب 248. 4 ذو أوان: حدده ابن إسحاق بمسافة ساعة من نهار، ولم يزد ياقوت ولا البكري عن تحديد ابن إسحاق.

وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قد بنينا مسجداً لذي العِلّة والحاجة، والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحبّ أن تأتينا فتصلى لنا فيه، فقال: إني على جناح سفر وحال شغل - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولو قد قدمنا أتيناكم إن شاء الله فصلينا لكم فيه، فلما نزل بذي أوان، أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالكَ بنَ الدُّخْشُم أخا بني سالم بن عوف، ومعنَ بنَ عديّ1 - أو أخاه عاصم بن عدي - أخا بني العجلان، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه، فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف، وهم رهط مالك بن الدُّخْشُم، فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل إلى أهله فأخذ سَعَفَاً2 من النخل فأشعل فيه ناراً ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه، ونزل فيهم من القرآن ما نزل: {وَالذِيْنَ اتَّخَذُوْا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً} 3 إلى آخر القصة4.

_ 1 هو معن بن عدي بن الجد بن العجلان البلوي حليف الأنصار، وهو أخو عاصم بن عدي، ذكره ابن إسحاق فيمن شهد أحداً. الإصابة 3/449-450. 2 أخذ سعفاً: السعفات: جمع سعفة - بالتحريك - وهي أغصان النخيل، وقيل: إذا يبست سميت: سعفة. النهاية 2/368. 3 سورة التوبة آية (107) . 4 تفسير الطبري (14/468) رقم (17186) شاكر. وأخرجه الطبري أيضاً في تاريخه 3/ 101، 109، بنفس السند، وهي رواية ضعيفة من أجل محمد بن حميد وسلمة بن الأبرش، وعنعنة ابن إسحاق بالإضافة لكونه مرسلاً. وأخرجه ابن إسحاق بدون سند. ابن هشام 2/529.

المبحث الخامس: في خروج الغلمان إلى ثنية الوداع لتلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رجوعه من تبوك

المبحث الخامس: في خروج الغلمان إلى ثنية الوداع لتلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رجوعه من تبوك ... المبحث الخامس: في خروج الغلمان إلى ثنية الوداع1 لتلقي النبي صلى الله عليه وسلم عند رجوعه من تبوك 194- قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال: سمعت الزهري، عن السائب بن يزيد، يقول: أذكر أني خرجت مع الغلمان إلى ثنية الوداع نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال سفيان - مرة -: "مع الصبيان"2.

_ 1 ثنية الوداع: ثنية الوداع هي الواقعة في بداية طريق أبي بكر الصديق (سلطانة) ، فإذا كنت خارجاً من المدينة باتجاه الشمال يكون يسارك اليوم جبل سلع، وإلى يمينك بداية طريق العيون فإذا كنت داخلاً المدينة من الشمال فإن جبل سلع على يمينك وعلى يسارك بداية طريق العيون، ثم بداية طريق سيد الشهداء المؤدي إلى أُحد. انظر: المعالم الأثيرة 81. 2 صحيح البخاري مع الفتح (8/126-127) رقم (4426) . والحديث أخرجه أبو داود رقم (2779) والترمذي رقم (1718) وأحمد في المسند (24/498 رقم [15721] أرناؤوط) ، ,ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/224-225 رقم (681، 682) تحقيق السلمي، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (1/358) وأبو زرعة في تاريخه (1/418) رقم 998) ،وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/379) رقم (2421) ، وابن حبان في صحيحه (الإحسان 11/113، رقم: 4792) ، والطبراني في الكبير (7/148) رقم (6653) ، والبيهقي في السنن (9/175) ، وفي الدلائل (5/265) كلهم من طريق الزهري به.

المبحث السادس: في سرية أسامة بن زيد إلى (أبنى) .

المبحث السادس: في سرية أسامة بن زيد إلى أُبْنَى1. 195- قال أبو داود الطيالسي: حدثنا صالح بن أبي الأخضر2، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن أسامة، قال: "أمرني3 النبي صلى الله عليه وسلم

_ 1 بضم الأول، وسكون الباء وفتح النون، وفي آخره ألف مقصورة، بوزن (حُبْلى) قيل: هي موضع بناحية البلقاء من الشام، وقيل هي بين فلسطين والبلقاء، قالوا: وهي التي بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً أبا أسامة مع جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة فاستشهدوا بمؤتة من أرض البلقاء، وعلى هذا يكون موقعها الآن في شرقي الأردن، قرب مؤتة، وفي فلسطين قرية تدعى (يبنة، أو يبنى) على الساحل، فهل تكون هي؟ انظر: هذا الكلام في المعالم الأثيرة لمحمد شراب 16-17. 2 هو صالح بن أبي الأخضر اليمامي، مولى هشام بن عبد الملك، نزل البصرة، ضعيف يعتبر به، من السابعة، مات بعد الأربعين، ع، التقريب 271. 3 كان هذا البعث كما قال ابن إسحاق (ابن هشام 2/66) في شهر صفر بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع،,ذكر ابن حجر: أن تجهيز هذا الجيش كان يوم السبت في آخر شهر صفر، الفتح (8/125) ومما يجدر ذكره أن هذا الجيش لم يخرج إلا في شهر ربيع الأول في عهد أبي بكر. انظر: تاريخ خليفة 7.

أن أُغير على أُبْنَى صباحاً وأحرِّق"1.

_ 1 مسند أبي داود الطيالسي 87 رقم (625) . وقد أخرج هذه الرواية من طريق صالح بن أبي الأخضر: ابن أبي شيبة في المصنف ج12 ص663 رقم (41018) و12/391 رقم (41097) وابن سعد في الطبقات 4/66، وأحمد في المسند (36/118 رقم [21785] أرناؤوط) وأبو داود في السنن رقم (2616) وابن ماجه رقم (2843) والبيهقي في السنن (9/83) ، وفي معرفة السنن والآثار له (13/238 رقم 18032) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/208) . قال الألباني في ضعيف سنن أبي داود رقم (562) : "ضعيف"، وقال في ضعيف سنن ابن ماجه رقم (624) : "ضعيف". وأخرجه الشافعي في الأم (4/174) من غير طريق صالح بن أبي الأخضر، فقال: أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله بن جعفر الأزهري، قال: سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة عن أسامة بن زيد، قال: ... فذكره. وفيه ضعف لإبهام من أخبر الشافعي، وقد أخرجه من غير طريق صالح الأخضر الواقدي في المغازي (3/1118) ، عن عروة مرسلاً، ومن طريق الواقدي أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/248) . وعَقدُ النبي صلى الله عليه وسلم الإمرة لأسامة بن زيد على هذا البعث ثابت في صحيح البخاري رقم (4469) ومسلم رقم (2426) وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، إلا أنه لم يذكر في الحديث وجهة هذا البعث، لا إلى أُبنى ولا إلى غيرها، لكن لا شكّ أن البعث هو البعث الذي كان رسول الله يريد أن يوجهه إلى أُبْنى من أرض الشام، ولذلك ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح (8/152) عند شرحه لهذا الحديث: أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأسامة: "سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، وأَغِر صباحاً على أُبنى وحرِّق عليهم..".

الخاتمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فإن كل أعمال الورى يعتريها النقص والتقصير إلا ما رحم ربي، وحسبي أني اجتهدت فلم آلُ، وسأذكر في هذه الخاتمة مقتطفات تشتمل على أهمّ ما ورد في الرسالة: 1- بعد جمعي لمرويات الإمام الزهري وضعت لها أرقاماً متسلسلة بلغت (195) روايةً من غير المكرر، وهذا العدد من المرويات ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول من الروايات مسندة إلى النبيصلى الله عليه وسلم أو إلى الصحابة الذين عاشوا تلك الأحداث، وعدد تلك الروايات (79) رواية. القسم الثاني من الروايات موقوفة على التابعين، وعددها (38) رواية. القسم الثالث من الروايات موقوفة على الزهري نفسه وعددها (73) رواية. 2- أن الروايات المرسلة سواء تلك التي أرسلها كبار التابعين أو التي أرسلها الزهري كثير منها قد وصلها كبار المحدثين من غير طريق الزهري، وقد ذكرت أمثلة لذلك في المبحث الأخير من الباب الأول مما يدل على القيمة العلمية الكبيرة لمرويات الزهري.

3- أن مرويات الزهري شملت جزءاً كبيراً من مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه؛ فقد قارنتها بمغازي ابن إسحاق فوجدتها تمثل 90% تقريباً من المغازي، وقرابة 80% من السرايا. 4- عندما تعرضت لمدلول كلمتي (السير والمغازي) عند المؤرخين تبين لي - والله أعلم - أن كلمة (السيرة) إذا أطلقت فإنه يراد بها العهدين المكي والمدني، أما كلمة (المغازي) فيراد بها في الغالب عند إطلاقها مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة. 5- عندما تعرضتُ لتعريف الغزوة والسرية والبعث في القرون الأولى تبين لي أنهم لم يكونوا يفرقون بين الغزوة والسرية، وأنهم قد يطلقون على السرية غزوة، وأن التعريف الذي يفرق بينهما إنما هو اجتهاد من المتأخرين، وأن المعنى المقصود عند المتقدمين هو المعنى اللغوي وهو القصد والطلب. 6- أن الإمام الزهري كان آية في الحفظ والذكاء والتمسك بالسنة مما جعله يتبوأ مكانة عالية بين أقرانه. 7- أنه قد استقى علمه من بعض الصحابة رضي الله عنه وكبار التابعين الثقات الأثبات الذين كان لهم دور كبير في تنمية ثقافته وغزارة علمه، كما أن تلاميذه الذين أخذوا عنه كانوا أيضاً من كبار العلماء كمعمر، وموسى بن عقبة وابن إسحاق والأخيران إمامان في المغازي. 8- أن أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربع قد نقلوا كثيراً من مرويات الزهري في المغازي لإمامته في الحديث

والمغازي. 9- أن روايات محمد بن عمر الواقدي يستشهد بها في غير الأحكام الشرعية لإمامته في هذا الفنّ. 10- أنه بعد الاستقراء لمرويات الزهري وجدتها موافقة لما عند غيره من أهل المغازي والحديث، إلا ثلاث مسائل: الأولى: تتعلق بقتلى المشركين وأسراهم يوم بدر، فقد ذكر الزهري أن القتلى أكثر من السبعين، والأسرى مثل ذلك، ورواية الصحيحين تذكر سبعين قتيلاً وسبعين أسيراً، وما في الصحيحين أصحّ، علماً بأنه قد وافق ما في الصحيحين في بعض رواياته. الثانية: تتعلق بتاريخ غزوة بني النضير، فقد ذكر المؤرخون أنها كانت في السنة الرابعة، تبعاً لابن إسحاق، أما الزهري فقد ذكر أنها كانت قبل أحد، وذكرت أن الصواب هو قول الزهري. الثالثة: تتعلق بمقتل مرحب اليهودي، فقد أخرج مسلم أن الذي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه بينما الزهري يذكر في رواية مرسلة أن الذي قتله هو محمد بن مسلمة، وما في صحيح مسلم أصحّ، علماً بأن الزهري قد ذكر في رواية أخرجها سعيد بن منصور عنه أن قاتل مرحب علي بن أبي طالب، ولكنها رواية ضعيفة السند. 11- أن الزهري قد ذُكر عنه التدليس، ولذلك وضعه الحافظ ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين بحيث لا يقبل إلا إذا صرّح بالتحديث، ولكن بالرجوع إلى الكتب القديمة تبين أن العلماء قد قبلوا

عنعنته وذلك لإمامته وجلالة قدره، وقد أخرج له البخاري ومسلم وجميع المحدثين دون أن ينظروا في عنعنته مما يدلّ على أن وضع الحافظ له في هذه المرتبة فيه نظر. 12- أن الزهري كان يصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم، يدل على ذلك مقولته المشهورة أمام الخليفة الوليد بن عبد الملك في قصة الذي تولى كبر الإفك على عائشة رضي الله عنها. 13- براءة الزهري مما اتهم به من النصب ومحاباته لبني أمية. 14- لم يثبت لدي أن للزهري كتاباً مفرداً للمغازي ينسب إليه، لكنه أحد الأئمة الثقات في رواية السيرة والمغازي. رحمه الله رحمة واسعة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... ثبت المصادر والمراجع القرآن الكريم ? إبراهيم بن إبراهيم القريبي مرويات غزوة بني المصطلق. نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية مرويات غزوة حنين وحصار الطائف. نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. ? ابن الأثير: أبو الحسن علي بن محمد الجزري (ت 630هـ) أسد الغابة في معرفة الصحابة. تحقيق: محمد إبراهيم، ومحمد عاشور، دار الشعب بالقاهرة. ? ابن الأثير: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت 606هـ) جامع الأصول في أحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، نشر مكتبة الحلواني وغيرها 1389هـ. النهاية في غريب الحديث والأثر. تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، نشر المكتبة الإسلامية. ? أحمد بن حنبل الشيباني (ت 241هـ) المسند؛ تحقيق: أحمد شاكر، دار المعارف، مصر. المسند؛ تحقيق شعيب الأرناؤوط ورفاقه، الطبعة الأولى 1417هـ مؤسسة الرسالة.

فضائل الصحابة، تحقيق: وصي الله بن عباس، نشر مركز البحث العلمي، وإحياء التراث الإسلامي جامعة أم القرى، بمكة المكرمة، الطبعة الأولى 1403هـ. العلل ومعرفة الرجال، تحقيق وتخريج: وصي الله بن عباس، الطبعة الأولى 1408هـ، المكتب الإسلامي. ? الأزرقي: أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد. أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، تحقيق: رشدي الصالح ملحس، مطابع دار الثقافة، مكة المكرمة، الطبعة الثالثة، 1398هـ. ? إسحاق بن راهويه: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي (ت 238هـ) المسند، تحقيق: عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، مكتبة الإيمان بالمدينة، الطبعة الأولى 1412هـ. ? ابن إسحاق محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم (ت 151هـ) السير والمغازي، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر، الطبعة الأولى 1398 هـ. السيرة النبوية، تهذيب ابن هشام، تحقيق: مصطفى السقا، وآخرين، الطبعة الثانية، 1375 هـ، مطبعة الحلبي، مصر. ? إسماعيل بن محمد التيمي، أبو القاسم الأصبهاني الملقب بقوام السنة (ت535هـ) .

دلائل النبوة، تحقيق مساعد بن سليمان الراشد، دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض. 1412هـ. دلائل النبوة، تحقيق: محمد بن محمد الحداد، الطبعة الأولى، 1419هـ، دار طيبة للنشر والتوزيع. ? الأعظمي: محمد مصطفى. مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لعروة بن الزبير برواية أبي الأسود عنه، نشر مكتب التربية لدول الخليج العربي، الرياض، الطبعة الأولى 1401هـ. دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، نشر المكتب الإسلامي، 1413هـ. ? أكرم ضياء العمري. السيرة النبوية الصحيحة، نشر مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة،1412 هـ. بحوث في تاريخ السنة المشرفة، الطبعة الخامسة، 1415هـ، مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة. ? الألباني: محمد ناصر الدين. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي 1399هـ. تخريج أحاديث فقه السيرة للغزالي، الطبعة السابعة 1976م، دار الكتب الحديثة.

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، الطبعة الرابعة، المكتب الإسلامي، ونشر الدار السلفية بالكويت، والمكتبة الإسلامية عمّان، الطبعة الثانية 1404هـ سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء على الأمة، المكتب الإسلامي، الطبعة الرابعة 1398هـ، والمكتبة الإسلامية الطبعة الثانية 1404هـ، ومكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى 1408 هـ. صحيح الجامع الصغير وزياداته، نشر المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1402 هـ. صحيح سنن أبي داود، نشر مكتب التربية العلمي لدول الخليج، الطبعة الأولى، 1408هـ. صحيح سنن الترمذي، نشر مكتب التربية العلمي لدول الخليج، الطبعة الأولى، 1408هـ. صحيح سنن النسائي، نشر مكتب التربية العلمي لدول الخليج، الطبعة الأولى، 1408هـ. صحيح سنن ابن ماجه، نشر مكتب التربية العلمي لدول الخليج، الطبعة الأولى، 1408هـ. ضعيف سنن أبي داود، نشر مكتب التربية العلمي لدول الخليج، الطبعة الأولى، 1408هـ. ضعيف سنن النسائي، نشر مكتب التربية العلمي لدول الخليج، الطبعة الأولى، 1408هـ. ضعيف سنن ابن ماجه، نشر مكتب التربية العلمي لدول

الخليج، الطبعة الأولى، 1408هـ. ? الأنصاري: حماد بن محمد. إتحاف ذوي الرسوخ بمن رمي بالتدليس من الشيوخ، الطبعة الأولى، 1406 هـ، مكتبة المعلا، الكويت. بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني، الطبعة الأولى، 1415 هـ، مكتبة الغرباء الأثرية بالمدينة المنورة. ? الباكري: حسين بن أحمد. مرويات غزوة أحد، رسالة ماجستير من الجامعة الإسلامية، 1399 هـ ـ 1400 هـ، مطبوعة على الآلة الكاتبة. ? البخاري: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله (ت 256هـ) الأدب المفرد: ترتيب وتقديم: كمال يوسف الحوت، الطبعة الثانية، 1405 هـ عالم الكتب بيروت. التاريخ الصغير، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار المعرفة بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ. التاريخ الكبير، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، مصور عن طبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الهند. الجامع الصحيح مع فتح الباري، لابن حجر الطبعة السلفية، القاهرة 1380 هـ، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي.

البزار: أبو بكر: أحمد بن عمرو بن عبد الخالق (ت 292هـ) البحر الزخار، تحقيق محفوط الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن، بيروت الطبعة الأولى 1409هـ. ? البغوي: الحسين بن مسعود الفراء (ت 516هـ) . شرح السنة، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي، 1399هـ. معالم التنزيل بهامش تفسير الخازن، دار الفكر، بيروت. ? البكري: عبد الله بن عبد العزيز البكري (ت 487هـ) معجم ما استعجم، حققه وضبطه مصطفى السقا، الطبعة الثالثة، 1403هـ، عالم الكتب، بيروت. ? البلادي: عاتق بن غيث. معجم قبائل الحجاز، الطبعة الثانية، 1403هـ، دار مكة للطباعة والنشر والتوزيع. معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، دار مكة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1402هـ. ? البلاذري: أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279هـ) أنساب الأشراف، تحقيق محمد حميدان، دار المعارف مصر. فتوح البلدان، مراجعة وتعليق: محمد رضوان، دار الكتب العلمية بيروت 1412هـ. ? البوصيري: أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر الكناني

(ت840هـ) إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، تحقيق: دار المشكاة للبحث العلمي، الطبعة الأولى،1420هـ، دار الوطن الرياض. ? البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين (ت458هـ) . دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1405 هـ. السنن الكبرى، دار الفكر بيروت. معرفة السنن والآثار، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، الطبعة الأولى، 1412هـ، دار الوعي حلب، وغيره. ? الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت 279هـ) سنن الترمذي، تحقيق: أحمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، وإبراهيم عطوة، مطبعة البابي الحلبي، الطبعة الثانية، 1398هـ. الشمائل: إخراج وتعليق: محمد عفيف الزعبي، الطبعة الأولى، 1403هـ دار العلم للطباعة والنشر جدة. ? ابن تغري بردي: أبو الحسن جمال الدين يوسف الأتابكي (ت874هـ) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، طبع دار الكتب

المصرية 1383هـ. ? ابن الجارود: أبو محمد عبد الله بن علي النيسابوري (ت317هـ) المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كتاب غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود لأبي إسحاق الحويني، نشر دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1408هـ. ? ابن الجعد: أبو الحسن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري (ت 230هـ) مسند ابن الجعد، تحقيق: عبد المهدي بن عبد القادر، الطبعة الأولى، 1405هـ، مكتبة الفلاح الكويت. ? ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 597 هـ) صفة الصفوة، تحقيق: محمود فاخوري، خرج أحاديثه: محمد رواس قلعجي، دار الوعي حلب، الطبعة الأولى، 1389هـ. المنتظم في تاريخ الملوك، تحقيق: محمد عبد القادر عطا وأخيه مصطفى، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ. ? الجوهري: أبو نصر إسماعيل بن أحمد (ت 393هـ) الصحاح: تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثالثة، 1404هـ، دار العلم للملايين، بيروت. ? ابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي (ت327هـ) . تفسير القرآن العظيم مسنداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين.

المراسيل بعناية شكر الله بن نعمة الله قوجاني، الطبعة الثانية، 1402هـ مؤسسة الرسالة. الجرح والتعديل، دار الكتب العلمية بيروت، مصور عن الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند 1371هـ. ? حاجي خليفة: مصطفى بن عبد الله (ت 1067هـ) كشف الظنون، نشر دار الفكر، بيروت 1402هـ. ? حارث بن سليمان الضاري. الإمام الزهري وأثره في السنة، منشورات مكتبة بسام الموصل العراق، 1405هـ. ? حافظ محمد عبد الله الحكمي مرويات غزوة الحديبية، نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة. ? الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله (405 هـ) المستدرك على الصحيحين، نشر دار الكتاب العربي، بيروت لبنان. ? ابن حبان: أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد (354هـ) صحيح ابن حبان (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، لعلاء الدين الفارسي) تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى 1412 هـ مؤسسة الرسالة بيروت.

الثقات، طبع دائرة المعرف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند، الطبعة الأولى 1393هـ ? ابن حجر: أبو الفضل أحمد بن علي (852هـ) رفع الإصر عن قضاة مصر، تحقيق: حامد عبد المجيد، ومحمد المهدي أبي سنة، المطبعة الأميرية، القاهرة 1957م. النكت على كتاب ابن الصلاح، تحقيق: ربيع بن هادي المدخلي، الطبعة الأولى، 1404هـ نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة. الإصابة في تمييز الصحابة، نشر دار الكتاب العربي. تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، نشر دار الكتاب العربي، بيروت. تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، تحقيق عاصم بن عبد الله القريوتي، الطبعة الأولى، مكتبة المنار. تغليق التعليق على صحيح البخاري، تحقيق سعيد بن عبد الرحمن موسى القزقي، المكتب الإسلامي، دار عمار الأردن، الطبعة الأولى 1405هـ تقريب التهذيب، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا حلب، الطبعة الأولى 1406هـ. التلخيص الحبير، تحقيق السيد عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة، 1384هـ

تهذيب التهذيب، دار صادر، بيروت، مصور عن الطبعة الأولى مجلس دائرة المعارف العثمانية الهند 1325هـ. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، الطبعة السلفية، 1380هـ. لسان الميزان، ط الثانية، دار الفكر. المطالب العالية، بزوائد المسانيد الثمانية، المسندة، تحقيق: أبي بلال غنيم بن عباس بن غنيم، وأبي تميم ياسر بن إبراهيم، الطبعة الأولى، 1418هـ، دار الوطن الرياض. مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد، تحقيق: صبري عبد الخالق أبي ذر، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى، 1412هـ. هدي الساري مقدمة فتح الباري (انظر الفتح) . ? حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. ديوان حسان بن ثابت، شرحه وكتب هوامشه: عبد أمهنا، الطبعة الأولى، 1416هـ، دار الكتب العلمية بيروت. ? حسين عطوان. رواية الشاميين للمغازي والسير في القرنين الأول والثاني الهجريين الطبعة الأولى 1986م دار الجيل. ?ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت 456هـ) جمهرة أنساب العرب، مراجعة لجنة من العلماء طبع دار

الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1403هـ. جوامع السيرة، تحقيق: إحسان عباس وناصر الدين الأسد، ومراجعة: أحمد محمد شاكر، إدارة إحياء السنة باكستان. ?الحميدي: أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي (ت 219هـ) مسند الحميدي: تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب بيروت، الطبعة الأولى 1409هـ. ?ابن خزيمة: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311هـ) . صحيح ابن خزيمة، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1399هـ. ?الخشني: أبو ذر محمد بن مسعود (ت 604هـ) شرح السيرة النبوية رواية ابن هشام، تصحيح: بولس برونلة، دار الكتب العلمية بيروت. الإملاء المختصر في شرح غريب السير، تحقيق: عبد الكريم خليفة، الطبعة الأولى، 1412هـ، دار النشر، عمان الأردن. ?الخطابي: أبو سليمان حَمْد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي (ت 388هـ) . معالم السنن، طباعة وتصحيح: محمد راغب الطباخ، حلب، الطبعة الأولى، 1352هـ. ?الخطيب البغدادي: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت (ت463هـ) . تاريخ بغداد، دار الفكر للطباعة والنشر بيروت.

تقييد العلم، تحقيق: يوسف العش، نشر دار إحياء السنة النبوية، الطبعة الثانية، 1974م. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، تحقيق: محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، 1403هـ. الكفاية في علم الرواية، تصحيح: السيد هاشم الندوي وغيره، طبع دائرة المعارف العثمانية الدكن، الهند. ?ابن خلكان: أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر (ت 681هـ) . وفيات الأعيان، وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت. ?خليفة بن خياط: شباب العصفري (ت 240هـ) تاريخ خليفة، تحقيق: أكرم ضياء العمري، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية، 1402هـ. ?الخليلي: أبو يعلى الخليل بن عبد الله (ت 234هـ) . الإرشاد في معرفة علماء الحديث، تحقيق: محمد سعيد بن عمر إدريس، نشر مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1409هـ. ?ابن أبي خيثمة: أحمد بن أبي خيثمة (ت 279هـ) تاريخ ابن أبي خيثمة، السفر الثالث، مخطوط فيلم رقم (572) بالجامعة الإسلامية. ?الدارقطني: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي (ت 385 هـ) .

سنن الدارقطني، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني، دار المحاسن للطباعة 1386هـ. ?الدارمي: عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام أبو محمد (ت255هـ) سنن الدارمي، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، وخالد السبع، الطبعة الأولى، 1407هـ دار الريان مصر ودار الكتاب بيروت لبنان. ?أبو داود السجستاني: سليمان بن الأشعث (ت 275 هـ) . سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء السنة النبوية، وأيضاً المطبوع مع عون المعبود طبع المطبعة العربية، لاهور باكستان. ?أبو داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود (ت 204هـ) . مسند أبي داود الطيالسي، دار المعرفة، بيروت لبنان. ?الدوري: عبد العزيز الدوري. بحث في نشأة علم التاريخ عند العرب، الطبعة الثانية، دار المشرق، بيروت 1993م. ?الدولابي: أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد (ت 310 هـ) . الكنى والأسماء، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الثانية، 1403هـ. ?ابن الديبع الشيباني: عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 944هـ) .

حدائق الأنوار، ومطالع الأسرار، تحقيق: عبد الله بن إبراهيم الأنصاري. ?الذهبي: محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ) تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، نشر دار الكتاب (قسم السيرة والمغازي) . تذكرة الحفاظ، دار الكتب العلمية، نسخة مصورة عن النسخة المحفوظة في مكتبة الحرم المكي. تلخيص المستدرك بحاشية المستدرك للحاكم. سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وغيره، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405هـ. العبر في خبر من غبر، تحقيق: أبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405هـ. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت الطبعة الأولى، 1382هـ. ?الرامهرمزي: الحسن بن عبد الرحمن (ت 360هـ) المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، تحقيق: محمد عجاج الخطيب، دار الفكر الطبعة الأولى 1391هـ. ?ابن رجب الحنبلي: أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد (ت795هـ) . شرح علل الترمذي، تحقيق: همام عبد الرحيم سعيد، مكتبة المنار الأردن، الطبعة الأولى، 1407هـ.

الزبير بن بكار (ت 256هـ) . جمهرة نسب قريش وأخبارها، تحقيق: محمود محمد شاكر، مكتبة دار العروبة. ?الزبيدي: محمد بن مرتضى الحسيني (ت 1205هـ) تاج العروس من جواهر القاموس، دار مكتبة الحياة، بيروت. ?أبو زرعة الدمشقي: عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري (ت 281هـ) تاريخ أبي زرعة الدمشقي، تحقيق: شكر الله نعمة الله القوجاني، بدون ذكر دار نشر أو سنة طبع. ?الزرقاني: محمد عبد الباقي بن يوسف (ت 1122هـ) شرح الزرقاني على المواهب اللدنية، دار المعرفة للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1393هـ. ?ابن زنجويه: حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبد الله الخراساني النسائي، الأزدي (ت 251هـ) . كتاب الأموال، تحقيق: شاكر ذيب فياض، الطبعة الأولى، 1406هـ، مركز الملك فيصل للبحوث الإسلامية. ?الساعاتي: أحمد بن عبد الرحمن البنا (1378هـ) الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد، نشر دار الشهاب، القاهرة. ?السبكي: تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي

الزبير بن بكار (ت 256هـ) . جمهرة نسب قريش وأخبارها، تحقيق: محمود محمد شاكر، مكتبة دار العروبة. ?الزبيدي: محمد بن مرتضى الحسيني (ت 1205هـ) تاج العروس من جواهر القاموس، دار مكتبة الحياة، بيروت. ?أبو زرعة الدمشقي: عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري (ت 281هـ) تاريخ أبي زرعة الدمشقي، تحقيق: شكر الله نعمة الله القوجاني، بدون ذكر دار نشر أو سنة طبع. ?الزرقاني: محمد عبد الباقي بن يوسف (ت 1122هـ) شرح الزرقاني على المواهب اللدنية، دار المعرفة للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1393هـ. ?ابن زنجويه: حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبد الله الخراساني النسائي، الأزدي (ت 251هـ) . كتاب الأموال، تحقيق: شاكر ذيب فياض، الطبعة الأولى، 1406هـ، مركز الملك فيصل للبحوث الإسلامية. ?الساعاتي: أحمد بن عبد الرحمن البنا (1378هـ) الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد، نشر دار الشهاب، القاهرة. ?السبكي: تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي

صامل السلمي، الطبعة الأولى، 1414هـ، مكتبة الصديق الطائف. ?سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني (ت 227هـ) سنن سعيد بن منصور، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1405، ?السفاريني: أبو العون شمس الدين محمد بن أحمد (ت 1114هـ) شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد، الطبعة الأولى، 1380هـ، المكتب الإسلامي دمشق. ? السمهودي: علي بن أحمد (ت 911هـ) . وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية بيروت. ? السندي: أكرم حسين علي. مرويات تاريخ يهود المدينة في عهد النبوة، رسالة ماجستير من قسم السنة، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 1399هـ ـ1400هـ. ?السهيلي: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي (ت 581هـ) الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الفكر. ?ابن سيد الناس: محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن

يحيى البصري (ت 734هـ) . عيون الأثر في فنون المغازي والسير، تحقيق: محمد العيد الخطراوي، ومحيي الدين مستو، الطبعة الأولى 1413هـ، دار التراث المدينة المنورة. ?السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية، 1385هـ دار الكتب الحديثة مصر. حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى، 1387 هـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت. ذيل طبقات الحفاظ؛ المطبوع مع تذكرة الحفاظ للذهبي، طبع دار الكتب العلمية بيروت. ? الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس (ت 204 هـ) . الأم، طبع دار الشعب. السنن المأثورة. مسند الإمام الشافعي، ترتيب: السيد يوسف علي الزواوي الحسني، والسيد عزت العطار الحسني، دار الكتب العلمية

بيروت 1370هـ. ? الشامي: صالح أحمد الشامي. من معين السيرة، الطبعة الأولى، 1405 هـ، المكتب الإسلامي بيروت. ?ابن شبة: أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري (ت 235هـ) تاريخ المدينة المنورة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1400هـ. ? الشوكاني: محمد بن علي بن محمد (ت1250هـ) . البدر الطالع في محاسن ما بعد القرن السابع، الطبعة الأولى، 1348هـ، مطبعة دار السعادة، القاهرة، مصر. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، دار الفكر للطبع والنشر والتوزيع، بيروت. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، مكتبة التراث القاهرة. ?ابن أبي شيبة: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت235هـ) المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق: عبد الخالق الأفغاني، ومختار أحمد الندوي، الدار السلفية 1399هـ. ?أبو الشيخ الأصبهاني: أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان (ت369هـ) . أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه، تحقيق: عصام الدين سيد، الطبعة

الأولى، 1411هـ، نشر الدار المعربة اللبنانية. ? الصالحي: محمد بن يوسف الشامي (ت 942هـ) . سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تحقيق: عاد أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض. الطبعة الأولى، 1414هـ، لدار الكتب العلمية بيروت. ? الصفدي: خليل بن أيبك صلاح الدين (ت764هـ) . الوافي بالوفيات، تحقيق: هلمت ريتر، دار النشر فرانز شتايز بفسبادن. ?الطبراني: أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت360هـ) المعجم الصغير مع الروض الداني، تحقيق: محمد شكور محمود، المكتب الإسلامي، دار عمار، الطبعة الأولى، 1405هـ. المعجم الأوسط، تحقيق: أبي معاذ طارق بن عوض الله محمد، وأبي الفضل عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين 1415هـ. المعجم الكبير، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، الجمهورية العراقية، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، إحياء التراث الإسلامي. مسند الشاميين، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الأولى 1409هـ، مؤسسة الرسالة. ? الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير (ت 310هـ) .

تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، دار سويدان بيروت لبنان. تهذيب الآثار، تحقيق: محمود محمد شاكر، مكتبة المدني القاهرة. جامع البيان عن تأويل القرآن، مطبعة دار المعرفة 1398هـ. جامع البيان عن تأويل القرآن، تحقيق: أحمد شاكر، وأخيه محمود شاكر، الطبعة الثانية، دار المعارف، مصر. المنتخب من ذيل المذيل، المطبوع في نهاية تاريخ الطبري (الأمم والملوك) . ? الطحاوي: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي (ت321هـ) . شرح معاني الآثار، تحقيق: محمد زهري النجار، طبع دار الكتب العلمية بيروت. ?الطوسي: أبو جعفر الطوسي (ت 460هـ) . رجال الطوسي، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، المطبعة الحيدرية، النجف العراق. ? عادل عبد الغفور بن عبد الغني. مرويات عروة بن الزبير في السير والمغازي، رسالة دكتوراه مطبوعة على الآلة الكاتبة، قدمت بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية عام 1413هـ.

ابن أبي عاصم: أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني (ت 287هـ) الآحاد والمثاني، تحقيق: باسم فيصل الجوابرة، دار الراية، الطبعة الأولى، 1411هـ. الجهاد، تحقيق: مساعد بن سليمان الراشد، الطبعة الأولى، 1409هـ، دار القلم بيروت. كتاب السنة، تخريج: محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثانية، 1405هـ. المكتب الإسلامي. ? عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني (ت290هـ) السنة، تحقيق: محمد السعيد زغلول، الطبعة الأولى، 1405هـ، دار الكتب العلمية بيروت. السنة، تحقيق: محمد بن سعيد القحطاني، دار ابن القيم، الطبعة الأولى، 1406هـ. ? ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد النمري (ت 463هـ) الإنباه على قبائل الرواة، تحقيق: إبراهيم الأبياري، الطبعة الأولى، 1405هـ، لدار الكتاب العربي. الاستيعاب في أسماء الأصحاب، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، الطبعة الأولى، 1415هـ لدار الكتب العلمية بيروت.

التمهيد لما في الموطأ من السنن والمسانيد، تحقيق: مجموعة من العلماء، نشر وزارة الأوقاف المغربية. جامع بيان العلم وفضله، دار الكتب العلمية بيروت. الدرر في اختصار المغازي والسير. دار الكتب العلمية بيروت. ? عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211هـ) تفسير القرآن: تحقيق: مصطفى مسلم محمد، الطبعة الأولى 1410هـ، مكتبة الرشد. المصنف: تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الثانية، 1403 هـ المغازي النبوية، تصنيف الإمام الزهري، مرويات الزهري من طريق معمر، مقتطفة من المصنف. أخرجها سهيل زكار، دار الفكر 1401 هـ. ? أبو عبيد القاسم بن سلاّم الهروي (224هـ) الأموال: تحقيق محمد خليل الهراس، نشر مكتبة الكليات الأزهرية، ودار الفكر4 بالقاهرة، الطبعة الثانية. 1401هـ ? ابن عدي: أبو أحمد عبد الله بن عديّ الجرجانيّ (365هـ) الكامل في ضعفاء الرجال. تحقيق مجموعة من العلماء. دار الفكر. بيروت. ? ابن عساكر: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله (571هـ)

تاريخ دمشق: دراسة وتحقيق: محب الدين أبي سعيد عمرو بن غرامة العمروي. 1415 هـ دار الفكر، بيروت. ترجمة الزهري، جمع شكر الله بن نعمة الله قوجاني، الطبعة الأولى 1402 هـ مؤسسة الرسالة. ? العلائي: صلاح الدين أبو سعيد بن خليل (ت 761هـ) جامع التحصيل في أحكام المراسيل، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، 1407 هـ نشر عالم الكتب. ? العليمي: أحمد محمد العليمي با وزير مرويات غزوة بدر، مكتبة طيبة، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1400هـ. ? ابن العماد: أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت 1089هـ) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دار إحياء التراث العربي، بيروت. ? أبو عوانة: يعقوب بن إسحاق الإسفراييني (361 هـ) مسند أبي عوانة، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت. ? العيني: أبو محمد محمود بن أحمد (855هـ) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، دار الفكر. ? ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس (ت395هـ) مجمل اللغة: تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، الطبعة الثانية

1406هـ. مؤسسة الرسالة بيروت. ? الفاكهي: أبو عبد الله بن إسحاق (من علماء القرن الثالث الهجري) . أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، تحقيق عبد الملك بن دهيش، مكتبة ومطبعة النهضة، الطبعة الأولى 1407هـ. ? أبو الفرج الأصفهاني: علي بن الحسين بن محمد (ت356هـ) كتاب الأغاني: تحقيق: سمير جابر، الطبعة الثانية عام 1412هـ دار الكتب العلمية بيروت. ?الفريابي: أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن (ت301هـ) دلائل النبوة، تحقيق: عامر حسن صبري، الطبعة الأولى 1406هـ، دار حراء للنشر والتوزيع، مكة المكرمة. ? الفزاري: أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث (ت186هـ) . كتاب السير، تحقيق: فاروق حمادة، الطبعة الأولى، 1408هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. ? الفسوي: يعقوب بن سفيان (ت 277هـ) المعرفة والتاريخ، تحقيق: أكرم ضياء العمري، الطبعة الثانية، 1401هـ، مؤسسة الرسالة. ? ابن فهد: تقي الدين محمد بن فهد المكي. لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ، المطبوع مع تذكرة الحفاظ للذهبي، دار الكتب العلمية بيروت.

الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب (ت 817هـ) القاموس المحيط، تحقيق: مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1407هـ. ? الفيومي: أحمد بن محمد الفيومي (770هـ) . المصباح المنير، مكتبة لبنان 1990م. ? القلقشندي: أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله القلقشندي (ت821هـ) . نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، الطبعة الأولى، 1405هـ دار الكتب العلمية بيروت. ? ابن القيم: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت 751هـ) . زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة ومكتبة المنار الإسلامية الطبعة الثامنة 1405هـ. ? الكتاني: عبد الحي بن عبد الكبير. فهرس الفهارس والأثبات، اعتناء: إحسان عباس، الطبعة الثانية 1402هـ، دار الغرب الإسلامي بيروت. ? ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (774هـ) . البداية والنهاية، مكتبة المعارف بيروت، الطبعة الثالثة 1978م تفسير القرآن العظيم، نشر دار المعرفة بيروت 1388هـ.

السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، مطبعة عيسى البابي الحلبي. ?كحالة: عمر رضا معجم قبائل العرب، الطبعة السادسة، 1412هـ، مؤسسة الرسالة بيروت. ? اللالكائي: أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور (ت418هـ) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، تحقيق: أحمد سعد حمدان الغامدي، نشر دار طيبة للنشر والتوزيع. ? ابن ماجه: أبو عبد الله بن يزيد القزويني (ت273هـ) . سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي 1395هـ. ? أبو مايلة: بريك بن محمد. السرايا والبعوث النبوية، الطبعة الأولى 1417هـ، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع جدة. ? مالك بن أنس الأصبحي (ت179هـ) الموطأ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي. ? محمد باقشيش. مغازي موسى بن عقبة (ت 141هـ) جمع ودراسة وتخريج محمد باقشيش أبي مالك، نشر جامعة ابن زهر كلية الآداب

والعلوم الإنسانية، بأغادير المغرب. ? محمد محمد حسن شراب. المعالم الأثيرة في السنة والسيرة، دار القلم دمشق، الطبعة الأولى 1411هـ. ? محمد بن صامل السلمي. منهج كتابة التاريخ الإسلامي، دار طيبة للنشر والتوزيع الرياض، الطبعة الأولى 1406هـ. ? المروزي: محمد بن نصر (ت 294هـ) . تعظيم قدر الصلاة، الطبعة الأولى 1406هـ، مكتبة الدار بالمدينة المنورة. ? المزي: أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف (742هـ) تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى. ? مسلم بن الحجاج، أبو الحسين القشيري (ت 261هـ) . صحيح مسلم بشرح النووي، دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة الأولى 1347هـ. صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر دار إحياء التراث العربي. ? مصعب الزبيري: أبو عبد الله مصعب بن عبد الله بن المصعب الزبيري (ت236هـ) .

نسب قريش، عناية: أ. ليفي بروفنسال. دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثالثة. ? ابن معين: أبو زكريا يحيى بن معين (ت233هـ) . سؤالات ابن الجنيد لابن معين، تحقيق: أحمد محمد نور سيف، مكتبة الدار بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1408هـ. ? المقريزي: تقي الدين أحمد بن علي (ت845هـ) . إمتاع الأسماع، تصحيح: محمود شاكر، لجنة التأليف والترجمة 1940م القاهرة. ? ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأفريقي المصري (711هـ) لسان العرب المحيط، دار لسان العرب، رتبه على حروف ألف باء: يوسف خياط. ? النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب (ت 303هـ) تفسير النسائي، تحقيق: صبري الشافعي، وسيد عباس الجليمي، مكتبة السنة بالقاهرة، الطبعة الأولى 1410هـ. سنن النسائي (المجتبى) بشرح السيوطي، وحاشية السندي، المطبعة المصرية بالأزهر. فضائل الصحابة، تحقيق: فاروق حمادة، الطبعة الأولى 1404هـ، دار الثقافة، الدار البيضاء. ? أبو نعيم الأصبهاني: أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن

مهران (ت430هـ) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، نشر دار الكتاب العربي بيروت، الطبعة الثانية، 1378هـ. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الثانية 1423هـ. دار الكتب العلمية بيروت. دلائل النبوة، تحقيق: محمد رواس قلعجي، نشر المكتبة العربية حلب. الطبعة الأولى 1390هـ. ? النووي: أبو زكريا يحي بن شرف الدين (ت676هـ) . تهذيب الأسماء واللغات، عنيت بنشره وتحقيقه: مجموعة من العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية، نشر دار الكتب العلمية بيروت. شرح النووي على مسلم. ? ابن هشام: أبو محمد عبد الملك بن هشام المعافري (ت218هـ) . السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ الشلبي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثانية، 1375هـ. ? الهيثمي: نور الدين علي بن أبي بكر (ت807هـ) . كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية،

1404هـ. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة 1402هـ. موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، تحقيق: محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية بيروت. ? هارون رشيد: محمد إسحاق. صحيفة المدينة، دراسة حديثية وتحقيق، رسالة ماجستير من كلية التربية، جامعة الملك سعود، 1405هـ. ? الواحدي: أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري (ت468هـ) . أسباب النزول، تحقيق: سيد أحمد صقر، دار القبلة للثقافة الإسلامية، مؤسسة علوم القرآن، الطبعة الثالثة 1407هـ. ? الواقدي: محمد بن عمر بن واقد الأسلمي (ت 207هـ) مغازي الواقدي، تحقيق: مارسدن جونسن، عالم الكتب، الطبعة الثالثة، 1404هـ. ? ابن الوزير: محمد بن إبراهيم بن الوزير اليماني (ت 840هـ) العواصم من القواصم، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى، 1405هـ، دار البشير عمان الأردن. ? ياقوت الحموي: أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله (ت 626هـ) معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، 1399هـ.

اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح (ت 284هـ) . تاريخ اليعقوبي، دار صادر بيروت. ? أبو يعلى الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى التميمي (ت 307هـ) . مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، الطبعة الأولى، 1412هـ، دار الثقافة العربية دمشق وبيروت. ? يوسف هورفتش المغازي الأولى ومؤلفوها، ترجمة: حسين نصار، الطبعة الأولى 1369هـ، مطبعة مصطفى البابي وأولاده بمصر.

§1/1