مختصر منسك شيخ الإسلام ابن تيمية

حسين بن محمد آل الشيخ

مختصر منسك شيخ الإسلام ابن تيمية

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الأولى: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:- فسبق وأن وفقني الله لتحقيق منسك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وطبع أكثر من مرة، إلا أنى رأيت أن اختصره وذلك إتباعاً لمنهج السلف رحمهم الله في تعاملهم مع الكتب المفيدة، وحرصاً منى على إتمام الفائدة، ومراعاةً لظروف أهل العصر ورغبتهم في كل ما هو مفيد مختصر. فكان عملي في المختصر كالآتي: ـ 1 _إعادة ترتيب مسائل الكتاب لتكون متسلسلة وفق مناسك الحج الفعلية. 2 ـ جمع المسائل ذات العلاقة المشتركة ببعضها. 3ـ التخلص مما تكرر ما لم يؤثر على المعنى وإضافة ما يوضحه إذا لزم الأمر. 4ـ إعادة صياغة بعض الجمل لتكون بعبارة أقل. 5ـ مع الالتزام بكل معنى أشار إليه المؤلف رحمه الله. له علاقة بالنسك. وفي الختام ندعو الله بدعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي علمه لأصحابه: (اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم) رواه أحمد (4/402) وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. . الرياض ص/ ب 18126 حسين بن محمد آل الشيخ

الفصل الأول /في التعريف بالحج وحكمه والإستطاعة اليه

الفصل الأول /في التعريف بالحج وحكمه والإستطاعة اليه (1) أولا التعريف: لغة/.. قرئ الحَجُ والحِجُ بفتح الحاء، وكسرها. وهو قصد الشئ، وإتيانه، ومنه سُمي الطريق محجة لأنه موضع الذهاب والمجئ، ويسمى ما يقصده الخصم حجة لأنه يأتمه، وينتحيه، ومنه في الاشتقاق الأكبر الحاجة، وهو ما يقصد، ويطلب للمنفعة به. ومنه قول النبي- صلى الله عليه وسلم -: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) [رواه أحمد والبخاري] ..ويقول بعض أهل اللغة:الحج القصد أو كثرة القصد إلى من يعظمه. وشرعاً:..ثم غلب في الاستعمال الشرعي،والعرفي على حج بيت الله سبحانه وتعالى وإتيانه،فلا يفهم عند الإطلاق إلا هذا النوع الخاص من القصد لأنه هو المشروع الموجود كثيراً وذلك كقوله تعالى: {وَأَذّن في النَّاسِ بِالحَجِّ} [الحج/27] وقوله تعالى {وَأَتِمُّواْ الحَجَّ وَالعُمرَةَ لله..إلى قوله تعالى..فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمرةِ إلى الحَجِّ فَمَا استَيسَرَ مِنَ الهَدىِ} [البقرة/ 196] وقد بين المحجوج إليه فيقوله تعالى: {ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ} [آل عمران/97] وقوله تعالى: {فَمَن حَجَّ البَيتَ أَوِ اعتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة/158] ثم أن حج البيت له صفة معلومة في الشرع من الوقوف بعرفة والطواف بالبيت وما يتبع ذلك فان ذلك كله من تمام قصد البيت فإذا أطلق الاسم في الشرع انصرف إلى الأفعال المشروعة إما في الحج الأكبر أو الأصغر أي العمرة. ثانياحكم الحج والعمرة: 1ـ حكم الحج واجب في الجملة،وهو أحد مباني الإسلام الخمس وهو من العلم المستفيض.

_ (1) - انظر شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق الدكتور صالح بن محمد الحسن [1/73-179] باختصار.

والأصل فيه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً} وقد أتْبَعَهُ بقوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ العَالَمِينَ} آل عمران /97] فيبين أن من لم يعتقد وجوبه فهو كافر. وأنه إنما وضع البيت وأوجب حجه ليشهدوا منافع لهم لا لحاجة إلى الحجاج لأن الله غنى عن العالمين.. وأما السنة: فقد قال:رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بنى الإسلام على خمس، شهادة الااله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإيقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت) متفق عليه، والآيات والأحاديث الصحيحة في إثبات ذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون في الجملة على أن الحج فرض لازم. . 2.ـحكم العمرة..العمرة واجبة العمرة فريضة قاله أحمد في مواضع، وهو قول ابن عباس وابن عمر وجابر رضي الله عنهم،وذكر عنه رواية أخرى أنها سنة لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً} [آل عمران/97] ولم يذكر العمرة، وعن جابر- رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرابي فقال: أخبرنىعن العمرة أواجبة هي؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:لا وأن تعتمر خير لك) [ (1) ] رواه أحمد، والترمذي وقال:حديث حسن صحيح.. [ (2) ] . 3 - والحج والعمرة:يجبان مرة في العمر بإيجاب الشرع فأما إيجاب المرء على نفسه فيجب في الذمة بالنذر، ويجب القضاء لما لم يتمه ... ويجب إتمامه بعد الشروع ... لقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الحَجَّ وَالعُمرَةَ لله ... } [البقرة/96]

_ (1) - رجح الحافظ ابن حجر وقفه على جابر انظر بلوغ المرام حديث رقم (728) . (2) - قال شيخ الإسلام رحمه الله بالقولين أنظر مجموع الفتاوى [26/5-9،197] وشرح العمدة [1/88-104] ولقد قال بسنيتها الأحناف والمالكية وبوجوبها الشافعية وكذا المشهور من قولي الحنابلة وهو الراجح والله اعلم.

ثالثا: الاستطاعة:

4- ولا يجب الوجوب المقتضى للفعل وصحته إلا على مسلم لقوله الله سبحانه: {إِنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقرَبُواْ المَسجِدَ الحَرَامَ بَعدَ عَامِهِم هَذَا} [التوبة/38] 5-ولا حج على مجنون إلا أن يفيق ... ولا على صبي حتى يبلغ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (رُفع القلم عن المجنون حتى يفيق..والصبي حتى يحلم) رواه أحمد [1/118] ورواه البخاري موقوفاً ... ولا يجب إلا على حر كامل الحرية.. ثالثاً: الاستطاعة: 1-أما الاستطاعة فهي شرط في الوجوب: وليست شرطاً في الإجزاء ... والحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلا بنص القرآن والسنة وإجماع المسلمين وهو معنى قوله تعالى: {مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً} . 2- واستطاعة السبيل عن الإمام أحمد وأصحابه: ملك الزاد والراحلة فمناط الوجوب: وجود المال، فمن وجد المال وجب عليه الحج بنفسه أو بنائبه ... وأن يجد ذلك بعد ما يحتاج إليه من قضاء دينه، ومؤنة نفسه وعياله على الدوام ... 3- فان حج راجلاً تجزئه من حجة الإسلام ويكون قد تطوع بنفسه… (ورُويَ) أحاديث مسندة من طرق حسان ومرسلة وموقوفة تدل على أن مناط الوجوب. وجود الزاد والراحلة مع علم النبي - صلى الله عليه وسلم -بأن كثيراً من الناس يقدرون على المشي..ودليل الأصل قوله تعالى: {وَلاَ عَلَى الذينَ إِذَا ما أَتَوكَ لِتَحمِلَهُم} [التوبة/ 91،92] وأيضا فان المشي في المسافة البعيدة مظنة المشقة العظيمة. وتعتبر الراحلة في حق من بينه وبين مكة مسافة القصر عند أصحابنا. فأما القريب والمكي ونحوهما ممن يقدرون على المشي فيلزمه ذلك كما يلزمه المشي إلى الجمعة والعيد. 4- وإن كان العاجز عن الحج يرجو القدرة عليه كالمريض والمحبوس ... لم تجز له الاستتابة في فرض كما ذكره أحمد لان النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أذن للشيخ الكبير الذي لا يستمسك على الراحلة ... وأما الذي يُرجى أن يقدر على الحج ليس فيمعناه.

5- أما المرأة:فلا يجب عليها أن تسافر للحج ولا يجوز لها ذلك إلا مع زوج أو ذي محرم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسافر المرأة ثلاثا، إلا معها ذو محرم) متفق عليه..وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز لها السفر إلا على وجه يؤمن فيه البلاء..والله أعلم.

الفصل الثاني/في الدخول في النسك والمواقيت

الفصل الثاني/في الدخول في النسك والمواقيت: 1ـ الدخول في المنسك: أول مناسك الحج والعمرة للدخول فيهما هو: الإحرام بذلك من الميقات.وقبل ذلك فهو بمنزلة الذي يخرج إلى صلاة الجمعة فله أجر السعي ولا يدخل فيها حتى يحرم بها. 2ـوالمواقيت خمسة: مهل أهل المدينة ذو الحليفة ومهل أهل الشام الجحفة ومهل أهل اليمن يلملم ومهل أهل نجد قرن المنازل ومهل أهل العراق ذات عرق. ولما وقت النبي- صلى الله عليه وسلم - المواقيت قال:) هن لأهلهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن لمن يريد الحج والعمرة ومن كان منزله دونهن فَمَهِلُه من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة) متفق عليه. فذو الحليفة: أبعد المواقيت، بينها وبين مكة عشرة مراحل تقريبا-بحسب الطرق - وتسمى وادي العقيق، ومسجدها مسجد الشجرة،وفيها بئر يسميها الجهال بئر علىِ لظنهم أن علياً رضي الله عنه قاتل الجن بها!! وهو كذب،ولا فضيلة لهذا البئر ولا مذمة. . وأما الجحفة: فبينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل وهى قرية كانت معمورة، تسمى مهيعة وهى اليوم خراب والناس يحرمون قبلها من رابغ. وهذا ميقات لمن حج من ناحية المغرب كأهل الشام ومصر وسائر المغرب ولكن إذا اجتازوا بالمدينة النبوية -كما يفعلون الآن - أحرموا من ميقات أهل المدينة وهو المستحب لهم بالاتفاق،فإن أخروا الإحرام إلى الجحفة ففيه نزاع [ (1) ] . وأما المواقيت الثلاثة:فبين كل واحد منها وبين مكة نحو مرحلتين وليس لأحد أن يتجاوز الميقات إذا أراد الحج أو العمرة إلا بإحرام. وإن قصد مكة للتجارة أو الزيارة فينبغي له أن يحرم وفي الوجوب نزاع. [ (2) ]

_ (1) - قال ابن تيمية في شرح العمدة [1/318] :ومن مر على ميقاتين فعليه أن يحرم من أبعدهما من مكة قال أحمد: إذا مر رجل من أهل الشام بالمدينة، وأراد الحج فإنه يهل من ذي الحليفة،وعن النبي صلى الله عليه وسلم (هن لأهلهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) .فجعل الميقات لكل من مر به (2) -قال في المغنى (.وقال بعضهم: لا يجب الإحرام عليه وعن أحمد ما يدل على ذلك وقد روى عن ابن عمر أنه دخلها بغير إحرام.ولأن الوجوب من الشرع ولم يرد من الشارع إيجاب ذلك عل كل داخل فبقى على الأصل) 5/72

الفصل الثالث/ في أنواع الحج (النسك) وأفضلها:

الفصل الثالث/ في أنواع الحج (النسك) وأفضلها: 1ـ أنواع المناسك:ومن وافي الميقات في أشهر الحج فهو مخير بين ثلاثة أنواع، التمتع،والقران،والإفراد، /فإن أهل بعمرة فإذا حل منها أهل بالحج، فهذا التمتع، /وإن أحرم بهما جميعاً،أو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف فهو القران،/وإن أحرم بالحج مفرداً، فهو الإفراد. 2ـ والأفضل: يتنوع باختلاف حال الحاج، فإن سافر سفرة للعمرة وللحج أخرى أو اعتمر قبل أشهر الحج وأقام بمكة حتى يحج فهذا الإفراد له أفضل باتفاق ألأئمة الأربعة. وأما إذا جمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة،في أشهر الحج: وهن شوال،وذو القعدة وعشر من ذي الحجة فهذا إن ساق الهدى فالقران أفضل له، وإن لم يسق الهدى فالتحلل من إحرامه بعمرة أفضل،فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حج هو وأصحابه أمرهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدى فإنه يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدى محله يوم النحر، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ساق الهدى هو وطائفة من أصحابه وقرن هو بين العمرة والحج فقال: (لبيك عمرة وحجاً) رواه مسلم. ولم يُنقل عن أحد من الصحابة أنه تمتع تمتعاً حل فيه، بل كانوا يسمون القِران تمتعاً، وعامة المنقول عن الصحابة في صفة حجته ليست بمختلفة، وإنما اشتبهت على من لم يعرف مرادهم، وجميع الصحابة الذين نقل عنهم أنه أفرد الحج كعائشة وابن عمر وجابر قالوا أنه تمتع بالعمرة إلى الحج، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة وابن عمر بإسناد أصح من إسناد الإفراد، ومرادهم بالتمتع القران كما ثبت ذلك في الصحاح أيضاً. والإحرام بالحج قبل أشهره مكروه وإذا فعله فهل يصير محرماً بعمرة أو بحج؟ فيه نزاع. [ (1) ]

_ (1) - روى البخاري) معلقاً) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:) من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في اشهر الحج) في كتاب الحج باب قوله تعالى (الحج أشهر معلومات) وعند الجمهور:يكره الإحرام بالحج قبل اشهر الحج مع صحة انعقاده أما الشافعية فلا ينعقد الإحرام بالحج في غير اشهره وينعقد عمرة مجزية على الأصح عندهم.

الفصل الرابع/ في العمرة:

الفصل الرابع/ في العمرة: 1ـإعتماره- صلى الله عليه وسلم -:وفي الصحيحين إعتمر النبي- صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته أربع عمر: عمرة الحديبية: صده المشركون عن البيت فصالحهم وحل من إحرامه وانصرف وعمرة القضية:اعتمر من العام القابل. وعمرة الجعرانة:بعد قتاله - صلى الله عليه وسلم - المشركين بحنين -شرق الطائف-رجع وقسم الغنائم بالجعرانة واعتمر منها داخلا إلى مكة لا خارجاً منها للإحرام. والرابعة:مع حجته - صلى الله عليه وسلم -،قرن بين العمرة والحج باتفاق الصحابة على ذلك.

2ـ الإعتمار من التنعيم أو العمرة المكية:

2ـ الإعتمار من التنعيم أو العمرة المكية: لم يعتمر بعد الحج أحد ممن كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا عائشة - رضي الله عنه - لأنها حاضت فلم يمكنها الطواف فشكت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لها:) افعلي كما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري) البخاري/ 1650) ومسلم /1211/119) فأمرها أن تهل بالحج وتدع أفعال العمرة لأنها كانت متمتعة، ثم طلبت منه - صلى الله عليه وسلم - أن يعمرها، فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن فاعتمرت من التنعيم، وهو أقرب الحِل إلى مكة.وبه مساجد عائشة، وليس دخولها ولا الصلاة فيها لمن اجتاز بها مَحرّماً ولا فرضا ًولا سنة بل قصد ذلك واعتقاد أنه يستحب بدعة مكروهة، لكن من خرج من مكة ليعتمر ودخل واحداً منها وصلى فيها للإحرام فلا بأس بذلك. ومن الأعمال الصالحة الإكثار من الطواف بالبيت، وهو أفضل من أن يخرج الرجل ويأتي بعمرة مكية.ولم يكن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين أحد يخرج من مكة ليعتمر إلا لعذر لا في رمضان ولا في غيره، والذين استحبوا الإفراد من الصحابة إنما استحبوا أن يحج في سفرة ويعتمر في أخرى، ولم يستحبوا أن يحج ويعتمر عقب ذلك عمرة مكية، إلا أن يكون شيئاً نادراً. بل كرهه السلف وتنازعوا: هل يكون متمتعاً عليه دم أم لا؟ وهل تجزءه هذه العمرة عن عمرة الإسلام أم لا؟ [ (1) ] .

_ (1) - أنظر مجموع الفتاوى 26/41-43.

الفصل الخامس/ في نية الإحرام وكيفية التلبية

الفصل الخامس/ في نية الإحرام وكيفية التلبية 1ـ نية الإحرام: إن كان قارناً قال: لبيك عمرة وحجاً،أو متمتعاً قال:لبيك عمرة متمتعا بها إلى الحج،أو مفرداً قال لبيك حجة، ومهما قال من نحو ذلك أجزأه باتفاق الأئمة،ليس في ذلك عبارة مخصوصة،كما لا يجب التلفظ بالنية في الطهارة والصلاة والصيام باتفاق الأئمة، فإن النبي- صلى الله عليه وسلم - لم يُشرع للمسلمين شيئاً من ذلك. [ (1) ] ولا كان يتكلم قبل التكبير بشيء من ألفاظ النية ولا أصحابه. 2ـ التلبية: فإذا أحرم لبى بتلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك) متفق عليه.وإن زاد على ذلك) لبيك ذا المعا رج) رواه أبو داود أو) لبيك وسعديك) ونحوه جاز وكان الصحابة يزيدون ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمعهم فلم ينههم وكان هو يداوم على تلبيته من حين يحرم. والإهلال:هو التلبية،والتلبية هي إجابة دعوة الله تعالى لخلقه إلى حج بيته على لسان خليله إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - والملبي هو المستسلم المنقاد لغيره كما ينقاد الذي لُبِّبَ وأُخِذَ بلبته والمعنى: إنا مجيبوك لدعوتك مستسلمون لحكمتك مطيعون لأمرك مرة بعد مرة لا نزال على ذلك.والتلبية:شعار الحج) فأفضل الحج/ العج والثج) [ (2) ] فالعج:رفع الصوت بالتلبية والثج:إراقة دماء الهدى.ولهذا يستحب رفع الصوت بها للرجال بحيث لا يجهد نفسه والمرأة بحيث تسمع رفيقتها.

_ (1) -لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لأصحابه:) من أراد منكم أن يُهلّ بحج وعمرة فليُهلّ ومن أراد أن يُهلّ بحج فليُهلّ ومن أراد أن يُهلّ بعمرة فليُهلّ) رواه مسلم في الحج باب وجوه الإحرام 1211/114 (2) - رواه ابن ماجه (2924) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أبو يعلى وفيه رجل ضعيف) 3/224) وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير) 1112) .

3ـ الاشتراط خوفا من العارض:

ويستحب:الإكثار من التلبية عند اختلاف الأحوال مثل أدبار الصلوات وإذا صعد نشزاً أوهبط وادياً أو سمع ملبياً أو أقبل الليل والنهار أو التقت الرفاق أو فعل ما نُهى عنه، وإن دعا عقيب التلبية وصلى على النبي- صلى الله عليه وسلم - وسأل الله رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من سخطه والنار فحسن. فهذا هو الذي شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين التكلم به في ابتداء الحج والعمرة. ولو أهل ولبى كما يفعل الناس قاصداً للنسك ولم يسم شيئاً بلفظه ولا قصد بقلبه لا تمتعاً ولا إفراداً ولا قراناً صح حجه أيضاً، وفعل واحداً من الثلاثة وهو تأويل قوله تعالى {الحَجُ أَشهُرُُ مَّعلُومَاتُُ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلا َجِدِالَ في الحَجِ} [البقرة /197] فإن فعل ما أمر به النبي- صلى الله عليه وسلم - أصحابه كان حسناً. ولا يكون الرجل محرماً بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته، بل لابد من قول أو عمل يصير به محرماً، وهذا هو الصحيح من القولين. 3ـ الاشتراط خوفا من العارض: وإن اشترط على ربه خوفاً من العارض، كان حسناً، فان النبي- صلى الله عليه وسلم - أمر ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أن تشترط لما كانت شاكية فخاف أن يصدها المرض عن البيت قال: (قولي لبيك اللهم لبيك ومحلى من الأرض حيث تحبسني) رواه الجماعة وعند النسائي (..فإن لك على ربك ما استثنيت) ولم يكن يأمر بذلك كل من حج. 4ـ الرفث والفسوق والجدال في الحج: وثبت أنه- صلى الله عليه وسلم - قال:) من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمُه) رواه البخاري /1819 وفي مسلم (من أتى هذا البيت..) الحديث/1350

الفصل السادس/في مستحبات الإحرام:

/فالرفث: اسم للجماع قولا وعملا، وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا الرفث، /والفسوق: اسم للمعاصي كلها../والجدال: هو المِراء في أمر الحج، فان الله قد أوضحه وبينه وقطع المِراء فيه كما كانوا في الجاهلية يتمارون في أحكامه. وفُسر بأن لا يُمارى الحاج أحداً،والتفسير الأول أصح فإن الله لم ينه المحرم ولا غيره عن الجدال مطلقاً. بل الجدال قد يكون واجباً أو مستحباً كما قال تعالى: {وجَادِلهُم بِالَّتِي هِي أَحسَنُ} [النحل /125] .وقد يكون الجدال مُحَرَّماً في الحج وغيره كالجدال بغير علم وكالجدال في الحق بعد ما تبين. وينبغي للمحرم أن لا يتكلم إلا بما يعنيه، وكان شريح إذا أحرم كأنه حية صماء. الفصل السادس/في مستحبات الإحرام: 1ـ المستحب:أن يحرم عقيب صلاة فرض،أو تطوع إن كان وقت تطوع في أحد القولين، وفي الأخر إن كان يصلى فرضاً أحرم عقيبه وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه وهذا أرجح. ويستحب أن يغتسل للإحرام ولو كانت نفسا أو حائضاً [ (1) ] وإن احتاج إلى التنظيف كتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة، فعل ذلك، وهذا ليس من خصائص الإحرام، لكنه مشروع بحسب الحاجة. 2ـ لباس الحاج: والتجرد من اللباس واجب في الإحرام وليس شرطاً فيه، فلو أحرم وعليه ثياب صح ذلك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وباتفاق الأئمة، وعليه أن ينزع اللباس المحظور.ويستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين، والأبيضين أفضل ويجوز فيغيره من الألوان الجائزة، ويجوز أن يحرم في جميع أجناس الثياب المباحة: من القطن والكتان والصوف.

_ (1) -لأمره - صلى الله عليه وسلم - أسماء بنت عميس حين نفست أن تغتسل. وتهل رواه مسلم في الحج باب إحرام النفساء برقم (1210) .

والسنة أن يحرم في إزار ورداء سواء كانا مخيطين، أو غير مخيطين باتفاق الأئمة، ولو أحرم في غيريهما جاز إذا كان مما يجوز لبسه.والأفضل أن يحرم في نعلين إن تيسر، فان لم يجد، لبس خفين وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين فان النبي- صلى الله عليه وسلم - أمر بالقطع [ (1) ] أولاً ثم رخص في لبس الخفين لمن لم يجد نعلين.وكذلك إذا لم يجد إزاراً فانه يلبس السراويل ولا يفتقه وهذا أصح قولي العلماء، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في البدل في عرفات [ (2) ] .وكذلك يجوز أن يلبس كل ما كان من جنس الإزار والرداء فله أن يلتحف بالقباء والجبة والقميص ونحو ذلك ويتغطى به باتفاق الأئمة عرضاً ويلبسه مقلوباً يجعل أسفله أعلاه ويتغطى باللحاف وغيره.ولكن لا يغطى رأسه إلا لحاجة والنبي- صلى الله عليه وسلم - (نهى المحرم أن يلبس القميص والبر نس والسراويل والخف والعمامة) أأخرجه/ البخاري 1265 ومسلم /1206وفي الصحيحين (نهاهم أن يغطوا رأس المحرم بعد الموت) (وأمر من أحرم في جبة أن ينزعها عنه) .فما كان من هذا الجنس فهو في معنى ما نهى عنه النبي- صلى الله عليه وسلم - فما كان في معنى القميص أوفي معنى الخف كالجورب ونحوه، أوفي معنى السراويل كالتبان ونحوه، فهو مثله. وكذلك لا يلبس الجبة ولا القباء الذي يدخل يديه فيه ولا الدرع [ (3) ] وأمثال ذلك باتفاق

_ (1) -لقوله- صلى الله عليه وسلم -) لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوباً مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فيقطعهما حتى يكونا أسفل الكعبين) رواه الجماعة. (2) -لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات) من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين) رواه البخاري في اللباس باب السراويل (ح/5804) ومسلم في الحج باب ما يباح للمحرم (1178/4) (3) - القميص الذي يلبس ليمتص العرق فيكون فوق الركبة.

3ـ عقد مايحتاج إلى عقده:

الأئمة.وأما إذا طرح القباء على كتفيه من غير إدخال يديه ففيه نزاع وهذا معنى قول الفقهاء: لا يلبس المخيط.والمخيط ما كان من اللباس على قدر العضو. 3ـ عقد مايحتاج إلى عقده: وله أن يعقد ما يحتاج إلى عقده كالإزار وهميان النفقة. والرداء لا يحتاج إلى عقده فلا يعقده فان احتاج إلى عقد ففيه نزاع.والأشبه جوازه،وليس على تحريمه دليل إلا ما نقل عن ابن عمر- رضي الله عنه - أنه كره عقد الرداء وقد اختلف المتبعون له بين الكراهة والتحريم. 4ـ والاستظلال: تحت السقف والشجر وفي الخيمة ونحو ذلك جائز باتفاقهم وأما الاستظلال بالمحمل كالمحارة التي لها رأس في حال السير فهذا فيه نزاع والأفضل للمحرم أن يُضْحِى لمن أحرم له كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يحجون وقد رأى ابن عمر رجلا ظلل عليه فقال: أيها المحرم أضح لمن أحرمت] (1) [.وهذا فيحق الرجل. 5ـ إحرام المرأة: وأما المرأة فإنها عورة فلذلك جاز لها أن تلبس الثياب التي تسترها وتستظل بالمحمل، لكن نهاها النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن تنتقب أو تلبس القفازين كما نهى المحرم أن يلبس القميص والخف) رواه البخاري [1838] مع أنه يجوز له أن يستر يديه ورجليه باتفاق الأئمة. والبرقع أقوى من النقاب فلهذا ينهى عنه باتفاقهم.ولو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق، وإن كان يمسه فالصحيح أنه يجوز أيضاً، فان النبي- صلى الله عليه وسلم - سوى بين وجهها ويديها وكلاهما كبدن الرجل لا كرأسه.وأزواجه - صلى الله عليه وسلم - كن يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة ولم ينقل عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال إحرام المرأة فيوجهها وإنما هذا قول بعض السلف.

_ (1) -رواه الإمام أحمد والبيهقي في سننه5/70 (قوله أضح لمن أحرمت له) أي ليبرز للشمس ولا يستظل قربة لله.

الفصل السابع / في محظورات الاحرام:

الفصل السابع / في محظورات الاحرام: 1ـ المحضورات:..ومما ينهى عنه المحرم أن يتطيب بعد الإحرام في بدنه أو ثيابه أو يتعمد شم الطيب، بعد الإحرام وإن شاء قبل الإحرام أن يتطيب في بدنه فهو حسن، ولا يؤمر بذلك، فان النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله ولم يأمر به الناس.وأما الدهن في رأسه أو بدنه بالزيت والسمن ونحوه إذا لم يكن فيه طيب ففيه نزاع مشهور وتركه أولى. ولا يقلم أظفاره ولا يقطع شعره وله أن يحك بدنه إذا حكه ويحتجم وإن احتاج أن يحلق شعراً لذلك جاز ففي الصحيحين (أن النبي- صلى الله عليه وسلم - إحتجم في وسط رأسه وهو محرم) رواه البخاريبرقم1836 ومسلم 1203] ولا يمكن ذلك إلا مع حلق بعض الشعر وإذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك لم يضره. ويفتصد إذا احتاج إلى ذلك،ويغتسل من الجنابة باالإتفاق ولغير الجنابة. ولا ينكح المحرم ولا يُنْكِح ولا يخطب.ولا يصطاد صيداً برياً ولا يتملكه بشراء ولا إيهاب ولا غير ذلك ولا يعين على صيد ولا يذبح صيداً. فأما صيد البحر كالسمك ونحوه فله أن يصطاده ويأكله. وأن يقطع الشجر في الحل، لكن الحرم لا يقطع شيئاً من شجره وإن كان غير محرم ولا من نباته المباح إلا الاذخر وأما ما غرسه الناس أو زرعوه فهولهم،وما يبس من النبات يجوز أخذه ولا يصطاد به صيداً وإن كان من الماء كالسمك على الصحيح بل ولا ينفر صيده مثل أن يقيمه ليقعد مكانه.

2ـ قتل ما يؤذي:

2ـ قتل ما يؤذي: وللمحرم قتل ما يؤذى بعادته الناس) كالحية والعقرب والفأرة والغراب،والكلب العقور) [رواه البخاري 1828ومسلم 1198] وله أن يدفع ما يؤذيه من الآدميين والبهائم، ولو لم يندفع إلا بالقتال قاتله لقول النبي- صلى الله عليه وسلم -:) من قُتلَ دون ماله فهو شهيد ومن قُتلَ دون دمه فهو شهيد ومن قُتلَ دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) [ (1) ] وإذا قرصته البراغيث والقمل فله إلقاؤها عنه وله قتلها ولا شيء عليه،وإلقاؤها أهون.وكذلك ما يتعرض له من الدواب فينهى عن قتله وإن كان في نفسه مُحَرمَاً أكله كالأسد والفهد فإذا قتله فلا جزاء عليه في أظهر قولي العلماء وأما التفلي بدون التأذي فهو من الترفة فلا يفعله ولو فعله فلا شيء عليه.

_ (1) - لفظ (من قُتلَ دون ماله فهو شهيد) في الصحيحين رواه البخاري برقم [2480] ومسلم [141] وروى الحديث بتمامه الترمذي برقم 1421 وقال: هذا حديث حسن صحيح ورواه باقي الجماعة.

3ـ الوطء ومقدماته:

3ـ الوطء ومقدماته: يحرم على المحرم القبلة ولمس بيد أو نظر بشهوة فإن جامع فسد حجه. وفي الإنزال بغير الجماع نزاع ولا يفسد الحج بشيء من المحظورات إلا الرفث فإن قبل أو أمذى لشهوة فعليه دم. .. 4ـ فدية المحظورات: وليس للمحرم أن يلبس شيئاً مما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه إلا لحاجة، مثل البرد الذي يخاف أن يمرضه إذا لم يغط رأسه،فيلبس قدر الحاجة فإذا استغنى عنه نزع.وعليه أن يفتدى إما بصيام ثلاثة أيام وإما بنسك شاة أو بإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو شعير أو مد من بر وإن أطعمه خبزاً جاز، وينبغي أن يكون مأدوما. ً وإن أطعمه مما يأكل جاز وهو أفضل من أن يعطيه قمحاً أو شعيراً، وكذلك في سائر الكفارات.وذلك لقوله تعالى: {إِطعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِن أَوسَطِ مَا تُطعِمُونَ أَهلِيكُم أَو كِسوَتُهُم..} [المائدة/ 89] فأمر الله تعالى بإطعام المساكين من أوسط ما يطعم الناس أهليهم.لكن هل ذلك مقدر بالشرع أم بالعرف؟ والراجح أنه يرجع فيه إلى العرف فيطعم كل قوم مما يطعمون أهليهم'ولما كان كعب بن عجرة ونحوه يقتاتون التمر أمره النبي- صلى الله عليه وسلم - أن يطعم فرقاً من التمر بين ستة مساكين [البخاري1814 ومسلم1201] 5ـ وقت إخراج الفدية: والفدية يجوز أن يخرجها إذا احتاج إلى فعل المحظور قبله أو بعده ويجوز أن يذبح النسك قبل أن يصل إلى مكة ويصوم الأيام الثلاثة متتابعة إن شاء أو متفرقة فإن كان له عذر أخّر فعلها وإلا عجل فعلها. وإذا لبس ثم لبس مرارا ولم يكن أدى الفدية أجزأته فدية واحدة في أظهر قولي العلماء.

الفصل الثامن/ في دخول مكة والمسجد الحرام وأحكام الطواف والسعي:

الفصل الثامن/ في دخول مكة والمسجد الحرام وأحكام الطواف والسعي: 1ـ دخول مكة والمسجد: إذا أتى مكة جاز أن يدخلها والمسجد من جميع الجوانب والأفضل أن يأتي من وجه الكعبة إقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم - فقد دخل من الناحية العليا التي فيها باب المعلاة. ودخل مكة من الثنية العليا ثنية كداء - بالفتح والمد - المشرفة على المقبرة (الحجون) .ودخل المسجد من باب بنى شيبة (كان مقابلا لباب الكعبة محاذيا للمقام) ثم ذهب إلى الحجر الأسود. وفي الصحيحين كان- صلى الله عليه وسلم - (يغتسل لدخول مكة ويبيت بذي طوى) (البخاري1573 ومسلم 1259) وهو عند آبار الزاهر فمن تيسر له المبيت بها والاغتسال ودخول مكة نهاراً وإلا فليس عليه شيء من ذلك..وروي أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال:) اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيما وتكريماً ومهابة وبراً وزد من شرَّفَه وكرمه ممن حجه أو إعتمره تشريفاً وتعظيما) [ (1) ] فمن رأى البيت فعل ذلك..

_ (1) - أخرجه الشافعي في مسنده 1/339 ومن طريقه خرجه البيهقى 5/73 عن ابن جُريج وقال عنه ابن القيم: إنه مرسل [زاد الميعاد] 5/224.

2ـالطواف:

2ـالطواف: والنبي- صلى الله عليه وسلم - ابتدأ بالطواف ففي الصحيحين (أن أول شئ بدأبه..توضأ ثم طاف..) ولم يُصل قبله بل الطواف بالبيت هو تحية المسجد الحرام.يبتدىء من الحجر الأسود يستقبله استقبالا ويقبله إن أمكن ويقول (بسم الله والله أكبر) [ (1) ] .وإن شاء قال (اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك وإتباعاً لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -) [ (2) ] ولا يؤذى أحداً بالمزاحمة عليه فان لم يمكن استلمه بيده وقبلها،وإلا أشار إليه ثم ينتقل للطواف ويجعل البيت عن يساره. وليس عليه أن يذهب إلى مابين الركنين ولا يمشى عرضاً، فيطوف سبعاً. ولا يخترق الحِجْر في طوافه لما كان أكثر الحجر من البيت والله أمر بالطواف به لا بالطواف فيه. ويجوز أن يطوف من وراء قبة زمزم وما وراءها من السقائف (المصابيح) المتصلة بحيطان المسجد.ولا يستلم من الأركان إلا الركنين اليمانيين دون الشاميين فان النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما استلمها خاصة لأنهما على قواعد إبراهيم والآخران هما في داخل البيت. فالركن الأسود يستلم ويقبل، واليماني يستلم ولا يقبل والآخران لا يستلمان ولا يقبلان والاستلام هو مسحه باليد. وأما سائر جوانب البيت ومقام إبراهيم وسائر ما في الأرض من المساجد وحيطانها ومقابر الأنبياء والصالحين كحجرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ومغارة إبراهيم ومقام نبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يصلي فيه فلا تستلم ولا تقبل باتفاق الأئمة. والطواف بذلك من أعظم البدع المحرمة ومن اتخذه ديناً يستتاب فان تاب وإلا قتل.ولو وضع يده على الشاذروان الذي يُربَط فيه أستار الكعبة لم يضره في أصح قولي العلماء وليس الشاذروان من البيت بل جُعِلَ عماداً للبيت.

_ (1) - قال في نيل الأوطار: سنده صحيح [5/47] . (2) -أخرجه الشافعي في كتابه الأم عن ابن جريج2/170باب ما يقال عند استلام الركن

3ـ الرمل والاضطباع:

3ـ الرمل والاضطباع:ويستحب له في الطواف الأول (القدوم) أن يرمل من الحجَر إلى الحجَر في الأشواط الثلاثة ففي الصحيحين أمر النبي- صلى الله عليه وسلم - (أن يرملوا الأشواط الثلاثة..) . والرمل مثل الهرولة وهو مسارعة المشي مع تقارب الخُطا فإن لم يمكن الرمل للزحمة كان خروجه إلى حاشية المطاف والرمل أفضل من قربه إلى البيت بدون الرمل وأما إذا أمكن القرب من البيت مع إكمال السُنة فهو أولى. وكذلك يستحب أن (يضطبع) [ (1) ] في هذا الطواف.والاضطباع: هو أن يبدى ضبعه الأيمن فيضع وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر وإن ترك الرمل والاضطباع فلا شيء عليه.

_ (1) -لحديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطبع فاستلم وكبر ثم رمل) الحديث رواه أبو د واد /المناسك باب في الرمل رقم (1889) وحديث يعلى بن أمية رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعا وعليه برد) رواه الترمذي برقم (859) وقال: وهو حديث حسن صحيح

4ـ دعاء الطواف والصلاة بعده وشرب زمزم:

4ـ دعاء الطواف والصلاة بعده وشرب زمزم: ويستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى ويدعوه بما شرع وإن قرأ القرآن سراً فلا بأس، وليس فيه ذكر محدود عن النبي- صلى الله عليه وسلم - بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية.وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يختم طوافه بين الركنين بقوله: {ربنا ءاتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة/ 201] كما كان يختم سائر دعائه بذلك [ (1) ] .والطواف بالبيت كالصلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فلا يتكلم فيه إلا بخير.ويؤمر الطائف أن يكون متطهراً الطهارتين الصغرى والكبرى مستور العورة مجتنب النجاسة التي يجتنبها المصلى.

_ (1) - لحديث انس رضي الله عنه كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) متفق عليه.

فإذا قضى الطواف صلى ركعتين للطواف وان صلاهما عند مقام إبراهيم فهو أحسن ويستحب أن يقرأ فيهما بسورتي الإخلاص) قل يا أيها الكافرون)) قل هو الله احد) ولو صلى المصلى في المسجد والناس يطوفون أمامه لم يكره سواء مرَّ أمامه رجل أو امرأة وهذا من خصائص البيت. [ (1) ] ثم إذا صلاهما استحب له أن يستلم الحجر وأن يشرب من/ ماء زمزم ويتضلع منه ويدعو عند شربه بما شاء من الأدعية الشرعية ولا يستحب الاغتسال منها. ومن حمل شيئا من ماء زمزم جاز فقد كان السلف يحملونه.

_ (1) - لما رواه أبو داود عن كثير بن كثي رعن جده (انه رأى رسول الله صلى الله يصلى مما يلي باب بنى سهم والناس يمرون بين يديه وليس بينهما ستره) كتاب المناسك باب مكة (ح/2014) قال صاحب عون المعبود: [..الحديث أخرجه أبو يعلى الموصلي.. وترجم به عبد الرزاق في باب لا يقطع الصلاة في مكة شيء..ثم قال وأخرجه من هذا الوجه أصحاب السنن ورجاله موثوقون إلا أنه معلول. وقال المنذري: في إسناده مجهول] انتهى انظر عون المعبود في شرح سنن أبى داود [5/345]

5ـ الطهارة في الطواف:

5ـ الطهارة في الطواف: والمطاف طاهر لكن في وجوب الطهارة في الطواف نزاع، فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالطهارة للطواف ولا نهى المحدث أن يطوف. ولكنه طاف طاهراً، و) نهى الحائض عن الطواف وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) [ (1) ] فالطهارة لصلاة تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم وفيها ركوع وسجود، وصلاة الجنازة وجدتي السهو، وأما الطواف وسجود التلاوة فليسا من هذا..وقد اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الطهارة فيه ووجوبها وهو أحد القولين في مذهب أبى حنيفة لكنها ليست بشرط. وكما يجوز أن يصلى في نعليه فكذلك يجوز أن يطوف في نعليه. ومن طاف في جوارب ونحوه لئلا يطأ ذرق الحمام أو غطى يديه لئلا يمس امرأة ونحو ذلك فقد خالف السنة.فإن النبي- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين مازالوا يطوفون بالبيت ومازال الحمام بمكة والاحتياط حسن فإذا خالف السنة المعلومة كان خطأ. 6ـ طواف أهل الأعذار:وإن لم يمكنه الطواف ماشياً فطاف راكباً أو محمولاً أجزأه بالاتفاق وكذلك ما يعجز عنه من واجبات الطواف مثل من كان به نجاسة لا يمكنه إزالتها كالمستحاضة ومن به سلس البول فانه يطوف ولا شيء عليه باتفاق الأئمة وكذلك لو لم يمكنه الطواف إلا عرياناً فطاف بالليل كما لو لم يمكنه الصلاة إلا عرياناً

_ (1) - رواه أحمد 1/123،129.والترمذي في الطهارة باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور رقم (3) وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن ورواه غيرهما.

7ـ طواف الحائض:

7ـ طواف الحائض: وقدا اتفق العلماء على أنهُ لا يجب للطواف ما يجب للصلاة من تحريم وتحليل وقراءة وغير ذلك ,ولا يبطله ما يبطلها من الأكل والشرب والكلام وغير ذلك ولهذا كان مقتضى تعليل منْ مَنَعَ الحائض لحرمة المسجد أنهُ لا يرى الطهارة شرطاً بل مقتضى قوله انهُ يجوز لها ذلك عند الحاجة كما يجوز لها دخول المسجد عند الحاجة. وقد يُعلل بأنه يشبه الصلاة وقد يُعلل بأنها ممنوعة من المسجد كما تمنع منه في الاعتكاف. وقد أمر الله تعالى بقوله: (أن طَهِرَا بَيتِي لِلطَّآئِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة/ 125] بتطهيره لهذه العبادات فمنعت الحائض من دخوله. والعاكف فيه لا يشترط له الطهارة من الحدث الأصغر باتفاق المسلمين ولو اضطرت العاكفة الحائض إلى لبثها فيه للحاجة جاز ذلك. وأما الركع السجود فهم المصلون والطهارة شرط للصلاة باتفاق المسلمين،والحائض لا تصلى لا قضاء ولا أداء.يبقى الطائف هل يلحق بالعاكف أو بالمصلى أو يكون قسما ثالثاً بينهما؟ هذا محل اجتهاد./ وقوله (الطواف بالبيت صلاة) لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن هو ثابت عن ابن عباس وقد روى مرفوعاً. ولا ريب أن المراد بذلك انه يشبه الصلاة من بعض الوجوه ليس المراد انه نوع من الصلاة التي يشترط لها الطهارة وهكذا قوله (إذا صلى أحدكم في المسجد فلا يشبكن بين أصابعه..فان أحدكم لا يزال في صلاة مادام في المسجد) [المسند3/54] ونحو ذلك. فالمرأة الحائض إذا لم يمكنها طواف الفرض إلا حائضاً بحيث لا يمكنها التأخر بمكة في أحد قولي العلماء الذين يوجبون الطهارة على الطائف،فإذا طافت الحائض أو الجنب أو المحدث أو حامل النجاسة مطلقاً أجزاه الطواف وعليه دم بدنة مع الحيض والجنابة وشاة مع الحدث الأصغر. فقد نقل عن ابن عباس أنه قال: إذا طاف بالبيت وهو جنب عليه دم. فلا يجوز لحائض أن تطوف إلا طاهرة إذا أمكنها ذلك باتفاق العلماء ولو قدمت المرأة حائضا

لم تطف بالبيت، لكن تقف بعرفة وتفعل المناسك كلها مع الحيض إلا الطواف فأنها تنتظر حتى تطهر إن أمكنها ذلك ثم تطوف وإن اضطرت إلى الطواف فطافت أجزأها ذلك على الصحيح من قولي العلماء. [ (1) ]

_ (1) -طواف الحائض/ يذكر ابن القيم رحمه الله أن طواف الحائض من اختيارات شيخ الإسلام رحمه الله لكن في أقواله في مجموع الفتاوى (26/185 -188) ما يفهم منه رأي آخر لهذا الاختيار حيث يقول:..ومعلوم أن المرأة إذا لم يمكنها فعل شيء من فرائض الصلاة، أو الصيام أو غيرهما إلا مع الفجور، لم يكن لها أن تفعل ذلك، فان الله لم يأمر عباده بأمر لا يمكن إلا مع الفجور..ويقول:..والزامها بالمقام بمكة مع عجزها عن ذلك وتضررها به.. لا تأتى به الشريعة، فإن مذهب عامة العلماء أن من أمكنه الحج،ولم يمكنه الرجوع إلى أهله لم يجب عليه الحج… ويقول:..وأما إذا أمكن العبد أن يفعل بعض الواجبات دون بعض، فانه يؤمر بما يقدر عليه، وما عجز عنه يبقى ساقطا انتهى.) قلت ولعل هذا هو الاختيار الراجح في نظري لقوله تعال: {فاتقوا الله ما استطعتم} وقوله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فالحا ئض عليها أن تبقى حتى تطهر فتطوف وهذا هدّيه صلى الله عليه وسلم ولا يمكنها الطواف وهى حائض لنهيه الحائض عن الطواف - وصفة الحيض لا تزول عنها بالاغتسال فهي حائض ولو استنفرت واغتسلت وقد أمرنا الله أن ننتهي عند نهيه صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى {..وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا..} فالحائض غير قادرة على الطواف. لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها:) أفعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي البيت حتى تطهري) متفق عليه. والحائض ليس لها إلا الانتظار مع محرم لها كما بينه صلى الله عليه وسلم عندما حاضت أم المؤمنين صفيه بنت حيىّ بقوله (..لعلها تحبسنا..) أو ( ... أحابستنا هي؟ فقيل إنها قد أفاضت قال:فلا إذا..) رواه البخاري ولو كان لها الطواف لبينه صلى الله عليه وسلم في حينه، أم اعدم الاستطاعة فقد بين حكمه الكتاب والسنة أنه عفو. فلو عادت إلى أهلها لعدم استطاعتها الطواف طاهرة وعدم قدرتها على البقاء،فهي أشبه بالمحصر فلعها تقاس به لعدم تفريطها فالمحصر منع من دخول البيت بمنع الخلق له والحائض منعت بحكم الله عليها. ويقول شيخ الإسلام رحمه الله:..ولهذا لم يوجب القضاء على المحصر في أظهر قولي العلماء لعدم التفريط، ومن أوجب القضاء على من فآته الحج فإنه يوجبه لأنه مفرط عنده. انتهى) وانظر صحيح البخاري كتاب المُحصَر باب من قال ليس على المحصر بدل. ولعل الله جعل فيما استحدث من عقاقير مؤثرة على دورة الحيض مخرجا من ذلك الحرج والخلاف والله اعلم. ولشيخ الإسلام حديث أوسع في طواف الحائض أنظر مجموع الفتاوى [26/176-247]

8 ـ السعي بين الصفا والمروة:

8 ـ السعي بين الصفا والمروة: ثم يخرج إلى السعي بين الصفا والمروة ولو أخر ذلك إلى بعد طواف الإفاضة جاز فإن الحج فيه ثلاثة أطواف: طواف عند الدخول/ وهو طواف القدوم والدخول والورود. والثاني بعد عرفة /ويقال له طواف الإفاضة والزيارة وهو طواف الفرض لابد منه لقوله تعالى: {ثُمَّ ليَقضُوا تَفَثَهُم وَليُوفُواْ نُذُورَهُم وَليَطَّوَّفُواْ بِالبَيتِ العَتِيقِ} [الحج /29] . والطواف الثالث /هو لمن أراد الخروج من مكة وهو طواف الوداع وإذا سعى عقيب واحد منها أجزأه وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرقى على الصفا والمروة وهما في جانب جبلي مكة فيكبر ويهلل ويدعو الله تعالى. وقد بُنى فوقهما دكتان فمن وصل إلى أسفل البناء أجزأه السعي، فيطوف بالصفا والمروة سبعاً يبتديء بالصفا ويختم بالمروة. ويستحب أن يرمل ثلاثا في بطن الوادي من العَلَم إلى العَلَم وهما مَعْلَمان (أخضران) هناك وإن مشى على هيئته وجمع مابين الصفا والمروة أجزأه باتفاق العلماء ولاشيء عليه. ولا صلاة عقيب الطواف بالصفا والمروة بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.فإذا طاف بين الصفا والمروة حل من إحرامه كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه إلا من كان معه هدي فلا يحل حتى ينحره. والمفرد والقارن لا يحلان إلا يوم النحر ويستحب له أن يقصر من شعره ليدع الحِلاق للحج وكذلك أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا أحل،حل له ما حَرُمَ عليه بالإحرام. الفصل التاسع/ ما يفعله الحاج يوم التروية ويوم عرفة: 1ـ يوم التروية: فإذا كان يوم التروية أحرم وأهل بالحج كما فعل عند الميقات. والسنة أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه لقوله - صلى الله عليه وسلم -:) من كان منزله دون مكة فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة) متفق عليه. والصحابة أحرموا من منزلهم بالبطحاء بأمره- صلى الله عليه وسلم -.والسنة أن يبيت الحاج بمنى فيصلون بها الظهر والعصر والمغرب

2ـ يوم عرفة:

والعشاء والفجر ولا يخرجون منها حتى تطلع الشمس كما فعل النبي- صلى الله عليه وسلم -. 2ـ يوم عرفة: يسير الحاج من منى إلى نمرة على طريق ضب [ (1) ] من يمين الطريق ونمرة كانت قرية خارج عرفات من جهة اليمين ببطن الوادي في حدود عرفة ببطن عُرنة، وهناك مسجد نمرة فيقيمون بها إلى الزوال. ويخطب بهم الإمام ثم إذا قضى الخطبة أذّن المؤذن وأقام لكل صلاة فيصلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً كما فعل النبي- صلى الله عليه وسلم -،ويصلي خلفه جميع الحاج من أهل مكة وغيرهم،ثم بعد ذلك يذهب إلى عرفات، فهذه السنة.ولا يكاد الآن يذهب كثير من الحاج إلى نمرة ولا إلى مصلى النبي- صلى الله عليه وسلم - بل يدخلون عرفات قبل الزوال ومنهم من يدخلها ليلا ويبيتون بها قبل التعريف وهذا يجزئ معه الحج لكن فيه نقص عن السنة فعليه فعل ما يمكن من السنة مثل الجمع بين الصلاتين، والوقوف بعرفات ولا يخرجون منها حتى تغرب الشمس.ويجتهد في الذكر والدعاء هذه العشيِّة فإنه (ما رؤى إبليس في يوم هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أغيظ ولا أدحض من عشيِّة عرفة لما يرى من تنزيل الرحمة وتجاوز الله سبحانه عن الذنوب العظام إلا ما رؤى يوم بدر فإنه رأى جبريل يزع الملائكة) .أي يصفهم [ (2) ] ويصح وقوف الحائض وغيرها. ويجوز الوقوف ماشياً وراكباً. وأما الأفضل فيختلف باختلاف الناس فإن كان ركوبه لحاجة الناس أو كان يشق عليه ترك الركوب وقف راكبا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف راكباً. ولم يعين النبي - صلى الله عليه وسلم - لعرفة دعاء ولا ذكراً بل يدعو الرجل بما شاء من الأدعية الشرعية ويُكبر ويهلل ويذكر الله تعالى حتى تغرب

_ (1) -وهو المعروف الآن بطريق القناطر وافتراقه من مزدلفة ويقع جنوب المشاعر ويروى أن عطاء رحمه الله يسلكه ويقول: هي طريق موسى بن عمران عليه السلام (انظر تاريخ مكةللأزرقى2/191 (2) ـ مالك في الموطا مرسلا باب جامع الحج والبغوي في شرح السنة الدعاء يوم عرفة.

3ـ الاغتسال في الحج:

الشمس. وقال النبي- صلى الله عليه وسلم -:) عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة ومزدلفة كلها موقف وارفعوا عن بطن محسر) (ومنى كلها منحر وفجاج مكة كلها طريق) [ (1) ] 3ـ الاغتسال في الحج: والاغتسال لعرفة روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[ (2) ] وروى عن ابن عمر وغيره. ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه في الحج إلا ثلاثة أغسال/غسل للإحرام، وعند دخول مكة،ويوم عرفة. وما سوى ذلك كالغسل لرمي الجمار وللطواف وللمبيت بمزدلفة فلا أصل له عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه، بل هو بدعة إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الإ ستحباب مثل أن يكون عليه رائحة يؤذى الناس فيغتسل لإزالتها. 4ـ صعود الجبل: وأ ما صعود الجبل الذي هناك فليس من السنة ويسمى جبل الرحمة ويقال له: إلال على وزن هلال.وكذلك قبة كانت فوقه يقال لها قبة آدم لا يستحب دخولها ولا الصلاة فيها. وأما الطواف بها أو بالصخرة أو بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم أو مكان غير البيت العتيق فهو من الكبائر وأعظم البدع المحرمة. الفصل العاشر/في الإفاضة من عرفات إلى المشعر الحرام: 1ـ الإفاضة: والسنة إذا أفاض من عرفات ذهب إلى المشعر الحرام على طريق المأزمين وهو طريق الناس اليوم، فلعرفة طريق أخرى تسمى طريق ضب ومنها دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عرفات وخرج على طريق المأزمين. وكان- صلى الله عليه وسلم - في المناسك والأعياد يذهب من طريق ويرجع من أخرى.ولا يزاحم الناس بل إن وجد خلوة أسرع.

_ (1) -صحيح مسلم في الحج باب ما جاء أن عرفة كلها موقف والموطا في الحج باب الوقوف بعرفة. (2) - روى الإمام أحمد عن الفاكة بن سعد رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الجمعة ويوم عرفه ويوم الفطر ويوم النحر ... )) الحديث المسند 4/78

2ـ الإيقاد بالمشعر:

2ـ الإيقاد بالمشعر: وإنما الإيقاد بمزدلفة [ (1) ] خاصة بعد الرجوع من عرفة وأما الإيقاد بمنى أو عرفة فبدعة باتفاق العلماء. 3ـ الصلاة بمزدلفة: فإذا وصل إلى المزدلفة صلى المغرب قبل تنزيل الأحمال إن أمكن ثم إذا أنزلوها صلوا العشاء وإن أخر العشاء لم يضره ذلك. ويبيت بمزدلفة،وهى المشعر الحرام وهى مابين مأزمي عرفة إلى بطن محسّر. فإن بين كل مشعرين حداً ليس منهما، فبين عرفة ومزدلفة بطن عرنة وبين مزدلفة ومنى بطن محسِّر. 4ـ المبيت بمزدلفة: والسنة أن يبيت بمزدلفة ويصلى بها الفجر في أول الوقت ثم يقف بالمشعر الحرام إلى أن يسفر جدا قبل طلوع الشمس. فإن كان من الضعفة كالنساء والصبيان ونحوهم فإنه يتعجل من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر. ومزدلفة كلها موقف لكن الوقوف عند قزح أفضل وهو جبل المقيدة الذي يقف فيه الناس اليوم وقد بُنِى عليه مسجد يخص باسم المشعر الحرام. فإذا كان قبل طلوع الشمس أفاض من مزدلفة إلى منى فإذا أتى محسراً أسرع قدر رمية بحجر. 5ـ قطع التلبية: ولا يزال يلبى في ذهابه من مشعر إلى مشعر مثل ذهابه إلى عرفات ومنها إلى مزدلفة حتى يرمى جمرة العقبة. فإذا شرع في الرمي قطع التلبية فإنه حينئذ يشرع في التحلل.

_ (1) - لما رواه الازرقي في تاريخ مكة (2/191) بسنده عن غنيم بن كليب عن أبيه عن جده قال:رأيت النبيصلىالله عليه وسلم في حجته وقد دفع من عرفة إلى جمع والنار توقد بالمزدلفة وهو يؤمها حتى نزل قريب منها) وكذا قول ابن عمر (كانت النار توقد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان)

وفي التلبية ثلاثة أقوال:قول/ يقطعها إذا وصل إلى عرفة. وقول:/ يلبى بعرفة وغيرها إلى أن يرمى الجمرة. والثالث:/ أنه إذا أفاض من عرفة إلى مزدلفة لبى وإذا أفاض من مزدلفة إلى منى لبى حتى يرمى جمرة العقبة وهكذا صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[ (1) ] .وأما التلبية في وقوفه بعرفة ومزدلفة فلم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -وقد نُقل عن الخلفاء الراشدين وغيرهم أنهم كانوا يلبون بعرفة

_ (1) 36 -في الصحيحين (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة) رواه البخاري في الحج باب التلبية والتكبير غداة النحر 1686ومسلم في الحج باب استحباب إد امة التلبية 1281.

الفصل الحادي عشر/ في أعمال يوم النحر.

الفصل الحادي عشر/ في أعمال يوم النحر. 1ـرمى جمرة العقبة: فإذا أتى منى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات ويرفع يده في الرمي وهى آخر الجمرات من ناحية منى وأقربهن من مكة وهى الجمرة الكبرى ولا يرمى يوم النحر غيرها، يرميها مستقبلا لها يجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه هذا هو الذي صح عن النبي- صلى الله عليه وسلم - فيها (ويستحب أن يكبر مع كل حصاة) [ (1) ] .وله أن يأخذ الحصى من حيث شاء لكن لا يرمى بحصى قد رُمي به.ويستحب أن يكون فوق الحمص ودون البندق وإن كسره جاز. والتقاط الحصى أفضل من تكسيره.وإن شاء قال مع ذلك: (اللهم اجعله حجاً مبروراٌ وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً) فإذا رمى جمرة العقبة نحر هديه إن كان معه هدى.ثم يحلق رأسه أو يقصره والحلق أفضل من التقصير وإذا قصره جمع الشعر وقص منه بقدر الأنملة أو أقل أو أكثر والمرأة لا تقص أكثر من ذلك،وإذا فعل ذلك فقد تحلل باتفاق المسلمين التحلل الأول فيلبس الثياب ويقلم أظفاره وكذلك له على الصحيح أن يتطيب ويتزوج أي يحل له عقد النكاح دون المباشرة، وأن يصطاد في الحل خارج الحرم، ولا يبقى عليه من المحظورات إلا النساء. لحديث ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شنئ إلا النساء..) [ (2) ]

_ (1) - لما رواه البخاري في الحج باب يكبر مع كل حصاة 1750ومسلم في الحج باب رمى جمرة العقبة من بطن الوادي 1296 (2) -لقول عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب رسول الله- صلى الله عليه وسلم -لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت) متفق عليه [واللفظ للبخاري] ..فإذا ثبت بهذه السنة حل الطيب، وهو من مقدمات النكاح ودواعيه: فعقدُ النكاح أولى، لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَإِذَا حَلَلتُم فَاصطَادُواْ} المائدة/2] ولم يقيده من جميع المحظورات بل هو مطلق ونكره في سياق الشرط: فيدخل فيه كل حل سواء كان حلاً من جميع المحظورات أم أكثرها أم من بعضها.) أ. هـ مختصراً انظر شرح العمدة [2/535- 538]

2ـ الهدى والصيام على القارن والمتمتع:

2ـ الهدى والصيام على القارن والمتمتع: الهدى:وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد لكن عليه وعلى المتمتع هدى بدنة أو بقرة أو شاة أو شرك في دم.ويستحب أن تُنحر الإبل مستقبلة القبلة قائمة معقولة اليد اليسرى والبقر والغنم بضجعها على شقها الأيسر مستقبلاً القبلة ويقول بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك اللهم تقبل منى كما تقبلت من إبراهيم خليلك.وكل ما ذُبِح بمنى وقد سيق من الحل إلى الحرم فانه هدى بالاتفاق، ويسمى أيضاً أضحية بخلاف ما يذبح يوم النحر بالحل فانه أضحية وليس بهدى. وأما إذا اشترى الهدى من منى وذبحه فيها ففيه نزاع فمذهب مالك أنه ليس بهدى وهو منقول عن ابن عمر ومذهب الثلاثة أنه هدى وهو منقول عن عائشة. الصيام: فمن لم يجد الهدى صام ثلاثة أيام قبل يوم النحر وسبعة إذا رجع. وفيه ثلاث روايات عن أحمد قيل: أنه يصومها قبل الإحرام بالعمرة وقيل:لا يصومها إلا بعد الإحرام بالحج وقيل: يصومها من حين الإحرام بالعمرة وهو الأرجح.وقد قيل: أنه يصومها بعد التحلل من العمرة فانه حينئذ شرع في الحج لقوله - صلى الله عليه وسلم -:) دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) [ (1) ] وحينئذ فلا بد من صوم بعض الثلاثة قبل الإحرام بالحج.

_ (1) -رواه أحمد [1/236] ومسلم 1243في الحج باب جواز العمرة في أشهر الحج بنحوه.

3ـ الطواف والسعي بعد الإفاضة من عرفة:

3ـ الطواف والسعي بعد الإفاضة من عرفة: وبعد ذلك يدخل مكة فيطوف طواف الإفاضة إن أمكنه يوم النحر وإلا فعله في أيام التشريق فإن تأخيره عن ذلك فيه نزاع.ثم يسعى بعد ذلك سعى الحج وليس على المفرد إلا سعى واحد وكذلك القارن عند جمهور العلماء وكذلك المتمتع في أصح أقوالهم وهو أصح الروايتين عن أحمد،فان الصحابة الذين تمتعوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة قبل التعريف فإذا اكتفي المتمتع بالسعي الأول أجزأه ذلك كما يجزئ المفرد والقارن قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قيل لأبى: المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: إن طاف طوافين يعنى بالبيت وبين الصفا والمروة فهو أجود وإن طاف طوافاً واحداً فلا بأس وإن طاف طوافين فهو أعجب إليِّ. وروى أحمد بسنده عن ابن عباس أنه كان يقول: المفرد والمتمتع يجزئه طواف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة. وقد اختلفوا في الصحابة المتمتعين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع اتفاق الناس على أنهم طافوا أولا بالبيت وبين الصفا والمروة ولما رجعوا من عرفة قيل: إنهم سعوا أيضاً بعد طواف الإفاضة وقيل: لم يسعوا وهذا هو الذي ثبت في صحيح مسلم [1218] وغيره عن جابر قال) لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً طوافه الأول) وقد روى في حديث عائشة: أنهم طافوا مرتين لكن هذه الزيادة قيل: أنها من قول الزهري وقد احتج بها بعضهم على أنه يستحب طوافان وهذا ضعيف والأظهر ما في حديث جابر ويؤيده قوله: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) فالمتمتع من حين أحرم بالعمرة دخل بالحج لكنه فصل (بتحليل) ليكون أيسر على الحاج وأحب الدين إلى الله (الحنيفية السمحة) [المسند1/236] ولا يستحب للمتمتع ولا لغيره أن يطوف للقدوم بعد التعريف بل هذا الطواف هو السنة في حقه كما فعل الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.فإذا طاف طواف الإفاضة فقد حل له كل شيء النساء وغير النساء. .

الفصل الثاني عشر/في المبيت بمنى ورمى الجمرات:

الفصل الثاني عشر/في المبيت بمنى ورمى الجمرات: ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ويرمى الجمرات الثلاث كل يوم بعد الزوال يبتدىء بالجمرة الأولى التي هي أقرب إلى مسجد الخيف. ويستحب أن يمشى إليها فيرميها بسبع حصيات. وأن يكبر مع كل حصاة وإن شاء قال: اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً.ويستحب له إذا رماها أن يتقدم قليلاً إلى موضع لا يصيبه الحصى فيدعو الله تعالى مستقبل القبلة رافعاً يديه [ (1) ] بقدر قراءة سورة البقرة ثم يذهب إلى الجمرة الثانية فيرميها كذلك فيتقدم عن يساره يدعو مثل ما فعل عند الأولى ثم يرمى جمرة العقبة بسبع حصيات أيضاً ولا يدعو عندها ثم يرمى في اليوم الثاني من أيام منى مثل ذلك ثم إن شاء رمى في اليوم الثالث وهو الأفضل وإن شاء تعجل في اليوم الثاني بنفسه قبل غروب الشمس كما قال تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ في يَومَينِ فلا إِثمَ عَلَيهِ} [البقرة/ 203] فإذا غربت الشمس وهو بمنى أقام حتى يرمى مع الناس في اليوم الثالث. ولا ينفر الإمام الذي يقيم للناس المناسك بل السنة أن يقيم إلى اليوم الثالث ويصلى بالناس بمنى ويصلى خلفه أهل الموسم.

_ (1) -لما رواه البخاري في الحج باب رفع اليدين عند الجمرتين الدنيا والوسطى1752و1753

الفصل الثالث عشر/الصلاة في المشاعر:

الفصل الثالث عشر/الصلاة في المشاعر: 1ـ الصلاة: ويصلون بعرفة ومزدلفة جمعا وقصرا.ويقصرون الصلاة فقط بمنىكما كان أهل مكة يفعلون خلف النبي- صلى الله عليه وسلم - ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -ولا خلفاؤه أحداً من أهل مكة أن يتموا الصلاة. إنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (يا أهل مكة أتموا صلاتكم فانا قوم سفر) [ (1) ] في غزوة الفتح لمّا صلى بهم بمكة. وأما في حجه فكان نازلا خارج عمران مكة وهناك كان يصلي بأصحابه ثم لما خرج إلى منى وعرفة خرج معه أهل مكة وغيرهم ثم رجعوا معه. ولما صلى بمنى أيام منى صلوا معه.ولم يحد النبي - صلى الله عليه وسلم - السفر لا بمسافة ولا بزمان ولم يكن بمنى أحد ساكنا في زمنه ولهذا قال:) منى مناخ من سبق) [رواه أحمد) 6/207) وصححه الترمذي (881] وقيل أنها سُكنتْ في خلافة عثمان وأنه بسبب ذلك أتم عثمان الصلاة لأنه كان يرى أن المسافر من يحمل الزاد والمزاد. ويستحب أن لا يدع الصلاة في مسجد نمرة،والخيف بمنى مع الإمام. فإن لم يكن للناس إمام عام صلى الرجل بأصحابه. 2ـ صلاة العيد والجمعة بالمشاعر: وليس بمنى صلاة عيد والنبي- صلى الله عليه وسلم - لم يصل جمعة ولا عيداً في السفر لا بمكة ولا عرفة بل كانت خطبته بعرفة خطبة نُسك لا خطبة جمعة ولم يجهر بالقراءة في الصلاة بعرفة.

_ (1) - رواه الإمام مالك في الموطا موقوفاً على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحج باب صلاة منى برقم 203

3ـ طواف الوداع وإلتزام الملتزم:

3ـ طواف الوداع وإلتزام الملتزم: ثم إذا نفر من منى فان بات بالمحصب وهو الأبطح وهو مابين الجبلين إلى المقبرة، ثم نفر بعد ذلك فحسن. فان النبي - صلى الله عليه وسلم - بات به وخرج ولم يقم بمكة بعد صدوره من منى لكنه ودع البيت وقال: (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت.) [ (1) ] فلا يخرج الحاج حتى يطوف طواف الوداع ليكون آخر عهده بالبيت. ومن أقام بمكة فلا وداع عليه.وهذا الطواف يؤخره الصادر من مكة حتى يكون بعد جميع أموره فلا يشتغل بعده بتجارة ونحوها لكن إن قضى حاجته أو اشترى شيئاً في طريقه بعد الوداع أو عمل مم اهو من أسباب الرحيل فلا إعادة عليه.وإن أقام بعد الوداع أعاده. وهذا الطواف واجب عند الجمهور ويسقط عن الحائض.وإن أحب أن يأتي الملتزم وهو مابين الحجر الأسود والباب فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعو ويسأل الله تعالى حاجته فعل. ولا فرق بين أن يكون حال الوداع أو غيره. والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين يدخلون مكة. ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً. فإذا ولّى لا يقف ولا يلتفت ولا يمشى القهقرى ـ مشية الراجع إلى خلف ـ وكذلك عند سلامه على النبي - صلى الله عليه وسلم - بل يخرج كما يخرج الناس من المساجد عند الصلاة.

_ (1) -رواه البخاري في الحج باب طواف الوداع1755ومسلم في الحج باب وجوب طواف الوداع 1328

4ـ دعاء ابن عباس الماثور في طواف الوداع:

4ـ دعاء ابن عباس الماثور في طواف الوداع: وإن شاء قال في دعائه الدعاء المأثور عن ابن عباس:) اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك وأعنتني على أداء نسكي فإن كنت رضيت عنى فازدد عنى رضا وإلا فمن الآن فارض عنى قبل أن تنأى عن بيتك دارى فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغباً عنك ولاعن بيتك اللهم فاصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن متقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني وأجمع لي بين خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير) . 5ـ دخول الكعبة: ليس بفرض ولا سنة مؤكدة بل دخولها حسن والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخلها في الحج ولا العمرة،وإنما دخلها عام فتح مكة.ومن دخلها يستحب أن يصلى فيها ويكبر الله ويدعوه ويذكره فإذا دخل تقدم حتى يصير بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع والباب خلفه فذلك المكان الذي صلى فيه النبي- صلى الله عليه وسلم - ولا يدخلها إلا حافياً. والحِجر أكثره من البيت من حيث ينحني حائطه فمن دخله فهو كمن دخل الكعبة.وليس على داخل الكعبة ما ليس على غيره من الحجاج.

الفصل الرابع عشر/في زيارة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وغيره: ـ

الفصل الرابع عشر/في زيارة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وغيره: ـ 1-حرمة المدينة كحرمة مكة ولا ثالث لهما: وحرم المدينة محدد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (..المدينة حرم مابين عير إلى ثور..) [ (1) ] وهو مابين لابتيها. واللابة: هي الحرة وهى الأرض التي فيها حجارة سود وهو بريد في بريد -والبريد أربع فراسخ- فهذا الحرم لا يصطاد صيده ولا يقطع شجره إلا لحاجة كآلة الركوب والحرث ويؤخذ من حشيشه ما يحتاج إليه للعلف فإن النبي- صلى الله عليه وسلم - رخص لأهل المدينة في هذا لحاجتهم إليه. وإذا أدخل عليه صيد لم يكن عليه إرساله. والحرم المجمع عليه حرم مكة،والمدينة لها حرم عند الجمهور ولم يتنازع المسلمون في حرم ثالث إلا في وج -وهو واد بالطائف – وهو عند بعضهم حرم وعند الجمهور ليس بحرم. ولا يقال حرم المقدس وحرم الخليل فإن هذين وغيرهما ليس بحرم باتفاق المسلمين.

_ (1) - حرمة المدينة وردت في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما أنظر مثلا صحيح البخاري كتاب فضائل المدينة ومسلم في كتاب الحج باب فضل المدينة.

2-آداب الزيارة:

2-آداب الزيارة: فإذا دخل المدينة فإنه يأتي مسجد النبي- صلى الله عليه وسلم - ويصلى فيه (والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، كما: لا تشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد الأقصى) .أخرجه البخاري/1189, 1190 ومسلم/1397،1396) ومسجده كان أصغر مما هو اليوم وكذلك المسجد الحرام لكن زيد فيهما،وحكم الزيادة حكم المزيد في جميع الأحكام. ثم يسلم على النبي- صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه فانه قد قال: (م امن رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) رواه أبو داود وغيره وكان عبد الله بن عمر يقول إذا دخل المسجد: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت ثم ينصرف. وهكذا كان الصحابة يسلمون عليه،مستقبلي الحجرة مستدبري القبلة عند أكثر العلماء كمالك والشافعي وأحمد. وأبو حنيفة قال: يستقبل القبلة فمن أصحابه من قال: يستدبر الحجرة ومنهم من قال:يجعلها عن يساره.واتفقوا على أنه لا يستلم الحجرة ولا يقبلها ولا يطوف بها ولا يصلى إليها. وإذا قال في سلامه:السلام عليك يا رسول الله يا نبي الله يا خيرة الله من خلقه يا أكرم الخلق على ربه يا إمام المتقين فهذا كله من صفاته بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم -ولا يدعو هناك مستقبل الحجرة فان هذا كله منهي عنه باتفاق الأئمة ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك. ولم يكن أحد من الصحابة يقف عنده يدعو لنفسه ولكن كانوا يستقبلون القبلة ويدعون في مسجده،فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره ولكنه كره أن يتخذ مسجداً) أخرجه البخاري /1330ومسلم /529) فدفنته الصحابة في موضعه الذي مات فيه من حجرة عائشة وكانت وسائر الحجر خارج المسجد من قبليّه وشرقيّه. .ولما كان في زمن الوليد بن عبد الملك عُمِّر هذا المسجد وغيره فدخلت

3ـ زيارة مسجد قباء:

الحجرة في المسجد من ذلك الزمان وبنيت منحرفة عن القبلة مسنمة لئلا يصلى أحد إليها لقوله - صلى الله عليه وسلم - (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) رواه مسلم/972] والله أعلم. 3ـ زيارة مسجد قباء: ويستحب أن يأتي مسجد قباء ويصلى فيه فإن النبي- صلى الله عليه وسلم -قال (الصلاة في مسجد قباء كعمرة) قال الترمذي: حديث حسن.لكنه يزار من المدينة وليس لأحد أن يسافر إليه لنهيه- صلى الله عليه وسلم -أن تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة، كما مر. 4ـ رفع الأصوات في المساجد: ورفع الصوت في المساجد منهي عنه وهو في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد. وقد ثبت أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -رأى رجلين يرفعان أصواتهما في المسجد فقال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضربا ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ [البخاري/470] 5ـ تمور المدينة ومياهها: أما التمر الصيحاني فلا فضيلة فيه بل غيره من التمر البرني والعجوة خير منه وصح عنه: (من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر) رواه البخاري /5445) ومسلم /2047) ولم يكن بالمدينة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عين جارية لا الزرقاء ولا عيون حمزة ولا غيرهما بل كل هذا مستخرج بعده. 6ـ زيارة المسجد الاقصى فك الله أسره: والسفر إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف مستحب،ولا يفعل فيه وفي مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما يفعل في سائر المساجد، وليس فيها شيء يتمسح به ولا يقبل ولا يطاف به هذا كله ليس إلا في المسجد الحرام خاصة. ولا يستحب زيارة الصخرة بل المستحب أن يصلى في قبلي المسجد الأقصى الذي بناه عمر بن الخطاب للمسلمين.

7ـ زيارة القبور شرعية وبدعية:

7ـ زيارة القبور شرعية وبدعية: أ-فالشرعية: المقصود بها السلام على الميت والدعاء له، فزيارته بعد موته من جنس الصلاة عليه فالسنة أن يسلم على الميت ويدعو له سواء كان نبياً أو غير نبي لأمره- صلى الله عليه وسلم - إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) [ (1) ] وهكذا إذا زار أهل البقيع أو زار شهداء أُحد أو غيرهم. وليست الصلاة عند قبورهم أو قبور غيرهم مستحبة عند أحد من أئمة المسلمين.بل الصلاة في المساجد التي ليس فيها قبر أحد من الأنبياء والصالحين وغيرهم أفضل من الصلاة في المساجد التي فيها ذلك، باتفاق أئمة المسلمين. بل الصلاة في المساجد التي على القبور إما محرمة وإما مكروهة.وتزار القبور بالزيارة الشرعية من كان قريباً ومن اجتاز بها.

_ (1) - نحوه في المسند (6/111) وكذا مسلم في الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور.

8ـ زيارة البقاع التى بنيت على الاثار:

ب -والزيارة البدعية: أن يكون مقصود الزائر طلب حوائجه من ذلك الميت أو الدعاء عند قبره أو الدعاء به فهذا ليس من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -بل هو من البدع المنهي عنها باتفاق الأئمة، وقد كره مالك وغيره أن يقول القائل:زرت قبر النبي- صلى الله عليه وسلم -وهذا لفظ لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل الأحاديث المذكورة في هذا الباب مثل قوله:من زارني، وزار أبي إبراهيم في عام واحد، ضمنت له على الله الجنة، وقوله: من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي..أوحلت عليه شفا عتي ونحو ذلك -كلها أحاديث ضعيفة، بل موضوعة -ليست في شيء من دواوين الإسلام،التي يعتمد عليها، ولكن روى بعضها البزار، والدا رقطني ونحوهما بأسانيد ضعيفة، لأن من عادة الدارقطني وأمثاله يذكرون هذا في السنن ليعرف، وهو وغيره يبينون ضعف الضعيف من ذلك، فإذا كانت هذه الأمور التي فيها شرك وبدعة نهى عنها عند قبره وهو أفضل الخلق فالنهى عن ذلك عند قبر غيره أولى وأحرى. 8ـ زيارة البقاع التى بنيت على الاثار: وأما زيارة المساجد التي بنيت بمكة وغيرها على آثار النبي- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه غير المسجد الحرام. وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة غير المشاعر مثل جبل حراء والجبل الذي عند منى الذي يقال فيه قبة الفداء، وما يوجد في الطرقات من المساجد المبنية على الآثار ونحوها فإن ذلك كله ليس من سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قصداً أو زيارة شيء منها بل هو بدعة.

الفصل الخامس عشر/ في حق الله تبارك وتعالى:

الفصل الخامس عشر/ في حق الله تبارك وتعالى: والله هو المعبود المسؤل المستعان به الذي يخاف ويرجى ويتوكل عليه قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخشَ اللهَ وَيَتَّقهِ فَأُوْلَئَكَ هُمُ الفائزون} [النور /52] فجعل الطاعة لله والرسول كما قال تعالى: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَد أَطَاعَ اللهَ} [النساء/ 80] وجعل الخشية والتقوى لله وحده لاشريك له فقال تعالى: {وَلَو أَنَّهُم رَضُواْ ما أتاهم اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسبُنَا اللهُ سَيُؤتِينَا اللهُ مِن فَضلِهِ وَرَسُولُهُ إنا إلى اللهِ رَاغِبُونَ} [التوبة /59] فأضاف الإيتاء إلى الله والرسول كما قال تعالى: {وَمَآ ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُواْ} [الحشر/ 7] فليس لأحد أن يأخذ إلا ما أباحه الله والرسول وإن كان الله آتاه ذلك من جهة القدرة والملك فانه يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - يقول في الاعتدال من الركوع وبعد السلام: (اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) [ (1) ] أي من آتيته جداً وهو البخت والمال والملك فانه لا ينجيه منك إلا الإيمان والتقوى وأما التوكل فعلى الله وحده والرغبة فإليه وحده كما قال تعالى: {وَقَالُواْ حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ} [آل عمران / 173] وقالوا: {إنا إلى رَبِنَا رَاغِبُونَ} [القلم/32] ولم يقولوا هنا ورسوله كما قال في الإيتاء وقد قال تعالى: {يا أيُّهَا النبي حَسبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنِيَن} [الأنفال /64] أي الله وحده حسبك وحسب المؤمنين الذين اتبعوك ومن قال: إن المعنى الله والمؤمنون حسبك فقد ضل بل قوله من جنس الكُفْر فان الله وحده هو حسب كل

_ (1) -في الاعتدال بعد الركوع رواه مسلم (471) وبعد السلام. أخرجاه البخاري في الآذان باب الذكر بعد الصلاة (844) ومسلم في الصلاة باب اعتدال أركان الصلاة (593) ورواه أصحاب السنن.

مؤمن به. والحسب الكافي كما قال تعالى: {أَلَيسَ اللهُ بِكَافٍ عَبدَهُ} [الزمر/36] ولله تعالى حق لا يشركه فيه مخلوق وذلك أن الدين مبنى على أصلين:أن لا يعبد إلا الله وحده لاشريك له،ولا يعبد إلا بما شرع لا نعبده بالبدع كما قال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرجُواْ لِقَآءَ رَبِهِ فَليَعمَل عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشرِك بِعِبَادَةِ رَبِهِ أَحَدَا} [الكهف/110] ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه: (اللهم اجعل عملي كله صالحاً واجعله لوجهك خالصاً ولا تجعل فيه لأحد شيئاً) وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى {لِيَبلُوَكُم أَيُكُم أَحسَنُ عَمَلاً} المُلكِ/2] ..إن العمل لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً،والخالص أن يكون لله والصواب، أن يكون على السنة وقد قال الله تعالى: {أَم لَهُم شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُم مِنَ الدِينِ مَا لَم يَأذَن بِهِ اللهُ) الشورى/21] والمقصود بجميع العبادات أن يكون الدين كله لله وحده،فله الدين خالصاً: {وَلَهُ أَسلَمَ مَن في السَماوَاتِ وَالأرضِ طَوعاً وَكَرهاً} آل عمران/83] وقال تعالى: {تَنزِيلُ الكِتَابِ منَ الله العَزِيزِ الحَكِيمِ إِنَّا أَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ فَاعبُدِ اللهَ مُخلِصاً لَهُ الدِينَ أَلاَ للهِ الدِينُ الخَالِصُ} الزمر/1ـ3] إلى قوله تعالى {قُلِ اللهَ أَعبُدُ مُخلِصاً لَّهُ ديني} الزمر/14] إلى قوله {قُل أَفَغَيرَ اللهِ تأمروني أَعبُدُ أَيُّهَا الجَاهلُونَ} الزمر / 64] وقال تعالى: {قُلِ ادعُواْ الذينَ زَعَمتُم مّن دُونِهِ فَلاَ يَملِكُونَ كَشفَ الضُّرِّ عَنكُم} الإسراء/ 56] الآيتين وقال تعالى: {وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحمَنُ وَلَداً سُبحَانَهُ بَل عِبَادٌ مُّكرَمُونَ لا َيَسبِقُونَهُ بِالقَولِ} [الأنبياء/26ـ27] الآيات وقال تعالى: {وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ} الذاريات /56] فيجب على المسلم أن يعلم أن الحج من جنس

الصلاة ونحوها من العبادات التي يُعبد الله بها وحده لاشريك له وأن الصلاة على الجنائز وزيارة قبور الأموات من جنس الدعاء لهم والدعاء للخلق من جنس المعروف والإحسان الذي هو من جنس الزكاة.ولهذا كان أئمة العلماء يعدون من جملة البدع المنكرة السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين. وأن من سافر هذا السفر لا يقصر فيه الصلاة لأنه سفر معصية أو سافر لأجل الاستعاذة بهم ونحو ذلك فهذا شرك وبدعة كما تفعله النصارى ومن أشبههم من مبتدعة هذه الأمة.ولهذا قال- صلى الله عليه وسلم - لما ذكرت له أم سلمة كنيسة بأرض الحبشة وما فيها من التصاوير فقال: (أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) رواه البخاري/434ومسلم/528) فلا يجوز بناء المساجد على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بخمس ليال: (إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم رقم/532]

الفصل السادس عشر/في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

الفصل السادس عشر/في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم -: فحقه: الإيمان به. وطاعته وأتباع سنته وموالاة من يواليه ومعاداة من يعاديه وتقديمه في المحبة على الأهل والمال والنفس كما قال) :- صلى الله عليه وسلم -والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) [رواه البخاري1573 ومسلم 1259] .وقال تعالى: {قُل إِن كَانَءَابآؤُكُم وَابنآؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرتُكُم وَأَموَالُ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ في سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأتِي اللهُ بِأَمرِهِ وَاللهُ لاَ يَهدِى القَومَ الفَاسِقِينَ} التوبة /24] وقال تعالى: {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤمِنِينَ} التوبة / 62]

والصلاة عليه مشروعة في كل زمان ومكان وفي مسلم [408] أنه - صلى الله عليه وسلم -قال: (من صلى على مرة صلى الله عليه بها عشراً) وقال: (أكثروا علىّ من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فان صلاتكم معروضة علىّ) [ (1) ] وفي المسند [5/136] (أن رجلا قال يا رسول الله أجعل عليك ثلث صلاتي قال: إذاً يكفيك الله ثلث أمرك فقال: أجعل عليك ثلثي صلاتي قال إذاً *يكفيك الله ثلثي أمرك قال أجعل صلاتي كلها عليك قال إذاً يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وأمر أخرتك) .ورواه الترمذي وقال:حسن صحيح وفي السنن عنه- صلى الله عليه وسلم -أنه قال: (لا تتخذوا قبري عيداً وصلوا على حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني) لذا لمّا رأى عبد الله بن حسن شيخ الحسنيين في زمنه رجلا ينتاب قبر النبي- صلى الله عليه وسلم - للدعاء عنده قال:..ما أنت ورجل بالأندلس إلا سواء. ولهذا كان السلف يكثرون الصلاة والسلام عليه في كل مكان وزمان. وكانوا يفعلون في مسجده ما هو المشروع في سائر المساجد من الصلاة والقراءة والذكر والدعاء والاعتكاف وتعليم القرآن والعلم وتعلمه ونحوه.وقد علموا أن للنبي - صلى الله عليه وسلم - مثل أجر كل عمل صالح تعمله أمته فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال:) من دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً.) رواه مسلم [2674] فكل خير يعمله أحد من الأمة فله مثل أجره فلم يكن - صلى الله عليه وسلم - يحتاج إلى أن يُهدى إليه ثواب أي عمل. وكل من كان له أطوع وأتبع كان أولى الناس به في الدنيا والآخرة قال تعالى: {قُل هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُواْ إلى اللهِ عَلَى بَصِيَرةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتبعني} يوسف/ 108] والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين آمين.

_ (1) -رواه الإمام أحمد4/8أبود اود برقم 1047 والنسائي في الجمعة باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 3/91ورواه ابن ماجة والدار مي.

§1/1