مختصر العلو للعلي العظيم

الذهبي، شمس الدين

المقدمات

المقدمات بسم الله الرحمن الرحيم تقديم بقلم: زهير الشاويش الحمد لله على أفضاله، والصلاة والسلام على معلم الخير سيدنا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، ورضي الله عن صحابته وأتباعهم من العلماء المتقين الذين نقولا لنا هذا الدين القويم، سليما من كل زيف وتحريف، وعرفونا بصفات ربنا بما يليق بجلاله وجماله وكماله، وأوضحوا لنا سبل المعتقد، وطريق العبادة، وإقامة العدل، والتحلي بالأخلاق الكريمة، والألفاظ المهذبة. جعلنا الله من القائمين على كل ذلك في جميع أحوالنا وأقوالنا، حتى نلقى الله وهو راض عنا. أما بعد: فقد سبق أن طلبت من فضيلة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -حفظه الله- أيام عمله في المكتب الإسلامي سنة 1391هـ القيام على تخريج أحاديث كتاب "العلو" للحافظ الذهبي من ضمن مجموعة من كتب العقيدة. فوافق على ذلك مقترحا أن يختصر منه بعض الأحاديث المكررة والضعيفة والغريبة فوافق على ذلك مقترحا أن يختصر منه بعض الأحاديث المكررة والضعيفة والغربية لأسباب بينها واقتنعت بها. وهكذا كان -مما تجده في مقدمته الصفحة "5-6". وقام الإخوة في قسم التصحيح بدمشق بنسخ المخطوطة والأصل المطبوع، وعمل الشيخ وتعليقاته، ومساعدته بالمقابلة والتصحيح. وأرسل الكتاب إلي في بيروت، بعد أن تعذر طبعه في دمشق، فعملت على إعداده للطبع بإعادة نسخه. وجعلت المتن بحرف كبير، والتخريج بحرف أصغر، مما يسهل على القارئ الكريم معرفة درجة الحديث، والقول المناسب له في التخريج.

بسرعة. ووضعت التعليقات في هوامش الصفحات تحت الجدول. كما أضفت بعض التعليقات، واقترحت تعديل أشياء لمصلحة رأيتها، واقتنع بها الشيخ ناصر -كما هي العادة في جميع مطبوعاتنا-. وجرى تنضيد الكتاب في بيروت وأرسلنا التجارب إلى دمشق حيث عمل الشيخ مع الإخوة الأكارم موظفي قسم التصحيح بالمقابلة وزاد فضيلته في مقدمته أشياء وجدها مفيدة، حتى زادت المقدمة على الثمانين صفحة. وتأخر إرجاع الكتاب إلينا زمنا طويلا لظروف قاهرة، إلى أن يسر لنا الله طبعه سنة 1401=1981. واليوم نقدم للإخوة الأحبة من المؤمنين الطبعة الثانية، مصورة عن الطبعة الأولى بطريقة "الأوفست" في أكثرها. بعد إصلاح ما ند الشيخ والإخوة من أخطاء مطبعية -مما لا يخلو منه كتاب- باذلين الجهد المستطاع، مع إعادة تنضيد بعض الصفحات والأسطر. وقد تحمل العبء الكبير -في إعداد هذه الطبعة- الإخوة أعضاء مكتب التصحيح في بيروت -جزاهم الله الخير-. وكنا نتمنى أن نضيف ما قد يكون عند فضيلة الشيخ ناصر من زيادات أو تصويبات ... ولكن تعذر ذلك عليه، نرجو الله أن يكون لنا وله عونا على الخير والسداد، وأن يختم لنا وله بالحسنى. وإنني أرجو الله -سبحانه- أن يكتب لنا ولمن سبقنا من علمائنا، وكل من ساعدنا، فيما نقدم للناس، مما نحسبه خيرا لنا ولهم في دنيانا وآخرتنا. والحمد لله رب العالمين. بيروت العاشر من صفر 1412. 20/ 8/ 1991.

مقدمة: الإمام الألباني

مقدمة: الإمام الألباني بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وصلاة الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أجمعين إلى يوم الدين أما بعد فبين يدي القارئ الكريم مختصري للكتاب الجليل: "العلو للعلي العظيم وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها" للحافظ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز الدمشقي الأثري المعروف ب "الذهبي" وهو "كتاب العرش" الذي ذكره ابن العماد في ترجمة الحافظ من "الشذرات" "8/ 156" وكذا السفاراني في كتابه "لوامع الأسرار" ونقل عنه مرارا كما رأيته في "مختصره" 1 للشيخ العلامة محمد بن علي بن سلوم. ويعود الفضل في إقدامي على اختصار هذا الكتاب الجليل فضلا عن نشره إلى أخي في الله تعالى الأستاذ زهير الشاويش فقد كنت في حديث علمي معه والكتب المؤلفة في العقيدة حين جاء ذكر هذا الكتاب2 فاقترح علي أن أتولى

_ 1 انظر "لوامع الأسرار ". 2 وذلك في طريقنا لأداء العمرة في رمضان سنة 1391.

تحقيقه وتخريجه فزدت عليه قائلا: واختصاره, وحذف الأخبار السقيمة منه, وبينت له ضرورة ذلك وأهميته. وبعد التداول في ذلك, وإمعان النظر فيه اتفقنا على ذلك, وكان مما شجعني على المضي فيه أنني أعلم وجود نسخة خطية جيدة منه في المكتبة الظاهرية في دمشق يمكننا الاعتماد عليها في التحقيق. وابتدأت العمل في اختصاره من نسخة سقيمة الطبع والتحقيق, لم يتيسر لنا يومئذ غيرها إذ كنا على سفر. حتى إذا رجعت إلى دمشق انكببت عليه تحقيقا وتخريجا وتعليقا حتى يسر الله تعالى إتمامه بمنه وفضله وكرمه. ولما بدأت بالتحقيق كان من أول ما شرعت فيه أن قابلت المطبوعة المشار إليها بمخطوطة المكتبة واستعنت على ذلك ما توفر لدي من نسخ أخرى مطبوعة أهمها الطبعة الأولى منها وهي المطبوعة في الهند على الحجر سنة "1306", عن نسخة خطية كتبت من نسخة كتبت من خط المؤلف رحمه الله تعالى كتبها أحمد بن زيد المقدسي كما جاء في آخر النسخة الهندية. وأما النسخ الأخرى فهي على وفق النسخ الهندية ومأخوذة عنها وهي ثلاث: الأولى: طبعة المنار للسيد رشيد رضا رحمه الله تعالى قام بطبعها سنة "1332" وأصله فيها الطبعة الهندية, كما صرح بذلك على الوجه الأول من طبعته الثانية: طبعة أنصار السنة المحمدية في القاهرة طبعت سنة "1357" بتعليق الأخ الفاضل الشيخ عبد الرزاق عفيفي وتصحيح الأستاذ زكريا علي يوسف. الثالثة: نشر المكتبة السلفية المدينة المنورة. 1388" بتقديم وتصحيح الأستاذ عبد الرحمن محمد عثمان.

وهاتان الطبعتان الأخيرتان أصلهما طبعة السيد رشيد رضا وإن لم يقع التصريح بذلك منهما فإن ذلك بين جلي عند من يقابلهما بهما فإن أي نقص أو خطأ أو تحريف وقع فيها فلا بد أنك واجدها فيهما, والأمثلة على ذلك كثيرة, وإنما أكتفي هنا بمثال واحد منها وهو غريب جدا, يدلك على أهمية التحقيق أو التصحيح الذي يتبجح به بعضهم! وذلك ما نبهت عليه في آخر الكتاب تحت الترجمة "167 - الشيخ أبو البيان" فقد جاء فيها في طبعة المنار "ص342" ما نصه: " ... الحنابلة إذا قيل لهم ما الدليل على أن القرآن "ليس" بحرف وصوت؟ " كذا فيها زيادة "ليس" بين هلالين, وبحرف أصغر من حرف الكتاب, يشير بذلك مصحح الطبعة -ولعله غير السيد رشيد- إلى أنها زيادة باجتهاد من عنده زادها على أصله الذي هو الطبعة الهندية كما سبق وهذه في الواقع خلو منها طبقا للمخطوطة كما بينته هناك. ثم وقع اجتهاد جديد من مصحح طبعة "الأنصار" فحذف الهلالين المحيطين بلفظ "ليس" ودخل هذا بسبب ذلك في صلب الأصل فتضاعف الخطأ لأنه مع كونه غير ثابت في الأصل كما أشار إليه السيد رشيد فهو مفسد للمعنى أيضا لأن الحنابلة يعتقدون أن القرآن بحرف وصوت كما بينته هناك, وهو الحق خلافا للأشاعرة وغيرهم. وكما وقعت هذه الزيادة المفسدة للمعنى في الطبعة المذكورة, كذلك وقعت تماما في طبعة السلفية بالمدينة! وهذا مما ينبه اللبيب إلى مبلغ صحة قول مصحح هذه الطبعة تحت اسم الكتاب: " قدم له وراجع أصوله " " عبد الرحمن...."

باب: وصف المخطوطة

باب: وصف المخطوطة ونسختنا المخطوطة, هي فيما يبدو أقيم وأصح من مخطوطة الطبعة الهندية, فإنها مصححة ومقابلة على نسخة المصنف التي كانت بخطه, فقد جاء على هامش الوجه الأخير منها ما نصه: " بلغ مقابلة على نسخة المصنف بخطه التي نقلت منها فصح الكلام وله الحمد والمنة ". ونحوه على هامش الوجه الثاني من الورقة "31" وغيرها من المواضع. وناسخها عالم فاضل متدين, معروف بطلب العلم, والنسخ لنفسه ولغيره فقد جاء في آخرها ما نصه: " علقه فقير رحمة الله وراجيها, وشفاعة نبيه مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مساعد بن أبي الليل السخاوي عفا الله عنه وعن والديه ومشايخه وجميع المسلمين. والحمد لله وحده وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. وعلى الوجه الأول من الورقة الأولى منها ما نصه: " وقد أجازني بجميع تآليف الشيخ "يعني الحافظ الذهبي" ولده شيخنا زين الدين عبد الرحمن, وقرأت عليه بقرية كفر بطنا أجزاء عدة غير ما سمعته ... وكتبه مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن بن رحمة الحميري الهواري السخاوي وذلك بقرية "الشبعا" من المرج القبلي لدمشق سنة "857" "" هجرية ". كذا وقع بخطه 857 وهو مشكل, لأن وفاته كانت قبل ذلك بسنين, فقد ذكر السخاوي في "الضوء اللامع" "9/ 155" وابن العماد في "الشذرات "

" 7/ 143" أنه توفي سنة تسع عشرة وثمانمائة, ولعله وهم في كتبه 857 والله أعلم. وجاء في ترجمته رحمه الله ما ملخصه: " ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة, وطلب بعد أن كبر, فقرأ على الشيخ صلاح الدين العلائي وغيره, ومهر في الفرائض والميقات وكتب بخطه الكثير لنفسه ولغيره ثم سكن دمشق وانقطع بقرية "عقربا", وكان الرؤساء يزرونه وهو لا يدخل البلد, مع أنه لا يقصده أحد إلا أضافه وتواضع معه. وكان متدينا متقشفا سليم الباطن حسن الملبس مستحضرا الكثير من الفوائد وتراجم الشيوخ الذين لقيهم. وتوفي بقرية "عقربا" شهيدا بالطاعون ". قلت: وهذه المخطوطة وإن كانت لا تخلو من خرم وبعض الأوهام فإنا قد استفدنا منها فوائد كثيرة جدا بالنسبة للمطبوعات, والكثير منها ظاهر في هذا المختصر أيضا ولكثرتها لم أنبه إلا على بعضها, لا سيما ما كان منها متعلقا بتصحيح بعض الألفاظ أو الجمل, وأما الزيادات فقد جعلتها بين معكوفتين [] , وقد أنبه على أنها من المخطوطة, وليس ذلك دائما لأنني استفدت بعضها من مصادر أخرى وأهمها رسالة المؤلف نفسه المخطوطة, والمحفوظة في دار الكتب الظاهرية في المجموع "47 ق104-111" تحت عنوان "مختصر من الذهبية" أولهما بعد البسملة: " فصل هذه جملة من أقوال التابعين وهو أول وقت سمعت مقالة من أنكر أن الله فوق العرش ... " وهي مع كونها نسخة سيئة فيها أخطاء كثيرة كما يتبين لنا بعد نسخها, ومقابلتها بالأصل, فقد استفدنا منها بعض الفوائد والزيادات وتصحيح بعض الآثار كما تراه في تعليقنا على هذا المختصر ربما نبهت فيها على بعضها بقولي: "وفي مختصر المؤلف ".

ومن ذلك الجزء الأول من "كتاب الأربعين في صفات رب العالمين" للمؤلف أيضا, وهي مخطوطة منقولة من خط المؤلف أيضا محفوظة في دار الكتب أيضا تحت رقم "11 - مجموع", فقد ذكر فيها كثيرا من أقوال الأئمة الواردة في الأصل: "العلو" واستفدنا منها بعض التصحيحات لأسانيد بعض الآثار وغير ذلك. وجملة القول أنني أرجو الله تعالى أن يكون هذا "المختصر" بما فيه من مادة علمية منقولة أقرب ما يكون مطابقة لما كانت عليه نسخة المؤلف رحمه الله تعالى لاعتمادي على المخطوطة المشار إليها وغيرها من المصادر المذكورة. وقد جاء عنوان الكتاب في المخطوطة مخالفا بعض الشيء له في المطبوعة, ففي المخطوطة "العلو للعلي العظيم, وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها" وفي المطبوعة "العلو للعلي الغفار في صحيح الأخبار وسقيمها ". فآثرت ما في المخطوطة لأمرين: الأول: أنها أصح من المطبوعة كما سبق: والآخر: أنه جاء في خطبة الكتاب: "الحمد لله العلي العظيم", فكان ما في المخطوطة أنسب لهذا اللفظ مما في المطبوعة, على أنني أخشى أن يكون العنوان الآخر من المطبوعة قد تصرف به بعض المصححين أو غيره. وقد التزمت في اختصاره الأمور التالية: 1- حذفت المكرر منه, وهو قليل. 2- والأحاديث الضعيفة الغرائب التي ليس لها شواهد معتبرة, تمكن تقويتها بها, على ما تقتضيه شروط التقوية المقررة في علم مصطلح الحديث. والمصنف نفسه لم يروها غالبا إلا لتزييفها والكشف عن حالتها كما قال عقب أحدها ص28 من الأصل. وقال في حديث آخر "ص45": " رويته للتحذير منه ".

وقد يورد الحديث الضعيف وهو على علم به, لأن فيه ما يشهد له في الآيات والأحاديث الأخرى كما فعل في حديث الأطيط, فقد قال عقبة "ص39": " وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه مما تواتر من علو الله تعالى فوق عرشه بما يوافق آيات الكتاب ". قلت: وأما أنا فقد جريت في هذا "المختصر" على حذفه وحذف أمثاله من الأحاديث الضعيفة, لأنها وإن كانت تتضمن بعض الحق الذي ورد في النصوص الصحيحة, فإنها على الغالب لا تخلو من زيادات إن لم تكن باطلة أو منكرة فهي على الأقل غريبة لا يوجد لها من الشواهد ما يدعمها فقد يتوهم بعض القراء من ذكرها أنها ثابتة برمتها دون أن ينتبه لكون الشاهد لها, إنما هو شاهد لبعض ما فيها كما سبق. هذا إذا صلحت النية وإلا فقد يستغلها بعض أهل الأهواء والتعصب الخبيث على أهل الحديث, ويوردها محتجا بها لصرفه دلالة الروايات الصحيحة عن الحق الذي دلت عليه وحملها على معاني باطلة اعتمادا منه على مجرد ذكر المؤلف لها, وهو إنما أوردها على سبيل الاستشهاد بها في الجملة لا في التفصيل. من أمثلة ذلك ما صنعه الكوثري المشهور بحديث الجارية الصحيح الآتي برقم "2", فإنه استغل أسوأ الاستغلال الرواية الثانية التي أوردها المصنف في الأصل عقب الحديث المذكور كشاهد لها في الجملة لا في التفصيل, فجاء الكوثري واعتمد عليها جملة وتفصيلا عازيا إياها للمصنف, موهما القارئ أنها ثابتة عنده, فضرب بها الحديث الصحيح, وأبطل بها دلالته الصريحة على مشروعية السؤال بـ"أين الله" لأنه لم يقع فيها هذا اللفظ, وإسنادها ضعيف. كما تراه مشروحا في التعليق عليه قريبا إن شاء الله تعالى. من أجل ذلك وغيره أعرضت عن ذكر الرواية المذكورة ونحوها من الأحاديث الضعيفة, ففي ما ثبت منها خير وبركة وغنية. 3- وقد أحذف ما صرح المؤلف بثبوته أو نقله عن غيره لعلة قادحة ظهرت لي. كحديث أبي هريرة مرفوعا: "لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي النَّارِ قَالَ:

اللَّهُمَّ إِنَّكَ وَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ, وَأَنَا فِي الأَرْضِ وَاحِدٌ أَعْبُدُكَ ". قال المؤلف "ص21": "حسن الإسناد ". وأقول: كلا, فإن فيه علتين بينتهما في "الأحاديث الضعيفة" "1216 ". وكحديث الأوعال الذي يروى عن العباس "ص49-50", وهو مخرج في "المصدر السابق "1247 ". إلى غير ذلك من الأحاديث الضعيفة التي سكت المصنف عنها أو بين ضعفها, أو حسن بعضها, لذاتها أو لغيرها, وهي ليست كذلك عندنا, وهو وإن كان أعرض عن بعضها كما يشعر بذلك قوله في الترجمة "152 - القاضي أبو يعلى": "وسرد كلاما طويلاً, لكنه ساق أحاديث ساقطة لا يسوغ أن يثبت بمثلها لله صفة" وإني كنت أحب له أن ينزه كتابه من الأحاديث التي يراها ضعيفة ولا سيما مما سكت عليه منها. فإن كثيرا من الأحاديث الضعيفة, لا يتنبه لأثرها السيء في الأمة إلا أفراد قليلون من أهل العلم وقد ذكرنا في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" نماذج كثيرة منها. وبينا مبلغ ضررها وغالبها لا تعلق لها بالعقيدة وإنما هي في الأحكام والأخلاق ونحوها. ومما لا شك فيه أن ما كان منها متعلقا في العقيدة قد يكون أشد ضررا من غيرها لأنها قد تفسد عقيدة بعض من لا علم عنده بالتوحيد ولوازمه أو يتخذه بعض أهل الأهواء سلاحا لمحاربة أهل التوحيد أنفسهم المثبتين لله تعالى كل صفة ثابتة في الكتاب أو السنة دون تمثيل أو تعطيل واتهامه إياهم بالتشبيه والتجسيم مع علمه تصريح أهل التوحيد بوجوب تنزيه الله تعالى عن التشبيه والتعطيل معا. وقد أشار إلى شيء من هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, فقد قال في كتابه "مفصل الاعتقاد" "ص9-4 مجموعة الفتاوى" "من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال ويمتازون عنهم بما ليس عندهم فإن المنازع لا بد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقا أخرى مثل المعقول والقياس والرأي ... وكل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتها

وخلاصتها فهم أكمل الناس عقلا, وأعدلهم قياسا, وأصوبهم رأيا, وأصحهم نظرا, وأهداهم استدلالا وأقومهم جدلا وأتمهم فراسة ... " ثم قال "ص23": "وإذا قابلنا بين الطائفتين -أهل الحديث وأهل الكلام- فالذي يعيب بعض أهل الحديث وأهل الجماعة بحشو القول إنما يعيبهم بقلة المعرفة أو بقلة الفهم. أما الأول فبأن يحتجوا بأحاديث ضعيفة وموضوعة, أو بآثار لا تصلح للاحتجاج. وأما الثاني: فبأن لا يفهموا معنى الأحاديث الصحيحة, بل قد يقولون القولين المتناقضين, ولا يهتدون للخروج من ذلك. والأمر راجع إلى شيئين: إما رواية "الأصل: زيادة" أقوال غير مفيدة يظن أنها مفيدة كالأحاديث الموضوعة, وإما أقوال مفيدة لكنهم لا يفهمونها إذا كان إتباع الحديث يحتاج أولا إلى صحة الحديث وثانيا إلى فهم معناه كإتباع القرآن والجهل يدخل عليهم من ترك إحدى المقدمتين ومن عابهم من الناس فإنما يعيبهم بهذا. ولا ريب أن هذا موجود في بعضهم, يحتجون بأحاديث موضوعة في مسائل الأصول والفروع وبآثار مفتعلة وحكايات غير صحيحة ويذكرون من القرآن والحديث ما لا يفهمون معناه وربما تأولوه على غير تأويله ووضعوه على غير موضعه. ثم إنهم بهذا المنقول الضعيف والمعقول السخيف قد يكفرون ويضللون ويبدعون أقواما من أعيان الأمة ويجهلونهم, ففي بعضهم من التفريط في الحق والتعدي على الخلق ما قد يكون بعضه خطأ مغفورا وقد يكون منكرا من القول وزورا, وقد يكون من البدع والضلالات التي توجب غليظ العقوبات. فهذا لا يذكره إلا جاهل أوظالم وقد رأيت لهذا عجائب. لكنهم بالنسبة إلى غيرهم في ذلك كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل, ولا

ريب أن في كثير من المسلمين من الظلم والجهل والبدع والفجور ما لا يعلمه إلا من أحاط بكل شيء علما, لكن كل شر يكون في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر, وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعلى وأعظم, وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ". ثم شرع في تفصيل ذلك وبيانه بما يدل على مزية أهل الحديث على غيرهم من الفرق, فراجعه فإنك لن تراه عند غيره رحمه الله تعالى. والمقصود من ذلك أن رواية الأحاديث الضعيفة من بعض المحدثين هو مما يعاب عليهم من قبل المخالفين لهم, وإن كان هؤلاء يفعلون ما هو أسوأ من ذلك كما أوضحه شيخ الإسلام في الكلام الذي أحلناك عليه آنفا. ومن أشهر من أخذ ذلك عليهم في هذا العصر ويتخذه حجة في تسخيفهم وتضليلهم الشيخ الكوثري المعروف بعدائه الشديد لأهل السنة والحديث ونبزه إياهم بلقب الحشوية والمجسمة, وهو في ذلك ظالم لهم مفتر ولكن -والحق يقال- قد يجد أحيانا في ما يرويه بعضهم من الأحاديث والآثار ما يدعم به فريته مثل الحديث المروي في تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يجلسني على العرش. رواه المصنف "ص74-75" عن ابن مسعود مرفوعا, وضعفه جدا بقوله: "مرسله الأحمر متروك الحديث ". ورواه "ص99" عن ابن عباس مثله موقوفاً. وقال: "إسناده ساقط وعمر بن مدرك الرازي متروك وهذا مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَيُرْوَى مرفوعا وهو باطل". وقد خرجت الحديثين في "الضعيفة" "871 ". وقال في ترجمة محمد بن مصعب العابد كما يأتي: "فأما قضية قعود نبينا على العرش, فلم يثبت في ذلك نص, بل في الباب حديث واه, وما فسر به مجاهد الآية كما ذكرناه ". قلت: ولو أن المصنف رحمه الله تعالى وقف عند هذا البيان الواضح في أنه

ليس في الباب نص ملزم للأخذ به, لكان قد أحسن, وسد بذلك الطريق على أهل الأهواء أن يتخذوا ذلك ذريعة للطعن في أهل السنة والحديث كما فعل الكوثري هنا بالذات في مقدمته لكتاب "تبين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري" "ص64" فقد قال فيهم بعد أن نبزهم بلقب الحشوية -أسوة بسلفه من الجهمية- وغيرهم1: "ويقولون في الله مالا يجوزه الشرع ولا العقل من إثبات الحركة له "تعالى" والنقلة "ويعني بهما النزول" والحد والجهة "يعني العلو" والقعود والإقعاد ". فيعني هذا الذي نحن في صدد بيانه عدم ثبوته. أقول: لو أن المؤلف رحمه الله وقف عند ما ذكرنا لأحسن, ولكنه لم يقنع بذلك, بل سود أكثر من صفحة كبيرة في نقل أقوال من أفتى بالتسليم بأثر مجاهد في تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يجلسه أو يقعده على العرش. بل قال بعضهم: "أنا منكر على كل من رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوء متهم.." بل ذكر عن الإمام أحمد أنه قال: هذا تلقته العلماء بقبول إلى غير ذلك من الأقوال التي تراها في الأصل ولا حاجة بنا إلى استيعابها في هذه المقدمة. وذكر في "مختصره" المسمى ب "الذهبية" أسماء جمع آخرين من المحدثين سلموا بهذا الأثر ولم يتعقبهم بشيء هناك. وأما هنا فموقفه مضطرب أشد الاضطراب فبينما تراه يقول في آخر ترجمة محمد بن مصعب العابد عقب قول من تلك الأقوال "ص126": " فأبصر -حفظك الله من الهوى- كيف آل الفكر بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر ... " فأنت إذا أمعنت النظر في قوله هذا, ظننت أنه ينكر هذا الأثر ولا يعتقده, ويلزمه ذلك ولا يتردد فيه, ولكنك ستفاجأ بقوله "ص143" بعد أن

_ 1 انظر كلام الحافظ أبي حاتم الرازي في ترجمته "77 ".

أشار إلى هذا الأثر عقب ترجمة حرب الكرماني: " وغضب العلماء لإنكار هذه المنقبة العظيمة التي انفرد بها سيد البشر ويبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف ... ". ثم ذكر أشخاصا آخرين ممن سلموا بهذا الأثر غير من تقدم, فإذا أنت فرغت من قراءة هذا, قلت: لقد رجع الشيخ من إنكاره إلى التسليم به, لأنه قال: إنه لا يقال إلا بتوقيف! ولكن سرعان ما تراه يستدرك على ذلك بقوله بعد سطور: "ولكن ثبت في "الصحاح" أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم". قلت: وهذا هو الحق في تفسير المقام المحمود دون شك ولا ريب للأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله تعالى, وهو الذي صححه الإمام ابن جرير في "تفسيره" "15/ 99" ثم القرطبي "10/ 309" وهو الذي لم يذكر الحافظ ابن كثير غيره, وساق الأحاديث المشار إليها. بل هو الثابت عند مجاهد نفسه من طريقين عنه عند ابن جرير. وذاك الأثر عنه ليس له طريق معتبر, فقد ذكر المؤلف "ص125" أنه روي عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وعطاء بن السائب وأبي يحيى القتات وجابر بن يزيد ". قلت: والأولان مختلطان والآخران ضعيفان بل الأخير متروك متهم. ولست أدري ما الذي منع المصنف -عفا الله عنه- من الاستقرار على هذا القول, وعلى جزمه بأن هذا الأثر منكر كما تقدم عنه, فإنه يتضمن نسبة القعود على العرش لله عز وجل, وهذا يستلزم نسبة الاستقرار عليه الله تعالى, وهذا مما لم يرد, فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله عز وجل, ولذلك ترى المؤلف رحمه الله أنكر على من قال ممن جاء بعد القرون الثلاثة: إن الله استوى استواء استقرار" كما تراه في ترجمة "140 - أبو أحمد القصاب ". وصرح في ترجمة "161-

البغوي" أنه لا يعجبه تفسير "استوى" بـ"استقر". بل إنه بالغ في إنكار لفظة "بذاته" على جمع ممن قال: "هو تعالى فوق عرشه بذاته" لعدم ورودها عن السلف, مع أنها مفسرة لقولهم باستواء الله على خلقه حقيقة استواء يليق بجلاله وكماله, واعتبرها من فضول الكلام, فانظرترجمة "136 - ابن أبي زيد" و"144 - يحيى بن عمار" و"146 - أبو عمر الطلمنكي" و"149 - أبو نصر السجزي". وهذه اللفظة "بذاته", وإن كانت عندي معقولة المعنى, وأنه لا بأس من ذكرها للتوضيح فهي كاللفظة الأخرى التي كثر ورودها في عقيدة السلف وهي لفظة "بائن" في قولهم "هو تعالى على عرشه بائن من خلقه ". وقد قال هذا جماعة منهم كما ستراه في هذا "المختصر" في التراجم الآتية "45 - عبد الله بن أبي جعفر الرازي" و"53 - هشام بن عبيد الله الرازي" و"56 - سنيد بن داود المصيصي الحافظ" "67 - إسحاق بن راهويه عالم خراسان" وذكره عن ابن المبارك و"77 - أبو زرعة الرازي" و"87 - أبو حاتم الرازي" وحكياه عن العلماء في جميع الأمصار. و"79 - يحيى بن معاذ الرازي" و"84 - عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ الْحَافِظُ و"103 أبو جعفر ابن أبي شيبة" وكل هؤلاء من القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية ثم "108 - حماد البوشنجي الحافظ" وحكاه عن أهل الأمصار "109 - إمام الأئمة ابن خزيمة ". و"125 - أبو القاسم الطبراني" و"133 - ابن بطة" و"141 - أبو نعيم الأصبهاني" وعزاه إلى السلف. و"142 - معمر بن زياد" و"155 - الفقيه نصر المقدسي" و"158 - شيخ الإسلام الأنصاري" و"164 - ابن موهب ". قلت: ومن هذا العرض يتبين أن هاتين اللفظتين: "بذاته" و"بائن" لم تكونا معروفين في عهد الصحابة رضي الله عنهم. ولكن لما ابتدع الجهم وأتباعه القول بأن الله في كل مكان, اقتضى ضرورة البيان أن يتلفظ هؤلاء الأئمة الأعلام, بلفظ "بائن" دون أن ينكره أحد منهم.

ومثل وهذا تماما قولهم في القرآن الكريم أنه غير مخلوق, فإن هذه الكلمة لا تعرفها الصحابة أيضا, وإنما كانوا يقولون فيه: كلام الله تبارك وتعالى لا يزيدون على ذلك, وكان ينبغي الوقوف فيه عند هذا الحد, لولا قول جهم وأشياعه من المعتزلة: إنه مخلوق, ولكن إذا نطق هؤلاء بالباطل, وجب على أهل الحق أن ينطقوا بالحق ولو بتعابير وألفاظ لم تكن معروفة, من قبل وإلى هذه الحقيقة أشار الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين سئل عن الواقفة الذين لا يقولون في القرآن إنه مخلوق أو غير مخلوق هل لهم رخصة أن يقول الرجل: "كلام الله" ثم يسكت؟ قال: ولم يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت, ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا, لأي شيء لا يتكلمون؟! 1 سمعه أبو داود منه كما في "مسائله" "ص263-264 ". قلت: والمقصود أن المؤلف رحمه الله تعالى, أقر لفظة "بائن" لتتابع أولئك الأئمة عليها دون نكير من أحد منهم, وأنكر اللفظة الأخرى وهي "بذاته" لعدم تواردها في أقوالهم. إلا بعض المتأخرين منهم, فأنكر ذلك مبالغة منه في المحافظة على نهج السلف, مع أن معناها في نفسه سليم وليس فيها إثبات ما لم يرد, فكنت أحب له رحمه الله أن لا يتردد في إنكار نسبة القعود إلى الله تعالى وإقعاده مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عرشه ما دام أنه لم يأت به نص ملزم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وسلم, ومعناه ليس له شاهد في السنة, ومعناه ولفظه لم يتوارد على ألسنة الأئمة, وهذا هو الذي يدل عليه بعض كلماته المتقدمة حول هذا الأثر, ولكنه لما رأى كثيرا من علماء الحديث أقروه لم يجرؤ على التزام التصريح بالإنكار, وإنما تارة وتارة, والله تعالى يغفر لنا وله. ومن العجيب حقا أن يعتمد هذا الأثر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى فإنه نقل كلام القاضي أبي يعلى فيه وبعض أسماء القائلين به, ثم قال ابن القيم رحمه الله:

_ 1 قلت: ولو أن الشيخ المقبلي تنبه لهذا لما قعقع على الإمام أحمد بما قعقع به.

" قلت: وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني ومن شعره فيه". ثم ذكره مثلما ذكره المصنف فيما يأتي في ترجمة "134 - الدراقطني" وزاد بيتا رابعا لعل المصنف تعمد حذفه: "ولا تنكروا أنه قاعد ... ولا تنكروا أنه يقعده"! قلت: وقد عرفت أن ذلك لم يثبت عن مجاهد, بل صح عنه ما يخالفه كما تقدم. وما عزاه للدارقطني لا يصح إسناده كما بيناه في "الأحاديث الضعيفة" "870" وأشرت إلى ذلك تحت ترجمة الدارقطني الآتية. وجعل ذلك قولا لابن جرير فيه نظر, لأن كلامه في "التفسير" يدور على إمكان وقوع ذلك كما سبق لا أنه وقع وتحقق, ولذلك قال الإمام القرطبي في "تفسيره" "10/ 311": "وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول, وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى وفيه بعد, ولا ينكر مع ذلك أن يروى, والعلم يتأوله " ثم بين وجه تأويله, بما لا حاجة بنا إلى ذكره والنظر فيه, ما دام أنه أثر غير مرفوع, ولو افترض أنه في حكم المرفوع, فهو في حكم المرسل الذي لا يحتج به في الفروع فضلا عن الأصول, كما ذكرت ذلك أو نحوه فيما يأتي من التعليق على قولة بعضهم: "ولا نتكلم في حديث فيه فضيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بشيء"! التعليق "265". ولعل المصنف رحمه الله تعالى يشير إلى ذلك بقوله في ترجمة "165 - القاضي العلامة أبو بكر بن العربي" وقد نقل عنه القول بهذا القعود معه على العرش: قال: "وما علمت للقاضي مستندا في قوله هذا سوى قول مجاهد". وخلاصة القول: إن قول مجاهد هذا -وإن صح عنه- لا يجوز أن يتخذ

دينا وعقيدة, ما دام أنه ليس له شاهد من الكتاب والسنة, فيا ليت المصنف إذ ذكره عنده جزم برده وعدم صلاحيته للاحتجاج به, ولم يتردد فيه, فإنه هو اللائق به, وبتورعه من إثبات كلمة "بذاته" والله المستعان. 4- وحذفت أيضا ما جزمت بأنه من الإسرائيليات, ولو كان صحيح الإسناد, إلا إذا كان معناه موافقا للكتاب والسنة. 5- وتسامحت في إيراد بعض الأثار والأقوال التي في السند إلى أصحابها ضعف أو جهالة, لأنها ليست كالأحاديث المرفوعة التي يجب الاحتجاج بها واتخاذها دينا, وإنما ذكرت للاستئناس بها والاستشهاد فقط. 6- وحذفت من إسناد الحديث والأثر ما لا فائدة فيه بالنسبة لعامة القراء لا سيما في هذا "المختصر", وإنما أبقيت الضروري منه كاسم الصحابي, أو التابعي, أو غيرهما ممن نسب القول إليه في السند. 7- وقد رقمت أحاديث الكتاب وآثاره برقم متسلسل من أوله إلى آخره. وكذلك رقمت تراجم الأئمة الذين روى المصنف أو نقل عنهم القول بأن الله على العرش, رقمتها بأرقام متسلسلة, ووضعت بجانبها الأيسر بين معكوفتين [] سنة ولادة المترجم ووفاته, لأيسر بذلك على القراء متابعة تسلسل القول بذلك من إمام إلى إمام, ومن سنة إلى ما بعدها, حتى آخر القرن السادس. 8- وخرجت أحاديث الكتاب وآثاره, وعزوت كل قول من الأقوال المذكورة فيه إلى مصدره الذي عزاه المصنف إليه, مطبوعا كان أو مخطوطا بقدر الإمكان, وعلقت عليه بتعليقات مفيدة, أكثرها في تحقيق الكلام على أسانيد تلك الآثار والأقوال, للتثبت من ما صح منها نسبة إلى قائلها وما لم يصح, فتبين لنا أن أكثرها صحيح ثابت -والحمد لله- على طريقة أهل الحديث ونقدهم للأسانيد.

9- وقد رأيت من تمام الفائدة أن أضع تعليقات مفيدة على أخباره, أهمها تخريج أحاديثه وآثاره, مع ترقيمها بأرقام متسلسلة من أول الكتاب إلى آخره.

باب: موضوع الكتاب وخطورته

باب: موضوع الكتاب وخطورته ... موضوع الكتاب وخطورته اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا الكتاب قد عالج مسألة هي من أخطر المسائل الاعتقادية التي تفرق المسلمون حولها منذ أن وجدت المعتزلة حتى يومنا هذا, ألا وهي مسألة علو الله عز وجل على خلقه, الثابتة بالكتاب والسنة المتواترة المدعم بشاهد الفطرة السليمة, وما كان لمسلم أن ينكر مثلها في الثبوت, لولا أن بعض الفرق المنحرفة عن السنة فتحوا على أنفسهم وعلى الناس من بعدهم باب التأويل, فلقد كاد الشيطان به لعدوه الإنسان كيدا عظيما, ومنعهم به أن يسلكوا صراطا مستقيما, كيف لا وهم قد اتفقوا على أن الأصل في الكلام أن يحمل على الحقيقة, وأنه لا يجوز الخروج عنها إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة, أو لقرينة عقلية أو عرفية أو لفظية كما هو مفصل في محله, ومع ذلك فإنك تراهم يخالفون هذا الأصل الذي أصلوه, لأتفه الأسباب, وأبعد الأمور عن منطق الإنسان المؤمن بكلام الله وحديث نبيه حقا, فهل يستقيم في الدنيا فهم أو تفاهم إذا قال قائل مثلا: "جاء الأمير" فيأتي متأول من أمثال أولئك المتأولين, فيقول في تفسير هذه الجملة القصيرة: يعني جاء عبد الأمير, أو نحو ذلك من التقدير. فإذا أنكرت عليه ذلك أجابك بأن هذا مجاز فإذا قيل له: المجاز لا يصار إليه إلا عند تعذر الحقيقة وهي ممكنة هنا أو لقرينة لا قرينة هنا "1" سكت أو جادلك بالباطل.

_ 1 قرائن المجاز الموجبة للعدول إليه عن الحقيقة ثلاث: العقلية كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} أي أهلهما. ومنه: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} . الثانية: الفوقية مثل {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} أي مر من يبني, لأن مثله مما يعرف أنه لا يني. الثالثة: نحو "مثل نوره" فإنها دليل على أن الله غير النور. قال أهل العلم: وأمارة الدعوة الباطلة تجردها عن أحد هذه القرائن, انظر: "إيثار الحق على الخلق" "ص166-167" للعلامة المرتضى اليماني.

وقد يقول قائل: وهل يفعل ذلك عاقل؟ قلت: ذلك ما صنعه كل الفرق المتأولة, الذين ينكرون حقائق الأسماء والصفات الإلهية من المعتزلة وغيرهم ممن تأثر بهم من الخلف, ولا نبعد بك كثيرا بضرب الأمثال وإنما نقتصد مثلين من القرآن الكريم, أحدهما يشبه المثال السابق تماما, والآخر له صلة بصلب موضوع الكتاب. الأول: قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} فقيل في تأويلها: "وجاء ربك"! وقيل غير ذلك من التأويل. ونحو كذلك أولوا قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} . فقال بعضهم: يأتيهم الله بظلل. فنفى بذلك حقيقة الإتيان اللائق بالله تعالى بل غلا بعض ذوي الأهواء فقال: "قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ} حكاية عن اليهود, والمعنى أنهم لا يقبلون دينك إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظلل من الغمام ليروه جهرة, لأن اليهود كانوا مشبهة يجوزون على الله المجيء والذهاب"! نقله الكوثري في تعليقه على "الأسماء والصفات" "ص447-448" عن الفخر الرازي وأقره!! فتأمل -هداني الله وإياك- كيف أنكر مجيء الله الصريح في الآيتين المذكورتين. وهو إنما يكون يوم القيامة كما جاء في تفسير ابن جرير لقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} فذكر "12/ 245-246" في قوله: {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} عن قتادة وابن جريج: يوم القيامة, ونحوه عن ابن مسعود وغيره. في "الدرر المنثور" "1/ 241" وانظر كلمة الإمام ابن راهويه في إثبات المجيء في الفقرة الآتية من الكتاب "213". فنفى هذا المتأول ببركة التأويل إتيان الله ومجيئه يوم القيامة الثابت في هذه الآيات الكريمة, والأحاديث في ذلك أكثر وأطيب, ولم يكتف بهذا بل نسب القول بتجويز المجيء على الله إلى اليهود, وأن الآية نزلت في حقهم! ضلال وكذب, أما الضلال فواضح من تحريف الآيات المستلزم الطعن في الأئمة الذين

يؤمنون بمجيء الله تعالى يوم القيامة. وأما الكذب فإن أحدا من العلماء لم يذكر أن الآية نزلت في اليهود, بل السياق يدفع ذلك, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ... } . [سورة البقرة: 208-211] قلت: فأنت ترى أن الخطاب موجه للمؤمنين, ولذلك قال ابن جرير في تفسيره "4/ 259" لقوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُم..} : " يعني بذلك جل ثناؤه, فإن أخطأتم الحق فضللتم عنه وخالفتم الإسلام وشرائعه من بعد ما جاءتكم حججي, وبينات هداي, واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون - فاعلموا أن الله ذو عزة ... ". نعم قد روى ابن جرير "4/ 255" عن عكرمة قوله {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} قال: نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام وو ... كلهم من يهود, قالوا: يا رسول الله يوم السبت كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه ... فنزلت ". قلت: وهذا مع أنه في مؤمني اليهود لا يصح إسناده لإرساله, ولو صح لم يجز القول بأنها "نزلت في حق اليهود" لأنها تعني عند الإطلاق كفارهم, والواقع خلافه! فتأمل هذا رحمنا الله وإياك, هل تجد في هذه الآيات المصرحة بإتيان الله ومجيئه قرينة من تلك القرائن الثلاث تضطر السامع إلى فهم ذلك على المجاز لا الحقيقة؟ كلا، ثم كلا، ولكنهم لما فهموا مجئ الله تعالى مجيئا على نحو مجيء المخلوق, وهذا تشبيه حقا اضطرهم هذا الفهم الخاطئ إلى إنكاره ونسبته إلى اليهود! وصاروا إلى التأويل. وكان بوسعهم أن يثبتوا لله تعالى هذه الصفة كما أثبتها السلف دون تشبيه كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} , وإلا فهم على ذلك سيتأولون السمع والبصر أيضا, لأن الله تعالى قد أثبت للمخلوق سمعا وبصرا, في القرآن والسنة, فقد يقولون إننا إذا

أثبتنا السمع والبصر لله شبهناه بمخلوقاته! وهذا ما فعلته المعتزلة تماما, فإنهم تأولوهما بالعلم تنزيها له تعالى عن المشابهة, زعموا, وبذلك آمنوا بالطرف الأول من الآية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ولم يؤمنوا بالطرف الآخر منها {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وأما الأشاعرة وغيرهم من الخلف, فقد آمنوا بكل ذلك هنا فجمعوا بين التنزيه والإثبات قائلين سمعه ليس كسمعنا, وبصره ليس كبصرنا. فهذا هو الحق وكان عليهم طرد ذلك في كل ما وصف الله به نفسه, فيقال: مجيئه تعالى حق ولكنه ليس كمجيئنا, ونزوله إلى السماء الدنيا حق لتواتر الأحاديث بذلك كما يأتي في الكتاب ولكن ليس كنزولنا, وهكذا في كل الصفات, ولكنهم لم يفعلوا ذلك مع الأسف في كثير من الصفات, منها ما نحن فيه فتأولوه بما سبق, أو بغيره 1 ومنها الاستواء الآتي ذكره قريبا. هذا هو المثال الأول: وأما المثال الآخر فقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وقوله فتأولوه "الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش ". فقد تأول الخلف الاستواء المذكور في هاتين الآيتين ونحوهما بالاستيلاء وشاع عندهم في تبرير ذلك إيرادهم قول الشاعر: قد استوى بشر على العراق بغير سيف ودم مهراق! متجاهلين اتفاق كلمات أئمة التفسير والحديث واللغة على إبطاله, وعلى أن المراد بالاستواء على العرش إنما هو الاستعلاء والارتفاع عليه, كما سترى أقوالهم مروية في الكتاب عنهم بالأسانيد الثابتة قرنا بعد قرن, وفيهم من نقل اتفاق العلماء عليه. مثل الإمام إسحاق بن راهويه "الترجمة 67", والحافظ ابن عبد البر "الترجمة 151" وكفى بهما حجة في هذا الباب. ومع ذلك فإننا لا نزال نرى علماء الخلف -إلا قليلا منهم- سادرين في

_ 1 انظر "الأسماء والصفات" للبيهقي "ص448-449".

مخالفتهم للسلف في تفسيرهم لآية الاستواء وغيرها من آيات الصفات وأحاديثها. وقد يتساءل بعض القراء عن سبب ذلك فأقول: ليس هو إلا إعراضهم عن اتباع السلف, ثم فهمهم -خطأ- الاستعلاء المذكور في الآيات الكريمة, أنه الاستعلاء اللائق بالمخلوق, ولما كان هذا منافيا للتنزيه الواجب لله اتفاقا فروا من هذا الفهم, إلى تأويلهم السابق, ظنا منهم أنهم بذلك نجوا من القول على الله تعالى بما لا يليق به سبحانه. ولقد كان من كبار هؤلاء العلماء القائلين بالتأويل المذكور برهة من الزمن جماعة من أهل العلم. منهم الإمام أبو الحسن الأشعري كما سيأتي بيانه في ترجمته من الكتاب "120 ". ومنهم العلامة الجليل أبو محمد الجويني الشافعي والد إمام الحرمين المتوفى سنة "438" ثم هداه الله تعالى إلى اتباع السلف في فهم الاستواء وسائر الصفات, ثم ألف في ذلك رسالة نافعة1 قدمها نصيحة لإخوانه في الله كما صرح بذلك في مقدمتها. وقد وصف فيها وصفا دقيقا تحيره وتردده في مرحلة من مراحل حياته العلمية بين اتباع السلف, وبين اتباع علماء الكلام في عصره الذين يؤولون الاستواء بالاستيلاء, فقال رحمه الله تعالى "ص176-177": "اعلم أنني كنت برهة من الدهر متحيرا في ثلاث مسائل: 1- مسألة الصفات. 2- مسألة الفوقية. 3- ومسالة الحرف والصوت في القرآن المجيد. وكنت متحيزا في الأقوال المختلفة الموجودة في كتب أهل العصر في جميع

_ 1 لقد نقل الشيخ أحمد بن إبراهيم الواسطي في عقيدته "النصيحة في صفات الرب جل وعلا" رسالة الإمام الجويني. حتى إن نسبتها للجويني كان الأولى, وقد استدركت ذلك في الطبعة الثانية "زهير الشاويش".

ذلك, من تأويل الصفات وتحريفها, أو إمرارها والوقوف فيها, أو إثباتها بلا تأويل ولا تعطيل, ولا تشبيه ولا تمثيل. فأجد النصوص في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ناطقة منبئة بحقائق هذه الصفات وكذلك في إثبات العلو والفوقية, وكذلك في الحرف والصوت. ثم أجد المتأخرين من المتكلمين في كتبهم منهم من يؤول الاستواء بالقهر والاستيلاء ويؤول النزول بنزول الأمر, ويؤول اليدين بالقدرتين أو النعمتين, ويؤول القدم بقدم صدق عند ربهم, وأمثال ذلك, ثم أجدهم مع ذلك يجعلون كلام الله تعالى معنى قائما بالذات بالأحرف بلا صوت, ويجعلون هذه الحروف عبارة عن ذلك المعنى القائم! وممن ذهب إلى هذه الأقوال أو بعضها, قوم لهم في صدري منزلة مثل طائفة من فقهاء الأشعرية الشافعيين, لأني على مذهب الشافعي -رضي الله عنه- عرفت فرائض ديني وأحكامه, فأجد مثل هؤلاء الشيوخ الأجلة يذهبون إلى مثل هذه الأقوال وهم شيوخي, ولي فيهم الاعتقاد التام, لفضلهم وعلمهم. ثم إني مع ذلك أجد في قبلي من هذه التأويلات حزازات لا يطمئن قلبي إليها, وأجد الكدر والظلمة منها, وأجد ضيق الصدر وعدم انشراحه مقرونا بها, فكنت كالمتحير المضطرب في تحيره. المتململ من قلبه في تقلبه وتغيره. وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول, مخافة الحصر والتشبيه ومع ذلك فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أجدها نصوصا تشير إلى حقائق هذه المعاني, وأجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم قد صرح بها مخبرا عن ربه, واصفا له بها. وأعلم بالاضطرار أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يحضر مجلسه الشريف العالم والجاهل, والذكي والبليد, والأعرابي والجافي, ثم لا أجد شيئا يعقب تلك النصوص التي كان يصف ربه بها, لا نصا ولا ظاهرا مما يصرفها عن حقائقها ويؤولها, كما تأولها هؤلاء مشايخي الفقهاء المتكلمين, مثل تأويلهم الاستيلاء للاستواء, ونزول الأمر للنزول, وغير ذلك. ولم

أجد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يحذر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفته لربه من الفوقية واليدين وغيرها, ولم ينقل عنه مقالة تدل على أن لهذه الصفات معاني آخر باطنة, غير ما يظهر من مدلولها, وأجد الله عز وجل يقول ... ". ثم ذكر بعض الآيات في الاستواء والفوقية والأحاديث في ذلك, مما هو جزء يسير مما سيأتي في الكتاب ثم قال "ص181"1: "إذا علمنا ذلك واعتقدناه تخلصنا من شبهة التأويل, وعماوة التعطيل, وحماقة التشبيه والتمثيل, وأثبتنا علو ربنا سبحانه وفوقيته واستواءه على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته, والحق واضح في ذلك, والصدور تنشرح له, فإن التحريف تأباه العقول الصحيحة, مثل تحريف الاستواء بالاستيلاء وغيره, والوقوف في ذلك جهل وعي, مع كون أن الرب تعالى وصف لنا نفسه بهذه الصفات لنعرفه بها, فوقوفنا عن إثباتها ونفيها عدول عن المقصود منه في تعريفنا إياها, فما وصف لنا نفسه بها إلا لنثبت ما وصف به نفسه لنا, ولا نقف في ذلك. وكذلك التشبيه والتمثيل حماقة وجهالة. فمن وفقه الله تعالى للإثبات بلا تحريف, ولا تكييف, ولا وقوف, فقد وقف على الأمر المطلوب منه إن شاء الله تعالى". ثم شرع يبين السبب الذي حمل علماء الكلام على تأويل "الاستواء" بالاستيلاء فقال "ص181-183": "والذي شرح الله صدري في حال هؤلاء الشيوخ الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء و ... هو علمي بأنهم ما فهموا في صفات الرب تعالى إلا ما يليق بالمخلوقين, فما فهموا عن الله استواء يليق به ولا ... فلذلك حرفوا الكلام عن مواضعه, وعطلوا ما وصف الله تعالى نفسه به. ونذكر بيان ذلك إن شاء الله تعالى. لا ريب أنا نحن وإياهم متفقون على إثبات صفات الحياة والسمع,

_ 1 "مجموعة الرسائل المنيرية".

والبصر, والعلم, والقدرة, والإرادة, والكلام لله. ونحن قطعا لا نعقل من الحياة إلا هذا العرض الذي يقوم بأجسامنا. وكذلك لا نعقل من السمع والبصر إلا أعراضا تقوم بجوارحنا, فكما أنهم يقولون: حياته ليست بعرض, وعلمه كذلك, وبصره كذلك هي صفات كما تليق به, لا كما تليق بنا, فكذلك نقول نحن: حياته معلومة, وليست مكيفة, وعلمه معلوم وليس مكيفا, وكذلك سمعه وبصره معلومان, ليس جميع ذلك أعراضا بل هو كما يليق به. ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله, ففوقيته معلومة, أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر, فإنهما معلومان ولا يكيفان. كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به, واستواؤه على عرشه معلوم غير مكيف بحركة أو انتقال يليق بالمخلوق, بل كما يليق بعظمته, وجلال صفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت, غير معلومة من حيث التكييف والتحديد, فيكون المؤمن بها مبصرا بها من وجه, أعمى من وجه مبصرا من حيث الإثبات والوجود, أعمى من حيث التكيف والتحديد. وبهذا يحصل الجمع بين الإثبات لما وصف الله تعالى نفسه به, وبين نفي التحريف والتشبيه والوقوف, وذلك هو مراد الرب تعالى منا في إبراز صفاته لنا, لنعرفه به, ونؤمن بحقائقها, وننفي عنها التشبيه, ولا نعطلها بالتحريف والتأويل, ولا فرق بين الاستواء والسمع, ولا بين النزول والبصر, الكل ورد به النص. فإن قالوا لنا في الاستواء: شبهتم نقول لهم في السمع: شبهتم, ووصفتم ربكم بالعرض! فإن قالوا: لا عرض بل كما يليق به. قلنا في الاستواء والفوقية: لا حصر, بل كما يليق به. فجميع ما يلزمونا به في الاستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه نلزمهم به في الحياة والسمع والبصر والعلم. فكما لا يجعلونها هم أعراضا. كذلك نحن لا نجعلها جوارح, ولا ما يوصف به المخلوق, وليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيحتاجوا إلى التأويل والتحريف.

ومن أنصف عرف ما قلنا واعتقده, وقبل نصيحتنا, ودان لله بإثبات جميع صفاته هذه وتلك, ونفى عن جميعها التشبيه والتعطيل والتأويل والوقوف. وهذا مراد الله منا في ذلك؛ لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد وهو الكتاب والسنة, فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل وحرفنا هذه وأولناها, كنا كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض, وفي هذا بلاغ وكفاية إن شاء الله تعالى". قلت: لقد وضح من كلام الإمام كالجويني رحمه الله تعالى السبب الذي حمل الخلف -إلا من شاء الله- على مخالفة السلف في تفسير آية "الاستواء", وهو أنهم فهموا منه -خطأ كما قلنا- استواء لا يليق إلا بالمخلوق وهذا تشبيه فنفوه بتأويلهم إياه بالاستيلاء! ومن الغريب حقا أن الذي فروا منه بالتأويل, قد وقعوا به فيما هو أشر منه بكثير, ويمكن حصر ذلك بالأمور الآتية: الأول: التعطيل, وهو إنكار صفة علو الله على خلقه علوا حقيقيا يليق به تعالى. وهو بين في كلام الإمام الجويني. الثاني: نسبة الشريك لله في خلقه يضاده في أمره, فإن الاستيلاء لغة لا يكون إلا بعد المغالبة كما ستراه في ترجمة الإمام اللغوي ابن الأعرابي, فقد جاء فيها: أن رجلا قال أمامه مفسرا الاستواء معناه: استولى. فقال لهم الإمام: اسكت, العرب لا تقول للرجل: "استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد, فأيهما غلب قيل: استولى. والله تعالى لا مضاد له". وسنده عنه صحيح كما بينته هناك في التعليق "210" واحتج به العلامة نفطويه النحوي في "الرد على الجهمية" كما ستراه في ترجمته "119". فنسأل المتأولة: من هو المضاد لله تعالى حتى تمكن"! " الله تعالى من التغلب عليه والاستيلاء على ملكه عنه؟!

وهذا إلزام لا مخلص لهم منه إلا برفضهم لتأويلهم, ورجوعهم إلى تفسير السلف, ولما تنبه لهذا بعض متكلميهم جاء بباقعة أخرى! وذلك أنه تأول "الاستيلاء" الذي هو عندهم المراد من "الاستواء" بأنه استيلاء مجرد عن معنى المغالبة! 1. قلت: وهذا مع كونه مخالفا لغة كما سبق عن ابن الأعرابي فإن أحسن ما يمكن أن يقال فيه: إنه تأويل للتأويل!! وليت شعري ما الذي دخل بهم إلى هذه المآزق, أليس كان الأولى بهم أن يقولوا: استعلى استعلاء مجردا عن المشابهة. هذا لو كان الاستعلاء لغة يستلزم المشابهة. فكيف وهي غير لازمة؟ لأن الاستواء في القرآن فضلا عن اللغة قد جاء منسوبا إلى الله تعالى كما في آيات الاستواء على العرش, وقد مضى بعضها, كما جاء منسوبا إلى غيره سبحانه كما قال في سفينة نوح "استوت على الجودي" وفي النبات "استوى على سوقه", فاستواء السفينة غير استواء النبات. وكذلك استواء الإنسان على ظهر الدابة, واستواء الطير على رأس الإنسان واستواؤه على السطح, فكل هذا استواء ولكن استواء كل شيء بحسبه, تشترك في اللفظ, وتختلف في الحقيقة, فاستواء الله تعالى هو استواء واستعلاء يليق به تعالى ليس كمثله شيء. وأما الاستيلاء فلم يأت إطلاقه على الله تعالى مطلقا إلا على ألسنة المتكلمين! فتأمل ما صنع الكلام بأهله, لقد زين لهم أن يصفوا الله بشيء هو من طبيعة المخلوق واختصاصه, ولم يرضوا أن يصفوه بالاستعلاء الذي لا يماثله شيء وقد قال به السلف, فلا عجب بعد ذلك أن اجتمعوا على ذم الكلام وأهله, وتأتيك بعض النقول عنهم في الكتاب ووافقهم على ذلك بعض الخلف, فقال السبكي في مقدمة رسالة "السيف الصقيل" "ص12": " وليس على العقائد أضر من شيئين: علم الكلام والحكمة اليونانية ...

_ 1 نقله الكوثري في تعليقه على "الأسماء والصفات" "ص406" عن ابن المعلم!

وجميع الفرق الثلاث في كلامها مخاطرة, إما خطأ في بعضه, وإما سقوط هيبته, والسالم من ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون, وعموم الناس الباقون على الفطرة السليمة". وبعد فإن ضرر التأويل على أهله, وحمله إياهم على الانحراف عن الشرع مما لا حدود له في نظري, فلولاه لم يكن للقائلين بوحدة الوجود اليوم وجود، ولا لإخوانهم القرامطة الباطنية من قبل, الذين أنكروا الشريعة وكل ما فيها من حقائق كالجنة والنار, والصلاة والزكاة والصيام والحج, ويتأولونها بتآويل معروفة. قال العلامة المرتضى اليماني في "إيثار الحق على الخلق" في صدد بيان قبح التأويل "ص135": "فإن المعتزلة والأشعرية إذا كفروا الباطني بإنكار الأسماء الحسنى والجنة والنار, يقول لهم الباطني: لم أجحدها, إنما قلت: هي مجاز, مثلما أنكم لم تجحدوا الرحمن الرحيم الحكيم, وإنما قلتم: إنها مجاز! وكيف كفاكم المجاز في الإيمان بالرحمن الرحيم وهما أشهر الأسماء الحسنى أو من أشهرها, ولم يكفني في سائرها وفي الجنة والنار مع أنهما دون أسماء الله بكثير؟ وكم بين الإيمان بالله وبأسمائه والإيمان بمخلوقاته؟! فإذا كفاكم الإيمان المجازي بأشهر الأسماء الحسنى فكيف لم يكفني مثله في الإيمان بالجنة والنار والمعاد؟! ". قلت: ونحوهم طائفة القاديانية اليوم الذين أنكروا بطريق التأويل كثيرا من الحقائق الشرعية المجمع عليها بين الأمة كقولهم ببقاء النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم متأسين في ذلك بنبيهم ميرزاغلام أحمد, ومن قبله ابن عربي في "الفتوحات المكية" وتأولوا قوله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} بأن المعنى زينة النبيين وليس آخرهم! وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا نبي بعدي" بقولهم: أي معي! وأنكروا وجود الجن مع تردد ذكرهم في القرآن الكريم, فضلا عن السنة وتنوع صفاتهم فيهما, وزعموا أنهم طائفة من البشر! إلى غير ذلك من ضلالاتهم, وكلها من بركات التأويل الذي أخذ به الخلف في آية الاستواء وغيرها من آيات الصفات.

وليس أدل على ضرر التأويل على أصحابه المغرمين به من القول الذي شاع بينهم ولهجت به ألسنتهم كلما أثير بحث الصفات والإيمان بها على حقائقها أو على تأويلها ألا وهو قولهم: " مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم " والشاب المثقف اليوم الذي لم تتلوث ثقافته الشرعية بشيء من علم الكلام ربما لا يصدق أن أحدا من الخلف يقول مثل هذا القول! وحق له ذلك لخطورته وفظاعته ولكنه -مع الأسف- هو الواقع المعروف لدى طلبة الشريعة, وإليك مثالا واحدا على ذلك مما يقرؤونه على مشايخهم قال الباجوري في حاشيته "ص55" تحت قول صاحب "الجوهرة": وكل نص أوهم التشبيها ... أوله أو فوض ورم تنزيها "وطريقة الخلف أعلم وأحكم, لما فيها من مزيد الإيضاح, والرد على الخصوم, وهي الأرجح, ولذلك قدمها المصنف, وطريقة السلف أسلم لما فيها من السلامة من تعيين معنى قد يكون غير مراد له تعالى"! وكلام الكوثري المشهور بعدائه الشديد لأهل السنة والحديث في تعليقاته كلها يدور على هذا المعنى من التفصيل المزعوم, وفي تعليقه على "السيف الصقيل" التصريح بذلك "ص132". وهذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة, بل في غاية الضلالة! قال ابن تيمية في "العقيدة الحموية": "كيف يكون هؤلاء المتأخرون لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين الذين كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم, وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم حيث يقول: لعمري قد طفت المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعا كف حائر ... على ذقن أو قارعا سن نادم

وأقروا على أنفسهم بما قالوا, متمثلين به, أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم, مثل قول بعض رؤسائهم: نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا ويقول الآخر منهم: " أكثر الناس شكا عند الموت أصحاب الكلام". ثم إذا حق عليهم الأمر لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة به خبر, ولا وقعوا من ذلك على عين وعلى أثر. كيف يكون هؤلاء المنقصون المحجوبون الحيارى المتهوكون أعلم بالله وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار, والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل, وأعلام الهدى ومصابيح الدجى, الذي بهم قام الكتاب وبه قاموا, الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة. ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة لا سيما العلم بالله وأحكام أسمائه وآياته من هؤلاء الأصاغر بالنسبة إليهم؟ أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان؟! " وقال العلامة السفاريني في "شرح العقيدة" "1/ 21 - مختصره": " فمن المحال أن يكون المخالفون أعلم من السالفين كما يقوله بعض من لا تحقيق له به ممن لا يقدر قدر السلف ولا عرف الله تعالى ولا رسوله ولا

المؤمنين به؛ حق المعرفة المأمور بها, أن طريقة السلف أسلم [وطريقة الخلف] 1 أعلم وأحكم. وهؤلاء إنما أتوا, من حيث ظنوا أن طريق السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث؛ من غير فقه ذلك, بمنزلة الأميين أو أن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات, وغرائب اللغات. فهذا الظن الفاسد, أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر. وقد كذبوا وأفكوا على طريقة السلف, وضلوا في تصويب طريقة الخلف فجمعوا بين باطلين: الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم, والجهل والضلال بتصويب طريقة غيرهم". ثم استشهد على ذلك بكلام للحافظ ابن رجب في كتابه "فضل علم السلف على علم الخلف" فليراجعه من شاء. والظن الذي أتوا منه المخالفون هو مما يكرر ذكره بعض المؤيدين لمذهب الخلف على مذهب السلف, ويتوهم صحته بعض الكتاب الإسلاميين الذين لا علم عندهم بأقوال السلف, ويسمونه بـ"التفويض", وهو مما يكثر الكوثري عزوه إليهم زورا, فيقول في تعليقه على "السيف الصقيل" "ص13": "الذي كان عليه السلف إجراء ما ورد في الكتاب والسنة المشهورة "؟ " في صفات الله سبحانه على اللسان, مع التنزيه بدون خوض في المعنى, ومن غير تعيين المراد"! وأعاد هذا المعنى مواضع أخرى منه "ص131 و145", وجر على منواله قرينه المتعاون معه على تحريف نصوص كتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي ذاك في التعليق عليه, وهذا في التقديم له في كتابه الذي سماه "فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الأكوان" أعني الشيخ سلامة القضاعي

_ 1 سقطت من "المختصر" واستدركتها من "اللوامع" "1/ 25".

العزامي, فقد ذكر نحوه في مواطن منه غير أنه قال: "أكثر السلف على الكف عن بيان المعنى المراد اللائق بالحق تعالى" كذا قال "ص94 ". ونحوه "ص81 و5", فقد نسب إلى أكثر السلف تنزههم عن بيان المعنى اللائق بالحق تعالى. فهل كان ذلك جهلا منهم بالله, أم كتما للعلم؟! فبأيهما أجاب, فهو كما قيل: أحلاهما مر. وصدق الله العظيم: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْم} ! وجملة القول في التأويل الذي تمسك به الخلف أنه كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في منتصف قصيدته الرائعة "الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية" المعروفة بالنونية: " هذا وأصل بلية الإسلام من ... تأويل ذي التحريف والبطلان". ثم أفاض في سرد أضراره نظما بما لا تجده عند غيره نثرا, فراجعه فإنه هام جدا. وانظرها مع شرحها للشيخ أحمد بن عيسى المسمى بـ"توضيح المقاصد وتصحيح القواعد بشرح قصيدة ابن القيم"1. ثم إن عجبي لا يكاد ينتهي من الكوثري وأمثاله الذين ينسبون السلف الصالح في آيات الصفات إلى التفويض وعدم البحث عن المراد منها كما سبق النقل الصريح بذلك عنه فإنه إن لم يجد في قلبه من التعظيم للسلف وعلمهم ما يزعه عن التلفظ بها بما يمس مقامهم في المعرفة بالله تعالى وصفاته أفلم يقف على ما نقله العلماء عنهم من العبارات المختلفة لفظا والمتحدة معنى وكلها تلتقي حول شيء واحد وهو إثبات الصفات مع الرد على المعطلة النافين لها والممثلة المشبهين لها بصفات الخلق, وإليك بعض النصوص في ذلك مما ستراه في الكتاب في تراجمهم إن شاء الله تعالى. 1- قال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد: عن الأحاديث التي في الصفات؟ فكلهم قالوا لي:

_ " 1" في مجلدين كبيرين وهي من مطبوعات "المكتب الإسلامي".

أمروها كما جاء بلا تفسير. وفي رواية: بلا كيف. 2- قال ربيعة الرأي, ومالك وغيرهما: "الاستواء غير مجهول, والكيف غير معقول, والإيمان به واجب". قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتوى الحموية" "ص109 مطبعة السنة المحمدية". "فقول ربيعة, ومالك: الاستواء غير مجهول ... " موافق لقول الباقين, "أمروها كما جاءت بلا كيف"؛ فإنما نفوا علم الكيفية, ولم ينفوا حقيقة الصفة. ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول" ولما قالوا: "أمروها كما جاءت بلا كيف, فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما, بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم"! وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية, إذا لم يفهم عن اللفظ معنى, وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبت الصفات. وأيضا, فإن من ينفي الصفات الجزئية -أو الصفات مطلقا- لا يحتاج إلى أن يقول "بلا كيف" فمن قال: "إن الله ليس على العرش" لا يحتاج أن يقول "بلا كيف", فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر, فلما قالوا: "وبلا كيف". وأيضا فقولهم "أمروها كما جاءت" يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظا دالة على معاني فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: "أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد. أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن من الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة" وحينئذ تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ "بلا كيف" إذا نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول".

3- قال الإمام الخطابي: " مذهب السلف في الصفات إثباتها وإجراؤها على ظاهرها, ونفي الكيفية والتشبيه عنها". 4- قال الحافظ ابن عبد البر: " أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة, وحملها على الحقيقة لا على المجاز, إلا أنهم لم يكيفوا شيئاً من ذلك. وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل منها شيئاً على الحقيقة, ويزعمون أن من أقر بها مشبه, وهم عند من أقر بها نافون للمعبود". قلت: فهذا قل من جل النصوص التي سنراها في الكتاب, وهي كلها متفقة على أن السلف كانوا يفهمون آيات الصفات, ويفسرونها ويعينون المعنى المراد منها, على ما يليق به تبارك وتعالى. فلماذا لا يرفع الكوثري وأمثاله من الخلف رؤوسهم إلى هذه النصوص, ويظلون يصرون على أن السلف كانوا لا يفهمونها وإنما كانوا يجرونها على ألسنتهم فقط, دون تدبر لها وبيان لمعناها؟! والجواب: أحسن أحواله أن يكون حاله كحال الجويني الذي كان متأثرا بشيوخه من علماء الكلام, ولكنه لما كان مخلصا في علمه لله تعالى هداه الله تبارك وتعالى إلى عقيدة السلف في الاستواء وغيره مصداقا لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} , فهل كان الكوثري وأمثاله من الطاعنين في أئمة الحديث والسلف مخلصين أيضا؟ من الصعب جدا أن نجيب عن هذا بالإيجاب لكثرة ما نرى من عدائه الشديد -في كل تعليقاته- لأئمة السلف والتوحيد واستمراره على اتهامهم بالتجسيم والتشبيه وبصورة خاصة لابن تيمية منهم مع رد هذا على المجسمة

ومبالغته في سائر كتبه, فلا نكاد نراه في صدد الرد على المعطلة, إلا ويشرك معهم في الرد المجسمة, كما يعرف ذلك كل من له دراسة لكتبه رحمه الله تعالى, ومن كلامه في هذا الصدد قوله في "الحموية" "ص160": " فمن قال: لا أعقل علما ويدًا إلا من جنس العلم واليد المعهودين. قيل له: فكيف تعقل ذاتا من غير جنس ذوات المخلوقين؟ ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته, وتلائم حقيقته فمن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيء إلا ما يناسب المخلوق فقد ضل في عقله ودينه". قلت: وهذا قليل من كثير من كلامه الذي يدل دلالة قاطعة على أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو منزه وليس بمشبه أو مجسم كما يفتري الكوثري. وقد نقل صديقه 1 العلامة أبو زهرة في كتابه "ابن تيمية" نصوصا كثيرة من كلام ابن تيمية في موضع الصفات الإلهية, ولخص عقيدته فيها تلخيصا جيدا لا تحامل فيه, بل إنه قد برأه مما اتهمه الكوثري فقال "ص264": " وليس في ذلك ما يتنافى مع التنزيه, أو يخالف التوحيد, أو يثبت مشابهة بينه سبحانه وبين الحوادث ". ثم قال "ص266": " وينتهي بلا ريب إلى أن يثبت لله سبحانه وتعالى الاستواء واليد وغير, ذلك ولكن يقول: إن هذا كله بما يليق بذاته تعالى لا نعرف حقيقته وعلينا الإيمان به" ولكنه عاد فنقل عن كتاب "رد شبه التشبيه" لابن الجوزي كلاما له ينتصر فيه للتأويل ويرد به على من يرميهم بالتشبيه فقال أبو زهرة "ص272" عقبه: "وهو مؤدى كلامهم ومهما حاولا نفي التشبيه فإنه لاصق بهم وإذا جاء ابن تيمية من بعده بأكثر من قرن وقال: إنه اشتراك في الاسم لا في الحقيقة فإنهم إن فسروا الاستواء بظاهر اللفظ فإنه الاقتعاد والجلوس

_ 1 كما صرح به في "المذاهب الإسلامية" "ص290 ".

الجسمية لازمة لا محالة وإن فسروه بغير المحسوس فهو تأويل, وقد وقعوا فيما نهوا عنه"! فأقول: "رويدك يا فضيلة الشيخ, فأنت تعلم أن ابن تيمية لا يفسر الاستواء بشيء مما ذكرت, وإنما بالعلو, وكتبه طافحة بذلك, فلماذا أوهمت القراء خلاف الواقع, فهلا جريت على سننك في نقل أقوال ابن تيمية وأنت تشرح عقيدته ورأيه, أم ضقت ذرعا بالتزام النقل الصحيح فأخذت تنسب إليه ما ليس بصحيح, تارة بالتلويح, كما فعلت هنا, وتارة بالتصريح كما فعلت في كتابك الآخر "المذاهب الإسلامية" إذ قلت في بحث "السلفية" والإمام ابن تيمية "ص320": "وهكذا يثبتون كل ما جاء في القرآن والسنة عن أوصافه سبحانه.... ويثبتون الاستقرار على العرش"! فأين رأيت ابن تيمية يقول بالاستقرار على العرش, علما بأنه أمر زائد على العلو, وهو مما لم يرد به الشرع, ولذلك رأينا مؤلفنا الحافظ الذهبي قد أنكر على بعض القائلين بصفة العلو التعبير عنها بالاستقرار كما نراه في الترجمة "158، الفقرة 322" ويقول أبو زهرة أيضا "ص322" من كتابه المذكور: "يقرر ابن تيمية أن مذهب السلف: هو إثبات كل ما جاء في القرآن من فوقية, وتحتية, واستواء على العرش"! وقال في الصفحة التي قبلها: "فيكرر هذا المعنى فيقول مؤكدا أن الله ينزل ويكون في فوق وتحت من غير كيف"! فأين قرر ابن تيمية وأثبت لله تعالى صفة التحتية؟! غالب الظن أن الشيخ أبا زهرة فهم من أحاديث النزول التحتية المزعومة, ثم عزا ذلك لابن تيمية كما فهم من آيات الاستواء: الاستقرار ثم عزاه إليه, وكل ذلك خطأ عليه كما يعلم ذلك من درس كتبه دراسة تفهم ووعي لا دراسة سريعة من أجل النقل عنه في ترجمته, وتسويد صفحاتها!

ومثل هذا العزو منه لابن تيمية دلني على أنه لم يفهم ابن تيمية وعقيدته وأفكاره فهما جيدا, بل لعله لم يقرأ كل ما لابن تيمية من البحث والتحقيق في المسائل التي أثارها الشيخ أبو زهرة في ما طبع من كتب ابن تيمية فضلا عن المخطوطة منها ككتابة المطبوع في المكتب الإسلامي: "شرح حديث النزول" فإن ابن تيمية رحمه الله قد قرر فيه أنه لا يلزم من نزوله تعالى أن يصير العرش فوقه تعالى, وهو تحت العرش, فإن هذا من طبيعة المخلوق, والله ليس كمثله شيء كما سيأتي الإشارة إلى ذلك في ترجمة الإمام إسحاق بن راهويه من الكتاب تعليقا على الفقرة "211"1, "1" بل قد قال ابن تيمية في "منهاج السنة" "2/ 248": "ومن ظن من الجهال أنه إذا نزل إلى سماء الدنيا كما جاء الحديث سيكون العرش فوقه ويكون محصورا بين طبقتين من العالم فقوله مخالف لإجماع السلف مخالف للكتاب والسنة كما قد بسط في موضعه". وإن مما يؤكد ما ذكرته من عدم فهمه لابن تيمية أنه لم يقتنع بما لخصه هو نفسه عن ابن تيمية "ص276" من كتابه "ابن تيمية" فقال: "إن ابن تيمية يرى أن الألفاظ في اليد والنزول والقدم والوجه والاستواء على ظاهرها, ولكن بمعان تليق بذاته الكريمة كما نقلنا من قبل" لم يقتنع بصواب رأي ابن تيمية هذا مع أنه الحق الصراح بل أخذ يرد عليه بكلام هزيل مضطرب لا طائل تحته -وهذا أحسن ما يقال فيه فقال عقبه: "ومن هنا نقف وقفة: إن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسية, ولا تطلق على وجه الحقيقة على سواها, وإذا أطلقت على غيرها سواء أكان معلوما أم مجهولا فإنها قد استعملت في غير معناها, ولا تكون بحال من الأحوال مستعملة في ظواهرها, بل تكون مؤولة, وعلى ذلك يكون ابن تيمية قد فر من التأويل ليقع في تأويل آخر, وفر من التفسير المجازي ليقع في تفسير

_ 1 الصفحة "181 ".

مجازي آخر " فقل لي بربك -أيها القارئ اللبيب- هل يقول هذا في ابن تيمية عالم كأبي زهرة فهم كلام ابن تيمية الذي نقله هو نفسه أكثر من مرة كقوله أنه لا يلزم من الاشتراك في الاسم الاشتراك في الحقيقة. ويبين ذلك ما نقله "ص265" عن "التدمرية" لابن تيمية" "ص12" أنه قال: "إذا كان من المعلوم بالضوررة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم, فمعلوم أن هذا مجود وهذا موجود ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا بل وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصص والتقيد فلا يقول عاقل إذا قيل له: إن العرش شيء موجود وإن البعوض شيء موجود: "إن هذا مثل هذا لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود [وإذا قيل هذا موجود وهذا موجود فوجود كل منهما يخصه. لا يشركه غيره مع أن الاسم حقيقة في كل منهما] "1 ثم علق أبو زهرة على هذا الكلام بما يوضحه قال: "ولذا يقول ابن تيمية في هذا المقام: "قد سمى الله نفسه حيا فقال سبحانه: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وسمى بعض خلقه حيا فقال: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ} , وليس هذا الحي مثل هذا الحي لأن قوله "الحي" اسم لله مختص به وقوله "يخرج الحي من الميت" اسم للحي المخلوق مختص به وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص ... " فهل تجد أيها القارئ أثرا للتأويل الذي زعمه أبو زهرة في تفسيره لهذه

_ 1 زيادة من "التدمرية" ص "13-14" طبع المكتب الإسلامي.

الأسماء والآيات, أم هو يصرح بأنها كلها حقائق تناسب مع ذواتها, وتختلف حقائقها باختلاف ذواتها, غير أن ما في الأمر أن ما كان منها محسوسا فمن الممكن أن نعرف حقيقته بخلاف ما كان غائبا عنا كصفات الله تعالى بل والجنة والنار, فلا نعرف حقيقته, فقد ضرب لك أمثلة توضح للناس هذا الموضوع الخطير الذي كان الجهل به سببا كبيرا لانحراف الناس في الصفات عن طريق السلف. فنحن جميعا نقول: "الله موجود" كما نقول: "الخلق موجود ". ووجود كل منهما حقيقة تتناسب مع ذواتهما, وتقول: "الله حي" و"وأنا حي" حياة كل منهما حقيقة تتناسب مع ذواتهما, وهكذا طرد ذلك في جميع الأسماء والصفات, تجد كلام شيخ الإسلام واضحا بينا مقنعا لكل ذي لب. وإذا كان الشيخ أبو زهرة لم يفهم كلام ابن تيمية, وبناء عليه نسب إليه التأويل خطأ, فهذا الخطب فيه سهل جدا بالنسبة لخطأ آخر في كلامه السابق فإنه إذا كان يعتقد "أن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسية ولا تطلق على وجه الحقيقة على سواها, وإذا أطلق على غيرها سواء أكان معلوما أم مجهولا فإنها قد استعملت في غير معناها ... " إلخ كلامه السابق. أقول: إذا كان الشيخ يعتقد هذا, فإن معنى كلامه -لو كان يدري ما يقول- وهو يجادل شيخ الإسلام متأثرا بعلم الكلام أن وجود المخلوق وحياته وعلمه واستواءه وغير ذلك كله حقيقة, وأما وجود الخالق سبحانه وحياته وعلمه واستواءه وغير ذلك من صفاته فهي مجاز! وليست بحقيقة, ولازمه أن الله غير موجود, وليس بحي, ولا هو يعلم ولا هو مستو على العرش, ولا ولا.... إلخ إلى ما هنالك من أساليب معروفة يقول بها الفلاسفة, وبعض من تأثر بهم من المعتزلة وعلماء الكلام نقول هذا الأن الشيخ -هدانا الله وإياه قال: "إن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسية" ووجوده الله وعلمه وحياته وسائر صفاته ليست حسية وعليه فلا تطلق عليهما كما قال إلا مجازا فهل أحس الشيخ أين طوحت به كلمته هذه؟ فإن كنت لا تدري ... فأقول: قد عرفنا معنى الوجود المحسوس والحياة المحسوسة والعلم المحسوس,

والاستواء المحسوس, فما هو معنى هذه الأسماء إذا أضيفت إلى الله تعالى وهو غير محسوس؟ فالجواب: إنه لا معاني لها وإنما هي أسماء له فقط كما تقوله المعتزلة تماما كما حكاه الشيخ نفسه عنهم فإنه قال في "المذاهب" "ص303": "نفى المعتزلة الصفات كما قررنا, وأثبتها الأشعري وقالوا إنها شيء غير الذات, فقد أثبتوا القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام وقالوا: إنها غير الذات وقال المعتزلة لا شيء غير الذات وإن المذكور في القرآن من مثل قوله تعالى: "عليم وخبير وحكيم وسميع وبصير هو أسماء له تعالى". أي لا معاني لها, وإنما هي كالأعلام المحضة المترادفة, ولذلك نعى ذلك عليهم العلماء ونسبوهم إلى التعطيل كما هو مبين في كتب شيخ الإسلام وغيره. فهل يلتزم فضيلة الشيخ أبو زهرة ما لزمه من كلامه السابق من التعطيل الذي حكى مثله عن المعتزلة, فيكون على ذلك مثلهم منكرا لصفات الله تعالى الثابتة بالقرآن والسنة, أم يتراجع عن تلك الكلمة, لأنها زلة لسان, ويلتزم المذهب الذي شرحه ابن تيمية شرحا ليس من السهل الاستدراك عليه فيه, ومنه الاستواء, فيؤمن به على أنه صفة حقيقية لله تعالى تليق به كما ينبغي أن يؤمن كذلك بجميع صفاته عز وجل كالعلم والكلام ولا يصرفها إلى المجاز فيقع في التعطيل؟ كنت أرجو أن أعتبر تلك الكلمة منه زلة لسان صدرت منه ولكن صدني عن ذلك هو نفسه حيث رأيته قد مال كما سيأتي إلى تفسير "الاستواء" بالمعنى المجازي وهو السلطان الكامل وتفسير النزول بفيوض النعم الإلهية دون أن يتنبه الشيخ المسكين أن مثل هذا التفسير لازمه الكفر لأن تمام حديث النزول -كما يعلم- فيقول: ألا هل من داع فاستجيب له ألا ... ألا ... فهل القيوض هي التي تستجيب, وتغفر, وتعطي أم الله عز وجل لا شريك له؟ وجملة القول فيما نقله الكوثري عن ابن تيمية أنه أراد أن يكون معه نزيها

أديبا غير متأثر بموقف صاحبه الكوثري منه, ولكنه -مع الأسف تغلب عليه أثر الصحبة, فأخذ يطعن في عقيدة ابن تيمية, ولكن تلويحا لا تصريحا كما يفعل صاحبه وينسب إليه صراحة ما لم يقله كما تقدم بيانه, ولا أقول إنه فعل ذلك عمدا كصاحبه لا وإنما أتي من سوء فهمه لكلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. ومما يؤكد ذلك قوله عقب ما سبق نقله من كلامه الذي فيه "وعلى ذلك يكون ابن تيمية قد فر من التأويل ليقع في تأويل آخر ... ". فقال "ص277": " ثم ما المآل وما الغاية من التفسير الظاهري أيؤدي إلى معرفة حقيقة أم لا يؤدي إلا إلى متاهات أخرى إنه يقول "يعني ابن تيمية": إن الحقيقة غير معروفة فيقول: إن الله له وجه غير معروفة الماهية ... وله استواء غير معروف الماهية, ويد ... و إننا بلا شك إذا فسرنا تلك المعاني "كذا قال ولعله سبق قلم, وإنما أراد الألفاظ" بتفسيرات لا تجعلنا نحمله على مجهولات يكون ذلك التفسير أحرى بالقبول, ما دامت اللغة تتسع له وما دام المجاز بينا فيها, كتفسير اليد بمعنى القوة أو النقمة, والاستواء بمعنى السلطان الكامل, وتفسير النزول بفيوض النعم الإلهية إلخ, ولا يعترض بأمن ذلك ليس فيه أخذ بالظاهر, لأن الذي اختاره ليس فيه أخذ بالظاهر"! كذا قال, ولو أردنا أن نبين ما تحته من الخطأ والبعد عن جادة الصواب الذي لا يجوز أن يقع فيه عالم مثله لطال بنا المقام أكثر مما تتحمله هذه المقدمة ولكني أقول للشيخ كلمة موجزة: ألا يكفيك يا فضيلة الشيخ مآلا وغاية أن تفهم أن الاستواء هو صفة لله غير صفة النزول, وأن هذه الصفة غير صفة السيطرة والإنعام وهكذا, كما يكفيك -فيما أرجو- أن تعتقد أن صفة السمع غير صفة البصر وأنهما غير صفة العلم وأن لا تعطلهما وتنكر وجودهما بتأويلك إياهما بما يعود إلى أن المراد بهما

صفة العلم كما يقوله بعض المعتزلة, وإن كان كثيرون منهم ينكرون جميع صفات الذات لله تبارك وتعالى كما نقلناه عنهم فيما سبق؟ بلى إنه يكفيك هذا وإلا فما الفرق بين تفسيرنا تبعا للسلف لهذه الصفات على ظاهرها مع اعتقاد أن حقيقتها لا يعلمها إلا المتصف بها سبحانه وتعالى, وبين إنكارك الاستواء مثلا وإيمانك -فيما أظن بتفسيرنا لسائر الصفات ككونه حيا قديرا مريدا حكيما ... إلخ صفاته تعالى تفسيرا لها على ظاهرها دون تأويل أيضا مع اعتقاد أن حقيقتها لا يعلمها إلا الله؟ الذي أعتقده وأقطع به: أن كل عاقل من أهل العلم لا بد من أن يسلم بأنه لا فرق بين هذا وهذا أبدا, إذ الكل يعود إلى صفات ذات الله تعالى, فكما أننا نؤمن بذاته تعالى دون أن نعلم كنهها وحقيقتها, فكذلك القول في صفاته سبحانه ولا فرق, وإذا كان الأمر كذلك فإما أن يؤمن الشيخ معنا بحقائق الصفات ومنها الاستواء على ما شرحنا وإما أن يتأولها كلها, وبذلك يُلزم بإنكار وجود الله تعالى لأنه لا يعرف حقيقته, وكل ما لا يعرف حقيقته كالاستواء فهو يتأوله!!! وهذا ما وقع فيه الباطنية وكثير من الفلاسفة وقارب ذلك المعتزلة ومن تأثر بهم من علماء الكلام كما فصل ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتبه الكثيرة, جزاه الله عن الإسلام خيرا. وهنا يطيب لي بهذه المناسبة أن أنقل من بعض المخطوطات فصلا رائعا من كلام بعض علماء السلف مما لم يطبع حتى الآن فيما علمت وهو للخطيب البغدادي الحافظ المؤرخ المشهور, وقد ذكر المصنف طرفا منه في ترجمته كما يأتي, فرأيت أن أذكره هنا بنصه, إتماما للحجة على الخلف الذين يتوهم الكثير منهم, أن القول بوجوب الإيمان بحقائق الصفات ومعانيها كما يليق بالله تعالى هو مذهب تفرد به ابن تيمية ومن اقتدوا به فيها, ولم يعلموا أنه رحمه الله تابع لهم في ذلك, وإنما فضله في بيانه وشرحه له وإقامة الأدلة عليه بالمنقول والمعقول, ودفع الشبهات عنه, وإلا فهو سلفي المعتقد, وهو الواجب على كل مسلم, ولذلك

بادرنا إلى نشر كتاب الذهبي هذا الذي بين يديك لتعلم به ما قد يكون خافيا عليك كما خفي على غيرك, فكان ذلك سببا قويا من أسباب الابتعاد عن العقيدة السلفية والطريقة المحمدية. قال الحافظ الخطيب رحمه الله تعالى: " أما الكلام في الصفات؛ فإن ما روي منها في السنن الصحاح؛ مذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظواهرها, ونفي الكيفية والتشبيه عنها. وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه. وحققها من المثبتين قوم فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف. والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه. والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع علي الكلام في الذات ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله. فإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية, فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف. فإذا قلنا: لله تعالى يد, وسمع, وبصر؛ فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه, ولا نقول: أن معنى اليد القدرة, ولا إن معنى السمع والبصر العلم, ولا نقول: إنها جوارح ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تبارك وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وقوله عز وجل {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} . ولما تعلق أهل البدع على عيب أهل النقل برواياتهم هذه الأحاديث ولبسوا على من ضعف علمه بأنهم يروون ما لا يليق بالتوحيد ولا يصح في الدين, ورموهم بكفر أهل التشبيه, وغفلة أهل التعطيل أجيبوا بأن في كتاب الله تعالى آيات محكمات يفهم منها المراد بظاهرها, وآيات متشابهات لا يوقف على معناها

إلا بردها إلى المحكم, ويجب تصديق الكل والإيمان بالجميع؛ فكذلك أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم جارية هذا المجرى, ومنزلة على هذا التنزيل, يرد المتشابه منها إلى المحكم, ويقبل الجميع. وتنقسم الأحاديث المروية في الصفات ثلاثة أقسام: أ- منها أخبار ثابتة أجمع أئمة النقل على صحتها, لاستفاضتها وعدالة ناقليها. فيجب قبولها, والإيمان بها, مع حفظ القلب أن يسبق إليه اعتقاد ما يقتضي تشبيها لله بخلقه, ووصفه بما لا يليق به من الجوارح والأدوات, والتغير والحركات. ب- القسم الثاني: أخبار ساقطة, بأسانيد واهية, وألفاظ شنيعة, أجمع أهل العلم بالنقل على بطولها, فهذه لا يجوز الاشتغال بها ولا التعريج عليها. ج- والقسم الثالث: أخبار اختلف أهل العلم في أحوال نقلتها, فقبلهم البعض دون الكل, فهذه يجب الاجتهاد والنظر فيها لتلحق بأهل القبول, أو تجعل في حيز الفساد والبطول". قلت: فاحفظ هذا الأصل من الكلام في الصفات وافهمه جيدا, فإنه مفتاح الهداية والاستقامة عليها, وعليه اعتمد الإمام الجويني حين هداه الله تعالى لمذهب السلف في الاستواء وغيره كما تقدم ذكره عنه, وهو عمدة المحققين كلهم في تحقيقاتهم لهذه المسألة كابن تيمية وابن القيم وغيرهما, قال ابن تيمية في "التدمرية" "ص29": طبع المكتب الإسلامي: " القول في الصفات كالقول في الذات فإن الله ليس كمثله شيء, لا في ذاته, ولا في صفاته, ولا في أفعاله فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات فالذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل سائر الصفات. فإذا قال السائل؛ كيف استوى على العرش؟ قيل له كما قال ربيعة ومالك

وغيرهما رضي الله عنهم: "الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والإيمان به واجب, والسؤال عن الكيفية بدعة" لأنه سؤال عما لا يعلمه البشر, ولا يمكنهم الإجابة عنه. وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: لا أعلم كيفيته. قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله. إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف وهو فرع له وتابع له, فيكف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره, وتكليمه واستوائه ونزوله, وأنت لا تعلم كيفية ذاته؟ وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابتة في نفس الأمر مستوجبة لصفات الكمال, لا يماثلها شيء فسمعه وبصره, وكلامه ونزوله واستواؤه ثابت في نفس الأمر وهو متصف بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمع المخلوقين وبصرهم وكلامهم ونزوله واستواؤهم ... ". وقال في "الحموية" "ص99" بعد أن ذكر مختصر ما تقدم: "ومذهب السلف بين التعطيل وبين التمثيل, فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه, كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه, ولا ينفون عنه ما وصف بهنفسه, ووصفه به رسوله, فيعطلوا أسماءه الحسنى, وصفاته العليا, ويحرفوا الكلم عن مواضعه, ويلحدوا في أسماء الله وآياته. وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل, فهو جامع بين التعطيل والتمثيل. أما المعطلون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق, ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات. فقد جمعوا بين التعطيل والتمثيل, مثلوا أولا, وعطلوا آخرا. وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسماءئه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم, وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة به سبحانه وتعالى, فإنه إذا قال القائل: لو كان الله فوق العرش للزم إما أن يكون أكبر من العرش, أو أصغر, أو مساويا, وكل ذلك من المحال -ونحو ذلك من الكلام- فإنه لم يفهم من كون الله على العرش إلا ما يثبت لأي جسم كان على أي جسم كان. وهذا اللازم تابع

لهذا المفهوم, إما استواء يليق بجلال الله, ويختص به فلا يلزمه شيء من اللوازم الباطلة التي يجب نفيها, كما يلزم سائر الأجسام. وصار هذا مثل قول الممثل: إذا كان للعالم صانع, فإما أن يكون جوهرا أو عرضا, إذ لا يعقل موجود إلا هذا وقوله: إذا كان مستويا على العرش فهو مماثل لاستواء الإنسان على السرير والفلك, إذ لا يعلم الاستواء إلا هكذا. فإن كليهما مثل وكليهما عطل حقيقة ما وصف الله به, وامتاز الأول بتعطيل كل اسم للاستواء الحقيقي, وامتاز الثاني بإثبات استواء هو من خصائص المخلوقين. والقول الفصل هو ما عليه الأمة الوسط, من إن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله ويختص به. فكما أنه سبحانه موصوف بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير, وأنه سميع بصير, ونحو ذلك, ولا يجوز أن يثبت للعلم والقدرة خصائص الأغراض التي لعلم المخلوقين وقدرتهم, فكذلك هو سبحانه فوق العرش, ولا يثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق وملزوماتها. واعلم أنه ليس في العقل الصريح, ولا في شيء من النقل الصحيح, ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا". وأقول: أما النقل الصحيح, فهو موضوع مختصر كتاب الحافظ الذهبي الذي بين يديك, فستجد فيه ما يجعلك على مثل اليقين مؤمنا بأن الآيات القرآنية, والأحاديث النبوية والآثار السلفية متفقة كلها على أن الله تعالى فوق عرشه بذاته, بائنا من خلقه, وهو معهم بعلمه. وسترى إنشاء الله تعالى أن أئمة المذاهب المتبعة وأتباعهم الأولين ومن سار على نهجهم من التابعين لهم حتى أواخر القرن السادس من الهجرة قد اتفقت فتاواهم وكلماتهم على إثبات الفوقية لله تعالى على عرشه وخلقه وعلى كل مكان وأن ذلك كما أنه متواتر عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم "1" فهو مجمع عليه من السالفين والأئمة الماضين من المحدثين والفقهاء

_ 1 صرح بتواتر ذلك الحافظ الذهبي في "صفات رب العالمين" "1/ 175/ 2 ".

والمفسرين واللغوين وغيرهم, وستراهم بأسمائهم وأقوالهم الثابتة عنهم في ذلك, حتى قاربوا في عددهم المائتين, وهم في الواقع يبلغون المئات, ولكن ذلك ما تيسر جمعه للمؤلف رحمه الله تعالى1, فإذا وقف الطالب المخلص للحق على كلماتهم تيقن أنه يستحيل أن يكونوا قد أجمعوا على الضلال, ولعلم أن مخالفهم هو في الضلال, وما أحسن ما قاله المصنف رحمه الله تعالى في "صفات رب العالمين" بعد أن ذكر قليلا مما أشرنا إليه من النقول "187/ 1-2": " ولو ذكرنا قول كل من له كلام في إثبات الصفات من الأئمة لا تسع الخرق, وإذا كان المخالف لا يهتدي بمن ذكرنا أنه يقول: الإجماع على إثباتها من غير تأويلها أو لا يصدقه في نقله فلا هداه الله. ولا خير والله فيمن رد على مثل الزهري, ومكحول, والأوزاعي, والثوري, والليث بن سعد ومالك, وابن عيينة, وابن المبارك, ومحمد بن الحسن, والشافعي, والحميدي, وأبي عبيد, وأحمد بن حنبل, وأبي عيسى الترمذي وابن سريج. وابن جريج الطبري وابن خزيمة وزكريا الساجي وأبي الحسن الأشعري أو يقول مثل قولهم من الإجماع مثل الخطابي وأبي بكر الإسماعيلي وأبي القاسم الطبراني وأبي أحمد العسال ... "فذكر غيرهم مما سيأتي" والشيخ عبد القادر الجيلي "الإمام في كل عصر" -الذين هم قلب اللب ونقاؤه. قلت: والعقل الفطري السليم يشهد لهؤلاء الأئمة وما معهم من نصوص الكتاب والسنة, وبيان ذلك: لا خلاف بين المسلمين جميعا أن الله تعالى كان ولا شيء, معه لا عرش ولا كرسي ولا سماء ولا أرض, ثم خلق الله تعالى الخلق. كما سيأتي في حديث عمران بن حصين.

_ 1 وذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في "اجتماع الجيوش الإسلامية" جماعة آخرين من العلماء فراجعه إن شئت.

فإذا كان كذلك فمما لا شك فيه؛ أن مخلوقاته تعالى, إما أن يكون خلقها في ذاته تعالى فهي حالة فيه, وهو حال فيها وهذا كفر لا يقول به مسلم, وإن كان هو لازم مذهب الجهمية وغلاة الصوفية الذين يقول قائلهم: "كل ما تراه بعينك فهو الله" تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وإذا كان الأمر كذلك, فمخلوقاته تعالى بائنة عنه غير مختللطة به. وحينئذ فإما أن يكون الله تعالى فوق مخلوقاته, وإما أن تكون مخلوقاته فوقه تعالى وهذا باطل بداهة فلم يبق إلا أن الله تبارك وتعالى فوقها, وهو المطلوب المقطوع ثبوته في الكتاب والسنة, وأقوال السلف ومن جاء بعدهم من الأئمة على اختلاف اختصاصاتهم, ومذاهبهم كما ستراه مفصلا في الكتاب إن شاء الله تعالى. ومن هنا نعلم مبلغ ضلال الجهمية ومن تأثر بهم من الخلف الذين أنكروا جميعا أن يكون الله تعالى على عرشه فوق خلقه, ثم انقسم هؤلاء على مذهبين: الأول: مذهب الجهمية الذين ذهبوا إلى أن الله تعالى في كل مكان مخلوق 1. وقد جادلهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى. فأحسن جدالهم وكشف به عوارهم, فقال في رسالة "الرد على الجهمية"1: "وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله سبحانه وتعالى حين زعم أنه في كل مكان, ولا يكون في مكان دون مكان, فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟ فيقول: نعم. فقل له: فحين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا عن نفسه؟ فإنه يصير إلى أحد ثلاثة أقاويل: أ- إن زعم أن الله تعالى خلق الخلق في نفسه كفر, حين زعم أن الجن

_ 1 وحكاه الأشعري في "مقالات الإسلاميين" "ص212" عن بعض المعتزلة, وتبرأ منه في "الإبانة" كما ستراه في ترجمته, وجزم بأنه تعالى مستو على عرشه وهذا خلاف اعتقاد أتباعه المنتسبين إليه كما سترى قريبا.

والإنس والشياطين وإبليس في نفسه! ب- وإن قال: خلقهم خارجا من نفسه, ثم دخل فيهم, كفر أيضا, حن زعم أنه دخل في كل مكان وحش وقذر. ج- وإن قال خلقهم خارجا من نفسه, ثم لم يدخل فيهم. رجع عن قوله أجمع, وهو قول أهل السنة"1. والمذهب الآخر قول بعض غلاة النفاة للعلو: "الله, لا فوق, ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف لا داخل العالم ولا خارجه" "2" ويزيد بعض فلاسفتهم: " لا متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه"! قلت: وهذا النفي معناه -كما هو ظاهر- أن الله غير موجود, وهذا هو التعطيل المطلق, والجحد الأكبر, تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وما أحسن ما قال محمود بن سبكتكين لمن وصف الله بذلك: ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم! " ذكره في "التدمرية" "ص41". وهذان المذهبان الباطلان أحدهما -ولا بد- لازم لكل من أنكر صفة العلو لله على عرشه, كما سبق بيانه. وإن مما يؤسف له شديد الأسف أن المذهب الأول منهما هو السائد اليوم على ألسنة الناس في هذه البلاد عامتهم وخاصتهم فما تكاد تجلس في مجلس يذكر الله فيه, إلا بادرك بعض الجالسين فيه بقوله: "الله موجود في كل مكان"! وقد يقول آخر: "الله موجود"! في كل الوجود" فإذا سارعت إلى بيان

_ 1 اجتماع الجيوش الإسلامية "ص76-80" ومثله في رسالة "المعرفة" للشيخ عبد الكريم الرفاعي -رحمه الله- 2 كذا في "حاشية البيجوري على "الجوهرة" "ص58" وقد سمعت هذا النفي من بعض المشايخ على المنبر يوم الجمعة يعلم المسلمين الإيمان برب العالمين!

بطلان هذا الكلام, لما فيه من نسبة ما لا يجوز إلى الله من كونه مظروفا لخلقه, وما فيه من المخالفة لصفة علوه على عرشه سارع بعض المتعالمين إلى تأويل ذلك القول بضم جملة "بعلمه" إليه. كأنما هو آية من كتاب الله, أو حديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لا بد من تأويله! ولم يدر هؤلاء المساكين أنها كلمة الجهمية والمعتزلة وعقيدتهم على ما يدل عليه ظاهر هذا القول دون أي تأويل, فإذا سمعت تأويلهم إياه بقولهم "بعلمه" ظننت خيرا, ولكن سرعان ما يخيب ظنك حينما توجه السؤال الموروث عن النبي المعصوم الكاشف عن إيمان المرء أو مبلغ معرفته بالله تعالى أو العكس ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم للجارية: "أين الله" قالت: في السماء. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" - فأنت إذا وجهت مثل هذا السؤال إلى العامة والخاصة وجدتهم يحملقون بأعينهم مستنكرين إياه جاهلين أو متجاهلين أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم هو الذي سنه لنا ثم تراهم مع ذلك حيارى لا يدرون بماذا يجيبون كأن الشريعة الإسلامية لم تتعرض لبيانه مطلقا لا في الكتاب ولا في السنة مع أن الأدلة فيهما متواترة على أن الله تعالى في السماء. ولذلك فالجارية لما أجابت على السؤال بقولها: في السماء شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها مؤمنة لأنها أجابت بما هو معروف في الكتاب والسنة فيا ويح من لا يشهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيمان ويا ويل من يأبى بل يستنكر ما جعله صلى الله عليه وسلم دليلا على الإيمان وهذا والله من أعظم ما أصاب المسلمين من الانحراف عن عقيدتهم أن لا يعرف أحدهم أن ربه الذي يعبده ويسجد له أهو فوق خلقه أم تحتهم بل لا يدري إذا كان خارجا عنه أو في داخله حتى صدق فيهم قول بعض المتقدمين من أهل العلم: أضاعوا معبودهم وهم مع ذلك لم يبلغوا في الضلال شأن أولئك الذين حكموا عليه بالعدم حين قالوا: "لا فوق ولا تحت ... " إلخ فحق فيهم قول بعضهم: "المعطل يعبد عدما والمجسم يعبد صنما ". يشير بذلك إلى الجهمية المعطلة النفاة وإلى المجسمة الممثلة الذين يثبتون الصفات مع التجسيم والتشبيه والحل وسط بينهما كما تقدم ومع خطورة هذه المسألة وبالغ أهميتها, وشدة الخلاف القائم فيها بين أهل السنة من جهة, والجهمية والمعتزلة وغيرهم من النفاة من جهة أخرى حتى

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "الجيوش الإسلامية" "ص96": "بل الذي بين أهل الحديث والجهمية من الحرب أعظم مما بين عسكر الكفر وعسكر الإسلام". أقول: مع هذا كله, نرى أغلب الدعاة الإسلاميين اليوم, لا يقيمون لهذه المسالة ولا لأمثالها من مسائل الاعتقاد وزنا, ولا يلقون لها بالا, فلا تسمع لها في محاضراتهم ولا في مجالسهم الخاصة فضلا عن العامة ذكرا, ويكتفون من المدعوين أن يؤمنوا إيمانا مجملا, ألا ترى إلى ذلك الدكتور الذي قال في مقدمة رسالة "باطن الإثم" وهو يرسم للمسلمين المتفرقين المتدابرين الدواء بزعمه: "وما أظن إلا أننا جميعا مؤمنون بالله إلها واحدا لا شريك له بيده الخير والملك وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"! نعم نحن مؤمنون بالله ... ولكن إيمان المؤمنين يختلف بعضه عن بعض أشد الاختلاف, وما نحن فيه من صفة العلو أوضح مثال, فإن كان الدكتور يعتقدها على طريقة السلف المثبتين لها بدون تشبيه ولا تعطيل, فالناس الذين وضع لهم هذه الرسالة لا يشاركونه في ذلك الاعتقاد, إن كان هو ليس شريكا لهم في اعتقادهم! فماذا يفيد هذا الإيمان وهو ليس على ما شرعه الله وبينه, وقد أشار إلى هذه الحقيقة الإمام أبو محمد الجويني في مقدمة رسالته السابقة "الاستواء والفوقية" بعد أن ذكر الله تعالى ببعض صفاته كالسمع والبصر والكلام واليدين والقبضتين: "استوى على عرشه, فبان من خلفه, لا يخفى عليه منهم خافية علمه بهم محيط وبصره بهم نافذ, وهو في ذاته وصفاته لا يشبهه شيء من مخلوقاته, ولا يمثل بشيء من جوارح مبتدعاته. هي صفات لائقة بجلاله وعظمته, لا تتخيل كيفيتها الظنون, ولا تراها في الدنيا العيون. بل نؤمن بحقائقها وثبوتها, واتصاف الرب تعالى بها, وننفي عنها تأويل المتأولين, وتعطيل الجاحدين, وتمثيل المشبهين, تبارك الله أحسن الخالقين.

فبهذا الرب نؤمن, وإياه نعبد, وله نصلي ونسجد. فمن قصد بعبادته إلى إله ليست له هذه الصفات فإنما يعبد غير الله, وليس معبوده ذلك بإله ". والإمام الجويني رحمه الله تعالى حينما يقول ذلك, ويصدر هذا الحكم العدل على النفاة إنما تلقى ذلك عن أئمة السلف1, فسيأتي في ترجمة الإمام عبد الله بن المبارك قوله في الجهمية: "إنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء ". في ترجمة عباد بن العوام: "آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء, أرى أن لا يناكحوا أو يتوارثوا". ونحوه في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي, ووهب بن جرير, والقعنبي وأبو معمر القطيعي وغيرهم من الأئمة, لكنهم لا يكفرون بالجهم بها أحداً إلا بعد انتهائها إليه كما سيأتي في ترجمة الإمام ابن جرير الطبري. ولذلك فإني أعتب أشد العتب على الكتاب الإسلاميين اليوم -إلا القليل منهم- الذين يكتبون عن الإسلام كل شيء ما عدا العقيدة السلفية والطريقة المحمدية, وأخص بالذكر منهم أولئك الذين يتولون توجيه النشء الجديد إلى الإسلام, وتربيتهم بتربيته, وتثقيفهم بثقافته, فإنهم لا يحاولون مطلقا أن يوحدوا مفاهيمهم حول الإسلام الذي اختلف فيه أهله أشد الاختلاف, لا كما يظن بعض المغفلين منهم أو المتغافلين أن الخلاف بينهم في الفروع فقط دون الأصول, والأمثلة في ذلك كثيرة يعلمها من كان له دراسة في كتب الفرق, أو كان على علم بأفكار المسلمين اليوم, ويكفينا الآن مثالا على ما نحن فيه من البحث, ألا وهو علو الله على خلقه, فنحن تبعا للسلف نؤمن بها قاطعين جازمين, وغيرنا ينكرها أو يشك فيها تبعا للخلف والشك مما ينفي الإيمان بها قطعا ومع ذلك فنحن جميعا مؤمنون بالله ... كما قال ذلك الدكتور فأينا المؤمن حقيقة؟ أما الجواب فهو معروف لدى كل طائفة وإن كنا لسنا في

_ 1 وهذا معنى ما جاء في رسالة "المعرفة" للشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله "ص12": "ومن اعتقد أعتقادا غير مطابقا للواقع كاعتقاد النصارى بالتثليث والوثنية بالتجسيم, وغير ذلك من المعتقدات الباطلة فهو كافر بإجماع المسلمين".

صدده, وإنما الغرض إبطال تلك الخرافة في الفروع فقط! والنصح بتثقيف الشباب المسلم في دينه أصولا وفروعا على ضوء الكتاب والسنة, ونهج السلف الصالح. وإني لن أنسى -ما حييت- تلك المناقشة التي كانت جرت منذ نحو عشر سنين في المدينة المنورة بيني وبين أحد الخطباء والوعاظ, الذين يحبون أن يتصدروا المجالس, ويستقلوا بالكلام فيها, فقد دخل علينا نحن في سهرة لطيفة جمعت نخبة طيبة من طلاب العلم من السلفيين أمثالي, فلم يقم له أحد من الجالسين سوى صاحب الدار مرحبا ومستقبلا, فصافح الشيخ الجالسين جميعا واحدا بعد واحد, مبتدئا بالأيمن فالأيمن, فأعجبني ذلك منه, حتى انتهى إلي وكنت آخرهم مجلسا, ولكني رأيت وقرأت في وجهه عدم الرضى بتركهم القيام له, فأحببت أن ألطف وقع ذلك عليه فبادرته متلطفا معه بقولي وهو يصافحني: عزيز بدون قيام يا أستاذ, كما يقولون عندنا بالشام في مثل هذه المناسبة, فأجاب وهو يجلس وملامح الغضب بادية عليه -بما معناه: لا شك أن القيام للداخل إكراما وتعظيما ليس من السنة في شيء, وأنا موافق لك على ذلك ولكننا في زمن أحاطت فيه الفتن بالمسلمين من كل جانب, وهي فتن تمس الإيمان والعقيدة في الصميم. ثم أفاض في شرح ذلك, وذكر الملاحدة والشيوعيين والقوميين وغيرهم من الكافرين فيجب أن نتحد اليوم جميعنا لمحاربة هؤلاء ودفع خطرهم عن المسلمين, وأن ندع البحث والجدال في الأمور الخلافية كمسألة القيام والتوسل ونحوهما! فقلت: رويدك يا حضرة الشيخ, فإن لكل مقام مقالا, فنحن الآن معك في مثل هذه السهرية الأخوية لم نجتمع فيها لبحث خاص, ولا لوضع الخطة لمعالجة المسائل الهامة من الرد على الشيوعيين وغيرهم, وأنت ما كدت تجلس بعد ثم إن طلبك ترك البحث في الأمور الخلافية هكذا على الإطلاق, لا أظنك تقصده, لأن الخلاف يشمل حتى المسائل الاعتقادية, وحتى في معنى شهادة أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. فأنت تعلم أن أكثر المشايخ اليوم يجيزون الاستغاثة بغير

الله تعالى. والطلب من الأموات وذلك مما ينافي معنى شهادة التوحيد عندنا جميعا -أشير إلى أنه في هذه المسألة معنا- فهل تريدنا أن لا نبحث حتى في تصحيح معنى الشهادة بحجة أن المسألة فيها خلاف؟!! قال: نعم. حتى هذا يجب أن يترك موقتا في سبيل تجميع الصفوف وتوحيد الكلمة, لدرء الخطر الأكبر: الإلحاد و ... قلت: وماذا يفيد مثل هذا التجمع -لو حصل- إذا لم يقم على أساس التوحيد وعدم الإشراك بالله عز وجل. وأنت تعلم أن العرب في الجاهلية كانوا يؤمنون بالله تعالى خالقا, ولكنهم كانوا يكفرون بكونه الإله الحق {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} , فلم يفدهم إيمانهم ذلك شيئا, ولم ينجهم من محاربة الرسول إياهم. فقال: نحن نكتفي اليوم بجمع الناس تحت كلمة لا إله إلا الله. قلت: ولو بمفهوم خاطئ؟! قال: ولو أقول: فهذه المناقشة تمثل لنا في الحقيقة واقع كثير من الدعاة المسلمين اليوم, وموقفهم السلبي تجاه تفرق المسلمين في فهمهم للدين, فإنهم يدعون كل من ينتمي إليهم على أفكاره وآرائه, دون أن يحملوهم بالعلم والحجة من الكتاب والسنة على توحيدها, وتصحيح الخطأ منها, وجل اهتمامهم إنما هو في توجيههم إلى الأخلاق الإسلامية, وآخرون منهم, لا شغل لهم إلا تثقيف أتباعهم بالسياسة والاقتصاد, ونحو ذلك مما يدور عليه كلام أكثر الكتاب اليوم حوله, ونرى فيهم من لا يقيم الصلاة! ومع ذلك فهم جميعا يسعون إلى إيجاد المجتمع الإسلامي, وإقامة الحكم الإسلامي. وهيهات هيهات! إن مجتمعا كهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا بدأ الدعاة بمثل ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعوة إلى الله, حسبما جاء في كتاب الله, وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن البديهي, أن مثل هذه الدعوة لا يمكن النهوض بها, بعدما دخل فيها ما ليس منها من طريق الدس على النبي صلى الله عليه وسلم باسم الحديث, والدس على تفسير القرآن باسم التأويل, فلا بد من الاهتام الجدي العلمي لتصفية المصدرين المذكورين مما دخل فيهما لنتمكن من تصفية الإسلام من مختلف الأفكار والآراء والعقائد المنتشرة في الفرق الإسلامية, حتى ممن ينتسب إلى السنة منهم. وأعتقد أن كل دعوة لا تقوم على هذا الأساس الصحيح من التصفوية فسوف لا

يكتب لها النجاح اللائق بدين الله الخالد. ولقد تنبه لهذا أخيرا بعض الدعاة الإسلامين, فهذا هو الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله تعالى, فإنه بعد أن قرر تحت عنوان "جيل قرآني فريد" أن هذه الدعوة أخرجت جيلا مميزا في تاريخ الإسلام كله, وفي تاريخ البشرية جميعه, وأنها لم تعد تخرج من ذلك الطراز مرة أخرى, تساءل عن السبب مع أن قرآن هذه الدعوة لا يزال وحديث الرسول وهديه العملي وسيرته الكريمة كلها بين أيدينا كما كانت بين يدي ذلك الجيل الأول ولم يغب إلا شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب بأنه: "لو كان وجود شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم حتميا لقيام الدعوة وإيتائها ثمراتها ما جعلها الله دعوة للناس كافة, وما جعلها آخر رسالة, وما وكل إليها أمر الناس في هذه الأرض إلى آخر الزمان". ثم نظر في سبب عدم تكرر المعجزة عدة عوامل طرأت, أهمها ما أشرنا إليه من اختلاف في طبيعة النبع فقال: "كان النبع الأول الذي استقى منه ذلك الجيل هو نبع القرآن, القرآن وحده, فما كان حديث رسول الله وهديه إلا أثرا من آثار ذلك النبع فعندما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله قالت: كان خلقه القرآن1. كان القرآن وحده إذن هو النبع الذين يستقون منه, ويتكيفون به ويتخرجون عليه, ولم يكن ذلك كذلك لأنه لم يكن للبشرية يومها حضارة, ولا ثقافة, ولا علم, ولا مؤلفات, ولا دراسات كلا فقد كانت هناك حضارة الرومان وثقافتها وكتبها وقانونها الذي ما تزال أوربا تعيش عليه, أو على امتداده. وكانت هناك مخلفات الحضارة الإغريقية ومنطقها وفلسفتها وفنها, وهو ما يزال ينبوع التفكير الغربي حتى اليوم, وكانت هناك حضارة الفرس وفنها وشعرها وأساطيرها وعقائدها ونظم حكمها كذلك وحضارات أخرى قاصية

_ 1 أخرجه مسلم, وأبو داود, وأحمد عنها.

ودانية: حضارة الهند وحضارة الصين إلخ. وكانت الحضارتان الرومانية والفارسية تحفان بالجزيرة العربية من شمالها ومن جنوبها. كما كانت اليهودية والنصرانية تعيشان في قلب الجزيرة, فلم يكن إذن عن فقر في الحضارات العالمية والثقافات العالمية يقصر ذلك الجبل على كتاب الله وحده.. في فترة تكونه ... وإنما كان ذلك عن تصميم مرسوم ونهج مقصود. يدل على هذا القصد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة من التوراة, وقوله: "إنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني" 1. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد صنع جيل خالص القلب. خالص العقل. خالص التصور. خالص الشعور. خالص التكوين من أي مؤثر آخر غير المنهج الإلهي, الذي يتضمنه القرآن الكريم. ذلك الجيل استقى إذن من ذلك النبع وحده, فكان له في التاريخ ذلك الشأن الفريد, ثم ما الذي حدث؟ اختلطت الينابيع! صبت في النبع الذي استقت منه الأجيال التالية فلسفة الإغريق ومنطقهم, وأساطير الفرس وتصوراتهم, وإسرائيليات اليهود, ولاهوت النصارى, وغير ذلك من رواسب الحضارات والثقافات, واختلط هذا كله بتفسير القرآن الكريم, وعلم الكلام, كما اختلط بالفقه والأصول أيضا. وتخرج على ذلك النبع المشوب سائر الأجيال بعد ذلك الجيل, فلم يتكرر ذلك الجيل أبدا". ثم ذكر -رحمه الله- عاملين آخرين ثم قال "ص17": "نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية ... تصورات الناس وعقائدهم, عاداتهم وتقاليدهم, موارد

_ 1 قلت؛ هو حديث حسن أخرجه الدارمي, وأحمد وغيرهما وقد خرجته في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" "1589 "

ثقافتهم, فنونهم وآدابهم, شرائعهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية, ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية وتفكيرا إسلاميا ... هو كذلك من صنع هذه الجاهلية. لذلك لا تستقيم قيم الإسلام في نفوسنا, ولا يتضح تصور الإسلام في عقولنا, ولا ينشأ فينا جيل ضخم من الناس من ذلك الطراز الذي أنشأه الإسلام أول مرة. فلابد إذن في منهج الحركة الإسلامية أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها, ونستمد منها. لا بد أن نرجع ابتداء إلى النبع الخالص الذي استمد منه أولئك الرجال. النبع المضمون الذي لم يختلط ولم تشبه شائبة, نرجع إليه نستمد منه تصورنا لحقيقة الوجود كله ولحقيقة الوجود الإنساني ولكافة الارتباطات بين هذين الوجودين وبين الوجود الكامل الحق: وجود الله سبحانه ... ومن ثم نستمد تصوراتنا للحياة وقيمنا وأخلاقنا, ومفاهيمنا للحكم والسياسة والاقتصاد وكل مقومات الحياة. ثم لا بد لنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصورات الجاهلية, والتقاليد الجاهلية والتقاليد الجاهلية في خاصة نفوسنا ... ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي ولا أن ندين بالولاء له, فهو بهذه الصفة ... صفة الجاهلية ... غير قابل لأن نصطلح معه. إن مهمتنا أن نغير من أنفسنا أولا لنغير هذا المجتمع أخيرا. وسنلقى في هذا عنتا ومشقة, وستفرض علينا تضحيات باهظة, ولكننا لسنا مخيرين إذا نحن شئنا أن نسلك طريق الجيل الأول الذي أقر الله به منهجه الإلهي ونصره على منهج الجاهلية ". من أجل ذلك كان لا بد للعاملين من أجل الدعوة الإسلامية أن يتعاونوا جميعا على الخلاص من كل ما هو جاهلي مخالف للإسلام, ولا سبيل إلى ذلك إلا

بالرجوع إلى الكتاب والسنة, كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي, ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ". فإذا هم فعلوا ذلك فقد وضعوا الأساس لقيام المجتمع الإسلامي وبدونه لا يمكن أن تكون لهم قائمة, أو تنشأ لهم دولة مسلحة. وإني لأعجب أشد العجب من بعض الكتاب والدكاترة الذين يؤلفون في معالجة بعض أمراض النفوس, كمؤلف رسالة "باطن الإثم الخطر الأكبر في حياة المسلمين" ثم لا يقنع بذلك حتى يكشف عن جهل كبير بالخطر الحقيقي الذي يحيط بالمسلمين وهو ما أشار إليه الأستاذ سيد قطب -رحمه الله تعالى- في كلامه المتقدم: فإن الدكتور المشار إليه لم تعجبه هذه الحقيقة, فأخذ يغمز منها ومن المذكر بها تحت عنوان له في الرسالة المذكورة "ص85": " مشكلتنا أخلاقية وليست فكرية ". قال: " ومعنى كل هذا الذي ذكرناه أننا نعاني من مشكلة تتعلق بالخلق والوجدان وليس لها أي تعلق بالقناعة أو الفكر " كذا قال! ثم تعجب من الناس الذين يشعرون بمشكلته, ويتنبهون إلى ما سماه بالخطر الأكبر في حياة المسلمين, ولكنهم بدلا من أن يعالجوه بالسبل التي ذكرها هو في رسالة يعالجونه بمزيد من الأبحاث الفكرية ... ثم قال مشيرا إلى كلام سيد قطب رحمه الله: " فماذا يجدي أن نسهب في شرح "المجتمع الجاهلي" أو نتفنن في كشف المخطات العدوانية التي يسير عليها أعداء الإسلام وأرباب الغزو الفكري, أو نهتم بعرض المزيد من منهجية الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية, وأن البلاء الذي يعانيه المسلمون ليس الجهل بشيء من هذا كله "1""" وإنما هو المرض العضال الذي يستحكم بنفوسهم"؟!

ليس بالمسلمين حاجة بعد اليوم إلى أي مزيد من هذه الدراسات الفكرية, فالمسلمون على اختلاف ثقافاتهم أصبحوا يملكون من الوعي في هذه النواحي ما يتيح لهم الحصانة الكافية لو أن الأمر كان موكولا إلى الوعي وحده. وإنما هم بحاجة بعد اليوم إلى القوة الهائلة التي تدفع إلى التنفيذ, وهيهات أن يكون أمر التنفيذ بيد الفكر أو العقل وحده. والقوة الهائلة التي يحتاجوها إنما هي قوة الأخلاق". هكذا يقول الدكتور العليم "! " وفي كلامه من المغالطات والخطيئات ما لا يتسع المجال لبسط القول في بيانها, فإن أحدا من الإسلاميين لا يتصور أن يقول أن الوعي والفكر وحده يكفي لحل المشكلة, خلافا لما أوهمه كلامه, ولكن المشكلة التي أنكرها الدكتور هي الأصل لقوة الأخلاق ألا وهو الإيمان والتوحيد الصحيح والعقيدة الصحيحة, ولذلك كانت الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم أول ما يبدؤون من الدعوة إنما هو توحيد الله عز وجل, فلم يكونوا يعالجون بادئ الأمر المشاكل الأخلاقية ولا الاقتصادية وغير ذلك مما افتتن بمعاجلته كثير من الكتاب اليوم مع الغفلة عن المشكلة الأساسية, وهي انحراف الكثير من المسلمين اليوم وما قبل عن العقيدة الصحيحة, ولكتب الكلام التي يسمونها بكتب التوحيد ضلع كبير في ذلك, وأنا أسأل الدكتور العليم سؤالا واحدا: هل يمكن لفرد أو أفراد أو جماعة أو أمة أن يحظوا بالقوة الهائلة التي يحتاجونها اليوم وهي قوة الأخلاق إذا كانت عقيدتهم غير صحيحة فإذا أجاب بعدم الإمكان فنسأله فهل الذي يعلمه هو أن هناك أمة مسلمة لا تزال عقيدتهم صحيحة, كما كانت عليه في عهد السلف على الرغم من أن فيهم من هو على عقيدة المعتزلة النفاة والجبرية وغلاة المتصوفة الذي منهم اليوم, وفي بلدنا خاصة من يقول بأن المسلم ليس بحاجة إلى أن يتعلم الكتاب والسنة والعلوم التي تساعد على فهمهما, وإنما يكفي في ذلك تقوى الله ويحتجون من القرآن بما هو حجة

عليهم لو كانوا يعلمون كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} وبناء على ذلك ينكرون كثيرا من الحقائق الشرعية كالشفاعة الثابتة للأنبياء والرسل وبخاصة نبينا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ونزول عيسى وخروج الدجال وغير ذلك كثير, وفي مصر والهند أناس يسمون بالقرآنيين الذين يفسرون القرآن دون الاستعانة على تفسيره بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين, بل وبدون التزام للقواعد العلمية العربية. فإن أجاب الدكتور بأن عقيدة المسلمين اليوم هي كما كانت في عهد السلف, فنسأله هل هذا الذي ذكرته من العقائد الباطلة موجود اليوم وفي بلده خاصة, فإن أجاب بالإيجاب كما هو الظن به, فكيف يتجرأ على القول المتقدم: "ليس بالمسلمين حاجة بعد إلى أي مزيد من هذه الدراسات الفكرية, فالمسلمون اليوم على اختلاف ثقافاتهم أصبحوا يملكون من الوعي في هذه النواحي ما يتيح لهم الحصانة الكافية"؟! وإذا كابر وجحد ورجع إلى القول بأن المسلمين فيهم الخير والبركة من هذه الحيثية سقطت مخاطبته لأن الأمر كما قال الشاعر: وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الأَذْهَانِ شَيْءٌ ... إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيلٍ وأخيرا لا بد من أن أواجه إلى حضرة الدكتور السؤال الذي يكشف له إن شاء الله عن خطئه الذي وضع له ذلك العنوان الخاطئ إن كان لم يتبين له حتى الآن, نحن نسألك بسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية: أين الله؟ فإن أجبت بالجواب الذي نؤمن به وجعله الرسول صلى الله عليه وسلم دليل إيمان الجارية ألا وهو قولنا: في السماء وفهمه على الوجه الذي فهمه السلف أنه تبارك وتعالى على العرش, فقد أصبت الحق, واتفقت معنا في هذه المسألة التي علاقتها بالأفكار والعقائد, وليس بالأخلاق! ولكنك في الوقت نفسه خالفت جماهير المسلمين حتى المشايخ والأساتذة والدكاترة الذين درست عليهم الشريعة, فإنهم لا يوافقونك على هذا الجواب الحق, وما عهدك بالكوثري وأبي زهرة ببعيد.

وإن أنت أنكرت توجيه هذا السؤال الذي سنه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم وأبيت أن تجيب عليه بجواب إيجابي, أو أجبت بجواب المعتزلة: الله موجود في كل مكان. وهذا معناه القول باتحاد الخالق والمخلوق, وهو الكفر بعينه, أو تجيب بما في "الجوهرة" وحاشيتها وغيرها من كتب الكلام التي درستها وتثقفت بثقافتها حتى "أصبحت تملك من الوعي ما ينسج لك الحصانة الكافية"! فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة كما سبق أن أشرنا إلى بعض النقول عن بعض الأئمة الموثوق بهم عندنا جميعا ونحن على مذهبهم في ذلك وباختصار فسواء كنت معنا أو ضدنا في هذه العقيدة, فكل من الطائفتين يمثل ملايين المسلمين منذ مئات السنين حتى اليوم, وفي الطائفة التي تؤمن بالسؤال والجواب الوارد في الحديث المشار إليه آنفا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه المحقق ابن قيم الجوزية, وجميع إخواننا الحنابلة اليوم الذي هم من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب, وكل من الطائفتين هم بلا شك مما يشملهم ظنك الواسع الذي عبرت عنه بقولك في الرسالة السابقة "ص9": " وما أظن إلا أننا جميعا مؤمنون بالله إلها واحدا لا شريك له بيده الخير ... " وأما أنا فأعتقد أن كلا من الطرفين إذا تمسك بآداب الإسلام سيقول بلسان حاله أو قاله للطائفة المخالفة: "وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين". والدكتور يعلم فيما أعتقد أن إحدى الطائفتين أيا كانت فهي على ضلالة, وليس هي, بلا شك من حيث الخلق, وإنما من جهة الفكرة والعقيدة وكل من الطائفتين يمثل ملايين المسلمين اليوم في هذه المسألة وغيرها من مسائل الاعتقاد, أفليس هؤلاء المختلفون بحاجة يا دكتور إلى الدراسات الفكرية, ولا أقول كما قلت: "إلى مزيد من الدراسات الفكرية"؟! لأن الإنسان العاقل يطمع في المزيد عندما يجد المزيد عليه فكيف وهو مفقود أو في حكم المفقود,

فهو يطمع فيه ثم في المزيد عليه! أليس هؤلاء جميعا بحاجة ملحة إلى تلك الدراسات حتى يتبين الحق للطائفة الضالة أيا كانت هذه الطائفة, فتنضم إلى الطائفة المحقة, وتزداد هذه إيمانا على إيمان بحقها وصوابها, ومعرفة بملتها والدعوة إليها, وبذلك نسير إلى المجتمع الإسلامي المنشود, وهو لا ينافي إذا قام به بعض الدعاة, أن يقوم آخرون بمعالجة أمراض النفوس وأخلاقها كما فعل الدكتور في رسالته السابقة الذكر "باطن الإثم" ولكن بشرط أن لا ينكر على الأولين جهادهم الأكبر ولا أن يدعوهم بأن يسلكوا سبيلهم في معالجة المشكلة المدعاة "ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات".

باب: شبهات وجوابها

باب: شبهات وجوابها الشبهة الأولى: التشبيه ... شبهات وجوابها: لقد اشتهر عند الخلف نسبة كل من يثبت الفوقية لله تعالى إلى أنه مشبه أو مجسم, أو إلى أنه ينسب لله الجهة والمكان. فهذه ثلاثة أمور لا بد من إزالة الشبه عنها. الشبهة الأولى: التشبيه. يمكن أخذ الإجابة عن هذه الشبهة مما تقدم من النقول عن الأئمة, ومما سنراه في نصوص الكتاب الآتية, أذكر الآن بعضها: 1- قال نعيم بن حماد الحافظ: من شبه الله بخلقه, فقد كفر, ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر, وليس ما وصف به نفسه, ولا رسوله تشبيهاً. 2- قال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد مثل يدي أو سمع كسمعي فهذا تشبيه, وأما إذا قال كما قال الله: يد وسمع وبصر فلا يقول: كيف ولا يقول: مثل, فهذا لا يكون تشبيها, قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . ولو كان إثبات الفوقية لله تعالى معناه التشبيه, لكان كل من أثبت الصفات الأخرى لله تعالى ككونه حيا قديرا سميعا بصيرا مشبها أيضا, وهذا ما لا يقول به مسلم ممن ينتسبون اليوم إلى أهل السنة والجماعة خلافا لنفات الصفات والمعتزلة وغيرهم قال شيخ الإسلام في "منهاج السنة" "2/ 75": "فالمعتزلة والجهمية ونحوهم من نفات الصفات يجعلون كل من أثبتها مجسما مشبها, ومن هؤلاء من يعد من المجسمة والمشبهة الأئمة المشهورين كمالك والشافعي وأحمد وأصحابهم, كما ذكر ذلك أبو حاتم صاحب كتاب "الزينة" وغيره.

وشبهة هؤلاء أن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى ويقولون: أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق, ويقولون: إن الله يرى في الآخرة". هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم. ثم قال ص80: "والمقصود هنا أن أهل السنة متفقون على أن الله ليس كمثله شيء, لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله, ولكن لفظ التشبيه في كلام الناس لفظ مجمل, فإن أراد بنفي التشبيه ما نفاه القرآن, ودل عليه العقل فهذا حق, فإن خصائص الرب تعالى لا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته.., وإن أراد بالتشبيه أنه لا يثبت لله شيء من الصفات, فلا يقال له علم, ولا قدرة ولا حياة, لأن العبد موضوف بهذه الصفات فيلزم أن لا يقال له: حي, عليم, قدير لأن العبد يسمى بهذه الأسماء, وكذلك في كلامه وسمعه وبصره ورؤيته وغير ذلك, وهم يوافقون أهل السنة على أن الله موجود حي عليم قادر, والمخلوق يقال له: موجود حي عليم قادر, ولا يقال: هذا تشبيه يجب نفيه".

الشبهة الثانية: الجهة

الشبهة الثانية: الجهة والجواب عنها ما قاله ابن تيمية في "التدمرية" "ص45": قد يراد بـ"الجهة" شيء موجود غير الله, فيكون مخلوقا كما إذا أريد بـ"الجهة" نفس العرش, أو نفس السماوات, وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى, كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم. ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه, كما فيه إثبات العلو والاستواء والفوقية والعروج إليه ونحو ذلك, وقد علم أن ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق, والخالق سبحانه وتعالى مباين للمخلوق, ليس في مخلوقاته شيء من ذاته, ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.

فيقال لمن نفى: أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق؟ فالله ليس داخلا في المخلوقات, أم تريد بالجهة ما وراء العالم فلا ريب أن الله فوق العالم. وكذلك يقال لمن قال: الله في جهة. أتريد بذلك أن الله فوق العالم, أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات؟ فإن أردت الأول فهو حق, وإن أردت الثاني فهو باطل " ومنه يتبين أن لفظة الجهة غير وارد في الكتاب والسنة وعليه فلا ينبغي إثباتها, ولا نفيها, لأن في كل من الإثبات والنفي ما تقدم من المحذور, ولو لم يكن في إثبات الجهة إلا إفساح المجال للمخالف أن ينسب إلى متبني العلو ما لا يقولون به, لكفى. وكذلك لا ينبغي نفي الجهة توهما من أن إثبات العلو لله تعالى يلزم منه إثبات الجهة, لأن في ذلك محاذير عديدة منها نفي الأدلة القاطعة على العلو له تعالى. ومنها نفي رؤية المؤمنين لربهم عز وجل يوم القيامة, فصرح بنفيها المعتزلة, والشيعة, وعلل ابن المطهر الشيعي في "منهاجه" النفي المذكور بقوله: "لأنه ليس في جهة"! وأما الأشاعرة أو على الأصح متأخروهم الذين أثبتوا الرؤية فتناقضوا حين قالوا: "إنه يرى لا في جهة" يعنون العلو قال شيخ الإسلام في "منهاج السنة" "2/ 252": " وجمهور الناس من مثبتة الرؤية ونفاتها يقولون: إن قول هؤلاء معلوم الفساد بضرورة العقل, كقولهم في الكلام, ولهذا يذكر أبو عبد الله الرازي أنه لا يقول بقولهم في مسألة الكلام والرؤية أحد من طوائف المسلمين. ثم أخذ يرد على النفاة من المعتزلة والشيعة بكلام رصين متين فراجعه فإنه نفيس. وجملة القول في الجهة أنه إن أريد به أمر وجودي غير الله كان مخلوقا, والله تعالى فوق خلقه لا يحصره ولا يحيط به شيء من المخلوقات, فإنه بائن من

المخلوقات, كما سيأتي في الكتاب عن جمع من الأئمة. وإن أريد بـ"الجهة" أمر عدمي, وهو ما فوق العالم, فليس هناك إلا الله وحده. وهذا المعنى الأخير هو المراد في كلام المثبتين للعلو والناقلين عن السلف إثبات الجهة لله تعالى كما في نقل القرطبي عنهم في آخر الكتاب. وقال ابن رشد في "الكشف عن مناهج الأدلة" "ص66": " القول في الجهة" وأما هذه الصفة لم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه, حتى نفتها المعتزلة, ثم تبعهم على نفيها متأخروا الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله, وظواهر الشرع كلها تقتضي إثبات الجهة مثل قوله تعالى: "ثم ذكر بعض الآيات المعروفة ثم قال" إلى غير ذلك من الآيات التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولا, وإن قيل فيها إنها من المتشابهات, عاد الشرع كله متشابها, لأن الشرائع كلها متفقة على أن الله في السماء, وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين ... ".

الشبهة الثالثة: المكان

الشبهة الثالثة: المكان وإذا عرفت الجواب عن الشبهة السابقة "الجهة", يسهل عليك فهم الجواب عن هذه الشبهة وهو أن يقال: إما أن يراد بالمكان أمر وجودي, وهو الذي يتبادر لأذهان جماهير الناس اليوم, ويتوهمون أنه المراد بإثباتنا لله تعالى صفة العلو. فالجواب: أن الله تعالى منزه عن أن يكون في مكان بهذا الاعتبار, فهو تعالى لا تحوزه المخلوقات إذ هو أعظم وأكبر, بل قد وسع كرسيه السموات والأرض, وقد قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} , وثبت في "الصحيحين" وغيرهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وسلم أنه قال: "يقبض الله

بالأرض, ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ ". وأما أن يراد بالمكان أمر عدمي وهو ما وراء العالم من العلو, فالله تعالى فوق العالم وليس في مكان بالمعنى الوجودي, كما كان قبل أن يخلق المخلوقات. فإذا سمعت أو قرأت عن أحد الأئمة والعلماء نسبة المكان إليه تعالى. فاعلم أن المراد به معناه العدمي, يريدون به إثبات صفة العلو له تعالى, والرد على الجهمية والمعطلة الذين نفو عنه سبحانه هذه الصفة, ثم زعموا أنه في كل مكان بمعناه الوجودي, قال العلامة ابن القيم في قصيدته "النونية" - "2/ 446-447 - المطبوعة مع شرحها "توضيح المقاصد" طبع المكتب الإسلامي " والله أكبر ظاهر ما فوقه ... شيء وشأن الله أعظم شان والله أكبر عرشه وسع السما ... والأرض والكرسي ذا الأركان وكذلك الكرسي قد وسع الطبا ... ق السبع والأرضين بالبرهان والله فوق العرش والكرسي ... لا تخفى عليه خواطر الإنسان لا تحصروه في مكان إذ تقو ... لوا: ربنا حقا بكل مكان نزهمتوه بجهلكم عن عرشه ... وحصرتموه في مكان ثان لا تعدموه بقولكم: لا داخل ... فينا ولا هو خارج الأكوان الله أكبر هتكت أستاركم ... وبدت لمن كانت له عينان والله أكبر جل عن شبه وعن ... مثل وعن تعطيل ذي كفران إذا أحطت علما بكل ما سبق, استطعت بإذن الله تعالى أن تفهم بيسر من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية, والآثار السلفية التي ساقها المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب الذي بين يديك "مختصره" أن المراد منها إنما هو معنى معروف ثابت لائق به تعالى ألا وهو علوه سبحانه على خلقه واستواؤه على عرشه على ما يليق بعظمته, وأنه مع ذلك ليس في جهة ولا مكان, إذ هو خالق كل

شيء, ومنه الجهة والمكان, وهو الغني عن العالمين وأن من فسرها بالمعنى السلبي, فلا محذور منه, إلا أنه مع ذلك لا ينبغي إطلاق لفظ الجهة والمكان ولا إثباتهما, لعدم ورودهما في الكتاب والسنة, فمن نسبهما إلى الله فهو مخطئ لفظأ, إن أراد بهما الإشارة إلى إثبات صفة العلو له تعالى, وإلا فهو مخطئ معنى أيضا إن أراد به حصره تعالى في مكان وجودي, أو تشبيهه تعالى بخلقه. وكذلك لا يجوز نفي معناهما إطلاقا إلا مع بيان المراد منهما لأنه قد يكون الموافق للكتاب والسنة, لأننا نعلم بالمشاهدة أن النفاة لهما إنما يعنون بهما نفي صفة العلو لله تعالى من جهة, ونسبة التجسيم والتشبيه للمؤمنين بها, ولذلك ترى الكوثري في تعليقاته يدندن دائما حول ذلك, بل يلهج بنسبة التجسيم إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في كل مناسبة, ثم تابعه على ذلك مؤلف "فرقان القرآن" في مواطن منه, قال في أحدها "ص61" أن ابن تيمية شيخ إسلام أهل التجسيم {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} . واتهام أهل البدع وأعداء السنن أهل الحديث بمثل هذه التهم قديم, منذ أن نشب الخلاف بينهم في بعض مسائل التوحيد والصفات الإلهية, وسترى في ترجمة الإمام أبي حاتم الرازي رحمه الله تعالى قوله: " وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر, وعلامة الجهمية أن يسموا أهل السنة مشبهة, وعلامة القدرية "المعتزلة" أن يسموا أهل السنة مجبرة, وعلامة الزنادقة أن يسموا أهل الأثر حشوية". وإن افتراءهم على شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال بعد أن روى قوله "صلى الله عليه وسلم": "يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ... " كنزولي هذا, معروف وقد بين بطلان هذه الفرية شيخي في الإجازة الشيخ راغب الطباخ في بعض أعداد مجلة المجمع العلمي بدمشق, ثم صديقنا العلامة الأستاذ الشيخ محمد بهجة البيطار في كتابه "ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية".

ومن أسوأ ما افتراه بعضهم على الإمام شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي الأنصاري ما ذكره الحافظ المؤلف في ترجمته من "تذكرة الحفاظ" "3/ 358": " لما قدم السلطان ألب أرسلان "هراة" في بعض قدماته, اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه, ودخلوا على أبي إسماعيل, وسلموا عليه وقالوا: ورد السلطان, ونحن على عزم أن نخرج ونسلم عليه, فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك, وكانوا قد تواطؤوا على أن حملوا معهم صنما من نحاس صغيرا, وجعلوه في المحراب, تحت سجادة الشيخ, وخرجوا, وقام إلى خلوته, ودخلوا إلى السلطان, واستغاثوا من الأنصاري لأنه مجسم, وأنه يترك في محرابه صنما يزعم أن الله على صورته "" وإن بعث السلطان يجده فعظم ذلك على السلطان وبعث غلاما ومعه جماعة فدخلوا الدار وقصدوا المحراب فأخذوا الصنم ورجع الغلام بالصنم فبعث السلطان من أحضر الأنصاري فأتى فرأى الصنم والعلماء والسلطان قد اشتد غضبه. فقال السلطان له : ما هذا؟ قال: هذا صنم يعمل من الصفر شبهة اللعبة. قال: لست عن هذا أسألك. قال: فعم تسألني؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا وأنك تقول إن الله على صورته فقال الأنصاري بصولة وصوت جهوري: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} . فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه فأمر به فأخرج إلى داره مكرما وقال لهم اصدقوني -وهددهم- فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بلية من استيلائه علينا بالعامة فأردنا أن نقطع شره عنا فأمر بهم ووكل "لعله: فكل" بكل واحد منهم وصادرهم " وختاما أنقل إلى القراء الكرام فصلا نافعا من كلام الإمام أبي محمد الجويني في آخر رسالة "الإستواء والفوقية" في تقريب هذه المسألة إلى الأفهام بمعنى من علم الهيئة والفلك لمن عرفه قال: " لا ريب أن أهل العلم حكموا بما اقتضته الهندسة, وحكمها صحيح لأنه ببرهان, لا يكابر الحسن فيه بأن الأرض في جوف العالم العلوي, وأنكرة

الأرض في وسط السماء كبطيخة في جوف بطيخة, والسماء محيطة بها من جميع جوانبها, وأن سفل العالم هو جوف كرة الأرض, وهو المركز, وهو منتهى السفل والتحت, وما دونه ولا يسمى تحتا بل لا يكون تحتا ويكون فوقا, بحيث لو فرضنا خرق المركز وهو سفل العالم إلى تلك الجهة لكان الخرق إلى جهة فوق ولو نفذ الخرق جهة السماء من تلك الجهة الأخرى لصعد إلى جهة فوق1. وبرهان ذلك أنا لو فرضا مسافرا سافر على كرة الأرض من جهة المشرق إلى جهة المغرب, وامتد مسافرا لمشى مسافرا على الكرة إلى حيث ابتدأ بالسير, وقطع الكرة مما يراه الناظر أسفل منه, وهو في سفره هذا لم يبرح الأرض تحته, والسماء فوقه, فالسماء التي يشهدها الحس تحت الأرض هي فوق الأرض, لا تحتها, لأن السماء فوق الأرض بالذات, فكيف كانت السماء كانت فوق الأرض من أي جهة فرضتها. قال: " وإذا كان هذا جسم وهو السماء -علوها على الأرض بالذات فكيف من ليس كمثله شيء وعلوه على كل شيء بالذات كما قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وقد تكرر في القرآن المجيد ذكر الفوقية {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} ... لأن فوقيته سبحانه وعلوه على كل شيء ذاتي له, فهو العلي بالذات, والعلو صفته اللائقة به, كما أن السفول والرسوب والانحطاط ذاتي للأكوان عن رتبة ربوبيته وعظمته وعلوه. والعلو والسفول حد بين الخالق والمخلوق يتميز به عنه هو سبحانه علي بالذات وهو كما كان قبل خلق الأكوان وما سواه مستقل عنه بالذات وهو سبحانه العلي على عرشه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج الأمر إليه فيحيي هذا ويميت هذا ويمرض هذا ويشفي هذا ويعز هذا ويذل هذا وهو الحي القيوم القائم بنفسه وكل شيء قائم به.

_ 1 قلت: وقد ذكر نحو هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة "العرشية".

فرحم الله عبدا وصلت إليه هذه الرسالة, ولم يعالجها بالإنكار, وافتقر إلى ربه في كشف الحق آناء الليل [وأطراف] النهار, وتأمل النصوص في الصفات وفكر بعقله في نزولها, وفي المعنى الذي نزلت له, وما الذي أريد بعلمها من المخلوقات؟ ومن فتح الله قلبه عرف أنه ليس المراد إلا معرفة الرب تعالى بها والتوجه إليه منها وإثباتها له بحقائقها وأعيانها كما يليق بجلاله وعظمته, بلا تأويل ولا تعطيل, ولا تكييف ولا تمثيل, ولا جمود ولا وقوف. وفي ذلك بلاغ لمن تدبر, وكفاية لمن استبصر, إن شاء الله تعالى". وقال رحمه الله تعالى وأثابه خيرا مبينا أثر هذه العقيدة في قلب المؤمن بها: " العبد إذا أيقن أن الله فوق السماء, عال على عرشه بال حصر ولا كيفية, وأنه الآن في صفاته كما كان في قدمه, صار لقلبه قبلة في صلاته وتوجهه ودعائه ومن لا يعرف ربه بأنه فوق سماواته على عرشه؛ فإنه يبقى ضائعا لا يعرف وجهة معبوده, لكن لو عرف بسمعه وبصره وقدمه , وتلك بلا هذا [الإيقان] معرفة ناقصة بخلاف من عرف أن إلهه الذي يعبده فوق الأشياء, فإذا دخل في الصلاة وكبر, توجه قلبه إلى جهة العرش منزها ربه تعالى عن الحصر مفردا له, كما أفرده في قدمه وأزليته, عالما أن هذه الجهات من حدودنا ولوازمنا, ولا يمكننا الإشارة إلى ربنا في قدمه وأزليته إلا بها, لأنا محدثون, والمحدث لا بد له في إشارته إلى جهة, فتقع تلك الإشارة إلى ربه, كما يليق بعظمته, لا كما يتوهم هو من نفسه, ويعتقد أنه في علوه قريب من خلقه, هو معهم بعلمه وسمعه وبصره, وإحاطته وقدرته ومشيئته, وذاته فوق الأشياء, فوق العرش, ومتى شعر قلبه بذلك في الصلاة أو التوجه أشرق قلبه, واستنار, وأضاء بأنوار المعرفة والإيمان, وعكسته أشعة العظمة على عقله وروحه ونفسه فانشرح لذلك صدره وقوي إيمانه ونزه ربه عن صفات خلقه من الحصر والحلول وذاق حينذاك شيئا من أذواق السابقين المقربين بخلاف من لا يعرف وجهة معبوده وتكون الجاذبة راعية الغنم أعلم بالله منه فإنها قالت: "في السماء" عرفته بأنه على السماء, فإن "في" تأتي بمعنى "على", فمن

تكون الراعية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده, فإنه لا يزال مظلم القلب, لا يستنير بأنوار المعرفة والإيمان. ومن أنكر هذا القول فليؤمن به, وليجرب ولينظر إلى مولاه من فوق عرشه بقلبه, مبصرا من وجه, أعمى من وجه, مبصرا من جهة الإثبات والوجود والتحقيق, أعمى من جهة التحديد والحصر والتكييف, فإنه إذا عمل ذلك وجد ثمرته إن شاء الله تعالى, ووجد نوره وبركته, عاجلا وآجلا "ولا ينبئك مثل خبير". والله سبحانه الموفق والمعين ". دمشق/ 8 جمادى الأولى سنة 1392 محمد ناصر الدين الألباني

باب: كتاب العلو

باب: كتاب العلو بسم الله الرحمن الرحيم "لا إله إلا الله عدة للقاء الله, رب يسر وأعن وتمم واختم بخير في عافية يا كريم" الحمد لله العلي العظيم, رب العرش العظيم, على نعمه السابغة, الظاهرة والباطنة, والحمد لله على نعمة التوحيد, وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وحده لا شريك له, شهادة توجب من فضله المزيد. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم الأنبياء, والشفيع في اليوم الشديد1, صلى الله عليه وعلى آله صلاة أدخرها ليوم الوعيد. أما بعد فإني كنت في سنة ثمان وتسعين وستمائة جمعت أحاديث وآثارا في مسألة العلو. وفاتني الكلام على بعضها, ولم أستوعب ما ورد في ذلك, فذيلت على ذلك مؤلفا أوله: "سبحان الله العظيم وبحمده على حلمه بعد علمه" والآن فأرتب المجموع وأوضحه هنا, وبالله أستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل. قال الله تعالى- ومن أصدق من الله قيلا {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وقال تعالى {ووَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} وقال تعالى في وصف كتابه العزيز {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقال تعالى {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} إلى غير ذلك من آيات الاستواء. وقال تَعَالَى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين} وقال تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} , وقال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ

_ 1 في المخطوطة: وأشرف العبيد بدل "والشفيع في اليوم الشديد". 2 في الأصل: "إحدى" والتصحيح من المخطوطة.

فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} , وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وقال تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} وقال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} وقال تعالى في الملائكة {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} , وقال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} , وقال تعالى: {ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} وقال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} إلى غير ذلك من نصوص القرآن العظيم جل منزله وتعالى قائله. فإن أحببت يا عبد الله الإنصاف, فقف مع نصوص القرآن والسنن, ثم انظر2 ما قاله الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في هذه الآيات, وما حكوه من مذاهب السلف, فإما أن تنطق بعلم, وإما أن تسكت بحلم, ودع المراء والجدال, فإن المراء في القرآن كفر, كما نطق بذلك الحديث الصحيح وسترى أقوال الأئمة في ذلك على طبقاتهم بعد سرد الأحاديث النبوية. جمع الله قلوبنا على التقوى" وجنبنا المراء والهوى", فإننا على أصل صحيح, وعقد متين, من أن الله تقدس اسمه لا مثل له, وأن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة "أو الصفات تابعة للموصوف فنعقل وجود الباري ونميز ذاته المقدسة" عن الأشباه من غير أن نتعقل الماهية, فكذلك القول في صفاته, نؤمن بها, ونعقل وجودها, ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها أو نشبهها أو نكيفها أو نمثلها, بصفات خلقه, تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا, فالإستواء -كما قال الإمام مالك وجماعة- معلوم, والكيف مجهول. فمن الأحاديث المتواترة3 الواردة في العلو:

_ 1 قال الإمام أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين في رسالته في "الاستواء" "1/ 177- منيرية": "وهذا يدل على أن موسى أخبره بأن ربه تعالى فوق السماء، ولهذا قال: "وإني لأظنه كاذاب". وراجع هذه الرسالة فإنها مهمة. 2 في المخطوطة: "وانظر" لعله الصواب. 3 في مختصر لوامع الأنوار "ص142" عن المؤلف: المتوافرة. ولعله الصواب.

1- أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه جمع كما بينته في "المشكاة" منهم في "التخليص"، وفيما يأتي ص58 فقد جزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله. 1- حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: كانت لي غنم بين أحد والجوانية1 فيها جارية لي2, فاطلعتها ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة -وأنا رجل من بني آدم- فأسفت, فصككتها3, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له, فعظم ذلك علي فقلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: "ادعها" فدعوتها, فقال لها: "أين الله؟ " قالت: في السماء, قال: "من أنا؟ " قالت: "أنت" رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ". هَذَا حَدِيثٌ صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وغير واحد من الأئمة في تصانيفهم، يمرونه كما جاء ولا يتعرضون له بتأويل ولا تحريف. وهكذا رأينا كل من يسأل: أين الله؟ يبادر بفطرته ويقول: في السماء. ففي الخبر مسألتان: إحداهما شريعة: قول المسلم: أين الله؟ وثانيهما: قول المسئول: في السماء. فمن أنكر هاتين المسألتين، فإنما ينكر على المصطفى صلى الله عليه وسلم. 2- ورد هذا الحديث من طرق، وكأنه لذلك قال المصنف إنه من الأحاديث المتواترة، وفيه نظر، وفي بعضها أن الجارية أعجمية وأنها أشارت إلى السماء بدل قوله: "قالت في السماء". كما في "المسند". لكن في إسناده المسعودي واسمه عَبْدُ الرْحَمْنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة ابن مسعود الكوفي، وكان اختلط، وهذا رواه في الاختلاط لأنه في "المسند" "2/ 291" وسنن البيهقي "7/ 388" من رواية يزيد بن هارون عنه، فقد قال ابن نمير: كان ثقة، واختلط بآخره، سمع منه ابن مهدي ويزيد بن هارون أحاديث مختلطة. فقول الذهبي في "الأصل":

_ 1 موضع شمال المدينة المنورة. 2 في نص رواية وصفها بالأمة السوداء. أخرجه الدارمي في "الرد على المريسي" "ص95" بسند صحيح. 3 قال في القاموس: صك: ضربه شديدا بعريض.

"إسناده حسن" غير حسن، ومما يؤكد ضعف هذه الزيادة "أعجمية"، أن الطرق الأخرى خلو منها، وقد ساقها المصنف في "الأصل" وبعضها صحيح، وسائرها لا بأس بها في الشواهد. والحديث قد خرجته في "صحيح أبي داود" "862" و"الإيمان" لابن أبي شيبة رقم الحديث "84"، و"تخريج السنة" لابن أبي عصام "489". وهذا الحديث صحيح بلا ريب، لا يشك في ذلك، إلا جاهل أو مغرض من ذوي الأهواء الذين كلما جاءهم نص عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يخالف ما هم عليه من الضلال، حاولوا الخلاص منه بتأويله بل تعطيله، فإن لم يمكنهم ذلك؛ حاولوا الطعن في ثبوته، كهذا الحديث، فإنه مع صحة إسناده وتصحيح أئمة الحديث إياه دون خلاف بينهم أعلمه، منهم الإمام مسلم حيث أخرجه في "صحيحه" وكذا أبو عوانة في "مستخرجه عليه" والبيهقي في "الأسماء" حيث قال عقبه "ص422": "وهذا صحيح، قد أخرجه مسلم". ومع ذلك نرى الكوثري الهالك في تعصبه يحاول التشكيك في صحته بادعاء الاضطراب فيه، فقد علق على هذا الحديث فيما سوده على كتاب "الأسماء" بقوله "ص441-442". "انفرد عطاء بن يسار برواية حديث القوم "كذا قال عليه ما يستحق" عن معاوية بن الحكم، وقد وقع في لفظ له كما في "كتاب العلو" للذهبي "! " ما يدل على أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع الجارية لم يكن إلا بإشارة، وسبك الراوي ما فهم من الإشارة في لفظ اختاره "! " فلفظ عطاء الذي يدل على ما قلنا هو: "حدثني صاحب الجارية نفسه. الْحَدِيثُ" وَفِيهِ: فَمَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ إِلَيْهَا مُسْتَفْهِمًا: مَنْ فِي السَّمَاءِ؟ قَالَتْ: الله، قال: فمن أنا، فقالت: رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مسلمة". وهذا من الدليل على أن "أين الله" لم يكن لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم"! "وقد فعلت الرواية بالمعنى في الحديث ما تراه من الاضطراب". كذا قال، عامله الله بعدله، وأنت إذا تذكرت ما بيناه لك من صحة الحديث، وإذا علمت أن حديث عطاء عن صاحب الجارية نفسه لا يصح من قبل إسناده لأنه من رواية سعيد ابن زيد، فهو وإن كان في نفسه صدوقا، فليس قوي الحفظ، ولذلك ضعفه جمع، بل كان يحيى ابن سعيد يضعفه جدا، وقد أشار الحافظ في "التقريب" إلى هذا فقال: "صدوق له أوهام". زد على هذا أن ما جاء في روايته من ذكر اليد والاستفهام، هو مما تفرد به دون كل من روى هذا الحديث من الرواة الحفاظ ومن دونهم. فتفرده بذلك يعده أهل العلم بالحديث منكرا بلا ريب. فتأمل عصمني الله وإياك من الهوى، كيف اعتمد هذا الرجل "الكوثري" على هذه الرواية المنكرة، وليس هذا فقط، بل ضرب بها الرواية الثابتة المتفق على صحتها بين المحدثين. واعتبر الرواية المنكرة دليلا على ضعف واضطراب الرواية الصحيحة، فماذا يقول المؤمن عن

هذا الرجل الذي يستغل علمه واطلاعه لتشكيك المسلمين في أحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم؟ عامله الله بما يستحق. ثم إنه لم يكتف بهذا التضليل بل أخذ ينسب إلى الراوي "وهو ثقة أيا كان هذا الراوي لأن كل رواة هذا الحديث ثقات" أخذ ينسب إليه الكذب عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وهو يعلم، لأن معنى كلامه السابق أن الراوي اختار أن ينسب إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال للجارية: "أين الله" والواقع عند الكوثري أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك، وإنما الراوي وضعه من عنده مكان رواية سعيد بن زيد "فَمَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يده إِلَيْهَا مُسْتَفْهِمًا: مَنْ فِي السَّمَاءِ؟ ". فأنا من واجبي أن أحذر المسلمين من هذا الكوثري وأمثاله الذين يتهمون الأبرياء، بما ليس فيهم مذكرا لهم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ... } الآية. 2- حديث جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبتة يوم عرفة: "ألا هل بلغت" فقالوا: نعم-"فجعل" يرفع إصبعه إلى السماء وينكتها1 إليهم- ويقول: "اللهم اشهد" أخرجه مسلم. 3- هو طرف من حديث جابر الطويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مخرج في جزء لي خاص بها مطبوع في المكتب الإسلامي. 3- حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الملائكة يتعاقبون فيكم, ملائكة بالليل, وملائكة بالنهار, ويجتمعون في صلاة الفجر, وصلاة العصر, ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم, وهو أعلم بهم, كيف تركتم عبادي"؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون, وتركناهم وهم يصلون " . متفق عليه. 4- حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ, ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ

_ 1 في المخطوطة: "ويكبها".

4- قلت: وصححه غيره أيضا، وإنما هو صحيح لغيره كما بينته في "الأحاديث الصحيحة" "922". 5- حديث جَرِيرٍ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ لَمْ يَرْحَمْ مَنْ فِي الأَرْضِ، لَمْ يَرْحَمْهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ" رُوَاتُهُ ثقات. 5- قلت: أخرجه الطبراني كما بينته هناك. 6- حديث أَنَسٍ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي الله من فوق سبع سماوات. وفي لفظ: كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ. وَفِي لَفْظٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زَوَّجَنِيكَ الرَّحْمَنُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ. هَذَاْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ البخاري. 6- قلت: في "التوحيد" باللفظين الأولين، وكذلك أخرجهما ابن سعد في "الطبقات" "8/ 103، 106"، وللترمذي "2/ 210" الأول منهما وقال: "حسن صحيح"، وعند النسائي "2/ 76" وأحمد "3/ 226" ثانيهما، لكنهما قالا: "من السماء": وهو لفظ ابن سعد. وأما اللفظ الثالث، فهو في توحيد "البخاري"، من حديث أنس أيضا ذكره الحافظ في "الفتح" "13/ 348" من مرسل الشعبي وقال: "أخرجه الطبري وأبو القاسم الطحاوي "! " في كتاب "الحجة والتبيان له". وهو في "تفسير الطبري" 22/ 11" بلفظ آخر نحوه. 7- حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟ يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً" متفق عليه. 8- حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها". أخرجه مسلم.

9- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ يَحْضُرُهُ الْمَلائِكَةُ, فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ, أَبْشِرِي بَرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ, وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ, فَلا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ, ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ, فَيُسْتَفْتَحُ لها, فيقال: من هذا؟ فَيُقَالُ: فُلانٌ, فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ, فَلا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ تَعَالَى". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" وَقَالَ: هلو على شرط البخاري ومسلم. 7- قلت: وهو كما قال، وقد خرجته في "الترغيب" 4/ 188-189". 10- حديث أبي هريرة أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان ملك الموت يأتي الناس عياناً, فأتى موسى عليه السلام فلطمه, فذهب بعينه, فعرج إلى ربه عزوجل فقال: يا رب بعثتني إلى موسى فلطمني فذهب بعيني, ولولا كرامته عليك لشققت عليه. قال ارجع إلى عبدي فقل له: فليضع يده على ثور, فله بكل شعرة وارت كفه سنة يعيشها, فأتاه فبلغه ما أمره, فقال: ثم ماذا بعد ذلك؟ قال: الموت قال: الآن فشمه شمة قبض فيها روحه, ورد الله على ملك الموت بصره ". وفي لفظ: "فلطم عينه ففقأها فرجع فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه, وقال ارجع إلى عبدي فقل له: إن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور" -وفيه- "قال يا رب, فالآن وقال: رب أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر ". متفق على ثبوته.

8- كذا في "المخطوطة" وفي المطبوعات كلها: "متفق عليه"، وفيه نظر، فإنه ليس عندهما اللفظ الأول، وإنما أخرجه أحمد في "المسند" "2/ 533" وإسناده جيد. وله عنده طرق أخرى "2/ 269، 315، 351" بنحو اللفظ الآخر، وهو مخرج في "تخريج السنة" لابن أبي عاصم "801، 802"، ولقد كان تعبير ابن القيم في تخريج الحديث أدق من تعبير المصنف فقال في "جيوشه" "ص37": "حديث صحيح، أصله وشاهده في الصحيحين". 11- حديث أبي هريرة أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا طيب، فإنها يتقبلها بيمينه، ويربيها لصاحبها، حتى تكون مثل الجبل". هذا حديث صحيح أخرجه البخاري. 12- حديث أبي موسى الأشعري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور1 "أو النار" لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره" أخرجه الشيخان. 13- حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: "اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ, فَإِنَّهَا تَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ كَأَنَّهَا شَرَارَةٌ". غريب وإسناده جيد ". 9- قلت أخرجه الحاكم وغيره كما بينته في "الصحيحة" "869". 14- حديث أبي سعيد الخدري: قال قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: "يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةَ الْعَبْدِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ, وَلا يَقْبَلُ الله إِلا طَيِّبًا, وَلا يَصْعَدُ إِلَيْهِ إلا الطيب, فَيَأْخُذُ التَّمْرَةَ فَيُرَبِّيهَا حَتَّى يَجْعَلَهَا مثل الجبل".

_ 1 قلت: هذا الحجاب هو الذي يحجب الأبصار كلها أن تراه سبحانه وتعالى في الدنيا، وهو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله حين سئل: هل رأيت ربك؟ نور، أنى أراه. كما سيأتي.

صحيح/ 10 10- قلت: هو كما قال، وإسناد المصنف في الأصل صحيح، ولكن لم أره فيما لدي من المراجع من حديث أبي سعيد الخدري، وهو بمعناه في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعا، نحوه وقد مضى لفظه في الكتاب "11"، وله في "مسند أحمد" طرق عنده "2/ 268، 328، 404، 418، 431، 528، 541" وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" "824". 15- حديث سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ من فوق سبع سموات" صحيح، أخرجه النسائي 11- قلت: وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" "ص420" وإسناده حسن، فيه محمد بن صالح التمار، قال الحافظ: "صدوق يخطئ"، وأورده المؤلف في "الميزان"، وحكى خلاف الأئمة فيه. لكن الحديث شاهد من مرسل علقمة بن وقاص. رواه ابن إسحاق كما في "الفتح". وذكره المؤلف في الأصل من روايته أيضا عن محمد بْنِ مَالِكٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ معاذ.. الحديث وقال: هذا مرسل. والحديث أصله في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد الخدري مختصرا. 16- حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: "فَأَدْخُلُ عَلَى رَبِّي وَهُوَ على عرشه تبارك وتعالى". فيه زائدة بن أبي الرقاد ضَعِيفٌ، وَالْمَتْنُ بِنَحْوِهِ فِي "الصَّحِيحِ" للبخاري عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: "فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي في داره فيؤذن لي" وَأَخْرَجَهُ أَبُو أَحْمَدُ الْعَسَّالُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ وَفِيهِ: "فَآتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَيُفْتَحُ لِي، فَآتِي رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ أَوْ سَرِيرِهِ فَأَخِرُّ لَهُ ساجدا" وذكر الحديث.

12- قلت: لكنه عنده في صورة التعليق وقد ساقه المصنف في الأصل بعد "ص82-86" بسنده إليه بأتم مما هنا، لكن ذكر الدار فيه شاذ كما حققته في تعليقي على مختصري لـ"صحيح البخاري" في أوائل "كتاب التوحيد"، وهو على وشك التمام يسره الله تعالى لي يمنه وكرمه. وحديث ثابت عن أنس له طريق أخرى عنه تأتي في الكتاب "81" وأخرجه الدارمي في "رده على المريسي" "ص14" وأحمد في "مسنده" " / 281-282، 295-296" عن ابن عباس ونحوه وأخرجه أبو جعفر في "العرش" "ق113/ 1". وله شاهد آخر عن أبي هريرة في حديث طويل له في الحشر. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" "ق66/ 1، 72/ 1". 17- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مَالِكَ بْنَ صعصعة حدثه أن نبي الله حَدَّثَهُ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ: "بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ -وَرُبَّمَا قَالَ قَتَادَةُ: فِي الْحِجْرِ: مُضْطَجِعٌ إِذْ أَتَانِي آتٍ- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ: - ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمِارِ أبيض يقع خطوه عند انقضاء طَرْفِهِ -قَالَ: - فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ بي جبرائيل حَتَّى أَتَى بِيَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جبرائيل قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم. فقيل: مرحبا به ولنعم المجئ وجاء. قَالَ: فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا فِيهَا آدَمُ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ. قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالَ: فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا يحيى وعيسى هما ابْنَا الْخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا السَّلامَ، وَقَالا: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي إلى السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هذا؟ قال: جبرائيل. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ المجيئ جَاءَ. قَالَ: فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ:

مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ ونعم المجئ جَاءَ، قَالَ: فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِدْرِيسُ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. قَالَ: ثُمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ المجئ جَاءَ. قَالَ: فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فبسلم عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ المجئ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ، مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، قَالَ: فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لأَنَّ غُلامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي. ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مِنْ هَذَا؟ قال: جبرائيل، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ المجئ جَاءَ، قَالَ: فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. قَالَ: ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، ثم رفع إلي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، قَالَ: ثُمَّ فُرِضَتْ علي الصلاة خسمين صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسِى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ فقلت: بِخَمْسِينَ صَلاةً كَلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاةً، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، قَالَ: فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِأَرْبَعِينَ صَلاةً كَلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ أَرْبَعِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أسد الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ

فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَرَ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسِى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِثَلاثِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ ثَلاثِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَرَ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِعِشْرِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ عِشْرِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأمتك، قال: فرجعت فأمرت بعشر صلوات في كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، قلت: قد سألت ربي حتى استحييت ولكني أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، فَلَمَّا نَفَدْتُ نَادَى منادي: قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عبادي" متفق عليه1. 18- حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ للَّهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ فُضُلا عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تعالى تنادوا: تَعَالَوْا هَلُمُّوا إلِىَ بُغْيَتِكُمْ، فَيَحُفُّونَ بهم، فَإِذَا تَفَرَّقُوا، صَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَيَّ شَيْءٍ تَرَكْتُمْ عِبَادِي يَصْنَعُونَ؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك، فيقول:

_ 1 قلت: وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في "الجيوش الإسلامية" "ص29" أن قصة المعراج متواترة. وقد جمع الحافظ ابن كثير كثيرا من طرقها، واستقصى ذلك السيوطي في كتابه "الآية الكبرى في المعراج والإسراء" ولا شك في تواتر أصل القصة، وأما تفصيلها ففيها الصحيح الكثير الطيب، وفيها ما دون ذلك.

هَلْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لا، فَيَقُولُ: كيف لَوْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا لَكَ أَشَدَّ تَحْمِيدًا وَتَمْجِيدًا وذكرا، فيقول: فأي شَيْءٍ يَطْلُبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: يَطْلُبُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لا، فيقول: فكيف لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كانوا أشد طَلَبًا وَأَشَدَّ حِرْصًا. فَيَقُولُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَتَعَوَّذُونَ؟ فَيَقُولُونَ: يَتَعَوَّذُونَ مِنَ النَّارِ. فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فيقولون: لا، فيقول: لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا هَرَبًا، وَأَشَدَّ منها تعوذا وخوفا. فيقول: إني أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَيَقُولُونَ: فِيهِمِ فُلانٌ الْخَطَّاءُ لَمْ يُرِدْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، فَيَقُولُ: هُمُ الْقَوْمُ لا يَشْقَى بِهِمْ جليسهم -مرتين-". متفق عليه. 19- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ليلة إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ: "مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هَذَا؟! " قَالُوا: كُنَّا نَقُولُ: وُلِدَ اللَّيْلَةَ عَظِيمٌ أَوْ مَاتَ عظيم، فقال: "فإنها لا يرمى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ إِذَا قضى أمرا سبح حَمَلَةُ الْعَرْشِ حَتَّى يُسَبِّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ: مَاذَا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال، فَيَسْتَخْبِرُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حتى يبلغ الأمر أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيُلْقُونَهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ، فَمَا جاؤوا به على وجه فَهُوَ الْحَقُّ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ1 وَيَزِيدُونَ. 20- حديث محفوظ ثابت عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الله عبداً نادى جبرائيل فقال: إني أحب عبدي فأحبوه، فينوه بها جبرائيل في حملة العرش، فتسمع أهل السماء لغط حملة العرش، فيحبه أهل السماء السابعة، ثم سماء سماء حتى ينزل إلى السماء الدنيا، ثم يهبط إلى الأرض فيحبه أهل الأرض".

_ 1 أي: يبغون ويكذبون.

وقولنا في هذه الأحاديث: إننا نؤمن بما صح منها، وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره، فأما ما في إسناده مقال، واختلف العلماء في قبوله وتأويله، فإنا لا نتعرض له بتقرير، بل نرويه في الجملة ونبين حاله، وهذا الحديث1 إنما سقناه لما فيه من تواتر من علو الله تعالى فوق عرشه مما يوافق آيات الكتاب. 13- قلت: أخرجه الشيخان والترمذي بنحوه مختصرا، وهو مخرج في "الأحاديث الضعيفة" "2207". 14- قلت: وهو موقوف حسن الإسناد. 21- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: "لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غضبي" وفي لفظ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العرش" وفي لفظ آخر: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رحمتي تغلب غضبي". 15- حديث صحيح، وبعض ألفاظه عند الشيخين، واللفظ الأخير للترمذي، وقد خرجته في "الصحيحة" "1629"، وفي "تخريج السنة" لابن أبي عاصم "810، 811". 22- عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَيَّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟ -قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، "فرددها مرارا ثم" قال "أبي": "اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحي القيوم" -فَضَرَبَ صَدْرِي وَقَالَ: "لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لِهَذِهِ الآيَةِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ تقدس الملك عند ساق العرش".

_ 1 يعني حديث الأطيط، وقد تعمدت حذفه على القاعدة.

16- قلت: حديث صحيح، أخرجه أحمد "5/ 141-142" بسند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في "صحيحه" "2/ 199" عن أبي بكر ابن أبي شيبة دون الشطر الأخير منه، لكن قال المنذري في "الترغيب" "2/ 221": "رواه ابن أبي شيبة في كتابه بإسناد مسلم وزاد ... " فذكره. "تنبيه" أورد ابن القيم في "جيوشه" "ص34" حديث ابن عباس المشار إليه من رواية أحمد بلفظ: "على كرسيه أو سريره جالسا" فزاد "جالسا" وليست هذه الزيادة عند أحمد ولا عند غيره ممن ذكرنا، فأظنها مصحفة، ولا أعلم في جلوس الرب تعالى حديثا ثابتا. 23- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا طَرَفَ1 صَاحِبُ الصُّورِ مُذْ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدًا يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ" أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. 17- قلت: ووافقه المؤلف في "تلخيصه" "4/ 559" وزاد: "على شرط مسلم". وهو كما قال. وأخرجه أبو الشيخ أيضا "في "العظمة" "73/ 1". وذكر له شاهدا من حديث ابن عباس. 24- عن أبي ذر قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تحت العرش عند ربها وتستأذن" وذكر الحديث. أخرجه البخاري. 25- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ حَسَرَ2 عَنْ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى يُصِيبَهُ الْمَطَرُ، وَيَقُولُ: "إِنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ" أَخْرَجَهُ مسلم. 18- قلت: ولفظه "3/ 26": قال أنس: أصابنا ونحن مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال:

_ 1 أي: ما غفل لحظة ترقبا لأمر الله وانتظارا له. 2 أي: كشف ثوبه.

لأنه حديث عهد بربه. وكذا رواه أبو داود في "الأدب" وأحمد "3/ 133، 267"، واللفظ الذي في الكتاب هو للحافظ أبي القاسم البغوي، رواه المصنف بإسناده عنه. والحديث عند ابن أبي عاصم في "السنة" "823" والدارمي في "الرد على الجهمية" "ص25". 26- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي صَدْرِي. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَكْذِيبٌ؟ قَالَ: مَا هُوَ بِتَكْذِيبٍ وَلَكِنِ اخْتِلافٌ. قَالَ: فَهَلُمَّ مَا وقع في صدرك1. فقال له الرَّجُلُ: أَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ -فَذَكَرَ أَشْيَاءَ ثُمَّ قَالَ-: وَفِي قَوْلِهِ: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا، وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا، والأرض بعد ذلك دحاها} فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ الأَرْضِ، وَقَالَ فِي الآيَةِ الأُخْرَى: "وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ. ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دخان" الآيَةُ، فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا قَوْلُهُ "أَمِ السَّمَاءُ بناها، رفع سمكها فسواها" الآيَاتُ، فَإِنَّهُ خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ قَبْلَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ فَدَحَاهَا، قَالَ: وَدَحْيُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2. 27- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: "أنا عند حسن ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا اقْتَرَبْتُ إليه بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً"3. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَفِيهِ التفريق بين الكلام النفسي وَالْكَلامِ الْمَسْمُوعِ، فَهُوَ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِهَذَا وَبِهَذَا، وَهُوَ الَّذِي كَلَّمَ موسى تكليما وناداه من

_ 1 في المخطوطة: "نفسك" بدل: صدرك. 2 قلت: تعليقا ومسندا، وكذا البيقهي في "الأسماء" "ص379" مسندا، وأبو الشيخ في "العظمة" "100/ 1". 3 في المخطوطة: "أهرول".

جانب الطور وقربه نجيا. 19- قلت: أخرجه البخاري "13/ 328-329- فتح" ومسلم "8/ 62" وأحمد "2/ 251، 413، 480"، وصححه الترمذي "4/ 290". وله في المسند "2/ 354، 405، 482" ثلاث طرق أخرى عن أبي هريرة به نحوه. وأخرجه ابن منده في "التوحيد" "ق77/ 1"، ثم روى له "ق100/ 1" شاهدا عن أنس مرفوعا. 28- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصديق قالت: قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي انْتَهَيْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. إِسْنَادُهُ صَالِحٌ. 20- قلت: عزاه السيوطي في "الخصائص الكبرى" "1/ 438" لابن مردويه عنها بنحوه. وللحديث شواهد كثيرة في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أنس وغيره تراها في "الخصائص"، فراجعها إن شئت، وقد خرجت حديث أنس في "تخريج السنة" لابن أبي عاصم "791". 29- عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ فِي القدر. قال: يكذبون بالكتاب، لئن أَخَذْتُ بِشَعْرِ أَحَدِهِمْ لأَنْصُوَنَّهُ1، إِنَّ اللَّهَ "كَانَ" عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا، فَخَلَقَ الْخَلْقَ فَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يوم القيامة. فإنما يُجْرِي النَّاسَ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فرغ منه. 21- قلت: ساق المصنف في الأصل إسناده وهو صحيح، وقد أخرجه الآجري في "الشريعة" "ص293" واللالكائي في "السنة" "1/ 91/ 2" وابن قدامة في "العلو" "169/ 1". 30 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو قال: قال رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، وَلَيْسَ الْوَاصِلُ بْالْمُكَافِئِ 2 وَلَكِنْ "مَنْ" إِذَا قَطَعَهُ ذُو رَحِمِهِ وصله" إسناده قوي.

_ 1 أي: لآخذن بناصيته، يقال: تناصي القوم تآخذوا بالنواصي في الخصومة. 2 أي: الذي يصل من بدأ بوصله.

22- أخرجه أحمد "2/ 163، 193" وسنده صحيح على شرط البخاري، وقد أخرجه في "صحيحه" دون قوله "الرحم معلقة بالعرش" وصححه الترمذي، ولهذه الزيادة شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة منهم عائشة عند الشيخين. 31- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: نَزَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَهْرًا، فَارْتَقَبْتُ عَمَلَهُ فَرَأَيْتُهُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَلَوْ كَانَ فِي يده عمل الدنيا رَفَضَهُ وَإِنْ كَانَ نَائِمًا فَكَأَنَّمَا يُوقَظُ، فَيَقُومُ فَيَغْتَسِلُ أَوْ يتَوَضَّأُ ثم يركع ركعات يتمهن ويحسنهن يتمكن فِيهِنَّ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَأَبْوَابَ الْجِنَانِ تُفْتَحُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، فَلا ترتج حتى نصلي هَذِهِ الصَّلاةُ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ مني إلى ربي تلك الساعة خير". رواه آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ فِي "كتاب الثواب" وإسناده ضعيف. 23- قلت: لكن لموضع الشاهد منه، ما يشهد له من حديث عبد الله بن السائب به مختصرا بلفظ "إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح". أخرجه الترمذي وحسنه وأحمد "3/ 411" وسنده صحيح، فلو آثره المصنف بالذكر لأصاب، لصحة سنده واختصار متنه. 32- عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا "فِي التَّسْبِيحَةِ وَالتَّحْمِيدَةِ وَالتَّهْلِيلَةِ يَتَعَاطَفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ أَلا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ لا يَزَالَ لَهُ عِنْدَ الرَّحْمَنِ1 مَا يُذَكِّرُ بِهِ؟ " 24- قلت: حديث صحيح، أخرجه ابن ماجه "3809" والحاكم "1/ 503" وقال: "صحيح على شرط مسلم" ووافقه المصنف. 33- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: "يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرَأَسُهُ بيده وأوداجه تشخب يقول: يارب قَتَلَنِي، حَتَّى يُدْنِيهِ مِنَ الْعَرْشِ".

_ 1 في المخطوطة: عند الله.

25- حديث صحيح، أخرجه أحمد وغيره بسندين صحيحين عنه، وقد خرجته في "المشكاة" "3465". 34- وعنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يُؤْتَى بِالْمَقْتُولِ مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا حَتَّى يَنْتَهِي بِهِ إِلَى الْعَرْشِ يَقُولُ: يارب سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ ". 35- حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: "جَعَلَ اللَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْمَاءَ، وَجَعَلَ فَوْقَ الْمَاءِ الْعَرْشَ، والذي نفسي بيده إن نفسي وَالْقَمَرَ لَيَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا سَيَصِيرَانِ إِلَى النار يوم القيامة". هذا حديث موقوف. 26- قلت: ذكره المصنف من رواية روح بن عباد وهو من شيوخ أحمد بسنده عن ابن عمرو، وهو إسناد صحيح. 36- عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَالَ فِي الرُّوحِ: "حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيِقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعِيدُوهُ". إِسْنَادُهُ صالح. 27- قلت: هو مخرج في "أحكام الجنائز". 37- عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه يدعوه أن يردهما صفراً ليس فيهما شيء". 28- حديث صحيح، مخرج في "المشكاة" "2244" و"صحيح أبي داود" "133" و"الترغيب "2/ 273".

هذا حديث مشهور رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً علي بن أبي طالب وابن عمر وأنس وغيرهم. 38- حديث قتادة بن النعمان سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه". رواته ثقات، رواه أبو بكر الخلال في كتاب السنة له1. 39- حديث أخرجه البخاري في كتاب الرد على الجهمية: من "صحيحه" في "باب قوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب" عن ابن عباس قال: بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأخيه: اعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء. 40- حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ" قَالُوا: "قَدْ" بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا. قَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ" قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَاقْضِ لَنَا عَلَى هَذَا الأَمْرِ كَيْفَ كَانَ؟ فَقَالَ: "كَانَ اللَّهُ عَلَى الْعَرْشِ، وَكَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَكَتَبَ فِي اللَّوْحِ كُلَّ شَيْءٍ يَكُونُ". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَدْ خرجه البخاري في مواضع2/ 29 29- قلت: لقد جمع المصنف رحمه الله تعالى في تخريجه لهذا الحديث بين تصريحه بصحته، وعزوه إياه للبخاري في "صحيحه"، بينما الغالب عليه الإشارة إلى صحته بعزوه للشيخين أو أحدهما كما سبق غير مرة، ويأتي أيضا، ففي صنيع هذا الإمام ما يدل على جواز

_ 1 وذكر ابن القيم في "الجيوش الإسلامية" "ص34" أن إسناده صحيح على شرط البخاري. 2 قلت: وسيأتي برقم "44" نحوه من روايته أيضا أتم منه.

الجمع المذكور، الذي جرينا عليه في بعض تخريجاتنا، فأنكره بعض الحاقدين من متعصبة الحنفية، واتهمنا بما لم يخطر لي على بال، وقد شرحت ذلك ورددت عليه بما يكفي ويشفي في مقدمتي لتخريج "شرح العقيدة الطحاوية" الطبعة الرابعة للمكتب الإسلامي فلتراجع فإنها هامة. 41- عن ثابت البناني قال: كان داود عليه السلام يطيل الصلاة ثم يركع ثم يرفع رأسه إلى السماء ثم يقول: "إليك رفعت رأسي يا عامر السماء، نظر العبيد إلى أربابها يا ساكن السماء". إسناده صالح. اعلم أن الله عز وجل قد أخبرنا وهو أصدق القائلين بأن عرش بلقيس عرش عظيم فقال: "ولها عرش عظيم" ثم ختم الآية بقوله: "اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رب العرش العظيم" فكان عرشها عظيماً بالنسبة إليها وما نحيط الآن علماً بتفاصيل عرشها ولا بمقداره، ولا بماهيته، وقد أتى به بعض رعية سليمان عليه السلام إلى بين يديه قبل ارتداد طرفه، فسبحان الله العظيم، فما ينكر كرامات الأولياء، إلا جاهل، فهل فوق هذه كرامة؟ فيقال: إنه دعا باسم الله الأعظم، فحضر في لمح البصر من اليمن إلى الشام، فما ثم إلا محض الإيمان والتصديق، ولا مجال للعقل في ذلك، بل آمنا وصدقنا، فهذا في شيء صغير صنعه الآدميون، وجلبه في هذه المسافة البعيدة بشر بإذن الله تعالى، فما الظن بما أعد الله تعالى من السرر والقصور في الجنة لعباده؟ الذي كل سرير منها طوله وعرضه مسيرة شهر أو أكثر، وهو من درة بيضاء أو من ياقوتة حمراء، الذي كل باع منها خير من ملك الدنيا "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" آمنا بالغيب والله، وجزمنا بخبر الصادق، ففي الجنة "قطعاً" ما لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بشر، فما الظن بالعرش العظيم الذي اتخذه العلي العظيم لنفسه في ارتفاعه وسعته، وقوائمه وماهيته وحملته، والكرويين الحافين من حوله، وحسنه ورونقه وقيمته؟ فقد ورد أنه من ياقوته حمراء ولعل مساحته مسيرة خمسمائة ألف عام لا إله إلا هو الحليم الكريم، لا إله إلا هو رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم، الحمد لله رب العالمين، سبحان الله وبحمده عدد خلقه وزنة

عرشه، ورضى نفسه ومداد كلماته، ضاعت الأفكار وطاشت العقول، وكلت الألسنة عن العبارة عن بعض المخلوقات، فالله أعلا وأعظم "آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مسلمون" تبا لذوي العقول الخائضة، والقلوب المعطلة، والنفوس الجاحدة، فما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركونه. اللهم بحقك عليك، وباسمك الأعظم وكلماتك التامة، ثبت الإيمان في قلوبنا، واجعلنا هداة مهتدين، نعم ما السماوات والأرض في الكرسي إلا كحلقة في فلاة وما الكرسي في العرش العظيم إلا كحلقة في فلاة، اسمع وتعقل ما يقال لك وتدبر ما يلقى إليك، والجأ إلى الإيمان بالغيب، فليس الخبر كالمعاينة. قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} وقال تعالي: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} وقال تعالي: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} وقال تعالي: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} . والقرآن مشحون بذكر العرش -وكذلك الآثار- بما يمتنع أن يكون مع ذلك أن المراد بذلك الملك، فدع المكابرة والمراء، فإن المراء في القرآن كفر، ما أنا قلته بل المصطفى صلى الله عليه وسلم قاله. 30- قلت: أخرجه الإمام اللالكائي في "السنة" "1/ 92/ 2" وعنه ابن قدامة المقدسي في جزئه "إثبات صفة العلو لله تعالى" "ق162/ 1" ومن طريقه ساقه المصنف، ووقع في سنده سقط في الأصل يستدرك من "ابن قدامة" وصححه المؤلف عن ثابت البناني في "الأربعين" له "178/ 1". 31- قلت: عرش الرحمن تبارك وتعالى، نؤمن به، ونصفه بما ثبت في الكتاب والسنة فقط، فليت المؤلف رحمه الله تعالى وقف عندهما، ولم يزد عليهما وصفا تظننا ورجما بالغيب، لا سيما وهو قد ذكر فيما يأتي من الأصل عن وهب بن منبه أنه قال: "العرش مسيرة خمسين ألف سنة" فقال خمسين، ولم يقل خمسمائة! وهو على كل حال من الإسرائيليات التي لا فائدة من ذكرها إلا للتنبيه، ولذلك حذفته من هذا المختصر.

32- يشير إلى الحديث الوارد في ذلك من طرق تكلمت عليها في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" "109" وسيأتي في الكتاب برقم. 33- جزم المصنف رحمه الله تعالى بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وحق له ذلك، فإنه صحيح ثابت من طرق، وقد صححه جمع كما سبقت الإشارة إليه برقم "1". 42- عن حسان بن عطية قال: حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت حسن رخيم، فيقول أربعة منهم: سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك. ويقول أربعة: سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك. إسناده قوي 34- ذكره المصنف من طريق الوليد بن يزيد العذري: حدثنا الأوزاعي عنه. وهذا سند قوي كما قال، وتابعه رواد بن الجراح عن الأوزاعي به. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة". "ق88/ 1- مصورة المكتب الإسلامي". 43- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها" قالوا: يا رسول الله: أفلا نبشر الناس بذلك؟ قال: "إن في الْجَنَّةَ مِائَةُ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كما بين السماء والأرض، إذا سألتم الله عز وجل فسألوه الفردوس فإنه في وسط الجنة وأعلا الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1. قال البخاري في أواخر صحيحه باب قوله عز وجل "وَكَانَ عرشه على الماء" وهو رب العرش العظيم، ثم قال: وقال مجاهد: استوى "علا" على العرش. 35- وصله الفريابي بسند صحيح عن مجاهد. قلت: وفيه رد على بعض الكتاب المعاصرين الذين يوهمون الناس أن السلف يتكلموا في آيات الصفات ولم يفسروها إطلاقا،

_ وكذا أحمد، وفي إسناده اختلاف بينته في "الصحيحة" "921".

وأنهم اكتفوا بقراءتها دون تدبرها وتفهمها. وهذا مما أبطله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتبه، نعم لم يفسروها تفسيرا مقرونا بالتشبيه والتكييف، بل نهوا عن ذلك أشد النهي، كما ستراه في الكتاب عن مالك وغيره، وقد روى اللالكائي في "السنة" "1/ 91/ 2" عن بشر بن عمر الثقة المتوفى "207" قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: على العرش ارتفع. 44- ثم روى بسنده عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ". قالوا: بشرتنا فأعطنا. فدخل ناس مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ" قَالُوا: قَبِلْنَا جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ؟ قَالَ: "كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ" ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ، فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَوَدَدْتُ أَنَّهَا ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ. أنا أُعِدُّ "إِيرَادَ" نُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلاحْتِجَاجِ عِيًّا، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْقَائِلِ: وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الأَذْهَانِ شَيْءٌ ... إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دليل 45- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَالْعَرْشُ لا يُقَدِّرُ أحد قدره. رواته ثقات. 36 36- صحيح موقوف، أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "التَّوْحِيدِ" "ص71-72" والدارمي في "الرد على المريسي" "ص71، 73-74" وأبو جَعْفَرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي "العرش" "114/ 2" وعبد الله بن أحمد في "السنة" "ص71" عن سفيان عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات. وتابعه يوسف بن أبي إسحاق عن عمار الدهني. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" "33/ 1" وله عنده شاهد "36/ 21" من حديث أبي ذر مرفوعا. 46- عَنْ قَيْسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشَّامَ اسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ وَهُوَ

عَلَى بَعِيرِهِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ رَكِبْتَ بِرْذَوْنًا يَلْقَاكَ عُظَمَاءُ النَّاسِ وَوُجُوهُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: ألا أريكم ههنا، إنما الأمر من ههنا، فأشار بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ. إِسْنَادُهُ كَالشَّمْسِ. 37 37- قلت: أخرجه الدارمي "ص105" وفي "الرد على الجهمية" "ص26" ومن طريقه المصنف بإسناده إليه، وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين. 47- عن عبد الرحمن بن غنم قال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: ويل لديان الأرض من ديان السَّمَاءِ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ، إِلا مَنْ أَمَرَ بِالْعَدْلِ، فَقَضَى بِالْحَقِّ، وَلَمْ يَقْضِ عَلَى هَوًى، وَلا عَلَى قرابة، ولا على رغبة ولا رهب، وَجَعَلَ كِتَابَ اللَّهِ مِرْآةً بَيْنَ عينيه، قال ابن غنم: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا عُثْمَانَ وَمُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ وعبد الملك. رواه سمويه في "فوائده". 38- قلت: ورواه المصنف بإسناده عنه. وأخرجه الدارمي "ص104" مختصرا، وإسنادهما صحيح، ورجاله ثقات إن كان سعيد بن عبد العزيز التنوخي حدث به قبل اختلاطه، وهذا هو الراجح عندي لأن الراوي له عنه أبو مسهر، مع أنه هو الذي أخبرنا باختلاطه، فغالب الظن أنه لا يروي عنه في حالته هذه، لا سيما وهو معظم له جدا، فقد قال أبو حاتم: كان أبو مسهر يقدم سعيد بن عبد العزيز على الأوزاعي، ومن البديهي أن هذا التقديم منه لا يكون إلا في روايته قبل الاختلاط، فكذا روايته عنه لا تكون إلا في هذه الحالة والله أعلم. 48- حديث ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "الْعَرْشُ فَوْقَ الْمَاءِ وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ". رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي السُّنَّةِ" لَهُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الْعَسَّالُ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْلالَكَائِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ في تواليفهم. وإسناده صحيح.

39- يعني في "الأسماء والصفات" "ص 401" ورواه أيضا ابن خزيمة "ص70" والدارمي "ص105" وأبو الشيخ في "العظمة" "ق34/ 2" واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" "1/ 91/ 2" وسنيد بن داود صحيح كما قال ابن القيم في "جيوشه" "ص100"، وسندهم جيد. 49- وأخرج أبو أحمد العسال بإسناد صحيح عن ابن مسعود أنه قال: "من قال سبحان الله والحمد لله والله أكبر، تلقاهن ملك فعرج بهن إلى الله عز وجل فلا يمر بملأ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيي بهن وجه الرحمن عز وجل". 50- حديث ابن مسعود قال: "إن العبد لَيِهَمُّ بِالأَمْرِ مِنَ التِّجَارَةِ وَالإِمَارَةِ حتى إذا تيسر له نظر اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ فَيَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: اصْرِفُوهُ عَنْهُ فإنه إن يسرته له أدخلته النار". أخرجه اللالكائي بإسناد قوي1./ 40 40- أخرجه اللالكائي في "السنة" "ص65" بسند ضعيف كما أشار إليه المصنف، ومن طريقه ساقه المؤلف. 51- عن ابن مسعود قال: "إن الله تعالى يبرز لأهل جنته في كل جمعة في كثيف من كافور أبيض فيحدث لهم من الكرامة ما لم يرو مثله، ويكونون في الدنو منه كمسارعتهم إلى الجمع". أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبري بإسناد جيد. 52- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لأَخْشَى لَوْ كنت أحب قتله لقتلت -يعني عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَلَكِنَّ عِلْمَ اللَّهِ فَوْقَ عَرْشِهِ أَنِّي لم أحب قتله. / 41 41- قلت: أخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية" "ص27" وإسناده صحيح.

_ 1 قلت: وقال ابن القيم في "الجيوش الإسلامية" "ص100": بإسناد صحيح. وأخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية" "ص26" بنحوه.

53- حديث مُجَاهِدٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: خَلَقَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ: الْعَرْشَ وَالْقَلَمَ وَآدَمَ وَجَنَّةَ عَدْنٍ, ثُمَّ قَالَ لِسَائِرِ الْخَلْقِ: كُنْ, فَكَانَ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. 42- أخرجه الدارمي "ص35، 90" وأبو الشيخ في "العظمة" "35/ 2 و209/ 2" واللالكائي "1/ 97/ 1" بسند صحيح على شرط مسلم. 54- نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا قَبْلَ الْمَاءِ, فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا فَارْتَفَعَ, ثُمَّ "أَيْبَسَ" الْمَاءَ فَجَعَلَهُ أَرْضًا, ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرْضِينَ, إِلَى أَنْ قال: فلما فرغ الله عز وجل مِنْ خَلْقِ مَا أَحَبَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطبري في "تفسيره" والبيهقي في "الصفات" 43- قلت: إسناده جيد، وهو عند البيهقي "ص379-380" وأخرجه ابن خزيمة أيضا "ص243". 55- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ.." وَسَاقَ الحديث. أخرجه البخاري1. 56- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إِنَّ اللَّهَ تعالى يَقُولُ: "أَيْنَ" الْمُتَحَابُونَ بِجَلالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّ عَرْشِي، يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلِّي" وَقَدْ وَرَدَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ أَحَادِيثُ تبلغ التواتر. 44- حديث صحيح، أخرجه أحمد "2 338، 370، 523" من طريق فليح عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر أَبِي طُوَالَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يسار عن أبي هريرة به. ومن هذه الطريق

_ 1 قلت: وكذا مسلم وأحمد وغيرهما, وهو مخرج في "الإرواء" "887".

أورده المؤلف في الأصل، وقد أبعد النجعة، لأن مالكا أخرجه في "الموطأ" "2/ 952/ 13" عن ابن معمر به. ومالك أوثق من مائة من مثل فليح، ولذلك أخرجه من طريقه مسلم في "صحيحه" "8/ 12" وكذا أحمد "2/ 237، 535" والدارمي "ص371 - هند". 57- حديث الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْمُتَحَابُونَ بِجَلالِي فِي ظِلِّ عَرْشِي يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلِّي" إِسْنَادُهُ حسن. 45- أخرجه أحمد "4/ 128" وقال المنذري في "الترغيب" "4/ 48": "بإسناد حسن". 58- حديث ابن مسعود في قوله: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} قال: "أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقالوا: أرواحهم في أجواف طير خضر تسرح في الجنة في أيها شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك إطلاعة فقال: سلوني ما شئتم". أخرجه مسلم والترمذي والقزويني. 59- حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ مُهَاجِرَاتُ الْبَحْرِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال: "ألا أتحدثون بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ " فَقَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ إِذْ مَرَّتْ عَلَيْنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِهِمْ تَحْمِلُ قُلَّةً مِنْ مَاءٍ فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا عَلَى رُكْبَتِهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ التفتت فَقَالَتْ سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ بما كانوا يكسبون أتعلم أَمْرِي وَأَمْرَكَ عِنْدَهُ غَدًا فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: "صَدَقَتْ, كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ قَوْمًا لا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ قويهم؟ " إسناده صالح. 46- كذا قال، فإن كان يعني أنه صالح لغيره فمقبول، وإلا فقد ساقه من طريق مسلم ابن خَالِدٍ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أبي الزبير عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه علتان: الأولى: عنعنة أبي الزبير فإنه كان مدلسا، وقد ترجمه بذلك المؤلف نفسه في "الميزان".

والأخرى: ضعف مسلم بن خالد وهو الزنجي، ترجمه المؤلف أيضا وحكى أقوال الأئمة فيه، وأكثرهم على تضعيفه لغلطه، ثم ساق له أحاديث، ثم ختم الترجمة بقوله: "فبهذه الأحاديث وأمثالها ترد بها قو الرجل ويضعف". ومن هذه الطريق أخرجه ابن حبان "2584". لكن مسلما لم يتفرد به، فقد قال ابن ماجه "4010": حدثنا سعيد بن سويد ثنا يحيى بن سليم عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خثيم ويحيى وسعيد فيهما ضعف أيضا، لكن لا بأس بهما في المتابعات. وتابعه في المرفوع منه الفضل بن العلاء حدثنا ابن خثيم به. أخرجه ابن حبان أيضا "1554" والخطيب في "التاريخ" "7/ 396". وللمرفوع طريق أخرى عن جابر عند البيهقي في "الشعب" "2/ 432/ 2" وله شاهد من حديث أبي سعيد في قصة أخرى مخرج في "المشكاة" "3004"، وفي "الترغيب" "3/ 138" شواهد أخرى، وآخر عند الحاكم "3/ 256". فبقيت العلة الأولى وهي العنعنة في القصة. لكنها قد جاءت من طريق أخرى عند البيقهي في "الأسماء والصفات" "ص404" و"شعب الإيمان" "2/ 432 ك1" عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: "لما قدم جعفر رضي الله عنه من الحبشة قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: ما أعجب شيء رأيته ثم؟ قال ... " فذكرها. وإسناده صحيح لولا أن عطاء بن السائب كان اختلط، ولكنه يستشهد به فالحديث به صالح إن شاء الله تعالى. 60- حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ, وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلاهَا دَرَجَةً وَمِنْ فَوْقِهَا الْعَرْشُ فَإِذَا سَأَلْتُمُ الله فاسألوه الفردوس" رواته ثقات. قد مر نحوه في الحديث رقم "43" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَصَحُّ. 47- قلت: بل إسناده صحيح كما قال الحاكم ووافقه المؤلف في "تلخيصه"، وإن أشار إلى ترجيح حديث أبي هريرة المتقدم "43" فالراجح عندي تبعا للحافظ أن كلا الحديثين صحيح كما بينته في "الصحيحة" "921"، والحديث أخرجه أحمد أيضا والترمذي. 61- حديث أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، وَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى

مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ يَدَهُ وَلَطَمَ الْيَهُودِيَّ، فذهب اليهودي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مِنْ يُفِيقُ فَإِذَا بموسى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أكان مِمَّنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وجل". وفي طريق آخر عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَحْوِهِ، وَفِيهِ: فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: "لا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ" وَفِيهِ: "فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ فَلا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَةِ يَوْمَ الطُّورِ أَوْ بُعِثَ قبلي" وفي لفظ: "فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ من بعث "أو في أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ" فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَحُوسِبَ" الْحَدِيثُ. مُتَّفَقٌ عَلَى ثُبُوتِهِ. 62- حَدِيثُ أبي سعيد قال: ذكري يَهُودِيٌّ مُوسَى فَكَأَنَّهُ فَضَّلَهُ عَلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلطمه أنصاري، فجء الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُوهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ، أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُ عَنْهُ الأَرْضُ، فَإِذَا مُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العرش، فلا أدري أفي الصعفة الأُولَى بُعِثَ أَمْ بَعْدِي؟ ". رَوَى مِنْهُ مُسْلِمٌ "لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأنبياء" 48- كذا قال، وقد أخرجه مسلم "7/ 102" بتمامه نحوه، ولكنه أحال في لفظه على حديث أبي هريرة الذي قبله عنده أيضا. وكذلك أخرجه البخاري بتمامه في موضعين "2/ 89، 4/ 327" وأحمد أيضا "3/ 33"، ورواه أبو دواد "468" مختصرا وهو رواية لأحمد "3/ 31". 63- حديث جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وجنازة سعد بن معاذ بن أَيْدِيهِمْ: "اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ" لفظ مسلم. ومن طريق أخرى عن جابر قال: جاء جبريل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

"من هذا العبد الصالح الذي مات؟ فتحت له أبواب السماء وتحرك له العرش". قال، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سعد، فجلس على قبره ... " وذكر الحديث. أخرجه النسائي. 49- وأخرجه البخاري أيضا وهو مخرج عندي في "تخريج السنة لابن أبي عاصم" "562" والطريق الأخرى هي عند أحمد أيضا "3/ 327" وسنده جيد، وأخرجه أبو جَعْفَرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي "العرش" "ق113/ 1". 64- حديث أَنَسٍ قَالَ: "قَالَ" رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَنَازَةُ سَعْدٍ مَوْضُوعَةٌ: "اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرحمن" هذا صحيح 50- أخرجه مسلم وغيره. "تخريج السنة" "561". 65- حديث أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ" هذا حديث صحيح 51- أخرجه أحمد وابن سعد. "تخريج السنة" "564-567". 66- حديث أسيد بن حضير قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَقَدِ اهتز العرش لوفاة سعد" إسناده حسن. 67- حديث رميثة: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ -وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أُقَبِّلَ الْخَاتَمَ مِنْ قُرْبِي لَفَعَلْتُ -وَهُوَ يَقُولُ: "اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ" يُرِيدُ بِذَلِكَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ. هَذَا إِسْنَادٌ صَالِحٌ، صَحَّحَهُ ابْنُ مَنْدَهْ. وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وحذيفة، وأبي هريرة، وأسماء بنت يزيد، ومعيقيب. فهذا متواتر أشهد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله.

52 و53- كذا قال، وفيه نظر بينته في "تخريج السنة" "567"، وفي "التوحيد" لابن منده باب خاص في هذا الحديث جمع فيه طرقه "ق137/ 1-138/ 1". 68- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَزَلَ الرَّبُّ إِلَى الْعِبَادِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأَحَادِيثُ نزول الباري متواترة قد سقت طرقها وَتَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا1 بِمَا أُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلا قُوَّةَ إِلا بالله العلي العظيم. 54- قلت: عزوه لمسلم وهم، فإنه لم يخرجه بهذا اللفظ أصلا، وإنما أخرج بالسند الذي ذكره المؤلف في الأصل لفظا آخر "6/ 47". وأما هذا، فإنما أخرجه الترمذي "2/ 61" وابن خزيمة "ق250/ 2" والحاكم "1/ 418" من طريق آخر عن أبي هريرة، وصححوه. 69- حديث ابن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ، وَيَنْزِلُ اللَّهُ في ظلل من الغمام من الْعَرْشِ إِلَى الْكُرْسِيِّ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَيُّهَا النَّاسُ أَلْم تَرْضَوْا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ نَاسٍ مَا كَانَ يَتَوَلَّى وَيَعْبُدُ فِي الدُّنْيَا؟ أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلا مِنْ رَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى فَيَنْطَلِقُونَ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ أَشْبَاهُ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلَى الشَّمْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلَى القمر، وإلى الأوثان، ويتمثل لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عِيسَى شَيْطَانُ عِيسَى، وَلِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عُزَيْرًا شيطان عزير، ويبقى محمد وَأُمَّتُهُ، فَيَتَمَثَّلُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فَيَأْتِيهِمْ فَيَقُولُ: مَا لَكُمْ لا تَنْطَلِقُونَ كَمَا انْطَلَقَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: بَيْنَنَاَ وَبَيْنَهُ عَلامَةٌ فَإِذَا رَأَيْنَاهُ عَرَفْنَاهُ، فَيَقُولُ: مَا هِيَ؟ فَيَقُولُونَ: يَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَخِرُّونَ، وَيَبْقَى قَوْمٌ ظُهُورُهُمْ كَصَيَاصِيِّ الْبَقَرِ يريدون السجود فلا يستطيعون ثم يقول: ارفعوا رؤوسكم، فَيُعْطِيهِمْ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، وَالرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ أَمَامَهُمْ" وَذَكَرَ الحديث إسناده حسن.

_ 1 قلت: يعني أنه جمعها في جزء له كما سيأتي "ص336" ولم أقف عليه.

55- هو كما قال أو أعلى. وقد ذكره مختصرا من طريق جمع من المخرجين منهم عبد الله ابن أحمد، ثم أخرجه بأتم منه هكذا بتمامه بسنده المتصل إلى ابن مسعود، وقد أخرجه بتمامه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "السنة" "ص177" وقال المؤلف في "الأربعين" "186/ 1": وهو حديث صحيح. 70- رَوَى بَعْضَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وفيه: "فيتمثل الله لخلق، ثُمَّ يَأْتِيهِمْ فِي صُورَتِهِ" وَهَذَا الْحَرْفُ مَحْفُوظٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ. وَكَانَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ فِيمَا نَقَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ الطَّبَّاعِ عَنْهُ وقيل له: إن اللَّهُ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُرَى فِي هَذِهِ الصِّفَةِ، فَقَالَ: يَا أَحْمَقُ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ يَتَغَيَّرُ عَنْ عَظَمَتِهِ1 وَلَكِنْ عَيْنَاكَ يُغَيِّرُهُمَا حَتَّى تَرَاهُ كَيْفَ شَاءَ. 56- قلت: أخرجه عنهما الشيخان في "صحيحيهما" في الرؤية في الآخرة الطويل، وكذلك أخرجه جمع آخر منهم ابن خزيمة في "التوحيد" "ص113-115" والبيهقي في "الأسماء" "ص291-296". 71- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ الله خلق السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، يَوْمَ السَّابِعِ، وَخَلَقَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَالْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ، وَالشَّجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَالشَّرَّ2 يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَالنُّورَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ، وَالدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَآدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ بَعْدَ الْعَصْرِ، خَلَقَهُ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ بِأَحْمَرِهَا وَأَسْوَدِهَا وَطَيِّبِهَا وَخَبِيثِهَا، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ مِنْ آدَمَ: الطيب والخبيث". أخرجه النسائي في تفسيره "السجدة" والأخضر بن عجلان وثقه ابن معين.

_ 1 كذا في الأصول كلها، وفي "الأربعين" للمؤلف "190/ 2" "صفته". ولعله أصح. 2 في المخطوطة بدل "الشر" كلمة الثعن".

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَيَّنَهُ الأَزْدِيُّ. وَحَدِيثُهُ فِي السُّنَنِ الأربعة. 57- قلت: تليين الأزدي إياه؛ لا تأثير له، لأن الأزدي نفسه متكلم فيه كما هو معلوم، لا سيما وقد وثقه ابن معين كما ترى وكذا الإمام البخاري والنسائي وابن حبان وابن شاهين كما في "التهذيب" فهو متفق على توثيقه لولا قول أبي حاتم: يكتب حديثه. لكن هذا القول إن اعبترناه صريحا في التجريح فمثله لا يقبل لأنه جرح غير مفسر، لا سيما وقد خالف قول الأئمة الذي وثقوه، على أنه من الممكن التوفيق بينه وبين التوثيق بحمله على أنه وسط عند أبي حاتم، فمثله حسن الحديث قطعا على أقل الدرجات، وكأنه أشار إلى ذلك الحافظ بقوله فيه في "التقريب": "صدوق". وبقية رجال الإسناد ثقات كلهم، فالحديث جيد الإسناد على أنه لم يتفرد بذكر خلق التربة يوم السبت، وغيرها في بقية الأيام السبعة، فقد أخرجه مسلم وغيره من طريق أخرى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه مرفوعا، وقد خرجته في "الصحيحة" رقم "1833"، وقد توهم بعضهم أنه مخالف للآية المذكورة في أول الحديث، وهي أول سورة "السجدة"، وليس كذلك كما كنت بينته فيما علقته على "المشكاة" "5735"، وخلاصة ذلك أن الأيام السبعة في الحديث هي غير الأيام الستة في القرآن وأن الحديث يتحدث عن شيء من التفصيل الذي أجراه الله على الأرض، فهو يزيد على القرآن، ولا يخالفه، وكان هذا الجمع قبل أن أقف على حديث الأخضر، فإذا هو صريح فيما كنت ذهبت إليه الجمع. فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. 72- حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَلا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالَ: "يُتِمُّونَ الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصف" أخرجه مسلم. 73- عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْمُتَحَابُونَ فِي اللَّهِ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ". 58- حديث صحيح، أخرجه أحمد "5/ 229، 236-237" وابن حبان "2510" والحاكم "4/ 169-170" وكذا ابن المبارك في "الزهد" "715" من طريقين صحيحين عنه،

وصحح أحدهما الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وفيه نظر ذكرته في "تخريج الترغيب" "4/ 47". "تنبيه" أحد الطريقين المشار إليهما هو عن أبي إدريس عن معاذ، وعنه أورده المصنف بصحة سماعه منه الحافظ ابن عبد البر، وهو الأولى بالترجيح، فإن حديثه هذا بالذات قد سمعه منه، ثبت ذلك من طريقين عنه: الأولى: عن شعبة عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ الوليد بن عبد الرحمن عن أبي إدريس الخولاني قال: جلست مجلسا فيه عشرون من أصحاب مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فيهم شاب حسن الوجه ... فإذا هو معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما كان الغد جئت فإذا هو يصلي عند سارية، فحذفش صلاته، ثم احتبى، فسكت، فقلت: إني لأحبك من جلال الله، فقال: آلله؟ فقلت: آالله. فقال: فذكر الحديث موقوفا على معاذ. أخرجه أحمد والحاكم. والأخرى: عن عطاء الخراساني قال: سمعت أبا إرديس الخولاني يقول: دخلت مسجد حمص فجلست في حلقة كلهم يحدث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وفيهم شاب.. الحديث نحوه. أخرجه الحاكم. وله عنه طريق ثالث بحديث آخر، يرويه مالك في "الموطأ" "2/ 953/ 16" وعنه ابن حبان "2510" عن ابي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: "دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب برق الثنايا، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه، وصدروا عن قوله، فسألت عنه، فقيل هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي، قال: فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك لله، فقال: آلله؟.. الحديث مثلما تقدم في الطريق الأولى إلا أن متنه: قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في". قلت: فاتفاق هؤلاء الثقات الثلاثة على إثبات سماع أبي إدريس من معاذ بن جبل من الصعب جدا عدم الاعتداد به ونسبتهم إلى الوهم فيه. والله تعالى أعلم. 74- حديث أَنَسٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ النَّضْرِ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وكان ابنها الحارث ابن سُرَاقَةَ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ حَارِثَةَ، فَإِنْ كَانَ فِي

الْجَنَّةِ احْتَسَبْتُ وَصَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصِبِ الْجَنَّةَ اجْتَهَدْتُ فِي الدُّعَاءِ. فَقَالَ: "يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى، وَالْفِرْدَوْسُ ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها، "يَعْنِي" وَفَوْقَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وجل". وفي طريق أخرى عنه قال: خَرَجَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَّارًا، لَمْ يَخْرُجْ لِقِتَالٍ، كَانَ غُلامًا، فَجَاءَهُ سَهْمٌ فِي نَحْرِهِ فَقَتَلَهُ. الحديث. 59- لم أقف على قوله في هذا الحديث "فوقها عرش الرحمن"، فيما لدى من المصادر، أو فيما رجعت إليها الآن، والمصنف أورده في الأصل من حَدِيثُ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عن أنس، ولم يعزه لأحد من المصنفين كما هي غالب عادته، وقد أخرجه الترمذي "2/ 210" من هذا الوجه إلى قوله "وأفضلها" دون الزيادة وقال: "حديث حسن صحيح". وكذلك أخرجه أحمد "3/ 260" من طريق شيبان عن قتادة به إلا أنه جعل الجملة الأخيرة منه مدرجة في الحديث فقال: "قال قتادة: والفردوس ربوة الجنة، وأوسطها، وأفضلها". ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في "الجهاد" "2/ 204" لكنه لم يذكر الزيادة المدرجة، ولا أنها من قول قتادة. وتابعه أبان ثنا قتادة به. أخرجه أحمد "3/ 283". وتابعه حميد قال: سمعت أنسًا يقول: فذكره. أخرجه أحمد -والبخاري في "المغازي" "3/ 59" و"الرقاق" "4/ 241". وتابعه ثابت البناني عن أنس باللفظ الآخر المذكور في الكتاب. أخرجه أحمد "3/ 124، 215، 272، 282". قلت: فكل هذه الطرق ليس فيها الزيادة المدرجة، ولا الزيادة الأولى أصلا، فأخشى أن تكون وهما من المؤلف رحمه الله تعالى، وإنما هي في آخر حديث أبي هريرة المتقدم رقم "14" وهو مخرج في "الصحيحة" "918". ثم تبين أنها زيادة من المصنف على سبيل الشرح والبيان بقوله "يعني وفوقها ... " لكن سقط من الطابع لفظة "يعني" فعرض الإشكال ثم لما استدركتها من المخطوطة زال والحمد لله. 75- حديث عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مائة سنة". إسناده صحيح.

60- قلت: وهو كما قال، أخرجه أبو داود وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" "151". 76- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: "يَمِينُ اللَّهِ مَلأى لا يَغِيضُهَا نَفَقَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى الماء، وبيده الأخرى القبض والميزان يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ" مُتَّفَقٌ عَلَى ثُبُوتِهِ. 77- حديث أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان" أخرجه البخاري. 61- قلت: وصححه الترمذي، وله شاهد من حديث ابن مسعود، وقد خرجتهما في "الصحيحة" "1293". 78- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "يَنْزِلُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ لَيْلَةٍ إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ1 فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ له؟ فلا يزال كذلك" 2 رواه أحمد وإسناده قوي.

_ 1 وفي رواية: حَيْنَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ. وهو الأصح كما قال الترمذي. "الإرواء" "450". 2 قلت: اشتهر تأويل هذا الحديث عند نفاة الصفات، بأن المراد بالنزول نزول أمر الله تعالى ورحمته، ومع أن هذ التأويل باطل من وجوه كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: "شحر حديث النزول". من ذلك سياق الحديث، فإن قوله: "أنا الملك ... إلخ ... صريح في أن الله تعالى هو الذي ينزل. قال شيخ الإسلام "ص36": "وقد سئل بعض أئمة نفاة العلو عن النزول فقال: ينزل أمره، فقال له السائل: فممن ينزل؟ إن عندك فوق العالم شيء فممن ينزل الأمر؟ من العدم المحض؟ فبهت". ومن أغرب التأويلات التي رأيتها لبعض النفاة قول الشيخ "أبو زهرة" في "المذاهب الإسلامية" "ص325"" "ويصح أن يفسر النزول إلى السماء الدنيا بمعنى قرب =

وقد ألف أَحَادِيثُ النُّزُولِ فِي جُزْءٍ، وَذَلِكَ متواتر أقطع به. ومن عقد أئمة السنة "السلف والخلف" أن نبينا صلى الله عليه وسلم عرج به إلى السموات العلى عند سدرة المنتهى، فكان مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. وفرض الله حينئذ عليه الصلوات الخمس، فنزل ومر على موسى فأخبره فقال: إني قد خبرت الناس قبلك، إن أمتك لا تطيق خمسين صلاة فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ. وأحاديث المعراج تقدم بعضها وهى طويلة مشهورة، جمعها الحافظ عبد الغني، رأيتها في جزأين له، فلو كان معراجه مناماً، ورقيه إلى عند سدرة المنتهى في عالم السنة وغلبة الفكر، كوقائع العارفين، لما كان للمصطفى صلوات الله عليه في ذلك كبيرة مزية على كثير من صالحي أمته، ولما قرر الحق معراجه ونوه بذكره بأنه يقظة عياناً بقوله تعالى: "إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وما طغى" قال حبر هذا الأمة ابن عباس: هي رؤيا عين رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصل: في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلتئذ اختلاف، فذهب جماعة من السلف إلى أنه رأى ربه عز وجل، وذهب آخرون كأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وغيرها إلى أنه لم يره بعد، وذهب طائفة إلى السكوت والوقف. وقال قوم: رآه بعين قلبه. وَقَدْ سَاقَ ابْنُ خُزَيْمَةَ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ؟ " وَعَدَّ ابْنُ خُزَيْمَةَ هذا منكرا. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا مَا حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عن قتادة

_ = حسابه تعالى"!!! فعلى هذا التأويل فحساب الله يقرب كل ليلة، ثم لا حساب! فلا نزول حتى على هذا التأويل. وهكذا يكون التعطيل للنصوص وإنكار معانيها الحقيقية اللائقة به تعالى ...

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي ذَرٍّ: لَوْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسَأَلْتُهُ. قَالَ: عَنْ أَيِّ شَيْءٍ تَسْأَلُهُ؟ قَالَ: كُنْتُ أسأله: هل رأيت ربك؟ فقال أَبُو ذَرٍّ: قَدْ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: "رَأَيْتُ نُورًا". قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: "أنى أراه" أين أراه، وكيف أراه، وإنما أَرَى نُورًا. قُلْتُ: هَذَا بِعَيْنِهِ يَنْفِي الرُّؤْيَةَ حَيْثُ يُقَرِّرُ: إِنَّمَا أَرَى نُورًا. قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فعائشة نفت، ومن أثبت فمعه زيادة علم. ونقل المروزي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَسَأَلَهُ: بِمَ تَدْفَعُ قَوْلَ عَائِشَةَ؟ قَالَ: بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "رأيت ربي". 62- قلت: وأخرجه مسلم من حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ معا، وهو مخرج مع طائفة من أحاديث النزول التي أشار إليها المصنف في كتابي "إرواء الغليل" "450"، وقد ذكره ابن القيم في "الجيوش" "ص35" من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن المسيب عن أبي هريرة نحوه بزيادة "جلس على كرسيه". وهذه زيادة منكرة عندي لم أرها في غير هذا الطريق، وهو منقطع بين معمر وابن المسيب. وقد رأيت الحديث في "المسند" "2/ 267، 283" من طريق عبد الرزاق عن معمر بإسنادين آخرين له عن أبي هريرة دون الزيادة. ورواه غيره عن سعيد عن أبي هريرة دونها. أخرجه أحمد "2/ 433". 63- قلت: يشير إلى ما رواه سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ شَرِيكِ بن عبد الله ابن أبي نمر قال: سمعت أنس بن مالك يُحَدِّثُ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.. قلت: فذكر حديث الإسراء الطويل فيه. "وَدَنَا الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَتَدَلَّى، حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أو أدنى، فأوحى إليه ما شاء ... ". لكن هذه الجملة من جملة ما أنكر على شريك هذا مما تفرد به عن جماير الثقات الذين رووا حديث المعراج. ولم ينسبوا الدنو والتدلي لله تبارك وتعالى، بل روت عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما ما يدل على أن قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} إنما المراد به جبريل عليه الصلاة والسلام، روى مسلم "1/ 111" عن مسروق قال: قلت: لعائشة: فأين قوله {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} ؟ قالت: إنما

ذاك جبريل صلى الله عليه وسلم وانظر "الأسماء والصفات" للبيهقي "ص438-441". وقد كان المصنف رحمه الله تعالى أورد في الأصل "ص50" الجملة المذكورة من حديث شريك ثم أورده بطوله "ق21/ 1-2 مخطوطة"، فحذفته لما أشرت إليه من النكارة، وقال المصنف في الموضع الثاني: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ" اسْتَنْكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنَّهُ قَفَزَ الْقَنْطَرَةَ وَتَقَرَّرَ في "الصحيح". قلت: هذا مسلم فيما لم تظهر فيه عادة قادحة، وليس كذلك هنا، فتأمل. 64- أخرجه أحمد "1/ 374" والبخاري والترمذي وغيرهم. 65- قلت: فإذا ضم إلى هذا ما تقدم من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحديث "12": "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره". ينتج من ذلك أن هناك مانعا من رؤيته تعالى وهو النور الحاجب، وهذا هو المعنى الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله المتقدم: "نور أنى أراه؟ ". أخرجه مسلم "1/ 111"، وإن كان باللفظ الآخر أيضا "رأيت نورا" وهو أصح كما بينته العلامة اليماني في "إيثار الحق" "ص182-183". ثم رأيت ابن القيم في "جيوشه" "ص7" نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى الحديث نحو ما ذكرته. فالحمد لله على توفيقه. 66- قلت: هذه قاعدة مسلمة في علم أصول الفقه، لكن وضعها هنا لا يستقيم عندي، لأن الذي أثبت وهو ابن عباس لم يثبت ذلك عنه صراحة، ولو أثبت، فلم يرفعه إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فهو رأي له، معارض برأي عائشة النافي للرؤية، فتعارضا، فتساقطا، كما تقول الحنفية، ولو أنهم لا يحسنون حين يقولون ذلك في الأحاديث النبوية! وحينئذ يجب الرجوع إلى الأصل وهو النفي، والإثبات لا بد له من دليل خاص وهذا غير موجود، وحديث ابن عباس يأتي قريبا بيان ما فيه مما يمنع الاحتجاج به، على أن الأصل يؤيده حديث أبي ذر المتقدم. والله أعلم. 79- حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ". إِسْنَادُهُ جيد 67- قلت: نظر المصنف رحمه الله تعالى إلى ظاهر إسناده فقواه، لأنه ساقه من طريق أحمد حَدَّثَنَا أَسْوَدُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عن ابن عباس ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم، لكن حماد بن سلمة مع جلالة قدره في حديثه عن غير ثابت شيء، ولذلك لم يخرج له مسلم إلا ما كان من روايته عن ثابت، ولذلك قال الحافظ في "التقريب". "ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره. وقد خالفه هشام الدستوائي في

إسناده ومتنه فقال: عن قتادة عن أبي قلابة عن خالد اللجلاج عن عبد الله بن عباس مرفوعا بلفظ: "رأيت ربي عز وجل، فقال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى ... " الحديث، وفي رواية: "رأيت ربي في أحسن صورة ... " وهذه رؤيا منامية كما في بعض الروايات الأخرى على ما هو مشروح في كتابي "تخريج السنة لابن أبي عاصم" "388، 433، 469" فليراجع. والدستوائي أوثق من حماد في قتادة، فيبدو أنه لم يضبط إسناده، وحفظ متنه مختصرا، وإنما هو رأى ربه في المنام، وحديث معاذ بن جبل صريح في ذلك فإنه بلفظ: "إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي، فنعست في مصلاي، حتى استثقلت فإذا أنا بربي في أحسن صورة.." الحديث. أخرجه ابن خزيمة "ص143" وغيره وسنده صحيح كما حققته في المصدر السابق "388". ومما يؤكد أن الحديث مختصر، أن ابن أبي عاصم أخرجه في "السنة" "440" عن شيخ أحمد فيه الأسود بن عامر ثنا حماد بن سلمة به زاد في آخره: "ثم ذكر كلاما". فهذه الزيادة تصرح بأن للحديث تتمة اختصرها أحد الرواة، وغالب الظن أنه حماد، ولعله لم يحفظها، فاكتفى -أداء للأمانة العلمية- بأن يشير إليها، وهذه التتمة هي ما في الروايات الأخرى، وخصوصا حديث معاذ بن جبل، وقد صرح البيهقي بأن ما روي عن ابن عباس هو حكاية عن رؤيا رآها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام، فراجع كلامه في "الأسماء" "ص447"، وقد نقلته في "تخريج السنة" في المكان المشار إليه. والله أعلم. 80- وقال: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مرتين. 68- قلت: هذا صحيح ثابت عن ابن عباس لكن موقوفا عليه. وقد أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "التَّوْحِيدِ" "ص131" بسند صحيح عنه، ورواه مسلم أيضا من هذا الوجه لكنه بلفظ: "رآه بقلبه". وهو رواية لابن خزيمة من طريق أخرى عن ابن عباس. ثم أخرجه مسلم من طريق ثالث عنه بلفظ: قال: " {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} ، قال: رآه بفؤاده مرتين". ورواه ابن خزيمة أيضا مختصرا. قلت: ولا يقال: حديث ابن عباس هذا وإن كان موقوفا، فهو في حكم المرفوع، لأنه لا يقال اجتهادا، فإني أقول: إن قوله إياه مفسرا به الآية المذكورة"، لأكبر دليل على أنه باجتهاد من عنده وليس له حكم المرفوع، لأنه قد صح خلافه في تفسيرها، فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها.

"أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ". أخرجه مسلم "1/ 110". وروى نحوه عن أبي هريرة مختصرا بلفظ: ""ولقد رآه نزلة أخرى" قال: رأى جبريل". وهذا موقوف أولى من موقوف ابن عباس لموافقته لحديث عائشة المرفوع. روى له ابن خزيمة "ص133، 134" شاهدا من حديث ابن مسعود مرفوعا، وسنده حسن. 81- وعنه قال: "ولقد رآه نزله أخرى" قَالَ: دَنَا "مِنْهُ" رَبُّهُ عَزَّ وجل "إسناده حسن". 1/ 69 69- قلت: إسناده حسن كما قال، فإنه ساقه في الأصل "ص82" عن يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سلمة عن ابن عباس. هكذا وقع في الأصول كلها، وفيها المخطوطة "ق19/ 2"، وقد سقط من الإسناد الواسطة بين يحيى ومحمد بن عمرو، وهو سعيد بن أبان الأموي والد يحيى، فإنه أخرجه ابن جرير في "تفسير" "27/ 26" حدثنا يحيى ابن سعيد الأموي قال: ثنا أبي قال: ثنا محمد بن عمرو ... وهذا إسناد رجاله ثقات غير محمد بن عمرو وهو ابن علقمة بن وقاص الليثي وهو مختلف فيه، والذي استقر عليه الرأي عند أهل العلم أنه حسن الحديث. وإليه أشار الحافظ بقوله في "التقريب". "صدوق، له أوهام". لكن قد اختلف عليه في إسناده فرواه الأموي عنه هكذا عن ابن عباس موقوفا. ورواه الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو قال: ثنا كثير بن حبيش عن أنس بن مالك مرفوعا: "بينما أنا مضطجع في المسجد ... " فذكر حديث الإسراء والمعراج وفيه: "فدنا إلى ربه فتدلى". وفي رواية: "فدنا ربك فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى" ... "الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "التوحيد" "ص139-140" باللفظ الأول، وابن جرير "27/ 27-28" من طريق النضر وهو ابن شميل قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بن وقاص الليثي به. وكثير بن حبيش -وقيل: خنيس- فيه ضعف، فإن كان محمد بن عمرو قد حفظه عنه

_ 1 ص7 المستدرك عن المخطوط.

فهو منكر لمخالفته للثابت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أن الذي دنا إنما هو جبريل عليه السلام، كما روى ابن جرير "27/ 27" عن مسروق قال: "قالت لعائشة: ما قوله "ثم دنا فتدلى.. الآية"؟ فقالت: إنما ذاك جبريل، كان يأتيه في صورة الرجال، وأنه أتاه في هذه المرة في صورته، فسد أفق السماء". وسنده صحيح، وهو عند مسلم بنحوه وقد مضى قريبا. وهو معارض لحديث ابن عباس هذا الموقوف إن ثبت عنه. 82- حديث أَنَسٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنِّي لأَوَّلُ النَّاسِ تَنْشَقُّ الأَرْضُ عَنْ جُمْجُمَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وآتي بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ حَلَقَتَهُ، فَيَقُولُ: مَنْ هَذَا؟ فَأَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ، فَيَفْتَحُونَ لِي، فَأَدْخُلُ، فَأَجِدُ الْجَبَّارَ مستقبلي، فأسجد له". 70- قلت: ساقه المصنف في الأصل "ص83" من حَدِيثُ اللَّيْثِ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عن عمرو عنه. فهذا القدر من إسناده رجاله ثقات معرفون، فإن كان الذين دونهم من الثقات أيضا ولا علة في الإسناد فهو صحيح. ولم أقف حتى الآن على إسناده في أصل من أصول المحدثين، ولكنه بمعنى حديث ثابت عن أنس المتقدم برقم "12" وقد قوى المصنف إسناده هناك، فهو شاهد جيد لهذه الطريق، وقد ذكرت له ثم شاهدا آخر من حديث ابن عباس. والله أعلم. 83- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرِاعُ، وَكَانَتْ تعجبه، فنهش مِنْهَا ثُمَّ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ الناس يوم القيامة" وذكر الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: "فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يارب أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ في الأبواب" الحديث. و"مما" يدل على أن الباري تبارك وتعالى عال على الأشياء فوق عرشه المجيد، غير حال في الأمكنة، قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} وقوله: "وهو العلي الكبير" وقوله: {عَالِمُ

الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} وقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} . وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا سجدنا: "سبحان ربي الأعلى" وقال تعالى في وصف الشهداء: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} وقالت امرأة فرعون: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} . 71- أخرجه أحمد "2/ 435-436" والشيخان وغيرهما. 72- قلت: تأمل هذه الكلمة، فإنها من الحق الذي حمل الجهل به الجماهير على جحد ما دلت عليه هذه الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة من علوه تعالى على عرشه، وعلى الطعن بالسلفيين المؤمنين به، زاعمين أن السلفيين بإيمانهم هذا جعلوا لله عز وجل مكانا فوق العرش، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، فهذا هو المؤلف، وهو من كبار أئمتهم يصرح بتنزيهه تعالى عن الحلول في الأمكنة كلها. وما يحمل أولئك الجماهير على ذلك إلا توهمهم، أن الإيمان بعلوه عز وجل على خلقه، يستلزم أن يكون حالا في مكان، قالوا: وهذا باطل، وما لزم منه باطل فهو باطل، وجهلوا أو تجاهلوا أن المكان أمر وجودي، وأنه ليس فوق العرش وجود حادث، وبالتالي فليس ثمة مكان إطلاقا، فالله تبارك وتعالى فوق عرشه، وليس في مكان أصلا. ومن العجيب أن هؤلاء الذين لم يؤمنوا بعد بعلوه عز وجل على عرشه فرارا من الإيمان بالمكان المزعوم، قد وقعوا على أم رأسهم في الإيمان بأن الله في الأمكنة حقيقة، وذلك بقولهم: الله موجود في كل مكان. أو الله موجود في كل الوجود! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وأعجب من ذلك أن بعضهم تنبه لما في هذا القول من تشبيه الله عز وجل بمخلوقاته الحالة في الأمكنة، فأرادوا تنزيهه عن ذلك فوقعوا فيما هو شر منه ألا وهو التعطيل المطلق المستلزم نفي وجود تعالى أصلا! فقالوا: "الله ليس فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا يسار، ولا أمام، ولا خلف، لا داخل العالم، ولا خارجه، لا متصلا به، ولا منفصلا عنه"! ولقد سمعت هذا أكثر من مرة، على المنبر يوم الجمعة من بعض الخطباء الذين يظن بهم الناس العلم والصلاح! فإنا لله وإنا إليه راجعون على غربة الدين وجهل الخاصة بهم فضلا عن العامة، وإني لأحلف بالله تعالى لو قيل لأبلغ الناس وأفصحهم: صف لنا العدم، ما استطاع أن يصفه بأكثر من هذا الذي يصفون به معبودهم، ولقد أجاد من قال من أئمة السلف -ولعله الإمام ابن القيم رحمه الله-: "المشبه يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما".

وهذا كله من شؤم الانحراف عن السنة، والإعراض عن اتباع السلف وأئمة الحديث. حشرنا الله تعالى في زمرتهم تحت لواء مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 84- وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لقوم فقال: "أكل طعامكم الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكة، وذكركم الله فيم عنده". قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} وقال: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتج آدم وموسى عند ربهما" وذكر الحديث 73- هذا حديث صحيح، لكن ليس منه الزيادة التي في آخره: "وذكركم الله فيمن عنده" ولا هو في "الصحيحين" أصلا، كما كنت نبهت عليه في كتابي "آداب الزفاف" "ص85-86 طبع المكتب الإسلامي - الثالثة" وتجد تخريجه هناك بما لا تراه في غيره، والحمد لله على توفيقه. وأزيد هنا فأقول: إن الزيادة المذكورة، قد جاءت في حديث آخر يرويه أبو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بلفظ: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله، ويتدراسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده". أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما، وهو مخرج في كتابي "صحيح أبي داود" "1308" فكأن المؤلف دخل عليه حديث في حديث. 74- قلت: وله طرق كثيرة جدا، ساق ابن أبي عاصم في "السنة" طائفة كبيرة منها، وعقد له فيه بابا خاصا، لكن لم يقع في أكثرها موضع الشاهد هنا، وهو قوله: "عند ربهما" انظر الحديث "156" والأحاديث "137-160" من "تخريج السنة" لي. 85- حديث أَبِي مُوسَي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَلَهُ أَطِيطٌ كَأَطِيطِ الرَّحْلِ" أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ "الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ".

وَلَيْسَ لِلأَطِيطِ مَدْخَلٌ فِي الصِّفَاتِ أَبَدًا، بَلْ هُوَ كَاهْتِزَازِ الْعَرْشِ لِمَوْتِ سَعْدٍ، وَكَتَفَطُّرِ السَّمَاءِ يَوْمَ القيامة ونحو ذلك. ومعاذ الله أن نعده صفة لله عز وجل، ثم لفظ الأطيط لم يأت من نص ثابت. 75- قلت: وإسناده موقوف صحيح، عبد الله في "السنة" "ص71" وأبو الشيخ في العظمة "42/ 2" وأبو جعفر بن أبي شيبة أيضا في "العرش" "ق114/ 1-2" ورجاله كلهم ثقات معروفون، وأعله الكوثري المعروف بانحرافه عن أهل السنة في تعليقه على "الأسماء والصفات" "ص404" بأن في إسناده عمارة بن عمير، قال: "ذكره البخاري في "الضعفاء"". قلت: كذا قال، وهو خطأ محض، ولست أدري إذا وقع ذلك منه سهوا، أم عمدا، فالرجل قد بلونا منه المغالطة التي تشبه الكذب، بل الكذب نفسه، كما بين ذلك العلامة اليماني في رده العظيم عليه المسمى بـ"التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"، أقول هذا لأن عمارة بن عمير تابعي ثقة اتفاقا، وقد أخرج له الشيخان في "صحيحيهما"، وقال الحافظ: "ثقة ثبت" ومثله لا يمكن أن يخفى على مثل الكوثري، وليس هو في "ضعفاء البخاري" كما زعم وإنما فيه عمارة بن جوين وهذا متروك! فغفرانك اللهم. 86- حديث أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: "إِنَّ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سورة البقرة أوتيتهن من تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قبلي" رواته ثقات. 87- حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة.... فإن الله أعطانيهما من تحت العرش" إسناده صالح. 76 و77- أخرجهما أحمد وغيره بإسنادين جيدين، كما بينته في "الصحيحة" "1482". 88- حديث أبي هريرة مرفوعاً: "من أنظر معسراً، أو وضع عنه أظله الله تحت عرشه يوم لا ظل إلا ظله" إسناده صالح. 78- أخرجه أحمد والترمذي بسند صحيح، كما في "تخريج الترغيب" "2/ 37".

89- حديث عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أول من يكسى إبراهيم قبطيتين، ثم يكسى النبي صلى الله عليه وسلم "حلة" حبرة وهو عن يمين العرش" وهذا موقوف 79- قلت: وهو صحيح الإسناد، ذكره في الأصل "ص85" من حديث سفيان الثوري عن عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عنه، وقد أخرجه ابن المبارك في "الزهد" "ص105-106 رقم 364 نسخة نعيم بن المبارك". وتابعه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير نا سفيان به. أخرجه أبو يعلى في "مسند" "1/ 165-166" والبيهقي في "الأسماء" "ص395" من طريقين آخرين عن سفيان به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وذكر الحافظ في "الفتح" "11/ 332" "أن الأثر هذا أخرجه بن المبارك في "الزهد" مختصرا موقوفا. وأخرجه أبو يعلى مطولا مرفوعا". قلت: ولم أره في "مسند" أبي يعلى "إلا هكذا مختصرا موقوفا أيضا. ثم أخرجه البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا نحوه. قلت: ورجاله ثقات غير أبي قلابة الرقاشي واسمه عبد الملك بن محمد، قال الحافظ في "التقريب". "صدوق يخطئ تغير حفظه لما سكن بغداد". وله شاهد من حديث ابن مسعود مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد "1/ 398"، ورجاله ثقات رجال مسلم غير أن سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد قال الحافظ: "صدوق له أوهام". وتابعه الصعق بن حزن عند الدارمي "2/ 325". فهذان الحديثان المرفوعان يشهدان للحديث الموقوف، ويدلان على أنه في حكم المرفوع. والله أعلم. وله عند الحاكم "4/ 568-569" شاهد آخر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، وصححه هو والذهبي. 90- حديث أبي قتادة: سمعت النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ ترك لغريمه أو تجاوز عنه كان في ظل العرش يوم القيامة". 80- قلت: إسناده صحيح، أخرجه أحمد وغيره، وهو في "الترغيب" "2/ 37".

91- حديث عمرو البكالي عن عبد الله بن عمرو قال: "الحرام حرام إلى العرش". 81- بكسر الموحدة وتخفيق الكاف نسبة إلى بني بكال بطن من حمير، وعمرو هذا صحابي على الراجح، يكنى بأبي عثمان، وذكره العجلي وأبو زرعة الدمشقي في ثقات التابعين، والله اعلم، وروى له أحمد "1/ 399" عن ابن مسعود حديثا آخر مرفوعا. 92- حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: "العرش مطوق بحية والوحي ينزل في السلاسل". 82- قلت: إسناده حسن، وأشار الحافظ في ترجمة "البكالي" من "الإصابة" إلى هذا الأثر وقال: "رويناه في "النشرانيات"". 83- قلت: إسناده صحيح، أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" "33/ 1-2" حدثنا محمد ابن العباس حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام قال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ كثير بن أبي كثير عن أبي عياض عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وأبو عياض اسم عمرو بن الأسود ثم رأيته في السنة" "ص150": حدثني أبي حدثنا أبي حدثنا معاذ بن هشام به. 93- ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ سَمِعَتِ الْمَلائِكَةُ صَوْتًا كَصَوْتِ الحديد" وذكر الحديث. 84- قلت: رجاله ثقات، وأخرجه الدارمي "ص14" وعبد الله بن أحمد "ص63" من طريق أخرى عنه ورجاله موثقون، فهو عنه ثابت، ورواه أبو الشيخ في "العظمة" "28/ 1 من المبارك آخر مرفوعا نحوه. 94- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "يُنَادِي مُنَادٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ- فيسمعه الأَحْيَاءُ وَالأَمْوَاتُ -ثُمَّ يَنْزِلُ اللَّهُ إلى السماء الدنيا" الحديث رواه ابن المبارك، ورواته ثقات: 85- قلت: أورده المصنف من رواية ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عن أبي نضرة عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.

95- حديث زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِرَاعٍ فَقَالَ: هَلْ من جزرة؟ فقال: ليس ها هنا رَبُّهَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَقُولُ لَهُ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ. قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: فَأَيْنَ اللَّهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنَا وَاللَّهِ أَحَقُّ أَنْ أَقُولَ: أَيْنَ اللَّهُ؟ وَاشْتَرَى الرَّاعِيَ وَالْغَنَمَ. فَأَعْتَقَهُ. وأعطاه الغنم. 86- أورده المصنف في الأصل من رواية أَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ الْجُمَحِيُّ: حَدَّثَنِي زيد بن أسلم ... قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ الْجُمَحِيُّ وهو الحاطبي صدوق كما في "التقريب". 96- حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ: "بَدَأَ اللَّهُ خَلْقَ الأَرْضِ، فَخَلَقَ سَبْعَ أَرْضِينَ يَوْمَ الأَحَدِ وَالاثْنَيْنِ، وقدر فيها أقواتها يَوْمِ الثُّلاثَاءِ وَالأَرْبَعَاءِ، وَاسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَخَلَقَهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ"، وَذَكَرَ الحديث. إسناده صحيح. / 86/ 2 86/ 2- كذا قال، وقد أخرجه ابن منده في "التوحيد" "ق27/ 1": أخبرنا الحسن بن يوسف الطائفي بمصر: حدثنا إبراهيم بن مرزوق: حدثنا عثمان بن عمر بن والطرائفي اتهمه العراقي، فراجع "اللسان".

ذكر ما اتصل بنا عن التابعين في مسألة العلو 97- عن كعب الأحبار قال: قال الله عز وجل في التوراة: "أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي، أدبر أمور عبادي، لا يخفى علي شيء في السماء ولا في الأرض" رواته ثقات. 87- أورده المصنف من رواية أبي صفوان الأموي عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان: حدثنا يوسف بن يزيد عن الزهري عن ابن المسيب عنه. وهذا سند صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، إن كان السند إلى أبي صفوان صحيحا، فقد أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" "39/ 2" من طريق نعيم بن حماد حدثنا أبو صفوان به. ونعيم ضعيف، لكن يبدو أنه لم ينفرد به، فقد رأيت المصنف في كتابه "الأربعين في صفات رب العالمين" "ق2/ 1" جزم بصحته عن كعب وما أراه يفعل ذلك وهو يرى تفرد نعيم به. وقال ابن القيم في "جيوشه" "ص102": "-رواه أبو الشيخ وابن بطة وغيرهما بإسناد صحيح عنه"، فهذا لعله يؤيد ما ذكرنا عن عدم التفرد. 98- عن مسروق أنه كان إذا حدث عن عائشة قال: "حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سموات". إسناده صحيح1. 99- حديث عبيد بن عمير قال: "ينزل الرب عز وجل شطر الليل إلى السماء الدنيا فيقول: من يسألني فأعطه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى إذا

_ قلت: وكذا صححه ابن القيم في "الجيوش الإسلامية" "ص102" ولم يعزه أيضا لمصدر، وفيه رجل لم يسم ولكنه وصف بالثقة. والله أعلم.

كان الفجر صعد الرب عز وجل". أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "الرد على الجهمية" تصنيفه. 100- حديث شريح بن عبيد أنه كان يقول: "ارتفع إليك ثغاء1 التسبيح، وصعد إليك وقار2 التقديس، سبحانك ذا الجبروت، بيدك الملك والملكوت، والمفاتيح والمقادير" إسناده صحيح 88- أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" "19/ 1" وقال ابن القيم "ص105": بإسناد صحيح. 101- حديث كَعْبٌ أَنَّ "سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ للَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَهُنَّ دَوِيٌّ حَوْلَ الْعَرْشِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ". 102- عن كعب أيضا قال: "إن للكلام الطيب حول العرش لدويا كدوي النحل، يذكر بصاحبه" كلاهما ثابت عن كعب الأحبار 89- أخرجهما أبو جَعْفَرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي "العرش" "ق162/ 2" بسندين صحيحين. 103- حديث أبي قلابة قال: لما أهبط الله تعالى آدم قال: "يا آدم إني مهبط معك بيتاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي" فلم يزل كذلك حتى كان الطوفان رفع، فكانت الأنبياء تحجه، يأتونه فلا يعرفون موضعه، حتى بوأه الله تعالى لإبراهيم عليه السلام. وهو ثابت عن أبي قلابة، وأين مثل أبي قلابة في الفضل والجلالة؟ هرب من تولية القضاء من العراق إلى الشام. 104- حديث حكيم بن جابر قال: "أخبرت أن ربكم عز وجل لم يمس بيده إلا ثلاثة أشياء: عرش الجنة بيده،

_ 1 في القاموس: الثغاء بالضم صوت الغنم والظباء وغيرها عند الولادة والزقاء للصدى وصياح الديكة. 2 الأصل: زرقاء، والتصحيح من المخطوطة وكتاب العظمة لأبي الشيخ.

وخلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده. - قلت: أخرجه الآجري في "الشريعة" "ص303" وإسناده صحيح، وقد أخرجه عبد الله في "السنة" "ص68" نحوه، لكن ليس فيه ذكر المس وغرس الجنة، وصححه المؤلف أيضا في "الأربعين" "ق179/ 2". ورواه بتمامه عن عكرمة وسنده ضعيف. وعن خالد بن معدان نحوه. وأخرج الدارمي "ص35" عن ميسرة قال: فذكره مثله. ورجاله ثقات. وعن أنس عن كعب قال: فذكره. وسنده صحيح. وخرجه الآجري أيضا. 105- حديث أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ مَا السَّمَوَاتُ عِنْدَ الْكُرْسِيِّ إِلا كَحَلَقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلاةِ عَلَى الْحَلَقَةِ". إِبْرَاهِيمُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وقد وثق 91- قلت: لكنه لم يتفرد به، ولذلك خرجته في "الصحيحة" رقم "109". 106- حديث عَائِشَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَمُوتُ فَقَالَ لَهَا: "كُنْتِ أَحَبَّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ يُحِبُّ إِلا طَيِّبًا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ". أَخْرَجَهُ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ فِي "الرَّدِّ عَلَى بِشْرِ بن غياث المريسي" "ص105". 92- "ص105 طبع أنصار السنة في مصر"، وأخرجه في "الرد على الجهمية" أيضا "ص27-28 - طبع المكتب الإسلامي"، وسنده صحيح على شرط مسلم. 107- حديث قتادة قال: "قالت بنو إسرائيل: يارب أنت في السماء، ونحن في الأرض، فكيف لنا أن نعرف رضاك من غضبك؟ قال: إذا رضيت عنكم استعملت عليكم خياركم، وإذا غضبت استعملت عليكم شراركم". هذا ثابت عن قتادة أحد الحفاظ الكبار.

93- قلت: أخرجه الدارمي في الكتابين المشار إليهما آنفا "ص106 و28"، وسنده حسن. 108- حديث سالم بن أبي الجعد: "إن ربك لبالمرصاد" قال: "وراء الصراط جسور، جسر عليه الأمانة، وجسر عليه الرحم، وجسر عليه الرب عز وجل". رواه العسال بإسناد صحيح. 94- قلت: وعلقه البيهقي في "الأسماء" "ص432" من رواية أبي فزارة سالم بن أبي الجعد. وأبو فزارة ثقة واسمه راشد بن كيسان، ثم أسنده البيهقي من طريق شيخه الحاكم وهذا في "المستدرك" "2/ 523" عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله به. وقال: "هذا موقوف على عبد الله، قيل: هو ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وعليه فهو مرسل بينه وبين سالم ابن أبي الجعد". قلت: فهو ضعيف عن ابن مسعود، وصحيح عن سالم، والعهدة فيه على المصنف رحمه الله تعالى، لأنه لم يسق إسناده لنبدي رأينا فيه، وأم الحاكم فقال عقبه "صحيح الإسناد"! ووافقه المصنف! 109- حديث في الحلية بإسناد صحيح: عن مالك بن دينار أنه كان يقول: "خذوا، فيقرأ، ثم يقول: اسمعوا إلى قول الصادق من فوق عرشه". 95- كذا قال ووافقه ابن القيم "ص105"!!! وفيه نظر، فإنه في "الحلية" "2/ 358" من طريقين عن سيار ثنا جعفر قال: سمعت مالك بن دينار به. قلت: وسيار الراوي عن جعفر -وهو ابن سليمان الضبعي-وهو ابن حاتم العنزي أبو سلمة البصري، وهو كما قال الحافظ في "التقريب": "صدوق، له أوهام". وقد أورده المصنف في "الميزان" وقال: "صالح الحديث، وثقه ابن حبان، قال عبيد الله القواريري: لم يكن له عقل، كان معي في الدكان قيل للقواريري: أتتهمه؟ قال: لا. وقال الحاكم: كان سيار عابد عصره، وقد أكثر عنه أحمد بن حنبل. وقال الأزدي: عنده مناكير". زاد في "التهذيب": "وقال أبو أحمد الحاكم: في حديثه بعض المناكير. وقال العقيلي: أحاديثه مناكير، ضعفه ابن المديني". قلت: فمثله لا يصح إسناده، بل لعل القول بتحسينه لا يخلو من تسامح، ولا بأس منه-

إن شاء الله -في غير الأحاديث المرفوعة. والله أعلم. 110- حديث مجاهد: "وقريناه نجيا" قال: "بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب، فما زال يقرب موسى حتى كان بينه وبينه حجاب، فلما رأى مكانه وسمع صريف القلم قال: "رب أرني أنظر إليك" ". هذا ثابت عن مجاهد إمام التفسير. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ "الأَسْمَاءِ والصفات". العظمة 49/ 2 و55/ 1. 96- "ص402"، وأخرجه أبو الشيخ أيضا في "العظمة" "ق49/ 2، 55/ 1" مصورة المكتب الإسلامي" وبإسناده صحيح، رجاله ثقات كلهم، وأعله الكوثري الجهمي في تعليقه على "الأسماء" بالغمز من سن روح بن عبادة! وهو ثقة محتج به في "الصحيحين"، وشبل بن عباد وهو ثقة من رجال البخاري، وهو حين غمز منه لم يزد على قوله: "قدري"! فهل هذا جرح؟! 111- عن سفيان قال: كنت عند ربيعة بن أبي عبد الرحمن فسأله رجل فقال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول "والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة, وفي لفظ آخر صح عن ابن عيينة قال: سئل ربيعة كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول" ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق ". 97- ساقه المصنف "ص98" بإسناده المتصل إلى سفيان وهو الثوري. وهو صحيح. وأخرجه اللالكائي في "السنة" "92/ 1" بإسناد آخر عن ابن عيينة قال: سئل ربيعة ... إلخ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الحموية" "ص80": رواه الخلال بإسناد كلهم أئمة ثقات". 112- عن حماد بن زيد قال: سمعت أيوب السختياني -وذكر المعتزلة- وقال: "إنما مدار القوم على أن يقولوا: ليس في السماء شيء". هذا بإسناد كالشمس وضوحاً، وكالأسطوانة ثبوتاً عن سيد أهل البصرة

فقال المؤلف في ترجمة الجعد من "الميزان" وتبعه الحافظ في "اللسان": "عداده في التابعين، مبتدع ضال، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر، والقصة مشهورة". 116- عن السري بن يحيى قال: "خطبنا خالد القسري وقال: انصرفوا إلى ضحاياكم تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد، وذكر القصة". 101- قال المصنف: قرأت في "كتاب الرد على الجهمية" لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي صاحب التصانيف: حدثنا عيسى بن أبي عمران الرملي حدثنا أيوب بن سويد عن السري بن يحيى ... قلت: وهذا إسناد رجاله موثقون غير عيسى هذا فقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "3/ 1/ 284". "كتبت عنه بالرملة، فنظر أبي في حديثه، فقال: "يدل حديثه أنه غير صدوق" فتركت الرواية عنه". قلت: ولعل روايته عنه هذه القصة، لأنها ليست حديثا مرفوعا. والله أعلم.

ذكر ما قاله الأئمة عند ظهور الجهم ومقالته 1- قول أبي حنيفة، عالم العراق، رحمه الله تعالى "80-150" 117- نعيم بن حماد قال: سمعت أن نوح الجامع يقول: كنت عند أبي حنيفة أول ما ظهر، إذ جاءته امرأة من "ترمذ" كانت تجالس جهماً فدخلت الكوفة، فأظنني أقل ما رأيت عليها عشرة آلاف نفس "تدعو إلى رأيها" فقيل لها: إن ها هنا رجلاً قد نظر في المعقول يقال له: أبو حنيفة فأتيه، فأتته، فقالت: أنت الذي تعلم الناس المسائل وقد تركت دينك؟ أين إلهك الذي تعبده؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا وقد وضع كتاباً: إن الله عز وجل في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله عز وجل: "وهو معكم" قال: هو كما تكتب إلى الرجل: إني معك وأنت غائب عنه، رواه البيهقي في كتاب "الصفات". لقد أصاب أبو حنيفة رحمه الله فيما نفى عن الله عز وجل من الكون في الأرض، وأصاب فيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السمع بأن الله تعالى في السماء. 102- قلت: ظاهر ما نقله المؤلف -عفا الله عنا وعنه- عن البيهقي أن هذا سكت عن إسناد هذه القصة! وليس كذلك، فقد أشار إلى ضعفها بقوله في آخر كلامه المذكور: "إن صحت الحكاية عنه". قلت: وأنى لها الصحة، وراويها نوح الجامع المتهم بالوضع، حتى قال بعضهم: جمع كل شيء إلا الصدق.

ونعيم بن حماد ضعيف اتهمه بعضهم. فكان الواجب على المصنف أن يبين ذلك ولا يدع مجالا لعدو له حاقد أن يطعن فيه كما فعل الكوثري في تكملة الرد على نونية ابن القيم" "ص179". 118- وبلغنا عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي صاحب "الفقه الأكبر" قال: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض. فقال: قد كفر، لأن الله تعالى يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وعرشه فوق سماواته. فقلت: إنه يقول: أقول على العرش استوى، ولكن قال لا يدري العرش في السماء أو في الأرض. قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر. رواها صاحب الفاروق. 103- قلت: أبو مطيع هذا من كبار أصحاب أبي حنيفة وفقهائهم، قال المؤلف في "الميزان": "كان بصيرا بالرأي علامة كبير الشأن, ولكنه واه في ضبط الأثر، وكان ابن المبارك يعظمه ويجله لدينه وعلمه. قال ابن معين ليس بشيء و ... ". قلت: وفي قول المؤلف: "صاحب الفقه الأكبر" إشارة قوية إلى أن كتاب "الفقه الأكبر" ليس للإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، خلافا لما هو المشهور عند الحنفية، وقد طبع عدة طبعات منسوبا إليه، ومشروحا من غير واحد من الحنفية منهم أبو منصور الماتريدي الذي ينتمي إليه أكثر الحنفية في العقيدة، وجمهورهم فيها من المؤولة، فترى أبا منصور هذا قد تأول قول أبي حنيفة المذكور في الكتاب وفي "الفقه الأكبر" تأويلا يعود إلى إفساد كلام أبي حنيفة وإخراجه عن جماعة السلف في عدم التأويل، فقال في تأويل قوله رحمه الله: "فقد كفر" "ص19 طبع مصر": "لأنه بهذا القول يوهم أن يكون له مكان فكان مشركا"! ولم يلتفت إلى تمام كلامه المبطل لتأويله وهو قوله رحمه الله: "لأن الله تعالى يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} . قلت: فهذا صريح في أن علة كفره إنما هو إنكاره لما دلت هذه الآية صراحة من استعلائه سبحانه على عرشه، لا لأنه يوهم أن له تعالى مكانا، سبحانه وتعالى عن ذلك. ولما ذكرنا قال

شارح الطحاوية رحمه الله تعالى بعد أن ذكر رواية أبي مطيع البلخي "ص323 طبعة المكتب الإسلامي الطبعة الرابعة": "ولا يلتفت إلى من أنكر ذلك ممن ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة، فقد انتسب إليه طوائف معتزلة وغيرهم مخالفون له في كثير من اعتقاداته، وقد ينتسب إلى مالك والشافعي وأحمد من يخالفهم في بعض اعتقاداتهم، وقصة أبي يوسف في استتابة بشر المريسي لما أنكر أن يكون الله عز وجل فوق العرش مشهورة، رواها عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره". قلت: والقصة المشار إليها تأتي في الكتاب قريبا في ترجمة أبي يوسف إن شاء الله تعالى. وفيها دلالة على أن أصحاب أبي حنيفة الأول كانوا مع السلف في الإيمان بعلوه تعالى على خلقه، وذلك مما يعطي بعض القوة لهذه الروايات المروية عن الإمام أبي حنيفة، ومن ذلك تصريح الإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي في عقيدته بأن الله تعالى مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه. 119- وسمعت القاضي الإمام تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ علوان قال: سمعت الإمام أبا محمد عبد الله بن أحمد المقدسي مؤلف "المقنع" رحم الله ثراه، وجعل الجنة مثواه، يقول: بلغني عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: من أنكر أن اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ فقد كفر. 2- ابن جريج: شيخ الحرم، ومفتي الحجاز " ... -150" 120- روى أبو حاتم الرازي عن الأنصاري عن ابن جريج رحمه الله قال: كان عرشه على الماء قبل أن يخلق الخلق. 3- الأوزاعي أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو عالم أهل الشام في زمانه " ... -157" 121- روى أبو عبد الله الحاكم عن الأوزاعي قال: كنا -والتابعون متوفرون- نقول: إن الله عز وجل فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته.

أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ "الأَسْمَاءِ والصفات"1 "408". 122- وروى أبو إسحاق الثعلبي المفسر قال: سئل الأوزاعي عن قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} فقال: هو على عرشه كما وصف نفسه. 123- وقد سأل الوليد بن مسلم الإمام أبا عمرو الأوزاعي عن أحاديث الصفات فقال: أمروها كما جاءت. ومن كلام هذا الإمام: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول. 104- قلت: أخرجه الآجري في "الشريعة" "102" بسند صحيح. 4- مقاتل بن حيان، عالم خراسان " ... -150" 124- روى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "السنة" له، ن أبيه عن نوح بن ميمون عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان في قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} . قال: هو على عرشه، وعلمه معهم. 105- قلت: وإسناده حسن. وهو في "السنة" "ص71"، وأخرجه أبو داود أيضا في "مسائله" "263". عن الإمام أحمد، واللالكائي "1/ 92/ 2" والبيهقي "ص430-431"، وفي رواية له: عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ الضحاك به. وهي رواية الآجري "ص289"، وقال المؤلف في "مختصره": "وهذا ثابت عن مقاتل". وقد مضى في الكتاب "ص99" برواية آخرين.

_ 1 قال ابن تيمية في "العقيدة الحموية" "ص431 ج1 مجموعة الرسائل الكبرى": إسناده صحيح: وتبعه عليه ابن القيم في "الجيوش الإسلامية" "ص43". وقال المؤلف في "مختصره": ورواته أئمة ثقات.

125- وروى البيهقي بإسناده عن مقاتل بن حيان قال: بلغنا والله أعلم في قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِر} هو الأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، والظاهر فوق كل شيء، والباطن أقرب من كل شيء، وإنما قربه بعلمه وهو فوق عرشه. مقاتل هذا ثقة إمام معاصر للأوزاعي، ما هو بابن سليمان، ذلك مبتدع، ليس بثقة. 106- قلت: في إسناد البيهقي "430-431" إسماعيل بن قيبة ترجمه ابن أبي حاتم برواية أبي سعيد الأشج فقط ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقد روى عنه أيضا أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى الكعبي الراوي لهذا الأثر عنه، وهو من شيوخ الحاكم. 5- سفيان الثوري، عالم زمانه "97-161" 126- روى غير واحد عن معدان -الذي يقول فيه ابن المبارك: هو أحد الأبدال- قال: سألت سفيان الثوري عن قوله عز وجل: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} قال: علمه. ونقل عنه الوليد أنه قال في أحاديث الصفات: أمروها كما جاءت. 107- أخرجه عبد الله بن أحمد "ص72" والآجري "289" واللالكائي "1/ 92/ 2". ومعدان هذا لم أعرفه، وقد وقع موصوفا بـ"العابد" في رواية البيهقي. والله أعلم، ووقع في "الآجري": خالد بن معدان! وهو خطأ مطبعي، فإن خالد بن معدان تابعي! وقال المؤلف في "مختصره": "وهذا الأثر ثابت عن معدان". 127- وقد روى الليث بن يحيى البخاري "حدثني إبراهيم بن الأشعث"1 عن مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري قال: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. وقد بث هذا الإمام الذي لا نظير له في عصره شيئاً كثيراً من أحاديث الصفات، ومذهبه فيها الإقرار والإمرار والكف عن تأويلها. رحمه لله تعالى.

_ 1 زيادة من "الإبانة" للأشعري "ص30- منيرية"-

108- قلت: الليث بن يحيى البخاري لم أجد له ترجمة. ومؤمل بن إسماعيل صدوق سيئ الحفظ. وإبراهيم وثقة ابن حبان والحاكم وغمزه أبو حاتم. 128- قال شعيب بن حرب: قلت لسفيان: حدثني بشيء من السنة، فقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود1، من قال غير هذا فهو كافر، والإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص. وذكر فصلاً طويلاً. 6- مالك، إمام دار الهجرة "93-179" 129- قال إسحاق بن عيسى الطباع: قال مالك: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبرائيل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله. 109- قلت: رواه ابن عبد البر في "الجامع" "2/ 95" بنحوه، وأخرجه الهروي في "ذم الكلام" 5/ 94/ 1" عن الطباع به. وسنده صحيح. 130- وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل في الرد على الجهمية: حدثني أبي "فذكر سنده عن" عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه شيء. 110- قلت: أخرجه عبد الله في "السنة" "ص5" وكذا أبو داود في "المسائل" "ص263" والآجري "ص289" واللالكائي "ق1/ 92/ 2" وسنده صحيح، واحتج به الإمام أحمد في رواية للآجري، وقول الكوثري في مقدمته على "الأسماء" "ص ط": "فيه عبد الله بن نافع الأصم صاحب المناكير عن مالك"، فهو من تزويره أو تدليسه، فإن أحدا من أئمة الجرح لم يجرحه بهذا القول، بل قالوا في روايته عن مالك خاصة: أعلم الناس براي مالك وحديثه. فراجع له "التهذيب" إن شئت. وأما وصفه إياه بـ"الأصم"، فهو عين الوهم، وإنما هو الصائغ!

_ 1 أي المتكلم به، وهو الذي أنزله من لدنه، ليس هو كما تقوله الجهمية أنه خلق في الهواء أو غيره، وبدأ من عند غيره. "وأما "إليه يعود" فإنه يسرى به في آخر الزمان من المصاحف والصدور، فلا يبقى في الصدور منه كلمة ولا في المصاحف منه حرف. كذا في العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية.

131- وساق البيهقي بإسناد صحيح عن أبي الربيع الرشديني عن ابن وهب قال: كنت عند مالك فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فأطرق مالك وأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت صاحب بدعة، أخرجوه. 111- قلت: لم أجد له ترجمة وهو ابن رشدين بن سعد كما وقع في إسناد البيهقي. ثم أخرجه من طريق أخرى عن مالك به. فهو بمجموع الطريقين قوي عنه، ويزداد قوة بما بعده، ولعله لذلك ثبته المصنف رحمه الله تعالى كما يأتي. 132- وروى يحيى بن يحيى التيمي وجعفر بن عبد الله وطائفة قالوا: جاء رجل إلى مالك فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: فما رأيت مالكاً وجد1 من شيء كموجدته من مقالته، وعلاه الرحضاء "يعني العرق" وأطرق القوم، فسري2 عن مالك وقال: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول3، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني أخاف أن تكون ضالاً، وأمر به فأخرج. هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة "أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما

_ 1 أي: تغيظ وحنق. 2 انكشف عنه الهم. 3 أي: فهو معلوم، ولذلك نرى أن العلم حينما ينقلون هذه الجملة، عن الإمام مالك يقولون عنه أنه قال: "الاستواء معلوم" كما في نقل القرطبي عنه كما سيأتي في آخر الكتاب. وعليه فالاستواء معلوم معنه لغة، بحيث يمكن تفسيره وترجمته إلى لغة أخرى، وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، وأما كيفية الاستواء فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، كذاته تعالى وسائر صفاته.

أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نتعمق ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولا إثباتاً، بل نسكت ونقف كما وقف السلف، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة، والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقيناً مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته، ولا في استوائه، ولا في نزوله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. 112- أخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية" "ص33" واللالكائي "1/ 92/ 1" باللفظ المذكور، وأما ما عزاه إليه صاحب "فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الأكوان" "ص16": بلفظ: "الاستواء مذكور"! فلم أره فيه، ولا رأيت من ذكره غير المشار إليه، وهو من الثقات، ولذلك ركن إلى هذا اللفظ لأن فيه ما يريده من نفي معنى الاستواء وأنه معروف عند مالك! 133- نعم، وقال الفقيه أبو ثور الكلبي: سمعت الشافعي يقول: كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أم إني على بينة من ديني وأما أنت فشاك، فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه. 134- وقال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفات؟ فكلهم قالوا لي: أمروها كما جاءت بلا تفسير1. رواه جماعة عن الهيثم بن خارجة عنه. 113- قلت: وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد صححه المؤلف في "الأربعين" في الترجمة الآتية بسنده منه إلى الدارقطني بسنده عن الهيثم. وأخرجه عنه ابن مندة في "التوحيد" "ق96/ 2" والصابوني في "عقيدة السلف" "1/ 120 -المنيرية". 135- قال ابن أبي أويس: سمعت مالكاً يقول:

_ 1 أي بلا تكييف كما في الترجمة الآتية: قال المؤلف في "الأربعين" "80ك 1-2" عقب هذا الأثر. "قلت: مالك في وقته إمام أهل المدينة، والثوري إمام الكوفة، والأوزاعي إمام أهل دمشق، والليث إمام أهل مصر، وهم من كبار أتباع التابعين، وحكى الإجماع على ذلك بعدهم محمد بن الحسن فقيه العراق" ثم روى عنه ما سيأتي في ترجمته.

"القرآن كلام الله، وكلام الله منه، وليس من الله شيء مخلوق". 114- قلت: أخرجه عبد الله في "السنة" "ص24-25" ورجاله ثقات غير أبي بكر: أحمد بن محمد العمري فلم أعرفه. وهذا الأثر قاله أحمد أيضا كما رواه أبو داود في "المسائل" "263" عنه، وتأول الأشاعرة فقالوا: "القرآن كلام الله بمعنى أنه خلقه في اللوح المحفوظ"! راجع حاشية البيجوري على "الجوهرة" "ص44-45". 136- وميموم بن يحيى البكري: قال مالك: من قال: القرآن مخلوق يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه. 115- قلت: إسناده لا بأس به، ميمون بن يحيى البكري قال ابن أبي حاتم "4/ 1/ 240" عن أبيه: شيخ. وسائر رجاله ثقات. وأخرجه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "السنة" "ص5" من طريق أخرى عن مالك بلفظ: " ... يوجع ضربا ويحبس حتى يتوب". وسنده صحيح. 7- الليث بن سعد عالم مصر " ... -175" 137- وروى المصنف بإسناده عن الوليد، قال: سألت الأوزاعي والليث ابن سعد ومالكاً والثوري عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية وغير ذلك؟ فقالوا: امضها بلا كيف. 116- قلت: تقدم بنحوه قريبا بلفظ: "أمروها". قال ابن تيمية في "الحموية": "فقولهم رضي الله عنهم "أمروها كما جاءت" رد على المعطلة. وقوله: بلا كيف" رد على الممثلة" وقال ابن القيم في "الجيوش الإسلامية" "ص77": "ومراد السلف بقولهم: بلا كيف هو نفي للتأويل، فإنه التكييف الذي تزعمه أهل التأويل، فإنهم هم الذين يثبتون كيفية تخالف الحقيقة فيقعون في ثلاثة محاذير: نفي الحقيقة، إثبات التكييف بالتأويل، وتعطيل الرب تعالى عن صفته التي أثبتها لنفسه. وأما أهل الإثبات فليس أحد منهم يكيف ما أثبته الله تعالى لنفسه ... " إلخ كلامه، فقد وقع فيه شيء من التحريف أو السقط. 8- سلام بن أبي مطيع، من أئمة البصرة " ... -164" 138- قال أبو زرعة الرازي: حدثنا هدبة بن خالد: سمعت سلام بن أبي

مطيع يقول: ويلكم ما تنكرون هذا الأمر، والله ما في الحديث شيء إلا وفي القرآن ما هو أثبت منه، قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير} ، {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَه} ، {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} ، و {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، و {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ، {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} ، {يا موسى إنني أنا الله} قال: فما زال في ذا من العصر إلى المغرب. 117- ذكره المصنف من طريق أبي زرعة الرازي حدثنا هدبة بن خالد سمعت سلام بن أبي مطيع. قلت: هذا سند صحيح. 9- حماد بن سلمة، إمام أهل البصرة " ... -167" 139- كان رحمه الله من أئمة السنة، لهجاً ببث أحاديث الصفات، رأساً في العلم والعمل. روى عبد العزيز بن المغيرة، حدثنا حماد بن سلمة بحديث نزول الرب جل جلاله فقال: من رأيتموه ينكر هذا فاتهموه. 118- قلت: عبد العزيز بن المغيرة هو أبو عبد الرحمن الصفار المنقري وهو صدوق. 10- عبد العزيز بن الماجشون، مفتي المدينة وعالمها مع مالك " ... -164" 140- صح عن ابن الماجشون أنه سئل عما جحدت به الجهمية فقال: أما بعد فقد فهمت ما سألت عنه فيما تتايعت1 الجهمية في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير، وكلت الألسن عن تفسير صفته،

_ 1 في القاموس: التتايع: ركوب الأمر على خلاف الناس، أو التهافت والإسراع في الشر واللجاجة.

وانحسرت العقول دون معرفة قدره، فلم تجد العقول مساغاً فرجعت خاسئة حسيرة، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق، وإنما يقال "كيف" لمن لم يكن مرة ثم كان، أما من لا يحول، ولا يزول، ولم يزل، وليس له مثل، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو -إلى أن قال-: فالدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه، لا تكاد تراه صغراً1 يحول ويزول، ولا يرى له بصر ولا سمع، فاعرف غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه، بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها، فإذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف، هل تستدل بذلك على شيء من طاعته، أو تنزجر به عن شيء من معصيته؟ فأما الذي جحد ما وصف الرب عن نفسه تعمقا وتكلفا فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران، فعمي عن البين بالخفي، ولم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فقال: لا يُرى يوم القيامة، وقد قال المسلمون لنبيهم صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا رسول الله؟ فقال: "هل تضارون في رؤية الشمس" الحديث 119- إلى أن قال- وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمة فتقول: قط! قط! ويزوي بعضها إلى بعض". وقال لثابت بن قيس: "لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة" وذكر فصلاً طويلاً في المعنى. رواه أبو بكر الأثرم2. كان عبد العزيز من بحور العلم بالحجاز، نودي مرة بالمدينة بأمر المنصور: لا يفتي الناس إلا مالك وعبد العزيز بن الماجشون.

_ 1 في المخطوطة: "صغيرا" وما أثبته هو الموافق لما نقله ابن تيمية في "الحموية" عن ابن الماجشون. 2 في المخطوطة: "الأشرم" ورواه ابن بطة في "الإبانة" بإسناد صحيح عن ابن الماجشون كما في "العقيدة الحموية".

119- أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" من حديث أبي هريرة وغيره، وهو مخرج في "السنة" لابن أبي عاصم من طرق "443-458". 120- أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة وهو مخرج في "السنة" "525". 121- أخرجه البخاري نحوه من حديث أبي هريرة بلفظ: "ضحك الله الليلة أو عجبت ... " وكذا أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" "570"، ومسلم أيضا إلا أنه ليس عنده ذكر الضحك وليس عندهم جميعا ذكر لثابت بن قيس، بل عند مسلم أنه أبو طلحة رجل من الأنصار. وانظر "فتح الباري" "7/ 90-91". 11- حماد بن زيد البصري الحافظ أحد الأعلام "98-179" توفي هو ومالك في سنة 141- قال سليمان بن حرب سمعت حماد بن زيد يقول: إنما يدورون على أن يقولوا ليس في السماء إله. يعني الجهمية. قلت: مقالة السلف وأئمة السنة بل والصحابة والله ورسوله والمؤمنون، أن اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ، وأن الله على العرش، وأن الله فوق سماواته، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا، وحجتهم على ذلك النصوص والآثار. ومقالة الجهمية: أن الله تبارك وتعالى في جميع الأمكنة، تعالى الله عن قولهم، بل هو معنا أينما كنا بعلمه. ومقال1 متأخري المتكلمين: أن الله تعالى ليس في السماء، ولا على العرش، ولا على السموات، ولا في الأرض، ولا داخل العالم، ولا خارج العالم، ولا هو بائن عن خلقه ولا متصل بهم!

_ 1 في المخطوطة: "ومقالة".

وقالوا: جميع هذه الأشياء صفات الأجسام والله تعالى منزه عن الجسم! قال لهم أهل السنة والأثر: نحن لا نخوض في ذلك، ونقول ما ذكرناه اتباعا للنصوص، وإن زعمتم ... ولا نقول بقولكم، فإن هذه السلوب نعوت المعدوم، تعالى الله جل جلاله عن العدم، بل هو موجود متميز عن خلقه، موصوف بما وصف به نفسه، من أنه فوق العرش بلا كيف. حماد بن زيد للعراقيين، نظير مالك بن أنس للحجازيين في الجلالة والعلم. 122- ذكره المصنف من رواية ابن أبي حات الرازي الحافظ في "كتاب الرد على الجهمية": حدثنا سليمان بن حرب به. قلت: وأخرجه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "السنة" "ص9-10" من طريقين آخرين عن سليمان به. 142- وعن أبي النعمان عارم قال: قال حماد بن زيد: القرآن كلام الله أنزله جبرائيل من عند رب العالمين. رواه ابن الإمام أحمد بن حنبل في "السنة". 123- قلت: قال فيه "ص25": أخبرت عن أبي النعمان به. 12- ابن أبي ليلى1، قاضي الكوفة وعالمها قديم الموت " ... -148" 143- عن أحمد بن يونس: أول من قال القرآن مخلوق: رجل، فاستتابه ابن أبي ليلى كما استتاب النصارى. ابن أبي ليلى أحد أوعية العلم في القرآن والفقه والحديث، لكن غيره أثبت في الحديث منه، وبعضهم يحتج به، وهو من طبقة الإمام أبي حنيفة.

_ اسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي.

124- ذكره المصنف عن ابن أبي حاتم قال: حدثنا الحسين بن الحسن: سمعت أحمد ابن يونس. قلت: وهذا سند صحيح. 13- جعفر الصادق، سيد العلويين في زمانه وأحد أئمة الحجاز، لم يلحق بالصحابة " ... -148" 144- عن معاوية بن عمار قال: سئل جعفر بن محمد عن القرآن فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله عز وجل. 125- ذكره من رواية أبي زرعة الرازي حدثنا سويد بن سعيد عن معاوية بن عمار ... وقد أخرجه البيهقي في "الأسماء" "ص246" من طريق أبي زرعة. قلت: وهذا إسناد على شرط مسلم على ضعف في سويد بن سعيد وهو الحدثاني. لكن تابعه معبد بن راشد أبو عبد الرحمن عن معاوية بن عمار الدهني به. أخرجه البخاري في "الأفعال" "ص72" وأبو داود في "المسائل" "265" وابن أحمد في "السنة" "ص23" والدارمي في "الرد على المريسي" "ص116" وابن أبي حاتم كما في "منهاج السنة" "2/ 187-188" والبيهقي وقال: وهو عنه صحيح قلت: ومعبد هذا قال أحمد: لم يكن به بأس. وقال أبو داود -في هذا الأثر- عن الحسن ابن الصباح البزار: أخبرنا معبد أبو عبد الرحمن-ثقة.. فالأثر ثابت عن جعفر بن محمد، بل قال ابن تيمية في "منهاج السنة" "2/ 181" إنه: مستفيض عنه. وقد رواه يونس بن بكير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين أنه قال: فذكره. أخرجه عبد الله بن أحمد أيضا وعنه البيهقي في "الأسماء" "ص246" عن عبد الله ابن عياش الوشا عن يونس به. وقال عبد الله: "قال محمد بن الحسين "مولى النضر أبو عبد الله": رأيت عبد الله بن عباس وكان جارا لنا وكان من العدول الثقات". قلت: وأورده ابن أبي حاتم "2/ 2/ 116" ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ويونس بن بكير صدوق يخطئ في "التقريب". 14- سلام مقرئ البصرة " ... -171" 145- عن عفان بن مسلم، قال: كنت عند سلام أبي المنذر قارئ أهل

البصرة فأتاه رجل بمصحف فقال: أليس هذا ورق وزاج فهو مخلوق؟ فقال له سلام: قم يا زنديق. 126- ذكره المؤلف عن أبي حاتم الرازي: حدثني يعقوب بن يوسف بن الجارود عن عفان بن مسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح عن سلام، فعفان ثقة من رجال الشيخين، ويعقوب بن يوسف وهو الدشتكي قال ابن أبي حاتم "4/ 2/ 217": "روى عنه أبي، وسئل عنه فقال: صدوق". 15- شريك القاضي، أحد الكبار " ... -7 أو 178" 146- قال عباد بن العوام: قدم علينا شريك بن عبد الله مذ نحو من خمسين سنة، فقلنا له: يا أبا عبد الله، إن عندنا قوماً من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث: "أن الله ينزل إلى السماء الدنيا" و "أن أهل الجنة يرون ربهم"، فحدثني شريك بنحو من عشرة أحاديث في هذا ثم قال: أما نحن فأخذنا ديننا عن أبناء التابعين عن الصحابة، فهم عمن أخذوا؟! 127- ذكره من طريق محمد بن إسحاق الصاغاني حدثنا سلم بن قادم حدثنا موسى بن داود: حدثنا عباد بن العوام. قلت: وذها إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير سلم بن قادم وقد وثقه الخطيب في "التاريخ": "9/ 145"، وهذه فائدة، لم ترد في "اللسان" فلتضم إليه. وأخرجه ابن منده في "التوحيد" "ق97/ 1" من طريق أخرى عن عباد نحو، ولفظه: وما ينكرون؟! إنما جاء بهذه من جاء بالصلاة والسنن عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وسنده صحيح أيضا.

16- محمد بن إسحاق، إمام أهل المغازي " ... -150" 147- قال سلمة بن الفضل: حدثنا ابن إسحاق قال: كان الله تعالى كما وصف نفسه إذ ليس إلا الماء عليه العرش، وعلى العرش ذو الجلال والإكرام، الظاهر في علوه على خلقه، فليس شيء فوقه، الباطن لإحاطته بخلقه، فليس شيء دونه، الدائم الذي لا يبيد، فكان أول ما خلق النور والظلمة، ثم سمك السموات السبع من دخان، ثم دحا الأرض، ثم استوى إلى السماء فحبكهن، وأكمل خلقهن في يومين، ففرغ من خلق السموات والأرض في سنة أيام، ثم استوى بعد على عرشه. 128- قلت: سلمة بن الفضل فيه ضعف. 17- مسعر بن كدام، أحد الأئمة " ... -3 أو 155" 148- قال يحيى بن معين: شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعاً فقال: يا أبا سفيان، هذه الأحاديث مثل حديث الكرسي موضع القدمين، ونحو هذا ... ؟ فقال: كان إسماعيل بن أبي خالد والثوري ومسعر يروون هذه الأحاديث، لا يفسرون منها شيئا. 129- قلت: رواه المصنف بإسناده عن يحيى. وهو صحيح. والمراد بقوله "لا يفسرون منها شيئا" لا يتأولونها ولا يخرجون معناها عن ظاهرها.

2- طبقة أخرى تالية لمن مضى 18- جرير الضبي، محدث الري "117-118" 149- قال يحيى بن المغيرة، سمعت جرير بن عبد الحميد يقول: كلام الجهمية أوله عسل وآخره سم، وإنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء إله. تقدم مثل هذا عن حماد بن زيد. 130- قال المصنف: حدثنا أبو هارون محمد بن خالد: حدثنا يحيى بن المغيرة ... قلت: وهذا إسناد جيد، يحيى بن المغيرة صدوق، ومثله أبو هارون كما في "الجرح والتعديل" "3/ 2/ 245". 19- عبد الله بن المبارك شيخ الإسلام "118-181" 150- صح عن علي بن الحسن بن شقيق قال: قلت لعبد الله بن المبارك: كيف نعرف ربنا عز وجل؟ قال: في السماء السابعة على عرشه1، ولا نقول كما تقول الجهمية: أنه هاهنا في الأرض. فقيل هذا لأحمد بن حنبل، فقال: هكذا هو عندنا. وفي رواية للمصنف عنه قال: سألت ابن المبارك: كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا عز وجل؟ قال: على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية: أنه هاهنا في الأرض

_ 1 وفي رواية إسحاق بن راهويه الآتية عن ابن المبارك زيادة "بائن من خلقه".

131- أخرجه الدارمي في "الرد على المريسي" "ص24 و103" والرد على الجهمية "ص50" وعبد الله بن أحمد "ص7 و25 و35 و72" من طرق عن ابن شقيق. فهو صحيح كما قال المؤلف رحمه الله تعالى هنا. وقال في "مختصره": "هذه صحيح ثابت عن ابن المبارك وأحمد رضي الله عنه". وصححه ابن تيمية أيضا في "الحموية"، وابن القيم في "جيوشه". "ص44" وقال في مكان آخر "ص84": و"وقد صح عنه صحة قريبة من التواتر". 151- قال أفلح بن محمد: قلت لابن المبارك: إني أكره الصفة، عنى صفة الرب تبارك وتعالى، فقال: وأنا أشد الناس كراهة لذلك، ولكن إذا نطق الكتاب بشيء قلنا به، وإذا جاءت الآثار بشيء جسرنا عليه. 132- قلت: أفلح بن محمد لم أعرفه، والأثر رواه اللالكائي "1/ 97/ 2". والبيهقي كما في "الحموية" وقال: "أراد ابن المبارك أنا نكره أن نبتدئ بوصف الله من تلقاء أنفسنا حتى يجيء به الكتاب والآثار". 152- وروى عبد الله بن أحمد في "الرد على الجهمية" "ص7" بإسناده عن ابن المبارك أن رجلاً قال له: يا أبا عبد الرحمن، قد خفت الله من كثرة ما أنا على الجهمية. قال: لا تخف، فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء 133- قلت: أخرجه في "السنة" "ص7" عن أحمد بن نصر بن مالك أخبرني رجل عن ابن المبارك ... ورجاله ثقات إلا الرجل الذي لم يسم. 20- الفضيل بن عياض، شيخ الحرم " ... -187" 153- قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الفضل بن موسى، حدثنا أبو محمد المروزي قال: سمعت الحارث بن عمير وهو مع فضيل بن عياض يقول: "من زعم أن القرآن محدث فقد كفر، ومن زعم أنه ليس من علم الله فهو زنديق" فقال فضيل: صدقت.

134- قال المصنف: حدثنا محمد بن الفضل بن موسى ثنا أبو محمد المروزي. قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات، وأبو محمد المروزي اسمه عبد العزيز بن أبي رزمة: غزوان اليشكري مولاهم. ومحمد بن الفضل بن موسى هو أبو بكر القسطلاني وهو صدوق كما قال ابن أبي حاتم "4/ 1/ 60". 21- هشيم بن بشير، عالم أهل بغداد " ... -183" 154- قال أبو حاتم الرازي: حدثنا محمد بن يحيى بن أبي سمينة قال: جاء رجل إلى هشيم فقال: إن لنا إماماً يقول: "إن" القرآن مخلوق، فقال: اقرأ عليه آخر الحشر، فإن زعم أنه مخلوق فقدرت أن تضرب عنقه فاضرب عنقه، وكذا قال أحمد بن يونس، سمعت ابن المبارك يقول: من قال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} مخلوق، فهو كافر. 135- قلت: إسناده جيد. 22- نوح الجامع، فقيه خراسان " ... -173" 155- قَالَ الْحَافِظُ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَِّارمِيَّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عصمة نوح ابن "أَبِي" مَرْيَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ هُوَ؟ فَحَدَّثَ بِحَدِيثِ النبي صلى الله عليه وسلم حِينَ سَأَلَ الأَمَةَ: أَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ" ثُمَّ قَالَ: سَمَّاهَا النبي صلى الله عليه وسلم مُؤْمِنَةٌ أَنْ عَرَفَتْ أَنَّ اللَّهَ عز وجل فِي السَّمَاءِ. رَوَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد بن حنبل في كتاب "السنة" عن أحمد. 136- قلت: نوح هذا متهم كما تقدم "ص134". وإنما أورده المؤلف للاستشهاد بعلمه وفقهه، لا سيما وهو حنفي، وليس لحديثه وروايته، وأحمد بن سعيد الدارمي من شيوخ الشيخين، وهو غير عثمان بن سعيد الدارمي مؤلف "الرد على المريسي"و"الرد على الجهمية"، وغير عبد الله بن عبد الرحمن صاحب "السنن" المعروف بـ"مسند الدارمي". لكن أبوه سعيد وهو ابن صخر الدارمي قال ابن أبي حاتم "2/ 1/ 34" عن أبيه:

"مجهول". قلت: وسقط ذكره من مطبوعة "السنة" "ص71". 23- عباد بن العوام، محدث واسط ".... 185" 156- قال عباد بن العوام: كلمت بشراً المريسي وأصحابه فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا: ليس في السماء شيء، أرى أن لا يناكحوا ولا يوارثوا 137- قلت: أخرجه عبد الله في "السنة" "ص13 و32" من طريق يحيى بن إسماعيل الواسطي روى عنه جمع من الثقات، ولم يوثق: سمعت عباد بن العوام فذكره دون قوله: "أرى أن لا ... ". وإنما هي في "السنة" "ص25" عن عبد الرحمن بن مهدي قال: "ليس في أصحاب الأهواء شر من أصحاب جهم يدورون على أن يقولوا: ليس في السماء شيء، أرى والله أن لا يناكحوا ولا يوراثوا". 24- القاضي أبو يوسف، رحمه الله " ... -182" 157- ثبت عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن تتبع غريب الحديث كذب. 138- أخرجه الهروي في "ذم الكلام" "6/ 104/ 1" من طريقين عن أبي يوسف، وقد جزم بنسبته إليه ابن تيمية في رسالته "الجواب الفاصل" من مخطوطات المكتب الإسلامي. ثم أخرجه الهروي "5/ 94/ 2" عن مالك مثله. 158- قال بشار بن موسى الخفاف: جاء بشر بن الوليد الكندي إلى القاضي أبي يوسف فقال له: تنهاني عن الكلام وبشر المريسي وعلي الأحول يتكلمون! قال: وما يقولون: قال: يقولون: الله في كل مكان، فقال أبو يوسف: علي بهم، فانتهوا إليهم وقد قام

بشر، فجيء بعلي الأحول وبالآخر شيخ، فقال أبو يوسف -ونظر إلى الشيخ-: لولا أن فيك موضع أدب لأوجعتك فأمر به إلى الحبس، وضرب الأحول وطوف به. 139- ذكره المصنف من رواية ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن علي بن مهران حدثنا بشار بن موسى الخفاف. قلت: وبشار هذا ضعيف كثير الغلط. 159- قال علي بن الحسن الكراعي: قال أبو يوسف: ناظرت أبا حنيفة ستة أشهر، فاتفق رأينا على أن من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. 140- ذكره من رواية ابن أبي حاتم الحافظ: حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم حدثنا علي ابن الحسن الكراعي. قلت: وهذا سند جيد، علي بن الحسن هذا، الظاهر أنه علي بن الحسن البزاز التميمي الرازي المعروف بكراع روى عن مالك بن أنس وحماد بن زيد وطبقتهما. روى عنه أبو حاتم وأبو زرعة وقال: لم يكن به بأس. كما في "الجرح والتعديل" "3/ 1/ 180". وأحمد بن محمد، الظاهر أنه أحمد بن يزيد بن مسلم الأنصاري الأطرابلسي المعروف بابن أبي الحناجر. قال ابن أبي حاتم "1/ 1/ 73": "كتبنا عنه وهو صدوق". وقد وجت له طريقا أخرى عن أبي يوسف، أخرجه البيهقي في "الأسماء" "ص251" عن عبد الله بن أحمد بن عَبْدُ الرْحَمْنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدشتكي قال: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا يوسف القاضي يقول: فذكره وقال: "قال أبو عبد الله "يعني الحاكم": رواة هذا كلهم ثقات". ثم روى من طريق محمد بن سابق قال: "سألت أبا يوسف فقلت: أكان أبو حنيفة يقول: القرآن مخلوق؟ قال: معاذ الله، ولا أنا أقوله". وأخرج الخطيب في "التاريخ" "13/ 377" رواية الكتاب من طريق محمد بن شجاع

الثلجي حدثنا محمد بن سماعة عن أبي يوسف به. ولكنه إسناد هالك، الثلجي هذا متروك كما في "التقريب"، فالعمدة على الأسانيد المتقدمة. وأما ما روى الخطيب "13/ 379" من طريق سعيد بن مسلم الباهلي قال: قلنا لأبي يوسف: لما لم تحدثنا عن أبي حنيفة؟ قال: ما تصنعون به؟ مات يوم مات يقول: القرآن مخلوق. قلت: ففي ثبوته عن أبي يوسف نظر، لأن الباهلي هذا، لا يعرف بالرواية، ولذلك أغفلوه، ولم يترجموه في كتب الرجال، حتى ابن أبي حاتم لم يذكره في "كتابه" مع سعته وإحاطته، ولعل السبب في ذلك ما أشار إليه الخطيب في آخر ترجمته "9/ 74": "بصري الأصل، وكان قد سكن خراسان، وولاه السلطان بعض الأعمال بمرو، وقدم بغداد وحدث بها، فروى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الأعرابي، صاحب اللغة. وكان عالما بالحديث والعربية، إلا أنه كان لا يبذل نفسه للناس". لكن هناك في "التاريخ" روايات أخرى عدة أن أبا حنيفة كان يقول: القرآن مخلوق. إلا أنني دققت النظر في بعضها فوجدته لا يخلو من قادح، ولعل سائرها كذلك، لا سيما وقد روى الخطيب عن الإمام أحمد أنه قال: لم يصح عندنا أن أبا حنيفة كان يقول: القرآن مخلوق. قلت: وهذا هو الظن بالإمام أبي حنيفة رحمه الله وعلمه، فإن صح عنه خلافه، فلعل ذلك كان قبل أن يناظره أيو يوسف، كما في الرواية الثابتة عنه في الكتاب، فلما ناظره، ولأمر ما استمر في مناظرته ستة أشهر، اتفق معه أخيرا على أن القرآن غير مخلوق، وأن من قال: "القرآن مخلوق" فهو كافر. وهذا في الواقع من الأدلة الكثيرة على فضل أبي حنيفة، فإنه لم تأخذه العزة، ولم يستكبر عن متابعة تلميذه أبي يوسف حين تبين له أن الحق معه، فرحمه الله تعالى ورضي عنه. ولكن مما يؤسف له أشد الأسف، أن كثيرا من أتباعه، وبخاصة المتأخرين منهم، قد تأولوا كلامه هذا بما يعود إلى رده وذلك بحمله على الكلام النفسي، كما قد سبقت الإشارة إلى ذلك -فيما أظن، فهذا الشيخ الكوثري- حامل راية الخلف، والطعن في السلف- يعلق على مناظرة أبي يوسف لأبي حنيفة، فيقول بعد أن ذكر المذاهب في كلام الله تعالى، ونبذ أهل الحديث بالحشوية لقولهم بأن كلام الله تعالى بحرف وصوت وأنه لا عبرة بخلافهم!! قال:

"فبقي النزاع بيننا وبين المعتزلة "! "، وهو في التحقيق عائد إلى إثبات كلام النفس ونفيه، وأن القرآن هو، أو هذا المؤلف من الحروف الذي هو كلام حسي "أي مسموع" أولا، فلا نزاع لنا في حدوث الكلام الحسي، ولا لهم في قدم النفسي لو ثبت. وعلى البحث والمناظرة في ثبوت الكلام النفسي وكونه هو القرآن ينبغي أن يحمل ما نقل من مناظرة أبي حنيفة وأبي يوسف ستة أشهر، ثم استقر رأيهما على أن من قال بخلق القرآن فهو كافر"! وهكذا التقى الكوثري مع المعتزلة في إنكار أن القرآن كلام الله تبارك وتعالى، ولكن بطريقة اللف والدوران منه ومن أمثاله ممن يتظاهرون بأنهم من أهل السنة والجماعة!! وما تخفي صدورهم أكبر، فإنهم يقولون بالكلام النفسي، وهو غير مسموع، ولذلك فإنهم إذا سئلوا من الذي تكلم بالقرآن أولا، ومن الذي سمعه منه؟ أولا، فإنهم لا يحيرون جوابا. والحقيقة أن النفاة لكلام الله تعالى إنما يرجع قولهم إلى أن القرآن ليس كلام الله، وإذا كان كذلك فسواء كان أول من تكلم به بكلام مسموع هو جبريل أو محمد عليهما السلام، فإن قولهم يلتقي مع كفار قريش الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا في القرآن: "إن هذا إلا قول البشر" فإنهم إن لم يقولوا مثلهم إنه قول البشر، فهم قائلون ولا بد إنه قول جبريل أو غيره من الخلق، فهم مشتركون معهم في الغرض من قولهم "إن هذا إلا قول البشر" أنه ليس من كلام الله تعالى. فالله المستعان على هذا الضلال الذي وصل إليه كثير من الخلف، وتلك عقوبة لهم من الله تعالى لانحرافهم عن مذهب السلف وأهل الحديث حشرنا الله في زمرتهم، وأماتنا على ملتهم. من أجل ذلك قال وكيع بن الجراح: "لا تستخفوا بقولهم": "القرآن مخلوق، فإنه من شر قولهم، وإنما يذهبون إلى التعطيل"! رواه البخاري في "أفعال العباد" "ص71" والبيهقي. وقال البيهقي عقبه "ص254": "وقد روينا نحو هذا عن جماعة آخرين من فقهاء الأمصار وعلمائهم رضي الله عنهم، ولم يصح عندنا خلاف هذا القول عن أحد من الناس في زمان الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين". 160- وقال بشار الخفاف: سمعت أبا يوسف يقول: من قال القرآن مخلوق، ففرض منابذته 141- قلت: بشار ضعيف كما تقدم قريبا.

25- عبد الله بن إدريس، أحد الأعلام " ... -192" 161- قال أبو حاتم الرازي: حدثنا الحسن بن الصباح قال: سئل عبد الله بن إدريس فقيل له: إن قبلنا قوماً يقولون: القرآن مخلوق. قال: من النصاري؟ قيل: لا، قال: فمن اليهود؟ قيل: لا، قال: من المجوس؟ قيل: لا، قال: ممن؟ قيل: من المسلمين. قال: ما هم بمسلمين، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، فالله لا يكون مخلوقا، والرحمن لا يكون مخلوقا، والرحيم لا يكون مخلوقا، هؤلاء زنادقة 142- قلت: إسناده صحيح، وله إسناد آخر أشار إليه المصنف بعد، أخرجه عبد الله ابن أحمد في "السنة" "ص8": حدثني أحمد بن إبراهيم: حدثني يحيى بن يوسف الزمي قال: "حضرت عبد الله بن إدريس فقال له رجل: يا أبا محمد! إن قبلنا ناسا يقولون: القرآن مخلوق، فقال: من اليهود؟ قال: لا ... إلخ". قلت: وإسناده صحيح. رجاله رجال الصحيح وأحمد بن إبراهيم هو الدورقي الحافظ. وتابعه محمد بن عبد أبو جعفر البغدادي عند البخاري في "خلق الأفعال" "ص69- هندية". 162- وروي نحو هذا بإسناد آخر عن ابن إدريس الأودي الإمام، وكان عديم النظير في زمانه، كبير الشأن. 26- محمد بن الحسن فقيه العراق "131-189" 163- قال أحمد بن القاسم بن عطية: سمعت أبا سليمان الجوزجاني يقول: سمعت محمد بن الحسن يقول: والله لا أصلي خلف من يقول: القرآن مخلوق، ولا أستفتى إلا أمرت بالإعادة. 143- قلت: أبو سليمان الجوزجاني لم أعرفه.

164- وروى المصنف بإسناده عن عمرو بن وهب، سمعت شداد بن حكيم يذكر عن محمد بن الحسن في الأحاديث -أن الله يهبط إلى السماء الدنيا- ونحو هذا من الأحاديث، "أن هذه الأحاديث" قد روتها الثقات، فنحن نرويها، ونؤمن بها، ولا نفسرها 144- قلت: أخرجه اللالكائي في "السنة" "ق98/ 1" ومن طريقه ساقه المؤلف بإسناده إليه. وعمرو بن وهب إن كان الطائفي فمجهول الحال. وإن كان القرشي فقال ابن أبي حاتم "3/ 1/ 266" عن أبيه: "هو مضطرب الحديث". 165- ونقل أبو القاسم هبة الله اللالكائي والشيخ موفق الدين المقدسي وغيرهما بالإسناد عن عبد الله بن أبي حنيفة الدبوسي قال: سمعت محمد بن الحسن يقول: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير1 ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة "فإنهم لم ينفوا ولم يفسروا، ولكن آمنوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة"2 لأنه وصفه بصفة لا شيء. 27- بكير بن جعفر السلمي من علماء جرجان 166- قال أبو أحمد بن عدي: أرجو أنه لا بأس به، ثم روى بسنده عن إبراهيم بن موسى قال: كنت عند بكير بن جعفر "فجاء رجل فقال: الله على عرشه، كيف؟ فقال بكير: جروا3 برجله، فجروه".

_ 1 أراد به تفسير الجهمية المعطلة الذين ابتدعوا تفسير الصفات بخلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون من الإثبات. قاله ابن تيمية في "العقيدة الحموية". "ص115". 2 زيادة من "اللالكائي" ومختصر المؤلف و"مفصل الاعتقاد" لابن تيمية "ص4-5 مجموعة الفتاوى ج4" وقال: إنه ثبت عن محمد بن الحسن. 3 كذا في المخطوطة. وفي "كامل ابن عدي" 37/ 2: "خذوا" ومابين المعكوفتين سقط من الأصل فاستدركته من "الكامل".

145- قلت: أخرجه ابن عدي في ترجمة بكير هذا من "الكامل"، وقال: أرجو أنه لا بأس به. ومن طريقه أورده المؤلف رحمه الله تعالى. قال ابن عدي "ق37/ 2": أخبرني محمد بن عمر قال: سمعت محمد بن يوسف الاستراباذي يقول: سمعت إبراهيم بن موسى يقول: فذكره. قلت: وابن عمر هذا لم أعرفه. 28- بشر "بن" عمر الزهراني الحافظ " ... -207" 167- قال عبد الله بن شيرويه: سمعت إسحاق بن راهويه، أنبأنا بشر بن عمر قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" على العرش ارتفع. 146- قلت: وهذا إسناد صحيح مسلسل بالثقات الحفاظ، فإن إسحاق بن راهويه ثقة حافظ مشهور من أقران الإمام أحمد. وعبد الله بن شيرويه حافظ ثقة أيضا، وهو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الرحمن بن شيرويه ابن أسد القرشي المطلبي النيسابوري قال في "شذرات الذهب" "2/ 246": "أحد الثقات، سمع إسحاق بن راهويه وأحمد بن منيع وطبقتهما وصنف التصانيف، وكان ثقة". 29- يحيى القطان، سيد الحفاظ "120-198" 1268- قال أبو حاتم الرازي: حدثني عباس العنبري، سمعت أبا الوليد الطيالسي، قال يحيى بن سعيد: كيف يقل هو الله أحد، يقولون هذا مخلوق؟! 147- قلت: هذا إسناد صحيح، وبه أخرجه عبد الله بن أحمد "ص26"، ولفظه: "قال لي يحيى بن سعيد: كيف يصنعون بـ"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"؟! كيف يصنعون بهذه الآية "إني أنا الله"؟! يكون مخلوقا؟! ".

وعلقه البخاري في "أفعال العباد" "ص69-70" علي أبي الوليد. 30- منصور بن عمار، واعظ زمانه 169- عن سلمويه بن عاصم قاضي هجر قال: كتب بشر المريسي إلى منصور ابن عمار يسأله عن قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فكتب إليه: استواؤه غير محدود، والجواب فيه تكلف، ومسألتك عن ذلك بدعة، والإيمان بجملة ذلك واجب، قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} . كان منصور يضرب به المثل في التذكير وتحريك القلوب، استسقى مرة بالناس فسقوا، وأعطاه الليث سرية وألف دينار. 148- قلت: أخرجه الخطيب في ترجمة منصور من "تاريخ بغداد" 13/ 75-76" من طريق أبي علي الحسين بن القاسم الكوكبي حدثنا جرير بن أحمد بن أبي دؤاد أبو مالك قال: حدثني سلمويه بن عاصم -قاضي هجر- وقد قضى بالجزيرة والشام- قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، الكوكبي هذا قال الحافظ ابن حجر في "اللسان": "أخباري مشهور، رأيت في أخباره مناكير كثيرة بأسانيد جياد". ثم ساق له خبرا فيه أن رجلين أحدهما ابن جريج جلسا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يعني أحدهما، فلما أنكر أحدهم عليهما قال ابن جريج: نحن في روضة من رياض الجنة، وفي الجنة ما تشتهي الأنفس! قال الحافظ: "فذكر قصة عجيبة بعيدة عن الصحة ويشهد ببطلانها أن ... ". قلت: ومن فوقه لم أعرفهما، وراجع "تاريخ ابن عساكر" لسلمويه بن عاصم. وقد روى عبد الله في "السنة" "ص24": وحدثني عثمان بن أبي شيبة قال: "كنت عند سفيان بن عيينة أنا وأبو بكر وأبو محمد -يعني أخويه عبد الله وقاسما- فسأله منصور بن عمار عن: القرآن مخلوق؟ فأنكر سفيان ما سأله، وغضب واشتد غضبه، وقال له سفيان: إني أحسبك شيطانا، إني أحسبك شيطانا، بل أنت شيطان. فقيل: يا أبا محمد إنه صاحب سنة، وإنه ... فأبى، وأنكر ما سأل عنه.

قلت: ولعل قول العقيلي في منصور: "فيه تجهم" من أجل هذه القصة. لكن لا يخفى أن مجرد السؤال عن القرآن: هل هو مخلوق، لا يلزم منه أن السائل يقول به، لاحتمال أنه يقول بخلافه، وإنما سأل عنه للاستزادة من علم المسئول والله أعلم. 149- انظر قصته في ذلك كله في "تاريخ بغداد". 31- أبو نعيم البلخي، لا أعرفه1 170- قال يحيى بن أيوب حدثنا أبو نعيم البلخي وكان قد أدرك جهما: كان لجهم صاحب يكرمه ويقدمه على غيره، فإذا هو قد صيح به ونذر2، ووقع فيه. فقلت له: لقد كان يكرمك، فقال: إنه قد جاء منه ما لا يحتمل، بينا هو يقرأ "طه" والمصحف في حجره، فلما أتى على هذه الآية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: لو وجدت السبيل إلى أن أحكها من المصحف لفعلت، فاحتملت هذه، ثم إنه بينا هو يقرأ آية إذ قال: ما أظرف محمدا حين قالها! ثم بينا هو يقرأ "طسم" القصص، والمصحف في حجره إذ مر بذكر موسى، فدفع المصحف بيديه3 ورجليه وقال: أي شيء هذا؟ ذكره هنا فلم يتم ذكره، "وذكره فلم يتم ذكره"4 تذكرت5 ... فأبو نعيم هو شجاع بن أبي نصر المقرئ من كبار أصحاب

_ 1 قلت: بل هو معروف كما يأتي الإشارة إلى ذلك من كلام المؤلف نفسه. 2 في المخطوطة: "وندر" بالدال المهملة، وفي "الجيوش الإسلامية" "ص88" "وبدر" بالباء الموحدة قبل المهملة، ولعل الصواب فيما أثبته. 3 في الأصول: "بيده" على الإفراد، والتصويب من "الجيوش". 4 زيادة من "السنة" ولفظ البخاري "فلما انتهى إلى ذكر موسى قال: ما هذا؟ ذكر قصته في موضع فلم يتمها، ثم ذكر ههنا فلم يتمها، ثم رمى بالمصحف من حجره بريجليه!!! فوثبت عليه". 5 قلت: بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله تعالى أنه لا يعرف أبا نعيم البلخي، استدرك على نفسه فقال: "تذكرت ... " وكأنه كان قد خفي على المعلق هنا في الأصل هذه الحقيقة، فعلق عليه بما لا طائل تحته.

أبي عمرو بن العلاء1. أخرجها عبد الله بن أحمد الصغاني2 عن يحيى بن أيوب. 150- قلت: ذكره من طريق ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الأسدي حدثنا يحيى بن أيوب. قلت: وهذا سند صَحِيحٌ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "خلق الأفعال" "ص71": حدثني أبو جعفر "محمد بن عبد الله" ثني يحيى بن أيوب به. قلت: وهذا سند صحيح أيضا رجاله رجال الصحيح. وأبو جعفر هو محمد بن عبد الله ابن المبارك المخرمي. وأخرجه عبد الله أيضا كما يأتي من المؤلف، وهو في "السنة" "ص30" وسنده صحيح أيضا. 32- أبو معاذ البلخي الفقيه3 171- قال ابن أبي حاتم: حدثنا زكريا بن داود بن بكر: سمعت أبا قدامة السرخسي، سمعت أبا معاذ خالد بن سليمان بفرغانة يقول: كان جهم على معبر ترمذ، وكان فصيح اللسان، ولم يكن له علم ولا مجالسة لأهل العلم، فكلم السمينة، فقالوا له: صف لنا ربك عز وجل الذي تعبده، فدخل البيت لا يخرج منه، ثم خرج إليهم بعد أيام، فقال: هو هذا الهواء مع كل شيء، وفي كل شيء، ولا يخلو منه شيء، فقال أبو معاذ: كذب عدو الله، بل الله جل جلاله على العرش كما وصف نفسه.

_ 1 قلت: وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: وكان صدوقا مأمونا. وذكره ابن حبان في الثقات. قلت: ويبدو لي أنه غير الذي في "اللسان": "أبو نعيم البلخي، قال محمود بن غيلان: ضرب أحمد وابن معين وأبو خيثمة على حديثه وأسقطوه". 2 الأصل: "الصنعاني" والتصويب من "المخطوطة" و"السنة". 3 قلت: من شيوخه الثوري وابن جريج، قال المؤلف في "الميزان": "ضعفه ابن معين وغيره".

151- قلت: إسناده صحيح. أبو قدامة السرخسي ثقة حافظ، واسمه عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وزكريا بن داود بن بكر ثقة مترجم في "الجرح والتعديل" "1/ 2/ 602". وتابعه ابن خزيمة، أخرجه من طريقه البيهقي في "الأسماء" "427-428". 33- سفيان بن عيينة، أحد الأعلام "107-198" 172- قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الفضل بن موسى، حدثنا محمد ابن منصور المكلي الجواز1، قال: رأيت سفيان بن عيينة، وسأله رجل: يا أبا محمد ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام الله منه خرج وإليه يعود. 152- قلت: إسناده صحيح، الجواز ثقة من شيوخ النسائي، وابن موسى مضى. وقد سمعه الدارمي "ص100 - الرد على الجهمية" من إسحاق عن سفيان، ورواه البيهقي "ص245" من طريق محمد بن إسحاق بن راهويه عن أبيه. ومن طرق أخرى عن ابن عيينة. 173- قال أبو بكر الخلال: أنبأنا حرب الكرماني، حدثنا إسحاق بن راهويه عن سفيان عن عمرو بن دينار قال: أدركت الناس منذ سبعين سنة أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فمن دونهم يقولون: الله خالق، وما سواه مخلوق إلا القرآن، فإنه كلام الله منه خرج وإليه يعود. 153 وقد تواتر هذا عن ابن عيينة. 153- قلت: إسناده صحيح مسلسل بالثقات الحفاظ، وقال البخاري في أول "خلق الأفعال": حدثني الحكم بن الطبري قال: ثنا سفيان بن عيينة قال: أدركت مشيختنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار يقولون: القرآن كلام الله وليس بمخلوق. وإسناده جيد. 154- قلت راجع "مسائل أبي داود" "ص265" و"السنة" لعبد الله بن أحمد

_ 1 في الأصل: "الجوار" والتصحيح من المخطوطة ومن الجرح "4/ 1/ 94" وغيرهما.

"ص7، 24"، وروى "ص31" قال: سمعت سوار بن عبد الله القاضي: سمعت أخي عَبْدُ الرْحَمْنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن سوار قال: "كنت عند سفيان بن عيينة فوثب الناس على بشر المريسي حتى ضربوه، وقالوا: جهمي، فقال له سفيان: يا دويبة! يا دويبة! ألم تسمع الله يقول: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر} ؟ فأخبر الله أن الخلق غير الأمر. قيل لسوار: فأيش قال بشر؟ قال: سكت، لم يكن عنده حجة". قلت: وسوار ثقة من رجال "التهذيب". وأما أخوه عبد الرحمن فلم أجد له ترجمة فيما لدي من المصادر الآن. 174- وقال أبو بكر الصغاني: حدثنا لوين قال: قيل لابن عيينة: هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية؟ قال: حق "على" ما سمعناها ممن نثق به ونرضاه. 155- قلت: إسناده صحيح. 175- قَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَأَنَا فِي مَنْزِلِهِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ، فَجَعَلْتُ أَلِحُّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: دَعْنِي أَتَنَفَّسُ، فَقُلْتُ: كَيْفَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: "أَنَّ اللَّهَ يَحْمِلُ السَّمَوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالأَرْضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ"1 وَحَدِيثُ "أَنَّ اللَّهَ يَعْجَبُ أَوْ يَضْحَكُ مِمَّنْ يَذْكُرُهُ فِي الأَسْوَاقِ"2 وَحَدِيثُ "إِنَّ قُلُوبَ الْعِبَادِ بَيْنَ أصبعين من أصابع الرحمن"3 فقال سفيان: هي كما جاء نُقِرُّ بِهَا، وَنُحَدِّثُ بِهَا بِلا كيف.

_ 1 متفق عليه من حديث ابن مسعود، وهو مخرج في تخريجي لكتاب "السنة" لابن أبي عاصم رقم "541". 2 كذا في الأصول كلها، ولعل فيها شيئا فإني لم أعرف الحديث يذكر الأسواق، وفي الباب عدة أحاديث مخرجة في "السنة" رقم "554-557" وقد مضى أحدهما في الترجمة "10". 3 أخرجه مسلم وغيره من حديث ابن عمرو، وله شواهد كثيرة خرجتها في الكتاب المذكور "219-229".

156- قلت: إسناده صحيح. 34- أبو بكر بن عياش، ذاك الإمام " ... -194" 176- قال الحافظ أبو حاتم الرازي: سمعت علي بن صالح الأنماطي، سمعت أبا بكر بن عياش يقول: القرآن كلام الله ألقاه إلى جبرائيل، وألقاه جبرائيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، منه بدأ وإليه يعود. 157- قلت: إسناده صحيح، فإن علي بن صالح الأنماطي، صدوق وإن اتهمه الذهبي بحديث ساقه بإسناده إليه بسنده الصحيح عن عائشة مرفوعا بلفظ: "أئمة الخلافة من بعدي أبو بكر وعمر". فقد تعقبه الحافظ في "اللسان" بقوله: "وفي ثقات ابن حبان": "علي بن صالح. يروي عن عبيد الله بن إدريس. روى عنه أهل العراق، مستقيم الحديث". فهو هذا "يعني الأنماطي" بلا شك، فينبغي التثبت في الذين يضعفهم المؤلف من قبله، وينظر فيمن دون صاحب الترجمة". قلت: ويغلب على ظني أنه الذي في "الجرح والتعديل" "3/ 191": "علي بن صالح بن وسيم الجوسقي الرازي. روى عن ابن أبي فديك و ... و ... روى عنه يحيى بن عبدك القزويني وأبي، وهو صدوق. سئل أبي عنه؟ فقال: صدوق". فقد روى عنه أبو حاتم، كما روى عن الأنماطي، فهو هو. والله أعلم. 177- وقال الإمام أبو داود: حدثنا حمزة بن سعيد المروزي، قال: سألت أبا بكر بن عياش فقال: من زعم أن القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق. 158- قلت: أخرجه أبو داود في "المسائل" "ص267" وسنده جيد. 178- قال يحيى الحماني: حدثني أبو بكر بن عياش قال: جئت ليلة إلى زمزم، فاستقيت منها دلواً لبناً وعسلاً. 179- وقال أبو هاشم الرفاعي: سمعت أبا بكر يقول: الخلق أربعة، معذور، ومخبور، ومجبور، ومثبور، فالمعذور: البهائم، والمخبور: فابن

آدم، والمجبور: الملائكة، والمثبور: إبليس. 35- علي بن عاصم، محدث واسط "108-201" 180- قال يحيى بن "علي بن" عاصم: كنت عند أبي فاستأذن عليه المريسي، فقلت له: يا أبة. مثل هذا يدخل عليك؟ قال: وما له؟ قلت: إنه يقول: القرآن مخلوق، ويزعم أن الله معه في الأرض، وكلاماً ذكرته. فما رأيت اشتد عليه مثل ما اشتد في أن الله معه في الأرض، وأن القرآن مخلوق. 181- قال علي بن عاصم: رحلت فأعطاني أبي مائة ألف درهم، فرجعت من رحلتي وقد كتبت مائة ألف حديث. قلت: كان من بحور العلم، عاش أربعًا وتسعين سنة، ولكنه لين الحديث. 159- قلت: لم أعرف يحيى بن علي بن عاصم، ولم يذكروه في الرواة عن أبيه علي بن عاصم. 36- يزيد بن هارون، شيخ الإسلام " ... -206" 182- قال شاذ بن يحيى: سمعت يزيد بن هارون وقيل له: من الجهمية؟ قال: من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي. "يقر" مخفف، "والعامة" مراده بهم جمهور الأمة وأهل العلم، والذي وقر في قلوبهم من الآية هو ما دل عليه الخطاب مع يقينهم بأن المستوي ليس كمثله شيء. هذا الذي وقر في فطرهم السليمة، وأذهانهم الصحيحة، ولو كان له معنى وراء ذلك لتفوهوا به ولما أهملوه، ولو تأول أحد منهم الاستواء لتوفرت الهمم على نقله، ولو نقل لاشتهر، فإن كان في بعض جهلة الأغبياء من يفهم من الاستواء ما يوجب نقصاً أو قياساً للشاهد على الغائب، وللمخلوق على الخالق، فهذا نادر، فمن نطق بذلك زجر وعلم، وما أظن أن أحداً من

العامة يقر في نفسه ذلك، والله أعلم. 160- قلت: أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" "ص11-12" ومن طريقه ذكره المؤلف لكنه سمي هنا وفي غير مكان كتابه "الرد على الجهمية" فقال عبد الله حدثني عباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا شاذ بن يحيى. وأخرجه أبو داود في "المسائل" "ص268": حدثنا أحمد بن سنان قال: سمعت شاذ بن يحيى. قلت: وهذا سند جيد، شاذ بن يحيى روى عنه جمع من الثقات، وذكره أحمد بخير. وعلق البخاري هذا الأثر في "أفعال العباد" بصيغة الجزم، فقال: "وحذر يزيد بن هارون من الجهمية فقال" فذكره. 37- سعيد بن عامر الضبعي، عالم البصرة "122-208" 183- قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثت عن سعيد بن عامر الضبعي أنه ذكر الجهمية فقال: هم شر قولاً من اليهود والنصاري، قد اجتمع اليهود والنصارى، وأهل الأديان مع المسلمين، على أن الله عز وجل على العرش. وقالوا هم: ليس على شيء. 38- وكيع بن الجراح، عالم الكوفة "127-197" 184- قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: حدثنا وكيع عن إسرائيل بحديث "إذا جلس الرب جل جلاله على الكرسي" فاقشعر رجل عند وكيع، فغضب وكيع وقال: أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها. رواها أبو حاتم عن أحمد. 185- وقال يحيى بن يحيى التميمي: سمعت وكيعاً يقول: من شك أن القرآن كلام الله -يعني غير مخلوق1- فهو كافر، ومن لم يشهد أنه منزل غير مخلوق فهو كافر بالإجماع. 161- قلت: بل رواه عبد الله في "السنة" "ص70" عن أبيه أحمد. وحديث إسرائيل المذكور لا يصح، فإنه مع كونه موقوفا غير مرفوع، يريه إسرائيل عن أبي إسحاق

_ 1 في المطبوعات كلها: "يعني غير منزل"! وهو خطأ فاحش، كما هو ظاهر.

عن عبد الله بن خليفة عن عمر قال: فذكره نحوه. أخرجه الدارمي في "الرد على المريسي" "ص74". وأخرجه عبد الله بن أحمد "ص70": حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبي إسحاق بلفظ الكتاب، وتمامه: "سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد". قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن خليفة قال المؤلف في "الميزان". "لا يكاد يعرف". 162- قلت: التميمي أورده ابن العماد في وفيات سنة ست وعشرين ومائتين وقال: "شيخ خراسان، الإمام يحيى بن يحيى بن بكر التميمي النيسابوري. قال ابن راهويه: ما رأيت مثل يحيى بن يحيى، ولا أحسبه رأى مثل نفسه، ومات وهو إمام لأهل الدنيا". قلت: فالسند صحيح غاية. وقد تابعه جماعة مختصرا. رواه عبد الله "ص25" وأبو داود "ص266" والبيهقي "ص249 و250". 186- وقال أحمد الدورقي: سمعت وكيعاً يقول: نسلم هذه الأحاديث كما جاءت، ولا نقول: كيف كذا، ولا لم كذا، يعني مثل حديث "يحمل السموات على إصبع" و"قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن". 163- قلت: أخرجه عبد الله "ص55" حدثني أحمد بن إبراهيم به. وهذا إسناد صحيح. والحديثان المشار إليهما في هذا الأثر تقدم تخريجهما في الأثر "174". 39- عبد الرحمن بن مهدي، الإمام "125-198" 187- نقل غير واحد بإسناد صحيح عن عبد الرحمن -الذي يقول فيه علي بن المديني: حافظ الأمة، لو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت أعلم من ابن مهدي- قال: إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى، وأن يكون على العرش، أرى أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم.

164- أخرجه عبد الله "ص10-11" من طرق عنه مختصرا. وصححه ابن القيم أيضا في "جيوشه" "ص84". 40- وهب بن جرير، من أئمة البصرة " ... -206" 188- قال محمد بن حماد: سمعت وهب بن جرير يقول: إياكم ورأي جهم، فإنهم يحاولون أنه ليس شيء في السماء، وما هو إلا من وحي إبليس، ما هو إلا الكفر. 165- قلت: ساقه المصنف بإسناده فقال: قرأت على بلال الحبشي أخبركم ابن رواج أنبأنا السلفي أخبرنا مكي السلار: أنبأنا أبو بكر الحيري حدثنا حاجب بن أحمد حدثنا محمد ابن حماد قال: قلت: وهذا إسناد فيه من لم أعرفه، فبلال الحبشي هو الأمير الكبير أبو الخير المغيثي الطواشي الحبشي الصالحي. ذكره ابن العماد في وفيات سنة "699" وقال: "روى عن عبد الوهاب بن رواج، توفي بعد الهزيمة بالرملة، وهو في عشر المائة". ولم يذكر فيه توثيقا. وابن رواج هو المحدث رشيد الدين أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح الإسكندراني المالكي. ولد سنة "554"، وسمع الكثير من السلفي وطائفة، ونسخ الكثير، وخرج الأربعين، وكان ذا دين وفقه وتواضع، توفي سنة "648" كما في "الشذرات" "5/ 242". والسلفي حافظ مشهور. ومكي السلار لم أجد له ترجمة. وأبو بكر الحيري هو القاضي أحمد بن الحسن بن أحمد الحرشي، قاضي نيسابور، وكان فاضلا غزير العلم من شيوخ الحاكم والبيهقي مات سنة "421"، ومن فوقه ثقات. وهذا الأثر صححه ابن القيم في "جيوشه" "ص85" وقال: حكاه محمد بن عثمان الحافظ في رسالته في السنة. 41- الأصمعي، عالم وقته 189- بلغنا عنه أنه قال: قدمت امرأة جهم، فقال رجل عندها، الله على عرشه، فقالت: محدود

على محدود. قال الأصمعي: هي كافرة بهذه المقالة. 42- الخليل بن أحمد، إمام العربية " ... - بعد 160" 190- قال محمد بن الحسين أنبأنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن أبي الأزهر، حدثنا الزبير بن بكار، حدثني النضر بن شميل، حدثني الخليل بن أحمد قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم من رأيت -وكان على سطح- فلما رأيناه أشرنا إليه بالسلام، فقال: استووا، فلم ندر ما قال، فقال لنا شيخ عنده يقول لكم: ارتفعوا. قال الخليل: هذا من قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَان} . 166- قلت: قال المصنف: أنبأني أحمد بن أبي الخير عن يحيى بن بوش أنا أبو المعز ابن كادش حدثنا محمد بن الحسين ... قلت: ومحمد بن أبي الأزهر ومحمد بن الحسين لم أعرفهما، ومثلهما يحيى بن بوش. وأحمد بن أبي الخير، هو أبو العباس أحمد بن أبي الخير: سلامة بن إبراهيم الدمشقي الحداد كما في "معجم المصنف اللطيف" "204/ 2"، له ترجمة في وفيات سنة "678" من "الشذرات". 43- الفراء، إمام العربية " ... -207" 191- قَالَ مُحَمَّدُ بن الجهم: حدثنا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الْفَرَّاءُ قَالَ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي "ثم استوى إلى السماء": صَعِدَ. وَهُوَ كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: كَانَ قَاعِدًا فَاسْتَوَى قَائِمًا- وَكَانَ قَائِمًا فَاسْتَوَى قَاعِدًا- وَكُلٌّ فِي كَلامِ الْعَرَبِ جَائِزٌ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كتاب الصفات". 167- قلت: إسناده إلى الفراء لا بأس به، فإن محمد بن الجهم هذا هو ابن هارون

السمري البصري، ترجمه الحافظ في "اللسان" برواية جمع من الحفاظ الثقات عنه وقال: "ما علمت فيه جرحا". وقال الذهبي في "المشتبه": "مشهور". وبقية رجاله ثقات. والأثر عند البيهقي "ص412-413" 44- الخريبي، أحد أئمة الأثر "126-213" 192- قال علي بن الربيع البزار: أتيت بشر بن الحارث فقلت: يا أبا نصر هل سمعت في القرآن شيئاً؟ فقال: سألت عبد اللهبن داود الخريبي عنه فقرأ علي آخر الحشر: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} فقال: أمخلوق هذا؟ معاذ الله!. 168- قلت: إسناده ضعيف، علي بن أبي الربيع، قال الخطيب في "التاريخ" "11/ 426": "سمع بشر بن الحارث، روى عنه أحمد بن الحسن المقري، المعروف بـ"دبيس"". قلت: ودبيس هذا ترجمه الخطيب "4/ 88" وقال: "منكر الحديث، قرأت بخط الدارقطني: ليس بثقة". 193- وقال عبد الله بن محمد بن أسماء: قال الخريبي: بينا أنا أمشي بعبادان وأنا أحدث نفسي في ذكر خلق القرآن، فأخذني إنسان من ورائي فهزني وقال: يا ابن داود اثبت، فإن كلام الله غير مخلوق، فالتفت فلم أرَ أحدًا. 169- قلت: ابن أسماء ثقة جليل من رجال الشيخين، فإذا صح السند إليه فهو صحيح، ولم أقف عليه الآن. 45- عبد الله بن أبي جعفر الرازي 194- عن صالح بن الضريس قال: جعل عبد الله يضرب رأس قرابة له يرى

برأي جهم، فرأيته يضرب بالنعل على رأسه ويقول: لا، حتى تقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} بائن من خلقه. 170- قلت: ذكره المصنف من رواية محمد بن يحيى الذهلي: أخبرني صالح بن الضريس. وهذا سند لا بأس به، فإن صالحا هذا أورده ابن أبي حاتم "2/ 1/ 406-407" وقال: "روى عنه محمد بن أيوب". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقد روى عنه الذهلي أيضا كما في هذا الأثر. 46- النضر بن محمد المروزي " ... -203" 195- قال علي بن الحسن بن شقيق عن النضر بن محمد سمعه يقول: من قال: هذه الآية مخلوقة {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} فقد كفر. أما تكفير من قال بخلق القرآن فقد ورد عن سائر أئمة السلف في عصر مالك والثوري، ثم عسر ابن المبارك ووكيع، ثم عصر الشافعي وعفان والقعنبي، ثم عصر أحمد بن حنبل وعلي بن المديني، ثم عصر البخاري وأبي زرعة الرازي، ثم عصر محمد بن نصر المروزي والنسائي ومحمد بن جرير وابن خزيمة. وكان الناس في هذه الأزمنة إما قائلاً بأنه كلام الله ووحيه وتنزيله، غير مخلوق وإما قائلاً بأنه كلام الله وتنزيله وأنه مخلوق، وذكروا في دليلهم "إنا جعلناه قرآنا عربيا" قالوا: والمجعول لا يكون إلا مخلوقاً. فولي المأمون، وكان متكلماً، عربت له كتب الأوائل، فدعا الناس إلى القول بخلق القرآن، وتهددهم وتخوفهم، فأجابه خلق كثير رغبة ورهبة، وامتنع من إجابته مثل أبي مسهر عالم دمشق، ونعيم بن حماد عالم مصر، والبويطي فقيه مصر، وعفان محدث العراق، وأحمد بن حنبل الإمام، وطائفة سواهم، فسجنهم، ثم لم ينشب أن مات بطرسوس ودفن فيها. ثم استخلف بعده أخوه المعتصم، فامتحن الناس، ونهض بأعباء المحنة قاضيه أحمد بن "أبي" دؤاد، وضربوا الإمام أحمد ضرباً مبرحاً فلم يجبهم، وناظروه، وجرت أمور صعبة، من أراد أن يتأملها ويدري ما تم كما ينبغي

فليطالع الكتب والتواريخ، وإلا فليجلس في بيته ويدع الناس من شره، وليسكت بحلم، أو لينطق بعلم، فلكل مقام مقال، ولك نزال رجال، وإن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله ورسوله أعلم. طبقة الشافعي وأحمد رضي الله عنهما. 171- ذكره من رواية أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا علي بن الحسن بن شقيق. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله ثقات، وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" "ص6 و6-7" من طريقين عن أبي الوزير محمد بن أعين سمعت النضر بن محمد به وزاد: "فجئت إلى عبد الله بن المبارك، فأخبرته، فقال: صدق أبو محمد عافاه الله، ما كان الله ليأمر أن نعبد مخلوقا". وإسناده صحيح، وأخرجه أبو داود أيضا "ص267" من أحد الطريقين. ونحو قول ابن المبارك هذا ما ذكره البخاري في "الأفعال" "ص70-71" عن سليمان ابن داود الهاشمي قال: "من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، وإن كان القرآن مخلوقا كما زعموا فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار إذ قال "أنا ربكم الأعلى"، وزعموا أن هذا مخلوق، والذي قال: "إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إله إلا أنا فاعبدني" هذا أيضا قد ادعى فرعون! فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار من هذا وكلاهما عنده مخلوق؟! فأخبر بذلك أبو عبيد فاستحسنه وأعجبه". 172- قلت: وأقدم من صرح بذلك ممن صرحوا باسمه من السلف عمرو بن دينار كما تقدم في ترجمته "149" وقد توفي سنة "126". وأما الصحابة فلم أر نصا صريحا صحيحا عن أحد منهم، اللهم إلا عموم قول عمرو بن دينار المتقدم في الكتاب هناك، وظني أن فيه تغليبا فقد صح عنهم القول بأن القرآن كلام الله، ولن لم يقولوا: "غير مخلوق". لعدم الحاجة إليه يومئذ. وإلى هذا أشار الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين سئل: هل لهم رخصة أن يقول الرجل: "كلام الله"، ثم يسكت؟ قال: ولم يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا لأي شيء لا يتكلمون؟! ". رواه عنه أبو داود "ص263-264". ولذلك قال الحافظ ابن عدي:

"لا يعرف للصحابة رضي الله عنهم الخوض في القرآن". وعلق عليه البيهقي في "الأسماء" فقال "ص244". "قلت: إنما أراد به أنه لم يقع في الصدر الأول ولا الثاني من يزعم أن القرآن مخلوق، حتى يحتاج إلى إنكاره، فلا يثبت عنهم شيء بهذا اللفظ "غير مخلوق"، لكن قد ثبت عنهم إضافة القرآن إلى الله تعالى وتمجيده بأنه كلام الله تعالى". وأما ما روه البيهقي "ص247" عن ابن المديني أنه قال في أثر جعفر الصادق المتقدم برقم "144": "ليس بخالق ولا مخلوق". "لا أعلم أنه تكلم بهذا الكلام في زمان أقدم من هذا". قلت: فهو على ما أحاط به علمه، فإن عمر بن دينار أقدم من جعفر كما تعرف مما سبق من ترجمتهما. على أنه قد روي مثله عن علي بن الحسين زين العابدين كما تقدم في الترجمة "13" وكانت وفاته سنة "93" فهذا أقدم وفاة منهما، لكن في السند إليه ضعف كما سبق. 173- قلت: وهذا القول باطل ظاهر البطلان، وكأنه لذلك لم يتعرض المصنف لرده، لكن لا بد لنا في هذا التعليق من الإشارة إلى بعض الآيات التي استدل بها أهل الحديث على بطلانه، فقد قالوا ما ملخصه: إن لفظة "جعل" لا تأتي بمعنى "خلق" كلما ذكرت، وفي أي مكن وقعت، كقوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} ، فليس هنا بمعنى الخلق قطعا، بل إن الله تعالى قد أضاف هذه اللفظة إلى بعض المخلوقين فقال في يوسف علي السلام: "جعل السقاية في رحل أخيه" بل قال في المشركين: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} فهل المعنى أن المشركين خلقوا الملائكة ... ؟! تعالى الله عن تفسير المبتدعة لكلامه علوا كبيرا. فإذا تبين هذا كان لا بد من تفسير اللفظة المذكورة بالنظر إلى الموضع الذي وردت فيه، فإن كان قوله تعالى: {جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} إنما هو القرآن قطعا، وكان القرآن من كلامه تعالى قطعا، وكان كلامه صفة من صفاته، وصفاته تعالى كلها أزلية غير مخلوقة كذاته، لم يجز حينئذ أن تفسر هذه اللفظة بما ينافي هذه الأمور المقطوع بها، قالوا: فالمعنى: إن الله تعالى لما كان يعلم الألسنة كلها وهو قادر على أن يتكلم بما شاء منها متى شاء، فإن شاء تكلم كما جعل التوراة والإنجيل عبريا من كلامه، ذلك لأنه أرسل كل رسول بلسان قومه ليبين لهم، كما قال تعالى في كتابه. فمعنى قوله "جعلناه": صرفناه من لغة إلى أخرى، وليس خلقناه. انظر الرد على المريسي "ص123-124".

47- الشافعي "150-204" 196- روى شيخ الإسلام أبو الحسن الهكاري، والحافظ أبو محمد المقدسي بإسنادهم إلى أبي ثور وأبي شعيب، كلاهما عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي ناصر الحديث رحمه الله تعالى قال: القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت عليها الذين رأيتهم، مثل سفيان ومالك وغيرهما، الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء ... وذكر سائر الاعتقاد. 197- وبإسناده لا أعرفه عن الحسين بن هشام البلدي قال: هذه وصية الشافعي أنه يشهد أن لا إله إلا الله، فذكر الوصية بطولها وفيها: 198- قال الحاكم: سمعت الأصم يقول: سمعت الربيع "يقول": سمعت الشافعي وقد روى حديثاً فقال له رجل: تأخذ بهذا يا أبا عبد الله؟ فقال: إذا رويت حديثاً "صحيحا" عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فلم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب. 174- قلت: أخرجه أيضا ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي ومناقبه" "ص93": أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه غيره أيضا كما تراه في كتابي "صفة الصلاة" "ص33 -الطبعة الخامسة". 199- ابن خزيمة وعدة: سمعت يونس يقول: قال الشافعي: لا يقال للأصيل لم ولا كيف. 175- قلت: منهم ابن أبي حاتم في "الآداب" "ص233" وقال: "زاد في حديثه عن يونس عن الشافعي: إنما يقال للفرع: لم؟ فإذا صح قياسه على الأصل صح، وقامت به الحجة".

"فائدة" والقياس في قول الشافعي إنما هو عند الضرورات كما في عدة مصادر تراها في هامش "الآداب" وهو أعدل ما قيل في القياس وأحوطه عندي. 200- أبو ثور وغيره قالوا: سمعنا الشافعي يقول: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح. 201- وقال الربيع: سمعت الشافعي يقول: المراء في الدين يقسي القلب، ويورث الضغائن. 176- قلت: أخرجه ابن أبي حاتم في "الآداب" "ص185" وأبو نعيم في "الحلية" "9/ 111-112". 202- وعن يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: لله تعالى أسماء وصفات لا يسع أحداً قامت عليه الحجة ردها. زاد في "المختصر": "فإن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا بالروية والفكر، ويثبت هذه الصفات وينفي عنها التشبيه كما نفى عن نفسه "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير" ورواه الهكاري وغيره بإسناد كلهم ثقات". وبهذا التمام ذكره ابن القيم في "الجيوش الإسلامية" "ص59" من رواية عبد الرحمن بن أبي حاتم. 203- قال ابن أبي حاتم: سمعت الربيع بن سليمان "يقول" سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة، لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة وبالصفا والمروة فليس عليه كفارة لأنها مخلوقة. قلت: تواتر عن الشافعي ذم الكلام وأهله، وكان شديد الاتباع للآثار في الأصول والفروع. مات في رجب سنة أربع ومائتين بمصر كهلاً، عاش أربعا وخمسين سنة.

177- في "الآداب" "ص193". وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" "9/ 112 و113" من طريق زكريا الساجي قال: سمعت الربيع به. 48- القعنبي: ذاك الإمام "....-221" 204- قال بنان بن أحمد: كنا عند القعنبي رحمه الله، فسمع رجلاً من الجهمية يقول: "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ استولى" فقال القعنبي: من لا يوقن أن الرحمن على العرش استوى كما يقر في قلوب العامة فهو جهمي. أخرجهما عبد العزيز القحيطي1/ 178 في تصانيفه. والمراد بالعامة عامة أهل العلم، كما بيناه في ترجمة يزيد بن هارون إمام أهل واسط ولقد كان القعنبي من أئمة الهدى، حتى لقد تعالى فيه بعض الحفاظ وفضله على مالك الإمام. توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين عن بضع وثمانين سنة، وهو أكبر شيخ لمسلم مطلقا. 178- كذا في المطبوعة، وفي المخطوطة "العجيلي"، وسواء كان هذا وذاك فإني لم أعرف عبد العزيز هذا. ثم رأيته في "المختصر" "القحيطي" كالمطبوعة. وبنان بن أحمد لا بأس به، وله ترجمة في "تاريخ بغداد" "7/ 100". 49- عفان أحد أعلام السنة " ... -بعد 219" 205- قال ابن أبي حاتم: حدثنا يحيى بن زكريا بن عيسى: حدثني يحيى بن أبي بكر السمسار، سمعت عفان بن مسلم بعدما جاء من دار إسحاق بن إبراهيم. لما امتحنه في القرآن فقال: إنه كتب أن أدر أرزاقك إن أجبت إلى خلق القرآن. فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ الله "اللَّهُ" لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحي القيوم، قل هو الله أحد، أمخلوق هذا؟ أدركت شعبة وحماد بن سلمة وأصحاب الحسن يقولون: القرآن كلام الله ليس مخلوقا.

قال: إذن نقطع أرزاقك. قلت: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} . قيل: كان رزقه في الشهر ألف درهم، فترك ذلك لله عز وجل. توفي سنة تسع عشرة ومائتين. 50- عاصم بن علي شيخ البخاري " ... -221". 179- هو الأمير إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعي ابن عم طاهر بن الحسين. ولي بغداد أكثر من عشرين سنة، مات آخر سنة "235" كما في "الشذرات". 180- قلت: يحيى بن أبي بكر السمسار لم أعرفه الآن، وقد توبع كما يأتي ويحيى بن زكريا بن عيسى هو المروزي أبو زكريا وهو صدوق ثقة كما قال ابن أبي حاتم "4/ 2/ 146". وهذا الأثر أخرجه الخطيب في ترجمة عفان من "تاريخه" "12/ 270-271" من طريق حنبل بن إسحاق عن عفان به. دون قوله: "أدركت شعبة ... ليس مخلوقا ... ". وسنده قوي. 206- روينا عن عاصم بن علي عاصم الواسطي قال: ناظرت جهماً فتبين من كلامه أنه لا يؤمن أن في السماء رباً. قلت: كان عاصم حافظاً من أوعية العلم صادقا، حمل على شعبة وابن أبي ذئب وخلق، ذكر الخطيب في ترجمته أن المعتصم وجه من يحزر مجلس عاصم هذا في رحبة جامع الرصافة، وكان يجلس على سطح الرحبة ويجلس الخلق في الرحبة وما يليها، فعظم الجمع مرة حتى قال أربع عشرة مرة: "حدثنا الليث بن سعد" والناس لا يسمعون لكثرتهم. وكان المستملي هارون يركب نخلة يستملي عليها، فحزروا الجمع فكان عشرين ومائة ألف. وقال يحيى بن معين: عاصم بن علي سيد المسلمين. قلت: مات مع القعنبي في سنة.

51- الحميدي "عبد الله بن الزبير" " ... -219" 207- روى المصنف بسنده عن عبد الغفار بن محمد أنبأنا أبو علي الصوان، أنبأنا بشر بن موسى: أنا الحميدي قال: أصول السنة عندنا. "فذكر أشياء ثم قال": وما نطق به القرآن والحديث مثل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} ومثل قوله" {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} وما أشبه هذا من القرآن والحديث، لا نزيد فيه ولا نفسره، ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ونقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ومن زعم هذا فهو مبطل جهمي. كان العلامة أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشي الأسدي الحميدي مفتي أهل مكة وعالمهم بعد شيخه سفيان بن عيينة، حدث عنه البخاري والكبار. مات سنة تسع عشرة ومائتين. 181- قلت: عبد الغفار بن محم هو أبو طاهر المؤدب، له ترجمة في "تاريخ الخطيب "11/ 116" وقال: "كتبت عنه، وسمعت أبا عبد الله الصوري يغمزه، ويذكره بما يوجب ضعفه". قلت: ولعله قد توبع، فقد رأيت ابن تيمية ثبت هذا النص عن الحميدي في كتابه "مفصل الاعتقاد" "ص6". والله أعلم. 52- عالم المشرق، يحيى بن يحيى النيساوري ".....-226" 208- قال ابن منده: أنبأ محمد بن يعقوب الشيباني: حدثنا محمد بن عمرو ابن النضر حدثنا يحيى بن يحيى قال: كنت عند مالك فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ؟ فأطرق ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. 182- قلت: رجاله ثقات غير ابن النضر هذا فلم أعرفه. ومحمد بن يعقوب الشيباني هو الحافظ ابن الأخرم محدث نيسابور، من شيوخ الحاكم، مات سنة 344. وابن منده هو محمد بن إسحاق الحافظ.

309- قال ابن أبي حاتم: سمعتم مسلم بن الحجاج: سمعت يحيى بن يحيى يقول: من زعم أن من القرآن من أوله إلى آخره آية مخلوقة فهو كافر. كان يحيى بن يحيى إليه المنتهى في الإتقان والورع والجلالة بنيسابور، قل أن ترى العيون مثله، حمل عن مالك وخارجة بن مصعب والكبار، ومات سنة ست وعشرين ومائتين. 53- عالم الري، هشام بن عبيد الله الرازي " ... -221" 210- قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسن بن يزيد السلمي سمعت أبي يقول: سمعت هشام بن عبيد الله الرازي -وحبس رجلا في التجهم "فتاب" فجئ به إليه ليمتحنه -فقال له: أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه؟ فقال: لا أدري ما بائن من خلقه. فقال: ردوه فإنه لم يتب بعد. كان هشام بن عبيد الله من أئمة الفقه على مذهب أبي حنيفة، تفقه على محمد1 ابن الحسن، كان ذا جلالة عجيبة وحرمة عظيمة ببلده، توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين. 183- قلت: علي بن الحسن بن يزيد السلمي وأبوه لم أعرفهما، لم يذكرهما ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، ومن طريقه أخرجه الهروي في "ذو الكلام" "ق120/ 1". 211- قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو هارون محمد بن خلف الجزار: سمعت هشام بن عبيد الله يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، فقال له رجل: أليس الله تعالى يقول: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} ؟ فقال: محدث إلينا وليس عند الله بمحدث./

_ 1 في المخطوطة: "محجن".

قلت: لأنه من علمه، وعلمه قديم، فعلم عباده منه، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ} فالمقرئ يلقن الختمة مائة نفس ومائتين فيحفظونه وهو ما انفصل عنه منه شيء كسراج وقدت منه سرجا ولم يتغير. 184- كذا في المطبوعة، وفي المخطوطة: الجزاز. وفي "الجرح والتعديل" "3/ 2/ 245". "محمد بن خالد أبو هارون الخراز الرازي ... كتبت عنه مع أبي وأبي زرعة، وهو صدوق". قلت: فالظاهر أنه هو هذا، وعليه فقوله في المطبوعة والمخطوطة "خلف" محرف من "خالد". والله أعلم. 54- فقيه المدينة، عبد الملك بن الماجشون " ... -214" 212- قال ابن أبي حاتم: حدثنا يحيى بن زكريا بن عيسى: حدثنا هارون بن موسى الفروي قال: ما سمعت الكلام في القرآن إلا سنة تسع ومائتين، جاء نفر إلى عبد الملك بن الماجشون وكلموه، فأنكر ذلك عليهم، فكان في بعض ما كلمهم به أن قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أهذا مخلوق؟ ثم قال: لو أخذت بشرا المريسي لضربت عنقه. كان عبد الملك من أجل تلامذة مالك، وكان أبوه عبد العزيز بن الماجشون يفتي مع مالك في دولة المهدي، توفي عبد الملك في سنة أربع عشرة ومائتين. 185- قلت: إسناده صحيح، وابن عيسى هذا، ترجمه ابن أبي حتم وقال "4/ 2/ 146": "كتبت عنه مع أبي، وهو صدوق، ثقة". والفروي من رجال "التهذيب".

55- محمد بن مصعب العابد، شيخ بغداد " ... -228" 213- قال أبو الحسن محمد بن العطار: سمعت محمد بن مصعب العابد يقول: من زعم أنك لا تتكلم ولا ترى في الآخرة، فهو كافر بوجهك، أشهد أنك فوق العرش، فوق سبع سموات، ليس كما تقول أعداء الله الزنادقة. أخرجه عبد الله بن أحمد، ثم أبو الحسن الدارقطني. 186- في "السنة" "ص34"، وأخرجه الخطيب في "التاريخ" "3/ 280" من طريق الدارقطني، ثم روى ابن سعد أنه قال: "محمد بن مصعب يكنى أبا جعفر، كان قارئا لكتاب الله، وقد سمع الحديث، وجالس الناس، وكان ثقة إن شاء الله. مات ببغداد سنة ثمان وعشرين ومائتين". قلت: وهذا غير محمد بن مصعب القرقساني. ومحمد بن العطار ترجمه الخطيب أيضا "3/ 203-204" وروى عن عبد الله بن أحمد أنه قال فيه: ثقة، فالإسناد صحيح، وقد صححه المؤلف في "مختصره". 214- وقال المروذي1. سمعت أبا عبد الله الخفاف، سمعت ابن مصعب وتلا {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: نعم يقعده "معه" على العرش. ذكر الإمام أحمد بن "محمد" ابن مصعب فقال: قد كتبت عنه وأي رجل هو! فأما قضية قعود نبينا على العرش فلم يثبت في ذلك نص، بل في الباب حديث واه2. 56- سنيد بن داود المصيصي الحافظ " ... -226" 215- قال أبو حاتم الرازي: حدثنا أبو عمران الطرسوسي قال:

_ 1 زاد في "المختصر" في كتاب فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم. 2 ولكن ثبت في "الصحاح" أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم.

قلت لسنيد بن داود: هو عز وجل على عرشه بائن من خلقه؟ قال: نعم. قلت: لسنيد تفسير كبير رأيته كله بالأسانيد، ومذهبه في الصفات مذهب السلف توفي سنة ست وعشرين ومائتين. 57- نعيم بن حماد الخزاعي الحافظ "146-228" 216- قال محمد بن مخلد العطار: حدثنا الرمادي قال: سألت نعيم بن حماد عن قول الله تعالى: {هُوَ مَعَكُم} قال: معناه أنه لا يخفى عليه خافية، بعلمه، ألا ترى قوله {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} الآية. 187- قلت: الرمادي هو أحمد بن منصور بن سيار البغدادي ثقة حافظ. ومحمد بن مخلد العطار ثقة مأمون مترجم في "تاريخ بغداد" "3/ 310-311"، فالسند صحيح. 217- وعن محمد بن إسماعيل الترمذي: سمعت نعيم بن حماد يقول: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيهاً. 188- قلت: رواه المصنف بإسناد فقال: أخبرنا أبو الفداء بن الفراء أنبأنا ابن قدامة أنبأنا محمد بن عبد الباقي أنبأنا ابن خيرون وأبو الحسن بن أيوب قالا: أنبأنا أبو علي: شاذان، أنبأنا ابن زياد القطان: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ... قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات معروفون، وقد قال المؤلف في "مختصره" عقب قول نعيم هذا والذي قبله: "وكلا القولين صحيح عنه". 189- قلت: هذا قول أبي القاسم البغوي وابن عدي، والصواب سنة ثمان كما ذكرته بجانب المترجم كما في "التهذيب". 190- قلت: يعني في "صحيحه" لكن مقرونا بغيره كما صرح به المؤلف في

"ميزانه"، وذلك لأنه قد ضعفه غير واحد في حفظه، ولذلك قال الحافظ في "تقريبه": "صدوق يخطيء كثيرا". 58- بشر الحافي، زاهد العصر "151-227" له عقيدة رواها ابن بطة في كتاب "الإبانة" وغيره، فمما فيها: والإيمان بأن الله على عرشه استوى كما شاء، وأنه عالم بكل مكان، وأنه يقول ويخلق فقوله "كن" ليس بمخلوق. 218- وعن عباس بن دهقان قال: قلت لبشر بن الحارث: أحب أن أخلو معك، قال: إذا شئت. فبكرت يوماً، فرأيته قد دخل قبة فصلى أربع ركعات، فسمعته يقول في سجوده. اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني لا أوثر على حبك شيئاً. فلما سمعته أخذني الشهيق والبكاء، فلما سمعني قال: أنت تعلم أني لو أعلم أن هذا ها هنا لم أتكلم. مات بشر بن الحارث رحمة الله "عليه" سنة تسع وعشرين ومائتين. 191- قلت: ساقه المصنف بسنده إلى عباس بن دهقان، ولم أجد له ترجمة. 192- في المطبوعة "تسع" والتصحيح من "المخطوطة" وكتب الرجال. 59- أبو عبيد القاسم بن سلام "150-224"1 219- وعن أبي الحسن الدارقطني: حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا العباس

_ 1 قال المصنف في "مختصره": ولد هو والشافعي سنة خمسين ومائة.

الدوري، سمعت أبا عبيد، وذكر الباب الذي يروى فيه حديث الرؤية، والكرسي، وموضع القدمين، وضحك ربنا، وحديث "أين كان ربنا"، فقال، ولكن إذا قيل لنا: كيف وضع قدمه وكيف يضحك؟ قلنا: لا نفسر هذا ولا سمعنا أحداً يفسره. كان أبو عبيد من أئمة الاجتهاد، رأساً في اللغة، حسبك أن إسحاق بن راهويه قال: الله يحب الإنصاف، أبو عبيد أعلم مني ومن الشافعي ومن أحمد. توفي أبو عبيد سنة أربع وعشرين ومائتين، وقد ألف كتاب "غريب الحديث" وما تعرض لأخبار الصفات بتفسير، بل عنده "أن" لا تفسير لذلك غير موضع الخطاب العربي، والله تعالى أعلم. 193- قلت: حديث الرؤية تقدم في الترجمة "10". وحديث موضع القدمين، موقوف وقد مضى برقم "45" و"85". وحديث الضحك مضى في آخر الترجمة "10"، لكن بينت رواية ابن منده لهذا الأثر أن المراد به "ضحك ربنا من قنوط عباده" ... الحديث، وقد خرج. وحديث "إن كان ربنا" في تصحيحه نظر، فإن مداره على وكيع بن "حدس"، ويقال "عدس" وهو مجهول لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء، ولذلك قال المؤلف في "الميزان": "لا يعرف"، وقد كان المصنف أورده في الأصل قبيل الحديث المتقدم برقم "4" وقال: "رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حسن"! كذا قال وهو مردود لما ذكرنا، فتنبه. وهذا الأثر رواه المصنف بإسناده عن الدارقطني، وإسناده صحيح كما قال المؤلف في "مختصره". وقد رواه ابن منده في "التوحيد" "ق96/ 2" من طريق أخرى عن الدوري به. وقال ابن تيمية في "الحموية": "رواه البيهقي وغيره بأسانيد صحيحة". 60- أحمد بن نصر الخزاعي الشهيد " ... -231" 220- قال إبراهيم الحربي فيما صح عنه: قال أحمد بن نصر- وسئل عن

علم الله؟ -فقال: علم الله معنا وهو على عرشه. وسئل عن القرآن؟ فقال: كلام الله، فقيل له: أمخلوق؟ قال: لا. 61- زوجة مكي 221- قال أحمد بن علي الأبار: حدثنا محمد بن عبد الرحمن البلخي، قال مكي بن إبراهيم. دخلت امرأة جهم على زوجتي فقالت: يا أم إبراهيم، هذا زوجك الذي يحدث عن العرش، من نجره؟ قالت: نجره الذي نجر أسنانك. قال: وكانت بادية الأسنان. 194- كذا في المطبوعة والمخطوطة، وأظنه خطأ، والصواب محمد بن عمرو البلخي، فإنهم ذكروه في الرواة عن مكي بن إبراهيم، وهو أبو عبد الله السواق، وهو ثقة من شيوخ البخاري ومثله مكي بن إبراهيم. والأبار ثقة حافظ متقن كما قال الخطيب "4/ 306". 62- قتيبة بن سعيد، شيخ خراسان "150-240" 222- قال أبو أحمد الحاكم وأبو بكر النقاش المفسر واللفظ له: حدثنا أبو العباس السراج قال: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: هذا قول الأئمة في الإسلام والسنة والجماعة: نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه، كما قال جل جلاله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} . وكذا نقل موسى بن هارون عن قتيبة أنه قال: نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه. فهذا قتيبة في إمامته وصدقه قد نقل الإجماع على المسألة، وقد لقي مالكاً والليث وحماد بن زيد والكبار، وعمر دهراً وازدحم الحفاظ على بابه، قال لرجل: أقم عندنا هذه الشتوة حتى أخرج لك عن خمسة أناسي مائة ألف حديث. مات سنة أربعين ومائتين.

63- أبو معمر القطيعي الحافظ "....-236" 223- نقل ابن أبي حاتم في تأليفه عن يحيى بن زكريا بن عيسى عن أبي شعيب صالح الهروي عن أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم أنه قال: آخر كلام الجهمية: أنه ليس في السماء إله: أبو معمر من شيوخ البخاري ومسلم، وقد روى البخاري أيضاً عن رجل عنه، مات سنة ست وثلاثين ومائتين وكان من أئمة السنة. كان من إدلاله بذلك يقول: لو نطقت بغلتي لقالت أنها سنية. 195- قلت: من طبقته صالح بن زياد المقري الرقي أبو شعيب، وصالح بن مبشر الصيرفي أبو شعيب، وكلاهما صدوق، كتب عنهما أبو حاتم الرازي كما في كتاب ابنه "2/ 1/ 404 و416". وسائر الرجال ثقات. 64- يحيى بن معين، سيد الحفاظ " ... -233" 224- النجاد: حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي عن يحيى ابن معين قال: إذا قال لك الجهمي: وكيف ينزل؟ فقل "له": كيف صعد؟ قلت: الكيف في الحالين منفي عن الله تعالى لا مجال للعقل فيه. ويحيى لا يحتاج إلى تعريف، هو حامل راية الحديث، مات بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث وثلاثين ومائتين. 196- قلت: جعفر هذا لم أعرفه. والنجاد هو أحمد بن سلمان أبو بكر الفقيه ثقة حافظ مات سنة "348". 65- علي بن المديني، إمام المحدثين " ... -234" 225- محمد بن إبراهيم عن نافع: حدثنا الحسن بن محمد بن الحارث

قال: سئل علي بن المديني وأنا أسمع: ما قول أهل الجماعة؟ قال: يؤمنون بالرؤية وبالكلام، وأن الله عز وجل فوق السموات على عرشه استوى. فسئل عن قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} فقال: اقرأ ما قبله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَم} . قد أكثر البخاري في صحيحه عن علي بن المديني، وقال: ما استصغرت نفسي إلا بين يدي ابن المديني. مات في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومئتين. 197- قلت: ابنا الحارث ونافع لم أعرفهما، والمصنف ذكره من رواية شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي بسنده عنهما. 66- أحمد بن حنبل شيخ الإسلام رحمه الله وطيب ثراه، وجعل الجنة مثواه "164-241" المنقول عن هذا الإمام في هذا الباب طيب كثير مبارك فيه، فهو حامل لواء السنة والصابر في المحنة "والمشهود بأنه من أهل الجنة، فقد تواتر عنه تكفير من قال بخلق القرآن العظيم جل منزله، وإثبات الرؤية والصفات والعلو والقدر، وتقديم الشيخين، وأن الإيمان يزيد وينقص، إلى غير ذلك من عقود الديانة مما يطول شرحه. 226- فقال يوسف بن موسى القطان شيخ أبي بكر الخلال: قيل لأبي عبد الله: الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه، وقدرته وعلمه بكل مكان؟ قال: نعم هو على عرشه ولا يخلو شيء من علمه. "رواه الخلال"1

_ 1 من: المختصر" وقد عزاه إليه في كتاب "السنة" له -ابن القيم في "الجيوش" "ص77".

198- قلت: القطان هذا ثقة من شيوخ البخاري مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين، سمعه منه الخلال، فالإسناد صحيح. 227- وقال أبو طالب أحمد بن طالب أحمد بن حميد، سألت أحمد بن حنبل عن رجل قال: الله معنا، وتلا "مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هو رابعهم" فقال: قد تجهم هذا، يأخذون بآخر الآية، ويدعون أولها، قرأت عليه "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يعلم"؟ فعلمه معهم، وقال في سورة "ق": {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} . فعلمه معهم 199. 199- قلت: أحمد بن حميد هو المشكاني صاحب الإمام أحمد. قال الخطيب "4/ 122": "روى عن أحمد مسائل تفرد بها، وكان أحمد يكرمه ويعظمه. مات سنة أربع وأربعين ومائتين". قلت: وهو غير أحمد بن حميد الطريثيثي شيخ البخاري مات سنة "226". 228- قال المروزي: قلت لأبي عبد الله: إن رجلاً قال: أقول كما قال الله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} أقول هذا ولا أجاوزه إلى غيره، فقال: هذا كلام الجهمية بل علمه معهم، فأول الآية يدل على أنه علمه. رواه ابن بطة في كتاب "الإبانة" عن عمر بن محمد رجاء عن محمد بن داود عن المروزي. 229- وقال حنبل بن إسحاق: قيل لأبي عبد الله ما معنى: "وهو معكم"؟ قال: "علمه"، علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حدود ولا صفة. "أخرجه اللالكائي". 230- قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: حدث محدث وأنا عنده بحديث "يضع الرحمن فيها قدمة" وعنده غلام، فأقبل علي الغلام فقال: إن لهذا

تفسيراً. فقال أبو عبد الله: انظر إليه، كما تقول الجهمية سواء! 231- قال ابن أبي حاتم: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يحتج بأن القرآن غير مخلوق، يقول: قال تعالى: {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ} فأخبر تعالى أن القرآن من علمه. 232- قال يعقوب الدورقي1: قال لي أحمد: اللفظية إنما يدورون على كلام جهم، يزعمون أن جبريل إنما بشيء مخلوق. 200- قلت: وروى عبد الله بن أحمد في أول "كتاب السنة" عن أبيه أحمد أيضا نحوه. 67- إسحاق بن راهويه، عالم خراسان "166-238" 233- قال حرب بن إسماعيل الكرماني: قلت لإسحاق بن راهويه: قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} كيف نقول فيه؟ قال: حيث ما كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو بائن من خلقه، ثم ذكر عن ابن المبارك قوله: هو على عرشه، بائن من خلقه. ثم قال: أعلى شيء في ذلك وأبينه قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} . رواها الخلال في "السنة" عن حرب. 201- قلت: وأخرجه الهروي أيضا في "ذم الكلام" "6/ 120/ 1" عن حرب به نحوه. وحرب حافظ فقيه نبيل من أصحاب الإمام أحمد مات سنة "280". 234- أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: جمعني وهذا المبتدع -يعني إبراهيم بن أبي صالح- 202 مجلس الأمير عبد الله بن طاهر، فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها، فقال ابن أبي صالح: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء. فقلت: آمنت برب يفعل ما يشاء.

_ 1 بفتح الدال المهملة، وهو يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف الدورقي، ثقة حافظ، مات سنة 252.

إسحاق الإمام يخاطبك بها. 202- قلت: اسم أبي صالح هاشم كما قال الحاكم، وابنه إبراهيم قال أبو الحسين مسلم: جهمي لا يكتب حديثه. قال الحافظ في "اللسان": "وقد كذبه إسحاق بن راهويه في مجلس عبد الله بن طاهر". قلت: كأنه يعني هذه القصة، ولكن ليس فيها التصريح بتكذيب إسحاق إياه. فلعل ذلك في رواية أخرى عنه. فقد ذكرها الهروي "ق118/ 1-2" من طرق أخرى. 203- قلت: يعني أن الإسناد في غاية الصحة، حتى لكأنك تسمع ذلك من الإمام إسحاق مباشرة، فإن أحمد بن سلمة هو الحافظ أبو الفضل النيسابوري رفيق مسلم في الرحلة، كان حافظا ماهرا، مات سنة "286"، ومحمد بن صالح بن هاني من شيوخ الحاكم الذين أكثر عنهم في كتابه "المستدرك على الصحيحين"، ويبدو من كلام المصنف المذكور أعلاه أنه من الثقات الأثبات، ويؤيده قول المؤلف في "الأربعين" "ق179/ 2" في هذه القصة: "رواها الحاكم بإسناد صحيح". ولكني لم أجد الآن له ترجمة. وهذا الأثر عند البيهقي في "الأسماء والصفات" "ص452" من طريق الحاكم. وصححه المؤلف كما سبق. 235- قال النجاد: حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا علي بن خشرم، حدثنا إسحاق قال: دخلت على ابن طاهر فقال: ما هذه الأحاديث؟ تروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ قلت: نعم، رواها الثقات الذين يروون الأحكام، فقال: ينزل ويدع عرشه؟ فقلت: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ قال: نعم. قلت: فلم تتكلم في هذا؟ 204- قلت: إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات. وقد أخرجه البيهقي "ص451-452" من طريق أخرى عن إسحاق مختصرا، وعزاه ابن تيمية في "شرح حديث النزول" لابن بطة وصححه. "فائدة" في قول إسحاق رحمه الله تعالى: "يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش" إشارة منه إلى تحقيق أن نزوله تعالى ليس كنزول المخلوق، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا دون أن

يخلو منه العرش ويصير العرش فوقه، وهذا مستحيل بالنسبة لنزول المخلوق الذي يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر، وهذا الذي أشار إليه إسحاق هو المأثور عن سلف الأمة أو أئمتها، أنه تعالى لا يزال فوق العرش، ولا يخلو العرش منه، مع دنوة ونزوله إلى السماء قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصواب. فراجع بسط ذلك في كتابه "شرح حديث النزول" "ص42-59". 236- قال أبو حامد بن الشرقي: سمعت حمدان السلمي وأبا داود الخفاف يقولان: سمعنا إسحاق يقول: قال لي ابن طاهر: يا أبا يعقوب، هذا الذي ترويه "ينزل ربنا كل ليلة كيف ينزل؟ قلت: أعز الله الأمير، لا يقال: كيف، إنما ينزل بلا كيف.. 205- قلت: أبو حامد بن الشرقي اسمه أحمد بن محمد، وهو ثقة حافظ توفي سنة 325 لكن شيخه حمدان السلمي لم أعرفه، ومثله قرينه أبو داود الخفاف. وقد ألقي في نفسي بادئ الرأي أنه لعله أبو عمرو أحمد بن نصر بن إبراهيم الخفاف الحافظ المعروف المتوفى سنة "299" فإن السمعاني أورده في هذه المادة: "الخفاف"، وذكر أنه يروي عن ابن راهويه، وعنه أبو حامد بن الشرقي، فظننت أنه هو، وأن "أبا داود" في الأصل وكذا في المخطوطة محرف من "أبا عمر" لكن منعني من الجزم بذلك أنه سيأتي قريبا مكنيا بهذه الكنية ذاتها "أبي داود" ومسمى بـ"سليمان بن داود" ووقع في المخطوطة هنا: "داود الخفاف سليمان بن داود" بإسقاط أداة الكنية، فاستبعدت أن يكون الخفاف هذا هو أحمد بن نصر الحافظ، وفي الوقت نفسه لم يتبين لي من هو؟ فمن كان عنده علم فليتفضل به علينا نكن له من الشاكرين. 237- وقال إبراهيم بن أبي طالب: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول: حضرت مجلس ابن طاهر وحضر إسحاق، فسئل عن حديث النزول أصحيح هو؟ قال، نعم، فقال له بعض القواد: كيف ينزل؟ فقال: أثبته حتى أصف لك النزول! فقال الرجل: أثبته فوق، فقال إسحاق: قال الله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} فقال ابن طاهر: هذا يا أبا يعقوب يوم القيامة. فقال: ومن يجئ يوم القيامة من يمنعه اليوم؟ 206- قلت: هذا إسناد صحيح، الرباطي ثقة من شيوخ البخاري مات سنة 246.

وإبراهيم بن أبي طالب ثقة حافظ سنة 295. وهذا الأثر أخرجه الصابوني في "عقيدة السلف" "1/ 113 - المجموعة المنيرية". 238- قال أبو بكر الخلال" أنبأنا المروذي حدثنا محمد بن الصباح النيسابوري، حدثنا أبو داود الخفاف سليمان بن داود قال: قال إسحاق بن راهويه: قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة. اسمع ويحك إلى هذا الإمام كيف نقل الإجماع على هذه المسألة "الشريفة" كما نقله في زمانه قتيبة المذكور. 207- قلت: محمد بن الصباح النيسابوري لم أجد له ترجمة، ومثله أبو داود الخفاف، وقد مر الكلام عليه قريبا. 239- وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سلمة النيسابوري: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي رضي الله عنه يقول: ليس بين أهل العلم اختلاف أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، فكيف يكون شيء خرج من الرب عز وجل مخلوقاً؟ كان إسحاق من كبار أئمة الاجتهاد، ومن أعلام الحفاظ، توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين عن بضع وسبعين سنة، ولم يخلف بخراسان مثله. 208- قلت: إسناده صحيح. 68- أبو عبد الله ابن الأعرابي، لغوي زمانه "151-231" 240- وعن محمد بن "أحمد بن" النضر بن بنت معاوية بن عمرو، قال: كان أبو عبد الله الأعرابي جارنا، وكان ليله أحسن ليل، وذكر لنا أن ابن أبي دؤاد سأله: أتعرف في اللغة استوى بمعني استولى؟ فقال: لا أعرفه.

209- هو أحمد بن أبي دؤاد -على وزن فؤاد- القاضي الجهمي المشهور وهو الذي بسببه امتحن الإمام أحمد وأهل السنة بالضرب والهوان على القول بخلق القرآن، ثم ابتلي ابن أبي دؤاد في نفسه وماله بما هو مذكور في ترجمته من "الشذرات" "2/ 93" وغيره عامله الله بما يستحق مات سنة "240". 210- قلت: إسناده حسن، رجاله ثقات غير أحمد بن محمد بن موسى القرشي، قال الذهبي: "ضعفه البرقاني، وقواه غيره". وله ترجمة في "تاريخ بغداد" "5/ 94-96". وهذا الأثر أخرجه المصنف من طريق الخطيب، وهذا في "التاريخ" "5/ 283" بسنده المذكور في الأصل عن ابن النضر، وترجمته في "التاريخ" "1/ 364"، وأخرجه اللالكائي أيضا "1/ 92/ 1" من هذا الوجه، وأخرجه البيهقي في "الأسماء" "ص415" من طريق صالح بن محمد عن ابن الأعرابي نحوه. وإسناده صحيح، وصالح هذا هو أبو علي الملقب بـ"جزرة" ثقة حافظ مات سنة "294". 241- وعن نفطويه: حدثنا داود بن علي قال: كنا عند ابن الأعرابي، فأتاه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، ما معنى قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ؟ قال: هو على عرشه كما أخبر، فقال الرجل: ليس كذلك، إنما معناه استولي، فقال: اسكت، ما يدريك ما هذا؟ العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب، قيل: استولى، والله تعالى لا مضاد له، وهو على عرشه كما أخبر. ثم قال: الاستيلاء بعد المغالبة، قال النابغة: ألا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد مات ابن الأعرابي رحمه الله سنة إحدى وثلاثين ومائتين.

211- قلت: لعله أحمد بن دؤاد الجهمي المصرح بأنه السائل في الرواية التي قبل هذه. 212- قلت: رواه المصنف بإسناده من طريق الخطيب، وأخرجه هذا في "التاريخ" "5/ 283-284"، وكذا البيهقي في "الأسماء" "ص415" واللالكائي "1/ 92/ 1" من طرق عن نفطويه به. وهذا إسناد صحيح، داود بن علي هو أبو سليمان الأصبهاني الفقيه إمام أهل الظاهر، وهو صدوق ثقة، فاضل، مات سنة "270". ونفطويه، هو إبراهيم بن محمد بن عرفة أبو عبد الله العتكي النحوي المشهور، وهو صدوق لا بأس به، توفي سنة "323". 69- أبو جعفر النفيلي، عالم أهل الجزيرة " ... -234" 242- قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مهران: سمعت أبا جعفر عبد الله بن محمد بن نفيل يقول: من قال: "أن القرآن مخلوق، فهو كافر، فقيل له: يا أبا جعفر، الكفر كفران: كفر نعمة، وكفر بالرب عز وجل؟ قال: لا، بل كفر بالرب، ما تقول فيمن يقول "اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصمد" مخلوق؟ أليس كافراً هو؟ كان النفيلي من أركان الدين، وكان ينظر بأحمد بن حنبل، بحيث أن أبا داود السجستاني يقول: ما رأيت أحفظ من النفيلي. قلت: مات سنة أربع وثلاثين ومائتين عن سن عالية. 213- قلت: إسناده صحيح، فإن ابن مهران هو علي بن الحسين بن الجنيد الرازي ثقة حافظ كبير، مات سنة "291"، وقال ابن أبي حاتم في ترجمته من "الجرح" "3/ 1/ 179": "كتبنا عنه، وهو صدوق ثقة". قلت: ولم أر فيمن ترجمه من سمي جده بـ"مهران" فلعله اسم جده الأعلى، و"الجنيد" اسم جده الأدنى، أو العكس والله تعالى أعلم.

70- العيشي، من علماء البصرة " ... -228" 243- قال أبو حاتم الرازي: قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عائشة: يستحيل في صفة الحكيم أن يخلق كلاماً يدعي الربوبية، يعني قوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} ، وقوله: "أنا ربك". مات ابن عائشة سنة ثمان وعشرين ومائتين عن نيف وثمانين سنة. 71- هشام بن عمار، عالم الشام " ... -245" 244- قال أبو الفضل يعقوب بن إسحاق بن محمود الحافظ: حدثنا عبد الله بن محمد بن منصور البزار1: سمعت هشام بن عمار -وبلغه أن ناساً ينسبونه إلى اللفظية- فغضب وقال: القرآن كلام الله وليس بمخلوق، ومن قال: القرآن أو قدرة الله أو عزة الله مخلوقة فهو من الكافرين، فقيل له: ما تقول فيمن قال: "لفظي بالقرآن مخلوق"؟ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ} إلى آخرها. ثم قال: هذا الذي قرأت كلام الله. عبد الله هذا هروي معروف. وكان هشام عالم دمشق ومقرئها ومحدثها ومفتيها وخطيبها، عمر نيفاً وتسعين سنة، مات سنة خمس وأربعين ومائتين، أدرك مالكاً وسمع منه. 214- قلت: لعله الذي في "الجرح والتعديل" "2/ 2/ 164": "عبد الله بن محمد البزار المعروف بـ"فوران" صاحب أحمد حنبل، وجليسه وخاصته، روى عن أحمد بن حنبل". لكن سمى الخطيب "10/ 79" جده "المهاجر" على غير ما هنا. وقع فيه "فوزان" بالزاي بدل الراء المهملة، وروى عن الدارقطني أنه قال فيه: نبيل جليل، كان أحمد يجله. مات سنة "256". قلت: فإن كان غيره فلم أر من ترجمه. والله أعلم.

_ 1 في المخطوطة: "البزاز".

وأما أبو الفضل: يعقوب بن إسحاق بن محمود الحافظ، فلم أعرفه، ولم يورده المؤلف في "تذكرة الحفاظ" ولا ابن عبد الهادي في "تذكرته". 72- ذو النون، شيخ الديار المصرية وواعظهم " ... -245" 245- قال عمر بن بحر الأسدي: سمعت ذا النون المصري رحمه الله يقول: أشرق لنور وجهه السموات، وأنار لوجهه الظلمات، وحجب جلاله عن العيون، وناجاه على عرشه ألسنة الصدور. أخرجه الحافظ أبو الشيخ في كتاب العظمة. مات ذو النون في سنة خمس وأربعين أيضاً، وكان معمراً. 215- قلت: عمر بن بحر الأسدي لم أعرفه. 73- أبو ثور، من أئمة الاجتهاد " ... -240" 246- قال ابن أبي حاتم: حدثنا أعين بن زيد: سمعت أبا ثور إبراهيم بن خالد الإمام يقول: من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله، ولا يكون الرجل صاحب سنة حتى يكون فيه ثلاث خصال: يقول: القرآن ليس بمخلوق، ويقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ويترك قراءة حمزة. كان أبو ثور أحد أوعية العلم، أخذ عنه سفيان بن عيينة والكبار. توفي سنة أربعين ومائتين ببغداد. 216- إسناده جيد، وأعين بن زيد، قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "1/ 1/ 325": "روى عنه علي بن الحسين بن الجنيد وسمعت منه، وهو صدوق". "تنبيه" حمزة المذكور في آخر هذا الأثر هو ابن حبيب أبو عمارة الكوفي الزيات شيخ الفراء، وأحد الأئمة السبعة، قال المؤلف في "الميزان":

"وإليه المنتهى في الصدق والورع والتقوى، وثقه ابن معين وغيره، وقال الأزدي والساجي: يتكلمون في قراءته "وينسبونه" إلى حالة مذمومة، وهو صدوق في الحديث ليس بمتقن. قلت: قد انعقد الإجماع بآخره على تلقي قراءة حمزة بالقبول، والإنكار على من تكلم فيها، فقد كان لبعض السلف والصدر الأول فيها مقال، وكان يزيد بن هارون نهى عن قراءة حمزة، وقال ابن مهدي: لو كان لي سلطان على من يقرأ قراءة حمزة لأوجعت ظهره، وكان أحمد بن حنبل يكره قراءة لما فيها من المد المفرط والسكت، وتغيير الهمزة في الوقف والإمالة وغير ذلك: قلت: يكفي حمزة شهادة مثل الإمام سفيان الثوري له، فإنه قال: "ما قرأ حمزة حرفا إلا بأثر". مات سنة ثمان وخمسين ومائة.

3- طبقة أخرى" "منهم: المزني، والذهلي، والبخاري، وأبو زرعة" 74- "المزني:؟ -264" 247- قال أحمد بن بكر البازوري: حدثني الحسن بن علي البازوري الفقيه، حدثني علي بن عبد الله الحلواني قال: كنت بأطرابلس المغرب، فذكرت وأصحاب لنا السنة، إلى أن ذكرنا أبا إبراهيم المزني رحمه الله، فقال بعض أصحابنا: بلغني أنه كان يتكلم في القرآن ويقف، وذكر آخر أنه يقوله، إلى أن اجتمع معنا قوم آخرون فكتبنا إليه نستعلم منه، فكتب إلينا: عصمنا الله وإياكم بالتقوى، ووفقنا وإياكم لموافقة الهدى، أما بعد: فإنك سألتني أن أوضح لك من السنة أمراً تصير1 نفسك على التمسك به، وتدرأ به عنك شبهة الأقاويل، وزيغ محدثات الضالين، فقد شرحت لك منهاجاً موضحاً لم آل نفسي وإياك فيه نصحاً: الحمد لله أحق ما بدئ، وأولى من شكر، وعليه أثني، الواحد الصمد، ليس له صاحبة ولا ولد، جل عن المثل، فلا شبيه له ولا عديل، السميع البصير، العليم الخبير، المنيع الرفيع، عال على عرشه، فهو دان بعلمه من خلقه، والقرآن كلام الله، ومن الله، ليس بمخلوق فيبيد، وقدرة الله ونعته وصفاته كلمات غير مخلوقات، دائمات أزليات، ليست محدثات فتبيد، ولا كان ربنا ناقصاً فيزيد، جلت صفاته عن شبه المخلوقين، عال على عرشه، بائن عن

_ 1 كذا في المطبوعات الثلاث، وفي المخطوطة "مصر" كذا بالاهمال، ولعل الصواب: "تصير".

خلقه، وذكر سائر المعتقد. 217- رواه المصنف بإسناده إلى أحمد البازوري كذا في المطبوعة بالباء، وفي المخطوطة "اليازوري" بالمثناة التحتية، ولم أعرف هذه النسبة ولا صاحبها. 248- وعن عمر بن تميم المكي قال: سمعت محمد بن إسماعيل الترمذي، سمعت المزني يقول: لا يصح لأحد توحيد حتى يعلم أن الله على العرش بصفاته. قلت: مثل أي شيء؟ قال: سميع بصير عليم قدير. أخرجه ابن منده في "تاريخه". ولقد كان المزني فقيه الديار المصرية في زمانه، وأنبل تلامذه الشافعي، مات في سنة أربع وستين ومائتين، وله بضع وثمانون سنة. 218- قلت: ومن طريقه ساقه المصنف بإسناده، وفيه من لم أعرفه مثل عمرو بن تميم المكي. 75- الذهلي " ... -258" 249- قال الحاكم: قرأت بخط أبي عمرو المستحلي: سئل محمد بن يحيى عن حديث عبد الله بن معاوية عَنِ النَّبِيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وسلم": "ليعلم العبد أن الله معه حيث كان". فقال: يريد أن الله علمه محيط بكل مكان، والله على العرش. 219- هو طرف حديث لعبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه، رواه الطبراني وغيره بسند صحيح كما بينته في "الصحيحة" "1046". 250- قال محمد بن نعيم: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته وحيث تصرف، ولا نرى الكلام فيما أحدثوا فتكلموا في الأصوات والأقلام

والحبر والورق، وما أحدثوا من المتليِ، والمُتليِ، والمقرى والمُقري، فكل هذا عندنا بدعة، ومن زعم أن القرآن محدث فهو عندنا جهمي لا نشك فيه ولا نمتري. كان الذهلي إمام أهل خراسان بعد إسحاق بلا مدافعة، وكان رئيساً مطاعاً كبير الشأن. مات سنة ثمان وخمسين ومائتين. 220- رواه المصنف بسنده عن محمد بن نعيم هذا ولم أعرفه. 76- البخاري رضي الله عنه "194-256" 251- قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل في آخر "الجامع الصحيح" في كتاب "الرد على الجهمية" باب قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} قال أبو العالية: استوى إلى السماء: ارتفع. وقال مجاهد في "استوى": علا على العرش. وقالت زينب أم المؤمنين رضي الله عنها: "زوجني الله من فوق سبع سماوات". ثم إنه بوب على أكثر ما تنكره الجهمية من العلو والكلام واليدين والعينين، محتجاً بالآيات والأحاديث. فمن ذلك قوله: باب قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وباب قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وباب "قوله": {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} وباب كلام الرب عز وجل مع الأنبياء. ونحو ذلك مما إذا تعقله اللبيب عرف من تبويبه أن الجهمية ترد ذلك، وتحرف الكلم عن مواضعه، وله مصنف مفرد سماه "كتاب أفعال العباد في مسألة القرآن". وكان حافظاً علامة يتوقد ذكاء، وكان ورعاً تقياً، كبير الشأن، عديم النظير. مات سنة ست وخمسين ومائتين. لقي مكي بن إبراهيم بخراسان. وأبا عاصم بالبصرة، وعبيد الله بن موسى بالكوفة، والمقرئ بمكة، والفريابي بالشام، وعاش اثنين وستين سنة. 221- هكذا في بعض نسخ "الجامع الصحيح"، وفي بعضها "كتاب التوحيد" وهو

الذي في النسخ المطبوعة منه. 222- وصله الطبري في "تفسيره" من طريق أبي جعفر الرازي عنه. قلت: وأبو جعفر سيء الحفظ. 223- وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه، وقد مضى برقم "35". 77- أبو زرعة الرازي/ 221 " ... -264" 252- قال إسماعيل الأنصاري مصنف "ذم الكلام وأهله": أنبأ أبو يعقوب القراب، أنبأنا جدي، سمعت أبا الفضل بن إسحاق، حدثني محمد بن إبراهيم الأصبهاني، سمعت أبا زرعة الرازي -وسئل عن تفسير {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ؟ فغضب وقال: تفسيره كما تقرأ1، هو على عرشه، وعلمه في كل مكان، من قال غير هذا فعليه لعنة الله. 224- هو الإمام حافظ العصر عبيد الله بن عبد الكريم القرشي مولاهم الرازي وترجمته في "تذكرة الحفاظ" للمؤلف حافلة بالمناقب والفضائل فراجعه "2/ 124-125"، وهو غير أبي زرعة الرازي الصغير المسمى أحمد بن الحسين، وهو حافظ متقن أيضا فانظر "التذكرة" "3/ 194". 225- قلت: أبو الفضل هذا لم أعرفه. وأبو يعقوب القراب اسمه إسحاق بن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن السرخسي، ثم الهروي، حافظ إمام توفي سنة "429". وجده هنا يعني جده لأمه فهو الذي ذكره المؤلف في شيوخه، وهو محمد بن عمر بن حفصويه، ولم أجد له ترجمة، وهو غير محمد بن عمر بن حفص الجور جيري المترجم في "أخبار أصبهان" "2/ 272" و"الشذرات" "2/ 328"، فإنه أعلى طبقة منه، مات سنة "330".

_ 1 يعني أنها بينة واضحة. انظر تعليق المصنف على نحو هذه الكلمة في ترجمة أبي يعلى الآتية.

ومحمد بن إبراهيم الأصبهاني عدة، مترجمون في "أخبار أصبهان" لأبي نعيم: 1- محمد إبراهيم بن شبيب العسال أبو عبد الله شيخ ثقة. يروي عن إسماعيل بن عمرو، و ... توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين. 2- محمد بن إبراهيم بن سعيد بن ماونداد الثقفي أبو عبد الله الوشاء شيخ صدوق، يروي عن زيد بن الحريش، و ... توفي سنة تسع وتسعين ومائتين. 3- محمد بن إبراهيم بن نصر بن شبيب الصفار، أبو بكر، ثقة، تحول إلى المدينة، توفي سنة خمس وثلاثمائة، يروي عن هارون الحمال مسنده. قلت: فلعل صاحب هذا الأثر هو أحد هؤلاء الثقات. 253- وعن عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا زرعة رحمهما الله تعالى عن مذهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك؟ فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار، فكان من مذاهبهم أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته، والقدر خيره وشره من الله تعالى، وأن الله تعالى على عرشه، بائن من خلقه، كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله، أحاط بكل شيء علماً، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. أبو زرعة كان إمام أهل الحديث في زمانه، بحيث أن أحمد بن حنبل قال: ما عبر جسر بغداد أحفظ من أبي زرعة، وكان من الأبدال تحفظ بهم1 الأرض. وقال: يحفظ هذا الشاب سبعمائة ألف حديث. قلت: كان رأساً في العلم والعمل، ومناقبه جمة، مات سنة أربع وستين ومائتين. حدث عنه مسلم في "صحيحه". 226- قلت: هذا صحيح ثابت عن أبي زرعة وأبي حاتم رحمة الله عليهما، فقد ساقه

_ 1 أي: بدعائهم وإخلاصهم.

المصنف بأسانيد ثلاثة عن عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله تعالى، أحدها من طريق هبة الله ابن الحسن اللالكائي، وهذا أخرجه في كتابه العظيم "شرح أصول السنة" قال "1/ 47/ 1": أخبرنا محمد بن المظفر المقرئ قال: حدثنا الحسين بن محمد بن حبش المقري قال: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ... قلت: وهذا إسناد جيد، محمد بن المظفر هو ابن علي بن حرب أبو بكر المقري الدينوري، قال الخطيب "3/ 265": "سكن بغداد، وحدث بها عن أبي إسحاق المزكي النيسابوري و ... وأبي علي بن حبش الدينوري، كتبنا عنه، وكان شيخا صالحا فاضلا صدوقا، مات سنة خمس عشرة وأربعمائة". والحسين بن محمد بن حبش المقرئ هو أبو علي الدينوري صاحب موسى بن جرير لرقي، أورده ابن العماد في وفيات سنة "373"، ولم يزد! والظاهر من ترجمة ابن المظفر في "تاريخ بغداد" المتقدمة، أنه ورد بغداد إن لم يكن من مواليدها لتحديث ابن المظفر عنه بها، ومع ذلك فلم يترجم له الخطيب فيه. والله أعلم. ولكنه لم يتفرد به، فقد تابعه عند المصنف علي بن عبد العزيز وهو البغوي وهو ثقة ثبت، وعلي بن مردك ولم أعرفه. ورسالة ابن أبي حاتم هذه محفوظة في "المجموع" "11" في "الظاهرية" في آخر كتاب "زهد الثمانية من التابعين" من الطريقين الأخيرين عنه وفيه أن ابن مردك بردعي. والله أعلم.

78- أبو حاتم الرازي "؟ -277" 254- قال الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتاب "الرد على الجهمية": حدثنا أبي وأبو زرعة قال: كان يحكى لنا أن هنا رجلا من قصة هذا، فحدثني أبو زرعة قال: كان بالبصرة رجل وأنا مقيم في سنة ثلاثين ومائتين فحدثني عثمان بن عمرو بن الضحاك عنه أنه قال: إن لم يكن القرآن مخلوقا فمحا الله ما في صدري من القرآن، وكن من قراء القرآن، فنسي "القرآن" حتى كان يقال له: قل: "بسم الله الرحمن الرحيم" فيقول: معروف معروف، ولا يتكلم به. 227- لم أعرفه، إلا أن يكون "الضحاك" محرفا عن "الكحال"، ففي "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم "3/ 1/ 162": "عثمان بن عمرو البصري الكحال، نزيل الكوفة، روى عن مبارك بن فضالة ومحمد بن مروان العجلي، روى عنه أبي وأبو زرعة". قلت: فهو هذا، وأبو زرعة لا يروي إلا عن ثقة. فالقصة صحيحة. 255- قال أبو زرعة: فجهدوا بي أن أره فلم أره. فقال محمد بن بشار: سمعت جاراً كان لي وكان يقرئني القرآن، ويقول: هو مخلوق، فقال له رجل: إن لم يكن القرآن مخلوقا فمحا الله كل آية من صدرك؟ قال: نعم، فأصبح وهو يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ} فإذا أرد أن يقول: "نعبد" لم يجر لسانه. 228- هو الملقب بـ"بندار" ثقة من شيوخ البخاري ومسلم. 256- قال الحافظ أبو القاسم الطبري: وجدت في كتاب أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي مما سمع منه يقول: مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين من بعدهم "بإحسان"، والتمسك بمذاهب أهل الأثر مثل الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد رحمه الله تعالى، ولزوم الكتاب والسنة.

ونعتقد أن الله عز وجل على عرشه، بائن من خلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} قال: واختيارنا أن الإيمان يزيد وينقص، ونؤمن بعذاب القبر، وبالحوض، وبالمساءلة في القبر، وبالشفاعة، ونترحم على جميع الصحابة، ولا نسب أحداً منهم، ولا نقاتل في الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ونرى الصلاة والحج والجهاد مع الأئمة، ودفع صدقات المواشي إليهم، ونؤمن بما صح بأن يخرج قوم من النار من الموحدين بالشفاعة -إلى أن قال:- وعلامة أهل البدع: الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الجهمية: أن يسموا أهل السنة مشبهة ونابتة، وعلامة القدرية: أن يسموا أهل السنة مجبرة، وعلامة الزنادقة: أن يسموا أهل الأثر1 حشوية. أبو حاتم كان أحد الأعلام، ومن كبار أئمة أهل الأثر، أدرك أبا نعيم والأنصاري وطبقتهما، وجرح وعدل، "وصحح وعلل" وكان جارياً في مضمار قرينه وقريبه الحافظ أبي زرعة، حدث عنه أبو داود والكبار. توفي سنة سبع وسبعين ومائتين. 229- هو الإمام اللالكائي مؤلف كتاب "شرح السنن"، وما نقله المصنف عنه موافق لما فيه "1/ 48/ 1-2" إلا أن فيه اختصارا، وتقديما وتأخيرا. 230- قلت: كما يفعل الكوثري، فإن تعاليقه ورسائله طافحة بالطعن في أئمة الحديث، ورميهم بالتجسيم، وتسميته إياهم بالمشبهة والحشوية، ومع ذلك فهو عند تليمذه: الكوثري "! " الحجة العلامة النقاد ... ! انظر مقدمتي على كتاب "شرح الطحاوية" الطبعة الرابعة. طبع المكتب الإسلامي. 79- يحيى بن معاذ الرازي، واعظ زمانه "؟ -258" 257- قال أبو إسماعيل الأنصاري في "الفاروق" بإسناد إلى محمد بن محمود: سمعت يحيى بن معاذ يقول:

_ 1 وفي المخطوطة "أهل السنة" والمثبت موافق لما في كتاب الطبري.

إن الله على العرش بائن من خلقه، أحاط بكل شيء علماً، لا يشذ عن هذه المقالة إلا جهمي يمزج الله بخلقه. 232- لم أعرفه، ولم أقف على الإسناد إليه. 80- أحمد بن سنان محدث واسط "؟ -259" 258- قال ابن أبي حاتم في "الرد على الجهمية": حدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال: بلغني عن ابن أبي دؤاد -يعني القاضي أيام المحنة- أنه قال: ثلاثة من الأنبياء مشبهة: عيسى بن مريم عليه السلام حيث قال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك} وموسى عليه السلام حيث قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} ومحمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إنكم ترون ربكم" قال: هذا كفر صراح أو التشبيه بهذا الاعتبار حق. فتعالى الله عما يقول الجاحدون علواً كبيراً. وقد ذكرنا قول نعيم بن حماد: من شبه الله بخلقه فقد كفر. وأحمد بن سنان القطان حافظ ورع، من مشيخة البخاري ومسلم، ما نقل هذا عن أحمد بن أبي دؤاد الملحد سدى، وهو الذي كان واقفاً يوم محنة الإمام أحمد بين يدي المعتصم يقول: يا أمير المؤمنين هذا ضال مضل اقتله. مات أحمد بن سنان سنة ثمان وخمسين ومائتين عن نيف وثمانين سنة. 232- قلت: لكن السند، لا يصح إلى ابن أبي دؤاد القاضي بما ذكر عنه، والله يحب الإنصاف، وهو القائل {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} الآية، لأن الواسطي وإن كان ثقة، فقد ذكره بلاغا، ولم يسم الذي بلغه لينظر فيه أثقة هو أم لا؟ 233- كذا في الأصول، وهو أحد الأقوال التي قيلت في وفاته، والصواب ما أثبتنا أعلاه كما جزم به الحافظ في "التهذيب". 81- الإمام الرباني، محمد بن أسلم الطوسي "؟ -242" 259- قال الحاكم في ترجمته: حدثنا يحيى العنبري، حدثنا أحمد ابن سلمة: حدثنا محمد بن أسلم قال: قال لي عبد الله بن طاهر: بلغني أنك

ترفع رأسك إلى السماء، فقلت: ولم وهل أرجو الخير إلا ممن هو في السماء؟ قال عبد الرحمن بن محمد الحافظ: حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي: سمعت إسحاق بن داود الشعراني يذكر أنه عرض على محمد بن أسلم الطوسي كلام بعض من تكلم في القرآن، فقال محمد: القرآن كلام الله غير مخلوق أينما تلي وحيثما كتب، لا يتغير، ولا يتحول، ولا يتبدل. قلت: صدق والله، فإنك تنقل من المصحف مائة مصحف، وذاك الأول لا يتحول في نفسه ولا يتغير، وتلقن القرآن ألف نفس، وما في صدرك باق بهيئته لا يفصل عنك ولا يغير، وذاك لأن المكتوب واحد، والكتابة تعددت، والذي في صدرك واحد، وما في صدور المقرئين هو عين ما في صدرك سواء، والمتلو وإن تعدد التالون به واحد، مع كونه سوراً وآيات وأجزاء متعددة، وهو كلام الله ووحيه وتنزيله وإنشاؤه، ليس هو بكلامنا أصلاً، نعم، وتكلمنا به وتلاوتنا له ونطقنا به من أفعالنا، وكذلك كتابتنا له وأصواتنا به من أعمالنا، قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} . فالقرآن المتلو مع قطع النظر عن أعمالنا كلام الله ليس بمخلوق، وهذا إنما يحصله الذهن، وأما في الخارج فلا يتأتى وجود القرآن إلا من تال أو في مصحف، فإذا سمعه المؤمنون في الآخرة من رب العالمين، فالتلاوة إذ ذاك والمتلو ليسا بمخلوقين، ولهذا يقول الإمام أحمد: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق -يريد به القرآن- فهو جهمي. فتأمل هذا فالمسألة صعبة، وما فصلته فيها وإن كان حقا، فأحمد رحمه الله تعالى وعلماء السلف لم يأذنوا في التعبير عن ذلك، وفروا من الجهمية ومن الكلام بكل ممكن حتى أن حرب بن إسماعيل قال: سمعت ابن راهويه- وسئل عن الرجل يقول: القرآن ليس بمخلوق وقراءتي إياه مخلوقة، لأني أحكيه؟ - فقال: هذا بدعة، لا يقار على هذا حتى يدع.

قلت: أظن إسحاق نفر من قوله "لأني أحكيه"، بحيث أن الحافظ الثبت عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه قال: سألت أبي: ما تقول في رجل قال: التلاوة مخلوقة، وألفاظنا بالقرآن مخلوقة، والقرآن كلام الله ليس بمخلوق؟ قال: هذا كلام الجهمية، قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى أبلغ كلام ربي" وقال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" وكان أبي يكره أن يتكلم في اللفظ بشيء، أو يقال: مخلوق أو غير مخلوق. قلت: ففعل الإمام أحمد رضي الله عنه هذا حسما للمادة1، وإلا فالملفوظ كلام الله، وأما التلفظ به فمن كسبنا. ولقد كان محمد بن أسلم من السادات علماً وعملاً، له تصانيف منها "الأربعون" التي سمعناها: توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين بطوس. 234- قلت: الظاهر أنه يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمد بن الوليد العنبري أبو زكريا الذارع، فقيه حاسب شروطي، قال أبو نعيم في "أخبار أصبهان" "2/ 362": "توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، يروي عن عبد الله بن عمر كتب أبي مسعود". قلت: وأحمد بن سلمة هو ابن عبد الله أبو الفضل النيسابوري، قال ابن أبي حاتم "1/ 1/ 54": "كتبت عنه بالري، قد علينا في حياة أبي، فكتب عنه". مات سنة "286" وكان حافظا من المهرة له صحيح كصحيح مسلم كما في "الشذرات". 235- قلت: إسناده لا بأس به، الشعراني هذا هو إسحاق بن داود بن عيسى أبو يعقوب الشعراني المروزي: ترجمه الخطيب "6/ 374" برواية محمد بن مخلد العطار عنه وقال: مات سنة "261". وعبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي، الظاهر أنه الذي في "الجرح والتعديل"

_ 1 انظر توجيه هذا الكلام في "الوصية الكبرى" لابن تيمية "ص403، ج3 مجموعة الفتاوى".

"2/ 2/ 163": "عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الفضل بن الشيخ بن عميرة الأسدي، روى عن خالد بن خداش وداود بن عمرو ومصعب بن عبد الله الزبيري وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين ومحرز بن عون، سمعت منه بواسط وبالري وكتب عنه أبي زرعة ورويا عنه، سئل أبي عنه؟ فقال: صدوق". 236- رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "السنة" "ص29" عن أبيه نحوه. أخرجه البيهقي في "الأسماء" "ص266" بإسناد صحيح، وقال: "قلت: هذا تقييد حفظه عنه ابنه عبد الله، وهو قوله: "يريد به القرآن"، فقد غفل عنه غيره ممن حكى عنه في اللفظ خلاف ما حكينا حتى نسب إليه ما تبرأ منه فيما ذكرنا". قلت: وفي قوله "فقد غفل غنه غيره ... " نظر، لأن حقيقة الأمر أن الإمام أحمد كان يطلق ذلك في كثير من الأحيان، وممن روى ذلك عنه ابنه عبد الله نفسه كما يأتي في الكتاب، وكذا أبو داود كما سأبينه قريبا فهل يجوز أن ينسبا إلى الغفلة؟! فالحق أن أحمد أطلق غالبا، فحفظه عنه جمع، وقيد مرة بيانا ودفعا لما قد يتوهم من الإطلاق أن نطقنا بالقرآن ليس من أفعالنا، وهذا خلاف ما هو مقرر عند أهل السنة أن أفعال العباد -ومنها النطق- مخلوقة كما شرحه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه "خلق أفعال العباد". بأدلة قاطعة من الكتاب والسنة، وأقوال السلف. فبين الإمام أحمد رحمه الله تعالى بهذا القيد أنه لا يعني نطق التالي، فإنه مخلوق، وإنما يريد كلام الله تعالى، وبهذا يتفق الإمام مع تليمذه البخاري الذي كان يفرق بين التلاوة والمتلو، كما حكاه البيهقي وغيره، وقال: "ومسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى كان يوافق البخاري في التفصيل". وهو الذي شرحه المصنف رحمه الله تعالى، وأحسن في ذلك، وبين السبب في فرار الإمام أحمد- في أكثر الروايات عنه- ومن وافقه من القول بالتفصيل المذكور. ولله عاقبة الأمور. وراجع له كلام الإمام الجويني في رسالته في "الاستواء" "ص184" فإنه مهم. 237- هو طرف حديث أخرجه أبو داود وغيره بإسناد صحيح عن جابر، وقد خرجته في "الصحيحة" "1947". 238- هذا طرف من حديث لمعاوية بن الحكم السلمي، وقد مضى طرف آخر منه في أول الكتاب، وذكرت هناك مواطن تخريجي إياه. 239- ذكره عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "السنة" "ص28-29" عن أبيه مفرقا. وقال أبو داود في "مسائله" "ص271": "حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي أن أحمد بن محمد بن حنبل قال له: إن اللفظية إنما بدورون على كلام جهم، يزعمون أن جبريل إنما جاء بشيء مخلوق. يعني جبريل مخلوق جاء به إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: سألت أحمد بن حنبل قلت: هؤلاء الذين يقولون: إن ألفاظنا بالقرآن مخلوقة؟ قال: هم شر من قول الجهمية، من زعم فقد زعم أن جبريل جاء بمخلوق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بمخلوق". 240- قلت: منه نسخة قيمة في المكتبةي الظاهرية بخط الحافظ عبد الغني المقدسي من روايته عن أبي طاهر السلفي بسنده إلى الطوسي، وهو مرتب على الأبواب. 82- عبد الوهاب الوراق "؟ -250" 260- حدث عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق بقول ابن عباس: "ما بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى كُرْسِيِّهِ سَبْعَةَ آلافِ نُورٍ وَهُوَ فَوْقَ ذلك" ثم قال عبد الوهاب: من زعم أن الله ههنا فهو جهمي خبيث، إن الله عز وجل فوق العرش، وعلمه محيط بالدنيا والآخرة. كان عبد الوهاب ثقة حافظاً، كبير القدر، حدث عنه أبو داود والنسائي والترمذي، قيل للإمام أحمد رضي الله عنه: "من نسأل بعدك؟ " فقال: سلوا عبد الوهاب، واثنى عليه، توفي سنة خمسين ومائتين. قال غال ناف1 بلسان الحال: ما لهذا المحدث ذنب ولا لأمثاله، غرهم قول شيوخهم، واغتر شيوخهم بما صرح به التابعون في هذه المسألة، وأولئك غرهم قول ابن عباس وابن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص. قلت: نعم يا جاهل، فأطرد مقالتك الشنعاء، وقل الصحابة غرهم قول الصادق المصدوق: "أعتقها فإنها مؤمنة" وقوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا" فالنبي صلى الله عليه وسلم أصل ذلك وألقاه إلى أمته، وبناه على ما أوحي إليه من قول أصدق القائلين: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم} إلى غير ذلك من الآيات، وإلى ما علمه جبرائيل، وما جاء به عن

_ 1 أي من المعطلة الغلاة في نفي الصفات وليس القول نصا على الحقيقة، بل هو لازم عقيدتهم الفاسدة.

رب العالمين من السنة، وما جاء به المرسلون إلى أممهم من إثبات نعوت الرب سبحانه وتعالى، فالحمد لله على الإسلم والسنة. 83- حرب الكرماني "؟ -28" 261- قال عبد الرحمن بن محمد الحنظلي الحافظ: أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني فيما كتب إلي: أن الجهمية أعداء الله، وهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق، وأن الله لم يكلم موسى، ولا يرى في الآخرة، ولا يعرف لله مكان، وليس على عرش ولا كرسي وهم كفار فاحذرهم. كان حرب من أوعية العلم، حمل عن أحمد وإسحاق، وكان عالم كرمان في عصره، يذكر مع الأثرم والمروذي، ارتحل إليه الخلال وأكثر عنه. توفي سنة بضع وسبعين ومائتين. 241- قلت: نسبة المكان إلى الله تعالى مما لم يرد في الكتاب والسنة ولا في أقوال الصحابة وسلف الأمة. واللائق بنهجهم، أن لا ننسبه إليه تعالى خشية أن يوهم ما لا يليق به عز وجل، على أنه مفسر في كلام الكرماني بما بعده. 84 عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ الْحَافِظُ "؟ -280" 262- قال عثمان الدارمي في كتاب "النقض على بشر المريسي" وهو مجلد سمعناه من أبي حفص بن القواس فقال: قد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله فوق عرشه، فوق سماواته. وقال أيضاً: أن الله تعالى فوق عرشه، ويسمع من فوق العرش، لا تخفى عليه خافية من خلقه، ولا يحجبهم عنه شيء. قال أبو الفضل الفرات: ما رأينا مثل عثمان بن سعيد، ولا رأى هو مثل نفسه، أخذ الحديث عن يحيى بن معين وابن المديني، والفقه عن البويطي، والأدب عن ابن الأعرابي، فتقدم في هذه العلوم.

قلت: ولحق مسلم بن إبراهيم وسعيد بن أبي مريم والطبقة، وما هو في العلم بدون أبي محمد الدارمي السمرقندي. مات بعد الثمانين ومائتين بسجستان. وفي كتابه بحوث عجيبة مع المريسي يبالغ فيها في الإثبات، السكوت عنها أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث. 242- انظر "كتاب النقض" "ص25 و79 و82 و83" 85- أبو محمد الدارمي صاحب السنن "181-255" وأبو محمد لا يتأول، ويؤمن بالصفات وبالعلو في ذلك الوقت، الحافظ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي الدارمي، وكتابه ينبئ بذلك. 243- يعني كتابه المعروف بـ"سنن الدارمي"، ومن أبوابه في آخره: "باب في شأن الساعة ونزول الرب تعالى" و"باب النظر إلى الله تعالى". 86- أحمد بن الفرات الرازي "-؟ -258" وأحمد بن الفرات الرازي الحافظ الشهير أبو مسعود. 87- أبو إسحاق -الجوزجاني "-؟ - 6 و259" وأبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني الحافظ، صاحب التصانيف. 88- الإمام مسلم "204-261" والإمام الحجة أبو الحسين مسلم بن الحجاج صاحب "الصحيح". 89- القاضي صالح بن الإمام أحمد "201-290" والقاضي الإمام صالح بن أحمد بن حنبل.

90- الحافظ أبو عبد الرحمن بن أحمد حنبل. وأخوه الحافظ أبو عبد الرحمن1. 91- ابن عمهما حنبل بن إسحاق "-؟ -273" وابن عمهما حنبل بن إسحاق الحافظ. 92- أبو أمية الطرسوسي "180-273" والحافظ أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي صاحب "المسند". 93- بقي بن مخلد "181-276" والحافظ شيخ الأندلس بقي بن مخلد القرطبي مصنف "المسند" و"التفسير". 94- الإمام إسماعيل القاضي "199-282" وشيخ المالكية الإمام إسماعيل بن إسحاق الأزدي البصري القاضي. 95- الحافظ يعقوب الفسوي. "؟ 277" والحافظ يعقوب بن سفيان الفارسي الفسوي. 96- الحافظ ابن أبي خيثمة "185-279" والحافظ أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة. 97- أبو زرعة الدمشقي "-؟ -281" والحافظ أبو زرعة الدمشقي. 98- ابن نصر المروزي "202-294" والإمام محمد بن نصر المروزي.

_ 1 قلت: وهو راوي "المسند" عن أبيه الإمام أحمد.

99- ابن قتيبة "213-276" 263- قال الإمام العالم أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري صاحب التصانيف الشهيرة في كتابه في "مختلف الحديث": نحن نقول في قول الله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} : أنه معهم، يعلم ما هم عليه، كما تقول الرجل وجهته إلى بلد شاسع: احذر التقصير فإني معك، يريد أنه لا يخفي علي تقصيرك، وكيف يسوغ لأحد أن يقول: إن الله سبحانه بكل مكان على الحلول فيه مع قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ومع قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب} كيف يصعد إليه شيء هو معه؟! وكيف تعرج الملائكة والروح إليه وهي معه؟! قال: ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرتهم وما ركبت عليه ذواتهم من معرفة الخالق، لعلموا أن الله عز وجل هو العلي، وهو الأعلى، وأن الأيدي ترفع بالدعاء إليه، والأمم كلها عجمها وعربها تقول: أن الله في السماء ما تركت على فطرها. قال: وفي الإنجيل أن المسيح عليه السلام قال للحواريين: "إن أنتم غفرتم للناس فإن أباكم الذي في السماء يغفر لكم ظلمكم، انظروا إلى الطير فإنهن لا يزرعن ولا يحصدن، وأبوكم الذي في السماء هو يرزقهن" ومثل هذا في الشواهد كثير. قلت: قوله "أبوكم" كانت هذه الكلمة مستعملة في عبارة عيسى والحواريين، وفي "المائدة": {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} فالأبوة والنبوة في قولهم لم يكونوا يريدون بها الولادة أصلا، بل يعنون به يحبهم ويربهم ويرأف بهم. وهذه الكلمة لم تستعمل في لغة هذه الأمة، ولا ينبغي الآن إطلاقها فإنها قد هجرت، بل ونزل نص كتابنا بذمها حيث يقول: {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} الآية: فإن صح أن عيسى عليه السلام نطق بها، فلها محمل غير ما ذم الله تعالى، فأما اليوم فلا نقر

أحداً على إطلاقها والله أعلم. مات ابن قتيبة سنة ست وسبعين ومائتين. مات ابن قتيبة سنة ست وسبعين ومائتين. 244- مختلف الحديث "ص344-347". 100- ابن أبي عاصم "؟ -287" 264- قال الحافظ الإمام قاضي أصبهان صاحب التصانيف أبو بكر أحمد ابن عمرو بن أبي عاصم الشيباني: جميع ما في كتابنا -كتاب "السنة الكبير". الذي فيه الأبواب -من الأخبار التي ذكرنا أنها توجب العلم، فنحن نؤمن بها لصحتها، وعدالة ناقليها، ويجب التسليم لها على ظاهرها، وترك تكلف الكلام في كيفيتها، فذكر من ذلك النزول إلى السماء الدنيا والاستواء على العرش. سمعت عاتكة بنت أبي بكر هذا الكلام من أبيها، وكانت فقيهة عالمة. وكان أبوها شيخ الظاهرية بأصبهان، كما أن شيخهم بالعراق داود بن علي، علي. روى عن أصحاب شعبة وحماد بن سلمة. وقع لنا جملة من تصانيفه، ومات سنة سبع وثمانين ومائتين، لم يلحق جده أبا عاصم النبيل، ولحق جده لأمه موسى بن إسماعيل التبوذكي. 245- قلت: هو كتاب عظيم جامع في موضوعه، وأنا في صدد تحقيقه، وتخريجه، يسر الله إتمامه"1، ومن أبوابه "باب ما ذكر أن الله في سمائه دون أرضه". ثم ساق حديث الجارية المتقدم في أول الكتاب. 101- أبو عيسى الترمذي "209-279" 265- ذكر الحافظ أبو عيسى في "جامعه" لما روى حديث أبي هريرة وهو خبر منكر "لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله" فقال أهل

_ 1 "وقد توقف الشيخ ناصر عن إتمامه، بعد أن خرج أكثر أحاديثه وقمنا بطبعه، ونحن الآن في صدد إعادة طبعه مخرجين جميع أحاديثه".

العلم: وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه. 246- الترمذي في "جامعه" "2/ 226"، وأشار إلى تضعيف الحديث بقوله: "حديث غريب". قلت: وعلته أنه من رواية الحسن عن أبي هريرة. والحسن -وهو البصري- مدلس وقد عنعنه، على اختلاف العلماء في أصل سماعه من أبي هريرة. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد أيضا "2/ 370"، لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرسالة العرشية" "ص23" بعد أن أعله سماع الحسن من أبي هريرة: "ولكن يقويه حديث أبي ذر المرفوع". قلت: ولم أعرفه عن أبي ذر، ولا هو عزاه لأي مصدر، حتى ننظر في إسناده. "تنبيه": في نسخة المكتبة السلفية دون كل المطبوعات زيادة في كلام الترمذي ليست في "سنن الترمذي" ولا في الأصول الأخرى أثبتها محققها نقلا عن الشيخ عبد الغفار المسلاوي. فحذفتها لما ذكرت وكذلك ليس لها أصل فيما نقله ابن القيم في "جيوشه" "ص96" عن الترمذي، فاقتضى التنبيه. 266- وقال أبو عيسى إثر ما روى حديث أبي هريرة "أن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها". قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا، ونؤمن به ولا نتوهم ولا نقول: كيف؟ هكذا روي عن مالك وابن عيينة وابن المبارك، أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف. قال: وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، وفسروها على غير ما فسر أهل العلم. وقالوا: أن الله لم يخلق آدم بيده، وإنما معنى اليد ههنا القوة1! قال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد مثل يدي، أو سمع كسمعي، فهذا تشبيه. وأما إذا قال كما قال الله: يد، وسمع، وبصر، فلا يقول: كيف، ولا يقول: مثل،

_ 1 كذا في المطبوعة، وهو الموافق لـ"جامع الترمذي" وفي المخطوطة: "النعمة" وزادت: "وهذا القول في -باب فضل الصدقة- من "الجامع" وقال نحواً من ذلك أيضاً في تفسير: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} من سورة المائدة": قلت: وليس في المخطوطة قول إسحاق المذكور بعده. والله أعلم.

فهذا لا يكون تشبيها عنده، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . مات أبو عيسى رحمه الله في رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، حمل العلم عن أصحاب حماد بن سلمة ومالك. 247- جامع الترمذي "1/ 128-129"، وقال عقب الحديث: "حديث حسن صحيح". قلت: وأخرجه الشيخان وغيرهما، وهو من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعا، وقد مضى برقم "11". 102- ابن ماجه "209-273" 276- ذكر الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني في سننه "باب ما أنكرت الجهمية". فساق حديث الرؤية، وحديث أبي رزين، وحديث جابر "بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ، إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نَوُرٌ فَرَفَعُوا رؤوسهم، فإذا الرب عز وجل أشرف عليهم من فوقهم"، وحديث "يطوي الله السموات بيمينه"، وحديث الأوعال. وحديث "إن الله ليضحك إلى ثلاثة"، ونحو ذلك من الصفات. وفعل نحواً من ذلك في تفسيره كغيره من علماء الحديث. توفي في رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين. 248- سنن ابن ماجه "ج1 ص63-73". 249- رقم 177-179 من حديث جرير بن عبد الله، وأبي هريرة وأبي سعيد، وهو عند الشيخين أيضا كما سبق في التعليق "56". 250- رقم "183"، وساقه المصنف بتمامه فيما تقدم من كتابه "ص19"، ولكني حذفته من هذا المختصر، لأنه ليس على شرطنا الذي نبهنا عليه في المقدمة. 251- رقم "184": قلت: وهو ضعيف أيضا، وقد بينت علته في "تخريج الطحاوية" "ص170". 252- رقم "192 و198" من حديث أبي هريرة، وهو عند الشيخين، وابن عمر، وهو عند مسلم، وقد خرجتهما في "تخريج كتاب السنة لابن أبي عاصم" "546-549".

253- ساقه المصنف في كتابه "ص49-50"، وقد حذفته أيضا لضعفه، وقد أشار إلى ذلك المؤلف فيما تقدم من هذا المختصر "الأثر 85". 254- رقم "200" وإسناده ضعيف كما بينته في "الأحاديث الضعيفة" "3453". 103- "أبو جعفر" ابن أبي شيبة "؟ -297" 268- قال الحافظ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بن محمد بن أبي شيبة العبسي محدث الكوفة في وقته -وقد تكلم فيه، ألف كتاباً في العرش- فقال: ذكروا أن الجهمية يقولون: ليس بين الله وبين خلقه حجاب، وأنكروا العرش، وأن يكون الله فوق، وقالوا: إنه في كل مكان، ففسرت العلماء "وهو معكم" يعني علمه، ثم تواترت الأخبار أن الله تعالى خلق العرش فاستوى عليه، فهو فوق العرش متخلصاً من خلقه، بائناً منهم. توفي أبو جعفر سنة سبع وتسعين ومائتين. لحق أحمد بن يونس وطبقته. 255- يوجد منه نسخة مخطوطة في المكتبة الظاهرية تحت رقم "297 -حديث". 104- سهل التستري "203-283" 269- قال إسماعيل بن علي الأيلي: سمعت سهل بن عبد الله بالبصرة سنة ثمانين ومائتين يقول: العقل وحده لا يدل على قديم أزلي فوق عرش محدث نصبه الحق دلالة وعلماً لتهتدي القلوب به إليه ولا تجاوزه، أي: بما أثبت الحق فيها من نور الهداية، ولم يكلفها علم ماهية هويته، فلا كيف لاستوائه عليه، لأنه لا يجوز لمؤمن أن يقول: كيف الاستواء لمن خلق الاستواء؟ وإنما عليه الرضى والتسليم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه تعالى على العرش" قال: وإنما سمي الزنديق زنديقاً لأنه وزن دق الكلام بمخبول عقله، وترك الأثر وتأول القرآن بالهوى، فعند ذلك لم يؤمن بأن الله على عرشه.

256- لم أعرفه. 257- لعله يعني في الاستواء الثاني استواء المخلوق، فإن استواء الله تعالى على عرشه صفة فعل له، وصفته كذاته أزلية، لا يجوز القول بخلقها كما هو ظاهر لا يخفى. واسم والد أبي نعيم عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبو محمد الأصبهاني. ترجمه ابنه في "أخبار أصبهان" "2/ 93-94"، وذكر أن مولده سنة "281"1 ووفاته سنة "365". وذكر في "الشذرات" "3/ 50-51" أنه رحل وعني بالحديث، وروى عن أبي خليفة الجمحي وطبقته، وكانت رحلته في سنة ثلاثمائة. 270- وقال أبو نعيم الحافظ. "سمعت أبي يقول" حدثنا أبو بكر الجوربي، سمعت سهل بن عبد الله يقول: أصولنا: التمسك بالقرآن، والاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، والتوبة، وأداء الحقوق. كل سهل شيخ العارفين في زمانه، مات في المحرم سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وله ثمانون سنة، لقي ذا النون المصري وجماعة. 105- أبو مسلم الكجي الحافظ "200-292" 271- وعن أبي محمد بن ماسي قال: حدثنا أبو مسلم الكجي قال: خرجت فإذا الحمام قد فتح سحراً، فقلت للحمامي: أدخل أحد؟ قال: لا، فدخلت، فساعة افتتحت الباب قال لي قائل: أبو مسلم، أسلم تسلم، ثم أنشأ يقول لك الحمد إما على نعمة ... وإما على نقمة تدفع نشاء فتفعل ما شئته ... وتسمع من حديث لا تسمع قال: فبادرت وخرجت وأنا جزع، فقلت للحمامي: أليس زعمت أنه ليس في الحمام أحد؟

_ 1 وقع في الأصل إحدى وثلاثين ومائتين وهو خطأ مطبعي.

قال: ذاك جني يترايا لنا في كل حين وينشدنا، فقلت: هل عندك من شعره شيء؟ قال: نعن وأنشدني: أيها المذنب المفرط مهلاً ... كم تمادى1 وتكسب الذنب جهلا كم وكم تسخط الجليل بفعل ... سمج وهو يحسن الصنع فعلا كيف تهدا جفون من ليس يدري ... أرضي عنه من على العرش أم لا توفي الحافظ الكبير مسند العصر أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري الكجي صاحب "السنن" في سنة اثنتين وتسعين ومائتين. وقد لقي أبا عاصم الأنصاري، وعمر دهرا. 258- قلت: إسناد هذه القصة إلى الكجي صحيح، رجاله ثقات، رواه المصنف بسنده إلى الخطيب، وهذا أخرجه في "التاريخ" "6/ 122": أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن محمد القرشي حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي به. وابن ماسي ثقة متقن مات سنة "369". وأبو محمد القرشي هو الشاهد، ترجمه الخطيب "10/ 14" وقال: "كتبت عنه، وكان سماعه صحيحا. ولد سنة 355. ومات سنة 429.

_ 1 أي: تتمادى.

طبقة أخرى بعد الثلاثمائة 106- زكريا الساجي "؟ -307" 272- قال الإمام أبو عبد الله بن بطة العكبري مصنف "الإبانة الكبرى" في السنة -وهو أربع مجلدات: حدثنا أبو الحسن "أحمد"1 بن زكريا بن يحيى الساجي قال: قال أبي: القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث الذي لقيناهم أن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء. وساق سائر الاعتقاد. وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها، وعنه أخذ أبو الحسن الأشعري "علم" الحديث ومقالات أهل السنة. رحل إلى المزني والربيع فتفقه بهما، وله كتاب "علل الحديث"2 وكتاب "اختلاف الفقهاء" لقي أبا الربيع الزهراني وطبقته وعاش بضعاً وثمانين سنة، توفي سنة سبع وثلاثمائة. 107- محمد بن جرير "224-310" 273- قال أبو سعيد الدينوري مستملي محمد بن جرير: قرئ على أبي جعفر محمد بن جرير الطبري وأنا أسمع في عقيدته فقال: وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر.

_ 1 زيادة من المخطوطة و"الجيوش" "ص97"، ولم أعرف أحمد هذا، ولا ذكروه في الرواة عن أبيه الساجي. 2 قلت: وهو كتاب جليل يدل على تبحره في العلم كما قال المؤلف رحمه الله في "التذكرة" "2/ 250".

تفسير ابن جرير مشحون بأقوال السلف على الإثبات، فنقل في قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} عن الربيع بن أنس أنه بمعنى ارتفع. ونقل في تفسير "ثم استوى على العرش" في المواضع كلها أي: علا وارتفع. وقد روى قول مجاهد ثم قال: ليس في فرق الإِسْلامِ مَنْ يُنْكِرُ هَذَا، لا من يقرأ أَنَّ اللَّهَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَلا من ينكره من الجهمية وغيرهم1. 259- قلت: رواه المصنف بإسناده عن أبي سعيد الدينوري واسمه عمرو بن محمد بن يحيى كما وقع في إسناد جزء "الاعتقاد" لابن جرير المطبوع في بومباي. ولم أعرفه، ولكن تابعه القاضي أبو بكر أحمد بن كامل قال: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جرير: فأول من نبدأ فيه بالقول من ذلك كلام الله عز وجل ... فذكر معتقده، وفيه ما روى الدينوري. رواه اللالكائي في "شرح أصول السنة" "1/ 49/ 1" وسنده صحيح. ثم رأيت ابن القيم في "جيوشه" "ص75" كما عزاه لابن جرير في كتابه "صريح السنة". 274- وقال في كتاب "التبصير في معالم الدين" "له": القول فيما أدرك علمه من الصفات خبراً، وذلك نحو إخباره عز وجل أنه سميع بصير، وأن له يدين بقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وأن له وجهاً بقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} وأن له قدماً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى يضع الرب فيها قدمه" وأنه يضحك بقوله: "لقي الله وهو يضحك إليه" وأنه يهبط إلى سماء الدنيا لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأن له إصبعا بقول رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن" فإن هذه المعاني التي وصفت ونظائرها مما وصف "الله" به نفسه ورسوله، ما لا يثبت حقيقة علمه بالفكر والروية، لا نكفر بالجهل بها أحداً إلا بعد انتهائها إليه. أخرج هذا الكلام لابن جرير، القاضي أبو يعلى الحنبلي في كتاب "إبطال التأويل" له.

_ 1 قلت: يعني أنه ممكن غير محال عندهم على اختلافهم في تفسير الاستواء، فراجع تفصيل ذلك في "تفسير ابن جرير" "15/ 99-100" فإنه لا يخلو من نظر.

قال الخطيب: "كان ابن جرير أحد العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان عارفاً بالقرآن، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في الأحكام، عالماً بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، ناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين في الأحكام، في الحلال والحرام -إلى أن قال: -سمعت علي بن عبيد الله اللغوي يحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة. وقال الأستاذ أبو حامد الاسفراييني: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له تفسير ابن جرير لم يكن كثيراً -أو كما قال-". وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: "ما أعلم على أديم الأرض أحداً أعلم من محمد بن جرير". قلت: توفي سنة عشر وثلاثمائة وله نحو من تسعين سنة رحمه الله، ويذكر عنه تشيع قليل. 108- والبوشنجي الحافظ 275- قال شيخ الإسلام الهروي: أنبأنا ابن العالي، أنبأنا جدي منصور، حدثني أحمد بن الأشرف، قال: حدثنا حماد بن هناد، البوشنجي قال: هذا ما رأينا عليه أهل الأمصار، وما دلت عليه مذاهبهم فيه، وإيضاح منهاج العلماء وصفة السنة وأهلها، أن الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه، وعلمه وسلطانه وقدرته بكل مكان. 109- إمام الأئمة ابن خزيمة "223-311" 276- قال الحافظ أبو عبد الله الحاكم: سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت إمام الأئمة أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: من لم يقر بأن الله على عرشه استوى فوق سبع سمواته، بائن من خلقه،

فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وألقي على مزبلة لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة وأهل الذمة. كان ابن خزيمة رأسا في الحديث. رأساً في الفقه، من دعاة السنة، وغلاة المثبتة، له جلالة عظيمة بخراسان، أخذ الفقه عن المزني، وسمع من علي بن حجر وطبقته، توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، وله بضع وثمانون سنة، رحمة الله عليه آمين. 260- قلت: أخرجه الهروي أيضا في "ذم الكلام" "6/ 124/ 2" من طريق أخرى عن ابن هاني. والظاهر أنه ثقة، فقد صحح ابن تيمية في "الحموية" "ص117" إسناد هذا الأثر. 110- ابن سريج، فقيه العراق "249-306" 277- قال الإمام أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني/ 261: سألت أيدك الله بيان ما صح لدي من مذهب السلف، وصالح الخلف في الصفات، فاستخرت الله تعالى، وأجبت بجواب الفقيه أبي العباس أحمد بن عمر بن سريج -وقد سئل عن هذا- ذكره أبو سعيد عبد الواحد بن محمد الفقيه قال: سمعت بعض شيوخنا يقول: سئل ابن سريج رحمه الله عن صفات الله تعالى؟ فقال: "حرام على العقول أن تمثل الله، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الألباب أن تصف إلا ما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله، وقد صح عن جميع أهل الديانة والسنة إلى زماننا أن جميع الآي والأخبار الصادقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على المسلمين الإيمان بكل واحد منه كما ورد، وأن السؤال عن معانيها1 بدعة، والجواب كفر وزندقة، مثل قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} ، وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} ، ونظائرها ما نطق به القرآن كالفوقية،

_ 1 قلت: يعني غير معانيها الظاهرة بدليل قوله الآتي: "ولا نتأولهما بتأويل المخالفين ... ونسلم الخبر الظاهر والآية لظاهر تنزيلها".

والنفس، واليدين، والسمع، والبصر، وصعود الكلم الطيب إليه، والضحك، والتعجب، والنزول، -إلى أن قال:- اعتقادنا فيه وفي الآي المتشابهة أن نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ونسلم الخبر الظاهر والآية لظاهر تنزيلها". كان ابن سريج إليه المنتهى في معرفة المذهب، بحيث أنه كان "يفضل" على جميع أصحاب الشافعي، حتى على المزني، قال الإمام أبو إسحاق صاحب التنبيه: سمعت أبا الحسن الشيرجي يقول: إن فهرست كتب أبي العباس تشتمل على أربعمائة مصنف، وكان العلامة أبو حامد الاسفراييني يقول: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون الدقائق. قلت: أخذ عن الزعفراني، والرمادي، وسعدان بن نصر، وتفقه بأبي القاسم بن بشار الأنماطي صاحب المزني، توفي سنة ست وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. 261- هو حافظ ثقة ثبت، عارف بالسنة، وله فيها قصيدة مشهورة أولها: تدبر كلم الله واتبع الخبر ... ودع عنك رأيا لا يلائمه الأثر مات سنة "471"، له ترجمة جيدة في "تذكرة الحفاظ" وغيره. 262- في المخطوطة "أبو سعد" فليحقق، فإني لم أجد لعبد الواحد هذا ترجمة فيما تحت يدي الآن من كتب الرجال. نعم في "تاريخ بغداد" 11/ 11": "عبد الواحد بن محمد بن محمد بن أحمد أبو سعيد المقبري النيسابوري. قدم بغداد حاجا، وحدث بها عن أبي العباس الأصم. حدثنا عنه علي بن محسن التنوخي" ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكان حيا سنة "388"، فيحتمل أن يكون هذا. والله أعلم.

111- أبو بكر بن أبي داود، محدث بغداد "230-316" 278- أخبرنا أحمد بن عبد الحميد أنبأنا محمد بن قدامة سنة ثماني عشرة وستمائة، أخبرتنا فاطمة بنت علي، أنبأنا علي بن بيان، أنبأنا الحسين بن علي الطناحيري، أنبأنا أبو حفص بن شاهين قال: قال شيخنا أبو بكر عبد الله بن سليمان هذه القصيدة وجعلها محسنة1: تمسك بحبل الله واتبع الهدى ... ولا تك بدعياً لعلك تفلح ودن بكتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله تنج وتربح وقل: غير مخلوق كلام مليكنا ... بذلك دان الأتقياء وأفصحوا ولا تقل: القرآن خلق قرانه ... فإن كلام الله باللفظ يوضح وقل: ينجلي الله للخلق جهرة ... كما البدر لا يخفى وربك أوضح وليس بمولود وليس بوالد ... وليس له شبه تعالى المسبح وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا ... بمصداق ما قلنا حديث مصرح رواه جرير عن مقال محمد ... فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح وقل: ينزل الجبار في كل ليلة ... بلا كيف جل الواحد المتمدح إلي طبق الدنيا يمن بفضله ... فتفرج أبواب السماء وتفتح يقول: ألا مستغفر يلق غافرا ... ومستمنح خيراً ورزقاً فيمنح روى ذاك قوم لا يرد حديثهم ... ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا وقل: إن خير الناس بعد محمد ... وزيراه قدماً ثم عثمان الأرجح ورابعهم خير البرية بعدهم ... علي حليف الخير بالخير ممنح وإنهم والرهط لا ريب فيهم ... على نجب الفردوس بالنور تسرح سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ... وعامر فهر والزبير الممدح وقل خير قول في الصحابة كلهم ... ولا تك طعاناً تعيب وتجرح فقد نطق الوحي المبين بفضلهم ... وفي الفتح أي في الصحابة2 تمدح

_ 1 كذا في المطبوعات، وفي المخطوطة: "محنته". 2 كذا في المطبوعات، وفي المخطوطة: "للصحابة".

وبالقدر المقدور أيقن فإنه ... دعامة عقد الدين والدين أفيح ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكراً ... ولا الحوض والميزان إنك تنصح وقل يخرج الله العظيم بفضله ... من الناس أجساداً من الفحم تطرح على النهر في الفردوس تحيا بمائه ... كحبة حمل السيل إذ جاء يطفح وأن رسول الله للخلق شافع ... وقل في عذاب حق موضح ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا ... فكلهم يعصي وذو العرش يصفح ولا تعتقد رأي الخوارج إنه ... مقال لمن يهواه يردى ويفضح ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ... ألا إنما المرجي بالدين يمزح وقل: إنما الإيمان قول ونية ... وفعل على قول النبي مصرح وينقص طوراً بالمعاصي وتارة ... بطاعته ينمى وفي الوزن يرجح ودع عنك آراء الرجال وقولهم ... فقول رسول الله أزكى وأشرح ولا تك من قوم تلهوا بدينهم ... فتطعن في أهل الحديث وتقدح إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه ... فأنت على خير تبيت وتصبح هذه القصيدة متواترة عن ناظمها، رواها الآجري وصنف لها شرحاً، وأبو عبد الله بن بطة في "الإبانة". قال ابن أبي داود: هذا "قولي و" قول أبي وقول شيوخنا وقول العلماء ممن لم نرهم كما بلغنا عنهم، فمن قال غير ذلك فقد كذب. كان أبو بكر من الحفاظ المبرزين، ما هو بدون أبيه، صنف التصانيف وانتهت إليه رئاسة الحنابلة ببغداد، توفي سنة ست عشرة وثلاثمائة. 112- عمرو بن عثمان المكي، شيخ الصوفية "؟ -297" 279- صنف آداب المريدين فقال فيه في "باب ما يجئ به الشيطان للناس من الوسوسة". "أما الوجه الذي يأتي به التائبين إذا امتنعوا عيه واعتصموا بالله، فإنه يوسوس لهم في أمر الخالق ليفسد عليهم أصول التوحيد". فذكر في هذا فصلاً

طويلاً إلى أن قال: "فهذا من أعظم ما يوسوس به في التوحيد بالتشكيك، وفي صفات الرب بالتمثيل والتشبيه أو بالجحد لها أو التعطيل، وأن يدخل عليهم مقاييس عظمة الرب بقدر عقولهم فيهلكوا إن قبلوا، أو يتضعضع أركانهم إن لم يلحقوا بذلك إلى العلم وتحقيق المعرفة، فهو عز وجل القائل: "أَنَا الله"، لا الشجرة، الجائي، قبل أن يكون جائياً لا أمره، المستوي على عرشه "بعظمة جلاله دون كل مكان، كلم موسى تكليماً، وأراه من آياته عظيما"1 فسمع موسى كلام الله "يداه مبسوطتان" وهما غير نعمته وقدرته، وخلق آدم بيديه". كان عمرو هذا من نظراء الجنيد، كبير القدر، مات قبل الثلاثمائة أو في حدودها. 113- ثعلب2، إمام العربية "؟ -291" 280- قال الحافظ أبو القاسم اللالكائي في كتاب "السنة": وجدت بخط الدارقطني عن إسحاق الكاذي قال: سمعت أبا العباس ثعلب يقول: "استوى": أقبل عليه وإن لم يكن معوجاً. "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السماء": أقبل. و"اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ": علا. واستوى القمر: امتلأ. واستوى زيد وعمرو: تشابها في فعلهما وإن لم تتشابه شخوصهما. هذا الذي يعرف من كلام العرب. كان أبو العباس من علماء لسان العرب، صنف التصانيف واشتهر اسمه توفي سنة إحدى وتسعين ومائتين.

_ 1 زيادة من المخطوطة. 2 اسمه أحمد بن يحيى الشيباني مولاهم.

263- نسبة إلى "كاذة" قرية من قرى بغداد، وهو إسحاق بن أحمد بن محمد أبو الحسين، ترجمه الخطيب "6/ 440" وقال: "وكان ثقة، وصفه لنا ابن رزقويه بالزهد، توفي سنة 346". وأثره هذا عند اللالكائي "1/ 92/ 1". 264- الأصل: "نعرف" بصيغة جمع المتكلم، وفي "المخطوطة" "بعرف"بإهمال حرف المضارع، وما أثبته من "اللالكائي". 114- أبو جعفر الترمذي1 الفقيه "201-295" 281- وعن منصور بن محمد بن منصور القزاز قال: سمعت أبا الطيب أحمد والد أبي حفص بن شاهين يقول: حضرت عند أبي جعفر الترمذي فسأله سائل عن حديث نزول الرب، فالنزول كيف هو يبقى فوقه علو؟ فقال: النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. قلت: صدق فقيه بغداد وعالمها في زمانه، إذ السؤال عن النزول ما هو؟ عي، لأنه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة، وإلا فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والاستواء عبارات جلية واضحة للسامع، فإذا اتصف بها من ليس كمثله شيء، فالصفة تابعة للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر. وكان هذا الترمذي من بحور العلم ومن العباد الورعين. مات سنة خمس وتسعين ومائتين. 265- قلت: "إسناده صحيح، أخرجه المصنف بإسناده إلى أبي بكر الخطيب، وهذا رواه في "التاريخ" "1/ 365": حدثني الحسن بن أبي طالب قال: نبأنا أبو الحسن منصور بن محمد بن منصور القزاز ...

_ 1 اسمه محمد بن أحمد بن نصر، وهو ثقة فاضل، شافعي المذهب.

وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات. مترجمون في "التاريخ"، والحسن بن أبي طالب هو الحسن بن محمد بن الحسن بن علي أبو محمد الخلال، مات سنة "439". 115- أبو العباس السراج "216-313" 282- وعن أبي الحسين الخفاف: حدثنا أبو العباس السراج إملاء سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة قال: من لم يقر ويؤمن بأن الله1 تعالى يعجب، ويضحك، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، فيقول: "من يسألني فأعطيه" فهو زنديق كافر، يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين. قلت: إنما يكفر بعد علمه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك، ثم إنه جحد ذلك ولم يؤمن به. ولقد كان أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي النيسابوري السراج من حفاظ الحديث أكثر عن قتيبة وطبقته، وصنف المسند على الأبواب، وعمر دهرا، توفي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة. 226- اسمه أحمد بن محمد بن عمر الخفاف القنطري نسبة إلى محلة بنيسابور يقال لها رأس القنطرة كما في "أنساب السمعاني"، ووصفه بالزاهد، روى عنه أبو القاسم القشيري. وذكر في مادة "الخفاف" أنه كان شيخا صالحا كثير العبادة، وسماعاته صحيحة بخط أبيه من أبي العباس السراج، توفي وهو ابن ثلاث وتسعين سنة 394. وأبو عمر المليحي بالحاء المهملة، وكذلك وقع في أصل "الشذرات"، لكن المعلق عليه زعم أنه بالجيم اعتمادا منه على "المعجم"، وهو وهم، فإن السمعاني بعد أن أورد نسبة "المليجي" بالجيم قال: "المليحي" بالحاء المهملة وقال: والمشهور بهذه النسبة أبو عمر عبد الواحد بن أحمد بن أبي القاسم المليحي الهروي من أهلها. حدث عن أبي الحسين الخفاف، وحدث عن أبي حامد النعيمي بكتاب "صحيح البخاري" وجماعة غيره. قال ابن العماد: "مات سنة "463" وله ست وتسعون سنة، وكان صالحا، أكثر عنه محيي السنة". يعني الإمام البغوي في كتابه "شرح السنة" وغيره.

_ 1 الأصل "بالله" والتصحيح من المخطوطة و"تذكرة الحفاظ" للمؤلف.

وهذا الأثر رواه المصنف في الكتاب إجازة بإسناده فقال: أجاز لنا إسماعيل بن جوسلين أنبأنا أحمد بن تميم الحافظ: أنبأنا عبد المعز بن محمد أنبأنا محمد بن إسماعيل: أنبأنا أبو عمر المليحي ... ومحمد بن إسماعيل هذا الظاهر أنه ابن محمد النيسابوري التفليسي الصوفي المقرئ. قال ابن العماد: "روى عن حمزة المهلبي وعبد الله بن يوسف الأصبهاني وطائفة، مات سنة 483". قلت: وكان ثقة صدوقا مكثرا من الحديث كما في "أنساب السمعاني" لكن عبد المعز ابن محمد لم أعرفه. 116- الحافظ أبو عوانة، صاحب الصحيح "؟ -316" كان من كبار الحفاظ، حمل عن أصحاب سفيان بن عيينة ووكيع. 283- قال الحاكم في ترجمته: سمعت يحيى بن منصور القاضي يقول: سمعت أبا عوانة رحمه الله يقول: دخلت على "أبي" إبراهيم المزني في مرضه الذي مات فيه قلت له: ما قولك في القرآن؟ فقال: كلام الله غير مخلوق. فقلت: هلا قلت "هذا" قبل هذا؟ قال: لم يزل هذا قولي، وكرهت الكلام فيه لأن الشافعي كان ينهانا عن الكلام فيه، يعني البحث والجدال في ذلك. مات أبو عوانة سنة ست عشرة وثلاثمائة. 267- ولي قضاء نيسابور بضع عشرة سنة، روى عن علي بن عبد العزيز البغوي وأحمد ابن سلمة وطبقتهما. مات سنة "351" كما في "الشذرات". قلت: فالإسناد جيد. 117- ابن صاعد، حافظ بغداد "228-318" 284- نقل الحافظ أبو بكر الآجري في "كتاب الشريعة" له -وهو مجلدان- عن الإمام أبي محمد يحيى بن محمد بن صاعد أنه قال في هذه الفضيلة،

في قعود النبي صلى الله عليه وسلم على العرش: لا ندفعها ولا نماري فيها، ولا نتكلم في حديث فيه فضيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بشيء. مات ابن صاعد في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة، وله تسعون سنة. وكان من أئمة هذا الشأن. لحق أصحاب مالك وحماد بن زيد، وصنف وجمع. 268- قلت: لكن الحديث الوارد فيه واه كما صرح به المؤلف فيما سبق في آخر الترجمة "53". وتفسير بعضهم لقوله تَعَالَى: "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مقاما محمودا" بإقعاده صلى الله عليه وسلم على العرش مع مخالفته لما في "الصحيحين" وغيرهما أن المقام المحمود الشفاعة العظمى، فهو تفسير مقطوع غير مرفوع عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وسلم، ولو صح ذلك مرسلا لم يكن فيه حجة، فكيف وهو مقطوع موقوف على بعض التابعين؟! وإن عجبي لا يكاد ينتهي من تحمس بعض المحدثين السالفين لهذا الحديث الواهي والأثر المنكر، ومبالغتهم في الإنكار على من رده، وإساءتهم الظن بعقيدته! وقد ساق المصنف رحمه الله تعالى في الأصل أسماء طائفة منهم "ص124-126"، وزاد أسماء آخرين في "مختصره"، وإني لأراه كأنه أخذ بهيبتهم، فإنه يتردد بين مخالفتهم وموافقتهم! فإنه بعد أن نقل قول أبي بكر النجاد: "لو أن حالفاً حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على العرش، لقلت: صدقت وبررت". فقد تعقبه بقوله -وقد أجاد: "فأبصر -حفظك الله من الهوى- كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر، واليوم فيردون الأحاديث الصريحة في العلو بل يحاول بعض الطغاة أن يرد قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} . فهو -رحمه الله- يشير إلى أن الصواب التوسط بين هؤلاء المعطلة النفاة، والمغالين في إثبات ما لم يصح، ومع ذلك تراه في مكان آخر "ص143" يعود إلى ذلك الأثر المنكر، محتفلا به، ومصرحا بأن فيه منقبة عظيمة انفرد بها سيد البشر صلى الله عليه وسلم ويقول: "ويبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف"! فأقول: هب أن الأمر كذلك، فهو -والحالة هذه- لا يزيد على كونه كالحديث أو في

حكم الحديث المرسل، فهل الحديث المرسل إلا من أقسام الحديث الضعيف عند المحدثين، فكيف تثبت به فضيلة؟! بل كيف يبنى عليه عقيدة أن الله تعالى يقعد نبيه صلى الله عليه وسلم معه على العرش؟! فمن جوز ذلك اعتمادا منه على هذا الأثر الذي أحسن أحواله أن يكون كالحديث المرسل -كما ذكرنا- فيلزمه أن يأخذ بكل حديث مرسل حتى ولو كان يتضمن مخالفة للشريعة، مثل قصة الغرانيق، فقد وردت بأسانيد عدة مرسلة، وهي صحيحة إلى مرسليها من التابعين، وقد صرحوا برفعها إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كما بينته في رسالتي الخاصة بها، "نصب المجانيق"، فإذا كان المصنف- عفا الله عنا وعنه- يبرر أخيرا الأخذ بهذا الأثر بحجة أنه يبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف، فليأخذ إذن بقصة الغرانيق بحجة أن رواتها من التابعين قد رفعوها إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صراحة! بل الأخذ بها أولى، لما ذكرنا من التصريح بالرفع، ولأن رواتها جمع بخلاف أثر مجاهد. وفي ذلك عبرة لكل معتبر. 118- الطحاوي، الإمام "239-321" 285- قال عالم الديار المصرية في وقته الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي الحنفي رحمه الله في العقيدة التي ألفها: "ذكر بيان السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة وأبي يوسف وأبي محمد رضي الله عنهم: نقول في توحيد الله، معتقدين أن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، وأن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على نبيه وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أن كلام الله بالحقيقة، ليس بمخلوق، فمن سمعه وزعم أنه كلام البشر فقد كفر، والرؤية لأهل الجنة حق بغير إطاحة ولا كيفية، وكل ما في ذلك من الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال، ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا نثبت قدم الإعلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصحيح الإيمان، ومن لم يتوق النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه" إلى أن قال:

"والعرش والكرسي حق كما بين في كتابه، وهو مستغن عن العرش وما دونه محيط بكل شيء وفوقه". ذكر أبو إسحاق في كتاب "طبقات الفقهاء" أبا جعفر الطحاوي فقال: انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة بمصر، أخذ العلم عن أبي جعفر بن أبي عمران، وعن أبي حازم القاضي وغيرهما. قلت: وروى عن أصحاب سفيان بن عيينة وابن وهب، وتصانيفه شهيرة كثيرة، مات في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة عن ثلاث وثمانين سنة. 119- نفطويه، شيخ العربية "243-323" 286- صنف الإمام أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي نفطويه كتابا في الرد على الجهمية، وذكر فيه أشياء منها: قول ابن الأعرابي الذي مضى ثم قال: وسمعت داود بن علي يقول: كان المريسي -لا رحمه الله- يقول: سبحان ربي الأسفل. قال: وهذا جهل من قائله، ورد لنص كتاب الله إذ يقول: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} . توفي نفطويه في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة. 120- أبو الحسن الأشعري، صاحب التصانيف "260-324" 287- قال الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري البصري المتكلم في كتابه الذي سماه: "اختلاف المصلين1، ومقالات الإسلاميين" فذكر فرق الخوارج والروافض والجهمية وغيرهم إلى أن قال: "ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث". "جملة قولهم: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء عن الله، وما

_ 1 في المطبوعات "المضلين" والتصويب من المخطوطة وغيرها.

رواه الثقات عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يردون من ذلك شيئاً. وأن الله على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وأن له يدين بلا كيف كما قال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي} . وأن أسماء الله لا يقال أنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج. وأقروا أن الله علماً كما قال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِه} {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} . وأثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة. وقالوا: لا يكون في الأرض من خير وشر إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئته كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} . إلى أن قال: ويقولون: "أن" القرآن كلام الله غير مخلوق. ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر" كما جاء في الحديث. ويقرون أن الله يجئ يوم القيامة كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} وأن الله يقرب من خلقه كما يشاء، قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} إلى أن قال: فهذا جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه، وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله". 269- "مقالات الإسلاميين" "ص290-297". 288- وذكر الأشعري في هذا الكتاب المذكور في باب "هل الباري تعالى في مكان دون مكان، أم لا في مكان، أم في مكان فقال: "اختلفوا في ذلك على سبع عشرة مقالة: منها: قال أهل السنة أصحاب الحديث: أنه ليس بجسم ولا يشبه الأشياء، وأنه على العرش كما قال:

{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ولا نتقدم بين يدي الله بالقول، بل نقول: استوى بلا كيف، وأن له يدين كما قال: "خلقت بيدي" وأنه ينزل إلى سماء الدنيا كما جاء في الحديث" ثم قال: "وقالت المعتزلة: استوى على عرشه، بمعنى استولى، وتأولوا اليد بمعنى النعمة، وقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي: بعلمنا". 270 "المقالات" "ص210-211 و218". 289- وقال أبو الحسن الأشعري في كتاب "جمل المقالات" له -رأيته بخط المحدث أبي علي بن شاذان- فسرد نحوا من هذا الكلام في مقالة أصحاب الحديث، تركت إيراد الفاظه خوف الإطالة، والمعنى واحد. 290- وقال الأشعري في كتاب "الإبانة في أصول الديانة" له، في باب الاستواء. فإن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل "له"1: نقول إن الله مستو على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب} وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْه} وقال حكاية عن فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} فكذب موسى في قوله: إن الله فوق السموات. وقال عز وجل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} فالسموات فوقها العرش، فلما كان العرش فوق السموات، وكل ما علا فهو سماء، وليس إذا قال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} يعني جميع السموات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السموات، ألا ترى أنه ذكر السموات فقال: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} ولم يرد أنه يملؤهن جميعا، "وأنه فيهن جميعاً" قال: ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم -إذا دعوا- نحو السماء لأن الله مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش.

_ 1 زيادة من المخطوطة، وقد وقعت هذه الزيادة في "الإبانة" بعد "قيل" ولعله الأقرب إلى الصواب.

وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية: أن معنى استوى: استولى وملك وقهر، وأنه تعالى في كل مكان، وجحدوا أن يكون على عرشه، كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، فلو كان كما قالوا كان لا فرق. بين العرش وبين الأرض السابعة لأنه قادر على كل شيء، والأرض شيء، فالله قادر عليها وعلى الحشوش، وكذا لو كان مستوياً على العرش بمعنى الاستيلاء، لجاز أن يقال: هو مستو على الأشياء كلها ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول: أن الله مستو على الأخلية والحشوش، فبطل أن يكون الاستواء "على العرش": الاستيلاء. وذكر أدلة من الكتاب والسنة والعقل سوى ذلك. وكتاب "الإبانة" من أشهر تصانيف أبي الحسن، شهره الحافظ ابن عساكر واعتمد عليه، ونسخه بخطه الإمام محيي الدين النووي. 271- "الإبانة" "ص34-37". قلت: وفي قول الأشعري دليل واضح على بطلان قول الكوثري في تعليقه على "تبيين كذب المفتري" "ص28" أن كتاب الإبانة هذا هو على طريقة المفوضة في الإمساك عن تعيين المراد، وهو مذهب السلف! فإن كلام الأشعري الذي نقله المصنف رحمه الله عن "الإبانة" وأشرنا إلى محله منه صريح في تعيين المراد، وهو أن الأستواء بمعنى العلو، فأين التفويض والإمساك عن تعيين المراد الذي زعمه الكوثري، ولا شك أن قوله "وهو مذهب السلف"، كذب أيضا كما يعلمه من درس أقوالهم في كتب أصول السنة التي جمعها المصنف رحمه الله تعالى في كتابه "العلو" فأوعى، ثم قربتها إليك في "مختصره" هذا، منبها على ما صح إسناده منها كما ترى. 291- ونقل الإمام أبو بكر بن فورك المقالة المذكورة عن أصحاب الحديث عن أبي الحسن الأشعري في كتاب "المقالات والخلاف بين الأشعري وبين أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري" تأليف ابن فورك فقال: الفصل الأول في ذكر ما حكى أبو الحسن رضي الله عنه في كتاب "المقالات" من جمل مذاهب أصحاب الحديث وما أبان في آخره أنه يقول بجميع ذلك.

ثم سرد ابن فورك المقالة بهيئتها ثم قال في آخرها: فهذا تحقيق لك من ألفاظه أنه معتقد لهذه الأصول التي هي قواعد أصحاب الحديث1 وأساس توحيدهم. قال الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي: قرأت كتاب أبي الحسن الأشعري الموسوم بـ"الإبانة" أدلة على إثبات الاستواء: قال في جملة ذلك: "ومن دعاء أهل الإسلام إذا هم رغبوا إلى الله يقولون: يا ساكن العرش، ومن حلفهم: لا والذي احتجب بسبع". 272- بفتح الطاء وسكون الراء نسبة إلى "طرق" قرية في أصبهان، مات بعد سنة "520". 273- الإبانة "ص35-36". قلت: وفي قوله: "يا ساكن العرش" شيء، لأنه لم يرد في خبر صحيح فيما علمت. 292- وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله في شكاية أهل السنة: "ما نقموا من أبي الحسن الأشعري إلا أنه قال بإثبات القدر، وإثبات صفات الجلال لله، من قدرته، وعلمه، وحياته، وسمعه، وبصره، ووجهه، ويده، وأن القرآن كلامه غير مخلوق. سمعت أبا علي الدقاق يقول: سمعت زاهر بن أحمد الفقيه يقول: مات الأشعري رحمه الله ورأسه في حجري، فكان يقول شيئاً في حال نزعه "من داخل حلقه، فأدنيت إليه رأسي، وأصغيت إلى ما كان يقرع سمعي، فكان يقول": لعن الله المعتزلة موهواً ومخرقوا". 274- تبيين كذب المفتري "ص111". 275- التبيين "ص148" والزيادة منه. وقد عزى هذا اللعن عند الموت ابن قاضي

_ 1 في المخطوطة: أصحاب التوحيد، والصواب ما أثبتنا.

شبهة لزاهر بن أحمد هذا كما في ترجمته من "الشذرات" "3/ 131"، ولعله وهم وقصور أراد أن يعزوه للأشعري فوقف بصره عند رواية عنه، فعزاه إليه! وزاهر هذا أحد أئمة الشافعية. مات سنة "389" وله ست وتسعون سنة. 293- قال الحافظ الحجة أبو القاسم بن عساكر في كتاب "تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري": فإذا كان أبو الحسن رحمه الله كما ذكر عنه من حسن الاعتقاد، مستصوب المذهب عند أهل المعرفة والانتقاد، يوافقه في أكثر ما يذهب إليه أكابر العباد، ولا يقدح في مذهبه غير أهل الجهل والعناد، فلا بد أن يحكى عنه معتقده على وجهه بالأمانة، ليعلم حاله في صحة عقيدته في الديانة، فاسمع ما ذكره في كتاب "الإبانة" فإنه قال: "الحمد لله الواحد العزيز الماجد، المتفرد بالتوحيد، المتمجد بالتمجيد، الذي لا تبلغه صفات العبيد، وليس له مثل ولا نديد ... ". فرد في خطبته على المعتزلة والقدرية والجهمية "والرافضة". إلى أن قال: فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدري والجهمية"1 والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي تقولون، وديانتكم التي بها تدينون؟ قيل له: قولنا الذي به نقول، وديانتنا التي بها ندين، التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضر الله وجهه قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به المبتدعين، فرحمة الله من إمام مقدم، وكبير مفهم، وعلى جميع أئمة المسلمين. وجملة قولنا: أن نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله، ورواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرد من ذلك شيئاً، وأن الله إله واحد فرد

_ 1 زيادة من المخطوطة.

صمد لا إله غيره، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن الله تعالى مستو على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وأن له وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّك} وأن له يدين كما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} وأن له عينين بلا كيف كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} وأن من زعم أن أسلم الله غيره كان ضالاً، وندين أن الله يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون -إلى أن قال:- وندين بأنه يقلب القلوب، وأن القلوب بين إصبعين من أصابعه، وأنه يضع السموات والأرض على أصبع، كما جاء في الحديث، -إلى أن قال:- وأنه يقرب من خلقه كيف شاء كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد} وكما قال: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} 1 ونرى مفارفة كل داعية إلى بدعة، ومجانبة أهل الأهواء، وسنحتج لما ذكرناه من قولنا وما بقي "منه" باباً باباً، وشيئاً شيئاً، ثم قال ابن عساكر: فتأملوا رحمكم الله هذا الاعتقاد ما أوضحه وأبينه، واعترفوا بفضل هذا الإمام الذي شرحه وبينه. 276- في "التبيين" "ص152": "معتقده". 277- التبيين "ص152-163" نقله المصنف رحمه الله تعالى بتلخيص كثير، وهو في "الإبانة" من أوله "ص13". 294- وقال الحافظ ابن عساكر: وقال الإمام أبو الحسن في كتابه الذي سماه "العمد في الرؤية": "ألفنا كتاباً كبيراً في الصفات تكلمنا فيه على أصناف المعتزلة والجهمية، فيه فنون كثيرة من الصفات في إثبات الوجه واليدين، وفي استوائه على العرش" 278

_ 1 "الدنو" في الآية لجبريل عليه السلام، انظر تعليقي على الإبانة" "ص12-35".

كان أبو الحسن أولاً معتزلياً أخذ عن أبي الجبائي، ثم نابذه ورد عليه، وصار متكلما للسنة، ووافق أئمة الحديث في جمهور ما يقولونه، وهو ما سقناه عنه من أنه نقل إجماعهم على ذلك وأنه موافقهم. وكان يتوقد ذكاء، أخذ علم الأثر عن الحافظ زكريا الساجي. وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وله أربع وستون سنة رحمه الله تعالى. فلو انتهى أصحابنا المتكلمون إلى مقالة أبي الحسن هذه ولزموها لأحسنوا، ولكنهم خاضوا كخوض حكماء الأوائل في الأشياء، ومشوا خلف المنطق، فلاقوه إلا بالله. 278- التبيين "129". 279- فيه إشارة إلى أنه خالف أئمة الحديث في بعض أقوالهم، وأشار إلى ذلك ابن عساكر أيضا في قوله السابق: "يوافقه في أكثر ما يذهب إليه أكابر العباد". وقد صرح بذلك بعض العلماء، فقال أبو العباس المعروف بقاضي العسكر -وكان من أكبر أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه-: "وقد أخذ عامة أصحاب الشافعي بما استقر عليه مذهب أبي الحسن الأشعري، إلا أن بعض أصحابنا من أهل السنة والجماعة خطأ أبا الحسن الأشعري في بعض المسائل مثل قوله "التكوين والمكون واحد ونحوها". التبيين "ص139-140". قلت: ولعل من ذلك قوله: "الاستواء صفة من صفاته تعالى وفعل فعله في العرش يسمى الاستواء"! التبيين "ص150". 121- علي بن عيسى الشبلي "247-334" دخل أبو بكر الشبلي رحمه الله دار المرضى ليعالج، فدخل عليه الوزير علي بن عيسى عائداً، فقال الشبلي: ما فعل ربك؟ قال: الرب عز وجل في السماء يقضي ويمضي، فقال: سألت عن الرب الذي تعبده -يريد الخليفة المقتدر "لا عن الرب الذي لا تعبده"- فقال الوزير لبعض جلسائه: ناظره، فقال له الرجل:

سمعتك يا أبا بكر تقول في حال صحتك: كل صديق بلا معجزة كذاب، فما معجزتك؟ قال: معجزتي أن يعرض خاطري في حال صحوي على خاطري في حال سكري فلا يخرجان عن موافقة الله. قلت: خف دماغ الشبلي فعولج، وكان علم الصوفية في زمانه، اتفق موته وموت الوزير العادل المحدث علي بن عيسى في عام، وهو سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ببغداد. 280- أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي "الْحِلْيَةِ" "10/ 367" ومن طريقه ساقه المصنف في "الأصل"، وإسناده صحيح، فإن ابن حبيش ثقة ثبت توفي سنة تسع وخمسين وثلاث مائة كما في "تاريخ الخطيب" "3/ 86". 22- أبو محمد البربهاري الحسن بن علي بن خلف، شيخ الحنابلة ببغداد "؟ -329" وكان كبير الشأن، أخذ عن المروزي، وله أصحاب وأتباع. 296- قال: الكلام في الرب محدثة وبدعة وضلالة، فلا يتكلم في الله إلا بما وصف به نفسه، ولا نقول في صفاته: لم ولا كيف؟ يعلم السر وأخفى، وعلى عرشه واستوى، وعلمه بكل مكان، والقرآن كلام الله وتنزيله ونوره، ليس بمخلوق. وذكر فصلاً مطولاً. توفي البربهاري في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. 281- قلت: ذكر طرفا كبيرا نحو ثلاث صفحات ابن العماد في "الشذرات" "2/ 319-322".

طبقة أخرى من أئمة الإسلام 123- "أبو أحمد العسال؟ - 349"1 297- قال العلامة القاضي أبو أحمد العسال محدث أصبهان في كتاب "المعرفة" من تأليفه في باب تفسير قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فساق ما ورد فيه من أقوال أئمة السلف، كربيعة ومالك والثوري وأبي عيسى يحيى بن رافع، وكعب، وابن المبارك، وحديث ابن مسعود الذي يقول فيه: "والعرش فوق الماء، والله عز وجل فوق العرش، ولا يخفى عليه شيء، من أعمالكم" وهو حديث صحيح قد مر2. وكان أبو أحمد من أوعية العلم، لقي أبا مسلم الكجي وابن "أبي" عاصم وطبقتهما، ومات سنة تسع وأربعين وثلاثمائة. 282- قلت: هو تابعي روى عن عثمان بن عفان وأبي هريرة، وعنه إسماعيل بن أبي خالد كما في "الجرح" "4/ 2/ 143" ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في "الثقات" "1/ 256" وذكر أنه من أهل الكوفة. 124- العلامة أبو بكر الضبعي "؟ -342" 298- قال أبو عبد الله الحاكم: قال الفقيه أبو بكر أحمد بن إسحاق الضبعي النيسابوري:

_ 1 اسمه محمد بن أحمد بن إبراهيم العنبري، له ترجمة جيدة في "أخبار أصبهان" لأبي نعيم "2/ 283". 2 يعني موقوفا. انظر رقم "48".

قد تضع العرب "في" موضع "على" قال الله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْض} وقال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْل} ومعناه على الأرض وعلى النحل، فكذلك قوله: {مَنْ فِي السَّمَاء} أي من على العرش، كما صحت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: كان هذا الضبعي عديم النظير في الفقه، بصيراً بالحديث، كبير الشأن، توفي سنة اثنين وأربعين وثلاثمائة، أكثر عنه الحاكم. 125- أبو القاسم الطبراني "260-360" 299- صنف محدث الدنيا، الحافظ الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الشامي نزيل أصبهان في "كتاب السنة" له: "باب ما جاء في استواء الله تعالى على عرشه، بائن من خلقه" فساق في الباب حديث أبي رزين العقيلي: قلت: يا رسول الله أين كان ربنا؟ وحديث عبد الله بن خليفة عن عمر في علو الله على عرشه، وحديث الأوعال وأن العرش على ظهورهن، وأن الله فوقه، وقول مجاهد في المقام المحمود. انتهى إلى الطبراني علو الإسناد في الدنيا، وعاش مائة سنة وأياماً، وعمل المعاجم الثلاثة، وصنف كتباً كثيرة تدل على حفظه وبراعته، وسعة روايته1. مات سنة ستين وثلاثمائة رحمه الله تعالى. 283- قلت: هذه الأحاديث الأربعة، مفرداتها ضعيفة لا تثبت من قبل أسانيدها. وقد أشرنا إلى ذلك فيما مضى من التعليق. 126- الإمام أبو بكر الآجري "280-360" صنف الحافظ الزاهد أبو بكر محمد بن الحسين الآجري المجاور بحرم الله كتاب "الشريعة في السنة" فمن أبوابه: "باب التحذير من مذهب الحلولية"

_ 1 فائدة: قال المؤلف في "مختصره": "ومعجمه الكبير ستين ألف حديث". قلت: وعليه فهو أغزر مادة من "مسند أحمد" لكن هذا أنقى وأصفى منه حديثا.

ثم قال: 300- الذي يذهب إليه أهل العلم، أن الله تعالى على عرشه فوق سمواته، وعلمه محيط بكل شيء، قد أحاط بجميع ما خلق في السموات العلى، وبجميع ما في سبع أرضين، يرفع إليه أعمال العباد. فإن قيل: فأيش معنى قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُم} ؟ قيل: علمه، والله على عرشه، وعلمه محيط بها. كذا فسره أهل العلم، والآية يدل أولها وآخرها على أنه العلم وهو على عرشه، هذا قول المسلمين. ثم قال: حدثنا ابن مخلد حدثنا أبو داود، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا سريح بن النعمان، حدثنا عبد الله بن نافع قال: قال مالك: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو من علمه مكان. كان الآجري "فقيها" أثرياً، حسن التصانيف، جاور مدة، روى عن الكجي ,وأبي شعيب الحراني وطبقتهما. وحمل عنه خلق كثير من الحجاج. توفي سنة ستين وثلاثمائة. 284- "الشريعة" "ص285-289". 127- الحافظ أبو الشيخ "274-369" 301- قال محدث أصبهان -مع الطبراني- أبو محمد ابن حيان رحمه الله في كتاب "العظمة" له: "ذكر عرش الرب تبارك وتعالى كرسيه، وعظم خلقهما، وعلو الرب فوق عرشه". ثم ساق جملة من الأحاديث في ذلك قد مضت.

وله كتاب "السنة" وكتاب "فضائل الأعمال" و"السنة الكبير1" وقع "لنا"2 جملة من تصانيفه. وكان إماماً في الحديث، رفيع الإسناد، سمع أبا بكر بن أبي عاصم وطبقته، ولحق بالكوفة أبا عمر القتات، وبالبصرة أبا خليفة، توفي سنة تسع وستين وثلاثمائة، وهو في عشر المائة. 285- في المطبوعات "أبا عمرو" والتصحيح من "المخطوطة" وكتب الرجال، واسم أبي عمر القتات محمد بن جعفر بن محمد الكوفي، وهو ضعيف مات سنة "300"، ترجمته في "التاريخ" "2/ 129-130" و"اللسان". 128- العلامة أبو بكر الإسماعيلي "277-371" 302- وعن حمزة بن يوسف3 الحافظ: أنبأنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي بكتاب "إعتقاد السنة"4 له قال: اعلموا رحمكم الله أن مذاهب أهل الحديث، أهل السنة والجماعة: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقبول ما نطق به الله، وما صحت به الرواية عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، لا معدل عما ورد به، ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى، موصوف بصفاته، التي وصف بها نفسه، ووصفه بها نبيه. خلق آدم بيده، ويداه مبسوطتان، بل اعتقاد كيف، واستوى على العرش بل كيف، فإنه انتهى إلى أنه استوى على العرش، ولم يذكر كيف كان

_ 1 كذا في المطبوعات، وفي المخطوطة: "السنن الكبير". 2 لم تقع هذه الزيادة "لنا" في المخطوطة ولا في الهندية ولا في طبعة النار، ولكن مصححها علق فقال: لعل أصله "ووقع لنا". قلت: وهذا محتمل، وكأنه لذلك أثبت هذه في الطبعتين الأخريين في صلب الكتاب دون أي تعليق، وقد رأيت إثباتها لاقتضاء السياق لها، والله أعلم. 3 في المطبوعات كلها: "يوسف بن حمزة" على القلب! والتصحيح من المخطوطة وكتب الرجال. 4 قلت: وهو محفوظ في ظاهرية دمشق، ينقص أسطر من أوله تستدرك مما نقله المصنف هنا، وهو في المجموع "16/ 38-44".

استواؤه. ثم سرد سائر اعتقاد أهل السنة. كان الإسماعيلي من مشايخ الإسلام، رأساً في الحديث والفقه. قال أبو إسحاق في "طبقات الفقهاء الشافعية": جمع أبو بكر بين الفقه والحديث، ورئاسة الدين والدنيا، وصنف "الصحيح"1 أخذ عنه فقهاء جرجان، وقال حمزة السهمي: مات سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة بجرجان، وله أربع وتسعون سنة. 286- قلت: أخرجه المصنف بإسناده، ورجاله كلهم ثقات معروفون غير مسعود بن عبد الواحد الهاشمي فلم أجد له ترجمة. وبهذا الإسناد ساقه في ترجمة أبي بكر الإسماعيلي من "التذكرة" "3/ 150-151". 129- الأزهري إمام اللغة "282-370" 303- قال العلامة الأستاذ أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي، صاحب "التهذيب" فيما نقله عنه شيخ الإسلام بلديه في كتاب "الفاروق": الله تعال على العرش، ويجوز أن يقال في المجاز هو في السماء لقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} 2. الأزهري هو صاحب كتاب "تهذيب اللغة" توفي في شهر ربيع الآخر3 سنة سبعين وثلاثمائة. ومن ورعه أنه لحق ببغداد ابن دريد4 فامتنع من

_ 1 يعني المستخرج على صحيح البخاري. 2 قلت: ويعني أن الحقيقة أن الله على السماء، لا تحيط به السماء، ولا مكان، أنظر الترجمة "122" والترجمة الآتية "131". 3 في المطبوعات: "الأول" إلا أن على هامش الهندية والمنارية وفي نسخة: الآخر، قلت: وهو الصواب لموافقتها المخطوطة وغيرها من كتب التراجم. 4 هو محمد بن الحسن بن دريد أبو بكر صاحب "اللغات وكان رأسا في الأدب، يضرب المثل بحفظه، قال مسلمة بن القاسم، كان كثير الرواية للأخبار وأيام الناس والأنساب، غير أنه لم يكن ثقة عند جميعهم، وكان خليعا. انظر "لسان الميزان".

الرواية عنه لشربه المسكر. 130- أبو بكر "بن" شاذان "297-484" 304- قال الإمام المحدث الصادق أبو بكر أحمد بن إبراهيم "بن" شاذان البغدادي. حدثني من أثق به وسم ذلك معي ولدي أبو علي قال: كنا نغسل ميتاً وهو على سريره، فكشفنا عنه الثوب، فسمعناه يقول: هو على عرشه "وحده1"، هو على عرشه وحده، قال: فتفرقنا من عظم ما سمعناه، ثم رجعنا فغسلماه رحمه الله. أخرج هذه القصة الشيخ موفق الدين في كتاب "صفة العلو" له وهو سماعنا من القاضي تاج الدين عبد الخالق عنه. وكان أبو بكر من أصحاب الحديث والآثار2، يروي عن البغوي وذويه. توفي سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. وكان ابنه الحسن مسند بغداد في وقته، مات في آخر سنة خمس وعشرين وأربعمائة. 131- أبو الحسن بن مهدي المتكلم "؟ -؟ " 305- قال الإمام أبو الحسن علي بن مهدي الطبري تلميذ الأشعري في كتاب "مشكل الآيات" له في باب قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : اعلم أن الله في السماء فوق كل شيء، مستو على عرشه، بمعنى أنه عال عليه، ومعنى الاستواء: الاعتلاء، كما يقول العرب: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح، بمعنى علوته، واستوت الشمس على رأسي، واستوى الطائر على قمة رأسي، بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي. "والله"

_ 1 زيادة من "المختصر للمؤلف". 2 وفي المخطوطة: "الأثبات بدل "والآثار"، وقال المؤلف في "مختصره": وكان من المتكلمين، وكان مكثرا من الحديث.

جل جلاله عال على عرشه يدلك على أنه في السماء عال على عرشه قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} وقوله: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب} وقوله: {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْه} وزعم البلخي1 أن استواء الله على العرش هو الاستيلاء عليه، مأخوذ من قول العرب: استوى بشر على العراق، أي: استولى عليها، وقال: إن العرش يكون الملك، فيقال له: ما أنكرت أن يكون عرش الرحمن جسماً خلقه، وأمر ملائكته بحمله، قال: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَة} وأمية يقول: مجدوا الله فهو للمجد أهل ... ربنا في السماء أمسى2 كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق الناس ... وسوى فوق السماء سريرا قال: ومما يدل على أن الاستواء ههنا ليس بالاستيلاء، أنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه، إذ هو مستول عل العرش وعلى الخلق، ليس للعرش مزية على ما وصفته، فبان بذلك فساد قوله. ثم يقال له أيضاً: إن الاستواء ليس هو الاستيلاء الذي هو من قول العرب: استوى فلان على كذا، أي: استولى، إذا تمكن منه بعد أن لم يكن متمكناً، فلما كان الباري عز وجل لا يوصف بالتمكن بعد أن لم يكن متمكناً، لم يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء. ثم ذكر ما حدثه نفطويه عن داود بن علي عن ابن الإعرابي وقد مر3 ثم قال:

_ 1 لم أعرفه، فلينظر من هو؟ ويدور في البال أنه لعله "الثلجي" وهو محمد بن شجاع الحنفي المعروف بالوضع والابتداع. وترجمته في "الميزان" ويحتمل أنه أبو هاشم البلخي واسمه نصر، وهو شيعي معتزلي معاصر للمترجم كما يؤخذ من "الأعلام" وغيره. وهذه النسبة في المخطوطة هكذا "السلمي" على الإهمال، والله أعلم. 2 في المخطوطة: "أضحى". 3 في الترجمة رقم "67".

فإن قيل: فما تقولون في قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} ؟ قيل له: معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش كما قال: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْض} بمعنى على الأرض، وقال: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْل} فكذلك {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} . فإن قيل: فما تقولون في قوله: "وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وفي الأرض؟ " قيل له: إن بعض القراء يجعل الوقف في "السموات" ثم يبتدئ {وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَم} وكيفما كان، فلو أن قائلاً قال: فلان بالشام والعراق ملك، لدل على أن ملكه بالشام والعراق، لا أن ذاته فيهما -إلى أن قال:- وإنما أمرنا الله برفع أيدينا قاصدين إليه برفعهما نحو العرش الذي هو مستو عليه. الطبري رأس في المتكلمين، صنف التصانيف، وصحب أبا الحسن الأشعري، ذكره الحافظ أبو القاسم في طبقات أصحاب أبي الحسن الأشعري، وأثنى عليه1 "ولا أعلم متى توفي"2. 132- ابن سفيان "؟ -355" 306- قال شيخ المالكية أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان المصري في كتاب "تسمية الرواة عن مالك". الحمد لله أحق ما بدا، وأول3 من شكر، الواحد الصمد، ليس له صاحبة ولا ولد، جل عن المثل، بلا شبه ولا عدل، على عرشه استوى، فهو دان بعلمه، أحاط علمه الأمور، ونفذ حكمه في سائر المقدور. مات ابن شعبان بمصر سنة خمس وخمسين وثلاثمائة. وكان من كبار الأئمة. 133- ابن بطة "304-387" 307- قال الإمام الزاهد أبو عبد الله بن بطة العكبري شيخ الحنابلة في كتاب

_ 1 تبيين كذب المفتري "ص195". 2 زيادة من المخطوطة. 3 في المخطوطة: "ما بدي، وأولى" ولعله الصواب.

"الإبانة" من جمعه وهو ثلاث مجلدات: "باب الإيمان بأن الله على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه محيط بخلقه". أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين، أن الله على عرشه فوق سمواته، بائن من خلقه، فأما قوله: {وَهُوَ مَعَكُم} فهو كما قالت العلماء: علمه، وأما قوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} معناه أنه هو الله في السموات وهو الله في الأرض "إله" وتصديقه في كتاب الله {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} واحتج الجهمي بقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} فقال: إن الله "معنا وفينا"1 وقد فسر العلماء "أن" ذلك علمه، ثم قال تعالى في آخرها: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} . ثم إن ابن بطة سرد بأسانيده أقوال من قال: إنه علمه، وهم الضحاك والثوري ونعيم بن حماد، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وكان ابن بطة من كبار الأئمة، ذا زهد وفقه، وسنة واتباع، وتكلموا في إتقانه، وهو صدوق في نفسه، سمع من البغوي وطبقته، وتوفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. 134- الدارقطني "306-385" كان العلامة الحافظ أبو الحسن علي بن عمر نادرة عصره، وفرد الجهابذة، ختم به هذا الشأن، فمما صنف كتاب "الرؤية" وكتاب "الصفات" وكان إليه المنتهى في السنة ومذهب السلف. 308 وهو القائل "فيما" أنبأني أحمد بن سلامة عن يحيى بن يوش أنبأنا ابن كادش أنشدنا أبو طالب العشاري، أنشدنا الدارقطني رحمه الله تعالى: حديث الشفاعة في أحمد ... إلى أحمد المصطفى نسنده ..................... ... على العرش أيضاً فلا نجحده أمروا الحديث على وجهه ... ولا تدخلوا فيه ما يفسده

_ 1 بياض في المطبوعات كلها، لكن الهندية استدركتها على الهامش، وهي ثابتة في المخطوطة ولذلك أثبتها.

توفي الدارقطني رحمه الله في سنة خمس وثمانين وثلاثمائة عن ثمانين1 سنة "وكان يقول: ما شيء أبغض إلي من علم الكلام"2. 287- قلت: إن ثبت، وهيهات! "راجع التعليق رقم 191"، وفي الطريق إلى الدارقطني يحيى بن يوش أو بوش أو نوش أو غير ذلك فإنه في المخطوطة مهمل الحرف الأول، ولم أجد له ترجمة كما سبق، وابن كادس هو أبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش، وهو مخلط، انظر "الأحاديث الضعيفة" "870". 135- "ابن منده "316-395" 309- قال الإمام الحافظ، محدث الشرق، أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي الأصبهاني مصنف كتاب "التوحيد3" وكتاب "الصفات" وكتاب "الإيمان"4 وكتاب "النفس والروح" وكتاب "معرفة الصحابة" وغير ذلك: "فهو تعالى موصوف غير مجهول، وموجود غير مدرك، ومرئي غير محاط به، لقربه كأنك تراه "قريب غير ملاصق، وبعيد غير منقطع"5 وهو يسمع ويرى، وهو بالمنظر الأعلى، وعلى العرش استوى، فالقلوب تعرفه، والعقول لا تكيفه، وهو بكل شيء محيط". 288- قلت ومن أبواب كتابه "التوحيد" "ق117/ 2": "بيان آخر يدل على أن الله تعالى فوق عرشه، بائنا عن خلقه". ثم ساق حديث "لما قضى الله الخلق ... " الحديث وقد مضى برقم "21"ز وساق نحوه في كتاب "الإيمان" "ق13/ 2" وساق حديث الجارية.

_ 1 في المطبوعات: ستين، وهو خطأ. 2 من المخطوطة. "3 و4" هما من مخطوطات المكتبة الظاهرية بدمشق عمرها الله. 5 زيادة من "المختصر"ز

136- ابن أبي زيد "؟ -389" 310- قال الإمام أبو محمد بن أبي زيد المغربي شيخ المالكية في أول رسالته المشهورة في مذهب مالك الإمام: "وأنه تعالى فوق عرشه المجيد بذاته، وأنه في كل مكان بعلمه"1. وقد تقدم مثل هذه العبارة عن أَبِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وعثمان بن سعيد الدارمي، وكذلك أطلقها يحيى بن عمار واعظ سجستان في رسالته، والحافظ أبو نصر الوائلي السجزي في كتاب "الإبانة" له، فإنه قال: "وأئمتنا كالثوري ومالك والحمادين وابن عيينة وابن المبارك والفضيل وأحمد وإسحاق متفقون على أن الله فوق العرش بذاته، وأن علمه بكل مكان". وكذلك أطلقها ابن عبد البر كما سيأتي، وكذا عبارة شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري، فإنه قال: وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش بنفسه، وكذا قال أبو الحسن الكرجي الشافعي في تلك القصيدة: عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب وعلى هذه القصيدة مكتوب بخط العلامة تقي الدين بن الصلاح: هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث. وكذا أطلق هذه اللفظة أحمد بن ثابت الطرقي الحافظ، والشيخ عبد القادر الجيلي، والمفتي عبد العزيز القحيطي وطائفة. والله تعالى خالق كل شيء بذاته، ومدبر الخلائق بذاته، بلا معين، ولا موازر. وإنما أراد ابن أبي زيد وغيره التفرقة بين كونه تعالى معنا، وبين كونه تعالى فوق العرش، فهو كما قال: ومعنا بالعلم، وأنه على العرش كما أعلمنا حيث يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقد تلفظ بالكلمة المذكورة جماعة من

_ 1 الرسالة "ص20" طبع المغرب، وذكر مثله في "مختصر المدونة" له كما في "الجيوش الإسلامية" "ص54" وفيه رد على من أنكر ثبوت لفظ "بذاته" في كتابه الأول -مثل الكوثري-.

العلماء، كما قدمناه1، وبلا ريب أن فضول الكلام تركه من حسن الإسلام. وكان ابن أبي زيد2 من العلماء بالمغرب، وكان يلقب بمالك الصغير، وكان غاية في علم الأصول، وقد ذكره الحافظ ابن عساكر في كتاب "تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري" ولم يذكر له وفاة. توفي سنة ست وثمانين وثلاثمائة، وقيل: سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وقد نقموا عليه في قوله "بذاته" فليته تركها. 289- قلت: هو عبيد الله بن سعيد بن حاتم البكري حافظ متقن، مات سنة "444"، قال المؤلف في "التذكرة" "3/ 297": "صاحب الإبانة الكبرى في مسألة القرآن، وهو كتاب طويل في معناه، دال على إمامة الرجل، وبصره بالرجال والطرق". 290- مضت ترجمته. 291- نسبة إلى "جيل" وهي بلاد متفرقة من وراء طبرستان. ويقال لها "جيلان" و"كيلان"، وهو من كبار فقهاء الحنابلة، ومن المتمسكينن في مسائل الصفات وغيرها بالسنة، مبالغا في الرد على من خالفها، ومن المشهورين بالصلاح والتصوف، وكانت له أحوال وشطحات، لكن لم تبلغ به إلى الانزلاق فيما انزلق فيه غيره من المتصوفة من الحلول وغيره، توفي سنة "561" عن تسعين سنة. 292- قلت: وهؤلاء وأمثالهم من أهل السنة وفيهم المؤلف يقول عنهم الكوثري -عامله الله بما يستحق- بأنهم شيوخ الحشوية! لأنهم يتسارعون إلى نقل هذه اللفظة "بذاته" عن ابن أبي زيد هذا، ويقول عنها إنها إما مدسوسة، أو من قبيل الاحتراس بالرفع أي المجيد بذاته! وهكذا فليكن التشكيك في أقوال أهل العلم بالإنكار أصلا أو بتأويله تأويلا باطلا! 2934- قلت: يعني لكي لا ينقم الناس عليه، لا لأنه خطأ في نفسه، كيف وقد قاله من سبق ذكرهم من العلماء عند المؤلف، مع ملاحظة أنه لا فرق في الحقيقة بينه وبين قول المؤلف المتقدم آنفا: "والله تعالى خالق كل شيء بذاته"! وراجع لهذا الكلام ابن تيمية في "حديث النزول" "ص56".

_ 1 انظر تعليق الكوثري على التبيين "ص123". 2 اسمه عبد الله.

137- الخطابي "؟ -388" 311- قال الإمام العلامة أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي البستي صاحب "معالم السنن" في كتاب "الغنية عن الكلام وأهله" له قال: "فأما ما سألت عنه من الكلام في الصفات، وما جاء منها في الكتاب والسنن الصحيحة، فإن مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها". وكذا نقل الاتفاق عن السلف في هذا الحافظ أبو بكر الخطيب، ثم الحافظ أبو القاسم التيمي الأصبهاني وغيرهم. توفي الخطابي سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، يروي عن أبي سعيد "بن" الأعرابي وطبقته. 138- ابن فورك "؟ -406" 312- قال الإمام العلامة أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك فيما نقله عنه تلميذه الإمام أبو بكر البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات" أنه قال: "استوى بمعنى علا، وقال في قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} أي: من فوق السماء". ثم احتح البيهقي لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي قدمناه لسعد: "لقد حكمت فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات"، وبقول ابن عباس: "إن بين السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى كُرْسِيِّهِ سَبْعَةَ آلافِ نُورٍ، وَهُوَ فَوْقَ ذَلِكَ". كان ابن فورك شيخ أهل خراسان في النظر والكلام والأصول، ألف قريباً من مائة مصنف، وحدث عن أبي محمد بن فارس الأصبهاني بـ"مسند الطيالسي" توفي سنة ست وأربعمائة. 294- ص411-420.

295- هذا الحديث حسن، وقد مضى تخريجه، فانظر التعليق "11". 296- قلت: إسناده ضعيف، فإنه أخرجه من طريق عاصم بن علي- وهو صدوق ربما وهم- عن أبيه وهو علي بن عاصم بن صهيب الواسطي صدوق يخطئ ويصر. عن عطاء ابن السائب وكان اختلط. 139- ابن الباقلاني "؟ -403" 313- قال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب البصري الباقلاني- الذي ليس في المتكلمين الأشعرية أفضل منه مطلقاً- في كتاب "الإبانة" من تأليفه: "فإن قيل: فما الدليل على أن لله وجها "ويدا"؟ قيل: قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّك} وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي} فأثبت لنفسه وجهاً ويداً، فإن قيل: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة، إذ كنتم لا تعقلون وجهاً ويداً إلا جارحة، قلنا: لا يجب هذا، كما لا يجب في كل شيء كان قديما بذاته أن يكون جوهراً، لأنا وإياكم لم نجد قديما بنفسه في شاهدنا إلا كذلك. وكذلك الجواب لهم إن قالوا: فيجب أن يكون علمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفات ذاته عرضاً، واعتلوا بالوجود. فإن قيل: فهل تقولون: إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه، كما أخبر في كتابه، فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب} وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} ". قال: "ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه وفي الحشوش، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها ما لم يكن، ويصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا ويميننا وشمالنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله" إلى أن قال: "وصفات ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفاً بها، الحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة، والوجه، واليدان، والعينان، والغضب، والرضا". 314- وقال مثل هذا القول في كتاب "التمهيد" له. وقال في كتاب "الذب

عن أبي الحسن الأشعري". "كذلك قولنا في جميع المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات الله -إذا صح- من إثبات اليدين والوجه والعينين، ونقول: إنه يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا، كما في الحديث، وأنه مستو على عرشه، إلى أن قال: "وقد بينا دين الأئمة وأهل السنة أن هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف، ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير، كما روي، عن الزهري وعن مالك في الاستواء، فمن تجاوز هذا فقد تعدى وابتدع وضل". فهذا النفس نفس هذا الإمام، وأين مثله في تبحره وذكائه وبصره بالملل والنحل؟ فلقد امتلأ الوجود بقوم لا يدرون ما السلف، ولا يعرفون إلا السلب، ونفي الصفات وردها، صم بك عتم عجم، يدعون إلى العقل ولا يكونون على النقل، فإنا لله وإنا إليه راجعون. مات القاضي أبو بكر سنة ثلاث وأربعمائة وهو في عشر السبعين، حدث عن القطيعي وابن ماسي، وقد سارت بمصنفاته الركبان. 140- أبو أحمد القصاب "؟ -نحو400" 315- قال العلامة أبو أحمد الكرجي في عقيدته التي ألفها، فكتبها الخليفة القادر بالله وجمع الناس عليها، وذلك في صدر المائة الخامسة، وفي آخر أيام الإمام أبي حامد الإسفراييني شيخ الشافعية ببغداد، وأمر باستتابة من خرج عنها من معتزلي ورافضي وخارجي، فمما قال فيها: "كان ربنا عز وجل وحده لا شيء معه، ولا مكان يحويه، فخلق كل شيء بقدرته، وخلق العرش لا لحاجة إليه، فاستوى عليه استواء استقرار1 كيف شاء وأراد، لا استقرار راحة كما يستريح الخلق"1. قلت: ليته حذف "استواء استقرار" وما بعده فإن ذلك لا فائدة فيه بوجه، والباري منزه عن الراحة والتعب، إلى أن قال:

_ 1 سيأتي نحوه بزيادة في الترجمة "145".

"ولا يوصف إلا بما وصف به نفسه، أو وصف به نبيه، فهي صفة حقيقة لا مجازا". قلت: وكان أيضاً يسعه السكوت عن "صفة حقيقة" فإننا إذا أثبتنا نعوت الباري وقلنا: تمر كما جاءت. فقد آمنا بأنها صفات، فإذا قلنا بعد ذلك: صفة حقيقة وليس بمجاز، كان هذا كلاماً ركيكاً نبطياً مغلثا للنفوس فليهدر، مع أن هذه العبارة وردت عن جماعة، ومقصودهم بها أن هذه الصفات تمر ولا يتعرض لها بتحريف ولا تأويل، كما يتعرض لمجاز الكلام، والله أعلم. وقد أغنى الله تعالى عن العبارات المبتدعة، فإن النصوص في الصفات واضحة، ولو كانت الصفات ترد إلى المجاز، لبطل أن تكون صفات لله، وإنما الصفة تابعة للموصوف، فهو موجود حقيقة لا مجازاً، وصفاته ليست مجازاً، فإذا كان لا مثل له ولا نظير لزم أن تكون لا مثل لها. وإنما شهر الإمام أبو أحمد بـ"القصاب" لكثرة من قتل في الغزو من الكفار. وكان من أئمة الحديث في حدود الأربعمائة. 297- هو الحافظ الإمام محمد بن علي بن محمد المجاهد، وإنما عرف بـ"القصاب" لكثرة ما أهرق من دماء الكفار في الغزوات كما في "تذكرة المؤلف" "3/ 141" وقال: "ولم أظفر بوفاته، وكأنه بقي إلى قريب الستين وثلاثمائة". و"الكرجي" بالجيم كذا وقع في جميع الأصول، ووقع في "التذكرة" "الكرخي" بالخاء المعجمة وأظنه خطأ مطبعيا، فقد جاء فيها بعد سطور: "وفيه يقول أبو الحسن الكرجي: "وفي الكرج الغراء أو حد عصره أبو أحمد القصاب غير مغالب". و"الكرج" بفتح أوله والراء مدينة بين أصبهان وهمذان. و"الكرج" بضم أوله وسكون الراء جيل من النصارى يسكنون ناحية من بعض أذربيجان من الروم. ومن الغريب أن المترجم لم يذكر في هاتين البلدتين من كتب الأنساب والبلدان والمشتبه. والله أعلم.

طبقة أخرى تابعة لما مر 141- "أبو نعيم الأصبهاني 336-430" 316- قال الحافظ الكبير أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني مصنف "حلية الأولياء" في كتاب "الاعتقاد" له: "طريقتنا طريقة السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة، ومما اعتقدوه أن الله لم يزل كاملاً بجميع صفاته القديمة، لا يزول ولا يحول، لم يزل عالماً بعلم، بصيرا ببصر، سمعيا بسمع، متكلماً بكلام، ثم أحدث الأشياء من غير شيء، وأن القرآن كلام الله، وكذلك سائر كتبه المنزلة، كلامه غير مخلوق، وإن القرآن في جميع الجهات مقروءا ومتلواً ومحفوظاً ومسموعا ومكتوبا وملفوظا، كلام الله حقيقة، لا حكاية ولا ترجمة، وأنه بألفاظنا، كلام الله غير مخلوق، وأن الواقفة واللفظية من الجهمية، وأن من قصد القرآن بوجه من الوجوه، يريد به خلق كلام الله، فهو عندهم من الجهمية، وأن الجهمي عندهم كافر" إلى أن قال: "وأن الأحاديث التي ثبتت في العرش، واستواء الله عليه يقولون بها، ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل، وأن الله بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمائه من دون أرضه". فقد نقل هذا الإمام الإجماع على هذا القول ولله الحمد، وكان حافظ العجم في زمانه بلا نزاع، جمع بين علو الرواية، وتحقيق الدراية. ذكره ابن عساكر الحافظ في أصحاب أبي الحسن الأشعري. توفي في صفر سنة ثلاثين وأربعمائة، وله أربع وتسعون سنة. وكان ما بينه وبين ابن منده1 فاسدا لمسائل من العقيدة.

_ 1 يعني الحافظ أبا عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد، مؤلف "تاريخ أصبهان" مات سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.

1420- معمر بن زياد "؟ -418" 317- قال الإمام العارف شيخ الصوفية أبو منصور، معمر بن أحمد بن زياد الأصبهاني رحمه الله: "أحببت أن أوصي أصحابي بوصية من السنة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث، وأهل التصوف والمعرفة" فذكر أشياء إلى أن قال فيها: "وأن الله استوى على عرشه بلا كيف، ولا تشبيه ولا تأويل، والاستواء معقول، والكيف مجهول، وأنه بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، فلا حلول، ولا ممازجة، ولا ملاصقة، وأنه سميع بصير، عليم خبير، يتكلم ويرضى، ويسخط، ويعجب، ويضحك، ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكاً، فمن أنكر النزول أو تأويل فهو مبتدع ضال". روى معمر عن أبي القاسم الطبراني ودويه. توفي في رمضان سنة ثمان عشرة وأربعمائة. 143- أبو القاسم اللالكائي "؟ -418" 318- قال الإمام الحافظ أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري الشافعي مصنف كتاب "شرح اعتقاد أهل السنة" وهو مجلد ضخم: "سياق ما روي في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وأن الله على عرشه، قال الله عز وجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب} وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه} فدلت هذه الآيات أنه في السماء، وعلمه بكل مكان، روي ذلك عن عمر وابن مسعود وابن عباس وأم مسلمة، ومن التابعين، ربيعة وسليمان التيمي ومقاتل بن حيان. وبه قال مالك والثوري وأحمد". كان اللالكائي من أوعية العلم، ومن كبار الشافعية، مات سنة ثماني عشرة وأربعمائة.

298- "شرح اعتقاد أهل السنة" "1/ 90/ 1"، وكان في الأصل بعض الأخطاء صححتها منه ومن المخطوطة. 144- يحيى بن عمار "332-422" 319- قال الإمام أبو زكريا يحيى بن عمار السجستاني الواعظ في رسالته: "لا نقول كما قالت الجهمية: إنه تعالى مداخل للأمكنة وممازج بكل شيء، ولا نعلم أين هو؟ بل نقول: هو بذاته على العرش، وعلمه محيط بكل شيء، وعلمه وسمعه، وبصره وقدرته مدركة لكل شيء، وذلك معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} فهذا الذي قلناه هو كما قال الله وقاله رسوله". قلت: قولك "بذاته" هذا من كيسك، ولها محمل حسن ولا حاجة إليها، فإن الذي يؤول استوى يقول: أي قهر بذاته واستولى بذاته بلا معين ولا مؤازر. كان ابن عمار له جلالة عجيبة بتلك الديار، وكان يعرف الحديث، أخذ عنه شيخ الإسلام الأنصاري، وكان يروي عن عبد الله بن عدي الصابوني لا الجرجاني. مات في ذي القعدة اثنتين وعشرين وأربعمائة عن قريب من ثمانين سنة عفا الله عنه. 299- هذا يخالف ما صرح به ابن العماد في "الشذرات" "3/ 226" أنه مات وله تسعون سنة. 145- القادر بالله أمير المؤمنين "335-422" 320- له معتقد مشهور، قرئ ببغداد بمشهد من علمائها وأئمتها، وأنه قول أهل السنة والجماعة، وفيه أشياء حسنة، من ذلك: "وأنه خلق العرش لا لحاجة، واستوى عليه كيف شاء، لا استواء راحة، وكل صفة وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسوله فهي صفة حقيقة لا صفة مجاز، وكلام الله غير مخلوق أنزله على رسوله"1.

_ 1 مضى مختصرا بزيادة في أوله في الترجمة "140".

توفي القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة. وله سبع وثمانون سنة، وكانت خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر. 146- أبو عمر الطلمنكي "339-429" 321- قال الحافظ الإمام أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد الله الأندلسي الطلمنكي المالكي في كتاب "الوصول إلى معرفة الأصول" وهو مجلدان: "أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ونحو ذلك من القرآن أنه علمه، وأن الله تعالى فوق السموات بذاته، مستو على عرشه كيف شاء. وقال أهل السنة في قَوْلِهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : أن الاستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز، فقد قال قوم من المعتزلة والجهمية: لا يجوز أن يسمى الله عز وجل بهذه الأسماء على الحقيقة، ويسمى بها المخلوق. فنفوا عن الله الحقائق من أسمائه وأثبتوها لخلقه. فإذا سئلوا: ما حملهم على هذا الزيغ؟ قالوا: الاجتماع في التسمية يوجب التشبيه. قلنا: هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها، لأن المعقول في اللغة أن الاشتباه في اللغة لا يحصل بالتسمية، وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو بهيئات فيها، كالبياض بالبياض، والسواد بالسواد، والطويل بالطويل، والقصير بالقصير، ولو كانت الأسماء توجب اشتباهاً لاشتبهت الأشياء كلها لشمول اسم الشيء لها وعموم تسمية الأشياء به، فنسألهم: أتقولون إن الله موجود؟ فإن قالوا: نعم، قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبهاً للموجودين. وإن قالوا: موجود ولا يوجب وجود الاشتباه بينه وبين الموجودات. قلنا: فكذلك هو حي، عالم، قادر، مريد، سميع، بصير، متكلم، يعني ولا يلزم "من ذلك" اشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات. كان الطلمنكي من كبار الحفاظ، وأئمة القراء بالأندلس، عاش بضعاً

وثمانين سنة. وتوفي في سنة تسع وعشرين وأربعمائة. 147- أبو عثمان الصابوني "372-449" 322- قال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الصابوني في رسالته في السنة: "ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون أن الله فوق سبع سمواته على عرشه كما نطق به كتابه, وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف لم يختلفوا أن الله على عرشه، وعرشه فوق سمواته، وإمامنا الشافعي احتج في المبسوط في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة بخبر معاوية بن الحكم، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إعتاق السوداء الأعجمية فامتحنها ليعرف أهي مؤمنة أم لا، فقال لها: "أين ربك؟ فأشارت إلى السماء إذ كانت أعجمية فقال: أعتقها فإنها مؤمنة"، حكم بإيمانها لما أقرت بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية". كان شيخ الإسلام الصابوني فقيهاً محدثاً وصوفياً واعظاً، كان شيخ نيسابور في زمانه، له تصانيف حسنة، سمع من أصحاب ابن خزيمة والسراج. توفي سنة تسع وأربعين وأربعمائة. وقد روى إسماعيل بن عبد الغافر أنه سمع إمام الحرمين يقول: كنت بمكة أتردد في المذاهب فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عليك باعتقاد "ابن" الصابوني. 300- قلت: أصل الحديث صحيح دون قوله "الأعجمية"، وبلفظ: "قالت في السماء" مكان "فأشارت إلى السماء". هذا هو المحفوظ من طرق في "صحيح مسلم" وغيره ولفظ "سوداء أعجمية" في سنده ضعيف ومختلط. كما تقدم بيانه في التعليق رقم "2". 301- قلت: للإمام الصابوني رسالة نافعة مطبوعة في "مجموعة الرسائل المنيرية" "1/ 105-135" بعنوان عقيدة السلف وأصحاب الحديث"، فظننت بادي الرأي أنها هي التي عناها المصنف بقوله "رسالته في السنة"، ولكني لما رجعت إليها، ولم أر فيها من هذا النص الذي نقله المصنف عن "الرسالة" إلا قوله "ص109-110": "ويعتقد أهل الحديث، ويشهدون أن الله سبحانه وتعالى فوق سبع سماوت على

عرشه كما نطق به كتابه". دون ما بعده من قوله: "وعلماء الأمة ... " إلخ. قلت: فلما لم أر فيها إلا هذا ظننت أن "العقيدة" المطبوعة هي غير "الرسالة". والله أعلم. 148- الفقيه سليم "؟ - 447" 323- قال الإمام المفسر أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي في تفسيره في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : "قال أبو عبيدة: علا. وقال غيره: استقر"1. وذكر قوله تعالى: "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العرش" قال: "استوى في اليوم السابع". وهكذا سائر تفسيره على الإثبات لا على النفي. وكان إماماً علامة، تفقه بالشيخ أبي حامد الإسفراييني، وسمع من أصحاب إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي وابن أبي حاتم، وصنف التصانيف، وحمل عنه الفقيه نصر المقدسي وغيره. توفي سنة سبع وأربعين وأربعمائة. 149- أبو نصر السجزي "؟ -444" 243- وقال الحافظ الحجة أبو نصر عبيد الله بن سعيد الوائلي السجزي في كتاب "الإبانة" الذي ألفه في السنة" "أئمتنا كسفيان الثوري، ومالك، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، والفضيل، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش، وعلمه بكل مكان، وأنه ينزل إلى السماء

_ 1 سيأتي قول المؤلف أن تفسيره "استقر" "لا يعجبه في ترجمة "159- البغوي".

الدنيا، وأنه يغضب، ويرضى، ويتكلم بما شاء". قلت: هذا الذي نقله عنهم مشهور محفوظ، سوى كلمة "بذاته" فإنها من كيسه نسبها إليهم بالمعنى، ليفرق بين العرش وبين ما عداه من الأمكنة. أبو نصر حافظ مجود، روى عن أصحاب المحاملي وطبقتهم، وهو راوي الحديث المسلسل بالأولية. مات في سنة أربع وأربعين وأربعمائة. 302- قلت: هو الحديث المتقدم برقم "4": الراحمون يرحمهم الرحمن ... " وقد خرجته هناك غير مسلسل بالأولية، وإنما يروى هكذا في بعض الأجزاء الحديثية من طرق عن أبي نصر وغيره، فانظر إن شئت المجموع" 25 ق23/ 2-24/ 1" والمجموع "51 ق105/ 1-9/ 2" والمجموع "52 ق131/ 1-132/ 2". 150- أبو عمرو الداني "371-444" 325- قال الحافظ إمام القراء أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني صاحب "التيسير" في أرجوزته التي في عقود الديانة: كلم موسى عبده تكليماً ... ولم يزل مدبراً حكيماً كلامه وقوله قديم ... وهو فوق عرشه العظيم والقول في كتابه المفضل ... بأنه كلامه المنزل على رسوله النبي الصادق ... ليس بمخلوق ولا بخالق توفي الداني في شوال سنة أربع وأربعين وأربعمائة بـ"دانية" من الأندلس، ومشى السلطان أمام نعشه، وأكبر شيخ أدركه أبو مسلم الكاتب، خاتمة أصحاب البغوي. 151- ابن عبد البر "368-463" 326- قال الإمام العلامة، حافظ المغرب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري الأندلسي -صاحب "التمهيد" و"الاستذكار"

و"الاستيعاب" و"العلم" والتصانيف النفيسة -لما انتهى إلى شرح حديث النزول من الموطأ: "هذا حديث صحيح لم يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل على أن الله تعالى في السماء على العرش فوق سبع سموات، كما قال الجماعة، وهو من حجتهم على المعتزلة، وهذا أشهر عند العامة والخاصة، وأعرف من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته، لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم". 327- وقال أبو عمر أيضاً1: "أجمع علماء الصحابة والتابعين الذي حمل عنهم التأويل، قالوا في تأويل قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} : هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله". 303- قلت: في هذا النص رد صريح لما ذهب إليه الإمام الشوكاني في آخر "تحفته" "ص95-96" المجموعة المنيرية ج2" أن تأويل هذه الآية وآية {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} بالمعية العلمية إنما هو شعبة من شعب التأويل المخالف لمذهب السلف وما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعوهم. كذا قال، وكأنه لم يقف على هذا النص من الحافظ ابن عبد البر، ولا على ما سبق من القول عن الأئمة الفحول كسفيان الثوري ومالك ومقاتل بن حيان الذي فسروا الآيتين بمثل ما نقل ابن عبد البر إجماع الصحابة ومن بعدهم عليه، فلا تغتر إذن بما زعمه الشوكاني من المخالفة، فإن لكل عالم زلة، ولك جواد كبوة. 328- وقال أيضاً: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لم يكيفوا شيئاً من ذلك، وأما

_ 1 أي في شرح "الموطأ" له كما قيده المؤلف في "الأربعين" له "ق179/ 1".

الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل منها شيئاً على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود". صدق والله، إن من تأول سائر الصفات، وحمل ما ورد منها على مجاز الكلام، أداه ذلك السلب إلى تعطيل الرب، وأن يشابه المعدوم، كما نقل عن حماد بن زياد أنه قال: "مثل الجهمية كقوم قالوا: في دارنا نخلة، قيل: لها سعف؟ قالوا: لا، قيل: فلها كرب1؟ قالوا: لا، قيل: لها رطب وقنو2 قالوا: لا. قيل: فلها ساق؟ قالوا: لا، قيل: فما في داركم نخلة". قلت: كذلك هؤلاء النفاة قالوا: إلهنا الله تعالى، وهو لا في زمان ولا في مكان، ولا يُرى، ولا يسمع، ولا يبصر، ولا يتكلم، ولا يرضى، ولا يغضب، ولا يريد، ولا، ولا ... وقالوا: سبحان المنزع عن الصفات! بل نقول: سبحان الله "العلي" العظيم السميع البصير، المريد، الذي كلم موسى تكليماً، واتخذ إبراهيم خليلاً، ويرى في الآخرة، المتصف بما وصف به نفسه، ووصفه به رسله، المنزه عن سمات المخلوقين، وعن جحد الجاحدين، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. ولقد كان أبو عمر ابن عبد البر من بحور العلم، ومن أئمة الأثر، قل أن ترى العيون مثله، وكان عالي الإسناد، لقي أصحاب ابن الأعرابي وإسماعيل الصفار، وروى المصنفات الكبار، واشتهر فضله في الأقطار. مات سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن ست وتسعين سنة. 152- القاضي أبو يعلى "380-458" 329- قال عالم العراق أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي الحنبلي

_ 1 في القاموس: الكرب: أصول السعف الغلاظ العراض. 2 القنو: العذق: وهو من النخل كالعنقود من العنب.

في كتاب "إبطال التأويل" له: "لا يجوز رد هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات لله عز وجل، لا تشبه بسائر صفات الموصوفين بها من الخلق". قال: "ويدل على إبطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم حملوها على ظاهرها، ولم يتعرضوا لتأويلها، ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغاً لكانوا إليه أسبق، لما فيه من إزالة التشبيه". يعني على زعم من قال: إن ظاهرها تشبيه. قلت: المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة، ما علمت أحداً سبقهم بها. قالوا: هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تؤول، مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، فتفرع من هذا أن الظاهر يعني به أمران: أحدهما: أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب كما قال السلف: الاستواء معلوم. وكما قال سفيان وغيره1: قراءتها تفسيرها، يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغي لها مضايق التأويل والتحريف. وهذا هو مذهب السلف، مع اتفاقهم أيضاً أنها لا تشبه صفات البشر بوجه، إذ الباري لا مثل له، لا في ذاته، ولا في صفاته. الثاني: أن ظاهرها [هو الذي يتشكل في الخيال من الصفة، كما يتشكل في الذهن من وصف البشر، فهذا غير مراد، فإن الله تعالى فرد صمد، ليس له نظير، وإن تعددت صفاته فإنها حق، ولكن ما لها مثل ولا نظير، فمن ذا الذي عاينه ونعته لنا؟ ومن ذا الذي يستطيع أن ينعت لنا كيف سمع كلامه؟ والله إنا لعاجزون كالون حائرون باهتون في حد الروح التي فينا، وكيف تعرج كل ليلة إذا توفاها بارئها، وكيف يرسلها، وكيف تستقل بعد الموت؟ وكيف حياة

_ 1 لم يتقدم هذا عن سفيان، وإنما عن أبي زرعة الرازي نحوه، نعم سيأتي في ترجمة أبي القاسم التيمي عن ابن عيينة.

الشهيد المرزوق عند ربه بعد قتله؟ وكيف حياة النبيين الآن؟ وكيف شاهد النبي صلى الله عليه وسلم أخاه موسى يصلي في قبره قائماً؟ ثم رآه في السماء السادسة وحاوره، وأشار عليه بمراجعة رب العالمين، وطلب التخفيف منه على أمته؟ وكيف ناظر موسى أباه آدم، وحجه آدم بالقدر السابق، وبأن اللوم بعد التوبة وقبولها لا فائدة فيه؟ وكذلك نعجز عن وصف هيأتنا في الجنة، ووصف الحور العين، فكيف بنا إذا انتقلنا إلى الملائكة وذواتهم وكيفيتها، وأن بعضهم يمكنه أن يلتقم الدنيا في لقمة مع رونقهم وحسنهم وصفاء جوهرهم النوراني، فالله أعلى وأعظم، وله المثل الأعلى والكمال المطلق، ولا مثل له أصلاً {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون} . 330- وقال القاضي أبو يعلى أيضاً بعد أن ذكر حديث الجارية: "الكلام في هذه الخبر في فصلين: أحدهما: جواز السؤال عن الله تعالى سبحانه بـ"أين هو؟ " والثاني: جواز الإخبار عنه بأنه في السماء، وقد أخبرنا تعالى أنه في السماء فقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} وهو على العرش". وسرد كلاما طويلاً، لكنه ساق أحاديث ساقطة لا يسوغ أن يثبت بمثلها لله صفة. وكان آية في معرفة مذهب الإمام أحمد، صنف التصانيف الفائقة، وتوفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وكان عالي الإسناد، سمع من علي بن عمر الحربي وطائفة، وعاش نيفاً وثمانين سنة. 153- البيهقي "384-458" 331- قال الإمام شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي صاحب التصانيف في كتاب "المعتقد" له: "باب القول في الاستواء" قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقال: "ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ"، و {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه} ، {يَخَافُونَ رَبَّهُم

مِنْ فَوْقِهِمْ} ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} وأراد من فوق السماء كما قال تعالى: {فِي جُذُوعِ النَّخْل} "بمعنى على جذوع النخل"1 وقال: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْض} أي: على الأرض، وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات، فمعنى الآية: آآمنتم من على العرش، كما صرح به في سائر الآيات. وفيما كتبناه من الآيات دلالة على إبطال قول من زعم من الجهمية بأن الله بذاته في كل مكان. وقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} إنما أراد بعلمه لا بذاته2". شهرة البيهقي وجلالته في الإسلام تغني عن التعريف به، عاش أربعاً وسبعين سنة، ولحق أصحاب الحافظ أبي حامد بن الشرقي. توفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. 154- الخطيب "392-463" 332- قال المبارك بن علي الصيرفي في كتابه: أنبأنا محمد بن مرزوق الزعفراني، أنبأنا الحافظ أبو بكر الخطيب رحمه الله قال: "أما الكلام في الصفات3، فأما ما روي منه في السنن الصحاح فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها. والأصل في "هذا" أن الكلام في الصفات فرع علي الكلام في الذات، ونحتذي في ذلك حذوه ومثاله، وإذا كان معلوما "أن" إثبات رب العالمين، إنما هو إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف، فكذلك إثبات صفاته، إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف. فإذا قلنا: يد، وسمع، وبصر، فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول: أن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر، العلم. ولا نقول: إنها جوارح وأدوات للفعل، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع

_ 1 سقطت من الأصول، واستدركتها من المخطوطة، وكتاب "الاعتقاد" للبيهقي "ص42". 2 كتاب "الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة" "ص42-43". 3 هذه المسألة محفوظة في الظاهرية. وقد ذكر المصنف طرفا منها باختصار، وبودي أن أذكرها بتمامها في المقدمة إن شاء الله تعالى.

والأبصار، التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد} . وقال نحو هذا القول قبل الخطيب أحد الأعلام، وهذا الذي علمت من مذهب السلف، والمراد بظاهرها، أي: لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له، كما قال مالك وغيره: الاستواء معلوم. وكذلك القول في السمع والبصر والعلم والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك، هذه الأشياء معلومة، فلا تحتاج إلى بيان وتفسير، لكن كيف في جميعها مجهول عندنا، والله أعلم. وقد كان الخطيب رحمه الله الدارقطني الثاني، لم يكن ببغداد بعده مثله في معرفة هذا الشأن، توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وأول سماعاته بعد الأربعمائة. 304- ذكره المصنف باختصار وهو بتمامه في رسالة "الصفات" للخطيب البغدادي رحمه الله، المحفوظة في دار الكتب الظاهرية حرسها "مجموع 16/ 43-44".

طبقة أخرى 155- الفقيه نصر المقدسي "نحو 410-490" 333- قال الإمام الزاهد شيخ الإسلام أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي في كتاب "الحجة" له -وهو مجلد في السنة:- "وأن الله تعالى مستو على عرشه، بائن من خلقه، كما قال في كتابه". كان الفقيه نصر سيد أهل الشام في وقته علما وعملا، وكان يتقوت باليسير، يخبز في جنب الكانون قرصاً يفطر عليه. قال: درست على الفقيه سليم الفقه من سنة سبع وثلاثين إلى سنة أربعين، كتبت عنه تعليقته في ثلاثمائة جزء، وما كتبت حرفا إلا وأنا على وضوء، وقد نزل إليه السلطان تتش بدمشق فلم يقم له، ونفذ إليه بمال من الجزية فرده، أخذ عنه الغزالي والكبار، ومات في سنة تسعين وأربعمائة. 156- إمام الحرمين "418-478" 334- قال الإمام عالم الشرق أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني الشافعي في كتاب "الرسالة النظامية": "اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب عز وجل. والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة، اتباع سلف الأمة، والدليل القاطع السمعي في ذلك، وأن إجماع الأمة حجة متبعة، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغاً أو محتوماً، لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة،

وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل، كان ذلك هو الوجه المتبع، فلتجر آية الاستواء وآية المجيء وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي} على ذلك"1. 335- قال الحافظ الحجة عبد القادر الرهاوي: سمعت عبد الرحيم بن أبي الوفا الحاجي يقول: سمعت محمد بن طاهر المقدسي يقول: سمعت الأديب أبا الحسن القيرواني بنيسابور يقول: -وكان يختلف إلى دروس الأستاذ أبي المعالي الجويني يقرأ عليه الكلام- يقول: سمعت الأستاذ أبا المعالي اليوم يقول: "يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ لي ما بلغ ما اشتغلت به". 305- قلت: وإسناده صحيح مسلسل بالحفاظ إلى الأديب أبي الحسن القيرواني وأما هذا فلم أعرفه الآن. 336- وقال الفقيه أبو عبد الله الرستمي الذي أجاز لكريمة: حكى لنا الإمام أبو الفتح محمد بن علي الفقيه قال: دخلنا على الإمام أبي المعالي ابن الجويني نعوده في مرض موته فأقعده، فقال لنا: "اشهدوا علي أني قد رجعت عن كل ما مقالة قلتها أخالف فيها ما قال السلف الصالح، وإني أموت على ما تموت عليه عجائز نيسابور". قلت: هذا معنى قول بعض الأئمة: عليكم بدين العجائز، يعني أنهن مؤمنات بالله على فطرة الإسلام، لم يدرين ما علم الكلام. وقد كان شيخنا العلامة أبو الفتح القشيري2 رحمه الله يقول: تجاوزت حد الأكثرين إلى العلا ... وسافرت واستبقيتهم في المفاوز

_ 1 العقيدة النظامية "ص23-25". 2 هو الإمام ابن دقيق العيد، ترجمه المصنف في "التذكرة" "4/ 262-264".

وخضت بحاراً ليس يدرك قعرها ... وسيرت نفسي في قسيم1 المفاوز ولججت في الأفكار ثم تراجع أخـ ... تياري إلى استحسان دين العجائز 306- قلت: ومن شعر أبي المعالي رحمه الله: نهاية إقدام العقول عقال ... وغاية آراء الرجال ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وغاية دنيانا أذى ووبال ومن قوله: "قرأت خمسين ألفا، في خمسين ألفا، ثم حلبت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه "قلت: كأنه يعني علم الكلام" كل ذلك في طلب الحق، وهو يأمن التقليد "قلت: فكيف يكون حال الغارق في التقليد والموجب له؟! "، والآن رجعت من العمل إلى كلمة الحق: "عليكم بدين العجائز"، فإن لم يدركني الحق بلطفه، وأموت على دين العجائز، وتختم عاقبة أمري على الحق وكلمة الإخلاص، وإلا فالويل لابن الجويني". نقلته من "شذرات الذهب" "3/ 361-362". 307- قلت: يشير المؤلف رحمه الله تعالى إلى أن ليس بحديث وإن اشتهر على الألسنة عند بعض الفقهاء، أنه حديث الغزالي، وفي كلام المترجم نفسه الذي نقلته آنفا عن "الشذرات" ما يشعر بذلك فتنبه، وانظر الكلام عليه في كتابي "الأحاديث الضعيفة والموضوعة" "53". 337- قال أبو منصور بن الوليد الحافظ في رسالة له إلى الزنجاني: أنبأنا عبد القادر الحافظ بحران، أنبأنا الحافظ أبو العلاء، أنبأنا أبو جعفر بن أبي علي الحافظ فقال: سمعت أبا المعالي الجويني وقد سئل عن قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ؟ فقال: "كان الله ولا عرش -وجعل يتخبط في الكلام- فقلت: قد علمنا ما أشرت إليه، فهل عندك للضرورات من حيلة؟ فقال: ما نريد بهذا القول وما

_ 1 وكذا في المخطوطة، ولعله "فسيح".

تعني بهذه الإشارة؟ فقلت: ما قال عارف قط يا رباه إلا قبل أن يتحرك لسانه، قام من باطنه قصد لا يلتفت يمنة ولا يسرة يقصد الفوق، فهل لهذا القصد الضروري عند من حيلة؟ فنبئنا نتخلص من الفوق والتحت، وبكيت وبكى الخلق، فضرب الأستاذ بكمه على السرير وصاح: يا للحيرة، وخرق ما كان عليه وانخلع، وصارت قيامة في المسجد، ونزل، ولم يجبني إلا: يا حبيبي الحيرة الحيرة، والدهشة الدهشة". فسمعت بعد ذلك أصحابه يقولون: سمعناه يقول: حيرني الهمداني. توفي إمام الحرمين في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وله ستون سنة. وكان من بحور العلم في الأصول والفروع، يتوقد ذكاء. 308- قلت: وإسناد هذه القصة صحيح مسلسل بالحفاظ، وأبو جعفر اسمه محمد بن أبي علي الحسن بن محمد الهمداني مات سنة "531"، وقد وصفه ابن تيمية في "مجموعة الفتاوى" "4/ 44" بـ"الشيخ العارف". ويبدو لي أن هذه الحيرة كانت قبل استقرار عقيدة أبي المعالي الجويني على المذهب السلفي، بل لعلها كانت المنطلق إلى هذا الاستقرار الذي أبان عنه فيما سبق من كلامه في "الرسالة النظامية". وما أشبه حال بحال أبيه العلامة أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني، فقد كان برهة من الدهر متحيرا في هذه المسألة "الأستواء" وسواها من مسائل الصفات. بسبب تأثره بعلم الكلام الذي تلقاه عن شيوخه. ثم استقر أمره -والحمد لله- على العقيدة السلفية فيها، كما شرح ذلك هو نفسه أحسن الشرح في رسالته القيمة في "إثبات الاستواء والفوقية" وهي مطبوعة في المجلد الأول من "مجموعة الرسائل المنيرية" "ص170-187". وإني لأستغرب كيف فات ذكر هذا الإمام على الحافظ الذهبي في جملة هؤلاء الأئمة الأعلام الذي قالوا بقول السلف في هذه المسألة الهامة. ولك جل من لا ينسى. 157- سعد الزنجاني "381-471" 338- كان الإمام أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني الحافظ المجاور بمكة له حرمة عظيمة بالحرم، بحيث أنه إذا خرج من منزله يقلبون يده أكثر مما يقبلون

الحجر، وهو صاحب القصيدة الرائية في السنة أولها: تمسك بحبل الله واتبع الأثر ... ودع عنك رأيا لا يلائمه خبر وكان من دعاة السنة، وأعداء البدعة، توفي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. 158- شيخ الإسلام الأنصاري "396-481" 339- قال الإمام الكبير أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن مت الأنصاري الهروي صاحب كتاب "ذم الكلام وأهله" وكتاب "منازل السائرين" في التصوف، في كتاب "الصفات" له: "باب استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائنا من خلقه من الكتاب والسنة". فساق حججه من الآيات والحديث إلى أن قال: "وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش بنفسه، وهو ينظر كيف يعملون، وعلمه وقدرته واستماعه ونظره ورحمته في كل مكان". كان أبو إسماعيل آية في التفسير، رأساً في التذكير، عالماً بالحديث وطرقه، بصيراً باللغة، صاحب أحوال ومقامات، فياليته لا ألف كتاب "المنازل" ففيه أشياء منافية للسلف وشمائلهم. قيل إنه عقد على تفسير {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} ثلاثمائة وستين مجلساً، وقد هدد بالقتل مرات ليقصر من مبالغته في إثبات الصفات، وليكف عن مخالفيه من علماء الكلام، فلم يرعو لتهديديهم، ولا خاف من وعيدهم. ومات سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وله خمس وثمانون سنة سمع من عبد الجبار الجراح وأبي سعيد الصيرفي وطبقتهما. 309- قلت: وهو كتابه المعروف بـ"الفاروق". 310- قلت: تجد أمثلة من ذلك في كتب ابن تيمية رحمه الله، ومنها رسالته في القضاء والقدر. قال المؤلف في "التذكرة" "3/ 355".

"ورأيت أهل الاتحاد "يعني الصوفية القائلين بوحدة الوجود" يعظمون كلامه في "منازل السائرين"، ويدعون أنه موافقهم، ذائق لوجدهم، ورامز لتصوفهم الفلسفي! وأنى يكون ذلك وهو من دعاة السنة، وعصبته آثار السلف، ولا ريب أن في "منازل السائرين" أشياء من محض المحو والفناء، وإنما مراده بذلك الفناء، الغيبة عن شهود السوى، ولم يرد عدم السوى في الخارج. وفي الجملة هذا الكتاب لون آخر غير الأنموذج الذي أطبق عليه صوفية التابعين، ودرج عليه نساك المحدثين، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم". 311- قلت: هذا هو الموافق لسنة ميلاده التي وضعتها بجانب اسم المترجم نقلا عن "التذكرة" للمؤلف رحمه الله تعالى، وهو مخالف لما في "الشذرات" "3/ 365" أنه توفي وله ثمانون سنة. والله أعلم. 159- القيرواني "؟ -؟ " 340- قال الإمام أبو بكر محمد بن الحسن الحضرمي1 القيرواني المتكلم صاحب رسالة "الإيماء إلى مسألة الاستواء" فساق فيها قول أبي جعفر محمد بن جرير، وأبي محمد بن أبي زيد، والقاضي عبد الوهاب، وجماعة من شيوخ الفقه والحديث إن الله سبحانه مستو على العرش بذاته. قال: "وأطلقوا في بعض الأماكن أنه فوق عرشه. ثم قال: وهذا هو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد، ولا تمكن في مكان، ولا كون فيه ولا مماسة". قلت: سلب هذه الأشياء وإثباتها مداره على النقل، فلو ورد شيء بذلك نطقنا به وإلا فالسكوت والكف أشبه بشمائل السلف، إذ التعرض لذلك نوع من الكيف وهو مجهول، وكذلك نعوذ بالله أن نثبت استواءه بمماسة أو تمكن بلا توقيف ولا أثر، بل نعلم من حيث الجملة أنه فوق عرشه كما ورد النص. 312- قلت: وهذا هو الذي عناه صاحب قصيدة "بدء الأمالي"، بقوله فيها: "ورب العرش فوق العرش لكن بلا وصف التمكن واتصال".

_ 1 في المطبوعات "الحصري" والتصويب من المخطوطة.

وهي تمثل عقيدة الماتريدية الحنفية، ولكن جمهورهم اليوم -بفضل علم الكلام- صاروا لا يعتقدونها! 160- "ابن أبي كدية التيمي؟ -؟ " 341- وقال السلفي في "معجم بغداد": سألت أبا عبد الله محمد بن أبي بكر التيمي القيرواني ابن أبي كدية المتكلم الأشعري عن الاستواء فقال: "من أصحابنا من قال: المراد به العلو، ومنهم من قال: القصد، ومنهم من قال: الاستيلاء، ومن أصحابنا المتقدمين من ذهب إلى أنه يحمل على ما ورد به ولا يفسر. وهو أحد الوجهين عن أبي الحسن". 161- البغوي "نحو 436-516" 342- قال الإمام محي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي صاحب "معالم التنزيل"1 عن قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} : "قال الكلبي ومقاتل: استقرز وقال أبو عبيدة: صعد". قلت: لا يعجبني قوله: استقر. بل أقول كما قال مالك الإمام: الاستواء معلوم. ثم قال البغوي: "وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، وأما أهل السنة فيقولون: الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف، يجب الإيمان به". 343- وقال فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "ثُمَّ اسْتَوَى إلى السماء": "قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: ارتفع إلى السماء". وقال في قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} : الأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله، وبعتقد أن الله منزه عن سمات الحدوث، على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة". وقال في {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} :

_ 1 ج3 ص488- طبعة المنار.

"أي من سرار ثلاثة إلا هو رابعهم بالعلم". كان محيي السنة من كبار أئمة المذهب. زاهداً، ورعاً، متعبداً، ألف كتاب "التهذيب" في المذهب فأتقنه. وصنف كتاب "شرح السنة"1. توفي سنة ست عشرة وخمسمائة، وقد قارب الثمانين. 162- أبو الحسن الكرجي "458-532" 344- قال العلامة أبو الحسن "محمد بن عبد الملك"2 الشافعي صاحب شيخ الإسلام الهروي في عقيدته المشهورة، أولها: عقيدة أصحاب الحديث فقد سمت ... بأرباب دين الله أسنى المراتب عقائدهم أن الإله بذاته ... على عرشه مع علمه بالغوائب وأن استواء الرب يعقل كونه ... ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب2 وهذه القصيدة طويلة أزيد من مائتي بيت. وكان ناظمها الكرجي من كبار الفقهاء الشافعية. مات سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. 313- قلت: وهو من الفقهاء المتحررين من الجمود المذهبي، فقد جاء في ترجمته من "الشذرات" ما نصه: "وكان لا يقنت في الفجر، ويقول: لم يصح في ذلك حديث، وقد قال الشافعي: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط". والحديث الذي أشار إلى تضعيفه، قد كنت خرجته في "الضعيفة" "1239" فراجعه. 163- أبو القاسم التيمي "457-535" 345- قال الإمام الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي

_ 1 وهو من مطبوعات المكتب الإسلامي بستة عشر مجلدا، قام على تحقيقه الأستاذ شعيب الأرناؤوط. شاركه في الأربعة الأولى الأستاذ زهير الشاويش، وصنع مجلد الفهرس الأخوة في قسم التصحيح بمكتب بيروت. 3 في القاموس: الشهرب العجوز الكبير.

الطلحي الأصبهاني مصنف "الترغيب والترهيب"1 وقد سئل عن صفات الرب فقال: "مذهب مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وأحمد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه، أن صفات الله التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله من السمع والبصر والوجه واليدين وسائر أوصافه، إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور، من غير كيف يتوهم فيها، ولا تشبيه ولا تأويل، قال ابن عيينة: كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسير. ثم قال: أي هو على ظاهره لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل". توفي حافظ وقته أبو القاسم في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. 164- ابن موهب "؟ -؟ " 346- قال العلامة أبو بكر محمد بن موهب المالكي في شرحه لرسالة الإمام أبي محمد بن أبي زيد: "أما قوله: "إنه فوق عرشه المجيد بذاته" فمعنى فوق وعلى عند جميع العرب واحد. وفي الكتاب والسنة تصديق ذلك، وهو قوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} ، وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم} . وساق حديث الجارية والمعراج إلى سدرة المنتهى، إلى أن قال: "وقد تأتي لفظة "في" في لغة العرب بمعنى فوق، كقوله: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} و {فِي جُذُوعِ النَّخْل} و {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} قال أهل التأويل2: يريد فوقها، وهو قول مالك مما فهمه عمن أدرك من التابعين مما

_ 1 قلت: منه نسخة مخطوطة في مكتبة المدينة المنورة، وفيها حرم. 2 يعني: التفسير.

فهموه عن الصحابة، مما فهموه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وسلم أن الله في السماء، يعني فوقها وعليها، فلذلك قال الشيخ أبو محمد: "أنه فوق عرشه" ثم بين أن علوه فوق عرشه إنما هو بذاته لأنه تعالى بائن عن جميع خلقه بلا كيف وهو في كل مكان بعلمه لا بذاته. "إذ"1 لا تحويه الأماكن، لأنه أعظم منها، قد كان ولا مكان". ثم سرد كلاماً طويلاً إلى أن قال: "فلما أيقن المنصفون إفراد ذكره بالاستواء على عرشه بعد خلق سمواته وأرضه، وتخصيصه بصفة الاستواء، علموا أن الاستواء هنا غير الاستيلاء ونحوه، فأقروا بوصفه بالاستواء على عرشه، وأنه على الحقيقة لا علي المجاز، لأنه الصادق في قيله، ووقفوا عن تكييف ذلك وتمثيله، إذ ليس كمثله شيء". 165- "القاضي العلامة أبو بكر بن العربي 468-543" 347- ذكر في تفسير سورة الأحزاب في قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِك} قال: "فهذا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عصى ربه لا حال الجاهلية، ولا بعدها، تكرمة من الله وتفضيلا وجلالا، أحله به المحل الرفيع، ليصلح أن يقعد معه على كرسيه للفصل بين "الخلق في"2 القضاء يوم الحق". وذكر فصلا طويلا، وما علمت للقاضي مستندا في قوله هذا سوى مجاهد والله أعلم. وابن العربي من كبار أئمة الأندلس، رحل ولحق مثل طراد الذينبي والكبار، وقد سارت بتصانيفه الركبان. توفي سنة بضع وأربعين وخمسائة.

_ 1 سقطت من المطبوعات، وفي المخطوطة: "ولا" بدل "أن" ولعل الصواب ما أثبتنا. 2 زيادة من تفسير: "أحكام القرآن" للقاضي أبي بكر بن العربي ج3 ص1530، والترجمة كلها سقطت من المطبوعات، فاستدركتها من المخطوطة.

166- الشيخ عبد القادر "471-562" 348- قال شيخ الإسلام سيد الوعاظ أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح بن جنكي دوست الجيلي شيخ العراق في كتاب "الغنية" له، وهو مجلد: "أما معرفة الصانع بالآيات والدلائل على وجه الانتصار، فهو أن يعرف ويتيقن أن الله واحد أحد" إلى أن قال: "وهو مستو على العرش، محتو على الملك، محيط علمه بالأشياء {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، وينبغي إطلاق ذلك من غير تأويل، وكونه تعالى على العرش فمذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل، بلا كيف". سمعت الحافظ أبا الحسين يقول: سمعت الشيخ عز الدين بن عبد السلام بمصر يقول: ما نعرف أحداً كراماته1 متواترة كالشيخ عبد القادر رحمه الله. توفي في سنة إحدى وستين وخمسمائة. 167- الشيخ أبو البيان "؟ -551" كان الشيخ الإمام القدوة أبو البيان "بنابن" محمد بن محفوظ السلمي الحوراني ثم الدمشقي الشافعي اللغوي شيخ الفقراء البيانية لهجاً بإثبات الصفات، منافراً لذوي الكلام، ذاماً للنفاة، له أشياء في هذا المعنى. 349- أخبرنا عبد الخالق بن عبد السلام القاضي، أخبرنا الإمام أبو محمد ابن قدامة، قال: حدثني أبو المعالي أسعد بن المنجا قال: كنت يوماً عند الشيخ أبي البيان رحمه الله تعالى فجاءه ابن تميم الذي يدعي الشيخ الأمين، فقال له الشيخ بعد كلام جرى بينهما: ويحك، الحنابلة إذا قيل

_ 1 وفي المخطوطة: "ما نعرف أحدًا أكثر أمانة" والمثبت موافق لما في ترجمة الشيخ في كتاب الشذرات".

لهم: ما الدليل على أن القرآن بحرف وصوت؟ 1 قالوا: قال الله كذا، وقال رسوله كذا، وسرد الشيخ الآيات والأخبار، وأنتم إذ قيل لكم: ما الدليل على أن القرآن معنى "قائم" في النفس؟ قلتم: قال الأخطل "إن الكلام لفي الفؤاد" إيش هذا الأخطل؟! نصراني خبيث بنيتم مذهبكم على بيت شعر من قوله، وتركتم الكتاب والسنة!. قال أبو محمد الخشاب نحوي العراق: فتشت شعر الأخطل المدون كثيراً فما وجدت هذا البيت2. قلت: مسألة الكلام لها موضع آخر وهي غامضة، لكن يكفي المسلم أن يؤمن بالقرآن العظيم -جل منزله- أنه كلام الله غير مخلوق، وأنه عين ما تكلم به منشيه ومبتديه عز وجل، مع اعترافنا بأن تلاوتنا له وأصواتنا وتلفظنا به مخلوق، وتكلم الرب به صفة من صفاته التي من لوازم ذاته المقدسة، فلا يعلم كيفية ذلك، وكلمات الله لا تنفد ولو كان البحر مداداً لها، ويمده من بعده سبعة أبحر، فكلامه من علمه، وعلمه لا يتناهى، فلا نحيط بشيء من علمه إلا بما شاء. توفي الشيخ أبو البيان في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. 314- قلت: إسناده جيد، فأبو المعالي أسعد ويسمى محمد بن المنجا من فقهاء الحنابلة البارعين، سمع منه جماعة منهم الحافظ المنذري، وأخذ عنه الفقه الموفق. مات سنة "606".

_ 1 الأصل "ليس بحرف" وهو في ذلك تابع لكل النسخ المطبوعة حاشا الهندية، وهي الصواب الموافق للمخطوطة. ومن العجيب أن ينطلي هذا الخطأ على محققي طبعة المنار، وطبعة أنصار السنة المحمدية في القاهرة، بل الأعجب من ذلك أن السيد رشيد رضا في طبعته وضع هذه الزيادة المفسدة للمعنى "ليس" بين هلالين صغيرين، وبحرف أصغر من الحرف الذي طبع عليه الكتاب "ليس" إشارة إلى أنها ليست ثابتة في الأصل الذي اعتمده، وهي الطبعة الهندية، ولم ينتبه رحمه الله إلى أنه أفسد بهذه الزيادة، المعنى، لأن الحنابلة يقولون بأن كلام الله بحرف وصوت خلافا لمخالفيهم القائلين بالكل والنفس. 2 ونحوه في "شرح الطحاوية" "ص184 -للمكتب الإسلامي".

وأبو محمد بن قدامة الإمام المقدسي أشهر من يذكر. وعبد الخالق بن عبد السلام هو أبو محمد البعلبكي، فقيه عالم ذو حظ من عبادة وتواضع مات سنة "696" وله "93" سنة. 168- القرطبي "؟ -671" الإمام العلامة أبو عبد الله القرطبي صاحب التفسير الكبير. 350- قال في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} : "هذه مسألة قد بينا فيها كلام العلماء في كتاب "الأسنى في شرح الأسماء الحسنى" وذكرنا فيها أربعة عشر قولاً، إلى أن قال: وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أن استواءه على عرشه حقيقة، وخص عرشه بذلك لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا يعلم حقيقة كيفيته. قال الإمام مالك: الاستواء معلوم، يعني في اللغة، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة". وقال القرطبي أيضاً في "الأسنى": "الأكثر من المتقدمين والمتأخرين -يعني المتكلمين- يقولون: إذا أوجب تنزيه الباري جل جلاله عن الجهة والتميز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عند عامة العلماء المتقدمين، وقادتهم المتأخرين تنزيه الباري عن الجهة، فليس لجهة فوق عندهم، لأنه يلزم من ذلك عندهم أنه متى اختص بجهة أن يكون في مكان وحيز، ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للتميز والتغير والحدوث. هذا قول المتكلمين". قلت: نعم هذا ما اعتمده نفاة علو الرب عز وجل، وأعرضوا عن مقتضى الكتاب والسنة وأقوال السلف وفطر الخلائق. و"إنما" يلزم ما ذكره في حق الأجسام، والله تعالى لا مثل له، ولازم صرائح النصوص حق، ولكنا لا نطلق عبارة إلا بأثر. ثم نقول: لا نسلم "أن" كون الباري على عرشه فوق السموات

يلزم منه أنه في حيز وجهة، إذ ما دون العرش يقال فيه حيز وجهات، وما فوقه فليس هو كذلك، والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر ونقله عنهم الأئمة. وقالوا ذلك رادين على الجهمية القائلين بأنه في كل مكان محتجين بقوله "وهو معكم" فهذان القولان هما اللذان كانا في زمن التابعين وتابعيهم، وهما قولان معقولان في الجملة. فأما القول الثالث المتولد أخيرا1 من أنه تعالى ليس في الأمكنة، ولا خارجاً عنها، ولا فوق عرشه، ولا هو متصل بالخلق ولا بمنفصل عنهم، ولا ذاته المقدسة متحيزة2، ولا بائنة عن مخلوقاته، ولا في الجهات، ولا خارجاً عن الجهات، ولا، ولا، فهذا شيء لا يعقل ولا يفهم مع ما فيه من مخالفة الآيات والأخبار، ففر بدينك، وإياك وآراء المتكلمين، وآمن بالله وما جاء عن الله على مراد الله، وفوض أمرك إلى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. تم الكتاب والحمد لله وحده. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. وحسبنا الله ونعم الوكيل. 315- قلت: نعم، إنما يفهمه القائلون بوحدة الوجود، وأن الخالق والمخلوق شيء واحد، بل لا شيء هناك يسمى خالقا أو مخلوقا، فكل ما تراه بعينك فهو الله! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، ولعل جهما وأمثاله من الدعاة الأولين كانوا يرمون من قولهم بأن الله في كل مكان، وأنه ليس على العرش، غرس عقيدة وحدة الوجود المستلزمة لنفي وجود الخالق تبارك وتعالى. ولكن بطريقة خبيثة خفية، ولذلك اشتد نكير السلف عليه، وعلى أتباعه، وصرح بعضهم -كما تقدم في ترجمة الإمام ابن المبارك وغيره- أن الجهمية يزعمون أن الله ليس بشيء! فماذا يقول السلف الصالح لو سمعوا اليوم غلاة الصوفيين وهم يقولون على المنابر: "الله، لا فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا يسار، ولا أمام، ولا خلف، ولا داخل العالم، ولا خارجه"!

_ 1 في المخطوطة: "بآخرة". 2 في المخطوطة: "متميزة".

فآمن أيها المسلم بما جاء عن الله ورسوله. على ما بينه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، تكن مثلهم من المهتدين. والحمد لله رب العالمين. دمشق 1 ربيع الأول سنة 1392 محمد ناصر الدين الألباني

باب: تعقيب

باب: تعقيب ... جاء في آخر المطبوعة: تعقيب: ذكر في آخر النسخة التي نقلنا عنها العبارة التالية: كتبت هذه النسخة من نسخة كتبت من خط مؤلفه رحمه الله، وكاتبه أحمد بن زيد المقدسي. ووجدت بخط ابن المحب الناسخ من خط المصنف في آخر الكتاب بعد الفراغ من الأصل يقول: وجدت بخط مؤلفه رحمه الله تعالى قال: من بحوث المتأخرين لا يجوز صفة الله تعالى بأنه فوق العرش، قالوا: وذا يلزم قطعا أحد ثلاثة أمور: إما أن يكون أصغر من العرش، أو أكبر منه، أو مساويا له، والأقسام الثلاثة لا تجوز على الله إلى آخر قولهم. قال: والجواب أن ذلك إنما يلزم في حق الأجسام، والباري جل جلاله فليس بجسم. الثاني: لا نسلم كونه أكبر أنه يرد عليه شيء ولكن لا نطلق ذلك إلا بنص الثالث: أن بحثهم بعينه نردهم بنظيره فنقول: الله عز وجل موجود بيقين، وجميع ما خلق الله من الكائنات موجود، فنسألهم عن واجب الوجود، إذا ذكرناه مع جميع ما أبدع من الوجود الممكن، أهو تعالى أكبر من مجموع الكل، أو أصغر، أو مساو؟ فما يرد علينا يرد عليهم لا محيد لهم عنه. ثم أنتم تقولون: لا هو داخل العالم ولا خارج العالم، ولا فوق العرش ولا تحت العرش، ولا في السماء ولا ليس في السماء، فإن كان هذا يعقل لكم فوالله نحن ما نعقله، لكن لو نطق بهذه السلوب نص لدنا به ولاتبعناه، بل لما وردت

النصوص بإثبات أنه على العرش، وبأنه في السماء ونحو ذلك، قلنا به وآمنا وتبعنا مطلق السمع. ثم لو كانت مقالاتكم في ذلك متفقا عليها بين أهل العقول، لقلنا أيضا بها، بل للمتكلمين من الطوائف في ذلك اختلاف واضطراب فهلموا بنا إلى الاتفاق على التنزيه العام، والتوحيد التام، والإيمان بما جاء عن الله ورسوله على ما أراد، والكف عن الكلام والخصام، لندخل الجنة بسلام، ثبتنا الله وإياكم على الإسلام، والحمد لله رب العالمين.

باب: فهرس الموضوعات

باب: فهرس الموضوعات ... فهرس الموضوعات الموضوع الصفحة تقديم بقلم: زهير الشاويش 3 مقدمة بقلم: محمد ناصر الدين الألباني 5 - وصف المخطوطة 8 - حذف الأحاديث الضعيفة مثل "حديث الأطيط" 11 - حذف ما صرح المؤلف بثبوته لعلة قادحة 11 - كلام ابن تيمية حول أهل الحديث وأهل الكلام 13 - تهجم الشيخ الكوثري على أهل السنة 14 - المقام المحمود 16 - لفظتا "بذاته" و"بائن" 17 - خطوات المؤلف في الكتاب 20 موضوع الكتاب وخطورته 22 - تفسير "الاستواء" 25 - الكلام في الصفات 27 - ضرر التأويل 32 - الأحاديث في الصفات 36 - معنى الاستواء عند ابن تيمية 40 - الرد على أبي زهرة 40 - ضلال الجهمية 52 - ضلال الغلاة في نفي العلو 53

- اللوم على الكتاب الإسلاميين في مسائل الخلاف 56 - عرض مناقشة بين المؤلف وأحد الوعاظ في المدينة المنورة 57 - ضرورة تصفية الإسلام من الآراء 58 - قول سيد قطب "رحمه الله" 59 شبهات وجوابها 67 - الشبهة الأولى: التشبيه 67 - الشبهة الثانية: الجهة 68 - الشبهة الثالثة: المكان 70 مقدمة كتاب العلو 79 - حديث: "المراء في القرآن كفر" حديث صحيح 80 1- حديث معاوية بن الحكم السلمي: "كانت لي غنم بين أحد والجوانية ... " وفيه قصة الجارية 81 2- حديث جابر بن عبد الله: "ألا هل بلغت؟ " 83 3- حديث أبي هريرة: "الملائكة يتعاقبون فيكم ... " 83 4- حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص: "الراحمون يرحمهم الرحمن ... " 83 5- حديث جرير: "مَنْ لَمْ يَرْحَمْ مَنْ فِي الأرض ... " 84 6- حديث أنس عن زينب بنت جحش 84 7- حديث أبي سعيد: "ألا تأمنوني وأنا أمين ... " 84 8- حديث أبي هريرة: "والذي نفسي بيده ... " 84 9- حديث أبي هريرة: "إن الميت يحضره الملائكة ... " 85 10- حديث أبي هريرة: كان ملك الموت يأتي ... " 85 11- حديث أبي هريرة: "من تصدق بعدل ثمرة ... " 86 12- حديث أبي موسى الأشعري: "إن الله لا ينام ... " 86 13- حديث ابن عمر: "اتقوا دعوة المظلوم ... " 86 14- حديث أبي سعيد: "يقبل الله صدقة العبد ... " 86

15- حديث سعد بن أبي وقاص: "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ من فوق ... " 87 16- حديث أنس: "فَأَدْخُلُ عَلَى رَبِّي وَهُوَ عَلَى عرشه ... " 87 17- عن أنس حديث مالك بن صعصعة عن ليلة الإسراء 88 18- حديث أبي هريرة: "إِنَّ للَّهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأرض ... " 90 19- عن ابن عباس: "مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ إِذَا رُمِيَ بمثل هذا؟ " 91 20- حديث أبي هريرة: "إذا أحب الله عبداً نادى جبرائيل ... " 91 21- حديث أبي هريرة: "لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ ... " 92 22- عن أبي بن كعب: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَيَّ آيَةٍ في كتاب الله ... " 92 23- عن أبي هريرة: "مَا طَرَفَ صَاحِبُ الصُّورِ مُذْ ... " 93 24- عن أبي ذر: "أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ هَذِهِ الشَّمْسُ؟ ... " 93 25- عن أنس: إنه حديث عهد بربه" 93 26- عن ابن عباس حديث في تفسير آيات 94 27- عن أبي هريرة: "يقول الله عز وجل: أنا عند حسن ظن عبد بي" 94 28- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصديق: "لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي انتهيت ... " 95 29- عن مجاهد: "قيل لابن عباس ... " 95 30- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو:

"الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، وَلَيْسَ الْوَاصِلُ بالمكافئ" 95 31- عن أبي أمامة: "قال أبو أيوب ... " 96 32- عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا: "التسبيحة والتحميدة والتهليلة ... " 96 33- عن ابن عباس مرفوعا: "يجئ المقتول بالقاتل يوم ... " 96 34- وعنه: "يؤتى بالمقتول متعلقا بالقاتل ... " 97 35- حديث عبد الله بن عمرو: "جعل الله فوق السماء ... " 97 36- عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة ... " 97 37- عن سلمان الفارسي: "إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده ... " 97 38- حديث قتادة بن النعمان: "لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه" 98 39- حديث أخرجه البخاري: "إليه يصعد الكلم الطيب" 98 40- حديث عمران بن حصين "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ" 98 41- عن ثابت البناني: "كان داود عليه السلام يطيل الصلاة ... " 99 - {رب العرش العظيم} 99 {الذي يحملون العرش ... " 100 42- عن حسان بن عطية: "حملة العرش ثمانية يتجاوبون ... " 101

43- عن أبي هريرة: "مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصلاة ... " 101 44- عن عمران: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ" 102 45- عن ابن عباس: "الكرسي موضع القدمين، والعرش ... " 102 46- عن قيس: "لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه الشام ... " 102 47- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ: "سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: "ويل لديان الأرض من ديان السماء ... " 103 48- حديث ابن مسعود: "العرش فوق الماء والله" 103 49- عن ابن مسعود: "من قال: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ... " 104 50- حديث ابن مسعود: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيِهَمُّ بِالأَمْرِ مِنَ التجارة ... " 104 51- عن ابن مسعود: "إن الله تعالى يبرز ... " 104 52- حديث عائشة: "وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لأَخْشَى لَوْ كنت ... " 53- حديث مجاهد: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: خَلَقَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ 105 54- ناس من أصحاب النبي: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ عَرْشُهُ على الماء ... " 105 55- حديث أبي هريرة: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يوم ... " 105 56- حديث أبي هريرة: "أن الله تعالى يقول: "أين" المتحابون ... " 105

57- حديث العرباض بن سارية: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْمُتَحَابُونَ بجلالي ... " 106 58- حديث ابن مسعود: "أما إنا قد سألنا عن ذلك ... " 106 59- حديث جابر: أَلا تُحَدِّثُونَ بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتُمْ بأرض الحبشة" 106 60- حديث عبادة بن الصامت: "الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كل ... " 107 61- حديث أبي هريرة: "اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ من اليهود ... " 107 62- حديث أبي سعيد: "لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ ... " 108 63- حَدِيثُ جابر: "اهتز لها عرش الرحمن" "في جنازة سعد بن معاذ" 108 64- حديث أنس: "اهتز لها عرش الرحمن" 109 65- حديث أبي سعيد: "اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ معاذ" 109 66- حديث أسيد بن حضير: "لَقَدِ اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِوَفَاةِ سَعْدٍ: 109 67- حديث رميثة: "اهتز عرش الرحمن" 109 68- حديث أبي هريرة: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَزَلَ الرب إلى العباد" 110 69- حديث ابن مسعود: "يجمع الله الأولين والآخرين ... " 110

70- عن ابن مسعود: "فَيَتَمَثَّلُ اللَّهُ لِلْخَلْقِ، ثُمَّ يَأْتِيهِمْ في صورته" 111 71- حديث أبي هريرة: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ اللَّهَ خلق ... " 112 72- حديث جابر بن سمرة: "أَلا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلائِكَةُ عند ربهم؟ ... " 112 73- عن معاذ بن جبل: "الْمُتَحَابُونَ فِي اللَّهِ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ ... " 112 74- حديث أنس عن اصطبار الربيع بنت معوذ على مقتل ولدها 114 75- حديث جابر: أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ ملك ... " 114 76- حديث أبي هريرة: "يمين الله ملأى ... " 115 77- حديث أبي هريرة: "إذا قضى الله الأمر في السماء ... " 115 78- عن أبي هريرة: "يَنْزِلُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ ليلة ... " 115 79- حديث ابن عباس: "رأيت ربي عز وجل" 118 80- وقال: "رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مرتين" 119 81- وعنه: "ولقد رآه نزلة أخرى" 120 82- حديث أنس: "إِنِّي لأَوَّلُ النَّاسِ تَنْشَقُّ الأَرْضُ ... " 121 83- حديث أبي هريرة:

"أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" 121 84- وفي الصحيحين: "أكل طعامكم الأبرار ... " 123 85- حديث أبي موسى: "الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَلَهُ أَطِيطٌ ... " 123 86- حديث أبي ذر الغفاري: "إِنَّ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البقرة ... " 124 87- حديث عقبة بن عامر: "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة ... " 124 88- حديث أبي هريرة مرفوعاً: "من أنظر معسرا، أو وضع ... " 124 89- حديث علي كر الله وجهه: "أول من يكسى إبراهيم قبطيتين ... " 125 90- أبي قتادة: "من ترك لغريمه أو تجاوز عنه كان في ظل العرش" 125 91- حديث عمرو البكالي: "الحرم حرام إلى العرش" 126 92- حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: "الْعَرْشُ مطوق بحية والوحي ينزل في السلاسل" 126 93- ابن عباس: "إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ سَمِعَتِ الْمَلائِكَةُ:...." 126 94- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "يُنَادِي مُنَادٍ بين يدي الساعة: ... " 126 95- حديث زيد بن أسلم: "من ابن عمر براع" 127 96- حديث عبد الله بن سلام: "بَدَأَ اللَّهُ خَلْقَ الأَرْضِ، فَخَلَقَ سبع ... " 127

ذكر ما اتصل بنا عن التابعين في مسألة العلو 97- عن كعب الأحبار: "قال الله عز وجل في التوراة" 128 98- عن مسروق أنه كان إذا حدث عن عائشة قال 128 99- حديث عبيد بن عمير: "ينزل الرب عز وجل شطر الليل ... " 128 100- حديث شريح بن عبيد: "ارتفع إليك ثغاء التسيح ... " 129 101- حديث كَعْبٌ أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لله 129 102- عن كعب أيضا: "إن للكلام الطيب حول العرش لدويا ... " 129 103- حديث أبي قلابة: "لما أهبنط الله تعالى آدم ... "120 104- حديث حكيم بن جابر: أخبرت أن ربكم عز وجل لم يمس بيده.." 129 105- حديث أبي ذر: "يَا أَبَا ذَرٍّ مَا السَّمَوَاتُ عند الكرسي إلا ... " 130 106- حديث عَائِشَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ عليها وهي تموت فقال 130 107- حديث قتادة: "قالت بنو إسرائيل: يارب أنت في السماء" 130 108- حديث سالم بن أبي الجعد: "ن ربك لبالمرصاد" 131 109- حديث في الحلية بإسناد صحيح 131 110- حديث مجاهد: "وقريناه نجيا" 132 111- عن سفيان: كنت عند ربيعة بن أبي عبد الرحمن 132 112- عن حماد بن زيد: سمعت أيوب السختياني 132

113- حديث مقاتل بن حيان عن الضحاك: "هو عرشه وعلمه معهم ... " 133 114- عن صدقة: سمعت سليمان التيمي يقول: "لو سئلت أين الله لقلت في السماء 133 115- عبد الرحمن بن محمد بن حبيب: شهدت خالد بن عبد الله القسري 133 116- عن السري بن يحيى: خطبنا خالد القسري وقال 134 ذكر ما قاله الأئمة عند ظهور الجهم ومقالته 135 1- قول أبي حنيفة، عالم العراق، 135 2- ابن جريح، شيخ الحرم، ومفتي الحجاز 137 3- الأوزاعي، عالم أهل الشام 137 4- مقاتل بن حيان، عالم خراسان 138 5- سفيان الثوري، عالم زمانه 139 6- مالك، إمام دار الهجرة 140 7- الليث بن سعد، عالم مصر 143 8- سلام بن أبي مطيع، من أئمة البصرة 143 9- حماد بن سلمة، إمام أهل البصرة 144 10- عبد العزيز بن الماجشون، مفتي المدينة 144 11- حماد بن زيد البصري الحافظ، أحد الأعلام 146 12- ابن أبي ليلى، قاضي الكوفة 147 13- الإمام جعفر الصادق، سيد العلويين 148 14- سلام، مقرئ البصرة 148 15- شريك القاضي، أحد الكبار 149 16- محمد بن إسحاق، إمام أهل المغازي 150 17- مسعر بن كدام، أحد الأئمة 150 طبقة أخرى تالية لمن مضى 151

18- جرير الضبي، محدث الري 151 19- عبد الله بن المبارك، شيخ الإسلام 151 20- الفضيل بن عياض، شيخ الحرم 152 21- هشيم بن بشير، عالم أهل بغداد 153 22- نوح الجامع، فقيه خراسان 153 23- عباد بن العوام، محدث واسط 154 24- القاضي أبو يوسف 154 25- عبد الله بن إدريس، أحد الأعلام 158 26- محمد بن الحسن، فقيه العراق 158 27- بكير بن جعفر السلمي، من علماء جرجان 159 28- بشر بن عمر الزهراني 160 29- يحيى القطان، سيد الحفاظ 160 30- منصور بن عمار، واعظ زمانه 161 31- أبو نعيم البلخي 162 32- أبو معاذ البلخي الفقيه 163 33- سفيان بن عيينة، 164 34- أبو بكر بن عياش 166 35- علي بن عاصم، محدث واسط 167 36- يزيد بن هارون، شيخ الإسلام 167 37- سعيد بن عامر الضبعي، عالم البصرة 168 38- وكيع بن الجراح، عالم الكوفة 168 39- عبد الرحمن بن مهدي 169 40- وهب بن جرير، من أئمة البصرة 170 41- الأصمعي، عالم زمانه في اللغة والأدب 170 42- الخليل بن أحمد، إمام العربية في النحو والبلاغة والشعر 171 43- الفراء، إمام العربية في النحو 171 44- الخريبي، أحد أئمة الأثر 172

45- عبد الله بن أبي جعفر الرازي 172 46- النضر بن محمد المروزي 173 47- الإمام الشافعي، أحد أئمة المذاهب 176 48- القعنبي 178 49- عفان أحد أعلام السنة 178 50- عاصم بن علي شيخ البخاري 179 51- الحميدي "عبد الله بن الزبير" 180 52- يحيى بن يحيى النيسابوري، عالم المشرق 180 53- عالم الري، هشام بن عبيد الله الرازي 181 54- عبد الملك بن الماجشون، فقيه المدينة 182 55- محمد بن مصعب العابد، شيخ بغداد 183 56- سنيد بن داود المصيصي 183 57- نعيم بن حماد الخزاعي 184 58- بشر الحافي، زاهد العصر 185 59- أبو عبيد القاسم بن سلام 185 60- أحمد بن نصر الخزاعي 186 61- حديث يرويه الأبار عن زوجة مكي بن إبراهيم 187 62- قتيبة بن سعيد، شيخ خراسان 187 63- أبو معمر القطيعي، الحافظ 188 64- يحيى بن معين، سيد الحفاظ 188 65- علي بن المديني 188 66- أحمد بن حنبل، الإمام 189 67- إسحاق بن راهويه 191 68- أبو عبد الله ابن الأعراي، إمام اللغة 194 69- أبو جعفر النفيلي 196

70- العيشي، من علماء البصرة 197 71- هشام بن عمار، عالم الشام 197 72- ذو النون، شيخ الديار المصرية 198 73- أبو ثور 198 طبقة أخرى "منهم: المزني والذهلي والبخاري وأبو زرعة" 200 74- المزني 200 75- الذهلي 201 76- البخاري رضي الله عنه 202 77- أبو زرعة الرازي 203 78- أبو حاتم الرازي 206 79- يحيى بن معاذ الرازي 207 80- أحمد بن سنان 208 81- الإمام محمد بن أسلم الطوسي 208 82- عبد الوهاب الوراق 212 83- حرب الكرماني 213 84- عثمان بن سعيد الدارمي 213 85- أبو محمد الدارمي 214 86- أحمد بن الفرات الرازي 214 87- أبو إسحاق الجوزجاني 214 88- الإمام مسلم 214 89- القاضي صالح بن الإمام أحمد 214 90- أبو عبد الرحمن بن أحمد بن حنبل 215 91- حنبل بن إسحق 215 92- أبو أمية الطرسوسي 215 93- بقي بن مخلد 215 94- الإمام إسماعيل القاضي 215

95- يعقوب الفسوي 215 96- ابن أبي خيثمة 215 97- أبو زرعة الدمشقي 215 98- ابن نصر المروزي 215 99- ابن قتيبة 216 100- ابن أبي عاصم 127 101- أبو عيسى الترمذي 217 102- ابن ماجه 219 103- ابن أبي شيبة 220 104- سهل التستري 220 105- أبو مسلم الكجي الحافظ 221 طبقة أخرى بعد الثلاثمائة 223 طبقة أخرى من أئمة الإسلام 245 طبقة أخرى تابعة لمن مر 261 طبقة أخرى 274 تم الكتاب 287 تعقيب 289 فهرس 291

§1/1