مرشد الزوار الى قبور الابرار

زين الدين ابن الموفق

[الجزء الاول] بسم الله الرّحمن الرّحيم €

تقديم بقلم الدكتور/ حسن الباشا منذ أن أسّست مدينة الفسطاط على يد عمرو بن العاص رضى الله عنه فى سنة 21 هـ (642 م) صار سفح المقطم فى شرقيها مقبرة لموتى أهلها، واتسعت الفسطاط بتأسيس مدينة العسكر سنة 135 هـ (752 م) على يد الأمير «أبى عون» والى العباسيين، ثم زاد اتساعها بتأسيس مدينة القطائع فى سنة 256 هـ (870 م) على يد أحمد بن طولون، واتصلت المدن الثلاث، وصار يطلق عليها جميعا مدينة الفسطاط، أو مدينة مصر، ثم أسست القاهرة فى سنة 358 هـ (969 م) على يد جوهر الصقلى قائد الخليفة المعز لدين الله الفاطمى. ولم يلبث أن انتشر العمران خارج القاهرة وما بينها وبين الفسطاط، وظهرت أحياء جديدة، ثم شرع صلاح الدين الأيوبى فيما بين سنتى 572، 579 هـ (1176- 1183 م) فى تشييد سور يضم كلّا من القاهرة والفسطاط وما حولهما من عمران، وهكذا صارت كل هذه المدن مدينة واحدة هى القاهرة التى أصبحت عاصمة مصر حتى اليوم. وبينما كان العمران ينتشر نحو الشمال والغرب ظل سفح المقطم فى الشرق جبانة لأهل القاهرة، وكان حرص سكان القاهرة على اتخاذ سفح المقطم جبانة لهم يرجع إلى عامل روحى، بالإضافة إلى العامل الجغرافى المتمثل فى صلاحية الموقع، وطبيعة الأرض، فقد جاء فى الأثر: «أن الله سبحانه وتعالى كرّم المقطم €

حين أطاع أمر الله، فجاد لجبل طور سيناء بكل ما كان عليه من شجر ونبات ومياه حتى صار أقرع، فأوحى إليه لأعوّضنّك عمّا كان على ظهرك ... لأجعلنّ فى سفحك غراس أهل الجنة» . وقد ورد ذكر «غراس أهل الجنة» فيما حكاه الإمام الليث بن سعد عن وصف «المقوقس» لسفح المقطم من أنه يجد صفته فى الكتب القديمة أنه يدفن فيه «غراس أهل الجنة» . وورد تفسير «غراس أهل الجنة» فى خطاب عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص- رضى الله عنهما- حين أخبره بما ذكره المقوقس، إذ قال عمر: «أنا لا أعرف غراس الجنة إلّا للمؤمنين، فاجعلها «أى أرض سفح المقطم» مقبرة لمن مات قبلك من المسلمين» . ومنذ ذلك الحين صار سفح المقطم أرضا مسبّلة يدفن فيها موتى المسلمين. وقد اشتمل سفح المقطم- فيما اشتمل عليه من مدافن- على كثير من قبور الأبرار من الصحابة، والتابعين، والأشراف، والأولياء، والأئمة، والفقهاء، والقرّاء، والعلماء، والزّهّاد، والقضاة، وكبار رجال الدولة؛ وهكذا صار سفح المقطم بما يحويه من قبور الأبرار مزارا ومعلما من معالم مصر الإسلامية، ومن ثمّ استرعت مزارات المقطم على طول العصور نظر العشرات من العلماء الذين ألفوا عنها، مثل: الكندى، والقضاعى، وابن يونس، والقرشى، والهروى، والمسبحى، وابن خلكان، وابن الجباس، وابن الملقن، وابن الزيات، والسخاوى، والمقريزى، وعلى مبارك، وغيرهم من العلماء، وخاصة علماء الآثار الذين عنوا بصفة خاصة بما بقى منها فى سفح المقطم، وما يليه من أراض. ومن الكتب التى تتصدر هذه المؤلفات هذا الكتاب الذي نقدم له: «كتاب مرشد الزوار إلى قبور الأبرار، المسمى الدر المنظم فى زيارة الجبل المقطم، لموفق الدين بن عثمان، المتوفى سنة 615 هـ» الذي يشمل فترة زمنية تمتد من فتح مصر حتى العصر الأيوبى؛ والذي استوعب ما سبقه فى هذا الموضوع من مؤلفات. €

يبدأ المؤلف موفق الدين بن عثمان بمقدمة يذكر فيها ما ورد عن جبل المقطم وروّاده، وفضل جبانته، والمقبور فيه من الصحابة، والمساجد المشيدة عليه وأوديته ومساجد الوادى؛ ثم يضمن مقدمته فصولا فيما ورد فى زيارة القبور من الآثار، واستماع الميت للحى إذا تولى عنه، وكراهة المشى على القبور فى النعلين، وفيما يقول الزائر إذا خرج إلى المقابر ... ثم يطنب فى ذكر آداب زيارة القبور، ويختم المقدمة بالكلام عن إكرام الله تعالى بعض أوليائه بدوام طاعته فى قبورهم، وغفرانه لآخرين بأمور لحقتهم بعد وفاتهم. أما صلب الكتاب فيتضمن ذكرا مفصلا لما تشتمل عليه القرافة من قبور الأبرار: فيسرد أكثر من مائتى قبر، يحدد موقع كل قبر منها، ويصف ما به من نقوش، ويسجل ما كتب على الشاهد، ويصف الخط الذي كتبت به، ويورد ما جاء من وصف للقبر فيما سبقه من مؤلفات، ويقدم لذلك كله بترجمة لصاحب القبر، ووصف لخلاله ومزاياه، ويستقصى ما ورد عنه من حكايات وشعر وكرامات، وهو فى ذلك كله مؤرخ يتحرى الدقة فيما يورده من أخبار، فيناقشها، ويقارن بينها لكى يصل إلى الصحيح منها، ويؤيدها بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، وروايات المؤرخين إن وجدت. ومن القبور التى أطنب المؤلف فى وصفها وذكر خلال أصحابها قبور من دفن فى سفح المقطم من الصحابة، رضى الله عنهم: عمرو بن العاص، وعقبة ابن عامر، وعبد الله بن الحارث، وأبو بصرة الغفارى، ومسلمة بن مخلد الأنصارى. ومن قبور الأبرار، والصالحين قبر السيدة نفيسة بنت الحسن ابن زيد، والشريفة فاطمة، والشريف الهاشمى، وابنته السيدة زينب، والأشراف من آل طباطبا، ويحيى الشبيه، والإمام الليث بن سعد، والإمام الشافعى، وذى النون المصرى، وأبى الحسن الدينورى، وعمر بن الفارض، وعبد الله ابن لهيعة، وأبى القاسم الشاطبى، والإمام ورش المدنى. والحق أن القارئ لهذا الكتاب يجد متعة تدفعه بشدة إلى الاستمرار فى €

القراءة، وهو مصدر ممتاز للدارسين على مختلف تخصصاتهم، سواء فى مجال التاريخ، أو الآثار والخطط، أو التصوف، أو الأدب، وفى علوم الدين، وكرامات الأولياء وحكاياتهم، ومكارم الأخلاق. ولا يقف المؤلف عند ما بقى فى عصره أو عهده من قبور، بل يتطرق إلى ذكر ما اندثر من قبور الأبرار ومشاهدهم ومزاراتهم. وإذا كان هذا الكتاب «مرشد الزوار إلى قبور الأبرار» قيما فى ذاته، فقد زاد من قدره تحقيق الأستاذ محمد فتحى أبو بكر له: إذ يعد سيادته محققا من الطراز الأول، قد أثبت جدارته من قبل فيما حققه من كتب مثل: كتاب «أدب الدنيا والدين» لأبى الحسن على بن محمد بن حبيب البصرى الماوردى (364- 450 هـ) ، وكتاب «سراج الملوك» لأبى بكر محمد بن الوليد الفهرى الطرطوشى (451- 520 هـ) وغيرهما. ويتضح من تحقيق الأستاذ محمد فتحى أبو بكر أنه ملمّ بعلوم اللغة، والدين، والتصوف، والتاريخ، والآثار، إلمام المتمكن الشغوف. كما يتضح من تعليقاته ما يتمتع به من صبر وجلد، وحبّ لنفع القرّاء وإفادتهم. وأشهد أن المحقق قد كسا كتاب «مرشد الزوار إلى قبور الأبرار» بتحقيقه ثوبا قشيبا، وذلك بفضل ما أضفاه عليه، إذ أنه قد قام بنسخ الكتاب كله بيده، وضبط سياقه ونصّه، ونسّق نصّه إلى فقرات، دون الخروج على قواعد التحقيق المتبعة، وقام بالمقابلة بين نصوص مخطوطتى الكتاب، وأثبت الفروق فيما بينهما فى الحاشية، ولم يكتف بذلك، بل أكمل الكثير من النصوص التى سقطت سهوا فى إحدى المخطوطتين، معتمدا على المصادر التى استمدّ منها مؤلف الكتاب مادته، وصحح الكثير من التصحيفات والتحريفات، سواء فى النصوص، أو أسماء الأعلام، معتمدا على أمهات الكتب، كما أكمل النصوص التى يستدعى السياق إكمالها من خلال المصادر التى استقى منها المؤلف مادته، وقام بضبط الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والشعر، وبعض النصوص €

والكلمات والأعلام، وتخريج الآيات القرآنية، وتصويب الأحاديث النبوية التى وردت وبها خلط أو خطأ من الناسخ، وقام بتخريجها، كما ترجم لكثير من الأعلام التي لم يترجم لها المؤلف، وأشار إلى المصادر المعتمدة للأعلام التى ترجم لها المؤلف، وعنى بشرح الألفاظ الصعبة، والعبارات المبهمة، وتصويب المعلومات والتواريخ التى وردت خطأ، ومراعاة قواعد اللغة، نحوا وصرفا وإملاء، والقواعد العروضية فى الشعر، ووضع علامات الترقيم بأنواعها المختلفة، ووضع العناوين، وحذف العبارات التى كررها الناسخ سهوا. وفى كل ذلك كان المحقق ينص على ما قام به فى حاشية الكتاب، حتى لا يلتبس ذلك مع نصوص الكتاب نفسه. ومما يدل على حب المحقق لنفع القرّاء وإفادتهم إعداده ذيلا للكتاب، وذكر فيه الأضرحة والمزارات التى ما زالت قائمة إلى الآن، والتى لم ترد فى كتاب «مرشد الزوار إلى قبور الأبرار» نظرا لأن أصحابها لم يدركهم المؤلف، كما أورد تراجم وافية لهم. هذا وقد وضع المحقق فهارس تفصيلية للكتاب وكشافات وافية، وثبتا بمصادر ومراجع التحقيق، كما قام بعمل فهارس تفصيلية للذيل الذي قام بإعداده على مثال فهارس الكتاب. هذا بالإضافة إلى الصور الإيضاحية للمشاهد والأضرحة الواردة فى الكتاب والذيل. ولا شك أن الدار المصرية اللبنانية التى قامت بنشر الكتاب قد فطنت إلى قيمة الكتاب وتحقيقه، فعنيت بنشره وإخراجه هنا الإخراج الجميل الذي تشكر عليه. د. حسن الباشا €

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المحقق الحمد لله فاتحة كل خير، وتمام كل نعمة، فتح لأوليائه باب محبته، ومنّ على قلوب أهل صفوته بالعلم والمعرفة، وأمد عقولهم بنوره، فعاينت عجائب قدرته، وحرس قلوبهم من الأغيار، ومحا منها صور الآثار حتى ظفرت بمعرفته، وكشف لأرواحهم عن قدس كماله، ونعوت جلاله، فهم سبايا حضرته، متّع أسرارهم بقربه بخطفات جذبه، فتحققوا بشهود أحديته، فأخذهم منهم، وأفناهم عنهم، فغرقوا فى بحور هويته، وفى ملكوت حكمته وقدرته، ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، سيد الأنبياء، والمبعوث رحمة للعالمين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. تنويه: يعدّ علم حكايات الصالحين فرعا من فروع علم التواريخ والمحاضرة، وقد اعتنى بأحوال الصالحين والأبرار طائفة من العلماء والمؤرخين، وأفردوها بالتدوين، وبينوا فائدة هذا العلم، وعدّوا منفعته من أجلّ المنافع وأعظمها. وقد ألّف فى هذا العلم وفى المزارات كثير من العلماء «1» ، وقد أحسن

كلّ منهم فيما ألّف وجمع، فمنهم من اقتصر على ذكر الصحابة والقرابة والتابعين، ومنهم من اعتنى بذكر الشهداء والمجاهدين فى سبيل الله، ومنهم من ذكر العلماء والفقهاء، ومنهم من ذكر الحفّاظ المحدّثين ومشايخ القرّاء، ومنهم من ذكر بعض القضاة، ومنهم من ذكر الخطباء والمتصدرين، ومنهم من ذكر الفصحاء وأصحاب المعروف من الوزراء والكتّاب وذوى الأموال، ومنهم من اختص بذكر المزارات ومعرفة الآثار، ومنهم من ذكر فضل زيارة القبور. ومنهم من ذكر للزيارة آدابا وشروطا، ومنهم من ذكر الأولياء، وجعلهم فى طبقات عشر، ومنهم من ذكر بعض فضائل مصر ونيلها وأهلها، ومنهم من ذكر فضل المقطم، ومنهم من جعل القرافة جهتين فى جزأين: جهة كبرى وجهة صغرى «1» . وكتاب «مرشد الزوار إلى قبور الأبرار» هذا من كتب المزارات التى حوت وجمعت أكثر هذه المقاصد المتقدمة، فقد ذكر فيه مؤلفه- ابن عثمان- فضل الجبل المقطم وأوديته، ومساجده التى كانت به، وقبور الصحابة، والأشراف من آل البيت، وذكر قبور الأولياء، والزهاد، والصالحين التى فى سفحه، كما ذكر أيضا قبور العلماء، والفقهاء، والحفّاظ، والقرّاء، والقضاة، ومن على شاكلتهم من أهل الفضل والمروءة والإحسان. كما ذكر بعض فضائلهم وكراماتهم التى تشوق القلوب إلى زيارتهم.

مكانة الجبل المقطم: لقد شرّف الله جبل المقطم بأن جعل غراسه أهل الجنة. حكى الإمام الليث بن سعد، أن المقوقس سأل عمرو بن العاص رضى الله عنه أن يبيعه سفح جبل المقطم بسبعين ألف دينار، فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فرد عليه عمر قائلا: سله لماذا أعطاك ما أعطاك فيه وهو لا يزرع ولا يستنبط منه ماء؟ فسأل عمرو بن العاص المقوقس عن ذلك، فقال: إنّا نجد صفته فى الكتب القديمة أنه يدفن فيه غراس الجنة. فكتب بذلك عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين، فردّ عليه قائلا: أنا لا أعرف غراس الجنة إلّا للمؤمنين، فاجعلها مقبرة لمن مات قبلك من المسلمين ولا تبعه بشىء. فمنذ ذلك الحين صار أرضا مسبّلة يدفن فيها موتى المسلمين إلى الآن. لجوء الزهاد والمتصوفين إليه: وكان طبيعيا أن يلجأ الزهاد والمتصوفون إلى جبل المقطم يتخذون من سفحه مقاما، ومن أوديته مناما، بعد أن عرفوا تقديس الديانات السماوية السابقة على الإسلام له، وتكريم المسلمين أيضا. فقد جاء فى الآثار القديمة أن جبل المقطم كان أكثر الجبال أنهارا وأشجارا ونباتا، فلما كانت الليلة التى كلّم الله فيها موسى عليه السلام، أوحى إلى الجبال: أنّى مكلّم نبيّا من أنبيائى على جبل منكم.. فتطاول كل جبل وتشامخ، إلّا جبل طور سيناء، فإنه تواضع وتصاغر، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه: لم فعلت ذلك- وهو به أعلم- قال: إجلالا لك يا رب! فأوحى الله تعالى إلى الجبال أن يجود كل جبل بشىء ممّا عليه، فجاد كل جبل بشىء مما عليه، إلا المقطم، فإنه جاد له بجميع ما كان عليه من الشجر والنبات والمياه، فصار كما ترون أقرع. قال: فلما علم الله سبحانه وتعالى ذلك عنه، أوحى إليه: لأعوّضنّك عمّا كان على ظهرك.. لأجعلنّ فى سفحك غراس أهل الجنّة.

من دفن فيه من الصحابة وآل البيت وغيرهم: وقد دفن بهذه البقعة المباركة من الصحابة: عمرو بن العاص فاتح مصر، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى، وأبو بصرة الغفارى، ومسلمة بن مخلد الأنصارى «1» وغيرهم. ومن الأشراف: السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد (رضى الله عنها) ، والشريفة فاطمة، والشريف الهاشمى، وابنته السيدة زينب، والأشراف من آل طباطبا، والشريف حيدرة، ويحيى الشّبيه بن القاسم الطيب، وأخوه عبد الله، وزوجة القاسم الطيب أم يحيى الشبيه، وكانت من الزاهدات العابدات، وهى من الأشراف أيضا، وغير ذلك مما سيقف عليه القارئ فى هذا الكتاب. ومن الأئمة والفقهاء: الإمام الليث بن سعد، والإمام الشافعى، وعبد الله بن الحكم، والمزنّى، وأشهب، وعبد الرحمن بن القاسم، وأبو يعقوب البويطى، وعبد الله بن وهب، والطحاوى، وغيرهم. ومن الزهاد والصوفية: ذو النون المصرى، ودينار العابد، ومحمد بن جابار الزاهد، وأبو الخير الأقطع التّيناتي، وأبو على الرّوذبارىّ، وبنان الواسطى، وابن عطاء الله السكندرى، وعمر بن الفارض، وغيرهم كثير. €

ومن القضاة: القاضى بكّار بن قتيبة، وعبد الله بن لهيعة، وابن دقيق العيد، وغيرهم. ومن القرّاء: أبو القاسم (الشّاطبى) ، والإمام ورش المدنى، وغيرهما. وأكتفى بذكر هؤلاء الأعلام- إذ أنهم من الكثرة بحيث يصعب حصرهم فى هذا الموضع من المقدمة- كمثال لبعض من دفنوا بهذه البقعة الطيبة. أهمية هذا الكتاب: وكتاب «مرشد الزوار» يعدّ من المصادر المهمة التى تناولت المزارات إلى نهاية القرن السادس الهجرى تقريبا، وهو من الكتب القديمة التى تسجل جانبا كبيرا من آثار القرافتين الصغرى والكبرى فى تلك الفترة، وما قبلها، لذا فهو يمثل أهمية كبيرة للباحثين المهتمين بآثار هاتين القرافتين من الناحية التاريخية والمعمارية التى تتمثل فى المشاهد والأضرحة والقبور التى اندثرت، والتى لا تزال قائمة حتى الآن. وقد حدد ابن عثمان فى كتابه هذا مواقع أضرحة الصحابة والأشراف والعلماء والفقهاء والزهاد والصوفية وغيرهم من أعلام زمانهم بطريقة وصفيّة، تقوم على ذكر الاتجاه الذي يسير فيه الزائر شرقا أو غربا أو شمالا أو جنوبا، أو على تحديد مقدار الخطوات التى يخطوها الزائر بالتقريب، حتى يصل إلى القبر أو المشهد المزور، أى أن وحدة القياس الغالبة فى وصفه هى الاتجاه، أو الخطوة، وأحيانا يقول لك: «ثم تسير قليلا» . أو: «ثم تمشى بضع خطوات نحو كذا» إلخ. وقد سجل لنا هذا الكتاب الكثير مما كتب على شواهد تلك القبور، فمثلا يقول: كتب على قبر أحمد بن طولون كذا، ووجد على قبر فلان كذا، ووجد مكتوبا على قبر بخط النسخ كذا، ورأيت على ضريح فلان كذا، ووجد على قبر فقيه كذا.. إلخ. وسجل أيضا كثيرا من أقوال وأشعار العلماء والصالحين التى قالوها عند €

وفاة عزيز لديهم، فيورد أشعارا لعلّى بن أبى طالب رضى الله عنه، بعد أن قام بدفن فاطمة، وأورد شعرا لعبد العزيز الدّرينىّ قاله على قبر ابنته حين دفنها، وإبراهيم الخوّاص، وسمنون المحبّ وكثيرين غيرهم. وقد سجل المؤلف كثيرا من المشاهد والمزارات التى اندثرت واختفت رسومها ومعالمها ولم يعد لها وجود الآن، وقد قدّم لنا ابن عثمان تراجم وافية لأصحاب هذه المزارات، وذكر جوانب كثيرة عنهم لم ترد فى كثير من المصادر التى تترجم للأعلام، هذا بالإضافة إلى تعاليمهم، ومكانتهم العلمية، ومأثورات أقوالهم، وسلوكيّاتهم، وكراماتهم، وغير ذلك. كما ذكر ابن عثمان فى كتابه «ما ورد فى زيارة القبور والآثار» ، وعلّم الزائر ما يقوله إذا خرج للمقابر. وعقد فصلا كاملا عن آداب الزيارة. ذكر فيه عشرين وظيفة أو صفة أو خلقا يجب على الزائر اتباعها والعمل بها، وهذا فى ذاته من الأشياء المهمة التى يجب على الزائر المسلم الإلمام بها ومعرفتها والتحلى بآدابها. كما أن هذا الكتاب يحبّب المسلم فى زيارة قبور وأضرحة الأولياء والصّالحين، ويذكر له ما يجب أن يلتزم به نحوهم من الآداب المذكورة آنفا عند زيارتهم، مستنكرا ما يقوم به الجهّال والمتنطّعون من العوام عند زيارة هذه القبور، من تقبيل الأضرحة، أو مسّ الضريح باليدين ثم مسحهم على الوجوه، ونحو ذلك من الأفعال، ذاكرا أن ذلك من عادة النصارى، ومن الأفعال غير اللّائقة، ولم ينقل عن أحد من المسلمين. ويذكر ابن عثمان أنّ على الزائر حينما ينوى زيارة هؤلاء الصالحين عليه أن يخلص النيه لله، ويقصد بزيارته وجه الله وحده، ليصلح فساد قلبه، ويجتنب المشى بين القبور، والجلوس عليها، وأن يأتى الزائر من تلقاء وجه الميت، كما لو كان يخاطبه وهو حىّ، ويسلم عليه كما يسلم على الأحياء، ويتلو عنده ما تيسر من القرآن، ويدعو له، ولنفسه، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات.. وغير ذلك من الآداب المحمودة

التى أمرنا بها ديننا الإسلامى الحنيف. فالقصد من الزيارة العظة والاعتبار، والتذكير بالآخرة، والتقرب إلى الله، والاقتداء بهؤلاء الصالحين الذين أفاض الله عليهم من فضله، وجزاهم أحسن الجزاء على طاعتهم، وأكرم مثواهم، فعلى الزائر أن يترسم خطاهم، ويقتدى بهم فى حياته، لعلّه يصل إلى ما وصلوا إليه، أو ينال ما نالوه من منزلة كريمة عند بارئهم. مآخذ ابن الزيات على هذا الكتاب: وقد ألّف ابن الزيات كتابه «الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة» على منوال «مرشد الزوار» ، وأخذ الكثير من مادته من ابن عثمان، وأشار إلى ذلك فى كثير من مواضع كتابه إليه. وقد أخذ على ابن عثمان فى كتابه قوله عن (شكر الأبله) أنه «كان من عقلاء المجانين» فقال ابن الزيات: «وهذا غلط، لأن الأولياء لا تنسب إلى الجنون، وإنما الغالب عليه الوله والجذب.. «1» » إلخ. وأيضا أخذ عليه قوله عن تربة مخروقة بغير سقف: «قال ابن عثمان هو قبر عبد الله بن الزبير، وفى نسخة أخرى له أنه محمد بن أحمد ابن أخت الزبير ابن العوام. وهذا خلاف الصحيح، لما رواه مسلم والبخارى، أنّ عبد الله بن الزبير قتله الحجّاج وصلبه بمكة فى قصة طويلة، وإن قيل إنه عروة بن الزبير، فلا يصح أيضا، ووفاة أولاد الزبير معروفة بغير مصر- وهذا القبر يزار بحسن النيّة، ولا أدرى كيف وقع للشيخ موفق الدين مثل هذا الغلط» «2» . مؤلف الكتاب ونسبه «3» : أما عن مؤلف كتاب «مرشد الزوار» فهو الشيخ الفقيه، والإمام العالم، €

العارف بالله موفق الدين أبو محمد بن عبد الرحمن، ابن الشيخ الفقيه أبى الحرم مكّى بن عثمان الشارعى الشافعى، وينتهى نسبه إلى سعد بن عبادة الأنصارى «1» . ويطلق عليه أيضا زين الدين عثمان بن الموفق، أو موفق الدين ابن عثمان، أو عبد الرحمن الملقب بالموفق، أو ابن عثمان، وكل هذا وارد فى ترجمته. هذا ولم أقف على ترجمة مفصلة عن حياته، فى المصادر التى تحت يدى، وقد أهملته كتب التراجم المعروفة، ولم يذكر عنه سوى أنه فقيه، اشتغل بالوعظ، وله شعر، وكان صديقا للحافظ المنذرى. وكان معاصرا لأبى العباس شمس الدين بن خلكان، صاحب وفيات الأعيان، وعمر بن الفارض، وأبى القاسم الشاطبى، والقاضى الفاضل، وغيرهم من الشخصيات الفذة الذين كانوا أعلام زمانهم، وكان لهم صفحات مشرقة، ونفحات صادقة من الناحية الروحية والعلمية. وكانت وفاة عثمان بن الموفق فى الرابع والعشرين من شهر رجب سنة 615 هـ، ودفن بحوش بنى عثمان مع جماعة من العلماء، ذكر ذلك ابن الزيات فى الكواكب السيارة وقال: حوش بنى عثمان عليه هيبة وجلالة، والدعاء به مستجاب. وحكى ابن الجبّاس أن النيل توقف فى بعض السنين، قال: فحملت على قلبى همّا عظيما، وضاق صدرى ممّا نزل بالناس، فنمت، فرأيت إنسانا لم أعرفه، فقلت له: والله ما الناس إلّا فى شدة من توقّف النيل، فقال لى عليك بتربة بنى عثمان فادع الله عندهم يفرّج الله تعالى عن الناس. €

قال الشيخ شرف الدين بن الجباس: فلما كانت ليلة الجمعة أخبرت الناس بذلك، وخرجنا ومعنا جمع من الرجال والصبيان والنساء، فدعونا الله تعالى وتضرعنا إليه عند قبورهم- أى قبور بنى عثمان- فأصبح النيل وقد زاد زيادة جيدة، ولطف الله بالناس فى بقية تلك السنة. وبتربة بنى عثمان هذه الفقيه الإمام أبو الحرم مكى- والد صاحب مرشد الزوار- وكان يلقّب بالشافعى الصغير، وإلى جانبه قبر ولده عبد الرحمن الملقب بالموفق، وله كرامات ومصنفات. وقد ورد فى كتابه- مرشد الزوار- كتاب له يسمى «غاية المدرسين بالمشارق والمغارب فى الأربعة مذاهب» . وإلى جانبه قبر أخيه الفقيه الإمام العالم أبى القاسم عبد المنعم، ويقال: أبو البركات. من هذا يتضح أن مؤلفنا من أسرة معروفة، ولها باع كبير فى العلم، رضى الله عنهم أجمعين. نسبة الكتاب إلى صاحبه: أشار ابن الزيات إلى كتاب «مرشد الزوار» وإلى صاحبه موفق الدين ابن عثمان فى مواضع كثيرة من كتابه «الكواكب السيارة» ، فعلى سبيل المثال قال ابن الزيات فى كتابه عند الحديث عن الإمام أبى الطيب خروف: «قال ابن عثمان فى مرشد الزوار: سمّى بأبى الطّيّب لطيب أعماله..» ونقل ما قاله ابن عثمان عن هذا العالم «1» . وأشار إليه ابن تغرى بردى فى «النجوم الزاهرة» عند حديثه عن قبر عقبة بن عامر قائلا « ... وقال الشيخ الموفق بن عثمان فى تاريخه المرشد، ناقلا عن حرملة- من أصحاب الشافعى-: إن البقعة التى دفن فيها عقبة، بها قبر عمرو بن العاص ... » «2» . €

وأشار إليه أيضا تقي الدين أحمد بن على المقريزى فى كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، المعروف بالخطط المقريزية» عند حديثه على قبر الإمام الليث بن سعد، ونسبه إلى صاحبه قائلا: «.. وفى كتاب مرشد الزوار للموفق بن عثمان..» إلخ. بل أشار ابن عثمان فى كتابه «مرشد الزوار» إلى نفسه عند الحديث عن قبر فاطمة بنت جعفر الصادق، قال: «حكى ابن عثمان صاحب هذا الكتاب عن المسكى: أنها كانت متزوجة برجل من آل بيت النبوة..» إلخ. هذا وهناك إشارات أخرى تثبت نسبة هذا الكتاب إلى صاحبه، لا حاجة بنا إلى ذكرها، فما ذكرناه هنا فيه الكفاية. مخطوطات الكتاب: توجد لهذا الكتاب صورتان بالفوتستات لمخطوطتين مختلفتين، - إحداهما بالمتحف البريطانى بلندن، والأخرى بمكتبة أياصوفيا بتركيا- بمكتبة الجامعة المصرية (جامعة القاهرة) . الأولى: تحت رقم 26429 (تاريخ/ 5129) وهى عبارة عن صورة بالفوتستات مأخوذة عن النسخة الأصلية فى المتحف البريطانى بلندن، تحت رقم OR/4635 وتقع فى 239 قطعة فى مجلدين: الأول يبدأ من ق 1- 172. والثانى من ق 173- 239. وكل قطعة صفحتان، وكل صفحة تشتمل على 23 سطرا، وعدد الكلمات فى السطر الواحد ما بين 6 إلى 11 كلمة تقريبا، ما عدا أسطر العناوين، والشعر، وخاتمة كل فصل، فهى تقل عن ذلك حتى تصل إلى كلمة واحدة فقط، أو كلمتين اثنتين. وقد تم نسخها سنة 1015 هـ، ولم يرد فيها اسم الناسخ. €

والثانية: تحت رقم 26423، وهى أيضا صورة بالفوتستات مأخوذة عن النسخة الأصلية، بمكتبة آيا صوفيا بتركيا، تحت رقم 2064، وعدد أوراقها 227 قطعة، وكل قطعة صفحتان، والصفحة مسطرتها 15 سطرا، وعدد الكلمات فى السطر الواحد ما بين 6- 8 كلمات تقريبا، ما عدا أسطر العناوين والشعر، وقد تم نسخها فى سنة 849 هـ وورد فى آخرها اسم ناسخها أحمد ابن محمد بن عثمان. وبدار الكتب المصرية صورة بالفوتستات تحت رقم (5129 تاريخ) وهى صورة طبق الأصل من المخطوطة الأولى الموجودة فى المتحف البريطانى، والمشار إليها آنفا، وهى على «ميكروفيلم» يحمل رقم (47922) . وبدار الكتب المصرية أيضا صورة رابعة بالفوتستات تحمل عنوان «مرشد الزوار إلى قبور الأخيار» وهى صورة غير مكتملة من مخطوطة المتحف البريطانى أيضا، تحت رقم (1408/تصوف) وتقع فى 133 قطعة على ميكروفيلم يحمل رقم (33498) . وبها أيضا نسخة خامسة ليست لابن عثمان، وإن كانت تحمل نفس العنوان «مرشد الزوار إلى قبور الأبرار» تحت رقم (325/تاريخ) على ميكروفيلم يحمل رقم (36028) نسخت سنة 1063 هـ، وتقع فى 136 قطعة، وتختلف فى محتواها عن المخطوطات السابقة، وبآخرها- بعد البسملة والصلاة على النبي- «طلب العبد الفقير المتحبّب إلى الخيرات الشيخ سليمان بن الحاج سالم بالزيارة بالقرافات من العبد الفقير خير الله ... وأجازه بذلك رغبة فى المثوبة فيها، فلم يعارض، لأنه صحبه فى الزيارة، وأنه الآن رغبة منه ... » إلخ. وذكر فى آخرها تاريخ نسخها (ربيع الأول سنة 1063 هـ) . وصف نسختى التحقيق: قمت بتحقيق هذا الكتاب على المخطوطتين الآتيتين: المخطوطة الأولى: وهى النسخة المودعة بمكتبة جامعة القاهرة تحت رقم 26429 (تاريخ/ 5129) والمصورة بالفوتستات عن المخطوطة المودعة بالمتحف البريطانى بلندن €

تحت رقم 4635، وهى تقع فى 239 ورقة، وكل ورقة بها صفحتان، وكل صفحة تشتمل على 23 سطرا، وعدد الكلمات فى السطر الواحد ما بين 6- 11 كلمة تقريبا ما عدا أسطر العناوين والشعر كما ذكرنا آنفا. وهى منسوخة فى سنة 1015 هـ، أى فى بداية القرن الحادى عشر الهجرى. والصفحة الأولى من هذه المخطوطة تحمل عنوان الكتاب، ومؤلفه، هكذا: «كتاب مرشد الزوار إلى قبور الأبرار، تأليف العلّامة الرّحّالة الهمام زين الدين عثمان بن الموفق، عمّت بركاته، ودام النفع» . وهذا العنوان جاء على هيئة مثلث. وآخر صفحة منها تنتهى أيضا بقوله: «وهذا ما انتهى إلينا من كتاب مرشد الزوار، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، تم. «وهى- أى الخاتمة- على هيئة مثلث أيضا، وأغفل اسم ناسخه. مميزات هذه المخطوطة وعيوبها: ومن مميزات هذه المخطوطة أنها جاءت تامة كاملة، وبخط واضح مقروء، غير أنها أغفلت علامات الترقيم تماما، وجاءت خالية من الضبط، وبها الكثير من التحريفات فى أسماء الأعلام والنصوص، ولم تخل من بعض الاضطراب فى السياق والسقط فى كثير من المواضع، وقد يكرر الناسخ بعض العبارات سهوا منه، ولم يهتم بقواعد اللغة والنحو والعروض، وغير ذلك مما سيتضح عند ذكر منهج التحقيق. والمؤلف يسهّل الهمزة فى جميع المخطوطة، ويتبع قواعد الإملاء القديمة فى رسم الكلمات، فمثلا يرسم: سفيان، وعثمان، والقاسم هكذا: سفين، عثمن، القسم، وأحيانا يضع الناسخ ألفا صغيرة تدل على الألف المحذوفة، وقد يأتى بالشّعر متداخلا مع النثر فى بعض المواضع وكأنه منه. وهذه المخطوطة بها بعض إضافات كتبت بعد وفاة المؤلف، مثل ما كتب عن القاضى سرىّ الدين أبى الوليد المالكى، المتوفى سنة 771 هـ والفقيه الزاهد أبى الفدا رشيد الدين الدمشقى المولود سنة 623 هـ، والمتوفى سنة 713 هـ، وغيرهما من الشخصيات التى لم يدرك وفاتها الموفق بن عثمان، مؤلف «مرشد €

الزوار، حيث إنه توفى سنة 615 هـ كما أشرنا إلى ذلك فى هذه المقدمة.. وقد أشرنا إلى تلك الإضافات فى موضعها من هذا الكتاب. كما يكتب أحيانا الكلمة على سطرين، جزء منها فى نهاية السطر وبقيتها فى أول السطر الذي يليه، مثل كلمة «هؤلاء» ، «تأتى» «ها» فى آخر السطر، و «ولاء» «هكذا بدون همز، فى السطر الذي يليه، ومثل كلمة «الهمدانى» نسبة إلى همدان، جاءت «الهمد» فى نهاية السطر، و «انى» فى أول السطر الذي يليه، وهكذا. ويضع الناسخ دائما ألفا بعد واو الفعل زيادة من عنده مثل «أنجوا» و «أدعوا» و «أهفوا» وهذا من الأخطاء الإملائية المنتشرة فى المخطوطة كلها، فليست الواو هنا واو الجماعة. وفى بعض المواضع يخلط الناسخ فى كتابته ويأتى ببعض العبارات ركيكة المعنى نتيجة سقوط بعض الألفاظ، أو غير ذلك، مثل: « ... ذكر عندى مالك ابن أنس وابن القاسم فقال ابن وهب عالم وعبد الرحمن فقيه ... » هكذا. وصواب العبارة: «ذكر ابن وهب عند مالك بن أنس، وابن القاسم، فقال: ابن وهب عالم، وعبد الرحمن فقيه» إلخ، وعبد الرحمن هذا هو ابن القاسم. المخطوطة الثانية: وهى النسخة المودعة بجامعة القاهرة تحت رقم 26423 والمصورة بالفوتستات عن المخطوطة الموجودة بمكتبة أياصوفيا بتركيا تحت رقم 2064، وعدد أوراقها 227 ورقة، وكل ورقة صفحتان، والصفحة تشتمل على 15 سطرا، وعدد الكلمات فى كل سطر ما بين 6- 8 كلمات تقريبا، ما عدا أسطر العناوين ونهاية الفصول. والصفحة الأولى منها تحمل عنوان الكتاب، واسم مؤلفه بصورة أتم وأشمل مما على المخطوطة الأولى، فقد جاء العنوان هكذا: «كتاب مرشد الزوار إلى قبور الأبرار، تأليف الشيخ الفقيه الإمام العالم العامل العارف موفق الدين أبى محمد عبد الرحمن بن الشيخ الفقيه أبى الحرم مكى ابن عثمان الشارعى الشافعى، قدّس الله روحه، ونور ضريحه» . €

وعلى الصفحة نفسها ختمان يحملان اسم من امتلك هذه النسخة، وكلام آخر على هيئة مثلث، جاءت حروفه صغيرة ورديئة، فلم أتمكن من قراءته.. وجاء فى الصفحات الأربع الأخيرة اسم الناسخ، وتاريخ الفراغ من تحريرها بعد تمام الكتاب، هكذا: «كتبه بيده الفانية أحمد بن محمد بن عثمان، المتطبّب بالأبواب الشريفة، لطف الله به، ونفعه ببركة زوار من حوى هذا السّفر وزيارتهم، ورزقه بركتهم، وختم له بخير، ولوالديه، وجميع المسلمين. ووافق الفراغ من تحريره يوم الاثنين المبارك، مستهل شهر ذى الحجة الحرام، عام تسع وأربعين وثمانى مائة، والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير» . وهذه المخطوطة أقدم نسخا من المخطوطة الأولى، حيث تم نسخها- كما تقدم- سنة 849 هـ، وبها كثير من الاختصار، حيث أغفل فيها الكثير من الشعر، وأهمل ذكر بعض الحكايات والأخبار التى جاءت كاملة فى المخطوطة الأولى، كما قدّم الناسخ فى هذه المخطوطة موضوعات وأخّر أخرى، وقد أشرت إلى ذلك فى مواضعه. وهذه المخطوطة كسابقتها، لا تخلو من التحريفات والأخطاء المشار إليها آنفا فى المخطوطة الأولى. منهج التحقيق: سيلمس القارئ لهذا الكتاب مدى الجهد المبذول فى تحقيقه، برغم أننى تعمدت عدم التعليق على كثير مما قمت به من جهد ولم أشر إليه، اكتفاء بما ذكرته فى الهوامش، لعدم تشتيت ذهن القارئ، وإثقال النص بالتعليقات الكثيرة. وقد اتبعت فى تحقيق هذا الكتاب نفس المنهج الذي اتبعته فى تحقيق كتاب €

«سراج الملوك» تقريبا، فقمت بعمل الآتى: أولا: قمت بنسخ الكتاب كله بيدى، وقمت بضبط سياقه ونصه، وإخراجه بالصورة اللائقة، من حيث عمل الفقرات، هذا مع مراعاة قواعد التحقيق المتبعة، وعدم الخروج عليها، وقد استغرق ذلك وقتا وجهدا كبيرين. ثانيا: رمزت إلى مخطوطة المتحف البريطانى بالرمز «م» وإلى مخطوطة مكتبة أياصوفيا بالرمز «ص» ، وقمت بالمقابلة بينهما وإثبات الفروق فى الهامش. ثالثا: أكملت الكثير من النصوص التى سقطت سهوا من الناسخ ووردت فى إحدى المخطوطتين ولم ترد فى الأخرى، بعد الرجوع إلى المصادر التى استمدّ منها الكاتب مادته، وأشرت إلى ذلك فى الهوامش. رابعا: قمت بتصويب الكثير من التصحيفات والتحريفات، سواء فى النصوص أو أسماء الأعلام، بعد التأكد من صحتها، وبعد الرجوع للمصادر التى ترجمت لها وأمّهات الكتب، فمثلا من تحريفات الأسماء: ورد فى «م» اسم «روح بن عقبة الكرابيسى» هكذا، وفى «ص» : «روح بن عتبة الكرابيسى» . وكلاهما خطأ، والصواب: «روح بن عبادة القيسى» . وجاء أيضا اسم «عبد الله بن يزيد» محرفا فى «م» و «ص» معا، مرة بالصورة السابقة، أو مرة يأتى كالآتى: «عبد الله بن بهدة» ، وكلاهما خطأ، والصواب: «عبد الله بن بريدة» . وقد يأتى العلم مختلفا فيه ومحرّفا بصور عدة، فمثلا ورد اسم «مكى بن عبد السلام الرميلى- الإمام أبو العباسى» فى «ص» : «أبو القاسم مكى بن عبد السلام الرسلى» ، وفى «م» «أبو القاسم مكى بن عبد السلام الرميلى» وفى تحفة الأحباب للسخاوى: «أبو مكى وابن عبد السلام الرملى» وجعلهما شخصين، وفى الكواكب السيارة لابن الزيات: «أبو القاسم وعن عبد السلام الرملى» .. وكل هذا خطأ ومحرف، والصواب ما أثبتناه أولا بعد الرجوع إلى المصادر المعتمدة التى ترجمت له، ومنها تذكرة الحفاظ للذهبى.

ومن التحريفات فى الأعلام أيضا: «أبو تميم الجيشانى» حرّف إلى «أبى شيم الحلشانى» . و «ربعى خراش» أتى بالخاء المعجمة والراء المهملة، ومرة ثانية «حراشى» بالحاء المهملة والراء، ومرة ثالثة «خداش» بالخاء والدال. ومثله «أبو بكر محمد بن داود الدّقّى» جاء بعدّة صور أيضا فى المخطوطتين، وفى بعض المراجع، فمرة يأتى العلم الأخير بالدال المهملة المشددة المضمومة، ومرة «الزّقّى» بالزاى المعجمة المشددة المكسورة- كما فى تاريخ بغداد- نسبة إلى بيع «الزّقّ» ومرة «الرّقّىّ» بالراء المهملة. ومن أمثلة السقط والتحريف أيضا: جاء فى «م» قوله: «عن عون» وفى «ص» : «عن ميمون» ، وكلاهما خطأ ومحرف، والصواب: «عن ابن عون» .. هذا ومثله كثير، وقد تم ضبط مثل هذه النوعية من التحريفات فى الأعلام وغيرها، وتمت الإشارة إليها فى مواضعها، مع ذكر المصادر التى تم الاستعانة بها فى تصويب تلك التحريفات. خامسا: إكمال النصوص المهمة التى وردت فى إحدى المخطوطتين ناقصة المعنى، والسياق يستدعى إكمالها لإتمام المعنى المراد منها، ولم ترد فى المخطوطة الأخرى، فإننى أقوم بإكمالها من مصادرها التى استقى منها الكاتب مادته، كوفيات الأعيان- أو ممن جاء بعده- كابن الزيات والسخاوى وغيرهما- إذا ثبت أنهم استمدوا مادتهم من مصدر واحد، وأضع المادة المزيدة بين معقوفتين مع الإشارة إلى ذلك فى موضعه. سادسا: قمت بضبط الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والشعر، وبعض النصوص والكلمات والأعلام التى يلتبس نطقها الصحيح على القارئ، وحرصا على وضوح معناها. سابعا: قمت بتخريج الآيات القرآنية بعد أن وضعتها بين قوسين مزهرين تمييزا لها عن سائر الكلام، كما قمت بتصويب الأحاديث النبوية التى وردت وبها خلط أو خطأ من الناسخ، وقمت بتخريجها والإشارة إلى ذلك. €

ثامنا: ترجمت لكثير من الأعلام التى لم يترجم لها المؤلف، كما أشرت للمصادر المعتمدة للأعلام التى ترجم لها المؤلف فى كتابه، ليستعين بها من يريد الرجوع إليها من الباحثين. تاسعا: قمت بشرح الألفاظ الصعبة، والعبارات المبهمة الغامضة التى قد يجد بعض القراء صعوبة فى فهم مدلولها، وذلك تيسيرا عليهم، وتوفيرا لوقتهم فى البحث عنها فى المعاجم العربية وغيرها. عاشرا: قمت بتصويب المعلومات والتواريخ التى وردت خطأ، مثل قوله عن السيدة نفيسة رضى الله عنها بأنها ولدت قبل الامام الشافعى بخمسين سنة، وهذا مخالف للحقيقة، فهى ولدت سنة 145 هـ والإمام ولد سنة 150 هـ، أى أنها ولدت قبله بخمس سنين لا خمسين سنة.. وقوله: « ... وأقامت السيدة نفيسة بمصر سبع سنين ... » وهذا مخالف للحقيقة، والصواب أنها أقامت بمصر خمس عشرة سنة لا سبع سنين كما ذكر، حيث قدمت إلى مصر فى 26 من شهر رمضان سنة 193 هـ، وتوفيت بها سنة 208 هـ، كما أجمعت على ذلك المصادر التى ترجمت لها، وقد أشرت إلى ذلك فى موضعه. حادى عشر: قمت بمراعاة قواعد اللغة- نحوا، وصرفا، وإملاء التى أهملت فى هذا الكتاب، خاصة همزات الوصل والقطع، وأشرت إلى ذلك فى موضعه من هوامش التحقيق، ما عدا همزات الوصل والقطع، فإنها من الكثرة بحيث يصعب الإشارة إليها. ثانى عشر: راعيت القواعد العروضية فى الشعر، وذلك فى الأبيات التى جاءت غير مستقيمة الوزن، فقمت بتصويب ذلك بالرجوع للمصدر الذي استمدّ منه الكاتب- إن وجد- وإذا تعسر ذلك فإننى أضع «كلمة» من عندى أو «حرفا» مناسبا للمعنى والسياق، لاستقامة الوزن، وأشرت إلى ذلك فى موضعه. ثالث عشر: قمت بوضع علامات الترقيم بأنواعها المختلفة، والتى أهملت تماما فى المخطوطتين، كما وضعت الرمز «هـ» الذي أهمل أيضا للدلالة على السنة الهجرية.

رابع عشر: قمت بعمل فقرات للكتاب كله، حيث أهمل ذلك تماما فى المخطوطتين، كما قمت بوضع بعض العناوين من عندى، دفعا للملل عن القارئ وتيسيرا عليه، وأشرت إلى كل عنوان قمت بوضعه فى الهامش. خامس عشر: قمت بحذف العبارات التى كررها الناسخ سهوا، كما قمت بحذف العبارات التى لا معنى لها أيضا، أو كانت فاسدة المعنى، منعا لتشويش ذهن القارئ وبلبلة فكره، وأشرت إليها فى موضعها. كما أننى أثبتّ أكثر الجمل الدعائية التى وردت فى «ص» ولم ترد فى «م» مثل «رضى الله عنه» أو «عفا الله عنه» أو «رحمه الله» ونحوها، ولم أشر إلى ذلك فى الهامش اكتفاء بهذه الإشارة هنا. سادس عشر: قمت بإعداد ذيل لهذا الكتاب، ذكرت فيه الأضرحه والمزارات التى ما زالت قائمة، والتى تزار الآن فى القرافتين الصغرى والكبرى، والتى لم ترد فى كتاب «مرشد الزوار» ، إذ أن أصحابها من متأخرى الوفاة ولم يدركهم مؤلف الكتاب المذكور. وذكرت أصحاب هذه الأضرحة، وترجمت لكثير منهم ترجمة وافية، وقدمت للقارىء بعض أقوالهم ومأثور كلامهم، ليقف على بعض ما وصلوا إليه من علم ونورانية وفتوح ربانية. ومن هؤلاء شيخ الإسلام وقاضى القضاة العز بن عبد السلام، والعارف الزاهد أحمد بن عطاء الله السكندرى، وذكرت من بحومته من الأولياء والصالحين ممن لم يدركهم ابن عثمان، وقاضى القضاء تقي الدين بن دقيق العيد، والعالم العلّامة كمال الدين بن الهمام، والعالم الكبير عبد الله بن أبى جمرة، ومن فى حومته من العلماء والأشراف، والإمام محمد بن سيد الناس، ومسجد السادة الوفائية بسفح المقطم وما به من الأضرحة، وقدمت للقارىء تعريفا بآل وفا، وعددهم يقرب من عشرين شخصية، بدءا من جدهم الشيخ محمد النجم إلى آخر خليفة لهم، وقدمت وصفا لهذا المسجد من الناحية التاريخية والأثرية اعتمادا على ما جاء فى الخطط التوفيقية، وغيره من المصادر والمراجع. €

كما ذكرت فيه قبر الشيخ الصالح سلامة أبى طرطور، وضريح سيدى أبى السعود بن أبى العشائر، ومن فى حومته من الأولياء والفقهاء والعلماء والصالحين، وتربة الشيخ القطب أبى العباس البصير، المعروف بابن غزالة، ومن بتربته من الأولياء والصالحين، والشيخ يحيى الصنافيرى، والإمام عبد الله الغمازى، وضريح العارف بالله صفى الدين أبى المواهب الشاذلى «التونسى» ، وضريح شمس الدين محمد بن اللبان «المعروف بالرازى» وضريح سيدى يوسف العجمى الكورانى، وضريح ومسجد الشيخ شاهين الخلوتى الدمرداشى. وفى نهاية الذيل قدمت خلاصة بالمزارات والآثار العربية الموجودة بالقرافة الجنوبية إلى سنة 1356 هـ كانت موجودة فى آخر كتاب تحفة الأحباب للسخاوى مضافا إليها ما لم يدركه السخاوى، وتشمل عدة جبّانات، منها جبانة السيدة نفيسة وما بها من المزارات، وجبّانة سيدى جلال، وابن الفارض، وجبانة التونسى، وجبانة الإمام الشافعى والليث، وغيرهما. وذلك حتى تكتمل الفائدة المرجوة من الانتفاع بهذا الكتاب. سابع عشر: قمت بوضع فهارس تفصيلية تشمل محتويات الكتاب، والقرآن الكريم، والأحاديث النبوية، والأشعار، والأعلام، والأماكن والبلاد والبقاع، والجماعات والقبائل، والأمم والطوائف، وثبتا بمصادر ومراجع التحقيق، وذلك ليسهل على الباحث الاهتداء إلى ما يريده منها. كما قمت بعمل فهارس تفصيلية أيضا للذيل الذي قمت بإعداده على مثال «مرشد الزوار» . وأرجو بذلك أن أكون قد وفّقت فى تقديم هذا الكتاب الذي يحقّق للمرة الأولى، بعد أن ظل أكثر من سبعة قرون بدون أن يقوم أحد بتحقيقه، وأرجو أن ينال رضا قارئه، وأن يستفيد مما جاء فيه بعد أن نقّيته مما علق به من شوائب التحريف والتصحيف، وأدعو الله- عز وجل- أن يتقبل منى هذا العمل ويجعله خالصا لوجهه الكريم، وينفعنى به فى حياتى، وعند مماتى، ويوم أبعث حيّا، وأرجو أن يتجاوز عن زلّاتى وهفواتى وجهلى. وما توفيقى إلّا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب. الفقير إلى رحمة ربه الودود محمد فتحى أبو بكر

مرشد الزّوّار إلى قبور الأبرار المسمّى الدّرّ المنظّم فى زيارة الجبل المقطم للإمام العارف موفق الدّين بن عثمان المتوفى سنة 615 هـ

مقدمة المؤلف

بسم الله الرّحمن الرّحيم مقدمة المؤلف «1» الحمد لله الذي شرّف الجبل المقطّم بكل مسجد شريف معظّم، وجعل فى سفحه غراس الجنّة، وهو بهم مكرم «2» .. نوره لا يخفى، ومسكه لا يتكتّم «3» ، فهو كبستان أزهاره تتبسّم «4» ، ونسيمه يحيى القلوب حين يتنسّم «5» ، بل كان سفحه سماء، وقبوره نجوما «6» بينهما بدور لا تتغيّم، تزيد نورا «7» بقراءة القرآن عندها ويرحم من يرحم «8» ، فقبور الصّالحين خيّم «9» ، خواصّ السلطان إليها يشتكى ويتظلّم، فترى أرباب الحوائج يطوفون فى معسكر القبور على من له جاه «10» ومن بحرمه يتحرّم، فيستغيثون عنده

أن يشفع، وألسنة الأحوال تجيب وتتكلم، فلا تنظر إلى شعث ظواهرها «1» ، فبواطنها روضات فيها أرواح الصالحين تتنعّم.. فسبحان من أوقف الملوك عندها تتشفع بها، وجعلها ملاذ الخلق بما سبق لها وتقدّم «2» .. إذا أجدبت الأرض خرج الخلائق يستسقون بها «3» ، فإذا السماء تتغيّم، والقطر ينزل ويتقسّم.. وتفد إليها وتقصدها الوحوش، فتعفر وجوهها فى ترابها.. فسبحان من ألهمها وعلّم.. وإذا ركن إلى جانبها «4» عاص وهبه الحقّ لها، وجاد عليه وتكرّم «5» . هكذا هكذا.. وإلى تلالها «6» أين من يتقدّم.. وغدا «7» يركبون من قبورهم إلى قصورهم، ويكشف لكل واحد منهم الحجاب ويكلّم.. فترى هذا وقد توّج، وهذا قد زوّج، وهذا قد أدناه ربه وعليه سلّم، فقف «8» على قبورهم بأدب وتحشّم.. وقل: يا أحياء، ترحّموا على ميّت.. يا أغنياء، جودوا على مفلس.. وابك على ضياع عمرك فى البطالة وتندّم ... وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم «9» . وبعد ... فهذا الكتاب «10» قد ذكرت فيه فضل زيارة القبور وآدابها، وذكرت فيه فضل الجبل المقطّم وأوديته، وقبور الصالحين التى فى سفحه- رضى الله عنهم- وذكرت بعض فضائلهم التى تشوّق القلوب إلى زيارتهم «11» .

الجزء الاول

فصل فى ذكر الجبل «1» هذا الجبل معروف بالمقطّم، مأخوذ من القطم [وهو القطع] «2» ، وهو أنه لمّا كان منقطع الشجر والنبات سمّى بذلك مقطّما، ذكر ذلك الهنائىّ وغيره.. وقيل «3» : إنّ المقطم بن بيصر بن مصر بن حام بن نوح كان عبدا صالحا، فتعبّد فى هذا الجبل فسمى باسمه، ذكره أبو عبد الله اليمنى.. وقيل: لم يكن فى ولد نوح من اسمه «مقطم» .. والله أعلم. وقد روى أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم فى كتاب «فتوح مصر» قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثنا الليث بن سعد «4» ، رضى الله عنه، أنّ المقوقس سأل عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار.. فعجب عمرو من ذلك، وكتب إلى عمر بن الخطاب بذلك وبصفة السفح وما هو عليه.. فكتب إليه عمر وقال: سله لم «5» أعطاك [به ما أعطاك] وهو لا يزرع ولا يستنبط به ماء- أو قال: لا ينتفع به؟!

فسأله، فقال: إنّا لنجد هذه البقعة وصفتها فى الكتب، وإنّ فيها غراس الجنة «1» . فكتب عمرو إلى أمير المؤمنين «2» . فكتب له عمر: «إنّا لا نعلم غراس الجنة إلّا للمؤمنين، فاقبر بها من مات من قبلك من المسلمين، ولا تبعه بشىء» . ففعل له ذلك، فغضب المقوقس من ذلك، فقطع له عمرو قطيعا نحو الحبش تدفن فيه النصارى، وسبّلت «3» هذه المقبرة للمسلمين، كما برز أمر أمير المؤمنين، فكان أوّل من دفن بها رجل من المعافر «4» يقال له «عامر» ، فقيل: عمرت الجبّانة «5» . ووقفت ابنته على قبره تبكى، فقيل فى ذلك: قامت لتبكيه على قبره ... من لى من بعدك يا عامر تركتنى فى الدّار ذا غربة ... قد خاب من ليس له ناصر وروى أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس فى «تاريخ مصر» من حديث حرملة بن عمران، قال: حدثنى عمير بن مدرك الخولانى «6» : قال سفيان بن وهب الخولانى: كنا «7» مع عمرو بن العاص فى سفح هذا الجبل ومعنا المقوقس، فقال له عمرو: يا مقوقس، ما بال جبلك أقرع، ليس عليه نبات ولا شجر، على نحو من جبال الشام؟! فلو شققنا فى أسفله نهرا من النيل

وغرسنا نخلا «1» . فقال: ما أدرى، ولكن الله تعالى أغنى أهله عن ذلك بهذا النيل «2» ولكنّا نجد تحته ما هو خير من ذلك.. قال: وما هو؟ قال: يدفن «3» تحته قوم يبعثهم الله يوم القيامة لا حساب عليهم.. فقال عمرو: اللهم اجعلنى منهم. قال حرملة: فرأيت أنا قبر عمرو بن العاص، وقبر أبى بصرة «4» الغفارىّ، وقبر عقبة بن عامر الجهنيّ، رضى الله عنهم. وقطع عمرو للمقوقس الحدّ الذي كان بين المقبرة وبينهم. وقد روى فى بعض الأخبار أنّ كعب الأحبار «5» سأل رجلا يريد مصر، فقال: أهد لى ترابا من سفح مقطّمها، فإنّا نجد فى الكتب أن الله قدّسه من القصير إلى اليحموم «6» . فأتاه منه بجراب، فلما حضرت كعب الأحبار الوفاة، أمر به أن يفرش تحت جنبه فى قبره.

قال ابن لهيعة «1» : المقطم ما بين القصير إلى مقطع الحجارة، وما بعد ذلك فاليحموم. وفى بعض الكتب: يحشر من تحته ثمانون ألف لواء إلى الجنة بغير حساب. وروى القضاعىّ «2» : أنّ عيسى بن مريم عليه السلام، مرّ على جبل مصر هو وأمّه، وعليه جبّة من صوف، فقال: يا أمّاه، يدفن هنا من أمّة محمد «3» صلى الله عليه وسلم. وقد روى أنّ جبل مصر كان أكثر الجبال أشجارا ونبتا وفاكهة، وكان ينزله المقطّم بن بيصر بن حام بن نوح، فلما كانت الليلة التى كلّم الله موسى عليه السلام فيها، أوحى الله إلى الجبال: أنّى مكلّم عليك نبيّا- أو قال: على جبل منكن نبيّا من أنبيائى- فسمت الجبال كلها، إلّا جبل القدس «4» ، فإنه هبط وتصاغر، فأوحى الله إليه: لم فعلت ذلك؟ - وهو به أعلم- فقال:

إجلالا لك يا رب.. فأمر الله الجبال أن يتحفه «1» كل جبل بشىء ممّا عليه من النبت.. وجاد له المقطم بكل ما عليه، حتى بقى كما ترى «2» ، فأوحى الله إليه: أنّى معوّضك «3» بشجر الجنة، أو غرس الجنة، يعنى المؤمنين. وفى التوراة مكتوب: إذا فتح وادى مقدسى «4» - يريد وادى موسى- فالمقطم عند مقطع الحجارة.. وأن موسى، عليه السلام، كان يناجى ربه بذلك الوادى.. ذكر ذلك القضاعى. وروى أنّ موسى سجد فسجد معه كل شجرة من المقطم إلى «طوى» «5» . ويروى أنّ «يهوذا» «6» أقام فى ذروة هذا الجبل «7» فى المحل المعروف الآن بمشهد إخوة يوسف، عليه الصلاة والسلام.. وما زال هذا الجبل

العظيم، والمقام الكريم منزلا لأولياء الله الكرام، ومنتزها لأحبابه العظام «1» .

مقدمة المحقق

فصل فى ذكر روّاد هذا الجبل وفضل القرافة «1» قال ذو النون المصرى «2» : وصف لى رجل بالجبل المقطم، فقصدته، فمكثت معه مدة تزيد على أربعين يوما «3» ، ثم استخرت الله فى سؤاله، فقلت له: فيم «4» النجاة؟ قال: فى التقوى والمراقبة «5» . قلت: زدنى. قال: فرّ من الخلق ولا تأنس بهم «6» . قلت: زدنى. قال: إنّ لله عبادا خافوه، فسقاهم كأسا من محبته، فهم فى شربهم «7» عطاش، وفى عطشهم أروياء.. قلت: زدنى. قال: هم أقوياء فى توكّلهم «8» .. ثم تركنى ومضى. قيل: إنما سمّيت هذه البقعة المباركة «القرافة» «9» لأن من قصد إليها يلق رأفة (انتهى) .

فصل فى ذكر المقبور فيه من الصحابة

فصل فى ذكر المقبور فيه من الصحابة «1» إذا أردت أن تعرف شرف الأرض، فانظر إلى المدفونين بها.. قال الله تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى «2» . قال الإمام الجليل العالم عبد الله بن وهب «3» رضى الله عنه: قبر فى مقبرة المقطم ممّن عرف من أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، خمسة نفر: عمرو ابن العاص السّهميّ، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدىّ، وعبد الله بن حذافة السّهميّ، وأبو بصرة الغفارىّ، وعقبة بن عامر الجهنيّ، رضى الله عنهم، وحشرنا فى زمرتهم تحت لواء سيد المرسلين «4» . وقد روى التّرمذىّ فى الحديث «5» من طريق أبى طيبة، عن عبد الله بن

مكانة الجبل المقطم:

مسلم، عن عبد الله بن بريدة «1» ، عن أبيه، رفعه: أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، قال: «ما من أحد من أصحابى يموت بأرض إلّا بعث قائدهم «2» يوم الجمع» - وفى رواية: يوم القيامة- وفى رواية: قائدا ونورا» . ولله درّ من قال: هنيئا لزوّار القرافة إنهم ... يزورون أرضا قد أجلّت قبورها قبور عليها هيبة وجلالة ... إذا جبتها ليلا بدا لك نورها سقى الله من ماء الجنان ترابها ... ونجّى بها من جاء قصدا يزورها وقال آخر «4» : يمّمه تحيا بالهدى معمورا ... ترجع بأنواع العطا مغمورا زر بالقرافة كلّ حيىّ مشرق ... تشهد بحورا إذ تزر وقبورا سفح المقطّم روضة إن لم تنل ... ثمر المنى منها نشقت زهورا «5» هى ساحة حلّ الجلال بأرضها ... وجمالها البادى تزايد نورا

من دفن فيه من الصحابة وآل البيت وغيرهم:

وقال آخر: نور تلألأ بالقرافة إذ أضا ... وسنا بها، عمّ الرّحاب مع الفضا «1» بشرى غراس جناب جنّات الرّضا ... ممّن يجيء، وسابق فيما مضى بنجاته من حرّ نيران الغضا ... ونعيم خلد لا يشاب بالانقضا «2» وقال آخر: سفح تقدّس بالغراس فنوره ... ملأ البطاح وما له من مشبه «3» فترى بريه ووارديه ومن به ... كلّ الهناء، وكل ما قد يشتهى «4» وقال آخر: قراف مصر صانها سفح الجبل ... قد قدّس الوادى لمن قد فيه حل يا فوز من بفناء ذيّاك المحل ... حطّ الرّحال مع الرّجال وما ارتحل «5» وأقام يعقوب عليه الصلاة والسلام بها ثلاث سنين، ثم حمل إلى بيت المقدس، فدفن عند آبائه «6» . ودفن يوسف عليه السلام بها، وبالجيزة، وبمحل المقياس، نقل من القرافة إلى الجيزة، ونقل من الجيزة إلى رأس الروضة، فى المحلّ المعروف الآن بالمقياس ... وقد كان- صلى الله عليه وسلم- لمّا دفن بالقرافة نبت العشب والكلأ بالجهة القبلية، ولم ينبت بالجهة البحرية شىء،

أهمية هذا الكتاب:

فنقل ودفن بالجيزة بمحلّ هناك، فنبت العشب والكلأ على عادته بالجهة البحرية، ولم ينبت بالجهة القبلية شىء، فنقل ودفن فى صندوق من الرخام بمحل المقياس، وهو وسط النيل، لتعم بركته الجانبين، فأقام بهذا المحل مدة، نحوا من ثلاثمائة سنة، إلى أن حمله موسى عليه السلام [بعد أن قال له بنو إسرائيل: إن يوسف] «1» ، لمّا حضرته الوفاة أخذ علينا موثقا من الله ألّا نخرج حتى ننقل عظامه معنا.. قال: فأين قبره؟ قالوا: علمه عند امرأة عجوز من بنى إسرائيل.. فبعث إليها، فأتته، فقال لها: دلينى على قبر يوسف.. فقالت له: لا أدلّك على قبره حتى تسأل لى ربك أربعة أشياء: تسأله أن يطلق لى رجلاى، ويردّ علىّ بصرى، وشبابى، وأن أكون معك فى الجنة.. فكبر ذلك عليه، فأوحى إليه أنّ الله أعطاها ما سألته.. ففعل، وردّ الله عليها بصرها، وشبابها، وإطلاق رجليها، فتوجهت بهم إلى المحل المذكور ليلا، فاستخرجوا الصندوق، فلما فتحوه طلع القمر وأضاء الأرض مثل النهار، فحملوه معهم، ودفن فى قبر عند آبائه بالأرض المقدسة، وكان هذا الأمر معجزة لموسى عليه الصلاة والسلام. *** حكاية: قال مالك بن دينار «2» : مررت ببعض أودية الجبل المقطم، فرأيت إنسانا سائحا، فظننت أنه مجنون، فنادانى هاتف من بين الجبال: ليس الأمر

كما ظننت، إنّما هو ولّى من أولياء الله تعالى، عظمت زفرته، واشتدت حسرته، وارتفع صوته، وعلا نحيبه.. قال مالك: فلما سمعت الهاتف الذي هتف بى هدأ روعى، وردّت إليّ روحى، وعدت إلى طريقى راجعا، وإذا أنا بشابّ قد أذابته العبادة حتى عاد كالخلال «1» ، فسلمت عليه، فردّ علّى، فأخبرته بعطشى، وقد لحقنى منه هيبة عظيمة، فنظر إليّ وقال: يا مالك، أما وجدت فى البريّة نقطة ماء؟ ثم قام إلى صخرة فى الجبل فضرب بها برجله وقال: اسقنا ماء بقدرة من يحيى العظام وهى رميم، فإذا أنا بالماء، فشربت حتى رويت، ثم قلت له: أوصنى بشىء أنتفع به.. فقال: يا مولاى، كن لمولاك فى الخلوات حتى يسقيك الماء من الصخرة فى الفلوات.. ثم أنشد وجعل يقول: أهل المحبّة ما نالوا الذي قصدوا ... حتى لمولاهم فى الخلوة انفردوا تراهم الدّهر لا يمضون من بلد ... إلّا ويبكى عليهم ذلك البلد لا يعطفون على أهل ولا ولد ... ولا ينامون إن كان الورى رقدوا فالذّكر مطعمهم، والشّكر مشربهم ... والوجد مركبهم من أجل ذا سعدوا لا يبرحون على أبواب سيّدهم ... ولا يريدون إلّا من له عبدوا فالشّوق يضرم نارا فى قلوبهم ... ونارهم فى ظلام اللّيل تتّقد مساجد الله مأواهم ومسكنهم ... وعيشهم فى حماه طيّب رغد حكى عن ذى النون المصرى رضى الله عنه، أنه قال: وصفت لى جارية متعبدة، فأحببت لقاءها، فخرجت إلى الجبل أطلبها، فلم أرها، فلقيت جماعة من المتعبدين، فسألتهم عنها، فقالوا: تسأل عن المجانين وتترك العقلاء؟ قال ذو النون: فقلت لهم: دلّونى عليها، فإن كانت مجنونة تركتها. فقالوا: إنّا نراها مرّة تجوز بنا تقع، ومرة تقوم، ومرة تصيح، ومرة تضحك، ومرة

مآخذ ابن الزيات على هذا الكتاب:

تبكى.. قال ذو النون: فدلّونى عليها.. فذهبت، فلما أشرفت على الوادى التى هى به، سمعت لها صوتا ضعيفا حزينا.. قال: فتتبّعته، فإذا أنا بجارية ما تكاد تبين من الجوع والنّحول، وهى جالسة على صخرة عظيمة، فسلمت عليها، فقالت: يا ذا النون، مالك وللمجانين؟! فقلت لها: أنت مجنونة؟! قالت: لم أكن كذلك، إنما نودى علّى بالجنون. فقال ذو النون: وما الذي جنّنك؟ قالت: يا ذا النون، حبّه «1» جنّنى، حبّه هيّمنى، ووجده أقلقنى. قال ذو النون: فقلت لها: يا جارية، وأين محلّ الشوق منك؟ قالت: يا ذا النون، الحب فى الحشا، والشوق فى الفؤاد، والوجد فى السر.. قال ذو النون: فقلت لها: يا جارية، قالت: لبيك.. قلت: الفؤاد فى القلب؟ قالت: نعم، الفؤاد نوره القلب، والسر نوره الفؤاد، فالقلب يحب، والفؤاد يشتاق، والسر يجد الحق.. قال ذو النون: فقلت لها: وكيف يجد الحق؟ قالت: يا ذا النون، وجدان الحق بلا كيف.. قال ذو النون: فقلت لها: أوصينى يا أمة الله بشىء أنتفع به.. فقالت: يا ذا النون، حبّ مولاك ولا تبتغ به بدلا.. قلت: زيدينى يرحمك الله.. قالت: يا ذا النون، إن قدرت أن تخطو إلى الآخرة خطوة فافعل ولو أدركك فى ذلك مشقة، فإن المنازل والدرجات لا يوصل إليها إلا بالمشقّات.. ثم قالت: يا ذا النون، إن كنت رجلا فى محبتك صادقا «2» ، وفى عشقك لسيدك واثقا «3» فمت كما أموت.. ثم صرخت صرخة عظيمة وقالت: هذا موت الأخيار من المحبين الصادقين. فغشى عليها، ووقعت على وجهها، فتقدمت إليها، وحرّكتها، فإذا هى ميتة، فطلبت شيئا أحفر به «4» قبرا، فلم أجد شيئا..

قال ذو النون: فالتفتّ إليها فلم أجدها، فبقيت متحيرا فى أمرى، وإذا بهاتف يهتف بى: يا هذا، اذهب راشدا، فهو يتولى الصالحين.. فمضيت إلى حال سبيلى.. رضى الله تعالى عنها، ونفعنا ببركاتها «1» . ***

فصل فى ذكر المساجد التى على الجبل المقطم

فصل فى ذكر المساجد التى على الجبل المقطم المسجد المعروف بالتّنّور «1» : قيل هو تنّور فرعون، كان يوقد عليه «2» بالطّرفاء، فإذا رأى النار أهل مصر عرفوا بركوبه، فاجتمعوا واتخذوا له ما يريد. وكذلك إذا ركب منصرفا من عين شمس، والله أعلم «3» .. وقيل: كان يوقد عليها بالطّرفاء، واللّبان، والصّندر «4» ليرفع عن أهل مصر الوباء. قال القضاعى: وجدت فى كتاب قديم أن يهوذا بن يعقوب أخا يوسف، عليهم السلام، لما دخل على أخيه يوسف مع إخوته- فى قصة الصّواع- تأخر عن إخوته، فأقام «5» فى ذروة الجبل المقطم فى هذا المكان، وكان مقابلا لتنّور فرعون الذي كان يوقد له فيه النار. [ثم خلا] «6» ذلك الموضع إلى زمان أحمد بن طولون، فأخبر بفضل الموضع وبمقام يهوذا فيه، فقام «7» بعمارة هذا

المسجد المعروف بمقام المؤمن:

المسجد والمنارة التى فيه، وجعل فيه صهريجا يخزن فيه الماء، وأوقف عليه «البيمارستان» «1» بمصر، والعين التى بالمعافر «2» ، وأنشأه أحمد فى شهر صفر بخير، سنة 259 هـ «3» . ويقال: إن تنور فرعون لم يزل فى الموضع بحاله إلى أن خرج إليه قائد «4» من قواد أحمد بن طولون يقال له «وصيف» ، فهدمه، وحفر تحته، وقدّر أنّ تحته مالا «5» فلم يجد شيئا تحته، وزال رسم التنور وذهب «6» . ويقال: إن ابن طولون وجد تحته كنزا، وأنه عمر به الجامع، ووجد فيه العشارىّ* الذي على رأس منارته. المسجد المعروف بمقام المؤمن: قيل: إنه أقام فيه مؤمن آل فرعون، ولم يوجد ذلك فى كتاب. المسجد المعروف بالمحرم: قيل: إنّ قوما كانوا فيه تطوى بهم الأرض، كانوا يحرمون منه ثم يحجون ويعودون إليه، وهو فى علو مغارة ابن الفارض 8.

أودية الجبل المقطم:

أودية الجبل المقطم: وأوديته- يعنى المقطم «1» : وادى المستضعفين، وادى الملك، وادى اللّبلابة «2» ، وادى الدجلة القرقوبى، وبه مسجد «3» على قرنة الجبل المطل على كهف السودان، بناه أبو الحسن القرقوبى الشاهد، وكيل التجار بمصر «4» سنة 415 هـ. وكان فى موضعه محراب حجارة يعرف [بمحراب ابن الفقاعى، الرجل الصالح، وهو] «5» على يسار المحراب.. وقبة الخضر.. وكهف السودان «6» مشهور هناك، لا يعلم من أحدثه، ولا فى أى زمان أحدث «7» ، ويقال إن قوما من السودان نقروه وتعبدوا فيه، ويقال له كهف العبادة «8» ، ثم بناه الأندلسى البزاز «9» ، وزاد فى أسفله مواضع نقرها، وبنى علوّها «10» ، ويقال إنه أنفق فيه أكثر من ألف دينار، ووضع «11» المجاز الذي يسلك إليه منه،

مساجد الوادى

وعمل الدّرج (النّقر) التى يصعد عليها إلى المسجد، والدرج التى «1» يصعد عليها إلى الوادى. وكان ابتداؤه بالبناء مستهل المحرم سنة 421 هـ، وفرغ منه فى شعبان من السنة المذكورة. مساجد الوادى المسجد المعروف بالجيوشى «2» : وهو المطل على وادى موسى المنشأ على قرنة الجبل البحرية.. أنشأه الإمام المستنصر بالله «3» أمير المؤمنين، فى أيام الجناب السيد الأجلّ أمير الجيوش سيف الإسلام، رفق المستنصر «4» فى شهر المحرم الحرام سنة 387 هـ «5» . والدعاء مجاب بهذا المكان، وليس له نظير.

المخطوطة الثانية:

مسجد موسى: بناه الوزير جعفر بن الفرات «1» . مسجد الصخرة: يرى عليه النور فى الليالى المظلمة. مسجد الدّيلمى: وهو الذي بقرب مقام الليث بن سعد الفهميّ «2» وقد خطب به زمانا طويلا، ولم نقف على ترجمة بانيه. مسجد الشريف الجرجانى «3» . مسجد الزبير «4» : هو الذي كان بيد الشريف أحمد الحسينى، وهو أحد المسجدين المتقابلين فى أصل عقبة موسى عليه السلام «5» ، التى يتوصّل منها إلى مغارة ابن الفارض.. قال القضاعى: يقال لها مغارة ابن الفارض، وهو أبو بكر أحمد بن مسلم القارئ، الذي كان نقر المغارة وأنفق عليها، ثم عمرت بأمر الحاكم بالله، وأنشئت فيها المغارة «6» .

مسجد اللؤلؤة:

مسجد اللؤلؤة «1» : كان مسجدا خرابا، مشهورا بإجابة الدعاء، فلما علم الحاكم ببركة الموضع بناه فى سنة 406 هـ، وسمّاه اللؤلؤة «2» . المسجد المعروف بالدعاء: قال القضاعى: هو ما بين اللؤلؤة ومسجد محمود «3» ، وهو مسجد قديم يتبرّك به وبالصلاة فيه والدعاء، ويعرف بمسجد الإجابة أيضا. مسجد اليسع وروبيل. مسجد محمود. وسنذكر قصة محمود عند ذكر قبره. ***

فصل نذكر فيه ما ورد فى زيارة القبور من الآثار

فصل نذكر فيه ما ورد فى زيارة القبور من الآثار روى ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها.. ونهيتكم عن لحوم الأضاحى فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم.. ونهيتكم عن التّنبّذ إلّا فى سقاء، فاشربوا من الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكرا» «1» . وروى أبو هريرة، رضى الله عنه، قال: «زار النبي، صلّى الله عليه وسلم، قبر أمّه، فبكى وأبكى من حوله» . قال البغوى فى شرح السّنّة: «كان قبر أمّه بالأبواء، فمرّ به عام الحديبية، فزارها» . وروى أنه زار قبر أمّه فى ألف مقنّع، أى: فارس مغطّى بالسلاح «2» .. وقال صلّى الله عليه وسلم: «استأذنت ربى فى أن أستغفر لها فلم يأذن لى، واستأذنته أن أزورها فأذن لى، فزوروا القبور، فإنها تذكّر الموت» «3» .

وعن سليمان بن بريدة «1» عن أبيه، قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فقد أذن لمحمد فى زيارة قبر أمه فزوروها، فإنها تذكّركم الآخرة» . وروى عن فاطمة رضى الله عنها، أنها كانت تزور قبر عمها حمزة فى الأيام، وتبكى عنده. وقال عبد الله بن أبى مليكة» : توفى عبد الرحمن بن أبى بكر الصّدّيق رضى الله عنهما بالحبشة، فحمل إلى مكة ودفن بها، فلما قدمت أم المؤمنين عائشة، رضى الله عنها، أتت إلى قبره فقالت «3» : وكنّا كندمانى جذيمة حقبة ... من الدّهر حتى قيل لن يتصدّعا «4» وعشنا بخير فى الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبّعا فلما تفرّقنا كأنّى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

فصل فى استماع الميت للحى إذا تولى عنه

فصل فى استماع الميت للحى إذا تولّى عنه روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ العبد إذا وضع فى قبره وتولّى عنه أصحابه أنه ليسمع قرع نعالهم، قال: فيأتيه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول فى هذا الرّجل؟ فأمّا المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله.. فيقال له: انظر مقعدك من النار، قد أبدلك الله مقعدا من الجنة.. قال النبي صلّى الله عليه وسلم: فيراهما جميعا» «1» . ***

فصل فى كراهة المشى بين القبور فى النعلين

فصل فى كراهة المشى بين القبور فى النّعلين روى خالد بن سمير «1» عن بشير «2» بن نهيك، عن بشير بن الخصاصية «3» ، قال: «كنت أمشى مع النبي صلّى الله عليه وسلم على قبور المسلمين، فقال: لقد سبق هؤلاء خير كثير «4» ، وحانت منه التفاتة، فرأى رجلا يمشى بين القبور فى نعله، فقال: يا صاحب السّبتين، ألقهما» «5» . قال البغوى «6» فى شرح السّنّة: قيل إنّ أهل القبور يرعدون «7» بصوت

النعال.. قال: والعامة على أنه لا كراهة فى المشى بها، والأمر بالنزع إنما كان على سبيل أنّ أكثر أهل الجاهلية كانوا يلبسونها غير مدبوغة، إلّا أهل السّعة منهم، فأمروا بنزعها لنجاستها. وقال أبو سعد: أراد أمره بذلك لقذارة فى نعليه، فكره منه أن يطأ بهما القبور.. كما كره أن يحدث بين القبور. وقال أبو سليمان الخطابى: يشبه أن يكون إنما كرهها لما فيه من الخيلاء، وذلك أنّ النعال السّبتيّة من لباس أهل التّرفّه والتنعيم، فأحبّ- صلّى الله عليه وسلم- أن يكون دخول المقابر على ذى التواضع ولباس أهل الخشوع. وقال بعضهم: على المحلوقة الشعر، وقد قال صلّى الله عليه وسلم عن الميت: «إنه يسمع قرع نعالهم» .

فصل فيما يقول إذا خرج إلى المقابر

فصل فيما يقول إذا خرج إلى المقابر روى القعنبيّ «1» عن مالك، عن العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى الله عنه: «أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لا حقون» «2» . وعن سليمان بن بريدة «3» عن أبيه، قال: «كان رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، إذا خرج إلى المقابر هو وأصحابه يأمرهم أن يقولوا: السلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، أنتم لنا فرط «4» ، وإنّا إن شاء الله بكم لا حقون، نسأل الله لنا ولكم العافية» «5» .

وعن عبد الله بن مسعود قال: «كان رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، إذا دخل الجبّانة يقول: السلام عليكم أيتها الأرواح الفانية، والأبدان البالية، والعظام النخرة، التى خرجت من الدنيا وهى بالله مؤمنة، اللهمّ أدخل عليهم روحا منك وسلاما منّى» «1» . ***

فصل فى آداب الزيارة

فصل فى آداب الزيارة* ينبغى لمن عزم على الزيارة أن يتأدّب بآدابها، ويحضر قلبه في إعمال الفكر فيمن نزل بها، وكيف حالهم بعد السابغة 1 والنعيم، والحشم، والمراكب الفاخرة، والخدم بالأساندة العبيد 2، ولا يكون حظّه الطواف 3 على الأجداث والجدران، بل على آداب 4 يجمعها عشرون وظيفة. الوظيفة الأولى: إخلاص النية، فيقصد بزيارته وجه الله تعالى، وإصلاح فساد قلبه، ونفع الميت [بما يتلوه عنده من القرآن، والدعاء له، ولا يتجدّد قصده للحضور عند الميت] 5 فى محفل من الناس، ليحكى أهل الميت وأقاربه بحضوره، على وجه المباهاة، ليستدعى بذلك حضورهم لزيارة من يموت من أقاربه ليكثر الجمع بهم، وهذا هو الغالب على الناس للحضور فى صحبته 6.

وثالثة وتمام شهره على ما يتعارفه أهل كل بلد، ويصرح الداعى بأنّ قصدى بحضوركم الجمال وطلب زينة الدنيا، وهذا منهى [عنه] «1» شرعا، إذ الحالة ليست حالة زينة ولا مباهاة.. والفاعل «2» لذلك شبه الذين قال الله فيهم: ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً «3» إذ قدم على عمل «4» من أعمال البرّ فقلبه بنيّته إلى أعمال الدنيا. وكذلك أيضا من يزور قبور الصالحين ليدعو على أحد حتى يحصل له حظّ نفسه، وشفاء غيظه.. وأيضا أن يحضر الزيارة ونيّته حصول الأجر، إلّا أنّ له رغبة فى رؤية الضجر، أو الفرجة والتلذّذ والفرح، فهذا كمن «5» توضّأ ونوى رفع الحدث، وأضاف «6» إليه نيّة التبّرد والتنظّف «7» ، وكمن حج ومعه تجارة «8» .. وكمن يصوم لينتفع بالحمية «9» مع قصد التقرب، أو يعتق عبدا «10» ليتخلص من مؤنته وسوء خلقه، ويحج فيصح مزاجه بحركة السفر، أو يتخلص من سوء يعرض له فى بلده، أو يغزو ليباشر الحرب ويعرف أسبابه.. أو يصلى باللّيل وله غرض فى دفع النعاس عن نفسه بالصلاة ليراقب أهله أو ماله، فهذا وأمثاله من المباحات غير مبطل للتقرّبات، نعم لا يكون ثوابه كثواب من تجرّدت نيّته عن أمثال ذلك.

الوظيفة الثانية: أن يعمد إلى الزيارة فى يوم الجمعة، فإنه روى عن محمد ابن واسع أنه كان يزور يوم الجمعة، فقيل له: لو أخرت إلى الاثنين، فقال: بلغنى أن الموتى يعلمون بزوّارهم يوم الجمعة وما قبله وما بعده.. ويحكى عن الضّحّاك ذلك. وقد «1» استحبّ أكثر الناس زيارة قبور الصالحين يوم الأربعاء، لأن فيه تخلو الجبانة.. وقد صحّ عن رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «أن الله خلق النور يوم الأربعاء» ، فزيارة القبور نور، والدعاء نور، فهذا نور على نور يغشى القبور من الزائرين.. وروى جابر بن عبد الله رضى الله عنه، قال: «دعا رسول الله، صلّى الله عليه وسلم بين الصّلاتين- الظهر والعصر- يوم الأربعاء، فعرفنا السرور فى وجهه.. قال جابر: فما نزل بى أمر قط إلّا ترجّيت تلك الساعة من ذلك اليوم، فدعوت فعرفت الإجابة» . وروى عن رجل من آل عاصم الجحدرىّ، قال: رأيت عاصما فى منامى بعد موته بسنتين، فقلت: أليس قد متّ؟ قال: بلى. قلت: فأين أنت؟ قال: أنا والله فى روضة من رياض الجنة، أنا ونفر من أصحابى، نجتمع كل ليلة جمعة وصبحتها إلى بكر بن عبد الله المزنى* فنتلاقى أخباركم، قلت: أجسامكم أم أرواحكم؟ فقال: هيهات، بليت الأجسام، وإنما نتلاقى بالأرواح.. فقلت: هل تعلمون بزيارتنا؟ قال: نعم، عشية الجمعة ويومها، وليلة السبت 2 إلى طلوع الشمس.. قلت: كيف ذاك دون الأيام؟ قال: لفضل يوم الجمعة وعظمه.

ورأى بعض الصالحين رجلا ميتا، فقال: كيف أنتم؟ فقال: نجتمع كل ليلة جمعة عند قبر «عقبة» كما يجتمع الفقراء على باب الغنيّ. الوظيفة الثالثة: اجتناب المشى بين القبور والجلوس عليها، كما روى أبو هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحترق «1» ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر» . فثبت ذلك «2» فى الجلوس على القبر، وقسنا مشيه عليه، لأنه فى معناه، فإن لم يكن له طريق إلى قبر من يزوره إلّا بالدّوس، جاز، لأنّه موضع عبور. وعن عقبة بن عامر، رضى الله عنه: «لأن أطأ جمرة حتى تبرد، وسيفا حتى تنقطع رجلى، أحبّ إلىّ من أن أمشى على قبر رجل مسلم» «3» . وقد تأوّل بعض العلماء: الجلوس على القبر فى الحديث المتقدم بقضاء الحاجة «4» ، فقال: وممّا ينبغى أيضا خلع النّعلين، فقد تقدم أن النبي، صلّى الله عليه وسلم، التفت التفاتة، فرأى رجلا يمشى بين القبور فى نعليه، فقال: يا صاحب السّبتيّتين «5» ألقهما- أو قال: انزعهما.. قال البغوىّ: كانت نعال أكثر أهل الجاهلية غير مدبوغة، لأهل السّعة، ويحتمل أن يكون رأى فيها قذرا.. وقيل: إن النعال السّبتية كانت مدبوغة بالقرظ، محلوقة الشّعر، تلبس للزّينة، فكأنه كرهها، لأن ذلك الموضع لا يدخل إليه إلّا على زىّ التواضع ولباس أهل الخشوع.. وقيل: إن أهل القبور يؤذيهم صوت النّعال.. والله أعلم بالصواب «6» .

الوظيفة الرابعة: توخّى قبور الأنبياء والصحابة والقرابة «1» ، فقد لزم قوم كثير زيارتهم «2» ، فرأوا من عجائب صنع الله بهم ورحمته ببركة الزيارة «3» مما لا يسعه كتاب. الوظيفة الخامسة: أن يأتى من تلقاء وجه الميت «4» ، فإنك فى زيارته كمخاطبته حيّا، فلو خاطبته حيّا استقبلته بوجهك «5» ، وكذلك هاهنا. الوظيفة السادسة: أن تسلّم على الميت كما تسلم على من تزوره من الأحياء، فقد كان ابن عمر، رضى الله عنه، لا يمر بقبر إلّا وقف وسلّم عليه.. وقال نافع: كان ابن عمر، رضى الله عنه، يجيء إلى القبور الشريفة فيقول: السلام على رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، السلام على أبى بكر، السلام على أبى، وينصرف، رأيته يفعل ذلك أكثر من مائة مرة. وقال سليمان بن سحيم «6» : رأيت النبي صلّى الله عليه وسلم فى المنام، فقلت:

يا رسول الله، هؤلاء الذين يأتونك «1» ويسلمون عليك، أتفقه سلامهم «2» ؟ قال: نعم، وأرد عليهم.. وقال أبو هريرة، رضى الله عنه: إذا مرّ الرجل بقبر الرجل يعرفه، فسلم عليه، ردّ عليه السّلام «3» ، وإذا مر بقبر لم يعرفه فسلم عليه، ردّ عليه السلام «4» . وإن لم يصل إلى القبر يسلم من بعيد. وقال بعضهم على لسان ميّت: وادنوا للسلام فإن أبيتم ... فأوموا بالسلام على بعاد فإن طال المدى وصفا حبيب ... سوانا، فاذكروا صفو الوداد «5» الوظيفة السابعة: اجتناب مس القبر وتقبيله، ومسحه على وجهه للتبرك، فإن ذلك من عادة النصارى، لم ينقل عن أحد من علماء المسلمين.. قال أبو أمامة: رأيت أنس بن مالك أتى إلى قبر النّبيّ، صلّى الله عليه وسلم [فوقف، فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة، فسلّم على النبي صلّى الله عليه وسلم] «6» ، ثم انصرف. وكذلك يجتنب إلقاء نفسه على القبر والتّمعّك بترابه «7» ، فإن ذلك ليس من الأدب.. بلغنا أن رجلا ألقى نفسه على قبر النبي، صلّى الله عليه وسلم، فناداه شاب من ناحية المسجد: يا بن أخى، لو كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم حيّا ثم أتيت تزوره، ما كنت صانعا؟ قال: أقف بين يديه وأسلّم عليه.. قال: كذلك فافعل.

الوظيفة الثامنة: القراءة، فلا بأس بقراءة القرآن على القبر، قال المروزى: سمعت أحمد بن حنبل، رضى الله عنه، يقول: إذا دخلتم المقابر فاقرءوا بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، والمعوّذتين، واهدوها لهم، فإنها تصل إليهم. قال الحافظ عبد الغنى، رحمه الله تعالى: والذي رأيناه فى أمصار الإسلام، شاهدناهم حيث يموتون- أو يموت الميت منهم- يقرءون القرآن عنده قبل دفنه، وعلى قبره إذا دفن، ويجتمعون على ذلك ويحرصون عليه، ومن قدر على ذلك بنفسه فعله، أو استعان بمن يمكنه الاستعانة به على ذلك.. ومنهم من يقرأ القرآن على قبر قريبه، راجين من الله تعالى فى ذلك المثوبة والإحسان لهم ولميتهم، ومن لم يفعل ذلك رأوه مقصّرا، ولا ينكر ذلك منكر، بل يحبونه ويستحبونه، والله أكرم من أن يردّ قصدهم، أو يخيّب ظنهم، أو يمنعهم ما طلبوا. وقد سمعت الحافظ أبا العز «1» عبد المغيث بن زهير الحربى يقول: لما قتل القاضى الشهيد أبو الحسن محمد بن محمد بن الفراء البغدادى، رحمه الله، ختم على قبره فى يوم واحد زيادة عن مائة ختمة، وهذا لا يكون إلّا من جمّ. غفير «2» ، ولتطابق «3» مثل هذا القدر الكبير من الناس على مثل هذا وفعلهم له، ولا منكر ولا عائب، يصير كالإجماع. روى عن عاصم، عن زيد بن عبد الله، قال: إنّ الله تعالى نظر فى قلوب العباد فوجد قلب محمد صلّى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وبعثه «4» برسالته، ثم نظر قلوب العباد بعد قلبه [فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد بعد قلبه] «5» ،

فجعلهم وزراء نبيّه، صلّى الله عليه وسلم، يقاتلون عن دينه، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيّىء. قال أحمد بن عبد الجبار «1» : قال ابن عباس، وأنا أقول: إنهم رأوا أن يولّوا أبا بكر بعد رسول الله، صلّى الله عليه وسلم.. وعن أبى مسعود البدرىّ «2» أنه خرج أصحابه معه يشيعونه إلى القادسية «3» ، فلما ذهبوا يفارقونه قالوا: رحمك الله، قد رأيت خيرا، وشهدت خيرا، حدّثنا حديثا، عسى الله أن ينفعنا به.. قال: أجل، رأيت خيرا، وشهدت خيرا، وقد رجوت أن أكون أخّرت لهذا الزمان لسوء يراد بى، فاتّقوا الله، وعليكم بالجماعة، فإن الله لم يجعل أمّة محمد صلّى الله عليه وسلم على ضلالة «4» ، فاصبروا حتى يستريح برّ، ويشتراح من فاجر. وقد روى عن سليمان التيمى، عن أبى عثمان، وليس بالنهدى «5» [عن أبيه] «6» ، عن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اقرءوا سورة يس على موتاكم» . أخرجه الترمذى فى السنن، كذا ورواه أبو القاسم الطبرانى فى سننه.

وروى الإمام أحمد فى مسنده عن معقل بن يسار، أن رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، قال: «البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا، واستخرجت اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ من تحت العرش، فوصلت بها- أى: سورة البقرة.. ويس قلب القرآن، لا يقرؤها رجل يريد الله تعالى والدّار الآخرة إلّا غفر الله له، فاقرءوها على موتاكم» . قال الحافظ عبد الغنى: وقد روينا عن أبى المحاسن عبد الرزّاق بن إسماعيل ابن محمد بن عثمان القرمسانى بهمذان، أخبرنا الحافظ أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمى، قال: سمعت أبا على أحمد بن مسعود «1» العجلى يقول: رأيت أمّى، أمّ الفرج بنت محمد بن عثمان القرمسانى، فى المنام فى قبرها، فقلت لها: أخبرينى ما رأيت.. كنت تقولين أخاف «2» من أوّل ليلة فى القبر.. كيف كنت تلك الليلة؟ فقالت: رأيت من الخير والراحة ما لم أكن رأيته فى أيام حياتى.. فقلت لها: ما أبعثه إليك من الصّدقة، وما أدعو به،

هل يصل إليك فى القبر «1» ؟ قالت: نعم، الكل يصل إلىّ، لكن لم يكن ذلك مثلما تقرأ «2» على رأس قبرى يس ، فإنى أجد راحة من ذلك أكثر من الصّدقة والدعاء «3» . وحكى عن محمد بن محمد المدنى، قال: مات قريب «4» لى، فرأيت فى المنام كأنّ وجهه نور يتلألأ، فقلت له: ما هذا النور؟ فقال: جارنا فلان- وسمّاه باسمه- زارنا وقرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات، وقسم ثوابها بين أهل القبور «5» ، فأصابنى من النور ما ترى. وروى أبو محمد السّمنانى قال: سمعت عبد الرحمن بن جمعة الكوفى يقول: رأيت فيما يرى النائم كأنى أمرّ فى مقبرة من المقابر «6» ، فرأيتهم فى جلبة وتشويش، فقلت: ما هذا الذي أرى بكم؟ فقالوا: مرّ عبد من عباد الله فقرأ ثلاث مرات سورة الإخلاص، فقال: يا رب، قد جعلت أجرها لمن فى هذه المقبرة، فنحن نقتسم أجرها منذ أربعة أشهر فيما بيننا. وروى عن الطّلائعى قال: كنت أزور قبر إبراهيم بن شيبان «7» كل يوم

وأقرأ جزءا من القرآن، وأهب ثواب ذلك الجزء له، فجئت يوما وجلست عند قبره، وتفكرت فى حاله ودرجته عند الله تعالى ساعة، ثم قمت وما قرأت شيئا، فلمّا جنّ علىّ الليل رأيت فى المنام إبراهيم «1» فقال: يا أبا علىّ، كنت تقرأ شيئا وتجعل ثوابه لنا، فلم تركت اليوم؟ فقلت: يا شيخ، ومثلك يحتاج إلى ثواب قراءتنا؟ فقال: يا أبا علىّ، ومن يشبع من رحمة الله تعالى؟!. قال الحافظ عبد الغنى «2» رحمه الله، سمعت أخى أبا إسماعيل بن إبراهيم ابن عبد الواحد بن على المقدّسي يقول: رأيت خالى الشيخ الصالح أبا العباس أحمد بن محمد بن قدامة المقدسى فى النوم، وكان عدّة من أصحابنا «3» كل ليلة جمعة يختمون القرآن، ويجعلون ثوابه لأمواتنا وأموات المسلمين، فقلت له: ما نقرؤه يصل إليكم؟ فقال: نعم، ولكنكم تستعجلون فيه، كأنه أشار إلى استحباب الترتيل والتّثبّت فى القراءة. وروى أيضا بإسناده إلى عائشة، رضى الله عنها، عن أبى بكر الصّدّيق، رضى الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من زار قبر والديه كل جمعة، أو أحدهما، فقرأ عندهما، أو عند أحدهما، سورة «يس» ، غفر الله له بعدد كل آية أو حرف» .

قال الحافظ رحمه الله: حدثنى بعض أصحابنا من أهل الفقه والعلم، قال: ماتت أمّى، وكانت صوّامة قوّامة، وكنت أقرأ كل ليلة ألف مرة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وأقول: اللهم إنّى أسألك قبول ما قرأته، وأن تجعل ثوابه هدية منى لأمّى، أو والدتى «1» . فأقمت على ذلك خمس سنين، وكنت أشتهى أن أراها، فقرأت ليلة خمسمائة مرّة «2» قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وأهديت ثوابها لها، فرأيتها فى منامى وعليها ثياب جدد، وهى فى أحسن صورة، فقلت لها: سلام عليك يا أمّاه، ماذا لقيت «3» من الله؟ قالت: كل خير، جزاك الله عنى خيرا يا ولدى، والله يا ولدى «4» لقد وصلت إلىّ هديتك، بالله يا بنىّ، [لا تسمع من هؤلاء الذين يقولون لا تصل الهدية إلى الأموات، والله لقد وصلت وخفّف عنّى بها شيئا كثيرا، فبالله يا بنىّ] «5» إن لم يكن الكثير فليكن القليل، ولا تقطع عنى هديتك. وكان لها ولد عندنا يقال له عبد الرحمن، فقالت: والله لا أتركه عندكم، فأخذته وحملته ومضت.. قال: فاستيقظت على أثر «6» ذهابها، فما أقام الصبى إلّا ثلاثة أيام ثم مات، رحمه الله. قال رسول الله «7» ، صلّى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم «8» انقطع عمله إلّا من

ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» . رواه مسلم والنسائى، ورواه أبو داود والترمذى.. وليست قراءة القارئ من بعده والهدية له من عمله، لأن الخبر يدل على انقطاع عمله، لا عمل غيره، ولا يمتنع أن يصل إليه من عمل غيره إذا عمله وجعل ثوابه إليه «1» . وأمّا قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى فقال «2» ابن عباس: نسخها قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ.. «3» . فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء. وقال عكرمة: كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى، ألا ترى إلى قوله فى أول الآية: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى * وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى* أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى «4» . فأمّا هذه الآية فلهم ما سعوا وسعى غيرهم، لخبر سعد بن عبادة، رضى الله عنه، أنه سأل النبي، صلّى الله عليه وسلم: هل لأمّى أجر إن تطوّعت عنها؟ قال: نعم. وفى حديث أنّه حفر بئرا وقال: يا ربّ، هذه لأمّ سعد «5» . وخبر المرأة التى سألت: إنّ أبى مات ولم يحج.. فقال: حجّى عنه. وقال الربيع بن أنس، رضى الله عنه: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى يعنى: الكافر.. فأما المؤمن فله ما سعى غيره.. قال مضارب بن إبراهيم: دعا عبد الله بن طاهر والى خراسان، الحسن بن الفضل، فقال: أشكلت علىّ

ثلاث آيات «1» : قوله فى وصف ابن آدم: فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ «2» ، وقد صح الخبر بأن الندم توبة.. وقوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ «3» ، وصح الخبر بأن القلم قد جفّ بما هو كائن إلى يوم القيامة.. وقوله: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى فما بال الإضعاف؟ «4» .. فقال الحسن بن الفضل: يجوز أن يكون الندم توبة لهذه الأمة «5» فإن الله سبحانه خصّها بخصائص لم يشرك فيها غيرهم. وقيل: إنّ ندم قابيل لم يكن على [قتل] «6» هابيل، وإنما كان على جهله «7» . وقوله [عزّ وجلّ] «8» : وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى يعنى: من طريق العدل.. وأما قوله: [عزّ وجلّ] : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فإنها شئون يعيدها للاشئون يبيدها «9» ، ومحا سوق المقادير إلى المواقيت.. فقام عبد الله بن طاهر فقبّل رأسه وسوّغه خراجه «10» . وروى مبشّر بن إسماعيل «11» عن عبد الرحمن بن العلاء «12» أنه أوصى

إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر رضى الله عنهما يوصى بذلك.. والله أعلم. الوظيفة التاسعة: الدعاء للمزور، لأنّ الدعاء تحفة الميت من زائريه.. روى عن النبي، صلّى الله عليه وسلم، أنه قال: «ما الميت فى قبره إلا كالغريق المتغوّث «1» ينتظر دعوة تلحقه، أو صدقة تلحقه من ابنه «2» ، أو أخيه، أو صديق له «3» ، فإذا لحقته كانت أحبّ إليه من الدنيا وما فيها» . [فإذا جزت على المقابر فلا تبخل بقراءة آيتين، فإنها صدقة سهلة] «4» قال العلماء: هدايا الأحياء للأموات الدعاء والاستغفار. قال بشّار بن غالب النجرانى: رأيت رابعة العدوية فى النوم، وكنت كثير الدعاء لها، فقالت: يا بشّار بن غالب «5» ، رأيت هداياك تأتينا على أطباق من نور، مخمّرة «6» بمناديل الحرير!! قلت: وكيف ذلك؟ قالت: هكذا دعاء المؤمنين الأحياء، إذا دعوا للموتى يؤتى به إلى الميت على أطباق من نور، مخمّر بمناديل الحرير، فيقال «7» له: هذه هدية فلان.

قال بشر بن منصور: لمّا كان زمن الطاعون كان رجل يختلف إلى الجبانة «1» فيشهد الجنائز فيصلى عليهم، وإذا أمسى «2» وقف على المقابر فقال: «آنس الله وحشتكم، ورحم غربتكم، وتجاوز عن سيّئاتكم، وقبل حسناتكم» ، لا يزيد على هذه الكلمات.. قال الرجل: فأمسيت «3» ذات ليلة فانصرفت إلى أهلى ولم آت المقابر فأدعو بما كنت أدعو به، فبينما أنا نائم إذا بخلق كثير قد جاءونى، فقلت: من أنتم؟ وما حاجتكم؟ قالوا: إنك كنت تدعو فى كل يوم عند انصرافك إلى أهلك بدعوات دعوت لنا بها.. قلت: فإنى أعود. فما تركتهن بعد «4» . وعن عبد الرحمن بن العلاء «5» عن أبيه، أنه قال لولده: إذا أنا متّ وأدخلتمونى فى اللحد فهيلوا «6» علّى التراب وقولوا: بسم الله، وعلى ملّة رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، وسوّوا علّى التراب، واقرءوا عند رأسى بفاتحة الكتاب وفاتحة البقرة، إلى قوله: [تعالى] «7» : وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «8» ، وخاتمتها «9» من قوله تعالى: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ «10» ، فإنى سمعت ابن عمر، رضى الله عنه، يستحب ذلك.. رواه الطبرانى فى معجمة «11» .

وقال الشعبى «1» : سنّة كانت فى الأنصار: إذا مات الميت لم يدفن حتى يقرأ عند رأسه سورة البقرة. وبعد هذا، فكل ما يفعله الإنسان من أنواع البرّ والخير يصل إليهم، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ «2» .. وقوله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ «3» .. فلو لم تكن الصلاة والدعاء «4» يصلان إليهم، وكذلك الاستغفار، لم يخبر الله عنهم بذلك، فكذلك الصدقة وقراءة القرآن والدعاء، ينفعهم ويصل إليهم. وقد صلى النبي صلّى الله عليه وسلم على جماعة من الصحابة والنجاشى، وهو غائب «5» - صلّى الله عليه وسلم- وهو بالمدينة لمّا صلى عليه.. وكذلك لمّا صلّى على خبيب «6» بن عدىّ، أحد أصحابه- صلّى الله عليه وسلم- حين صلب بمكة، والنبي صلّى الله عليه وسلم بالمدينة، والأدلة أكثر من أن تحصى.

وعن إبراهيم بن محمد بن سلامة الموصلىّ قال: سمعت بعض الصالحين من مشايخ الرحبة يقول: إنه رأى فى منامه كأنه اجتاز بمقبرة الرحبة، فرأى أهل المقبرة جلوسا فى أكفانهم وعليهم النور والبهاء، وهم يتشاجرون وقد ارتفعت أصواتهم كأنهم يقتسمون شيئا، فسألتهم عن ذلك، فقالوا: اجتاز بنا [بالأمس] «1» فلان- وسمّاه لى رجل من الصالحين من أهل الرحبة- فعثر فى رجله «2» ، فانقطع ظفر إصبعه الإبهام، فأغمى عليه، ووجد لذلك ألما شديدا، فقال: اللهمّ إن كان فى هذه العثرة وهذا الألم ثواب «3» فقد أهديته لأهل هذه المقبرة.. فكلّنا من أمس نقتسم ثواب ذلك وما فنى.. قال: فلما أصبحت أتيت إلى دكّانه فى السوق، فسلمت عليه وسألته أن يرينى رجله، فأبى وقال: رجلى مثل أرجل الناس، ما عليك منها؟! فقلت: لى فيها غرض، فكشف لى عن رجله الصحيحة ... فقلت: أريد أن تكشف لى عن الأخرى، فأبى، فأقسمت عليه حتى كشفها لى، وأصبعه الإبهام مشدودة بخرقة، فقلت: هذا قصدى.. فسألنى عن ذلك، فحدثته بما رأيت فى منامى.. فأقسم علىّ ألّا أحدّث بذلك فى حياته، وحتى مات- رحمه الله. ويشهد لصحة هذه الرؤيا، ما روى عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «يثاب المؤمن «4» حتى بالشوكة تصيبه، وبالعثرة يعثرها» . وحدّث بعض شيوخ الحرم أنه زار المقبرة التى بأم القرى «5» وقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحدى عشرة مرة، ثم أهدى إليهم ثوابها، ثم إنه رأى

حفّارين يحفرون قبرا «1» ، فسألهم عن القبر، لمن هو؟ قالوا: لرجل غريب، فقلت فى نفسى: أقف حتى يأتوا «2» بالجنازة وأصلّى عليها، وأغتنم الأجر والثواب فى ذلك، لما روى عن النبي، صلّى الله عليه وسلم، أنه قال: «من صلّى على جنازة كتب له قيراط «3» من الأجر، فإن تبعها كتب له قيراطان..» الحديث. فاستندت إلى قبر من تلك القبور، فنمت، فرأيت أهل المقبرة جلوسا وهم يتشاجرون فيما بينهم، ورأيت صاحب ذلك القبر الذي كنت مستندا إليه شيخا على وجهه نور «4» وهو يكلمنى ويقول: يا أخى، تتّكىء على القبر وقد قال رسول الله: «لو أنّ أحدكم جلس على جمرة فتحرق ثوبه حتى تصل إلى جلده لكان أهون عليه من أن يطأ قبر مسلم» . فقلت: اجعلنى فى حلّ [قال: أنت فى حلّ] «5» .. فسألته عن مشاجرة أهل المقبرة، فقال: إنهم يقتسمون ثواب إحدى عشرة «6» مرة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ التى «7» قرأتها.. فقلت: وكم أصاب كل واحد من ثوابها؟ فقال: خير كثير.. فقلت: ما الذي أصابك؟ فقال: أنا آثرتهم بحصتى، لأنهم ليس لهم أحد يهدى إليهم «8» ،

وأنا لى ولد صالح خيّاط «1» بباب الندوة يتصدق [عنى] «2» كل يوم بدانقين، ويهدى إلىّ كل ليلة قبل أن ينام إحدى عشرة «3» مرة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ .. فقلت: وما اسمه؟ قال: محمد.. فقلت له: أتأذن لى أن أبشّره؟ قال: إن فعلت ذلك فلك علىّ منّة كبيرة.. سلّم عليه وقل له: يقول لك «4» أبوك: يا ولدى لم تركتنى الليلة أوّل الليل؟ [ولكن] لما انتبهت «5» وقرأت وبكيت وأهديت، وصل إلىّ.. فجزاك الله خيرا، ورضى الله عنك برضاى «6» . قال: فمضيت إليه، وعرّفته الحال، فقال لى: من أنت؟ إن والدى له- منذ مات- عشرون سنة «7» ! فحدّثته بما رأيت وقلت: الساعة جئت «8» من عنده.. فقال: صدقت «9» ، كذا كان، وفرح بذلك. وقد حكى «10» أنّ قافلة مرّت بمقبرة فى الليل، فأخرج رجل رأسه من المحمل وقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إحدى عشرة «11» مرة وأهداها لأهل المقبرة، فنام فرأى رجلا وهو يقول له: جزاك الله خيرا.. كنت فى أشدّ العذاب، فلما أهديت لنا هذه الهدية ابنى منها ثواب بعض حروف، فنجوت.

وقد روى أنّ رجلا كان يخص ابنه بالهدية، فجاء يوما إلى قبره وقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقال: اللهم اجعل ثوابها لولدى.. فنام، فرأى فى النوم رجلا من جيران ولده وهو يقول: كأنّك بخلت علينا.. لقد نزل ثوابها فعمّنا لمّا قرأتها «1» . قال الشافعى- رحمه الله تعالى- فى الأم «2» : يلحق الميت من فعل غيره الحجّ إذا أدّاه «3» عنه، والدّين إذا قضاه عنه، والدعاء إذا دعا له.. فأمّا الحج «4» ، فإن مات وعليه حجّ واجب وله مال، حجّ عنه من صلب ماله، وإن لم يخلف شيئا يجب على الوارث أن يحج عنه، فإن تطوّع أجنبىّ فحجّ عنه أجزاه، وأمّا التطوع فإن لم يكن بوصية لم يجز فعله، وإن أوصى ففيه قولان.. وأمّا الدّين فيجب قضاؤه من صلب ماله، فإن لم يكن له مال فتطوّع وارثه، أو غيره فقضاه، أجزاه.. وأمّا الصّدقة، فإذا تصدّق الوارث أو غيره عن الميت لحقه ثواب الصّدقة.. وواسع من فضله- تعالى- «5» أن يثيب المتصدق.. وأما الدعاء، فإذا دعا للميت ولده أو غيره، وصل ثوابه. قال صاعد «6» : كنت ممّن «7» حضر جنازة عبد الله بن الفرج، فرأيته

فى النوم كأنه جالس على قبره ومعه صحيفة، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لى ولكل من تبع جنازتى «1» .. فقلت: أنا ممّن تبع جنازتك، فقال: هذا اسمك فى الصحيفة. وقد بلغنا أنّ أرواح المؤمنين يأتون كل جمعة إلى سماء الدنيا فيقفون بحذاء قبورهم، وينادى كلّ واحد منهم: يا أهلى، يا جيرانى، اعطفوا علينا بشىء يرحمكم الله، واذكرونا «2» ولا تنسونا، فنحن قد بقينا فى سجن وثيق، وغم طويل، ووهن شديد، فارحمونا قبل أن تصيروا أمثالنا.. الأموال «3» التى فى أيديكم أموالنا، والدور دورنا. فإذا تصدق الإنسان عن ميته جاء ملك من الملائكة بطبق من نور، والهدية على ذلك الطبق، ولها نور ساطع فى سبع سموات، فيقوم على شفير القبر وينادى: عليك «4» السلام يا صاحب هذا القبر الغريب، إنّ أهلك أهدوا إليك هذه الهدية، فاقبلها.. فيدخلها فى قبره، فينوّر له قبره، ويوسع عليه. قال عثمان بن سودة، وكانت أمّه من العابدات، يقال لها «راهبة» لكثرة عبادتها: لمّا احتضرت رفعت رأسها إلى السماء وقالت: يا ذخرى وذخيرتى، لا تفضحنى عند الموت، ولا توحشنى فى قبرى.. فكنت آتى قبرها فأقرأ كلّ ليلة جمعة «5» وأستغفر لها.. فرأيتها ليلة فى منامى، فقلت: يا أمّاه، كيف أنت؟ قالت: يا بنّى أنا بحمد الله فى برزخ محمود، نتوسّد فيه الريحان والسّندس.. فقلت: ألك حاجة؟ قالت: نعم، لا تدع زيارتنا والدّعاء لنا، فإنى آنس بمجيئك يوم الجمعة، إذا أقبلت من أهلك يقال لى: هذا ابنك قد أقبل، فأسرّ، ويسرّ من حولى من الأموات.

وقد «1» نقل عنه، عليه الصلاة والسلام، أنه قال: «من قال: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ* وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «2» وقال: اللهم اجعل ثواب هذه الآية «3» لأبوىّ، فقد أدّى حقهما» . وقد نقل عن الشيخ أبى القاسم بن الحباب أنّ الأرواح ترجع إلى الأجساد يوم الجمعة من بعد العصر، ويوم السبت، ويوم الاثنين، ويوم الخميس، ويوم الجمعة، ويوم السبت إلى طلوع الشمس «4» . وقد أحسن من قال: زر والديك وقف على قبريهما ... فكأنّنى بك قد نقلت إليهما بشراك لو قدّمت فعلا صالحا ... وقضيت بعض الحقّ من حقّيهما «5» وقرأت من آى الكتاب بقدر ما ... قد تستطع وبعثت ذاك إليهما «6» لو كنت حيث هما وكانا فى البقا ... زاراك حبوا لا على قدميهما «7» ما كان ذنبهما إليك فطالما ... منحاك صفو الودّ من نفسيهما كانا إذا [ما] أبصرا بك علّة ... جزعا لما تشكو وشقّ عليهما «8» كانا إذا سمعا أنينك سيّلا ... دمعيهما أسفا على خدّيهما «9» فلتلحقنّهما غدا أو بعده ... حتما كما لحقا هما أبويهما

ولتقدمنّ على فعالك مثلما ... قدما هما [أيضا] على فعليهما «1» فاحفظ حفظت وصيّتى واعمل بها ... فعسى تنال الفوز من برّيهما وتكثر من قراءة القرآن.. ومن الدعاء، دعاء الزيارة.. وينبغى إذا عزمت على الزيارة فى بكرة «2» الجمعة أن تبتدئ بركعتين عند طلوع الشمس، تقرأ فيهما ما تيسر من القرآن «3» ثم تقول: «اللهم صلّ على محمد وعلى آله، واعزم بى على خير عزمت فيه على أحد من عبادك الذين دعوتهم فأجابوك، وأمرتهم فأطاعوك، وعملوا عملا صالحا ولم يشركوا بعبادتك أحدا. اللهم من تأهّب فى هذه الساعة فأخذ زينته، وأظهر لبسته «4» لقصد أحد من عبادك، فإننى خارج إليك، ووافد عليك «5» ، وطالب ما لديك.. لم أخرج أشرا «6» ، ولا بطرا، ولا رياء، ولا سمعة، [وإنّما] «7» خرجت زائرا لمن أحببته فيك «8» ، وأحسنت الظّنّ به لما علمته من طاعته لك.. اللهم فعرّفنى بركة هذا المخرج، ويسّر لى نجح هذا المقصد، وشفّع فىّ عبادك الصّالحين، واجعلنى محسنا، فإنك مع المحسنين. وصلّى الله على سيدنا محمد، إمام الأتقياء، وشافع الشفعاء، وعلى آله الطاهرين» . ثم تأخذ فى طريق، وتحرص على ألّا يجفّ لسانك من تلاوة كتاب الله، فإن عاقك عائق عن التلاوة- من رفيق يشغلك، أو من تقصير فى حفظ ما تحفظه

- فأكثر من التسبيح والتحميد والتهليل «1» ، ولو فى أثناء كلام مسايريك «2» ، وتجعل ذلك عادة للسانك، واعلم أنك إنما تهدم سيئة وتبنى حسنة، فلا تقصّر. وعليك بالاستغفار والتحميد، فإنّ العبد بين أمرين: بين ذنب يستغفر الله منه «3» ، وبين نعمة يحمد الله عليها. وتبدأ فيمن تزور بأهل بيت النبي، صلّى الله عليه وسلم، والمشاهد الصحيحة النسب إلى أهل البيت الطاهرين، صلوات الله وسلامه عليهم، وتدعو بحاجتك من أمر الدنيا والآخرة، وتجتهد «4» فى أن تستفتح قبل هذا الدعاء بسورة من القرآن، صغيرة كانت أو كبيرة «5» .. ثم تزور من فى الجبّانة من السادة الأخيار، والصّلحاء الأبرار، فإن قبورهم مظنّة الدعاء والإجابة «6» .. تقعد عند كل قبر وتقرأ سورة، وتدعو بدعوة صالحة: إمّا محفوظة أو ما يفتح «7» الله به على قلبك. وكلما دخلت الجبّانة تستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وتسلم عليهم، وتقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وتهديها لأهل الجبّانة، فقد ورد فى ذلك خبر، أنه إذا فعل ذلك عمّهم بالزيارة، وتقول: سلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين «8» - أو: السلام عليكم دار قوم مؤمنين- وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون.. اللهم [ارحم] «9» المستقدمين منّا والمستأخرين، عبيدك الفقراء النازلين بك،

الراحلين «1» إليك.. رحلوا من طيب الدنيا ونعيمها إلى ظلمة القبر وما هم لاقوه: وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً «2» . أطاعوك فى أحبّ الأشياء إليك، وهى شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمدا عبدك ورسولك «3» .. اللهم فاغفر لهم ما سوى ذلك من فوارط الغفلة «4» ، وبوادر الغرّة «5» ، فإنهم فقراء إلى رحمتك، وأنت غنّى عن عذابهم، فأعطهم ما هم فقراء إليه، وسامحهم ممّا أنت غنّى عنه، واجعلهم فرطا «6» وسلفا لنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، وقدمنا على ما قدموا عليه.. وتختم بزيارة أهلك «7» ، فإن كان فيهم أحد من والديك فقد علّمك الله ما تقول: رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً «8» .. وإن كانوا من أهل بيتك فدعوة نوح عليه السلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً «9» . وأكثر من قراءة القرآن عند الأهل، وخصّ كلّ قبر بسورة، وتمثّل أحوالهم التى هم عليها فى قبورهم، من تقطيع أكفانهم، وبلاء أبدانهم، وتفرّق أوصالهم، وتغيّر ما كان يعهد من أحوالهم «10» ، وتعلم أنك لا محالة حيث صار

القوم صائر إليهم، وأنك إن لم تنزل بالمحل فأنت على الطريق سائر.. وتغتنم ما يودّه كلّ مقصّر منهم فلا يقدر عليه، من زيادة حسنة لا يقدر عليها، ومن نقص سيئة لا يصل إليها «1» . ثم أشدّ تلهّفهم على كلمة تسبيح لا يقدرون أن ينطقوا بها، أو على ركعة لا يقدرون «2» أن يحصلوا عليها. فاستكثر ما أمكنك من الخير «3» ، ومن الصلاة على النبي، صلّى الله عليه وسلم، فإنّ مع كل صلاة دعوة مستجابة، وكانوا يستحبّون أن يكون الدعاء بين صلاتين على النبي، صلّى الله عليه وسلم، فيستفتح بالصلاة، ثم يسأل الحاجة، ثم يختم بالصلاة.. جاء فى الخبر أنّ الله سبحانه وتعالى يسمع الصلاتين فيستحيى- جلّت قدرته- ألّا يجيب الدعوة بينهما.. وأبواب الخير كثيرة، ومن فتح عليه باب خير فقد أريد به خير كثير، ودفع عنه شر غزير. قال بشّار بن غالب «4» : مات لى أخّ، فرأيته فى المنام، فقلت له: كيف حالك حين وضعت فى قبرك؟ فقال: أتانى «5» آت بشهاب من نار، فلولا أنّ داعيا دعا لى لرأيت أنه سيضربنى به «6» . الوظيفة العاشرة: الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم بين المقابر. حكى أنّ امرأة جاءت إلى الحسن البصرى فقالت: إنّ ابنتى ماتت وأحبّ «7»

أن أراها [فعلّمنى صلاة أصليها لعلّى أراها] ، فعلّمها صلاة، فرأت ابنتها وعليها لباس القطران، والغل فى عنقها «1» ، فارتاعت لذلك، وأخبرت الحسن، فاغتمّ لذلك، فلم تمض مدة حتى رآها الحسن وهى فى الجنة على سرير، وعلى رأسها تاج، فقالت له: يا شيخ، أما تعرفنى؟ قال: لا.. قالت: أنا بنت تلك المرأة التى علّمتها الصلاة ورأتنى فى المنام ... فقال لها «2» : ما سبب أمرك؟ قالت «3» : مرّ بمقبرتنا رجل فصلّى على النبي، صلّى الله عليه وسلم، وكان فى المقبرة خمسمائة وخمسون إنسانا فى العذاب، فنودى أن قفوا العذاب عنهم ببركة الصلاة على النبي «4» صلّى الله عليه وسلم. الوظيفة الحادية عشرة «5» : الدعاء لنفسه. وينبغى للزائر أن يدعو لنفسه عند قبور الأنبياء والصالحين، فقد أمرنا بالدعاء عند رقة القلب، وهاهنا يرقّ القلب غالبا. ومن أبلغ الأدعية: «اللهم إنّى أسألك بما سألك نبيّنا محمد، صلّى الله عليه وسلم، وأعوذ بك ممّا استعاذ «6» منه نبيّك محمد، صلّى الله عليه وسلم، وأسألك العفو والعافية، فعافنى واعف عنى «7» . اللهم إنك عفوّ تحب العفو فاعف عنى» . فهذه الدعوات مروية عن النبي، صلّى الله عليه وسلم، وصحيحة، والأدعية كثيرة.

وكان من أدعية عطاء السّلمى «1» رضى الله عنه: «اللهمّ ارحم غربتى فى الدنيا، ومصرعى عند الموت، ووحدتى فى القبر، ومقامى «2» بين يديك» . قال بعضهم: وإنّى لأدعو الله والأمر ضيّق ... علىّ فما ينفكّ أن يتفرّجا وربّ فتى سدّت عليه وجوهه ... أصاب لها لمّا دعا الله مخرجا وإيّاك أن تستبطىء الإجابة، وارجع إلى إصلاح نفسك. وما أحسن قول القائل: نحن ندعو الإله فى كل كرب ... ثمّ ننساه عند كشف الكروب ولا يحملنّك التقصير على ترك الدعاء. الوظيفة الثانية عشرة: ذكر محاسن الميت «3» عند قبره.. ففى ذلك نشر لمحاسنه، وترغيب للسامعين فى زيارته، وتشويق للطالبين فى الدخول فى زمرة العالمين. الوظيفة الثالثة عشرة: الإكثار من زيارة الأقارب، فقد روى أنّ الرجل يموت والداه وهو عاقّ لهما، فيدعو لهما بعدهما، ويزورهما كل جمعة، فيغفر له ويكتب بارّا.

الوظيفة الرابعة عشرة: التّصبّر عند معاينة قبر أقاربه «1» وترك الجزع.. عندما مات «2» ذرّ، مرّ أبوه على قبره فقال: أما والله يا ذرّ لقد شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك، ليت شعرى، ما الذي قلت؟ وماذا قيل لك «3» ؟! ولقد أحسن القائل: لست أبكيك لنفسى ... إنّما أبكيك لك ليت شعرى ما الذي ... قلت وماذا قيل لك وفى الحديث «4» : «لا يموت لأحد ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلّا كانوا له جنّة «5» من النار.. فقالت امرأة: واثنان؟ ... » «6» . وفى حديث آخر عن النبي، صلّى الله عليه وسلم، أنه قال: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم» «7» .

الوظيفة الخامسة عشرة: ترك النّياحة، ولطم الخدود، وشقّ الجيوب، والدعاء بدعوى الجاهلية. [قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «النّياحة من عمل الجاهلية» وروى ابن مسعود، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود، وشقّ الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» ] «1» . نعم يجوز البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة.. ورد أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم زار قبر أمّه فبكى وأبكى من حوله.. [وروى أنه قيل له: يا رسول الله، أتبكى وقد نهيت عن البكاء؟ فقال: إنما نهيت عن النّوح] «2» . وروى جعفر بن محمد عن أبيه، عن فاطمة بنت رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، أنها كانت تزور قبر عمّها حمزة فتبكى عنده. الوظيفة السادسة عشرة: الجلوس عند قبر من يعرفه من أخ أو صديق، وقراءة القرآن، وإهداء ذلك له، والسلام عليه إذا حضرت وإذا انصرفت «3» . فقد روى أنه: من زار قبر أخيه وجلس عنده استأنس به، وردّ عليه، حتى يقوم. الوظيفة السابعة عشرة: الكفّ عن الشماتة إذا رأى قبور أعدائه، وليمنعه من ذلك أنه لا حقّ بهم وإن طالت الأيام. روى عن بعض الحكماء أنه قال عند موت الإسكندر: سيلحقك من سرّه موتك أيها الملك، كما لحقت من سرّك موته. قال الشّاعر «4» : إذا ما الموت حلّ بدار قوم ... فأفناهم أناخ بآخرينا فقل للشّامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا

الوظيفة الثامنة عشرة: الإعراض عن الضحك فى المقابر، فإنّ البكاء بهذا الموضع أليق، ووضع الشيء فى غير موضعه نهاية فى النقصان، وكذلك فى الجنائز، كما روى عن بعض الصالحين أنه رأى رجلا يضحك فى جنازة، فحلف ألّا يكلمه ثلاثة أيام. الوظيفة التاسعة عشرة: لا يصلّى فى المقبرة، لما روى عن ابن عمر، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة: فى المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمّام، ومعاطن الإبل، وفوق الكعبة» «1» . وروى عن أبى سعيد الخدرىّ، رضى الله عنه، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «الأرض كلّها مسجد، إلّا المقبرة والحمّام» «2» . فإن فعل فى المقبرة فله ثلاثة أحوال «3» : الحالة الأولى: أن تكون قد تكرر نبشها، فلا تصح صلاته، لاختلاط صديد الموتى بالأرض. الحالة الثانية: أن تكون جديدة، فقد فعل مكروها، لأنها مدفن للنّجاسة «4» ، وصلاته صحيحة، لأن الذي باشر الصّلاة طاهر. الحالة الثالثة: أن يشكّ: هل نبشت أم لا؟ فالأصل فيها طهارة الأرض، ولكن عارضه الشك فى نجاستها.. وللشافعى فى هذه المسألة ونظرائها ممّا يعارض الأصل فيها الظاهر قولان:

أحدهما: بطلان الصّلاة، لأن بقاء الفرض فى ذمّته وهو شاكّ فى إسقاطه، والفرض لا يسقط بالشك «1» . والثانى: عدم بطلان الصلاة، لأن الأصل فيها طهارة الأرض، فلا يحكم بنجاستها بالشك.. وقال أحمد: لو صلّى فى المقبرة لم تصح.. وقال مالك: لا تكره الصلاة فيها ... وقد استوفيت الكلام فى كتابى الذي سمّيته «غاية المدرسين بالمشارق والمغارب فى الأربعة مذاهب» «2» . ويكره أن يبنى القبر مسجدا، بحيث يكون وجه المصلّى إليه، لما روى أبو مرثد «3» - بفتح الميم والثاء المثلثة- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم نهى أن يصلّى إليه.. وقال صلّى الله عليه وسلم: «لا تتّخذوا قبرى مسجدا «4» ، فإنما هلك بنو إسرائيل لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .. وفى بعضها: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلّوا إليها» . قال الشافعى- رحمه الله تعالى: «وأكره أن يعظّم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا، مخافة الفتنة عليه، وعلى من يعوده من الناس» . واختلف أصحاب الشافعى فى وقت جواز الصلاة على القبر على أربعة أوجه: أحدها: يصلّى عليه إلى شهر، لما روى أنّ النّبيّ، صلّى الله عليه وسلم، صلّى على أمّ سعد ابن عبادة بعد ما دفنت بشهر.

والثانى: يصلّى عليه ما لم يبل، لأنه إذا بلى لم يصلّ عليه. والثالث: يصلّى على «1» من كان من أهل الفرض عند موته، لأنه كان من أهل الخطاب بالصلاة. والرابع: يصلّى عليه أبدا، لأن القصد من الصلاة على الميت الدعاء، والدعاء جائز فى كل الأوقات. الوظيفة العشرون: أن يسطّح القبر ويوضع عليه الحصباء «2» ، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم سطّح قبر إبراهيم ووضع عليه من حصباء العرصة «3» . وقال أبو على الطبرى: الأولى فى زماننا أن يسنّم «4» ، لأنّ التسطيح صار من شعار الرافضة، وهذا لا يصح، لأن السّنّة فيه قد صحّت، فلا تصير بموافقة الرافضة فيه بدعة «5» . وقال أبو حنيفة، ومالك، وأحمد: السّنّة التسنيم، فإن قيل: قد روى عن النخعى أنه قال: أخبرنى من رأى قبر النبي صلّى الله عليه وسلم وصاحبيه مسنّمة، قلنا: هو مرسل «6» . وقد سطّح النبي، صلّى الله عليه وسلم، قبر إبراهيم، ورشّ عليه الماء، لما روى جابر، أن النبي صلّى الله عليه وسلم رشّ على قبر إبراهيم- عليه السلام- الماء، ولأنه إن لم يرش عليه الماء زال أثره فلا يعرف. ويستحبّ أن يجعل عند رأسه علامة، من حجر أو غيره، لأنّ النبي،

صلى الله عليه وسلم، دفن عثمان بن مظعون، رضى الله عنه، ووضع عند رأسه حجرا، وقال: أعلّم بهذا قبر أخى، وأدفن عنده من مات من أهلى «1» . ويكره أن يجصّص القبر «2» ويكتب عليه، سواء كان «3» فى المقبرة المسبّلة «4» أو الملك، لما روى جابر، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم نهى أن يجصّص القبر، وأن يعقد عليه «5» ، وأن يكتب عليه، لأن ذلك من الزينة، وليس الحال حال زينة. وأمّا ما يبنى «6» على رأس القبر من بيت أو قبة، فإن كان فى المقبرة المسبّلة لم يجز للخبر. قال الشافعى، رضى الله عنه: وقد رأيت من الولاة بمكة من يهدم ما يبنى بها.. قال: ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك. ولأن فيه تحجيرا «7» على الناس وتضييقا.. وإن بنى فى ملك جاز، كما يجوز أن يبنى لغير ذلك. ورأى ابن عمر على قبر عبد الرحمن فسطاطا «8» ، فقال: انزعه يا غلام، فإنما يظلّه عمله. وقد رخّص قوم فى تطيين القبر «9» ، منهم الحسن البصرى.. وقال الشافعى: لا بأس أن يطيّن القبر، حكى ذلك البغوى فى شرح السّنّة «10» .

ويحكى أنّ سفح المقطم سبّله عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، ولم يوجد لفظ التّسبيل فى كتاب يوثق به، وإن وجد لفظ فليس هو اللفظ الذي يشترطه الفقهاء.. والله أعلم. *** وقد كان الأوائل يكتبون على التّرب «1» ما فيه موعظة للميت ومنفعة للأريب «2» . وقد وجد مكتوبا «3» على قبر: يا أيها الناس كان لى أمل ... قصّر بى عن بلوغه الأجل فليتّق الله ربّه رجل ... أمكنه فى حياته العمل «4» ها أنا مثل نقلت حيث ترى ... كلّ إلى مثله سينتقل «5» ووجد على قبر مكتوبا: نزلت بجار لا يخيّب ضيفه ... أرجّى نجاتى من عذاب جهنم وإنّى على خوف من الله واثق ... بإنعامه والله أكرم منعم ووجد على قبر «6» : قالت لى النفس أتاك الرّدى ... وأنت فى بحر الخطايا مقيم فأين حسن الزّاد؟ قلت اقصرى ... فهل يعدّ الزّاد ضيف الكريم؟

ووجد على قبر «1» : يمرّ أقاربى بجناب قبرى ... كأنّ أقاربى لم يعرفونى «2» ذوو الميراث يقتسمون مالى ... وما يألون ألّا يذكرونى «3» وقد أخذوا سهامهم وعاشوا ... فى الله أسرع ما نسونى «4» ووجد أيضا على قبر مكتوبا «5» : هذى منازل أقوام عهدتهم ... فى ظلّ عيش عجيب ماله خطر صاحت بهم حادثات الدهر فارتحلوا ... إلى القبور، فلا عين ولا أثر «6» ووجد أيضا على قبر بعض الكرام «7» : الناس للموت كخيل الطّراد ... فالسّابق السّابق منها الجياد «8»

والله لا يدعو إلى داره ... إلّا من استصلح من ذى العباد العمر كالظّلّ لا بدّ أن ... يزول ذاك الظّلّ بعد امتداد والموت نقّاد على كفّه ... جواهر يختار منها الجياد أرغمت يا موت أنوف الرّدى ... كأنّما فى كلّ قلب رماد طرقت يا موت كريما فلم ... يقنع بغير النّفس للضّيف زاد قصفته من سدرة المنتهى ... غصنا، فشلّت يد أهل العناد ووجد على قبر: ذهب الذين تكمّلوا آجالهم ... ومضوا، وحان لآخرين ورود يمضى الصغير إذا انقضت أيّامه ... إثر الكبير، ويولد المولود والناس فى قسم المنيّة بينهم ... كالزّرع، منه قائم وحصيد [ووجد على قبر] غيره: لا بدّ من فقد ومن فاقد ... هيهات ما فى الناس من خالد «1» كن المعزّى لا المعزّى به ... إن كان لابد من الواحد وقال ابن المعتز «2» : ألم تر أنّ الدّهر يوم وليلة ... يكرّان من سبت عليك إلى سبت فقل لجديد العيش لا بدّ من بلى ... وقل لاجتماع الشّمل لا بدّ من شتّ «3»

ووجد على قبر مكتوبا «1» : حملوه على الرّقاب ابتدارا ... ثم واروه فى التراب دفينا أىّ نجم هوى أصاب به الدّه ... ر قلوبا منكوبة وعيونا «2» كم رأيناه معطيا ومنيلا ... ثمّ أضحى من بعد ذاك رهينا وعلى آخر مكتوب: تناجيك أجداث وهنّ سكوت ... وسكّانها تحت التراب خفوت «3» أيا جامع الدّنيا لغير بلاغة ... لمن تجمع الدنيا وأنت تموت وعلى آخر مكتوب «4» : قد أناخت بك روحى ... فاجعل العفو قراها «5» هى ترجوك وتخشا ... ك فلا تقطع رجاها ورأيت على ضريح سعد بن عبادة «6» - بدمشق المنيحة- رضى الله تعالى عنه، مكتوبا: ولمّا أتينا قبر سعد نزوره ... عرفناه لمّا فاح طيب ترابه سقى الله من ماء الجنان ترابه ... ونجّى به من زاره من عذابه «7»

ووجد على قبر فقيه «1» : أيا حجّة الإسلام مذ غبت بغتة ... غدت للأعادى حجّة ومناقب «2» ألم تر أنّ الشمس إن غاب ضوؤها ... تلألأ فى جوّ السماء الكواكب «3» ووجد على قبر آخر «4» : وعمرى كل يوم فى انتقاص ... وذاك النّقص لقّب بازدياد ولى حظّ وللأيام حظّ ... وبينهما مباينة المداد «5» فأكتبه سوادا فى بياض ... وتكتبه بياضا فى سواد «6» ووجد على قبر بخط النسخ «7» : وقفت على الأحبّة حين صفّت ... قبورهم كأفراس الرّهان فلمّا أن بكيت وفاض دمعى ... رأت عيناى بينهم مكانى ووجد على قبر آخر «8» : يا هاجرى إذ جئتنى زائرا ... ما كان من عاداتك الهجر «9» يا صاحب القبر الجديد ومن ... قد حال دون لقائه القبر دعنى أعلّل فيك جارحة ... ثكلى وقلبا مسّه الضّرّ جزنا عليك فإن تطاول بى ... من الفراق فحالتى نكر «10»

وكتب على قبر أحمد بن طولون «1» : عبرت على قبر ابن طولون مرّة ... فأنكرت فيما كان من عظم قدره ولم أر ممّا كان يملك كلّه ... تبقّى له شيئا سوى لوح قبره وما ينفع الإنسان ممّا يحوزه ... إذا فارق الدّنيا سوى طيب ذكره ووجد على قبر مكتوبا: وما الدّهر والأيّام إلّا كما ترى ... رزيّة مال أو فراق حبيب وإنّ امرءا قد جرّب الدّهر لم يخف ... تقلّب عصريه لغير لبيب وعلى آخر مكتوب: أيا موت ما هذا التّفرّق عنوة ... رويدك لا تسرع لكل خليل «2» أراك بصيرا بالذين أحبّهم ... أظنّك تمضى نحوهم بدليل وعلى آخر مكتوب: قبر عزيز علينا ... لو أنّ ما فيه يهدى أسكنت قرّة عينى ... ومنية النّفس لحدا ما جار خلق علينا ... ولا القضاء تعدّى والموت أحسن ثوب ... به الفتى يتردّى «3» وعلى آخر مكتوب: وقلت: أخى، قالوا: أخ من قرابة؟ ... فقلت: نعم، إنّ الشّكول أقارب «4» نسيبى فى عزّى ورأيى ومنصبى ... وإن باعدتنا فى الدّيار المناسب «5»

عجيب لصبرى بعده وهو ميّت ... وقد كنت أبكيه دما وهو غائب على أنّما الأيّام قد صرن كلها ... عجائب حتى ليس فيها عجائب وعلى قبر مكتوب: أمّا القبور فإنّهنّ أوانس ... بجوار قبرك والدّيار قبور عمّت مصيبته فعمّ هلاكها ... فالناس فيه كلهم مأجور «1» ردّت صنائعه إليه حياته ... فكأنها من نشرها منشور «2» وتمثّل سيدنا علىّ بن أبى طالب، رضى الله عنه، وقد دفن فاطمة، رضى الله عنّا بها، وصلّى وسلّم على أبيها سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه وعترته أجمعين: أقول وقد فاضت دموعى غزيرة ... أرى الأرض تبقى والأخلّاء تذهب أخلّائى لو غير الممات أصابكم ... جزعت، ولكن ما على الدهر معتب وقال أيضا، رضى الله عنه: ذكرت وما أدرى فبتّ كأننى ... بردّ الأمور الماضيات وكيل لكلّ اجتماع من خليلين فرقة ... وكلّ الذي قبل الفراق قليل وإنّ افتقادى واحدا بعد واحد ... دليل على ألّا يدوم خليل أرى علل الدّنيا علىّ كثيرة ... وصاحبها بعد الممات عليل وأنشد عبد العزيز الدّيرينى «3» على قبر ابنته حين دفنها: أحبّ بنيّتى ووددت أنّى ... دفنت بنيّتى فى قعر لحدى وما بى أن تهون علىّ لكن ... مخافة أن تذوق البؤس بعدى

وأنشد آخر: الموت أخفى سترة للبنات ... ودفنهم يروى من المكرمات أما ترى الله- تعالى اسمه ... قد وضع النعش بجنب البنات؟ و [قيل] فى المعنى أيضا «1» : لكلّ أبى بنت على كلّ حالة ... ثلاثة أصهار إذا ذكر الصّهر فزوج يراعيها، وجدر تصونها ... وقبر يواريها، وخيرهم القبر وقيل فى هذا المعنى أيضا «2» : ولم أر نعمة سترت كريما ... كنعمة عورة سترت بقبر وقال إبراهيم الخوّاص «3» فى الصبر على المكروه: صبرت على بعض الأذى خوف كلّه ... فدافعت عن نفسى لنفسى فعزّت وجرّعتها المكروه حتّى تأدّبت ... ولو لم أجرّعها أذى لاشمأزّت ألا ربّ ذلّ ساق للنفس عزّة ... ويا ربّ نفس بالتّعزّز ذلّت

إذا ما مددت الكفّ التمس الغنى ... إلى غير من قال اسألونى فشلّت سأصبر جهدى، إنّ فى الصبر عزّة ... وأرضى بدنياى وإن هى قلّت وقال آخر أيضا: سأصبر كى ترضى وأتلف حسرة ... وحسبى أن ترضى فيفرحنى صبرى صبرت ولم أطلع هواك على الصبر ... فأخفيت ما بى منك عن موضع السّرّ مخافة أن يشكو ضميرى صبابتى ... إلى أدمعى سرّا فتجرى وما أدرى وقال سمنون المحب، رضى الله عنه «1» : تدرّعت صبرى والتحفت صروفه ... وقلت لنفسى: الصبر أوفى ولو أسا «2» خطوب لو انّ السّمر زاحم خطّها ... لمات ولم يدرك لها الكفّ ملمسا «3» وقال آخر، عفا الله عنه: ما أحسن الصّبر فى الدنيا وأجمله ... عند الإله وأنجاه من الجزع من شدّ بالصّبر كفّا عند مؤلمة ... ألوت يداه بحبل غير منقطع «4»

وقال آخر: إذا لم تسامح فى الأمور تعسّرت ... عليك، فسامح وامزج الصّبر بالسّرّ فلم أر أوفى للبلاء من الشّفا ... ولم أر للمكروه أشفى من الصّبر وقال آخر: ينال الرّضا عبد يقابل نعمة ... بشكر، ويلقى الصّبر فى العسر ناصره ومن رضى الرّحمن عنه فإنّه ... سعيد بفضل الله دنيا وآخره وقال آخر- وهو عبد الله بن المعتز: هو الدّهر قد جرّبته وعرفته ... فصبرا على مكروهه وتجلّدا وما الناس إلّا سابق ثم لاحق ... نعم وابن ميت سوف يلحقه غدا وقال آخر: لا بدّ للانسان من ... فرج بأفراح وغم ومن التّقلّب للفتى ... فى راحة وفى سأم فإذا فرحت براحة ... فاشكر لوهّاب النّعم وافزع إلى الصّبر الجمي ... ل إذا ألمّ بك الألم وقال آخر: ثق بالذى يحكم بين الورى ... واصبر، ففى الصبر حديث غريب لعلّ يأتيك على بغتة ... نصر من الله وفتح قريب وقال آخر: تلقّ الأمور بصبر جميل ... وصدر رحيب وخلّ الحرج وسلّم لربّك فى حكمه ... فإمّا الممات وإمّا الفرج وقال آخر: الصبر مفتاح كلّ خير ... وكلّ صعب به يهون فاصبر وإن طالت اللّيالى ... فربّما أسعد الحزين وربّما نيل باصطبار ... ما قيل هيهات لا يكون

وقال آخر: «1» : غرّ جهولا أمله ... يموت من جا أجله «2» ومن دنا من حتفه ... لم تغن عنه حيله وكيف يبقى آخر ... قد مات عنه أوّله «3» وقال آخر: تفكّر فى مشيبك والمآب ... ودفنك بعد عزّك فى التّراب وفى قبر إذا ألقيت فيه ... تقيم به إلى يوم الحساب وفى أوصال جسمك كيف تبقى ... مقطّعة ممزّقة الإهاب وأنّ الدّود يرعى منك جسما ... أرمّ بغير شكّ وارتياب «4» فما لك بالتّعلّى والتّعدّى ... ومالك بالتّغافل والغياب وطلّق هذه الدنيا ثلاثا ... وبادر قبل موتك بالمتاب فإنّك راحل عنها قريبا ... وظنّى أنّ رجلك فى الرّكاب «5» وعظتك فاستمع وعظى ونصحى ... ومثلك من يدلّ إلى الصّواب إذا لاح المشيب على شباب ... فقد قرب الرّحيل إلى التراب خلقت من التراب بغير ذنب ... وترجع بالذنوب إلى التراب وقال آخر: سأسكت صبرا واحتسابا فإنّ لى ... إلى الصبر سيفا ليس فيه فلول «6»

وإنّ امرءا يشكو إلى غير نافع ... ويسخو بما فى قلبه لجهول وقال آخر: الدّهر لا ينفكّ عن حدثانه ... والمرء منقاد لحكم زمانه «1» فدع الزّمان فإنّه لم يعتمد ... لجلاله أحد ولا لهوانه لكن لباريه بواطن رحمة ... فى ظاهر الأضداد من ألوانه «2» وقال آخر: إذا نزلت بساحتك الرّزايا ... فلا تجزع لها جزع الصّبىّ فإنّ لكلّ نازلة عزاء ... بما قد كان من فقد النّبىّ وقال آخر: بنىّ إن عدمتك فى حياتى ... فلم أعدمك ذخرا فى المعاد وكنت حشاشتى وجلاء همّى ... وإلفى والمفرّج عن فؤادى «3» ولذّة عيشتى وأنيس نفسى ... وقد أبليت بعدك بانفرادى وقد أيقنت أنّى غير سال ... ولو ردّ اليفاع إلى التّناد «4» أعيش بعلّة وغليل صدر ... وقلبى يا بنىّ عليك غادى إذا شبّان اجتمعوا للهو ... كويت بجمرة ذات اتّقاد

وقال آخر: وإنّى لصبّار على ما ينوبنى ... وحسبك أنّ الله أثنى على الصّبر ولست بنظّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء فى جانب الفقر وقال آخر: اصبر لدهر نال من ... ك فهكذا مضت الدّهور فرح وحزن مرّة ... لا الحزن دام ولا السّرور وقال آخر: كن عن همومك معرضا ... وكل الأمور إلى القضا وابشر بخير عاجل ... تنسى به ما قد مضى فلربّ أمر مسخط ... لك فى عواقبه الرّضا ولربّما اتّسع المضي ... ق وربّما ضاق الفضا الله يفعل ما يشا ... ء فلا تكن متعرّضا «1» وقال آخر: قدم العهد وأبلانى الزّمن ... إنّ فى اللّحد لمثلى والكفن وكما تبلى وجوه فى الثّرى ... فكذا يبلى عليهنّ الحزن وقال آخر: كلّما أبلى الثّرى أوجههم ... بلى الحزن عليهم فانقشع وقال آخر: مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب نزيل البلى فى كلّ يوم وليلة ... وتبلى كما تبلى وأنت حبيب

ووجد على قبر- مكتوبا- قد دفنت فيه أنثى: ألا يا موت كنت بنا حفيّا ... فجدّدت السّرور لنا بزوره حمدت لسعيك المشكور لمّا ... كفيت مئونة وسترت عوره فأنكحنا الصّريح بلا صداق ... وجهّزنا العروس بغير شوره «1» وقال آخر: ألم تر أنّ الموت أدرك من مضى ... فلم ينج منه ذو جناح ولا ظفر فلا ملكا أبقى ولم يبق سوقة ... ولا ذا غنى أبقى ولا ظاهر الفقر أباد على الدّهر القرون التى خلت ... وجرّعهم كأسا أمرّ من الصّبر وأخرجهم منها كأن لم يكن بها ... لهم ما اشتهوا فيها من المال والوقر «2» وسلّهم ممّا حووه جميعه ... كما من عجين سلّ واحدة الشّعر فلم يغن عنهم ما اقتنوا من متاعها ... غداة أتاهم منه قاصمة الظّهر كأن لم يكونوا زينة الدّهر مرّة ... ولا أهلكوا الأعداء بالذّلّ والقهر ولا فاخروا فيها زمانا لأهلها ... ولا وضعوا فخر المفاخر بالفخر ولا أكلوا ممّا اشتهوه تنعّما ... ولا قطعوا الأوقات بالشّرب والخمر وقال آخر: اصبر لكلّ مصيبة وتجلّد ... واعلم بأنّ المرء غير مخلّد أو ما ترى أنّ المصائب رحمة ... وترى المنيّة للعباد بمرصد من لا يصب ممّن ترى بمصيبة ... هذا طريق لست فيه بأوحد وإذا أتتك مصيبة فاصبر لها ... واذكر مصابك بالنبىّ محمّد [وبينما كان] سيدنا حسان بن ثابت، رضى الله عنه، [جالس] «3» وفى حجره صبّى له يطعمه الزبد والعسل إذ شرق الصبّى بهما فمات، فقال:

اعمل وأنت صحيح مطلق فرح ... ما دمت ويحك يا مغرور فى مهل يرجو الحياة صحيح ربّما كمنت ... له المنيّة بين الزّبد والعسل «1»

فصل

فصل ورد فى الحديث المرفوع: «كسر عظم الميت بعد مماته ككسره فى حياته» «1» .. وقال زيد بن أسلم «2» : كان يمضى فى الزمن الأول أربعمائة سنة وما يسمع بجنازة.. وعن ميمون بن مهران «3» قال: شهدت جنازة ابن عباس بالطائف، فلما وضع ليصلّى عليه جاء طائر أبيض حتى وقع على أكفانه، ثم دخل فيها، والتمس فلم يوجد، فلما سوّى عليه التراب سمعنا من نسمع صوته ولا نرى شخصه: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي «4» . وقال محمد بن مهران بن مخلد: كأنّى بإخوانى على حافتى قبرى ... يهيلونها فوقى وأدمعهم تجرى

ووجدت فى مقبرة: قال الضحاك بن سليمان:

فيا أيّها المذرى علىّ دموعه ... ستعرض فى يومين عنّى وعن ذكرى عفا الله عنّى يوم أترك ثاويا ... مزارا فلا أدرى، وأجفى فلا أدرى «1» ووجدت فى مقبرة: قال الضّحّاك بن سليمان: ما أنعم الله على عبده ... بنعمة أوفى من العافيه وكلّ من عوفى فى جسمه ... فإنّه فى عيشة راضية والمال حلو حسنه جيد ... على الفتى لكنّه عاريه وأسعد العالم بالمال من ... أدّاه للآخرة الباقية ما أحسن الدّنيا ولكنّها ... مع حسنها غدّارة فانيه وتوفى رجل من بلدة، فكتب على قبره: يا واقفين ألم تكونوا تعلموا ... أنّ الحمام بكم علينا قادم «2» لا تستعزّوا بالحياة فإنّكم ... تبنون والموت المفرّق هادم لو تنزلون بشعبنا لعرفتم ... أنّ المفرّط فى التّزوّد نادم «3» ساوى الرّدى ما بيننا فأحلّنا ... حيث المخدّم واحد والخادم «4» وقال الحسن بن الحسن البصرى: حقّ لمن علم أنّ الموت مورده، ويوم القيامة مشهده، وبين يدى الله- عزّ وجلّ- موقفه، أن يطول فى الدنيا حزنه. وقال شرف الدين بن أسد، رحمه الله ورضى عنه: يا من تملّك ملكا لا بقاء له ... حمّلت نفسك آثاما وأوزارا وما الحياة مدى الدّنيا وإن عذبت ... إلّا كطيف خيال فى الكرى زارا «5»

وقال آخر - يعنى شرف الدين:

وقال آخر- يعنى شرف الدين: عن قليل أصير مثوى ترابى ... ويقول الرّفاق هذا فلان صار تحت التّراب عظما رميما ... وجفاه الأحباب والخلّان وقال أيضا: وغاية هذى الدّار لذّة ساعة ... ويعقبها الأحزان والهمّ والنّدم وهاتيك دار العزّ والأمن والتّقى ... ورحمة ربّ الناس والجود والكرم ووجدت على قبر ما صورته: ابن آدم، أين الماضون من الأوّلين والآخرين؟! أين نوح شيخ المرسلين؟! .. أين إدريس رفيع ربّ العالمين؟! .. أين عيسى روح الله وكلمته، رأس الزاهدين، وإمام السائحين؟! .. أين محمد خاتم النبيين؟! .. أين أصحابه الأبرار؟! .. أين الأولياء الأخيار؟! .. أين الأمم الماضية؟! .. أين الملوك السالفة؟! .. أين القرون الخالية؟! .. أين الذين نصبت على مفارقهم التيجان؟! .. أين الذين قهروا الأبطال والشجعان؟! .. أين الذين دانت لهم المشارق والمغارب؟! .. أين الذين تمتعوا باللّذّات والمشارب؟! .. أين الذين تاهوا على الخلائق كبرا وعتيّا؟! .. أين الذين راحوا فى الحلل بكرة وعشيّا؟! .. أين الذين اعتزّوا بالأجناد والسّلطان؟! .. أين أصحاب السطوة والأعوان؟! .. أين أصحاب الإمرة والولايات؟! .. أين الذين خفقت على رءوسهم الألوية والرّايات؟! .. أين الذين قادوا الجيوش والعساكر؟! .. أين الذين عمروا القصور والدّساكر «1» ؟! .. أين الذين أعطوا النصر فى مواطن الحروب والمواقف؟! .. أين الذين أمّنوا بسطوتهم كلّ خائف؟! .. أين الذين ملئوا ما بين الخافقين «2» فخرا وعزّا؟! .. أين الذين تضعضعت بهم

الأرض هيبة وهزّا؟! .. هل تحسّ منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا «1» ؟! .. أفناهم- والله- مفنى الأمم، وأبادهم مبيد الرّمم، وأخرجهم من سعة القصور، وأسكنهم فى ضيق القبور، تحت الجنادل والصخور، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، لم ينفعهم ما جمعوا، ولا أغنى عنهم ما اكتسبوا.. أسلمهم الأحبّة والأولياء، وجهزّهم الإخوان والأصفياء، ونسيهم القرباء والبعداء، فأنسوا وأبعدوا، ولو نطقوا لأنشدوا «2» : مقيم بالحجون رهين رمس ... وأهلى راحلون بكل واد «3» كأنّى لم أكن لهم حبيبا ... ولا كانوا الأحبّة فى السّواد «4» فعوجوا بالسّلام فإن أبيتم ... فأوموا بالسّلام على بعاد «5» وإن طال المدى وصفا خليل ... سوانا فاذكروا صفو الوداد «6» وقيل: لا فخر فيما يزول، ولا غنى فيما لا يبقى، وهل أهل الدنيا إلّا كما قال الأول: قدر يغلى، وكنيف «7» يمتلى؟

ونظمه أبو العتاهية فقال:

وقد قال بعضهم: أيّها الشّابّ، لا تغترّ بشبابك، فإنّ أكثر من يموت الشباب.. أيها الشاب، كم حمل فى التّنّور وأبوه يرعى، وكم من طفل فى التراب وجدّه يسعى. وروى أنّ داود- عليه السلام- بينما هو يسيح فى الجبال إذ وافى غارا عظيما، فنظر، فإذا فيه رجل عظيم الخلقة من بنى آدم ملقى، وعند رأسه حجر مكتوب محفور، يقول فيه: أنا «دوسيم» الملك، ملّكت ألف عام، وفتحت ألف مدينة، وهزمت ألف جيش، وافتضضت ألف بكر من بنات الملوك، ثم صرت إلى ما ترى، فصار التراب فراشى، والحجارة وسادى، فمن رآنى فلا تغرّه الدنيا كما غرّتنى. ولمّا مات الإسكندر قال أرسطاطاليس الحكيم «1» : أيها الملك، لقد حرّكتنا بسكونك.. وقال بعض الحكماء من أصحابه: لقد كان الملك أنطق منه اليوم، وهو اليوم أعظم منه أمس.. ونظمه أبو العتاهية فقال: كفى حزنا بدفنك ثم أنّى ... نفضت تراب قبرك من يديّا وكانت فى حياتك لى عظات ... وأنت اليوم أوعظ منك حيّا «2»

وقال عبد الله بن المعتز: نسير إلى الآجال فى كلّ ساعة ... وأيّامنا تطوى وهنّ مراحل «1» ولم أر مثل الموت حقّا كأنّه ... إذا ما تخطّته الأمانىّ باطل «2» وما أقبح التفريط فى زمن الصّبا ... فكيف به والشّيب فى الرّأس شاغل «3» ترحّل من الدّنيا بزاد من التّقى ... فعمرك أيّام تعدّ قلائل وقال عبد الله بن المعلم «4» : خرجنا من المدينة حجّاجا نريد المدينة بغداد، التى هى مدينة المنصور، فإذا أنا برجل من بنى هاشم من بنى العبّاس ابن عبد المطلب، قد رفض الدنيا وأقبل على الآخرة، فجمعتنى وإيّاه الطّريق، فأنست به، وقلت: هل لك أن تعادل «5» ، فإنّ معى فضلا من راحلتى؟ فجزانى خيرا وقال: لو أردت هذا لكان لى معدّا.. ثمّ أنس إلىّ، فجعل يحدثنى، فقال: أنا رجل من ولد العباس، كنت أسكن البصرة، وكنت ذا كبر شديد، وبذخ، وأنّى أمرت خادما إلى أن يحشو لى فراشا من حرير،

ومخدّة بورد نثير، ففعل، فبينما أنا «1» نائم إذا بقمع وردة قد نسيها الخادم، فقمت إليه، فأوجعته ضربا، ثم عدت إلى مضجعى بعد إخراج القمع من المخدة، فآتانى آت فى منامى فى صورة فظيعة، فهزّنى وقال: أفق من غشيتك «2» ، وانتبه من رقدتك، ثم أنشأ يقول: يا خلّ إنّك إن توسّد ليّنا ... وسّدت بعد الموت صمّ الجندل «3» فامهد لنفسك صالحا تسعد به ... فلتندمنّ غدا إذا لم تفعل «4» فانتبهت من نومى مرعوبا، فخرجت من ساعتى هاربا إلى ربّى.. فأعجبنى قوله. وأنشد غيره يقول «5» : من كان يعلم أنّ الموت يدركه ... والقبر مسكنه والبعث مخرجه «6» وأنّه بين جنّات مزخرفة ... يوم القيامة أو نار ستنضجه «7» فكلّ شىء سوى التقوى به سمج ... وما أقام عليه منه أسمجه «8» ترى الذي اتّخذ الدّنيا له وطنا ... لم يدر أنّ المنايا سوف تزعجه «9»

وقال الهيثم بن عدىّ «1» : وجدوا غارا فى جبل لبنان «2» فى زمان الوليد ابن عبد الملك بن مروان «3» ، وفيه رجل مسجّى على سرير من ذهب،

وعند رأسه لوح من ذهب مكتوب فيه بالرومية: أنا سبأ بن نواس، خدمت عيص بن إسحاق بن إبراهيم، خليل الرّبّ الأكبر «1» ، وعشت بعده دهرا طويلا، ورأيت عجبا كثيرا، ولم أر فيما رأيت أعجب من غافل عن الموت وهو يرى مصارع آبائه، ويقف على قبور أحبّائه، ويعلم أنه صائر إليهم ثم لا يتوب.. وقد علمت أنّ الأجلاف الجفاة سينزلوننى «2» عن سريرى، ويتولّون ذلك حين يتغير الزمان «3» ويترأس الصبيان «4» ، ويكثر الهذيان، فمن أدرك هذا الزمان عاش قليلا، ومات ذليلا. وعن عمرو بن ميمون قال: افتتحنا مدينة بفاس، فدللنا على مغارة فيها بيت، فيه سرير من ذهب، عليه رجل عند رأسه لوح مكتوب فيه: أنا بهرام ابن بهرام ملك فارس، كنت أعتاهم بطشا، وأقساهم قلبا، وأطولهم أملا، وأحرصهم على الدنيا.. قد ملكت البلاد، وقتلت الملوك، وهزمت الجيوش، وأذللت الجبابرة، وجمعت فى الدنيا ما لم يجمعه أحد قبلى، ولم أستطع أن أفتدى به من الموت إذ نزل بى. وروى فى الإسرائيليات أن عيسى- عليه السلام- بينا هو فى سياحة إذ مرّ بجمجمة نخرة «5» ، فأمرها أن تتكلم، فقالت: يا روح الله، أنا بلوان ابن حفص «6» ، ملك اليمن، عشت ألف سنة، وولد لى «7» ألف ذكر،

ووجد مكتوبا على قصر قد باد أهله، وأقفرت ناحيته:

وافتضضت ألف بكر، وهزمت ألف عسكر، وقتلت ألف جبّار، وافتتحت ألف مدينة، فمن رآنى فلا يغتر بالدنيا، فما كانت إلّا كحلم النّائم.. فبكى عيسى عليه السلام بكاء شديدا. ووجد مكتوبا على قصر قد باد أهله، وأقفرت ناحيته «1» : هذى منازل أقوام عهدتهم ... يوفون بالعهد مذ كانوا وبالذّمم تبكى عليهم ديار كان يطربها ... ترنّم المجد بين الحلم والكرم وأنشد القاضى أبو العباس أحمد الجرجانى «2» : قد شاب رأسى ورأس الحرص لم يشب ... إنّ الحريص على الدنيا لفى تعب بالله ربّك كم قصر مررت به ... قد كان يعمر باللّذّات والطّرب طارت عقاب المنايا فى جوانبه ... فصاح من بعده بالويل والحرب «3» وله أيضا: أيّها الرّافع البناء رويدا ... لن تذود المنون عنك المبانى إنّ هذا البناء يبقى وتفنى ... كلّ شىء أبقى من الإنسان «4»

وأنشد بعضهم «1» : قف بالدّيار فهذه آثارهم ... تبكى الأحبّة حسرة وتشوّقا كم قد وقفت بها أسائل أهلها ... عن حالها أو راحما أو مشفقا «2» فأجابنى داعى الهوى فى رسمها ... فارقت من تهوى فعزّ الملتقى وأنشد آخر: أيّها الرّبع الذي قد دثرا ... كان عينا ثم أضحى خبرا «3» أين سكّانك، ماذا فعلوا ... خبرا عنهم سقيت المطرا ولقد نادى منادى دارهم ... رحلوا واستودعونى عبرا «4» وروى أنّ علىّ بن أبى طالب، كرّم الله وجهه، لمّا رجع من صفّين «5» ودخل أوائل الكوفة، فإذا هو بقبر، فقال: [قبر] «6» من هذا؟ قالوا: قبر خبّاب بن الأرت «7» . فوقف عليه وقال: رحم الله خبّابا، أسلم راغبا،

وهاجر طائعا، وعاش مجاهدا، وابتلى فى جسمه آخرا، ألا ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا.. ثم مضى، فإذا قبور، فجاء حتى وقف عليها فقال: السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحالّ المقفرة، أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وبكم عمّا قليل لا حقون.. اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم، طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضى عن الله تعالى. ثم قال: يا أهل القبور، أمّا الأزواج فقد نكحت، وأمّا الديار فقد سكنت، وأمّا الأموال فقد قسّمت.. فهذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ .. ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما إنهم لو تكلّموا لقالوا: وجدنا خير الزّاد التقوى. وخطب رضى الله عنه مرة فقال: أيها الناس، اعلموا أنكم ميتون، ومبعوثون من بعد الموت، وموقوفون على أعمالكم، ومجزيّون عليها، فلا تغرّنّكم الحياة الدنيا، فإنها بالبلاء محفوفة، وبالفناء معروفة، وبالغدر موصوفة، وكلّ ما فيها زوال، وهى بين أهلها دوال وسجال «1» ، لا تدوم أحوالها، ولن يسلم من شرّها نزلها، بينا أهلها منها فى رخاء وسرور إذ هم منها فى بلاء وغرور، أحوال مختلفة، العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، وتقصدهم بحمامها، وكلّ حتف فيها مقدور، وحظه فيها موفور، واعلموا عباد الله، وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى، ممّن كان أطول منكم أعمارا، وأشدّ منكم بطشا، وأعمر ديارا، وأبعد آثارا، فأصبحت أصواتهم خامدة، وأجسامهم بالية، وديارهم خالية، وآثارهم عافية.. استبدلوا القصور المشيدة، والنمارق

الممهدة بالصخور والأحجار «1» المسندة، فكأنكم وقد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلاء والوحدة، وارتهنتم فى ذلك المضجع، وضمكم ذلك المستودع، فكيف بكم لو عاينتم الأمور، وبعث القبور، وحصّل ما فى الصدور؟! جعلنا الله وإيّاكم عاملين بكتابه، متبعين لأوليائه وأحبابه حتى يحلّنا وإياكم دار المقامة من فضله، إنه حميد مجيد. وعن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال لعلّى: «يا علىّ، أربع خصال من الشقاء «2» : جمود العين، وقساوة القلب، وبعد الأمل، وحب الدنيا» . وروى عن ابن عباس، رضى الله عنهما أنه قال: «يؤتى بالدنيا يوم القيامة على صورة عجوز شمطاء، زرق أنيابها، بادية مشوّهة الخلق، لا يراها أحد إلا كرهها، فتشرف على الخلائق أجمعين، فيقال لهم: أتعرفون هذه؟ فيقولون: نعوذ بالله من معرفة هذه!! فيقال: هذه الدنيا التى تفاخرتم بها وفيها، وتقاتلتم» . وكان يزيد الرقاشى «3» يقول: «إخوانى، من كان الموت موعده، والقبر بيته، والثّرى مسكنه، والدود أنيسه، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر، كيف تكون حالته؟ ثم يبكى حتى يغشى عليه» .

فعلى العاقل أن يحاسب نفسه على ما فات «1» من عمره، ويستعدّ لعاقبة أمره، ويتزوّد صالح العمل، ولا يغترّ بالأمل، فإنّ من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، نسأل الله أن يلهمنا رشدنا، ويوقظنا لاتباع أوامره واجتناب نواهيه. ولمّا مات «ذرّ الهمدانىّ» المذكور آنفا فى الوظيفة الرابعة عشرة «2» ، لكن فى ذكره الأول اختصار، وهذا الكلام أوسع، فلا بأس بذكره، وكان موته- أى: ذرّ- فجأة [فجاء] «3» أبوه فوجد أهل بيته يبكون حوله، فقال: مالكم؟! فو الله ما ظلمناه ولا قهرناه، ولا ذهب لنا بحقّ، ولا أصابنا فيه ما أخطأ من كان قبلنا فى مثله. فلما وضعه فى حفرته قال: رحمك الله يا بنىّ، وجعل أجرى فيك لك، والله ما بكيت عليك، وإنما بكيت لك. فو الله لقد كنت بك بارّا، وكنت لك محبّا، وما بى إليك من وحشة، وما بى إلى أحد غير الله من فاقة، وما ذهبت لنا بعزّة، وما أبقيت لنا من ذلّ، وقد شغلنى الحزن لك عن الحزن عليك.. يا «ذرّ» ، لولا هول المطلع لتمنّيت ما صرت إليه «4» .. فليت شعرى، ماذا لقيت؟ وماذا قيل لك؟ ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إنك وعدت الصّابرين على المصيبة ثوابك ورحمتك.. اللهم وقد وهبت ما جعلت لى من أجر على «ذرّ» له، صلة منى له، فلا تعرّفه قبيحا، وتجاوز عنه، فإنك رحيم بى وبه. اللهم وقد وهبت له إساءته فهب لى إساءته إليك، فإنك أجود منّى وأكرم ... اللهم إنك جعلت لك على «ذرّ» حقّا، وجعلت لى عليه حقّا قرنته بحقّك،

وأنشد فى ذلك:

فقلت: اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ «1» .. اللهم إنّى قد غفرت لذرّ ما قصّر فيه من حقى، فاغفر له ما قصّر فيه من حقك، فإنك أولى بالجود وأكرم.. فلمّا أراد الانصراف قال: يا «ذرّ» قد انصرفنا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك، والسلام. أوحى الله إلى داود، عليه السلام: يا داود، لو يعلم المدبرون كيف انتظارى إلى ترك معاصيهم لماتوا شوقا إلىّ، وتقطّعت أوصالهم من محبّتى.. يا داود، هذه إرادتى فى المدبرين عنى.. فكيف إرادتى فى المقبلين علىّ؟! وأنشد فى ذلك «2» : أسئ فيجزى بالإساءة إفضالا ... وأعصى فيولينى إلهى إمهالا «3» فحتّى متى أجفوه وهو يبرّنى ... وأبعد عنه وهو يبذل إيصالا «4» وكم مرّة قد زلت عن نهج طاعة ... وما حال عن ستر القبيح وما زالا «5» ***

فصل فى إكرام الله تعالى بعض أوليائه بدوام طاعته فى قبورهم، وغفرانه لآخرين بأمور لحقتهم بعد وفاتهم

فصل فى إكرام الله تعالى بعض أوليائه بدوام طاعته فى قبورهم، وغفرانه لآخرين بأمور لحقتهم «1» بعد وفاتهم قال ابن عباس: ضرب بعض أصحاب النبي، صلّى الله عليه وسلم، خباء على قبر، وهو لا يدرى به، فإذا هو بإنسان يقرأ سورة تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ حتى ختمها.. فأتى النّبيّ، صلّى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «هى المانعة المنجية، تنجيه من عذاب القبر» رواه الترمذى فى جامعه. وقال سنان بن حسين، عن أبيه: كنت فيمن أدخل ثابتا البنانيّ «2» فى قبره، فوقعت لبنة «3» ، فأصلحتها، فإذا هو قائم يصلى «4» ، فأطبقت اللّبنة

ثم سألت أهله فقلت: أخبرونى ما كان ثابت يسأل «1» ربّه تعالى.. قالوا: «كان يقول: اللهم إن كنت أعطيت أحدا الصّلاة فى قبره فأعطنى ذلك» . وقال إبراهيم بن الصّمّة المهلّبى: حدّثنى الذين كانوا يمرّون بجنبات قبر ثابت البنانى بالأسحار، أنهم كانوا يسمعون منه قراءة القرآن. قال عكرمة: إذا مات المؤمن رفع له مصحف يقرأ فيه القرآن.. وقال عيسى بن محمد المكى: رأيت أبا بكر «2» بن مجاهد فى النوم كان يقرأ القرآن، فقلت له: يا سيدى، إنك ميّت وتقرأ القرآن؟ قال: كنت أدعو الله عقب كلّ صلاة وختمة «3» أن يجعلنى ممّن يقرأ القرآن فى قبره. وحكى عبد الله الموصلى قال: رأيت فى المنام كأنّى فى الصحراء، فرأيت بساتين وقصورا «4» ، فقصدت إلى قصر لأدخله، فمنعنى الحاجب على باب القصر [وقال: لا تدخل حتى أستأذن لك، فدخل الحاجب ثم خرج] «5» فأخذ بيدى وأدخلنى إليه، ثم أدخلنى دارا «6» أخرى، فإذا مالك بن أنس، رضى الله عنه، جالس فى البستان فى وسط الدار وفى يده مصحف، فسلمت عليه وقلت: يا أبا عبد الله، بم نلت هذه الكرامة؟ قال: بعفو الله وغفرانه «7» وسعة رحمته لا بعلمى. قال معاذ بن رفاعة: مرّ يحيى بن زكريا بقبر دانيال النبي، صلّى الله عليه وسلم،

فسمع صوتا من القبر: «سبحان من تعزّز بالقدرة وقهر العباد بالموت» ... ومضى، فسمع من السماء: «أنا الذي تعزّزت بالقدرة، وقهرت العباد بالموت.. من قالها استغفرت له السّماوات السبع والأرضون السبع ومن فيهنّ» . وقال أبو هريرة: كان لى جار، وكان يؤذينى، فخرجت يوما فإذا أنا بجنازة.. فقلت: [جنازة] «1» من هذه؟ قيل «2» : جنازة فلان.. قلت: بعيدة من رحمة الله.. قال: فرأيت فى منامى كأنه ذهب بى «3» إلى الجنة، فلما دخلت من بابها إذا أنا بالرجل، قلت: فلان؟! قال: نعم.. قلت من أدخلك الجنة؟ قال: كلمتك يا أبا هريرة! قال مبارك السّندى- وكان أحد النّسّاك: سمعت أبا محمد الضرير- وكان جليلا فى همذان- قال: كان فى جوارى مخنث مفسد فمات، فقعدت حتى أحضر جنازته «4» ، فمرت بى جنازته فلم أقم إليها» ، فرأيته تلك الليلة فى النوم، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لى.. قلت: بماذا؟ قال «6» : اعلم أننى لمّا متّ كنت من أهل النار، وغسّلت وأنا من أهل النار، وحملت «7» وأنا من أهل النار، فمرّت بك جنازتى فأنفت «8» أن تقوم لها، فغفر الله لى. وحكى عن أبى عثمان الغسّال قال: دخلت على ميت لأغسله، فلما وضعته

على المغتسل «1» سمعته يقول: النار.. النار.. ففزعت وخرجت، وقلت ذلك للناس.. فدخلوا، وعدت إليه «2» فسمعته يقول: النعيم.. النعيم.. الجنة.. فدفناه، فلما كان فى الليل رأيته فى المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لى وقت فضحتنى «3» وقال: أنا لا أجمع على عبدى فضيحتين، وأباحنى الجنة. وقال يحيى بن معين «4» : قال لى حفّار «5» : أعجب ما رأيت «6» فى هذه المقابر أننى سمعت من قبر أنينا كأنين المريض.. وسمعت من قبر: والمؤذّن يؤذّن، وهو يجيبه «7» من القبر. وقال إبراهيم بن أدهم «8» : رفعت جنازة بالسّاحل فقلت: بارك الله

لى فى الموت، فقال قائل من السرير «1» : «وما بعد الموت» .. قال إبراهيم: فدخل علّى منه رعب حتى ما قدرت أحمل قائمة من السرير، فدفن الميت، وانصرف الناس، فقعدت عند القبر مفكرا فى القائل من السرير، فغلبتنى عيناى، فنمت ورأسى على ركبتى عند القبر، وإذا بشخص قد خرج من القبر أحسن الناس وجها، وأطيبهم ريحا، وأنقى ثيابا، وهو يقول: يا بن أدهم «2» ، قلت: لبيك، من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا القائل من السرير: «وما بعد الموت» .. فقلت له: بالله الذي فلق الحبة، وبرأ «3» النّسمة، وتردّى بالعظمة «4» ، إلّا قلت لى من أنت؟ قال أنا السّنّة «5» ، أكون لصاحبى فى الدنيا حافظا، وعليه رقيبا، وفى القبر نورا ومؤنسا، وفى القيامة سائقا وقائدا إلى الجنة. وحدّث إدريس الحفّار شيخ «6» قال: لما وضع الشّيخ العارف أبو الحسن الدّينورى، المعروف بابن الصائغ «7» فى قبره، سمعته يقول: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ «8» .

وقال أحمد بن الخواص «1» : رأيت يحيى بن أكثم «2» فى المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ وكيف وجدت ربّك؟ فقال: وجدت ربى جوادا كريما، أقامنى بين يديه مقام العبد الذليل بين يدى سيّده الجليل، ثم قال لى: يا شيخ السوء، تأتينى بتخاليط كثيرة! لولا شيبتك لأحرقتك بالنار «3» . قال: ثم قلت: إلهى، ما هكذا بلغنى يا سيدى عنك.. قال: وما الذي بلغك عنى؟ قلت: حدّثنى عبد الرّزّاق «4» ، عن معمر، عن الزهرى، عن أنس بن مالك، عن نبيّك، صلّى الله عليه وسلم، عن جبريل، عنك أنك قلت: «لا يشيب عبد فى الإسلام فأحرقه بالنار» .. فقال: صدق عبد الرّزّاق، [صدق] «5» معمر، صدق الزهرى، صدق أنس بن مالك، صدق نبيّى، صدق جبريل، انطلقوا بعبدى إلى الجنة.

وفى رواية أخرى «1» أنه قال: قلت: إلهى، ما هكذا بلغنى عنك.. قال: وما الذي بلغك؟ قلت: سمعت عبد الرّزّاق [يقول: سمعت] معمرا «2» يقول: سمعت الزهرى يقول: سمعت أنسا يقول: سمعت رسول الله، صلّى الله عليه وسلم يقول: سمعت جبريل عليه السلام يقول: سمعت ربّ العزّة يقول: «من شاب شيبة فى الإسلام فأنا أستحى أن أعذّبه بنار جهنم» . قال: فقال ربّ العزّة: هو كما بلغك عنى وسمعت، صدق عبد الرّزّاق، ومعمر، والزهرى، وأنس، ومحمد نبيّى، وجبريل: «من شاب شيبة فى الإسلام ولقينى وهو يشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمدا رسول الله، فإنّى لا أعذبه بنار جهنم.. أبشر، فقد غفرت لك جميع معاصيك بتوسّلك إلىّ بشيبتك فى الإسلام» . وفى رواية أخرى نقلها العلّامة الغزالى فى الدّرّة الفاخرة، فقال: روى يحيى بن أكثم القاضى- وقد رئى فى النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفنى بين يديه الكريمتين وقال لى: يا شيخ السوء، فعلت وصنعت.. فقلت: يا رب، ما بهذا حدّثت عنك.. فقال: بم حدّثت عنى يا يحيى؟ فقلت: حدثنى الزهرى، عن معمر، عن عروة، عن عائشة، رضى الله عنها، عن محمد، صلّى الله عليه وسلم، عن جبريل، عنك، أنك قلت: «إنى أستحى أن أعذّب شيبة شابت فى الإسلام» .. قال: صدقت يا يحيى، وصدق الزهرى، وصدق معمر، وصدق عروة، وصدقت عائشة، وصدق محمد، صلّى الله عليه وسلم، وصدق جبريل، وصدقت، اذهب فقد غفرت لك.

وعن ابن نباتة «1» : أنه رئى فى النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أوقفنى بين يديه الكريمتين فقال: أنت الذي تخلص كلامك «2» ليقال ما أفصحه؟! قلت: سبحانك، إنى كنت أصفك.. فقال لى: قل كما كنت تقول فى دار الدنيا.. قال: قلت: أبادهم الذي خلقهم، وأسكتهم الذي أنطقهم، وفرّقهم الذي جمعهم، وسيعيدهم كما خلقهم، ويجمعهم كما فرّقهم.. قال لى: اذهب فقد غفرت لك. وعن منصور بن عمّار «3» ، رضى الله عنه: أنه رئى فى النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفنى بين يديه الكريمتين وقال: بم جئتنى يا منصور؟ قال: بستّ «4» وثلاثين حجّة.. قال: ما قبلت منها حجّة واحدة.. فبم جئتنى يا منصور؟ قال: بثلاثمائة وستين ختمة.. قال: ما قبلت منها واحدة ... فبماذا جئتنى يا منصور؟ قلت: بصيام ستين سنة.. قال: ما قبلت منها واحدة.. فبماذا جئتنى يا منصور! فقلت: جئتكك بفضلك- أو قال: جئتك بك- فقال: الآن جئتنى بشىء.. اذهب فقد غفرت لك.

حكاية من إبراهيم بن أدهم، رضى الله عنه، فيما شاهد فى نجاة صاحب الشعر الأبيض إذا مات على الإسلام

حكاية من إبراهيم بن أدهم، رضى الله عنه، فيما شاهد فى نجاة صاحب الشعر الأبيض إذا مات على الإسلام حكى عن إبراهيم بن أدهم، رحمه الله، أنه مرّ برجل سكران وهو ملقى والخمر يطفح من فيه «1» وهو يقول: الله الله، فرفع إبراهيم طرفه إلى السماء وقال: إلهى، لسان يذكرك لا يكون هكذا.. ثم دعا بماء فغسل به فاه، وتركه ومضى.. فلما أفاق من سكره أخبر «2» بما فعله إبراهيم بن أدهم، فخجل واستحيا، ولام نفسه ووبّخها، وقال: يا نفس، إن لم تستحى من الله ومن أوليائه، فممّن تستحين «3» ؟! ثم لحقه الندم والأسف على ما مضى من عمره فى الذنوب وسلف.. فلما كان تلك الليلة رأى إبراهيم بن أدهم قائلا «4» يقول: يا إبراهيم، ربك يقول لك: أنت طهّرت فاه لأجلنا، ونحن طهّرنا قلبه لأجلك! فلما أصبح إبراهيم قال: لأمرّنّ بالرجل وأنظر حاله، وأعلمه بما رأيت، لعل الله أن يشرح صدره بقبول التوبة.. فلم يزل إبراهيم يطلبه حتى وجده فى مسجد خرب خارج المدينة، وهو معتكف فى عبادة ربه.. فقال إبراهيم: يا أخى، اليوم كله وأنا فى طلبك.. ما حالك؟ فقال: هذا عجب منك يا إبراهيم.. تسأل عنى كيف حالى وقد أخبرك الكريم سبحانه أنه طهّر قلبى لأجلك!. ثم قال: أرنى هذا الكف الذي طهّرت فمى به.. فأخذه وقبّله، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: بحرمة هذا الكف، وبقدر صاحبه عندك، وبالجود الذي غمرت به عبادك، جد على عبدك الفقير بفضلك وإحسانك، وإن لم يكن يستحق ذلك..

قال له إبراهيم: يا أخى، ما أعلمك؟ قال: أعلمنى من طهّر قلبى من حبّ سواه، فلا أريد الآن من الدّارين إلّا إيّاه.. يا إبراهيم، إنّ لله عبادا نظر إليهم بعين لطفه فرفع عنهم خبالهم «1» ، وأظهر لهم ما خبّأ لهم، ورفع عنهم أغلالهم «2» ، ورفع لهم ما هو أعلى لهم.. ثم بعد ذلك قال: يا إبراهيم، امض «3» إلى حال سبيلك لئلّا تشغلنى عن عبادة العلّام، فقد قدمت «4» منى ذنوب وسيئات عظام، ودعنى أقبل عليه عساه أن يقبل علّى، فما مرادى بعد رضاه شىء.. قال إبراهيم: فقلت: يا أخى أقبل عليه فإنه كريم، وكن ذا ثقة بعفوه، فإنه غفور رحيم.. ثم ودّعنى وانصرف وهو ينشد ويقول: قد أقبل المولى الذي أعرضا ... وجاد لى منه بعين الرّضا وقال لى لمّا رأى زلّتى ... أبشر فقد سامحت ما قد مضى يا أيّها الخائف من ذنبه ... سلّم لنا وارض بمرّ القضا «5» فى طاعة شئت إذا كيف لا ... أرحم هذا الشّعر الأبيضا وقد نقل فى بستان الواعظين «6» لابن الجوزى: قال أحمد بن الشيخ: رأيت بشرا فى المنام وهو قاعد فى بستان، وبين يده مائدة وهو يأكل منها، فقلت له: يا أبا نصر، ما فعل الله بك؟ قال: غفر لى ورحمنى وأباحنى الجنة

بأسرها وقال: كل من جميع ثمارها، وتمتع بجميع ما فيها، كما كنت تحرم نفسك الشهوات فى دار الدنيا «1» . وقال على بن محمد النيسابورى النزيل بمكة: رأيت أيوب السّرّاج فى النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: وقفت بين يدى الله تعالى فقال: يا شيخ السوء، تحمل العلم إلى هؤلاء السلاطين وتنال من دنياهم؟! فقلت: يا رب، كانت الدنيا علىّ مكدّرة «2» ، وكنت مثقلا بالعيال.. فأمر بى إلى النار.. فقلت: يا رب، ما كان هذا ظنى! قال: وما كان ظنك؟ قلت: حدثنى يحيى ابن سعيد «3» ، عن شعبة، عن قتادة «4» ، عن أنس، عن نبيّك، صلّى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عنك، يا ذا الجلال والإكرام أنك قلت: «أنا عند ظن عبدى بى، فليظنّ بى ما شاء» «5» . فقال: صدقت عبدى، صدق يحيى ابن سعيد، صدق شعبة، صدق قتادة، صدق أنس، صدق نبيّى، صدق جبريل، أنا قلت ذلك «6» . فطيّبت، وألبست سبعين حلّة، ووضع على رأسى تاج، ومشى بين يدىّ الولدان المخلّدون إلى الجنة.

وقال محمد بن يحيى الحرّانى: رأيت فى النوم كأنّ القيامة قد قامت، فبينما أدور فى عرصاتها رأيت منبرا منصوبا وفوقه رجل يثنى على الله أحسن الثّناء، فقلت: من هذا؟ فقيل لى منصور بن عمار «1» ، أمر الله أن يثنى عليه بين أهل الجنة كما أثنى عليه بين أهل الدنيا. ثم جزت، فرأيت رجلا بين يديه مائدة، فقلت: من هذا؟ فقيل لى: هذا بشر بن الحارث «2» ، جوّعه الله فى الدنيا وأباح له الأكل فى الجنة «3» . ورأيت رجلا شاخصا بعينيه إلى السماء، فقلت: من هذا؟ قيل: معروف الكرخىّ «4» ، مات اشتياقا إلى الله تعالى، قد أبيح له النظر. ورأيت رجلا بيده مفاتيح، فقلت: من هذا؟ فقيل: أحمد بن حنبل، الساعة بايع الله على أن يقف على باب الجنة فيدخل أهل السّنّة، ويمنع أهل البدع.

ورأى ابن محمد المنقرىّ يزيد بن هارون «1» فى المنام، فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: تقبّل منى الحسنات وتجاوز عن السيئات، ووهب لى التّبعات «2» .. قلت: وما كان بعد ذلك؟ قال: وهل يكون من الكريم إلّا الكرم؟! غفر لى ذنبى وأدخلنى الجنة.. قلت: بم نلت هذه المنزلة؟ قال: بمجالس الذّكر، وقول «3» الحق، وصدقى فى الحديث، وطول قيامى فى الصلاة، وصبرى «4» .. قلت: ومنكر ونكير.. حق؟ قال: والله الذي لا إله إلّا هو، لقد أقعدانى وسألنانى وقالا «5» لى: ما دينك؟ ومن نبيّك؟ فجعلت أنفض التراب عن لحيتى «6» وقلت: لمثلى يقال هذا؟ أنا يزيد بن هارون الواسطى، كنت فى دار الدنيا سبعين سنة أملى أحاديث رسول الله، صلّى الله عليه وسلم.. قال أحدهما «7» : صدق، وهو يزيد بن هارون، [وقال له] «8» : نم نومة العروس، فلا روعة بعدها عليك.

فصل فى الثناء على الميت

فصل فى الثناء على الميت عن أبى الأسود الدّيلىّ «1» قال: «قدمت المدينة، وقد وقع بها مرض، فجلست إلى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فمرّت بى جنازة، فأثنى على صاحبها خيرا، فقال عمر: وجبت.. ثم مرّت أخرى، فأثنى عليها شرّا.. فقال: وجبت.. قال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أيّما مسلم شهد له أربعون- وفى رواية أربعة- بخير أدخله الله الجنّة.. قلنا: وثلاثة؟ قال وثلاثة.. قلنا: واثنان؟ قال: واثنان.. قال: ثم لم نسأله عن الواحد» «2» . أخرجه البخارى ومسلم والنسائى.

وفى خبر آخر: فقال له عمر: يا رسول الله، ما وجبت؟ فقال عليه السلام: «أنتم شهداء الله فى الأرض، فمن أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم» عليه شرّا وجبت له النار» . وعن أبى هريرة، رضى الله عنه، عن النبي، صلّى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربّه عزّ وجلّ، أنه قال: «ما من عبد مسلم يشهد له ثلاثة أو اثنان «2» بخير إلّا قال الله تعالى: قد قبلت شهادة عبادى على عبدى ما علموا «3» ، وغفرت له ما أعلم» . [وفى رواية «.. يشهد له ثلاثة بيوت من جيرانه الأدنين بخير إلّا قال: قد قبلت شهادة عبادى..» ] «4» . رواه أحمد، رضى الله عنه، فى مسنده. وفى حديث «5» : «إنّ المسلمين شهداء الله فى الأرض، والملائكة شهداء الله فى السماء» . وعن روح بن عبادة القيسى «6» قال: حدّثنى ابن عون «7» قال: كان

عندنا داعر فمات، فتحاماه الناس «1» ورموا به على ظهر الطريق، قال: فجلست أفكر فيه، فنمت، فإذا أنا بطائرين أبيضين، فقال أحدهما لصاحبه: ادخل فانظر هل ترى خيرا؟ قال: فدخل من يافوخه ثم خرج وهو يقول: ما رأيت خيرا.. قال: فلا تعجل.. فدخل الثانى فى يافوخه ثم خرج من أخمص «2» قدميه وهو يقول: الله أكبر، كلمة لاصقة بطحاله، وهو يشهد أن لا إله إلّا الله.. فقلت للناس: هلمّوا، فإنى رأيت كيت وكيت «3» .

فصل فى حياة الشهداء

فصل فى حياة الشهداء قال الأعمش «1» : قال عبد الله بن مرّة «2» : أما إنّا قد سألنا عن أرواح الشهداء، فقال: «جعلت فى أجواف [طيور] «3» خضر تأوى إلى قناديل تحت العرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، فاطّلع عليهم ربهم «4» اطّلاعة فقال: هل تشتهون شيئا فأزيدكم؟ قالوا: وما نشتهى ونحن فى الجنة نسرح منها حيث نشاء؟ [ثم اطّلع إليهم الثانية فقال: هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟ فلما رأوا أنهم لن يتركوا، قالوا: تعيد أرواحنا فى أجسادنا حتى نرجع إلى الدنيا فنقتل فى سبيلك مرة أخرى] «5» وتقرىء نبيّنا منّا السّلام، وتخبر قومنا أن قد رضينا، وترضى عنا» «6» . رواه الترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وقال جابر: «لمّا قتل أبى عبد الله بن عمرو بن حرام «1» يوم أحد، لقينى رسول الله، صلّى الله عليه وسلم فقال: يا جابر، أراك منكسرا «2» !! فقلت: يا رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، استشهد أبى وترك عيالا «3» ودينا.. قال: ألا أبشّرك بما لقى «4» الله به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله.. قال: ما كلّم الله أحدا إلّا من وراء حجاب، وكلّم أباك كفاحا «5» فقال: يا عبدى، تمنّ «6» علىّ أعطك.. قال: تحيينى فأقتل فى سبيلك «7» ثانية.. فقال الرّبّ تعالى: إنه قد سبق منى أنّهم إليها لا يرجعون. قال: يا ربّ، فأبلغ من ورائى «8» فأنزل الله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً، بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ «9» . رواه ابن ماجه فى السنن كذلك.

فصل فى تلقين الميت بعد موته

فصل فى تلقين الميت بعد موته قال سعد بن عبد الله: شهدت أبا أمامة وهو فى النزع فقال: إذا متّ فاصنعوا كما أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا.. قال: «إذا مات أحدكم فسوّيتم على قبره، فليقف أحدكم على رأس قبره وليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمع «1» ولا يجيب.. ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا- يرحمك الله «2» . ولكن لا تشعرون «3» ، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدّنيا: شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمدا رسول الله، صلّى الله عليه وسلم- أو قال: عبده ورسوله- وأنّك رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا، وبمحمد صلّى الله عليه وسلم نبيّا، وبالقرآن إماما.. فإنّ منكرا ونكيرا يأخذ «4» كلّ واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق، ما نصنع عند من لقّن حجّته» .. رواه الطبرانى فى كتاب الدعاء. ***

فصل فى الأضحية على الميت

فصل فى الأضحيّة على الميت روى أبو طلحة «1» عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: «أنّه ضحّى بكبشين أملحين، وقال عند ذبح الأول: عن محمد وآل محمد.. وقال عند ذبح الثانى: عمّن آمن بى وصدّقنى من أمّتى» . وفى حديث آخر: «كان إذا ضحّى يشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلّى وخطب للناس أتى «2» أحدهما فذبحه بنفسه ويقول: عن محمد وآل محمد، فيطعمهما جميعا للمساكين، ويأكل وأهله فيهما، فمكثنا سنين ليس رجل من بنى هاشم يضحّى، قد كفاه الله المؤنة برسول الله، صلّى الله عليه وسلم» . [رواه أحمد بن حنبل فى مسنده] «3» .

وفى حديث آخر: «هذا عنّى وعمّن لم يضحّ من أمّتى» . وروى عن علىّ بن أبى طالب، كرّم الله وجهه، أنه كان يضحّى عنه أبدا.. وقال يحيى: فأنا أضحّى عنه إلى اليوم. [رواه] أبو داود «1» . وعن عبد الله بن بريدة «2» عن أبيه، قال: «من ضحّى عن والديه- أو عن أبويه- ميّتين، فله أجره كاملا وأجر الميت، ويقال لروحه: إنّ فلانا ضحّى عنك- أو تصدّق عنك» . وقال أبو العباس بن السراج «3» : سمعت علىّ بن الموفق «4» يقول: حججت على رجلىّ ستين حجّة، ثلاثون منها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم. [قال أبو العباس: وأنا أقتدى بعلىّ بن الموفق، حججت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم] «5» سبع حجج، وقرأت عنه سبعمائة ختمة، وجعلت أعمالى كلها له.

وقال معروف الكرخى: جاءنى شابّ فقال: يا أبا محفوظ، رأيت فى النوم أبى، فقال: يا بنىّ، ما يمنعك أن تهدى إلىّ كما تهدى الأحياء إلى أمواتهم؟ فقلت له: يا أبت، ما أهدى إليك؟ قال: تقول: يا عليم، يا قدير، اغفر لى ولوالدى، إنك على كل شىء قدير. قال: فجعلت أقولها، فرأيت أبى فى النوم، فقال: يا بنىّ، وصلت إلىّ هديتك. وعن عثمان بن عفان، رضى الله عنه، قال: «كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت قال: استغفروا لأخيكم [وسلوا الله له التّثبّت] «1» فإنه الآن يسأل» . وفى حديث آخر: «إنّ الرّجل ليتبعه أمثال الجبال من الخير فيقول: إنّ هذا لم أعمله!! قيل: هذا استغفار ولدك لك «2» من بعدك» .. وقد ورد: «من دخل المقابر واستغفر لهم [فكأنّما] «3» شهد جنائزهم» .

فصل فى الصلاة على الميت

فصل فى الصّلاة على الميت روى أبو هريرة قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يصلّى عليه مائة إلّا أدخل الجنة» .. وعن عائشة، رضى الله عنها، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «ما من ميّت يموت فيصلّى عليه أمّة من المسلمين يبلغون «1» مائة يشفعون له «2» إلّا شفّعوا فيه» رواه مسلم «3» . وروى عن ابن عباس أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان «4» ، فقال لبعض أصحابه: انظر ما اجتمع «5» من الناس.. قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا [له] «6» فأخبرته، فقال: تقول هم أربعون؟ قلت: نعم.. قال: أخرجوه، فإنّى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلّا شفّعهم الله فيه» . رواه مسلم «7» . وعن أبى المليح «8» أنه فسّر الأمّة بأربعين رجلا.. وورد أيضا فى حديث: خمسون..

فصل فى علم الميت

فصل فى علم الميت عن أنس بن مالك، رضى الله عنه، أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم قال: «إنّ العبد إذا وضع فى قبره وتولّى «1» عنه أصحابه يسمع «2» قرع نعالهم إذا ولّوا عنه مدبرين» رواه البخارى ومسلم «3» . وعن أنس بن مالك، رضى الله عنه: «أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، كان يرينا مصرع أهل بدر، يقول: هذا مصرع فلان غدا، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى.. قال عمر: فو الّذى نفسى بيده «4» ما أخطئوا الحدود التى حدّها رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، فجعلوا فى قبر «5» بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى انتهى إليهم، فقال: يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقّا؟ .. فقال عمر: يا رسول الله، كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟! فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم «6» لا يستطيعون الجواب» «7» .

وعن أبى سعيد الخدرىّ، رضى الله عنه، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إنّ الميّت يعرف من يغسله، ومن يحمله، ومن يدليه فى قبره» . رواه أحمد فى المسند. وقد حكى أن امرأة كانت تخرج لقبر زوجها ومعها أولادها، فتخليهم فى المقبرة، فيكشفون وجوههنّ.. قيل «1» : فرأته فى المنام وهو يقول لها: لا تكشفى وجوه بناتى على أهل المقابر.. أما تعرفين أنهم حولى كالأحياء؟! وروى أنّ رجلا أراد أن يقضى حاجته فى المقبرة، فكشف عورته، فصاح به إنسان: استتر.. أما تستحى أن تكشف عورتك بين أهل القبور «2» ؟! ***

فصل فيمن ظهر عذاب الله له فى القبر

فصل فيمن ظهر عذاب الله له فى القبر عن عبد الله بن محمود «1» قال: كنت عند ابن عباس، رضى الله عنهما، فأتاه رجل فقال: أقبلنا حجّاجا، حتى إذا كنا بالصّفاح «2» توفّى صاحب لنا، فحفرنا له قبرا، فإذا فيه أسود «3» قد أخذ اللّحد كلّه، ثم حفرنا قبرا آخر، فإذا فيه أسود قد أخذ اللحد كله، فتركناه وآتيناك نسألك فيما تأمرنا به «4» .. قال: ذلك عمله الذي كان يعمل به، فادفنوه فى بعضها، فو الله لو حفرتم الأرض كلها لوجدتم ذلك.. قال: فألقيناه فى قبر منهما «5» ، فلما قضينا سفرنا أتينا امرأته، فسألناها عنه، فقالت: كان يبيع الطعام فيأخذ قوت أهله كل يوم، ثم ينظر مثله من الشعير والقصب فيقطّعه فيجعله فى طعامه. وقال عمرو بن دينار «6» : كان لرجل من أهل المدينة أخت فماتت،

فدفنها ورجع، فذكر أنّ كيسا سقط منه فى القبر «1» ، فاستعان برجل من أصحابه ونبشا القبر، فوجد الكيس، فقال للرجل: تنحّ «2» حتى أنظر على أى حال أختى.. فرفع بعض ما كان على اللّحد، فإذا القبر يشتعل نارا، فردّه وسوّى القبر ورجع إلى أمّه، فقال: أخبرينى ما كانت تصنع أختى «3» - أو قال: ما كان حال أختى؟! قالت: كانت أختك تؤخر الصلاة ولا تصلى، وتأتى أبواب الجيران إذا ناموا فتجعل أذنها فى أبوابهم لتسمع حديثهم. وقال عبد المؤمن بن عبد الله القرشى: قيل لنبّاش، وقد تاب «4» : ما أعجب ما رأيت؟! قال: نبشت قبر رجل «5» فإذا هو مسمّر بالمسامير فى سائر جسده، ومسمار فى رأسه، وآخر فى رجليه.. وقيل: ما أعجب ما رأيت؟ قال: رأيت جمجمة إنسان مصبوب فيها الرصاص. وقيل لآخر «6» : ما كان سبب توبتك؟ فقال: عامّة من كنت أنبشه كنت أراه محوّل الوجه عن القبلة. وقال أبو المصرخّى: خرجت غازيا، فمررت ببعض حصون الشام ليلا، فوجدت باب الحصن مغلقا ومقبرة على الباب، فجئت بجنب المقبرة بالقرب من

بئر محفورة ونمت، وإذا بهاتف من القبر يقول: «.. عجبا! ما عجبت من ثقل الترب ومن ظلمة القبور علينا؟» «1» . وقال محمد بن خلف: حدّثنى صديق لى قال: رأيت فى منامى كأننى مجتاز بمقبرة، ورأيت صديقا لى جالسا عند قبره «2» ، فقلت: يا فلان، ما خبرك؟ .. فأخرج يده فإذا أثر كتاف «3» فيها، فقلت: ما هذا؟ .. فقال: كنت مكتوفا فاجتاز فلان فوقف على المقبرة وقرأ إحدى عشرة مرة «4» قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وجعل ثوابها لأهل المقبرة، فأصابنى ما حلّ كتافى، وهذا أثره. ***

فصل فى مغفرة الله تعالى للوالد يحفظ ولده القرآن

فصل فى مغفرة «1» الله تعالى للوالد يحفّظ ولده القرآن يروى بريدة «2» قال: كنت عند رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: «إنّ القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة كالرجل الشّاحب «3» ، فيقول له: هل تعرفنى؟! فيقول: ما أعرفك.. فيقول: أنا صاحبك الذي أظمأتك فى الهواجر «4» ، وأسهرت ليلك «5» .. قال: فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله، ويوضع تاج الوقار على رأسه، ويكسى والداه «6» حلّتين لا يقوّم لهما

أهل الدنيا، فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن.. ويقال له: اقرأ وارق «1» واصعد فى درج الجنة وغرفها.. فهو فى صعود ما دام يقرأ حدرا أو ترتيلا» «2» . وقد أثبت فى هذا الحديث أنه بمجرد تعليم ولدهما «3» القرآن يحصل لوالديه من تعلّمه هذا الثواب الجزيل، فإذا قرأه «4» قاصدا وصول الثواب إليهما، كان من طريق التنبيه، كقوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما «5» . وحصول بعمومه أن يلحقهما ثواب تعلّمه القرآن، وإن كان التعليم بعد موتهما، إذ لم يخصّ «6» حال الحياة دون الممات، بل عمومه «7» شامل لجميع الحالات. ***

فصل فيمن أجيزت وصيته بعد مماته

فصل فيمن أجيزت وصيته بعد مماته لمّا كان يوم اليمامة «1» خرج ثابت بن قيس «2» مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة «3» ، فلما لقوا العدوّ وانكشفوا، قال ثابت وسالم مولى أبى حذيفة:

ما هكذا «1» كنا نقاتل مع رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، فحفر كل واحد منهما حفرة وثبتا فيهما، وقاتلا حتى قتلا، وعلى ثابت يومئذ درع ثمين «2» - أو قال: نفيس- فمر به رجل من المسلمين فأخذه، فبينما رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت فى منامه فقال: إنى موصيك بوصية، فإيّاك أن تقول إنه حلم «3» .. إنى لمّا قتلت أمس مرّ بى رجل من المسلمين فأخذ درعى، ومنزله فى أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستنّ فى طوله «4» ، فأت خالد بن الوليد فمره أن يبعث درعى فيأخذه منه، فإذا قدمت «5» المدينة على خليفة رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، فقل «6» له إنّى علّى من الدّين كذا وكذا، وفلان من رقيقى عتيق، وفلان.. فأتى الرّجل خالدا «7» وأخبره، فبعث إلى الدرع وأتى به «8» ، وحدّث أبا بكر برؤياه.. فلا يعلم أحد «9» أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت، واستشهد باليمامة.

فصل فى صلاة الأنبياء فى قبورهم وفيمن فتح قبره من الشهداء فلم ير تغيرا فى جسمه، ووجد لم يبل ودمه يسيل

فصل فى صلاة الأنبياء فى قبورهم وفيمن فتح قبره من الشهداء فلم ير تغيّرا فى جسمه، ووجد لم يبل ودمه يسيل روى أنس بن مالك قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «مررت على موسى عليه السلام ليلة أسرى بى فى الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى فى قبره..» وقد ذكرنا فيما تقدّم حديث ثابت البنانى أنه رئى فى قبره وهو يصلى.. فالحمد لله الذي جعل من أمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، كنبىّ. وقال جابر بن عبد الله: كتب معاوية إلى عامله بالمدينة أن يجرى عينا إلى «أحد» «1» . وكتب إليه عامله أنها لا تجرى إلّا على قبور الشهداء، فكتب إليه أن أنفذها «2» ، قال: فسمعت جابر بن عبد الله، رضى الله عنه، يقول: فرأيتهم يخرجون علىّ أرطاب الرجال «3» كأنهم رجال نوّم، حتى أصابت المسحاة «4» قدم

حمزة بن عبد المطلب «1» ، فانبعثت دما، وكان له مقدار أربعين سنة «2» . وجماعة فى «3» جبانة مصر من الصالحين حفر عليهم بعد سنين، فوجدوا لم يبلوا، وفاح من قبر أحدهم مسك أعبق الجبّانة «4» .. وبعضهم وجدت أكفانه جديدة وحكى لنا بعض الحفّارين بمصر، قال: حفرت على فقيه بعد سبعين سنة، فوجدت جسده «5» أبيض لم يبل.. وقيل إنه الشافعى، رضى الله عنه. وكان بعض الصالحين [يقول] «6» : لو حفروا علىّ بعد مائة سنة لوجدت لم أبل، فاتفق أنه مات ولد ولده بعد مائة سنة، فحفر عليه فوجد لم يبل.. وحفر على ابن شمعون الواعظ بعد أربعين سنة، وكان دفن فى بيته، وحوّل إلى مقبرة أحمد بن حنبل، رضى الله عنهما، وأكفانه تقعقع «7» .. ولمّا دفن أحمد بن حنبل- رحمه الله- رأى رجل «8» فى النوم كأنّ قائلا يقول: هذا ثواب «أحمد» قد فرّق على أهل المقابر.

ذكر قبور الصحابة والقرابة والتابعين والعلماء والأولياء الصالحين والأقطاب العارفين بالقرافة ... وذكر ما ورد من أحوالهم، وذكر إيابهم، رضى الله عنهم أجمعين

ذكر قبور الصحابة والقرابة والتابعين والعلماء والأولياء الصالحين والأقطاب العارفين بالقرافة ... وذكر ما ورد من أحوالهم، وذكر إيابهم، رضى الله عنهم أجمعين «1» عمرو بن العاص «2» : هو أبو عبد الله عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد- بضم السين وفتح العين- بن سهم «3» بن عمرو «4» بن كعب بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان السّهمى القرشى، أحد أمراء رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، يكنى أبا عبد الله، وقيل أبا محمد، وأمّه النابغة «5» بنت حرملة- وقيل حريملة.

قدم على النبي صلّى الله عليه وسلم فى سنة ثمان قبل الفتح بأشهر مع خالد بن الوليد، وسلمان بن طلحة- كما سيأتى بيانه- مسلما- وقيل: بل أسلم بين الحديبية وخيبر.. واختلف فى قبره، فذكر حرملة «1» صاحب الشافعى أنه فى قبر عقبة ابن عامر «2» .. وذكر قوم أنه غربى الخندق وشرقى المشهد.. ولم يبلغنا فى تاريخ مصر «3» أن عمرو بن العاص خرج من مصر بعد أن وليها لمعاوية، رضى الله عنهما.. وكان عمرو بن العاص تاجرا «4» فى الجاهلية، وكان يختلف بتجارته إلى مصر من الأدم «5» والعطر.. فقدم مرّة بذلك، فأتى الإسكندرية، فوافق عيدا لهم يجتمعون فيه ويلعبون، فإذا همّوا «6» بالانصراف اجتمع أبناء الملوك وأحضروا كرة لهم» فتراموا بها بينهم، وكان من فعالها «8» المتعارف عندهم: من وقعت فى حجره ملك الإسكندرية، أو قالوا: ملك مصر.. فجعلوا يترامون «9» بها وعمرو فى النّظّارة «10» إذ طارت

الكرة «1» فسقطت فى حجره، فعجبوا من ذلك وقالوا: ما كذبتنا هذه الكرة قطّ إلّا هذه المرة.. وأنّى لهذا الأعرابىّ أن يملك الإسكندرية؟! هذا مالا يكون «2» . فلما فتح المسلمون الشام، خلا «3» عمرو بأمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، رضى الله عنهما، واستأذنه فى المسير إلى مصر، وقال: إنّى عالم بها وبطرقها، وهى أقل شىء منعة، وأكبر أمرا.. فكره أمير المؤمنين عمر الإقدام على من فيها من جموع الروم، وجعل عمرو يهوّن أمرها، وقد أمر أصحابه أن يتسلّلوا «4» فى الليل، ثم اتبعهم، فبعث إليه عمر أن كن قريبا منى «5» حتى أستخير الله تعالى، وذلك سنة 18 من الهجرة النبوية «6» .

وروى راشد، مولى حبيب بن أوس الثقفى «1» قال: حدثنى عمرو بن العاص «2» قال: لمّا انصرفنا يوم الأحزاب نحو الخندق، جمعت رجالا من قريش كانوا يرون برأيى، ويسمعون منى، فقلت لهم: تعلمون والله أنّى أرى أمر محمد يعلو الأمور علوّا كبيرا «3» . وأنّى قد رأيت أمرا، فما تأمرون فيه؟ قالوا: وماذا رأيت؟ قال: رأيت أنّ ألحق بالنّجاشىّ «4» - أو قال: نلحق بالنجاشى- فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشى، فإن نكون تحت يده أحبّ إلينا من أن نكون تحت يد محمد، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا بأن يأتينا منهم خير «5» . قالوا: إنّ هذا [هو] «6» الرأى.. قلت: فاجمعوا له أدما «7» كثيرا، فجمعوه، فخرجنا حتى قدمنا عليه، فو الله إنّا لعنده إذ جاء عمرو بن أميّة الضّمرىّ «8» وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد بعثه «9» إليه فى شأن جعفر والصحابة، فدخل عليه ومعه كتابان «10» ، يدعوه فى أحدهما

إلى الإسلام ويتلو عليه القرآن، فأخذ النجاشى كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فوضعه على عينيه، ونزل عن سريره فجلس على الأرض، ثم أسلم وحسن إسلامه، وشهد شهادة الحق وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لآتيته.. وكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بإجابته وتصديقه، وإسلامه لله ربّ العالمين على يد جعفر بن أبى طالب. وكان جعفر ممّن هاجر إلى الحبشة.. وفى الكتاب الثانى يأمره أن يزوّجه بأمّ حبيبة، بنت أبى سفيان، وكانت قد هاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش الأسدىّ، فتنصّر هناك، وأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يبعث إليه من قبله من أصحابه الذين هاجروا إلى الحبشة، وأن يحملهم، ففعل، وزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمّ حبيبة، وأصدقها أربعمائة دينار، وأمر بجهازها وما يصلحهم، وحملهم فى سفينة مع عمرو بن أميّة، وجعل كتابى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى حقّ من عاج وقال: لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتابان بين أظهرها. فلما دخل عمرو بن أمية عند النجاشى لم نكن عنده، ولم ندر ما وقع كما ذكر، ثم خرج من عنده لمحل الضيافة كعادة الرّسل «1» ، فقلت لأصحابى: هذا عمرو بن أمية قد خرج من عند النجاشى «2» ، فلو دخلت على النجاشى فسألته إيّاه فأعطانيه فضربت عنقه، فإذا فعلت ذلك رأت «3» قريش أنّى قد أجزأت عنها حين قتلت «4» رسول محمد صلّى الله عليه وسلم.. قال: فدخلت على النجاشى فسجدت له كما كنت أصنع، فقال: مرحبا بصديقى.. أهديت «5» لى من بلادك شيئا؟ قال: قلت: نعم أيها الملك، أهديت لك أدما كثيرا.. قال: ثم قربته إليه، فأعجبه واشتهاه، ثم قلت له: أيها الملك، إنى قد رأيت رجلا

خرج من عندك، وهو رسول رجل عدوّ لنا «1» ، فأعطنيه لأقتله!! فغضب.. ثم مدّ يده وضرب بها أنفه ضربة «2» ظننت أنه كسره «3» ، فلو انشقت «4» الأرض لدخلت فيها خوفا منه «5» .. فقلت: أيها الملك، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتك عنه «6» .. قال: أتسألنى أن أعطيك رسول رجل يأتيه النّاموس الأكبر الذي كان يأتى «7» موسى لتقتله؟! فقلت: كذلك هو؟! قال: ويحك يا عمروا! أطعنى واتّبعه «8» ، فإنه.. والله- لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى عليه السلام على فرعون وجنوده.. قال: فقلت: أفتبايعنى على الإسلام؟ قال: نعم.. فبسط يده- أو قال: يديه- فبايعته على الإسلام، ثم خرجت إلى أصحابى. وقد حال رأيى عمّا «9» كنت عليه، وكتمت إسلامى عن أصحابى «10» ، وخرجت عامدا إلى رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، فلقيت خالد بن الوليد، وذلك قبيل الفتح، وهو مقبل من مكة، فقلت: إلى أين يا أبا سليمان؟ فقال: والله لقد استقام القسم «11» ، وإنّ الرجل لنبّى، اذهب والله فأسلم، فحتى متى «12» ؟ قال: قلت: والله ما جئت إلّا لأسلم.

قال: فقدمنا على رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، المدينة، فتقدّم خالد بن الوليد فأسلم وبايع، ثم دنوت فقلت: يا رسول الله، إنى أبايعك أن يغفر لى ما تقدّم من ذنبى ولا أذكر ما تأخر.. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يا عمرو، بايع، فإن الإسلام يجبّ ما قبله «1» - وفى رواية محمد بن إسحاق: يهدم ما كان قبله- وإنّ الهجرة تجبّ ما كان قبلها» . قال: فبايعته ثم انصرفت. وروى عن عمرو بن العاص، رضى الله عنه، أنه قال: بعث إلىّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «خذ عليك ثيابك وسلاحك» .. قال: فأخذت علىّ ثيابى وسلاحى، ثم أقبلت إلى رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، فوجدته يتوضّأ، فصوّب النظر ثم طأطأه، ثم قال: «يا عمرو، إنى أريد أن أبعثك على جيش يغنمك الله ويسلمك «2» ، وأرغب إليك رغبة من المال صالحة» . فقلت: والله يا رسول الله ما أسلمت للمال، ولكن أسلمت رغبة فى الإسلام، وأن أكون معك.. فقال: «يا عمرو «3» ، نعم المال الصّالح مع الرجل الصالح» «4» . فوجّهه رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى السلاسل «5» من بلاد قضاعة فى ثلاثمائة، فكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستمدّه، فأمدّه بجيش فيه مائتا فارس من المهاجرين والأنصار من أهل الشرف، منهم أبو بكر وعمر، رضى الله عنهم.

وفاة عمرو بن العاص - وقبره:

وروى عن عمرو بن العاص، رضى الله عنه، أنه كان يقول: يا أيها الناس، ما أبعد هديكم من هدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم!! كان نبيكم صلّى الله عليه وسلم أزهد الناس فى الدنيا، وأنتم أرغب الناس فى الدنيا.. وكان يقول: من عاتب رجلا بأكثر من عقله فقد ظلمه. وروى عقبة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص» .. وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا رأى الرّجل يتلجلج فى كلامه قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد. وفاة عمرو بن العاص- وقبره: ولمّا حضرت عمرو بن العاص الوفاة دمعت عيناه، فقال له ولده عبد الله: يا أبت، أجزع من الموت يحملك على هذا؟! قال: لا، ولكن ممّا بعد الموت.. وذكر له عبد الله مواطنه التى كانت مع رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، والفتوح التى كانت بالشام، فلما فرغ عبد الله من ذلك، قال: قد كنت على طباق «1» ثلاثة، لو متّ على بعضها علمت ما تقول.. بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلم وكنت أكره الناس لما جاء به، أتمنّى لو أنى قتلته «2» ، فلو متّ على ذلك لقال النّاس مات عمرو مشركا «3» ، عدوّا لله ورسوله، من أهل النار، ثم قذف الله الإسلام فى قلبى، فأتيت رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، فبسط إليّ يده يبايعنى، فقبضت يدى «4» ثم قلت: أبايعك على أن يغفر لى ما تقدم من ذنبى، وأنا أظن حينئذ أنّى لا أحدث حدثا فى الإسلام. [فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إنّ الإسلام] «5»

يجبّ ما قبله من خطيئة، وإنّ الهجرة تحبط [ما] «1» بينها وبين الإسلام، فلو متّ على هذا الطريق لقال الناس: أسلم عمرو وجاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، نرجو لعمرو عند الله كثيرا، ثم أصبت إمارات، وكانت فتن، وأنا مشفق من هذا الطّبق «2» ، راج لرحمة الله، فإذا أخرجتمونى فأسرعوا بى، ولا تتبعنى نائحة، ولا ناد، وشدّوا علىّ إزارى فإنى مخاصم، وسنّوا علىّ التراب سنّا «3» ، فإن يمينى ليست بأحق بالتراب من شمالى، ولا يدخلن القبر خشبة ولا طوب، ثم إذا دفنتمونى «4» فامكثوا عندى قدر نحر جزور وتقطيعها [فإنّى] «5» أستأنس بكم. وكان عمرو بن العاص أول أمير على مصر فى الإسلام من حين افتتحها سنة عشرين إلى مقتل عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وولى أيضا لعثمان حين فتحت الإسكندرية، وولى أيضا لمعاوية بن أبى سفيان من ذى القعدة الحرام سنة ثمان وثلاثين إلى أن توفى بمصر ليلة الفطر، سنة ثلاث وأربعين [وقيل سنة إحدى وخمسين] «6» ، ذكره ابن يونس فى تاريخه، وصلّى عليه ولده عبد الله [صبيحة الفطر قبل أن يصلى صلاة العيد، وكان أبوه استخلفه على الصلاة، وروى له النّسائى، والتّرمذىّ، وابن ماجه، وأبو داود] «7» .. ودفن بالمقطم من ناحية الفج «8» وكان طريق الناس يومئذ إلى الحجاز، فأحب أن يدعو له

كلّ من يمر «1» به. قال أبو عبد الله محمد بن جعفر القضاعى، قاضى مصر، فى كتابه: لا يعرف لواحد منهم «2» قبر، يعنى الخمسة الذين ماتوا بمصر، غير قبرين، أحدهما «3» : قبر عمرو بن العاص، رضى الله عنه، ذكر قوم أنه غربى الخندق، وشرقى المشهد، والآخر عقبة بن عامر الجهنى، ذكر أنّ أبا حفص ابن غزال الحضرمى «4» دلّ عليه الناس، وذكر أنه قبل «5» قبر ذى النون المصرى مما يلى الشرق، وهو أشهر من قبر عمرو بن العاص، رضى الله عنهما، ولم يبلغنا فى تاريخ من تواريخ مصر أن عمرو بن العاص خرج من مصر بعد أن وليها لمعاوية بن أبى سفيان، رضى الله عنهما. وذكر أنّ ثلاثة «6» فى قبر واحد. وقد روى أنه لمّا ذكر «7» «المقوقس» جبل المقطم وقال ليدفن تحته ما هو خير من الشجر.. ليقبرنّ قوم يبعثهم الله يوم القيامة لا حساب عليهم، فقال عمرو: «اللهمّ اجعلنى منهم» قال حرملة: فرأيت أنا قبر عمرو بن العاص،

وقبر فيه أبو بصرة الغفارىّ» ، وعقبة بن عامر الجهنى «2» ، رضى الله عنهم «3» أجمعين.. [ولأهل مصر [عن] عمرو بن العاص عشرون حديثا. ***

عقبة بن نافع:

عقبة بن نافع «1» : ولعمرو هذا أخ لأمّه «2» ، وهو: عقبة بن نافع بن فهر بن مالك، ولّاه إفريقية- ذكره عبد البر- وهو من أعيان الصحابة، رضى الله عنهم «3» ، دخل مصر واختط بها، ثم خرج منها غازيا، فقتله البربر سنة 63 من الهجرة. ومما روى فى الصحيح أنّ النبي، صلّى الله عليه وسلم، رأى كأنه فى دار عقبة بن نافع، فجىء إليه برطب يسمّى «طابا» «4» وهو نوع معروف بالمدينة، فأوّلتها «الوقعة» ، وأنّ ديننا قد طاب لنا «5» . وحكى صاحب تاريخ إفريقية أن عقبة بن نافع لمّا دخل إلى إفريقية، وهو مقدّم على الجيش، قيل: إنّ الوادى [كان] «6» مملوءا بالسّباع

صفة عمرو بن العاص:

والحيّات، فصلّى ثم دعا، فرأينا السّباع تحمل أشبالها، ورأيت الحيّات تخرج من تحت الشجر.. وكان مجاب الدعوة.. وكان ينزل إلى الوادى وما فيه ماء، فيدعو الله سبحانه وتعالى، فيسقيهم ببركة دعائه.. وفى بعض الآثار أن رسول الله، صلّى الله عليه وسلم دعا له فقال: اللهم أجب دعوته، فكان لا يدعو الله إلّا استجاب له.. وكان الناس يسألونه الدعاء لما يرون من بركة دعائه.. ولأهل مصر عنه أحاديث، وله عقب بالقرافة. صفة عمرو بن العاص «1» : وكان من صفته- يعنى عمرو بن العاص- أنه أسمر، نحيف «2» ، كبير الرأس، أدعج، أبلج «3» ، وقد تقدم طرف يسير من أخباره.. وترك عمرو بن العاص لولده بعد موته مائة قنطار ذهب، وسبعة «4» قناطير فضة، فتورّع عنها عبد الله بن عمرو، ولم يلتمس «5» منها شيئا. وكان عبد الله بن عمرو المذكور- رضى الله عنهما- إماما زاهدا، عالما، ورعا، وهو أحد العبادلة الذين «6» يدور عليهم العلم.. والعبادلة أربع: عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى، وعبد الله بن عباس الهاشمى، عمّ النبي «7» ، وعبد الله بن الزبير بن العوّام الأسدى، وعبد الله بن عمرو ابن العاص بن وائل السّهميّ، ومناقبه غير محصورة، والله تعالى أعلم] «8» .

قبر عقبة بن عامر الجهنى:

قبر عقبة بن عامر الجهنى «1» : [هو عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو «2» بن عدى بن رفاعة بن مودوعة- وقيل مودعة- ابن عدىّ بن غنم بن الرّبعة بن رشدان [بن] «3» قيس بن جهينة] صاحب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم.. [يكنى] «4» أبا حمّاد، وقيل أبا أسيد «5» ، وقيل أبا عمرو «6» ، وقيل أبا سعاد، وقيل أبا الأسود، وقيل أبا عمّار، وقيل أبا عامر.. شهد فتح مصر واختطّ بها، وولى الجند بمصر لمعاوية بن أبى «7» سفيان بن عتبة بن أبى سفيان «8» سنة أربعين.. ثم أغزاه «9» معاوية البحر سنة سبع وأربعين، وكتب إلى مسلمة بن مخلّد الزّرقى «10»

بولايته على مصر، فلم يظهر مسلمة «1» ولايته [حتى دفع عقبة غازيا فى البحر، فأظهر مسلمة ولايته] «2» ، فبلغ ذلك عقبة فقال: ما أنصفنا معاوية، عزلنا وغزّانا «3» . ولأهل مصر عنه نحو مائة حديث، اتفق البخارى ومسلم منها على سبعة أحاديث، وانفرد البخارى عنه بحديث واحد «4» ، وانفرد مسلم عنه بتسعة «5» أحاديث، وروى عنه من أهل مصر جماعة.. قال عقبة: «سمعت رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، يقول: الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصّدقة، والمسرّ بالقرآن كالمسرّ بالصّدقة» . وقال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنّة صاحب مكس» «6» يعنى العشّار.. وقال عقبة: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: إنّى راكب غدا إلى يهود، فلا تبدءوهم بالسّلام، فإذا سلّموا عليكم فقولوا: وعليكم» .. وروى عقبة عنه- عليه السلام: «من توضّأ فأحسن «7» وضوءه ثم صلّى غير ساه ولا لاه «8» كفّر عنه ما كان قبلها من سيئاته» .. وروى عنه- عليه السلام- قال: «تعجّب ربّك من شابّ ليست له صبوة» «9» .

وذكر ابن يونس فى تاريخه أن عقبة بن عامر توفى سنة 58 بمصر، وقبر بمقبرتها بالمقطم [وكانت داره بدمشق بناحية قنطرة سنان من باب «توما» ] «1» . وكان قارئا، عالما بالفرائض والفقه، فصيح اللسان، شاعرا، وكانت له السابقة والهجرة، وكان كاتبا، وكان أحد من جمع القرآن، ومصحفه بمصر بخطّه، على غير التأليف الذي فى مصحف عثمان «2» ، وفى آخره: كتبه «3» عقبة بيده.. قال ابن يونس: ورأيت له خطّا جيدا، ولم أزل أسمع شيوخنا يقولون «مصحف عقبة» لا يشكّون فيه.. وكانت ولايته على مصر سنتين وثلاثة أشهر «4» . وقبره ظاهر يتبرّك به ويعرف بالإجابة.. كان يأخذ بزمام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال- رحمة الله عليه: «بينا كنت آخذ «5» بزمام بغلة رسول الله- صلّى الله عليه وسلم فى نقب «6» من تلك النقاب، إذ قال لى: يا عقبة «7» ، ألا تركب؟ فأشفقت أن تكون معصية، قال: فنزل رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، وركبت هنيهة «8» ، ثم ركب، ثم قال لى: يا عقبة، ألا أعلّمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس «9» ؟ قلت: بلى يا رسول الله.. قال: فأقرأنى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ .. ثم أقيمت الصلاة، فتقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقرأ بهما «10» ، ثم مرّ بى فقال: كيف رأيت

يا عقبة؟ اقرأهما «1» كلما نمت وقمت» رواه أحمد فى مسنده. وقبره «2» القبر المسنّم الكبير عند تربة بنى العوام، وعند رأسه بلاطة كدان فيها اسمه، وضعها أبو حفص عمر بن محمد بن غزال بن محمد المقرئ شيخ مصر، تلميذ الإمام ابن رشيق العسكرى «3» شيخ مصر، يتداوله السلف والخلف، والدعاء عنده مجاب، وليس فيه اختلاف، ولم يكن فى الجبانة قبر أثبت منه، رضى الله عنه، ونفع ببركاته.. (آمين) «4» . ***

عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى «1» : صاحب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم.. سكن مصر بعد أن عمّر عمرا طويلا، وبقى بها، وكانت وفاته سنة ثمان وثمانين، وقيل سبع وثمانين، وقيل خمس وثمانين «2» .. وروى عنه جماعة من المصريين، منهم يزيد «3» بن أبى حبيب.. قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى فداء أسارى من بنى المصطلق، وغيّب فى بعض الطريق ذودا «4» كنّ معه وجارية سوداء، فكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى فكّ الأسارى، فقال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «نعم.. ما جئت به؟ قال: ما جئت بشىء!! قال: فأين الزّود والجارية السوداء «5» الذي غيّبت بموضع كذا وكذا؟! قال: أشهد أنك رسول الله، والله ما كان معى من أحد، ولا سبقنى أحد إليك.. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لك الهجرة» . قال عبد الله بن الحارث: «ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله، صلّى الله عليه وسلم» . وقال: «أنا أول من سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «لا يبل أحدكم مستقبل القبلة» ، وأنا أول من حدّث الناس بذلك» . وقال: «أكلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم صلّينا ولم نتوضّأ» .

عبد الله بن حذافة السهمي:

وعبد الله «1» آخر من دخل مصر من الصحابة، وآخر من مات بها.. وعمر عمرا طويلا.. قال الإمام أبو حنيفة، رضى الله عنه: حججت مع أبى سنة من السنين، فرأيت الناس يزدحمون، فسألت عن ذلك، فقيل لى: هذا من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم، فأخذ أبى بيدى ثم أجلسنى أمامه وقال: يا بنىّ، سله أن يمرّ بيده على رأسك.. فمر بها، ودعا لى، فأنا أجد بركة دعائه. وقال القضاعىّ فى خططه: قال الكندى: مات عبد الله بن الحارث بقرية يقال لها «قرنفيل» «2» ، ذكر ذلك الجند العربى، فلعلّه حمل ودفن فى مقبرة الفسطاط.. وقيل: بل «3» مات بمصر، ولا يعرف قبره. عبد الله بن حذافة السّهميّ «4» : صاحب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، يكنى أبا حذافة- أسلم قديما، وكان من المهاجرين الأولين.. دفن بمصر.. هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية مع أخيه قيس بن حذافة.. وهو أخو أبى الأخنس بن حذافة، وخنيس بن حذافة زوج حفصة بنت عمر قبل النبي، صلّى الله عليه وسلم.. وهو من أصحاب بدر.. روى ذلك عمر بن الحكم عن [أبى] سعيد الخدرى «5» . وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعثه

إلى كسرى عظيم الفرس يدعوه إلى الإسلام، وكتب معه الكتاب، قال عبد الله: فرفعت إليه كتاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، فقرىء عليه، ثم أخذه فمزّقه، فلما بلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «اللهمّ مزّق ملكه» . وكتب «كسرى» إلى «باذان» عامله باليمن أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرّجل الذي بالحجاز فليأتيانى «1» بخبره. فبعث «باذان» قهرمانه «2» ورجلا آخر، وكتب معهما كتابا، فقدما المدينة، فدفعا إليه كتاب «باذان» ، فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ودعاهما إلى الإسلام وفرائصهما ترعد «3» ، وقال: ارجعا عنى يومكما هذا فأتيانى الغد فأخبركما «4» بما أريد.. فجاء الغد، فقال لهما: أبلغا صاحبكما أنّ الله قتل كسرى «5» فى هذه الليلة، لسبع ساعات «6» مضت منها، وهى ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الأولى «7» ، سنة سبع من الهجرة النبوية، وأنّ الله تعالى سلّط عليه ابنه «شيرويه» .. فرجعا إلى «باذان» بذلك، فأسلم هو والأبناء الذين باليمن «8» . وفى رواية أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم بعثه «9» بكتاب إلى كسرى، فمزّق كسرى

الكتاب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «مزّق الله ملكه، إن مات كسرى فلا كسرى بعده» قال الواقدى: فتسلط على كسرى شيرويه فقتله. وروى عبد الله بن حذافة أن النبي صلّى الله عليه وسلم أمره أن ينادى فى أيام التشريق «1» أنّها أيام أكل وشرب.. وكانت فيه دعابة [فحين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من أحبّ أن يسأل عن شىء فليسأل عنه، فو الله لا تسألونى عن شىء إلّا أخبرتكم به ما دمت فى مقامى هذا. فسأله عبد الله بن حذافة فقال] «2» : من أبى يا رسول الله، صلّى الله عليه وسلم؟ فقال: أبوك حذافة بن قيس.. فقالت أمّه: ما سمعت بابن أعقّ منك، أمنت أن تكون أمك فارقت ما يفارق أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟! فقال: والله لو ألحقنى بعبد أسود للحقت به. وهو الذي أسره الروم فى زمن عمر بن الخطاب، فأرادوه «3» على الكفر، فأبى، فقال له ملك الروم: قبل رأسى وأطلقك.. قال: لا.. قال: قبل رأسى وأطلقك ومن معك من أسرى المسلمين.. فقبّل رأسه، فأطلق معه ثمانين أسيرا. روى له مسلم حديثا واحدا، وروى له النسائى، والله أعلم.. ومات «4» فى خلافة عثمان بن عفان بمصر، ودفن بها فى سنة تسع عشرة «5» .

أبو بصرة الغفارى:

أبو بصرة الغفارىّ «1» : صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، واختلف فى اسمه فقيل: حميل، وقيل: جميل، غير مضبوط، وأصحه: حميل بالضم «2» . وقيل: إنّ «عزّة» التى ينسب إليها «كثّير» هى بنت ابنه «3» . روى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم اثنى «4» عشر حديثا.. وروى له مسلم حديثا واحدا.. روى عنه عمرو بن العاص، وأبو هريرة، وأبو تميم الجيشانى «5» ، وغنم بن فرع المهدى، وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزنّى «6» المصرى، نزيل مصر.. وروى له البخارى فى الأدب، ومسلم وأبو داود «7» .

روى أبو بصرة قال: «صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم صلاة العصر، فلما انصرف قال: إنّ هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فتراخوا «1» فيها وتركوها، فمن صلّاها منكم ضعّف له أجره ضعفين.. ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد.. وهو النجم» «2» . سكن أبو بصرة الحجاز، ثم تحول إلى مصر، فمات بها ودفن بالمقطم. قال، رضى الله عنه: «أتيت «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمّا «4» هاجرت- وذلك قبل أن أسلم- فحلب لى شويهة «5» كان لا يحلبها لأهله، فشربتها «6» فلما أصبحت أسلمت» . قال أبو بصرة: «لقيت أبا هريرة وهو يسير إلى مسجد الطّور ليصلّى فيه، قال: فقلت له: لو أدركتك قبل أن ترحل ما ارتحلت.. قال: ولم؟ قلت «7» : إنّى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «لا تشد الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدى هذا» . ***

ذكر الأشراف الذين قدموا مصر ومن دفن بها منهم

ذكر الأشراف الذين قدموا مصر ومن دفن بها منهم السيدة سكينة بنت الحسين*: قال ابن زولاق «1» : أول من دخل مصر [من] «2» ولد علىّ بن أبى طالب، رضى الله عنه، سكينة بنت الحسين بن على بن أبى طالب «3» ، حملت إلى الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان «4» ليدخل بها، فوجدته قد نعى «5»

مشهد السيدة سكينة ومن به من الأشراف:

فرجعت إلى المدينة.. وقيل إنها قالت لأخيها: والله لا يكون لى بعل، فماتت وهى بكر- رضى الله عنها «1» . مشهد السيدة سكينة ومن به من الأشراف:* وبهذا المشهد- أى مشهد سكينة- «2» السيد الشريف إبراهيم بن يحيى ابن بللوه «3» النّسّابة، والسيد الشريف حيدرة «4» . وبه جماعة من الأشراف- وهو مشهد معروف مشهور، به قبر السيدة الشريفة زينب «5» بنت الحسن ابن إبراهيم بن يحيى بن بللوه النسابة، رضى الله عنهم «6» .

الحسن بن زيد (والد السيدة نفيسة) :

وبجوار جامع ابن طولون مشهد على يسار السّالك «1» ، مكتوب عليه «سكينة» يذكر أنها من أهل البيت.. ثم دخلها على بن محمد «2» بن عبد الله بن الحسن بن علّى بن أبى طالب، دخل إلى مصر، ويقال إنه توفى فى ريفها، وقيل ذهب إلى الديلم، والله أعلم. الحسن بن زيد (والد السيدة نفيسة) «3» : وممّن دخلها أيضا الحسن بن زيد بن الحسن «4» بن على بن أبى طالب رضى الله عنه، وابنته نفيسة، وكان إماما، شيخا، عالما، من كبار أهل البيت، معدودا «5» من التابعين.. ولى المدينة من قبل عبد الله أبى جعفر المنصور الخليفة العباسى «6» .. وكانت له دعوة مجابة «7» وكان يسمّى شيخ الأشياخ، ومدح بقصائد كثيرة لكرمه وحلمه، وهو ممّن قد انتهت إليه الرياسة فى زمنه من بنى الحسن.

والأشراف أنواع، وأجلّ الأشراف الحسينيّون والحسنيّون «1» . والجعافرة قد نسبوا إلى جعفر الطيّار ابن أبى طالب، وله ذرّيّة بالقرافة. وأمّا من يسمّون بالزّينبيين «2» فنسبوا إلى عبد الله الجواد ابن جعفر الطيّار، وذلك أنه تزوج بفاطمة بنت زينب، أو زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم- على إحدى «3» الرّوايتين- فولدت له محمد بن عبد الله بن جعفر الطيار. وأما الأشراف الحنفية الذين عرفوا بالمحمديين فينسبون «4» إلى محمد المعروف بابن الحنفية ابن على بن أبى طالب.. وله عقب بالقرافة منهم. وأمّا الذين ينسبون «5» إلى العباسيين فهم من نسل عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وأخيه الفضل بن العباس.. وأجلّ أولاد العباس عبد الله، ومن أولاده الخلفاء.. وأولاد العباس أربعة «6» : عبد الله، والفضل، وقثم، ومعبد «7» . وأمّا الأشراف الذين يعرفون «8» بالميمونيين فينسبون «9» إلى الميمون بن

حمزة بن عبد المطلب الهاشمى «1» .. ومنهم طائفة بالقرافة. ولمّا ولى الحسن بن زيد المذكور- والد السيدة نفيسة، رضى الله عنها- المدينة كان بها رجل فقير يقال له ابن أبى ذؤيب، فقرّبه الحسن، وأحسن إليه، وكثر مال الرجل وترأس، وقرّبه المنصور «2» ، فلما عظم عند المنصور شرع يتكلم فى حق الحسن وينمّ عليه بما ليس فيه، حتى إنه قال للمنصور عنه إنه يريد الخلافة، فأحضره المنصور وسلب نعمته، وبعد قليل «3» ظهر للمنصور الكذب من القائل المذكور، فردّ على الحسن أمواله، وأنعم عليه إنعاما بليغا، وأرسله «4» إلى المدينة على عادته، فلما قدم المدينة أرسل إلى ابن أبى ذؤيب هدية عظيمة، وأمر له بمال جزيل، ولم يعتبه «5» فى ذلك، ولم يقل له فى يوم من الأيام فعلت كيت وكيت. وحكى عنه أنه كان يصلى بالأبطح «6» فى يوم من الأيام، وإذا بامرأة مارّة وعلى يديها طفل، فاختطفه عقاب منها، فحصل لها عليه وجد «7» عظيم، والتهبت بالنار، وجاءت إلى الحسن وتعلقت به، وسألته الدعاء أن يردّ لها ولدها، فدعا لها، فمن ساعته نزل العقاب به إلى الأرض، وردّه الله عليها ببركته وبركة دعائه.

السيدة نفيسة، رضى الله عنها، ونفع ببركاتها:

قال الطبرى: لمّا مات أبو الحسن، رضى الله عنه، ترك عليه ما يزيد على خمسة آلاف دينار «1» دينا للناس، فحلف الحسن أنه لا يستظلّ بسقف حتى يقضى دين أبيه، فلم يزل كذلك حتى قضى دينه، رضى الله عنه. وكانت له دعوة مجابة، وسمّى فى زمانه بصفى الأسخياء.. قال عبد الله بن يعيش: كان الحسن بن زيد يعدّ بألف من الكرام.. وإليه انتهت الرياسة فى بنى الحسن وجىء له بشابّ شارب متأدّب، فقال له: يا بن بنت رسول الله، أطلقنى وأنا لا أعود، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم» ، وأنا ابن [أبى] أمامة بن سهل بن حنيف «2» ، وقد كان أبى مع أبيك كما علمت.. قال: صدقت، فهل أنت عائد؟ قال: لا والله.. فأقاله، وأمر له بخمسين دينارا وقال: تزوّج بها وعد إلىّ.. فتاب الشابّ، فكان الحسن بن زيد المذكور يجرى عليه النفقة. نفع الله تعالى به فى الدنيا والآخرة (آمين) . السيدة نفيسة، رضى الله عنها، ونفع ببركاتها «3» : هى السيدة العابدة، الزاهدة، المجتهدة، الورعة، صاحبة الكرامات المتنوعة، نجيبة دهرها، وفريدة عصرها، المرتقية بجدّها «4» المفتخرة بأبيها

وجدّها، السيدة الرئيسة، السيدة نفيسة ابنة الحسن الأنور، المذكور آنفا، ابن زيد الأبلج، ابن حسن السبط، ابن الإمام الأنزع «1» على بن أبى طالب [ابن عبد المطلب] «2» بن هاشم بن عبد مناف، وبقية النسبة معروفة. ولدت هذه السيدة فى سنة 145 من الهجرة النبوية فى خلافة أبى جعفر عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس، المعروف بالمنصور بالله تعالى، وذلك بعد ولادة الإمام الليث بن سعد بإحدى «3» وخمسين سنة، تقريبا، وقبل ولادة الشافعى بخمس سنين.. [وعند] «4» ولادتها أمر المنصور بعمارة بغداد، وكانت تحب العبادة من صغرها، ونشأت بالمدينة النبوية، وصحبت كثيرا من نساء الصحابة، وكانت تلازم حرم النّبيّ، صلّى الله عليه وسلم. وحكى الحافظ أبو محمد عبد الله بن برغش النّسّابة فى كتابه «تحفة الأشراف» أنّ الإمام زيد الأبلج، رضى الله عنه، كان يأخذ بيد ولده الحسن الأنور، والد السيدة نفيسة، رضى الله عنها، ويدخل إلى قبر النبي صلّى الله عليه وسلم ويقول: يا سيدى يا رسول الله، هذا ولدى الحسن، أنا راض عنه، ثم يرجع وينصرف، فلمّا كان فى بعض الليالى نام فرأى النبي صلّى الله عليه وسلم فى المنام وهو يقول: يا زيد، إنّى راض عن ولدك الحسن برضاك عنه، والحق- سبحانه وتعالى- راض عنه برضاى عنه.. فلما نشأ الحسن وجاء بالسيدة نفيسة إلى المدينة الشريفة، كان يأخذ بيدها ويدخل بها إلى القبر الشريف ويقول: يا رسول الله، إنّى راض عن ابنتى نفيسة، ويرجع، فما زال يقول ذلك حتى رأى النبي صلّى الله عليه وسلم فى المنام وهو يقول: يا حسن، إنى راض عن ابنتك نفيسة برضاك عنها، والحق- سبحانه وتعالى- راض عنها برضاى.

وما أحسن قول بعضهم «1» : بكم المدائح تستلذّ وتعشق ... ولنا بكم يا آل أحمد رونق وإذا نظمت مدائحا لعلاكم ... صدق الحديث، وغيره لا يصدق وإذا كتبت حروفها ورقمتها ... قال الورى: تالله إنّك موفق والغير إن علم الحديث لغيركم ... هو كاذب فيما نحاه وأحمق لم يخلق الرّحمن مثل محمّد ... وقبيله، وأظنّه لا يخلق *** قال الرّازى النّسّابة: لمّا بلغت السيدة نفيسة من العمر ستّ عشرة سنة «2» رغب الناس فى خطبتها، لما علموا من خيرها ودينها، وما نشأت عليه من العبادة، ووالدها الحسن يأبى ذلك.. ثم جاء رجل إلى أبيها من بنى حسن فخطبها، فأبى والدها، ثم جاء السيد إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن محمد بن على بن زين العابدين بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب فخطبها من أبيها، فلم يردّ عليه جوابا، فقام من عنده ودخل إلى حجرة النبي صلّى الله عليه وسلم، وقال عند الحجرة: يا رسول الله، إنى خطبت نفيسة ابنة الحسن منه فلم يردّ جوابا علىّ، وإنّى لم أخطبها إلا لخيرها ودينها وعبادتها، فلما كان تلك الليلة رأى أبوها الحسن الأنور النّبيّ صلّى الله عليه وسلم فى المنام يقول له: يا حسن، زوّج نفيسة لإسحاق المؤتمن.. فلما أفاق دعا بإسحاق وعقد له على ابنته، وذلك فى سنة إحدى «3» وستين ومائة، وهى بنت عمه. وولى إسحاق المدينة بعد والد السيدة نفيسة من قبل أبى جعفر المنصور، ورزقت منه ولدين: القاسم، وأم كلثوم.. وحجّت ثلاثين حجة، وكان الغالب

عليها فيهم [المشى على قدميها] «1» .. وكانت تتعلق بأستار الكعبة عند الطواف وهى تبكى وتقول: إلهى وسيدى ومولاى، متّعتنى وفرّحتنى برضاك عنى، فلا تسبّب لى سببا يحجبنى عنك. وحكى عن السيدة زينب بنت أخيها سيدى يحيى المتوّج [قالت: خدمت عمتى السيدة نفيسة أربعين سنة فما] «2» رأيتها نامت ليلا ولا أفطرت نهارا إلّا العيدين وأيام التشريق، فقلت لها: أما ترفقين «3» بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بها وأمامى عقبات لا يقطعها إلّا الفائزون!! وكانت كثيرة التلاوة للقرآن وتفسيره.. وكانت تبكى وتقول: إلهى سهّل علىّ زيارة قبر خليلك ونبيّك إبراهيم، عليه السلام، فلما حجّت هى وزوجها، آخر حجّها، قصدا «4» زيارة الخليل عليه السلام، فلما أن زارته هو وإيّاها عزما «5» المجىء إلى «مصر» ، وتوجّها إلى أن جاءا إليها، وكان قدومهما إلى مصر [لخمس] «6» بقين من شهر رمضان سنة 193، وقيل: سنة 196 على خلاف فى التاريخ.. ولمّا سمع أهل مصر بقدومها- وكان لها ذكر شائع عندهم- تلقّتها النساء والرجال بالهوادج من «العريش» ، ولم يزالوا معها إلى أن دخلت «مصر» ، فأنزلها عنده «7» كبير التجار بمصر، وهو جمال الدين عبد الله بن الجصّاص- بالجيم، وقيل بالحاء، والأول أصح «8» - وكان من

أصحاب المعروف والبر والمحبة والصّدقة للفقراء، والصالحين، والعلماء، والسادة الأشراف.. فنزلت عنده فى داره، وأقامت بها عدة «1» شهور، والناس يأتون إليها من سائر الآفاق يتبركون بزيارتها ودعائها. وقيل: بل نزلت هى وبعلها بالمصاصة «2» فى دار امرأة تعرف بأمّ هانىء فى التاريخ المذكور، وهو سنة 193، بعد وفاة الإمام الليث بثمانى عشرة سنة «3» . وكان بجوار هذه الدار امرأة يهودية لها ابنة مقعدة، فأرادت «4» الأم أن تتوجّه إلى الحمّام، فقالت لها: يا بنيّتى، ما أصنع فى أمرك؟ هل لك أنّ نحملك معنا إلى الحمّام؟ قالت [البنت] «5» : يا أمّاه، اجعلينى عند هذه الشريفة التى بجوارنا حتى تعودى. فجاءت أمّها إلى السيدة نفيسة، وسألتها واستأذنتها فى ذلك «6» ، فأذنت لها، فأتت بها إليها، ووضعتها فى جانب البيت، ومضت، فجاء وقت صلاة الظهر، فقامت السيدة نفيسة فتوضّأت إلى جانب الصبية، فجرى الماء إليها «7» ، فألهمها الله تعالى أن أخذت من ماء الوضوء وجعلت تمرّ به على أعضائها، فشفيت «8» بإذن الله تعالى، وقامت تمشى كأن لم يكن بها شىء، فلما جاء أهلها خرجت إليهم تمشى، فسألوها عن شأنها، فأخبرتهم، فأسلموا.

وفى رواية أخرى، على صفة أخرى، وهى: أنّ الصّبيّة لمّا أن تمسّحت بماء السيدة نفيسة، رضى الله عنها، قامت تمشى كأن لم يكن بها شىء من الأمراض، هذا والسيدة [نفيسة] مشغولة بالصلاة لم تعلم بما جرى، ثم أنّ البنت لمّا سمعت «1» بمجيء أمّها من الحمّام خرجت من دار السيدة نفيسة حتى أتت إلى دار أمها، فطرقت الباب، فخرجت الأم لتنظر من يطرق الباب، فبادرت البنت واعتنقت أمها، [فلم تعرفها] «2» وقالت لها: من أنت؟! قالت: أنا بنتك.. قالت لها: وكيف قصّتك؟ فأخبرتها بما فعلت، فبكت الأم بكاء شديدا وقالت: والله هذا [هو] «3» الدين الصحيح.. ثم دخلت إلى السيدة نفيسة، وأقبلت تقبّل قدمها وقالت: مدّى يديك، فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ جدّك محمدا «4» رسول الله.. فشكرت السيدة [نفيسة] لها ذلك، وحمدت الحق- سبحانه وتعالى- الذي أنقذها من الضّلال.. ثم مضت المرأة إلى منزلها، فلما حضر أبو البنت- وكان اسمه أيّوب، ولقبه صابرا، وكنيته أبا السّرايا «5» ، وكان من أعيان قومه- ورأى ابنته على تلك الحالة، ذهل، وطار عقله من الفرح، وقال لامرأته: كيف الخبر والقصة؟! فأخبرته بقصتها مع السيدة [نفيسة] .. فرفع اليهودى طرفه إلى السماء وقال: سبحانك، هديت من شئت، وأضللت من شئت.. هذا والله هو الدّين الصحيح، ولا دين غير دين الإسلام.. ثم أتى إلى باب السيدة [نفيسة] ومرّغ خدّيه على عتبة بابها ونادى: يا سيدتى، ارحمى واشفعى فيمن هو فى ضلال الكفر «6» قد تاه، ومن دينه قد أبعده وأقصاه.. فرفعت طرفها إلى السماء ودعت له بالهداية، فأسلم ونطق بالشهادتين.

ثم شاع خبر البنت، وخبر إسلام أمها وأبيها وجماعتهم، فأسلم فى هذه الواقعة ما يزيد على سبعين «1» من اليهود، وهم أهل تلك الحارة. ثم إنّها خرجت من «المصاصة» «2» إلى درب الكوريين فى دار أبى السرايا أيوب.. قال الحسن بن زولاق: ولمّا شاعت هذه الكرامة بين [الناس] «3» لم يبق أحد إلّا قصد زيارة السيدة نفيسة، وعظم الأمر، وكثر الخلق على بابها، فطلبت عند ذلك الرحيل إلى بلاد الحجاز عند أهلها، فشق ذلك على أهل مصر، فسألوها فى الإقامة فأبت ذلك، فاجتمع أهل مصر ودخلوا على السّرىّ بن الحكم أمير مصر وأخبروه أنها عزمت على الرحيل، فاشتد ذلك عليه، وبعث لها كتابا ورسولا يأمرها بالرجوع عمّا عزمت عليه، فأبت، فركب بنفسه وأتى إليها، وسألها فى الإقامة، فقالت: إنى كنت نويت الإقامة عندكم، وإنى امرأة ضعيفة، والناس قد كثروا على الإتيان إلىّ وشغلونى عن عبادتى «4» وجمع زادى لمعادى، ومكانى هذا صغير وضاق بهذا الجمع الكثيف.. فقال لها السّرىّ: إنى سأزيل عنك جميع ما شكوتيه.. وأمهّد لك الأمر على ما ترتضينه «5» ، أمّا ضيق المكان فإن لى دارا واسعة بدرب السباع، وأشهد الله أنى قد وهبتها لك، وأسألك أن تقبليها منى ولا تخجلينى بالردّ علىّ.. قالت: قد قبلتها منك.. ففرح السّرىّ بقبولها منه، فقالت: كيف [أصنع] «6» بهذه الجموع الوافدين علىّ؟: قال: تقرّرين «7» معهم أن يكون لهم يومان فى الجمعة، وباقى أيامك تتفرغين «8» لخدمة مولاك.. اجعلى يوم السبت

من كرامات السيدة نفيسة:

والأربعاء.. ففعلت ذلك فى حال حياتها، واستمر الأمر على ذلك إلى أن توفيت بهذا المكان- على ما سيأتى ذكره فيه. من كرامات السيدة نفيسة «1» : وكراماتها كثيرة، ومن كراماتها ما حكاه سعد بن الحسن، قال: توقّف النيل فى زمانها إلى حين وقت الوفاء، فجاء الناس إليها وسألوها الدعاء، فأعطتهم قناعها، فجاءوا به إلى البحر وطرحوه فيه، فما رجعوا حتى، وفى «2» البحر، وزاد على ذلك زيادة كثيرة ببركاتها. وكان كلما نزل بالناس أمر جاءوا إليها وسألوها الدعاء، فيكشف الله عنهم ذلك البلاء.. وكان الناس يزدحمون عندها، فلما رأى ذلك زوجها قال لها: ارحلى بنا إلى الحجاز.. فقالت لا أستطيع، لأنى رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المنام، وقال لى: لا ترحلى من «مصر» ، فإن الله سبحانه وتعالى متوفّيك بها.. ففى ذلك دلالة أنها ما أقامت بمصر إلّا بإشارة النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، وعلى جميع المرسلين والأنبياء والأولياء. قال القضاعىّ، رحمه الله تعالى: قلت لزينب «3» بنت أخى السيدة نفيسة، رضى الله عنهم: ما كان قوت عمتك؟ قالت: كانت تأكل فى كل ثلاثة أيام أكلة. وكانت لها سلّة معلّقة أمام مصلّاها، وكانت كلما طلبت شيئا للأكل وجدته فى تلك السّلة، وكانت لا تأكل لأحد شيئا «4» غير زوجها،

فالحمد لله الذي جعل لها نصيبا ممّا حصل للسيدة «مريم» ابنة عمران، فإن الله تعالى قال فى كتابه المبين حاكيا عنها: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً، قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا، قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ «1» .. وقد فعل الله ذلك بالسيدة نفيسة كما فعل ذلك بالسيدة مريم، صلوات الله عليهما. وما أحسن قول بعضهم «2» : بتقوى الإله نجا من نجا ... وصار بذاك إلى ما رجا ومن يتّق الله يجعل له ... كما قال من أمره مخرجا ويرزقه حيث لا يحتسب ... وإن ضاق أمر به فرّجا وإن كان فيما مضى مذنبا ... فعفو الإله غدا يرتجى كيف لا يكون لها ذلك وهى البضعة الشريفة المحبوبة، صلّى الله على روح جدها وعليها. وما أحسن ما قال بعضهم: إليكم كلّ مكرمة تئول ... إذا ما قيل جدّكم الرّسول «3» أبوكم خير من ركب المطايا ... وأمّكم المعظّمة البتول «4» إذا افتخر الأنام بمدح قوم ... بخدمتكم تشرّف جبرئيل «5» ومن كراماتها أنّ امرأة عجوزا «6» كان لها أربع بنات أيتام كنّ يتقوّتن

من غزلهنّ «1» من الجمعة إلى الجمعة، وفى آخرها تأخذ العجوز الغزل وتمضى به إلى السوق وتبيعه، وتشترى منه «2» كتّانا، وممّا فضل تشترى ما يتقوّتن «3» به من الجمعة إلى مثلها.. فأخذت العجوز الغزل فى خرقة حمراء وذهبت به إلى السّوق على عادتها، فبينما هى فى أثناء الطريق إذا بطائر انقضّ على الخرقة الحمراء التى فيها الغزل واختطفها من العجوز، فسقطت العجوز إلى الأرض مغشيا عليها «4» ، فلما أفاقت قالت: كيف أصنع بأيتام ضعفاء قد أجهدهم الجوع والفقر «5» ؟! وشكت، فاجتمع عليها الناس وسألوها عن خبرها، فأخبرتهم بالقصة، وكانت قريبة من منزل السيدة نفيسة فدلّها الناس «6» عليها وقالوا لها: امضى إليها واسأليها الدعاء، فإن الله يزيل عنك ما تجدينه من الهمّ.. فلما جاءت إلى السيدة [نفيسة] «7» أخبرتها بما جرى لها مع الطير، وبكت، وسألتها الدعاء، فرحمتها السيدة [نفيسة] رضى الله عنها، ورفعت رأسها إلى السماء وقالت: اللهمّ يا من علا «8» فاقتدر، وملك فقهر، اجبر «9» من أمتك هذه ما انكسر، فإنها هى وأطفالها عيالك.. ثم قالت: اقعدى على الباب، فإن الله على كل شىء قدير.. فقعدت المرأة عند الباب وفى قلبها لهيب النار على الأطفال، فما كان إلّا أن جلست ساعة يسيرة، وإذا بجماعة

قد أقبلوا واستأذنوا عليها «1» ، فأذنت لهم، فدخلوا وسلّموا عليها، وقالوا لها: قد جئناك لنخبرك بأمر عجيب، نحن قوم تجّار، لنا مدة فى السفر فى البحر، ونحن بحمد الله سالمون «2» آمنون، فلما وصلنا إلى هذه البلدة انفتحت المركب ودخلها الماء وأشرفنا على الغرق، وجعلنا نسدّ المكان المنفتح، وبقيت قطعة صغيرة لم نجد لها ما نسدها به، فاستغثنا بك، فجاء طائر كأنه حدأة، وألقى علينا خرقة حمراء فيها غزل، فأخذناه ووضعناه فى المكان المفتوح، فسدّه بإذن الله تعالى، وقد جئناك بخمسمائة درهم شكرا لله تعالى على السلامة.. فلما سمعت السيدة [نفيسة] «3» كلامهم بكت وقالت: إلهى، ما أرأفك وما ألطفك بعبادك!! ثم دعت «4» العجوز وقالت لها: بكم تبيعين «5» غزلك فى كل جمعة؟ قالت: بعشرين درهما.. فقالت لها: أبشرى، فإنّ الله تعالى ضاعف لك الثمن أضعافا.. ثم أخبرتها بالقصة وأعطتها الدراهم، فأخذتها «6» المرأة وجاءت إلى بناتها وأخبرتهن «7» بما جرى لها، وكيف ردّ الله لهفتها ببركة هذه السيدة، رضى الله عنها، ونفع ببركاتها. ومن كراماتها أنّ رجلا من أهل المعافر تزوّج بامرأة ذمّيّة فجاء منها بولد، فأسر فى بلاد العدوّ، فأخذت المرأة تكد فى البحث عنه، حتى أعياها الأمر «8» ، فقالت لزوجها: بلغنى أنّ بين أظهرنا امرأة يقال لها نفيسة بنت الحسن، اذهب إليها لعلّها تدعو لولدى، فإذا جاء آمنت بدينها.. فجاء «9»

الرجل إلى السيدة نفيسة وقص عليها القصة.. فدعت له أن يردّه الله تعالى عليه «1» .. فلما كان الليل إذا بالباب يطرق، فخرجت المرأة فوجدت ولدها واقفا بالباب [فصاحت من فرحتها واحتضت ولدها ودموع الفرح تسيل على وجنتيها.. وبعد أن فرح الجميع بهذا الجمع سألته أمّه عن أمره] «2» فقالت له: يا بنىّ، أخبرنى بأمرك كيف كان؟ فقال: يا أمّاه، كنت واقفا [على باب المعتقل] «3» فى الوقت الفلانى- وهو الوقت الذي دعت فيه السيدة نفيسة له- فى خدمتى، فلم أشعر إلّا ويد وقعت على القيد، وسمعت من يقول: أطلقوه، فقد شفعت فيه السيدة نفيسة بنت الحسن. فأطلقت من الغل والقيد، ثم لم أشعر بنفسى إلّا وأنا داخل من رأس محلتنا إلى أن وقفت على الباب.. ففرحت الأمّ، وشاعت هذه الكرامة، فأسلم فى تلك الليلة أهل سبعين دارا ببركتها، وأسلمت أمه ووهبت نفسها لخدمة السيدة نفيسة- رضى الله عنها «4» . وحكى بعض المشايخ أنه كان فى زمنها أمير، وكان الغالب على أحواله الظلم، وأنه طلب إنسانا ليعذبه ظلما، فقبض على الرّجل أعوان الأمير، فبينما هو سائر معهم إذ مرّ على السيدة [نفيسة] «5» فاستجار بها، فدعت له بالخلاص، وقالت له: حجب الله عنك أبصار الظالمين.. فمضى ذلك الرجل حتى وقف بين يدى الأمير، فلم يره الأمير، فقال لأعوانه: أين فلان «6» ؟

الإمام الشافعى والسيدة نفيسة وصحة تاريخ رابعة العدوية:

قالوا: إنه واقف بين يديك.. فقال الأمير: والله ما أراه!! فقالوا له: إنه مرّ بالسيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد، رضى الله عنها، وسألها الدعاء، فقالت: حجب الله عنك أبصار الظالمين!! فقال: أو بلغ «1» من ظلمى هذا يا رب، إنى تائب إليك.. ثم بكى «2» واستغفر.. فلما تاب ونصح فى توبته وأخلص فى نيته إذا به يرى الرجل «3» وهو واقف بين يديه، فدعاه، وقبّل رأسه، وألبسه أثوابا سنية، وصرفه من عنده شاكرا، ثم إنه جمع ماله وتصدّق ببعضه على الفقراء والمساكين.. وذهب إلى السيدة [نفيسة] «4» رضى الله عنها ومعه مائة ألف درهم وقال: خذى هذا المال «5» شكرا لله تعالى بتوبتى.. فأخذته وصرّته صررا بين يديها، وفرّقته عن آخره «6» .. وكان عندها بعض النساء «7» ، فقالت لها: يا سيدتى، لو تركت لنا شيئا «8» من هذه الدراهم لنشترى به شيئا نفطر عليه!! فقالت لها: خذى غزل يدى بيعيه بشىء نفطر عليه.. فذهبت المرأة وباعت الغزل، وجاءت لها بما أفطرت به هى وإيّاها، ولم تأخذ من المال شيئا «8» . الإمام الشافعى والسيدة نفيسة وصحة تاريخ رابعة العدوية «9» : وحكى صاحب كتاب المشرق فى تاريخ المشرق أنّ «الشافعى» سمع منها الحديث.. وقيل إنه كان مع جلالة قدره كان يأتى إليها ويسألها الدعاء..

وسماع الشافعى منها الحديث وهو «1» الصحيح، خلافا لمن قال إنه قرأ عليها- وهو صاحب التحفة الأنيسة. وكان إذا أتى لزيارتها هو أو صحابه تأدّبوا معها غاية التّأدّب، وكذلك كان الشيخ الإمام العالم سفيان الثورى مع السيدة رابعة «2» العدوية، رضى الله عنها، لمّا كان يتردد إليها لسماع كلامها.. وقد ادّعى قوم أنّ رابعة العدوية والسيدة نفيسة، رضى الله عنهما [كانتا] «3» متعاصرتين، وليس الأمر كذلك، فإن السيدة رابعة، رضى الله عنها، أم الخير ابنة إسماعيل المصرى، وقيل البصرى، توفيت سنة 135 هـ فى خلافة السّفّاح، وكان مولد «4» السيدة نفيسة رضى الله عنها فى سنة 145 هـ، فبين مولد السيدة نفيسة «5» رضى الله عنها، ووفاة رابعة عشر «6» سنين، فبطل قول المدّعى ذلك. واسم «رابعة» كثير، غير أنّ الأعيان منهن ثلاثة «7» : رابعة العدوية هذه، والثانية رابعة ابنة إسماعيل الدمشقية القدسية، وقد شاركت الأولى فى اسمها واسم أبيها، والثالثة رابعة بنت إبراهيم بن عبد الله «8» البغدادية، وتسمى رابعة بغداد.. وقبر رابعة العدوية رضى الله عنها فى البصرة معروف هناك مشهور.. ورابعة الدمشقية توفيت بالقدس، ودفنت على رأس جبل هناك بالطور «9» ، وإنما عرفت بالقدسية لدفنها هناك، وأكثر العامة يظنون أنه قبر رابعة العدوية، فليعلم ذلك.. ورابعة البغدادية دفنت فى بغداد، وكانت وفاتها يوم الأحد، حادى عشر شهر ذى القعدة سنة 518 هـ.

انعطاف:

انعطاف «1» : وكان الشافعى رضى الله عنه إذا مرض يرسل لها- أى السيدة نفيسة رضى الله عنها- إنسانا من تلاميذه «2» كالربيع الجيزى، والربيع المرادى، وغيرهما، فيسلم المرسل عليها ويقول لها: إنّ ابن عمك الشافعى مريض ويسألك الدعاء.. فتدعو له، فلا يرجع له القاصد إلّا وقد عوفى من مرضه.. فلما مرض «3» مرضه الذي مات فيه أرسل لها على جارى العادة يلتمس منها الدعاء.. فقالت للقاصد: «متّعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم» .. فجاء القاصد له، فرآه الشافعى فقال: ما قالت لك؟ قال: قالت لى كيت وكيت: فعلم أنه ميت، فأوصى- وسيأتى ذكر وصيته عند ذكر قبره، رضى الله عنه- وأوصى أن تصلّى على جسده، فلما مات فى سنة 204 هـ كما هو مشهور، مرّوا به على بيتها، فصلّت عليه مأمومة، وكان الذي صلّى عليه بها إماما أبا يعقوب «4» البويطى، أحد أصحاب الشافعى، رضى الله عنه.. وكان جواز نعش الشافعى رضى الله عنه على بيتها بأمر السّرى الأمير، والله أعلم ذكر ذلك، لأنها سألته فى ذلك إنفاذا لوصية الشافعى، لأنها كانت لا تستطيع الخروج إلى جنازته لضعفها عن الحركة من كثرة العبادة. وقد قال بعض الصالحين ممّن حضر جنازة الإمام الشافعى: سمعت بعد انقضاء الصّلاتين أن الله غفر لكل من صلّى على الشّافعى بالشّافعى.. وغفر للشافعى بصلاة السيدة نفيسة عليه، رضى الله تعالى عنها، ونفع ببركاتها (آمين) .

ذكر وفاتها - رضى الله عنها - وما وقع من الكرامات بعد وفاتها، ومن رأى قبرها من الأولياء والصلحاء والعلماء والفقهاء والأعيان - رضى الله عنهم ونفع ببركاتهم فى الدنيا والآخرة:

ذكر وفاتها- رضى الله عنها- وما وقع من الكرامات بعد وفاتها، ومن رأى قبرها من الأولياء والصلحاء والعلماء والفقهاء والأعيان- رضى الله عنهم ونفع ببركاتهم فى الدنيا والآخرة: قال القضاعى، رضى الله عنه، ولما ذكر آنفا: إنّ السيدة [نفيسة] «1» انتقلت عن المنزل الذي كانت تنزل به إلى دار أبى جعفر خالد ابن هارون السلمى، وهى الدار التى «2» وهبها لها أمير مصر السّرىّ بن الحكم فى خلافة المأمون، وأقامت بهذه الدار إلى حين وفاتها، بعد أن حفرت قبرها بيدها، وقرأت فيه ألفى ختمة، وقيل: ألفا «3» وتسعمائة ختمة. قالت زينب بنت أخيها: تألّمت عمّتى فى أول يوم من رجب، وكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتابا، وكان غائبا بالمدينة، تأمره بالمجىء إليها، وما زالت «4» كذلك إلى أن كان أول جمعة من شهر رمضان زاد بها الألم وهى صائمة، فدخل عليها الأطباء الحذّاق وأشاروا بأسرهم «5» عليها أن تفطر لحفظ القوة، لما رأوا من الضعف الذي أصابها، فقالت: وا عجبا! لى ثلاثون «6» سنة أسأل «7» الله عز وجل أن يتوفّانى وأنا صائمة وأفطر؟! معاذ الله تعالى- ثم أنشدت عند ذلك «8» :

انعطاف:

اصرفوا عنّى طبيبى ... ودعونى وحبيبى زاد بى شوقى إليه ... وغرامى فى لهيب «1» طاب هتكى فى هواه ... بين واش ورقيب «2» لا أبالى بفوات ... حيث قد صار نصيبى «3» ليس من لام بعذل ... عنه فيه بمصيب جسدى راض بسقمى ... وجفونى بنحيبى قلت: ومن الناس من يروى هذه الأبيات لمحمد بن إبراهيم بن ثابت بن فرج الكيزانى الشيعى، الذي دفن بقبّة الشافعى قبل بنائها، ونقل فى زمن البناء إلى مشهد بالقرب من «تربة» أبى الفضل بن الفرات الوزير.. والله أعلم. انعطاف: ثم إنها بقيت كذلك إلى العشر الأواسط «4» من شهر رمضان، فاشتدّ بها المرض واحتضرت «5» ، فاستفتحت بقراءة سورة الأنعام، فما زالت «6» تقرأ إلى أن وصلت إلى قوله تعالى:.. قُلْ لِلَّهِ، كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ «7» ففاضت روحها الكريمة.. وقيل: إنها قرأت: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ «8» فغشى عليها.. قالت زينب: «فضممتها إلى

صدرى، فشهدت شهادة الحق، وقبضت- رضى الله عنها- سنة 208 هـ وذلك بعد موت الشافعى بأربع سنين» .. حكى ذلك عن البويطى. وما أحسن ما قال بعضهم فى خروج روحها- رضى الله تعالى عنها: روح دعاها للوصال حبيبها ... فأتت إليه مطيعة ومجيبة يا مدّعى صدق المحبّة هكذا ... فعل المحبّ إذا دعاه حبيبه «1» وأوصت السيدة [نفيسة] «2» رضى الله عنها ألّا يتولى أمرها غير بعلها- وكان مسافرا كما قدمنا- فلما ماتت قدم فى ذلك اليوم، فلما قدم اجتمعت الناس من البلدان والقرى، وأوقدت الشموع فى تلك الليلة، وسمع البكاء من كل دار بمصر، وهيّأ لها بعلها تابوتا وقال: لا أدفنها إلّا بالبقيع عند جدها.. فتعلّق به أهل مصر وسألوه بالله أن يدفنها عندهم، فأبى، فاجتمعوا وجاءوا إلى أمير البلد وتوسّلوا به إليه ليدفنها عندهم وليرجع عمّا أراده.. فسأله الأمير «3» فى ذلك وقال له: بالله لا تحرمنا مشاهدة قبرها، فإنّا كنّا إذا نزل بنا أمر «4» أتينا إلى دارها وهى حيّة فنسألها الدعاء، فإذا دعت لنا رفع عنا ما نزل بنا، فدعها تكون فى أرضنا، إذا نزل بنا أمر أتينا إلى قبرها، فنسأل الله عنده. فلم يرض «5» ، فجمعوا له مالا كثيرا، وسق «6» بعيره الذي أتى

عليه، وسألوه، فأبى، فباتوا منه فى ألم عظيم، وتركوا المال عنده، فلمّا أصبحوا جاءوا إليه فوجدوا منه ما لم يروه من قبل، فإنهم لمّا قدموا أنعم عليهم «1» بدفنها وردّ عليهم المال، فسألوه عن ذلك، فقال لهم: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المنام وقال لى: «ردّ على الناس أموالهم وادفنها عندهم» .. ففرحوا بذلك، وصلّوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم كثيرا. ثم إنه دفنها بمنزلها المذكور آنفا بدرب السباع بين مصر والقاهرة، وكان يوما مشهودا، وازدحمت الناس فيه ازدحاما عظيما، وجعل الناس يأتون إلى قبرها من البلاد البعيدة، ويصلّون عليه، وصلّى عليه جماعة من علماء مصر وعوامها ورؤسائها.. وخرج زوجها رضى الله عند بعد أيّام قلائل ومعه ولداه «2» منها- القاسم وأم كلثوم- إلى المدينة، وماتوا بها، وفيهم خلاف- أعنى الثلاثة- فى دفنهم بالبقيع، وليس فى قبر السيدة [نفيسة] «3» رضى الله عنها خلاف.. ذكر ذلك الشريف أبو إسحاق إبراهيم بن بللوه النّسّابة، والشريف محمد بن الأسعد بن على الحسينى النسابة. قال القضاعى- رحمه الله تعالى: أقامت السيدة نفيسة بمصر سبع سنين «4» ، وحفرت قبرها بيدها فى البيت الذي كانت قاطنة به، وهو المشهد، ولعلها لم تفعل ذلك- يعنى حفر القبر- إلا بأمر النبي، صلّى الله عليه وسلم، ولولا ذلك

انعطاف:

لما رأى زوجها «1» ، وربما يفهم ذلك من قوله «2» : «إنّ الله متوفّيك بمصر» كما قدّمناه آنفا، ولم يخالف ذلك «3» أحد من المؤرخين إلّا من ليس له معرفة بالتاريخ، وجاهل لا يحسن ذلك.. ومن قال إنها «4» بالمسجد الذي بالمراغة فهو جهل من قائله.. فالمدفونة بذلك المكان هى «5» السيدة نفيسة بنت زيد الأبلج ابن حسن السبط «6» ، عمّة السيدة نفيسة أخت أبيها الحسن، فإنها دخلت إلى مصر قبلها، وكانت تحت الوليد بن عبد الملك بن مروان «7» ، ودخولها إلى مصر مشهور، ولكن مختلف فى دفنها: هل هى هاهنا أو بالشام؟ ولعلّها «8» هاهنا، فلم يرد فى كتاب خروجها من مصر بعد دخولها.. فلعلّها توفيت «9» بمصر ودفنت بهذا المشهد الذي بالمراغة.. وكانت من الصالحات، وتوفيت قبل وفاة «10» بنت أخيها- رحمهم الله تعالى. انعطاف: قال بعض المؤرخين: لمّا حفرت السيدة نفيسة- المذكورة آنفا- قبرها بعد عمتها، كانت تنزل إليه ليلا ونهارا وتصلّى فيه، وقيل «11» إنها قرأت فيه ستة آلاف ختمة، والصحيح ما ذكر سابقا.

بعض من زار قبرها من الأولياء والعلماء والفقهاء والصالحين:

وقال بعض العلماء الأكابر من المتأخرين- وهو الشيخ كمال الدين الدميرى، وكان عالما بفنون كثيرة عديدة، منها فن التاريخ، وأسماء الصحابة، وأهل البيت، وكان عالما بالأنساب: إنّ السيدة نفيسة كانت أمّيّة لا تقرأ شيئا، إلّا أنها كانت سمعت الحديث كثيرا. وكانت من أهل الخير والصلاح، وكانت فى آخر عمرها إذا عجزت عن الصلاة قائمة صلّت قاعدة، وذلك من كثرة القيام والصيام وضعف قواها. بعض من زار قبرها من الأولياء والعلماء والفقهاء والصالحين «1» : وزار قبرها جماعة من الأولياء والصّلحاء والعلماء، ومشايخ الرسالة، ولم يذكر أحدهم هذا القبر. وممّن زارها بهذا المشهد فى حياتها وبعد وفاتها الأستاذ الأكبر أبو الفيض ثوبان ذو النون بن إبراهيم المصرى الإخميمى، أحد رجال الطريقة المعتبرين، وأبو الحسن الدّينورى، وأبو على الرّوذبارى، وأبو بكر أحمد بن نصر الزّقّاق، وبنان بن محمد بن أحمد بن سعيد الحمال الواسطى، وشقران بن عبد الله المغربى، وإدريس بن يحيى الخولانى، والمفضل بن فضالة، وبكّار بن قتيبة، والإمام إسماعيل المزنى، وعبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث بن رافع المصرى، وولداه الإمام محمد، صاحب تاريخ مصر، وأخوه عبد الرحمن، والإمام أبو يعقوب البويطى، والربيع بن سليمان المرادى، وحرملة بن يحيى التجيبى الشافعى، ويونس بن عبد الأعلى الصدفى، والفقيه عبد الله بن وهب ابن أبى مسلم «2» القرشى المالكى، وأبو جعفر بن محمد بن عبد الملك بن

سلامة الطحاوى، والإمام عبد الرحمن بن قاسم العتقى المالكى الزاهد، والحسين ابن بشرى بن سعيد الجوهرى، المتكلم على الخاطر، وأبو جعفر النحوى المعروف بالنحاس المقرئ، وأبو بكر المعروف بالأدفوى، وأبو نصر سراج الدين الزاهد المعافرى، وأبو بكر الحداد، الفقيه الشافعى، صاحب الفروع فى الفقه، وأبو الحسن على الفقاعى «1» ، وابن هاشم المقرئ، وسحنون المالكى، وأبو القاسم حمزة بن محمد الكنانى، والإمام أبو الحجاج الأشبيلى، وأبو عبد الله ابن الوشاء، والإمام يوسف بن يعقوب اللغوى، وأبو الحسن على الكعكى «2» ، وأبو سهل الهروى، والإمام اليمنى، والإمام الحافظ عبد الغنى بن سعيد الأزدى، وأبو عبد الله بن سلامة القضاعى، وأبو زكريا السخاوى «3» ، وأبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبّال «4» ، والإمام أبو الحسن بن الحسن الخلعى، وأبو الحسن الشيرازى، وأبو الحسين الخشاب، وأبو الحسن الفرّاء، وأبو صادق ابن مرشد المدنى، وسلطان بن رشا «5» الشافعى، وأبو بكر محمد ابن داود الدّقّى القنالى، والفقيه بن مرزوق المالكى، والإمام ورش المقرئ، والفقيه الجليل عبد الله، وقيل عبد الرحمن بن عمر التجيبى، والفقيه أبو الحسن على بن إبراهيم الحوفى، صاحب التفسير، والفقيه طاهر بن بابشاذ النحوى «6» ، والشيخ

أبو زكريا البخارى، والفقيه ابن الوردى، والفقيه أبو عبد الله التميمى، وابن نظيف المحدّث العالم الكبير، والفقيه العالم عبد القوى، وعبد الباقى بن فارس «1» المحدث، والفقيه عبد الله أبو محمد عبد الله بن داود الفارسى، والفقيه أبو الحسن الشيرازى، والشيخ المحدّث أبو القاسم اليحمودى «2» ، والفقيه أبو المعالى الشافعى، والفقيه أبو عبد الله محمد المحدث، وأبو الحسن الكعكى «3» ، وأبو القاسم بن الحباب، وأبو الطيب بن غلبون، وابن بنت أبى سعيد الأنصارى، وأبو المعالى على، وأبو محمد عبد الله بن رفاعة، وأبو الفضائل، ويونس بن محمد المقدسى، وأبو عبد الله الحموى النحوى، وأبو الحسن على الحضرى، وأبو طاهر «4» السلفى الحافظ، وأبو العباس أحمد ابن الحظية اللخمى المالكى، وأبو الفوارس الجيزى الذي كان يختم القرآن فى ركعتى الفجر. هذا من عرف من الأماثل الأعيان، وأمّا من لم يعرف فكثير.. قال «5» السيد الشريف محمد بن أسعد الأنصارى: وأبو طاهر السلفى، والفقيه أبو عبد الله بن رفاعة السعدى، والفقيه والإمام ابن أبى الطيب، والشيخ أبو الحسن الحضرى، والفقيه أبو الفضل يونس بن محمد المقدسى إمام جامع عمرو، والفقيه أبو الحسن على بن الحسين الموصلى، والفقيه الحافظ أبو الحسن الشيرازى.. وقد تقدم ذكر هؤلاء الجماعة، غير أنّا قد أحببنا ذكر لفظ الشريف النّسّابة بتمامه وكماله.

ذكر كرامات ظهرت بعد وفاتها:

وقد عرف هذا المكان «1» بإجابة الدعاء، كل ذلك مع الإخلاص، من غير رياء ولا سمعة، والله تعالى أعلم بالصواب. ذكر كرامات ظهرت بعد وفاتها: قال بعض المؤرخين: كان رجل بمصر يسمّى عفان بن سليمان المصرى، قد وجد فى داره مالا مدفونا، فصار عفّان هذا يتصدّق من المال على الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام- كما سيأتى فى ترجمة المذكور فى آخر الكتاب- وأمعن فى الصدقة حتى كان لا ينام كل ليلة حتى يطعم خمسمائة بيت من أهل مصر «2» ، وكان يلقى الحاج «3» فى كل عام من العقبة، ويحمل المنقطع [منهم] «4» ، واشترى أحمد بن سهل بن أحمد أمير مصر ألف حمل برّ، فاشتراها عفّان منه، فلما كان بعد أيام قلائل وقع غلاء «5» بمصر، فزاد ثمن البرّ أضعافا، فقال البائع الأول: تبيعنى هذا الذي اشتريته بهذا السعر الآن «6» . فقال له عفّان: لا أفعل ذلك.. ثم خرج عفان من داره وجلس على الباب، فجاء إليه الناس وقالوا: انظر ما الناس فيه «7» ومهما طلبت فى البرّ الذي عندك من ثمن «8» أعطيناك.. فقال لهم: لا والله، إنما أدّخر الثمن عند الله تعالى.. وفرّق ذلك على الفقراء والأرامل، فبلغ ذلك «تكين» «9»

أمير مصر- وكان قد صال على أهل مصر حتى لقبوه بالجبّار، وشكاه أهل مصر إلى العارف بالله تعالى بنان بن محمد الحمّال الواسطى الواعظ، فدخل عليه ووعظه وقال: ارجع عن أهل مصر.. فلم يسمع، وأمر بإخراج بنان «1» إلى بلاد المغرب «2» .. وشكاه أهل مصر إلى الشيخ العارف بالله تعالى أبى الحسن الدينورى، فدخل عليه ووعظه، فلم يرجع، وأمر بإخراجه من مصر إلى بيت المقدس.. وأمر «تكين» الجبار بأخذ أموال عفّان «3» .. فلما بلغ ذلك عفان ذهب إلى السيد الشريف على بن عبد الله «4» وقال له: يا سيدى أريد أن أخرج من مصر وأسكن غيرها من البلاد «5» .. فقال له الشريف: «قم بنا إلى ضريح السيدة نفيسة وندعو الله عندها أن يشغل هذا الجبار عنك» .. فجاء عفّان والشريف «علىّ» إلى ضريح السيدة نفيسة، رضى الله عنها، وجلس عفّان من جانب، والشريف من جانب آخر، وقرأا شيئا من القرآن، وسألا الله تعالى أن يجعل ذلك واصلا إلى السيدة نفيسة، وأن يفرّج عن عفّان ما هو فيه من ضيق وكرب «6» .. فأخذتهما سنة من النوم، فناما، فرأى السيد الشريف السيدة [نفيسة] وهى تقول له: «خذ عفان معك واذهب إلى تكين فقد قضيت حاجته» «7» .. فلما استيقظ الشريف أخذ عفان معه، ودخلا على «تكين» .. فقام «تكين» إلى الشريف وهو يرعد «8» ، وقد حمّ لوقته، وقال: رأيت

السيدة نفيسة وهى تقول لى: «يا تكين» أكرم الشريف «على» وارجع عن «عفان» فإنه استجار بنا.. فقال له الشريف: هذا «1» عفان بين يديك.. فقال «تكين» : «والله ما رأيته.. يا رب إنّى تائب» فتاب «تكين» من الظلم، وأخلص فى توبته.. فرأى عفان «2» ، وقال: أنت عتيق السيدة نفيسة.. وتصدق «تكين» على الفقراء بمال كثير، وصار يحسن إلى أهل مصر ويقول: كل أهل مصر يخافوننى «3» ، وأنا أخاف من دعوة عفان عند ضريح السيدة نفيسة- وقد أحسن «تكين» شأنه مع أهل مصر، ولازم زيارة مشهد السيدة نفيسة، رضى الله عنها، إلى أن توفى بمصر يوم السبت المبارك، لستة عشر خلون من شهر ربيع الأول سنة 321 وهو متولّ «4» عليها، وأوصى أن يدفن ببيت المقدس، فحمل ودفن هناك، وترك ولده محمدا، فأقام على طريقة أبيه فى الإحسان.. وتوفى سيدى «عفّان» فى زمن ولايته فى سنة 322 هـ ودفن فى طريق مصر بمكان معروف- رحمة الله عليه، ونفع ببركاته. وحكى عن رجل اسمه أبو العز اليمانى قال: كنت فى قومى عزيزا، وكنت «5» أكثرهم مالا وعملا وحسبا، فطالت علىّ النفس حتى صرت لها مطيعا، ونظرت إلى الخلق بعين الاحتقار، وأنستنى النفس القدوم على الملك الجبار، وشغلتنى عن عذاب النار، فذهب منى المال، ونقص منى العمل بالطاعة، التى هى أشرف بضاعة، وانخفض قدرى، واشتد كربى، وعزّانى الصديق، وفرح فّى الحسود، فقلت لصديق كان مشفقا علّى: يا أخى،

ما ترى فيما «1» نزل بى؟! فقال لى: عليك يا أخى أن تسأل الله بأوليائه الصالحين المقرّبين، عسى الله أن يذهب عنك هذا الأمر الذي قد نزل بك.. قال: فاعتزلت عن الناس «2» فى مكان، فلما كنت فى بعض الليالى نائما متفكرا فى أمرى، وإذا بى «3» أرى كأنى فى فضاء واسع «4» ، ونور ساطع، تارة يظهر وتارة يختفى «5» ، فأخذنى العجب من هذا النور الذي يظهر ويختفى «6» ؟ فإذا أنا أسمع قائلا يقول لى: هذا نور السيدة نفيسة.. فقلت: عسى الله أن يجمع بينى وبينها فأسألها «7» الدعاء بزوال هذه الكربة.. فقيل لى: إنها ميتة.. فقلت: أغتنم بركة زيارتها.. فما أتممت القول حتى سمعت «8» من يقول: أنا السيدة نفيسة يا فلان.. فارق نفسك.. فقلت: أنا فارقتها فرقة لا عودة لى إليها «9» ، وإنى تائب إلى الله تعالى.. فقالت لى: «قبلت التوبة إن شاء الله تعالى، وزالت الحوبة» .. فأصبحت فرحا بما رأيت فى منامى، وانصلح حالى بعد قليل، وزادنى الله أضعاف ما كنت فيه، كل ذلك ببركتها، رضى الله عنها. وكان الأستاذ المكنى بأبى المسك بن عبد الله الإخشيدى «10» لا يدع

أدعية الزيارة وآدابها:

زيارة السيدة نفيسة، رضى الله عنها فى كل خميس، ويسأل الله عند ضريحها فى قضاء حوائج له، فتقضى له ببركتها.. وكان إذا قضيت حوائجه يوفى بنذرها، ويأتى بالمسك والزّعفران والطّيب والشمع والزيت والقناديل الفضية، وكان يحسن للخدّام كثيرا.. وكان إذا قصد زيارتها يترجّل حين ينظر الباب الأول من بعيد، ويدخل حاسر الرأس.. وبقى كذلك إلى أن توفى بمصر سنة 357 هـ رحمة الله تعالى عليه. وفضائل السيدة [نفيسة] «1» كثيرة، ومناقبها أكثر من أن تحصر، فالله تعالى ينفع ببركاتها فى الدنيا والآخرة، بجاه سيد المرسلين محمد، صلّى الله [عليه] «2» وعلى سائر الأنبياء والمرسلين. أدعية الزيارة وآدابها «3» : ومما ينبغى للزائر إذا دخل إلى ضريحها أن يقول: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ «4» .. إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «5» اللهم إنك قد ندبتنى «6» إلى أمر قد فهمته وقلته وسمعته وأطعته واعتقدته وجعلته أجرا «7» لنبيك، صلّى الله عليه وسلم، إذ هديتنا به إليك، ودللتنا به عليك، وكان كما قلت: بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً «8» .. حبيب

إليه ما هديتنا، عزيز عليه ما عنتنا «1» وتلك الفريضة التى سألتها له [وهى المودّة] » فى القربى، اللهمّ إنى مؤدّيها بلسانى، معتقدها بقلبى، ساع إليها بقدمى، راج للنفع بها فى دنياى وأخراى «3» ، متوسّل إليك بها يوم انقطاع الأسباب والأنساب سببا ونسبا، وصلّ «4» على نبيك، صلّى الله عليه وسلم. اللهم فهأنذا «5» نازل بفنائهم، متقرب إليك بولائهم، متذرع «6» بالطاهرين والطاهرات من نسائهم.. اللهم زدهم شرفا وتعظيما، شرّفهم شرفا حادثا وقديما، وهب لنا من زيارتهم مغفرة وأجرا عظيما.. السلام عليكم يا آل بيت المصطفى، يا بنى فاطمة الزهراء، يا بنى على المرتضى، يا بنى الحسن والحسين، أهل النبي، أنتم القوم لا يحرم من خيركم إلّا محروم، ولا يطرد عن بابكم إلّا مطرود، ولا يواليكم إلّا تقىّ، ولا يعاديكم «7» إلّا شقى.. اللهم صلّ على محمد، وعلى آل محمد، وعلى أصحاب محمد، وعلى أزواج محمد، وعلى ذرّيّة محمد، وأنلنى ما رجوت بهم، وبلّغنى ما أمّلت فيهم، وأعد علىّ من بركات السفر إليهم، وهوّن علىّ موقفى بين يديك بالوقوف بين أيديهم.. وتدعو بحاجتك من أمر الدنيا والآخرة. وكان من دعاء بعض السلف عند ضريح السيدة نفيسة- رضوان الله عليها- عند زيارتها يقول: السلام والتحية، والإكرام والرضوان من العلىّ الأعلى الرحمن، على السيدة نفيسة، الطاهرة المطهرة، سلالة نبى الرحمة، وشفيع

الأمّة، خير الأنبياء البررة، وابنة علم العشيرة «1» الإمام حيدرة.. السلام عليك يا بنت الإمام الحسن المسموم، أخى الإمام الحسين الشهيد المظلوم.. السلام عليك يا بنت فاطمة الزهراء، وسلالة خديجة الكبرى، رضى الله عنك وعن أبيك وجدّك وعمّك وابنك، وحشرنا فى زمرتهم «2» أجمعين.. اللهم بما كان بينك وبين جدّها محمد رسولك ليلة المعراج، اجعل لنا من همّنا الذي نزل بنا باب انفراج، واقض حوائجى- وإنّ كانوا جمعا يقولوا: واقض حوائجنا فى الدنيا والآخرة بمحمد وآله وصحبه أجمعين. وكان بعض السلف يقول أيضا: السلام والتحية والإكرام على أهل بيت النبوة والرسالة.. السلام عليك يا بنت حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن «3» السبط ابن الإمام على بن أبى طالب.. السلام عليك يا بنت فاطمة الزهراء، ويا سلالة خديجة الكبرى.. أنتم يا أهل البيت غياث لكل قوم فى اليقظة والنوم، فلا يحرم من فضلكم إلّا محروم، ولا يطرد عن بابكم إلّا مطرود، ولا يواليكم إلّا مؤمن تقى، ولا يعاديكم إلّا منافق شقى.. اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله، وأعطنى خير ما رجوت بهم، وبلّغنى خير ما أملت فيهم، واحفظنى بذلك فى دينى ودنياى وآخرتى، إنك على كل شىء قدير. ثم تقول «4» : يا بنى الزّهراء والنور الذي ... ظنّ موسى أنه نار قبس «5» لا أوالى قطّ من عاداكمو ... إنه آخر سطر فى عبس «6»

وقد مدح بعض الفضلاء، رضى الله عنهم، هذه السيدة، رضى الله عنها بأعظم الرضوان، وعن سائر أهل البيت الطاهرين بأبيات أحببنا ذكرها هاهنا، فقال رضى الله عنه «1» : يا من له فى الكون من حاجة ... عليك بالسيدة الطاهره نفيسة والمصطفى جدها ... أسرارها بين الورى ظاهره فى الشرق والغرب لها شهرة ... أنوارها ساطعة باهره «2» كم من كرامات لها قد بدت ... وكم مقامات لها فاخره بنفسها قد حفرت قبرها ... حال جاءت يالها حافره حجّت ثلاثينا على رجلها ... صائمة عن أكلها قاصره كانت تصلى وتقوم الدّجا ... دوما على أقدامها ساهره عابدة زاهدة جامعة ... للخير فى الدنيا وفى الآخرة [تتلو كتاب الله فى لحدها ... وهى لمن قد زارها ناظره] «3» فى كل قطر قد سما ذكرها ... عاملة فائقة ماهره «4» يسقى بها الغيث إذا ما القرى ... قد أجدبت من سحبها الماطره «5» والناس قد عاشوا بها فى صفا ... عيش بأيام لها زاهره والشافعى قد كان يأتى لها ... سعيا إلى دارها العامره «6» يرجو بأن تدعو له دعوة ... فيالها من دعوة وافره صلّت عليه بعد موت وقد ... أوصى بهذا فهى له شاكره

سبحان من أعلى لها قدرها ... لأنها بين الورى نادره يا حبذا سيدة شرفت ... بها أراضى مصر والقاهرة ومن أحسن ما قال أبو الفضل بن الجوهرى «1» : حبّ آل النّبيّ خالط عظمى ... وجرى فى مفاصلى فاعذرونى وأنا- والله- مغرم بهواهم ... علّلونى بذكرهم علّلونى «2» وما أحسن [قول] بن الوردى- ناظم البهجة «3» : يا آل بيت النّبيّ من بذلت ... فى حبّكم روحه فما غبنا «4» من جاءكم يطلب الحديث له ... قولوا له البيت والحديث لنا «5» وقال بعض أهل الفضل، رضى الله عنهم «6» : لآل بيت رسول الله قد ظهرا ... فضل وشاع بفضل الله واشتهرا محمد المصطفى والمرتضى بهما ... فخار كل شريف أصله ظهرا وإنّ فاطمة الزهراء أمّهم ... وهى البتول التى جلّت على النّظرا أهل العباد الكرام الخمسة النّجبا ... ما مثلهم فى جميع العالمين يرى جبريل سادسهم فى نومهم وكذا ... فى ظلّ حضرتهم بالأنس قد حضرا والبضعة الخيرة السّت المشار لها ... نفيسة القدر كم سرّ لها ظهرا لها مقام علىّ القدر مرتفع ... بالذّكر والعلم والقرآن قد عمرا لها رباط أمين ياله حرم ... يأوى المساكين والأيتام والفقرا لها رواق تروق العين رؤيته ... يا ناظرين تملّوا فاز من نظرا لها فخار وإجلال بنسبتها ... حسيبة، حسبها الفخر الذي اشتهرا

إنشاء المشهد النفيسى وتجديده:

لها الكرامات فى الأقطار قد ظهرت ... وسرّها قد فشا بين الورى وسرى لها فزوروا، وفاها قد تحقق فى ... وفائها بالأمانى للذى نذرا «1» لها مشايخ علم يحضرون لها ... فى كل أربعة يا سعد من حضرا لها طوائف زوّار، طريقتهم ... وظائف الذّكر، والبشرى لمن فكرا لها ضريح وخدّام كأنّهم ... ملوك سادوا على السّادات والأمرا ترابها زعفران والمسوك به ... فاحت، وكم وجه حرّ فيه قد عفرا قناعها طاهر والسّتر منسبل ... فالمحتمى بجميل الستر قد سترا أضحت كراماتها كالشمس واضحة ... وليس ينكر ضوء الشّمس حين يرى كم أظهرت عجبا، كم أبرأت وصبا ... كم فرجت كربا، كم أطلقت أسرا «2» كم بلّغت أربا، كم أذهبت نصبا ... كم زوّلت تعبا، كم سهّلت خطرا «3» غنيّة بالذى نالته من كرم ... سلطان مصر لها ما زال مفتقرا «4» يا أهل بيت رسول الله مادحكم ... كسير قلب، ولكن كسره جبرا لعلّ يحشر فى إقبال زمرتكم ... طوبى له فى جنان الخلد إن حشرا «5» إنشاء المشهد النفيسى وتجديده «6» : قيل: ولمّا أن توفيت السيدة نفيسة، رضى الله عنها- كما ذكر آنفا- ودفنت بهذا المشهد المعروف بها- كما تقدم ذكر ذلك- رغب الناس فى البناء على القبر، فشرع السّرىّ بن الحكم أمير مصر فى البناء، فبنى على قبرها حاجزا، ثم تهدّم البناء وجدّد أيضا، كما هو مكتوب على ألواح الرخام على باب ضريحها،

قبر يحيى بن زيد بن الحسن، رضى الله عنه:

وهو الذي كان مصفّحا بالحديد، وسوره مكتوب ما مثاله- بعد البسملة الشريفة: نصر من الله وفتح قريب.. لعبد الله وولده معدّ، المكنى بأبى تميم، الإمام المستنصر «1» بالله، أمير المؤمنين وعضد الدين، وفارس المسلمين، متّع الله ببقائه، وأعلى كلمته، وشد عضده بولده الأمير الأجلّ الأفضل، جلال الدين، ناصر الإسلام، خليل، أمر بإنشاء هذا المشهد الشريف النفيسى، مولانا أمير المؤمنين المشار إليه على يد ولده المشار إليه، أجرى الله الخير على يديه، وضاعف من يد البركات عليه، فى شهر ربيع الآخر سنة 482 هـ. وأمّا القبة التى على ضريحها فالذى جدّدها الخليفة الحافظ لدين الله عبد المجيد العلوى الفاطمى، وذلك بعض شهور سنة 482.. وهو الذي [أمر] «2» بعمل الرخام فى المحراب.. ثم أخذ أرباب الدولة فى العمارة بجوار ضريحها تبرّكا بها.. وكان مكتوبا على باب ضريحها ما صورته «3» : يا آل طه وحقّ الله حبّكم ... فرض من الله فى القرآن أنزله يكفيكم من عظيم القدر أنكم ... من لم يصلّ عليكم لا صلاة له قبر يحيى بن زيد بن الحسن، رضى الله عنه «4» : وقيل: إن يحيى بن زيد بن علىّ، وأخته نفيسة هى التى بالمراغة، عمّة السيدة نفيسة بنت الحسن، وقبرها تجاه القبر الطويل.. فليعلم ذلك.

وحكى عن بعضهم قال: دخلت على قبر يحيى فلم أحسن الأدب، فسمعت من القبر قائلا يقول: قل: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «1» . وحكى أنه قال «2» : كان لى عبد إذا أذنب قلت له: غفر الله لك.. فنمت ليلة، فرأيت كأنّ القيامة قد قامت، والناس قد حشروا، وكأنى قائم بين يدى الله عزّ وجلّ، فقال لى: يا يحيى قد غفرت لك لكثرة عفوك عن عبدك. وحكى العبد لى عن محمد بن جعفر الحسينى، قال: حججنا سنة من السنين، وكان معنا سيدى يحيى المتوّج، فضللنا عن الطريق، فتعلّقنا به، فصلّى ركعتين ثم رفع يديه وقال: سيروا على بركة الله وعونه.. فسرنا خطوات يسيرة فإذا نحن على الجادّة.. فعطشنا عطشا شديدا، فشكونا له ذلك، فبسط يديه ودعا، فما أتم دعاءه حتى نزل سيل عظيم من الجبل، ففرحت الناس وشربوا منه، وحملوا معهم حتى اكتفوا، فما رأيت أسرع من دعائه. وحكى عنه الحسن الوليدى أنه قال: ما عصى الله من شرف نسبه.. وقال له رجل: ألسنا من آل محمد؟! فقال: اعمل صالحا، فإنه بلغنى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ من أصحابى من لم يرنى «3» بعد أن يفارقنى، وإنه ليقال يوم القيامة: اليوم أضع الأنساب وأرفع نسبى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ «4» أين أنت من جدّك «5» يا شريف حين كان يشد

مشهد القاسم الطيب:

مئزره ويوقظ أهله ويقوم لعبادة ربه ويقول: «أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك؟» . وتوفى سيدنا يحيى؛ ولم أقف له على تاريخ وفاة، ولعله توفى بعد أخيه بقليل، والله أعلم. وما أحسن قول بعضهم «1» : أنتم تراجمة الكتاب وعندكم ... يا آل بيت المصطفى تأويله العلم نور أنتم مشكاته ... والشّرع تاج أنتم إكليله «2» مشهد القاسم الطيب «3» : [هو السيد الشريف الإمام العالم] القاسم الطيب بن محمد المأمون «4» ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين- سمّى بذلك «5» لأنه ظهر له بوجهه بين عينيه سواد، وكبر حتى صار كالليمونة العظمى الكبرى، وبركبتيه كغدد البعير، كل ذلك من كثرة عبادته، وكان كالشّنّ البالى «6» ، إذا مرّ فى طرق المدينة تميله الرياح يمينا وشمالا.. وهو أحد الأئمة الاثنى عشر، على مذهب الإمامية، ومن سادات التابعين.. وقال الزهرى: «ما رأيت قرشيّا أفضل منه» .

وكان كثير البرّ بأمّه، حتى قيل له: إنك من أبرّ الناس بأمّك ولسنا نراك تأكل معها فى صحفة.. فقال: «أخاف إن تسبق يدى إلى ما تسبق إليه عينها، فأكون قد عققتها» . وممّا روى عن زين العابدين دعاء الاستخارة: «اللهمّ إنك تنيل الرّغائب، وتعطى المواهب، وتتم «1» المطالب، وتطيّب المكاسب، وتهدى إلى أحمد العواقب، وتقى النوائب.. اللهم وقد استخرتك فيما عزم أمرى عليه، وقادنى «2» هواى إليه، فسهّل منه ما توعّر، ويسّر منه ما تعسّر، واكفنى فيه المهم، وادفع عنى كلّ ملمّ، واجعل يا ربّ عاقبته غنما، ومحذوره سلما، وبعده قربا، وجدبه «3» خصبا، وأنلنى لواء الظفر فيما رجوت، وعوائد الإنعام فيما دعوت، وفوائد الإكرام فيما سألت، فإنك تقدر، ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب» . وفوائده «4» كثيرة. وكان ولادته يوم الجمعة فى بعض شهور سنة 38 من الهجرة.. وتوفى سنة 94.. وقيل: سنة 99.. وهو ولد الحسين «5» الشهيد المقتول ابن على بن أبى طالب، رضى الله عنهم. رجعنا إلى ذكر القاسم، رضى الله عنه: قال المؤرخون: هو والد سيدى يحيى- كما سيأتى ذكر ذلك الشّبيه الآتى ذكره- قدم من الحجاز مع ولده سيدى يحيى- كما سيأتى ذكر ذلك فى ترجمة ولده- قال بعضهم: كان من عباد الله الصالحين الأخيار، وكان له قدم صدق، وكان كثيرا ما ينشد ويقول:

يحيى الشبيه بن القاسم:

متى أنوح بدمع واكف جارى ... متى أقضّى مع الأحباب أوطارى «1» متى أفوز مع الأحباب فى غرف ... متى أكون نقيّا بين أخيارى متى أعاتب نفسى ثم أزجرها ... وقد كستنى ثياب الذّلّ والعار يا ربّ، إنك ذو عفو وذو كرم ... جسمى ضعيف، فما يقوى على النار وكان من أحفظ الناس لحديث رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، ولقد كتبت عنه أربعمائة محبرة، وكان من الأشراف الأجواد.. قال الرازى «2» فى نسبه: كان أولاده يعرفون بالطّيّارة، ويعرفون أيضا بالكثميين.. قال أبو عمر: رأيت القاسم بمكة يدعو الله وقد اقشعرّ جسده، فقلت: ما هذا يا بن بنت رسول الله، صلّى الله عليه وسلم؟ فقال: «لأنى أستحى من الله أن أدعوه بلسان ما أدّيت به حقّ شكره» ومناقبه كثيرة، والله أعلم. ودفن بالقرب من مشهد ولده يحيى هناك.. وقد كتب على قبره من نظم [ابن] سناء الملك الوزير «3» : يا من إذا سأل المقصّر عفوه ... فهو المجيب بفضله لسؤاله مالى سوى فقرى إليك وسيلة ... وتشفّعى بمحمّد وبآله يحيى الشبيه بن القاسم «4» : هو يحيى الشبيه بن القاسم الطيب بن محمد المأمون الملقّب بالديباج بن جعفر

الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين «1» بن الحسين بن على أبى طالب، المعروف بعبد مناف بن عبد المطلب القرشى الهاشمى الحسنى، رضى الله عنه وعن والديه (آمين) . كان «2» شبيها بالنبى صلّى الله عليه وسلم فى كثير من أوصافه، حتى إنه كان له فى موضع الخاتم «3» شامة عظيمة، وكان إذا دخل الحمّام ورأى الناس ذلك كبّروا وصلّوا على رسول الله، صلّى الله عليه وسلم.. وكان أحمد بن طولون أحضره من أرض الحجاز فى مصادرة الرّسّيّين «4» من بنى طباطبا، وهم عبد الله بن القاسم، وابنه القاسم ابن عبد الله، وأبو جعفر بن القاسم «5» .. ولمّا وصل إلى مصر وسمع «6» أهل مصر بقدومه خرجوا إلى لقائه، وخلت دور «7» مصر ليلة قدومه، فلما قدم كان مبرقع الوجه، وخرج من جملة من خرج له مع الناس أبو إسرائيل اليهودى، وكان قد عمى، فقال لابنته: خذى بيدى، وإن رأيت هذا الرجل فأخبرينى به «8» .. فلما رأته قالت له: هاهنا يا أبت «9» .. فقال: اللهم إن كان هذا شبيها بنبيّك فى شىء من خلقه، وهو على الحق، فاردد علىّ بصرى، فما أتمّ «10» كلامه حتى ردّ الله بصره عليه، فما عاد إلى مصر إلّا وهو يمشى مع الناس بصيرا، فأسلم وحسن إسلامه.

أبو الحسن على بن الحسن:

وكان لسيدى يحيى الخطوة التّامّة بديار مصر، إلى أن توفى فى شهر رجب لليلتين بقيتا منه سنة 263 هـ. وقبره بمشهد يحيى، أخى نفيسة، وسيأتى ذكره بعد ذلك فى المشاهد، وفى مشهده- أى يحيى الشبيه- كتب ابن سناء الملك من نظمه فى مدح الأشراف «1» : مالى إذا عرض الحساب وسيلة ... أنجو بها من هول يوم الموعد إلّا اعترافى بالذّنوب وإننى ... متمسّك بولاء آل محمّد أبو الحسن على بن الحسن «2» : هو أبو الحسن على بن الحسن بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ابن على بن أبى طالب، رضى الله عنهم- طباطبا.. كانت له النقابة «3» والتقدم إلى أن توفى سنة 280 هـ فردّ أمير الجيش «4» «خمارويه» بن أحمد بن طولون أمر النقابة إلى أبى عبد الله محمد بن إسماعيل بن القاسم بن إبراهيم، أبى محمد «5» عبد الله بن أحمد بن على بن الحسن بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم ابن الحسن بن علىّ بن أبى طالب، رضى الله عنهم أجمعين، وسنذكر فضائله عند ذكر قبره فى ترتيب الزيارة «6» .

مشهد رأس زيد بن على بن الحسن بن على بن أبى طالب، رضى الله عنهم أجمعين:

مشهد رأس زيد بن علىّ بن الحسن بن علّى بن أبى طالب، رضى الله عنهم أجمعين «1» : قال الكندى: قدم برأس زيد بن علّى يوم الأحد لعشر خلون من جمادى الآخرة «2» سنة 122 هـ، وبنوا عليه هذا المشهد «3» .. والدعاء فيه مستجاب، والأنوار ترى عليه بالليل نازلة. مشهد رأس إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن على، رضى الله عنهم «4» : قدم به فى سنة 145 هـ، وبنوا عليه المشهد المعروف بمسجد التبن-

مشهد الإمام محمد بن الإمام الصديق أبى بكر، رضى الله عنهما:

ويقال: التبر- بمسجد بحرى القاهرة بظاهر رأس الطالبية.. شرّفه «1» أهل مصر ودفنوه فى التاريخ المذكور.. والمشهد معروف بإجابة الدعاء- والله أعلم بالصواب «2» . مشهد الإمام محمد بن الإمام الصّدّيق أبى بكر، رضى الله عنهما «3» : بناه غلامه «زمام» ورأسه فيه «4» تحت المنارة، وقيل فى علبة من

نحاس فيها رماد «1» ، وهو الصحيح.. والدعاء فيه مستجاب. انقضى ذكر قبور الصحابة والأشراف، رضى الله عنهم، ولم يبق إلّا من سنذكره «2» فى ضمن الزيارة ممّن هو فى غير هذا الصّقع «3» .. وبالله التوفيق. ***

فصل فى ذكر جامع أحمد بن طولون

فصل فى ذكر جامع أحمد بن طولون وذكر هاهنا لأنّه طريق للقاصد «1» إلى جبّانة مصر من القاهرة، ولأنّ منه ابتداء الزيارة. اعلم أولا أن الجبل الذي عليه جامع أحمد بن طولون يسمّى «جبل يشكر ابن جديلة» .. وقال الكندى: جديلة «2» من لخم.. وقيل: جبل شكر، وكان شكر رجلا صالحا، وكان الصالحون يصلّون على القطعة البارزة من هذا الجبل، الخالية من البناء الذي فى الحدّ القبلى منه، المجاورة للباب، وهو مكان الدّعاء فيه مستجاب. وكان أحمد بن طولون لما رغب فى إنشاء جامع ليحسن ذكره، أشار عليه جماعة من الصالحين أن يبنى الذي قصده على هذا الجبل، وذكروا له من فضائله عدّة أشياء.. فقبل «3» منهم، وبنى الجامع على الجبل، وأدخل بيت «يشكر» «4» العبد الصالح فيه، فلما كمل «5» بناؤه تقدّم أن يعمل بدائره منطقة عنبر معجون، ليفوح ريحها على المصلّين به، وأشعر الناس بالصلاة فيه «6» ، فلم يجتمع فيه أحد من الناس، واعتقدوا أنه بناه من مال لا يعرفون

أصله، فعزّ ذلك على أحمد بن طولون، فطلع المنبر يوم جمعة، فخطب خطبة بحضور جماعة من أصحابه وجنده، وكان أخذ على أيديهم بالحضور إليه، وأقسم فى أثناء خطبته بالله العظيم ما بنى هذا الجامع- ويده تشير إليه- من ماله، وإنّما بناه بكنز ظفر به فى الجبل الثالث «1» - وبيّن طريق وجوده- وأن العشارىّ «2» الذي نصبه على مئذنته وجده فى الكنز، وأن جميع ما بناه فى القرافة من المصانع والمجارى برسم الماء، وما جدّده فى السور- من الكنز المذكور.. وكمّل الخطبة.. وصلّى هو وأصحابه، فلما سمع الناس ذلك، اجتمع خلق كثير فى الجامع وصلّوا الجمعة. ثم كتب قوم منهم رقعة يسألونه أن يوسّع فى قبلة الجامع، فأمر بإحضارهم، فلما حضروا أعلمهم أنه «3» عندما شرع فى إنشاء الجامع على هذا الموضع اختلف المهندسون فى تحديد «4» قبلته، فرأى النّبيّ، صلّى الله عليه وسلم، فى المنام وهو يقول له: يا أحمد، إنّ قبلة هذا الجامع على هذا الموضع، وخطّ له فى الأرض صورة ما يعمل.. فلما كان الفجر مضى مسرعا إلى الموضع الذي أمره رسول الله صلّى الله عليه وسلم بوضع القبلة فيه، فوجد صورة القبلة «5» فى الأرض مصوّرة، وأنه بنى المحراب على ذلك، وأنه لا يسعه أن يوسّع فى المحراب لأجل

ذلك.. فمضوا «1» من عنده وأشاعوا ذلك عن أحمد بن طولون، فعظم شأن الجامع وضاق بالمصلّين «2» ، وقالوا لأحمد: نريد فى الجامع زيادة، فزاد فيه. ورأى رجل فى المنام كأنّ فاطمة الزهراء» عليها السلام تصلى فى مكان فى هذا الجامع «4» ، فأصبح وأخبر الناس بالرّؤيا، فصلّوا فيه، وهو الآن [أى: المكان] «5» يسمّى بمقام «فاطمة» ، وعليه مقصورة، والدعاء فيه مستجاب. وقيل: إن موسى عليه السّلام كان يناجى ربّه فى هذا المكان.. والصّخرات التى ظاهر الجامع «6» يقال إنّ هارون تعبّد فيها، ويقال فيها قبره.. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب «7» . ***

ذكر ابتداء الزيارة لقبور الصالحين من التابعين والعلماء والزهاد خلا ممن تقدم ذكرهم ممن استحق التقديم وهم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته

ذكر ابتداء الزيارة لقبور الصالحين من التابعين والعلماء والزّهّاد خلا ممّن تقدم ذكرهم ممن استحقّ التقديم وهم أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصحابته قبر عنبسة «1» : على ترتيب الزيارة لمن قصد «2» خارجا من مصر من باب «الصفا» على الدرب المعروف بالشّعّارين «3» ، فليسلك عن يمينه طالبا القبلة والشرق إلى باب السور الجديد «4» إلى مصلى بنى مسكين القديم [يجد] «5» قبر رجل من الصالحين التابعين، يقال إنّ اسمه «عنبسة» «6» . الدعاء عنده مستجاب، وهو رجل من الدّفن الأول.

قبر الفقيه عبد الله بن وهب - صاحب الإمام مالك:

قبر الفقيه عبد الله بن وهب- صاحب الإمام مالك «1» : ثم تمشى إلى الشرق مقدار مائة خطوة، تجد قبرين لطيفين «2» ، أحدهما مما يلى القبلة، فيه أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشى «3» صاحب مالك بن أنس، أحد الأئمة المشهورين، سمع من مالك بن أنس، وابن أبى ذؤيب «4» ، وروح عبد الله الجبار، وحيوة بن شريح، ومن فى طبقتهم، وروى عنه جماعة، وله أحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، تركنا ذكرها لشهرتها، وقصدنا الاختصار.. ومن أحاديثه التى رواها «5» : «أنه- صلّى الله عليه وسلم- نهى عن أكل كلّ ذى ناب من السباع» . ومن أحاديثه التى رواها عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- من طريق أبى هريرة: «أن الله عز وجل أعدّ لعباده الصالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» الحديث «6» . قال أبو داود «7» : سمعت ابن وهب يقول: «جعلت على نفسى إن

اغتبت رجلا أن أصوم يوما، فما هالنى ذلك، فرأيت أن أشتدّ «1» علّى، أن أجعل على نفسى أن أتصدق بدرهم، فاشتدّ علّى ذلك» . وعن يوسف بن عدىّ قال: «أدركت الناس فقيها «2» غير محدّث، ومحدّثا غير فقيه، خلا ابن وهب، فإنى رأيته فقيها، محدّثا، زاهدا، عابدا» «3» . قال بشر بن قعنب: «رأيت ليلة مات ابن وهب كأنّ مائدة العلم قد ارتفعت» . قال ابن مسلم: «كانت الهدية تأتى مالكا بالنهار يهديها لابن وهب بالليل» - وعن محمد بن مسلم المرادى قال: «سمعت ابن القاسم «4» يقول: «لو مات ابن عيينة لضربت لابن وهب أكباد الإبل، ما دوّن أحد تدوينه» «5» . قيل لسفيان بن عيينة: مات ابن وهب.. فقال: «إنّا لله، وإنّا إليه راجعون، أصيب به المسلمون عامة، وأنا خاصة» «6» . قال هارون الإيلى: «سمعت ابن وهب يقول: ما تمر بى ليلة إلّا وأنا أستمع لها وأذكر فيها الآخرة وهولها» . وروى أبو الحسن قال: «قال لى ابن وهب: كنت أتمنى على الله ثلاثمائة دينار أنفقها فى طلب الحديث، فبينما أنا ذات ليلة قائم أصلّى إذا برجل قد أقبل ومعه قرطاس مربوط، فوضعه على نعلى، ثم ذهب «7» ، فصليت العشاء الآخرة

ثم أخذت القرطاس فوجدته ثقيلا، فظننت أنه دقّة «1» أهداها إلىّ أخ فى الله، فجئت إلى البيت ففتحته، فإذا فيه ثلاثمائة دينار لا تزيد ولا تنقص» . وروى خالد بن خداش «2» قال: «قرئ على عبد الله بن وهب كتاب أهوال «3» يوم القيامة، فخرّ مغشيّا عليه، فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد ذلك بأيّام، وذلك بمصر سنة 197 هـ» . قال أحمد بن سعيد الهمدانى: «أراد ابن وهب دخول الحمّام، فلما دخل سمع لغط أهلها «4» ، ورأى شدة حموّها، فخطر بقلبه وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ «5» [فخرّ مغشيّا عليه] فلما أفاق سئل عن ذلك، فذكر هذا» «6» . وروى أحمد «7» عن عبد الرحمن بن وهب قال: «طلب عبّاد بن محمد «8» عبد الله بن وهب للقضاء، فتغّيب فى منزل حرملة بن يحيى، وهدم

عبّاد بعض ديارنا «1» ، فقال له رجل: إنما طمع هذا لكذا وكذا أن يلى القضاء حتى تغيّب «2» فبلغ قوله عمّى، فدعا عليه [بالعمى] «3» ، فعمى بعد جمعة» . قال حجاج بن راشد بن محمد: «سمعته ذات ليلة يبكى ويصيح حين أكره على القضاء، وتغيّب، فأشرفت عليه من غرفتى «4» ، فسلّمت عليه وقلت له: ما شأنك يا أبا محمد؟ فقال لى: يا أبا الحسن، إنّ القضاة يحشرون مع الملوك، وإنهم يحشرون كالذّرّ «5» ، وإنّ العلماء يحشرون مع الأنبياء» . ثم تغيّب «6» بعد ذلك، وطلب فلم يوجد. وقال حرملة: «رأيت كتاب مالك بن أنس إلى عبد الله بن وهب مفتى أهل مصر» . وروى زيد بن أبى الغمر قال: حدّثنى أبى قال: «سمعت ابن وهب يقول: حججت أربعا وعشرين حجّة ألقى فيها مالك بن أنس- قال أبى: وكنّا نسمّيه ديوان العلم.. وكان يقول: الذي تعلّمناه من أدب مالك أكثر مما تعلمناه من علمه» .

وحدّث عبد الله بن وهب قال: «قال لى مالك بن أنس: ما خلّفك عنّا مذ «1» ليال؟! فقال له: كنت أرمد «2» . قال: أحسب هذا من كتابة الليل.. قال: فقلت: أجل.. فصاح مالك بالجارية وقال: هاتى «3» من ذلك الكحل لأخى وصديقى المصرىّ- يعنى ابن وهب» «4» . وروى محمد بن عمر الأندلسى قال: «ذكر ابن وهب وابن القاسم عند مالك بن أنس «5» فقال: ابن وهب عالم، وعبد الرحمن «6» فقيه» . وذكر أبو الطاهر بن عمر بن السراج قال: «أخبرنى خالى.. وكان من المجتهدين من أهل العلم- قال: رأيت فى المنام قائلا يقول: لا يفتى الناس إلّا ابن وهب وابن القاسم المهذب» . قال حرملة: «سمعت ابن وهب يقول: إذا أردت الدخول على السلطان فقل: اللهمّ ربّ السماوات السبع وما أظللن، وربّ الأرضين وما أقللن، وربّ الرّياح وما ذرّين، وربّ الشياطين وما أغوين، كن لى جارا «7» من فلان أن يفرط علىّ أو أن يطغى» . قال ابن بكير: «ولد ابن وهب فى ذى القعدة سنة 125 هـ، وتوفى يوم الأحد لأربع بقيت من شعبان سنة 197 هـ» .

قبر الشريفة فاطمة بنت محمد بن الحسن:

قبر الشريفة فاطمة بنت محمد بن الحسن «1» : عند رجليه «2» بمقدار ثلاثين خطوة قبر رخام فيه الشريفة فاطمة ابنة محمد بن الحسن بن على بن أبى طالب. وقد توفيت «3» فى سنة 383 هـ، والدعاء عندها مستجاب. قبور جماعة من الصالحين «4» : ثم تستقبل القبلة تجد قبر عبد الرحمن الخواص «5» ، حدّث عن جماعة، وحدّث عنه صاحب له أنه كان يخرج معه فى الليل فيفتح له باب مصر، فيخرج منه إلى الجبانة ويزور الشيخ أبا الحسن الدينورى ويعود فى الليل. وتمشى وأنت مستقبل القبلة تحت الكوم تجد قبر مقبل الحبشى «6» وغيره.

ثم تأتى إلى حومة فيها قبر يعرف بالقاضى بكّار «1» ، تدخل وأنت مستقبل القبلة تجد قبرا تحت رجليه وقبرا «2» عند رأسه، فالذى عند رأسه يقال لهم أصحاب قضبان الذهب «3» وهم ثلاثة: إبراهيم، وهو أكبرهم، وعبيد الله، ومحمد.. قيل: إن إبراهيم رئى فى المنام وهو يقول: من زارنا فكأنما تصدّق بقضبان الذهب، وكانت فى يده.. والذي عند رجليه يقال له قبر أبى العباس أحمد بن المشجرة «4» كان من أحسن الناس قراءة، وكان من قرّاء الأفضل بن أمير الجيوش «5» ، وكان ذات يوم عند قبر الشيخ أبى الحسن الدينورى يزوره، فاختاره أحد الفقراء «6» أن يقرأ له آية من كتاب الله تعالى، فامتنع ولم يقرأ، فمنع القراءة.. فلما حضر مجلس الأفضل بن أمير الجيوش طلب منه القراءة، فلم يستطع، فقال له الأفضل: ما يمنعك من القراءة؟ فقال له: لن أستطيع. فأمر أن يأخذ «7» له من خزانة الشراب ما يصلح موضع القرآن.. فقصّ عليه قصّته «8» مع الفقير، فقال:

اخرج واطلبه «1» يدعو لك، فليس لك خلاص إلّا بدعائه «2» [فلما عاد إليه وجده قد تغير من مكانه، فسأله الدعاء وتمرّغ بوجهه على أقدامه.. فقال له: اقرأ فتح الله عليك] «3» . ففعل، فانطلق فى القراءة. وإلى جانبه من القبلة قبر الرجل الصالح أبو العباس أحمد بن على بن إسماعيل الجميزى «4» صاحب الدرب المشهور بمصر.. كان رجلا صالحا يبيع الجميز فى مبدأ أمره بباب الجامع، فدخل رجل من العلويين إلى مصر.. فاشتد به الجوع، ومنعه الحياء من السؤال، فدخل الجامع لصلاة الظهر، فرآه الجميزى فأعجبه سمته «5» ، ثم دخل خلفه، وأحرم فى الصف الذي فيه العلوى بالصّلاة «6» ، فإذا بالعلوى قد سقط فى الصف من شدة جوعه، فلما فرغ الجميزى من صلاته حقّق النّظر فى وجهه فعرف مابه، فذهب وجاءه بطعام إلى منزله، فلما كان من الغد خرج العلوى فرآه رجل فعرفه، فذهب إلى السلطان فأخبره، فأرسل إليه بما يركب، وأمر الغلمان أن يمشوا بين يديه إلى حضرة السلطان، فلما حضر إلى حضرته أخبره بفعل الجميزى معه، فأمر السلطان بإحضاره، فلما حضر إليه «7» أمر له بألف دينار، فأخذها وانصرف، ثم إنه اتّجر حتى صار ذا مال كثير، ثم نفد منه المال مدة حتى لم يبق له شىء.

مشهد القاضى بكار بن قتيبة:

وسافر إنسان أودع عنده ألفا من الذهب «1» ، فلما جاء من سفره رآه على تلك الحالة، بعد العزّ والغنى، فظن أن الجميزى فرّط فى ماله، فسلّم على الجميزى وقال: أين «2» مالى؟ قال: موجود.. فأخذه وجاء به إلى منزله، وحفر مكانا فى داره، وطلع بالكيس مختوما بختم صاحبه.. فقال له صاحب المال: خذ منه ما تريد.. فقال: لا آخذ أجرا على أمانتى، سر مع السلامة.. ثم عاد الجميزى إلى بيع الجميز على جارى العادة السابقة.. ثم إنّ الرجل الذي أودع عنده المال مرض بعد مدّة، فأرسل إلى الجميزى، فلما حضر إليه «3» قال له: يا سيدى قد حضر من أمر الله ما ترى «4» ، فخذ هذا المال عندك، وهذا الولد ولد صغير، علّمه واصرف عليه من هذا المال الباقى، وإلّا فأنفقه عليه بالمعروف.. ثم مات.. فكان ينظر فى وجه الطفل كل يوم نظرة إلى أن كبر وآنس رشده «5» ضمّ إليه ماله، والجميزى فقير لا مال له، يقيم اليوم والليلة لا يجد ما يتقوّت به، ولم يأخذ من مال الطفل شيئا. مشهد القاضى بكار بن قتيبة «6» : وفى مقابل قبره من جهة القبلة قبر القاضى الإمام، الوليّ الهمام بكّار «7» بن قتيبة بن أسد بن أبى برذعة بن عبيد الله بن بشير بن عبيد الله بن

أبى بكرة نفيع بن الحارث، مولى رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، «1» ابن كلدة بن عمرو ابن علاج بن أبى سلمة وهو عبد العزّى «2» بن غيرة، بكسر الغين المعجمة وفتح الياء، ابن عوف بن قسىّ بن هبنة الثقفى.. وقيل: نفيع بن مسروح، وكان عبد الحارث بن كلدة «3» ، فاستلحقه، وأمّه سميّة، جارية الحارث بن كلدة «4» ، وهى أم زياد بن أبيه.. وإنّما كنى أبا بكرة لأنه تدلّى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ببكرة من حصن «5» الطائف، وكان قد أسلم وعجز عن الخروج فكنى بذلك، وأعتقه رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وروى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم مائة حديث واثنين وثلاثين «6» حديثا، اتفق على ثمانية أحاديث، وانفرد البخارى بخمسة، ومسلم بحديث واحد.. روى عنه ابناه عبد الرحمن، ومسلم «7» ، وربعى بن حراش «8» ، والحسن

البصرى، والأحنف بن قيس، وكان من الفضلاء الصالحين، كثير العبادة، وكان ممّن اعتزل يوم الجمل ولم يقاتل مع واحد من الفرقتين، ومات- رضى الله عنه- بالبصرة فى سنة إحدى «1» وخمسين من الهجرة، وقال «2» خليفة بن خياط: مات فى سنة اثنتين «3» وخمسين، وصلّى عليه أبو برزة الأسلمىّ.. وكان أولاده أشرافا فى البصرة بكثرة المال والعلم والولايات «4» .. قال الحسن: لم يكن بالبصرة من الصحابة «5» أفضل من عمران بن الحصين «6» وأبى بكرة «7» .. روى له جماعة «8» . والحارث هو مولى رسول الله، صلّى الله عليه وسلم. وولد «9» بكّار هذا بالبصرة سنة 182 هـ. وتفقه على ابن يحيى بن مسلم، المعروف بهلال الرازى، أحد أصحاب أبى يوسف، وزفر بن الهذيل «10» ، وأخذ عنه علم الشروط أيضا «11» .. وحدّث بمصر عن أبى داود الطيالسىّ، ويزيد بن هارون «12» ، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وصفوان

ابن عيسى الزهرىّ، وأبى عامر بن إسماعيل، وإبراهيم بن الوزير، وسعيد بن عامر، وأبى أحمد الزبيرىّ، وأبى عاصم الضّحّاك، وجماعة من طبقتهم. وقدم مصر «1» قاضيا عليها، وكان ذلك من قبل المتوكل «2» : سنة ستّ وأربعين ومائتين، قبل ولاية «3» ابن طولون لثمان خلون من جمادى الآخرة «4» . وكان محدّثا جليلا من أفاضل المحدّثين.. ومن جملة ما روى بإسناده إلى أبى هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذّ بخمس «5» وعشرين درجة» ، وفى رواية: بسبع وعشرين «6» .. قال أبو جعفر الطحاوى: سمعت أبا العلىّ «7» الكوفيّ يقول: «حضرت يوما عند بكّار بن قتيبة، فدخل عليه رجلان يتخاصمان، أحدهما أبو الآخر، فنظر إليهما وأنشد «8» : تعاطيتما ثوب العقوق كلاكما ... أب غير برّ وابنه غير واصل «9» ويقال: إنّ المتوكل لمّا بلغه ما هو عليه من العلم والزهد والفضل والورع، أرسل إليه كتابا بتقليد القضاء مع نجاب «10» إلى البصرة، فجاء النجاب

وسأل عنه، فدلّ على داره، فلما طلبه قيل له: قد مضى إلى الفرن يخبز خبزه، فتعجب النجاب من ذلك، واستحقره للقضاء، ولم يكن بدّ «1» من انتظاره، فجلس عند داره إلى أن جاء من الفرن ومعه الخبز، فلمّا رآه النجاب قيل له: هذا «بكّار» ، فقام إليه، وسلّم عليه، وقال: أنا رسول الخليفة إليك، فقف حتى أبلغك رسالته.. فقال له «بكار» : ما أقدر على الوقوف معك.. قال: ولم ذلك؟ قال: لأنّ الرّداء الذي علىّ استعرته من والدتى لأمضى حتى أخبز الخبز وأعود، فقف حتى أستأذنها فى الوقوف معك فيه «2» ، فدخل داره وأعلم والدته بالقصة، فأذنت له فى الوقوف معه واستماع ما جاء به.. فخرج إليه ووقف، فقال له النجاب: الخليفة يسلم عليك، وقد قلّدك قضاء مصر، ولا بدّ «3» من امتثال أمر الخليفة. ثم دفع إليه تقليد القضاء، فدخل إلى داره وأخرج رغيفين من خبزه فدفعهما إليه وقال: امض فى حفظ الله تعالى.. فتعجب النجاب من ذلك، ولم يمكنه أن يقول شيئا، واستحقر الرغيفين من خبزه، ولم يمكن ردّهما، ورماهما فى مخلاة معه، وتهاون بهما «4» وقال: واخيبة طريقى! ثم مضى حتى أتى الخليفة، فأعلمه بتسليم التقليد إليه «5» وقبوله، وحكى له الخبر من أوّله إلى آخره، فقال: وما إليه «5» وقبوله، وحكى له الخبر من أوّله إلى آخره، فقال: وما أجازك؟ فضحك وقال: أجازنى رغيفين من خبزه الذي خبزه «6» . فقال له: ائتنى بهما- وكان قد فرّط «7» فى أحدهما- فقال: فرّطت فى واحد منهما.

فقال: ائتنى بالآخر- فلما جاء به دفع له مائة دينار «1» ويقال: ألف دينار، وقال: لو جئتنى بالرّغيفين أعطيتك ألفين، ويقال: مائتين «2» فبعد مدة رمد النجاب رمدا عظيما أشرف فيه على العمى، ثم أراد الخليفة أن يرسله برسالة «3» أخرى، فاعتذر برمده، فأمر الخليفة بإحضار مكحلة فيها كحل، فكحله منها، فبرئ من ساعته، ومضى فى رسالة الخليفة «4» ، فلما عاد قال: يا أمير المؤمنين، أريد ذلك الكحل تعلمنى «5» إيّاه، فقد وجدت فيه شفاء عظيما «6» . فقال الخليفة: هو الرغيف الذي أتيت به من عند القاضى «بكّار» ، جعلنا منه فى أكحالنا وأدويتنا، فنحن نعافى ببركته! فندم النجاب على ما فرّط. وكانت ولايته القضاء يوم الجمعة، فى جمادى الآخرة سنة 246 هـ. وكان أحد الفقهاء على مذهب الإمام أبى حنيفة رحمة الله عليه «7» . أخذ الفقه عن هلال بن يحيى بالبصرة. وكان من البكّائين والتّالين لكتاب الله تعالى. وكان إذا فرغ من الحكم خلا بنفسه وعرض عليها جميع ما حكم به، ثم يبكى ويقول: يا «بكّار» تقدم إليك رجلان فى كذا وكذا، وحكمت بكذا وكذا، فما جوابك غدا إذا وقفت بين يدى الله سبحانه وتعالى؟

وكان يكثر الوعظ للخصوم، ويتلو عليهم قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «1» . وكان يفعل هذا مع كلّ حالف، فمنهم من يخاف «2» ويرجع عن اليمين، ومنهم من يحلف. وحكى أيضا عنه أنه كان إذا أراد أن يحلّف شخصا أمره «3» أن يقرأ: وَالطُّورِ* وَكِتابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ إلى قوله تعالى: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ «4» . ثم يقول له احلف بعد ذلك «5» . وحكى عنه أنّ رجلا قال له ذلك، فقرأ وحلف، وكان كاذبا «6» فى يمينه، فبرزت عيناه من وجهه، فامتنع- بعد ذلك- الفاجر أن يحلف. وكان يحاسب أمناءه فى كل وقت، ويسأل عن الشهود. وكان أحمد بن طولون يجيزه «7» فى كل سنة بألف دينار [زيادة على القدر المقرر له] «8» ، فلما جرى بينه وبينه ما جرى، قال له ابن طولون: أين جوائزى؟ يجاء بها.. فأرسل إليه ابن طولون، فوجد فى منزله ستة عشر كيسا «9» ما مسّها «بكّار» ، فحملها إليه، فلما نظر أحمد خجل

واستحى «1» وظنّ أن فرّط فيها، وأنه يعجز عن القيام بها، فلهذا طالبه. ولمّا اعتقله أمره أن يسلم القضاء إلى محمد بن شاذان الجوهرى، ففعل، وجعله كالخليفة له والنائب عنه «2» . وقال الحسن اللّيثى: حدّثنى بعض شيوخ مصر قال: مررت فى أول اللّيل و «بكّار» فى غرفته يبكى ويصلى ويقول: كَلَّا إِنَّها لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى «3» يرددها ما تجاوزها. وروى أبو حاتم ابن أخى «بكّار» قال: قدم على عمّى «بكار» رجل من البصرة، [عنده علم وزهادة وفضل ونسك، فأكرمه عمّى وقرّبه] «4» وأدناه، وذكر أنه كان معه فى المكتب «5» فى البصرة، ومضت به الأيام حتى جاء الرجل فى شهادة، ومعه شاهد من شهود مصر، فأدّوا الشهادة عند عمّى، فما قبل شهادة ذلك الرّجل، فلما خرج وهو منكسر القلب قلت لعمى: هذا رجل زاهد، عالم، وأنت تعرفه. فقال: يا بن أخى، مارددت شهادته، إلّا أنّا لمّا كنا صغارا فى المكتب جلست أنا وإيّاه على مائدة فيها أرز وحلوى «6» ، فنقبت الأرز بأصبعى، فقال لى: أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها «7» [فقلت له] : أتهزأ «8» بكلام الله على الطعام؟! ثم أمسكت عن كلامه مدّة، فما أقدر على قبوله وأنا أذكر ذلك منه.

ودخل على «بكار» قوم من أهل «الرملة» فقال قوم ممّن حوله: كيف حال قاضيكم؟ فقالوا: عفيف! فالتفت «بكّار» إليهم وقال: لقد غممتمونى «1» يقال: قاض «2» عفيف، فسدت الدّنيا!! وقال محمد بن أحمد بن سلامة: ما تعرّض أحد لبكّار فأفلح «3» .. لقد تعرض إليه غلام من بنى يزد يقال له: عامر بن محمد، وكان قد دسّ عليه وقيل له: تظلّم فيه، وكان فى حجر «بكّار» «4» ، وكان يقرّبه ليتمه، فرآه «بكّار» فى مجلس المظالم «5» ، فقال له: ما تصنع هاهنا؟ فقيل له: هو يرفع فيك «6» !! فقال: على أىّ شىء يا عامر «7» ! قال: أنفقت مالى «8» . قال: أنا يا عامر؟! قال: نعم «9» . قال: إن كنت كاذبا فلا نفعك الله بعقلك ولا جسمك. قال أبو محمد: أخبرنى من رآه وهو شيخ ذاهل العقل، يسيل لعابه من فالج «10» ويسبّ الناس ويرميهم بالحجارة، وهم يقولون «11» : هذه دعوة الكبير المقدار «12» القاضى «بكّار» .

وقال «1» بعض أصحاب التواريخ فى ترجمة القاضى «بكّار» : إنه رأى النّبىّ صلّى الله عليه وسلم وبين يديه طبق فيه تمر، فقال له: أطعمنى يا رسول الله، فناوله ثنتين، ثم استزاده «2» ، فأعطاه ثنتين، فاستزاده، فأعطاه واحدة، فاستيقظ من نومه وهو يجد حلاوة التمر فى فمه، ووجد النوى فى يده، ثم إنه أتى إلى السيدة زكية ابنة الخير بن نعيم الحضرمّى، فإذا هى جالسة وبين يديها طبق فيه تمر على صورة الطبق الذي رآه بحضرة النبي، صلّى الله عليه وسلم، فقال لها: أطعمينى، فناولته ثنتين، ثم استزادها، فأعطته ثنتين، فاستزادها، فأعطته واحدة، فطلب منها الزيادة، فقالت له: لو زادك رسول الله صلّى الله عليه وسلم شيئا مناما زدناك يقظة، ولو زادك ليلا زدناك نهارا «3» ! وسجن أحمد بن طولون القاضى «بكّارا» «4» مدة طويلة، يقال: إنه سجنه بضعة عام «5» لسبب، وهو أن «الموفق» الخليفة «6» لما حكم فى خزائن

الأقاليم، أمر نوّابه بالأقاليم بحمل الأموال، وأمر أحمد بن طولون، فأبى عن حمل الأموال وعصى، فأمر أبو أحمد الموفّق «1» بسبّ أحمد بن طولون على المنابر بعد الخطبة، وأمر أحمد بن طولون بسبّ «الموفق» على المنابر. وخرج أحمد بن طولون فى مائة ألف وأكثر إلى دمشق للقاء رسول [أبى] أحمد «2» الموفق الذي ولّاه على مصر عوضا عن أحمد بن طولون، فلما نزل أحمد إلى دمشق أحضر القضاة وقال لهم: اثبتوا أن «الموفق» خارجىّ «3» ، ففعلوا له ذلك، فأحضر «بكارا» إليه «4» وقال له: سجّل لى أنّ «الموفّق» خارجّى. فقال له: لم يثبت ذلك عندى. فقال له: عد إلى بلدك. فلما عاد أحمد من سفره طلب «بكارا» ووبّخه، وقال: من يشهد لك أنّ الخليفة ولّاك «5» ؟ ثم طلب منه الجوائز التى تقدم «6» ذكرها، فأحضرها له، ثم سجنه، فأقام مسجونا إلى قبيل موته- كما سيذكر «7» . وكان يحدّث فى السجن من طاق «8» ، لأنّ أصحاب الحديث اجتمعوا إلى أحمد بن طولون وشكوا «9» إليه

انقطاع السّماع «1» من «بكّار» ، وسألوه أن يأذن له فى الحديث، ففعل، فكان يحدّث على ما ذكرنا من طاق فى السّجن. وحديثه مع ابن طولون مستقصى فى سيرته، فلا حاجة بنا إلى ذكره هاهنا فنخرج عن الغرض المقصود بذلك. وكان يغتسل فى كل جمعة فى السجن ويكتحل ويلبس ثيابه ويتطيّب، ثم يصبر «2» حتى يسمع «3» النداء بالصلاة، فيأتى إلى السّجّان، فيقول له «4» : ما تريد أيها القاضى؟ فيقول: أريد أن أصلّى الجمعة وأجيب داعى الله وأعود إليك. فيقول: اعذرنى أيها القاضى، لا قدرة لى على ذلك، يعسر «5» علىّ. فيقول «بكّار» : اللهمّ إنّى أجبت مناديك فمنعت، اللهمّ فاشهد، ثم يرجع. ولمّا اعتلّ أحمد بن طولون «6» فى شهر شوال سنة سبعين ومائتين، أمر الناس بالدعاء فى مسجد «محمود» فى سفح الجبل المقطم، فخرج الناس يوم الاثنين، لستّ خلون من شوّال السّنة المذكورة، وخرج معهم محمد بن شاذان الجوهرى، الذي كان خليفة «بكّار» فى القضاء لمّا سجن، وخرج اليهود بالتوراة، والنصارى بالإنجيل، وسألوا وابتهلوا ودعوا.. فاشتدّ به الألم، [فدعا] «7» خمارويه وقال له: «اذهب إلى القاضى «بكّار» بن قتيبة، فإنى

أرى أنك تجده يصلى، فإذا فرغ من صلاته فقل «1» له: إنّ والدى يقرئك السّلام ويسألك الدعاء، وإن هو عوفى أعادك «2» إلى مرتبتك. فجاءه خمارويه فوجده قائما يصلى، فلما انتقل من صلاته «3» نظر «بكار» إليه، فسلّم خمارويه عليه، وأقرأه السلام عن والده، فقال له: لعلّك جئت فى أمره. فقال: نعم، وقال له: إنه يلتمس منك الدعاء، فإذا هو عوفى أعادك إلى مرتبتك وزادك رفعة. قال: فأخذ القاضى بكّار لحية نفسه «4» وقال: قل له: يقول لك «بكّار» بن قتيبة: هو شيخ فإن أشرف على حفرته «5» ، وأنت عليل مدنف «6» أشرفت على حفرتك، والملتقى بيننا عن قريب بين يدى الله عزّ وجلّ، والحاكم هو الله الواحد القهار! فعاد خمارويه إلى أبيه فوجده فى النزع، وتحرّس عن الكلام «7» ، فقضى نحبه ولحق بربه، وقام بالأمر بعده ولده الأمير أبو الجيش خمارويه، فأرسل إلى القاضى «بكار» يقول له: انصرف إلى منزلك. فقال: الدّار بأجرة، وقد اعتدت بها وصلحت لى. فأقام بها، وجاءه أصحاب الدار يطلبون أجرة الدّار فيما مضى، فقال: لا أجرة علىّ. ويقال: إنه قال لهم: أنتم عفيتم داركم ونجيت بها «8» ، وهذه أجرة الدار فى المدّة التى أقمت بها، وإذا أقمت دفعت لكم الأجرة التى تستحقّ.

فأقام أربعين يوما، ثم توفى إلى رحمة الله تعالى، وصلّى عليه ولد أخيه محمد بن الحسين بن قتيبة. وعاش محمد بعد عمّه عشر سنين. وكانت جنازة [بكّار] جنازة حافلة «1» ، اجتمع فيها بشر كثير، يقال إنهم كانوا يزيدون على خمسين ألف رجل. ودفن بالقرب من مصلى بنى مسكين القديمة، وحزن لموته الحزن الذي يوازى رؤيتهم به. وكانت ولادته بالبصرة فى سنة اثنتين «2» وثمانين ومائة- وروى فى ذى القعدة سنة سبع وثمانين [ومائة]- وقد بلغ تسعا «3» وثمانين سنة، وهو مسجون. ورئى أحمد بن طولون فى المنام بعد موت القاضى «بكّار» ، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لى وتجاوز عنى بشفاعة القاضى «بكار» . فقيل له: ما فعل الله بك فى شأن الذين قتلوا بإذنك فى قبضتك وحروبك؟ قال: كنت بفعلى ذلك بهم رحمة من الله تعالى لهم، كان القتل لهم تخليصا من العذاب الشديد، والشرّ المزيد «4» . وقيل: إنه مرّ بصبيان «5» وهم يرجمون مجنونا، فقال لهم: لم ترجمون هذا؟ فقالوا: هذا يزعم أنه يرى «6» ربه. فالتفت القاضى إليه وقال: صحيح ذلك «7» ؟ فقال له المجنون: وكأنك من جملة الصبيان؟! فقال له القاضى: إن كنت صادقا فمن أنا؟ قال: أنت «بكّار» بن قتيبة الذي علّقت قيود الناس فى عنقك. قال: صدقت.

والدعاء عند قبره «1» مستجاب. ويقال: إنّ رجلا جاء من بغداد فى أيام العادل ابن السلار على وصية بكتاب من الحاكم «2» ببغداد، فاستقضى المال من الحاكم فلم يوصله إلى شىء منه، وتعسّر عليه الحال، وأخذت الرشوة عليه للحاكم «3» وغيره، ولم يجد من ينصره، فأراد الانصراف إلى بلده بغير شىء، فقيل له: لو مضيت إلى قبر القاضى «بكّار» ودعوت الله عند قبره أن يجمع عليك ما جئت لطلبه «4» . ففعل ذلك، ودعا الله تعالى، وتوسل بالقاضى «بكّار» ، وشكا ما يجده من بعد المكان وقلّة المال، ثم مضى من وقته «5» ، فوجد السلطان راكبا والحاكم معه، فوقف له السلطان وسأله عن [حاله] «6» وأمره، فأخبره، فالتفت إلى الحاكم وقال له: سلّم لهذا ماله السّاعة، واحذر أن تعيقه «7» لحظة واحدة. فمضى الحاكم لوقته وسلّم إليه المال، وذلك ببركة الدعاء عند قبر القاضى «بكّار» رحمه الله. وكان مولده سنة اثنتين «8» وثمانين ومائة، كما تقدم، وتوفى في شهر ذى الحجة الحرام سنة سبعين ومائتين، [وكانت وفاته ووفاة أحمد بن طولون، فى سنة واحدة، كما تقدم] «9» وبلغ عمره تسعا «10» وثمانين سنة، وكانت مدة

قبر الشيخ أبى رحمة:

ولايته «1» أربعا وعشرين سنة، وستة أشهر «2» ، وستة عشر يوما، وأقامت مصر بعده بغير قاض «3» ثلاث سنين. قبر الشيخ أبى رحمة «4» : ويلى قبره «5» قبر الشيخ الصالح، المعروف بأبى رحمة. وكان هذا الرجل صالحا محبوبا عند الناس، يزور الصالحين ويبدى أخبارهم «6» وفضائلهم، رآه بعض من كان يزور معه فى النوم بعد وفاته، فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: والله نجوت بحبّ الله وحبّ رسوله من النار، وغفر لى بكثرة الصّلاة على المختار «7» . قبر القاضى الخير بن نعيم «8» : ومن غربّى قبر أبى رحمة- تحت الكوم- قبر «9» القاضى الخير بن نعيم ابن عبد الوهاب بن عبد الكريم بن مرّة بن كريب «10» بن عمرو بن

خزيمة بن أوس الحضرمى ثم الأجدومى، من بنى ناهض، يكنى أبا إسماعيل، ويقال: أبا نعيم. انتهت إليه الرياسة فى زمنه، تولّى القضاء والقصص بمصر فى آخر خلافة بنى أميّة، وأول خلافة بنى العباس. وولى القضاء ببرقة فى خلافة بنى أمية، وكان من الفضلاء المحدّثين. وروى عن سهل بن معلى «1» ، وعبد الله بن هبيرة، وعن عروة بن الزبير، وغيرهم. وروى عنه «2» يزيد بن أبى حبيب، والليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، وغيرهم. وكان يقضى بين الناس فى الجامع العتيق إلى العصر، فإذا كان بعد «3» العصر خرج على باب المسجد يقضى بين اليهود والنصارى. وكان يزيد بن أبى حبيب «4» يقول: ما أدركت من قضاة «5» مصر أفقه من الخير بن نعيم. ويروى عن سهل بن علىّ [ويقال: عبد الرحمن بن سهل بن علىّ] «6» قال: كنت كثيرا ما أجالس الخير بن نعيم، وأنا صغير «7» السّنّ، وكان يتجر فى الزيت، فقلت له يوما: يا سيدى «8» ، وأنت أيضا تتجر فى الزيت؟ فضرب بيده على كتفى، وقال: انتظر حتى تجوع ببطن غيرك «9» ! فقلت فى نفسى: وكيف يجوع إنسان ببطن غيره؟ قال سهل: فلمّا بليت بالعيال إذا أنا أجوع ببطونهم.

وحكى عنه أنّ رجلين أتيا إليه فى وقت صلاة المغرب لحكومة «1» بسبب جمل به عيب يريد المشترى ردّه على البائع، فخاف من فوات صلاة المغرب، فأخّرهما إلى الغد، فذهبا بالجمل وباتا «2» ، فمات الجمل فى تلك اللّيلة، فلما أصبح الصباح جاء البائع والمشترى إلى القاضى، فقال المشترى: أصلح الله شأن مولانا القاضى، اشتريت من هذا الرجل جملا وقال لى: لا عيب فيه، فوجدت به عيبا، فجئنا به إليك اللّيلة الماضية لفصل الحكم بيننا، فأمرتنا أن نأتى فى الصباح، فمات الجمل فى الليل، فهل ثمنه يكون فى كيسى أو فى كيسه؟ فقال القاضى: يا ولدى، لا فى كيسك ولا فى كيسه، بل فى كيس القاضى الذي لم يخرج لفصل الحكم بينكما. فوزن لهما «3» ثمن الجمل. وحكى عن الشريف محمد بن أسعد النّسّابة، نقيب الطّالبيين بمصر- رحمه الله- أنه حضر إلى القاضى الخير بن نعيم قاضى مصر خصمان، ادّعى أحدهما على الآخر بعشرين دينارا، فسكت المطلوب ولم يجب «4» . فقال القاضى: ما تقول؟! فسكت أيضا. فقال: ما يخلّصك السّكوت. فناول القاضى رقعة وقال: استرها سترك الله، فسترها القاضى [بكمّه] «5» وقرأها، فإذا فيها «6» : العشرون دينارا فى ذمّتى، وما علّى بها شاهد، لا بينى ولا بينه «7» ، وأنا عاجز «8» اليوم فى حقّ الرسول قبل حقه، إن اعترفت

اعتقلنى، وإن أنكرت استحلفنى، أفتنا يرحمك الله. فبكى القاضى وأخرج منديلا من كمّه، ووزن العشرين دينارا لربّ المال، فقال له: ما هذا يا سيدى؟ قال: خلاص هذه القضية «1» ، وقرأها عليه، فقال له: يا سيدى، أى شىء أردت بهذا؟ قال: الأجر والثّواب. فقال ربّ المال: أنا أولى بذلك وأحق، والله لا أطالبه أبدا. فهمّ المطلوب أن يقوم، فقال القاضى: هؤلاء خرجوا لله، لارجعت فيهم «2» ، فتخلص الرجل من العشرين، وتحصّل على العشرين الأخرى. ويقال: إن المديون امتنع، فتصدّق القاضى بها. وكان سبب عزله عن القضاء، أنّ رجلا من الجند خاصم إنسانا وقذفه «3» ، فرفعه خصمه إلى الحاكم وادّعى عليه، وشهد عليه شاهد واحد، وذهب الخصم ليحضر له الشاهد الآخر، فأمر القاضى بحبس الجندى حتى يحضر الرجل الشاهد الآخر، ويقام على الجندى الحد، فأرسل أبو عون عبد الملك بن يزيد «4» فأخرج الجندى من السجن، فلما بلغ الخير ذلك اعتزل فى بيته وترك الحكم، فأرسل إليه أبو عون فى ذلك، فقال: لا أرجع حتى يردّ الجندىّ إلى مكانه، فلم يردّ، وتمّ على عزمه. فقال له «5» : فأشر علينا برجل نوليه. فقال: غوث «6» بن سليمان الحضرمى.

قبر سهل بن أحمد البرمكى:

وكانت ولاية الخير بن نعيم على القضاء والقصص ثلاث سنين. وتوفى- رحمه الله- سنة ستّ «1» وثلاثين ومائة. *** وتخرج من عند الخير تستقبل القبلة تجد على يسارك ثلاثة ألواح من الرخام على قبور ثلاثة، يقال: إنهم أشراف من البصرة، وتاريخ وفاتهم «2» على الألواح من الرخام. وعلى يمينك تجد قبورا متباعدة «3» ، قيل: إنهم أولاد جعفر بن محمد الصادق. *** قبر سهل بن أحمد البرمكى «4» : ثم تدخل على يسارك تجد تربة كبيرة بها قبر سهل بن أحمد البرمكى، من ذرّيّة البرامكة، كان كاتبا بمصر على الخراج، وكان مغرما بحب أهل البيت، وكان كثير الزيارة لمشهد طباطبا «5» ، قيل: إنه قال عند موته وهو يجود بنفسه لما رأى [أهل بيته] «6» ، وقد اجتمعوا يبكون عليه ويصرخون، فأنشد يقول «7» :

قبر خلف الكتانى:

إذا ما بكى الباكون حولى تحرّقا ... وقالوا جميعا: مات سهل بن أحمد فقولوا لهم: لا تندبوه فإنّه ... مع السّادة الأبرار آل محمد «1» قبر خلف الكتّانى «2» : ومعه فى التربة قبر خلف الكتّانى «3» ، المتصامم عن سماع القبيح حتى مات، كان فى بداية أمره من ذوى الأسباب «4» ، ثم اشتغل بالعلوم وبرع فيها، وكان أحد العلماء الفضلاء، وسافر إلى العراق، وأفاد علوما شتى، وحدّث، وحدّث عنه، وروى عنه ابن حمضة الحرانى «5» ، وقبره إلى جانب قبر سهل المذكور. قيل: لمّا كان فى بداية أمره فى السّبب «6» باع امرأة كتّانا، فخرج من المرأة ريح، فخجلت واستحت، ففطن لذلك، فقال للمرأة: ارفعى صوتك حتى أسمع ما تقولين، فظنّت أنه أصمّ، ففرحت بذلك وزال خجلها. ومثل هذا يحكى عن حاتم بن علوان الأصمّ، وأنه شهر بذلك. وكذلك يحكى عن أناس سوى هذين الرّجلين. وتوفى خلف المذكور فى سنة سبع وخمسين [وثلاثمائة] «7» .

مشهد الشريف «طباطبا» :

مشهد الشريف «طباطبا» «1» : ثم تخرج من هذه «2» التربة إلى مشهد «طباطبا» وهو مشهد عظيم مبارك شريف. بهذا المسجد طائفة من بنى «طباطبا» . [وطباطبا] هو: أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر الشهيد المقتول ابن عبد الله ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب، لقّب بذلك لرتّة «3» كانت فى لسانه، كما حكى عن أبى بكر الخطيب، الإمام الجليل، صاحب «تاريخ بغداد» «4» فى ترجمة إبراهيم المذكور، أنه لمّا قدم بغداد فى خلافة الرشيد سمع به، فبعث إليه، فظن أنّ أحدا وشى به، فدخل على الرشيد، فقام له وأجلسه إلى جانبه، وحادثه، فصار يظهر للرشيد من كلامه الخوف، فقال: ما بك يا أبا إسحاق؟ قال: روّعنى صاحب الطّبا «5» ، يعنى الذي دعاه، وكان عليه قبا فبدّل القاف طاء، فلقّب بذلك الوقت «طباطبا» . وقيل: بل طلب يوما ثيابه، فقال الغلام: أجىء بدرّاعة «6» ؟ فقال: «طباطبا» ، يعنى: قباقبا. ومن عرف بابن طباطبا فإليه ينسب، وهو أول من لقّب بذلك. وأمّا من دفن بهذا المشهد فمن ذرّيّته «7» وفيه قبر ولد ولده على

ابن الحسن، وكانت «1» له مكانة وجلالة، بلغ ماله بعد موته ثلاثة «2» قناطير ذهب ونصف، وسبعة» قناطير فضة، وترك مائة عبد، وأربعين أمة، وأوصى أن يتصدّق بنصف ماله. وتوفى فى سنة خمس وخمسين ومائتين. وممّن قبر بهذا المشهد ولد ولده أحمد بن محمد بن إسماعيل، ذكره طائفة من الفضلاء، منهم المؤرخ الفاضل أحمد بن خلكان فى كتابه ما صورته: السيد الشريف أبو القاسم أحمد بن محمد بن إسماعيل، عرف بابن طباطبا الرّسّى الحسينى، نقيب الطّالبيين بمصر، وكان من أكابر رؤسائها وكرمائها، وله شعر جيد مليح فى الزهد والغزل، ذكره أبو منصور الثعالبى فى كتابه «يتيمة الدهر» ، وذكر له مقاطيع، من جملتها «4» : خليلىّ إنّى للثريّا لحاسد ... وإنى على ريب الزّمان لواجد أيبقى جميعا شملها وهى ستة ... وأفقد من أحببته وهو واحد وله أيضا- ويقال: إنه «5» من كلام وجيه الدولة ابن حمدان، المكنى أبا المطاع، عرف بابن ناصر الدولة، وبذى «6» القرنين- شعر: قالت لطيف [لطيف] زارنى ومضى ... بالله صفه ولا تنقص ولا تزد «7» فقال: أبصرته لو مات من ظمإ ... وقلت: قف عن ورود الماء لم يرد قالت: صدقت، وفاء الحبّ عادته ... يا برد ذاك الذي قالت على كبدى

ومن شعره المنسوب إليه فى طول اللّيل «1» : كأنّ نجوم اللّيل سارت نهارها ... فوافت عشاء وهى أنضاء أسفار «2» وقد خيّمت كى يستريح ركابها ... فلا فلك جارى ولا كوكب سارى «3» ومن شعره أيضا- عفا الله عنه: بانوا وأبقوا فى الحشاء لهيبهم ... وجدا إذا ظعن الخليل أقاما «4» لله أيّام السّرور كأنّها ... كانت لسرعة مرّها أحلاما يا عيشنا المفقود خذ من عمرنا ... علما وردّ من الصّبا أيّاما وكلامه كثير.. وتصدق بجميع مال أبيه المذكور آنفا ولم يترك منه شيئا، وافتقر حتى صار على أكلة فى اليوم. ثم إنّ أحمد بن طولون علم بحاله، فأعطاه قرية بمصر، فكان يحمل إليه خراجها. وكان من شأنه- رضى الله عنه- أن يشفع للناس ويمشى فى حوائجهم، كثير الرأفة والحلم، قال ابن زولاق: لم ير فى الأشراف الذين نزلوا إلى الديار المصرية «5» من الحجاز وغيره من البلاد أكثر شفقة وسعيا فى حاجات الناس من أحمد بن طباطبا.

وقال ولده السيد عبد الرّحمن: شفع أبى «1» عند صاحب مصر فى شأن مال طلبه الأمير من الناس، فأبى أن يقبل شفاعته، فرأى الأمير فى اللّيل النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، قال له: لم لم تقبل شفاعة أحمد بن على بن طباطبا؟ «2» فلما أصبح الأمير رفع عن أهل مصر الطّلب. وتوفى السيد الشريف أحمد المذكور فى سنة 325 هـ بمصر، وقبر بهذا المشهد، وقد نيّف على التسعين «3» . وممّن قبر بهذا المشهد المذكور ولده عبد الله بن أحمد بن طباطبا، قال ابن خلكان فى كتابه المذكور: عبد الله بن أحمد المذكور فى الهمزة هو أبو محمد عبد الله بن السيد الشريف أبى «4» العباس أحمد بن طباطبا الحجازى الأصل، المصرىّ المولد والدّار والوفاة والملحة «5» ، وهو المعروف بصاحب السيادة «6» . كان صاحب رباع وضياع، وله نعمة ظاهرة، وعبيد وحاشية، [كثير التّنعّم] «7» ، وكان مع هذا من الصالحين، يقوم الليل ويصوم النهار، كثير الصّدقة والضّحايا والحطب من ضياعه «8» ، وكان حسن المعاملة، كثير الإفضال على أصحابه «9» ، يتلطف بهم، ويركب إلى أصحابه وأصدقائه للزيارة، ويقضى حوائجهم وحقوقهم، ويطيل الجلوس عندهم.

ذكر أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسن اللّيثى، المعروف بابن زولاق، قال: حدثنى عبد الله «1» بن أحمد بن طباطبا، قال: رأيت فيما يرى النائم- ولى من العمر أقل من عشرين سنة- كأنّ طاقا مفتوحا من السماء، فصعدت فيه، ومشيت حتى انتهيت إلى بيت فى صدره سرير الرسول «2» ، عليه امرأة أعلم أنها خديجة، فقمت إليها، وسلّمت عليها، [فقالت: من تكون؟ فقلت: عبد الله بن أحمد بن طباطبا، فصفّقت بيديها وقالت: يا فاطمة، قد جاءك من أولادك ولد. فخرجت من بيت على يسار خديجة، فقمت إليها، وقبّلت يديها، فقالت: مرحبا بالولد الصالح، وجلست] «3» ثم خرج كهلان، أعلم أنهما الحسن والحسين، فقمت وقبّلت يد الواحد، فقال لى: عمّك، وأشار إلى أخيه الحسين «4» ، ثم جلسوا، ثم خرج رجل عليه سكينة ووقار، فقال لى أحدهما «5» : هذا جدك أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب، فقاموا كلهم «6» ، وجلس، ثم رأيت خديجة محترفة «7» تريد النزول عن السرير، ورأيت الجماعة تحركوا للقيام، وقد سرى نور، ونزلت خديجة، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقاموا كلهم، وقمت معهم، فأكببت على رجليه أقبّلهما، فمنعنى وقال: لا تصنع هذا بأحد. وجلسوا يتحدثون، فما أنسى طيب حديثهم، إلى أن قال لى رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: قم. فقلت: يا رسول الله، إنى أريد المقام عندكم. فقال: قم. فأخذ بيدى وأنزلنى من الطّاق ويدى فى يده وهو يقول لى:

بلغت «1» ؟ فقلت: لا. فقال لى: قد بلغت، ولكن تثبّت. فلما حصلت رجلى على الأرض انتبهت كالمصروع، لا أعقل، فجاءونى بالمعزّمين «2» ، وعلّقوا التعاويذ، فأقمت نحوا من شهر «3» وأنا على تلك الحالة، ثم أنّى أفقت وفتحت عينّى، فاستبشر أهلى، وسألونى عن خبرى، فحدّثتهم بحديثى «4» ، فبلغ الحديث أبا عبد الله الزّبيرى «5» ، فجاء وسألنى عن ذلك، فأخبرته بحديثى، فبكى وقال: ليت عينى كانت معك، لقد شاهدت يا عبد الله «6» مشهدا عظيما، وليكوننّ لك نبأ. قال أبو محمد المذكور «7» : حدّثنى عبد الله بن يحيى بن طاهر العلوى قال: غرّنى قوم فى أول ما دخلت مصر حتى تقبّلت من أبى بكر محمد بن الماذرائى «8» ضيعة بألف دينار، فلم يحصل لى من غلتها سوى

أربعمائة «1» دينار، وبقى علىّ ستمائة دينار، فتحيرت، وكلّمت أبا جعفر، وكلمت إنسانا من الناس ليطلعا الماذرائى على حالى «2» ، فلم يفعلا، فقلت: والله لأمضينّ إلى عبد الله بن أحمد بن طباطبا، [فأتيته] «3» فأطلعته على حالى، وعرّفته أنّ عمّى، وأبا جعفر، وغيرهما من الناس، امتنعوا «4» من سؤاله، فقال: أنا والله أمضى معك. فقدّموا إليه دابّة، فركب معى إلى أبى بكر الماذرائى، فقال له: يا سيدى، هذا الفتى غرّه جماعة «5» حتى أخذ ضيعة بألف دينار، فلم تغلّ له سوى أربعمائة دينار «6» ، وقد تحملت عنه من مالى- لشرفه وقرابته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم- خمسمائة دينار. ففتح أبو بكر الدواة ووقّع [بالاحتساب «7» خمسمائة دينار] وحصلت على الأربعمائة المختصة، وبارك الله لى فيها «8» . وقال أبو محمد أيضا: حدثنى صديق لى قال: وقفت بقبر عبد الله بن أحمد بن طباطبا، وذكرت أفضاله، فقلت: وخلّفت الهموم على أناس ... وقد كانوا بعيشك فى كفاف «9»

ثم مضيت، فلما نمت تلك الليلة رأيته فى النوم، فقال لى: قد سمعت ما قلت «1» وحيل بينى وبين الجواب، ولكن امض إلى مسجدى «2» وصلّ فيه ركعتين، وادع الله بما أردت يستجاب لك. ويقال: إن قوما حجّوا وخرجوا يريدون زيارة قبر رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، فمنعوا الزيارة، فعزّ ذلك على رجل منهم، وضاق صدره، وضاقت عليه الدنيا، فمن كثرة ما أصابه من الهمّ نام، فرأى فى منامه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يقول: من فاتته زيارتى فليزر ولدى طباطبا. ويقال إنّ رجلا طحّانا انكسر عليه لرجل جندىّ من الأكراد ثمن قمح، وكان وكيل الكردى الذي عامله فيه، وكان الطّحّان «3» لا يعرف صاحب القمح، فألحّ الوكيل [عليه فى] «4» الطلب، فأراد أن يتسحب «5» منه، فقيل له: لو مضيت إلى قبر الشريف ابن طباطبا ودعوت الله عنده «6» ، فلعل الله تعالى ببركته يسخّر لك الوكيل يرفق بك أصلح لك من التّسحّب، يختم على موضعك، ويهان أهلك، ويشمت بك العدوّ، ويحزن الصديق. فأتى إلى باب تربة الشريف وهو يريد الدخول إليها، فوجد الوكيل خارجا من التربة، فقال له: فلان؟! قد تغيبت ممّا أطلبك «7» ولا أقدر عليك.. أريد الساعة منك المال «8» . فقال له: أنا أدخل قبر الشريف وأدعو الله عنده، فإنى

قصدت زيارته، وأخرج إليك، فافعل بى ما شئت. فدخل الطّحّان إلى قبر الشريف، فوجد عنده رجلا كرديّا يصلى، ولم يكن يعرف الطّحّان ربّ المال «1» ، فدعا الله تعالى عند القبر، وبكى وتضرع وصاح، وجعل يتلهّف. فقال له الكردىّ: يا شيخ، ما قصّتك؟ فقال له: يا سيدى، علىّ دين والله ما أقدر على وفائه «2» ، وقد لقيت وكيل صاحب الدّين «3» على باب التربة، وما أدرى ما يراد منى، وما معى شىء، وإن اعتقلت «4» هلكت وهلك صغارى، وشمت بى العدو «5» . فقال له: وكم عليك من الدّين؟ قال: مائتا «6» دينار ثمن قمح ونزل «7» السعر، وللناس أيضا مائة دينار، لعلّ حاصلى فى الطاحون من عدّة وغيرها ما يساوى مائة دينار. فقال: أبشر واسكت واخرج معى، فإن الله تعالى قد فرّج عنك. ثم إنّ الجندى قضى صلاته ودعا طويلا، ثم زار، وأخذ بيد الطّحّان وخرج، وإذا بالوكيل [على باب التربة] «8» قد قام لأستاذه، فقال له الكردى «9» : مالك عند هذا؟ فقال: لنا عنده كذا وكذا، وهو متسحّب. فقال: اتركها له فى سبيل الله تعالى. ثم التفت الكردىّ إلى الطّحّان وقال له: بقى لك حاجة؟ قال: نعم، تعيننى «10» بشىء من القمح. فقال للوكيل:

ادفع له مائة أردب من القمح، وخذ حق القمح منه فى أربعة «1» أسابيع حتى يرفع حاله، ففعل. وهذا من بركات هذا الشريف التى أحاطت بزوّاره «2» . وكان فى دهليز «3» داره رجل يكسر اللّوز كل يوم «4» من أول النهار إلى آخره، ويرسل «5» الحلوى التى ينفذها لأهل مصر، من الأستاذ كافور الإخشيدى إلى من دونه «6» ويطلق للرجل المذكور دينارين فى كل شهر أجرة عمله، فمن الناس من كان يرسل له الحلوى كل يوم، ومنهم من يرسل إليه كل جمعة، ومن الناس من يرسل إليه كل شهر. وكان يرسل إلى الأستاذ كافور فى كل يوم جامين من الحلوى ورغيفا فى منديل مختوم، فحسده بعض الأعيان، وقالوا لكافور: الحلوى خير من الرغيف وأحسن، وأمّا هذا الرغيف فإنه لا يحسن أن تقابل به «7» . فأرسل إليه كافور وقال: يجرينى الشريف على عادته ويعفينى من الرغيف «8» . فلما جاءه الرسول ركب من فوره وعلم أنه حسد عليه، وقصد الحاسد إبطاله «9» ، فلما اجتمع به قال له: أيّدك الله، إنّا ما ننفذ إليك الرغيف تطاولا ولا تعاظما، وإنما عندى صبيّة «10» حسنة تعجنه بيدها وهى صائمة تقرأ

القرآن، وتخبزه على سبيل التّبرّك، فإذا كرهته قطعناه. فقال كافور: والله لا أقطعه ولا يكون قوتى بعد اليوم سواه. فعاد إلى ما كان عليه من إرسال الحلوى والرغيف. ولما مات كافور، وملك أبو تميم معدّ بن المنصور العبيدلى المعز «1» ديار مصر على يد عبده القائد جوهر، وجاء المعزّ بعد ذلك من إفريقية، وكان يطعن فى نسبه، فلما قرب من البلد وخرج الناس للقائه، اجتمع به جماعة من الأشراف، فقال له من بينهم ابن «2» طباطبا هذا: إلى من ينسب مولانا؟ فقال له المعزّ: سنعقد لكم مجلسا نجمعكم ونسرد عليكم نسبنا. فلما استقر المعزّ بالقصر جمع الناس مجلسا، وجلس لهم وقال: هل بقى من رؤسائكم أحد؟ فقالوا: لم يبق أحد. فسلّ عند ذلك نصف سيفه وقال: هذا نسبى. ونثر عليهم ذهبا كثيرا وقال: هذا حسبى. فقالوا جميعا: سمعنا وأطعنا. وحكت عنه زوجته السيدة خديجة بنت محمد بن إسماعيل بن القاسم الرّسّى ابن إبراهيم طباطبا «3» ، والآتى ذكرها فيه، قالت: كانت لنا دار على سيف

البحر «1» بحافة النيل، فتوجهت إليها وهو معى، وكان لنا فى الدار أمتعة وأسباب «2» ، فوجدت رجلا سارقا قد فتح الأبواب وجعلها كارة «3» عظيمة، وحملها على رأسه، فلما طلعنا من السلم عارضنا فى الطريق، فأردت أن أتكلم، فأشار إلىّ بالسكوت، فجعل اللص يزاحمنا فى السّلّم، وبعلى يلقى عنه الحائط «4» ، فلما نزل قلت له: هذا سارق أخذ متاعنا، لأى سبب تركته؟ قال: وما يدريك أنّ ذلك يكون سببا لتوبته. قالت: فلم تمض أيام «5» قلائل حتى جاءه رجل ومعه عبيد وحشم، فقال: يا سيدى، أريد أن أخلو بك، فجاء معه، فقال له: هل تذكر «6» الرّجل الذي كنت تلقى عنه الحائط بيدك؟ قال: نعم. قال: يا سيدى أنا هو، ولقد بورك لى فى متاعك حتّى أنّ جميع ما تراه منه، ومعى آلاف، وقد جئت إليك بألف درهم وعبدين وجاريتين. فتبسم ثم قال له: منذ رأيتك دعوت لك بالبركة، والله لا أقبل منك شيئا. ثم دعا له بدعوات عظيمة، وقال له: اذهب فى حفظ الله وسلامته. قالت: ثم صار الرجل فى كل قليل يأتى إليه يصلى، ويسلم عليه. وكان الشريف- رحمه الله- حسن المذهب، كثير الأفضال كما ذكر فى أول ترجمته. وكانت ولادته فى سنة ستّ وثمانين ومائتين، وتوفى- رضى الله عنه- بمصر فى الرابع من شهر رجب، سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة بعلّة يقال لها «التوثة» «7» عرضت له فى حنكه وحلقه، وعولج بضروب العلاجات ولم

قبر على بن الحسن، صاحب الحورية:

تفد شيئا، وكانت علّته غريبة لم يسمع بمثلها. وصلّى عليه فى مصلى العيد، وحضر جنازته من الخلق ما لا يحصى عددهم إلّا الله سبحانه وتعالى. ودفن بقرافة مصر بهذا المشهد، وقبره معروف يزار، وهو مشهور بإجابة الدعاء. وهذه الحالة التى وقعت له مع المعزّ عند قدومه مصر جاء ذكرها فى كتاب الدول المنقطعة، لكنها تناقض تاريخ الوفاة، فإن المعزّ دخل مصر فى شهر رمضان سنة 362 هـ، وابن طباطبا توفى- رضى الله تعالى عنه- فى سنة 348 هـ كما هو مذكور، فكيف يمكن الجمع بينهما؟ قال ابن خلّكان: وأفادنى تاريخ وفاته الحافظ زكّى الدين عبد العظيم المنذرى الشافعى، وراجعته فى هذا التناقض، فقال: أمّا الوفاة فهى محقّقة، ولعلّ صاحب الواقعة ولده، والله أعلم «1» . قبر على بن الحسن، صاحب الحورية «2» : وممّن قبر بهذا المشهد أبو الحسن على بن الحسن بن على بن محمد بن أحمد بن على بن الحسن، المعروف بصاحب الحورية «3» ، يقال: إنه رأى فى المنام أنّ جارية نزلت من السماء من أحسن خلق الله تعالى، أضاءت الدنيا لنور وجهها، فقال لها: من أنت؟ قالت: لمن يعطى ثمنى. فقال لها: وما ثمنك؟ قالت: مائة ختمة. فقرأها، وفرغ منها، فرأى فى المنام الحورية «4» فقال لها: قد فعلت ما أمرتنى «5» به. فقالت له: يا شريف، إنك ليلة غد «6» عندنا.

قبر يحيى بن على العلوى:

فأصبح الشريف وجهّز نفسه ودعا الناس لجنازته، وأعلم أهله، فمات فى ذلك اليوم، رضى الله عنه. ويقال إنه لقّب بذلك لأنه كان فى أول عمره ينام الليل، فرأى الجنة وما فيها من الحور العين، فأعجبته حورية «1» ، فقال لها: هلمّى إلىّ، فقالت: لا سبيل إلى ذلك إلّا أن تعطينى أمنيتى. فقال لها: ما أمنيتك؟ فقالت: قيام اللّيل. فقال: والله لا نمت بعدها. فأدركته سنة من النوم فى بعض الليالى، فقالت له: إيّاك والنوم فينفسخ العقد. فكان لا ينام ليلا ولا نهارا حتى مات، رضى الله عنه. قبر يحيى بن على العلوى «2» : وممن قبر بهذا المشهد أبو القاسم يحيى بن على بن محمد بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن أبى طالب، وكان يحيى بن على من أكابر العلويين، انتهت إليه الرئاسة فى زمنه، ومعه ولده أحمد، ورأسه تحت رجليه. وكان جليل القدر، عظيم المنزلة، يأتيه السائل فيعطيه ثوبه، وجاءه رجل فسأله: هل من شىء لله؟ فقال له: لم يكن عندى سوى نفسى فخذنى فبعنى، فأخذه وجاء به إلى الوزير الماذرائى، فقال له: يا وزير اشترنى «3» من هذا! فقال: من يقدر على ثمنك؟ ثم دفع للرجل مائة دينار، ويقال: ألف دينار. ومن كلامه- رضى الله عنه: أشدّ الخجل خجل السؤال، وأشدّ الندم ندم العاصى.

قبر أبى الحسن بن على (ولد صاحب الحورية) :

قبر أبى الحسن بن على (ولد صاحب الحورية) «1» : وممن قبر بهذا المشهد أبو الحسن بن على بن محمد بن أحمد بن على بن الحسن بن طباطبا، وهو ولد صاحب الحورية، وكان من الزّهّاد العبّاد، توفى- رضى الله عنه- فى سنة 352 هـ. قال- رضى الله تعالى عنه: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المنام، فقلت: يا رسول الله، من أقرب إليك من أهلك؟ قال: من ترك الدنيا وراء ظهره، وجعل الآخرة نصب عينيه، ولقينى وكتابه مطهّر من الذنوب. ومعه فى قبره والدته، ووالده المذكور آنفا. بعض من دفن بمشهد «طباطبا» من نسله غير ما تقدم «2» : وممن قبر بهذا المشهد الحسن بن محمد بن أحمد بن القاسم الرّسّى ابن إبراهيم طباطبا، والرّسّ قرية من قرى المدينة، سكنها القاسم المذكور فعرف بها. ولمّا دخل القاسم المذكور إلى مصر جلس بالجامع العمرى، واجتمع عليه الناس لسماع الحديث، وجمعوا له المال، فأبى أن يقبل منه شيئا، فزاد أهل مصر محبّة فيه لزهده فى المال. وكانت له دعوة مجابة. وقال العبيدلى «3» : كان القاسم أبيض، مقرون الحاجبين، كثير الخشوع، يتكلم بالحديث غالبا والقرآن، وكان كثيرا ما يقول: حدثنى أبى عن جدى عن أمير المؤمنين علّى بن أبى طالب، رضى الله عنه، أنه كان يقول: من أراد البقاء، ولا بقاء «4» ، فليباكر الغداء، ولا يتمسى بالعشاء،

وليخفّف فى الصيف الرّداء، ويثقل فى الشتاء، وليقلّل من مجامعة النساء، وخير نسائكم طيبة الرّائحة. وكان القاسم أكثر أهل زمانه فقها وحديثا وعلما، ومات بالرّسّ بعد أن رجع من مصر إليها فى سنة عشرين ومائتين. *** وممّن قبر بهذا المشهد علىّ بن الحسن بن طباطبا، توفى- رحمه الله- فى سنة 348 هـ. *** وممّن قبر بهذا المشهد الحسن بن محمد بن أحمد بن على بن الحسن بن إبراهيم طباطبا. *** وممّن قبر بهذا المشهد بغا «1» الكبير أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أحمد ابن على بن الحسن بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن الحسن بن الحسن بن علىّ «2» بن أبى طالب. ***

وممّن قبر بهذا المشهد بغا الصغير، وهو المسمى أحمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن على بن الحسن بن إبراهيم طباطبا. قتل المذكور بالإسكندرية فى جمادى الأولى «1» سنة 355 هـ، وجىء به حتى دفن بهذا المشهد. *** وممّن قبر بهذا المشهد أخو عبد الله بن طباطبا، صغير، توفى قبل وفاة أخيه فى جمادى الأولى سنة 333 هـ، وقبره تحت رجلى أخيه. *** وممّن قبر بهذا المشهد الحسن بن على بن أحمد بن على بن الحسن بن محمد ابن إبراهيم طباطبا، المعروف بالأزرق الكبير. وبالمشهد ولده على بن الحسن الأزرق، وبالمشهد ولده أبو «2» محمد الحسن بن على بن الحسن الأزرق. *** وممّن قبر بهذا المشهد الأزرق الصغير محمد بن عبد الله بن أحمد بن على ابن الحسن بن إبراهيم طباطبا، توفى- رحمه الله- بدم أصابه فى لسانه بدعاء أبيه. *** وممّن قبر بهذا المشهد الحسين بن محمد بن محمد بن أحمد بن على بن الحسين بن إبراهيم طباطبا، وقد دفن هو ووالده فى قبر واحد. وقد انتهى الكلام بفضل الله سبحانه وتعالى على من دفن بهذا المشهد من ذكور بنى طباطبا. ثم يأتى الكلام «3» على من دفن بهذا المشهد من إناثهم.

من دفن بمشهد «طباطبا» من إناثهم:

من دفن بمشهد «طباطبا» من إناثهم «1» : فمن المقبورات «2» بهذا المشهد- عند باب القبة- السيدة خديجة ابنة محمد بن إسماعيل بن القاسم الرّسّى ابن إبراهيم طباطبا، وكانت هذه السيدة زاهدة عابدة، كثيرة العبادة والزهد، وكانت تحت «3» عبد الله بن أحمد بن طباطبا، وكان يقول: إنها تسابقه لصلاة اللّيل، قال: وما رأيتها ضحكت قط. وحكى عنها إنسان جلس على قبرها، وكان به ورم فى رجله، فأخذ من تراب القبر وقال: بسم الله، ومسّ بالتراب فى رجله، فوجد الشفاء ببركة هذه السيدة العظيمة، وتوفيت، رضى الله عنها، فى سنة عشرين وثلاثمائة. *** ومن المقبورات فى هذه التربة نفيسة ابنة على بن الحسن بن إبراهيم، وهى عمة عبد الله بن أحمد بن على بن طباطبا. وبهذا المشهد قبر السيدة آمنة ابنة الحسن بن محمد بن أحمد بن السيد على بن الحسن بن إبراهيم طباطبا، وهى أخت على بن الأزرق. وبهذا المشهد أيضا نفيسة بنت على بن الأزرق بن الحسن المذكور. من دفن بمشهد «طباطبا» من الصالحين «4» : وقد انتهى الكلام- حسب الطاقة- على من قبر بهذا المشهد من إناث بنى طباطبا، وبقى الكلام على من دفن بهذا المشهد من غير بنى طباطبا، ولكن

نقول: كان بعض الصالحين المحبين لأهل البيت الطاهرين، إذا قصد زيارة هذا المشهد ودخل من بابه، كشف رأسه إجلالا لأهل البيت، ثم يأتى إلى وجه الضريح ويستدبر القبلة ويقول: السلام عليكم أهل البيت المكرّم، السلام عليكم نسل النبي المعظّم، السلام عليكم أهل بيت رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، السلام عليكم يا من سفرت لوامع مجدهم، السلام عليكم يا من همرت هوامع وفدهم «1» ، السلام عليكم يا من ظهرت أنوار علائهم، السلام عليكم يا من بهرت آثار نسائهم «2» ، السلام عليكم يا تحية الشرف الباذخ «3» ، السلام عليكم يا سلالة المجد الراسخ، السلام عليكم يا جواهر العلا، السلام عليكم يا أسياد الملا «4» ، السلام عليكم ينابيع المكارم، السلام عليكم سلائل الأكارم، السلام عليكم ورحمة الله العلىّ، وتبائع إنعامه وفضله الجلّى، صلّى الله على جدكم أفضل وأزكى وأنمى وأعلى صلاة صلّاها على أحد من أنبيائه ورسله. ثم يقول: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «5» ثم ينشد بصوت رقيق: يا بنى الزهراء يا من قدركم ... قد سما فى الأرض يا من سدتم «6» يا بنى السّبطين من هم بغيتى ... وملوك الأرض أنّى يمّموا «7» من يضاهيكم وطه جدّكم ... أهل بيت المصطفى هم أنتم «8»

جدّكم أزكى نبىّ مرسل ... من أتانا بالهدى جدّكم جدّكم ربّ البرايا اختاره ... فلهذا خيرنا قد كنتم «1» جدّكم ربّنا شرّفه ... مهبط الوحى نبىّ أعظم «2» جدّكم ليس على مولى الورى ... أحد فى الخلق من هو أكرم وعلىّ المرتضى أصلكم ... فلهذا كلّ فخر حزتم أنتم الأشراف سادات الورى ... من سواكم يا أجلّا فقدتم «3» كيف لا يامن هم سؤلى وقد ... أذهب الرحمن رجسا عنكم «4» نال كلّ الخير مع ما رامه ... من دعا الله تعالى بكم حزتم جودا وفضلا وتقى ... جودكم عمّ البرايا منكم كم كسير ذى احتياج جاءكم ... نال ما يرجوه من خيركم كم فقير يا كرام بكم ... ذا غناء صار من بذلكم «5» قل لمن يعذلنى فى حبّهم ... يا جهول، ما بعدل تحكم «6» لست أسلو حبّهم لا والذي ... منّ، ما السّلوى بشأنى عنهم «7» حبّهم وسط فؤادى ساكن ... وبه نار فؤادى تضرم «8» يا كرام مهجتى قد ملكوا ... بل وكلّى وجميعى لهم «9» هل لراجى وصلكم يا سادتى ... عطفة منكم لصبّ يرحم «10»

قبر العبد الصالح «فرج» :

يا إله العرش أدعوك بهم ... وبطه جدّهم يا منعم جد على عبد ضعيف بالرّضا ... وامح يا ربى ذنوبا تعظم وعلى الهادى إلهى صلّ ما ... قد حدا حاد بركب يقدم «1» وعلى آل وصحب منهم ... بين خلق الله نور أنجم ثم يدعو بعد القراءة بما تيسّر «2» ، وكان ملازما لذلك على الدوام، رحمه الله تعالى وعفا عنه. قبر العبد الصالح «فرج» «3» : انتهى ذلك. رجعنا إلى ذكر المقبورين بهذا المشهد من غير بنى طباطبا، فنقول: بجانب قبر الإمام أبى الحسن بن على بن الحسن المعروف بصاحب الحورية «4» ، قبر به العبد الصالح فرج «5» ، كان عبدا لهم، توفى قبل وفاتهم، وكان إذا اشتد عليهم الأمر فى شىء قالوا: «اللهمّ ببركة فرج فرّج عنا» ، فيفرج الله عنهم ببركته. قبر ابن زولاق- المؤرخ المصرى «6» : وممّن قبر بهذا المشهد العالم الفاضل، المؤرخ أبو محمد «7» الحسن بن

إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن على بن خلف بن راشد بن عبد الله بن سليمان ابن زولاق الليثى المصرى. كان فاضلا فى التاريخ، وله فيه مصنف جيد، وله كتاب فى خطط مصر القديمة استقصى فيه، وكتاب «أخبار قضاة مصر» جعله دليلا «1» على كتاب أبى عمر «2» محمد بن يوسف الكندى الذي ألفه فى أخبار قضاة مصر، وانتهى فيه إلى سنة ستّ «3» وأربعين ومائتين، فكمّله ابن زولاق المذكور، وابتدأه «4» بذكر القاضى بكار بن قتيبة، وختمه بذكر محمد بن النعمان، وتكلم على أحواله- رحمه الله تعالى- إلى رجب، يعنى سنة 386 هـ. وكان جده الحسن بن على من العلماء المشاهير. وكانت وفاته- أعنى أبا محمد «5» - يوم الثلاثاء «6» ، الخامس والعشرين من ذى القعدة الحرام سنة 387 هـ. ورأيت «7» فى كتابه الذي صنفه فى أخبار قضاة مصر، فى ترجمة القاضى أبى عبيد، أنّ الفقيه منصور بن إسماعيل الضرير توفى فى جمادى الأولى «8» سنة 306 هـ ثم قال: قبل مولدى بثلاثة أشهر، فعلى هذا التقدير تكون ولادة ابن زولاق المذكور فى شهر شعبان من السنة المذكورة.

قبر القاضى أبى الطاهر محمد بن أحمد:

وروى أبو محمد «1» المذكور عن الإمام أبى جعفر محمد بن سلامة الطحاوى. وابن زولاق الليثى- قال يونس بن عبد الأعلى الصدفى: هو اللّيثى «2» بالولاء، والله أعلم. قبر القاضى أبى الطاهر محمد بن أحمد «3» : وممّن قبر [بهذا المشهد] «4» القاضى أبو الطاهر «5» محمد بن أحمد، عرف بابن نصير، وقيل: نصر، ولى القضاء يوم السبت لثلاث عشرة بقيت أو خلت من جمادى الأولى «6» - وقيل: ربيع الأول- سنة ستّ «7» وأربعين وثلاثمائة. وكان إماما زاهدا عابدا، مقبلا على الله سبحانه وتعالى، تحمل إليه الأموال فلا يقبلها، وكان شديدا فى الله، كثير التسليم، وقيل: إنه نافد رسولا «8» دخل إلى مصر من قبل الفاطميين فلم يبت الرسول بمصر خشية منه.

وفى أيامه قدم المعز لدين الله الخليفة الفاطمى، فلما قضى «1» قيل للقاضى: اخرج إلى لقائه، فقال: ليس لى به حاجة. وكان دخول المعز فى سنة اثنتين «2» وستين وثلاثمائة. وكان جوهر القائد الأزهرى «3» قد أقرّه على ولايته لمّا دخل على عساكر المعز، قبل أستاذه لتسلّم الديار المصرية، ثم إن المعز لما جلس بمصر واستدعى وجوه الناس قال: أين القاضى؟ فقيل له يحضر، فجىء به إليه، فنظر عليه أثوابا خلقة «4» ، فقال: أنت القاضى؟ قال: نعم. فقال المعزّ: القاضى يعطى ألف دينار لإصلاح حاله. فقال: ليس لى به حاجة. فغضب المعز وقال: تردّ علىّ هديتى؟! فقال: ليس لى به حاجة، وعندى قوت ثلاثة أيام. فقال له رجل من أهل الشرطة: إنّه يدّعى الورع بين يديك. فقال المعز: ما يقول هذا. وكان المعز كثير الحلم. فقال القاضى: اللهمّ إن كان ما قال حقّا «5» فاغفر له، وإلّا فاسلبه عقله. فجنّ من وقته، فتعجب المعز لذلك، وكان يزوره بعد ذلك مستخفيا.

قبر الفقيه يحيى بن بكير:

وقال أبو جعفر بن نصر: كنت عند المعز، فذكر عنده القاضى أبو الطّاهر «1» ، وأنه لا مال له، فبعث المعز إلى داره، فلم يجدوا فيها شيئا سوى ثلاثة دراهم، فقال المعز لقوم قدموا عليه من المغرب «2» : هكذا الزّهّاد، وهكذا الزهد. ولما بلغ المعزّ موت «3» القاضى تأسّف على موته وقال: رفع الزّهد من بعده. وكانت وفاته سنة تسع وستين وثلاثمائة، ودفن إلى جانب قبر سهل بن أحمد البرمكى. وبهذه التربة جماعة أخر، والله أعلم «4» . *** قبر الفقيه يحيى بن بكير «5» : ثم تخرج من التربة وأنت مستقبل القبلة، قيل: كان بين الجوسقين «6» قبر بأربعة ألواح رخام، فوقها صندوق، مكتوب عليها «7» : يحيى بن بكير، وهو راوى الموطأ عن مالك.

قبر أبى يعقوب النهرجورى:

قبر أبى يعقوب النهرجورى «1» : فإذا جزت ثمّ تزور» بالنية، وتجىء عن يمينك قبل أن تصل إلى مقطع الحجارة، فتدخل على يمينك وأنت مستقبل القبلة تجد قبرا يقال: هو قبر أبى يعقوب «3» النّهرجورىّ، قيل: إنه قرأ على أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب القرآن «4» . قال الصلاح الصّفدىّ- رحمه الله- فى كتابه «الوافى بالوفيات» : إسحاق بن محمد «5» أبو يعقوب النّهرجورىّ، من كبار مشايخ الصوفية وعلمائهم، جاور بمكة سنينا «6» كثيرة، ومات بمكة ولم يمت بمصر ولم يدفن بها، مات فى سنة 330 هـ. ومن كلامه- رضى الله عنه: «مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب» . وقال: «العابد يعبد الله تخويفا، والعارف يعبد الله تشريفا» . وقال: «احترسوا «7» من الناس بسوء الظن بأنفسكم لا بالناس» .

وقال: «من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعا، ومن كان غناه بالمال لم يزل فقيرا، ومن قصد بحاجته الخلق لم يزل محروما، ومن استعان على أمر الله بغير الله لم يزل مخذولا» . وقال: «الدنيا بحر، والآخرة ساحل، والتقوى مركب، والناس على سفر» . وقال فى تفسير قوله تعالى: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ «1» : لو كان ثمنه الكونين لكان بخسا فى جنب مشاهدته. ولمّا كان فى النّزع «2» قيل له: [قل] لا إله إلّا الله. فقال للقائل: إيّاى تريد؟ وعزّة من لا يذوق الموت، ما بقى بينى وبينه إلّا حجاب العزّة! ثم طفى من وقته «3» . وصحب النّهرجورىّ هذا سهلا التّسترىّ «4» ، والجنيد بن محمد «5» ، رضى الله عنهم، ونفع ببركاتهم.

وحكى، قال: رأيت رجلا منفردا وهو يقول: «أعوذ بك منك» ، وكان معه الشيخ أبو بكر الرازى، فقال للرجل: ما هذا؟ فقال: يا أبا يعقوب، نظرت يوما إلى شخص جميل، حسن الصورة، فإذا لطمة وقعت على بصرى، فسالت عينى، فسمعت هاتفا يقول: «لطمت بنظرة، ولو زدت زدناك» . وكان من كلامه: «أصل الأحوال ما قارن العمل والمكان» . وقيل: إن المسمّى بقبره هو قبر المرأة الصالحة كلثوم، وقيل: كلثم العربية «1» ، حجّت ثلاثين حجّة راجلة، وكان لها قدم صدق «2» . ثم تمشى قليلا تجد تربة على مقطع الحجارة، بأوّلها قبر مكتوب عليه «عبد الله بن رواحة» [رضى الله عنه، حادى رسول الله صلّى الله عليه وسلم] [والمعروف أن] ابن رواحة قتل فى غزوة [مؤتة بالشام] «3» . وعند عبد الله المذكور قبر بعلوة لرجل من الأشراف «4» . ثم تخرج إلى صدر التربة تجد قبر رجل يقال له عبد الرحمن الديباج، من أولاد عثمان بن عفان، رضى الله عنه.

قبر خمارويه بن أحمد بن طولون:

قبر خمارويه بن أحمد بن طولون «1» : وتخرج من التربة تجد قبور أشراف، وتنزل إلى مقطع الحجارة وأنت مستقبل القبلة على يسارك، وتطلع وأنت مستقبل القبلة، تجد على رأس الصيرة «2» قبّة بها قبر أبى الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، خلف أباه «3» فى ولاية الديار المصرية، وقتل بالشام، وجىء برأسه، فدفنه بعض خاصته بهذه القبة، وقيل: بل جىء به ودفن، والله أعلم «4» . وكان فى أيّامه «5» رجل ورث من أبيه مالا، فأتلفه وأنفقه، ولم يبق عنده سوى جارية، فدعته الضرورة إلى بيعها [فى السوق، ونادى عليها الدّلّال، فبلغ ثمنها قدرا معلوما] «6» فاشتراها وكيل خمارويه، وجهّزها جهازا حسنا، وأهدى إليها دارا «7» حسنة حتى يدخل عليها سيدها خمارويه، فلحق سيّدها البائع عليها وجد عظيم «8» ، [فخرج هائما على وجهه إلى قبر أبيه بهذه الجبّانة، فجلس يبكى] «9» ، واتفق أنّ خمارويه ركب للزيارة فى ذلك الوقت من ذلك اليوم، وكان كثير الزيارة للمقابر، وكانت له عقيدة صالحة فى زيارة قبور الصالحين، فمر على قبر والد الشاب، فرأى الشاب جالسا يبكى، فقال

له الأمير: من أنت أيها الشاب الجالس على القبر؟ ومن لك فى هذا القبر؟ فقال: صاحب هذا القبر هو والدى. فقال له الأمير: متى مات والدك؟ فقال: له سنين كثيرة. فقال: صدقت، فإنى أزور هذه الجبّانة مدة، فما رأيتك إلّا الساعة، فما الذي ذكّرك بزيارته؟ وما جاء بك إلّا أمر كبير! فقال: يا سيدى، ترك والدى هذا مالا كثيرا فأتلفته وأنفقته، ولم يبق منه سوى جارية كانت عندى من أعزّ الناس، فاحتجت إلى بيعها، فبعتها إلى وكيل الأمير «1» . فقال الأمير: لعلها فلانة. قال: نعم. وقد ذهل عقلى لفراقها. فبكى الأمير أبو الجيش و [قال] «2» : الجارية فى دار عندى أفردتها لها، وقد وهبتك الدّار والجارية وما هو لها ابتغاء وجه الله تعالى، فإن أحببت أقم عندى، وإلّا ارتحل لموضعك بها، ولك ما يكفيك. ثم أمر الأمير وليّه بتسليم الدار والجارية وجميع ما فيها للشاب. وذكر عنه أيضا أنه ركب يوما بعساكره وجنوده، فانفرد عنهم، فوجد رجلا شيخا على رأسه قفص من جريد قد لفّه بخرق «3» ، فقال له: يا شيخ، ما فى هذا القفص الذي على رأسك؟ فقال: سنانير «4» ! فتعجب أبو الجيش من ذلك وقال له: ما تصنع بها؟ قال: أبيعها فى بلاد الشام. فعزّ ذلك عليه وقال: يكون فى رعيتى من يحتاج إلى ذلك؟ ثم قال له: من أى البلاد [أنت] «5» ؟ قال: من بلد كذا وكذا، فوقّع له بالبلد التى هو قاطن «6» بها ملكا له وأولاده من بعده. وحكاياته فى ذلك كثيرة جدّا، والله أعلم.

قبر الضيف:

قبر الضيف «1» : ثم تخرج من القبّة إلى الشرق تجد قبّة فى وسط تربة عملها علىّ بن الماذرائى» لنفسه، فاستضاف به «3» ضيف من أهل الفضل يقال له: نصر ابن دارم- يعنى من ولد دارم بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان «4» - ودفع للماذرائى مالا كثيرا وديعة، فمات الضيف المذكور، فدفنه الماذرائى فى القبة وآثره على نفسه، ودفن هو بجانبها. مآثر على بن أحمد الماذرائى «5» : والماذرائى هو علّى بن أحمد بن الحسن بن عيسى بن أسلم، المعروف بالماذرائى [كان] «6» وزيرا فى الدولة الطولونية، وزر «7» لأبى الجيش خمارويه

ابن أحمد بن طولون، فلما استوزره قصده الناس من كل مكان، وأنشأ الدور والقصور، وملك النّظر فى جميع الديار المصرية والشامية، حتى كان لا يخرج شىء عن يده وأمره ونهيه «1» . وذكر ابن زولاق قال: كانت الغزاة قد خرجوا من مصر يريدون الثغر «2» وخرج الماذرائى لوداعهم، فبينما هو قائم إذ رأى شيخا قد أقبل، عالى السّنّ، يتوكّأ على عكازه، وفى عنقه خريطة «3» ، وهو متقلّد بسيف، فدعاه علىّ بن أحمد وقال: إلى أين يا شيخ؟ قال: إلى بلاد الروم أقاتل أعداء الله تعالى جهدى وطاقتى، وإن لحقنى أجلى على الطريق كان أجرى على الله، فإن بلغت ظفرت بالذى أريد، وإن قتلت حصلت على الشهادة. فصاح على ابن أحمد «4» بحاجبه وقال: أحضر السّاعة بغلة وغلاما، وسيفا وعمامة، فأحضر ذلك، فقال: يا شيخ، هذا لك، وفى كل سنة مثله [إن جئت أنا وجئت أنت] «5» . قال: فبكى الشيخ وقال: رزقك الله الشهادة- لأنها كانت أعظم ما فى قلب الشيخ- فلما كان الغد قتل على بن أحمد الماذرائى فى ذلك الموضع شهيدا، وما عرف له من قاتل، فعظم ذلك على جميع من بمصر من الصغير والكبير، ورثى بقصائد كثيرة. ولد رحمه الله فى سنة 226 هـ، وتوفى- رحمه الله تبارك وتعالى- شهيدا كما ذكر، فى شهر جمادى الآخرة «6» سنة 283 هـ.

قبر أبى بكر محمد بن على الماذرائى:

قبر أبى بكر محمد بن على الماذرائى «1» : وإلى جانبه قبر ولده أبى بكر محمد بن على بن أحمد الماذرائى، وزير تكين [الجبار الذي ولى بعد الطولونية] «2» . وروى أبو الجعد قال: قرأت فى سير الماذرائيين «3» أنّ أبا بكر محمد بن علّى كان الغالب عليه الملك والرياسة، وكان مكثرا من الصلاة وتلاوة القرآن، ومداومة الحج فى كل سنة، وملك من الضياع والرّياع ما لم يملكه «4» غيره من قبله، حتى بلغ ارتفاع أملاكه فى كل سنة أربعمائة ألف دينار، فضلا عن الخراج. وأعطى وولّى، وتصرّف وأنعم، وتفضّل وأفضل «5» ، ورفع ووضع، [كل ذلك بإذن الله سبحانه وتعالى] «6» ، وواصل الحج فى كل سنة، من سنة إحدى «7» وثلاثمائة إلى سنة اثنتين «8» وعشرين وثلاثمائة، وكان ينفق فى كل حجة مائة ألف دينار وخسمين ألف دينار، ويخرج معه بتسعين ناقة «9» ، وأربعمائة عربى بجهازه، ومعه محامل فيها أحواض البقل، ومحامل فيها أحواض الريحان، ومحامل فيها كلاب الصيد. وينعم على أولاد الرسول- صلّى الله عليه وسلم- وعلى أولاد الصحابة- رضى الله عنهم أجمعين- ولهم عنده ديوان- يجمع ما يحمله صررا مختومة بأسمائهم. قال ابن زولاق: حدثنى محمد أبو بكر الماذرائى، وقد

ذكرت له ما ينفق، فقال لى: أنفقت فى عشر حجج ألفى ألف دينار ومائتى ألف دينار. وكانت الوفود ترد إليه، وتسير معه، ويتلقونه، وكان يبرز إلى البرز «1» إذا بقى من شوال ثلاثة أيام، فإذا استهلّ ذو القعدة «2» رفع وسار، ثم يسير إلى مكة ويقيم إلى هلال المحرم، ثم يسير إلى المدينة، فيقيم عند النبي، صلّى الله عليه وسلم، حتى يصلى جمعتين، وكان أبو منصور «تكين» أمير مصر يشيعه إذا خرج، ويتلقاه إذا قدم. وكان يجمع إليه جميع ما معه يفرقه هناك من الدراهم والدنانير، والثياب، والحلوى، والطّيب، والحبوب، والأطعمة، ولا يترك شيئا حتى يحمله من القمح والشعير، ولا ينصرف من الحجاز إلّا وجميع من فيه أغنياء. وروى ابن زولاق قال: قيل لأبى بكر الماذرائى: يا سيدى، ما بات أحد فى هذه الليلة بمكة والمدينة وأعمالهما إلّا وهو شبعان من طعامك. فبكى وخرّ ساجدا لله سبحانه وتعالى. وروى عبد الله بن أحمد بن طباطبا، قال: رأيت فيما يرى [النائم] «3» أنّ «تكين] أمير مصر يموت فى يوم كذا وكذا، وأنّ أبا بكر «4» الماذرائى لا يصيبه شىء، فلما فقدته «5» فى جنازة «تكين» وحضر الناس، ركبت إليه، وأشرت عليه «6» بالحضور، فامتنع وقال: أخاف على نفسى، فأخبرته بالرؤيا، فركب وحضر مع الناس «7» ، وكبّر تكبيرتين ولم يتم الصلاة، فلما

فرغت الصلاة قلت للحاضرين: ما خبر أبى بكر؟ فقيل لى: صلّى إلى جانبه أبو جعفر المنفق «1» ، فقرأ فى الصلاة: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ «2» فسمعه، فترك الصلاة ومضى، وحمل التابوت إلى بيت المقدس، وضرب الناس بين محمد بن تكين وبين أبى بكر، حتى وقعت فتن عظيمة، فأحرقت دار الماذرائى «3» ودور الماذرائيين. وبعد هذا وزر ورجع إلى حاله الأول كما كان ابتداء أمره، وحج خمس حجج، فكمل له بذلك سبع وعشرون «4» حجة على ما وصفنا من السّعة والإنعام، ولم يزل فى سعادة حتى اعتلّ وتوفى- رحمه الله تعالى- سنة 345 هـ، وقبره بجانب قبر أبيه. *** ثم ترجع إلى الغرب تجد قبّة تحتها شريفان يزاران. ثم تستقبل القبلة وتجعل الجوسق- أعنى جوسق الماذرائيين «5» - على يسارك، وتمشى مستقبل القبلة تجد قبلا مرصوصة بالطوب، الدعاء عندها مستجاب «6» ، ثم تستقبل القبلة تجد على يسارك قبورا فيها ما يزيد على أربعين شريفا «7» . وعلى يمينك قبر الشريف الجارودى، وعلى يسارك مشهد لطيف فى تربة فيها نساء الشريف طباطبا. ثم تمشى وأنت مغرّب تجد قبر البكرى، وإلى جانبه قبر المقرئ- كان واعظا- وإلى جانبه قبر صغير كانت رجله على وجه الأرض [طالعة من القبر،

وكان كلّ من دفنها يصبح يجدها على وجه الأرض] «1» ، يقال: إنه رفس والدته فدعت عليه. قال المؤلف الذي جمع هذه الأخبار: وأنا [رأيتها، فجاء قوم] «2» من الزوّار وجدوها على وجه الأرض، فحملوا ترابا كثيرا ودفنوها، فلما عادوا يوم الزيارة وجدوها قد طلعت وظهرت فوق ذلك التراب العظيم الذي جعلوه عليها فوق القبر، فقالوا: يا قوم، ما فيها عاص «3» غير هذا، ادعوا الله ربنا أن يستره. فدعوا الله تعالى وتضرعوا إليه، وبكوا، وسألوا الله تعالى ستره «4» . فاستجاب الله سبحانه وتعالى دعاءهم وستره، فلم تظهر رجله بعد ذلك «5» . ويقابل تربته تربة كبيرة، فيها امرأة شريفة، وقبل أن تصل إلى القبة «6» تجد قبرا عليه عمود رخام لرجل يقال له «العتال» ، واسمه «هبة» ، قيل إنه كان مع قوم من الزوار جاءوا من مصر للزيارة، فلما خلوا بموضع القبر، والشيخ أبو رحمة الذي تقدم ذكره قد جاء من نحو سارية، معه جماعة للزيارة، فلما اجتمعوا سلّم بعضهم على بعض، ثم التفت أبو رحمة إلى هبة العتّال، [وكان شيخا كبيرا، وقال: يا شيخ] «7» ما بقى إلّا القليل! فقال: والله لقد صدقت. وجعل رأسه بين ركبتيه وهو ينظر إلى الأرض، فحرّكوه فوجدوه ميتا، فدفنوه مكانه، رحمه الله تعالى.

قبر الشيخ أبى بكر الأدفوى - رحمه الله:

وعنده «1» قبر الشريفة فاطمة ابنة محمد بن عيسى بن محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن الحسن [بن الحسن] بن علّى بن أبى طالب «2» رضى الله عنهم أجمعين- الدعاء عند قبرها مستجاب. قبر الشيخ أبى بكر الأدفوى- رحمه الله «3» : ثم تخرج من التربة وأنت مستقبل القبلة إلى قبر الأدفوى، قبل الوصول إليها قبر الحافى، وهو يزار، ثم تدخل إلى تربة الأدفوى، وهو الشيخ الإمام الفاضل أبو بكر الأدفوى «4» كان من كبار العلماء، أدرك جماعة من العلماء الفضلاء «5» وقرأ عليهم، وله المصنفات المشهورة فى علوم القرآن، وروى عنه أحمد بن عبد الجبار، وأبو الحسن الحوفى، وأحمد الكتّانى، والتككى، وغيرهم. قيل: إنه من السبعة الأبدال «6» ، وقيل: إنه خرج إلى مكة ومعه جماعة من الصوفية والفقراء، فنزلوا على ماء، فأراد أن يجمع للفقراء شيئا، فوضع زنجلة «7»

ثم قال لأهل القافلة: من كان «1» يملك شيئا يرجو فيه الثواب فليأت به. فنزّل كل واحد منهم شيئا، وإذا بغبرة من البرّيّة «2» وقد أقبل ثعبان عظيم وفى فمه دينار، فوضعه فى الزنجلة، وأنطقه الله تعالى فقال: نحن من جنّ نصيبين «3» أتينا لحج بيت الله الحرام. وقيل [للشيخ أبى بكر] «4» : لو زرت الشيخ أبا الفضل [بن] الجوهرى، فجاء لزيارته، فنظر عليه ثيابا حسنة، وبزّة، وبغلة «5» ، فرجعت همّته عن زيارته، وانصرف وتركه. وكان أبو بكر يكلم الجن، فرأى امرأة مصروعة، فجاء فوقف عليها وقال فى أذنها للجنّىّ: ويلك خلّها. فقال الجنّى: ما أخلّيها، لأننى قد جئت من نصيبين أنا وسبعة من أصحابى حتى نصلى خلف الشيخ أبى الفضل «6» ابن الجوهرى، فحبستنى هذه [المرأة ونجّستنى] «7» ومنعتنى الصلاة دون أصحابى، وما أخليها. فأقسم عليه أن يتركها، فلم يفعل، فقال له «8» : بحرمة الشيخ أبى الفضل اتركها، فتركها، فقال: والله لأزورنّ الشيخ أبا الفضل «9» . فجاء إليه مسرعا، وكان أبو الفضل له مجلس يعظ الناس فيه «10» ،

فوجده على المنبر وهو يعظ، فلما رآه ضحك وصفق بأكمامه وقال: لولا الجنّى ما عرفتنا «1» . *** ثم تخرج من التربة «2» وتمضى إلى مسجد زهرون تجد [قبر] «3» صحابىّ وشهيد، وتحت مسجد زهرون قبور الخولانيين [رحمهم الله تعالى- وكتبوا عليها ألواح الرخام، ومكتوب على لوح الذي بنى] «4» المسجد منهم: يقول محمد أبو الحسن بن محمد بن عثمان بن عمران بن زكريا الخولانى: إنّى عبد الله، مقرّ بوحدانيته، معترف بربوبيّته، وإنى أشهد أن لا إله إلّا الله سبحانه، وأنّ محمدا عبده ورسوله «5» ، صلّى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنّ الله تعالى خلقنى وأحيانى، ويميتنى ويحيينى، ويحاسبنى. اللهم اغفر «6» لى ذنوبى وتجاوز عن سيّئاتى، وارحم ضعفى، واعف عنى، وقنى عذاب النار. اللهم إنى متوكل على إحسانك وفضلك يا مالك الدنيا والآخرة. بنيت هذا القبر فى شوال لتسع وخمسين وثلاثمائة، وقد مضى من عمرى خمس وأربعون «7» سنة. اللهم، وأنت أعلم بعمرى، فاجعل ما بقى منه فى طاعتك وابتغاء مرضاتك. وأوصيكم إخوانى أنى إذا متّ أن تجعلونى فيه، وتحلونى، وتستغفروا «8» لى ربى، إنه كان غفّارا. اللهم «9» وتب علىّ، وتوفّنى مسلما، وأنت أرحم الراحمين.

قبر الشيخ أبى القاسم ابن الشيخ أبى بكر الأدفوى - رحمه الله تعالى:

قبر الشيخ أبى القاسم ابن الشيخ أبى بكر الأدفوى- رحمه الله تعالى «1» : وبجواره قبر أبى حمزة الخولانى، واسمه زيادة بن نعيم، وأبو هان الخولانى، وأبو زيد الخولانى، ثم ترجع إلى تربة الأدفوى لزيارة ولده، وهو الإمام أبو القاسم عبد الرحمن ابن الإمام أبى بكر بن على بن أحمد الأدفوى «2» ، كان من كبار العلماء الصالحين المحدّثين، حدّث عن أبيه [وعن غيره] «3» ، وروى عنه أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعى، وأبو الحسن الخلعى وغيرهما. قال القضاعيّ: أخبرنى الفقيه «4» أبو القاسم عبد الرحمن [بن أبى بكر الأدفوى] «5» - ورفع الإسناد إلى أبىّ بن كعب، رضى الله عنه- أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، قال: «إنّ لكل شىء قلبا، وإنّ قلب القرآن يس، [من قرأ يس] «6» وهو يريد بها وجه الله عزّ وجل غفر الله له «7» ، وأعطى من الأجر مثل من قرأ القرآن اثنتى عشرة مرّة، وأيّما مسلم قرئت «8» عنده إذا نزل به الموت نزل عليه بكل حرف عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا، ويصلّون عليه، ويستغفرون له، ويشهدون غسله، ويشيعون جنازته، ويشهدون دفنه، وأيّما مسلم قرأ يس وهو فى سكرات الموت يقيم «9» ملك الموت وروحه حتى يأتيه رضوان خازن الجنة [بشراب من شراب الجنة يشربه] «10» وهو على

فراشه، فيقدم ملك الموت روحه وهو ريّان، ويبعث يوم القيامة وهو ريّان، ويدخل الجنة وهو ريّان» «1» . وتوفى أبو القاسم عبد الرحمن الأدفوى فى سلخ «2» ذى القعدة سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وهو مع والده فى القبر عند الخولانيين «3» . وحكى «4» عن أبى القاسم المذكور قال: اجتمعت بابن الإمام فتحادثنا، فقال لى: رأيت فى النوم ريحان الجنة. قال: فقلت له: فكيف هو؟ قال: رأيت كلّ عود كالقناة الطويلة، وهو حمحم «5» من فوقه إلى أسفله بغير ورق. قال الشيخ أبو القاسم: ومضيت إلى وراء فرأيت كأنّ الجنة أمامى، فجئت إليها لأدخلها، فرأيت من داخلها نهرا يجرى بلا حدود، فقيل لى: هذه أنهار الجنة. ثم «6» انتبهت من نومى، فلما أصبحت جئت إلى أبى الإمام، فقال لى أبى: هنّاك الله بما رأيت، الأنهار خير من الريحان. وكان أبو القاسم المذكور كثير العلم، له حلقة بجامع مصر يحضرها سادات العلماء. وكان أكثر لباسه الصوف. ودخل رجل من علماء العراق إلى مصر، وجاء إلى الجامع العتيق، ووقف على حلقة العلماء، ثم جاء إلى حلقة أبى القاسم الأدفوى، فسمعه يتكلم بعلوم كثيرة، فعاب عليه العراقىّ قياسه، وأنكر ذلك قلبه، فقال الادفوى: أفيكم من يحفظ أبيات الشافعى، محمد بن إدريس، رضى الله عنه، التى كان يقول فيها:

علىّ ثياب لو تباع جميعها ... بفلس لكان الفلس منهنّ أكثرا وفيهنّ نفس لو تقاس بجودها ... نفوس الورى كانت أجلّ وأوفرا «1» فتقدم إليه العراقىّ وعلم أنه تكلم فى خاطره، فقال: يا سيدى، أنا تائب إلى الله سبحانه وتعالى، وأريد منك المؤاخاة، وقد جئت من العراق بأحمال، وهى هبة منى إليك. قال: لو قبلت من غيرك لقبلت منك، ولكنى أخاف أن أقبل ذلك منك فتطمع الملوك منى فى قبول هداياهم، فتصدّق بمالك على من شئت، واقنع منى بثلاث. قال: وما هى؟ فقال: أكبر نفسك بالطاعة، وأعرض عن الدنيا، واجعل افتقارك إلى الله عزّ وجلّ. وقد نصحتك، والسلام. قال: فخرج العراقى وهو يبكى. وبعث إليه ملك مصر بجائزة، وقال له مع الرسول: إنّ أصحابك قبلوا الجوائز، فاقبل أنت كذلك. فردّها وقال: لا حاجة لى بشىء. ثم كتب إليه يقول: أرى أناسا بأدنى الدّين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا فى العيش بالدّون «2» فاستغن بالله عن دنيا الملوك كما ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدّين فلما وقف الملك على ذلك اغتاظ غيظا عظيما، فقال له وزيره: إيّاك أن تتعرض إليه بشىء، فإنّ خزائنك وأموالك وعساكرك لا تقيك من دعائه. والكلام «3» على فضله كثير، والله أعلم بالصواب. ثم تخرج من تربة الأدفوى إلى مصلّى «عنبسة» ، وهو المصلّى القديم، ذكره القضاعىّ فى الخطط، وقد خربت ودثرت، ومنها مسجد زهرون،

قبر إبراهيم بن سعيد الحبال:

وزهرون كان قيما لهذا المسجد فعرف به. وصاحب هذا المسجد أبو محمد الحسن ابن عمر الخولانى، الذي «1» تقدم ذكره، وقبره مسنّم على صورة الهرم خارج المسجد. قبر إبراهيم بن سعيد الحبّال «2» : وبإزاء المسجد «3» قبر الشيخ الإمام أبى إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبّال الحافظ، رحمه الله. كان من كبار العلماء الحفّاظ «4» ، وكان مشتهرا بذلك بمصر، وشدّت إليه الرّحال لطلب الحديث، ولم يكن فى زمانه أعلى سندا منه، وله مصنّفات فى علم الحديث «5» . وحدّث عن جماعة من كبار شيوخ مصر، ما يزيد على مائة شيخ. [وروى عنه أحمد بن عبد العزيز، ومما «6» رواه عنه: قرأ عليه سنة 470: «عن ابن عمر، رضى الله عنهما، أنّ نفرا قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأسلموا، وحسن إسلامهم، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أشياء من أمورهم، وخرجوا، فقالوا: نسينا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أشياء من أمورنا، وهو شراب من بلادنا لا يصلح لنا غيره، قال: فرجع رجل منهم إلى رسول الله، صلّى الله عليه وسلم فقال: إنّ أصحابى رحلوا عن أن يسألوك «7» عن شراب لهم ببلادهم لا يصلح لهم غيره، وإنّ أرضنا أرض باردة، وإنّا قوم نحرث.

قبر شكر الأبله:

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أيسكر هو؟ قال: نعم. قال: «كل مسكر حرام» . فاكتفى الرجل بما قال، فقال «1» قوم حين أخبرهم: إنّا لا نراك أخبرته. فرجعوا جميعهم، حين انتهوا إليه، فقالوا: يا رسول الله، ليس يصلح لنا غيره. فقال: كل مسكر حرام، إنّ على الله قسما، لا يشربها «2» أحد فى الدنيا إلّا سقاه الله، عزّ وجلّ، من طينة الخبال يوم القيامة. وهل تدرى ما طينة الخبال يوم القيامة؟ هو عرق أهل النار» الحديث «3» . صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلم] «4» . *** وتستقبل القبلة [ثم تنزل إلى البقعة] «5» تجد قبر الشيخ أبى الحسن بن الوفا المصلّى، رحمه الله تعالى «6» كان [مقيما] بالجامع العتيق بمصر، وكان رجلا صالحا، ناسكا، وولداه عند قبره. قبر شكر الأبله «7» : وتستقبل الشرق «8» تجد قبر شكر الأبله رحمه الله تعالى «9» . كان من

قبر الإمام أبى الحسن الحوفى:

عقلاء المجاذيب «1» ، وله إشارات وحكايات، وله كرامة «2» مشهورة فى تعديته للجيزة «3» وذلك أن مصر لمّا احترقت خرج الناس يريدون التعدية إلى الجيزة، فخرج مع الناس، فركب فى مركب، فغرقت فى وسط النيل، فطلع من سلم من الغرق فوجدوه قائما على البر الثانى ولم يلحقه بلل، ومقطفه معه. وقدّام قبره قبر ابن ريحان، رحمه الله «4» . قبر الإمام أبى الحسن الحوفى «5» : وقدّامه بقليل قبر الإمام الفاضل أبى الحسن على بن إبراهيم بن يوسف ابن سعيد الحوفى الحافظ، رحمه الله تعالى. كان من كبار العلماء المحدّثين، والفقهاء المبرّزين، وله التصانيف المشهورة فى علم القرآن، [وكان عالما «6» بالعربية وتفسير القرآن الكريم. وله تفسير جيد، واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به، ورأيت خطّه على كثير من كتب الأدب، قد قرئت عليه، وكتب لأربابها بالقرآن «7» كما جرت عادة المشايخ. وتوفى بكرة يوم السبت، مستهل ذى الحجة الحرام سنة 430 هـ رحمه الله. ثم قال: وعنده من تصانيف ابن النّحّاس قطعة كبيرة، وصنف فى النحو

قبر القاضى أبى الحسن بن الخلعى:

مصنفا كبيرا، وله تصانيف كثيرة] «1» ، وهو تلميذ أبى بكر الأدفوى، والدعاء عند قبره مستجاب، وشهرته تغنى عن ذكر مناقبه «2» . قبر القاضى أبى الحسن بن الخلعى «3» : وتستقبل القبلة تجد قبر القاضى أبى الحسن على بن الحسن بن الحسين، المعروف بابن الخلعى «4» صاحب الخلعيّات «5» الموصلى الأصل، المصرى الدار والوفاة، كان محدّثا مكثرا، سمع [أبا الحسن الحوفى، وأبا محمد بن النحّاس، وأبا الفتح العدّاس، وغيرهم] «6» وحدّث عنه الكبار، وجمع له أبو نصر بن الحسن الشيرازى أجزاء [من مسموعاته] «7» أخرجها عنه وسمّاها «الخلعيّات» ، وهى المنسوبة إليه، ونقلت منها عن الأصمعى، قال: كان نقش خاتم أبى عمرو بن العلاء «8» : وإنّ امرءا دنياه أكبر همّه ... لمستمسك منها بحبل غرور «9» فسألته عن ذلك فقال: كنت فى ضيعتى نصف النهار أدور فيها، فسمعت قائلا يقول هذا البيت، ونظرت فلم أجد أحدا فكتبته على خاتمى «10» .

قبر الشيخ أبى عبد الله بن المسبح:

وكانت ولادته- أى الخلعى- فى شهر المحرم الحرام سنة 405 هـ. [والخلعى] : بكسر الخاء، [وهذه النسبة] «1» لأنه كان يبيع الخلع فى مصر لملوكها. والله أعلم «2» . وولده مدفون إلى جانبه [رحمهما الله تعالى] «3» . قبر الشيخ أبى عبد الله بن المسبح «4» : وإلى جانبه من القبلة «5» قبر الشيخ أبى عبد الله محمد بن الشيخ محمد ابن المسبح الفضى «6» المقرئ، انتهت إليه رياسة الإقراء «7» بمصر فى زمانه بعد الشيخ أبى الحسين يحيى «8» بن الفرج الخشاب. قرأ على عدّة مشايخ «9» ، وسمع الحديث على جماعة من الفضلاء. توفى- رحمه الله- سنة أربع وعشرين وخمسمائة. قبور سماسرة الخير «10» : ويقابله من الشرق على اليسار تربة فيها قبور سماسرة الخير الأنماطيين.

قيل إنّ امرأة جاءت إلى أحدهم. وهو جالس فى حانوته، وهى تبكى، ومعها خمسة دنانير قد أخذتها صداق ابنتها، فقال لها: ما هذا البكاء؟ هذا يوم فرح ما هو يوم بكاء. فقالت: والله يا شيخ لقد تحيرت فى أمرى. فقال لها: والله وأنا كذلك، وبكى، فقالت له: أنا حائرة فى بقية جهازها «1» ، فدفع إليها ما تحتاج إليه من الجهاز، وردّ عليها الخمسة دنانير وقال: أنفقيها عليها. فلما أرادت القيام قال لها: بالله عليك إذا فرحت ابنتك قولى لها تدعو للشيخ الحائر فى أمره أن يدلّ الله حيرته. فلما مات رآه جماعة فى المنام، فقالوا «2» له: ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفنى بين يديه وقال: يا شيخ، قد دللت حيرتك كما دللت حيرة اليتيمة. وتستقبل الغرب خارجا عن التربة، قاصدا إلى تربة الوزير الجرجانى، قبل وصولك إليها تجد قبر أبى نصر سراج المعافرى الزاهد، رحمه الله تعالى، توفى سنة أربعة عشرة وثلاثمائة، وكان رجلا صالحا مجاب الدعوة، ومسجده مشهور بعقبة سراج [عند دويرة بكار، على يمين الخارج من درب سالم، وقبره قبلى مصلى التجار، بعد مجاوزة تربة الوزير أبى القاسم على بن أحمد، ملاصق لقبر أبى سعد المالينى، وهما قبران مبنيان، مسنمان، ومعهما فى الحجرة قبر أبى الفتح الفرغانى الصوفى، عنده محراب مبلط بكدان، وكان رجلا زاهدا، عليه ثياب خلقة، واجتهدوا أن يخلع ذلك الذي عليه من الثياب ويلبس ثيابا ترضى، فأبى، إلى أن مات على ما كان عليه] «3» . ومقابل قبر سراج الدين على اليسار قبر الشاب التائب رحمه الله، وقدّامه

قبر ابن بابشاذ النحوى:

قبلة، الدعاء فيها مستجاب «1» ذكر بعض الصالحين أنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المنام وهو يصلى فيها ويدعو. وإلى جانبه جوسق ابن ميسّر حاج الدين محمد بن على المصرى، وولده عز الدين أحمد، من المؤرّخين المصريّين. قبر ابن بابشاذ النحوى «2» : وعنده قبر الشيخ أبى الحسن طاهر بن بابشاذ «3» النحوى، صاحب المقدمة المشهورة فى النحو، وشرحها له فى مجلّدين. سمع الحديث، وأدرك المشايخ الفضلاء، روى بسنده عن ابن عمر، رضى الله عنهما، أن رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، كان يدعو ويقول: «اللهم إنى أعوذ بك [من علم لا ينفع، ودعاء لا يسمع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، اللهم إنى أعوذ بك] «4» من هؤلاء الأربع» وفى رواية: أعوذ بك من شر هؤلاء الأربع «5» . توفى طاهر بن بابشاذ سنة تسع وستين وأربعمائة «6» ، وكان قد وقع من سطح الجامع العتيق بمصر، فمات لوقته، وسبب وقوعه فيما ذكر عنه أنه أخذ يقرأ ختمة ويتدبر معانيها وأحكامها، فأقام على ذلك سبع عشرة سنة «7» ، وبلغ فى القراءة إلى سورة «ألهاكم التكاثر» فأخذ يقرؤها حرفا حرفا ويتدبرها، وهو طالع من سلم السطح الذي للجامع العمرى، فوقع من السلم فمات لوقته، رحمه الله تعالى.

قبور شيوخ المعافر:

قبور شيوخ المعافر «1» : وجانبه إلى القبلة «2» قبور شيوخ المعافر، رحمة الله عليهم، وما يخفى على الناس بلههم فيما يختص بأمور الدنيا، وحذقهم فيما يختص بأمور الآخرة، قيل: إن خليفة من الخلفاء «3» أخبر عنهم بشدة بلههم فى أمر الدنيا، فأرسل إليهم فقال: أريد قرضا «4» ألف دينار. فلما جاء الرسول إليهم قالوا: لا نقدر على ألف دينار، ونحن ندفع ما نقدر عليه. فجمعوا ألوفا «5» كثيرة وقالوا للرسول: قل له: والله ما قدرنا «6» إلّا على هذا، وما وصلت «7» قدرتنا إلى ألف دينار. فلما جاءه الرسول ومعه المال وأخبره بقصتهم وما جرى له معهم تعجّب، وردّ عليهم المال وشكرهم وأثنى عليهم، وتعجّب منهم ومن بلههم وقال: والله ما قصدت إلّا الاطلاع على بلههم وقلّة خبرتهم بالدنيا. قبر الوزير أبى القاسم الجرجانى «8» : وفى حومتهم أبو نصر الزاهد، وبجانبه إلى الغرب تربة فيها قبر أبى القاسم الوزير، وبجانبه أبو سعيد المالينى وأبو الفتح الصوفى، وقدّامهم جوسق تحته قبر البسطامى، وبجانبه قبور بنى تاشفين ملك المغرب «9» ، وقدامهم قبر الجرجانى «10»

أبى القاسم على بن أحمد الوزير، قيل إنه أقام وزيرا ستين سنة على ثلاث خلفاء، وكان يتولى بعض الدواوين بمصر «1» ، وإن قافلة فى أيامه جازت على «منوف» «2» من الإسكندرية فقطع عليهم الطريق، فوقف الإسكندرانيون لوالى «المحلة» ، فقال لهم: ليس لى حكم على «منوف» لأنها جهة الخليفة، ولكن امضوا إلى الخليفة بالقاهرة. وكان الخليفة يومئذ «3» الحاكم بأمر الله ابن العزيز، فقدموا للديار المصرية، فوجدوا الحاكم- فى يوم دخولهم المدينة- راكبا على حمار، فوقفوا له، فقال: ما تريدون «4» ؟ فأخبروه، فقال: لم لا وقفتم لوالى «المحلة» ؟ فقالوا: قد وقفنا له «5» وقال إنه لا حكم له على الناحية لأنها لجهة الخليفة. فقال لهم: ومن دفع «منوف» إلى الجهة؟ امضوا إلى غد حتى أكشف عن هذه القضية «6» . فمضى إلى قصره وقال للجهة: من الذي حكّمك على «منوف» ؟ فقالت له: توقيعك. فقال: وأين توقيعى؟ فأحضرته إليه، فنظر إلى علامته فشك «7» فيها وقال: ما هذا خطّى. ونظر إلى خط الوزير علىّ بن أحمد الجرجانى تحتها، فأحضره وقال: هذا خطّك؟ قال: نعم. فحنق عليه للوقت وقال: اقطعوا يده التى كتب بها. فأخرج يده اليسرى من كمّه الأيمن، فقطعت. فقال «8» الواسطة السّرّ أنه لم يخرج يده اليمنى، وإنما أخرج يده اليسرى، فنظرها الحاكم وقال: تقطع يده اليمنى الساعة! فقطعت.

ونفى، فبقى «1» ما شاء الله تعالى إلى أن افتكره الحاكم ذات يوم، فأمر بإحضاره، فحضر، فقال: من دفع لك التوقيع ذلك اليوم؟ فقال: أستاذك، وقال لى: هذه علامة الحاكم، فما اتهمته» لما أعلم من قربه منك، فعلّمت تحتها. فقال: هل تعرف «3» الأستاذ؟ قال نعم. فأحضر بين يديه جميع الأستاذين «4» ، فأخرجه من بينهم وقال: هذا هو. فقال للأستاذ: أنت دفعت التوقيع للوزير؟ قال: نعم. قال: من دفعه لك؟ قال: كاتب الجهة، وسيّرنى على رسالتك إلى الوزير. فأمر بقتلهم، وأمر بردّ الوزير إلى وزارته، واعتذر إليه، فأقام بعد ذلك عشرين سنة فى الوزارة، وكان إذا أراد أن يكتب يربط القلم فى يده ويكتب «5» . وفى بعض التعاليق أنه لمّا قطعت يداه جاء إلى باب الديوان فرفسه «6» برجله وقال: إنّ أمير المؤمنين أدّبنى وما صرفنى. فقيل لأمير المؤمنين ذلك، فقال: يعاد إلى منصبه. ولم يصرفه، والله أعلم. *** ثم ترجع إلى مسجد الفتح، يقال: إنه أول مسجد أسّس عند فتوح مصر، والدعاء فيه مستجاب. [ومسجد الفتح بناه سيف الإسلام يانس الرومى، وزير مصر، وسمّى بالفتح. فى موضعه انهزم الروم بقصر الشمع. قدّ «7» للزّبير بن العوام،

والمقداد بن الأسود، ومن معهم، من أمير المؤمنين عمر، لأمير مصر عمرو ابن العاص، رضى الله عنهم أجمعين] «1» . وهو محراب لطيف مكين، قد ترى على هيئته، وبنى عليه جامع، وجعل «2» هو منفردا بذاته فى جانبه الشرقى، وكان معبدا للشيخ الصامت «3» العسقلانى، وهو مدفون قبالة هذا المسجد إلى القبلة. وكان- رحمه الله- قليل الكلام، كثير قراءة القرآن، يتعبّد فى هذا المسجد إلى أن مات- رحمه الله تعالى. *** وتمشى وأنت مشرّق تجد قبر الناطق، وعند رأسه قبر الحفّار- رحمه الله. قيل: لمّا أراد هذا الحفّار أن ينزل الناطق فى قبره، سمعه الحفّار وهو يقول: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ «4» ، فلما سمع الحفّار ذلك لزم العبادة والصلاة والصيام والزهد، والتقنّع بالقليل، ولم يزل على ذلك إلى أن مات- رحمه الله- ودفن «5» فى هذا الموضع. وبجانبهما «6» تربة فيها قبر الفقيه عمر المقدسى- رحمه الله- كان متصدّرا لقراءة القرآن بمصر بالجامع العتيق، وهو فى مسجد الهيثم، سئل أن يكون شاهدا أو شارفا «7» ، فأبى. وقدّام التربة من القبلة قبر عبود العابد- وقيل: عتود العابد- وأخوة على العابد، رحمه الله.

قبر صاحب الكرمة:

وتمشى وأنت مستقبل الشرق تجد قبرين، أحدهما بجانب الآخر الذي يلى القبلة، قيل: إنه ابن البرادعى، وكان رجلا عابدا. قبر صاحب الكرمة «1» : والذي يلى البحر «2» قبر صاحب الكرمة، قيل: إن رجلا رأى فى النوم كأن تلك البقعة كلها أشجار وأنهار وكروم، فوقف يتعجب، وإذا بصاحب هذا القبر قد قام من قبره وقال: مثل ما عندكم من فوق هكذا، عندنا من أسفل، أما سمعت قوله، صلّى الله عليه وسلم: «قبر المؤمن روضة من رياض الجنة» ؟ فلما أصبح كتب على القبر «صاحب الكرمة» . قبر القفصى- رحمه الله «3» : وبجانبه قبر القفصى، والقفصى- رحمه الله تعالى- كان يصلى بمسجد الزبير بمصر، وكان رجلا متزهّدا، أرسل إليه ابن ميسّر خمسين «4» دينارا فأبى أن يقبلها وقال: القليل يكفينا ومالنا بالكثير حاجة «5» . وجاء من المغرب «6» إلى الحج، ورجع من الحج إلى مصر، فأقام بمسجد الزبير عشرين سنة، فقيل له: ألا ترجع إلى المغرب؟ فقال: إن والدى كان قاضيا فأخاف أن يقال لى: كن موضع أبيك.

قبر الزعفرانى:

وكان جملة ما عليه من الثياب لا يزيد ثمنه على تسعة عشر درهما. وقيل: جاءه رجل فقبّل ركبته وقال له: حبس أخى على قطن رضى عليه، ولم يكن معى ثمنه، ودلّونى عليك، وأريد أن تكتب رقعة إلى الموفق القاضى. فقال: قاضى السماوات أقرب إلينا من قاضى الأرض، جعل الله لأخيك من كل همّ فرجا ومخرجا. فقنع الرجل منه بهذا، ومضى، فلما كان فى وقت المغرب جاء الرجل إلى المسجد وهو يضحك، فقال له: ما وراءك؟ فقال: تخلّص أخى، وهو فى البيت. فقال: كيف كان خلاصه؟ قال: لمّا خرجت من بين يديك سيّر الموفق خلفى، وقال: ظهر لى أنّ أخاك «1» ما بيده شىء، خذ معك رسولا إلى الحبس وأخرج المحبوس، ولا تدفع للرسول شيئا. فقلت: بدعاء الفقيه جعل الله لأخى فرجا ومخرجا. وسيّر «2» رجل إليه شابّا من الأجناد كان يفعل فى جواره مالا يحب، فقال له: من هتك عورات المسلمين هتكه الله وعجّل أخذه. فلما كان مثل ذلك اليوم خرجت جنازة الشاب. وجاءه رجل مغربى بزّاز فقال: لى فى جوارى شريف تكلمت أنا وإيّاه بشىء، فقال لى: أنت تسبّ علّى بن أبى طالب، واستعان علّى بأشراف معه، وما لى بهم طاقة. فقال له: «الله يقلّب القلوب والأبصار» ، فلما كان الصباح من اليوم الثانى جاءه الشريف وصالحه وقال: «عوتبت من أجلك!» «3» . قبر الزعفرانى: يقابله «4» على شاطىء الخندق قبر «محمد» ، كان من عقلاء

قبر المهمهم:

المجاذيب «1» ، رحمه الله تعالى. وبجانبه قبر «الزعفرانى» - رحمة الله عليه- يقال: إنه كان من الصالحين. وقف على قصّاب يشترى «2» لحما، فاستهزأ به القصّاب بعد أن ولّى، فانقبضت يده «3» ولم يقدر أن يقطع بها شيئا، فسعى خلفه حتى لحقه وقبّل يده وقال: يا سيدى، أدع الله لى «4» ولا تؤاخذنى. فدعا له، ففرّج الله عنه. قبر المهمهم «5» : وقدّامه من الغرب قبر «المهمهم» رحمة الله عليه، كان يمشى يهمهم «6» ، فتبعه إنسان باللّيل، فرآه وقد انفتح له الباب المغلق من الجامع «7» ، فدخل وصلّى فيه، ثم خرج، فانغلق الباب، فقال له الذي كان يمشى معه: ما تقول! فقال: ما يكفيك سكوت الكلاب وفتح الأبواب!. قبر القصّار والعصافيرى «9» : ثم تستقبل البحر «8» تجد على يسارك قبر «القصّار» رحمه الله تعالى، كان إذا أذّن المؤذّن للصلاة والمرزبّة1» على كتفه رماها من وراء ظهره ويصلّى.

قبر صاحب الوديعة:

ثم منه إلى قبر «العصافيرى» رحمه الله، قيل: إنه كان يشترى العصافير ويطلقها، وقيل: إنه رجع «1» إليه عصفور مرارا فقال له: لا تنس ذكر الله تعالى. قبر صاحب الوديعة «2» : وتستقبل الغرب تجد قبر «صاحب الوديعة» ، رحمه الله تعالى، قيل: إنه أودع عنده إنسان مالا «3» فأرسل وراءه أمير البلدة فقال له: أودع فلان عندك ماله؟ قال: نعم. قال: لم لا أتيتنا به «4» ؟ قال: لو أراد صاحبه أن يودعه عندك ما أودعه عندى «5» . قال: صدقت، اذهب راشدا «6» . قبر الأنبارى، رحمه الله تعالى «7» : قيل: إنّ رجلا جاءه فى مسجده فقال له: أجرنى. فقال له: ادخل إلى هذا الموضع، فدخل، فجاء خصمه فقال له: رأيت رجلا «8» جاء إليك؟ قال: نعم. قال: وأين مضى؟ فأشار إلى الموضع الذي دخل فيه، فدخل [الرجل] «9» فلم يجد أحدا، فخرج فقال: ما وجدنا أحدا، ومضى، فلما

قبر الفران:

ذهب خرج الرجل «1» فقال: يا سيدى دللته علىّ «2» ! فقال: من صدق نجا. *** وبجانبه إلى القبلة قبر «المحاملى» رحمة الله عليه، صاحب التصانيف المشهورة «3» . وبجانبه إلى البحرى قبور الخمسة الأبدال رضى الله عنهم، وبجانبهم إلى الغرب قبر السبتى رحمه الله تعالى، يقول الزوار «4» : إنه ولد هارون الرشيد، والصحيح أنه مدفون بالعراق، فيزار هذا بحسن النية، والأعمال بالنّيّات، وهذا رجل صالح نشر الله عليه اسم ذلك الرجل ليزار بتلك النية. قبر الفرّان «5» : ثم تمشى إلى الغرب تجد قبر الفران، قيل: إنه كان من أرباب الطّىّ، وكان إذا بقى للوقفة يوم يمضى ويحج، ثم يأتى «6» ، وكان الحجّاج يأتون ويقولون: كان فلان معنا فى الحج «7» . ومن بعض فضائله أن امرأة عجوزا «8» أتته ومعها رغيفان عجين تريد أن تخبزهما، فلما استويا «9» وأخرجا من الفرن تنهّدت وبكت [ثم أرادت أن تقوم] «10» فقال لها: ممّ بكاؤك؟ فقالت: إنّ ولدى بالحجاز. [فقال لها:

ما اسمه؟ فأخبرته] باسمه ونعته، وكانت ليلة الوقفة، وقد وددت لو أكل من هذا الخبز! فقال لها: ألقيهما فى المنديل واتركيهما، فتركتهما «1» ومضت، فلما جاء الحجّاج «2» جاء ولدها ومعه المنديل فقالت: لا إله إلّا الله، متى جاءك «3» هذا المنديل؟ فقال لها: ليلة الوقفة، وفيه رغيفان سخنان «4» . فشاع ذلك واشتهر، وهذا ممّا لا ينكر، فقد اشتهر عن الشيخ أبى الخير الأقطع «5» التيناتى، رضى الله عنه، لمّا ذكر فى مجلسه أرباب الطّىّ وغيرهم، وتذاكروا مواهب الله تعالى لهم، تبرّم «6» الشيخ رحمه الله وقال: كم تقولون «7» فلان يمشى إلى مكة فى ليلة، وفلان وفلان، أنا أعرف عبدا لله تعالى: حبشيّا، كان جالسا فى جامع طرابلس، ورأسه فى جيب مرقّعته «8» ، فخطر له خاطر، فقال فى سرّه: يا ليتنى كنت فى الحرم. فأخرج رأسه من مرقّعته فإذا هو فى الحرم، وذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ «9» . *** وتستقبل البحر تجد قبرا كبيرا فيه جماعة من أولاد أبى بكر الصّدّيق «10» ، رضى الله عنهم، وبجانبه البحرى «11» [قبر ابن حليمة أخى

قبور بنى غلبون:

رضيع رسول الله صلّى الله عليه وسلم] قيل: إنّ قوما شكّوا فيه، فحفروا عليه فوجدوه كأنه كما دفن، وهو ملفوف بالبردة ولم يؤثر فيها التراب. ولم تتغير جثته «1» ، فحقّقوا ذلك. وبجانبه قبر الحبشى، وكان رجلا صالحا يتبرّك به وبزيارته. وتمشى إلى الغرب تجد قبر رجل صالح، له حكاية. وقدّامه إلى الغرب قبور «الضّرّاسين» كانو يرقون لوجع الضرس. وبجانبهم إلى الغرب قبور «الشّمّاعين» يقال إنهم كانوا إذا مشوا فى الظلام يرون قدامهم شموعا موقودة لا يعرف من يوقدها» . فإذا وصلوا «3» إلى مواضعهم طفيت الشّموع ولم يروا أحدا. وعلى اليسار قبر «مبشر الخير» يقال: إنه رئى فى المنام «4» ، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: مت سنيّا «5» ولا تبال. *** ثم تمشى وأنت مبحّر تجد على يسارك قبر «النيسابورى» رحمه الله، كان رجلا صالحا، وله قصة عجيبة فى تعديته، وكان [يمشى] «6» على الماء. وبجانبه قبر «المؤذّن» ، كان يؤذّن فى جامع مصر، وكان رجلا صالحا. قبور بنى غلبون «7» : وعلى يمينه تربة فيها قبور بنى غلبون، وهى أربعة قبور متلاصقة [إخوة] «8» وأختهم العروسة فى قبر آخر رخام، أحدهم أبو الطيب بن

غلبون، كان من كبار المحدّثين، روى بسنده، قال: لمّا أمر الوليد ببناء مسجد دمشق وجدوا فى الحائط القبلى لوحا من حجر، فيه كتابة منقوشة «1» ، فأتى به الوليد فبعث به إلى الروم وسألهم ما فيه، فلم يعرفوا، فدلّ على وهب ابن منبّه، فبعث إليه، فلمّا قدم أحضر إليه «2» اللّوح، فإذا هو من بناء هود النبي صلّى الله عليه وسلم، فلمّا نظر إليه وهب حرّك رأسه وقرأه، فإذا فيه «3» : «بسم الله الرحمن الرحيم: ابن آدم، لو رأيت ما بقى من أجلك لزهدت فى طول ما ترجو من أملك «4» ، وإنما يلقاك ندمك لو قد زلّت بك قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، وانصرف عنك الحبيب، وودّعك «5» القريب، وصرت تدعى فلا تجيب، فلا أنت فى أهلك عائد، ولا فى عملك زائد، فاعمل لنفسك قبل القيامة، وقبل الحسرة والندامة، وقبل أن يحضر أجلك وينزع ملك الموت «6» منك روحك، فلا ينفعك مال جمعته، ولا ولد خلّفته «7» ، ولا أخ تركته، وتصير «8» إلى منزل ضيّق لا تجد فيه أخا ولا صديقا «9» ، فاغتنم الحياة قبل الموت، والقوة قبل الضعف، والصحة قبل السقم، قبل أن تؤخذ بالكظم، ويحال بينك وبين العمل» . وكتب فى زمن سليمان بن داود، عليهما السلام «10» .

وكان أبو الطيب يقول: قال بعض الصّالحين، رضى الله عنهم: «من خلا بالله أظهره الله لعيون الناس «1» ، ومن خلا له أخفاه الله عن عيون الناس» . وروى عنه أنه قال: «بتّ ليلة من اللّيالى فى أيام أبى حريش «2» وكان يقول بخلق القرآن، وأنا متفكّر فى ذلك مهموم لما قد نزل بالناس من الفتنة، فبينا أنا نائم على فراشى إذا بهاتف قد جاءنى فقال لى: قم، فقمت، فقال لى: قل، قلت: ما أقول؟ قال: قل: لا والذي رفع السماء بلا دعائم للنظر، فتزيّنت بالسّاطعات اللّامعات وبالقمر، ما قال خلق فى القرآن بخلقه إلّا كفر، بل هو كلام منزّل من عند خلّاق البشر. فلما فرغ قال لى: اكتب، فمددت يدى إلى كتاب من كتبى وكتبت، فلما أصبحت ذكرت الرّؤيا، فمددت يدى إلى طاقة كانت إلى جانبى، فوجدت خطّى فى كتاب من كتبى بما قال لى الهاتف، فجلست ولم أخرج إلى الطريق، فلما علا النهار خرجت إلى حوائجى، فمشيت قليلا، فإذا برجل قد قام وسلّم علىّ وقال لى: أخبرنى بالرؤيا التى رأيتها البارحة، فقلت: من أخبرك بها؟ قال: قد ذاعت بين الناس وتحدّثوا بها، فأخبرته بها» . وتوفى أبو الطّيّب بن غلبون سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. وقيل: كان أبو الطيب وإخوته الثلاثة يقرءون فى كل يوم ختمة، فمات أحدهم فقرأ الثلاثة الختمة، فمات الثانى، فقرأ الأخوان الختمة، فمات الأخ الثالث، فقام الرابع بقراءة الجميع، ثم توفى الآخر وبقيت أختهم «3» ، وإنها تزوّجت، فجاءت ليلة

قبر الشيخ أبى الفضل بن الجوهرى الواعظ - رحمه الله تعالى:

دخولها فقالت: «اللهم لا تهتكنى على أحة» ، فماتت لساعتها، رحمة الله على الجميع. ويقابل هذه التربة من الجهة البحرية «1» قبر، يقال إن فيه محمد بن أحمد، ابن أخت الزبير بن العوّام، وقيل: ابن بنته، وكان عاملا على مصر. قبر الشيخ أبى الفضل بن الجوهرى الواعظ- رحمه الله تعالى «2» : كان من كبار مشايخ المصريين، وبيته بيت العلم والعدالة، وذرّيّته ذرّيّة مباركة، وكان يعظ الناس فى جامع مصر، وأقام على ذلك «3» سنين، وسمع الحديث الكثير «4» ، وكان ينشد على كرسى وعظه «5» ويقول: خذ كلامى مجرّبا فامتحنه ... وبميزان كنه عقلك زنه طاعة الله خير ما لزم العبد ... فكن طائعا ولا تنأ عنه «6» ما هلاك النّفوس إلّا المعاصى ... فتوقّ الهلاك لا تقربنه «7» إنّ شيئا هلاك نفسك فيه ... ينبغى أن تصون نفسك عنه «8» ومن كلامه: احذر ما فيه هلاك نفسك «9» . صن نفسك عن معاصى الله. ينبغى أن تستحى من الله. كن من الله على حذر. إيّاك أن يراك على ما نهاك فتسقط من عينه.

وتوفى ابن الجوهرى سنة ثمانين وأربعمائة «1» ، [ودفن] بجانب قبر والده أبى عبد الله الحسين بن بشرى. ويقال: إنه جاءه رجل مبتلى، فقال له: ادع الله تعالى لى. فقال: أنا أدلّك على من يدعو لك، تمضى إلى البيت المقدس وتحتال إلى أن تبيت فيه، ولا تنام، فإذا دخل عشرة يصلّون فيه فقف، حتى إذا فرغوا من الصلاة وخرجوا، أمسك العاشر منهم وقل له يدعو لك «2» . ففعل ذلك، وأمسك [العاشر] «3» وسأله الدعاء، فدعا له، فبرئ من ساعته، وقال له: من دلّك علىّ؟ فقال: الشيخ أبو الفضل الجوهرى. فقال: والله هو الأول، غمزة بغمزة» . وقيل: إنه قلّ ما بيده، فجاء إلى ابن قادوس وسأله شيئا «5» من المال على سبيل القرض، وكان كثيرا ما يأخذ منه. فقال له ابن قادوس: كم تطلبنى، انكسرت القواديس؟! فمضى وتركه وهو ضيّق الصّدر، فلمّا أتى داره قال لغلامه: قد طال شعرى، وما معنا شىء ندخل به الحمّام وننفقه علينا، فامض إلى السوق وأتنى بمزيّن يأخذ شعرى «6» . فمضى الغلام وأحضر مزيّنا مغربيّا، فلما وصل إلى الدار قال: هذه دار من؟ قال: دار ابن الجوهرىّ، الشيخ أبى الفضل «7» . فقال المغربى: والله إنّ هذا لعجب! معى رسالة إليه ونفقة

من أرض المغرب «1» . فلما دخل المزيّن قال له: إنى مرسل إليك بنفقة من المغرب. فقال هاتها، أنا أبو الفضل بن الجوهرى. فدفع إليه ثلاثمائة دينار، ثم أخذ شعره ومضى. فأخذ أبو الفضل المال «2» ومضى إلى ابن قادوس وقال: ما تكسرت القواديس ولا أصابهم شىء. وذكرت «3» زوجته- وكانت من الصالحات «4» - قالت «5» : جرى بينى وبينه مرّة كلام «6» ، فغضب وغضبت، وتهاجرنا ليالى «7» ، فلما كان فى بعض الليالى «8» رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يقول: لا تشغلى قلب ولىّ الله تعالى: [ورأى هو أيضا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يقول له: لا تشغل وليّة الله تعالى] «9» . فلما أصبح جاء إلى عندى «10» ، ففتحت الباب وقلت «11» : والله جاءنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل أن يجيء إليك. وكان يعظ الناس فى جامع مصر وينصر مذهب السّنّة، فوشى به واش إلى أمير الجيوش [بدر الجمالى] «12» فأمر أن يجاء «13» به إلى القاهرة بعنف،

فحضروا وقالوا: قد أمر السلطان بطلوعك إلى القاهرة بعنف، ولكن لا بأس عليك. فقال لهم: اطلعوا بى من القرافة لئلّا يقوم «1» العوام عليكم. فطلعوا به منها، فزار الصّالحين، وزار من جملتهم أبا بكر القمنى، وتحسّب «2» ، وجاء إلى قبر والده وقال: يا أبت، جلست فى جامع مصر ونصرت السّنّة، فرفع أمرى «3» إلى أمير الجيوش، فأمر بحضورى، وما أدرى ما يراد بى. ثم بكى ودعا وتوسّل، ثم سار معهم إلى أن وقف بين يدى أمير الجيوش، فسلّم عليه «4» ، فردّ عليه [السلام] وأكرمه، وقال له: يا سيدى، يا أبا الفضل «5» ، لا ترجع تعظ فى الجامع، اجلس فى الزيادة. فقال له من كان حاضرا: يا أمير الجيوش «6» ، إنّا رأيناك على حالة من أمر الجوهرىّ، فلما حضر بين يديك زالت تلك الحالة بغيرها. فقال: إنى رأيت فى الهواء إنسانا يقول لى: إذا آذيت «7» ولىّ الله قتلناك. قال: فترك سيدى أبو الفضل الجلوس فى الجامع وجلس فى الزيادة «8» ، وقال: حفظ الله السلطان، نقلنا إلى الزيادة من النقصان. ووعظ وزاد أمره، وصار يتكلم وينصر السّنّة، وينكر على من خالفه، فأخبر الخليفة به وبما ينكر على من يخالف مذهب السّنّة، فاستحضره الخليفة، فلما حضر وجده جالسا على سرير فى القصر، فلما رآه أكرمه وقرّبه وقال: يا شيخ أبو الفضل «9» ، أريد أن تعمل فى وقتك بيتين من الشعر، فقال له:

ولمّا رأيتك فوق السّرير ... ولاح لى السّتر والمسند «1» رأيت سليمان فى ملكه ... يخاطبنى وأنا الهدهد فضحك الخليفة وأمر أن لا يعترض «2» عليه، وأن يبقى على عادته فى جلوسه، فأكثر القول فى نصرة مذهب السّنّة، فأحضره أمير الجيوش «3» ، فلما دخل عليه، أنشده فى وسط داره «4» : حبّ آل النّبيّ خالط عظمى ... وجرى فى مفاصلى فاعذرونى «5» أنا والله مغرم بهواهم ... علّلونى بذكرهم علّلونى «6» فأمر بإطلاقه» مكرّما. وكان- رحمه الله- مجاهدا، مقيما بمذهب السّنّة، مؤيّدا من الله عزّ وجلّ. وقيل: إنه اشتد به الحال من قلّة النفقة وطلب العيال، فخرج وجاء إلى الإطفيحى بالشرق «8» وشكا إليه حاله، فقال له الإطفيحى: السّاعة كان الأفضل عندى، ودفع «9» لى هذه الصّرّة وقال: أعطها لمستحقّها، وأنت مستحقها، خذها فأنفقها. فأخذها، فوجد فيها خمسين دينارا، فأخذها فأنفقها فى مدة ولم يبق معه شىء، فطولب بالنفقة، فقال: ما عندى شىء. فقالت

له زوجته: اخرج «1» وتسبّب لنا. فخرج حائرا، فجاء إلى الإطفيحى، فسلّم عليه، وسأله عن حاله، فأخبره بما هو فيه من الضائقة، وسأله أن يكلّم السلطان. فقال له: يا سيدى يا أبا الفضل «2» امض لسبيلك، أنا ما جرت «3» عادتى أن أبتديه بالكلام، وما «4» أكلّمه إلّا جوابا، فخجل، ومضى إلى بيته بلا شىء. فقالت له زوجته: ما عملت؟ فقال: إنّ سيدى وعدنى «5» بكل خير. فبات تلك الليلة وقام فى السّحر، فمضى إلى قبر أبيه «بشرى» فصلّى ودعا، وجلس عند القبر متحيّرا «6» لا يدرى ما يصنع، فأخذه النوم فنام، فلم يشعر إلّا وهو يوقظ، فقام من نومه، فوجد إنسانا راكبا ملثّما وإنسانا ماشيا، فقال له الماشى: ما اسمك؟ فقال: أبو الفضل. فقال: وما اسم صاحب هذا القبر؟ قال: «بشرى» . فقال: إى والله، فناولاه «7» صرّة ومضيا، ففتحها، فوجد فيها خمسين دينارا، فمضى وقضى حاجته منها، وأخذ بقيتها وجاء إلى «8» الإطفيحى، فقال له الإطفيحى: أقول كما قال يوسف عليه السلام لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ «9» ، الذي دفع لك الصّرّة هو والله «الأفضل» ، وقد جاءنى وقال: سهرت البارحة سهرا شديدا، فأخذت سيرة ابن طولون فقرأت فيها، فغلبنى النوم، فنمت، فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم وهو يقول لى: إذا «10» كان غدا فى السّحر امض إلى القرافة وفتّش فى

القبور فإنك ترى- أو قال: تجد «1» - رجلا لله، به عناية، قاعدا عند قبر رجل له به عناية «2» ، ادفع إليه ما ينفق، فإنه بات البارحة بلا شىء، فدفع لى خمسمائة دينار وقال: ادفعها له قليلا قليلا لئلا ينفقها مرة واحدة، وقال: إنه دفع لك صرّة فيها خمسون دينارا، وأقسم علىّ بالله أنى أعلمك بها إذا فرغت، أعلمته بذلك. وحكى ابن العربى فى كتاب «سراج المريدين» قال: جلس أبو الفضل ابن الجوهرى «3» يوما على المنير، فقال القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فقال: والله ما منعتها «4» أبدا. وأقبلت القلوب على كلامه، فتعجبت من قوله هذا! وروى عن محمد بن واسع أنه قال: خرجت يوما من المسجد، فلقيت الشيطان فى طريقى، فقال: يا محمد بن واسع، إنّى كلّما رمتك وجدت بينى وبينك حجابا لا أستطيع أن أبلغ إليك منه. قال: إنى أقول كل يوم إذا أصبحت: «اللهمّ، إنّك سلّطت علّى عدوّا بصيرا بعيوبى، مطّلعا على عوراتى، اللهم فآيسه منّى كما آيسته من رحمتك، وقنّطه منّى كما قنّطّه من عفوك، وباعد بينى وبينه كما باعدت بين المشرق والمغرب، واطرده عنى كما طردته عن بابك، يا أرحم الرّاحمين» «5» . فقال له الشيطان: بالله لا تخبر بها أحدا أبدا، فقال: والله ما منعتها من أحد أبدا.

والده أبو عبد الله الحسين بن بشرى الجوهرى - رحمة الله عليه:

والده أبو عبد الله الحسين بن بشرى الجوهرى- رحمة الله عليه «1» : كان من الأجلّاء الفضلاء- وكان من المكاشفين، وله كلام على الخاطر، ولم يكن فى وقته مثله زهدا وعبادة وورعا، ولم يأت بعده مثله، وله حكايات عن نفسه وعمّا شاهد، وخوطب به. قيل: إنه اجتمع مع الشيخ أبى القاسم الحسين بن الأنبارى، قال ابن الأنبارى: سمعته يقول ذات يوم، وقد ذكر عنده من يطلب الكيمياء، فقال: العجب كل العجب أن ترى هذه الطريقة بعمل الكيمياء، الله يعلم أنّ قوما تعرض عليهم مفروغة فما يأخذونها، يا سبحان الله، إذا وقف العبد بين يدى الله سبحانه يتناثر عليه البرّ، فإن وقف عند شىء منه «2» أوقف عند ذلك، وإن لم يقف وكان ناظرا إلى المعطى كان المزيد على قدر ذلك! وذكر عنده رجل ذات يوم كان يسير فى السّحاب فقال: إنى أعرف رجلا فى جامع مصر علا حتى رآه رجل «3» ، وارتفع من الأرض وسار إلى السماء، فقلت له: يا سيدى، ما كان عليه؟ قال: كان عليه قباء بياض، والشفاشف «4» بين رجليه يلعب بها الريح، فعلمت أنه هو الذي نظره. وقال ابن الأنبارى أيضا: بتّ ليلة فى طارمة «5» فى القرافة وحدى، فجاء فى فكرى خاطر، فقلت: فلان له ألف ركعة، وفلان له كذا وكذا، وقلت: يا نفس، ما أعظم مصيبتك، لم لا تكونى مثل هؤلاء؟! فقلت: والله

لأصلّينّ ما أقدر عليه من الصلاة «1» . ثم قمت فصلّيت ركعتين، وتركت «2» حصاة عن يمينى، [وكلّما صليت ركعتين جعلت حصاة عن يمينى] «3» . ثم نمت، فلما صليت الصّبح مضيت إلى أبى عبد الله بن بشرى الجوهرى، فتبسّم «4» وقال لى: ليس العمل بكثرة العدد «5» ، وإنّما العمل فى الإتقان، قال الله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا «6» [ولم يقل أكثر عملا] . وخرج أبو عبد الله الحسين بن بشرى، رضى الله عنه، ذات يوم فى جنازة، فصلّى عليها، ثم جلس هو وجماعته فى قبة عند مصلّى «خولان» التى بالقرب من مشهد «طباطبا» ، وهم ينتظرون الجماعة حتى يدفن الميت «7» ، فقعدوا ساعة «8» ، ثم قال لمن معه: قوموا بنا من هذا الموضع، فخرجوا منه، وعند خروج آخرهم وقعت القبة، قال: فسئل الشيخ أبو عبد الله عن ذلك، فقال: حصلت «9» فى المصلّى، فاضطرب سرّى، فقلت: حادثة فى الجامع، فلم يسكن، فقلت: فى الصحراء، فلم يسكن، فقلت: فى البيت، فلم يسكن، فنظرت فإذا سرّى لم يخرج من الموضع الذي أنا فيه، فقلت: حادثة1» ، فخرجت وقلت: قوموا بنا، فقمنا، فكان ما عرفتم. قال أبو القاسم الحاكى: وقال لى الفقيه أبو عبد الله: ولم تبن «11» القبة.

ودخل عليه ذات يوم رجل ومعه جام «1» زجاج صاف، فقال: أرجو أن تصفوا قلوبكم ونيّاتكم حتى تروا الأشياء قبل ورودها. وحكى عنه، رضى الله عنه، قال: كنت يوما مع والدتى فى القرافة عند قبر والدى- رحمه الله تعالى- فقالت: يا بنىّ، سمعت صاحبى هذين القبرين يتحادثان «2» ، ثم مشينا فجزنا «3» على قبرين، فقالت: يا بنىّ، سمعت من قبر هاهنا وصاحبه يقول: أوّاه، أوّاه، أوّاه! فقلت: أىّ قبر تشيرين إليه؟ فقالت: يا بنىّ ما أريك إيّاه، أن يقلّدك الله هذا الأمر «4» ، فاستر ما قدرت. وحكى أيضا قال: دخلت ذات يوم إلى منزلنا وأنا صغير، [مقدار عمرى نحو سبع سنين] «5» ، فرأيت فيه شيئا «6» من الفاكهة، فجعلت أنظر إليها، فقالت لى أمّى: يا حسين، بقى للعشاء قليل، ما تسوى الدنيا كلها هذه النظرة! وقال: جئت يوما من جنازة ومعى جماعة من الناس، فصعدت إلى والدتى، وكانت فى غرفة لنا، وكانت رأتنى من الطاق «7» والناس معى، فقالت لى: ما هذه الشهرة، تمشى والناس خلفك؟ ثم شالت طرف الحصير، وأخذت بأصابعها شيئا من التراب ثم ذرّته «8» فى وجهى وقالت: من هذا خلقت، فلا تكبّر نفسك!

وجاءه ذات يوم رجل يقال له ابن خريطة، فقال: جئتك من عند أبى محمد الخطيب. فقال: اذهب احفر له! فمضى، فوجده قد مات، فلما أخبر الشيخ بذلك قال: إنى رأيت عند وجه الصبح «1» كأن خادما دخل علىّ وعزّانى فى أبى محمد الخطيب، فأوّلته ملك الموت. قيل: ومات ابن أخيه بمصر، وكان هو بمكة، وابنته على المائدة- وهى بنت ستّ سنين- فقالت: مات ابن عمى عبد الرحمن، نعم نعم نعم نعم نعم «2» . فقالت أم عبد الرحمن: ما الذي قلت؟ قالت الصبيّة: ما قلت شيئا. فقال الشيخ رضى الله عنه: اكتبوا هذا الوقت. فكتبوه. وجاء الحاجّ من مصر، فقالوا: مات فى الوقت الذي قالت الصبيّة. فقال له رجل: قبل مجىء الحاج. قالت: يا سيدى، أنا أعرف من غسّله، وأين غسّل «3» ، غسّل فى الموضع الفلانى، وغسّله فلان. وروى أنه قلّ ما بيده يوما، فخرج يتسبّب فى شىء، فوجد ورقة من مصحف مقطعة، لم يبق فيها سوى قوله [تعالى] : ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ «4» فرجع إلى بيته، فجاء شخص ومعه ثلاثمائة دينار. قال «5» : وكنت معه ليلة بمكة فى شهر رمضان، فقال: هل رأيتم ما أرى؟ فقال له بعض أصحابه: لعلّك تريد أنك رأيت ضوءا صعد من الأرض إلى السماء؟ فقال: نعم. وكان بمكة رجل يقال له أبو بشير الحلاوى، سمع بذكره، فجاء فجلس إليه، فتكلم الشيخ على خاطر أبى بشير، ثم على خواطر الحاضرين، فصعق

أبو بشير، فلما أفاق قال: أيها الشيخ، إنّا كنّا نسمع هذا حديثا، والآن نراه مشاهدة «1» . قال الشيخ أبو القاسم: قال لى «على الحمّال» وكان ثقة، وحلف لى بطلاق زوجته التى أعرفها، أنه رأى الشيخ أبا عبد الرحمن بن الجوهرى فى جنازة «عبد الرحمن» «2» بمصر، فأسرع فى طلبه فلم يدركه. وقال لأصحابه ذات يوم: إنى لأعرف من كلّمه: الكرام الكاتبون. قال: وقال بعض أصحابنا: خرجت يوما إلى القرافة ومعى جارية لا تعرف الطريق، وكنت راكبا وهى ماشية، فشغلنى إنسان بالحديث، ومشت الجارية فتاهت عن الطريق فلم أجدها، فدخلت على الشيخ وعرّفته ذلك، فقال: ما اسمها؟ فقلت: فلانة. فقال: وما جنسها؟ فعرّفته. فقال: «اللهمّ إن كان عدا عليها عاد فحل بينها وبينه، وإن كانت قد ضلّت فضيّق عليها السبيل حتى ترجع «3» إلى مخرجها، يا قيوم» . ومضيت من عنده وقد بئست من الجارية بسبب ما كان عليها، وجئت إلى بيتى مغموما، فلما جلست إذا بالباب يدق، فخرجت، فوجدت الجارية، فقلت: ما بالك؟ قالت: إنك غبت عن عينى فلم أرك، فبقيت حائرة، فمشيت، فرأيت زقاقا «4» من جديد، فمشيت فيه إلى أن وصلت إلى هاهنا. وذكر- رحمه الله- أنه رأى والدته فى النوم بعد موتها، وعليها ثياب من حرير أبيض وأخضر وأصفر، وهى فيها تخطر، وحولها شماريخ «5» ، وهى

على شاطىء نهر، فقيل لى: انظر إلى وجه لم يعص الله قط، ما أحسنه وأزهره وأنضره! وقال أبو الحسن «1» الشيرازى: خرجت مع أبى عبد الله إلى مكة، فركبنا البحر «2» ، فلما وصلنا إلى البر لم يكن عندنا من الزيارة للمدينة خبر «3» بفساد الطريق، فخطر فى سرّ الشيخ أبى عبد الله الزيارة، وكان مقدّما ومؤخّرا «4» ، فرأى فى المنام قائلا يقول له: «إن زرت حفظت، وإن سرت سلمت، زر تسلم، أو سر تغنم، لا تعترض تندم» . قال: فلما استيقظت فكرت فى نزولى وكثرة من ينزل معى، وخوف الناس فى الطريق، فتحولت إلى جنبى الآخر، وإذا بقائل يقول لى: «إنما هو قذف من الحق بالحق، فى قلوب أهل الحقّ من الخلق، تصديقا للخلق بالحق من الحق «5» ، تفضّلا من الحقّ على الخلق» . قال أبو الحسن: فاكتريت له «6» فى تلك العشية، ونزل معنا جماعة كثيرة، وسرنا سالمين إلى أن وصلنا إلى المدينة «7» فى السّحر، فقال لى الشيخ: رأيت رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، مفتوحة «8» يداه كالمستقبل لى، قال أبو الحسن «9» : فشممت فى الوقت رائحة «10» طيبة، ما شممت قطّ مثلها. ودخلنا إلى المدينة، وجلس هو فى

المسجد يتكلم، واجتمع إليه جماعة، وكان بعض الأشراف تكلّم، فلما كان من الغد قال: رأيت البارحة فى المنام إبراهيم الخليل، عليه السلام، وقد ناولنى سيفا وقال لى: تكلّم فى أمان الرحمن. واستشاره بعض أصحابه فى الخروج مع بعض الأمراء إلى مكة، فقال: ما أقول شيئا، من شاء أن يخرج فليخرج، ومن شاء أن يقعد فليقعد «1» . فخرج معه قوم وتخلّف آخرون، فلما وصلوا إلى بدر مضى ذلك الأمير وتركهم، فخرج عليهم العرب فأخذوهم وجميع ما كان معهم، فلما بلغ الشيخ ذلك قال: كذا من ركن إلى المخلوقين ونسى الخالق. قال: ومن كلام الشيخ أبى عبد الله: «هذه الأمّة رجلان، أحدهما تقيّ والآخر مذنب، فالتّقّى فى مقعد صدق عند مليك مقتدر، والمذنب شفيعه رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأىّ الرجلين يخاصم غدا؟» . ومن مواعظه: «اتّق الله أيها الرجل، وخف من يوم لا بد من حضوره، قال الله تعالى: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ، وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ «2» . أنت [تريد] » عبدك إذا دعوته يقول: لبّيك، وإذا لم يجبك قلت: عبد سوء، تريده يطيعك ولا يعصيك، متى أطعت الله بما تريده من عبدك، أما تستحى من سوء رأيك «4» ؟ ستقدم غدا، وينكشف الغطاء، أما سمعت قول الله تعالى: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » «5» . وقال بعض أصحابه: رأيته بالجحفة «6» مرارا يختلف إلى حاجة

قبر أبى العباس الديبلى:

الإنسان، فقلت: يا سيدى، أراك تختلف «1» ، فقال لى: يا جعفر، لم أحلّ سراويلى من «القلزم» «2» إلى هاهنا. قال: وسمعته يقول: لو تجوّع كافر لتقدّح «3» من خاطره الحكمة. وتوفى عبد الله بأيلة «4» عند منصرفه من الحج فى صفر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة «5» ، وحمل إلى مصر، وقبره مشهور، وهو الذي عند رأسه لوح رخام، وحجر كدان، مكتوب فيه منام رآه بعض المتقدمين «6» ، وحكاه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يتضمن زيارته. والدعاء عند قبره مستجاب، وقد درست «7» هذه الكتابة إلّا أقلّها. *** قبر أبى العباس الدّيبلىّ «8» : وعند رجليه قبر به أبو العباس «9» أحمد بن محمد الدّيبلىّ الخياط، الشافعى، الزاهد، رحمه الله تعالى، كان مقيما بمصر، ظلّ «10» معتكفا بمسجد

ثلاثين سنة، وكان قوته وكسوته من خياطته، وكان يخيط قميصا فى جمعة بدرهم ودانقين، طعامه وشرابه وكسوته منها فى غلاء السعر ورخصه، ما طلب من أحد شربة ماء قطّ «1» ، وكان يرجع إلى أحوال حسنة من الزهد والتقشف، ولبس الخشن، وحفظ اللسان، ولم ينقل عنه أنه اغتاب أحدا قط، وكان سليم القلب، كثير الاجتهاد فى الطّاعة، مع ملازمة الصوم، وكان لا يفتر لسانه من تلاوة القرآن، وكان فقيها جيدا على مذهب الشافعى رضى الله عنه، وكان مكاشفا، وربّما أخبر بأشياء فتوجد كما قال. وكان صادقا مقبولا عند المخالف والمؤالف، يستسقى به الغيث، ويتبرّك بدعائه، قال خادمه: توليت خدمته فى مرضه، فقال لى: حضرت الملائكة عندى وقالوا لى: تموت ليلة الأحد، فكان كما قال، فلما كان ليلة الأحد قعدت عنده، وما كان يصلّى إلّا جماعة، فصليت به المغرب، فقال لى: تنحّ، فإنى أريد أن أجمع بين صلاتين، ما أدرى ما يكون منّى، فجمع بين صلاتين، وشفع وأوتر «2» ، ثم أخذ فى السّياق وهو حاضر معنا إلى نصف الليل، فقمت فأرحت نفسى ساعة ثم جئت، فقال: أىّ وقت هو؟ قلت: قريبا من الصّبح، فقال: حوّلونى «3» إلى القبلة، فحوّلناه، فأخذ يقرأ مقدار خمسين آية، فخرجت نفسه ونحن ننظر إليه، وذلك فى سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وقيل سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، وهو الصحيح. وكانت له جنازة «4» عظيمة جدّا، مشهورة، لم يتأخر عن حضورها أحد من الناس. وفى بحرى قبر الدّيبلىّ قبر الشيخ الإمام العالم فخر الدين المدرس بمدرسة

قبر المباحى:

«ياز كوج» الكائنة بسوق أمير الجيوش بدر الجمالى بالقاهرة. كان من أهل العلم والعفاف والديانة، مع حداثة السن «1» . قبر المباحى «2» : وبجانب قبره من حيث القبلة «قبر المباحى» رحمه الله تعالى، كان رجلا صالحا، يحتطب فى كل يوم حزمة حطب يبيعها ويتقوّت «3» بثمنها، وكان له حال عظيم «4» ، يقال إنه رآه إنسان يمشى وبين يديه صرّة فيها نفقة، فقال له: يا شيخ، خذ هذه الصرّة من تحت رجليك، فقال: يا ولدى، إنّ لى مدّة أجوز عليها ما مسكتها قطّ، ولا أعرف ما فيها «5» ، وإنّ لله تعالى عبادا إذا قالوا لهذه الحزمة الحطب التى على رأسى: صيرى ذهبا بإذن الله تعالى صارت، فصارت الحزمة ذهبا، فصعق الرجل، فلمّا أفاق قال له الشيخ: يا أخى لعلّك رأيت ما لم تره قط «6» . فنظر فإذا الحزمة عادت حطبا كما كانت. قبر أبى الفضل السايح «7» : وبجانبه قبر الشيخ أبى الفضل «8» السايح رحمه الله، وهو على يسارك وأنت خارج «9» من تربة «المباحى» . قيل: إنه لقيه رجل قاطع طريق على

قبر أبى الطيب الهاشمى:

فرس، فقال له: انزع «1» القماش، فخلع ثيابه وأبقى السّراويل، فقال له: انزع السراويل «2» ، قال: فخلعه ورمى به وقال: خذه وامض فى اليم، فأخذه فهرب به الفرس حتى أدخله اليمّ، وخاف على نفسه الهلاك، فقال فى نفسه: ما أوتيت إلّا من قبل الذي أخذت ثيابه «3» ، فعقد مع الله توبة خالصة، فرجعت الفرس وطلع سالما، فجاء إلى القرافة وطلب الشيخ «4» ، فوجده، فلما رآه الشيخ أبو الفضل تبسّم وقال له: اترك القماش وامض. قبر أبى الطيب الهاشمى «5» : وبجانبه إلى البحرى قبر الشيخ أبى الطيب الهاشمى «6» ، المعروف بابن بنت الشافعى، رضى الله عنه. كان من الزهاد العلماء، صحب أبا بكر أحمد ابن نصر الزّقّاق وغيره من مشايخ القوم «7» ، وكان من السالكين للطريق «8» ، فسمع الحديث الكثير «9» ، وروى عن المشايخ، وكان يقول: «الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصّدقة تدلك عليه» .

قبر البزاز، رحمه الله تعالى:

وله- رضى الله عنه- شعر «1» : أتدرى يا بن آدم ما أبحت ... وما أعطاك ربّك إن شكرت إذا ما شئت قمت إلى الصّلاة ... فناجيت الإله بما أردت وقيل: إنه سأل الله تعالى أن تصيبه الحمّى لما فيها من الأجر لمن صبر عليها «2» ، فكانت الحمّى تأتيه ساعة من النهار فى كل يوم، فيحمى لها جسمه، ويتغير لها لونه، فإذا غربت الشمس زالت عنه، فلم تزل كذلك حتى توفى- رحمه الله تعالى- فى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، وصلّى عليه صاحبه الحدّاد. قبر البزاز، رحمه الله تعالى «3» : تجده على مصطبة، كان من خيار الناس «4» ، وكان إذا باع واستفتح وجاءه زبون آخر قال له: امض إلى جارى، فإنى قد استفتحت. قال الرّاوى: قال لى رجل أعرفه «5» ، ونحن عند قبره نزوره: يا سيدى، أخبرك بأعجوبة؟ قلت: ما هى؟ قال: كنت يوما ليس لى شىء «6» ، وقد دخل الشتاء، فجئت إلى قبر هذا الرجل فزرته ثم قلت: يا صاحب هذا القبر، أنت ما سمّيت بزّازا سدى، وأنا أشتهى عليك ما ألبسه، فإننى فقير ولا شىء لى «7» ، وقد تعرّيت. ثم عدت إلى بيتى، فلما كان الغد

قبر الشيخ أبى الحسن القرافى:

جاءتنى والدتى بقميص وسراويل وقالت: مضيت إلى أصحاب لى فقالوا: ألك ولد؟ فقلت: نعم. قالوا: فادفعى هذا له «1» . ثم قلت فى نفسى: بقى كساء أرقد فيه، فلما أصبحت مضيت إلى قبره وزرته «2» ، وحدّثته حديث والدتى، وقلت: يا شيخ، جزاك الله عنى خيرا «3» ، بقيت أشتهى كساء أرقد فيه، ثم دعوت الله عنده ورجعت، فبينما أنا فى الطريق إذا إنسان ناولنى كساء، فأخذته وحمدت الله تعالى وشكرته، وما انقطعت عن زيارته. قبر الشيخ أبى الحسن القرافى «4» : وبجانبه قبر الشيخ أبى الحسن على بن قيصر بن عمر القرافى، رحمه الله تعالى. كان شيخ وقته فى زمانه فى التصوف، يرجع إلى أنواع من العلم، وكان مذهبه الزهد فى الدنيا، وأدرك جماعة من العلماء والمحدّثين وحدّث عنهم. قال- رحمه الله: «كنت مع أبى الحسن علىّ بن حيّان الدينورىّ فى مركب، فوجد البرد، فغطّاه إنسان جندى بكسائه، فقلت: يا سيدى، تتغطّى بكساء جندى!؟ فقال: أترى أن أبخل عليه أن يغفر الله- عزّ وجلّ- له!؟» . وتجىء «5» وأنت مشرّق تجد على يمينك قبرا، كتب عليه «السيد الشريف الزفتاوى سمسار السكر، كان يفعل الخير» .

قبر دينار العابد:

قبر دينار العابد «1» : وإلى جانبه من البحرى قبر الشيخ دينار العابد، بجانب ضريح «الفقاعى» رحمه الله تعالى. كان من كبار الزهاد الصالحين، وله كرامات كثيرة، من جملتها أنه اشتهر عنه أنه كان إذا قدّم إليه طعام فيه حرام يرى فيه ثعبانا «2» يريد أن ينهش يده فيتركه. وحكى «3» عنه أنه قال: اجتمعت أنا و «عتبة الغلام» و «صالح المرّى» ومعنا جماعة من الصّالحين، ومضينا إلى بيت «أبى جهير» الضرير، فطرقنا عليه الباب، فكلّمتهم ابنته وقالت: ما تريدون «4» ؟ فقالوا: نريد زيارة الشيخ، فقالت: ادخلوا. قال: فدخلنا فسلّمنا عليه، فتقدم عتبة فسلّم عليه، فقال: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا «عتبة الغلام» . قال: أنت الذي جئت آخرا فصرت أولا. ثم تقدّمت، فقال: من أنت؟ فقال «عتبة» : هذا «دينار» العابد، فقال: أنت دينار؟ قلت: نعم، قال: «إيّاك أن يراك على ما نهاك فتسقط من عينه» . ثم تقدّم «المرّى» فسلّم عليه، فقال: من أنت؟ قال: أنا «صالح المرّى» ، قال: أنت الذي تقتل المحبّين بقراءتك؟! أما كان فى كتاب الله آية تقتلك وتريح المحبّين منك؟ اقرأ علىّ من كتاب الله تعالى. قال: فخفت أن أقرأ عليه آية فى ذكر النّار فيتخوّف ويموت، أو فى ذكر الجنّة فيشتاق إليها. قال: فقرأت عليه وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ «5» . فزعق ووقع وقال:

قبر الشيخ العالم الزاهد المعروف بابن الفقاعى:

يا صالح، زدنى. قال: فقرأتها عليه ثانيا، فقال: يا صالح، إذا كان دابّة فهمت على الله خطابه، اقرأ علىّ! فقرأت عليه، وإذا به شهق شهقة مات فيها، فقلنا: يا صغيرة، مات أبوك! فقالت: هل فيكم «صالح المرّى» ؟ فإنى سمعته يقول: إنى سمعت صالحا المرّى يقرأ من أربعين سنة، وسألت الله ألّا يقبضنى حتى يسمعنيه مرة ثانية، فتولّوه، ما عندى من يتولّاه- رضى الله عنه «1» . وبجواره قبر أبى عبد الله بن الوشاء، يزار أيضا، رحمه الله تعالى. قبر الشيخ العالم الزاهد المعروف بابن الفقاعى: وهو أبو الحسن على بن أبى الحسن، رحمه الله «2» . وكان من كبار مشايخ مصر، صحب الشيخ أبا الحسن «3» الدّينورىّ، وغيره. وكان يقول: «والله ما أدّبنى أبواى قطّ، ولا احتجت إلى تأديبهم، وإنّما أنا مؤدّب من الله تعالى» . وقال رحمه الله: قال لى الشيخ أبو الحسن الدّينورى: امض «4» معى إلى الحمّام. فقلت: حتى أستأذن والدتى «5» . فمضى إليها واستأذنها، فقالت: امض مع الشيخ وقم فى خدمته. فدخل الشيخ الحمّام، فلم يزل ابن الفقاعى قائما «6» ، فقال الشيخ له: اجلس. فقال: إنّ أمّى لم تأمرنى بالجلوس «7» . فما جلس حتى خرج من الحمّام.

وقال: رأيت ليلة من الليالى كأنّ القبور مفتّحة ورجل موكّل بها، فقلت: كيف حال هؤلاء فى قبورهم؟ فقال: نادمين، أيديهم على خدودهم، وجعل يده تحت خدّه. وقال أيضا: كنّا «1» بكهف السودان عشيّة عرفة وقد اجتمعنا للدعاء، وطابت النفوس، وخشعت القلوب «2» ، وإذا بشابّ حسن الشّباب والوجه، على فرس حسن «3» ، فجعل يلعب تحت المكان، فلما رآه الجماعة شغلوا به عن الدعاء والذّكر، فقلت: يا أصحابنا، إنّى أخاف أن يكون هذا الشاب «إبليس» فقد جاءكم يقطعكم عن الله تعالى. فو الله ما أتممت كلامى «4» حتى غاص فى الأرض هو والدّابّة. وروى عنه أيضا أنّ بعض أصحابه أصابه وجع فى ركبته، فجاء إليه وقال: يا شيخ، أنا أسألك الدعاء لى، وشكا إليه ما يجد من الألم، فقال له: امض إلى الجبل تجد اثنى عشر رجلا، من وجدت منهم اسأله أن يدعو لك. قال: ففعلت، فوجدت رجلا وهو قائم يصلى، فوجدت عليه هيبة عظيمة «5» ، فجلست خلفه حتى فرغ، فسلّمت عليه وشكوت إليه ما أجد من ألم الوجع «6» ، وسألته الدعاء، قال: فوضع يده على ركبتى، فوجدت العافية من ساعتى. ثم قال: من دلّك علىّ؟ فقلت: الشيخ أبو الحسن الفقاعى. فقال «7» : إذا وصلت إليه فسلّم عليه وقل له: أنت باق على شهوتك. فجئت

إليه فأخبرته بذلك، فبكى بكاء شديدا ثم قال: والله لو علمت أنه يقول لك ذلك ما دللتك عليه. فقلت له: يا سيدى [عرّفنى] «1» ما السبب؟ فقال لى: قم إلى شغلك. فقلت: والله ما أقوم حتى تحدّثنى. فقال لى: هؤلاء كانوا اثنى عشر رجلا يعبدون الله تعالى فى ذلك الموضع، وكانوا كلّ ليلة ينزوى كل واحد منهم فى مكان ويجيء بطبق فيه اثنا عشر «2» رغيفا وحوت سمك، فجلست معهم حتى جاءت نوبتى، فقالوا لى: قم، فلعلّ الله تعالى أن يأتيك بالرزق. فقمت وجلست فى زاوية، ورفعت طرفى إلى السماء وقلت: اللهم لا تخجلنى بينهم، فلم أشعر إلّا وإلى جانبى طبق فيه ثلاثة عشر رغيفا وحوت سمك. فقلت فى نفسى: لقد اشتهيت، لو كان معه قليل ملح تذهب به حلاوة السمك! وإذا بالملح قد وضع على الطبق، فجئت بالطبق إليهم وعليه ملح زائد. فقالوا لى: من أين هذا الملح؟ فسكتّ، فقالوا لى: قل لنا ما سبب هذا الملح؟ إن كنت اشتهيته فليس بجيّد، وإن كان بغير الشهوة «3» فجيد. فقلت: [إنما] اشتهيته. فقالوا: نحن «4» فى هذا المكان لا نشتهى شيئا، وأنت متعرّض فلا تصحبنا، فمضيت وتركتهم. وله فضائل كثيرة وسياحات وعبادات. [وتوفى- رحمه الله تعالى- لثمان خلون من صفر سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، كما على قبره مكتوب، وقبره مشهور] «5» ، وهو فى فناء مسجده «6» المعروف به فى الجبّانة، وبنى مساجد فى غير هذا الموضع «7» من البلد وعمّرها، وله كرامات يطول شرحها، وكان

قبر الشيخ عتبة الزاهد الواعظ:

«كافور» أمير مصر [رحمه الله] «1» يجتهد فى أن يأذن له فى زيارته، فيأبى، فهجم عليه مرّة وهو متنكّر، فلما عرفه عرض عليه قبول ألف دينار، فأبى، فسأله أن يفرقها على المستحقين، فلم يفعل، فقال له: ألك حاجة؟ فقال له: حاجتى ألّا تأتينى بعد اليوم. فخرج من عنده باكيا ولم يعد إليه. *** وبجواره «2» قبر أبى بكر محمد بن الإمام، توفى سنة تسع وأربعين «3» ، وهو بالقرب من قبر ابن الوشاء. وبجانبه قبر هبة الله بن مسافر، توفى سنة أربع «4» وثمانين وأربعمائة، وهو ملاصق لقبر أبيه. وهناك قبر مسنّم به رجل من علماء المالكية الفضلاء النبلاء، المتبحرين فى مذهب مالك، رضى الله عنهم. وبالقرب منه قبر بكّار بن محمد بن أحمد المعافرى، توفى- رحمه الله تعالى- سنة ستّ «5» وثلاثين، وقبره غربّى قبر الفقاعى، وكان رجلا صالحا متعبدا، سمع وحدّث، وإليه ينسب المسجد المعروف بدويرة بكار، على يمين الخارج من درب سالم بالقرافة «6» . قبر الشيخ عتبة الزاهد الواعظ «7» : [هو] أبو عبد الله [محمد بن عبد الله] بن سعد «8» ، رحمة الله

عليه، كان يتكلم على الناس، وله مجلس يجلس فيه للوعظ بجامع مصر. وذكر أبو عبد الله محمد بن عبد الله المالكى أنه كان يجلس فى جامع مصر قبل دخول المعزّ إلى الديار المصرية. قال أبو عبد الله: حدّثنى من أثق به قال: كنت فى مجلسه فوعظ الناس، فأبكى العيون، وطابت القلوب، قثم قال: «يا أهل مصر، تظهرون المناكر، وتعمل «1» نساؤكم الخبائث، هذا عتبة راحل عنكم، ويستعمل عليكم بعده ثلاث: جوع، وطاعون، وسيف الرّوافض» «2» . قال الذي حدثنى: والله ما حضر الميعاد الآخر «3» إلّا وقد مات [الشيخ] «4» وحلّ بهم من بعده كلّ ما قاله، وعاينت «5» جميع ذلك. ومات عتبة الزاهد رحمه الله تعالى سنة ثلاث «6» وخمسين وثلاثمائة، وهو الذي غسّل الفقاعى «7» . *** وهناك «8» أيضا حجرة تعرف بابن شاس، وتربة اللّوّان بجوار تربة القابسى، فيها الرجل الصالح النصراباذى، وأبو العباس أحمد الطرطوشى، وأبو القاسم «9» عبد الرحمن بن الحسن اللواز العدل، توفى سنة سبعة عشر وثلاثمائة «10» .

قبر الشيخ أبى عبد الله محمد بن جابار الصوفى الزاهد:

قبر الشيخ أبى عبد الله محمد بن جابار الصوفى الزاهد: هو من مشايخ أبى الحسن بن الفقاعى، رحمة الله عليه «1» . كان من كبار مشايخ الصوفية، قرأت فى كتاب المسبّحى: حدّثنى ابن الدّاية كاتب القمنى «2» قال: حدثنى أبو الحسن البغدادى، قال: وردت إلى مصر مع والدى وأنا صبّى دون البلوغ، فى أيام «كافور» ، وكان أبو بكر المحلى يتولى نفقات مصالحه وخواص خدمه، وقد استبيحت «3» بينه وبين أبى مودّة، وكان يزوره ويصله، قال: فجاءه ذات يوم فأطال عنده المكث، وتحدّثا، وتذكّرا أخبار «كافور» وطريقته وما هو عليه من الخشوع، فقال أبو بكر «4» لأبى- وأنا أسمع هذا: الأستاذ «كافور» له فى كل عيد أضحى عادة، وهى «5» أن يسلّم إلى أبى بغلة محمّلة ذهبا وورقا «6» ، وجريدة تتضمّن أسماء قوم من حدّ القرافة إلى «المنامة» وما بينهما، ويمضى مع صاحب الشّرطة، ونقيب يعرف المنازل، فأطوف من بعد العشاء الآخرة إلى آخر الليل، حتى أسلّم ذلك إلى من جعل له «7» وذكر اسمه فى الجريدة، فأطرق المنازل والزوايا على الرجال والنساء «8» ، فإذا خرج إنسان أقول له: الأستاذ أبو المسك «كافور» يهنّيك «9» بعيدك ويقول لك: اصرف هذا فى منفعتك «10» ، ثم أدفع إليه

ما جعل له، فلما كان فى هذا العيد «1» فعل كما جرت عليه العادة «2» ، وزاد فى الجريدة الشيخ أبا عبد الله بن جابار مائة دينار، فأنفقت المال فى أربابه، حتى لم يبق إلّا الصّرّة، فجعلتها فى كمّى وسرت مع النقيب حتى أتينا إلى منزل الشيخ «3» بظاهر القرافة، فقال لى النقيب: هذه «4» داره، فطرقت الباب، فنزل إلينا شيخ عليه أثر السّهر لم ينم، فسلّمت عليه، فلم يردّ علىّ السلام وقال: ما حاجتك؟ فقلت: الأستاذ أبو المسك «كافور» «5» يخص الشيخ بالسّلام. فقال: والى بلدنا؟ قلت: نعم. قال: [عليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته] «6» حفظه الله، يعلم أننى أدعو له فى الخلوات، وإدبار الصلوات وللمسلمين بما الله سامعه ويستجيبه [إن شاء الله تعالى] .. قلت: وقد أنفد معى هذه الصّرّة، وهو يسألك قبولها فى مؤنة هذا العيد المبارك. فقال: نحن رعيته، ونحن نحبّه فى الله تعالى، [وما نفعل هذا بعلّة] «7» فراجعته القول، فتبيّن لى الضّجر فى وجهه، والقلق والتلهف، فاستحييت من الله تعالى أن أقطعه عمّا هو فيه، فتركته وانصرفت، فجئت إلى دار الأمير، فوجدته «8» قد تهيأ للركوب وهو ينتظرنى، فلمّا رآنى «9» تهلّل وجهه وقال: هيه يا أبا بكر! فقلت له: أرجو أن يستجيب الله فيك كلّ دعوة صالحة دعيت لك فى هذه الليلة، وفى هذا اليوم الشريف. فقال: الحمد لله الذي جعلنى سببا لإيصال

الرّاحة إلى عياله. ثم قال: يا أبا بكر، أنت مبارك. فأخبرته بامتناع ابن جابار، فقال: نعم، هو جديد لم تجر بيننا وبينه معاملة قبل هذا الوقت، ثم قال لى: عد إليه، واركب دابّة من دوابّ النّوبة، فلست أشك ما لقيت دابتك فى هذه الليلة من التعب، ثم امض إليه واطرق بابه، فإذا نزل إليك فإنّه سيقول لك: ألم تكن عندنا؟ فلا تردّ عليه جوابا، ثم استفتح واقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى * الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى * لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى «1» . يا بن جابار، يقولك «كافور» العبد الأسود: ومن كافور؟ ومن مولاه؟ وهل من الخلق بقى لأحد مع الله تعالى ملك أو شركة؟ تلاشى الناس كلهم، هاهنا تدرى من معطيك، وعلى من رددت، أنت ما سألت، هو أرسل إليك، يا بن جابار، ما تفرّق بين السّبب والمسبّب؟ قال أبو بكر: فركبت وسرت، وطرقت منزله، فنزل إلىّ فقال: ألم تكن السّاعة عندنا «2» ؟ فأضربت عن الجواب، ثم قرأت «3» «طه» إلى قوله تعالى: وَما تَحْتَ الثَّرى ، وقلت له ما قال كافور. فبكى ابن جابار وقال: أين ما حملت؟ فأخرجت له الصّرّة فأخذها، وقال: «علّمنا الأستاذ كيف التّصوّف، قل له: أحسن الله جزاءك» . قال: ثم سلّمت عليه وعدت إلى كافور «4» فأخبرته بذلك، فسرّ، ثم سجد شكرا لله تعالى وقال: الحمد لله الذي جعلنى سببا لإيصال الراحة إلى عباده. ثم ركب حينئذ.

وتوفى ابن جابار فى سنة اثنتين «1» وستين وثلاثمائة. وبجواره قبر الكندى، كان رجلا صالحا، عالما، زاهدا، من المؤرخين «2» . *** وبالقرب من قبر الفقاعى قبر «الياسمينى» ، يقال: إنه كان من الصالحين، ولا تزال روائح الياسمين عليه، ويوجد الياسمين عند قبره فى بعض الأوقات «3» . وتمضى وأنت مستقبل الشرق على اليمين، تجد تربة فيها قبر الأهوازىّ، يقال: إنه ملك الأهواز، فتركها عن قدرة، ورحل إلى مصر، وصار واعظا «4» ، وكان من أهل القرآن، وقرأ عليه جماعة. وبجانب ظاهر التربة ممّا يلى القبلة تربة فيها فاطمة الموصلية الصالحة، رحمها الله تعالى، يتبرك بها. ثم تخرج منها إلى الشرق «5» على اليسار، تجد تربة واسعة، بها قبر السيدة التّائبة مقدمة رباط الخواص. *** وتخرج مبحّر التربة تجد قبرا يقال إنه لابن تميم الدّارىّ، ثم منه إلى قبر «السّكّرىّ» ، وهو من أهل الكرم وفعل الخير، قيل: إن السّلطان فى زمانه طرح سكّرا على السّكّريين فلم يجدوا ثمنه، فأخذه ووزن ثمنه عنهم، وجعله فى مخازنه، إلى أن جاءت سنة فيها وباء عظيم، فطلب السّكّر فباعه بمال جزيل، فلما حصل المال عنده أحضر السّكّريّين الذين لم يقدروا على ثمنه وقال: اعلموا أنّ هذا المال الذي وزنته عنكم فى ثمن السكر هو قرض منّى لكم. ثم قسم

قبر الشيخ عبد العزيز الخوارزمى:

الربح بينهم. وقيل: كان يتصدّق فى الجمعة بطرحة سكّر، كان يقبل لنفسه ستة أيام، ويتصدّق باليوم السابع، فجاءت طرحة السّكّر الذي للصّدقة كثيرة، فقال له الصّنّاع: هى كثيرة. فقال: دعوها وتصدّقوا بها. *** وتخرج من التربة وأنت مبحّر تجد على يسارك قبر صاحب القنديل، يتبرّك بزيارته. يحكى أنه يرى فى كل وقت فى اللّيالى المظلمة على قبره قنديل يقد «1» ، يرى من بعيد، فإذا تقرّبت منه لم تجد شيئا «2» . قبر الشيخ عبد العزيز الخوارزمى «3» : ومنه إلى قبر الشيخ عبد العزيز الخوارزمى، يكنى أبا محمد، رحمه الله تعالى، قال الراوى: حدّثنى من أثق به قال: مرضت مرضة أشرفت منها على الموت، فرأيت فى منامى قائلا «4» يقول لى: توسّل إلى الله تعالى عند عبد العزيز الخوارزمى، فحملت نفسى ومضيت إليه، ودعوت الله تعالى عند قبره، فكشف عنى ما كنت أجده، وعوفيت من مرضى. وقيل: إنّ الأفضل ابن أمير الجيوش كان إذا نزلت «5» به نازلة يجيء إلى قبره ماشيا، ويدعو الله تعالى عنده، فيجد بركة الدعاء بزيارته. وله فضائل كثيرة. توفى عبد العزيز الخوارزمى «6» - رحمه الله- سنة إحدى وأربعمائة.

قبر الشيخ شرف الدين بن الخشاب:

قبر الشيخ شرف الدين بن الخشّاب «1» : وتمشى وأنت مبحّر تجد قبر الشيخ شرف الدين بن الحسن يحيى بن علىّ المقرئ، المعروف بابن الخشّاب. كان من كبار القرّاء والفضلاء، وانتهت إليه رياسة الإقراء بمصر، وسمع الكثير [من الحديث] «2» ، وحدّث عن جماعة من العلماء والفضلاء والمحدّثين، وله روايات كثيرة. وبجانبه إلى القبلة قبر سفيان النيدىّ، كان يعمل «النيدة» ويتصدّق بأول قدرة منها «3» ويبيع الباقى، وكان من أهل الخير، رحمه الله تعالى. قبر القاضى المفضل بن فضالة «4» : ثم من قبره إلى قبر القاضى المفضل بن فضالة، رحمه الله. حدّث عن أبيه وجدّه، وكان يجتهد فى العبادة، ويكنى أبا معاوية، وتوفى سنة إحدى وثمانين ومائة، وكان قاضيا بمصر، وكان من أهل الدين والورع، مجاب الدعاء «5» ، مجتهدا فى العبادة، وكان صائما بطول السنة لا يفطر إلّا فى العيدين «6» وأيام التشريق، وكان يلبس الصوف على جسده، ويلبس القطن والكتان ظاهرا «7»

قبر صاحب الدار، رحمه الله:

وقيل: إنه كان يقضى بين الجن والإنس. ونظر يوما إلى مصروع فى الطريق، فوقف عليه وقال للجنّيّة التى صرعته: ويحك، اتركيه! فقالت: يا مولاى، إنه يبغض أبا بكر وعمر. فقال لها: زيديه عذابا، خزاه الله. وابنه «1» فضاله، روى عنه، وتوفى سنة ست وعشرين ومائتين. وابن ابنه مفضل بن فضالة روى عن أبيه وجده «2» ، وتوفى لعشر خلون من رجب سنة اثنتين وخمسين «3» ومائتين. والعامة يظنون أنه المفضل القاضى. وقيل: إن أباه وجدّه مدفونان معه فى تربته. قبر صاحب الدّار، رحمه الله: قيل إنه بنى دارا حسنة وأحسن بناءها فلما فرغت جلس على بابها، فعبر عليه ذو النون المصرى، رضى الله عنه، فقال له: أيها المغرور، اللّاهى عن دار البقاء والسرور، كيف لا تعمر دارا عند مولاك فى دار الأمان؟ دار لا يضيق فيها المكان، ولا ينزع منه السّكّان، ولا تزعجها حوادث، الزمان، ولا تحتاج إلى بنّاء وطيّان، ويجمع هذه الدار حدود أربعة «4» : الحد الأول ينتهى إلى منازل الراغبين «5» ، والثانى «6» ينتهى إلى منازل الخائفين المحزونين،

والثالث «1» ينتهى إلى منازل المحبين، والرابع «2» ينتهى إلى منازل الصابرين، ويشرع لهذه الدار شارع إلى خيام مضروبة، وقباب منصوبة على شاطىء أنهار الجنان، فى ميادين قد أشرقت، وغرف قد رفعت، فيها سرر قد نصبت، عليها فرش قد نضّدت، فيها أنهار وكثبان مسك وزعفران، قد عاينوا «3» خيرات حسان، وترجمة كتابها: هذا ما اشتراه العبد المحبور «4» من الرّبّ الغفور، اشترى منه هذه الدار بالتّنقل من ذلّ المعصية إلى عزّ الطّاعة، فما على هذا المشترى فيما اشتراه من درك سوى نقض العهود، وحل العقود، والغفلة عن المعبود، وشهد على ذلك البيان، وما نطق به فى محكم القرآن «5» ، قال الملك الدّيّان: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ «6» . وتحتوى هذه الدار على الحور الحسان، فلو نظرت وقد برزن من قصور الدّرّ والزّبرجد والعقيان، وقد خطرن فى أرض المسك والزّعفران، فكل واحدة منهن تنادى بصوت حسن رخيم «7» : من يخطبنى فى الظّلام من الحىّ القيوم الذي لا ينام، بجوار من لا يموت، وبقدرة من لا يفوت. ثم تقول إذا اجتمعا: سألتك بالذى جمع «8» بينى وبينك فى غبطة وسرور، هل نقص «9» مولاك شيئا مما ضمن لك؟ فيقول: لا.

قبر أبى بكر القمنى:

فباعها منه، واشترى هذه الدار، وكتب كتابها، فلما مات جعل على صدره فى لحده، فوجد مكتوبا فى كفنه: قد وفينا ما ضمن عبدنا ذو النون، والسلام. قبر أبى بكر القمنى «1» : ثم تخرج إلى الشرق إلى قبر أبى بكر القمنى، واسمه عبد الملك بن الحسين القمنى، ووجد أنه كان يكنى أبا القاسم «2» وهذا بخلاف ما هو مكتوب على قبره، والله أعلم. توفى فى ذى الحجة سنة اثنتين «3» وثلاثين وأربعمائة. قد لزم بيته فلم يخرج منه عشرين سنة، وكان قد شهد مشاهد الطالبيين «4» . ويقال: إنه من السبعة الأبدال. وكان قد ولى القضاء، فمرّ فى البلد يوما «5» فوجد قوما قد عملوا فرحا وهم يضحكون، ومرّ بقوم آخرين وهم يبكون على ميت مات عندهم وقد عملوا جنازة، فقال: ما أحكم بين هؤلاء، أصحاب الجنازة سخطوا من قضاء الله «6» ، وأصحاب الفرح أمنوا مكر الله. ثم مضى وتركهم.

قبر سالم العفيف:

وقيل: إنّ ابن الجوهرىّ لمّا دعى إلى القتل فى أيّام الأفضل [ابن أمير الجيوش سلطان مصر، بسبب القضية المتقدم ذكرها] «1» استجار بقبر أبى بكر القمنى، ودعا الله تعالى عنده «2» ، ففرّج الله عنه، وكفاه أمره «3» . وقيل: إنّ القضاعى رحمه الله، كان يحثّ على زيارة قبور سبعة من الصلحاء بهذه الجبانة «4» ، فيقول: من كانت له حاجة إلى الله سبحانه وتعالى: فعليه بقبر أبى الحسن الدينورى، وعبد الصمد البغدادى، وإسماعيل المزنى، وبكّار بن قتيبة، والمفضّل بن فضالة، وأبى بكر القمنى، وذى النون المصرى، رحمة الله عليهم أجمعين. قبر سالم العفيف «5» : ثم منه إلى قبر سالم العفيف، رحمه الله تعالى، له كرامات، قيل: إن رجلا رآه «6» فى المنام فقال: أنا أعجب ممن يزورنى ولا يدعو الله عندى، ويسأل الله حاجته «7» ! وقيل: إن رجلا جاءه فى حياته وهو قلق، فقال له: مالك «8» ؟.

قبر الشيخ الكحال:

فقال له: يا سيدى، ضاع لى دفتر حساب، وأنا كاتب عند رجل، أمير، ظالم، وهو لا يرحمنى «1» وقد دلّونى عليك أن تدعو الله سبحانه وتعالى، عساه أن يجمعنى عليه «2» . فقال له: امض إلى سوق الحلاويين وأتنى برطل من الحلاوة «3» حتى أدعو لك. فمضى الرجل إلى دكّان رجل حلاوىّ، فاشترى منه رطلا من الحلاوة «4» ، ثم أخذ الحلاوىّ ورقة يريد أن يضع فيها الحلاوة، فوجدها الرجل من دفتره، فقال للحلاوىّ: من أين لك هذه الورقة؟ فقال: منذ ساعة اشتريت دفترا، وما شددت فى شىء منه إلّا لك. فأخذ الرجل دفتره، ودفع للحلاوىّ ثمن الدفتر والحلاوة، ثم جاء بالحلاوة إلى الشيخ [سالم العفيف] «5» فقال بمجرد وقوع بصره عليه: اذهب بهذه الحلاوة إلى أطفالك، ما كان قصدى إلّا أن ترى دفترك، امض راشدا «6» !. قبر الشيخ الكحّال «7» : وتخرج من هذه التربة وأنت مستقبل القبلة، تجد قبر الشيخ الكحّال، رحمة الله عليه، كان رجلا صالحا، ذكر من بعض كراماته أنّ من رمد وجاء إلى قبره، وقرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» ومسح على عينيه «8» عشر مرّات من تراب القبر، برىء بإذن الله عزّ وجلّ، وذلك يكون مع الإخلاص وصدق النّيّة، فإنه نافع مجرّب، ذكر جماعة أنهم جربوه فوجدوا عليه الشفاء «9» .

قبر الشيخ صلة أبى الصهباء بن أشيم العدوى:

قبر الشيخ صلة أبى الصّهباء بن أشيم العدوى «1» : أحد زهّاد الدنيا، وهو رجل عتق من النار، وتكفّل لمن يزوره أن يعتق من النار إن شاء الله تعالى ببركته، ذكر بالإسناد عن النبي صلّى الله عليه وسلم، أنه قال: «يكون فى أمّتى رجل يقال له صلة بن أشيم يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا» . قال «2» ثابت البنانيّ: كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبّانة فيتعبّد، وكان يمر على شباب يلهون ويلعبون، فيقول لهم: أخبرونى عن قوم أرادوا سفرا، فجازوا النهار عن الطريق، وباتوا الليل، متى يقطعون سفرهم؟ قال: وكان يقول ذلك «3» كلما مرّ بهم، فمرّ بهم ذات يوم فقال لهم هذه المقالة، فقال شابّ منهم: يا قوم، ما يعنى هذا غيرنا، فنحن بالنهار نلهو، وبالليل ننام، ثم تبع صلة بن أشيم، فلم يزل يختلف معه إلى الجبّانة يتعبد معه حتى مات «4» . ولمّا أهديت معاذة إلى صلة بن أشيم أدخله ابن أخيه الحمّام، ثم أدخله بيتا مطيّبا، فقام فصلى «5» من أول الليل إلى آخره، حتى طلع الفجر، وكانت

معاذة تصلى أيضا إلى الفجر، فلمّا أتاه ابن أخيه قال: يا عم، أهديت إليك ابنة عمّك فقمت وتركتها؟! فقال: يا بن أخى، أدخلتنى أمس بيتا ذكّرتنى به الجنّة، وأدخلتنى بيتا ذكّرتنى به النار «1» ، فما زال فكرى فيهما حتى أصبحت. وقالت معاذة زوجته: ما كان صلة يجيء من مسجد بيته إلى فراشه إلّا حبوا «2» ، لا يفتر عن الصلاة. وروى جعفر بن يزيد العبدرى «3» عن أبيه، قال: خرجنا فى غزوة إلى «كابل» وفى الجيش صلة بن أشيم، فنزل الناس عند العتمة «4» ، فقلت: لأنظرنّ إلى عمله الليلة وأتحقق بما يذكر الناس [عنه من عبادته، فرأيته صلى العتمة ثم أضحى والتمس غفلة الناس] «5» حتى إذا هدأت العيون وثب فدخل غيضة قريبة «6» منه، فدخلت فى إثره، فتوضّأ، ثم قام يصلى، فجاء أسد فدنا منه، وصعدت أنا إلى شجرة، فما التفت ولا ارتاع من الأسد، فلما سجد قلت: الآن يفترسه الأسد، ثم جلس فسلّم، ثم التفت وقال: أيها السبع، اطلب الرزق من مكان آخر. فولّى، وإنّ له زئيرا يكاد أن يتصدع الجبل منه، وما زال كذلك يصلى إلى الصبح، فجلس «7» وحمد الله تعالى بمحامد لم أسمع بمثلها، ثم قال: «اللهم إنى أسألك أن تجيرنى من النار، فليس مثلى «8»

يجترئ أن يسألك الجنة» . ثم أصبح كأنه بات على الحشايا، وأصبحت وبى من الفترة «1» ما الله عالم به، فلما دنونا من أرض العدو قال الأمير «2» : لا يشدّنّ أحد من العسكر. فوقف يصلى، فذهبت بغلته بثقلها، [فقلت له: إنّ الناس قد ذهبوا، فقال: ما بقى إلّا ركعتين خفيفتين. فقلت: وقد ذهبت البغلة] . فقام فصلّى ركعتين ثم قال: اللهم إنى أقسمت عليك [بحرمتك] «3» إلّا رددت علىّ بغلتى وثقلها. قال: فلم يشعر إلّا والبغلة قد جاءت فوقفت بين يديه، فحمل هو وهشام بن عامر، فلم يزالا يضربان فى العدوّ ويقتلان، فانكسر العدوّ، وقالوا: إنّ رجلين من العرب قاتلونا قتالا عظيما- يعنيان هشاما وصلة بن أشيم- فكيف لو قاتلوا «4» ؟ فأعطوا المسلمين حاجتهم، فسمعنا قائلا يقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ «5» . وروى الحسن قال: مات أخ لنا، فلمّا وضع فى قبره ومدّ عليه الثّوب «6» جاء «7» صلة بن أشيم فأخذ بجانبى الثوب، ثم نادى يا فلان: فإن تنج منها تنج من ذى عظيمة ... وإلّا فإنّى لا أخالك ناجيا ومات صلة بن أشيم رضى الله عنه فى سنة خمس «8» وتسعين. وقال قائل: فى أول إمرة الحجاج، وأهل مصر متفقون على أنه مات بمصر ودفن بمقبرتها «9» ، وقبره ظاهر، معروف بالإجابة.

قبر أبى الحسن البلخى الواعظ:

قبر أبى الحسن البلخى الواعظ «1» : تخرج من تربتة مستقبل الشرق، تجد قبر الشيخ أبى الحسن البلخى الواعظ، رحمه الله، كان واعظا، ديّنا، ورعا، كثير الصلاة على رسول الله، صلّى الله عليه وسلم. قيل: إنّ رجلا رأى النّبيّ، صلّى الله عليه وسلم، وهو يزور قبره. وقيل «2» : إنه وعظ يوما فبالغ فى الوعظ، فقال: والله، لو سمع كلامى هذا العمود حقّ سماعه لانفطر «3» ، فانفطر العمود فى الوقف «4» . قبر الواعظ الواسطى، رحمه الله «5» : كان رجلا واعظا، بليغا، تقيّا. قبر الشيخ أبى الحسن الصّايغ، رحمة الله عليه «6» : كان رجلا صالحا «7» ، وليّا، ويقال: إنه كان صايغا للنبى، صلّى الله عليه وسلم،

قبر الشيخ ذى النون العدل - أى الفيض - الإخميمى، رحمه الله:

فدفع إليه خاتمه ليصوغه له، وقال له: اكتب عليه «لا إله إلا الله» . ففعل ما أمره به، ثم جاء به إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فدفعه إليه، فقال لعلّى بن أبى طالب: اقرأ ما عليه. فقرأ، فوجد عليه مكتوبا «لا إله إلّا الله، محمد رسول الله» فقال له: ما هذا؟ فقال: والله يا رسول الله ما كتبت إلّا ما أمرتنى به. فسمع مناديا ينادى: يا محمد، كتبت أحبّ الأشياء إليك، وكتبنا أحبّ الأشياء إلينا «1» . ومن الناس من يقول: ما هو «الصايغ» المذكور. وهذه الأشياء تؤخذ «2» بحسن النّيّة، فإن كان الشخص ما هو فى القبر فالزيارة تصل إليه أينما كان، وما زار الناس هذا القبر سدى «3» ، ولا بد أن يكون فيه رجل صالح. ويحكى أنّ من وجد مرضا فى ظهره، أو فى أىّ موضع آخر «4» ، وجاء إلى قبر هذا الرّجل وأخذ من ترابه ومسح به ذلك الموضع عوفى [من ذلك الوجع] «5» ببركة من كان بالقبر مدفونا. قبر الشيخ ذى النون العدل- أى الفيض- الإخميمى، رحمه الله «6» : كان من التّالين لكتاب الله تعالى، وسمع الحديث، وحدّث عن الشيخ أبى إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبّال وجماعة، وروى عنه أبو الحسن على بن يحيى المقرئ بسنده إلى إبراهيم بن أدهم، رضى الله عنه، أنه قال: حدّثت عن

قبر القضاعى - رحمه الله:

بعض العبّاد «1» أنه قام ذات ليلة يصلى على شاطىء البحر، إذ سمع صوتا عاليا بالتسبيح ولم ير أحدا، فقال: من أنت- يرحمك الله؟ أسمع صوتك ولا أرى شخصك! فقال: أنا ملك من ملائكة الله تعالى، موكّل بهذا البحر، أسبّح الله تعالى بهذا التسبيح منذ خلقت.. فقلت «2» : ما اسمك؟ فقال: «مهياييل» «3» . فقلت: ما لمن يقول هذا التسبيح من الثواب؟ قال «4» : لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له. وهذا هو التسبيح «5» : «سبحان الله العليّ الدّيّان، سبحان الله الشديد الأركان، سبحان من يذهب باللّيل «6» ويأتى بالنّهار، سبحان من لا يشغله شأن عن شأن، سبحان الحنّان المنّان، سبحان الله فى كل مكان» «7» . قبر القضاعى- رحمه الله «8» : ثم تمشى من تربته إلى تربة كبيرة على شاطىء الخندق «9» بها قبر

قبر الشيخ أبى إسحاق إبراهيم:

القضاعى، رحمه الله. وهو القاضى أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن على القضاعى، قاضى مصر، وشهرته تغنى عن الإطناب فى وصفه، له مصنفات كثيرة مفيدة، منها كتابه الكبير فى تفسير القرآن العزيز، وهو قريب من عشرين مجلدا، وكتاب الشهاب، وكتاب دستور الحكم فى كلام علىّ «1» ، رضى الله عنه، وكتاب الأعداد، وكتاب الأنباء، وكتاب الخطط، وخرّج معجما لشيوخه الذين روى عنهم، وحدّث، وجمع «2» ، وألّف. ووصل إلى الحجاز والشام والقسطنطينيّة، وسمع الحديث بمكة، قال ذات يوم: قيل لبعض الحكماء: كيف حالك؟ فقال: كيف حال من يفنى بفنائه، ويسقم بسلامته، ويؤتى من منامه؟. وتوفى القضاعى سنة أربع «3» وخمسين وأربعمائة، وقبره على ظاهر الخندق- كما ذكر- قال إبراهيم الحبّال: وإلى جانبه قبر ولده. ترجع إلى الشرق تستقبل مدفن بنى اللهيب على شاطىء الخندق «4» . قبر الشيخ أبى إسحاق إبراهيم: الذي كان يصلى خلفه «5» المالكية بالجامع العتيق بمصر. كان رجلا صالحا «6» من أهل الخير، وكان يصلى فى الجامع المذكور «7» فى أيام المصريين. ولمّا حملت «8» جنازته جاءت طيور بيض ورفرفت على نعشه.

قبر الشيخ أبى الربيع سليمان، رحمه الله:

وتمشى تجد قبر أبى إسحاق إبراهيم العراقى، الخطيب بجامع عمرو، وهو شارح المذهب، والفقيه نصر بن أبى المنصور ظافر المالكى. ثم تمشى إلى قبر الشيخ أبى الفضائل عتيق بن رشيق بجامع الفيلة «1» . قبر الشيخ أبى الربيع سليمان، رحمه الله «2» : ثم تشرّق تجد «3» قبر الشيخ أبى الربيع سليمان، رحمه الله. كان كبير الشأن، كثير الكرامات والسياحات، وهو شيخ العارف بالله أبى عبد الله محمد القرشيّ، رحمة الله عليه. له حكايات وفضائل مشهورة مذكورة. ولقى جماعة من الأولياء بالمغرب، وأخذ عنهم أحوالهم وأعمالهم. [وحكى عنه القرشى «4» قال: دخلت عليه يوما، فسلّمت عليه، فلم يجب، فغبت ساعة ثم أتيته، فسلمت عليه، فردّ السّلام ثم قال: يا أخى، لمّا دخلت علىّ كان الإفرنج قد ضايقوا المسلمين، وكنت مستغرقا فى حالى بسببهم، وقد نصرهم الله على العدوّ اليوم] فله الحمد والشكر، وقتل المسلمون من الكفّار خلقا كثيرا. قال: فأرّخت تلك الحادثة فى الوقت الذي أخبر به، فكان كما قال. وذكر عنده رجل- وقد سافر إلى الحجاز- فقال: اليوم ركب جلبة فلان وسافر، وأرّخ الوقت، فلما قدم الرّجل قال: ركبت فى جلبة «5» فلان وسافرت فى الوقت الفلانى- كما قال الشيخ.

قبر الشيخ أبى الحسن ابن بنت أبى سعد، رحمه الله تعالى:

وقيل: إنه لمّا جاء من المغرب «1» وهو فى المركب، جذبه حبل فألقاه فى البحر المالح، وكان المركب مقدّما، فلما بعدوا وظنّوا أنه فقد، وإذا به فى ناحية المركب من الجهة الأخرى. وروى من حديثه عن النبي، صلى الله عليه وسلم. وتجىء إلى اليمين تجد قبر الشيخ أبى بكر محمد القسطلانى، قيل: قدم مصر بخمسة عشر ألف دينار، ومات وما له شىء يورث. وتبحّر تجد قبر الفقيه يعقوب المالكى، وولده. وتشرّق تجد قبر الشيخ أبى القاسم عبد الغنى بن أبى الطّيّب الإمام «2» ، وبجانبه إلى القبلة قبر عبد الغالب، وابن رحّال السكندرىّ «3» . قبر الشيخ أبى الحسن ابن بنت أبى سعد، رحمه الله تعالى «4» : ثم تأتى إلى تربة بنى اللهيب، بها «5» قبر الشيخ أبى الحسن، ابن بنت أبى سعد، رحمه الله تعالى. كان قد لزم بيته، وكان الناس يزورونه، وكان سبب انقطاعه فى بيته أنه كان بزّازا، وكان إلى جانب حانوته بزّاز آخر «6» ، فتجاذبا ذات يوم فيما هما بصدده «7» من البيع والشراء، [ومضايقات الناس لبعضهم] «8»

ومقاساة الخلق، وسألا الله تعالى أن يقيلهما من ذلك، ويغنيهما «1» من سعة فضله بما هو أصلح منه، فلمّا كان فى تلك الليلة رأى الشيخ أبو الحسن فى المنام، كأنه قد صلّى الصّبح فى منزله، فلما فرغ من الصلاة أخذ مفاتيح دكانه ليمضى إليه «2» ، فعند وصوله إلى قيسارية البزّازين التى جانوته بها، وجد رجلا نصرانيّا يعرف ببطرس القس من بعض البزازين بها «3» ، وهو واقف على أحد الأبواب بها، وعلى يده قدر مملوءة سخاما «4» ، وفى يده الأخرى عود، وكل من دخل من البزّازين يلوّث وجهه من القدر بذلك «5» السّخام، فلما أراد الشيخ أبو الحسن الدخول إليها رأى ذلك النصرانى قد تقدم إليه يريد أن يجعل على وجهه من ذلك السخام، فبكى بكاء شديدا، ومن شدة بكائه استيقظ من منامه وهو باك من هول ما رآه، فللوقت أنفذ خلف أخيه وقصّ عليه منامه، وحلف بالله العظيم وعاهده ألّا يكون بزّازا أبدا، وأذن له فى بيع ما فى دكّانه من البزّ، فباعه وتصدّق بثمنه، ولزم بيته، واجتهد فى عبادة الله تعالى، وتوفى فى شهر رجب سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وقيل سنة تسع وستين وخمسمائة «6» . [وحكى عنه «7» من أثق به قال: أردت السّفر إلى الحجاز، وكنت

قبر الفقيه محمد المرابط:

أتردّد إلى الشيخ «1» أبى الحسن لبركة شورته «2» ، فجئت إليه فى أول الجمعة، فقال لى: عد إلىّ فى الجمعة الأخرى، فجئت إليه كما قال، فقال: عد إلىّ فى الجمعة الأخرى، فجئت إليه، فقال: عد إلىّ في مرّة أخرى، فلما جئت إليه المرّة الرابعة- وكان يسألنى فى كل مرة عن حالى وتزايد خاطرى- قال: ما رددتك إلّا لسبب، والسّبب أنّى أسألك عن طلب نفسك الحج، والخواطر على قسمين، أحدهما من الحق، والثانى من الشيطان، فخاطر الرّحمن يتأكد ويتزايد، وخاطر الشيطان يتلاشى ويذهب.. اذهب فترى خيرا كثيرا إن شاء الله سبحانه وتعالى. فخرج الرجل، وكانت وقفة الجمعة، ولقى من الله خيرا كثيرا ببركة إشارات الشيخ «3» . وحكى عنه الشيخ عبد الله رئيس المؤذنين قال: دخلت على الشيخ فوجدت ثعبانا يسقى «4» فى كفّه، فقلت: ما هذا؟! فقال: بالله عليك اكتمه عنى حتى أموت «5» . ولما مات رأى الناس على نعشه «6» أربعة أطيار يرفرفون، وشاهدهم الناس. قبر الفقيه محمد المرابط «7» : وبجانبه إلى القبلة «8» ممّا يلى الغرب قبر الفقيه محمد المرابط رحمه الله

تعالى، كان خياطا يأكل من أجرة خياطته، ولم يكن يأكل لأحد طعاما. قال لى «1» من أثق به: إنه كان يقيم ثلاثة أيام بغير زاد، ولا يأكل إلّا من الوجه الذي يعلم أنه حلال. وخرج إلى «منية ابن خصيب» «2» وكان يحرس «الجرون» «3» ، فحصّل فى طول المدة التى كان بها ثلاثة دنانير، فأقامت معه فى مصر ثلاث سنين، ينفق فى كل سنة دينارا واحدا. وقيل: إنه خاط لرجل ثوبا، فانقلب عليه فى الخياطة، فترك أجرة الخياطة، فقال صاحب الثوب: انقض «4» الوصل وأصلحه. فقال: هذه شبهة حصلت فيه، لا آخذ له أجرة، فأخذ صاحب الثوب الأجرة واشترى بها فوطة وأرسلها إلى رجل مجاور بمكة. ومن كراماته أنه كان له صديق بمكة، وكان صديقه وطائفة يجتمعون عنده بمكة، ويجتمعون عند فقيه آخر مذكور بالخير والفضل، فقال الفقيه لصديق الشيخ: اعزم لنا على المرابط فى هذه الليلة المشاركة لليلة الجمعة، فجاء إليه وقال له: هذه ليلة مباركة، ونحن فى ضيافة رجل صالح، وأراد أن يجتمع معنا عنده على الطعام، فقال: لا سبيل إلى ذلك. فقال له: استخر «5» الله سبحانه وتعالى وأنا أتركك فى مهماتك إلى الغروب وأعود إليك. فقال: لا سبيل إلى ذلك. قال: فانصرفت من عنده وأنا مكسور القلب، فقال لى رفيقى: ما كان من قسمنا أن يأتينا بالمرابط نربح بركته. وكان هذا الأمر بعد الموسم،

قبر الفقيه أبى البركات:

فاجتمعنا فى جدة، فقال لنا: أين قماشكم؟ فقلنا: ها هو. فقال: أنا رفيقكم. قال: ووصلنا سالمين ونحن بخير إلى «عيذاب» «1» وإلى «قوص» فاجتمعنا فى بيت، قال: فقلنا له: سبحان الله، دعوناك فى مكة فى ليلة فأبيت، وها أنت رفيقنا الآن! فقال: والله لمّا طلبت فى مكة مرّ «2» علىّ يومان ما أكلت فيهما طعاما، ولقد فارقنى بهذا أخى الداعى لى، وكنت أطوف بالبيت، فما أقدر على إكمال الشوط «3» من الجوع، وجئت إلى بيتى، فما أخذنى نوم، فلما أصبحت نمت مكانى «4» قال: فقلنا له: كيف كان مقامك؟ قال: كنت أنقل التراب من الحرم إلى خارجه، وأحتطب الحطب، وأدخل الليل بعمرة، وأصبح آخذ الحطب أبيعه وأتقوّت منه «5» . قبر الفقيه أبى البركات «6» : وعند رجلى الشيخ أبى الحسن قبر الفقيه أبى البركات، [ويقال: إنه يكنى أبا السرايا، رضى الله عنه] «7» . كان يقول: «قلوب تعرف، وألسنة تصف، وأعمال تخالف» . وكان الناس يأتون إليه بالصّدقات فيفرقها، وكان يجعلها تحت مصلّاه، فكل من أراد

قبر الشيخ عبد الحميد القرافى:

منه شيئا يقول له: ارفع طرف السّجّادة وخذ ما تحتاج إليه. وكان الوزير ابن الولحشى «1» يزوره ويدفع له المال يتصدق به. قبر الشيخ عبد الحميد القرافى: وبجانبه إلى القبلة قبر الشيخ عبد الحميد القرافى «2» رحمه الله، كان فاضلا ورعا، مشهورا بذلك بين الناس «3» ، وكانّ يتحدّث عنده «4» فيقال: خلع اليوم على فلان، أطلق اليوم فلان، عزل اليوم فلان، جرى اليوم كذا وكذا لفلان ... فيقول: لا إله إلّا الله، يصبح الناس فى الزيادة والنقص وعبد الحميد عبد الحميد «5» . وحكى أنّ خليفة مصر «6» المعروف بالآمر كان قد خرج إلى بركة الحبش «7» فى الربيع، فنصب حزكات «8» ، وأحضر جميع المغانى «9» ، وأمر العساكر أن ينزلوا حوله، وأقام مدّة يشرب ويلهو، وخرج أهل الفساد من

أهل مصر والقاهرة من الرجال والنساء، وكثر الفساد منهم وفيهم «1» ، فقيل للخليفة ذات يوم: فى القرافة رجل صالح يقال له عبد الحميد، فالتمس منه الدعاء «2» ، فأرسل إليه الخليفة رسولا «3» ومعه نفقة، فجاءه الرسول فقال له: الخليفة يسلم عليك ويسألك الدعاء، وهذه نفقة قد سيّرها «4» إليك. فقال للرسول: سلّم عليه وقل له: أمّا الدعاء فأنا أدعو له، وأمّا النفقة فلا حاجة لى بها. فقال له الرسول: وهو يسألك أن تشرفه بحاجة. فقال له: قل له حاجتى أن يطلع إلى قصره «5» ويترك ما هو فيه. فرجع الرسول إلى الخليفة وقال له ما قال الفقيه، فردّه إليه وقال: قل له أنا أطلع، ولكن أشتهى أن أزوره، فيتهيأ حتى أزوره. فقال الفقيه: قل له يطلع إلى القاهرة ولا يزورنى «6» فأنا أدعو له. فرجع الرسول إلى الآمر «7» وأخبره، فقال له: ارجع إليه وقل له: لا بد.

من رؤيته «1» ، فيجلس فى طاقة من داره وأنا أقف من تحتها حتى «2» أتبرك برؤيته. فجاءه الرسول وأخبره، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، لا أفعل. فقال له أصحابه «3» : وما يضرك «4» من ذلك؟ ومن يصل إلى الخليفة؟ ولم يزالوا عليه إلى أن قال: نعم، أنا أجلس فى طاقة منزلى. فرجع الرسول وأخبر الخليفة، فلما أصبح ركب وجاء إلى مكان الشيخ، حتى وقف تحت داره، وتطلّع «5» فرأى الشيخ، فسلّم عليه بأصبعه، ووقف ساعة ينظر إليه، ثم سار وطلع القاهرة، فنزل الشيخ عبد الحميد وهو منكسر القلب، باكى العين، نادم على ما جرى منه. فقيل له: يا شيخ عبد الحميد، ما الذي جرى منك؟ غيرك يتمنى أقلّ غلام للخليفة «6» يزوره ويتعرّف به، فكيف بمن يأتيه الخليفة؟ فبكى وقال: يا قوم، ما تدرون ما أصابنى، كنت أجد فى قلبى نورا عظيما ونشاطا فى طاعة الله تعالى، فو الله منذ وقع نظرى عليه زال ذلك النور، وذهب ذلك النشاط! ثم لم يزل كذلك إلى أن مات. ولمّا حضرته الوفاة قلق قلقا عظيما «7» فقيل له: ما هذا القلق؟ كنت ورعا، زاهدا، قائما على قدميك فى طاعة الله، والقدوم على كريم «8» . فقال: والله ما جزعت [من الموت] «9» ولا أتحسّر على شىء فاتنى

قبر أبى العباس أحمد بن اللهيب:

من الدنيا، إنّما أتحسّر على أننى منذ وقعت «1» عينى على ذلك الرجل «2» ، ذهب عنى ما كنت أجده من الأنس بالله، والنور الذي كان فى قلبى! ثم توفى- رحمة الله عليه. *** وعند رجليه قبر الفقيه أبى محمد «3» بن اللهيب، رحمه الله تعالى، كان فقيها فى علم الكلام على مذهب أبى الحسن الأشعرى، رحمه الله. قبر أبى العباس أحمد بن اللهيب «4» : وبجانبه إلى القبلة «5» قبر أبى العباس أحمد بن اللهيب، رحمه الله، كان رجلا خيّرا، يطعم الفقراء ويتصدق عليهم، ويمشى إلى بيوتهم من الأرامل والمنقطعين «6» . وكان يخرج راكبا حمارا والخريطة فى كمّه مملوءة دراهم، فلا يزال يتصدق منها «7» إلى أن يرجع إلى منزله وهى فارغة، حتى كان من كثرة ما يتصدق به يقول الناس عنه: إنه يفرق المطالب بالجبل. وكان يقال: إنه يطلع إلى الجبل فى أوقات الغفلات. وهو مشهور. وكان الفقراء يجدون عنده راحة كبيرة «8» .

قبر الفقيه يوسف - إمام مسجد العداسين:

قبر الفقيه يوسف- إمام مسجد العدّاسين «1» : وعلى مقربة منه «2» قبر الفقيه يوسف، إمام مسجد العدّاسين، رحمه الله تعالى، كان فقيها «3» جيدا، سكّيتا، قليل التعصب، يلقى كل أحد بما «4» يليق به. وكان من دعاه يمضى معه، ما يتكبّر عن أحد. وكان إذا قيل له: أدع لنا، فأكثر ما يقول لمن قال ذلك: قضى الله حوائجك ورزقك الجنة. قبر الدّرعى- رحمه الله «5» : وفى آخر التربة من الشرق قبر الدّرعى رحمه الله، كان قليل الكلام، يأخذ خبزه فى طبق ويمضى «6» به للفرن، فيلقاه أصحابه، فيريدون حمله عنه، فيقول: لا، أنا أخدم نفسى. وكان إذا ذكر عنده المذاهب والتّعصّبات يقول: يا قوم، ما هذه التعصبات؟ القرآن كلام الله، والرسول الذي أتى به رسول الله، فنتبع ما فيه وندع ما سواه «7» . وحكى عن رجل «8» من أهل الخير قال: بعثت جمالا لأسد الدين شير كوه فى أول أمره، فطلبنى شير كوه صاحب مصر، فاستخفيت وجئت إلى هذا الشيخ الدّرعى، فقلت له: يا سيدى، أنا فى شدة من أمر كذا وكذا،

قبر الذهبى - رحمه الله:

فأدار «1» وجهه للقبلة ودعا، ثم قال: سلطان السماء يكفيك سلطان الأرض! فعدت إليه فى اليوم الثانى فقلت: يا سيدى، قد اشتد الأمر والطلب علىّ. فقال لى مثل القول الأول. فرجعت وقد كفانى شر شيركوه، وكان منه ما كان. وحكى عنه أنه كان مسافرا إلى مكة فى مركب، فوقع منه ذهب فى المركب، فلقيه رجل بدوىّ، فرأى فى المنام قائلا يقول له: ردّ الذّهب إلى صاحبه الدّرعيّ. فاستيقظ وقال: لا أدفع له شيئا. ثم نام، فرأى أيضا فى المنام القائل وبيده حربة من حديد وهو يقول: ادفع للدّرعّى ذهبه وإلّا قتلتك! فقال: أين أجده؟ قال: هو معك فى المركب. فلمّا أفاق سأل عنه وردّ عليه المال «2» . قبر الذهبى- رحمه الله «3» : ثم تخرج من التربة على يسارك «4» تجد قبر الذهبى رحمه الله، يكنى أبا حفص، ويسمى عمر، ويشتهر بالمقدسى، كان رحمه الله من طلبة الطّرطوشى «5» ، وكان متعصبا لمذهب الأشعرى، وكان كثير الضحك، حضر

إليه ذات يوم رئيس من اليهود «1» ، فتناظرا، فقال له رئيس اليهود: فى كتابكم وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ «2» هذه يدى أحرّكها، ليست مغلولة، فأخرج يده، وصنع «3» اليهودى صفقته فى رأسه «4» ، وكشف الفقيه رأسه وقال: يا يهودى، خذ عوضها. فقال: كنت أصلب «5» على ذلك، قال: فحينئذ يدك مغلولة «6» . وقيل «7» : إنّ سلطان مصر دعاه ليداوى امرأة مريضة عنده، فقال الفقيه: أداويها بنظرها أو بخبرها «8» ؟ فقال السلطان: بل بخبرها. فصار السلطان يخبرها بما قال الشيخ، وتخبر بما تجده، وهو يجيب، فأعجب به السلطان. وكان فى مجلسه رجل من الشيعة «9» ، فأراد أن يترجّح على الشيخ بسؤال «10» ، فحضّر صورة سؤال ما يأتى ذكره «11» ، فقال لإنسان: قل

للشيخ مسألة: فقال: لا نقدر على جوابه. فقال «1» : لابد من ذلك. ففطن الفقيه، فقال للشيعى: سل أنت عمّا بدا لك، لا حاجة إلى واسطة. فقال له: من أفضل الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فقال الفقيه: أول من آمن به وصّدّقه. فقال [الشيعى] «2» : هو علّى بن أبى طالب. فقال الفقيه ما كفر علىّ قط. فخجل الشيعىّ من كلامه واستحيا وسكت، فقال له السلطان: غلبك الفقيه. وكان من فضائله أنه كان ذا علوم جمّة، وكان يحفظها كما يحفظ أحدنا «بسم الله الرحمن الرحيم» ولما أراد السفر إلى مصر قال له الطّرطوشى: يا عمر، إذا ذهبت «3» إلى مصر فإنك تجد فيها اختلاف المذاهب والرأى، فلا تناظر ولا تجادل من سألك على ما تعلم وأنت تعلم، فأخبره بما تعلم، قال النّبيّ، صلّى الله عليه وسلم: «من قرأ العلم ليباهى به العلماء، ويقاوى به السّفهاء «4» ، فليتبوّأ مقعده من النار» . فإن لله علما يقال له «المكنون» ، لا يعلمه إلّا أهل الخبرة بالله، ولا ينكره إلّا أهل الغرّة «5» بالله، فإذا كان يوم القيامة جمع الله العلماء فى صعيد واحد، فيوضع لهم كراس «6» من نور، فيحاسبون والناس قيام، فيقول الله لهم: «ما أودعتكم العلم وأنا أريد أن أعذّبكم، انطلقوا فقد غفرت لكم» . وفى رواية أخرى: «اشفعوا فيمن شئتم» الحديث «7» . وعند رجليه قبر الفقيه ابن ثعلب المالكى.

قبر الشيخ أبى الطيب «خروف» :

قبر الشيخ أبى الطيب «خروف» «1» : وتمشى وأنت مبحّر على يسارك تجد قبر الرجل الصالح الشيخ «خروف» رحمه الله تعالى، وكان يسمّى أبا الطيب «2» ، لطيب أعماله، وليس فى تربته سواه، والسّبب فى ذلك أنه سأل الله سبحانه وتعالى ألّا يدفن عنده أحد. وقيل «3» : إن قوما سمعوا هذا الخبر [عنده] «4» فقالوا: هذا هذيان. فدفنوا عنده ميتا، فلما أصبحوا وجدوه ملقى «5» على وجه الأرض فامتنع الناس «6» حينئذ من الدفن عنده. قبر القاضى أبى زرارة «7» : وعلى يمينك قبر القاضى أبى زرارة «8» رحمه الله، كان فقيرا زاهدا، صالحا، متوكّلا، عاملا «9» له إشارات، وكان من وكلاء أحمد بن طولون.

قبر الشيخ أبى القاسم هبة الله بن أحمد اليحمودى:

قبر الشيخ أبى القاسم هبة الله بن أحمد اليحمودى «1» : وعند رجليه قبر الشيخ أبى القاسم هبة الله بن أحمد بن عطاء اليحمودى، شيخ التصوف، وأحد الأئمة المشهورين «2» بالعلم والزهد والورع، وله تصانيف فى ذلك، سمع الحديث من جماعة من المشايخ، روى عن بعض مشايخه بسنده أنّ ابن عمر «3» ، رضى الله عنهما، قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «يأتى على الناس زمان لو سمعت باسم رجل خير لك من أن تلقاه، ولو لقيته خير لك من أن تجرّبه، ولو جرّبته لأبغضته أو بغّضت إليه» «4» . وقال اسماعيل المفسّر: كان نقش فص خاتم علىّ بن أبى طالب عليه السلام: «جرّب النّاس تعرف ... ليس فى النّاس منصف» وبسنده عن الاستراباذى «5» قال: سمعت الحافظ إسماعيل قال: «الصديق فى هذا الوقت إذا حضر أكرم ومدح، وإذا غاب عاب وقدح، ظاهره موافق، وباطنه منافق» . وأنشد بعضهم فى هذا المعنى «6» : ذهب الذين من الثّقات عددتهم ... لم يبق إلّا شامت أو حاسد وإذا صفا لك من زمانك واحد ... فهو المراد، وأين ذاك الواحد؟

قبر الشيخ أبى موسى عيسى الخراط:

وكان اليحمودى، رحمه الله «1» من كبار مشايخ أهل الحقائق. قبر الشيخ أبى موسى عيسى الخراط «2» : وبجانب قبره قبر الشيخ أبى موسى عيسى الخراط، رحمه الله تعالى، رأى بعض مشايخ المصريين له قبل موته قائلا يقول: عيسى من الذين قال الله فيهم: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً، وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا: سَلاماً «3» . وبجانبهم إلى الجهة البحرية حومة فيها قبور جماعة من الصالحين «4» ، منهم قبر «الملّاح» رحمه الله تعالى، وكان رجلا صالحا زاهدا. قبر الشيخ أبى القاسم الأقطع «5» : وبالقرب منه قبر الشيخ أبى القاسم الأقطع، كان من العلماء الفضلاء المقربين بجامع مصر، وأحد الأئمة المشهورين فى زمانه بالعلم والورع والزهد، سمع الحديث، وأدرك جماعة من العلماء وأخذ عنهم. حدّث الشيخ الصالح عبد الغنى الغاسل المصرىّ، قال: غسّلت أبا القاسم الأقطع، فوقع القطن عن سوأته، فرفع «6» يده اليسرى فوضعها على سوأته

فقلت: «والله يا أبا القاسم ما هتكتك، ولكنى سترتك» . وكنت كلّما قرأت: وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ » يتقلب معى يمينا وشمالا على المغتسل، ولم يصل إلى الأرض من ماء غسله شىء، إنّما كان يؤخذ، حتى قيل إنّ أهل مصر اقتسموه فى المكاحل، فكان كلّ من رمد أو لحقه «طلوع» «2» أو غيره يكتحل منه، أو يضعه على المحل الذي يشتكيه، فيبرأ «3» للوقت. ولمّا حمل على السّرير «4» جاء الطير فظلّل السّرير إلى أن دفن الشيخ «5» والناس ينظرون إليه. توفى سنة ثمان «6» وعشرين وخمسمائة. ومعه فى الحومة منصور الزيات، وعبد السلام السّكّرى- رحمهما الله تعالى-[وحومته حومة مباركة كثيرة الصالحين] «7» . وبحرى قبره قبر فاطمة السوداء، رحمها الله تعالى، كانت من الصالحات العابدات القانتات «8» . *** وتمشى وأنت مبحّر تحت جوسق «عبد على» من الجهة البحرية [تجد] «9» قبرا عليه عمود، فوق رأسه وجه أبيض، قيل: إنه كان «10» له

قبر إدريس الخولانى:

صديق، فلمّا توفى قال صديقه: ياليت شعرى، كيف وجه صديقى فى قبره؟ فجاءه ثانى يوم فرأى على عموده وجها أبيض- رحمهما الله تعالى- «1» . وتجىء إلى الغرب قليلا تجد قبر جمّال عائشة، رضى «2» الله عنها. وبجانبه من البحر تربة فيها قبر ابن هشام صاحب الرواية. وتستقبل الغرب تجد قبر عقبة بن عامر الجهنى، رحمه الله تعالى، وقد تقدم ذكره مع الصحابة رضوان الله عليهم. قبر إدريس الخولانى «3» : وبجانبه من الغرب قبر إدريس الخولانى، قال بعضهم «4» : هو إدريس ابن يحيى مولى محمد بن ريّان. ويقال: هو «5» أبو مسلم الخولانى، وليس كذلك «6» . حدّث [إدريس] «7» عن جماعة من العلماء، منهم حيوة بن شريح، ورجاء بن أبى عطاء، وبكر بن مضر، وغيرهم. قال إدريس الخولانى رحمه الله: كان رجل فى زمان أبى جعفر المنصور يقرأ القرآن قراءة «8» لم يسمع السامعون أحسن منها، ثم يقول: يا إخوتاه،

تسمعونه من قراءة الخطّائين، فكيف لو سمعتموه من قراءة الصّدّيقين؟! وقال: والله ما أمرهم إلّا بالزهد فى الدنيا، وإنّ أحدهم ليأكل الأكلة عند الأخ فيرى منه ما يكره، فتمنعه تلك الأكلة أن يأمره أو ينهاه. قال الرّبيع: سمعت إدريس الخولانى يقول لرجل «1» : عليك بعمل الأبطال. فقال له: وما عمل الأبطال؟ قال: الكسب الحلال «2» والكدّ على العيال، الحلال هو العبادة. وقال «3» القضاعى فى كتابه خطط مصر: إدريس بن يحيى الخولانى يكنى أبا عمرو، توفى سنة إحدى عشرة ومائتين «4» ، ونسب إلى «خولان» لأنه سكن فيهم، وهو مولى ريان بن عبد العزيز بن مروان، وكان أفضل أهل زمانه، وأعظمهم قدرا وعلما. ولإدريس هذا ابن يقال له يحيى، وليحيى ولد يقال له إدريس، توفى سنة تسع «5» وأربعين ومائتين، ولعله صاحب هذا القبر المنكسر، غربّى قبر عقبة بن عامر، والعامّة يقولون: هو قبر أبى إدريس الخولانى، وليس كذلك، لأنّ أبا إدريس من كبار تابعى صحابة الشام، لقى معاذ بن جبل وغيره من كبار الصحابة، ولم يعلم دخوله إلى مصر، وكان قاضى معاوية، ومات بالشام، وإدريس المذكور آنفا مصرىّ، أدرك تابع التابعين، مثل الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة، ومات بمصر فى التاريخ المذكور. انتهى «6» . ***

قبر العيناء:

ثم تمشى وأنت مغرّب تجد هناك قبور جماعة من الصالحين، رحمة الله عليهم، يعرفون بإجابة الدّعاء، وهو مدفن مبارك. قبر العيناء «1» : وتجىء أيضا وأنت مغرب تجد قبر «العيناء» رحمها الله تعالى، وعند قبرها معلّمى الكتّاب «2» ، رحمهما الله تعالى، على اليسار من العيناء. قيل: إنّ صغيرا عندهما فى الكتّاب قلع عين صغير، فطلبوا قوده «3» منهما، فقال أحدهما «4» : إنّ الصغير لم يصبه شىء، ثم أخذ العين وردّها فى مكانها، ودعا الله فعادت كما كانت. وقيل: إنّ العيناء تعرّض لها رجل، فقالت له: ما «5» أعجبك فىّ؟ قال: عيناك «6» ! فاحتجبت ولم يرها «7» بعد ذلك أحد حتى ماتت. وعند جانبها البحرى بقليل «8» قبر ابن حذيفة اليمانى، ويسمّى بعبد الله» ، وقيل: إنه ابن حذافة السّهمىّ، رضى الله عنهما، وعنده الدعاء مستجاب.

قبر شقران العابد:

قبر شقران العابد «1» : وعند رأسه من الغرب قبر الشيخ شقران بن عبد الله المغربى، رضى الله عنه، وهو من [كبار] «2» مشايخ ذى النون المصرى، رحمة الله عليه. قال القضاعىّ «3» فى كتابه الخطط: هو شقران العابد، أستاذ ذى النون، توفى قبل ذى النون، لا أعلم فى أىّ سنة توفى، فإنى لم أقف له على تاريخ وفاة، وقبره شرقىّ التربة التى فيها قبر ذى النون، بينهما تربتان: إحداهما لأبى جعفر بن حواصل، والأخرى تلاصقها، يصعد إليها بدرج، وينزل إلى هذا القبر بدرج أيضا، وهو أحد القبرين اللّذين فى ظهر محاريب ابن حولى القرقوبى، ذات القبور التى أكثرها منكسة، وهى ملاصقة لظهر أحد المحاريب التى بالتربة المذكورة، إلى جانب القبر الذي عليه عمود كدان، يعرف بأبى الربيع الزبدى «4» . وأخذ ذو النون على شقران، وتأدّب بأدبه، وتوفى وهو فى صحبته. انتهى «5» . ***

قال ذو النون: [سمعت شقران يقول] «1» «إنّ لله عبادا خرجوا إليه بإخلاصهم، وشمّروا إليه بطيب أسرارهم «2» ، فأقاموا على صفاء المعاملة فى محاريب الكدّ، فساروا فى ميادين أنوار ملكوته «3» ، وبادروا لاستماع كلامه بحضور أفهامهم، فعند ذلك نظر إليهم بعين الملاحظة، وشاهد منهم نهدات الأسف، وفى ضمائرهم حرارات الشّغف، فعندها أسرج لهم نجائب المواهب، وحفّت بهم منه العطايا والتّأييد، وأذاقهم كأس الوداد، فطلعت فى قلوبهم كواكب مراكب «4» القلق، وجرت بهم فى بحار الاشتياق، فوصلت إلى روح نسيم التّلاق، فكيف إذا رأيت «5» ثريّا الإيمان قد علقت فى قلوبهم، وهلال التوحيد قد لاح بين أعينهم، وبحار الوفاء قد تدفّقت فى قلوبهم، وأنهار ماء الحياة «6» قد تصادمت إلى جوارحهم، فتنسّموا روائح الدّنوّ من قربه، وهبّت رياح اللقاء من تحت عرشه، فوفدت «7» هواتف الملكوت بألسنة القدرة إلى أسماعهم وأفهامهم، وشيّعها روح نسيم المصافاة إلى أذهانهم، وأوقدت فى أسرارهم «8» مصابيح الأفكار، واشتعلت ضمائرهم «9» ، وزّفت إلى قلوبهم أزواج القلق، وزجّ بها الشوق فى مفاصلهم، فتطايرت أرواحهم [إلى روح] «10» عظيم الذخائر، ثم نادت: لا براح وذلك أنها لمّا وصلت إلى

الحجاب الأعظم المعظم «1» أقسمت ألّا تبرح ولا تزول حتى تنعم. فكشف لها الحجاب، وناداها: أنا الرّبّ الأعظم المعظم، أنا علّام الغيوب، أنا المطّلع على الضمائر، أنا مراقب الحركات، أنا راصد اللّحظات «2» ، أنا العالم بمجارى الفكر وما أصغت إليه الأسماع. ثم قال لأرواحهم: أنا طالعتك ورفعتك إلى قربى، وقرنت ذكرى مع ذكرك ائتلافا، وعرّفتك نفسى وصافيتك إعطافا، وجلّلتك سترى إلحافا، فاشكرى لى أزدك أضعافا «3» . ثم قال: يا قلوب صفوتى التئمى، ويا أهل محبّتى حافظوا على لزوم مودّتى. فلما وعت القلوب كلام المحبوب وردت على بحر الفهم، فاغترفت منه رىّ الشراب، فهلّ عليها عارض «4» صدر إليها من محبوبها، فسجدت له تعظيما، وأذن لها فكلّمته تكليما «5» ، وأفرغ عليها من نوره فزادها تهييما «6» ، فرجعت إلى الأبدان بطرائف الفوائد «7» ، فظمئت وعطشت ... فهل تدرى ما أعطشها؟! كشف لها عن غيوبه «8» فطاشت، وشاهدت قربه فعاشت، فى كل يوم تطالع «9» علما جديدا، فهو لها يزيد «10» ، وكيف لا يكون هذا

العبد كذلك وأنوار الصدق عليه متراكمة، ومراتب الحقائق فيه منتصبة، وروحه قد سارت فى مواكب «1» التوفيق؟! فلو شاهدت سرائرهم وقد وصلت إليه فروّاها من نسيم قربه، وزوّدها من طرائف علمه المكنون، وَفِي «2» ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ. ثم بكى طويلا وقال: يا ذا النون «3» ، أين من أسرجت بواطنه بحبّ الله؟ أين من ظهر على جوارحه نور خدمة الله فشهد شواهد الهيبة عطاياه فحمد الله؟ أين من شهد القرب فلم يتحرك؟ أين من راقب الرّبّ فى سرائره؟ أين من دامت بمعاملته ظواهره «4» ؟ أين من نطق بعلم القرب منه «5» ؟ أين من شرب بكأس المحبة؟ أين من عرف الطريق؟ أين من نطق بالتحقيق؟ أين من أدنى فلم يبرح؟ أين من شوّق فلم يفرح؟ أين من سقى فباح؟ أين من بكى فناح؟ أين من ألف فشغل؟ أين من وصل فغنم؟ أين من لزم فأخبر؟ أين من صلح فأحضر؟ أين من رضى فقنع؟ أين من صبر فاقتنع «6» ؟ أين من بكى بعويل؟ أين من صرخ بغليل» ؟ أين من رضى فطاب؟ أين من شوّق فذاب؟ أين من شفّه الوداد؟ أين من جدّ باجتهاد؟ أين من همّه الحبيب؟ أين من دهره غريب «8» ؟ أين من طالع المكشوف؟ أين من أمر بالمعروف؟ أين

من تألّف الهموم؟ أين خدّامه الصّيام؟ أين عمّاله القيام «1» ؟ أين من ذاق ما أصف؟ أين من جدّ ملتهف «2» ، أين من كان ذكره غذاه، أين من قلبه مرآه؟ أين من بان واستبان؟ يا ذا النّون، فلو رأيتهم وقد أخرجهم بعد ما أحسن تقويمهم، وأجلسهم على كراسى الأطبّاء وأهل المعرفة، وجعل تلامذتهم أهل الورع والتّقى، وضمن لهم الإجابة عند النداء، ثم قال لهم: يا أوليائى وأهل صفوتى، إن أتاكم عليل فداووه، أو فارّ منّى فردّوه، أو آيس من رحمتى وفضلى فعدوه، أو مبارز لى بالمعاصى فنادوه، أو مستوصف نحوى فدلّوه، أو خائف منّى فأمّنوه، أو مسىء بعد إحسان فرغّبوه، أو من جنا «3» جناية وحزن فسرّوه، وإن وهبت لكم هبة فشاطروه.. ويا أهل صفوتى من خلقى لا يفزعنّكم صوت جبّار دونى، ولا مخلوق من خلقى. إنه من أراد بكم سوءا «4» قصمته، ومن آذاكم «5» أهلكته، ومن عاداكم عاديته، ومن أحبّكم «6» أحببته. فلما نظر القوم إلى حسن لطفه بهم اجتهدوا غاية الاجتهاد «7» ، وألفت الجوارح منهم المسارعة إلى مرضاته، والمبادرة إلى خدمته «8» ، وأسقطت

الرّاحات، وأزالت الآلات «1» ، فورّثهم إخلاصهم الزّفرات، ثم تضاعفت لهم التّحف، فإذا جاء أحدهم «2» النّهار بكى عليه الدّجا، ويستشرف به الفجر «3» ، وتودّعه الكواكب، ويصافحه النّهار، وتساعده الأفلاك «4» . ثمّ يصل فكره «5» إلى العرش، ثم تصل أنفاسه «6» إلى الكرسى، فعند ذلك يا أخى ترحّب به السّموت، وتسلّم عليه الجبال، وتأنس به الوحوش، وتفرح به المواطن «7» ، وتخضع له الملوك، وتلوذ به المواشى، وتتبرّك به الأشجار، وتحنّ إليه البهائم، ويأتى من أجله القطر، ويتضاعف ببركته النبات، وتهابه الفجّار، وترهبه الشياطين، وتحفّه الملائكة فى اللّيل والنهار بأجنحتها، وتسلم عليه الحيتان «8» فى البحار إذا مرّ بها، وإذا نظر إلى الأرض تقلبت عن أنوار الزهر، إذا مرّ بيده «9» على العليل أبرأه، وإذا وعظ سقيم الذّنوب أشفاه، وإذا نظرت إليه شهد له قلبك بالصّدق. أنس بالوحدة بعد الاجتماع، وخالط الجوع بعد الطعام، وسارع إلى الظمإ بعد الشراب، ولبس الخرق بعد الخزّ، وركن إلى الخراب بعد القصور. (انتهى) . قال خادم شقران: دعانى شقران «10» ليلة فقال: أريد أن أغتسل. فلم

أجد ماء، فلحظ السماء بطرفه وقال: اللهم إنى قد عجزت عن الماء، وانقطع رجائى من غيرك، فاعطف على قلّة حيلتى. فقمت فسمعت وقع الماء فى الإناء، فمسّ الشيخ الماء بيده فوجده «1» باردا، فحرّك شفتيه فسخن الماء، ثم جاء إلى المغتسل، وكانت ليلة باردة مظلمة، فقال: لو كان معنا مصباح كان أمكن فى طهرى. فرأيت مصباحا قد أنفذ له فاغتسل. وبلغ ذا النّون خبر شقران بالمغرب، فأتاه من مصر، فسأل عنه، فقيل له: السّاعة قد دخل [الخلوة] ، وهو لا يخرج من بيته إلّا [من الجمعة] إلى الجمعة، ولا يكلم أحدا إلّا بعد أربعين يوما «2» . [قال ذو النون] «3» : فأقمت أربعين يوما على بابه، فلما خرج قال: ما الذي أقدمك على بلادنا؟ قلت: طلبك! فوضع فى يدى رقعة قدر الدّينار، مكتوبا فيها: «يا دائم الثّبات، يا مخرج النّبات، يا سامع الأصوات، يا مجيب الدّعوات» . فما سألت الله بها حاجة إلّا قضاها لى. وكانت هذه الرحلة مغبوطة بهذه الدعوات. وأتى «4» شقران بصغير أعمى فدعا له، فأبصر. وجاء له الناس مرة يسألونه «5» أن يستسقى لهم، وخرج من بيته والسماء صاحية، ووقف بينهم والسماء صاحية، وجعل يقول: اسقنى اسقنى، السّاعة السّاعة، فأرعدت السماء وأبرقت، وجاء مطر عظيم كأفواه القرب «6» .

وكان شقران من أجمل الناس، فنظرت إليه امرأة فشغفت به «1» ، فذكرت شأنها لعجوز، فقالت العجوز: أنا أجمع بينكما. فمرّ شقران يوما، فقالت له العجوز: لى ولد [غائب] ، وقد جاءنى كتابه «2» ، وله أخت تحب أن تسمع كتابه، فلو جئت وقرأته على الباب لشفيت الغليل، وأطفأت النّار «3» . فقال: نعم. ودنا من الباب، فقالت: ادخل يسيرا، فدخل، فقالت: يا سيدى، أخته تخشى أن يدخل أحد «4» ، فهل لك أن تغلق الباب؟ فقال: نعم. فلما أغلق الباب برزت إليه «5» امرأة جميلة قد تعطرت، فولّى بوجهه عنها، فقالت: كنت مشتاقة إليك. فقال لها: أين الماء حتى أتوضّأ؟ فأتته بالماء، فقال: اللهم إنّك خلقتنى لما «6» شئت، وقد خشيت الفتنة، وأنا أسألك أن تصرف شرّها عنى وتغيّر خلقتى. فخرجت إليه، فوجدت خلقته اليوسفيّة أيّوبيّة «7» ، فدفعته فى صدره وقالت: أخرج. فخرج وهو يقول: الحمد لله رب العالمين. ثم عاد إليه حسنه. وجاءه «8» رجل ومعه صغيرة قد لحقها الجنون، فقرأ عليها شقران، ثم أخذها أبوها ومضى بها إلى البيت، فصرعت، وتكلّم الجنّىّ على رأسها وقال: أمّا أنا، فو الله لا سكنت هذه البلدة ولا عدت إليها خوفا من شقران أن يحرقنى،

قبر أبى الربيع الزبدى:

فإن مسّها غيرى فلا حرج علىّ، وعرّفوا شقران بذلك لئلّا يعود إلى الدعاء علىّ. قبر أبى الربيع الزّبدى «1» : وتجد إلى جانبه من القبلة قبر الزّبدى [المعروف بأبى الربيع] «2» رحمه الله تعالى ... كان رجلا صالحا، قيل: إنه مرّ على أناس فقالوا: إنّا نشمّ عليك روائح الزّبدة. فقال: إنّى أحبّها فأظهرها الله تعالى علىّ. وعند «3» رأس قبره عمود من الحجر الكدان، عليه كتابة «الشيخ أبو الربيع» . ودرست هذه الكتابة. وكان أبو الربيع مستجاب الدعاء، على غاية من سلامة الصدر، وأنّ أبا الطّيّب أحمد بن على الماذرائى «4» ، وزير الديار المصرية، اجتهد فى الاجتماع به فلم يمكّنه، فبذل مائة دينار لإنسان من أصحاب الشيخ بشرط أن يجمع بينهما. فقال: نعم بسم الله. ثم مضى إليه وقال له فى عيادة رجل مسلم فى غد بعد صلاة الصبح، فقال: نعم، وكان يصلى الصبح فى الجامع العتيق، وكان مسكنه بالقرافة، فلما أصبح مضى به الرجل إلى دار أبى الطّيّب، ودخل معه، فقرأ ودعا، وقد كان تأمّل الدّار والآنية والفرش، فلما خرج أقبل على الرجل وقال: ما يصنع هذا؟ فقال له الرجل: إنه يبيع القلقاس! فقال: ويربح هذا كله فى القلقاس؟ قال: نعم. وعجب الشيخ من ذلك، فكان إذا اشتكى إليه إنسان الفقر والضّيق وقلّة المعيشة يقول له: عليك ببيع القلقاس!

قبر ابن عبد الرحمن بن عوف:

ومنه بقليل إلى الغرب قبر الشيخ الصالح محمد الملقب بذى العقلين «1» . والحومة حومة مباركة، ينبغى لمن وقف فى ذلك الموضع أن يبتهل إلى الله تعالى ويدعو، فإنه- سبحانه وتعالى- لا يخيّب من دعاه. قبر ابن عبد الرحمن بن عوف «2» : وتمشى وأنت مغرّب تجد على يسارك تربة فيها قبر ابن عبد الرّحمن بن عوف الزهرى رحمه الله تعالى. وعلى يسارك داخل التربة قبر الشريف رحمة الله عليه. قيل: من وقف بين قبر الشريف وقبر ابن عوف ودعا الله تعالى استجاب دعاءه. وحكى عبد السّلام بن سعيد رحمه الله قال: مرضت مرضا شديدا أشرفت فيه «3» على الهلاك، وعجزت الأطبّاء عن المداواة، فيئست، فلما كان فى بعض الليالى رأيت فى النوم قائلا يقول لى: امض إلى قبر ابن عبد الرحمن بن عوف وقف بينه وبين الشريف «4» المدفون معه فى التربة، والصق ظهرك بالحائط، وابتهل إلى الله تعالى، واسأله أن يفرّج عنك. قال: فلما أصبحت ذكرت ذلك لأهلى وقلت: لابدّ لى من المضّى إلى ذلك الموضع، فحملونى إليه، فدعوت الله عنده «5» ، ففرّج عنّى وعافانى، وما وقعت بعد ذلك فى شدّة أو عسرت علىّ حاجة إلّا ومضيت إلى ذلك الموضع ودعوت الله فيفرّج عنى «6» .

قبر صاحب الدرابة:

قبر صاحب الدّرّابة «1» : وتخرج من التربة وتأتى إلى الجهة البحرية «2» تجد على يمينك قبر صاحب «الدّرّابة» رحمه الله تعالى، قيل: إنّ ذا النّون المصرىّ، رضى الله عنه، رأى فى المنام كأنّ قائلا يقول له: يا ذا النّون، إذا كان غدا، اجلس على شفير «3» الخندق يجيء [إليك] ولّى من أولياء الله تعالى، ميت محمول على درّابة، فجهّزه وصلّ عليه «4» . قال: فلما أصبحت جئت وجلست «5» على الموضع الذي وصف لى، وإذا برجلين، يحملان رجلا ميّتا على درّابة، فقلت لهما حطّاه واذهبا «6» . قال ذو النون: فغسّلته، وكفّنته، وصلّيت عليه، ودفنته. وأوصى ذو النون «7» إذا مات أن يدفن تحت رجليه. ففعل ذلك به «8» . قال ذو النون: فرأيت «9» تلك الليلة فى منامى ذلك الرّجل الذي دفنته وعليه حلّة من السّندس، فقال: يا ذا النون، جزاك الله عنى خيرا.

قبر الجزرى:

قبر الجزرىّ «1» : ويقابل قبر صاحب الدّرّابة «2» قبر الجزرىّ رحمه الله تعالى، كان رجلا صالحا من جزيرة ابن عمر «3» ، كثير التلاوة للقرآن، وقيل: إنه كان مجاورا بمدينة النبي صلّى الله عليه وسلم، فاشتهى فى بعض الأيام هو وأصحابه طعاما، فجاءوا إلى مسجد على باب المدينة لصلاة الضّحى «4» ، وعلى الباب مملوك تركيّ، وفى صدر المحراب رجل قائم يصلى، فصلى [الشيخ] «5» مع أصحابه الضّحى، ثم جلس وجلسوا ساعة يذكرون الله تعالى، فأحضر لهم الرجل الذي كان يصلى «6» الطعام الذي اشتهاه الشيخ وأصحابه «7» ، ثم رأوا مع الرجل غلمانا وحشما «8» ، فقال لهم: يأكل كلّ منكم ما اشتهاه. فامتنعوا وقالوا: من تكون؟ ومن الذي أخبرك بهذا؟ فقال: أمّا أنا فأمير هذه البلدة، وأمّا الذي أخبرنى فإنى رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى ليلتى هذه، فقال لى: يا فلان، أصلح كذا وكذا من الطعام، فإنّ فى غداة غد جماعة يأتون إلى محلّتك يشتهون هذا الطعام «9» . فقلت: يا رسول الله، ما الذي يوصلنى إليهم؟ فقال: هم يأتون إلى مسجدك عند الضّحى. واسم واحد كذا والآخر كذا. فأكلنا الطعام وبتنا عنده، فلم يزل قائما يصلى إلى بكرة، فصلينا عنده الصّبح وانصرفنا.

قبور الصوفية:

قبور الصوفية «1» : وتدخل على يمينك تجد قبور الصّوفية رحمهم الله تعالى. قبر أبى علىّ الرّوذبارىّ «2» : وتدخل على يمينك تجد تربة ذى النون المصرى رحمه الله، على يسار من دخلها قبر الرّوذبارىّ رحمة الله عليه، شيخ الطريقة، وإمام الحقيقة، [واسمه أحمد بن محمد بن القاسم بن منصور بن شهريار بن مهر فاذار بن فرغدة بن كسرى أنو شروان] «3» ويكنى بأبى علّى. وكان من أولاد كسرى أنو شروان. وتوفى سنة اثنتين «4» وعشرين وثلاثمائة، وهو «5» من أهل بغداد، سكن مصر، وكان شيخها، ومات بها. صحب أبا القاسم الجنيد، وأبا الحسين النّورىّ، وأبا حمزة البغدادى، وحسنا المسوحىّ، ومن فى طبقتهم من مشايخ بغداد، وصحب بالشام أبا عبد الله ابن الجلّاء.

وكان عالما فقيها، حافظا للأحاديث، عارفا بعلم الطريقة، وكان يفتخر بمشايخه فيقول: شيخى فى التصوف: الجنيد، وفى الفقه: أبو العباس بن سريج «1» ، وفى الأدب: ثعلب، وفى الحديث: إبراهيم الحربى «2» . روى عنه ابن الكاتب قال: «ما رأيت أحدا أجمع لعلم الشريعة والحقيقة منه» . وسئل أبو علّى الرّوذبارىّ [رضى الله عنه] : من الصّوفىّ «3» ؟ قال: «من لبس الصّوف على الصّفاء» . وروى أبو منصور معمر بن أحمد بن محمد بن زياد الأصبهانى قال: بلغنى عن أبى علىّ الرّوذبارىّ قال: «أنفقت على الفقراء كذا وكذا ألفا، ما وضعت شيئا فى يد فقير، بل كنت أضع فى يدى فيأخذ الفقير من يدى، حتى تكون يدى تحت أيديهم، ولا تكون فوق أيديهم» . وقال أبو علىّ الرّوذبارىّ: سمعت المحاسبى يقول: [للمخلصين عقوبات، وللناس طهارات، وللطاهرين درجات] «4» . وسمعته يقول: من أضيق السجون معاشرة الأضداد. وكان يقول: اكتساب الدّنيا مذلّة النفوس، واكتساب الآخرة عزّ النفوس، فيا عجبا لمن يختار المذلّة لما يفنى، ويترك العزّ لما يبقى!

قال: وأنشدنا أبو علىّ الرّوذبارىّ لنفسه: وددت أنّ دمى يجرى فأسفحه ... من مقلتى على ما فات من زمنى واها على أسف منّى علىّ وهل ... يجدى التّأسّف إلّا علّة السّجن «1» لو صحّ تحقيقه أنّ التّأسّف لى ... لما أسفت لجمع النّوح فى الزّمن «2» وله أيضا- رضى الله عنه: إن كان دارى نأت عن قرب داركم ... فالنّفس ليس لها من بعدكم سكن قلبى لديك وعينى غير ناظرة ... [إلّا إليك] وسؤلى وجهك الحسن «3» ياليت لى أعينا فى كلّ جارحة ... تبكى عليك بدمع جارح الوسن «4» وقال «5» : «من الاغترار «6» أن تسىء فيحسن إليك، فتترك الإنابة والتّوبة توهّما أنّك «7» تسامح فى الهفوات، وترى أنّ ذلك فى بسط الحقّ لك» . وقال: «المشاهدات للقلوب، والمكاشفات للأسرار، والمعاينات للبصائر «8» ، والمراعات للأبصار» .

قبر ذى النون المصرى:

وقال أيضا: «لا رضا لمن لا يصبر، ولا كمال لمن لا يشكر الله عزّ وجلّ، وبالله وصل «1» العارفون إلى محبّته، وشكروه على نعمته» . وقال همّام بن الحارث: سمعت أبا علّى الرّوذبارىّ يقول: «إنّ المشتاقين إلى الله سبحانه وتعالى- يجدون حلاوة الوقت عند وروده لما كشف لهم من فرح الوصال «2» إلى قربه أحلى من الشهد» . وقال أيضا: «من رزق ثلاثة أشياء فقد سلم من الآفات: بطن جائع معه قلب خاشع «3» ، وفقر دائم معه زهد حاضر، وصبر كامل «4» معه قناعة دائمة» . وقال- رضى الله عنه: «السعيد من عمّر أوقاته بالطّاعات، وترفّع عن المعاصى المهلكات» «5» . قبر ذى النون المصرى «6» : تجد على يمينك من قبره قبر الشيخ الإمام، العابد الزاهد أبى الفيض ذى النون المصرى، ذى المناقب العظيمة، والأخلاق الكريمة، رضى الله عنه. قال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون المصرىّ يقول، وقد سأله إنسان عن أصل توبته، فقال: «خرجت من مصر إلى بعض القرى، فنمت فى الطريق،

وانتبهت وفتحت عينى وإذا أنا بقنبرة عمياء سقطت من شجرة على الأرض، فانشقّت الأرض فخرج منها سكرّجتان «1» : واحدة من ذهب، والأخرى من فضة، فى إحداهما سمسم، وفى الأخرى ماء ورد، فأكلت من هذه، وشربت من هذه، فقلت: حسبى «2» فتبت ولزمت الباب» . وروى أبو موسى الجيزى، قال: «رأيت ذا النون، وقد تقاتل اثنان، أحدهما «3» من أولياء السلطان [والآخر من الرّعيّة] فعدا «4» الذي من الرعيّة عليه فكسر سنّته «5» فتعلّق الجندىّ بالرجل وقال: بينى وبينك الأمير. فمضوا، وجازوا فى طريقهم على ذى النون، فقال لهما: ما قصتكما؟ فقصّا «6» عليه القصة، فأخذ السّنّ ثمّ بلّها بريقه وردّها إلى فم الرجل الذي كانت فيه، وحرّك شفته فتعلّقت السّنّ بإذن الله تعالى، وثبتت فى مكانها، فبقى الرجل يفتش فاه فلم يجد فيه شيئا من النقص» «7» . وحكى أبو جعفر قال: «كنت عند ذى النون فتذاكرنا طاعة الأشياء للأولياء، فقال ذو النون: من الطاعة أن أقول لهذا السرير الذي أنا جالس عليه: در فى زوايا البيت الأربع وعد إلى مكانك «8» [قال: فدار السرير فى أربع زوايا البيت وعاد إلى مكانه] . وكان هناك شابّ فأخذ يبكى، ومات للوقت» .

وقال بكر بن عبد الرحمن: «كنا مع ذى النون المصرى فى البادية، فنزلنا تحت شجرة «أم غيلان» فقلنا: ما أطيب هذا الموضع لو كان فيه رطب! فتبسّم ذو النون وقال: أتشتهون الرّطب؟ وحرّك الشجرة وقال: أقسمت عليك بالذى ابتداك وخلقك إلّا نثرت علينا رطبا. وحرّكها، فتناثر «1» الرّطب من عليها، فهززنا الشجرة فنثرت علينا شوكا» . وقيل: إنّ ذا النون «2» المصرىّ عند موته قيل له: ما تشتهى؟ فقال: أعرفه قبل موتى «3» ولو بلحظة. وكان ذو النون المصرى يقول: «معاشرة العارف كمعاشرة الله تعالى» «4» . وقال أيضا: «أعرف الناس بالله أشدّهم تحيّرا فيه» . وقال أيضا: «الزّهّاد ملوك الآخرة، وهم فقراء العارفين» . وقال أيضا: «علامة العارف ثلاث: لا يطفئ نور معرفته نور ورعه، ولا يفتقد «5» باطنا من العلم ينقض عليه ظاهرا من الحلم؛ ولا يحمله كثرة نعم الله على هتك أستار محارم الله عزّ وجلّ» . وقال أيضا: «كنت راكبا فى سفينة فسرقت فيها درّة، فاتّهم بها شابّ، فقلت: دعونى حتى أرفق به وأقرّره، فأخرج رأسه من تحت كسائه، فتحدثت معه فى ذلك المعنى وتلطّفت به لعلّه يخرجها، فرفع رأسه إلى السماء وقال:

أقسمت عليك يا رب ألّا تدع أحدا من الحيتان إلّا ويأتى بجوهرة. قال: فرأيت حيتانا «1» كثيرة طافية على وجه البحر، فى فم كل حوت جوهرة. قال: ثم ألقى نفسه فى البحر ومشى على الماء وغاب عنّا» . وقال ذو النون: «سافرت إلى الشام لعلّى أجتمع بأحد «2» من أولياء الله تعالى، فعبرت على مغارة، فوجدت رجلا جالسا على باب المغارة، فسلّم علىّ وقال لى: يا ذا النون «3» ، رجل كان يسأل الله تعالى فى الاجتماع بك لتحضر الصلاة عليه، فقف هاهنا. ثم دخل المغارة، فإذا بعجوز قد خرجت من المغارة تبكى، فقالت: يا سيدى، الذي كلّمك هو ولدى، وكان يسأل الله تعالى أن تحضر الصلاة عليه، وقد مات. فدخلت فوجدته مستقبل القبلة، وعنده آلة الغسل والكفن، فغسلته وكفنته وصليت عليه، وكنت أكبّر وأسمع التكبير من خلفى، فلما فرغت من الصّلاة عليه إذا هو قد حمل من بين يدىّ، فخرجت وأنا متعجب، ثم استوحشت، فإذا أنا بصوت رجل يقرأ القرآن، فاتبعت الصّوت، فإذا هو يخرج من مغارة أخرى، فدخلتها، فإذا شيخ عليه وقار، وعليه قميص من ليف، فقال: يا ذا النون، صلّيت على الرّجل الصالح؟ قلت: نعم، قد صليت عليه وسمعت تكبيرا «4» من خلفى. فقال: أقم عندى اليوم. قال: فأقمت عنده تلك الليلة، فإذا طائر يدخل المغارة وبين رجليه جوزة، وفى منقاره «5» زبيبة فيلقيها، ثم يذهب فيعود كذلك، فسألت عن ذلك «6» الطائر، فقال: سخّره الله تعالى لى، يأتينى فى اليوم كذا وكذا مرّة، فنظرت داخل المغارة فإذا عين تجرى وفى داخلها رجل، وهو يدعو: اللهمّ

اغفر لأمّة محمد، اللهم ارحم أمّة محمد. ثم أصبحت فرأيت السّباع أتته «1» تسلّم عليه وتتبرّك به. فقال: يا ذا النون، كم بقى للحج؟ قلت: مدّة يسيرة. قال: يخطر «2» لك نيّة الحج؟ قلت: نعم. فقال: يا ذا النون، أرافقك بواحد من هذه «3» السباع، ثم التفت إلى واحد منها «4» فقال: أوصيك بأبى الفيض، فكن به رفيقا «5» . فركبت على ظهره يومين «6» ، فإذا أنا ببطحاء مكة، فنفضنى عن ظهره. وكان الشيخ قد أوصانى وقال لى: إذا قضيت شغلك وأتيت الرّكن اليمانىّ تجد عنده شابّا أسمر، عليه أطمار رثّة «7» ، وعليه سيما الخير، فبلغه سلامى، وسله لى الدعاء. قال «8» : فلمّا قضيت شغلى وأتيت الركن اليمانيّ، وجدت الرّجل جالسا عند الركن، فسلمت عليه، وقلت له: فلان بالشام يسلم عليك ويسألك الدعاء- وكان قد أضحى النهار- فقال: لا إله إلّا الله، يرحمه الله، اليوم قد صلينا عليه!» . وعن ذى النون المصرى قال: «لقيت فى بعض أسفارى امرأة تشير إلى المحبة، فسألتها عن غاية المحبة، فقالت: لا غاية لها. فقلت: ولم؟ قالت: لأنه لا غاية للمحبوب» «9» . وعن أبى سعيد المالينى، عن ذى النون المصرى، يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، قال: «سمعت جبريل عليه السلام يقول: يا محمد، من قال من أمّتك فى كل

يوم مائة مرّة: «لا إله إلّا الله، الملك الحق المبين» كان له أمان من الفقر، وأنس «1» من وحشة القبر، واستجلب به الغنى، وقرع «2» به باب الجنة» . وسئل ذو النون: كيف الطريق إلى الله تعالى؟ فقال: «ظمأ الهواجر «3» ، وقيام الليل، يدلّانك على الطريق إلى الله تعالى» «4» . وعن سعيد «5» بن عثمان قال: سمعت ذا النون «6» يقول: «اللهمّ متّع أبصارنا بالجولان فى حلالك بسهرها عمّا نامت عنه قلوب الغافلين، واجعل قلوبنا معقودة بسلاسل النور، وعلّقها بأطناب الفكر «7» ، ونزّه أبصارنا عن سرّ مواقف المتحيرين، وأعطها من الأنس فى خدمتك مع الجوّالين» . وعن ابن الجلّاء قال: لقيت ستمائة شيخ، ما رأيت فيهم مثل أربعة، أحدهم «8» ذو النون المصرى، يقول: «ذكر الله دواء، وذكر الناس داء، فاستكثروا من الدّواء، وأقلّوا من الدّاء» . وعن محمد بن قطن «9» قال: رأيت مكتوبا على عصا ذى النون:

كيف احتيالى ودائى الأمل ... وليس لى فى صحيفتى عمل «1» زادى قليل ورحلتى بعدت ... من عدم الزّاد كيف يرتحل؟ وروى عن أبى عثمان المغربى قال: «من صحب نفسه صحبه الكبر والعجب، ومن صحب أولياء الله تعالى وفّق للوصول إلى الله تعالى» . وروى عن ذى النون، رضى الله عنه، أنه قال: «سافرت سفرة فجئت بعلم يعرفه العامّ والخاص، ثم سافرت الثانية فجئت بعلم يعرفه الخاص وينكره العام، ثم سافرت الثالثة فجئت بعلم ينكره الخاص والعام، وصرت به وحيدا، فريدا، شريدا، طريدا» «2» . وعن ذى النون، رضى الله عنه، قال: «من ذكر الله تعالى على حقيقة نسى فى جنب الله «3» كلّ شىء، وكان له عوضا من كل شىء» . وقال ذو النون المصرى: «إنّما دخل الفساد على الناس من ستة أمور: أحدها «4» : من ضعف النية بعمل الآخرة. والثانى: صارت أبدانهم رهينة لشهواتهم. والثالث: غلبهم طول الأمل مع قرب الأجل «5» . والرابع: آثروا رضا المخلوقين على رضا الخالق. والخامس: اتّبعوا أهواءهم ونبذوا سنّة نبيهم، صلّى الله عليه وسلم وراء ظهورهم. والسادس: جعلوا زلّات السّلف حجّة أنفسهم، ودفنوا أكثر مناقبهم» . ولمّا مات ذو النون بالجيزة حمل فى قارب مخافة أن ينقطع الجسر من

كثرة الناس على الجنازة «1» ، قال الراوى: فلما أخرج من القارب وحمل على أكتاف الرجال جاءت طيور خضر فاكتنفت الجنازة «2» ترفرف عليه حتى عطف به عند «حمّام الغار» وغاب عنى، فذكرت ذلك لأبى يحيى بن هلال بعد زمان، فقال لى: لقد رأيت مثل هذه الطيور ترفرف على جنازة المزنّى. وأنشد بعضهم فى ذلك «3» : ورأيت أعجب ما رأيت ولم أكن ... من قبل ذاك رأيته لمشيّع «4» طيرا ترفرف فوقه وتحفّه ... حتّى توارى فى حجاب المضجع ثمّ احتجبن عن العيون ولم أحط ... علما بكنه مصيرها والمرجع «5» وأظنّها رسل الإله لعبده ... - والله أعلم- فوق ذاك المرجع «6» وتنزّل القطر الذي كنّا نرى ... وهبوب تلك الذّاريات الزّعزع «7» إن شئت قل: بكت السّماء لفقده ... أو قل: سقته بهيدب لم يقلع «8»

وكانت وفاته سنة خمس وأربعين ومائتين، وكان اسمه ثوبان بن إبراهيم، وورعه وزهده لا يخفى. وكان قد وشى به إلى «المتوكل» ، فاستحضره من مصر، [فلما دخل عليه وعظه، فبكى وردّه إلى مصر] واستعذر منه «1» . قال يوسف «2» بن الحسين: سمعت ذا النون «3» وقد سئل: لم «4» أحبّ الناس الدنيا؟ فقال: لأنّ الله تعالى جعل الدنيا «5» خزانة أرزاقهم، فمدّوا أعينهم إليها. وقال ابن السّرّاج: قلت لذى النون: كيف كان خلاصك من «المتوكل» وقد أمر بقتلك؟ قال: لمّا أوصلنى الغلام إلى الستر رفعه «6» وقال لى: ادخل. فنظرت فإذا «المتوكل» فى غلالة، مكشوف الرأس، وعبيد الله قائم على رأسه متّكئ على السّيف «7» ، وعرفت فى وجه القوم الشّرّ، ففتح لى باب، فقلت فى نفسى: «يا الله «8» ، يا من ليس فى السماوات خطرات «9» ،

ولا فى البحر قطرات، ولا فى الرّياح روحات، ولا فى الأرض جنّات «1» ، ولا فى قلوب الخلائق خطرات، ولا فى أعضائهم حركات، ولا فى عيونهم لحظات إلّا وهى لك شاهدات، وعليك دالّات، وبربوبيّتك معترفات، وفى قدرتك متحيرات، فبقدرتك التى تحيّر بها من فى السماوات والأرض إلّا صليت على محمد، وعلى آل محمد، وأخذت قلبه عنى» . قال: فقام «المتوكل» يخطو حتى اعتنقنى، ثم قال لى «2» : أتعبناك يا أبا الفيض، إن تشأ تقم «3» عندنا، وإن تشأ تنصرف. فاخترت الانصراف «4» . وروى «5» عنه قال: رأيت رجلا من السّائحين «6» فقلت له: من أين أنت؟ فقال منشدا عند قولى له: من عند من علق الفؤاد بحبّه ... فشكا إليه بخاطر مشتاق يبكى الوصال بعبرة مسفوحة ... فيها شفاء لوامق توّاق «7» وقال أيضا: عبد ذليل، ولسان كليل «8» ، وعمل قليل، وكرب طويل، ونيل جزيل «9» ، فأين أذهب يا سيدى إلّا بالدّليل؟

قبر الشيخ أبى عمران موسى بن محمد الأندلسى:

وقال: دخل غلام لذى النون «1» إلى بغداد، فسمع قوّالا يقول [الشعر] «2» ، فصاح غلام ذى النون صيحة وخرّ ميتا، فوصل «3» الخبر إلى ذى النون، فرحل إلى بغداد «4» فقال: علىّ بالقوّال، فحضر، فاستردّه الأبيات «5» التى سمّعها للغلام، فأنشدها، فصاح ذو النون «6» صيحة فمات القوّال، ثم رجع ذو النون «7» وهو يقول: «النّفس بالنّفس» . قبر الشيخ أبى عمران موسى بن محمد الأندلسى «8» : وتخرج من باب تربة ذى النون «9» تجد على يمينك قبر الشيخ أبى عمران موسى بن محمد الأندلسى الواعظ الضرير، رحمه الله، كان من كبار المشايخ، جمع بين العلم والورع، وله مصنّفات فى عدّة فنون «10» ، وكان له مجلس وعظ، وقصائد فى الزهد، وغير ذلك. وكان قد صنف قصيدة فى فضل أمّ المؤمنين «11» عائشة رضى الله عنها، منها هذه الأبيات «12» :

ما شأن أمّ المؤمنين وشانى ... هدى المحبّ لها وضلّ الشّانى «1» إنّى أقول مبيّنا عن فضلها ... ومترجما عن فضلها بلسانى «2» يا مبغضى، لا تأت قبر محمّد ... فالبيت بيتى والمكان مكانى وكان ذلك فى زمن «3» أمير الجيوش [شاهنشاه بن بدر الجمالى] ، فوشى إليه بذلك، فأمر بحمله مسحوبا على وجهه، فقال له بعض جلسائه: هذا رجل ضرير البصر، ضعيف القوى، لا يستطيع النهوض مع كبر سنّه. فقال: يحمل إلى الجيزة ولا يسكن مصر، فحمل إليها. واتفق فى بعض الأيام أنّ أمير الجيوش ركب يوما إلى الجيزة، فدخل مسجدا فوجد فيه موسى الأندلسى الواعظ المذكور هذا جالسا «4» فى محرابه، فصلّى ركعتين ثم التفت إليه وسأله عن حاله، فأخبره بقصته «5» فقال له: تقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم. [قال: اقرأ. فقرأ] «6» فأعجبته قراءته. فبكى بكاء شديدا لحسن صوته «7» . فقال له: أنشدنى القصيدة التى أخرجت من مصر لأجلها. فأنشده إيّاها، فأمره بتكرارها «8» ، فأعادها، فقال له: يا شيخ، بالله عليك لا تدع على السّلطان، فإنه ما علم بحقيقة حالك «9» ، وأنا أحد غلمانه «10» ، ولا بد من ذكرك له، فطيّب قلبك، واشرح صدرك وادع

قبر ابن الترجمان:

له «1» . ثم خرج من عنده، فتبادر الناس إليه وقالوا: أتعرف «2» من كان عندك؟ قال: لا. قالوا: أمير الجيوش، فإيّاك أن تكون تكلمت معه بشىء يؤذيك؟ قال: لا والله. وبقى خائفا «3» ، فلما وصل أمير الجيوش إلى مصر أمر واليها أن يمضى إليه ويأتى به إلى مصر «4» ويسأله الدعاء. وأرسل إليه بدنانير كثيرة وكسوة «5» ، فحمل- رضى الله عنه- مكرما، ولم يزل يعظ الناس ويتكلم على منبره إلى أن مات، رحمه الله تعالى. قبر ابن الترجمان «6» : وبجانبه من القبلة إلى المشرق قبر ترجمان بن على المقرى المعروف بابن الترجمان، شيخ التصوف بديار مصر والشام. سمع الحديث الكثير عن أبى بكر محمد بن محمد الحميدى، وأبى القاسم محمد بن الطّرطوشى، وأبى الحسن على بن عمر الدارقطنى، وعيسى بن عبد الله، وغيرهم. ومن رواياته عن أبى هريرة، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إنّ أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، ولو يعلمون «7» ما فيها لآتوها حبوا» .

قبر أبى العباس أحمد بن عبد الله الفقيه المالكى:

وعن الأزدىّ، قال عمر بن الخطاب: «لو وزن إيمان أبى بكر وإيمان أهل الأرض لرجح «1» إيمان أبى بكر» . ويلاصقه قبر الشيخ سهل بن محمد بن الحسين بن أبى الخير الخشّاب «2» . قبر أبى العباس أحمد بن عبد الله الفقيه المالكى «3» : ثم تستقبل الجوسق المعروف بالكنز، تجد تحته على يسارك تربة فيها [قبر أبى العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام بن الحطيئة اللخمى] «4» . وهو مشهور، كان من فقهاء المالكية، وكان مسكنه بالشرق، أقام فيه عدة سنين يقرئ «5» الحديث ويأكل من نسخه، وكان له بنت يعلّمها النّسخ فتعلمت حتى صارت تنسخ «6» وضربت على خطّه. وكان يعرض عليه المال فلا يقبل منه شيئا، وتجىء «7» سلاطين المصريين إليه فلا يقبل [من أحد] «8» منهم شيئا. ويقف به التجار والأمراء ويبذلون له المال فيأبى قبوله منهم «9» .

قبر شحاذ الفقراء:

وجاءه رجل من إخوانه، فقال له: يا سيدى، اشتريت هذا الثوب «1» على اسمك وأسألك «2» أن تقبله منى. فقال: عاهدت الله ألّا أقبل من أحد شيئا. فحلف بالطلاق الثلاث لابد من قبوله، فقال: قد قبلت، فاجعله على الحبل- وكان فى مسجده- فجعله عليه، فأقام ثلاثين سنة والثوب معلّق عليه! ولم يزل مقيما بالشرق «3» إلى نوبة مصر المشهورة، وحريقها، فأدخل إلى القاهرة، ونزل فى دويرة بها، وتوفى فيها «4» . قبر شحّاذ الفقراء «5» : وبجانبه على الطريق «6» بقرب- تحت المسجد- قبر الشيخ الصالح

المعروف بشحّاذ الفقراء، كان إذا رأى فقيرا يمضى إلى الأغنياء ويطلب منهم، ويأتى بما يتحصّل إلى الفقير، [ولا يترك لنفسه شيئا] «1» ، فقيل: إنه أخذ للفقراء «2» أشياء كثيرة، وفرّق فيهم على قدر حاجاتهم «3» ، فبقى معه فضلة، فلم يجد فقيرا «4» يدفعها إليه، فبنى المسجد المذكور بها. المسجد المعروف بالكنز*: وتحته الكنز، وكان هذا المسجد صغيرا جدّا، فهدمه رجل يعرف بأبى الحسن القرقوبى «5» وبناه. أخبرنا «6» أبو الحسن أحمد بن جمرة بن على بن الحسين بن الحسن المعروف بالهورينى قال: كتب إلىّ القاضى أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن على القضاعى، من مصر، قال: وجدت فى الصحراء ثلاثة مساجد، منهم مسجد هو غربىّ الخندق وبحرى قبر ذى النون، وهو الذي بناه أبو الطّاهر، وأبو الحسن محمد بن على المعروف بابن القرقوبى- المذكور آنفا- هدمه بعد أن كان صغيرا ووسّعه «7» . روى عن القاضى أبى جعفر محمد بن سلامة القضاعى عنه أنه قال «8» : لمّا هدمت هذا المسجد وأمرت بعمارته، رأيت فى النوم قائلا يقول: على أذرع من هذا كنز «9» . فاستيقظت وقلت: هذا من الشيطان «10» . ورأيت ذلك

تربة سماسرة الخير:

مرارا «1» ، فلمّا أصبحت غدوت «2» إلى المسجد، وأمرت بعض الفعلة بحفر الموضع «3» الذي قيل لى عنه، فحفروه «4» ، فإذا قبر عليه لوح كبير وتحته ميت فى لحد كأعظم ما يكون من الناس جثّة، وأكفانه طريّة لم تبل، ولم يبل منها شىء إلّا رأسه «5» ، فإنى رأيت شعره قد خرج من الكفن. فقلت: هذا هو «الكنز» بلا شك، فأمرت بإعادة اللّوح فى التراب، وأحرفت القبر حتى أساس الحائط «6» ، وأبرزته للناس. تربة سماسرة الخير «7» : وبجانب التربة تربة فيها قبور سماسرة الخير «8» رحمهم الله تعالى. يقال: إنّ رجلا جاء إلى السوق- بعد موتهم- يطلب شيئا لله تعالى، فقال لرجل: عسى أن تدلّنى على من يأخذ لى من المسلمين شيئا. فقال: أنا أفعل ذلك «9» . [ثم أخذه ودار به على الناس، فلم يفتح عليه بشىء] ، فأخذه

قبر أبى شعرة صاحب الدار:

وجاء به إلى قبورهم، ثم قال له «1» : هؤلاء سماسرة الخير. فقال له الرجل: أتيت بى إلى قبور؟! فجلس الرجل محزونا جائعا، فنام ممّا لحقه من الهمّ، فرأى فى منامه واحدا منهم، فقصّ عليه قصته، فقال له: امض إلى ولدى فى دارى الفلانية بالمكان الفلانى، واسمه فلان، وقل له احفر فى مكان كذا وكذا من الدار «2» ، وادفع لى ما أنفق «3» . فاستيقظ الرجل، وجاء إلى الدار التى وصفها له الميت، واجتمع بولده، وذكر له المنام، وعيّن له الموضع، فحفر فيه فوجد «برنيّة» «4» فيها ثلاثمائة دينار، فأخذها الرجل واستغنى بها. *** قبر أبى شعرة صاحب الدار «5» : وبجانبه إلى الشرق قبر أبى شعرة، يقال له: «صاحب الدار» رحمه الله تعالى، كان له دار يسكنها لله تعالى، ويجعل لمن يسكنها ما يأكل وما يشرب، والكسوة له ولعياله «6» لمدّة ستة أشهر. ويشترط ذلك مع كلّ ساكن «7» .

قبر الشيخ أبى الحسن الفرار:

قبر الشيخ أبى الحسن الفرّار «1» : وبجانبه إلى الشرق قبر الشيخ أبى الحسن على بن الحسن بن عمر المعروف بالفرّار، رحمه الله، وهو أحد المشايخ المجيدين «2» المحدّثين، والثقات المأمونين، سمع الحديث كثيرا «3» ، وحدّث عن أبى زكريا عبد الرحيم «4» بن أحمد البخارى، [وأبى علىّ بن صالح الرّوذبارى، وأبى عبد الله الحسين بن محمد العيسى، وأبى القاسم سعد بن على الريحانى، وأبى الحسن عبد الباقى بن فارس المقرئ، وأبى القاسم خلف بن أحمد الحوفى] «5» وغيرهم. ولم ينتشر الحديث بديار مصر إلّا منه، وأخذوا عنه كثيرا. *** ثم تستقبل الجهة البحرية على يمينك «6» تجد على شاطىء الخندق معبد ذى النون- رحمه الله- وقبالته قبر الشيخ أبى الخير الأقطع التيناتى رحمه الله تعالى- وسيأتى ذكره [إن شاء الله تعالى] «7» ، فأمّا المسجد الذي فيه معبد ذى النون هذا فهو الذي بناه الفخر الفارسى الآن ودفن به «8» ، وكان سبب

قبر الشيخ أبى الخير التيناتى الأقطع - رحمة الله عليه:

بنائه أنه رأى فى المنام كأنّه واقف على قبر الشيخ أبى الخير التيناتى رحمه الله، وهو ينظر إلى الصحراء وهى مملوءة رجالا عليهم ثياب بيض، وفيهم النبي، صلّى الله عليه وسلم، [وكأنه جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم] «1» فقبّل يده، فقال له: لم لا تبنى هذا المسجد؟ فقال: يا رسول الله، ما بيدى شىء. فقال: قل للمسلمين يبنونه. ثم مشيا إلى أن أتيا إلى قبر ذى النون، فوقفا على شفير القبر، فقال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: السلام عليك يا ذا النون، فكأنّ القبر انشق وقام منه رجل فقال: وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. قال الفخر «2» : ثم عدنا إلى قبر الشيخ أبى الخير التيناتى رحمة الله عليه، فقال: [له رسول الله صلّى الله عليه وسلم] «3» : يا فخر، ابن هذا المسجد «4» ، فإنه من توضأ ثم صلّى فيه ركعتين يقرأ فى الأولى بفاتحة «5» الكتاب وسورة تبارك، وفى الثانية بفاتحة الكتاب وسورة «هل أتى على الإنسان» ويسلم ويخرج من المعبد ووجهه إلى القبر إلى أن يأتى قبر الشيخ أبى الخير التيناتى «6» ، وسأل الله حاجته إلّا أعطاه الله إيّاها. قال الفخر رحمه الله: فانتبهت «7» ، فذكرت هذا المنام، فسمعه رجل، وكان يملك دارا، فباعها وبنى بها هذا المسجد. قبر الشيخ أبى الخير التّيناتى الأقطع- رحمة الله عليه: قبالة «8» المعبد المذكور- كما تقدم شرحه-[قبر الشيخ أبى الخير

التيناتى] «1» واسمه حمّاد بن عبد الله، وكان ينسج الخوص بإحدى يديه، ولا يعلم كيف ذلك «2» . وتأتى السّباع إليه على الدوام، وله العجائب فى أحواله، وقطعت يده مع لصوص أخذ معهم، إذ دخل مغارة وجدهم فيها، فأخذ وقطع معهم. وستأتى حكايته بعد ذلك «3» . كان رجلا زاهدا عابدا، أصله من المغرب، وسكن «التينات» وهى من أعمال «حلب» ، وكان أسود اللّون، سيدا من السادات «4» . وله كرامات، كانت السّباع والهوام تأنس به، فسئل عن ذلك فقال: الكلاب يأنس بعضها ببعض. مات سنة نيّف وأربعين وثلاثمائة. وقال أبو الخير المذكور: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى المنام، فقبّل بين عينىّ ثم قال لى: يا أبا الخير، عليك بالصلاة، فإنى استوصيت ربّى فأوصانى بالصلاة وقال: أقرب ما يكون منى العبد وهو يصلى لى «5» . وروى عنه أنه قال: دخلت مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم وأنا ذو فاقة، فأقمت

خمسة أيام لم أذق «1» طعاما، فتقدمت إلى قبر النبي صلّى الله عليه وسلم وقلت: يا رسول الله، أنا ضيفك الليلة، وتنحّيت ناحية ونمت خلف المنبر، فرأيت النبي صلّى الله عليه وسلم وأبا بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعلىّ بن أبى طالب بين يديه، فحركنى علّى رضى الله عنه «2» وقال: قم، قد جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقمت فقبّلت بين عينيه «3» ، فدفع إلىّ رغيفا، فأكلت نصفه وانتبهت وفى يدى النصف الآخر. وقال أبو بكر الدّارانى: أنشدنى الشيخ أبو الخير الأقطع «4» : أنحل الحبّ قلبه والحنين ... ومحاه الهوى فما يستبين «5» ما تراه القلوب إلّا ظنونا ... وهو أخفى من أن تراه الظنون وقال لى «6» : لن يصفو قلبك إلّا بصحيح النّيّة لله تعالى، ولن يصفو بدنك إلّا بخدمة أولياء الله تعالى، وما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلّا بملازمة الموافقة، ومتابعة الأدب، وأداء الفرائض، ومحبة الصالحين، وخدمة الفقراء الصادقين «7» . وكان يقول: حرام على قلب مشرب بحب الدنيا أن يسبح فى روح الغيوب.

وروى عن أبى الخير- رحمة الله عليه- أنه دخل عليه جماعة من أهل بغداد» فأكثروا عنده الكلام، فضاق صدره من كثرة كلامهم وحديثهم فى الدعاوى، فخرج عنهم، فجاء السّبع فدخل البيت عليهم، فانضمّ بعضهم إلى بعض وسكتوا، وتغيرت ألوانهم، فدخل عليهم أبو الخير وقال: يا ساداتى، أين تلك الدعاوى؟ وطرده عنهم. وقال أبو الحسين: زرت أبا الخير التيناتى، فلمّا ودّعته خرج معى إلى باب المسجد وقال: يا أبا الحسين، أنا أعلم أنك لا تحمل معك معلوما، ولكن خذ «2» هاتين التّفّاحتين، فأخذتهما ووضعتهما فى جيبى وسرت، فلم يفتح لى بشىء «3» ثلاثة أيام، فأخرجت واحدة فأكلتها، ثم أردت أن أخرج الثانية فإذا بهما جميعا فى جيبى، وكنت آكل منهما ويعودان كذلك إلى [أن وصلت] «4» إلى باب الموصل، فقلت فى نفسى: إنهما يفسدان علىّ حالى وتوكّلى على الله تعالى، إذا «5» صارتا معلوما، فأخرجتهما من جيبى، ونظرت فإذا فقير ملفوف فى عباءة وهو يقول: أشتهى تفاحة! فناولته إيّاها، فلمّا بعدت عنه وقع لى أنّ الشيخ إنما بعث بهما إليه، فطلبت الفقير فلم أجده. وقال «6» جمرة بن عبد الله العلوى: دخلت على أبى الخير، وكنت عقدت «7» فى نفسى أن أسلم عليه وأخرج ولا آكل عنده شيئا، فلما خرجت من عنده إذا به خلفى يحمل طبقا عليه طعام وقال: يا فتى، كل هذا، فقد خرجت الآن من عقدك.

وقال إبراهيم الرقّى: قصدت أبا الخير أزوره، فصلّى المغرب ولم يقرأ الفاتحة صحيحة «1» ، فقلت فى نفسى: ضاعت سفرتى، فلمّا سلّمت خرجت إلى الطّهارة، فقصدنى السّبع، فعدت إليه وقلت: إنّ الأسد قصدنى، فخرج وصاح عليه وقال: ألم أقل لك لا تتعرض لضيفانى؟ فتنحّى السبع «2» ، ومضيت، وتطهرت، فلما رجعت قال لى: اشتغلتم بتقويم الظّاهر فخفتم الأسد، واشتغلنا بتقويم الباطن فخافنا الأسد. وقال بكر بن عبد الله «3» : لم يكن لى علم بما كان سبب قطع يده، إلى أن هجمت عليه وسألته عن سبب قطع يده، فقال: يد جنت فقطعت. فظننت أنه كانت له صبوة فى حداثته فى قطع الطريق أو غيره، ثم اجتمعت به «4» بعد ذلك بسنين مع جماعة من الشيوخ، فتذاكروا مواهب الله تعالى لأوليائه، وأكثروا كرامات «5» الله لهم، إلى أن ذكروا طىّ المسافات، فتبرّم الشيخ بذلك وقال: لم تقولون فلان يمشى إلى مكة فى ليلة، وفلان فى يوم؟ أنا أعرف عبد الله تعالى حبشيّا كان جالسا فى جامع طرابلس، ورأسه فى جيب مرقّعته «6» ، فخطر له لو كان فى الحرم «7» فأخرج رأسه من مرقعته فإذا هو بالحرم «8» ، ثم أمسك عن الكلام. فتغامز الجماعة وأجمعوا «9» على أنه ذلك الرجل.

وقام واحد من الجماعة فقال: يا سيدى، ما كان سبب قطع يدك؟ فقال: يد جنت فقطعت. فقالوا: سمعنا هذا منك مرارا «1» كثيرة، أخبرنا كيف كان السبب. فقال: أنتم تعلمون أنّى رجل من أهل المغرب «2» ، فوقعت فى قلبى مطالبة السّفر «3» ، فسرت حتى بلغت الإسكندرية، فأقمت بها اثنتى عشرة سنة «4» ، وكان فى الناس خير. ثم سرت منها إلى أن صرت بين شطا «5» ودمياط، لازرع ولا ضرع، فأقمت اثنتى عشرة سنة «6» ، وكان فى الناس خير، وكان يخرج من مصر خلق كثير يرابطون بدمياط، وكنت قد بنيت كوخا على شاطىء البحر، وكنت أجىء من الليل إلى تحت السور، وإذا أفطر المرابطون ورموا باقى سفرهم «7» أزاحم الكلاب على اللباب «8» فآخذ كفايتى، وكان هذا قوتى «9» فى الصيف. قالوا: فما كان قوتك فى الشتاء «10» ؟ قال: كنت بنيت حولى كوخا «11» من البردى آكل أسفله وأعمل فى الكوخ أعلاه، فكان هذا قوتى «12» إلى أن نوديت فى سرّى: يا أبا الخير، تزعم أنك لا تشارك الخلق

فى أقواتهم وتشير إلى التوكل وأنت فى وسط المعلوم جالس! فقلت: إلهى وسيّدى ومولاى، وعزّتك لا مددت يدى إلى شىء تنبته الأرض حتى تكون أنت الموصل إليّ رزقى من حيث لا أكون أنا أتولاه. فأقمت اثنى عشر يوما أصلى الفرض والسّنّة، ثم عجزت، فأقمت اثنى عشر يوما أصلى جالسا، ثم عجزت عن الجلوس، فرأيت أنّى إن طرحت نفسى ذهب فرضى، فقلت فى سرّى «1» : إلهى وسيدى، فرضت علىّ فرضا تسألنى عنه «2» ، وضمنت لى رزقا تقيمنى به «3» . فتفضّل علىّ برزقى ولا تؤاخذنى بما عقدته معك. وإذا «4» بين يدىّ قرصان» وبينهما شىء- ولم يذكر لنا ما كان «6» ذلك الشيء، ولم يسأله أحد من الجماعة عنه- قال: فكنت آخذه وقت حاجتى إليه من الليل إلى الليل «7» ، ثم طولبت بالسّفر إلى الثغر، حتى دخلت قرية، فوجدت فى صحن الجامع قاصّا يقص على الناس وحوله جماعة «8» ، فوقفت بينهم أسمع [ما يقول] «9» ، فذكر قصة زكريا عليه السلام والمنشار، وما كان من خطاب الله تعالى له حين هرب منهم، وأنّ الشجرة دعته وقالت: إلىّ يا زكريا «10» ، فانفرجت ودخلها «11» وانطبقت عليه، ولحقه العدوّ، فناداهم إبليس: إلىّ، فهذا زكريا «12»

ثم أخرج لهم حيلة المنشار، فنشرت الشجرة حتى بلغ المنشار إلى رأس زكريا، فأنّ أنّة، فأوحى الله تعالى إليه: يا زكريا، إن أنّيت ثانية لأمحونّك من ديوان النّبوّة. فصبر «1» زكريا حتى نشر نصفين. قال أبو الخير: فقلت [فى نفسى] «2» : إلهى وسيدى، إن ابتليتنى لأصبرنّ. وسرت حتى دخلت «3» أنطاكية، فرآنى بعض إخوانى «4» ، وعلم أنى أريد الغزو، وكنت يومئذ أستحى «5» من الله تعالى أن آوى إلى وراء سور، فدفع لى سيفا وترسا وحربة «6» ، فدخلت الثغر خيفة من العدو «7» ، فجعلت مقامى فى غابة أكون فيها بالنهار، فإذا جاء الليل خرجت إلى الساحل فأغرز الحربة وأسند الترس إليها محرابا «8» ، وأتقلد بسيفى وأصلى إلى الغداة «9» ، فإذا صليت الصبح عدت إلى الغابة فكنت فيها نهارى. ثم خرجت يوما فنظرت إلى شجرة كرم قد أينعت وفيها عنقود قد وقع عليه النّدى «10» وهو يبرق، فاستحسنته، ونسيت عهدى مع الله تعالى وقسمى ألّا أمدّ يدى إلى شىء مما تنبته الأرض، فمددت يدى إلى الشجرة فقطعت منها عنقودا، وجعلت بعضه فى.

فمى «1» ، فتذكرت العهد، فرميت ما كان فى يدى، ولفظت ما كان فى فمى، ولكن بعد أن جاءت المحنة «2» ، فرميت الحربة والترس وجلست فى موضعى، ووضعت يدى على رأسى، فلما استقر بى الجلوس جاز بى رجال كثير وفرسان «3» وقالوا لى: قم، وساقونى وخرجوا بى إلى السّاحل، فإذا أمير وحوله عسكر وجماعة، وبين يديه جماعة من السودان كانوا يقطعون الطريق فى ذلك المكان قبل ذلك اليوم، وقد أمسكهم، وتفرقت الخيل فى الغابة يطلبون من ذهب منهم، فوجدونى أسود ومعى سيف وترس وحربة «4» ، وكان الأمير تركيّا، فقال لى: من أنت؟ قلت: عبد من عبيد الله تعالى. فقال للسودان: أتعرفون هذا؟ قالوا: لا. قال: بل هو كبيركم وأنتم تفدونه بأنفسكم. فقدّموهم فقطّعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، ولم يبق غيرى، فقدّمونى ثم قالوا «5» : مدّ يدك، فمددتها، فقطعت، ثم قيل لى: مدّ رجلك، فرفعت طرفى فى السماء وقلت: إلهى وسيدى، يدى جنت، فما بال رجلى؟! وإذا بفارس وقف على الحلقة ونظر إلىّ «6» ، ورمى بنفسه علىّ وصاح، وقال للأمير: هذا الشيخ أبو الخير المناجى الرجل الصالح! فصاح الأمير: لا حول ولا قوة إلّا بالله العلى العظيم. وجعل الأمير يقبل يدى ويعتذر إلىّ ويقول «7» : بالله عليك يا سيدى اجعلنى فى حلّ. فقلت له: أنت فى حلّ قبل أن تقطع يدى «8» . ***

قبر الشيخ أبى موسى يونس بن عبد الله الصدفى، صاحب الإمام الشافعى رضى الله عنهما:

وبجانب قبره إلى القبلة قبر العفيف العطّار، ويعرف بعبد الخالق، كان رجلا جيدا، حسن الصحبة، من فعلاء الخير، يحب الخير وأهله «1» . قبر الشيخ أبى موسى يونس بن عبد الله الصدفى، صاحب الإمام الشافعى رضى الله عنهما «2» : وتستقبل الغرب تجد قبرا بقى عليه لوح كدان عند رأسه، ولوح عند رجليه، وهو قبر مسنم لطيف، وفى آخر قباب الصدفيين والليث، هو على يسار المارّ إليه، وهو قبر يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص بن جابر الصدفى، وكيل الليث بن سعد، وآخر أصحاب الشافعى، يكنى أبا موسى «3» . كان من كبار العلماء، روى عن جماعة وروى عنه جماعة «4» . ومن حكاياته التى رواها عن غيره «5» أنّ إنسانا جاء إلى إنسان فقال له: أقرضنى «6» ألف دينار إلى أجل. فقال له: من يضمنك «7» ؟ قال: الله

تعالى. فأقرضه ما طلب «1» . فسافر الرجل ليتجر فيها «2» ، فباع واشترى وحصّل مالا عظيما «3» فلما جاء الأجل «4» أراد الخروج والسفر لوفاء دينه، فلم يجد مركبا، وحبسته «5» الريح، والبلد الذي هو فيه بعيد عن صاحب الدّين، فأخذ الرجل خشبة ونقرها ووضع فيها الألف دينار «6» ورماها فى البحر وقال: يا رب قد وفيت بضمانك فأوصلها إليه. ثم إنّ الرّجل صاحب المال خرج يوما إلى البحر وجلس يتوضأ على حافته، فطلعت له الخشبة بين يديه، فأخذها ومضى إلى داره، فكسرها فرأى فيها ألف دينار وورقة مكتوبا فيها: «قد وفيت ضمان الله تعالى» «7» . ثم إنّ الرّجل جمع ألف دينار بعد ذلك «8» . [وقال: إن لم تكن وصلت تلك، دفعت له هذه. ثم وجد مركبا] «9» وطابت له الريح، فركب وجاء إلى بلده، ثم جاء للمقترض منه وسلّم عليه «10» ، فقال له: من أنت؟ قال: أنا صاحب الألف دينار، وهذه ألّفك. فقال له الرجل «11» : لا أقبلها منك حتى تخبرنى ما صنعت فيها. وأخبره بالذى صنع، وأنه لم تطب له الريح. فقال له الرجل: لقد أدّى الله عنك الألف ووصلت.

وقال الشافعى عند باب الجامع العمرى «1» : ما دخل من هذا الباب «2» أعقل من يونس بن عبد الأعلى. وكان كثير التّنسّك، فقيرا، وكان مقبولا عند القضاة والحكّام. وروى عن الشافعى أنه قال له: يا أبا موسى، إنه ليس إلى الإسلام من الناس سبيل، فخذ بما ينفعك ودع ما سوى ذلك. قال: وقال لى الشافعى: يا أبا موسى، دخلت بغداد؟ قلت: لا. قال: [لم] تر الدنيا «3» . وقال يونس «4» : رأيت فى المنام قائلا يقول لى إنّ اسم الله الأعظم- أو قال: الأكبر- «لا إله إلّا الله» قال يونس: وكنت أجد مرضا، فقلتها عليه ومسحت بيدى فأصبحت معافى. شكى رجل إلى يحيى بن بكر الفقر، وسأله الدعاء، فقال: هلّا ذهبت إلى يونس الصّدفى فسألته الدعاء، فو الله إنّى لأجد لدعائه بركة «5» . وعن إبراهيم بن عثمان الفرّاء قال: كنت أختلف إلى يونس «6» بمصر أسمع منه [الحديث فلما عزمت على السفر والرجوع إلى المغرب جئت لوداعه، فسألنى عن اسمى واسم أبى وكنيتى ولقبى وشهرتى وبلدى] «7» فأخبرته، فأخرج قرطاسا «8» وكتب ذلك. فقلت له: ما هذا- أصلحك الله؟ فقال لى: فى

قبر الفقيه الليث بن سعد:

باطن هذا القرطاس أسماء العلماء الذين أخذوا عنى العلم «1» ، وقد جعلت على نفسى ألّا أنام فى كل ليلة حتى أستغفر لجميعهم. وتوفى يونس بن عبد الأعلى فى [شهر صفر الخير] «2» سنة أربع وستين ومائتين، وصلّى عليه أحمد بن طولون. قبر الفقيه الليث بن سعد «3» : ثم تمضى وأنت مبحّر [إلى آخر وسط قباب الصّدفيين] «4» تجد قبرا مضطبة، هو قبر العالم العلّامة الفقيه المجتهد الليث بن سعد بن عبد الرحمن الإمام أبو الحارث الفهمى المصرى، أحد الأعلام، شيخ أقاليم مصر، الأصفهانى، مولى عبد الرحمن بن خالد، وقيل: خالد بن ثابت بن ظاعن بن عبد الرحمن. قال «5» يحيى بن بكير: كان الليث يقول: دخلت على نافع مولى ابن عمر، فقال لى: من أين أنت؟ قلت: من مصر، مولى لبنى فهم. وقد انتهت إليه الرياسة فى زمنه فى مصر، روى عن جماعة من العلماء، منهم يزيد ابن أبى حبيب، ومحمد بن أسلم الزهرى، وأبى الزبير المكى، وسعيد بن أبى

هلال، وعبد الله بن أبى مليكة، وروى عن جماعة يطول شرحهم، منهم محمد ابن عجلان، وهشام بن سعد، وقيس بن الربيع، وعبد الله بن الربيع، وعبد الله ابن المبارك، وعبد الله بن وهب، وجماعة يطول ذكرهم. وقيل: إن الليث بن سعد أدرك نيّفا وخمسين من التابعين، قال ذلك أبو الحسن الواسطى «1» . قال يحيى بن بكير: سمعت أبى يقول: ما رأيت أحدا أكمل من الليث بن سعد، كان فقيه «2» النفس، عربّى اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ «3» الشعر والحديث، حسن الذّكر «4» . وما زال يذكر خصائله الحميدة حتى عدّ عشرا «5» . وقال عبد الله بن وهب-[ويقال: إنّ ذلك من كلام يحيى بن بكير] «6» : لولا مالك والليث بن سعد لضلّ الناس. وقال الحسن بن سعيد: قدمنا «7» مع الليث من الإسكندرية ومعه ثلاث سفن: سفينة فيها مطبخه، وسفينة فيها عياله، وسفينة فيها أضيافه «8» . وقال الشافعى رضى الله عنه. ما فاتنى أحد كان أشدّ علىّ من ابن أبى ذئب، والليث بن سعد. وقال الشافعى مرّة: الليث أفقه من مالك إلّا أنّ أصحابه لم يقوموا به. وقال مرّة: الليث أتبع للأثر من مالك «9» .

وقال منصور بن عمّار: قدمت مصر، ووعظت فى الجامع العتيق يوما واحدا، وحضر الليث رضى الله عنه فى ذلك اليوم، فلما فرغت قال لى: من أين أنت؟ قلت: من بغداد. قال: وما تريد؟ قلت: ألف دينار. فقال: هى لك علّى. ثم أنزلنى فى داره، فلما عزمت على السفر دفع لى الألف دينار وقال لى: صن هذه الحكمة التى آتاك الله. ثم دفع لى بنو الليث ألف دينار أخرى «1» . وقال أبو الفتح: دخلنا «2» على مالك بن أنس فقال: من فقيهكم؟ فقلنا «3» : الليث بن سعد. فقال: جزاه الله خيرا، كتبنا له فى قليل عصفر «4» نصبغ به ثياب الصغار، فأرسل إلينا ما صبغنا منه نحن وجيراننا وأصحابنا «5» ، وبعنا الباقى بألف دينار. وقال أبو محمد بن أبى القاسم: قيل للّيث بن سعد «6» : أمتع الله بك يا إمام، إنّا نسمع منك ما ليس «7» فى كتبك! فقال: أو كلّ ما فى صدرى فى كتبى؟ لو كان كذلك ما وسعه هذا المركب! وقال «8» أبو عبد الله محمد بن أحمد: قال أبو جعفر المنصور للّيث:

هل لك أن تلى مصر؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّى أضعف عن ذلك، وأنا رجل من الموالى. فقال أبو جعفر: ما بك من ضعف، فإذا أبيت فدلّنى على رجل أقلّده أمر مصر. فقال: عثمان بن الحكم الخزامى، رجل فيه صلاح وله غيرة. قال: فولّاه ذلك. وقال ابن خلّكان: رأيت فى بعض التعاليق أنّ الليث كان حنفّى المذهب، وأنه ولى القضاء بمصر. وكان الليث فى ابتداء أمره فقيرا لم يكن بتلك السّعة العظيمة، بل كان له مال قليل لم يكن بالواسع، حتى حلف هارون الرشيد بالطلاق من زوجته زبيدة بنت القاسم أنه من أهل الجنة، ثم ندم واعتزل عنها، وجمع كلّ فقيه فى بلده، فأفتاه جميعهم بالوقوع «1» ، فأنفذ خلف الفقهاء المصريين، فدخل عليه فى جملتهم الليث بن سعد، فجلس فى آخر الناس، وضرب الرشيد ستر «الزبيدة» وقص عليهم قصتها، فأفتى الجميع بالحنث إلّا الليث، فإنه أطرق، فقال الرشيد لأستاذ: امض وادع لى ذلك الرجل، فجاء به إليه فقال: أنت فقيه؟ قال: نعم. قال: ما تقول فيما قال أصحابك؟ قال: إن أردت الجواب فأمر بإخراج الجميع. فأخرجوا، وبقى الرشيد والليث وزبيدة، فدعا الليث بالمصحف الكريم فقال: سألتك بالله العظيم، هل قدرت على معصية وتركتها قط؟ قال: نعم، هويت امرأة، وبذلت لها مالا عظيما حتى أذنت لى بالوصال، ثم جاءت إلى عندى- وكانت ليلة جمعة- فلما دخلت إليها تذكرت عظمة الله تعالى، وأنه جبّار منتقم، وقلت: هذه ليلة جمعة، فخرجت على فورى. فقال الليث: قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى «2» . ثم قال: أقسمت عليك بالله العظيم لمّا خفت، هل كنت خائفا فى ذلك الوقت من الله تعالى، أو كنت بخلاف ذلك؟ فقال: والله ما كنت إلّا خائفا.

فقال: افتح الختمة، ففتحها، فوجد الليث سورة الرحمن، فاستدلّ على صدق الرشيد، فقال: اقرأ، فقرأ إلى أن وصل إلى قوله تعالى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ «1» . فقال: هل لك كلام بعد الشاهد الأول والثانى؟ قد أثبت الله لك جنّتين! ففرح الرشيد ودخل على زبيدة، وفرح أهل الدار فرحا شديدا، ثم خرج الرشيد إليه فقال: تمنّ علىّ. فقال: إنّ فى مصر عمالة «2» بكذا وكذا من الدّنانير فى كل يوم، أن تستعملنى بأجرة العمال. فقال الرشيد: هى لك بجميع غلّتها. ثم قال: هل تريد شيئا آخر؟ قال: نعم. قال: ما تريد؟ قال: أريد أن تدفع لى هذين الأستاذين- وهما على رأس الرشيد- فقال: خذهما. هل بقى لك حاجة؟ قال: نعم، تكتب لى كتابا ألّا يكون لأحد من عمّال مصر، ولا من رؤسائها فى الديار المصرية معى كلمة. فكتب له بذلك. ثم تجهّز ورجع إلى مصر- رحمة الله عليه. وكان من كرمه ما هو مشهور، وكان يقول: سقم الأبدان بالأوجاع، وسقم القلوب بالذنوب، فكما لا يجد «3» الجسد لذّة الطعام عند السّقم «4» ، كذلك لا يجد القلب لذّة العبادة مع الذنوب. حكى ذلك عنه يحيى بن معاذ الرازى. وقال ابن النحوى: صودر رجل فى زمنه بمصر، ونودى على داره، فبلغت أربعة آلاف درهم، فاشتراها الليث، وبعث يونس بن عبد الأعلى لأخذ المفاتيح، قال يونس: فذهبت لآخذ المفاتيح فوجدت فى الدار أطفالا وعائلة

وأيتاما يبكون، فقالوا لى: بالله عليك أنظرنا «1» إلى اللّيل حتى ننظر خربة «2» نذهب إليها. قال: فتركتهم وجئت إلى الليث فأخبرته بالخبر، فبكى وقال: عد إليهم وقل لهم: الدّار لكم، ولكم ما يقوم بحالكم من أدم «3» وكسوة فى كل يوم. وقيل: وقف الشافعى على قبره فقال: لله درّك من إمام! حزت أربع خصال لم يحزهنّ عالم: العلم، والعمل، والزّهد، والكرم. وقال عبد الله بن صالح- كاتبه: صحبت الليث عشرين سنة لا يتغدّى «4» ولا يتعشّى إلّا مع الناس، وكان لا يأكل إلّا لحما، ويقول: إنه يزيد فى العقل، إلى أن مات. وخرج الليث راكبا، فقوّمت ثيابه ودابّته وخاتمه وما عليه بثمانية عشر ألف درهم إلى عشرين ألفا. وكان يتصدّق كلّ يوم على ثلاثمائة مسكين. وقال ابن صالح أيضا: كان الليث إذا غشى أهله [قال] «5» : اللهمّ اشدد لى أصله، وارفع لى صدره، وسهّل لى مخرجه ومدخله، وارزقنى لذّته، وهب لى ذرّيّة صالحة تقاتل فى سبيلك. وقال أبو سعيد: كان الليث يصلى عندنا فى المسجد، فلا يسأله أحد من أهل المسجد شيئا إلّا أعطاه إيّاه. وقال ابن زولاق: أصيب اللّيث بأذى كثير بمصر، فصبر عليه «6» .

وعن أبى الحسن قال «1» : مررت باللّيث بن سعد فتنحنح لى، فرجعت إليه، فدفع لى قرطاسا وقال: اكتب لى فيه أسماء «2» من يلزم المسجد، ومن لا بضاعة له ولا غلة. فقلت له: جزاك الله خيرا يا أبا الحارث، وأخذت الورق «3» وسرت إلى المسجد، فلما صليت قدّمت السّراج وكتبت: بسم الله الرّحمن الرحيم، فلان بن فلان، ثم إنّ نفسى لم تدعنى أكتب شيئا، وعسرت علىّ الكتابة، وضاق صدرى، فبينما أنا كذلك إذ غلبتنى عيناى «4» فنمت، فآتانى آت فى منامى فقال لى: ها الله يا سعيد، تأتى إلى قوم عاملوا الله تعالى سرّا فتكشفهم لادمّى، مات الليث بن سعد، ومات شعيب بن الليث، أليس مرجعهم إلى الله تعالى الذي عاملوه؟ قال: فاستيقظت ولم أكتب شيئا، فلما أصبحت أتيت إلى الليث بن سعد، فلما رآنى تهلل وجهه وفرح بقدومى، فناولته [القرطاس] «5» فنشره، فإذا فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم، فلان ابن فلان، فسألنى: لم لا تكتب؟ فأخبرته بالمنام «6» ، فصاح صيحة عظيمة، فاجتمع علينا الناس وقالوا: ما الخبر يا أبا الحارث؟ فقال: ما تمّ إلّا الخير. ثم قال: يا سعيد، صدق القائل، مات الليث بن سعد، ومات شعيب ابن الليث، أليس مرجعهم إلى الله سبحانه وتعالى؟! قال «7» علىّ بن محمد: وكان سعيد هذا من الأبدال.

وعن أبى الحسن علىّ بن أحمد بن محمد البغدادى قال: سمعت شعيب ابن الليث يقول: قدمت المدينة مع أبى لزيارة الرسول صلّى الله عليه وسلم بعد انقضاء الحج، فأهدى مالك بن أنس لأبى طبقا من تمر، فأهدى إليه أبى ألف دينار، وكانت حجته سنة 133 هـ، وسمع فى تلك السنة من نافع مولى ابن عمر «1» ، وقال: كان عبد الله بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمى يطلب بنى أمية- لمّا آل إليه الأمر- للقتل، قال: فدخلت مصر فى حالة رثّة من جهة الملبس والحال، ومعى هميان «2» فيه مال على وسطى، فدخلت إلى مجلس الليث وهو يحدّث، فسمعت كلامه إلى أن قام من مجلسه، فلما قام خرجت أنا، فلمحنى الليث وتبعنى خادم وقال: اجلس حتى أخرج إليك، فجلست، فلما خرج ناولنى صرّة فيها مائة دينار وقال: يقول لك مولاى: أصلح بهذه حالك ولمّ شعثك. قال: فأخرجت الهميان من حزّتى «3» وقلت: أنا فى غنى عنها، ولكن أريد أن تستأذن لى على الشيخ. قال: فاستأذن، فأذن لى، فدخلت عليه، فأخبرته أنّى لست محتاجا إلى مال، واعتذرت إليه فى ردّها، وأخبرته بما معى من المال، فقال: هذه صلة وليست بصدقة. فقلت «4» : أكره أن أعوّد نفسى عادة وأنا فى غنى عنها. فقال: ادفعها إلى بعض أصحاب الحديث ممّن تراه مستحقّا لها، فلم يزل بى حتى أخذتها وفرّقتها على جماعة. فانظر إلى كرمه- رحمه الله- فى حال الضّيق والسّعة.

وكان الليث يسكن بالحمراء، وكان له مسجد هناك بجانب داره، وقد خرب المسجد، وخربت داره، وتغيّر المكان جميعه «1» . وروى الفتح بن محمود قال: [حدثنى أبى، قال] «2» : بنى الليث ابن سعد دارا [بقرقشندة بالريف] ، فهدمها ابن رفاعة [أمير مصر، وهو ابن عمه] «3» فى الليل عنادا له، ثم بناها ثانيا، فهدمها أيضا، فلما كان فى الثالثة أتاه آت فى منامه فقال: قم يا ليث فاسمع: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ «4» فلمّا أصبح إذا بابن رفاعة قد لحقه الفالج «5» ومات بعد ذلك «6» . وقال محمد بن وهب: سمعت الليث يقول: إنى لأعرف «7» رجلا لم يأت لله محرّما قط. قال: فعلمنا أنه أراد نفسه، لأنّ أحدا لا يعلم هذا من أحد. وروى محمد قال «8» : جالست اللّيث بن سعد، وشهدت جنازته مع أبى، فما رأيت جنازة قط أعظم منها ولا أكثر خلقا، ورأيت الناس وعليهم الكآبة والحزن وهم يعزّون «9» بعضهم بعضا ويبكون، فقلت لأبى: يا أبى،

كأنّ كلّ واحد من الناس صاحب الجنازة «1» . فقال: يا بنىّ، كان عالما كريما، عزيز العقل «2» ، حسن الفعل، كثير الأفضال، لا يرى مثله أبدا. ولمّا دفن سمع الناس قائلا يقول: قد مضى الليث فلا ليث لكم ... ومضى العلم جميعا وقبر «3» ولد الليث بن سعد رضى الله عنه فى سنة 94 هـ، ومات فى ليلة الجمعة منتصف شهر رمضان المكرم فى سنة 175 هـ. ويحكى أنّ امرأة جاءت بإناء صغير تطلب فيه من عسل النحل «4» ، فأمر أن يدفع لها زقّا مملوءا «5» ، فقيل له فى ذلك، فقال: طلبت على قدرها ودفعنا لها على قدرنا. وقيل: إنّ غلّة ضياعه وأملاكه بمصر كانت فى كل سنة ثمانين ألف دينار، وما وجبت عليه زكاة قط «6» . انظر «7» إلى ما قال بعضهم فى معنى ذلك شعرا: ولو نلت الّذى يبغيه قلبى ... لوسّعت المعاش على العباد وما وجبت علىّ زكاة يوم ... فهل تجب الزّكاة على جواد؟

وعن عبد الله بن محمد قال: سمعت منصور بن عمّار يقول: لمّا مرض «1» ابن لهيعة مرضه الذي مات فيه دخل عليه الليث بن سعد فقال: ما تشتكى؟ قال: الدّين. قال: كم عليك؟ قال: ألف دينار. قال: فدعاه الليث وأعطاه إيّاها. ولى ابن لهيعة القضاء ثلاثين سنة ما غرس ريحانة يشمها، ولا بنى بناء. وعن [أحد] «2» أتباع الليث قال: جاء سائل إلى الليث فأمر له بدينار، فأبطأ الغلام، فجاء سائل آخر فجعل يلح فى السؤال، فقال له الأول: اسكت. فسمعه الليث فقال: ما لك وله؟ دعه يرزقه الله عزّ وجلّ. ثم أمر له بدينارين «3» . *** ثم تأتى من مشهده إلى مشهد السيدة أم كلثوم ابنة القاسم بن محمد «4» ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علّى زين العابدين «5» بن الحسين بن علّى ابن أبى طالب، رضوان الله عليهم أجمعين. وإلى جانبها مشهد والدها القاسم بن محمد [بن جعفر الصادق بن محمد الباقر، صلوات الله على النبي محمد وعليهم أجمعين] «6» ومشهد السيد يحيى

قبر الشيخ أبى الخير سلامة بن إسماعيل المقدسى:

ابن زيد بن الحسين وقيل: بل هو يحيى بن الحسن بن زيد بن الحسين بن علىّ أبى طالب، المعروف بالمتوّج، ويعرف بأخى نفيسة «1» رضوان الله عليهم أجمعين. وبجواره مشهد السيد يحيى الشبيه بن القاسم الطيب الشيخ ابن محمد المأمون المذكور آنفا، وهو مشهد كبير بناه أبو الخير وأقاربه «2» . وتمشى على يمينك «3» - وقيل: على يسارك، وهو الصحيح- تجد تربة يقال: إن فيها أسماء بنت أبى بكر، كذا مكتوب على قبرها، ويحتمل أن تكون من ذرّيّة أسماء «4» ، فإن أسماء لم تمت بمصر باتفاق. قال القضاعى فى كتاب الخطط: إنها أسماء بنت أبى بكر بن عبد العزيز بن مروان، بنت أخى سيدنا عمر بن عبد العزيز، الإمام العادل، وهى التى وضعت المصحف بالجامع العتيق بمصر، وهو باق على ما هو عليه «5» . قبر الشيخ أبى الخير سلامة بن إسماعيل المقدسى «6» : وتخرج «7» من التربة وأنت مستقبل [القبلة] تجد حومة بها قبر

مشهد السيدة آمنة ابنة موسى الكاظم:

أبى الخير سلامة بن إسماعيل بن جمّاعة المقدسى الشافعى الضّرير، كان فقيها عالما، وله مصنفات فى الفقه، وسمع الحديث، وروى عن عبد العزيز بن محمد النصيبى الأنصارى، وأبى الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسى. ومن مرويّاته: عن معاوية- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يخطب: «اللهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين» الحديث. وقال ابن الزبير: قال معاوية لأبى عامر: «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤساء جهّالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا» الحديث. وتوفى أبو الخير سنة 328 هـ، وقبره بالقرب من قبر أبى العياش بن هاشم المقرئ «1» . *** [ثم] مشهد السيدين: الحسن والمحسن ابنى القاسم بن محمد المأمون المذكور آنفا «2» . مشهد السيدة آمنة ابنة موسى الكاظم «3» : ومشهدها على اليسار. قال شقيق البلخى: حججت سنة من السنين، فبينما أنا عند الكثيب الأحمر وإذا بشاب أصفر اللّون رقيق البشرة ومعه إناء يجعل فيه رملا ثم يصبّ فوق

الماء ويشرب منه، فعجبت من ذلك ودنوت منه وقلت: اسقنى من هذا- رحمك الله- فناولنى، فشربت، فإذا هو سويق «1» وسكّر، وسرت معه إلى أن دخلنا مكة، فسألت عنه وقلت: من يكون هذا الشاب؟ فقيل لى: هذا موسى الكاظم بن جعفر الصادق. ومات ببغداد. وهذه آمنة ابنته تعرف بأمّ المؤمنين. وحكى عنها خادمها أنه كان يسمع فى كل ليلة قراءة القرآن من قبرها. وجاءه رجل بعشرين رطلا من الزيت الطيب، وعاهده أن يقد ذلك عليها، فجعله فى القناديل جميعا، ثم أشعل النار فلم تشتعل فى شىء من القناديل، ولم يقدر على إيقاد مصباح، فتعجّب من ذلك، وأوقد قنديلا لها من غير ذلك الزيت، ونام تلك الليلة فرآها فى المنام فقالت له: ردّ على الرجل ما جاء به من الزيت، فإنّا لا نقبل إلّا طيبا. قال: فلما أصبحت أخذت الزيت، فقال لى: إنه مكّاس «2» . *** وتخرج من التربة تجد قبر القمّاح، كان رجلا صالحا كثير الخير «3» . * ثم [مشهد السيد على بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر الصادق] «4» . * ثم مشهد السيد محمد بن هاشم بن محمد الباقر بن على زين العابدين ابن الحسين عليهم السلام.

مشهد آسية بنت مزاحم:

* ثم مشهد السيدة زينب ابنة يحيى المتوّج «1» المعروف بأخى نفيسة. مشهد آسية بنت مزاحم «2» : ثم تمضى إلى مشهد آسية ابنة مزاحم بن أبى الرضا بن سهيون بن خاقان «3» وكيل أحمد بن طولون رحمها الله تعالى، وكانت من المتعبدات. وفى هذا المشهد «محراب» ابن الجوهرى أبو الفضل الواعظ، وعظ فيه مدّة، وفيه حائط على اليسار يعرف بالمصلّى القديم، بناه بن أبى السّرح الصحابىّ سنة 35 من الهجرة فى ولايته مصر من جهة أمير المؤمنين عثمان بن عفّان، وصلّى فيه عمرو بن العاص، وجدّد بناءه أحمد بن طولون «4» . قبر مالك بن سعيد الفارقى «5» : تخرج منه على يمينك وأنت مشرّق إلى باب السّور الجديد على يسارك قبل

أن تخرج من الباب «1» تجد قبرا تحت السور، هو قبر مالك بن سعيد بن مالك الفارقى، يكنى أبا الحسن، ولى القضاء من قبل الحاكم [أبى على المنصور فى النصف من رجب سنة 398 هـ قضاء جامعا، فلما كان فى اليوم الخامس من ذى القعدة سنة أربع وأربعمائة «2» انتزعت منه المظالم وأعيدت إلى ولّى عهد المسلمين. وفى يوم السبت لأربع بقين من شهر ربيع الآخر «3» سنة خمس وأربعمائة «4» ضرب عنقه بأمر الحاكم] «5» . وبقيت مصر بغير قاض ثلاثة أشهر «6» ، وكان يتوسط فى هذه المدة بين الناس أبو يوسف يعقوب، وأبو منصور بن المحتسب. وكان مالك محمودا فى ولايته، عفيفا عن أموال المسلمين، منصفا «7» للخاص والعام «8» . ***

قبر ميمونة العابدة:

ثم تخرج من باب السور الجديد إلى الخارج، وتمشى وأنت مشرّق تجد قبّة بها قبر الشريفة زينب. وعلى يمينك وأنت مشرّق تجد حائطا «1» تحته قبر يقال: إنه للحسن بن الحسين ابن ولد جعفر الصادق. وبجانبه قبر «فاطمة» ابنة العبّاس. ثم تمشى وأنت مبحّر تجد قبر محمد بن الفضل، من بنى برمك. وفى تلك الناحية قبور أشراف. وتجد على الطريق قبور أولاد أبى هريرة، رضى الله عنه «2» . قبر ميمونة العابدة «3» : وتمشى وأنت رائح إلى قبر «أشهب» تجد قبر ميمونة العابدة، أخت رابعة فى العبادة. حكى أنّ ذا النون «4» المصرى رضى الله عنه قال: وصفت لى جارية فى الجبل المقطم تتعبّد به يقال لها «ميمونة» العابدة، فانطلقت إليها لأزورها، فلقينى بعض العبّاد فقال لى: إلى أين يا ذا النون؟ فقلت: إلى زيارة ميمونة. فقال لى: إنها امرأة مجنونة. فأردت أن أرجع، فقلت: وما علىّ منها، لعلّى أراها، فعدت فرأيتها، فقالت لى: سلام عليك يا ذا النون! فقلت لها: من أين عرفتينى؟ فقالت: جالت روحى وروحك فى الملكوت، فعرّفنى بك الحىّ الذي لا يموت، والله ياذا «5» النون لست مجنونة، وإنما أنا بحبّه مفتونة! فقلت

قبر أشهب - صاحب مالك بن أنس:

لها: أوصينى. فقالت: يا ذا النون، اجعل التّقوى «1» زادك، والزّهد شعارك، والورع دثارك، لا يبعد عليك المطلوب، ولا يغلق فى وجهك باب المحبوب. يا ذا النون، إنّ لله أحبابا عرّفهم [به] «2» فعرفوه، وأطلق ألسنتهم بذكره فنزّهوه، لو احتجب عنهم طرفة عين لتقطّعوا من ألم البين. وحكى عنها أنها كانت تناجى ربها فى بعض الأيام فقالت: «يا سيدى، هل تحرق قلبى بحبك؟» . فإذا النداء: يا ميمونة، لا تظنّى «3» بنا إلا خيرا فإنّا لا نفعل ذلك أبدا. فقالت: وا شوقى إليك، وإن قرّبتنى! واحيائى منك، وإن غفرت لى! وأنشدت تقول شعرا «4» : ما بقا دمع فأبكى ... ها فؤادى فتّشوه «5» إن وجدتم غير ربّى ... فدعونى ودعوه *** قبر أشهب- صاحب مالك بن أنس «6» : وإلى جانبها من الشرق تربة بها قبر الفقيه الإمام العالم أبو عمر أشهب

ابن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم القيسيّ العامرىّ الجعدىّ، من ولد جعد ابن كلاب بن ربيعة بن عامر المالكى. أحد فقهاء مصر، من أصحاب مالك بن أنس، والليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة، وغيرهم. وروى عنه هارون ابن سعيد، وأبو عبد الله محمد بن عبد الحكم، وسليمان بن أبى طيبة، وبجبير ابن سابق الخولانى، وغيرهم. يقال: اسمه مسكين، ويقال: هو لقبه، وقيل: أشهب لقبه، والله أعلم. أثنى عليه الإمام الشافعيّ وقال: ما رأيت أفقه من أشهب لولا طيش فيه. ولى الشّرطة، وانتهت إليه الرياسة فى زمنه، وكان يصحب ابن القاسم «1» ومنه شىء فى نفسه، فحلف ابن القاسم بالمشى إلى مكة» ألّا يكلم أشهب. وكان أشهب إذا ناظر فى الفقه يهدر كالأسد، وكان له كلمة وجاه، قرأ على الإمام مالك بن أنس. وكانت له حلقة عظيمة بالجامع العتيق تحت الحائط البحرى. قال بعض المالكية: لما حلف ابن القاسم بالمشى إلى مكة ألّا يكلم أشهب [أرسل] «3» يطلب رضا ابن القاسم لما يعلم فيه من الزهد والورع، قال سحنون: فلم أزل بابن القاسم وأنا أتلطف معه وأرضيه حتى رضى عن أشهب وقال: أمشى إلى مكة وأكلمه «4» .

ثم تجهز ابن القاسم وخرج إلى مكة ماشيا، وخرج أشهب ماشيا، وخرج معه عبد الله بن وهب، وخرج معه سحنون. وكان أشهب يمد سماطا عظيما بطول الطريق، وكان ابن وهب يمد سماطا دونه، فيطعمون الناس، وكان ابن القاسم لا يحضر من ذلك شيئا. فقال ابن وهب لأشهب: هل لك أن تحضر ابن القاسم طعامك؟ فقال: افعل ما بدا لك من الأمر إن قدرت على ذلك، فجئت إلى ابن القاسم وقلت له: هل لك أن تحضر بنا على طعام أشهب؟ فسكت، فما زلت به حتى أنعم بالمجىء، فجاء وجلس، وجلس أشهب إلى جانبه، وجلست أنا، فلما قدّم الطعام نظر ابن القاسم إلى الملح، وجعل أصبعه فيه ثلاثا ثم قام وانصرف، ولم يجسر عليه منا أحد «1» . فلما خلوت به قلت له: لم اقتصرت على الملح وحده ولم تأكل غيره؟ فقال: إنى لا أعلم فيه شبهة. وقال ابن النحوى: كان الإمام أشهب فقيها، عالما، زاهدا، ورعا، محدّثا، خطيبا، يعدّ من الفقهاء والمحدّثين والمتصدرين للخطابة، وكان إذا خطب تصدع خطبته القلوب لفصاحته وبلاغته. وحكى عنه الجوهرى الواعظ قال: كان إنسان من طلبته، وكان من الفضلاء، وكان له والد، فمات وخلف مائة دينار، وكانت نفسه تتوق إلى النساء، فاستشار رجلا من أصحابه فى الزواج، فقال له: عليك بشراء جارية، فذهب إلى سوق الرقيق فوجد جارية كأنها البدر، وينادى عليها بمائة دينار، فاشتراها بما معه من المال وجاء بها إلى منزله، ولم يكن معه ما ينفق عليها، فأقامت عنده عشرة أيام فشاهدت ضيقا عظيما، وافتتن هو بحبها، فطلبت منه [أن يبيعها فى] السوق «2» ، فنزل بها على كره وباعها، ورجع إلى منزله، فبات

تلك الليلة فوجد لفراقها ألما عظيما، ولزم الوساد من ألم فراقها، فلما كان بعد أيام قلائل تفقده الإمام أشهب فى الحلقة فلم يجده، وكان الإمام محبّا له، فسأل عنه فقيل: هو مريض، فقام وجاء إلى منزله فطرق الباب، فلم يجبه أحد، فعالج الإمام الباب حتى فتحه، ثم دخل إليه فوجده قد أشرف على الموت، فسأله عن سبب مرضه، فلم يجبه بشىء، فلم يزل به حتى أخبره وقصّ عليه القصة. فقال له: ومن الذي شراها «1» ؟ فقال له. الأمير محمود بن سالم وهو صاحب الجامع «2» الذي بسفح الجبل. فقام الإمام إلى الأمير «3» محمود هو وجماعته من الطلبة فدخل عليه، وسلّم عليه وعظّمه، واستعرض حوائجه وسأله عن سبب حضوره عنده، فأخبره خبر الفقيه وما وجد من فراق الجارية، فقال له الأمير: إنّ جميع ما يراه الشيخ لها، وإنّ ولدى يدخل عليها فى هذه الليلة. فقام الشيخ وأراد الانصراف، وإذا بولد الأمير قد دخل، فلما رأى الشيخ أخبره أبوه خبر الجارية، وكان الولد من أهل الخير والصلاح، فقال الصّبّى للشيخ: إنّ الجارية وما جهّزت به، الجميع للفقيه كرامة لمجىء الشيخ. ثم حملت وما معها إلى بيت ذلك الفقيه، فأصبح كأنّما نشط من عقال. قال الفقيه أبو بكر بن عربى المالكى: كان أشهب فصيحا، حافظا، ذكيّا، وكان إذا خطب يسمع لصوته دوىّ. وذكره القاضى عياض فى طبقات الفقهاء وأثنى عليه. وكان أكثر الناس معرفة بأقوال مالك. وقال سليمان بن أبى طيبة: نهانا أشهب أن نتخطّى الكتب التى فيها حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقال: إيّاكم وأصحاب البدع. قيل له: وما أصحاب البدع؟ قال: الذين يتكلمون فى أسمائه وصفاته وقدرته وعلمه ولا يسكتون عمّا سكت عنه الصحابة والتابعون.

قبر الشيخ عبد الرحمن بن القاسم:

ولد أشهب سنة أربعين ومائة، وتوفى سنة أربع ومائتين «1» . ولم يدرك الشافعى «2» - رحمه الله تعالى- بمصر من أصحاب مالك- رضى الله عنه- سوى أشهب وابن عبد الحكم. وقال ابن عبد الحكم: سمعت أشهب يدعو على الشافعى بالموت، فذكرت ذلك للشافعى، فقال متمثّلا «3» : تمنّى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد «4» فقل للّذى يبغى خلاف الذي مضى ... تزوّد لأخرى غيرها فكأن قد «5» وقد علموا لو ينفع العلم عندهم ... لأن متّ ما الدّاعى علىّ بمخلد ثم توفى الشافعى عن قرب، ومات أشهب بعده بثمانية عشر يوما «6» . *** قبر الشيخ عبد الرحمن بن القاسم «7» : وإلى جانب قبر أشهب «8» صاحب مالك بن أنس، رضى الله عنه،

قبر الشيخ الإمام العالم المفتى، ابن القاسم، وقيل: كنيته أبو عبد الله عبد الرحمن ابن القاسم بن خالد العتقيّ المالكى، صاحب المدوّنة. ويكنى أيضا أبا عبد الله مولاهم المصرى، والعتقى، والطّلقى. والعتقى قوم عتقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الفتح، والطّلقاء قوم أطلقهم الله، فسمّوا هؤلاء العتقاء، وهؤلاء الطّلقاء. كان ابن القاسم [رجلا صالحا، نحيف الجسم من كثرة الصيام والقيام] «1» وكان من كبار العلماء والزّهّاد، وأخذ العلم عن جماعة، منهم الإمام مالك، وسفيان بن عيينة، والزهرى. وروى عنه الحارث بن مسكين وجماعة، منهم الإمام البخارى، والنّسائى، وغيرهما، كأبى موسى عيسى بن إبراهيم الغافقى. ومن مرويّات الحارث بن مسكين عنه حديث عمر بن الخطّاب، عن النبي صلّى الله عليه وسلم، أنه قال: «إنّما الأعمال بالنّيّات، وإنّما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» . وروى عنه أبو الحسن بن سعيد، عن النّبى صلّى الله عليه وسلم: «أنه أتى إليه بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابىّ، وعن يساره أبى بكر رضى الله عنه، فشرب النّبى صلّى الله عليه وسلم، ثم أعطى الأعرابىّ وقال: الأيمن» . وقال أبو الفتح محمود: سمعت الشيخ عبد الرحمن بن القاسم يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: «ليس العلم بكثرة الرّواية، إنّما هو نور يضعه الله تعالى فى القلوب» . وإلى تلك الإشارة يقول الشافعى رضى الله عنه: «ليس العلم ما حفظ، إنما العلم ما نفع» .

قال أبو العباس أحمد: سمعت الحارث بن مسكين يقول: كان ابن القاسم كثير العلم والزّهد والسخاء والشجاعة، وكان مجاب الدعوة، وأحد الأعلام القائمين بمذهب مالك. أنفق أموالا جمّة فى طلب العلم. وقال النسائى: ثقة مأمون، وأحد الفقهاء. وعن مالك أنه ذكر عنده عبد الرحمن بن القاسم، فقال: «عافاه الله، مثله كمثل جراب فيه مسك» . وصحب مالكا عشرين سنة، وانتفع به أصحابه بعد موته. وكان مالك شيخه فى العلم، وشيخه فى الورع والعبادة سليمان «1» . وقال الحارث: سمعت ابن القاسم يقول: رأيت فى المنام كأنّ قائلا يقول: إنّ الله يصلّى عليك وعلى سعيد بن زكريا، يعنى سعيد الأدم «2» . وحكى عنه- رحمه الله- أنّ رجلا من التّجّار أودع عنده مائتى دينار، فأخذها الشيخ وخبّأها فى مكان عنده فى داره، فجاءت زوجته وأخذتها، وجهّزت ابنته بها وزوّجتها، فجاء صاحب المال وطلبه، فدخل الشيخ ليأتيه به فلم يجده، فقال لزوجته: أين مال الرجل؟ فقالت له: قد جهزت به ابنتك. فقال لها: كيف العمل؟ فقالت له: علىّ ردّها إن شاء الله تعالى. فقال لها: من أين؟ فقالت له: من كنز لا ينفد، فقل لصاحبها أنظرنى «3» إلى الغد! فجاء ابن القاسم إلى الرجل وقال: أنظرنى إلى الغد، فإنّ هناك ضرورة «4» .

ثمّ لمّا جنّ الليل قامت زوجته وتوضّأت وجعلت تصلى وتدعو وتسأل الله تعالى، فرأى «أشهب» رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، فى المنام وهو يقول له: إنّ صاحبك ابن القاسم محتاج إلى مائتى دينار، فلا تصلى الصبح إلّا وهى عنده. فانتبه من منامه وقت الفجر، ثم أخذ مائتى دينار وأتى بها إلى دار ابن القاسم، وطرق عليه الباب، فخرج إليه ابن القاسم، فسلّم عليه «أشهب» وأعطاه الذهب «1» ، فبينما هو يحدّثه فى تلك القضية إذا بصاحب المال قد أقبل وقال له: يا سيدى لا تأخذ منه شيئا، فقد اشتريت بها البارحة قصرا من ربّى فى الجنّة. فردّ ابن القاسم المال إلى «أشهب» ، فقال: والله لا رجوع لى فيما خرجت عنه. وقال ابن القاسم: وأنا لا حاجة لى بها، فتصدّق بها أشهب وابن القاسم فى وقت واحد، رضى الله عنهم. وحكى زيد بن أبى يزيد قال: سمعت أبى يقول: سمعت ابن القاسم يقول: كنت بالإسكندرية فرأيت أنّى اصطدت طيرا بازيّا فقصصته، فإذا هو مملوء جوهرا، قال: فجئت إلى ابن أبى شعيب ففسرته عليه، فقال: لعلّك حدّثت نفسك بشىء من طلب العلم. قال: فقلت هو ذاك. قال: من ذا الذي ذكرت؟ فقلت: مالك «2» . فقال: هو بازك صدته. وقال ابن القاسم: رجلان أقتدى بهما فى دينى: سليمان فى الورع، ومالك بن أنس فى العلم. وقال محمد بن يحيى: سمعت عبد الرّحمن بن القاسم رضى الله عنه يقول: «ما أظن أحدا تعلّم من الناس كعلمى فأفلح، لقد كنت أحضر مجلس مالك وأسمع منه، فإذا لم يحضر أصحابى أخبرهم إذا سألونى عن جميع ما سمعت، وكنت إذا غبت وسألتهم لم يخبرونى ولم يلتفتوا إلىّ، فأفلحت وخابوا- أو علمت وجهلوا» .

قال: وكان من دعاء ابن القاسم: «اللهمّ امنعنى من الدنيا وامنعها منى ما منعت به عبادك الصالحين» . وقال أسد: قال لى ابن القاسم: كنت أختم كل يوم وليلة ختمتين، فلما جئتنى نزلت لك عن ختمة رغبة منى فى إحياء العلم. قال بعض أصحاب ابن القاسم: صليت معه صلاة عيد الفطر والأضحى، ثم دخل المسجد ودخلت معه، فصلى ثم سجد فأطال السجود حتى خفت فوت الغداء مع أهلى، فدنوت منه، فسمعته يقول: «إلهى، انقلب عيدك إلى ما أعدّوه له لهذا اليوم، وانقلب عبد الرّحمن إليك يرجو أن تغفر له فى هذا اليوم العظيم، فإن كنت فعلت فبخ بخ «1» ، وإن لم تفعل فيا خجلته، ويا معصيته، ويا حسرته!» . قال الرجل: فمضيت إلى أهلى فتغديت معهم ونمت هنيهة وجئت إلى المسجد فوجدت ابن القاسم على هيئته كما تركته. وقال يحيى بن عمر: خرج ابن القاسم فى بعض صحارى مصر، فعطش؛ وكان قد خرج أمير مصر متنزها بتلك الصحارى، فبينما هو سائر إذ وقفت دوابّه وجماله ولم تنطلق، فضربت فلم تنهض. فقال لإخوانه وخدمه: انظروا ما الذي أوجب ذلك؟ فما حبسنا إلّا الله سبحانه. فنظروا إلى شخص يلوّح، فإذا هو ابن القاسم، فجاء إليهم، فسألوه عن خبره، فأخبرهم بالعطش، فجاءوا له بالماء، فشرب إلى أن روى، فسارت دوابّهم، فعلموا أنّ تلك الوقعة كانت بسببه. وقال الحارث- يعنى ابن مسكين: قال سحنون: رأيت ابن القاسم فى النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: وجدت عنده ما أحببت.

وكان ابن القاسم فى الزهد شيئا عجيبا. وتوفى سنة إحدى وتسعين ومائة. ويقال: إنه دفن بالقرب من قبر أبى الحسن الدّينورىّ من جهة الباب البحرى على يسار الدّاخل فى تربة هناك، والصحيح أنه بهذه المقبرة «1» . قال سحنون: لو لم يكن من أصحاب مالك إلّا ابن القاسم لكفاه. وكان سحنون من خواص أصحابه. وهو سحنون أبو سعيد عبد السلام ابن سعيد التنوخى، يكنى أبا سعيد، وكان عالم القيروان فى مذهب الإمام مالك، خبيرا بالمذهب، عالما بالآثار، وألّف كتابه المشهور جمع فيه العلم والفقه، وهو المسمى بالمدوّنة، وكتاب السير، وهو عشرون مجلدا، وكتاب التاريخ، وهو فى ستة أجزاء، وكتاب الرّدّ على الشافعى وأهل العراق، وكتاب الزهد والأمانة. وله تصانيف كثيرة. ولد- رضى الله عنه- سنة ستين ومائة، وتوفى سنة اثنتين «2» وأربعين ومائتين [وقيل] «3» : توفى فى شهر رجب سنة أربعين ومائتين. وكان من أصحاب مالك، نزل مصر وأقام بها، ومات بالمغرب، وكان زاهدا ورعا. وكان يقول: العلم حجة الله على عباده، والعلماء مع الأنبياء، وخير الناس علماؤهم. وقال عبد الوهاب: ركبت مع سحنون البحر المالح فهاج علينا ريح، فخفت، فنمت من شدة خوفى، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال لى: أتخاف- أو يخاف أهل السفينة وفيهم سحنون؟ فاستيقظت فإذا البحر قد سكن، ووجدت سحنونا يصلى، فلما انتقل من صلاته قال لى: اسكت، لا تخبر أحدا من أصحاب السفينة. فقال: فلم أتكلم.

وقال بعض العلماء: تفقّه سحنون على ابن القاسم، وابن وهب، وأشهب، وانتهت إليه الرياسة فى العلم بالمغرب. وكان يقول: قبّح الله الفقر، أدركنا مالكا، وقرأنا على ابن القاسم. وولى القضاء بالقيروان وعوّل على قوله «1» بالمغرب، كما عوّل على قول ابن المواز بمصر. وحصل له من الأصحاب والتلامذة ما لم يحصل لأحد من أصحاب مالك. وكان فى طبقة يحيى بن بكير- رضى الله عنهم. وقدم سحنون من بلاد المغرب للمدينة الشريفة يقصد القراءة على مالك، فوجده- لمّا قدم المدينة- توفى، فقيل: إنّ ابن القاسم فى مصر، وهو مالك الصغير، فجاء إلى مصر وطلب من ابن القاسم أن يقربه، فوجده قد تعبّد وترك الإقراء، فجاء سحنون يوم الجمعة إلى الجامع العمرى، وصبر إلى انقضاء الصلاة، وشكى حاله إلى الناس، فأشاروا عليه برجل بزّاز، وكان يقوم بمصالح ابن القاسم، وكان ابن القاسم يقرأ عليه القرآن، فجاء سحنون إلى البزاز وكلّمه، فكلّم البزّاز ابن القاسم فى إقراء سحنون، فأنعم له «2» لأجل البزّاز. وكانت له وظيفة فى القراءة، فاختصرها لأجل إقراء سحنون، وكان مع سحنون- ممّا فضل من نفقته- ثلاثمائة دينار، فدفعها للبزّاز وقال له: اتّجر لى فيها بما يحصل لى منه القوت، فأخذها منه وجعل له أن يأخذ منه كلّ يوم ما يحتاج إليه فى مصالحه. ومكث سحنون ثلاثة أعوام يقرأ على ابن القاسم حتى تعلّم ما علمه ابن القاسم من مالك، ثم عزم على السفر إلى بلاده، فطلب من البزّاز ماله، فحاسبه البزّاز على الرّبح المتحصل له، فإذا هو ثلاثمائة دينار، فدفع إليه ستّمائة دينار، فقال: ألم تكن تدفع لى فى كل يوم كذا وكذا من الدّراهم؟ فقال البزّاز:

من يحصل لى «1» مثل سحنون، يقرأ على ابن القاسم وأقوم؟ والله لا آخذ شيئا من ذلك! وحكى أنّ أمير مصر قال لعبد الرحمن بن القاسم: إنّى أريد أن أزوّجك ابنتى وأقوم عنك بجميع لوازمها. فقال: حتى أشاور معلمى سليمان- يعنى الزاهد- فشاوره، فقال له سليمان «2» : أتحبّ أن تلبس الخزّ؟ قال: لا والله. قال: أتحبّ أن تركب الخيل؟ قال: لا والله. قال: أتحبّ أن تخدمك الصقالبة؟ قال: لا والله. قال: أفتحبّ أن يراح عليك بالجفان غدوة وعشية؟ قال: لا والله. قال: أفتحب أن يشار لك بالأصابع؟ قال: لا والله. قال: فما تريد بمصاهرة هذا؟ ارجع عن ذلك تلقى الخير إن شاء الله تعالى. وقيل لابن القاسم: متى يكون العالم عالما؟ قال: إذا لم يكن بينه وبين الله رياء. وكان يداوم الصوم حتى يرى كالشّنّ البالى. وقال الشيخ عبد الوهاب البغدادى: كان ابن القاسم قد محل من العبادة «3» والصوم حتّى كان يرى باطن عظمه. وقال الجوهرىّ: الوعّاظ «4» ثلاثة، كانت ترى خضرة البقل من تحت جلودهم، وهم: ابن الوردى، وعتبة الزاهد، وابن القاسم. وقال ابن القاسم لابن الماجشون «5» - وقد قال له: أوصنى- قال:

قبر صاحب الإبريق:

حقّق عملك، واعمل لما بين يديك، وإن قدرت على عزلة فافعل، وأغضب الدنيا ترى الأخرى، واترك ما عند الناس تجد ما عند الله. قال القاضى عياض: مات والد عبد الرحمن بن القاسم وخلف عشرة آلاف دينار، فلم يأخذ منها شيئا تورّعا. قبر صاحب الإبريق «1» : يقال عنه: إنّ ركبا «2» مرّ عليه وقد أدركهم العطش، فسقاهم جميعا من إبريق له. وقيل: بات عنده قوم فلم يجدوا ماء- سوى إبريق فيه ماء- فأرادوا الانصراف، فقال لهم: اشربوا وتوضّئوا وقولوا: بسم الله، يكفيكم إن شاء الله تعالى، ففعلوا ذلك، فلم ينقص الإبريق شيئا. وإلى جانب قبر ابن القاسم من جهة القبلة فى الركن قبر السيد الشريف بدر الدين أبى محمد حسن بن محمد بن عبد الله الحسينى، الشهير بالعريان، له كرامات وخوارق. وإلى جانبه قبر ولده محمد، وهذه التربة مشهورة به.

وبهذه التربة قبر محمد بن يحيى [بن] «1» الإمام مالك بن أنس، وكانت وفاته بمصر. وبها قبر أبى الأزهر عبد الصمد بن الإمام عبد الرحمن بن القاسم، كان يروى عن أبيه وعن سفيان بن عيينة، توفى سنة مائتين وواحد وثلاثين فى شهر رجب، وكان فقيها فاضلا يقرأ القرآن على الإمام ورش، ومن أجله اعتمد أهل الأندلس على قراءة ورش. وإلى جانبه قبر أخيه موسى بن عبد الرحمن، توفى سنة مائتين وواحد وأربعين. وبها قبر الفقيه أبى رجاء محمد ابن الإمام أشهب، توفى فى ذى الحجة سنة مائتين وتسع وأربعين. ثم تخرج من التربة إلى مسجد أشهب، إلى الجهة الشرقية من قبره، تجد قبرا به «التّالى لكتاب الله» شرف الدين يحيى، المكنى بأبى زكريا، والملقب بالتّلا، قبره داثر، وكان من عبّاد الله الصالحين، كثير التلاوة لكتاب الله تعالى. ثم تمضى من قبره إلى قبلة المشهد تجد قبر الفاضل أبى الحسن على التمار، كان من ذوى الأسباب، عرف بزيارة الحسين، وكان محافظا على زيارته. وإلى جانبه من الغرب تربة بها قبر أبى عبد الله محمد بن إبراهيم بن على الواسطى المحدّث، روى عن مجاهد أنه لقى فى كنز لوحا من ذهب، على إحدى وجهيه مكتوب: «لا إله إلّا الله الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد» . وعلى الوجه الآخر: «عجبا لمن رأى الدنيا وتنقّلها بأهلها كيف يطمئنّ إليها؟» . جسم على البرّ ليس يقوى ... ولا على أيسر الحراره فكيف يقوى على جحيم ... وقودها النّاس والحجارة

ومن غربّى هذه التربة قبر «ميمونة» المذكورة، ثم تجىء إلى قبر الفضل ابن بحر التاجر، كان له صدقة ومعروف. حكى عنه قال: بينما أنا أسير فى الجبل المقطم رأيت شابّا عليه أثر العبادة ودموعه تتحدّر على خدوده، فسلّمت عليه وقلت: من أنت؟ قال: عبد أبق من مولاه. فقلت له: يعود ويتعذّر، فقال: العود يحتاج إلى إقامة حجّة، ولا حجّة للمفرط، فقلت له: هل لك فيمن يشفع لك عند مولاك؟ فقال: مولاى ربّانى صغيرا فعصيته كبيرا، ثم صاح صيحة عظيمة وقع منها ميتا، فخرجت لى عجوز من مغارة وقالت: من ذا الذي أعان على قتل هذا البائس الحيران؟ ثم بكت، فقلت لها: هل لك فى المعاونة على دفنه؟ فقالت: دعه دليلا بين يدى مولاه، فعسى أن يراه بعين عفوه فيرحمه، فولّيت عنها وانصرفت فسمعتها تنشد وتقول: لا عدت أركب ما قد كنت أركبه ... جهدى فخذ بيدى يا خير من رحما هذا مقام ظلوم خائف وجل ... لم يظلم النّاس إلّا نفسه ظلما فاصفح بفضلك عمّا جاء معترفا ... بزلّة سبقت منه وقد ندما مالى سواك ولا علم ولا عمل ... فامنن بعفوك يا من عفوه عظما *** وبهذه الحومة قبر زينب بنت الأباجلى، كان على قبرها قبّة حسنة. حكى عنها أنه كان بجوارها رجل، وكان مسرفا «1» على نفسه، مدمنا للخمر، وكان يؤذيها فى الليل من كثرة «عياطه» «2» ، فلما مات سألت الله تعالى أن تراه

فى منامها، فرأته بعد موته وهو يرفل فى حلّة خضراء، فقالت له: ما فعل الله بك؟ فقال لها: أوقفنى بين يديه وحاسبنى حسابا شديدا، وأمر بى إلى النار، فضربت بكل شريفة ألف ضربة. فقالت له: بأى وسيلة حصل لك هذا الأمر؟ فقال: كانت زوجتى- لمّا متّ- حاملا، فوضعت بعد موتى، فلما ولدت وربّته وكبر تكلّم فقال: «لا إله إلّا الله» فأعتقنى الله بها من النار، فلمّا دخل «الكتّاب» لقّنه الفقيه «بسم الله الرحمن الرحيم» فأدخلنى الله بها الجنة، وأعطانى فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. شعر: ذنوبى كثير لا أطيق احتمالها ... وعفوك يا ذا العرش أعلى وأكبر وقد وسعتنى رحمة منك هاهنا ... وإنّى لها يوم القيامة أفقر *** ثم تمشى إلى قبر، قيل: إنه عنتر النّجّار، يقال: هو نجار النبي صلّى الله عليه وسلم، وكان عليه رخامة أنّه ابن أبى جعفر فقيه مصر وعالمها، انتهت إليه الرياسة فى العلم والفتوى، وكان عظيم الشأن، جليل القدر، كثير الصّمت، وكان يقول: لسان ابن آدم سبع ضار، إن أطلقه ندم، وإن أمسكه سلم. ذكره ابن يونس فى تاريخه. [وبالقرب من] «1» الحومة قبر المرأة الصالحة «فاطمة» من ذرّيّة العباس ابن مرداس السّلمى الصحابى. وبالقرب منها قبر الرجل الصالح أبى القاسم الفوطى، كان يصنع الفوط الحمّامية ويتصدق بأجرتها، ويتقوّت بشىء يسير.

قبر أبى يعقوب البويطى الشافعى:

ويجاوره قبور السادة المعافرية، ويقال لهم: اللّوّاحين، قيل: إنهم كانوا يصنعون الألواح ويفرّقونها على الأيتام والأطفال فى المكاتب لتعلّم القرآن. وإلى جانبهم قبر «أعلاهم» الشامى، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: عبد الحافظ، ولقّب بذلك لأنه صحب أربعمائة ولىّ ثم قال: اللهمّ إنى أعلاهم، فرأى فى منامه تلك الليلة قائلا يقول له: أنت أعلاهم، فمن ثمّ كان يدعى بذلك. وقبره معروف بإجابة الدعاء. قبر أبى يعقوب البويطى الشافعى «1» : وبالقرب من قبره قبر يقال: هو لأبى يعقوب يوسف بن يحيى البويطى الشافعى، وأبو يعقوب هذا منسوب إلى قرية من صعيد مصر التحتانى، كان من أصحاب الشافعى، وأوصى له الشافعى عند موته بأن يخلفه فى حلقة العلم، وكان أنفع أصحابه للطلبة بعده، وانتهت إليه الرياسة بمصر بعد الشافعى، رضى الله عنه. وقال له الشافعى: أنت تموت فى المحنة «2» ، وكان كذلك، فإنه حمل إلى بغداد وسئل عن خلق القرآن، فلم يجب بشىء، وكان فى كل يوم يخرج من السجن مع الأعيان يرفل فى قيده فيسأل، فيقول: هو كلام ربّى ليس بمخلوق، فيضرب ويعاد إلى السجن. قال أبو بكر بن ثابت: بعث ابن أبى دؤاد «3» إلى البويطى بعض أصحابه

إلى السجن وهو يقول له: إنه يسلم عليك- وكانت بينهما صداقة- وإذا كان الغد وأحضرت بين يدى أمير المؤمنين وسألك عن خلق القرآن فقل به، ولك علىّ أربعون «1» حملا محمّلة ممّا تريد، تعود بها إلى مصر. فقال للرسول: نعم فى غد نتكلم إن شاء الله تعالى. فلما أحضر جلس الخليفة، وجلس ابن أبى دؤاد، فقال له البويطى: والله لا أقول ذلك ولو أعطيت وزن جبل تهامة ذهبا، فضرب، فكان إذا شرب الماء خرج من بين أضلاعه. وكان يقول: من قال إنّ القرآن مخلوق فهو كافر. هكذا قال المزنىّ والربيع، وكلّ منهما يروى ذلك عن الشافعى. ولأبى يعقوب مختصر غاية فى الحسن، على مذهب الإمام الشافعى، على نظم أبواب المبسوط. وحكى عنه صاحب جمع الجوامع، مع القاضى تاج الدين السبطى، عن البويطى، عن الشافعى: أنّ الإنسان إذا مات وعليه اعتكاف واجب اعتكف عنه أولياؤه. وفى رواية: يطعم عنه أولياؤه. وفى رواية: يسقط ولا شىء عليه. ومن اختياره أنّ الجنب إذا تيمم بنيّة الطّهارة الصّغرى لم يصح تيمّمه، وبهذا قال الربيع. وهو قول مالك وأبى حنيفة. قال البويطى: رأيت مكتوبا على حائط: «الزاهد من لا يجد فيزهد» . قلت: «إنّما الزّاهد من يجد فيزهد» . قال السّاجى: كان أبو يعقوب إذا سمع المؤذّن وهو فى السجن يوم الجمعة، اغتسل ولبس ثيابه، ويمشى حتى يبلغ باب السجن، فيقول له السّجّان: إلى أين تريد؟ فيقول: أجيب داعى الله. فيقول: ارجع عافاك الله. فيقول: اللهمّ إنك تعلم أنّى قد أجبت داعيك فمنعت «2» .

قبر فاطمة بنت جعفر الصادق:

وقال أبو الوليد بن أبى الجارود: كان البويطى جارى، فما كنت أنتبه من الليل إلّا سمعته يقرأ ويصلى. وقال الشافعى، رضى الله عنه: ليس من أصحابى من هو أحقّ بمجلسى من يوسف بن يحيى «1» ، وليس من أصحابى من هو أعلم منه. وروى عنه أنه قال: أبو يعقوب لسانى. وقال بعض المؤرخين: كان البويطى واسطة عقد جماعته «2» ، وأظهرهم نجابة، اختصّ به فى حياته، وقام مقامه فى الدرس والفتوى بعد وفاته. سمع الحديث من عبد الله بن وهب، ومن الشافعى، وروى عن جماعة، منهم أبو عيسى الترمذى، وإبراهيم بن إسحاق الخولى، والقاسم بن المغيرة الجوهرى، وأحمد بن منصور الرمادى، وغيرهم. وقال الربيع بن سليمان: رأيت البويطى على بغل، وفى عنقه غلّ، وفى رجليه قيد، بينهما سلسلة «3» من حديد فيها طوبة، زنتها ما يقارب الأربعين رطلا. ومات مسجونا ببغداد يوم الجمعة، قبل الصلاة، فى شهر رجب سنة إحدى وثلاثين ومائتين. قبر فاطمة بنت جعفر الصادق «4» : وإلى جانبه حوش لطيف به قبر السيدة الصالحة الشريفة فاطمة بنت جعفر الصادق.

حكى ابن عثمان- صاحب هذا الكتاب- عن المسكّى: أنها كانت متزوجة برجل من آل بيت النبوة، من ذرّيّة الحسن، رضى الله عنه، فتوفى إلى رحمة الله تعالى وترك لها مالا عظيما، فأنفقته جميعه فى وجوه الخير. وكانت كثيرة البرّ للفقراء والمساكين والأيتام والأرامل والمنقطعين. وافتقرت فقرا عظيما، وجاء غلاء عظيم، فمكثت هى وبناتها- وكنّ «1» ثلاثا من الشريف- جياعا ثلاثة أيام، وكان زوجها تاجرا جوهريّا، وكان من جملة متروكاته التى «2» تركها حبّات من جوهر فى خيط من حرير، تركها فى جانب البيت حتى تصدّت ولم تعرف بها، فوجدتها «3» بنت لها صغيرة من بناتها، فقالت لأمها: يا سيدتى، رأيت خرزا فى خيط. فقالت: أين هو «4» ؟ فجاءت لها به «5» ، فدفعته إلى جارية لها وقالت: اذهبى بهذا «6» إلى السوق وبيعيه «7» بما يسّره الله تعالى، وأتينا بما نأكل. فأخذت الجارية الخرز ودارت به «8» على عوام الناس، فلم يدفع أحد فيه شيئا «9» ، فجاءت به «10» إلى سوق الصّاغة، فوجدت بشرى بن سعيد

الجوهرى جالسا على باب الصّاغة، فدفعت الخرز إليه «1» ، فأخذه ومضى، وغاب ساعة ثم عاد إليها وقد جلى حبّة فجابت مائة دينار «2» ، فجاء إلى الجارية وقال: لمن هذه الحبّات؟ قالت: لا مرأة شريفة من ذرّيّة جعفر الصادق. فقال لها: قد أصلحت حبّة وناديت عليها، فساوت «3» مائة دينار، فهل تقبضين «4» فيها ذلك؟ فقالت: أتهزأ بى وبسيدتى وهى شريفة؟ فقال لها: أعوذ بالله. فقالت له: اقبض المال وامض معى إليها. فأخذ المائة دينار وجاء إلى دارها، فدخلت الجارية وأخبرت سيدتها، فخرجت إليه، فدفع لها المال وأخذ أجرته، وشاورها فى إصلاح الباقى وبيعه» ، فقالت له: افعل ما تريد، ثم بكت، فسمع بكاءها «6» ، فقال لها: يا سيدتى، ما الذي أبكاك؟ أكرهت ما كان منى؟ قالت «7» : لا، ولكنّى ذكرت مخلوقا أصلح حبّة كانت مجهولة القيمة فبيعت بمائة دينار، فكيف إذا أصلح الله قلب العبد كيف يكون حاله؟! ثم توجّه بشرى وأصلح ما بقى من الحبّات، فطلبت زوجة الخليفة حبّتين، فتوجّه بهما إلى دار الخليفة فعرضهما عليها «8» ، فعجبت من حسنهما، ودفع الخليفة ثمنهما، وأعطاه لأجلهما بغلة وخلعة، وولّاه رياسة الجوهريين، فجاء للشريفة بثمن الحبتين، وأخبرها الخبر بأمر البغلة والخلعة وولايته، فقالت له: بارك الله لك فيما رزقك.

قبر الشيخ أبى الحسن نور الدين:

ثم باع الباقى وجاء بالثّمن إليها، فقالت له. هوّن الله عليك سكرات الموت، وجعل من نسلك الصالحين، فرزق بشرى بحسين، الذي هو والد أبى الفضل الجوهرى، الواعظ المصرى. وحصل الغناء لبشرى، وللشريفة، وسيأتى ذكر بشرى عند قبره. قبر الشيخ أبى الحسن نور الدين «1» : وعند رجليها قبر به الشيخ الصالح نور الدين على، المذكور بالصلاة، يكنى أبا الحسن. حكى عنه أنه كان لا ينام الليل من كثرة بكائه وذكره، وكان يدور فى الليل وينادى: الصّلاة.. الصلاة قبل الرحيل. ومن كلامه: إذا أحبّ الله العبد أيقظه لخدمته. وكان إذا أوى إلى فراشه يتقلّب كالفرخ إذا ذبح، ويقول: اللهمّ إنّ جهنّم لا تدعنى أنام. وكان يقول: أخشى من إتيان أمره وأنا نائم. وفى معنى ذلك روى أنّ أمّ سليمان قالت: يا نبّى الله، لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرا يوم القيامة. وقال سعيد بن المسيّب: «ما من عبد قام فى الليل فتوضّأ إلّا تبسّم الجبّار فى وجهه ويقول: يا ملائكتى، انظروا إلى عبدى، أشهدكم علىّ أنّى قد غفرت له، فإن صلّى أفاض عليه الرحمة» . حكاية: قال منصور بن عمّار: بينما أنا نائم ذات ليلة إذ رأيت كأنّ القيامة قد قامت، والصراط نصب، والميزان قد علّق، والجنة قد أزلفت، والنار قد

سعّرت، والنداء من العليّ: أين منصور بن عمّار؟ فلما سمعت ذلك اصفرّ لونى، وتلجلج لسانى، ثم جئت فوقفت فى الموقف وأنا خائف وجل، فسمعت ذلك النداء: يا منصور بن عمّار، بماذا جئتنى؟ قلت: جئتك بثلاث «1» وثلاثين حجّة، وثلاث وثلاثين غزوة، وثلاث وثلاثين سنة أقوم الليل وأصوم النهار! فقال: يا منصور، وعزّتى وجلالى ما قبلت شيئا من ذلك! فقلت: يا ربّ، شقّى أنا أم سعيد؟ فقال: سعيد! فقلت: يا ربّ بم «2» استوجبت عندك هذه السعادة ولم تقبل من أعمالى شيئا؟ فقال: يا منصور، إنك جلست يوما مجلسا فشوّقت عبادى إلى الجنّة وحذّرتهم من النار، فجال اسمى فى سرك، فقلت فى دعائك: اللهمّ اغفر لأقسانا قلبا، ولأجمدنا عينا «3» ، وكان هناك ولّى من أوليائى فأمّن علىّ وعليك، فاستجبت ذلك لأجله، فغفرت لك ولمن حضر مجلسك! *** وقيل: هذا القبر تاريخه قديم، فيه ابن شماسة المهدى، ويعدّ من أكابر العلماء والتابعين، روى عن جماعة، منهم عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر الجهنيّ، وروى عن جماعة من رجال الصحيح، وكان من الأئمة الفضلاء الحفّاظ- وجد هذا على القبر: يا أيها الغافل جدّ الرحيل ... وأنت فى اللهو وزادك قليل لو كنت تدرى ما تلاقى غدا ... لذبت من فطر البكا والعويل فأخلص التّوبة تحظى بها ... فما بقى فى العمر إلّا القليل ولا تنم إن كنت ذا فطنة ... فإنّ قدّامك نوم طويل «4»

قبر أبى القاسم الفريد - المعروف بصاحب الخيار:

قبر أبى القاسم الفريد- المعروف بصاحب الخيار «1» : ثم تمضى إلى قبر السيد الشريف أبى القاسم الفريد المعروف بصاحب الخيار. حكى عنه أنّ إنسانا ورث «2» من أبيه مالا فأذهبه «3» ، ثم تداين دينا وذهب منه، فطولب به، فقال: لم يكن عندى ما أدفعه، فلزمه «4» صاحب الدّين إلى القاضى وطالبه بالمال، فأقرّ به، فأمره بدفعه، فاعترف بالعجز، فأمر باعتقاله. ثم أنظره صاحب الدّين مع القاصد الشّرعّى ثلاثة أيام، فإن جاء بالمال.. وإلّا اعتقل. فلما كان فى اليوم الثالث قال فى نفسه: من أين لى ما أعطى هذا الرجل؟ ثم ذهب إلى القرافة، ورأى كثرة المقابر، حتى انتهى إلى هذا القبر، وكان عليه حاجز بالطوب اللّبن، فجلس عنده وابتهل إلى الله تعالى، فأخذه النوم، فرأى فى منامه كأنّ هذا الشريف صاحب القبر [ناوله] «5» خيارا، وكان فى أيام عدمه، فاستيقظ فوجد فى حجره الخيار، فتعجّب من ذلك، فبينما هو متعجب من ذلك إذا بالأمير أحمد بن طولون [واقف] على رأسه، فقال له: من أنت «6» ؟ وما الذي أجلسك هنا؟ فذكر له قصته، وما وقع له فى منامه، فأعطاه الأمير أحمد مالا وقال له: اقض به دينك. وكان الأمير أحمد كثير الزيارة لقبور الصالحين والأولياء.

قبر أبى عبد الله بن هامان المقرئ:

شعر: أخلق الذّنب والخطيئة وجهى ... بعدما كنت فى الصّلاح نبيلا «1» طردتنى الذّنوب عن باب ربّى ... أورثتنى الذّنوب حزنا طويلا أسرتنى الذنوب فاسترهنتنى ... طوّقتنى الذنوب طوقا ثقيلا «2» ما أرى لى من العصاة نظيرا ... لا، ولا لى فى الذّنوب عديلا «3» نكّست رأسى الخطايا خفيضا ... صيّرتنى فى العالمين عبدا ذليلا *** قبر أبى عبد الله بن هامان المقرئ «4» : ومنه إلى قبر الفقيه المقرئ أبى عبد الله محمد بن هامان المعافرى المقرئ. وكان على هذا القبر بخط قديم «أحمد بن زين العابدين» ، وليس بصحيح. وكان ابن هامان من مشايخ مصر المشهورين المتبحرين فى القرآن «5» ، قرأ على ابن غلبون، وكان له صوت حسن إذا قرأ يكاد الإنسان أن يموت من لغة قرآنه «6» . ونقل عنه أن إنسانا سمعه يقرأ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ... «7» . فما زال يكررها إلى أن فارق الدنيا.

قبر حمدونة العابدة:

قبر حمدونة العابدة «1» : وإلى جانبه قبر المرأة الصالحة العابدة «حمدونة» ابنة الحسين، أخت ميمونة العابدة فى العبادة. قال الهروىّ: هى معدودة عند طائفة من الأولياء بأربعين من زهّاد الرجال. حكى عنها ابن الطوير فى أخبار الدولة الطولونية: أنّ رجلا خرج هاربا من دين لزمه لعمّال أحمد بن طولون، وقد طولب بالمال، فأتى إلى قبر هذه السيدة رضى الله عنها، فقرأ عندها شيئا من القرآن، وبكى وتوسّل إلى الله تعالى، فأخذته سنة من النوم، فنام، فأيقظه وقع حافر دابّة أو جواد يضرب الأرض برجله، فأفاق من نومه، فرأى فارسا واقفا على رأسه، فسلّم عليه، ثم قال له: من أنت؟ وما الذي أجلسك هنا؟ فقال: هارب من رجل ظالم من عمّال الظّالم أحمد بن طولون، وقصّ عليه قصته. فقال له: قم وامض معى إلى هذا الرجل أشفع لك عنده. ثم أردفه خلفه، وسار حتى لحق بالعسكر، وكان فارقهم فى محلّ، فلمّا وصل ترجّلوا عن خيولهم إجلالا له، ونزل ذلك الرجل من خلفه، وأمره بالركوب خلف غلام، وأوصى الغلام بحفظه. فقال الرجل للغلام: من هذا؟ فقال له: أحمد بن طولون! فخاف الرجل خوفا عظيما من قوله، وظنّ أنّه مقتول لا محالة. ثم وصل أحمد إلى قصره، فلما وصل طلب الرّجل وقد تغيّر لونه، فلمّا رآه قال له: طمئن قلبك، لا تخف، فو الله ما جاء بى عندك إلّا بركة هذه المرأة الصالحة التى كنت عند قبرها، فإنى كنت نائما فرأيتها فى منامى وهى تقول: أدرك هذا المظلوم الجالس عند قبرى!

قبر الشيخ الزاهد يعلى بن عمران:

ثم أمر بإحضار العمّال، فلما حضروا أمرهم بإسقاط ما على الرجل، ثم أعطاه خمسمائة دينار. وحكى عنها أنها لقيت عثمان الزنجانى فى طريق بيت المقدس وعلى بدنها جبّة من صوف وهى تقول: «إلهى وسيدى، ما أبعد الطريق على من لم تكن أنت دليله. ووا وحشتاه على من لم تكن أنيسه!» . قال: فدنوت منها وسلمت عليها، فردّت علّى السّلام وقالت لى: من أنت- يرحمك الله؟ فقلت لها: أنا عثمان الزنجانى. فقالت: حيّاك الله يا عثمان، إلى أين تريد؟ فقلت: أريد بيت المقدس. فقالت لى: وما تصنع؟ قلت: لحاجة. فقالت لى: يا عثمان، أفلا أعلمت «1» صاحب الحاجة حتى يوجّه إليك بها ولا يتعبك فيها؟ فقلت: ليس بينى وبينه معرفة. فقالت: يا عثمان، ما الذي قطعك عن معرفته؟ قلت: كثرة الذنوب. فقالت لى: والله بئس ما صنعت، أما والله لو وصلت حبلك بحبل سيّدك لأوقفك بالباب وقضى حوائجك، وأمر الخزنة ألّا يعصوا لك أمرا. قبر الشيخ الزاهد يعلى بن عمران «2» : ومن الشرق من قبرها قبر به الشيخ الزاهد يعلى بن عمران، عرف بحلاوة الغيب، حكى عنه أنه كان يطعم الناس حلاوة سخنة من الهواء، فاشتهر بذلك. وحكى عنه أنه قال: كانت لى حجرة آوى إليها، وكنت إذا خرجت منها أغلقتها وأخذت مفتاحها معى، فقفلتها يوما على جارى العادة، وتوجهت لحاجة، ثم جئت وفتحت الباب، فوجدت شخصا قائما يصلى، فانتظرته حتى

قبر بشرى بن سعيد الجوهرى:

انفتل من صلاته «1» . فسلّم علّى وقال: يا يعلى، أنا الخضر. فقلت: يا سيدى، بالذى جمع بينى وبينك، علّمنى شيئا أقوله ينفعنى، أو إذا قلته نفعنى. فقال لى: «استغفر الله من كلّ ذنب أذنبته ثم تبت منه ثم عدت إليه، واسأله التّوبة، واستغفر الله عزّ وجلّ من عهد عهدته لله على نفسك فلم توف «2» به، واسأله التوبة، واستغفر الله تعالى من كلّ نعمة أنعمها عليك فى طول عمرك «3» فاستعنت بها على معاصيه، واسأله الحميّة والعصمة من ذلك كله، واسأله التوبة والمغفرة، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلىّ العظيم» . شعر: يا ساهيا غافلا عمّا يراد به ... حان الرّحيل، فما أعددت من زاد؟ تظنّ أنّك تبقى سرمدا أبدا ... هيهات أنت غدا مع من غدا غاد *** قبر بشرى بن سعيد الجوهرى «4» : وشرقيه قبر الشيخ الصالح بشرى بن سعيد الجوهرى، جدّ سيدى أبى الفضل الواعظ المذكور. قال القضاعى: ملك بشرى ألف دينار، فتصدق بها كلها، وكان إذا جاءه بعد ذلك فقير يقترض على ذمّته ويعطيه خشية أن يردّه خائبا، فاجتمع

عليه جملة ديون، فجاء إليه أصحاب الديون وطالبوه بدينهم، فواعدهم يوم السبت، وكان الطلب له فى يوم الجمعة، فدخل إلى زوجته وأعلمها أنّ أصحاب الديون طلبوا ما عليه لهم، فقالت له زوجته: لو كنت إذا جاء إليك رجل فقير يطلب شيئا اختفيت منه، كان أولى بك، ولم تحتج إلى الاستدانة، واسترحت من طلب الناس. فقالت ابنة له صغيرة: بالله يا أبت لا تسمع كلام أمّى، ومن له الأمر كله يوفّى عنك. فقعد وفكّر فى الوفاء، وحان وقت صلاة الجمعة، فتوضّأ وذهب إلى الجامع لصلاة الجمعة، فلما ولّى إذا بشخص يطرق الباب، فقالت ابنته: من هذا؟ فقال: أنا، افتحى، ففتحت الباب، فرمى لها كيسا من داخل الباب، فوجدت فيه ألف دينار، ثم قال: قولى للشيخ: اقترض ولا تخف، فعلى الله الوفاء! فلما عاد الشيخ من صلاته أخبرته ابنته بذلك، فأخذ الكيس، وأوفى ما كان عليه من الدّين، وفضلت فضلة «1» فتصدق بها. وكان- رحمه الله- من أهل الخير، وقد تقدمت حكايته مع ابنة جعفر الصادق. وحكى عن رجل كان فى جواره، وكان منصرفا على نفسه، فلما مات سأل الله تعالى أن يريه إياه فى منامه، فرآه بعد موته، فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: لقيت من الأهوال شيئا كثيرا، وذلك أنى لمّا سئلت فى قبرى تلجلج لسانى فلم أدر ما أقول، فقلت فى نفسى: ألم أمت على التوحيد؟ فماذا أتى علىّ؟ فقيل لى: إنّ هذه عقوبة فى حقّك لكثرة معاصيك فى الدنيا، فلمّا همّ الملكان بعقوبتى حال بينى وبينهم رجل جميل الوجه «2» ، طيب

قبر الفقيه أبى الحسن على بن كبيش:

الرائحة، فلما نظرت إليه وإلى فعله معى قلت له: من أنت يرحمك الله؟ فقال: أنا رجل خلقنى الله من كثرة صلاتك على النبي صلّى الله عليه وسلم، وأمرت أن أنصرك فى الشدائد، وهأنذا أنصرك فى الشدائد فى كل موضع، ومعينك فى كل شدّة. قبر الفقيه أبى الحسن على بن كبيش «1» : ومن بحريّه قبر الفقيه المقرئ أبى الحسن على بن كبيش، كان من القرّاء السادة، العالمين بكتاب الله، الملازمين لتلاوته. ومن كلامه: «لو صدق قارىء القرآن لم تحرقه النار فى الدنيا. وإذا زنى قارىء القرآن اعتزله القرآن، ولم تبق آية من كتاب الله تعالى إلّا لعنته» . وكان يقول: «أكبر الكبائر فساد العلماء، وأشدّ المصائب زنى القرّاء» . وقال: «إنّ القرآن يأتى يوم القيامة ويأتى حوله المخلصون وهم كالنجوم، ويدور حوله قوم آخرون، فيقول لهم القرآن: بعدا بعدا، سحقا سحقا، ضيّعتمونى فى الدنيا فلا تصحبونى فى الآخرة» . وأبو الحسن هذا ليس هو شيخ الشيخ أبى الربيع المالقى الذي ذكره أبو العباس نعمة بن القسطلانى. قبر الشيخ الصالح أبى الحسن الصّفّار» : وبحريّه قبر مسنّم بالطوب الأحمر، به الشيخ الصالح أبو الحسن على بن عمار بن طالب الصّفّار.

حكى عنه المسكى وابن بصيلة: أنّ جنديّا أتى إليه وقاوله على عمل طبق من النحاس الأصفر، فجلس، وجلس الجندى عنده حتى فرغ، وكان لا يفتر لسانه عن ذكر الله سبحانه وتعالى، فلما فرغ من الطبق دفعه للجندى، فأعطاه الجندى دينارا، فنظر إليه ورماه وقال: ادفع إلىّ ما شارطتك عليه. فألحّ الجندى عليه فى قبوله، فقال: إنّ لله عبادا لو قالوا لهذا النحاس الذي بين يدىّ كن ذهبا صار ذهبا! فدفع الجندىّ إليه ما شارطه عليه، وأخذ الطبق وسار به إلى منزله فوجده ذهبا، فجاء إليه فوجده قد مات. وكانت وفاته فى سنة 438 هـ. *** وبالقرب من تربته أشهب «1» ، وقبر به إنسان يقال له الشيخ أبو بكر المصفّر، وهو على مسامته قبر الصّفّار «2» ، لكن على بعد من جهته البحرية، ولقّب بالمصفّر لكثرة نحوله واصفراره، وكان مقيما برباط الفقيه نصر، وأوصى بأن يدفن بهذا المكان، وأنه إذا وضع فى قبره يؤخذ الكفن من عليه. وقال: أحبّ أن أخرج من الدنيا عريانا. حكى عنه قال: حججت سنة من السنين وإذا بأعرابىّ فى الطواف يقول: «إلهى، من أولى الناس بالتقصير منى وقد خلقتنى ضعيفا؟ ومن أولى منك بالكرم وقد تسمّيت رءوفا؟ أطعتك بمنّك ولك المنّة علىّ، وقد عصيتك بحلمك فلك الحجّة علىّ، فبانقطاع حجّتى ووجوب حجّتك، وفقرى إليك وغناك عنى إلّا ما غفرت لى» .

قبر القاضى الزاهد أبى محمد عبد الوهاب الفقيه المالكى:

ثم أنشد يقول: يا ربّ، أنت أمرتنى ونهيتنى ... وسلكت بى طرق الضّلالة والهدى وعلمت أنّى لا أمرّ من الّذى ... قدّرت لى، إن كان خيرا أو ردى وسلكت بى ما شئت للشّىء الذي ... فى الخلق ما أخفيته عنهم سدى ودخلت من غير اختيار تحته ... والعبد محكوم عليه وإن غدا فاقبل بفضلك توبتى لك مخلصا ... وارحم فإنّى قد بسطت لك اليدا واغفر بفضلك ما مضى حتى أرى ... برضاك مسرورا على رغم العدا واصفح عن العبد المسىء يا سيّدى ... قد جاء معترفا وعاش موحّدا *** وفيما بين قبر المصفر والصفّار قبر مصطبة، به الرجل الصالح الأمير «خيثمة» ، من كبار الزّهّاد بمصر، وكان أميرا معتبرا، مات فى سجن أحمد ابن طولون. وكان له بنت من الصالحات بسفح المقطم، دفنت إلى جانب خيزرانة، من المكاشفات. قبر القاضى الزاهد أبى محمد عبد الوهاب الفقيه المالكى «1» : ومن بحرى قبر القاضى العالم الفقيه الإمام العلامّة أبو محمد عبد الوهاب ابن على بن نصر بن أحمد بن الحسن بن هارون بن مالك بن طوق الثعلبى،

الفقيه المالكى البغدادى، من ذرّيّة مالك بن طوق صاحب الرّحبة، ذكر هذا النّسب ابن ميسّر فى تاريخه، وأثنى عليه جماعة من علماء المالكية، ولم يكن فى زمانه أشهر منه فى مذهب مالك، ولا أحفظ لفقه مالك «1» ، وكانت ترد إليه الأسئلة من بلاد المغرب. وسمع الحديث كثيرا، وحدّث عن أبى القاسم عبد الواحد بن محمد بن عثمان بن إبراهيم البلخى، وأبى حفص عمر بن أحمد ابن شاهين، وأبى القاسم عبد الله بن الحسين بن الجلاب الفقيه ومن فى طبقتهم. وروى عنه جماعة من العلماء يطول شرحهم. وكان جليل القدر، عظيم المنزلة فى العلم، وله من المصنّفات كتاب «المعونة» «2» وكتاب فروض الصلاة، وكتاب التلقين، وهو مع صغره من خيار الكتب، وشرح المدوّنة شرحا فائقا، وشرح الرسالة أيضا شرحا فائقا، قال القاضى عياض فى المدارك: مارئى كحفظ القاضى عبد الوهاب فى زمانه. وفيه قال أبو العلاء المعرّى لمّا اجتاز الشيخ عبد الوهاب بمعرّة النّعمان وأضافه أبو العلاء المذكور، وذلك عند توجّهه إلى مصر: والمالكىّ ابن نصر زار بلدتنا ... لمّا نأى، فحمدنا النّأى والسّفرا «3» إذا تكلّم أحيا مالكا جدلا ... وينشر الملك الضّلّيل إن شعرا «4» والملك الضّلّيل «5» هو امرؤ القيس بن حجر كما زعموا.

وقيل له: لو وقفت للخليفة ورفعت قصّتك وعرّفته حالك أعطاك ما يحصل لك به الغنى. فقال: والله تلك العلامة على شقاوة العالم إذا وقف بباب السلطان، لا يرانى الله تعالى واقفا أبدا «1» بباب أحد من أبناء الدنيا. وكان- رضى الله عنه- يحب المصافحة، لحديث أنس بن مالك، رضى الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلم، أنه قال: «ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلّا كان حقّا على الله تعالى أن يحضر دعاءهما، ولا يفرّق بين أيديهما حتى يغفر لهما. وما من قوم يذكرون الله تعالى لا يريدون بذلك إلّا وجهه، إلّا ناداهم مناد من السّماء أن قوموا مغفورا لكم، قد بدّلت سيّئاتكم حسنات» أخرجه أحمد. وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله تعالى واستغفراه غفر لهما» . وعن قتادة قال: «قلت لأنس بن مالك: أكانت المصافحة فى أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم؟ قال: نعم» . أخرجه البخارى. وحكى أنّ بعض الفاطميين جلس مع بعض أصحابه فتحدث معهم، فقال لهم: هل فيكم من يعرف سبب قول القائل: «لا يفتى ومالك بالمدينة» ؟ فسكتوا كلهم وقالوا: إن كان ولا بد فعلم هذا يوجد عند عبد الوهاب البغدادى. فقال الخليفة: هل هذا يوجد عنده؟ قالوا: نعم. قال: قوموا بنا إليه ولا تعرّفونى إليه. فقالوا: حبّا وكرامة. فقام الخليفة ومن معه حتى جاءوا إلى منزل القاضى عبد الوهاب، فطرق الخليفة الباب، فخرج إليه الشيخ عبد الوهاب، وأذن له ولمن معه بالدخول، فدخلوا، فقال له الخليفة بعد أن سلّم عليه: يا مولاى، هل فى ذكركم لأىّ سبب قيل: لا يفتى ومالك بالمدينة؟ فقال الشيخ: نعم، بلغنى أنّ مالكا-

رضى الله عنه- كان شابّا، وكان يقرأ على ربيعة، وكانت فى زمانه غاسلة تغسّل الموتى، فأدخلت على امرأة جميلة ماتت لتغسلها، فعندما جرّدتها من أثوابها على دكّة المغتسل وضعت يدها على فخذها وقالت: ما كان أزناه من فخذ! فالتصقت يدها على فخذ المرأة، ولم يقدر أحد على خلاصها، فاستفتت الفقهاء فى ذلك، فاختلف علماء المدينة اختلافا عظيما، فقال بعضهم: نقطع يد الغاسلة. وقال بعضهم: يقطع من فخذ الميّتة بقدر الحاجة، واشتد الخلاف فى ذلك ولم يبق إلّا مالك، فأتوه فأخبروه بهذه المسألة، فقال: تضرب الغاسلة حدّ القذف. فجاءوا إليها، وفعلوا ذلك بها، فخلصت يد الغاسلة عند آخر ضربة، فتعجبوا من ذلك، فضرب الناس المثل بقولهم: «لا يفتى ومالك بالمدينة» . ويروى أنه رئى فى المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أثابنى بكل كتاب وضعته، إلّا كتاب «التلقين» ، فإنّى كنت صنعته لمضاهاة كتاب إنسان على مذهب مالك «1» ، ولم أرد به وجه الله تعالى، وانتفعت كثيرا بكتاب «المعونة» ، فإنى أردت به وجه الله سبحانه. قيل: وله كتاب يسمى «النصرة» ، قال بعض المالكية: لو وجد هذا الكتاب لم يحتج إلى كتاب فى مذهب مالك. وسئل عن سبب خروجه من بغداد- وهى دار العلم- فقال: لم أجد بها ما أقتأت به، ولو وجدت ما خرجت، ثم أنشد: فو الله ما فارقتها عن قلى لها ... وإنّى بشطّى جانبيها لعارف «2»

ولكنها ضاقت علىّ بأسرها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف وكانت كخلّ كنت أرجو دنوّه ... وأخلاقه من سوء قسمى تخالف «1» وكان له أخ بزّاز بمصر، فبلغه قدوم الشيخ من بغداد إلى أرض مصر، فنذر: أنّ أوّل من يبشّره بقدوم أخيه يدفع له مائة دينار، ثم إنّه وزنها وصرّها فى صرّة، وجعلها فى رفّ فى حانوته، وبلغ ذلك الشيخ عبد الوهاب، فجاء إلى القرافة ودخل إلى سوقها فوجد رجلا يضفّر الخوص «2» ، فجلس عنده وتحدث معه، ثم قال له: بكم تعمل كلّ يوم؟ قال: بنصف درهم. فقال: ألك عيال؟ قال: نعم. فقال له: هل أدلّك على شىء يغنيك عن هذا؟ قال: يا سيدى افعل ما أنت أهله. فقال له: قم واذهب إلى سوق البزّازين بمصر، واسأل عن أخى عبد الوهاب البغدادى، فإذا اجتمعت عليه سلّم عليه وقل له: إنّ أخاك وصل إلى هنا وهو يقرئك السلام وهو عندى. فقام الرجل من وقته وساعته وتوجّه إلى مصر، ودخل سوق البزازين، وسأل عن أخى عبد الوهاب، فدلّه الناس عليه، فلما اجتمع به سلّم عليه وأخبره، ففرح بذلك فرحا شديدا، وأعطاه المائة دينار، وقام معه إلى الشيخ، واجتمع كلّ واحد منهما بصاحبه. وأقام الشيخ عبد الوهاب بمصر، ورزق بها حظّا عظيما. وكان مولده فى سابع شوال سنة 362 هـ. وتوفى فى رابع صفر الخير سنة 422 هـ، وقيل بل فى شهر شعبان. وحكى عنه أنه لمّا مات أضاء البيت نورا، وسمع أهل المنزل قائلا يقول: هذه أنوار الأعمال الصادرة عن الأبرار. وقال العلّامة شمس الدين محمد بن أحمد بن خلّكان فى كتابه المسمّى بوفيات الأعيان فى ترجمته بعد ذكر نسبه المذكور: ذكره الخطيب فى تاريخ بغداد

فقال: سمع أبا عبد الله بن العسكرى، وعمر بن محمد بن سنبك «1» ، ولم تلق فى المالكية أفقه منه. وكان حسن النّظر، جيد العبارة، وتولى القضاء بباذرايا وباكسايا. وخرج فى آخر عمره إلى مصر فمات بها. وذكره ابن بسّام فى كتاب الذخيرة فقال: كان ثقة، وكان بقية الناس، ولسان أصحاب القياس، وقد وجدت له شعرا معانيه أجلى من الصّبح، وألفاظه أحلى من الظّفر بالنجح «2» ، ونبت به بغداد كعادة البلاد بذوى فضلها، وعلى حكم الأيام فى محسنى أهلها، فخلع أهلها، وودّع ماءها وظلّها، وحدّثت أنه شيّعه- يوم فصل عنها- من أكابرها، وأصحاب محابرها جملة موفورة، وطوائف كثيرة، وأنه قال لهم: لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كلّ غداة وعشيّة ما عدلت عن بلدكم بلوغ أمنية، وفى ذلك يقول: سلام على بغداد منى تحية ... وحقّ لها منّى السّلام مضاعف «3» فو الله ما فارقتها عن قلى لها ... وإنّى بشطّى جانبيها لعارف ولكنها ضاقت علىّ بأسرها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه ... وأخلاقه تنأى به وتخالف «4» ثم توجّه إلى مصر فحمل لواءها، وملأ أرضها علوما، واستتبع ساداتها وكبراءها، وتناهت عليه الغرائب، وانثالت «5» فى يديه الرغائب، فمات لأوّل

وله أشعار رائقة، فمن ذلك قوله:

وصلها من أكلة اشتهاها فأكلها، وزعموا أنه قال وهو يتقلّب ونفسه تتصعّد وتتصوّب: «لا إله إلّا الله، إذا عشنا متنا» . وله أشعار رائقة، فمن ذلك قوله: ونائمة قبّلتها فتنبّهت ... وقالت: تعالوا فاطلبوا اللّصّ بالحدّ فقلت لها: إنّى فديتك غاصب ... وما حكموا فى غاصب بسوى الرّدّ خذيها وكفّى عن أثيم ظلامة ... وإن أنت لم ترضى فألفا على العدّ فقالت: قصاص يشهد العقل أنّه ... على كبد الجانى ألذّ من الشّهد فباتت يمينى وهى هميان خصرها ... وباتت يسارى وهى واسطة العقد فقالت: ألم أخبر بأنّك زاهد ... فقلت لها: ما زلت أزهد فى الزّهد وله أيضا شعر: متى تصل العطاش إلى ارتواء ... إذا استقت البحار من الرّكايا ومن يثنى الأصاغر عن مراد ... وقد جلس الأكابر فى الزّوايا وإنّ ترفّع الوضعاء يوما ... على الرّفعاء من إحدى الرّزايا «1» إذا استوت الأسافل والأعالى ... فقد طابت منادمة المنايا «2» وله أيضا: بغداد دار لأهل المال طيّبة ... وللمفاليس دار الضّنك والضّيق ظللت حيران أمشى فى أزقّتها ... كأنّنى مصحف فى بيت زنديق

وله أيضا: أيا من قوله نعم ... وكلّ فعاله نعم تقول لقد سعى الواشو ... ن بالتّحريش لا سلموا وقد راموا قطيعتنا ... فقلت: بلى أنا لهم وله أيضا: أتذكر إذ نهاية ما تمنّى ... ملاحظة بما منه تثور فحين نسجت بينكما التّصافى ... دخلت، وصرت منبوذا أجور وذكر صاحب الذّخيرة أنه ولى القضاء بمدينة «اسعرد» ، وسئل عن مولده فقال: يوم الخميس السابع من شوال سنة 362 هـ ببغداد، وتوفى ليلة الاثنين فى الرابع عشر من صفر سنة 422 هـ بمصر. وقيل إنه توفى فى شعبان من السنة المذكورة- رحمه الله تعالى- ودفن بالقرافة الصّغرى، وزرت قبره ما بين قبة الإمام [الشافعى] «1» ، رحمه الله ورضى عنه، وباب القرافة بالقرب من ابن القاسم وأشهب- رحمهما الله تعالى. وكان أبوه من أعيان الشهود المعدّلين ببغداد، وكان أخوه أبو الحسن محمد بن علىّ بن نصر أديبا فائقا فاضلا، صنّف كتاب «المفاوضة» «2» للملك العزيز جلال الدولة «3» أبى منصور بن أبى طاهر بهاء «4» الدولة بن عضد الدولة ابن بويه، جمع فيه جميع ما شاهده، وهو من الكتب العظيمة، فى ثلاثين كرّاسة. وله رسائل ضمن ديوان. ومولده فى بغداد فى إحدى الجمادين سنة 372 هـ،

قبر القاضى سرى الدين أبى الوليد المالكى:

وتوفى يوم الأحد لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر سنة 437 هـ بواسط، وكان قد صعد إليها من البصرة فمات بها. وتوفى أبوهما أبو الحسن يوم السبت ثانى شهر رمضان سنة 391 هـ. انتهى كلام العلّامة ابن خلكان- رحمه الله تعالى. *** قبر القاضى سرىّ الدين أبى الوليد المالكى «1» : ومعه فى الحوش من جهة قبره البحرية قبر الشيخ الصالح سرى الدين المالكى، وهو: سرىّ الدّين أبو الوليد إسماعيل ابن الفقيه بدر الدين بن عبد الله محمد اللّخمى الأندلسى الغرناطى المالكى النحوى، نزيل حماة. كان فاضلا، حجّة نبيلا، يوازى الشيخ عبد الوهاب فى المذهب، توفى سنة 771 هـ. ولى القضاء بحماة مدّة، وكان متصديا بالإقراء لإيضاح علم البيان والبديع، وولى القضاء بدمشق مدة، ثم عاد إلى حماة متوليا أمر النقض والإبرام، ثم عزل وقدم مصر لشغل عرض له، فأدركه الموت وحال بينه وبين حاجته التى قدم بسببها. قبر الفقيه عتيق بن بكار «2» : وإلى جانبه قبر الشيخ الإمام العالم الفقيه، عتيق بن بكّار «3» يكنى أبا القاسم، كان من أكابر العلماء، وكان يقول: ما أذّن المؤذّنون قطّ إلّا وأنا على وضوء. وتوفى ليلة الاثنين الثانى والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 420 هـ.

قبر العابدة الناسكة أم الفضل:

قبر العابدة الناسكة أم الفضل «1» : وهناك قبور أصحاب الحانوت، وقبلى هذا الحوش تربة بها قبر المرأة الصالحة أم الفضل فاطمة بنت الحسين بن على بن الأشعث بن محمد البصرى، من ذرّيّة الأشعث بن قيس الكندى. كانت من العابدات الصّالحات النّاسكات، ملازمة لزيارة قبور الغرباء، وقبرها عرف بإجابة الدعاء. وشرقيّها فى حد باب التربة قبر الشيخ الصالح شرف الدين الأخفافى، من أرباب الأسباب، ومن فعلاء الخير، يعرف «بغطّى يدك» . قبر الفقيه أبى جعفر الطحاوى «2» : ومن قبليّه بخطوات حوش داثر، به قبر الشيخ الفقيه، الإمام المحدّث أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك الأزدى الطحاوى الحنفى الحافظ، أحد الأعلام، سمع جماعة، وخرج إلى الشام سنة 267 هـ «3» ، ولقى قاضيها أبا حازم، فتفقّه به وبغيره. وكان ثقة نبيلا، تقيّا، فقيها، عاقلا، لم يخلق بعده مثله، يكنى أبا جعفر، اشتغل فى أول عمره على خاله أبى إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزنى الشافعى، ثم غضب منه فقال له: والله لا أفلحت ولا جاء منك. فغضب

الطحاوى من ذلك، وانتقل إلى أبى جعفر بن أبى عمران الحنفى واشتغل عليه بمذهبه، وصار رأسا فيه. كان يقول: رحم الله خالى- يعنى أبا إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزنىّ- لو كان حيّا لكفّر عن يمينه- يعنى قوله: والله لا أفلحت- قال بعض المشايخ: ما أراه كان يكفّر عنه، إذ المعتقد أنه انتقل من الصواب إلى الخطأ لمن يعتقد ذلك فيه، ولم تجب الكفّارة لمن حلف على عدم ذلك. وكان يلبس الصوف على جلده، فقال له بعض تلامذته: يا إمام، لم لا تلبس ثيابا فاخرة؟ فقال: يا بنىّ، هذا كثير فيمن يموت. وكان مجاب الدعوة. وكان كثيرا ما يقول: من طهّر قلبه من الحرام فتحت لدعوته أبواب السماء. وكان «تكين» الجبّار يحبه محبة عظيمة، فأرسل إليه فى وقت وقال له: هل لك فى أن أزوّجك ابنتى؟ قال: لا. قال له: فاسألنى أرضا أقطعكها. قال: لا. قال: فاسألنى ما شئت. قال: وتسمع؟ قال: نعم. قال: احفظ دينك كيلا ينفلت منك كما تنفلت «1» الإبل من عقالها، واعمل فى فكاك نفسك، وإيّاك ومظالم العباد، فإن الله تعالى يقول: «اشتدّ غضبى على من ظلم من لم يجد غيرى ناصرا» . فاحذر أن يشتد غضبه عليك. وكان للطحاوى نظم رائق ونثر فائق، فمنه ما كان جوابا عن سؤال وردّ صورة السؤال: أبا جعفر ماذا تقول فإنّه ... إذا نابنا خطب عليك نعوّل «2» ولا تنكرن قولى وأبشر برحمة ... من الله فى الأمر الذي عنه تسأل أفى الحبّ من عار أم العار تركه ... وهل من لحا أهل الصّيانة يجهل «3» ؟

قبور الصالحين من بنى الأشعث:

وهل بمباح فيه قتل متيّم ... يهاجره أحبابه ويواصل؟ فرأيك فى ردّ الجواب فإنّنى ... بما فيه تقضى أيّها الشّيخ أفعل فأجابه على ظهر الرّقعة التى فيها السؤال «1» : سأقضى قضاء فى الذي عنه تسأل ... وأحكم بين العاشقين فأعدل فديتك، ما بالحبّ عار علمته ... ولا العار ترك الحبّ إن كنت تعقل ومهما لحا فى الحبّ لاح فإنّه ... لعمرك عندى من ذوى الجهل أجهل ولكنّه إن مات فى الحبّ لم يكن ... له قود عندى ولا عقل يعقل «2» ووصلك من تهوى وإن صدّ واجب ... عليك، كذا حكم المتيّم يفعل فهذا جوابى، فيه عندى قناعة ... لما جئت عنه أيّها الشّيخ تسأل *** ولد الطحاوى سنة ثمان وثلاثين ومائتين «3» وتوفى مستهل ذى القعدة الحرام سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. وهو منسوب إلى «طحا» وهى بلدة بصعيد مصر. *** قبور الصالحين من بنى الأشعث «4» : وبالحوش المذكور «5» قبر الشيخ الصالح عمر بن الحسين بن على بن

الأشعث بن محمد البصرى، من أعيان العلماء، وحوله جماعة من ذرّيّته، ومعه أخوه عبد الله بن الحسين. وكان على قبر عمر المذكور لوح من الرخام مكتوب فيه: هذا قبر من أكثر قراءة القرآن فى الدّياجى، وعمل عمل الأبرار فيما هو إليه صائر، ولم يزل يترقى فى ذروة الفلاح حتّى عدّ من الأكابر الأبرار. والدعاء مجاب عند هذه المقبرة، كما حكى عن بعض مشايخ الزيارة قال: كنت كثير الزيارة لهذه المقبرة، وكنت كثير القراءة لهذا اللّوح الرخام، فجئت للزيارة على جارى العادة، ففقدت اللّوح، فتألّمت لفقده، فلما كان الليل رأيت فى منامى رجلا جميلا ذا هيبة حسنة، فقلت له: من أنت؟ فقال: أنا عمر بن الأشعث، وإنّى سألت الله فى إزالة تلك الرخامة من على قبرى، ففعل، فاسأل عند قبرى ما شئت. وبهذه التربة قبر الحسين بن الأشعث، والد عمر المذكور. وعبد الله توفى فى شهر رمضان سنة 296 هـ. وإلى جانبه قبر ولد ولده عبد الله، يقال له إبراهيم، توفى سنة 310 هـ. وإلى جانبهم قبر الفقيه العارف محمد بن محمد ابن عبد الله بن الأشعث، يكنى أبا بكر، توفى فى المحرم لإحدى عشرة ليلة خلت منه سنة 292 هـ. وإلى جانبهم قبر الفقيه يحيى بن الحسين بن على بن الأشعث، يكنى أبا العباس، أحد شهود القاضى أبى محمد عبد الله بن أحمد ابن زين، توفى سنة 335 هـ، وهو معروف بصاحب الدار، وهو غير صاحب الدار الذي عند المفضل بن فضالة، والذي عند «سماسرة الخير» . ولقّب بصاحب الدّار لأن داره كان ينزل فيها من ورد من القضاة على مصر «1» . وعلى باب تربتهم القبلى قبر الشيخ الصالح جمال الدين عبد الله بن يحيى ابن إسماعيل بن محمد بن الأشعث، توفى سنة 260 هـ «2» .

قبر الفقيه الزاهد أبى الفدا رشيد الدين الدمشقى:

ولبنى الأشعث مقابر أخرى سوى هذه المقبرة. وبهذه المقبرة قبر الفقيه الإمام الأصيل أبى عبد الله محمد بن أحمد بن محمد ابن عبد الله بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد ابن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشى المطّلبى، يجتمع مع الشافعى فى العباس بن عثمان. كان من أجلّاء العلماء، روى عنه أبو بكر بن أحمد. قبر الفقيه الزاهد أبى الفدا رشيد الدين الدمشقى «1» : ومن شرقى تربة الطحاوى المذكور قبر الشيخ الصالح، الفقيه المعتقد، المفتى الكبير، أبى الفضل إسماعيل بن عثمان بن محمد بن عبد الكريم بن تمّام القرشى اليمانى الدمشقى الحنفى، يلقّب برشيد الدين، ويكنى أبا الفدا، ويعرف بابن المعلم، مولده فى شهر رجب الفرد سنة 623 هـ، وقرأ القرآن بالسبع على العالم السخاوى، شارح الشاطبية، وتفقه على الحضرى وغيره، وقرأ النحو على الشيخ جمال الدين بن مالك «2» ، وروى الحديث عن الحسين الزبيدى «3» ، وعن شيخه السخاوى، وابن الصلاح، وابن خليل، والعزّ النّسّابة، وبرع فى الفقه وفى العربية، ودرّس وأفتى وأفاد، وانفرد بالرواية عن الزبيدى، وسمع من جماعة من أعيان مصر. وكان عنده زهد وانقطاع عن الناس، قدم من دمشق إلى ديار مصر سنة 699 هـ عند دخول التتار «4» هو وولده الشيخ تقي الدين أبو المحاسن يوسف.

قبر الشيخ الزقاق:

وتوفى الشيخ تقي الدين هذا بعد والده فى شهر جمادى الآخرة، فى الخامس والعشرين منه سنة 724 هـ. ونزل بدار بجوار الجامع الأزهر قبل موته بنحو سنتين، وأقام بمصر بضع عشرة سنة. وكان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد يحبه ويعظّمه ويثنى عليه فى علمه. وكانت وفاته يوم الأربعاء خامس شهر رجب سنة 713 هـ «1» . قبر الشيخ الزّقّاق «2» : ثم ترجع إلى قبلى حوش الإمام أبى جعفر الطحاوى تجد تربة بها قبر الشيخ الصالح أحمد «3» بن نصر الزّقّاق، يكنى أبا بكر، من أقران الجنيد، ذكره الإمام أبو القاسم القشيرى فى الرسالة، وأبو نعيم فى الحلية، وأبو الفرج بن الجوزى فى الصفوة. كان من أكابر مصر، قال بعضهم: سمعت الكتّانيّ يقول لمّا مات الزّقّاق: «انقطعت حجّة الفقراء فى دخولهم مصر» ، لأن الفقراء كانوا يقصدون ديار مصر لما فيها من الأرزاق، وكثرة الرخاء فى الأسعار، ويزعمون أنهم إنّما قصدوا مصر لزيارته. قال الزّقّاق: «من لم يصحبه التقى فى فقره أكل الحرام المحض» «4» .

وقال أيضا: «تهت فى تيه بنى إسرائيل خمسة عشر يوما، ثم وجدت الطريق، فرأيت جنديّا فسقانى. شربة ماء، فلما سقانى أحسست بكرب عظيم، فأنا أجد قسوتها فى قلبى ثلاثين سنة» . وقال الرّفّاء: سألت الزّقّاق: من أصحب؟ قال: من أسقط بينك وبينه مؤنة التّحفّظ. وقال: لا يصلح الفقراء إلّا لأقوام كنسوا بأرواحهم المزابل. وقال الزّقّاق: كنت أبكر للجامع فى كل جمعة أجلس عند الجنيد، فمررت فى يوم جمعة على جارى العادة، فرأيت فى طريقى رجلين يقول أحدهما «1» للآخر: اذهب بنا للجنيد نسأله عن الزّقّاق، فتبعتهما حتى دخلا سقاية يتطهران «2» ، فرأيت معهما شيئا كرهته، فقلت: لا حول ولا قوة إلّا بالله العلىّ العظيم، إنّا لله وإنا إليه راجعون. ثم جاءا وأنا معهما «3» حتى وقفا على الجنيد، فقال: أين المغتاب؟ فقلت فى نفسى: قد علم بى وتكلّم على خاطرى. ثم قال الثانية: أين المغتاب؟ اسألنا حتى نجعلك فى حلّ. فقلت: يا سيدى، ما قلته إلّا غيرة. فقال: يا أبا بكر، لا تتّهم أقواما أتحفهم الحقّ فى سابق علمه وأزليّته، وطهّرهم بكرامة وحدانيته، حتى إذا كان وقت بدئهم استخرجهم من أنوار خاصة «4» ، وعجن أرواحهم بأنواع أنوار قدسه، وأقامهم بين يديه، ونظر إليهم بعين رحمته،

وألبسهم تيجان ولايته، فإن دعوه أجابهم، وإن سألوه أعطاهم، فلا تدركهم خفيات الألحاظ، ولا تغيّرهم جمّات الأشرار «1» ، فهم ينظرون به وإليه فى جميع الأحوال، مستغنون به عمّن سواه. ثم قال: إنى نظرت فلم أرهم. وقال أبو علىّ الرّوذبارىّ: دخلت على أبى بكر الزّقّاق، فرأيته بحالة عجيبة وهو غائب، فصبرت حتى رجع ضحوة، فقلت: مالك أيها الشيخ؟ فقال: اجتزت ببعض الخرابات فإذا بشخص ينشد «2» : أبت غلبات الشّوق إلّا تقرّبا ... إليك ويأبى العدل إلّا تجنّبا «3» وما كان صدّى عنك صدّ ملالة ... وما كان ذاك البعد إلّا تقرّبا وما كان ذاك العذر إلّا نصيحة ... وما كان ذا الإغضاء إلّا تعقّبا «4» علىّ رقيب منك حلّ بمهجتى ... إذا رمت تسهيلا عليه تصعّبا «5» فما هو إلّا أن سمعت ذلك حتى صرت إلى ما ترى ممّا لحقنى، فلما أفقت قال لى: [هكذا] من تحقّق فى عبوديته «6» ، لم يخل [محبّ] من البلاء. فقمت وتركته. والزّقاق منسوب إلى بيع الزّقّ «7» وعمله، وكانت وفاة الزّقّاق سنة

292 هـ «1» نقل ذلك من اللّوح الرّخام الذي كان على قبره. *** ومن بحرىّ قبره قبر به السيدة عائشة، عرفت بجبر الطّير «2» ، كان الطّير كثير الإلف لها. حكى عنها أنها مرّت على رجل شوّاء قد طلع بخروف شواء من تنّور، فلما رأته بكت، فظنّ أنها بكت لمّا رأت الشواء وليس لها قدرة على شرائه، فجاء لها بشىء منه، فقالت: لم أقصد ذلك، ولكن نظرت إلى الحيوانات تدخل النار ميتة وأنّ الآدمىّ يدخل حيّا، ثم بكت حتى غشى عليها، فلما أفاقت أنشدت «3» : كيف الرّحيل بلا زاد إلى وطن ... لا ينفع المرء فيه غير تقواه من لم يكن زاده التّقوى فليس له ... يوم القيامة عذر عند مولاه ***

قبر المقرئ إسماعيل الحداد:

ومن بحرىّ قبرها قبر الشيخ الصالح علىّ، يكنى أبا الحسن، ويعرف بطبّ الوحش. حكى عنه قال: حججت سنة من السّنين فى البحر المالح فهبّت» علينا ريح كسرت المركب، فصعدت على لوح، فما زالت الأمواج تلعب بى حتى ألقتنى على جزيرة من جزائر البحر، فطلعت إلى الجزيرة ومشيت فيها، فرأيت بها ما أدهش عقلى من الفواكه من غير مباشر لزرع ذلك، ثم مشيت قليلا فرأيت قردا راقدا على ذراعه، قال: فدنوت منه، فوجدت يده فى شق من الأرض مشبوكة وهو يتألم منها، فأخذت عودا وحفرت حولها حتى تخلصت وطلع بها، فوجدتها قد انسلخت وقيّحت، فمسحتها له، وقطعت شريطا «2» من خلق عمامتى وربطت به يده، فلما رأى الإحسان منى إليه أشار إلىّ بالجلوس، فجلست، ومضى قليلا ثم عاد ومعه ورق على صورة ورق التفاح، فجعل يأكل منه ويشير إلىّ أن كل منه، فأكلت منه، فمن ثمّ لم يصبنى ألم، وعمرت عمرا طويلا. *** قبر المقرئ إسماعيل الحداد: ثم ترجع منحرفا إلى الغرب إلى قبر أبى محمد إسماعيل المقرئ المحدّث، المعروف بالحدّاد، وهو أبو محمد إسماعيل بن راشد بن يزيد بن خالد الحداد، انتهت إليه رياسة الإقراء فى زمانه بمصر، وكان قد قرأ القرآن على أبى أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد الجبّاس، وأبى الطيب أحمد بن محمد المعروف بابن بنت الشافعى.

وروى عنه أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعى: روى إسماعيل- المذكور- بإسناده عن سفيان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «بخ بخ، خمس ما أثقلهنّ فى الميزان: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلىّ العظيم، وفرط صالح يفرطه المسلم» «1» . وروى بسنده إلى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اقرأ بالمعوذتين كلّما قمت وكلّما نمت» . وقال: لقى حكيم حكيما، فقال: أحدهما «2» للآخر: لا يراك الله عندما نهاك، ولا يفقدك عندما أمرك. وقال: جاء رجل فقال: سمعت صالح بن الحسين يبكى فى طول الليل. فجئت إليه فسمعت قراءته فى ليلة وهو يردّد قوله تعالى: إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً «3» وما زال كذلك إلى أن طلع الفجر، فسقط مغشيّا عليه فى محرابه، قال: فدخلت عليه فوجدته ميتا. وكان هذا الإمام حدّادا فى شبابه «4» ، فمرّت به امرأة فقيرة وقالت له: إنّ لى بناتا «5» سافر أبوهنّ وما ترك شيئا. فمضى وترك حانوته واشترى طعاما وحمله معها إلى بيتها، فخرج إليه البنات، فقالت إحداهن: «كفاك الله نار الدّنيا ونار الآخرة» . ثم مضى إلى دكّانه فحمى حديدة إلى أن صارت نارا، ومسكها بالكلبتين «6» ، فوقعت الحديدة على رجله وهى باردة،

قبر الفقيه محمد بن يحيى الأسوانى أبو الذكر «القاضى» :

فقال: «لا إله إلّا الله» ، وقيل: بل قال: «سبحان الله! استجيبت الدّعوة، وقد رأيت بعضها، وأرجو من الله السلامة من نار الآخرة» . ثم ترك حانوته وتعبّد وصار من الصالحين، وتوفى سنة 329 هـ «1» . *** قبر الفقيه محمد بن يحيى الأسوانى أبو الذكر «القاضى» «2» : ثم تمشى وأنت مستقبل القبلة منحرفا تجد قبر الفقيه القاضى الصالح محمد ابن يحيى بن مهدى بن هارون بن عبد الله بن هارون بن إبراهيم الأسوانى المالكى التّمّار، يكنى أبا الذّكر. ولد بأسوان فى سنة 255 هـ، وكان من أهل القرآن والسّنّة والتّعبّد. وتوفى فى يوم عيد الفطر سنة 340 هـ، وكانت مدة ولايته القضاء ثلاثة أشهر وعشرة أيام من قبل الأمير محمد بن طغج «3» . وكان أبو الذكر من كبار المحدّثين، سئل عن بيع التمر «4» فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «العجوة من الجنة وهى شفاء من السم» . ولمّا ولى القضاء كان يحكم بين الناس إلى المغرب، فإذا كان المساء أخذ قفّة التمر وخرج إلى السوق يبيع من ذلك بما يحصل منه القوت له ولعياله، فأخبر الخليفة بذلك فعزله، فحمد الله تعالى على ذلك، فلام الناس الخليفة على عزله، لدينه وعفّته، فأرسل له بالولاية مرة ثانية، فردّ التقليد ولم يقبله، فطلب إلي

مقابر الصدفيين:

بغداد، فحمل إلى الخليفة، فلما دخل عليه رحّب به وسأله عن القضاء أن يعود فيه، فقال له: ثمّ «1» من هو أحقّ به منّى. فأكّد الخليفة عليه فى القبول، فقال: بشرط أن أكون على حالى فى تكسّب القوت، فأمر له الخليفة بمال جزيل، فأبى أن يقبله، وخرج من عنده ولم يقبل شيئا. وحكى عنه أنه مرّ يوما فى بعض الشوارع ومعه جماعة من طلبته، فرأى جارية خلف باب تبكى، فقال لها القاضى: ما يبكيك؟ فقالت «2» : إنّ لى عشرة أيام لم أستطعم بطعام. فلما سمع الشيخ كلامها رقّ لها قلبه وذهب إلى منزله، وأرسل لها طعاما وخبزا مع بعض الطلبة، ثم نام الشيخ، فرآها فى تلك الليلة وهى هابطة من السماء، فسلّمت عليه، فعرفها، فقال لها: من أين؟ فقالت له: من عند سيدى. فقال لها: ما الذي صنعت؟ فقالت: استوهبتك منه! فانتبه القاضى من نومه وصاح صيحة عظيمة، وظل يفكر «3» فى هذه القضية، وقال: إن كان الأمر كما زعمت فهى تموت اليوم. قال الشيخ: فلما أصبحت جئت إلى بيتها فوجدتها قد ماتت- رحمة الله عليها. *** مقابر الصدفيين «4» : ثم تمضى من قبره إلى قبة، وهى أول قباب الصّدفيين، بها قبر الفقيه الصالح محمد الصّيمرىّ، وبها قبر الفقيه الإمام أبو العباس أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصّدفى الشافعى، المصرى، الحافظ، المؤرخ، مؤرخ مصر، ولد

سنة إحدى وثمانين ومائتين، وتوفى سنة 347 هـ، ولم يرحل، ولكن كان إماما فى فن التاريخ، روى عنه ابن منده، وأبو محمد النحّاس، وعبد الواحد أبو محمد البلخى، وجماعة من الرجال، ومعرفته بالعلل، وعمل تاريخين لمصر، أحدهما «1» - وهو الأكبر- يختص بالمصريين، والآخر- وهو صغير- يختص بذكر الغرباء الواردين على مصر، وقد ذيّلهما «2» أبو القاسم يحيى بن الحضرمى، وبنى عليهما. وهذا أبو سعيد «3» هو حفيد يونس بن عبد الأعلى، صاحب الإمام الشافعى. ولمّا مات أبو سعيد المذكور رثاه أبو عيسى عبد الرحمن بن إسماعيل ابن عبد الله الخولانى الخشّاب النحوى العروضىّ بقوله: بثثت علمك تشريقا وتغريبا ... وعدت بعد لذيذ العيش مندوبا «4» أبا سعيد، وما نألوك أن نشرت ... عنك الدّواوين تصديقا وتصويبا ما زلت تلهج بالتّاريخ تكتبه ... حتّى رأيناك فى التّاريخ مكتوبا «5» نشرت عن مصر من سكانها علما ... مبجّلا لجمال القوم منصوبا «6»

كشفت عن فخرهم للنّاس ما سجعت ... ورق الحمام على الأغصان تطريبا أعربت عن عرب نقّبت عن نجب ... سارت مناقبهم فى النّاس تنقيبا «1» أنشرت ميّتهم حيّا بنسبته ... حتّى كأن لم يمت إذ كان منسوبا إنّ المكارم للإنسان مرحبة ... وفيك قد ركّبت يا عبد تركيبا «2» حجبت عنّا وما الدّنيا بمظهرة ... شخصا وإن جلّ إلّا عاد محجوبا كذلك الموت لا يبقى على أحد ... مدى اللّيالي من الأحباب محبوبا قوله: «ما زلت تلهج بالتاريخ تكتبه ... » البيت. مأخوذ من خبر لعلّى ابن أبى طالب، رضى الله عنه، وهو: أنه كان رجل «3» فى زمانه يمشى أمام الجنائز وينادى: الرحيل.. الرحيل، لا تكاد جنازة [تمرّ] «4» منه، فمرت يوما جنازة بعلىّ بن أبى طالب فلم يره ولم يسمع نداءه، فسأل عنه، فقيل: هو هذا الميت. فقال: لا إله إلّا الله ... ما زال يصرخ بالرحيل مناديا ... حتى أناخ ببابه الجمّال «5» وقال الأصمعى: حدّثنى أبى قال: رأيت رجلا على قصر «أو ليس» أيام الطّاعون وبيده كوز يعد الموتى فيه بالحصى، فعدّ فى أول يوم ثمانين ألفا، ثم عدّ فى اليوم الثانى مائة ألف، فمرّ قوم بميّتهم فواروه ثم رجعوا وعلى الكوز رجل غيره، فسألوا عنه، فقال: وقع فى الكوز!

قبر شيخ الإسلام أبى العباس بن نصر الإربلى:

ومثل هذا قول التّهاميّ «1» قال: حكم المنيّة فى البريّة جار ... ما هذه الدّنيا بدار قرار بينا يرى الإنسان فيها مخبرا ... حتّى يرى خبرا من الأخبار *** وعلى باب هذه القبّة [قبر] «2» الفقيه أبى عبد الله محمد بن بشّار، إمام حرم المصطفى صلّى الله عليه وسلم. روى الحديث الكثير وسمع، ومن رواياته التى رواها عن أبى ذرّ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلم أنّه قال: «يا أبا ذرّ، جدّد السفينة فإنّ البحر عميق، وأكثر الزّاد فإنّ السّفر بعيد، وخفّف الحمل فإنّ العقبة طويلة، وأخلص العمل فإنّ الناقد بصير» «3» . ومن شرقّى هذه القبّة قبر فى تربة، هو للشيخ زكىّ الدين عبد المنعم ابن عبد الملك، المتصدر بالجامع الأكبر. قبر شيخ الإسلام أبى العباس بن نصر الإربلىّ «4» : ومن جهة القبلة من هذه القبة تربة أخرى تعرف بتربة بنى عقيل، بها قبر شيخ الإسلام الفقيه العالم المحدّث أبى العباس الخضر بن نصر بن عقيل بن نصر الإربلىّ الفقيه الشافعى.

اشتغل ببغداد على الكيا الهراسى «1» ، وابن الشاشى «2» ، ثم رجع إلى إربل، وبنى له بها الأمير سرفتكين صاحب إربل «3» مدرسة، ودرّس الشيخ بها زمانا طويلا. وله التصانيف الحسنة فى التفسير والحديث والفقه وغير ذلك، وشرح كتاب الألفية لابن مالك، وله كتاب ذكر فيه ستّا وعشرين خطبة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكلها مسندة إلى النبي صلّى الله عليه وسلم. واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به وبتصانيفه. ذكره الحافظ ابن عساكر فى «تاريخ دمشق» وأثنى عليه. وتخرّج عليه «4» الفقيه ضياء الدين أبو عمرو عثمان بن عيسى بن درباس شارح «المهذب» «5» وتخرّج عليه أيضا ابن أخيه الشيخ أبو القاسم نصر بن عقيل، وكانت ولادته سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وتوفى سنة سبع وستين وخمسمائة، ودفن بمدرسته بإربل فى قبّة منفردة، وقبره يزار. ولمّا توفى الشيخ تولى التدريس فى المدرسة التى بنيت ابن أخيه، ثم خرج إلى الموصل وسكن بظاهرها بجوار رباط المغربى، وقرر له صاحب الموصل راتبا «6» ، ولم يزل هناك إلى أن توفى فى ثالث عشر ربيع الآخر «7» سنة تسع عشرة وستمائة «8» . ***

قبر الفقيه أبى إسحاق المروزى:

قبر الفقيه أبى إسحاق المروزى «1» : ثم تذهب من هذه التربة إلى الحوش المجاور لتربة الإمام محمد بن إدريس الشافعى. بهذا الحوش الجليل والمعظم، والمحل الأنور المفخّم، قبر الشيخ الإمام، العالم العلّامة الفاضل أبى إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسحاق المروزىّ الشافعى. كان إمام عصره فى الفتوى والتدريس، تفقّه على ابن سريج «2» ، وبرع فى الفقه، قال ابن خلّكان فى حقه: انتهت إليه الرياسة فى الفقه بالعراق بعد ابن سريج، وصنّف كتبا كثيرة، وشرح مختصر المزنّى. وقال الشيخ أبو إسحاق فى حقه: انتهت إليه رياسة الفقه ببغداد، وصنّف فى الأصول، وعنه أخذ الأئمة، وانتشر الفقه عن أصحابه فى البلاد. ومن أحسن ما ذكر عنه من شعره قوله «3» : لا يغلونّ عليك الحمد فى ثمن ... فليس حمد وإن أثنيت بالغالى الحمد يبقى على الأيّام ما بقيت ... ويذهب الدّهر بالأيّام والمال وخرج إلى مصر فى آخر عمره فتوفى بها لسبع «4» خلون من رجب الفرد سنة أربعين وثلاثمائة. وقيل: ليلة الأحد الحادى والعشرين منه «5» سنة 340 هـ. وقبره يزار ويتبرك به- رحمه الله تعالى ورضى عنه «6» .

مشهد الإمام الشافعى - رضى الله عنه:

مشهد الإمام الشافعى- رضى الله عنه «1» : ثم من قبره «2» إلى مشهد الإمام الأعظم، والأستاذ الأفخم، إمام الأئمة، وناصر الكتاب والسّنّة أبى عبد الله محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان ابن شافع بن السّائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشيّ الهاشمىّ، ابن عمّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، فضائله ومناقبه أشهر من أن تذكر، ولا بد من تذكرة هاهنا فنقول «3» : روى عن المزنّى رضى الله عنه «4» قال: سمعت الشافعى رضى الله عنه يقول: كنت ببغداد فرأيت علىّ بن أبى طالب عليه السلام «5» فى النوم، فسلّم علىّ وصافحنى، وجعل خاتمه فى أصبعى «6» ، وكان لى عمّ ففسّرها لى فقال: أمّا مصافحته فأمان من العذاب «7» ، وأمّا لبس خاتمه فسيبلغ اسمك ما بلغ اسم علىّ من المشرق إلى المغرب «8» . [وإن صدقت رؤياك لم يبق بالمشرق والمغرب موضع إلّا ذكرت فيه وعمل بقولك] .

وروى الربيع بن سليمان قال: رأيت الشافعىّ رضى الله عنه فى النوم بعد موته فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: أجلسنى على كرسّى من ذهب ونثر علىّ اللّؤلؤ الرّطب. قال الشافعى رضى الله عنه: عرض علىّ مالك أربع مرات، ولو شئت أن أكتبها كتبتها «1» . قال الربيع «2» بن سليمان: سمعت الشافعى يقول: «قدمت على مالك ابن أنس وقد حفظت الموطّأ ظاهرا، فقلت: أريد أن أسمع منك الموطّأ. فقال: اطلب من يقرأ لك. فقلت: لا عليك أن تسمع قراءتى، فإن خفت عليك وإلّا طلبت من يقرأ لى. فقال: اقرأ. فقرأت صفحة من الكتاب ثم سكتّ. فقال لى: اقرأ- وفى رواية: فقال: هيه- فقرأته عليه، وكان ربّما قال لى: أعد حديث كذا» . وأعجبت مالك قراءته وقال: «إن يكن أحد يفلح فهذا الغلام» . ولازمه الشافعى مدّة وانتفع به. ثم توجه الشافعى رحمه الله إلى بغداد سنة 195 هـ «3» . وروى [عنه] أحمد بن محمد الحنبلى الشيبانى «4» ، وسليمان بن داود الهاشمى، وأبو ثور إبراهيم ابن خالد، والحسين بن على [الكرابيسى] «5» ، والحسن بن محمد بن الصباح

الزعفرانى، ومحمد بن سعيد العطار، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ويونس ابن عبد الأعلى الصّدفى، وإسماعيل المزنى، وأبو الحسن المقرئ، ومحمد بن أحمد بن سابق الخولانى، وحرملة بن يحيى التجيبى، وأحمد بن عبد الرحمن، وأبو بكر عبد الله «1» بن الزبير الحميدى، والحارث بن سريج، وعبد العزيز ابن يحيى المكّى وغيرهم. وأخذ عنه جملة محذوفة الأسانيد الربيع بن سليمان، وروى عنه، قال: سمعت الشافعى يقول: «طلب العلم أفضل من صلاة النافلة» ] «2» . وعن حميد بن زنجويه «3» قال: سمعت أحمد بن حنبل، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أنّ الله يمنّ على أهل دينه فى رأس «4» كل مائة سنة برجل من أهل بيتى» يبين لهم أمر دينهم» . وإنى نظرت فى رأس المائة الأولى [فإذا هو] «6» عمر بن عبد العزيز، وفى رأس المائة الثانية الشافعى محمد بن إدريس رضى الله عنه. وعن أحمد بن حنبل رضى الله عنه قال: ما رأيت أحدا تبع الأثر مثل الشافعى. وعن الشافعى رضى الله عنه أنه قال: أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلّة، والورع فى خلوة، وكلمة حق عند من يرجى ويخاف. وعن أبى بكر الحميدى قال: قدم الشافعى رضى الله عنه من صنعاء ومعه عشرة آلاف دينار، فنزل قريبا من مكة، فأتاه أصحاب يسلمون عليه، فما برح ومعه منها شىء «7» .

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل لأبيه: يا أبت، أىّ رجل كان الشافعىّ، فإنّى رأيتك تكثر الدعاء له «1» ؟ فقال: يا بنىّ، كان الشافعى كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل تجد لهذين من خلف أو عنهما من عوض «2» ؟. وعن الربيع بن سليمان قال: كان الشافعى يفتى وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان يحيى الليل إلى أن مات «3» . وعن الحميدى «4» قال: سمعت الشافعىّ رضى الله عنه يقول: قال لى خالد الزنجى: «أفت يا أبا عبد الله، فقد آن لك أن تفتى» . والشافعى إذ ذاك سنّه ما ذكر «5» . نفعنا الله بعلومه وبركاته. وقال حسين بن علّى الكرابيسى «6» : بتّ مع الشافعى ليلة، فكان يصلى عامّة الليل، فما رأيته يزيد على خمسين آية فى التلاوة، وإذا أكثر فمائة، وكان لا تمر به آية رحمة إلّا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا تمرّ به آية عذاب إلّا تعوّذ منها وسأل الله تعالى النجاة لنفسه وللمؤمنين أجمعين.

وعن صالح بن أحمد بن حنبل قال: مشى أبى مع بغلة الشافعى، فرآه يحيى بن معين فقال: يا أبا عبد الله، تمشى مع بغلته؟ قال: يا أبا زكريا، اسكت لو لزمت البغلة لا نتفعت «1» . وقال الشافعى: ما شبعت مدة ست عشرة سنة إلّا شبعة واحدة طرحتها، لأن الشبع يثقل البدن، ويقسّى القلب، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة «2» . وعن الربيع قال: كان الشافعى يختم فى كل شهر ثلاثين ختمة «3» ، وفى شهر رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ فى الصلاة «4» . وقال «5» : ما رأيت أورع من الشافعىّ، ما كلّمته قطّ إلّا وأنا مقشعر من هيبته على لينه وتواضعه. وقال أحمد بن صالح: قال الشافعى: يا أحمد، تعبّد قبل أن ترأس، فإنّك إن ترأست لم تقدر أن تتعبد. وعن ابن أخى المزنى، عن المزنى، أنّ هارون الرشيد أمر للشافعى بعشرة آلاف دينار، فما بلغ الباب حتى فرّقها فى بنى هاشم. وفى رواية الزبير بن أحمد الزهرى قال: أمر هارون الرشيد للشافعى بألف دينار، فدعا بالحجّام فأصلح له من شعره فأعطاه خمسين دينارا، ثم صرف الباقى صررا وفرّقها على من حضر من القرشيين.

وقال الربيع: سمعت الشافعى يقول: عليك بالزّهد، فالزّهد على الزّاهد أحسن من الحلى على الناهد. وقال الربيع: سمعت الشافعى يقول: ما نظرت أحدا إلّا تمنيت أن يكون الحق معه، وفى رواية: تمنيت أن يظهر الحقّ على يديه، ومعناه- كما قال البيهقيّ رحمه الله: لن يستنكف «1» عن الأخذ به، بخلاف خصمه، فإنه قد يستنكف، فلا يأخذ به. وكان جهورىّ «2» الصوت، وبلغ فى الكرم والشجاعة [ودقة] «3» الرمى، وصحة الفراسة، وحسن الأخلاق إلى الغاية. وقوله حجّة فى اللغة. وقال عبد الرحمن بن مهدى: سمعت مالكا يقول: ما أتى على قريش أفهم من الشافعى. وسمعت الربيع يقول: لو وزن عقل الشافعى بنصف أهل الأرض لرجحهم، ولو كان فى بنى إسرائيل لاحتاجوا إليه. وقال أحمد بن حنبل: ما من أحد مسّ بيده محبرة إلّا وللشافعى فى عنقه منّة «4» . وذكر القاضى عياض فى المدارك عن الربيع أنه قال: كنا فى حلقة الشافعى جلوسا «5» بعد موته بيسير، فوقف أعرابىّ عليها وسلّم ثم قال: أين قمر هذه الحلقة وشمسها؟ فقلنا: مات! فقال: رحمه الله وغفر له، كان يفتح ببيانه مغلق الحجّة، ويسدّ فى خصمه واضح المحجّة، ويغسل من العار وجوها مسودّة، ويوسع بالرأى أبوابا منسدّة. ثم انصرف.

وعن أحمد بن خلاد قال: قال لى رجل من أولاد الفضل بن الربيع «1» : بعث إلىّ هارون الرشيد فى ساعة لم تكن العادة أن آتى فى مثلها ولا أدعى، فأسرعت إلى أن وقفت بين يديه، فقال لى وهو فى غاية الحنق: يا فضل، قلت لبيك يا أمير المؤمنين. قال: ما فعل الحجازىّ «2» ؟ قلت: هو بالباب يا أمير المؤمنين. قال: أدخله. فانطلقت وقلت له: ادخل. فقام وهو يحرك شفتيه، فلما دخلنا عليه قام له الرشيد، وأقبل إليه يمشى، ثم قال له: لم تر من حقنا على نفسك أن تزورنا حتى بعثنا إليك، وقد أمرنا لك بعشرة آلاف درهم. فقال: لا أرب لى فيها «3» يا أمير المؤمنين. فقال له بالقرابة التى بينى وبينك إلّا ما أخذتها، احملها معه يا فضل. فلما خرجنا وسكن عنه الرعب قلت له: رأيتك تحرك شفتيك بشىء، فما الذي قلت؟ قال: حدّثنى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا يوم الأحزاب على قريش فقال: «اللهم إنّى أعوذ بنور قدسك، وعظمة طهارتك، وبركة جلالك، من كل آفة وعاهة، ومن طارق الليل والنهار، إلّا طارقا يطرق بخير، يا رحمن. اللهم أنت ملاذى فبك ألوذ، وأنت عياذى فبك أعوذ، وأنت غياثى فبك أغوث. يا من ذلّت له رقاب الجبابرة، وخضعت له مقاليد الفراعنة، أعوذ بك من خزيك، ومن كشف سترك، ومن نسيان ذكرك، والانصراف عن شكرك، أنا فى كنفك ليلى ونهارى، ونومى وقرارى، وظعنى وأسفارى، ذكرك شعارى، وثناؤك دثارى، لا إله إلّا أنت، تعظيما لاسمك، تكريما لسبحات وجهك، أجرنى من خزيك ومن شرّ عقابك، واضرب علىّ سرادقات حفظك، وأدخلنى فى حفظ عنايتك، وعد علىّ بخير منك يا أرحم الراحمين» .

قال الفضل بن الربيع: فكتبت هذا الدعاء وحفظته، فما دخلت على أحد كنت أخاف سطوته إلّا كشف الله تعالى عنى سطوته. فهذا من أول بركات الشافعى رضى الله عنه. وقال عبد المحسن العدوى رحمه الله تعالى: ما نالنى شىء كرهته إلّا صليت الصبح فى جماعة بالجامع العتيق بمصر، ثم صعدت الكهف فصليت ركعتى الضّحى، ثم نزلت إلى قبر الشافعى فترحّمت عليه، وسألت الله تعالى هناك فى كشف كربى إلّا وجدت الإجابة. فعليكم بملازمة ذلك. وحدّث هشام بن عمّار، مؤدب المتوكل على الله تعالى قال: سمعت المتوكل يقول: وا حسرتى على محمد بن إدريس الشافعى، كنت أحب أن أكون فى أيّامه فأراه وأشاهده وأتعلم منه، فإنى رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول فى المنام ثلاث ليال متواليات: يا أيها الناس، إنّ محمد بن إدريس المطّلبى قد سار إلى الله وخلف فيكم علما حسنا فاتّبعوه تهتدوا، فإنّ كلامه من سنّتى. يا أيها الناس، من ترحّم على محمد بن إدريس الشافعى غفر الله تعالى له ما أسرّ وما أعلن. ثم قال المتوكل: محمد بن إدريس الشافعى بين العلماء كالشمس بين الكواكب- رحمة الله عليه. وقال نفطويه فى أبيات له*: مثل الشّافعىّ فى العلماء ... مثل البدر فى نجوم السّماء قل لمن قاسه بغير نظير ... أيقاس الضّياء بالظّلماء؟ كان والله معدنا لعلوم ... سيّد الناس أفقه الفقهاء اقتدى بالنّبيّ فى حسن قول ... وأقام البدار للسّفهاء

وروى عن أبى إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزنّى رحمه الله، قال: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم فى المنام، فسألته عن الشافعى، فقال عليه السلام: من أراد محبّتى وسنّتى فعليه بمحمد بن إدريس الشافعى المطّلبى، فإنه منّى وأنا منه. وقال أبو جعفر الترمذى: كنت أكتب الحديث فخطر بقلبى الفقه، وكنت بالمدينة النبوية، فنمت تلك الليلة فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أنظر فى رأى الشافعى؟ فقال: لا تقل «رأى» تلك «سنّتى» . وقال بلال الخواص: كنت فى التّيه فى طريق الحجاز فإذا برجل يكانعنى «1» ، فتعجبت، ثم ألهمت أنّه الخضر، فقلت: بحق الحق، من أنت؟ فقال: أخوك الخضر. فقلت: أريد أن أسألك. قال: سل. قلت: ما تقول فى الشافعى؟ قال: هو من الأوتاد. قلت: فبأى شىء رأيتك؟ قال: ببرّك لوالدتك. قلت: فما تقول فى أحمد بن حنبل؟ قال: رجل صدّيق. ثم استتر عنى. وحكى عن محمد بن نصر المروزىّ المحدّث، ولم يكن يحسن الرأى فى الشافعى، قال: أغفيت فى المسجد النبوى وأنا قاعد، فرأيت النّبىّ صلّى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أكتب رأى فلان؟ قال: لا. قلت: أكتب رأى الشافعى؟ فطأطأ رأسه كالغضبان وقال: لا تقل «رأى» ، ليس بالرأى، هو ردّ على من خالف سنّتى. قال: فخرجت فى إثر هذه الرّؤيا إلى مصر، وكتبت كتب الشافعى، وصرت من أتباع مذهبه. وهذا محمد بن نصر، من أصحاب الوجوه المشهورة. ودخل رجل على الربيع بن سليمان المرادى «2» خادم الشافعى وصاحبه

يعوده فى مرضه، فقال للربيع: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلم قائما بحذاء الكعبة عند المقام، فقلت: يا رسول الله اختلف الناس بعدك، إلى أن قلت: فما تقول فى محمد ابن إدريس الشافعى؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: ابن عمّى اتّبع سنّتى، اتبعه ترشد. وقال أبو الحسن على بن أحمد الدينورى الزاهد: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم فى المنام فقلت: يا رسول الله، بقول من آخذ؟ فأشار إلى علّى بن أبى طالب فقال: خذ بيد هذا فأت به ابن عمنا الشافعى ليعمل بمذهبه فيرشد، ويبلغ باب الجنة. ثم قال: الشافعى بين العلماء كالبدر بين الكواكب. ويكفيه هذا الثناء. ويحكى عن الشافعى رحمه الله قال: رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلم فى المنام فقال لى: يا غلام، فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال: ممّن أنت؟ فقلت: من رهطك يا رسول الله، فقال: أدن منى. فدنوت منه، فمرّ من ريقه على لسانى وشفتى وقال: امض بارك الله فيك. فما أذكر أن لحنت فى حديث بعد ذلك. وأفتى الشيخ محيى الدين النواوى فيما لو حلف الحالف بالطلاق أنّ الشافعى أفضل الأئمة فى عصره، ومذهبه خير المذاهب، أنه لا يقع عليه الطلاق «1» . وبالجملة فالكلام كثير على فضله. ولما مرض مرضه الذي مات فيه، وذلك فى سنة 204 هـ «2» ، أملى وصية منه على إنسان صورتها: «هذا كتاب كتبه محمد ابن إدريس الشافعى فى شهر كذا، فى سنة كذا، وأشهد الله عالم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وكفى به- جلّ ثناؤه- شهيدا، ثم من سمعه، أنه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدا عبده ورسوله،

صلّى الله عليه وسلم، لم يزل يدين الله بذلك، وبه يدين حتى توفّاه الله ويبعثه عليه لو شاء الله، وأنه يوصى نفسه وجماعته ومن سمع وصيته بإحلال ما أحلّ الله تعالى فى كتابه، ثم على لسان نبيّه صلّى الله عليه وسلم، وتحريم ما حرّم الله فى الكتاب ثم فى السّنّة، ولا يجاوزنّ من ذلك إلى غيره، وإنّ مجاوزته ترك فرض الله، وترك الكتاب والسّنّة «1» وهما من المحدثات، والمحافظة على أداء فرائض الله تعالى فى القول والعمل، والكفّ عن محارمه خوفا لله تعالى، وكثرة ذكر الوقوف بين يدى الله تعالى يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، وما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدا بعيدا، وأن يترك الدنيا حيث أذلّها الله ولم يجعلها دار مقام، إلّا مقام مدة عاجلة الانقطاع، وإنما جعلها دار عمل، وجعل الآخرة دار قرار وجزاء بما عمل فى الدنيا من خير أو شر- إن لم يعنه جل ثناؤه.. «2» . وأن يعرف المرء زمانه، ويرغب إلى الله فى الخلاص من شر نفسه، ويمسك عن الإسراف بقول أو فعل فى أمر لا يلزمه، وأن يخلص النّيّة لله فيما قال وعمل، فإن الله يكفى ممّا سواه ولا يكفى منه شىء» . ثم أكمل بعد هذا إقران «3» الوصية بذكر ما أوصى من عتق وصدقة وغير ذلك. ثم قضى بعد ذلك «4» . قال يونس بن عبد الأعلى: دخلت عليه «5» ، فقال لى: «يا أبا موسى، اقرأ علىّ ما بعد العشرين والمائة من آل عمران وأخفّ القراءة ولا تثقل» . فقرأت عليه، فلما أردت القيام قال: «لا تغفل عنى فإنّى مكروب» .

ودخل عليه المزنّى فى صبيحة يومه فقال: كيف أصبحت يا أستاذ؟ قال: «أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخوانى مفارقا، ولكأس المنيّة شاربا، وعلى الكريم واردا، ولسوء أعمالى ملاقيا» ، ثم رمق بطرفه إلى السماء واستعبر وأنشأ يقول: إليك إله الخلق أرفع رغبتى ... وإن كنت يا ذا المنّ والجود مجرما «1» ولمّا قسا قلبى وضاقت مذاهبى ... جعلت رجائى نحو عفوك سلّما «2» تعاظمنى ذنبى فلمّا قرنته ... بعفوك ربّى، كان عفوك أعظما «3» فمازلت ذا عفو عن الذّنب لم تزل ... تجود وتعفو منّة وتكرّما ولولاك ما يغوى بإبليس عابد ... فكيف وقد أغوى صفيّك آدما «4» فإن تعف عنّى تعف عن متمرّد ... ظلوم غشوم لا يزايل مأثما «5» وإن تنتقم منّى فلست بآيس ... وإن دخلت نفسى بجرمى جهنّما «6» فذنبى عظيم من قديم وحادث ... وعفوك يا ذا المنّ أعلى وأجسما «7» وتوفى- رضى الله عنه- فى ليلة الجمعة بعد المغرب، كما قال الربيع، قال: وكنت عنده، ودفن يوم الجمعة بعد العصر آخر يوم من شهر رجب، وانصرفنا من جنازته فرأينا هلال شعبان سنة 204 هـ.

كما ذكر بعضهم حاكيا عن المزنّى: ناحت الجنّ ليلة مات الشافعىّ. ودفن- رضى الله عنه- بمقبرة بنى عبد الحكم. قال الفضل بن أبى نصر: قرأت على قبر الشافعى- رضى الله عنه- بمصر، فى مقابر بنى عبد الحكم. وعلى جانب القبر: هذا ما شهد محمد بن إدريس: أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، ويشهد أنّ الجنّة حق، والنار حق، والموت حق، وأنّ الله يبعث من فى القبور. على هذه الشهادة حيى محمد بن إدريس، وعليها مات، وعليها يبعث إن شاء الله من الآمنين. اللهمّ اغفر ذنبه، ونوّر قبره «1» ، واحشره مع نبيّه صلّى الله عليه وسلم، واجعله من رفقائه، آمين يا ربّ العالمين. وقال أبو عبد الله الحسن بن جعفر الورّاق ببغداد: قرأت على حجر عند قبر الشافعى من جهة رأسه بيتين، وهما فى نفس الحجر: قد وفينا بنذرنا يا بن إدريس (م) ... وزرناك من بلاد العراق وقرأنا عليك ما قد حفظنا ... من كلام المهيمن الخلّاق وحدّثونا أنّ إنسانا من أهل العراق، من أجلّة الفقهاء، نذر بالعراق أن يخرج إلى مصر، ويختم عند قبر الشافعى أربعين ختمة ثم يرجع، فخرج مسافرا، وختم أربعين ختمة، وحفر هذين البيتين فى الحجر المنصوب على رأس القبر. وقيل: لمّا دفن الشافعى وقف المزنى على قبره وقال: سقى الله هذا القبر من أجل من به ... من العفو ما يغنيه عن طلل المزن فقد كان كفوا للعداة ومعقلا ... وركنا لهذا الدّين، بل أيّما ركن

قبر عبد الله بن عبد الحكم:

وقال غيرة: لله درّ الثّرى ما ضمّ من كرم ... بالشّافعيّ خليف السّقيم والسّهر يا جوهر الجوهر المكنون من مضر ... ومن قريش ومن ساداتها الأخر لمّا توفّيت ولّى العلم مكتئبا ... وضرّ موتك أهل البدو والحضر وبلغ سنّ الشافعى- رحمه الله تعالى- يوم مات أربعا «1» وخمسين سنة، فإنه ولد- رضى الله عنه- بغزة- وقيل بعسقلان- وقيل بل بغزة وحملته أمه إلى عسقلان كما نقل ذلك ابن عبد الحكم فى سنة خمسين ومائة، وهى السنة التى توفى فيها أبو حنيفة. وكان يخضّب لحيته بالحنّاء. وخلّف من الأولاد ولده محمدا المكنى أبا عبد الله، وقيل أبا عثمان، وقيل: بل إنّ أبا عثمان ولد آخر. وولده المكنى أبا الحسن، وابنته فاطمة وزينب. ودفن حول قبره جماعة من بنى عبد الرحمن بن عوف الزهرى وغيرهم «2» . قبر عبد الله «3» بن عبد الحكم: وإلى جانب قبره من القبلة عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث بن رافع القرشى ثم المصرى. قدم أعين إلى الإسكندرية «4» وولد له بها عبد الحكم. وكان عبد الله فقيها كاتبا عزيز المنزلة «5» عند السلطان. وقد توفى سنة 212 هـ وكانت ولادته فى سنة 154 هـ.

قبر العلامة نجم الدين بن الموفق الخبوشاني:

وبجانبه قبر ولديه عبد الرحمن ومحمد، أمّا محمد فكان عالما ورعا، وكان أحد الأئمة المشهورين، حدّث عن محمد بن إدريس الشافعى وغيره «1» ، كابن وهب، وابن عياض، وإسماعيل بن مرزوق، والحسن بن الفرات. وكان ثقة، وولى القضاء بمصر، وهو الذي استقبل الشافعى لمّا قدم بألف دينار. وتوفى سنة 268 هـ. وبجانبه «2» فى قبره عبد الرحمن، وهو صاحب كتاب «فتوح مصر» ، وله من المؤلفات غيره. وكان عالما فاضلا ذكيّا، وتوفى يوم الخميس الرابع عشر من المحرم الحرام سنة 257 هـ. وبجانبهم قبر أبى الحسن المقرئ المعروف بالحبّال «3» . كان من خيار خلق الله تعالى، وسمع الكثير، وحدّث عن أبى الفتح، وأبى الحسن على بن الحسين ابن عز الدين الموصلى، وأبى عيسى بن خليل بن غلبون، وغيرهم. ومن مروياته من طريق مروان بن الحكم: قال مروان: قلت لعائشة: هل كان النبي صلّى الله عليه وسلم يقول: «لو أنّ لابن آدم جبلين من ذهب لابتغى لهما ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب، ويتوب الله على من تاب» «4» ؟ قبر العلّامة نجم الدين بن الموفق الخبوشانّي «5» : ويلى قبر الإمام محمد بن إدريس الشافعى من الشرق قبر العلّامة الفاضل نجم الدين محمد بن الموفق بن سعيد بن على بن الحسين الخبوشانى، الفقيه الصوفى

الشافعى «1» . يكنى أبا البركات، مولده بأستوى خبوشان فى سنة 510 هـ، وهى بلدة بنواحى نيسابور، وأستوى ناحية كثيرة القرى من أعمال نيسابور، قال ذلك بعض «2» المؤرخين. وتفقّه المذكور على محمد بن يحيى «3» تلميذ الغزالى، وحدّث عن أبى الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيرى. وقدم مصر سنة 565 هـ واستوطنها، وأقام ببعض المساجد، وذلك فى دولة العبيديين ... والمسجد قيل: هو بباب الجوانية، ثم انتقل إلى القرافة، وجاور بتربة الإمام الشافعى. ولمّا ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ديار مصر، أفتاه بقتل «العاضد» «4» ، وأشار عليه ببناء المدرسة الصلاحية «5» المجاورة لضريح الإمام محمد بن إدريس الشافعى، فقبل ذلك منه وبناها «6» .

وسمعت من بعض الفقهاء أن المنقوش فى الرخام الذي «1» بباب المدرسة المذكورة ما شرطه الواقف، وصورة الشرط: «هذه المدرسة موقوفة على الشيخ نجم الدين الخبوشانى، والفقهاء الشافعية الأصولية الأشعرية» إلى آخره.. واستمر المذكور يدرّس بها، ولم يأكل شيئا «2» من وقفها، ولم يأكل من مال الملوك درهما، وكان علّامة قليل النظير فى وقته فى الزهد، وكان يستحضر «المحيط» «3» لمحمد بن يحيى- على ما قيل- حتى أنه عدم الكتاب فأملاه من خاطره.. ورأيت له كتاب «تحقيق المحيط» وهو فى ستة عشر مجلدا. وصنف أيضا فى الخلاف. وتوفى يوم الأربعاء ثانى عشر «4» ذى القعدة سنة 587 هـ. وكان السلطان صلاح الدين يقربه ويكرمه ويعتقد فيه، وقيل: حضر إليه الملك العزيز وصافحه، فدعا بماء وغسل يده وقال: يا ولدى، إنك تمسك العنان [ولا يتوقّى الغلمان عليه] «5» فقال له: نعم، واغسل «6» وجهك فإنك بعد المصافحة لمست وجهك. فقال: نعم. وغسل وجهه. وكان إذا رأى ذمّيّا راكبا قصد قتله. وكان أهل الذّمّة يتحامونه.. ولما مات دفن فى الكساء الذي حضر فيه من خبوشان. ويقال: إنّ «العاضد» خليفة مصر رأى فى منامه- آخر دولته- أن عقربا «7» خرجت إليه من مسجد [معروف] فى مصر ولسعته «8» ، فلما قصّه

قبر الإمام ورش المدنى:

على المعبّر قال: ينالك مكروه من شخص مقيم فى المسجد الفلانى [فأرسل جماعة فى صبيحة ليلته إلى ذلك المسجد، فما رأوا فيه إلّا شخصا أعجميّا فقيرا، فردّوه إليه] «1» فلما رآه سأله: من أين حضر «2» ؟ ومتى قدم؟ فكلما يسأله عن شىء يجيبه. فلما ظهر له حاله وضعفه وعجزه عن إيصال مكروه منه «3» أعطاه شيئا وقال: يا شيخ، ادع لنا، وأطلقه. فلما استولى السلطان صلاح الدين وعزم على القبض على «العاضد» استفتى الفقهاء فى خلعه «4» ، فكان أكثرهم مبالغة فى الحطّ على العاضد وأشدهم قياما فى أمره ذلك الشيخ المقيم فى المسجد، الذي أحضره «5» . *** ثم تأتى إلى [قبر] «6» القاضى عبد الوهاب، وتنحرف إلى الخندق، ثم تشرّق قليلا تجد قبرا «7» كان عليه رخام مكتوب عليه: الحسين بن كثير «8» . قبر الإمام ورش المدنى «9» : ثم تمرّ مستقبلا «10» ، تجد قبر الإمام الفاضل عثمان، الملقّب بورش

المدنىّ، المكنى أبا عمرو، صاحب الرواية، كان من أكابر القرّاء «1» . والورش جنس من اللبن، لقّب به لشدة بياضه «2» ، وكان كاتبا للقاضى أبى الطاهر عبد الحكم بن محمد الأنصارى، وتوفى سنة 197 هـ. وحكى «3» عنه أنّ لصّا جاء إلى بابه فوجده حصينا، فقال: يحتمل أن يكون فى داخل هذا الباب مال كثير، فلابد من دخولى فى داخله، فأراد فتح الباب فلم يقدر، فاستعان بنجار ودفع له درهما، ففتح له الباب، ودخل الدّار ليأخذ ما فيها، فوجد فيها إبريقا مكسورا وجرّة مكسورة، ولم يجد قليلا ولا كثيرا، فقال فى نفسه: جئت أسرق [فسرقونى] «4» ، فبينما هو كذلك إذ جاء ورش فرآه جالسا فى الدار، فقال له: من أدخلك هنا؟ فقال: أنت نصبت على الناس ببابك الوثيق، دخلت لآخذ شيئا «5» واستعنت على فتح الباب بدرهم كان معى، فلما دخلت لم أجد قليلا ولا كثيرا! فقال له: هل لك فى مصاحبتى؟ قال: نعم. ثم جلس معه، فجاء تلامذة الشيخ، فقص عليهم قصته، فدفعوا له شيئا كثيرا «6» ، ثم قال له ورش: استغفر الله. فجلس واستغفر الله مائة مرّة، ولمّا فرغ قال للشيخ: يا سيدى استغفرت الله مائة مرة، فقال له: هل هى بصدق أو بغيره؟ فقال: بل بصدق يا سيدى، قال: سوف ترى أثر ذلك، فاجلس قليلا، فجلس يتحدث مع الشيخ، وإذا بالباب يطرق، فقال: انظر من بالباب. وإذا بالباب غلام الخليفة، [فسلّم

تربة الشيخ الزاهد شيبان الراعى:

وقال: الخليفة] «1» أرسل لكم هذه الصّرّة، ويسلم عليكم ويقول لكم: ادفعوها إلى مستحقها. فقال له: سلّم عليه وقل له: قد سبقها مستحقّها، فأعطى الصّرّة للرّجل، وإذا بالمطر قد نزل من السماء، فقال له: أبشر، فإنّ زوجتك تضع ذكرا. فذهب الرجل إلى منزله فوجد زوجته قد وضعت ذكرا، فاشترى لها ما يقوم بحالها، ثم عاد إلى الشيخ وقال: يا سيدى، ما تعجبت من المالية «2» كيف حصلت، إنّما تعجبت من قولك: زوجتك تضع ذكرا، وقد وضعت! فقال: يا بنّى، أخذت ذلك من كتاب الله تعالى، قال الله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً «3» فلما أن حصل الاستغفار والمالية والمطر، استدللت «4» بهذه على الولد. ثم تاب الرجل ولزم خدمة الشيخ إلى أن مات، ودفن تحت رجليه. تربة الشيخ الزاهد شيبان الرّاعى «5» : ثم تمضى إلى تربة الشيخ الصالح شيبان، واسمه محمد «6» بن عبد الله

المعروف بالراعى، أحد زهّاد الدنيا، سمع قارئا يقرأ «1» فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «2» ، فذهب فارّا على وجهه، ثم عاد بعد عام «3» فقيل له: لم هربت؟ قال: من هذا الحساب الدقيق. وروى زيد بن الحبّال المقرئ عن سفيان الثورى، قال: خرجت حاجّا أنا وشيبان الراعى، فلما كنا فى بعض الطريق عارضنا أسد، فقلت لشيبان: أما ترى هذا الكلب قد عرض لنا «4» ؟ فقال: لا تخف. فما هو إلّا أن سمع كلام شيبان فبصبص «5» وضرب بذنبه مثل الكلب. فالتفت إليه شيبان وعرك أذنه [فولّى هاربا] «6» فقال له سفيان: ما هذه الشهرة؟ فقال: وأى شهرة يا ثورىّ؟ لولا كراهة الشهرة ما حملت زادى إلى مكة إلّا على ظهره! وقيل: إن رابعة العدوية مرّت به وقالت له: إنى أريد الحج «7» إلى بيت الله الحرام. فأخرج لها من جيبه ذهبا وقال لها: اجعلى هذا فى مصلحتك للحج. فمدّت يدها إلى [الهواء] «8» وقالت: أنت تأخذ من الجيب، وأنا آخذ من الغيب، وإذا كفها مملوء ذهبا، فمضى معها على التوكل. ومرّ الشافعى هو وأحمد بن حنبل- رضى الله عنهما- على شيبان، رضى الله عنه، فأراد الشافعى أن يقصد إليه للسلام عليه، فقال له أحمد «9» : إنّ

الله لا يتخذ وليّا جاهلا. فقال له [الشافعى] «1» : سله. فتقدم إليه «2» فقال له: كم يلزمك زكاة على غنمك؟ فقال: مذهبكم فى كلّ أربعين رأس «3» . فقال له: وهل مذهبك غير ذلك؟ قال نعم.. الكل لله «4» . قال له: ما الدليل على ذلك؟ قال: ما قال أبو بكر رضى الله عنه حين قال له صلّى الله عليه وسلم: ما خلّفت لعيالك؟ قال: الله ورسوله ... فقال: ما يلزمك إذا سهوت فى الصلاة؟ فقال: إن كان على مذهبكم فسجدتين، وإن كان على مذهبى فأعيد الصلاة. فقال له: ما «5» الدليل؟ فقال: قوله تعالى: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ «6» . فأعيدها عقوبة لما ادعيت، ويجب علىّ حدّ، وهو أن أضرب بالجريد ويقال لى: هذا جزاء قلب غفل عن الله تعالى. فقال له: ما حقيقة المعرفة؟ فقال له: نور فى القلب. ثم ولّى «7» ، فقال أحمد: أتيت إلى من يفتى فى الشرع والحقيقة «8» . ولمّا مات «المزنىّ» - رحمه الله تعالى- أوصى أن يدفن قريبا منه وقال: إنه كان عارفا بالله تبارك وتعالى «9» .

قبر المزنى صاحب الشافعى، رضى الله عنهما:

وكانت الذئاب ترتع مع غنمه فى المرعى، قال ابن وهبان: جئت إلى بئر فلم أجد عليها سقاء «1» ، فوقفت فإذا شيبان قد أقبل بغنمه، فقلت: لعلّ معه السّقاء والحبل فأشرب وأنصرف. فرأيته قد بسط يديه ثم قال للغنم: اذهبى فاشربى. فأتت الغنم إلى البئر، فارتفع الماء إلى فم البئر «2» . وروى أنه أتى إلى برّيّة «3» قليلة الماء، فأخذته سنة من النوم، فنام فأجنب «4» ، فبقى حائرا فى الغسل، فهمهم «5» ، فأتته سحابة فمطرت عليه، فاغتسل، وعرف «6» هذا المكان بإجابة الدعاء، ولم يزل المشايخ يتذاكرون شيبان بهذا المكان، وقال بعضهم: إنه بأرض الشام. وببركته يستجاب الدعاء بهذا المكان حيث كان، والأصل فى الزيارة إخلاص النّيّة. وفى تربته قبر سليمان اليشكرى، ويكنى أبا الربيع، توفى سنة 321 هـ. وإلى جانبه قبر محمد المؤذن بالجامع الحاكمى. ثم تخرج إلى قبر الخياط «7» ، وهو فيما بينه وبين المزنى. كان رجلا صالحا من أرباب الأسباب وأهل الحال. قبر المزنّى صاحب الشافعى، رضى الله عنهما «8» : هو إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق المزنّى «9» ،

صاحب الشافعى، نسبته إلى قبيلة من العرب تسمى مزينة «1» ، وهو مصرى، كان من كبار العلماء، جمع بين العلم والزهد والورع والعبادة «2» . وروى «3» عنه أبو جعفر الطحاوى، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وأحمد بن محمد بن حسين الصابونى، وعبد الرحمن بن أبى حاتم الدّارى، وأحمد بن عبد الرحمن الجارود، وغيرهم. وكان من الثقات، وكان أنقل أصحاب الشافعى لأقواله، وكان زاهدا، ورعا، محجاجا، مجتهدا، غوّاصا على دقائق الفقه، عارفا بنكته. قال الأنماطى: قال المزنى: أنا منذ «4» خمسين سنة أنظر فى كتاب الرسالة للشافعى، ما نظرت فيه مرة إلّا استفدت منه ما لم أستفد قبل. وكان كثير العبادة، ملازما للسّنّة، من أعرف الناس بإرادات الشافعى «5» ، بحيث يقدّم نقله عنه على كل نقل، وذلك لعدالته وتحقيقه لمذهبه. وعنه انتشر مذهب الشافعى انتشارا كبيرا «6» ، وذلك بإشارة الشافعى حيث قال: «المزنى صدرى.. المزنى ناصر مذهبى» . وكان المزنى قبل دخول الشافعى [مصر] «7» بليدا، لا إلمام له بالعلم، فلما دخل الشافعى رأى الناس يزدحمون عليه، فقال: ما بال الناس يزدحمون على هذا الرجل الحجازىّ؟ قالوا: لعلمه. فقال: وما لى لا أقرأ العلم.

قال المزنى: فجئت إليه وصحبته وقرأت عليه، وكنت أحفظ فى اليوم مائة سطر، وقرأت كتاب الرسالة له عليه غير مرة، واستفدت منه فوائد كثيرة. وكان يقول لى: عليك بالعزلة تنفقه. وكان يقول لى: يا مزنّى، إيّاك والهوى، فإنه يهوى بك إلى جهنم!! وممّا نقل عن الشافعى أنه قال: «كان المزنّى بليدا تنقصه المواظبة» . وصنّف المزنّى تصانيف، منها الجامعان: الكبير والصغير، ومختصر المختصر، والمنثور، والمسائل المعتبرة «1» ، والترغيب فى العلم، وكتاب الوثائق. وكان فى أثناء تصنيفه لكتابه «المختصر» كلما فرغ من مسألة قام إلى المحراب وصلّى ركعتين شكرا لله تعالى. وانتفع «2» الناس بهذا المختصر انتفاعا لم يكن له نظير، وأقام أهل مذهب الشافعى [وهم] عليه عاكفون، وله دارسون ومطالعون، ثم كانوا بين شارح يطوّل، ومختصر يقلّل، والجمع منهم معترف أنه لم يدرك من حقائقه سوى اليسير. وقال الإمام أبو العباس أحمد بن سريج «3» : مختصر المزنى يخرج من الدنيا بكرا لم تفتض «4» . لأنه كان من أعرف الناس به، وكان لا يفارق حمله، وإليه أشار بقوله: لصيق فؤادى مذ ثلاثين حجّة ... وصيقل ذهنى والمفرّج عن همّى «5» جموع لأنواع العلوم بأسرها ... حقيق على ألّا يفارقه كمّى عزيز على مثلى إعارة مثله ... لما فيه من نسج بديع ومن نظم

وهذا المختصر أوّل مصنّف فى مذهب الشافعى صنّفه أصحابه. وروى عن المزنى أنه قال: لو أدركنى الشافعى وقت تأليف هذا الكتاب لسمعه منّى لحسنه. ومنه قولهم: دعاء مسموع، أى: مقبول. وحكى أبو محمد أحمد بن عبد الله المزنىّ قال: سمعت يوسف بن عبد الأحد القمنى يقول: صحبت المزنى ليلة من ليالى الشتاء وبعينيه رمد، فكان يجدّد الوضوء ثم يعود فيصلّى، ثم ينعس، فيقوم ثانيا فيجدد الوضوء، ثم يعود فيصلى، ثم ينعس ثالثا فيجدد الوضوء، حتى فعل ذلك سبع عشرة مرّة، وكان لا يتوضأ من جباب «1» أحمد بن طولون، وكان يجدد الوضوء فيخرج من الجامع ويذهب إلى النيل، وبين الجامع والنيل مسافة بعيدة، فيجدد وضوءه ثم يرجع «2» . روى عنه أنه خرج من جامع مصر فرأى عبد الله بن عبد الحكم وقد أقبل فى موكبه، [ومعه جماعة من القضاة، والقلانس على رءوسهم] «3» فبهره ما رأى من حسن حاله وبزّته وحسن هيبته «4» ، فسمع قارئا يقرأ: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ «5» ؟ فقال: بلى والله، أصبر وأرضى. وكان «6» يشرب فى الشتاء والصيف من كوز أصفر، فقيل له فى ذلك، فقال: بلغنى أنهم يستعملون السّرجين فى هذه الكيزان، والنار لا تطهره.

وأخبرنا قاضى بلده نصر بن محمد بن أحمد قال: سمعت أبا علىّ الرّوذبارىّ يقول: سمعت بحرا «1» يقول: قال المزنى: خرجت [إلى] «2» «البرلس» أطلب الميرة «3» ، فمررت بقوم يشربون النبيذ على شاطىء البحر، والملاهى تخرج إليهم من باب دار بحذائهم، فهممت أن أعظهم وأنكر عليهم، فخشيت الضّرر بالرّكب، فلما رجعت رأيت باب الدار مسدودا! فذكرت قول الشاعر: قد شاب رأسى ورأس الحرص لم يشب ... إنّ الحريص على الدّنيا لفى تعب بالله ربّك كم بيت مررت به ... قد كان يعمر باللّذّات والطّرب «4» طارت عقاب المنايا فى جوانبه ... فصار من بعده بالويل والحرب «5» فقلت «6» أنشدك ما هو أحسن من هذا؟ فقال: هات يا بحر «7» . فقلت عند ذلك: نراع إذا الجنائز قابلتنا ... ونغفل حين تبدو ذاهبات «8»

كروعة ثلّة لمغار سبع ... فلما مرّ عادت راتعات «1» فلو أنّا ندين بفضل حزم ... لخفنا الموت أيّام الحياة وأخبرنا أبو الفضل بن نصر قال: سمعت عبد الرحمن غلام الزّقّاق يقول: سمعت أبا سعيد السّكّرىّ «2» يقول: رأيت المزنّى «3» يقول: سمعت أبا بكر محمد بن ريّان المصرى يقول: رجع خالى من جنازة المزنىّ فقال: يا بنىّ، رأيت اليوم عجبا! رأيت طيورا بيضاء «4» جاءت ترفرف على جنازة المزنّى، فجعلت تلقى نفسها وتتمسّح به، فقال الربيع بن سليمان: لا تنفّروها، فإنا لم نرها إلّا فى جنازة ذى النون المصرى، وأنها فعلت به مثلما فعلت بذى النون. وروى أنه كان يقول: لا مروءة لمن لا جهل له، ولا جهل لمن لا مروءة له. وأنشد يقول: ولا خير فى حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمى صفوه أن يكدّرا «5» ولا خير فى جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد القوم أصدرا «6» وروى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: قال الشافعىّ للمزنىّ وقد أقبل يوما: أهلا بمن لو ناظر الشيطان لقطعه «7» .

وروى أيضا عن الربيع بن سليمان قال: كنّا عند الشافعى فأقبل المزنّى فقال: قد جاءكم من لو ناظر الشّيطان لقطعه، فالتفتّ فإذا المزنّى. وروى عن الحسن بن أحمد بن عبد الواحد قال: سمعت المزنّى يقول- وقد قال «1» له رجل: يا أبا إبراهيم، إنّ فلانا يبغضك، فقال: «ليس فى قربه أنس، ولا فى بعده وحشة» . وقال يوسف بن عبد الأحد: سمعت المزنّى يقول: «المحبّ لمن أطاعه المنتقم ممّن عصاه» . وقال المزنّى: أخبرنا الشافعىّ عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر: «أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من شهر رمضان على الناس صاعا من برّ، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حرّ وعبد، ذكر أو أنثى من المسلمين» . وعن محمد الخلاطى قال: سمعت المزنّى يقول: سمعت الشافعى يقول: من تعلّم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر فى الفقه نبل قدره، ومن كتب الحديث قويت حجّته، ومن نظر فى اللغة رقّ طبعه، ومن نظر فى الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم «2» ينفعه علمه. وليس العلم ما حفظ، إنّما العلم ما نفع. وذكر عنده حديث النبي صلّى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» «3» .

فقال المزنّى لم يشك النبي صلّى الله عليه وسلم، ولا إبراهيم عليه السلام، فإنّ الله تعالى قادر على أن يحيى الموتى، وإنّما شكّا أن يجيبهما إلى ما سألا. وكانت وفاة المزنى سنة 264 هـ وهو ابن سبع وثمانين «1» ، وصلّى عليه العبّاس بن أحمد بن طولون، ورثاه أحمد بن يحيى بن داود، وكان صديقا له، رحمه الله تعالى، فقال: لا تهجعى، فبمثله لم تفجعى ... واسترفدى غربى نجيعك واهمعى «2» ليس الدّموع وإن تتابع فيضها ... فيما دهاك به الحمام بمقنع «3» إنّ الرّزيّة يا بن يحيى أصبحت ... عمّ العشيرة والبعيد الأشسع «4»

تربة الشيخ أبى عمرو عثمان بن مرزوق:

لهفى على المزنّى لهفة حائر ... عزى الحمام به بأضيع موضع «1» ورأيت أعجب ما رأيت ولم أكن ... من قبل ذاك رأيته بمشيّع طيرا ترفرف فوقه وتحفّه ... حتّى توارى فى حجاب المضجع «2» ثمّ احتجبن عن العيون ولم يحط ... أمر بكنه مسيرها فى المرجع وأظنّها رسل الإله تنزّلت ... والله أعلم فوق ذاك الشّرجع «3» وتنزّل القطر الّذى كنّا نرى ... وهبوب تلك الذّاريات الوعوع «4» إن شئت قل: بكت السّماء لفقده ... أو قل: سقته بمهذب لم يقلع «5» *** تربة الشيخ أبى عمرو عثمان بن مرزوق «6» : ثم تمضى إلى تربة الشيخ أبى عمرو عثمان بن مرزوق بن سلامة بن حميد القرشىّ، رضى الله عنه، وهو بالقرب من تربة كافور الإخشيدى رحمه الله. وهذا الشيخ من أكابر مشايخ مصر المشهورين، وصدور العارفين المذكورين،

وأعيان العلماء المحققين، صاحب الكرامات الظاهرة، والأحوال الفاخرة، والأفعال الخارقة، والأنفاس الصادقة، والمفاخر والمعالى، والتقدم والتّعالى. وهو أحد العلماء المتعفّفين، والفضلاء المتعيّنين، والأئمة البارعين، والسادة القائمين بالسّنّة وأحكام الدّين. أفتى بمصر على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه، ودرّس، وناظر، وأملى، وقصد إليه طلبة العلم، وروى عن غير واحد بمصر من العلماء. وهو أحد أركان الطريق، وأعلم العلماء بأحكامها وكشف مشكلاتها وأحوالها، وفرد سادات أئمّتها، وعظماء القادة إليها علما وعملا، وحالا ومقالا، وتحقيقا وتمكينا، وزهدا ومجدا، وجلالة ومهابة، مع تدآب فى المجاهدة، وتجوال فى المشاهدة، وجبلّة «1» طبعت من الحلم والتّواضع، ومزجت بالكرم والحياء. وهو أحد من أظهره الله تعالى للخلق، وأوقع له عندهم القبول التام، والهيبة العظيمة، وصرّفه فى الوجود، ومكّنه فى الأموال، وقلب له الأعيان، وخرق له العوائد «2» ، وأنطقه بالمغيّبات، وأظهر «3» على يديه العجائب، وأجرى على لسانه ما عمّر به القلوب، ونوّر به الأسرار، وأحيا به الشريعة المطهرة، وأقامه حجّة على المسلمين، وقدوة للسالكين.. انتهت إليه مرتبة «4» المريدين الصادقين بمصر وأعمالها «5» ، وكشف مواردهم الخافية، وانتفع بصحبته غير واحد من الأجلّاء، وتلمذ له جماعة ممّن لهم قدم راسخة «6» فى هذا الشّأن، وقال بإرادته جمّ غفير من أصحاب الأحوال، وانتمى إليه خلق

كثير من الصّلحاء، وانعقد عليه إجماع المشايخ والعلماء بالتبجيل والاحترام، وحكّموه فيما اختلفوا فيه، ورجعوا إلى قوله، وأبرزوا «1» عدالته، واعترفوا بفضيلته. وكان ظريفا جميلا، مشتملا على أطيب الأخلاق، وأكمل الآداب، وأشرف الصّفات. وكان له كلام على لسان أهل التحقيق، منه: «الطريق إلى معرفة الله تعالى وصفاته الفكر، والاعتبار بحكمه وآياته، ولا سبيل للألباب إلى معرفة كنه ذاته، ولو تناهت «2» الحكم الإلهيّة فى حدّ «3» العقول وانحصرت «4» القدرة الرّبّانية فى درك «5» العلوم لكان ذلك تقصيرا فى الحكمة، ونقصا فى القدرة، لكن احتجبت أسرار «6» الأزل عن العقول، كما استترت سبحات «7» الجلال عن الأبصار، فقد رجع معنى الوصف، [فى الوصف] «8» ، وعمى الفهم عن الدّرك «9» ، ودار الملك فى الملك، وانتهى المخلوق إلى مثله، واشتدّ الطلب «10» إلى شكله، وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً «11» . فجميع المخلوقات- من الذّرّة إلى العرش- سبل متصلة [إلى

معرفته] «1» ، وحجج بالغة على أزليّته «2» ، والكون جميعه ألسن ناطقة بوحدانيته، والعالم كله كتاب يقرأ حروف أشخاصه المتبصّرون على قدر بصائرهم» «3» . ومنه: «إذا هبّت ريح السعادة، وتألّق برق العناية على رياض القلوب، وأمطرت ودق «4» الحقائق «5» من خلال سحائب الغيوب، ظهرت فيها أزهار «6» قرب المحبوب، وأينعت ببهجة أنوار نيل المطلوب، فوجدت ريح القرب فى لذّة المشاهدة، واستجلاء الحضور فى التغذى بالسماع، وآنست نار الهيبة حين أضرمها ضوء المحبة «7» مع الشخوص عن الأنس إلى المقام «8» إلى الفناء، فى خلوة الوصل على بساط المسامرة بمناجاة تشبّث الكون «9» بصفاء اتصال تعرّف «10» نهايات الخير فى بدايات العيان، وتطوى حواشى الحدث فى بقاء «11» عزّ الأزل، فهناك رسخت أرواحهم فى غيب الغيب، وغاصت أسرارهم فى سرّ السّرّ، فعرّفهم مولاهم ما عرّفهم، وأراد منهم من مقتضى الآيات ما لم يرد من غيرهم، وخاضوا بحار العلم اللّدنّى «12» بالفهم

الغيبى «1» ، لطلب [الزيادات، فانكشف لهم من مدخور الخزائن تحت كل ذرّة من ذرّات الوجود] «2» علم مكنون، وسرّ مخزون، وسبب متّصل بحضرة القدس، يدخلون منه على سيّدهم- عزّ وجلّ- فأراهم من عجائب ما عنده مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» . ومنه: «من لم يجد فى قلبه زاجرا فهو خراب، ومن عرف نفسه لم يغترّ بثناء الناس عليه، ومن لم يصبر على صحبة مولاه ابتلاه الله بصحبة العبيد، ومن انقطعت آماله- إلّا من مولاه- فهو عبد حقيقة. والدّعوى من رؤية النفس، واستلذاذه بالبلاء تحقيق بالرّضا. وحلية العارف الخشية والهيبة، وإياكم ومحاكاة أصحاب الأحوال قبل إحكام الطّريق وتمكّن الأقدام، فإنّها تقطع بكم [عن السّير] «3» ، ودليل تخليطك صحبتك للمخلطين «4» ، ودليل بطالتك ركونك للبطّالين، ودليل وحشتك أنسك بالمستوحشين. وكان يتمثل بهذه الأبيات: يا غارس الحبّ بين الجلد والكبد ... هتكت بالصّدّ ستر الصّبر والجلد يا من يقوم مقام الموت فرقته ... ومن يحلّ محلّ الرّوح فى الجسد قد جاوز الحبّ بى أعلى مراتبه ... فلو طلبت مزيدا منه لم أجد إذا دعا النّاس قلبى عنك مال به ... حسن الرّجاء فلم يصدر ولم يرد «5» إن توفنى لم أرد ما دمت فى بلد ... وإن تغيّرت لم أسكن إلى أحد

وروى عن الشيخ العارف أبى إسحاق إبراهيم بن مزيبيل «1» الضرير أنه قال: كان الشيخ أبو عمرو عثمان بن مرزوق القرشىّ، رضى الله عنه، من أوتادهم، وكان سابغ الكفّ، ظاهر الكرامات.. زاد النيل فى زمانه سنة من السنين زيادة كادت مصر أن تغرق، فأقام الناس على الأرض حتى كاد وقت الزرع أن يفوت، فضج الناس وجاءوا إلى الشيخ أبى عمرو بسبب ذلك، فأتى إلى شاطىء النيل فى ذلك الوقت، وتوضّأ فيه بإبريق كان مع خادمه، فنقص النيل لوقته نحو ذراعين ونقص حتى انكشفت الأرض، وزرع الناس فى اليوم الثانى «2» . وبلّغ الله سبحانه وتعالى به المنافع، وبارك فى زرع الناس تلك السنة. قال: وحكى لى خادمه الشيخ الصالح أبو العباس أحمد بن بركات السعدى المقرى، رحمه الله تعالى: أنّ الشيخ صلّى العشاء بمنزله بمصر فى ليلة مظلمة، وخرج، وخرجت خلفه والأرض تطوى تحتنا كالكرة، والأنوار تسعى بين أيدينا وعن أيماننا وشمائلنا، ولا تنتهى إلى جبل ولا نشز «3» من الأرض إلّا اندكّ بين يديه وكأنه لم يكن، حتى أتينا فى أسرع وقت إلى مكة- شرّفها الله تعالى- فطاف، وصلّى بها أكثر الليل، حتى خرج- وأنا خلفه- يسير كذلك إلى المدينة الشريفة النبوية، صلى الله على صاحبها وسلم، فزار وصلّى ما شاء الله تعالى أن يصلى، ثم خرج- وأنا خلفه- يسير كذلك إلى بيت المقدس، فزار وصلّى ما شاء الله تعالى أن يصلى، ثم خرج- وأنا خلفه- يسير كذلك إلى أن دخلنا مصر والمؤذن ينادى بالفجر، فو الله لقد رجعت وأنا لا أقوى من أول الليل، ولم أكن وجدت تعبا ولا نصبا، وأخذ علىّ الشيخ ألّا أتكلّم بذلك فى حياته، فما تكلمت به إلّا بعد وفاته، رضى الله عنه.

وقال خادمه المذكور: خدمته تسع سنين، فكان لا يمر عليه وقت من الليل أو النهار إلّا وهو معمور بأنواع القربات: إمّا بقراءة قرآن، أو قراءة، أو سمع الحديث، أو تملية، أو يشتغل بالعلم، أو يؤدب مريديه، أو يتوجه إلى الله سبحانه- عزّ وجلّ- بإحكام أحوال قربه، ومنازلات سرّه. وشهدته يوما وقد دخل عليه شيخ أشعث أغبر، ما رأيته من قبل ولا من بعد، فجلس بين يدى الشيخ متأدّبا خاضعا، فأطرق الشيخ ساعة ثم نظر إلى الرجل، فخرّ مغشيّا عليه، فقال الشيخ: ارفعوه. فوضعناه فى بيت، فمكث فيه أربعة أشهر لا يتحرك ولا يفيق، فحالته كحالة الميت إلّا أنه يتنفس، ثم أتاه الشيخ ومسح بيده على صدره فأفاق، فسألته عن أمره، فقال: يا أبا العباس، كبر سنّى، وتتابعت مجاهداتى، وطالت سياحاتى، وما رأيت من أحوال هذا الشأن شيئا، فاستغثت إلى الله تعالى بسرّى، فنوديت: اذهب إلى سلطان هذا الوادى، فعنده ما تريد. فقلت: ومن هو؟ فقيل لى: هو الشيخ أبو عمرو عثمان بن مرزوق «1» ، فلما جلست بين يديه ونظر إلىّ قطعت نظرته حجبى، واخترقت فّى سرادقات الوصل، وطويت لى مسافات البعد، واختطفتنى عن جسمى وعالمى، وغيّبتنى عن الوجود وما فيه، وقمت على قدم الفناء والغيبة عن الأكوان فى مقام القرب، ونلت مطلوبى، ووصلت إلى محبوبى ببركة نظرته، فمرّ بى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا على هذا الحال فى مقامى ذلك، فنظر إلىّ وقال: مروا من حال بين هذا وبين عقله أن يضع فيه تمكينا يقهر بقوته شيطان هذا الحال ليرجع إلى تمييزه فيقوم بأحكام الشرع. وأسرع إلىّ الشيخ أبو عمرو، فوجدت عندى قوّة ملكت بها حالى، ورجعت إلى وجودى كما ترى. ثم ذهب فما رأيته بعد.

وقال: صحبته مرة إلى الشام على قدم التجريد، وليس لنا ثالث، فمكثنا ثلاثة أيّام لا نأكل ولا نشرب، وكدت أسقط إلى الأرض، فلما رأى الشيخ حالى عرج على كثيب من رمل فجعل يغترف منه سويقا مشوبا «1» بسكر، فأكلت منه حتى شبعت، ثم ضرب بيده فى الكثيب فنبعت عين ماء عذب من مياه الدنيا، فشربت حتى رويت. وقال: حضرت عنده يوما بمصر، وحضر عنده رجلان، أحدهما «2» عربى لا يحسن «3» بالعجمية شيئا، وعجمّى لا يعرف بالعربية شيئا، ولا كلمة واحدة، فجعل كلّ منهما يتكلم ولا يفهم الآخر ما يقول صاحبه، فقال العربى: وددت لو أنى أعرف بالعجمية! وقال العجمى: وددت لو أنى أعرف بالعربية، وقاما وتفرقا، ثم أتيا إلى الشيخ فى الغد، وكل واحد منهما يتكلم بلسان صاحبه كأفصح ما يكون، فسئلا عن ذلك، فقال العربىّ: رأيت إبراهيم الخليل صلّى الله عليه وسلم ومعه الشيخ أبا عمرو «4» ، فقال الخليل صلّى الله عليه وسلم لأبى عمرو: علّمه العجمية نيابة عنى، فتفل أبو عمرو «5» فى فمى، فاستيقظت، وأنا أتكلم بالعجمية. وقال العجمى: وأنا رأيت المصطفى صلّى الله عليه وسلم [فقال] «6» لأبى عمرو: علّمه العربية نيابة عنى، فتفل أبو عمرو فى فمى، فاستيقظت وأنا أتكلم بالعربية. وحكى عنه ولده أبو الخير سعد، قال: سمعت والدى رضى الله عنه يقول: خرجت مرّة سائحا فى القرافة، وصعدت الجبل المقطم فمكثت فيه أياما لا أرى أحدا، فسمعت ليلة عند السّحر قائلا يقول فى مناجاته [ببكاء] «7»

يزعج القلوب، وحنين يذهل العقول: «كتمت بلائى من غيرك، وبحت بسرّى إليك، واشتغلت بك عمّن سواك» . ثم انتحب بالبكاء وقال: «عجبت لمن عرفك، كيف يسلو عنك؟ ولمن ذاق حبّك، كيف يصبر عنك؟ يا مسرى العارفين، وحبيب المقربين، وأنيس المحبين، وغاية أمل الطالبين، ومعين المنقطعين» . ثم صاح: «وا شوقاه! وا كرباه!» . فتتبعت الصوت وقد أخذ بمجامع قلبى حتى انتهيت إليه، فإذا هو شيخ نحيف الجسم، مصفر اللون، تعلوه الهيبة، ويجلّله الوقار، وعليه سيما «1» أهل المعرفة، فدنوت منه وسلّمت عليه، فقال: مرحبا بك يا أبا عمرو! فقال: وكيف عرفت اسمى وما رأيتنى قبل هذه الساعة؟ فقال: نظرت إلى شخصك فى الأرض فعرفت مقامك فى السماء، وقرأت اسمك فى اللّوح المحفوظ! فقلت له: يا سيدى، أفدنى فائدة. فقال: «يا أبا عمرو، أوحى الله عزّ وجلّ إلى نبيّه داود، صلوات الله على نبينا وعليه وسلامه: يا داود، قل لأوليائى وأحبّائى: ليفارق كلّ منكم صاحبه، فإنى مؤنسهم بذكرى، ومحدّثهم بأنسى، وكاشف الحجاب فيما بينى وبينهم لينظروا عظمتى وجلالى وبهاء وجهى، فى كل يوم أدنيهم، وفى كل ساعة أقربهم من نور وجهى، وأذيقهم من طعم كرامتى، فإذا فعلت ذلك عميت هويّتهم عن الدنيا وأهلها، فما شىء آنس إليهم منّى، ولا أقرّ لعيونهم من النّظر إلىّ، يستعجلون القدوم علىّ، وأنا أكره أن أميتهم، لأنهم مواضع نظرى من بين خلقى، أنظر إليهم وينظرون «2» إلىّ، فلو رأيتهم يا داود، وقد ذابت نفوسهم، ونحلت أجسامهم، وخشعت عيونهم، وتهشمت أعضاؤهم، وانخلعت قلوبهم إذا سمعوا بذكرى، فأباهى بهم ملائكتى وأهل سماواتى، ينظرون إلىّ فيزدادون

خوفا وعبادة، إن ناجونى أصغيت إليهم، وإن نادونى أقبلت عليهم، وإن أقبلوا إلىّ أدنيتهم، وإن دنوا منى قرّبتهم، وإن والونى واليتهم، وإن صافونى صافيتهم، وإن عملوا إلىّ جاريتهم، أنا مدبّر أمورهم، وسائس قلوبهم، ومتولّى أحوالهم، لم أجعل لقلوبهم راحة فى شىء غير ذكرى، لا يستأنسون إلّا بى، ولا يحطّون رحال قلوبهم إلّا عندى، فوعزّتى وجلالى، لأمكننّهم من رؤيتى، ولأشبعنّهم من النظر إلىّ حتى يرضوا، وفوق الرضا. فأخبر يا داود أهل الأرض أنى حبيب لمن أحبّنى، وجليس لمن ذكرنى، وأنيس لمن أنس بى، وصاحب لمن صاحبنى، ومطيع لمن أطاعنى، ومختار لمن اختارنى، فهلمّوا إلى كرامتى ومصاحبتى، وأنا الجواد الماجد، أقول للشىء: كن فيكون» . ثم خنقته العبرة وغشى «1» عليه، فلمّا أفاق قلت له: يا سيدى، أوصنى! قال: «يا أبا عمرو، اقطع «2» عن قلبك كل علاقة، ولا تقنع بشىء دونه» . فقلت: يا سيدى، ادع لى. فقال: «خفّف الله عنك مؤن نصب السير إليه، ولا يجعل بينك وبينه حجابا» . ثم ولّى كالهارب من الأسد. وأنشد يقول: ذكرتك لا أنّى نسيتك لحظة ... وأيسر ما فى الذّكر ذكر لسان وكدت بلا وجد أموت من الهوى ... وهام علىّ القلب بالخفقان «3» فلمّا أراني الوجد أنّك حاضرى ... شهدتك موجودا بكلّ مكان فخاطبت موجودا بغير تكلّم ... ولاحقت معلوما بغير عيان

قبر كافور الإخشيدى:

سكن أبو عمرو المذكور «مصر» واستوطنها، وتوفى بها سنة 564 هـ «1» . *** قبر كافور الإخشيدى «2» : ثم تمضى قليلا إلى قبة بها قبر «كافور الإخشيدى» «3» الخادم الأسود، مولى الإخشيدى أبى بكر محمد بن الإخشيدى، جلب فى سنة 312 هـ «4» رحمة الله عليه. ووزر له أبو بكر محمد بن على الماذرائى «5» . قال أبو بكر الماذرائى: قلت لكافور وهو يعدّد نعم الله عليه، كيف كان فى بلاد السودان؟ وكيف جلب؟ وكم كان سنّه «6» ؟ قال: أربع عشرة «7» سنة، جلبنى «8» إبراهيم اليلوفى، فأدخلنى إلى مصر، وباعنى من محمد بن هاشم من بنى ماجد بن عياش، فوهبنى لجارية له، ثم وهب أبو أحمد بن عياش الجارية بعد مدة لمولاى الإخشيدى، وهو

يومئذ من جملة أتباع «تكين» ، فقالت له الجارية: لى عندهم عبد كان لى، فأرسل الإخشيدى فطلبنى، فأرسلنى إليه، فلم أزل عنده حتى جاءته ولاية دمشق، وترقيت إلى أن صرت إلى هذه الحالة «1» . وقال إسحاق بن إبراهيم: كان لكافور أفضال فى كل سنة لحاجّ البرّ، يبعث معهم مالا وكسوة وطعاما، ويبعث معهم صندوقين من كسوة بدنه يفرّق ذلك على أولاد رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وكان له من غلمان التّرك ألف وسبعون «2» تركيّا يغلق عليهم باب داره» ، وتمام الألفى غلام. [وهم مقيمون معه «4» ، سوى المولّدين والسودان، كان الجميع أربعة آلاف غلام] «5» . وكان له راتب فى مطبخه، فى كل يوم ألف وسبعمائة رطل لحم «6» ، ومن الدجاج الفائق مائة طائر [سوى غيره من الدجاج والفراريج] «7» ، ومن الخراف المشوية ما يزيد على الخمسين، سوى النفقة على ذلك والحلوى. وكان يخرج فى كل يوم من خزانة الشراب ما يزيد على خمسين قربة من سائر الأشربة تفرّق على سائر الحاشية. وكان يهدى إليه قاضى أسيوط محمد بن عبد الله فى كل سنة خمسين ألف سفرجلة «8» تعمل شراب سفرجل.

وقال الحسن بن إبراهيم: أرسل عبد الرحمن صاحب الأندلس إلى مصر مالا يفرقه على المالكيين، فبلغ أبا بكر الحدّاد، فقال: لعلّه لسائر أهل العلم. فقال: بل للمالكيين «1» خاصة. فقال لكافور: «أرضيت من ملكك أن ترسل الأموال إلى المالكيين، والشافعيون معك [بلا شىء] «2» ؟ إن لم تقابل هذا الفعل «3» فى الشافعيين بأكثر منه لأكتبنّ فى ذلك ولأكتبنّ» . فأرسل كافور عشرة آلاف درهم، فجلس أبو بكر وفرّقها على الشافعيين. ولما مات كافور- رحمه الله- وجد فى خزانته عينا، وجواهر، وثيابا وسلاحا، وغير ذلك، ما مبلغه ألف ألف دينار. وكان متواضعا حليما، ويحكى عنه أنه «4» لحقه جرب كثير وهو صغير، حتى كان لا يظهر ولا يقابل، فطرده سيده، فكان يمشى فى سوق بنى حباسة، وفيه طباخ يبيع الطبيخ، فعبر به كافور يوما وطلب منه «5» ، فضربه بالمغرفة «6» على يده وهى حارّة، فوقع مغشيّا عليه، فأخذه رجل من المصريين ورشّ عليه الماء حتى أفاق وجعله عنده «7» وداواه حتى وجد العافية، فأتى سيّده، فأخذه سيّده وقال للذى داواه: خذ أجرة ما فعلت. قال: لا، ولكن أجرى على الله تعالى.. فكان كافور كلما عزّت عليه نفسه يذكّرها بضربة الطّبّاخ بالمغرفة. وربما يركب ويأتى ذلك الزقاق وينزل ويسجد شكرا لله تعالى، ويقول لنفسه: اذكرى ضربة المغرفة.

وحديثه مع ابن جابار مشهور، وهو من عزيز مناقبه، وقد ذكر فى أخبار ابن جابار فيما تقدم. وحكى أبو جعفر المنطقى «1» قال: دعانى كافور يوما وقال لى: أتعرف منجّما كان يجلس عند دار فلان؟ فقلت: نعم. فقال: ما حاله «2» ؟ قلت: مات منذ سنين كثيرة. فقال: اعلم أنّى كنت «3» مررت عليه يوما فدعانى وقال لى: أنظر لك؟ قلت: افعل. فنظر ثم قال: ستملك هذه المدينة وتأمر فيها وتنهى. وكان معى درهمان «4» فدفعتهما إليه، فقال: ما هذا «5» ؟ فقلت: ما معى غيرهما «6» . فقال: وإنّ يدك «7» ستملك هذه المدينة وغيرها، وتبلغ مبلغا عظيما، فاذكرنى. وانصرفت [بعد أن عاهدته على الوفاء والإحسان] «8» ، فلما نمت البارحة رأيته فى منامى وهو يقول لى: ما على هذا فارقتنى! فأريد أن تمضى «9» وتسأل عن حاله، وهل له ورثة «10» ؟. فمضيت إلى داره التى كان يسكنها، فسألت عنه، فقيل لى: له ابنتان «11» ، إحداهما متزوجة والأخرى لم تتزوج، وهى بكر، فعدت إليه

فأخبرته، فأرسل لهما أربعمائة دينار، واشترى لهما دارا بأربعة آلاف درهم، وجهز البكر أيضا بمائتى دينار «1» . وقيل: لقى الإخشيدى ابن سعيد المكفوف المفسّر، فقال له: رأيت «2» فى المنام كأنّ أمّ الفتيان رفعت إلىّ درجا «3» فيه خواتيم، فسلمت الدّرج إلى أخى «4» المظفر، ثم عدت فأخذته منه وسلمته لهذا الغلام- يعنى كافور- فقال: يبلغ بك مبلغا عظيما. فلما انصرف الإخشيدى قام ابن سعيد فقال: اطلبوا لى كافور «5» ، فطلبوه، فلما جاء قال: اتّق الله فى المسلمين، فإنك ستبلغ درجة مولاك. فاذكرنى ولا تنسنى! فلما بلغ كافور ما بلغ أرسل إليه إلى دمشق وأحضره، وأجرى عليه [رزقا كثيرا] «6» إلى أن توفى كافور. ودخل على كافور غلام، فقال له: ما اسمك؟ قال: كافور. قال: نعم، ما كلّ من اسمه محمد نبّى! وقيل: كثرت الزلازل بمصر فى زمنه، وأقامت ستة أشهر «7» ليلا ونهارا، فأنشده محمد بن القاسم قصيدة يقول فيها: ما زلزلت مصر من سوء يراد بها ... لكنّها رقصت من عدله فرحا وتوفى كافور- رحمه الله تعالى.. سنة سبع وخمسين وثلاثمائة «8» .

تربة أبى الفضل جعفر بن الفرات:

تربة أبى الفضل جعفر بن الفرات: ثم تمضى من قبته إلى الشرق» تجد قبة لطيفة، يقال إن تحتها سيده مدفون فيها «2» . [وبجانبها من الشرق سبعة قبور على صفّة، يقال إنهم وزراء، رحمهم الله تعالى] «3» وبجانبها من الشرق تربة تعرف بالوزير «4» أبى الفضل جعفر بن الفرات رحمه الله، نزل مصر «5» وتقلّد الوزارة لكافور، وكان أبوه وزير المقتدر بالله، وله «6» رحلة فى [طلب] الحديث. وحدّث «7» عن أبى طالب عبد الله السابورى، وأبى الحسن، ومحمد بن فرج الحضرمى «8» ، وغيرهم. وروى عنه جمع غفير. قال أبو الفضل المذكور: حدثنى سعيد قال: أخبرنى أيوب عن وهب: «مكتوب فى مزامير داود: أتدرى لمن أغفر من عبادى؟ قال: لا يا رب. قال: للذى أذنب ذنبا فارتعدت فرائصه من ذلك. آمر الملائكة ألّا يكتبوا «9» عليه ذلك. ومن كلامه- رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته فى الدنيا والآخرة- شعر:

قبر أبى الحسن الطرائفى:

من أخمل النّفس أحياها وروّحها ... ولم يبت طاويا منها على ضجر «1» إنّ الرّياح إذا اشتدّت عواصفها ... فليس ترمى سوى العالى من الشّجر وله أيضا- رضى الله عنه: من لى بصحبة من إذا أغضبته ... وسخطت كان الحلم ردّ جوابه وإذا طربت إلى المدام سكرت من ... أخلاقه وطربت من آدابه وتراه يصغى للحديث بسمعه ... وبقلبه ولعلّه أدرى به وكانت وفاة الوزير فى سنة 391 هـ «2» . وتخرج من باب التربة تجد على يمينك قبرين، بهما سيدتان شريفتان «3» قيل: هما من أولاد جعفر بن محمد الصادق، وفى ذلك نظر، والله أعلم «4» . قبر أبى الحسن الطرائفى «5» : وهناك قبر الطرائفى «6» - رحمه الله- كان يقرى الضيفان «7» . واسمه علىّ، وكنيته أبو الحسن، كان مكرما للفقراء، كثير الضيافة لهم.

ويحكى عنه أنّ رجلا جاء إلى حانوته وهو فى قوة بيعه واجتماع الناس عليه، فقال له: ما حاجتك أيها الشيخ؟ فسكت ومشى، فقام إليه الطرائفى وترك بيعه وقال له: ما حاجتك؟ فقال له: أحتاج إلى ثوب وعمامة وسراويل. فقال: بسم الله، ثم أمر الطرائفى غلامه فاشترى ذلك، وأخذ الطرائفى الرجل وجاء به إلى البيت، ثم قال له: هل بقيت حاجة؟ قال: نعم، نحن عشرة وأنا واحد منهم، ما ينبغى لى أن أتخصّص. فقال له: امض وأتنى بهم. فذهب وجاء بهم. فلما حضروا قال لهم: ما تشتهون؟ فاشتهى كل واحد منهم لونا، فطبخ لهم جميع ما طلبوه، وقدّم لهم الطعام، فأكل كلّ واحد ما اشتهاه، ولمّا فرغوا «1» سألهم: هل تشتهون؟ هل بقيت لكم حاجة؟ قالوا: نعم، أن يوقفك بين يديه، وأن يدلّلك كما دلّلتنا! فبكى. ثم إنه كسا الجميع، وقال لصاحبه الأول: هل بقيت لك حاجة؟ قال: نعم، تزوّجنى بابنتك. قال: بسم الله. ثم زوّجه ابنته وأسكنه عنده، وقام له بما يحتاج إليه فى ليلة عرسه، وأدخل زوجته عليه. ثم إن الطرائفى نام تلك الليلة، فرأى أنّ القيامة قد قامت، وقد تجلّى الله سبحانه وتعالى، وجاء به وأوقفه بين يديه وقال له: تدلّل كما تدلّلت الفقراء عليك.. ثم أعطى قصرا عظيما، ووجد طعاما كثيرا، ووجد داخل القصر حورا لم ير مثل صفتها. فلما [استيقظ] «2» من منامه جاء إلى زوج ابنته فقال له: كيف كانت ليلتك مع زوجتك؟ قال: كليلتك مع ربّك! فقال له: كيف وجدت البيت؟ قال: كيف وجدت القصر؟ قال: أعجبتك الحور؟ والطرائفى منسوب إلى بيع الطرائف، وهى الأشياء الحسنة «3» .

قبر الفقيه نجم الدين عمارة بن على اليمنى:

ثم تخرج إلى الخندق وتنزل منه وتطلع تجد تربة فيها الياسمينى والنسرينى وجماعة من الصالحين- رحمة الله عليهم. قبر الفقيه نجم الدين عمارة بن على اليمنى «1» : ثم تمضى إلى تربة تعرف بتربة بنى المنتجب، بها قبة فيها قبر الفقيه الفاضل نجم الدين عمارة بن على بن زيدان «2» ، المكنى أبا محمد الحكمى المذحجىّ اليمنى الشّافعىّ الفرضى، الشاعر المشهور. تفقّه بزبيد مدة أربع سنين «3» ، وهو من قحطان، ثم الحكم بن سعد العشيرة المذحجيّ. ولد بتهامة من أرض اليمن فى مدينة يقال لها «مرطان» من وادى «وساع» «4» ، وبعدها من مكة فى مهب «5» الجنوب أحد عشر يوما «6» ، سنة 515 هـ، وبلغ بها الحلم سنة 529 هـ، ورحل «7» إلى زبيد سنة 531 هـ، وحج سنة 549 هـ، فسيّره صاحب مكّة قاسم بن هاشم بن فليتة رسولا إلى الفائز «8» خليفة مصر، فمدحه بقصيدة ميمية، فوصله «9» ، ومدح ابن رزّيك فأحسن صلته.

ثم عاد إلى مكة، وذهب إلى زبيد، ثم حج، وأعاده صاحب مكة فى رسالة إلى مصر ثانية، فدخل مصر واستوطنها إلى أن صلب. وكان شافعيّا شديد التعصب للسّنّة، وأديبا ماهرا، وشاعرا مجيدا، ولم يزل فى علوّ فى دولة المصريين إلى أن ملك السلطان صلاح الدين، فمدحه كثيرا، ومدح الفاضل «1» كثيرا، ثم إنه شرع فى أمور، وأخذ فى اتفاق مع رؤساء البلد فى التعصب للعبيديين وإعادة أمرهم، فنقل أمرهم، وكانوا ثمانية من الأعيان، فأمر صلاح الدين بشنقهم فى رمضان سنة 569 هـ. ويقال: إن صلاح الدين لمّا استشار الفاضل فى أمره فقال: نسجنه. فقال: يرجى خلاصه.. فقال: نضربه عقوبة.. فقال: الكلب يضرب فيسكت ثم ينبح. فقال: نشنقه. فقال: الملوك إذا أرادوا شيئا فعلوه، ونهض قائما، فعلم السلطان أنّ هذا هو الرأى. وقيل: أحضر عمارة، فأخذ الفاضل فى تلطيف أمره مع السلطان- بينه وبينه- فقال عمارة: بالله يا مولانا لا تسمع منه ما يقول فىّ. فقال السلطان: نعم، والله أعلم بأمر الفاضل وأمر عمارة، ثم إنه رسم فيه بما رسم، فقال عمارة للموكّلين به: بالله مرّوا بى على باب القاضى الفاضل لعلّه يرق لى.. فمرّوا به، وكان الفاضل جالسا على باب داره، فلما رآه مقبلا دخل داره وأغلق بابه، فقال عمارة: عبد الرّحيم قد احتجب ... إنّ الخلاص من العجب ويقال: إنه مرّ قبل كائنته «2» بيومين أو ثلاثة، فرأى بين القصرين مصلوبا فقال:

ومدّ على صليب الصّلب منه ... يمينا لا تطول إلى الشّمال ونكّس رأسه لعتاب قلب ... دعاه إلى الغواية والضّلال وقال بعضهم: عبرت بين القصرين وأنا عائد على دار السلطان صلاح الدين عشيّة النهار الذي شنق فيه عمارة اليمنى، فشاهدته هناك مشنوقا، فذكرت أبياتا له عملها فى الصّالح «1» ، وهى هذه، قال: إذا قدرت على العلياء بالغلب ... فلا تعرّج على سعى ولا طلب ولا ترقّنّ لى إن كربة عرضت ... فإنّ قلبى مخلوق من الكرب واستخبر الهول كم آنست وحشته ... وكم وهبت له روحى ولم أهب ومن نظمه- رضى الله عنه: بات يرعى السّها بطرف مؤرّق ... وفؤاد من الغرام محرّق «2» ليت أيّامه السّوالف يرجعن ... ويجمعن طيب عيش تفرّق دمن أنبت الجمال ثراها ... ورعى الشّوق غضّها حين أورق «3» فتح الطّلّ زهرها وتولّى ... نشره راحة النّسيم الذي رق وله أيضا: يا أيّها النّاس والخطاب إلى من ... هو من حيث فضله إنسان هذه خطبة إلى غير شخص ... نظمة عقد نثرها الأوزان لم أخصّص بها فلان لأنّى ... فى زمان ما فى بنيه فلان من يكن عنده مزيّة فهم ... فليكن سامعا فعندى لسان «4»

لم يميّز بين البريّة إلّا ... حسنات يزينها الإحسان «1» والخطايا بالعطايا [تولّت] ... كم جميل بها المساوى تصان «2» لا يغرّنّكم زيادة حال ... فالزّيادات بعدها نقصان وإذا الدّوم لم يظلّ من الشّمس ... فلا أورقت له أغصان «3» وأحقّ الأنام بالذّمّ جيل ... بين أبنائه كريم يهان طرق الجود غير ما نحن فيه ... قد سمعنا الدّعوى فأين البيان؟ أصيّر الجود قصّة عند قوم ... مستحيلا فى حقّها الإمكان وعدمنا نشرا يدل عليه ... إنّما النّار حيث ثمّ الدّخان كذّبونى بواحد يهب الألف ... وأنّى من السّماع العيان؟ وقال أيضا- عفا الله عنه: إذا لم يسالمك الزّمان فحارب ... وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب ولا تحتقر كيدا ضعيفا فربّما ... تموت الأفاعى من سموم العقارب «4» فقد هدّ قدما عرش بلقيس هدهد ... وخرّب فأر قبل ذا سدّ مأرب «5» إذا كان رأس المال عمرك فاحترز ... عليه من الإنفاق فى غير واجب فبين اختلاف اللّيل والصّبح معرك ... يكرّ علينا جيشه بالعجائب وما راعنى غدر الشّباب لأنّنى ... أنست بهذا الخلق من كلّ صاحب «6» وغدر الفتى فى عهده ووفائه ... وغدر المواضى فى نبوّ المضارب «7»

قبر كمال الدين ابن العديم:

إذا كان هذا الدّرّ معدنه فمى ... فصونوه عن تقبيل راحة واهب رأيت رجالا أصبحت فى مآدب ... لديكم، وحالى وحدها فى نوادب تأخّرت لمّا قدّمتهم علاكم ... علىّ، وتأبى الأسد سبق الثّعالب ترى أين كانوا فى مواطنى التى ... غدوت لكم فيهنّ أكرم نائب «1» ليالى أتلو ذكركم فى مجالس ... حديث الورى فيها بغمز الحواجب *** قبر كمال الدين ابن العديم «2» : ثم تمضى من تربة «عمارة» إلى حوش كبير يعرف بحوش بنى يعمر، به القاضى الأجلّ الصّاحب كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبى الفضل هبة الله بن أبى غانم محمد بن هبة الله بن قاضى حلب أبى الحسن أحمد بن يحيى ابن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبى جرادة عامر بن ربيعة بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل، رئيس الشام العقيلى الحلبى المعروف بابن العديم، ولد- رحمه الله- سنة 586 هـ، وتوفى سنة 660 هـ وقيل: بل سنة 666 هـ. وقيل 668 هـ «3» . وسمع من أبيه، ومن عمه أبى غانم، وابن طبرزد، والافتخار، والكندى، والحرستانى «4» . وسمع جماعة كثيرة بدمشق وحلب والقدس

والحجاز والعراق. وكان محدّثا حافظا، مؤرخا صادقا، فقيها مفتيا، منشئا بليغا، كاتبا مجوّدا. درّس، وأفتى، وصنّف، وترسل «1» عن الملوك، وكان رأسا فى الخط المنسوب، لا سيما النسخ والحواشى. ورئى فى النوم بعد وفاته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: نفعنى ما كتبته بيدى من العلم. فقيل له: هل تعلم بنا إذا زرناك؟ قال: نعم، ويقال لى: هذا فلان ابن فلان. أطنب الحافظ شرف الدين الدمياطى فى وصفه وقال: ولى قضاء حلب خمسة من آبائه متوالية «2» ، وله الخط البديع والخط الرفيع، والتصانيف الرائقة، منها: «تاريخ حلب» ، أدركته المنيّة قبل كمال تبييضه، وكتاب «الدّرارى فى ذكر الذّرارى» جمعه للملك الظاهر، وقدمه إليه يوم ولد ولده العزيز. وكتاب «ضوء الصباح فى الحثّ على السّماح» «3» ، صنّفه للملك الأشرف. وكتاب «الأخبار المستفادة فى ذكر بنى [أبى] «4» جرادة» . وكتاب فى الخطّ وعلومه، ووصف آدابه، وطروسه وأقلامه. وكتاب «دفع الظلم والتجرى عن «5» أبى العلاء المعرّى» . وكتاب «الإشعار بما للملوك من النوادر والأشعار» . وممّن كتب إليه يسترفده شيئا من خطّه «6» سعد الدين منوجهر

الموصليّ، وأمين الدين ياقوت المعروف بالعالم «1» ، صهر ياقوت الكاتب الذي يضرب به المثل [فى جودة الخط] «2» . وكان فى بعض سفراته يركب فى محفّة تشدّ له بين بغلين ويجلس فيها ويكتب. قال ياقوت: سألته لم سمّيتم ببنى العديم؟ فقال: سألت جماعة من أهلى عن ذلك فلم يعرفوه، وقالوا: هو اسم محدث لم يكن آبائى القدماء يعرفون [بهذا] «3» ولم يكن فى نساء أهلى من يعرف به، ولا أحسب إلّا أنّ جدّ جدّى القاضى أبا الفضل هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبى جرادة- مع ثروة واسعة ونعمة شاملة- كان يكثر فى شعره من ذكر العدم «4» وشكوى الزمان، فسمّى بذلك، فإن لم يكن هذا سببه فلا أدرى ما سببه؟ وقال: ختمت القرآن ولى تسع سنين، وقرأت بالعشر ولى عشر سنين، ولم أكتب على أحد مشهور إلّا تاج الدّين محمد بن أحمد بن البرفطىّ «5» البغدادىّ، ورد إلينا حلب، فكتبت عليه أياما «6» قلائل لم يحصل منه فيها طائل. وروى عنه الدوادارىّ، وغيره، ومن شعره «7» :

وأهيف معسول المراشف خلته ... وفى وجنتيه للمدامة عاصر «1» يسيل إلى فيه اللّذيذ مدامة ... رحيقا وقد مرّت عليه الأعاصر «2» فيسكر منه عند ذاك قوامه ... فيهتزّ تيها والعيون فواتر «3» كأنّ أمير النّوم يهوى جفونه ... إذا همّ رفعا خالفته المحاجر «4» خلوت به من بعد ما نام أهله ... وقد غابت الجوزاء واللّيل ساتر «5» فوسّدته كفّى وبات معانقى ... إلى أن بدا ضوء من الصّبح سافر «6» فقام يجرّ البرد منه على تقى ... وقمت ولم تحلل لإثم مآزر «7» كذلك أحلى الحبّ ما كان فرجه ... عفيفا ووصل لم تشنه الجرائر «8» *** وبالحوش المذكور قبر يوسف بن يوسف، المكنى أبا سهل القصيرى، الأديب، تولى تدريس الحديث بالمدرسة الكاملية، وكان قليل الرواية، وتوفى بالمدرسة الكاملية المذكورة.

قبر الإمام عمر بن دحية الكلبى:

قبر الإمام عمر بن دحية الكلبى «1» : ثم تخرج من الحوش وتأتى إلى حوش يلاصقه من الجهة البحرية، بالحوش المذكور، قبر الإمام الحافظ الحجّة عمر بن حسن بن على بن محمد الجميّل بن بدر بن أحمد بن دحية- بكسر الدال وفتحها، والفتح أفصح، صاحب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، الذي كان يهبط الأمين جبريل على صورته وهيئته- ابن خليفة ابن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزج «2» - بغير راء- ابن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف «3» ، واسمه زيد اللّات بن رفيدة ابن ثور بن كليب «4» بن وبرة بن ثعلب. وقيل: تغلب بن حلوان بن عمران ابن الحافى بن قضاعة الكلبى الدّانّى السّبتى الأندلسى البلنسى الأنصارى الخزرجى، المعروف بذى النسبين، والمكنى أبا الفضل وأبا الخطّاب، كما ذكر ذلك يحيى الكلبى، وأنه سبط ابن البسام الحسنى الفاطمى. وكان المذكور من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، متقنا لعلم الحديث النبوى، وكل ما يتعلق به، عارفا بالنحو واللغة وأيام العرب «5» ، وأشعارها.. اشتغل بطلب الحديث فى أكثر بلاد الأندلس الإسلامية «6» ، ولقى بها العلماء والمشايخ، ثم رحل واجتمع بفضلاء مراكش، ثم رحل إلى إفريقية، ومنها إلى الديار المصرية، ثم رحل إلى الشام والشرق والعراق، ودخل إلى عراق العجم وخراسان، وما وراء كل ذلك فى طلب الحديث والاجتماع بأئمته، والأخذ عنهم، وهو فى تلك الحالة يؤخذ عنه، ويستفاد منه.

وقدم مدينة إربل سنة 604 هـ، وهو متوجّه إلى خراسان، فرأى صاحبها الملك المعظم مظفر الدين بن زين الدين- رحمه الله تعالى- محبّا لعمل مولد النّبىّ صلّى الله عليه وسلم، والاحتفال به، فعمل له كتابا سمّاه «التنوير فى عمل مولد البشير النذير» «1» وقرأه عليه بنفسه، وأجازه المعظم بألف دينار، وله عدة تصانيف. وولى القضاء بدانية مرتين وصرف عنها، وحج، ولمّا عاد إلى مصر بعد طوافه البلاد استأدبه «2» العادل لولده «3» الكامل، وأسكنه القاهرة، فنال بذلك دنيا عريضة، وصنّف كتابا سمّاه «النص المبين فى المفاضلة بين أهل صفّين» . وكان يقول: إنه حفظ صحيح مسلم. وقيل عنه: إنه كان ظاهرىّ المذهب [وكان كثير] «4» الوقيعة فى أئمة الجمهور من العلماء والسلف الماضيين.. قال محب الدين بن النجار: وكان خبيث اللسان، أحمق، شديد الكبر، قليل النظر فى الأمور الدينية «5» ، منها فتاوى دينه، وقال: قيل ذلك. وذكر أنه سمع كتاب «الصّلة» لتاريخ الأندلس من ابن بشكوال، وأنه سمع من جماعة، وادّعى «6» لقاء من لم يلقه، وسماع من لم يسمعه، وكانت أمارات ذلك لائحة عليه «7» . وكأنّ القلب يأبى سماع كلامه، ويشهد ببطلان قوله، وكان صادف قبولا عند السلطان الملك الكامل، وأقبل عليه إقبالا عظيما، وكان يعظّمه ويحترمه، ويعتقد فيه، ويتبرك به تبركا تامّا، وسمعت من يذكره أنه كان يسوى له المداس إذا قام، قال الشيخ شمس الدين: ولأجله

بنى السلطان الكامل دار الحديث بالقاهرة وجعله شيخها، وكان يرى بشىء من المحارفة «1» ، وقيل ذلك عنه للسلطان، فأمره بتعليق شىء على الشهاب، فعلّق كتابا تكلم فيه على الأحاديث والأسانيد، فلما وقف عليه الكاملية، قال له بعد أيام: لقد ضاع منى ذلك الكتاب فعلّق لى مثله، ففعل، وجاء به، فرأى الكامل فى الثانى مناقضة الأول، فعلم الكامل صحّة ما قيل عنه وفيه. يقول شرف الدين بن عنين «2» ، لمّا أنكر الناس عليه فى تلقّبه «3» بذى النّسبين «4» ، وأنّ دحية لم يعقب قال: دحية لم يعقب فلم تفترى ... إليه بالبهتان والإفك «5» ما صحّ عند النّاس شىء سوى ... أنّك من كلب بلا شكّ «6» وكان شخص من أدباء النصارى يتعصب لابن دحية ويزعم أنّ نسبه صحيح، فقال فيه تاج العلى (شاعر) : يا أيّها العيسىّ ماذا الّذى ... تروم أن تثبته فى الصّريح إنّ أبا الخطّاب من دحية ... شبه الذي تذكره فى المسيح ما فيه من كلّ كلب سوى أنّه ... ينبح طول الدّهر لا يستريح أخرف لا يهدى إلى رشده ... كالنّار شرّ أو كلام كريح فردّه الله إلى غربة ... أو هاهنا يستره فى الضّريح

فقال ابن دحية: يا ذا الّذى يعزى إلى هاشم ... ذمّك عندى فى البرايا نبيح «1» ألست أعلى النّاس فى حفظ لما ... يسند إلى جدّكم فى الصّحيح؟ يكون حظّى منكم طعنكم ... وأنّنى أحمى بقوم المسيح قلت: والله إنّ ابن دحية معذور فى القول، ولكن حظ الأفاضل من الدنيا هكذا، سبحان من له الأمر. وكانت ولادة أبى الخطاب فى مستهل ذى القعدة الحرام سنة 544 هـ. وتوفى فى الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 633 هـ بالقاهرة. وقال عنه ولد أخيه: كان عمى يقول: ولدت فى ذى القعدة أول الشهر سنة 546 هـ «2» . وبجانبه قبر ولده شرف الدين أبى الطّاهر محمد، ولد- رحمه الله تعالى- سنة 600 هـ، وسمع من أبيه، وتولى «3» مشيخة دار الحديث الكاملية «4» مدة مديدة، وكان يحفظ جملة من كلام والده ويورده إيرادا جيدا، وتوفى سنة 667 هـ. *** ويجاوره تربة بها قبر الشيخ الإمام المقرئ غياث بن فارس اللّخمى المالكى «5» ، تلميذ السيد الشريف الخطيب، تلميذ أبى الحسن الخشّاب علىّ

قبر عبد الله بن لهيعة:

ابن محمد بن أحمد العجلى، تلميذ أبى بكر اللخمى، تلميذ موسى بن يونس ابن عبد الأعلى المعروف بالصّدفى تلميذ ورش نافع، عرف المذكور بأبى الجود غياث، توفى- رحمه الله- سنة 605 هـ. قبر عبد الله بن لهيعة «1» : ثم تمضى إلى حومة بها قبر يعرف بعبد الله بن لهيعة، وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان الحضرمّى، ولد سنة 97 هـ «2» ، وولى القضاء على مصر من جهة أبى جعفر المنصور فى مستهل سنة 155 هـ «3» ، وكانت ولايته بسبب أنّ ابن خديج «4» دخل على المنصور بالعراق فسلم عليه وقال له: توفى ببلدك رجل أصيبت به العامّة! قال: ذلك أبو خيثمة «5» ؟ قال: نعم. فمن ترى أن نولى؟ قال: أبو معدان. قال: ذلك رجل أصم

قبر الشيخ الإمام أبى يحيى البغدادى:

لا يصلح. قال: فابن لهيعة؟ قال: [فابن لهيعة] «1» على ضعف فيه! فولّاه، وأمر له بثلاثين دينارا فى كل شهر. وهو أول قاض أجرى عليه هذا المعلوم، وأول قاض ولى مصر على مذهب أبى حنيفة، وأول قاض ولّاه الخليفة. وصرف عن القضاء سنة 164 هـ، وذلك بعد أن كتب الليث إلى الخليفة المهدى ببغداد أن اصرفه عنّا. فجاء كتاب المهدى إلى الليث بعزله. فعزله وولّى عون بن سليمان. وولى عبد الله القضاء عشر سنين، وتوفى فى شهر ربيع الأول سنة أربع وسبعين ومائة. وروى عن جماعة منهم مشرح «2» بن هاعان، وروى عنه الليث وابن المبارك. وهو معدود فى الضعفاء «3» . قبر الشيخ الإمام أبى يحيى البغدادى «4» : ثم تمضى إلى تربة عند قبر يعرف بالبغدادى الناسك، بهذه التربة قبر الشيخ الإمام محمد بن أحمد بن إسحاق بن الحسين «5» بن إبراهيم البغدادى، يكنى أبا يحيى، وهو أخو أبى الحسن «6» البغدادى المحدّث الذي توفى سنة 347 هـ، ويعرف هذا بصاحب الحنفا، كان كافور يكثر زيارته، فجاء إليه يوما وهو متنكّر ومعه ألف دينار، فسلّم على الشيخ وعرض «7» عليه المال، فأبى أن يأخذه. فقال له: اصرفه فى المحتاجين، فأبى ذلك. فلما أراد الخروج قال: هل من حاجة؟

قبر الشيخ أبى بكر بن محمد المالكى:

قال: نعم، ألّا تعود «1» إلىّ بعدها أبدا. فخرج كافور يبكى ولم يجتمع به بعد ذلك. وكان أبوه من أجلّ تجار بغداد، ولمّا مات ترك له سبعين ألف دينار، فأخذها الشيخ محمد وانقطع إلى الله سبحانه وتعالى «2» . قبر الشيخ أبى بكر بن محمد المالكى «3» : وبهذه التربة قبر يعرف بقبر الشيخ «4» أبى بكر بن محمد المالكى الفقيه، يقال إنه من السبعة الأبدال، وهو شيخ الشيخ عبد الصمد البغدادى. قيل: إنه مرّ «5» على امرأة مقعدة، فقالت له: هل من شىء لله «6» ؟! فقال: والله لا أملك من مال الدنيا شيئا «7» ، ولكن ادفعى لى يدك «8» . فناولته يدها، فجذبها، فقامت تمشى كأن لم يكن بها مرض، وأقامت فى خدمته إلى أن ماتت «9» . وقيل: إذا جعلت قبره خلف ظهرك واستقبلت الجبل وسلّمت على رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، ردّ عليك السّلام. وكان إذا دخل الحمّام غمّض عينيه إلى أن يخرج. وكان يقول: إنّ المؤمن لا تمسّه النار ولا تحرقه، ولولا خوف الشهرة لأدخلت يدى فى النار «10» .

قبر سلطان العاشقين عمر بن الفارض:

قبر سلطان العاشقين عمر بن الفارض «1» : ثم تخرج من هذه التربة إلى تربة الشيخ الصالح المعتقد شرف الدين أبى القاسم عمر بن أبى الحسن على بن المرشد بن على، الحموى الأصل، المصرى المولد والدّار والوفاة، عرف بابن الفارض. كان- رضى الله عنه- رجلا

صالحا، كثير الخير على قدم «1» التجريد، جاور بمكة زمانا فأحسن المجاورة. وكان حسن العشرة، محمود الصّحبة، ولد سنة 576 هـ «2» بالقاهرة، وتوفى بها سنة 632 فى ثانى جمادى الأولى «3» بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر. وكان «4» أبو الحسن يقول: لم يبق صيب مزنة إلّا وقد ... وجبت عليه زيارة ابن الفارض لا غرو أن يسقى ثراه وقبره ... باق ليوم العرض تحت العارض وقال سبط ابن الفارض- ابن بنته الشيخ على «5» : جز بالقرافة تحت ذيل العارض ... وقل السّلام عليك يا بن الفارض أبرزت فى نظم السّلوك عجائبا ... وكشفت عن سرّ مصون غامض وشربت من بحر المحبّة والولا ... فرويت من بحر محيط فائض

وقال ابن الفارض سيد شعراء عصره، وشعره صنع ظريف إلى الغاية العظمى، أكثر فيه من الجناس، فقلّ من يحسن قراءته وفهمه، كقوله «1» : لو ترى أين خميلات قبا ... وتراءين جميلات القبى «2» كنت لا كنت بهم، صبّا يرى ... مرّ ما لاقيته فيهم حلى «3» وسمع بالقاهرة من بهاء الدين بن عساكر قليلا. قال الشيخ شمس الدين ابن خلّكان: أنشدنا غير واحد أنه قال عند موته لما انكشف الغطاء له قال: إن كان منزلتى فى الحبّ عندكم ... ما قد رأيت، فقد ضيّعت أيّامى أمنية وقفت روحى بها زمنا ... واليوم أحسبها أضغاث أحلام «4» وكان يقول: عملت «5» فى النوم بيتين وهما: وحياة أشواقى إلي ... ك وتربة الصّبر الجميل «6» لا أبصرت روحى سوا ... ك، ولا أنست إلى خليل «7»

وقال بعض أصحابه: ترنّم الشيخ يوما ببيت للحريرى فى خلوته: من ذا الّذى ما ساء قطّ؟ ... ومن له الحسنى فقط؟ فسمع قائلا يسمع صوته ولا يرى شخصه يقول: محمّد الهادى الّذى ... عليه جبريل هبط «1» ولمّا [حج] «2» اجتمع بالشيخ العارف السّهروردىّ فى مكة «3» .

قبر بنان بن محمد الحمال الواسطى:

وسمع ابن الفارض قصّارا «1» يقصر مقطعا ويقول فيه: قطّع قلبى هذا المقطع ... قال ما يصفو أو يتقطّع «2» فصرخ وبكى وناح- رحمه الله تعالى. وحكى عنه بعضهم أشياء كثيرة، وقال بعضهم: لمّا مات شعر فقال: مدفون فى سفح المقطّم يافتى ... ما زال يعرف قبر ابن الفارض من مات بالخطّات كان مقامه ... فى جنّة الفردوس تحت العارض «3» *** قبر بنان بن محمد الحمّال الواسطى «4» : ثم تمضى إلى تربة الشيخ الصالح أبى الحسن بنان بن محمد بن حمدان بن سعيد الحمّال «5» ، رحمه الله، واسطى الأصل نشأ ببغداد، وسمع بها الحديث «6» ، ثم خرج إلى ديار مصر وأقام بها ومات فيها، وهو من جملة المشايخ المذكورين فى الرسالة «7» . صحب الجنيد وغيره، وكان أستاذ النورى «8» ،

ويكنى بأبى الحسن، مات سنة 316 هـ «1» . وقبره مشهور بسفح المقطم مما يلى محمود «2» . وكان يدخل على الأمراء ويأمرهم بالمعروف، وله مع «تكين» مقامات، وكان ذا منزلة عند الخاص والعام، يضربون بعبادته «3» المثل، وكان لا يقبل من السّلاطين شيئا. سئل عن أجلّ أحوال الصوفية، فقال: «الثقة بالمضمون، والقيام بالأوامر، ومراعاة السّرّ، والتّخلّى عن الكونين بالتّشبّث بالحق» «4» . وقال: «رؤية الأسباب على الدوام قاطعة عن مشاهدة المسبّب. والإعراض عن الأسباب جملة يؤدى بصاحبه إلى ركوب البواطل» «5» . وتكلّم يوما بكلام عجيب فى المحبّة «6» وقال: «من كان يسرّه ما يضرّه متى يفلح؟» «7» . ومن كلامه: «الحرّ عبد ما طمع، والعبد حرّ ما قنع» . وقال: «البرىء جرىء، والخائن خائف، ومن أساء استوحش» .

وقال: «ليس بمتحقق فى الحبّ من راقب أوقاته، أو تحقّق «1» فى كتمان حبّه حتى يتهتّك «2» فيه ويفتضح ويخلع العذار «3» ، ولا يبالى عمّا يرد عليه من محبوبه «4» أو بسببه، ويتلذّذ بالبلاء «5» فى الحب كما يتلذّذ الأغيار «6» بأسباب النعم» . ثم أنشد على إثره «7» : لحانى العاذلون فقلت: مهلا ... فإنّى لا أرى فى الحبّ عارا «8» وقالوا: قد خلعت. فقلت: لسنا ... بأوّل خالع خلع العذارا وروى أنّه ألقى بين يدى السّبع، فكان يشمّه ولا يضرّه «9» . وسبب ذلك أنّ «خمارويه» بن أحمد بن طولون كان قد اتّخذ له وزيرا نصرانيّا، وكان قد نصح فى خدمته، وبالغ فى جمع «10» الأموال وتحصيلها، فأكرمه «خمارويه» على ذلك وزاد فى إكرامه، وخلع عليه فى بعض الأيام خلعة جميلة، وحمله على فرس عظيم جميل، وأمر أرباب الدولة بتحميله والمضّى فى صحبته إلى داره، فركب بتحميل زائد، فلما مرّ على باب دار «بنان» - وكانت فى ناحية الصفا- سمع بنان الضوضاء، فقال: ما هذا؟ فأخبر بالخبر، فقام مسرعا إلى باب داره، فلما رأى النصرانىّ قال: أعوذ بالله، يحمل كافر بالله تعالى على رءوس المسلمين فى هذا الزّىّ والتعظيم؟! وتقدم إلى النصرانىّ وقال: انزل يا عدوّ الله وعدوّ الإسلام!.

فترجّل وقال: يا سيدى، ما عن اختيارى ركبت، ولكن أمرنى الأمير بذلك. ثم مضى راجلا وتفرّق موكبه، وبلغ «خمارويه» ذلك، فاستشاط غضبا وقال: علىّ ببنان ... فأحضر، وقد جلس «خمارويه» فى منظرة مشرفة على قاعة، وأرسل فيها سبعا عظيما كبيرا، فأدخل بنان على السّبع، ثم قال له «خمارويه» : يا بنان، ما حملك على أن فعلت بوزيرى ما فعلت؟! قال: أنت حملتنى على ذلك إذ كظمت من أمر الله تعالى بإذلاله وتحقيره. فقال- وقد ألقى الله هيبته فى قلبه: يا شيخ، لاتعد.. فقال «1» : «إن عدتم عدنا» . وأقبل السبع إلى «بنان» فجعل يدور حوله ويبصبص «2» له ويلحسه بلسانه، وينحّيه «بنان» عنه بكمّ جبّته، يراعى الخروج عن اختلاف العلماء فى طهارة لعابه ونجاسته ... فقال له خمارويه لمّا شاهد ذلك منه: ألك حاجة؟ قال: نعم.. ألّا تبعث إلىّ حتى آتيك! ثم خرج- رحمه الله- فقيل له: كنّا نراك حين ألقيت إلى السبع متفكرا.. فى أىّ شىء كنت تفكّر؟ قال: كنت أفكّر «3» فى اختلاف العلماء فى سؤر السّباع «4» !!

وروى أنّ قاضى مصر سعى به إلى أن ضرب سبع درر «1» ، فدعا عليه، فحبس سبع سنين. وقال: كنت فى طريق مكة ومعى زاد «2» ، فجاءتنى امرأة فقالت لى: يا بنان، أنت حمّال تحمل على ظهرك الزاد وتتوهم أنه لا يرزقك؟! قال: فرميت زادى، وأقمت ثلاثة أيام بمكة لم آكل شيئا «3» ، فوجدت فى الطريق خلخالا، فقلت فى نفسى: [أحمله] «4» حتى يجيء صاحبه لعلّه أن يطعمنى شيئا. فإذا أنا «5» بتلك المرأة وهى تقول: أنت تقول: أحمله حتى يطعمنى صاحبه «6» ؟! ثم إنّها رمت لى بشىء من الدراهم وقالت: أنفقها. فاكتفيت بها «7» إلى مصر. وقال: بينما أنا أسير فى طريق مكة إذا بشخص قد تراءى لى، فأمّمت نحوه «8» ، فلما قربت منه سلّمت عليه، وقلت له: أوصنى!. فقال: «يا بنان، إن كان الله تعالى أعطاك من سرّ سرّه سرّا فكن مع ما أعطاك.. وإن كان الله تعالى لم يعطك من سرّ سرّه سرّا فكن مع الناس على ما هم عليه «9» من الظاهر» .

وقال: دخلت البرّيّة على طريق تبوك وحدى، فاستوحشت، فإذا هاتف يهتف «1» : «يا بنان، نقضت العهد! لم تستوحش؟! أليس حبيبك معك؟!» «2» . وروى أنه احتاج إلى جارية تخدمه، فانبسط إلى إخوانه والتمس جارية، فجمعوا له ثمنها وقالوا: إذا جاء النفر بشىء نشترى له جارية توافقه «3» . فلما جاء النفر أجمعوا رأيهم على جارية وقالوا إنها تصلح له «4» فقالوا لصاحبها: بكم هذه الجارية؟ [فقال: إنها ليست للبيع، فألحّوا عليه] «5» فقال: إنّها لبنان العابد أهدتها له امرأة من سمرقند، فحملوها لبنان وذكروا له القصة. وقال: كنت فى بعض الأوقات فلحقتنى «6» ضرورة، فرأيت قطعة من ذهب مطروحة فى الطريق، فأردت أخذها وقلت: لقطة، فتركتها، ثم ذكرت الحديث الذي ورد عن «7» النبي صلّى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا دما غبيطا لكان للمؤمن قوته «8» منها» . فأخذتها وجعلتها فى فمى، ومشيت غير بعيد، فإذا حلقة فيها صبيان، وواحد منهم «9» على شىء مرتفع يتكلم عليهم فى التصوف، فوقفت أسمع كلامهم، فقال واحد منهم للمتصدّر «10» : تقول متى يجد العبد

حلاوة الصّدق؟ فقال: إذا رمى القطعة من الشّدق! قال: فأخرجتها ورميتها «1» من فمى. وقال مسروق «2» : أنشدنى بنان عند المسجد الحرام: من دعانا فأبينا ... فله الفضل علينا «3» فإذا نحن أجبنا ... رجع الفضل إلينا «4» وروى عن يونس بن عبد الأعلى، قال بسنده عن أنس بن مالك، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا يزداد الأمر إلّا شدّة، والدّنيا إلّا إدبارا، والناس إلّا شحّا، ولا مهدىّ إلّا عيسى بن مريم، ولا تقوم الساعة إلّا على شرار الناس» . ومما نقل عنه أنه قال: «إنّ الله عزّ وجلّ خلق سبع سماوات، فى كل سماء له خلق وجنود، وكلّ له مطيعون «5» ، وطاعتهم على سبع مقامات «6» : فطاعة أهل السّماء الدّنيا على الخوف والرجاء. وطاعة أهل السّماء الثانية على الحبّ والحزن «7» .

وطاعة أهل السّماء الثالثة على المنّة والحياء. وطاعة أهل السّماء الرابعة على الشّوق والهيبة. وطاعة أهل السّماء الخامسة على المناجاة والإجلال. وطاعة أهل السّماء السّادسة على الإنابة والتعظيم. وطاعة أهل السّماء السّابعة على المنّة والقربة. وقال: «إن أفردته بالرّبوبيّة أفردك «1» بالعناية، والأمر بيدك: إن نصحت صافوك، وإن خلطت جافوك» «2» . قيل: جاء رجل إلى بنان يشكو إليه وجعا فى جوفه «3» ، فقال له: قم فخذ من تراب القبلة فاستفّ منه قليلا تهدأ، [ففعل، وحصل له الشفاء] «4» . ثم جاء مرّة أخرى وقال: يا سيدى، أشكو لك من المرض عاد إليّ، وكنت دعوت لى فشفيت «5» ! فقال: أنا دعوت لك؟ هذا التراب بين يديك! وقيل: إن «تكين» أمير مصر أمر بحمل «بنان» إلى عامل «6» الإسكندرية ليحمله فى المراكب إلى «أقريطش» «7» ، [فأتى بصاحب البغال ليأتى ببغل يحمل عليه «بنان» إلى الإسكندرية، فدخل إلى صاحب البغال «8» ،

فلم يقدر أن يخرج منها بغلا، حتى جاء إلى البغل الذي نفى عليه «الدينورى» فخرج معه، فأركب عليه «بنان» «1» ] . فاغتمّ من حضر من الناس ذلك المجلس. وكان فى الميناء «2» سبع مراكب قد شحنت «3» وهى تنتظر الريح، فطلبوا رؤساء المراكب لحمله، فقال كل واحد: والله لو ضرب عنقى ما حملته، إلّا واحدا منهم، قال: أنا أحمله. فوجم الناس لذلك وأخذتهم كآبة عظيمة «4» . فرآهم «بنان» منكسرين فقال: قد وعدنى صاحب الريح ألّا تجرى فى هذه السنة جارية «5» ! [قال: فو الله لقد أقامت المراكب إلى أن جاء الشتاء وحمل ما فيها وردّ إلى المخازن بالإسكندرية، وما جرت فى تلك السّنة جارية] «6» . قال: ولمّا ولى مصر «النّوشرى» بدأ «بنان» يكثر الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فقيل للنّوشرى: إنّ هذا لم يكن يجترئ أن يفعل ذلك «7» فى الأيام الطولونية. فأرسل وقال له: لم فعلت هذا فى أيامنا ولم تفعله فى غير أيامنا «8» ؟ فقال «بنان» : فهل ترى لهم من باقية؟ فقال: اذهب وأمر بالمعروف وأنه «9» عن المنكر وأنا من ورائك.

وحكى رجل متعبد قال: كنت فى يوم جمعة فى شهر رجب «1» فى جامع ابن طولون، فإذا ببنان الزاهد فى يده «2» عصا يحملها ويدور فى الجامع، فقلت فى نفسى: الدوران «3» بالعصا فى الجامع عبادة وزهد، ثم جئت إلى الصّفّ الأول فوقفت أصلى، وجلست أتلو القرآن، وجاء «بنان» فجلس «4» إلى جانبى، فختمت ختمة، ثم أذّن المؤذن، ورقى الإمام المنبر، فأحرمت «5» بالصلاة ثم جلست، فأخذنى النعاس، [فرأيت] «6» قائلا يقول: مالك والاعتراض [على أولياء الله تعالى] ؟ لدوران «بنان» فى المسجد أفضل من ختمتك «7» ! ففتحت عينى برعب، ثم نزل الإمام، فأقبلت عليه «8» لأحدّثه، فقال: اسكت، واكتم «9» ما رأيت!. وقال «10» «بنان» : كنت قاعدا بمكة وبين يدى شابّ، فجاء إنسان وحمل إليه كيسا فيه دراهم ووضعه بين يديه، فقال: لا حاجة لى فيه، فرّقه على المساكين، ففعل، فلما كان وقت العشاء رأيته يطلب لنفسه، فقلت له: لم لم «11» تترك لنفسك شيئا؟ فقال لى: لا أعلم أنى أعيش إلى هذا الوقت!

وحكى «بنان» قال: كنت مجاورا بمكة، ورأيت بها إبراهيم الخواص، ولم يكن بينى وبينه أنس ولا مجالسة، وكنت إذا رأيته أهابه، ووقع أنى مكثت أياما لم يفتح لى بشىء، وكان بمكة رجل يحب الفقراء ويحجمهم «1» من غير شىء، وكان من أخلاقه أنه إذا جاءه الفقير للحجامة أرسل غلاما له يشترى [لحما] «2» ويطبخه، فإذا فرغ من الحجامة قال له: بسم الله، فيتقدم ذلك الفقير، ويطعمه ذلك الطعام. قال: فقصدته يوما وقلت: أريد أن أحتجم، فأرسل الغلام على عادته فاشترى لحما وطبخه، وجلست بين يديه، فجعلت نفسى تقول لى: ترى هل يكون استواء اللحم عند فراغى من الحجامة؟ فقلت: يا نفس، إنما جئت «3» للحجامة لا للأكل، ثم عاهدت الله سبحانه أنى إذا فرغت من الحجامة أن أذهب بغير أكل، وألّا أذوق من طعامه شيئا. قال: فلما فرغت من الحجامة انصرفت، فقال: يا سبحان الله! أما تعرف عادتى «4» ؟ فقلت: بلى «5» ، غير أن هناك عهدا يعفينى «6» من الأكل. قال: ثم جئت إلى المسجد الحرام فلم أجد شيئا آكله، فبقيت «7» يومى، فلما كان فى اليوم الثانى بقيت إلى آخر النهار لم يتيسر لى ما آكله، فلما قمت لصلاة العصر سقطت «8» وغشى علىّ من الجوع، فاجتمع الناس حولى

وقالوا: مجنون، فقام الخواص وجاء إلى عندى، وجعل يواسينى ثم قال: هل تأكل شيئا؟ فقلت: بعد المغرب. فقال: أحسنتم يا أهل الابتداء، أنتم على هذا تفلحون. ثم قام، فلما صلّينا العشاء الأخيرة جاءنى بقصعة فيها عدس، ثم جاءنى برغيفين من خبز البرود، ودورق من الماء، قال: فوضعتهم ناحية، ثم جلست أحادثه، فقال لى: دع الكلام وكل. قال: فأكلت الرغيفين والعدس، ثم قال لى: هل لك فى الزيادة؟ قلت: نعم. فجاءنى بقصعة أخرى ورغيفين، فأكلت الجميع، وشربت الماء، ونمت إلى الصباح، ولم أقم تلك الليلة، ولم أطف، فرأيت النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال لى: «يا بنان، من أكل بشره أعمى الله عين قلبه» «1» . قال: فانتبهت وعقدت مع الله ألّا أشبع بعد هذه الرّؤيا. وروى عن ابن القاسم غلام «بنان» قال: كنت يوما عند «بنان» فخرج من منزله، فلقى أبا جعفر الطحاوىّ، فقال له: أنا قاصد إلى منزلك يا «بنان» ، فرجع «بنان» معه، وترجّل الطحاوى عن دابته ومشى معه، فنزع «بنان» نعليه وقال: «ترجّل لى وترجّلت له» . وروى ابن حمزة قال: كان أبو الحسن «بنان» جالسا عندى على طرف حانوتى «2» وأنا فى صدر الحانوت، فبينما نحن جلوس إذ أقبل رجل من أهل اليسار راكبا على بغلة وعليه ثياب حسنة، فترجّل عن دابته ودخل إلىّ فى صدر الحانوت، وقال: أريد من إحسانك أن تسأل لى هذا الشيخ أن يدعو لوالدتى فإنها مريضة من حمّى لا تفتر عنها. قال: فقلت: يا أبا الحسن، إن هذا الرجل ذكر لى أنّ والدته مريضة من حمّى لا تفتر عنها، وسألنى أن أسألك الدعاء لها.

قال: فتكلّم بما لم أسمعه، ثم تناول ترابا دقيقا «1» من مجرى الباب فشدّه فى كاغدة «2» ورمى بها إلىّ وقال: قل له يبخرها بهذا. قال: فأخذها الرجل ومضى، ثم عاد فى اليوم الثانى وقال: لا أخلى الله هذه البلدة من هذا الرجل، ما هو إلّا أن بخّرت أمّى بالورقة حتى راقت «3» وزال ألمها! ثم طلب منه بخورا، فقال: يا بنّى، من أين أعطيك؟ إنما اجتهدت لها فى الدعاء. وأخبرنا أبو جعفر محمد قال: حدّثنى الوليد الهاشمى قال: ذكر لى أنّ رجلا كان له على إنسان مال بوثيقة، وهو مائة دينار، إلى أجل، فلما مضى الأجل طلب الرجل الوثيقة فلم يجدها، فجاء إلى أبى الحسن بنان وسأله الدعاء. فقال: أنا رجل قد كبرت، وأنا أحبّ الحلوى، فاذهب فاشتر لى رطلا وأتنى به حتى أدعو لك «4» . فذهب الرجل واشترى له ذلك، ثم جاء به، فقال له بنان: افتح القرطاس، ففتح القرطاس فإذا هى الوثيقة. فقال له: يا أستاذ، هذه هى الوثيقة «5» ! فقال: خذها، وأطعم صبيانك الحلوى «6» . وحكى بعض المشايخ عن أبى علىّ الرّوذبارىّ الصّوفى قال: كنت يوما فى داخل الحمّام إذ دخل علىّ رسول يونس الخادم، غلام الخليفة، وكان الخليفة

قد أرسل يونس «1» من بغداد لقتال طائفة بمصر خرجت على أميرها «2» وقاتلوه، وكان الأمير إذ ذاك «تكين» ، فلما كشف الله تعالى الغمّة تصدّق يونس بمال جزيل، فلما دخل غلام يونس الحمّام كان السّدر «3» على رأسى، فقال لى: الأستاذ يونس يدعوك «4» ، وقد طلبناك فى بيتك وقيل لنا إنك فى الحمّام. فقمت معهم وجئت إلى يونس، فقال لى: بلغنى أنك أقرب الناس إلى «بنان» ، وعندنا مال تمضى به إليه، فإن أخذه وإلّا ففرّقه على الناس. قال: وألقى إلىّ «5» كيسا فيه ألف دينار. قال: فأخذته ومضيت إلى «بنان» وأنا مسرور، لعلمى بما هو فيه، فلما دخلت عليه قال لى: ما وراءك؟ فحدّثته القصة، فتغير لونه وقال: يا أحمق، لئن لم تفعل ما آمرك به لأهجرنّك، خذ الكيس وارجع إليه، فإذا دخلت عليه فلا تمش «6» على بساطه واطوه، وارم بالكيس بين يديه. وقال: علّى بالطشت والإبريق واغسل يديك من مسّ الكيس، وقل له: يقول لك «بنان» : «أخذت هذا من دماء المسلمين تريد أن تضعه فى عنقى؟ يكون فى عنقك أولى» !. قال أبو علىّ: ففعلت ما أمرنى به. فبكى يونس بكاء شديدا. وأخبرت «بنان» بذلك، فسرّ سرورا عظيما.

وحكى «بنان» قال: كنت فى مسجد، وإذا بجماعة من الصّيارف دخلوا فى المسجد ومعهم مال كثير، فنظروا فيه ووزنوه، فجاء لهم فقير من زاوية المسجد، وقال: هل من شىء «1» لله تعالى؟ فقالوا له: فتح الله عليك. قال: فانصرف إلى مصلّاه، فلما انصرفوا جاء الفقير إلى مكانهم، فوجد كيسا فيه خمسمائة دينار، فأخذه الفقير ووضعه تحت الحصير، فافتقد الصيارف المال فوجدوه قد نقص، فرجع أحدهم للمسجد وطلبه، فلم يجده، فسأل الفقير عنه، فقال: خذه من تحت الحصير، فأخذه وفتحه وأخرج «2» منه عشرين دينارا، وقال للفقير: خذ هذه. فأبى أن يقبلها. فقال له: إنك سألتنا الساعة درهما ولم تعطه «3» ، وقد دفعت لك عشرين دينارا فى هذا الوقت! فقال له: «لمّا سألتكم درهما لم تعطونى إيّاه لفقرى وفاقتى، وأنتم الآن دفعتم ذلك لى لأجل دينى وأمانتى بالدنيا!» . ولم يقبل منه شيئا. وقال «بنان» : حججت سنة من السنين فرأيت فى الطريق جارية ليس معها زاد ولا راحلة، فقلت لها: أين تذهبين؟ قالت: إلى بيته. فأخرجت لها من جيب مرقّعتى «4» خمسة دنانير وناولتهم لها، فلما وقع بصرها عليهم رمت بهم إلىّ، ومدّت يدها فى الهواء وفتحتها فإذا هى مملوءة ذهبا! ثم قالت لى: يا «بنان» ، أنت تنفق من الجيب وأنا أنفق من الغيب! ثم إنها ما زالت معنا حتى ذهبنا إلى مكة، ورجعت معى إلى مصر. فتوفّيت ودفنت تحت رجليه، وكانت من العابدات، واسمها «سعيدة» ، حجّت ثلاثين حجّة راجلة على قدم التّوكّل.

والدعاء عند قبريهما مجاب. وقال «بنان» : «لى أربعون «1» سنة ما دخلت فى يدى بيضاء ولا صفراء» . ومن كلامه «2» رضى الله ورحمه: قبّح الله نائلا ترتجيه ... من يدى من يريد أن تقضيه «3» إنّما الجود والسّماح لمن أع ... طاك برّا وماء وجهك فيه «4» وقال- رضى الله عنه: «دخل أبو جعفر محمد بن يعقوب الفرجى إلى مصر، وكثر الناس عليه، فأحببت المضّى إليه، وكان لى أيّام لم «5» أتناول شيئا من الطعام، فجئت إليه وهو جالس وعنده جمع كثير يكتبون عنه، وهو فى بيت ملآن بالكتب «6» ، فقلت له: رحمك الله، اختصر لى من هذا العلم كله كلمة أنتفع بها وأعمل عليها. فقال لى: نعم، عليك بأخذ «7» الأقلّ من الدّنيا، وارض «8» فيها بالذّلّ. فقلت: «حسبى» . ***

قبر الشيخ على بن محمود المغربى:

قبر الشيخ على بن محمود المغربى «1» : ثم تخرج من باب تربة «بنان» تجد عند الباب «2» قبر الشيخ الصالح على ابن محمود المغربى الأقريطشى «3» ، يكنى أبا الحسن، توفى سنة 370 هـ. ذكره القضاعىّ. قبر الفقيه محمد بن سهل الثعالبى «4» : وبالحومة قبر الفقيه محمد بن سهل بن الفضل الثعالبى المالكى، توفى فى يوم الجمعة عند الزوال فى مستهل شهر رمضان سنة 380 هـ. قبر زردانة القابلة (أم محمد) «5» : وغربّى تربة «بنان» قبر تحت قبّة «6» ، به المرأة الصالحة «زردانة» القابلة، ابنة الحسين بن عبد الله، عرفت بأم محمد، وقيل: إنها كانت من أهل الخير «7» ، وكانت تقبل النساء الفقراء والمساكين ولا تأخذ على ذلك أجرة «8» .

وحكى عنها أن امرأة جاءت إليها فقالت لها: هل لك أن تأتى معى إلى امرأة فقيرة؟ قالت: نعم. ثم إنها قامت معها وجاءت إلى بيت، فدخلت فرأت «1» فيه صبيّة كأنّها بدر، ولم يكن عليها شىء تستتر به، فلما رأتها أمّ محمد قالت للمرأة التى دعتها: ما تكون هذه منك؟ فقالت: بنتى، وإنّ بعلها خرج إلى الغزو «2» فى أول حملها، فقال قوم: إنه قتل، وقال قوم: إنه حىّ، وقد صرنا إلى ما ترين من الفقر! ثم إنّ الصّبيّة تمخّضت ساعة، ووضعت غلاما كأنه البدر فى تمامه، فقامت القابلة ونزعت قميصا كان عليها وقطعته نصفين ولفّت به الصّغير، ثم انصرفت، وجاءت لها بما يصلح للنساء اللاتى يضعن. وظلّت شهرا «3» كاملا تأتيها فى كل يوم. ثم بعد الشهر جاءت أمّ الصّبيّة إلى أمّ محمد القابلة وهى فرحانة.. فقالت لها: ما بك؟ قالت: قومى معى لتقرّ عينك! فجاءت معها إلى منزل الصّبيّة، فرأت به خيرا كثيرا، ورجلا جالسا إلى جانب الصّبيّة، فقالت: من يكون هذا الرجل؟ فقالت: هذا بعل ابنتى قد جاء من السفر ومعه هذا الخير الكثير! فقام الرجل إلى أم محمد وقبّل رأسها، ودفع لها مائة دينار، فجعلت ترعد «4» وقالت: معاذ الله أن أبيع آخرتى بها! ثم رمت بها إليهم وخرجت من عندهم، ولم تعد إليهم بعد. وحكى عنها ولدها أنها قالت له فى ليلة شاتية: يا بنىّ، أضئ

قبر الشيخ أبى على (الكاتب) الحسن بن أحمد:

المصباح «1» . فقلت لها: ليس عندنا «2» فى هذه الليلة زيت. فقالت: يا ولدى، اسكب فى السراج من ماء الإبريق وسمّ الله تعالى. قال: ففعلت ذلك، فأضاء السّراج كأحسن ما يكون! فقلت لها: يا أمّاه، الماء يقد «3» ؟ فقالت: لا، ولكن من أطاع الله تعالى أطاع له كلّ شىء «4» . *** قبر الشيخ أبى علىّ (الكاتب) الحسن بن أحمد «5» : ثم تبحّر قليلا من قبرها إلى قبر الشيخ أبى الحسن علىّ بن أحمد.. وقيل: أبى علىّ الحسن بن أحمد، الشهير بالكاتب.. [أحد مشايخ الرسالة، كان من الزاهدين العابدين، وكان الجنيد يعظّمه، وكان] «6» أوحد مشايخ وقته، حتى قال فيه أبو عثمان: إنه من السّالكين، وكان يعظمه كثيرا «7» . وكانت وفاته سنة أربعين وثلاثمائة ونيّف «8» .

قال أبو علىّ- رحمه الله تعالى: «المعتزلة «1» نزّهوا الله تعالى من حيث المعقول فخلطوا. والصوفية نزّهوه من حيث العلم فأصابوا» . ويروى «2» عن الجنيد- رحمه الله- أنه قال: «تنزل الرحمة على هذه الطائفة- يعنى الصوفية- فى ثلاثة مواطن: - عند الأكل، لأنهم لا يأكلون إلّا عن فاقة. - وعند المذاكرة، لأنهم يتجارون «3» فى مقامات الصّدّيقين، وأحوال النّبيّين. - وعند السّماع «4» ، فقد كان بعضهم يطوى اليومين والثلاثة، فإن اشتاقت نفسه إلى القوت عدا بها إلى السّماع، فيجد ما يغنيه عن الطعام» «5» . وقال «6» : «إذا سمع الرّجل الحكمة فلم يقبلها فهو مذنب، وإذا سمعها ولم يعمل بها فهو منافق» . وقال: «إذا انقطع العبد إلى الله بالكلّيّة، فأوّل ما يفيده الله الاستغناء به عن سواه، وقد قيل: من صبر علينا وصل إلينا» «7» . وقال: «إذا سكن الخوف فى القلب لم ينطق اللّسان إلّا بما يعنيه» «8» .

قبر الشيخ أبى الحسن الوراق:

وقال: «إنّ الله تعالى يرزق العبد حلاوة ذكره، فإن فرح به وشكره «1» ، آنسه بقربه، وإن قصّر فى الشكر أجرى الذّكر على لسانه «2» وسلبه حلاوته» . قبر الشيخ أبى الحسن الورّاق «3» : وغربيّه قبر الشيخ أبى الحسن بن سعد الورّاق.. كان- رحمه الله- عابدا، صالحا، زاهدا «4» ، عارفا بالأوقات، مسلما «5» من الشّبهات. ومن كلامه- رضى الله عنه «6» : «من عرف نفسه عدل عنها، وآفة الناس قلّة معرفتهم بأنفسهم» . وقال: «حياة القلوب «7» فى ذكر الحىّ الذي لا يموت، والعيش الهنىء مع الله تعالى لا غير» . وقال: «الأنس بالخلق وحشة، والطّمأنينة إليهم حمق، والسّكون إليهم عجز، والاعتماد عليهم وهن، والثّقة بهم ضياع. وإذا أراد الله بعبد خيرا جعل أنسه به وبذكره، وتوكّله عليه، وصان سرّه عن النّظر إليهم، وظاهره عن الاعتماد عليهم» . وقال- رضى الله عنه: «من غضّ بصره عن شبهة أو محرّم «8» ، نوّر الله قلبه بنور يهتدى به إلى طريق رجائه» .

وقال: «من أسكن نفسه محبّة شىء من الدّنيا فقد قتلها بسيف الطّمع، ومن طمع فى شىء ذلّ له «1» وهلك» . وقال: «لا يصل العبد لشىء من التّقوى وعليه بقيّة من الزّهد والورع والتّقوى مقرونة بالمراضاة «2» . قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » «3» . قيل «4» : إنّه كان يعطى الورق احتسابا، وكان الشيخ أبو الحسن الكاتب- المقدّم ذكره- يكتب احتسابا أيضا، فغاب الورّاق يوما، فأعطى الكاتب الورق مع الكتابة، فلما عاد الورّاق لم يكتب إليه أحد، فأخذ الورق، وانفرد الكاتب بالمعلمين، فغضب منه الورّاق وقال: أخذت الأجر كلّه، ولم يكلّمه زمانا، بالمعلمين، فغضب منه الورّاق وقال: أخذت الأجر كلّه، ولم يكلّمه زمانا، وماتا متغاضبين، فرأى رجل من الصالحين أبا الحسن الدينورى وهو على نجيب «5» من نور، وعليه من خلع الرّحمن، قال: فجئت إليه وقبّلت يديه، وقلت له: من أين يا سيدى؟ قال: من دعوة الصّلح بين الكاتب والورّاق، أصلح بينهما ربّ العالمين على موائد الفضل والرحمة «6» ! ***

قبر أبى الحسن على بن محمد بن سهل الدينورى:

قبر أبى الحسن علّى بن محمد بن سهل الدّينورىّ «1» : ثم «2» تمضى إلى قبر الشيخ الصّالح، الوليّ الكبير، والقطب الشهير، إمام وقته، والعارف بربه، أبى الحسن علّى بن محمد بن سهل الدّينورى، عرف بابن الصّائغ. وهو فى تربة عظيمة. قال بعض المؤرّخين: الشيخ الصّالح، العابد، الزّاهد، المكاشف، أبو الحسن علّى بن محمد بن سهل الدّينورىّ، نسبة إلى «دينور» من بلاد الجبل «3» ، يعرف بابن الصائغ، وتوفّى سنة 331 هـ «4» . وكان يتكلم على الخاطر والباطن، وكان حوله جماعة [لا يحصون كثرة من أهل الإرادة] «5» قد آخى بينهم، واشترط عليهم فى مؤاخاتهم أشياء، وتكلّم عليهم فيها. وكان كثير الذّكر، حسن الورع، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر. وكان «6» علماء الديار المصرية يحضّون أولادهم على صحبته والتماس بركته «7» ، ويقولون: «لا يجوز أن يتكلّم على النّاس إلا من كانت حالته كحالة أبى الحسن الدّينورىّ» .

وخرج يوما على أصحابه، وكان فيهم أحداث حسان، فقال: يا ملاح، يا ملاح! ثم [قال] «1» : أردت بقولى «يا ملاح» أعنى: ملاح القلوب لا ملاح الصّور. وكان يقول لأصحابه إذا كانوا بين يديه: «اسكتوا حتى يكون سكوتكم ينبئ عنكم» . وكان كثير المؤاخاة بين أصحابه. قال أبو عثمان المغربيّ: «ما رأيت من المشايخ [أنور] «2» من أبى يعقوب النّهرجورىّ، ولا أكثر هيبة «3» من أبى الحسن بن الصّائغ» . مات سنة 330 هـ. هكذا قال القشيرى. وسئل- رضى الله عنه- عن الاستدلال بالشاهد على الغائب، فقال: «كيف يستدلّ بصفات من له مثل ونظير على من لا مثل له ولا نظير؟» «4» . وسئل عن صفة المريد، فقال: «ضاقت عليه الأرض» «5» . ولمّا خرج بأمر «تكين» «6» إلى بيت المقدس، أغلق «7» البلد،

وخرج معه الجمّ الغفير، وقدّم له بغل، فلما أراد ركوبه «1» ، قال له بعض من حضر: ادع الله تعالى. فقال: «يا بنىّ، هذا ليس وقت دعاء، البلاء قد نزل، والبغل قد قدّم «2» ، هذا وقت رضا وتسليم» ! وركب، وبكى النّاس، وودّعوه ورجعوا. وقيل: إنّ البغل وقف يبول فى الرّمل، فوقف أصحابه يبكون وينظرون إليه، فقال لهم: «لا تيأسوا، فإنّ الذي أنفذنا على هذا البغل يموت، ويعمل له صندوق يحمل فيه إلى بيت المقدس، ويدور البغل ويبول عليه، وأركب البغل وأعود إليكم عليه، إن شاء الله تعالى» . ففرحوا، وجرى الأمر على ما قال- رحمة الله عليه- فما زال فى بيت المقدس حتى مات «تكين» ، وحمل فى تابوت على البغل الذي حمل عليه الشيخ إلى بيت المقدس. [ثم عاد الشيخ إلى مصر] «3» . وكانت له كرامات ومقامات معروفة، وقد حدّث بمصر عن أهلها، وعن أهل بلده. وكان من شأنه أنّ السّلاطين تهابه، وكان الجنيد يعظّمه ويجلّه. وقد كان للجنيد حاجة إلى السّلطان فقالوا له: نأخذ أبا الحسن معنا، فقال لهم: إن ذاك رجل ليس فيه فضلة «4» لمثل هذا. فتركوه. وقال «5» بعض المؤرخين- وهو الشريف محمد بن سعد الحرّانى الحسينى، المعروف بالنّسّابة- رواية عن أبى حفص عمر بن محمد غزال، أنه

قال: لمّا ولد أبو الحسن الدّينورىّ أضاء المنزل بنور عظيم، ولما أن وقع على الأرض قال: لا إله إلّا الله، محمد رسول الله، بنغمة عقلها جميع من فى المنزل. وقالت فاطمة الدّينوريّة: وضعنا لأبى الحسن قدحا من لبن حليب وخبز ليأكل، فرأينا حيّة عظيمة تأكل معه، فإذا أمعنت «1» الحيّة بالأكل ضربها بكفّه ويقول: كلى قليلا بأدب كما آكل «2» . وقال أبو علىّ ممشاد «3» : أتى أبو الحسن الدّينورى- وهو ابن خمس عشرة سنة «4» - إلى شيخنا ابن سنان، فسأله أن يسأل له والدته أن تهبه لله، فسرنا معه إليها، فسألها الشيخ، فقالت: كيف أهبه لله؟ أخشى «5» ألّا يحصل له ولا لى. ولكن قد أبحته «6» أن يطلع الجبل، فإذا وجد الله فقد وهبته، وإن لم يجد فكنت أنا خيرا له من أن يشقى «7» . فصعد الجبل، فأقام خمسين يوما ثم نزل وهو كالخلال «8» اليابس، فقلت له: كيف كان حالك فى غيبتك؟ فقال: ما دفعت إلى فاقة «9» ، وما بقى فىّ جارحة إلّا وهى تقتضى المزيد. فسرنا معه إلى أمه، فسألته كما سألناه، فأخبرنا «10» بما أخبرنا،

فعتقته «1» وقالت: «اللهمّ، إنّه وديعتى عندك، فقد صلح لك، وقد وهبته لك» . فخرج من يومه وغاب عنها سنين كثيرة «2» . قال أبو بكر: فلقيته بعد ذلك، فذكرت له الحكاية، فبكى بكاء شديدا وقال بالفارسية: واخراب قلباه!! وقال: حججت أنا وأبى من دينور فى ثلاثة أيام. وقال أبو الحسين بن علىّ: اجتمعت مع جماعة من الصالحين بمكة، فتذاكرنا «3» أخبار الصالحين، إلى أن ذكرنا أبا الحسن «4» علّى بن سهل الدينورى، وبقربنا «5» امرأة عجوز عليها آثار العبادة تسمع كلامنا، فقالت: بأبى أنت، هل «6» رأيت ابن الصّائغ؟ قلت لها: نعم! فأكبّت «7» على رجلىّ ويدىّ تقبّلها «8» وقالت: يا بنّى، شهدت أبا الحسن وهو ابن خمس عشرة سنة «9» وقد خرج إلى الصحراء، وحضر حضيرا «10» وجلس فيه، فأقبلت الأمطار «11» حول الحضير، وليس فى الحضير نقطة ماء، فلما اجتمعت به قلت له: تأذن لى أن أسألك عن حكاية؟ قال: نعم. فحكيتها له، فشخص ببصره إلى السماء، ثم أقبلت الدموع «12» تريد أن تسيل من عينيه وهو يمنعها، ثم قال: دعنا من هذا وهات ما ننتفع به!

قال: ولقد رأيته يوما وقد خنقته «1» العبرة، فغمض عينيه يمنعها وقال: ما أشدّ الزكام! ثم غلبته أيضا، فالتفت لمّا بكى وقال لعينيه: يا «2» مرائيتان! وقال أيوب: كان أبو الحسن يجيء إلى النهر وقد جمد من الثلج، والدّوابّ تمرّ عليه، فإذا وصل إليه يريد أن يتطهّر نظر «3» إلى نقرة صغيرة، وكلّما «4» مال إليها ذهب البرد منها وثار الحرّ «5» ، وليس عليه من ذلك أثر. ولقد جئت من ورائه يوما- من حيث لا يعلم- لأنظر ما يكون من أمره، فلما وصل إلى النهر هدأ جريانه، ولم أسمع له صوتا «6» ، فتقدّمت، فلما سمع حسّى التفت إليّ وقال: مالك ولهذا؟! وقال فارس الجمّال: أصابنى فى وجهى ورم شديد فأتيت إليه، فتفل فى وجهى «7» ، فأصبحت وليس فى وجهى منه شىء. وقال أيضا: كنت معه يوما فى سفر، فلحقنا عطش شديد، وأتى وقت صلاة الفرض، فجاءت سحابة وأمطرت حتى ملأت بركة، فقال لى: اشرب يا عطشان، فشربت حتى رويت، وتوضّأت للصلاة. وقال بعض أصحابه: نزلت مع أبى الحسن إلى البحر ومعى فتى من المتعبّدين، فجاز أبو الحسن البحر، فلما رآه الفتى صعق وخرّ مغشيّا عليه، فملأ أبو الحسن «فياشة» «8» ولم يكن فيها إلّا ماء البحر «9» ، ورشّ على الفتى

ماء ورد طيب «1» ، فقلت: مالى لا ترشّ «2» علىّ؟! فقال: إنك لست من هناك! وقال «3» بعضهم: كان- رضى الله عنه- يخرج إلى خارج «دينور» إلى «4» نهر هناك شديد الحرارة، لا يقدر إنسان «5» على الوضوء منه لحرارته، فلما وضع رجله عليه صار كالزّيت، فإذا توضأ منه وفرغ رجع إلى حاله. وقال إبراهيم بن أحمد: كان فى المسجد جماعة يتعرّضون لى «6» بالأذى، وزاد علىّ أذاهم، وأنا حدث، فشكوت ذلك إلى شيخ من شيوخنا، فقال: امض بنا إلى أبى الحسن الدينورى واذكر له ما وقع لك من الأذى، فلعلّه يدعو «7» لك. قال: فصعدنا إليه، فلما نظر إلىّ قال: يا بنىّ، لا بأس عليك، لا تغتمّ.. ارجوا الله من فضله يكفيكم، فكان كذلك- رضى الله عنه وأرضاه. وحدّث بعض الثقات، قال: كان للشيخ أبى الحسن الدينورى حضير «8» فى الجبل بغير سقف يأوى إليه، وفيه محاريب «9» قد عملها، فجاء مطر عظيم وثلج كثير، فأصبح الناس وعلى أثوابهم الثلج، وكل إنسان يستعين بمن يزيل الثلج عن بابه، ثم قالوا: نذهب إلى أبى الحسن الدينورى فربّما مات من الثلج والمطر. فخرج جماعة من الناس إلى الجبل فوجدوه جالسا فى وسط الحضير وليس عليه شىء من الثلج، فرجعوا متعجبين «10» .

وكان- رضى الله عنه- يقول: من لم تظهر كراماته بعد مماته كما كانت «1» فى حياته فليس بصادق. وكان يقول: دلائل الصّدق لا تخفى، لا فى الحياة ولا فى الممات. وقال يحيى بن الربيع: رأيت أبى فى المنام وهو يقول لى: إن أردت أن تتقرب إلى الله تعالى فعليك بأبى الحسن! وجاءه شابّ فقبّل رأسه، فقال له: امض إلى أمّك وسلها أن تهبك «2» الدّفعة «3» التى دفعتها، فهو أولى بك من هذا. وكان يتكلم يوما «4» فى مجلسه فدخل عليه رجل متعبد من أهل الصعيد، فلما وقعت عين الشيخ عليه قال: «ما هذا السّوء الأدب؟ قوم يشتهون «5» أن ينظروا إلينا فإذا رأونا طلبوا على ذلك برهانا!» فصعق الرجل المتعبد مكانه. وذهب الشيخ أبو الحسن إلى منزله «6» ، فسئل الرجل عن سبب قول الشيخ وعن صعقته، فقال «7» : «كنت فى الصعيد كثيرا ما أقول: وددت لو رأيت الشيخ أبا الحسن، لما يبلغنى عنه، وكنت أسأل عنه شيخا من المتعبدين، فقال لى: أليس كنت تحب أن ترى الشيخ؟ قلت: نعم. قال: هو ذا قد جاءنا الليلة زائرا من مصر! فنظرت إلى هذا الشيخ بعينه وصفته،

ولم أكن رأيته قط، فوقع فى نفسى «1» أنّ الشّيخ يجيء من مصر إلى الصعيد فى ليلة واحدة «2» ... وأمسكت عن هذا، ثم عزمت على الخروج إلى مصر، فجئت فى يومى هذا وسألت عنه، فأرشدت إليه، فلما وقعت عينى عليه إذا هو الذي رأيته بعينه» . وقال جعفر: «كنت بالصحراء فى متعبّد لى «3» وكان الشيخ قريبا منّى، فقمت لأفتقده «4» ، وإنّى لأنظر «5» قنديلا يقف فى الجو على رأسه يقد إلى الصباح، فإذا أصبحت لم أجد شيئا» «6» . وقال بعض أصحابه: «كنت يوما جالسا فى حلقته، والناس قيام وقعود «7» ، فالتفت «8» - رضى الله عنه- إلى رجل منهم وعليه ثوب «9» دنس، فقال: اذهب- ويلك- فاغتسل! فخرج من الحلقة وفتّش ثوبه، فإذا فيه أثر احتلام. وقال: إنّى لأعرف رجلا وقف على نهر، فعرض فى نفسه شىء، فقال: إن كنت صادقة فقولى لهذا النهر: قف. فوقف النهر.

وقال بعض أصحابه: كنت أراه سائرا فى الشتاء «1» وهو على رءوس الجبال يرفضّ «2» عرقا. وقال ممشاد الدّينورىّ: كان أبو الحسن يصعد الجبل الذي هو معدن السّباع «3» ، ولا يجسر أحد أن يصعد إليه، فيبقى أربعين يوما ثم يرجع، فلا يبقى أحد «4» إلّا ترك البيع والشّراء وخرج ينظر إلى الدّينورىّ «5» تبرّكا به، وتعظيما له. وكان أحد مريديه مارّا فى بعض الأسواق، فرأى الرّمّان فى أول طلوعه، فاشتهاه «6» فاشترى منه شيئا وخبّأه فى ركوته «7» خوفا من الشيخ أن يراه، ثم جاء فجلس فى مجلس الشيخ «8» ، فقال الشيخ- رضى الله عنه «9» : «أدركنا قوما [من أهل الإرادة] «10» لا يشتهون الملح، ونرى الآن قوما «11» يشتهون الرّمّان ويخبّئونه فى الرّكا إذا اشتروه!» «12» . فسمع المريد ذلك فوقع «13» مغشيّا عليه، ولمّا أفاق أخرج الرّمّان من ركوته ووضعه لمن يأكله، ونزع الله شهوة الرّمّان من قلبه.

وقيل: إنه «1» ختم الميعاد يوما عند اصفرار الشمس، ثم مضى إلى بيته ليصلّى المغرب، فوقع فى نفس بعض الحاضرين: لو صلّى الشيخ مع الجماعة كان أفضل «2» من صلاته وحده «3» . فقال الشيخ: «إنّ الباعة يخرجون نيرانهم «4» فى طرق المسلمين، وما أحبّ أن أستضىء «5» بنور ظالم» . وقال بعض الصوفية: «كنت أعملت فكرى فى مسألة «6» فى الجامع، وقمت إلى حلقة الدّينورىّ لأسأله عنها، ونويت أن أمتحنه فيها، فجئت فوقفت عليه والمجلس حفل «7» ، فنظر إلىّ من قبل أن أسأله عنها، وقال: «يا فلان «8» ، بأىّ مسألة عملتها وجئت تسألنى عنها؟ عليك بالتوبة» ، فوقع علىّ البكاء، وبكى أكثر من كان فى مجلسه، فرجعت من المجلس «9» وأنا أبكى! وقال ابن الحسن الحضرمى «10» : مررت بقبر أبى الحسن الدّينورىّ- رحمة الله عليه- فقرأت «يس» و «تبارك» «11» وغيرهما، وقلت: اللهم اجعل ثوابها «12» - يعنى القراءة- لأبى الحسن الدينورى، وانصرفت.

ومررت على أبى بكر بن المهلب، فقال لى: كنت اليوم عند قبر الشيخ [أبى الحسن الدينورى] «1» ؟ فقلت: نعم، ما الخبر «2» ؟ فقال: رأيته الساعة فى المنام وهو يقول: جاءنا الساعة ابن الحسن وقرأ عند القبر وقال: اللهم إنى جعلت «3» ثواب ما قرأت لأبى الحسن الدينورى. فقلت: آه، والله هو أحوج إلى ذلك «4» منا، نحن فى غنى، وهذا ما كان! فقلت: سبحان الله، هذا رجل مكاشف فى الحياة وفى الممات «5» . وقدم عليه «6» رجل مغربى برسالة له من المغرب «7» [وصار يسأل الناس عن منزل الشيخ، فسأله إنسان: ما معك للشيخ؟ فقال: معى رسالة له من المغرب. فأخذه وجاء به إلى منزل الشيخ، فطرق الرجل الباب] «8» فقال الشيخ «9» : من بالباب؟ فقال الرجل: أنا يا سيدى فلان ومعى رجل مغربى معه رسالة لكم من المغرب «10» . فقال: قل للمغربى: الشيخ لا حاجة له بالرسالة، ولا يقبلها، فإنّك رجل خائن فتحت الكتاب فى الطريق، ونظرت إلى ما تضمّنه. فقلت ذلك للمغربى، فأطرق خجلا وقال: كيف أنتم مع هذا الشيخ؟ ثم مضى «11» .

وقال أبو الحسن بن اللّيث بن سعد: أصابنى مرّة وجع الأرواح، فاشتدّ بى ذات ليلة «1» ، فذكرت الشيخ أبا الحسن الدّينورىّ، [فتوضأت للصلاة وصليت ركعتين، وقلت فى سجودى: «اللهمّ ببركة الشيخ أبى الحسن الدّينورى] «2» خفّف عنى ما أجد من هذا البلاء» فحصلت لى العافية من وقتى «3» ، ونمت من ليلتى، فلما كان وقت الصبح جاءتنى جارية الشيخ أبى الحسن فطرقت علىّ الباب «4» ، فقلت: من بالباب؟ فقالت: أنا جارية الشيخ أبى الحسن، أريد أن أصعد إليك. قال: فنزلت وفتحت الباب «5» ، فقالت: إنّ الشيخ يقرئك السّلام ويقول لك: كيف وجدت استشفاعك بنا اللّيلة؟ قد شفّعنا فيك وشفعنا! فقلت لها: قبّلى عنى يد الشيخ وأبلغيه مزيد السّلام، وقولى له: جزاك الله عنه خيرا «6» . وحكى أنّ الشّيخ وقعت بينه وبين ابن يونس مقاولة «7» ، قال ابن يونس: فما أفلحت فى جسمى منذ خاطبت الشيخ. وماتا فى «8» سنة 331 هـ. فرئى ابن يونس فى المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لى وأصلح بينى وبين الدّينورىّ، وأباح لنا الجنّة «9» .

وحكى «1» عن بعضهم، قال: حصلت لى ضائقة شديدة، فتوسّلت إلى الله سبحانه وتعالى بأبى الحسن الدّينورىّ، ففرّج عنّى. وحصلت لزوجتى شدّة فى بعض الأوقات من الطّلق، فأخذت إناء وجئت به إلى الشيخ، وقلت: يا سيدى، أريد أن تكتب لزوجتى شيئا لتسهيل الولادة، فأخذ الإناء وكتب فيه: «بسم الله الرّحمن الرحيم» ، فانفلق الإناء. فمضيت وجئت بإناء آخر، فكتب فيه، فانفلق أيضا، فعل ذلك ثلاث مرّات، فقال: «يا بنّى، لا تتعب نفسك، لو جئتنى بكلّ إناء لم يكن إلّا كما ترى، فإنّى عبد إذا ذكرت الله تعالى ذكرته بهيبة وحضور!» . وقال بعض أصحابه: اغتسلت يوم جمعة، ولبست ثيابا حسنة، وتطيّبت، فعرضت لى زوجتى عند باب البيت، وكنت حديث عهد بعرس، فرجعت إلى البيت فغشيتها، ثم اغتسلت ومضيت إلى الجامع، فوقفت عند عمود خلف ظهر الشيخ بالجامع وقرأت ختما فى ركعة واحدة، وكنت أفعل ذلك كثيرا فى يوم الجمعة، وكنت إذا انصرفت لا يكلّمنى الشيخ، فلما كان ذلك اليوم دعانى فقال لى: أما أنت حافظ القرآن؟ قلت: نعم. قال: وقرأت ختما فى هذه الرّكعة؟ قلت: نعم. قال: يا بنّى، كيف تكون حافظا لكتاب الله تعالى وتغتسل للجمعة ثم تكون منك حالة تنقض طهارتك؟ أما استحييت من فساد الطّهارة؟ وما هذه الثياب الرفيعة؟ «إيش تعمل بهذه؟» . قال: فأطرقت حياء من هيبته، ورجعت إلى منزلى، فنزعت تلك الثّياب ولبست دونها. ومن كراماته أنّ إنسانا كان ساكنا فى قيساريّة هشام بن عبد الملك، فسأل بعض العلماء عن الصلاة فيها، فقال: أحسبك ألّا تصلّى فيها ولا فى شىء من

الصّوافّ «1» . وقال له بعضهم: صلّ فيها. قال: فأتيت إلى الشيخ أبى الحسن الدّينورىّ، فلما وقفت على مجلسه ووقعت عينه علىّ قال: يا بنىّ، الصّلاة فى الجامع خير من الصّلاة فى القيساريّة والصّواف. قال: فمن ثمّ لزمت الصّلاة فى الجامع. ومن كراماته أيضا، ما ذكره صاحب الحكاية السابقة، قال: خرجت فى ليلة مقمرة فى الشّتاء إلى صحن الجامع، [وكان الشيخ جالسا مع أصحابه، فجاء فتى فجلس معى، ونظر إلى السماء وقال] «2» : ألا ترى هذا الغيم وهذا الضياء؟! هذا نور ربّ العزّة! فقلت: «هذا نور مخلوق، ونور الله ليس بمخلوق» . فخالفتى الفتى فى ذلك، وقمنا على ذلك. فوجّه إلىّ الدّينورىّ رجلا من أصحابه فقال له: قل له: «أثبت على ما أنت عليه ولا تبال ممّن خالفك، فإنّ الحقّ معك، ولا تكلّم من خالفك إلى أن يتوب» ! فعجبت من الرّجل وقلت: من أبلغه ما كان بيننا؟! لا أعلم أنّ أحدا علم ذلك إلّا الله سبحانه وتعالى، وهجرت الفتى مدّة اثنى عشر يوما إلى أن رجع عمّا كان عليه. ومن ذلك أنّى كنت ألزم الصّفّ الأوّل فى المقصورة، فإذا خلوت جاءنى إبليس بوسواس يلقيه فى قلبى فأغتّمّ لذلك، فقلت: ليس لى إلّا الدّينورىّ، فجئت إليه وهو فى مجلسه يتكلم على الناس، فهبت أن أسأله، فأجابنى عن سؤالى قبل أن أسأله، وأحسن فى جوابه، ثم ختم بأن قال: ابتهل إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء.

وقال أبو كثير المؤذن: تنزهت مع جماعة من الأصحاب، فجئت، فنهانى الشيخ عن النّزهة وصاح علّى وطردنى، فقمت من الجمعة إلى الجمعة أدبّر حججا «1» أقولها له، ثم جئت يوم الجمعة لأقول له: «روّحوا القلوب «2» ساعة فساعة» أو «روّحوا القلوب مع الذّكر» . فلما جئت قال لى: أين الذي تعبت عليه «3» ؟!. وقال أيضا: كنا فى مجلسه بداره، وكان هناك إنسان صالح معنا يسمّى عمر، فسمعنا ضرب آلات وغناء، فقال: يا عمر، عندك همّة «4» تسكت بها هذا المنكر؟ قال: فأطرقت أنا وقلت: لا. فقال الشيخ: أمر عجيب! إنسان يخبر بأحوال غيره من غير اطّلاع؟! ثم انجمع «5» الشيخ وأطرق، فما سمعت من المنكر شيئا. وقال أحد الصّوفيّة «6» : كنت فى الصحراء مع جماعة ومعنا قوّال «7» ، فدخلنا بعض الحجز «8» ، فقال القوّال شيئا، فقمنا، فطربنا ورقصنا وصفّقنا، ثم جئت إلى الشيخ بعد مدّة، فسألته عن مسألة، فقال لى: «ليس لك جواب عندى، لأنك لم تخلق «9» للرّقص والتصفيق!» .

وربّما كان ينظر إلى السماء إذا سئل عن مسألة، ويجيب كأنّه مشاهد لشىء. وقال أزهر بن عمّار: رأيت الشيخ وهو قائم يصلّى فى حلقته، فقلت فى نفسى: «لو صلّى ناحية «1» وجاء إلى الحلقة كان أولى» . فلما فرغ من صلاته التفت إليّ وقال: «يا هذا، مالك وللاعتراض علّى؟!» فكبر فى عينى ولزمته. وقال ممشاد الدّينورىّ: كان أبو الحسن بن الصّائغ قد انفرد فى الجبل للعبادة، فخرجت يوما إليه لأفتقده، وكان يوما حارّا، فإذا نسر قد نشر جناحيه وهو قريب من مكانه، فذهبت أنظر تحت النّسر، فرأيت أبا الحسن قائما يصلى والنّسر يظلّه من الحرّ «2» : وقال أبو حفص الأسوانى: آخى أبو الحسن بينى وبين أخ لى، فخرجت أنا وهو إلى السّفر، فوقع بينى وبينه كلام، فتهاجرنا، فلما قدمت قال لى الشيخ: «أتظّنّ أنك فى سفرك خارج عنى؟ أما علمت أنّى أهتمّ بأصحابى فى أسفارهم كاهتمامى «3» بهم فى حال حضورهم؟ تكلّمت مع صاحبك حتى تهاجرتما.. أتظنّان أنّ أعمالكما ليست تعرض علىّ؟!» . وقال أيضا: خرج لى صاحب بسفر للحجاز، فذهبت معه لتوديعه «4» ، وكنت صائما فى ذلك اليوم تطوّعا «5» ، فأحضر المسافر رغيفا

حواريّا وقدحا «1» فيه ماء بارد «2» ، وقال لى: هيّا يا أخى فكل معى، فإنى لا أعلم هل نجتمع ونأكل معا أنا وأنت أو لا «3» ! فقلت فى نفسى: إدخال السّرور على أخى أفضل من صيامى تطوعا. فأكلت، ثم ودّعته ورجعت، فمررت بدار الشّيخ، فقلت: أصعد حتّى أسلّم عليه، فلما صعدت إليه وسلّمت عليه قال لى: يا فلان، قلت: لبّيك سيّدى. قال لى: أفطرت اليوم وأكلت رغيفا حوّاريّا «4» وشربت الماء البارد؟ قلت: نعم. فنظر إلىّ وقال: ليس هذا عجبا «5» ، إنما العجب فتياك «6» لنفسك أنّ إدخالك السّرور على أخيك أفضل من صيامك التوع! فقلت: هذا علم الغيب. فقال الشيخ: «الويل لك، ثم الويل لك إن قلت واعتقدت أنّ هذا علم الغيب! أما علمت أنّ أعمال أصحابى تعرض علىّ؟» فوقع الفتى مغشيّا عليه. ومن كرامات الدّينورىّ أيضا، قال أبو علىّ الحسين بن عبد الله الأسوانى الزاهد: آخى الشيخ أبو الحسن الدينورى بينى وبين أبى حفص الأسوانى، فوجدت فى نفسى شيئا، فشكوته إلى الشيخ، فقال لى: «لا تفطر معه، ولا تشرب معه فى كوز واحد، ولا ترقد فى موضع واحد» .

فأقمنا على ذلك زمانا، حتى أنّنا إذا كنّا فى مسجد نام أحدنا فى أسفل «1» المسجد والآخر فى أعلى «2» المسجد، ويفطر كلّ واحد منا على حدته «3» ، فعطشت ليلة وليس فى كوزى ماء، فوجدت كوزه، فقلت: أشرب ولا أعود، ترى هل يدرى الدّينورى ويرانا «4» ؟ فشربت، ووقع فى نفسى الإنكار، فلما أصبحت غدوت إليه أنا وعمر، ولم يكن عمر علم بشربى، لأنه كان نائما، فلمّا سلّمنا عليه وسألناه عن مسألة، فقال: «لا تأتيانى، أنتما لا تصلحان لى، أنتما لم يكن لى عليكما حكم فى شربة ماء، ليس بينى وبينكما قرب!» . فهالنا ذلك منه، فنظر إلينا وقال: «الويل لكما إن قلتما «5» : إنّ ذا علم غيب» . وقال علىّ بن الخوارزمىّ الفقير «6» : دخلت حمّام عمرو بن العاص، رضى الله عنه، يوم جمعة لغسل الجمعة مع جماعة من الفقراء، فلما خرجنا رأينا الرّمّان أخضر فى أول مجيئه، فاشتهاه رجل منّا وقال: اشتروه، فقال له بعض أصحابنا: «أيش «7» عزمك، اليوم الجمعة، يوم مجلس «8» ، عزمك أن يتكلّم علينا؟!» .

قال: اشتروه فإنى أشتهيه، فاشتريناه وجعلناه فى ركوة، وحشيناها بمئزر، وذهبنا «1» فصلّينا وجلسنا عند الشيخ فى الحلقة، فالتفت إلينا وقال: «قوم يشتهون الرّمّان لوقت الإفطار! لقد كنت أرى بعض المريدين إذا بدا الرّمّان من قشره لا يستطيع أن ينظر إليه صونا، [وعشنا] «2» فى زمان يشتهيه المبتدئون فيشترونه ويخبّئونه لوقت الإفطار» . فصعق الرجل ورمى بالرّكوة فخرج الرّمّان. ومن كراماته العظيمة أنّ صاحب الشّرطة اجتمع ببعض مريديه وقال له: قل للشيخ يأخذ أسبابه «3» ويمضى من بلدنا إلى غيره «4» من البلاد. فجاء المريد وجلس فى حلقة الشيخ. فقال له الشيخ: ما الذي قال لك فلان؟ - يعنى صاحب الشرطة. قال: يا سيدى قال لى كيت وكيت «5» . قال: لا عليك يا بنىّ، فإنّه يموت بريقه! وكان كذلك، فقد طلع الأمير «6» إلى داره، ودفع له غلامه كأسا فشربها «7» فشرق بها فى الحال «8» ومات. ومن كراماته أنّ رجلا يسمّى أحمد بن النعمان التّرّاس، كان من أصحاب المذكور [فمات] «9» فصلى عليه الشيخ إماما بمصلى خولان،

وأنزل فى القبر، فجلس الشيخ على شفير القبر وصاح: «يا أحمد، اذكر العهد الذي خرجت به من الدّنيا وقدمت به على الله.. يا أحمد، لا تخف من ملائكة ربّك» . فناداه من جوف القبر: يا سيّدى، فزت، والله فزت! وقال بعض أصحابه: كان الشيخ جالسا بمسجد يعرف بمسجد «دعلان» فى يوم الاثنين الثانى عشر من شهر رجب الفرد الحرام سنة 331 هـ، وكنت جالسا معه ذلك اليوم، فقال: أحبّ أن أسمع قراءة رجل صالح. فجىء إليه بابن بكلور الأعمى، فقرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ «1» فصاح الشيخ وخرّ مغشيّا عليه، فحمل إلى منزله، ومات ليلة الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة «2» خلت من شهر رجب الفرد، سنة 331 هـ- كما ذكر فى أول الترجمة إجمالا- فغسّله أبو بكر بن المهلّب، وصلّى عليه ودفنه، ونزل فى حفرته، وسمعه يقول وهو نازل فى لحده: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ «3» . وكان ابن المهلب يريد أن يبيت الشيخ عنده وهو يأبى، إلى أن كانت الليلة التى توفّى فيها، جاء إلى منزله، وتوفّى عنده «4» . وحكى [عنه] «5» أنّ رجلا طحّانا كان لبعض الأكراد عنده ستة دنانير من ثمن قمح، فزار [الطّحّان] قبر الشيخ، وجاء الكردىّ فوجده عند قبر الشيخ «6» ،

فطالبه وألحّ عليه، فتوسّل إليه بالشّيخ فى المهلة «1» ، فأبى [الكردىّ] ، وأخذه ومضى، فلم يتقدّم الكردىّ سوى عشرين خطوة، وهمزت به دابّته، فانخسف به قبر، فوقع واندقّت رأسه «2» . وقال أبو حفص بن غزال بن عمر «3» الحضرمى الإمام: «من أراد الحجّ إلى بيت الله الحرام فليغتسل «4» فى يوم الأربعاء آخر الشهر، من أىّ شهر كان «5» ، ويلبس ثوبا نظيفا، ويتطيّب بطيب إن كان عنده، ويمضى إلى قبر الشيخ أبى الحسن الدّينورىّ ويصلى عنده أربع ركعات، يقرأ فى الأولى: فاتحة الكتاب وآية الكرسىّ «6» . وفى الثانية: الفاتحة وسورة القدر «7» . وفى الثالثة: الفاتحة وسورة ألهاكم التكاثر «8» . وفى الرابعة: الفاتحة وسورة الإخلاص «9» . ثم يسلّم ويقول: «يا فرد لا يزدوج، يا مالك الأشباح والمهج، يا ودود، يا ودود «10» ، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ، يا معيد، يا فعّال لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وبقدرتك التى قدرت بها على خلقك «11» ، وبرحمتك التى وسعت كلّ شىء، يا مغيث أغثنى، يا مغيث أغثنى» «12» .

وتشير بإصبعك إلى القبر، ويكون ذلك قبل طلوع الشمس. ثم تقول: «اللهمّ اجعل ثواب القراءة والصّلاة للشيخ أبى الحسن الدينورى صاحب هذا القبر» . ثم تنزع ثيابك، وتجعل فى وسطك سراويل، وتتمرّغ «1» على القبر، وتجعل رجليك خارج القبر «2» ، فإنك تحج إن شاء الله تعالى. وإيّاك أن تكذب أو تجعله على سبيل التجربة، فإنّك لا تنتفع به «3» . وحكى أنّ العادل بن السّلّار «4» - قبل وزارته- استدعاه الأمير حسن بن الحافظ [الخليفة الفاطمى] «5» للقتل، وكان فى تلك الليلة قد قتل أربعين أميرا فى القصر الغربّى، وكان العادل إذ ذاك ساكنا بمصر القديمة «6» ، فقال للموكّلين به: أريد منكم الإنعام علىّ بزيارة القرافة، قبل أن أطلع إلى القرافة «7» ، فإن حضر

أجلى كان آخر العهد بتلك الأماكن، وإلّا فأكون قد حصلت على خير بزيارتى لقبور الصّالحين. قال: ففعلوا ما أمرهم به، وزار قبور المشهورين فى الجبّانة إلى أن جاء إلى قبر أبى الحسن الدّينورىّ، فقرأ شيئا من القرآن، وتوسّل إلى الله فى خلاصه وبكى، ثم خرج مع القوم، فرأى فى دهليز التربة رجلا يبكى ويستغيث، فسأله عن سبب بكائه، فقال: اجتمع علىّ دين، وقال أهلى: امض إلى قبر الشيخ أبى الحسن فتوسّل إلى الله فى وفاء دينك. قال: فدفع له دنانير وذهب إلى القاهرة، ودخل إلى القصر، فأخبر الأمير بمجيئه، فقال: يمضى، فقد ولّيته «مصر» وعفوت عنه «1» . ***

قبر أبى بكر محمد بن داود الدقى:

قبر أبى بكر محمد بن داود الدّقّىّ «1» : بجانبه «2» قبر الشيخ أبى بكر محمد بن داود الدّينورىّ المعروف بالدّقّىّ، ويقال القابلىّ «3» . صحب ابن الجلّاء والزّقاق «4» ، وعاش مائة عام، وتوفى سنة 357 هـ «5» . وكان يقول: «المعدة موضع يجمع [فيه] «6» الأطعمة، فإذا «7» طرحت فيها الحلال صدرت الأعضاء بالأعمال الصالحة، وإذا طرحت فيها «8»

الشّبهة اشتبه عليك الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، وإذا طرحت فيها الحرام كان حجابا بينك وبين الله تعالى» «1» . وكان يقول «2» : «لا يكون المريد مريدا حتى لا يكتب عليه صاحب الشمال عشرين سنة» . وقيل له: «ما علامة الصّوفىّ؟ قال: أن يكون مشغولا بكل ما هو أولى به من غيره، ويكون معصوما من المذمومات» . وقال: «علامة القرب الارتفاع عن كل شىء سوى الله تعالى، ومن انقطع إلى الله لجأ إليه، ومن انقطع إلى المخلوقين لجأ إليهم» . وسئل عن سوء أدب الفقراء مع الله فى أحوالهم، فقال: «انحطاط همومهم من حقيقة العلم إلى ظاهره» . وقال: «كم من مسرور سروره بلاؤه، وكم من مغموم غمّه نجاته» . وقال: «الإخلاص أن يكون ظاهر الإنسان وباطنه، وسكونه وحركته خالصا لله عزّ وجلّ» «3» . وقال: «الفقير [هو] «4» الذي عدم الأسباب من ظاهره، وعدم طلبها من باطنه» . وقال: «خلق الله الخلق متحرّكين فى أسبابهم، وجعل الحياة «5» فيهم

لأهل المعرفة، فالخلق يتحركون فى أسبابهم، وأهل المعرفة أحياء بحياة معروفهم، فلا حياة حقيقية إلّا لأهل المعرفة لا غير» . وقال: «كنت فى البادية، فوافيت قبيلة من العرب، فأضافنى رجل منهم، فرأيت غلاما أسود مقيدا هناك، ورأيت جمالا ميّتة بفناء البيت، فقال لى الغلام: أنت ضيف، وأنت كريم على مولاى، فاشفع لى عنده، فإنّه لا يردّك «1» . فقلت لصاحب البيت: لا آكل لك طعاما حتى تطلق هذا الغلام «2» . فقال: قد أفقرنى وأتلف مالى. فقلت له: ما الذي «3» فعل؟ قال: كانت لى جمال، وكنت أعيش من ظهورها «4» ، فحمّلها أحمالا ثقالا «5» ، وحدا عليها «6» ، فأخذت مسيرة ثلاثة أيام فى يوم واحد، فلما حطّ عنها أحمالها ماتت لوقتها «7» . ولكن وهبته لك. وحلّ عنه القيد، فلما أصبح أحببت أن أسمع صوته، فقلت ذلك لسيّده، فقال: لا نقدر، قلت: لا بدّ من ذلك، فأمره «8» أن يشدّ جملا بحمل وثيق، ثم حدا «9» بصوت عظيم ما سمعت قطّ أندى منه ولا أطيب، فقطع

الجمل الحبل وهام على وجهه، ووقعت أنا على وجهى، فلم أسمع، فأشار سيّده له بأن يسكت، فأفقت وقلت «1» : إن كنت تنكر أنّ للا ... صوات فائدة ونفعا فانظر إلى الإبل اللّوا ... تى هنّ أقوى منك طبعا «2» تصغى إلى قول الحدا ... ة فتقطع الفلوات قطعا «3» وروى عنه أنه قام ليلة إلى الصّباح يقوم ويقعد ويسقط على هذا البيت «4» : يا رب فاردد فؤاد مكتئب ... ليس له من حبيبه خلف «5» والناس حوله يبكون. وحكى «6» عنه أنه قال: «صلّيت فى ليلة شاتية فقلت: ليتنى أدرى من وافقنى فى هذه الليلة! قال: فسمعت من يقول: وافقك فيها غلام من أهل دينور يقال له: أبو الحسن بن الصائغ، دعاه الله إليه فأجابه.

قال: فخرجت مسافرا حتى جئت إلى دينور، فسألت عنه، فقيل لى إنه بدكّان أبيه، فجئت إليه، فإذا أنا بغلام عليه هيبة ووقار، وهو فى خدمة أبيه بين يديه فى الدّكّان، وهو يعمل الصنعة، قال: فوقفت قليلا، فدفع له والده لحما وقال: امض بهذا إلى أمّك. قال: فأخذ اللّحم وذهب، وقد أخذ بمجامع قلبى، فذهبت معه، فمرّ برجل يوقد نارا وهو يؤرّثها «1» بالحطب الصّغار، ثم بعد ذلك أوقدها بالحطب الكبار، فوقف أبو الحسن طويلا ونظر إليه، وبكى بكاء شديدا، فجئت إليه وقلت له: ممّ تبكى يا بنىّ؟ فقال: «يا عم، أما تنظر إلى ما فعل هذا الرجل وهو يوقد النار بالحطب الصّغار قبل الكبار؟! فربما يكون ذلك فى نار الآخرة، وأكون أنا منهم! فأبكانى ذلك» ، فقلت: لله درّك، ما أخوفك من ربّك! وسار، وسرت خلفه، [وحين سمع] أذان المؤذّن «2» بالظّهر وهو يقول: «حىّ على الفلاح» قال «3» : لبيك داعى الله، ثم ترك اللّحم، فقلت فى نفسى: أما خاف من كلب يأتى فيأخذ اللحم؟ ثم وقفت أنظر إلى ما يقع فى اللحم، فإذا أنا بكلب قد جاء مسرعا إلى أن وقف يحرس اللّحم، فلما انقضت الصّلاة خرج وأخذ اللّحم وانصرف، فتبعته إلى منزله، فدخل منزلا عظيما وغاب ساعة، ثم خرج ووجهه مشرق، فقلت له: ما اسمك يا حبيبى؟ فقال لى: أما تعرفنى؟ أنا أبو الحسن الذي رأيته فى منامك. فقلت له: حبيبى، مثلك من يصلح للعبادة. ثم ودّعته «4» وتوجهت.

قبر الشيخ سليمان بن عبد السميع القوصى:

قبر الشيخ سليمان بن عبد السميع القوصى «1» : وبالقرب قبر الشيخ الصّالح المحدّث سليمان بن عبد السميع القوصى، المحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كان فقيها، حافظا، صوفيّا. من كلامه: «كتمان المصيبة من الإيمان» . أخذ ذلك من قوله صلّى الله عليه وسلم: «من كنوز البرّ كتمان المصائب» . ومن كلامه- رضى الله عنه وأرضاه فى الدنيا والآخرة «2» :. اصبر لكلّ مصيبة وتجلّد ... واعلم بأنّ المرء غير مخلّد «3» أو ما ترى أنّ المصائب رحمة ... وترى المنيّة للعباد بمرصد «4» ؟ من لا يصاب بمن ترى بمصيبة ... هذا طريق ليس فيه بأوحد «5» وإذا أتتك مصيبة فاصبر لها ... واذكر مصابك بالنّبىّ محمّد «6» وتوفى- رحمه الله تعالى- فى سنة 380 هـ. ***

قبر إبراهيم بن اليسع بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وقبر روبيل ابن يعقوب عليه السلام:

ثم تمضى إلى تربة بها الإمام الفاضل أبى القاسم وأبى إسحاق بن شعبان القرطبى المالكى، كان إماما فاضلا جليلا، وكانت وفاته سنة 355 هـ. قبر إبراهيم بن اليسع بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وقبر روبيل ابن يعقوب عليه السلام «1» : ثم تمضى من قبره إلى مشهد به قبر إبراهيم بن اليسع بن إسحاق بن إبراهيم، خليل الرحمن. وبظاهر القبّة التى بالمشهد قبر ولد من أولاد يعقوب. وهذا المشهد من مشاهد الرّؤيا. حكى أنّ رجلا بات عند القبر فى هذا المكان قديما، فقرأ سورة يوسف وصلّى على النبي صلّى الله عليه وسلم، ونام، فرأى قائلا يقول: هذه والله قصّتنا، من أعلمك بها؟ فقال: هذه القصة مذكورة فى كتاب الله الذي أنزله على نبيّه صلّى الله عليه وسلم، فمن أنت؟ قال: أنا روبيل بن يعقوب إسرائيل الله، أحد إخوة يوسف. فلما أصبح الرجل أخبر الناس بهذه الرّؤيا، فبنوا هذا المسجد لما علموا من صدق الرّائى. قبر الشيخ العفيف عبد الجبّار الفرّاش «2» : ثم تذهب إلى قبر الشيخ العفيف عبد الجبار الفراش، وهو تربة يرقى إليها بسلالم، وهو على يمين الخارج من المشهد. كان رجلا صالحا، جيدا، متعبدا، وكان صائم الدّهر.

قبر الشيخ أبى بكر الإصطبلى:

حكى عنه أنه شفع فى إنسان عند الوالى، فأبى أن يقبل شفاعته، فأرسل يقول: «إنّك تقتل «1» فى نصف الليل» . فلما بلغه ذلك قال: والله لئن لم يتمّ هذا الأمر لأهدمنّ داره عليه. فلما كان فى نصف الليل جاء رجل من بغداد من قضاء الخليفة [أمر] «2» بمسكه وقتله. فمسك فى وقته وقتل، كما أشار الشيخ، فارتدع الناس عن مخالفته وصاروا يبتدرون أمره. قبر الشيخ أبى بكر الإصطبلى «3» : كان من أكابر الصّالحين «4» ، جلست على قبره امرأة عليها دم حيض، فسمعت قائلا يقول من جوف «5» القبر: أتجلسين على قبر رجل أحبّ الله فأحبّه «6» ؟ قبر الشيخ محمود بن سالم بن مالك الطويل «7» : وبجانبه قبر الشيخ الصالح الحامى «8» محمود بن سالم بن مالك، الأمير، المعروف بالطويل، صاحب المسجد بسفح الجبل.

ذكر أبو جعفر الطحاوى عنه أنه كان جنديّا من جند السّرىّ بن الحكم أمير مصر، فركب السّرىّ يوما من بعض الأيام، وكان محمود معه، فعارض السّرىّ رجل فى طريقه ووعظه بشىء أغاظه، فالتفت إلى محمود وقال له اضرب عنق هذا. فانتضى «1» محمود سيفه ورمى برأس الرّجل فى الطريق، فلما رجع محمود إلى منزله خلا بنفسه، وتفكّر وندم، وقال: تكلّم الرّجل بكلمة حقّ فقتله، على ماذا؟! لم لم أمتنع؟! «2» . وكثر أسفه وبكاؤه، وآلى على نفسه ألّا يرجع إلى «3» خدمة الأمير أبدا. ثم أقبل على العبادة، وتقرّب إلى الله تعالى، فيقال إنه رأى المقتول فى منامه وهو يتبختر «4» فى الجنة، فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لى وأدخلنى الجنّة. وقال له: يا محمود، قل لأستاذك: يا ظالم، قد سبقك غريمك إلى أحكم الحاكمين! ثم إنّ محمودا «5» عمّر المسجد المذكور «6» ، المجاور لمشهد إبراهيم بن اليسع، وأقام به شرائع الإسلام، وأول من خطب به السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن السيد الشريف شمس الدين بن عبد الله محمد، قاضى العساكر المنصورة، والمدرس بمدرسة السلطان الناصر صلاح الدين بن أيوب، المجاورة لجامع عمرو، به عرفت المدرسة إلى الآن، وكان أيضا نقيب الأشراف.

قبر الفقيه المحدث أبى الحسن على بن مرزوق الردينى:

قبر الفقيه المحدّث أبى الحسن علىّ بن مرزوق الرّدينىّ «1» : ثم تمضى إلى قبر الفقيه الفاضل، المحدّث، المفسّر، أبى الحسن علىّ ابن مرزوق «2» بن عبد الله الردينى. كان كثير الإنكار على أبى عمرو عثمان بن مرزوق الحوفى وعلى أصحابه، وكان مقبول الكلمة عند الملوك، وكان يأوى بمسجد سعد الدولة، ثم تحوّل إلى مسجد عرف به، وهو الموجود بقلعة الجبل، وعليه وقف بالإسكندرية. وفى المسجد قبر يزعمون أنه قبره، والصحيح أنه بالقرافة، وأنه توفى سنة 540 هـ، وهو بخط «سارية» شرقىّ تربة أمّ مودود «3» ، وتربة بنى درباس. واشتهر قبره بإجابة الدعاء بوفاء الدّين. وحكى عنه بعض المؤرخين، قال معن بن زيد بن سليمان: إنه كان عليه عشرة آلاف درهم، وإنه قصد الرّدينىّ بالزيارة، ونام عنده بجوار قبره، فرأى الشيخ فى المنام، فقال له: يا فلان، فقال: لبّيك. قال: ما تريد؟ قال: أشكو إليك من دين لزمنى. فقال: قل: «اللهمّ بما كان بينك وبين عبدك الرّدينى إلّا قضيت عنى دينى» . قال: فاستيقظت وأنا أقولها، وإذا بشيخ أعمى جاء إلى عندى وقال لى: أنت الذي توسّلت إلى الله ببركة الشيخ؟! قلت: نعم. قال: خذ هذه العشرة آلاف درهم أوف بها دينك. وحكى عنه أنّ إنسانا جاء إلى أبى عمرو الحوفى وقال له: إنّ الرّدينىّ كثير الإنكار [عليك] «4» وعلى أتباعك. فقال: إذا كان الصباح جمعت له جمعا وجئت إليه.

قبر القاضى يونس الورع:

فلما كان نصف الليل والشيخ عثمان على سطح داره نزل عليه إنسان من الجو كالطّائر، فقال له: من أنت؟ قال: أنا الرّدينّى، جئت إليك قبل أن تجىء إلىّ. فقال له: يا أخى، أنا ما أجىء إلّا لمن يمشى على قدميه، وأمّا من يأتى [طائرا] «1» فليس معه كلام! قبر القاضى يونس الورع «2» : ثم تمشى إلى قبر القاضى يونس الورع، قاضى مصر.. كان رجلا زاهدا، أكره على القضاء، وكان يأكل من قمح يأتى به من الغرب، يزرع له فى أرض ورثها عن بعض أهله، وكان أيضا يشرب من بئر ورثها عن آبائه، وكان مجاب الدعوة. وحكى عنه أنّ السلطان قال له فى بعض الأيام: اسمع فلانا «3» وشهادته. فقال له: قد سمعت قوله ولا أقبل شهادته. فقال له: آمرك بأمر فتأبى عن قبوله؟ فقال له: قد أمر من أمره لا يخالف، قال الله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ «4» وهذا ليس كذلك! *** صحة قبر معاذ بن جبل» : وعلى يمين قبره قبر مكتوب عليه «معاذ بن جبل» الصحابىّ، وليس

كذلك، فإنه مات بعمواس «1» فى طاعون جارف «2» . ويحتمل أن يكون هذا رجل من التابعين، ومعاذ الصّحابّى يكنى [أبا عبد الرحمن] «3» . وروى أنّ معاذا «4» - رضى الله عنه- استعمله عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- على جهة من الجهات، فلما انقضى عمله «5» رجع إلى أهله، فلما دخل قالت له زوجته: أين الذي جئت به كما يجيء العمّال [به] «6» إلى أهليهم؟ فقال لها- رضى الله عنه: إنّ عمر جعل علىّ رقيبا! فقالت: ألم يكن النّبىّ صلّى الله عليه وسلم استعملك، وأبو بكر، وما أرسل واحد منهما عليك رقيبا؟! ثم إنها أتت إلى عمر، فقال له «7» : أنا أرسلت معك رقيبا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّها طالبتنى بما لم أقدر عليه، وأنت قلت لى لمّا استعملتنى: «جعلت الله عليك رقيبا» فكيف أعمل؟! فتعجب عمر من ذلك، ودفع له شيئا أرضاها به- رضى الله عنهما. ***

قبر الفقيه العالم أبى السمراء الضرير:

قبر الفقيه العالم أبى السّمراء الضرير «1» : ثم تمشى من التربة التى تعرف بمعاذ قليلا، ثم تنحرف على يدك اليمنى تجد قبرا كبيرا، هو قبر الفقيه العالم الولىّ أبى السّمراء الضرير، كان من أجلّ الفقهاء والعلماء، وكان فقيها، عالما، نحويّا، أصوليّا، لا يطاق فى علومه، وكان له قدم صدق مع الله تعالى، وكان كثير الاجتهاد فى الحفظ، قيل: إنّه لمّا عمى كان يحفظ تلقينا فى كل يوم ما يزيد على مائة سطر. وسأل الله تعالى فى ذهاب بصره، وألّا يردّه عليه إلّا بين يديه، فاستجاب الله له ذلك، فلمّا مات رئى فى النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أوقفنى بين يديه وقال: افتح بصرك وانظر، فقد أعطيتك ما سألت. قال: ففتحت بصرى فرأيت ربى! قال ابن دحية: وكان السلطان الملك الكامل يأتى إلى قبره، ويدعو الله تعالى عنده فى قضاء حوائجه، فيستجاب له، وقد وقع له «2» مرارا عديدة (انتهى) . وكان- رضى الله عنه- شافعىّ المذهب، يفتى الناس على مذهبهم. *** قبر المرأة الصالحة خيزرانة المكاشفة «3» : ثم إذا فرغت من زيارته فاذهب إلى المرأة الصالحة خيزرانة المكاشفة الزاهدة.

قبر الفقيه الإمام أبى إسحاق إبراهيم بن محمد:

حكى عنها أنها كانت تكاشف الناس فى خواطرهم، فقال رجل فى بعض الأيام: أظن أنّ هذه المرأة ساحرة، فلما كان الليل نام الرجل، فحصلت له لوقة «1» ، فلما أصبح جاء إليها، فلما نظرت إليه قالت: «والله يا أخى ما أنا ساحرة، ولكننى أتيته بنيّة لم تشنها غفلته، فتفجّرت من قلبى ينابيع الحكمة» . ثم قالت له: «اذهب عافاك الله تعالى وشفاك» فعوفى لوقته وساعته. وكانت عابدات مصر يأتين «2» إليها لسماع الوعظ منها، وينتفعن به. وكانت «3» - رحمة الله عليها- من أجلّ العابدات. *** قبر الفقيه الإمام أبى إسحاق إبراهيم بن محمد: ثم تأتى إلى تربة تجد بها قبر الشيخ الإمام الفقيه أبى إسحاق إبراهيم بن محمد بن إسماعيل بن سعد بن أبى بكر بن سيف بن يوسف بن خلف بن موسى ابن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن على بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمىّ، القرشىّ، العباسىّ، المالكىّ. كان- رضى الله عنه- إماما، عالما، شريفا، عفيفا، كريما، متواضعا، تقيّا، خاشعا، له تصانيف مشهورة، وتآليف «4» مذكورة، وإشارات واضحة، وعبارات لائحة «5» ، وأشعار رقيقة، ومعان دقيقة.

وكان إماما بمسجد الزبير بمصر، وكان مجاب الدعوة، كثير البركة. تفقّه على مذهب مالك، وسمع الحديث بمصر من أبى محمد عبد المولى بن محمد اللّخمىّ، وبدمشق من أبى أكثم على بن الحسين بن عساكر. وحدّث وصنّف كتاب «البغية والاغتباط فيمن ولى مصر الفسطاط» «1» وصنّف كتابا فى الوعظ. ومولده فى آخر شهر رمضان سنة 275 هـ. وله كرامات عديدة. ومن كراماته «2» العظيمة أنّ رجلا دخل عليه فى وقت صلاة الصّبح، وقال له: يا سيدى إنّ عمّى سجنه كاتب من كتّاب السلطان بسبب ضمانة «3» ضمنها له، فعسى أن تكتب له رقعة تستعطفه فيها! فقال له: يا بنىّ، أنا لا أعرف الكاتب، ولكن أنا أدعو له بالخلاص. ثم سأل الله تعالى أن يحسن خلاص الرّجل. وذهب الرجل، ثم دخل عند صلاة المغرب ومعه رجل آخر، فقال: يا سيدى، هذا عمّى الذي سألتك فى أمره، أطلقه الكاتب! فقال له: كيف وقع «4» ؟ قال: يا سيدى، لمّا ذهبت من عندك دعاه الكاتب إليه «5» وقال له: أنا أعرف أنك رجل مظلوم، وكل جهة فى مصر.» .. «6» . فقال: ليس لى أحد سوى الله تعالى، غير أن إنسانا من الفقهاء الصلحاء دعا لى. قال: فأطلقه ثم قال له: اسأل لى الرّجل «7» الذي دعا لك أن يدعو لى بحسن الخاتمة.

وحكى عنه أنه حجّ فى سنة إلى بيت الله الحرام، ورجع إلى العراق فى قافلة، فاجتاز «1» بمكان يعرف برأس العين من بلاد «حلب» ، فصادفه أمير البلدة- وكان ظالما- يقال له: حسام الدين. فقال له: يا شيخ، انزل أنت والقافلة- وكان الشيخ مقدّما فيها- فنزل الشيخ ونزل الناس، وجاء العشّار «2» فأخذ عادته من أعمال التجار، ثم جاء الأمير وأعوانه والعشّار لينظروا ما مع الشيخ، فقال له الأمير: ما معك أيها الشيخ؟ قال: معى هذا الحمل من الكتب لا غير. قال: فأمر الأمير بعض غلمانه وقال له: افتح هذا الحمل وآتنى بما تجده «3» من كتب الأدب واللغة والأشعار الرّائقة، والخطوط الفائقة. فجاء الغلام لفتح العدلين «4» ، وتوجّه الأمير، فدفع الشيخ للغلام دينارين، وقال له: سألتك بالله لا تفتح هذا الحمل واتركه. قال: فترك الغلام وذهب، ورحلت «5» القافلة. فسأل الأمير الغلام: هل وجدت شيئا؟ قال: لا. قال: لا بدّ لى من أن أنظر فى هذا الحمل. ثم أمر برجوع القافلة، فرجعت، ثم إنّ الشيخ اعتزل ناحية وصلّى، ودعا الله سبحانه وتعالى ألّا يجعل عليهم سبيلا، وأن يصرف عنه كيدهم. ثم إنّ الأمير دعاه وقال له: افتح هذا الحمل. ففتحه، وتقدّم الغلام فأخرج كتاب «الموطّأ» بخطّ ردىء، ثم أخرج كتابا آخر بخط ردىء، ثم آخر.. فقال: الظّاهر أنّ جميع الكتب بهذه الخطوط الرديئة! ثم قال: يا شيخ، سر فى حفظ الله تعالى.

قال: فشدّ الشيخ الحمل ووضعه على ظهر الجمل وسار، وسارت القافلة قليلا فإذا بإنسان يعدو خلف القافلة وهو يقول: يا شيخ، ارجع وخذ ما دفعت للغلام. فقال الشيخ: لا رجعة «1» لى فيما خرجت عنه. فرجع الغلام، وسار الشيخ سالما، وكفاه الله شرّهم ببركته. وقيل: إنّ رجلا ادّعى على ولد أخى الشيخ أنه أودع عنده وديعة تساوى عشرة دنانير، وأنّ الشيخ يشهد على ابن أخيه بالوديعة. فأحضر الشيخ، فقال: ليس لى علم بذلك. فقال: لا، بل علمت ذلك، وقد دخل بالوديعة إلى منزلك، وهى فى دارك. فقال ولد أخيه للرّجل: هل لك فى المحاكمة؟ قال: نعم. فجاء الرجل والشيخ وولد أخيه إلى القاضى «2» ، فأخبره المدّعى بقصته، فقال القاضى للشيخ: أحقّ ما قاله هذا الرجل يا سيدى؟ قال: لا والله. فقال المدّعى: بل والله حقّ ذلك. فقال القاضى: أنا أدفع لك شيئا من مالى ودع الشيخ. فقال: والله لا أتركه إلّا بعشرة دنانير أو يحلف أنّ الوديعة لم تدخل إلى داره، وأنه لا يعلم ذلك. فحلف الشيخ أنه لم يعلم ذلك، ولم يعلم بذلك. ثم لمّا فرغ من اليمين قال: اللهمّ إن كان هذا ظلمنى وهو يعلم أننى برىء ممّا قال، فأظهر فيه آية لخلقك. ثم توجّه كلّ منهما إلى حال سبيله، فلم تمض على الرّجل ثلاثة أيام حتى عمى «3» وصار إلى حالة دميمة، ثم صار شحّاذا وصار يقول: ارحموا من استجيبت فيه دعوة رجل صالح. ومات بعد ذلك فى مخزن ولم يعلم به إلّا بعد ثلاثة أيام.

وحكى عنه أنه دفع إلى رجل ثلاثين دينارا ليعمل له فيها، فأقامت معه مدّة، ثم ادّعى أنها ضاعت منه وتلفت، فقال له الشيخ: اتّق الله يا أخى، ووعظه فلم يتعظ، فقال الشيخ لمن حضر: أقسم بالله لئن بقى هذا على هذه النّيّة لم يخرج من الدّنيا حتى يبتلى بالفقر والطلب، وكان الرجل ذا جدّة «1» وحالة حسنة، فما مرّت عليه أيّام قلائل حتى نفد جميع ما كان معه وافتقر وصار شحّاذا يسأل النّاس ويدقّ أبوابهم ويقول: تصدّقوا على من غرّه الطّمع. وحكى عنه أيضا أنّ أمير مصر أقامه على تفرقة الزكوات، فكان يفرقها فى كل شهر مرة، فاتفق فى بعض الأيام أنه جلس يفرق الزكاة ثم تذكر أنه خلط ماله بمال الصّدقة، فتصدق بالجميع، [فسئل: لم] «2» فعلت ذلك؟ قال: لأنّ مال الزّكاة محرّم «3» علينا، وليس لى حاجة بمال خالط مال الزكاة. فقيل له: لو انتفعت ببعضه «4» كان أولى. فقال: لا أنتفع بمال خالطته الزكاة. وكان الشيخ بليدا فى بداية أمره، فرأى قائلا يقول له: إنّ الحاكم قد سمع قولك، فأصبح «5» ينطق بالحكمة، ثم وضع المصنفات العجيبة. وقيل: إنه شهد عند قاضى القضاة الذي كان بزمانه فلم يقبل شهادته، فلمّا كان فى تلك الليلة نام القاضى، فرأى فى منامه رجلا دخل عليه من غير إذن، فقال له: من أنت؟ قال: أنا إنسان من خلق الله تعالى. قال: كيف دخلت إلى دارى بغير إذنى؟ قال: أذن لى ربّ الدّار. قال: ما تريد؟ قال:

قبر الشيخ أبى البقاء صالح بن الحسين:

لم لا تقبل شهادة الشيخ إبراهيم القرشيّ وهو عدل عند الله تعالى؟ قال: إنه بليد. قال: إنه فى غد «1» يأتيك وهو ينطق بالحكمة! وقيل: لمّا احتضر «2» قيل له: كيف حالك؟ قال: كيف حال من يريد سفرا بعيدا بغير زاد؟ ويدخل قبرا موحشا بلا مؤنس؟ ويقدم على ملك عادل؟ ثم بكى بكاء شديدا، وتوفّى بعد ذلك. *** وبالقرب قبر ابنته، المرأة الصالحة، أمّ الخير. ويليها من الجهة البحرية قبر الشيخ الصالح، القدوة، القاضى برهان الدين ابن عبد العزيز بن إبراهيم الزهرى خطيب قلعة صور، توفى فى يوم الثلاثاء سابع عشر المحرم سنة 305 هـ. *** قبر الشيخ أبى البقاء صالح بن الحسين «3» : ثم تأتى إلى قبر الشيخ الوليّ العالم أبى البقاء صالح بن الحسين بن عبد الحميد المبتلى، الشّافعىّ المذهب. كان فقيها زاهدا، تضرب الأمثال بعبادته، وكان منقطعا فى جوسق «4» ابن أصبغ، وكان يشمل الطلبة بالجامع العمرىّ، فجاء يوما فوجد الطّلبة جلوسا يتضاحكون، فقال: «لا إله إلّا الله! فسد الناس،

حتى أهل العلم، لقد كنّا ندخل فى حلق «1» العلم فلا يقوم الرّجل منّا إلّا باكيا خاشعا، وإذا عاد «2» فى اليوم الثانى وجد قد ارتقى عن الحالة الأولى فى الحزن والكآبة» . ثم إنه خرج وانقطع عن الحضور، ولازم العبادة إلى أن مات بالجوسق. وكان فى ابتداء أمره مليح الصّورة، حسن الهيئة، وكان إذا مرّ افتتن النّساء بملاحته وحسن صورته، فسأل الله تعالى أن يبتليه ببلاء يمنع من افتتان الناس به، فابتلى، رضى الله عنه، فكان إذا مرّ أعرض «3» النساء بوجوههنّ عنه، فحمد الله تعالى على ذلك. وكان له رجل يخدمه، ويأتى إليه فى كل يوم بأوراق من مغاسل «4» البقل، فيطبخها بشىء من الملح، ويقدمها له عند إفطاره، فجاء له الخادم يوما بغير شىء، فقال له: لم لم تأت بشىء؟ قال: رأيت فى طريقى جماعة من السودان يتحاربون، فرجعت بغير شىء. فقال له: خذ هذه العكّازة وامض، فإنّك تأمن من شرّهم. قال: فأخذ الخادم العكّازة ومضى، ومرّ بينهم فلم يتعرّض له أحد بسوء، فأخذ حاجة الشيخ ورجع سالما. وحكى عنه القاضى الفاضل عبد الرحيم بن الحسن «5» البيسانىّ حكاية عجيبة، نقلها عنه أبو الحسن «6» الكاتب. قال أبو الحسن: قال لى القاضى الفاضل- رحمه الله تعالى: هل لك فى زيارة القرافة؟ قلت: نعم، سمعا وطاعة.

وخرج، وخرجت معه، إلى أن جئنا إلى سفح الجبل المقطم إلى قبر الإمام الوليّ الصالح المبتلى. فقال لى: يا أبا الحسن، هل أحكى لك «1» حكاية من أعجب ما رأيت من كرامات هذا الرجل؟ قلت: «2» : نعم يا مولاى. فقال لى «3» : «لمّا دخلت إلى مصر دخلت وليس معى ما أتقوّت به فى تلك الليلة، فجئت إلى هذه المقبرة، وجلست عند هذا القبر، وقرأت شيئا من القرآن، فأخذتنى فى أثناء القراءة سنة من النوم، فرأيت فى منامى رجلا جميلا طلع من القبر وقال لى: ما بك يا عبد الرّحيم؟ فنظرت أمامى فرأيت السلطان صلاح الدين بن أيوب كأنّه جالس على سرير، فلما رآنى ووقعت عينه علىّ قام لى وأجلسنى إلى جانبه وقال لى: افتح حجرك «4» ، ففتحت حجرى فصبّ لى فيه جملة من الدّنانير، ثم أشار لأهل دولته من الحاضرين بتقبيل يدى. قال: ثم استيقظت وذكرت الرّؤيا، وتعجبت غاية العجب، فسمعت قائلا- أسمع صوته ولا أدرى شخصه- يقول: «إنك رأيت هذا فى المنام وسيكون فى اليقظة» «5» . قال: فمضيت إلى منزلى وأنا أفكّر «6» فى شأن الرّؤيا، فسألنى جماعة فى طريقى أن أكتب لهم قصّة «7» قال: فكتبت: «للمماليك الحرسيّة، بالقلعة

الصّلاحيّة، يقبّلون الأرض بين المواقف العليّة الأعظميّة، وينهون «1» أنهم باعوا لذّة نومهم بقوت يومهم «2» ، وقد حرموا ذلك، أنهوا ذلك» «3» . قال: فلما وقف السلطان عليها قال: من الذي كتب لهم هذه؟ قال: رجل يقال له: عبد الرّحيم الفاضل. قال: أسمع به، إنّه كان من رؤساء الكتبة بالديوان، وقال: علىّ به. فما جلست فى بيتى إلّا قليلا وإذا بالباب يطرق «4» ، فنظرت من الطّارق، فإذا رجل من جهة السّلطان، فقال لى: أجب السّلطان. قال: فمضيت معه إلى حضرة السّلطان صلاح الدين، فلما دخلت عليه رأيته على سرير كالذى رأيته فى منامى، فلما رآنى قام وأجلسنى إلى جانبه، وسألنى عن أحوالى، فأخبرته بالأحوال جملة وتفصيلا، قال: فدعا بدنانير وصبّها فى حجرى، وفوّض إلىّ الوزارة، وصرت الآن بما ترى من هذه الأحوال العظيمة، كلّ هذا ببركة هذا الرّجل «5» - رضى الله عنه. وكانت وفاة صالح هذا فى سنة 540 هـ «6» . ***

صحة قبر الصحابى سارية:

صحة قبر الصّحابىّ سارية «1» : وبجانبه «2» قبر يقال له قبر سارية بن زنيم، الصحابىّ الذي ناداه عمر ابن الخطّاب يوم الجمعة وهو يخطب: «يا سارية، الجبل» ، وفى هذا الخبر أقوال. ولم يكن حين نودى بديار مصر، بل كان فى أرض «نهاوند» فى بلاد العجم، وقصته: أنّ عمر بن الخطّاب، رضى الله عنه، بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ قطع الخطبة ونادى: «يا سارية، الجبل، يا سارية، الجبل- ثلاثا- ثم عاد إلى خطبته، فقال الناس: إن عمر جنّ، إنّه لمجنون «3» . فسمع ذلك عبد الرحمن بن عوف الزّهرىّ، رضى الله عنه، وكان ممّن يردّ عنه، فجاء إليه بعد أن فرغ من الصلاة وقال له: هل تحب أن تجعل لهم عليك كلاما؟

قبر القارئ أبى حفص العمروشى:

[فقال] «1» : ما بالهم؟ قال: إنك قلت: كذا وكذا فى أثناء الخطبة. قال له: لم أملك نفسى حين رأيت الكفّار قد أحدقوا بالمسلمين أن صحت: «يا سارية الجبل» . قال: فلما قال عمر ذلك لعبد الرحمن، جاء عبد الرحمن إلى الناس وقال لهم: اعلموا أنّ عمر، رضى الله عنه، لم يدخل فى شىء إلّا كان له منه مخرج، ولا يتكلّم إلّا بما فيه فائدة. ثم أخبرهم بخبر «سارية» . فلمّا كان بعد مدّة جاء رسول سارية وأخبر أنّ سارية ظفر وانتصر، ودفع كتابا من سارية إلى عمر، فقرأ عمر الكتاب على الناس.. أخبر سارية أنّ المسلمين قاتلهم الكفّار يوم جمعة من أول النهار إلى وقت الزوال، وأنّا سمعنا صوتا ينادى: «يا سارية، الجبل» فانزوينا إلى الجبل، ثم رجعنا على المشركين وقاتلهم، وهزمناهم» . فقال الصحابة، رضوان الله عليهم: إنّ عمر مؤيّد «3» من الله عزّ وجلّ بالبصيرة التامّة. (انتهى) . قبر القارئ أبى حفص العمروشى «4» : ثم تجىء إلى قبر «العمروشى» ، يكنى أبا حفص، واسمه عمر، كان- رضى الله عنه- مقيما بالجامع العمرىّ، وكان يقرأ على كل عمود من عمد الجامع ختما كاملا إلى أن مات. وهو يعرف إلى الآن بالقارىء.

تربة القاضى الفاضل:

تربة القاضى الفاضل «1» : ثم تأتى إلى تربة القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى، وهو القاضى الفاضل محيى الدّين أبو على، عبد الرحيم، ابن القاضى الأشرف أبى الحسن «2» علىّ ابن الحسن بن أحمد بن الفرج بن أحمد بن عبد الله، اللّخمىّ الأصل، العسقلانيّ المولد، البيسانى، المصرى الدار والوفاة، الشافعىّ. كان والده قاضيا بمدينة بيسان. قال الحافظ عبد العظيم «3» : «وبيسان هذه التى نسب إليها هى قصبة غور الأردن من أرض الشام» . وقيل: إنها المذكورة فى حديث الجسّاسة «4» . وبيسان أيضا من نواحى «اليمامة» . وبيسان أيضا قرية من قرى «مرو» . وبيسان موضع جاء ذكره فى غزوة ذى قرد. ولأجل ولاية والده القضاء بها نسب هذا الفاضل إليها، وكان والده قاضيا بعسقلان قبل ولاية بيسان. وكانت ولادته يوم الاثنين خامس عشر جمادى الآخرة سنة 529 هـ «5» . ثم قدم القاهرة وخدم الموفق يوسف بن محمد بن الخلال «6» صاحب ديوان الإنشاء فى أيام الحافظ لدين الله، وعنه أخذ صناعة الإنشاء.

ثم خدم بالإسكندرية مدّة عند قاضيها محمد بن حديد «1» . وكانت كتبه ترد غاية فى البلاغة «2» . ولا يزال يتنقل فى الخدم الديوانية بها أيضا، فلما قام بوزارة مصر العادل بن رزّيك الملقّب برزّيك بن الصالح طلائع بن رزّيك [كتب] «3» إلى والى الإسكندرية بتسييره إلى الباب، فلما حضر استخدمه بحضرته وبين يديه فى ديوان الجيش، فلما مات الموفق بن الخلال فى سنة 566 هـ، وكان القاضى آن ذاك نائبا عنه فى ديوان الإنشاء، عيّنه الكامل بن شاور بن مجير، وهو والد الوزير، وسعى له عند أبيه، فأقرّه عوضا عن ابن الخلال، فلما ملك أسد الدين شير كوه احتاج إلى كاتب، فأحضره وأعجب بنفاذه وسمته ونصحته «4» ، فاستكتبه، إلى أن ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، فاختفى قليلا لمّا قامت الفتنة بين العاضد الفاطمى والسلطان صلاح الدين، ونهبة «5» أمواله، ثم أنه ذكر السلطان صلاح الدين وأثنى عليه عنده. قال: فدعاه واستخلصه وحسن اعتقاده فيه، فاستعان به على إزالة الدولة الفاطمية. فلما تم للسلطان ما أراد، اتّخذ القاضى وزيرا ومشيرا، بحيث كان لا يصدر أمرا إلّا عن مشورته، ولا ينفّذ شيئا إلّا من رأيه، ولا يحكم قضية إلّا بتدبيره. فلما مات السّلطان صلاح الدين استمرّ على ما كان عليه عند ولده الملك العزيز عثمان فى الرّفعة والمكانة، فلما مات العزيز وقام من بعده ولده الملك

المنصور بالملك، بتدبير «1» عمّه الأفضل [نور الدين، كان أيضا على حاله، ولم يزل كذلك إلى أن وصل] الملك العادل أبو بكر بن أيوب من الشام لأخذ ديار مصر، وخرج الأفضل لقتاله، [وعند دخوله القاهرة] مات القاضى [الفاضل] «2» ساكنا، أحوج ما كان إلى الموت، عند تولّى الإقبال، وإقبال الإدبار، فى سحر يوم الأربعاء، سابع عشر ربيع الآخر سنة 596 هـ، ودفن بهذه التربة «3» . قال بعض المؤرخين فى ترجمته: وزر القاضى الفاضل للسلطان صلاح الدين، وتمكّن منه غاية التمكين، وبرز «4» فى صناعة الإنشاء، وفاق «5» المتقدمين، وله فيه الغرائب مع الإكثار «6» . وأخبرنى «7» أحد الفضلاء الثّقات المطّلعين على حقيقة أمره أنّ مسوّدات رسائله «8» فى المجلدات والتعليقات فى الأوراق إذا جمعت ما تقصر عن مائة مجلد، وهو مجيد «9» فى أكثرها. وقال عبد اللطيف البغدادى: دخلنا عليه فرأينا شيخا ضئيلا، كلّه رأس وقلب، وهو يكتب ويملى على اثنين، ووجهه وشفتاه تلعب بألوان الحركات، لقوّة حرصه على إخراج الكلام، وكان يكتب بجملة أعضائه، وكان له

غرام «1» بالكتابة وبتحصيل الكتب. وكان من الدّين والعفاف والتّقى، والمواظبة على قيام الليل، والصيام، وقراءة القرآن على جانب كبير، قيل: كان يقرأ فى اليوم والليلة ختما كاملا. وكان قليل اللّذّات، كثير الحسنات، دائم التهجد، كثير الاشتغال بعلوم الأدب وتفسير القرآن، غير أنه كان خفيف البضاعة من النحو، ولكن قوّة الدّربة توجب له قلّة اللحن. وكان لا يكاد يضيع شيئا من زمانه إلّا فى طاعة. وسمع الحديث من جماعة، كالحافظ السّلفى، والحافظ ابن عساكر، وغيرهما. وكتب فى الإنشاء ما لم يكتبه أحد، وكان متقلّلا فى مطعمه وملبسه ومنكحه، وكان يكثر «2» من لباس البياض، لا يساوى ما عليه- إن قوّم- أكثر من خمسة «3» دنانير صلاحيّة «4» . وكان إذا ركب كان معه غلام، وكان لا يمكّن أحدا من صحبته، وكان يكثر زيارة القبور، وتشييع الجنائز، وعيادة المرضى، وله معروف فى السّرّ والعلانية. وكان «5» وزيرا صالحا، مجتهدا، عالما، لم ينطق قطّ إلّا فى إيصال رزق أو معونة محتاج، أو تجديد نعمة. وأوقف أوقافا على الفقراء والمساكين بالحرمين وغيرهما. وأنشأ مدرسته [بدرب] «6» ملوخيّا بالقاهرة، بجوار

داره، وأوقف جميع كتبه وأقرهم بها، ودرّس بها الشاطبى علوم القرآن، والفقهاء «1» الفرائض. وجدّد عمارة العين الزرقاء التى بمدينة النبي صلّى الله عليه وسلم، وحصل لأهل المدينة بها نفع عظيم. وما ترك «2» - رحمه الله تعالى- بابا من أبواب الخير إلّا وأحرز منه أوفى نصيب. [وأوقف] «3» وقفا عظيما على فكاك الأسرى من أيدى الكفّار. وحكى أنه خرج يوما إلى صحراء القاهرة راكبا، فلقيه لصّ وراوده على أخذ ثيابه، فقال له الفاضل: هل تريد شيئا غير الثياب والبغلة؟ قال: لا. فقال له: سر معى إلى دارى، واحملنى على مروءتى. قال: نعم رضيت ذلك. ثم سار معه وهو لا يعرفه، إلى أن وصل إلى باب النصر، فلما دخل القاضى من باب النصر قام له خدمه وأعوانه، فقال لهم: احفظوا هذا الرّجل إلى الدّار. فأيقن الرجل أنه لا محالة هالك. فلما وصل القاضى إلى داره، واستقر فى مجلسه، دعا بالرجل فأدخل عليه وقد ارتاع، فقال: لا تخف يا رجل. ثم إنه دعا بطعام فأطعمه، ثم دعا بشراب وسقاه، ثم دفع له البغلة والثياب، ودفع له جائزة أخرى فوق ذلك. ونقل أيضا عنه أنّ رجلا زوّر توقيعا بخط صلاح الدين أنّه أعطاه رزقه فى مكان، ثم كشف أمره لإنسان، فوشى به إلى السلطان صلاح الدين، فدعاه

وقال: أين التوقيع الذي فى يدك؟ فأبرزه له، فلما «1» رآه السلطان غضب غضبا عظيما وقال: كأنّه- والله خطّى! ثم أمر بقطع يد الرّجل. فقال القاضى: يا مولانا، نريد من فضلكم أن تكتبوا لنا خطّكم بجانب خطّه حتى نرى ما بينهما من الفرق. فقال السلطان: نعم. ثم رقم اسمه، فلما رآه الفاضل قال: لا إله إلّا الله!! كان باطلا فصار حقّا، إن الله تعالى قد أذلّ قلمه وأعزّ قلمك، وما كان لك أن تكتب شيئا ولا تمضيه. فتبسّم السّلطان وعفا عن الرجل، كلّ ذا بلطف من القاضى. وقد وصفه العماد الأصفهاني فى كتاب الخريدة، وقال فى حقه: «ربّ القلم والبيان، واللّسن واللّسان، والقريحة الوقّادة، والبصيرة النّقّادة «2» ، والبديهة المعجزة، والبديعة المطرّزة، والفضل الذي ما سمع من الأوائل «3» ، فهو كالشريعة المحمدية التى نسخت الشرائع، ورسخت بها الصّنائع، يخترع الأفكار، ويفترع «4» الأبكار، ويطلع الأنوار، ويبدع الأزهار، وهو ضابط الملك بآرائه، ورابط السّلك بآلائه، إن شاء [أنشأ] «5» فى اليوم الواحد، بل فى السّاعة الواحدة، مالو دوّن لكان لأهل الصّناعة خير بضاعة. أين قسّ «6» عند فصاحته؟ وأين قيس فى مقام حصافته «7» ، ومن

حاتم «1» وعمرو فى سماحته وحماسته؟ ..» . وأطال القول فى تقريظه «2» . ومن رسائله رسالة كتبها على يد خطيب عيذاب إلى صلاح الدين يوسف ابن أيوب يشفع عنده فى الخطيب أن يكون خطيبا بجامع الكرك «3» . صورتها بعد البسملة الشريفة: «أدام الله السلطان «4» الملك الناصر وثبّته، وتقبّل عمله بقبول صالح وأنبته، وأرغم أنف عدوّه بسيفه وكبته «5» ، خدمة المملوك هذه واردة «6» على يد خطيب عيذاب، ولما نبا «7» به المنزل عنها، وقلّ عليه المرفق «8» فيها، وسمع بهذه الفتوحات التى طبّق الأرض ذكرها، ووجب على أهلها شكرها، هاجر من هجير عيذاب وملحها، ساريا فى ليلة أمن «9» كلها نهار، فلا يسأل عن صبحها، وقد رغب فى خطابة الكرك وهو خطيب، وتوسّل بالمملوك فى هذا الملتمس وهو قريب، ونزع من مصر إلى الشام، ومن عيذاب إلى الكرك، وهذا عجيب، والفقر سائق عنيف «10» ، والمذكور عائل ضعيف، ولطف الله بالخلق بوجود مولانا لطيف «11» ، والسلام» .

وقيل: إنه مرّ فى بعض الأيام فوجد العماد الكاتب، فقال له: «دام علا العماد» . فقال العماد له مجيبا: «سر «1» فلا كبا بك الفرس» . وهاتين اللّطيفتين تقرأ كلّ واحدة منهما طردا وعكسا «2» . ومن شعره- رحمه الله- وقد تشوّق إلى نيل مصر [عند] «3» وصوله إلى الفرات فى خدمة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، رضى الله عنه، يقول: بالله قل للنّيل عنّى إنّنى ... لم أشف من ماء الفرات غليلا وسل الفؤاد فإنّه لى شاهد ... إن كان جفنى بالدموع بخيلا «4» يا قلب كم خلّفت ثمّ بثينة ... وأعيذ صبرك أن يكون جميلا «5» وكان كثيرا ما ينشد ويقول «6» : وإذا السّعادة لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلّهنّ أمان «7» واصطد بها العنقاء فهى حبائل ... واقتد بها الجوزاء فهى عنان «8» ومن شعره «9» : بتنا على حال يسرّ الهوى ... وربّما لا يمكن الشّرح

قبر القاضى الأشرف ابن القاضى الفاضل:

بوّابنا اللّيل، وقلنا له: ... إن غبت عنّا دخل الصّبح وملحه ونوادره كثيرة، وشعره فى الذّروة الخطيرة، وكان من محاسن الدهر، وهيهات أن يخلف الزمان مثله، وما شىء كمثله. قبر القاضى الأشرف ابن القاضى الفاضل «1» : وإلى جانبه قبر ولده [القاضى] الأشرف بهاء الدين أبى العباس [أحمد] «2» . كان كبير المنزلة عند الملوك، وكان مكبّا «3» على سماع الحديث وتحصيل الكتب. ومولده فى المحرم سنة 573 هـ. وسمع من القاسم ابن عساكر وابن بنان الذي يسمى الأمير، والعماد الكاتب، وجماعة، وأقبل على الحديث فى الكهولة «4» ، واجتهد فى الطلب، وحصّل الأصول الكثيرة، وسمع أولاده «5» ، وكان صدرا نبيلا يصلح للوزارة. وسمع ببغداد ودمشق، ودرّس بمدرسة أبيه، وكان مجموع الفضائل، كثير الأفضال على المحدّثين «6» ، استوزره الملك العادل، فلما مات عرضت عليه الوزارة فأبى أن يقبلها، وكان الملك الكامل «7» قد سيّره برسالة إلى بغداد، فأنشد الوزير يقول «8» :

يا أيّها المولى الوزير ومن له ... منن حللن من الزّمان وثاقى «1» من شاكر عنّى نداك فإنّنى ... من عظم ما أوليت ضاق نطاقى «2» منن تخفّ على يديك وإنّما ... ثقلت مئونتها على الأعناق «3» ولمّا دخل بغداد أظهر من الحشمة والصّدقات والصلاة أمرا عظيما، وما أعطاه الخليفة من جوائز فرّقه، وحسب ما أنفقه فى تلك المدّة ستة عشر ألف دينار. وصلّى عليه لمّا مات ولده ضياء الدّين «4» ومن شعره، يقول: قد وفد الصّبح فقم نصطبح ... من الّذى لا صبر لى عنه «5» فنهرنا قد مزحته الصّبا ... فصار شاذ رواته منه «6» وله أيضا: من شرف العفّة لا كان لى ... فى غيرها قسم ولا رزق «7» [إنّك إن رحت] بها موسرا ... أحبّك الخالق والخلق «8»

قبر الإمام الشاطبى - القاسم بن فيره الرعينى:

وله أيضا: أستودع الله الّذين فقدتهم ... فقد العيون السّاهرات كراها «1» وحمدت ربى حيث كان لقاؤهم ... يوما على الحالين حين يراها *** قبر الإمام الشّاطبى- القاسم بن فيّره الرّعينى «2» : وبالتربة المذكورة «3» قبر الشيخ الإمام الفاضل، العمدة القاسم- ويقال: أبو القاسم، على أنّ كنيته اسمه، والمشهور الأول- ابن فيّره «4» بن أبى القاسم خلف بن أحمر الرّعينى «5» الشاطبى، صاحب القصيدة الموسومة بحرز الأمانى ووجه التهانى فى القراءات السّبع «6» ولقد أبدع فيها إبداعا عظيما، وهى عمدة قرّاء العصر. وله قصيدة دالية أحاط فيها بمقاصد التمهيد لابن عبد البر، والقصيدة الرّائية فى موسوم الخط، وغير ذلك. وسمع من جماعة، منهم أبو الطّاهر «7» السّلفى، وأبو الحسن على بن محمد بن هذيل، وغيرهما. وروى عنه ابن الجمّيزى، والكمال الضرير، والعلم

السخاوى «1» ، وغيرهم. ذكره النووى فى طبقاته، وغيره، وقال ابن خلّكان فى تاريخه: «كان عالما بكتاب الله عزّ وجلّ قراءة وتفسيرا، وبحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، مبرزا فيه، وكان إذا قرىء عليه صحيح البخارى ومسلم والموطّأ تصحّح «2» النّسخ من حفظه. وكان أوحد «3» أهل عصره فى علم النحو واللغة، عارفا بعلم الرّؤيا، حسن المقاصد، مخلصا فيما يقول ويفعل» . ومولده فى آخر سنة 538 هـ. ودخل مصر سنة 572 هـ، وكان يقول عند دخوله إليها: إنه يحفظ وقر بعير [من العلوم] «4» . ورتّبه القاضى الفاضل بمدرسته للإقراء. وتوفى سنة 590 هـ فى يوم الأحد بعد صلاة العصر، الثامن والعشرين من جمادى الآخرة. وفيّره: بكسر الفاء وسكون الياء المثنّاة من تحت، وتشديد «5» الراء المهملة المضمومة، وهو بلغة اللطينى «6» من أعاجم الأندلس، ومعناه بالعربى: الحديد. والرّعينى: بضمّ الراء، وفتح العين المهملة، نسبة إلى «ذى رعين» من أقيال اليمن «7» . والشّاطبى: نسبة إلى «شاطبة» ، مدينة بشرق الأندلس.

قبر الفقيه العالم الشيخ أبى المعالى مجلى:

وكان كثيرا ما يقول هذا اللّغز.. يقول: أتعرف شيئا فى السّماء يطير ... إذا سار صاح النّاس حيث يسير «1» فتلقاه مركوبا وتلقاه راكبا ... وكلّ أمير يعتليه أسير يحضّ على التّقوى ويكره قربه ... وتنفر منه النّفس وهو نذير ولم يستزر عن رغبة فى زيارة ... ولكن على رغم المزور يزور «2» وحكى عنه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى منامى عشر ليال متوالية بالرّوضة، وقرأت عليه فيها القرآن، فلما ختمت عليه، قال لى: حماك الله من الشّبه. وإلى جانبه قبر ولده أبى عبد الله محمد بن القاسم الشاطبى، حدّث عن أبيه، وتوفى بالقاهرة (انتهى) . *** قبر الفقيه العالم الشيخ أبى المعالى مجلّى «3» : ثم تخرج من التربة إلى تربة بها محراب بالحجر «4» ، وهو على يسارك، بها قبر الفقيه الإمام العالم مجلّى «5» بن جميع بن نجا القرشى المخزومى،

الأرسوفيّ «1» الأصل، المصرى الدار، المكنى أبا المعالى، الفقيه الشافعى. كان من أعيان الفقهاء، [تفقه] «2» المذكور على الفقيه سلطان، تلميذ الشيخ نصر المقدسى. قال بعضهم، والكمال القليوبى «3» ، قال عنه: إنه تفقّه من غير شيخ، وسمع من أبى الحجّاج علىّ بن يوسف القضاعى، والإمام أبى الحسن الخلعى «4» ، وجماعة أخر، وسواهما، وأخذ عنه «العراقى» شارح المهذّب، ومحفوظ بن على، وأبى القاسم عبد الرحمن بن محمد الصّدفى، ومحمد ابن ثابت بن فرج الجيزانى، وغيرهم. وكان رجلا صالحا، عالما، وكان يسكن «قليوب» . وولّاه العادل ابن السّلار القضاء بالديار المصرية «5» سنة 547 هـ، ثم صرف عن القضاء «6» سنة 549 هـ. وقال: ما دخلت القضاء إلّا لضرورة، [ولقد] بعد عهد أهلى باللّحم، فأخذت لهم منه، فما هو إلّا أن وضعوا أيديهم فيه [مرّة] «7» ثم لم يضعوها ثانية «8» . وصنّف كتابا فى الفقه سمّاه «الذخائر» ، وهو كتاب جليل مشهور، مبسوط، كثير الفروع والغرائب، عزيز الوجود، كامل «9» ، وقفت على

تربة الشيخ أبى عبد الرحمن رسلان:

معظمه، إلّا أنّ ترتيبه عجيب، صعب لمن يريد استخراج المسائل منه، وفيه أوهام «1» . وقد صنّف بعض الحمويّين الواردين إلى مصر عقب موت مجلّى كتابا لطيفا ذكر فيه أوهامه، ولم يذكر فيه شيئا طائلا، وأبان عن مجمل وعرض. ومنها «2» كتاب «أدب القضاء» ، وكتاب «جوائز بعض المخالفين فى الفروع ببعض» ، صنّفه فى توجّهه إلى الحجاز الشريف. وله تصنيف فى المسألة السريحية. وكان جيّدا، حسن الخطّ «3» ، حسن التعليق. وتوفى فى شهر ذى القعدة الحرام سنة 550 هـ. وقيل: سنة 555 هـ. وقيل سنة 565 هـ «4» . ومن مرويّاته التى رواها بسنده إلى أبى الدّرداء، عن النبي، صلّى الله عليه وسلم، أنه قال: «المسجد بيت كلّ تقىّ، وقد ضمن الله عزّ وجلّ لمن كانت المساجد بيوتهم الرّوح والرّاحة، والجواز على الصّراط إلى رضوان الله عزّ وجلّ» (انتهى) . تربة الشيخ أبى عبد الرحمن رسلان «5» : ثم تجىء إلى تربة الشيخ الصالح الفقيه أبى عبد الرحمن رسلان بن عبد الله المقرى الشافعى، يكنى أيضا أبا محمد، كان فى حال حياته مقيما بزاويته.

وحكى عنه أنه مرّ على رجل يبيع الحنطة، فسلّم عليه، وسأله أن يضع يده فى حنطته، فوضع الشيخ يده فى الحنطة، فأقام الرجل ثلاثة أيّام يبيع بيعا كثيرا، والقمح بحاله، فمرّ عليه فى اليوم الرابع رجل يهودىّ فوضع يده فى الحنطة ثم مضى، فنفد القمح فى الحال. وحكى عنه، رضى الله عنه، أنّ رجلا من أقاربه جاءه زائرا من بلاد الريف وأهدى له جرّة من اللّبن، فأخذها الشيخ منه، وأضافه فى تلك الليلة، فلمّا أصبح الصباح من اليوم الثانى قال الرجل: إنى أريد التّوجّه «1» ، فقال له الشيخ: اصبر. ثم عمد الشيخ «2» إلى جرّته التى جاء بها، فملأها ماء، ودفع الجرّة له، وقال له: لا تفتحها إلّا فى بلدك. فأخذ الرجل الجرّة وسافر إلى بلده، فلما وصل إلى داره «3» قال لامرأته: افتحى هذه الجرّة، ففتحتها، فوجدت عسلا صافيا من عسل النحل «4» الجيد. وهذا من بعض كراماته. وكانت وفاته سنة 571 هـ فى ثانى عشر شوال. وممّا نقل أيضا من كراماته- وهو ما حكاه عبد الرّحمن السّلمىّ «5» - أنه قال: كانت لنا بئر فى دارنا، وكانت مالحة لا يقدر أحد على الانتفاع بشىء من مائها لشدّة ملوحته، وكنت أتألم ألما شديدا لذلك «6» . قال: فنمت فى بعض الليالى فرأيت قائلا يقول لى فى المنام: إذا أصبحت فاذهب إلى

قبر الفقيه أبى القاسم عبد الرحمن بن رسلان:

الشيخ رسلان وأمره أن يتفل فيها «1» . قال: فلما أصبحت جئت إليه وأخبرته بالرّؤيا التى رأيتها، فضحك وقال: أفعل ما علىّ «2» . ثم إنه قام معى إلى منزلى وتفل فى البئر، فعادت للوقت «3» حلوة. (انتهى) . *** قبر الفقيه أبى القاسم عبد الرحمن بن رسلان «4» : وإلى جانبه قبر ولده أبى القاسم عبد الرّحمن بن رسلان، كان إماما فقيها محدّثا، وهو الذي جدّد بناء المسجد المعروف، بوالده، الذي هو برأس اليانسية، ولمّا فرغ من بنائه قال لأصحابه: بقى المسجد محتاجا إلى بئر، وليس معنا ما نصرفه على عمارتها. ثم إنه نام تلك الليلة، فلما أصبح وصلّى الصّبح وجد صرّة تحت السّجّادة، ففتحها، فوجد فيها خمسة «5» وعشرين دينارا، ووجد فيها رقعة، مكتوب «6» فيها برسم عمارة البئر. ولم يعلم من أين جاءت. ***

قبر الفقيه أبى عبد الله محمد بن رسلان:

قبر الفقيه أبى عبد الله محمد بن رسلان «1» : وإلى جانبه قبر أخيه أبى عبد الله «2» محمد، كان ملازما لتلاوة القرآن، وكان خيّاطا. ذكر عنه أنه كان إذا خاط لأحد شيئا وجاءه بالأجرة، فإن كان ما دفعه حلالا وجد الطّوق مفتوحا، وإن كان حراما وجد الطّوق مسدودا إلى أن يأتى بأجود منه «3» . وكان أبناء الدّنيا يدعون له الأموال فيأبى أن يقبلها «4» . وكانت وفاته فى سنة 591 هـ. قبر الإمام أبى محمد بن أبى الفتح الكتامى الشارعى «5» : وبجانبهم قبر الإمام أبى «6» محمد بن أبى الفتح الكتامى الشارعى، المقرئ المحدّث الفاضل، سمع من البوصيرى، والقاسم بن علىّ الدمشقى، وعثمان ابن فرج العبدرى، وغيرهم. وأجاز له السّهيلى وغيره. ومولده- ظنّا- فى سنة 558 هـ. وتوفى بالشارع، ظاهر القاهرة، فى ليلة الأربعاء الثانى عشر من جمادى الآخرة سنة 639 هـ.

قبر أبى المنيع رافع بن دغش الأنصارى:

قبر أبى المنيع رافع بن دغش الأنصارى «1» : ثم تمشى إلى [الغرب] «2» وأنت طالب تربة الشّافعىّ، [رضى الله عنه] تجد قبر أبى المنيع رافع بن دغش «3» الأنصارى [رحمه الله] . سمع الحديث «4» ، وحدّث عن أبى القاسم مكى بن عبد السلام الرّميلى «5» وغيره من العلماء. وروى عنه محمد بن إبراهيم بن ثابت بن فرج الكيزانى المقرئ الشافعى، وممّا رواه عنه أن عائشة أمّ المؤمنين قالت: قال رسول الله «6» صلّى الله عليه وسلم: «العلم علمان، علم ثابت فى القلب، وعلم فى اللّسان، فذلك حجّة الله على خلقه» . ومات أبو المنيع شهيدا «7» ، دخل عليه إنسان فى مسجده وهو جالس

فيه وحده، فذبحه فى المحراب «1» ، وذلك بعد صلاة الصبح، فاجتمع الناس، ولم يعلم قاتله. ثم غسّل وكفّن وصلّى عليه، وكانت له جنازة عظيمة، فلما كان فى الجمعة التالية «2» ذبح رجل يهودىّ إلى جانب داره «3» ولم يعلم قاتله، فرآه بعض أصحابه «4» فى النوم، فقال له: من قتلك يا فلان؟ قال: قتلنى فلان، وهو الذي قتل الفقيه رافعا «5» وهو فى المحل الفلانى. فجاء الرجل الرائى «6» إلى الحاكم وأخبره، فأرسل خلف الرّجل، فجىء به، فلما وقف بين يديه سأله: أنت قتلت الفقيه رافعا «7» وقتلت اليهودىّ؟ قال: فضرب ضربا شديدا، فأقرّ بالقتل، فقتل وطرحت جثّته، فجاء كلب «8» وولغ فى دمه، فقال بعض العلماء: إنّى أعلم أنّ الكلب لا يلغ فى دم مسلم قطّ «9» . وقتل رافع هذا فى يوم الأحد، سلخ «10» ذى الحجة سنة 533 هـ.

قبر الشيخ أبى غلبون رجاء:

قبر الشيخ أبى غلبون رجاء «1» : ثم تجد قبر الشيخ أبى غلبون رجاء- وقيل: أبى الزاهد- كان من عباد الله الصالحين، ويذكر عنه حكايات عجيبة وكرامات. وسمع الكثير، وحدّث عن أبى القاسم مكى بن عبد السلام الرّميلىّ وغيره. وروى بإسناده، أنّ النّبىّ، صلّى الله عليه وسلم قال: «من تطهّر فى بيته ثمّ أتى المسجد فسبّح الله فيه تسبيحة فى الضّحى، كتب الله له كأجر المعتمر المحرم، وإذا صلّى صلاة فى إثرها لا لغو فيها كانت فى علّيّين «2» . ومن تطهّر فى بيته ثم [أتى] «3» المسجد فصلّى فيه صلاة مكتوبة فى جماعة، كتب الله له كأجر الحاجّ المحرم» . وروى بسنده إلى أبى هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من أحد يغدو أو يروح إلى المسجد، ويؤثره على ما سواه إلّا وله عند الله نزل يعدّه له فى الجنّة كلما غدا وراح» «4» . كما أن أحدكم إذا زار من يحب اجتهد فى كرامته. وقد جاء «5» أبو غلبون هذا من الشام إلى ديار مصر واستوطنها، ومات بها، وكان يشار إليه بالزّهد والعبادة، وأفعال البرّ.

قبر الشيخ أبى الغنائم كليب بن شريف:

قبر الشيخ أبى الغنائم كليب بن شريف «1» : ثم تجىء إلى قبر الشيخ الوليّ كليب بن شريف «2» الشامى، يكنى أبا الغنائم، كان من خيار مشايخ الشام وصلحائهم «3» . وله كرامات نقلت عنه واشتهرت. حكى عن أبى محمد عبد الله بن شيبان «4» - عرف بالرّدينى- أنه قال: «حججت سنة من السنين فى صحبة الفقيه «مجلى» وكان معنا الشيخ كليب، فخرج على القافلة جماعة من «العربان» «5» قال: فأشرفنا على الهلكة، فصاح الفقيه «مجلى» : يا شيخ كليب أدركنا، أما ترى ما نحن فيه؟ فقال: لا تخف «6» ، فإنّ أمام القافلة من يحرسها «7» . فما برح كليب حتى جاءت جماعة إلى «مجلى» وقالوا: إن «العربان» لم يتعرضوا لأحد من الحجاج، وهنّئوه بالسلامة. فشكرنا الله تعالى على ذلك. فلما كان فى آخر الليل قلّ المأمن من القافلة، واشتد الحر، فقال الشيخ «مجلى» لإنسان: ائتنى بالشيخ كليب، فأتاه به، فقال له: انظر ما وقع

قبر الشيخ عبد الله بن برى:

بالناس من العطش! فقال: السّاعة يسقون. فما استتمّ كلامه «1» حتى أشرفوا على عين ماء، فنزلوا وملئوا أسقيتهم، ثم طلبوا العين فلم يجدوها «2» . وتوفى كليب فى سنة 522 هـ. *** قبر الشيخ عبد الله بن برّى «3» : ثم تجىء إلى قبر الشيخ عبد الله بن برّى بن عبد الجبّار بن برّى، يكنى أبا محمد، المقدسى الأصل، المصرى الدّار «4» ، كان نحويّا لغويّا شائع الذّكر، مشهورا «5» بالعلم، لم يكن فى المصريين مثله. مات سنة 582 هـ «6» . قرأ كتاب سيبويه على أبى بكر بن عبد الملك الشّنترينى «7» المقرئ النحوى. وتصدّر للإقراء بجامع عمرو بن العاص، وكانت عنايته تامّة فى تصحيح

الكتب، وكتب الحواشى عليها بالأحمر، وله على صحاح الجوهرى حواش أخذ فيها عليه، وشرح بعضه فيها، وزيادات أخلّ بها، ولو تمّت لكانت «1» عجيبة. وكان مع علمه وغزارة فهمه ذا غفلة «2» ، وسلامة صدر، وكان لا يهتم بهيئته «3» . يحكى المصريون عنه حكايات عجيبة، منها: أنه اشترى لحما وخبزا وبيضا وحطبا وحمل الجميع فى كمّه، فلما جاء «4» إلى منزله وجد أهله قد ذهبوا لبعض شأنهم والباب مغلقا، فتقدم إلى كوّة «5» هناك تنفذ إلى داره، فجعل يلقى منها الشيء بعد الشيء، ولم يفكر فى تكسير البيض وأكل اللّحم والخبز إذا خلت به الدار. وحكى أحدهم عنه أنه اشترى عنبا وجعله فى كمّه «6» ، وجعل عليه المحفضة «7» حتى جرى ماء العنب على رجليه، فقال لى: أتحسّ المطر؟! فقلت: لا! فقال: فما الذي ينقط على رجلى؟ فتأمّلته فإذا هو من العنب، فأخبرته فخجل واستحى. ويحكون عنه من الحذق «8» وحسن الجواب عمّا يسأل عنه، ومواضع المسائل من كتب العلماء ممّا يتعجّب منه، فسبحان الجامع بين الأضداد!

وكان إليه التصفح «1» فى ديوان الإنشاء، لا يصدر كتاب عن الدولة إلى ملك من ملوك النواحى إلّا بعد أن يتصفحه ويصلح ما فيه من خلل خفّى، كما كان يفعل ابن بابشاذ «2» . وكان مقيما بمعرفة كتاب «سيبويه» «3» وعلله، قيّما باللغة والشواهد. وقرأ عليه جماعة، منهم: أبو العباس أحمد بن الحطيئة، وكان ثقة، وأبو موسى الجزولى «4» من تلامذته، وأجاز جماعة ممّن أدرك «5» عصره من المسلمين. قال الشيخ شمس الدين محمد بن خلّكان: قرأت ذلك بخطّ أحمد ابن الجوهرى عن خطّ حسن بن عبد الباقى الصّقلّى، عنه. وله مقدمة سمّاها «اللباب» «6» ، وحواشيه على الصّحاح فى مجلّدين، وصل فيه إلى «قوش» من باب الشين المعجمة، وهو ربع الكتاب، وكمّل عليه الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأنصارى البسطى إلى آخر الكتاب، فجاءت التكملة فى ستة «7» مجلدات، فصار جملة المصنّف ثمانية «8» مجلدات، واسم هذا الكتاب: «التنبيه والإيضاح عمّا وقع فى كتاب الصّحاح» «9» . وهو جيّد للغاية.

وقال ابن برّى: كان سبب تعلّمى للنحو بيت من الشّعر «1» : تكاد يدى تندى إذا ما لمستها ... وينبت فى أطرافها الورق الخضر «2» فقيل له: وكيف ذلك؟ فذكر «3» أنه رأى فيما يراه النائم أنّه ولد له [ولد] «4» كأنّ فى يده رمحا طويلا فى رأسه قنديل، وقد علّقه فى صخرة بيت «5» المقدس، فلمّا أصبح أخبر برؤياه المعبّر «6» ، فقيل له: إنك ترزق ابنا يرفع ذكره بعلم يتعلّمه. فلما رزقنى وبلغ خمس عشرة سنة «7» حضر إلى دكّانه رجل يعرف بظافر الحدّاد، ورجل يعرف بابن أبى حصينة، وكلاهما مشهور بالأدب، [وكان يقرأ فى قصيدة فلما وصل] «8» إلى البيت المذكور كسر الرّاء من «ورق» فضحك الرجلان عليه للحنه. فتذكرت تفسير منامى «9» ، لعلّ الله يرفع به ذكرى، فقلت له: أىّ العلوم تريد أن تقرأ؟ فقال لى: أقرأ فى النحو حتى أتعلّم «10» . قال: فكنت أقرأ على الشيخ أبى بكر محمد بن عبد الملك بن السراج- رحمه الله- ثم أجىء فأعلّمه «11» (انتهى) .

قبر خلف الصرفندى:

قبر خلف الصرفندى «1» : ثم تأتى إلى تربة الشافعى- رضى الله عنه- تجد عند الحائط البرّانى قبر خلف الصّرفندى «2» - رحمه الله تعالى. كان رجلا صالحا، مجاب الدّعوة، والدّعاء عنده مجاب إن شاء الله تعالى. وتحت رجليه قبر شيخه، رئى فى المنام وهو يقول: زوروا شيخى، فما أنا شىء «3» إلّا به. وهناك قبر الشيخ «مقدام» دليل الحاج. ومنه إلى قبر صاحب الرّمّانة. *** قبر الشيخ عبد الرّحمن المصينى «4» المقرئ. ثم تجىء إلى قبر الشيخ الولىّ أبى عبد الله عبد الرحمن المصينى «5» المقرئ. أحد القرّاء الفضلاء «6» ، مشهور بالعلم والفضل، سمع الكثير [من الأحاديث] «7» وحدّث عن جماعة، كأبى «8» عبد العزيز بن عمر بن أحمد النّصيبينى، وغيره.

وروى عنه أبو على الحسن بن محمد الحسين الجيليّ، وأبو عمرو عثمان ابن أبى نصر بن سلامة المقرئ، وغيرهما من العلماء. وهو معروف فى الجبّانة بالدّرياق، وأنّ من زار قبره حفظ من ذلك اليوم الذي يزوره فيه إلى مثله. وقيل عنه: إنه قرأ على رجل ببلاد المغرب علما من العلوم، ثم جاء إلى مصر فوجد فى مقلمته قلما من أقلام الشيخ، فرجع ثانيا إلى بلاد المغرب، حتى دفع القلم إلى صاحبه ورجع «1» . وكان الناس يقصدونه فى بيته ويتبرّكون بدعائه. وحكى ولده «2» قال: كان فى جوارنا رجل قصّاب، فاشترى كبشا، فمرض الكبش فى تلك الليلة، فأيقن الجزّار بموته، فقال: اللهم إنّى أشهدك إن عوفى هذا الكبش دفعت رأسه وجلده للشيخ عبد الرحمن، فأصبح الكبش سالما سليما، فذبحه الجزّار وجاء بجلده إلى الشيخ، فقال له: وأين الرأس؟ فقال: نأتى «3» به الساعة. فأتى به، فقال له: أنت جارى منذ سنين، وأريد أن تكتم عنى ما جرى بينى وبينك. فلم يتحدث بذلك حتى توفى الشيخ «4» . وحكى «5» عنه: أنّ رجلا كان يعمل على دابّة، فوقعت منه فى بعض الأيام، فقال: إن قامت دابّتى هذه فأجرتها فى هذا اليوم للشيخ عبد الرحمن. فقامت سويّة «6» ، فلم يذهب آخر النهار بشىء للشيخ، فلما كان اليوم الثانى

قبر الشيخ أبى الفتح بن بابشاذ:

وقفت منه، فقال: اللهم إن قامت دابّتى دفعت أجرتها اليوم للشيخ. فلما كان اليوم الثالث وقفت أيضا، فاستغاث بالشيخ، وعاهد الله أن يذهب بالأجرة على العادة، فلما كان وقت المساء أخذ الأجرة المتحصلة فى الأيام الثلاثة وجاء إلى باب الشيخ، فطرق الباب، فقال له الشيخ: لم لم تأت «1» من أول يوم؟ خذ ما جئت به واذهب، بارك الله لك فيه! فاستجاب الله تعالى من الشيخ، وبارك له فى تلك الدراهم إلى أن صارت أضعافا مضاعفة. وكانت وفاته سنة 558 هـ. *** قبر الشيخ أبى الفتح بن بابشاذ «2» : ثم تسلك من جهة القبلة إلى قبر الشيخ أبى الفتح بن بابشاذ «3» داود بن سليمان الجوهرى الواعظ، رحمة الله عليه، كان من كبار العلماء المشهورين، وسمع الحديث الكثير، وحدّث عن أبى مسلم محمد بن أحمد الماذرائى «4» ، وإسماعيل بن الزعفرانى، ومن فى طبقتهما «5» . وسمع منه جماعة كثيرون. وكانت وفاته بعد الخمسمائة. ***

قبر الأمير أحمد بن طولون:

قبر الأمير أحمد بن طولون «1» : بين مشهد السيدة [نفيسة] «2» صلوات الله على جدها وأبيها، وعلى سائر أقاربها وذرّيتها، وبينها وبين وادى موسى عليه السلام تربة صغيرة بين الجدران «3» بها قبر أبى العباس أحمد بن طولون أمير مصر. [وهو أبو العباس أحمد بن طولون التركى، أمير الشام والثغور. ولّاه المعتز بالله مصر، ثم استولى على دمشق، والشام، وأنطاكية، والثغور فى مدة شغل الموفق بن المتوكل بحرب صاحب الزنج] «4» . وكان أحمد عادلا، جوادا، شجاعا، متواضعا، حسن السيرة، صادق العزيمة «5» ، يباشر الأمور بنفسه، ويعمر البلاد، ويتفقد أحوال رعاياه «6» ، ويفحص عن أخبارهم، ويحب أهل العلم، ويدنى مجالسهم «7» ، وكانت له مائدة يحضرها كل يوم العامّ والخاصّ، ويحضرها الأكابر والعلماء، وسائر الناس. وكان كثير الأفضال، وافر الإنعام، وكان له فى كل يوم صدقة، وفى كل شهر ألف دينار للصّدقة، فقال له وكيله: إنى تأتينى المرأة وعليها الإزار، وفى يدها خاتم الذهب، وتطلب منى، أفأعطيها «8» ؟ فقال له: من مدّ يده إليك فأعطه «9» .

وبنى «1» الجامع المنسوب إليه بظاهر القاهرة. قال القضاعى فى كتاب الخطط: شرع فى عمارته سنة 264 هـ، وأنفق على عمارته مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار «2» ، وكانت نفقته فى كل يوم ألف دينار. وحسّن له بعض التجار التجارة، فدفع له خمسين ألف دينار، فرأى فى النوم كأنّه يمشّش عظما «3» فقال له المعبّر» : لقد سعت «5» همّة مولانا بما لا يشبه خطره «6» . فأخذ الذّهب من التّاجر وتصدّق به. وكان صحيح الإسلام [برغم] «7» أنه كان طائش السّيف، سفّاكا للدّماء. قال القضاعى: أحصى من قتلهم «8» جهرا فكان جملتهم مع من مات [فى حبسه] «9» ثمانية عشر ألفا. وعن محمد بن على الماذرائى «10» قال: كنت أجتاز بتربة أحمد بن طولون فأرى شيخا يلازم القبر «11» ، ثم إنّى لم أره مدّة، ثم رأيته بعد ذلك، فسألته عن ذلك، فقال: كان له علينا بعض العدل- إن لم يكن الكل، فأحببت أن أصله بالقراءة. قلت: فلم انقطعت؟ قال: رأيته فى النوم وهو يقول: أحبّ ألّا تقرأ عندى، فما تمرّ بى آية إلّا قرعت بها وقيل لى: أما سمعت هذه؟!

وكان أحمد بن طولون من أطيب الناس صوتا بالقراءة، فإنه حفظ القرآن وأتقنه، وطلب العلم، وتقلبت «1» به الأحوال إلى أن ملك مصر وعمره أربعون [عاما] «2» سنة 253 هـ فملكها بضع عشرة سنة «3» . وخلّف من الذهب الأحمر عشرة آلاف ألف دينار، ومن المماليك أربعة وعشرين «4» ألف مملوك، ومن العبيد خمسة وأربعين ألفا «5» ، ومن الأحرار أصحاب الجرايات الخدمة «6» سبعة آلاف وثلاثمائة، ومن البغال الملونة ألفا «7» وستمائة، ومن الجمال النفريّة ألفين ومائة. وخلّف ثلاثة وثلاثين «8» ولدا ذكرا وأنثى. وولد بسامرّاء فى شهر رمضان سنة 220 هـ، وكان أبوه مملوكا، أهداه نوح بن أسد السّامانّى «9» إلى المأمون فى جملة رقيق. ومات طولون سنة 240 هـ. ويقال: إنّ طولون تبنّى «10» أحمد، ولم يكن ابنه. وكان طولون تركيّا من جنس ظفر عز «11» . وكان أحمد قد سأل الوزير عبيد الله بن خاقان «12» ، فوقّع له برزقه على

الثغر، وكانت أمّه مقيمة، فبلغه أنها باكية، فرجع إليها مع رفقة «1» ، فخرج عليهم جماعة من الأعراب، فقاتلهم أشدّ قتال وانتصر عليهم، وخلّص من أيديهم أموالا حملها إلى المستعين «2» ، فحسن مكانه عنده، ووصله بجملة من المال، ووهب له جارية، هى أم ابنه «خمارويه» ، فلما خلع الأتراك المستعين أمروه بالرحيل «3» إلى «واسط» وقالوا له: من تختار أن يكون فى صحبتك؟ فقال: أحمد بن طولون. فبعثوه، فأحسن صحبته، ثم كتب الأتراك إلى ابن طولون بقتل المستعين، وقالوا: إن قتلته ولّيناك «واسطا» «4» . فقال: لا يرانى الله أقتل خليفة بايعته. فأنفذوا إلى المستعين سعيدا الحاجب فقتله، وحمل رأسه إلى بغداد، فدفن ابن طولون جثّته هناك بعد أن غسّلها، وعاد إلى «سرّ من رأى» فزادت محبّته عند الأتراك، واشتهر بحسن المذهب، فولّوه مصر نيابة عن أميرها، فلما دخلها قال: غاية ما وعدت على قتل المستعين ولاية «واسط» ، فتركت ذلك لأجل الله تعالى فولّانى مصر والشام. وحكى بعض المتصوّفة أنه رأى أحمد بن طولون فى النوم بحالة حسنة وهو يقول: ما ينبغى لمن سكن الدنيا أن يحقر حسنة فيدفعها، ولا سيئة فيأتيها، عدل بى عن النار إلى الجنة بتثبيتى «5» على متظلّم عىّ اللّسان، شديد التّهيّب، فسمعت منه وصبرت عليه حتى قامت حجّته، وتقدمت بإنصافه، وما فى الآخرة- على رؤساء الدنيا- أشدّ من الحجاب لملتمس الإنصاف. وتوفى فى شهر ذى القعدة سنة 270 هـ. وقام بعده ولده «خمارويه» . وكان دخوله إلى دمشق لمّا غلب عليها وسار إليها من مصر فى سنة 264 هـ

بعد موت وال كان بها يقال له «أماجور» «1» ، وأخذ له أموالا «2» عظيمة، وفتحها عنوة. ثم سار إلى «طرسوس» ثم إلى «دمشق» فى هذه السّنة، فى آخرها، وخرج منها حتى بلغ الرّقة فى طلب غلام له هرب منه يقال له «لؤلؤ» خرج إلى أحمد الموفّق، فتوفى بها فى التاريخ «3» المذكور أعلاه، وولايته ستّ عشرة سنة «4» ، وشهر، وسبعة عشر يوما «5» . روى أبو الحسن الصّفّار قال: كنّا عند الشيخ الزاهد الحسن بن سفيان، رحمه الله، وقد اجتمع عنده طائفة من أهل الفضل، ارتحلوا إليه من أطباق الأرض والبلاد البعيدة، مختلفين إلى مجلسه فى الحديث وطلبه، فقال: اسمعوا ما أقول لكم قبل أن أشرع فى الإملاء: قد علمنا أنكم طائفة من أبناء النّعم، وأنكم «6» هجرتم أوطانكم، وفارقتم دياركم وأصحابكم، وإنّى محدّثكم بما «7» تحمّلته فى طلب العلم من المشقة والجهد، وما كشف الله عنى وعن أصحابى ببركة العلم وصفو العقيدة، ومن الضيق والضّنك. واعلموا أنّى كنت فى عنفوان «8» شبابى، وارتحلت من وطنى لطلب العلم واستملاء الحديث، فاتّفق حلولى «9» بأقصى المغرب، وحلولى بمصر فى تسعة نفر من أصحابى من طلبة العلم، وكنا نختلف إلى شيخ كان أرفع أهل عصره فى العلم منزلة، وأرواهم للحديث، وأعلاهم إسنادا، وكان يملى فى كل

يوم مقدارا يسيرا من الحديث حتى طالت المدّة، وخفّت النفقة، ودعتنا الضرورة إلى بيع ما صحبنا من ثوب وغيره، إلى أن لم يبق معنا ما نتقوّت به يوما واحدا، فطوينا ثلاثة أيام جوعا بشرّ حال، ولم يبق مع أحدنا رمق، وأصبحنا اليوم الرابع بحيث لا قوّة لأحد منّا من الجهد والجوع، وأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة، وبذل الوجه إلى السّؤال «1» ، فلم تسمح نفوسنا لذلك، ولم تطب قلوبنا به، وأنف كلّ منّا من ذلك، والضرورة تحوج إلى السؤال «2» ، فوقع اختيارنا على كتب رقاع باسم كلّ واحد، فمن ارتفع اسمه منها كان هو القائم بالسّؤال، وتحصّل القوت له ولأصحابه، فارتفعت الرقعة التى باسمى، فتحيرت فى أمرى «3» ، وعدلت إلى زاوية من المسجد فصليت ركعتين، وقويت الاعتقاد فيهما بالإخلاص، ودعوت الله تعالى بأسمائه العظام وكلماته الرفيعة لكشف الضّرر وسياق الفرج، فلم أفرغ من صلاتى حتى دخل مسجدنا شابّ حسن الوجه، طيّب الرائحة، نظيف الثياب، يتبعه خادم، وفى يده منديل، فقال: من منكم الحسن بن سفيان؟ فرفعت رأسى من السّجدة وسلمت وقلت: ما تريد؟ وما حاجتك؟ فقال: إنّ الأمير أحمد بن طولون يقرئكم السّلام ويعتذر إليكم «4» فى الغفلة عن تفقّد أحوالكم، والتقصير الواقع فى رعاية حقوقكم، وقد بعث بما يغنى نفقة الوقت، وهو زائركم فى غد بنفسه، معتذر بلطفه، ثم وضع بين يدى كل واحد منّا صرّة فيها مائة دينار. فعجبنا من ذلك وقلنا للشّابّ: ما القصّة؟ فقال: إنّى أحد خدّام أحمد ابن طولون الأمير- الذين هم «5» الخاصّة- دخلت عليه فى يومى هذا مسلّما

فى جملة أصحابى، فقال لنا: إنى أحبّ اليوم أن أخلو بنفسى. فانصرفنا، فلما عدت لم أستقرّ حتى أتانى رسوله مسرعا فى طلبى، فوجدته منفردا فى بيت، واضعا يمينه على خاصرته لوجع داخل أحشائه، فقال لى: أتعرف ابن سفيان وأصحابه؟ قلت: لا. قال: فاقصد المحلّة الفلانية والمسجد الفلانى واحمل هذه الصّرر إليه وإلى أصحابه، فإنهم منذ ثلاثة أيّام جياع بحالة ضعيفة، ومهّد عذرى وعرّفهم أنّى الغداة زائرهم. فسألته عن السبب الذي دعاه [إلى] «1» هذا. فقال: دخلت إلى هذا البيت منفردا على أنى أستريح ساعة، فما هدأت عينى حتى رأيت فى المنام فارسا فى الهواء «2» متمكّنا تمكّن من يمشى على وجه الأرض، وبيده رمح وقصبة، فجعلت أنظر إليه متعجبا حتى نزل إلى باب البيت، ووضع سافلة الرمح على خاصرتى وقال لى: قم فأدرك الحسن بن سفيان وأصحابه، قم فأدركهم فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع فى المسجد الفلانى. فقلت له: من أنت؟ قال: أنا «رضوان» خازن الجنان، وقد سافل رمحه خاصرتى، وأصابنى من ذلك وجع شديد، لا حركة لى معه. ثم قال لى: عجّل السّاعة إيصال هذا المال إليهم ليزول عنّى هذا الوجع. قال الحسن: فتعجبنا من ذلك، وشكرنا الله تعالى، وأصلحنا أمورنا، ولم تطب نفوسنا بالمقام حتى يزورنا الأمير، ويطّلع الناس على ذلك من أسرارنا، فيكون ذلك سبب ارتفاع اسم، ويتصل بذلك نوع «3» من الرّياء والسّمعة، فخرجنا تلك الليلة من مصر، وأصبح كلّ واحد منّا واحد عصره ورفيع دهره فى الفضل.

قبر الشيخ عفان بن سليمان الخياط:

فلما أصبح ابن طولون أتى إلى المسجد لزيارتنا وطلبنا، فأخبر بخروجنا، فأمر بابتياع تلك المحلة بأسرها، وأوقفها على ذلك المنزل وعلى من ينزل فيه من الغرباء من أهل العلم والفضل [نفقة لهم، حتى لا تختلّ أمورهم، ولا يصيبهم من الخجل ما أصابنا] «1» . وذلك كله من صفو الدّين وقوّته وصحة الاعتقاد. *** قبر الشيخ عفّان بن سليمان الخياط «2» : قبر الشيخ عفان بن سليمان الخياط- رحمه الله تعالى- بفسطاط مصر، فى تربة بها، وقبره يزار، والدّعاء عنده مستجاب. وكان له معروف للفقراء والمحتاجين، وله وقف إلى الآن يطعم منه الحلوى وغير ذلك. ولم تعترض أحباسه كما اعترض غيرها مع قدم العهد بها «3» . وهو أبو الحسن عفّان بن سليمان. [قيل: إنّ سبب غناه] «4» أنه رأى فى المنام هاتفا يقول له: يا عفّان، اذهب إلى بغداد ليحصل لك الغنى «5» . فلم يكترث بهذه الرّؤيا. ثم رأى رؤيا ثانية تدل على ذلك «6» ، فقال حينئذ: تعيّن الذّهاب. فرحل إلى بغداد وجلس على دكّان خياط يخيط عنده «7» ، فبقى عنده ستة أشهر، ولم ير أثر ذلك المنام الذي رآه فى مصر «8» .

فتغيّر قلبه، وضاق صدره، وتغيّر حاله على معلّمه، فقال له يوما: رأيتك تغيّرت عن الحالة- التى كنت عليها من الانبساط- أخبرنى ما بك؟! قال: تغرّبت عن أهلى ووطنى بسبب منام رأيته ولم أر أثره! فقال له: وما رأيت؟ فأخبره بالمنام. فقال له المعلم: إنّما هى أضغاث أحلام، والله إنّى أرى مثل رؤياك هذه سنين كثيرة، أرى «1» هاتفا يقول لى: امض إلى الدّار الفلانية بمصر وخذ منها رزقك من المحل الفلانى فيها. فلما قال المعلم لعفّان ذلك، تأمّل عفان هذه الصّفة، فإذا هى داره، فودّع المعلم ورجع إلى مصر، فحفر الموضع الذي ذكره المعلم، فوجد فيه مالا كثيرا، فاشترى الأملاك والرياع وعمل فيها «2» ، وأعطى الفقراء والأرامل والمساكين، وعمّر مسجدا عظيما يصلى فيه، وعمل بجانب المسجد «تربة» لدفنه. روى «3» أنّ إماما كان بمسجده من عباد الله الصالحين، ما وقف له فى يوم، ولا سأل حاجة، وما شرب من مائه قطّ، ولا أكل عنده ولا عند أحد مطلقا، فاتّفق أنّ الإمام «4» أودع عنده رجل مالا فى صندوق، قدره عشرة آلاف دينار وسافر إلى الحجاز، وللإمام بنات، فزوّج بعضهنّ «5» ، فلما سمعت زوجته بوقوع العقد أخذت من المال المودع عند بعلها وجهّزت البنات، فرآها وهى تجهّز، فقال لها: من أين لك هذا المال الذي تصنعين به ما أرى؟ فقالت له: من وراثة «6» ورثتها. فسكت الإمام.

فلما رجع الحاجّ صاحب المال إلى الإمام وطلب وديعته، فقال: بسم الله، ثم دخل ليأتيه بالمال، فلم يجد فى الصندوق شيئا! فقال لها: أين المال؟! قالت له: جهّزت به بناتك! فلطم الرجل رأسه، وخرج إلى صاحب المال وقال له: أمهلنى إلى الغد. واعتذر إليه بعذر. فتوجّه الرجل إلى داره. وخرج الإمام من ساعته ومضى إلى دار عفّان، وطرق عليه الباب. فخرج عفّان مسرعا، فقال له: ما الخبر؟ فقصّ عليه قصته. فقال له: لا تخف، وأتنى بالصّندوق. فملأ الأكياس كما كانت وربطها، وأغلق الصندوق كما كان، ودفعه للإمام. فلما أصبح الصباح جاء صاحب الوديعة إليه، فسلّم له الإمام صندوقه «1» ، ففتحه صاحبه ونظر فيه، فاختلفت عليه العلامة، فقال له: ما هذه علامتى! فقال له: أما تعلم وزن مالك وعدده؟ قال: نعم. قال: فانظر فإن نقص لك شىء فأخبرنى به. فقال له الرجل صاحب المال: أخبرنى ما وقع فى هذا المال. فقال له: يا هذا، زن المال فإن نقص شيئا دفعته لك! فقال الرجل: لا آخذ إلّا مالى بعينه أو تخبرنى بما وقع. فحدّثه الخبر، فقال له صاحب المال: جزاك الله عنى خيرا، وقبّل رأسه، وقال: اعلم أنّى أخرجت هذا لتجهيز بنت فقيرة، أو أرملة، أو كسوة عريان، وما أشبه ذلك، والآن، فقد كفيتنى هذه المئونة وأرحتنى من هذا التعب، جزاك الله خيرا! ثم ترك المال ومضى. فأخذ الإمام المال وجاء به إلى عفّان وقال له: يا سيدى، خذ مالك، فقد سدّ الله عنى، جزاك الله خيرا! فقال له عفّان: أنا قد خرجت لله عنه وليس لى به حاجة. فقال الإمام: جزاك الله خيرا، ثم أخذ المال وتوجّه إلى منزله.

وكان الشيخ عفّان إذا خرج لصلاة الصبح أخذ فى كمّه صررا ففرقها على الناس، فيها «1» من عشرة دنانير إلى خمسين دينارا، فقيل إنه خرج يوما على جارى عادته فوجد رجلا جالسا مستندا إلى الحائط مهموما، فترك فى حجره صرّة فيها خمسون دينارا، فانتبه الرجل فوجدها فى حجره، فأخذها وجاء إلى حانوته، فجاء وكيل عفّان وطالبه بمال عنده لعفّان، فدفع الصّرّة للوكيل كما هى، وجبا الوكيل عليها «2» إلى آخر النهار، وجاء بالمال لعفّان فسلّمه له، فأخذه عفّان ونظر فوجد الصّرّة التى دفعها فى أول النهار عادت إليه، فقال للوكيل: ممّن أخذت هذه؟ قال: من فلان الزّيّات. قال: ائتنى به. فلما حضر قال: من أين لك هذه الصّرّة؟ قال: يا سيدى حديثى فيها غريب.. انكسر علىّ مال لوكيلك، وهو مائة دينار، فلما كان أمس طالبنى وألحّ علىّ، فوعدته على الغد، فلما كان تلك الليلة بتّ مهموما، ولمّا أصبحت صليت الصّبح ودعوت الله- عز وجلّ- وسألته أن يفرّج عنّى، وأسندت ظهرى للمحراب، فلم أشعر إلّا وقد استغرقت فى النوم، فلما استيقظت وجدت هذه الصرة فى حجرى، فأخذتها وفتحت دكّانى وجلست، فلما جاءنى وكيلك دفعتها له، وفرّج الله عنى. فهذا ما كان من أمرى. فقال عفّان للوكيل: امح ما على «3» هذا من المال فى هذه السّاعة. ففعل. ثم إن عفّان دفع له الصّرّة وقال له: رقّع «4» بهذه حالك. فأخذها وانصرف شاكرا. وقيل: إنّ الحافظ الفاطمىّ رأى فى المنام قائلا يقول له: يا عبد المجيد، لم لم تزر ابن سليمان؟! فانتبه وهو يظنّ أنه ابن سليمان بن داود، ففسّر له بأنه عفّان هذا. فركب وجاء إلى تربته، ودعا عنده من الشباك.

وكان لعفّان مكان مرتفع يجلس فيه، فجلس فيه فى بعض الأيام، وجاءت له أحمال فوضعت فى الطريق وهو ينظر إليها، فجاء رجل فقير معه إناء فيه شىء من «النيدة» فعثر بعدل «1» فسقط الإناء من يده وتبدّد ما فيه، فبقى باهتا. فاستحضره عفّان وقال له: ما دهاك يا رجل؟ قال: يا سيدى أنا رجل فقير، أعمل فى كل يوم بدرهم وربع درهم، وأشترى خبزا بذلك لعيالى، فلما كان اليوم اشتهى الصّبية شيئا حلوا، فاشتريت لهم هذه «النيدة» التى سقطت بما عملت ذلك اليوم، فدهشت لذلك، فلا أنا بالذى أبقيت ثمن الخبز، ولا أنا بالذى قضيت شهوة الصّبية. فبكى عفان وقال له: اذهب فكلّ عدل وجدته ملوّثا بشىء من «النّيدة» فخذه. فنزل الرجل إلى الأعدال فوجد «النيدة» قد وقعت على عدل واحد. فأخذه ومضى. وقيل: إنه بعد هذا كله، وهذه العطايا «2» لمّا حانت وفاته قال لصاحب له: إذا أنا متّ، فخذ ابنتى هذه- ولم يكن له سواها- فاتركها فى المسجد وخلّ سبيلها، فإنّها وديعتى عند الله تعالى. فلمّا توفى فعل صاحبه كما أمر «3» ، فاتّفق أنّ محظيّة من حظايا أمير المؤمنين الخليفة الفاطمى، دخلت إلى الجامع متنكرة فى زىّ العوام بقصد الفرجة، فلما رأتها جلست بإزائها طويلا، وانتظرت من يطلبها، فما وجدت أحدا، فقالت لها: ألك والد أو والدة؟ قالت: لا. فأخذتها ومضت بها

مشهد محمد بن أبى بكر الصديق - رضى الله عنهما:

إلى القصر فربّتها، فرأت من بركتها شيئا كثيرا، فأراد الخليفة تزويجها لابنه، ففتّش على ولّى لها، ثم إنه وقع على خبرها، وعرف أباها، فحمد الله تعالى، ثم أنفذ خلف عمّها فحضر، وعقد لابن الخليفة عليها، وكبر شأنها. *** مشهد محمد بن أبى بكر الصّدّيق- رضى الله عنهما: مشهد محمد بن أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، ويعرف بمسجد «زمام» «1» غلامه، وهو الذي بناه، ورأس محمد بن أبى بكر تحت المنارة. وأمّه أسماء بنت عميس الخثعميّة «2» ، كان قد تزوّجها جعفر بن أبى طالب المعروف بالطّيّار- رضى الله عنه- فولدت له عبد الله، وعونا، ومحمدا. ثم قتل جعفر فى غزوة من غزواته، فتزوجها بعده الصّدّيق، رضى الله عنه، فولدت له محمد بن أبى بكر هذا. ثم توفى الصّدّيق عنها فتزوّجها بعده علىّ بن أبى طالب، رضى الله عنه، فولدت له يحيى- ولا عقب له «3» . ونشأ محمد هذا عند علىّ بن أبى طالب، وكان من خاصّته، وحضر معه يوم الجمل وصفّين «4» . وولّاه مصر، فدخلها فى النصف من شهر رمضان سنة 37 هـ إلى أن بعث معاوية عمرو بن العاص- رضى الله عنهما

- فى جيوش أهل الشام، ومعه «1» معاوية بن حديج وأصحابه «2» فى صفر سنة 38 هـ. فاقتتلوا، فانهزم محمد بن أبى بكر مع المصريين، ودخل فاختبأ فى بيت مجنونة، فلما أقبل معاوية بن حديج فى عسكره مرّ بالمجنونة صاحبة المنزل وهى قاعدة على الطريق، وكان لها أخ فى الجيش، فقالت: تريدون قتل أخى؟ قالوا: ما نقتله. قالت: فهذا محمد بن أبى بكر فى داخل بيتى! فدخلوا عليه فربطوه بالحبال وجرّوه على الأرض، فلما جىء به بين يدى معاوية بن حديج، قال له: احفظنى لأبى بكر. فقال له: قتلت من قومى ثمانين رجلا فى عثمان وأتركك وأنت صاحبه! فقتله لأربع بقين من صفر، وقيل: لأربع عشرة ليلة خلت من صفر المذكور سنة 38 هـ. وكان مولده عام حجة الوداع، ولدته أمّه بالشجرة عند ذى الحليفة حيث «3» أحرم رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، متوجّها إلى مكة. ولمّا قتل أمر به معاوية أن يجرّ فى الطريق ويمرّ به على باب دار عمرو ابن العاص، لما يعلم من كراهته لذلك «4» ، وأمر به فأحرق بالنار «5» فى جيفة حمار، ودفن فى الموضع الذي قتل فيه. فلما كان بعد سنة جاء «زمام» غلامه فحفر عليه، فلم يجد سوى رأسه، فدفنه فى هذا المسجد. ويقال: إن الرأس فى القبلة. وكانت ولاية محمد على مصر خمسة أشهر. وكانت عائشة أمّ المؤمنين- رضى الله عنها- قد أنفذت أخاها عبد الرحمن إلى عمرو بن العاص، رضى الله عنه، فى شأن محمد، فاعتذر بأنّ الأمر لمعاوية بن حديج.

ولمّا قتل محمد ووصل خبره إلى المدينة أمرت حبيبة بنت أبى سفيان، رضى الله عنهما، أن يشوى كبش، فشوى، وبعثت به «1» إلى عائشة، رضى الله عنها، وقالت: هكذا شوى أخوك بمصر! فلم تأكل عائشة رضى الله عنها بعد ذلك الشّوىّ «2» حتى ماتت. ولمّا بلغ أسماء بنت عميس رضى الله عنها، خبر «3» ولدها محمد بن أبى بكر وقتله، وإحراقه بالنار، قامت إلى مسجدها وجلست فيه، وكظمت الغيظ حتى شخبت ثدياها دما «4» . ولمّا بلغ عليّا «5» ، رضى الله عنه، قتله وإحراقه بالنار «6» ، وجد عليه وجدا عظيما «7» ، وقام خطيبا، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: ألا إنّ محمّد بن أبى بكر قد أصيب، رحمه الله، وعند الله نحتسبه، أما والله أن كان لما علمت لمن يؤمن بالقضاء، ويعمل للجزاء، ويحب هذا «8» المؤمن، ويبغض شكل الفاجر. وقيل لعلّى عليه السلام: لقد جزعت على محمد [بن أبى بكر] «9» جزعا شديدا. فقال: أجل والله، كان لى ربيبا، وكنت أعدّه ولدا «10» .

وقيل: إنه لمّا بلغه قتله بكى عليه وقال: والله لقد كان غلاما نافعا، وركنا دافعا، وسيفا قاطعا، وحبيبا لنا عدوّا لهم، ويحزننى عليه شماتتهم به. ولمّا بلغه أنهم قالوا: كان عاقّا لوالديه قال: والله لقد كان بارّا بوالديه، وسأحتسبه عند الله. وقال: لا أحد بايعنى على ما فى نفسه إلّا محمد بن أبى بكر، فإنه بايعنى على ما فى نفسى. *** وهذا ما انتهى من كتاب «مرشد الزّوّار» وحسبنا الله ونعم الوكيل. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. *** تم تحقيق الكتاب بحمد الله تعالى وعونه، ويليه «الذيل» الذي أعده المحقق، ويضم المزارات التى لم يدركها مؤلف «مرشد الزوار» والتى لا تزال قائمة إلى الآن بالجبانة الكبرى والصغرى.

«فهارس الكتاب»

«فهارس الكتاب» * 1- فهرس الآيات القرآنية. 2- فهرس الأحاديث النبوية. 3- فهرس القوافى. 4- فهرس الأعلام. 5- فهرس الأماكن والبلاد والبقاع. 6- فهرس الجماعات والقبائل والأمم والطوائف. 7- مراجع التحقيق والتعليق. 8- فهرس المحتويات. ***

(1) فهرس الآيات القرآنية

(1) فهرس الآيات القرآنية الآية: رقمها: السورة: رقمها: الصفحة وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : 5: البقرة: 2: 47 وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ : 207: البقرة: 2: 336 اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ : 255: البقرة: 2: 40 لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ : 284: البقرة: 2: 47 كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً، قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا، قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ : 37: آل عمران: 3: 167 إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ : 77: آل عمران: 3: 220 وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً، بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ : 169: آل عمران: 3: 114

فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ : 31: المائدة: 5: 45 وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ : 64 المائدة: 5: 353 ... قُلْ لِلَّهِ، كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ : 12: الأنعام: 6: 175 لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ : 127: الأنعام: 6: 175 وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ : 102: التوبة: 9: 449 إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ : 111: التوبة: 9: 330 رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ : 73: هود: 11: 186 ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ 103: هود: 11: 310 وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ : 20: يوسف: 12: 261 ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ : 50: يوسف: 12: 307 لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ : 92: يوسف: 12: 302 وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ : 68: النحل: 16: 317

فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما : 23: الإسراء: 17: 126 رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً : 24: الإسراء: 17: 57 أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها : 17: الكهف: 18: 221 وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ : 18: الكهف: 18: 358 وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً : 49: الكهف: 18: 57 الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً : 104: الكهف: 18: 33 من أول طه ... : إلى قوله تعالى: وَما تَحْتَ الثَّرى : 1- 6: طه: 20: 325 مِنْها خَلَقْناكُمْ، وَفِيها نُعِيدُكُمْ، وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى : 55: طه: 20: 12 وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً : 108: طه: 20: 515 قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ : 1 و 2: المؤمنون: 23: 592 رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ : 29: المؤمنون: 23: 101، 276، 592 رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ : 37: النور: 24: 504 وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ : 20: الفرقان: 25: 508

وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً : 63: الفرقان: 25: 357 وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ : 5 و 6: القصص: 28: 416 إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ : 20: القصص: 28: 269 اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ : 14: لقمان: 31: 96 إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً : 33: الأحزاب: 33: 186، 193 253 بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً : 43: الأحزاب: 33: 186 يس : 1: يس: 36: 41 الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ : 7: غافر: 40: 48 وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ : 47: غافر: 40: 208 فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ* وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي

السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : 36 و 37: الجاثية: 45: 54 إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ : 13: الحجرات: 49: 193 فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ : 22: ق: 50: 310 وَالطُّورِ* وَكِتابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ : إلى قوله تعالى: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ : 1- 8: الطور: 52: 220 وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ ... : الآية: 21: الطور: 52: 44 أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى * وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى* أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى : 36- 39: النجم: 53: 44 وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى : 39: النجم: 53: 44، 45 كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ : 29: الرحمن: 55: 45 وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ : 46: الرحمن: 55: 412 ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ : 21: الحديد: 57: 293 وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ : 10: الحشر: 59: 48

ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ : 4: الجمعة: 62: 293 وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ : 2: الطلاق: 65: 606 وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ : 2 و 3: الطلاق: 65: 571 تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ : 1: الملك: 67: 97 لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا : 2: الملك: 67: 305 كَلَّا إِنَّها لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى : 15- 17: المعارج: 70: 221 فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً : 10- 12: نوح: 71: 502 رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً : 28: نوح: 71: 57 إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً : 10: الإنسان: 76: 475 وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى : 40 و 41: النازعات: 79: 411 وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ : 26: المطففين: 83: 365

الآية: رقمها: السورة: رقمها: الصفحة يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي : 27- 30: الفجر: 89: 82 فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ : 7 و 8: الزلزلة: 99: 503 قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ : 1: الإخلاص: 112: 43، 49، 50، 51، 52، 56، 124 قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ : 1: الفلق: 113: 146 قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ : 1: الناس: 114: 146

(2) «فهرس الأحاديث النبوية»

(2) «فهرس الأحاديث النبوية» مطلع الحديث الصفحة «حرف الألف- الهمزة» * أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم لمّا هاجرت 153 * أتى- صلّى الله عليه وسلم- بلبن قد شيب بماء 430 * إذا التقى المسلمان فتصافحا 458 * إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاث 43 * إذا مات أحدكم فسوّيتم التراب على قبره 115 * ارجعا عنى يومكما فأتيانى الغد ... [قاله (ص) لرسولى باذان عامل كسرى باليمن حينما قدما المدينة] 150 * الأرض كلها مسجد إلّا المقبرة والحمّام 63 * استأذنت ربى فى أن أستغفر لها.. [أى لأمّه صلّى الله عليه وسلم] 25 * أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص 138 * اشتد غضبى على من ظلم 466 * أعوذ برضاك من سخطك 194 * اقرأ بالمعوذتين كلما قمت وكلما نمت 475 * اقرءوا سورة يس على موتاكم 39

مطلع الحديث الصفحة* أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم 159 * أكلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم صلينا 148 * ألا أبشّرك بما لقى الله به أباك.. [قاله صلّى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله بعد استشهاد أبيه] 114 * اللهم أجب دعوته ... [من دعائه صلّى الله عليه وسلم لعقبه بن نافع] 143 * اللهم إنك عفوّ تحب العفو فاعف عنى 59 * اللهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع 283 * اللهم لا مانع لما أعطيت 420 * اللهم إنى أعوذ بنور قدسك وعظمة طهارتك وبركة جلالك ... [من دعائه صلّى الله عليه وسلم على قريش يوم الأحزاب] 489 * اللهم مزّق ملكه.. [من دعائه صلّى الله عليه وسلم على كسرى حينما مزق كتاب الرسول إليه] 150 * أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلم أبا حذافة أن ينادى فى أيام التشريق 151 * أنا عند ظن عبدى بى [حديث قدسى] 107 * أنتم شهداء الله فى الأرض 111 * إنّ أبى مات ولم يحج 44 * إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء 389 * إنّ الإسلام يجبّ ما قبله 138 * إنّ الرجل ليتبعه أمثال الجبال من الخير فيقول 118 * إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال 30 * إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يرينا مصرع أهل بدر، يقول 120 * إنّ العبد إذا وضع فى قبره وتولّى عنه أصحابه 27، 120 * إنّ القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة كالرجل الشاحب 125

مطلع الحديث الصفحة* إن مات كسرى فلا كسرى بعده 151 * إنّ من أصحابى من لم يرنى 193 * إنّ الميت يعرف من يغسله ومن يحمله 121 * إن الله- عزّ وجلّ- أعدّ لعباده الصالحين مالا عين رأت 206 * إن الله خلق النور 34 * إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا 420 * إنّ الله يمنّ على أهل دينه 485 * إنّ لكل شىء قلبا، وإنّ قلب القرآن يس 274 * إنّما الأعمال بالنّيّات 430 * إنّما نهيت عن النّوح.. [قاله صلّى الله عليه وسلم حينما قيل له: أتبكى وقد نهيت عن البكاء- حينما زار قبر أمه] 62 * إنّ المسلمين شهداء الله فى الأرض 111 * إنّ النبي صلّى الله عليه وسلم رأى كأنه فى دار عقبة بن نافع، فجىء إليه 142 * إنّ النبي صلّى الله عليه وسلم رشّ على قبر إبراهيم الماء 65 * إنّ النبي صلّى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر 511 * ... إنه- أى الميت- يسمع قرع فعالهم 29 * إنى أستحى أن أعذّب شيبة شابت فى الإسلام.. [حديث قدسى] 103 * إنى راكب غدا إلى يهود، فلا تبدءوهم بالسلام 145 * أيّما مسلم شهد له أربعون- وفى رواية أربعة 110 «حرف الباء» * بخ بخ، خمس ما أثقلهنّ فى الميزان 475 * البقرة سنام القرآن وذروته 40

مطلع الحديث الصفحة «حرف التاء» * تعجب ربّك من شابّ ليست له صبوة 145 «حرف الجيم» * الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصّدقة 145 * جعلت- أرواح الشهداء- فى أجواف طيور خضر 113 «حرف الدّال» * دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين الصلاتين 34 * دفن النّبيّ صلّى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون 66 «حرف الزّاى» * زار النّبيّ صلّى الله عليه وسلم قبر أمّه فبكى 25، 62 «حرف السين» * سأل سعد بن عبادة النبي صلّى الله عليه وسلم: هل لأمى أجر إن تطوعت عنها 44 * سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة 63 * سطّح النّبيّ صلّى الله عليه وسلم قبر إبراهيم 65 * سمعت جبريل عليه السلام يقول: يا محمد 381

مطلع الحديث الصفحة «حرف الصّاد» * صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذّ 217 * صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم صلاة العصر 153 * صلى النبي صلّى الله عليه وسلم على جماعة من الصحابة والنجاشى، وهو غائب 48 * صلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلم على أمّ سعد بن عبادة بعد ما دفنت 64 «حرف الضاد» * ضحّى- صلّى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين وقال 116 «حرف العين» * العجوة من الجنة، وهى شفاء من السم 476 * العلم علمان 638 «حرف القاف» * قبر المؤمن روضة من رياض الجنة 288 * قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور 26 * قدم (عبد الله بن الحارث) على رسول الله فى فداء أسارى من بنى المصطلق 148 * قلت لأنس بن مالك: أكانت المصافحة فى أصحاب رسول الله 458

مطلع الحديث الصفحة «حرف الكاف» * كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا خرج إلى المقابر 30 * كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا دخل الجبّانة يقول 31 * كان صلّى الله عليه وسلم إذا ضحّى يشترى كبشين سمينين 116 * كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت قال 118 * كسر عظم الميت بعد مماته 82 * كل مسكر حرام 278 * كنت أمشى مع النبي صلّى الله عليه وسلم 28 * كنت نهيتكم عن زيارة القبور 25 «حرف اللام» * لأن أطأ جمرة حتى تبرد 35 * لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحترق ثيابه 35 * لا تتخذوا قبرى مسجدا 64 * لا تجلسوا على القبور ولا تصلّوا إليها 64 * لا تشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد 153 * لا يبل أحدكم مستقبل القبلة 148 * لا يدخل الجنّة صاحب مكس 145 * لا يزداد الأمر إلّا شدّة 556 * لا يشيب عبد فى الإسلام فأحرقه بالنار [حديث قدسى] 102 * لا يموت لأحد ثلاثة من الولد فيحتسبهم 61

مطلع الحديث الصفحة* لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة 61 * لو أنّ أحدكم جلس على جمرة 50 * لو أنّ لابن آدم جبلين من ذهب 497 * لو كانت الدنيا دما غبيطا 555 * لو وزن إيمان أبى بكر 390 * ليس منّا من لطم الخدود 62 حرف الميم* ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله 148 * ما من أحد من أصحابى يموت بأرض إلّا بعث قائدهم 13 * ما من أحد يغدو أو يروح إلى المسجد 640 * ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا 119 * ما من عبد قام فى الليل 446 * ما من عبد مسلم يشهد له ثلاثة 111 * ما من مسلم يصلى عليه مائة إلّا أدخل الجنة 119 * ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه 458 * ما من ميت يموت فيصلّى عليه أمّة يبلغون مائة 119 * ما الميت فى قبره إلّا كالغريق 46 * مررت على موسى عليه السلام ليلة أسرى بى 129 * المسجد بيت كلّ تقىّ 634 * من أبى يا رسول الله؟ 151 * من أحبّ أن يسأل عن شىء فليسأل عنه 151 * من تطهر فى بيته ثم أتى المسجد 640

مطلع الحديث الصفحة* من توضّأ فأحسن وضوءه ثم صلّى غير ساه 145 * من زار قبر والديه كل جمعة 42 * من شاب شيبة فى الإسلام فأنا أستحى أن أعذبه ... [حديث قدسى] 103 * من شاب شيبة فى الإسلام ولقينى وهو يشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله 103 * من صلّى على جنازة 50 * من ضحّى عن والديه 117 * من قال: فلله الحمد ربّ السماوات 54 * من قرأ العلم ليباهى به العلماء 354 * من كنوز البر كتمان المصائب 601 «حرف النون» * نحن أحق بالشك من إبراهيم 511 * نهى صلّى الله عليه وسلم عن أكل كلّ ذى ناب 206 * نهى النبي صلّى الله عليه وسلم أن يجصّص القبر 66 * نهى النبي صلّى الله عليه وسلم أن يصلّى إلى القبر 64 * النياحة من عمل الجاهلية 62 «حرف الهاء» * هذا عنى وعمّن لم يضحّ من أمّتى 117

مطلع الحديث الصفحة* هى المانعة المنجية ... [قاله صلّى الله عليه وسلم عن سورة تبارك (الملك) ] 97 «حرف الياء» * يا أبا ذرّ، جدّد السفينة فإن البحر عميق 480 * يا رسول الله، هؤلاء الذين يأتونك ويسلّمون عليك 37 * يا صاحب السّبتيّتين، ألقهما 28، 35 * يا عقبة، ألا تركب.. [قاله صلّى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر] 146 * يا علّى، أربع خصال من الشقاء 94 * يا عمرو، إنى أريد أن أبعثك على جيش يغنمك الله ويسلمك 137 * يا عمرو، بايع، فإن الإسلام يجبّ ما قبله 136 * يأتى على الناس زمان لو سمعت باسم رجل خير لك من أن تلقاه 356 * يؤتى بالدنيا يوم القيامة على صورة عجوز شمطاء 94 * يثاب المؤمن حتى بالشوكة تصيبه 49 * يكون فى أمّتى رجل يقال له صلة بن أشيم 334 ***

(3) «فهرس القوافى»

(3) «فهرس القوافى» صدر البيت: قافيته بحره: عدد الأبيات: الصفحة «قافية الألف المقصورة» يا ربّ: والهدى: الكامل: 7: 456 «قافية الهمزة» مثل: السّماء: الخفيف: 4: 490 «قافية الباء» أبت: تجنّبا: الطويل: 4: 472 أقول: تذهب: الطويل: 2: 73 وقلت: أقارب: الطويل: 4: 72، 73 مقيم: قريب: الطويل: 2: 79 أيا حجّة: مناقب: الطويل: 2: 71 وما الدهر: حبيب: الطويل: 2: 72 إذا: بالأقارب: الطويل: 12: 534، 535 ولمّا أتينا: ترابه: الطويل: 2: 70 بثثت: مندوبا: البسيط: 10: 478، 479 إذا قدرت: طلب: البسيط: 3: 533

صدر البيت: قافيته بحره: عدد الأبيات: الصفحة قد شاب: تعب: البسيط: 3: 91، 509 تفكّر: التراب: الوافر: 10: 77 روح: مجيبه: الكامل: 2: 176 من لى: جوابه: الكامل: 3: 529 عبد الرحيم: العجب: مجزوء الكامل: 1: 532 اصرفوا: حبيبى: مجزوء الرمل: 6: 175 ثق بالذى: غريب: السريع: 2: 76 نحن ندعو: الكروب: الخفيف: 1: 60 «قافية التاء» تناجيك: خفوت: الطويل: 2: 70 ألم تر: سبت: الطويل: 2: 69 صبرت: فعزّت: الطويل: 5: 74، 75 أتدرى: شكرت: الوافر: 2: 315 نراع: ذاهبات: الوافر: 3: 509، 510 الموت: المكرمات: السريع: 2: 74 «قافية الجيم» وإنّى: يتفرّجا: الطويل: 2: 60 تلقّ: الحرج: المتقارب: 2: 76 بتقوى: مارجا: المتقارب: 4: 167

صدر البيت: قافيته بحره: عدد الأبيات: الصفحة «قافية الحاء» ما زلزلت: فرحا: البسيط: 1: 527 ياذا الذي: نبيح: السريع: 3: 542 يا أيها: الصّريح: السريع: 5: 541 بتنا: الشرح: السريع: 2: 627، 628 «قافية الدّال» هو الدّهر: وتجلّدا: الطويل: 2: 76 خليلىّ: لواجد: الطويل: 2: 236 إذا ما بكى: أحمد: الطويل: 2: 234 ونائمة: بالحدّ: الطويل: 6: 462 تمنّى: بأوحد: الطويل: 3: 429 أهل المحبة: انفردوا: البسيط: 7: 16 قالت: تزد: البسيط: 3: 236 يا غارس: والجلد: البسيط: 5: 517 يا ساهيا: زاد: البسيط: 2: 452 وعمرى: بازدياد: الوافر: 3: 71 وادنوا: بعاد: الوافر: 2: 37 ولو نلت: العباد: الوافر: 2: 417 بنىّ: المعاد: الوافر: 6: 78 مقيم: واد: الوافر: 4: 85

صدر البيت: قافيته بحره: عدد الأبيات: الصفحة أحبّ: لحدى: الوافر: 2: 73 ذهب: حاسد: الكامل: 2: 356 ذهب: ورود: الكامل: 3: 69 اصبر: مخلّد: الكامل: 4: 80، 601 مالى: الموعد: الكامل: 2: 198 الناس: الجياد: السريع: 7: 68، 69 لا بدّ من فقد: خالد: السريع: 2: 69 قبر: يهدى: المجتث: 4: 72 ولمّا: والمسند: المتقارب: 2: 301 «قافية الرّاء» علىّ ثياب: أكثرا: الطويل: 2: 276 ولا خير: يكدّرا: الطويل: 2: 510 وأهيف: عاصر: الطويل: 8: 538 ذنوبى: وأكبر: الطويل: 2: 440 أتعرف: يسير: الطويل: 4: 632 تكاد: الخضر: الطويل: 1: 645 لكلّ أبى: الصّهر: الطويل: 2: 74 وإنّ امرءا: غرور: الطويل: 1: 280 كأنّ: أسفار: الطويل: 2: 237 إذا لم تسامح: بالسّرّ: الطويل: 2: 76 عبرت: قدره: الطويل: 3: 72

صدر البيت: قافيته بحره: عدد الأبيات: الصفحة سأصبر: صبرى: الطويل: 3: 75 وإنّى لصبّار: الصّبر: الطويل: 2: 79 ألم تر: ظفر: الطويل: 9: 80 والمالكىّ: والسّفرا: البسيط: 2: 457 لآل بيت: واشتهرا: البسيط: 23: 190، 191 يا من تملّك: أوزارا: البسيط: 2: 83 هذى منازل: خطر: البسيط: 2: 68 لله: والسّهر: البسيط: 3: 496 من أخمل: ضجر: البسيط: 2: 529 متى أنوح: أوطارى: البسيط: 4: 196 جسم: الحرارة: مخلع البسيط: 2: 438 لحانى: عارا: الوافر: 2: 552 أتذكر: تثور: الوافر: 2: 463 ولم أر: بقبر: الوافر: 1: 74 يمّمه: مغمورا: الكامل: 4: 13 أمّا القبور: قبور: الكامل: 3: 73 حكم: قرار: الكامل: 2: 480 اصبر: الدّهور: مجزوء الكامل: 2: 79 قد مضى: وقبر: الرّمل: 1: 417 أيها الرّبع: خبرا: الرّمل: 3: 92 يا من: الطّاهره: السريع: 17: 189، 190 قامت: يا عامر: السريع: 2: 6 يا هاجرى: الهجر: السريع: 4: 71

صدر البيت: قافيته بحره: عدد الأبيات: الصفحة «قافية السين» تدرّعت: أسا: الطويل: 2: 75 يا بنى: قبس: الرّمل: 2: 188 «قافية الضّاد» نور: الفضا: الكامل: 3: 14 لم يبق: الفارض: الكامل: 2: 547 جز بالقرافة: الفارض: الكامل: 3: 547 مدفون: الفارض: الكامل: 2: 550 كن: القضا: مجزوء الكامل: 5: 79 قد أقبل: الرّضا: السريع: 4: 106 «قافية الطاء» من ذا: فقط: مجزوء الكامل: 1: 549 محمد: هبط: مجزوء الكامل: 1: 549 «قافية العين» وكنّا: يتصدّعا: الطويل: 3: 26 ما أحسن: الجزع: البسيط: 2: 75

صدر البيت: قافيته بحره: عدد الأبيات: الصفحة ورأيت: لمشيّع: الكامل: 6: 384 لا تهجعى: واهمعى: الكامل: 10: 512، 513 إن كنت: ونفعا: مجزوء الكامل: 3: 599 كلما أبلى: فانقشع: الرّمل: 1: 79 قطّع: يتقطع: المتدارك: 1: 550 «قافية الفاء» فو الله: لعارف: الطويل: 3: 459، 460 سلام: مضاعف: الطويل: 4: 461 يا رب: خلف: البسيط: 1: 599 وخلّفت: كفاف: الوافر: 1: 241 جرّب: منصف: مجزوء الخفيف: 1: 356 «قافية القاف» بغداد: والضّيق: البسيط: 2: 462 قف: تشوقا: الكامل: 3: 92 بكم: رونق: الكامل: 5: 161 يا أيها: وثاقى: الكامل: 3: 629 من عند: مشتاق: الكامل: 2: 386 من شرف: رزق: السريع: 2: 639 بات: محرّق: الخفيف: 4: 533 قد وفينا: العراق: الخفيف: 2: 495

صدر البيت: قافيته بحره: عدد الأبيات: الصفحة «قافية الكاف» لست: لك: مجزوء الرّمل: 2: 61 دحية: والإفك: السريع: 2: 541 «قافية اللّام» أسئ: إمهالا: الطويل: 3: 96 سأقضى: فأعدل: الطويل: 6: 467 نسير: مراحل: الطويل: 4: 87 سأسكت: فلول: الطويل: 2: 77، 78 أبا جعفر: نعوّل: الطويل: 5: 466، 467 ذكرت: وكيل: الطويل: 4: 73 أيا موت: خليل: الطويل: 2: 72 تعاطيتما: واصل: الطويل: 1: 217 يا آل طه: أنزله: البسيط: 2: 192 اعمل: مهل: البسيط: 2: 81 لا يغلونّ: بالغالى: البسيط: 2: 482 إليكم: الرسول: الوافر: 3: 167 ومدّ: الشّمال: الوافر: 2: 533 قراف: حل: الكامل: 2: 14 بالله: غليلا: الكامل: 3: 627 ما زال: الجمّال: الكامل: 1: 479

صدر البيت: قافيته بحره: عدد الأبيات: الصفحة كيف: عمل: الكامل: 2: 383 يا خلّ: الجندل: الكامل: 2: 88 يا من إذا: لسؤاله: الكامل: 2: 196 وحياة: الجميل: مجزوء الكامل: 2: 548 أنتم: تأويله: الرجز: 2: 194 غرّ: أجله: مجزوء الرجز: 3: 77 يا أيها الغافل: قليل: السريع: 4: 447 يا أيها الناس: الأجل: المنسرح: 3: 67 أخلق: نبيلا: الخفيف: 5: 449 «قافية الميم» وغاية: والندم: الطويل: 2: 84 إليك: مجرما: الطويل: 8: 494 نزلت: جهنم: الطويل: 2: 67 لصيق: همّى: الطويل: 3: 507 لا عدت: رحما: البسيط: 4: 439 هذى: بالذّمم: البسيط: 2: 91 إن كان: أيّامى: البسيط: 2: 548 بانوا: أقاما: الكامل: 3: 237 زر والديك: إليهما: الكامل: 10: 54، 55 يا واقفين: قادم: الكامل: 4: 83 لا بدّ: وغم: مجزوء الكامل: 4: 76

صدر البيت: قافيته بحره: عدد الأبيات: الصفحة أيا من: نعم: الهزج: 3: 463 يا بنى الزهراء: سدتم: الرّمل: 23: 253- 255 قالت: مقيم: السريع: 2: 67 «قافية النون» ذكرتك: لسان: الطويل: 4: 522 سقى: المزن: الطويل: 2: 495 يا آل: غبنا: البسيط: 2: 190 إن كان: سكن: البسيط: 3: 376 أرى: بالدّون: البسيط: 2: 276 وددت: زمنى: البسيط: 3: 376 الصبر: يهون: مخلع البسيط: 3: 76 إذا ما الموت: بآخرينا: الوافر: 2: 62 وقفت: الرّهان: الوافر: 2: 71 يمرّ: يعرفونى: الوافر: 3: 68 وإذا: أمان: الكامل: 2: 227 ما شأن: الشّانى: الكامل: 3: 388 الدّهر: زمانه: الكامل: 3: 78 قدم العهد: والكفن: الرّمل: 2: 79 من دعانا: علينا: مجزوء الرمل: 2: 556 قد وفد: عنه: السريع: 2: 629 خذ: زنه: الخفيف: 4: 297

صدر البيت: قافيته بحره: عدد الأبيات: الصفحة حملوه: دفينا: الخفيف: 3: 70 أنحل: يستبين: الخفيف: 2: 398 يا أيها: إنسان: الخفيف: 13: 533، 534 عن قليل: فلان: الخفيف: 2: 84 أيها الرافع: المبانى: الخفيف: 2: 91 حبّ: فاعذرونى: الخفيف: 2: 190، 301 «قافية الهاء» ينال: ناصره: الطويل: 2: 76 هنيئا: قبورها: الطويل: 3: 13 كيف: تقواه: البسيط: 2: 473 من كان: مخرجه: البسيط: 4: 88 ألا يا موت: بزوره: الوافر: 3: 80 استودع: كراها: الكامل: 2: 630 سفح: مشبه: الكامل: 2: 14 قد أناخت: قراها: مجزوء الرّمل: 2: 70 «قافية الواو» مابقا: فتّشوه: مجزوء الرّمل: 2: 425

صدر البيت: قافيته بحره: عدد الأبيات: الصفحة «قافية الياء» فإن تنج: ناجيا: الطويل: 1: 336 كأنّى: تجرى: الطويل: 3: 82، 83 متى تصل: الرّكايا: الوافر: 4: 462 كفى حزنا: يديّا: الوافر: 2: 86 إذا نزلت: الصّبّى: الوافر: 2: 78 لو ترى: القبى: الرّمل: 2: 548 ما أنعم: العافيه: السريع: 5: 83 قبّح: تقضيه: الخفيف: 2: 565 ***

(4) «فهرس الأعلام»

(4) «فهرس الأعلام» (أ) آسية بنت مزاحم: 422. الآمر (الخليفة الفاطمى) : 347، 348، 349. آمنة بنت الحسن بن محمد (أخت على بن الأزرق) : 252. آمنة بنت موسى الكاظم: 420. آمنة بنت وهب (أم النبي صلى الله عليه وسلم) : 25، 62. إبراهيم (من أصحاب قضبان الذهب) : 212. إبراهيم بن أحمد: 578. إبراهيم بن أدهم: 100، 101، 105، 106، 338. إبراهيم بن إسحاق الخولى: 443. إبراهيم بن إسماعيل الديباج، أبو إسحاق (طباطبا) : 235، 242، 269، 305. إبراهيم الحبّال (انظر: إبراهيم بن سعيد) . إبراهيم الحربى: 375. إبراهيم الخليل (عليه السلام) : 44، 162، 310، 511، 512، 520 إبراهيم الخوّاص: 74، 560، 561. إبراهيم الرقّى: 400. إبراهيم بن سعيد الحبّال (أبو إسحاق) : 180، 277، 338، 340. إبراهيم بن شيبان: 41، 42. إبراهيم بن الصّمّة المهلّبى: 98. إبراهيم بن عبد الله بن الأشعث: 468. إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن على: 199. إبراهيم بن عثمان الفرّاء: 407. إبراهيم بن محمد (صلّى الله عليه وسلم) : 65. إبراهيم بن محمد بن سلامة الموصلى: 49. إبراهيم بن الوزير: 217. إبراهيم بن يحيى بن بللوه (النّسّابة) : 155، 177. إبراهيم بن اليسع بن إسحاق: 602، 604.

إبراهيم اليلوفى: 523. إبليس: 319، 402. أبىّ بن كعب: 274. أحمد الجرجانى (انظر: أبو العباس) . أحمد بن الجوهرى: 644. أحمد الحسينى (الشريف) : 23. أحمد بن حنبل الشيبانى (الإمام) : 38، 40، 64، 65، 108، 111، 116، 121، 130، 147، 458، 484، 485، 488، 491، 503، 504، 514 أحمد بن خلّاد: 489. أحمد بن خلّكان، شمس الدين (صاحب الوفيات) : 236، 238، 247، 411، 460، 482، 540، 548، 631، 644. أحمد بن الخوّاص: 102. أبو أحمد الزبيري: 217. أحمد بن زين العابدين: 449. أحمد بن سعيد الهمدانى: 208. أحمد بن سهل (أمير مصر) : 182. أحمد بن الشيخ: 106. أحمد بن صالح: 487. أحمد بن طولون، أبو العباس (أمير مصر) : 20، 72، 197، 202، 203، 204، 217، 220، 223، 224، 225، 226، 227، 228، 237، 302، 355، 408، 422، 448، 450، 456، 508، 559، 649، 650، 651، 652، 653، 654، 656. أحمد بن عبد الجبار: 39، 271. أحمد بن عبد الرحمن: 485. أحمد بن عبد الرحمن الجارود: 506. أحمد (بن عبد الرحمن بن وهب) : 208 أحمد بن عبد العزيز: 277. أبو أحمد بن عبد الله (الجبّاس) : 474. أحمد بن على بن إسماعيل (أبو العباس الجميزى) : 213، 214. أبو أحمد بن عياش: 523. أحمد الكتّاني: 271. أحمد بن محمد بن إسماعيل (ابن طباطبا) : 236، 237، 238. أحمد بن محمد بن حسين الصابونى: 506. أحمد بن محمد بن قدامة (أبو العباس المقدسى) : 42. أحمد بن مسعود العجلى (أبو على) : 40. أحمد بن المشجرة، أبو العباس: 212. أحمد بن منصور الرمادى: 443. أحمد الموفق: 653. أحمد بن نصر، أبو بكر الزّقّاق: 179، 314، 470، 471، 472، 596. أحمد بن النعمان التّرّاس: 591، 592.

أحمد بن يحيى بن داود: 512. أحمد بن يحيى بن على بن محمد العلوى: 248. الأحنف بن قيس: 216. الإخشيدى (انظر: أبو بكر محمد بن الإخشيدى) . أبو الأخنس بن حذافة: 149. إدريس (عليه السلام) : 84. إدريس الحفّار: 101. أبو إدريس الخولانى (من كبار تابعى صحابة الشام) : 360. إدريس بن يحيى الخولانى، أبو عمرو: 179، 359، 360. أرسطاطاليس (الحكيم) : 86. أبو الأزهر، عبد الصمد بن عبد الرحمن ابن القاسم: 438. أزهر بن عمّار: 588. الأستراباذى: 356. إسحاق بن إبراهيم: 524. أبو إسحاق، إبراهيم (من الصالحين) : 340. أبو إسحاق، إبراهيم بن أحمد المروزىّ: 482. أبو إسحاق، إبراهيم بن بللوه (انظر: إبراهيم بن يحيى النّسابة) . أبو إسحاق، إبراهيم العراقى: 341. أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد المالكى: 609، 614. أبو إسحاق، إبراهيم بن مزيبيل الضرير: 518. أبو إسحاق بن شعبان القرطبى: 602. إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق (زوج السيدة نفسية) : 161، 162، 163، 166، 174، 176، 177، 178. أسد (من أصحاب الفقيه ابن القاسم المالكى) : 433. أسد الدين شيركوه: 351، 352، 621. أبو الأسعد، هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيرى: 498. الإسكندر (المقدونى) : 62، 86. أسماء بنت أبى بكر الصّدّيق: 419. أسماء بنت أبى بكر بن عبد العزيز بن مروان: 419. أسماء بنت عميس الخثعميّة: 661، 663. أبو إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الواحد المقدسى: 42. إسماعيل (الحافظ) : 356. إسماعيل الحدّاد، أبو محمد المقرئ: 474، 475. إسماعيل بن الزعفرانى: 648. إسماعيل بن مرزوق: 497.

إسماعيل (المفسر) : 356. إسماعيل بن يحيى المزنى، أبو إبراهيم (صاحب الشافعى) : 179، 332، 384، 442، 465، 466، 482، 483، 485، 487، 491، 494، 495، 504، 505، 506، 507، 508، 509، 510، 511، 512، 513. أبو الأسود الدّيلىّ (أو الدّؤلّى) : 110. الأشعث بن قيس الكندى: 465. الأشعرى (انظر: أبو الحسن) . أشهب بن عبد العزيز، أبو عمر الجعدى (صاحب مالك) : 424، 425، 426، 427، 428، 429، 432، 435، 438، 455، 463. الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان: 154. الأصمعى، أبو سعيد عبد الملك بن قريب: 280، 479. الإطفيحى: 301، 302. أعلاهم الشامى (عبد الله أو عبد الرحمن أو عبد الحافظ) : 441. الأعمش (انظر: سليمان بن مهران الأسدى) . أعين بن الليث بن رافع القرشى: 496. الافتخار اليمنى: 535. الأفضل- أبو القاسم شاهنشاه- ابن أمير الجيوش بدر الجمالى: 212، 302، 327، 332. أبو أكثم، على بن الحسين بن عساكر: 610. ابن أبى أمامة بن سهل بن حنيف: 159. أبو أمامة (الباهلى) : 37، 115. أماجور (لعله: أنوجور التركى) : 653. امرؤ القيس بن حجر (الشاعر الجاهلى) : 457. أم حبيبة بنت أبى سفيان: 135. أمّ خمارويه بن أحمد بن طولون: 652. أمّ الخير بنت إبراهيم القرشى (المرأة الصالحة) : 614. أم سعد بن عبادة: 44، 64. أم سليمان (عليه السلام) : 446. أم الفرج بنت محمد بن عثمان القرمسانى: 40. أم كلثوم بنت القاسم: 418. أم كلثوم بنت إسحاق المؤتمن: 161، 177.

أم هانىء: 163. أمير الجيوش (انظر: بدر بن عبد الله الجمالى) . أمين الدين، ياقوت العالم: 537. الأنبارى: 291. ابن الأنبارى: (انظر: الحسين بن الأنبارى، أبو القاسم) . الأندلسى (البزاز) : 21. أنس بن مالك: 27، 37، 102، 103، 107، 120، 129، 458، 556. الأنماطى: 506. الأهوازى (الملك الواعظ) : 326. أيوب: 528، 577. أيوب (أبو السرايا) : 164، 165. أيوب السّرّاج: 107. (ب) ابن بابشاذ النحوى (طاهر أبو الحسن) 283، 644. باذان (عامل كسرى على اليمن) : 150. بجير بن سابق الخولانى: 426. بحر: 509. البخارى (أبو عبد الله محمد بن إسماعيل) : 110، 120، 145، 152، 215، 430، 458. بدر بن عبد الله الجمالى (أمير الجيوش) : 22، 229، 300، 301، 313. بدر الدين، حسن بن محمد الحسينى (العريان) : 437. البراء بن عازب: 458. ابن البرادعى (العابد) : 288. أبو برزة الأسلمى: 216. أبو البركات (الفقيه) : 346. برهان الدين بن عبد العزيز (القاضى) : 614. ابن برّى (انظر: عبد الله بن برى) . ابن بريدة (انظر: سليمان بن بريدة) . بريدة بن الحصيب: 25، 26، 30، 117، 125. البزاز: 315. ابن بسّام (صاحب كتاب الذخيرة) : 461. ابن البسام الحسنى الفاطمى: 539. البسطامى: 284. بشّار بن غالب النجرانى: 46، 58. بشر بن الحارث (أبو نصر) : 106، 108. بشر بن قعنب: 207. بشر بن منصور: 47. بشرى بن سعيد الجوهرى: 302، 444، 445، 446، 452.

أبو بشير الحلاوى: 307، 308. بشير بن الخصاصية: 28. بشير بن نهيك (أبو الشعثاء) : 28. ابن بشكوال (صاحب كتاب الصلة) : 540. أبو بصرة الغفارى (حميل) : 7، 12، 141، 152، 153. ابن بصيلة: 455. بطرس القس: 343. بغا الصغير (أحمد بن محمد بن عبد الله) 251. بغا الكبير (أحمد بن إبراهيم بن عبد الله) 250. البغوى (أبو الحسن على بن عبد العزيز) : 25، 28، 35، 66. أبو البقاء (انظر: صالح بن الحسين) . بكر بن عبد الرحمن: 379. بكر بن عبد الله: 400. بكر بن عبد الله المزنى: 34. بكر بن مضر: 359. بكّار بن قتيبة (القاضى) : 179، 212، 214، 216، 217، 218، 219، 220، 221، 222، 223، 224، 225، 226، 227، 228، 256، 332. بكار بن محمد المعافرى: 321. ابن بكلور الأعمى (القارئ) : 592. أبو بكر (من الصوفية- صاحب أبى الحسن الدينورى) : 576. أبو بكر بن أحمد: 469. أبو بكر، أحمد بن مسلم القارئ: 23. أبو بكر الأدفوى: 180، 271، 272، 274، 280 أبو بكر الاصطبلى: 603. أبو بكر بن أيوب (الملك العادل) : 540، 622، 628. أبو بكر بن ثابت: 441. أبو بكر الحداد: 180، 525. أبو بكر الخطيب (صاحب تاريخ بغداد) : 235. أبو بكر الدّارانى: 398. أبو بكر الرّازى: 262. أبو بكر الزّقّاق (انظر: أحمد بن نصر) . أبو بكر الصّدّيق (رضى الله عنه) : 36، 39، 42، 128، 137، 293، 329، 390، 398، 430، 504، 607، 661، 662. أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدى: 485، 486. أبو بكر بن عبد الملك الشّنترينى: 642. أبو بكر بن عربى (الفقيه المالكى) : 428. أبو بكر القمنى، عبد الملك بن الحسين (أبو القاسم) : 300، 331، 332. أبو بكر اللخمى: 543. أبو بكر بن مجاهد: 98.

أبو بكر المحلّى: 323، 324، 325. أبو بكر محمد بن الإخشيدى: 523، 524، 527. أبو بكر محمد بن الإمام: 321. أبو بكر محمد بن داود الدينورى الدّقّى: 180، 596. أبو بكر محمد بن ريّان المصرى: 510. أبو بكر محمد القسطلانى: 342. أبو بكر بن محمد المالكى: 545. أبو بكر محمد بن عبد الملك بن السراج: 645. أبو بكر محمد بن محمد الحميدى: 389. أبو بكر محمد بن على الماذرائى (الوزير) : 240، 241، 248، 267، 268، 269، 523. أبو بكر المصفّر: 455. أبو بكر بن المهلّب: 583، 592. أبو بكر نفيع بن الحارث: 215، 216. ابن بكير: 210. بلال الخوّاص: 491. ابن بللوه النّسّابة (انظر: إبراهيم بن يحيى) . بلوان بن حفص (ملك يمنى) : 90. ابن بنان (الأمير) : 628. بنان بن محمد، أبو الحسن (الحمّال الواسطى) : 179، 183، 550، 552، 553، 555، 556، 557، 558، 559، 560، 561، 562، 563، 564، 565، 566. بهاء الدين، أبو العباس (القاضى الأشرف) : 628. بهاء الدين بن عساكر: 548. بهرام بن بهرام (ملك فارسى) : 90. البوصيرى: 637. البويطى: أبو يعقوب (صاحب الشافعى) : 173، 176، 179، 441، 442، 443. البيهقى (الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين صاحب السنن الكبرى) : 488. (ت) تاج الدين السبطى (القاضى) : 442. تاج الدين محمد بن أحمد بن البرفطىّ: 537. تاج العلىّ (الشّاعر) : 541. ابن الترجمان بن على المقرئ: 389. الترمذى (أبو عيسى الحافظ) : 12، 39، 44، 97، 130، 139، 443. تقي الدين بن دقيق العيد: 470. تقي الدين، أبو المحاسن يوسف: 469، 470. التككي: 271. تكين بن عبد الله الحربى، أبو منصور (أمير مصر) : 182، 183، 184، 267، 268، 466،

524، 551، 557، 563، 573، 574. أبو تميم الجيشانى: 152. ابن تميم الدّارى: 326. أبو تميم معدّ بن منصور (المعز لدين الله) : 192، 245، 247، 258، 259. التهامى (الشاعر) : 480. (ث) ثابت البنانى: 97، 98، 129، 334. ثابت بن قيس بن شماس الأنصارى: 127، 128. ثعلب: 375. ابن ثعلب (الفقيه المالكى) : 354. ثوبان بن إبراهيم (انظر: ذو النون المصرى، أبو الفيض) . أبو ثور، إبراهيم بن خالد: 484. (ج) ابن جابار (انظر: أبو عبد الله محمد ابن جابار) . جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام: 34، 65، 66، 114، 129. الجارودى (من الأشراف) : 269. جارية أبى الحسن الدينورى: 584. جبريل (عليه السلام) : 102، 103، 107، 167، 190، 381، 539، 549. الجزرى (رجل من الصالحين) : 373. أبو الجعد: 267. جعد بن كلاب بن ربيعة المالكى: 426. جعفر (من أصحاب أبى الحسن الدينورى) : 580. جعفر (من أصحاب الحسين بن بشرى) : 311. أبو جعفر: 378. أبو جعفر الترمذى: 491. أبو جعفر بن حواصل: 362. جعفر الصادق: 445، 453، 529. جعفر بن أبى طالب (الطّيّار) : 134، 135، 157، 661. أبو جعفر الطحاوى (أحمد بن محمد بن سلامة) : 217، 257، 465، 466، 467، 469، 470، 506، 561، 604. أبو جعفر بن أبى عمران الحنفى: 466. جعفر بن الفرات (أبو الفضل) : 23. أبو جعفر بن القاسم: 197. جعفر بن محمد: 62. أبو جعفر محمد: 562. أبو جعفر محمد بن يعقوب الفرجى: 565. أبو جعفر بن محمد بن عبد الملك: 179. أبو جعفر المنصور (الخليفة العباسى) : 156، 158، 160، 161،

359، 410، 411، 543. أبو جعفر المنطقى: 526. أبو جعفر المنفق: 269. أبو جعفر النحوى (النحاس) : 180. أبو جعفر بن نصر: 259. جعفر بن يزيد العبدرى: 335. ابن الجلّاء: 382، 596. جمال الدين عبد الله بن الجصاص: 162. جمال الدين عبد الله بن يحيى: 468. جمال الدين بن مالك: 469. جمّال عائشة: 359. جمرة بن عبد الله العلوى: 399. الجمّيزى (انظر: أحمد بن على بن إسماعيل) . ابن الجميزى: 630. الجنيد بن محمد (أبو القاسم) : 261، 374، 375، 470، 471، 550، 568، 569، 574. أبو جهير الضرير: 317. ابن الجوزى: 106. جوهر الصقلى (قائد المعز لدين الله) : 245، 258. ابن الجوهرى (انظر: أبو الفضل بن الجوهرى) . الجوهرى (صاحب الصحاح) : 643. الجوهرى (الواعظ) : 427، 436. (ح) حاتم (الطائى) : 626. أبو حاتم (ابن أخى بكار بن قتيبة) : 221. حاتم بن علوان الأصم: 234. الحارث بن سريج: 485. الحارث بن كلدة (مولى رسول الله) : 216. الحارث بن مسكين: 430، 431، 433. أبو حازم (القاضى) : 465. الحافظ السلفى: 623. الحافظ عبد الغنى (انظر: عبد الغنى ابن عبد الواحد المقدسى) . الحافظ لدين الله (عبد المجيد) : 620، 659. الحافى: 271. الحاكم بأمر الله (الفاطمى) : 23، 24، 285، 286. حبيبة بنت أبى سفيان: 663. أبو الحجاج الأشبيلى (الإمام) : 180. الحبشى (رجل من الصالحين) : 294. حجاج بن راشد بن محمد: 209. أبو الحجاج على بن يوسف القضاعى: 633. الحجاج بن يوسف الثقفى: 336. الحدّاد (صاحب أبى الطيب الهاشمى) : 315. ابن حذافة السهمى: 361. حذافة بن قيس السهمى: 151. ابن حذيفة اليمانى (عبد الله) : 361.

الحرستانى: 535. حرملة بن عمران: 6، 7. حرملة بن يحيى التجيبى الشافعى: 132، 140، 179، 208، 209، 210، 485. الحريرى: 549. أبو حريش: 296. حسام الدين (الأمير) : 611. حسان بن ثابت: 80. الحسن: 336. أبو الحسن (سعيد) : 414. أبو الحسن (ابن بنت أبى سعد) : 342، 343، 344، 346. أبو الحسن (الحافظ) : 207، 528. الحسن بن إبراهيم بن زولاق: 154، 165، 237، 239، 240، 241، 255، 256، 257، 266، 267، 268، 413، 525. أبو الحسن أحمد بن جمرة الهورينى: 392. الحسن بن أحمد بن عبد الواحد: 511. أبو الحسن الأشعرى: 350، 352. الحسن البصرى: 58، 59، 66، 215، 216. أبو الحسن البغدادى (انظر: محمد بن محمد بن الفرّاء) . أبو الحسن البلخى: 337. أبو الحسن الجزار: 547. حسن بن الحافظ (الخليفة الفاطمى) : 594. الحسن بن الحسن البصرى: 83. الحسن بن الحسين بن جعفر الصادق: 424. أبو الحسن الحضرى: 181. ابن الحسن الحضرمى (علىّ) : 582، 583. أبو الحسن الحوفى (انظر: على بن إبراهيم الحوفى) . أبو الحسن الخشاب على بن محمد: 542. أبو الحسن بن الخلعى (انظر: على بن الحسن) . أبو الحسن الدينورى الزاهد (ابن الصائغ) : 101، 183، 211، 212، 318، 332، 434، 492، 558، 571، 572، 573، 574، 575، 576، 577، 578، 579، 581، 582، 583، 584، 585، 586، 587، 588، 589، 590، 591، 592، 593، 594، 595، 599، 600. الحسن بن زيد (والد السيدة نفيسة) : 156، 158، 159، 160، 161، 188. أبو الحسن بن سعد الورّاق: 570، 571. الحسن بن سعيد: 409، 430.

الحسن بن سفيان (الزاهد) : 653، 654، 655. أبو الحسن الشاهد (وكيل التجار بمصر) : 21. أبو الحسن الشيرازى (الفقيه) : 180، 181، 309. أبو الحسن الصائغ (رجل صالح) : 337. أبو الحسن الصّفّار: 454، 455، 456، 653. أبو الحسن الطرائفى (علّى) : 529، 530. حسن بن عبد الباقى الصّقلّى: 644. أبو الحسن عبد الباقى بن فارس المقرئ (انظر: عبد الباقى بن فارس) . الحسن بن على (بن أبى طالب) : 187، 188، 239، 444. الحسن بن على (جد ابن زولاق ومن مشاهير العلماء) : 256. أبو الحسن الحوفى: (انظر: على بن إبراهيم الحوفى) . الحسن بن على بن أحمد (الأزرق الكبير) : 251. أبو الحسن على بن أحمد (الكاتب) : 568، 571. أبو الحسن على بن أحمد بن محمد البغدادى: 415. أبو الحسن على التمّار: 438. أبو الحسن على بن الحسن: 198، 255، 620. أبو الحسن على بن الحسين الموصلى: 181، 497. أبو الحسن على بن حيّان الدينورى: 179، 316. أبو الحسن على بن عمر الدارقطنى: 389. أبو الحسن على الفقاعى: 180، 319. أبو الحسن على بن كبيش (الفقيه) : 454. أبو الحسن بن على بن محمد (ولد صاحب الحورية) : 249. أبو الحسن على بن محمد بن هذيل: 630. أبو الحسن على مرزوق الردينى: 605، 606. أبو الحسن على بن يحيى المقرئ: 338، 485. أبو الحسن الفرّاء: 180. الحسن بن الفرات: 497. أبو الحسن الفرّار: 395. الحسن بن الفضل: 44، 45. أبو الحسن بن الفقاعى: 323. الحسن بن القاسم بن محمد: 420. أبو الحسن القرافى (على بن قيصر) : 316. أبو الحسن القرقوبى: 21، 392. أبو الحسن الكاتب: 615، 616. أبو الحسن الكعكى (على) : 180،

181. الحسن الليثى: 221. أبو الحسن بن الليث بن سعد: 584. الحسن بن محمد بن أحمد (من آل طباطبا) : 249، 250. أبو الحسن بن محمد بن إدريس (ابن الإمام الشافعى) : 496. الحسن بن محمد بن الصباح الزعفرانى: 484. أبو الحسن محمد بن على بن نصر: 463، 464. حسن المسوحى: 374. أبو الحسن المقرئ (انظر عبد الباقى بن فارس) . أبو الحسن نور الدين: 446. أبو الحسن الواسطى: 409. أبو الحسن بن الوفا (الناسك) : 278. الحسن الوليدى: 193. أبو الحسين: 399. الحسين بن الأشعث: 468. الحسين بن الأنبارى، أبو القاسم: 303، 308. الحسين بن بشرى (انظر: أبو عبد الله الحسين بن بشرى الجوهرى) . الحسين الزبيدى: 469. الحسين بن على (بن أبى طالب) : 187، 188، 195، 239، 438. أبو الحسين بن على: 576. الحسين بن على الكرابيسى: 486. الحسين بن كثير: 500. الحسين بن محمد بن محمد بن أحمد: 251. أبو الحسين النورى: 374. أبو الحسين يحيى بن الفرج (الخشاب) : 180، 281. ابن أبى حصينة: 645. الحضرى: 469. أبو حفص الأسوانى (انظر: عمر) . أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين: 457. أبو حفص العمروشى (القارئ) : 619. أبو حفص عمر بن محمد بن غزال الحضرمى: 140، 147، 574، 593. حفصة بنت عمر: 149. الحكم بن سعد العشيرة المذحجى: 293، 531. ابن حليمة السعدية (أخى رضيع رسول الله) : 293. ابن حمدان (وجيه الدولة) : 236. حمدونة العابدة بنت الحسين: 450. ابن حمزة: 561. أبو حمزة البغدادى: 374. أبو حمزة الخولانى (زيادة بن نعيم) : 274. حمزة بن عبد المطلب: 26، 62،

130. ابن حمضة الحرّانى: 234. حميد بن زنجويه: 485. أبو حنيفة النعمان (الإمام) : 65، 149، 219، 442، 496، 544. ابن حولى القرقوبى: 362. حيدرة بن ناصر بن حمزة (الشريف الفاطمى) : 155. حيوة بن شريح: 206، 359. (خ) خادم شقران العابد: 367. خالد بن ثابت بن ظاعن: 408. خالد بن خداش: 208. خالد الزنجى: 486. خالد بن سمير (السدوسى) : 28. خالد بن هارون السلمى (أبو جعفر) : 174. خالد بن الوليد: 127، 128، 132، 136، 137. خبّاب بن الأرت: 92. الخبوشانى (انظر: نجم الدين) . خبيب بن عدى: 48. خديجة بنت خويلد (خديجة الكبرى أم المؤمنين) : 188، 239. خديجة بنت محمد بن إسماعيل بن القاسم الرّسّى: 245، 252. ابن خديج: 543. ابن خريطة: 307. الخضر (عليه السلام) : 21، 452، 491. الخطيب البغدادى (أبو بكر أحمد بن على صاحب تاريخ بغداد) : 460. الخلعى (انظر: على بن الحسن) . خلف الصرفندى: 646. خلف الكتانى: 234. ابن خلكان (انظر: أحمد بن خلكان، شمس الدين) . خليفة بن خياط: 216. ابن خليل: 469. خليل بن المستنصر بالله: 192. خمارويه بن أحمد بن طولون: 198، 225، 226، 263، 264، 265، 552، 553، 652. الخياط (رجل صالح) : 505. أبو خيثمة (القاضى) : 543. خيثمة (الأمير الزاهد) : 456. أبو الخير (انظر: مرثد بن عبد الله اليزنى) . أبو الخير (أحمد بن إسماعيل الخزرجى) : 419. أبو الخير التيناتى الأقطع (حمّاد بن عبد الله) : 293، 395، 396، 397، 398، 399، 400، 401، 403، 404. أبو الخير سعد: 520.

أبو الخير سلامة بن إسماعيل المقدسى: 419، 420. الخير بن نعيم بن عبد الوهاب الحضرمى: 229، 230، 231، 232، 233. خيزرانة المكاشفة: 456، 608. (د) دانيال (النبي) : 98. داود (عليه السلام) : 86، 96، 521، 522، 528، 659. أبو داود (سليمان بن الأشعث) : 44، 117، 139، 152، 206، 216. ابن الداية (كاتب القمنى) : 323. دحية: 541. ابن دحية (انظر: عمر بن دحية الكلبى) . أبو الدرداء (عويمر بن عامر- الصحابى) : 634. الدّرعى: 351، 352. الدقاق (انظر: أحمد بن نصر، أبو بكر الدقاق) . ابن أبى دؤاد: 441، 442. الدوادارى: 537. دوسيم (الملك) : 86. دينار العابد: 317. (ذ) ابن أبى ذئب: 409. ابن أبى ذؤيب: 158، 210. أبو ذر (الغفارى) : 480. ذرّ (الهمدانى) : 61، 95، 96. الذهبى (أبو حفص عمر المقدسى) : 352، 354. ذو النون العدل (الإخميمى) : 338. ذو النون المصرى (ثوبان بن إبراهيم، أبو الفيض) : 11، 16، 17، 18، 140، 179، 329، 331، 332، 362، 363، 365، 366، 368، 372، 374، 377، 378، 379، 380، 381، 382، 383، 385، 386، 387، 392، 395، 424، 425، 510. (ر) رابعة بنت إبراهيم بن عبد الله البغدادية: 172. رابعة ابنة إسماعيل الدمشقية القدسية: 172. رابعة العدوية: 46، 171، 172، 424، 503. الرازى النّسّابة: 161، 196. راشد (مولى حبيب بن أوس الثقفى) : 134. راهبة العابدة (أم عثمان بن سودة) : 53. ربعى بن حراش: 215. الربيع: 360، 488. الربيع بن أنس: 44.

الربيع الجيزى (تلميذ الشافعى) : 173، 442. أبو الربيع الزّبدى: 362، 370. الربيع بن سليمان المرادى (صاحب الشافعى) : 173، 179، 443، 484، 485، 486، 487، 488، 491، 492، 494، 510، 511. أبو الربيع سليمان: 341. أبو الربيع المالقى: 454. ربيعة: 459. رجاء بن أبى عطاء: 359. أبو رجاء محمد بن الإمام أشهب: 438. ابن رحّال السكندرى: 342. أبو رحمة (رجل من الصالحين) : 229، 270. ابن رزّيك: 531. الرشيد (انظر: هارون الرشيد) . ابن رشيق العسكرى (الإمام) : 147. رضوان (خازن الجنة) : 274، 655. الرّفّاء: 471. ابن رفاعة (أمير مصر) : 416. رفق المستنصر (سيف الإسلام) : 22. روبيل بن يعقوب: 602. روح بن عبادة القيسى: 111. روح بن عبد الله الجبار: 206. ريان بن عبد العزيز بن مروان: 360. ابن ريحان: 279. (ز) الزبيدى: 469. زبيدة بنت القاسم (زوج هارون الرشيد) : 411، 412. الزبير بن أحمد الزهرى: 487. الزبير بن العوّام: 23، 286، 288، 610. ابن الزبير (انظر: عبد الله بن الزبير ابن العوام) . أبو الزبير المكى: 408. أبو زرارة (القاضى) : 355. زردانة القابلة (أم محمد بنت الحسين بن عبد الله) : 566، 567. الزفتاوى (الشريف) : 316. زفر بن الهذيل: 216. الزّقاق (انظر: أحمد بن نصر- أبو بكر الزقاق) . زكريا (عليه السلام) : 167، 402، 403. أبو زكريا البخارى (عبد الرحيم بن أحمد) : 181، 395. أبو زكريا السخاوى: 180. زكية بنت الخير بن نعيم الحضرمى: 223. زكى الدين المنذرى (انظر: عبد العظيم المنذرى الحافظ) . زكى الدين عبد المنعم بن عبد الملك: 480. زمام (غلام محمد بن أبى بكر) : 200، 661، 662. الزهرى: 102، 103، 194، 430. زهرون: 273، 276، 277. ابن زولاق (انظر: الحسن بن إبراهيم

ابن زولاق) . زيد بن أسلم (العدوى) : 82. زيد بن الحبّال (المقرئ) : 503. زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب: 159، 160. أبو زيد الخولانى: 274. زيد بن عبد الله: 38. زيد بن على بن الحسن: 199. زيد بن أبى الغمر: 209. زيد بن أبى يزيد: 432. زين العابدين: (انظر: على بن الحسين) . زينب بنت الأباجلى: 439. زينب بنت الحسن بن إبراهيم (الشريفة) : 155، 424. زينب بنت الشافعى: 496. زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) : 157. زينب بنت يحيى المتوج (خادمة السيدة نفيسة وبنت أخيها) : 162، 166، 174، 175، 422. (س) الساجى: 442. سارية بن زنيم (الصحابى) : 605، 618، 619. سالم العفيف: 332، 333. سالم (مولى أبى حذيفة) : 127. سبأ بن نواس: 90. السبتى: 292. سحنون المالكى (أبو سعيد التنوخى) : 180، 426، 427، 433، 434، 435، 436. السخاوى (علم الدين أبو الحسن شارح الشاطبية) : 469، 631. ابن السّرّاج: 385. ابن أبى السرح (الصحابى) : 422. سرفتكين (صاحب إربل) : 481. ابن سريج: 482. السّرىّ بن الحكم (أمير مصر) : 165، 173، 174، 176، 191، 604. سرى الدّين إسماعيل، أبو الوليد (القاضى المالكى) : 464. أبو سعد (المالينى) : 29، 282. سعد بن الحسن: 166. سعد الدّولة: 605. سعد الدين منوجهر الموصلى: 536. سعد بن عبادة: 44، 70. سعد بن عبد الله: 115. سعيد: 414، 528. أبو سعيد: 413. ابن بنت أبى سعيد الأنصارى: 181. سعيد الحاجب: 652. أبو سعيد (حفيد يونس بن عبد الأعلى) (انظر: عبد الرحمن بن أحمد بن يونس) . أبو سعيد الخدرى: 63، 121، 149.

سعيد بن زكريا (الأدم) : 431. أبو سعيد السّكّرى: 510. سعيدة العابدة: 564. سعيد بن عامر: 217. سعيد بن عثمان: 382. أبو سعيد الماليني: 284، 381. سعيد بن المسيّب: 446. ابن سعيد المكفوف (المفسّر) : 527. سعيد بن أبى هلال: 408. السّفّاح (أبو العباس، الخليفة العباسى) : 172. سفيان: 475. سفيان الثورى: 172، 503. سفيان بن عيينة: 207، 430، 438. سفيان النيدى: 328. سفيان بن وهب الخولانى: 6. السّكّرى (من أهل الكرم والصلاح) : 326. سكينة بنت الحسين بن على: 154، 155، 156. ابن السّلّار (العادل) : 228، 594، 633. سلطان بن رشا الشافعى (الفقيه) : 180، 633. سلمان بن طلحة: 132. ابن سلمان: 659. سليمان بن بريدة: 25، 26، 30. سليمان التيمى: 39. أبو سليمان الخطابى: 29. سليمان بن داود (عليهما السلام) 295، 301. سليمان بن داود الهاشميّ: 484. سليمان بن سحيم (أبو أيوب الهاشمى) : 36. سليمان بن عبد السميع القوصى: 601. سليمان بن أبى طيبة: 426، 428. سليمان بن القاسم (الزاهد المصرى) : 431، 432، 436. سليمان بن مهران الأسدى (الأعمش) : 113. سليمان اليشكرى (أبو الربيع) : 505. أبو السّمراء الضرير: 608. سمنون المحب: 75. سمية (جارية الحارث بن كلدة) : 215. ابن سناء الملك (الوزير) : 196، 198. ابن سنان: 575. سنان بن حسين: 97. السّهروردى (شهاب الدين) : 549. سهل بن أحمد البرمكى: 233، 234، 259. سهل التّسترىّ: 261. أبو سهل القصيرى (يوسف) : 538. سهل بن محمد بن الحسين: 390. سهل بن معلى: 230. أبو سهل الهروى: 180. سهل بن على: 230. السّهيلى: 637.

سيبويه: 642، 644. (ش) ابن شاس: 322. ابن الشاشى: 481. الشاطبى (القاسم بن فيره) : 624. الإمام الشافعى (انظر: محمد بن إدريس) . شاهنشاه بن بدر الجمالى (أمير الجيوش) : 388، 389. شحاذ الفقراء: 391، 392. شرف الدين الأخفافى: 465. شرف الدين بن أسد: 83، 84. شرف الدين بن الخشاب: 328. شرف الدين الدمياطى: 536. شرف الدين، أبو الطاهر محمد: 542. شرف الدين بن عنين: 541. شرف الدين يحيى، أبو زكريا (التالى لكتاب الله) : 438. الشريفة الخطيب: 542. شعبة: 107. الشعبى (عامر بن شراحيل) : 48. أبو شعرة- (انظر: صاحب الدار) . ابن أبى شعيب: 432. شعيب بن الليث: 414، 415. شقران بن عبد الله المغربى (العابد) : 179، 362، 363، 367، 368، 369. شقيق البلخى: 420. شكر الأبله: 278. ابن شماسة المهدى: 447. شمس الدين بن خلكان- (انظر: أحمد ابن خلكان) . ابن شمعون (الواعظ) : 130. شهاب الدين أحمد بن شمس الدين: 604. شيبان الراعى (محمد بن عبد الله الزاهد) : 502، 503، 505. شيرويه بن شهردار (أبو شجاع الديلمى) : 40. شيرويه (بن كسرى) : 150، 151. (ص) صاحب الإبريق: 437. صاحب الدّار (أبو شغرة) : 329، 394. صاحب الدّرّابة: 372، 373. صاحب الرّمّانة: 646. صاحب القنديل: 327. صاحب الكرمة: 288. صاحب الوديعة (محمد بن إبراهيم) : 291. أبو صادق بن مرشد المدنى: 180. صاعد: 52. صالح بن أحمد بن حنبل: 487. صالح بن الحسين (أبو البقاء) : 475،

614، 617. الصالح بن رزيك: 533. صالح المرّى: 317، 318. الصامت العسقلانى (من العبّاد) : 287. الصّفّار- (انظر: أبو الحسن) . صفوان بن عيسى الزهرى: 216، 217. ابن الصلاح: 469. صلاح الدين يوسف بن أيوب: 498، 499، 500، 532، 533، 604، 616، 617، 621، 622، 624، 626، 627. الصلاح الصفدى (صاحب الوافى بالوفيات) : 260. صلة بن أشيم العدوى (أبو الصهباء) : 334، 335، 336. (ض) الضّحّاك بن سليمان: 34، 83. ضياء الدين أبو عمرو (شارح المهذب) : 481. (ط) أبو طالب، عبد الله السابورى: 528. أبو الطاهر: 392. طاهر بن بابشاذ النحوى (أبو الحسن) : 180. أبو طاهر السلفى (الحافظ) : 181، 630. أبو الطاهر، عبد الحكم بن محمد الأنصارى: 501. أبو الطاهر بن عمر بن السراج: 210. أبو الطاهر محمد بن أحمد (القاضى ابن نصر) : 257، 259. طباطبا: (انظر: إبراهيم بن إسماعيل الديباج، أبو إسحاق) . ابن طباطبا- (انظر: أحمد بن محمد بن إسماعيل) . الطبرانى (الإمام أبو القاسم سليمان) : 39، 47، 115. ابن طبرزد: 535. الطبرى (ابن جرير- المؤرخ) : 159. الطّرطوشى: (أبو بكر محمد بن الوليد) : 352، 354. الطلائعى (أبو على) : 41، 42. أبو طلحة (زيد بن سهل) : 116. طولون التركى (متبنى أحمد) : 651. ابن الطوير: 450. ابن أبى الطيب (الفقيه) : 181. أبو الطيب أحمد بن على الماذرائى: 37. أبو الطيب أحمد بن محمد الهاشمى (ابن بنت الشافعى) : 314، 474. أبو الطيب) (الشيخ خروف) : 355. أبو الطيب بن غلبون: 181، 294، 296. أبو طيبة: 12.

(ظ) ظافر الحدّاد: 645. الملك الظاهر: 536. (ع) عائشة بنت أبى بكر (أم المؤمنين) : 26، 42، 103، 119، 387، 388، 497، 638، 662، 663. عائشة (جبر الطّير) : 473. العادل (الملك الأيوبى) - (انظر: أبو بكر بن أيوب) . العادل بن رزّيك: 621. عاصم الجحدرى: 34. أبو عاصم الضّحّاك: 217. عاصم (بن محمد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب) : 38. العاضد الفاطمى (عبد الله العبيدى- صاحب مصر) : 498، 499، 500. أبو عامر: 420. أبو عامر بن إسماعيل: 217. عامر بن محمد: 222. عامر (المعافرى) : 6. عبّاد بن محمد البلخى (والى مصر) : 208، 209. ابن عباس- (انظر: عبد الله بن عباس الهاشمى) . أبو العباس أحمد الجرجانى: 91. أبو العباس أحمد بن بركات السعدى: 518، 519. أبو العباس أحمد بن الحطيئة اللخمى المالكى: 181، 390، 431، 644. أبو العباس أحمد الطرطوشى: 322. العباس بن أحمد بن طولون: 512. أبو العباس أحمد بن عبد الله اللخمى- (انظر: أبو العباس أحمد بن الحطيئة) . أبو العباس أحمد بن اللهيب: 350. أبو العباس أحمد بن محمد الدّيبلى: 311، 312. أبو العباس المقدسى- (انظر: أحمد بن محمد بن قدامة) . أبو العباس أحمد بن يونس الصّدفى (المؤرخ) : 477. أبو العباس الخضر بن نصر الإربلى (الشافعى) : 480. أبو العباس بن السراج: 117. أبو العباس بن سريج (أحمد) : 375، 507. العباس بن عبد المطلب: 87، 157. العباس بن عثمان: 469. أبو العباس المقدسى- (انظر: أحمد بن محمد بن قدامة) . أبو العباس نعمة بن القسطلانى: 454. عبد الباقى بن فارس (أبو الحسن

المقرئ) : 181، 395، 497. عبد البرّ: 142. ابن عبد البرّ: 630. عبد الجبار الفراش (الشيخ العفيف) : 602. ابن عبد الحكم (صاحب مالك والشافعى) : 496. عبد الحميد القرافى: 347، 348، 349. عبد الرحمن: 43. عبد الرحمن بن أبى بكر الصّدّيق: 26، 662. عبد الرحمن بن أبى بكرة (نفيع بن الحارث) : 215. عبد الرحمن بن أحمد بن طباطبا: 238. عبد الرحمن بن أحمد بن يونس (أبو سعيد) : 6، 139، 146، 440، 478، 584. عبد الرحمن بن إسماعيل الخشّاب (أبو عيسى الخولانى) : 478. عبد الرحمن بن جمعة الكوفى: 41. أبو عبد الرحمن بن الجوهرى: 308. عبد الرحمن بن أبى حاتم الدّارى: 506. عبد الرحمن (ابن أخى الحسين بن بشرى) : 307، 308. عبد الرحمن بن خالد: 408. عبد الرحمن الخوّاص: 211. عبد الرحمن الديباج: 262. أبو عبد الرحمن رسلان بن عبد الله (الشافعى) : 634، 636. عبد الرحمن السّلمىّ: 635. عبد الرحمن بن سهل بن على: 230. عبد الرحمن (صاحب الأندلس) : 525. عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم (أبو القاسم) : 5، 179، 497. عبد الرحمن بن العلاء: 45، 47. عبد الرحمن بن عوف (الصحابى) : 66، 496، 618، 619. ابن عبد الرحمن بن عوف (عبد الله) : 371. عبد الرحمن (غلام الزّقّاق) : 510. عبد الرحمن بن القاسم العتقى (المالكي) : 180، 210، 426، 427، 429، 430، 431، 432، 433، 434، 435، 436، 437، 463. عبد الرحمن (ابن المرأة الصالحة) : 43. عبد الرحمن المصينى (أبو عبد الله) : 646، 647. عبد الرحمن بن مهدى: 488. عبد الرحمن بن وهب: 208. عبد الرحيم بن على البيسانى (القاضى الفاضل) : 532، 615، 616، 617، 620، 621، 622، 624، 625، 631. عبد الرّزّاق بن إسماعيل (أبو المحاسن القرمسانى) : 40. عبد الرّزّاق (بن همام بن نافع الحميرى) :

102، 103. عبد السلام بن سعيد: 371. عبد السلام السّكّرى: 358. عبد الصمد البغدادى: 332، 545. عبد الصمد بن عبد الوارث: 216. عبد العزيز الخوارزمى: 327. عبد العزيز الدّيرينى: 73. أبو عبد العزيز بن عمر بن أحمد النّصيّبينى: 646. عبد العزيز بن محمد النّصيبى الأنصارى: 420. عبد العزيز بن يحيى المكى: 485. عبد العظيم المنذرى (الحافظ) : 620. عبد علىّ: 358. عبد الغالب: 342. عبد الغنى بن سعيد الأزدى (الإمام الحافظ) : 180. عبد الغنى بن عبد الله (الغاسل المصرى) : 357. عبد الغنى بن عبد الواحد المقدسى (الحافظ) : 38، 40، 42، 43. عبد القوى (العالم الفقيه) : 181. عبد اللطيف البغدادى: 622. عبد الله إبراهيم (من بنى الأشعث) : 468. عبد الله بن أحمد بن حنبل: 486. عبد الله بن أحمد بن طباطبا (أبو محمد) : 238، 239، 240، 241، 242، 245، 246، 247، 252، 268. عبد الله بن برغش النّسابة (أبو محمد الحافظ) : 160. عبد الله بن برّى بن عبد الجبار (أبو محمد المقدسى) : 642، 645. عبد الله بن بريدة بن الحصيب: 13، 117. أبو عبد الله التميمى (الفقيه) : 181. عبد الله بن جحش الأسدى: 135. عبد الله بن جعفر بن أبى طالب (عبد الله الجواد) : 157، 661. أبو عبد الله بن الجلّاء: 374. عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى (الصحابى) : 12، 148، 149. عبد الله بن حذافة السهمى (الصحابى) : 12، 149، 150، 151. أبو عبد الله الحسن بن جعفر الورّاق: 495. أبو عبد الله الحسين بن بشرى الجوهرى: 180، 298، 304، 305، 306، 307، 309، 310، 311، 446. عبد الله بن الحسين بن على بن الأشعث: 468. أبو عبد الله الحسين بن محمد العيسى: 395. أبو عبد الله الحموى النحوى: 181. عبد الله (رئيس المؤذّنين) : 344. عبد الله بن داود الفارسى (أبو محمد

الفقيه) : 181. عبد الله بن الربيع: 409. أبو عبد الله بن رفاعة السعدى: 181. عبد الله بن رواحة (الصحابى) : 262. عبد الله بن الزبير بن العوّام (ابن الزبير) : 143، 420. أبو عبد الله الزبيرى: 240. أبو عبد الله بن سلامة القضاعى (انظر: محمد بن سلامة) . عبد الله بن صالح (كاتب الليث) : 5، 413. عبد الله بن طاهر: 44، 45. عبد الله بن عباس الهاشمى (ابن عباس) : 39، 44، 82، 94، 97، 119، 122، 143، 157. عبد الله بن عبد الحكم بن أعين (المصرى) : 179، 496، 508. أبو عبد الله بن العسكرى: 461. عبد الله بن على بن عبد الله بن العباس: 415. عبد الله بن عمر التجيبى (الفقيه) : 180. عبد الله بن عمر بن الخطاب (ابن عمر) : 36، 46، 47، 63، 66، 143، 277، 283، 356، 489، 511. عبد الله بن عمرو بن حرام (الصحابى) : 114. عبد الله بن عمرو بن العاص (الصحابى) : 138، 139، 143. عبد الله بن الفرج: 52. أبو عبد الله الفقيه: 305. عبد الله بن القاسم: 197. عبد الله بن لهيعة الحضرمى: 8، 360، 418، 426، 543، 544. عبد الله بن المبارك: 409، 544. عبد الله بن محمد: 418. أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن على الواسطى: 438. أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد (الفقيه) : 410، 469. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن القاسم: 198. أبو عبد الله محمد بن بشّار: 480. أبو عبد الله محمد بن جابار: 323، 324، 325، 326، 526. أبو عبد الله محمد بن رسلان: 637. أبو عبد الله محمد بن عبد الحكم: 426. عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأنصارى: 644. أبو عبد الله محمد القرشى (العارف بالله) : 341. أبو عبد الله محمد (المحدّث) : 181. أبو عبد الله محمد بن المسبح الفضى: 281. أبو عبد الله المقرئ- (انظر: محمد بن هامان) .

عبد الله بن محمود: 122. عبد الله بن مرّة (الخارقى) : 113. عبد الله بن مسعود: 31، 62. عبد الله بن مسلم: 12. عبد الله بن المعتز: 69، 76، 87. عبد الله بن المعلم: 87. عبد الله بن أبى مليكة: 26، 409. عبد الله الموصلى: 98. عبد الله بن هبيرة: 230. أبو عبد الله بن الوشاء: 180، 318. عبد الله بن وهب، أبو محمد (صاحب مالك) : 12، 179، 206، 207، 208، 209، 210، 409، 427، 435، 443، 497. عبد الله بن يحيى بن طاهر العلوى: 240. عبد الله بن يعيش: 159. أبو عبد الله اليمنى: 5. العبدلى: 193. عبد المؤمن بن عبد الله القرشى: 123. عبد المجيد العلوى الفاطمى (الحافظ لدين الله) : 192. عبد المحسن العدوى: 490. عبد المغيث بن زهير (الحافظ أبو العز) : 38. عبد الواحد البلخى (أبو محمد) : 478. عبد الوهاب البغدادى (القاضى والفقيه المالكى) : 434، 436، 500. عبود- أبو عتود (العابد) : 287. أبو عبيد (القاضى) 256. عبيد الله (من أصحاب قضبان الذهب) : 212. عبيد الله (حارس المتوكل) : 385. عبيد الله بن خاقان (الوزير) : 651. العبيدلى (النّسّابة) : 249. أبو العتاهية: 86. عتبة الزاهد (أبو عبد الله محمد بن عبد الله) : 321، 322، 436. عتبة بن أبى سفيان: 144. عتبة الغلام: 317. عتيق بن بكّار (أبو القاسم الفقيه) : 464. ابن عثمان (مؤلف مرشد الزوار) : 444. أبو عثمان: 39، 568. عثمان بن الحكم الخزامى: 411. عثمان الزنجانى: 451. عثمان بن سودة: 53. عثمان بن صلاح الدين (الملك العزيز) : 621. عثمان بن عفّان (رضى الله عنه) : 118، 139، 146، 151، 262، 422، 662. أبو عثمان الغسّال: 99. عثمان بن فرج العبدرى: 637. عثمان بن مرزوق الحوفى (أبو عمرو) : 513، 518، 519، 520، 521، 522، 523، 605، 606.

عثمان بن مظعون: 66. أبو عثمان المغربى (سعيد بن سلام) : 383، 573. عثمان بن أبى نصر (أبو عمرو) : 647. العراقى (شارح المهذب) : 633. ابن العربى: 303. عروة بن الزبير: 103، 230. العروسة (بنت غلبون) : 294. عزّة: 152. عز الدين أحمد بن ميسّر: 283. العزّ النّسّابة: 469. أبو العز اليمانى: 184. العزيز ابن الملك الظاهر: 499، 536. العزيز- (انظر: عثمان بن صلاح الدين) . ابن عساكر (القاسم) : 481، 623، 628. العصافيرى: 290، 291. عطاء السلمى (أو السليمى) : 60. عفّان بن سليمان المصرى: 182، 183، 184، 656، 657، 658، 659، 660. العفيف العطار (عبد الخالق عفيف الدين) : 405. عقبة بن عامر الجهنى (الصحابى) : 7، 12، 35، 132، 138، 140، 141، 144، 145، 146، 147، 359، 447، 475. عقبة بن نافع: 142. عكرمة: 44، 98. العلاء (الحافظ) : 30. أبو العلاء المعرّى: 457، 536. على (سبط ابن الفارض) : 547. على بن إبراهيم الحوفى (أبو الحسن) : 180، 271، 279، 280. على بن أحمد الجرجانى، أبو القاسم (الوزير) : 23، 282، 284، 285، 286. على بن أحمد الماذرائى (الوزير) : 265، 266. أبو على الحسن بن أحمد (الكاتب) : 568، 569. على بن الحسن الأزرق: 251. على بن الحسن بن الحسين (أبو الحسن بن الخلعى) : 180، 274، 280، 281، 633. على بن الحسن (صاحب الحورية) : 247. على بن الحسن بن طباطبا: 235، 236، 250. على أبو الحسن (طبّ الوحش) : 474. أبو على الحسن بن محمد الحسين الجيلىّ: 647. أبو على الحسين بن عبد الله الأسوانى (الزاهد) : 589. على بن الحسين (زين العابدين) : 194، 195. على الحمّال: 308.

على بن الخوارزمى (الفقير) : 590. أبو على الرّوذبارىّ (أحمد بن محمد) : 179، 374، 375، 376، 377، 472، 509، 562، 563. أبو على بن صالح الرّوذبارىّ: 395. على بن أبى طالب: 73، 92، 94، 117، 178، 195، 239، 249، 254، 260، 289، 338، 340، 354، 356، 398، 479، 483، 492، 661، 663. أبو على الطبرى: 65. على العابد: 287. على بن عبد الله بن القاسم (السيد الشريف) : 183، 184، 421. أبو العليّ الكوفى: 217. على بن محمد: 414. على بن محمد بن عبد الله بن الحسن: 156. على بن محمد النيسابورى: 107. على بن محمود المغربى الأقريطشى: 566. أبو على ممشاد: 575. أبو على المنصور (الحاكم) : 423. على بن الموفق: 117. العماد الأصفهانى (الكاتب) : 625، 627، 628. عمارة بن على اليمنى (نجم الدين) : 531، 532، 533، 535. عمران بن الحصين: 216. أبو عمران موسى بن محمد الأندلسى: 387، 388. عمر (من أصحاب أبى الحسن الدينورى) : 587. ابن عمر- (انظر: عبد الله بن عمر بن الخطاب) . أبو عمر: 196. عمر بن الحسين بن على بن الأشعث: 467، 468. عمر (أبو حفص الأسوانى) : 588، 589، 590. عمر بن الحكم: 149. عمر بن الخطّاب (أمير المؤمنين) : 5، 6، 36، 67، 110، 111، 120، 133، 137، 138، 139، 151، 287، 329، 390، 398، 430، 607، 618، 619. عمر بن دحية الكلبى (أبو الخطاب) : 539، 541، 542، 608. عمر بن عبد العزيز (الإمام العادل) : 419، 485. عمر بن الفارض (أبو القاسم شرف الدين) : 20، 23، 546، 547، 548، 550. عمر بن محمد بن سنبك: 461. عمر المقدسى (الفقيه) : 287. عمرو: 626.

أبو عمرو- (انظر: عثمان بن أبى نصر) . أبو عمرو- (انظر: عثمان بن مرزوق الحوفى) . عمرو بن أمية الضّمرى: 134، 135. عمرو بن الحارث: 230. عمرو بن دينار: 122. عمرو بن العاص: 5، 6، 7، 12، 131، 132، 133، 134، 135، 136، 137، 138، 139، 140، 141، 142، 143، 152، 287، 422، 447، 590، 604، 642، 661، 662. أبو عمرو بن العلاء: 280. عمرو بن ميمون: 90. عمير بن مدرك الخولانى: 6. عنبسة (رجل من الصالحين) : 205، 276. عنتر النّجّار: 440. ابن عون (عبد الله بن عون المزنى) : 111. أبو عون (عبد الملك بن يزيد) : 232. عون بن جعفر بن أبى طالب: 661. عون بن سليمان: 544. أبو العيّاش بن هاشم المقرئ: 420. عياض (القاضى) : 428، 437، 457، 488. ابن عياض: 497. أبو عيسى بن خليل بن غلبون: 497. أبو عيسى الخولانى- (انظر: عبد الرحمن بن إسماعيل الخشاب) . عيسى بن محمد المكى: 98. عيسى بن مريم (عليهما السلام) : 8، 84، 90، 91، 541، 542، 556. عيسى بن عبد الله: 389. عيص بن إسحاق بن إبراهيم: 90. العيناء: 361. ابن عيينة: (انظر: سفيان بن عيينة) . (غ) أبو غانم بن عمر (عمر ابن العديم) : 535. الغزالى (أبو حامد) : 103، 498. ابن غلبون (المقرئ) : 449. أبو غلبون (رجاء الزاهد) : 640. أبو الغنائم، كليب بن شريف الشامى: 641، 642. غنم بن فرع المهدى: 152. غوث بن سليمان الحضرمى: 232. غياث بن فارس اللخمى: 542. (ف) الفائز (خليفة مصر) : 531. فارس الجمّال: 577. ابن الفارض- (انظر: عمر بن الفارض،

أبو القاسم) . الفاضل- (انظر: عبد الرحيم بن على) . فاطمة (امرأة صالحة من ذرية الصحابى العباس بن مرداس) : 440. فاطمة بنت جعفر الصادق: 443. فاطمة بنت الحسين (أم الفضل) : 465. فاطمة الدينورية: 575. فاطمة الزهراء (رضى الله عنها) : 26، 62، 73، 187، 188، 190، 204، 239. فاطمة بنت زينب: 157. فاطمة السوداء (من الصالحات القانتات) : 358. فاطمة بنت الشافعى: 496. فاطمة بنت العباس: 424. فاطمة بنت محمد بن الحسن: 211، 271. فاطمة الكبرى بنت محمد بن عيسى: 271. فاطمة الموصلية: 326. الفاطمى- (انظر عبد المجيد الحافظ) . أبو الفتح: 497. أبو الفتح بن بابشاذ، داود بن سليمان الجوهرى (الواعظ) : 648. أبو الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسى: 420. أبو الفتح العدّاس: 280. أبو الفتح الفرغانى (الصوفى) : 282، 284. الفتح بن محمود: 416. أبو الفتح محمود: 430. فخر الدين (الإمام العالم) : 312. الفخر الفارسى: 395. ابن الفرات (أبو الفضل، وزير المقتدر بالله) : 175، 528، 529. الفرّان (من أرباب الطّىّ) : 292. فرج (العبد الصالح) : 255. أبو الفرج بن الجوزى (صاحب الصفوة) : 470. فرعون: 19، 136. أبو الفضائل (عتيق بن رشيق) : 181، 341. أبو الفضل إسماعيل بن عثمان (أبو الفدا الدمشقى) : 469. الفضل بن بحر (التاجر) : 439. أبو الفضل جعفر- (انظر: ابن الفرات) . أبو الفضل بن الجوهرى (الواعظ) : 190، 272، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 303، 422، 446، 452. الفضل بن الربيع: 489، 490. أبو الفضل السايح: 313، 314. الفضل بن العباس بن عبد المطلب: 157. الفضل بن أبى نصر: 495. أبو الفضل بن نصر: 510. أبو الفضل هبة الله بن أحمد: 537. أبو الفضل المقدسى- (انظر: يونس بن

محمد) . الفقاعى: 317، 321، 322، 326. ابن الفقاعى (رجل من الصالحين) : 21. ابن الفقاعى على بن أبى الحسن: 318. أبو الفوارس الجيزى: 181. أبو الفيض- (انظر: ذو النون المصرى، ثوبان) . (ق) القابسى: 322. قابيل (بن آدم) : 45. ابن قادوس: 298، 299. ابن القاسم- (انظر: عبد الرحمن بن القاسم العتقى) . ابن القاسم (غلام بنان الحمّال) : 561. الشيخ أبو القاسم (الأنبارى) - (انظر: الحسين بن الأنبارى) . أبو القاسم (الإمام) : 602. القاسم بن إبراهيم (طباطبا) : 249، 250. القاسم بن إسحاق المؤتمن: 161، 177. أبو القاسم الأقطع: 357، 358. أبو القاسم الجرجانى (الوزير) - (انظر: على بن أحمد) . أبو القاسم الجنيد- (انظر: الجنيد) . أبو القاسم الحاكى: 305. أبو القاسم بن الحباب: 54، 181. أبو القاسم حمزة بن محمد الكنانى: 180. أبو القاسم خلف بن أحمد الحوفى: 395. أبو القاسم سعد بن على الريحانى: 395. أبو القاسم الصدفى (عبد الرحمن بن محمد) : 633. القاسم الطيب بن محمد المأمون: 194، 195، 196، 418. أبو القاسم عبد الرحمن بن أبى بكر الأدفوى: 274، 275، 276. أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن اللواز: 322. أبو القاسم عبد الرحمن بن رسلان: 636. أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم (انظر: عبد الرحمن) . أبو القاسم عبد الغنى بن أبى الطيب (الإمام) : 342. القاسم بن عبد الله: 197. أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن الجلّاب: 457. أبو القاسم عبد الواحد بن محمد البلخى: 457. أبو القاسم الجرجانى- (انظر: على بن أحمد الجرجانى) . القاسم بن على الدمشقى: 637. أبو القاسم الفريد (صاحب الخيار) : 448. أبو القاسم الفوطىّ: 440. القاسم بن فيّره الرّعينى (الإمام الشاطبى) : 630، 631، 632.

أبو القاسم القشيرى- (انظر: مسلم بن الحجاج) . أبو القاسم محمد بن الطّرطوشى: 389. القاسم بن المغيرة الجوهرى: 443. أبو القاسم مكى بن عبد السلام الرّميلى: 638، 640. أبو القاسم نصر بن عقيل: 481. قاسم بن هاشم بن فليته (صاحب مكة) : 531. أبو القاسم اليحمودى (الشيخ المحدّث) : 181، 356، 357 أبو القاسم يحيى بن الحضرمى: 478. قتادة: 107، 458. قثم بن العباس بن عبد المطلب: 157. قس بن ساعدة الإيادى: 625. القشيرى- (انظر: أبو القاسم القشيرى) . القصّار: 290. القضاعى- (انظر: محمد بن سلامة) . القعنبيّ (عبد الله بن مسلمة بن قعنب) : 30. القفصى المتزهد: 288. القمّاح (رجل من الصالحين) : 421. قيس: 625. قيس بن حذافة: 149. قيس بن الربيع: 409. (ك) ابن الكاتب: 375. كافور الإخشيدى (أبو المسك بن عبد الله) : 185، 244، 245، 321، 323، 324، 325، 513، 523، 524، 525، 526، 527، 528، 544، 545. الكامل بن شاور بن مجير: 621. الكامل بن الملك العادل: 540، 541، 608، 628. الكتّانى: 470. كثيّر عزّة: 152. أبو كثير المؤذّن: 587. الشيخ الكحّال: (من الصالحين) : 333. كسرى (عظيم الفرس) : 26، 150، 151، 374. كعب الأحبار: 7. كلثوم- أو كلثم- العربية: 262. كليب (انظر: الشيخ أبى الغنائم) . كمال الدين الدّميرى: 179. كمال الدين بن العديم: 535. الكمال الضرير: 630. الكمال القليوبى: 633. الكندى (رجل من الزهاد الصالحين) : 326. الكندى- (انظر: محمد بن يوسف الكندى) . الكيا الهراسى: 481.

(ل) لؤلؤ (غلام خمارويه) : 653. اللّوّان: 322. ابن لهيعة- (انظر: عبد الله بن لهيعة الحضرمى) . الليث بن سعد (الإمام) : 5، 23، 160، 163، 230، 360، 405، 408، 409، 410، 411، 412، 413، 414، 415، 416، 417، 418، 426، 544. (م) المأمون (الخليفة العباسى) : 174، 651. مؤمن آل فرعون: 20. ابن الماجشون (عبد الملك بن عبد العزيز المالكى) : 436. ابن ماجه (أبو عبد الله محمد بن يزيد القزوينى) : 114، 139. الماذرائى (الوزير) - (انظر: أبو بكر ابن محمد) . ابن مالك (صاحب الألفية) : 481. مالك بن إنس (الإمام) : 30، 64، 65، 98، 206، 207، 209، 210، 409، 410، 415، 425، 426، 428، 429، 430، 431، 432، 434، 435، 442، 457، 458، 459، 484، 488، 489، 511. مالك بن دينار (أبو يحيى) : 15، 16. مالك بن سعيد الفارقى: 422، 423. مالك بن طوق (صاحب الرحبة) : 457. مالك بن نويرة (فى شعر) : 26. المباحى (رجل من الصالحين) : 313. ابن المبارك- (انظر: عبد الله بن المبارك) . مبارك السندى (الناسك) : 99. مبشّر بن إسماعيل: 45. مبشر الخير: 294. المتوكل (الخليفة العباسى- جعفر بن المعتصم) : 217، 218، 219، 385، 386، 490. مجاهد: 438. المحاسبى (الحارث- المتصوف) : 375. المحاملى (صاحب التصانيف المشهورة) : 292. محب الدين بن النجار: 540. المحسن بن القاسم بن محمد: 420. محفوظ بن على: 633. محمد رسول الله- (النبي صلّى الله عليه وسلم) : 4، 8، 12، 13، 25، 26، 27، 28، 29، 30، 31، 34، 35، 36، 37، 38، 39، 40،

42، 43، 44، 46، 47، 48، 49، 50، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 61، 62، 63، 64، 65، 73، 78، 80، 84، 94، 97، 102، 103، 107، 109، 110، 111، 113، 114، 115، 116، 117، 118، 119، 120، 121، 125، 128، 129، 131، 132، 134، 135، 136، 137، 138، 139، 142، 143، 144، 145، 146، 148، 149، 150، 151، 152، 153، 159، 160، 161، 164، 166، 167، 177، 186، 187، 188، 189، 190، 191، 193، 194، 196، 197، 203، 205، 206، 215، 216، 217، 223، 229، 238، 239، 241، 242، 249، 253، 254، 255، 262، 267، 268، 273، 274، 277، 278، 283، 294، 299، 302، 309، 310، 311، 334، 337، 338، 342، 351، 354، 356، 373، 381، 386، 388، 389، 396، 397، 398، 415، 418، 420، 428، 430، 432، 434، 440، 454، 458، 475، 476، 480، 481، 483، 485، 489، 490، 491، 492، 493، 495، 497، 504، 511، 512، 519، 520، 524، 539، 540، 545، 549، 555، 556، 561، 575، 601، 602، 607، 624، 631، 632، 634، 638، 640، 662، 664. محمد (من أصحاب قضبان الذهب) : 212. محمد بن إبراهيم بن ثابت (الكيزانى) : 175، 638. محمد بن أحمد (ابن أخت الزبير بن العوام) : 297. محمد بن أحمد بن إسحاق (أبو يحيى) : 544، 545. محمد بن أحمد بن سابق الخولانى: 485. محمد بن أحمد بن سلامة: 222. أبو محمد أحمد بن عبد الله المزنى: 508. محمد بن إدريس (الإمام الشافعى) : 52، 63، 64، 66، 130، 132، 160، 163، 171، 172، 173، 175، 176، 189، 275، 312، 405،

407، 409، 413، 426، 429، 430، 434، 441، 442، 443، 463، 478، 482، 483، 484، 485، 486، 487، 488، 489، 490، 491، 492، 495، 496، 497، 498، 503، 504، 505، 506، 507، 508، 510، 511، 638، 646. محمد بن إسحاق: 137، 506. محمد بن أسعد الأنصارى: 181. محمد بن الأسعد بن على الحسينى النّسّابة: 177، 231. محمد بن أسلم الزهرى: 408. محمد بن أبى بكر الصّدّيق: 200، 661، 662، 663، 664. محمد بن تكين: 184، 269. محمد بن ثابت بن فرج الجيزانى: 633. محمد بن جعفر بن أبى طالب: 661. محمد بن جعفر الحسينى: 193. محمد بن حديد (القاضى) : 621. محمد بن حسن بن محمد الحسينى: 437. أبو محمد الحسن بن على بن الحسن الأزرق: 251. أبو محمد الحسن بن عمر الخولانى: 277. محمد أبو الحسن بن محمد الخولانى: 273. محمد بن الحسين بن قتيبة: 227. أبو محمد الخطيب: 307. محمد الخلاطى (صاحب المزنى) : 511. محمد بن خلف: 124. محمد الخياط: 51. محمد ذو العقلين (من الصالحين) : 371. محمد بن سعد الحرّانى (الشريف النّسّابة) : 574. محمد بن سعيد العطار: 485. محمد بن سلامة، أبو عبد الله (القضاعى) : 8، 9، 19، 23، 24، 140، 149، 166، 174، 177، 180، 274، 276، 332، 339، 340، 360، 362، 392، 419، 452، 475، 566، 650. أبو محمد السّمنانى: 41. محمد بن سهل بن الفضل الثعالبى: 566. محمد بن شاذان الجوهرى: 221، 225. محمد الصّيمرى (الفقيه) : 477. أبو محمد الضرير: 99. محمد بن طغج (الأمير) : 476. محمد بن عبد الله (قاضى أسيوط) : 524. محمد أبو عبد الله (ابن الشافعى) : 496.

أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زين: 468. محمد بن عبد الله بن أحمد (الأزرق الصغير) : 251. أبو محمد بن برغشى- (انظر: عبد الله ابن برغش النّسّابة) . محمد بن عبد الله بن جعفر الطّيّار: 157. أبو محمد عبد الله بن رفاعة: 181. أبو محمد عبد الله بن شيبان (الردينى) : 641. محمد بن عبد الله بن الحكم (صاحب تاريخ مصر) : 179، 429، 485، 497، 510. أبو محمد عبد المولى بن محمد (اللّخمى) : 610. أبو محمد عبد الوهاب بن على (القاضى والفقيه المالكى) : 456، 457، 458، 460، 464. محمد بن عجلان: 409. محمد بن على بن أبى طالب (ابن الحنفية) : 157. محمد بن على الماذرائى: 650. محمد بن عمر الأندلسى: 210. أبو محمد بن أبى الفتح الكتامى (الإمام) : 637. محمد بن فرج الحضرمى: 528. محمد بن الفضل: 424. محمد بن القاسم: 527. محمد بن القاسم الشاطبى (أبو عبد الله) : 632. أبو محمد بن أبى القاسم: 410. محمد بن قطن: 382. أبو محمد بن اللهيب: 350. محمد المؤذن: 505. محمد بن محمد بن عبد الله بن الأشعث: 468. محمد بن محمد بن الفرّاء (أبو الحسن البغدادى) : 38، 323، 544. محمد بن محمد المدنى: 41. محمد المرابط: 344، 345. ابن محمد المنقرى: 109. محمد بن مهران بن مخلد: 82. أبو محمد النّحّاس: 478. محمد بن نصر المروزى: 491. محمد بن النعمان: 256. محمد بن هاشم بن محمد الباقر: 421. محمد بن هامان المعافرى (أبو عبد الله المقرئ) : 449. محمد بن واسع: 34، 303. محمد بن وهب: 416. محمد بن يحيى الأسوانى (أبو الذكر القاضى) : 476. محمد بن يحيى: 432، 499. محمد بن يحيى الحرّانى: 108. محمد بن يحيى (تلميذ الغزالى) : 498. محمد بن يحيى بن مالك بن أنس: 438. محمد بن يوسف الكندى (أبو عمر) : 149، 199، 202، 256،

535. محمود بن سالم بن مالك الطويل (الأمير) : 24، 428، 551، 603، 604. محيى الدين النواوى: 492. مرثد بن عبد الله اليزنى (أبو الخير) : 152. أبو مرثد الغنوى (كنّاز بن حصين) : 64. ابن مرزوق (الفقيه المالكى) : 180. مروان بن الحكم: 497. المروزى: 38. مريم ابنة عمران (عليها السلام) : 8، 167. المزنى- (انظر: إسماعيل بن يحيى) . المسبحى: 323. المستعين بالله (الخليفة العباسى، أحمد بن محمد) : 652. المستنصر بالله (الفاطمى) : 22. مسروق: 556. ابن مسعود- (انظر: عبد الله بن مسعود) . أبو مسعود البدرى (عقبة بن عمرو الأنصارى) : 39. المسكى: 444، 455. مسلم بن أبى بكرة، نفيع بن الحارث: 215. مسلم بن الحجاج القشيرى (الإمام) : 44، 110، 119، 120، 145، 151، 152، 215، 470، 573. أبو مسلم الخولانى: 539. أبو مسلم محمد بن أحمد الماذرائى: 648. ابن مسلم (محمد بن مسلم المرادى) : 207. مسلمة بن مخلّد الزّرقىّ: 144، 145. المسيح: (انظر: عيسى بن مريم عليه السلام) . مسيلمة (الكذّاب) : 127. مشرح بن هاعان: 544. أبو المصرخّى: 123. المصفّر: 455، 456. مضارب بن إبراهيم: 44. المظفر: 527. مظفر الدين بن زين الدين: 540. معاذ بن جبل (الصحابى) : 360، 606، 607، 608. معاذ بن رفاعة: 98. معاذة العدوية (زوجة صلة بن أشيم) : 334، 335. أبو المعالى الشافعى (الفقيه) : 181. أبو المعالى على: 181. أبو المعالى مجلّى بن جميع بن نجا القرشى: 632، 633، 634، 641. معاوية بن حديج: 662. معاوية بن أبى سفيان: 129، 132، 139، 140، 144، 145، 360، 420، 661.

معبد بن العباس بن عبد المطلب: 157. المعتز بالله: 649. ابن المعتز- (انظر: عبد الله بن المعتز) . أبو معدان: 543. معروف الكرخى (أبو محفوظ) : 108، 118. المعز لدين الله الفاطمى- (انظر: أبو تميم معد بن منصور) . معقل بن يسار: 39، 40. معمر: 102، 103. معن بن زيد بن سليمان: 605. المفضل بن فضالة (القاضى) : 179، 328، 332، 468. مفضل بن فضالة (حفيد المفضل القاضى) : 329. مقبل الحبشى: 211. المقتدر بالله: 528. المقداد بن الأسود: 287. الشيخ مقدام (دليل الحاج) : 646. المقطم بن بيصر: 5، 8. المقوقس (عظيم القبط) : 5، 6، 7، 140. الملاح (من الزهاد الصالحين) : 357. أبو المليح الهذليّ: 119. ممشاد الدينورى: 581، 588. ابن مندة: 478. المنذرى- (انظر: عبد العظيم المنذرى) . منصور بن إسماعيل الضرير: 256. أبو منصور الثعالبى (صاحب يتيمة الدهر) : 236. منصور الزيات: 358. أبو منصور بن أبى طاهر (جلال الدولة) : 463. المنصور بن العزيز عثمان بن صلاح الدين: 622. منصور بن عمّار: 104، 108، 401، 418، 446، 447. أبو منصور بن المحتسب: 423. أبو منصور معمر بن أحمد الأصبهانى: 375. أبو المنيع رافع بن دغش الأنصارى: 638، 639. المهدى (الخليفة العباسى) : 544. المهمهم: 290. مهياييل (ملك) : 339. ابن المواز: 435. موسى (عليه السلام) : 8، 9، 15، 23، 44، 129، 136، 188، 204، 649. أبو موسى الجزولى: 644. أبو موسى الجيزى: 378. موسى بن عبد الرحمن بن القاسم: 438. أبو موسى عيسى بن إبراهيم الغافقى: 430. أبو موسى عيسى الخرّاط: 357. موسى الكاظم بن جعفر الصادق: 421. موسى بن يونس بن عبد الأعلى

الصّدفى: 543. الموفق بالله، أبو أحمد بن المتوكل (الخليفة العباسى) : 223، 224، 649. الموفق (القاضى) : 289. الموفق يوسف بن محمد بن الخلال: 620، 621. ابن ميسر حاج الدين محمد بن على المصرى: 283. ابن ميسّر (المؤرخ) : 283، 288، 457. الميمون بن حمزة بن عبد المطلب: 157. ميمون بن مهران: (أبو أيوب الرّقّىّ) : 82. ميمونة العابدة: 424، 425، 439، 450. (ن) النابغة بنت حرملة (أم عمرو بن العاص) : 131. نافع (مولى عبد الله بن عمر) : 408، 415، 489، 511. ابن نباته (أبو يحيى الفارقى) : 104. النجاشى: 48، 134، 135. نجم الدين الخبوشانى (محمد بن الموفق) : 497، 499. نجم الدين اليمنى- (انظر: عمارة بن على) . ابن النحوى: 412، 427. ابن النّحّاس: 279، 280. النخعى: 65. النّسائى (الإمام أحمد بن شعيب) : 44، 110، 139، 151، 430، 431. النسرينى: 531. النصراباذى: 322. نصر (الفقيه) : 455. أبو نصر بن الحسن الشيرازى: 280. نصر بن دارم: 265. أبو نصر سراج الدين المعافرى (الزاهد) : 180، 282. نصر بن محمد بن أحمد (القاضى) : 509. نصر المقدسى: 633. نصر بن أبى المنصور المالكى: 341. ابن نظيف (العالم المحدّث) : 181. أبو نعيم (صاحب الحلية) : 470. نفطوية: 490. السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور: 156، 158، 159، 160، 161، 162، 163، 164، 165، 166، 167، 168، 169، 170، 171، 172، 173، 174، 175، 176، 177، 178، 179، 183، 184، 185، 186، 187، 188، 189، 190، 191، 192، 419، 649.

نفيسة بنت زيد الأبلج (عمة السيدة نفيسة) : 178، 192. نفيسة بنت على بن الأزرق: 252. نفيسة بنت على بن الحسن بن إبراهيم: 252. نوح (عليه السلام) : 5، 57، 84. نوح بن أسد السّامانى: 651. نور الدين (الأفضل) : 622. النورى (أبو الحسين) : 550. النّوشرى (والى مصر) : 558. النووى: 631. النيسابورى (رجل من الصالحين) : 294. (هـ) هابيل (بن آدم) : 45. هارون الإيلى: 207. هارون (أخو موسى- عليه السلام) : 204. هارون الرشيد (الخليفة العباسى) : 235، 411، 412، 487، 489. هارون بن سعيد: 426. ابن هاشم المقرئ: 180. أبو هان الخولانى: 274. هبة العتال: 270. هبة الله اليحمودى- (انظر: أبو القاسم) . هبة الله بن مسافر: 321. الهروى: 450. أبو هريرة (عبد الرحمن بن صخر) : 25، 30، 35، 37، 99، 111، 119، 152، 153، 206، 217، 389، 424، 640. ابن هشام (صاحب الرواية) : 359. هشام بن سعد: 409. هشام بن عامر: 336. هشام بن عبد الملك: 585. هشام بن عمّار (مؤدب المتوكل) : 490. هلال بن يحيى: 219. همّام بن الحارث: 377. الهنائى: 5. هود (عليه السلام) : 295. الهيثم بن عدىّ: 89. (و) الواسطى (الواعظ) : 337. الواقدى (المؤرخ) : 151. ابن الوردى (الفقيه) : 181، 190، 436. ورش (الإمام أبو عمرو عثمان المقرئ) : 180، 438، 500، 501، 543. ابن الوشاء- (انظر: عبد الله بن الوشاء) .

وصيف (من قواد أحمد بن طولون) : 20. ابن الولحشى (الوزير) : 347. أبو الوليد بن أبى الجارود: 443. الوليد بن عبد الملك بن مروان: 89، 178، 295. الوليد الهاشمى: 562. وهب: 528. وهب بن منبه: 295. ابن وهبان: 505. (ى) الياسمينى (رجل من الصالحين) : 326، 531. ياقوت الكاتب: 537. يانس الرومى (وزير مصر) : 286. يحيى: 117. يحيى بن أكثم: 102، 103. أبو يحيى البغدادى- (انظر: محمد بن أحمد بن إسحاق) . يحيى بن بكر: 407. يحيى بن بكير (راوى الموطّأ عن مالك) : 259، 408، 409، 435. يحيى بن الحسين بن على بن الأشعث: 468. يحيى بن الربيع: 579. يحيى بن زكريا (عليه السلام) : 98. يحيى بن زيد بن الحسن: 192، 193، 194، 198، 418. يحيى بن سعيد: 107. يحيى بن على بن أبى طالب: 661. يحيى بن على بن محمد بن جعفر (أبو القاسم العلوى) : 248. يحيى بن عمر: 433. يحيى بن القاسم (الشبيه) : 195، 196، 197، 198، 419. ابن يحيى بن مسلم (هلال الرازى) : 216. يحيى بن معاذ الرازى: 412. يحيى بن معين (أبو زكريا) : 100، 487. أبو يحيى بن هلال: 384. يزيد بن أبى حبيب: 148، 230، 408. يزيد الرقاشى: 94. يزيد بن هارون (الواسطى) : 109، 216. يشكر بن جديلة: 202. يعقوب (عليه السلام) : 14. يعقوب المالكى (الفقيه) : 342. أبو يعقوب النهرجورى (إسحاق بن محمد) : 260، 261، 262، 573. يعلى بن عمران (الزاهد) : 451، 452. الإمام اليمنى: 180. يهوذا بن يعقوب (عليه السلام) : 9، 19.

يوسف بن الحسين: 377، 385. يوسف الفقيه (إمام مسجد العدّاسين) : 351. يوسف بن عبد الأحد القمنى: 508، 511. يوسف بن عدىّ: 207. أبو يوسف يعقوب: 216، 423. يوسف بن يعقوب (عليه السلام) : 14، 15، 19، 302، 602. يوسف بن يعقوب اللغوى (الإمام) : 180. يوسف بن يوسف- (انظر: أبو سهل القصيرى) . يونس (غلام الخليفة) : 562، 563. يونس الورع (قاضى مصر) : 606. ابن يونس (المؤرخ) - (انظر: عبد الرحمن بن أحمد بن يونس) . يونس بن عبد الأعلى الصدفى: 179، 405، 407، 408، 412، 478، 485، 493، 556. يونس بن محمد (أبو الفضل المقدسى) : 181. ***

(5) «فهرس الأماكن والبلاد والبقاع»

(5) «فهرس الأماكن والبلاد والبقاع» (أ) الأبطح (مكان بمكة) : 158. الأبواء: 25. أحد (جبل) : 129. إربل (وانظر: مدينة إربل) : 481. الأرض المقدسة: 15. أستوى خبوشان: 498. اسعرد- (انظر: مدينة اسعرد) . الإسكندرية: 132، 133، 139، 251، 285، 401، 409، 432، 496، 557، 558، 605، 621. أسوان: 746. أسيوط: 524. إفريقية: 142، 539. أقاليم مصر: 408. أقريطش: 557. الأندلس: 438، 525، 539، 540، 631. أنطاكية: 403، 649. الأهواز: 326. أودية الجبل المقطم: 4، 15، 21. أيلة: 311. (ب) باب توما: 146. باب الجوانية: 498. باب السور الجديد: 205، 422، 424. باب الصفا: 250. باب القرافة: 463. باب مصر: 211. باب الموصل: 399. باب الندوة: 51. باب النصر (بالقاهرة) : 624. البادية: 598. باذرايا: 461. باكسايا: 461. البرز (مكان) : 268. البحر المالح: 342، 434، 474. برر (موضع) : 310. برقة: 230. بركة الحبش: 347. البرلس: 509. البصرة: 87، 172، 216، 217، 221، 227، 233، 464. بطحاء مكة: 381. بغداد: 87، 172، 228، 374،

387، 399، 407، 410، 421، 441، 443، 459، 460، 461، 462، 463، 477، 481، 482، 483، 484، 495، 544، 545، 550، 563، 603، 628، 629، 652، 656. البقعة (مكان) : 278. البقيع: 176، 177. بلاد الجبل: 572. بلاد الحجاز (انظر: الحجاز) . بلاد الروم: 266. بلاد السودان: 523. بلاد العجم: 618. بلاد قضاعة: 137. بلاد المغرب (وانظر: المغرب) : 647. بيت أبى جهير الضرير: 317. بيت شمعون الواعظ: 130. بيت الله الحرام (- الكعبة- البيت- الحرم المكى) : 49، 63، 153، 162، 272، 293، 346، 400، 492، 503، 556، 560، 564، 593، 611. بيت المقدس: 14، 183، 184، 269، 298، 451، 518، 573، 574، 645. بيت يشكر: 202. بيسان (وانظر: مدينة بيسان) : 620. البيمارستان (بمصر) : 20. بين القصرين: 532، 533. (ت) تربة أحمد بن طولون: 650. تربة أسماء بنت أبى بكر بن عبد العزيز: 419. تربة أمّ مودود: 605. تربة أبى إسحاق المالكى: 602. تربة أشهب (وانظر: قبر أشهب) : 425. تربة أبى بكر الأدفوى- (انظر: قبر أبى بكر الأدفوى) . تربة بنان: 550، 566. تربة أبى جعفر بن حواصل: 362. تربة بنى درباس: 605. تربة ذى النون المصرى (وانظر: قبر ذى النون المصرى) : 374، 387. تربة سماسرة الخير: 393. تربة الإمام الشافعى (وانظر قبر ومشهد الإمام الشافعى) : 482، 498، 638، 646. تربة شيبان الراعى: 502. تربة الطحاوى: 469. تربة أبى عبد الرحمن رسلان: 634. تربة بنى عقيل: 480. تربة عمارة اليمنى (وانظر: قبر نجم الدين عمارة بن على) : 535. تربة أبى عمرو عثمان بن مرزوق: 513. تربة بنى العوّام: 147. تربة فاطمة الموصلية: 326.

تربة أبى الفضل جعفر بن الفرات: 175، 528. تربة القابسى: 322. تربة أبى القاسم (الإمام) : 602. تربة أبى القاسم على بن أحمد (الوزير) : 281، 282، 284. تربة القاضى الفاضل (عبد الرحيم البيسانى) : 620. تربة كافور الإخشيدى (وانظر: قبر كافور) : 513. تربة بنى اللهيب: 342. تربة اللّوّان: 322. تربة المباحى: 133. تربة بنى المنتجب: 531. تربة نساء الشريف طباطبا: 269. تربة النسرينى: 531. تربة الوزير الجرجانى- (انظر: تربة وقبر أبى القاسم الجرجانى الوزير) . تربة الياسمينى: 531. تنور فرعون: 19، 20. تهامة: 531. التينات: 397. تيه بنى إسرائيل: 471، 491. (ث) الثغور (أو الثغر) : 402، 403، 649. (ج) الجامع الأزهر: 470، 547. الجامع الأكبر: 480. الجامع الحاكمى: 505. جامع طرابلس: 293، 400. جامع ابن طولون: 20، 156، 202، 203، 204، 559، 650. جامع عمرو بن العاص (- الجامع العتيق- الجامع العمرى- جامع مصر) : 230، 249، 275، 278، 283، 287، 294، 297، 299، 300، 304، 322، 340، 341، 357، 370، 407، 410، 419، 426، 435، 490، 508، 604، 614، 619، 642. جامع الفيلة: 341. جامع الكرك: 626. جامع محمود (بسفح المقطم) : 428. جباب أحمد بن طولون: 508. الجبّانة (جبانة مصر) : 6، 56، 130، 147، 202، 211، 263، 264، 320، 332، 334، 595، 647. جبال الشام: 6. جبل تهامة: 442. جبل القدس (جبل الطور) : 8. جبل لبنان: 89. الجبل المقطم (- جبل مصر) : 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 11، 19، 20، 139، 140،

153، 424، 439، 520. جبل يشكر: 202. الجحفة: 310. جدّة: 346. جزيرة ابن عمر: 373. جوسق ابن أصبغ: 614، 615. جوسق عبد على: 358. جوسق الكنز: 390. جوسق الماذرائيين: 269. جوسق ابن ميسّر: 283. الجيزة: 14، 279، 383، 388. (ح) الحبشة: 26، 135، 149. الحجاز: 139، 150، 153، 165، 166، 195، 197، 237، 292، 340، 341، 343، 536، 588، 634، 756. حجرة ابن شاس: 322. الحجون (جبل بمكة) : 85. الحديبية: 132. الحرم المكى- (انظر بيت الله الحرام) . الحرم النبوى (المسجد النبوى) : 153، 160، 480، 491. الحرمين (الحرم المكى والمدنى) : 623. حصن الطائف: 215. حصون الشام: 123. الحضير (موضع) : 576، 578. حلب: 397، 535، 536، 537، 611. حلقة الفقيه أشهب بالجامع العتيق: 426، 428. حلقة أبى الحسن الدينورى: 580، 582، 588، 591. حلقة الشافعى: 441، 488. حماة: 464. حمّام عمرو بن العاص: 590. حمّام الغار: 384. الحمراء (مكان) : 416. حوش الإمام أبى جعفر الطحاوى: 470. حوش بنى يعمر: 535. حومة فيها قبور جماعة من الصالحين: 358. (خ) خبوشان: 498، 499. خراسان: 44، 539، 540. خط سارية: 605. الخندق (بمصر) : 500، 531. الخندق (مكان بالمدينة) : 134. خيبر: 132. (د) دار أم هانىء: 163.

دار الأمير (صاحب الشرطة بمصر) : 591. دار الأمير كافور: 324. دار (أو منزل) وبنان الواسطى: 552، 561. دار (أو منزل) ابن جابار الصوفى: 324، 325. دار أبى جعفر (خالد بن هارون) : 174. دار جمال الدين بن الجصّاص (كبير تجار مصر) : 163. دار الحديث (الكاملية) (وانظر: المدرسة الكاملية) : 541، 542. دار أبى الحسن الدينورى (انظر: منزل أبى الحسن) . دار الخليفة (حاكم مصر) : 445. دار أبى السرايا (أيوب) : 165. دار السرىّ بن الحكم: 165. دار السيدة نفيسة: 163، 164، 174. دار السلطان صلاح الدين: 533. دار ابن طباطبا: 245، 246. دار عثمان بن مرزوق الحوفى: 606. دار عفّان بن سليمان (الخياط) : 182، 657، 658. دار عقبة بن عامر: 146. دار عقبة بن نافع: 142. دار عمرو بن العاص (بمصر) : 662. دار فاطمة بنت جعفر الصادق: 445. دار أبى الفضل بن الجوهرى: 298. دار ابن القاسم (الفقيه المالكى) : 432. دار القاضى الفاضل: 532، 624. دار الليث بن سعد: 410، 416. دار الماذرائى: 269، 370. دار الإمام ورش: 501. دانية: 540. درب سالم (بالقرافة) : 282، 321. درب السباع: 165، 177. درب الشّعّارين: 205. درب الكوريين: 165. درب ملوخيا (بالقاهرة) : 623. دمشق: 70، 146، 224، 464، 469، 481، 524، 527، 535، 610، 628، 649، 652، 653. دمياط: 401. دور الماذرائيين (وانظر: دار الماذرائى) : 269. دور مصر (وانظر: ديار مصر) : 197. دويرة بكّار (مكان) : 282، 321. ديار مصر (أو الديار المصرية) : 198، 237، 245، 258، 263، 322، 370، 395، 412، 469، 470، 498، 539، 550، 618، 622، 633، 640. الديار المصرية والشامية: 266، 389. الدّيلم: 156.

دينور: 572، 576، 578، 600. ديوان الإنشاء (بالقاهرة) : 617، 620، 621، 644. ديوان الجيش: 621. (ذ) ذروة الجبل المقطم: 19. ذو قرد: 620. ذو الحليفة: 662. (ر) رأس الروضة: 14. رأس الصيرة: 263. رأس الطالبية: 200. رأس العين (مكان بحلب) : 611. رأس اليانسية: 636. رباط الفقيه نصر: 455. رباط المغربى: 481. الرحبة: 49، 457. الرّس (قرية من قرى المدينة) : 249، 250. الرّقّة: 653. الركن اليمانى: 381. الرملة: 222. الروضة النبوية الشريفة: 632. ريف مصر: 156. (ز) زبيد: 531، 532. (س) سامرّا (أو سرّ من رأى) : 651. سجن أحمد بن طولون: 456. سفح المقطم: 4، 5، 6، 7، 13، 14، 67، 225، 456، 550، 551، 603، 616. السلاسل: 137. سمرقند: 555. السودان- (انظر: بلاد السودان) . سوق أمير الجيوش بدر الجمالى: 313. سوق البزازين (بمصر) : 460. سوق بنى حباسة: 525. سوق الحلاويين: 333. سوق الرقيق: 427. سوق الصّاغة: 444، 445. سوق القرافة: 460. سيف البحر: 245، 246. (ش) شاطبة (مدينة بشرق الأندلس) : 631. الشام: 133، 138، 178، 262، 263، 264، 340، 360، 374، 380، 381، 465، 505، 520، 539، 620، 622، 626، 640، 641، 649، 652، 662. شطا: 401.

(ص) صحارى مصر: 433. صحراء القاهرة: 624. الصعيد (صعيد مصر) : 441، 467، 579، 580. الصفا (ناحية بمصر) : 552. الصّفاح (مكان) : 122. صفّين: 92، 540، 661. صنعاء: 485. الصّواف: 586. (ض) ضريح سعد بن عبادة: 70. ضريح السيدة نفيسة (وانظر: مشهد السيدة نفيسة وقبر السيدة نفيسة) : 183، 184، 186، 187، 191، 192. ضريح الشافعى- الإمام (وانظر: تربة الشافعى، وقبر الشافعى، ومشهد الشافعى) : 498. ضريح الفقاعى: 317. (ط) الطائف: 82. طحا (بلدة بصعيد مصر) : 467. طرسوس: 653. طريق بيت المقدس: 451. طريق تبوك: 555. طريق الحجاز: 491. طريق مصر: 184. طريق مكة: 554. الطور: 172. طوى (الوادى المقدس) : 9. (ظ) ظاهر القاهرة: 637، 650. (ع) العارض (بالمقطم) : 547، 550. العراق: 234، 275، 276، 292، 482، 495، 536، 539، 543، 611. عراق العجم: 539. العرصة: 65. العريش: 162. عسفان: 119. عسقلان: 496، 620. العقبة: 182. عقبة سراج: 282. عقبة موسى (عليه السلام) : 23. عمواس (موضع بفلسطين) : 607. عيذاب: 346، 626. العين الزّرقاء (بالمدينة المنورة) : 624.

عين شمس: 19. عين المعافر: 20. (غ) غزّة: 496. (ف) فاس (مدينة) : 90. الفج (طريق) : 139. الفرات: 627. فسطاط مصر (وانظر مصر القديمة) : 656 (ق) القادسية: 39. قاعة الخطابة بالجامع الأزهر: 547. القاهرة: 190، 200، 202، 285، 299، 300، 348، 349، 391، 540، 542، 547، 548، 595، 620، 622، 623، 632. قباب الصدفيين: 405، 408، 477. قبة الإمام الشافعى: 175، 463. قبة الخضر (عليه السلام) : 21. قبر السيدة آمنة بنت الحسن (من آل طباطبا) : 252. قبر السيدة آمنة بنت وهب (أم النبي صلّى الله عليه وسلم) : 25، 26، 62. قبر إبراهيم الخليل (عليه السلام) : 162. قبر إبراهيم بن سعيد الحبّال: 277. قبر إبراهيم بن شيبان: 41. قبر إبراهيم بن محمد (عليه السلام) : 65. قبر إبراهيم بن اليسع بن إسحاق: 602. قبر أحمد بن طولون: 72، 649. قبر أحمد بن يونس بن عبد الأعلى: 477. قبر إدريس الخولانى: 359. قبر أبى الأزهر عبد الصمد بن الإمام عبد الرحمن بن القاسم: 438. قبر الفقيه أبى إسحاق إبراهيم (العراقى) : 341. قبر الشيخ أبى إسحاق إبراهيم بن محمد: 240، 609. قبر الفقيه أبى إسحاق المروزى: 482. قبر المقرئ إسماعيل الحدّاد: 474. قبر إسماعيل المزنى: 332. قبر القاضى الأشرف، بهاء الدين: 628. قبر أشهب (صاحب الإمام مالك) : 424، 425، 429. قبر أصحاب قضبان الذهب: 212. قبر «أعلاهم» الشامى: 441. قبر الأنبارى: 291. قبر الأهوازى: 326. قبر ابن بابشاذ النحوى: 283. قبر الشريف بدر الدين الحسينى العريان: 437.

قبر الفقيه أبى البركات: 346. قبر الشيخ برهان الدين بن عبد العزيز: 614. قبر البزاز: 415، 316. قبر البسطامى: 284. قبر بشرى بن سعيد الجوهرى: 302، 452. قبر أبى بصرة الغفارىّ: 7. قبر الشيخ أبى البقاء صالح بن الحسين (المبتلى) : 614، 616. قبر القاضى بكّار بن قتيبة: 212، 214، 228، 332. قبر بكّار بن محمد المعافرى: 321. قبر أبى بكر الأدفوى: 271، 274، 276. قبر أبى بكر الإصطبلى: 603. قبر أبى بكر القمنى: 331، 332. قبر أبى بكر محمد بن الإمام: 321. قبر أبى بكر محمد بن داود الدّقّىّ: 596. قبر أبى بكر محمد بن على الماذرائى: 267. قبر أبى بكر محمد القسطلانى: 342. قبر أبى بكر بن محمد المالكى: 545. قبر أبى بكر المصفر: 455، 456. قبر البكرى: 269. قبر بنان بن محمد، الحمّال الواسطى: 550، 551. قبر السيدة التّائبة: 326. قبر التّالى لكتاب الله، شرف الدين يحيى: 438. قبر ابن الترجمان: 389. قبر ابن تميم الدارى: 326. قبر ثابت البنانى: 97، 98، 129. قبر ابن ثعلب المالكى: 354. قبر ابن جابار الزاهد: 323. قبر الشريف الجارودى: 269. قبر الجزرىّ: 373. قبر الفقيه أبى جعفر الطحاوى: 465. قبر جمّال عائشة: 359. قبر الشيخ جمال الدين عبد الله بن يحيى: 468. قبر الحافى: 271. قبر الحبشى (رجل صالح) : 294. قبر ابن حذيفة اليمانى، عبد الله: 361. قبر الشيخ أبى الحسن (ابن بنت أبى سعد) : 342. قبر أبى الحسن البلخى: 337. قبر أبى الحسن الحبّال: 497. قبر الحسن بن الحسين بن جعفر الصادق: 424. قبر أبى الحسن الحوفى: 279. قبر أبى الحسن بن الخلعى (القاضى) : 280. قبر أبى الحسن الدينورى (ابن الصائغ) : 101، 212، 232، 434، 572، 582، 583، 592، 593، 594، 595. قبر أبى الحسن الصايغ: 337. قبر أبى الحسن الصّفّار: 454، 455، 456

قبر أبى الحسن الطرائفى: 529. قبر أبى الحسن بن على (ولد صاحب الحورية) : 249، 255. قبر أبى الحسن على التّمّار: 438. قبر الفقيه أبى الحسن على بن كبيش: 454. قبر أبى الحسن على بن مرزوق الرّدينى: 605. قبر الشيخ أبى الحسن الفرّار: 395. قبر الشيخ أبى الحسن القرافى: 316. قبر الشيخ أبى الحسن نور الدين: 446. قبر الشيخ أبى الحسن الورّاق: 570. قبر الشيخ أبى الحسن بن الوفا المصلّى: 278. قبر الحسين بن الأشعث: 468. قبر الحسين بن كثير: 500. قبر الحفّار: 287. قبر أبى حفص العمروشى (القارئ) : 619. قبر ابن حليمة (أخى رضيع رسول الله صلّى الله عليه وسلم) . قبر حمدونة العابدة: 450. قبر أبى حمزة الخولانى: 274. قبر حمزة بن عبد المطلب: 26، 62. قبر خبّاب بن الأرتّ: 92. قبر الشيخ خروف، أبى الطيب: 355. قبر خلف الصرفندى: 646. قبر خلف الكتّانى: 234. قبر خمارويه بن أحمد بن طولون: 263. قبر الخياط: 505. قبر خيثمة (الأمير الزاهد) : 456. قبر أم الخير بنت إبراهيم القرشى: 614. قبر أبى الخير الأقطع التيناتى: 395، 396. قبر أبى الخير سلامة بن إسماعيل المقدسى: 419، 420. قبر القاضى الخير بن نعيم: 229. قبر خيزرانة المكاشفة: 608. قبر دانيال النبي: 98. قبر الدّرعى: 351. قبر دينار العابد: 317. قبر ذرّ (الهمدانى) : 61. قبر ذى النون العدل (الإخميمى) : 338. قبر ذى النون المصرى (ثوبان) : 140، 332، 362، 377، 396. قبر الذهبى (أبو حفص عمر المقدسى) : 287، 352. قبر رابعة العدوية: 172. قبر أبى الربيع الزّبدى: 362، 370. قبر الشيخ أبى الربيع سليمان: 341. قبر الفقيه أبى رجاء محمد بن الإمام أشهب: 438. قبر الشيخ أبى رحمة: 229. قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم (وانظر: الروضة النبوية، والحرم المدنى والمسجد النبوى: 37، 64، 160، 161، 242، 388، 398. قبر روبيل بن يعقوب (أحد إخوة يوسف

عليه السلام) : 602. قبر ابن ريحان: 279. قبر أبى زرارة (القاضى) : 355. قبر زردانة القابلة، أم محمد بنت الحسين: 566. قبر الزعفرانى: 290. قبر الشريف الزفتاوى: 316. قبر الشيخ الزّقّاق أحمد بن نصر: 470. قبر الشيخ زكى الدين عبد المنعم: 480. قبر ابن زولاق (المؤرخ المصرى) : 255. قبر زينب بنت الأباجلى: 439. قبر الشريفة زينب بنت الحسن: 155، 424. قبر الصحابى سارية بن زنيم: 618. قبر سالم العفيف: 332. قبر السبتى: 292. قبر سراج الدين: 282. قبر القاضى سرىّ الدين المالكى: 464. قبر أبى سعد المالينى: 282. قبر سفيان النّيدى: 328. قبر السّكّرىّ: 326. قبر الشيخ سليمان بن عبد السميع القوصى: 601. قبر سليمان اليشكرى: 505. قبر أبى السّمراء الضرير: 608. قبر سهل بن أحمد البرمكى: 233، 234، 259. قبر الشيخ سهل الخشاب: 390. قبر أبى سهل القصيرى، يوسف: 538. قبر الشاب التائب: 282. قبر الإمام الشاطبى (القاسم بن فيّره) : 630. قبر الإمام الشافعى (وانظر: تربة ومشهد الإمام الشافعى) : 490، 495، 496، 497. قبر شحاذ الفقراء: 391. قبر الشيخ شرف الدين الأخفافى: 465. قبر الشيخ شرف الدين بن الخشاب: 328. قبر شرف الدين أبى الطاهر محمد: 542. قبر الشريف: 371. قبر أبى شعره (صاحب الدار) : 329، 394. قبر شقران العابد: 362. قبر شكر الأبله: 278. قبر صاحب الإبريق: 437. قبر صاحب الخيار- (انظر: قبر أبى القاسم الفريد) . قبر صاحب الدار- (انظر: قبر أبى شعرة) . قبر صاحب الدّرّابة: 372، 373. قبر صاحب الرّمّانة: 646. قبر صاحب القنديل: 327. قبر صاحب الكرمة: 288. قبر صاحب الوديعة: 291. قبر الصّفّار- (انظر: قبر أبى الحسن الصفار) .

قبر صلة بن أشيم العدوى: 334. قبر الضيف: 265. قبر القاضى أبى الطاهر (ابن نصير) : 257. قبر الشريف ابن طباطبا: 242، 243. قبر الشيخ أبى الطيب خروف- (انظر: قبر الشيخ خروف) . قبر أبى الطيب الهاشمى: 314. قبر عائشة (جبر الطّير) : 473. قبر أبى العباس أحمد بن المشجرة: 212. قبر أبى العباس أحمد بن عبد الله المالكى: 390. قبر أبى العباس أحمد بن اللهيب: 350. قبر أبى العباس الإربلى: 480. قبر أبى العباس الجميزى: 213. قبر أبى العباس الدّيبلىّ: 311، 312. قبر عبد الجبار الفرّاش (الشيخ العفيف) : 602. قبر الشيخ عبد الحميد القرافى: 347. قبر عبد الرحمن بن أبى بكر: 26. قبر عبد الرحمن الخوّاص: 211. قبر عبد الرحمن الدّيباح: 262. قبر عبد الرحمن بن عبد الحكم: 497. قبر ابن عبد الرحمن بن عوف الزهرى: 66، 371. قبر عبد الرحمن بن القاسم العتقى المالكى: 429، 430، 437. قبر الشيخ عبد الرحمن المصينى: 646. قبر عبد الصمد البغدادى: 332. قبر الشيخ عبد العزيز الخوارزمى: 327. قبر ابنة عبد العزيز الديرينى: 73. قبر عبد الغالب وابن رحّال السكندرى: 342. قبر عبد الله بن أحمد بن طباطبا: 241. قبر عبد الله بن برّى: 642. قبر أبى عبد الله الحسين بن بشرى: 298، 311. قبر عبد الله بن عبد الحكم: 496. قبر عبد الله بن لهيعة: 543. قبر الفقيه أبى عبد الله محمد بن أحمد: 469. قبر الفقيه أبى عبد الله محمد بن بشّار 480. قبر الفقيه أبى عبد الله محمد بن رسلان: 637. قبر أبى عبد الله محمد بن القاسم الشاطبى: 632. قبر أبى عبد الله محمد بن هامان (المقرئ) : 449. قبر الشيخ أبى عبد الله بن المسبح: 281. قبر أبى عبد الله الواسطى (محمد بن إبراهيم) : 438. قبر أبى عبد الله بن الوشاء: 318، 321. قبر الفقيه عبد الله بن وهب (صاحب الإمام مالك) : 206. قبر عبد الوهاب القاضى: 500. قبر عبود- أو عتود- العابد: 287.

قبر الشيخ عتبة الزاهد: 321. قبر الفقيه عتيق بن بكّار: 464. قبر العصافيرى: 290، 291. قبر عفان بن سليمان الخياط: 656. قبر العفيف العطار (عفيف الدين عبد الخالق) : 405. قبر الصحابى عقبة بن عامر الجهنى: 7، 35، 132، 140، 144، 146، 147، 359، 360. قبر الشيخ على أبى الحسن (طبّ الوحش) : 474. قبر على بن الحسن (صاحب الحورية) : 247. قبر أبى علىّ الرّوذبارىّ: 374. قبر الشيخ أبى على الكاتب: 568. قبر الشيخ على بن محمود المغربى: 566. قبر أبى عمران موسى الأندلسى (الواعظ الضرير) : 387. قبر الشيخ عمر بن الحسين بن على بن الأشعث: 467، 468. قبر عمر بن دحية الكلبى: 539. قبر عمر بن الفارض (شرف الدين) : 546، 550. قبر الفقيه عمر المقدسى- (انظر: قبر الذهبى) . قبر عمرو بن العاص: 7، 132، 138، 140. قبر عنبسة: 205. قبر عنتر النجار: 440. قبر أبى العياش بن هاشم (المقرئ) : 420. قبر العيناء: 361. قبر الشيخ أبى غلبون (رجاء) : 640. قبر الشيخ أبى الغنائم كليب: 641. قبر غياث بن فارس اللخمى (أبو الجود) : 542. قبر فاطمة بنت جعفر الصادق: 443. قبر فاطمة بنت الحسين بن على بن الأشعث (المرأة الصالحة الناسكة) : 465. قبر فاطمة السوداء (من العابدات القانتات) : 358. قبر فاطمة بنت العباس: 424، 440. قبر الشريفة فاطمة بنت محمد بن الحسن: 211، 271. قبر الشريفة فاطمة بنت محمد بن عيسى: 271. قبر أبى الفتح بن بابشاذ: 648. قبر أبى الفتح الفرغانى الصوفى: 282. قبر الفقيه أبى الفدا رشيد الدين الدمشقى: 469. قبر فرج (العبد الصالح) : 255. قبر الفرّان: 292. قبر الشيخ أبى الفضائل (عتيق بن رشيق) : 341. قبر الفضل بن بحر التاجر: 439. قبر أبى الفضل بن الجوهرى (الواعظ) : 297. قبر أبى الفضل السايح: 313.

قبر أم الفضل الناسكة- (انظر قبر فاطمة بنت الحسين) . قبر الفقاعى (أبو الحسن) : 321، 326. قبر ابن الفقاعى: 318. قبر الشيخ أبى القاسم الأقطع: 357. قبر الشيخ أبى القاسم (بن أبى بكر الأدفوى) : 274. قبر الوزير أبى القاسم الجرجانى: 284. قبر الفقيه أبى القاسم عبد الرحمن بن رسلان: 636. قبر أبى القاسم الطيب: 196. قبر أبى القاسم عبد الغنى بن أبى الطيب: 342. قبر أبى القاسم الفريد (صاحب الخيار) : 448. قبر أبى القاسم الفوطىّ: 440. قبر أبى القاسم هبة الله اليحمودى: 356. قبر القصّار: 290. قبر القضاعى: 339، 340. قبر القفصى: 288. قبر القمّاح: 421. قبر كافور الإخشيدى (وانظر: تربة كافور) : 523. قبر الشيخ الكحّال: 333. قبر كلثوم- أو كلثم- العربية (المرأة الصالحة) : 262. قبر كمال الدين بن العديم: 535. قبر الكندى (المؤرخ الزاهد) : 326. قبر الفقيه الليث بن سعد: 408، 413. قبر مالك بن سعيد الفارقى: 422، 423. قبر المباحى: 313. قبر مبشر الخير: 294. قبر المحاملى: 292. قبر محمد بن عبد الحكم: 497. قبر محمد المؤذن: 294، 505. قبر محمد المجذوب: 289. قبر محمد ذى العقلين: 371. قبر الفقيه محمد المرابط: 344. قبر الفقيه محمد بن سهل الثعالبى: 566. قبر الفقيه محمد الصّيمرىّ: 477. قبر القاضى أبى محمد عبد الوهاب المالكى: 456. قبر أبى محمد بن أبى الفتح الكتامى: 637. قبر محمد بن الفضل: 424. قبر الفقيه أبى محمد بن اللهيب: 350. قبر الفقيه محمد بن محمد بن عبد الله بن الأشعث: 468. قبر محمد بن يحيى الأسوانى (أبو الذكر القاضى) : 476. قبر محمد بن يحيى بن الإمام مالك: 438. قبر الشيخ محمود بن سالم بن مالك الطويل: 603. قبر المزنى (صاحب الشافعى) : 505. قبر معاذ بن جبل: 606. قبر الفقيه أبى المعالى محلّى: 632. قبر المفضل بن فضالة (أبو معاوية

القاضى) : 328، 332. قبر مقبل الحبشى: 211. قبر الشيخ مقدام: 646. قبر المقرئ (الواعظ) : 269. قبر الملّاح (من الزهاد الصالحين) : 357. قبر أبى المنيع بن دغش الأنصارى: 638. قبر المهمهم: 290. قبر موسى بن عبد الرحمن بن القاسم: 438. قبر أبى موسى عيسى الخرّاط: 357. قبر ميمونة العابدة: 424، 439. قبر الناطق: 287. قبر النبي صلّى الله عليه وسلم- (انظر: قبر رسول الله) . قبر أم النبي صلّى الله عليه وسلم- (انظر: قبر آمنة بنت وهب) . قبر نجم الدين عمارة اليمنى: 531. قبر نجم الدين بن الموفق الخبوشانى: 497. قبر أبى نصر الزاهد (سراج المعافرى) : 282. قبر السيدة نفيسة: 174، 176، 177، 178، 179، 191. قبر النيسابورى: 294. قبر هبة العتّال: 270. قبر هبة الله بن مسافر: 321. قبر ابن هشام (صاحب الرواية) : 359. قبر الواسطى (الواعظ) : 337. قبر الإمام ورش (عثمان المدنى) : 500. قبر ابن الوشاء- (انظر: قبر أبى عبد الله ابن الوشاء) . قبر الياسمينى: 326. قبر أبى يحيى البغدادى: 544. قبر الفقيه يحيى بن بكير: 259. قبر يحيى بن زيد بن الحسن: 192، 193. قبر الفقيه يحيى بن الحسين بن الأشعث: 468. قبر يحيى بن على العلوى: 248. قبر أبى يعقوب البويطى الشافعى: 441. قبر الفقيه يعقوب المالكى: 342. قبر أبى يعقوب النهرجورى: 260. قبر يعلى بن عمران الزاهد: 451. قبر يوسف (عليه السلام) : 15. قبر الفقيه يوسف (إمام مسجد العدّاسين) : 351. قبر يونس بن عبد الأعلى الصدفى: 405. قبر يونس الورع (قاضى مصر) : 606. قبلة جامع ابن طولون (أو المحراب) : 203. قبور أصحاب الحانوت: 465. قبور أولاد أبى هريرة: 424. قبور بنى تاشفين: 284. قبور الخمسة الأبدال: 292. قبور الخولانيين: 273. قبور السادة المعافرية- (وانظر: قبور شيوخ المعافر) : 441.

قبور سماسرة الخير: 281، 394. قبور الشّمّاعين: 294. قبور الشهداء (بأحد) : 129. قبور شيوخ المعافر: 283. قبور الصالحين من بنى الأشعث: 467، 469. قبور الصحابة والأشراف: 201. قبور الصلحاء السبعة: 332. قبور الصوفية: 374. قبور الضّرّاسين: 294. قبور بنى غلبون: 294. قبور الوزراء السبعة: 528. القدس: 172، 535. قديد: 119. القرافة (وانظر: قرافة مصر) : 11، 13، 14، 157، 158، 203، 300، 302، 304، 306، 308، 314، 323، 324، 348، 370، 448، 460، 498، 547، 594، 605، 615. القرافة الصغرى: 463. قرافة مصر: 14، 131، 143، 247. قرقشندة: 416. قرنفيل (قرية) : 149. قرى مرو: 620. القسطنطينية: 340. قصبة غور الأردن: 620. قصر الخليفة الآمر: 348. قصر أحمد بن طولون: 450. قصر «أوليس» : 479. قصر الشمع: 286. القصر الغربى (بمصر) : 594، 595. القصير: 7، 8. القلزم: 311. القلعة الصلاحية (قلعة الجبل) : 605، 616 قلعة صور: 614. قليوب: 633. قنطرة سنان: 146. قوص: 346. القيروان: 434، 435. قيساريّة البزّازين: 343. قيساريّة هشام بن عبد الملك: 585، 586. (ك) كابل: 335. الكثيب الأحمر: 129. الكرك: 626. الكعبة- (انظر: بيت الله الحرام) . كهف السودان: 21، 319. الكوفة: 92. (م) مؤتة (بالشام) : 262.

محاريب ابن حولى القرقوبى: 362. محراب ابن الجوهرى: 422. محراب أبى عمران موسى الضرير: 388. محراب ابن الفقاعى: 21. مدرسة إربل: 481. المدرسة الصلاحية (مدرسة الناصر صلاح الدين) : 498، 499، 604. المدرسة الفاضلية (مدرسة القاضى الفاضل) : 623، 628، 631. المدرسة الكاملية (وانظر: دار الحديث الكاملية) : 538. مدرسة «يازكوج» : 312، 313. مدفن بنى اللهيب: 340. مدينة إربل (وانظر: إربل) : 540. مدينة «اسعرد» : 463. مدينة بيسان: 620. المدينة المنورة: 48، 78، 110، 122، 128، 129، 137، 142، 150، 155، 156، 158، 160، 161، 174، 194، 249، 268، 309، 373، 397، 415، 435، 458، 459، 491، 518، 624، 663. المراغة: 178، 192. مراكش: 539. مرطان (مدينة) : 531. مرو: 620. مسجد الإجابة- (انظر: مسجد محمود) . مسجد أشهب: 438. المسجد الأقصى: 153. مسجد التبن (أو التبر) : 199. مسجد التنور: 19. مسجد الشريف الجرجانى: 23. مسجد الجيوشى: 22. المسجد الحرام- (انظر: بيت الله الحرام) . مسجد الدعاء: 24. مسجد دعلان: 592. مسجد دمشق: 295. مسجد الدّيلمى: 23. مسجد الرّدينى (بقلعة الجبل) : 605. مسجد رسلان: 636. مسجد روبيل- (انظر: مسجد اليسع وروبيل) . مسجد الزبير: 23، 288، 610. مسجد زمام: 661، 662. مسجد زهرون: 273، 276. مسجد سعد الدولة: 605. مسجد الصخرة: 23. مسجد الطور: 153. مسجد العدّاسين: 351. مسجد عفّان بن سليمان الخياط: 657. مسجد الفتح: 286. مسجد الفخر الفارسى: 395، 396. مسجد الكنز: 392، 393. مسجد اللؤلؤة: 24. مسجد الليث بن سعد: 416.

مسجد المحرم: 20. مسجد محمود (بسفح المقطم) : 24، 225، 603، 604. مسجد مقام المؤمن: 20. مسجد موسى: 23. المسجد النبوى- (انظر: الحرم النبوى) . مسجد الهيثم: 287. مسجد اليسع وروبيل: 24. مشهد آسية بنت مزاحم: 422. مشهد آمنة بنت موسى الكاظم: 420. مشهد إبراهيم بن اليسع: 604. مشهد إخوة يوسف (عليه السلام) : 9. مشهد بكّار بن قتيبة (وانظر: قبر القاضى بكار) : 214. مشهد السيدين الحسن والمحسن ابنى القاسم: 420. مشهد رأس إبراهيم بن عبد الله بن الحسن: 199. مشهد رأس زيد بن على: 199. مشهد السيدة زينب بنت يحيى المتوج: 422. مشهد السيدة سكينة بنت الحسين: 155، 156. مشهد الإمام الشافعى (وانظر تربة وقبر الإمام الشافعى) : 483. مشهد الشريف طباطبا: 233، 235، 238، 249، 250، 251، 252، 255، 257، 305. مشهد السيد على بن عبد الله بن القاسم: 412. مشهد القاسم الطيب: 194، 418. مشهد السيدة أم كلثوم بنت القاسم: 418. مشهد محمد بن أبى بكر الصديق: 200، 661. مشهد السيد محمد بن هاشم: 421. مشهد السيدة نفيسة (بالقاهرة- وانظر: قبر وضريح السيدة نفيسة) : 179، 184، 191، 192، 649. مشهد السيدة نفيسة (بالمراغة) : 178. مشهد يحيى بن زيد: 418. مشهد يحيى الشبيه بن القاسم: 196، 198، 419. المصاصة: 163، 165. مصر (وانظر: الديار المصرية) : 19، 132، 133، 139، 140، 142، 144، 145، 146، 147، 148، 149، 151، 152، 153، 154، 156، 162، 165، 166، 174، 176، 177، 178، 182، 183، 184، 186، 190، 191، 197، 200، 205، 208، 209، 213، 216، 217، 218، 221، 224، 229، 230، 231، 233، 236، 237، 238، 240،

244، 246، 247، 249، 250، 256، 257، 258، 260، 266، 268، 270، 275، 276، 277، 279، 281، 283، 285، 286، 287، 288، 298، 307، 308، 311، 321، 322، 323، 326، 328، 332، 336، 340، 342، 345، 347، 348، 351، 353، 354، 358، 360، 368، 374، 377، 385، 388، 389، 391، 392، 401، 407، 408، 411، 412، 413، 415، 416، 417، 419، 422، 423، 426، 429، 434، 435، 436، 438، 440، 441، 442، 449، 456، 457، 460، 461، 463، 464، 468، 469، 470، 474، 477، 478، 482، 491، 495، 497، 498، 499، 506، 513، 514، 518، 520، 523، 525، 527، 528، 531، 532، 540، 543، 544، 554، 557، 558، 563، 564، 565، 574، 580، 595، 604، 606، 609، 610، 613، 616، 626، 631، 634، 647، 649، 651، 652، 653، 655، 656، 657، 661، 662، 663. مصر القديمة (الفسطاط) : 594. مصلى التجار: 282. مصلى خولان: 305، 591. المصلى القديم: 422. مصلى بنى مسكين: 205، 227. مصلى عنبسة: 276. معبد ذى النون: 395، 396. معبد الشيخ الصامت: 287. معرّة النعمان: 457. مغارة ابن الفارض: 20، 23. المغرب (وانظر بلاد المغرب) : 183، 259، 284، 288، 299، 341، 342، 368، 397، 401، 407، 434، 435، 457، 583، 653. مقابر الصدفيين: 477. المقام (مقام إبراهيم بالكعبة) : 492. مقام فاطمة (بجامع ابن طولون) : 204. مقام الليث بن سعد الفهمى (وانظر: قبر الليث بن سعد) : 23. مقبرة أحمد بن حنبل: 130. مقبرة الرحبة: 49. مقبرة بنى عبد الحكم: 495. مقبرة الفسطاط: 149.

مقبرة أم القرى: 49. مقبرة المقطم: 12، 146. المقطم- (انظر: الجبل المقطم) . مقطع الحجارة (مكان) : 8، 260، 262، 263. المقياس (مقياس الروضة) : 14، 15. مكة: 26، 48، 66، 107، 136، 196، 260، 268، 271، 293، 307، 309، 310، 340، 345، 346، 352، 400، 421، 426، 427، 485، 503، 518، 531، 532، 547، 549، 554، 559، 560، 564، 576، 662. منارة مسجد زمام: 661. المنامة: 323. منزل أبى بكر بن المهلب: 592. منزل ابن جابار بظاهر القرافة: 324. منزل حرملة بن يحيى: 208. منزل أبى الحسن الدينورى: 575، 579، 582، 583، 587، 589، 592. منزل القاضى عبد الوهاب المالكى: 458. منوف: 285. منية ابن خصيب: 345. الموصل: 481. ميناء الإسكندرية: 558. (ن) نصيبين: 272. نهاوند (أو أرض نهاوند) : 618. نيسابور: 498. النيل (نيل مصر) : 6، 7، 166، 246، 279، 508، 518، 627. (هـ) همذان: 40، 99. (و) وادى الدجلة القرقوبى: 21. وادى اللبلابة: 21. وادى المستضعفين: 21. الوادى المقدس (طوى) : 9. وادى الملك: 21. وادى موسى عليه السلام (وانظر الوادى المقدس) : 9، 22، 649. وادى «وساع» : 531. واسط: 464، 652. (ى) اليحموم: 7، 8. اليمامة (مكان) : 127، 128، 620. اليمن (أو أرض اليمن) : 90، 150، 531، 631.

(6) «فهرس الجماعات والقبائل والأمم والطوائف»

(6) «فهرس الجماعات والقبائل والأمم والطوائف» (أ) آل بيت النبوة- (انظر: آل محمد صلّى الله عليه وسلم) . آل عاصم الجحدرىّ: 34. آل محمد (آل البيت- أهل بيت النبي، صلّى الله عليه وسلم) : 56، 116، 156، 161، 179، 186، 187، 188، 189، 190، 191، 192، 193، 194، 196، 198، 205، 233، 234، 253، 301، 386، 444، 485، 524. الأئمة الاثنا عشر: 194. أئمة الجمهور من العلماء والسلف: 540. أئمة الحديث: 539. الأبدال: 414. أبناء الملوك: 132. الأتراك (أو التّرك) : 524، 652. الأجناد: 289. إخوة يوسف (وانظر: أولاد يعقوب، عليه السلام) : 9، 19. أدباء النصارى: 541. الأرامل: 350، 444، 657. أرباب الطّىّ: 292، 293. أزواج محمد (أمهات المؤمنين) : 87. بنو إسرائيل: 15، 64، 488. الإسكندرانيون: 285. الأشراف (من آل البيت) : 154، 155، 157، 196، 201، 237، 245، 254، 262، 263، 269، 604. أشراف البصرة: 233. بنو الأشعث: 467، 469. أصحاب أحمد بن طولون: 203. أصحاب بدر (أهل بدر- البدريون) : 120، 149. أصحاب البدع: 428. أصحاب التواريخ- (انظر: المؤرخون) . أصحاب الحديث- (انظر: المحدثون) . أصحاب أبى الحسن الدينورى: 573، 580، 581، 586، 588، 589، 591. أصحاب الحسن بن سفيان (الزاهد) : 653، 654، 655. أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) - (انظر الصحابة) . أصحاب الشافعى (وانظر: الشافعية) :

172، 173، 405، 506. أصحاب ابن القاسم (الفقيه المالكى) : 433. أصحاب قضبان الذهب: 212. أصحاب القياس: 461. أصحاب الليث بن سعد: 409. أصحاب مالك (وانظر المالكية) : 426، 429، 434، 435. أصحاب أبى مسعود البدرى: 39. أصحاب أبى يوسف: 216. الأطباء: 174، 366، 371. أعاجم الأندلس: 631. الأعراب: 652. الأعيان: 174، 181، 244. أعيان مصر: 469. الإفرنج: 341. الأكراد: 242، 592. الأمراء: 84، 310، 390، 551. أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم: 131. الأمم الماضية: 84. أمّة محمد (صلّى الله عليه وسلم) : 8، 39، 116، 129، 381. بنو أمية (الأمويون) : 230. الأنصار: 48، 137. أهل الإرادة (من المتصوفة) : 572، 581. أهل الأندلس: 438. أهل البدع: 108. أهل بغداد: 374، 399. أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وسلم) - (انظر: آل محمد (صلّى الله عليه وسلم)) . أهل الجاهلية (الجاهليون) : 151. أهل الذمة (وانظر: النصارى واليهود) : 499. أهل الرملة: 222. أهل السّعة (الأغنياء) : 29، 35. أهل السّنّة: 108. أهل الصعيد (صعيد مصر) : 579. أهل العراق: 434، 495. أهل العلم- (انظر: العلماء) . أهل القرآن (القرّاء) : 326، 328، 476. أهل المدينة المنورة: 122. أهل مذهب الشافعى- (انظر: الشافعية) . أهل مصر والقاهرة- (انظر: المصريون) . أهل المغرب: 401. أهل اليسار (وانظر: أهل السعة) : 561. أولاد أبى بكر الصّدّيق: 293. أولاد جعفر الصادق: 233. أولاد عثمان بن عفان: 262. أولاد الفضل بن الربيع: 489. أولاد كسرى أنوشروان: 374. أولاد أبى هريرة: 424. أولاد يعقوب، عليه السلام (إخوة يوسف) : 602.

أولياء الله تعالى (الأولياء الصالحون) : 10، 16، 84، 94، 97، 105، 131، 174، 179، 185، 341، 366، 372، 380، 383، 398، 400، 450، 559. (ب) الباعة: 582. البدريون- (انظر: أصحاب بدر) . البدو: 496. البرامكة (بنو برمك) : 233. البربر: 142. بنو برمك- (انظر: البرامكة) . البزّازون (بائعو البزّ) : 343، 460. البكّاءون: 219. (ت) التابعون: 131، 156، 194، 205، 409، 428، 447، 607. تابعو التابعين: 360. تابعو صحابة الشام: 360. بنو تاشفين: 284. التجار (تجار مصر) : 21، 162، 169، 390، 431، 650. تجار بغداد: 545. (ج) جديلة (قبيلة) : 202. بنو أبى جرادة: 536. الجعافرة: 157. جند أحمد بن طولون: 203. جند السّرىّ بن الحكم: 604. الجوهريون (بائعو الجواهر) : 445. جيوش أهل الشام: 662. (ح) الحبش: 6. الأشراف الحسنيّون (بنو الحسن) : 156، 157، 159. الأشراف الحسينيّون (بنو الحسين) : 157. الحضر: 496. الحكماء: 340. الحمويون (أهل حماة) : 634. الأشراف الحنفية- أو المحمديون- (نسبة إلى محمد بن الحنفية) : 157. (خ) خدّام أحمد بن طولون: 654. الخمسة الأبدال: 292. خولان: 305. الخولانيون: 273، 275.

(د) بنو درباس: 605. الدّيلم (من الأعاجم) : 156. (ذ) ذرّية أسماء بنت أبى بكر: 419. ذرّيّة الأشعث بن قيس: 465. ذرية جعفر الصادق: 445. ذرية الحسن بن علّى: 444. ذرية العباس بن مرداس: 440. ذرية مالك بن طوق: 457. ذرية محمد (صلّى الله عليه وسلم) - (انظر: آل البيت) . (ر) الرافضة: 65. رؤساء الكتبة (بديوان صلاح الدين) : 617. رؤساء المراكب (السفن) : 558. رؤساء مصر: 177، 412. رجال الصحيح (صحيح البخارى ومسلم) : 447. الرّسّيّون: 197. رهط كسرى وتبّع (فى شعر) : 26. الروافض- (انظر: الرافضة) . الروم: 151، 266، 286، 295. (ز) الزّهّاد (وانظر: الصوفية) : 205، 249، 259، 314، 317، 334، 379، 430، 450، 456، 503. الزنج: 649. الزينبيون (نسبة إلى زينب بنت فاطمة بنت رسول الله) : 157. (س) السبعة الأبدال: 271، 331، 545. السبعة الصّلحاء (بجبانة مصر) : 332. السلاطين (سلاطين المصريين) : 107، 390، 551. سماسرة الخير الأنماطيون: 281، 393، 394، 468، 574. السودان (جماعة) : 21، 404، 524، 615. (ش) الشافعية (وانظر: أصحاب الشافعى) : 525. الشرطة: 323، 426، 591. الشمّاعون: 294. الشهداء: 113، 129. الشيعة: 353.

شيوخ الحرم: 49. شيوخ مصر: 221، 277، 281، 297، 318، 357، 449، 513. شيوخ المعافر: 284. (ص) الصالحون (أهل الصلاح والتقوى) : 18، 33، 34، 35، 49، 55، 63، 130، 163، 179، 202، 205، 211، 229، 238، 252، 253، 263، 290، 296، 300، 326، 357، 358، 361، 398، 433، 467، 476، 515، 531، 571، 576، 603، 657. الصحابة (صحابة النبي- أصحاب رسول الله) : 12، 30، 36، 48، 84، 97، 131، 134، 142، 149، 179، 201، 216، 267، 359، 360، 428، 458. الصدفيون: 405، 477. الصقالبة: 436. الصوفية (وانظر: المتصوفة) : 260، 271، 374، 551، 569، 582، 587. الصّيارف: 564. (ض) الضّرّاسون (الذين يرقون لوجع الضرس) : 294. الضعفاء (من رجال الحديث) : 544. (ط) الطالبيون: 231، 236، 331. بنو طباطبا: 197، 235، 251، 252، 255. طلبة العلم: 614، 653. الطّلقاء (وانظر: العتقاء) : 430. الطّيّارة (الكلثميون) : 196. (ع) عابدات مصر: 609. العامة (وانظر: عوام مصر) : 360. العبّاد (المتعبدون) : 16، 249، 339، 438، 579. العبادلة الأربع: 143. بنو العباس بن عبد المطلب (وانظر: العباسيون) : 87، 157، 230. العباسيون: 157. بنو عبد الحكم: 495. بنو عبد الرحمن بن عوف الزهرى: 496.

عبيد أحمد بن طولون: 651. العبيديّون: 498، 532. العتقاء (وانظر: الطلقاء) : 430. بنو العديم: 537. العرب: 598. العربان: 641. عساكر الآمر (خليفة مصر) : 347. عساكر خمارويه: 264. عساكر المعز لدين الله: 258. عسكر معاوية بن خديج: 662. العلماء: 35، 46، 131، 163، 174، 179، 205، 209، 256، 271، 274، 275، 277، 279، 314، 316، 328، 354، 357، 359، 405، 408، 420، 430، 434، 435، 447، 454، 457، 464، 468، 469، 490، 492، 506، 514، 515، 539، 553، 585، 608، 615، 638، 639، 643، 647، 648، 649. علماء الديار المصرية (وانظر علماء مصر) : 572. علماء العراق: 275. علماء المالكية: 321، 457. علماء المدينة: 459. علماء مصر: 177. العلويون: 213، 248. العمّال (الحكام أو الأمراء) : 607. عمّال أحمد بن طولون: 450، 451. عمّال مصر: 412. بنو العوّام: 147. عوام مصر: 177، 300. (غ) بنو غلبون: 294. غلمان الترك: 524. (ف) الفاطميون: 257، 458. الفراعنة: 489. الفرس: 150. الفقراء (وانظر: الصوفية) : 212، 271، 350، 375، 379، 392، 398، 470، 471، 529، 530، 560، 590، 597، 656، 657. الفقهاء: 66، 67، 174، 179، 219، 279، 427، 428، 431، 459، 490، 495، 499، 500، 608، 610، 624. الفقهاء الشافعية: 499. الفقهاء المالكية: 390. فقهاء مصر (أو الفقهاء المصريون) :

411، 426. بنو فهم: 408. (ق) قحطان (قبيلة) : 531. القرّاء (وانظر: أهل القرآن) : 454، 501، 630، 646. قريش (قبيلة) : 134، 135، 488، 496. القضاة: 209، 224، 468، 508. قضاة مصر: 230، 256. قضاعة (قبيلة) : 137. قوم إبراهيم (عليه السلام) : 44. قوم موسى (عليه السلام) : 44. (ك) الكفّار: 341، 619، 624. (ل) لخم (قبيلة) : 202. بنو اللهيب: 340، 342. اللوّاحون (صانعو الألواح) : 441. (م) المالكية (وانظر: أصحاب مالك) : 340، 426، 459، 461، 525. المؤرخون (أصحاب التواريخ) : 178، 182، 195، 223، 283، 326، 443، 572، 574، 605، 622. الماذرائيون: 267، 269. المتصوفة (وانظر: الصوفية) : 652. المحدّثون (أهل الحديث- الحفّاظ) : 217، 224، 230، 274، 277، 279، 295، 316، 328، 415، 427، 476، 628. المرابطون: 401. مزينة (قبيلة) : 506. المسلمون: 6، 39، 61، 111، 119، 128، 133، 151، 207، 336، 341، 393، 396، 527، 552، 563، 582، 619، 644. مشايخ بغداد: 374. مشايخ أبى الحسن بن الفقاعى: 323. مشايخ ذى النون المصرى: 362. مشايخ الرحبة: 49. مشايخ الشام: 641. مشايخ الصوفية: 260، 323. مشايخ أبى علىّ الروذبارى: 374، 375. مشايخ مصر- (انظر: شيوخ مصر) .

مشايخ اليحمودى: 356. المصريون (أهل مصر) : 19، 141، 143، 145، 148، 162، 165، 176، 182، 183، 184، 197، 238، 244، 249، 322، 336، 348، 358، 478، 532، 574، 642، 643، 662. بنو المصطلق: 148. مضر (قبيلة) : 496. المعافر: 6، 169، 441. المعتزلة: 569. المعلّمون: 571. الملوك: 4، 90، 209، 276، 367، 499، 532، 536، 605، 628. الملوك السالفة: 84. مماليك أحمد بن طولون: 651. المماليك الحرسية: 616. المنافقون: 389. بنو المنتجب: 531. المهاجرون: 137، 149. المهندسون: 203. المولّدون: 524. الموالى: 411. الأشراف الميمونيون (نسبة إلى الميمون بن حمزة) : 157. (ن) بنو ناهض: 230. نساء الشريف طباطبا: 269. النصارى (وانظر: أهل الذّمّة) : 6، 225، 230. نواب الموفّق (الخليفة العباسى) : 224. (هـ) بنو هاشم: 87، 116. (و) الوعّاظ الثلاثة: 436. وكلاء أحمد بن طولون: 355. ولاة مكة: 66. ولد جعد بن كلاب: 426. ولد دارم بن قيس: 265. ولد علّى بن أبى طالب: 154. (ى) بنو يزد: 222. بنو يعمر: 535. اليهود (وانظر: أهل الذمة) : 145، 165، 225، 230، 353. ***

(7) «مصادر ومراجع التحقيق والتعليق»

(7) «مصادر ومراجع التحقيق والتعليق» القرآن الكريم*. أسد الغابة فى معرفة الصحابة، لابن الأثير، تحقيق محمد البنا ومحمد عاشور، دار الشعب- القاهرة، 1970 م. إشارة التعبين فى تراجم النحاة واللغويين، لعبد الباقى اليمانى، تحقيق د. عبد المجيد دياب، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية- السعودية، 1406 هـ- 1986 م. الأعلام، للزركلى، دار العلم للملايين- بيروت 1986 م. الأغانى، لأبى الفرج الأصبهانى، تحقيق إبراهيم الأبيارى، دار الشعب- القاهرة، 1389 هـ- 1969 م. الإكمال، لابن ماكولا، دائرة المعارف العثمانية- الهند 1962 م. إنباه الرّواة على أنباه النحاة، للقفطى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربى- القاهرة، 1406 هـ- 1986 م. الأنساب، للسمعانى، تقديم وتعليق عبد الله عمر البارودى، دار الجنان- بيروت، 1408 هـ- 1988 م. البداية والنهاية، لابن كثير، تحقيق مجموعة من الأساتذة، دار الكتب العلمية- بيروت 1408 هـ- 1988 م. بغية الملتمس فى تاريخ رجال الأندلس، للضّبّى، تحقيق إبراهيم الأبيارى، دار الكتاب المصرى- اللبنانى، القاهرة 1410 هـ- 1989 م. البيان والتبيين، للجاحظ، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل- بيروت. تاريخ بغداد، للخطيب البغدادى، دار الكتب العلمية- بيروت.

تاريخ الخلفاء، للسيوطى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، دار الجيل- بيروت 1408 هـ 1988 م. تاريخ الدولة الفاطمية، للدكتور حسن إبراهيم، مكتبة النهضة المصرية- القاهرة 1981 م. تاريخ الطبرى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف- القاهرة 1979 م. تحفة الأحباب وبغية الطلاب فى الخطط والمزارات، لأبى الحسن نور الدين على ابن أحمد السخاوى، مراجعة لفيف من العلماء، مكتبة الكليات الأزهرية- القاهرة 1406 هـ- 1986 م. تذكرة الحفّاظ، للذهبى، دار إحياء التراث العربى، 1377 هـ- 1958 م. تفسير القرآن الكريم، لمحمود حمزة وآخرين، دار المعارف- القاهرة 1982 م. تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلانى، طبعة مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند- حيدر آباد 1325 هـ. ثمار القلوب فى المضاف والمنسوب، للثعالبى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف- القاهرة 1985 م. جامع كرامات الأولياء، ليوسف النبهانى، تحقيق إبراهيم عطوة، مطبعة مصطفى البابى الحلبى- القاهرة 1394 هـ- 1974 م. جمهرة أنساب العرب، لابن حزم الأندلسى، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف- القاهرة 1982 م. حسن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة، للسيوطى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، عيسى البابى الحلبى- القاهرة 1387 هـ- 1967 م. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبى نعيم الأصفهانى، دار الفكر- بيروت. حياة الصحابة، لمحمد بن يوسف الكاندهلوى، المكتبة الإسلامية بالأزهر- القاهرة. الخطط التوفيقية الجديدة، لعلى باشا مبارك، الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة 1980 م.

دائرة المعارف الإسلامية، لجماعة من المستشرقين، ترجمة الشنتناوى وآخرين، دار الشعب- القاهرة. الدولة الفاطمية فى مصر، للدكتور أيمن فؤاد سيد، الدار المصرية اللبنانية- القاهرة 1413 هـ- 1992 م. ديوان الإمام علىّ، للإمام على بن أبى طالب، تحقيق د. عبد المنعم خفاجى- دار ابن زيدون- بيروت. ديوان الأمير أبى العباس عبد الله بن المعتز، تحقيق الدكتور محمد بديع شريف، دار المعارف- القاهرة 1977 م. ديوان الشافعى، للإمام محمد بن إدريس الشافعى، تحقيق الدكتور محمد عبد المنعم خفاجى، مكتبة الكليات الأزهرية- القاهرة 1405 هـ- 1985 م. ديوان أبى العتاهية، دار صادر- بيروت 1384 هـ- 1964 م. ديوان ابن الفارض، تحقيق الدكتور عبد الخالق محمود، دار المعارف- القاهرة 1984 م. رجال صحيح البخارى، للكلاباذى، تحقيق عبد الله الليثى، دار المعرفة- بيروت 1987 م. رجال صحيح مسلم، لأبى بكر الأصفهانى، تحقيق عبد الله الليثى، دار المعرفة- بيروت 1987 م. الرسالة القشيرية، لأبى القاسم القشيرى، تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود، ومحمود بن الشريف، دار الكتب الحديثة- القاهرة 1972 م. سراج الملوك، لأبى بكر محمد بن الوليد الطرطوشى، تحقيق محمد فتحى أبو بكر، الدار المصرية اللبنانية- القاهرة 1413 هـ- 1993 م. سنن أبى داود، لأبى داود السجستانى، الدار المصرية اللبنانية- القاهرة 1408 هـ- 1988 م. سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى، المكتبة العلمية- بيروت. سنن الدّارمى، للإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى، دار إحياء السّنّة النبوية- القاهرة.

سنن النسائى، بشرح جلال الدين السيوطى، دار الكتاب العربى- بيروت. السيدة نفيسة، لتوفيق أبى علم، دار المعارف- القاهرة 1987 م. السيدة نفيسة، لمحمد شاهين حمزة، مكتبة الجندى- القاهرة 1970 م. سير أعلام النبلاء، للذهبى، تحقيق مجموعة من العلماء، مؤسسة الرسالة- بيروت 1405 هـ- 1985 م. شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلى، دار المسيرة- بيروت 1399 هـ- 1979 م. الشعر والشعراء، لابن قتيبة، تحقيق أحمد شاكر، دار المعارف- القاهرة 1982 م. صحيح البخارى، لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، دار الشعب- القاهرة. صحيح الترمذى، بشرح ابن العربى، دار إحياء الكتاب العربى- بيروت. صحيح مسلم، بشرح النووى، دار إحياء التراث العربى- بيروت 1392 هـ- 1972 م. الصّلة، لابن بشكوال، تحقيق إبراهيم الأبيارى، دار الكتاب المصرى اللبنانى- القاهرة 1410 هـ- 1989 م. الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد، لأبى الفضل الأدفوى، تحقيق سعد محمد حسن، الدار المصرية للتأليف- القاهرة 1966 م. طبقات الأولياء، لابن الملقن، تحقيق نور الدين شريبة، مكتبة الخانجى- القاهرة 1393 هـ- 1973 م. طبقات الحفّاظ، للسيوطى، دار الكتب العلمية- بيروت 1403 هـ- 1983 م. طبقات الشافعية الكبرى، للسبكى، تحقيق محمود محمد الطناحى، وعبد الفتاح محمد الحلو- دار إحياء الكتب العربية- القاهرة 1976 م. طبقات الشعراء، لابن المعتز، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، دار المعارف- القاهرة 1968 م.

طبقات الصوفية، لأبى عبد الرحمن السلمى، تحقيق نور الدين شريبة، مكتبة الخانجى- القاهرة 1406 هـ- 1986 م. الطبقات الكبرى، لابن سعد، دار بيروت- بيروت 1400 هـ- 1980 م. الطبقات الكبرى، للشعرانى، دار الجيل- بيروت 1408 هـ- 1988 م. طبقات الفقهاء، للشيرازى، بمراجعة وتصحيح خليل الميس، دار القلم- بيروت. طبقات المفسرين، لشمس الدين الداودى، مراجعة لجنة من العلماء، دار الكتب العلمية- بيروت 1403 هـ- 1983 م. العبر فى خبر من غبر، للذهبى، تحقيق أبى هاجر محمد السعيد، دار الكتب العلمية- بيروت 1405 هـ- 1985 م. العقد الفريد، لابن عبد ربه، تحقيق مفيد قميحة، دار الكتب العلمية- بيروت 1404 هـ- 1983 م. عمرو بن العاص سلسلة أعلام الصحابة، بإشراف صابر عبده إبراهيم، القاهرة- 1372 هـ- 1953 م. عيون الأخبار، لابن قتيبة، دار الكتب العلمية- بيروت 1406 هـ- 1986 م. غزوات الرسول وسراياه، لابن سعد، بتقديم أحمد عبد الغفور عطار، دار بيروت- بيروت 1401 هـ- 1981 م. فتح البارى، شرح صحيح البخارى، لابن حجر العسقلانى، تحقيق عبد العزيز ابن باز وآخرين، دار المعرفة- بيروت. فضائل مصر، للكندى، تحقيق إبراهيم العدوى، وعلى محمد عمر، مكتبة وهبة- القاهرة 1391 هـ- 1971 م. فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر الكتبى، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر- بيروت 1973 م. قاموس الفارسية، للدكتور عبد النعيم محمد حسنين، دار الكتاب المصرى البنانى- القاهرة 1402 هـ- 1982 م. القاموس المحيط، للفيروزآبادي، دار المأمون- القاهرة 1357 هـ- 1938 م. الكامل فى التاريخ، لابن الأثير، بتعليق ومراجعة نخبة من العلماء، دار الكتاب

العربى- بيروت 1403 هـ- 1983 م. كتاب أدب الدنيا والدين، لأبى الحسن الماوردى، بتحقيق وتعليق محمد فتحى أبو بكر، الدار المصرية اللبنانية- القاهرة 1408 هـ- 1988 م. كتاب التاريخ الكبير، للبخارى، دار الكتب العلمية- بيروت. كتاب التعريفات للجرجانى، تحقيق إبراهيم الأبيارى، دار الكتاب العربى- بيروت 1405 هـ- 1985 م. كتاب الجرح والتعديل، لابن أبى حاتم الرازى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد- الهند 1373- 1953 م. كتاب الحلّة السيراء، لابن الأبّار، تحقيق د. حسين مؤنس، دار المعارف- القاهرة 1404 هـ- 1984 م. كتاب السّنن الكبرى، للبيهقى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد- الهند 1344 هـ. كتاب الضعفاء الصغير، للبخارى، تحقيق بوران الضناوى، عالم الكتب- بيروت 1404 هـ- 1984 م. كتاب الضعفاء الكبير، للعقيلى، تحقيق الدكتور عبد المعطى قلعجى، دار الكتب العلمية- بيروت 1404 هـ- 1984 م. كتاب طبقات المعتزلة، لأحمد بن يحيى المرتضى، تحقيق سوسنّه ديفلد فلزر، دار مكتبة الحياة- بيروت. كتاب فتوح البلدان، للبلاذرى، شركة طبع الكتب العربية- القاهرة 1318 هـ. كتاب المحبّر، لابن حبيب، دار الآفاق الجديدة- بيروت. كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، للمقريزى، مكتبة الثقافة الدينية- القاهرة 1987 م. كتاب نسب قريش، للمصعب الزبيرى، نشرة بروفنسال، دار المعارف- القاهرة 1982 م. كتاب الولاة وكتاب القضاة، لمحمد بن يوسف الكندى، دار الكتاب الإسلامى- القاهرة.

الكشاف عن حقائق التنزيل، للزمخشرى، دار المعرفة- بيروت. كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون، لحاجى خليفة- استانبول 1311 هـ. كنز الجوهر فى تاريخ الأزهر، القاهرة- 1320 هـ تقريبا. الكواكب السيّارة فى ترتيب الزيارة، لشمس الدين محمد بن الزيات، المطبعة الأميرية- مصر 1325 هـ- 1907 م. لسان العرب، لابن منظور، تحقيق عبد الله الكبير وآخرين، دار المعارف- القاهرة 1981 م. مجمع الحكم والأمثال فى الشعر العربى، لأحمد قبش، دار الرشيد- دمشق 1403 هـ- 1983 م. المحرر فى غريب كلام العرب، للهنائى، تحقيق د. محمد بن أحمد العمرى، دار المعارف- القاهرة. مختار الصحاح، للرازى، مراجعة وتحقيق لجنة من العلماء، دار المعارف- القاهرة 1973 م. مروج الذهب، للمسعودى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة- القاهرة 1384 هـ- 1964 م. مساجد القاهرة ومدارسها، للدكتور أحمد فكرى، دار المعارف- القاهرة. مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، للدكتورة سعاد ماهر، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- القاهرة 1971 م. المصباح المنير، للفيومى، تحقيق الدكتور عبد العظيم الشناوى، دار المعارف- القاهرة 1977 م. المعارف، لابن قتيبة، تحقيق الدكتور ثروت عكاشة، دار المعارف- القاهرة 1981 م. معجم ألفاظ الصوفية، للدكتور حسن الشرقاوى، مؤسسة مختار القاهرة- 1987 م. معجم البلدان، لياقوت الحموى، دار بيروت- بيروت 1404 هـ- 1984 م. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقى، دار الشعب- القاهرة.

المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوى، ترتيب وتنظيم لفيف من المستشرقين، نشر د. ونسنك، طبعة بريل- ليدن 1936 م. معجم المؤلفين، لعمر كحاله، دار إحياء التراث العربى- بيروت. المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة- دار المعارف- القاهرة 1392 هـ- 1972 م. معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار- للذهبى، تحقيق محمد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة- القاهرة 1969 م. المغرب فى حلى المغرب، لابن سعيد المغربى، تحقيق الدكتور شوقى ضيف، دار المعارف- القاهرة 1978 م. المغنى فى ضبط أسماء الرجال، ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم، للمحدث محمد بن طاهر بن على الهندى، دار الكتاب العربى- بيروت 1402 هـ- 1982 م. مفتاح السعادة ومصباح السيادة فى موضوعات العلوم، لأحمد بن مصطفى طاش كبرى زادة، دار الكتب العلمية- بيروت 1405 هـ- 1985 م. المكنون فى مناقب ذى النون، للسيوطى، تحقيق عبد الرحمن حسن محمود- مكتبة الآداب- القاهرة 1412 هـ- 1992 م. الموطأ، للإمام مالك، بتعليق محمد فؤاد عبد الباقى، دار إحياء الكتب العربية- القاهرة. ميزان الاعتدال، للذهبى، تحقيق على البجاوى، دار المعرفة- بيروت. النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، لابن تغرى بردى، دار الكتب المصرية- القاهرة 1352 هـ- 1933 م. وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل، لجومار، بتعليق الدكتور أيمن فؤاد سيد، مكتبة الخانجى- القاهرة 1408 هـ- 1988 م. والموعد الله، لخالد محمد خالد، دار ثابت- القاهرة 1406 هـ- 1986 م. وفيات الأعيان، لابن خلكان، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة- بيروت يتيمة الدهر، للثعالبى، المطبعة الحنفية- دمشق.

(8) «فهرس المحتويات»

(8) «فهرس المحتويات» الموضوع الصفحة تقديم مقدمة المحقق مقدمة المولف 3 فصل فى ذكر الجبل 5 فصل فى ذكر روّاد هذا الجبل وفضل القرافة 11 فصل فى ذكر المقبور فيه من الصحابة 12 حكاية 15 فصل فى ذكر المساجد التى على الجبل المقطم 19 المسجد المعروف بالتنور 19 المسجد المعروف بمقام المؤمن 20 المسجد المعروف بالمحرم 20 أودية الجبل المقطم 21 مساجد الوادى 22 المسجد المعروف بالجيوشى 22 مسجد موسى 23 مسجد الصخرة 23 مسجد الدّيلمى 23 مسجد الشريف الجرجانى 23 مسجد الزبير 23

الموضوع الصفحة مسجد اللؤلؤة 24 المسجد المعروف بالدعاء 24 مسجد اليسع وروبيل 24 مسجد محمود 24 فصل فيما ورد فى زيارة القبور من الآثار 25 فصل فى استماع الميت للحىّ إذا تولّى عنه 27 فصل فى كراهة المشى بين القبور فى النّعلين 28 فصل فيما يقول إذا خرج إلى المقابر 30 فصل فى آداب الزيارة 32 الوظيفة الأولى 32 الوظيفة الثانية 34 الوظيفة الثالثة 35 الوظيفة الرابعة 36 الوظيفة الخامسة 36 الوظيفة السادسة 36 الوظيفة السابعة 37 الوظيفة الثامنة 38 الوظيفة التاسعة 46 الوظيفة العاشرة 58 الوظيفة الحادية عشرة 59 الوظيفة الثانية عشرة 60 الوظيفة الثالثة عشرة 60 الوظيفة الرابعة عشرة 61 الوظيفة الخامسة عشرة 62 الوظيفة السادسة عشرة 62

الموضوع الصفحة الوظيفة السابعة عشرة 62 الوظيفة الثامنة عشرة 63 الوظيفة التاسعة عشرة 63 الوظيفة العشرون 65 فصل 82 فصل فى إكرام الله تعالى بعض أوليائه بدوام طاعته فى قبورهم، وغفرانه لآخرين بأمور لحقتهم بعد وفاتهم 97 حكاية عن إبراهيم بن أدهم 105 فصل فى الثناء على الميت 110 فصل فى حياة الشهداء 113 فصل فى تلقين الميت بعد موته 115 فصل فى الأضحيّة على الميت 116 فصل فى الصلاة على الميت 119 فصل فى علم الميت 120 فصل فيمن ظهر عذاب الله له فى القبر 122 فصل فى مغفرة الله تعالى للوالد يحفّظ ولده القرآن 125 فصل فيمن أجيزت وصيته بعد مماته 127 فصل فى صلاة الأنبياء فى قبورهم، وفيمن فتح قبره من الشهداء فلم ير تغيّرا فى جسمه، ووجد لم يبل ودمه يسيل 129 ذكر قبور الصحابة والقرابة والتابعين، والعلماء والأولياء الصالحين، والأقطاب العارفين بالقرافة.. وذكر ما ورد من أحوالهم، وذكر إيابهم- رضى الله عنهم 131 عمرو بن العاص 131 وفاة عمرو بن العاص وقبره 138 عقبة بن نافع 142

الموضوع الصفحة صفة عمرو بن العاص 143 قبر عقبة بن عامر الجهنى 144 عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى 148 عبد الله بن حذافة السّهمى 149 أبو بصرة الغفارىّ 152 ذكر الأشراف الذين قدموا مصر ومن دفن بها منهم 154 السيدة سكينة بنت الحسين 154 مشهد السيدة سكينة ومن به من الأشراف 155 الحسن بن زيد (والد السيدة نفيسة) 156 السيدة نفيسة- رضى الله عنها 159 من كرامات السيدة نفيسة 166 الإمام الشافعى والسيدة نفيسة وصحة تاريخ رابعة العدوية 171 انعطاف 173 ذكر وفاة السيدة نفيسة، وما وقع من الكرامات بعد وفاتها، ومن رأى قبرها من الأولياء، والصلحاء، والعلماء، والفقهاء، والأعيان 174 انعطاف 175 انعطاف 178 بعض من زار قبرها من الأولياء والعلماء والفقهاء والصالحين 179 ذكر كرامات ظهرت بعد وفاتها 182 أدعية الزيارة وآدابها 186 إنشاء المشهد النفيسى وتجديده 191 قبر يحيى بن زيد بن الحسن- رضى الله عنه 192 مشهد القاسم الطيّب 194 يحيى الشبية بن القاسم 196

الموضوع الصفحة أبو الحسن على بن الحسن 198 مشهد رأس زيد بن على بن الحسن بن علّى بن أبى طالب 199 مشهد رأس إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن علىّ 199 مشهد الإمام محمد بن الإمام الصّدّيق أبى بكر 200 فصل فى ذكر جامع أحمد بن طولون 202 ذكر ابتداء الزيارة لقبور الصالحين من التابعين والعلماء والزّهّاد- خلا ممّن تقدم ذكرهم، ممن استحق التقديم، وهم أهل بيت رسول الله، صلّى الله عليه وسلم وصحابته 205 قبر عنبسة 205 قبر الفقيه عبد الله بن وهب- صاحب الإمام مالك 206 قبر الشريفة فاطمة بنت محمد بن الحسن 211 قبور جماعة من الصالحين 211 مشهد القاضى بكار بن قتيبة 214 قبر الشيخ أبى رحمة 229 قبر القاضى الخير بن نعيم 229 قبر سهل بن أحمد البرمكى 233 قبر خلف الكتّانى 234 مشهد الشريف «طباطبا» 235 قبر على بن الحسن «صاحب الحورية» 247 قبر يحيى بن على العلوى 248 قبر أبى الحسن بن على «ولد صاحب الحورية» 249 بعض من دفن بمشهد «طباطبا» من نسله غير ما تقدم 249 من دفن بمشهد «طباطبا» من إناثهم 252 من دفن بمشهد «طباطبا» من الصّالحين 252 قبر العبد الصالح «فرج» 255

الموضوع الصفحة قبر ابن زولاق- المؤرخ المصرى 255 قبر القاضى أبى الطاهر محمد بن أحمد 257 قبر الفقيه يحيى بن بكير 259 قبر أبى يعقوب النهرجورى 260 قبر خمارويه بن أحمد بن طولون 263 قبر الضيف «نصر بن دارم» 265 مآثر علىّ بن أحمد الماذرائى 265 قبر أبى بكر محمد بن على الماذرائى 267 قبر الشيخ أبى بكر الأدفوى 271 قبر الشيخ أبى القاسم ابن الشيخ أبى بكر الأدفوى 274 قبر إبراهيم بن سعيد الحبّال 277 قبر شكر الأبله 278 قبر الإمام أبى الحسن الحوفى 279 القاضى أبى الحسن الخلعى 280 قبر الشيخ أبى عبد الله بن المسبّح 281 قبور سماسرة الخير 281 قبر ابن بابشاذ النحوى 283 قبور شيوخ المعافر 284 قبر الوزير أبى القاسم الجرجانى 284 قبر صاحب الكرمة 288 قبر القفصى 288 قبر الزعفرانى 289 قبر المهمهم 290 قبر القصّار والعصافيرى 290 قبر صاحب الوديعة 291

الموضوع الصفحة قبر الأنبارى 291 قبر الفرّان 292 قبور بنى غلبون 294 قبر الشيخ أبى الفضل الجوهرى 297 أبو عبد الله الحسين بن بشرى الجوهرى 304 قبر أبى العباس الدّيبلّى 311 قبر المباحى 313 قبر أبى الفضل السايح 313 قبر أبى الطيب الهاشمى 314 قبر البزّاز 315 قبر الشيخ أبى الحسن القرافى 316 قبر دينار العابد 317 قبر الشيخ الزاهد ابن الفقاعى 318 قبر الشيخ عتبة- الزاهد الواعظ 321 قبر الشيخ أبى عبد الله محمد بن جابار- الصوفى الزاهد 323 قبر الشيخ عبد العزيز الخوارزميّ 327 قبر الشيخ شرف الدين بن الخشّاب 328 قبر القاضى المفضل بن فضالة 328 قبر صاحب الدّار 329 قبر أبى بكر القمنى 331 قبر سالم العفيف 332 قبر الشيخ الكحّال 333 قبر الشيخ صلة أبى الصّهباء بن أشيم العدوى 334 قبر أبى الحسن البلخى- الواعظ 337 قبر الواعظ الواسطى 337

الموضوع الصفحة قبر الشيخ أبى الحسن الصّايغ 337 قبر الشيخ ذى النون العدل- أى الفيض- الإخميمى 338 قبر القضاعى (القاضى محمد بن سلامة) 339 قبر الشيخ أبى إسحاق إبراهيم 340 قبر الشيخ أبى الربيع سليمان 340 قبر الشيخ أبى الحسن ابن بنت أبى سعد 342 قبر الفقيه محمد المرابط 344 قبر الفقيه أبى البركات 346 قبر الشيخ عبد الحميد القرافى 347 قبر أبى العباس أحمد بن اللهيب 350 قبر الفقيه يوسف- إمام مسجد العدّاسين 351 قبر الدّرعى 351 قبر الذّهبى «عمر المقدسى» 352 قبر الشيخ أبى الطيب «خروف» 355 قبر القاضى أبى زرارة 355 قبر الشيخ أبى القاسم هبة الله بن أحمد اليحمودى 356 قبر الشيخ أبى موسى عيسى الخرّاط 357 قبر الشيخ أبى القاسم الأقطع 357 قبر إدريس الخولانى 359 قبر العيناء 361 قبر شقران العابد 362 قبر أبى الربيع الزّبدى 370 قبر ابن عبد الرّحمن بن عوف 371 قبر صاحب الدّرّابة 372 قبر الجزرىّ 373

الموضوع الصفحة قبور الصوفية 374 قبر أبى علىّ الرّوذبارىّ 374 قبر ذى النون المصرى 377 قبر الشيخ أبى عمران موسى بن محمد الأندلسى 387 قبر ابن الترجمان 389 قبر أبى العباس أحمد بن عبد الله- الفقيه المالكى 390 قبر شحّاذ الفقراء 391 تربة سماسرة الخير 393 قبر أبى شعره «صاحب الدار» 394 قبر الشيخ أبى الحسن الفرّار 395 قبر الشيخ أبى الخير التّيناتى «الأقطع» 396 قبر الشيخ أبى موسى يونس بن عبد الأعلى الصدفى (صاحب الإمام الشافعى) 405 قبر الفقيه الليث بن سعد 408 قبر الشيخ أبى الخير سلامة بن إسماعيل المقدسى 419 مشهد السيدة آمنة بنت موسى الكاظم 420 مشهد آسية بنت مزاحم 422 قبر مالك بن سعيد الفارقى 422 قبر ميمونة العابدة 424 قبر الفقيه أشهب «صاحب الإمام مالك» 415 قبر الشيخ عبد الرحمن بن القاسم «صاحب مالك بن أنس» 429 قبر صاحب الإبريق 437 قبر أبى يعقوب البويطى الشافعى 441 قبر فاطمة بنت جعفر الصادق 443 قبر الشيخ أبى الحسن نور الدين 446

الموضوع الصفحة حكاية 446 قبر أبى القاسم الفريد «صاحب الخيار» 448 قبر أبى عبد الله بن هامان المقرئ 449 قبر حمدونة العابدة 450 قبر الشيخ الزاهد يعلى بن عمران 451 قبر بشرى بن سعيد الجوهرى 452 قبر الفقيه أبى الحسن على بن كبيش 454 قبر الشيخ الصالح أبى الحسن الصّفّار 454 قبر القاضى الزاهد أبى محمد عبد الوهاب- الفقيه المالكى 456 قبر القاضى سرىّ الدين أبى الوليد المالكى 464 قبر الفقيه عتيق بن بكّار 464 قبر العابدة الناسكة أم الفضل 465 قبر الفقيه أبى جعفر الطحاوى 465 قبور الصالحين من بنى الأشعث 467 قبر الفقيه الزاهد أبى الفدا رشيد الدين الدمشقى 469 قبر الشيخ الزّقّاق 470 قبر المقرئ إسماعيل الحدّاد 474 قبر الفقيه محمد بن يحيى الأسوانى «القاضى» 476 مقابر الصّدفيّين 477 قبر شيخ الإسلام أبى العباس بن نصر الإربلىّ 480 قبر الفقيه الفقيه أبى إسحاق المروزىّ 482 مشهد الإمام الشافعى- رضى الله عنه 483 قبر عبد الله بن عبد الحكم 496 قبر العلّامة نجم الدين بن الموفق الخبوشانى 497 قبر الإمام ورش المدنى 500

الموضوع الصفحة تربة الشيخ الزاهد شيبان الرّاعى 502 قبر المزنّى- صاحب الإمام الشافعى 505 تربة الشيخ أبى عمرو عثمان بن مرزوق 513 قبر كافور الإخشيدى 523 تربة أبى الفضل جعفر بن الفرات 528 قبر أبى الحسن الطرائفى 529 قبر الفقيه نجم الدين عمارة بن على اليمنى 531 قبر كمال الدين بن العديم 535 قبر الإمام عمر بن دحية الكلبى 539 قبر عبد الله بن لهيعة 543 قبر الشيخ أبى يحيى البغدادى 544 قبر الشيخ أبى بكر بن محمد المالكى 545 قبر سلطان العاشقين عمر بن الفارض 546 قبر بنان بن محمد- الحمّال الواسطى 550 قبر الشيخ على بن محمود المغربى 566 قبر الفقيه محمد بن سهل الثعالبى 566 قبر زردانة القابلة «أم محمد» 566 قبر الشيخ أبى على الكاتب الحسن بن أحمد 568 قبر الشيخ أبى الحسن الورّاق 570 قبر القطب الشهير أبى الحسن الدّينورى 572 قبر أبى بكر محمد بن داود الدّقى 596 قبر الشيخ سليمان بن عبد السميع القوصى 601 قبر إبراهيم بن اليسع، وقبر روبيل بن يعقوب 602 قبر الشيخ العفيف عبد الجبار الفرّاش 602 قبر الشيخ أبى بكر الإصطبلى 603

الموضوع الصفحة قبر الشيخ محمود بن سالم بن مالك الطويل 603 قبر الفقيه المحدّث أبى الحسن بن مرزوق الرّدينىّ 605 قبر القاضى يونس الورع 606 صحة قبر معاذ بن جبل 606 قبر الفقيه العالم أبى السّمراء الضّرير 608 قبر المرأة الصالحة خيزرانة المكاشفة 608 قبر الفقيه الإمام أبى إسحاق إبراهيم بن محمد 609 قبر الشيخ أبى البقاء صالح بن الحسين 614 صحة قبر الصحابى سارية 618 قبر القارئ أبى حفص العمروشىّ 619 تربة القاضى الفاضل 620 قبر القاضى الأشرف بن القاضى الفاضل 628 قبر الإمام الشاطبى- القاسم بن فيّره الرّعينى 630 قبر الفقيه أبى المعالى مجلّى 632 تربة الشيخ أبى عبد الرحمن رسلان 634 قبر الفقيه أبى القاسم عبد الرحمن بن رسلان 636 قبر الفقيه أبى عبد الله محمد بن رسلان 637 قبر الإمام أبى محمد بن أبى الفتح الكتامى الشارعى 637 قبر أبى المنيع رافع بن دغش الأنصارى 638 قبر الشيخ أبى غلبون رجاء 640 قبر الشيخ أبى الغنائم كليب بن شريف 641 قبر الشيخ عبد الله بن برّى 642 قبر خلف الصّرفندى 646 قبر الشيخ عبد الرحمن المصينى 646 قبر الشيخ أبى الفتح بن بابشاذ 648

الموضوع الصفحة قبر الأمير أحمد بن طولون 649 قبر الشيخ عفّان بن سليمان الخياط 656 مشهد محمد بن أبى بكر الصديق 661 فهارس الكتاب 665 فهرس الآيات القرآنية 667 فهرس الأحاديث النبوية 674 فهرس القوافى 683 فهرس الأعلام 695 فهرس الأماكن والبلاد والبقاع 735 فهرس الجماعات والقبائل والأمم والطوائف 755 مراجع التحقيق والتعليق 763 فهرس المحتويات 771

الجزء الثانى

[الجزء الثانى] بسم الله الرحمن الرحيم «تقديم» الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. فإننى بعد أن انتهيت- بعون الله وتوفيقه- من تحقيق «مرشد الزوار» وفقنى الله- عزّ وجلّ- إلى أن أضيف إليه هذا الذليل الذي يتناول بعض الأضرحة والمزارات التى بالقرافة الكبرى والصغرى، والتى لا تزال قائمة إلى الآن، ويقبل الناس على زيارتها، برغم أن بعضها قد قارب على الاندثار، أو بحالة يرثى لها، كضريح العز بن عبد السلام، وضريح أبى السعود بن أبى العشائر بسفح المقطم، وغيرهما، ونظرا لأن أصحابها من متأخرى الوفاة الذين لم يدركهم الموفق بن عثمان صاحب كتاب «مرشد الزوار» ، فإن الله هدانى إلى أن أضيف هذه الأضرحة إلى الكتاب المذكور كذيل له، وأن أترجم لأصحابها من الأولياء والزهاد والعلماء والصالحين ترجمة وافية- قدر الاستطاعة- وأذكر منزلتهم ومآثرهم وكراماتهم وبعض أقوالهم ومأثور كلامهم، حتى يقف القارئ على مكانتهم العلمية، وما وصلوا إليه من فتوح ربّانية. فشرح الله صدرى لهذا العمل، فبدأت فيه وانتهيت منه بالصورة التى بين يديك، وكان هذا توفيقا من الله سبحانه وتعالى، فله الحمد على ذلك أولا وأخيرا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. «طالب عفو ربه الكريم» محمد فتحى أبو بكر

بعض الأضرحة والمزارات التى بالقرافة الكبرى والصغرى التى لا تزال قائمة إلى الآن

[بعض الأضرحة والمزارات التى بالقرافة الكبرى والصغرى التى لا تزال قائمة إلى الآن] ضريح شيخ الإسلام وقاضى القضاة العزّ بن عبد السلام* سلطان العلماء- مولده وشيوخه: هو عز الدين بن عبد السلام بن عبد العزيز بن أبى القاسم، شيخ الإسلام، وسلطان العلماء، ولد سنة 577 هـ، أو سنة 578 هـ، وتفقه على الفخر ابن عساكر، وأخذ الأصول عن السيف الآمدىّ، وسمع الحديث عن عمر بن محمد بن طبرزد، وغيرهم، وبرع فى الفقه والأصول العربية. يقول الذهبى فى العبر: «انتهت إليه معرفة المذهب مع الزهد والورع، وبلغ رتبة الاجتهاد» . قدومه إلى مصر: قدم مصر فأقام بها أكثر من عشرين سنة ناشرا العلم، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر. يغلظ على الملوك فمن دونهم. ويضيف الذهبى: «إنه لمّا دخل مصر استقبله الشيخ زكى الدين المنذرى وبالغ فى الأدب معه، وامتنع من الإفتاء لأجله، قائلا: كنّا نفتى قبل حضوره، وأمّا بعد حضوره فمنصب الفتيا متعين فيه» .

شدته فى الحق:

شدته فى الحق: أما عن سبب ترك العز بن عبد السلام «سوريا» وحضوره إلى «مصر» ، فيقول المقريزى فى كتابه «السلوك» فى حوادث سنة ثمان وستمائة: «أذن الملك الصالح إسماعيل للفرنج فى دخول «دمشق» ، فأنكر المسلمون ذلك، ومشى أهل الدين منهم إلى العلماء فاستفتوهم، فأفتى العزّ بن عبد السلام بتحريم بيع السلاح للفرنج، وقطع من الخطبة- بالجامع الأموى بدمشق- الدعاء للصالح إسماعيل، وصار يدعو فى الخطبة بدعاء، منه: «اللهم أبرم لهذه الأمّة إبرام رشد، تعزّ فيه أولياءك، وتذلّ فيه أعداءك، ويعمل فيه بطاعتك، وينهى فيه عن معصيتك» . والناس يضجون بالدعاء. عزله عن الخطابة واعتقاله: وكان الملك الصالح إسماعيل غائبا، فكتب إليه رجاله بذلك، فورد كتابه بعزل ابن عبد السلام عن الخطابة، واعتقاله مع الشيخ أبى عمرو بن الحاجب، لأنه شارك ابن عبد السلام فى استنكاره. فلما عاد الصالح إلى دمشق أفرج عنهما، وألزم ابن عبد السلام بملازمة داره، وألّا يفتى، ولا يجتمع بأحد البتة. ولكن ابن عبد السلام استأذنه فى صلاة الجمعة، والذهاب إلى الطبيب أو المزيّن (أى: الحلاق) إذا احتاج إليهما، وأن يعبر الحمّام، فأذن له فى ذلك. خروجه من دمشق: ويكمل السيوطى قصة خروجه من دمشق فيقول: واستطاع ابن عبد السلام والشيخ جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب الخروج إلى الديار المصرية، فأرسل الصالح إسماعيل إلى عز الدين- وهو فى الطريق- رسولا يطلب إليه العودة إلى دمشق، فاجتمع به، وقال له: ما نريد منك شيئا إلّا أن تنكسر

استقبال السلطان نجم الدين أيوب له، وتوليه قضاء مصر واصطدامه بأمرائها وحكامها:

للسلطان وتقبّل يده لا غير! فردّ عليه ابن عبد السلام: يا مسكين، ما أرضاه أن يقبّل يدى فضلا عن أن أقبّل يده، ياقوم، أنتم فى واد وأنا فى واد، والحمد لله الذي عافانا ممّا ابتلاكم. استقبال السلطان نجم الدين أيوب له، وتوليه قضاء مصر واصطدامه بأمرائها وحكامها: فلما وصل إلى مصر استقبله سلطانها الصالح نجم الدين أيوب (آخر سلاطين الدولة الأيوبية) وأكرم وفادته، وولّاه قضاء مصر.. إلّا أنه سرعان ما اصطدم فى مصر كذلك بأمرائها وحكّامها، ولكنه لم يلن، ولم يخش فى الحق لومة لائم، فقد حدث أن استادار (المشرف على شئون القصر) السلطان الصالح نجم الدين- ويدعى فخر الدين عثمان، وهو الذي كان إليه أمر المملكة- عمد إلى أحد مساجد القاهرة وعمل على ظهره «طبلخانة» ، وبقيت تضرب هناك، فاستاء أهل الحىّ من هذا الطبل، وخاصة أنه داخل بيت من بيوت الله، فلما ثبت هذا عند الشيخ عز الدين حكم بهدم بناء الطبلخانة، وأسقط فخر الدين، كما عزل نفسه من القضاء، ولكن منزلته لم تسقط عند السلطان «1» . وكان للمواقف المشرفة التى وقفها الشيخ ابن عبد السلام ضد المنتهكين لحرمة الإسلام والمسلمين، غير عابىء بما يتعرض له من أذى أو اضطهاد- أثر كبير، ليس فى مصر فحسب، بل فى جميع أنحاء العالم الإسلامى. لقد ظن الاستادار فخر الدين وغيره أن حكم العز بن عبد السلام لا يتأثر به فى الخارج، فاتفق أن جهّز السلطان الصالح نجم الدين رسولا من عنده إلى الخليفة العباسى «المستعصم» ببغداد، فلما وصل الرسول إلى الديوان ووقف بين يدى الخليفة، وأدّى الرسالة له، سأله: هل سمعت هذه الرسالة من السلطان؟ فقال:

تمسكه بالحق ودقة أحكامه:

لا، ولكن حمّلنيها عن السلطان فخر الدين استاداره. فقال الخليفة: إن المذكور أسقطه بن عبد السلام، فنحن لا نقبل روايته. فرجع الرسول إلى السلطان حتى شافهه بالرسالة، ثم عاد إلى بغداد وأدّاها. تمسكه بالحق ودقة أحكامه: ومن الأحكام القضائية التى قضى بها ابن عبد السلام، والتى سجّلها له التاريخ كرمز للعدل والدقة فى تطبيق أحكام الشريعة، حتى صار يضرب به المثل، ولقّب بحقّ: «سيد الرجال» بيعه لأمراء المماليك، إذ لم يثبت عنده أنهم أحرار، ووضع ثمنهم فى بيت مال المسلمين، وصمّم الشيخ على أنه لا يصح لأمراء المماليك بيع ولا شراء ولا نكاح، وتعطلت مصالحهم لذلك، واحتدم الأمر، وكان من جملتهم نائب السلطنة، فاستثار غضبا، فاجتمعوا وأرسلوا إلى ابن عبد السلام، فقال: نعقد لكم مجلسا وننادى عليكم لبيت مال المسلمين. فرفعوا الأمر إلى السلطان، فبعث إليه، فلم يرجع، فأرسل إليه نائب السلطنة بالملاطفة، فلم يفد فيه، فانزعج النائب وقال: كيف ينادى علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض؟! والله لأضربنّه بسيفى هذا. فركب بنفسه فى جماعته، وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول فى يده، فطرق الباب، فخرج ولد الشيخ، فرأى من نائب السلطنة ما رأى، وشرح لأبيه الحال، فما اكترث لذلك وقال: يا ولدى، أبوك أقلّ من أن يقتل فى سبيل الله ... ثم خرج، فحين وقع بصره على النائب يبست يد النائب وسقط السيف منه، وأرعدت مفاصله، فبكى، وسأل الشيخ أن يدعو له، وقال: يا سيدى إيش نعمل؟ فقال: أنادى عليكم وأبيعكم. قال: ففيم تصرف ثمننا؟ فقال: فى مصالح المسلمين. قال: من يقبضه؟ قال: أنا. فتمّ له ما أراد، ونادى على الأمراء واحدا واحدا، وغالى فى ثمنهم، فلم يبعهم إلّا بالثمن الوافى، وقبضه وصرفه فى وجوه الخير «1» .

شجاعته الأدبية:

شجاعته الأدبية: ومن المواقف التى تشهد له بالشجاعة الأدبية النادرة ما حكاه القاضى عبد الرحمن البكارى، من أنّ الشيخ عز الدين بن عبد السلام أفتى مرّة بشىء، ثم ظهر له أنه خطأ، فنادى فى مصر (أى الفسطاط) والقاهرة على نفسه: من أفتى له ابن عبد السلام بكذا فلا يعمل به، فإنه خطأ. ويقول ابن كثير عنه: كان فى آخر عمره لا يتقيد بالمذهب، بل اتسع نطاقة، وأفتى بما أدّى إليه اجتهاده. ولمّا عزل الشيخ نفسه عن القضاء تلطّف السلطان فى ردّه إليه، فباشره مرة، ثم ثانية، وتلطف مع السلطان فى إمضاء عزله، فأمضاه وأبقى جميع نوابه من الحكام، وكتب لكل حاكم تقليدا، ثم ولّاه التدريس بمدرسته التى أنشأها فى القصر الفاطمى الشرقى، والتى تعرف باسم المدرسة الصالحية «1» . تلاميذه الذين أخذوا عنه: ومن تلاميذه الذين رووا عنه: شيخ الإسلام ابن دقيق العيد- وهو الذي لقّب الشيخ عز الدين «سلطان العلماء» ، والإمام علاء الدين أبو الحسن الباجيّ، والشيخ تاج الدين بن الفركاح، والحافظ أبو محمد الدمياطى، والحافظ أبو بكر محمد بن يوسف بن مسدى، والعلّامة أحمد أبو العباس الدّشناوىّ، والعلّامة أبو محمد هبة الله القفطىّ، وغيرهم.

تصانيفه:

تصانيفه: ومن تصانيفه- رحمه الله تعالى: «القواعد الكبرى» ، وكتاب «مجاز القرآن» ، وهذان الكتابان شاهدان بإمامته وعظيم منزلته فى علوم الشريعة. وله كتاب «شجرة المعارف» وكتاب «الدلائل المتعلقة بالملائكة والنبيين عليهم السلام، والخلق أجمعين» ، وكلا الكتابين بديع وحسن جدّا. وله «مختصر صحيح مسلم» ، و «مختصر رعاية المحاسبى» ، و «الإمام فى أدلّة الأحكام» ، و «الفرق بين الإيمان والإسلام» ، و «فوائد البلوى والمحن» ، و «الفتاوى الموصلية» ، و «الفتاوى المصرية» وغير ذلك من المصنفات «1» . تصوّفه وكراماته: هذا عن تصانيفه، أمّا عن كراماته، فقد ذكر السيوطى أن كرامات ابن عبد السلام كثيرة.. فقد لبس خرقة التصوف من الشّهاب السّهروردىّ، كما كان يحضر عند الشيخ أبى الحسن الشاذلى الذي يقول عنه: ما على وجه الأرض مجلس فى الفقه أبهى من مجلس الشيخ عز الدين بن عبد السلام. ويقول عنه القطب اليونينى: كان- ابن عبد السلام- مع شدته وصلابته حسن المحاضرة بالنوادر والأشعار، يحضر السماع (الذّكر) ويرقص فيه ... ويختم ترجمته بشهادة تلميذه القاضى ابن دقيق العيد: كان ابن عبد السلام أحد السلاطين العلماء. وكانت وفاته فى جمادى الأولى سنة 660 هـ، ودفن بالقرافة الكبرى «2» .

وصف ضريحه:

وصف ضريحه: يقع ضريح العز بن عبد السلام بسفح المقطم فى منطقة البساتين، بالقرب من جبانة التونسى وجبانة الإمام الليث «1» ، وهو الآن بحالة خربة، وإن كانت بقاياه تدل على أنه يشبه إلى حدّ كبير- من الناحية المعمارية- القباب التى أقيمت فى أوائل العصر المملوكى، مثل قبة شجرة الدر، وقبة الأشرف خليل ابن قلاوون، وقبة الخلفاء العباسيين، وكلها ترجع إلى النصف الثانى من القرن السابع الهجرى. ويتكون الضريح من مربع كبير بيبلغ طوله 15 مترا، ومن المرجح أنه مغطّى بقبّة مرتفعة مثل القباب سالفة الذكر. وبحائط القبلة توجد خمسة محاريب، أكبرها يتوسط الحائط، واثنان على كل جانب، وفى وسط الضريح توجد مقبرة عليها بناء مرتفع، لعله كان مغطّى بتابوت خشبى، كما هى العادة فى ذلك الوقت. وقد أشارت الدكتورة سعاد ماهر فى السبعينيات «2» بأن مصلحة الآثار تقوم مع وزارة الأوقاف بإعادة بناء الضريح تقديرا لهذه الشخصية الفذة التى لا تخشى فى الله لومة لائم، ولكن إلى الآن لا يزال الضريح كما هو، بل ازداد سوءا، فنرجو من الله، ونكرر دعاءنا أن يهدى الله وزارة الأوقاف، أو مصلحة الآثار- أو غيرهما- للقيام بهذا الواجب النبيل. ***

ضريح ابن عطاء الله السكندرى بالقرافة الكبرى - بجبل المقطم

ضريح ابن عطاء الله السكندرى بالقرافة الكبرى- بجبل المقطم* أصله ومولده: هو الإمام العارف، والعالم الزاهد، صاحب الإشارات والكرامات، الكبير القدر، تاج الدين، أبو الفضل، أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله السكندرى، الجذامى نسبا، المالكى مذهبا، الشاذلى طريقة، وهو من أصل عربى، فأجداده من الجذاميين من قبيلة كهلان التى ينتهى نسبها إلى بنى يعرب ابن قحطان، من العرب العاربة الذين وفدوا إلى مصر، واستوطنوا مدينة الإسكندرية بعد الفتح الإسلامى. ولد ابن عطاء الله بمدينة الإسكندرية حيث تقيم أسرته، وحيث كان جده يشتغل بالتدريس، ولم تذكر المراجع التى ترجمت له تاريخ مولده صراحة، غير أن الدكتور التفتازانى استطاع أن يستنتجه من خلال سرد ترجمة حياته، إذ يقول: إن مولده يقع بين سنتى 658 هـ، و 679 هـ «1» . وقد تتلمذ ابن عطاء الله على أشهر فقهاء الإسكندرية فى ذلك العصر، ومنهم الفقيه ناصر الدين المنير الجذامى الإسكندرى. وكانت الإسكندرية فى عصر ابن عطاء الله مركزا هامّا من المراكز العلمية بمصر، إذ كان بها كثير من خيرة العلماء فى الفقه، والتفسير، والحديث، والأصول، وسائر العلوم العربية والإسلامية، هذا بالإضافة إلى أنها كانت زاخرة بعدد وفير من شيوخ الصوفية وأولياء الله الصالحين.

أطوار حياته:

وكان والده عطاء الله معاصرا للشيخ أبى الحسن الشاذلى، مؤسس الطريقة الشاذلية، فقد ذكر ابن عطاء الله فى كتابه «لطائف المنن» مايلى: «أخبرنى والدى- رحمة الله عليه- قال: دخلت على الشيخ أبى الحسن الشاذلى، رضى الله عنه، فسمعته يقول: والله قد تسألوننى عن المسألة لا يكون لها عندى جواب، فأرى الجواب مسطرا فى الدواة، والحصير، والحائط ... » . وكان أفراد الأسرة التى نشأ فيها ابن عطاء الله مشتغلين بالعلوم الدينية وتدريسها، لأن جده لوالده كان فقيها معروفا فى عصره، ولأن ابن عطاء الله نشأ- كجده- فقيها مشتغلا بالعلوم الشرعية، فكان يطمع إلى بلوغ منزلته. ويذكر ابن عطاء الله فى كتابه السابق أن جده كان ينكر على الصوفية، وأن هؤلاء كانوا يصبرون على أذاه، وقد وضح ذلك فى القصة التالية: «قال الشيخ أبو العباس المرسى لأصحابه: إذا جاء ابن فقيه الإسكندرية- يقصد ابن عطاء الله- فأعلمونى به، فلما أتيت وعلم بى قال: جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومعه ملك الجبال حين كذّبته قريش، فسلم عليه ملك الجبال وقال: يا محمد، إن شئت أطبق عليهم الأخشبين فعلت. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا، ولكن أرجو أن يخرج من أصلابهم من يوحّده ولا يشرك به شيئا، فصبر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء من يخرج من أصلابهم، كذلك صبرنا على جد هذا الفقيه- يقصد جد ابن عطاء الله- لأجل هذا الفقيه» «1» . أطوار حياته: تقسم كتب التراجم حياة ابن عطاء الله إلى ثلاثة أطوار، الأول: أمضاه بمدينة الإسكندرية طالبا للعلوم الدينية فى عصره، من تفسير، وحديث، وفقه،

وأصول، ونحو، وبيان، وغيرها، من خيرة أساتذتها فى ذلك الوقت، وفى هذا الطور من حياته كان متأثرا إلى حد كبير بآراء جدّه فى إنكاره على الصوفية إنكارا شديدا، تعصبا لعلوم الفقهاء، وقد ذكر ذلك فى كتابه «لطائف المنن» إذ يقول: «وكنت أنا لأمره- أى لأمر أبى العباس المرسى- من المنكرين، وعليه من المعترضين، حتى جرت مقابلة بينى وبين أصحابه، وذلك قبل صحبتى إيّاه، وقلت لذلك الرجل: ليس إلّا أهل العلم الظاهر، وهؤلاء القوم- أى المتصوفون- يدّعون أمورا عظيمة، وظاهر الشرع يأباها» . ويبدأ الطور الثانى من حياته سنة 674 هـ عند التقائه بأبى العباس المرسى واصطحابه له، وينتهى بارتحاله إلى القاهرة، وفى هذا الطور نلاحظ زوال إنكاره للصوفية حين لقى أستاذه المرسى، إذ أعجب به إعجابا كبيرا، وأخذ عنه طريق الصوفية، وقد كان السبب فى تحوّله الواضح من الإنكار الشديد إلى التصوف أنه أحسّ بأزمة نفسية شديدة، خشى معها أن يكون منكرا على الشيخ أبى العباس المرسى من غير حق، وفى ذلك يقول: «وكان سبب اجتماعى به (بأبى العباس) أن قلت لنفسى بعد أن جرت المخاصمة بينى وبين ذلك الرجل: دعنى أذهب أنظر إلى هذا الرجل، فصاحب الحق له أمارات، ولا يخفى شأنه. فأتيت إلى مجلسه فوجدته يتكلم فى الأنفاس التى أمر الشارع بها، وعلمت أن الرجل إنما يغترف من فيض إلهى، فأذهب الله ما كان عندى» . ومما هو جدير بالذكر أن ابن عطاء الله لم ينقطع عن طلب العلم بسلوكه طريق الصوفية، وإنما ظل يطلب هذه العلوم بتوجيه شيخه له، فقد ظن فى بادئ الأمر أنه لن يستطيع أن يسلك طريق طريق الصوفية إلّا إذا انقطع عن اشتغاله بهذه العلوم، وتفرغ بالكلية لصحبة شيخه. ويذكر ابن عطاء الله كيف كان أبو العباس المرسى يرسم لكل واحد من تلاميذه طريقا خاصّا فيقول: «ودخلت أنا عليه- أى على أبى العباس المرسى- وفى نفسى ترك الاشتغال بالعلم الظاهر، فقال لى من غير أن أبدى له شيئا: صحبنى بقوص إنسان يقال له ابن ناشئ،

وكان مدرّسا بها ونائب الحاكم، فذاق من هذا الطريق شيئا على أيدينا، فقال: يا سيدى، أأترك ما أنا فيه وأتفرغ لصحبتك؟ فقلت له: ليس هذا شأننا، ولكن امكث فيما أقامك الله، وما قسم لك على أيدينا هو إليك واصل. ثم قال: وهكذا شأن الصديقين، لا يخرجون عن شىء حتى يكون الحقّ هو الذي يتولى إخراجهم. فخرجت من عنده وقد غسل الله تلك الخواطر من قلبى، وكأنها كانت ثوبا نزعته، ورضيت عن الله فيما أقامنى فيه» . والطور الثالث من حياته يبدأ من وقت ارتحاله من الإسكندرية ليقيم بالقاهرة، وينتهى بوفاته سنة 709 هـ، وهو طور نضجه واكتماله من الناحيتين: الفقهية والصوفية، والإفادة منهما فى التدريس. وفى هذه المرحلة من حياته فرّق ابن عطاء الله بين العزلة والخلوة، وأعطانا وصفا مميزا لكل منهما. ويرى ابن عطاء ضرورة اصطناع العزلة عن الناس والخلوة فى مكان بعيد، وفى ذلك يقول الغزالى فى إحياء علوم الدين: «والذين يستندون فى هذا المسلك إلى أساس من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم وتحنثه فى غار حراء قبل نزول الوحى، حتى صفت نفسه وتهيّأ لنور النبوّة» . والعزلة عند ابن عطاء تعنى الانقطاع المعنوى لا الحقيقى عن الخلق، بحيث يكون السالك مراقبا نفسه على الدوام، ومحاذرا أن يشغل ذهنه بالعالم، فإذا أحكم الصوفى عزلته، وألفت نفسه الوحدة دخل الخلوة. ويعرّف الخلوة بأنها وسيلة للوصول إلى سر الحق، فهى تبتّل إلى الله، وانقطاع عن غيره- سبحانه وتعالى. ويصف ابن عطاء الله البيت الذي يختلى فيه المتصوف فيقول: «فأمّا بيت الخلوة فله هيئة خاصة، فيكون ارتفاعه قدر قامة الرجل، وطوله قدر سجوده، وعرضه قدر جلسته، ولا يكون فيه ثقب ينفذ الضوء منه إلى الخلوة، وأن يكون بعيدا عن الأصوات، وبابه وثيقا قصيرا فى دار معمورة بالناس» «1» .

قيامه على الطريقة الشاذلية بعد وفاة أبى العباس المرسى واشتغاله بالوعظ والتدريس:

قيامه على الطريقة الشاذلية بعد وفاة أبى العباس المرسى واشتغاله بالوعظ والتدريس: لقد أصبح ابن عطاء الله بعد وفاة شيخه أبى العباس المرسى سنة 686 هـ، القائم على طريقته، والداعى لها من بعده، هذا بالإضافة إلى قيامه بالتدريس بمدينة الإسكندرية، فلما رحل إلى القاهرة اشتغل بالتدريس والوعظ، فقد تولى ابن عطاء الله التدريس بأكبر الجامعات الإسلامية فى ذلك العهد، وأعنى بها الجامع الأزهر، وفى ذلك يقول ابن حجر: «وكان ابن عطاء يتكلم بالجامع الأزهر فوق كرسى (أى: أستاذ بكرسى) بكلام يروح النفس، ويمزج كلام القوم بآثار السلف وفنون العلم، فكثر أتباعه، وكانت عليه سيما الخير» . ويقول ابن تغرى بردى: «كان ابن عطاء الله رجلا صالحا، يتكلم على كرسى، ويحضر ميعاده خلق كثير، وكان لوعظه تأثير فى القلوب، وكان له معرفة تامة بكلام أهل الحقائق وأرباب الطريق» «1» . وقام ابن عطاء الله أيضا بالتدريس فى المدرسة المنصورية، التى أنشأها السلطان المنصور قلاوون بحى الصّاغة. وقد تخرج على يدى ابن عطاء الله عدد كبير من الفقهاء والصوفية، من أشهرهم الإمام تقي الدين السّبكى، والد تاج الدين السّبكى صاحب طبقات الشافعية الكبرى. خصومته لابن تيمية: وكان ابن عطاء الله معاصرا للشيخ تقي الدين بن تيمية، الذي شدّد النكير فى عصره على الصوفية، وصنف عدة رسائل فى الرد عليهم، وبالغ فى عداوته لهم فى كثير من الأحيان، لهذا كان من الطبيعى أن تقوم خصومة متبادلة بين ابن تيمية وابن عطاء الله، فالأول خصم لدود للصوفية، والآخر يعدّ الممثل الأول للصوفية، والمتحدث بلسانها فى عصره «2» .

كراماته:

كراماته: وكما جرت العادة أن ينسب لكل ولىّ أو صوفىّ كرامات، كذلك ذكرت كتب الطبقات بعض الكرامات التى تنسب إلى ابن عطاء الله، وعددها دالّ على منزلته كصوفىّ كامل واصل إلى الله، وفى هذا المقام يروى ابن حجر العسقلانى القصة التالية: «يقال: إن ثلاثة قصدوا مجلسه، فقال أحدهم: لو سلمت من العائلة لتجردت. وقال آخر: أنا أصلى وأصوم ولا أجد من الصلاح ذرّة. وقال الثالث: أنا صلاتى ما ترضينى فكيف ترضى ربى؟ فلما حضروا مجلسه قال فى أثناء كلامه: ومن الناس من يقول كذا وكذا، وأعاد كلامهم بعينه» . وقد ذكر لنا المناوى فى كتابه «الكواكب الدرية» واقعتين أخريين خارقتين للعادة، وعدّهما من قبيل الكرامات، ففى الأولى يقول: إن الشيخ الكمال ابن الهمام زار قبره، فقرأ عنده سورة هود حتى وصل إلى قوله: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فأجابه ابن عطاء الله من القبر بصوت عال: يا كمال، ليس فينا شقى! .. فأوصى أن يدفن بجواره.. والواقعة الثانية: أن رجلا من تلاميذ ابن عطاء الله حجّ، فرأى الشيخ (ابن عطاء الله) فى المطاف، وخلف المقام، وفى المسعى، وفى عرفة، فلما رجع سأل عن الشيخ: هل خرج من البلد فى غيبته فى البلاد الحجازية؟ قالوا: لا، فدخل إليه وسلّم عليه، فقال له: من رأيت فى سفرتك من الرجال؟ قال: يا سيدى رأيتك. فتبسّم وقال: الرجل الكبير يملأ الكون، لو دعى القطب من حجر لأجاب «1» . إنتاجه العلمى ومصنفاته: أمّا عن إنتاج ابن عطاء الله العلمى، فقد ترك لنا عددا كبيرا من

ومن كلامه فى الحكم العطائية:

المصنفات، تختلف من حيث الموضوع والغرض اللذين وضعت من أجلهما، وكلها تعكس بوضوح ثقافة صاحبها، فمنها التصانيف الأدبية، ومنها المؤلفات الصوفية التى عالج فيها أدق أحوال النفس الإنسانية فى حال سلوكها إلى الله، ومنها ما وضع فى الفقه والنحو والمنطق والفلسفة، ومنها ما يعكس صورته خطيبا واعظا يرشد عامّة الناس إلى طريق الله بعباراته القوية النافذة، ومنها: التنوير فى إسقاط التدبير، والحكم العطائية، ولطائف المنن، وتاج العروس فى تهذيب النفوس، ومفتاح الفلاح، والقصد المجرد فى الاسم المفرد، وغيرها.. وقد حازت جميعها الإعجاب والتقدير من العلماء والمحققين. ومن كلامه فى الحكم العطائية: - «من علامة الاعتماد على العمل، نقصان الرّجاء «1» عند وجود الزّلل» . - «ادفن وجودك فى أرض الخمول، فما نبت ممّا لم يدفن لا يتم نتاجه» «2» . - «من تمام النعمة عليك أن يرزقك ما يكفيك ويمنعك ما يطغيك» . «من بورك له فى عمره- أدرك فى يسير من الزمن- من منن الله تعالى- ما لا يدخل تحت دوائر العبارة، ولا تلحقه الإشارة» .

- «أنت من الأكوان ما لم تشهد المكوّن، فإذا شهدته- كانت الأكوان معك» . - «المؤمن يشغله الثناء على الله عن أن يكون- لنفسه- شاكرا، وتشغله حقوق الله عن أن يكون- لحظوظه- ذاكرا» . - «لا تترك الذّكر لعدم حضورك مع الله فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره أشدّ من غفلتك فى وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عمّا سوى المذكور وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ *. - «من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الموافقات، وترك الندم على ما فعلته من وجود الزّلّات» . - «العطاء من الخلق حرمان، والمنع من الله إحسان» «1» . - «إن أردت ألّا تعزل فلا تتولّ ولاية لا تدوم لك» . - «لا تنفعه طاعتك، ولا تضرّه معصيتك، وإنما أمرك بهذه ونهاك عن هذه لما يعود عليك» .

- «كفى من جزائه إيّاك على الطاعة أن رضيك لها أهلا» . - «الأكوان ظاهرها غرّة، وباطنها عبرة، فالنفس تنظر إلى ظاهر غرّتها، والقلب ينظر إلى باطن عبرتها» . - «إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه» . - «ربما فتح لك باب الطاعة، وما فتح لك باب القبول، وربما قضى عليك بالذنب، فكان سببا فى الوصول» . - «معصية أورثت ذلّا وافتقارا، خير من طاعة أورثت عزّا واستكبارا» «1» . - «متى أوحشك من خلقه، فاعلم أنه يريد أن يفتح لك باب الأنس به» . - «مطالع الأنوار- القلوب والأسرار» . ولحكم ابن عطاء الله قيمة تصوفية كبيرة إلى جانب قيمتها الأدبية والفنية، فهى من أعظم ما صنّف فى علم التصوف، وهى مثل عال للفكر الصوفى النقى، الخالص من الشوائب، والمتلائم مع الكتاب والسنّة، وأقوال الصحابة وسلوكهم، وهى إلى جانب هذا تضىء لنا صفحات مشرقة من التصوف الإسلامى، وتخاطب

وفاته:

وجدان المسلم، وتسمو بروحه، وتطهر نفسه وتعلو بها إلى أسمى درجات النقاء والطهر والكمال الروحى، فيرتفع فوق شهواته، ويعلو بغرائزه، فلا يكون عبدا لها، ومن هذا المنطلق يتخلص من المادية البغيضة، ومن ثم يسمو بسلوكه ويرقى بمجتمعه ويوجهه نحو حياة أفضل «1» . وقد وجدت هذه الحكم طريقها إلى الفقهاء من علماء الأزهر وغيرهم، وكانت تدرّس فيه وفى المساجد الأخرى، وقد شرحت هذه الحكم العطائية شروحا كثيرة فى أزمنة مختلفة، وفى أقطار كثيرة، وبلغات أجنبية أحيانا، كالتركية والمالوية، وغيرهما. وفاته: وتوفى ابن عطاء الله سنة 709 هـ، وكانت وفاته بالمدرسة المنصورية التى كان يدرّس بها، وكانت جنازته حافلة بجمهور كبير من أهل القاهرة الذين شيعوه إلى قبره فى القرافة الكبرى تحت جبل المقطم. حوش ابن عطاء الله ومن به من الأولياء والصالحين: يذكر ابن الزيات «2» والسخاوى «3» أن بحوش ابن عطاء الله جماعة من الأولياء «4» والعلماء، والصلحاء والأشراف، والقرّاء، والفقهاء، والمحدّثين،

إقامة مسجد يحمل اسمه:

منهم القاضى محيى الدين المغربى صهر ابن عطاء الله، والشيخ شمس الدين بن عبد الملك بن عبد الغنى الزركشى، وولده تاج الدين، وأخوه الشيخ محب الدين، ومعه فى الحوش أيضا الشيخ عبد الرحمن بن موسى، المعروف بالروضى، ومعهم فى الحوش أيضا قبر الشيخ نجم الدين البالمى، والشيخ جمال الدين يوسف المالكى. ومن وراء الحائط القبلى قبر الشيخ عبد النور. ويذكر ابن الزيات أنه بحوش بغير سقف، يسلك إليه من عند ابن الحاج، وكان به تابوت خشب مكتوب عليه اسمه- أى الشيخ عبد النور- ووفاته، فسرق، وهو الآن كوم تراب، وبينه وبين ابن عطاء الله شباك من جهة القبر اليمنى. وفى حوش ابن عطاء الله أيضا الشيخ بهاء الدين بن محمد الحبّاك، شيخ القرّاء، ومعهم فى الحوش الشيخ عبد الله اليمنى الذي كان مقيما بجامع الحاكم، وإلى جانبه قبر الشيخ محمد الفصيح، والشيخ سعد الدين، والشيخ سعيد، ومعهم فى التربة قبر الشريف السمرقندى، قريب من ابن عطاء الله، ومعهم فى الحوش أيضا الشيخ الحجازى، وهذا المكان عليه هيبة وجلالة، ويعرف بإجابة الدعاء. إقامة مسجد يحمل اسمه: وقد وصل ضريح ابن عطاء الله إلى حالة سيئة للغاية إلى أن قام الشيخ عبد الحليم محمود والشيخ عبد الحليم مجاهد بالاهتمام به، وإقامة مسجد يحمل اسم هذه الشخصية الإسلامية الفذة. وبداخل المسجد- فى غرفة مستقلة- ضريح ابن عطاء الله بصورة تليق بصاحبه وفضله ومكانته العلمية والدينية، فجزاهما الله على ذلك خير الجزاء. ***

ضريح قاضى القضاة تقي الدين بن دقيق العيد

ضريح قاضى القضاة تقي الدين بن دقيق العيد* فى القرافة الكبرى أيضا، وبجوار ابن عطاء الله السكندرى يقع ضريح قاضى القضاة تقي الدين بن دقيق العيد، فمن هو؟! أصله ومولده: هو القاضى العلّامة، تقي الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ مجد الدين أبى الحسن على وهب بن مطيع بن دقيق العيد القشيرى، ولد بالبحر الأحمر تجاه «ينبع» عندما توجّه والده لتأدية فريضة الحج، فى يوم السبت الخامس عشر من شعبان سنة 625 هـ، فلما دخل الكعبة أخذه والده على يده وطاف به، ودعا له أن يجعله الله عالما عاملا. ويقول الأدفوى فى سبب تسمية جده «دقيق العيد» : إنه كان عليه يوم عيد طيلسان شديد البياض، فقال بعضهم: كأنه دقيق عيد، فلقّب به- رحمه الله تعالى. وأمضى تقي الدين طفولته فى قوص، حيث كان يقوم والده بالتدريس فى المدرسة التى بناها النجيب بن هبة الله سنة 607 هـ، وتتلمذ على يد والده

رحيله فى طلب العلم وشيوخه:

الذي كان يدرس الفقه على مذهب الإمام مالك، والإمام الشافعى. وكانت أمّه من قوص، فهى بنت الشيخ الإمام تقي الدين المظفر بن عبد الله بن على ابن الحسين، فأصلاه كريمان، وأبواه عظيمان. وجاء فى الدرر الكامنة لابن حجر، أن تقي الدين نشأ فى قوص على حالة واحدة من الصمت والاشتغال بالعلوم، ولزوم الصيانة والديانة، والتحرز فى أقواله وأفعاله، والبعد عن النجاسة، متشددا فى ذلك، حتى حكت زوجة أبيه قالت: بنى علىّ والده، والشيخ تقي الدين ابن عشر سنين، فرأيته ومعه هاون وهو يغسله مرات زمنا طويلا، فقلت لأبيه: ماذا يفعل الصغير؟ فقال له: يا محمد، أى شىء تفعل؟ فقال: أريد أن أركّب حبرا، وأنا أغسل هذا الهاون «1» . رحيله فى طلب العلم وشيوخه: وابتدأ تقي الدين بقراءة كتاب الله العظيم حتى حصل منه على حظ وافر، ثم رحل فى طلب العلم والحديث إلى دمشق والإسكندرية بعد أن تفقه وسمع الحديث من والده وغيره من فقهاء وعلماء قوص التى كانت تشغل مركز الصدارة فى صعيد مصر فى ذلك الوقت. وكان يقول: البهاء معلمى. وقرأ العربية على الشيخ شرف الدين محمد بن أبى الفضل المرسى وغيره، وقرأ الأصول على والده، وحضر عند القاضى شمس الدين لمّا كان حاكما بقوص، كما تفقه على الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وسمع من ابن المقيّر، وابن رواح، وابن عبد الدائم، وغيرهم.

نشاطه العلمى ومؤلفاته:

نشاطه العلمى ومؤلفاته: وكان- رحمه الله- كثير الاطلاع، حتى قيل: إنه لا يوجد كتاب فى مكتبات المدارس التى درس أو درّس بها فى القاهرة أو قوص إلّا وعليه تأشيرات بخطه. أمّا تأليفه فيقول حاجى خليفة فى «كشف الظنون» : «ولو لم يكن له إلّا ما أملاه على (العمدة) لكان عمدة الشهادة بفضله، والحكم بعلو منزلته فى العلم والنبل» فكيف بشرح (الإلمام) وما تضمّنه من الأحكام، وما اشتمل عليه من الفوائد النقلية والقواعد العقلية، والأنواع الأدبية، والنكت الخلافية، والمباحث المنطقية، واللطائف البيانية، والملح التاريخية، والإشارات الصوفية؟ وله كتاب «اقتناص السوانح» أتى فيه بأشياء غريبة ومباحث عجيبة. وله إملاء على «مقدمة» كتاب عبد الحق- وكتاب فى علوم الحديث يعرف «بالاقتراح فى معرفة الاصطلاح» . وله خطب وتعاليق كثيرة. ولما قدم إلى القاهرة قام بالتدريس بعدة مدارس بها، كان أولها المدرسة الفاضلية التى أنشأها القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى بجوار المشهد الحسينى «1» ، ثم المدرسة الصلاحية التى أنشأها صلاح الدين الأيوبى بجوار مشهد الإمام الشافعى، والمدرسة الكاملية بالنّحّاسين، وبجوارها كان يسكن الشيخ تقي الدين، وانتهى بالتدريس بالمدرسة الصالحية التى أنشأها الصالح نجم الدين أيوب، آخر سلاطين الدولة الأيوبية. توليه القضاء: تولى تقي الدين بن دقيق العيد القضاء فى عهد السلطان «لاجين» «2»

أخلاقه وصفاته:

بعد امتناع شديد- كما يذكر الإسنوى فى الطبقات- حتى قالوا له: إن لم تفعل ولّوا فلانا وفلانا- لرجلين لا يصلحان للقضاء- فرأى أن القبول واجب عليه حينئذ. وقد عزل نفسه غير مرة ثم يعاد. ويصف السيوطى بعض أحواله عندما ولى القضاء فيقول: كان القضاة يخلع عليهم الحرير، فامتنع الشيخ تقي الدين من لبس الخلعة وأمر بتغييرها إلى الصوف، فاستمرت إلى الآن- أى إلى عهد السيوطى فى القرن التاسع الهجرى- ويضيف: أنه حضر مرة عند السلطان «لاجين» فقام إليه السلطان وقبّل يده، فلم يزد تقي الدين على قوله: «أرجوها لك بين يدى الله» . أخلاقه وصفاته: وكان الشيخ تقي الدين عزيز النفس، مترفعا فى معاملة الأمراء وعلية القوم، وفى ذلك يقول الأدفوى فى «الطالع السعيد» : إن الشيخ تقي الدين رأى الأمير «الجوكندار» أتى إليه، فتحرك له تحريكة لطيفة، وسكت زمانا، ثم قام إليه وقال: لعلّ للأمير حاجة؟ وكان مرّة متكئا فحضر الكمالى «أمير حاجب» برسالة، فكشف عن وجهه فسمعها وقال له: «هذا ما يعمل» ، فوقف الحاجب زمانا ثم قال: يا سيدى، ما الجواب؟ فقال: عجب! ما سمعت الجواب؟! وغطى وجهه. ولمّا عزل نفسه ثم طلب ليولّى، قام السلطان «لاجين» له واقفا لمّا أقبل، فصار يمشى الهوينى «1» وهم يقولون له: السلطان واقف، فيقول: «أدينى أمشى» . وجلس معه على الجوخ حتى لا يجلس

دونه، ثم نزل فغسل ما عليه واغتسل، وقبّل السلطان يده، فقال: تنتفع بهذا «1» . وكان الشيخ تقي الدين- مع ما اتصف به من حزم وورع وتقوى وترفع فى معاملة السلاطين والأمراء- خفيف الروح، لطيفا، يميل إلى المرح فى حياته الخاصة، على نسك وورع، يقول الأدفوى: أخبرونى بقوص أنه لعب الشطرنج فى صباه مع زوج أخته، فلما حان وقت صلاة العشاء قاما فصليا، ثم قال الشيخ: نعود، فقال له صهره: إن عادت العقرب عدنا لها، فلم يعد يلعبها «2» . وكان رحمه الله لا يخشى فى الله لومة لائم، ومع ذلك كان عديم البطش، قليل المقابلة على الإساءة، وفى ذلك يقول الأدفوى: ومن مشهور حكاياته فى ذلك قضية قطب الدين بن الشامية، وأنه كلّمه بحضرة الناس كلاما تألم منه، وقام من المجلس، وظن الناس أنه سيقابل الإساءة بمثلها، فلم يفعل، وسألوه عن ذلك فقال: خشيت أن يغترّ بذلك. ويضيف الأدفوى فيقول: ومات الشيخ تقي الدين، وحصل لابن الشامية من الأمير ركن الدين بيبرس ظلم وجور، فكان كثير من الناس العارفين يقول: إن الله قد انتقم للشيخ منه. ومما يروى فى هذا المقام ما حكاه الفقيه شرف الدين الأخميمى إذ قال: كنا بين يديه والموقعين وهو بمجلس الحكم بالكاملية، وإذا بشخص هجم وقصده، ومنعه الرسل منعا عنيفا، فرماهم بيده وقال بصوت قوىّ: من هذا حتى تمنعونى منه؟ أخليفة هو؟ فنظر الشيخ لحظة وعمل بيده، فأقبل يأتى، وفتح أصابعه. وكان كريما، جوادا، سخيّا، كان يعطى فى كثير من الأحيان الذهب والفضة، وبرغم جوده وسخائه فإنه كان غالبا فى فاقة، فيحتاج إلى الاستدانة،

كراماته:

قال الأدفوى: حكى لى شيخنا قاضى القضاة أبو عبد الله محمد بن جماعة، أنه حضر عنده أمين الحكم بالقاهرة، وكان فيه اجتهاد فى تحصيل مال الأيتام، فأحضر عندى مرة ابن دقيق العيد، وادّعى بدين عليه للأيتام، فتوسطت بينهما، وقررت معه أن تكون جامكيّة «1» المدرسة الكاملية للدّين، والمدرسة الفاضلية لكلفه، ثم قلت له: أنا أشحّ عليك بسبب الاستدانة. فقال: ما يوقعنى فى ذلك إلّا محبة الكتب «2» . ويقول الشيخ تاج الدين محمد الدّشناوى: حضرت عنده ليلة وهو يطلب شمعة فلم يجد معه ثمنها، فقال لأولاده: فيكم من معه درهم؟ فسكتوا، فأردت أن أقول: معى درهم، فخشيت أن ينكر علىّ، فإنه كان إذ ذاك قاضى القضاة، فكرر الكلام: فقلت: معى درهم، فقال: ما سكوتك «3» ؟! كراماته: ويقول السيوطى فى حسن المحاضرة «4» : وكان لابن دقيق العيد نصيب مما ينسب للصالحين من الكرامات، وما يعزى إليهم من المكاشفات، فقد حكى شهاب الدين الزبيرى المحدث قال: كنت عند الصاحب زين الدين، ووالى مصر عنده، فحضر البريدى وناول الوالى كتابا، فقال: اطلبوا المقدم، فقال له الصاحب: ما بالك؟ فقال: طلب أن يقرأ البخارى بسبب التتار، وذكر الجيش،

وفاته وضريحه:

فقال الصاحب: المقدم ما يقوم بهذا، أنا أتكفل لك بهذه القضية. وأخرج البخارى فى اثنى عشر مجلدا، وذكر الجماعة، فواعدنا واجتمعنا وقرأنا البخارى حتى ختمناه يوم الجمعة، فلما كان يوم الجمعة رأينا تقي الدين بن دقيق العيد بالجامع، فسلمنا عليه، فقال: ما فعلتم ببخاريكم؟ لقد انفصل الحال من أمس العصر، وبات المسلمون منتصرين. فقلنا: نخبر عنك؟ فقال: نعم. فجاء الخبر بعد أيام بذلك «1» . وقال عن بعض الأمراء، وقد خرج من مصر: إنه لا يرجع، فما رجع. وأساء رجل عليه الأدب، فأخبره أنه يموت بعد ثلاثة أيام، فوقع ذلك. وتوجه فى شخص آذى أخاه، فسمع الخطاب أنه يهلك، فكان كذلك. وغير هذا كثير «2» . قال السبكى: لم ندرك أحدا من مشايخنا يختلف فى أنه هو المبعوث على رأس السبعمائة- يعنى أنه مجدد الدين فى القرن الثامن- وأنه أستاذ زمانه علما ودينا. وكان يخاطب عامّة الناس، السّلطان فمن دونه بقوله: يا إنسان. وإن كان المخاطب فقيها كبيرا قال: يا فقيه. وفاته وضريحه: وكانت وفاته- رحمه الله تعالى- يوم الجمعة، فى الحادى عشر من صفر

سنة 702 هـ، ودفن بسفح المقطم، وكان ذلك يوما مشهودا، وأغلقت حوانيت مصر للصلاة عليه، ورثاه جماعة من الفضلاء والأدباء بالقاهرة وقوص. ويقع ضريحه بجبانة التونسى حيث يوجد ضريح أستاذه العز بن عبد السلام، وابن عطاء الله السكندرى، والكمال بن الهمام، وعبد الله بن أبى جمرة وغيرهم من الأعلام. ومعه فى تربته جماعة من ذريته، والشيخ ولى الدين أبو محمد طلحة، والقاضى نجم الدين «1» . ***

ضريح العلامة كمال الدين بن الهمام

ضريح العلّامة كمال الدين بن الهمام* وبجوار ضريح سيدى أحمد بن عطاء الله اسكندرى من الغرب توجد قبة- خارج مسجد ابن عطاء الله- تحتها قبر العالم العلّامة، وحيد دهره وفريد عصره الشيخ كمال الدين بن الهمام الحنفى. أصله ومولده: هو كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسى «1» الأصل، ثم الإسكندرى، ثم القاهرى، الحنفى، المعروف بكمال الدين بن الهمام. ولد بالإسكندرية سنة 790 هـ «2» ، ومات أبوه- وكان قاضى الإسكندرية- وهو ابن عشر سنين أو نحوها، فنشأ فى كفالة جدته لأمّه، وكانت مغربية خيرة، تحفظ كثيرا من القرآن، وقدم بصحبتها إلى القاهرة، فحفظ القرآن وتلقى العلوم، ونبغ فى القاهرة، وأقام بحلب مدة، وجاور بالحرمين، ثم كان شيخ الشيوخ بالخانقاه الشيخونية بمصر، وكان معظّما عند الملوك وأرباب الدولة.

شيوخه ومكانته العلمية ومصنفاته:

شيوخه ومكانته العلمية ومصنفاته: وكان- رحمه الله- عالما مجتهدا، ورعا، زاهدا، أصوليّا، محدّثا، حفظ القرآن الكريم عند الشهاب الهيثمى، وكان فقيه يصفه بالذكاء المفرط، والعقل التام، والسكون. وتلاه تجويدا على الزراتيتى، وحفظ القدورى، والمنار، والمفصّل للزمخشرى، وألفية النحو، وسمع الحديث عن الجمال الحنبلى، والشمس الشامى، وقرأ الهداية على الزين السكندرى، والمنطق على العز عبد السلام البغدادى، والبساطى، وعنه أخذ أصول الدين، وقرأ عليه شرح هداية الحكمة لملّا زادة، وأخذ التصوف عن الخوافى. وكذا أخذ عن همام الدين شيخ الجمالية وغيره، وأخذ الفقه عن السراج، قارئ الهداية، قرأها بتمامها عليه، ولازمه فى الأصول وغيرها، وبه انتفع «1» . وبالقاضى محب الدين ابن الشحنة أيضا. ومن مصنفاته: شرح الهداية، فى فروع الفقه الحنفى، وسمّاه: فتح القدير للعاجز الفقير (فى ثمانى مجلدات) ، ومختصر الرسالة القدسية بأدلتها البرهانية، للغزالى، والمسايرة فى العقائد المنجية فى الآخرة، والتحرير فى أصول الفقه، وزاد الفقير، وغير ذلك من المصنفات «2» . وكان- رحمه الله- معظّما عند الفقهاء، والعلماء، وأعيان الدولة، والسلطان الملك الظاهر جقمق العلائى، وكان يعظمه ويسمع شفاعته. هذا وكان شديد التواضع مع الفقراء، حتى أنه جاء مرة لمجلس العلاء البخارى، وهو غاصّ بهم، فجلس فى جانب الحلقة، فقام إليه العلاء وقال له: تعال إلى جانبى فليس هذا بتواضع، فإنك تعلم أن كلّا منهم يعتقد تقدّمك وإجلالك، إنما التواضع أن تجلس تحت ابن عبيد الله فى مجلس الأشرف (برسباى) .

تصوفه وكراماته:

تصوفه وكراماته: لقد تدرج الكمال- رحمه الله- فى درج الكمال إلى أن صار عالما مفننا، وعلّامة متقنا، درّس، وأفتى، وأفاد، وعكف الناس عليه، واشتهر أمره، وعظم ذكره، ولكنه عزل نفسه بعد أن خلع طيلسانه ورمى به قائلا: اشهدوا علىّ أننى عزلت نفسى من هذه المشيخة «الشيخونية» وخلعتها كما خلعت طيلسانى هذا. وتحوّل فى الحال لبيت فى باب القرافة، وبلغ ذلك السلطان فشقّ عليه وراسله يستعطف خاطره مع أمير آخور جقمق- الذي صار سلطانا- وغيره من الأعيان، فلم يجب، وآثر العزلة وحب الانفراد- مع المداومة على الأمر بالمعروف، وإغاثة الملهوفين، والإغلاظ على الملوك فمن دونهم «1» . وكان لابن الهمام نصيب وافر ممّا لأرباب الأحوال من الكشف والكرامات- وكان تجرّد أولا بالكلية، فقال له أهل الطريق: ارجع، فإن للناس حاجة بعلمك- وكان يأتيه الوارد كما يأتى الصوفية، لكنه يقلع عنه بسرعة لأجل مخالطته بالناس، أخبر بعض الصوفية من أصحابه قال: إنه كان عنده فى بيته الذي بمصر، فأتاه الوارد، فقام مسرعا، قال الحاكى: وأخذ بيدى يجرنى وهو يعدو فى مشيه وأنا أجرى معه، إلى أن وقف على «المراكب» فقال: مالكم واقفون هاهنا؟! فقالوا: أوقفنا الريح، وما هو باختيارنا. فقال: هو الذي يسيّركم، وهو الذي يوقفكم. قالوا: نعم. قال الحاكى: وأقلع عنه الوارد، فقال: لعلّى شققت عليك!! قال: فقلت: أى والله، وانقطع قلبى من الجرى. فقال: لا تأخذ علىّ فإنى لم أشعر بشىء مما فعلته «2» . ومما يعدّ من قبيل الكرامات أنه زار قبر أحمد بن عطاء الله السكندرى،

وفاته وضريحه:

فقرأ عنده سورة هود حتى وصل إلى قوله تعالى: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ، فأجابه ابن عطاء الله من القبر بصوت عال: «يا كمال، ليس فينا شقى» . فأوصى بأن يدفن هناك «1» . وفاته وضريحه: وكانت وفاته فى يوم الجمعة فى السابع من رمضان سنة 861 هـ، ودفن بالقرافة فى تربة- أو حوش- ابن عطاء الله- كما أوصى بذلك، وضريحه معروف ويزار، رحمه الله تعالى، ونفعنا به، وحشرنا فى زمرته «2» . ***

ضريح العالم الكبير عبد الله بن أبى جمرة

ضريح العالم الكبير عبد الله بن أبى جمرة* وبالقرب من ضريح سيدى أحمد بن عطاء الله السكندرى يوجد ضريح الإمام العالم أبى محمد عبد الله بن سعد بن سعيد بن أبى جمرة الأزدى الأندلسى «1» . مكانته العلمية ومصنفاته: كان- رحمه الله- من كبار العلماء المالكية، وكان عالما بالحديث والقراءات، أفتى، ودرّس، وصنف المصنفات، ومن كتبه: «مختصر الجامع الصحيح للبخارى» اختصر به صحيح البخارى، ويعرف بمختصر ابن أبى جمرة، أو «جمع النهاية» . و «شرح بهجة النفوس» فى سفرين. و «المرائى الحسان فى الحديث والرؤيا» . وانتفع به جماعة، مثل الشيخ أبى عبد الله المعروف بابن الحاج، وغيره. وكانت إقامته بخط باب البحر، وكانت له زاوية بين السورين، وكانت وفاته فى سنى السبعمائة «2» .

من فى حومته من العلماء والأشراف:

من فى حومته من العلماء والأشراف: وبتربته جماعة من العلماء، ومعه فى التربة قبر المرأة الصالحة أم الخير بنت الشيخ عبد الله بن أبى جمرة، وبها قبر الشيخ على القروى، والشيخ سعد الدين الميمون وصهره الشيخ عماد الدين القفطى، ومعه أيضا الشيخ عمر السنباطى، وولده القاضى شرف الدين بن الصاحب، وابنه القاضى شمس الدين.. وخلف هذا الحوش حوش آخر فيه القاضى علاء الدين بن برهان الدين البرلسى المالكى المحتسب بالقاهرة، وإلى جانبه أبوه، وبه السادة الأشراف أولاد ابن ثعلب، ومعهم القاضى ضياء الدين أحمد بن قطب الدين البسطامى، والشيخ عز الدين الأصفهانى بن أبى بكر، سبط الشيخ أبى الحسن الشاذلى وغيرهم، ذكرهم ابن الزيات والسخاوى «1» . وإلى جانبهم من الشرق مقبرة المغاربة (المعروفة بالشاذلية) وهى الجهة القبلية من ابن عطاء الله، بها جماعة من الأولياء والأقطاب، منهم الشيخ الإمام محمد بن محمد المغربى المالكى، المعروف بابن الحاج، صاحب كتاب المدخل فى البدع، وهو تلميذ عبد الله بن أبى جمرة الذي أشرنا إليه آنفا- وقبره داثر عليه عمود كدان. وإلى جانبه قبر الشيخ أبى القاسم المغربى، وقبليه قبر الشيخ أبى عبد الله، المعروف بالهاوى، قيل: إن سيدى أبا السعود كان يكثر من زيارته، رضى الله عنه «2» . ***

ضريح الإمام العالم محمد بن سيد الناس

ضريح الإمام العالم محمد بن سيد الناس* وبجوار حوش عبد الله بن أبى جمرة من الجهة البحرية يوجد مقام الإمام العالم فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس الفقيه الشافعى، الحافظ اليعمرى، أبو الفتح. أصله ومولده وأساتذته: أندلسى الأصل من أشبيلية، ولد فى مصر سنة 671 هـ، وكان حافظا بارعا، وأديبا بليغا، حسن المحاورة، لطيف العبارة، لا تملّ محاضرته، كريم الأخلاق، زائد الحياء، حسن الشكل، وهو من بيت رياسة وعلم، سمع، وقرأ، وارتحل، وكتب، وحدّث، وأجاز. أخذ علم الحديث عن والده وابن دقيق العيد، ولازم ابن دقيق العيد سنين كثيرة، وتخرج عليه، وقرأ عليه أصول الفقه، وقرأ النحو والعربية على ابن النحاس، وولى دار الحديث بجامع الصالح، وخطب بجامع الخندق، وارتحل إلى دمشق سنة 690 هـ، فكاد يدرك الفخر بن البخارى، ففاته بليلتين، وسمع من الكندى وغيره. وكتب الخط المغربى والمصرى فأتقنهما. قال الشيخ شمس الدين: ولعل مشيخته تقارب الألف «1» .

مكانته العلمية ومصنفاته:

مكانته العلمية ومصنفاته: لقد اشتغل الإمام فتح الدين بالعلم فبرع فيه، وساد أقرانه فى علوم شتى من الحديث، والفقه، والنحو، وعلم السير، والتواريخ، وغير ذلك من الفنون، وله الشعر الرائق الفائق، وشعره رقيق سهل التركيب، منسجم الألفاظ، عذب النظم بلا تكلف، وله مدائح فى رسول الله صلى الله عليه وسلّم حسان «1» . وكان أحد الأعلام الحفاظ، إماما فى الحديث، ناقدا فى الفن، خبيرا بالرجال والعلل والأسانيد، عالما بالصحيح والسقيم، ولم يكن فى مصر فى مجموعه مثله فى تلك الفنون. لقد صنف- رحمه الله- كتبا نفيسة، منها: السيرة الكبرى والصغرى، وسماها: عيون الأثر فى فنون المغازى والشمائل والسير «2» ومختصره «نور العيون» . وكتاب «بشرى اللبيب فى ذكرى الحبيب» «3» . و «تحصيل الإصابة فى تفضيل الصحابة» . و «المقامات العلية فى الكرامات الجلية» . و «النفح الشّذىّ فى شرح جامع الترمذى» «4» . وفاته: وكان حسن الطويّة، صحيح العقيدة، وكانت وفاته فى يوم السبت فى الحادى عشر من شهر شعبان سنة 734 هـ، وصلى عليه من الغد، وكانت جنازته حافلة، ودفن عند ابن أبى جمرة- رحمهما الله تعالى- فى القرافة الكبرى «5» . ***

مسجد السادات الوفائية وما به من الأضرحة

مسجد السادات الوفائية وما به من الأضرحة* وفى سفح الجبل المقطم، وبالقرب من ضريح سيدى أحمد بن عطاء الله السكندرى، وضريح أبى السعود بن أبى العشائر، يوجد مسجد السادات الوفائية الذي يضم مجموعة كبيرة من أضرحة الأقطاب والعلماء والمتصوفة من الأسرة الوفائية «1» . وقد أقيم هذا المسجد مكان زاوية تعرف باسم «زاوية السادات أهل الوفا» تنفيذا للفرمان الذي أصدره السلطان عبد الحميد سنة 1191 هـ «2» .

الشيخ محمد النجم جد الأسرة الوفائية:

الشيخ محمد النجم جد الأسرة الوفائية: هو أول من أتى إلى ديار مصر من هذه الأسرة، وهو مغربىّ الأصل. ولد بمدينة صفاقس (فى تونس) ونزح إلى ثغر الإسكندرية فى شبابه، وكان- كما يقول عنه السخاوى- من أصحاب الأحوال الباهرة، والكرامات الظاهرة.. اجتمع الشيخ محمد النجم بالقطب إبراهيم الدسوقى، وأخذ كلّ منهما عن صاحبه، روى ذلك أكثر من واحد من الأعيان. وقد طابت للشيخ محمد نجم الإقامة بالإسكندرية، ورزق فيها بابنه سيدى محمد الأوسط- والد السيد محمد وفا- وكان محمد الأوسط- كما جاء فى جمهرة الأولياء- مشهورا بالولاية، عرف بعلمه وفضله، وتوفّى شابّا عن ولده محمد وفا، ودفن بزاويته المعروفة بالزاوية النجمية بالإسكندرية «1» . سيدى محمد وفا- رأس الوفائية ووالدهم بمصر «2» : مولده ونشأته: هو القطب الكبير ابن محمد الأوسط بن محمد النجم، رضى الله عنهم، ولد بمدينة الإسكندرية سنة 702 هـ، ونشأ منذ نعومة أظفاره ورعا تقيّا، محبّا

كراماته:

للعلم، وقد سلك طريق الشيخ أبى الحسن الشاذلى، وذلك على يد الإمام داود ابن باخلا، واجتمع بياقوت العرشى «1» . وتوجّه محمد وفا إلى أخيم، فتزوج بها، وأنشأ بها زاوية كبيرة، ووفد عليه الناس أفواجا، ثم سار إلى مصر، وأقام بالروضة عاكفا على العبادة، مشتغلا بذكر الله تعالى، وطار صيته فى الآفاق. كراماته: وذكر ابن فهد سبب تلقيبه بوفا أنه مدّة إقامته بالروضة توقّف النيل سنة، فأمر السلطان خاصة أهل البلد من العلماء والصّلحاء بالتوجّه إلى المقياس والدعاء به إلى الله تعالى فى وفائه، فذهبوا إليه، فلم يعل النيل، فاضطرب الناس، وأخبر السلطان عن سيدى محمد وفا وانجماعه «2» عن الناس، وصلاحه وتقواه، فأرسل إليه أن يتوجّه إلى المقياس ويدعو الله به، ففعل، ولم يلبث أن صعد الماء «3» وظهر الوفاء، وصار الناس يقولون: وفا، وفا، وخوطب حينئذ بذلك، وصار علما عليه «4» . ومن القصص التى يرويها الشعرانى لإظهار كرامات الشيخ محمد وفا: «أنه لمّا دنت وفاته خلع منطقته (أى: شارة مشايخ أصحاب الطرق الصوفية)

سبب تسمية أولاده وأحفاده بالسادات:

على «الأبزارى» صاحب الموشحات، وقال له: هى وديعة عندك حتى تخلعها على ولدى «علىّ» . ويضيف الشعرانى فيقول: وقد ألّف «الأبزارى» وقت أن كانت عنده منطقة الشيخ محمد وفا أحسن الموشحات وأظرفها، إلى أن كبر سيدى «علىّ» ولد محمد وفا، فخلع عليه منطقة والده. ولكن «الأبزارى» أصبح لا يعرف أن يعمل موشحا واحدا» «1» . سبب تسمية أولاده وأحفاده بالسادات: أمّا عن نعت أولاده وأحفاده بالسّادات، فلم يتسمّ بذلك غير ذرّيّته، وذلك لما لهم من فضل تليد، وعزّ قديم، وشرف رفيع، فقد عرفنا من نسبهم أنهم ينتمون إلى الأدراسة الأشراف الذين ينتهى نسبهم إلى الإمام الحسن بن الإمام علىّ- كرّم الله وجهه ورضى عنه. مؤلفاته: يقول الشعرانى عنه فى طبقاته عن محمد وفا ومؤلفاته: «كان سيدى محمد وفا من أكابر العارفين، وكانت له مؤلفات كثيرة ألفها فى صباه وهو ابن سبع سنين أو عشر، فضلا عن كونه كهلا، وله رموز فى منظوماته ومنثوراته مطلسمة إلى وقتنا هذا (أى: وقت الشعرانى، فى القرن العاشر الهجرى) لم يفك أحد- فيما نعلم- معناها» . ومن مؤلفاته: «نفائس العرفان من أنفاس الرحمن» ، و «الأزل» ، و «شعائر العرفان فى ألواح الكتمان» ، و «العروس» ، و «المقامات السّنيّة المخصوص بها السادة الصوفية» . وله ديوان شعر عظيم.

من أقواله ومأثور كلامه:

من أقواله ومأثور كلامه: ومن كلامه فى كتابه «فصول الحقائق» : «أعوذ بالله من شياطين الخلق والكون، وأبالسة العلم والجهل، وأغيار المعرفة والنكرة. اللهم إنى أعوذ بك وبسبق قدمك من شرّ حدودك، وبظلمة ذاتك من نور صفاتك، وبقوة سلوبك من ضعف إيجادك، وبظلمة عدمك من نور تأثيراتك، وأعذنى اللهم بك منك فى كل شىء» . وله كلام دقيق لا يدركه إلّا أهل الولاية والتحقيق، وله أيضا- رضى الله عنه- لسان عجيب قد بهر الأولياء والعلماء ببلاغته وفصاحته وجزالته ورجاحته فى الثناء على الله عز وجل ودعائه ومناجاته، فى حزب الفتح، يقول- رضى الله عنه: «اللهم إنى أومن بك، وبملائكتك، وكتبك، ورسلك، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرّه، وأقرّ بوحدانيتك، وأستعينك، وأتوكل عليك، وأستغفرك، وأتوب إليك، وأخشى سطوتك وأرجو رحمتك، يا مؤمن، يا باعث، يا وارث، يا واحد، يا معين، يا كافى، يا غفّار، يا توّاب، يا قهار، يا رحمن، يا رحيم، لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، سُبْحانَكَ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. اللهمّ إنه ليس لى عليك حقّ فأطلبه منك، ولك علىّ حقّ فلم أستطع كمال تأديته إليك، ولكنّى أقف بوصف الذلّ والفقر والفاقة لوسيع عطائك، يا عزيز، يا غنىّ، يا كريم، يا واسع، يا معطى. اللهمّ هب لنا الخلوة معك والعزلة عمّا سواك، واملأ أسماعنا بلذيذ خطابك، وصمّت ألسنتنا عن مخاطبة غيرك، واقصر أرجلنا عن السّعى فى غير طاعتك، واجعل نفوسنا مطيعة لأمرك، وقلوبنا مطمئنّة بذكرك، وعقولنا مسترشدة بعلمك، وأبداننا هيّنة ليّنة لطاعتك، وهب لنا المداومة على ذلك على بساط العلم والمراقبة، والتوسّط بين الخوف والرجاء، وأيّدنا فى استغراق رؤية ذلك بنور المعرفة والمشاهدة.

اللهمّ استغرق أنفسنا وعقولنا وقلوبنا وأرواحنا وأسرارنا فى أنوار جمالك وجلالك، وألبسنا خلع الكمال، وأفننا فى نور التوحيد، وأبقنا بك، وأسمعنا منك، وفهّمنا عنك، وبصّرنا فى آلائك، وأحينا بروح القرب، وانفحنا بروح الشّوق، واحجب أبصارنا بأنوار جمالك عن مشاهدة الأغيار، وضيّق علينا بقربك حتى نشهدك أقرب إلينا من كلّ شىء، وتجلّ علينا بعظمتك حتى لا نخاف أحدا غيرك، وأشهدنا عظيم رحمتك حتى لا نرجو أحدا سواك. اللهمّ خذنا من كل شىء إليك، واجمعنا بك عليك. اللهم افتق رتقنا بنور معرفتك، وعمّر أطوارنا بأرواح حظيرة قدسك، واسقنا من شراب محبّتك، وفهّمنا عنك، وعلّمنا من علمك، وحقّقنا بنور توحيدك، وأيّدنا بروح منك، وزيّن ألسنتنا بالصّدق والعلم والحكمة وجوامع الكلم، وأسماعنا بالتصديق والوعى، وأنفسنا بالطّمأنينة والعبودية، وقلوبنا بالسّكينة والإيمان، وأرواحنا بالقرب والمشاهدة، وأسرارنا بالتحقيق والسّيادة، وامح صفاتنا بأنوار صفاتك، وكن لنا سمعا وبصرا ويدا ومؤيّدا، يا سميع، يا بصير، يا صادق، يا قريب، يا قوىّ، يا عليم، يا واحد، يا الله. اللهم اجمعنا على أهلى العلم والمعرفة، والولاية والخصوصيّة والاصطفائيّة بحسن الأدب، والإخلاص فى القصد، والتوفيق فى المطالب، واسلك بنا طريق السنّة، وجنّبنا طريق البدعة، ووفّقنا فى الفهم عنك، وحسن الاعتقاد فى الإيمان بأسمائك وصفاتك، وهب لنا فرقانا نفرّق به بين الحق والباطل، وأرنا الحقّ حقّا فنتّبعه، وأرنا الباطل باطلا فنجتنبه، وعلّمنا من علم اليقين، وأشهدنا بعين اليقين، وحقّقنا بحق اليقين، يا مولاى، يا واحد، يا دائم، يا علىّ، يا حكيم. إلهى، من أقوى منّى حولا وأنت حولى؟ ومن أولى منّى بوجد آماله وأنت مأمولى؟ ومن أعظم منّى قوّة وأنت قوّتى؟ ومن أحقّ منّى بالأمان وأنت عصمتى؟ أمرى وأمر كلّ شىء بيدك، يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا واحد، يا معبود، يا من دينه التوحيد.

وفاته:

مولاى، أنت بكل شىء عليم، فكفانى علمك، وأنت على كل شىء قدير، فحسبى قدرتك، أنت ربّى وربّ الذين أردت أن تمنّ عليهم وتجعلهم أئمّة وتجعلهم الوارثين، وتمكّن لهم فى الأرض، وترى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون، لك العصمة التى لا تضاهى، ولك النعمة التى لا تتناهى، وسلامك على عبادك الّذين اصطفيت، سبحانك من حيث أنت، والحمد لله ربّ العالمين» «1» . وفاته: وكانت وفاة سيدى محمد وفا، رضى الله عنه، بالقاهرة سنة 765 هـ، ودفن بالقرافة بين ضريح الشيخ أبى السعود بن أبى العشائر والشيخ تاج الدين ابن عطاء الله السكندرى، رضى الله عنهما بإشارة منه، إذ قال قبل وفاته: ادفنونى بين (سعد وعطا) . وبعد أن تم بناء المسجد الذي يحمل اسم الأسرة الوفائية تم عمل مقصورة حول قبره، وتضم أيضا ولدية على وفا وأحمد وفا، رضى الله عنهم أجمعين. الأستاذ الكبير والعلم الشهير سيدى على وفا «2» : مولده ونشأته: هو القطب ذو الكرامات، والأحوال، والمقامات، ولد بالقاهرة سنة 759 هـ «3» ولمّا توفى الشيخ محمد وفا، رضى الله عنه، تركه هو وأخاه

كراماته:

أحمد، وكان علىّ إذ ذاك صغيرا، فنشأ علىّ مع أخيه أحمد فى كفالة وصيّهما الشيخ محمد الزّيلعى، فأدّبهما وفقّههما، ولما بلغ على وفا من العمر سبعة عشر عاما جلس مكان أبيه فى زاويته، ولبس منطقته، فشاع ذكره فى البلاد، وكثر أتباعه ومريدوه. وكان الشيخ على وفا كثير الإقامة بمنزله بالروضة، وكان كثير التحجب هو وأخوه أحمد، لا يخرجان إلّا عند عمل الميعاد «1» . يقول المقريزى: «كان- أى سيدى على وفا- مهيبا، معظّما، تعددت أتباعه وأصحابه، ودانوا بحبه، وبالغوا فى ذلك مبالغة زائدة، هذا مع تحجّبه وتحجب أخيه التحجب الكثير، إلّا عند عمل الميعاد، والخروج لقبر أبيهما» «2» . كراماته: وكان- رحمه الله تعالى- جميلا فى مظهره، متأنقا فى ملبسه، قال عنه الشعرانى: «لم ير فى مصر أجمل منه وجها ولا ثيابا» . ولكون مظهره غاية فى التجمّل كمظهر الملوك، أنكر عليه ابن زيتون الوزير، وقال فى نفسه: ما ترك هذا لأبناء الدنيا شيئا، فأين الفقر الذي هو شعار الأولياء؟ فالتفت إليه وقال: نعم، تركنا لكم ولأبناء الدنيا خزى الدنيا وعذاب الآخرة. وقال المناوى: ومن كراماته أن رجلا من أولياء العجم حضر سماطه «3» ،

مؤلفاته:

فطلب ليمونة، فلم يجدها، فاستحضر بسيدى على وفا، فمد يده فأتى بطاقية ولد العجمى من بلاده، وعرفها، فاعتذر وتاب. ولما حجّ عطش الحجيج حتى أشرفوا على التلف، فأتوه، فأنشد موشحه الذي أوّله: أسق العطاش تكرّما ... والعقل طاش من الظّما فأمطروا فى الحال كأفواه القرب. وله غير ذلك من الكرامات ذكرها النبهانى فى كتابه، وغيره «1» . مؤلفاته «2» : ولسيدى علىّ مؤلفات ومصنفات شريفة، منها: «الوصايا» ، و «الباعث على الخلاص فى أحوال الخواص» ، و «الكوثر المترع من الأبحر الأربع» فى الفقه، و «المسامع الرّبّانية» فى التصوف، و «مفاتيح الخزائن العلية» ، وله ديوان شعر، وموشحات ظريفة سبك فيها أسرار أهل الطريق «3» . وأعطى لسان الفرق والتفصيل زيادة على الجمع، وقليل من الأولياء من أعطى ذلك. وله كلام عال فى الأدب، وله أحزاب وأوراد وتوجّهات، وله وصايا نفيسة، نحو مجلدات، ذكر الشعرانى بعضها فى طبقاته، وقال: «طالعت كثيرا وقليلا من كلام الأولياء، فما رأيت أكثر علما، ولا أرقى مشهدا من كلامه» «4» .

ومن أقواله:

ومن أقواله: «الشيطان نار، وحضرة الرّبّ نور، والنور يطفئ النار، فجاهده بنور ربك» . وكان يقول: «لولا الواجب ما ظهر الممكن، ولولا الممكن ما ظهر الواجب واجبا، فلكل واحد أثر فى الآخر، كالعلة والمعلول، والفعل والمفعول، والعالم والمعلوم» . وكان يقول: «من علم أن لا إله إلّا الله لم يبق لأحد عنده ذنب» . وكان يقول: «لا تهجر ذات أخيك، ولكن اهجر ما تلبّس به من المذمومات، فإذا تاب من ذلك فهو أخوك، فافهم!» . وكان يقول: «من أعجب الأمور قول الحق لموسى عليه الصلاة والسلام: لَنْ تَرانِي «1» أى: مع كونك ترانى على الدوام، فافهم!» . من أدعيته وثنائه على الله تعالى: ومن كلامه الذي يأخذ بمجامع القلوب لفصاحته وعمق معناه وسهولة

عبارته، ذلك الثناء الجميل الذي اقتبساه من حزبه، حزب الثناء، الذي يتوجه فيه إلى الله تعالى بالدعاء والمناجاة، ويثنى عليه الثناء الجميل، ثناء الأولياء العارفين ... يقول، رضى الله عنه: «يا من توحّد بالأحديّة فى الأزليّة، وتفرّد بالوحدانيّة فى الأبديّة، لك سبحانك عزّ الفردانيّة، وملك الربوبيّة، وعظمة الألوهيّة، والصّفات القدسيّة، أنت سبحانك الواجب الوجود، وخالق الوجود، والواهب الودود، والرّب المعبود، أنت أهل الثناء والخير والحمد، والكبرياء والعظمة والتّمجيد والمجد، ما حواك مكان، ولا أحاط بك زمان، وأنت كلّ يوم فى شأن، تضع وترفع، وتعطى وتمنع، قدرتك قاهرة، وأحكامك باهرة، وأنوارك ظاهرة، وصفاتك طاهرة، وأنت مالك الدنيا والآخرة، ما عليك حجر، وحكمك عدل، وإحسانك فضل، لا إله الّا أنت، ما أجلّ وصفك! وأبدع فعلك! وأشرف ذاتك! تعاليت عن الشّبيه والنّظير، والمشير والوزير، سبحانك يا كبير، سبحانك يا قدير، سبحانك سبحانك، سبحانك ما أعظم شأنك! سبحانك من حيث أنت بما أنت على ما أنت! وسبحانك من حيث سبّحك المسبّحون، وقدّسك المقدّسون! وسبحانك من حيث لاعبارة تدلّ عليك، ولا إشارة تصل إليك. أنت الّذى سبحانك عجز عن إدراك كنه حقيقته العالمون والعارفون، سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، ما قدر قدرك غيرك، ما علمك سواك، ولا مجّدك حقيقة إلّا أنت، لا إله إلّا أنت بما أنت على ما أنت، لا يكيّفك فكر، ولا يعلمك علم، ولا يلحقك وهم، وليس لك كمّ ولا كيف، ولا ظرف ولا أين، ولا جهة تسامتها الجهات، ولا جسم ولا حسّ، ولا قبل ولا بعد، باينت كلّ الخلق بوصفك القديم، أنت الواجب وسواك الجائز، استحال عليك النّقص، وثبت لك الكمال والجلال، والجمال والبهاء والعظمة، والتّقديس والتنزيه، والأحديّة والوحدانيّة، والفردانيّة والصمدانيّة

والديموميّة، والجبروت والرّحموت، والرّغبوت والرّهبوت «1» والملك والملكوت، استويت على العرش سبحانك استواء يليق بكمال التّنزيه بلا قرار ولا مماسّة ولا تشبيه، وتنزّلت بلا حركة ولا انتقال، تعاليت عن ذلك كلّه يا متعال. سبحانك، اختفيت وأنت الظّاهر، وظهرت وأنت الباطن، قبل كلّ شىء، وبعد كلّ شىء، وفى كلّ شىء، ومع كلّ شىء، أحاطت أسماؤك بكلّ حقائق الوجود من جواهر وأعراض وأحوال، وعقول وأرواح ووسائط، ومركّبات وبسائط، غيّبت علم ذلك عن علم كلّ عالم كان أو يكون، وتجلّيت بصفاتك، فعلّمتنا تنزيه سرّك المصون، وأبدعت بدائع الحكم بأفعالك المنزّهة عن الشريك فى كلّ الشئون، سبحانك ما أسمى أسماءك، وما أجلّ وأعظم مسمّاك، حجبت سبحانك الذّات بالصّفات، وسترت الصفات بالأفعال، وأتقنت بدائع الصنع، فأنت الفعّال، حكمتك بالغة لا تدركها العقول، كلّ ذرّة منها تغنى المستدلّ بها عليك، وتوصّله إليك، هذا إذا تجلّيت سبحانك، فى حجاب المظاهر، أمّا إذا تجلّيت سبحانك بكنه الذّات اضمحلّت الأغيار، وأظلمت الأنوار، وانقلبت المعرفة نكرا، والعلم جهلا، والفصاحة لكنة، والوجود عدما. كان الله ولا شىء معه، وهو الآن على ما عليه كان. قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ «2» . قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ «3» . هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ «4» . وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ

مُحِيطٌ* بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ «1» . هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ* هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ، لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «2» . إلهنا، سبحانك تجلّيت بوصف الألوهيّة فتولّهت العقول، وانفطرت القلوب «3» ، وهامت الأرواح، وحارت الأسرار، وذلّت النفوس. كلّ عزيز لسلطان عزّك ذليل، وكلّ جبّار متكبر لعظمة عظمتك حقير.. من ناديته إليك أقبل عليك، ومن حجبته عنك حرمته منك، ومن فتحت له باب الوصال لبس خلعة الكمال، ومن لم تسبق له منك المحبّة لا ينال من وصلك حبّة، فترى سيّدى نحن ممّن حكمت له السّابقة بسعادة العناية فى الأزل، وأغنيته بك عن كلّ علم وعمل؟ إلهنا، سبحانك، كم أهدى وصف ربوبيّتك لكلّ مربوب «4» من إحسان، وكم والت نعمة إفضالك من وجود وامتنان، أنت الممدّ بالمدد- فى الأزل والأبد- بأمداد لا تحصى، ولا يحصرها العدّ فتستقصى، فتحت أبواب الجود فى كلّ نواحى الوجود. برحمة عامّة لكلّ موجود، هكذا يكون الكرم والجود يا مولاى يا واحد، يا مولاى يا دائم، يا علىّ يا حكيم. إلهنا سبحانك فى سابق علمك القديم تعيّنت ذرّات العوالم، وبإرادتك خصّصتها، وبقدرتك أبرزتها، وبحكمتك رتّبتها، وبأمدادك أمددتها، ولولا ذلك تلاشت، وما دام لها الوجود وعاشت ... تجلّى فيض

إفضالك «1» مدهش، وإسباغ أنواء نوالك منعش «2» . سعد من واجهه فضلك يا كريم، ورحمته رحمتك يا رحيم. إلهنا سبحانك، فى أمّ الكتاب كتبت أمر مشيئتك الّتى لا تتبدّل، وحكمت بها حكمك الّذى لا يحول ولا يتحوّل، ثمّ لطفت فى التّقدير، فنعم المولى أنت ونعم النّصير. سبحانك، عدلت فى الحكم، ونفذت المشيئة على وفق العلم القديم من غير شريك لك لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ *. إلهنا سبحانك، نور جمال حضرتك القدسيّة هيّم أهل محبّتك فى البريّة «3» ، وجلال سطوة عظمتك الكبير، خضع له كلّ كبير وصغير، وشأن ربوبيّتك عطّل الشّئون، وإحاطة علمك أحاطت بما كان وبما يكون، ما خرج شىء عن دائرة إرادتك المحيطة بالكلّيّات والجزئيات، لا إله إلّا أنت، ربّ الأرضين والسّماوات. إلهنا سبحانك، سبّحتك النواطق، وقدّستك العقول، ومجّدتك أنظار الأفكار السّليمة، وهاب سنا قدسك الأرواح النّورانيّة المستقيمة، وامتلأت القلوب العارفة بتعظيم جلالك، وغابت الأسرار فى بهاء عظيم جمالك، تجلّيت سبحانك بالأكوان وللأكوان وفى الأكوان، وقبل الأكوان وبعد الأكوان، ومع ذلك ما حللت فى كون ولا مكان ولا زمان، ولا حلّ بك حادث يا ديّان.

لك سبحانك كمال التّنزيه المطلق، والتّوحيد من غير إلحاق محقّق، جلّ جناب قدسك عن طارق النّقصان، وتعالى مجدك العزيز أن يكون محلّا للأكوان، أنت وحدك المليك، ما معك غير ولا شريك. إلهنا، سبحانك، إرادتك سابقة بما شئت من التّقدير على العباد من خير وشرّ، وسعادة وشقاوة، وهداية وضلالة، وإيمان وكفران، وطاعة وعصيان، وإذا كانت المشيئة- بحكم الإرادة سابقة، فما الحيلة فى التقدير؟ لكن أنت البصير والنّصير. يا من لا حجر عليه «1» فى الأكوان، كن لنا أبدا فى العون، بحنانك يا رءوف، بعطفك يا عطوف، يا ربّنا، يا مولانا، يا سيّدنا، يا سندنا، يا ملاذنا، يا عياذنا، يا ملجأنا، يا منجانا، يا غوثنا، يا عزّنا، يا كنزنا، يا فوزنا، يا حرزنا، لا إله إلّا أنت، ما لنا سواك، ببابك وقفنا، وبك لك توسّلنا، وعلى بساط غناك بسطنا أيدى الفقر والاضطرار، وجئنا بحالة الذلّة والانكسار، وأنت الكريم وجابر القلوب، وأنت معطى كلّ خير ومرغوب. إلهنا، نسألك، يا من أعطى قبل السّؤال، يا من ليس له شبيه ولا مثال، يا من خلق الخلق ليربحوا عليه، يا من دعا أهل ولايته إليه، يا كاشف الكروب، يا علّام الغيوب، يا حميد يا مجيد، يا قدير يا مريد، يا سميع يا مجيب، يا رحيم يا قريب، هب لنا ما سألناك وما لم نسأل، يا من على فضله وإحسانه الاعتماد والمعوّل، بجاه أهل الوجاهة من الأحباب، الّذين سبقت لهم السّعادة فى أمّ الكتاب، اكتبنا فى سجلّ سعادتهم الأبديّة، وأشرق علينا من أنوارهم القدسيّة، وأتحفنا تحفك بين البريّة، واكسنا خلع أهل الخصوصيّة حتى نفوز كفوزهم، ونعزّ كعزّهم، ونرقى معهم إلى حضرات الارتقاء، حيث الشّهود واللّقاء.

وفاته:

إلهنا، سبحانك، منّ علينا بتلك المشاهد الرّبّانيّة، وأنزلنا عندك المنازل العيانيّة، وخذنا منّا ولا تبق فينا لغيرك بقيّة، طهّرنا بطهرك يا طهور، طيّبنا بطيبك يا طيّب، قدّسنا بقدسك يا قدّوس، نوّرنا بنورك يا نور، كمّلنا بكمال الحضرة، واجعلنا من أهل النّضرة والنّظرة، عجّل لنا خيرك، امنحنا ميرك «1» . اجبرنا جبرك، يا جابر الكسير، يا راحم الأسير، يا مغنى الفقير، أنت أنت الغنى، ونحن نحن الفقراء، وكلّ يعمل على شاكلته «2» إن لم يرحم العبد مولاه فمن يرحمه ويتولّاه؟ ضاقت بنا الحيل، لا علم ينفعنا ولا عمل. يا رحيم يا ودود، يا رحيم يا ودود، نسألك باسمك المخزون المكنون، الطّاهر المطهّر، المقدّس المبارك، الحىّ القيّوم الإجابة والقبول، والعناية والوصول، إلى غاية المأمول، آمين آمين آمين، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين، يا مولاى يا واحد، يا مولاى يا دائم، يا علىّ يا حكيم. وفاته: وتوفى الشيخ على وفا- رحمه الله- بمنزله فى الروضة فى يوم الثلاثاء فى الثانى من ذى الحجة سنة 807 هـ «3» . وله من الذكور أبو العباس أحمد، وأبو الطيب محمد، وأبو الطاهر محمد، وأبو القاسم محمد، ومن الإناث الشريفة: حسنة، ورحمة، وضحى. وكانت جنازته تضم خلقا كثيرا لم تر القاهرة مثلها، فقد كانت جماعته وأصحابه يمشون أمامها ويذكرون الله بطريقة

سيدى أحمد وفا وأولاده:

تهز المشاعر، وتلين لها القلوب. قال المقريزى: لم أر قط على جنازة من الخفر- أى الحراسة- ما رأيت على جنازته «1» رضى الله عنه وأرضاه، وحشرنا فى زمرة عباده الصالحين. سيدى أحمد وفا وأولاده «2» : مولده ونشأته: هو العارف الجليل والسيد النبيل شهاب الدين أحمد بن وفا، ولد بظاهر مصر سنة 756 هـ، ونشأ على طريقة حسنة، وكان ملازما للخلوة والانجماع عن الناس، وكان الشيخ على وفا يقول عنه: «هذا خزانة العلم وأنا أنفق منها» . وقال أيضا: «من رآنا اثنين فهو بفرد عين «3» ومن رآنا واحدا فهو بعينين» «4» . وقد شوهدت منه أحوال دلت على كمال عرفانه «5» . وكان يقول: وعزّة الربّ المعبود ما همّت نفسى بفاحشة، ولا فعلتها قط. وفاته: وكانت وفاته سنة 814 هـ، ودفن بالقرافة عند أبيه وأخيه «6» .

وصف المسجد وما به من الأضرحة:

وترك من الأولاد خمسة، كلهم نجباء، وهم: أبو الجود، حسن: مات سنة 808 هـ. أبو المكارم، إبراهيم: ولد سنة 788 هـ، وتوفى سنة 833 هـ. أبو الفضل محمد (المدعو عبد الرحمن الشهيد) : ولد قبل السبعين وسبعمائة ومات غريقا فى نهر النيل سنة 814 هـ. أبو الفتح محمد (الإمام فتح الدين) : ولد بمصر حوالى سنة 770 هـ تقريبا، ومات بالروضة سنة 852 هـ، ودفن بتربتهم بالقرافة. أبو السيادات، يحيى: ولد سنة 798 هـ، وتوفى سنة 857 هـ «1» . *** وصف المسجد وما به من الأضرحة: وبعد أن قمنا بتعريف القارئ بأقطاب الأسرة الوفائية بمصر نقدم له الآن وصفا للمسجد الذي يحمل اسمهم، والمقصورات التى به وما تحويه من أضرحة تضم رفاتهم الطاهر، مع ذكر تاريخ هذا المسجد كما ورد فى الخطط التوفيقية، أول وأقدم مرجع ذكر هذا. ذكرنا فى أول حديثنا عن هذا المسجد أنه يقع فى سفح المقطم بين ضريح ابن عطاء الله السكندرى وضريح أبى السعود بن أبى العشائر، وأن هذا الجامع

كان أصله زاوية تعرف بزاوية أهل الوفاء «1» وقد جدّدها مسجدا على ما هى عليه الوزير عزت محمد باشا بأمر من السلطان عبد الحميد فى سنة 1191 هـ. فقد جاء فى كتاب وقفية هذا الجامع الذي نشره على باشا مبارك فى الخطط التوفيقية مايلى: «إنه لما ورد الخط الشريف السلطانى من حضرة سيدنا ومولانا السلطان المغازى عبد الحميد خطابا لحضرة سيدنا ومولانا الوزير عزت محمد باشا محافظ مصر المحمية بأن يخرج القدر الآتى ذكره من مال الخزينة العامرة برسم عمارة الزاوية الشريفة، كعبة الأسرار القدسية بسفح الجبل المقطم، المعروف بغراس أهل الجنة، المعروفة بزاوية السادات أهل الوفاء، المشمولة بنظر سيد السادات مولانا السيد الشيخ محمد أبى الأنوار بن وفا، بموجب التمسكات الشرعية المخلدة بيده» .

وقابل ذلك الوزير الأمر بالسمع والطاعة، وفوض أمر العمارة والصرف عليها للناظر المشار إليه، وأبرز فرمانه الشريف لطرف الروزنامجة «1» لإخراج القدر المعين بالخط الشريف الخاقانى «2» ، ليصرفه الناظر فيما هو مأمور به. فعند ذلك شرع الأستاذ المشار إليه فيما هو مفوض إليه، وأزال كامل ما بالزاوية، وما هو تبع لها من الغرف والخلاوى والمساكن والمنافع، وغير ذلك من الأبنية القديمة، وأحضر المؤن والآلات المحكمة، والرجال القادرين على العمل، وأنشأ محل ذلك بناء جديدا يشتمل على واجهة بحرية مبنية بالحجر الفص النّحيت الأحمر، بها باب مقنطر مدائنى بجلستين «3» يمنة ويسرة، ويعلوه سكفة «4» من الرخام المرمر الأبيض مكتوب عليها أبيات، وتجاه هذا الباب من الخارج سلم ثلاث درج مبنى بالحجر الفص النّحيت «5» ، ومصطبة برسم الركوب، ويدخل من هذا الباب إلى فسحة كبيرة مستطيلة مفروشة بالحجر النحيت، مبنى دائر جهاتها بالحجر النحيت الأحمر، بها تجاه الداخل باب المسجد، وهو باب مقنطر مبنى بالرخام المرمر الأبيض، ملمع بالذهب الأحمر، يعلوه سكفة من الرخام المرمر الأبيض، مكتوب على عارضته علو السكفة المذكورة بالذهب الأحمر «6» : بسم الله الرحمن الرحيم: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ* الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ «7» .

ومكتوب على السكفة أربعة تواريخ «1» فى ضمن بيتين وهما: باب شريف قد رقى ببنى الوفا ... الحب فيه أفضل الأقطاب سنة 1191 سنة 1191 قالت لنا أنوار سر جنابه ... لا شك هذا أكمل الأبواب سنة 1191 سنة 1191 وبجانبى الباب دائرتان من الرخام الأبيض يمنة ويسرة، مكتوب على إحداهما «2» بيتان بالذهب الأحمر، وهما: لسلطاننا عبد الحميد مكارم ... أقام بها للدين ركنا مشيدا له النصر من آل الوفاء مؤرخ ... تدوم وتبقى بالصلاح مؤيدا سنة 1191 وعلى الدائرة الثانية «3» بيتان بالذهب الأحمر وهما: عبد الحميد بجاه النصر معتصم ... عن الملوك بأوصاف الثّنا فاقا حزت الفلاح أبا الأنوار دم فرحا ... أعطاك ربّك أنوارا وإشراقا وبجوار باب المسجد المذكور شباك تعلوه دائرة من الرخام الأبيض مكتوب عليها بالذهب الأحمر: حبا الله سلطان البرية نصره ... وأيده المولى الحميد بمجده وجازاه عن آل الوفا أحسن الجزا ... وأولى أبا الأنوار سائر قصده

ومكتوب عليها أيضا نثرا: «قد كمل بناء هذا الحرم الوفائى السعيد، بعناية الله الملك الحميد، فى غاية عام إحدى وتسعين ومائة وألف من هجرة من له العز والشرف صلى الله عليه وسلم» . يغلق على الباب المذكور مصراعا باب من خشب الجوز، مصفّحان بصفائح النحاس الأصفر، بكل منهما حلقة من النحاس الأصفر، ويعلو ذلك الباب من داخل المسجد لوح مكتوب عليه هذا البيت: الأولياء وإن جلّت مراتبهم ... فى رتبة العبد والسادات سادات «1» ويدخل من الباب المذكور إلى مسجد شريف جامع لجميع المحاسن، أعلاه قناديل تقارن الثريا، تقام فيه الصلوات الخمس بالجماعات، والجمعة، والعيدان، والسنن، معمور بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن. ويشتمل هذا المسجد على محراب مبنى بالرخام الملون، به يمنة ويسرة عمودان صغيران من الرخام المرمر الأبيض، يعلوه تاج من خشب الجوز منقوش بالذهب الأحمر، يجاوره منبر من خشب الجوز، له باب بمصراعين من خشب الجوز منقوش بالذهب الأحمر، وسلم عشر درج، يعلوه قبة بأربعة عساكر، وهلال من النحاس المصفى المموه بالذهب المحلول. وبالمسجد أربعة لواوين: «2» أحدها تجاه الداخل، به المنبر والمحراب، واثنان على يمنة الداخل، والرابع على يسرته، وبينها الصحن، يوصل إليه مجاز «3» مفروش بالرخام الملون. والمسجد مسقف جميعه بالخشب النقى، به إزار من الخشب مكتوب عليه باللازورد والذهب الأحمر قصيدة فى مدح بنى الوفا، وأرضه مفروشة بالبلاط

الكدان، دائر جهاته بالحجر الفص النحيت الأحمر الجديد، وبحائط المحراب والمنبر من أوله إلى آخره آزرة «1» كبيرة من الرخام المرمر الملون، وبه ستة عشر عمودا من الرخام المرمر الأبيض، عليها اثنان وعشرون بائكة «2» معقودة بالحجر النحيت، وبالسقف أربعة ممارق «3» ، وقبة من الخشب النّور «4» ، يعلوها هلال من النحاس المموه بالذهب، وبحائط المسجد الغربى اثنا عشر شباكا (قمريات) وبالصحن دكة خشب برسم الاستقبال. وبالمسجد ثلاث خلوات، إحداها برسم الخطيب «5» بجوار المنبر، كتب على عارضة بابها بالذهب الأحمر: رب افتح يا فتاح. وهو تاريخ للبناء. والثانية لوقاد المصابيح بالمسجد، وما يتعلق بالوقادة من الأحمال والقناديل وغير ذلك، مكتوب على عارضة بابها بالذهب الأحمر: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «6» . والثالثة لشيخ السجادة مكتوب على عارضة بابها بالذهب الأحمر: «اللهم هب لنا الخلوة معك والعزلة عما سواك» . وبجوار الخلوة باب يوصل للمساكن ودواليب من الخشب. وبالصحن مقصورة ضريح القطب الكبير سيدى أبى الحسن على وفا، ووالده القطب الغوث الفرد الجامع الختم المحمدى كما نص عليه الشيخ الأكبر الإمام ابن العربى، والعارف الشعرانى، وغير واحد.

وتشتمل تلك المقصورة على درابزين من خشب الجوز مموه بالذهب الأحمر، وباب بمصراعين من خشب الجوز مصفح بصفائح النحاس، ورفرف فى الجهات الأربع، والأسفل من دائرة المقصورة مبنى من الجهات الأربع بالرخام المرمر الأبيض، يعلوها قبة منقوشة بالذهب محمولة على ستة أعمدة من الرخام المرمر الأبيض، وستة أكتاف متصلة بسقف المسجد مدهونة بالدهانات الملونة، وبالمقصورة عساكر من النحاس المصفى المموه بالذهب، ويعلو قبتها هلال من النحاس المصفى المموه بالذهب، وعلى دائرة المقصورة أبيات بالذهب أولها: هذه روضة وهذا مقام ... مزهر نوره وقطب إمام هذه جنة بروض رضاها ... خير آل نزيلهم لا يضام وآخرها: بالرضا فى ضريح جدك أرخ ... حى قطب الأقطاب هذا المقام سنة 1191 وعلى باب المقصورة بيتان هما: إن باب الله طه جدكم ... ولكم قدر علىّ عن على كل من يرجو الوفا من بابكم ... وأتى من غيركم لم يدخل وعلى رفرف القبة من الجهات الأربع بالذهب الأحمر آيات شريفة، وبجوار المقصورة حوض كبير من الرخام المرمر، موضوع به الرمل الأحمر على العادة فى ذلك، وتجاه باب المقصورة تاج من الرخام المرمر الأبيض بأربعة وجوه، مكتوب بالذهب على الوجه الأول: «لا إله إلا الله الواحد الحى، الدائم العلى الحكيم» . وعلى الثانى: «محمد رسول الله الفاتح الخاتم أصل الوفا المشفع العظيم» . وعلى الثالث مكتوب: «نسب حضرة روح أرواح اللطائف المحمدية، وسر أسرار كنز المواهب الرحمانية: الأستاذ أبى الحسن على وفا بن محمد بن محمد النجم ابن عبد الله بن أحمد بن مسعود بن عيسى بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الله ابن عبد الكريم بن محمد بن عبد السلام بن حسين بن أبى بكر بن على بن محمد

ابن أحمد بن على بن محمد بن إدريس التاج بن إدريس الأكبر بن عبد الله المحض ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، ورضى عنه» . وبإلايوان الأول الذي على يمنة الداخل من باب المسجد ثلاث مقصورات، على كل منها درابزين من الخشب النقى، بالأولى: ضريح القطب الربانى سيدى أبى الإسعاد بن وفا «1» وضريح سيدى عبد الفتاح أبى الإكرام بن وفا «2» . وبالثانية: ضريح القطب الربانى سيدى محمد أبى الفتح بن وفا «3» .

وبالثالثة: ضريح القطب الربانى سيدى يحيى أبى اللطف بن وفا «1» . والإيوان الثانى الذي على يمنة الداخل من المسجد أيضا به ثلاث مقصورات على كل منها درابزين من الخشب، بالأولى: ضريح القطب المعظم سيدى عبد الوهاب أبى التخصيص بن وفا «2» . وبالثانية: ضريح القطب المعظم سيدى يوسف أبى الإرشاد بن وفا «3» . وبالثالثة: ضريح القطب المعظم سيدى

عبد الخالق أبى الخير بن وفا «1» وضريح القطب المعظم سيدى محمد أبى الإشراق بن وفا «2» ، وضريح القطب المعظم سيدى محمد أبى هادى بن وفا «3» ، وضريح القطب المعظم سيدى أحمد أبى الإمداد بن وفا «4» . والإيوان الثالث الذي على يسرة الداخل من المسجد به مقصورة كذلك بها ضريح القطب المعظم سيدى عبد الرحمن أبى الفضل الشهيد ابن وفا «5» .

وبالإيوان المذكور الشباك الذي علوه الدائرة بجوار باب المسجد، وله مطهرة «1» بها مصلى بمحراب وفسقية وحنفية وسبعة كراسى راحة وساقية، وله منارة بدورين عليها هلال نحاس مصفى مموه بالذهب. ويتبع ذلك عمارة واسعة بجوار المسجد تشتمل على: دهاليز، وتبليطات، وبسطات، وقصور، ومساكن ذات رواشن «2» ، وخورنقات، وخلاو، ومخازن لأمتعة الوقف ولوازمه من نحاس، وفرش، وزيت، وقناديل، وغير ذلك، وقاعات لطعام سماط الموالد، ومطابخ، وبيت عجين، وطابونة، وطاحون فرد فارسى كامل، وبيت قهوة، ودست كبير برسم الماء، ومصاطب وكلارات «3» ، ووكالة لربط دواب الزوار ونحوهم، وحوش كبير فيه مدافن، وصهريج، وبزابيز «4» وحنفيات، وكراسى راحة. وتلك الأبنية بالحجر الفص النحيت الأحمر الجديد، وبعضها مفروش بالبلاط الكدان، وبعضها بالرخام، وسقوفها من الخشب النقى، وشبابيكها من الخشب الخرط النقى، وسلالمها معقودة بالبلاط الكدان، إلى غير ذلك ... » «5» .

وتبلغ مساحة هذا المسجد من الداخل 29 مترا طولا، فى 27 مترا عرضا، ويتوسطه صحن منخفض عن الأروقة الجانبية تبلغ مساحته 5، 9 أمتار عرضا، فى 14 مترا طولا، ويحيط بالمسجد من جهاته الأربع الأروقة التى ذكرت آنفا «1» . ولا يزال هذا المسجد قائما، وتؤدّى فيه الشعائر، غير أن به بعض التصدعات التى حدثت فى سقفه نتيجة للزلزال الذي حدث منذ شهور فى القاهرة «2» كما نالت منه يد الزمن، فتهدمت ما به من الخلاوى المذكورة آنفا، وإن بقيت أبوابها قائمة دليلا عليها، ولا تزال المبانى التى بجوار المسجد وداخل السور الخارجى قائمة للآن، ويقيم بها المهتمون بشئون هذا المسجد، هذا وتقوم مصلحة الآثار الآن بترميم هذه التصدعات، وإصلاح ما أفسده الدهر لهذا المسجد الذي يضم رفات هؤلاء الأقطاب من السادة الوفائية، رضى الله عنهم وأرضاهم، وحشرنا فى زمرتهم. ***

قبر الشيخ سلامة أبى طرطور

قبر الشيخ سلامة أبى طرطور* وبعد أن تترك مسجد السادات الوفائية تسير مقدار خمسين خطوة فأكثر للجهة الغربية على يسارك، تجد حومة بها رجل صالح اسمه أبو طرطور، وحوله يمينا وشمالا قبور كثيرة كلها أولياء، قد محيت أضرحتهم، وما بقى منها إلّا بعض معالم رسوم البناء. وقبره- أى الشيخ سلامة- يقع إلى الشمال الشرقى من مسجد السادات الوفائية، وقد أشار ابن الزيات إلى موضع تربته، وذكر أنه كان محبّا لسيدى أبى السعود بن أبى العشائر، وكانت بينهما أخوّة ومحبّة ومودّة. ومن كراماته: أنه كان يعمل فى الطوب الآجرّ «1» بقليوب، فجاءه جماعة فقالوا له: قد وردنا على شيخك أبى السعود فأطعمنا طعاما فى شقف «2» ، ولم نجد له آنية مليحة.. فاغتاظ الشيخ أبو طرطور وقال: لو اختار شيخى الدنيا لقال لهذا الطوب: كن ذهبا فيكون ذهبا. قيل: فصار الطوب ذهبا فى الوقت والساعة. فقال: إنّما ضربت بك مثلا، عد إلى ما كنت عليه. فعاد الطوب إلى ما كان عليه. وذكر السخاوى نقلا عن ابن الزيات أن تربته معروفة بتربة ابن أمير جندار. وقد بقيت آثار التركيبة الرخامية التى كانت تعلو قبره، وقد درس هذا القبر للأسف. وفى الكوكب السيار أشار إلى مكان هذا القبر فى مواضع المزارات على خريطة القاهرة وقال: إن أثر القبر باق، ولكنه فى حالة سيئة «3» . ***

ضريح سيدى أبى السعود ابن أبى العشائر

ضريح سيدى أبى السعود ابن أبى العشائر* فى سفح المقطم، وبجوار مسجد السادات الوفائية، يقع ضريح الشيخ أبى السعود بن أبى العشائر بن شعبان بن الطيب الباذبينى، رضى الله عنه. مولده وأصله: ولد- رحمه الله- ببلدة «باذبين» «1» بقرب واسط بالعراق، وذلك فى شهر شعبان سنة 577 هـ «2» . ونشأ فى العبادة من صغره، وبشّر به سيدى أحمد بن الرفاعى. واختلف فى اسمه، قيل: اسمه محمد، وقيل غير ذلك، والأصحّ أنه لا يعرف له اسم، وإنما اشتهر بكنيته. وفى طبقات الأولياء جاء نسبه متصلا بعقيل بن عبد مناف بن عبد المطلب ابن هاشم العقيلى القرشى «3» .

قدومه إلى مصر وجهاده ضد الصليبين:

قدومه إلى مصر وجهاده ضد الصليبين: وقدم الشيخ أبو السعود إلى مصر فى عهد الملك الكامل بن الملك العادل الأيوبى، فى وقت كانت جيوش الصليبين قد جاءت إلى ثغر «دمياط» فى مائتى مركب، واستولوا على المدينة وملكوها، فعند ذلك اضطربت أحوال الديار المصرية، ونادى الملك الكامل فى القاهرة بأن النفير عامّ- أى التعبئة عامة- وأعلن الجهاد فى بلاد الإسلام «1» . لذلك لم ير أبو السعود بدّا من الانخراط فى صفوف المجاهدين تلبية لنداء الجهاد فى سبيل نصرة الإسلام والمسلمين. وتذكر المراجع التاريخية أن شيخنا قد أبلى بلاء حسنا فى تلك المعارك، وإن لم تذكر الدور الذي قام به على وجه التحديد «2» . ولم يرجع الشيخ أبو السعود إلى القاهرة إلّا بعد رحيل الصليبين عن دمياط، بعد أن عقدوا الصلح مع الملك الكامل. وكان مقامه بالقاهرة بزاوية عند باب القنطرة «3» كانت للإمام العالم

مكانته العلمية وكراماته:

أبى العباس القراباغى «1» ، فلما مات أبو العباس القراباغى أقام بها الشيخ أبو السعود، ومن ثم عرفت الزاوية باسمه «2» . مكانته العلمية وكراماته: كان- رحمه الله تعالى- من أجلّاء مشايخ مصر، وكان عارفا بالشريعة والحقيقة، وكان السلطان ينزل لزيارته «3» . وذكره الشيخ صفى الدين بن أبى المنصور فى رسالته، والشيخ زكىّ الدين عبد العظيم المنذرى فى معجمه فى أسماء شيوخه، والشيخ سراج الدين بن الملقن فى تاريخه وطبقاته، وغيرهم. وتخرّج بصحبته سيدى داود المغربى، وسيدى شرف الدين، وسيدى خضر الكردى، ومشايخ لا يحصون «4» ويذكر عنه كتّاب السير حكايات كثيرة «5» تدل على رفعته واتساع دائرته، واستجابة الخلق له، وظهور نفعه وبركته.

من مأثور كلامه:

قيل: إنه رأى النبي- صلى الله عليه وسلّم- فى نومه، وأخذ عليه العهد، وألبسه الطاقية، فأفاق، ثم غاب عن وجوده، وأقام على ذلك ثلاثة أيام والطاقية على رأسه، ثم حصل له الفتح المحمدى إلى أن انتهى إلى مقام القطبانية، وكانت كرامته ظاهرة فى حياته وبعد وفاته. وحج حجّا سعيدا، واتفقت له كرامات عظيمة انتشرت عنه فى البلاد والعباد، ووقع له مكاشفات وأحوال لو استوعبناها لطال ذلك وضاق علينا «1» . وحكى عنه أنه كان إذا دخل إلى مجتمع وخلع نعليه كان يسمع عند خلع نعليه أنين كأنين المريض، فسئل- رضى الله عنه- عن ذلك، فقال: هى النّفس نخلعها عند النعال إذا اجتمعنا بالناس خشية التكبّر «2» . من مأثور كلامه: ومن مأثور كلامه- رضى الله عنه: * ينبغى للسّالك الصادق فى سلوكه أن يجعل كتابه قلبه. * لا يستقيم ظاهر إلّا بباطن، ولا يسلم ظاهر إلّا بباطن. * من أعرض الخلق عنه فتغيّر منه شعرة واحدة فهو واقف معهم، مشرك بربه عز وجل. ومن كسر بكل مرض فتغير منه شعرة واحدة فهو مع نفسه، فى حجاب عن ربه. ومن تغيّر فى حال الذلّ ولم يكن كما كان فى حال العزّ فهو محبّ. * لا ينصحك من لا ينصح نفسه، ولا تأمن الغش ممّن غشّ نفسه.

* كل ما أغفل القلوب عن ذكره تعالى فهو دنيا، وكل ما أوقف القلوب عن طلبه فهو دنيا، وكل ما أنزل الهمّ بالقلب فهو دنيا. * من رأيته يميل إليك لأجل نفعه منك فاتّهمه. * من ذكّرك بالدنيا ومدحها عندك ففرّ منه. ومن كان سببا لغفلتك عن مولاك فأعرض عنه، وعليك بحسم مادة الخواطر المشغلة التى يتولّد منها محبّة الدنيا، وإذا صدر منها خاطر فأعرض عنه، واشتغل بذكر الله عز وجل عن ذلك الخاطر. * عليك الاشتغال بطاعة الله تعالى، لأنها أوّل درجات الترقى. * إذا رأيت ميل قلبك إلى الخلق فانف عن قلبك الشّرك. وإذا رأيت ميل قلبك إلى الدنيا فانف عن قلبك الشك. * صلاح القلب فى التّوحيد والصّدق، وفساده فى الشرك والرياء. * عليك بروحك، ثم بسرّك، ثم بقلبك، ثم بعقلك، ثم بجسدك، ثم بنفسك.. فالروح تطالبك بالشوق وسرعة السير إليه من غير فتور.. والسرّ يطالبك بأن تخفى سرّك.. والقلب يطالبك بالذكر له، والمراقبة، وأن تنسى نفسك وسواه فى ذكرك.. والعقل يطالبك بالتسليم إليه، والموافقة له، وأن تكون مع مولاك على نفسك وسواك.. والجسد يطالبك بالخدمة له وخلوص الطاعة.. والنّفس تطالبك بكفّها وحجرها عن كل ما مالت إليه، وحبسها وتقييدها، وألّا تصحبها ولا تستصحبها. * مراقبة الله تعالى مفتاح كل سعادة، وهى طريق الراحة المختصرة، وبها يطهر القلب، وتندحض النفس، ويقوى الأنس، فينزل الحب، ويحصل الصدق. * النفس حجاب العبد عن مولاه، وما دام لها حركة لا يصفو الوقت،

وما دام لها خاطر لا يصفو الذّكر.. وبقاء النفس هو الذي صعّب على العلماء الإخلاص فى تعليمه، فإن النفس إذا استولت على القلوب أسرتها، وصارت الولاية لها، فإن تحرّكت تحرّك القلب لها، وإن سكنت سكن من أجلها. وحبّ الدنيا والرياسة لا يخرج قط من قلب العبد مع وجودها، فكيف يدّعى عاقل حالا بينه وبين الله- عزّ وجلّ- مع استيلائها؟ أم كيف يصحّ لعابد أن يخلص فى عبادته وهو غير عالم بآفاتها؟ فإن الهوى روحها، والشيطان خادمها، والشّرك مركوز فى طبعها، ومنازعة الحق والاعتراض عليه مجبول فى خلقتها، وسوء الظن وما ينتج من الكبر والدعوى وقلة الاحترام سيمتها، ومحبّة الصيّت والاستهتار حياتها ويكثر تعداد آفاتها، وهى التى تحب أن تعبد كما يعبد مولاها، وتعظّم كما يعظّم ربّها، فكيف يقرب عبد من مولاه مع بقائها ومصالحتها؟ ومن أشفق عليها لا يفلح أبدا، فيجب على الصادق أنّ كلّ ما تمقته النفوس يعانقه، وكلّ ما تميل إليه يفارقه، ويقبل من الذّامّين ذمّهم فيه، ويقول للمادحين: ما مدحتموه من وراء حجاب، ويقول لنفسه فى كلّ نفس: لا قرّب الله مرادك، وأبعد مرامك، فنعوذ بالله من أرض ينبت فيها نزاهة النفوس، فإن من لمح نزاهتها ورأى لها قدرا، أو علم أنّ فى الوجود أخسّ من نفسه فما عرف نفسه، فكيف ينزهها، أو يغضب لها، أو يؤذى مسلما لأجلها؟ فيجب اجتنابها كالسّمّ، وما دامت فى وجه القلب لا يصل إلى القلب خير، لأنها ترس فى وجهه، وكلّما قويت على القلب زاد شرّه، ونقص خيره، وما بقى منها بقية فالشيطان لا ينعزل عنها، والخواطر المذمومة لا تنقطع منها. وقال، رضى الله عنه: لم يصل الأولياء إلى ما وصلوا إليه بكثرة الأعمال، بل بالأدب. وقال عنه الإمام الشعرانى: ما رأيت فى لسان الأولياء أوسع أخلاقا منه- أى من أبى السعود بن أبى العشائر- ومن سيدى أحمد بن الرفاعى «1» .

وصف ضريح سيدى أبى السعود ومن فى حومته من الأولياء والفقهاء والعلماء والصالحين

وصف ضريح سيدى أبى السعود ومن فى حومته من الأولياء والفقهاء والعلماء والصالحين ذكرنا آنفا أنّ ضريح الشيخ أبى السعود بن أبى العشائر يقع فى سفح المقطم، بجوار مسجد السادات الوفائية، وهو على بعد مائتى متر منه تقريبا، وهو عبارة عن حجرة مربعة، فى أركانها الأربعة مقرنصات كبيرة تقوم عليها رقبة بها أربع نوافذ، وعلى الرقبة أقيمت قبّة ضحلة، سقط معظمها. وقد أقيم فى عصر متأخر مسجد بجوار الضريح «1» يتكون من ثلاثة أضلاع مستقيمة، أما الضلع الرابع الذي يوجد به المحراب ففيه عدة انكسارات، وذلك حتى تأتى القبلة فى مكانها الصحيح. وفى حائط القبلة يوجد ثلاثة محاريب: المحراب المتوسط الكبير يوجد فى زاوية، وعلى جانبيه محرابان صغيران أشبه بالحنيات التى تزخرف العمائر. أما ما بقى من المسجد فمما يؤسف له أنه أصبح الآن مقابر، واندثرت معظم معالمه «2» . وإلى جانب ضريح أبى السعود قبر الشيخ جمال الدين عبد الهادى ابن الشيخ أبى العباس القراباغى، وإلى جانبه أمّه، وإلى جانبها فاطمة بنت الشيخ عبد الهادى، والسيدة خديجة زوجة الشيخ عبد الهادى، وهم مع الشيخ فى حجرته.

وعند باب الضريح الشيخ «مبارك» ، خليفة أبى السعود، وإلى جانبه الشيخ مفتاح، خادم الشيخ أبى السعود، وعندهما الشيخ شمس الدين، خليفة سيدى أبى السعود أيضا، وهو متأخر الوفاة، وبالتربة أيضا قبر الشيخ على المنيحى، والشيخ عمر، وولده الشيخ على، وبها أيضا الشيخ مسعود، والشيخ أيوب الخوّاص، والشيخ على الحلبى، والشيخ شعبان، ومن وراء الحائط الشرقى أولاد الشيخ شعبان، وهما: محمد، وعلى، والشيخ شرف الدين ابن الإمام. وبالحومة أيضا الشيخ شهاب أحمد ابن الشيخ مبارك، وبها أيضا الشيخ سيف الدين وأولاده وذريته، وبها أيضا قبر الشيخ إسحاق خادم سيدى أبى السعود، وبها أيضا قبر القاضى شمس الدين الأنصارى ناظر حلب، والقاضى نور الدين النقاش. وبالحومة جماعة من مريدى سيدى أبى السعود. وفى جهة القبلة عمود مكتوب عليه: الشيخ أبو العبّاس الخزرجى «1» . رضى الله عنهم وأرضاهم. ***

تربة الشيخ القطب أبى العباس البصير، المعروف بابن غزالة، ومن بها من الأولياء والعلماء والصالحين

تربة الشيخ القطب أبى العباس البصير، المعروف بابن غزالة، ومن بها من الأولياء والعلماء والصالحين وتترك ضريح سيدى أبى السعود وتمشى قليلا متجها إلى الغرب، تجد مقام العارف بالله تعالى الشيخ أبى العباس البصير، وهى تربة بها جماعة من العلماء والأولياء والصالحين، أجلّهم سيدى أبى العباس البصير «1» ، رضى الله عنه. وهو الإمام العالم، العارف بالله، الناسك الزاهد، مربى المريدين، قطب وقته، وغوث زمانه الشيخ أبو العباس أحمد البصير الخزرجى الأنصارى الأندلسى، ويعرف أيضا بابن غزالة، ولد مكفوفا من بطن أمّه، وكان أبوه ملكا ببلاد المغرب، ذكره الشيخ صفى الدين بن أبى المنصور فى رسالته وأثنى عليه، وقال: إنه نشأ فى العبادة منذ صغره. وهو تلميذ الأستاذ أبى أحمد جعفر الأندلسى، تلميذ أبى مدين شعيب. سبب تسميته بابن غزالة: حكى عنه «2» فى سبب شهرته بابن غزالة: أن أمّه لمّا وضعته وجدته أكمه، ليس له بصر ينظر به، فخافت من سطوة أبيه إذا نظر إليه فلم يعجبه، فألقته فى البريّة ورجعت، فأرسل الله غزالة ترضعه، فلما جاء الملك من السفر الذي كان فيه قالت له زوجته: إنى وضعت غلاما، وقد مات، فقال لها: لعل الله تعالى يعوضنا خيرا منه. فخرج من عندها للصيد، فضرب حلقة الصيد، فنظر إلى غزالة فى وسط الحلقة وهى ترضع طفلا، فلما رآه حنّ له، فقال

كراماته:

فى نفسه: أنا آخذ هذا عوضا عن ولدى، فأخذه وجاء به إلى منزله وهو فرحان، وقال لزوجته: إن الله تعالى قد عوّضنا هذا الغلام، فخذيه وربيه ليكون لنا ولدا. فلما نظرت إليه بكت بكاء شديدا وقالت له: هذا- والله- ولدى، وقصّت عليه القصة. فقال: الحمد لله الذي جمعه علينا. ونشأ الشيخ من صغره منشأ حسنا، وقرأ القرآن وعمره سبع سنين، واشتغل بالقراءات السبع، والعلوم الشرعية إلى أن برع فيها، ثم تصوّف، وفتح الله عليه، فكان من أصحاب الكشف التام، وظهرت له كرامات خارقة «1» . كراماته: وكان الشيخ أبو العباس معاصرا لسيدى أبى السعود بن أبى العشائر، وكان بينهما مودّة واتصال، وكانت طريقة الشيخ أبى العباس التجريد والتقشف، والمأكل الخشن، وكان عنده فقراء فى الزاوية، أكثر أكلهم- عنده- القراقيش والليمون المالح، وكانت طريقة أبى السعود فى مأكله وأصحابه الأطعمة المفتخرة والحلوى، فوقع فى أنفسهم الذهاب إلى سيدى أبى السعود لأجل المأكل الحسن، فلما ذهبوا إلى أبى السعود قدّم لهم ليمونا مالحا وقراقيش، فقالوا فى أنفسهم: نرجع إلى الشيخ أبى العباس ونقنع بما قسم الله لنا. فلما جاءوا إلى سيدى أبى العباس نظر إليهم بعين قلبه وقال لأحدهم: خذ هذه اللّبنة «2» وامض إلى الصاغة وجىء بثمنها. فأخذها ومضى إلى الصاغة، فنظر إليها فإذا هى ذهب أحمر، فباعها بألف دينار، وجاء بالثمن إلى الشيخ، فقال الشيخ: كم فقيرا أنتم هاهنا؟ قالوا: عشرة. قال: فليأخذ كلّ منكم مائة دينار ويخرج عن صحبتى، لأن الفقراء لا يصحبهم من يريد الدنيا، وأنتم ملتم إليها وإلى مالها

الشيخ يحيى الصنافيرى ومناقبه:

ومأكلها الحسن. فقالوا: يا سيدى لا حاجة لنا بها، وليس لنا رغبة إلّا فى صحبتك. فقال لهم: ردّوا هذا المال إلى صاحبه وائتونى باللّبنة. فجاءوا بها إليه وهى على حالتها الأولى، فرماها الشيخ إلى جانب الزاوية. وهذا من جملة كرامات الشيخ وانقلاب الأعيان له. ومن كراماته التى ذكرها الشعرانى فى طبقاته، أن شخصا من مريديه قدم على سيدى عبد الرحيم القناوى- بعد وفاة الشيخ أبى العباس- وكان الشيخ عبد الرحيم يأخذ العهد على جماعة من الحاضرين، فمدّ يده ليد فقير سيدى أبى العباس البصير وهو فى المحراب، فخرجت يد أبى العباس من الحائط فمنعت يد الشيخ عبد الرحيم، فقال الشيخ عبد الرحيم: رحم الله أخى أبا العباس، يغير على أولاده حيّا وميتا «1» وكانت وفاته- رحمه الله تعالى- سنة 623 هـ رضى الله عنه وأرضاه. وإلى جانبه قبر زوجته السيدة «موفقة» ، وكانت من الصالحات وأهل الولاية. الشيخ يحيى الصنافيرى ومناقبه «2» : وبتربة سيدى أبى العباس البصير قبر الأستاذ ذى المناقب المشهورة، صاحب المكاشفات الجمّة، الشيخ القطب يحيى بن على بن يحيى الصنافيرى «3» ، من أكابر الأولياء، نشأ فى العبادة من صغره، وكان فى حال بدايته رجلا صوفيّا، كثير التلاوة للقرآن، ولم يزل كذلك إلى أن حصلت له جذبة ربّانية، وهبّت

كراماته:

عليه نسمة محمدية، فوصل بها إلى مقام القطبانية، فصار منسوبا إلى الطريقة العباسية «1» ، فشاع ذكره فى البلاد، وشهد له علماء زمانه بالولاية والصلاح، وسعت إليه الخلق من سائر الأقطار، وحمل إليه نذره من أرض اليمن، وأقام بالقرافة مدة يسيرة، ثم توجّه إلى «صنافير» وأقام بها مدة، إلى أن اشتهر حاله بها، وصار أهل صنافير يحدّثون عنه بأمور شاهدوها منه، فلما تكاثر عليه الناس فرّ منهم وعاد إلى القرافة، وأقام بها مدة طويلة. وكان- رحمه الله- يجتمع على السماع، ويأمر أصحابه بالحضور فيه. وكان كثير الإيثار، لا يدخل عليه أحد إلّا ويمدّ له سماطا، ممّا يشتهيه فى نفسه، لا ينظر فى درهم ولا دينار، كثير الغيبة، قليل الحضور «2» ، نيّر القلب، ولم يزل كذلك إلى أن توفى، ولو استوعبنا مناقبه لضاق الوقت علينا «3» . كراماته: قال الحافظ ابن حجر عنه: «كثرت مكاشفاته حتى صارت فى حدّ التواتر، فإنى لم ألق أحدا من المصريين إلّا ويحكى عنه فى هذا الباب ما لا يحكيه آخر» . ويقول ابن حجر أيضا: «كان لى أخ من أبى قرأ الفقه ... ثم أدركته الوفاة، فحزن الوالد عليه جدّا، فيقال: إنه حضر إلى الشيخ- أى الشيخ يحيى الصنافيرى- فبشره بأن الله سيخلف عليه غيره، ويعمره، أو نحو ذلك، فولدت «أنا» له بعد ذلك بقليل، وفتح الله بما فتح» «4» . ونظم بعض المقربين منه أرجوزة ذكر فيها جملة من كراماته، منها: أنه

وفاته:

كان يضع المنسف «1» على النار ويطبخ فيه الأرز فلا يحترق المنسف. ومنها: الكلام على الخاطر، والنظر فى المستقبل، وانقلاب الأعيان له، وإزالة الضرر عمّن يكون مضرورا، وقد حصل به نفع عظيم للخلق فى زمنه «2» . ولما جاء سيدى يوسف العجمى، رضى الله عنه من بلاد العجم إلى مصر استأذن الشيخ يحيى الصنافيرى فى الدخول، فأذن له، وكان لا يدخل أحد من الأولياء مصر إلّا بإذنه «3» . وفاته: وكانت وفاته- رحمه الله تعالى- يوم السبت فى السادس عشر من شعبان سنة 772 هـ «4» . وكان لموته مشهد عظيم، وصلّى عليه بمصلّى خولان، ودفن بالقرافة بتربة شيخه أبى العباس البصير- كما ذكرنا آنفا- وكان أول مشهده مصلى خولان، وآخره تربة أبى العباس «5» . الإمام العالم عبد الله الغمازى «6» : وفى التربة- أى تربة أبى العباس البصير- جماعة من الأولياء، منهم الشيخ الصالح، الإمام العالم عبد الله الغمازى، خادم سيدى أبى العباس البصير، ومعه

جماعة من ذرّيته، وقبره حوض «1» حجر عند باب التربة على يسارك وأنت داخل إلى زيارة الشيخ، بينهما الحائط القبلى. وكان قبلى هذه التربة جماعة من الأولياء يزارون من سيدى أبى السعود ابن أبى العشائر، وقد اندرست قبورهم الآن وتلاشت معالمها «2» . ***

ضريح العارف بالله تعالى صفى الدين أبى المواهب الشاذلى

ضريح العارف بالله تعالى صفى الدين أبى المواهب الشاذلى* وبالقرب من هذا المكان الذي يحوى ضريح سيدى أبى السعود، ومسجد السادة الوفائية بنحو 300 خطوة وأنت متجه نحو الطريق المؤدى إلى مسجد الإمام الشافعى، وبجوار كوبرى «التونسى» ، أقيم مسجد حديث يحمل اسم العارف بالله سيدى أبى المواهب الشاذلى، المعروف بالتونسى، وخارج المسجد المذكور بعدة أمتار، يقع ضريع القطب الغوث صفى الدين أبى المواهب محمد ابن الشيخ شهاب الدين أحمد ابن الشيخ شمس الدين محمد ابن الشيخ داود العمرى التونسى. مولده وشيوخه: ولد فى تونس فى سنة 820 هـ، وقرأ العلم بها على الشيخ العالم أبى القاسم البرزلىّ، وأبى سعيد الصفروىّ، وقاضى الجماعة أبى حفص عمر، ثم تحوّل إلى الديار المصرية، فأقام بها فى أماكن متعددة، وقرأ الحديث بها على الشيخ الإمام، قاضى القضاة وشيخ المحدّثين شهاب الدين بن حجر العسقلانى الشافعى «1» . وكان- رحمه الله- مقيما بالقرب من الجامع الأزهر، وكانت له خلوة فوق سطحه، موضع المنارة التى عملها السلطان الغورى. وكان يغلب عليه

مكانته ومؤلفاته:

سكر الحال، فينزل يتمشّى ويتمايل فى الجامع الأزهر، فيتكلم الناس فيه بحسب ما فى أوعيتهم حسنا وقبحا. مكانته ومؤلفاته: وكان- رحمه الله تعالى- من الظرفاء الأجلّاء الأخيار، والعلماء الراسخين، والأبرار، أعطى- رضى الله عنه- ناطقة سيدى على أبى الوفا فى عمل الموشحات الربّانية «1» ، وألّف الكتب الفائقة فى العلوم اللدنية، أهمها كتابه قوانين حكم الإشراق، يشرح فيه للمريدين الأحوال والمقامات والسلوك. وله لطائف فى تفسير أقوال الصوفية، منها قوله فى قول ابن الفارض: «وكل بلا أيّوب بعض بليّتى» أى: لأن بلاء أيوب عليه السلام فى الجسد دون الروح، وبلاء العارف فيهما معا. وقال فى معنى قول بعضهم: «مقام النبوّة فى برزخ ... فويق الرسول ودون الولى» يعنى: أن مقام النبوة يعطى الأخذ عن الله تعالى بواسطة وحى الله، ومقام الرسالة يعطى تبليغ ما أمره الله به للعباد، ومقام الولاية الخاصة يعطى الأخذ عن الله بالله من الوجه الخاص. وهذه الحقائق الثلاث كلها موجودة فيمن كان رسولا، ومن المحال أن يعتقد أحد من أهل الله تعالى تفضيل الولاية على النبوّة والرسالة. وقال فى إنكار بعض المنكرين على قول بعض العارفين: «إنّ الخضر مقام لا إنسان» قال: لا إنكار، لأن الولىّ المحبوب يعطى من الكرامات ما للخضر

ومن أقواله:

من المعجزات، وذلك عند الوراثة، والوراثة الخضرية قبل الوراثة الموسوية، ولا شك أن الوراثة مقام. وقال فى إنكار بعضهم على من قال: «حدّثنى قلبى عن ربى» : لا إنكار، لأن المراد: أخبرنى قلبى عن ربى من طريق الإلهام الذي هو وحى الأولياء، وهو دون وحى الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام «1» . ومن أقواله: * احذر أن تخرق سور الشرع يا من لم يخرج عن عادة الطبع، واحذر أن تقول: أنا مطلق من الحدود، لأنى دخلت حضرة الشهود، فإن الذي دعاك هو الذي نهاك. * أحسن الظّنّ بربك من حيث محبّة جماله وجلاله، فإن ذلك وصف له لا يتحوّل، ولا تحسن الظّنّ بربك لأجل إحسانه إليك، فربما قطع ذلك عنك فتسىء الظّنّ به، فليحذر السالك من علّة هذا المقام. * كل أبناء الدنيا يقبلون عليها وهم راحلون عنها فى كل نفس، لأنهم عمى عن شهود ما إليه يصيرون. * أهل الخصوصية مزهود فيهم أيام حياتهم، متأسّف عليهم بعد مماتهم، وهناك يعرف الناس قدرهم حين لم يجدوا عند غيرهم ما كانوا يجدونه عندهم. * من علامة المرائى إجابته عن نفسه إذا أضيف إليه نقص، وتنقيص الصالحين من أهل زمانه إذا ذكروا.

* الفقراء يراءون بالأحوال، والفقهاء يراءون بالأقوال. * العارف ينمو حال حياته ولا يشتهر إلّا بعد مماته. * العارف كلما علا به المقام صغر فى أعين العوام، كالنجم يرى صغيرا، وإنما العيب من العيون. * من تحقّق بمعارف الحضرة الإلهية، وانمحق وصفه بوصفها، خرج من الاعتماد على عمله وعلمه، وعن كل شيء من بقايا كونه وكينونته التى كان بها مع معيّة وجوده تدقيقا وتحقيقا، لا بباطل وهمه فى إثبات وجوده، فافهم. * الاعتماد على العمل أول عائق يقع لأصحاب السلوك فى بدايتهم، وذلك من غلبة الوهم على وجوههم، وتراكم الخيال على مزايا عقولهم، فلا يخرجون عن ذلك إلّا بنور الكشف بأنه- سبحانه وتعالى- خالق لأعمالهم. * ادّعى أقوام محو آثار البشرية فأخطئوا الطريق، فإن الأكابر من الصحابة والتابعين وصلوا إلى محو الصفات البشرية، وما تركوا قط شيئا من الواجبات الدينية، علما منهم أنها اختيار الربّ لهم، ودعوته لهم حين أذن أن يأتوه بها، ومن كان بأمر سيّده كان بغير أمر نفسه، فافهم معنى الفناء يا من وقع فى العناء وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ «1» . وكان- رضى الله عنه- يقول فى قوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ «2» ، أى: لا يعلمون بحقيقة الاستدراج، وذلك أن يغطى عليهم حقائق الحق، ويلقى فى أوهامهم أنهم على صواب وحقّ، وأنهم غير

ومن دعائه وثنائه على الله عز وجل:

مؤاخذين على أفعالهم- نسأل الله اللطف- فمن أراد الوقاية من الاستدراج. فليخف عند ورود النعم عليه أن يستعملها فى غير ما وضعت له «1» . ومن دعائه وثنائه على الله عزّ وجل: يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، سبحانك بلسان الأزل، سبحانك بلسان الأبد، سبحانك بلسان الرّتق «2» سبحانك بلسان الفتق «3» ، سبحانك بلسان الجمع، سبحانك بلسان الفرق» ، سبحانك بلسان الصّفات، سبحانك فى حضرة الذّات، سبحانك بك، لا إله إلّا أنت، يا كبير يا متعال، يا جليل يا جميل، يا أوّل يا آخر، يا ظاهر يا باطن، تعاليت عن الشّبيه والنّظير، وتقدّست عن المعين والوزير، تعزّز «5» سلطان وحدانيّتك عن وجدان السّوى والأغيار، وتقدّس جمال نورك أن يكون معه جمال من الأنوار اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ، كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ، يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ، نُورٌ عَلى نُورٍ، يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ *.

اللهمّ يا من ملأ نوره الكائنات فى أعلى السّماوات والعرش، وأدنى الأرضين والفرش «1» ، يا من هو المنزّه فى عزّ كماله الأقدس، وعلمه محيط فى جلال جماله المقدّس، أشهدنى هذا النّور المشرق فىّ وفى الآفاق، واجذبنى إليك بجواذب الأشواق، ونعّمنى فى حضرة وصالك، بأنوار جمالك وكمالك، وافتق لسان علمى «2» بك فى حضرة مناجاتك بالأدب معك، والأخذ عنك، والفناء فيك، والبقاء بك لا بشيء دونك، واجعلنى الخزانة الجامعة لأسرارك، الممدّة بإذنك من شئت إمداده من حضرة شهودك، يا سميع، يا مجيب، يا سريع، يا منتقم، يا قهّار، يا حليم، يا كريم، يا من لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون. يا من نور سبحات «3» وجهه عمّر الكائنات، ومشرق سرّه عمّر أقطار الأرضين والسّماوات بالنّزاهة عن الحلول فى الأماكن والجهات، أنت الّذى- سبحانك- أعجزت العقول عن إدراك حضرة الذّات، وتعرّفت لها فى بيان الصّفات، وظهرت بظواهر الأسماء عن بواطن المسمّيات، فتعرّفت لكلّ شيء فما جهلك شيء، وتنكّرت لكلّ شيء فما علمك شيء، سبحانك من حيث ذاتك الّتى لا تعرف، وحضرتك الّتى لا توصف، لا إله إلّا أنت، يا بديع، يا قدير، يا عليم، يا حكيم، يا من أنشأ ما شاء كيف شاء على وفق علمه المحيط، وإرادته النّافذة، وقدرته الدّامغة، لا إله إلّا أنت، خالق كلّ شيء ومبدعه وربّه ومدبّره، يا مولاى يا واحد، يا مولاى يا دائم، يا علىّ يا حكيم. إلهى، غلب سلطان جمالك على الأرواح فهيّمها «4» ، وعلى

الأسرار فنعّمها، وعلى القلوب فشوّقها، وعلى العقول فعوّقها، وعلى النّفوس فأماتها بعزّ سلطانه، وسطوة قهره، وعلوّ شأنه، يا مولاى يا واحد، يا مولاى يا دائم، يا علىّ يا حكيم. إلهى، كم خيّر كمال قدسك من ذى لبّ فى تيه الأفكار؟ وكم جمع فضلك من عاجز على حضرة الأسرار؟ وأبعد عدلك من مدّع حالة الوصول إلى جنابك العلىّ المقدار؟ وأعتق إحسانك من عبد وكتبه فى سجلّ الأحرار؟ سبحانك لا وصول إليك إلّا بك، ولا دخول عليك إلّا بإذنك، تقدّس جنابك الأعلى، وتنزّه وصالك الأغلى أن ينال بحيلة وحول، بل بفضل الامتنان والطّول «1» ، يا مولاى يا واحد، يا مولاى يا دائم، يا علىّ يا حكيم. إلهى، لا قريب إلّا من أدنته العناية، ولا مهدىّ إلّا من هدته الهداية، ولا عزيز إلّا من نشر عليه لواء الولاية، ولا معصوم إلّا من أمن من غين الغوابة، ولا محفوظ إلّا من وقى بقاف الوقاية بما قدّر فى الأزل السّابق، وعيّنه الأبد اللّاحق، يا مولاى يا واحد، يا مولاى يا دائم، يا علىّ يا حكيم. إلهى اجمعنى بك عليك من أودية الشّتات، ونجّنى من حظوظ الأنفس والشّهوات، واكفنى كلّ هم يبعد ويدنى، وفكر فى الأمور يهدم ويبنى، ووسواس يوسوس بضيق الأرزاق، ويسىء الظّنّ بالرّزّاق الخلّاق، وشيطان يجلب الخوف من المخلوقين، وينسى الاعتماد على ربّ العالمين، يا مولاى يا واحد، يا مولاى يا دائم، يا علىّ يا حكيم. إلهى، أمر أهل السّماوات والأرضين فى يد قهرك، وأنت القائم على كلّ نفس بما كسبت، لا تتحرّك ذرّة إلّا بإذنك، ولا يكون فى كونك إلّا ما سبق به علمك- فيما سبق من التّقدير والقضاء الحتم الّذى لا رادّ لحكمه،

نسألك اللّطف فى قضائك، يا مولاى يا واحد، يا مولاى يا دائم، يا علىّ يا حكيم. إلهى، كونى شاهد علىّ بالافتقار إلى غناك المطلق الكامل بالذّات، فامنن على عبدك بغنى يكون به غنيّا، مغنيا من شئت غناه بوصف الفقر بين يديك، إنّك أنت الغنىّ الوهّاب، يا مولاى يا واحد، يا مولاى يا دائم، يا علىّ يا حكيم. إلهى، ذلّى نادى بعزّك، وضعفى نادى بقوّتك، وفقرى نادى بغناك، وعجزى نادى بحولك، وطلبى نادى بطولك، فأجب المضطرّ إلى هذه المطالب، وأنله ما سأل من المآرب، يا مجيب يا مجيب يا مجيب، يا قريب يا قريب يا قريب، يا الله يا الله يا الله، يا مولاى يا واحد، يا مولاى يا دائم، يا علىّ يا حكيم. إلهى، أطلقت سوابق الأرواح فى ميادين الأزل، وجعلت منها الفاضل والمفضول، والمخفوض والمرفوع، والتّابع والمتبوع، وناديتها إلى حضرات الوصال، ومشاهدات الجمال، فأجابتك بأنواع الكمال، ملبّية خاضعة، متواضعة خاشعة، يا مولاى يا واحد، يا مولاى يا دائم، يا علىّ يا حكيم. إلهى، أحى روحى بك حياة أبديّة، ومتّع سرّى بسرّك فى الحضرات الشّهوديّة، واملأ قلبى بالمعارف الرّبّانيّة، وأطلق لسانى بالعلوم اللّدنّيّة «1» ، واجعلنى فتّاحا لأقفال المشكلات، مستأنسا بك فى أندية المخاطبات، سابحا فى بحار الذّات، واقفا على ساحل النّجاة، مفوّها بفنون الغناء، طليقا من يد الأسر والعناء، آخذا بيد الغريق، ممكّنا بك فى كلّ فريق، ماسكا لأزمّة «2» التّحقيق، جامعا لأشتات الطّريق، فانيا بالوحدانيّة، باقيا

بالواحديّة، قائما بالفردانية، ظاهرا بالجمال، متظاهرا بالجلال، متحقّقا بالكمال، مكمّلا للأتّباع، مخلّصا لهم من ظلمة الطباع، وغطاء الحجاب، وشرك الأسباب، يا نور كلّ شيء وهداه، ووليّه ومولاه، يا وليّى يا مولاى، فى آخرتى ودنياى، لا إله إلّا أنت، سبحانك، سبحانك، تعالى جدّك، وعزّ جارك، وتباركت أسماؤك يا قدّوس يا سلام، يا مؤمن يا مهيمن، يا عزيز يا جبّار لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلىّ العظيم. اللهمّ إنّك تنزّهت عن الكيف والمقدار، وتقدّس استواء ذاتك على العرش، سبحانك عن التّمكّن والقرار، تعاليت سبحانك عن الحلول فى مكان، وتمجّدت أن تحيط بك دائرة الزّمان، كنت قبل خلق العوالم غنيّا عن الأكوان، وأنت الآن على ما كنت يا ديّان، ليس لك شبيه ولا نظير، ولا معين ولا وزير، ولا كفوء «1» ، ولا ندّ، ولا قبل ولا بعد، ولا غاية ولا حدّ، ولا والد ولا ولد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ. اللهمّ يا مالك يا حميد، يا قدّوس يا مجيد، نسألك الثّبات على التّوحيد، والعناية والتأييد. يا ربّنا، هب لنا قلبا سليما، وسلوكا قويما، ومعرفة وذوقا، ومحبّة وشوقا، وهداية ونورا، وصلة وسرورا، وتوبة ماحية سواد الذّنوب، وأوبة تمنعنا من كلّ العيوب. اللهمّ منّ علينا بصفة قدسك، وآنسنا بأنسك، وأذقنا حلاوة المناجاة فى عزلة الخلوات، وهب لنا كمال التّخلّى «2» . وحلّنا بحلية التّجلّى، لنتملّى «3» بشهودك فى حضرات التّملّى.

اللهمّ يا سميع يا بصير، ويا نعم المولى ويا نعم النّصير، نسألك- كما منحتنا قبل السّؤال- أن تفتح عن قلوبنا الأقفال، يا منوّر الظّلمات، ويا معطى أهل الأرضين والسّماوات، نوّرنا بنورك يا نور الأنوار، واجمعنا على سرّك الجامع لكل الأسرار. ربّنا عنك لا تبعدنا، ربّنا بقربك شرّفنا، ربّنا عن بابك لا تطردنا، ربّنا بفضلك اغمرنا، ربّنا من جودك لا تحرمنا، ربّنا لغيرك لا تسلمنا، ومن كلّ بلاء سلّمنا، وببهجة جمال حضرتك متّعنا، وبكلّ كمال كمّلنا، وعن كلّ نقص قدّسنا، لك لا لغيرك سؤالنا، أنت ملاذنا وعياذنا، حاشاك أن نرجع منك بالخيبة وأنت الكريم، ولك الكرم المطلق، ونحن الفقراء وأنت الغنىّ، وبك الغنى المحقّق «1» . ربّ أنت مبدع الموجودات، ونورك السّاطع فلق الظّلمات، وقدرتك القاهرة الباهرة رفعت السّماوات، وفيض إفضال جودك غمر المخلوقات، وحكمتك المحكمة زيّنت الكائنات، وإرادتك القديمة خصّصت المصنوعات، وسرّك منعش للأرواح بالنّفحات، وبارق جمال حضرتك يلوح منه للعقول لمحات، وطيب نسمات رحمتك يفوح منه على القلوب رحمات، لها عطف عواطف المبرّات «2» والمسرّات، فبحقّ الجود والعطف والإحسان، والرّحمة والرّأفة والامتنان، والوصف الطّاهر الأقدس، والنّعت المنزّه المقدّس- أسألك نظرة الحنان والعطف يا عطوف، ونفحة الفضل رحمة منك، يا رحيم يا رءوف.

كراماته:

يا من لا ينال فضله إلّا بفضله، ولا تعطى رحمته إلّا برحمته، ها نحن نتوسّل بفضلك إلى فضلك، ونسألك المزيد من فضلك، ونسألك ما يليق بفضلك، يا ذا الفضل العظيم. ربّ، أغن فاقة افتقارى، وقرّب دار بعد مزارى، يا جابر انكسارى، ويا كفيل اضطرارى، دفعت بقوّتك فى نحور أعدائى، واشتفيت بشفائك من عظيم دائى، يا عياذى يا ملاذى يا شفائى، يا سعد سعودى، وأمانى من شقائى، منك بداية خلقى، وإليك غاية حقّى، وإليك شهودى، وأنت مشهودى، يا مقصودى، يا معبودى، أنت أنت بما أنت على ما أنت، سبحانك من حيث أنت، لا تتخيّل بخيال، ولا تمثّل بمثال، سبحانك يا ذا الجمال والجلال والكمال «1» . كراماته: قال عنه الإمام النبهانى فى كتابه «جامع كرامات الأولياء» : « ... ومن كراماته- أى كرامات سيدى أبى المواهب الشاذلى- أنه كان كثير الرؤيا للنبىّ صلّى الله عليه وسلّم فى المنام، حتى كأنه لا يفارقه، وحتى كأنه يراه فى اليقظة، وقد جمع مرائيه فى كتاب طالعته من أوله إلى آخره، فرأيته حقيقة من أعظم الكرامات لهذا العارف، حتى إنه يرى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيتذاكر معه فى أمر، ثم يراه فى منام آخر فيكمل له الحديث الذي ابتدأه فى المنام قبله، بل ذكر بعضهم أنه كان يجتمع به صلّى الله عليه وسلّم يقظة، وأنه تلقى عنه- عليه الصلاة والسلام- حزب الفردانية يقظة» .

وفاته:

وقال الإمام الشعرانى عنه فى الطبقات: «كان- رضى الله عنه- كثير الرؤيا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان يقول: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الناس يكذّبوننى فى صحة رؤيتى لك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وعزّة الله وعظمته، من لم يؤمن بها، أو كذّبك فيها، لا يموت إلّا يهوديّا أو نصرانيّا أو مجوسيّا» . وهذا منقول من خط الشيخ أبى المواهب رضى الله عنه «1» . وفاته: وتوفى- رحمة الله عليه- فى الثالث عشر من شهر صفر سنة 882 هـ بمكان بجوار الجامع الأزهر، ودفن بالتربة المذكورة آنفا، وكان لجنازته مشهد عظيم، وقبره يزار- رضى الله تعالى عنه وأرضاه، وحشرنا فى زمرته. ***

ضريح الشيخ شمس الدين محمد بن اللبان (المعروف بالرازى)

ضريح الشيخ شمس الدين محمد بن اللبّان (المعروف بالرازى) * وتترك ضريح سيدى أبى المواهب الشاذلى وتمشى قليلا جهة الغرب تجد تربة متسعة على يمينك، بها الإمام الجليل، العلّامة شمس الدين محمد بن اللبان، ويطلق عليه العامّة- خطأ- الفخر الرازى. واسمه كما ورد فى المصادر التى ترجمت له لم يرد فيها اسم (الرازى) : وهو: شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الإسعردى الدمشقى، ثم المصرى، المعروف بابن اللبان. مولده وشيوخه: ولد ابن اللبّان سنة خمس وثمانين وستمائة من الهجرة «1» ، وكان مولده بدمشق، ثم قدم الديار المصرية فأنزله ابن الرّفعة بمصر وأكرمه إكراما كثيرا. وسمع الحديث بدمشق من أبى حفص عمر بن غدير بن القوّاس، والحافظين أبى الحسن اليونينى والفزارى. وبثغر الإسكندرية من الشريف تاج الدين الغرّافى، وغيره. وتفقه بابن الرفعة، وجمال الدين أبى بكر محمد بن أحمد بن عبد الله

تصانيفه ومؤلفاته:

ابن سحمان الشّريشى، وأبى المعالى محمد بن على بن عبد الواحد الأنصارى، وصدر الدين محمد بن عمر بن مكى بن الوكيل. وأخذ العربية عن شيخ النحاة، والحنابلة، والقرّاء، شمس الدين محمد ابن أبى الفتح البعلى. وقرأ القراءات «الشاطبية» على والده، شيخ القراء والصلحاء. وصحب فى التصوف الشيخ ياقوت العرشى «1» المقيم بالإسكندرية، صاحب الشيخ أبى العباس المرسى، صاحب الشيخ أبى الحسن الشاذلى. ودرس بقبة الشافعى، وغيرها. تصانيفه ومؤلفاته: وبرع ابن اللّبّان، فقها، وأصولا، ونحوا، وتصوّفا، ووعظ الناس، وعقد مجلس التذكير بمصر، ودرّس بالمدرسة المجاورة لضريح الشافعى رضى الله عنه، وكان أديبا وشاعرا ذكيّا، فصيحا، ذا همّة وصرامة، وانقباض عن الناس. وله تصانيف مفيدة، منها: «ترتيب الأم» للإمام الشافعى على مسائل الروضة، واختصر «الأم» فى أربعة مجلدات ولم يبيضه، واختصر الروضة، ولم يشتهر لغلاقة لفظه، وجمع كتابا فى علوم الحديث، وكتابا فى النحو، و «ألفية» ضمّنها أكثر فوائد «التسهيل» و «المقرب» لم يصنّف مثلها فى العربية، وشرحها، و «ديوان خطب» . وله «تفسير» لم يكمله، جاءت سورة البقرة فيه فى مجلدين، وله كتاب «متشابه القرآن والحديث» تكلم فيه

من أقواله وأشعاره:

على بعض الآيات والأحاديث المتشابهة بكلام حسن على طريقة الصوفية، سمّاه «إزالة الشّبهات عن الآيات والأحاديث المتشابهات» . وله نظم «1» . من أقواله وأشعاره: ومن أشعاره الرائقة: أحبّة قلبى أنتم وحياتكم ... حياتى فمالى عيشة بسواكم أموت إذا غبتم وأنشر عند ما ... يبشّرنى ريح الصّبا بلقاكم إذا كنتم روح الوجود بأسره ... فكيف يعيش الصّبّ عند جفاكم فإن كان ذنبى حال بينى وبين ما ... يؤمّله منكم نزيل قراكم ومالى سوى أنّى بكم قد أتيتكم ... وعادتكم أن تجبروا من أتاكم «2» ومن شعره الذي أورده فى كتابه «المتشابه فى الرّبّانيّات» : تشاغل عنا بوسواسه ... وكان قديما لنا يطلب محبّ تناسى عهود الهوى ... وأصبح فى غيرنا يرغب ونحن نراه ونملى له ... ويحسبنا أنّنا غيّب ونحن إلى العبد من نفسه ... ووسواس شيطانه أقرب ومن مناجاته فى هذا الكتاب، وهو ممّا أخذ عليه «3» :

«إلهى، جلّت عظمتك أن يعصيك عاص، أو ينساك ناس، ولكن أوحيت روح أوامرك فى أسرار الكائنات، فذكرك النّاسى بنسيانه، وأطاعك العاصى بعصيانه، وإن من شيء إلّا يسبّح بحمدك، إن عصى داعى إيمانه فقد أطاع داعى سلطانك، ولكن قامت عليه حجّتك، ولله الحجّة البالغة لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ «1» . ومن كلامه- فى الكتاب نفسه- على حديث: «إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة ... » الحديث: «فيه إشارة إلى أنّ خشية سوء الخاتمة مخصوص بأهل أعمال الجنّة، وأمّا أهل الإخلاص لأعمال التوحيد، فلا يخشى عليهم سوء الخاتمة، ولهذا قال: «فيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ... » فأفهم بذلك أنّ المتقرّب متقربان: متقرّب إلى الجنة بأعمالها، ومتقرب إلى الله بذكره، كما ثبت فى حديث: «أنا عند ظنّ عبدى بى، وأنا معه حين يذكرنى ... » إلى قوله: «وإن تقرّب إلىّ ذراعا تقرّبت منه باعا» ، وذلك يفهمك أنّ المتقرب إلى الله تعالى لا يمكن أن يبقى بينه وبينه ذراع، لأن ذلك الذراع إن كان التقرب به مطلوبا من العبد لم يبق بعده مقدار يتقرّب الله تعالى به إليه، وحينئذ فيستلزم الخلف «2» فى خبره، وهو محال، وإن كان موعودا به من الله لزم تنجّز وعده، وتحقّق القرب للعبد، فلا يبقى بعد ولا دخول إلى النار، فعلم أن ذلك الذراع مخصوص بأهل القرب إلى الجنة، التى لا يلزم ممّن يقرّب إليها، فافهمه، فإنه بديع «3» .

وفاته:

ومنه: قال: أنكر القاضى أبو بكر بن العربى فى كتاب «الأحوذىّ» ثبوت الرؤية فى الموقف، وقال: إن نعيم الرؤية لا يكون إلّا للمؤمنين فى الجنة، وإن ما جاء فى الرؤية فى الموقف فإنما هو على سبيل الامتحان والاختبار. والذي نعتقده: ثبوت الرؤية وتعميمها للمؤمنين فى الموقف، على ما صحّ فى الحديث، وذلك صريح فى قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ «1» . والله أعلم بالصواب. وفاته: وكان- رحمه الله- حسن المجالسة، كثير التودّد للإخوان، وظهرت له أمور وكرامات، وكانت وفاته شهيدا بالطاعون فى شوال سنة 749 هـ ودفن بالتربة المذكورة آنفا، وقبره يزار- عليه رحمة الله تعالى. ***

ضريح سيدى يوسف العجمى الكورانى

ضريح سيدى يوسف العجمى الكورانى* وبعد أن تترك التربة التى دفن فيها سيدى أبو العباس البصير، ويحيى الصنافيرى، وعبد الله الغمازى، رضى الله عنهم، تمشى قليلا للجهة البحرية تجد مقام سيدى محمد الأندلسى، وبجواره مشهد الإمام العلامة الحصنى، ثم تخرج وتمشى قليلا للجهة البحرية مقدار خمسين خطوة تجد مشهد العارف بالله سيدى يوسف العجمى وأولاده وجماعته «1» .

التعريف به:

التعريف به: هو الشيخ العارف، والولىّ الشهير، جمال الدين يوسف بن عبد الله ابن عمر بن علىّ بن خضر العجمى الكورانى، كان عارفا بالله تعالى، وبسلوك الطريق، أدرك الشيخ يحيى الصنافيرى، وكان يزوره كثيرا، ويفهم ما يقوله الشيخ من الإشارات والتلاويح. أساتذته وشيوخه: أخذ العهد عن الشيخ نجم الدين محمود الأصفهانى، وعن الشيخ بدر الدين حسن الشمشيرى، وتلقّن الذّكر عنهما- وهى سلسلة الشيخ الجنيد رضى الله عنه «1» . رحيله إلى مصر: ولما ورد عليه وارد الحق بالسفر من أرض العجم إلى مصر لم يلتفت إليه، فلما تكرر هذا الوارد ثلاث مرات علم أنه وارد صدق، فسار إليها وجدّ فى سيره حتى وصل إليها، واستأذن الشيخ يحيى الصنافيرى فى الدخول- وكان لا يدخل أحد من الأولياء مصر إلّا بإذنه- فأذن له، وأنشد فيه الصنافيرى: ألم تعلم بأنّى صيرفىّ ... أحكّ الأولياء على محكّى «2» فمنهم بهرج لا خير فيه ... ومنهم من أجوّزه بسبكى «3» وأنت الخالص الذّهب المصفّى ... بتزكيتى ومثلى من يزكّى «4»

كراماته ومصنفاته:

وقيل: كان سيدى حسن التسترى- رضى الله عنه- أقدم منه هجرة، وكان يقاربه فى الرتبة، وقيل: كان أرقى منه درجة، فلحقه بأرض مصر، فقال له سيدى يوسف: يا أخى، الطريق لا تكون إلّا لواحد، فإمّا أن تبرز أنت للخلق وأكون أنا خادمك، وإمّا أن أبرز أنا وتكون أنت خادمى- قياما لناموس الطريق- فقال له سيدى حسن، رضى الله عنه: بل ابرز أنت وأكون أنا خادمك. فبرز سيدى يوسف رضى الله عنه «1» . كراماته ومصنفاته: وكانت طريقته التجريد «2» فكثر بمصر أتباعه، واشتهر ذكره، وبعد صيته، وكثر معتقدوه ومريدوه، وكانت له زاوية مشهورة فى قرافة مصر- وهى الزاوية التى دفن فيها- وعدة زوايا فى بلدان مختلفة، وعمّ نفعه البلاد والعباد. وأبرز بمصر من الكرامات والخوارق ما يضيق الوقت عن وصفها «3» . ومن آثاره: رسالة فى شرائط التوبة ولبس الخرقة، سمّاها: «ريحانة القلوب فى التّوصّل إلى المحبوب» ، و «بيان أسرار الطالبين» فى التصوف، و «بديع الانتفاث فى شرح القوافى الثلاث» وله «حزب» «4» . وكان- رضى الله عنه- يغلق باب زاويته طول النهار، لا يفتح لأحد إلّا للصلاة، وكان إذا دقّ أحد الباب، يقول للنقيب: اذهب فانظر من شقوق

وفاته:

الباب فإن كان معه شيء من الفتوح للفقراء «1» فافتح له، وإلّا فهى زيارات «فشارات» . فقيل له فى ذلك، فقال: أعزّ ما عند الفقير وقته، وأعزّ ما عند أبناء الدنيا ما لهم، فإن بذلوا لنا مالهم بذلنا لهم وقتنا «2» . وهو أول من أحيا طريقة الشيخ الجنيد، رضى الله عنه، بمصر بعد اندراسها، وكان ذا طريقة عجيبة فى الانقطاع والتسليك «3» . وفاته: وكانت وفاته بزاويته فى يوم الأحد، نصف جمادى الأولى سنة ثمان وستين وسبعمائة 768 هـ. وصلّى عليه خلق لا يحصون، ودفن بالقرافة الصغرى بالزاوية المذكورة، وقبره يزار، رضى الله عنه وأرضاه «4» . ***

ضريح ومسجد الشيخ شاهين الخلوتى

ضريح ومسجد الشيخ شاهين الخلوتى* وبالقرب من مقام الإمام الجليل، سلطان العاشقين، سيدى عمر بن الفارض، يقع مسجد سيدى شاهين الخلوتى، على رأس الجبل المقطم، وبهذا المسجد ثلاثة قبور: القبر الكبير، قبر الشيخ شاهين، وبجواره قبر ابنه الشيخ جمال الدين عبد الله، والثالث قبر حفيده الشيخ محمد شاهين (أو شاهين الصغير) «1» . ترجمة الخلوتى: هو الشيخ الصالح، والعابد الزاهد شاهين بن عبد الله، ويعرف بشاهين المحمدى، وشاهين الدمرداشى أيضا، لمصاحبته سيدى محمد الدمرداش رضى الله عنه. مولده وأساتذته: ولد الشيخ شاهين بمدينة تبريز بإيران فى القرن التاسع الهجرى، ولم يعرف تاريخ ميلاده على وجه التحديد، وأمضى فى فارس طفولته ومعظم شبابه، ثم رحل إلى مصر فى عهد السلطان الأشرف قايتباى، وكان ذا همّة وشجاعة، جميل الخلقة، ممشوق القوام، فاشتراه السلطان وأصبح من مماليكه، وانتظم فى جنده، ولكن حياة المماليك والجندية لم توافق مزاج شاهين ولا طبيعته التى

وفاته:

فطر عليها، فقد كان منطويا يحب العزلة، ولا يطمئن إلّا إلى صحبة الفقهاء ورجال الدين، فحفظ القرآن الكريم والكثير من الأحاديث. فلما عرف السلطان عنه هذه الصفات قرّبه منه، وصار لا يبرح مجلسه، ولمّا طلب منه شاهين أن يتركه ويخليه لعبادة ربه أجابه إلى طلبه، وأعتقه، فساح إلى بلاد فارس، وهناك تتلمذ على يدى الشيخ العارف بالله تعالى عمر الروشنى بمدينة تبريز، حتى أصبح من أقرب تلاميذه ومريديه إليه. وأخذ عنه الطريق «1» . ثم رجع إلى مصر، وصاحب ولّى الله سيدى محمد الدمرداش بالعباسية، وأصبح من أعز رفقائه ومريديه، ولذلك عرف باسم شاهين الدمرداشى المحمدى- كما ذكرنا آنفا. كذلك أخذ الشيخ شاهين عن الشيخ أحمد بن عقبة اليمنى، وحسين جلبى المدفون بزاوية الدمرداش. ولما توفى الشيخ محمد الدمرداش ترك الشيخ شاهين العباسية وسكن الجبل المقطم، وبنى له فيه معبدا، وحفر له فيه قبرا «2» . ولم يزل الشيخ شاهين مقيما فى خلوته فى جبل المقطم لا ينزل إلى مصر نحو ثلاثين سنة، واشتهر أمره، فتردّد عليه الأمراء والوزراء لزيارته والتبرك به. وفاته: وكان- رحمه الله تعالى- كثير المكاشفة، قليل الكلام جدّا، وفى ذلك يقول الشعرانى: «تجلس عنده اليوم كاملا لا تكاد تسمع منه كلمة» . وكان

وصف مسجده:

كثير السهر، متقشفا فى الملبس، معتزلا عن الناس، إلى أن توفاه الله تعالى سنة تسعمائة ونيّف «1» رضى الله عنه. وصف مسجده: يقع مسجد شاهين الخلوتى على رأس جبل المقطم «2» . وهو مرتفع الأرضية، يصعد إليه بمزلقان، وقد أنشأ هذا المسجد جمال الدين عبد الله، نجل العارف بالله شاهين الخلوتى، مكان الخلوة التى كان يتعبد بها والده. ومنقوش على باب هذا المسجد تاريخ الإنشاء، فقد جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم» إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... إلى آخر الآية «3» . أنشأ هذا الجامع ووقفه العبد الفقير إلى الله تعالى جمال الدين عبد الله، نجل العارف بالله تعالى الشيخ شاهين الخلوتى. افتتح سنة خمس وأربعين وتسعمائة» انتهى «4» . ويصف على مبارك المسجد فيقول: «وبه أربعة أعمدة من الحجر، وقبلته مشغولة «5» بقطع من الرخام الملون والصّدف، ويكتنفها عمودان من الرخام. كما يحتوى الجامع على منبر من الخشب، ودكّة (المبلّغ) «6» قائمة على عمود

من الرخام. وبأسفل المسجد جملة من خلاوى الصوفية، وله ميضأة، وبه صهريج صغير. وهو الآن غير مقامة به الشعائر، ويحتاج إلى اهتمام ورعاية من وزارة الأوقاف وهيئة الآثار. وقد حرص كبار الرّحّالة الذين وفدوا على مصر على زيارة ضريح الشيخ شاهين الخلوتى، برغم المشقة التى يتكبدها من يريد الوصول إليه، فقد كان عليه الصعود إلى أعلى جبل المقطم فى مطلع غير معبّد أو ممهّد، وكثير الانحدار، ومن هؤلاء الزوّار الرّحّالة النابلسى، يقول: « ... وسرنا إلى أن دخلنا جامع شاهين الدمرداشىّ ... فدخلنا مزاره، ورأينا مقامه فى ذلك الجامع، وهو يطل على مزارات القرافة المباركة، وفيه منبر ومحراب لإقامة صلاة الجمعة. وهناك ثلاثة قبور: القبر الكبير، قبر الشيخ شاهين وبجانبه قبر ولده جمال الدين، ثم قبر ولد ولده الشيخ محمد شاهين. فوقفنا هناك، وقرأنا الفاتحة، ودعونا الله تعالى..» «1» . ***

المزارات والآثار العربية الموجودة بالقرافة الجنوبية إلى سنة 1356 هـ

المزارات والآثار العربية الموجودة بالقرافة الجنوبية إلى سنة 1356 هـ خلاصة*: (جبانة السيدة نفيسة) فالمعروف منها الآن بجبانة السيدة نفيسة- مشهد السيدة نفيسة بنت زيد- ضريح الشيخ حسن الشعار (متأخر الوفاة) - ضريح الشيخ أحمد القليوبى (متأخر الوفاة) - ضريح الست جوهرة- ضريح أبى القاسم المراغى المعروف بموفى الدين- مشهد الخلفاء العباسيين- مشهد السيدة نفيسة بنت الحسن- مشهد السادة المالكية. (شارع السيدة نفيسة والإمام الليث) قبر القاضى عبد الوهاب البغدادى- قبر ابن عقيل- ضريح أبى جعفر الطحاوى- ضريح الإمام كمال الدين القسطلانى- قبة عثمان كتخدا القازدوغلى.

(شارع الأقدام)

(شارع الأقدام) ضريح الأذرعى- ضريح سيدى بركة (متأخر الوفاة) - ضريح الشيخ ضيف (متأخر الوفاة) - جامع الأمير ازدمر الدوادار. (شارع القادرية) ضريح الشيخ أبى الفتح العدوى والسادات القادرية- (جامع سيدى على) ضريح الشيخ التيناتى- ضريح (أبونا) يوسف بتربة مصطفى باشا النشار حاكم اليمن- تربة جانى بك نائب جدة- ضريح سيدى محمد المغربى شيخ الشعرانى- بقايا تربة تمر باى الحسنى. (شارع الإمام الشافعى) ضريح سيدى محمد القرمى المعروف الآن بسيدى محمد عبد الباقى- ضريح الشيخ عمر التكرورى- ضريح الشيخ أحمد رمضان- ضريح ابن وقيع شيخ مقرأة الإمام الشافعى (المزعوم أنه الشيخ وكيع الإمام المشهور، شيخ الشافعى) - ضريح الإمام المزنى- ضريح الإمام ورش بشارع أبى البقاء- ضريح الشيخ هدهد. (جبانة سيدى جلال وابن الفارض وشارع بوابة الجبل) ضريح سيدى جلال السيوطى- ضريح تلميذه الشيخ نور الدين على القرافى بالمدرسة المسيحية- ضريح الكمال ابن البارزى- ضريح سيدى على الشنوانى البركلوى المعروف بالشيخ عبد الله- ضريح غيبى المعروف بالمغاورى- ضريح الفارس أرقطاى- ضريح اليسع وروبيل- ضريح سيدى عمر بن الفارض-

(جبانة التونسى)

بقايا جامع لؤلؤة «يعرف بضريح الست لوله» - ضريح الشيخ شاهين الخلوتى- ضريح الشيخ عمر البسطامى- ضريح سنا وثنا المعروف بسيدى ريحان- قبة الأمير صواب السعدى- قبة الأمير سودون القصروى- تربة مصطفى جالق- قبة الأمير تنكزبغا- قبة ولده خليل بن تنكز- قبة كافور الهندى تعرف بسيدى عبد الله المنوفى- بقايا خانقاه قوصون- تربة خوند سمرا الناصرية- تربة القرافى من آثار الدولة الناصرية- جامع الغورى- حوض عبد الرحمن كتخدا. (جبانة التونسى) ضريح الشيخ أبى الفضل الجيزاوى شيخ الجامع الأزهر- ضريح سيدى عيسى الجيلانى المعروف بأبى رمانة ومعه سيدى إسماعيل الجبرتى- ضريح الشيخ محمد السمالوطى أحد علماء الأزهر (متأخر الوفاة) - ضريح القارئ والسامع- ضريح الإمام الشاطبى والقاضى الفاضل- ضريح سيدى محمد وفا وذويه (جامع السادات الوفائية) - ضريح شمس الدين محمد بن اللبان يعرف بالرازى- ضريح أبى الفتح الطوسى- ضريح سيدى أبى السعود بن أبى العشائر- ضريح ابن سيد الناس صاحب السيرة النبوية- ضريح ابن أبى جمرة- ضريح الكمال ابن الهمام- ضريح ابن عطاء السكندرى- ضريح عز الدين بن عبد السلام، وتقي الدين بن دقيق العيد- ضريح السيدة نبيهة الوفائية. (جبانة الإمام الشافعى والليث) مشهد الإمام الشافعى- بقايا المدرسة الصلاحية- مشهد السادة الثعالبة- قبر أبى عبد الله القرشى إلى جانب المشهد المذكور قبله- ضريح الشيخ أبى النجا خطيب مسجد الشافعى- ضريح الشيخ عليان أحد علماء الأزهر (متأخر الوفاة) - مشهد السيدة زينب بنت يحيى المتوج- والسيدة فاطمة العيناء-

(شارع الغفارى وسيدى عقبة والبساتين)

والسيدة أم كلثوم بحوش المناسترلى- مشهد الشريف الهاشمى وابنته السيدة زينب- مشهد السيدة كلثم- مشهد السيد القاسم الطيب وولده محمد- مشهد السيد يحيى الشبيه ومعه جملة من الأشراف الأقربين. ضريح الصحابى أبى بصرة الغفارى- ضريح أبى الظهور الأحمدى (من أصحاب السيد أحمد البدوى) - ضريح الشيخ محمد عبد الهادى (متأخر الوفاة) - ضريح الإمام الليث بن سعد ومعه ولده وأخوه فى آخرين- ضريح الشيخ محمد الأشمونى صاحب الألفية- ضريح الظاهر ططر ملك مصر وولده. (شارع الغفارى وسيدى عقبة والبساتين) ضريح القاضى بكار- مشهد السادة آل طباطبا- ضريح الشريفة خضراء الأندلسية- بقايا جامع الأولياء- بقايا قباب ابن المغربى- بقايا قرافة السودان- جامع الأدفوى والقرافى- ضريح المفضل بن فضالة، يعرف بالفضل بن فضيل- ضريح سيدى عقبة بن عامر الصحابى، ومعه عمرو بن العاص، وآخرين من الصحابة، كما رواه حرملة التجيبى عن الشافعى (انظر النجوم الزاهرة ومهذب الطالبين) - ضريح الإمام فخر الدين الزيلعى- ضريح أبى على الروذبارى- ضريح سيدى ذى النون المصرى- ضريح سيدى محمد بن الترجمان وسيدى محمد ابن الحنفية (رجل صالح) ومعه السيدة رابعة المصرية- ضريح الإمام اللخمى أبى العباس أحمد بن الحطيئة الفاسى (القاضى المالكى فى عهد الفاطميين) - ضريح أمير المؤمنين فى الحديث وخاتمة الحفاظ فى مصر والعالم العربى ابن حجر العسقلانى- ضريح الشيخ الزاهد أبى الخير الأقطع- ضريح الفخر الفارسى. وهذا أشهر ما يعرف من المزارات والآثار التى بهذه المنطقة اليوم. (مزارات وآثار باب البرقوقية وباب النصر والصحراء) وأما ما هو معروف منها بالقرافة الشرقية والبحرية فقد فصلناه فيما مر

هنا تفصيلا وافيا «1» وأولها ضريح سيدى نجم الدين موسى أحد أصحاب الجعبرى بباب النصر بالجهة البحرية، ثم تربة بدر الجمالى المعروفة بالشيخ يونس السعدى، وضريح سيدى إبراهيم الجعبرى، ومعه ولده وسيدى أمين الدين إمام جامع الغمرى، وضريح الشيخ محمد جلبى، وضريح الشيخ على سبيع، وضريح الشيخ الحصرى، وضريح الشيخ الذهبى، وضريح الإمام ابن هشام، وضريح بدر الدين المقدسى بشارع المقاصيص، وضريح الشيخ عوض اليمنى، وضريح الشيخ يوسف السعدى، وضريح ابن رفاعة، وضريح ابن خلدون العالم المشهور، ومشهد السيدة زينب الحنفية، وضريح الإمام السبكى ومعه سيدى جلال الدين المحلى، وضريح أحمد بن عقبة الحضرمى ومعه العالم الحنفى علاء الدين السيرافى بالبرقوقية، إلى غير ذلك مما تقدم ذكره. وإلى هنا تمت الخلاصة الموجودة على النسخة المشار إليها آنفا. ونكتفى بهذا القدر الذي أضفناه إلى كتاب «مرشد الزوار» .. وأرجو أن أكون قد وفّقت فيما قمت به من جهد متواضع- فى هذا المجال، وأرجو أن أكون قد أعطيت هؤلاء الأعلام بعض حقهم علينا فى التعريف بهم وبمناقبهم وسيرتهم الحميدة، وإن كان هناك تقصير فى حق البعض الآخر- خاصة الذين دثرت قبورهم فى القرافتين الصغرى والكبرى- فالكمال لله وحده، وأسأله سبحانه وتعالى أن يغفر لى ولهم، وألّا يحرمنى مثوبة هذا العمل، ويجعله خالصا لوجهه الكريم، ولا يحرمنى بركة هؤلاء الأولياء والعلماء والصالحين ويرزقنى محبتهم، ولا يقطعنى عن زيارتهم، وأن يحشرنى فى زمرتهم يوم تتقلب القلوب والأبصار. والفضل لله وحده أولا وأخيرا، فهو نعم المولى ونعم المعين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله ربّ العالمين. ***

«فهارس ذيل مرشد الزوار»

«فهارس ذيل مرشد الزوار» * ***

(1) «فهرس الآيات القرآنية»

(1) «فهرس الآيات القرآنية» الآية: رقمها: السورة: رقمها: الصفحة ... قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ : 91: الأنعام: 6: 50 لَنْ تَرانِي 143: الأعراف: 7: 48 إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... : 18: التوبة: 9: 106 فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ : 105: هود: 11: 17، 34 وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ : 20: إبراهيم: 14: 19 لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ : 23: الأنبياء: 21: 98 لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ : 87: الأنبياء: 21: 43، 52، 91 اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ، الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ، الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ، يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ، نُورٌ عَلى نُورٍ، يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ : 35: النور: 24: 87 وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ : 43: العنكبوت: 29: 86

الآية: رقمها: السورة: رقمها: الصفحة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ* الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ : 34 و 35: فاطر: 35: 57 هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ : 3: الحديد: 57: 50 هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ* هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 23 و 24: الحشر: 59: 51 سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ : 44: القلم: 68: 86 وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ : 22 و 23: القيامة: 75: 99 ... وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ* بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ : 20- 22: البروج: 85: 50، 51 قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ : 1- 4: الإخلاص: 112: 50، 91 118

(2) «فهرس الأحاديث النبوية»

(2) «فهرس الأحاديث النبوية» مطلع الحديث: الصفحة * إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة 98 * أنا عند ظن عبدى بى 98 ***

(3) «فهرس القوافى»

(3) «فهرس القوافى» صدر البيت: قافيته: بحره: عدد الأبيات: الصفحة باب شريف: الأقطاب: الكامل: 2: 59 تشاغل عنّا: يطلب: المتقارب: 4: 97 الأولياء: سادات: البسيط: 1: 60 لسلطاننا: مشيدا: الطويل: 2: 59 حبا الله: بمجده: الطويل: 2: 59 عبد الحميد: فاقا: البسيط: 2: 59 ألم تعلم: محكىّ الوافر: 3: 101 إنّ باب: عن على: الرّمل: 2: 62 هذه روضة: إمام: الخفيف: 2: 62 بالرضا: المقام: الخفيف: 1: 62 أحبّة قلبى: بسواكم: الطويل: 5: 97 أسق: الظّما: مجزوء الكامل: 1: 47 مقام النبوة: الولىّ: المتقارب: 1: 84 ***

(4) «فهرس الأعلام»

(4) «فهرس الأعلام» (أ) إبراهيم أحمد وفا (أبو المكارم) : 56. إبراهيم الدسوقى (القطب) : 40. الأبزارى (صاحب الموشحات) : 42 أبو أحمد انظر: جعفر الأندلسى. أحمد أبو الإمداد بن وفا: 65. أحمد الرفاعى: 69، 74. أحمد الدّشناوى (أبو العباس) : 9. أحمد بن عطاء الله السكندرى (تاج الدين) : 12، 13، 14، 15، 16، 17، 20، 21، 22، 23، 30، 31، 33، 34، 35، 36، 39، 45، 56. أحمد بن عقبة اليمنى: 105. أحمد بن على وفا (أبو العباس) : 54. أحمد بن وفا (شهاب الدين) : 45، 46، 55. الأدفوى (كمال الدين بن ثعلب) : 23، 26، 27، 28. إسحاق (خادم سيدى أبو السعود) : 76. أبو الإسعاد بن وفا (يوسف) : 63. إسماعيل (الملك الصالح) : 6. الإسنوى (جمال الدين صاحب الطبقات) : 26. أبو الإكرام بن وفا (عبد الفتاح) : 63. أيوب (عليه السلام) : 84. أيوب الخواص: 76. (ب) بدر الدين حسن الشمشيرى: 101 برسباى (الأشرف) : 32. البساطى: 32. أبو بكر بن العربى (القاضى) : 99. أبو بكر محمد بن يوسف (الحافظ) : 9 البهاء (معلم تقي الدين بن دقيق العيد) : 24. بهاء الدين بن محمد الحبّاك: 22. (ت) تاج الدين: 22. تاج الدين السّبكى (صاحب طبقات الشافعية) : 16، 29. تاج الدين الغرّافى (الشريف) : 95. تاج الدين بن الفركاح: 9. تاج الدين محمد الدشناوى: 28.

ابن تغرى بردى: 16. التفتازانى (الدكتور أبو الوفا) : 12. تقي الدين بن تيمية: 16. تقي الدين بن دقيق العيد: 9، 10، 23، 24، 25، 26، 27، 28، 29، 37. تقي الدين السّبكى (الإمام) : 16. تقي الدين المظفر بن عبد الله (الإمام) : 24. التونسى- انظر: صفى الدين أبو المواهب الشاذلى. (ث) لا يوجد ج جبريل (عليه السلام) : 13. جعفر الأندلسى (أبو أحمد) : 77. جقمق العلائى (الملك الظاهر) : 32، 33. جلال الدين المحلّى: 112. الجمّال الحنبلى: 32. جمال الدين أبو بكر محمد بن أحمد الشريشى: 95. جمال الدين عبد الله بن شاهين الخلوتى: 104، 106، 107. جمال الدين عبد الهادى: 75. جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب: 6. جمال الدين يوسف المالكى: 22. الجنيد (رضى الله عنه) : 101، 103. (ح) ابن الحاج (أبو عبد الله) : 22، 35، 36. حاجى خليفة: 25. الحجازى (الشيخ) : 22. ابن حجر العسقلانى (الحافظ) : 16، 17، 24، 80، 83. حسن أحمد وفا (أبو الجود) : 56. حسن التّسترى: 102. أبو الحسن الشاذلى: 10، 13، 36، 41، 96. الحسن بن على (كرم الله وجهه) : 42. حسنة بنت على وفا: 54. أبو الحسن اليونينى (الحافظ) : 95. حسين جلبى: 105. الحصنى: 100. أبو حفص عمر (قاضى الجماعة) : 83. أبو حفص عمر بن غدير بن القوّاس: 95. (خ) خديجة (السيدة- زوجة الشيخ عبد الهادى) : 75.

الخضر (عليه السلام) : 84. خضر الكردى (سيدى) : 71. خليل بن قلاوون (الأشرف) : 11. الخوافى (المتصوف) : 32. أم الخير بنت عبد الله بن أبى جمرة: 36. (د) داود بن باخلا (الإمام) : 41. داود المغربى (سيدى) : 71. ابن دقيق العيد انظر: تقي الدين. (ذ) الذهبى (صاحب العبر) : 5. (ر) رحمة بنت على وفا: 54. ابن الرّفعة: 95. ركن الدين بيبرس: 27. ابن رواح (من معلمى ابن دقيق العيد) : 24. (ز) الزراتيتى (الفقيه) : 32. زكى الدين عبد العظيم المنذرى (الحافظ) : 5، 71. الزمخشرى (صاحب المفصل) : 32. ابن الزيات (شمس الدين محمد) : 21، 22، 36، 68. ابن زيتون (الوزير) : 46. زين الدين (الصاحب) : 28، 29. الزين السكندرى: 32. (س) السخاوى (أبو الحسن نور الدين) : 21، 36، 40، 68. السراج (قارئ الهداية) : 32. سراج الدين بن الملقن: 71. سعاد ماهر (الدكتورة) : 11. سعد الدين (الشيخ) : 22. سعد الدين الميمون: 36. أبو السعود بن أبى العشائر (سيدى) : 3، 36، 39، 45، 56، 68، 69، 70، 71، 74، 75، 76، 77، 78، 82، 83. سعيد (الشيخ) : 22. أبو سعيد الصفروىّ: 83. سلامة أبو طرطور (سيدى) : 68. السمرقندى (الشريف) : 22. السيف الآمدى: 5. سيف الدين (الشيخ) : 76. السيوطى (جلال الدين) : 6، 10، 26، 28.

(ش) الشافعى (الإمام محمد بن إدريس) : 24، 25، 83، 96. شاهين بن عبد الله الدمرداشى الخلوتى: 104، 105، 106، 107. شجرة الدّر: 11. شرف الدين (سيدى) : 71. شرف الدين الأخميمى (الفقيه) : 27. شرف الدين الدين ابن الإمام: 76. شرف الدين بن الصاحب (القاضى) : 36. شرف الدين محمد بن أبى الفضل المرسى: 24. شعبان (الشيخ) : 76. الشعرانى (الإمام عبد الوهاب) : 41، 42، 46، 47، 61، 74، 79، 94، 105. شمس الدين: 37. شمس الدين (الشيخ- خليفة سيدى أبى السعود) : 76. شمس الدين (القاضى) : 24، 36، 76. شمس الدين بن عبد الملك: 22. شمس الدين محمد بن أبى الفتح: 96. الشمس الشامى: 32. شهاب أحمد بن الشيخ مبارك: 76. شهاب الدين بن حجر العسقلانى انظر: ابن حجر العسقلانى. شهاب الدين الزبيرى (المحدّث) : 28. الشهاب السهروردى: 10. الشهاب الهيثمى: 32. (ص) الصالح نجم الدين أيوب: 25. صدر الدين محمد بن عمر بن الوكيل: 96. صفىّ الدين بن أبى المنصور: 71، 77. صفىّ الدين أبو المواهب الشاذلى (التونسى) : 11، 30، 83، 94، 95. صلاح الدين الأيوبى: 25. (ض) ضحى بنت على وفا: 54. ضياء الدين أحمد بن قطب البسطامى: 36 (ط وظ) لا يوجد (ع) العادل (الملك الأيوبى) : 70. أبو العباس أحمد البصير (ابن غزالة) :

77، 78، 79، 81، 100. أبو العباس الخزرجى: 76. أبو العباس القراباغى (الإمام) : 71، 75. أبو العباس المرسى: 13، 14، 16، 96. عبد الحليم مجاهد: 22 عبد الحليم محمود (الشيخ) : 22 عبد الحميد (السلطان) : 39، 57، 59. عبد الخالق أبو الخير بن وفا: 65. ابن عبد الدائم: 24 عبد الرحمن البكارى (القاضى) : 9 عبد الرحمن أبو الفصل الشهيد ابن وفا: 65 عبد الرحمن بن موسى (الروضى) : 22. عبد الرحيم القناوى: 79 عبد الرحيم البيسانى (القاضى الفاضل) : 25 عبد الله بن أبى جمرة: 30، 35، 36، 37، 38. عبد الله الغمازى (الإمام) : 81، 100. عبد الله اليمنى: 22. عبد النور (الشيخ) : 22. عبد الوهاب أبو التخصيص بن وفا: 64. ابن عبيد الله: 32 ابن العربى انظر: أبو بكر القاضى. عز الدين الأصفهانى بن أبى بكر: 36 العز عبد السلام البغدادى: 32 العز بن عبد السلام: 3، 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 24، 30. عزت محمد باشا (الوزير) : 57 عطاء الله: 13. عقيل بن عبد مناف بن عبد المطلب: 69. العلاء البخارى: 32. علاء الدين بن برهان الدين البرلسى (القاضى) : 36. علاء الدين أبو الحسن الباجى: 9 علاء الدين السيرافى: 112. على الحلبى (الشيخ) : 76. على ابن الشيخ شعبان: 76. على عمر (الشيخ) : 76. على القروى: 36. على مبارك باشا (صاحب الخطط التوفيقية) : 57، 106. على المنيحى: 76. على وفا (ابن محمد وفا) : 42، 45، 46، 47، 54، 55، 61، 62، 84. عماد الدين القفطى: 36. عمر (الشيخ) : 76. عمر الروشنى: 105. عمر السنباطى: 36. عمر محمد بن طبرزد: 5. أبو عمرو بن الحاجب: 6. (غ) الغزالى (أبو حامد) : 15، 32.

ابن غزالة انظر: أبو العباس أحمد البصير. الغورى (السلطان) : 83. (ف) ابن الفارض (عمر) : 84، 104. فاطمة بنت الشيخ عبد الهادى: 75. فتح الدين محمد بن سيد الناس (الإمام) : 37، 38. الفخر بن البخارى: 37. فخر الدين عثمان (الأستادار) : 7، 8. الفخر الرازى: 95. الفخر بن عساكر: 5. فرعون: 45. الفزارى (الحافظ) : 95. ابن فهد: 41. (ق) أبو القاسم البرزلىّ: 83. أبو القاسم المغربى: 36. القاضى الفاضل انظر: عبد الرحيم البيسانى. قايتباى (السلطان الأشرف) : 104. قطب الدين بن الشامية: 27. قلاوون (السلطان المنصور) : 16. (ك) الكامل (الملك الأيوبى) : 70. ابن كثير: 9. كمال الدين بن الهمام السيواسى: 17، 30، 31، 33، 34. الكمالى (أمير حاجب) : 26. الكندى: 37 (ل) لاجين (السلطان) : 25، 26. الليث (الإمام) : 11. (م) مالك بن أنس (الإمام) : 24. مبارك (الشيخ- خليفة سيدى أبى السعود) : 76. محب الدين: 22. محب الدين بن الشحنة (القاضى) : 32. محمد رسول الله النبي صلّى الله عليه وسلّم: 3، 13، 15، 38، 60، 62، 72، 93، 94. محمد أحمد وفا، أبو الفضل (عبد الرحمن الشهيد) : 56. محمد أحمد وفا، أبو الفتح (الإمام فتح الدين) : 56، 63.

محمد أبو الإشراق بن وفا: 65. محمد الأندلسى: 100. محمد أبو الأنوار بن وفا: 57، 59 محمد الأوسط (والد السيد محمد وفا) : 40 محمد بن جماعة (قاضى القضاة) : 28 محمد الدمرداش (رضى الله عنه) : 104، 105. أبو محمد الدمياطى (الحافظ) : 9. محمد الزّيلعى: 46. محمد بن سيد الناس انظر: فتح الدين. محمد شاهين (شاهين الصغير) : 104، 107. محمد بن شعبان (الشيخ) : 76. محمد على وفا (أبو الطاهر) : 54. محمد على وفا (أبو الطيب) : 54. محمد على وفا (أبو القاسم) : 54. محمد فتحى أبو بكر: 3. محمد الفصيح: 22. محمد بن اللبّان (شمس الدين) : 95، 96. محمد بن محمد المغربى (وانظر ابن الحاج) : 36. محمد النجم (جد الأسرة الوفائية) : 40. محمد أبو هادى بن وفا: 65. أبو محمد هبة الله القفطى: 9. محمد وفا (رأس الوفائية بمصر) : 40، 41، 42، 45، 61. محيى الدين المغربى: 22. أبو مدين شعيب: 77. المستعصم (الخليفة العباسى) : 7، 8. مسعود (الشيخ) : 76. أبو المعالى محمد بن على الأنصارى: 96. مفتاح (الشيخ- خادم سيدى أبى السعود) : 76. المقريزى: 6، 46، 55. ابن المقيّر: 24. ملّا زادة: 32. الملك الصالح انظر: إسماعيل. المناوى (عبد الرءوف) : 17، 46. موسى (عليه السلام) : 48. موفقة (زوجة أبى العباس البصير) : 79. الموفق بن عثمان: 3. (ن) النّابلسى (الرّحّالة) : 107. ابن ناشئ (صاحب أبى العباس المرسى) : 14. ناصر الدين المنير (الفقيه السكندرى) : 12. النبهانى (يوسف) : 47، 93. نجم الدين أيوب (السلطان) : 7. نجم الدين البالمى: 22. نجم الدين القاضى: 30. نجم الدين محمود الأصفهانى: 101. النجيب بن هبة الله: 23. ابن النحاس: 37. نور الدين النقاش: 76.

(هـ) هامان: 45. الهاوى (أبو عبد الله) : 36. همام الدين (شيخ الجمالية) : 32. (و) ولىّ الدين أبو محمد طلحة: 30. (ى) ياقوت العرشى: 41، 96. يحيى أحمد وفا (أبو السيادات) : 56. يحيى الصنافيرى: 79، 80، 81، 100، 101. يحيى أبو اللطف بن وفا: 64. يوسف أبو الإرشاد بن وفا: 64. يوسف العجمى الكورانى (جمال الدين) : 81، 100، 101، 102. يونس السعدى: 112. اليونيتى (القطب) : 10 ***

(5) «فهرس الأماكن والبلاد والبقاع»

(5) «فهرس الأماكن والبلاد والبقاع» (أ) أخميم: 41. أرض العجم: 101. أروقة مسجد السادة الوفائية: 67. الإسكندرية: 12، 13، 15، 16، 24، 31، 40، 95، 96. أشبيلية: 37. أضرحة السادة الوفائية: 39، 56. إيران: 104. الإيوان الأول لمسجد الوفائية: 63. الإيوان الثانى لمسجد الوفائية: 64. الإيوان الثالث لمسجد الوفائية: 65. (ب) باب القنطرة: 70. باب النصر: 112. باذبين (بالعراق) : 19. البحر الأحمر: 23. البساتين: 11. بغداد: 7، 8. بلاد الإسلام: 70. البلاد الحجازية: 17. بلاد العجم (وانظر: أرض العجم) : 81. بلاد المغرب: 77. بناء الطبلخانة: 7. بيت مال المسلمين: 8. بين السّورين: 35. (ت) تربة ابن أمير جندار: 68. تربة بدر الجمالى (المعروفة بالشيخ يونس السعدى) : 112. تربة تمر باى الحسنى: 109. تربة جانى بك (نائب جدة) : 109. تربة ابن أبى جمرة (عبد الله) : 36. تربة خوند سمرا الناصرية: 110. تربة شمس الدين محمد بن اللبان (الرازى) : 95. تربة سيدى أبى العباس البصير (ابن غزالة) : 77، 79، 81، 100. تربة ابن عطاء الله: 34. تربة القرافى (من آثار الدولة الناصرية) : 110 تربة مصطفى جالق: 110. تونس: 40، 83.

(ث) ثغر الإسكندرية انظر: الإسكندرية. ثغر دمياط انظر: دمياط. (ج) جامع الأدفوى والقرافى: 111. جامع أزدمر الدوادار: 109. الجامع الأزهر: 16، 21، 83، 84، 94. الجامع الأموى بدمشق: 6. جامع الأولياء (بقايا) : 111. جامع الحاكم: 22. جامع الخندق: 37. جامع سيدى على: 109. جامع شاهين الخلوتى انظر: مسجد شاهين الخلوتى. جامع الصالح: 37. جامع الغمرى: 112. جامع الغورى: 110. جامع لؤلؤة (بقايا) : 110. جامع السادة الوفائية انظر: مسجد السادات الوفائية. جبّانة الإمام الشافعى: 110. جبانة الإمام الليث: 11، 110. جبانة التونسى: 11، 30، 110. جبانة سيدى جلال وابن الفارض: 109. جبانة السيدة نفيسة: 108. الجبل المقطم: 12، 21، 105، 107. (ح) الحرمين (المكى والمدنى) : 31. حلب: 31، 76. حوانيت مصر: 30. حوش عبد الله بن أبى جمرة: 36، 37. حوش ابن عطاء الله السكندرى: 21، 22، 34. حوش المناسترلى: 111. حوض عبد الرحمن كتخدا: 110 حىّ الصّاغة: 16. (خ) الخانقاه الشيخونية بمصر: 31. خانقاه قوصون (بقايا) : 110. خط باب البحر: 35. خلاوى الصوفية بمسجد شاهين الخلوتى: 107. خلاوى مسجد السادة الوفائية: 57، 61، 67. خلوة الشيخ شاهين بالمقطم: 105، 106. خلوة أبى المواهب بسطح الأزهر: 83.

(د) دار الحديث بجامع الصالح: 37. دار العز بن عبد السلام: 6، 8. دمشق: 6، 24، 37، 95. دمياط: 70. ديار مصر الديار المصرية انظر: مصر. (ذ) لا يوجد (ر) رأس الجبل المقطم: 104، 106. الروضة (بمصر) : 41، 56. (ز) زاوية الدمرداش: 105. زاوية السادات أهل الوفا: 39، 46، 57، 58. زاوية سيدى أبى السعود: 70، 71. زاوية عبد الله بن أبى جمرة: 35. زاوية محمد وفا بأخميم: 41. الزاوية النجمية (بالإسكندرية) : 40. زاوية يوسف العجمى: 102، 103. (س) سفح الجبل المقطم: 3، 11، 30، 39، 56، 57، 69، 75. سوريا: 6. (ش) شارع الأقدام: 109. شارع الإمام الشافعى: 109. شارع البساتين: 111. شارع أبى البقاء: 109. شارع بوابة الجبل: 109. شارع سيدى عقبة: 111. شارع الغفارى: 111. شارع القادرية: 109. شارع الإمام الليث: 108. شارع المقاصيص: 112. شارع السيدة نفيسة: 108. (ص) الصاغة: 78. صحن مسجد الوفائية: 61، 67. صعيد مصر: 24. صنافير: 80. (ض) ضريح سيدى إبراهيم الجعبرى، ومعه

ولده: 112. ضريح (أبونا) يوسف العجمى بتربة مصطفى باشا النشار: 109. ضريح سيدى أحمد أبى الإمداد بن وفا: 65. ضريح الشيخ أحمد رمضان: 109. ضريح أحمد بن عقبة الحضرمى، ومعه علاء الدين السيرافى: 112. ضريح الشيخ أحمد القليوبى: 108. ضريح الأذرعى: 109. ضريح سيدى أبى الإسعاد بن وفا: 63. ضريح بدر الدين المقدسى: 112. ضريح سيدى بركة: 109. ضريح الصحابى أبى بصرة الغفارى: 111. ضريح القاضى بكّار: 111. ضريح تقي الدين بن دقيق العيد: 23، 29، 30، 110. ضريح الشيخ التيناتى: 109. ضريح أبى جعفر الطحاوى: 108. ضريح سيدى جلال السيوطى: 109. ضريح الست جوهرة: 108. ضريح الست جوهرة: 108. ضريح ابن حجر العسقلانى: 111. ضريح الشيخ حسن الشعار: 108. ضريح الشيخ الحصرى: 112. ضريح الشريفة خضراء الأندلسية: 111. ضريح ابن خلدون (العالم المشهور) : 112. ضريح أبى الخير الأقطع (الزاهد) : 111. ضريح الشيخ الذهبى: 112. ضريح ذى النون المصرى: 111. ضريح ابن رفاعة: 112. ضريح الإمام السبكى ومعه جلال الدين المحلّى: 112. ضريح أبى السعود بن أبى العشائر: 3، 39، 45، 56، 69، 75، 76، 77، 83، 110. ضريح سنا وثنا، المعروف بسيدى ريحان: 110. ضريح الإمام الشاطبى، والقاضى الفاضل: 110. ضريح الإمام الشافعى (وانظر: مشهد وقبة الإمام الشافعى) : 96. ضريح الشيخ شمس الدين محمد بن اللبّان (المعروف بالرازى) : 95، 110. ضريح شاهين الخلوتى (وانظر: قبر ومسجد شاهين الخلوتى) : 104، 107، 110. ضريح صفى الدين أبى المواهب الشاذلى (التونسى) : 83، 95. ضريح الشيخ ضيف: 109. ضريح الظاهر ططر (ملك مصر) : 111. ضريح أبى الظهور الأحمدى (من أصحاب السيد أحمد البدوى) : 111. ضريح عبد الخالق أبى الخير بن وفا: 64، 65. ضريح عبد الرحمن أبى الفضل الشهيد بن

وفا: 65. ضريح عبد الفتاح أبى الإكرام بن وفا: 63. ضريح عبد الله بن أبى جمرة: 35، 110. ضريح عبد الوهاب أبى التخصيص بن وفا: 64. ضريح العز بن عبد السلام: 3، 5، 11، 30، 110. ضريح ابن عطاء الله السكندرى (وانظر: قبر أحمد بن عطاء الله) : 12، 22، 31، 35، 39، 45، 56، 110. ضريح سيدى عقبة بن عامر (الصحابى) ومعه آخرون من الصحابة: 111. ضريح أبى على الرّوذبارىّ: 111. ضريح الشيخ على سبيع: 112. ضريح سيدى على الشنوانى (الشيخ عبد الله) : 109. ضريح الشيخ عليان (أحمد علماء الأزهر) : 110. ضريح الشيخ عمر البسطامى: 110. ضريح الشيخ عمر التكرورى: 109. ضريح سيدى عمر بن الفارض: 109. ضريح الشيخ عوض اليمنى: 112. ضريح عيسى الجيلانى، ومعه إسماعيل الجبرتى: 110. ضريح غيبى (المعروف بالمغاورى) : 109. ضريح الفارس أرقطاى: 109. ضريح أبى الفتح الطوسى: 110. ضريح الشيخ أبى الفتح العدوى والسادات القادرية: 109. ضريح الإمام فخر الدين الزّيلعى: 111. ضريح الفخر الفارسى: 111. ضريح الشيخ أبى الفضل الجيزاوى (شيخ الأزهر) : 110. ضريح القارئ والسامع: 110. ضريح أبى القاسم المراغى: 108 ضريح الكمال بن البارزى: 109. ضريح الإمام كمال الدين القسطلانى: 108. ضريح كمال الدين بن الهمام: 31، 34، 110. ضريح الإمام اللخمى (أبى العباس) : 111. ضريح الست لولة: 110. ضريح الإمام الليث بن سعد (ومعه ولده وأخوه فى آخرين) : 111. ضريح سيدى محمد أبى الإشراق بن وفا: 65. ضريح محمد الأشمونى (صاحب الألفية) : 111. ضريح سيدى محمد بن الترجمان: 111. ضريح سيدى محمد بن الحنفية (رجل صالح) ومعه رابعة المصرية: 111. ضريح الشيخ محمد جلبى: 112. ضريح الشيخ محمد السمالوطى (أحد علماء الأزهر) : 110. ضريح محمد بن سيد الناس: 37، 110.

ضريح الشيخ محمد عبد الهادى: 111. ضريح سيدى محمد أبى الفتح بن وفا: 63. ضريح سيدى محمد القرمى (المعروف بسيدى محمد عبد الباقى) : 109. ضريح الإمام المزنى: 109. ضريح سيدى محمد المغربى (شيخ الشعرانى) : 109. ضريح سيدى محمد أبى هادى بن وفا: 65. ضريح سيدى محمد وفا وذويه (جامع السادات الوفائية) : 110. ضريح المفضل بن فضالة: 111. ضريح السيدة نبيهة الوفائية: 110. ضريح الشيخ أبى النجا (خطيب مسجد الشافعى) : 110. ضريح سيدى نجم الدين موسى (أحد أصحاب الجعبرى) : 112. ضريح الشيخ نور الدين على القرافى (تلميذ جلال الدين السيوطى) : 109. ضريح الشيخ هدهد: 109. ضريح الإمام ابن هشام: 112. ضريح الإمام ورش: 109. ضريح بن وقيع شيخ مقرأة الشافعى (المزعوم أنه الشيخ وكيع الإمام المشهور، شيخ الإمام الشافعى) : 109. ضريح سيدى يحيى أبى اللطف بن وفا: 64. ضريح اليسع وروبيل: 109. ضريح يوسف أبى الإرشاد بن وفا: 64. ضريح الشيخ يوسف السعدى: 112. ضريح سيدى يوسف العجمى الكورانى: 100. (ط) لا يوجد (ظ) ظاهر مصر: 55. (ع) العالم الإسلامى: 7. العباسية: 105. العراق: 69. عرفة عرفات (جبل) : 17. (غ) غار حراء: 15. (ف) فارس (بلاد) : 104، 105. الفسطاط: 9.

(ق) القاهرة: 9، 14، 15، 16، 21، 25، 30، 31، 36، 45،، 67، 70. قباب ابن المغربى (بقايا) : 111. قبة الأشرف خليل بن قلاوون: 11. قبة الأمير تنكز بغا: 110. قبة الخلفاء العباسين: 11. قبة خليل بن تنكز بغا: 110. قبة السادة الوفائية: 61، 62. قبة ضريح سيدى أبى السعود: 75. قبة الأمير سودون القصروى: 110. قبة الإمام الشافعى (وانظر: ضريح الإمام الشافعى) : 96. قبة شجرة الدر: 11. قبة الأمير صواب السعدى: 110. قبة عثمان كتخدا القازدوغلى: 108. قبة كافور الهندى (تعرف بسيدى عبد الله المتوفى) : 110. قبر أحمد بن عطاء الله السكندرى (وانظر: ضريح ابن عطاء الله) : 17، 21، 33، 34. قبر الشيخ إسحاق (خادم سيدى أبى السعود) : 76. قبر الشيخ جمال الدين عبد الله (ابن شاهين الخلوتى) : 104، 107. قبر الشيخ جمال الدين عبد الهادى: 75. قبر ابن الحاج (تلميذ ابن أبى جمرة) : 36. قبر أم الخير بنت عبد الله بن أبى جمرة: 36. قبر الشيخ سلامة أبى طرطور: 68. قبر الشريف السمرقندى: 22. قبر الشيخ شاهين (وانظر: ضريح شاهين الخلوتى) : 104، 105، 107. قبر القاضى شمس الدين الأنصارى: 76. قبر الإمام عبد الله الغمازى (خادم أبى العباس البصير) : 82. قبر أبى عبد الله القرشى: 110. قبر أبى عبد الله المعروف بالهاوى: 36. قبر الشيخ عبد النور: 22. قبر القاضى عبد الوهاب البغدادى: 108. قبر ابن عقيل: 108. قبر الشيخ على الحلبى: 76. قبر الشيخ على القروى: 36. قبر الشيخ على المنيحى: 76. قبر الشيخ عمر وولده الشيخ على: 76. قبر الشيخ أبى القاسم المغربى: 36. قبر الشيخ كمال الدين بن الهمام (وانظر: ضريح كمال الدين بن الهمام) : 31. قبر الشيخ محمد شاهين (شاهين الصغير) : 104، 107. قبر الشيخ محمد الفصيح: 22. قبر الشيخ مسعود: 76. قبر السيدة موفقة (زوجة أبى العباس البصير) : 79. قبر الشيخ نجم الدين البالمى: 22. قبر القاضى نور الدين النقاش: 76. قبر الشيخ يحيى الصنافيرى: 79.

القرافة (وانظر: القرافة الكبرى والصغرى) : 34، 45، 55، 56، 80، 81. قرافة السودان (بقايا) : 111. القرافة الشرقية والبحرية: 111. القرافة الصغرى: 3، 103. القرافة الكبرى: 3، 10، 12، 21، 23، 38. قرافة مصر: 102. القصر الفاطمى: 9. قليوب: 68. قوص: 14، 23، 24، 25، 27، 30. (ك) الكعبة (البيت الحرام) : 23. كوبرى التونسى: 83. (ل) لا يوجد (م) مجلس أحمد بن عطاء الله: 17. مجلس الأشرف برسباى: 32. مجلس الحكم بالكاملية: 27. مجلس العلاء البخارى (الحلقة) : 32. محراب مسجد سيدى أبى السعود: 75. محراب مسجد السادة الوفائية: 60، 61. محراب مسجد شاهين الخلوتى: 107. المدرسة الصالحية: 9. المدرسة الصلاحية (بقايا) : 25، 110. المدرسة الفاضلية: 25، 27. المدرسة الكاملية: 25، 27، 28. المدرسة المنصورية: 16، 21. مدرسة النجيب بن هبة الله: 23. مدينة الإسكندرية انظر: الإسكندرية. مدينة تبريز: 104، 105. مدينة صفاقس (بتونس) : 40. مزارات وآثار باب البرقوقية وباب النصر والصحراء: 111. المزارات والآثار العربية بالقرافة الجنوبية: 108. مزارات القرافة (قرافة مصر) : 3، 107. مساكن وخورنقات ومخازن مسجد الوفائية: 58، 61، 66. مسجد السادات الوفائية: 39، 45، 56، 57، 58، 59، 60، 61، 62، 67، 68، 69، 75، 83. مسجد سيدى أبى السعود: 75. مسجد الإمام الشافعى: 83. مسجد- أو جامع- شاهين الخلوتى: 104، 106، 107.

مسجد ابن عطاء الله: 22، 31. مسجد أبى المواهب الشاذلى (التونسى) : 83. المسعى (بين الصفا والمروة) : 17. مشهد السادة آل طباطبا: 111. مشهد السيدة أم كلثوم بحوش المناسترلى: 111. مشهد السادة الثعالبة: 110. المشهد الحسينى: 25. مشهد الإمام الحصنى: 100. مشهد الخلفاء العباسيين: 108. مشهد السيدة زينب الحنفية: 112. مشهد السيدة زينب بنت يحيى المتوج: 110. مشهد الإمام الشافعى (وانظر: قبر وضريح ومسجد الإمام الشافعى) : 25، 110. مشهد السيدة فاطمة العيناء: 110. مشهد السيد القاسم الطيب وولده محمد: 111. مشهد السيدة كلثم: 111. مشهد السادة المالكية: 108. مشهد السيدة نفيسة بنت الحسن: 108. مشهد السيدة نفيسة بنت زيد: 108. مشهد الشريف الهاشمى وابنته السيدة زينب: 111. مشهد السيد يحيى الشبيه (ومعه جملة من الأشراف) : 111. مشهد يوسف العجمى (وانظر: ضريح يوسف العجمى) : 100. مصر: 5، 6، 7، 9، 12، 28، 29، 33، 37، 38، 40، 41، 46، 56، 57، 70، 71، 81، 83، 95، 96، 101، 102، 103، 104، 105، 107. مصلّى خولان: 81. المطاف (حول الكعبة) : 17. معبد شاهين الخلوتى بالمقطم: 105. المقام (مقام إبراهيم) : 17. مقام أبى العباس البصير: 77. مقام سيدى عمر بن الفارض (وانظر: ضريح سيدى عمر بن الفارض) : 104. مقام سيدى محمد الأندلسى (ابن سيد الناس) : 37، 100. مقبرة المغاربة (الشاذلية) : 36. مقصورات السادة الوفائية: 63، 64. مقصورة ضريح القطب على وفا ووالده: 45، 61، 62. المقياس (مقياس النيل) : 41. منارة السلطان الغورى (بالأزهر) : 83. منارة مسجد السادة الوفائية: 66. منبر مسجد السادة الوفائية: 60، 61. منبر مسجد شاهين الخلوتى: 106، 107. منزل سيدى على وفا (بالروضة) : 46، 54.

(ن) النّحّاسين (مكان) : 25. النيل (نيل مصر) : 41، 56. (هـ) لا يوجد (و) واسط (بالعراق) : 69. (ى) اليمن: 80. ينبع: 23. ***

(6) «فهرس الجماعات والقبائل والأمم والطوائف»

(6) «فهرس الجماعات والقبائل والأمم والطوائف» (أ) آل وفا (وانظر: الأسرة الوفائية وأقطابها) : 39، 42، 57، 59، 67. أتباع ابن عطاء الله: 16. أتباع ومريدو سيدى على وفا: 46. أتباع يوسف العجمى: 102. الأدارسة: 42. أسرة ابن عطاء الله: 12، 13. الأسرة الوفائية (وانظر: آل وفا وأقطابهم) : 40، 45، 56، 68. الأشراف: 21، 36. أصحاب الجعبرى: 112. أصحاب أبى السعود بن أبى العشائر: 78. أصحاب السلوك (وانظر: أهل الطريق) : 86. أصحاب أبى العباس المرسى: 13، 14. أصحاب يحيى الصنافيرى: 80. أعيان الدولة: 32. الأقطاب: 36. أقطاب الأسرة الوفائية (وانظر: آل وفا، والأسرة الوفائية) : 39. أمراء المماليك: 8. الأمراء (أمراء مصر وحكامها) : 7، 26، 27، 29، 105. الأنبياء: 85. أهل الحقائق أرباب الطريق (وانظر: الصوفية وأولياء الله الصالحين) : 16، 33. أهل صنافير: 80. أهل الطريق (وانظر: أهل الحقائق، والصوفية) : 47. أهل العلم الظاهر (وانظر: العلماء) : 14. أهل القاهرة: 21. أهل القرب والخصوصية (وانظر: أهل الحقائق، وأهل الطريق، والصوفية) : 43، 85. أولاد ابن ثعلب (الأشراف الثعالبة) : 36. أولاد يوسف العجمى وجماعته: 100. أولياء العجم: 46. الأولياء أولياء الله الصالحين (وانظر: أهل القرب، وأهل الحقائق، والصوفية) : 3، 12، 21، 36، 43، 47، 49، 60، 68،

74، 75، 77، 79، 81، 82، 85، 101، 112. (ب) لا يوجد (ت) التابعون: 86. التتار: 28. تلاميذ أبى العباس المرسى (وانظر: أصحاب أبى العباس) : 14. تلاميذ العز بن عبد السلام: 9. تلاميذ ابن عطاء الله: 17. تلاميذ عمر الروشنى (ومريدوه) : 105. (ث) لا يوجد (ج) الجذاميون (نسبة إلى قبيلة جذام) : 12. جند الأشرف قايتباى: 104. جيوش الصليبيين: 70. (ح) الحنابلة: 96. (خ) الخلفاء العباسيون: 11. (د، ذ، ر) لا يوجد (ز) الزهاد (وانظر: الصوفية) : 3. (س) السلاطين: 27. سلاطين الدولة الأيوبية: 7، 25. (ش) شيوخ تقي الدين بن دقيق العيد: 24. شيوخ الصوفية: 12. شيوخ يوسف العجمى: 101. (ص) الصالحون (أهل الصلاح) : 3، 28، 41، 55، 75، 77، 85، 112. الصحابة: 20، 86. الصليبيون: 70. الصوفية (وانظر الزهاد) : 13، 14، 16، 33، 39، 42.

(ض، ط، ظ) لا يوجد (ع) العارفون (وانظر: الصوفية) : 42، 49. العرب العاربة: 12. العلماء: 3، 5، 6، 10، 12، 18، 32، 36، 39، 41، 42، 49، 74، 75، 77، 84، 112. علماء الأزهر: 21. علماء قوص: 24. العلماء المالكية: 35. (غ) لا يوجد. (ف) الفاطميون: 111. الفرنج: 6. الفقراء (وانظر: الزهاد، والصوفية) : 32، 78، 86، 103. الفقهاء: 14، 16، 21، 32، 75، 86، 105. فقهاء الإسكندرية: 12. فقهاء قوص: 24. (ق) قبيلة قريش: 13. قبيلة كهلان: 12. القرّاء: 21، 96. القضاة: 5، 23، 26، 28. (ك) كتّاب السّير (المؤرخون) : 71. (ل) لا يوجد (م) المتصوفة انظر: الصوفية. المحدّثون: 21. مريدو سيدى أبى السعود: 76. مريدو سيدى أبى العباس البصير: 79. مريدو سيدى محمد الدمرداش: 105. مريدو سيدى يوسف العجمى (وانظر: أتباعه) : 102. المسلمون: 6، 29، 70. مشايخ أصحاب الطرق الصوفية: 41.

مشايخ مصر: 71. المصريون (وانظر: أهل القاهرة) : 80. المغاربة: 36. الملوك: 5، 31، 33، 46، 59. (ن) النّحاة: 96. (هـ) لا يوجد. (و) الوزراء (وزراء مصر) : 105. (ى) بنو يعرب بن قحطان: 12. ***

(7) «مصادر ومراجع ذيل مرشد الزوار»

(7) «مصادر ومراجع ذيل مرشد الزوار» القرآن الكريم*. الأعلام، للزركلى، دار العلم للملايين- بيروت 1986 م. بدائع الزهور فى وقائع الدهور، لابن إياس، تحقيق محمد مصطفى، الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة 1402 هـ- 1982 م. البداية والنهاية لابن كثير، تحقيق مجموعة من الأساتذة، دار الكتب العلمية- بيروت 1408 هـ- 1988 م. بيت السادات الوفائية، للسيد محمد توفيق البكرى، شيخ المشايخ الصوفية، ونقيب الأشراف بالديار المصرية، المتوفى سنة 1351 هـ- 1932 م. تأصيل ما ورد فى تاريخ الجبرتى من الدخيل، للدكتور أحمد السعيد سليمان، دار المعارف- مصر 1979 م. تاريخ وآثار مصر الإسلامية، لمجموعة من الأساتذة الهيئة المصرية العامة للاستعلامات. تحفة الأحباب وبغية الطلّاب فى الخطط والمزارات، لأبى الحسن نور الدين على ابن أحمد السخاوى، مراجعة لفيف من العلماء، مكتبة الكليات الأزهرية- القاهرة 1406 هـ- 1986 م. تذكرة الحفّاظ، للذهبى، دار إحياء التراث العربى، 1377 هـ- 1958 م. جامع الثناء على الله، ليوسف النبهانى، تحقيق محمد مصطفى أبو العلا، مكتبة الجندى- القاهرة 1393 هـ- 1973 م. جامع كرامات الأولياء، ليوسف النبهانى، تحقيق إبراهيم عطوة، طبعة مصطفى البابى الحلبى- القاهرة 1394 هـ- 1974 م.

حسن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة، للسيوطى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، طبعة عيسى البانى الحلبى- القاهرة 1387 هـ- 1967 م. الحكم العطائية، لابن عبّاد النّفزى، إعداد ودراسة محمد عبد المقصود هيكل، سلسلة تقريب التراث (2) . مركز الأهرام للترجمة والنشر- القاهرة 1408 هـ- 1988 م. الخطط التوفيقية الجديدة، لعلى باشا مبارك، الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة 1980 م. سلطان العلماء، لمحمود الشرقاوى، سلسلة الكتاب الذهبى- عدد أغسطس 1978، روز اليوسف- القاهرة 1978 م.- شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلى، دار المسيرة- بيروت 1399 هـ- 1979 م. الضوء اللامع، للسخاوى، نشره القدسى- القاهرة 1352 هـ. الطالع السعيد، الجامع أسماء نجباء الصعيد، لأبى الفضل الأدفوى، تحقيق سعد محمد حسن، الدار المصرية للتأليف- القاهرة 1966 م. طبقات الأولياء، لابن الملقن، تحقيق نور الدين شريبة، مكتبة الخانجى- القاهرة 1393 هـ- 1973 م. طبقات الشافعية الكبرى، للسبكى، تحقيق محمود محمد الطناحى، وعبد الفتاح محمد الحلو، دار إحياء الكتب العربية- القاهرة 1976 م. الطبقات الكبرى، للشعرانى، دار الجيل- بيروت 1408 هـ- 1988 م. طبقات المفسرين، لشمس الدين الداودى، مراجعة لجنة من العلماء، دار الكتب العلمية- بيروت 1403 هـ- 1983 م. ابن عطاء الله السكندرى وتصوفه، للدكتور أبى الوفا التفتازانى، مكتبة الأنجلو- القاهرة 1969 م. فضائل مصر، للكندى، تحقيق د. إبراهيم العدوى، وعلى محمد عمر، مكتبة وهبة- القاهرة 1391 هـ- 1971 م. فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر الكتبى، تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر- بيروت 1973 م.

كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، للمقريزى، مكتبة الثقافة الدينية- القاهرة 1987 م. الكواكب السّيّارة فى ترتيب الزيارة، لشمس الدين محمد بن الزيات، المطبعة الأميرية- مصر 1325 هـ- 1907 م. الكوكب السيار إلى قبور الأبرار، لعلى بن جوهر السكرى، تحقيق د. محمد عبد الستار عثمان- دار المعرفة الجامعية- 1992 م. مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، للدكتورة سعاد ماهر، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- القاهرة 1971 م. معجم تيمور الكبير فى الألفاظ العامية، لأحمد تيمور، تحقيق د. حسين نصار، الهيئة العامة للتأليف والنشر- مصر 1391 هـ- 1971 م. معجم المؤلفين، لعمر كحّالة، دار إحياء التراث العربى- بيروت. الموسوعة الصوفية، للدكتور عبد المنعم الحفنى، دار الرشاد- مصر 1412 هـ- 1992 م. النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة، لابن تغرى بردى، دار الكتب المصرية- القاهرة 1352 هـ- 1933 م. وفيات الأعيان، لابن خلكان، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار الثقافة- بيروت. ***

(8) فهرس محتويات ذيل مرشد الزوار

(8) فهرس محتويات ذيل مرشد الزوّار الموضوع الصفحة تقديم 3 ضريح شيخ الإسلام وقاضى القضاة العز بن عبد السلام 5 سلطان العلماء- مولده وشيوخه 5 قدومه إلى مصر 5 شدته فى الحق 6 عزله عن الخطابة واعتقاله 6 خروجه من دمشق 6 استقبال السلطان نجم الدين أيوب له وتوليه قضاء مصر واصطدامه بأمرائها وحكامها 7 تمسكه بالحق ودقة أحكامه 8 شجاعته الأدبية 9 تلاميذه الذين أخذوا عنه 9 تصانيفه 10 تصوفه وكراماته 10 ووصف ضريحه 11 ضريح ابن عطاء الله السكندرى 12 أصله ومولده 12 أطوار حياته 13

الموضوع الصفحة قيامه على الطريقة الشاذلية بعد وفاة أبى العباس المرسى قيامه 16 خصومته لابن تيمية 16 كراماته 17 إنتاجه العلمى ومصنفاته 17 من كلامه فى الحكم العطائية 18 وفاته 21 حوش ابن عطاء الله ومن به من الأولياء والصالحين 21 إقامة مسجد يحمل اسمه 22 ضريح قاضى القضاة تقي الدين بن دقيق العيد 23 أصله ومولده 23 رحيله فى طلب العلم وشيوخه 24 نشاطه العلمى ومؤلفاته 25 تولّيه القضاء 25 أخلاقه وصفاته 26 كراماته 28 وفاته وضريحه 29 ضريح العلّامة كمال الدين بن الهمام 31 أصله ومولده 31 شيوخه ومكانته العلمية ومصنفاته 32 تصوفه وكراماته 33 وفاته وضريحه 34

الموضوع الصفحة ضريح العالم الكبير عبد الله بن أبى جمرة 35 مكانته العلمية ومصنفاته 35 من فى حومته من العلماء والأشراف 36 ضريح الإمام العالم محمد بن سيد الناس 37 أصله ومولده وأساتذته 37 مكانته العلمية ومصنفاته 38 وفاته 38 مسجد السادات الوفائية وما به من الأضرحة 39 الشيخ محمد النجم جدّ الأسرة الوفائية 40 سيدى محمد وفا- رأس الوفائية ووالدهم بمصر 40 مولده ونشأته 40 كراماته 41 سبب تسمية أولاده وأحفاده بالسادات 42 مؤلفاته 42 من أقواله ومأثور كلامه 43 وفاته 45 الأستاذ الكبير والعلم الشهير سيدى على وفا 45 مولده ونشأته 45

الموضوع الصفحة كراماته 46 مؤلفاته 47 من أقواله 48 من أدعيته وثنائه على الله تعالى 48 وفاته 54 سيدى أحمد وفا وأولاده 55 مولده ونشأته 55 وفاته 55 وصف المسجد وما به من الأضرحة 56 قبر الشيخ سلامة أبى طرطور 68 ضريح سيدى أبى السعود بن أبى العشائر 69 مولده وأصله 69 قدومه إلى مصر وجهاده ضد الصليبيين 70 مكانته العلمية وكراماته 71 من مأثور كلامه 72 وصف ضريح سيدى أبى السعود ومن فى حومته من الأولياء والفقهاء والعلماء والصالحين 75 تربة الشيخ القطب أبى العباس البصير المعروف بابن غزالة، ومن بها من الأولياء والعلماء والصالحين 77

الموضوع الصفحة سبب تسميته بابن غزالة 77 كراماته 78 الشيخ يحيى الصنافيرى ومناقبه 79 كراماته 80 وفاته 81 الإمام العالم عبد الله الغمازى 81 ضريح العارف بالله تعالى صفى الدين أبى المواهب الشاذلى 83 مولده وشيوخه 83 مكانته ومؤلفاته 84 من أقواله 85 من دعائه وثنائه على الله عزّ وجلّ 87 كراماته 93 وفاته 94 ضريح الشيخ شمس الدين محمد بن اللبّان (المعروف بالرازى) 95 مولده وشيوخه 95 تصانيفه ومؤلفاته 96 من أقواله وأشعاره 97 وفاته 99 ضريح سيدى يوسف العجمى الكورانى 100 التعريف به 101

الموضوع الصفحة أساتذته وشيوخه 101 رحيله إلى مصر 101 كراماته ومصنفاته 102 وفاته 103 ضريح ومسجد الشيخ شاهين الخلوتى 104 ترجمة الخلوتى 104 مولده وأستاذته 104 وفاته 105 وصف مسجده 106 المزارات والآثار العربية الموجودة بالقرافة الجنوبية إلى سنة 1356 هـ 108 خلاصة 108 جبانة السيدة نفيسة 108 شارع السيدة نفيسة والإمام الليث 108 شارع الأقدام 109 شارع القادرية 109 شارع الإمام الشافعى 109 جبانة سيدى جلال وابن الفارض وشارع بوابة الجبل 109 جبانة التونسى 110 جبانة الإمام الشافعى والليث 110 شارع الغفارى وسيدى عقبة والبساتين 111 مزارات وآثار باب البرقوقية، وباب النصر، والصحراء 111

الموضوع الصفحة فهارس ذيل مرشد الزوار 115 فهرس الآيات القرآنية 115 فهرس الأحاديث النبوية 117 فهرس القوافى 118 فهرس الأعلام 119 فهرس الأماكن والبلاد والبقاع 127 فهرس الجماعات والقبائل والأمم والطوائف 137 مصادر ومراجع ذيل مرشد الزوار 141 فهرس محتويات ذيل مرشد الزوار 144 ***

مناظر عامّة للأماكن الأثريّة والأضرحة التى وردت فى كتاب «مرشد الزوار» و «الذّيل»

مناظر عامة للجبانة الكبرى والصغرى بسفح المقطم من عدة جهات.. [وانظر فضل الجبل المقطم وفضل هذه القرافة فى مرشد الزوار من ص 5- 18] . جانب من الجبانة الكبرى على امتداد الجبل المقطم. منظر عام للجبانة الصغرى.

جبانة سيدى جلال وشارع بوابة الجبل. منظر ثان لجبانة سيدى جلال وتظهر فى الصورة مآذن المساجد الشهيرة بالمنطقة والقباب الأثرية.

جبانة سيدى أحمد بن عطاء الله السكندرى والتونسى فى سفح المقطم. مسجد الجيوشى- من مساجد العصر الفاطمى-[انظر الفصل الذي كتب عن المساجد التى على الجبل المقطم فى مرشد الزوار من ص 19- 24] . مسجد الجيوشى على قمة جبل المقطم، بناه أمير الجيوش بدر الجمالى سنة 478 هـ، ويسمى «مسجد أمير الأمراء» .

منظر عام لمسجد الجيوشى. مشهد اليسع وروبيل «الأسباط» بسفح المقطم- بجوار مسجد عمر بن الفارض. قبة مشهد اليسع وروبيل بجبانة عمر بن الفارض- وهو من مشاهد الرؤيا، فمن الثابت تاريخيّا أنه لم يدفن فى مصر من أولاد يعقوب عليه السلام إلّا يوسف.

بقايا إيوان تحت قبة اليسع وروبيل، يهبط إليه بعدّة درجات عن مستوى الأرض. جامع اللؤلؤة بالمقطم بقايا جامع اللؤلؤة بالمقطم، ويعرف بضريح الست «لولة» - ويظهر فى الصورة مسجد شاهين الخلوتى، وأسفله مسجد سلطان العاشقين سيدى عمر بن الفارض.

منظر قريب للجزء المتبقى من جامع اللؤلؤة الذي بناه الحاكم بأمر الله سنة 406 هـ. وتعمل طائفة «البهرة» الآن على ترميمه وإصلاحه. مسجد شاهين الخلوتى بسفح المقطم [انظر ذيل مرشد الزوار من ص 104- 107] مسجد الشيخ شاهين الخلوتى الذي أنشأه ولده جمال الدين، وافتتح سنة 945 هـ. وبالمسجد ضريح الشيخ شاهين الخلوتى، وضريح ابنه جمال الدين، وضريح حفيده الشيخ محمد شاهين.. وقد حرص كبار الرّحّالة قديما على زيارة ضريح الشيخ شاهين الخلوتى، برغم المشقة التى يتكبدها من يريد الوصول إليه فى طريق غير ممهّد وكثير الانحدار.

مسجد وضريح سيدى عمر بن الفارض بجهة الأبجية، بسفح المقطم [انظر مرشد الزوار ص 546- 550] شارع عمر بن الفارض المؤدى إلى ضريحه، ويبدو جامع شاهين الخلوتى واضحا على الجبل المقطم. 26- الباب الخارجى لمسجد عمر بن الفارض بالأبجية.

صحن مسجد عمر بن الفارض، وتظهر فى الصورة القبة التى تحتها ضريحه، ومدفون بجواره أستاذه محمد البقال. ضريح سلطان العاشقين عمر بن الفارض.

قبر الكمال ابن البارزى بجبانة سيدى جلال بشارع بوابة الجبل [انظر الذيل ص 109] .

مسجد وضريح سيدى جلال الدين السيوطى بجبانة سيدى جلال- وقد حدد على بن جوهر السكرى موقع قبر جلال الدين السيوطى تحديدا واضحا فى كتابه الكوكب السّيّار إلى قبور الأبرار، وهو ينطبق على هذا المكان الذي يقع فى الشمال الشرق من «قبة على نور الدين القرافى» ، بالقرب من مدرسة المسبّح باشا.. وقد قام المرحوم أحمد تيمور باشا بتحقيق موضعه من خلال نصوص تاريخية، وأصدر بذلك كتابا عنوانه «قبر الإمام السيوطى وتحقيق موضعه» نشرته المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1346 هـ. وتوصل فيه إلى تحديد موضعه بالزاوية التى تنسب إليه هنا فى هذا الموضع. [الكوكب السيار، بتحقيق د. محمد عبد الستار ص 35 و 36 حاشية، وص 144- وانظر الذيل ص 109]

باب زاوية السيوطى، وأعلاه رخامة كتب عليها: «هذا مسجد العارف بالله سيدى جلال الدين الأسيوطى رحمه الله» . 34- قبة ضريح الشيخ بدر الدين على القرافى- تلميذ جلال الدين السيوطى [انظر الذيل ص 109] .

مقبرة وخانقاه الأمير قوصون بجبانة سيدى جلال [انظر الذيل ص 110] . واجهة مسجد المسبح باشا بشارع بوابة الجبل بالقرب من مسجد السيدة عائشة

مسجد وضريح الإمام أبى القاسم الشاطبى بجبانة التونسى [انظر مرشد الزوار ص 630- 632] مسجد الإمام أبى القاسم الشاطبى فى سفح المقطم، تغطى الأشجار واجهته، وتظهر فى الصورة سكة حديد المحاجر. منظر جانبى لمسجد الشاطبى، والقبة التى تحتها ضريحه.

الواجهة الخارجية للمسجد، وأعلى باب المسجد لوحة رخامية تذكارية. باب ضريح الإمام أبى القاسم الشاطبى بداخل مسجده، وتعلو الباب رخامة عليها كتابة تاريخية مثل التى على باب المسجد.

ضريح الإمام القاسم بن فيّره الرّعينى إمام القراء فى عصره، وقد توفى سنة 590 هـ ودفن بتربة القاضى الفاضل. مسجد السادة الوفائية بسفح المقطم وما به من الأضرحة [انظر الذيل من ص 39- 67] مسجد السادة الوفائية فى سفح المقطم، وتظهر فى الصورة مئذنة المسجد والبوابة الرئيسية التى تؤدي إليه.

رخامة تذكارية تعلو البوابة المؤدية إلى المسجد، ويظهر فى الصورة الباب الخارجى للمسجد. منظر داخلى لمسجد الوفائية وما به من مقصورات تضم ذرية آل الوفا وغيرهم ... وتبدو فى الصورة- على يمين الداخل- المقصورة الكبيرة لضريح القطب الكبير محمد وفا، وابنه على وفا تتوسط الجامع.

باب مقصورة ضريح سيدى محمد وفا، وعلى وفا. ضريح محمد وفا وعلى وفا داخل المقصورة، وقد كسى الضريح بكسوة كتبت عليها عبارات من أورادهما.

منظر لبعض المقصورات التى بمسجد السادة الوفائية، والتى تضم أضرحتهم. أحد الأبواب التى كانت توصل للمساكن على اليمين، ومكتوب على عارضته «ما شاء الله، لا قوة إلّا بالله» ، وبجواره باب لخلوة من الخلوات الثلاث بالمسجد، مكتوب على عارضته «اللهم هب لنا الخلوة معك، والعزلة عمّا سواك» ، وهى لشيخ السجادة.

باب ثان لخلوة ثانية بالمسجد، مكتوب على عارضته «الله نور السماوات والأرض» ، وبجواره- على اليسار بجوار المنبر- باب لخلوة ثالثة، مكتوب على عارضته «ربّ افتح يا فتاح» . وقد تهدمت هذه الخلاوى من الداخل، ولم يبق منها سوى أبوابها. ضريح شمس الدين محمد اللبّان المتوفى سنة 749 هـ والمعروف بالرازى [انظر الذيل ص 95- 99] الباب الخارجى لضريح شمس الدين الرازى، وقد كتب أعلاه: «هذا مقام العارف بالله سيدى فخر الدين الرازى» وقوله «فخر الدين» خطأ، والصواب «شمس الدين» - وتظهر فى الصورة القبة الصغيرة التى تحتها الضريح.

حجرة وضريح العارف بالله شمس الدين الرازى بجبانة التونسى. ضريح الشيخ أبى السعود بن أبى العشائر بسفح المقطم [انظر الذيل ص 69- 76] واجهة ضريح سيدى أبى السعود بن أبى العشائر- بجوار مسجد السادات الوفائية- وقد دفن عند باب ضريحه عدد من تلاميذه ومريديه ومن أولياء الله الصالحين.

ضريح سيدى أبى السعود من الداخل، وقد وصل إلى حالة سيئة بعد أن دثرت الزاوية ولم يبق من مبانيها غير بابها والحائط الشمالى الشرقى، والحائط الذي به المحراب، وشغل المكان كله الآن بالمقابر. محراب ضريح سيدى أبى السعود.

صورة لأحد جدران الحجرة المربعة (الزاوية) التى تضم ضريح سيدى أبى السعود من الخارج. منظر خلفى لأحد عقود ضريح سيدى أبى السعود بسفح المقطم.

ضريح محمد بن سيد الناس- المتوفى سنة 734 هـ- صاحب السيرة النبوية [انظر الذيل ص 37، 38] الواجهة الخارجية لضريح محمد بن سيد الناس- وتبدو فى الصورة مئذنة مسجد ابن عطاء الله السكندرى. ضريح ابن سيد الناس وأمامه المحراب- بجوار مقام عبد الله بن أبى جمرة من الجهة البحرية.

ضريح وقبة عبد الله بن أبى جمرة العالم المالكى الكبير بجبانة التونسى- أمام مسجد ابن عطاء الله [انظر الذيل ص 35، 36] القبة التى تحتها ضريح العالم الكبير الإمام عبد الله بن أبى جمرة المتوفى سنة 699 هـ. ويبدو فى الصورة- على اليمن- سور ضريح محمد بن سيد الناس. ضريح شيخ الشيوخ، العالم الحنفى الكبير كمال الدين بن الهمام المتوفى سنة 861 هـ بجوار ضريح ابن عطاء الله [انظر الذيل ص 31- 34] قبة ضريح العالم الزاهد سيدى كمال الدين بن الهمام، وتبد فى الصورة أسوار مسجد ابن عطاء الله السكندرى.

الباب الخارجى لضريح وحيد دهره، صاحب المصنفات الفريدة كمال الدين بن الهمام، وينزل إليه بعدة درجات. مسجد وضريح العالم الزاهد، صاحب الإشارات والكرامات أحمد بن عطاء الله السكندرى بسفح المقطم [انظر الذيل ص 12- 22] الطريق المؤدى إلى مسجد أحمد بن عطاء الله السكندرى بجبانة التونسى ... وتبدو فى الصورة مئذنة المسجد وبعض الأشجار التى تغطى أحد جوانبه.

مسجد العارف بالله تعالى ابن عطاء الله فى سفح المقطم، وأمامه حوش عبد الله بن أبى جمرة، وبه محراب صغير، أمامه إحدى السيدات، يطلق عليه «خلوة السيدة نفيسة» . محراب مسجد ابن عطاء الله.

باب حجرة ضريح سيدى أحمد بن عطاء الله السكندرى الذي يفصل المسجد عن الضريح. ضريح المتصوف الكبير، صاحب الحكم الشهيرة، العالم الزاهد سيدى أحمد بن عطاء الله السكندرى، المتوفى سنة 709 هـ.

الحوش الملاصق لمسجد ابن عطاء الله السكندرى، ويضم رفات عدد كبير من أولياء الله الصالحين، والعلماء، والأشراف، والقرّاء، والفقهاء، والمحدّثين الذين كانوا بحومة ابن عطاء الله، وتم نقلهم إليه عند بناء المسجد الحالى. تربة قاضى القضاة تقي الدين بن دقيق العيد بالجبانة الكبرى- بجوار مسجد ابن عطاء الله السكندرى [انظر الذيل ص 23- 30] . تربة العالم الورع التّقىّ، القاضى ابن دقيق العيد، المتوفى سنة 702 هـ، بجبانة التونسى، وأمام ضريحه محراب صغير.

ضريح قاضى القضاة وسلطان العلماء العز بن عبد السلام بالقرافة الكبرى بسفح المقطم- بجوار المجزر الآلى بالبساتين. [انظر الذيل ص 5- 11] . واجهة ضريح العز بن عبد السلام من الخارج، وهو- كما ترى- بحالة يرثى لها ولا تتناسب مع مكانة صاحبه الجليلة. ضريح العز بن عبد السلام وما آل إليه!! (صورة مهداة لهيئة الآثار ووزارة الأوقاف) .

محرابان من خمسة محاريب كانت بضريح العز بن عبد السلام، وقد تهدمت القبة التى كانت تغطى الضريح. 92- الجانب الأيمن لضريح العز بن عبد السلام من الخارج.

- صورة للجانب الأيسر من ضريح صاحب الشخصية الفذة التى لم تخش فى الله لومة لائم، قاضى القضاة العز بن عبد السلام، المتوفى سنة 660 هـ، ولا تعليق لنا على ذلك، فالصورة أبلغ من كل قول. مسجد وضريح أبى المواهب الشاذلى التونسى، المتوفى سنة 882 هـ[انظر الذيل ص 83- 94] مسجد القطب الكبير أبى المواهب التونسى- وقد أنشئ حديثا- وبجواره القبة التى تحتها ضريحه.

قبة وضريح سيدى أبى المواهب الشاذلى التونسى من الخارج، وتظهر فى الصورة نوافذ الحجرة التى تضم ضريحه. ضريح العارف بالله أبى المواهب الشاذلى التونسى، الذي سمّيت الجبانة باسمه.

بقايا زاوية يوسف العجمى الكورانى بسفح المقطم- بجوار ضريح التونسى [انظر الذيل ص 100- 103] . هذا الإيوان يمثل جزءا من زاوية سيدى يوسف العجمى الكورانى، والتى تعدّ أحد الآثار الإسلامية المهمة التى ترجع إلى العصر المملوكى، وقد أهملت حتى صارت كما ترى.

صورة لأحد جوانب الإيوان من الخارج، ويظهر فيها كوبرى «التونسى» الذي استدعى إنشاؤه نقل كثير من المدافن التى كانت فى هذه الحومة، ومن المعروف أن هذه الزاوية كان بها ضريح سيدى يوسف العجمى، والتربة التى كانت تضم جماعته وأولاده، وبعض مشايخ الأعاجم، وقد دثر ذلك كله الآن.

صورة داخلية للجانب الأيسر من الإيوان، وقد جعل منه الأهالى «مصلّى» تؤدّى فيه الفرائض. هذا الجزء هو امتداد لزاوية مربى المريدين، وقدوة العارفين سيدى يوسف العجمى، وبه أكثر من محراب حجبته الماسورة الملقاة بجواره، وفى الجانب الأيمن قام بعض الأهالى بالبناء عليه. وتظهر فى الصورة المدارس التى أقيمت حديثا فى هذه البقعة من الجبانة وزحف العمران على المنطقة.

صورة أماميه لإيوان القبلة المتبقى من زاوية سيدى يوسف العجمى، وقد تهدّم جدار القبلة وقام أهالى المنطقة بإعادة بناء جزء من قطاعه السفلى حديثا لتأدية الصلاة بداخله. مسجد وضريح سيدى يوسف العجمى بدار السلام [انظر الذيل ص 100- حاشية] مسجد يوسف العجمى بدار السلام، وقد اكتنفته المساكن من كل جهة.

مقام سيدى يوسف العجمى بدار السلام، بجوار المسجد المسمى باسمه. مسجد السادة الخلوتية بسفح المقطم وبه ضريح العارف بالله الشيخ محمد سليمان الخلوتى (متأخر الوفاة) . مسجد السادة الخلوتية من المساجد المنشأة حديثا بسفح المقطم، بجوار السادة الوفائية وسيدى أبى السعود، والشاطبى.

باب مسجد السادة الخلوتية. باب ضريح الشيخ محمد سليمان (متأخر الوفاة) .

مسجد وضريح السيدة نفيسة بنت حسن الأنور رضى الله عنها [انظر المرشد ص 159- 192] مسجد السيدة نفيسة بالقاهرة.

116- الواجهة الرئيسية لجامع السيدة نفيسة- قبل التجديد الحالى.

مقصورة السيدة نفيسة، رضى الله عنها.

مسجد وضريح «الست جوهرة» بجبانة السيدة نفيسة [انظر الذيل ص 108] . المسجد الذي يضم ضريح السيدة جوهرة، خادمة السيدة نفيسة، وبه ضريح سيدى محمد البرمونى، بالقرب من المشهد النفيسى. باب مقصورة السيدة جوهرة وسيدى محمد البرمونى.

ضريح السيدة جوهرة، وبجواره ضريح سيدى محمد البرمونى على اليسار. قبة وضريح أبى القاسم المراغى- المعروف بموفى الدين [انظر الذيل ص 108] . القبة التى تحتها ضريح أبى القاسم المراغى، المعروف بموفى الدين، بجوار المشهد النفيسى، ومشهد الخلفاء العباسيين، والسيدة جوهرة.

مشهد الخلفاء العباسيين، وهم الذين أتوا إلى مصر كرمز روحى يستمد منه سلاطين المماليك صفة شرعية يؤيدون به استيلاءهم على السلطنة، منذ عهد الظاهر بيبرس إلى أن استولى سليم الأول العثمانى على مصر فأصبح هو الخليفة والسلطان. قبة مشهد الخلفاء العباسيين، خلف المشهد النفيسى.

تابوت بقية الخلفاء العباسيين.

مجموعة توابيت ومحراب بقبة الأشراف من بنى العباس الذين يربطهم نسب شريف بآل البيت (صورة قديمة) .

مسجد السادات المالكية بجبانة السيدة نفيسة، وما به من الأضرحة [انظر المرشد ص 425- 438.. وانظر الذيل ص 108] . مسجد السادة المالكية بجبانة السيدة نفيسة بعد سور مجرى العيون بقليل فى اتجاه الإمام الشافعى. الباب الخارجى للمسجد.

اللوحة الرخامية التى على باب المسجد. مقام وضريح الإمام أشهب بن عبد العزيز وولده محمد، وبجواره مقام الإمام محمد بن مرزوق التلمسانى داخل مسجد السادة المالكية.

ضريح الإمام أصبغ بن الفرج، وبجواره ضريح الإمام عبد الرحمن بن القاسم بالمسجد. مقام الإمام يحيى ليثى الأندلسى، راوى الموطا عن الإمام مالك.

بعض الأضرحة الأخرى بالمسجد وعليها أسماء أصحابها من أعلام أئمة المالكية. قبر الفقيه الزاهد القاضى عبد الوهاب البغدادى بمدفن «أودة باشا» بجبانة السيدة نفيسة بالقرب من مشهد السادة المالكية [وانظر المرشد ص 456- 464] . الواجهة الخارجية لمدفن «أودة باشا» بشارع السيدة نفيسة، وبداخله قبر الفقيه الزاهد عبد الوهاب البغدادى.

ضريح الإمام الفقيه عبد الوهاب البغدادى بحوش «أودة باشا» بجبانة السيدة نفيسة. مسجد وضريح السيدة عائشة المتوفاة سنة 145 هـ وهى بنت جعفر الصادق، وأخت يحيى المؤتمن زوج السيدة نفيسة، وأخت الإمام موسى الكاظم. ومتّفق على دخولها مصر، وقد أكد السخاوى وأحمد زكى باشا وكثير من العلماء وجودها فى مقرها هذا بمصر. مسجد السيدة عائشة رضى الله عنها عند بداية الطريق الموصل إلى جبل المقطم، وقد جدده الأمير عبد الرحمن كتخدا سنة 1176 هـ.

ضريح السيدة عائشة داخل المقصورة النحاسية التى كانت على ضريح السيدة زينب بنت علىّ رضى الله عنها، قبل إهداء المقصورة الفضية الموجودة الآن على قبرها من طائفة البهرة أحفاد الفاطميين بالهند.

145- باب السيدة عائشة القديم، وكان يعرف بباب القرافة، وذلك عندما أحاط صلاح الدين الأيوبى عواصم مصر الإسلامية الأربع: الفسطاط، والعسكر، والقطائع، والقاهرة بسور واحد حتى يحصن البلاد من هجمات الصليبيين، ففصل هذا السور- سور مجرى العيون- قبة السيدة عائشة عن باقى القرافة، فرأى صلاح الدين أن يقيم مدرسة بجانب القبة، كما أنه فتح فى السور بابا سمّاه «باب السيدة عائشة» ، وهو المعروف بباب القرافة [انظر مساجد مصر لسعاد ماهر ج 1 ص 108] .

باب القرافة الآن أمام مسجد السيدة عائشة بشارع القادرية، وهو يؤدى إلى الإمام الشافعى، والإمام الليث، وسيدى عقبة بن عامر.. ويظهر فى الصورة سور مجرى العيون، وأمامه كوبرى السيدة عائشة. بقايا تربة «تمر باى» الحسينى بأول شارع القادرية عند سور مجرى العيون بالسيدة عائشة. [انظر الذيل ص 109] . منظر عام لتربة تمر باى الحسينى.

واجهة تربة تمر باى. ضريح الشيخ ضيف الخلوتى بشارع الأقدام المتفرع من شارع القادرية [انظر الذيل ص 109] . واجهة ضريح الشيخ إسماعيل ضيف (متأخر الوفاة) .

مسجد وضريح الشيخ «علىّ» بشارع القادرية، و «علىّ» بالتصغير، اسم حرّفه العامة من «عدى» ، وهو عدى بن أبى البركات، الشهير بزين الدين بن يوسف. واجهة مسجد «علىّ» أو «عدى» بن أبى البركات بشارع القادرية، وينزل إليه بعدة درجات. الباب الخارجى لضريح سيدى «علىّ» داخل مسجده، ويبدو الضريح واضحا فى الصورة.

تربة مصطفى باشا النشار حاكم اليمن، وبها ضريح (أبونا يوسف) . [انظر الذيل ص 109] . واجهة تربة مصطفى باشا النشار بشارع القادرية- بجوار تربة جانى بك. (صورة حديثة) . الواجهة الشرقية لمدفن مصطفى باشا النشار، وبه ضريح أبونا يوسف (صورة قديمة) .

مدفن وتربة «جانى بك» حاكم جدة، وقد نالت منه يد الزمن [انظر الذيل ص 109] . الواجهة الخارجية لتربة جانى بك نائب جدة بشارع القادرية (صورة قديمة) .

التصدعات التى أصابت المدفن

قبة الدكرورى (ضريح الشيخ عمر التكرورى) بشارع الإمام الشافعى [انظر الذيل ص 109] . قبة ضريح الشيخ عمر التكرورى بشارع الإمام الشافعى.

ضريح ابن وقيع شيخ مقرأة الإمام الشافعى بشارع الإمام الشافعى [انظر الذيل ص 109] . باب ضريح ابن وقيع من الخارج (الواجهة) . 168- ضريح ابن وقيع، ويطلق عليه العامة- خطأ- الإمام «وكيع» شيخ الشافعى، يعنون الإمام وكيع بن الجرّاح محدّث العراق فى عصره، وهذا الإمام الورع توفى بفيد- منزل بطريق مكة- سنة 197 هـ وهو راجع من الحج.

ضريح الإمام إسماعيل المزنّى صاحب الإمام الشافعى- خلف مدرسة الإمامين، بداخل حوش يعرف بحوش رضوان أغا، ويعرف أيضا بحوش المزنى بالإمام الشافعى [انظر المرشد ص 505- 513] . بوابة حوش الإمام إسماعيل المزنى من الخارج. السور الخارجى لحوش المزنى، وتبدو فى الصورة القبة التى تحتها ضريحه.

ضريح الإمام إسماعيل المزنى (المنظر الرابع) لشاهد الضريح وقد كتب عليه: «بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلّا الله، محمد رسول الله، كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، مقام سيدى إسماعيل المزنى» .

ضريح الإمام ورش المدنى قارئ مصر، وإمام القراء فى عصره، والمتوفى سنة 197 هـ. [انظر المرشد ص 500- 502] . 176- باب الحوش الذي به تربة الإمام ورش بمدفن عبد الفتاح بك محرم، وهو يقع على شارعى الفارسى، وابن حبيش، فى اتجاه شارع ابن الجباس المحدود من الجهة البحرية بمدفن موسى باشا غالب.

مسجد الإمام الشافعى محمد بن إدريس، إمام الأئمة، وناصر الكتاب والسّنّة، المتوفى سنة 204 هـ. [انظر المرشد ص 483- 496] . مسجد الإمام الشافعى الذي كان موضع رعاية ملوك مصر وأمرائها منذ إنشائه إلى الآن، وهو لا يزال بالصورة التى جدّده بها الخديوى توفيق سنة 1309 هـ.

منظر جانبى لإحدى واجهات مسجد الإمام الشافعى، وهى مبنية بالحجر، وحلّيت أعتاب الشبابيك بكتابات كوفية.

مئذنة مسجد الإمام الشافعى التى تماثل المنارات المملوكية.

قبة الإمام الشافعى من الخارج، ويظهر فوقها العشارى (المركب الصغير) مثبتا فى هلال القبة.. قيل: كانت توضع فيه الحبوب للطيور عن طريق سلسلة موصلة إليه.. وقيل: إنه وضع فوق القبة للدلالة على أن الشافعى بحر العلوم. منظر ثان لقبة الشافعى التى أمر بإنشائها الملك الكامل سنة 608 هـ، وهى تعد من أكبر وأجمل القباب فى مصر من حيث زخرفتها ونقوشها الداخلية.

الباب المؤدى إلى قبة الشافعى، وبداخله ضريح الإمام الشافعى، ومقصورة أم السلطان الكامل (زوجة صلاح الدين الأيوبى) ، ومقصورة السلطان الكامل، ومقصورة الإمام محمد بن عبد الحكم. وقد دفن حوله جماعة من بنى عبد الرحمن بن عوف الزهرى، ونجم الدين موفق الخبوشانى، وشيخ الإسلام زكريا الأنصارى، وغيرهم.

ضريح الإمام الشافعى، وهو يعد من أكبر أضرحة مصر، يقصده الزائرون للتبرك بهذا الإمام العظيم.. وقد ظهر فى الصورة- أمام المقصورة- عمود من الرخام عليه كتابة تاريخية عند الرأس، وهناك عمود آخر مثله عند قدميه.

صورة لأحد المحاريب الثلاثة التى بقية الشافعى رضى الله عنه، وقد ظهر فيها روعة الزخرفة الإسلامية.

ضريح ومدرسة السادات الثعالبة بجبانة الإمام الشافعى [انظر الذيل ص 110] واجهة المدخل الرئيسى لضريح إسماعيل بن حصن الدين ثعلب، ومدرسة السادة الثعالبة (منظر قديم) .

إيوان القبلة لمشهد السادات الثعالبة من الخارج. مشهد السادات الثعالبة بالإيوان القبلى.. والثعالبة ينتمون إلى جعفر بن أبى طالب الهاشمى القرشى، فهم من آل البيت، ولذا أطلق عليهم لقب «السادات» و «الأشراف» .

باب واجهة ضريح ومدرسة السادات الثعالبة من الداخل- وهذه المدرسة كانت موقوفة على فقهاء الشافعية، وكان صاحبها أبو منصور إسماعيل بن حصن الدين ثعلب من كبار أمراء الدولة الأيوبية، وقد عيّنه الملك العادل أميرا للحج والزائرين.

إحدى اللوحات التذكارية على واجهة مدرسة السادة الثعالبة. سجل عليها أمين الحاج والحرمين إسماعيل بن حصن الدين ثعلب الأمر بإنشاء هذه التربة المباركة لنفسه.

أضرحة متعددة بجبانة الإمام الشافعى والليث [انظر الذيل ص 110 و 111] . الباب الخارجى المؤدى إلى ضريح الشيخ محمد عبد الفتاح أبى النجا، خطيب مسجد الإمام الشافعى. الباب الخارجى لضريح الشيخ عليان- أحد علماء الأزهر- وهو بجوار مدفن الشيخ محمد عبد الفتاح أبى النجا.

ضريح كتب على رخامة بالحائط المجاور له أنه لأبى ذرّ الغفارى، وهذا غير صحيح، فأبوذر مدفون بالرّبذة- من قرى المدينة- وربما يكون هذا القبر لأحد صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قبيلة غفار غير أبى ذر المذكور، وربما كان من مشاهد الرؤيا، وهو يزار بحسن النية. قبر آخر بجوار القبر المذكور آنفا مكتوب عليه بعد البسملة: «هذا قبر سيدى على الحمّار» ، وقد أهملته كتب المزارات ولم تذكر شيئا عنه.

ضريح أبى الظهور الأحمدى، من أصحاب السيد أحمد البدوى، وكتب على ضريحه أنه كشف ضريح مولانا الإمام الشافعى.

ضريح فاطمة العيناء بنت القاسم الطيب بجبانة الإمام الشافعى والليث [انظر المرشد ص 361، والذيل ص 110] . - ضريح وقبة فاطمة العيناء، شرقى مسجد الشافعى (بجوار ضريح القاسم الطيب، وكلثم- أو كلثوم- ويحيى الشبيه) وقد نقل إلى هذا الضريح عدد من الأشراف الحسنيين، والأئمة، والصالحين.

شباك ضريح فاطمة العيناء من الخارج، وتعلوه رخامة مكتوب عليها: هذا مقام كريمة الآباء ... من لقّبت يا صاح بالعيناء تدعى بفاطمة غدث منسوبة ... للمصطفى المخصوص بالإسراء قد سمّيت عيناء لمّا أن بدا ... فى عينها شبه من الزّهراء بشرى لزائر قبرها فلقد سما ... بمودّة القربى إلى العلياء فانزل بساحتها وقف متضرعا ... واطلب من المولى قبول دعاء وتحت هذه الأبيات كتب نسبها الشريف هكذا: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا مشهد السيدة الشريفة، الطاهرة العفيفة، السيدة فاطمة العيناء بنت القاسم الطيب بن محمد المأمون بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين ابن الإمام الحسين بن علىّ بن أبى طالب» .

ضريح السيدة أم كلثوم بنت القاسم الطيب بطريق الإمام الليث، أمام مشهد أبيها القاسم الطيب وأخيها يحيى الشبيه وقريبا من مشهد أختها فاطمة العيناء [انظر المرشد ص 418، والذيل ص 111] . باب ضريح السيدة الشريفة الصّوّامة القوّامة أم كلثوم بنت القاسم الطيب، بحوش المناسترلى، وقد أغلق بعد ترميمه.

مشهد القاسم الطيب بن محمد المأمون بن جعفر الصادق.. كان من الأشراف الأجواد، ومن عباد الله الصالحين الأخيار، وكان من أحفظ الناس لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد كتبت عنه أربعمائة محبرة، ومناقبة كثيرة [انظر المرشد ص 194- 196 والذيل ص 111] قبة مشهد القاسم الطيب بمدفن عائلة المنزلاوى، بالقرب من مشهد يحيى الشبيه وأم كلثوم وفاطمة العيناء بجبانة الإمام الشافعى والليث. باب ضريح القاسم الطيب داخل مدفن عائلة المنزلاوى وينزل إليه بعدة درجات.

ضريح القاسم الطيب- ويقال له أبو القاسم أيضا- وكان على قبره بيتان من نظم ابن سناء الملك، أثبتهما الموفق بن عثمان فى كتابة «مرشد الزوار» وهما: يا من إذا سأل المقصّر عفوه ... فهو المجيب بفضله لسوّاله مالى سوى فقرى إليك وسيلة ... وتشفّعى بمحمد وبآله ولا وجود لهما الآن.

مشهد السيد يحيى الشبيه بن القاسم الطيب، ومعه جملة من الأشراف والأقربين [انظر المرشد ص 196- 198، والذيل ص 111] . الباب الخارجى والمدخل الرئيسى للمشهد الذي يضم أضرحة يحيى الشبيه وعدد من الأشراف من آل البيت وغيرهم. وقد تم ترميمه حديثا.

قبة يحيى الشبيه ويظهر فى الصورة إيوان السادة الثعالبة قريبا منها، والجبل المقطم.

التوابيت الخمسة الكبيرة بمشهد يحيى الشبيه- وهناك تابوتان صغيران بنفس المشهد.

أحد التوابيت وعليه لوحة تذكارية مكتوبة بالخط الكوفى البسيط.

منظر داخلى لمشهد يحيى الشبيه تظهر فيه الأعمدة والدعائم التى يقوم عليها المشهد.

محراب مشهد يحيى الشبيه. وقد توفى يحيى الشبيه سنة 263 هـ، وفى مشهده كتب ابن سناء الملك: مالى إذا عرض الحساب وسيله ... أنجو بها من هول يوم الموعد إلّا اعترافى بالذنوب وإننى ... متمسك بولاء آل محمّد

مسجد وضريح الإمام الليث بن سعد الفهمى إمام مصر وعالمها وفقيهها، وصاحب الإمام مالك، وقد قال فيه الإمام الشافعى: ما فاتنى شيء أشدّ علىّ من ابن أبى ذئب، والليث بن سعد، وقال: الليث أفقه من مالك إلّا أن أصحابه لم يقوموا به. وقال عبد الله بن وهب: لولا مالك والليث لضلّ الناس. وقد أدرك الليث رضى الله عنه نيفا وخمسين من التابعين، قال ذلك أبو الحسن الواسطى [انظر المرشد ص 408- 418، والذيل ص 111] . واجهة مسجد الإمام الليث.

باب مسجد الإمام الليث (باب السلطان الغورى 911 هـ)

منارة مسجد الإمام الليث التى أقامها الأمير يشبك بن مهدى سنة 884 هـ.

باب ضريح الإمام الليث.

المقصورة التى بها ضريح الإمام الليث بن سعد الفهمى.

باب ضريح الإمام شعيب ابن الإمام الليث.

ضريح الإمام شعيب داخل المقصورة الخشبية بغرفة جانبية على يسار الداخل إلى مسجد الإمام الليث.

كرسى السورة بمسجد الليث. محراب القبلة بمسجد الإمام الليث.

محراب القبلة بضريح الإمام الليث.

قبر العالم الزاهد، والقاضى الورع بكار بن قتيبة الذي ولى القضاء على مصر من قبل «المتوكل» الخليفة العباسى سنة 246 هـ. وتوفى بمصر سنة 270 هـ، ودفن بالقرب من جامع سيدى عقبة بن عامر الجهنى بجبانة الإمام الليث، ومنذ ما يقرب من عشرين سنة تدهور الحال بضريحه إلى أن وصل إلى حالة سيئة، فتهدمت جدرانه وكادت أن تتلاشى معالمه، فتم نقل رفاته من هذا الضريح إلى تربة بحوش عبد الحميد بك إبراهيم الدسوقى بالقرب من مسجد الإمام الشافعى [وانظر المرشد ص 214- 229] هذا هو حوش عبد الحميد بك إبراهيم الدسوقى الذي تم نقل رفات القاضى بكار إلى تربة بداخله، وهو يقع بشارع السيدة نفيسة المتفرع من شارع الإمام الليث، بالقرب من مسجد الإمام الشافعى.

واجهة الحوش الذي تم نقل رفات القاضى بكّار إليه. هذا هو القبر الذي نقل إليه رفات القاضى بكار بحوش عبد الحميد بك، ويبدو فى الصورة مدى ما وصل إليه من إهمال لا يليق بمكانة صاحبه، ولا يليق بنا- نحن المسلمين- فقد أمرنا ديننا أن نحترم الموتى، ونكرم عظامهم ورفاتهم، بجانب زيارتنا لهم، وترحّمنا عليهم، وهذا من حقهم علينا، وواجب علينا أن نراعى هذا، فغدا سنصير إلى ما صاروا إليه.

حوش الإمام أبى جعفر الطحاوى (المتوفى سنة 321 هـ) بشارع الإمام الليث [انظر المرشد ص 465- 467] باب الحوش، أو الزاوية التى كان الطحاوى منقطعا فيها للعبادة، وكانت فى الأصل تربة قديمة لبنى الأشعث، وهم جماعة من التابعين منهم من شهد فتح مصر.. وفى هذا الحوش جماعة من الصالحين من بنى الأشعث، منهم الشيخ الصالح عمر بن الحسين بن على بن الأشعث وهو من أعيان العلماء وبجانبه تربة أخيه عبد الله بن الحسين، وحوله جماعة من ذريته.

قبة ضريح الإمام الطحاوى بزاويته- وقد أعيد بناء هذه الزاوية فى العصر العثمانى، فى عهد والى مصر حمزة باشا فى سنة 1098 هـ. ضريح «فاطمة حسن الأنور» بجوار بوابة سيدى عقبة بن عامر. وهى (سيدة من الصالحات)

مسجد وضريح الصحابى الجليل عقبة بن عامر الجهنى [انظر المرشد ص 144- 147] البوابة الخارجية التى تؤدى إلى مسجد سيدى عقبة بن عامر. الباب الخارجى بواجهة مسجد سيدى عقبة بن عامر.

مسجد عقبة بن عامر من الحوش الملاصق له، وقد أنشأ صلاح الدين الأيوبى قبة على قبر عقبة بن عامر بعد أن هدم البناء الذي كان مقاما على مقبرته، وكان هذا القبر محل عناية ملوك مصر وحكامها على مر التاريخ.. وقد أنشأ الوزير محمد باشا أبو النور السلحدار هذا المسجد سنة 1063 هـ تقريبا، وأنشأ بجواره زاوية جعلها مكتبا لتعليم اليتامى القراءة والكتابة وحفظ القرآن. وأوقف عليه أوقافا كثيرة.

الباب الداخلى لمسجد سيدى عقبة، وعلى اليمين شباك الضريح. باب المقصورة التى بها ضريح سيدى عقبة ومعه أبو بصرة الغفارى، وعمرو بن العاص، كما رواه حرملة التجيبى عن الشافعى رضى الله عنه.

ضريح ذى النون المصري المتوفى سنة 245 هـ. ومعه رابعة العدوية المصرية ومحمد بن الحنفية- وضريح عثمان الزيلعى [انظر المرشد ص 377- 387، والذيل ص 111] المسجد الذي يضم ضريح ذى النون المصرى، ومحمد بن الحنفية، ورابعة العدوية المصرية، وبجواره من اليمين ضريح الشيخ فخر الدين عثمان الزيلعى شارح كتاب الكنز فى فقه الحنفية، والمتوفى سنة 743 هـ.

باب ضريح العلّامة فخر الدين عثمان الزيلعى، وبجوار الباب لوحة تذكارية مكتوب عليها: «هذا قبر العالم العلّامة الشيخ عثمان الزيلعى شارح الكنز الصوفى، قدم فى القاهرة سنة 705 هـ، فدرّس وأفتى، وكان مشهورا بالفقه، وسائر العلوم. وزيلع قرية بناحية الحبشة، توفى فى رمضان سنة 743 هـ» .

باب المسجد الذي يضم ضريح الشيخ الصالح الزاهد أبى الفيض ذى النون المصرى- بجوار ضريح الصحابى عقبة بن عامر. شاهد ضريح ذى النون المصرى، وبجواره محمد بن الحنفية (رجل من الصالحين) .

ضريح رابعة العدوية المصرية (وهو من مشاهد الرؤيا) . ضريح الإمام الصوفى، والمحدّث الجليل، صاحب المناقب المشهورة محمد بن إبراهيم بن أحمد، المتوفى سنة 622 هـ، والمعروف بالفخر الفارسى [انظر المرشد ص 395 و 396- والذيل ص 111] . باب تربة العالم الزاهد الفخر الفارسى من الخارج.

تربة الفخر الفارسى، وكانت معبد- أو مسجد- ذى النون المصرى.

شاهد الفخر الفارسى.

مشهد السادة الأشراف آل طباطبا بقرافة الإمام الشافعى والإمام الليث، على بعد 230 مترا من شمال عين الصيرة، ويطلق عليهم «الأطباء السبعة- أو السادة الأطباء» ، وهو مشهد عظيم مبارك، يضم طائفة من بنى طباطبا الذين ينتسبون إلى الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه، وقد ذكرهم ابن عثمان فى مرشد الزوار وذكر مآثرهم ومحاسنهم، وذكر من دفن من ذكورهم وإنائهم بهذا المشهد، كما ذكر بعض الصالحين المحبين لآل البيت الطاهرين ممن دفن بهذا المشهد، ومنهم العبد الصالح فرج. وهذا المشهد يضم أيضا قبور طائفة من العلماء والعبّاد والزاهدين، منهم ابن زولاق المؤرخ المصرى المتوفى سنة 387 هـ. والقاضى أبو الطاهر محمد أحمد المتوفى سنة 369 هـ وكان يعرف بابن نصير، وكان إماما، زاهدا، عابدا، شديدا فى الحق، قال عنه المعز لدين الله فى حياته: هكذا الزهاد، وهكذا الزهد. ولما مات قال عنه: رفع الزهد من بعده ... [انظر المرشد ص 235- 259] . البوابة الخارجية لمشهد آل طباطبا بعين الصيرة.

مشهد آل طباطبا من الداخل وتبدو فى الصورة المياه الجوفية بصورة تثير الأسى والحسرة فى النفوس التى تحترم وتقدّر آل بيت النبوة، وتعرف منزلة أولياء الله الصالحين، وذلك لما آل إليه هذا المشهد المبارك من إهمال من المسئولين عنه من هيئة الآثار وغيرها. دعائم المسجد القديم بمشهد آل طباطبا.

البوابة الخارجية التى تؤدى إلى الحجرات الداخلية التى بها مقابر آل طباطبا، وقد أثرت المياه الجوفية فى جدرانها. الحجرات الداخلية المستطيلة وبها قبور آل طباطبا، وقبور أهل العلم والصلاح.

جانب من الحجرات وفيه ضريح إحدى إناث طباطبا (السيدة صفية) . منظر ثان لقبور آل طباطبا، وقد كتب على الشاهد العلوى للمقبرة التى على اليسار: «هذا قبر المرحوم محمد الحاكم بأمر الله، توفى يوم الاثنين شهر ربيع الثانى، سنة إحدى وستين وثلاثمائة.

مقبرة على يمين الداخل من الباب الرئيسى للحجرات يقال إنها لإبراهيم حسن طباطبا.

منظر داخلى وترى فيه قبور آل طباطبا تحيط بها المياه الجوفية من كل جانب- وعلى اليمن قبر سيدى أبى القاسم، وعليه- على الحائط الملاصق له- رخامة تذكارية مكتوب عليها: «هذا مقام سيدى أبى القاسم أحمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن بن الحسن ابن على بن أبى طالب، توفى سنة 345 هجرية» .. وكان نقيب الطالبيين بمصر، ومن أكبر رؤسائها وكرمائها، قال عنه ابن زولاق: لم ير فى الأشراف الذين نزلوا إلى الديار المصرية من الحجاز وغيره من البلاد أكثر شفقة وسعيا فى حاجات الناس منه.

وهذا هو قبر على بن الحسن على يمين الداخل إلى الصالة الداخلية التى تحوى عددا من الأضرحة، وقد كتب نسبه على رخامة تذكارية أعلى هذا القبر، ونصها مايلى: «سيدى على بن حسن ابن إبراهيم طباطبا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن المثنى ابن الحسن السبط بن على بن أبى طالب، نقل سنة 355 هـ» . وكانت له نقابة الأشراف بمصر، وكانت وفاته سنة 280 هـ.

مشهد الإمام زيد بن على زين العابدين قال الكندى: قدم برأس زيد بن علىّ يوم الأحد، لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة 122 هـ، وبنوا عليه هذا المشهد. [انظر المرشد ص 199] باب مسجد زيد بن على زين العابدين- بقرافة زين العابدين- وقد كتب على أعلى واجهة باب المسجد: «هذا مسجد ومقام سيدى على زين العابدين ابن مولانا الإمام الحسين رضى الله عنهما» . والثابت تاريخيّا أن عليّا زين العابدين مدفون بالبقيع فى المدينة المنورة. وهذا المشهد لزيد ابنه، وإن كان البعض يرى أن جسده- أى عليا زين العابدين- نقل إلى القاهرة بعد وفاته، والبعض الآخر يرى أن قبره فى مصر من أضرحة الرؤيا، ولكن الصحيح هو ما أثبته التاريخ مما قدمناه هنا.

باب المقصورة التى بها ضريح زيد بن على زين العابدين بداخل المسجد وأعلى الباب لوحة تذكارية. مقصورة وضريح زيد بن على زين العابدين. التى تحوى الرأس الشريف للإمام زيد بعد استشهاده بالكوفة وحرق جثته، وقد طيف بالرأس الشريف، وجىء به إلى مصر، ونصب على منبر جامع عمرو بن العاص، فسرق ودفن فى هذا الموضع- وقد بنى عليه الفاطميون بعد ذلك هذا المشهد.

مسجد وضريح سيدى حسن الأنور- والد السيدة نفيسة- بمصر القديمة، بجوار سور العيون، قيل عنه: إنه كان من أعيان العلويين وأشرافهم، وكان إماما عالما فقيها، معدودا من التابعين.. وقد تولى إمرة المدينة من قبل المنصور العباسى، ثم تركها، ورحل إلى القاهرة وتوفى بها ودفن فى مسجده المذكور، كما دفن معه فى هذا المسجد ولده السيد زيد الأصفر.. أما والده السيد زيد الأبلج فقد دفن بالحاجر، بين مكة والمدينة. [انظر المرشد ص 156] منظر خارجى لواجهة مسجد سيدى حسن الأنور (بالجبارة- بمصر القديمة) .

مسجد حسن الأنور من الداخل، وتظهر فى الصورة الغرفة التى تضم ضريح الحسن الأنور وولده زيدا الأصغر. مقصورة وضريح سيدى حسن الأنور.

مقصورة سيدى زيد الأصغر بن الحسن، وقد كتب عليها أنها لسيدى زيد الأبلج بن الحسن ابن على.

منظر ثان للمقصورة نفسها والضريح.. وبرغم الخلاف الذي أثير حول دفن زيد الأبلج فى هذه المقصورة، وأنها لزيد بن حسن الأنور، فإن هناك خلافا أيضا أثير حول موت سيدى حسن الأنور بمصر ودفنه بها، وبرغم كل ذلك فإن القطب- عند الصوفية والعارفين- يملأ الكون بوجوده، وتصل إليه الزيارة أيّا كان الموضع الذي دفن فيه. فالروح فى البرزخ- كما يقول العارفون- كمن يسبح فى بحر جار، يطف- أى يظهر- فى أى مكان كان.

مسجد وضريح السيدة رقية بحى الخليفة بالقاهرة هناك اختلاف فى المصادر حول السيدة رقية هذه، هل هى بنت الإمام على بن أبى طالب أو بنت على الرضا بن موسى الكاظم، وهل أمها فاطمة الزهراء، أو الصهباء بنت ربيعة التغلبية- وهى من السّبى الذين أغار عليهم خالد بن الوليد بعين التمر، وكانت من نصيب على ولها منه عمر ورقية- كما جاء ذلك فى المختصر فى أخبار البشر لأبى الفدا- أو أمها أسماء بنت عميس، لقد أجمع المؤرخون أن للإمام علىّ بنتا واحدة من غير فاطمة، وهى بنته من الصهباء التى ذكرناها. وعنها وعن مشهدها بالمكان المذكور هنا يقول الشعرانى فى لطائف المنن- فى الباب العاشر ص 404: « ... وأخبرنى سيدى على الخواص أن رقية بنت الإمام على فى المشهد القريب من جامع دار الخليفة أمير المؤمنين، ومعها جماعة من أهل البيت» . أما الشيخ محمد زكى إبراهيم، رائد العشيرة المحمدية فقد عرّفها فى كتابه «مراقد أهل البيت بالقاهرة» بأنها: «رقية بنت على الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين ابن الإمام الحسين» . وقال: وكثير من الناس يظنونه- أى المشهد- للسيدة رقية بنت على أخت زينب والحسين وهذه دفينة دمشق، ومشهدها معروف هناك. وقيل إن مشهد رقية هذا من مشاهد الرؤيا.. وبرغم كل ما قيل وأثير حول هذا المشهد فلابد أن تكون صاحبته من آل البيت، بل من الثابت أن صاحبته تنتمى لآل البيت يؤكد ذلك اهتمام الخليفة لدين الله الفاطمى به وإقامته القبة الفاطمية عليه سنة 526 هـ، فالفاطميون بالذات- كما يذكر الأستاذ أحمد أبو كف فى كتابه آل بيت النبي فى مصر- كانوا من الحرص بحيث لا يبنون مشهدا على قبر إلّا بعد تأكدهم من أن صاحبه أو صاحبته من آل البيت، ومن سلالة فاطمة الزهراء وعلى بن أبى طالب بالذات. ونحن لو عرفنا أن فى مصر يزيد عدد المشهور من الأضرحة والمشاهد على الألف، فإن اهتمام الفاطميين ببعض هذا الألف- ومنه السيدة رقية- دليل دامغ على أنها فى مصر، وفى هذا الموضع. والله أعلم.

واجهة وباب مسجد السيدة رقية بحى الخليفة وبه ضريحها. مقصورة وضريح السيدة رقية داخل مسجدها.

مشهد السيدة عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشى وهى صحابية وليست عمة الرسول كما هو مكتوب على كسوة ضريحها، وقد تزوجها محمد بن أبى بكر الصديق بعد الزبير بن العوام، ودخلت معه مصر، وماتت فيها بعد مقتله. وهذا المشهد بجوار مشهد السيدة رقية. والجدير بالذكر أن بهذا المشهد- أى مشهد السيدة رقية- طائفة من الأشراف والعلماء، منهم المحقق النسابة اللغوى المحدّث (أبو الفيض محمد المرتضى الزبيدى) الحنفى الشريف الحسينى، ومعه زوجته أم الفضل زبيدة وغيرهما، ويسمى مشهد السيدة رقية ببقيع مصر، لكثرة المدفونين حولها من السلف الصالح [انظر الباب السادس من مراقد أهل البيت بالقاهرة]

وبجوار مشهد عاتكة هذا المشهد، وهو لسيدى على الجعفرى، صوفى جليل من أبناء جعفر الطيار أخى على بن أبى طالب رضى الله عنهم، وقد ترجم له الأزورقانى ووصفه بالصلاح والتقوى وطهارة الأنفاس ويظن البعض- خطا- أنه على بن جعفر الصادق، أى شقيق السيدة عائشة، وحفيد الإمام على زين العابدين، وليس كذلك.

مسجد وضريح السيدة سكينة بنت الإمام الحسين رضى الله عنه بحى الخليفة [انظر المرشد ص 154- 156، وانظر المراجع السابقة] اختلف المؤرخون أيضا فى صحة وجود جثمان السيدة سكينة بالضريح المسمى باسمها بحى الخليفة، وقالوا إنها مدفونه بالمدينة، ويؤكد البعض الآخر أنها مدفونة بهذا المكان ومنهم الإمام الشعرانى الذي يقول ويؤكد أنه لما دخلت السيدة نفيسة مصر كانت عمتها السيدة سكينة- المدفونة قريبا من دار الخلافة- مقيمة بمصر ولها الشهرة العظيمة.. ويذكر البعض أنها قد جاءت إلى مصر مرتين، مرة مع عمتها السيدة زينب، والمرة الثانية حين خطبها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان، فلما وصلت إلى مصر مات الأصبغ- وكان واليا على مصر- فأقامت بمصر حتى لحقت بربها. وعلى أى حال فلا عبرة بالاختلاف فى دفن بعض أهل البيت الذين لهم مزارات بمصر، فإن الأنوار التى على أضرحتهم شاهد صدق على وجودهم بهذه الأمكنة، وهم أهل للتعظيم والتشريف والاحترام أيّا كان موضعهم. وقد دفن بمشهد السيدة سكينة جماعة من الأشراف، منهم إبراهيم بن يحيى بن بللوه النّسّابة، والسيد الشريف حيدرة، ومعه ولده السيد حسن، والسيدة الشريفة زينب بنت الحسن بن إبراهيم بن يحيى وغيرهم رضى الله عنهم وأرضاهم.

مسجد السيدة سكينة بحى الخليفة بالقاهرة، ويرجع تاريخه إلى عهد عبد الرحمن كتخدا سنة 1173 هـ، ثم جددته وزارة الأوقاف فى القرن الثالث عشر الهجرى. الباب الخارجى للواجهة الجنوبية لمسجد السيدة سكينة.

باب ضريح السيدة سكينة بنت الحسين رضى الله عنه. باب المقصورة النحاسية التى بها ضريح السيدة سكينة.

خريطة لبعض المزارات والمعالم الأثرية

فهرس الصور والأشكال

فهرس الصور والأشكال* - مناظر عامة للجبانة الكبرى والصغرى بسفح المقطم (153- 155) - مسجد الجيوشى (155- 156) - مشهد اليسع وروبيل (156- 157) - جامع اللؤلؤة بالمقطم (157- 158) - مسجد شاهين الخلوتى (158) - مسجد وضريح عمر بن الفارض (159- 160) - قبر الكمال ابن البارزى (161) . - مسجد وضريح جلال الدين السيوطى (162- 163) - قبة ضريح الشيخ بدر الدين القرافى (163) . - مقبرة وخانقاه الأمير قوصون (164) . - مسجد المسبح باشا (164) . - مسجد وضريح الإمام الشاطبى (165- 167) . - مسجد السادة الوفائية بسفح المقطم وما به من الأضرحة (167- 171) . - ضريح شمس الدين اللبان (171- 172) . - ضريح أبى السعود بن أبى العشائر (172- 174) . - ضريح محمد بن سيد الناس (175) . - ضريح وقبة عبد الله بن أبى جمرة (176) . - ضريح كمال الدين بن الهمام (176- 177) . - مسجد وضريح أحمد بن عطاء الله السكندرى (177- 180) . - تربة ابن دقيق العيد (180) . - ضريح سلطان العلماء العز بن عبد السلام (181- 183) . - مسجد وضريح التونسى (183 184) . - زاوية يوسف العجمى الكورانى (185- 188) .

- مسجد ومقام يوسف العجمى بدار السلام (188- 189) . - مسجد السادة الخلوتية بسفح المقطم (189- 190) . - مسجد وضريح السيدة نفيسة (191- 193) . - مسجد وضريح الست جوهرة (194- 195) . - قبة وضريح أبى القاسم المراغى (195) . - مشهد الخلفاء العباسيين (196- 198) . - مسجد السادة المالكية وما به من الأضرحة (199- 202) . - ضريح الفقيه عبد الوهاب البغدادى بمدفن أوده باشا (202- 203) . - مسجد وضريح السيدة عائشة (203- 204) . - باب السيدة عائشة (باب القرافة القديم) بشارع القادرية (205- 206) . - تربة تمرباى الحسينى (206- 207) . - ضريح الشيخ إسماعيل ضيف (207) - مسجد وضريح الشيخ علىّ (208) . - تربة مصطفى باشا النشار وبها ضريح أبونا يوسف (209) . - مدفن وتربة جانى بك حاكم جدة (210- 211) . - قبة وضريح الشيخ عمر التكرورى (212) . - ضريح ابن وقيع (213) . - حوش الإمام إسماعيل المزنى وضريحه (214- 215) . - تربة الإمام ورش المدنى (216) . - مسجد الإمام الشافعى وما به من الأضرحة (217- 223) . - مشهد ومدرسة السادة الثعالبة (224- 227) . - ضريح الشيخ أبى النجا (228) . - ضريح الشيخ عليان (228) . - ضريح أحد الصحابة (229) . - قبر على الحمّار (229) . - ضريح أبى الظهور الأحمدى (230) . - ضريح فاطمة العيناء (231- 232) .

-- ضريح أم كلثوم بنت القاسم الطيب (233) . - مشهد وضريح القاسم الطيب (234- 235) . - مشهد وقبة يحيى الشبيه (236- 241) . - مسجد وضريح الإمام الليث وابنه الإمام شعيب (242- 250) . - قبر القاضى بكار بحوش عبد الحميد بك الدسوقى (251- 252) . - حوش وضريح الإمام أبى جعفر الطحاوى (253- 254) . - ضريح فاطمة حسن الأنور (254) . - مسجد وضريح الصحابى عقبة بن عامر الجهنى ومعه عدد من الصحابة (255- 257) . - مسجد وضريح ذى النون المصرى ورابعة العدوية المصرية ومحمد بن الحنفية (258- 261) . - ضريح فخر الدين عثمان الزيلعى (259) . - تربة الفخر الفارسى (261- 263) . - مشهد السادة آل طباطبا (264- 270) . - مسجد وضريح الإمام زيد بن على زين العابدين (271- 272) . - مسجد وضريح سيدى حسن الأنور وزيد الأبلج (273- 276) . - مسجد وضريح السيدة رقية (277- 278) . - مشهد السيدة عاتكة (279) . - مشهد على الجعفرى (280) . - مسجد وضريح السيدة سكينة (281- 283) . - خريطة تقريبية لبعض الأضرحة والمشاهد والمساجد الأثرية بالجبانة الكبرى والصغرى بالجبل المقطم (284) .

§1/1