مختصر التحرير شرح الكوكب المنير

ابن النجار، تقي الدين

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهده مقدمة موجزة، وعاجلة مختصرة، تنظم تعريفاً بالشيخ العلامة تقي الدين ابن النجار الحنبلي وكتابه "شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير" في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، كما تناول بياناً لعملنا ومنهجنا في تحقيقه. المؤلف: أما المؤلف فهو الفقيه الحنبلي الثبت، والأصولي اللغوي المتقن، العلامة، قاضي القضاة تقي الدين، أبو البقاء، محمد بن شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن على الفتوحي المصري الحنبلي، الشهير بابن النجار. ولد بمصر سنة 898هـ ونشأ بها وأخذ العلم عن والده شيخ الإسلام وقاضي القضاة، وعن كبار علماء عصره.. وقد تبحر في العلوم الشرعية وما يتعلق بها، وبرع في فَنّي الفقه والأصول، وانتهت إليه الرياسة في مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، حتى قال عنه ابن بدران: "كان منفرداً في علم المذهب". وقد كان صالحاً تقياً عفيفاً زاهداً معرضاً عن الدنيا وزينتها. مهتماً بالآخرة وصالح الأعمال، لا يشغل شيئاً من وقته في غير طاعة.. ومن هنا كانت حياته كلها تعَلُّمٌ وتعليم وإفتاء وتصنيف، مع جلوسه في إيوان الحنابلة للقضاء وفصل الخصومات.. ويحكى عنه أنه لم يقبل ولاية القضاء إلا بعد أن أشارَ عليه كثير من علماء عصره بوجوب قبولها وتعَيُّنِهِ عليه، وبعدما سأله الناس إياها وألحّوا عليها في قبولها، وقد كان خلفاً لوالده في الإفتاء والقضاء بالديار المصرية. وحج قبل بلوغه عندما كان بصحبة والده في الحج، ثم حج حجة الفريضة في عام 955هـ على غاية من التقشف والتقليل من زينة الدنيا، وعاد مكبَاً على ما هو بصدده من الفتيا والتدريس لانفراده بذلك.

قال الشعراني: "صحبته أربعين سنة، فما رأيت عليه ما يشينه في دينه، بل نشأ في عفة وصيانة وعلم وأدب وديانة، وما رأيت أحداً أحلى منطقاً منه، ولا أكثر أدباً مع جليسه منه، حتى يودّ أنه لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً". وبالجملة، فلم يكن هناك من يضاهيه في زمانه في مذهبه، ولا من يماثله في منصبه، وهو الإمام البارع في الفقه الحنبلي وأصوله، وصاحب اليد الطولى والباع الكبير في تحرير الفتاوى وتهذيب الأحكام، وقد ظل مكبّاً على العلم، ينهل من معينه، ويدرس ويصنف ويفتي مذهب الإمام أحمد ويحرره إلى أن أتاه المرض الأخير الذي وافته المنية فيه، وذلك عصْر يوم الجمعة الثامن عشر من صفر سنة 972هـ، فصلى عليه ولده موفق الدين بالجامع الأزهر، ودفنه بقرافة المجاورين. أما مصنفاته، فأشهرها كتاب "منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح والزيادات" في فروع الفقه الحنبلي، وهو عمدة المتأخرين في المذهب، وعليه الفتوى فيما بينهم، إذ حرر مسائله على الراجح والمعتمد من المذهب، وفد اشتغل به عامة طلبة الحنابلة في عصره، واقتصروا عليه.. ثم شرحه شرحا مفيداً يقع في ثلاثة مجلدات، أحسن فيه وأجاد، وكان غالب استمداده فيه من كتاب "الفروع" لابن مفلح، وقد طبع هذا الكتاب طبعة علمية مدققة بتحقيق الأستاذ الشيخ عبد الغني محمد بن عبد الخالق جزاه الله خير، ومن أبرز شروح المنتهى وأجودها شرح العلامة منصور بن يونس البهوتي المتوفى سنة 1051هـ، شيخ الحنابلة في عصره، وذلك في ثلاث مجلدات كبار، وهو مطبوع مشهور متداول. وأما في أصول الفقه، فله كتاب "الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير" ذكر أنه اختصره من كتاب "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" للقاضي علاء الدين على بن سليمان بن أحمد المرداوي المقدسي المتوفى سنة 885هـ، محرر أصول المذهب وفروعه، قال الفتوحي: "وإنما وقع اختياري على اختصار هذا الكتاب دون بقية كتب هذا الفن، لأنه جامع لأكثر أحكامه، حاو لقواعده وضوابطه وأقسامه، قد اجتهد مؤلفه في تحرير نقوله وتهذيب أصوله". وقد ضمَّ هذا المختصر مسائل أصله، مما قدَّمه المرداوي من الأقوال، أو كان

عليه الأكثر من الأصحاب، دون ذكر لبقية الأقوال إلا لفائدة تقتضي ذلك وتدعو إليه، وكان اصطلاحه فيه أنه متى قال "في وجه" فإنما يعني ان القول المقدم والمعتمد هو غيره، ومتى قال "في قول" أو "على قول" فمعناه أن الخلاف قد قوي في المسألة، أو اختلف الترجيح دون مصرح بالتصحيح لأحد القولين أو الأقوال. ثم شرح ابن النجار مختصره شرحا قيماً نفيساً مساه بـ "المختبر المبتكر شرح المختصر" وهو الكتاب الذي بين يديكم. أما الكتب التي ترجمت لهذا الإمام الجليل، فهي قليلة جداً، إذ لم يترجم له العيدروس في "النور السافر في أعيان القرن العاشر" ولا الغزي في "الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة" ولا الشوكاني في "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" ولا ابن العماد في "شذرات الذهب في أخبار من ذهب".. وإننا لم نعثر على ترجمة له إلا في كتاب "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة" لابن حميد وكتاب "مختصر طبقات الحنابلة" للشيخ جميل الشطي، وقد وجدنا نتفاً من ترجمته في "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" لعبد القادر بدران وفي "الأعلام" لخير الدين الزركلي، وفي "معجم المؤلفين" لعمر رضا كحالة، ولكنها في غاية الاختصار. الكتاب: وكتاب "شرح الكوكب المنير" الذي نقدمه اليوم كتاب علمي قيم نفيس، حوى قواعد علم الأصول ومسائله ومعاقد فصوله بأسلوب سلس رصين، لا تعقيد فيه ولا غموض في الجملة.. وقد جمع المصنف مادته ونقوله من مئات المجلدات والأسفار، كما يتبين لمطالِعِهِ ودارسه.. وعلى العموم، فالكتاب زاخر بالقواعد والفوائد الأصولية، والمسائل والفروع الفقهية واللغوية والبلاغية والمنطقية، ومادته العلمية غزيرة جداً، إذ اطّلع مصنفه قبل تأليفه على أكثر كتب هذا الفن وما يتعلق به، وأفاد منها، ونقل عن كثير منها. أما سلاسة الكتاب وحلاوة أسلوبه وجلاء عرضه. فإن كل بحث من بحوثه لينطق بها، حتى أن المتن قد اندمج بالشرح، فلا تكاد تحس بينهما فرقاً، وإنك لا تجد بينهما إلا التواصل التآلف.. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن صاحب المتن

هو نفس الشارح لا غيره.. ومن هنا انضم الشرح إلى المتن وانسجما وسارا في طريق واحد وعلى نسق واحدة وبروح واحدة، حتى إننا حذفنا الأقواس التي تميز الشرح عن متنه، لما شعرنا أنَّ هناك شرحاً ومتناً. كما هي عادة الشروح مع المتون ... ولجزمنا أنَّ الكتاب كله قطعة واحدة، نُسجت نسجاً دقيقاً، وأحْكمت إحكاما فائقاً، ولا يخفى ما في ذلك من دلالة على تمكن مؤلفه في العلم، وعلو شأنه فيه، وبراعته في التصنيف، وإطلاعه الواسع على أكثر الكتابات السابقة له في هذا الفن، واستفادته منها استفادة الناقد البصير الواعي.. وربما ساعده على بلوغ هذا المقام تأخر زمانه، حيث كانت العلوم ناضجة في عصره وقبل عصره، بالإضافة إلى ما وفقه الله إليه من العلم، وما منحه إياه من الفهم والتحقيق. وهذا الكتاب الذي نذكره قد سبق إلى نشره الأول مرة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله تعالى حيث قام بطبعه بمطبعة السنة المحمدية بالقاهرة سنة 1372هـ/ 1953م عن نسخة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية الأسبق رحمه الله تعالى، ولكن هذه النسخة كانت مخرومة خرماً كبيراً يبلغ ثلث الكتاب، فطبعت على حالها، ثم قُدِّرَ الشيخ الفقي أن يطلع على نسخة مخطوطة أخرى للكتاب في المكتبة الأزهرية بالقاهرة، فطبع القدر الناقص عنها، أكمل الكتاب، فجزاه الله كل خير. وبعد الاطلاع على الطبعة المذكورة ودراستها تبين لنا أنها مشحونة بالأخطاء والتصحيفات والخروم في أكثر من خمسة آلاف موضع، مما يجعل الاستفادة منها وهي بهذه الحالة غير ممكنة.. لهذا كان لابد من تحقيق الكتاب تحقيقاً علمياً على أصوله المخطوطة، حيث إن تلك الطبعة لا تغني عن ذلك شيئاً.. وقد يظن بعض الناس أنَّ في كلامنا هذا شيئاً من المبالغة، ولكنهم لو قارنوا بين تلك الطبعة وبين طبعتنا، أو نظروا في هوامش كتابنا –حيث أشرنا فيها إلى فروق وخروم الطبعة الأولى- لعلموا مبلغ الدقة في هذا الكلام. ومن طريف ما يذكر أن الشيخ عبد الرحمن بن محمد الدوسري قد اطلع على طبعة الشيخ الفقي كما اطلع على نسخة مخطوطة للكتاب وقعت تحت يده في مكتبة خاصة بخط عبد الحي بن عبد الرحيم الحنبلي الكرمي نسخت سنة 1137هـ، وكتب

عليها أنها مقابلة على نسخة مصححة على خط المؤلف، فقابل المطبوعة عليها، فعثر على 2758 غلط في المطبوعة، فطبع بياناً بهذه الأغلاط وتصويبها على الآلة الطابعة، وقد راجعنا ذلك البيان وصورناه من مكتبة الشيخ عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى جزاه الله خيراً، ثم أشرنا في هوامش طبعتنا إلى تلك التصويبات.. من أجل ذلك كانت الحاجة ملحّة إلى تحقيق الكتاب ونشره بصورة علمية أمينة، فضلاً عن احتياج طلبة كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة إليه باعتباره أحد الكتب الدراسية المقررة. وهذا ما دعا العالمين الغيورين، الدكتور محمد بن سعد الرشيد عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية والدكتور ناصر بن سعد الرشيد رئيس مركز البحث العلمي بجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة أن يهتما بتحقيق الكتاب ونشره، فنهضا –جزاهما الله خيراً- لجلب أصوله المخطوطة بكل جدّ وإخلاص، ثم كلفانا بتحقيقه ظناً منه أننا من فرسان هذا الميدان، وأصّر علينا بلزوم القيام بهذا العمل، خدمة للعلم وأهله، وحرصاً على الفقه الحنبلي الثمين وأصوله، مع اعتذارنا بضيق الوقت وخطورة العمل وقلة البضاعة.. فشرعنا بتحقيقه مستعينين بالله، معتمدين عليه وحده أن يعيننا على هذه المهمة الكبيرة والأمر الجلل، وسرنا في هذا الطريق حتى أذن الله بكرمه وفضله أن ينتهي إلى صورة قريبة من القبول، بعيدة عن لوم العذول. أما النسخ التي اعتمد عليها في التحقيق فهي: 1- نسخة مكتبة الأوقاف العامة ببغداد، وتقع في مجلد كبير، كتب بخط معتاد مقروء، ومجموع أوراقها [262] ورقة، ومسطرتها 27 سطراً، وقد تمَّ نسخها يوم الأحد في 6 شوال سنة 1137هـ. على يد إبراهيم بن يحي النابلسي الحنبلي، وهي نسخة جيدة عليها تصحيحات وتصويبات تدل على أنها مقروءة مقابلة مصححة. وهي موجودة في مكتبة أوقاف بغداد برقم 1422/ 4087، وقد رمزنا لها بـ"ب". 2- نسخة المكتبة الأزهرية بالقاهرة، وهي تقع في مجلد كبير، كتب بخط

معتاد، وعدد أوراقها [147] ورقة، ومسطرتها 40 سطراً تقريباً، ويوجد على هوامشها ما يدل على أنها مقروءة مقابلة مصححة، وقد كتب على صفحة العنوان وعلى آخر صفحات النسخة أنها بخط القاضي برهان مفلح، وليس هذا بصواب لأن القاضي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح توفى سنة 884هـ، أي قبل ولادة ابن النجار الفتوحي بأربعة عشر عاماً، حيث إنه ولد سنة 898هـ، كما سبق أن أشرنا في ترجمتة، وهذه النسخة محفوظة في المكتبة الأزهرية تحت رقم 387/ 10634، وقد رمزنا لها بـ"ز". 3- نسخة في مكتبة الرياض العامة، ختم عليها "وقف الشيخ محمد بن عبد اللطيف سنة 1381هـ" وتقع في 337 ورقة مسطرتها 26 سطراً، وهي مقابلة مصححة، وقد كتب في آخر صفحاتها أنها نسخت بخط عبد الله الرشيد الفرج سنة 1346هـ، وهي محفوظة في مكتبة الرياض العامة بدخنة تحت رقم 529/ 86، وقد رمزنا لها بـ"ع". 4- نسخة في مكتبة الرياض العامة أيضاً، وتقع في 225 ورقة، مسطرتها 27 سطراً، وقد تم نسخها في يوم الأربعاء 16 من ربيع الثاني سنة 1271هـ، على يد عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن فوزان، وكتب في آخرها: نقل الأصل من خط عبد الحي بن عبد الرحيم الحنبلي وذكر أنه كتبها سنة 1137هـ، وهي نسخة جيدة مصححة أيضاً، ورقمها في مكتبة الرياض العامة 87/ 86، وقد رمزنا لها "ص". ومما يؤسف له أن كل واحدة من هذه النسخ الأربعة لم تخل من سقط في الكلام وتصحيفات وتحريفات وأخطاء كثيرة، ومن أجل ذلك لم نتمكن من الاعتماد على واحدة منها بعينها واعتبارها أصلاً، ثم مقابلة باقي النسخ عليها كما هو متبع لدى كثير من المحققين، وآثرنا أن نقوم بتحقيق الكتاب على نسخه الأربع معاً على طريقة النص المختار، كما هو منهج فريق من المحققين، بحيث نثبت الصواب من الكلمات والعبارات عن أي نسخة أو نُسَخِ وجد فيها الصواب، ثم نشير في الهامش إلى ما جاء في بقية النسخ.. وقد أفدنا من تصحيحات الشيخ عبد الرحمن الدوسري الآنفة الذكر عن النسخة

المخطوطة التي وقعت تحت يده من الكتاب، وهي تعتبر الأصل الذي نقلت عنه النسخة "ص"، ولمزيد الفائدة أثبتنا كل ما جاء فيها في هوامش كتابنا عند مخالفتها للنص الموثَّق، ورمزنا لها بـ"د". ونظراً لعدم عثورنا –مع بذل الوسع والجهد- على النسخة المخطوطة التي طبع عنها الشيخ محمد حامد الفقي، فقد اعتبرنا طبعته نسخة عنها، فقابلناها على نصنا، وذكرنا فروقها وتصحيفاتها وما وقع فيها من الخروم في الهوامش إتماماً للفائدة، ورمزنا لها بـ"ش". منهاج التحقيق: يتلخص عملنا في تحقيق هذا الكتاب في الأمور التالية: 1- عرض نص الكتاب مصححا مقوماً مقابلاً على النسخ الأربع المخطوطة وعلى تصحيحات الشيخ الدوسري وعلى طبعة الشيخ الفقي. والإشارة في الهوامش إلى فروق النسخ. 2- تخريج الآيات القرآنية. 3- تخريج الأحاديث النبوية. 4- تخريج الشواهد الشعرية. 5- الترجمة للأعلام الوارد ذكرها في الكتاب، بحيث يُترجم للعَلَم عند ذكره أول مرة. 6- تخريج النصوص التي نقلها المؤلف عن غيره من أصولها المطبوعة، والإشارة إلى مكان وجودها فيها مع إثبات الفروق بين ما جاء في كتابنا وبين ما ورد في أصولها إن وجد. 7- الإشارة عند كل مسألة أو قضية أو بحث من بحوث الكتاب إلى المراجع التي استفاد منها المصنف أو استقى، والمراجع التي فيها تفصيل تلك المسائل، ولو لم يطّلع عليها المؤلف، مع بيان أجزائها وأرقام صفحاتها، ليسهل على القارئ أو الباحث التوسع والتعمق فيها إن رغب. 8- التعليق على كل كلمةٍ أو عبارةٍ أو قضية تقتضي شرحاً أو تحتاج إلى إيضاح وبيان، بما يُزيل غموضها، ويُوضح المراد بها، ويكشف عمّا فيها من لَبْس، وقد

تضمنت بعض هذه التعليقات مناقشة للمصنف فيما اعتمده من آراء أو ساقه من أفكار أو حكاه من أقوال العلماء.. وكان منهجنا في تعليقاتنا على النص –عند النقل عن أي مرجع أو الاستفادة منه- أن تشير إليه مع بيان جزئه ورقم صفحته، ابتغاء الأمانة في النقل، والدقة في العزو، وليتمكن المطالع من مراجعته دون عناء كلما أراد.. 9- وقد اقتضى سياق الكلام في بعض المواطن من الكتاب إضافة كلمة أو عبارة لا يتمّ المعنى إلا بها، فأضفناها ووضعناها بين قوسين مربعين [] تمييزاً لها عن نصّ الكتاب، وإشارة إلى أنها قد أضيفت لاقتضاء المقام وداعي الحاجة. وعلى الرغم مما بذلنا في هذا التحقيق من جهد، وما أفرغنا من وسع، ومحاولين بذلك أن يصل هذا العمل إلى الكمال أو يقرب منه، فلسنا نعرض لما صنعنا بتزكية أو ثناء، اقتداء بسنة السلف الصالح، وتأسياً بقول أبي سليمان الخطابي في ختام مقدمته لـ"تفسير غريب الحديث" حيث يقول: "فأما سائر ما تكلمنا عليه، فإنّا أحقّاء بألاّ نزكيه وألاّ نؤكد الثقة به، وكل عن عثر منه على حرف أو معنى يجب تغييره، فنحن نناشده الله في إصلاحه وأداء حق النصيحة فيه، فإنَّ الإنسان ضعيف لا يسلم من الخطأ إلا أن يعصمه الله بتوفيقه، ونحن نسأل الله ذلك، ونرغب إليه في دركه، إنه جواد وهوب". ختاماً نقدم شكرنا إلى كل من أسدى إلينا عوناً خلال عملنا في تحقيق هذا الكتاب، وعلى الخصوص سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، لتكرمه بإعارتنا النسختين المخطوطتين المحفوظتين في المكتبة العامة بالرياض، وفضيلة الدكتور عبد الله التركي، وفضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، لتفضلهما بتقديم النسخة المصورة عن المكتبة الأزهرية بالقاهرة، وفضيلة الشيخ عبد الرحمن الدوسري لإفادتنا من تصحيحاته وتصويباته. والله نسأل أن يتقبل عملنا هذا بحسن الجزاء، إنه نعم المولى ونعم الوكيل. مكة المكرمة في غرة رجب سنة 1398هـ المحققان

خطبة الكتاب

خطبة الكتاب ... بسم الله الرحمن الرحيم وَبِهِ نَسْتَعِينُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَأَعْطَى مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ عَطَاءً جَمًّا، الْقَدِيمِ الْحَكِيمِ، الَّذِي شَرَعَ الأَحْكَامَ، وَجَعَلَ لَهَا قَوَاعِدَ، وَهَدَى مَنْ شَاءَ لِحِفْظِهَا، وَفَتَحَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ مَا أَغْلَقَ مِنْ الأَدِلَّةِ، وَوَفَّقَهُ لِفَهْمِهَا. وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، الْمُبَيِّنِ لأُمَّتِهِ طُرُقَ الاسْتِدْلالِ، الْمُقْتَدَى بِهِ فِيمَا كَانَ عَلَيْهِ وَفِيمَا أَمَرَ بِهِ أَوْ نَهَى عَنْهُ مِنْ أَفْعَالٍ وَأَقْوَالٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ نَقَلَةِ الشَّرْعِ، وَتَفْصِيلِ أَحْكَامِهِ مِنْ حَرَامٍ وَحَلالٍ. أَمَّا بَعْدُ: فَهَذِهِ تَعْلِيقَةٌ عَلَى مَا اخْتَصَرْتُهُ مِنْ كِتَابِ "التَّحْرِيرِ" فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ الرَّبَّانِيِّ، وَالصِّدِّيقِ الثَّانِي: أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيِّ1 رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، تَصْنِيفِ الإِمَامِ الْعَلاَّمَةِ عَلاءِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمِرْدَاوِيِّ الْحَنْبَلِيِّ2، عَفَا اللَّهُ تَعَالَى

_ 1 هو الإمام الجليل أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الوائلي، أحد الأئمة الأربعة الأعلام، ولد ببغداد، ونشأ بها، وطلب العلم وسمع الحديث فيها، وسافر في سبيل العلم أسفاراُ كثيرة. فضائله ومناقبه وخصاله لا تكاد تعد. من كتبه "المسند" و "التاريخ" و "الناسخ والمنسوخ" و "المناسك" و "الزهد" و "علل الحديث". توفي سنة 241هـ[انظر ترجمته في تاريخ بغداد 4/ 413، وفيات الأعيان 1/ 47، حلية الأولياء 9/ 161، المنهج الأحمد 1/ 5 وما بعدها] . 2 هو الإمام على بن سليمان بن أحمد الدمشقي الصالحي الحنبلي، المعروف بالمرادوي. ولد في مراد، قرب نابلس، ونشأ بها، وحفظ القرآن، وتعلم الفقه، ثم تحوَل إلى دمشق، وقرأ على علمائها فنون، وتصدى للإقراء والإفتاء. من كتبه "الأصناف في معرفة الراجح من الخلاف" في الفقه و "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" في أصول الفقه. وقد شرحه في............................=

عَنِّي وَعَنْهُ آمِينَ. أَرْجُو أَنْ يَكُونَ حَجْمُهَا بَيْنَ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ، وَأَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَى إتْمَامِهَا. وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. [وَسَمَّيْتهَا "بِالْمُخْتَبَرِ1 الْمُبْتَكَرِ، شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ" وَعَلَى اللَّهِ أَعْتَمِدُ، وَمِنْهُ الْمَعُونَةَ أَسْتَمِدُّ"2. "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" ابْتَدَأَ الْمُصَنِّفُونَ كُتُبَهُمْ بِالْبَسْمَلَةِ تَبَرُّكًا بِهَا، وَتَأَسِّيًا بِكِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ ابْتَدَأَ بِهَا فِي كُتُبِهِ إلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَمَلاً بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ "كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَهُوَ أَبْتَرُ" 3. "الْحَمْدُ" الْمُسْتَغْرِقُ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَحَامِدِ مُسْتَحَقٌّ "لِلَّهِ" جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَثَنَّوْا بِالْحَمْدِ: لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ4 فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ "كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، فَهُوَ

_ = مجلدين وسماه "التحبير في شرح التحرير" توفي سنة 885هـ. [انظر ترجمته في الضوء اللامع 5/ 225، البدر الطالع 1/ 446] . 1 في ش: بالمختصر. 2 ساقطة من ض ز ب. 3 أخرجه أبو داود في سننه والراهاوي في الأربعين والخطيب البغدادي في تاريخه عن أبي هريرة. قال النووي: وهو حديث حسن، وقد روى موصلاً ومرسلاً. ورواية الموصل جيدة الإسناد، وإذا روي الحديث موصلاً ومرسلاً فالحكم الاتصال عند الجمهور. وذكر العجلوني أنه ورد بلفظ فهو أبتر، وبلفظ فهو أقطع، وبلفظ فهو أجذم. [انظر كشف الخفا 2/ 119، فيض القدير للمناوي 5/ 14] . 4 هو محمد بن حبان بن أحمد، أبو حاتم البستي التميمي. قال الحاكم: "كان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ، ومن عقلاء الرجال". ألف التصانيف النافعة كـ "المسند الصحيح" و "الجرح والتعديل" و "الثقات" وغيرها. توفي سنة 354هـ. [انظر ترجمته في طبقات الشافعية لابن السبكي 3/ 131. شذرات الذهب 3/ 16] .

أَقْطَعُ" 1، وَمَعْنَى "أَقْطَعُ" نَاقِصُ الْبَرَكَةِ، أَوْ قَلِيلُهَا. وَفِي ذِكْرِ الْحَمْدِ عَقِبَ الْبَسْمَلَةِ اقْتِدَاءٌ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا. وَلَهُمْ فِي حَدِّ الْحَمْدِ لُغَةً عِبَارَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيلِ صِفَاتِهِ، عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ. وَالأُخْرَى: أَنَّهُ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ الاخْتِيَارِيِّ2، عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ3. سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ4 أَوْ بِالْفَوَاضِلِ5. وَ"الشُّكْرُ" لُغَةً: فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ لِكَوْنِهِ مُنْعِمًا عَلَى الشَّاكِرِ6، يَعْنِي7 بِسَبَبِ إنْعَامِهِ. وَيَتَعَلَّقُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ.

_ 1 أخرجه أبو داود وابن ماجة والبيهقي في السنن وأبو عوانة الاسفراييني في مسنده عن أبي هريرة. وألّف الحافظ السخاوي جزءاً فيه. قال النووي: يستحب البداءة بالحمد لكل مصنف ودارس ومدرس وخطيب وخاطب وبين يدي جميع الأمور المهمة. "انظر كشف الخفا 2/ 119، فيض القدير 5/ 13". 2 أي الحاصل باختيار المحمود. وقد خرج بقيد "الاختياري" الوصف بجميل غير اختياري للمحمود، كطول قامته وجماله وشرف نسبه. "انظر حاشية عليش على شرح إيساغوجي ص10". 3 خرج بهذا القيد الوصف بالجميل الاختياري على جهة التهكم والسخرية. "حاشية عليش ص10". 4 الفضائل: جمع فضيلة، وهي الصفة التي لايتوقف اثباتها للمتصف بها على ظهور أثرها في غيره، كالعلم والتقوى. "حاشية عليش ص11". 5 الفواضل: جمع فاضلة، وهي الصفة التي يتوقف إثباتها لموصوفها على ظهور أثرها في غيره، كالشجاعة والكرم والعفو والحلم. "حاشية عليش ص11" والتعريف الأول للحمد أكثر ملاءمة في حق الباري جل وعلا، والثاني أكثر مناسبة في حق العباد. 6 في ض ز ب، الشاكر أو غيره. 7 ساقطة من ز.

فَالْقَلْبُ لِلْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَاللِّسَانُ لِلثَّنَاءِ؛ لأَنَّهُ مَحَلُّهُ، وَالْجَوَارِحُ لاسْتِعْمَالِهَا فِي طَاعَةِ الْمَشْكُورِ، وَكَفِّهَا عَنْ مَعَاصِيهِ1. وَقِيلَ: إنَّ الْحَمْدَ وَالشُّكْرَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ2. ثُمَّ إنَّ مَعْنَى الْحَمْدِ فِي الاصْطِلاحِ هُوَ مَعْنَى الشُّكْرِ فِي اللُّغَةِ3. وَمَعْنَى الشُّكْرِ فِي الاصْطِلاحِ: هُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ إلَى مَا خُلِقَ لأَجْلِهِ، مِنْ جَمِيعِ الْحَوَاسِّ وَالآلاتِ وَالْقُوَى4. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيَّيْنِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ5، فَالْحَمْدُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ الْمُتَعَلَّقِ؛ "لأَنَّهُ لا يُعْتَبَرُ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ"6، وَأَخَصُّ مِنْ جِهَةٍ الْمَوْرِد، الَّذِي هُوَ اللِّسَانُ، وَالشُّكْرُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ الْمَوْرِدِ، وَأَخَصُّ مِنْ جِهَةِ الْمُتَعَلَّقِ، وَهُوَ النِّعْمَةُ عَلَى الشَّاكِرِ7. َفِي قَرْنِ الْحَمْدِ بِالْجَلالَةِ الْكَرِيمَةِ - دُونَ سَائِرِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى- فَائِدَتَانِ:

_ 1 انظر لسان العرب 4/ 423 وما بعدها. الفائق 1/ 291، معترك الأقران 2/ 63. 2 قاله اللحياني "لسان العرب 3/ 155". 3 وذلك لأن الحمد في الصطلاح: فعل يُشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعماً. أعم من أن يكون فعل اللسان أو الأركان "تعريفات الجرجاني ص98". 4 التعريفات للشريف الجرجاني ص133. 5 انظر معنى العموم والخصوص من وجه في ص71. 72 من الكتاب. 6 ساقطة من ض ز ب. 7 انظر لسان العرب 4/ 424، معترك الأقران 2/ 63، الأخضري على السلم ص21.

الأُولَى: أَنَّ اسْمَ "اللَّهِ" عَلَمٌ1 لِلذَّاتِ2، وَمُخْتَصٌّ بِهِ، فَيَعُمُّ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ "مُتَّصِفٌ بِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ"3 "كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ" تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ. وَلَمَّا كَانَتْ صِحَّةُ الْوَصْفِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى إحَاطَةِ الْعِلْمِ بِالْمَوْصُوفِ، وَقَدْ قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} 4 صَحَّ قَوْلُنَا "فَالْعَبْدُ لا يُحْصِي ثَنَاءً عَلَى رَبِّهِ" لأَنَّ وَصْفَ الْوَاصِفِ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهُ مِنْ الْمَوْصُوفِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ تُدْرَكَ حَقَائِقُ صِفَاتِهِ كَمَا هِيَ، جَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 5. وَ"الصَّلاةُ" الَّتِي هِيَ مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَالْمَغْفِرَةُ، وَالثَّنَاءُ عَلَى نَبِيِّهِ عِنْدَ الْمَلائِكَةِ وَمِنْ الْمَلائِكَةِ الاسْتِغْفَارُ وَالدُّعَاءُ، وَمِنْ الآدَمِيِّ وَالْجِنِّيِّ التَّضَرُّعُ وَالدُّعَاءُ، "وَالسَّلامُ" الَّذِي هُوَ تَسْلِيمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، "وَأَمَرَنَا بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى:6

_ 1 في ش، علم جامع. 2 في ض ب، على الذات. 3 ساقطة من ز. 4 الآية 110 من طه. 5 الآية 11 من الشورى. 6 الأية 56 من الأحزاب.

{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} 1 "عَلَى أَفْضَلِ خَلْقِهِ" بِلا تَرَدُّدٍ؛ لأَحَادِيثَ دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ. "فَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلا فَخْرَ" 2 وَمَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَفِي الدُّنْيَا: كَوْنُهُ بُعِثَ إلَى النَّاسِ كَافَّةً، بِخِلافِ غَيْرِهِ مِنْ الأَنْبِيَاءِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فُضِّلْت عَلَى مَنْ قَبْلِي بِسِتٍّ وَلا فَخْرَ" 3 وَفِي الآخِرَةِ: اخْتِصَاصُهُ بِالشَّفَاعَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ تَحْتَ لِوَائِهِ، سَيِّدُنَا وَمَوْلانَا"4 وَخَاتَمُ رُسُلِهِ "مُحَمَّدٌ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَهُ أَنْ يُسَمُّوهُ بِذَلِكَ، لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ، وَهُوَ عَلَمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمْدُ5، مَنْقُولٌ مِنْ التَّحْمِيدِ، الَّذِي هُوَ فَوْقَ الْحَمْدِ.

_ 1 ساقطة من ع ز ب. 2 أخرجه مسلم وأبو داود من حديث أبي هريرة، وأخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري. "انظر كشف الخفا 1/ 203". 3 ورد الحديث بلفظ "فُضَّلْتُ على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلّت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون". وقد أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة، ورواه أبو يعلى وغيره. "انظر فيض القدير 4/ 438". 4 ساقطة من ع ض ز ب. 5 في ع ب، الحميد.

"وَ" عَلَى "آلِهِ" وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُمْ أَتْبَاعُهُ عَلَى دَيْنِهِ1، وَأَنَّهُ تَجُوزُ إضَافَتُهُ لِلضَّمِيرِ. وَالآلُ: اسْمُ2 جَمْعٍ، لا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ. "وَ" عَلَى "صَحْبِهِ" وَهُمْ الَّذِينَ لَقَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنِينَ، وَمَاتُوا مُؤْمِنِينَ3. وَعَطْفُ الصَّحْبِ عَلَى الآلِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الآلِ وَالصَّحْبِ مُخَالَفَةٌ لِلْمُبْتَدِعَةِ، لأَنَّهُمْ يُوَالُونَ الآلُ دُونَ الصَّحْبِ. "أَمَّا" أَيْ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ "بَعْدُ" هُوَ مِنْ الظُّرُوفِ الْمَبْنِيَّةِ الْمُنْقَطِعَةِ عَنْ الإِضَافَةِ. أَيْ: بَعْدَ الْحَمْدِ وَالصَّلاةِ وَالسَّلامِ4. وَالْعَامِلُ فِي "بَعْدُ"

_ 1 قال الدمنهوري: آل النبي في مقام الدعاء كل مؤمن تقي. "إيضاح المبهم ص4". وقال شمس الدين البعلي: "والآل يطلق بالاشتراك اللفظي علي ثلاثة معان. أحدها: الجند والأتباع. كقوله تعالى {آلَ فِرْعَوْن} "البقرة: من الآية50" أي: أجناده وأتباعه. والثاني: النفس. كقوله تعالى {آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُون} "البقرة: من الآية248" بمعنى: نفسهما. والثالث: أهل البيت خاصة، واله: أتباعه على دينه. وقيل: بنو هاشم وبنو المطلب. وهو اختيار الشافعي. وقيل آله أهله". "المطلع على أبواب المقنع ص3". 2ساقطة من ش ز. وفي ع: جمع اسم. 3 انظر تعريف الصحابي وما يتعلق به في "التقييد والإيضاح للعراقي ص391 وما بعده. تدريب الراوي للسيوطي ص394 وما بعدها". 4 قال الشيخ زكريا الأنصاري: "أما بعد" يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بها في خطبه. والتقدير: مهما يكن من شيء بعد البسملة وما بعدها. "فتح الرحمن ص8".

"أَمَّا" لِنِيَابَتِهَا عَنْ الْفِعْلِ. وَالْمَشْهُورُ ضَمُّ دَالِ بَعْدُ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ1 نَصْبَهَا وَرَفْعَهَا بِالتَّنْوِينِ فِيهِمَا. وَحِينَ تَضَمَّنَتْ "أَمَّا" مَعْنَى الابْتِدَاءِ2 "لَزِمَهَا لُصُوقُ الاسْمِ وَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى"3 الشَّرْطِ، لَزِمَتْهَا الْفَاءُ، فَلأَجْلِ4 ذَلِكَ قُلْت: "فَهَذَا" الْمَشْرُوحُ "مُخْتَصَرٌ" أَيْ كِتَابٌ مُخْتَصَرُ اللَّفْظِ، تَامُّ الْمَعْنَى "مُحْتَوٍ" أَيْ مُشْتَمِلٌ وَمُحِيطٌ "عَلَى مَسَائِلِ" الْكِتَابِ الْمُسَمَّى "تَحْرِيرَ الْمَنْقُولِ، وَتَهْذِيبَ عِلْمِ الأُصُولِ5 فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. جَمْعُ الشَّيْخِ الْعَلاَّمَةِ عَلاءِ الدِّينِ الْمِرْدَاوِيِّ6 الْحَنْبَلِيِّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ، وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ" مُنْتَقَى "مِمَّا قَدَّمَهُ" مِنْ الأَقْوَالِ الَّتِي فِي الْمَسْأَلَةِ "أَوْ كَانَ" الْقَوْلُ "عَلَيْهِ الأَكْثَرُ مِنْ

_ 1 هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله الديلمي المعروف بالفراء. قال ابن خلكان: كان أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. من كتبه "معاني القرآن" و "البهاء فيما تلحن في العامة" و "المصادر في القرآن" و "الحدود" توفي سنة 207هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 2/ 333، وفيات الأعيان 5/ 225، طبقات المفسرين للداودي 2/ 366". 2 في ب ع: الابتداء والشرط. 3 ساقطة من ش ز. 4 في ش: فلذلك. وفي ع: ولأجل ذلك. 5 كتاب "تحرير المنقول" للمرداوي أكثره مستمد من كتاب العلامة محمد بن مفح الحنبلي المتوفي سنة 763هـ في أصول الفقه، حيث يقول المرداوي عن كتاب ابن مفلح: وهو أصل كتابنا –يعني تحرير المنقول- فإن غالب استمدادنا منه. "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لبدران ص241". 6 في ش، المرداوي السعدي.

أَصْحَابِنَا، دُونَ" ذِكْرِ بَقِيَّةِ "الأَقْوَالِ، خَالٍ" هَذَا الْمُخْتَصَرُ "مِنْ قَوْلٍ ثَانٍ" أَذْكُرُهُ فِيهِ "إلاَّ" مِنْ قَوْلٍ أَذْكُرُهُ1 "لِفَائِدَةٍ تَزِيدُ" أَيْ زَائِدَةٍ "عَلَى مَعْرِفَةِ الْخِلافِ" لا لِيُعْلَمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلافًا فَقَطْ. "وَ" خَالٍ هَذَا الْمُخْتَصَرُ أَيْضًا "مِنْ عَزْوِ مَقَالٍ" أَيْ قَوْلٍ مَنْسُوبٍ "إلَى مَنْ" أَيْ شَخْصٍ "إيَّاهُ" أَيْ إيَّا الْمَقَالِ "قَالَ" أَيْ قَالَهُ. "وَمَتَى قُلْت" فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ بَعْدَ ذِكْرِ2 حُكْمِ مَسْأَلَةٍ أَوْ قَبْلَهُ هُوَ كَذَا3 "فِي وَجْهٍ، فَالْمُقَدَّمُ" أَيْ فَالْمُعْتَمَدُ "غَيْرُهُ" أَيْ غَيْرُ مَا قُلْت إنَّهُ كَذَا فِي وَجْهٍ "وَ" مَتَى قُلْت: هُوَ كَذَا، أوَلَيْسَ بِكَذَا "فِي"4 قَوْلٍ "أَوْ عَلَى قَوْلٍ، فَإِذَا قَوِيَ الْخِلافُ" فِي الْمَسْأَلَةِ "أَوْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ، أَوْ" يَكُونُ ذَلِكَ "مَعَ5 إطْلاقِ الْقَوْلَيْنِ، أَوْ الأَقْوَالِ، إذْ لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى مُصَرِّحٍ بِالتَّصْحِيحِ" لأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، أَوْ الأَقْوَالِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ اخْتِيَارِي عَلَى اخْتِصَارِ هَذَا الْكِتَابِ، دُونَ بَقِيَّةِ كُتُبِ هَذَا الْفَنِّ، لأَنَّهُ جَامِعٌ لأَكْثَرِ أَحْكَامِهِ، حَاوٍ لِقَوَاعِدِهِ وَضَوَابِطِهِ وَأَقْسَامِهِ، قَدْ اجْتَهَدَ مُؤَلِّفُهُ فِي تَحْرِيرِ نُقُولِهِ، وَتَهْذِيبِ أُصُولِهِ.

_ 1 في ش: أذكره فيه. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: هكذا. 4 في ش: في قوله. 5 في ش: من.

ثُمَّ الْقَوَاعِدُ: جَمْعُ قَاعِدَةٍ، وَهِيَ "أَمْرٌ كُلِّيٌّ يَنْطَبِقُ عَلَى جُزْئِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ تُفْهَمُ أَحْكَامُهَا مِنْهَا". فَمِنْهَا: مَا لا يَخْتَصُّ بِبَابٍ. كَقَوْلِنَا "الْيَقِينُ لا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ"1، وَمِنْهَا: مَا يَخْتَصُّ، كَقَوْلِنَا "كُلُّ كَفَّارَةٍ سَبَبُهَا مَعْصِيَةٌ، فَهِيَ عَلَى الْفَوْرِ". وَالْغَالِبُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِبَابٍ، وَقُصِدَ بِهِ نَظْمُ صُوَرٍ مُتَشَابِهَةٍ يُسَمَّى "ضَابِطًا"، وَإِنْ شِئْت قُلْت: مَا عَمَّ صُوَرًا. فَإِنْ كَانَ2 الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهِ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ الَّذِي بِهِ اشْتَرَكَتْ الصُّوَرُ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ "الْمُدْرَكُ"، وَإِلاَّ فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ ضَبْطَ تِلْكَ الصُّوَرِ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّبْطِ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي مَأْخَذِهَا، فَهُوَ "الضَّابِطُ"، وَإِلاَّ فَهُوَ "الْقَاعِدَةُ"3. وَمِنْ الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ قَوْلُهُمْ "الأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْفَوْرِ". وَ"دَلِيلُ الْخِطَابِ حُجَّةٌ"، "وَقِيَاسُ الشَّبَهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ". "وَالْحَدِيثُ الْمُرْسَلُ يُحْتَجُّ بِهِ" وَنَحْوُ ذَلِكَ "وَ" أَنَا "أَرْجُو" مِنْ فَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "أَنْ يَكُونَ" هَذَا الْمُخْتَصَرُ "مُغْنِيًا لِحُفَّاظِهِ" عَنْ غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ هَذَا4 الْفَنِّ "عَلَى" مَا اتَّصَفَ بِهِ مِنْ "وَجَازَةِ أَلْفَاظِهِ" أَيْ تَقْلِيلِهَا.

_ 1 قال السيوطي: هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه، والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر. "الأشباه والنظائر للسيوطي ص51، وانظر الأشياه والنظائر لابن نجيم ص56". 2 ساقطة من ش. 3 قال ابن نجيم: "والفرق بين الضابط والقاعدة، أن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد. وهذا هو الأصل". "الأشباه والنظائر ص166". 4 ساقطة من ش.

وَإِيجَازُ اللَّفْظِ: اخْتِصَارُهُ مَعَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْنَى. وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ. وَاخْتُصِرَ لِي الْكَلامُ1 اخْتِصَارًا" 2. وَإِنَّمَا اخْتَصَرْته3 لِمَعَانٍ. مِنْهَا: أَنْ لا يَحْصُلَ الْمَلَلُ بِإِطَالَتِهِ. وَمِنْهَا: أَنْ يَسْهُلَ عَلَى مَنْ أَرَادَ حِفْظَهُ. وَمِنْهَا: أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُهُ مِنْ قِلَّةِ حَجْمِهِ. "وَأَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَعْصِمَنِي" وَيَعْصِمَ "مَنْ قَرَأَهُ مِنْ الزَّلَلِ" أَيْ مِنْ السَّقْطَةِ4 فِي الْمَنْطِقِ وَالْخَطِيئَةِ5 "وَأَنْ يُوَفِّقَنَا" أَيْ يُوَفِّقَنِي وَمَنْ قَرَأَهُ "وَالْمُسْلِمِينَ لِمَا يُرْضِيهِ" أَيْ يُرْضِي اللَّهَ عَنَّا6 "مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ" إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ، وَبِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ. وَرَتَّبْته - كَأَصْلِهِ- عَلَى مُقَدِّمَةٍ، وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَابًا، لا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ عَدَدِ الْفُصُولِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. كَالتَّنَابِيهِ وَالتَّذَانِيبِ.

_ 1 في ع ب: الكلم. 2 أخرجه البيهقي في الشعب وأبو يعلى في مسنده عن عمر بن الخطاب، وأخرجه الدارقطني عن ابن عباس. وقد روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة، فأخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة بلفظ "بعثت بجوامع الكلم" وأخرجه أحمد عن عمرو بن العاص بلفظ "أوتيت فوتح الكلم وخواتمه وجوامعه". "انظر كشف الخفا 1/ 15، فيض القدير 1/ 563، جامع العلوم والحكم ص2". قال المناوي: ومعنى أعطيت جوامع الكلم، أي ملكة أقتدر بها على إيجاز اللفظ مع سعة المعنى، بنظم لطيف لاتعقيد فيه يعثر الفكر في طلبه، ولا التواء يحار الذهن في فهمه. واختصر لي الكلام اختصاراً: أي صار ما أتكلم به كثير المعاني قليل الألفاظ. "فيض القدير 1/ 563". 3 في ع ب: اختصرت ذلك. 4 في ض: السقط. 5 في ض: الخبط. وفي ع: الخبطه. 6 ساقطة من ز.

أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ، فَتَشْتَمِلُ عَلَى تَعْرِيفِ هَذَا الْعِلْمِ وَفَائِدَتِهِ، وَاسْتِمْدَادِهِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ وَلَوَاحِقَ، كَالدَّلِيلِ، وَالنَّظَرِ، وَالإِدْرَاكِ. وَالْعِلْمِ، وَالْعَقْلِ، وَالْحَدِّ، وَاللُّغَةِ وَمَسَائِلِهَا وَأَحْكَامِهَا، وَأَحْكَامِ خِطَابِ الشَّرْعِ، وَخِطَابِ الْوَضْعِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَأَقُولُ وَمِنْ اللَّهِ أَسْتَمِدُّ الْمَعُونَةَ: "مُقَدِّمَةٌ" الْمُقَدِّمَةُ فِي الأَصْلِ صِفَةٌ، ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهَا اسْمًا لِكُلِّ مَا وُجِدَ فِيهِ التَّقْدِيمُ، كَمُقَدِّمَةِ الْجَيْشِ وَالْكِتَابِ، وَمُقَدِّمَةِ الدَّلِيلِ وَالْقِيَاسِ؛ وَهِيَ الْقَضِيَّةُ الَّتِي1 تُنْتِجُ ذَلِكَ مَعَ قَضِيَّةٍ أُخْرَى، نَحْوُ "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ"، وَ "كُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ" وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَ "الْعَالِمُ مُؤَلِّفٌ" وَ "كُلُّ مُؤَلِّفٍ مُحَدِّثٌ"، وَنَحْوُ ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ مُقَدِّمَةَ الْعِلْمِ هِيَ2 اسْمٌ3 لِمَا4 تَقَدَّمَ أَمَامَهُ، وَلِمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَسَائِلُهُ كَمَعْرِفَةِ حُدُودِهِ وَغَايَتِهِ وَمَوْضُوعِهِ. وَمُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ لِطَائِفَةٍ مِنْ كَلامِهِ تُقَدَّمُ أَمَامَ الْمَقْصُودِ، لارْتِبَاطٍ لَهُ بِهَا، وَانْتِفَاعٍ بِهَا فِيهِ. سَوَاءٌ تَوَقَّفَ عَلَيْهَا الْعِلْمُ أَوْ لا5. وَهِيَ - بِكَسْرِ الدَّالِ-: مِنْ قَدَّمَ بِمَعْنَى6 تَقَدَّمَ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ش. 3 ساقطة من ع ز. 4 في ع: ما وعبارة "لما تقدم أمامه" ساقطة من ز. 5 انظر معنى المقدمة في "تعريفات الجرجاني ص242، شرح الروضة لبدران 1/ 23، تحرير القواعد المنطقية للرازي ص4 وما بعدها". 6 في ب، يعني.

{لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 1 أَيْ: لا تَتَقَدَّمُوا. وَبِفَتْحِهَا، لأَنَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ أَوْ أَمِيرَ الْجَيْشِ قَدَّمَهَا، وَمَنَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْكَسْرَ. وَبَعْضُهُمْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَلَمَّا كَانَ كُلُّ عِلْمٍ لا يَتَمَيَّزُ فِي نَفْسِهِ عَنْ بَقِيَّةِ الْعُلُومِ إلاَّ بِتَمييزِ2 مَوْضُوعِهِ. وَكَانَ مَوْضُوعُ أُصُولِ الْفِقْهِ: أَخَصَّ مِنْ مُطْلَقِ الْمَوْضُوعِ. وَكَانَ الْعِلْمُ بِالْخَاصِّ مَسْبُوقًا بِالْعِلْمِ بالْعَامِّ3، بَدَأَ بِتَعْرِيفِ مُطْلَقِ الْمَوْضُوعِ بِقَوْلِهِ: "مَوْضُوعُ كُلِّ عِلْمٍ" شَرْعِيًّا كَانَ أَوْ عَقْلِيًّا "مَا" أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي "يُبْحَثُ فِيهِ" أَيْ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ "عَنْ عَوَارِضِهِ" أَيْ عَوَارِضِ مَوْضُوعِهِ "الذَّاتِيَّةِ" أَيْ الأَحْوَالِ4 الْعَارِضَةِ لِلذَّاتِ، دُونَ الْعَوَارِضِ اللاَّحِقَةِ لأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ الذَّاتِ5. وَمَسَائِلُ كُلِّ عِلْمٍ مَعْرِفَةُ الأَحْوَالِ4 الْعَارِضَةِ لِذَاتِ مَوْضُوعِ ذَلِكَ الْعِلْمِ6. فَمَوْضُوعُ عِلْمِ الطِّبِّ مَثَلاً: هُوَ بَدَنُ الإِنْسَانِ، لأَنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ الأَمْرَاضِ اللاَّحِقَةِ لَهُ، وَمَسَائِلُهُ: هِيَ مَعْرِفَةُ تِلْكَ الأَمْرَاضِ.

_ 1 الآية 1 من الحجرات. 2 في ش ز ب: بتميز. 3 في ش: العام. 4 في ز: الأصول. 5 انظر في موضوعات العلوم "تعريفات الجرجاني ص256، إرشاد الفحول ص5، فواتح الرحموت 1/ 8، تحرير القواعد المنطقية ص23". 6 انظر في مسائل العلوم التعريفات للجرجاني ص225.

وَمَوْضُوعُ عِلْمِ النَّحْوِ: الْكَلِمَاتُ، فَإِنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِهَا مِنْ حَيْثُ الإِعْرَابُ وَالْبِنَاءُ. وَمَسَائِلُهُ: هِيَ مَعْرِفَةُ الإِعْرَابِ وَالْبِنَاءِ1. وَمَوْضُوعُ عِلْمِ الْفَرَائِضِ: التَّرِكَاتُ، فَإِنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ2 مِنْ حَيْثُ قِسْمَتُهَا، وَمَسَائِلُهُ: هِيَ مَعْرِفَةُ حُكْمِ قِسْمَتِهَا. وَالْعِلْمُ بِمَوْضُوعِ عِلْمٍ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي حَقِيقَةِ ذَلِكَ الْعِلْمِ كَمَا قُلْنَا فِي بَدَنِ الإِنْسَانِ وَالْكَلِمَاتِ وَالتَّرِكَاتِ. إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ: فَالْعَوَارِضُ الذَّاتِيَّةُ هِيَ الَّتِي تُلْحِقُ الشَّيْءَ لِمَا هُوَ هُوَ - أَيْ لِذَاتِهِ- كَالتَّعَجُّبِ اللاَّحِقِ لِذَاتِ الإِنْسَانِ، أَوْ تَلْحَقُ الشَّيْءَ لِجُزْئِهِ، كَالْحَرَكَةِ بِالإِرَادَةِ اللاَّحِقَةِ لِلإِنْسَانِ "بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ حَيَوَانٌ، أَوْ تَلْحَقُهُ بِوَاسِطَةِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ الْمَعْرُوضِ مُسَاوٍ لِلْمَعْرُوضِ، كَالضَّحِكِ الْعَارِضِ لِلإِنْسَانِ"3 بِوَاسِطَةِ التَّعَجُّبِ4. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ: أَنَّ الْعَارِضَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِذَاتِ الشَّيْءِ، أَوْ لِجُزْئِهِ، أَوْ لأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ5. وَالأَمْرُ الْخَارِجُ: إمَّا مُسَاوٍ لِلْمَعْرُوضِ، أَوْ أَعَمُّ مِنْهُ، أَوْ أَخَصُّ، أَوْ مُبَايِنٌ. أَمَّا الثَّلاثَةُ الأُوَلُ - وَهِيَ الْعَارِضُ لِذَاتِ الْمَعْرُوضِ، وَالْعَارِضُ لِجُزْئِهِ،

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش ز د ع ض ب: فيها. 3 ساقطة من ز. 4 قاله الشريف الجرجاني. "التعريفات ص164". 5 في ب: عنه مساو.

وَالْعَارِضُ الْمُسَاوِي1- فَتُسَمَّى2 "أَعْرَاضًا ذَاتِيَّةً"، لاسْتِنَادِهَا إلَى ذَاتِ3 الْمَعْرُوضِ. أَمَّا الْعَارِضُ لِلذَّاتِ: فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْعَارِضُ لِلْجُزْءِ: فَلأَنَّ الْجُزْءَ دَاخِلٌ فِي الذَّاتِ، وَالْمُسْتَنِدُ إلَى مَا فِي الذَّاتِ مُسْتَنِدٌ إلَى الذَّاتِ فِي الْجُمْلَةِ4. وَأَمَّا الْعَارِضُ لِلأَمْرِ5 الْمُسَاوِي: "فَلأَنَّ الْمُسَاوِيَ"6 يَكُونُ مُسْتَنِدًا إلَى ذَاتِ الْمَعْرُوضِ، وَالْعَارِضُ مُسْتَنِدٌ7 إلَى الْمُسَاوِي، وَالْمُسْتَنِدُ إلَى الْمُسْتَنِدِ إلَى الشَّيْءِ مُسْتَنِدٌ إلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَيَكُونُ الْعَارِضُ أَيْضًا مُسْتَنِدًا إلَى الذَّاتِ. وَالثَّلاثَةُ الأَخِيرَةُ الْعَارِضَةُ لأَمْرٍ خَارِجٍ غَيْرِ مُسَاوٍ لِلْمَعْرُوضِ تُسَمَّى "أَعْرَاضًا غَرِيبَةً" لِمَا فِيهَا مِنْ الْغَرَابَةِ بِالْقِيَاسِ إلَى ذَاتِ الْمَعْرُوضِ. ثُمَّ تَارَةً يَكُونُ الأَمْرُ الْخَارِجُ8 أَعَمَّ مِنْ الْمَعْرُوضِ، كَالْحَرَكَةِ اللاَّحِقَةِ لِلأَبْيَضِ بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ جِسْمٌ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الأَبْيَضِ وَغَيْرِهِ. وَتَارَةً يَكُونُ أَخَصَّ، كَالضَّحِكِ الْعَارِضِ لِلْحَيَوَانِ بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ إنْسَانٌ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ

_ 1 أي العارض للأمر الخارج المساوي. 2 في ع ز ض ب: تسمى. 3 في ش: ذاتية. 4 في ش: جملة. 5 أي للأمر الخارج المساوي. 6 ساقطة من ز. 7 في ش ز: مستنداً. 8 المراد العارض لأمر خارج.

الْحَيَوَانِ. وَتَارَةً يَكُونُ مُبَايِنًا لِلْمَعْرُوضِ كَالْحَرَارَةِ الْعَارِضَةِ لِلْمَاءِ بِوَاسِطَةِ النَّارِ1. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: "فَمَوْضُوعُ ذَا" أَيْ هَذَا الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ أُصُول الْفِقْهُ "الأَدِلَّةُ2 الْمُوَصِّلَةُ إلَى الْفِقْهِ" مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ، وَنَحْوِهَا؛ لأَنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ3 عَنْ الْعَوَارِضِ اللاَّحِقَةِ لَهَا، مِنْ كَوْنِهَا عَامَّةً أَوْ خَاصَّةً، أَوْ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً، أَوْ مُجْمَلَةً، أَوْ مُبَيِّنَةً، أَوْ ظَاهِرَةً أَوْ نَصًّا، أَوْ مَنْطُوقَةً، أَوْ مَفْهُومَةً، وَكَوْنُ اللَّفْظِ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ اخْتِلافِ مَرَاتِبِهَا، وَكَيْفِيَّةِ الاسْتِدْلالِ بِهَا4، وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ هِيَ5 مَسَائِلُ أُصُولِ الْفِقْهِ. وَمَوْضُوعُ عِلْمِ الْفِقْهِ: أَفْعَالُ الْعِبَادِ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِهَا. وَمَسَائِلُهُ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهَا مِنْ وَاجِبٍ وَحَرَامٍ، وَمُسْتَحَبٍّ وَمَكْرُوهٍ وَمُبَاحٍ. "وَلا بُدَّ" أَيْ لا فِرَاقَ "لِمَنْ طَلَبَ عِلْمًا" أَيْ6 حَاوَلَ أَنْ يَعْرِفَهُ مِنْ ثَلاثَةِ أُمُورٍ:

_ 1 وهي مباينة للماء. وانظر الكلام على العوارض الذاتية والغريبة في تحرير القواعد المنطقية وحاشية الجرجاني عليه ص23. 2 في ب: الدلالة. 3 في د ع ض ز ب: فيها. 4 انظر الإحكام للآمدي 1/ 7. ويقول الشوكاني: "وجميع مباحث أصول الفقه راجعة إلى إثبات أعراض ذاتية للأدلة والأحكام، من حيث إثبات الأدلة للأحكام، ثبوت الأحكام بالأدلة. بمعنى أن جميع مسائل هذا الفن هي لاإثبات والثبوت". "ارشاد الفحول ص5". 5 ساقطة من ب. 6 ساقطة من ب.

أَحَدُهَا: "أَنْ يَتَصَوَّرَهُ بِوَجْهٍ مَا" أَيْ بِوَجْهٍ مِنْ الإِجْمَالِ؛ لأَنَّ طَلَبَ الإِنْسَانِ مَا لا يَتَصَوَّرُهُ مُحَالٌ بِبَدِيهَةِ1 الْعَقْلِ، وَطَلَبُ مَا يَعْرِفُهُ مِنْ جِهَةِ تَفْصِيلِهِ مُحَالٌ أَيْضًا؛ لأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. "وَ" الأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ "يَعْرِفَ غَايَتَهُ" لِئَلاَّ يَكُونَ "سَعْيُهُ فِي طَلَبِهِ عَابِثًا"2. "وَ" الأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنْ يَعْرِفَ "مَادَّتَهُ" أَيْ مَا يَسْتَمِدُّ ذَلِكَ الْعِلْمُ مِنْهُ؛ لِيَرْجِعَ فِي جُزْئِيَّاتِهِ إلَى مَحَلِّهَا. وَأَصْلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: أَنَّ كُلَّ مَعْدُومٍ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى أَرْبَعِ عِلَلٍ3: - صُورِيَّةٍ: وَهِيَ الَّتِي تَقُومُ بِهَا صُورَتُهُ. فَتَصَوُّرُ الْمُرَكَّبِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَصَوُّرِ أَرْكَانِهِ. وَانْتِظَامِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَقْصُودِ. - وَغَائِيَّةٍ: وَهِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى4 إيجَادِهِ. وَهِيَ الأُولَى فِي الْفِكْرِ، وَإِنْ كَانَتْ آخِرًا فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ. وَلِهَذَا يُقَالُ: "مَبْدَأُ الْعِلْمِ مُنْتَهَى الْعَمَلِ". - وَمَادِّيَّةٍ5: وَهِيَ الَّتِي تُسْتَمَدُّ مِنْهَا الْمُرَكَّبَاتُ، أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا.

_ 1 في ب: ببديه. 2 في ش: في طلبه عابثاً. 3 جاء في لقطة العجلان وشرحها الأنصاري: كل موجود ممكن لا بدّ له من أسباب –أي علل- أربعة؛ المادة: وهي ما يكون الشيء موجوداً به بالقوة. وتسميتها مادة باعتبار توارد الصور المختلفة عليها. والصورة: هي ما يكون الشيء موجوداً به بالفعل. والفاعلية: وهي ما يؤثر في وجود الشيء. والغائية: وهي ما يصير الفاعل لأجله فاعلاً. ويقال هي الداعي للفعل. كالسرير: مادته الخشب، وصورته الانسطاح –أن انسطاحه-. أي هيئته التي هو عليها، وفاعليته النجّار، وغايته الاضطجاع عليه. "فتح الرحمن ص39 وما بعدها". 4 في ب: إلى. 5 في ش: ومادته. وفي د ض ب: وماديته.

- وَفَاعِلِيَّةٍ: وَهِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي إيجَادِ ذَلِكَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ "أُصُولِ الْفِقْهِ" مُرَكَّبٌ مِنْ مُضَافٍ وَمُضَافٍ إلَيْهِ، ثُمَّ صَارَ لِكَثْرَةِ1 الاسْتِعْمَالِ فِي عُرْفِ الأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ لَهُ مَعْنًى آخَرُ، وَهُوَ الْعِلْمِيَّةُ. فَيَنْبَغِي تَعْرِيفُهُ مِنْ حَيْثُ مَعْنَاهُ الإِضَافِيُّ، وَتَعْرِيفُهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ عِلْمًا. فَبَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ بَدَأَ "بِتَعْرِيفِ كَوْنِهِ"2 مُرَكَّبًا، وَبَعْضُهُمْ بَدَأَ "بِتَعْرِيفِ كَوْنِهِ"2 مُضَافًا، كَمَا فِي الْمَتْنِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: "فَأُصُولٌ: جَمْعُ أَصْلٍ، وَهُوَ" أَيْ الأَصْلُ "لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ "مَا يُبْنَى عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى الأَصْلِ "غَيْرُهُ" قَالَهُ الأَكْثَرُ3. وَقِيلَ: أَصْلُ الشَّيْءِ مَا مِنْهُ الشَّيْءُ4. وَقِيلَ: مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ5. وَقِيلَ: مَنْشَأُ الشَّيْءِ. وَقِيلَ: مَا يَسْتَنِدُ تَحَقُّقُ الشَّيْءِ إلَيْهِ6. "وَ" الأَصْلُ "اصْطِلاحًا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ الْعُلَمَاءِ "مَا لَهُ فَرْعٌ" لأَنَّ الْفَرْعَ لا يَنْشَأُ إلاَّ عَنْ أَصْلٍ.

_ 1 في ش ز ع: بكثرة. 2 في ش: بتعريفه. 3 كالجويني والمحلي والشريف الجرجاني والعضد والشوكاني وابن عبد الشكور وأبي الحسين البصري. "انظر المحلي على الورقات ص9، فواتح الرحموت 1/ 8، إرشاد الفحول ص3، العضد على ابن الحاجب 1/ 25، المعتمد للبصري 1/ 9، التعريفات للجرجاني ص28". 4 قاله الطوفي "مختصر الروضة ص7". 5 في ش: غيره. وقيل ما يحتاج إليه. 6 قاله الآمدي "الإحكام 1/ 7".

"وَيُطْلَقُ" الأَصْلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ 1. الأَوَّلِ2: "عَلَى الدَّلِيلِ غَالِبًا" أَيْ فِي الْغَالِبِ، كَقَوْلِهِمْ "أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ". أَيْ دَلِيلُهَا، "وَ" هَذَا الإِطْلاقُ "هُوَ الْمُرَادُ هُنَا" أَيْ فِي عِلْمِ3 الأُصُولِ. "وَ" الإِطْلاقُ الثَّانِي: "عَلَى الرُّجْحَانِ" أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الأَمْرَيْنِ. كَقَوْلِهِمْ: "الأَصْلُ فِي الْكَلامِ الْحَقِيقَةُ دُونَ الْمَجَازِ"4 وَ "الأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ"5 وَ "الأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ"6. "وَ" الإِطْلاقُ الثَّالِثُ: عَلَى "الْقَاعِدَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ" كَقَوْلِهِمْ "أَكْلُ الْمَيْتَةِ عَلَى7 خِلافِ الأَصْلِ" أَيْ عَلَى خِلافِ الْحَالَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ.

_ 1 انظر معنى الأصل في الصطلاح في "فواتح الرحموت 1/ 8، إرشاد الفحول ص3". 2 ساقطة من ش. 3 ساقطة من ش. 4 انظر الكلام على هذه القاعدة وفروعها في "الأشباه والنظائر للسيوطي ص63، المدخل الفقهي للزرقاء ص1003". 5 انظر تفسير هذه القاعدة وما يتفرع عليها من المسائل في "الأشباه والنظائر للسيوطي ص53، المدخل الفقهي للزرقاء ص 970". 6 انظر في الكلام على هذا الأصل وما يتفرع عنه من المسائل التمهيد الأسنوي ص149. وهذا الأصل يسمى في الاصطلاح بالاستصحاب، وهو اعتبار الحالة الثابتة في وقت ما مستمرة في سائر الأوقات حتى يثبت انقطاعها أو تبدلها. "انظر المدخل الفقهي للزرقاء ص968". 7 ساقطة من ض ب.

"وَ" الإِطْلاقُ الرَّابِعُ: عَلَى "الْمَقِيسِ عَلَيْهِ" وَهُوَ1 مَا يُقَابِلُ الْفَرْعَ فِي بَابِ الْقِيَاسِ2. "وَالْفِقْهُ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ: "الْفَهْمُ" عِنْدَ الأَكْثَرِ3، لأَنَّ الْعِلْمَ يَكُونُ عَنْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} 4. "وَهُوَ" أَيْ الْفَهْمُ: "إدْرَاكُ مَعْنَى الْكَلامِ" لِجَوْدَةِ5 الذِّهْنِ مِنْ جِهَةِ تَهَيُّئِهِ لاقْتِبَاسِ6 مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَطَالِبِ. وَالذِّهْنُ: قُوَّةُ النَّفْسِ الْمُسْتَعِدَّةِ لاكْتِسَابِ الْعُلُومِ7 وَالآرَاءِ8.

_ 1 في ش: صورة وهو. 2 وعلى هذا عرف الباجي الأصل بقوله: "ما قيس عليه الفرع بعلة مسنتبطة منه". أي من الأصل. "الحدود للباجي ص70". 3 قاله الآمدي وابن قدامة والطوفي والجويني والشوكاني وغيرهم. "انظر الإحكام للآمدي 1/ 6، روضة الناضر ص4، إرشاد الفحول ص3، شرح المحلي على الورقات ص12، مختصر الروضة ض7". 4 الآية 78 من النساء. 5 في ش ز ع ض ب: لا جودة، وهو خطأ. انظر الإحكام للآمدي 1/ 6. 6 كذا في ش ز ع ض ب. وفي الإحكام للآمدي: لاقتناص. 7 في ش ز ع ض ب: الحدود. 8 وقد عرف الشريف الجرجاني الذهن بأنه: قوة للنفس تشمل الحواس الظاهرة والباطنة، معدة لاكتساب العلوم. ثم أورد له تعريفاً آخر بأنه: الاستعداد التام لإدراك العلوم والمعارف بالفكر. "التعريفات ص113 وما بعدها".

وَقِيلَ: إنَّ الْفِقْهَ هُوَ الْعِلْمُ1. وَقِيلَ: مَعْرِفَةُ قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ2. وَقِيلَ: فَهْمُ مَا يَدِقُّ. وَقِيلَ: اسْتِخْرَاجُ الْغَوَامِضِ وَالاطِّلاعُ عَلَيْهَا. "وَ" الْفِقْهُ "شَرْعًا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ فُقَهَاءِ الشَّرْعِ "مَعْرِفَةُ3 الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ" دُونَ الْعَقْلِيَّةِ "الْفَرْعِيَّةِ" لا الأُصُولِيَّةِ4، وَمَعْرِفَتُهَا إمَّا "بِالْفِعْلِ" أَيْ بِالاسْتِدْلالِ "أَوْ" بِ"الْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ" مِنْ الْفِعْلِ، أَيْ بِالتَّهَيُّؤِ لِمَعْرِفَتِهَا بِالاسْتِدْلالِ. وَهَذَا الْحَدُّ لأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ. وَقِيلَ: هُوَ الْعِلْمُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ الشَّرْعِيَّةِ - دُونَ الْعَقْلِيَّةِ- مِنْ تَحْلِيلٍ وَتَحْرِيمٍ وَحَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ. وَقِيلَ: هُوَ الْعِلْمُ بِالأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. وَقِيلَ: مَعْرِفَةُ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ5. وَقِيلَ: مَعْرِفَةُ كَثِيرٍ مِنْ الأَحْكَامِ عُرْفًا. وَقِيلَ: مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ6 جُمَلٍ كَثِيرَةٍ عُرْفًا مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ الْعِلْمِيَّةِ مِنْ أَدِلَّتِهَا الْحَاصِلَةِ بِهَا. وَقِيلَ: الْعِلْمُ بِهَا عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ بِالاسْتِدْلالِ. وَكُلُّ هَذِهِ الْحُدُودِ لا تَخْلُو عَنْ مُؤَاخَذَاتٍ وَأَجْوِبَةٍ، يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهَا مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ7.

_ 1انظر الاحكام للآمدي 1/ 6، المستصفي 1/ 4، لسان العرب 13/ 522. 2 قاله الشريف الجرجاني وأبو الحسين البصري. "التعريفات ص157، المعتمد 1/ 8". 3 في ش: "معرفة" المجتهد جميع. 4 كأصول الدين وأصول الفقه. "القواعد والفوائد الأصولية ص4". 5 قاله الباجي "انظر الحدود ص35 وما بعدها". 6 ساقطة من ش. 7 انظر تعريف الفقه في الاصطلاح الشرعي في "الإحكام للآمدي 1/ 6، الروضة وشرحها لبدران 1/ 19، التمهيد للأسنوي ص5 وما بعدها، إرشاد الفحول ص3، العبادي على شرح الورقات ص12 وما بعدها، القواعد والفوائد الأصولية ص4، الحدود للباجي ص35 وما بعدها، المستصفى 1/ 4 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 10 وما بعدها، للمعتمد للبصري 1/ 8، العضد على ابن الحاجب 1/ 25، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 42 وما بعدها، مختصر الروضة للطوفي ص7 وما بعدها، التعريفات للجرجاني ص175".

ثُمَّ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْفَرْعِيُّ: هُوَ الَّذِي لا يَتَعَلَّقُ بِالْخَطَإِ فِي اعْتِقَادِ مُقْتَضَاهُ، وَلا فِي الْعَمَلِ بِهِ قَدْحٌ فِي الدِّينِ، وَلا وَعِيدٌ فِي الآخِرَةِ، كَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَالنِّكَاحِ بِلا وَلِيٍّ وَنَحْوِهِمَا. "وَالْفَقِيهُ" فِي اصْطِلاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ: "مَنْ عَرَفَ جُمْلَةً غَالِبَةً" أَيْ كَثِيرَةً "مِنْهَا" أَيْ مِنْ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ1 الْفَرْعِيَّةِ "كَذَلِكَ" أَيْ بِالْفِعْلِ، أَوْ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْفِعْلِ، - وَهِيَ التَّهَيُّؤُ لِمَعْرِفَتِهَا- عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ. فَلا يُطْلَقُ الْفَقِيهُ عَلَى مَنْ عَرَفَهَا عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ، كَمَا لا يُطْلَقُ الْفَقِيهُ عَلَى مُحَدِّثٍ وَلا مُفَسِّرٍ، وَلا مُتَكَلِّمٍ وَلا نَحْوِيٍّ وَنَحْوِهِمْ. وَقِيلَ: الْفَقِيهُ2 مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةٌ تَامَّةٌ، يَعْرِفُ الْحُكْمَ بِهَا إذَا شَاءَ، مَعَ مَعْرِفَتِهِ3 جُمَلاً كَثِيرَةً مِنْ الأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ، وَحُضُورِهَا عِنْدَهُ بِأَدِلَّتِهَا الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ4. فَخَرَجَ بِقَيْدِ "الأَحْكَامِ" الذَّوَاتُ وَالصِّفَاتُ وَالأَفْعَالُ5.

_ 1 فخرج بقيد "الشرعية" الأحكام العقلية: ككون الواحد نصف الاثنين، والحسية: ككون النار محرقة، واللغوية: ككون الفاعل مرفوعاً، وكذلك نسبة الشيء إلى غيره إيجاباً: كقام زيد، أو سالباً: نحو لم يقم. فلا يسمى شيء من ذلك فقهاً. "انظر التمهيد للأسنوي ص5، العبادي على شرح الورقات ص15". 2 ساقطة من ب. 3 في ش: معرفة جمل. 4 انظر المسودة ص571، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص14. 5 مراده احترز "بالأحكام" عن العلم بالذوات: كزيد، وبالصفات: كسواده، وبالأفعال: كقيامه. "التمهيد للأسنوي ص5".

وَالْحُكْمُ هُوَ النِّسْبَةُ بَيْنَ الأَفْعَالِ وَالذَّوَاتِ؛ إذْ كُلُّ مَعْلُومٍ إمَّا أَلاَّ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى مَحَلٍّ يَقُومُ بِهِ، فَهُوَ الْجَوْهَرُ، كَجَمِيعِ الأَجْسَامِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا. فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِلتَّأْثِيرِ فِي غَيْرِهِ، فَهُوَ الْفِعْلُ، كَالضَّرْبِ مَثَلاً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا. فَإِنْ كَانَ لِنِسْبَةٍ بَيْنَ الأَفْعَالِ وَالذَّوَاتِ، فَهُوَ الْحُكْمُ، وَإِلاَّ فَهُوَ الصِّفَةُ، كَالْحُمْرَةِ وَالسَّوَادِ. وَخَرَجَ بِقَيْدٍ "الْفِعْلُ" الَّذِي هُوَ الاسْتِدْلال: عِلْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرُسُلِهِ فِيمَا لَيْسَ عَنْ اجْتِهَادِهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ1؛ لِجَوَازِ اجْتِهَادِهِمْ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الاجْتِهَادِ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ "الْفَرْعِيَّةِ" الأَدِلَّةُ الأُصُولِيَّةُ الإِجْمَالِيَّةُ، الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي فَنِّ الْخِلافِ، نَحْوُ: "ثَبَتَ الْحُكْمُ بِالْمُقْتَضَى، وَانْتَفَى بِوُجُودِ النَّافِي". فَإِنَّ هَذِهِ قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ إجْمَالِيَّةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي غَالِبِ الأَحْكَامِ؛ إذْ يُقَالُ مَثَلاً: وُجُوبُ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالْمُقْتَضَى، وَهُوَ تَمْيِيزُ2 الْعِبَادَةِ عَنْ الْعَادَةِ، وَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: عَدَمُ وُجُوبِهَا، وَالاقْتِصَارُ عَلَى مَسْنُونِيَّتِهَا: حُكْمٌ3 ثَبَتَ بِالْمُقْتَضَيْ. وَهُوَ أَنَّ الْوُضُوءَ مِفْتَاحُ الصَّلاةِ. وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ بِدُونِ النِّيَّةِ. وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي فَنِّ الْخِلافِ4: إمَّا إثْبَاتُ الْحُكْمِ، فَهُوَ بِالدَّلِيلِ الْمُثْبِتِ، أَوْ نَفْيُهُ فَهُوَ بِالدَّلِيلِ النَّافِي. أَوْ بِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْمُثْبِتِ، أَوْ بِوُجُودِ الْمَانِعِ، أَوْ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ. فَهَذِهِ أَرْبَعُ قَوَاعِدَ ضَابِطَةٌ لِمَجَارِي الْكَلامِ عَلَى تَعَدُّدِ جَرَيَانِهَا وَكَثْرَةِ مَسَائِلِهَا.

_ 1 كما خرج بهذا القيد علم الملائكة، لكونه غير حاصل بالاستدلال. 2 في ع: تمييزه. 3 ساقطة من ب. 4 قال ابن بدران: أما فن الخلاف، فهو علم يُعرف به كيفية إيراد الحجج الشرعية، ودفع الشُبَه وقوادح الأدلة الخلافية بإيراد البراهين القطعية. وهو الجدل الذي هو قسم من أقسام المنطق، إلا أنه خُصّ بالمقاصد الدينية. "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص231".

وَخَرَجَ بِقَيْدِ "الأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ" عِلْمُ الْمُقَلِّدِ؛ لأَنَّ مَعْرِفَتَهُ بِبَعْضِ الأَحْكَامِ لَيْسَتْ عَنْ دَلِيلٍ أَصْلاً، لا إجْمَالِيٍّ وَلا تَفْصِيلِيٍّ1. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلامِ عَلَى تَعْرِيفِ "أُصُولِ الْفِقْهِ" مِنْ حَيْثُ مَعْنَاهُ الإِضَافِيُّ: شَرَعَ فِي تَعْرِيفِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ عِلْمًا، فَقَالَ: "وَأُصُولُ الْفِقْهِ عِلْمًا" أَيْ: مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا صَارَتْ2 لَقَبًا لِهَذَا الْعِلْمِ: "الْقَوَاعِدُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ" أَيْ يُقْصَدُ الْوُصُولُ "بِهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ"3. وَقِيلَ: مَجْمُوعُ طُرُقِ الْفِقْهِ إجْمَالاً، وَكَيْفِيَّةُ الاسْتِفَادَةِ مِنْهَا، وَحَالُ الْمُسْتَفِيدِ. وَقِيلَ: مَعْرِفَةُ دَلائِلِ الْفِقْهِ إجْمَالاً، وَكَيْفِيَّةُ الاسْتِفَادَةِ مِنْهَا، وَحَالُ الْمُسْتَفِيدِ. وَقِيلَ: مَا تُبْنَى4 عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْفِقْهِ، وَتُعْلَمُ أَحْكَامُهَا بِهِ. وَقِيلَ: هِيَ أَدِلَّتُهُ الْكُلِّيَّةُ الَّتِي تُفِيدُهُ بِالنَّظَرِ عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَالْقَوَاعِدُ: جَمْعُ قَاعِدَةٍ. وَهِيَ هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ صُوَرٍ5 كُلِّيَّةٍ تَنْطَبِقُ

_ 1 ذكر في فوتح الرحموت "1/ 11" أنه يخرج بقيد "الأدلة التفصيلية" علم المقلد وعلم جبريل وعلم الله عز وجل، حتى أنه لا يحتاج لزيادة قيد "الاستدلال" إلا لزيادة الكشف والإيضاح. 2 ساقطة من ش. 3 انظر تعريف أصول الفقه بمعناه اللقبي في "المستصفى 1/ 4، اللمع ص4، فواتح الرحموت 1/ 14، الحدود للباجي ص36 وما بعدها، روضة الناظر وشرحها لبدران 1/ 20، إرشاد الفحول ص3، مختصر الروضة ص6، الإحكام للآمدي 1/ 7، التعريفات للجرجاني ص28، المعتمد 1/ 9، المحلي على جمع الجوامع 1/ 32 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 1/ 19". 4 في ش: ما تنبني. 5 صور: جمع صورة. والمراد بها في هذا المقام "القضية" أو "الأمر". "انظر إيضاح المبهم ص4، التعريفات ص177".

كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا الَّتِي تَحْتَهَا. وَلِذَلِكَ لَمْ يُحْتَجْ إلَى تَقْيِيدِهَا1 بِالْكُلِّيَّةِ؛ لأَنَّهَا لا تَكُونُ إلاَّ كَذَلِكَ. وَذَلِكَ كَقَوْلِنَا: "حُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ" وَكَقَوْلِنَا: "الْحِيَلُ فِي الشَّرْعِ بَاطِلَةٌ". فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْقَضِيَّتَيْنِ يُتَعَرَّفُ بِالنَّظَرِ فِيهَا قَضَايَا مُتَعَدِّدَةٌ. فَمِمَّا يُتَعَرَّفُ بِالنَّظَرِ فِي الْقَضِيَّةِ الأُولَى: أَنَّ عُهْدَةَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ، وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ لا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ: حَنِثَ. وَأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فِي شِرَاءِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ: لَمْ يَصِحَّ. وَمِمَّا يُتَعَرَّفُ بِالنَّظَرِ2 فِي الْقَضِيَّةِ الثَّانِيَةِ: عَدَمُ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، وَبَيْعِ الْعِينَةِ، وَعَدَمُ سُقُوطِ الشُّفْعَةِ بِالْحِيلَةِ عَلَى إبْطَالِهَا، وَعَدَمُ حِلِّ الْخَمْرِ3 بِتَخْلِيلِهَا عِلاجًا4. وَكَذَا قَوْلُنَا - وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا-: "الأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْفَوْرِ5" وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ "إلَى اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ" عَنْ الْقَوَاعِدِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ غَيْرِ6 الأَحْكَامِ، مِنْ الصَّنَائِعِ وَالْعِلْمِ بِالْهَيْئَاتِ وَالصِّفَاتِ.

_ 1 أي تقييد كلمة "القواعد" التي جاءت في التعريف. 2 ساقطة من ش. 3 في ب: الخمرة. 4 أي بمعالجة الخمر حتى تصير خلاً. 5 في ش: للفور. 6 ساقطة من ب.

وَ "بِالشَّرْعِيَّةِ" عَنْ الاصْطِلاحِيَّةِ1، وَالْعَقْلِيَّةِ: كَقَوَاعِدِ عِلْمِ الْحِسَابِ وَالْهَنْدَسَةِ. وَ "بِالْفَرْعِيَّةِ" عَنْ الأَحْكَامِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ جِنْسِ الأُصُولِ، كَمَعْرِفَةِ وُجُوبِ التَّوْحِيدِ مِنْ أَمْرِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ} 2. "وَالأُصُولِيُّ" فِي عُرْفِ أَهْلِ3 هَذَا الْفَنِّ: "مَنْ عَرَفَهَا" أَيْ عَرَفَ الْقَوَاعِدَ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ. لأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى الأُصُولِ، كَنِسْبَةِ الأَنْصَارِيِّ إلَى الأَنْصَارِ وَنَحْوِهِ؛ وَلا تَصِحُّ النِّسْبَةُ إلاَّ مَعَ قِيَامِ مَعْرِفَتِهِ4 بِهَا وَإِتْقَانِهِ لَهَا، كَمَا أَنَّ مَنْ أَتْقَنَ الْفِقْهَ يُسَمَّى فَقِيهًا، وَمَنْ أَتْقَنَ الطِّبَّ يُسَمَّى طَبِيبًا وَنَحْوُ ذَلِكَ5. "وَغَايَتُهَا" أَيْ غَايَةُ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ، إذَا صَارَ الْمُشْتَغِلُ بِهَا قَادِرًا عَلَى اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ مِنْ أَدِلَّتِهَا: "مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعَمَلُ بِهَا" أَيْ بِالأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ6؛ لأَنَّ ذَلِكَ مُوَصِّلٌ إلَى الْعِلْمِ، وَبِالْعِلْمِ يَتَمَكَّنُ الْمُتَّصِفُ بِهِ مِنْ الْعَمَلِ الْمُوَصِّلِ إلَى خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ7.

_ 1 ككون الفاعل مرفوعاً. 2 الآية 19 من محمد. 3 ساقطة من ش ز. 4 في ب ز د: معرفتها به. 5 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 34 وما بعدها. 6 في ش: الشرعية قال. 7 انظر الإحكام للآمدي 1/ 7، إرشاد الفحول ص5.

"وَمَعْرِفَتُهَا" أَيْ: مَعْرِفَةُ أُصُولِ الْفِقْهِ "فَرْضُ كِفَايَةٍ1، كَالْفِقْهِ" قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ2": وَهَذَا3 الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ. قَالَ فِي "آدَابِ الْمُفْتِي"4: "وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْفِقْهِ"5 اهـ. وَقِيلَ: فَرْضُ عَيْنٍ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ6 فِي "أُصُولِهِ" - لَمَّا حَكَى هَذَا الْقَوْلَ-: وَالْمُرَادُ لِلاجْتِهَادِ. فَعَلَى هَذَا الْمُرَادِ يَكُونُ الْخِلافُ لَفْظِيًّا. "وَالأَوْلَى" وَقِيلَ: يَجِبُ "تَقْدِيمُهَا" أَيْ تَقْدِيمُ تَعَلُّمِ أُصُولِ الْفِقْهِ

_ 1 وهو ما اختاره العلامة تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. "انظر المسودة ص571". 2 المراد به كتاب "التحبير في شرح التحرير" للإمام علي بن سليمان المرداوي الحنبلي المتوفي سنة 885هـ. شرح فيه كتابه "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول". "انظر الضوء اللامع 5/ 225، البدر الطالع 1/ 446، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص239". 3 في ش: وهذا هو. 4 كتاب "آداب المفتي" للعلامة أحمد بن حمدان الحرني الحنبلي المتوفي سنة 695هـ. وتذكره كتب الفقه والتراجم بهذا الاسم وباسم "صفة المفتي المستفتي". وقد طبع بدمشق سنة 1380هـ، باسم "صفة الفتوى والمفتي والمستفتي". 5 صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص14. 6 هو محمد بن مفلح بن مفرج المقدسي الحنبلي، شمس الدين، أبو عبد الله، شيخ الإسلام، وأحد الأئمة الأعلام. قال ابن كثير: "كام بارعاً فاضلاً متقناً في علوم كثيرة" وقال ابن القيم: "ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح". وهو صاحب التصانيف النافعة كـ"الفروع" في الفقه و "الآداب الشرعية" و "شرح المقنع" الذي بلغ ثلاثين مجلداً. وله كتاب قيم في الأصول ذكره ابن العماد فقال: "وله كتاب جليل في أصول الفقه، حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره". وقد اعتمد عليه المرادي. وجعله أصلاً لكتابه "التحرير". توفي سنة 763هـ. "انظر ترجمته في الدرر الكامنة 5/ 30، شذرات الذهب 6/ 199، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص223، 237، 241".

"عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى تَعَلُّمِ الْفِقْهِ، لِيُتَمَكَّنَ بِمَعْرِفَةِ1 الأُصُولِ إلَى اسْتِفَادَةِ مَعْرِفَةِ الْفُرُوعِ2. قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ3: "أَبْلَغُ4 مَا يُتَوَصَّلُ5 بِهِ إلَى إحْكَامِ الأَحْكَامِ: إتْقَانُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَطَرَفٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ"6. "وَيُسْتَمَدُّ" عِلْمُ أُصُول الْفِقْهِ مِنْ ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: "مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَ" مِنْ "الْعَرَبِيَّةِ، وَ" مِنْ "تَصَوُّرِ الأَحْكَامِ". وَوَجْهُ الْحَصْرِ: الاسْتِقْرَاءُ7. وَأَيْضًا: فَالتَّوَقُّفُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِ حُجِّيَّةِ الأَدِلَّةِ8. فَهُوَ أُصُولُ الدِّينِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّوَقُّفُ مِنْ جِهَةِ دَلالَةِ الأَلْفَاظِ عَلَى الأَحْكَامِ، فَهُوَ الْعَرَبِيَّةُ بِأَنْوَاعِهَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّوَقُّفُ مِنْ جِهَةِ تَصَوُّرِ مَا يَدُلُّ بِهِ

_ 1 في ش: من معرفة. 2 قال تقي الدين بن تيمية: "وتقديم معرفته –أي أصول الفقه- أولى عند ابن عقيل وغيره؛ لبناء الفروع عليها. وعند القاضي –إي أبي يعلى-: تقديم الفروع أولى؛ لأنها الثمرة المرادة من الأصول". "المسودة ص571، وانظر صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص14 وما بعدها". 3 هو عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري البغدادي الحنبلي، كان فقيهاً مفسراً فرضياً نحوياً لغوياً. قال الداودي: "كان صدوقاً، غزير الفضل، كامل الأوصاف، كثير المحفوظ ... وكان لا تمضي عليه ساعة من نهار أو ليل إلا في العلم". ألف كتباً كثيرة منها "تفسير القرآن" و "البيان في إعراب القرآن" و "التعليق في مسائل الخلاف في الفقه" و "المرام في نهاية الأحكام" و "مذاهب الفقهاء" توفي سنة 616هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 109 وما بعدها، وفيات الأعيان 2/ 286، بغية الوعاة 2/ 38، طبقات المفسرين للداودي 1/ 224 وما بعدها". 4 في ب: اكبر. 5 في ش ز ع: توصل. 6 انظر صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص14. 7 انظر الإحكام للآمدي 1/ 7، إرشاد الفحول ص6. 8 في ش: الأدلة وهو علم الكلام.

عَلَيْهِ، فَهُوَ1 تَصَوُّرُ الأَحْكَامِ. أَمَّا تَوَقُّفُهُ مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِ حُجِّيَّةِ الأَدِلَّةِ: فَلِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ كَوْنِ الأَدِلَّةِ2 الْكُلِّيَّةِ حُجَّةً شَرْعًا عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ3، وَصِدْقِ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَ بِهِ عَنْهُ4 وَيَتَوَقَّفُ صِدْقُهُ عَلَى دَلالَةِ الْمُعْجِزَةِ. أَمَّا تَوَقُّفُهُ مِنْ جِهَةِ دَلالَةِ الأَلْفَاظِ عَلَى الأَحْكَامِ: فَلِتَوَقُّفِ5 فَهْمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى الْعَرَبِيَّةِ. فَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْمَدْلُولُ: فَهُوَ عِلْمُ اللُّغَةِ6، أَوْ مِنْ أَحْكَامِ تَرْكِيبِهَا7: فَعِلْمُ النَّحْوِ8، أَوْ مِنْ أَحْكَامِ أَفْرَادِهَا: فَعِلْمُ التَّصْرِيفِ9، أَوْ مِنْ جِهَةِ مُطَابِقَتِهِ لِمُقْتَضَى الْحَالِ،

_ 1 في ش ز: وهو. 2 في ب. أدلة. 3 ساقطة من ب. 4 ساقطة من ش. 5 في ش ز: فلتعلق. 6 علم اللعة: هو علم باحث عن مدلولات جواهر المفردات وهيئاتها الجزيئية التي وضعت تلك الجواهر معها لتلك المدلولات بالوضع الشخصي. وعماً حصل من تركيب لكل جوهر. وهيئاتها الجزئية على وجه جزئي، وعن معانيها الموضوعة لها بالوضع الشخصي. "مفتاح السعادة 1/ 100". 7 في ز: تركبها. 8 النحو: هو علم بقوانين يعرف بها التراكيب العربية، من الاعراب والبناء وغيرهما وقيل: هو علم بأصول يعرف بها صحيح الكلام وفاسده. "التعريفات للجرجاني ص259 وما بعدها". 9 قال ابن الحاجب: التصريف علم بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب. "انظر الشافية وشرحها للاستراباذي 1/ 1 وما بعدها، مفتاح السعادة 1/ 131، تسهيل الفوائد ص290، الطراز 1/ 21".

وَسَلامَتِهِ مِنْ التَّعْقِيدِ، وَوُجُوهِ الْحُسْنِ: فَعِلْمُ الْبَيَانِ1 بِأَنْوَاعِهِ الثَّلاثَةِ2. وَأَمَّا تَوَقُّفُهُ مِنْ جِهَةِ تَصَوُّرِ مَا يَدُلُّ بِهِ عَلَيْهِ، مِنْ تَصَوُّرِ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ3: فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَتَصَوَّرْهَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إثْبَاتِهَا، وَلا مِنْ نَفْيِهَا4. لأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لا بُدَّ لِكُلِّ مَنْ طَلَبَ عِلْمًا أَنْ يَتَصَوَّرَهُ بِوَجْهٍ مَا، وَيَعْرِفَ غَايَتَهُ وَمَادَّتَهُ: ذَكَرَ فِي أَوَّلِ5 هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ حَدَّ6 أُصُولَ الْفِقْهِ، مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ، وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ عِلْمًا. وَحَدُّ الْمُتَّصِفَ بِمَعْرِفَتِهِ. لِيَتَصَوَّرَهُ طَالِبُهُ، مِنْ جِهَةِ تَعْرِيفِهِ بِحَدِّهِ، لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي طَلَبِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ غَايَتَهُ؛ لِئَلاَّ يَكُونَ سَعْيُهُ فِي طَلَبِهِ عَبَثًا. ثُمَّ ذَكَرَ مَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ؛ لِيُرْجَعَ فِي جُزْئِيَّاتِهِ إلَى مَحَلِّهَا "وَبِهِ خُتِمَ هَذَا الْفَصْلُ"7.

_ 1 علم البيان: هو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بتراتيب مختلفة في وضوح الدلالة على المقصود. بأن تكون دلالة بعضها أجلى من بعض. "كشف الظنون 1/ 259، الإيضاح للقزويني ص150". 2 وهي التشبه والمجاز والكناية "الإضاح ص151". 3 ذكر الأصوليون أن استمداد أصول الفقه من ثلاثة أشياء: علم الكلام، واللغة العربية، وتصور الأحكام الشرعية بالمعنى الذي يعم الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية، لا الأحكام التكليفية وحدها كما اقتصر المصنف. "انظر الإحكام للآمدي 1/ 8، إرشاد الفحول ص6". 4 لأن المقصود إثباتها أو نفيها، كقولنا: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، والصلاة واجبة، والربا حرام، وما إلى ذلك. "إرشاد الفحول ص6". 5 ساقطة من ش ب، وفي ز: في هذا الفصل. 6 ساقطة من ش. 7 ساقطة من ش.

"فَصْلٌ" الْفَصْلُ لُغَةً: الْحَجْزُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ. وَمِنْهُ فَصْلُ الرَّبِيعِ؛ لأَنَّهُ يَحْجِزُ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَهُوَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ كَذَلِكَ؛ لأَنَّهُ يَحْجِزُ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَسَائِلِ وَأَنْوَاعِهَا1. وَلَمَّا كَانَ مَوْضُوعُ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ: الأَدِلَّةَ الْمُوَصِّلَةَ إلَى الْفِقْهِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الدَّلِيلِ، وَلا عَلَى نَاصِبِهِ، أَخَذَ فِي تَعْرِيفِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: "الدَّالُّ: النَّاصِبُ لِلدَّلِيلِ"2 وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. قَالَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وَأَنَّ الدَّلِيلَ الْقُرْآنُ3. وَقِيلَ: إنَّ الدَّالَّ وَالدَّلِيلَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَإِنَّ "دَلِيلَ" فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، كَعَلِيمٍ وَسَمِيعٍ، بِمَعْنَى عَالِمٍ وَسَامِعٍ4. "وَهُوَ" أَيْ وَالدَّلِيلُ "لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ: "الْمُرْشِدُ" يَعْنِي أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمُرْشِدِ حَقِيقَةً "وَ" عَلَى "مَا" يَحْصُلُ "بِهِ الإِرْشَادُ" مَجَازًا. فَالْمُرْشِدُ: هُوَ النَّاصِبُ لِلْعَلامَةِ أَوْ الذَّاكِرُ لَهَا. وَاَلَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الإِرْشَادُ هُوَ الْعَلامَةُ الَّتِي نُصِبَتْ لِلتَّعْرِيفِ5.

_ 1 انظر المطلع للبعلي ص7. 2 قاله الآمدي والشيرازي والباجي والباقلاني وغيرهم "انظر الإحكام للآمدي 1/ 9، اللمع ص3، الحدود ص39، الإنصاف ص15". 3 في ش: هو القرآن. 4 حكاه الشيرازي والآمدي. "انظر الإحكام للآمدي 1/ 9، اللمع ص3". 5 انظر تفصيل الموضوع في "العبادي على شرح الورقات ص47، اللمع ص3، العضد على ابن الحاجب 1/ 39، الحدود ص37، التعريفات ص109".

"وَ" الدَّلِيلُ "شَرْعًا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ عُلَمَاءِ1 الشَّرِيعَةِ: "مَا" أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي "يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ" - مُتَعَلِّقٌ بِالتَّوَصُّلِ- أَيْ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ؛ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ "فِيهِ" أَيْ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ "إلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ"2 مُتَعَلِّقٌ بِالتَّوَصُّلِ. وَقَوْلُهُ "خَبَرِيٍّ" أَيْ تَصْدِيقِيٍّ. وَإِنَّمَا قَالُوا "مَا يُمْكِنُ" وَلَمْ يَقُولُوا مَا "يُتَوَصَّلُ"، لِلإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّوَصُّلُ بِالْقُوَّةِ، لأَنَّهُ يَكُونُ دَلِيلاً، وَلَوْ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ3. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: "مَا يُمْكِنُ" مَا لا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى الْمَطْلُوبِ، كَالْمَطْلُوبِ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ [بِهِ] إلَيْهِ، أَوْ4 يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ "بِهِ" إلَى الْمَطْلُوبِ، لَكِنْ لا بِالنَّظَرِ كَسُلُوكِ طَرِيقٍ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهَا إلَى مَطْلُوبِهِ.

_ 1 في ش: أهل. 2 هذا التعريف الاصطلاحي للدليل حكاه الآمدي وابن الحاجب والسبكي والعبادي وزكريا الأنصاري والشوكاني وغيرهم "انظر الإحكام 1/ 9، العبادي على شرح الورقات ص48، المحلي على جمع الجوامع 1/ 124، العضد على ابن الحاجب 1/ 36، إرشاد الفحول ص5، فتح الرحمن ص33" وحدّه الباجي بأنه "ماصح أن يرشد إلى المطلوب الغائب عن الحواس" "الحدود ص38" وعرفه الباقلاني بأنه "ما أمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه إلى معرفة ما لا يعلم باضطراره" "الإنصاف ص5" وقال الزركشي: "هو ما يتوقف عليه العلم أو الظن بثبوت الحكم بالنظر الصحيح" "لقطة العجلان ص33" وقال الشريف الجرجاني: "هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء آخر". "التعريفات ص109". 3 قال الباجي: "إن الدليل هو الذي يصح أن يُستدل به ويسترشد ويتوصل به إلى المطلوب، وإن لم يكن استدلالٌ ولا توصَّل به أحد. ولو كان الباري جل وعلا خلق جماداً، ولم يخلق مَنْ يستدل به على أن له محدثاً، لكان دليلاً على ذلك وإن لم يستدل به أحد. فالدليل دليل لنفسه، وإن لم يُستدل به". "الحدود ص38". 4 في ش: و.

وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ "بِصَحِيحِ النَّظَرِ" فَاسِدُهُ1، كَكَاذِبِ الْمَادَّةِ فِي اعْتِقَادِ النَّاظِرِ. وَخَرَجَ بِوَصْفِ "الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ" الْمَطْلُوبُ التَّصَوُّرِيُّ، كَالْحَدِّ وَالرَّسْمِ2. وَيَدْخُلُ فِي "الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ" مَا يُفِيدُ الْقَطْعَ وَالظَّنَّ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا، وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ3. وَالْقَوْلُ الأول: أَنَّ4 مَا5 أَفَادَ الْقَطْعَ يُسَمَّى دَلِيلاً، وَمَا6 أَفَادَ الظَّنَّ يُسَمَّى أَمَارَةً7.

_ 1 لأن النظر الفاسد لا يمكن التوصل به إلى المطلوب، لانتفاء وجه الدلالة عنه. "المحلي على جمع الجوامع 1/ 128" وفي ش: فاسد. 2 بعد أن ذكر الآمدي حد الدليل في الاصطلاح الشرعي وَشَرَحَه قال: وهو منقسم إلى عقلي محض، وسمعي محض، ومركب من الأمرين. فالأول: كقولنا في الدلالة على حدوث العالم: العالم مؤلف، وكل مؤلف حادث، فيلزم عنه: العالم حادث. والثاني: كالنصوص من الكتاب والسنة والإجماع والقياس كما يأتي تحقيقه. الثالث: كقولنا في الدلالة على تحريم النبيذ: النبيذ مسكر، وكل مسكر حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام". فيلزم عنه: النبيذ حرام. "الإحكام للآمدي 1/ 9 وما بعدها". 3 حكاه الآمدي عن الفقهاء "الإحكام 1/ 9" واختاره الزركشي ومجد الدين بن تيمية. "انظر فتح الرحمن ص33، المسودة ص573". 4 ساقطة من ع ز. 5 ساقطة من ش. 6 في ش: وإن. 7 قاله أبو الحسين البصري "المعتمد 1/ 10" وحكاه المجد بن تيمية عن بعض المتكلمين، ثم أضاف ولده شهاب الدين بن تيمية فقال: إنه ظاهر كلام القاضي في "الكفاية" أيضاً "المسودة ص573 وما بعدها" وحكاه الآمدي عن الأصوليين وأطلق "الإحكام 1/ 9" وحكاه الباجي عن بعض المالكية وردّه "الحدود ص38" وحكاه الشيرازي عن أكثر المتكلمين ثم قال: وهذا خطأ، لأن العرب لا تفرق في تسميةٍ بين ما يؤدي إلى العلم أو الظن، فلم يكن لهذا الفرق وجه. "اللمع ص3".

وَيَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ الْمُكْتَسَبُ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ فِي الدَّلِيلِ "عَقِبَهُ" أَيْ عَقِبَ النَّظَرِ "عَادَةً" أَيْ فِي الْعَادَةِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لأَنَّهُ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يَفِيضَ1 عَلَى نَفْسِ الْمُسْتَدِلِّ بَعْدَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ مَادَّةُ مَطْلُوبِهِ، وَصُورَةُ مَطْلُوبِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ بِنَظَرِهِ إلَى تَحْصِيلِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَطْلُوبَ يَحْصُلُ عَقِبَ النَّظَرِ ضَرُورَةً2. لأَنَّهُ لا يُمْكِنُ تَرْكُهُ3. "وَالْمُسْتَدِلُّ": هُوَ "الطَّالِبُ لَهُ" أَيْ لِلدَّلِيلِ4 "مِنْ سَائِلٍ وَمَسْئُولٍ"، قَالَهُ الْقَاضِي5 فِي "الْعُدَّةِ"6، وَأَبُو الْخَطَّابِ7 فِي "التَّمْهِيدِ"، وَابْنُ

_ 1 في ش: يفيد. 2 أي من دون اختياره وقصده. ولا قدرة له على دفعه أو الانفكاك عنه. 3 انظر تحقيق الموضوع وآراء العلماء فيه في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 129 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 23 وما بعدها، فتح الرحمن ص21". 4 في ش: الدليل. 5 هو القاضي محمد بن الحسين بن محمد، أبو يعلى الفراء الحنبلي، كان عالم زمانه وفريد عصره، إماماً في الأصول والفروع. عارفاً بالقرآن وعلومه والحديث وفنونه والفتاوى والجدل، مع الزهد والورع والعفة والقناعة. ألف التصانيف الكثيرة في فنون شتى، فمما ألفه في أصول الفقه "العدة" و "مختصر العدة" و "الكفاية" و "مختصر الكفاية" و "والمعتمد" و "مختصر المعتمد"، وله "أحكام القرآن" و "عيون المسائل" و "الأحكام السلطانية" و "شرح الخرقي" و "المجرد في المذاهب" و "الخلاف الكبير" وغيرها. توفي سنة 458هـ. "انظر ترجمته في طبقات الحنابلة 2/ 193-230، النهج الأحمدي 2/ 105-118، المطلع للبعلي ص454، المدخل إلى مذهب أحمد ص210، 241". 6 في د ض: العمدة. 7 هو محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني، أبو الخطاب البغدادي الحنبلي، أحد أئمة المذهب وأعيانه. كان فقيهاً أصولياً فرضياً أديباً شاعراً عدلاً ثقة. صنف كتباً حساناً في الفقه والأصول والخلاف، منها "التمهيد" في أصول الفقه، سلك فيه مسالك المتقدمين، وأكثر من ذكر الدليل والتعليل، و "الهداية" في الفقه، و "الخلاف الكبير" و"الخلاف الصغير"، و "التهذيب" في الفرائض. توفي سنة 510هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 116، المنهج الأحمد 2/ 198، المطلع ص453، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص211، 139".

عَقِيلٍ1 فِي "الْوَاضِحِ"، وَذَلِكَ لأَنَّ السَّائِلَ يَطْلُبُ الدَّلِيلَ مِنْ الْمَسْئُولِ، وَالْمَسْئُولَ يَطْلُبُ الدَّلِيلَ مِنْ الأُصُولِ2. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: "فَالدَّالُّ: اللَّهُ تَعَالَى، وَالدَّلِيلُ: الْقُرْآنُ، وَالْمُبَيِّنُ: الرَّسُولُ، وَالْمُسْتَدِلُّ: أُولُو الْعِلْمِ، هَذِهِ قَوَاعِدُ الإِسْلامِ" قَالَ ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

_ 1 هو أبو الوفاء على بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الحنبلي، المقرئ الفقيه الأصولي الواعظ المتكلم، أحد الأئمة الأعلام. قال ابن رجب: "كان رحمه الله بارعاً في الفقه وأصوله، وله في ذلك استنباطات عظيمة حسنة، وتحريرات كثيرة مستحسنة، وكانت له يد طولي في الوعظ والمعارف". وله مؤلفات قيّمة، أكبرها كتابه "الفنون" ويقع في مئتي مجلدة –كما قال الجوري- جعله مناطاُ لخواطره وواقعاته، وضَمَّنَه الفوائد الجليلة في العلوم المختلفة. وله كتاب "الواضح" في أصول الفقه، وهو كتاب كبير ضخم. قال عنه ابن بدران: "أبان فيه عن علم كالبحر الزاخر، وفضل يَّفحم مَنْ في فضله يكابر، وهو أعظم كتاب في هذا الفن، حذا فيه حذو المجتهدين". وله كتاب "الفصول" و "التذكرة" و "عمد الأدلة" في الفقه، وله كتب كثيرة غيرها. توفي سنة 513هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 142-166، المنهج الأحمد 1/ 215-233، المطلع ص444، المدخل إلى مذهب أحمد ص209، 239". 2 قاله الشيرازي. "اللمع ص3"، وعرّف الباقلاني المستدل بأنه: "الناظر في الدليل، واستدلاله نظره في الدليل، وطلبه به علم ماغاب عنه". "الإنصاف ص15" وقال الباجي: "المستدل في الحقيقة هو الذي يطلب ما يُستدل به على ما يريد الوصول إليه. كما يَسْتَدِل المكلف بالمحدثات على محدثها، ويَسْتَدِل بالأدلة الشرعية على الأحكام التي جعلت أدلة عليها. وقد سمى الفقهاء المحتج بالدليل مستدلاً؛ ولعلهم أرادوا بذلك أنه محتج به الآن، وقد تقدم استدلاله به على الحكم الذي توصل به إليه، ويحتج الأن به على ثبوته". "الحدود ص40".

وَإِنَّمَا أَخَّرَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ1، لِيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَتَبَرُّكًا بِنَصِّ الإِمَامِ. وَقَوْلُهُ "هَذِهِ قَوَاعِدُ الإِسْلامِ" قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ قَوَاعِدَ الإِسْلامِ تَرْجِعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَى قَوْلِهِ "وَهُوَ الْقُرْآنِ"2، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ وَالإِسْلامِ عَنْهَا3. انْتَهَى. "وَالْمُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى الشَّيْءِ بِكَوْنِهِ حَلالاً أَوْ حَرَامًا، أَوْ وَاجِبًا، أَوْ مُسْتَحَبًّا "الْحُكْمُ" بِذَلِكَ4. "وَ" الْمُسْتَدَلُّ "بِهِ مَا يُوجِبُهُ" أَيْ الْعِلَّةُ الَّتِي تُوجِبُ الْحُكْمَ. "وَالْمُسْتَدَلُّ لَهُ" أَيْ لِخِلافِهِ وَقَطْعِ جِدَالِهِ "الْخَصْمُ" وَقِيلَ:

_ 1 في ش: الناس. 2 ساقطة من ش. 3 ساقطة من ش. 4 حكاه الشيرازي. "اللمع ص3" وذكر الباجي أنه يقع على الحكم، وقد يقع عل السائل أيضاً. ثم قال: "حقيقة المستدل عليه هو الحكم؛ لأن المستدل إنما يستدل بالأدلة على الأحكام، وإنما يصح هذا بإسناده إلى عرف الخاطبين الفقهاء. فقد يُستدل بأثر الإنسان على مكانه، وليس ذلك بحكم؛ لأن هذا ليس من الأدلة التي يريد الفقهاء تحديدها وتمييزها مما ليست بأدلة. بل الأدلة عندهم في عرف تخاطبهم ما اشتمل عليه هذا الحد مما يوصف بأنه أدلة عندهم. وقد يوصف المحتج عليه بأنه مستَدَلّ عليه، لما تقدم من وصف المحتج بأنه مستَدِل. فإذا كان المحتج مستدِلاً. صح أن يُوصَفَ المحتج عليه بأنه مستَدَلّ عليه. "الحدود ص40".

الْحُكْمُ1. "وَالنَّظَرُ هُنَا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ: "فِكْرٌ يُطْلَبُ بِهِ" أَيْ بِالْفِكْرِ "عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ"2 وَإِنَّمَا قُلْت "هُنَا" لأَنَّ النَّظَرَ لَهُ مُسَمَّيَاتٌ غَيْرُ ذَلِكَ. "وَالْفِكْرُ هُنَا: حَرَكَةُ النَّفْسِ مِنْ الْمَطَالِبِ إلَى الْمَبَادِئِ، وَرُجُوعُهَا" أَيْ حَرَكَةُ النَّفْسِ "مِنْهَا إلَيْهَا" أَيْ مِنْ الْمَبَادِئِ إلَى الْمَطَالِبِ. وَيَرْسُمُ الْفِكْرُ بِهَذَا الْمَعْنَى "بِتَرْتِيبِ أُصُولٍ حَاصِلَةٍ فِي الذِّهْنِ؛ لِيَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى تَحْصِيلِ غَيْرِ الْحَاصِلِ". وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى حَرَكَةِ النَّفْسِ، الَّتِي يَلِيهَا الْبَطْنُ3 الأَوْسَطُ مِنْ الدِّمَاغِ الْمُسَمَّى بِالدُّودَةِ، وَتُسَمَّى فِي الْمَعْقُولاتِ فِكْرًا4، وَفِي الْمَحْسُوسَاتِ تَخْيِيلاً.

_ 1 حكى الشيرازي أن المستدل له يقع على الحكم؛ لأن الدليل يطلب له ويقع على السائل –الذي هو أعم من الخصم- لأنَّ الدليل يطلب له. "اللمع ص3". 2 قاله الشوكاني "إرشاد الفحول ص5" حكاه الآمدي عن القاضي إبي بكر الباقلاني وعرفه الشيرازي بقوله: "هو الفكر في حال المنطور فيه" "اللمع ص3" وذهب الآمدي إلى أن النظر "عبارة عن التصرف بالعقل في الأمور السابقة بالعلم والظن، المناسبة للمطلوب بتأليف خاص قصداً، لتحصيل ماليس حاصلاً في العقل". "الإحكام 1/ 10" وحكى القرافي للناظر تعريفات أخرى وأفاض في الكلام عليها في كتابه "شرح تنقيح الفصول" ص429 وما بعدها. أما شروط النظر، فقد ذكر الشيرازي له شروطاً ثلاثة: "أحدها" أن يكون الناظر كامل الآلة. "والثاني" أن يكون نظره في دليل لا فيه شبهة. "والثالث" أن يستوفي الدليل ويرتبه على حقه، فيقدم ما يجب تقديمه، ويؤخر ما يجب تأخيره. "اللمع ص3". 3 في ش: البطين. 4 وعلى هذا حكى العبادي تعريف الفكر بأنه "حركة النفس في المعقولات. أي انتقالها فيها انتقالاً تدريجياً قصدياً" وشَرَحَه. "انظر العبادي على شرح الورقات ص44".

"وَالإِدْرَاكُ" أَيْ إدْرَاكُ مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ "بِلا حُكْمِ" عَلَيْهَا بِنَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ، "تَصَوُّرٌ" لأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ سِوَى صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الذِّهْنِ. "وَبِهِ" أَيْ وَبِالْحُكْمِ؛ يَعْنِي أَنَّ تَصَوُّرَ مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِإِيجَابٍ أَوْ سَلْبٍ "تَصْدِيقٌ" أَيْ يُسَمَّى تَصْدِيقًا1. وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّصَوُّرَ إدْرَاكُ الْحَقَائِقِ مُجَرَّدَةً عَنْ الأَحْكَامِ، وَأَنَّ التَّصْدِيقَ "إدْرَاكٌ" نِسْبَةٌ حُكْمِيَّةٌ بَيْنَ الْحَقَائِقِ بِالإِيجَابِ أَوْ السَّلْبِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ التَّصَوُّرُ تَصَوُّرًا؛ لأَخْذِهِ مِنْ الصُّورَةِ، لأَنَّ حُصُولَ صُورَةِ "2الشَّيْءِ فِي الذِّهْنِ. وَسُمِّيَ التَّصْدِيقُ تَصْدِيقًا: لأَنَّ فِيهِ حُكْمًا، يَصْدُقُ فِيهِ أَوْ يَكْذِبُ. سُمِّيَ بِأَشْرَفِ لازِمَيْ الْحُكْمِ3 فِي النِّسْبَةِ"2. "فَكُلُّ تَصْدِيقٍ مُتَضَمِّنٌ مِنْ مُطْلَقِ"4 التَّصَوُّرِ ثَلاثَ تَصَوُّرَاتٍ: تَصَوُّرَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَالْمَحْكُومِ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُمَا5، ثُمَّ تَصَوُّرُ نِسْبَةِ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ، فَالْحُكْمُ يَكُونُ تَصَوُّرًا رَابِعًا؛ لأَنَّهُ تَصَوُّرُ تِلْكَ النِّسْبَةِ مُوجَبَةً، أَوْ تَصَوُّرُهَا مَنْفِيَّةً6.

_ 1 انظر تفصيل الكلام على التصور والتصديق في "إيضاح المبهم ص6، فتح الرحمن ص43، المنطلق لمحمد المبارك عبد الله ص12 وما بعدها". 2 ساقطة من ش. 3 في ع: الحكمة. 4 ساقطة من ش. 5 في ش: هو. 6 وهذا على مذهب الحكماء. وذلك أننا إذا قلنا "زيد قائم"، فقد اشتمل قولنا على تصورات أربعة: 1- تصور الموضوع: وهو زيد. 2- تصور المحمول: وهو قائم. 3- تصور النسبة =

وَكُلٌّ مِنْ التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ ضَرُورِيٌّ وَنَظَرِيٌّ1. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ = بينهما؛ وهو تعليق المحمول بالموضوع، أي تصور قيام زيد. 4- تصور وقوعها: أي تصور وقوع القيام من زيد. فالتصور الرابع يسمى تصديقاً، والثلاثة قبله شروط له. وهذا مذهب الحكماء. وخالف الإمام الرازي في ذلك وقال إن التصديق هو التصورات الأربعة. وعلى هذا يكوة التصديق بسيطاً على مذهب الحكماء؛ لأن الشروط خارجة عن الماهية. ومركباً على مذهب الرازي من الحكم والتصورات الثلاثة, باعتبارها أجزاء له. "انظر فتح الرحمن ص43، إيضاح المبهم ص6، المنطق للمبارك ص14، تحرير القواعد المنطقية للرازي ص8 وما بعدها" ... 1 النظري من كل من التصور والتصديق: ما احتاج للتأمل والنظر. والضروري عكسه: وهو مالا يحتاج إلى ذلك. ومثال التصور الضروري: إدراك معنى البياض والحرارة والصوت. ومثال التصور النظري، إدراك معنى العقل والجوهر الفرد والجاذبية وعكس النقيض. ومثال التصديق الضروري: إدراك وقوع النسبة في قولنا "الواحد نصف الاثنين" و "النار محرقة". ومثال التصديق النظري: إدراك وقوع النسبة في قولنا "الواحد نصف سدس الاثني عشر" و "العالم حادث". "انظر إيضاح المبهم ص6، المنطق للمبارك ص15".

"فَصْلٌ" "الْعِلْمُ لا يُحَدُّ1 فِي وَجْهٍ" قَالَ بَعْضُهُمْ2: لِعُسْرِهِ3 وَيُمَيَّزُ بِتَمْثِيلٍ4 وَتَقْسِيمٍ5 وَقَالَ بَعْضُهُمْ6: لأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ7. وَقَدْ عَلِمْت

_ 1 أي بالحدّ الحقيقي المكون من الحنس والفصل. "فتح الرحمن 41". 2 وهو الجويني والغزالي، واعتبرا العلم نظرياً لا ضرورياً "انظر الإحكام للآمدي 1/ 11، المستصفى 1/ 25، فتح الرحمن ص41". 3 أي بسبب عسر تصوره بحقيقته، إذ لا يحصل إلا بنظر دقيق لخفائه. "المحلي على جمع الجوامع 1/ 159". 4 في ش د ع ض ب: ببحث. وليس بصواب، والصواب ما ذكرناه. والمراد بالتمثيل، كأن يقال: العلم إدراك البصيرة المشابه لإدراك الباصرة، أويقال: هو كاعتقادنا أن الواحد نصف الاثنين. "انظر العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 47، المستصفى 1/ 25 وما بعدها، إرشاد الفحول ص3، الإحكام للآمدي 1/ 11، فتح الرحمن ص41" وعبارة "ويميز ببحث وتقسيم" ساقطة من ز. 5 فالتقسيم "هو أن نميزه عما يلتبس به". ولما كان العلم يلتبس بالاعتقاد، فإنه يقال: الاعتقاد إما جازم أو لا، والجازم إما مطابق أو لا، والمطابق إما ثابت أو لا. فخرج من القسمة "اعتقاد جازم مطابق ثابت" وهو العلم بمعنى اليقين. وخرج بالجزم الظن، وبالمطابق الجهل المركب، وهو الاعتقاد الفاسد، وبالثابت تقليد المصيب الجازم، وهو الاعتقاد الصحيح، لأنه قد يزول بالتشكيك. "انظر فتح الرحمن ص41، المستصفى 1/ 25، إرشاد الفحول ص3". 6 وهو الرازي في المحصول وجماعة. "المحلي على جمع الجوامع 1/ 155، إرشاد الفحول ص3، فتح الرحمن ص41". 7 قال الشيخ زكريا الأنصاري: أي يحصل بمجرد التفات النفس إليه من غير نظر واكتساب، فيستحيل أن يكون غيره كاشفاً له. "فتح الرحمن ص41، وانظر المحلي على جمع الجوامع 1/ 155".

مِنْ خُطْبَةِ الْكِتَابِ أَنِّي1 مَتَى قُلْت عَنْ شَيْءٍ 2"فِي وَجْهٍ"2 فَالْمُقَدَّمُ وَالْمُعْتَمَدُ غَيْرُهُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرُ: أَنَّهُ يُحَدُّ. وَلَهُمْ فِي حَدِّهِ عِبَارَاتٌ. "وَ" الْمُخْتَارُ مِنْهَا أَنْ يُقَالَ: "هُوَ صِفَةٌ يُمَيِّزُ الْمُتَّصِفُ بِهَا" بَيْنَ الْجَوَاهِرِ وَالأَجْسَامِ وَالأَعْرَاضِ، وَالْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ وَالْمُمْتَنِعِ "تَمْيِيزًا جَازِمًا مُطَابِقًا" أَيْ لا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ3. "فَلا يَدْخُلُ إدْرَاكُ الْحَوَاسِّ" لِجِوَازِ4 غَلَطِ الْحِسِّ؛ لأَنَّهُ قَدْ يُدْرِكُ الشَّيْءَ لا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، كَالْمُسْتَدِيرِ مُسْتَوِيًا، وَالْمُتَحَرِّكِ سَاكِنًا وَنَحْوِهِمَا. "وَيَتَفَاوَتُ" الْعِلْمُ عَلَى الأَصَحِّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ إمَامِنَا5 رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ6 فِي "أُصُولِهِ": الأَصَحُّ التَّفَاوُتُ؛ فَإِنَّا نَجِدُ

_ 1 في ش: اين. 2 ساقطة من ش. 3 انظر تعريفات الأصوليين للعلم وتفصيل الكلام عليها في "إرشاد الفحول ص4، المعتمد 1/ 10، العبادي على شرح الورقات ص34، فتح الرحمن ص42، للمع ص2، المسودة ص575، الإحكام للآمدي 1/ 11، الحدود ص24، التعريفات ص160، المستصفى 1/ 24 وما بعدها. مفردات الراغب الأصبهاني ص348 وما بعدها، أصول الدين للبغدادي ص5 وما بعدها". 4 في ش: بجواز. 5 في ش: إمامنا أحمد. 6 هو أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الحنبلي، من تلامذة شيخ الإسلام ابن =

بِالضَّرُورَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْوَاحِدِ نِصْفَ الاثْنَيْنِ، وَبَيْنَ مَا عَلِمْنَاهُ مِنْ جِهَةِ التَّوَاتُرِ، مَعَ كَوْنِ الْيَقِينِ حَاصِلاً فِيهِمَا1. "كَالْمَعْلُومِ" أَيْ كَمَا تَتَفَاوَتُ الْمَعْلُومَاتُ "وَ" كَمَا يَتَفَاوَتُ "الإِيمَانُ". قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": "وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي"أُصُولِهِ" - فِي الْكَلامِ عَلَى الْوَاجِبِ-: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ2-: وَالصَّوَابُ3 أَنَّ جَمِيعَ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ بِالْحَيَاةِ4 تَقْبَلُ التَّزَايُدَ.

_ = تيمية. قال ابن رجب: "كان من أهل البراعة والفهم والرياسة في العلم، متقناً عالماً بالحديث وعلله والنحو والفقه والأصلين والمنطق وغير ذلك". وهو صاحب كتاب "الفائق" في الفقه، وله كتب كثيرة منها كتابه في "أصول الفقه" يقع في مجلد كبير، لكنه لم يتمه، ووصل فيه إلى أوائل القياس. توفي سنة 771هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 453، المنهل الصافي 1/ 268، المدخل إلى مذهب أحمد ص205". 1 وأما الرواية الثانية بمنع تفاوت العلوم فهي ما ذهب إليه إمام الحرمين الجويني والأبياري وابن عبد السلام، وعليها فليس بعض العلوم ولو ضرورياً أقوى في الجزم من بعضها ولو نظرياً. "فتح الرحمن ص44". 2 هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي، تقي الدين، أبو العباس، شيخ الإسلام وبحر العلوم، كان واسع العلم محيطاً بالفنون والمعارف النقلية والعقلية، صالحا تقياً مجاهداً. قال عنه ابن الزملكاني: "كان إذا سئل عن فن الفنون، ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرف مثله". تصانيفه كثرة قيمة منها "الفتاوى" و "الإيمان" و "الموافقة بين المعقول والمنقول" و "منهاج السنة النبوية" و "اقتضاء الصراط المستقيم" و "السياسة الشرعية" و "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" وغيرها. توفي سنة 728هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 387. فوات الوفيات 1/ 62، البدر الطالع 1/ 63، طبقات المفسيرين للدوادي 1/ 45، المنهل الصافي 1/336". 3 في ش: والصحيح. 4 في باب: في الحياة.

وَعَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْمَعْرِفَةِ الْحَاصِلَةِ فِي1 الْقَلْبِ فِي الإِيمَانِ: هل تَقَبُّلِ التَّزَايُدِ وَالنَّقْصِ؟ رِوَايَتَانِ2. وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ جُمْهُورِ3 أَهْلِ السُّنَّةِ: إمْكَانُ4 الزِّيَادَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ" انْتَهَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعِلْمَ يُطْلَقُ لُغَةً وَعُرْفًا عَلَى أَرْبَعَةِ5 أُمُورٍ. أَحَدُهَا: إطْلاقُهُ حَقِيقَةً عَلَى مَا لا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ، وَتَقَدَّمَ. الأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّهُ6 يُطْلَقَ "وَيُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ الإِدْرَاكِ" يَعْنِي سَوَاءً كَانَ الإِدْرَاكُ "جَازِمًا، أَوْ مَعَ احْتِمَالٍ رَاجِحٍ، أَوْ مَرْجُوحٍ، أَوْ مُسَاوٍ" عَلَى

_ 1 في ش: بالقلب. 2 أشار إلى ذلك الشيخ تقي الذين بن تيمية في "المسودة" ص558، وإن كانت الرواية المشهورة والراجحة عندالإمام أحمد أن الإيمان يزيد وينقص، ذكرها في كتابه "السنّة" وأقام على صحتها الحجج والبراهين والأدلة في أكثر من ثلاثين صفحة. ونصها: قال عبد الله بن أحمد ابن حنبل: سمعت أبي سُئل عن الإرجاء فقال: "نحن نقول الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، إذا زنى وشرب الخمر نقص أيمانه". وقد ذكر ابن الجوزي في كتابه "مناقب الإمام أحمد" مذهب الإمام أحمد في الإيمان، فلم ينقل عنه إلا قولاً واحداً بأنَّ الإيمان يزيد وينقص. ونص الرواية: عن سليمان ين الأشعث، قال سمعت أحمد بن حنبل يقول: "الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، والبرّ كله من الإيمان، والمعاصي تنقص من الإيمان". "انظر كتاب السنة للإمام أحمد ص72-160، الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلّام ص72 وما بعدها، الإيمان لابن تيمية ص186-198، مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص153، أصول مذهب أحمد بن حنبل للدكتور عبد الله التركي ص85، وما بعدها، المدخل إلى مذهب أحمد لبدران ص9 وما بعدها". 3 ساقطة من ض. 4 في ع: أن إمكان. 5 في ش: ثلاثة. 6 في ش: أن.

سَبِيلِ الْمَجَازِ. فَشَمِلَ الأَرْبَعَةَ قَوْله تَعَالَى: {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} 1، إذْ الْمُرَادُ: نَفْيُ كُلِّ إدْرَاكٍ. الأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُطْلَقُ "وَ" يُرَادُ بِهِ "التَّصْدِيقُ، قَطْعِيًّا" كَانَ التَّصْدِيقُ "أَوْ ظَنِّيًّا". أَمَّا التَّصْدِيقُ الْقَطْعِيُّ: فَإِطْلاقُهُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً. وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ. وَأَمَّا التَّصْدِيقُ الظَّنِّيُّ: فَإِطْلاقُهُ عَلَيْهِ2 عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} 3. الأَمْرُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ يُطْلَقُ "وَ" يُرَادُ بِهِ "مَعْنَى الْمَعْرِفَةِ" وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} 4. وَتُطْلَقُ الْمَعْرِفَةُ "وَيُرَادُ بِهَا" الْعِلْمُ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ} 5، أَيْ عَلِمُوا. "وَ" يُرَادُ الْعِلْمُ أَيْضًا "بِظَنٍّ" يَعْنِي أَنَّ الظَّنَّ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} 6، أَيْ يَعْلَمُونَ.

_ 1 الآية 51 من يوسف. 2 ساقطة من ع. 3 الآية 10 من الممتحنة. 4 الآية 101 من التوبة. 5 الآية 83 من المائدة. 6 الآية 46 من البقرة.

"وَهِيَ" أَيْ الْمَعْرِفَةُ "مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عِلْمٌ مُسْتَحْدَثٌ، أَوْ انْكِشَافٌ بَعْدَ لَبْسٍ أَخَصُّ مِنْهُ" أَيْ مِنْ الْعِلْمِ. لأَنَّهُ يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُسْتَحْدَثِ. وَهُوَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى. وَيَشْمَلُ الْمُسْتَحْدَثَ، وَهُوَ عِلْمُ الْعِبَادِ "وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا يَقِينٌ وَظَنٌّ أَعَمُّ" مِنْ الْعِلْمِ لاخْتِصَاصِهِ حَقِيقَةً بِالْيَقِينِيِّ1. وَقَالَ جَمْعٌ: إنَّ الْمَعْرِفَةَ مُرَادِفَةٌ لِلْعِلْمِ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": "فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ غَيْرَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِالْمَعْرِفَةِ أَنَّهَا2 تُطْلَقُ عَلَى الْقَدِيمِ، وَلا تُطْلَقُ عَلَى الْمُسْتَحْدَثِ. وَالأَوَّلُ أَوْلَى". انْتَهَى. "وَتُطْلَقُ" الْمَعْرِفَةُ "عَلَى مُجَرَّدِ التَّصَوُّرِ" الَّذِي لا حُكْمَ مَعَهُ "فَتُقَابِلُهُ" أَيْ تُقَابِلُ الْعِلْمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِلْمَ يُطْلَقُ عَلَى مُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ الشَّامِلِ لِلْيَقِينِيِّ وَالظَّنِّيِّ. وَإِذَا أُطْلِقَتْ الْمَعْرِفَةُ عَلَى التَّصَوُّرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ التَّصْدِيقِ: كَانَتْ قَسِيمًا لِلْعِلْمِ، أَيْ مُقَابِلَةً3 لَهُ. "وَعِلْمُ اللَّهِ" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "قَدِيمٌ" لأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، وَصِفَاتُهُ قَدِيمَةٌ "لَيْسَ ضَرُورِيًّا وَلا نَظَرِيًّا" بِلا نِزَاعٍ بَيْنَ الأَئِمَّةِ، أَحَاطَ بِكُلِّ4 مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ5. "وَلا يُوصَفُ" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "بِأَنَّهُ عَارِفٌ"6 قَالَ ابْنُ

_ 1 في ب ع ز: باليقين. 2 في ش ز ض: بأنها. 3 في ش: مقابلاً. 4 في ب: بكل شيء. 5 انظر اللمع ص2. 6 انظر إرشاد الفحول ص4. التعريفات للجرجاني ص236.

حَمْدَانَ1 فِي "نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ": "عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى لا يُسَمَّى مَعْرِفَةً. حَكَاهُ الْقَاضِي إجْمَاعًا". انْتَهَى. "وَعِلْمُ الْمَخْلُوقِ مُحْدَثٌ، وَهُوَ" قِسْمَانِ: - قِسْمٌ "ضَرُورِيٌّ" 2: وَهُوَ مَا "يُعْلَمُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ" كَتَصَوُّرِنَا مَعْنَى النَّارِ، وَأَنَّهَا حَارَّةٌ. - "وَ" قِسْمٌ "نَظَرِيٌّ": وَهُوَ مَا لا يُعْلَمُ إلاَّ بِنَظَرٍ، وَهُوَ "عَكْسُهُ" أَيْ عَكْسُ الضَّرُورِيِّ.

_ 1 هو أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان الحراني الحنبلي، نجم الدين، أبو عبد الله، الفقيه الأصولي الأديب، نزيل القاهرة، وصاحب التصانيف النافعة، من كنبه "نهاية المبتدئين" في أصول الدين و "المقنع" في أصول الفقه و "الرعاية الكبرى" و "الرعاية الصغرى" في الفقه، وفيهما نقول كثيرة ولكنها غير محررة و "صفة المفتي والمستفتي". توفي سنة 695هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 331، المنهل الصافي 1/ 272، شذرات الذهب 5/ 428، المدخل إلى مذهب أحمد ص205، 229، 241". 2 قال الباجي: "وصف هذا العلم بأنه ضروري معناه أنه يوجد بالعالم دون اختياره ولا قصده. ويوصف الإنسان أنه مضطر إلى الشيء على وجهين: "أحدهما" أن يوجد به دون قصده. كما يوجد به العمى والخرس والصحة والمرض وسائر المعاني الموجودة به وليست بموقوفة على اختياره وقصده. "والثاني" مايوجد به بقصده، وإن لم يكن مختاراً له. من قولهم: اضطر فلان إلى أكل الميتة وإلى تكفف الناس. وإن كان الأكل إنما يوجد به بقصده. وَوَصْفُنَا للعِلْم بأنه ضروري من القسم الأول، لأن وجوده بالعالم ليس بموقوف على قصده". "الحدود ص25 وما بعدها".

وَقَالَ الأَكْثَرُ: الضَّرُورِيُّ مَا لا يَتَقَدَّمُهُ تَصْدِيقٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَالنَّظَرِيُّ بِخِلافِهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَدَّ الْعِلْمِ1 الضَّرُورِيِّ فِي اللُّغَةِ: الْحَمْلُ عَلَى الشَّيْءِ، وَالإِلْجَاءُ إلَيْهِ. وَحَدُّهُ فِي الشَّرْعِ: مَا لَزِمَ نَفْسَ الْمُكَلَّفِ لُزُومًا لا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ2.

_ 1 ساقطة من ش. 2 أي لا يمكنه دفعه عن نفسه بشكّ ولا شيهة. قال الشيرازي: "وذلك كالعلم الحاصل عن الحواس الخمس التي هي السمع والبصر والشم والذوق واللمس، والعلم بما تواترت به الأخبار من ذكر الأمم السالفة والبلاد النائية، وما يحصل في النفس من العلم بحال نفسه من الصحة والسقم والغم والفرج، وما يعلمه من غيره من النشاط والفرح والغم والترح وخجَلِ الخَجِلِ ووجَلِ الوَجِلِ وما أشبهه مما يُضطر إلى معرفته. والمكتسب –إي النظري-: كل علم يقع عن نظر واستدلال، كالعلم بحدوث العالم وإثبات الصانع وصدق الرسل ووجوب الصلاة وأعدادها ووجوب الزكاة ونُصُبها، وغير ذلك مما يعلم بالنظر والاستدلال". "اللمع ص2 وما بعدها" وانظر تفصيل الكلام على العلم الضروري والنظري في "الحدود للباجي ص25 وما بعدها، العبادي على شرح الورقات ص40 وما بعدها، فتح الرحمن ص42 وما بعدها".

"فَصْلٌ" لَمَّا كَانَ الْعِلْمُ لا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَعْلُومٍ، نَاسَبَ أَنْ نَذْكُرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ "طَرَفًا مِنْ"1 أَحْوَالِ الْمَعْلُومِ2. وَلَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ فِي الأَصْلِ3 إلاَّ فِي بَابِ الأَمْرِ. "وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي ذِكْرِهِ هُنَاكَ: أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الأَمْرَ عَيْنُ النَّهْيِ قَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ عَيْنًا4 لَكَانَ ضِدًّا، أَوْ مِثْلاً أَوْ خِلافًا"5. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَـ"الْمَعْلُومَانِ: إمَّا نَقِيضَانِ لا يَجْتَمِعَانِ وَلا يَرْتَفِعَانِ" كَالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ الْمُضَافَيْنِ إلَى مُعَيَّنٍ6 وَاحِدٍ. "أَوْ خِلافَانِ: يَجْتَمِعَانِ وَيَرْتَفِعَانِ" كَالْحَرَكَةِ وَالْبَيَاضِ فِي الْجِسْمِ7 الْوَاحِدِ. "أَوْ ضِدَّانِ: لا يَجْتَمِعَانِ8، وَيَرْتَفِعَانِ لاخْتِلافِ الْحَقِيقَةِ" كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، لا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا، لأَنَّ الشَّيْءَ لا يَكُونُ أَسْوَدَ9 أَبْيَضَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، وَيُمْكِنُ ارْتِفَاعُهُمَا مَعَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ لا أَسْوَدَ وَلا أَبْيَضَ10 لاخْتِلافِ حَقِيقَتِهِمَا.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: العلوم. 3 أي في أصل المختصر، وهو كتاب التحرير للمزداوي. 4 ساقطة من ب. 5 في ز: ولم أعرف وجه المناسبة في ذكره هناك. 6 في ش: حين. 7 في ش: الجسد. 8 في ش: لا يجتمعان ويختلفان. 9 في ب: اسودا. 10 في ش ب ع ض: ولا أبيض في هذا المثال، وكالحركة والسكون في كل جسم. وهذه الزيادة كلها غير موجودة في ز.

"أَوْ مِثْلانِ: لا يَجْتَمِعَانِ وَيَرْتَفِعَانِ "لِتَسَاوِي الْحَقِيقَةِ"1" كَبَيَاضٍ وَبَيَاضٍ، وَلا يَخْرُجُ فَرْضُ وُجُودِ مَعْلُومَيْنِ عَنْ هَذِهِ الأَرْبَعِ صُوَرٍ2. وَدَلِيلُ الْحَصْرِ: أَنَّ3 الْمَعْلُومَيْنِ: إمَّا أَنْ يُمْكِنَ اجْتِمَاعُهُمَا أَوْ لا، فَإِنْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا فَهُمَا الْخِلافَانِ كَالْحَرَكَةِ وَالْبَيَاضِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُمَا فَإِمَّا أَنْ يُمْكِنَ ارْتِفَاعُهُمَا أَوْ لا. [فَـ] الثَّانِي: النَّقِيضَانِ، كَوُجُودِ زَيْدٍ وَعَدَمِهِ. "وَوُجُودِ الْحَرَكَةِ مَعَ السُّكُونِ"4. وَالأَوَّلُ: لا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ لا. [فَـ] الأَوَّلُ: الضِّدَّانِ، كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ لاخْتِلافِ الْحَقِيقَةِ، وَالثَّانِي: الْمِثْلانِ كَبَيَاضٍ وَبَيَاضٍ. لَكِنْ الْخِلافَانِ قَدْ يَتَعَذَّرُ ارْتِفَاعُهُمَا، لِخُصُوصِ حَقِيقَةِ غَيْرِ كَوْنِهِمَا خِلافَيْنِ، كَذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ سُبْحَانَهُ مَعَ صِفَاتِهِ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ افْتِرَاقُهُمَا، كَالْعَشَرَةِ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ خِلافَانِ وَيَسْتَحِيلُ افْتِرَاقُهُمَا، وَالْخَمْسَةِ5 مَعَ الْفَرْدِيَّةِ، وَالْجَوْهَرِ6 مَعَ الأَلْوَانِ، وَهُوَ كَثِيرٌ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر الكلام على هذا الموضوع في "شرح تنقيح الفصول ص97 وما بعدها، فتح الرحمن ص40 وما بعدها". 3 في ش: أن هذين. 4 ساقطة من ش. 5 في ش: والخمس. 6 قال في كشاف اصطلاحات الفنون "1/ 203": "ولجوهر عند المتكلمين: هو الحادث المتحيز بالذات. والمتحيز بالذات هو القابل للإشارة الحسية بالذات بأنه هنا أو هناك. ويقابله العرض". والعرض –كما قال الشريف الجرجاني-: "هو الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى موضع –إي محل- يقوم به، كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحلَه ويقوم هو به". "التعريفات ص153".

وَلا تَنَافِي بَيْنَ إمْكَانِ الافْتِرَاقِ وَالارْتِفَاعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الذَّاتِ، وَتَعَذَّرَ الارْتِفَاعُ [وَالافْتِرَاقُ] بِالنِّسْبَةِ إلَى أَمْرٍ خَارِجِيٍّ عَنْهُمَا1. وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ كُلُّهُ فِي مُمْكِنِ الْوُجُودِ. أَمَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصِفَاتُهُ: فَإِنَّهُ لا يُقَالُ بِإِمْكَانِ رَفْعِ2 شَيْءٍ مِنْهَا، لِتَعَذُّرِ رَفْعِهِ بِسَبَبِ وُجُوبِ وُجُودِهِ3. "وَكُلُّ شَيْئَيْنِ حَقِيقَتَاهُمَا4 إمَّا مُتَسَاوِيَتَانِ؛ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ كُلِّ" وَاحِدَةٍ "وُجُودُ الأُخْرَى وَعَكْسُهُ" يَعْنِي: وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَدَمُ الأُخْرَى كَالإِنْسَانِ وَالضَّاحِكِ بِالْقُوَّةِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجُودُ الآخَرِ، وَمِنْ عَدَمِهِ عَدَمُهُ، فَلا إنْسَانَ إلاَّ وَهُوَ ضَاحِكٌ بِالْقُوَّةِ، وَلا ضَاحِكَ بِالْقُوَّةِ إلاَّ وَهُوَ إنْسَانٌ5. وَنَعْنِي بِالْقُوَّةِ كَوْنَهُ قَابِلاً وَلَوْ لَمْ يَقَعْ، وَيُقَابِلُهُ الضَّاحِكُ6 بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الْمُبَاشِرُ لِلضَّحِكِ. "أَوْ" إمَّا "مُتَبَايِنَتَانِ7؛ لا تَجْتَمِعَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ" كَالإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ، فَمَا هُوَ إنْسَانٌ لَيْسَ بِفَرَسٍ، وَمَا هُوَ فَرَسٌ8 فَلَيْسَ9 بِإِنْسَانٍ، فَيَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى مَحَلٍّ عَدَمُ صِدْقِ الآخَرِ.

_ 1 في ض: عنها. 2 في ش: دفع. 3 انظر شرح تنفيح الفصول ص98. 4 في ش: حقيقتين. 5 فيصدق كل منهما على كل ما يصدق عليه الآخر. "انظر فتح الرحمن ص40، تحرير القواعد المنطقية ص63". 6 في ز: الضحك. 7 في ش ب ع ض: متباينان. 8 في ب ص: بفرس. 9 في ش: ليس.

"أَوْ" إمَّا "إحْدَاهُمَا أَعَمُّ مُطْلَقًا، وَالأُخْرَى أَخَصُّ مُطْلَقًا، تُوجَدُ إحْدَاهُمَا مَعَ وُجُودِ كُلِّ1 أَفْرَادِ الأُخْرَى" كَالْحَيَوَانِ2 وَالإِنْسَانِ، فَالْحَيَوَانُ أَعَمُّ مُطْلَقًا لِصِدْقِهِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الإِنْسَانِ، فَلا يُوجَدُ إنْسَانٌ بِدُونِ حَيَوَانِيَّةٍ أَلْبَتَّةَ. فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الإِنْسَانِ - الَّذِي هُوَ أَخَصُّ3- وُجُودُ الْحَيَوَانِ، الَّذِي هُوَ أَعَمُّ، "بِلا عَكْسٍ" يَعْنِي: فَلا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ أَخَصُّ عَدَمُ الْحَيَوَانِ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ"4؛ لأَنَّ الْحَيَوَانَ قَدْ يَبْقَى مَوْجُودًا فِي الْفَرَسِ وَغَيْرِهِ. "أَوْ" إمَّا " 5 كُلُّ وَاحِدَةٍ6 مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْحَقِيقَتَيْنِ "أَعَمُّ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ" 5 مِنْ" وَجْهٍ "آخَرَ تُوجَدُ كُلُّ" وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَقِيقَتَيْنِ "مَعَ الأُخْرَى وَبِدُونِهَا" أَيْ وَبِدُونِ الأُخْرَى. وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ، وَتَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ الأُخْرَى بِصُورَةٍ: كَالْحَيَوَانِ وَالأَبْيَضِ * فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يُوجَدُ بِدُونِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 المراد بالحيوان في هذا المقام: الجسم النامي الحسّاس المتحرك بالارادة. "انظر التعريفات ص100، حاشية الجرجاني على تحرير القواعد المنطقية ص62، كشف الأسرار على أصول البزدوي 1/ 21". 3 في ز: أخص مطلقاً. 4 ساقطة من ش. 5 في ش ب: واحد 6. في ز: احدا أعم من وجه والأخرى أخصّ.

الأَبْيَضِ" 1 فِي السُّودَانِ2، وَيُوجَدُ الأَبْيَضُ بِدُونِ الْحَيَوَانِ فِي الثَّلْجِ وَالْقُطْنِ وَغَيْرِهِمَا3، مِمَّا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ. وَيَجْتَمِعَانِ فِي الْحَيَوَانِ الأَبْيَضِ. فَلا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الأَبْيَضِ وُجُودُ الْحَيَوَانِ، وَلا4 مِنْ وُجُودِ5 الْحَيَوَانِ وُجُودُ الأَبْيَضِ، وَلا مِنْ عَدَمِ "أَحَدِهِمَا عَدَمُ الآخَرِ"6. فَفَائِدَةُ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ: الاسْتِدْلال بِبَعْضِ الْحَقَائِقِ عَلَى بَعْضٍ7. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ *-1 ساقطة من ش. 2 في ع: السواد. 3 في ش: ونحو غيرهما. 4 في ز: ولا يلزم. 5 ساقطة من ز. 6 في ش: احداهما عدم الاخرى. وفي د: احديهما عدم الاخر. 7 انظر موضوع النسب بين الحقائق في "شرح تنقيح الفصول ص96 وما بعدها، فتح الرحمن ص40، تحرير القواعد المنطقية ص63 وما بعدها".

"فَصْلٌ" "مَا عَنْهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ" أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْكَلامِ الْخَبَرِيِّ، مِنْ إثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ تَخَيَّلَهُ، أَوْ لَفَظَ بِهِ، فَمَا عَنْهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ: هُوَ مَفْهُومُ الْكَلامِ الْخَبَرِيِّ1. قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ2: "الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ3 يُنْبِئُ عَنْ" 3 أَمْرٍ فِي نَفْسِك مِنْ إثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ، وَهُوَ مَا عَنْهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ4". وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ الْحُكْمُ مَوْرِدَ الْقِسْمَةِ لِئَلاَّ يَلْزَمَ خُرُوجُ الْوَهْمِ وَالشَّكِّ عَنْ مَوْرِدِ الْقِسْمَةِ، عِنْدَ مَنْ مَنَعَ مُقَارَنَتَهُمَا لِلْحُكْمِ. وَقَالَ أَيْضًا: "إنَّمَا جُعِلَ الْمَوْرِدُ "مَا عَنْهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ"، دُونَ الاعْتِقَادِ أَوْ الْحُكْمِ، لِيَتَنَاوَلَ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ مِمَّا لا اعْتِقَادَ وَلا حُكْمَ لِلذِّهْنِ فِيهِ"5. "إمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ مُتَعَلِّقَهُ" أَيْ مُتَعَلِّقَ مَا عَنْهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ؛ وَهُوَ النِّسْبَةُ الْوَاقِعَةُ بَيْنَ طَرَفَيْ الْخَبَرِ فِي الذِّهْنِ "النَّقِيضَ بِوَجْهٍ" مِنْ الْوُجُوهِ، سَوَاءً كَانَ فِي الْخَارِجِ، أَوْ عِنْدَ الذَّاكِرِ، إمَّا بِتَقْدِيرِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِتَشْكِيكِ مُشَكِّكٍ إيَّاهُ "أَوْ لا" يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَصْلاً.

_ 1 فإذا قلت "زيد قائم" أو "ليس بقائم" فقد ذكرت حكماً. فهذا المقول هو الذكر الحكمي. "العضد وحاشية الجرجاني عليه 1/ 58". 2 هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار الأيجي الشافعي. قال الحافظ ابن حجر: "كان إماماً في المعقول، قائماً بالأصول والمعاني والعربية، مشاركاً في الفنون". أشهر كتبه "شرح مختصر ابن الحاجب" في أصول الفقه و "المواقف" في علم الكلام و "الفوئد الغياثية" في المعاني والبيان. توفي سنة 756هـ. "انظر ترجمته في الدرر الكامنة 2/ 429، بغية الوعاة 2/ 75، شذرات الذهب 6/ 174، البدر الطالع 1/ 326". 3 في ش: يبني على. 4 شرح العضد على مختضر ابن الحاجب 1/ 58. 5 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 1/ 61.

"وَالثَّانِي" وَهُوَ الَّذِي لا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ بِوَجْهٍ هُوَ "الْعِلْمُ". "وَالأَوَّلُ" وَهُوَ الَّذِي يَحْتَمِلُ مُتَعَلَّقُهُ النَّقِيضَ "إمَّا أَنْ يَحْتَمِلَهُ" أَيْ يَحْتَمِلَ النَّقِيضَ "عِنْدَ الذَّاكِرِ لَوْ قَدَّرَهُ" أَيْ: بِتَقْدِيرِ الذَّاكِرِ النَّقِيضَ فِي نَفْسِهِ "أَوْ لا" يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ عِنْدَ الذَّاكِرِ لَوْ قَدَّرَهُ. "وَالثَّانِي" وَهُوَ الَّذِي لا يَحْتَمِلُ مُتَعَلِّقُهُ1 النَّقِيضَ عِنْدَ الذَّاكِرِ لَوْ قَدَّرَهُ فِي نَفْسِهِ هُوَ "لاعْتِقَادٍ"2. "فَإِنْ طَابَقَ" هَذَا الاعْتِقَادَ لِمَا فِي نَفْسِ الأَمْرِ "فَـ" ـهُوَ اعْتِقَادٌ "صَحِيحٌ، وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لِمَ يَكُنْ الاعْتِقَادُ مُطَابِقًا لِمَا فِي نَفْسِ الأَمْرِ "فَـ" ـهُوَ اعْتِقَادٌ "فَاسِدٌ". "وَالأَوَّلُ" وَهُوَ الَّذِي يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ عِنْدَ الذَّاكِرِ لَوْ قَدَّرَهُ "الرَّاجِحُ مِنْهُ" وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مُتَعَلَّقُهُ رَاجِحًا عِنْدَ الذَّاكِرِ عَلَى احْتِمَالِ النَّقِيضِ "ظَنٌّ" وَيَتَفَاوَتُ الظَّنُّ، حَتَّى يُقَالَ: غَلَبَةُ الظَّنِّ. "وَالْمَرْجُوحُ" وَهُوَ الْمُقَابِلُ3 لِلظَّنِّ "وَهْمٌ". "وَالْمُسَاوِي" وَهُوَ الَّذِي يَتَسَاوَى مُتَعَلَّقُهُ وَاحْتِمَالُ نَقِيضِهِ عِنْدَ الذَّاكِرِ "شَكٌّ"4. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَالْعِلْمُ قَسِيمُهُ الاعْتِقَادُ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ، وَالظَّنُّ قَسِيمُهُ الشَّكُّ وَالْوَهْمُ.

_ 1 ساقطة من ش ز ع. 2 انظر في الكلام على الاعتقاد وأقسامه كتاب الحدود للباجي ص28 وما بعدها. 3 في ع: القابل. 4 انظر العضد على ابن الحاجب 1/ 61.

وَأَشَارَ1 بِقَوْلِهِ "وَقَدْ عَلِمْت حُدُودَهَا" إلَى أَنَّ مَا عَنْهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ، الَّذِي هُوَ مَوْرِدُ الْقِسْمَةِ، لَمَّا قَيَّدَ كُلَّ قِسْمٍ مِنْهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الأَقْسَامِ: كَانَ ذَلِكَ حَدًّا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الأَقْسَامِ؛ لأَنَّ الْحَدَّ عِنْدَ الأُصُولِيِّينَ: كُلُّ لَفْظٍ مُرَكَّبٍ يُمَيِّزُ الْمَاهِيَّةَ عَنْ أَغْيَارِهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِالذَّاتِيَّاتِ أَوْ بِالْعَرَضِيَّاتِ، أَوْ بِالْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا2. فَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ حَدُّ الْعِلْمِ: مَا3 عَنْهُ ذِكْرٌ حُكْمِيٌّ، لا يَحْتَمِلُ مُتَعَلَّقُهُ النَّقِيضَ بِوَجْهٍ؛ لا فِي الْوَاقِعِ، وَلا عِنْدَ4 الذَّاكِرِ، وَلا بِالتَّشْكِيكِ5. وَيَكُونُ حَدُّ الاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ: مَا عَنْهُ ذِكْرٌ حُكْمِيٌّ، لا6 يَحْتَمِلُ مُتَعَلَّقُهُ النَّقِيضَ عِنْدَ الذَّاكِرِ بِتَشْكِيكٍ مُشَكِّكٍ إيَّاهُ، وَلا يَحْتَمِلُهُ عِنْدَ الذَّاكِرِ لَوْ قَدَّرَهُ7.

_ 1 في د ض: وأشار إليه. 2 وقد احترز بقوله "عند الأصوليين" عما عليه المنطقيون من أن الحد لا يكون إلا بالذاتيات، وأنه يقابل الرسمي واللفظي. "انظر في الفرق بين اصطلاح المناطقة والأصوليين في المراد بالحد حاشية التفتازاني على شرح العضد 1/ 68، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 133، حاشية الجرجاني على تحرير القواعد المنطقية ص80". 3 في ع: مما. 4 في ش: في. 5 في ض: بتشكيك. وانظر العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 62، وقد سبق الكلام على حد العلم في ص61 من الكتاب. 6 ساقطة من ش. 7 في د ض: قدرة إلا بتقدير الذاكر فقط.

وَيَكُونُ حَدُّ الاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ1: مَا عَنْهُ ذِكْرٌ حُكْمِيٌّ لا2 يَحْتَمِلُ مُتَعَلَّقُهُ النَّقِيضَ عِنْدَ الذَّاكِرِ بِتَشْكِيكٍ مُشَكِّكٍ، لا بِتَقْدِيرِ3 الذَّاكِرِ إيَّاهُ، مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِمَا فِي نَفْسِ الأَمْرِ4. وَالظَّنُّ: مَا عَنْهُ ذِكْرٌ حُكْمِيٌّ، يَحْتَمِلُ مُتَعَلَّقُهُ النَّقِيضَ بِتَقْدِيرِهِ5، مَعَ كَوْنِهِ رَاجِحًا6. وَالْوَهْمُ: مَا عَنْهُ ذِكْرٌ حُكْمِيٌّ، يَحْتَمِلُ مُتَعَلَّقُهُ النَّقِيضَ بِتَقْدِيرِهِ، مَعَ كَوْنِهِ مَرْجُوحًا. وَالشَّكُّ: مَا عَنْهُ ذِكْرٌ حُكْمِيٌّ، يَحْتَمِلُ مُتَعَلَّقُهُ النَّقِيضَ7، مَعَ تَسَاوِي طَرَفَيْهِ عِنْدَ الذَّاكِرِ8.

_ 1 في ش: غير الصحيح. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: لا يتغير. 4 انظر في الكلام على الاعتقاد الصحيح والفاسد "الحدود للباجي ص28 وما بعدها، شرح الأخضري في السلم ص25". 5 أي لو قدّر الذاكر النقيض لكان محتملاً عنده. 6 انظر العضد على ابن الحاجب 1/ 62، الإحكام للآمدي 1/ 12، اللمع ص3، الحدود ص30، فتح الرحمن ص40، التعريفات ث149. 7 ساقطة من ش. 8 انظر اللمع ص3، التعريفات ص134، العبادي على شرح الورقات ص49، الحدود ص29، العضد على ابن الحاجب 1/ 61.

وَلَمَّا انْتَهَى1 الْكَلامَ عَلَى الْعِلْمِ، وَكَانَ الْجَهْلُ ضِدًّا لَهُ، اسْتَطْرَدَ الْكَلامَ إلَى ذِكْرِهِ، وَذَكَرَ مَا يَتَنَوَّعُ إلَيْهِ، فَقَالَ: "وَالاعْتِقَادُ الْفَاسِدُ" مِنْ حَيْثُ حَقِيقَتُهُ: "تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ هَيْئَتِهِ. وَ" مِنْ حَيْثُ تَسْمِيَتُهُ: "هُوَ الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ" لأَنَّهُ مَرْكَبٌ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ، وَمِنْ الاعْتِقَادِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَا فِي الْخَارِجِ. 2وَالْجَهْلُ نَوْعَانِ: مُرَكَّبٌ: وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ2. "وَ" الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْجَهْلِ هُوَ "الْبَسِيطُ": وَهُوَ "عَدَمُ الْعِلْمِ" وَهُوَ انْتِفَاءُ إدْرَاكِ الشَّيْءِ بِالْكُلِّيَّةِ. فَمَنْ سُئِلَ: هَلْ تَجُوزُ الصَّلاةُ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ؟ فَقَالَ: لا، كَانَ ذَلِكَ جَهْلاً مُرَكَّبًا مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ، وَمِنْ الْفُتْيَا بِالْحُكْمِ الْبَاطِلِ3. وَإِنْ قَالَ: لا أَعْلَمُ، كَانَ ذَلِكَ4 جَهْلاً بَسِيطًا. "وَمِنْهُ" أَيْ وَمِنْ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ "سَهْوٌ، وَغَفْلَةٌ، وَنِسْيَانٌ" وَالْجَمِيعُ "بِمَعْنًى" وَاحِدٍ عِنْدَ كَثِيرٍ5 مِنْ الْعُلَمَاءِ "وَ" ذَلِكَ الْمَعْنَى "هُوَ ذُهُولُ الْقَلْبِ عَنْ مَعْلُومٍ"6.

_ 1 في ش: أنهى. 2 ساقطة من ز. 3 في د ع ض: الباطل جهلاً. 4 ساقطة من ز. 5 في ض: الأكثر. 6 انظر تفصيل الكلام على الجهل البسيط والمركب في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 161 وما بعدها، العبادي على شرح الورقات ص37 وما بعدها".

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ1: السَّهْوُ الْغَفْلَةُ2، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: سَهَا فِي الأَمْرِ: نَسِيَهُ وَغَفَلَ عَنْهُ، وَذَهَبَ قَلْبُهُ إلَى غَيْرِهِ، فَهُوَ سَاهٍ وَسَهْوَانُ3، وَقَالَ: غَفَلَ عَنْهُ غُفُولاً: تَرَكَهُ وَسَهَا عَنْهُ4، انْتَهَى.

_ 1 هو اسماعيل بن حماد الجوهري، أبو نصر الفارابي اللغوي، قال ياقوت: "كان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلماً" أشهر كتبه "الصحاح" في اللغة. توفي في حدود سنة أربعمائة. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/ 446، إنباه الرواة 1/ 194، شذرات الذهب 3/ 142". 2 الصحاح 1/ 2386. 3 القاموس المحيط 4/ 348. 4 القاموس المحيط 4/ 26.

"فَصْلٌ" لَمَّا كَانَتْ الْعُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ وَالنَّظَرِيَّةُ لا تُدْرَكُ بِدُونِ الْعَقْلِ، أَخَذَ فِي الْكَلامِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "الْعَقْلُ: مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَيْزُ" أَيْ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ، قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": قَالَهُ صَاحِبُ "رَوْضَةِ الْفِقْهِ" مِنْ أَصْحَابِنَا. وَهُوَ شَامِلٌ لأَكْثَرِ الأَقْوَالِ الآتِيَةِ1.

_ 1 اختلف العلماء في تعريف العقل وحقيقته اختلافاً كثيراً، ولعل أجمع وأدق ما قيل فيه قول الغزالي ومن وافقه بعدم إمكان حده بحد واحد يحيط به، لأنه يطلق بالاشتراك على خمسة معان: "أحدها" إطلاقه على الغريزة التي يتهيأ بها الإنسان لدرك العلوم النظرية وتدبير الأمور الخفية. "والثاني" إطلاقه على بعض الأمور الضرورية. وهي التي تخرج إلى الوجود في ذات الطفل المميز بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات. "والثالث" إطلاقه على العلوم المستفادة من التجربة. فإنّ من حنكته التجارب يقال عنه أنه عاقل. من لا يتصف بذلك يقال عنه غبي جاهل. "الرابع" إطلاقه على ما يوصل إلى ثمرة معرفة عواقب الأمور، بقمع الشهوات الداعية إلى اللذات العاجلة التي تعقبها الندامة. فإذا حصلت هذه القوة سمي صاحبها عاقلاً. "والخامس" إطلاقه على الهدوء والوقار. وهي هيئة محمودة للإنسان في حركاته وكلامه. فيقال: فلان عاقل. أي عنده هدوء ورزانة. "انظر المستصفى 1/ 23، إحياء علوم الدين 1/ 118، عمدة القاري 3/ 271، المسودة ص558". وقد ذكر الراغب الأصبهاني وغيره أن العقل يطلق على القوة المتهيئة لقبول العلم، كما يقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة. فكل موضع ذم الله الكفار بعدم العقل، فأشار إلى الثاني. وكل موضع رفع التكليف عن العبد لعدم العقل، فأشار إلى الأول. "المفردات في غريب القرآن ص346، الكليّات ص249". ولمعرفة أقوال العلماء وتفصيلاتهم في موضوع العقل انظر "إحياء علوم الدين 1/ 117 وما بعدها، كشاف اصطلاحات الفنون 4/ 1027 وما بعدها، الحدود للباجي ص31 وما بعدها، الكليات ص249، التعريفات للجرجاني ص157 وما بعدها، المسودة ص556 وما بعدها، عمدة القارى 3/ 270 وما بعدها، كشف الأسرار للبخاري 2/ 394، 4/ 232، مفردات الراغب ص346، فتح الرحمن وحاشية العليمي عليه ص20، 23، ذم الهوى لابن الجوزي ص5، مائية العقل للمحاسبي ص201 وما بعدها، أدب الدنيا والدين للماوردي ص2 وما بعدها، أعلام النبوة للماوردي ص7".

وَعَنْ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ1رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: آلَةُ التَّمْيِيزِ وَالإِدْرَاكِ2. "وَهُوَ غَرِيزَةٌ" نَصًّا. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: الْعَقْلُ غَرِيزَةٌ3. وَقَالَهُ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ4، فَقَالَ: الْعَقْلُ غَرِيزَةٌ، لَيْسَ مُكْتَسَبًا5، بَلْ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُفَارِقُ بِهِ الإِنْسَانُ الْبَهِيمَةَ، وَيَسْتَعِدُّ بِهِ لِقَبُولِ الْعِلْمِ، وَتَدْبِيرِ الصَّنَائِعِ الْفِكْرِيَّةِ، فَكَأَنَّهُ نُورٌ يُقْذَفُ

_ 1 هو عبد الله، محمد بن ادريس بن العباس بن شافع القرشي المطّلبي، الإمام الجليل، صاحب المذهب المعروف والمناقب الكثيرة، أشهر مصنفاته "الأم" في الفقه و "الرسالة" في أصول الفقه و "أحكام القرآن" و "اختلاف الحديث" و "جماع العلم". توفي سنة 204هـ. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللفات 1/ 44، طبقات الشافعية للسبكي 1/ 192، شذرات الذهب 2/ 9، المنهج الأحمد 1/ 63، وفيات الأعيان 3/ 305، طبقات المفسرين للداودي 2/ 98، الديباج المذهب 2/ 156، صفة الصفوة 2/ 248". 2 ساقطة من ش. 3 رواه عنه إبراهيم الحربي، ونص قول الإمام أحمد: "العقل غريزة، والحكمة فطنة، والعلم سماع، والرغبة في الدنيا هوى، والزهد فيها عفاف". "انظر المسودة ص556، ذم الهوى ص5". 4 هو الحارث بن أسد المحاسبي، أبو عبد الله، قال ابن الصلاح: "كان إمام المسلمين في الفقه والتصوف والحديث والكلام". له مصنفات كثيرة في الزهد وأصول الدين والرد على المعتزلة والرافضة، وأشهر كتبه "الرعاية لحقوق الله" و "مائية العقل" توفي سنة 243هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 2/ 275، وفيات الأعيان 1/ 348، صفة الصفوة 2/ 367، شذرات الذهب 2/ 103". 5 في ش: بمكتسب.

فِي الْقَلْبِ، كَالْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ، وَالصِّبَا1 وَنَحْوُهُ حِجَابٌ لَهُ2. قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: إنَّهُ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ، كَالضَّرُورِيِّ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَرْبَهَارِيُّ3 - مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا-: لَيْسَ بِجَوْهَرٍ وَلا عَرَضٍ وَلا اكْتِسَابٍ، وَإِنَّمَا هُوَ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى4، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: "هَذَا5 يَقْتَضِي أَنَّهُ الْقُوَّةُ الْمُدْرِكَةُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلامُ أَحْمَدَ، لا الإِدْرَاكُ6". "وَ" هُوَ أَيْضًا "بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَالأَكْثَرُ7. قَالَ فِي: "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرُ إلَى أَنَّهُ "بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ. يُسْتَعَدُّ بِهَا لِفَهْمِ دَقِيقِ الْعُلُومِ، وَتَدْبِيرِ الصَّنَائِعِ الْفِكْرِيَّةِ".

_ 1 المراد بالصّبا حجاب له "أن العقل يكون ضعيفاً في مبتدأ العمر، فلا يزال يربي حتى تتم الأربعون، فينتهي نماؤه لاكتماله" فقبل اكتماله يكون الصبا حجاباً له. كما يكون حجاباً له طروء بعض العوارض كالجنون والعتة ونحوها. "انظر المسودة ص559". 2 قول المحاسبي هذا موجود بمعناه لا بلفظه في كتابه "مائية العقل ومعناه واختلاف الناس فيه" ص201-238. 3 هو الحسن بن علي بن خلف، أبو محمد البربهاري، شيخ الحنابلة في زمانه. قال ابن أبي يعلى "كان أحد الأئمة العارفين والحفاظ للأصول المتقنين والثقات المؤمنين". أشهر مصنفاته "شرح كتاب السنة". توفي سنة 329هـ. "انظر ترجمته في طبقات الحنابلة 2/ 18، المنهج الأحمد 2/ 21، شذرات الذهب 2/ 319، المنتظم 6/ 323". 4 انظر طبقات الحنابلة 2/ 26، المسودة ص556. 5 وعبارة المسودة: "والبربهاري كلامه يقتضي ... الخ". 6 المسودة ص558. 7 انظر المسودة ص556 وما بعدها. والمراد بالعلوم الضرورية: كالعلم باستحالة اجتماع الضدين، ونقصان الواحد عن الاثنين، والعلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات. "المستصفى 1/ 23، إحياء علوم الدين 1/ 118".

وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِنَا: الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ1، وَابْنُ الصَّبَّاغِ2، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ3. فَخَرَجَتْ الْعُلُومُ الْكَسْبِيَّةُ4، لأَنَّ الْعَاقِلَ يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ عَاقِلاً، مَعَ انْتِفَاءِ الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ. وَإِنَّمَا قَالُوا: "بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ". لأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَمِيعَهَا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفَاقِدُ لِلْعِلْمِ5 بِالْمُدْرَكَاتِ، - لِعَدَمِ الإِدْرَاكِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا- غَيْرَ

_ 1 هو محمد بن الطيب بن محمد، القاضي أبو بكر الباقلاني، البصري المالكي الأشعري، الأصولي المتكلم، صاحب المصنفات الكثيرة في علم الكلام وغيره. قال ابن تيمية: "وهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري، ليس فيهم مثله، لا قبله ولا بعده". توفي سنة 403هـ. "انظر ترجمته في الديباج المذهب 2/ 228، شذرات الذهب 3/ 168، وفيات الأعيان 3/ 400 ترتيب المدارك 3/ 585". 2 هو عبد السيد بن محمد بن عبد الوحيد، أبو ناصر المعروف بابن الصباغ الشافعي، فقيه العراق في عصره، قال ابن عقيل: "لم أدرك فيمن رأيت وحاضرت من العلماء على اختلاف مذاهبهم من كملت لها شرائط الاجتهاد المطلق إلا ثلاثة: أبا يعلى بن الفراء، وأبا الفضل الهمذاني الفرضي، وأبا نصر بن الصباغ". أشهر كبته "الشامل" و "الكامل" في الفقه و "العدة" في أصول الفقه. توفي سنة 477هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 5/ 122، وفيات الأعيان 2/ 385، شذرات الذهب 3/ 355، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 299". 3 هو سُلَيْم بن أيوب بن سليم، أبو الفتح الرازي، الفقيه الأصولي، الأديب اللغوي المفسر. قال النووي: "كان إماماً جامعاً لأنواع من العلوم ومحافظاً على أوقاته لا يصرفها في غير طاعة". من مصنفاته "ضياء القلوب" في التفسير و "التقريب" و "الإشارة" و "المجرد" و "الكافي" في الفقه. توفي سنة 447هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 4/ 388، إنباه الرواة 2/ 69, وفيات الأعيان 2/ 133، طبقات المفسيرين للداودي 1/ 196, تهذيب الأسماء واللغات 1/ 231، شذارت الذهب 3/ 275". 4 في ش: السببية. 5 في ز: للعلوم.

عَاقِلٍ1. "وَمَحَلُّهُ"2 أَيْ مَحَلُّ الْعَقْلِ "الْقَلْبُ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا3 وَالشَّافِعِيَّةِ وَالأَطِبَّاءِ. وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} 4 أَيْ عَقْلٌ. فَعَبَّرَ بِالْقَلْبِ عَنْ الْعَقْلِ، لأَنَّهُ مَحَلُّهُ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} 5 وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} 6 فَجَعَلَ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ7. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ

_ 1 قال الباجي: "وأما ماحدّ به العقل "بأنه بعض العلوم الضرورية" فعندي أنه ينتقض بخبر أخبار التواتر وما يدرك بالحواس من العلوم، فإنه بعض العلوم الضرورية، ومع ذلك فإنه ليس بعقل. وأيضاً: فإن هذا ليس بطريق للتحديد، لأن التحديد إنما يراد به تفسير المحدود وتبيينه. وقولنا "عقل" أبين وأكثر تمييزاً مما ليس بعقل من قولنا "بعض العلوم الضرورية" فإنه لا يفهم من لفظ الحد ولا يتميز به عن غيره. ولذلك لا يجوز أن يقال في حد الجوهر إنه بعض المحدثات". ولهذا اتجه الباجي في تعريفه إلى أنه "العلم الضروري الذي يقع إبتداءً ويعم العقلاء" ليخرج بقيد "يقع ابتداءً وإنما ويعم العقلاء" العلم الواقع عن ادراك الحواس، وعلم الإنسان بصحته وسقمه وفرحه وحزنه، فإنه لا يقع ابتداءً، وإنما يقع بعد أن يوجد ذلك به، كما أنه لا يعم العقلاء، وإنما يختص بمن وجد به. وكذلك خبر أخبار التواتر، فإنه لا يعم العقلاء، وإنما يقع العلم به لمن سمع بذلك الخبر دون غيره. "انظر الحدود ص31-43". 2 في ب: وأصل. 3 قاله أبو الحسن التميمي والقاضي أبو يعلى وابن عقيل وابن البنا وغيرهم. "انظر المسودة ص559 وما بعدها". 4 الآية 27 من ق. 5 الآية 46 من الحج. 6 الآية 179 من الأعراف. وفي ش ب ع ض: "ام لهم قلوب يعقلون بها" وفي ز: "ام لم قلوب يفقهون بها" وليس في القرآن آية كذلك. 7 فلولا أن العقل موجود في القلب لم وصُف بذلك حقيقة في قوله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} إذ لا يتصور أن توصف الأذن بأن يُرى بها أو يُشم بها؛ لأن الأصل إضافة منفعة كل عضو إليه، إلا ترى تتمة الآية {.. قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} ، وكذا في قوله تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} ، "195 الأعراف"؛ فقد أضاف الله سبحانه إلى كل عضو المنفعة المخصوصة به، مما يثبت أن العقل منفعة القلب ومختص به. وممن ذهب إلى أن العقل محله القلب الإمام مالك والمتكلمون من أهل السنة. "انظر الحدود للباجي ص35".

بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، وَالْعُلُومُ الضَّرُورِيَّةُ: لا تَكُونُ إلاَّ فِي الْقَلْبِ. "وَ" مَعَ هَذَا "لَهُ اتِّصَالٌ1 بِالدِّمَاغِ" قَالَهُ التَّمِيمِيُّ2 وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي "شَرْحِ3 التَّحْرِيرِ": وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ فِي الدِّمَاغِ4. وَقَالَهُ الطُّوفِيُّ5 وَالْحَنَفِيَّةُ.

_ 1 في ز: الاتصال. 2 هو عبد العزيز بن الحارث بن أسد، أبو الحسن التميمي، قال ابن أبي يعلى: "صحب أبا القاسم الخرقي وأبا بكر عبد العزيز، وصنف في الأصول والفروع والفرائض". توفي سنة 371هـ. "انظر ترجمته في طبقات الحنابلة 2/ 139، المنهج الأحمد 2/ 66". ونص كلام أبي الحسن التميمي: "والذي نقول به إن العقل في القلب، يعلو نوره إلى الدماغ، فيفيض منه إلى الحواس ما جرى في العقل". "انظر المسودة ص559". 3 ساقطة من ع ز. 4 نص على ذلك أحمد فيما ذكره أبو حفص بن شاهين بإسناده عن الفضل بن زياد، وقد سأله رجل عن العقل، أين منتهاه من البدن؟ فقال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: العقل في الرأس. أما سمعت إلى قولهم "وافر الدماغ والعقل". "انظر المسودة ص559 وما بعدها، ذم الهوى ص5 وما بعدها". 5 هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم، نجم الدين الطوفي الحنبلي، الفقيه الأصولي المتفنن. قال ابن رجب: "وكان شيعياً منحرفاً في الاعتقاد عن السنّة". له مصنفات كثيرة في فنون شتى، منها "مختصر روضة الناظر" في أصول الفقه، وقد شرح هذا المختصر في مجلدين و "معراج الوصول إلى علم الأصول" في أصول الفقه، و "بغية السائل في أمهات المسائل" في أصول الدين و "الاكسير في قواعد التفسير" و "الرياض النواضر في الأشياء والنظائر" و "دفع التعارض عما يوهم التناقض" في الكتاب والسنة. توفي سنة 716هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 366، الدرر الكامنة 2/ 249، شذرات الذهب 6/ 39، بغية الوعاة 1/ 599".

وَقِيلَ1: إنْ قُلْنَا جَوْهَرٌ، وَإِلاَّ فِي الْقَلْبِ2. "وَيَخْتَلِفُ" "الْعَقْلُ "كَالْمُدْرَكِ"3 بِهِ" أَيْ بِالْعَقْلِ، لأَنَّا نُشَاهِدُ قَطْعًا آثَارَ الْعُقُولِ فِي الآرَاءِ، وَالْحِكَمِ وَالْحِيَلِ وَغَيْرِهَا مُتَفَاوِتَةً4، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى "تَفَاوُتِ الْعُقُولِ فِي نَفْسِهَا. وَأَجْمَعَ الْعُقَلاءُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْقَائِلِ: "فُلانٌ أَعْقَلُ مِنْ فُلانٍ أَوْ5 أَكْمَلُ عَقْلاً" وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى"6 اخْتِلافِ مَا يُدْرَكُ بِهِ7.

_ 1 قال الماوردي: "وكل من نفى أن يكون العقل جوهراً أثبت محله في القلب، لأن القلب محل العلوم كلها". "أدب الدنيا والدين ص4". 2 وتظهر ثمرة الخلاف في محل العقل في مسألة من الفقه، وهي ما إذا شج رجل آخر موضحة "كشفت عظم رأسه" فذهب عقله! فالإمام مالك القائل بأن محله القلب ألزم الجاني دية العقل وأرش الموضحة، لأنه أتلف عليه منفعةً ليست في عضو الشجة فلا تكون الشجة تبعاً لها. والإمام أبو حنيفة الذاهب إلى أن محله الدماغ جعل عليه دية العقل فقط، لأنه لما شجّ رأسه وأتلف عليه العقل الذي هو منفعة في العضو المشجوج، دخل أرش الشجة في الدية. "الحدود للباجي ص34". ونظر الكلام على محل العقل "الكليات للكفوي ص250، فتح الرحمن ص22، ذم الهوى ص5، عمدة القاري 3/ 270". 3 في ز: ما يدرك. 4 ساقطة من ش ز. 5 في ش: و. 6 ساقطة من ش. 7 القول بتفاوت العقول وأن بعضها أكمل وأرجح من بعض ذهب إليه أبو محمد البربهاري والقاضي أبو يعلى وأبو الحسن التميمي من الحنابلة وغيرهم "انظر المسودة ص560، الكليات ص250، طبقات الحنابلة 2/ 26".

وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ1 أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنِّسَاءِ: "أَلَيْسَ شَهَادَةُ إحْدَاكُنَّ مِثْلَ 2 نِصْفِ شَهَادَةِ 2 الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا"3. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالأَشَاعِرَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ: الْعَقْلُ لا يَخْتَلِفُ، لأَنَّهُ حُجَّةٌ عَامَّةٌ يَرْجِعُ إلَيْهَا النَّاسُ عِنْدَ اخْتِلافِهِمْ، وَلَوْ تَفَاوَتَتْ الْعُقُولُ، لَمَا كَانَ كَذَلِكَ4. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ5 - مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ-: "إنَّ الْعَقْلَ الْغَرِيزِيَّ

_ 1 هو الصحابي الجليل سعد بن مالك بن سنان، أبو سعيد الخُدْري الأنصاري الخزرجي، استُصْغِر يوم أحد، فَرُدّ، ثم غزا بعد ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشر غزوة. وروى عنه الكثير من الأحاديث. قال ابن عبد البر: "كان بن نجباء الأنصار وعلمائهم وفضلائهم" توفي سنة 74هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في الإصابة 2/ 35، الاستيعاب 2/ 47، صفة الصفوة 1/ 714، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 237". 2 في ش ز ض ب، شهادة نصف. 3 روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وابن عمر، وقد أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده. ولفظ البخاري: عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرَّ على النساء فقال: يا معشر النساء تصدّقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير. ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها. "انظر صحيح البخاري وشرحه للعيني 3/ 270، سنن أبي داود 4/ 219، تحفة الأحوذي 7/ 358، مسند الأمام أحمد 2/ 67، 374". 4 انظر المسودة ص560. 5 هو علي بن محمد بن حبيب، القاضي أبو الحسن الماوردي البصري الشافعي، أحد الأئمة الأعلام، صاحب المصنفات القيمة في مختلف الفنون. قال ابن العماد: "كان إماماً في الفقه والأصول والتفسير، بصيراً بالعربية". أهم مصنفاته "الحاوي" في الفقه و "النكت" في التفسير و "الأحكام السلطانية" و "أدب الدنيا والدين" و "أعلام النبوة". توفي سنة 450هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 423، طبقات المفسرين للسيوطي ص25، شذرات الذهب 3/ 286، وفيات الأعيان 2/ 444، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 267".

لا يَخْتَلِفُ، وَإِنَّ التَّجَرُّبِيَّ1 يَخْتَلِفُ"2. وَحَمَلَ الطُّوفِيُّ الْخِلافَ عَلَى ذَلِكَ3. وَ "لا" يَخْتَلِفُ مَا يُدْرَكُ "بِالْحَوَاسِّ. وَلا" 4يَخْتَلِفُ أَيْضًا "الإِحْسَاسُ4 قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: "الإِحْسَاسُ وَمَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ

_ 1 في ش: التجزؤ، وهو خطأ. والمراد بالتجربي: ما يستفاد من التجارب، فإنه يسمى عقلاً، حكى ذلك الشهاب بن تيمية في المسودة ص559، وذكره الغزالي فقال: يطلق العقل على العلوم المستفادة من التجربة، حتى إن الم تحنكه التجارب بهذا الاعتبار لا يسمى عاقلاً. "المستصفى 1/ 23، وانظر عمدة القاري 3/ 271". 2 ونص كلام الماوردي: "واعلم أنه بالعقل تعرف حقائق الأمور، ويفصل بين الحسنات والسيئات. وقد ينقسم قسمين: غريزي ومكتسب. فالغريزي: هو العقل الحقيقي، وله حدّ يتعلق به التكليف، لا يجاوزه إلى زيادة، ولا يقصر عنه إلى نقصان، وبه يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان، فإذا تمَّ في الإنسان سمي عقلاً، وخرج به إلى حدّ الكمال ... وأما العقل المكتسب: فهو نتيجة العقل الغريزي، وهو نهاية المعرفة وصحة السياسة وإصابة الفكرة، وليس لهذا حدّ، لأنه ينمو إن استعمل، وينقص إن أهمل ... الخ" "أدب الدنيا والدين ص3، 5". 3 قال الشيخ زكريا الأنصاري: "وفي تفاوت العقول قولان "أحدهما" نعم، نظراً إلى كثرة التعليقات، لتفاوت العلم بها. وعليه المحققون. "الثاني": لا، لأن العقل في ذاته واحد. وفي الحقيقة لا خلاف، لأن الأول ينظر إلى التعليقات، والثاني لا ينظر إليها". "فتح الرحمن ص22" وقد بحث الغزالي في "الإحياء" موضوع تفاوت العقول بحثاً مستفيضاً، وخلاصته أن العقول تتفاوت إذا أردنا بالعقل الغريزة التي يتهيأ بها الإنسان لإدراك العلوم النظرية، أو أردنا به علوم التجارب، أو أردنا به استيلاء القوة على قمع الشهوات المفضية إلى الندامة. أما إذا عنينا به العلم الضروري بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، فإنه لا يتطرق إليه التفاوت بهذا المعنى. "انظر إحياة علوم الدين 1/ 121 وما بعدها". 4 في ز: ما يدرك بالإحساس.

لا1 يَخْتَلِفُ، بِخِلافِ مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ2. فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ مَا يُدْرَكُ بِهِ. وَهُوَ التَّمْيِيزُ وَالْفِكْرُ. [فَيَقِلُّ فِي حَقِّ بَعْضِهِمْ، وَيَكْثُرُ فِي حَقِّ بَعْضٍ] 3 فَلِهَذَا يَخْتَلِفُ"4 انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: [وَهَذَا] 5 يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعِلْمَ الْحِسِّيَّ لَيْسَ مِنْ الْعَقْلِ". قَالَ: "وَلَنَا فِي الْمَعْرِفَةِ الإِيمَانِيَّةِ فِي الْقَلْبِ: هَلْ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ؟ رِوَايَتَانِ. فَإِذَا قِيلَ: إنَّ النَّظَرِيَّ لا يَخْتَلِفُ. فَالضَّرُورِيُّ أَوْلَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ جِنْسِ مَسْأَلَةِ الإِيمَانِ، وَإِنَّ الأَصْوَبَ: أَنَّ الْقُوَى الَّتِي هِيَ الإِحْسَاسُ6 وَسَائِرُ الْعُلُومِ وَالْقُوَى تَخْتَلِفُ"7 انْتَهَى.

_ 1 في ش: لا وقال الشيخ تقي الدين يختلفان. 2في ز: العقل. 3 زيادة من الرواية عن إبي يعلى المذكورة في "المسودة" ص558. 4 انظر المسودة ص557 وما بعدها. 5 زيادة من المسودة. 6 في المسودة: الإحساسات. 7 المسودة ص588. ونص الشيخ تقي الدين بن تيمية بكامله ساقط من ز ع ض..

"فَصْلٌ" "الْحَدُّ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ "الْمَنْعُ" وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا؛ لأَنَّهُ يَمْنَعُ مَنْ يَدْخُلُ الدَّارَ، وَالْحُدُودُ حُدُودًا، لأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى الْمَعْصِيَةِ، وَإِحْدَادُ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّتِهَا، لأَنَّهَا1 تُمْنَعُ2 مِنْ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ، وَسُمِّيَ التَّعْرِيفُ حَدًّا لِمَنْعِهِ الدَّاخِلَ مِنْ الْخُرُوجِ، وَالْخَارِجَ مِنْ الدُّخُولِ3. "وَ" الْحَدُّ "اصْطِلاحًا" أَيْ فِي الاصْطِلاحِ: "الْوَصْفُ الْمُحِيطُ بِمَوْصُوفِهِ". وَفِي "التَّحْرِيرِ": "الْمُحِيطُ بِمَعْنَاهُ"، أَيْ بِمَعْنَى الْمَحْدُودِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: حَدُّ الشَّيْءِ الْوَصْفُ الْمُحِيطُ بِمَعْنَاهُ "الْمُمَيِّزُ لَهُ" أَيْ لِلْمَحْدُودِ "عَنْ غَيْرِهِ"4. وَكِلا اللَّفْظَيْنِ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. لَكِنْ مَا قُلْنَاهُ أَوْضَحُ. وَمَا فِي "التَّحْرِيرِ" حَكَاهُ عَنْ الْعَسْقَلانِيِّ5 شَارِحِ الطُّوفِيِّ6.

_ 1 ساقطة من ب. 2 في د ض ب: تمتنع. 3 انظر القاموس المحيط 1/ 296، المصباح المنير ص 194 وما بعدها، مفردات الراغب ص 108. 4 تعريف الحد الذي عزاه للتحرير هو قول الراغب الأصبهاني "انظر المفردات ص108". 5 هو علاء الدين علي بن محمد بن علي الكناني العسقلاني الحنبلي، قاضي دمشق. قال ابن العماد: "كان فاضلاً متواضعاً ديّناً عفيفاً". توفي سنة 776هـ. وذكر السخاوي في ذيله على رفع الإصر أنه شرح مختصر الطوفي، ومات عنه مسودة، فبيضه بعد وفاته حفيده من ابنته القاضي عز الدين أبو البركات أحمد بن إبراهيم بن نصر الله الكناني العسقلاني الحنبلي المتوفي سنة 876هـ. "انظر شذرات الذهب 6/ 243، الذيل على رفع الإصر ص29، المدخل إلى مذهب أحمد ص239". 6 للشيخ الطوفي سليمان بن عبد القوي المتوفي سنة 716 هـ، مختصر لروضة ابن قدامة في أصول الفقه. قال الحافظ ابن حجر عنه: "إنه اختصره على طريقة ابن الحاجب، حتى أنه استعمل أكثر ألفاظ المختصر، وشرح مختصره شرحاً حسناً". كما شرحه أيضاً القاضي علاء الدين العسقلاني. "انظر الدرر الكامنة 2/250، المدخل إلى مذهب أحمد ص238 وما بعدها".

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ1: "قِيلَ حَدُّ الشَّيْءِ نَفْسُهُ2 وَذَاتُهُ. وَقِيلَ: هُوَ اللَّفْظُ الْمُفَسِّرُ لِمَعْنَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَجْمَعُ وَيَمْنَعُ"3. انْتَهَى. وَقِيلَ: هُوَ شَرْحُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِطَرِيقِ الإِجْمَالِ4. وَقَدَّمَ5 فِي6 "نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ": أَنَّهُ قَوْلٌ يَكْشِفُ حَقِيقَةَ الْمَحْدُودِ وَذَكَرَ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ7. "وَهُوَ" أَيْ الْحَدُّ "أَصْلُ كُلِّ عِلْمٍ" قَالَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ8 - مِنْ أَصْحَابِنَا-: الْحَدُّ عَلَى9 الْحَقِيقَةِ أَصْلُ كُلِّ عِلْمٍ فَمَنْ لا

_ 1 هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي الشافعي، أبو حامد، الملقب بحجة الإسلام. قال ابن السبكي: "جامع أشتات العلوم، والبرِّز في المنقول منها والمفهوم". صاحب التصانيف المفيدة في الفنون العديدة كـ"المستصفى" و "المنخول" في أصول الفقه و "الوسيط" و "البسيط" و "الوجيز" و "الخلاصة" في الفقه و "إحياء علوم الدين" و "تهافت الفلاسفة" و "معيار العلم" و "المنقذ من الضلال". توفي سنة 505هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 6/ 191-389، وفيات الأعيان 3/ 353، شذرات الذهب 4/ 10". 2 في المستصفى: حقيقته. 3 المستصفى 1/ 21. 4 قاله القرافي. "شرح تنقيح الفصول ص4". 5 أي ابن حمدان، أحمد بن حمدان بن شبيب الحنبلي المتوفي سنة 695هـ. 6 في ش: في طريق. 7 انظر تفصيل الكلام على الحد وأقسامه وشروطه "المستضفى 1/ 12، روضة الناظر وشرحها لبدران 1/ 26، العضد على ابن الحاجب 1/ 68، المحلي على جمع الجوامع 1/ 132، شرح تنقيح الفصول ص4، تحرير القواعد المنطقية ص78، فتح الرحمن ص45، إيضاح المبهم ص9، كشف الأسرار 1/ 21، مفردات الراغب ص108، التعريفات ص87، اللمع ص2، الحدود ص23، عليش على شرح ايساغوجي ص60". 8 هو اسماعيل بن علي بن الحسين البغدادي الأزجي الحنبلي، الفقيه الأصولي النظّار المتكلم، الملقب بفخر الدين، والمشهور بغلام ابن المنّي. قال المنذري: "وكانت له معرفة حسنة بالفقه والجدل، وتكلم في مسائل الكلام. وكان حسن الكلام". له تصانيف في الخلاف والجدل، منا "التعليقة" المشهورة و "والمفردات" و "جَنّة الناظر وجُنّة المناظر" في الجدل. توفي سنة 610هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 66، شذرات الذهب 5/ 41، التكملة لوفيات النقلة 4/ 59". 9 في ض: في.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ1: "قِيلَ حَدُّ الشَّيْءِ نَفْسُهُ2 وَذَاتُهُ. وَقِيلَ: هُوَ اللَّفْظُ الْمُفَسِّرُ لِمَعْنَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَجْمَعُ وَيَمْنَعُ"3. انْتَهَى. وَقِيلَ: هُوَ شَرْحُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِطَرِيقِ الإِجْمَالِ4. وَقَدَّمَ5 فِي6 "نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ": أَنَّهُ قَوْلٌ يَكْشِفُ حَقِيقَةَ الْمَحْدُودِ وَذَكَرَ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ7. "وَهُوَ" أَيْ الْحَدُّ "أَصْلُ كُلِّ عِلْمٍ" قَالَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ8 - مِنْ أَصْحَابِنَا-: الْحَدُّ عَلَى9 الْحَقِيقَةِ أَصْلُ كُلِّ عِلْمٍ فَمَنْ لا

_ 1 هو محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي الشافعي، أبو حامد، الملقب بحجة الإسلام. قال ابن السبكي: "جامع أشتات العلوم، والبرِّز في المنقول منها والمفهوم". صاحب التصانيف المفيدة في الفنون العديدة كـ"المستصفى" و "المنخول" في أصول الفقه و "الوسيط" و "البسيط" و "الوجيز" و "الخلاصة" في الفقه و "إحياء علوم الدين" و "تهافت الفلاسفة" و "معيار العلم" و "المنقذ من الضلال". توفي سنة 505هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 6/ 191-389، وفيات الأعيان 3/ 353، شذرات الذهب 4/ 10". 2 في المستصفى: حقيقته. 3 المستصفى 1/ 21. 4 قاله القرافي. "شرح تنقيح الفصول ص4". 5 أي ابن حمدان، أحمد بن حمدان بن شبيب الحنبلي المتوفي سنة 695هـ. 6 في ش: في طريق. 7 انظر تفصيل الكلام على الحد وأقسامه وشروطه "المستضفى 1/ 12، روضة الناظر وشرحها لبدران 1/ 26، العضد على ابن الحاجب 1/ 68، المحلي على جمع الجوامع 1/ 132، شرح تنقيح الفصول ص4، تحرير القواعد المنطقية ص78، فتح الرحمن ص45، إيضاح المبهم ص9، كشف الأسرار 1/ 21، مفردات الراغب ص108، التعريفات ص87، اللمع ص2، الحدود ص23، عليش على شرح ايساغوجي ص60". 8 هو اسماعيل بن علي بن الحسين البغدادي الأزجي الحنبلي، الفقيه الأصولي النظّار المتكلم، الملقب بفخر الدين، والمشهور بغلام ابن المنّي. قال المنذري: "وكانت له معرفة حسنة بالفقه والجدل، وتكلم في مسائل الكلام. وكان حسن الكلام". له تصانيف في الخلاف والجدل، منا "التعليقة" المشهورة و "والمفردات" و "جَنّة الناظر وجُنّة المناظر" في الجدل. توفي سنة 610هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 66، شذرات الذهب 5/ 41، التكملة لوفيات النقلة 4/ 59". 9 في ض: في.

الدِّينِ"، وَالطُّوفِيُّ فِي "شَرْحِهِ"1. فَقَالُوا: كَوْنُهُ مُطَّرِدًا هُوَ الْجَامِعِ. وَكَوْنُهُ مُنْعَكِسًا هُوَ الْمَانِعُ2. وَيَجِبُ مُسَاوَاةُ الْحَدِّ لِلْمَحْدُودِ، لأَنَّهُ إنْ كَانَ أَعَمَّ فَلا دَلالَةَ لَهُ عَلَى الأَخَصِّ وَلا يُفِيدُ التَّمْيِيزَ. وَإِنْ كَانَ أَخَصَّ فَلأَنَّهُ أَخْفَى. لأَنَّهُ أَقَلُّ وُجُودًا مِنْهُ، وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ لا يَكُونَ فِي لَفْظِهِ مَجَازٌ وَلا مُشْتَرَكٌ، لأَنَّ الْحَدَّ مُمَيِّزٌ لِلْمَحْدُودِ، وَلا يَحْصُلُ الْمَيْزُ3 مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا4. "وَهُوَ" أَيْ: الْحَدُّ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: الأَوَّلُ: "حَقِيقِيٌّ تَامٌّ"5 وَهُوَ الأَصْلُ. وَإِنَّمَا يَكُونُ حَقِيقًا تَامًّا "إنْ

_ 1 بعد أن اختصر الطوفي روضة ابن قدامة، شرح مختصره هذا في مجلدين، قال الحافظ ابن حجر عنه: إنه شرح حسن، وقال ابن بدران: "إنه حقق فيه فن الأصول، وأبان فيه عن باع واسع في هذا الفن واطلاع وافر، وبالجملة فهو أحسن ما صنف في هذا الفن وأجمعه وأنفعه. مع سهولة العبارة وسبكها في قالب يدخل القلوب بلا استئذان". "انظر المدخل إلى مذهب أحمد ص238، الدرر الكامنة 2/ 250". 2 انظر شرح تنقيح الفصول للقرفي ص7. 3 في ش د ع: المميز. 4 إذا الاشتراك مخل بفهم المعنى المقصود، كما أن الغالب تبادر المعاني الحقيقية إلى الفهم دون المجازية، بَيْدَ أنَّ المحققين من الأصوليين والمتكلمين ذهبوا إلى جواز دخول الألفاظ المجازية والمشتركة في الحدود إذا كانت هناك قرينة تدل على المراد. "انظر المستصفى 1/ 16، شرح تنقيح الفصول ص9، تحرير القواعد المنطقية ص81، إيضاح المبهم ص9، فتح الرحمن ص47، العضد على ابن الحاجب 1/ 38، كشف الأسرار 1/ 21". 5 ويتركب من الجنس والفصل القريبين. وإنما سُمَي تامّاً لذكر جميع الذاتيات فيه. "انظر تحرير القواعد المنطقية ص79، شرح زكريا الأنصاري على إيساغوجي ص63، فتح الرحمن ص45".

أَنْبَأَ عَنْ ذَاتِيَّاتِ1 الْمَحْدُودِ الْكُلِّيَّةِ2 الْمُرَكَّبَةِ3" كَقَوْلِك: مَا الإِنْسَانُ؟ فَيُقَالُ: حَيَوَانٌ نَاطِقٌ4. "وَلِذَا" أَيْ وَلِهَذَا الْقِسْمِ "حَدٌّ وَاحِدٌ" لأَنَّ ذَاتَ الشَّيْءِ لا يَكُونُ لَهَا حَدَّانِ. فَإِنْ قِيلَ: جَمِيعُ ذَاتِيَّاتِ الشَّيْءِ عَيْنُ الشَّيْءِ، وَالشَّيْءُ لا يُفَسِّرُ نَفْسَهُ؟ فَالْجَوَابُ: إنَّ دَلالَةَ الْمَحْدُودِ: مِنْ حَيْثُ الإِجْمَالُ، وَدَلالَةُ الْحَدِّ: مِنْ حَيْثُ

_ 1 المراد بالذاتي: كل وصف يدخل في ماهية الشيء وحقيقته دخولاً لا يتصور فهم معناه بدون فهمه. كالجسمية للفرس، واللونية للسوداء. فإن من فهم الفرس، فقد فهم جسماً مخصوصاً؛ فالجسمية دَاخلة في ذات الفرسية دخولاً به قوامها في الوجود والعقل، بحيث لو قُدّر عدمها في العقل، لبطل وجود الفرس، ولو خرجت عن الذهن لبطل فهم الفرس. وقد احترز المصنف بقوله "ذاتيات المحدود" عن عرضياته. "انظر المستصفى 1/ 13، العضد على ابن الحاجب 1/ 72، روضة الناظر وشرحها لبدران 1/ 29". 2 المراد بالكلّي: مالا يمنع نفس تصور مفهومه من وقوع الشركة فيه، بحيث يصح حمله على كل فرد من أفراده: كالإنسان: فإنَّ مفهومه إذا تصور لم يمنع من صدقه على كثيرين، بأن تقول: زيد إنسان، وعمرو إنسان، وبكر إنسان.. الخ "شرح الأنصاري على إيساغوجي وحاشية عليش عليه ص39، فتح الرحمن ص53". قال الجراجاني: وقد احترز بالكليّة عن المشَخَّصات التي هي ذاتيات للأشخاص من حيث هي أشخاص، إذ لا يتركب الحد منها، فإن الأشخاص لا تحدّ، بل طريق إدراكها الحواس الظاهرة أو الباطنة، وإنما الحدّ للكليات المرتسمة في العقل دون الجزئيات المنطبعة في الآلات. "حاشية الجرجاني على شرح العضد 1/ 69 وما بعدها". 3 المراد بالمركبة: أي التي رُكَب بعضها مع بعض على ما ينبغي، لأنها فرادى لا تفيد الحقيقة لفقد الصورة، فينتفي الحد الحقيقي التام. "انظر شرح العضد وحاشية الجرجاني عليه 1/ 69 وما بعدها". 4 سبق أن بينا المراد بالحيوان في ص71، أما الناطق، فالمراد به في هذا المقام: المحصّل للعلوم بقوة الفكر، وليس المقصود به النطق اللساني، لأن الأخرس والساكت يعتبر إنساناً. "شرح تنقيح الفصول ص13".

التَّفْصِيلُ. فَلَيْسَ عَيْنَهُ1 مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. فَصَحَّ تَعْرِيفُهُ بِهِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ اللَّفْظَانِ مُتَرَادِفَيْنِ إلاَّ إذَا كَانَ الْحَدُّ2 لَفْظِيًّا عَلَى مَا يَأْتِي: "وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي: حَقِيقِيٌّ "نَاقِصٌ"3 وَلَهُ صُورَتَانِ، أُشِيرَ إلَى الأُولَى مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ "إنْ كَانَ بِفَصْلٍ قَرِيبٍ فَقَطْ" كَقَوْلِنَا: مَا الإِنْسَانُ؟ فَيُقَالُ: النَّاطِقُ وَأُشِيرَ إلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ "أَوْ مَعَ جِنْسٍ بَعِيدٍ" أَيْ إنْ كَانَ الْحَدُّ بِفَصْلٍ قَرِيبٍ مَعَ جِنْسٍ بَعِيدٍ، كَقَوْلِنَا: مَا الإِنْسَانُ؟ فَيُقَالُ: جِسْمٌ نَاطِقٌ. فَالْجِنْسُ الْبَعِيدُ: هُوَ الْجِسْمُ. وَالْفَصْلُ الْقَرِيبُ هُوَ النَّاطِقُ4.

_ 1 في ش: عليه. 2 في ش: المحدود. 3 وإنما سمي ناقصاً لعدم ذكر جميع الذاتيات فيه. "شرح الأنصاري على إيساغوجي ص66، تحرير القواعد المنطقية ص80". 4 تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الكلي إن كان داخلاً في الذات، بحيث يكون جزءاً من المعنى المدلول للّفظ، فيقال له كلي ذاتي، كالحيوان الناطق بالنسبة للإنسان. وإن كان خارجاً عن الذات بأن لم يكن كذلك، فيسمى كلّياً عرضياً، كالماشي والضاحك بالنسبة له. والكلي الذاتي: إما أن يكون مشتركاً بين الماهية وبين غيرها وإما يكون مختصاً بها. فالأول يسمى "جنساً"، كالحيوان بالنسبة للإنسان. والثاني يسمى "فصلاً" كالناطق بالنسبة له. والكلّي العرضي إما أن يكون مشتركاً بين الماهية وبين غيرها وإما أن يكون مختصاً بها. فإن كان مشتركاً بين الماهية وغيرها، فيسمى "عرضاً عامّاً" كالماشي بالنسبة للإنسان. وإن كان خاصاً بها فيسمى "خاصّة"، كالضحك بالنسبة له. والكلّي الذي هو عبارة عن نفس الماهية، كالإنسان، فإنه عبارة عن مجموع الحيوان الناطق، فيسمى "نوعاً". فهذه هي الكليات الخمس التي هي مبادئ التصورات. ثم إن الجنس ثلاثة أقسام: قريب كالحيوان بالنسبة للإنسان. وبعيد: كالجسم بالنسبة له. ومتوسط: كالجسم النامي بالنسبة له. أما الفصل فينقسم إلى قسمين: قريب وبعيد. فالقريب كالناطق بالنسبة للإنسان. والبعيد كالحسّاس بالنسبة له. "انظر تفصيل الموضوع في تحرير القواعد المنطقية ص46 وما بعدها، شرح الأنصاري على إيساغوجي وحاشية عليش عليه ص43 وما بعدها. إيضاح المبهم ص7. العضد على ابن الحاجب 1/ 76 وما بعدها، فتح الرحمن ص54، المنطق لمحمد المبارك عبد الله ص27 وما بعدها".

"وَ" الْقِسْمُ الثَّالِثُ: "رَسْمِيٌّ" أَيْ لَيْسَ بِحَقِيقِيٍّ، وَهُوَ "تَامٌّ إنْ كَانَ بِخَاصَّةٍ مَعَ جِنْسٍ قَرِيبٍ" كَقَوْلِنَا: مَا الإِنْسَانُ؟ فَيُقَالُ: حَيَوَانٌ ضَاحِكٌ. فَالْجِنْسُ الْقَرِيبُ: هُوَ الْحَيَوَانُ، وَالْخَاصَّةُ: هُوَ الضَّاحِكُ. "وَ" الْقِسْمُ الرَّابِعُ: رَسْمِيٌّ "نَاقِصٌ" وَلَهُ صُورَتَانِ، أُشِيرَ إلَى الأُولَى مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ "إنْ كَانَ بِهَا" أَيْ بِالْخَاصَّةِ "فَقَطْ" كَـ"الإِنْسَانِ1 ضَاحِكٌ2". وَأُشِيرَ إلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الرَّسْمِيِّ النَّاقِصِ بِقَوْلِهِ "أَوْ مَعَ جِنْسٍ بَعِيدٍ": أَيْ إنْ كَانَ الْحَدُّ بِالْخَاصَّةِ مَعَ جِنْسٍ3 بَعِيدٍ. كَـ"الإِنْسَانِ جِسْمٌ ضَاحِكٌ". "وَ" الْقِسْمُ الْخَامِسُ: مِنْ أَقْسَامِ الْحَدِّ: "لَفْظِيٌّ: إنْ كَانَ" الْحَدُّ "بِـ" لَفْظٍ "مُرَادِفٍ أَظْهَرَ" أَيْ هُوَ أَشْهَرُ عِنْدَ السَّائِلِ مِنْ الْمَسْئُولِ عَنْهُ. كَمَا لَوْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الْخَنْدَرِيسُ؟ فَيُقَالُ لَهُ: هُوَ4 الْخَمْرُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. "وَيَرِدُ عَلَيْهِ": أَيْ عَلَى الْحَدِّ فِي فَنِّ الْجَدَلِ "النَّقْضُ وَالْمُعَارَضَةُ" قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": عِنْدَ الأَكْثَرِ. قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي "شَرْحِ التَّنْقِيحِ": "فَإِنْ قُلْت: إذَا لَمْ يُطَالِبْ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِّ بِالدَّلِيلِ5 وَنَحْنُ نَعْتَقِدُ بُطْلانَهُ فَكَيْفَ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ؟ قُلْت: الطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَمْرَانِ:

_ 1 في ش: كالإنسان جسم. 2 ساقطة من ع. 3 في ب: الجنس. 4 ساقطة من ش. 5 في ش: بدليل.

أَحَدُهُمَا: النَّقْضُ كَمَا لَوْ قَالَ: الإِنْسَانُ عِبَارَةٌ عَنْ الْحَيَوَانِ. فَيُقَالُ: [لَهُ] 1: يُنْتَقَضُ عَلَيْك بِالْفَرَسِ. فَإِنَّهُ حَيَوَانٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ. وَثَانِيهِمَا: الْمُعَارَضَةُ: كَمَا لَوْ قَالَ: الْغَاصِبُ مِنْ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ، لأَنَّهُ غَاصِبٌ، أَوْ وَلَدُ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونٌ، لأَنَّهُ مَغْصُوبٌ، لأَنَّ2 حَدَّ الْغَاصِبِ: "مَنْ وَضَعَ يَدَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ". وَهَذَا وَضَعَ يَدَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَيَكُونُ غَاصِبًا. فَيَقُولُ الْخَصْمُ: أُعَارِضُ هَذَا الْحَدَّ بِحَدٍّ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ حَدَّ الْغَاصِبِ: "مَنْ رَفَعَ الْيَدَ الْمُحِقَّةَ وَوَضَعَ الْيَدَ الْمُبْطِلَةَ". وَهَذَا لَمْ يَرْفَعْ الْيَدَ الْمُحِقَّةَ، فَلا يَكُونُ غَاصِبًا"3. "لا الْمَنْعُ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يَرِدُ الْمَنْعُ عَلَى4 الْحَدِّ. قَالَ فِي "التَّحْرِيرِ": فِي الأَصَحِّ. ثُمَّ قَالَ فِي "الشَّرْحِ": وَمَا قِيلَ بِالْجَوَازِ فَخَطَأٌ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ غَالِبًا. وَلِهَذَا لا يَجُوزُ مَنْعُ النَّقْلِ لِتَكْذِيبِ5 النَّاقِلِ، وَلأَنَّهُ لا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلاَّ بِالْبُرْهَانِ، وَهُمَا مُقَدِّمَتَانِ. فَطَالِبُ الْحَدِّ يَطْلُبُ تَصَوُّرَ كُلِّ مُفْرَدٍ. فَإِذَا أَتَى الْمَسْئُولُ بِحَدِّهِ وَمُنِعَ، احْتَاجَ فِي إثْبَاتِهِ إلَى6 مِثْلِ7 الأَوَّلِ، وَتَسَلْسَلَ. ثُمَّ لِلْجَدَلِ اصْطِلاحٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى أَرْبَابِهِ.

_ 1 زيادة من شرح التنقيح. 2 في ع ض: لأن بيان. 3 شرح تنقيح الفصول ص7، 8. والفقرة السابقة لهذا النص: "قاعدة: أربعة لايقام عليها برهان، ولا يُطلب عليها دليل، ولا يقال فيها لِمَ؟ فإن ذلك كله نمط واحد، وهي: الحدود والعوئد والإجماع والاعتقادات الكائنة في النفوس. فلا يطلب دليل على كونها في النفوس، بل على صحة وقوعها في نفس الأمر. فإن قلت: ... الخ". 4 في ش: في. 5 في ب ض ع: كتكذيب. 6 ساقطة من ش. 7 ساقطة من ب.

فصل في اللغة

"فَصْلٌ"فِي اللُّغَةِ وَأَصْلُهَا: لِغْوَةٌ، عَلَى وَزْنِ فِعْلَةٌ. مِنْ لَغَوْت: إذَا تَكَلَّمْت. وَهِيَ تَوْقِيفٌ وَوَحْيٌ، لا اصْطِلاحٌ وَتَوَاطُؤٌ عَلَى الأَشْهَرِ1. وَذَلِكَ لِمَا رَوَى وَكِيعٌ2 فِي "تَفْسِيرِهِ" بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ3 فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} 4. قَالَ "عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ. حَتَّى عَلَّمَهُ الْقَصْعَةَ وَالْقُصَيْعَةَ، وَالْفَسْوَةَ وَالْفُسَيَّةَ"5 وَلِمَا رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ6 فِي "تَفْسِيرِهِ" مِنْ

_ 1 انظر تحقيق مسألة اللغة هل هي توقيف أم اصطلاح في "المزهر 1/ 16 وما بعدها، المستصفى 1/ 318 وما بعدها، إرشاد الفحول ص12 وما بعدها، المسودة ص562، المحلي على جمع الجوامع 1/ 269 وما بعدها، نهاية السول 1/ 211، العضد على ابن الحاجب 1/ 194 وما بعدها، الخصائص 1/ 40 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 73 وما بعدها، الصاحبي ص31 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 183، التمهيد للأسنوي ص31". 2 هو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، الإمام الحافظ الثبت، محدث العراق. قال أحمد: "ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع". أشهر مصنفاته "التفسير" توفي سنة 197هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 2/ 357، طبقات الحنابلة 1/ 391، شذرات الذهب 1/ 349". 3 هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، حبر الأمة، وترجمان القرآن، وأحد الستة المكثرين من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا له النبي عليه الصلاة والسلام بقوله "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" توفي بالطائف سنة 68هـ. "انظر ترجمته في الإصابة 2/ 232، الاستيعاب 2/ 350، شذرات الذهب 1/ 75، طبقات المفسرين للداودي 1/ 232، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 274". 4 الآية 31 من البقرة. 5 تفسير الطبري 1/ 215. 6 هو محمد بن جرير بن يزيد، أبو جعفر الطبري، الإمام الجليل والمجتهد المطلق. قال الخطيب البغدادي: "كان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم مالم يشاركه فيه أحد من أهل عصره". له كتاب "التفسير" و "التاريخ" و "اختلاف العلماء" و "التبصير في أصول الدين" وغيرها. توفي سنة 310هـ. "نظر ترجمته في وفيات الأعيان 3/ 332، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 120، شذرات الذهب 2/ 260، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 78، المنتظم 6/ 170".

طَرِيقِ الضَّحَّاكِ1 إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} . قَالَ: "هِيَ هَذِهِ الأَسْمَاءُ الَّتِي يَتَعَارَفُ بِهَا النَّاسُ الآنَ نَحْوُ2: إنْسَانٌ، دَابَّةٌ، أَرْضٌ، سَهْلٌ، بَحْرٌ، جَبَلٌ، حِمَارٌ. وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنْ الأَسْمَاءِ3 وَغَيْرِهَا"4. ثُمَّ إنَّ أَلْفَاظَ اللُّغَةِ5 تَنْقَسِمُ إلَى مُتَوَارِدَةٍ، وَإِلَى مُتَرَادِفَةٍ. فَالْمُتَوَارِدَةُ: كَمَا تُسَمَّى الْخَمْرُ عُقَارًا. تُسَمَّى6 صَهْبَاءَ وَقَهْوَةً، وَالسَّبُعَ: لَيْثًا، وَأَسَدًا وَضِرْغَامًا. وَالْمُتَرَادِفَةُ: هِيَ الَّتِي يُقَامُ لَفْظٌ مَقَامَ لَفْظٍ، لَمَعَانٍ مُتَقَارِبَةٍ، يَجْمَعُهَا مَعْنًى وَاحِدٌ، كَمَا يُقَالُ: أَصْلَحَ الْفَاسِدَ. وَلَمَّ الشَّعَثَ، وَرَتَقَ الْفَتْقَ، وَشَعَبَ الصَّدْعَ7. وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبَلِيغُ فِي بَلاغَتِهِ. فَبِحُسْنِ الأَلْفَاظِ وَاخْتِلافِهَا

_ 1 هو الضحاك بن مز احم الهلالي، أبو القاسم الخراساني المفسر، روى عنه تفسيره عبيد بن سليمان. توفي سنة 102هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 216، شذرات الذهب 1/ 124". 2 ساقطة من ش ز ع. 3 في ش: الأمم. 4 تفسير الطبري 1/ 215. 5 أي التي بمعنى واحد. "المزهر 1/ 406". 6 في ش: تسميه. 7 تقسيم الألفاظ التي بمعنى واحد إلى متواردة ومترادفة قاله الكيا الهراسي في تعليقته في الأصول، ونقله عنه السيوطي في المزهر وقال عنه: إنه تقسيم غريب. "انظر المزهر 1/ 406".

عَلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ تُرَصَّعُ الْمَعَانِي فِي الْقُلُوبِ، وَتَلْتَصِقُ بِالصُّدُورِ، وَتَزِيدُ حُسْنَهُ وَحَلاوَتَهُ بِضَرْبِ الأَمْثِلَةِ وَالتَّشْبِيهَاتِ الْمَجَازِيَّةِ1. ثُمَّ تَنْقَسِمُ الأَلْفَاظُ أَيْضًا إلَى مُشْتَرَكَةٍ، وَإِلَى عَامَّةٍ مُطْلَقَةٍ، - وَتُسَمَّى مُسْتَغْرِقَةً- وَإِلَى مَا هُوَ مُفْرَدٌ بِإِزَاءِ مُفْرَدٍ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ2. وَالدَّاعِي إلَى ذِكْرِ اللُّغَةِ هَاهُنَا: لِكَوْنِهَا مِنْ الأُمُورِ الْمُسْتَمَدِّ مِنْهَا هَذَا الْعِلْمُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الاسْتِدْلال مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اللَّذَيْنِ هُمَا أَصْلُ الإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ، وَكَانَا أَفْصَحَ الْكَلامِ الْعَرَبِيِّ: اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَةِ لُغَةِ الْعَرَبِ، لِتَوَقُّفِ الاسْتِدْلالِ مِنْهُمَا عَلَيْهَا. فَإِنْ قِيلَ: مَنْ سَبَقَ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، إنَّمَا كَانَ مَبْعُوثًا لِقَوْمِهِ خَاصَّةً فَهُوَ مَبْعُوثٌ بِلِسَانِهِمْ، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3 مَبْعُوثٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ. فَلِمَ لَمْ يُبْعَثْ بِجَمِيعِ الأَلْسِنَةِ، وَلَمْ يُبْعَثْ إلاَّ بِلِسَانِ بَعْضِهِمْ، وَهُمْ الْعَرَبُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَوْ بُعِثَ بِلِسَانِ جَمِيعِهِمْ، لَكَانَ كَلامُهُ خَارِجًا عَنْ الْمَعْهُودِ، وَيَبْعُدُ بَلْ يَسْتَحِيلُ - أَنْ تَرِدَ كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ مُكَرَّرَةً بِكُلِّ الأَلْسِنَةِ. فَيَتَعَيَّنُ الْبَعْضُ. وَكَانَ لِسَانُ الْعَرَبِ أَحَقَّ، لأَنَّهُ أَوْسَعُ وَأَفْصَحُ، وَلأَنَّهُ لِسَانُ الْمُخَاطَبِينَ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ.

_ 1 انظر المزهر 1/ 37. 2 انظر المزهر 1/ 38. 3 في ش: مثلهم.

وَلَمَّا خَلْقَ اللَّهُ تَعَالَى النَّوْعَ الإِنْسَانِيَّ، وَجَعَلَهُ مُحْتَاجًا لأُمُورٍ لا يَسْتَقِلُّ بِهَا، بَلْ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْمُعَاوَنَةِ: كَانَ لا بُدَّ لِلْمُعَاوِنِ مِنْ الاطِّلاعِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْمُحْتَاجِ بِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ: مِنْ لَفْظٍ، أَوْ إشَارَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ مِثَالٍ أَوْ نَحْوِهِ1. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَ "اللُّغَةُ" فِي الدَّلالَةِ عَلَى ذَلِكَ "أَفْيَدُ" أَيْ أَكْثَرُ فَائِدَةً "مِنْ غَيْرِهَا" لأَنَّ اللَّفْظَ يَقَعُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ، وَالْحَاضِرِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ "وَأَيْسَرُ لِخِفَّتِهَا" لأَنَّ الْحُرُوفَ كَيْفِيَّاتٌ تَعْرِضُ لِلنَّفَسِ الضَّرُورِيِّ، فَلا يَتَكَلَّفُ لَهَا مَا يَتَكَلَّفُ لِغَيْرِهَا2. "وَسَبَبُهَا" أَيْ سَبَبُ وَضْعِهَا "حَاجَةُ النَّاسِ" إلَيْهَا. قَالَ3 إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ4: "إنَّ الإِنْسَانَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُكْتَفِيًا بِنَفْسِهِ فِي مُهِمَّاتِهِ وَمُقِيمَاتِ مَعَاشِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَسْتَرْفِدَ الْمُعَاوَنَةَ5 مِنْ غَيْرِهِ * وَلِهَذَا الْمَعْنَى اتَّخَذَ النَّاسُ الْمُدُنَ لِيَجْتَمِعُوا وَيَتَعَاوَنُوا"6. انْتَهَى.

_ 1 انظر إرشاد الفحول ص14، نهاية السول 1/ 208. 2 انظر المحلي على جمع الجوامع 1/ 261، نهاية السول 1/ 205، إرشاد الفحول ص14. 3 من هنا حتى نص الماوردي في الصفحة التالية ساقطة من ز. 4 هو على بن محمد بن علي، أبو الحسن، عماد الدين الطبري المعروف بالكِيَا الهرّاسي، أحد فحول العلماء فقهاً وأصولاً وجدلاً وحفضاً للحديث. له كتاب في أصول الفقه وله كتاب في الجدل سماه "شفاء المسترشدين" وله كتب غيرها. توفي سنة 504هـ. "انظر ترجمته في وفيات الأعيان 2/ 448، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 231، شذرات الذهب 4/ 8، المنتظم 9/ 167". 5 في ش ع: المعاون. 6 انظر المزهر 1/ 36.

قَالَ: بَعْضُهُمْ 1: "وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَوَزَّعَتْ الصَّنَائِعُ وَانْقَسَمَتْ الْحِرَفُ عَلَى2 الْخَلْقِ. فَكُلُّ وَاحِدٍ قَصَرَ وَقْتَهُ عَلَى حِرْفَةٍ يَسْتَقِلُّ3 بِهَا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلْقِ لا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِجُمْلَةِ مَقَاصِدِهِ. فَحِينَئِذٍ لا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ حَاجَتِهِ حَاضِرَةً 4 عِنْدَهُ أَوْ غَائِبَةً بَعِيدَةً عَنْهُ. فَإِنْ 4 5 كَانَتْ حَاضِرَةً 5 أَشَارَ إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً، فَلا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَدُلَّ بِشَيْءٍ6 عَلَى مَحَلِّ حَاجَتِهِ. فَوَضَعُوا الْكَلامَ دَلالَةً، وَوَجَدُوا7 اللِّسَانَ أَسْرَعَ الأَعْضَاءِ حَرَكَةً وَقَبُولاً لِلتَّرْدَادِ، وَكَانَ الْكَلامُ إنَّمَا يَدُلُّ بِالصَّوْتِ. وَكَانَ الصَّوْتُ إنْ تُرِكَ سُدًى، امْتَدَّ وَطَالَ، وَإِنْ قُطِعَ تَقَطَّعَ، قَطَّعُوهُ8 وَجَزَّءُوهُ عَلَى حَرَكَاتِ أَعْضَاءِ الإِنْسَانِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الصَّوْتُ، - وَهِيَ مِنْ أَقْصَى الرِّئَةِ إلَى مُنْتَهَى الْفَمِ-. فَوَجَدُوهُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ حَرْفًا، قَسَّمُوهَا عَلَى الْحَلْقِ وَالصَّدْرِ، وَالشَّفَةِ وَاللِّثَةِ. ثُمَّ لَمَّا رَأَوْا9 أَنَّ الْكِفَايَةَ10 لا تَقَعُ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ رَكَّبُوا مِنْهَا ثُنَائِيًّا وَثُلاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا وَخُمَاسِيًّا وَاسْتَثْقَلُوا11 مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ"12.

_ 1-* ساقطة من ش. 2 في ش: إلى. 3 في ب: يشتغل. 4 ساقطة من ش. 5 ساقطة من ش. 6 في ض: شيئاً. 7 في ش: وجعلوا. 8 في ش: قطعوه. 9 في ش: رئي. 10 في ش: الكناية. 11 فلم يضعوا كلمة أصلية زائدة على خمس أحرف إلا بطريق الإلحاق والزيادة لحاجة. "المزهر 1/ 37". 12 انظر المزهر 1/ 36 وما بعدها.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: "وَإِنَّمَا كَانَ نَوْعُ الإِنْسَانِ أَكْثَرَ حَاجَةً مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ، لأَنَّ غَيْرَهُ قَدْ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ عَنْ جِنْسِهِ. أَمَّا الإِنْسَانُ: فَمَطْبُوعٌ عَلَى الافْتِقَارِ إلَى جِنْسِهِ فِي الاسْتِعَانَةِ، فَهُوَ صِفَةٌ لازِمَةٌ لِطَبْعِهِ وَخَلْقِهِ، قَائِمَةٌ فِي جَوْهَرِهِ". وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: "سَبَبُ وُجُودِهَا. حَاجَةُ النَّاسِ لِيَعْرِفَ بَعْضُهُمْ مُرَادَ بَعْضٍ لِلتَّسَاعُدِ1 وَالتَّعَاضُدِ2 بِمَا لا مُؤْنَةَ فِيهِ لِخِفَّتِهَا، وَكَثْرَةِ فَائِدَتِهَا، وَلا مَحْذُورَ. وَهَذَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ. فَمِنْ تَمَامِ نِعَمِهِ عَلَيْنَا: أَنْ جَعَلَ ذَلِكَ بِالنُّطْقِ دُونَ غَيْرِهِ"3. "وَهِيَ" أَيْ وَحَقِيقَةُ اللُّغَةِ "أَلْفَاظٌ وُضِعَتْ لِمَعَانٍ" يُعَبِّرُ بِهَا كُلُّ قَوْمٍ عَنْ أَغْرَاضِهِمْ، فَلا يَدْخُلُ الْمُهْمَلُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنًى4. "فَمَا الْحَاجَةُ إلَيْهِ" أَيْ فَالْمَعْنَى الَّذِي يَحْتَاجُ الإِنْسَانُ إلَى الاطِّلاعِ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ دَائِمًا، كَطَلَبِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَلَمِ جُوعٍ، أَوْ عَطَشٍ، أَوْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ "وَالظَّاهِرُ: أَوْ كَثُرَتْ" حَاجَتُهُ إلَيْهِ. كَالْمُعَامَلاتِ "لَمْ تَخْلُ مِنْ" وَضْعِ "لَفْظٍ لَهُ". "وَيَجُوزُ خُلُوُّهَا مِنْ لَفْظٍ لِعَكْسِهِمَا5" وَهُمَا6: مَا لا يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، أَوْ تَقِلُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ.

_ 1 في ز: للمساعد. 2 في ش: والتضاد. وفي ز: والمعاضد. 3 انظر العضد على ابن الحاجب 1/ 115، المحلي على جمع الجوالمع 1/ 261. 4 انظر إرشاد الفحول ص14، المحلي على جمع الجوامع 1/ 261. 5 في ش ب: كعكسهما. وفي ع ض: لعكسها. 6 في ع: وهي.

قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي "مُقَنَّعِهِ": مَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهِ لَمْ تَخْلُ اللُّغَةُ1 مِنْ لَفْظٍ يُفِيدُهُ، وَمَا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهِ يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ غَالِبًا. فَالظَّاهِرُ عَدَمُ خُلُوِّهَا عَنْهُ2، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ" انْتَهَى. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَحَاصِلُهُ3 أَنَّ مَعَنَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا احْتَاجَهُ النَّاسُ وَاضْطُرُّوا إلَيْهِ. فَلا بُدَّ لَهُمْ مِنْ وَضْعِهِ. الثَّانِي: عَكْسُهُ؛ مَا لا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَنْهُ، وَخُلُوُّهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَكْثَرَ. الثَّالِثُ: مَا كَثُرَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، الظَّاهِرُ عَدَمُ خُلُوِّهَا، بَلْ هُوَ كَالْمَقْطُوعِ بِهِ. الرَّابِعُ: عَكْسُهُ؛ مَا قَلَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، يَجُوزُ خُلُوُّهَا عَنْهُ4، وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ. "وَالصَّوْتُ" الْحَاصِلُ عِنْدَ اصْطِكَاكِ الأَجْرَامِ "عَرَضٌ مَسْمُوعٌ" وَسَبَبُهُ انْضِغَاطُ الْهَوَاءِ بَيْنَ الْجِرْمَيْنِ، فَيَتَمَوَّجُ تَمَوُّجًا شَدِيدًا، فَيَخْرُجُ، فَيَقْرَعُ5 صِمَاخَ الأُذُنِ، فَتُدْرِكُهُ قُوَّةُ السَّمْعِ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: منه. 3 ساقطة من ب. 4 في ش ز: منه. 5 في ب: يقرع. وفي ز: ليقرع.

فَصَوْتُ الْمُتَكَلِّمِ: عَرَضٌ حَاصِلٌ عَنْد1 اصْطِكَاكِ2 أَجْرَامِ الْفَمِ - وَهِيَ مَخَارِجُ الْحُرُوفِ- وَدَفْعُ3 النَّفَسِ لِلْهَوَاءِ، مُتَكَيِّفًا4 بِصُورَةِ كَلامِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى أُذُنِ السَّامِعِ. وَقَوْلُهُمْ "الصَّوْتُ عَرَضٌ"، يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الأَعْرَاضِ، وَقَوْلُهُمْ "مَسْمُوعٌ" أخَرَجَ5 جَمِيعُهَا، إلاَّ مَا يُدْرَكُ بِالسَّمْعِ. "قُلْت: بَلْ" الأَخْلَصُ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: الصَّوْتُ "صِفَةٌ مَسْمُوعَةٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ". قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَإِنَّمَا بَدَأْنَا6 بِالصَّوْتِ؛ لأَنَّهُ الْجِنْسُ الأَعْلَى لِلْكَلامِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِ الْكَلامِ عَلَيْهِ. "وَاللَّفْظُ" فِي اللُّغَةِ: الرَّمْيُ، وَفِي الاصْطِلاحِ "صَوْتٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى بَعْضِ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ" لأَنَّ الصَّوْتَ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْفَمِ صَارَ كَالْجَوْهَرِ الْمَرْمِيِّ مِنْهُ. فَهُوَ مَلْفُوظٌ. فَأُطْلِقَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ، كَقَوْلِهِمْ7: نَسْجُ الْيَمِينِ: أَيْ مَنْسُوجُهُ.

_ 1 في ش ز ع: عن. 2 في ش: انصكاك. 3 في ع ض: ورفع. 4 في ش: مكيفاً. وفي ع: متكيف. 5 في جميع النسخ: خرج. 6 في ش: بدأ. 7 في ش: كقوله.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَاللَّفْظُ الاصْطِلاحِيُّ: نَوْعٌ لِلصَّوْتِ، لأَنَّهُ صَوْتٌ مَخْصُوصٌ. وَلِهَذَا أُخِذَ الصَّوْتُ فِي حَدِّ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ فِي حَدِّ الشَّيْءِ جِنْسُ ذَلِكَ الشَّيْءِ. "وَالْقَوْلُ" فِي اللُّغَةِ: مُجَرَّدُ النُّطْقِ، وَفِي الاصْطِلاحِ: "لَفْظٌ وُضِعَ لِمَعْنًى ذِهْنِيٍّ". لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ أَعَمَّ مِنْ الْقَوْلِ لِشُمُولِهِ الْمُهْمَلَ، وَالْمُسْتَعْمَلَ أُخْرِجَ1 الْمُهْمَلُ بِقَوْلِهِ "وُضِعَ لِمَعْنًى". وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ "وُضِعَ لِمَعْنًى" عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ2. أَحَدُهَا: مَا فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ الْمَعْنَى الذِّهْنِيُّ؛ وَهُوَ مَا يَتَصَوَّرُهُ الْعَقْلُ، سَوَاءً طَابَقَ مَا فِي الْخَارِجِ أَوْ لا، لِدَوَرَانِ الأَلْفَاظِ مَعَ الْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا3. وَهَذَا4 الْقَوْلُ اخْتَارَهُ الرَّازِيّ5 وَأَتْبَاعُهُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ مِنْ أَصْحَابِنَا.

_ 1 في ش: خرج. 2 انظر تفصيل الكلام على هذه الأقوال في "المزهر 1/ 43، نهاية السول 1/ 206، إرشاد الفحول ص14، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 266، وما بعدها". 3 فإنْ من رأى شبحاً من بعيد، وظنه حجراً، أطلق عليه لفظ الحجر. فإذا دنا منه، وظنه شجراً، أطلق عليه لفظ الشجر. فإذا دنا منه وظنه فرساً، أطلق عليه اسم الفرس. فإذا تحقق أنه إنسان، أطلق عليه لفظ الإنسان. فبان بهذا أن إطلاق اللفظ دائر مع المعاني الذهنية دون الخارجية. فَدَلَّ على أن الوضع للمعنى الذهبي لا الخارجي. وأجيب عن هذا بأنه إنما دار مع المعاني الذهنية لاعتقاد أنها في الخارج كذلك. لا لمجرد اختلافها في الذهن. "انظر المزهر 1/ 42، نهاية السول 1/ 206، المحلي على جمع الجوامع 1/ 266". 4 ساقطة من ش. 5 هو محمد بن عمر بن الحسين، أبو عبد الله، فخر الدين الرازي الشافعي، المعروف بابن الخطيب. قال الداودي عنه: "المفسر المتكلم، إمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة في العلوم الشرعية، صاحب المصنفات المشهورة، والفضائل الغزيرة المذكروة" أشهر مؤلفاته "التفسير" و "المحصول" و "المعالم" في أصول الفقه و "المطالب العالية" و "نهاية العقول" في أصول الدين. توفي سنة 606هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 8/ 81، وفيات الأعيان 3/ 381، شذرات الذهب 5/ 21، طبقات المفسرين للداودي 2/ 214".

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ وُضِعَ لِلْمَعْنَى1 الْخَارِجِيِّ، أَيْ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ. وَبِهِ قَطَعَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ2. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ وُضِعَ لِلْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ غَيْرِ مُلاحَظَةِ كَوْنِهِ3 فِي الذِّهْنِ، أَوْ فِي الْخَارِجِ. وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ4. وَمَحَلُّ الْخِلافُ فِي الاسْمِ النَّكِرَةِ5.

_ 1 في ض: لمعنى. 2 هو ابراهيم بن علي بن يوسف، جمال الدين الفيروز ابادي الشافعي. قال النووي: "الإمام المحقق المتقن المدقق، ذو الفنون من العلوم المتكاثرات والتصانيف النافعة المستجادات". أشهر مصنفاته "المهذب" و "التنبيه" في الفقه و "النكت" في الخلاف و "اللمع" وشرحه و "التبصرة" في أصول الفقه. توفي سنة 476هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 4/ 215، شذرات الذهب 3/ 349، وفيات الأعيان 1/ 9، المنتظم 9/ 7، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 172". 3 ساقطة من ش. 4 هو على بن عبد الكافي بن علي، أبو الحسن، تقي الدين السبكي الشافعي. كان فقيهاً أصولياً مفسراً محققاً مدققاً نظّاراً جدلياً بارعاً في العلوم، له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة والدقائق اللطيفة والقواعد المحررة التي لم يسبق إليها. أشهر كتبه "التفسير" و "الابتهاج في شرح المنهاج" في الفقه و "شفاء السقام في زيادة خير الأنام". توفي سنة 756هـ. "انظر ترجمته في الدرر الكامنة 3/ 134، شذرات الذهب 6/ 180، بغية الوعاة 2/ 176، البدر الطالع 1/ 467، طبقات المفسرين للداودي 1/ 142". 5 لأن المعرفة منه ما وضع للمعنى الخارجي ومنه ما وضع للذهني. "المحلي على جمع الجوامع 1/ 267".

"وَالْوَضْعُ" نَوْعَانِ1. وَضْعٌ "خَاصٌّ: وَهُوَ جَعْلُ اللَّفْظِ دَلِيلاً عَلَى الْمَعْنَى" الْمَوْضُوعِ لَهُ، أَيْ جَعْلُ اللَّفْظِ مُتَهَيِّئًا لأَنْ يُفِيدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. وَقَوْلُنَا "وَلَوْ مَجَازًا" لِيَشْمَلَ2 الْمَنْقُولَ مِنْ شَرْعِيٍّ وَعُرْفِيٍّ3. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. "وَ" نَوْعٌ "عَامٌّ، وَهُوَ تَخْصِيصُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. كَالْمَقَادِيرِ" أَيْ كَجَعْلِ الْمَقَادِيرِ دَالَّةً عَلَى مُقَدَّرَاتِهَا مِنْ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ4 وَغَيْرِهَا5. وَفِي كِلا النَّوْعَيْنِ الْوَضْعُ: أَمْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَاضِعِ. "وَالاسْتِعْمَالُ إطْلاقُ اللَّفْظِ وَإِرَادَةُ الْمَعْنَى" أَيْ إرَادَةُ مُسَمَّى اللَّفْظِ بِالْحُكْمِ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ، أَوْ غَيْرِ مُسَمَّاهُ لِعَلاقَةٍ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْمَجَازُ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمُتَكَلِّمِ6.

_ 1 انظر تعريفات الوضع وأنواعه وشروطه في "المزهر 1/ 38، 39, 46، شرح تنقيح الفصول ص20 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 264، التعريفات للجرجاني ص273، نهاية السول 1/ 296". 2 في ع ض: يشمل. 3 أما الشرعي فنحو الصلاة والصيام والحج. وأما العرفي فهو نوعان: عرفي عام: نحو الدابة. وعرفي خاص: نحو الجوهر والعرض عند المتكلمين. وقد سمي العرف خاصاً لاختصاصه ببعض الفرق كالمتكلمين والنحاة وما إلى ذلك. بخلاف العرف العام، فإنه يعم الجميع. والمراد بالوضع في هذه المنقولات غلبة استعمال اللفظ في المعنى المنقول إليه، حتى يصير هو المتبادر إلى الذهن، ولا يحمل على غيره إلا بقرينة. فتصير المنقولات حقائق عرفية وشرعية مع كونها مجازات لغوية. "انظر شرح تنقيح الفصول ص20 وما بعدها". 4 في ش: ومزروع. 5 في ش: وغيرهما. 6 انظر شرح تنقيح الفصول ص20، نهاية السول 1/ 296.

"وَالْحَمْلُ: اعْتِقَادُ السَّامِعِ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ لَفْظِهِ" أَوْ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مُرَادِهِ. فَالْمُرَادُ: كَاعْتِقَادِ الْحَنْبَلِيِّ وَالْحَنَفِيِّ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِلَفْظِ الْقُرْءِ: الْحَيْضَ، وَالْمَالِكِيِّ وَالشَّافِعِيِّ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ: الطُّهْرَ1. وَهَذَا مِنْ صِفَاتِ السَّامِعِ2. فَالْوَضْعُ سَابِقٌ، وَالْحَمْلُ لاحِقٌ، وَالاسْتِعْمَالُ مُتَوَسِّطٌ. "وَهِيَ" أَيْ اللُّغَةُ نَوْعَانِ3: "مُفْرَدٌ، كَزَيْدٍ، وَمُرَكَّبٌ، كَعَبْدِ اللَّهِ" أَمَّا الْمُفْرَدُ، فَلا نِزَاعَ فِي وَضْعِ الْعَرَبِ لَهُ، وَأَمَّا الْمُرَكَّبُ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ مِنْ اللُّغَةِ. وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ، وَأَنَّ الْمُرَكَّبَ مُرَادِفٌ لِلْمُؤَلَّفِ، لِتَرَادُفِ التَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُفْرَدَ فِي اصْطِلاحِ النُّحَاةِ: هُوَ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ، كَمَا مَثَّلْنَا فِي الْمَتْنِ، وَعِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ وَالأُصُولِيِّينَ: لَفْظٌ وُضِعَ لِمَعْنًى، وَلا جُزْءَ لِذَلِكَ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ4 الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ5. فَشَمِلَ ذَلِكَ6 أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ7: الأَوَّلُ: مَا لا جُزْءَ لَهُ أَلْبَتَّةَ، كَبَاءِ الْجَرِّ.

_ 1 وأما المشتمل على المراد فنحو حمل الشافعي اللفظ المشترك على جملة معانيه عند تجرده عن القرئن، لاشتماله على مراد المتكلم احتياطياً. "شرح تنقيح الفصول ص21". 2 انظر تفصيل الكلام على الحمل في "شرح تنقيح الفصول ص20-22، نهاية السول 1/ 296". 3 في ز: منها. وفي ع: نوعان منها. 4 ساقطة من ش. 5 ساقطة من ش. 6 ساقطة من ش ز. 7 انظر تفصيل الكلام على هذه الأقسام الأربعة في "تحرير القواعد المنطقية وحاشية الجرجاني عليه ص33 وما بعدها، فتح الرحمن وحاشية العليمي عليه ص49 وما بعدها، شرح الأنصاري على إيساغوجي وحاشية عليش عليه ص33 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 14".

الثَّانِي: مَا لَهُ جُزْءٌ، وَلَكِنْ لا يَدُلُّ مُطْلَقًا1، كَالزَّايِ مِنْ زَيْدٍ. الثَّالِثُ: مَا لَهُ جُزْءٌ يَدُلُّ، لَكِنْ لا عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى. كَإِنْ مِنْ حُرُوفِ إنْسَانٍ؛ فَإِنَّهَا لا تَدُلُّ عَلَى بَعْضِ الإِنْسَانِ، وَإِنْ كَانَتْ بِانْفِرَادِهَا2 تَدُلُّ عَلَى الشَّرْطِ أَوْ النَّفْيِ. الرَّابِعُ: مَا لَهُ جُزْءٌ يَدُلُّ عَلَى جُزْءِ الْمَعْنَى، لَكِنْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَضْعِ كَقَوْلِنَا: "حَيَوَانٌ نَاطِقٌ" عَلَمًا عَلَى شَخْصٍ. وَاعْلَمْ أَيْضًا: أَنَّ الْمُرَكَّبَ عِنْدَ النُّحَاةِ: مَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ كَلِمَةٍ، فَشَمِلَ التَّرْكِيبَ الْمَزْجِيَّ، كَبَعْلَبَكّ، وَسِيبَوَيْهِ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ، وَنَحْوِهَا، وَالْمُضَافَ، وَلَوْ عَلَمًا، كَمَا مَثَّلْنَا فِي الْمَتْنِ. وَعِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ وَالأُصُولِيِّينَ: مَا دَلَّ 3 جُزْؤُهُ عَلَى 3 جُزْءِ مَعْنَاهُ الَّذِي وُضِعَ لَهُ، فَشَمِلَ الإِسْنَادِيَّ، كَقَامَ زَيْدٌ، وَالإِضَافِيَّ: كَغُلامِ زَيْدٍ، وَالتَّقْيِيدِيَّ، كَزَيْدٍ الْعَالِمِ4. وَأَمَّا نَحْوُ "يَضْرِبُ" فَمُفْرَدٌ عَلَى مَذْهَبِ النُّحَاةِ، وَمُرَكَّبٌ عَلَى مَذْهَبِ الْمَنَاطِقَةِ وَالأُصُولِيِّينَ؛ لأَنَّ الْيَاءَ مِنْهُ تَدُلُّ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ الْمُضَارَعَةُ5. "وَالْمُفْرَدُ" 6 مِنْ حَيْثُ هُوَ 6 قِسْمَانِ:

_ 1 أي على معنى. 2 في ش: بايرادها. 3 ساقطة من ز. 4 في ش: العلم. 5 انظر تفصيل الكلام على المفرد والمركب في الاصطلاحين في "العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 117 وما بعدها، تحرير القواعد المنطقية ص33 وما بعدها، فتح الرحمن ص49 وما بعدها، نهاية السول 1/ 223 وما بعدها". 6 ساقطة من ز.

قِسْمٌ1 "مُهْمَلٌ": كَأَسْمَاءِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ؛ لأَنَّ مَدْلُولاتِهَا هِيَ2 عَيْنُهَا. فَإِنَّ مَدْلُولَ الأَلِفِ: "أَ" وَمَدْلُولَ الْبَاءِ "بَ". وَهَكَذَا إلَى آخِرِهَا. وَهَذِهِ الْمَدْلُولاتُ لَمْ تُوضَعْ بِإِزَاءِ شَيْءٍ. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ3 وَغَيْرُهُ: أَلا تَرَى أَنَّ الصَّادَ مَوْضُوعٌ لِهَذَا الْحَرْفِ، وَهُوَ مُهْمَلٌ، لا مَعْنَى لَهُ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّمُهُ الصِّغَارُ فِي الابْتِدَاءِ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ غَيْرِهِ! "وَ" قِسْمٌ "مُسْتَعْمَلٌ"4. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: "فَـ" الْمُفْرَدُ الْمُسْتَعْمَلُ "إنْ اسْتَقَلَّ5 بِمَعْنَاهُ. فَإِنْ6 دَلَّ بِهَيْئَتِهِ7 عَلَى زَمَنٍ" مِنْ الأَزْمِنَةِ "الثَّلاثَةِ" وَهِيَ الْمَاضِي وَالْحَالُ وَالاسْتِقْبَالُ8 "فَـ" ـهُوَ "الْفِعْلُ"9

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ع: هو. 3 هو أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين، ولي الدين، أبو زرعة بن الحافظ زين الدين العراقي الشافعي. كام عالماً بارعاً بالحديث وعلومه والفقه وأصوله واللغة وفنونها. من كتبه "شرح جمع الجوامع" و "شرح المنهاج" في أصول الفقه و "شرح البهجة" و "مختصر المهذب" و "النكت" في الفقه و "مختصر الكشاف" في التفسير مع تخريج أحاديثه. توفي سنة 826هـ. "انظر ترجمته في المنهال الصافي 1/ 312، طبقات المفسرين للداودي 1/ 49، شذرات الذهب 7/ 173، البدر الطالع 1/ 72". 4 وهو ما دلّ على معنى، بخلاف المهمل، فإنه لا يدل على معنى. "انظر تفصيل الكلام على المفرد المهمل والمستعمل في همع الهومع 1/ 31، الصاحبي ص82، نهاية السول 1/ 243، المحلي على جمع الجوامع 1/ 263، فتح الرحمن ص49، اللمع ص4". 5 في ز: استعمل. 6 في ز: ودل. 7 في ع: بهيئة. 8 في ع ز ض: والمستقبل. 9 انظر همع الهوامع 1/ 6، 15 وما بعدها، تسهيل الفوائد ص3-6، الصاحبي ص85، الإحكام للآمدي 1/ 60، التعريفات للجرجاني ص175.

"هُوَ"1 أَيْ الْفِعْلُ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: "مَاضٍ" كَقَامَ وَنَحْوِهِ "وَيَعْرِضُ لَهُ الاسْتِقْبَالُ بِالشَّرْطِ" نَحْوَ: "إنْ قَامَ زَيْدٌ قُمْت". فَأَصْلُ وَضْعِهِ لِلْمَاضِي، وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْ أَصْلِهِ لِمَا يَعْرِضُ لَهُ2. "وَ" النَّوْعُ الثَّانِي: "مُضَارِعٌ" كَيَقُومُ وَنَحْوِهِ "وَيَعْرِضُ لَهُ الْمُضِيُّ بِلَمْ" نَحْوَ: "لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ". فَأَصْلُ وَضْعِهِ لِلْحَالِ وَالاسْتِقْبَالِ. وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْ أَصْلِهِ لِمَا يَعْرِضُ لَهُ. وَلِلْعُلَمَاءِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ الْمُضَارِعُ مَذَاهِبُ خَمْسَةٌ3: الْمَشْهُورُ مِنْهَا: أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَالِ وَالاسْتِقْبَالِ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ4: إلاَّ أَنَّ الْحَالَ يَتَرَجَّحُ عِنْدَ التَّجَرُّدِ5. الثَّانِي: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ، مَجَازٌ فِي الاسْتِقْبَالِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الاسْتِقْبَالِ، مَجَازٌ فِي الْحَالِ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ، وَلا يُسْتَعْمَلُ فِي الاسْتِقْبَالِ أَصْلاً، لا حَقِيقَةً وَلا مَجَازًا.

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ش. 3 انظر تفصيل الكلام على هذه المذاهب في "همع الهوامع للسيوطي 1/ 17، التمهيد للأسنوي ص33". 4 هو محمد بن عبد الله بن عبد الله، جمال الدين الطائي الجيّاني الشافعي، الإمام الحجة في اللغة والنحو والصرف والقراءات وعللها وأشعار العرب. من تصانيفه "تسهيل الفوائد" في النحو و "الكافية الشافعية" و "إعراب مشكل البخاري" وغيرها. توفي سنة 672هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 8/ 67، فوات الوفيات 2/ 452، بغية الوعاة 1/ 130، شذرات الذهب 5/ 339، البلغة ص229". 5 تسهيل الفوائد ص5.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الاسْتِقْبَالِ، وَلا يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَالِ أَصْلاً، لا حَقِيقَةً وَلا مَجَازًا. وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ، فَمَجَازٌ وِفَاقًا. "وَأَمْرٌ" أَيْ وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ الأَفْعَالِ: فِعْلُ1 الأَمْرِ2 كَقُمْ. "وَتَجَرُّدُهُ" أَيْ تَجَرُّدُ الْفِعْلِ "عَنْ الزَّمَانِ" أَيْ عَنْ أَحَدِ الأَزْمِنَةِ الثَّلاثَةِ "لِلإِنْشَاءِ" كَزَوَّجْتُ وَقَبِلْت "عَارِضٌ" بِوَضْعِ الْعُرْفِ. "وَقَدْ يَلْزَمُهُ" أَيْ يَلْزَمُ الْفِعْلَ التَّجَرُّدُ3 عَنْ4 الزَّمَانِ "كَعَسَى" فَإِنَّهُ وُضِعَ أَوَّلاً لِلْمَاضِي، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ قَطُّ، بَلْ فِي الإِنْشَاءِ. قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَكَذَا "حَبَّذَا" فَإِنَّهُ لا مَعْنَى لَهَا فِي الأَزْمِنَةِ. "وَقَدْ" يَتَجَرَّدُ الْفِعْلُ عَنْ الزَّمَانِ وَ "لا" يَلْزَمُهُ التَّجَرُّدُ5 "كَنِعْمَ" وَبِئْسَ، فَإِنَّهُمَا تَارَةً يُسْتَعْمَلانِ عَلَى أَصْلِهِمَا، كَـ"نِعْمَ زَيْدٌ أَمْسِ"، "وَبِئْسَ زَيْدٌ أَمْسِ". وَتَارَةً يُسْتَعْمَلانِ لا بِنَظَرٍ إلَى زَمَانٍ، بَلْ لِقَصْدِ6 الْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ مُطْلَقًا كَنِعْمَ زَيْدٌ، وَبِئْسَ زَيْدٌ. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ الْمُفْرَدُ الْمُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَاهُ7 بِهَيْئَتِهِ عَلَى أَحَدِ الأَزْمِنَةِ "فَـ" ـهُوَ "الاسْمُ"8.

_ 1 ساقطة من ب. 2 في ش: أمر. 3 في ب: تجرد. 4 في ع: من. 5 في ب: تجرد. 6 في ش: بقصد. وفي ب: لمقصد. 7 في ش ب: بمعناه و. 8 انظر في الكلام على الاسم "همع الهوامع 1/ 7 وما بعدها, الصاحبي ص82, فتح الرحمن ص50, اللمع ص4, تسهيل الفوئد ص3, شرح العضد وحاشية الجرجاني عليه 1/120, التعريفات للجرجاني ص24". وفي ض: اسم.

فَصَبُوحٌ1، وَغَبُوقٌ2. وَأَمْسُ، وَغَدٌ: وَضَارِبُ أَمْسِ، وَضَارِبُ الْيَوْمِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ: يَدُلُّ بِنَفْسِهِ عَلَى الزَّمَانِ، لَكِنْ لَمْ يَدُلَّ وَضْعًا، بَلْ لِعَارِضٍ3. كَاللَّفْظِ بِالاسْمِ وَمَدْلُولِهِ. فَإِنَّهُ لازِمٌ كَالْمَكَانِ، وَنَحْوُ: صَهٍ، دَلَّ عَلَى "اُسْكُتْ" وَبِوَاسِطَتِهِ عَلَى سُكُوتٍ مُقْتَرِنٍ بِالاسْتِقْبَالِ4. وَالْمُضَارِعُ إنْ قِيلَ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَالِ وَالاسْتِقْبَالِ، فَوَضْعُهُ لأَحَدِهِمَا، وَاللُّبْسُ عِنْدَ السَّامِعِ. "وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ" اللَّفْظُ الْمُفْرَدُ بِمَعْنَاهُ، كَعَنْ وَلَنْ "فَـ" ـهُوَ "الْحَرْفُ". وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحَدُّ "وَهُوَ: مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى فِي غَيْرِهِ" لِيَخْرُجَ الاسْمُ وَالْفِعْلُ5. وَقِيلَ: لا يَحْتَاجُ إلَى حَدٍّ، لأَنَّ تَرْكَ الْعَلامَةِ لَهُ6 عَلامَةٌ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَدَّ لِتَعْرِيفِ حَقِيقَةِ الْمَحْدُودِ، وَلا تُعْرَفُ حَقِيقَةٌ بِتَرْكِ تَعْرِيفِهَا. "وَ" أَمَّا "الْمُرَكَّبُ" 7 مِنْ حَيْثُ هُوَ أَيْضًا 7 فَقِسْمَانِ:

_ 1 الصَبُوح: هو الشرب بالغداة. "فتح الرحمن ص50". 2 الغَبُوق: هو الشرب بالعشي. "فتح الرحمن ص50". 3 والعبرة بالدلالة بأصل الوضع. "همع الهوامع 1/ 8". 4 لكنّ هذه الدلالة على المعنى المقترنة بزمان معين ليست دلالة وضعية أولية "فتح الرحمن ص50". 5 انظر في الكلام على الحرف "اللمع ص4، فتح الرحمن ص50، العضد على ابن الحاجب 1/ 185 وما بعدها، تسهيل الفوائد ص3، التعريقات للجرجاني ص90، الصاحبي ص86، الإحكام للآمدي 1/ 61، همع الهوامع 1/ 6". 6 ساقطة من ش. 7 ساقطة من ز.

قِسْمٌ "مُهْمَلٌ": وَهُوَ1 "مَوْجُودٌ" فِي اخْتِيَارِ الْبَيْضَاوِيِّ2 وَالتَّاجِ السُّبْكِيّ3. وَمَثَّلاهُ بِالْهَذَيَانِ. فَإِنَّهُ لَفْظٌ مَدْلُولُهُ لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مُهْمَلٌ4. وَقَالَ الرَّازِيّ: وَالأَشْبَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، لأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّرْكِيبِ5 الإِفَادَةُ6. وَهَذَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُهْمَلَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ، لا عَلَى

_ 1 ساقطة من ز. 2 هو عبد الله بن عمر بن محمد، أبو الخير، ناصر الدين البيضاوي الشافعي. قال الداودي: "كان إماماً علامة، عارفاً بالفقه والتفسير والأصلين والعربية والمنطق نظّاراً صالحاً" أشهر مصنفاته "مختصر الكشاف" في الفسير، و "المنهاج" وشرحه في أصول الفقه و "الإيضاح" في أصول الدين و "شرح الكافية" لابن الحاجب. توفي سنة 685هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 242، بغية الوعاة 2/ 50، شذرات الذهب 5/ 392، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 157". 3 هو عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، أبو نصر، تاج الدين السبكي الشافعي، الفقيه الأصولي اللغوي، صاحب التصانيف النافعة كـ"شرح منهاج البيصاوي" و "رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب" و "جمع الجوامع" وشرحه في أصول الفقه و "الأشباه والنظائر" و "طبقات الفقهاء" الكبرى والوسطى والصغرى. توفي سنة 771هـ. "انظر ترجمته في الدرر الكامنة 3/ 39، البدر الطالع 1/ 410، شذرات الذهب 6/ 221". 4 سواء كان هذا المدلول مركباً من لفظتين مهملتين أو من لفظة مهملة ولفظة مستعملة، وهو غير دال على المعنى المركب. "حاشية العليمي على فتح الرحمن ص49" وانظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 102، نهاية السول 1/ 243، مناهج العقول 1/ 241. 5 في ض: التراكيب. 6 فإذا انتفت الإفادة فلا تركيب. وكلام الفخر الرازي حَقّ إن عُني بالمركب "ما يكون جزؤه دالاً على جزء المعنى الذي وضع له" إذ لا يتصور بهذا الاعتبار وجود مركب مهمل لا يدل على معنى. أما إذا عُني به "ما يكون لجزئه دلالة في الجملة ولو في غير معناه، وما يكون مؤلفاً من لفظين كيف كان التأليف، ولو لم يكن لشيء من أجزائه دلالة" فلا يكون نفي الرازي لوجوده صحيحاً. ولا يخفى أن المصنف في ص109 عَرَّف المركب بالمعنى الأول، فكان ينبغي عليه أن يختار قول الرازي، لأنه القول المنسجم مع ما اعتمده في تعريف المركب. "انظر العليمي على فتح الرحمن ص49، حاشية البناني 2/ 102، نهاية السول 1/ 243".

أَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لَهُ اسْمٌ1. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُهْمَلَ "لَمْ تَضَعْهُ الْعَرَبُ قَطْعًا"2. "وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي: "مُسْتَعْمَلٌ وَضَعَتْهُ" الْعَرَبُ، خِلافًا لِلرَّازِيِّ، وَابْنِ مَالِكٍ وَجَمْعٍ. وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ وَضْعِهِ: أَنَّ لَهُ قَوَانِينَ فِي الْعَرَبِيَّةِ لا يَجُوزُ تَغْيِيرُهَا، وَمَتَى غُيِّرَتْ حُكِمَ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَرَبِيَّةً، كَتَقْدِيمِ الْمُضَافِ إلَيْهِ عَلَى الْمُضَافِ، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا فِي غَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ. وَكَتَقْدِيمِ الصِّلَةِ أَوْ مَعْمُولِهَا عَلَى الْمَوْصُولِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يَنْحَصِرُ فَحَجَرُوا3 فِي التَّرْكِيبِ. كَمَا فِي الْمُفْرَدَاتِ4. قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَزَاهُ غَيْرُهُ إلَى الْجُمْهُورِ5. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْ الْمُرَكَّبَ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ يَعْرِفُ لَفْظَيْنِ لا يَفْتَقِرُ عِنْدَ سَمَاعِهِمَا مَعَ إسْنَادٍ إلَى مُعَرَّفٍ لِمَعْنَى الإِسْنَادِ، بَلْ يُدْرِكُهُ ضَرُورَةً6، [وَ] لأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَكَّبُ مَوْضُوعًا لافْتَقَرَ كُلُّ مُرَكَّبٍ إلَى سَمَاعٍ مِنْ الْعَرَبِ كَالْمُفْرَدَاتِ7.

_ 1 انظر نهاية السول 1/ 243. 2 انظر المحلي علي جمع الجوامع 2/102. 3 ساقطه من ش. 4فقالوا: من قال "إنَّ قائم زيداً" فليس من كلامنا، ومن قال "إنَّ زيداً قائم" فهو من كلامنا، ومن قال "في الدار رجل" فهو من كلامنا، ومن قال "رجل في الدار" فليس من كلامنا ... إلى مالا نهاية له من تراكيب الكلام. وذلك يدل على تعرضها بالوضع للمركبات. "المزهر 1/ 45". 5 انظر المزهر 1/ 40-45. 6 فإن من عرف مسمى "زيد" وعرف مسمى "قائم" وسمع "زيد قائم" بإعرابه المخصوص فهم بالضرورة معنى هذا الكلام، وهو نسبة القيام إلى زيد. "المزهر 1/ 44". 7 انظر المزهر 1/ 40-44.

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ1: وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ: إنْ أُرِيدَ أَنْوَاعُ الْمُرَكَّبَاتِ فَالْحَقُّ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ أَوْ جُزْئِيَّاتُ النَّوْعِ فَالْحَقُّ الْمَنْعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ الْمَذْهَبَانِ عَلَى ذَلِكَ2. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى 3 الْخِلافِ مَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمَجَازَ هَلْ يَكُونُ فِي التَّرْكِيبِ؟ وَأَنَّ الْعَلاقَةَ هَلْ تُشْتَرَطُ فِي آحَادِهِ؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ. "وَهُوَ" أَيْ الْمُرَكَّبُ الَّذِي وَضَعَتْهُ 3 الْعَرَبُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: "غَيْرُ جُمْلَةٍ: كَمُثَنَّى" لأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ مُفْرَدِهِ وَمِنْ عَلامَةِ التَّثْنِيَةِ "وَجَمْعٍ4" لِتَرَكُّبِهِ5 مِنْ الْمُفْرَدِ وَعَلامَةِ الْجَمْعِ6.

_ 1 هو محمد بن عبد الدايم بن موسى النعيمي، شمس الدين البرماوي الشافعي. قال الشوكاني: "كان إماماً في الفقه وأصوله والعرية وغير ذلك". من كتبه "شرح البخاري" و "شرح العمدة" و "ألفية" وشرحها في أصول الفقه. توفي سنة 831هـ. "انظر ترجمته في البدر الطالع 2/ 181، شذرات الذهب 7/ 197". 2 قال الزركشي: "والحق أن العرب إنما وضعت أنواع المركبات، أما جزئيات الأنواع فلا. فوضعت باب الفاعل، لإسناد كل فعلٍ إلى مَنْ صدر منه، أما الفاعل المخصوص فلا. وكذلك باب "إنّ وأخواتها"، أما اسمها المخصوص فلا. وكذلك سائر أنواع التراكيب، وأحالت المعنى على اختيار المتكلم، فإن أراد القائل بوضع المركبات هذا المعنى فصحيح، وإلا فممنوع". "المزهر 1/ 45". 3 ساقطة من ش. 4 في ز ض: وكجمع. 5 في ش ز ب ض: لتركيبه. 6 انظر العضد على ابن الحاجب 1/ 126.

"وَ" النَّوْعُ الثَّانِي: "جُمْلَةٌ، وَتَنْقَسِمُ" الْجُمْلَةُ "إلَى مَا" أَيْ إلَى لَفْظٍ "وُضِعَ لإِفَادَةِ نِسْبَةٍ. وَهُوَ" أَيْ وَاللَّفْظُ الَّذِي وُضِعَ لإِفَادَةِ نِسْبَةٍ هُوَ "الْكَلامُ" لا غَيْرُهُ. "وَلا يَتَأَلَّفُ" الْكَلامُ "إلاَّ مِنْ اسْمَيْنِ" نَحْوُ "زَيْدٌ قَائِمٌ" "أَوْ" مِنْ "اسْمٍ وَفِعْلٍ" نَحْوُ "قَامَ زَيْدٌ"؛ لأَنَّ الْكَلامَ يَتَضَمَّنُ الإِسْنَادَ، وَهُوَ يَقْتَضِي مُسْنَدًا وَمُسْنَدًا إلَيْهِ. وَلَمَّا كَانَ الاسْمُ يَصِحُّ1 أَنْ يُسْنَدَ 2 وَأَنْ يُسْنَدَ 2 إلَيْهِ، 3 صَحَّ تَأْلِيفُ الْكَلامِ 3 مِنْ جِنْسِ الاسْمِ فَقَطْ. وَلَمَّا كَانَ الْفِعْلُ يَصْلُحُ أَنْ يُسْنَدَ، وَلا يَصْلُحُ أَنْ يُسْنَدَ إلَيْهِ: صَحَّ تَأْلِيفُ الْكَلامِ مِنْهُ4، إذَا كَانَ مَعَ اسْمٍ لا بِدُونِهِ5، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْنَدُ وَالْمُسْنَدُ إلَيْهِ "مِنْ" مُتَكَلِّمٍ "وَاحِدٍ" قَالَهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُمْ6. وَقَالَ جَمْعٌ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُتَكَلِّمَيْنِ فَأَكْثَرَ، بِأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى7 أَنْ يَذْكُرَ أَحَدُهُمَا الْفِعْلَ وَالآخَرُ الْفَاعِلَ، أَوْ أَحَدُهُمَا الْمُبْتَدَأَ، وَالآخَرُ الْخَبَرَ8.

_ 1 في ش: يصلح. 2 ساقطة من ش، وفي ع ز: ويسند. 3 ساقطة من ش. 4 في ض: معه. 5 انظر العضد على ابن الحاجب 1/ 125، المستصفى 1/ 334، الإحكام للآمدي 1/72، همع الهوامع 1/33. 6 ساقطة من ض. 7 ساقطة من ز. 8 حكى السيوطي في إشتراط اتحاد الناطق في الكلام قولين "أحدهما" أنه يشترط كون المسند والمسند إليه من متكلم واحد. فلو اصطلح رجلان على أن يذكر أحدهما فعلاً والأخر فاعلاً أو مبتدأ والآخر خبراً، لم يسمّ ذلك كلاماً؛ لأن الكلام عمل واحد، فلا يكون عامله إلا واحداً. "والثاني" أنه لايشترط. وصححه ابن مالك وأبو حيان. قياساً على الكاتب؛ فإنه لا يعتبر اتحاد في كون الخط خطأ. وقال ابن أم قاسم المرادي: صدور الكلام من ناطقين لا يتصور، لأن كل واحد من المتكلمين إنما اقتصر على كلمة واحدة اتكالاً على نطق الآخر بالأخرى فكأنها مقدرة في كلامه. "همع الهوامع 1/ 30 وما بعدها، وانظر التمهيد للأسنوي ص 35".

وَرُدَّ بِأَنَّ الْكَلامَ لا بُدَّ لَهُ مِنْ إسْنَادٍ، وَهُوَ لا يَكُونُ إلاَّ مِنْ وَاحِدٍ. فَإِنْ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إسْنَادٌ بِالإِرَادَةِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَكَلِّمٌ بِكَلامٍ مُرَكَّبٍ، وَلَكِنْ حُذِفَ بَعْضُهُ لِدَلالَةِ الآخَرِ عَلَيْهِ. فَلَمْ يُوجَدْ كَلامٌ مِنْ مُتَكَلِّمَيْنِ، بَلْ كَلامَانِ مِنْ اثْنَيْنِ. انْتَهَى. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ التَّحْقِيقُ1، ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فَرْعًا مُتَرَتِّبًا عَلَى ذَلِكَ. وَهُوَ مَا إذَا قَالَ رَجُلٌ: امْرَأَةُ فُلانٍ طَالِقٌ. فَقَالَ الزَّوْجُ: ثَلاثًا. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ تُشْبِهُ مَا لَوْ قَالَ: لِي2 عَلَيْكَ أَلْفٌ، فَقَالَ: صِحَاحٌ. وَفِيهَا وَجْهَانِ. قَالَ: وَهَذَا3 أَصْلٌ فِي الْكَلامِ مِنْ اثْنَيْنِ، إنْ أَتَى الثَّانِي بِالصِّفَةِ وَنَحْوِهَا: هَلْ يَكُونُ مُتَمِّمًا لِلأَوَّلِ، أَمْ لا؟ انْتَهَى. "وَحَيَوَانٌ نَاطِقٌ، وَكَاتِبٌ، فِي "زَيْدٌ كَاتِبٌ"، لَمْ يُفِدْ نِسْبَةً" قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، تَقْدِيرُهُ: أَنَّ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ لِلْجُمْلَةِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ ضَرُورَةَ صِدْقِهِ عَلَى الْمُرَكَّبِ التَّقْيِيدِيِّ، وَعَلَى نَحْوِ "كَاتِبٌ" فِي قَوْلِه4: "زَيْدٌ كَاتِبٌ". وَالْمُرَادُ بِالْمُرَكَّبِ التَّقْيِيدِيِّ: الْمُرَكَّبُ مِنْ اسْمَيْنِ، أَوْ مِنْ اسْمٍ وَفِعْلٍ، بِحَيْثُ يَكُونُ الثَّانِي قَيْدًا فِي الأَوَّلِ، وَيَقُومُ مَقَامَهُمَا لَفْظٌ مُفْرَدٌ، مِثْلُ "حَيَوَانٌ

_ 1 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص155. 2 ساقطة من ش. 3 في ع: فهذا. 4 في ش: نحو قولك.

نَاطِقٌ"، وَ "اَلَّذِي يَكْتُبُ". فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الأَوَّلِ: "الإِنْسَانُ"، وَمَقَامَ الثَّانِي: "الْكَاتِبُ". وَإِنَّمَا قُلْنَا1: الْحَدُّ يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا؛ لأَنَّ الأَوَّلَ لَفْظٌ وُضِعَ لإِفَادَةِ نِسْبَةٍ تَقْيِيدِيَّةٍ2، وَالثَّانِي: وُضِعَ لإِفَادَةِ نِسْبَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ إلَى الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ فَاعِلُهُ. وَالْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الْمُقَدَّرِ أَنْ يُقَالَ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدَّ يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا؛ لأَنَّ الْمُرَادَ بِإِفَادَةِ النِّسْبَةِ: إفَادَةُ نِسْبَةٍ3 يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا، وَهُمَا لَمْ يُوضَعَا لإِفَادَةِ نِسْبَةٍ كَذَلِكَ4. انْتَهَى. وَلَمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجُمْلَةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا وُضِعَ لإِفَادَةِ نِسْبَةٍ5، وَإِلَى غَيْرِ مَا وُضِعَ لإِفَادَةِ نِسْبَةٍ6، وَانْتَهَى7 الْكَلامُ عَلَى الأَوَّلِ. شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى الثَّانِي، * فَقَالَ:

_ 1 في ض: قلت. 2 في ش: مقيديه. 3 في ش: نسبته. 4 وأجاب العضد على توهم صدق الحد عليهما بأنه غير وارد؛ لأن كل واحد من هذين المثالين لم يوضع لإفادة النسبة، بل وضع لذاتٍ باعتبار نسبة، وهذه النسبة إنما تفهم منهما بالغرض. وقال الشريف الجرجاني: ولا شك أن اللفظ إنما وضع لإفادة ما يفهم منه بالذات لا ما يفهم منه بالعرض. "انظر الضد على ابن الحاجب وحاشية الجرجاني عليه 1/ 125 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 73". 5 في ع: نسبته. 6 في ع: نسبته. 7 في ز: وأنهى.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ: كَلِمَةُ لَبِيدٍ1: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ2" فَسَمَّى ذَلِكَ كُلَّهُ كَلِمَةً. وَهُوَ مَجَازٌ، مُهْمَلٌ فِي عُرْفِ النُّحَاةِ، فَقِيلَ: هُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ بَعْضِهِ، وَقِيلَ: لَمَّا ارْتَبَطَتْ أَجْزَاءُ الْكَلامِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، حَصَلَ لَهُ3 بِذَلِكَ وَحْدَهُ، فَشَابَهَ بِهِ4 الْكَلِمَةَ5. فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ كَلِمَةً. "وَ" يُرَادُ بِهِ، أَيْ بِالْكَلامِ "الْكَلِمَةُ" عَكْسُ مَا قَبْلَهُ، فَيُقَالُ: تَكَلَّمَ بِكَلامٍ، وَمُرَادُهُمْ "بِكَلِمَةٍ"6 قَالَ سِيبَوَيْهِ7 فِي قَوْلِهِمْ: "مَنْ أَنْتَ زَيْدٌ"، مَعْنَاهُ: مَنْ أَنْتَ، كَلامُك زَيْدٌ.

_ 1 هو الصحابي الجليل لبيد بن ربيعة العامري، أبو عقيل، من فحول الشعراء المجودين، كان شريفاً في الجاهلية والإسلام، وكان فارساً شجاعاً سخياً، وَفَدَ على الرسول صلى الله عليه وسلم، فأسلم وحسن إسلامه، وروي أنه لم يقل شعراً بعد إسلامه. توفي سنة 41هـ. "انظر ترجمته في الإصابة 3/ 326، الاستيعاب 3/ 324، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 70" و "كلمة لبيد" في النص ساقطة من ش. 2 رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة بهذا اللفظ، ورواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة بلفظ "أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد" وعجز البيت: ... وكل نعيم لا محالة زائل. "انظر كشف الخفا 1/ 131، الإصابة 3/ 327". 3 في ش: لك. 4 ساقط من ش. 5 في ش: لكلمة. 6 انظر همع الهوامع 1/ 29، الإحكام للآمدي 1/ 72. 7 هو عمرو بن عثمان بن قنبر، إمام البصريين، أبو بشر. قال الأزهري: "كان سيبويه علاّمة حسنَ التصنيف، جالسَ الخليل وأخذ عنه" صنف "الكتاب" في النحو، وهو من أجلّ ما ألف في هذا الشأن. توفي سنة 180هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 2/ 229، شذرات الذهب 1/ 252، إنباه الرواة 2/ 346، طبقات النحويين واللغويين ص66، البلغة ص173".

"وَ" يُرَادُ بِالْكَلامِ أَيْضًا "الْكَلِمُ الَّذِي لَمْ يُفِدْ"1، وَمِنْهُ حَدِيثُ "الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ"2: "أُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنْ الْكَلامِ3".فَيَشْمَلُ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ، وَالْكَلِمَ الَّذِي لَمْ يُفِدْ. وَالْحَالِفُ أَنْ لا يَتَكَلَّمَ، يَحْنَثُ بِمُطْلَقِ اللَّفْظِ. "وَتَنَاوُلُ الْكَلامِ وَالْقَوْلِ عِنْدَ الإِطْلاقِ لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا، كَالإِنْسَانِ" أَيْ كَتَنَاوُلِ لَفْظِ الإِنْسَانِ "لِلرُّوحِ وَالْبَدَنِ". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عِنْدَ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ، وَالأَكْثَرِ4. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلامِ: مُسَمَّى الْكَلامِ هُوَ اللَّفْظُ، وَأَمَّا الْمَعْنَى: فَلَيْسَ جُزْأَهُ، بَلْ مَدْلُولَهُ، وَقَالَهُ النُّحَاةُ: لِتَعَلُّقِ صِنَاعَتِهِمْ بِاللَّفْظِ فَقَطْ5.

_ 1 انظر همع الهوامع 1/ 31. 2 في ش: البراز. وهو تصحيف قبيح. والمذكور هو الصحابي الجليل البراء بن عازب بن الحارث الأنصاري، أبو عمارة، من كرام الصحابة وخيارهم، أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فرده عنها لصغر سنّه، فلم يشهدها، ثم شهد أحداً وغيرها من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى عن النبي عليه الصلاة والسلام كثيراً من الأحاديث. توفي سنة 72هـ. "انظر ترجمته في الإصابة 1/ 142، الاستيعاب 1/ 139". 3 هذ الحديث لم يُعرف من رواية البراء، بل من رواية زيد بن أرقم. وقد أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترميذي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزل قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة 238] "فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام" وليس في رواية البخاري "ونهينا عن الكلام". وقد أشار المجد بن تيمية في "منتقى الأخبار" إلى أنه أخرجه النسائي أيضاً عن زيد بن أرقم. قال الشوكاني: "وفي الباب عن جابر بن عبد الله عند الشيخين، وعن عمار عند الطبراني، وعن أبي أمامة عند الطبراني أيضاً، وعن أبي سعيد عند البزار، وعن معاوية بن الحكم وابن مسعود". "انظر صحيح البخاري 2/ 79، 6/ 38، صحيح مسلم 1/ 383، تحفة الأحوذي 8/ 330، سنن أبي داود 1/ 344، نيل الأوطار 2/ 354". 4 فتاوى ابن تيمية 12/ 35. 5 انظر فتاوى ابن تيمية 13/ 67.

وَعَكَسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كِلابٍ1 وَأَتْبَاعُهُ ذَلِكَ، فَقَالُوا: مُسَمَّى الْكَلامِ الْمَعْنَى فَقَطْ2. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ ابْنِ كِلابٍ: الْكَلامُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَيُسَمَّى اللَّفْظُ كَلامًا3 حَقِيقَةً، وَيُسَمَّى الْمَعْنَى كَلامًا حَقِيقَةً4. وَرُوِيَ عَنْ الأَشْعَرِيِّ5 وَبَعْضِ الْكِلابِيَّةِ: أَنَّ الْكَلامَ حَقِيقَةٌ فِي لَفْظِ الآدَمِيِّينَ، لأَنَّ حُرُوفَ الآدَمِيِّينَ تَقُومُ بِهِمْ، مَجَازٌ6 فِي كَلامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لأَنَّ الْكَلامَ الْعَرَبِيَّ عِنْدَهُمْ لا يَقُومُ بِهِ تَعَالَى7. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: "اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى، 8 فَإِنْ كَانَ 8 كَلامُهُ هُوَ الْمَعْنَى فَقَطْ. وَالنَّظْمُ الْعَرَبِيُّ الَّذِي يَدُلُّ

_ 1 هو عبد الله بن سعيد بن محمد بن كُلاّب، القطان البصري، أحد أئمة المتكلمين. توفي بعد سنة 240هـ بقليل. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 1/ 299، لسان الميزان 3/ 290". 2 انظر فتاوى ابن تيمية 12/ 67. 3 في ع: الكلام. 4 انظر الإحكام للآمدي 1/ 71، القواد والفوائد الأصولية ص154، التمهيد للأسنوي ص30. 5 هو علي بن إسماعيل بن إسحاق، أبو الحسن الأشعري البصري، المتكلم النظّار الشهير. من كتبه "اللمع" و "مقالات الإسلاميين" و "الأسماء والصفات" و "الرد على المجسمة" و "الفصول في الرد على الملحدين" وغيرها. توفي سنة 324هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 3/ 347-444، وفيات الأعيان 2/ 446، المنتظم 6/ 332، شذرات الذهب 2/ 303، طبقات المفسرين للداودي 1/ 390، الذيباج المذهب 2/ 94". 6 في ع: مجازاً. 7 انظر فتاوى ابن تيمية 12/ 526. وفي ش: تعالى بل كلام غيره ومن العلوم. 8 في ش: لا أن.

عَلَى الْمَعْنَى لَيْسَ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى، كَانَ مَخْلُوقًا، خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ، فَيَكُونُ كَلامًا لِذَلِكَ الْغَيْرِ، لأَنَّ الْكَلامَ إذَا خُلِقَ فِي مَحَلٍّ كَانَ كَلامًا لِذَلِكَ الْمَحَلِّ، فَيَكُونُ الْكَلامُ الْعَرَبِيُّ لَيْسَ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ كَلامُ غَيْرِهِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الإِسْلامِ: أَنَّ الْكَلامَ الْعَرَبِيَّ الَّذِي بَلَّغَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَعْلَمَ أُمَّتَهُ أَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى، لا كَلامُ غَيْرِهِ1. انْتَهَى.

_ 1 انظر فتاوى ابن تيمية 12/ 74، 297، 407. ويقول اين تيمية في هذا المقالم: "ولهذا قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] فأخبر أن ما يسمعه المستجير هو كلام الله. والمستجير يسمعه بصوت القارىء، فالصوت صوت القارىء، والكلام كلام الباري ... الخ" "الرد على المنطقيين ص542" ويقول العز بن عبد السلام: "ومذهبنا أن كلام الله سبحانه قديم أزلي قائم بذاته، لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه ذاته ذات الخلق، ولا يتصور في شيء من صفاته أن تفارق ذاته، إذ لو فارقته لصار ناقصاً، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وهو مع ذلك مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، وصفة الله القديمة ليست بمداد الكاتبين، والا ألفاظ اللافظين". "طبقات الشافعية للسبكي 8/ 233، طبقات المفسرين للداودي 1/ 320".

فصل في الدلالة

فصل في الدلالة ... "فَصْلٌ" " الدَّلالَةُ" بِفَتْحِ الدَّالِ - عَلَى الأَفْصَحِ- مَصْدَرُ دَلَّ يَدُلُّ دَلالَةً. "وَهِيَ" أَيْ الدَّلالَةُ الْمُرَادَةُ هُنَا "مَا" يَعْنِي الَّتِي "يَلْزَمُ مِنْ فَهْمِ شَيْءٍ" أَيِّ شَيْءٍ كَانَ "فَهْمُ" شَيْءٍ "آخَرَ" يَعْنِي كَوْنَ الشَّيْءِ يَلْزَمُ مِنْ فَهْمِهِ فَهْمُ شَيْءٍ آخَرَ. فَالشَّيْءُ الأَوَّلُ: هُوَ الدَّالُّ، وَالشَّيْءُ الثَّانِي: هُوَ الْمَدْلُولُ1. "وَهِيَ" أَيْ الدَّلالَةُ الْمُطْلَقَةُ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ2: الأَوَّلُ: مَا دَلالَتُهُ "وَضْعِيَّةٌ" كَدَلالَةِ الأَقْدَارِ عَلَى مَقْدُورَاتِهَا، وَمِنْهُ: دَلالَةُ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ، كَالدُّلُوكِ3 عَلَى وُجُوبِ الصَّلاةِ، وَكَدَلالَةِ الْمَشْرُوطِ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ، كَالصَّلاةِ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَإِلاَّ لَمَا صَحَّتْ. "وَ" النَّوْعُ الثَّانِي: مَا دَلالَتُهُ "عَقْلِيَّةٌ" كَدَلالَةِ الأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ، وَمِنْهُ: دَلالَةُ الْعَالَمِ عَلَى مُوجِدِهِ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

_ 1 انظر تعريف الدلالة في "شرح تنقيح الفصول ص23، التعريفات للجرجاني ص109، شرح الأنصاري على إيساغوجي وحاشية عليش عليه ص27 وما بعدها، تحرير القواعد المنطقية ص28، إيضاح المبهم ص6، المنطق لمحمد المبارك العبد الله ص16". 2 جرت عادة المناطقة في بحث الدلالة تقسيمها إلى قسمين: دلالة لفظية، ودلالة غير لفظية. وتقسيم كل منهما إلى ثلاثة أقسام: وضعية، وعقلية، وطبيعية. وقد فات المصنف في تقسيمه هذا: الدلالة الطبيعية غير اللفظية، كدلالة الحمرة على الخجل، والصفرة على الوجل، ودلالة الأعراض الخاصة بكل مرض عليه، ونحوها. "انظر المراجع المنطقية السابقة". 3 في ش: كالمدلول.

"وَ" النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا دَلالَتُهُ "لَفْظِيَّةٌ" أَيْ مُسْتَنِدَةٌ1 إلَى وُجُودِ اللَّفْظِ. "وَ" هَذِهِ "اللَّفْظِيَّةُ" ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ: - "طَبِيعِيَّةٌ": كَدَلالَةِ: أَحْ أَحْ.. عَلَى وَجَعِ الصَّدْرِ. - "وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي "عَقْلِيَّةٌ": كَدَلالَةِ الصَّوْتِ عَلَى حَيَاةِ صَاحِبِهِ. - "وَ" الْقِسْمُ الثَّالِثُ "وَضْعِيَّةٌ، وَهَذِهِ" الدَّلالَةُ الْوَضْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَقْسَامِ اللَّفْظِيَّةِ "كَوْنُ اللَّفْظِ إذَا أُطْلِقَ فُهِمَ" مِنْ إطْلاقِهِ "مَا وُضِعَ لَهُ" 2. "وَهِيَ" أَيْ وَدَلالَةُ اللَّفْظِ الْوَضْعِيَّةُ "عَلَى مُسَمَّاهُ" أَيْ مُسَمَّى ذَلِكَ اللَّفْظِ "مُطَابَقَةٌ" أَيْ: دَلالَةُ مُطَابَقَةٍ، كَدَلالَةِ الإِنْسَانِ عَلَى الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الدَّلالَةُ مُطَابَقَةً. لأَنَّ اللَّفْظَ مُوَافِقٌ لِتَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: "طَابَقَ النَّعْلُ النَّعْلَ" إذَا تَوَافَقَتَا. فَاللَّفْظُ. مُوَافِقٌ لِلْمَعْنَى، لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا بِإِزَائِهِ. "وَجُزْئِهِ3" أَيْ4 وَدَلالَةُ اللَّفْظِ الْوَضْعِيَّةُ عَلَى جُزْءِ مُسَمَّاهُ "تَضَمُّنٌ" أَيْ دَلالَةُ تَضَمُّنٍ، كَدَلالَةِ الإِنْسَانِ5 عَلَى حَيَوَانٍ فَقَطْ6، أَوْ عَلَى نَاطِقٍ فَقَطْ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ: لأَنَّ اللَّفْظَ دَلَّ عَلَى مَا فِي ضِمْنِ الْمُسَمَّى.

_ 1 في ع ض ب: مسنده. وفي ز: مستند. 2 انظر تعريفات الجرجاني ص110، الأنصاري على إيساغوجي وحاشية عليش عليه ص29، تحرير القواعد المنطقية ص29. 3 في ع ض: جزئية. 4 ساقطة من ب. 5 في ع: إنسان. 6 في ز: ناطق.

"وَلازِمِهِ" أَيْ وَدَلالَةِ1 اللَّفْظِ عَلَى لازِمِ مُسَمَّاهُ "الْخَارِجِ" كَدَلالَةِ الإِنْسَانِ2 عَلَى كَوْنِهِ ضَاحِكًا، أَوْ قَابِلاً صَنْعَةَ الْكِتَابَةِ "الْتِزَامٌ" أَيْ دَلالَةُ الْتِزَامٍ3. "وَهِيَ عَلَيْهِ4" أَيْ وَدَلالَةُ اللَّفْظِ عَلَى لازِمِ مُسَمَّاهُ الْخَارِجِ عَنْهُ دَلالَةٌ "عَقْلِيَّةٌ"5. وَكَوْنُ دَلالَةِ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ لَفْظِيَّتَيْنِ، وَدَلالَةِ الالْتِزَامِ عَقْلِيَّةٌ، هُوَ الَّذِي6 قَدَّمَهُ فِي "التَّحْرِيرِ"، وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ7 وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ مُفْلِحٍ وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ8.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ع: انسان. 3 انظر تفصيل الكلام على دلالة المطابقة والتضمن والالتزام في "شرح تنقيح الفصول ص24، المستصفى 1/ 30، الإحكام للآمدي 1/ 15، شرح العضد وحواشيه 1/ 120 وما بعدها، الأنصاري على إيساغوجي وحاشية عليش عليه ص23 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 237 وما بعدها، فتح الرحمن ص52 وما بعدها، تحرير القواعد المنطقية ص29، إيضاح المبهم ص6". 4 في ع ز: عقلية. 5 انظر فتح الرحمن ص53. 6 في ش: ما. 7 هو علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي، أبو الحسن، سيف الدين الآمدي، الفقيه الأصولي المتكلم. قال سبط ابن الجوزي: "لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين وعلم الكلام". من كتبه "أبكار الأفكار" في علم الكلام و "الإحكام في أصول الأحكام" في أصول الفقه وغيرها، توفي سنة 631هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 8/ 306، وفيات الأعيان 2/ 455، شذرات الذهب 5/ 144". 8 انظر شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 121 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 15.

وَقِيلَ: الثَّلاثُ لَفْظِيَّةٌ1. وَحَكَاهُ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ" عَنْ الأَكْثَرِ، وَقِيلَ: الْمُطَابَقَةُ لَفْظِيَّةٌ، وَالتَّضَمُّنُ وَالالْتِزَامُ: عَقْلِيَّتَانِ2. "وَالْمُطَابَقَةُ" أَيْ وَدَلالَةُ الْمُطَابَقَةِ "أَعَمُّ" مِنْ دَلالَةِ التَّضَمُّنِ وَالالْتِزَامِ، لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُطَابَقَةِ بَسِيطَةً، لا تَضَمُّنَ فِيهَا، وَلا لَهَا3 لازِمٌ4 خَارِجِيٌّ. "وَ" قَدْ "يُوجَدُ مَعَهَا تَضَمُّنٌ بِلا الْتِزَامٍ" بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى مُرَكَّبٍ، وَلا يَكُونُ لَهُ لازِمٌ خَارِجِيٌّ، فَيُوجَدُ "مَعَ الْمُطَابَقَةِ دَلالَةُ تَضَمُّنٍ بِدُونِ دَلالَةِ الْتِزَامِ5 "وَعَكْسُهُ" بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا "لِمَعْنًى بَسِيطٍ"6 وَلَهُ7 لازِمٌ خَارِجِيٌّ فَيُوجَدُ"8 مَعَ الْمُطَابَقَةِ دَلالَةُ الْتِزَامٍ بِدُونِ دَلالَةِ التَّضَمُّنِ9. "وَالتَّضَمُّنُ" أَيْ وَدَلالَةُ التَّضَمُّنِ "أَخَصُّ" مِنْ دَلالَةِ الْمُطَابَقَةِ وَدَلالَةِ الالْتِزَامِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: دَلالَةُ الالْتِزَامِ مُسَاوِيَةٌ لِدَلالَةِ الْمُطَابَقَةِ، وَهُمَا أَعَمُّ

_ 1 انظر فتح الرحمن ص53، الأنصاري على إساغوجي ص31. 2 المحلي على جمع الجوامع 1/ 238، الأنصاري على إيساغوجي ص31، الطراز ص1/ 38، فتح الرحمن ص53. 3 في ض: دلالتها. 4 في ش: لزوم. 5 في ش ز: الالتزام. 6 والمعنى البسيط لا جزء له. "تحرير القواعد المنطقية ص32". وفي ش: من بسيط الكلام. 7 في د ع: ولا له. 8 ساقطة من ش. 9 انظر تحرير القواعد المنطقية وحاشية الجرجاني عليه ص32، الأنصاري على إيساغوجي وحاشية عليش عليه ص30، فتح الرحمن ص53.

مِنْ التَّضَمُّنِ، لِجَوَازِ كَوْنِ الْمَدْلُولِ1 وَاللاَّزِمِ بَسِيطًا لا جُزْءَ لَهُ2، انْتَهَى. وَإِذْ قَدْ3 فَرَغْنَا مِنْ الْكَلامِ عَلَى دَلالَةِ اللَّفْظِ، فَلْنَشْرَعْ الآنَ4 عَلَى الدَّلالَةِ بِاللَّفْظِ. "وَالدَّلالَةُ بِاللَّفْظِ: اسْتِعْمَالُهُ" أَيْ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَوْضُوعِهِ الأَوَّلِ. وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "فِي الْحَقِيقَةِ" أَوْ5 اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ الأَوَّلِ لِعَلاقَةٍ بَيْنَ الْغَيْرِ وَبَيْنَ مَوْضُوعِهِ الأَوَّلِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَالْمَجَازُ"6. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ "بِاللَّفْظِ" لِلاسْتِعَانَةِ وَالسَّبَبِيَّةِ؛ لأَنَّ الإِنْسَانَ يَدُلُّنَا عَلَى

_ 1 في ش: المضمون. 2 هذه الفقرة مناقضة للفقرة التي سبقتها، حيث ذكر في الأول أن دلالة المطابقة أعم من دلالة الالتزام، إذ قد توجد المطابقة بلا التزام، وذكر في الثانية أن دلالة المطابقة مساوية لدلالة الالتزام، ومقتضاه استلزام المطابقة للالتزام. ومنشأ هذا التناقض أنه جرى في الأولى على رأي عموم المناطقة من أن المطابقة أعم من التضمن والالتزام. وجرى في الثانية على رأي ابن مفلح بأن بين المطابقة والالتزام تساوٍ. وهو مذهب الفخر الرازي الذي خالف فيه عامة المناطقة. وقد كان الأول بالمصنف بعد أن سار على رأي جمهور المناطقة في الفقرة الأولى أن يسير عليه في الثانية، فيقول: إن التضمن والالتزام أخص من المطابقة، أو أن يبدأ الفقرة الثانية بـ"قيل" دفعاً للتناقض والالتباس. "انظر تحرير القواعد المنطقية وحاشية الجرجاني عليه ص32، فتح الرحمن ص53، الأنصاري على إيساغوجي وحاشية عليش عليه ص30". 3 ساقطة من ش. 4 في ش: الآن في الكلام. 5 في ض ب ع: و. 6 انظر شرح الفصول ص26.

مَا فِي نَفْسِهِ بِإِطْلاقِ لَفْظِهِ، فَإِطْلاقُ اللَّفْظِ1 "آلَةٌ" لِلدَّلالَةِ، كَالْقَلَمِ لِلْكِتَابَةِ. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَالْفَرْقُ بَيْنَ دَلالَةِ اللَّفْظِ وَالدَّلالَةِ بِاللَّفْظِ مِنْ وُجُوهٍ2: أَوَّلُهَا: مِنْ جِهَةِ الْمَحَلِّ: فَإِنَّ مَحَلَّ دَلالَةِ اللَّفْظِ الْقَلْبُ، وَمَحَلَّ الدَّلالَةِ بِاللَّفْظِ اللِّسَانُ. الثَّانِي: مِنْ جِهَةِ الْوَصْفِ: فَدَلالَةُ اللَّفْظِ3، صِفَةٌ لِلسَّامِعِ، وَالدَّلالَةُ بِاللَّفْظِ صِفَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ. الثَّالِثُ: مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ: فَالدَّلالَةُ بِاللَّفْظِ سَبَبٌ، وَدَلالَةُ اللَّفْظِ مُسَبَّبٌ عَنْهَا. الرَّابِعُ: مِنْ جِهَةِ الْوُجُودِ: فَكُلَّمَا وُجِدَتْ دَلالَةُ اللَّفْظِ وُجِدَتْ الدَّلالَةُ بِاللَّفْظِ، بِخِلافِ الْعَكْسِ. الْخَامِسُ: مِنْ جِهَةِ الأَنْوَاعِ: فَدَلالَةُ اللَّفْظِ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ: مُطَابَقَةٌ، وَتَضَمُّنٌ، وَالْتِزَامٌ. وَالدَّلالَةُ بِاللَّفْظِ نَوْعَانِ: حَقِيقَةٌ، وَمَجَازٌ "وَالْمُلازَمَةُ" الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَلازِمِهِ الْخَارِجِ أَنْوَاعٌ: - "عَقْلِيَّةٌ": كَالزَّوْجِيَّةِ اللاَّزِمَةِ لِلاثْنَيْنِ. - "وَشَرْعِيَّةٌ": كَالْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ اللاَّزِمَيْنِ لِلْمُكَلَّفِ. - وَعَادِيَةٌ كَالارْتِفَاعِ اللاَّزِمِ لِلسَّرِيرِ.

_ 1 في ش: لفظه. 2 انظر شرح تنقيح الفصول ص26. 3 في ش: الوصف.

"وَ" قَدْ "تَكُونُ" الْمُلازَمَةُ "قَطْعِيَّةً" كَالْوُجُودِ اللاَّزِمِ لِلْمَوْجُودِ "وَ" قَدْ تَكُونُ الْمُلازَمَةُ "ضَعِيفَةً1 جِدًّا" كَالْعَادَةِ اللاَّزِمَةِ لِزَيْدٍ، مِنْ كَوْنِهِ إذَا أَتَى لِمَحَلِّ كَذَا يَحْجُبُهُ عَمْرٌو2. "وَ" قَدْ تَكُونُ الْمُلازَمَةُ "كُلِّيَّةً" كَالزَّوْجِيَّةِ اللاَّزِمَةِ لِكُلِّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ صَحِيحٌ "وَ" قَدْ تَكُونُ الْمُلازَمَةُ "جُزْئِيَّةً" كَمُلازَمَةِ الْمُؤَثِّرِ لِلأَثَرِ حَالَ حُدُوثِهِ.

_ 1 في ب: وضعية. 2 انظر شرح تنقيح الفصول ص25.

فصل في الكلي والجزئي

فصل في الكلي والجزئي ... "فَصْلٌ" "إذَا اتَّحَدَ اللَّفْظُ وَمَعْنَاهُ" الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ "وَاشْتَرَكَ فِي مَفْهُومِهِ" أَيْ مَفْهُومِ لَفْظِهِ "كَثِيرٌ" يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَيْهِمْ1 إيجَابًا2؛ لأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ "وَلَوْ" كَانَ الاشْتِرَاكُ "بِالْقُوَّةِ" دُونَ الْحَقِيقَةِ، بِأَنْ لَمْ يَمْنَعْ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ3. وَلَمْ تَتَفَاوَتْ أَفْرَادُهُ بِاسْتِغْنَاءٍ وَافْتِقَارٍ، أَوْ شِدَّةٍ وَضَعْفٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ "فَـ" ـهُوَ "كُلِّيٌّ" كَالْحَيَوَانِ الصَّادِقِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ4. "وَهُوَ" أَيْ الْكُلِّيُّ قِسْمَانِ: - قِسْمٌ "ذَاتِيٌّ": وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَقِيقَةِ ذَاتِ الشَّيْءِ، مِثْلُ الْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الإِنْسَانِ5. - "وَ" قِسْمٌ "عَرَضِيٌّ": مَنْسُوبٌ إلَى الْعَرَضِ، مِثْلُ الضَّاحِكِ

_ 1 في ش, على. 2 قال الشريف الجرجاني: أي يمكن حمله عليهم, بأن يشترك في مفهومه كثيرون, لا في نفس الأمر، بل بمجرد ملاحظة العقل لذلك المفهوم. وإنما قُيَّدَ الحمل بالإيجاب, لأن الجزئي يمكن حمله على كثيرين سلبأ. "حاشية الجرجاني على شرح العضد 1/126". 3 أي من اشتراكه بين كثيرين وصدقه عليهم. "تحرير القواعد المنطقية ص45". 4 انظر تفصيل الكلام على على الكلي في "تحرير القواع المنطقية وحاشية الجرجاني عليه ص44 وما بعدها, المحلي على جمع الجوامع1/274, الإحكام للآمدي 1/16, شرح تنقيح الفصول ص27 وما بعدها، فتح الرحمن ص53 وما بعدها، الأنصاري على إيساغوجي وحاشية عليش عليه ص39 وما بعدها". 5 فإنه داخل في حقيقة جزئياته، لتركب الإنسان من الحيوان والناطق. "عليش على إيساغوجي ص44".

بِالنِّسْبَةِ إلَى الإِنْسَانِ، لأَنَّ الضَّحِكَ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الإِنْسَانِ1. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا "فَإِنْ تَفَاوَتَ2" أَيْ تَفَاوَتَتْ أَفْرَادُ الْكُلِّيِّ بِقِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ، كَنُورِ السِّرَاجِ وَالشَّمْسِ3، أَوْ بِإِمْكَانِ التَّغَيُّرِ4 وَاسْتِحَالَتِهِ5، كَالْوُجُودِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ6، أَوْ الاسْتِغْنَاءِ وَالافْتِقَارِ، كَالْوُجُودِ7 بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ8، أَوْ بِشِدَّةٍ وَضَعْفٍ، كَبَيَاضِ الثَّلْجِ وَبَيَاضِ الْعَاجِ، أَوْ تَقَدُّمٍ وَتَأَخُّرٍ، كَالْوُجُودِ لِلْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ "فَمُشَكِّكٌ" لأَنَّهُ يَتَشَكَّكُ9 النَّاظِرُ فِيهِ: هَلْ هُوَ مُتَوَاطِئٌ10 لِوُجُودِ11 الْكُلِّيِّ12 فِي أَفْرَادِهِ، أَوْ مُشْتَرَكٌ لِتَغَايُرِ أَفْرَادِهِ؟ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ "شَكَّكَ"

_ 1 انظر تفصيل الكلام على الذاتي والعرضي في "العضد على ابن الحاجب 1/ 71، 80، الإحكام للآمدي 1/ 17، تحرير القواعد المنطقية ص46-60، شرحا إيساغوجي للأنصاري وعليش ص44 وما بعدها". 2 في ش ع: تفاوتت. 3 فإن أفراد النور في الشمس أكثر وفي السراج أقل. "شرح تنقيح الفصول ص30". 4 في ز: التغيير. 5 في ع: واستحالة. 6 فإن الوجود الوجب لا يقبل التغير ولا الفناء ولا العدم ولا الزوال، والوجود الممكن بخلاف ذلك. "شرح نيقيح الفصول ص30". 7 في ش: كالموجود. 8 فالجوهر مستغن عن محل يقوم به، والعرض مفتقر إلى محل يقوم به. "شرح تنقيح الفصول ص31". 9 في ش ع ب: يشكك. 10 في ش: منوط. 11 في ش: بوجود. 12 ف ع: الكل.

الْمُضَاعَفُ 1 مِنْ شَكَّ 1 إذَا تَرَدَّدَ2. وَقَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَتَمْثِيلُنَا بِالْوُجُودِ لِلْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ لِلْمُشَكِّكِ: ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ، تَبَعًا لِلآمِدِيِّ3، وَابْنِ الْحَاجِبِ4، لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِمَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ إجْمَاعًا. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ أَفْرَادُ الْكُلِّيِّ "فَـ" ـهُوَ "مُتَوَاطِئٌ"5، لأَنَّهُ الَّذِي تَتَسَاوَى6 أَفْرَادُهُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ الَّذِي تَشَارَكَتْ فِيهِ، كَالإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِهِ. فَإِنَّ الْكُلِّيَّ فِيهَا - وَهُوَ الْحَيَوَانِيَّةُ وَالنَّاطِقِيَّةُ- لا يَتَفَاوَتُ فِيهَا بِزِيَادَةٍ وَلا نَقْصٍ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ مِنْ التَّوَاطُؤِ، وَهُوَ التَّوَافُقُ7. [وَ] لا يُقَالُ: إنَّهُ لا حَقِيقَةَ لِلْمُشَكِّكِ؛ لأَنَّ مَا حَصَلَ بِهِ الاخْتِلافُ؛ إنْ دَخَلَ فِي التَّسْمِيَةِ كَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا، وَإِلاَّ كَانَ مُتَوَاطِئًا! لأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ دَاخِلٌ فِي التَّسْمِيَةِ، وَلا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا؛ لأَنَّ الْمُشْتَرَكَ مَا لَيْسَ بَيْنَ مَعْنَيَيْهِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، كَلَفْظِ الْعَيْنِ الصَّادِقِ بِالْبَاصِرَةِ وَالذَّهَبِ،

_ 1 ساقطة من ض. 2 انظر تفصيل الكلام على المشكك في "تحرير القواعد المنطقية ص39، شرح تنقيح الفصول ص30، المحلي على جمع الجوامع 1/ 275، إرشاد الفحول ص17، فتح الرحمن ص52". 3 الإحكام في أصول الأحكام 1/ 17. 4 مختصر ابن الحاجب وشرحه للعضد 1/ 126. 5 في ب: المتواطىء. 6 في ض: تساوي. 7 وذلك لتوافق أفراده في معناه. انظر تفصيل الكلام على المتواطىء في "المحلي على جمع الجوامع /274، تحرير القواعد المنطقية ص39، فتح الرحمن ص52، شرح تنقيح الفصول ص20، حاشية عليش على شرح إيساغوجي ص41".

سُمِّيَ بِذَلِكَ الاسْمِ، وَلا يَكُونُ خَارِجًا مِنْ الْمُتَوَاطِئِ1؛ لأَنَّ الْمُتَوَاطِئَ2 أَعَمُّ مِمَّا تَسَاوَتْ أَفْرَادُهُ أَوْ تَفَاوَتَتْ: إلاَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفَاوُتٌ: فَهُوَ مُشَكِّكٌ3. "وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكْ" فِي مَفْهُومِ اللَّفْظِ كَثِيرٌ4 "كَمُضْمَرٍ" فِي الأَصَحِّ عِنْدَ الأَكْثَرِ5 لِوَجْهَيْنِ: الأَوَّلِ: إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ. فَلَوْ كَانَ مُسَمَّاهُ كُلِّيًّا لَكَانَ نَكِرَةً. الثَّانِي: أَنَّ مُسَمَّى الْمُضْمَرِ لَوْ كَانَ كُلِّيًّا كَانَ دَالاًّ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ. وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ: "أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى

_ 1 في ش: التواطؤ. 2 في ش: التواطؤ. 3 قال الشيخ عليش: "قال ابن التلمساني: لا حقيقة للمشكك لأن ما به التفاوت إن دخل في التسمية فمشترك، وإلا فمتواطىء! وأجاب عنه القرفي بأن كُلاَّ من المتواطىء والمشكك موضوع للقدر المشترك، ولكن التفاوت إن كان بأمور من جنس المسمى فمشكك، وإن كان بأمور خارجة عنه كالذكورة والأنوثة والعلم والجهل فمتواطىء. وسمى مشككاً لأن الناظر فيه إن نظر لأصل المعنى عرف أنه متواطىء، وإن نظر إلى تفاوته ظن أنه مشترك، فيشكك في كونه متواطئاً أو مشتركاً". "انظر حاشية عليش على شرح إيساغوجي ص42، حاشية البناني على شرح جمع الجوامع 1/ 275، حاشية العليمي على فتح الرحمن ص52". 4 ساقطة من ع. 5 اختلف المناطقة في كون الضمير جزئياً أو كلياً على ثلاثة أقوال: "احداها" أنه جزئي كالأعلام. وهو قول أكثر المناطقة. "والثاني" أنه كلّي لصدقه على كثيرين من حيث هو. وهو قول القرافي. "والثالث" أنه كلّي وضعاً وجزئي استعمالاً. وهو قول أبي حيان. "انظر فتح الرحمن وحاشية العليمي عليه ص54، شرح تنقيح الفصول ص34 وما بعدها".

الأَخَصِّ"، فَيَلْزَمُ أَنْ لا يَدُلَّ الْمُضْمَرُ عَلَى شَخْصٍ خَاصٍّ أَلْبَتَّةَ1. وَلَيْسَ كَذَلِكَ2. وَمِثْلُ زَيْدٍ وَعَمْرٍو. وَهَذَا الإِنْسَانُ "فَجُزْئِيٌّ"3 لانْدِرَاجِهِ تَحْتَ الْكُلِّيِّ. "وَيُسَمَّى النَّوْعُ" الْمُنْدَرِجُ تَحْتَ الْجِنْسِ مِثْلُ نَوْعِ الإِنْسَانِ الْمُنْدَرِجِ تَحْتَ جِنْسِ4 الْحَيَوَانِ "جُزْئِيًّا إضَافِيًّا"5. فَكُلُّ جِنْسٍ وَنَوْعٍ - عَالٍ أَوْ وَسَطٍ أَوْ سَافِلٍ-: كُلِّيٌّ لِمَا تَحْتَهُ، جُزْئِيٌّ لِمَا فَوْقَهُ، لَكِنْ لا بُدَّ فِي الْجُزْئِيِّ مِنْ مُلاحَظَةِ قَيْدِ الشَّخْصِ وَالتَّعْيِينِ فِي التَّصَوُّرِ، وَإِلاَّ لَصَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ، إذْ لا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاكٍ6، وَلَوْ فِي أَخَصِّ صِفَاتِ النَّفْسِ7. "وَ" الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ "مُتَعَدِّدُ اللَّفْظِ فَقَطْ" أَيْ دُونَ أَنْ يَتَعَدَّدَ مَعْنَاهُ كَالْبُرِّ وَالْقَمْحِ الْمُسَمَّى بِهِ الْحَبُّ الْمَعْرُوفُ. وَكَاللَّيْثِ وَالأَسَدِ "مُتَرَادِفٌ" لِتَرَادُفِ اللَّفْظَيْنِ بِتَوَارُدِهِمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ8.

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر شرح تنقيح الفصول ص34. 3 أي جزئي حقيقي بقرينة مقابلته بالكلي. "شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 126". 4 في ش: جزئي. 5 أي بالإضافة إلى جنسه الذي هو أعم منه. "الجرجاني على شرح العضد 1/ 126، عليش على شرح إيساغوجي ص42". 6 في ش: اشترك. 7 انظر تفصيل الكلام على الجزئي الحقيقي والإضافي في تحرير القواعد المنطقية وحاشية الجرجاني عليه ص69 وما بعدها. 8 انظر تفصيل الكلام على المترادف في "المزهر 1/ 402 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 23 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 1/ 275".

"وَ" مُتَعَدِّدُ "الْمَعْنَى فَقَطْ" أَيْ دُونَ اللَّفْظِ "مُشْتَرَكٌ" كَالذَّهَبِ وَالْبَاصِرَةِ. فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي لَفْظِ "الْعَيْنِ" لِصِدْقِهِ عَلَيْهِمَا1. وَلا يُسَمَّى مُشْتَرَكًا إلاَّ "إنْ كَانَ" اللَّفْظُ وُضِعَ "حَقِيقَةً لِلْمُتَعَدِّدِ" كَمَا مَثَّلْنَا "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُضِعَ حَقِيقَةً لِلْمُتَعَدِّدِ، بَلْ كَانَ مَوْضُوعًا لأَحَدِهِمَا، ثُمَّ نُقِلَ إلَى الثَّانِي لِمُنَاسَبَةٍ "فَـ" ـهُوَ "حَقِيقَةٌ" بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْضُوعِ لَهُ2 "وَمَجَازٌ" بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنْقُولِ إلَيْهِ، كَلَفْظِ "السَّمَاءِ" فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي السَّمَاءِ الْمَعْهُودَةِ، وَمَجَازٌ فِي الْمَطَرِ. قَالَ الشَّاعِرُ3: إذَا نَزَلَ4 السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا5 وَكَالأَسَدِ، فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ حَقِيقَةٌ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ مَجَازٌ6. "وَهُمَا" أَيْ وَمُتَعَدِّدُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى: أَلْفَاظٌ "مُتَبَايِنَةٌ" لَمَعَانٍ مُتَبَايِنَةٍ،

_ 1 انظر تفصيل الكلام على المشترك في "شرح تنقيح الفصول ص29، العضد على ابن لحاجب 1/ 127 وما بعدها، المزهر 1/ 369 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 19 وما بعدها". 2 ساقطة من ع. 3 هو مُعَوَّد الحكماء، معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب كما في لسان العرب 14/ 399 والاقتضاب ص320 والمفضليات ص359 ومعجم الشعراء ص391 وغيرها "انظر تحقيق العلامة السيد أحمد صقر لتأويل مشكل القرآن ص135". 4 قال ابن البطليوسي في "شرح أدب الكاتب": المراد "إذا نزل المطر بأرض قوم فأخصبت بلادهم وأجدبت بلادنا سرنا إليها فرعينا نباتها، وإن غضب أهلها لم تبالِ بغضبهم لعزّنا ومنعتنا". "الاقتضاب ص320". 5 جاء في بعض الرويات: إذا سقط السماء، وفي بعضها: إذا نزل السحاب. 6 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 276، إرشاد الفحول ص17.

سَوَاءٌ "تَفَاصَلَتْ" تِلْكَ الْمَعَانِي1، كَمُسَمَّى إنْسَانٍ، وَمُسَمَّى فَرَسٍ "أَوْ تَوَاصَلَتْ" بِأَنْ كَانَ بَعْضُ الْمَعَانِي صِفَةً لِلْبَعْضِ الآخَرِ. كَالسَّيْفِ وَ2 الصَّارِمِ. فَإِنَّ "السَّيْفَ" اسْمٌ لِلْحَدِيدَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَلَوْ مَعَ كَوْنِهَا كَآلَةٍ، و "وَالصَّارِمُ" اسْمٌ لِلْقَاطِعَ3، وَالنَّاطِقِ4 وَالْفَصِيحِ وَالْبَلِيغِ5. وَالْمُرَادُ بِتَوَاصُلِهِا6: أَنَّهُ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُا7 فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَنَحْوُ8 ذَلِكَ، لَوْ9 كَانَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا مِنْ الآخَرِ، كَالإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ. "وَكُلُّهَا" أَيْ: وَكُلُّ الأَلْفَاظِ مِنْ حَيْثِيَّةِ الاشْتِقَاقِ وَعَدَمِهِ قِسْمَانِ: - قِسْمٌ "مُشْتَقٌّ": وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى ذِي صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، كَضَارِبٍ وَعَالِمٍ "وَنَحْوِهِمَا. - "وَ" قِسْمٌ "غَيْرُهُ" أَيْ غَيْرُ مُشْتَقٌّ: وَهُوَ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذِي صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَالْجِسْمِ وَالإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ. "وَ" مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَصْفٌ أَوْ غَيْرُ وَصْفٍ قِسْمَانِ أَيْضًا:

_ 1 في ش: المعاني أي لم يرتبط أحدهما بالآخر كضرب زيد عمراً و. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: للقطع. 4 في ش: والناطق. 5 ساقطة من ز ع. 6 في ش ز ع: بتوصيلهما. 7 في ش ز ع: اجتماعهما. 8 في ض ب: ونحوه. 9 في ش: ولو.

- قِسْمٌ "صِفَةٌ": إنْ دَلَّ عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِذَاتٍ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَقَالَ الْعَضُدُ: "هُنَا الصِّفَةُ مَا تَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مُعَيَّنٍ كَضَارِبٍ"1. - "وَ" قِسْمٌ "غَيْرُهَا" أَيْ غَيْرُ صِفَةٍ2: إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَالإِنْسَانِ وَزَيْدٍ"3 وَنَحْوُهُمَا. "وَيَكُونُ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مُتَوَاطِئًا مُشْتَرَكًا" بِاعْتِبَارَيْنِ، كَإِطْلاقِ لَفْظِ "الْخَمْرِ" عَلَى التَّمْرِ وَالْعِنَبِ. فَيَكُونُ لَفْظُ "الْخَمْرِ" بِاعْتِبَارِ نِسْبَةِ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ إلَيْهِ مُتَوَاطِئًا، وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ النِّسْبَةِ مُشْتَرَكًا. "وَ" يَكُونُ "اللَّفْظَانِ مُتَبَايِنَيْنِ مُتَرَادِفَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ" كَلَفْظَيْ "صَارِمٍ" وَ "مُهَنَّدٍ"، فَإِنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى 4 الصِّفَةِ مُتَرَادِفَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى 4 صِدْقِهِمَا عَلَى الْحَدِيدَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالسَّيْفِ. وَكَذَا "نَاطِقٌ" وَ "وَفَصِيحٌ"، فَإِنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الاخْتِلافِ فِي الْمَعْنَى، مُتَرَادِفَانِ لِصِدْقِهِمَا عَلَى مَوْصُوفِهِمَا مِنْ إنْسَانٍ أَوْ لِسَانٍ. "وَ" اللَّفْظُ "الْمُشْتَرَكُ" فِيهِ "وَاقِعٌ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالأَكْثَرِ مِنْ طَوَائِفِ الْعُلَمَاءِ فِي الأَسْمَاءِ. - كَالْقُرْءِ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَالْعَيْنِ: فِي الْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَالذَّهَبِ وَعَيْنِ الشَّمْسِ وَعَيْنِ الْمِيزَانِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ- وَفِي الأَفْعَالِ - كَعَسْعَسَ: لأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، وَعَسَى: لِلتَّرَجِّي وَالإِشْفَاقِ، وَالْمُضَارِعِ لِلْحَالِ وَالاسْتِقْبَالِ. وَوُقُوعِ الْمَاضِي خَبَرًا وَدُعَاءً. كَغَفَرَ اللَّهُ لَنَا- وَفِي الْحُرُوفِ كَالْبَاءِ: لِلتَّبْعِيضِ وَبَيَانِ الْجِنْسِ

_ 1 شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 128. 2 في ش ز: الصفة. 3 ساقطة من ش. 4 ساقطة من ش.

وَالاسْتِعَانَةِ وَالسَّبَبِيَّةِ وَنَحْوِهَا. "جَوَازًا" لأَنَّهُ لا يَمْتَنِعُ وَضْعُ لَفْظٍ وَاحِدٍ1 لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ وَاضِعٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَشْتَهِرُ الْوَضْعُ. وَمَنَعَ جَمْعٌ وُقُوعَ الْمُشْتَرَكِ فِي اللُّغَةِ. وَرَدُّوا مَا قَالَ الأَكْثَرُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ2 إلَى3 التَّوَاطُؤِ أَوْ4 الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. وَعَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ كَوْنُ الْمُشْتَرَكِ وَاقِعًا فِي اللُّغَةِ: لا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ مَفْهُومَيْهِ "تَبَايَنَا" وَهُوَ أَنْ لا يَصْدُقَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ. فَإِنْ لِمَ يَصِحَّ اجْتِمَاعُهُمَا فَهُمَا مُتَضَادَّانِ، كَالْقُرْءِ الْمَوْضُوعِ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ. وَإِنْ صَحَّ اجْتِمَاعُهُمَا فَهُمَا مُتَخَالِفَانِ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ" عَنْ الإِسْنَوِيِّ5: إنَّهُ لَمْ يَظْفَرْ لَهُمَا بِمِثَالٍ6. "أَوْ" بَيْنَ كَوْنِ مَفْهُومَيْهِ "تَوَاصَلا" بِصِدْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: اشترك. 3 في ش: في. 4 في ش: و. 5 هو عبد الرحيم بن الحسن بن علي، جمال الدين، أبو محمد، الأسنوي المصري الشافعي، الفقيه الأصولي المفسر النحوي، أشهر كبته "نهاية السول" شرح المنهاج في أصول الفقه و "الكوكب الدري في تخريج الفروع الفقهية على القواعد النحوية" و "التمهيد في تخريج الفروع على الأصول" و "طبقات الشافعية". توفي سنة 772هـ. "انظر ترجمته في الدرر الكامنة 2/ 463، شذرات الذهب 6/ 223، البدر الطالع 1/ 352، بغية الوعاة 2/ 92". 6 انظر نهاية السول 1/ 287.

"بِكَوْنِهِ" أَيْ بِكَوْنِ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ "جُزْءَ" الْمَفْهُومِ "الآخَرِ" كَلَفْظِ "الْمُمْكِنِ" فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْمُمْكِنِ بِالإِمْكَانِ الْعَامِّ وَالْمُمْكِنِ بِالإِمْكَانِ الْخَاصِّ1. "أَوْ" بِكَوْنِهِ "لازِمَهُ" أَيْ لازِمَ الآخَرِ. كَقَوْلِهِمْ: طَلَعَتْ الشَّمْسُ. وَجَلَسْنَا فِي الشَّمْسِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ: "جَلَسْنَا فِي الشَّمْسِ": ضَوْءُ الشَّمْسِ اللاَّزِمُ لَهَا. "2 وَكَذَا مُتَرَادِفٌ 2 وُقُوعًا" يَعْنِي وَكَذَا3 الْخِلافِ فِي وُقُوعِ الْمُتَرَادِفِ فِي اللُّغَةِ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَالْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ: أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ فِي الأَسْمَاءِ، وَالأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ فَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الأَسْمَاءِ: الأَسَدُ وَالسَّبُعُ وَاللَّيْثُ وَالْغَضَنْفَرُ. فَإِنَّهَا كُلَّهَا لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ الْمَعْرُوفِ، وَفِي الأَفْعَالِ: قَعَدَ وَجَلَسَ، وَكَذَا: مَضَى وَذَهَبَ وَفِي الْحُرُوفِ: إلَى، وَحَتَّى. لانْتِهَاءِ الْغَايَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ4، فِي "رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ": "الأَسْمَاءُ الدَّالَّةُ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ نَوْعَانِ:

_ 1 انظر نهاية السول 1/ 287. 2 في ش: ولذا يترادف. 3 في ش: وقوع. 4 هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزراعي الدمشقي، شمس الدين، أبو عبد الله، ابن قيم الجوزية الحنبلي، الفقيه الأصولي المفسر النحوي. قال عنه الشوكاني: "برع في جميع العلوم، وفاق الأقران، واشتهر في الأفاق، وتبحر في معرفة مذاهب السلف". من كتبه "مدارج السالكين" و "زاد المعاد" و "إعلام الموقعين" و "الطرق الحكيمة" و "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" توفي سنة 751هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 447، البدر الطالع 2/ 143، شذرات الذهب 6/ 168، الدرر الكامنة 4/ 21، طبقات المفسرين للداودي 2/ 90، بغية الوعاة 1/ 62".

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَدُلَّ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ فَقَطْ. فَهَذَا هُوَ الْمُتَرَادِفُ تَرَادُفًا مَحْضًا. كَالْحِنْطَةِ وَالْبُرِّ وَالْقَمْحِ، [وَالاسْمُ وَالْكُنْيَةُ] 1 وَاللَّقَبُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ2 مَدْحٌ وَلا ذَمٌّ، وَإِنَّمَا أَتَى3 لِمُجَرَّدِ4 التَّعْرِيفِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ تدُلَّ عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ بِاعْتِبَارِ تَبَايُنِ صِفَاتِهَا. كَأَسْمَاءِ الرَّبِّ، وَأَسْمَاءِ كَلامِهِ وَ [أَسْمَاءِ] 5 نَبِيِّهِ، وَأَسْمَاءِ الْيَوْمِ الآخِرِ، فَهَذَا النَّوْعُ مُتَرَادِفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الذَّاتِ، مُتَبَايِنٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصِّفَاتِ. فَالرَّبُّ وَالرَّحْمَنُ وَالْعَزِيزُ وَالْقَدِيرُ وَنَحْوُهَا تَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ بِاعْتِبَارِ صِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ. وَكَذَلِكَ: الْبَشِيرُ وَالنَّذِيرُ، وَالْحَاشِرُ وَالْعَاقِبُ وَنَحْوُهَا، وَكَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَيَوْمُ الْبَعْثِ وَيَوْمُ الْجَمْعِ وَيَوْمُ التَّغَابُنِ وَيَوْمُ الآزِفَةِ وَنَحْوُهَا. وَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ وَالْفُرْقَانُ وَالْكِتَابُ وَالْهُدَى وَنَحْوُهَا، وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ السَّيْفِ. فَإِنَّ تَعَدُّدَهَا بِحَسَبِ "أَوْصَافِهَا، وَأَوْصَافُهَا"6 مُخْتَلِفَةٌ، كَالْمُهَنَّدِ وَالْعَضْبِ7 وَالصَّارِمِ وَنَحْوِهَا. قَالَ: وَقَدْ أَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ التَّرَادُفَ فِي اللُّغَةِ، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا هَذَا الْمَعْنَى، وَأَنَّهُ مَا مِنْ اسْمَيْنِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ إلاَّ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ فِي صِفَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ أَوْ إضَافَةٍ. سَوَاءٌ عُلِمَتْ لَنَا أَوْ لَمْ تُعْلَمْ.

_ 1 زيادة من روضة المحبين. 2 في ض: به. 3 في روضة المحبين: أتى به. 4 في ش: بمجرد. 5 زيادة من روضة المحبين. 6 في روضة المحبين: أوصافٍ وإضافات. 7 في ش: المعضب.

وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ الْوَاضِعِ الْوَاحِدِ، وَلَكِنْ قَدْ يَقَعُ التَّرَادُفُ بِاعْتِبَارِ وَاضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، يُسَمَّى أَحَدُهُمَا الْمُسَمَّى بِاسْمٍ، وَيُسَمِّيهِ الْوَاضِعُ الآخَرُ بِاسْمٍ غَيْرِهِ، وَيُشْتَهَرُ الْوَضْعَانِ عَنْ1 الْقَبِيلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَهَذَا كَثِيرٌ. وَمِنْ هَذَا2 يَقَعُ الاشْتِرَاكُ أَيْضًا فَالأَصْلُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ التَّبَايُنُ، وَهُوَ أَكْثَرُ اللُّغَةِ"3 انْتَهَى. "وَلا تَرَادُفَ فِي حَدٍّ غَيْرِ لَفْظِيٍّ وَمَحْدُودٍ" أَمَّا الْحَدُّ اللَّفْظِيُّ: كَالْحِنْطَةِ وَالْقَمْحِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلامُ أَنَّهُ مِنْ الْمُتَرَادِفِ. وَأَمَّا غَيْرُ اللَّفْظِيِّ: كَالإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَرَادِفٍ؛ لأَنَّ التَّرَادُفَ مِنْ عَوَارِضِ الْمُفْرَدَاتِ؛ لأَنَّهَا الْمَوْضُوعَةُ. وَالْحَدُّ مُرَكَّبٌ، وَلأَنَّ دَلالَةَ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ عَلَى الْمَعْنَى غَيْرُ مُتَّحِدَةٍ. فَإِنَّ الْحَدَّ يَدُلُّ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَحْدُودِ بِالْمُطَابَقَةِ، وَالْمَحْدُودُ يَدُلُّ عَلَيْهَا بِالتَّضَمُّنِ، وَلأَنَّ الْمَحْدُودَ يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَالْوَحْدَةُ4 الْمُجْتَمِعَةُ، وَالْحَدُّ يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ بِذِكْرِ الْمَادَّةِ، وَالصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ وَحْدَةٍ. "وَلا" تَرَادُفَ أَيْضًا فِي نَحْوِ "شَذَرٌ مَذَرٌ"5 عَلَى الصَّحِيحِ، وَنَحْوُ شَذَرٍ مَذَرٍ: حَسَنٌ بَسَنٌ، وَعَطْشَانُ نَطْشَانُ، وَشَغَرٌ بَغَرٌ6، وَشَيْطَانٌ

_ 1 في ز: عند. 2 في روضة المحبين: ههنا. 3 روضة المحبين ص61، 62. 4 في ع: الواحدة. وفي ض: ولوحدة. 5 يقال: ذهب ماله شَذَرَ مَذَرَ: أي تفرق في كل وجه. "الإتباع للحلبي ص87". 6 يقال: تفرق القوم شَغَرَ بَغَرَ: إذا تفرقوا في كل وجه. "الإتباع للحلبي ص17".

لَيْطَانٌ1، وَحَارٌّ يَارٌّ2، وَجَائِعٌ نَائِعٌ، وَثَقِفٌ لَقِفٌ، وَحَيَّاك اللَّهُ وَبَيَّاكَ، وَأُسْوَانُ أَتْوَانُ3: أَيْ حَزِينٌ. وَتَافِهٌ نَافِهٌ4، وَحَلٌّ5 بَلٌّ، وَحَقِيرٌ نَقِيرٌ، وَعَيْنٌ حَدِرَةٌ بَدِرَةٌ: أَيْ عَظِيمَةٌ، وَغَضٌّ بَضٌّ6، وَخَرَابٌ يَبَابٌ، وَسَمْجٌ لَمْجٌ7، وَسَبُعٌ لَبُعٌ، وَشَكِسٌ لَكِسٌ8، وَيَوْمٌ عَكٌّ أَكٌّ9: إذَا كَانَ حُاراً10، وَعِفْرِيتٌ نِفْرِيتٌ، وَكَثِيرٌ بَثِيرٌ، وَشقيح11 لَقِيحٌ، وَثِقَةٌ نقَةٌ12، وَهُوَ أَشَقٌّ أَمَقٌّ خَنِقٌ: لِلطَّوِيلِ13، وَفَعَلْت ذَلِكَ عَلَى رَغْمِهِ وَدَغْمِهِ؛ لأَنَّ الَّذِي 14 بَعْدَ الأَوَّلِ تَابِعٌ 14 لا يُفِيدُ شَيْئًا غَيْرَ التَّقْوِيَةِ، وَشَرْطُ التَّرَادُفِ أَنْ يُفِيدَ أَحَدَ الْمُتَرَادِفَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ، لأَنَّهُ مِثْلُ15 مُرَادِفِهِ فِي الرُّتْبَةِ16.

_ 1 يقال: هو شَيْطَانٌ لَيْطَانٌ: وهو الذي يلزق بالشر، من قولك: ما يليطُ بي هذا، أي ما يلزَق. "الإتباع للحلبي ص75". 2 في ش: حان بان، وفي ز: جان بان، وفي ع ض ب: جاز باز. 3 في ش ز ع ض: أفوان. 4 يقال للشيء تافهٌ نافهٌ: إذا كان قليلاً حقيراً. "الاتباع للحلبي ص93". 5 في ز ع ض: وكل. 6 كذا في الإتباع للحلبي ص22, وفي ش: حض مض, وفي ز ع ض ب: خض مض. 7في ش ز د ع: سمح لمح. 8يقال: إنه لشَكِسٌ لَكِسٌ: إذا كان ضيق الخلق. "الإتباع للحلبي ص78" وفي ز ع ب ض: شكش لكش. 9في ش ز ع ب ض: لك. 10 في ش: حلواً. 11 في ش ز ع ب ض: فسيح. 12 في ز: بقة, وفي ش: لقة, وفي ض: تفه نفه. وفي ع: نقة لقة. 13 في ش: الطويل. 14 في ز: بعده. 15 ساقطة من ش. 16 انظر تفصل الكلام على الإتباع والفرق بينه وبين الترادف في "المزهر 1/414-425, نهاية السول 1/ 271" وانظركتاب الاتباع لأبي الطيب الحلبي والاتباع والمزاوجة لابن فارس.

"وَلا" تَرَادُفَ أَيْضًا فِي "تَأْكِيدٍ" لأَنَّ اللَّفْظَ الْمُؤَكَّدَ بِهِ تَابِعٌ لِلْمُؤَكَّدِ، فَلا يُرَادِفُهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلالِهِ. "وَأَفَادَ التَّابِعُ التَّقْوِيَةَ" لأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ عَبَثًا1. "وَهُوَ" أَيْ التَّابِعُ "عَلَى زِنَةِ مَتْبُوعِهِ" حَتَّى لَوْ وُجِدَ مَا لَيْسَ عَلَى زِنَتِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ "وَ" اللَّفْظُ "الْمُؤَكِّدُ" لِمَتْبُوعِهِ "يُقَوِّي" مَتْبُوعَهُ، لأَنَّ التَّأْكِيدَ هُوَ التَّقْوِيَةُ بِاللَّفْظِ "وَ" يَزِيدُ عَلَى التَّقْوِيَةِ بِكَوْنِهِ "يَنْفِي احْتِمَالَ الْمَجَازِ"2. وَأَنْكَرَتْ الْمَلاحِدَةُ كَوْنَ الْقُرْآنِ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ وُقُوعِ التَّوْكِيدِ فِيهِ، لِزَعْمِهِمْ الْقُصُورَ عَنْ تَأْدِيَةِ3 مَا فِي النَّفْسِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَجَهِلُوا4 كَوْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ خَاطَبَ عِبَادَهُ عَلَى نَهْجِ لُغَةِ الْعَرَبِ. "وَيَقُومُ كُلُّ مُتَرَادِفٍ" مِنْ مُتَرَادِفَيْنِ5 "مَقَامَ الآخَرِ فِي التَّرْكِيبِ" لأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّرْكِيبِ إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ. فَإِذَا صَحَّ الْمَعْنَى مَعَ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ مَعَ الآخَرِ؛ لاتِّحَادِ مَعْنَاهُمَا6. وَلا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا تُعُبِّدَ7 بِلَفْظِهِ، كَالتَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِ؛ لأَنَّ الْمَنْعَ هُنَاكَ لِعَارِضٍ شَرْعِيٍّ8. وَالْبَحْثُ هُنَا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ.

_ 1 انظر المزهر 1/ 402 وما بعدها. 2 انظر نهاية السول 1/ 271، المزهر 1/ 416. 3 في ش: تأكيده. 4 في ش: وحعلوا. 5 في ش: المترادفين. 6 في ش: معناهما من حيث اللغة. 7 في ش: تعدد. 8 في ع ب: شرع.

"فَائِدَةٌ" الْفَائِدَةُ فِي الأَصْلِ: الزِّيَادَةُ تَحْصُلُ لِلإِنْسَانِ، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَوْلِك "فَادَتْ لَهُ فَائِدَةٌ" مِنْ بَابِ بَاعَ، وَأَفَدْته إفَادَةً أَعْطَيْتُهُ، وَأَفَدْت1 مِنْهُ مَالاً أَخَذْتُهُ. وَفَائِدَةُ الْعِلْمِ وَالأَدَبِ مِنْ هَذَا. "الْعَلَمُ" مِنْ أَقْسَامِ الْجُزْئِيِّ لا الْكُلِّيِّ، وَهُوَ "اسْمٌ يُعَيِّنُ مُسَمَّاهُ". فَقَوْلُنَا "اسْمُ" جِنْسٍ مُخْرِجٌ لِمَا سِوَاهُ مِنْ الأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ. وَقَوْلُنَا "يُعَيِّنُ مُسَمَّاهُ" فَصْلٌ مُخْرِجٌ لِلنَّكِرَاتِ. وَقَوْلُنَا "مُطْلَقًا" مُخْرِجٌ لِمَا سِوَى الْعَلَمِ مِنْ الْمَعَارِفِ. فَإِنَّهُ لا يُعَيِّنُهُ إلاَّ بِقَرِينَةٍ: إمَّا لَفْظِيَّةٍ، مِثْلُ "أَلْ" أَوْ مَعْنَوِيَّةٍ، كَالْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ، "فِي أَنْتَ"2 وَهُوَ. وَهَذَا الْحَدُّ لابْنِ مَالِكٍ3. وَهُوَ قِسْمَانِ: - قِسْمٌ شَخْصِيٌّ: وَهُوَ الْمَوْضُوعُ لِلْحَقِيقَةِ بِقَيْدِ الشَّخْصِ الْخَارِجِيِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "فَإِنْ كَانَ التَّعْيِينُ خَارِجِيًّا فَعَلَمُ شَخْصٍ" كَجَعْفَرٍ: عَلَمُ رَجُلٍ، وَخِرْنَقَ: عَلَمَ امْرَأَةٍ. - وَأُشِيرَ4 إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّعْيِينُ خَارِجِيًّا، بِأَنْ لَمْ يُوضَعْ عَلَى شَخْصٍ مَوْجُودٍ5 فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا وُضِعَ

_ 1 في ع: وأخذت. 2 في ش: كأنت. 3 عَرَّف ابن مالك في "التسهيل" الاسم العلم بقوله: "هو المخصوص مطلقاً، غلبة أو تعليقاً بمسمى غير مقدر الشياع أو الشائع الجاري مجراه". "تسهيل الفوائد ص30" ولعل المصنف نقل تعريفه عن بعض كتبه الأخرى. 4 في ش: وأشار. 5 في ش: موضوع.

لِلْمَاهِيَّةِ بِقَيْدِ الشَّخْصِ1 الذِّهْنِيِّ "فَـ" عَلَمُ "جِنْسٍ" كَأُسَامَةَ، فَإِنَّهُ عَلَمٌ عَلَى الأَسَدِ بِقَيْدِ تَشَخُّصِ مَاهِيَّتِه فِي ذِهْنِ الْوَاضِعِ. وَكَذَا ثُعَالَةُ عَلَى الثَّعْلَبِ، فَإِنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا لَمْ يُوضَعْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ جِنْسِهِ2 بِعَيْنِهِ. "فَتَشْمَلُ الْمَاهِيَّةُ كُلَّ"3 أَفْرَادِ الْجِنْسِ، وَلا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا لا يُؤْلَفُ مِنْ الْوُحُوشِ، بَلْ يَكُونُ أَيْضًا لِبَعْضِ الْمَأْلُوفَاتِ. كَأَبِي الْمَضَاءِ لِجِنْسِ الْفَرَسِ4. "وَ" الاسْمُ "الْمَوْضُوعُ لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ" أَيْ لا بِقَيْدِ تَشَخُّصِهَا5 فِي الذِّهْنِ، وَلا عَدَمِ تَشَخُّصِهَا6. - كَأَسَدٍ- فَهُوَ "اسْمُ جِنْسٍ"7. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَعَلَمُ الْجِنْسِ يُسَاوِي عَلَمَ الشَّخْصِ فِي أَحْكَامِهِ اللَّفْظِيَّةِ: مِنْ كَوْنِهِ لا يُضَافُ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهِ حَرْفُ التَّعْرِيفِ، وَلا يُنْعَتُ بِنَكِرَةٍ، وَلا يَقْبُحُ مَجِيئُهُ مُبْتَدَأً، وَلا انْتِصَابُ النَّكِرَةِ بَعْدَهُ عَلَى الْحَالِ، وَلا يُصْرَفُ مِنْهُ مَا فِيهِ سَبَبٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَلَمِيَّةِ. وَيُفَارِقُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِعُمُومِهِ، إذْ هُوَ خَاصٌّ شَائِعٌ فِي حَالَةٍ8 وَاحِدَةٍ. فَخُصُوصُهُ بِاعْتِبَارِ تَعْيِينِهِ الْحَقِيقَةَ فِي الذِّهْنِ، وَشِيَاعُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِكُلِّ شَخْصٍ مِنْ أَشْخَاصِ نَوْعِهِ قِسْطًا مِنْ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ فِي الْخَارِجِ9.

_ 1 في ش: التشخص. 2 في ع: جنس. 3 في ز: فتشمل الماهية على. 4 انظر شرح تنقيح الفصول ص32 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 278. 5 في ض: شخصا. 6 في ض: شخصا. 7 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 278. 8 في ش: جهة. 9 انظر شرح تنقيح الفصول ص33.

وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ عَلَمِ الْجِنْسِ وَاسْمِ الْجِنْسِ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ اسْمَ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ أَسَدٌ: مَوْضُوعٌ لِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ النَّوْعِ لا1 بِعَيْنِهِ، فَالتَّعَدُّدُ فِيهِ مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ، وَإِنْ عَلَمَ الْجِنْسَ الَّذِي هُوَ أُسَامَةُ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ الْمُتَّحِدَةِ فِي الذِّهْنِ. فَإِذَا أَطْلَقْت أَسَدًا عَلَى وَاحِدٍ أَطْلَقْتَهُ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ، وَإِذَا أَطْلَقْت أُسَامَةَ عَلَى الْوَاحِدِ2 فَإِنَّمَا أَرَدْت الْحَقِيقَةَ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ التَّعَدُّدُ فِي الْخَارِجِ. فَالتَّعَدُّدُ3 فِيهِ ضِمْنًا لا قَصْدًا بِالْوَضْعِ. وَيَتَسَاوَيَانِ فِي صِدْقِهِمَا عَلَى صُورَةِ الأَسَدِ، إلاَّ أَنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ وُضِعَ لَهَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهَا بِاسْتِحْضَارِهَا فِي الذِّهْنِ، وَاسْمَ الْجِنْسِ وُضِعَ لَهَا مِنْ حَيْثُ عُمُومُهَا.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: واحد. 3 في ش ز: فالمتعدد.

فصل في الحقيقة والمجاز

فصل في الحقيقة والمجاز ... "فَصْلٌ" "الْحَقِيقَةُ" فَعِيلَةٌ مِنْ الْحَقِّ، ثُمَّ إنْ كَانَ بِمَعْنَى الثَّابِتِ، فَهِيَ1 اسْمُ فَاعِلٍ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُثْبَتِ، فَهِيَ2 اسْمُ مَفْعُولٍ. وَهِيَ 3 أَقْسَامٌ: "لُغَوِيَّةٌ" أَيْ مَنْسُوبَةٌ إلَى اللُّغَةِ "وَهِيَ" مِنْ حَيْثُ نِسْبَتُهَا إلَى اللُّغَةِ 3، "قَوْلٌ" أَيْ لَفْظٌ غَيْرُ مُهْمَلٍ "مُسْتَعْمَلٌ" لأَنَّهُ قَبْلَ الاسْتِعْمَالِ لا حَقِيقَةَ وَلا مَجَازَ "فِي وَضْعٍ4 أَوَّلٍ" مُخْرِجٍ لِلْمَجَازِ؛ لأَنَّهُ بِوَضْعِ ثَانٍ، وَدَخَلَ فِيهِ أَسْمَاءُ الأَجْنَاسِ5. "6وَهِيَ" أَقْسَامٌ: الأَوَّلُ7: "لُغَوِيَّةٌ" أَيْ مَنْسُوبَةٌ إلَى اللُّغَةِ. "وَهِيَ" مِنْ حَيْثُ نِسْبَتُهَا إلَيْهَا - بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُرْفِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ- "الأَصْلُ" أَيْ الأَسْبَقُ 6 "كَأَسَدٍ" وَأَعْلامُهَا كَأُسَامَةَ8.

_ 1 في ب: فهو. 2 في ب: فهو. 3 ساقطة من ش، وفي ب: وهي أقسام "لغلوية" أي منسوبة إلى اللغة. 4 في ش: موضع. 5 انظر تفصيل الكلام على الحقيقة وأقسامها في "شرح تنقيح الفصول ص42 وما بعددها، المحلي على جمع الجوامع 1/ 200 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 1/ 138 وما بعدها، المزهر 1/ 355 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 26 وما بعدها، إرشاد الفحول ص21، روضة الناظر وشرحها لبدران 2/ 8 وما بعدها، المعتمد للبصري 1/ 16 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 203، الطراز 1/ 46-59، الصاحبي ص196، مقدمة التفسير للراغب الأصبهاني ص589". 6 ساقطة من ز. 7 في ض: الفسم الأول. وكلمة "الأول" ساقطة من ب. 8 في ش: كأسد.

"وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي: حَقِيقَةٌ "عُرْفِيَّةٌ" وَهِيَ "مَا" أَيُّ قَوْلٍ "خُصَّ عُرْفًا" أَيْ فِي الْعُرْفِ "بِبَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ" وَإِنْ كَانَ وَضْعُهَا لِلْجَمِيعِ حَقِيقَةً. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ عَامَّةً، وَهِيَ أَنْ لا يَخْتَصَّ تَخْصِيصُهَا بِطَائِفَةٍ دُونَ أُخْرَى "كَدَابَّةٍ" فَإِنَّ وَضْعَهَا بِأَصْلِ اللُّغَةِ لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ مِنْ ذِي حَافِرٍ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ هُجِرَ الْوَضْعُ الأَوَّلُ، وَصَارَتْ فِي الْعُرْفِ حَقِيقَةً "لِلْفَرَسِ" وَلِكُلِّ ذَاتِ حَافِرٍ. وَكَذَا مَا شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ اللُّغَوِيِّ، كَالْغَائِطِ وَالْعَذِرَةِ وَالرَّاوِيَةِ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْغَائِطِ1: الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الأَرْضِ، وَالْعَذِرَةُ: فِنَاءُ الدَّارِ، وَالرَّاوِيَةُ: الْجَمَلُ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ. "أَوْ" تَكُونُ "خَاصَّةً" وَهِيَ مَا خَصَّتْهُ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ2 الأَسْمَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ مُصْطَلَحَاتِهِمْ، كَمُبْتَدَإٍ وَخَبَرٍ، وَفَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ. وَنَعْتٍ وَتَوْكِيدٍ فِي اصْطِلاحِ النُّحَاةِ، وَنَقْضٍ وَكَسْرٍ وَقَلْبٍ فِي اصْطِلاحِ الأُصُولِيِّينَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَرْبَابُ كُلِّ فَنٍّ. "وَ" الْقِسْمُ الثَّالِثُ: حَقِيقَةٌ "شَرْعِيَّةٌ وَاقِعَةٌ مَنْقُولَةٌ" وَهِيَ "مَا اسْتَعْمَلَهُ3 الشَّرْعُ كَصَلاةٍ، لِلأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، وَ" اسْتِعْمَالُ "إيمَانٍ لِعَقْدٍ بِالْجَنَانِ، وَنُطْقٍ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٍ بِالأَرْكَانِ، فَدَخَلَ كُلُّ الطَّاعَاتِ". "وَهُمَا" أَيْ الصَّلاةُ وَالإِيمَانُ "لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ: "الدُّعَاءُ وَالتَّصْدِيقُ بِمَا غَابَ" يَعْنِي أَنَّ الصَّلاةَ فِي اللُّغَةِ: الدُّعَاءُ، وَالإِيمَانُ "فِي اللُّغَةِ"4: التَّصْدِيقُ بِمَا غَابَ.

_ 1 في ش: العذرة. 2 ساقطة من ز. 3 في ش: يستعمله. 4 ساقطة من ض.

وَيَجُوزُ الاسْتِثْنَاءُ فِيهِ، - أَيْ فِي الإِيمَانِ- بِأَنْ تَقُولَ: "أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ". نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تعالى، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ1 رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ2. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُسْتَحَبُّ وَلا يَقْطَعُ لِنَفْسِهِ. وَمَنَعَ ذَلِكَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ3 وَأَصْحَابُهُ وَالأَكْثَرُ؛ لأَنَّ التَّصْدِيقَ مَعْلُومٌ4 لا يُتَرَدَّدُ فِيهِ عِنْدَ تَحَقُّقِهِ، وَمَنْ تَرَدَّدْ فِي تَحَقُّقِهِ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّكِّ وَالتَّرَدُّدِ فَالأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: "أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا"، دَفْعًا لِلإِيهَامِ. وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ بِوُجُوهِ:

_ 1 هو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب، أحد السابقين إلى الإسلام، والمهاجرين إلى الحبشة والمدينة، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوان وسائر المشاهد، وشهد له الرسول عليه الصلاة والسلام بالجنة. توفي سنة 32هـ. "انظر ترجمته في الإصابة 2/ 368 وما بعدها، الاستيعاب 2/ 326 وما بعدها، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 288 وما بعدها". 2 انظر كتاب السنة للأمام أحمد ص72-85، الإيمان لابن تيمية ص374، الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلاّم ص67 وما بعدها، فتاوى السبكي 1/ 63 وما بعدها، وقد حكى ابن تيمية عن الإمام أحمد أنه سئل، هل تقول: نحن المؤمنون؟ فقال: نقول نحن المسلمون، ثم عقب التقي على ذلك بقوله: "ومع هذا فلم ينكر على من ترك الاستثناء إذا لم يكن قصده قصد المرجئة أن الإيمان مجرد القول، بل تركه لما يعلم أن في قلبه إيماناً، وإن كان لا يجزم بكمال إيمانه". "انظر الإيمان لابن تيمية ص383". 3 هو النعمان بن ثابت بن زوطى من ماه مولى تيم الله بن ثعلبة، الإمام الفقيه والمجتهد الكبير، وصاحب الفضائل الكثيرة. قال ابن المبارك "ما رأيت في الفقه مثل أبي حنيفة, وما رأيت أروع منه". ولد سنة 80هـ، وتوفي ببغداد سنة 150هـ. "انظر ترجمته في الطبقات السنية 1/ 86-195، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 216 وما بعدها، وفيات الأعيان 5/ 39 وما بعدها، شذرات الذهب 1/ 227 وما بعدها". 4 ساقطة من ش.

أَحَدُهَا: أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لِلتَّبَرُّكِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّأَدُّبِ بِإِحَالَةِ الأُمُورِ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّبَرِّي مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَالإِعْجَابِ بِحَالِهَا. الثَّانِي: أَنَّ التَّصْدِيقَ الإِيمَانِيَّ الْمَنُوطَ بِهِ النَّجَاةُ: أَمْرٌ قَلْبِيٌّ خَفِيٌّ، لَهُ مُعَارَضَاتٌ خَفِيَّةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْهَوَى وَالشَّيْطَانِ وَالْخِذْلانِ. فَالْمَرْءُ - وَإِنْ كَانَ جَازِمًا بِحُصُولِهِ- لَكِنَّهُ1 لا يَأْمَنُ أَنْ يَشُوبَهُ شَيْءٌ مِنْ مُنَافِيَاتِ النَّجَاةِ، وَلا سِيَّمَا عِنْدَ2 تَفَاصِيلِ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الصَّعْبَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلْهَوَى وَالْمُسْتَلَذَّات مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ لَهُ بِذَلِكَ. فَلِذَلِكَ يُفَوِّضُ حُصُولَهُ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. الثَّالِثُ: أَنَّ الإِيمَانَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِيهِ، لَكِنَّ3 الإِيمَانَ الَّذِي 4 هُوَ عَلَمُ 4 الْفَوْزِ وَآيَةُ النَّجَاةِ: إيمَانُ الْمُوَافَاةِ5. فَاعْتَنَى السَّلَفُ بِهِ وَقَرَنُوهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَلَمْ يَقْصِدُوا الشَّكَّ فِي الإِيمَانِ النَّاجِزِ6. وَأَمَّا الإِسْلامُ: فَلا يَجُوزُ الاسْتِثْنَاءُ فِيهِ بِأَنْ يَقُولَ: "أَنَا مُسْلِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ"، بَلْ يَجْزِمُ بِهِ. قَالَهُ 7 ابْنُ حَمْدَانَ 7 فِي "نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ" وَقِيلَ: يَجُوزُ إنْ شَرَطْنَا فِيهِ الْعَمَلَ.

_ 1 في ض ب ز: لكن. 2 ساقطة من ع. 3 في ش: لأن. 4 في ش: على. 5 أي أن من وافى ربه على الإيمان فهو مؤمن، ومن وافاه بغير الإيمان الذي أظهره في الدنيا عُلِمَ في عاقبته أنه لم يكن قط مؤمناً. "انظر الإيمان لابن تيمية ص367، أصول الدين للبغدادي ص253، فتاوى السبكي 1/ 66". 6 انظر تفصيل الكلام على الاستثناء في الإيمان في "فتاوى السبكي 1/ 63-73، أصول الدين للبغدادي ص253، السنة للإمام أحمد ص72-85، الإيمان لابن تيمية ص366-393". 7 في ش: الإمام أحمد.

"وَقَدْ تَصِيرُ الْحَقِيقَةُ" اللُّغَوِيَّةُ وَهِيَ وَضْعُ الدَّابَّةِ لِكُلِّ مَا دَبَّ "مَجَازًا" فِي الْعُرْفِ. يَعْنِي أَنَّا إذَا أَطْلَقْنَا "الدَّابَّةَ" فِي الْعُرْفِ لِكُلِّ مَا دَبَّ كَانَ ذَلِكَ مَجَازًا فِيهِ، "وَبِالْعَكْسِ" أَيْ وَقَدْ يَصِيرُ الْمَجَازُ، - وَهُوَ إطْلاقُ "الدَّابَّةِ" عَلَى ذَوَاتِ الأَرْبَعِ- فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةً فِي الْعُرْفِ1. "وَالْمَجَازُ" وَزْنُهُ مَفْعَلٌ مِنْ الْجَوَازِ: وَهُوَ الْعُبُورُ وَالانْتِقَالُ. فَأَصْلُهُ2 "مَجْوَزٌ" بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ، نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ إلَى الْجِيمِ، فَسَكَنَتْ الْوَاوُ3، وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا، وَهُوَ الْجِيمُ. فَانْقَلَبَتْ الْوَاوُ أَلِفًا عَلَى الْقَاعِدَةِ. فَصَارَ مَجَازًا. وَالْمَفْعَلُ يَكُونُ مَصْدَرًا وَاسْمَ مَكَان وَاسْمَ زَمَانٍ. فَالْمَجَازُ بِالْمَعْنَى الاصْطِلاحِيِّ: إمَّا مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَصْدَرِ، أَوْ مِنْ اسْمِ الْمَكَانِ، لا مِنْ اسْمِ الزَّمَانِ، لِعَدَمِ الْعَلاقَةِ فِيهِ بِخِلافِهِمَا. فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ الْمَصْدَرِ فَهُوَ مُتَجَوِّزٌ بِهِ4 إلَى الْفَاعِلِ لِلْمُلابَسَةِ، كَعَدْلٍ بِمَعْنَى عَادِلٍ، أَوْ مِنْ الْمَكَانِ لَهُ، فَهُوَ مِنْ إطْلاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ5. وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ تَجَوُّزٌ آخَرُ، لأَنَّ "الْجَوَازَ" حَقِيقَةٌ لِلْجِسْمِ لا لِلَّفْظِ، لأَنَّهُ عَرَضٌ لا يَقْبَلُ الانْتِقَالَ. فَهُوَ مَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ؛ لأَنَّهُ6 مَجَازٌ مَنْقُولٌ مِنْ مَجَازٍ آخَرَ، فَيَكُونُ بِمَرْتَبَتَيْنِ. فَالْمَجَازُ هُوَ اللَّفْظُ الْجَائِزُ مِنْ شَيْءٍ إلَى آخَرَ،

_ 1 في ز: العرف وهو والمجاز. 2 في ز: وأصله. 3 في ش: حركة الواو. 4 ساقطة من ش. 5 انظر العضد على ابن الحاجب وحاشية الجرجاني عليه 1/ 141، شرح تنقيح الفصول ص42، حاشية البناني على شرح جمع الجوامع 1/ 304. 6 في ش: لا أنه.

تَشْبِيهًا بِالْجِسْمِ الْمُنْتَقِلِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ1. وَحَدُّهُ فِي الاصْطِلاحِ2 "قَوْلٌ مُسْتَعْمَلٌ" احْتَرَزَ3 بِهِ عَنْ الْمُهْمَلِ، وَعَنْ اللَّفْظِ قَبْلَ الاسْتِعْمَالِ، فَإِنَّهُ لا حَقِيقَةٌ وَلا مَجَازٌ. وَقَوْلُنَا "بِوَضْعٍ ثَانٍ" احْتِرَازٌ مِنْ الْحَقِيقَةِ. فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِيهَا بِوَضْعٍ أَوَّلٍ. وَقَوْلُنَا "لِعَلاقَةٍ" احْتِرَازٌ مِنْ الأَعْلامِ الْمَنْقُولَةِ؛ لأَنَّ نَقْلَهَا لَيْسَ لِعَلاقَةٍ4. وَالْعَلاقَةُ هُنَا: الْمُشَابَهَةُ الْحَاصِلَةُ بَيْنَ الْمَعْنَى الأَوَّلِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي، بِحَيْثُ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ بِوَاسِطَتِهَا عَنْ مَحَلِّ الْمَجَازِ إلَى الْحَقِيقَةِ5.

_ 1 انظر كشف الأسرار على أصول البزدوي 1/ 62، الطراز 1/ 68، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن لابن القيم ص11. 2 انظر تفصيل الكلام على المجاز في الاصلاح في "شرح تنقيح الفصول ص44 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 28 وما بعدها، الحدود للباجي ص52، شرح الروضة لبدران 1/ 15، المزهر 1/ 355-368، المعتمد للبصري 1/ 17 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 1/ 141 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 305 وما بعدها، إرشاد الفحول ص21 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 203، المستصفى 1/ 341، الخصائص 2/ 442 وما بعدها، الطرز 1/64 وما بعدها، الإشارة إلى الإيجاز ص28، التمهيد للأسنوي ص46، الصاحبي ص197". 3 في ش: احترازاً. 4 ويستثنى من ذلك الأعلام التي تلمح فيها الصفة. قال التاج السبكي في شرح المنهاج: "إن المجاز يدخل في الأعلام التي تلمح فيها الصفة كالأسود والحارث" وحكاه عن الغزالي. "انظر المزهر 1/ 361، المستصفى 1/ 344". كما أنه لا مانع من التجوز باستعمال العَلَم في معنى مناسب للمعنى العَلَمي، كقولك: رأيت اليوم حاتماً، تريد به شخصاً غيره شبيهاً له في الجود، فيكون مجازاً. "البناني حلى جمع الجوامع 1/ 322". 5 قال الشريف الجرجاني: فيفهم المعنى المجازي باعتبار ثبوت الصفة له، كإطلاق الأسد على الشجاع. للاشتراك في صفة الشجاعة، إذا لها فيه ظهور ومزيد اختصاص، فينتقل الذهن منه إلى هذه الصفة. "حاشية الجرجاني على شرح العضد 1/ 142" وفي ش: المحل.

لأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ عَلاقَةٌ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ لَكَانَ الْوَضْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الثَّانِي أَوَّلَ1. فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِمَا2، وَتُعْتَبَرُ فِي اصْطِلاحِ التَّخَاطُبِ بِحَسَبِ النَّوْعِ. وَهِيَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ- عَلَى الأَصْلِ فِي الْمَعَانِي، - وَبِكَسْرِهَا- عَلَى التَّشْبِيهِ بِالأَجْسَامِ مِنْ عَلاقَةِ السَّوْطِ. "وَلا يُعْتَبَرُ لزومٌ3 ذِهْنِيٌّ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ" فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمَجَازَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ عَارِيَّةٌ عَنْ اللُّزُومِ الذِّهْنِيِّ. "وَصِيرَ إلَيْهِ" أَيْ إلَى الْمَجَازِ "لِبَلاغَتِهِ" أَيْ بَلاغَةِ الْمَجَازِ. كَصَلاحِيَتِهِ لِلسَّجْعِ وَالتَّجْنِيسِ وَنَحْوِهِمَا4، أَوْ "ثِقَلِهَا" عَلَى اللِّسَانِ، كَالْعُدُولِ عَنْ لَفْظِ الْخَنْفَقِيقِ5 - بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَكَسْرِ

_ 1 في ع: أولى. 2 ويكون اللفظ مشتركاً لا مجازاً. "الآمدي 1/ 29" وقال في الطرز: "لأنّا إذا قلنا أسد، ونريد به الرجل الشجاع، فإنه مجاز، لأنه أفاد معنى غير مصطلح عليه في الوضع الذي وقع فيه التخاطب، والخطاب إنما هو خطاب أهل اللغة.. وهو غير مفيد لما وضع له أولاً، فإنه وضع أولاً بإزاء حقيقة الحيوان المخصوص. وقولنا لعلاقة بينهما، لأنه لولا توهم كون الرجل بمنزلة الأسد في الشجاعة، لم يكن إطلاق اللفظ عليه مجازاً، بل كان وضعاً مستقلاً". "الطراز 1/ 64". 3 في ش: لازم. 4 قال في الطرز "2/8": "اعلم أن أرباب البلاغة وجهابذة أهل الصناعة مطبقون على أن المجاز في الاستعمال أبلغ من الحقيقة، وأنه يلطف الكلام ويكسبه حلاوة ويكسوه رشاقة. والعَلَمُ فيه قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} وقوله: {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} فلو استعمل الحقائق في هذه المواضع لم تعط ما أعطى المجاز من البلاغة ... ". وانظر المحلي على جمع الجوامع 1/ 309 وما بعدها. 5 في ش: الخنفقين.

الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَآخِرُهُ قَافٌ-: اسْمٌ لِلدَّاهِيَةِ، إلَى لَفْظِ النَّائِبَةِ1 أَوْ2 الْحَادِثَةِ "وَنَحْوِهِمَا" أَيْ نَحْوِ بَلاغَةِ الْمَجَازِ وَثِقَلِ الْحَقِيقَةِ مِنْ3 بَشَاعَةِ اللَّفْظِ4، كَالتَّعْبِيرِ بِالْغَائِطِ عَنْ الْخَارِجِ5. وَمِنْ ذَلِكَ جَهْلُ الْمُخَاطَبِ الْحَقِيقَةَ، أَوْ كَوْنُ الْمَجَازِ أَشْهَرَ مِنْهَا، أَوْ كَوْنُهُ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُتَخَاطِبَيْنِ6، وَيَقْصِدَانِ إخْفَاءَهُ عَنْ غَيْرِهِمَا، أَوْ عِظَمُ مَعْنَاهُ، "كَسَلامِ اللَّهِ عَلَى الْمَجْلِسِ الْعَالِي". فَهُوَ أَرْفَعُ فِي الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ "سَلامُ اللَّهِ عَلَيْك"7 أَوْ كَوْنُ الْمَجَازِ أَدْخَلَ8 فِي التَّحْقِير لِمَنْ يُرِيدُهُ9. "وَيُتَجَوَّزُ" أَيْ وَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَلاقَةِ.

_ 1 في ش: الداهية. 2 في ع: و. 3 شاقطة من ش ز ع. 4 في ش: اللفظ به. 5 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 309. 6 في ش ض ب ع: المخاطبين. 7 قاله في الطراز "1/ 80" –في معرض كلامه عن أسباب العدول إلى المجاز-: "أما أولاً: فلأجل التعظيم، كما يقال: سلام الله على الحضرة العالية والمجلس الكريم، فيعدل عن اللقب الصريح إلى المجاز تعظيماً لحال المخاطب، وتشريفاً لذكر اسمه عن أن يخاطب بلقبه، فيقال سلام الله على فلان. وأما ثانياً: فلأجل التحقير، كما يعبر عن قضاه الوطر من النساء بالوطء، وعن الاستطابة بالغائط، ويترك لفظ الحقيقة استحقاراً له وتنزهاً عن التلفظ به لما فيه من البشاعة والغلط ... ". 8 في ش: داخلاً. 9 انظر في أسباب العدول إلى المجاز "الخصائص لابن جني 2/ 443-447، الطراز 1/ 80 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 309 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 158 وما بعدها".

فصل في أنواع المجاز

فصل في أنواع المجاز ... [النَّوْعُ] الأَوَّلُ إطْلاقُ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ1: الْقِسْمُ الأَوَّلُ: الْقَابِلِيُّ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "بِسَبَبٍ قَابِلِيٍّ" أَيْ عَنْ مُسَبَّبٍ، وَهُوَ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاسْمِ قَابِلِهِ2، كَقَوْلِهِمْ: "سَالَ الْوَادِي"، وَالأَصْلُ: سَالَ الْمَاءُ فِي الْوَادِي، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْوَادِي سَبَبًا قَابِلاً لِسَيَلانِ الْمَاءِ فِيهِ، صَارَ الْمَاءُ مِنْ حَيْثُ الْقَابِلِيَّةُ كَالْمُسَبَّبِ3 لَهُ. فَوُضِعَ لَفْظُ الْوَادِي مَوْضِعَهُ. الْقِسْمُ الثَّانِي: السَّبَبُ الصُّورِيُّ،4 وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَصُورِيٌّ" أَيْ وَبِسَبَبٍ 5 صُورِيٍّ 4،كَقَوْلِهِمْ: "هَذِهِ صُورَةُ الأَمْرِ وَالْحَالُ6"، أَيْ حَقِيقَتُهُ7.

_ 1 انظر تفصيل الكلام في إطلاق السبب على المسبَّب في "الإشارة إلى الإيجاز ص52-55، الفوائد المشوق إلى علوم القرأن ص16 وما بعدها، البرهان 2/ 260 وما بعدها، شرح الروضة لبدران 2/ 17، الطراز 1/ 69 وما بعدها، المزهر 1/ 359، التمهيد للآسنوي ص47". 2 في ش: قائلة. 3 في ش ز ع ض ب: السبب. وهو تصحيف. 4 ساقطة من ش. 5 في ض د: وسبب. 6 ساقطة من ش. 7 هذا المثال لإطلاق السبب الصوري على المسبب غير واضح. وقد مثَل له الفجر الرازي والأسنوي والشوكاني بإطلاق اليد على القدرة. قتل الأسنوي،: قإن اليد لها صورة خاصة يتأتى بها الاقتدار على الشيء، وهو تجويف راحتها. وصغر عضمها، وانفصال بعضها عن بعض ليتأتى =

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: السَّبَبُ الْفَاعِلِيُّ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "وَفَاعِلِيٍّ" أَيْ وَبِسَبَبٍ1 فَاعِلِيٍّ، كَقَوْلِهِمْ: "نَزَلَ السَّحَابُ"، أَيْ الْمَطَرُ، لَكِنَّ فَاعِلِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ2 كَمَا تَقُولُ: "أَحْرَقَتْ النَّارُ"، وَكَقَوْلِهِمْ لِلْمَطَرِ: سَمَاءٌ، لأَنَّ السَّمَاءَ فَاعِلٌ3 مَجَازِيٌّ لِلْمَطَرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: "أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ"، وَقَالَ الشَّاعِرُ: إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا4 أَيْ الْمَطَرُ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْغَائِيُّ5، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَغَائِيٌّ" أَيْ: وَيُتَجَوَّزُ بِسَبَبٍ غَائِيٍّ "عَنْ مُسَبَّبٍ" كَتَسْمِيَةِ الْعَصِيرِ خَمْرًا، وَالْحَدِيدِ خَاتَمًا، وَالْعَقْدِ نِكَاحًا لأَنَّهُ غَايَتُهُ.

_ = به وضع الشيء في الراحة، وتنقبض عليه العظام الدقاق المنفصلة، ويأتي دخولها في المنافذ الضيقة. "انظر التمهيد للأسنوي ص47، المزهر 1/ 359، إرشاد الفحول ص24" والتعبير باليد عن القدرة كما يقول العلامة ابن القيم جاء في القرآن الكريم في مواضيع كثيرة كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى} وقوله سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} . "انظر الفوائد المشوق إلى علوم القرآن لابن القيم ص29، الإشارة إلى الإيجاز للعز ابن عبد السلام ص81". 1 في ش ز: وسبب. 2 قال الأسنوي: فإن الفاعل حقيقة هو الرب سبحانه. "التمهيدي ص48". 3 ساقطة من ض. 4 سبق تخريج البيت وشرحه في ص137. 5 في ش: وهو الغائي.

النَّوْعُ1 الثَّانِي إطْلاقُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَبِعِلَّةٍ" أَيْ عَنْ مَعْلُولٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ، كَقَوْلِهِمْ: "رَأَيْت اللَّهَ فِي كُلِّ شَيْءٍ"؛ لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُوجِدُ كُلِّ شَيْءٍ وَعِلَّتُهُ، فَأُطْلِقَ لَفْظُهُ عَلَيْهِ. وَمَعْنَاهُ: رَأَيْت كُلَّ شَيْءٍ. فَاسْتَدْلَلْت بِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. النَّوْعُ الثَّالِثُ إطْلاقُ اللاَّزِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَلازِمٍ" أَيْ وَيُتَجَوَّزُ بِلازِمٍ عَنْ مَلْزُومٍ، كَتَسْمِيَةِ السَّقْفِ جِدَارًا2، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ3: قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ ... دُونَ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ يُرِيدُ بِشَدِّ الإِزَارِ: الاعْتِزَالَ عَنْ النِّسَاءِ. وَمِنْهُ إطْلاقُ الْمَسِّ عَلَى الْجِمَاعِ غَالِبًا، 4 لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْجِمَاعُ بِحَائِلٍ 4.

_ 1 ساقطة من ز. 2 انظر في الكلام على هذا النوع "معترك الأقران 1/ 251، البرهان 2/ 270". 3 هو الأخطل التغلبي. "انظر ديوان الأخطل ص84". 4 ساقطة من ش.

النَّوْعُ الرَّابِعُ إطْلاقُ1 الأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَأَثَرٍ" أَيْ عَنْ مُؤَثِّرٍ، كَتَسْمِيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ مَوْتًا، وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ يَصِفُ ظَبْيَةً2: فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارُ النَّوْعُ الْخَامِسُ إطْلاقُ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَمَحَلٍّ" أَيْ عَنْ حَالٍّ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ3 "لا يَفْضُضْ اللَّهُ فَاك4" أَيْ: أَسْنَانَك، إذْ الْفَمُ مَحَلُّ الأَسْنَانِ. وَكَتَسْمِيَةِ الْمَالِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 البيت للخنساء في قصيدة طويلة ترثي أخاها صخراً، وصدره: تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ، حتى إذَا ادَّكَرَتْ. والمعنى: أنها هي ذات إقبال وإدبار. "انظر ديوان الخنساء ص48، الكامل للمبرد 1/ 287". 3 هو الصحابي الجليل العباس بن عبد المطلب بن هاشم، أبو الفضل، عم النبي صلى الله عليه وسلم، أجود قريش كفّاً، وأوصلهم رحماً، وفيه قال عليه الصلاة والسلام: "من آذى العباس فقد آذاني، فإنما عمُّ الرجل صنو أبيه". وقد كان رئيساً في قومه زمن الجاهلية، وإليه كانت عمارة المسجد الحرام ولساقية قبل الإسلام. توفي في المدينة سنة 32هـ. "انظر ترجمته في الإصابة 2/ 271، الاستيعاب 3/ 94 وما بعدها، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 257، صفة الصفوة 1/ 506 وما بعدها". 4 الحديث أورده ابن الأثير في النهاية وابن منظور في للسان على أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله للعباس في رواية وللنابغة الجعدي في رواية أخرى، وحكى ابن قتيبة في الشعر والشعراء وابن كثير في البداية والنهاية وأبو نُعيم في أخبار أصبهان وابن عبد البر في الاستيعاب وابن حجر في الإصابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله للنابغة الجعدي، ثم قال ابن عبد البر: روينا هذا الخبر من وجوه كثيرة عن النابغة الجعدي من طريق يعلى بن الأشدق. وقال ابن كثير: أخرجه البزار والبيهقي. وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه البزار والحسن بن سفيان في مسنديهما وأبو نعيم في تاريخ أصبهان والشيرازي في الألقاب كلهم من رواية يعلى بن الأشدق. وأخرجه الدارقطني في المؤتلف والمختلف وابن السكن في الصحابة والسلفي في الأربعين البلدانية والمرحبي في كتاب العلم من طرق أخرى. اهـ. "انظر الإصابة 3/ 539، الاستيعاب 3/ 584، أخبار أصبهان 1/ 73، البداية والنهاية 6/ 168, الشعر والشعراء 1/ 289, النهاية 3/ 453، الفائق 3/ 123، لسان العرب 7/ 207".

كِيسًا، كَقَوْلِهِمْ1: "هَاتِ الْكِيسَ"، وَالْمُرَادُ: الْمَالُ الَّذِي فِيهِ2. النَّوْعُ السَّادِسُ إطْلاقُ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَكُلٍّ" أَيْ عَنْ بَعْضٍ3. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} 4 أَيْ أَنَامِلَهُمْ5.

_ 1 في ض ب: لقولهم. 2 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الإشارة إلى الإيجاز ص81، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص29 وما بعدها، معترك الأقران 1/ 252، التمهيدي للأسنوي ص50، البرهان 2/ 281". 3 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "معترك الأقران 1/ 249، الطراز 1/ 72، اللإشارة إلى الإيجاز ص68، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص23، البرهان 2/ 262، المحلي على جمع الجوامع 1/ 319". 4 الآية 19 من البقرة. 5 قال السيوطي: ونكتة التعبير عنها بالأصابع الإشارة إلى إدخالها على غير المعتاد مبالغة في الفرار. فكأنهم جعلوا فيها الأصابع. "معترك الأقران 1/ 249".

النَّوْعُ السَّابِعُ إطْلاقُ الْمُتَعَلِّقِ - بِكَسْرِ اللاَّمِ - عَلَى الْمُتَعَلَّقِ – بِفَتْحِهَا - وَالْمُرَادُ التَّعَلُّقُ الْحَاصِلُ بَيْنَ1 الْمَصْدَرِ وَاسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ. فَشَمِلَ سِتَّةَ أَقْسَامٍ2 وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَمُتَعَلِّقٍ" بِكَسْرِ اللاَّمِ، أَيْ عَنْ مُتَعَلَّقٍ، بِفَتْحِهَا. الْقِسْمُ الأَوَّلُ - مِنْ السِّتَّةِ-: إطْلاقُ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} 3 أَيْ مَخْلُوقُهُ. الثَّانِي: عَكْسُهُ، وَهُوَ إطْلاقُ اسْمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْمَصْدَرِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {بِأَيِّكُمْ الْمَفْتُونُ} 4 أَيْ الْفِتْنَةُ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: إطْلاقُ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ5 الْفَاعِلِ. كَقَوْلِهِمْ: "رَجُلٌ عَدْلٌ" أَيْ عَادِلٌ. الرَّابِعُ: عَكْسُهُ. وَهُوَ إطْلاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَصْدَرِ. كَقَوْلِهِمْ: "قُمْ قَائِمًا"6، وَكَقَوْلِهِمْ: "يَخْشَى اللاَّئِمَةَ" يَعْنِي اللَّوْمَ.

_ 1 في ش: من. 2 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص11-16، الإشارة إلى الإيجاز ص43 وما بعدها، معترك الأقران 1/ 255 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 1/ 319، البرهان 2/ 285". 3 الآية 11 من لقمان. 4 الآية 6 من القلم. 5 ساقطة من ض ب. 6 أي قياماً. "المحلي على جمع الجوامع 1/ 319".

الْقِسْمُ الْخَامِسُ: إطْلاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى [اسْمِ] الْمَفْعُولِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} 1 أَيْ مَدْفُوقٍ، و {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} 2. أَيْ مَرْضِيَّةٍ. السَّادِسُ: عَكْسُهُ، إطْلاقُ3 اسْمِ الْمَفْعُولِ عَلَى اسْمِ4 الْفَاعِلِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {حِجَابًا مَسْتُورًا} 5 أَيْ سَاتِرًا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَقَوْلُهُ "عَنْ مَعْلُولٍ" مُتَمِّمٌ لِقَوْلِهِ "بِعِلَّةٍ" وَرَاجِعٌ إلَيْهِ. فَإِذَا قُدِّرَ كُلٌّ مِنْ ذَلِكَ بِإِزَاءِ مَا هُوَ رَاجِعٌ إلَيْهِ كَانَ الْكَلامُ: وَيُتَجَوَّزُ بِعِلَّةٍ عَنْ مَعْلُولِ "وَ" لازِمٍ عَنْ "مَلْزُومٍ، وَ" أَثَرٍ عَنْ "مُؤَثِّرٍ، وَ" مَحَلٍّ عَنْ "حَالٍّ، وَ" كُلٍّ عَنْ "بَعْضٍ، وَ" مُتَعَلِّقٍ - بِكَسْرِ اللاَّمِ - عَنْ "مُتَعَلَّقٍ" بِفَتْحِهَا. النَّوْعُ الثَّامِنُ إطْلاقُ مَا بِالْقُوَّةِ عَلَى مَا بِالْفِعْلِ6 وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَبِمَا بِالْقُوَّةِ عَنْ مَا بِالْفِعْلِ" كَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ فِي الدَّنِّ

_ 1 الآية 6 من الطارق. 2 الآية 21 من الحاقّة و 7 من القارعة. 3 في ش: وهو إطلاق. 4 ساقطة من ض ز ب. 5 الآية 45 من الإسراء. 6 تعبير المصنف هذا غير سليم، وهو يفيد عكس مقصوده، حيث إن مراده بهذا النوع هو "إطلاق لفظ الشيء المتصف بصفةٍ بالفعل على الشيء المتصف بتلك الصفة بالقوة" وهو ما يسمى بمجاز الاستعداد. وقد عبّر عنه الفخر الرازي بإطلاق اسم الفعل على القوة. "انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 319، المزهر 1/ 360".

مُسْكِرًا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ" 1 لأَنَّ فِيهِ قُوَّةَ الإِسْكَارِ. وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ "وَبِالْعَكْسِ فِي الْكُلِّ": النَّوْعُ التَّاسِعُ وَهُوَ إطْلاقُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ كَإِطْلاقِ الْمَوْتِ عَلَى الْمَرَضِ الشَّدِيدِ2. وَالنَّوْعُ الْعَاشِرُ وَهُوَ إطْلاقُ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ 3 وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إذَا قَضَى أَمْرًا} 4 أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ أَمْرًا، فَالْقَضَاءُ مَعْلُولُ الإِرَادَةِ. وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ} 5 أَيْ إذَا أَرَدْت أَنْ تَحْكُمَ.

_ 1 أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد في مسنده عن ابن عمر مرفوعاً. "انظر نيل الأوطار 8/ 195، كشف الخفا 2/ 125". 2 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص18-20، الإشارة إلى الإيجاز ص56-59، المزهر 1/ 359، المحلي على جمع الجوامع 1/ 319، معترك الأقران 1/ 251، البرهان 2/ 259، المسودة ص169". 3 وقد عنون العز بن عبد السلام وابن القيم لهذا النوع "بالتجوز المراد عن الإدارة" وأفاض العلامة العزّ في الكلام عليه. "انظر الإشارة إلى الإيجاز ص44 وما بعدها، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص12". 4 الآية 47 من آل عمران. 5 الآية 42 من المائدة.

وَالنَّوْعُ الْحَادِيَ عَشَرَ وَهُوَ إطْلاقُ الْمَلْزُومِ عَلَى اللاَّزِمِ كَتَسْمِيَةِ الْعِلْمِ حَيَاةً1. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} 2 أَيْ بُرْهَانًا فَهُوَ يَدُلُّهُمْ. سُمِّيَتْ الدَّلالَةُ3 كَلامًا، لأَنَّهَا مِنْ لَوَازِمِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ الْحُكَمَاءِ: "كُلُّ صَامِتٍ نَاطِقٌ بِمُوجِدِهِ". أَيْ الصَّنْعَةُ فِيهِ تَدُلُّ عَلَى مُحْدِثِهِ. فَكَأَنَّهُ يَنْطِقُ4. وَالنَّوْعُ الثَّانِي عَشَرَ وَهُوَ إطْلاقُ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الأَثَرِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: "رَأَيْت اللَّهَ"، وَ "مَا أَرَى فِي الْوُجُودِ إلاَّ اللَّهَ تَعَالَى"، يُرِيدُ آثَارَهُ. وَالدَّلالَةَ عَلَيْهِ فِي الْعَالَمِ، وَكَقَوْلِهِمْ فِي الأُمُورِ الْمُهِمَّةِ: "هَذِهِ إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى"، أَيْ مُرَادُهُ النَّاشِئُ عَنْ إرَادَتِهِ. وَالنَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَهُوَ إطْلاقُ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ كَتَسْمِيَةِ الْكِيسِ مَالاً وَالْكَأْسِ خَمْرًا5. وَمِنْهُ {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 6 أَيْ فِي الْجَنَّةِ؛ لأَنَّهَا مَحَلُّ الرَّحْمَةِ.

_ 1 انظر البرهان للركشي 2/ 269. 2 الآية 35 من الروم. 3 في ش: الدلالة برهاناً. 4 في ز: نطق. 5 انظر في الكلام على هذا النوع "البرهان 2/ 282، معترك الأقران 1/ 252". 6 الآية 107 من آل عمران.

وَالنَّوْعُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَهُوَ إطْلاقُ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ1 وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 2 وَالْعِتْقُ إنَّمَا هُوَ لِلْكُلِّ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ" 3 فَالْمُرَادُ صَاحِبُ الْيَدِ بِكَمَالِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهَهُ} 4. وَالنَّوْعُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَهُوَ إطْلاقُ الْمُتَعَلَّقِ - بِفَتْحِ اللاَّمِ- عَلَى الْمُتَعَلِّقِ - بِكَسْرِهَا- كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا" 5 فَإِنَّ التَّقْدِيرَ: تَحِيضِي سِتًّا أَوْ سَبْعًا. وَهُوَ مَعْلُومُ اللَّهِ تَعَالَى6.

_ 1 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الإشارة إلى الإيجاز ص66-68، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص22 وما بعدها، التمهيد ص48، معترك الأفران 1/ 248، البرهان 2/ 263-269". 2 الآية 92 من النساء. 3 أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة والحاكم وأحمد من حذيث الحسين عن سمرة. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه. "انظر تلخيص الحبير 3/ 53، تحفة الأحوذي 4/ 482، سنن أبي داود 3/ 400، مسند الإمام أحمد 5/ 8، المستدرك 2/ 47، سنن ابن ماجة 2/ 802". 4 الآية 88 من القصص، والمراد ذاته. 5 أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد والدارقطني والحاكم عن حمنة بنت جحش في حديث طويل. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح. "انظر سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 1/ 395 وما بعدها، سنن ابن ماجة 1/ 205، سنن أبي داود 1/ 120، مستدرك الحاكم 1/ 172، التحقيق لابن الجوزي 1/ 195". 6 هذا المثال من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول، وقد سبق ذكره في القسم الأول من النوع السابق ص162 فتأمل!.

وَالنَّوْعُ السَّادِسَ عَشَرَ وَهُوَ إطْلاقُ مَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ1 كَتَسْمِيَةِ الإِنْسَانِ الْحَقِيقِيِّ نُطْفَةً. وَهَذَا آخِرُ مَا دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ "وَبِالْعَكْسِ فِي الْكُلِّ". وَالنَّوْعُ السَّابِعَ عَشَرَ أَنْ يُتَجَوَّزَ "بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ زَائِلٍ" كَإِطْلاقِ الْعَبْدِ عَلَى الْعَتِيقِ2. وَمِنْهُ {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} 3 عِنْدَ الأَكْثَرِ، وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} 4 وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا رَجُلٍ وَجَدَ مَالَهُ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ" 5. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: "الَّذِي كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ، وَاَلَّتِي6 كَانَتْ

_ 1 صواب العبارة أن يقال "إطلاق ما بالقوة على ما بالفعل"، وانظر النوع الثامن ص163. 2 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الإشارة إلى الإيجاز ص70، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص25، معترك الأقران 1/ 251، الطراز 1/ 72، العضد على ابن الحاجب 1/ 142، البرهان 2/ 280". 3 الآية 27 من الأحزاب. 4 الآية 13 من النساء. 5 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني ومالك في الموطأ والطحاوي في شرح معاني الآثار عن أبي هريرة مرفوعاً. "انظر صحيح مسلم بشرح النووي 10/ 221، سنن الدارقطني 3/ 29، سنن أبي داود 3/ 388، شرح معاني الآثار 4/ 164، أقضية الرسول صلى الله عليه وسلم لابن فرج القرطبي ص77، الموطأ بشرح الباجي 5/ 81، صحيح البخاري بشرح العيني 12/ 237". 6 في ش: واللاتي.

أَرْضُهُمْ: وَاَللاَّتِي1 كُنَّ أَزْوَاجًا، وَهُوَ مَجَازٌ مُسْتَعْمَلٌ يَجْرِي مَجْرَى الْحَقِيقَةِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: دَرْبُ فُلانٍ، وَقَطِيعَةُ2 فُلانٍ، وَنَهْرُ فُلانٍ"3. وَمَحَلُّ صِحَّةِ الإِطْلاقِ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ زَائِلٍ إذَا "لَمْ يَلْتَبِسْ4 حَالَ الإِطْلاقِ بِضِدِّهِ" أَيْ بِضِدِّ الْوَصْفِ الزَّائِلِ. فَلا يُقَالُ لِلشَّيْخِ طِفْلٌ، بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، وَلا لِلثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ أَبْيَضُ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ. النَّوْعُ الثَّامِنَ عَشَرَ أَنْ يُتَجَوَّزَ بِوَصْفٍ يَؤُولُ5 قَطْعًا، أَوْ ظَنًّا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "أَوْ آيِلٍ" أَيْ الْوَصْفِ "قَطْعًا" كَإِطْلاقِ الْمَيِّتِ عَلَى الْحَيِّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إنَّك مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} 6. "أَوْ" آيِلٍ "ظَنًّا" كَإِطْلاقِ الْخَمْرِ عَلَى الْعَصِيرِ "بِفِعْلٍ" مُتَعَلِّقٌ بِآيِلٍ، أَيْ بِوَصْفٍ آيِلٍ بِفِعْلٍ، كَإِطْلاقِ الْخَمْرِ عَلَى الْعِنَبِ بِاعْتِبَارِ أَيْلُولَتِهِ بِعَصْرِ الْعَصَّارِ7. "أَوْ قُوَّةٍ" يَعْنِي: أَوْ وَصْفٍ آيِلٍ بِالْقُوَّةِ دُونَ

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ز: وقطعه. 3 انظر القواعد والفوائد الأصوليه للبعلي ص130، المسودة ص569. 4 في ع: يتلبس. 5 في ش: يزول. 6 الآية 30 من الزمر. 7 كما في قوله تعالى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} . قال العز بن عبد السلام: أي أعصر عنباً، فإن الخمر لا يعصر، فتجوّز بالخمر عن العنب، لأن أمره يؤول إليها. "الإشارة على الإيجاز ص71".

الْفِعْلِ، كَإِطْلاقِ الْمُسْكِرِ عَلَى الْخَمْرِ، بِاعْتِبَارِ أَيْلُولَيةِ1 الْخَمْرِ إلَى الإِسْكَارِ2. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ لا يَتَجَوَّزُ بِوَصْفٍ آيِلٍ شَكًّا، كَالْعَبْدِ، فَإِنَّهُ لا يُطْلَقُ عَلَيْهِ حُرٌّ مَعَ احْتِمَالِ عِتْقِهِ وَعَدَمِهِ3. "وَ" النَّوْعُ التَّاسِعَ عَشَرَ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ "زِيَادَةٍ" 4 وَذَكَرُوا أَنَّ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 5. قَالُوا: إنَّ الْكَافَ زَائِدَةٌ، وَأَنَّ6 الْمَعْنَى لَيْسَ مِثْلَهُ. وَقِيلَ: الزَّائِدُ "مِثْلُ" أَيْ7: لَيْسَ كَهُوَ شَيْءٌ.

_ 1 في ش: أيلولة. 2 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الإشارة إلى الإيجاز ص70 وما بعدها، معترك الأقران 1/ 252، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص25، المحلي على جمع الجوامع 1/ 317، البرهان 2/ 278". 3 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 317. 4 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "البرهان 2/ 274-278، المحلي على جمع الجوامع 1/ 317، الطراز 1/ 72، اللمع ص5، العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 167 وما بعدها". 5 الآية 11 من الشورى. 6 ساقطة من ز. 7 في ش: والمعنى.

قَالُوا: وَإِنَّمَا حُكِمَ بِزِيَادَةِ أَحَدِهِمَا لِئَلاَّ يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِثْلٌ، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، لأَنَّ نَفْيَ مِثْلِ الْمِثْلِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ مِثْلٍ، وَهُوَ مُحَالٌ، أَوْ يَلْزَمُ نَفْيُ الذَّاتِ؛ لأَنَّ مِثْلَ1 مِثْلِ الشَّيْءِ هُوَ ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَثُبُوتُهُ وَاجِبٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ لا يُرَادَ نَفْيُ ذَلِكَ إمَّا بِزِيَادَةِ الْكَافِ، أَوْ بِزِيَادَةِ "مِثْلِ". قَالَ ابْنُ جِنِّي2: "كُلُّ حَرْفٍ زِيدَ فِي الْكَلامِ3 الْعَرَبِيِّ، فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ إعَادَةِ الْجُمْلَةِ مَرَّةً أُخْرَى"4. فَيَكُونُ مَعْنَى الآيَةِ: لَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ –مَرَّتَيْنِ- لِلتَّأْكِيدِ. وَقَدْ ادَّعَى كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَدَمَ الزِّيَادَةِ وَالتَّخَلُّصَ مِنْ الْمَحْذُورِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لا يُطْلَقُ فِي5 الْقُرْآنِ وَلا فِي السُّنَّةِ زَائِدٌ. وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ سَلْبَ الْمَعْنَى عَنْ الْمَعْدُومِ6 جَائِزٌ كَسَلْبِ الْكِتَابَةِ عَنْ ابْنِ

_ 1 ساقطة من ش. وفي ز: نفي مثلِ مثلِ. 2 هو عثمان ين جنّي، أبو الفتح الموصلي النحوي اللغوي، من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف. أشهر كتبه "الخصائص" في النحو و "سر الصناعة" و "شرح تصريف المازني" و "اللمع" وغيرها. توفي سنة 392هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 2/ 132، إنباه الرواة 2/ 335، وفيات الأعيان 2/ 410، المنتظم 7/ 220، شذرات الذهب 3/ 140، معجم الأدباء 12/ 81". 3 في ع: المثال. 4 قول ابن جنّي هذا ورد بمعناه لا بلفظه في كتابه "الخصائص"، إذ جاء فيه –أثناء الكلام على زيادة الحروف-: "وأما ريادتها فلإرادة التوكيد بها، وذلك أنه قد سبق أن الغرض في استعمالها إنما هو الإيجاز والاختصار، والاكتفاء من الأفعال وفاعليتها، فإذا زيد ما هذه سبيله. فهو تناهٍ في التوكيد به" "الخصائص 2/ 284". 5 في ش: على ما في. 6 في ش: المعنى.

فُلانٍ الَّذِي هُوَ مَعْدُومٌ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمِثْلِ 1 عَنْ الْمِثْلِ 1 ثُبُوتُ الْمِثْلِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِلَفْظِ "الْمِثْلِ" الصِّفَةُ2 كَالْمَثَلِ – بِفَتْحَتَيْنِ - كَمَا 3 فِي قَوْله تَعَالَى:"3 {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} 4. فَالتَّقْدِيرُ: لَيْسَ كَصِفَتِهِ شَيْءٌ. قَالَ الرَّاغِبُ5: "الْمِثْلُ هُنَا بِمَعْنَى الصِّفَةِ 2، وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ كَصِفَتِهِ صِفَةٌ"6. قَالَ فِي "الْبَدْرِ الْمُنِيرِ": "مِثْلُ: يُوصَفُ بِهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أَيْ لَيْسَ كَوَصْفِهِ

_ 1 ساقطة من ب. 2. ساقطة من ش 3 في ش ز: قال تعالى 4 الآية 35 من الرعد. 5 هو الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم، المعروف بالراغب الأصبهاني، المتوفى سنة 502هـ كما قال حاجي خليفة، وذكر السيوطي والداودي أن اسمه المفضل بن محمد الأصبهاني، وأنه كان في أوائل المائة الخامسة. أهم مؤلفاته "مفردات القرآن" و "محاضرات الأدباء" و "أفانين البلاغة" و "الذريعة إلى مكارم الشريعة". "انظر ترجمته في كشف الظنون 2/ 177، بغية الوعاة 2/ 297، طبقات المفسرين للداودي 2/ 329". 6 المفردات في غريب القرآن ص478، وتتمة العبارة: "تنبيهاً على أنه وإن وُصف بكثير مما يوصف به البشر، فليس تلك الصفات له على حَسَب ما يُستعمل في البشر". وهذا القول الذي عزاه المصنف إلى الراغب ليس في الحقيقة قوله، بل هو مجرد قول ساقه على سبيل الحكاية عن غيره بصيغة "وقيل". أما ما اتجه إليه الراغب فقد عبّر عنه بقوله: "لما أراد الله تعالى نفي التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال "ليس كمثله شيء". وأما الجمع بين الكاف والمثال، فقد قيل ذلك لتأكيد النفي، تنبيهاً على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف، فنفى بليس الأمرين جميعاً". "المفردات ص478" وهذا هو نفس قول ابن هبيرة الذي ساقه المصنف في الوجه الخامس، فتأمل!

شَيْءٌ1، وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِزِيَادَتِهَا2؛ لأَنَّهَا عَلَى خِلافِ الأَصْلِ"3. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِمِثْلِهِ4 ذَاتُهُ5، كَقَوْلِك: مِثْلُك لا يَبْخَلُ، أَيْ: أَنْتَ لا تَبْخَلُ6. قَالَ الشَّاعِرُ7: وَلَمْ أَقُلْ مِثْلَك أَعْنِي بِهِ ... غَيْرَك8 يَا فَرْدُ9 بِلا مُشْبِهِ وَقَوْلُهُ: أَيُّهَا الْعَاذِلُ دَعْ10 مِنْ11 عَذْلِكَا ... مِثْلِي لا يُصْغِي إلَى مِثْلِكَا

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: بالزيادة. 3 المصباح المنير 2/ 768. 4 في ش ز: بمثل. 5 في ش ز: ذات. 6 قال البناني: لاستلزام نفي البخل عن مثله نفيه عنه. "البناني على شرح جمع الجوامع 1/ 317". 7 البيت للمتنبي في قصيدته التي رثى فيها عمه عضد الدولة وعزّاه فيها، وقد سبق هذا البيت في القصيدة قوله: مثلُكَ يَثْني الحزنَ عَنْ صَوْبِهِ ... ويَسْتَرِدُّ الدَمْعَ عَنْ غَرْبِهِ "انظر ديوان المتنبي ص559". 8 في الديوان: سواك. 9 في الديوان: يا فرداً. 10 في ش ز ب ع: دعني. 11 ساقطة من ض.

وَقَدْ1 قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوْا} 2 أَيْ بِاَلَّذِي3 آمَنْتُمْ بِهِ؛ لأَنَّ إيمَانَهُمْ لا مِثْلَ لَهُ. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ السَّلامِ4 فَالتَّقْدِيرُ فِي الآيَةِ: لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ، بَلْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْكِنَايَةِ أَبْلَغُ مِنْ التَّصْرِيحِ5، لِتَضَمُّنِهِ إثْبَاتَ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ. قَالَ فِي "الْبَدْرِ الْمُنِيرِ"6: "وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ. كَمَا يُقَالُ: مِثْلُك مَنْ يَعْرِفُ الْجَمِيلَ، وَمِثْلُك لا يَفْعَلُ كَذَا، أَيْ أَنْتَ تَكُونُ كَذَا. وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} 7 [أَيْ كَمَنْ هُوَ"8] . الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ لِشَيْءٍ مِثْلٌ، وَلِذَلِكَ الْمِثْلِ مِثْلٌ، كَانَ كِلاهُمَا مِثْلاً لِلأَصْلِ، فَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ مِثْلِ الْمِثْلِ: نَفْيُهُمَا مَعًا، وَيَبْقَى الْمَسْكُوتُ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُقَدَّرٌ مِثْلِيَّتُهُ. وَقَدْ نُفِيَا عَنْهُ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 الآية 137 من البقرة. 3 في ش: الذي. 4 هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي الشافعي، أبو محمد، شيخ الإسلام وأحد الأئمة الأعلام، الملقب بسلطان العلماء. أشهر كتبه "القواعد الكبرى" و "مجاز القرآن المسمى بالإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز" و "شجرة المعارف" و "التفسير" توفي سنة 660هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 8/ 209، فوات الوفيات 1/ 594، شذرات الذهب 5/ 301، طبقات المفسرين للداودي 1/ 309". أما نقل المصنف عن العز بن عبد السلام فهو غير دقيق، حيث إن العز فَسَّرَ المِثْلَ بالذات والصفات، فقال: "قوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} معناه ليس مثله شيء في ذاته ولا في شيء من صفاته". "انظر الإشارة إلى الإيجاز ص272". 5 في ز ب: الصريح. 6 المصباح المنير 2/ 868. 7 الآية 122 من الأنعام. 8 زيادة من المصباح المنير.

قَالَ شَرَفُ الدِّينِ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ1: اجْعَلْ الْكَافَ أَصْلِيَّةً، وَلا يَلْزَمُ مَحْذُورٌ. قَالَ: لأَنَّ نَفْيَ الْمِثْلِ لَهُ طَرِيقَانِ: إمَّا بِنَفْيِ الشَّيْءِ، أَوْ بِنَفْيِ لازِمِهِ، وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ اللاَّزِمِ نَفْيُ الْمَلْزُومِ، وَمِنْ لَوَازِمِ الْمِثْلِ: أَنَّ لَهُ مِثْلاً فَإِذَا نَفَيْنَا مِثْلَ الْمِثْلِ، انْتَفَى لازِمُ الْمِثْلِ، فَيَنْتَفِي الْمِثْلُ لِنَفْيِ لازِمِهِ. الْخَامِسُ: قَالَ يَحْيَى بْنُ إبْرَاهِيمَ السَّلامِاسِيُّ2 فِي كِتَابِهِ "الْعَدْلِ فِي مَنَازِلِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ": إنَّ الْكَافَ لِتَشْبِيهِ الصِّفَاتِ، وَ "مِثْلَ" لِتَشْبِيهِ الذَّوَاتِ. فَنَفَى3 الشَّبِيهَيْنِ كِلاهُمَا عَنْ نَفْسِهِ تَعَالَى. فَقَالَ تَعَالَى4: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أَيْ: لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ وَلا كَهُوَ شَيْءٌ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ5 - مِنْ أَصْحَابِنَا-: آلَتَا6 التَّشْبِيهِ فِي كَلامِ الْعَرَبِ:

_ 1 هو محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل المرسي، شرف الدين، أبو عبد الله، العلامة النحوي الأديب، المفسر المحدث الفقيه الأصولي. قال ابن النجار: "هو من الأئمة الفضلاء في فنون العلم والحديث والقراءات والفقه والخلاف والأصلين والنحو واللغة، وله قريحة حسنة وذهن ثاقب وتدقيق في المعاني ومصنفات في جميع ما ذكرنا". من كتبه "التفسير الكبير" و "الأوسط" و "الصغير" و "مختصر صحيح مسلم" و "الضوابط النحوية في علم العربية" وكتاب في أصول الفقه وكتاب في البديع والبلاغة. توفي سنة 655هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/ 144، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 69، شذرات الذهب 5/ 269، معجم الأدباء 18/ 209، طبقات المفسرين للداودي 2/ 168". 2 في ش: السلاميسي. 3 في ش: فنفي المثلين. 4 ساقطة من ش. 5 هو يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعد، عون الدين، أبو المظفر، العالم الوزير العادل. قال ابن الجوزي: "كانت له معرفة حسنة بالنحو واللغة والعروض، وصنف في تلك العلوم، وكان متشدداً في اتباع السنّة وسير السلف". أشهر كتبه "الإفصاح عن معاني الصحاح" شرح فيه صحيحي البخاري ومسلم و "المقتصد" في النحو وغيرهما. توفي سنة 560هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 251، المنهج الأحمد 2/ 286، شذرات الذهب 4/ 191، المنتظم 10/ 214، وفيات الأعيان 5/ 274". 6 في ش: أداة.

الْكَافُ، وَمِثْلُ، تَقُولُ هَذَا مِثْلُ هَذَا، وَهَذَا كَهَذَا، فَجَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى آلَتَيْ1 التَّشْبِيهِ وَنَفَى عَنْهُ بِهِمَا الشَّبِيهَ2. 3"وَ" النَّوْعُ الْعِشْرُونَ أَنْ4 يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ "نَقْصِ" لَفْظٍ مِنْ الْكَلامِ الْمُرَكَّبِ وَيَكُونُ مَا نَقَصَ كَالْمَوْجُودِ لِلافْتِقَارِ إلَيْهِ. سَوَاءٌ كَانَ النَّاقِصُ مُفْرَدًا أَوْ مُرَكَّبًا، جُمْلَةً أَوْ غَيْرَهَا5. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} 6 أَيْ يُحَارِبُونَ عِبَادَ اللَّهِ وَأَهْلَ دِينِهِ. وَمِثْلُهُ {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} 7 أَيْ: مِنْ أَثَرِ حَافِرِ فَرَسِ الرَّسُولِ وَبِهِ قُرِئَ شَاذًّا، وَمِثْلُهُ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 8 أَيْ فَأَفْطَرَ. وَمِثْلُهُ {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} 9 وَاسْأَلْ الْعِيرَ10، أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ، وَأَهْلَ الْعِيرِ. {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ} 11 أَيْ حُبَّ12 الْعِجْلِ

_ 1 في ش: أداتي. 2 في ع ب: الشبه. وفي ز: الشبهه. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: أن لا. 5 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "البرهان 2/ 274، الإشارة إلى الإيجاز ص14، معترك الأقران 1/ 264، الطراز 1/ 73". 6 الآية 33 من المائدة. 7 الآية 96 من طه. 8 الآية 184 من البقرة. 9 الآية 82 من يوسف. 10 كما جاء في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [82 يوسف] . 11 الآية 93 من البقرة. 12 في ش: صاحب. وفي ض: أشربوا حب.

"وَ" النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مُشَابَهَةِ "شَكْلٍ1" كَإِطْلاقِ لَفْظِ الأَسَدِ عَلَى مَا هُوَ بشَكْلِهِ2، مِنْ مُجَسَّدٍ أَوْ مَنْقُوشٍ، وَرُبَّمَا تُوجَدُ الْعَلاقَتَانِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} 3. "وَ" النَّوْعُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مُشَابَهَةٍ فِي الْمَعْنَى فِي "صِفَةٍ ظَاهِرَةٍ" كَإِطْلاقِ الأَسَدِ عَلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا "ظَاهِرَةٍ" الصِّفَةُ الْخَفِيَّةُ، كَالْبَخَرِ، فَلا يُطْلَقُ أَسَدٌ عَلَى الأَبْخَرِ، لأَنَّ الْبَخَرَ فِي الأَسَدِ خَفِيٌّ4. "وَ" النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ إطْلاقِ "اسْمِ" الْبَدَلِ عَلَى الْمُبْدَلِ5 كَتَسْمِيَةِ الدِّيَةِ دَمًا، لِقَوْلِهِ6 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَحْلِفُونَ7 وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ"8!

_ 1 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الإشارة إلى الإيجاز ص30، 87، الفوائد المشوّق إلى علوم القرآن ص31، المحلي على جمع الجوامع 1/ 317". 2 في ش: كشكله. 3 الآية 88 من طه. 4 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الإشارة إلى الإيجاز ص30، المستصفى 1/ 341، روضة الناظر وشرحها لبدران 2/ 16، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 317". 5 صواب العبارة أن يقال: "إطلاق اسم المبدل على البدل". وما أثبتناه في النص هو المذكور في الأصول الخطية كلها. 6 في ش: كقوله. 7 في ش ز: أتحلفون. 8 الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وأحمد في مسنده ومالك في الموطأ عن سهل بن أبي خَثْمَةَ مرفوعاً في موضوع القسامة. "انظر صحيح البخاري 9/ 12، مسلم بشرح النووي 11/ 146، 152، سنن أبي داود 4/ 248، سنن النسائي 8/6، تحفة الأحوذي 4/ 683، الموطأ 2/ 878، سنن البيهقي 8/ 117، سنن ابن ماجة 2/ 893، مسند أحمد 4/ 3، نيل الأوطار 7/ 37، إحكام الأحكام الابن دقيق العيد 2/ 238، أقضية النبي صلى الله عليه وسلم ص10".

"وَ" النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ إطْلاقِ اسْمٍ مُقَيَّدٍ عَلَى 1 مُطْلَقٍ 1 كَقَوْلِ الْقَاضِي شُرَيْحٍ2: "أَصْبَحْت وَنِصْفُ النَّاسِ عَلَيَّ غَضْبَانُ" الْمُرَادُ: مُطْلَقُ الْبَعْضِ لا خُصُوصُ النِّصْفِ3. أَوْ بِاعْتِبَارِ إطْلاقِ اسْمِ "ضِدٍّ" عَلَى ضِدِّهِ4، وَتُسَمَّى الْعَلاقَةُ هُنَا عَلاقَةَ الْمُضَادَّةِ كَإِطْلاقِ الْبَصِيرِ عَلَى الأَعْمَى، وَالسَّلِيمِ عَلَى اللَّدِيغِ، وَالْمَفَازَةِ عَلَى الْمَهْلَكَةِ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 هو شرح بن الحارث بن قيس الكندي الكوفي، المخضرم التابعي، أبو أمية. أدراك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه على القول المشهور، ورى عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وغيرهم من الصحابة. ولّاه عمر قصاء الكوفة، وأقرّه على ذلك مَنْ جاء بعده، فبقي على قضائها ستين سنة. يقول النووي: "واتفقوا على توثيق شريح ودينه وفضله والاحتجاج برواياته وذكائه وأنه أعلمهم بالقضاء" توفي سنة 78هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في صفة الصفوة 3/ 38 وما بعدها، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 243 وما بعدها، وفيات الأعيان 2/ 167 وما بعدها، شذرات الذهب 1/ 85". 3 انظر في التجوز بإطلاق المقيد على المطلق البرهان للزركشي 2/ 270. 4 انظر في التجوز بإطلاق اسم الضد على ضده "معترك الأقران 1/ 253، البرهان 2/ 283، الطراز 1/ 71، المسودة ص169، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 317". .

"وَ" النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ نَقْلِ اسْمٍ لِعَلاقَةِ1 "مُجَاوَرَةٍ" كَإِطْلاقِ لَفْظِ "الرَّاوِيَةِ" عَلَى ظَرْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الأَصْلِ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْتَقَى عَلَيْهِ2. "وَنَحْوِهِ" أَيْ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ3، وَذَكَرُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحَوَى} 4 وَالْغُثَاءُ: مَا احْتَمَلَهُ السَّيْلُ مِنْ الْحَشِيشِ، وَالأَحْوَى: الشَّدِيدُ الْخُضْرَةِ. وَذَلِكَ سَابِقٌ فِي الْوُجُودِ5. وَكَذَا الاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَهُوَ الْمُنْقَطِعُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ بِتَأْوِيلِهِ بِدُخُولِهِ تَحْتَ الْجِنْسِ يَكُونُ مِنْ مَجَازِ الْمُشَابَهَةِ. وَمِنْهَا: وُرُودُ الأَمْرِ بِصُورَةِ الْخَبَرِ وَعَكْسِهِ6، نَحْوُ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} 7 وقَوْله تَعَالَى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 8 وَقَدْ يُقَالُ:

_ 1 في ش: علاقة. 2 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 317، المزهر 1/ 360، روضة الناظر وشرحها لبدران 2/ 17 وما بعدها". 3 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص82-86، معترك الأقران 1/ 266، اللمع للشيرازي ص5". 4 الآية 4، 5 من الأعلى. 5 قال الشيرازي: "والمراد أخراج المرعى أحوى، فجعله غُثَاءً، فقدّم وأخّر" "اللمع ص5" وانظر معترك الأقران 2/ 684، مفردات الراغب ص140. 6 انظر تفصيل الكلام على هذا النوع في "معترك الأقران 1/ 259، الإشارة إلى الإيجاز ص39، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص34، البرهان 2/ 289". 7 الآية 233 من البقرة. وقال العز بن عبد السلام: أي لترضع الوالدات أولادهن حولين كاملين. 8 الآية 38 من مريم.

إنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَالَغَةِ أَوْ الْمُضَادَّةِ، بِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ1 حَقِيقَةً بِسَبَبِ اعْتِقَادِهِ. "وَشُرِطَ" لِصِحَّةِ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ "نَقْلٌ" عَنْ الْعَرَبِ "فِي" كُلِّ "نَوْعٍ" مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ "لا" فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ "آحَادِ" الْمَجَازِ، بَلْ يَكْفِي فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي كُلِّ صُورَةٍ ظُهُورُ نَوْعٍ مِنْ الْعَلاقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ2. وَقَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: إطْلاقُ اسْمٍ عَلَى مُسَمَّاهُ الْمَجَازِيِّ لا يَفْتَقِرُ فِي الآحَادِ إلَى النَّقْلِ عَنْ "الْعَرَبِ، بَلْ"3 الْمُعْتَبَرُ ظُهُورُ الْعَلاقَةِ عَلَى الأَصَحِّ، وَأَمَّا فِي الأَنْوَاعِ: فَمُعْتَبَرٌ وِفَاقًا. انْتَهَى. "وَهُوَ" أَيْ الْمَجَازُ، ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ4. - قِسْمٌ "لُغَوِيٌّ: كَأَسَدٍ لِشُجَاعٍ" لِعَلاقَةِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْجُرْأَةُ5، فَكَأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ بِاعْتِبَارِهِمْ النَّقْلِ لِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ وَضَعُوا الاسْمَ ثَانِيًا لِلْمَجَازِ. - "وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي: مَجَازٌ "عُرْفِيٌّ" وَهُوَ نَوْعَانِ: نَوْعٌ "عَامٌّ، كَدَابَّةٍ لِمَا دَبَّ" فَإِطْلاقُهَا6 عَلَى ذَلِكَ حَقِيقَةٌ فِي اللُّغَةِ، مَجَازٌ فِي الْعُرْفِ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ الدَّابَّةِ فِي الْعُرْفِ لِذَاتِ الْحَافِرِ، فَإِطْلاقُهَا عَلَى كُلِّ مَا دَبَّ مَجَازٌ فِيهِ.

_ 1 في ش: في. 2 انظر: شرح مسلم الثبوت 1/ 203 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 326، العضد على ابن الحاجب 1/ 143 وما بعدها، الطراز 1/ 86، المعتمد 1/ 37، إرشاد الفحول ص24. 3 ساقطة من ش. 4 انظر تفصيل الكلام على أقسام المجاز الثلاثة في "شرح تنقيح الفصول ص44، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 327 وما بعدها، إحكام الأحكام للآمدي 1/ 29، إرشاد الفحول ص21 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 163 وما بعدها". 5 في ع: الجراءة. 6 في ع: فاطلاقه.

"وَ" النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْمَجَازِ الْعُرْفِيِّ: مَجَازٌ خَاصٌّ، كَإِطْلاقِ لَفْظِ "جَوْهَرٍ" فِي الْعُرْفِ "لِـ" كُلِّ "نَفِيسٍ" انْتِقَالاً فِي الْعُرْفِ مِنْ ذَاتِ الْحَافِرِ، وَمِنْ النَّفَاسَةِ لِلْمَعْنَى الْمُتَضَمِّنِ لِذَاتِ الْحَافِرِ مِنْ الدَّبِّ فِي الأَرْضِ، وَلِلشَّيْءِ النَّفِيسِ مِنْ غُلُوِّ الْقِيمَةِ الَّتِي فِي الْجَوْهَرِ1 الْحَقِيقِيِّ. - "وَ" الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَجَازٌ "شَرْعِيٌّ: كَـ" إطْلاقِ "صَلاةٍ" فِي الشَّرْعِ "لِـ" مُطْلَقِ "دُعَاءٍ" انْتِقَالاً مِنْ ذَاتِ الأَرْكَانِ لِلْمَعْنَى الْمُتَضَمِّنِ2 لَهَا مِنْ الْخُضُوعِ وَالسُّؤَالِ بِالْفِعْلِ أَوْ الْقُوَّةِ، فَكَأَنَّ الشَّارِعَ بِهَذَا الاعْتِبَارِ وَضَعَ الاسْمَ ثَانِيًا لِمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّغَوِيِّ3 هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ، فَكُلُّ مَعْنًى حَقِيقِيٍّ فِي وَضْعٍ هُوَ4 مَجَازٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَضْعٍ آخَرَ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا بِاعْتِبَارين5. "وَيُعْرَفُ" الْمَجَازُ "بِصِحَّةِ نَفْيِهِ" كَقَوْلِكَ6 "الشُّجَاعُ لَيْسَ بِأَسَدٍ"، وَ "الْجَدُّ لَيْسَ بِأَبٍ"، وَ "الْبَلِيدُ لَيْسَ بِحِمَارٍ"؛ لأَنَّ الْحَقِيقَةَ لا تُنْفَى. فَلا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحِمَارَ لَيْسَ بِحِمَارٍ، وَإِنَّ الأَبَ لَيْسَ بِأَبٍ، وَإِنَّ الْبَلِيدَ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ7

_ 1 في ع ب: الجوهري. 2 في ز ب ع: المضمن. 3 في ش: اللغوي من. 4 في ش: مجاز هو. 5 في ش: باعتباره. 6 في ش: كقولك في. 7 انظر فواح الرحموت 1/ 205، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 323، العضد على ابن الحاجب 1/ 146، إرشاد الفحول ص25، الإحكام للآمدي 1/ 30،المسودة ص570، القواعد والفوائد الأصولية ص127.

"وَ" يُعْرَفُ أَيْضًا "بِتَبَادُرِ غَيْرِهِ". أَيْ تَبَادُرِ1 غَيْرِ الْمَجَازِ إلَى ذِهْنِ السَّامِعِ "لَوْلا الْقَرِينَةُ" الْحَاضِرَةُ2. "وَ" يُعْرَفُ أَيْضًا بِـ "عَدَمِ وُجُوبِ3 اطِّرَادِهِ4" أَيْ اطِّرَادِ5 عَلاقَتِهِ، فَالْعَلاقَةُ الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} 6 لا تَطَّرِدُ، فَلا يُقَالُ: اسْأَلْ الْبِسَاطَ وَلا الْحَصِيرَ7. "وَ" يُعْرَفُ أَيْضًا بِـ "الْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ" كَجَنَاحِ الذُّلِّ، وَنَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ "الْجَنَاحَ وَالنَّارَ" يُسْتَعْمَلانِ فِي مَدْلُولِهِما8 الْحَقِيقِيِّ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ9. وَإِنَّمَا قِيلَ بِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ، وَلَمْ يُقَلْ بِتَقْيِيدِهِ، لأَنَّ الْمُشْتَرَكَ قَدْ يقيد10 فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، كَقَوْلِك: "عَيْنٌ جَارِيَةٌ"، لَكِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ التَّقْيِيدُ فِيهِ.

_ 1 في ض ب: يتبادر. 2 انظر العضد على ابن الحاجب 1/ 147، المزهر 1/ 363، اللمع ص5، إرشاد الفحول ص25، الإحكام للآمدي 1/ 33، المعتمد 1/ 32، الروضة وشرحها لبدران 1/ 23، فواتح الرحموت 1/ 206، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 323. 3 في ع: وجود. 4 في ش: المراده. 5 في ش: المراد. 6 الآية 82 من يوسف. 7 انظر فواتح الرحموت 1/ 206، المستصفى 1/ 342، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 323، العضد على ابن الحاجب 1/ 149، المزهر 1/ 362، 364، اللمع ص5، إرشاد الفحول ص25، الإحكام للآمدي 1/ 31، المعتمد 1/ 32. 8 في ش: مدلوله. 9 انظر إرشاد الفحول ص25، العضد على ابن الحاجب 1/ 153، فواتح الرحموت 1/ 207، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 325. 10 في ش: قيد.

"وَ" يُعْرَفُ أَيْضًا1 بِـ "تَوَقُّفِهِ" أَيْ تَوَقُّفِ اسْتِعْمَالِهِ "عَلَى مُقَابِلِهِ" أَيْ عَلَى الْمُسَمَّى2 الآخَرِ الْحَقِيقِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ: -مَلْفُوظًا بِهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} 3 أَيْ جَازَاهُمْ4 عَلَى مَكْرِهِمْ، حَيْثُ تَوَاطَئُوا عَلَى قَتْلِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ أَلْقَى، شَبَهَهُ عَلَى مَنْ وَكَلُوا5 بِهِ قَتْلَهُ، وَرَفَعَهُ إلَى السَّمَاءِ فَقَتَلُوا الْمُلْقَى عَلَيْهِ الشَّبَهُ. ظَنًّا أَنَّهُ عِيسَى. وَلَمْ يَرْجِعُوا لِقَوْلِهِ "أَنَا صَاحِبُكُمْ" ثُمَّ شَكُّوا فِيهِ لَمَّا لَمْ يَرَوْا الآخَرَ، فَلا يُقَالُ: "مَكَرَ اللَّهُ" ابْتِدَاءً. - أَوْ كَانَ مُقَدَّرًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} 6، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لِمَكْرِهِمْ ذِكْرٌ فِي اللَّفْظِ، لَكِنْ تَضَمَّنَهُ الْمَعْنَى، وَالْعَلاقَةُ الْمُصَاحَبَةُ فِي الذِّكْرِ7. "وَ" يُعْرَفُ أَيْضًا بِـ "إضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ قَابِلٍ" * كَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ وَاسْأَلْ الْعِيرَ وَبَعْضُهُمْ يُعَبِّرُ عَنْهُ بِالإِطْلاقِ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ فَإِنَّ الاسْتِحَالَةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُ مَوْضُوعٌ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا8.

_ 1 ساقطة من ض. 2 في ع: مسمى. 3 الآية 54 من آل عمران. 4 في ش: جزاهم. 5 في ش: وكل إليه. 6 الآية 21 من يونس. 7 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 325، فواتح الرحموت 1/ 207، العضد على ابن الحاجب 1/ 145، 153، إرشاد الفحول ص25. 8 انظر الإحكام للآمدي 1/ 32، اللمع ص5، المزهر 1/ 363، الطراز 1/ 93، المعتمد 1/ 34، حاشية البناني 1/ 326.

"وَ" يُعْرَفُ أَيْضًا 1 بِـ "كَوْنِهِ لا يُؤَكَّدُ" 2 أَيْ بِالْمَصْدَرِ 2؛ لأَنَّ التَّأْكِيدَ يَنْفِي احْتِمَالَ الْمَجَازِ3. "وَفِي قَوْلٍ، وَ" وَهُوَ قَوْلُ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَالْغَزَالِيِّ، وَالْمُوَفَّقِ4، وَالطُّوفِيِّ، وَابْنِ مُفْلِحٍ، وَابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ: إنَّ الْمَجَازَ "لا يُشْتَقُّ مِنْهُ" 5. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} 6 بِمَعْنَى الشَّأْنِ مَجَازٌ7، فَلا يُشْتَقُّ مِنْهُ آمِرٌ وَلا مَأْمُورٌ، وَلا غَيْرُهَا8. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ الأَكْثَرِ وَيَدُلُّ لَهُ9 إجْمَاعُ الْبَيَانِيِّينَ عَلَى صِحَّةِ الاسْتِعَارَةِ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمَجَازِ، لأَنَّ الاسْتِعَارَةَ تَكُونُ فِي الْمَصْدَرِ. ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْهُ10.

_ *-1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ز. 3 انظر المزهر 1/ 363. 4 هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الدمشقي الحنبلي، موفق الدين، أبو محمد، أحد الأئمة الأعلام. قال ابن النجار: "كان ثقة حجة نبيلاً، غزير الفضل، كامل العقل، شديد التثبت، دائم السكوت، حسن السمت، ورعاً عابداً على قانون السلف، على وجهه النور، وعليه الوقار والهيبة ... الخ". وقد ألف التصانيف النافعة، وأشهرها "المغني" و "الكافي" و "المقنع" و "العمدة" في الفقه و "روضة الناظر" في أصول الفقه و "التوابين" و "المتحابين في الله" في الزهد والفضائل. توفي سنة 620هـ. "انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 2/ 133 وما بعدها، شذرات الذهب 5/ 88 وما بعدها، فوات الوفيات 1/ 433". 5 انظر الإحكام للآمدي 1/ 32، المستصفى 1/ 343، المزهر 1/ 362، روضة الناظر وشرحها لبدران 1/ 24، إرشاد الفحول ص25، المعتمد 1/ 33، العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 160. 6 الآية 97 من هود. 7 في ع: مجازاً. 8 المستصفى 1/ 343. 9 في ش: عليه. 10 انظر الطراز 1/ 96.

وَاسْتُدِلَّ عَلَى صِحَّةِ الاشْتِقَاقِ مِنْ الْمَجَازِ أَيْضًا بِقَوْلِهِمْ: "نَطَقَتْ الْحَالُ بِكَذَا"، أَيْ دَلَّتْ؛ لأَنَّ النُّطْقَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الدَّلالَةِ أَوَّلاً، ثُمَّ اُشْتُقَّ مِنْهُ اسْمُ الْفَاعِلِ1 عَلَى مَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي الاسْتِعَارَةِ وَالتَّبَعِيَّةِ فِي الْمُشْتَقَّاتِ. "وَيُثَنَّى" الْمَجَازُ "وَيُجْمَعُ" وَمَنَعَهُمَا بَعْضُهُمْ وَأَبْطَلَهُ الآمِدِيُّ. بِأَنَّ لَفْظَ الْحِمَارِ لِلْبَلِيدِ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ إجْمَاعًا2. "وَيَكُونُ" الْمَجَازُ "فِي مُفْرَدٍ" كَإِطْلاقِ لَفْظِ الأَسَدِ عَلَى الشُّجَاعِ، وَالْحِمَارِ عَلَى الْبَلِيدِ، وَالْبَحْرِ عَلَى الْعَالِمِ، "وَ" يَكُونُ أَيْضًا فِي "إسْنَادٍ" عَلَى الصَّحِيحِ3، وَعَلَيْهِ الْمُعْظَمُ. فَيَجْرِي فِيهِ، وَإِنْ لِمَ يَكُنْ فِي لَفْظَيْ الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إلَيْهِ تَجَوُّزٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُسْنَدَ الشَّيْءُ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيلِ بِلا وَاسِطَةِ وَضْعٍ. كَقَوْلِ الشَّاعِرِ4: أَشَابَ الصَّغِيرَ وَأَفْنَى الْكَبِـ ... ـيَرَ كَرُّ الْغَدَاةِ وَمَرُّ الْعَشِيْ فَلَفْظُ "الإِشَابَةِ" حَقِيقَةٌ فِي مَدْلُولِهِ، - وَهُوَ تَبْيِيضُ الشَّعْرِ-، وَالزَّمَانُ الَّذِي هُوَ مُرُورُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ حَقِيقَةٌ فِي مَدْلُولِهِ أَيْضًا، لَكِنْ إسْنَادُ الإِشَابَةِ إلَى الزَّمَانِ

_ 1 في ش: فاعل. 2 الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 1/ 32، وانظر أيضاً "المعتمد 1/ 33، المزهر 1/ 362". 3 انظر تفصيل الكلام على المجاز في الإفراد والتركيب وآراء العلماء فيه في "فواتح الرحموت 1/ 208 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 320، إرشاد الفحول ص26، شرح تنقيح الفصول ص45 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 154 وما بعدها، الطراز 1/ 74 وما بعدها، أسرار البلاغة ص416 وما بعدها، التمهيد للأسنوي ص51، البرهان 2/ 256 وما بعدها، معترك الأقران 1/ 247". 4 البيت للصَلَتَان العبدي، قُثَم بن خَبِيئَةَ، نسبه له ابن قتيبة في "الشعر والشعراء" "1/ 478". كما نسبه له البغدادي في "خزانة الأدب" "1/ 308" نقلاً عن ابن قتيبة، ونسبه له أيضاً الأسنوي في "التمهيد" ص51، وقد نسبه الجاحظ في "الحيوان" "3/ 477" للصَلَتَان السعدي، وقال: هو غير الصلتان العبدي.

مَجَازٌ، إذْ الْمُشَيِّبُ1 لِلنَّاسِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. فَهَذَا مَجَازٌ فِي الإِسْنَادِ، لا فِي نَفْسِ مَدْلُولاتِ الأَلْفَاظِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا} 2 {إنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ} 3، فَكُلٌّ مِنْ طَرَفَيْ الإِسْنَادِ حَقِيقَةٌ، وَإِنَّمَا الْمَجَازُ فِي إسْنَادِ الزِّيَادَةِ إلَى الآيَاتِ، وَالإِضْلالِ إلَى الأَصْنَامِ4، وَكَذَا {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} 5 وَالْفَاعِلُ 6 لِذَلِكَ فِي الْكُلِّ 6 هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. "وَ" يَكُونُ الْمَجَازُ "فِيهِمَا" أَيْ فِي الْمُفْرَدِ وَفِي الإِسْنَادِ "مَعًا" أَيْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: "أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِك" إذْ7 حَقِيقَتُهُ: سَرَّتْنِي رُؤْيَتُكَ، لَكِنْ8 أَطْلَقَ لَفْظَ "الإِحْيَاءِ" عَلَى "السُّرُورِ" "مَجَازًا إفْرَادِيًّا"9. لأَنَّ الْحَيَاةَ شَرْطُ صِحَّةِ السُّرُورِ وَهُوَ مِنْ آثَارِهَا. وَكَذَا لَفْظُ "الاكْتِحَالِ" 10 عَلَى الرُّؤْيَةِ مَجَازٌ إفْرَادِيٌّ؛ لأَنَّ الاكْتِحَالَ 10: جَعْلُ الْعَيْنِ مُشْتَمِلَةً عَلَى الْكُحْلِ، كَمَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ: جَعْلُ الْعَيْنِ مُشْتَمِلَةً عَلَى صُورَةِ الْمَرْئِيِّ.

_ 1 في ش: المسبب. 2 الأية 2 من الأنفال. 3 الآية 36 من إبراهيم. 4 فقد أسْنِدَتْ الزيادة، وهي فعل الله تعالى إلى الآيات المتلوة لكونها سبباً لها عادةً، كما أسْنِدَ الإضلال، وهو فعله سبحانه إلى الأصنام باعتبارها سبباً للأظلال كذلك. "انظر المحلي على جمع الجوامع 1/ 320". 5 الآية 27 من الأعراف. 6 في ش: كذلك. 7 في ش: أن. 8 ساقطة من ش. 9 في ش: مجاز إفرادي. 10 ساقطة من ز.

فَلَفْظُ "الإِحْيَاءِ وَالاكْتِحَالِ" حَقِيقَةٌ فِي مَدْلُولِهِمَا، وَهُوَ سُلُوكُ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ، وَوَضْعُ الْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ، وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ "الإِحْيَاءِ وَالاكْتِحَالِ" فِي السُّرُورِ وَالرُّؤْيَةِ مَجَازٌ إفْرَادِيٌّ1، وَإِسْنَادُ الإِحْيَاءِ إلَى الاكْتِحَالِ مَجَازٌ تَرْكِيبِيٌّ. لأَنَّ لَفْظَ "الإِحْيَاءِ" لَمْ يُوضَعْ لِيُسْنَدَ إلَى الاكْتِحَالِ، بَلْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لأَنَّ الإِحْيَاءَ وَالإِمَاتَةَ الْحَقِيقِيَّتَيْنِ2 مِنْ خَوَاصِّ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. "وَ" يَكُونُ الْمَجَازُ فِي "فِعْلٍ" تَارَةً بِالتَّبَعِيَّةِ. كَصَلَّى بِمَعْنَى دَعَا، تَبَعًا لإِطْلاقِ الصَّلاةِ مَجَازًا عَلَى الدُّعَاءِ، وَتَارَةً بِدُونِ التَّبَعِيَّةِ، كَإِطْلاقِ الْفِعْلِ الْمَاضِي بِمَعْنَى الاسْتِقْبَالِ3 نَحْوِ {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} 4 وَ {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} 5 وَ {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} 6 أَيْ: وَيُنْفَخُ، وَيَأْتِي، وَيُنَادِي. وَإِطْلاقُ الْمُضَارِعِ7 بِمَعْنَى الْمَاضِي8، نَحْوُ {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ} 9، وَ {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ؟} 10 أَيْ مَا تَلَتْهُ، وَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ؟

_ 1 في ش: إفرادي ومجازي. 2 في ض ب: الحقيقتين. 3 انظر الإشارة إلى الإيجاز ص37 وما بعدها، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص32، معترك الأقران 1/ 258، المحلي على جمع الجوامع 1/ 321. 4 الآية 68 من الزمر. 5 الآية الأولى من النحل. 6 الآية 44 من الأعراف. 7 في ع: الفعل المضارع. 8 انظر معترك الأقران 1/ 258، المحلي على جمع الجوامع 1/321، الإشارة إلى الإيجاز ص38، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص33. 9 الآية 102 من البقرة. 10 الآية 91 من البقرة.

وَالتَّعْبِيرُ بِالْخَبَرِ عَنْ الأَمْرِ1 نَحْوُ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} 2، وَعَكْسُهُ [نَحْوُ] {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} 3 [وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : "فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ" 4. وَالتَّعْبِيرُ بِالْخَبَرِ عَنْ النَّهْيِ5 نَحْوُ {لا يَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} 6. قَالَ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ: هُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لِشِدَّةِ تَأَكُّدِ طَلَبِهِ نَزَّلَ الْمَطْلُوبَ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ لا مَحَالَةَ7. "وَ" يَكُونُ الْمَجَازُ فِي "مُشْتَقٍّ" كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ، وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُشْتَقُّ مِنْ الْمَصْدَرِ، كَإِطْلاقِ "مُصَلٍّ" فِي الشَّرْعِ عَلَى الدَّاعِي8.

_ 1 انظر البرهان 2/ 289، معترك الأقران 1/ 259، الإشارة إلى الإيجاز ص39، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص34. 2 الآية 233 من البقرة. 3 الآية 75 من مريم. 4 هذا الوعيد ورد في آحاديث كثيرة مختلفة الموضوعات، ولعل أصحها وأشهرها قوله صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترميذي والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده وغيرهم، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جمع كبير من الصحابة منهم أنس وأبو هريرة وعلي وجابر وابن مسعود والزبير ومعاوية. "انظر فيض القدير 6/ 214 وما بعدها، صحيح البخاري 1/ 3، صحيح مسلم 1/ 10، سنن أبي داود 2/ 287، تحفة الأحوذي 7/ 419، سنن ابن ماجة 1/ 13". 5 انظر معترك الأقران 1/ 259، البرهان 2/ 291، الإشارة إلى الإيجاز ص40، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص34. 6 الآية 79 من الواقعة. 7 انظر الإشارة إلى الإيجاز ص40، البرهان 2/ 290، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص32 وما بعدها، معترك الأقران 1/ 260. 8 انظر المحلي على جمع الجوامع 1/ 321 وما بعدها.

"وَ" يَكُونُ الْمَجَازُ أَيْضًا فِي "حَرْفٍ" فَإِنَّهُ قَدْ تَجُوزُ بِـ "هَلْ" عَنْ الأَمْرِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1 {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} 2 أَيْ فَأَسْلِمُوا وَانْتَهُوا، وَعَنْ النَّفْيِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} 3 أَيْ مَا تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ، وَعَنْ التَّقْرِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ} 4. وَقِيلَ: لا يَجْرِي الْمَجَازُ فِي الْحُرُوفِ إلاَّ بِالتَّبَعِيَّةِ، كَوُقُوعِ الْمَجَازِ فِي مُتَعَلِّقِهِ5. "وَيُحْتَجُّ بِهِ" أَيْ بِالْمَجَازِ، حَكَاهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا6. لأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَعْنَى مِنْ طَرِيقِ الْوَضْعِ، كَالْحَقِيقَةِ، أَلا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} 7 فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ مَجَازًا، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 8 وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُرَادَ: الأَعْيُنُ الَّتِي فِي الْوُجُوهِ وَقَدْ احْتَجَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى وُجُوبِ9 النَّظَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ10.

_ 1 الآية 14 من هود و108 من الأنبياء. 2 الآية 91 من المائدة، وهي ساقطة من ش. 3 الآية 8 من الحاقة. 4 الآية 28 من الروم. 5 انظر تفصيل الكلام على التجوز في الحروف في "الإشارة إلى الإيجاز ص30 وما بعدها، الطراز 1/ 88، التمهيد للأسنوي ص51، الفؤاد المشوق إلى علوم القرآن ص36 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 1/ 321". 6 المسودة ص173. 7 الآية 6 من المائدة. 8 الآية 22، 23 من القيامة. 9 في ش: وجود. 10 الرد على الجهمية والزنادقة للأمام أحمد ص214، 243، وقد حكاه عنه المجد في المسودة ص170 والبعلي في القواعد والفوائد الأصوليه ص129.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمَجَازَ قَدْ يَكُونُ أَسْبَقَ إلَى الْقَلْبِ، كَقَوْلِ الإِنْسَانِ: "لِزَيْدٍ عَلَيَّ دِرْهَمٌ"، فَإِنَّهُ مَجَازٌ وَهُوَ أَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ قَوْلِهِ: "يَلْزَمُنِي1 لِزَيْدٍ دِرْهَمٌ"2. "وَلا يُقَاسَ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى الْمَجَازِ. لأَنَّ عَلاقَتَهُ لَيْسَتْ مُطَّرِدَةً3. "وَيَسْتَلْزِمُ" الْمَجَازُ "الْحَقِيقَةَ" لأَنَّهُ فَرْعٌ وَالْحَقِيقَةُ أَصْلٌ، وَمَتَى وُجِدَ الْفَرْعُ وُجِدَ الأَصْلُ4. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْهَا لَعَرِيَ الْوَضْعُ عَنْ الْفَائِدَةِ5. "وَلا تَسْتَلْزِمُهُ" أَيْ وَلا تَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةُ الْمَجَازَ، لأَنَّ اللُّغَةَ طَافِحَةٌ بِحَقَائِقَ لا مَجَازَاتٍ لَهَا6. "وَلَفْظَاهُمَا"7 أَيْ لَفْظُ حَقِيقَةٍ، وَلَفْظُ مَجَازٍ "حَقِيقَتَانِ عُرْفًا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ أَهْلِ الْعُرْفِ؛ لأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُمَا فِيمَا اسْتَعْمَلَهُمَا فِيهِ أَهْلُ

_ 1 في ش: يلزمه. 2 انظر المسودة ص170 وما بعدها، القواعد والفوائد الأصولية للبعلي ص128 وما بعدها. 3 انظر المزهر للسيوطي 1/ 364، المسودة ص173، 174. 4 انظر اختلاف الأصوليين في استلزام المجاز الحقيقة في "فواتح الرحموت 1/ 208، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 305 وما بعدها، الطراز 1/ 99، المعتمد 1/ 35، العضد على ابن الحاجب 1/ 153، الإحكام للآمدي 1/ 34". 5 أي الوضع الأول. وكلام المصنف هذا جوابٌ على استدلال الأصوليين الذاهبين إلى أن المجاز لا يستلزم الحقيقة، بأن اللفظ قبل استعماله فيما وضع له أولاً، لا يوصف بالحقيقة، ولا مانع من أن يتجوز في اللفظ قبل استعماله فيما وضع له أولاً ... وقد ردّ الأصوليين المخالفون لما ذهب إليه المصنف على جوابه: بأن الفائدة حاصلةٌ باستعماله فيما وضع له ثانياً، إذ لولا الوضع الأول لما وجد الثاني. "انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 306 وما عبدها، الإحكام للآمدي 1/ 34". 6 ساقطة من ش. 7 في ش: ولفظا.

الْعُرْفِ وَ "مَجَازَانِ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ، لأَنَّهُمَا مَنْقُولانِ1 مِنْهَا2. وَقَدْ تَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ نَقْلِهِمَا3. "وَهُمَا" أَيْ وَكَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا "مِنْ عَوَارِضِ الأَلْفَاظِ"4. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا التَّقْسِيمُ حَادِثٌ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلاثَةِ، يَعْنِي تَقْسِيمَ اللَّفْظِ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ. "وَلَيْسَ مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْحَقِيقَة، وَلا مِنْ الْمَجَازِ "لَفْظٌ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ" لِعَدَمِ رُكْنِ تَعْرِيفِهِمَا5، وَهُوَ الاسْتِعْمَالُ؛ لأَنَّ الاسْتِعْمَالَ جُزْءٌ مِنْ مَفْهُومِ كُلٍّ مِنْهُمَا6. "وَلا" مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ "عَلَمٌ مُتَجَدِّدٌ"7. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": اخْتَارَهُ الأَكْثَرُ، لأَنَّ الأَعْلامَ وُضِعَتْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ ذَاتٍ وَذَاتٍ. فَلَوْ تُجُوِّزَ فِيهَا، لَبَطَلَ هَذَا الْغَرَضُ. وَأَيْضًا، فَنَقْلُهَا إلَى مُسَمًّى آخَرَ إنَّمَا هُوَ بِوَضْعٍ مُسْتَقِلٍّ لا لِعَلاقَةٍ.

_ 1 في ض ب ز ش: منقولتان. 2 في ش: عنها. 3 لم يتقيد الكلام إلا على نقل لفظ مجازك من استعماله في الوضع الأول إلى الثاني وذلك في ص153. 4 أي مما يعرض للفظ بعد استعماله، فإن استعمال فيما وضع له أولاً فهو الحقيقة، وأن استعمل فيما وضع له ثانياً لعلاقة. فهو المجاز. 5 في ش: تصريفهما. 6 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 328، العضد على ابن الحاجب 1/ 153، إرشاد الفحول ص26، فواتح الرحموت 1/ 208، معترك الأقران 1/ 267، المزهر 1/ 367، الطراز 1/ 101. 7 فالأعلام المتجدد بالنسبة إلى مسمياتها لست بحقيقة، لأن مستعملها لم يستعملها فيما وضعت له أولاً، بل إما أنه اخترعها من غير سبق وضع –كما في الأعلام المرتجلة- ولا مجاز في ذلك، أو نقلها عما وضعت له –كما في الأعلام المنقولة- وهي بمجاز، لأنها لم تنقل لعلاقة. "المزهر 1/ 367، وانظر الطراز 1/ 89، 100" وكلمة متجدد وردت في ش: متجرد.

فصل في وقوع المجاز وتعارضة مع الحقيقة

فصل في وقوع المجاز وتعارضة مع الحقيقة ... "فَصْلٌ" "الْمَجَازُ وَاقِعٌ" فِي اللُّغَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَاحْتُجَّ عَلَى ذَلِكَ بِالأَسَدِ لِلشُّجَاعِ، وَالْحِمَارِ لِلْبَلِيدِ، وَقَامَتْ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ، وَشَابَتْ لَمَّةُ اللَّيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يُحْصَرُ1. "وَلَيْسَ" الْمَجَازُ "بِأَغْلَبَ"2 مِنْ الْحَقِيقَةِ3، خِلافًا لابْنِ جِنِّي4 وَمَنْ تَبِعَهُ. "وَهُوَ" أَيْ الْمَجَازُ "فِي الْحَدِيثِ" أَيْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَ" فِي "الْقُرْآنِ" لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} 5 وَ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} 6، {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} 7، {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} 8 {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 9، {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} 10 وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ11. وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ.

_ 1 انظر الإحكام للآمدي 1/ 45، المزهر 1/ 364 وما بعدها، المحلي علىجمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 308، إرشاد الفحول ص22 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 1/ 167، فواتح الرحموت 1/ 211، المعتمد 1/ 29، المسودة ص564. 2 في ش: بالقلب. 3 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 310، المزهر 1/ 361. 4 الخصائص 2/ 447. 5 الآية 119 من المائدة. 6 الآية 197 من البقرة. 7 الآية 24 من الإسراء. 8 الآية 4 من مريم. 9 الآية 40 من الشورى. 10 الآية 15 من البقرة. 11 انظر البرهان 2/ 255، الطراز 1/ 83 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 47 وما بعدها، المحلي على جمع الجومع 1/ 308، إرشاد الفحول ص23، العضد على ابن الحاجب 1/ 167 وما بعدها، المعتمد 1/ 30 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 211 وما بعدها، اللمع ص5، وانظر مجاز القرآن لمعمر بن المثنى والإشارة إلى الإيجاز للعز بن عبد السلام والفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البينان لابن القيم الجوزية والمجازات النبوية للشريف الرضي ...

قَالَ الْقَاضِي: نَصَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ فِي الْقُرْآنِ. فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} 1 وَ "نَعْلَمُ" وَ "مُنْتَقِمُونَ": هَذَا مِنْ مَجَازِ اللُّغَةِ يَقُولُ الرَّجُلُ: إنَّا سَنُجْرِي عَلَيْكَ2 رِزْقَك3. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْهُ شَيْءٌ. حَكَاهُ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ4. "وَلَيْسَ فِيهِ" أَيْ فِي الْقُرْآنِ لَفْظٌ "غَيْرُ عَلَمٍ إلاَّ عَرَبِيٌّ" اخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ5، وَالْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ،

_ 1 الآية 43 من ق. 2 ساقطة من ش. 3 انظر المسودة ص164. 4 انظر المسودة ص165، وابن حامد: هو الحسن بن حامد بن علي بن مروان، أبو عبد الله البغدادي، إمام الحنابلة في زمانه ومدرسهم ومفتيهم، له مصنفات في العلوم المختلفة، أشهرها "الجامع" في الفقه في نحو أربعمائة مجلد و "شرح الخرقي" و "شرح أصول الدين" و "أصول الفقه" وغيرها، توفي سنة 403هـ. "انظر ترجمته في طبقات الحنابلة 2/ 171 وما بعدها، المنهج الأحمد 2/ 82 وما بعدها، المنتظم 7/ 263، شذرات الذهب 3/ 166، المطلع على أبواب المقنع ص432، المدخل إلى مذهب أحمد لبدران ص206". 5 هو عبد العزيز بن جعفر بن أحمد الحنبلي، أبو بكر، المعروف بغلام الخلاّل، الفقيه الأصولي المفسر. قال ابن أبي يعلى: "كان أحد أهل الفهم، موثوقاً به في العلم، متسع الرواية، مشهوراً بالديانية، موصوفاً بالأمانة، مذكوراً بالعبادة". أشهر كتبه "الشافي" و "المقنع" و "التنبيه" و "زاد المسافر" في الفقه و "تفسير القرآن"، توفي سنة 363هـ. "انظر ترجمته في المنهج الأحمد 2/ 56 وما بعدها، طبقات الحنابلة 2/ 119 وما بعدها، المطلع ص437، شذرات الذهب 3/ 45، المدخل إلى مذهب أحمد ص208".

وَالْمَجْدُ1، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ2، وَأَبُو عُبَيْدٍة3، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالْبَاقِلاَّنِيّ، وَابْنُ فَارِسٍ4، وَغَيْرُهُمْ، لِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الآيَاتِ الْكَثِيرَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ5.

_ 1 هو عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن تيمية الحراني الحنبلي، أبو البركات، مجد الدين، الإمام المقرئ المحدث المفسر الفقيه الأصولي النحوي، صاحب "الأحكام الكبرى" و "المحرر" في الفقه و "المنتقي من أحاديث الأحكام" و "المسودة" في أصول الفقه التي زاد فيها ولده عبد الحليم ثم حفيده تقي الدين أحمد، توفي سنة 652هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 297، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 249 وما بعدها، شذرات الذهب 5/ 257، فوات الوفيات 1/ 570، الفتح المبين 2/ 68". 2 الرسالة للشافعي ص40. 3 كذا في الصاحبي ص59 والمعرّب ص4 والبرهان 1/ 287 ومعترك الأقران 1/ 195 والإتقان 2/ 105 والمزهر 1/ 266، وفي الأصول الخطية كلها والمطبوعة: أبو عبيد، وليس بصواب، لأن أبا عبيد لا يذهب إلى المنع، ورأيه المنقول والمشهور عنه غير ذلك، إذ فيه توفيق بين المذهبين وتصويب لكلا القولين، بخلاف أبي عبيدة، فهو الذي نُقل عنه المنع واشتهر. وأبو عبيدة: هو مُعَمَّر بن المثني التيمي البصري، اللغوي النحوي العلامة، قال الزيدي: "كان من أجمع الناس للعلم، وأعلمهم بأيام العرب وأخبارها, وأكثر الناس رواية" أشهر مصنفاته "مجاز القرآن" و "غريب القرآن" و "غريب الحديث" و "نقائض جرير والفرزدق" توفي سنة 209هـ قيل غير ذلك. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 2/ 294، إنباه الرواة 3/ 276، وفيات الأعيان 4/ 323، شذرات الذهب 2/ 24، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 260، المزهر 2/ 403، 413، المعارف ص543، طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ص175، طبقات المفسرين للداودي 2/ 326، معجم الأدباء 19/ 154". 4 هو أحمد بن فارس بن زكريا، أبو الحسين، الإمام اللغوي المفسر. أشهر مصنفاته "جامع التأويل في تفسير القرآن" و "سيرة النبي صلي عليه وسلم" و "المجل" في اللغة و "مقاييس للغة" و "غريب إعراب القرآن" و "متخير الألفاظ" و "حليلة الفقهاء". توفي سنة 395هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 59، إنباه الرواة 1/ 92، بغية الوعاة 1/ 352، شذرات الذهب 3/ 132، معجم الأدباء 4/ 80، فيات الإعيان 1/ 100، ترتيب المدارك 4/ 610". 5 كقوله تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً} [الآية 2 من يوسف و113 من طه و28 من الزمر و2 من فصلت و7 من الشورى و2 من الزخرف] وقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الآية 195 من الشعراء] وقوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [الآية 44 من فصلت] .

وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَعِكْرِمَةُ1 وَمُجَاهِد2ٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ3، وَعَطَاءٌ4، وَغَيْرُهُمْ: إلَى أَنَّ فِيهِ أَلْفَاظًا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ5. وَنُقِلَ6 عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ7 أَنَّهُ قَالَ: الصَّوَابُ عِنْدِي مَذْهَبٌ فِيهِ

_ 1 هو عكرمة بن عبد الله، مولى ابن عباس، أبو عبد الله، أحد فقهاء مكة من التابعين الأعلام، أصله بربري من أهل المغرب، توفي سنة 104هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/340، شذرات الذهب 1/ 130، المعارف ص455، وفيات الإعيان 2/ 427، طبقات المفسرين للداودي 1/ 380، معجم الأدباء 13/ 181". 2 هو مجاهد بن جبر المكي المخزومي مولاهم، أبو الحجاج، الإمام التابعي الشهير، قال النووي: "اتفق العلماء على إمامته وجلالته وتوثيقه، وهو إمام في الفقه والتفسير والحديث، توفي سنة 103هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/ 83، شذرات الذهب 1/ 125، المعارف ص444". 3 هو سعيد بن جبير بن هشام الكوفي الأسدي مولاهم، أبو عبد الله، من كبار أئمة التابعين ومتقدميهم في التفسير والحديث والفقه والعبادة والورع، قتله الحجاج ظلماً سنة 95هـ. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/ 216، شذرات الذهب 1/ 108، المعارف ص445". 4 هو عطاء بن أبي رباح أسلم بن صفوان المكي، أبو محمد، من أئمة التابعين وأجلة الفقهاء وكبار الزهاد. توفي سنة 115هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في شذرات الذهب 1/ 148، وفيات الأعيان 2/ 422، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 333، المعارف ص444". 5 انظر اختلاف العلماء في اشتمال القرآن على ألفاظ غير عربية في "الإحكام للآمدي 1/ 50 وما بعدها، المسودة ص174، فواتح الرحموت 1/ 212، العضد على ابن الحاجب 1/ 170، إرشاد الفحول ص32، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 326، المزهر 1/ 266 وما بعدها، معترك الأقران 1/ 195 وما بعدها، الإتقان في علوم القرآن 1/ 105 وما بعدها، مقدمة تفسير الطبري 1/ 8 وما بعدها، البرهان 1/ 287 وما بعدها، الصاحبي لابن فارس ص57 وما بعدها، المعرّب للجواليقي ص4 وما بعدها". 6 نقله الزركشي في البرهان 1/ 290، والسيوطي في معترك الأقران 1/ 198 والاتقان 2/ 108 والمزهر 1/ 269، وابن فارس في الصاحبي ص61، والجواليقي في المعرّب ص5. 7 هو القاسم بن سَلّام البغدادي، الإمام البارع في اللغة والنحو والتفسير والقراءات والحديث والفقه، أشهر كتبه "الآموال" و "غريب القرآن" و "غريب الحديث" و "معاني القرآن" و "أدب القاضي" توفي سنة 224هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/ 257، بغية الوعاة 2/ 253، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 153، المنهج الأحمد 1/ 80، طبقات المفسرين للداودي 2/ 32، معجم الأدباء 16/ 254، طبقات الحنابلة 1/ 259، وفيات الإعيان 3/ 225، إنباه الرواة 3/ 12".

تَصْدِيقُ1 الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا. وَذَلِكَ: أَنَّ هَذِهِ [الأَحْرُفَ] 2 أُصُولُهَا أَعْجَمِيَّةٌ - كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ-، لَكِنَّهَا وَقَعَتْ لِلْعَرَبِ. فَعُرِّبَتْ3 بِأَلْسِنَتِهَا، وَحَوَّلَتْهَا عَنْ أَلْفَاظِ الْعَجَمِ إلَى أَلْفَاظِهَا فَصَارَتْ عَرَبِيَّةً، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ - وَقَدْ اخْتَلَطَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ بِكَلامِ الْعَرَبِ- فَمَنْ قَالَ4: إنَّهَا عَرَبِيَّةٌ فَهُوَ صَادِقٌ، [وَمَنْ قَالَ أَعْجَمِيَّةٌ فَصَادِقٌ] 5. "وَمَجَازٌ رَاجِحٌ" أَيْ وَالْعَمَلُ بِمَجَازٍ رَاجِحٍ "أَوْلَى" بِالْحُكْمِ "مِنْ 6 حَقِيقَةٍ مَرْجُوحَةٍ6 " وَقِيلَ: هِيَ مَا لَمْ تُهْجَرْ7. وَتَنْقَسِمُ مَسْأَلَةُ تَعَارُضِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ8: الأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ مَرْجُوحًا لا يُفْهَمُ إلاَّ بِقَرِينَةٍ9. - كَالأَسَدِ لِلشُّجَاعِ - فَيُقَدَّمُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْحَقِيقَةُ لِرُجْحَانِهَا.

_ 1 ساقطة من ش. 2 زيادة من الإتقان والمزهر ومعترك الأقران والبرهان والصاحبي من كلام أبي عبيد. 3 في الإتقان ومعترك الإقران والبرهان: فَعَرَّبتها، وفي الصاحبي والمزهر: فأعربتها. 4 في ع: قالها. 5 زيادة من الإتقان والمزهر ومعترك الأقران والبرهان والصاحبي م كلام أبي عبيد. 6 في ش: حقيقته بالمرجوحية. 7 انظر القواعد والفوائد الإصولية ص122. فواتح الرحموت 1/ 220 وما بعدها، كشف الأسرار على أصول البزدوي 1/ 77 وما بعدها. 8 انظر تفصيل الكلام على هذا الأقسام الأربعة في "القواعد والفوائد الإصولية ص123 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص119 وما بعدها". 9 في ع: بقرينته.

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَغْلِبَ اسْتِعْمَالُهُ، حَتَّى يُسَاوِيَ الْحَقِيقَةَ. فَتُقَدَّمُ الْحَقِيقَةُ أَيْضًا 1 عَدَمِ رُجْحَانِ الْمَجَازِ1. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ رَاجِحًا، وَالْحَقِيقَةُ مُمَاتَةً، لا تُرَادُ فِي الْعُرْفِ فَيُقَدَّمُ الْمَجَازُ؛ لأَنَّهُ إمَّا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَالصَّلاةِ، أَوْ عُرْفِيَّةٌ كَالدَّابَّةِ. فَلا خِلافَ فِي تَقْدِيمِهِ2 عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ. مِثَالُهُ: لَوْ حَلَفَ لا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ. فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِهَا حَنِثَ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ خَشَبِهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ الْخَشَبُ هُوَ الْحَقِيقَةُ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ رَاجِحًا، وَالْحَقِيقَةُ تَتَعَاهَدُ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ. فَهَذِهِ مَحَلُّ3 الْخِلافِ عِنْدَ الأَكْثَرِ. كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ مِنْ هَذَا النَّهْرِ. فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْكَرْعِ مِنْهُ بِفِيهِ، وَلَوْ اغْتَرَفَ بِكُوزٍ وَشَرِبَ فَهُوَ مَجَازٌ؛ لأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ الْكُوزِ، لا مِنْ النَّهْرِ، لَكِنَّهُ مَجَازٌ رَاجِحٌ يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ. فَيَكُونُ4 أَوْلَى مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تُرَادُ؛ لأَنَّ كَثِيرًا5 مِنْ الرِّعَاءِ6 وَغَيْرِهِمْ يَكْرَعُ 5 بِفِيهِ. "وَلَوْ لَمْ يَنْتَظِمْ كَلامٌ" أَيْ لَوْ لَمْ يَصِحَّ الْكَلامُ "إلاَّ بِارْتِكَابِ مَجَازِ زِيَادَةٍ أَوْ" بِارْتِكَابِ مَجَازِ "نَقْصٍ، فَنَقْصٌ" أَيْ فَارْتِكَابُ مَجَازِ نَقْصٍ "أَوْلَى" لأَنَّ الْحَذْفَ فِي كَلامِ الْعَرَبِ أَكْثَرُ مِنْ الزِّيَادَةِ. قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ7.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: تقديمها. 3 في ض ب: على. 4 في ض: فهو. 5 في ش: ما يكون الكرع 6 الرغاء: جمع راعي، وهو الذي يرعى الماشية فيحوطها ويحفظها. "لسان العرب 14/ 325" وفي ض ب: الرعاة. 7 انظر التمهيد للأسنوي ص53 والقواعد والفوائد الأصوليه ص124 وما بعدها.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ1 مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ. وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: "إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ"، إذْ لا شَكَّ فِي اسْتِحَالَةِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي حَيْضَةٍ، وَتَصْحِيحُ الْكَلامِ هُنَا إمَّا بِدَعْوَى زِيَادَةِ لَفْظِ2 "حَيْضَةٍ" فَكَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى "إنْ3 حِضْتُمَا"، وَإِمَّا بِدَعْوَى الإِضْمَارِ. وَتَقْدِيرُهُ: "إنْ حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَيْضَةً". وَفِي الْمَسْأَلَةِ لأَصْحَابِنَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: سُلُوكُ الزِّيَادَةِ، وَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: "إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ"، فَإِذَا طَعَنَتَا4 فِي الْحَيْضِ طَلَقَتَا. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: سُلُوكُ النَّقْصِ، - وَهُوَ الإِضْمَارُ-، فَلا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تَحِيضَ كُلُّ وَاحِدَةٍ حَيْضَةً، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ كَمَا تَقَدَّمَ: "إنْ حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ". نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 5 6 أَيْ اجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا7 ثَمَانِينَ جَلْدَةً 6 وَهُوَ قَوْلُ الْمُوَفَّقِ، وَالْمَجْدِ وَالشَّارِحِ وَابْنِ حَمْدَانَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَاعِدَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يُطَلَّقَانِ بِحَيْضَةٍ مِنْ إحْدَاهُمَا، لأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُمَا وَجَبَ إضَافَتُهُ إلَى إحْدَاهُمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ

_ 1 في ش: هذا. 2 ف ش: لفظة. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: أخذتا. 5 الآية 4 من النور. 6 ساقطة من ش. 7 في ز ض: منهم.

وَالْمَرْجَانُ} 1 وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: لا يُطَلَّقَانِ بِحَالٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لا يَقَعُ الطَّلاقُ الْمُعَلَّقُ "عَلَى الْمُحَالِ"2.

_ 1 الآية 22 من الرحمن. 2 في ش: في الحال.

فصل في الكناية والتعريض

"فَصْلٌ": فِي الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ وَالْبَحْثُ فِيهِمَا مِنْ وَظِيفَةِ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ، لَكِنْ لَمَّا اُخْتُلِفَ فِي الْكِنَايَةِ، هَلْ هِيَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؟. أَوْ مِنْهَا حَقِيقَةٌ وَمِنْهَا مَجَازٌ: ذُكِرَتْ لِيُعْرَفَ1 ذَلِكَ، وَذُكِرَ مَعَهَا التَّعْرِيضُ اسْتِطْرَادًا. ثُمَّ "الْكِنَايَةُ حَقِيقَةٌ2 إنْ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي مَعْنَاهُ" الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْ لا "وَأُرِيدَ3 لازِمُ الْمَعْنَى" الْمَوْضُوعِ لَهُ، كَقَوْلِهِمْ "كَثِيرُ الرَّمَادِ" يُكَنُّونَ بِهِ عَنْ كَرَمِهِ. فَكَثْرَةُ الرَّمَادِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، وَلَكِنْ أُرِيدَ بِهِ لازِمُهُ، - وَهُوَ الْكَرَمُ -، وَإِنْ كَانَ بِوَاسِطَةِ لازِمٍ آخَرَ، لأَنَّ لازِمَ كَثْرَةِ الرَّمَادِ كَثْرَةُ الطَّبْخِ، وَلازِمَ كَثْرَةِ الطَّبْخِ كَثْرَةُ الضَّيْفَانِ، وَلازِمَ كَثْرَةِ الضَّيْفَانِ الْكَرَمُ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَادَةٌ. فَالدَّلالَةُ عَلَى الْمَعْنَى الأَصْلِيِّ بِالْوَضْعِ، وَعَلَى اللاَّزِمِ بِانْتِقَالِ4 الذِّهْنِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللاَّزِمِ. وَمِثْلُهُ5 قَوْلُهُمْ: "طَوِيلُ النِّجَادِ" كِنَايَةً عَنْ طُولِ الْقَامَةِ، لأَنَّ نِجَادَ

_ 1 انظر تفصيل الكلام على الكناية ومذاهب العلماء فيها في "معترك الأقران 1/ 266، البرهان 2/ 300 وما بعدها، الطراز 1/ 364-379، الصاحبي ص260 وما بعدها. الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان ص126-132، الإشارة إلى الإيجاز ص85، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 333، كشف الأسرار على أصول البزدوي 1/ 66 وما بعدها، فواح الرحموت 1/ 226 وما بعدها". 2 في ش: حقيقية. 3 في ش: "وأريد" باللفظ. 4 في ش: بالقصد. 5 في ش: ومثل.

الطَّوِيلِ يَكُونُ طَوِيلاً بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ، لأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ اللاَّزِمُ فَلا تَنَافِي بَيْنَهُمَا. "وَمَجَازٌ" يَعْنِي وَتَكُونُ الْكِنَايَةُ مَجَازًا "إنْ لَمْ يُرِدْ الْمَعْنَى" الْحَقِيقِيَّ وَعَبَّرَ بِالْمَلْزُومِ عَنْ اللاَّزِمِ، بِأَنْ يُطْلِقَ الْمُتَكَلِّمُ كَثْرَةَ الرَّمَادِ عَلَى اللاَّزِمِ، - وَهُوَ الْكَرَمُ -وَطُولَ النِّجَادِ عَلَى اللاَّزِمِ، - وَهُوَ طُولُ الْقَامَةِ-، مِنْ غَيْرِ مُلاحَظَةِ الْحَقِيقَةِ أَصْلاً فَهَذَا يَكُونُ مَجَازًا، لأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ. وَالْعَلاقَةُ فِيهِ: إطْلاقُ الْمَلْزُومِ عَلَى اللاَّزِمِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ: هُوَ أَحَدُ الأَقْوَالِ فِي الْكِنَايَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي "التَّحْرِيرِ". وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ لَفْظَ الْكِنَايَةِ حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الأَصَحُّ. قَالَ الْكُورَانِيُّ1: الْجُمْهُورُ أَنَّهَا مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَتَبِعَهُمْ ابْنُ عَبْدِ السَّلامِ فِي كِتَابِ "الْمَجَازِ"2. فَقَالَ: "وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكِنَايَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَجَازِ؛ لأَنَّهَا3 وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ [اللَّفْظُ] 4 فِيمَا وُضِعَ لَهُ، لَكِنْ أُرِيدَ بِهِ الدَّلالَةُ عَلَى

_ 1 هو أحمد بن اسماعيل بن عثمان الكوراني الرومي الحنفي، شهاب الدين، الفقيه الأصولي المفسر المحدث المقرىء. أشهر مصنفاته "غية الأماني في تفسير السبع المثاني" و "الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع" في أصول الفقه و "شرح الكافية" في النحو و "الكوثر الجاري على رياض البخاري" توفي سنة 893هـ. "انظر ترجمته في الشقائق النعمانية ص51، الضوء اللامع 1/ 241، هدية العارفين 1/ 135". 2 الإشارة إلى الإيجاز ص85. 3 في ش: إلا أنها. 4 زيادة من الإشارة إلى الإيجاز.

غَيْرِهِ. كَدَلِيلِ1 الْخِطَابِ2 فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 3 وَكَذَا نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّضْحِيَةِ بِالْعَوْرَاءِ وَالْعَرْجَاءِ4". وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَجَازٌ مُطْلَقًا، نَظَرًا إلَى الْمُرَادِ مِنْهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ صَاحِبِ "الْكَشَّافِ" عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} 5 حَيْثُ فَسَّرَ الْكِنَايَةَ "بِأَنْ يَذْكُرَ الشَّيْءَ بِغَيْرِ لَفْظِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ"6. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَقِيقَةٍ وَلا مَجَازٍ. وَهُوَ قَوْلُ

_ 1 في ز: لدليل. 2 كذا في "الإشارة إلى الإيجاز" وفي الأصول الخطيّة كلها، وهو خطأ، وصوابه "كفحوى الخطاب"، لأن دليل الخطاب في اصطلاح سائر الأصوليين هو "قصر حكم المنطوق به على ما تناوله، والحكم للمسكوت عنه بما خالفه" ويسمونه مفهوم المخالفة. وليس هذا مراد ابن عبد السلام في تعبيره، ولو أراده لكان المعنى فاسداً. بل إنه قصد مفهوم الموافقة الذي يعبر عنه الأصوليون بـ "فحوى الخطاب" وهو "إثبات حكم المنطوق به للمسكوت عنه بطريق الأولى" كتحريم الضرب من قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} بطريق الأولى. "انظر تحقيق الأوصوليين لموضوع دليل الخاطب وفحوى الخطاب في شرح تنقيح الفصول ص53 وما بعدها, الحدود للباجي ص50 وما بعدها, العضد على ابن الحاجب 2/ 172 وما بعدها, اللمع للشيرازي ص24, فواتح الرحموت 1/ 414, المحلي على جمع الجوامع وحاشياة البناني عليه 1/ 240, 245, كشف الأسرار على أصول البزدوي 2/ 253". 3 الآية 32 من الإسراء. 4 أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده ومالك في المطأ عن البراء بن عازب. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. "انظر سنن أبي داود 3/ 128، تحفة الأحوذي 5/ 81، سنن النسائي 7/ 214، سنن ابن ماجة 2/ 1050، الموطأ 2/ 482، مسند أحمد 4/ 289". 5 الآية 235 من البقرة. 6 الكشاف للزمخشري 1/ 282.

السَّكَّاكِيِّ1 وَتَبِعَهُ فِي "التَّخْلِيصِ"2. "وَالتَّعْرِيضُ حَقِيقَةٌ، وَهُوَ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ مَعَ التَّلْوِيحِ بِغَيْرِهِ" أَيْ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْعُرْضِ – بِالضَّمِّ -، وَهُوَ الْجَانِبُ. فَكَأَنَّ اللَّفْظَ وَاقِعٌ فِي جَانِبٍ3 عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي لَوَّحَ بِهِ4. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} 5 [أَيْ] غَضِبَ أَنْ عُبِدَتْ هَذِهِ الأَصْنَامُ مَعَهُ فَكَسَّرَهَا، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ التَّلْوِيحُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَغْضَبُ أَنْ يُعْبَدَ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ بِإِلَهٍ مِنْ طَرِيقِ الأَوْلَى. وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ اللَّفْظَ - وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ فِي الْخَارِجِ - لا يَكُونُ كَذِبًا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّوَصُّلَ إلَى غَيْرِهِ بِكِنَايَةٍ كَمَا سَبَقَ، وَتَعْرِيضٍ

_ 1 مفتاح العلوم للسكاكي ص195. وفي ع: الكسائي. والسكّاكي: هو يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي، السكاكي الخوارزمي الحنفي، أبو يعقوب، سراج الدين. قال السيوطي: "كان علاّمة بارعاً في فنون شتى، خصوصاً المعاني والبيان، وله كتاب "مفتاح العلوم" فيه اثنا عشر علماً من علوم العربية". توفي سنة 626هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 2/ 364، شذرات الذهب 5/ 122". 2 التلخيص للقزويني ص337، 346. 3 في ش: جنب. 4 انظر تفصيل الكلام على التعريض في "الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص133 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 333 وما بعدها، الطراز 1/ 380-399، البرهان 2/ 311 وما بعدها". 5 الآية 63 من الأنبياء.

كَمَا هُنَا، وَإِنْ سُمِّيَ كَذِبًا فَمَجَازٌ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ، كَمَا جَاءَ [فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ] "لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ إلاَّ ثَلاثَ كَذَبَاتٍ"1. الْمُرَادُ: صُورَةُ ذَلِكَ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ حَقٌّ وَصِدْقٌ.

_ 1 الحديث أخرجه البخاري "فتح الباري 6/ 246" ومسلم "4/ 1840" وأبو داود "2/ 355" والترمذي "تحفة الأحوذي 9/ 6" وأحمد في مسنده "2/ 403" عن أبي هريرة مرفوعاً. وهذه الكذبات الثلاثة جاء ذكرها في سائر رواياته وهي: قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} ولم يكن سقيماً، وقوله للجبار الذي اعترضة وسأله عن سارة: إنها أختي، ويقصد أُخته في الإيمان. قال ابن عقيل: دلالةُ العقل تصرفُ ظاهرَ إطلاق الكذب على إبراهيم، وذلك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقاً به، ليُعْلَمَ صدقُ ما جاء به عن الله، ولا ثقَةَ مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه!! وإنما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع وعلى تقديره. "انظر فتح الباري 6/ 246".

فصل في الأشتقاق

فصل في الأشتقاق ... "فَصْلٌ":الاشْتِقَاقُ: مِنْ أَشْرَفِ عُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَدَقِّهَا وَأَنْفَعِهَا، وَأَكْثَرِهَا رَدًّا إلَى أَبْوَابِهَا، أَلا تَرَى أَنَّ مَدَارَ عِلْمِ التَّصْرِيفِ فِي مَعْرِفَةِ الزَّائِدِ مِنْ الأَصْلِيِّ عَلَيْهِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ حُذِفَتْ الْمَصَادِرُ، وَارْتَفَعَ الاشْتِقَاقُ مِنْ كُلِّ كَلامٍ: لَمْ تُوجَدْ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ، وَلا فِعْلٌ لِفَاعِلٍ1. وَجَمِيعُ النُّحَاةِ إذَا أَرَادُوا أَنْ يَعْلَمُوا الزَّائِدَ مِنْ الأَصْلِيِّ فِي الْكَلامِ، نَظَرُوا فِي الاشْتِقَاقِ. وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ قَوْلِك: "اشْتَقَقْت" كَذَا 2 مِنْ كَذَا 2، أَيْ اقْتَطَعْته مِنْهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ3: مُشْتَقَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَبْعَتُهُ4

_ 1 والاشتقاق: هو أخذُ صيغةٍ من أخرى، مع اتفاقهما معنىً ومادةً أصليةً، وهيئةَ تركيبٍ لها. ليُدَلُ بالثانية على معنى الأصل، بزيادة مفيدة لأجلها اختلفا حروفاً أو هيئة، كضارب من ضَرَبَ، وحَذِر من حَذِر –الأولى اسم والثانية فعل-. "المزهر 1/ 346". 2 ساقطة من ش. 3 هو همّام بن غالب بن صعصعة المجاشعي التميمي البصري، أبو فراس. الشاعر المشهور، والتابعي المعروف، توفي سنة 110هـ. "انظر ترجمته في الشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 442، تهاذيب الاسماء واللغات 2/ 280، وفيات الأعيان 5/ 135، معجم الأدباء 19/ 297، شدرات الذهب 1/ 140". 4 في ز د ض: بضعته. وما أثبتناه تؤيده رواية الديوان وابن خلكان وابن العماد. والبيت للفرزدق في قصيدة طويلة يمدح بها زين العابدين على بن الحسين رضي الله عنه، ذكرها ابن خلكان في الوفيات وابن العماد في الشذرات ونسباها إليه، وعجز البيت: ....................... طابَتْ مَغَارِسُهُ والخِيْمُ والشَّيَمُ ومعنى البيت: إن شجرته من أصل شجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد طابت مغارسه، وطابت سجاياه وأخلاقه. "ديوان الفرزدق 2/ 180، وفيات الإعيان 5/ 146، شذرات الذهب 1/ 143".

وَحُكِيَ فِي الاشْتِقَاقِ فِي اللُّغَةِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ1. أَحَدُهَا: - وَهُوَ الصَّحِيحُ - أَنَّ اللَّفْظَ يَنْقَسِمُ إلَى مُشْتَقٍّ وَجَامِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ2 وَسِيبَوَيْهِ، وَالأَصْمَعِيِّ3 وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَقُطْرُبٍ4، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الأَلْفَاظَ كُلَّهَا جَامِدَةٌ مَوْضُوعَةٌ، وَبِهِ قَالَ نِفْطَوَيْهِ5 مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ. وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ6.

_ 1 انظر المزهر 1/ 348. 2 هو الخليل بن أحمد الأزدي الفراهيدي البصري، أبو عبد الرحمن، إمام العربية، ومستنبط علم العروض، صاحب كتاب "العين" و "العروض" و "الشواهد" توفي سنة 170هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/ 177، نور القبس ص56، طبقات النحويين واللغويين ص47، إنباه الرواة 1/ 341، شذرات الذهب 1/ 275، معجم الأدباء 11/ 72، وفيات الإعيان 2/ 15، المعارف ص541". 3 هو عبد الملك بن قُرَيب بن عبد الملك بن أصمع البصري، أبو سعيد، إما اللغة والحديث، مُصَنِّفُ "غريب القرآن" و "غريب الحديث" و "الاشتقاق" و "الامثال" وغيرها. توفي سنة 216هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/ 273، نور القبس ص125، طبقات المفسرين للداودي 1/ 354، طبقات النحويين واللغويين ص167، بغية الوعاة 2/ 112، إنباه الرواة 2/ 197، وفيات الأعيان 2/ 344، المعارف ص543، شذرات الذهب 2/ 36". 4 هو محمد بن المستنير بن أحمد، أبو علي النحوي اللغوي البصري، تلميذ سيبويه، أشهر كتبه "معان القرآن" و "إعراب القرآن" و "غريب الحديث" و "العلل في النحو". توفي سنة 206هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 2/ 254، معجم الإدباء 19/ 52، وفيات الإعيان 3/ 439، إنباه الرواة 3/ 219، طبقات النحويين واللغويين ص99، نور القبس ص174، بغية الوعاة 1/ 242، شذرات الذهب 2/ 15". 5 هو إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي الواسطي، أبو عبد الله, النحوي الشهير. قال ياقوت: "كان عالماً بالعربية واللغة والحديث، صادقاً فيما يرويه، حافظاً للقرآن، فقيهاًعلى مذهب داود الظاهري، رأساً فيه". أشهر مصنفاته "إعراب القرآن" و "غريب القرآن" و "المقنع في النحو" و "أمثال القرآن" توفي سنة 323هـ. "انظر ترجمته في وفيات الإعيان 1/ 30، نور القبس ص344، طبقات النحويين واللغويين ص154، طبقات المفسرين للداودي 1/ 19، شذرات الذهب 2/ 298، إنباه الرواة 1/ 176، بغية الوعاة 1/ 428، معجم الأدباء 1/ 254، المنتظم 6/ 277". 6 هذا خطأ، وصواب اسمه إبراهيم بن محمد.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الأَلْفَاظَ كُلَّهَا مُشْتَقَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ1، وَابْنِ دُرُسْتَوَيْهِ2. وَغَيْرِهِمَا، حَتَّى قَالَ ابْنُ جِنِّي: "الاشْتِقَاقُ يَقَعُ فِي الْحُرُوفِ فَإِنَّ "نَعَمْ" حَرْفُ جَوَابٍ، وَالنِّعَمُ وَالنَّعِيمُ وَالنَّعْمَاءُ وَنَحْوُهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْهُ"3. وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ انْقِسَامُهُ إلَى أَصْغَرَ وَأَكْبَرَ وَأَوْسَطَ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَحَدُّ الأَصْغَرِ "رَدُّ لَفْظٍ إلَى آخَرَ" فَدَخَلَ الاسْمُ وَالْفِعْلُ "لِمُوَافَقَتِهِ" أَيْ الْمَرْدُودِ "لَهُ" أَيْ لِلْمَرْدُودِ إلَيْهِ "فِي الْحُرُوفِ الأَصْلِيَّةِ" سَوَاءٌ كَانَتْ مَوْجُودَةً أَوْ مُقَدَّرَةً، لِيَدْخُلَ الأَمْرُ مِنْ نَحْوِ: الأَكْلِ وَالْخَوْفِ وَالْوِقَايَةِ "وَ" لِوُجُودِ4 "مُنَاسَبَتِهِ" أَيْ مُنَاسَبَةِ الْمُشْتَقِّ لِلْمُشْتَقِّ مِنْهُ "فِي الْمَعْنَى" احْتِرَازًا مِنْ مِثْلِ اللَّحْمِ وَالْمِلْحِ وَالْحِلْمِ، فَإِنَّ كُلاًّ مِنْهَا5 يُوَافِقُ الآخَرَيْنِ6 فِي حُرُوفِهِ الأَصْلِيَّةِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَلا اشْتِقَاقَ بَيْنهَا، لانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَعْنَى

_ 1 هو إبراهيم بن السّريّ بن سهل الزجاج، أبو إسحاق، النحوي اللغوي. قال الخطيب: "كان من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، له مصنفات حسان في الأدب". أشهر كتبه "معاني القرآن" و "الاشتقاق" و "شرح أبيات سيبويه" توفي سنة 311هـ. "انظر ترجمته في طبقات النحويين واللغويين ص111، طبقات المفسرين للداودي 1/ 7، تهذيب الإسماء واللغات 2/ 170، إنباه الرواة 1/ 159، بغية الوعاة 1/ 411، شذرات الذهب 2/ 259، المنتظم 6/ 176، معجم الأدباء 1/ 130، وفيات الأعيان 1/ 31" وفي ض: الزجاجي. 2 هو عبد الله بن جعفر بن دُرُسْتُويه الفارسي الفسوي النحوي، أبو محمد. قال الفقطي: "هو نحوي جليل القدر، مشهور الذكر، جيد التصانيف". أشهر كتبه "الإرشاد" في النحو و "غريب الحديث" و "شرح الفصيح" و "معاني الشعر". توفي سنة 347هـ. "انظر ترجمته في طبقات النحويين واللغويين ص116، وفيات الإعيان 2/ 247، بغية الوعاة 2/ 36، إنباه الوراة 2/ 113، شذرات الذهب 2/ 375، طبقات المفسرين للداودي 1/ 223". 3 الخصائص 2/ 34، 35، 37. 4 في ع: الوجود. 5 في ض ع: منهما. 6 في ش: الآخر.

لاخْتِلافِ مَدْلُولاتِهَا1. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِلاشْتِقَاقِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ2. الأَوَّلُ: الْمُشْتَقُّ. وَالثَّانِي: الْمُشْتَقُّ مِنْهُ. وَالثَّالِثُ: الْمُوَافَقَةُ فِي الْحُرُوفِ الأَصْلِيَّةِ. وَالرَّابِعُ: الْمُنَاسَبَةُ فِي الْمَعْنَى مَعَ التَّغْيِيرِ، لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ تَغْيِيرٌ لَمْ يَصْدُقْ3 كَوْنُ الْمُشْتَقِّ غَيْرَ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ. وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ4 بِقَوْلِهِ "وَلا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرٍ". وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ نَوْعًا5؛ لأَنَّهُ إمَّا بِزِيَادَةِ حَرْفٍ، أَوْ حَرَكَةٍ. أَوْ هُمَا مَعًا، أَوْ نُقْصَانِ حَرْفٍ، أَوْ حَرَكَةٍ، أَوْ هُمَا مَعًا، أَوْ زِيَادَةِ حَرْفٍ وَنُقْصَانِهِ، أَوْ زِيَادَةِ حَرَكَةٍ وَنُقْصَانِهَا، أَوْ زِيَادَةِ حَرْفٍ وَنُقْصَانِ حَرَكَةٍ. أَوْ زِيَادَةِ حَرَكَةٍ وَنُقْصَانِ حَرْفٍ، - عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ -، أَوْ زِيَادَةِ حَرْفٍ مَعَ زِيَادَةِ حَرَكَةٍ وَنُقْصَانِهَا، أَوْ زِيَادَةِ حَرَكَةٍ مَعَ زِيَادَةِ حَرْفٍ وَنُقْصَانِهِ، - عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ -، أَوْ نُقْصَانِ حَرْفٍ مَعَ زِيَادَةِ حَرَكَةٍ وَنُقْصَانِهَا، أَوْ نُقْصَانِ6 حَرَكَةٍ مَعَ زِيَادَةِ حَرْفٍ وَنُقْصَانِهِ. [أَوْ زِيَادَةِ حَرْفٍ وَحَرَكَةٍ مَعًا مَعَ نُقْصَانِ حَرْفٍ وَحَرَكَةٍ مَعًا] 7، وَذَلِكَ: لأَنَّ التَّغْيِيرَ: إمَّا تَغْيِيرٌ وَاحِدٌ، أَوْ تَغْيِيرَانِ8، أَوْ ثَلاثَةٌ، أَوْ أَرْبَعَةٌ.

_ 1 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 280 وما بعدها. 2 انظر العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 171 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 1/ 280 وما بعدها. 3 في ش: يصلح. 4 في ش: المراد منه. 5 انظر حاشية البناني 1/283، حاشية الهروي على العضد 1/ 173، المزهر 1/ 348. 6 في ش: زيادة. 7 كذا في حاشية البناني على شرح جمع الجوامع 1/ 283 وحاشية الهروي على العضد 1/ 173 والمزهر 1/ 349، وفي ش: "أو زيادة حرف ونقصانه أو زيادة حركة ونقصانها" وفي ز: "فقط أو زيادة حركة ونقصانها فقط" وفي د ع ب ض: "أو زيادة حرف ونقصانه فقط أو زيادة حركة ونقصانها فقط". وكلّه تصحيف. انظر التغيرات الأربعة ص209. 8 في ش: تغيران.

فَالتَّغْيِيرُ الْوَاحِدُ: فِي أَرْبَعَةِ أَمَاكِنَ: الأَوَّلُ: زِيَادَةُ حَرْفٍ. نَحْوُ: كَاذِبٍ1 - مِنْ الْكَذِبِ - زِيدَتْ الأَلِفُ بَعْدَ الْكَافِ. وَالثَّانِي: زِيَادَةُ حَرَكَةٍ. نَحْوُ: نَصَرَ – مَاضٍ -. مَأْخَذُهُ2 مِنْ النَّصْرِ. وَالثَّالِثُ: نُقْصَانُ حَرْفٍ. كَصَهَلَ - مِنْ الصَّهِيلِ - نَقَصَتْ الْيَاءُ. وَالرَّابِعُ: نُقْصَانُ الْحَرَكَةِ، كَسَفْرٍ - بِسُكُونِ الْفَاءِ - جَمْعُ مُسَافِرٍ، مِنْ سَفَرَ. وَأَمَّا التَّغْيِيرَانِ: فَسِتَّةُ أَنْوَاعٍ: الأَوَّلُ: زِيَادَةُ حَرْفٍ وَنُقْصَانُهُ. كَصَاهِلٍ - مِنْ الصَّهِيلِ -، زِيدَتْ الأَلِفُ وَنَقَصَ الْيَاءُ. الثَّانِي: زِيَادَةُ الْحَرَكَةِ وَالْحَرْفِ، كَضَارِبٍ - مِنْ الضَّرْبِ -. زِيدَتْ الأَلِفُ وَحُرِّكَتْ الرَّاءُ. الثَّالِثُ: نُقْصَانُ الْحَرَكَةِ وَالْحَرْفِ، كَغَلْيٍ3 - مِنْ الْغَلَيَانِ -. نَقْصُ الأَلِفِ وَالنُّونِ وَنَقَصَتْ فَتْحَةُ الْيَاءِ. الرَّابِعُ: زِيَادَةُ الْحَرَكَةِ وَنُقْصَانُهَا، نَحْوُ: حَذِرٍ4، اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْحَذَرِ - بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ - حُذِفَتْ فَتْحَةُ الذَّالِ وَزِيدَتْ كَسْرَتُهَا.

_ 1 في ش: كاذباً. 2 ساقطة من ز. 3 في ش: كمغلى. 4 في ع: حذار.

الْخَامِسُ: زِيَادَةُ الْحَرْفِ وَنُقْصَانُ الْحَرَكَةِ، كَعَادٍّ - بِتَشْدِيدِ الدَّالِ - اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْعَدَدِ1، زِيدَتْ الأَلِفُ وَنَقَصَتْ حَرَكَةُ الدَّالِ. السَّادِسُ: زِيَادَةُ حَرَكَةٍ وَنُقْصَانُ حَرْفٍ، كَرَجْعٍ مِنْ الرُّجْعَى. وَأَمَّا التَّغْيِيرَاتُ الثَّلاثَةُ: فَفِي أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ2: الأَوَّلُ: زِيَادَةُ الْحَرْفِ مَعَ زِيَادَةِ الْحَرَكَةِ وَنُقْصَانِهَا. كَمَوْعِدٍ - مِنْ الْوَعْدِ -. زِيدَتْ الْمِيمُ وَكُسِرَتْ الْعَيْنُ، وَنَقَصَ مِنْهُ فَتحة3 الْوَاوِ. الثَّانِي: زِيَادَةُ الْحَرَكَةِ مَعَ زِيَادَةِ الْحَرْفِ وَنُقْصَانِهِ، كَمُكْمِلٍ4 - اسْمُ فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ - مِنْ الْكَمَالِ، زِيدَتْ فِيهِ الْمِيمُ وَضَمَّتُهَا5، وَنَقَصَتْ الأَلِفُ. الثَّالِثُ: نُقْصَانُ حَرْفٍ مَعَ زِيَادَةِ حَرَكَةٍ وَنُقْصَانِهَا. كَقَنِطٍ - اسْمُ فَاعِلٍ - مِنْ الْقُنُوطِ. الرَّابِعُ: نُقْصَانُ الْحَرَكَةِ مَعَ زِيَادَةِ الْحَرْفِ وَنُقْصَانِه. كَكَالٍّ - بِتَشْدِيدِ اللاَّمِ - اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْكَلالِ، نَقَصَتْ حَرَكَةُ اللاَّمِ الأُولَى لِلإِدْغَامِ. وَنَقَصَتْ الأَلِفُ الَّتِي بَيْنَ اللاَّمَيْنِ وَزِيدَتْ الأَلِفُ قَبْلَ اللاَّمَيْنِ. وَأَمَّا التَّغْيِيرَاتُ الأَرْبَعَةُ فَفِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ: زِيَادَةُ الْحَرْفِ وَالْحَرَكَةِ مَعًا، وَنُقْصَانُهُمَا مَعًا، كَكَامِلٍ6، مِنْ الْكَمَالِ، وَمَثَّلُوهُ أَيْضًا بِـ "ارْمِ" - "أَمْرٌ - مِنْ الرَّمْيِ"7. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ 1 في ش: العد. 2 في ش: مواضع. 3 في ش: فتح. 4 في د ض: ككمل. 5 في ش ز: وضمها. 6 ساقطة من ض. 7 في ش: من الأرمى، ثم نصب.

ثُمَّ التَّغْيِيرُ تَارَةً 1 يَكُونُ ظَاهِرًا - كَمَا تَقَدَّمَ – وَتَارَةً 1 يَكُونُ مُقَدَّرًا، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَلَوْ" "أَيْ وَلَوْ"2 كَانَ التَّغْيِيرُ "تَقْدِيرًا" وَذَلِكَ: كَفُلْكٍ وَجُنُبٍ، - مُفْرَدًا وَجَمْعًا -، فَإِذَا أُرِيدَ الْجَمْعُ فِي الْفُلْكِ يُؤَنَّثُ، وَإِذَا أُرِيدَ الْوَاحِدُ3 يُذَكَّرُ. فَالْوَاحِدُ مِنْهُ، كَقَوْلِهِ4 تَعَالَى: {إذْ أَبَقَ إلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} 5، وَالْجَمْعُ كَقَوْلِهِ6 تَعَالَى: {حَتَّى إذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} 7. وَطَلَبَ طَلَبًا، وَهَرَبَ هَرَبًا وَجَلَبَ جَلْبًا وَنَحْوِهَا. فَالتَّغْيِيرُ حَاصِلٌ، وَلَكِنَّهُ مُقَدَّرٌ، فَإِنَّ سِيبَوَيْهِ قَدَّرَ زَوَالَ النُّونِ الَّتِي فِي "جُنُبٍ" حَالَ إطْلاقِهِ عَلَى الْمُفْرَدِ فِي قَوْلِكَ: "رَجُلٌ جُنُبٌ"، وَقَدَّرَ الإِتْيَانَ بِغَيْرِهَا حَالَ إطْلاقِهِ عَلَى الْجَمْعِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} 8، وَأَنَّ ضَمَّةَ النُّونِ فِي الْمُفْرَدِ غَيْرُ ضَمَّةِ النُّونِ الَّتِي فِي الْجَمْعِ تَقْدِيرًا. "وَ" اللَّفْظُ "الْمُشْتَقُّ فَرْعٌ وَافَقَ أَصْلاً" وَالأَصْلُ هُنَا "هُوَ اللَّفْظُ الْمُشْتَقُّ مِنْهُ الْفَرْعُ"، وَكَانَتْ الْمُوَافَقَةُ "بِحُرُوفِهِ الأُصُولِ وَمَعْنَاهُ". فَقَوْلُنَا "بِحُرُوفِهِ الأُصُولِ" لِتَخْرُجَ الْكَلِمَاتُ9 الَّتِي تُوَافِقُ أَصْلاً بِمَعْنَاهُ، دُونَ حُرُوفِهِ كَالْحَبْسِ وَالْمَنْعِ. وَقَوْلُنَا "وَمَعْنَاهُ" لِيُحْتَرَزَ بِهِ عَنْ مِثْلِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: الواحدة منه. 4 في ض ب ع ز: قوله. 5 الآية 140 من الصافات. 6 في ش ض ع ب: قوله. 7 الآية 22 من يونس. 8 الآية 6 من المائدة. 9 في ش: المكملات.

الذَّهَبِ، فَإِنَّهُ يُوَافِقُ أَصْلاً. - وَهُوَ الذَّهَابُ - فِي حُرُوفِهِ الأُصُولِ، وَلَكِنْ غَيْرُ مُوَافِقٍ لَهُ1 فِي مَعْنَاهُ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: "فَفِي" الاشْتِقَاقِ "الأَصْغَرِ، وَهُوَ الْمَحْدُودُ" يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُشْتَقِّ وَالْمُشْتَقِّ مِنْهُ "يَتَّفِقَانِ فِي الْحُرُوفِ2 وَالتَّرْتِيبِ، كَنَصَرَ مِنْ النَّصْرِ" وَهَذَا3 الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إطْلاقُ الاشْتِقَاقِ، مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ. "وَ" يُشْتَرَطُ "فِي" الاشْتِقَاقِ "الأَوْسَطِ" كَوْنُ الْمُشْتَقِّ وَالْمُشْتَقِّ مِنْهُ يَتَّفِقَانِ "فِي الْحُرُوفِ" دُونَ التَّرْتِيبِ، كَجَبَذَ مِنْ الْجَذْبِ، فَإِنَّ الْبَاءَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الذَّالِ فِي جَبَذَ، مُؤَخَّرَةٌ عَنْ الذَّالِ فِي الْجَذْبِ. "وَ" يَكْفِي "فِي" الاشْتِقَاقِ "الأَكْبَرِ" أَنْ يَتَّفِقَ الْمُشْتَقُّ وَالْمُشْتَقُّ مِنْهُ "فِي مَخْرَجِ حُرُوفِ4 الْحَلْقِ أَوْ الشَّفَةِ، كَنَعَقَ وَثَلَمَ مِنْ النَّهِيقِ وَالثَّلْبِ". فَصُورَةُ اتِّفَاقِهِمَا فِي مَخْرَجِ5 حُرُوفِ الْحَلْقِ. "نَعَقَ مِنْ النَّهِيقِ". فَإِنَّ الْهَاءَ وَالْعَيْنَ مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ، وَصُورَةُ اتِّفَاقِهِمَا فِي مَخْرَجِ "حُرُوفِ الشَّفَةِ"6 "ثَلَمَ مِنْ الثَّلْبِ"، فَإِنَّ الْمِيمَ وَالْبَاءَ مِنْ حُرُوفِ الشَّفَةِ7. وَالأَكْثَرُ لَمْ يُثْبِتُوا الاشْتِقَاقَ الأَكْبَرَ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ8: "وَلَمْ يَقُلْ

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: الحروف والتركيب. 3 في ش: وهو. 4 في ش: حرف. 5 في ش: المخرج. 6 ساقطة من ش. 7 انظر في أنواع الاشتقاق الثلاثة "العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 174، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 282، المزهر 1/ 346 وما بعدها، الخصائص 2/ 132 وما بعدها". 8 هو محمد بن يوسف بن علي بن حيّان الأندلسي، أثير الدين، أبو عبد الله. إمام النحو والتفسير والحديث، أشهر مصنفاته "البحر المحيط" في الفسير و "النهر المادّ من البحر" و "إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب" و "شرح التسهيل" و "الارتشاف" و "التذكرة" في اللغة. توفي سنة 745هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 9/ 279، بغية الوعاة 1/ 280، شذرات الذهب 6/ 145، درّة الحجال 2/ 122، البدر الطالع 2/ 288، الدرر الكامنة 5/ 70، طبقات المفسرين للداودي 2/ 286، فوات الوفيات 2/ 555".

بِهِ1 مِنْ النُّحَاةِ إلاَّ أَبُو الْفَتْحِ2". وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ. "وَيَطَّرِدُ" الاشْتِقَاقُ فِيمَا هُوَ "كَاسْمِ الْفَاعِلِ" كَضَارِبٍ "وَنَحْوِهِ" كَاسْمِ 3 الْمَفْعُولِ كَمَضْرُوبٍ 3. وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ، كَالْحَسَنِ الْوَجْهِ، وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ: كَأَكْبَرَ، وَاسْمِ الْمَكَانِ: كَمَلْعَبٍ4، وَاسْمِ الزَّمَانِ: كَالْمَوْسِمِ، وَاسْمِ الآلَةِ: كَالْمِيزَانِ. "وَقَدْ يَخْتَصُّ" فَلا يَطَّرِدُ "كَالْقَارُورَةِ" فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالزُّجَاجَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَأْخُوذَةً5 مِنْ الْقَرِّ فِي الشَّيْءِ، وَلَمْ يُطْرِدُوا ذَلِكَ إلَى كُلِّ6 مَا يُقَرُّ فِيهِ الشَّيْءُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ خَزَفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَكَالدَّبَرَانِ - مَنْزِلَةٌ لِلْقَمَرِ -، وَإِنْ 7 كَانَ مِنْ الدَّبُورِ 7، فَلا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مَوْصُوفٌ بِالدَّبُورِ، بَلْ يَخْتَصُّ بِمَجْمُوعِ خَمْسَةِ كَوَاكِبَ مِنْ الثَّوْرِ، وَهُوَ الْمَنْزِلُ الرَّابِعُ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ الْمُعَاقِبِ8 لِلثُّرَيَّا.

_ 1 في ز: به أحد. 2 هو عثمان بن جنَي الموصلي النحوي المتوفي سنة 392هـ. "انظر الخصائص 2/ 133 وما بعدها، المزهر 1/ 347". 3 في ش: مضروب كمفعول. وفي ض ب ز: مفعول كمضروب. 4 في ش: كمكعب. 5 ساقطة من ش. 6 ساقطة من ض. 7 في ش: كانت منزلة للديور. 8 في ز: المعاتب وفي ش: المقابل.

وَكَذَلِكَ الْعَيُّوقُ1 وَالسَّمَّاكُ2. قَالَهُ الْعَضُدُ3. وَكَأَنَّ عَدَمُ الاطِّرَادِ، لِكَوْنِ التَّسْمِيَةِ لا لِهَذَا الْمَعْنَى فَقَطْ، بَلْ لِمُصَاحَبَتِهِ4 لَهُ، وَفَرْقٌ بَيْنَ تَسْمِيَةِ الْعَيْنِ5 لِوُجُودِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِيهِ، - وَهُوَ الاطِّرَادِيُّ -، أَوْ لِوُجُودِهِ فِيهِ. وَهُوَ مَا لا يَطَّرِدُ6. "وَإِطْلاقُهُ" أَيْ: إطْلاقُ الْوَصْفِ الْمُشْتَقِّ عَلَى شَيْءٍ "قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ" أَيْ قَبْلَ قِيَامِ الْوَصْفِ "الْمُشْتَقِّ مِنْهَا" بِذَلِكَ الشَّيْءِ "مَجَازٌ" وَحُكِيَ إجْمَاعًا "إنْ أُرِيدَ الْفِعْلُ"7 كَقَوْلِنَا مَثَلاً: "زَيْدٌ بَائِعٌ"، قَبْلَ وُجُودِ الْبَيْعِ مِنْهُ. وَهُوَ "حَقِيقَةٌ إنْ أُرِيدَتْ8 الصِّفَةُ" الْمُشَبَّهَةُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ "كَسَيْفٍ قَطُوعٍ

_ 1 قال الجوهري: "العَيُّوق: نجم أحمر مضيء في طرف المجرة الأيمن، يتلو الثريا، لا يتقدمه". "الصحاح 4/ 1534". 2 قال الجوهري: "السِمَاك هو من منازل القمر". "الصحاح 4/ 1592". 3 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 1/ 175. "وانظر فواتح الرحموت 1/ 191، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 283". 4 في ع ض: لمصاحبة. وفي ز: بمصاحبته. 5 في د ع ض: المعنى. 6 هذه الفقرة في تعليل الاطُّراد وعدمه في الاشتقاق غير واضحة. وقد أوضحها البناني بقوله: "المشتق إن اعتبر في مسماه معنى المشتق منه على أن يكون داخلاً فيه، بحيث يكون المشتق اسماً لذات مبهمة انتسب إليها ذلك المعنى، فهو مطّرد لغة، كضارب ومضروب، وإن اعتبر فيه ذلك، لا على أنه داخل فيه، بل على أنه مصحح للتسمية، مرجع لتعيين الاسم من بين الأسماء بحيث يكون ذلك الاسم اسماً لذات مخصوصة يوجد فيها ذلك المعنى، فهو مختص لا يطّرد في غيرها مما وجد في ذلك المعنى، كالقارورة لا تطلق على غير الزجاجة المخصوصة مما هو مقرّ للمائع، وكالدَبَرَان لا يطلق على شيء مما فيه دبور غير الكواكب الخمس التي في الثور، وهي منزلة من منازل القمر". "حاشية البناني على شرح جمع الجوامع 1/ 183". 7 أي الفعل الذي يتحقق وجوده في المستقبل. "انظر المسودة ص570". 8 في ز: أريد.

وَنَحْوِهِ1"، كَخُبْزٍ مُشْبِعٍ، وَخَمْرٍ مُسْكِرٍ وَمَاءٍ مُرْوٍ2. "فَأَمَّا صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدِيمَةٌ وَحَقِيقَةٌ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ. وَأَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ3. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ حَجَرٍ4 فِي "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ": "اخْتَلَفُوا هَلْ صِفَةُ الْفِعْلِ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ؟ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، - مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ-: هِيَ قَدِيمَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ، - مِنْهُمْ ابْنُ كُلاَّبٍ وَالأَشْعَرِيُّ-: هِيَ حَادِثَةٌ، لِئَلاَّ [يَلْزَمَ أَنْ] 5 يَكُونَ الْمَخْلُوقُ قَدِيمًا. وَأَجَابَ الأَوَّلُونَ6: بِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي الأَزَلِ صِفَةُ الْخَلْقِ، وَلا مَخْلُوقَ. فَأَجَابَ الأَشْعَرِيُّ: بِأَنَّهُ لا يَكُونُ خَلْقٌ وَلا مَخْلُوقٌ، كَمَا لا يَكُونُ ضَارِبٌ وَلا مَضْرُوبٌ. فَأَلْزَمُوهُ بِحُدُوثِ صِفَاتِهِ، فَيَلْزَمُ حُلُولُ الْحَوَادِثِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. فَأَجَابَ: بِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لا تُحْدِثُ فِي الذَّاتِ شَيْئًا جَدِيدًا. فَتُعُقِّبَ7 بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لا يُسَمَّى فِي الأَزَلِ خَالِقًا وَلا رَازِقًا. وَكَلامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدِيمٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ أَنَّهُ الْخَالِقُ الرَّازِقُ.

_ 1 في ش: ونحوها. 2 انظر المسودة ص570، القواعد الأصولية ص127. 3 حكاه الشيخ تقي الدين بن تيمية في المسودة ص570 والبعلي في القواعد والفوائد الأصولية ص127. 4 هو أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني الشافعي، شهاب الدين، الحافظ الكبير، الإمام بمعرفة الحديث وعلله ورجاله، صاحب المصنفات القيّمة، أشهر كتبه "فتح الباري شرح البخاري" و "تهذيب التهذيب" و "لسان الميزان" و "الإصابة في تمييز الصحابة" و "الدرر الكامنة" و "التلخيص الحبير". توفي سنة 852هـ. "انظر ترجمته في البدر الطالع 1/ 87، شذرات الذهب 7/ 270، درّة الحجال 1/ 64". 5 زيادة من فتح الباري. 6 في ع ض ز: الأول. 7 في فتح الباري: فتعقبوه.

فَانْفَصَلَ بَعْضُ الأَشْعَرِيَّةِ بِأَنَّ إطْلاقَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ عَدَمَهَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ. وَلَمْ يَرْتَضِهِ بَعْضُهُمْ، بَلْ قَالَ - وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الأَشْعَرِيِّ نَفْسِهِ-: إنَّ الأَسَامِيَ جَارِيَةٌ مَجْرَى الأَعْلامِ، وَالْعَلَمُ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ وَلا مَجَازٍ فِي اللُّغَةِ، وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ: فَلَفْظُ الْخَالِقِ وَالرَّازِقِ صَادِقٌ عَلَيْهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْبَحْثُ إنَّمَا هُوَ فِيهَا، لا فِي الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ. فَأَلْزَمُوهُ1: بِتَجْوِيزِ إطْلاقِ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الْفِعْلُ فَأَجَابَ: بِأَنَّ الإِطْلاقَ هُنَا شَرْعِيٌّ لا لُغَوِيٌّ"2. انْتَهَى كَلامُ الْحَافِظِ. وَقَالَ: "تَصَرُّفُ الْبُخَارِيِّ3 فِي هَذَا الْمَوْضِعِ4 يَقْتَضِي 5 مُوَافَقَةَ الْقَوْلِ 5 الأَوَّلِ. وَالصَّائِرُ إلَيْهِ يَسْلَمُ6 مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَسْأَلَةِ حَوَادِثَ لا أَوَّلَ لَهَا"7.

_ 1 في ش: قالوا معه. 2 فتح الباري 13/ 341. 3 هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري، أبو عبد الله، الإمام الحافظ الشهير، صاحب "الجامع الصحيح" و "التاريخ" و "خلق أفعال العباد" و "الضعفاء" و "الأدب المفرد" وغيرها من المصنفات النافعة. توفي سنة 256هـ. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/ 67 وما بعدها، النهج الأحمد 1/ 133 وما بعدها، طبقات المفسرين للداودي 2/ 100 وما بعدها، طبقات الحنابلة 1/ 271 وما بعدها، وفيات الإعيان 3/ 329 وما بعدها، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 212 وما بعدها، شذرات الذهب 2/ 134 وما بعدها". 4 وذلك بإيراده باباً بعنوان "باب ماجاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق"، ثم قوله: "وهو فعل الرب تبارك وتعالى وأمره، فالرب بصفته وفعله وأمره، وهو الخالق المكوّن غير مخلوق، وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه، فهو مفعول ومخلوق ومكوّن" اهـ كلام البخاري "انظر صحيح البخاري من شرحه فتح الباري 13/ 340". 5 في ش: موافقته للقول. 6 في ش: لا يسلم. 7 فتح الباري 13/ 341.

وَنَفَتْ1 الْمُعْتَزِلَةُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ وَقَالُوا: إمَّا أَنْ تَكُونَ حَادِثَةً. فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْحَوَادِثِ بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً فَيَلْزَمُ تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ. وَهُوَ كُفْرٌ2. "وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّا لا نُسَلِّمُ تَغَايُرَ الذَّاتِ مَعَ الصِّفَاتِ، وَلا الصِّفَاتِ بَعْضِهَا مَعَ الْبَعْضِ، لِيَثْبُتَ التَّعَدُّدُ. فَإِنَّ الْغَيْرَيْنِ هُمَا اللَّذَانِ يُمْكِنُ انْفِكَاكُ أَحَدِهِمَا عَنْ الآخَرِ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ3، أَوْ بِوُجُودٍ4 وَعَدَمٍ، أَوْهَمَا ذَاتَانِ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى 5 وَتَفْسِيرُهُمَا بِالشَّيْئَيْنِ، أَوْ 5 الْمَوْجُودَيْنِ، أَوْ الاثْنَيْنِ فَاسِدٌ، لأَنَّ "الْغَيْرَ" مِنْ الأَسْمَاءِ الإِضَافِيَّةِ، وَلا إشْعَارَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ بِذَلِكَ". قَالَهُ فِي "شَرْحِ الْمَقَاصِدِ"6. "وَ" اللَّفْظُ "الْمُشْتَقُّ حَالَ وُجُودِ الصِّفَةِ" أَيْ قِيَامِهَا بِالْمَوْصُوفِ. كَقَوْلِنَا لِمَنْ يَضْرِبُ حَالَ وُجُودِ الضَّرْبِ مِنْهُ: ضَارِبٌ "حَقِيقَةً" إجْمَاعًا. "وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا" أَيْ انْقِضَاءِ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَهُوَ الْفَرَاغُ مِنْ الضَّرْبِ "مَجَازٌ" عِنْدَ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ، بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ. وَعِنْدَ ابْنِ حَمْدَانَ وَغَيْرِهِ وَحُكِيَ عَنْ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ7، - وَاخْتَارَهُ أَبُو الطَّيِّبِ8- أَنَّهُ حَقِيقَةٌ عَقِبَ الْفِعْلِ.

_ 1 في ش: ومنعت. 2 انظر شرح المقاصد 2/ 76. 3 في شرح المقاصد: بزمان. 4 في ش: وجود. 5 في ش: وتفسير أحدهما بالشيئين و. 6 شرح المقاصد 2/ 76. 7 في ش: الحنفيين. 8 هو طاهر بن عبد الله بن طاهر، أبو الطيب الطبري الشافعي، الإمام الجليل، الفقيه الأصولي القاضي. قال ابن السبكي: "شرح المزني وصنف في الخلاف والمذهب والأصول والجدل كتباً كثيرة ليس لأحد مثلها" توفي سنة 450 هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 5/ 12، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 247، شذرات الذهب 3/ 284، وفيات الأعيان 2/ 195، المنتظم 8/ 198، الفتح المبين 1/ 238".

وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَجَمْعٌ: إنْ لَمْ يُمْكِنْ بَقَاءُ الْمَعْنَى، كَالْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ، - كَالْكَلامِ وَالتَّحَرُّكِ وَنَحْوِهِمَا-، فَحَقِيقَةٌ، وَإِلاَّ فَمَجَازٌ، كَالْقِيَامِ وَنَحْوِهِ1. وَاحْتَجَّ لِمَا فِي الْمَتْنِ، بِأَنَّهُ2 يَصِحُّ نَفْيُهُ، فَيَصْدُقُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا: أَنَّهُ3 لَيْسَ بِضَارِبٍ فِي الْحَالِ4، وَالسَّلْبُ الْمُطْلَقُ جُزْءُ الْمُقَيَّدِ5. وَأَمَّا إطْلاقُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَحَقِيقَةٌ؛ لأَنَّ الإِيمَانَ لا يُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "وَهَذِهِ هِيَ مَسْأَلَةُ النُّبُوَّةِ6، وَلا تَزُولُ بِالْمَوْتِ. وَبِسَبَبِهَا جَرَتْ الْمِحْنَةُ عَلَى الأَشْعَرِيَّةِ فِي زَمَنِ مَلِكِ خُرَاسَانَ مَحْمُودِ7 بْنِ سُبُكْتِكِينَ8 [وَالْقَاضِي وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ

_ 1 انظر تفصيل الموضوع في "المسودة ص567 وما بعدها، القواعد والفوائد الأصولية ص127 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 286 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 1/ 176 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 193، الإحكام للآمدي 1/ 54 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص48 وما بعدها، التمهيد للأسنوي ص36". 2 في ش: وأنه. 3 في ش: أنه يصح. 4 فلو كان المشتق بعد انقضائها حقيقةً لما صحَّ نفيه، فلا بد أن يكون مجازاً. 5 في ش: جزء من. 6 في ش: البنويه. 7 في ش: محمد. 8 المكنى بأبي القاسم، الملقب بيمين الدولة وأمين الملة، صاحب المناقب الكثيرة والسيرة الحميدة. المتوفي سنة 421هـ. "انظر ترجمته في وفيات الإعيان 4/ 262، المنتظم 8/ 25، شذرات الذهب 3/ 220".

هَذَا] 1، حَتَّى صَنَّفَ الْبَيْهَقِيُّ2 "حَيَاةَ الأَنْبِيَاءِ فِي قُبُورِهِمْ"..3". وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلافِ ثَلاثُ مَسَائِلَ4: الأُولَى: لَوْ طَرَأَ عَلَى الْمَحَلِّ وَصْفٌ وُجُودِيٌّ يُنَاقِضُ الأَوَّلَ، كَتَسْمِيَةِ الْيَقْظَانِ نَائِمًا - بِاعْتِبَارِ5 نَوْمٍ سَابِقٍ-، فَمَجَازٌ إجْمَاعًا. الثَّانِيَةُ: لَوْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ خَارِجٍ مِنْ إطْلاقِهِ، فَلا حَقِيقَةَ وَلا مَجَازَ، كَإِطْلاقِ الْكَافِرِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بِاعْتِبَارِ كُفْرٍ سَابِقٍ، وَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَةِ الْمُسْلِمِ وَالإِخْلالِ بِتَعْظِيمِهِ. الثَّالِثَةُ6: قَالَ الْقَرَافِيُّ7: "مَحَلُّ الْخِلافِ: إذَا كَانَ الْمُشْتَقُّ مَحْكُومًا بِهِ كَزَيْدٍ مُشْرِكٌ8، أَوْ سَارِقٌ، أَمَّا إذَا 9 كَانَ تَعَلُّقُ 9 الْحُكْمِ، - وَهُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ - كَـ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} 10 {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ

_ 1 زيادة من المسودة. 2 هو أحمد بن الحسين بن علي النيسابوري، أبو بكر البيهقي الشافعي قال ابن السبكي عنه: "فقيه جليل، حافظ كبير، أصولي نحرير، زاهد ورع". أشهر مصنفاته "السنن الكبير" و "معرفة السنن والآثار" و "دلائل النبوة" و "الأسماء والصفات" و "الخلافيات". توفي سنة 458هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 4/ 8، المنتظم 8/ 242، وفيات الإعيان 1/ 57، شذرات الذهب 3/ 304". 3 المسودة ص568، 569. 4 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص128، المحلي على جمع الجوامع 1/ 289. 5 في ش: باعتباره. 6 ساقطة من ش. 7 في ش: القرافي في. 8 في ش: مشترك. 9 في ش: تعلق. 10 الآية 2 من النور.

فَاقْطَعُوا} 1 فَهُوَ2 حَقِيقَةٌ مُطْلَقَاً3 فِيمَنْ اتَّصَفَ4 بِهِ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالاسْتِقْبَالِ، إذَا لَوْ كَانَ مَجَازًا: لَكَانَ مَنْ زَنَى، أَوْ سَرَقَ بَعْدَ زَمَانِ نُزُولِ الآيَةِ "زَانِيًا مَجَازًا"5، وَالْخِطَابُ لا يَكُونُ مَجَازًا فَلا يَدْخُلُ فِيهَا؛ لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ6 الْمَجَازِ، وَلا قَائِلَ بِذَلِكَ7". "وَشَرْطُهُ" أَيْ: شَرْطُ الْمُشْتَقِّ، سَوَاءٌ كَانَ اسْمًا أَوْ فِعْلاً "صِدْقُ أَصْلِهِ" وَهُوَ الْمُشْتَقُّ مِنْهُ [عَلَيْهِ] خِلافًا لِلْجُبَّائِيَّةِ، لإِطْلاقِهِمْ الْعَالِمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْكَارِ حُصُولِ الْعِلْمِ لَهُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الأُصُولِيُّونَ لِيَرُدُّوا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا8 إلَى مَسْأَلَةٍ خَالَفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ. فَإِنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْجُبَّائِيَّ9 وَابْنَهُ أَبَا هَاشِمٍ10 ذَهَبُوا11 إلَى نَفْيِ الْعِلْمِ عَنْهُ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ الصِّفَاتُ الَّتِي أَثْبَتَهَا أَئِمَّةُ الإِسْلامِ.

_ 1 الآية 38 من المائدة. 2 في ش: فهم. وفي ض: هو. 3 في ش: مطلقة. 4 في ض: وصف. 5 ساقطة من ش ع ب ض. 6 في ش: عدم محو. 7 شرح تنقيح الفصول ص49، 50. 8 في ش: يردن. 9 هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي البصري، الفيلسوف المتكلم، رأس المعتزلة وشيخهم. أشهر مصنفاته "تفسير القرآن" و "متشابه القرآن" توفي سنة 303هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 2/ 189، وفيات الإعيان 3/ 398، شذرات الذهب 2/ 241، الفرق بين الفرق ص183، فرق وطبقات المعتزلة ص85". 10 هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي المتكلم، من رؤوس المعتزلة. ألف كتباً كثيرة منها "تفسير القرآن" و "الجامع الكبير" و "الإبواب الكبير" توفي سنة 321هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 301، فرق وطبقات المعتزلة ص100، الفرق بين الفرق ص184، وفيات الإعيان 2/ 355، شذرات الذهب 2/ 289، الفتح المبين 1/ 172، المنتظم 6/ 261". 11 في ش: ذهبا.

لَكِنْ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: تَحْرِيرُ النَّقْلِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ وَابْنِهِ - كَمَا صَرَّحَا بِهِ فِي كُتُبِهِمَا الأُصُولِيَّةِ- أَنَّهُمَا يَقُولانِ: إنَّ الْعَالَمِيَّةَ بِعِلْمٍ، لَكِنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَيْنُ ذَاتِهِ، لا أَنَّهُ عَالِمٌ بِدُونِ عِلْمٍ، كَمَا اُشْتُهِرَ فِي النَّقْلِ عَنْهُمَا وَكَذَا الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ. وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَيُعَلِّلُونَ الْعَالِمَ بِوُجُودِ عِلْمٍ قَدِيمٍ قَائِمٍ بِذَاتِهِ، وَكَذَا فِي الْبَاقِي1. "وَكُلُّ اسْمِ مَعْنًى قَائِمٌ بِمَحَلٍّ يَجِبُ أَنْ يُشْتَقَّ لِمَحَلِّهِ مِنْهُ" أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى "اسْمُ فَاعِلٍ"2. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أُصُولِ حُجَجِ السَّلَفِ وَالأَئِمَّةِ. فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ فِي فِطَرِ3 الْخَلْقِ: أَنَّ الصِّفَةَ إذَا قَامَتْ بِمَحَلٍّ اتَّصَفَ بِهَا ذَلِكَ الْمَحَلُّ لا غَيْرُهُ فَإِذَا قَامَ الْعِلْمُ بِمَحَلٍّ كَانَ هُوَ الْعَالِمُ بِهِ لا غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَامَتْ الْقُدْرَةُ أَوْ الْحَيَاةُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ، وَلا خِلافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ، فَسَمَّوْا اللَّهَ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا بِكَلامِ خَلْقِهِ فِي جِسْمٍ. وَلَمْ يُسَمُّوا ذَلِكَ الْجِسْمَ مُتَكَلِّمًا. دَلِيلُ أَهْلِ السُّنَّةِ: الاسْتِقْرَاءُ، فَإِنَّ لُغَةَ الْعَرَبَ اُسْتُقْرِئَتْ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا اسْمُ فَاعِلٍ مُطْلَقٌ عَلَى شَيْءٍ إلاَّ وَالْمَعْنَى الْمُشْتَقُّ مِنْهُ قَائِمٌ بِهِ، وَهُوَ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِذَلِكَ. "وَ" الْمُشْتَقُّ مِثْلُ "أَبْيَضَ وَنَحْوِهِ" كَأَسْوَدَ وَضَارِبٍ وَمَضْرُوبٍ "يَدُلُّ عَلَى

_ 1 انظر تفصيل الكلام على هذه المسألة في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 283 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 1/ 181 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 192، الإحكام للآمدي 1/ 54، شرح تنقيح الفصول ص48، العضد على ابن الحاجب 1/ 181 وما بعدها، فواح الرحموت 1/ 192، الإحكام للآمدي 1/ 45، شرح تنقيح الفصول ص48". 2 انظر شرح تنقيح الفصول ص48، العضد على ابن الحاجب وحواشيه 1/ 181، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 286، الإحكام للآمدي 1/ 54، فواتح الرحموت 1/ 193. 3 في ش: نظر.

ذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِبَيَاضٍ" أَوْ سَوَادٍ أَوْ وُجُودِ ضَرْبٍ "لا" عَلَى 1 خُصُوصِيَّتِهَا بِهِ 1 أَيْ لا عَلَى أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِذَلِكَ الْوَصْفِ2. ثُمَّ إنْ عُلِمَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الالْتِزَامِ، لا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ مُسَمَّاهُ. وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ قَوْلَنَا "إنَّ الأَبْيَضَ جِسْمٌ" مُسْتَقِيمٌ، وَلَوْ دَلَّ الأَسْوَدُ عَلَى خُصُوصِ الاسْمِ، لَكَانَ غَيْرَ مُسْتَقِيمٍ؛ لأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْنَاهُ: "الْجِسْمُ ذُو السَّوَادِ" جِسْمٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، لِلُّزُومِ التَّكْرَارِ بِلا فَائِدَةٍ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَرَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: "الْمُشْتَقُّ لا إشْعَارَ لَهُ بِخُصُوصِيَّةِ الذَّاتِ". فَالأَسْوَدُ - مَثَلاً- ذَاتٌ لَهَا سَوَادٌ، وَلا يَدُلُّ عَلَى حَيَوَانٍ، وَلا غَيْرِهِ. وَالْحَيَوَانُ: ذَاتٌ لَهَا حَيَاةٌ، لا خُصُوصُ إنْسَانٍ وَلا غَيْرِهِ. "وَالْخَلْقُ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ، وَهُوَ" أَيْ الْخَلْقُ "فِعْلُ الرَّبِّ تَعَالَى قَائِمٌ بِهِ، مُغَايِرٌ لِصِفَةِ الْقُدْرَةِ" وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَالْقَاضِي أَخِيرًا، وَأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَهْلِ الأَثَرِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: "الْخَلْقُ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَائِمُ بِهِ، وَالْمَخْلُوقَاتُ الْمُنْفَصِلَةُ عَنْهُ، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ3 عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَنَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا، فَقَالَ: قَالَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ: إنَّ خَلْقَ الرَّبِّ تَعَالَى لِلْعَالَمِ لَيْسَ هُوَ

_ 1 في ع: خصوصيته. 2 انظر تفصيل الكلام على هذه المسألة في "المحلي على جمع الجوامع 1/ 289 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 1/ 182 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 196 وما بعدها". 3 هو الحسين بن مسعود بن محمد البغوي الشافعي، أبو محمد، المعروف بالفَرَّاء، والملقب محيّي السنة. قال الداودي: "كان إماماً في التفسير، إماماً في الحديث، إماماً في الفقه، جليلاً ورعاً زاهداً". أشهر مصنفاته "معالم التنزيل في التفسير" و "شرح السنة" و "مصابيح السنة" و "التهذيب" في الفقه الشافعي. توفي سنة 516هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 157، وفيات الأعيان 1/ 403، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 75، شذرات الهذب 4/ 48".

الْمَخْلُوقُ، بَلْ فِعْلُهُ الْقَائِمُ بِهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. انْتَهَى. ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ "خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ"1، وَهُوَ قَوْلُ الْكَرَّامِيَّةِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ"2. وَعِنْدَ الْقَاضِي أَوَّلاً3 وَابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ4، وَالأَشْعَرِيَّةِ، وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ: أَنَّ الْخَلْقَ الْمَخْلُوقُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: "ذَهَبَ هَؤُلاءِ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ مِنْ أَفْعَالِهِ وَإِنَّمَا الْخَلْقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ، أَوْ مُجَرَّدُ نِسْبَةٍ، أَوْ إضَافَةٍ، وَعِنْدَ هَؤُلاءِ: حَالُ الذَّاتِ الَّتِي تَخْلُقُ وَتَرْزُقُ وَلا تَخْلُقُ وَلا تَرْزُقُ سَوَاءٌ5". انْتَهَى. وَالرَّبُّ لا يُوصَفُ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لَهُ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِمَا هُوَ قَائِمٌ بِهِ.

_ 1 خلق أفعال العباد ص74. 2 الرد على المنطقيين ص229 وما بعدها. 3 ساقطة من ش. 4 هو على بن عبيد الله بن نصر بن الزاغواني الحنبلي، أبو الحسن البغدادي، الفقيه الأصولي المحدث، النحوي اللغوي. أشهر مصنفاته "الإقناع" و "الواضح" و "الخلاف الكبير" و "المفردات" في الفقه و "غرر البيان" في أصول الفقه و "الإيضاح" في أصول الدين. توفي سنة 527هـ. "انظر ترجمته في المنهج الأحمد 2/ 238، ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 180، شذرات الذهب 4/ 80، المنتظم 10/ 32، الفتح المبين 2/ 23". 5 فتاوى ابن تيمية 12/ 436.

"فَائِدَةٌ" "تَثْبُتُ اللُّغَةُ قِيَاسًا فِيمَا" أَيْ فِي لَفْظٍ "وُضِعَ لِمَعْنًى دَارَ مَعَهُ" أَيْ مَعَ اللَّفْظِ "وُجُودًا وَعَدَمًا"، "كَخَمْرٍ لِنَبِيذٍ" لِتَخْمِيرِ الْعَقْلِ "وَنَحْوِهِ" كَسَارِقٍ لِنَبَّاشٍ، لأَخْذٍ1 خُفْيَةً، وَزَانٍ لِلاَّئِطِ، لِلْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، وَابْنُ سُرَيْجٍ2، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ، وَغَيْرُهُمْ. وَنَقَلَهُ الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ3 عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الشُّفْعَةِ: إنَّ الشَّرِيكَ جَارٌ قِيَاسًا عَلَى تَسْمِيَةِ امْرَأَةِ الرَّجُلِ جَارُهُ4. وَكَذَا قَالَ ابْنُ فُورَكٍ5: إنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ6 قَالَ: الشَّرِيكُ جَارٌ.

_ 1 في ش: يأخذ. 2 هو أحمد بن عمر بن سريج البغدادي القاضي، أبو العباس، الفقيه الأصولي المتكلم، شيخ الشافعية في عصره، صاحب المؤلفات الحسان. توفي سنة 306هـ. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/ 251، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 21، وفيات الأعيان 1/ 49، شذرات الذهب 2/ 247، المنتظم 6/ 149، الفتح المبين 1/ 165". 3 هو عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي، الاستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي، الفقيه الأصولي النحوي المتكلم. أشهر مصنفاته "تفسير القرآن" و "فضائح المعتزلة" و "الفرق بين الفرق" و "التحصيل" في أصول الفقه و "الملل والنحل". توفي سنة 429هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 5/ 136، إنباه الرواة 2/ 185، بغية الوعاة 2/ 105، وفيات الأعيان 2/ 372، فوات الوفيات 1/ 613، طبقات المفسرين للداودي 1/ 327". 4 اختلاف الحديث للشافعي "مطبوع مع الأم" 4/ 6. 5 هو محمد بن الحسن بن فُورك، أبو بكر الأنصاري الأصبهاني الشافعي، الفقيه الأصولي النحوي المتكلم، صاحب التصانيف النافعة. توفي سنة 406هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 4/ 127، إنباه الرواة 3/ 110، شذرات الذهب 3/ 181، وفيات الأعيان 3/ 402، طبقات المفسرين للداودي 2/ 129". 6 في ش: لأنه.

وَقِيلَ: لا تَثْبُتُ قِيَاسًا مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالصَّيْرَفِيُّ1، وَأَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ فِي "التَّقْرِيبِ". وَفَائِدَةُ الْخِلافِ: أَنَّ الْمُثْبِتَ لِلْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ يَسْتَغْنِي عَنْ2 الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ. فَيَكُونُ إيجَابُ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِ النَّبِيذِ، وَالْقَطْعِ عَلَى النَّبَّاشِ بِالنَّصِّ، وَمَنْ أَنْكَرَ الْقِيَاسَ فِي اللُّغَةِ جَعَلَ ثُبُوتَ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ3. "وَالإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِهِ" أَيْ: مَنْعِ الْقِيَاسِ "فِي عَلَمٍ وَلَقَبٍ وَصِفَةٍ. وَكَذَا مِثْلُ إنْسَانٍ وَرَجُلٍ4، وَرَفْعِ فَاعِلٍ" 5. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": "الإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِهِ فِي الأَعْلامِ وَالأَلْقَابِ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: ابْنُ عَقِيلٍ لِوَضْعِهِمَا لِغَيْرِ مَعْنًى جَامِعٍ وَالْقِيَاسُ فَرْعُهُ.

_ 1 هو محمد بن عبد الله البغدادي، أبو بكر الصيرفي الشافعي، الإمام الفقيه الأصولي، قال القفال: "كان أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي". أشهر مصنفاته "شرح الرسالة للشافعي" و "البيان في دلائل الأعلام على أصول الأحكام" في أصول الفقه وكتاب "الإجماع" و "الشروط". توفي سنة 330هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 3/ 186، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 193، شذرات الذهب 2/ 325، وفيات الأعيان 3/ 337، الفتح المبين 1/ 180". 2 ساقطة من ش. 3 انظر تفصيل الكلام على القياس في اللغة في "إرشاد الفحول ص16، اللمع ص6، المسودة ص173 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 57 وما بعدها، فوتح الرحموت 1/ 185، العضد على ابن الحاجب 1/ 183 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 271 وما بعدها". 4 فقد ثبت تعميمه بالنقل. "العضد على ابن الحاجب 1/ 183". 5 قال الشريف الجرجاني: "إذ حصل لنا باستقراء جزئيات الفاعل مثلاً قاعدة كليّة، وهي أن كل فاعل مرفوع، لا شك فيها، فإذا رفعنا فاعلاً لم يُسمع رفعُهُ منهم، لم يكن قياساً لاندراجه تحتها". "انظر حاشية الجرجاني على شرح العضد 1/ 183، البناني على شرح جمع الجوامع 1/ 273".

وَمِثْلُ1 هَذَا "سِيبَوَيْهِ زَمَانِهِ"، مَجَازٌ عَنْ حَافِظِ كِتَابِهِ2. وَالإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِهِ فِي الصِّفَاتِ، لأَنَّ الْعَالِمَ مَنْ قَامَ بِهِ الْعِلْمُ فَيَجِبُ طَرْدُهُ، فَإِطْلاقُهُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ3، وَكَذَا مِثْلُ: إنْسَانٍ وَرَجُلٍ وَرَفْعِ الْفَاعِلِ4، فَلا وَجْهَ لِجَعْلِهِ دَلِيلاً". انْتَهَى.

_ 1 في ش ز ب: ومثله. 2 وليس من باب القياس في التسمية. "الإحكام للآمدي 1/ 57". 3 أي إنْ أسماء الصفات الموضوعة للفرق بين الصفات، كالعالم والقادر، فإنّها واجبة الاطّراد، نَظَراً إلى تحقيق معنى الاسم، فإنَّ مسمى العالِم مَنْ قامَ به العلم، وهو متحقق في حق كل من قام به العلم، فكان إطلاق اسم العالم عليه ثابتاً بالوضع لا بالقياس، إذ ليس قياس أحد المسميين المتماثلين في المسمى على الآخر بأولى من العكس. "الإحكام للآمدي 1/ 57". 4 ساقطة من ش.

فصل في بيان معنى الحروف

فصل في بيان معنى الحروف ... "الْحُرُوفُ" أَيْ هَذَا فَصْلُ بَيَانِ مَعْنَى الْحُرُوفِ. قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: "قَدْ قَالَ النُّحَاةُ: إنَّ الْحَرْفَ لا يَسْتَقِلُّ بِالْمَعْنَى1. وَعَلَيْهِ إشْكَالٌ. فَتَقَرَّرَ الْمُرَادُ أَوَّلاً، وَالإِشَارَةُ إلَى الإِشْكَالِ ثَانِيًا، وَحَلُّهُ ثَالِثًا. أَمَّا تَقْرِيرُهُ: فَهُوَ أَنَّ نَحْوَ "مِنْ" وَ "إلَى" مَشْرُوطٌ فِي وَضْعِهَا دَالَّةٌ2 عَلَى مَعْنَاهَا الإِفْرَادِيِّ، وَهُوَ الابْتِدَاءُ وَالانْتِهَاءُ. وَذِكْرُ مُتَعَلَّقِهَا مِنْ دَارٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، مِمَّا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْحَرْفُ، وَمِنْهُ الابْتِدَاءُ، وَإِلَيْهِ الانْتِهَاءُ. وَالاسْمُ نَحْوُ "الابْتِدَاءِ" وَ "الانْتِهَاءِ"، وَالْفِعْلُ نَحْوُ "ابْتَدَأَ" وَ "انْتَهَى" غَيْرُ مَشْرُوطٍ فِيهِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الإِشْكَالُ: فَهُوَ أَنَّ نَحْوَ: ذُو، وَأُولُو3، وأُولاتُ4، وَقَيْدٌ، وَقَيْسٌ5، وَقَابَ، وَأَيْ، وَبَعْضُ، وَكُلُّ، وَفَوْقَ، وَتَحْتَ، وَأَمَامَ، وَقُدَّامَ، وَخَلْفَ، وَوَرَاءَ ... مِمَّا لا يُحْصَى كَذَلِكَ، إذْ لَمْ يُجَوِّزْ الْوَاضِعُ اسْتِعْمَالَهَا إلاَّ بِمُتَعَلِّقَاتِهَا. فَكَانَ يَجِبُ كَوْنُهَا حُرُوفًا. وَإِنَّهَا أَسْمَاءٌ. وَأَمَّا الْحَلُّ: فَهُوَ أَنَّهَا - وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ اسْتِعْمَالُهَا إلاَّ كَذَلِكَ، لأَمْرٍ مَا عَرَضَ-. فَغَيْرُ6 مَشْرُوطٍ فِي وَضْعِهَا [دَالَّةٌ] 7 ذَلِكَ لِمَا عُلِمَ أَنَّ "ذُو" بِمَعْنَى

_ 1 في شرح العضد: بالمفهومية. 2 في ش: الدلالة. 3 في ش: والواو. 4 في ش ض ب: ولات. 5 في ش ض ب: أو قيس. 6 في ش: فهو غير. 7 زيادة من شرح العضد.

صَاحِبٍ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الإِفْرَادِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ وَضْعَهُ لَهُ لِغَرَضٍ مَا، وَهُوَ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى الْوَصْفِ بِأَسْمَاءِ الأَجْنَاسِ، فِي نَحْوِ: زَيْدٌ ذُو مَالٍ، وَذُو فَرَسٍ، فَوَضْعُهُ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى ذَلِكَ هُوَ الَّذِي اقْتَضَى ذِكْرَ الْمُضَافِ إلَيْهِ. لا أَنَّهُ1 لَوْ ذُكِرَ دُونَهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى مَعْنَاهُ نَعَمْ لَمْ يَحْصُلْ الْغَرَضُ مِنْ وَضْعِهِ! وَالْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ فَهْمِ الْمَعْنَى، وَبَيْنَ عَدَمِ فَائِدَةِ2 الْوَضْعِ مَعَ فَهْمِ الْمَعْنَى ظَاهِرٌ. وَكَذَلِكَ "فَوْقَ" وُضِعَ لِمَكَانٍ لَهُ عُلُوٌّ. وَيُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الانْفِرَادِ3 ذَلِكَ، وَلَكِنَّ وَضْعَهُ لَهُ لِيُتَوَصَّلَ [بِهِ] 4 إلَى عُلْوٍ خَاصٍّ، اقْتَضَى ذِكْرَ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ بَاقِي5 الأَلْفَاظِ"6. "وَإِذْ قَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فَنَقُولُ: الْحَرْفُ مَا7 وُضِعَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى عَامٍّ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ النِّسْبَةِ كَالابْتِدَاءِ8 وَالانْتِهَاءِ، لِكُلِّ ابْتِدَاءٍ أَوْ انْتِهَاءٍ مُعَيَّنٍ بِخُصُوصِهِ. وَالنِّسْبَةُ لا تَتَعَيَّنُ إلاَّ بِالْمَنْسُوبِ إلَيْهِ. فَالابْتِدَاءُ الَّذِي لِلْبَصْرَةِ يَتَعَيَّنُ9 بِالْبَصْرَةِ. وَالانْتِهَاءُ الَّذِي لِلْكُوفَةِ يَتَعَيَّنُ10 بِالْكُوفَةِ، فَمَا11 لَمْ يُذْكَرْ

_ 1 كذا في شرح العضد، وفي الأصول الخطيّة كلها: لأنه. 2 في ش: فائدة المعنى. 3 في شرح العضد: الإفراد. 4 زيادة من شرح العضد. 5 في شرح العضد: بواقي. 6 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 1/ 186. 7 ساقطة من شرح العضد. 8 كذا في شرح العضد. وفي ش: الانتهاء. وفي د ز ع ض ب: للابتداء. 9 في ش ب ض: متعين. 10 في ش ب ض: متعين. 11 في ش: فلما.

مُتَعَلَّقُهُ، لا يَتَحَصَّلُ فَرْدٌ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ الَّذِي1 هُوَ مَدْلُولُ الْحَرْفِ، لا فِي الْعَقْلِ وَلا فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا يَتَحَصَّلُ بِالْمَنْسُوبِ إلَيْهِ، فَيَتَعَقَّلُ بِتَعَقُّلِهِ2، بِخِلافِ مَا وُضِعَ لِلنَّوْعِ بِعَيْنِهِ3 كَالابْتِدَاءِ وَالانْتِهَاءِ. [وَ] 4 بِخِلافِ مَا وُضِعَ لِذَاتٍ مَا بِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ. نَحْوُ "ذُو" وَ "فَوْقَ" وَ "عَلَى"، وَ "عَنْ"، وَ "الْكَافِ" إذَا أُرِيدَ بِهَا5 عُلُوٌّ وَتَجَاوُزٌ وَشَبَهٌ6 مُطْلَقًا. فَهُوَ كَالابْتِدَاءِ [وَالانْتِهَاءِ] 7 ... 8". اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْحُرُوفِ هُنَا: "مَا يَحْتَاجُ الْفَقِيهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ مَعَانِي الأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ"، لا الْحَرْفِ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ الاسْمِ وَالْفِعْلِ، لأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ مَعَهَا أَسْمَاءٌ. كَـ "إِذَا" وَ "إِذْ"، وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا لَفْظُ الْحُرُوفِ تَغْلِيبًا بِاعْتِبَارِ الأَكْثَرِ.

_ 1 ساقطة من شرح العضد. 2 في د: متعلقه. 3 في شرح العضد: نفسه. 4 زيادة من شرح العضد. 5 في شرح العضد: به. 6 في ش: ونسبة. وفي ع: وتشبيه. 7 زيادة من شرح العضد. 8 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 1/ 189.

"الْوَاوُ" "الْوَاوُ الْعَاطِفَةُ" تَكُونُ "لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ" أَيْ: الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ التَّرْتِيبِ وَالْمَعِيَّةِ. عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَأَكْثَرِ النُّحَاةِ1. وَهِيَ تَارَةً تَعْطِفُ الشَّيْءَ عَلَى صَاحِبِهِ2، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} 3 وَعَلَى سَابِقِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} 4 وَعَلَى5 لاحِقِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {6 كَذَلِكَ يُوحِي 6 إلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِك} 7. فَعَلَى هَذَا إذَا قِيلَ "قَامَ8 زَيْدٌ وَعَمْرٌو" احْتَمَلَ ثَلاثَةَ9 مَعَانٍ:

_ 1 انظر تفصيل الكلام على معاني "الواو" في "الجنى الداني ص158-174، مغني اللبيب 1/ 391-408، البرهان 4/ 435 وما بعدها، الإتقان 2/ 255 وما بعدها، الصاحبي ص117 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص99 وما بعدها، المفصل ص304، معترك الإقران 3/ 446 وما بعدها، القواعد والفوائد الأصولية ص130-137، التمهيد للأسنوي ص54 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 63 وما بعدها، المعتمد للبصري 1/ 38 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 1/ 189 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 365، فواتح الرحموت 1/ 229، كشف الأسرار 2/ 109-127، رصف المباني ص410-428، الأزهيّة ص240-249، المسودة ص355". 2 في ش: صاحبه. 3 الآية 15 من العنكبوت. 4 الآية 26 من الحديد. 5 في ش: والى. 6 في ش: ولقد أرسلنا. 7 الآية 3 من الشورى. 8 ساقطة من ش. 9 في ش: ثلاث.

الْمَعِيَّةَ – 1 عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَأَكْثَرِ النُّحَاةِ 1 - وَالتَّرْتِيبَ، وَعَدَمَهُ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: "وَكَوْنُهَا لِلْمَعِيَّةِ رَاجِحٌ، وَلِلتَّرْتِيبِ كَثِيرٌ، وَلِعَكْسِهِ قَلِيلٌ"2. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مُتَعَاطِفَيْهَا تَفَاوُتٌ أَوْ تَرَاخٍ نَحْوَ {إنَّا رَادُّوهُ إلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ} 3. وَالتَّعْبِيرُ بِكَوْنِهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، - كَمَا فِي الْمَتْنِ-: هُوَ الصَّحِيحُ. وَأَمَّا مَنْ عَبَّرَ بِكَوْنِهَا لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ4، فَلَيْسَ بِوَافٍ بِالْمُرَادِ؛ لأَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِشَيْءٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُنَا مَثَلاً: "قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو" فَلا يَدْخُلُ فِيهِ الْقَيْدُ بِالْمَعِيَّةِ، وَلا بِالتَّقْدِيمِ، وَلا بِالتَّأْخِيرِ لِخُرُوجِهَا بِالتَّقْيِيدِ عَنْ الإِطْلاقِ. وَأَمَّا مُطْلَقُ الْجَمْعِ: فَمَعْنَاهُ: أَيُّ جَمْعٍ كَانَ. فَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ فِيهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا. وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ: مُطْلَقُ الأَمْرِ، وَالأَمْرُ الْمُطْلَقُ، فَإِذَا قُلْت "الأَمْرُ الْمُطْلَقُ" فَقَدْ أَدْخَلْت اللاَّمَ عَلَى الأَمْرِ، وَهِيَ تُفِيدُ الْعُمُومَ وَالشُّمُولَ، ثُمَّ وَصَفْته بَعْدَ ذَلِكَ بِالإِطْلاقِ5، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُقَيَّدْ بِقَيْدٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ مِنْ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. فَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ الأَفْرَادِ الَّتِي هَذَا شَأْنُهَا. وَأَمَّا مُطْلَقُ الأَمْرِ: فَالإِضَافَةُ فِيهِ لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ، بَلْ لِلتَّمْيِيزِ. فَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مُطْلَقٍ لا عَامٌّ، فَيَصْدُقُ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ.

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ص174. 3 الآية 7 من القصص. 4 كالمرادي في الجنى الداني ص158 والزمخشري في المفصل ص204 والآمدي في الإحكام 1/ 63 وابن الحاجب في مختصره 1/ 189. 5 في ض: باطلاق.

وَعَلَى هَذَا: فَمُطْلَقُ الْبَيْعِ يَنْقَسِمُ إلَى جَائِزٍ وَغَيْرِهِ. وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ لِلْجَائِزِ فَقَطْ، وَالأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْوُجُوبِ، وَمُطْلَقُ الأَمْرِ يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ، وَالْمَاءُ الْمُطْلَقُ طَهُورٌ، وَمُطْلَقُ الْمَاءِ يَنْقَسِمُ إلَى طَهُورٍ وَغَيْرِهِ. وَالْمِلْكُ الْمُطْلَقُ هُوَ الَّذِي يَثْبُتُ لِلْحُرِّ، وَمُطْلَقُ الْمِلْكِ يَثْبُتُ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ. فَإِذَا قِيلَ: الْعَبْدُ هَلْ يَمْلِكُ أَوْ لا؟ كَانَ الصَّوَابُ إثْبَاتَ مُطْلَقِ الْمِلْكِ لَهُ دُونَ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ. وَإِذَا قِيلَ: الْفَاسِقُ مُؤْمِنٌ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ؟ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَزُولُ الإِشْكَالُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْدُوبِ. هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ أَمْ لا؟ وَفِي مَسْأَلَةِ الْفَاسِقِ: الْمُسْلِمِ1 هَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ أَمْ لا؟ "وَتَأْتِي" الْوَاوُ "بِمَعْنَى مَعَ" كَقَوْلِهِمْ: "جَاءَ الْبَرْدُ وَالطَّيَالِسَةَ"، وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَفْعُولِ مَعَهُ2. "وَ" تَأْتِي بِمَعْنَى "أَوْ" كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 3 وَقَوْلِهِ: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 4. "وَ" تَأْتِي بِمَعْنَى "رُبَّ" كَقَوْلِهِ5: وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ

_ 1 ساقطة من ش. 2 كـ "سِرْتُ واللَّيْلَ" وتسمى واو المفعول معه، ويكون ما بعدها منصوباً. "انظر مغني اللبيب 1/ 398، الإحكام للآمدي 1/ 63، معترك الأقران 3/ 446". 3 الآية 3 من النساء. 4 الآية الأولى من فاطر. وهي بكاملها ساقطة من ع. 5 هذا صدر بيت من أرجوزة لعامر بن الحارث المعروف بـ "جرات العود" نسبة إليه البغدادي في خزانة الأدب "4/ 197" والعيني في شرح شواهد شروح الألفية "3/ 107" وعجزه: إلاّ اليعافيرُ وإلاّ العيسُ

وَقَوْلِ الآخَرِ: وَنَارٍ لَوْ نَفَخَتْ بِهَا أَضَاءَتْ ... وَلَكِنْ أَنْتَ تَنْفُخُ فِي رَمَادِ "وَ" تَأْتِي الْوَاوُ "لِقَسَمٍ" كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إذَا يَسْرِ} 1. "وَ" تَأْتِي "لاسْتِئْنَافٍ" وَهُوَ كَثِيرٌ2. "وَ" تَأْتِي لِ "حَالٍ" أَيْ: بِمَعْنَى الْحَالِ. نَحْوُ "جَاءَ زَيْدٌ3 وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ"، "جَاءَ زَيْدٌ وَهُوَ يَضْحَكُ".

_ 1 الآية 1-4 من الفجر. 2 وذلك كقوله تعالى: {ثُمَّ قَضَى أَجَلاً، وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ} [الأنعام 2] وقوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً، وَيَقُولُ الْأِنْسَانُ} [مريم 65-66] . "انظر الجنى الداني ص163، مغني اللبيب 2/ 397، البرهان 4/ 437، الإتقان 2/ 257، معترك الإقران 3/ 447". 3 ساقطة من ش.

"الْفَاءُ" "الْفَاءُ الْعَاطِفَةُ"1 تَكُونُ "لِتَرْتِيبٍ" وَهُوَ قِسْمَانِ: - مَعْنَوِيٌّ كَـ "قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو". - وَذِكْرِيٌّ: وَهُوَ عَطْفُ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ هُوَ هُوَ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} 2 {فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} 3 {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} 4 {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} 5 {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} 6 وَتَقُولُ: "تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ". وَتَقُول: "قَالَ فَأَحْسَنَ"، "وَخَطَبَ فَأَوْجَزَ"، "وَأَعْطَى فَأَجْزَلَ". "وَ" تَأْتِي الْفَاءُ أَيْضًا لِـ "تَعْقِيبٍ" وَهُوَ كَوْنُ الثَّانِي بَعْدَ الأَوَّلِ بِغَيْرِ7 مُهْلَةٍ. فَكَأَنَّ الثَّانِيَ أَخَذَ بِعَقِبِ الأَوَّلِ فِي الْجُمْلَةِ "كُلٌّ بِحَسَبِهِ عُرْفًا" يَعْنِي أَنَّ التَّعْقِيبَ يَكُونُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ. تَقُولُ: "تَزَوَّجَ فُلانٌ فَوُلِدَ لَهُ"

_ 1 انظر تفصيل الكلام على معاني الفاء في "مغني اللبيب 1/ 173-182، الجنى الداني ص61-78، البرهان 4/ 294-301، الإتقان 2/ 209 وما بعدها، الصاحبي ص109 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص101، الإحكام للآمدي 1/ 68، التمهيد للآسنوي ص56، القواعد والفوائد الأصولية ص137، المفصل ص304، المعتمد 1/ 39، كشف الأسرار للبخاري 2/ 127 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 234، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 348، الأزهيّة ص250-257، رصف المباني ص376-387". 2 الآية 36 من البقرة. 3 الآية 54 من البقرة. 4 الآية 136 من الأعراف. 5 الآية 153 من النساء. 6 الآية 45 من هود. 7 في ز: بلا.

إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلاَّ مُدَّةُ الْحَمْلِ وَإِنْ طَالَتْ. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ هِشَامٍ1 فِي "مُغْنِي اللَّبِيبِ"2. وَنَقَلَ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ. الإِجْمَاعَ: أَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ، لَكِنْ قَالَ الْفَرَّاءُ: إنَّهَا لا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، بَلْ تُسْتَعْمَلُ فِي انْتِفَائِهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا} 3 4 مَعَ أَنَّ مَجِيءَ الْبَأْسِ مُقَدَّمٌ عَلَى الإِهْلاكِ5. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ، أَوْ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: "أَرَدْنَا إهْلاكَهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا" 4. وَمِثْلُهُ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ} 6. "وَتَأْتِي" الْفَاءُ أَيْضًا "سَبَبِيَّةٌ" وَهُوَ كَثِيرٌ 7 فِي عَطْفِ الْجُمَلِ 7، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} 8 {فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} 9، وَكَذَا فِي عَطْفِ الصِّفَاتِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ} 10.

_ 1 هو عبد الله بن يوسف بن هشام, جمال الدين, ابو محمد, علاّمة النحو وإمام العربية, قال ابن خلدون: "مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه قد ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه". أشهر كتبه "مغني اللبيب" و "شذور الذهب" و "قطر الندى" و "التذكرة" توفي سنة 761 هـ "انظر ترجمته في البدر الطالع 1/400, الدرر الكامنة 2/ 415, بغية الوعاة 2/ 68, شذرات الذهب 6/ 191". 2 مغني اللبيب 1/ 174. 3 الآية 4 من الأعراف. 4 ساقطة من ز. 5معاني القرآن للفراء 1/ 371. 6 الآية 98 من النحل. 7 ساقطة من ش. 8 الآيه 15 من القصص. 9 الآية 37 من البقرة. 10 الآيات 52- 54 من الواقعة.

"وَ" تَأْتِي أَيْضًا "رَابِطَةً" لِلْجَوَابِ. وَذَلِكَ فِي سِتِّ مَسَائِلَ: الأُولَى1: أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ يَمْسَسْك بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 2 وَقَوْلِهِ: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُك وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 3. الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ فِعْلِيَّةً، وَهِيَ الَّتِي فِعْلُهَا جَامِدٌ نَحْوُ: {إنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْك مَالاً وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} 4 {إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} 5 {وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} 6 {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} 7. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا إنْشَاءً نَحْوُ: {إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} 8 {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} 9 {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} 10 فِيهِ أَمْرَانِ: الاسْمِيَّةُ، وَالإِنْشَاءُ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا مَاضِيًا لَفْظًا وَمَعْنًى. إمَّا حَقِيقَةً نَحْوَ: {إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} 11، {إنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ

_ 1 ساقطة من ش. 2 الآية 17 من الأنعام. 3 الآية 118 من المائدة. 4 الآيتان 39-40 من الكهف. 5 الآية 271 من البقرة. 6 الآية 38 من النساء. 7 الآية 28 من آل عمران. 8 الآية 31 من آل عمران. 9 الآية 150 من الآنعام. 10 الآية 30 من الملك. 11 الآية 77 من يوسف.

وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ} 1، وَإِمَّا مَجَازًا نَحْوَ: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} 2، نَزَلَ هَذَا الْفِعْلُ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ مَنْزِلَةَ مَا قَدْ وَقَعَ. الْخَامِسَةُ: أَنْ تَقْتَرِنَ بِحَرْفِ اسْتِقْبَالٍ نَحْوُ: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دَيْنِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} 3 {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} 4. السَّادِسَةُ: أَنْ تَقْتَرِنَ بِحَرْفٍ لَهُ الصَّدْرُ، كَقَوْلِهِ: فَإِنْ أَهْلَكْ فَذِي لَهَبٍ لَظَاهُ ... عَلَيَّ يَكَادُ يَلْتَهِبُ الْتِهَابَا5 لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ "رُبَّ" مُقَدَّرَةٌ وَأَنَّ لَهَا الصَّدْرَ. وَأَمَّا إتْيَانُهَا زَائِدَةً فَاخْتَلَفُوا فِيهِ6: فَذَهَبَ سِيبَوَيْهِ وَمَنْ تَبِعَهُ7 أَنَّهَا لا تَكُونُ زَائِدَةً. وَأَجَازَهُ الأَخْفَشُ8 فِي الْخَبَرِ مُطْلَقًا. وَحُكِيَ: "أَخُوك فَوَجَدَ".

_ 1 الآية 26 من يوسف. 2 الآية 90 من النمل. 3 الآية 54 من المائدة. 4 الآية 115 من آل عمران. 5 البيت لربيعة بن مقروم الضبّيِ، نسبه له البغدادي في خزانة الأدب "4/ 201" وشرح شواهد مغني اللبيب "4/ 35" بلفظ: فإن أهلك فذي حَنَقِ لظاه عليّ تكاد تلتهب التهاباً وفي مغني اللبيب "1/ 176": "فذي لهب". وهذا البيت للشاعر في قصيدة يسلي بها عن نفسه بعد قضاء مأربه وإدراك ثأره، يقول فيه: إنْ متُّ فرب رجل ذي غيظ وغضب، تكاد نار عداوته تتوقد توقداً لما لقى مني وما فعلت به ... 6 ساقطة من ز ض ب ع. 7 في ش: تبعه إلى. 8 هو سعيد بن مسعدة المجاشعي البلخي النحوي، أبو الحسن الأخفش الأوسط، أخذ النحو عن سيبويه، وصحب الخليل، وكان معلماً لولد الكسائي. وقد سمي بالأخفش أحد عشر نحوياً ذكرهم السيوطي في "المزهر" ثم قال: "حيث أطلق في كتب النحو الأخفش، فهو الأوسط"، أشهر كتبه "تفسير معاني القرآن" و "المقاييس في النحو" و "الاشتقاق" وغيرها توفي سنة 210هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 185، المزهر 2/ 405، 453، 456، بغية الوعاة 1/ 590، إنباه الرواة 2/ 36، طبقات النحويين للزبيدي ص72، وفيات الإعيان 2/ 122، شذرات الذهب 2/ 36، معجم الإدباء 11/ 224".

"ثُمَّ" "ثُمَّ" حَرْفُ عَطْفٍ1 تَكُونُ "لِتَشْرِيكٍ" فِي الأَصَحِّ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي الْحُكْمِ "وَ" تَكُونُ أَيْضًا لِـ "تَرْتِيبٍ بِمُهْلَةٍ" أَيْ بِتَرَاخٍ عِنْدَ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، لَكِنَّهُ فِي الْمُفْرَدَاتِ مَعْنَوِيٌّ وَفِي الْجُمَلِ2 "ذِكْرِيٌّ"3 نَحْوُ: إنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ... ثُمَّ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهُ4 فَهُوَ تَرْتِيبٌ فِي الإِخْبَارِ لا فِي الْمَوْجُودِ5.

_ 1انظر معاني "ثُمَّ" في "الجنى الداني ص426-432، رصف المباني ص173 وما بعدها، الإتفاق 2/ 189، مغني اللبيب 1/ 124-127، البرهان 4/ 266-270، الإحكام للآمدي 1/ 69، شرح تنقيح الفصول ص101، الصاحبي ص148، القواعد والفوائد الأصولية ص138 وما بعدها، التمهيد للأسنوي ص57، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 344 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 234 وما بعدها، كشف الإسرار 2/ 131 وما بعدها، معترك الأقران 2/ 52، الإشارة إلى الإيجاز ص35، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص40 وما بعدها، المفصل ص304، المسودة ص356". 2 في ض: الجملة. 3 في ش: ذاتي. 4 البيت لأبي نواس الحسن بن هانىء، نسبه له البغدادي في خزانة الأدب "4/ 412" شرح أبيات مغني اللبيب "3/ 40"، وهو مروي في ديوانه "ص493" في قصيدة يمدح بها العباس بن عبيد الله بن أبي جعفر، ولفظه في الخزانة وشرح أبيات المغني والديوان: قُلْ لمن سادَ ثُمَّ سادَ أبوهُ ... قَبْلَهُ، ثُمَّ قبلَ ذلكَ جَدُّه 5 في ش: الموجود.

"حتّى" "حَتَّى، الْعَاطِفَةُ لِلْغَايَةِ"1 نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 2، فَلا يَكُونُ الْمَعْطُوفُ بِهَا إلاَّ غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا - مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ3- نَحْوُ: "مَاتَ النَّاسُ حَتَّى الأَنْبِيَاءُ" وَ "قَدِمَ الْحُجَّاجُ4 حَتَّى الْمُشَاةُ". "وَلا تَرْتِيبَ فِيهَا" فَهِيَ كَالْوَاوِ، فَإِنَّك تَقُولُ: "حَفِظْت الْقُرْآنَ حَتَّى سُورَةَ الْبَقَرَةِ"، وَإِنْ كَانَتْ أَوَّلَ مَا حَفِظْت أَوْ مُتَوَسِّطًا وَقِيلَ: هِيَ كَالْفَاءِ. وَقِيلَ: كَـ "ثُمَّ". "وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ مَعْطُوفِهَا جُزْءًا مِنْ مَتْبُوعِهِ" نَحْوَ "قَدِمَ الْحُجَّاجُ5 حَتَّى الْمُشَاةُ6" "أَوْ كَجُزْئِهِ" نَحْوَ "أَعْجَبَتْنِي7 الْجَارِيَةُ حَتَّى حَدِيثُهَا". فَإِنَّ حَدِيثَهَا لَيْسَ بَعْضًا مِنْهَا، وَلَكِنَّهُ كَالْبَعْضِ، لأَنَّهُ مَعْنًى، مِنْ مَعَانِيهَا.

_ 1 انظر في الكلام على "حتى" "الجنى الداني ص542-558، الاتقان 2/ 192، مغني اللبيب 1/ 131-139، الأزهيّة ص223 وما بعدها، رصف المباني ص180-185، شرح تنقيح الفصول ص102، الإحكام للآمدي 1/ 69، البرهان 4/ 272 وما بعدها، معترك الأقران 2/ 78 وما بعدها، القواعد والفوائد الإصولية ص143، الصاحبي ص150 وما بعدها، تسهيل الفوائد ص146-175، كشف الأسرار 2/ 160 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 240 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 345 وما بعدها، المفصل ص304". 2 الآية 5 من القدر. 3 قال المرادي: والزيادة تشمل القوة والتعظيم، والنقص يشمل الضعف والتحقير. "الجنى الداني ص548" وعلى ذلك فلا بدّ أن يكون الثاني عظيماً إن كان الأول حقيراً، أو حقيراً إن كان الأول عظيماً، أو قوياً إن كان الأول ضعيفاً، أو ضعيفاً إن كان قوياً، لأن معناها الغاية، "انظر رصف المباني ص181، الأزهيّة ص223، تسهيل الفوائد ص175، المفصل ص304". 4 في ش ز ض ب: الحاج. 5 في ش: الناس. وفي ض: الحاج. 6 في ش: الحجاج. 7 في ش: حجبتني.

وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْطُوفُ بِحَتَّى مُبَايِنًا لِمَتْبُوعِهِ فِي الْجِنْسِ مُوَافِقًا لَهُ فِي الْمَعْنَى فَتُقَدَّرُ بَعْضِيَّتُهُ1 كَقَوْلِهِ: أَلْقَى الصَّحِيفَةَ كَيْ يُخَفِّفَ رَحْلَهُ ... وَالزَّادَ، حَتَّى نَعْلَهُ أَلْقَاهَا2 لأَنَّ الْمَعْنَى: أَلْقَى مَا يَثْقُلُهُ3 حَتَّى نَعْلَهُ. "وَتَأْتِي" حَتَّى "لِتَعْلِيلٍ" كَقَوْلِهِ: "كَلَّمْته حَتَّى يَأْمُرَ لِي بِشَيْءٍ"، وَعَلامَتُهَا: أَنْ يَصْلُحَ مَوْضِعَهَا "كَيْ"، وَمِنْهُ: "أَسْلِمْ حَتَّى تَدْخُلَ الْجَنَّةَ". "وَقَلَّ" أَنْ تَأْتِيَ "لاسْتِثْنَاءٍ مُنْقَطِعٍ" كَقَوْلِهِ: لَيْسَ الْعَطَاءُ مِنْ الْفُضُولِ سَمَاحَةً ... حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْكَ قَلِيلُ4 قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي "الْمُغْنِي": "حَتَّى تَأْتِي لأَحَدِ ثَلاثَةِ مَعَانٍ: "انْتِهَاءُ الْغَايَةِ"، وَهُوَ الْغَالِبُ، وَ "التَّعْلِيلُ"، وَ "بِمَعْنَى "إلاَّ" فِي الاسْتِثْنَاءِ"، وَهُوَ أَقَلُّهَا.

_ 1 في ب ع ض: بعضيه. 2 هذا البيت لأبي مروان النحوي، نسبه إليه سيبويه في الكتاب "1/ 50" والبغدادي في خزانة الأدب "1/ 446"، وحكى البغدادي في شرح أبيات المغني "3/ 98" نسبته إليه عن الأخفش، ونَسَبَهُ البعض إلى الملتمس، ونسبه ياقوت في معجم الأدباء "19/ 146" إلى مروان النحوي لا أبي مروان. وفي هذا البيت وصف الشاعر راكباً جهدت راحلته، فخاف إن تنقطع به، أو كان خائفاً من عدوٍ يطلبه، فخفف رحله بإلقاء ما كان معه من كتاب وزاد ونعل. 3 في ش: ما يستثقله. 4 البيت للمُقَنَّع الكِنْدي، نسبه إليه أبو تمام في الحماسة "شرح الحماسة للمرزوقي ص1734" والسيوطي في شرح شواهد المغني "1/ 372" والبغدادي في شرح أبيات مغني اللبيب "3/ 102". والمعنى: إن إعطاءك من زيادات مالك لا يعدّ سماحة، إلاّ أن تعطي في حالة قِلّة المال.

وَتُسْتَعْمَلُ عَلَى ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ جَرٍّ بِمَنْزِلِهِ "إلَى" فِي الْمَعْنَى [وَالْعَمَلِ] 1. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ، إلاَّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ. وَذَكَرَهَا. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ حَرْفَ ابْتِدَاءٍ، أَيْ حَرْفًا تُبْتَدَأُ بَعْدَهُ الْجُمَلُ، أَيْ تُسْتَأْنَفُ"2.

_ 1 زيادة من مغني اللبيب. 2 مغني اللبيب 1/ 131 وما بعدها.

"مِنْ" "مِنْ" الْجَارَّةُ1 "لابْتِدَاءِ الْغَايَةِ" فِي الْمَكَانِ اتِّفَاقًا. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 2، وَفِي الزَّمَانِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَالْمُبَرِّدِ3، وَابْنِ دُرُسْتَوَيْهِ. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} 4 {وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ} 5 {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 6 وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ7، وَأَبُو حَيَّانَ لِكَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ. فَتَكُونُ فِي ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ حَقِيقَةً. وَتَكُونُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَانِي مَجَازًا، هَذَا

_ 1 انظر تفصيل الكلام على مِنْ في "الجنى الداني ص308-321، أوضح المسالك 3/ 21 وما بعدها، رصف المباني ص322-326، الأزهيّة ص293 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 61، الإشارة إلى الإيجاز ص35، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص40، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 362، البرهان 4/ 415-426، مغني اللبيب 1/ 353-363، الاتقان 2/ 247 وما بعدها، التمهيد ص58، الصاحبي ص172، القواعد والفوائد الأصولية ص150 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 244، المفصل ص283". 2 الآية الأولى من سورة الإسراء. 3 هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي البصري، أبو العباس المبرِّد، إمام النحو واللغة. أشهر مصنفاته "الكامل" و "الروضة" و "المقتضب" و "معاني القرآن" و "إعراب القرآن" و "الاشتقاق". توفي سنة 258هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في طبقات النحويين واللغويين ص101، وفيات الإعيان 3/ 441، نور القبس ص324، معجم الأدباء 19/ 111، طبقات المفسرين للداودي 2/ 267، شذرات الذهب 2/ 190، إنباه الرواة 3/ 241، بغية الوغاة 1/ 269، المنتظم 6/ 9". 4 الآية 108 من التوبة. 5 الآية 79 من الإسراء. 6 الآية 4 من الروم. 7 انظر تسهيل الفوائد ص144.

قَوْلُ الأَكْثَرِ. وَقِيلَ: حَقِيقَةٌ فِي التَّبْعِيضِ1، مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ. وَقِيلَ: حَقِيقَةٌ فِي التَّبَيُّنِ2، مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ. "وَلَهَا" أَيْ وَلِمَنْ "مَعَانٍ" غَيْرِ ذَلِكَ: - مِنْهَا: التَّعْلِيلُ، نَحْوُ {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ} 3 أَيْ لأَجْلِ الصَّوَاعِقِ. - وَمِنْهَا: الْبَدَلُ، [نَحْوُ] : {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ} 4 {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} 5 أَيْ بَدَلَكُمْ. - وَمِنْهَا: انْتِهَاءُ الْغَايَةِ، - مِثْلَ "إلَى"- فَتَكُونُ لابْتِدَاءِ الْغَايَةِ مِنْ الْفَاعِلِ6، وَلانْتِهَاءِ7 غَايَةِ الْفِعْلِ مِنْ الْمَفْعُولِ، نَحْوُ "رَأَيْت الْهِلالَ مِنْ دَارِي مِنْ خَلَلِ السَّحَابِ" 8 أَيْ مِنْ مَكَانِي إلَى خَلَلِ السَّحَابِ 8. فَابْتِدَاءُ الرُّؤْيَةِ وَقَعَ مِنْ9 الدَّارِ، وَانْتِهَاؤُهَا10 فِي خَلَلِ السَّحَابِ.

_ 1 نحو "كل من هذا الطعام، والبس من هذه الثياب، وخذ من هذه الدراهم.. الخ" "رصف المباني ص323". 2 نحو "قبضت رطلاً من القمح، وكرّاً من شعير، ونَنَّاً من سمن، وخاتماً من حديد، ومشيت ميلاً من الأرض.. الخ". "رصف المباني ص323". 3 الآية 19 من البقرة. 4 الآية 38 من التوبة. 5 الآية 60 من الزخرف. 6 في ش: الفعل. 7 في ع ض: والانتهاء. 8 ساقطة من ش. 9 في ش: في. 10 في ش: وانتهاؤها وقع.

ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ: أَنَّ سِيبَوَيْهِ أَشَارَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَأَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالُوا: هِيَ لابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، لَكِنْ فِي حَقِّ1 الْمَفْعُولِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا فِي هَذَا الْمِثَالِ لابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فِي حَقِّ الْفَاعِلِ، بِتَقْدِيرِ: "رَأَيْت الْهِلالَ مِنْ دَارِي ظَاهِرًا مِنْ خَلَلِ السَّحَابِ". - وَمِنْهَا تَنْصِيصُ الْعُمُومِ، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى نَكِرَةٍ لا تَخْتَصُّ بِالنَّفْيِ، نَحْوُ "مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ" فَإِنَّهُ كَانَ قَبْلَ دُخُولِهَا مُحْتَمِلاً لِنَفْيِ الْجِنْسِ وَلِنَفْيِ الْوَحْدَةِ2. وَلِهَذَا يَصِحُّ أَنْ، يَقُولَ3: بَلْ رَجُلانِ. [وَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِ "مِنْ"] 4. - وَمِنْهَا: الْفَصْلُ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ} 5 وَتُعْرَفُ بِدُخُولِهَا عَلَى ثَانِي الْمُتَضَادَّيْنِ. - وَمِنْهَا: مَجِيئُهَا بِمَعْنَى "الْبَاءِ". نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} 6. قَالَ يُونُسُ7: أَيْ بِطَرْفٍ. - وَمِنْهَا مَجِيئُهَا بِمَعْنَى "فِي" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ

_ 1 في ش: ابتداء. 2 أي نفي واحد من هذا الجنس، دون ما فوق الواحد. "الجنى الداني ص317". 3 في ض: يقال. 4 زيادة من مغني اللبيب 1/ 358. 5 الآية 220 من البقرة. 6 الآية 45 من الشورى. 7 هو يونس بن حبيب الضبي النحوي البصري, أبو عبد الرحمن, الإمام البارع في النحو والأدب, أشهر مصنفاته كتاب "معاني القرآن" و "اللغات" و "الأمثال" وغيرها. توفي سنة 182 هـ "انظر ترجمته في إنباه الرواة 4/68, بغية الوعاة 2/ 365, شذرات الذهب 1/ 301، طبقات النحويين واللغويين ص51، وفيات الإعيان 6/ 242، المعارف ص541, المزهر 2/ 399, 423, 461, معجم الأدباء 20/ 64".

الأَرْضِ} 1. أَيْ فِي الأَرْضِ. وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} 2 بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: " {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} "3. - "وَمِنْهَا: مَجِيئُهَا بِمَعْنَى "عِنْدَ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:"4 {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا} 5 وَمِثْلُهُ [قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] "وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ" 6. - وَمِنْهَا: مَجِيئُهَا بِمَعْنَى "عَلَى"، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} 7 أَيْ عَلَى الْقَوْمِ. - وَمِنْهَا: مَجِيئُهَا بِمَعْنَى "عَنْ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} 8.

_ 1 الآية 40 من فاطر. 2 الآية 92 من النساء. 3 ساقطة من ش. 4 ساقطة من ش. 5 الآية 10 من آل عمران. 6 الحديث أخرجه البخاري "1/ 214" ومسلم "1/ 415" وأبو داود "2/ 110" والترمذي "تحفة الأحوذي 2/ 194" والنسائي "3/ 70" عن المغيرة مرفوعاً، وأخرجه مالك في الموطأ "2/ 900" وأحمد في مسنده "4/ 97" عن معاوية بن أبي سفيان مرفوعاً. ونصه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة قال: "الا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجَدّ". والجَدّ –بفتح الجيم-: هو الغنى. وقيل: هو الخظ. ومعنى "ولا ينفع ذا الجد منك الجَدّ" أي لا ينفع صاحب الحظ في الدنيا من نزول العذاب حظُه وإنما ينفعه العمل الصالح. وقال أبو عبيد: معناه لا ينفع ذا الغنى منه غناه، إنما تنفعه طاعته. 7 الآية 77 من الأنبياء. 8 الآية 22 من الزمر.

"إلَى" "إلَى1: لانْتِهَائِهَا" أَيْ انْتِهَاءِ الْغَايَةِ 2 عِنْدَ الْجُمْهُورِ 2. "وَ" تَأْتِي "بِمَعْنَى "مَعَ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّهِ} 3 أَيْ مَعَ اللَّهِ4، وَنَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ} 5 أَيْ مَعَ أَمْوَالِكُمْ6. وَقَوْلُ الْعَرَبِ "الذَّوْدُ إلَى الذَّوْدِ إبِلٌ"7 أَيْ مَعَ الذَّوْدِ.

_ 1 انظر معاني "إلى" في "مغني اللبيب 1/78 وما بعدها, الجنى الداني ص385-390, الاًزهيًة ص282 وما بعدها, رصف المباني ص80-83, القواعد والفوائد الأصولية ص144-149, المعتمد 1/ 40, الإحكام للآمدي 1/ 62, البرهان 4/ 232-234, أوضح المسالك 3/47. الصاحبي ص132, فواتح الرحموت1/244 وما بعدها, الإتقان 2/ 161 وما بعدها, التمهيد للأسنوي ص59 وما بعدها, شرح تنقيح الفصول ص102 وما بعدها, كشف الأسرار 2/ 177 وما بعدها, المفصل ص283, المسودة ص356 وما بعدها". 2 ساقطة من ش. 3 الآية 52 من آل عمران. 4 روى ذلك الطبري في تفسيره عن السدي وابن جريج واعتمده وقال: "وأنما حَسُنَ أن يقال "إلى الله" بمعنى "مع الله" لأن من شأن العرب إذا ضمّوا الشيء إلى غيره, ثم أرادوا الخبر عنهما بضمّ أحدهما مع الآخر إذا ضُمَّ إليه, جعلوا مكان "مع" "إلى" أحياناً". "انظر تفسير الطبري 3/ 284, تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص571". 5 الآية 2 من النساء. 6 انظر الأزهيّة ص282, رصف المباني ص83, تأويل مشكل القرآن ص571, الصاحبي ص132, المفصل ص283. 7 المثل ورد في معاني القرآن للفراء "1/218" وتأويل مشكل القرآن "ص571" ولسان العرب "3/ 167" وتفسير الطبري "3/ 284" والجنى الداني "ص386" ومغني اللبيب "1/ 78" وغيرها. وهو يضرب في اجتماع القيليل إلى القليل حتى يؤدي إلى الكثير، والذود: هو القطيع من الإبل، من الثلاثة إلى العشرة.

وَقَالَ الْحَسَنُ1 وَأَبُو عُبَيْدَةَ: "إلَى" فِي قَوْله تَعَالَى: {مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّهِ} بِمَعْنَى "فِي"، أَيْ: مَنْ أَعْوَانِي فِي ذَاتِ اللَّهِ وَسَبِيلِهِ2. "وَابْتِدَاؤُهَا" أَيْ ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ "دَاخِلٌ" فِي الْمُغَيَّا3 "لا انْتِهَاؤُهَا" وَهُوَ مَا بَعْدَ "إلَى" فَلَوْ قَالَ: "لَهُ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ". لَزِمَهُ4 تِسْعَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، لِدُخُولِ الأَوَّلِ وَعَدَمِ دُخُولِ الْعَاشِرِ. وَقِيلَ: لا يَدْخُلانِ فَيَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْغَايَةُ مِنْ جِنْسِ الْمَحْدُودِ، "كَالْمَرَافِقِ"5 دَخَلَتْ، وَإِلاَّ فَلا تَدْخُلُ كَـ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} 6.

_ 1 هو الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد، إمام أهل البصرة المجمع على جلالته في كل فن، وهو من سادات التابعين وفضلائهم، جمع العلم والزهد والورع والعبادة، أشهر كتبه "تفسير القرآن". توفي سنة 110هـ. "انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداودي 1/ 147، وفيات الأعيان 1/ 354، شذرات الذهب 1/ 136، المعارف ص440، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 161، صفة الصفوة 3/ 233". 2 نقل المصنف عن الحسن وأبي عبيدة فيه دمج للقولين معاً، لأن قول أبي عبيدة في قوله سبحانه: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} أي من أعواني في ذات الله. ذكره في كتابه "مجاز القرآن" "1/ 94" وحكاه عنه أبو حيان في "البحر المحيط" "2/ 471". أما الحسن فقد نقل إبو حيان عنه أنه قال في الآية: أي من أنصاري في السبيل إلى الله. "البحر المحيط 2/ 471". 3 في ش: المعنى. 4 ساقطة من ض. 5 أي في قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة 6] . 6 الآية 187 من البقرة.

"عَلَى" "عَلَى"1 أَشْهَرُ مَعَانِيهَا أَنْ تَكُونَ "لاسْتِعْلاءٍ" سَوَاءٌ كَانَ ذَاتِيًّا2. نَحْوُ: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} 3 أَوْ مَعْنَوِيًّا نَحْوُ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} 4. "وَ" تَكُونُ أَيْضًا "هِيَ لِلإِيجَابِ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "فُرُوعِهِ" - فِي بَابِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ -: "وَ "عَلَى" ظَاهِرَةٌ فِي الْوُجُوبِ"5. "وَلَهَا مَعَانٍ" غَيْرُ ذَلِكَ. - أَحَدُهَا: التَّفْوِيضُ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي "النَّهْرِ" فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} 6: "إذَا عَقَدْت قَلْبَك عَلَى أَمْرٍ بَعْدَ الاسْتِشَارَةِ، فَاجْعَلْ تَفْوِيضَك فِيهِ إلَى اللَّهِ"7. - الثَّانِي: الْمُصَاحَبَةُ8: نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} 9.

_ 1 انظر معاني "على" في "الجنى الداني ص470-480، مغني اللبيب 1/ 152-157، الأزهيّة ص285-288، رصف المباني ص371 وما بعدها، الصاحبي ص156، الإشارة إلى الإيجاز ص34، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص39، تأويل مشاكل القرآن ص573، 587، معترك الإقران 2/ 201 وما بعدها، البرهان 4/ 284 وما بعدها، أوضح المسالك 3/ 40 وما بعدها، الإتقان 2/ 201 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 63، كشف الأسرار 2/ 173 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 243، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 347، المفصل ص287". 2 أي حسيّاً. 3 الآية 44 من هود. 4 الآية 45 من المائدة. 5 الفروع 2/ 554. 6 الآية 159 من آل عمران. 7 تفسير النهر 3/ 99. 8 إي كـ "مَعْ". "انظر مغني اللبيب 1/ 153، معترك الأقران 2/ 670". 9 الآية 177 من البقرة.

الثَّالِثُ: الْمُجَاوَزَةُ1 نَحْوُ قَوْلِ الشَّاعِرِ: إذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ ... لَعَمْرُ اللَّهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا2 أَيْ: إذَا رَضِيَتْ عَنِّي. الرَّابِعُ: التَّعْلِيلُ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} 3 أَيْ: لِهِدَايَتِكُمْ. الْخَامِسُ: الظَّرْفِيَّةُ4، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} 5 6 أَيْ فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ 6. السَّادِسُ: الاسْتِدْرَاكُ، كَقَوْلِك7: "فُلانٌ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِسُوءِ صُنْعِهِ، عَلَى أَنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ" أَيْ لَكِنْ لا يَيْأَسُ. السَّابِعُ: الزِّيَادَةُ، نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ8".

_ 1 أي كـ "عَنْ". "مغني اللبيب 1/ 153، المحلي على جمع الجوامع 1/ 347". وفي ع: للمجاوزة. 2 البيب للقُحَيْف العقيلي، نسبه له الجواليقي في شرح أدب الكاتب "شرح أبيات المغني للبغدادي 3/ 232" والسيوطي في شرح شواهد المغني "1/ 416" والبغدادي في خزانة الأدب "4/ 249" والهروي في الأزهيّة "ص287" وغيرهم. 3 الآية 185 من البقرة. 4 أي كـ "في". "معترك الأقران 2/ 670". 5 الآية 102 من البقرة. 6 ساقطة من ش. 7 في ش ض: كقوله. 8 رواه عديّ بن حاتم وأبو هريرة وعبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه". إخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وأحمد في مسنده وغيرهم. "انظر صحيح البخاري 8/ 159، صحيح مسلم 3/ 1272، سنن ابن ماجة 1/ 681، مسند أحمد 4/ 256، سنن الدارمي 2/ 186، نيل الأوطار 8/ 267 وما بعدها، كشف الخفا 2/ 247".

أَيْ1 يَمِينًا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَفِي "عَلَى" أَرْبَعَةُ مَذَاهِبُ2. أَحَدُهَا - وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ -: أَنَّهَا حَرْفٌ، إلاَّ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا حَرْفُ جَرٍّ. فَتَكُونُ اسْمًا كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا تَمَّ ظَمَؤُهَا3 الثَّانِي - وَبِهِ قَالَ الأَخْفَشُ -: أَنها4 تَكُونَ اسْمًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَجْرُورُهَا وَفَاعِلُ مُتَعَلَّقِهَا ضَمِيرَيْنِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {أَمْسِكْ عَلَيْك زَوْجَك} 5. الثَّالِثُ: أَنَّهَا اسْمٌ دَائِمًا عِنْدَ ابْنِ طَاهِرٍ6 وَابْنِ خَرُوفٍ7 وَابْنِ

_ 1 في ض: أي من حلف. 2 انظر شرح أبيات المغني للبغدادي 3/ 266 وما بعدها. 3 هذا صدر بيت لمزاحم العقيلي يصف فيه القطا، نسبه له ابن منظور في اللسان "11/ 383" وابن السيد البطليوسي في الاقتضاب "ص428" والعيني في شرح شواهد شروح الألفية "3/ 301" والبغدادي في شرح أبيات المغني "3/ 267" وجزانة الأدب "4/ 255"، وحكى نسبته إليه السيوطي في شرح شواهد المغني "1/ 426"، وعجزه: تَصِلُّ وَعَنْ قَيْضٍ بِبيْدَاءَ مَجْهَلِ 4 في ش: أن. 5 الآية 37 من الآحزاب. 6 هو محمد بن أحمد بن طاهر الأنصاري الإشبيلي، أبو بكر، المعروف بالخِدَبّ. والخِدَبّ: هو الرجل الطويل. وقد كان من حذاق النحويين وأئمتهم، وعليه تتلمذ ابن خروف. توفي في حدود 580هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/ 28، إنباه الرواة 4/ 188". 7 هو علي بن محمد بن علي، نظام الدين، أبو الحسن بن خَرُوف الأندلسي النحوي، كان إماماً في العربية، ماهراً في الأصول، أشهر مصنفاته "شرح كتاب سيبويه" و "شرح الجمل" وفي سنة 609هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 2/ 203، إنباه الرواة 4/ 186،وفيات الأعيان 3/ 22".

الطَّرَاوَةِ1 وَالشَّلُوبِينَ2 وَالآمِدِيِّ وَحُكِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ3. وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا حَرْفٌ دَائِمًا. وَبِهِ قَالَ السِّيرَافِيُّ4: وَتُقَدَّرُ5 بِحَرْفِ جَرٍّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَجْرُورٌ مَحْذُوفٌ.

_ 1 هو سليمان بن محمد بن عبد الله السبائي المالقي، أبو الحسين بن الطَّرَاوة، النحوي الماهر، والأديب البارع، والشاعر المجيد. قال السيوطي: "له آراء في النحو تفرد بها وخالف فيها جمهور النحاة" توفي سنة 528هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/ 602، إنباه الرواة 4/ 107". 2 هو عمر بن محمد بن عبم الأندلسي، أبو علي الأزدي الإشبيلي النحوي، إمام العربية في عصره. والشلوبين تعني بلغة الأندلس: الأبيض الأشقر. من كتبه "تعليق على كتاب سيبويه" و "شرحان على الجزولية" و "التوطئة" في النحو. توفي سنة 645هـ. "انظر ترجمته في إنباه الرواة 2/332، بغية الوعاة 2/ 224، شذرات الذهب 5/ 232، وفيات الأعيان 3/ 123". 3 انظر الكتاب لسيبويه 2/ 310. 4 هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان، أبو سعيد السيرافي القاضي، النحوي الفقيه العلامة، أشهر مصنفاته "شرح كتاب سيبويه" و "أخبار النحويين البصريين" و "الوقف والابتداء" و "شرح مقصورة ابن دريد". توفي سنة 638هـ. "انظر ترجمته في معجم الأدباء 8/ 145-233، المنتظم 7/ 95، بغية الوعاة 1/ 507، وفيات الأعيان 1/ 360، طبقات النحويين واللغويين ص119، إنباه الرواة 1/ 313، شذرات الذهب 3/ 65". 5 ساقطة من ش.

"فِي" "فِي"1 تَكُونُ "لِظَرْفٍ" زَمَانًا وَمَكَانًا مِثَالُهُمَا قَوْله تَعَالَى: {الم غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} 2، فَالأُولَى: لِلْمَكَانِ، وَالثَّانِيَةُ: لِلزَّمَانِ. وَقَدْ يَكُونُ الظَّرْفُ وَمَظْرُوفُهُ جِسْمَيْنِ، كَقَوْلِك "زَيْدٌ فِي الدَّارِ". وَقَدْ يَكُونَانِ مَعْنَيَيْنِ، كَقَوْلِك: "الْبَرَكَةُ فِي الْقَنَاعَةِ". وَقَدْ يَكُونُ الظَّرْفُ جِسْمًا، وَالْمَظْرُوفُ مَعْنًى كَقَوْلِك: "الإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ"، وَعَكْسُهُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ} 3. "وَهِيَ بِمَعْنَاهُ" أَيْ وَهِيَ لِلظَّرْفِيَّةِ "عَلَى قَوْلٍ" أَبِي4 الْبَقَاءِ5. وَأَكْثَرِ الْبَصْرِيِّينَ6 "فِي" قَوْله تَعَالَى: {وَلأَصْلُبَنكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 7.

_ 1 انظر معاني "في" في "نهاية السول 1/ 376 وما بعدها، الجنى الداني ص250-253، رصف المباني ص388-391، الأزهيّة ص277-282، مغني اللبيب 1/ 182 وما بعدها، أوضح المسالك 3/ 38 وما بعدها، البرهان 4/ 302 وما بعدها، تأويل مشكل القرآن ص567، الإشارة إلى الإيجاز ص31 وما بعدها، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص37 وما بعدها، الصاحبي ص157، شرح تنقيح الفصول ص103، الإحكام للآمدي 1/ 62، التمهيد ص60، القواعد والفوائد الأصولية ص149 وما بعدها، الإتقان 2/ 211 وما بعدها، كشف الأسرار 2/ 181 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 348 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 247 وما بعدها، المفصّل ص284، معترك الأقران 3/ 170 وما بعدها". 2 الآية 1-4 من الروم. 3 الآية 19 من البروج. 4 في ش: لأبي. 5 إملاء ما مَنْ به الرحمن 2/ 124. 6 في ش: النحويين. 7 الآية 71 من طه.

وَجَعَلَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ1 وَالْبَيْضَاوِيُّ: لِلظَّرْفِ مَجَازًا2. كَأَنَّ الْجِذْعَ صَارَ ظَرْفًا لِلْمَصْلُوبِ. لَمَّا تَمَكَّنَ عَلَيْهِ تَمَكَّنَ3 الْمَظْرُوفُ مِنْ الظَّرْفِ4. وَقَالَ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ: هِيَ بِمَعْنَى "عَلَى"، كَقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ وَابْنِ مَالِكٍ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} 5 أَيْ عَلَيْهِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ} 6 أَيْ: عَلَيْهَا. وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} 7 أَيْ عَلَى السَّمَاءِ. "وَ" تَأْتِي "فِي" "لاسْتِعْلاءٍ" وَتَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ8. "وَتَعْلِيلٍ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} 9 أَيْ لأَجْلِهِ.

_ 1 هو محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي الزمخشري، جار الله، أبو القاسم، علاّمة التفسير والحديث والنحو واللغة والبيان، صاحب المصنفات الحسان في الفنون المختلفة. أشهر كتبه "الكشاف" في التفسير و "الفائق" في غريب الحديث و "أساس البلاغة" في اللغة و "المفصّل" في النحو و "المستقصى" في الأمثال و "المنهاج" في الأصول و "معجم الحدود" وغيرها. توفي سنة 538هـ. "انظر ترجمته في وفيات الأعيان 4/ 254 وما بعدها، طبقات المفسرين للداودي 2/ 314 وما بعدها، بغية الوعاة 2/ 279، إنباه الرواة 3/ 265، المنتظم 10/ 112، شذرات الذهب 4/ 118، معجم الأدباء 19/ 126 وما بعدها". 2 في ش: مجاز. 3 ساقطة من ش. 4 انظر المفصّل للزمخشري ص284 ومنهاج الوصول للبيضاوي مع شرحه نهاية السول 1/ 375. 5 الآية 38 من الطور. 6 الآية 11 من الأنعام. 7 الآية 16 من الملك. 8 نحو قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه 71] وما إلى ذلك. "انظر مغني اللبيب 1/ 183". 9 الآية 32 من يوسف.

وَمِنْهُ: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1. وَأَنْكَرَهُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ2. "وَ" تَأْتِي "فِي" أَيْضًا "سَبَبِيَّةً" كَقَوْلِهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : "فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ3 مِائَةٌ" 4 وَ "دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ" 5 أَيْ بِسَبَبِ هِرَّةٍ6. "وَ" تَأْتِي أَيْضًا لِـ "مُصَاحَبَةٍ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} 7 {اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ} 8 أَيْ مَعَهُمْ مُصَاحِبِينَ. "وَ" تَأْتِي أَيْضًا لِـ "تَوْكِيدٍ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} 9 إذْ الرُّكُوبُ يُسْتَعْمَلُ بِدُونِ "فِي" فَهِيَ مَزِيدَةٌ تَوْكِيدًا.

_ 1 الآية 14 من النور. 2 انظر النهاج للبيضاوي وشرحه للأسنوي 1/ 375، 377. 3 في ش: المؤمنة نحر. 4 الحديث قطعه من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعثه مع عمرو بن حزم إلى أهل اليمن، وبيّن فيه الفرائض والسنن والديات، ولفظه "وأنَّ في النفس الديَةَ مائة من الإبل". وقد أخرجه مالك في الموطأ وأبو داود في المراسيل والنسائي وابن حبان وعبد الرزاق والحاكم والبيهقي والدارقطني وأحمد وابن خزيمة وابن الجارود. قال الحاكم: إسناده صحيح، وهو من قواعد الإسلام. وقال أحمد بن حنبل: كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح. "انظر نصب الراية 2/ 339-342، سنن البيهقي 8/ 73، موطأ مالك 2/ 849، نيل الأوطار 7/ 65، سبيل السلام 3/ 245". 5 الحديث أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة وأحمد في مسنده عن أبي هريرة مرفوعاً، وأخرجه الدارمي والبخاري أيضاً عن ابن عمر مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 4/ 157، صحيح مسلم 4/ 2110، سنن ابن ماجة 2/ 1421، مسند أحمد 2/ 269، سنن الدارمي 2/ 331، كشف الخفا 1/ 403". 6 في ش: مصاحبة. 7 الآية 79 من القصص. 8 الآية 28 من الأعراف. 9 الآية 41 من هود.

"وَ" تَأْتِي أَيْضًا لِـ "تَعْوِيضٍ" وَهِيَ الزَّائِدَةُ عِوَضًا عَنْ أُخْرَى مَحْذُوفَةٍ. كَقَوْلِهِ: "رَغِبْتُ فِيمَنْ رَغِبْتُ"، أَيْ فِيهِ. "وَ" تَأْتِي "فِي" "بِمَعْنَى الْبَاءِ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} 1 أَيْ يُلْزِمُكُمْ2 بِهِ. "وَ" تَأْتِي أَيْضًا بِمَعْنَى "إلَى" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} 3 أَيْ إلَيْهَا غَيْظًا. "وَ" بِمَعْنَى "مِنْ" الْجَارَّةِ، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ4: وَهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كَانَ أَحْدَثُ عَهْدِهِ ... ثَلاثِينَ شَهْرًا5 فِي ثَلاثَةِ أَحْوَالِ6 أَيْ مِنْ ثَلاثَةِ أَحْوَالٍ.

_ 1 الآية 11 من الشورى. 2 كذا في الأصول الخطية كلها، وليس بصواب. والصواب قول ابن هشام في "المغني" والمرادي في "الجنى الداني" والحلي في "شرح جمع الجوامع" حيث قالوا: إن معناها "يكثّركم به"، حيث أن سياق الآية {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ} . "انظر المحلي على جمع الجوامع 1/ 349، مغني اللبيب 1/ 183، الجنى الداني ص251". 3 الآية 9 من إبراهيم. 4 هو أمرؤ القيس بن حُجْر بن عمرو الكِنْدي، الشاعر الجاهلي المشهور، الملقب بذي القروح. قال ابن خالوية: لأن قيصر أرسل إليه حلة مسمومة، فلما لبسها أسرع السُمّ إليه، فتثقب لحمه، فسمي ذا القروح، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيه: "هو قائد الشعراء إلى النار". "انظر ترجمته في الشعر والشعراء 1/ 52-86، تهذيب الأساء واللغات 1/ 125، المزهر 2/ 443". 5 في ش: حولاً. 6 البيت لامرئ القيس مروي في ديوانه ص27، ونسبه له البغدادي في "شرح شواهد المغني" "4/ 79" والمرادي في "الجنى الداني" ص252. ومعناه: كيف ينعم من كان أقرب عهده بالرفاهية والنعيم ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال! قاله الأصمعي وابن السكيت.

"اللاَّمُ" "وَ" تَأْتِي "اللاَّمُ" الْجَارَّةُ1 "لِلْمِلْكِ حَقِيقَةً، لا يُعْدَلُ عَنْهُ" أَيْ عَنْ الْمِلْكِ إلاَّ بِدَلِيلٍ. قَالَهُ أَبُو2 الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي "التَّمْهِيدِ". "وَلَهَا مَعَانٍ كَثِيرَةٌ3": أَحَدُهَا: التَّعْلِيلُ4. نَحْوُ "زُرْتُك لِشَرَفِكَ"، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} 5، وَقَوْلِهِ: "أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضَى زَيْدٍ"، فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ، رَضِيَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَرْضَ، لأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لا تَعْلِيقٌ. الثَّانِي: الاسْتِحْقَاقُ6، نَحْوُ: "النَّارُ لِلْكَافِرِينَ". الثَّالِثُ: الاخْتِصَاصُ7، نَحْوُ "الْجَنَّةُ لِلْمُؤْمِنِينَ". وَفَرَّقَ الْقَرَافِيُّ بَيْنَ الاسْتِحْقَاقِ وَالاخْتِصَاصِ، بِأَنَّ الاسْتِحْقَاقَ8 أَخَصُّ. فَإِنَّ

_ 1 انظر معاني اللام في "الجنى الداني ص95-139، معترك الأقران 2/ 239-243، الأزهيّة ص298 وما بعدها، تسهيل الفوائد ص145، اللامات لابن فارس ص15-26، رصف المباني ص218-256، تأويل مشكل القرآن ص569-572، مغني اللبيب 1/ 228-261، المفصّل ص286-326 وما بعدها، الإتقان 2/ 224-227، البرهان 4/339-350، أوضح المسالك 3/ 29-35، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 350 وما بعدها، الصاحبي ص112-116، شرح تنقيح الفصول ص103 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/62". 2 في ش: ابن. 3 ساقطة من ش. 4 وهي التي يصلح موضعها "من أجل". "البرهان 4/ 340". 5 الآية 105 من النساء. 6 قال ابن هاشم: "وهي الواقعة بين معنى وذات". "مغني اللبيب 1/ 228". 7 ومعناه أنها تدلّ على أن بين الأول والثاني نسبة باعتبار ما دَلَّ عليه متعَلَّقُهُ. "البرهان 4/ 339". 8 كذا في شرح تنقيح الفصول. وفي الأصول الخطية كلها: الاختصاص.

ضَابِطَهُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْعَادَةُ، كَمَا شَهِدَتْ لِلْفَرَسِ بِالسَّرْجِ، وَبِالْبَابِ1 لِلدَّارِ. وَقَدْ يَخْتَصُّ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ عَادَةً، نَحْوُ: "هَذَا ابْنٌ لِزَيْدٍ". فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ2. الرَّابِعُ: لامُ الْعَاقِبَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا فَاللاَّمُ الصَّيْرُورَةِ، وَبِلامِ الْمَآلِ نَحْوُ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} 3. الْخَامِسُ: التَّمْلِيكُ. نَحْوُ: "وَهَبْت لِزَيْدٍ دِينَارًا". وَمِنْهُ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} 4. السَّادِسُ: شِبْهُ الْمِلْكِ. نَحْوُ: {وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} 5. السَّابِعُ: تَوْكِيدُ النَّفْيِ، أَيُّ نَفْيٍ كَانَ، نَحْوُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} 6، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا فَاللاَّمُ الْجُحُودِ، لِمَجِيئِهَا بَعْدَ نَفْيٍ؛ لأَنَّ الْجَحْدَ هُوَ نَفْيُ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ7. الثَّامِنُ: لِمُطْلَقِ التَّوْكِيدِ. وَهِيَ الدَّاخِلَةُ لِتَقْوِيَةِ عَامِلٍ ضَعِيفٍ بِالتَّأْخِيرِ. نَحْوُ: {إنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} 8 الأَصْلُ: تَعْبُرُونَ الرُّؤْيَا، أَوْ لِكَوْنِهِ فَرْعًا فِي الْعَمَلِ نَحْوُ: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 9 وَهَذَانِ مَقِيسَانِ.

_ 1 كذا في شرح تنقيح الفصول. وفي الأصول الخطية كلها: الباب. 2 شرح تنقيح الفصول ص104. 3 الآية 8 من القصص. 4 الآية 60 من التوبة. 5 الآية 72 من النحل. 6 الآية 33 من الأنفال. 7 قال الزركشي: "وضابطها أنها لو سقطت تمَّ الكلام بدونها، وإنما ذكرتْ توكيداً لنفي الكون". "البرهان 4/ 344" 8 الآية 43 من يوسف. 9 الآية 16 من البروج.

وَرُبَّمَا أَكَّدَ بِهَا1 بِدُخُولِهَا عَلَى الْمَفْعُولِ "نَحْوُ {رَدِفَ لَكُمْ} " 2. وَلَمْ يَذْكُرْ سِيبَوَيْهِ زِيَادَةَ اللاَّمِ، وَتَابَعَهُ الْفَارِسِيُّ3. التَّاسِعُ: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى "إلَى" نَحْوُ: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} 4 {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} 5. الْعَاشِرُ: التَّعْدِيَةُ، نَحْوُ "مَا أَضْرِبَ زَيْدًا لِعَمْرٍو". وَجَعَلَ مِنْهُ ابْنُ مَالِكٍ: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْك وَلِيًّا} 6. وَقِيلَ: إنَّهَا تُشْبِهُ الْمِلْكَ. الْحَادِيَ عَشَرَ: بِمَعْنَى "عَلَى" نَحْوُ: {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} 7، وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ حَرْمَلَةَ8 عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاءَ" 9 أَنَّ الْمُرَادَ: عَلَيْهِمْ.

_ 1 في ض: بهما. 2 الآية 72 من النمل، وهي ساقطة من ش. 3 هو الحسن بن احمد بن عبد الغفار، أبو علي الفارسي النحوي، إمام عصره في علوم العربية. أشهر مصنفاته "الإيضاح" في النحو و "التذكرة" و "المقصور والممدود" و "الحجة في القراءات" توفي سنة 377هـ. "انظر ترجمته في وفيات الأعيان 1/ 361 وما بعدها، معجم الادباء 7/ 232 وما بعدها، إنباه الرواة 1/ 273 وما بعدها، شذرات الذهب 3/ 88، المنتظم 7/ 138، بغية الوعاة 1/ 496". 4 الآية 57 من الأعراف. 5 الآية 5 من الزلزلة. 6 الآية 5 من مريم. 7 الآية 107 من الإسراء. 8 هو حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبي المصري، أبو عبد الله، وقيل أبو حفص، صاحب الإمام الشافعي وأحد رواة كتبه، كان إماماً حافظاً للحديث والفقه، صنف المبسوط والمختصر، وروى عنه مسلم في صحيحه وابن ماجة وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وغيرهم. توفي سنة 243هـ. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/ 155، شذرات الذهب 2/ 103، وفيات الأعيان 1/ 353، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 127 وما بعدها". 9 الحديث ورد في قصة بريرة لما أرادت عائشة أن تشتريها فتعتقها، إذا اشترط أهلها أن يكون =

الثَّانِي عَشَرَ: بِمَعْنَى "فِي" نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} 1. الثَّالِثَ عَشَرَ: بِمَعْنَى "عِنْدَ" أَيْ الْوَقْتِيَّةِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ" 2. وَمِنْهُ قَوْلُهُ3: "كَتَبْتُهُ لِخَمْسِ لَيَالٍ مِنْ كَذَا" أَيْ عِنْدَ انْقِضَائِهَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ4: وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 5، {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْت لِحَيَاتِي} 6. الرَّابِعَ عَشَرَ: بِمَعْنَى "مِنْ" نَحْوُ "سَمِعْت لَهُ صُرَاخًا" أَيْ مِنْهُ.

_ = الولاء لهم، فرفضت عائشة شراءها على هذا الشرط، فقال عليه الصلاة والسلام لعائشة: "خذيها واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن إعتق" ففعلت عائشة ذلك، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب في الناس فقال: "أما بعد، فما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرطه أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق". أخرجه البخاري والترمذي والبيهقي والشافعي في الأم عن عائشة، واللفظ للبيهقي والشافعي. "انظر صحيح البخاري 3/ 250، تحفة الأحوذي 4/ 468، سنن البيهقي 10/ 295، الأم 4/ 126، أقضية النبي صلى الله عليه وسلم للقرطبي ص102". 1 الآية 47 من الأنبياء. 2 رواه أبو هريرة وابن عمر وابن عباس والبراء بن عازب مرفوعاً، وأخرجه البخاري مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وأحمد في مسنده. "انظر صحيح البخاري 3/ 35، صحيح مسلم 2/ 759، تحفة الأحوذي 3/ 369، سنن النسائي 4/ 132، سنن ابن ماجة 1/ 530، كشف الخفا 2/ 33، نصب الراية 2/ 437". 3 في ش: قولك. 4 انظر الكشاف 1/ 686، 4/ 600. 5 الآية 78 من الإسراء. 6 الآية 24 من الفجر.

الْخَامِسَ عَشَرَ: بِمَعْنَى "عَنْ" كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إلَيْهِ} 1 أَيْ قَالُوا عَنْهُمْ ذَلِكَ. وَضَابِطُهَا: أَنْ تَجُرَّ اسْمَ مَنْ غَابَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا عَنْ قَوْلِ قَائِلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَمْ يَخُصَّهُ بَعْضُهُمْ بِمَا بَعْدَ الْقَوْلِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَلالَةَ حَرْفٍ عَلَى مَعْنَى حَرْفٍ: هُوَ طَرِيقُ الْكُوفِيِّينَ. وَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ: فَهُوَ عِنْدَهُمْ عَلَى تَضْمِينِ2 الْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ ذَلِكَ الْحَرْفُ 3 مَا يَصْلُحُ مَعَهُ مَعْنَى ذَلِكَ الْحَرْفِ 3 عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَيَرَوْنَ التَّجَوُّزَ فِي الْفِعْلِ أَسْهَلَ مِنْ التَّجَوُّزِ فِي الْحَرْفِ.

_ 1 الآية 11 من الأحقاف. 2 في ش: تضمن. 3 ساقطة من ش.

"بَلْ" "بَلْ"1 تَأْتِي "لِعَطْفٍ وَإِضْرَابٍ، إنْ وَلِيَهَا مُفْرَدٌ فِي إثْبَاتٍ" نَحْوُ: "جَاءَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو"، وَ "أَكْرِمْ زَيْدًا بَلْ عَمْرًا" "فَتُعْطَى حُكْمَ مَا قَبْلَهَا" وَهِيَ مَجِيءُ زَيْدٍ فِي الْمِثَالِ الأَوَّلِ، وَإِكْرَامُ زَيْدٍ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي "لِمَا بَعْدَهَا" أَيْ2 بَعْدَ "بَلْ" فِي الْمِثَالَيْنِ، وَهُوَ عَمْرٌو. "وَ" إنْ وَلِيَهَا مُفْرَدٌ "فِي نَفْيٍ" نَحْوُ "مَا قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو"، وَ "لا تَضْرِبْ زَيْدًا بَلْ عَمْرًا" "فَـ" إنَّهَا "تُقَرِّرُ" حُكْمَ "مَا قَبْلَهَا" وَهُوَ نَفْيُ قِيَامِ زَيْدٍ فِي الْمِثَالِ الأَوَّلِ، وَالنَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ زَيْدٍ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي "وَ" تُقَرِّرُ "ضِدَّهُ" أَيْ ضِدَّ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا "لِمَا بَعْدَهَا". هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَأَجَازَ الْمُبَرِّدُ [وَابْنُ] عَبْدِ الْوَارِثِ3، وَتِلْمِيذُهُ4

_ 1 انظر معاني "بل" في "البرهان 4/ 258-260، معترك الأقران 1/ 637 وما بعدها، مغني اللبيب 1/ 119 وما بعدها، الإتقان 2/ 185 وما بعدها، الجنى الداني ص235 وما بعدها، رصف المباني ص153-157، الأزهيّة ص228-231، تأويل مشكل القرآن ص536، المفصل ص305، فواتح الرحموت 1/ 236 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص109 وما بعدها، الصاحبي ص145 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 1/ 343 وما بعدها، كشف الأسرار 2/135 وما بعدها". 2 في ش: أي لما. 3 هو محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن عبد الوارث، أبو الحسين الفارسي النحوي، ابن اخت أبي علي الفارسي وتلميذه، وإمام النحو من بعده، أشهر تصانيفه "كتاب الهجاء" و "كتاب الشعر". توفي سنة 421هـ. "انظر ترجمته في إنباه الرواة 3/ 116، بغية الوعاة 1/ 94، معجم الادباء 18/ 186". 4 في ش: وتلميذ.

الْجُرْجَانِيُّ1 - مَعَ ذَلِكَ- أَنْ تَكُونَ نَاقِلَةً الْحُكْمَ2 الأَوَّلِ لِمَا بَعْدَهَا، كَمَا فِي الإِثْبَاتِ وَمَا فِي حُكْمِهِ. فَيُحْتَمَلُ عِنْدَهُمْ فِي نَحْوِ: "مَا قَامَ عَمْرٌو، بَلْ زَيْدٌ"، وَفِي: "لا تَضْرِبْ زَيْدًا، بَلْ عَمْرًا" أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ "لا تَضْرِبْ عَمْرًا" أَيْضًا. "وَ" لا تَكُونُ "بَلْ" عَاطِفَةً إنْ وَقَعَتْ "قَبْلَ جُمْلَةٍ" وَإِنَّمَا تَكُونُ "لابْتِدَاءٍ وَإِضْرَابٍ" وَهُوَ ضَرْبَانِ: - ضَرْبٌ "لإِبْطَالِ" الْحُكْمِ السَّابِقِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} 3. وَنَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} 4. - وَالضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ انْتِقَالٍ" أَيْ إضْرَابٌ لانْتِقَالٍ مِنْ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ مِنْ غَيْرِ إبْطَالِ الأَوَّلِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ، بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ} 5 وقَوْله6 تَعَالَى: {بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا

_ 1 هو عبد القاهر بن عبد الرحمن، أبو بكر الجرجاني الشافعي النحوي، الإمام المشهور، أخذ عن أبي الحسين بن عبد الوارث ابن اخت أبي علي الفارسي ولم يأخذ عن غيره، وكان من كبار أئمة العربية والبيان، أشهر كتبه "إعجاز القرآن" و "المقتصد في شرح الإيضاح" و "الجمل" وغيرها. توفي سنة 471هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 2/ 106، إنباه الرواة 2/188، شذرات الذهب 3/ 340، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 149، الوافي بالوفيات 1/ 612، طبقات المفسرين للداودي 1/ 320". 2 في ش: حكم. 3 الآية 70 من المؤمنون. 4 الآية 26 من الأنبياء. 5 الآيتان 62، 63 من المؤمنون. 6 في ش: وقال.

عَمُونَ} 1. فَفِي هَذِهِ الأَمْثِلَةِ لَمْ تُبْطِلْ شَيْئًا مِمَّا سَبَقَ، وَإِنَّمَا فِيهِ انْتِقَالٌ 2 مِنْ خَبَرٍ عَنْهُمْ 2 إلَى خَبَرٍ آخَرَ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الإِضْرَابَ الانْتِقَالِيَّ قَطْعٌ لِلْخَبَرِ لا لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ. وَظَاهِرُ كَلامِ ابْنِ مَالِكٍ: أَنَّ هَذِهِ عَاطِفَةٌ أَيْضًا، لَكِنْ جُمْلَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ3 وَصَرَّحَ بِهِ وَلَدُهُ4 فِي "شَرْحِ الأَلْفِيَّةِ".

_ 1 الآية 66 من النمل. 2 في ش: عنهم من خبر. 3 انظر تسهيل الفوائد ص177. 4 وولد ابن مالك هذا: هو محمد بن محمد بن عبد الله، بدر الدين بن مالك. قال الصفدي: "كان إماماً فهماً ذكياً حادّ الخاطر إماماً في النحو والمعاني والبيان والبديع والعروض والمنطق، جيد المشاركة في الفقه والأصول". أشهر مصنفاته "شرح ألفية والده" و "شرح كافيته" وشرح الحاجبية. توفي سنة 686هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/ 225، شذرات الذهب 5/ 398، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 98". وكلمة "ولده" ساقطة من ش.

"أَوْ" "أَوْ"1 حَرْفُ عَطْفٍ، وَتَأْتِي "لِشَكٍّ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} 2 وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ "إمَّا" الَّتِي لِلشَّكِّ: أَنَّ الْكَلامَ مَعَ "إمَّا" لا يَكُونُ إلاَّ مَبْنِيًّا عَلَى الشَّكِّ، بِخِلافِ "أَوْ" فَقَدْ يَبْنِي الْمُتَكَلِّمُ كَلامَهُ عَلَى الْيَقِينِ، ثُمَّ يُدْرِكُهُ الشَّكُّ. "وَ" تَأْتِي لِـ "إبْهَامٍ" وَيُعَبَّرُ عَنْهُ3 أَيْضًا بِالتَّشْكِيكِ، نَحْوُ "قَامَ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو". إذَا عَلِمْت الْقَائِمَ مِنْهُمَا. وَلَكِنْ قَصَدْت الإِيهَامَ عَلَى الْمُخَاطَبِ. فَهَذَا تَشْكِيكٌ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ، وَإِبْهَامٌ مِنْ جِهَةِ السَّامِعِ. "وَ" تَأْتِي "أَوْ"4 أَيْضًا5 لِـ "إبَاحَةٍ" نَحْوُ "جَالِسْ الْحَسَنَ، أَوْ ابْنَ سِيرِينَ". "وَ" تَأْتِي أَيْضًا لِـ "تَخْيِيرٍ" نَحْوُ6 "خُذْ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا". وَمِنْهُ "تَزَوَّجْ هِنْدًا أَوْ أُخْتَهَا". وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ

_ 1 انظر معاني "أو" في "معترك الأقران 1/ 612-615، الجنى الداني ص227-232، رصف المباني ص131-134، كشف الأسرار 2/ 143 وما بعدها، تأويل مشكل القرآن ص543 وما بعدها، الأزهيّة ص115-130، مغني اللبيب 1/ 64-71، الإتقان 2/ 175-178، المحلي على جمع الجوامع 1/ 336 وما بعدها، البرهان 4/ 209-214، الصاحبي ص127 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص105، فواتح الرحموت 1/ 238 وما بعدها، المفصل ص204 وما بعدها". 2 الآية 113 من المؤمنون. 3 في ز: عنها. 4 ساقطة من ش ع. 5 ساقطة من ع. 6 ساقطة من ز.

مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 1 وَحَدِيثِ الْجُبْرَانِ: "فِي الْمَاشِيَةِ شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا"2. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: امْتِنَاعُ الْجَمْعِ فِي التَّخْيِيرِ، وَجَوَازُهُ فِي الإِبَاحَةِ. "وَ" تَأْتِي "أَوْ"3 أَيْضًا لِـ "مُطْلَقِ جَمْعٍ"4 كَالْوَاوِ نَحْوُ5 قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} 6 عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ. "وَ" تَأْتِي أَيْضًا لِـ "تَقْسِيمٍ" نَحْوُ "الْكَلِمَةُ اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ حَرْفٌ". وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ مَالِكٍ بِالتَّفْرِيقِ7. وَقَالَ: "إنَّهُ أَوْلَى مِنْ لَفْظِ التَّقْسِيمِ". "وَ" تَأْتِي "أَوْ" أَيْضًا "بِمَعْنَى إلَى" نَحْوُ "لأَلْزَمَنَّك أَوْ تَقْضِيَنِي حَقِّي". "وَ" تَأْتِي أَيْضًا بِمَعْنَى "إلاَّ" نَحْوُ "لأَقْتُلَنَّ الْكَافِرَ أَوْ يُسْلِمَ"، أَيْ إلاَّ

_ 1 الآية 89 من المائدة. 2 هذا جزء من حديث طويل رواه أنس عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرفوعاً في بيان زكاة المواشي. وقد أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وأحمد والحاكم والبيهقي والشافعي، وصححه ابن حبان والدارقطني وغيرهما. قال ابن حزم: هذا كتاب في نهاية الصحة، عمل به الصديق بحضرة العلماء، ولم يخالفه أحد. "انظر نيل الأوطار 4/ 140، سنن أبي داود 1/ 359، صحيح البخاري بحاشية السندي 1/ 251، مستدرك الحاكم 1/ 360، سنن البيهقي 4/ 100، سنن النسائي 5/ 13". 3 ساقطة من ش. 4 في ش ع: الجمع. 5 في ش: في. 6 الآية 147 من الصافات. 7 انظر تسهيل الفوائد ص176.

أَنْ1 يُسْلِمَ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ2: وَكُنْت إذَا غَمَزْت قَنَاةَ قَوْمٍ ... كَسَرْت كُعُوبَهَا أَوْ تَسْتَقِيمَا أَيْ إلاَّ أَنْ تَسْتَقِيمَ. "وَ" تَأْتِي أَيْضًا "أَوْ" بِمَعْنَى "إضْرَابٍ كَـ بَلْ" وَمَثَّلُوهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يَزِيدُونَ} 3 عَلَى رَأْيِ مَنْ لَمْ4 يَجْعَلْهَا فِي الآيَةِ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 البيت لأبي أمامة زياد الأعجم, نسبه إليه سيبويه "1/428" والأصبهاني في الأغاني "13/ 90" والهروي في الأزهية "ص128" والسيرافي في شرح أبيات سيبويه "2/162" والعيني في شرح شواهد شروح الألفية "4/385" والسيوطي في شرح شواهد المغني "1/205" وحكى نسبته إليه البغدادي في شرح أبيات المغني "2/70". ومعنى البيت: أنه إذا هجا قوماً أبادهم بالهجاء وأهلكهم, إلا أن يتركوا سبّه وهجاءه. 3 الآية 147 من الصافات. 4 ساقطة من ش.

"لَكِنْ" "لَكِنْ"1 تَكُونُ "لِعَطْفٍ وَاسْتِدْرَاكٍ" وَمَعْنَى الاسْتِدْرَاكِ: أَنْ تَنْسُبَ لِمَا بَعْدَهَا حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ مَا قَبْلَهَا، وَلِذَلِكَ2 لا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا كَلامٌ مُنَاقِضٌ لِمَا بَعْدَهَا. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَإِنَّمَا تَكُونُ حَرْفَ عَطْفٍ وَاسْتِدْرَاكٍ بِشَرْطَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَقَدَّمَهَا نَفْيٌ أَوْ نَهْيٌ. وَالثَّانِي: أَنْ لا تَقْتَرِنَ بِالْوَاوِ - عِنْدَ أَكْثَرِ النُّحَاةِ- وَالتَّالِي لَهَا3 مُفْرَدٌ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ: "إنْ وَلِيَهَا مُفْرَدٌ فِي نَفْيٍ أَوْ نَهْيٍ" نَحْوُ "مَا قَامَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو" وَ "لا يَقُمْ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو". "وَ" تَكُونُ لَكِنْ "قَبْلَ جُمْلَةٍ لابْتِدَاءٍ" لا حَرْفِ عَطْفٍ، وَتَقَعُ هُنَا بَعْدَ إيجَابٍ وَنَفْيٍ وَنَهْيٍ وَأَمْرٍ لا4 اسْتِفْهَامٍ.

_ 1 انظر معاني "لكن" في "مغني اللبيب 1/ 323 وما بعدها، الجنى الداني ص586-592، رصف المباني ص274-278، كشف الأسرار 2/ 139 وما بعدها، الإتقان 2/ 232، معترك الأقران 2/ 248، المفصل ص305، فواتح الرحموت 1/ 237 وما بعدها، الصاحبي ص170، البرهان 4/389 وما بعدها". 2 في ش: وكذلك. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: و.

"الْبَاءُ" "الْبَاءُ"1 تَكُونُ "لإِلْصَاقٍ حَقِيقَةً" نَحْوُ "أَمْسَكْت 2 الْحَبْلِ بِيَدِي 2" "وَمَجَازًا" نَحْوُ "مَرَرْت بِزَيْدٍ" فَإِنَّ الْمُرُورَ لَمْ يُلْصَقْ بِهِ، وَإِنَّمَا أُلْصِقَ بِمَكَانٍ يَقْرُبُ مِنْ زَيْدٍ. وَمَعْنَى الإِلْصَاقِ: أَنْ يُضَافَ الْفِعْلُ إلَى الاسْمِ، فَيُلْصَقُ بِهِ بَعْدَ مَا كَانَ لا يُضَافُ إلَيْهِ لَوْلا دُخُولُهَا، نَحْوُ "خُضْت الْمَاءَ بِرِجْلِي"، وَ "مَسَحْت بِرَأْسِي". وَالْبَاءُ لا تَنْفَكُّ عَنْ الإِلْصَاقِ، إلاَّ أَنَّهَا قَدْ تَتَجَرَّدُ3 لَهُ، وَقَدْ يَدْخُلُهَا مَعَ ذَلِكَ مَعْنًى آخَرُ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ لَهَا سِيبَوَيْهِ4 مَعْنًى غَيْرَهُ. "وَلَهَا مَعَانٍ" أُخَرُ: أَحَدُهَا: التَّعْدِيَةُ، وَتُسَمَّى بَاءَ النَّقْلِ وَهِيَ الْقَائِمَةُ مَقَامَ الْهَمْزَةِ فِي تَصْيِيرِ الْفَاعِلِ مَفْعُولاً نَحْوُ5 قَوْله تَعَالَى: {ذَهَبَ اللَّهُ

_ 1 انظر معاني الباء في "الجنى الداني ص36- 56، الأزهيّة ص294-297، رصف المباني ص142-152، مغني اللبيب 1/ 106-118، تأويل مشكل القرآن ص568، 575، 578، البرهان 4/ 252-257، معترك الأقران 1/ 634-637، أوضح المسالك 3/ 35-38، الصاحبي ص105-107، الإشارة إلى الإيجاز ص36 وما بعدها، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ص41 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص104 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 62، القواعد والفوائد الأصولية ص140، 143، فواتح الرحموت 1/ 242، الاتقان 2/ 182-185، المفصل ص285، المحلي على جمع الجوامع 1/ 342 وما بعدها، كشف الأسرار 2/ 167 وما بعدها، المسودة ص356". 2 في ش: بالحبل. 3 في ش: تجرد. 4 انظر الكتاب لسيبويه 2/ 304. 5 في ش: في.

بِنُورِهِمْ} 1 وَأَصْلُهُ: 2 ذهَبَ نُورَهُمْ 2. الثَّانِي: الاسْتِعَانَةُ: وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى آلَةِ الْفِعْلِ وَنَحْوِهَا، نَحْوُ: "كَتَبْت بِالْقَلَمِ"، وَ "قَطَعْت بِالسِّكِّينِ"، وَمِنْهُ {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} 3. الثَّالِثُ: السَّبَبِيَّةُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} 4 وَأَدْرَجَ فِي "التَّسْهِيلِ" بَاءَ الاسْتِعَانَةِ فِي بَاءِ السَّبَبِيَّةِ5. الرَّابِعُ: التَّعْلِيلِيَّةُ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا} 6. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْعِلَّةَ مُوجِبَةٌ لِمَعْلُولِهَا، بِخِلافِ السَّبَبِ لِمُسَبَّبِهِ، فَهُوَ كَالأَمَارَةِ7. الْخَامِسُ: الْمُصَاحَبَةُ، "وَهِيَ الَّتِي"8 يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا9 "مَعَ" أَوْ يُغْنِي عَنْهَا وَعَنْ مَصْحُوبِهَا الْحَالُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} 10 أَيْ مَعَ الْحَقِّ، أَوْ مُحِقًّا11. السَّادِسُ: الظَّرْفِيَّةُ 12 بِمَعْنَى "فِي" لِلزَّمَانِ 12، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:

_ 1 الآية 17 من البقرة. 2 في ش: أذهب الله نورهم. 3 الآية 45 من البقرة. 4 الآية 40 من العنكبوت. 5 انظر تسهيل الفوائد لابن مالك ص145. 6 الآية 160 من النساء. 7 في ش: كالإشارة. 8 في ع ض ز ب: وهو الذي. 9 في ض: موضوعها. 10 الآية 170 من النساء. 11 في ش: حقاً. 12 في ش: معنى في الزمان.

{وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ} 1 وَلِلْمَكَانِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ} 2، وَرُبَّمَا كَانَتْ الظَّرْفِيَّةُ مَجَازِيَّةً، نَحْوُ "بِكَلامِك بَهْجَةٌ". السَّابِعُ: الْبَدَلِيَّةُ بِأَنْ يَجِيءَ مَوْضِعُهَا "بَدَلَ"، نَحْوُ قَوْلِهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فِي الْحَدِيث: "مَا يَسُرُّنِي بِهَا حُمْرُ النَّعَمِ" 3 أَيْ بَدَلَهَا. الثَّامِنُ: الْمُقَابَلَةُ، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الأَثْمَانِ وَالأَعْوَاضِ4. نَحْوُ "اشْتَرَيْت الْفَرَسَ بِأَلْفٍ"، وَدُخُولُهَا غَالِبًا عَلَى الثَّمَنِ. وَرُبَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُثَمَّنِ. قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً} 5 وَلَمْ يَقُلْ: وَلا تَشْتَرُوا آيَاتِي بِثَمَنٍ قَلِيلٍ. التَّاسِعُ: الْمُجَاوَزَةُ بِمَعْنَى "عَنْ" وَتَكْثُرُ بَعْدَ السُّؤَالِ نَحْوُ: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} 6 وَتَقِلُّ بَعْدَ غَيْرِهِ نَحْوُ: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} 7 وَهُوَ مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ، وَتَأَوَّلَهُ الشَّلَوْبِينَ عَلَى أَنَّهَا بَاءُ السَّبَبِيَّةِ.

_ 1 الآيتان 137، 138 من الصافات. 2 الآية 123 من آل عمران. 3 الحديث رواة محمد بن إسحاق عن محمد بن زيد بن المهاجر عن طلحة بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن حلف الفضول: "لقد شهد في دار عبد الله بن جُدعان حِلْفَاً ما أحبُّ أنْ لي به حُمُرَ النُعَم، ولو أدعى به في الإسلام الأجبت". كما روي من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين. والمراد بقوله "ما أحبُّ أن لي به حمر النعم" أنني لا أحب نقضه وإن دُفع لي حمر النعم في مقابلة ذلك، وهذ الحلف كان في الجاهلية وتعاقدت فيه قبائل من قريش وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه على مَنْ ظلمه حتى ترد إليه مظلمته. "انظر سيرة ابن هشام 1/ 145، البداية والنهاية 2/ 293، شفاء الغرام 2/ 99 وما بعدها، الاكتفاء للكلاعي 1/ 89". 4 في ع: الأعراض. 5 الآية 41 من البقرة. 6 الآية 59 من الفرقان. 7 الآية 25 من الفرقان.

الْعَاشِرُ: الاسْتِعْلاءُ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ} 1 أَيْ عَلَى دِينَارٍ. وَحَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي2 فِي "الْبُرْهَانِ" عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. الْحَادِيَ عَشَرَ: الْقَسَمُ، وَهُوَ أَصْلُ حُرُوفِهِ، نَحْوُ "بِاَللَّهِ لأَفْعَلَنَّ". الثَّانِي3 عَشَرَ: الْغَايَةُ. نَحْوُ {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} 4 أَيْ إلَيَّ. الثَّالِثَ 3 عَشَرَ: التَّوْكِيدُ وَهِيَ الزَّائِدَةُ إمَّا مَعَ الْفَاعِلِ5، نَحْوُ "أَحْسِنْ بِزَيْدٍ"6، عَلَى قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ فَاعِلٌ، أَوْ مَعَ7 الْمَفْعُولِ، نَحْوُ8: {وَهُزِّي إلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} 9، أَوْ مَعَ الْمُبْتَدَأِ. نَحْوُ "بِحَسْبِكَ دِرْهَمٌ"، أَوْ الْخَبَرُ نَحْوُ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} 10.

_ 1 الآية 75 من آل عمران. 2 هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي، أبو المعالي، الملقب بضياء الدين، المعروف بإمام الحرمين. قال ابن خلكان: "إعلم المتأخرين من أصحاب الإمام الشافعي على الإطلاق، المجمع على إمامته، المتفق على غزارة مادته وتفننه في العلوم، أشهر مصنفاته "نهاية المطلب" في الفقه و "البرهان" في أصول الفقه و "الإرشاد" و "الشامل" في أصول الدين و "غياث الأمم" في الأحكام السلطانية. توفي سنة 478هـ. "انظر ترجمته في وفيات الأعيان 2/ 341 وما بعدها، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 165 وما بعدها، المنتظم 9/ 18، شذرات الذهب 3/ 358". 3 ساقطة من ش. 4 الآية 100 من يوسف. 5 في الأصول الخطية كلها: الفعل. ليس بصواب. 6 قال ابن هاشم: إن الأصل "أحسن زيدّ" بمعنى صار ذا حُسْنٍ، ثم غْيّرت صيعة الخبر إلى الطلب، وزيدت الباء إصلاحاً للفظ، "مغني اللبيب 1/ 112". 7 في الأصول الخطية كلها: معنى. وليس بصواب. 8 في ش: ونحو. 9 الآية 25 من مريم. 10 الآية 36 من الزمر.

الرَّابِعَ1 عَشَرَ: التَّبْعِيضُ. قَالَ بِهِ الْكُوفِيُّونَ وَالأَصْمَعِيُّ وَالْفَارِسِيُّ وَابْنُ مَالِكٍ2 نَحْوُ: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} 3 أَيْ مِنْهَا. وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} 4 وَأَنْكَرَهُ ابْنُ جِنِّي5 وَغَيْرُهُ6. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ7: "إنَّهَا هُنَا تُفِيدُ فَائِدَةً غَيْرَ التَّبْعِيضِ، وَهُوَ الدَّلالَةُ عَلَى مَمْسُوحٍ8 بِهِ. قَالَ: وَالأَصْلُ فِيهِ: "امْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ الْمَاءَ". فَتَكُونُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ. وَالأَصْلُ: رُءُوسَكُمْ بِالْمَاءِ"9.

_ 1 في ش: الثالث. 2 انظر تسهيل الفوائد ص145. 3 الآية 6 من الإنسان. 4 الآية 6 من المائدة. 5 فقال: "فأما ما يحكيه أصحاب الشافعي رحمه الله عنه من أن الباء للتبعيض، فشيء لا يعرفه أصحابنا، ولا ورد به ثَبَتٌ". "سر صناعة الإعراب 1/ 139". 6 كابن دريد وابن عرفة وابن برهان وغيرهم. "انظر القواعد والفوئد الأصولية ص140 وما بعدها". 7 هو محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الأندلسي الا شبيلي، المعروف بأبي بكر بن العربي القاضي، كان إماماُ من أئمة المالكية، أقرب إلى الاجتهاد منه إلى التقليد، محدثاً فقيهاً أصولياً مفسراً. أديباً متكلماً، أشهر كتبه "أحكام القرآن" و "الإنصاف في مسائل الخلاف" و "المحصول في علم الأصول" و "عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي" وغيرها, توفي سنة 543هـ. "انظر ترجمته في وفيات الأعيان 3/ 423, الديباج المذهب 2/ 252, شذرات الذهب 4/ 141, طبقات المفسرين للداودي 2/ 162, الفتح المبين 2/28". 8 في ش: الممسوح. 9 ونص كلام ابن العربي كما جاء في كتابه "أحكام القرآن": "ظن ً بعض الشافعية وحشوية النحوية أن الباء للتبعيض, ولم يبق ذو لسان رطب إلاً وقد أفاض في ذلك, حتى صار الكلام فيها إخلالاً با لمتكلم ولايجوز لمن شدا طرفاً من العربية أن يعتقد في الباء ذلك ... إلى أن يقول: وذلك أن قوله "وامسحوا" يقتضي ممسوحا به, والممسوح الأول هو المكان, والممسوح الثاني هو الآلة التي بين الماسح والممسوح كاليد، والمحصّل للمقصود من المسح وهو المنديل، وهذه ظاهرة لا خفاء به. فإذا ثبت هذا، فلو قال "امسحوا رءوسكم" لأجراً المسح باليد إمرار من غير شيء على الرأس، لا ماء ولا سواه، فجاء بالباء ليفيد ممسوحاً به وهو الماء، فكأنه قال "فاسمحوا برءوسكم الماء" من باب المقلوب، والعرب تستعمله ... الح". "أحكام القرآن 2/ 569".

"إذَا" "إذَا"1 تَأْتِي "لِمُفَاجَأَةٍ حَرْفًا" وَهِيَ الَّتِي يَقَعُ بَعْدَهَا الْمُبْتَدَأُ، فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّرْطِيَّةِ. فَإِنَّ الْوَاقِعَ بَعْدَهَا الْفِعْلُ. وَقَدْ اجْتَمَعَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ إذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنْ الأَرْضِ إذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} 2. وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمُفَاجَأَةِ: {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} 3، وَلا تَحْتَاجُ "إذًا" الْمُفَاجَأَةُ إلَى جَوَابٍ. وَمَعْنَاهَا الْحَالُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: "وَمَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ: حُضُورُ الشَّيْءِ مَعَك فِي وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِك الْفِعْلِيَّةِ، وَتَصْوِيرُهُ فِي قَوْلِك4: "خَرَجْت فَإِذَا الأَسَدُ" [فَمَعْنَاهُ] 5، حُضُورُ الأَسَدِ مَعَك فِي زَمَنِ وَصْفِك بِالْخُرُوجِ، أَوْ فِي مَكَان خُرُوجَك6، وَحُضُورُهُ7 مَعَك8 فِي مَكَانِ خُرُوجِك أَلْصَقُ بِك مِنْ

_ 1 انظر معاني "إذا" في "مغني اللبيب 1/ 92-105، رصف المباني ص61 وما بعدها، الأزهيّة ص211 وما بعدها، الجنى الداني ص367-380، البرهان 4/ 190-206، كشف الأسرار 2/ 193 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 341، الإتقان 2/ 147-152، فواتح الرحموت 1/ 248 وما بعدها، معترك الأقران 1/ 580-585". 2 الآية 25 من الروم. 3 الآية 20 من طه. 4 في ش: قوله. 5 زيادة من نص كلام ابن الحاجب الذي نقله عنه السيوطي في الاتقان 2/ 148 ومعترك الأقران 1/ 580، بيد أنَّها في المعترك "معناه". 6 في ش: يخرج خروجك. 7 كذا في نص ابن الحاجب كما نقله عنه السيوطي في الاتقان 2/ 148 ومعترك الأقران 1/ 580، وفي ش ز: أو. وفي د ع ب ض: إذ. 8 في ش: معه.

حُضُورِهِ فِي زَمَنِ خُرُوجِك1؛ لأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ يَحْصُك2 دُونَ مَنْ أَشْبَهَك. وَذَلِكَ الزَّمَانُ لا يَخُصُّكَ3 دُونَ مَنْ أَشْبَهَك. وَكُلَّمَا كَانَ أَلْصَقَ كَانَتْ الْمُفَاجَأَةُ فِيهِ أَقْوَى". "وَ" تَأْتِي "إذَا" "ظَرْفًا لِـ" زَمَنٍ "مُسْتَقْبَلٍ لا مَاضٍ وَحَالٍ، مُتَضَمِّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِ غَالِبًا" وَلِذَلِكَ تُجَابُ هِيَ بِمَا تُجَابُ بِهِ أَدَوَاتُ الشَّرْطِ نَحْوُ "إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَقُمْ إلَيْهِ"، فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى ظَرْفِيَّتِهَا، إلاَّ أَنَّهَا ضُمِّنَتْ مَعْنَى الشَّرْطِ. وَلِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا سَائِرُ أَحْكَامِ الشَّرْطِ: فَلَمْ يُجْزَمْ بِهَا الْمُضَارِعُ، وَلا تَكُونُ إلاَّ فِي الْمُحَقَّقِ. وَمِنْهُ: {وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ} 4 لأَنَّ مَسَّ الضُّرِّ فِي الْبَحْرِ مُحَقَّقٌ. وَلَمَّا لَمْ يُقَيَّدْ بِالْبَحْرِ أَتَى5 بِـ "إِنْ" الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَشْكُوكِ فِيهِ نَحْوُ: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} 6. وَتَخْتَصُّ بِالدُّخُولِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ7 الْمَعْنَى. وَمَا قُلْنَاهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ كَوْنِ "إذَا" لا تَجِيءُ لِمَاضٍ وَلا لِحَالٍ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَتَأَوَّلُوا مَا أَوْهَمَ خِلافَ ذَلِكَ.

_ 1 في ش: خروجه. 2 في ش: يحصل. 3 في ش: لا يحصل. 4 الآية 67 من الإسراء. 5 في ش: أي. 6 الآية 51 من فصلت. وقد جاء في الأصول الخطية كلها "وإن مسه الشر فذو دعاء عريض" وهو خطأ في الآية. فذكرنا الصواب، الآية لا تصلح شاهداً لكلامه، وإنما الذي يشهد له قوله تعالى: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ} الآية 49 من فصلت. 7 في ش: الاسمية الفعليه.

وَمِمَّا 1 أَوْهَمَ مَجِيئَهَا لِلْمَاضِي: نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} 2 {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} 3 وَمِمَّا 1 أَوْهَمَ مَجِيئَهَا لِلْحَالِ4 نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى} 5، {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى} 6. وَقَالُوا: إنَّهَا لَمَّا جُرِّدَتْ هُنَا عَنْ الشَّرْطِ جُرِّدَتْ عَنْ الظَّرْفِ. فَتَكُونُ هُنَا لِمُجَرَّدِ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا مُخْتَصَّةً بِأَحَدِ الأَزْمِنَةِ الثَّلاثَةِ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 الآية 92 من التوبة. 3 الآية 11 من الجمعة. 4 في ز: لحال. 5 الآية الأولى من الليل. 6 الآية الأولى من النجم.

"إذْ" "إذْ"1 بِإِسْكَانِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ "اسْمٌ" لإِضَافَتِهَا فِي نَحْوِ: {بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا} 2 وَلِتَنْوِينِهَا3 فِي نَحْوِ "يَوْمَئِذٍ"4 "لِـ" زَمَنٍ "مَاضٍ" فَقَطْ. "وَفِي قَوْلٍ" لِزَمَنٍ "مُسْتَقْبَلٍ" مِثْلُ "إذَا" وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ5 وَطَائِفَةٌ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} 6. وَأَجَابَ الأَكْثَرُ عَنْ الآيَةِ وَنَحْوِهَا بِأَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ. مِثْلُ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} 7. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ: فَتَأْتِي "ظَرْفًا" لِزَمَنٍ مَاضٍ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 8. "وَ" تَأْتِي "مَفْعُولاً بِهِ" نَحْوُ: {وَاذْكُرُوا إذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} 9.

_ 1 انظر معاني "إذ" في "معترك الأقران 1/ 576-580، الإتقان 2/ 144-147، الجنى الداني ص185-192، البرهان 4/ 207 وما بعدها، رصف المباني ص59 وما بعدها، مغني اللبيب 1/ 84-92، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 339 وما بعدها، الصاحبي ص140". 2 الآية 8 من آل عمران. 3 في ش ض: وتنوينها. 4 في ش: حينئذ. 5 انظر تسهيل الفوائد ص93. 6 الآيتان 70، 71 من غافر. 7 الآية الأولى من النحل. 8 الآية 40 من التوبة. 9 الآية 86 من الأعراف.

"وَ" تَأْتِي "بَدَلاً مِنْهُ" أَيْ مِنْ الْمَفْعُولِ. نَحْوُ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إذْ انْتَبَذَتْ} 1 فَإِذْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مَرْيَمَ. "وَ" تَأْتِي "لِتَعْلِيلٍ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ الْيَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ} 2. وَقَوْلِهِ: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ} 3. "وَ" تَأْتِي لِ "مُفَاجَأَةٍ" وَهِيَ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ "بَيْنَا"4 وَ "بَيْنَمَا"، نَحْوُ قَوْلِك: "بَيْنَا أَنَا5 كَذَا إذْ جَاءَ زَيْدٌ" وَ: فَبَيْنَمَا6 الْعُسْرُ إذْ دَارَتْ مَيَاسِيرُ7 نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ8. وَتَكُونُ "حَرْفًا" فِي مَجِيئِهَا لِلتَّعْلِيلِ وَالْمُفَاجَأَةِ.

_ 1 الآية 16 من مريم. 2 الآية 39 من الزخرف. 3 الآية 11 من الأحقاف. 4 كذا في الجنى الداني ومغني اللبيب والمحلي على جمع الجوامع. وفي الأصول الخطية كلها: بين. 5 ساقطة من ش. 6 كذا في الكتاب لسيبويه ومغني اللبيب والشذور وغيرها, وفي الأصول الخطية كلها: بنما. 7 هذا عجز البيت, وصدره: استقدر الله خيراً وارضين به وقد اختلف5 في قائله, فنسبه أبو حاتم السجستاني في كتابه "المعمرين" على حريث بن جبلة العذري وحكى ابن الأنباري أنه لعثير بن لبيد العذري, ونسبه البعض إلى عثمان بن لبيد, ونسبه غيرهم إلى جبلة بن الحويرث العذري. وقيل غير ذلك في ... وقد استشهد به سيبويه في الكتاب وابن هشام في شذور الذهب ومغني اللبيب ولم ينسباه. "انظر شرح شواهد المغني للبغدادي 2/ 168 وما بعدها, تحقيق العلامة عبد العزيز الميمني في هذا البيت في هامش سمط اللآلي 2/ 800". 8 الكتاب لسيبويه 2/ 158".

"لَوْ" "لَوْ"1 حَرْفُ امْتِنَاعٍ لامْتِنَاعٍ" فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، أَيْ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الثَّانِي لامْتِنَاعِ الأَوَّلِ، فَقَوْلُك: "لَوْ جِئْتَنِي لأَكْرَمْتُك". دَالٌّ عَلَى انْتِفَاءِ الإِكْرَامِ، لانْتِفَاءِ الْمَجِيءِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ جَوَابَهَا قَدْ لا يَكُونُ مُمْتَنِعًا بِمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ2 فِي "الْحِلْيَةِ": أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ3: "إنَّهُ شَدِيدُ 4 الْحُبِّ لِلَّهِ 4 لَوْ كَانَ لا يَخَافُ اللَّهَ مَا عَصَاهُ" 5.

_ 1 انظر معاني "لو" في "رضف المباني ص289-292، معترك الأقران 2/ 253-257، الإتقان 2/ 236-239، مغني اللبيب 1/ 283-301، الجنى الداني ص272-290، البرهان 4/ 363-375، الطراز 2/ 211-215، الصاحبي ص163، المفصل ص320 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص107 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 249، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 352-360". 2 هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الشافعي الحافظ، أحد الأفذاذ الذين جمعوا بن الرواية والدراية. قال ابن النجار: "هو تاج المحدثين وأحد أعلام الدين". أشهر مصنفاته "حلية الأولياء" و "تاريخ أصبهان" و "دلائل النبوة" و "معرفة الصحابة" و "المستخرج على صحيح البخاري" توفي سنة 430هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 4/ 18 وما بعدها، وفيات الأعيان 1/ 75، المنتظم 8/ 100، شذرات الذهب 3/ 245". 3 هو سالم بن معقل، مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة، أبو عبد الله، أصله من فارس، وهو من فضلاء الصحابة والمهاجرين. قال النووي: "والأحاديث الصحيحة في فضله كثيرة". وقد أعتقته مولاته بثينة امرأة أبي حذيفة الأنصاري، فتولاه أبو حذيفة وتبناه، شهد بدراً وأحداً والخندق وسائر المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل شهيداً يوم اليمامة وهو يحمل لواء المسلمين وذلك في سنة 12هـ. "انظر ترجمته في الإصابة 2/ 6، الاستيعات 2/ 70، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 206، حلية الأولياء 1/ 176". 4 في ش: المحبة. 5 حلية الأولياء 1/ 177، وقد قال العجلوني أن سنده في رواية أبى نعيم ضعيف، وأنه رواه الديلمي أيضاً. "كشف الخفا 2/ 323".

وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ لانْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبَيْنِ: الْمَحَبَّةَ وَالْخَوْفَ. فَلَوْ انْتَفَى الْخَوْفُ لَمْ تُوجَدْ الْمَعْصِيَةُ لِوُجُودِ الآخَرِ، وَهُوَ الْمَحَبَّةُ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: "إنَّهَا حَرْفٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ"1، يَعْنِي أَنَّهَا تَقْتَضِي فِعْلاً مَاضِيًا كَانَ يُتَوَقَّعُ ثُبُوتُهُ لِثُبُوتِ غَيْرِهِ. وَالْمُتَوَقَّعُ غَيْرُ وَاقِعٍ. فَكَأَنَّهُ قَالَ: حَرْفٌ يَقْتَضِي فِعْلاً امْتَنَعَ لامْتِنَاعِ مَا كَانَ ثَبَتَ لِثُبُوتِهِ. وَقِيلَ: إنَّهَا لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ، أَيْ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي كَمَا تَدُلُّ "إنْ" عَلَى التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلا تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ شَرْطٍ وَلا جَوَابٍ. وَقِيلَ: إنَّهَا حَرْفٌ يَقْتَضِي فِي الْمَاضِي امْتِنَاعَ مَا يَلِيهِ، وَاسْتِلْزَامَهُ لِتَالِيهِ، أَيْ تَقْتَضِي أَمْرَيْنِ: - أَحَدُهُمَا: امْتِنَاعُ مَا يَلِيهِ، وَهُوَ شَرْطُهُ. - وَالأَمْرُ الثَّانِي: كَوْنُ مَا يَلِيهِ مُسْتَلْزِمًا لِتَالِيهِ، وَهُوَ جَوَابُهُ، وَلا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الْجَوَابِ فِي نَفْسِ الأَمْرِ وَلا ثُبُوتِهِ. فَإِذَا قُلْت: "لَوْ قَامَ زَيْدٌ لَقَامَ2 عَمْرٌو". فَقِيَامُ زَيْدٍ مَحْكُومٌ3 بِانْتِفَائِهِ فِي مَا مَضَى4، وَيَكُونُ ثُبُوتُهُ مُسْتَلْزِمًا لِثُبُوتِ قِيَامِ عَمْرٍو، وَهَلْ لِعَمْرٍو قِيَامٌ أَوْ لا5؟ لَيْسَ فِي الْكَلامِ تَعَرُّضٌ لَهُ. وَصَحَّحَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ السُّبْكِيُّ وَوَلَدُهُ التَّاجُ6. وَهِيَ فِي بَعْضِ نُسَخِ "التَّسْهِيلِ".

_ 1 انظر الكتاب لسيبويه 2/ 307. 2 في ش: لكان. 3 في ش: المحكوم. 4 في ش: ماض. 5 ساقطة من ع. 6 انظر جمع الجوامع للتاج السبكي وشرحه للمحلي 1/ 354 وما بعدها.

قَالَ الْمُرَادِيُّ1 فِي "شَرْحِ الأَلْفِيَّةِ": "قَالَ فِي "شَرْحِ الْكَافِيَةِ"2: الْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ3 فِي "لَوْ" أَنْ يُقَالَ: "حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ تَالٍ4: يَلْزَمُ لِثُبُوتِهِ ثُبُوتُ تَالِيهِ". فَقِيَامُ5 زَيْدٍ مِنْ قَوْلِك: "لَوْ قَامَ زَيْدٌ لَقَامَ عَمْرٌو"، مَحْكُومٌ بِانْتِفَائِهِ6 فِيمَا مَضَى. وَكَوْنُهُ مُسْتَلْزِمًا ثُبُوتَهُ لِثُبُوتِ7 قِيَامَ عَمْرٍو. وَهَلْ لِعَمْرٍو قِيَامٌ آخَرُ غَيْرُ اللاَّزِمِ عَنْ قِيَامِ8 زَيْدٍ، أَوْ لَيْسَ لَهُ؟ لا تَعَرُّضَ9 لِذَلِكَ، بَلْ الأَكْثَرُ كَوْنُ10 الأَوَّلِ. وَالثَّانِي غَيْرُ وَاقِعَيْنِ"11. "وَ" تَأْتِي "لَوْ" "شَرْطًا لِـ" فِعْلٍ "مَاضٍ، فَيُصْرَفُ12 الْمُضَارِعُ إلَيْهِ" أَيْ إلَى الْمُضِيِّ13، عَكْسُ "إنْ" الشَّرْطِيَّةِ. فَإِنَّهَا تَصْرِفُ الْمَاضِيَ إلَى الاسْتِقْبَالِ.

_ 1 هو الحسن بن قاسم بن عبد الله المرادي المالكي، بدر الدين، المعروف بابن أم قاسم، النحوي اللغوي، المفسر المقرىء، الفقيه الأصولي. أشهر مصنفاته "تفسير القرآن" و "إعراب القرآن" و "شرح التسهيل" و "شرح المفصل" و "شرح الألفية" و "الجنى الداني في حروف المعاني" توفي سنة 749هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/ 517، طبقات المفسرين للداودي 1/ 139، الدرر الكامنة 2/ 116، شذرات الذهب 6/ 160". 2 في ع: الكافي. 3 في ش: المجيدة. 4 في ش ز: قال. 5 في ش: فقام. 6 في ش: بامتناعه. 7 ساقطة من ش. 8 في ش: قياس. 9 في شرح المرادي: لا يتعرض. 10 ساقطة من ش. 11 شرح المرادي على الألفية 4/ 272. 12 في ش ز: فينصرف. 13 في ش: المعنى.

وَأَنْكَرَ قَوْمٌ كَوْنَهَا حَرْفَ شَرْطٍ؛ 1 لأَنَّ الشَّرْطَ فِي الاسْتِقْبَالِ. وَ "لَوْ" لِلتَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالشَّرْطِ الرَّبْطُ الْمَعْنَوِيُّ الْحُكْمِيُّ فَهُوَ شَرْطٌ 1، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَعْمَلُ فِي الْجُزْأَيْنِ فَلا. "وَ" تَأْتِي شَرْطًا "لِمُسْتَقْبَلٍ قَلِيلاً، فَيُصْرَفُ الْمَاضِي إلَيْهِ" أَيْ إلَى الاسْتِقْبَالِ. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} 2 قَالَ جَمَاعَةٌ. وَخَطَّأَهُمْ ابْنُ الْحَاجِّ3 بِأَنَّك لا تَقُولُ: "لَوْ يَقُومُ زَيْدٌ فَعَمْرٌو مُنْطَلِقٌ" كَمَا تَقُولُ: "إنْ لا4 يَقُمْ زَيْدٌ فَعَمْرٌو مُنْطَلِقٌ". وَكَذَا5 قَالَ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ: عِنْدِي أَنَّهَا لا تَكُونُ لِغَيْرِ الشَّرْطِ فِي الْمَاضِي وَلا حُجَّةَ فِيمَا تَمَسَّكُوا بِهِ لِصِحَّةِ حَمْلِهِ عَلَى الْمُضِيِّ6. "وَ" تَأْتِي أَيْضًا "لَوْ"7 "لِتَمَنٍّ" نَحْوُ: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} 8 أَيْ "فَلَيْتَ لَنَا كَرَّةً". وَلِهَذَا نُصِبَ "فَنَكُونَ".

_ 1 ساقطة من ش. 2 الآية 17 من يوسف. 3 هو أحمد بن محمد بن أحمد الأزدي، أبو العباس الإشبيلي، المعروف بابن الحاج، فرأ على الشلوبين وأمثاله. وكان بارعاً في النحو والأدب مشاركاً في الفقه والأصول. قال في البدر السافر: "برع في لسان العرب حتى لم يبق فيه من يفوقه أو يدانيه". أشهر كتبه "شرح كتاب سيبويه" و "مختصر خصائص ابن جني" و "مختصر المستصفى" توفي سنة 647هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/ 359، درّة الحجال 1/ 43، الدرر الكامنة 1/ 262". 4 كذا في ش ب ض. وفي ز: "إن" ساقطة. وفي ع: أن لا يقوم. 5 في ب ض: ولذا. 6 في ش: المعنى. 7 ساقطة من ع. 8 الآية 102 من الشعراء.

وَهَلْ هِيَ امْتِنَاعِيَّةٌ أُشْرِبَتْ مَعْنَى التَّمَنِّي، أَوْ قِسْمٌ بِرَأْسِهِ، أَوْ هِيَ الْمَصْدَرِيَّةُ أَغْنَتْ عَنْ التَّمَنِّي؟ فِيهِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ. "وَ" تَأْتِي "لَوْ"1 أَيْضًا لِـ "عَرْضٍ" نَحْوُ: "لَوْ تَنْزِلُ عِنْدَنَا2، فَتُصِيبُ خَيْرًا". "وَ" تَأْتِي أَيْضًا لِ "تَحْضِيضٍ" نَحْوُ "لَوْ فَعَلْت كَذَا"، أَيْ: افْعَلْ كَذَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْعَرْضَ طَلَبٌ بِلِينٍ وَرِفْقٍ، وَالتَّحْضِيضُ: طَلَبٌ بِحَثٍّ. "وَ" تَأْتِي أَيْضًا لِ "تَقْلِيلٍ" نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُدُّوا السَّائِلَ، وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ" 3 وَ "الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ" 4 وَ "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ" 5.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: علينا. 3 أخرجه النسائي ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده والبخاري في تاريخه عن ابن بُجيد الأنصاري عن جدته مرفوعاً. والظِلْفُ: هو للبقر والغنم كالحافر للفرس. ومعنى مُحرَق: أي مشوي. "انظر الموطأ 2/ 923، سنن النسائي 5/ 18، مسند أحمد 4/ 70، الفتح الكبير 2/ 134". 4 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده عن سهل ابن سعد الساعدي مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 7/ 8، صحيح مسلم 2/ 1041، سنن أبي داود 2/ 318، تحفة الأحوذي 4/ 254، سنن النسائي 6/ 123، سنن ابن ماجة 1/ 608، مسند أحمد 5/ 336، أقضية النبي صلى الله عليه وسلم ص58". 5 أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد في مسنده عن عدي بن حاتم مرفوعاً. وأخرجه الحاكم عن ابن عباس والبزار عن أبي بكر الصديق ورفعاه. "انظر صحيح البخاري 8/ 14، صحيح مسلم 2/ 703، سنن ابن ماجة 1/ 66، تحفة الأحوذي 7/ 98، مسند أحمد 4/ 258، كشف الحفا 1/ 42".

أَثْبَتَهُ ابْنُ هِشَامٍ الْخَضْرَاوِيُّ1 وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ2 فِي "الْقَوَاطِعِ" قَالَ الزَّرْكَشِيُّ3، - شَارِحُ "جَمْعِ الْجَوَامِعِ" -: وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِمَّا بَعْدَهَا. لا مِنْ الصِّيغَةِ. "وَ" تَأْتِي أَيْضًا "لَوْ" لِمَعْنًى "مَصْدَرِيٍّ" أَثْبَتَهُ الْفَرَّاءُ وَالْفَارِسِيُّ وَالتَّبْرِيزِيُّ4 وَأَبُو الْبَقَاءِ وَابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ. وَعَلامَتُهَا5: أَنْ يَصْلُحَ فِي مَوْضِعِهَا

_ 1 هو محمد بن يحيى بن هاشم الخضراوي، أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي الأندلسي، ويعرف بابن البرذعي، كان أماماً في العربية والقراءات، عاكفاً على التعليم والتعلم، أشهر كتبه "فصل المقال في أبنية الأفعال" و "الإفصاح بفوائد الإيضاح" و "نقض الممتع لابن عصفورة" توفي سنة 646هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/ 267". 2 هو منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي الشافعي، الشهير بابن السَّمعاني، أبو المظفر، ابن الإمام أبي منصور، الفقيه الأصولي الثبت. قال ابن السبكي عنه: "الإمام الجليل، العَلَم الزاهد الورع، أحد أئمة الدنيا"، ثم قال: "وصنف في أصول الفقه "القواطع" وهو يغني عن كل ما صنف في ذلك الفن ... ولا أعرف في أصول الفقه أحسن من كتاب القواطع ولا اجمع". وله مصنفات أخرى أشهرها "البرهان" في الخلاف و "الأوساط" و "المختصر". توفي سنة 489هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 5/ 335-346، النجوم الزاهرة 5/ 160، شذرات الذهب 3/ 393". 3 هو محمد بن بهادر بن عبد الله، بدر الدين، أبو عبد الله الزركشي الشافعي، الفقيه الأصولي المحدث، أشهر كتبه "شرح جمع الجوامع" و "البحر" في أصول الفقه و "تخريج أحاديث الرافعي". توفي سنة 794هـ. "انظر ترجمته في الدرر الكامنة 4/ 17، الفتح المبين 2/ 209، شذرات الذهب 6/ 335". 4 هو يحيى بن علي بن محمد الشيباني، أبو زكريا التبريزي، أحد أئمة اللغة والنحو والأدب، وصاحب التصانيف القيمة النافعة كـ "شرح الحماسة" و "شرح المفضليات" و "شرح ديوان المتنبي" و "شرح سقط الزند" و "شرح اللمع لابن جني" و "إعراب القرآن" و "تفسير القرآن" وغيرها. توفي سنة 502هـ. "انظر ترجمته في وفيات الأعيان 5/ 238 وما بعدها، شذرات الذهب 4/ 5، المنتظم 9/ 161، معجم الأدباء 20/ 25 وما بعدها، طبقات المفسرين للداودي 2/ 372، بغية الوعاة 2/ 338، إنباه الرواة 4/ 22 وما بعدها". 5 في ع: وعلاقتها.

"أَنْ"، وَأَكْثَرُ وُقُوعِهَا بَعْدَ مَا يَدُلُّ عَلَى تَمَنٍّ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} 1. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الأَكْثَرُ. وَقَالُوا: الآيَةُ وَنَحْوُهَا عَلَى2 حَذْفِ مَفْعُولِ "يَوَدُّ". وَجَوَابُ "لَوْ" أَيْ: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ طُولَ الْعُمُرِ3، لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ لَسُرَّ بِذَلِكَ.

_ 1 الآية 96 من البقرة. 2 أي تُحمل. 3 في ع: التعمير.

"لَوْلا" "لَوْلا"1 حَرْفٌ يَقْتَضِي فِي جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ امْتِنَاعَ جَوَابِهِ لِوُجُودِ شَرْطٍ" نَحْوُ: "لَوْلا زَيْدٌ لأَكْرَمْتُك"، أَيْ لَوْلا زَيْدٌ مَوْجُودٌ. فَامْتِنَاعُ الإِكْرَامِ لِوُجُودِ زَيْدٍ. "وَ" تَقْتَضِي "فِي" جُمْلَةٍ "مُضَارِعَةٍ" أَيْ مُصَدَّرَةٍ بِفِعْلٍ مُضَارِعٍ "تَحْضِيضًا" نَحْوُ: {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} 2. فَهُوَ لِلتَّحْضِيضِ، وَهُوَ طَلَبٌ بِحَثٍّ. "وَ" وَتَقْتَضِي فِي جُمْلَةٍ "مَاضِيَةٍ" أَيْ مُصَدَّرَةٍ بِفِعْلٍ مَاضٍ "تَوْبِيخًا" نَحْوُ: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} 3. "وَ" تَقْتَضِي أَيْضًا فِي الْجُمْلَةِ الْمَاضِيَةِ "عَرْضًا" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} 4.

_ 1 انظر معاني "لولا" في "معترك الأقران 2/ 257 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 1/ 351 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص109، الصاحبي ص163 وما بعدها، البرهان 4/ 376-379، مغني اللبيب 1/ 302-306، الإتقان 2/ 239 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 249، المفضل ص315 وما بعدها، تأويل مشكل القرآن ص540، الجنى الداني ص597-608، الأزهيّة ص175-181، رصف المباني ص292-297". 2 الآية 46 من النمل. 3 الآية 13 من النور. 4 الآية 10 من المنافقون.

فصل في مبدأ اللغة وطريق معرفتها

فصل في مبدأ اللغة وطريق معرفتها ... "فَصْلٌ" "مَبْدَأُ اللُّغَاتِ تَوْقِيفٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِإِلْهَامٍ، أَوْ وَحْيٍ أَوْ كَلامٍ"1 عِنْدَ أَبِي الْفَرَجِ2 وَالْمُوَفَّقِ وَالطُّوفِيِّ، وَابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ وَالظَّاهِرِيَّةِ، وَالأَشْعَرِيَّةِ. قَالَ فِي "الْمُقْنِعِ": وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى" {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} 3 أَيْ 4 أَنَّ اللَّهَ 4 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَضَعَهَا. فَعَبَّرُوا عَنْ وَضْعِهِ بِالتَّوْقِيفِ لإِدْرَاكِ الْوَضْعِ5. وَقِيلَ: أَوْ عَلَّمَهُ بَعْضَهَا، أَوْ اصْطِلاحًا سَابِقًا أَوْ عَلَّمَهُ حَقِيقَةَ الشَّيْءِ وَصِفَتَهُ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} 6. وَرُدَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَلَّمَهُ بَعْضَهَا، أَوْ اصْطِلاحًا سَابِقًا، أَوْ عَلَّمَهُ حَقِيقَةَ الشَّيْءِ وَصِفَتَهُ بِأَنَّ الأَصْلَ اتِّحَادُ الْعِلْمِ وَعَدَمُ اصْطِلاحٍ سَابِقٍ. وَأَنَّهُ عَلَّمَهُ

_ 1 انظر تحقيق مسألة مبدأ اللغات في "المزهر 1/ 16 وما بعدها، المستصفى 1/ 318 وما بعدها، إرشاد الفحول ص12 وما بعدها، المسودة ص562، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 269 وما بعدها، نهاية السول 1/ 211، العضد على ابن الحاجب 1/ 194 وما بعدها، الخصائص لابن جني 1/ 40 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 73 وما بعدها، الصاحبي ص31 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 183، التمهيد للآسنوي ص31". 2 هو عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي المقدسي الدمشقي الحنبلي، الفقيه الزاهد، شيخ الشام في وقته. قال العليمي: "كان أماماً عالماً بالفقه والأصول، شديداً في السنّة، زاهداً عارفاً عابداً". أشهر كتبه "المبهج" و "الإيضاح" و "التبصرة في أصول الدين" توفي سنة 486هـ. "انظر ترجمته في المنهج الأحمد 2/ 160 وما بعدها، طبقات الحنابلة 2/ 248، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 68 وما بعدها، شذرات الذهب 3/ 378". 3 الآية 31 من البقرة. 4 في د ض: أنه ألهمه. 5 في ش: الوضع بالتوقيف، أي أن الله تعالى الهمه. 6 الآية 31 من البقرة.

حَقِيقَةَ اللَّفْظِ، وَقَدْ أَكَّدَهُ بِـ "كُلِّهَا". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ "وَعَلَّمَك أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ"1، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ: {بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ} 2 فَالتَّعْلِيمُ لِلأَسْمَاءِ. وَضَمِيرُ عَرْضِهِمْ لِلْمُسَمَّيَاتِ، وَلِظَاهِرِ قَوْلِهِ: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} 3 وَلِقَوْلِهِ4 تَعَالَى: {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} 5 وقَوْله تَعَالَى: {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} 6، وَحَمْلُهُ عَلَى اللُّغَةِ أَبْلَغُ مِنْ الْجَارِحَةِ7 وَحَمْلُهُ عَلَى اخْتِلافِ اللُّغَاتِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الإِقْدَارِ عَلَيْهَا لِعِلَّةِ الإِضْمَارِ. وَقَالَ جَمْعٌ: إنَّ اللُّغَةَ اصْطِلاحِيَّةٌ وَضَعَهَا وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ، وَعَرَفَ الْبَاقُونَ بِإِشَارَةٍ وَتَكْرَارٍ. وَقِيلَ: مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ تَوْقِيفٌ، وَغَيْرُهُ مُحْتَمَلٌ أَوْ اصْطِلاحٌ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْكُلُّ مُمْكِنٌ. وَوَقَفَ جَمْعٌ8 عَنْ الْقَطْعِ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الاحْتِمَالاتِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا: هَلْ لِهَذَا الْخِلافِ فَائِدَةٌ، أَوْ لا؟

_ 1 أخرجه البخاري في كتاب التفسير عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً في حديث الشفاعة "انظر صحيح البخاري 6/ 21، فتح الباري 8/ 113". أما مسلم فقد أخرج حديث الشفاعة بروايات متعددة، ولكن ليس فيها هذا النص. "انظر صحيح مسلم 1/ 180 وما بعدها". 2 الآية 31 من البقرة. 3 الآية 38 من الأنعام. 4 في ش: وبأنه يلزم إضافة ولقوله. 5 الآية 5 من العلق. 6 الآية 22 من الروم. 7 في ش: الحاجة. 8 في ز: جماعة.

فَذَهَبَ جَمْعٌ إلَى أَنَّهُ لا فَائِدَةَ لَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا ذُكِرَتْ هَذِهِ1 الْمَسْأَلَةُ لِتَكْمِيلِ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الصِّنَاعَةِ، أَوْ جَوَازِ قَلْبِ2 مَا لا يُطْلَقُ3 لَهُ بِالشَّرْعِ، كَتَسْمِيَةِ الْفَرَسِ ثَوْرًا وَعَكْسِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا جَرَتْ فِي الأُصُولِ مَجْرَى الرِّيَاضِيَّاتِ4، كَمَسَائِلِ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَائِدَةُ الْخِلافِ أَنَّ5 مَنْ قَالَ بِالتَّوْقِيفِ جَعَلَ التَّكْلِيفَ مُقَارِنًا لِكَمَالِ الْعَقْلِ وَمَنْ جَعَلَهُ اصْطِلاحًا جَعَلَهُ مُتَأَخِّرًا مُدَّةَ الاصْطِلاحِ. وَزَعَمَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالتَّوْقِيفِ، وَعَزَى الاصْطِلاحَ لِلشَّافِعِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَفَائِدَةُ الْخِلافِ: أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْلِيقُ6 بِاللُّغَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لإِثْبَاتِ حُكْمِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إلَى الشَّرْعِ. "وَيَجُوزُ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِغَيْرِ تَوْقِيفٍ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَيَبْقَى لَهُ اسْمَانِ" اسْمٌ تَوْقِيفِيٌّ، وَاسْمٌ اصْطِلاحِيٌّ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَبَعًا لابْنِ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَجَمْعٍ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الظَّاهِرِيَّةُ7. "وَأَسْمَاؤُهُ تَعَالَى" سُبْحَانَهُ "تَوْقِيفِيَّةٌ لا تَثْبُتُ بِقِيَاسٍ" نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ8 عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لا يُوصَفُ اللَّهُ تَعَالَى

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: طلب. 3 في ش: تعلق. 4 في ش: أي مضاف. 5 ساقطة من ع ض ز ب. 6 في ش: التعليق. 7 انظر المسودة ص563. 8 هو أحمد بن محمد بن الحجاج بن عبد العزيز، أبو بكر المروذي، كانت أمه مروذية وأبوه خوارزمياً، وهو المقدم من أصحاب الإمام أحمد لورعه وفضله. قال ابن العماد: "كان أجل أصحاب الإمام أحمد، إماماً في الفقه والحديث، كثير التصانيف" توفي سنة 275هـ. "انظر ترجمته في طبقات الحنابلة 1/ 56 وما بعدها، المنهج الأحمد 1/ 172 وما بعدها، شذرات الذهب 2/ 166".

بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ سَمَّاهُ1 رَسُولَهُ. وَعَنْهُ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْكَرَّامِيَّةُ، بَلْ وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّازِيُّ فِي الصِّفَاتِ لا2 الأَسْمَاءِ. قَالَ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ حَجَرٍ فِي "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ": "اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الأَسْمَاءِ الْحُسْنَى: هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ3، بِمَعْنَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَشْتَقَّ مِنْ الأَفْعَالِ الثَّابِتَةِ لِلَّهِ تَعَالَى اسْمًا4 إلاَّ إذَا وَرَدَ نَصٌّ "فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ"5؟ فَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ: الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْكَرَّامِيَّةُ: إذَا دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى اللَّفْظِ ثَابِتٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ إطْلاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الْقَاضِي [أَبُو بَكْرٍ] 6 وَالْغَزَالِيُّ: الأَسْمَاءُ تَوْقِيفِيَّةٌ دُونَ الصِّفَاتِ. قَالَ: وَهَذَا [هُوَ] 7 الْمُخْتَارُ. وَاحْتَجَّ الْغَزَالِيُّ بِالاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْمٍ لَمْ يُسَمِّهِ بِهِ أَبُوهُ، وَلا سَمَّى8 بِهِ نَفْسَهُ، وَكَذَا كُلُّ كَبِيرٍ مِنْ

_ 1 في ش: سماه به. 2 في ش: لا في. 3 في ش: توقيفة. 4 في فتح الباري: أسماء. 5 في فتح الباري: إما في الكتاب أو السنة. 6 زيادة من فتح الباري. 7 زيادة من فتح الباري. 8 في ع ز: يسمي.

الْخَلْقِ قَالَ: فَإِذَا امْتَنَعَ [ذَلِكَ] 1 فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ فَامْتِنَاعُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى. وَاتَّفَقُوا عَلَى2 أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ تَعَالَى اسْمٌ وَلا صِفَةٌ تُوهِمُ نَقْصًا. وَلَوْ وَرَدَ ذَلِكَ نَصًّا، فَلا يُقَالُ: "مَاهِدٌ" وَلا "زَارِعٌ" وَلا "فَالِقٌ"، وَلا نَحْوُ ذَلِكَ. وَإِنْ ثَبَتَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} 3 {أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} 4 {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} 5 وَنَحْوِهَا. وَلا يُقَالُ لَهُ: "مَاكِرٌ"، وَلا "بَنَّاءٌ". وَإِنْ وَرَدَ {وَمَكَرَ اللَّهُ} 6 {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} 7. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ8: الأَسْمَاءُ9 تُؤْخَذُ تَوْقِيفًا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ فَكُلُّ اسْمٍ وَرَدَ فِيهَا وَجَبَ إطْلاقُهُ فِي وَصْفِهِ، وَمَا لَمْ يَرِدْ لا يَجُوزُ. وَلَوْ صَحَّ مَعْنَاهُ.

_ 1 زيادة من فتح الباري. 2 ساقطة من ش. 3 الآية 48 من الذاريات. 4 الآية 64 من الواقعة. 5 الآية 95 من الأنعام. 6 الآية 54 من آل عمران. 7 الآية 47 من الذاريات. 8 هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك النيسابوري الشافعي، الملقب بـ "زين الإسلام" قال ابن السبكي: "كان فقيهاً بارعاً، أصولياً محققاً، متكلماً سنياً، محدثاً حافظاً، مفسراً متقناً، نحوياً لغوياً أديباً". أشهر كتبه "التفسير الكبير" و "الرسالة" و "التحبير في التذكير" و "لطائف الإشارات" وغيرها. توفي سنة 465هـ. "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 5/ 153 وما بعدها، المنتظم 8/ 280، إنباه الرواة 2/ 193، وفيات الأعيان 2/ 375 وما بعدها، شذرات الذهب 3/ 319، طبقات المفسرين للداودي 1/ 338 وما بعدها". 9 ساقطة من ش.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ1: لا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ نَفْسَهُ. وَالضَّابِطُ: أَنَّ كُلَّ مَا أَذِنَ الشَّارِعُ2 أَنْ يُدْعَى بِهِ، - سَوَاءٌ كَانَ مُشْتَقًّا أَوْ غَيْرَ مُشْتَقٍّ-، فَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ. وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ، - سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَدْخُلُهُ التَّأْوِيلُ أَوْ لا-، فَهُوَ مِنْ صِفَاتِهِ. وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمٌ أَيْضًا"3. انْتَهَى. "وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ" قِسْمَانِ4: أَحَدُهُمَا: "النَّقْلُ" فَقَطْ "تَوَاتُرًا5 فِيمَا لا يَقْبَلُ تَشْكِيكًا" كَالسَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ. وَنَحْوُهَا6 وَلُغَاتُ الْقُرْآنِ "وَآحَادًا فِي غَيْرِهِ" أَيْ غَيْرِ مَا لا يَقْبَلُ تَشْكِيكًا. وَهُوَ أَكْثَرُ اللُّغَةِ. فَيَتَمَسَّكُ7 بِهِ فِي الْمَسَائِلِ الظَّنِّيَّةِ دُونَ الْقَطْعِيَّةِ8. "وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي: "الْمُرَكَّبُ مِنْهُ" أَيْ: مِنْ النَّقْلِ "وَمِنْ الْعَقْلِ" وَهُوَ اسْتِنْبَاطُ الْعَقْلِ مِنْ النَّقْلِ. مِثَالُهُ: كَوْنُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ لِلْعُمُومِ، فَإِنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ مُقَدِّمَتَيْنِ

_ 1 في ش: الزجاجي. 2 في فتح الباري: الشرع. 3 فتح الباري 11/ 175. 4 انظر "العضد على ابن الحاجب 1/ 197 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 78، المسودة ص564، المزهر 1/ 57، 113-120". 5 ساقطة من ش. 6 مما يُعْلَمْ وضعه لما يستعمل فيه قطعاً. "العضد على ابن الحاجب 1/ 198". 7 في ش: فيتمسكوا. 8 في ش: العقلية.

نَقْلِيَّتَيْنِ حَكَمَ الْعَقْلُ بِوَاسِطَتِهِمَا. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَدْخُلَهُ الاسْتِثْنَاءُ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ. فَحَكَمَ الْعَقْلُ عِنْدَ وُجُودِ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ بِأَنَّهُ لِلْعُمُومِ. وَلا اعْتِبَارَ بِمَا1 يُخَالِفُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَقُولُ: إذَا كَانَتْ الْمُقَدِّمَتَانِ نَقْلِيَّتَيْنِ كَانَتْ النَّتِيجَةُ أَيْضًا نَقْلِيَّةً. وَإِنَّمَا الْعَقْلُ تَفَطَّنَ لِنَتِيجَتِهَا؛ لأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الدَّلِيلُ مُرَكَّبًا مِنْ نَقْلِيَّتَيْنِ، لِعَدَمِ تَكَرُّرِ2 الْحَدِّ الأَوْسَطِ فِيهِمَا. وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ مُقَدِّمَةٍ نَقْلِيَّةٍ. وَهِيَ3 الاسْتِثْنَاءُ، - وَهُوَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ-، وَمُقَدِّمَةٍ عَقْلِيَّةٍ لازِمَةٍ لِمُقَدِّمَةٍ أُخْرَى نَقْلِيَّةٍ. وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَهُ الاسْتِثْنَاءُ عَامٌّ؛ لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا لَمْ يَدْخُلْ الاسْتِثْنَاءُ فِيهِ، ثُمَّ جُعِلَتْ 4 هَذِهِ الْقَضِيَّةُ 4 كُبْرَى لِلْمُقَدِّمَةِ الأُخْرَى النَّقْلِيَّةِ فَصَارَ صُورَةُ الدَّلِيلِ هَكَذَا: الْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِأَلْ يَدْخُلُهُ الاسْتِثْنَاءُ، وَكُلُّ مَا يَدْخُلُهُ الاسْتِثْنَاءُ عَامٌّ يَنْتِجُ: أَنَّ الْمُحَلَّى بِأَلْ عَامٌ5. "وَزِيدَ" طَرِيقٌ ثَالِثٌ لِمَعْرِفَةِ اللُّغَةِ: "وَ" هُوَ "الْقَرَائِنُ". قَالَ ابْنُ جِنِّي فِي "الْخَصَائِصِ": "مَنْ قَالَ: إنَّ اللُّغَةَ لا تُعْرَفُ إلاَّ نَقْلاً. فَقَدْ أَخْطَأَ، فَإِنَّهَا تُعْرَفُ بِالْقَرَائِنِ أَيْضًا. فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا سَمِعَ6 قَوْلَ الشَّاعِرِ: قَوْمٌ إذَا الشَّرُّ أَبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُمْ ... طَارُوا إلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانًا7

_ 1 في ش: بمن. 2 في ش: تكرر. 3 في ش: وهو. 4 في ض: العقلية. 5 في ش: علم. 6 في ش: دخل وسمع. 7 البيت لقريط بن أنيف، نسبه له التبريزي في شرح ديوان الحماسة "1/ 5". ومعنى البيت: أنهم لحرصهم على القتال لا ينتظر بعضهم بعضاً، لأنَّ كلاً منهم يعتقد أنَّ الإجابة تعينت عليه، فاذا سمعوا بذكر الحرب أسرعوا إليها مجتمعين ومتفرقين. "شرح الحماسة 1/ 9".

عُلِمَ أَنَّ "زَرَافَاتٍ" بِمَعْنَى جَمَاعَاتٍ"1. انْتَهَى. "وَالأَدِلَّةُ النَّقْلِيَّةُ قَدْ تُفِيدُ الْيَقِينَ" فَتُفِيدُ الْقَطْعَ بِالْمُرَادِ قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذَا الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ السَّلَفِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدْ حَكَى الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا تُفِيدُهُ مُطْلَقًا. وَالثَّانِي: لا تُفِيدُهُ مُطْلَقًا. قَالُوا: لِتَوَقُّفِ الْيَقِينِ عَلَى أُمُورٍ لا طَرِيقَ إلَى الْقَطْعِ بِهَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا قَدْ2 تُفِيدُ إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا تَوَاتُرٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ، وَلا عِبْرَةَ بِالاحْتِمَالِ. فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ لَمْ يُعْتَبَرْ، وَإِلاَّ لَمْ يُوثَقْ بِمَحْسُوسٍ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ3. "وَ" عِنْدَ السَّلَفِ "لا يُعَارِضُ الْقُرْآنَ غَيْرُهُ بِحَالٍ. وَحَدَثَ مَا قِيلَ أُمُورٌ قَطْعِيَّةٌ عَقْلِيَّةٌ تُخَالِفُ الْقُرْآنَ". فَائِدَةٌ4: قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: يُقَالُ: مَا الْمَعْنَى بِالدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ! 5 هَلْ هُوَ 5 الظَّوَاهِرُ مَعَ النُّصُوصِ، أَوْ الظَّوَاهِرُ بِمُفْرَدِهَا؟

_ 1 قول ابن جنيّ هذا لم نعثر عليه في كتابه "الخصائص". وقد ذكره السيوطي في المزهر "1/ 59" وعزاه لابن جني في "الخصائص". ولعل المصنف نقله عن السيوطي دون أن يرجع إلى الأصل! أو أن طبعه الخصائص فيها نقص! 2 ساقطة من ش ز. 3 انظر المسودة ص240. 4 في ش: انتهى. 5 ساقطة من ش.

وَيُقَالُ أَيْضًا: الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ مُرَادَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَلَنَا أَلْفَاظٌ نَقْطَعُ بِمَدْلُولِهَا بِمُفْرَدِهَا. وَتَارَةً بِانْضِمَامِ قَرَائِنَ أَوْ شَهَادَةِ1 الْعَادَاتِ، ثُمَّ نَمْنَعُ مُعَارَضَةَ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الْقَطْعِيِّ لِلدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ. وَقَوْلُهُمْ: "الْمَوْقُوفُ عَلَى الْمَظْنُونِ مَظْنُونٌ" بَاطِلٌ، لأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمُقَدِّمَاتِ الظَّنِّيَّةِ قَدْ يَكُونُ قَطْعِيًّا، بَلْ الْمَوْقُوفُ عَلَى الشَّكِّ قَدْ يَكُونُ قَطْعِيًّا، فَضْلاً عَنْ الظَّنِّ. وَيُعْرَفُ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ قَطْعِيَّةٌ. الثَّانِي: أَنَّ الشَّكَّ فِي الرَّكَعَاتِ يُوجِبُ الإِتْيَانَ بِرَكْعَةٍ أُخْرَى. فَيُقْطَعُ بِالْوُجُوبِ عِنْدَ الشَّكِّ، وَكَذَا لَوْ شَكَكْنَا فِي عَيْنِ الْحَلالِ، كَاشْتِبَاهِ مَيْتَةٍ بِمُذَكَّاةٍ، وَأَجْنَبِيَّةٍ بِأُخْتِهِ. الثَّالِثُ: إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَانْتِفَاءُ الرَّيْبِ يَقْطَعُ بِوُجُوبِ2 الْحُكْمِ، حَتَّى لَوْ جَحَدَ وُجُوبَهُ3 كَفَرَ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ: الْقَطْعُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى غَيْرِ قَطْعِيٍّ. انْتَهَى. "وَلا مُنَاسَبَةَ" أَيْ لا يُلْتَفَتُ إلى4 اعْتِبَارُ وُجُودِ مُنَاسَبَةٍ "ذَاتِيَّةٍ" أَيْ طَبِيعِيَّةٍ "بَيْنَ لَفْظٍ وَمَدْلُولِهِ" أَيْ مَدْلُولِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، لِمَا5 تَقَدَّمَ مِنْ6 الْمُشْتَرَكِ

_ 1 في ش: شهادات. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: بوجوبه. 4 ساقطة من ش. 5 في ش: كما. 6 في ش: في.

الْمَوْضُوعِ لِلشَّيْءِ وَضِدِّهِ، كَالْقُرْءِ1 وَالْجَوْنِ2 وَنَحْوِهِمَا وَلاخْتِلافِ الاسْمِ 3 لاختلاف الأمم 3 مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَمَّى، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ كُلُّ اسْمٍ بِمَعْنًى بِإِرَادَةِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ4. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ عَبَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ5 الْمُعْتَزِلِيُّ الصَّيْمَرِيُّ6 - بِفَتْحِ الصَّادِ وَالْمِيمِ-. "وَيَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ" إذَا دَارَ بَيْنَ كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، مَعَ7 الاحْتِمَالِ 8 "عَلَى حَقِيقَتِهِ" كَالأَسَدِ مَثَلاً فَإِنَّهُ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ حَقِيقَةً وَلِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ مَجَازًا فَإِذَا أُطْلِقَ وَلا قَرِينَةَ كَانَ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ؛ لأَنَّ الأَصْلَ الْحَقِيقَةُ، وَالْمَجَازُ 8 خِلافُ الأَصْلِ9.

_ 1 فهو موضوع للحيض والطهر، وهما نقيضان. فلو كانت الدلالة لمناسبة ذاتية لما كان ذلك. "انظر شرح العضد 1/ 192". 2 فهو موضوع الأسود والأبيض، وهما ضدان. فلو كانت الدلالة لمناسبة ذاتية لما كان ذلك. "انظر شرح العضد 1/ 193". 3 ساقطة من ش. وفي ع: لاختلاف الاسم. 4 انظر المسودة ص563، الإحكام للآمدي 1/ 73، العضد على ابن الحاجب 1/ 192 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 265، المزهر 1/ 47 وما بعدها. 5 في ش ب: سلمان. 6 هو عبّاد بن سليمان بن علي، أبو سهل، معتزلي من أهل البصرة، من أصحاب هشام بن عمرو، قال ابن النديم: "كان يخالف المعتزلة بأشياء اخترعها لنفسه". عاش في القرن الثالث الهجري، ولم نعثر على تاريخ وفاته. "انظر ترجمته في الفهرست لابن النديم ص215، فرق وطبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص83، حاشية البناني على شرح جمع الجوامع 1/ 265". 7 في ش: نعم. 8 ساقطة من ش. 9 انظر شرح تنقيح الفصول ص112، روضة الناظر وشرحها لبدران 2/ 21.

"وَ" كَذَلِكَ إذَا دَارَ الأَمْرُ فِي 1 اللَّفْظِ بَيْنَ 1 جَرَيَانِهِ عَلَى عُمُومِهِ أَوْ تَخْصِيصِهِ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى "عُمُومِهِ"؛ لأَنَّ الأَصْلَ بَقَاءُ الْعُمُومِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} 2 يُدْخِلُ فِي عُمُومِهِ الْحُرَّتَيْنِ وَالأَمَتَيْنِ. وَإِذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَمَةً وَالأُخْرَى حُرَّةً، وَلا يُخَصَّصُ3 بِالْحُرَّتَيْنِ4. "وَ" كَذَا إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا أَوْ مُفْرَدًا. فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى "إفْرَادِهِ" كَالنِّكَاحِ. فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَسَبَبِهِ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْوَطْءِ دُونَ الْعَقْدِ، أَوْ عَلَى الْعَقْدِ دُونَ الْوَطْءِ، لا عَلَى الاشْتِرَاكِ5. "وَ" كَذَا إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُضْمَرًا أَوْ مُسْتَقِلاًّ. فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى "اسْتِقْلالِهِ" وَهُوَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الأَرْضِ} 6 فَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُقَدِّرُ لِيُقَتَّلُوا: "إنْ قَتَلُوا"؛ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ "إنْ سَرَقُوا"، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الأَصْلُ الاسْتِقْلالُ. وَهُوَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ7.

_ 1 في ش: اللفظين. 2 الآية 23 من النساء. 3 في ز: ولا يختص. 4 انظر شرح تنقيح الفصول ص112. 5 انظر شرح تنقيح الفصول ص112. 6 الآية 33 من المائدة. 7 انظر تفصيل الموضوع في أحكام القرآن لابن العربي 2/ 596، وانظر شرح تنقيح الفصول ص112.

"وَ" كَذَا إذَا1 دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا أَوْ مُطْلَقًا. فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى "إطْلاقِهِ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك} 2 فَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُقَيِّدُهُ بِالْمَوْتِ عَلَى الشِّرْكِ، وَبَعْضُهُمْ يَحْمِلُهُ عَلَى إطْلاقِهِ؛ لأَنَّهُ الأَصْلُ. فَيَكُونُ مُجَرَّدُ الشِّرْكِ مُحْبِطًا لِمَا سَبَقَهُ مِنْ الأَعْمَالِ3. "وَ" كَذَا إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا أَوْ مُتَأَصِّلاً فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى "تَأْصِيلِهِ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} 4. قِيلَ5: "لا" زَائِدَةٌ، وَأَصْلُ الْكَلامِ: "أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ". وَقِيلَ: لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ؛ لأَنَّ الأَصْلَ فِي الْكَلامِ التَّأْصِيلُ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ لَسْت فِيهِ، بَلْ لا يُعَظَّمُ وَلا يَصْلُحُ لِلْقَسَمِ إلاَّ إذَا كُنْت فِيهِ6. "وَ" كَذَا إذَا دَارَ الأَمْرُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُؤَخَّرًا أَوْ مُقَدَّمًا. فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى "تَقْدِيمِهِ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} 7. فَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: إنَّ فِي الآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا تَقْدِيرُهُ: "وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا كَانُوا8 قَبْلَ الظِّهَارِ سَالِمِينَ مِنْ الإِثْمِ بِسَبَبِ الْكَفَّارَةِ". وَعَلَى هَذَا: فَلا يَكُونُ الْعَوْدُ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. وَبَعْضُهُمْ

_ 1 ساقطة من ش. 2 الآية 65 من الزمر. 3 انظر شرح تنقيح الفصول ص112. 4 الآية الأولي من البلد. 5 ساقطة من ش. 6 انظر شرح تنقيح الفصول ص112، 113. 7 الآية 3 من المجادلة. 8 في ع ب: قالوا.

يَحْمِلُهَا عَلَى الأَصْلِ، وَهُوَ التَّرْتِيبُ. وَعَلَى هَذَا: فَلا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلاَّ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ1. "وَ" كَذَا إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُؤَكَّدًا أَوْ مُؤَسَّسًا. فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى "تَأْسِيسِهِ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الرَّحْمَنِ إلَى آخِرِهَا فَإِنْ جُعِلَ تَأْكِيدًا لَزِمَ تَكْرَارُ التَّأْكِيدِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِ مَرَّاتٍ. وَالْعَرَبُ لا تَزِيدُ فِي التَّأْكِيدِ عَلَى ثَلاثٍ، فَيُحْمَلُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ التَّكْذِيبُ2. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} فِي سُورَةِ الْمُرْسَلاتِ. فَيَكُونُ الْجَمْعُ3 تَأْسِيسًا لا تَأْكِيدًا4. "وَ" كَذَا إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَرَادِفًا أَوْ مُتَبَايِنًا. نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلامِ وَالنُّهَى" 5. فَالنُّهَى: جَمْعُ نُهْيَةٍ - بِالضَّمِّ- وَهِيَ الْعَقْلُ، فَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَسَّرَ "أُولُو الأَحْلامِ" بِالْعُقَلاءِ. فَيَكُونُ اللَّفْظَانِ مُتَرَادِفَيْنِ. وَبَعْضُهُمْ فَسَّرَ "أُولُو الأَحْلامِ" بِالْبَالِغِينَ. فَيَكُونُ اللَّفْظَانِ مُتَبَايِنَيْنِ. فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى "تَبَايُنِهِ".

_ 1 انظر شرح تنقيح الفصول ص112، 113. 2 أي على ما تقدم قبل لفظ ذلك التكذيب، ويكون التكذيب ذُكِرَ باعتبار ما قبل ذلك اللفظ خاصة، فلا يتكرر منها لفظّ، ولا يكون تأكيدّ البتة في السورة كلها. فقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} المراد آلاء خروج اللؤلؤ والمرجان خاصة وكذلك الأمر في جميع السورة. "شرح تنقيح الفصول ص111". 3 في ش: اللفظ. 4 انظر شرح تنقيح الفصول ص112، 113. 5 قال الزيلعي: روى من حديث ابن مسعود ومن حديث أبي مسعود ومن حديث البراء بن عازب. فأما حديث ابن مسعود فأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عنه مرفوعاً، وأما حديث أبي مسعود فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عنه مرفوعاً، وأما حديث البراء فأخرجه الحاكم في المستدرك عنه مرفوعاً. "انظر نصب الراية 2/ 37، صحيح مسلم 1/323، سنن أبي داود 1/ 254، سنن النسائي 2/ 87، سنن ابن ماجة 1/ 313، تحفة الأحوذي 2/ 19".

فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ مَعَ احْتِمَالِ1 حَقِيقَتِهِ عَلَيْهَا "دُونَ مَجَازِهِ، وَ" عَلَى عُمُومِهِ دُونَ "تَخْصِيصِهِ، وَ" عَلَى إفْرَادِهِ دُونَ "اشْتِرَاكِهِ، وَ" عَلَى اسْتِقْلالِهِ دُونَ "إضْمَارِهِ، وَ" عَلَى إطْلاقِهِ دُونَ "تَقْيِيدِهِ، وَ" عَلَى تَأْصِيلِهِ دُونَ "زِيَادَتِهِ، وَ" عَلَى تَقْدِيمِهِ دُونَ "تَأْخِيرِهِ، وَ" كَذَا إذَا دَارَ الأَمْرُ بَيْنَ كَوْنِ اللَّفْظِ مُؤَكِّدًا أَوْ مُؤَسِّسًا. فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى تَأْسِيسِهِ دُونَ "تَوْكِيدِهِ. وَ" عَلَى تَبَايُنِهِ دُونَ "تَرَادُفِهِ". "وَ" كَذَا إذَا دَارَ الأَمْرُ بَيْنَ نَسْخِ2 الْحُكْمِ وَبَقَائِهِ. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} 3. فَحَصْرُ الْمُحَرَّمِ فِي هَذِهِ الأَرْبَعَةِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ مَا عَدَاهَا وَمِنْ جُمْلَتِهِ4 السِّبَاعُ. وَقَدْ وَرَدَ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي5 نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ" 6. فَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ نَاسِخٌ لِلإِبَاحَةِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَيْسَ بِنَاسِخٍ، وَالأَكْلُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْفَاعِلِ، وَهُوَ الأَصْلُ فِي

_ 1 في ش: احتمال محل. 2 في ش: فسخ. 3 الآية 145 من الأنعام. 4 في ع: جملة. 5 ساقطة من ش. 6 اخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة في مسنده عن ابن عباس. "انظر صحيح مسلم 3/ 1534، سنن أبي داود 3/ 485، سنن ابن ماجة 2/ 1077، مسند أحمد 1/ 244، 147، فيض القدير 6/ 304".

إضَافَةِ الْمَصْدَرِ بِنَصِّ النُّحَاةِ. فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} 1 فَيَكُونُ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا2. وَإِذَا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَيُحْمَلُ "عَلَى بَقَائِهِ دُونَ نَسْخِهِ، إلاَّ لِدَلِيلٍ رَاجِحٍ" يَدُلُّ عَلَى خِلافِ مَا قُلْنَا، أَنَّ اللَّفْظَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ، فَيُعْمَلُ بِهِ وَيُتْرَكُ مَا ذَكَرْنَاهُ. "وَيُحْمَلُ" اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ لَهُ عُرْفٌ "عَلَى عُرْفِ مُتَكَلِّمٍ" كَالْفَقِيهِ مَثَلاً. فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى 3عُرْفِهِ فِي 3 كَلامِهِ وَمُصْطَلَحَاتِهِ وَكَذَا الأُصُولِيُّ وَالْمُحَدِّثُ وَالْمُفَسِّرُ وَاللُّغَوِيُّ، وَنَحْوُهُمْ مِنْ أَرْبَابِ الْعُلُومِ. وَكَذَلِكَ إذَا سُمِعَ مِنْ الشَّارِعِ شَيْءٌ لَهُ مَدْلُولٌ شَرْعِيٌّ4 وَمَدْلُولٌ لُغَوِيٌّ. فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَدْلُولِهِ الشَّرْعِيِّ. كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ" 5. فَإِنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، - وَهُوَ الدُّعَاءُ-، لَزِمَ أَنْ لا يَقْبَلَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءً بِغَيْرِ طَهُورٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلاةِ الْمَعْهُودَةِ فِي الشَّرْعِ. وَهِيَ الْعِبَادَةُ الْمَخْصُوصَةُ6، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

_ 1 الآية 3 من المائدة. 2 انظر شرح تنقيح الفصول ص112-114. 3 في ش: عرف. 4 في ش: لفظي. 5 أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر مرفوعاً. والمراد بالطهور المصدر وهو التطهير الأعم من الوضوء والغسل. "انظر صحيح مسلم 1/ 204، سنن أبي داود 1/ 14، سنن النسائي 1/ 75، تحفة الأحوذي 1/ 23، سنن ابن ماجة 1/ 100، فيض القدير 6/ 415". 6 انظر التمهيد للأسنوي ص61، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص139 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص112، 114، اللمع للشيرازي ص6.

فصل في الأحكام

فصل في الأحكام ... فصل:"الأَحْكَامُ" أَيْ: هَذَا فَصْلٌ نَذْكَرُ1 فِيهِ هُنَا نُبْذَةً مِنْ مَعَانِي الأَحْكَامِ. وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى مَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ اللُّغَةِ، شَرَعْنَا فِي ذِكْرِ مَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ مِنْ الأَحْكَامِ، إذْ لا بُدَّ مِنْ حُكْمٍ، وَحَاكِمٍ، وَمَحْكُومٍ فِيهِ، وَمَحْكُومٍ عَلَيْهِ. وَالْكَلامُ الآنَ فِي الْحُكْمِ2 فَنَقُولُ: "الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ" يُطْلَقُ بِثَلاثَةِ3 اعْتِبَارَاتٍ: أَحَدُهَا: "بِمَعْنَى مُلاءَمَةِ الطَّبْعِ وَمُنَافَرَتِهِ4". كَقَوْلِنَا: إنْقَاذُ الْغَرِيقِ حَسَنٌ، وَاتِّهَامُ الْبَرِيءِ قَبِيحٌ. الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "أَوْ" بِمَعْنَى "صِفَةِ كَمَالٍ وَنَقْصٍ" كَقَوْلِنَا: الْعِلْمُ حَسَنٌ، وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ.

_ 1 في ش: يذكر. 2 بدأ المؤلف رحمه الله الكلام على الحكم، وضمنه الحديث عن الحاكم، لأن الحكم والحاكم متلازمان، وقد تبع في ذلك ابن السبكي الذي عرف الحكم بأنه خطاب الله. ثم قال: لا حاكم إلا الله "جمع الجوامع 1/ 47، 53" والكلام عن الحاكم من اختصاص علم أصول الدين. ولكن علماء أصول الفقه يتعرضون لبعض بحوثه التي تتصل بالحكم. يقول الآمدي: اعلم أنه لا حاكم سوى الله تعالى، ولا حكم إلا ما حكم به، ويتفرع عليه: أن العقل لا يحسن ولا يقبح. ولا يوجب شكر المنْعم، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع "الإحكام له 1/ 79". 3 في ز ب ض: لثلاث. 4 قال البناني: "ليس المراد بالطبع المزاج، بل الطبيعة الإنسانية المائلة إلى جلب المنافع ودفع المضار. "حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 57". وقال الغزالي: "إنْ المراد هو ما يوافق غرض الفاعل أو يخالفه". "المستصفى 1/ 56"

وَكُلٌّ مِنْهُمَا1 "عَقْلِيٌّ" أَيْ إنَّ الْعَقْلَ يَسْتَقِلُّ بِإِدْرَاكِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الشَّرْعِ2. "وَ" الثَّالِثُ: إطْلاقُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ "بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالثَّوَابِ، وَ" بِمَعْنَى "الذَّمِّ وَالْعِقَابِ: شَرْعِيٌّ، فَلا حَاكِمَ إلاَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْعَقْلُ لا يُحَسِّنُ وَلا يُقَبِّحُ وَلا يُوجِبُ وَلا يُحَرِّمُ3" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَالأَشْعَرِيَّةِ4.5 قَالَهُ6 ابْنُ عَقِيلٍ وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْفُقَهَاءِ7. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ5: لَيْسَ فِي السُّنَّةِ قِيَاسٌ، وَلا يُضْرَبُ لَهَا الأَمْثَالُ، وَلا تُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ الاتِّبَاعُ.

_ 1 أي من المعنيين السابقين للحسن والقبيح. 2 انظر: نهاية السول 1/ 145، شرح تنقيح الفصول ص89، فواتح الرحموت 1/ 25، التوضيح على التنقيح 3/ 103، كتاب الأربعين ص246. 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 79. 4 نقل ابن حجر عن السمعاني قوله: "إن العقل لا يوجب شيئاً، ولا يحرم شيئاً، ولا حظَّ له في شيء من ذلك، ولو لم يرد الشرع بحكم ما وجب على أحد شيء ... " ثم ذكر الأدلة. "فتح الباري 13/ 274". 5 في ز ب: قال ابنْ عقيل وأهل السنة والإمام أحمد رحمه الله تعالى. 6 في ع ض: قال. 7 انظر معنى الحسن والقبيح وكلام العلماء فيه قي "المسودة ص473، 577، التعريفات ص91، 178، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 57، التوضيح على التنقيح 2/ 103، إرشاد الفحول ص7، الإحكام، الآمدي 1/ 79، مختصر ابن الحاجب وشرحه وحواشيه 1/ 200، نهاية السول 1/ 145، تيسير التحرير 2/ 152، شرح البدخشي 1/ 144، الإحكام، ابن حزم 1/ 51، الإرشاد للجويني ص258 غاية المرام ص234، نهاية الأقدام ص370، الأربعين ص246".

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ1، مِنْ أَصْحَابِنَا، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ الْقَيِّمِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَالْكَرَّامِيَّةُ: الْعَقْلُ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ، وَيُوجِبُ وَيُحَرِّمُ2. وَنُقِلَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ قَوْلانِ3. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: قَالَ شَيْخُنَا - يَعْنِي4 الشَّيْخَ5 تَقِيَّ الدِّينِ- وَغَيْرُهُ: الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ ثَابِتَانِ، وَالإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ بِالْخِطَابِ وَالتَّعْذِيبُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الإِرْسَالِ وَرَدُّ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الشَّرْعِيَّيْنِ إلَى الْمُلاءَمَةِ وَالْمُنَافَرَةِ؛ لأَنَّ الْحُسْنَ الشَّرْعِيَّ: يَتَضَمَّنُ الْمَدْحَ وَالثَّوَابَ الْمُلائِمَيْنِ. وَالْقُبْحُ الشَّرْعِيُّ: يَتَضَمَّنُ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ الْمُنَافِرَيْنِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْخَطِيبِ6 فِي آخِرِ كُتُبِهِ: أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ الْعَقْلِيَّيْنِ ثَابِتَانِ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ. انْتَهَى.

_ 1 هو عبد العزيز بن الحارث بن أسد، أبو الحسن التميمي. ولد سنة 317هـ. وصنف في الأصول والفروع والفرائض. توفي سنة 371هـ. "انظر: طبقات الحنابلة 2/ 139، المنهج الأحمد 2/ 66". 2 انظر: المعتمد 1/ 365، 2/ 868، الإحكام، الآمدي 1/ 80، إرشاد الفحول ص7، شرح البدخشي 1/ 146، المسودة ص473، 480، شرح العضد وحواشيه 1/ 122، تيسير التحرير 2/ 152، كشف الأسرار 4/ 230، شرح تنقيح الفصول ص88، مدارج السالكين 1/ 231، الرد على المنطقيين ص420، الإرشاد للجويني ص258. 3 انظر: تيسير التحرير 2/ 150، كشف الأسرار 4/ 231، فواتح الرحموت 1/ 25، المنخول ص15، غاية المرام في علم الكلام ص235، التوضيح على النتقيح 2/ 104. 4 في ب ع ض: يعني به. 5 ساقطة من ز. 6 هو الفخر الرازي. "انظر: طبقات الشافعية الكبراى للسبكي 8/ 18، وفيات الأعيان 3/ 381" وقد مرت ترجمته سابقاً.

وَقَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ أَيْضًا: لَيْسَ مُرَادُ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَنَّ الأَحْكَامَ عَقْلِيَّةٌ: 1 أَنَّ الأَوْصَافَ 1 مُسْتَقِلَّةٌ بِالأَحْكَامِ، 2 وَلا أَنَّ "2 الْعَقْلَ هُوَ الْمُوجِبُ، أَوْ الْمُحَرِّمُ3، بَلْ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الْعَقْلَ أَدْرَكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ كَلَّفَ4 بِتَرْكِ الْمَفَاسِدِ5 وَتَحْصِيلِ6 الْمَصَالِحِ. فَالْعَقْلُ أَدْرَكَ الإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ7، 8 لا أَنَّهُ 8 أَوْجَبَ وَحَرَّمَ فَالنِّزَاعُ 9 مَعَهُمْ: فِي 9 أَنَّ الْعَقْلَ أَدْرَكَ ذَلِكَ أَمْ لا؟ فَخُصُومُهُمْ يَقُولُونَ10: ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلا يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ الْوُقُوعُ. وَهُمْ يَقُولُونَ: بَلْ هَذَا عِنْدَ الْعَقْلِ مِنْ قِبَلِ الْوَاجِبَاتِ. فَكَمَا11 يُوجِبُ الْعَقْلُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَلِيمًا12 قَدِيرًا مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، كَذَلِكَ أَدْرَكَ وُجُوبَ مُرَاعَاةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَصَالِحِ وَلِلْمَفَاسِدِ. فَهَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ13. انْتَهَى.

_ 1في ش: إلا إذا أصبحت. وفي ز ع ب ض: إذ الأوصاف. 2 في ش ع: ولا. وفي ز: وأن. 3 في ش: المحرام. 4 في ش: كان. 5 في ش: الفاسد. 6 في ش: زمن تحصيل. 7 انظر: نهاية السول 1/ 145، شرح تنقيح الفصول ص90. 8 في ش: لأنه. 9 في ش: منهم. 10 في ز ع ض: تقول. 11 في ش: فكل ما. 12 في ش: عليا. 13 انظر: حاشية البناني 1/ 56، المستصفى 1/ 57، شرح تنقيح الفصول ص90.

وَمِنْ قَوَاعِدِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ1 "لا حَاكِمَ إلاَّ اللَّهُ تَعَالَى": أَنَّ حُسْنَ الْفِعْلِ وَقُبْحَهُ لَيْسَا لِذَاتِ الْفِعْلِ، وَلا لأَمْرٍ دَاخِلٍ فِي ذَاتِهِ2، وَلا خَارِجٍ3 لازِمٍ لِذَاتِهِ، حَتَّى يَحْكُمَ الْعَقْلُ بِحُسْنِ الْفِعْلِ، أَوْ قُبْحِهِ بِنَاءً عَلَى تَحَقُّقِ4 مَا بِهِ مِنْ5 الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ6. وَالْحَنَفِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلُوا الْعَقْلَ حَاكِمًا صَرِيحًا فَقَدْ قَالُوا: حُسْنُ بَعْضِ الأَشْيَاءِ وَقُبْحُهَا لا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْعِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ فِي بَعْضِ الأَشْيَاءِ بِأَنَّهَا مَنَاطٌ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ نَبِيٌّ وَلا كِتَابٌ7. وَبَعْضُ تِلْكَ الأَحْكَامِ بَدِيهِيٌّ8، وَبَعْضُهَا كَسْبِيٌّ9، "وَلا يَرِدُ الشَّرْعُ

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 كالزوجية للأربعة "فواتح الرحموت 1/ 31" 3 في ب ع ض: لخارج. 4 في ش: تحقيق. 5 ساقطة من ز ع ب ض. 6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 79، مختصر ابن الحاجب وشرحه 1/ 202، شرح البدخشي 1/ 144، المنخول ص8، كتاب الأربعين ص246، الإرشاد ص258. 7 يقول محمد بن نظام الدين الأنصاري الحنفي: أنَّ العقل معرّف لبعض الأحكام الإلهية، سواء ورد به الشرع أم لا، وهذا مأثور عن أكابر مشايخنا أيضاً. وقال أيضاً: من الحنفية من قال: إن العقل قد يستقل في إدراك بعض أحكامه تعالى. "فواتح الرحموت، له: 1/ 25" وقال بعض الحنفية: إن الحسن والقبيح عقليان، ولكن لا يوجبان حكماً "تيسير التحرير 2/ 153" وانظر: كشف الأسرار 4/ 231، العضد على ابن الحاجب 1/ 201، وهذا ما رجحه ابن القيم وقال: لا تلازم بينهما. "مدارج السالكين 1/ 231". 8 في ش: بديعي. 9 يقول الآمدي، نقلاً عن القائلين بالحْسن والقبيح العقليين: فما يدرك بالعقل: منه بديهي، كحسن العلم والإيمان، وقبح الجهل والكفران، ومنه نظري، كحسن الصدق المضر، وقبح الكذب النافع. "غاية المرام في علم الكلام ص234".

بِمَا يُخَالِفُ مَا يُعْرَفُ بِبَدَاهَةِ1 الْعُقُولِ وَضَرُورِيَّاتِهَا2". قَالَ الْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ3 وَغَيْرُهُمَا: مَا يُعْرَفُ بِبَدَاهَةِ4 الْعُقُولِ وَضَرُورِيَّاتِهَا5 - كَالتَّوْحِيدِ وَشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَقُبْحِ الظُّلْمِ- لا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِخِلافِهِ. وَمَا يُعْرَفُ بِتَوْلِيدِ الْعَقْلِ اسْتِنْبَاطًا أَوْ اسْتِدْلالاً، فَلا يُمْتَنَعُ أَنْ يَرِدَ بِخِلافِهِ6. وَمَعْنَاهُ لأَبِي الْخَطَّابِ. فَإِنَّهُ قَالَ: مَا ثَبَتَ بِالْعَقْلِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ7: - فَمَا كَانَ مِنْهُ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ - كَشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَالإِنْصَافِ وَقُبْحِ الظُّلْمِ- فَلا يَصِحُّ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِخِلافِ ذَلِكَ. - وَمَا كَانَ وَاجِبًا8 لِعِلَّةٍ أَوْ دَلِيلٍ، مِثْلِ: الأَعْيَانِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا الَّتِي فِيهَا الْخِلافُ. فَيَصِحُّ أَنْ يَرْتَفِعَ الدَّلِيلُ وَالْعِلَّةُ، فَيَرْتَفِعَ9 ذَلِكَ الْحُكْمُ. وَهَذَا غَيْرُ

_ 1 في ز ش ض: ببدائه. "كذا". 2 في ز ع ب ض: وضروراتها. 3 هو محمد بن علي بن محمد بن عثمان، أبو الفتح، الفقيه الزاهد، كان من فقهاء الحنابلة ببغداد، وكان مشهوراً بالورع والدين المتين وكثرة العبادة، له كتاب "كفاية المبتدي" في الفقه، ومصنف في أصول الفقه في مجلدين، و "مختصر العبادات" ولد سنة 439هـ وتوفي سنة 505هـ. "انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 106، طبقات الحنابلة 2/ 257، المدخل إلى مذهب أحمد ص210". 4 في ز ش ب ض: ببدائة. "كذا". 5 في ز ع ب ض: وضروراتها. 6 انظر: المسودة ص476-477، مدارج الساكين 1/ 239 وما بعدها. 7 في ش ز: قسمان. 8 في ش ز ع: وجب. 9 في ش: ويرتفع.

مُمْتَنِعٍ. كَفُرُوعِ الدِّينِ كُلِّهَا. تَثْبُتُ بِأَدِلَّةٍ ثُمَّ تُنْسَخُ الأَدِلَّةُ فَيَرْتَفِعُ الْحُكْمُ1. وَقَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الشَّرْعَ يَرِدُ بِمَا لا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ إذَا كَانَ الْعَقْلُ لا يُحِيلُهُ كَتَكْلِيفِ مَا لا يُطَاقُ2، وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُرِيدُ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ حَسَنِهَا وَقَبِيحِهَا وَيُعَاقِبُهُمْ عَلَى الْقَبِيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. "وَالْحُسْنُ" شَرْعًا "وَالْقُبْحُ شَرْعًا: مَا أَمَرَ بِهِ" اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهَذَا رَاجِعٌ لِلْحُسْنِ "وَمَا نَهَى عَنْهُ" اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهَذَا3 رَاجِعٌ لِلْقَبِيحِ4. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: إذَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِفِعْلٍ، فَهُوَ حَسَنٌ بِالاتِّفَاقِ. وَإِذَا نَهَى عَنْ فِعْلٍ 5 فَهُوَ قَبِيحٌ 5 بِالاتِّفَاقِ، وَلَكِنَّ6 حُسْنَهُ وَقُبْحَهُ 7 إمَّا أَنْ 7 يَنْشَأَ عَنْ نَفْسِ الْفِعْلِ وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ، كَمَا يُقَالُ، أَوْ8 يَنْشَأَ

_ 1 انظر: المسودة ص483-484. 2 ذهب جمهور الأصوليين إلى عدم اشتراط القدرة للتكليف. وأنه يجوز التكليف بالمحال، سواء كان محالاً لذاته أو محالاً لغيره، وقال بعضهم بشرط القدرة في التكليف، وأنه لا تكليف إلا بما يطاق. "انظر: حاشية البناني 1/ 206، تيسير التحرير 2/ 137، التوضيح على التنقيح 2/ 177، المنخول ص22، المسودة ص484". وسيأتي الكلام عن هذه المسألة تفصيلاً في مبحث المحكوم فيه. 3 في ز: هذا. 4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 79، التوضيح على التنقيح 2/ 104، غاية المرام ص234، الإرشاد ص259. 5 في ز ع ض: فقبيح. 6 في ز ب: لكن. 7 في ش: إنما. 8 في ش: و.

عَنْ تَعَلُّقِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ1، أَوْ مِنْ الْمَجْمُوعِ. فَالأَوَّلُ: قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَلِهَذَا لا يَجُوزُ نَسْخُ الْعِبَادَةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا2. وَالثَّانِي: قَوْلُ الأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الطَّوَائِفِ3. وَالثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَنْشَأُ عَنْ الأَمْرَيْنِ. فَتَارَةً يَأْمُرُ بِالْفِعْلِ لِحِكْمَةٍ تَنْشَأُ مِنْ نَفْسِ الأَمْرِ، دُونَ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَهُوَ4 الَّذِي يَجُوزُ نَسْخُهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ5، كَنَسْخِ الصَّلاةِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ إلَى خَمْسٍ6. وَكَمَا نُسِخَ أَمْرُ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ7 بِذَبْحِ وَلَدِهِ، وَتَارَةً لِحِكْمَةٍ تَنْشَأُ مِنْ8 الْفِعْلِ نَفْسِهِ، وَتَارَةً لِحِكْمَةٍ مِنْ الْفِعْلِ حَصَلَتْ بِالأَمْرِ9. "وَ" الْحَسَنُ "عُرْفًا" أَيْ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ "مَا لِفَاعِلِهِ فِعْلُهُ" أَيْ أَنْ يَفْعَلَهُ، "وَعَكْسُهُ" أَيْ: وَالْقَبِيحُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مَا لَيْسَ لِفَاعِله10 أَنْ يَفْعَلَهُ11.

_ 1 فالحسن حسن لأن الشارع أمر به، والقبيح قبيح لأن الشارع نهى عنه. 2 لأن الأمر بالصلاة –مثلاً- حسن لذاته، فلا يصح عندهم بطلان الحسن بذاته، لأن ما بالذات لا يتغير ولا يبطل ولا يختلف من وقت لوقت. "فواتح الرحموت 1/ 27". 3 يقول الآمدي –بناء على تحسين الشرع وتقبيحه-: ولهذا صح القول بنسخ الشرائع، ولو كان الفضاء فيه بالحسن أو القبح على شيء ما لذاته ونفسه، لا لنفس الخطاب، لما تصور أن يختلف ذلك باختلاف الأمم والأعصار. "غاية المرام في علم الكلام ص236". 4 في ع ب ض: وهذا. 5 انظر: غاية المرام ص358. 6 في ش: حسن. 7 في ب ض: عليه الصلاة والسلام. 8 في ش ز: عن. 9 في ز: من الأمر. 10 في ش د ع ض: لفاعل. 11 انظر: المسودة ص577، الإحكام، الآمدي 1/ 80، المعتمد 1/ 365.

"وَلا1 يُوصَفُ فِعْلُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ" مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ "بِحُسْنٍ وَلا قُبْحٍ"؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلا مَحْظُورٍ2. "وَشُكْرُ الْمُنْعِمِ" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ3 جَمِيعِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْقُوَى وَالأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ الْمُدْرِكَةِ وَالْمُحَرِّكَةِ فِيمَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لأَجْلِهِ4، كَاسْتِعْمَالِ النَّظَرِ فِي مُشَاهَدَةِ مَصْنُوعَاتِهِ وَآثَارِ رَحْمَتِهِ، لِيُسْتَدَلَّ عَلَى صَانِعِهَا، وَكَذَا السَّمْعُ وَغَيْرُهُ. "وَمَعْرِفَتُهُ تَعَالَى" وَهِيَ5 عِبَارَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ وُجُودِ ذَاتِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ6 فِيمَا يَزَلْ وَلا يَزَالُ دُونَ مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، لاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَقْلاً عِنْدَ الأَكْثَرِينَ. "وَهِيَ" أَيْ مَعْرِفَتُهُ جَلَّ وَعَلا "أَوَّلُ وَاجِبٍ لِنَفْسِهِ" عَلَى الْمُكَلَّفِ بِالنَّظَرِ فِي الْوُجُودِ وَالْمَوْجُودِ7.

_ 1 في ش ز: ولم. 2 إن فعل غير المكلف ليس حسناً ولا قبيحاً بمعنى أن الحَسَن ما أمر الله به، والقبيح ما نهى الله عنه، والصغير أو المجنون غير مكلف، كما أن فعله لا يوصف بحُسْن ولا قبح بمعنى أن ما لفاعله فعله مع كونه متمكناً منه، عالماً بحالة، والقبيح عكسه، لأن غير الكلف ليس عالماً بحاله، ولا متمكناً من فعله، فلا يوصف فعله بحُسْن ولا قبح، كما لا يوصف فعل الصغير أو المجنون بالحسن والقبيح بمعنى الثوات والعقاب، لأن هؤلاء لا يكتب لهم ثوت، ولا ينزل به عقاب. "انظر: شرح العضد وحاشية الجرجاني 1/ 200، المعتمد 1/ 365-366، التوضيح على التنقيح 28/ 105". وسيأتي كلام المصنف في ذلك "ص422" في فصل المباح. 3 في ش: استعماله. 4 انظر: التعريفات ص133. 5 في ز: هو. 6 في ز: الكمالات. 7 اختلف العلماء في أول واجب على الإنسان، فقال قوم: أو واجب المعرفة، لأنه لا يتأتى الإتيان بشيء من المأمورات على قصد الأمتثال، والانكفاف عن شيء من النهيات على قصد الانزجار إلا بعد معرفة الأمر والناهي، واستدلوا بحديث معاذ رضي الله عنه عندما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له: فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله ... وقال آخرون: أول واجب النظر والاستدلال لأن المعرفة لا تتأتى إلا بهما، والنظر والاستدلال مقدمة الواجب فيجب، فيكون أول واجب النظر، وجمع بعضهم بين القولين بأن من قال أول واجب المعرفة أراد طلباً وتكليفاً، ومن قال النظر أو القصد أراد امتثالاً، وخالف آخرون هذه الأقوال وقالوا إن المعرفة حصلت بالفطرة للآيات والأحاديث فيها، "كل مولود يولد على الفطرة". انظر هذه الآراء ومناقشتها في: "فتح الباري 13/ 270-275، الشامل في أصول الدين ص120، شرح الأصول الخمسة ص39، فواتح الرحموت 1/ 44، الإرشاد لنجويني ص8".

"وَاجِبَانِ" أَيْ شُكْرُ الْمُنْعِمِ1 وَمَعْرِفَتُهُ "شَرْعًا" أَيْ: بِالشَّرْعِ دُونَ الْعَقْلِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَقْلَ لا يُوجِبُ وَلا يُحَرِّمُ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ2. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: بِالْعَقْلِ دُونَ الشَّرْعِ3.

_ 1 مسألة شكر المنعم فرع عن مسألة الحسن والقبح، ويبحث الأصوليون من أهل السنة هذه المسألة على التسليم جدلاً بالحسن والقبح العقليين، مع أنه إذا بطل هذا الأصل لم يجب شكر المنعم عقلاً. "انظر: مناهج العقول للبدخشي 1/ 147، الإحكام، الآمدي 1/ 87، شرح العضد 1/ 216، حاشية البناني 1/ 60، المسودة ص473". 2 قال الإسنوي: شكر المنعم ليس بواجب عقلاً، إذ لا تعذيب قبل الشرع لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الاسراء / 15] ، ولأنه لو وجب إما لفائدة للمشكور وهو منزه. أو للشاكر في الدينا وأنه مشقة بلا حظ، أو في الآخرة، ولا استقلال للعقل بها. "نهاية السول 1/ 147 وما بعدها" ونقل ابن مفلح عن أبي بعلى: "أن معرفة الله لا تجب عقلاً، وإنما تجب بالشرع، وهو بعثة الرسل" "الفروع 6/ 185"، وانظر: الإحكام، الآمدي 1/87، الإحكام ابن حزم 2/ 1153، إرشاد الفحول ص8، مناهج العقول 1/ 147، شرح العضد وحواشيه 1/ 217، تيسير التحرير 2/ 165، جمع الجوامع 1/ 62، المستصفى 1/ 61، المسودة ص473، الشامل 115، 119. 3 يقول القاضي عبد الجبار: إن سأل سائل فقال: ما أولُ ما أوجب الله عليك؟ فقل النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى، لأنه تعالى لا يعرف بالضرورة، فيجب أن يعرف بالتفكير والنظر "شرح الأصول الخمسة ص39"، وانظر: فواتح الرحموت 1/ 44.

وَعَنْ الأَشْعَرِيَّةِ أَنَّ وُجُوبَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ. نَقَلَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي كِتَابِ "جَامِعِ الأَنوار1، لِتَوْحِيدِ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ". وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ النَّظَرَ وَالْمَعْرِفَةَ لا يَقَعَانِ ضَرُورَةً2. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدَّمَهُ3 ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "بَابِ الْمُرْتَدِّ"4 وَابْنُ حَمْدَانَ فِي "نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ" وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ5 الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: بَلْ هُمَا كَسْبِيَّانِ. انْتَهَى. وَقَالَ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ6: إنَّهُمَا يَقَعَانِ ضَرُورَةً7، فَلا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِمَا بِأَدِلَّةِ8 الْعَقْلِ. وَحَمَلَ9 ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ10 الْفِطْرِيَّةِ. كَمَعْرِفَةِ إبْلِيسَ. لا الْمَعْرِفَةِ الإِيمَانِيَّةِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ: لا يَتَأَتَّى أَنَّهُ مُطِيعٌ فِي نَظَرِهِ، لأَنَّهُ

_ 1 في ش: الألغاز. 2 العلم الضروري هو العلم الذي يلزم نفس المخلوق لزوماً لا يمكنه معه الانفكاك عنه "فتاوي ابن تيمية 13/ 70" وانظر: شرح الأصول الخمسة 51 وما بعدها، الشامل للجويني ص115، 119. 3 في ش: وقيده. 4 قال ابن مفلح: "والمشهور في أصول الدين عن أصحابنا أن معرفة الله تعالى وجبت شرعاً، نص عليه، وقيل: عقلاً، وهي أول واجب لنفسه، ويجب قبلها النظر لتوقفها عليه، فهو أول واجب لغيره، ولا يقعان ضرورة، وقيل: بلى "الفروع 6/ 186". 5 في ش: فقال. وفي د ز ع ض: وقاله. 6 منهم أبو القاسم البلخي "انظر: شرح الأصول الخمسة ص52، 57". 7 انظر بيان هذا القول مناقشته في "شرح الأصول الخمسة ص57". 8 في ش: بأداة. 9 في ز ش: حمل 10 في ز ش: على العقل والمعرفة.

لا تَصِحُّ طَاعَةُ مَنْ لا يَعْرِفُ، وَلا مَعْرِفَةُ مَنْ1 لَمْ يَنْظُرْ2. "وَ" اُخْتُلِفَ: هَلْ بَيْنَ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَمَعْرِفَتِهِ تَعَالَى فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، أَمْ لا؟ فَـ3 "فِي قَوْلٍ: لا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَقْلاً" قَالَ الرَّازِيّ: لا فَرْقَ بَيْنَ الشُّكْرِ وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَقْلاً. فَمَنْ أَوْجَبَ الشُّكْرَ عَقْلاً أَوْجَبَ الْمَعْرِفَةَ، وَمَنْ لا فَلا، قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: هُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ النَّظَرِيَّاتِ، لا مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ. قَالَ الأُرْمَوِيُّ4 فِي "الْحَاصِلِ": هُمَا مُتَلازِمَانِ5. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الشُّكْرَ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ6؛ لأَنَّ الشُّكْرَ عِنْدَهُمْ إتْعَابُ النَّفْسِ بِفِعْلِ الْمُسْتَحَبَّاتِ الْعَقْلِيَّاتِ7، كَالنَّظَرِ إلَى مَصْنُوعَاتِهِ وَالسَّمْعِ إلَى الآيَاتِ، وَالذِّهْنِ إلَى فَهْمِ مَعَانِيهَا8. فَعِنْدَهُمْ مُدْرِكُ وُجُوبِ الشُّكْرِ عَقْلِيٌّ لِلْبُرْهَانِ الْكُلِّيِّ9 الْعَقْلِيِّ، وَمُخَالِفُوهُمْ

_ 1 في ع ب ض: لمن. 2 انظر: شرح الأصول الخمسة ص87. 3 في ش ز: و. 4 هو محمد بن حسين بن عبد الله الأزْمَوي، الفقيه الأصولي القاضي، كان من أكبر تلامذة الإمام فخر الدين الرازي، واختصر "المحصول"، وسماه "الحاصل" وكانت له شهرة وثروة ووجاهة، وكان متواضعاً، استوطن بغداد، ودرّس بالمدرسة الأشرفية، توفي في بغداد سنة 656هـ وقيل 653هـ. "انظر: طبقات الشافعية، الإسنوي 1/ 451، كشف الظنون 2/ 1615، معجم المؤلفين 9/ 244". 5 انظر: مناهج العقول 1/ 152 وما بعدها، الشامل في أصول الدين ص120. 6 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 87، مناهج العقول 1/ 152، شرح الأصول الخمسة ص87. 7 معنى الشكر عندهم: اجتناب المستخبثات العقلية، والإتيان بالمستحبات العقلية. "نهاية السول 1/ 150". 8 في ض: معناها. 9 ساقطة من ز ع ب ض.

يَقُولُونَ: مُدْرِكُهُ السَّمْعُ لا الْعَقْلُ1. "وَفِعْلُهُ تَعَالَى" وَتَقَدَّسَ "وَأَمْرُهُ لا لِعِلَّةٍ وَلا لِحِكْمَةٍ2 فِي قَوْلٍ " اخْتَارَهُ الْكَثِيرُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ3. وَقَالَهُ الظَّاهِرِيَّةُ4، وَالأَشْعَرِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ5. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا لِعِلَّةٍ وَحِكْمَةٍ. اخْتَارَهُ الطُّوفِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ6، وَابْنُ الْقَيِّمِ7، وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ. وَحَكَاهُ عَنْ إجْمَاعِ السَّلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشِّيعَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، لَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ تَقُولُ8 بِوُجُوبِ الصَّلاحِ. وَلَهُمْ فِي

_ 1 انظر: مناهج العقول 1/ 148. 2 هذه المسألة فرع عن الاختلاف في الحسن والقبيح، وهي جواب لاعتراض المعتزلة على رد أهل السنة عليهم، بأن شكر المنعم لا يجب عقلاً، لأنه لو وجب لوجب إما لفائدة للمشكور وهو منزه. أو للشاكر في الدنيا وأنه مشقة بلا حظ، أو في الآخرة لا استقلال للعقل بها، فاعترض المعتزلة على هذا الدليل بأنه ينطبق على الأحكام الشرعية، فأجاب أهل السنة بأن أفعال الله تعالى غير معللة بالأغراض والفائدة، لكن أحكام الله تعالى جاءت لرعاية مصالح العباد تفضلاً واحساناً، لا إيجاباً كما يقول المعتزلة. "انظر: نهاية السول 1/ 147، 150، مناهج العقول 1/ 150 وما بعدها، المستصفى 1/ 58، مقالات الإسلاميين 1/ 292". وفي ز ع ض: حكمة. 3 نقل الإسنوي الشافعي مذهبه فقال: إنّ مذهبنا أنه لا يجبُ تعليل أحكام الله تعالى، وأفعاله بالأعراض، فله بحكم المالكية أن يوجب ماشاء على من شاء من غير فائدة ومنفعة أصلاً "نهاية السول 1/ 152" وانظر: غاية المرام ص224، نهاية الاقدام ص397، الأربعين ص249. 4 انظر: ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان، لابن حزم ص47، الإحكام، لابن حزم 2/ 1110، 1126، 1131، 1148. 5 انظر: نهاية السول 1/ 152، مدارج السالكين 1/ 91، مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 115، غاية المرام ص224، المسودة ص65. 6 مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 119، المسودة ص63، منهاج السنة 1/ 34. 7 مدارج السالكين 1/ 97، 242، إعلام الموقعين 2/ 52. 8 في ز ع ب ش: لا تقول.

الأَصْلَحِ قَوْلانِ1. وَالْمُخَالِفُونَ لَهُمْ يَقُولُونَ بِالتَّعْلِيلِ، لا عَلَى مَنْهَجِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَجَوَّزَتْ طَائِفَةٌ2 الأَمْرَيْنِ. قَالَ3 الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لأَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَعْلِيلِ4 أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ قَوْلانِ، وَالأَكْثَرُونَ عَلَى التَّعْلِيلِ5. وَالْحِكْمَةِ: هَلْ هِيَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الرَّبِّ تَعَالَى، لا تَقُومُ بِهِ، أَوْ قَائِمَةٌ [بِهِ] 6، مَعَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمُنْفَصِلِ أَيْضًا؟ لَهُمْ فِيهِ قَوْلانِ. وَهَلْ تَتَسَلْسَلُ7 الْحِكَمُ، أَوْ لا تَتَسَلْسَلُ8؟ أَوْ تَتَسَلْسَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي؟ فِيهِ أَقْوَالٌ9. احْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ لِلْحِكْمَةِ وَالْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ} 10، وقَوْله تَعَالَى: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} 11، وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إلاَّ

_ 1 قال الجويني: القول في الصلاح والأصلح: اختلف مذاهب البغداديين والبصريين من المعتزلة في عقود هذا الباب، واضطربت آراؤهم "الإرشاد ص278" وانظر عرض الفكرة ومناقشتها في "غاية المرام ص224، 228، نهاية الاقدام ص404 وما بعدها". 2 في ع: طائفة منهم. 3 في ش: فقال. 4 ساقطة من ش. 5 منهاج السنة 2/ 239 مطبعة المدني، وانظر: اللمع ص55، الموافقات 2/ 3ط صبيح، شرح تنقيح الفصول ص406، منهاج السنة 1/ 35 "هذه طبعة بولاق، وكذلك في جميع ما سيأتي إلا إذا قيدناها بطبعة المدني التي فيها إضافات وزيادات عند التحقيق". 6 من منهاج السنة. 7 في ش ض: يتسلسل. 8 في ش ض: يتسلسل. 9 منهاج السنة 2/ 239 مطبعة المدني. 10 الآية 32 من المائدة. 11 الآية 7 من الحشر.

لِنَعْلَمَ} 1، وَنَظَائِرِهَا. وَلأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَكِيمٌ، شَرَعَ الأَحْكَامَ لِحِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 2، وَالإِجْمَاعُ3 وَاقِعٌ عَلَى اشْتِمَالِ الأَفْعَالِ عَلَى الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ، إمَّا وُجُوبًا كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ4، وَإِمَّا5 جَوَازًا كَقَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ6، فَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ بِحِكْمَتِهِ7. وَاحْتَجَّ النَّافُونَ بِوُجُوهٍ:

_ 1 الآية 143 من البقرة. 2 الآية 107 من الأنبياء. 3 الاجماع المقصود هنا إجماع أهل السنة والمعتزلة القائلين بإثبات الحكمة والعلة، وليس الإجماع الشرعي، لأنه سبق ذكر الاختلاف في هذا الموضوع في الصفحة السابقة. 4 انظر بحث رعاية الأصلح عند المعتزلة ومناقشته في "غاية المرام ص228، الإرشاد ص287، نهاية الاقدام ص404 وما بعدها". 5 في ش: أو. 6 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 121، 122، غاية المرام ص224، 231، فتاوى ابن تيمية 13/ 96. 7 قال البيضاوي: إيجاب الشرع لا يستدعي فائدة ... ، لكن نص في القياس على أن: الاستقراء دال على أن الله سبحانه وتعالى شرح أحكامه لمصالح العباد تفضلاً وإحساناً، وهذا يقتضي أن الله تعالى لا يفعل إلا لحكمة، وإن كان على سبيل التفضيل "نهاية السول 1/ 150" وقال ابن القيم: "إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجب عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكنة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتمَّ دلالة وأصدقها، "إعلام الموقعين 3/ 14" وقال ابن تيمية: إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها "الفتاوى 20/ 48" وانظر: شرح تنقيح الفصول ص91، الموافقات 2/ 3، المعتمد 2/ 887، مدارج السالكين 1/ 98، 242، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية ص73، المسودة ص64، منهاج السنة 1/ 35، فتاوى ابن تيمية 13/ 96.

أَحَدُهَا: مَا1 قَالَ الرَّازِيّ: إنَّ الْعِلَّةَ إنْ كَانَتْ قَدِيمَةً لَزِمَ مِنْ قِدَمِهَا قِدَمُ الْفِعْلِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُحْدَثَةً افْتَقَرَتْ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ2. وَهُوَ مُرَادُ الْمَشَايِخِ3 بِقَوْلِهِمْ: كُلُّ شَيْءٍ صُنْعُهُ، وَلا عِلَّةَ لِصُنْعِهِ4. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: "لَوْ كَانَتْ قَدِيمَةً لَزِمَ قِدَمُ الْفِعْلِ": غَيْرُ مُسَلَّمٍ، إذْ لا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِهَا قِدَمُ الْمَعْلُولِ. كَالإِرَادَةِ قَدِيمَةٌ وَمُتَعَلِّقُهَا حَادِثٌ. وَلَوْ كَانَتْ حَادِثَةً لَمْ تَفْتَقِرْ إلَى عِلَّةٍ أُخْرَى وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ قِيلَ: كُلُّ حَادِثٍ مُفْتَقِرٌ إلَى عِلَّةٍ. وَهُمْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ. بَلْ قَالُوا: يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الأَوَّلِ مُرَادًا لِغَيْرِهِ كَوْنُ الثَّانِي كَذَلِكَ5، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي [مُحْدَثًا] 6 لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلُ كَذَلِكَ فَلا يَتَسَلْسَلُ7. الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ أَوْجُهِ النُّفَاة: أَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلاً8 لأَجْلِ تَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ9، أَوْ دَفْعِ10 مَفْسَدَةٍ. فَإِنْ كَانَ تَحْصِيلُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ أَوْلَى لَهُ مِنْ عَدَمِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر: منهاج السنة 1/ 35. 3 في كتاب الأربعين: مشايخ الأصول. 4 الأربعين ص250، وانظر: الإحكام، ابن حزم 2/ 1148، مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 116، الشامل في أصول الدين ص678. 5 ساقطة من ش. 6 في جميع النسخ محبوباً، وهو خطأ. 7 قال ابن تيمية: والجواب عن التسلسل أن يقال هذا تسلسل في الحوادث المستقبلة، لا في الحوادث الماضية، فإنه إذا فعل فعلاً لحكمة كانت الحكمة حاصلة بعد الفعل، فإذا كانت تلك الحكمة يطلب منها حكمة أخرى بعدها كان تسلسلاً في المستقبل ... والتسلسل في المستقبل جائز عند الجماهير المسلمين وغيرهم من أهل الملل ... "منهاج السنة 1/ 35". 8 ساقطة من ش ز. 9 في ش ز: مسألة. 10 في الأربعين: لدفع، والنص منقول حرفياً من الأربعين ص249.

تَحْصِيلِهَا كَانَ ذَلِكَ الْفَاعِلُ قَدْ اسْتَفَادَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ تَحْصِيلَ تِلْكَ1 الأَوْلَوِيَّةِ. وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ، كَانَ نَاقِصًا بِذَاتِهِ، مُسْتَكْمِلاً بِغَيْرِهِ، وَهُوَ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحَالٌ، وَإِنْ كَانَ تَحْصِيلُهَا وَعَدَمُهُ سَوَاءً بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَمَعَ الاسْتِوَاءِ لا يَحْصُلُ الرُّجْحَانُ. فَامْتَنَعَ التَّرْجِيحُ2. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْحَصْرِ، وَبِالنَّقْصِ بِالأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ. كَإِيجَادِ الْعِلْمِ3. فَإِنْ قَالُوا بِخُلُوِّهِ عَنْ النَّقْصِ4. قِيلَ: كَذَا فِي التَّعْلِيلِ، نَمْنَعُ كَوْنَهُ نَاقِصًا فِي ذَاتِهِ، وَمُسْتَكْمِلاً بِغَيْرِهِ فِي ذَاتِهِ أَوْ 5 صِفَاتِ ذَاتِهِ 5، بَلْ اللاَّزِمُ حُصُولُ كَمَالاتٍ نَاشِئَةٍ مِنْ، جِهَةِ الْفِعْلِ، وَلا امْتِنَاعَ فِيهِ6. فَإِنَّ كَوْنَهُ مُحْسِنًا إلَى الْمُمْكِنَاتِ مِنْ جُمْلَةِ7 صِفَاتِ الْكَمَالِ8. وَكَذَا الْكَمَالُ فِي كَوْنِهِ خَالِقًا وَرَازِقًا عَلَى مَذْهَبِ الأَشْعَرِيِّ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنْ أَوْجُهِ النَّفَّاة: أَنَّهُ9 لَوْ فَعَلَ فِعْلاً لِغَرَضٍ. فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى تَحْصِيلِهِ بِدُونِ ذَلِكَ الْفِعْلِ. كَانَ تَوَسُّطُهُ عَبَثًا. وَإِلاَّ لَزِمَ الْعَجْزُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 كذا في الأربعين ص249-250، وانظر: غاية المرام ص226، مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 115، منهاج السنة 1/ 35. 3 كذا في د ض، وفي ش ز ع ب: العلم. 4 في ز ب ض: نقص، وفي ع: نقض. 5 في ب ض: صفاته. 6 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 162. 7 في ش ز: جهات. 8 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 162. 9 ساقطة من ش.

وَلأَنَّ ذَلِكَ الْغَرَضَ مَشْرُوطٌ بِتِلْكَ الْوَسِيلَةِ، - لَكِنَّهُ1 بَاطِلٌ2-، لأَنَّ أَكْثَرَ الأَغْرَاضِ إنَّمَا تَحْصُلُ بَعْدَ انْقِضَاءِ تِلْكَ الْوَسَائِلِ، فَيُمْتَنَعُ اشْتِرَاطُهُ. وَأُجِيبَ3 بِأَنَّ إطْلاقَ الْغَرَضِ لا يَجُوزُ، لِمَا يُوهِمُهُ4 عُرْفًا، وَلْيُعْدَلْ عَنْهُ إلَى لَفْظِ الْعِلَّةِ. فَيُقَالُ: لا نُسَلِّمُ لُزُومَ5 الْعَبَثِ، لأَنَّ الْعَبَثَ الْخَالِيَ6 عَنْ الْفَائِدَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ بِدُونِ تَوَسُّطِ السَّبَبِ7 لا يَقْتَضِي عَبَثَ الْفِعْلِ وَإِلاَّ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الشَّرْعِيَّاتُ عَبَثًا؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إيصَالِ مَا حَصَلَتْ8 لأَجْلِهِ مِنْ إيصَالِ الثَّوَابِ بِدُونِ تَوَسُّطِهَا. وَقَوْلُهُمْ: "إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى9 تَحْصِيلِهِ10 لَزِمَ الْعَجْزُ"، مَمْنُوعٌ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَا [شُرِعَ] 11 لأَجْلِهِ بِدُونِ الْفِعْلِ، وَبِأَنَّ12 إمْكَانَ تَحْصِيلِهِ بِدُونِ الْعَجْزِ دَوْرٌ. "وَعَلَيْهِ": أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِ الْعِلَّةِ "مُجَرَّدُ مَشِيئَتِهِ" تَعَالَى "مُرَجِّحٌ"

_ 1 في ش ز: لكونه. 2 انظر الأربعين ص250 وفي ز ش د: باطلاً. 3 في ع ز ب ض: أجيب. 4 في ع ب ض: توهمه. 5 ساقطة من ش. 6 أي: هو الخالي. 7 في ش: النسب. 8 لعلها: ما شرعت. 9 في ب: عن. 10 في ش: تسليمه. 11 إضافة يقتضيها السياق. 12 في ع ض: ولأن.

لإِيجَادِ فِعْلِ1 مَا شَاءَهُ. 2 فَإِذَا شَاءَ 2 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَيْئًا مِنْ الأَشْيَاءِ تَرَجَّحَ بِمُجَرَّدِ تِلْكَ الإِشَاءَةِ3. وَيَقُولُونَ: عِلَلُ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ مَحْضَةٌ4. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: بِالْمُنَاسَبَةِ، ثَبَتَ الْحُكْمُ عِنْدَهَا لا بِهَا5. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْمُنَى6 وَالشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالْغَزَالِيُّ7: بِقَوْلِ الشَّارِعِ: جُعِلَ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ مُوجِبًا لِحُسْنِ الْفِعْلِ وَقُبْحِهِ، لا8 أَنَّهُ كَانَ حَسَنًا وَقَبِيحًا قَبْلَهُ، كَمَا يَقُولُ الْمُثْبِتُونَ. "وَهِيَ" أَيْ 9 مَشِيئَةُ اللَّهِ 9 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "وَإِرَادَتُهُ لَيْسَتَا بِمَعْنَى مَحَبَّتِهِ،

_ 1 في ش: الفعل. 2 ساقطة من ب. وفي ش ز: فإن شاء. 3 انظر فواتح الرحموت 1/ 34. 4 هذا القول لنفاة التعليل الذين ينكرون تعليل الأحكام، ثم يقولون بالقياس القائم على العلة، فعرفوا العلة بما سبق أعلاه، للتوفيق بين مذهبهم ينفي التعليل، وبين إقرارهم بالقياس وعلته، وأن الله تعالى شرع أحكامه لتحقيق مصالح عباده. "انظر: ضوابط المصلحة ص90، كشف الأسرار 3/ 367". 5 سيأتي تفصيل الكلام عن العلة وأنواعها في آخر الكتاب في فصل القياس. 6 هو نَصْر بن فتيان بن مَطَر، أبو الفتح، النهرواني ثم البغدادي، الفقيه الزاهدُ، المعروف بابن المنّى، أحد الأعلام، وفقيه العراق، وشيخ الحنابلة على الإطلاق، ولد سنة 501هـ. وصرف همته طول عمره للفقه أصولاً وفروعاً، ودرس وأفتى نحو سبعين سنة. قال الموفق: "شيخنا أبو الفتح كان رجلاً صالحاً حسن النية والتعليم، وكانت له بركة في التعليم، وكان روعاً زاهداً متعبداً على منهاج السلف". توفي سنة 583هـ. انظر ترجمته مطولة في "ذيل طبقات الحنابلة 1/ 358، شذرات الذهب 4/ 276". 7 المستصفى 2/ 230. 8 في ش: إلا. 9 في ز ع ب ض: ومشيئته.

وَرِضَاهُ وَسَخَطِهِ وَبُغْضِهِ1، فَيُحِبُّ وَيَرْضَى مَا أَمَرَ بِهِ فَقَطْ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى2" فَيَكُونُ مَا يَشَاءُ3 لِمَشِيئَتِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ4 لا يُحِبُّهُ5، وَهَذَا مَذْهَبُ 6 أَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ الْفُقَهَاءِ 6 وَالْمُحَدِّثِينَ وَالصُّوفِيَّةِ وَالنُّظَّارِ وَابْنِ كُلاَّبٍ7. وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالأَشْعَرِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا - كَابْنِ حَمْدَانَ فِي "نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ"- إلَى أَنَّ الْكُلَّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ8. ثُمَّ قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: هُوَ لا يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ فَلا يَشَاؤُهُ، وَإِنَّهُ9 يَكُونُ بِلا مَشِيئَتِهِ10. وَقَالَتْ الْجَهْمِيَّةُ: بَلْ هُوَ يَشَاءُ ذَلِكَ. فَهُوَ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ11.

_ 1 هذه المسألة للرد على نفاة التعليل والحكمة الذين يقولون بمَحْض المشيئة، وأن الإحكام هي متعلق المشيئة والإرادة والأمر والنهي، دون اشتراط العلة والحكمة. "انظر: مدارج السالكين 1/ 242". 2 سساقطة من ز ع ب ض. 3 في ع: شاء. 4 ساقطة من ع ب ض. 5 قال تعالى: {ولا يرضى لعباده الكفر} [الزمر / 7] . 6 في ش: الفقهاء من السلف. 7 انظر: أصول السرخسي 1/ 82، المسودة ص63، الفضل في الملل والنحل 3/ 142، نهاية الاقدام ص256، الأربعين ص244، منهاج السنة 2/ 34. 8 انظر: فتح الباري 13/ 345، فتاوي ابن تيمية 13/ 37. 9 في ش: والكفر. 10 قالت المعتزلة: إن الإرادة توافق الأمر، وكل ما أمر الله به فقد أراده، وكل ما نهى عنه فقد كرهه "الأربعين ص244" وانظر: نهاية الاقدام ص254، 258. 11 يقول ابن القيم: إن الحكمة ترجع عندهم إلى مطابقة العلم الأزلي لمعلومه، والإرادة الأزلية لمرادها، والقدرة لمقدورها، فإذا الأفعال بالنسبة إلى المشيئة والارادة مستوية، ثم ينقل عنهم: أن إرادة الرب هي عين محبته ورضاه. فكل ما شاءه فقد أحبه ورضيه "مدارج السالكين 1/ 228". وانظر: مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 127، جواب أهل العلم والإيمان ص100، الأربعين ص244.

وَأَبُو الْحَسَنِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَافَقُوا هَؤُلاءِ1. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ: أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ السَّلَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَأَمَّا سَلَفُ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا، وَأَكَابِرُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ، وَكَثِيرٌ مِنْ طَوَائِفِ النُّظَّارِ كَالْكُلاَّبِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، وَيَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ وَيَرْضَى بِهِ، كَمَا يَأْمُرُ بِهِ. وَلا يَرْضَى بِالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ وَلا يُحِبُّهُ، كَمَا لا يَأْمُرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَشَاؤُهُ2. وَلِهَذَا كَانَ حَمَلَةُ الشَّرْعِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا. كَقَضَاءِ دَيْنٍ تَضَيَّقَ وَقْتُهُ 3 أَوْ عِبَادَةٍ تَضَيَّقَ وَقْتُهَا"3. وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْهُ4 لَمْ يَحْنَثْ. وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ اللَّهُ يُحِبُّ ذَلِكَ وَيَرْضَاهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ يَنْدُبُ إلَى ذَلِكَ وَيُرَغِّبُ فِيهِ، أَوْ يَأْمُرُ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي "تَفْسِيرِهِ"، عِنْدَ قَوْله سبحانه وتَعَالَى: {سَيَقُولُ5 الَّذِينَ

_ 1 قالو: المحبة هي الإرادة نفسها، وكذلك الرضا والاصطفاء، وهو سبحانه يريد الكفر ويرضاه "جواب أهل العلم والإيمان ص101". 2 انظر: مدارج السالكين 1/ 243، مجموعة الرسائل والمسائل 5/ 127، أصول السرخي 1/ 82، منهاج السنة 1/ 35، نهاية الاقدام ص258، وفي ز ع ب ض: شاءه. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: يفعل. 5 في ش: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} [البقرة / 142] ، {سَيَقُولُ.

أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا، وَلا آبَاؤُنَا، وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} 1: "وَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْزِلٍ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ. فَإِنَّهُ مُرِيدٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ، غَيْرُ آمِرٍ بِجَمِيعِ 2 مَا يُرِيدُ، وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ"2 يَتَّبِعَ أَمْرَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَشِيئَةٍ. فَإِنَّ مَشِيئَتَهُ لا تَكُونُ عُذْرًا لأَحَدٍ"3. وَقَالَ فِي سُورَةِ التَّغَابُنِ، عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، فَمِنْكُمْ كَافِرٌ، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} 4: "وَجُمْلَةُ5 الْقَوْلِ فِيهِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْكَافِرَ، وَكُفْرُهُ فِعْلٌ لَهُ وَكَسْبٌ6، وَخَلَقَ الْمُؤْمِنَ، وَإِيمَانُهُ فِعْلٌ لَهُ وَكَسْبٌ. فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ كَسْبٌ وَاخْتِيَارٌ. وَكَسْبُهُ وَاخْتِيَارُهُ بِتَقْدِيرِ7 اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ"8. انْتَهَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ لِمَا خَلَقَ. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} 9. وَنَوْعٌ بِمَعْنَى مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ لِمَا أَمَرَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُقْهُ. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} 10، وقَوْله تَعَالَى:

_ 1 الآية 184 من الأنعام. 2 في ش: ما يريده على أن. 3 معالم التنزيل 2/ 197، وانظر: نهاية الاقدام ص257، الأسماء والصفات للبيهقي ص173. 4 الآية 2 من سورة التغابن. 5 كذا في تفسير البغوي، وفي ش ز: ومن جملة، وفي ع ب ض: من جملة. 6 في ش ز: كسب. 7 في ش: تقرير. 8 تفسير البغوي: 7/ 103. 9 الآية 125من الأنعام. 10 الآية 185 من البقرة.

{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ1 مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 2، فِي آيٍ كَثِيرَةٍ. وَبِهَذَا يُفْصَلُ النِّزَاعُ فِي مَسْأَلَةِ الأَمْرِ: هَلْ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلإِرَادَةِ أَمْ3 لا؟. فَإِنَّ الْقَدَرِيَّةَ تَزْعُمُ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَشِيئَةِ. فَيَكُونُ قَدْ شَاءَ الْمَأْمُورَ بِهِ4، وَ [لَوْ] لَمْ يَكُنْ5. وَالْجَهْمِيَّةُ قَالُوا: إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِشَيْءٍ مِنْ الإِرَادَةِ. وَلا مَحَبَّتُهُ6 لَهُ وَلا رِضَاهُ بِهِ إلاَّ إذَا وَقَعَ. فَإِنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ7. "فَائِدَةٌ": "الأَعْيَانُ"8 الْمُنْتَفَعُ بِهَا9، "وَالْعُقُودُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا قَبْلَ" وُرُودِ "الشَّرْعِ"

_ 1 في ش ض: عليكم في الدين. 2 الآية 6 من المائدة. 3 في ش: أو. 4 ساقطة من ش. 5 قالت المعتزلة: كل آمر بالشيء فهو مريد له، والرب تعالى آمر عباده بالطاعة فهو مريد لها. "نهاية الاقدام ص254". 6 في ش ز: ولا محبة. 7 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الإرادة نوعان إرادة الخلق وإرادة الأمر، فإرادة الأمر أن يريد من المأمور فعل ما أمر به، وإرادة الخلق أن يريد هو خلق ما يحدثه من أفعال العباد وغيرها، والأمر مستلزم اللإرادة الأولى دون الثانية، والله تعالى أمر الكافر بما أراده منه بهذا الاعتبار، وهو ما يحبه ويرضاه، ونهاه عن المعصية التي لم يردها منه، أي لم يحبها ولم يرضها بهذا الاعتبار، فإنه لا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد، وإرادة الخلق هي المشيئة المستلزمة لوقوع المراد، فهذه الإرادة لا تتعلق إلا بالموجود، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ... "منهاج السنة 2/ 34"، وانظر مبحث الإرادة في "الإربعين ص145 وما بعدها، نهاية الأقدام ص238 وما بعدها، الأسماء والصفات ص160 وما بعدها". 8 في ش ع ب ض: الأعيان والمعاملات. 9 في ش ب ع: بهما.

بِحُكْمِهَا1، "إنْ" فُرِضَ أَنَّهُ "خَلا وَقْتٌ عَنْهُ" أَيْ عَنْ الشَّرْعِ، مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ: أَنَّهُ لَمْ يَخْلُ وَقْتٌ مِنْ شَرْعٍ. قَالَهُ2 الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَا خَلَقَ آدَمَ قَالَ لَهُ: {اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} 3. أَمَرَهُمَا وَنَهَاهُمَا عَقِبَ خَلْقِهِمَا. فَكَذَلِكَ كُلُّ زَمَانٍ4. قَالَ الْجَزَرِيُّ5: لَمْ تَخْلُ الأُمَمُ 6 مِنْ حُجَّةٍ 6، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} 7، وَالسُّدَى: الَّذِي لا يُؤْمَرُ وَلا

_ 1 هذا هو الفراغ الثاني الذي يبحثه العلماء فرعاً عن الحسن والقبيح على سبيل التنزل مع المعتزلة، قال الإسنوي: لما أبطل الأصحاب قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، لزوم من إبطالها إبطال وجوب شكر المتعم عقلاً، وإبطال حكم الأفعال الاختيارية قبل البعثة. "نهاية السول 1/ 150" وانظر: شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 216. 2 في ز ع ض: قال. 3 الآية 35 من البقرة، وفي ش سقطت "رعدا"، وفي ش: حيثما، وفي ع ب ض: وكلا من حيث شئتما. 4 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص109-110، المسودة ص486 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 49، تيسير التحرير 2/ 172، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 63. 5 هو أحمد بن نصر بن محمد، أبو الحسن الجزري، الزهري، البغدادي، من قدماء الحنابلة، وكان له قدم في المناظرة، ومعرفة في الأصول والفروع، ومن اختياراته: أنه لا مجاز في القرآن، ويجوزُ تخصيصُ الكتاب والسنة بالقياس، وأن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر، وأن المني نجس، قال عنه ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة": "صحب الجماعة من أشياخنا وتخصص بصحبة أبي علي النجاد، وكانت له حلقة في جامع القصر"، توفي سنة 380هـ. "انظر: طبقات الحنابلة 2/ 167، تاريخ بغداد 5/ 184، اللباب في تهذيب الأنساب 1/ 354، الأنساب للسمعاني 5/ 87". وفي ش: الخوري، وفي ز د ض: الخزري. 6 ساقطة من ش. وانظر: الروضة ص22، القواعد والفوائد الأصولية ص110، المسودة ص474. 7 الآية 36 من القيامة.

يُنْهَى1، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} 2، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} 3. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ4 فِيمَا خَرَّجَهُ5 فِي مَجْلِسِهِ6: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ7 زَمَانِ فَتْرَةٍ8 مِنْ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ". فَأَخْبَرَ أَنَّ كُلَّ زَمَانٍ فِيهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ9.

_ 1 انظر تفسير ابن كثير 7/ 174، تفسير الخازن 7/ 188، تفسير البغوي 7/ 188. 2 الآية 36 من النحل. 3 الآية 24 من فاطر. 4 هو عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الرحمن، كان إماماً بالحديث وعلله، ومن أروى الناس عن أبيه، ورتب مسند والده، وكان ثقة فهماً ثبتاً صالحاً صادق اللهجة، كثير الحياء، مات سنة 290هـ ببغداد. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 180، شذرات الذهب 2/ 203، المنهد الأحمد 1/ 206، طبقات الحفاظ ص288، الخلاصة ص190، تذكرة الحفاظ 2/ 565، تاريخ بغداد 9/ 375، طبقات الفقهاء، الشيرازي ص169". 5 أي عن أبيه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى. 6 هكذا في ش ز د ع ب ض، ولعل الصواب في محنته، كما نقله البعلي في "القواعد والفوائد الأصولية" "ص110"، وانظر النص الكامل في كتاب "المدخل إلى مذهب أحمد" "ص9" وأوله: "الحمد لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم.... "، وجاء في كتاب الإمام أحمد "الرد على الجهمية والزنادقة" "ص205" مايلي: "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم"، وانظر: المسودة ص486. 7 ساقطة من ز ع. 8 ساقطة من ز ع ب. 9 ويتأكد هذا في الرسالة الخاتمة، لأن العلماء ورثة الأنبياء، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق"، وفي رواية: "قائمة على الحق ... " رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة عن ثوبان، ورواه البخاري ومسلم وأحمد عن معاوية"، "انظر: صحيح البخاري 1/ 24، صحيح مسلم 3/ 1523، سنن ابن ماجة 1/ 4، سنن أبي داود 3/ 8، مسند أحمد 4/ 93، كشف الخفا 2/ 64".

"أَوْ بَعْدَهُ" أَيْ بَعْدَ وُرُودِ1 الشَّرْعِ2 "وَخَلا عَنْ حُكْمِهَا". قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَوْ قَدَّرْنَا خُلُوَّ شَرْعٍ عَنْ حُكْمٍ، مَا حُكْمُهَا؟ "أَوْ لا": أَيْ أَوْ لَمْ يَخْلُ الشَّرْعُ عَنْ حُكْمِهَا "وَجُهِلَ" قَالَ الْقَاضِي: وَيُتَصَوَّرُ فَائِدَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ نَشَأَ بِبَرِّيَّةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ شَرْعًا. وَعِنْدَهُ فَوَاكِهُ وَأَطْعِمَةٌ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ. "مُبَاحَةٌ"3 خَبَرٌ4 لِقَوْلِهِ: "الأَعْيَانُ". وَبِالإِبَاحَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي مُقَدِّمَةِ "الْمُجَرَّدِ"5، وَأَبُو6 الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو7 الْخَطَّابِ، وَالْحَنَفِيَّةُ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَابْنُ سُرَيْجٍ. وَأَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ8 وَغَيْرُهُمْ؛ لأَنَّ خَلْقَهَا - لا

_ 1 ساقطة من ز ع ب ض. 2 يفرق كثير من العلماء بين حالة قبل ورود الشرع وحالة بعد ورود الشرع، ولم يعرف الحكم، ولكل حالة عندهم حكم منفصل عن الآخر. بينما سوّى المصنف بين الحالتين وهو قول البعض. 3 انظر: الروضة ص22، نهاية السول 1/ 154، مناهج العقول 1/ 158، تيسير التحرير 1/ 172، التمهيد ص24، مختصر الطوفي ص29، المسودة ص474، المدخل إلى مذهب أحمد ص64، الإحكام لابن حزم 2/ 871، وانظر مناقشة القول بالإباحة قبل الشرع في "الإحكام، الآمدي 1/ 93، نهاية السول 1/ 162، المستصفى 1/ 63، مختصر الطوفي ص30". 4 في ش: خير. 5 المجرد في الفقه الحنبلي، للقاضي أبي يعلى. "انظر: طبقات الحنابلة 2/ 205". 6 في ش: وأبي. 7 في ش: وأبي. 8 هو أحمد بن بشير بن عامر، العامري، القاضي، أحد أئمة الشافعية، شرح "مختصر المزني" وصنف في الأصول، وله كتاب "الجامع" أحاط فيه بالأصول والفروع، وكان معتمد الشافعية في المشكلات والعقد، قال النووي: "ويعرف بالقاضي أبي حامد" مات سنة 362هـ. ألف في الأصول: "الإشراف على الأصول"، وفي الفقه "الجامع الكبير". "انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 12، شذرات الذهب 3/ 40، وفيات الأعيان 1/ 52، تهذيب الأسماء 2/ 112، المجموع للنووي 1/ 145، طبقات الفقهاء الشافعية، للعبادي ص76، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 114، الفتح المبين 1/ 199". وفي ش ز: أبو حامد والمروزي.

لِحِكْمَةٍ1- عَبَثٌ، وَلا حِكْمَةَ إلاَّ انْتِفَاعُنَا بِهَا، إذْ هُوَ خَالٍ عَنْ الْمَفْسَدَةِ2. كَالشَّاهِدِ3. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} 4. قَالَ الْقَاضِي: وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، حَيْثُ سُئِلَ عَنْ قَطْعِ النَّخْلِ؟ قَالَ: لا بَأْسَ، لَمْ نَسْمَعْ فِي قَطْعِهِ شَيْئًا5. وَفِي "الرَّوْضَةِ" مَا يَقْتَضِي: أَنَّهُ عُرِفَ بِالسَّمْعِ إبَاحَتُهَا قَبْلَهُ6. وَقَالَهُ7 بَعْضُهُمْ: كَمَا فِي الآيَاتِ وَالأَخْبَارِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ: الأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ دَلَّتْ عَلَى الإِبَاحَةِ لِقَوْلِهِ8 تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} 9، وقَوْله تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ} 10،

_ 1 في ش ز: بحكمة. 2 انظر: نهاية السول 1/ 160 وما بعدها، تسير التحرير 2/ 150، جمع الجوامع 1/ 68، مختصر الطوفي ص29، المسودة ص474، القواعد والفوائد الأصولية ص107، وفي ب ض: مفسدة. 3 الشاهد أي المشاهد المرئي الذي تراه العين أو تدركه الحواس، والغائب هو المُغُيَّب أو هو الغيب الذي لا تدركه العين أو الحواس في الدنيا، ويستعمل العلماء قياس الغائب وصفاته، وهو الله سبحانه وتعالى، على الشاهد وهو الإنسان وصفاته وأحواله. 4 الآية 29 من البقرة. 5 أنظر القواعد والفوائد الأصولية ص107، المسودة ص484-478. 6 الروضة ص22، وانظر: شرح تنقيح الفصول ص92. 7 في ش: قال. 8 في ع ب: كقوله. 9 الآية 29 من البقرة. وفي ش: الآية 9 من الحج، وهو خطأ. 10 الآية 32 من الأعراف، و {الطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ} غير موجودة في ز ع ب ض.

وَقَوْلُهُ1 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا: مَنْ سَأَلَ2 عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ لأَجْلِ مَسْأَلَتِهِ" 3، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا سَكَتَ عَنْهُ: 4 فَهُوَ عَفْوٌ 4 "5. وَعِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي "الْعُدَّةِ"6، وَالْحَلْوَانِيِّ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ7، وَالأَبْهَرِيِّ8 مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: مُحَرَّمَةٌ. لأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَحَرُمَ كَالشَّاهِدِ9.

_ 1 في ش: وقال. 2 في ش: سئل. 3 رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد عن سعد مرفوعاً بلفظ "أعظم" أو "إن أعظم". "انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 4/ 258، صحيح مسلم 4/ 1831، سنن أبي داود 4/ 282، الفتح الكبير 1/ 292، مسند أحمد 1/ 179". 4 في ز ع ب ض: فهو كاعفاء عنه. 5 رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وهو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن السمن والجبن والفراء، فقال: "الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفي عنه" وفي رواية "وما سكت عنه فهو عفو". "انظر: سنن أبي داود 3/ 485، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 5/ 396، سنن ابن ماجة 2/ 1117". 6 في ش: "العمدة". 7 وهو قول أبي علي بن أبي هريرة، "انظر: نهاية السول 1/ 155، جمع الجوامع 1/ 68، المسودة ص474". 8 هو محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح بن عمر، التميمي الأبهري، أبو بكر، انتهت إليه رئاسة المالكية في بغداد في عصره، وكان من أئمة القراء، وكان ورعاً زاهداً ثقة يتصدر مجالس العلم، ومن مؤلفاته: "كتاب في الأصول" و "إجماع أهل المدينة" و "الرد على المزني" و "إثبات حكم القافة" و "فضل المدينة على مكة" توفي سنة 375هـ ببغداد، "انظر: الديباج المذهب 2/ 206، شذرات الذهب 3/ 85، الفتح المبين 1/ 208، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 273، شجرة النور ص91". 9 الشاهد أي العبد المخلوق، والغائب هو الله سبحانه وتعالى، فكما لا يجوز التصرف في ملك الإنسان الذي يعبر عنه بالشاهد بغير إذنه، لا يجوز التصرف والانتفاع فيما يخلقه الله تعالى بغير إذنه، انظر تفصيل الكلام مع الأدلة في "الروضة ص22، نهاية السول 1/ 164، مناهج العقول 1/ 160، شرح العضد وحواشيه 1/ 218، جمع الجوامع 1/ 68، شرح تنقيح الفصول ص88، المدخل إلى مذهب أحمد ص64، المستصفى 1/ 65، المسودة ص 474".

ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ: يَخْرُجُ مِنْ مَحَلِّ1 الْخِلافِ عَلَى2 الصَّحِيحِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ - وَحَكَى إجْمَاعًا - مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ3، كَتَنَفُّسٍ وَسَدِّ رَمَقٍ وَنَحْوِهِ4. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ سَاقِطٌ لا يُعْتَدُّ بِهِ5. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَمْ يُوَافِقْ الْمُعْتَزِلَةَ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، وَقَالَ بِالإِبَاحَةِ أَوْ6 الْحَظْرِ: فَقَدْ نَاقَضَ7. فَاحْتَاجَ مَنْ قَالَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إلَى اسْتِنَادٍ إلَى سَبَبٍ غَيْرِ مَا اسْتَنَدَتْ8 إلَيْهِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ب: في. 3 ساقطة من ش. 4 أي ونحو ذلك من الأفعال الأضطرارية التي تدعو الحاجة إليها، ويترتب على تركها الهلاك أو الأذى الشديد، "انظر: نهاية السول 1/ 155، حاشية التفتازاني على شرح العضد 1/ 218، التمهيد ص24، حاشية البناني 1/ 65، فواتح الرحموت 1/ 50، القواعد والفوائد الأصولية ص109، المسودة ص474، 476، 479، المدخل إلى مذهب أحمد ص64". 5 اقتصر المصنف على ذكر قولين في أفعال العباد قبل ورود الشرع، وهناك قول ثالث، وهو أنه لا حكم لها، إذ معنى الحكم الخطاب، ولا خطاب قبل ورود الشرع، وهو قول أبي الخطاب من الحنابلة والأشاعرة وابن حزم الظاهري وأكثر أهل الحق، كما سماهم الآمدي، وقول رابع بالوقف، وهو قول أبي الحسن الأشعري وأبي بكر الصيرفي وأبي الحسن الجزري من الحنابلة، وقال الرازي والبيضاوي بعدم العلم، أما بعد ورود الشرع فهي على الإباحة، "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 91، 94، الروضة ص22، نهاية السول 1/ 154، 155، 3/ 153، شرح البدخشي 1/ 154، شرح العضد 1/ 218، تيسير التحرير 2/ 150، 168، التمهيد ص24، جمع الجوامع 1/ 63، 64، المستصفى 1/ 65، فوتح الرحموت 1/ 49، مختصر الطوفي ص29، الإحكام، ابن حزم 1/ 47، المسودة ص474-475". 6 في ش: و. 7 أي ناقض نفسه، وفي ش: نافق. 8 في ش: استند.

الْمُعْتَزِلَةُ، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "بِإِلْهَامٍ"1. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ: عَرَفْنَا الْحَظْرَ وَالإِبَاحَةَ بِالإِلْهَامِ، كَمَا أُلْهِمَ أَبُو بَكْرٍ2 وَعُمَرُ3 رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَشْيَاءَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِمُوَافَقَتِهِمَا4. "وَهُوَ مَا يُحَرِّكُ الْقَلْبَ بِعِلْمٍ يَطْمَئِنُّ5" الْقَلْبُ "بِهِ" أَيْ بِذَلِكَ الْعِلْمِ

_ 1 لعل المصنف يشير إلى كلام الشيخ تقي الدين بن تيمية، وهو: اختلف جواب القاضي وغيره من أصحابنا في مسألة الأعيان، مع قولهم بأن العقل لا يحظر ولا يقبح، وفقال القاضي وأبو الخطاب والحلوني: إنما علمنا أن العقل لا يحظر ولا يبيح بالشرع، وخلافنا في هذه المسألة قبل ورود الشرع، ولا يمتنع أن نقول قبل ورود الشرع: إن العقل يحظر ويبيح إلى أن ورد الشرع فيمنع ذلك، إذ ليس قبل ورود الشرع ما يمنع ذلك، قال الحلواني: وأجاب بعض الناس عن ذلك بأنا علمنا ذلك عن طريق شرعي، وهو الإلهام من قبل الله لعباده ... "المسودة ص477". وانظر: شرح تنقيح الفصول ص92. 2 هو الصحابي عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب القرشي التميمي، أبو بكر الصديق، ابن أبي قحافة، ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر، صحب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وسبق إلى الإسلام، واستمر معه طوال إقامته بمكة، ورافقه في الهجرة وفي الغار والمشاهد كلها، استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمامة الصلاة، ورضيه المسلمون خليفة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، حارب المرتدين، ومكن الإسلام في الجزيرة العربية، وهو من المبشرين بالجنة، مناقبه كثيرة رضي الله عنه، توفي سنة 13هـ. "انظر: الإصابة 2/ 341، الاستيعاب 4/ 17، صفة الصفوة 1/ 235، تاريخ الخلفاء ص27، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 181، العقد الثمين 5/ 206". 3 هو الفاروق، عمر بن الخطاب بن نفيل، العدوي، أبو حفص، ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد فقهاء الصحابة، وأحد المبشرين بالجنة، أول من سمي بأمير المؤمنين، وأول من دون الدواوين، وأول من اتخذ التاريخ، أسلم سنة ست من البعثة، وأعز الله به الإسلام، وهاجر جهاراً، روى 539 حديثاً، وكان شديداً في الحق، ولد قبل البعثة بثلاثين سنة، تولى الخلافة بعد أبي بكر، وفتح الله في أيامه عدة أمصار، واستشهد في آخر سنة 23هـ، مناقبه كثيرة "انظر: الإصابة 2/ 518، الاستيعات 2/ 458، صفة الصفوة 1/ 68، العقد الثمين 6/ 291، تاريخ الخلفاء ص108، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 3". 4 انظر: المسودة ص 477، فتاوى ابن تيمية 13/ 73. 5 في ز د ع: ويطمئن.

حَتَّى "يَدْعُوَ إلَى الْعَمَلِ بِهِ1" أَيْ بِالْعِلْمِ الَّذِي اطْمَأَنَّ بِهِ. "وَهُوَ" أَيْ الإِلْهَامُ "فِي قَوْلٍ: طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ". حَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي الإِلْهَامِ: - هَلْ هُوَ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ؟ - عَلَى قَوْلَيْنِ2. وَحُكِيَ فِي "جَمْعِ3 الْجَوَامِعِ": "أَنَّ بَعْضَ الصُّوفِيَّةِ قَالَ بِهِ"4. وَقَالَ5 ابْنُ السَّمْعَانِيِّ نَقْلاً عَنْ أَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ6: وَحَدَّهُ 7 أَبُو زَيْدٍ 7: "بِأَنَّهُ مَا حَرَّكَ الْقَلْبَ بِعِلْمٍ يَدْعُوك إلَى الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلالٍ وَلا نَظَرٍ فِي حُجَّةٍ"8. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ حُجَّةٌ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْيِ الْمَسْمُوعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا

_ 1 انظر تعريف الإلهام في حاشية البناني على جمع الجوامع 2/ 356، التعريفات ص35. 2 انظر تفصيل هذا البحث في "مدارج السالكين 1/ 44-50، المسودة ص487، فتاوي ابن تيمية 10/ 766، 477، 478، 11/ 65-66، 13/ 68-70". 3 ساقطة من ش. 4 جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 356. قال الشريف الجرجاني: وهو ليس بحجةٍ عند العلماء إلا عند الصوفية "التعريفات ص35". 5 في ز ع: وقاله. 6 هو القاضي عبد الله أو عبيد الله بن عمر بن عيسى، أبو زيد الدبّوسي، من أكابر فقهاء الحنفية، ويضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، من مؤلفاته "تأسيس النظر" و "تقويم الأدلة" في أصول الفقه، و "تحديد أدلة الشرع" وكتاب "الأسرار" في الأصول والفروع، توفي ببخارى سنة 430هـ. "انظر: شذرات الذهب 3/ 245، الفتح المبين 1/ 236، وفيات الأعيان 2/ 251، تاج التراجم ص36، الفوائد البهية ص109". 7 ساقطة من ش. 8 في ع ب: حجته.

وَتَقْوَاهَا} 1، أَيْ عَرَّفَهَا بِالإِيقَاعِ فِي الْقَلْبِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} 2 وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ وَأَفْتَوْك" 3، فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ قَلْبِهِ بِلا حُجَّةٍ أَوْلَى مِنْ الْفَتْوَى4. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ5 خَيَالٌ لا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إلاَّ عِنْدَ فَقْدِ الْحُجَجِ كُلِّهَا، وَلا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الإِيقَاعَ فِي الْقَلْبِ بِلا دَلِيلٍ، بَلْ الْهِدَايَةُ إلَى الْحَقِّ بِالدَّلِيلِ، كَمَا قَالَ عَلِيٌّ6 رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:

_ 1 الآيتان 7-8 من الشمس. 2 الآية 125 من الأنعام. 3 رواه الإمام أحمد بروايات كثيرة، والترمذي والدارمي والطبراني وأبو نعيم وأبو يعلى، عن وابصة، بألفاظ مختلفة، قال الهيثمي: رجاله ثقات، وأوله: "البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ... " "انظر: تخريج أحاديث أصول البزدوي ص160، كشف الخفا 1/124، فيض القدير 3/ 218، مسند أحمد 4/ 182، 228، جامع العلوم والحكم ص236 وما بعدها، سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 7/ 64، سنن الدارمي 2/ 246". 4 قال المناوي: وذلك لأن على قلب المؤمن نوراً يتقيد، فإذا ورد عليه الحق التقى هو ونور القلب فامتزجا وائتلفا، فاطمأن القلب وهش، وإذا ورد عليه الباطل نفر نور القلب ولم يمازجه، فاضطرب القلب. "فيض القدير 3/ 218" وانظر: فتاوي ابن تيمية 10/ 479، 13/ 68. 5 في ز: هو. 6 هو الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، أبو الحسن القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأول الناس إسلاماً، ولد قبل البعثة بعشر سنوات، وربي في حجر رسول الله، شهد جميع المشاهد إلا تبوك، استخلفه الرسول صلى الله عيله وسلم وقال له: "وأما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة"، وكان اللواء بيده في معظم الغزوات، اشتهر بالفروسية والشجاعة والقضاء، وكان عالماً بالقرآن والفرائض والأحكام واللغة والشعر، تزوج فاطمة الزهراء. وكان من أهل الشورى، وبايع عثمان رضي الله عنهما، فلما قتل عثمان بايعه الناس سنة 35هـ، واستشهد في رمضان سنة 40هـ. مناقبه كثيرة. "انظر: الإصابة 2/ 507، الاستعاب 3/ 26، صفة الصفوة 1/ 308، أسد الغابة 4/ 91، تاريخ الخلفاء ص 166، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 344".

"إلاَّ أَنْ1 يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ"2.

_ 1 في ب: من. 2 سئل الإمام علي رضي الله عنه: هل خصّكم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة، وبراً النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه، وما في هذه الصحيفة، وكان فيها العقل، وهو الديات، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر". رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وأحمد والدارمي عن أبي جحيفة، "انظر: نيل الأوطار 7/ 10، صحيح البخاري بحاشية السندي 4/ 194، سنن النسائي 8/ 21، تحفة الأحوذي 4/ 688، سنن أبي داود 4/ 252، مسند أحمد 1/ 79، سنن الدارمي2/ 190". وانظر: مدارج السالكين 1/ 41.

فصل الحكم الشرعي

"فَصْلٌ" "الْحُكْمُ1 الشَّرْعِيُّ" فِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ: "مَدْلُولُ خِطَابِ الشَّرْعِ". قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ خِطَابُ الشَّرْعِ وَقَوْلُهُ2. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَالظَّاهِرُ أَنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ أَرَادَ بِزِيَادَةِ: "وَقَوْلُهُ" عَلَى خِطَابُ الشَّرْعِ: التَّأْكِيدَ، مِنْ بَابِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لأَنَّ كُلَّ خِطَابٍ قَوْلٌ، وَلَيْسَ كُلُّ قَوْلٍ خِطَابًا. انْتَهَى. وَشَمِلَ "مَدْلُولُ الْخِطَابِ" الأَحْكَامَ3 الْخَمْسَةَ، وَالْمَعْدُومَ حِينَ الْخِطَابِ4. وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ صِفَةُ الْحَاكِمِ، فَنَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {أَقِمْ الصَّلاةَ} 5 يُسَمَّى بِاعْتِبَارِ النَّظَرِ إلَى نَفْسِهِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى إيجَابًا، وَيُسَمَّى بِالنَّظَرِ إلَى مَا تَعَلَّقَ بِهِ، وَهُوَ فِعْلُ مُكَلَّفٍ: وُجُوبًا. فَهُمَا مُتَّحِدَانِ بِالذَّاتِ مُخْتَلِفَانِ بِالاعْتِبَارِ. فَتَرَى الْعُلَمَاءَ تَارَةً يُعَرِّفُونَ الإِيجَابَ، وَتَارَةً

_ 1 الحكم لغة: المنع والقضاء، يقال حكمت عليه بكذا أي منعته من خلافه، وحكمت بين الناس قضيت بينهم وفصلت، ومنه الحِكمةُ لأنها تمنع صاحبها عن أخلاق الأراذل والفساد، "انظر: المصباح المنير 1/ 226، القاموس المحيط 4/ 99". 2 هذا تعريفه عند علماء الأصول، والأول تعريفه عند الفقهاء، والسبب في اختلاف التعريفين أن علماء الأصول نظروا إليه من ناحية مصدره، وهو الله تعالى، فالحكم صفة له، فقالوا: إن الحكم خطابٌ، والفقهاء نظروا إليه من ناحية متعلق، وهو فعل المكلف، فقالوا: إن الحكم مدلول الخطاب وأثره. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 59، فوتح الرحموت 1/ 54". 3 في ش: الأسماء. 4 إن تعلق الخطاب بالمعدوم هو تعلق معنوي، بحيث إذا وجد بشروط التكليف يكون مأمرراً، لا تعليق تنجيزي بأن يكون حالة عدمه مأموراً. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 77، فواتح الرحموت 1/ 60، تيسير التحرير 2/ 131". 5 الآية 78 من الإسراء.

يُعَرِّفُونَ الْوُجُوبَ نَظَرًا إلَى الاعْتِبَارَيْنِ1. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ خِطَابُهُ الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ2، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الأَوَّلِ، إلاَّ أَنَّ هَذَا أَصْرَحُ وَأَخَصُّ. فَـ "خِطَابٌ" جِنْسٌ، وَهُوَ مَصْدَرُ خَاطَبَ، لَكِنَّ الْمُرَادَ3 هُنَا الْمُخَاطَبُ بِهِ، لا مَعْنَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ تَوْجِيهُ الْكَلامِ لِمُخَاطَبٍ4. فَهُوَ مِنْ إطْلاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ5.

_ 1 وتارة يعرفون الواجب، وهو وصف لفعل المكلف الذي طلب الشارع فعله، وكذا الحرام أو المحرم، فهو وصف لفعل المكلف الذي طلب الشارع تركه. "انظر: نهاية السول 1/ 52، 55، فواتح الرحموت 1/ 59، تيسير التحرير 2/ 134، شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 225، 228". 2 هذا تعريف الغزالي "المستصفى 1/ 55" واعترض عليه العلماء بأنه غير مانع: لأنه يدخل فيه مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات / 96] فإنه دخل في الحد وليس بحكم، فزاد العلماء على التعريف قيداً يخصصه، ويخرج عنه ما دخل فيه، وهو قولهم: بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، ليندفع النقض، فإن قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ليس فيه اقتضاء أو تخيير أو وضع، وإنما هو إخبار بحال، ولكن العضد دافع عن التعريف بأن الألفاظ المستعملة في الحدود تعتبر فيها الحيثية، وإن لم يصرح بها، فيصير المعنى: المتعلق بأفعال المكلفين من حيث هم مكلفون، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} لم يتعلق به من حيث هو فعل المكلف، ولذلك عم المكلف وغيره. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص67، التمهيد ص5، فواتح الرحموت 1/ 54، نهاية السول 1/ 38، إرشاد الفحول ص6، شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 222، التعريفات ص97". 3 في ع ب ض: المراد به. 4 في ش: إلى مخاطب. 5 المخاطب به هو كلام الله تعالى، مع اختلاف العلماء في كون المراد الكلام النفسي الأزلي أم الألفاظ والحروف أم غيرها، فيه أقوال سيذكرها المصنف فيما بعد في المجلد الثاني "وانظر: جمع الجوامع 1/ 47، نهاية السول 1/ 39، تيسير التحرير 2/ 131، كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 403".

وَخَرَجَ خِطَابُ غَيْرِ الشَّارِعِ؛ إذْ لا حُكْمَ إلاَّ لِلشَّارِعِ1. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: "الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ" خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: الْخِطَابُ الْمُتَعَلِّقُ بِذَاتِ اللَّهِ وَصِفَتِهِ وَفِعْلِهِ. وَبِذَاتِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْجَمَادِ2. فَالأَوَّلُ: مَا تَعَلَّقَ بِذَاتِهِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ} 3. وَالثَّانِي: مَا تَعَلَّقَ بِصِفَتِهِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} 4. الثَّالِثُ: مَا تَعَلَّقَ بِفِعْلِهِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 5. الرَّابِعُ: مَا تَعَلَّقَ بِذَاتِ الْمُكَلَّفِينَ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} 6، وقَوْله تَعَالَى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} 7. الْخَامِسُ: مَا تَعَلَّقَ بِالْجَمَادِ. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ

_ 1 خطاب الشرع إما أن يكون صريحاً ومباشراً بالقرآن الكريم، وأما أن يكون غير مباشر بأن يدل عليه دليل آخر كالسنة والإجماع والقياس وغيرها، وهذه الأصول تكشف عن الخطاب الإلهي فقط "انظر: فواتح الرحموت 1/ 56، نهاية السول 1/ 39، العضد على ابن الحاجب 1/ 221". 2 انظر: المحلي على جمع الجوامع والبناني عليه 1/ 50، نهاية السول 1/ 40، تيسير التحرير 2/ 129. 3 الآية 18 من آل عمران. 4 الآية 2 من آل عمران. 5 الآية 62 من الزمر، وفي ش: {اللَّهُ رَبُّكُمْ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} الآية 102 من الأنعام. 6 الآية 11 من الأعراف. 7 الآية 189 من لأعراف.

الْجِبَالَ} 1، وَنَحْوُهَا. وَالْمُرَادُ "بِالتَّعَلُّقِ" الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَعَلَّقَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ2، وَإِلاَّ فَيَلْزَمُ3 أَنَّهُ قَبْلَ التَّعَلُّقِ لا يَكُونُ حُكْمًا؛ إذْ التَّعَلُّقُ حَادِثٌ عِنْدَ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ4. فَيَكُونُ مَجَازًا. وَلا يَضُرُّ وُقُوعُهُ فِي التَّعْرِيفِ إذَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ5، وَالْقَرَافِيِّ6. وَإِنْ قِيلَ: إنَّ التَّعَلُّقَ قَدِيمٌ، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ فِي الْقِيَاسِ وَالسُّبْكِيُّ7، أَوْ8 قُلْنَا: لَهُ اعْتِبَارَانِ9 قَبْلَ وُجُوبِ التَّكْلِيفِ وَبَعْدَهُ. كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ10، فَلا مَجَازَ فِي التَّعْرِيفِ.

_ 1 الآية 47 من الكهف. 2 أي إذا وجد مستجمعاً لشروط التكليف كان متعلقاً به "حاشية البناني 1/ 48، نهاية السول 1/ 40". 3 في ع: فلا يلزم. 4 انظر: فواتح الرحموت 1/ 55، نهاية السول 1/ 40، تيسير التحرير 2/ 131. 5 المستصفى 1/ 16، 55. 6 شرح تنقيح الفصول ص9، 68. 7 جمع الجوامع 1/ 77. 8 في ز: و. 9 في ش: اعتبارات. 10 إن تعلق الخطاب بفعل المكلف له اعتباران، الاعتبار الأول قبل وجود المكلف، فالتعلق معنوي، أي إذا وجد الكلف مستجمعاً لشروط التكليف كان متعلقاً به، وهذا التعلق قديم، والاعتبار الثاني بعد وجود المكلف فالتعلق تنجيزي أي تعلق بالمكلف بالفعل بعد وجوده، وهذا التعلق حادث، قال البناني: فللكلام المتعلق بفعل المكلف تعلقان صلوحي وتنجيزي، والأول قديم، والثاني حادث، بخلاف المتعلق بذات الله وصفاته فليس له إلا تعليق تنجيزي قديم "حاشية البناني 1/ 48".

وَالْمُرَادُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ الأَعَمُّ1 مِنْ الْقَوْلِ وَالاعْتِقَادِ2، لِتَدْخُلَ3 عَقَائِدُ الدِّينِ وَالنِّيَّاتُ فِي الْعِبَادَاتِ، وَالْقصُودُ4 عِنْدَ اعْتِبَارِهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَقُلْنَا: "الْمُكَلَّفُ" بِالإِفْرَادِ لِيَشْمَلَ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْوَاحِدِ5، كَخَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَالْحُكْمِ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ6، وَإِجْزَاءِ الْعَنَاقِ7 فِي الأُضْحِيَّةِ لأَبِي بُرْدَةَ8 وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ لِزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ9، وَعُقْبَةَ بْنِ

_ 1 الفعل لغة ما يقال القول والاعتقاد والنية، وعرفاً: كل ما يصدر عن المكلف وتتعلق به قدرتهُ من قولٍ أو فعل أو اعتقاد أو نية "انظر: حاشية البناني 1/49، نهاية السول 1/ 40، تيسير التحرير 2/ 129". 2 في ش ز ب ض: الاعتبار، وكذلك في أصل ع، ولكنها صححت بالهامش ومن د. 3 في ش ز ب ض ع: ليدخل. 4 في د ز ع ب: المقصود. 5 انظر نهاية السول 1/ 41. 6 هو الصحابي خُزَيْمَةُ بن ثابت الأنصاري الأوسي، أبو عمارة، من السابقين الأولين للإسلام، شهد بدراً وما بعدها، استشهد بصفين بعد عمارة رضي لله عنهما سنة 37هـ، وقد روى الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل شهادته رجلين، وفي البخاري قال: وجدتها مع خزيمة بن ثابت الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين، وروى أبو داود أن النبي صلى الله عيله وسلم ابتاع فرساً من أعرابي ... وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من شَهدَ له خزيمةُ فهو حسبه. "انظر: الإصابة 1/ 425، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 175، شذرات الذهب 1/ 48، سنن أبي داود 3/ 417، سنن النسائي 7/ 266، سنن البيهقي 10/ 146". 7 العَنَاقُ: الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول "المصباح المنير 2/ 662، تهذيب اللغات 2/ 46". 8 هو الصحابي هانيء بن نِيّار الأنصاري، خال البراء بن عازب، شهد أبو بردة بدراً وما بعدها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، مات في أول خلافة معاوية بعد أن شهد مع على حروبه كلها، قيل سنة 41، 42، 45هـ، وهو مشهور بكنيته، وخصوصيته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: اذبحها، ولا تصلح لغيرك، متفق عليه، "انظر: الإصابة 4/ 18، 3/ 596، تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 178، نيل الأوطار 5/ 127، مسند أحمد 3/ 466، صحيح البخاري 3/ 317، صحيح مسلم 3/ 1552". 9 هو الصحابي زيد بن خالد الجهني، مختلف في كنيته، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة، شهد الحديبية، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح، وحديثه في الصحيحين وغيرهما، مات سنة 78هـ بالمدينة، وله 85 سنة، وقيل غير ذلك. "انظر: الإصابة 1/ 565، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 203، المعارف ص279، شذرات الذهب 1/ 84، مشاهير علماء الأمطار ص54".

عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ1. ذَكَرَهُ فِي "حَيَاةِ الْحَيَوَانِ"2، وَالْبِرْمَاوِيِّ. وَالْمُرَادُ بِالْمُكَلَّفِ: الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الذاكَرُ3، غَيْرُ الْمُلْجَأِ4، لا مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ التَّكْلِيفُ، وَإِلاَّ لَزِمَ الدَّوْرُ. إذْ لا يَكُونُ مُكَلَّفًا حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ5 التَّكْلِيفُ، وَلا يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ إلاَّ بِمُكَلَّفٍ6.

_ 1 هو الصحابي عقبة بن عامر الجُهَني، أبو حماد الأنصاري المشهور، وقيل في كتيته غير ذلك، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه كثير من الصحابة، كان عالماً بالفرائض والفقه، ومن أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان فصيح اللسان، شاعراً كاتباً، شهد الفتوح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هو البريد إلى عمر بفتح الشام، وسكن دمشق، وشهد صفين مع معاوية، وأمره بعد ذلك على مصر، وكان له فيها الخراج والصلاة، مات في خلافة معاوية على الصحيح سنة 58هـ بمصر. "انظر الإصابة 2/ 489، الاستيعاب 2/ 155، تهذيب الأسماء 1/ 336، شذرات الذهب 1/ 64، مشاهير علماء الأمصار ص55". 2 حياة الحيوان الكبرى 2/ 155، للدميري، محمد بن موسى بن عيسى، أبو البقاء الشافعي المصري المتوفى سنة 808هـ، والخصوصية التي ثبتت لعقبة بن عامر وقيل لزيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عنماً يقسمها على أصحابه ضحايا فبقي عَتُودّ "ما بلغ سنة من المعز" فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ضح به أنت"، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لهما قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ضحايا فأصابني جَذَع، فقلت يارسول الله، إنه أصابني جَذَع؟ فقال: ضح به. "انظر: فتح الباري 10/ 3، 7، صحيح مسلم 3/ 1556". 3 في ش: الذكر. 4 أي غير المكره، وهو الطائع المختار، قال البعلي: المكره المحمول كالآلة غير مكلف "القواعد والفوائد الأصولية ص39". 5 ساقطة من ش. 6 انظر: نهاية السول 1/ 42، تيسير التحرير 2/ 131، المحلي على جمع الجوامع 1/ 48".

"وَالْخِطَابُ: قَوْلٌ يَفْهَمُ مِنْهُ مَنْ سَمِعَهُ شَيْئًا مُفِيدًا1 مُطْلَقًا"2. فَالْقَوْلُ: اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الإِشَارَاتِ وَالْحَرَكَاتِ الْمُفْهِمَةِ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ "الْفَهْمِ" مَنْ لا يَفْهَمُ، كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ؛ إذْ لا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ خِطَابٌ. وَقَوْلُهُ "مَنْ سَمِعَهُ" لِيَعُمَّ الْمُوَاجَهَةَ بِالْخِطَابِ وَغَيْرِهِ، وَلِيَخْرُجَ النَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَنَحْوُهُمَا. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ "مُفِيدًا"3 الْمُهْمَلُ، وَقَوْلُهُ: "مُطْلَقًا" لِيَعُمَّ حَالَةَ قَصْدِ إفْهَامِ السَّامِعِ وَعَدَمَهَا. وَقِيلَ: لا بُدَّ مِنْ قَصْدِ إفْهَامِهِ. فَعَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ إفْهَامَهُ لا يُسَمَّى خِطَابًا4. "وَيُسَمَّى بِهِ" أَيْ الْخِطَابُ5 "الْكَلامُ فِي الأَزَلِ فِي قَوْلٍ" ذَهَبَ إلَيْهِ الأَشْعَرِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ6. وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ وَالآمِدِيُّ7: أَنَّهُ لا يُسَمَّى خِطَابًا، لِعَدَمِ الْمُخَاطَبِ8 حِينَئِذٍ، بِخِلافِ تَسْمِيَتِهِ فِي الأَزَلِ أَمْرًا وَنَهْيًا وَنَحْوَهُمَا9؛

_ 1 قي ش: مقيداً. 2 انظر في تعريف الخطاب "الإحكام، الآمدي 1/ 95، حاشية الجرجاني على العضد 1/ 95، حاشية الجرجاني على العضد 1/ 221". 3 في ش ز: مقيداً. 4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 95. 5 في ع ب: بالخطاب. 6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص69. 7 الإحكام: له1 ص95. 8 في ش: المخاطب في الأزل. 9 الخلاف في تسمية الكلام في الأزل خطاباً وعدم تسمية مبني على تفيسر الخطاب، فمن قال: إن الخطاب هو الكلام الذي يُفهم، فيسميه خطاباً، ومن قال: إنه الكلام الذي أفهم، لم يكن خطاباً، "حاشية البناني 1/ 49" ويقول ابن عبد الشكور: الخلاف لفظي "فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 1/ 56" ويوضح ذلك الكمال بن الهمام بأن المانع من التسمية هو كون المراد من الخطاب التنجيزي الشفاهي، فهذا ليس موجهاً في الأزل، أما إرادة طلب الفعل ممن سيوجد ويتهيأ لفهمه فيصح في الأزل من هذه الحيثية من الأزل، ويوجه إلى المعدوم "تيسير التحرير 2/ 131" وانظر: نهاية السول 1/ 39، شرح تنقيح الفصول ص70.

لأَنَّ م ِثْلَهُ يَقُومُ بِذَاتِ الْمُتَكَلِّمِ بِدُونِ مَنْ1 يَتَعَلَّقُ بِهِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْمُوصِي2: أَمَرَ فِي وَصِيَّتِهِ وَنَهَى. "ثُمَّ إنْ وَرَدَ" خِطَابُ الشَّرْعِ "بِطَلَبِ فِعْلٍ مَعَ جَزْمٍ" أَيْ قَطْعٍ مُقْتَضٍ لِلْوَعِيدِ عَلَى التَّرْكِ "فَإِيجَابٌ" عَلَى الْمُكَلَّفِ. نَحْوُ: قَوْله تَعَالَى: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} 3. "أَوْ" وَرَدَ بِطَلَبِ فِعْلٍ "لا مَعَهُ" أَيْ لَيْسَ مَعَهُ جَزْمٌ "فَنَدْبٌ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} 4، وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ-فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} 5، "وَقَوْلِ النَّبِيِّ"6 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَاكُوا" 7.

_ 1 في ز: ما. 2 في ش د ب ض: الوصي. 3 الآية 43 من البقرة. 4 الآية 282 من البقرة. 5 الآية 6 من النساء. 6 في ز: وقوله. 7 هذا طَرَفٌ من حديث رواه ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط عن سليمان بن صُرَّد مرفوعاً بلفظ "استاكوا، وتنظفوا، وأوتروا فإن الله عز وجل يحب الوتر". والحديث حسن لغيره، قال الهيثمي: فيه اسماعيل بن عمرو البجلي، ضعفه أبو حاتم والدارقطني، ووثقه ابن حبان، وقد ورد الحديث بألفاظ أخرى، "انظر: فيض القدير 1/ 485، كشف الخفا 1/ 121، مجمع الزوائد 1/ 221، 2/ 97 وما بعدها".

"أَوْ" وَرَدَ خِطَابٌ بِالشَّرْعِ1 "بِطَلَبِ تَرْكٍ مَعَهُ" أَيْ مَعَ جَزْمٍ، أَيْ قَطْعٍ2 مُقْتَضٍ لِلْوَعِيدِ عَلَى الْفِعْلِ "فَتَحْرِيمٌ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} 3، وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} 4. "أَوْ" وَرَدَ بِطَلَبِ تَرْكٍ "لا مَعَهُ" أَيْ لَيْسَ مَعَهُ جَزْمٌ "فَكَرَاهَةٌ"، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الْمَسْجِدِ: فَلا يُشَبِّكُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ5؛ فَإِنَّهُ فِي صَلاةٍ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ6 وَابْنُ مَاجَهْ7.

_ 1 في ش ز: بالشرع. 2 في ز: بقطع. 3 الآية 130 من آل عمران. 4 الآية 32 من الإسراء. 5 قال المناوي: أي ندباً، لما فيه من التشبه بالشيطان، أو لدلالته على ذلك، أو لكونه دالاً على تشبيك الأحوال والامور "فيض القدير 1/ 322". 6 تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 2/ 394. والترمذي هو محمد بن عيسى بن سَوْرَة السُّلمي، أبو عيسى، الحافظ الضرير العلامة المشهور، أحد الأئمة في الحديث، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: "كان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر"، صنف كتابه "الجامع" و "العلل" و "التواريخ" تصنيف رجل متقن، وكان يضرب به المثل في الحفظ، توفي سنة 279هـ. انظر في ترجمته "وفيات الأعيان 3/ 407، شذرات الذهب 2/ 174، نكت الهميان ص264، طبقات الحفاظ ص278، تذكرة الحفاظ 2/ 633، الخلاصة ص355، ميزان الاعتدال 3/ 678". 7 سنن ابن ماجة 1/ 254، وليس في رواية ابن ماجة: "فلا يشبك بين أصابعه". وابن ماجة هو محمد بن يزيد بن ماجة القزويني، الحافظ الإمام أبو عبد الله، الربعي مولاهم، قال الخليلي: "ثقة كبير متفق عليه، محتج به" له مصنفات منها "السنن" و "التفسير" و "التاريخ" توفي سنة 273هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص278، شذرات الذهب 2/ 164، طبقات المفسرين 2/ 272، وفيات الأعيان 3/ 407، الخلاصة ص365، تذكرة الحفاظ 2/ 636".

"أَوْ" وَرَدَ خِطَابُ1 الشَّرْعِ2 "بِتَخْيِيرٍ" بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ "فَإِبَاحَةٌ"3، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ: "إنْ شِئْت فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْت فَلا تَتَوَضَّأْ" 4. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ5 لَمْ6 يَرِدْ خِطَابُ الشَّرْعِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَوَرَدَ بِنَحْوِ صِحَّةٍ7، أَوْ فَسَادٍ، أَوْ نَصْبِ الشَّيْءِ سَبَبًا، أَوْ مَانِعًا أَوْ شَرْطًا، أَوْ كَوْنِ الْفِعْلِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، أَوْ رُخْصَةً أَوْ عَزِيمَةً "فَوَضْعِيٌّ"8 أَيْ فَيُسَمَّى خِطَابَ الْوَضْعِ9، وَيُسَمَّى الأَوَّلُ خِطَابَ التَّكْلِيفِ10.

_ 1 في ش: خطاباً. 2 في ش: للشرع. 3 انظر تقسيم الحكم التكليفي في "الروضة ص16، المستصفى 1/ 65، فواتح الرحموت 1/ 61، نهاية السول 1/ 51، تيسير التحرير 2/ 129، إرشاد الفحول ص60، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد وحواشيه 1/ 225". 4 رواه أحمد ومسلم عن جابر بن سَمُرَة مرفوعاً أن رجلاً سأل ... "انظر: مسند أحمد 5/ 86، صحيح مسلم 1/ 275، نيل الأوطار 1/ 237". 5 في ش: إن. 6 ساقطة من ش. 7 في ش: صالحة. 8 انظر في الكلام عن الحكم الوضعي "الإحكام، الآمدي 1/ 96، التمهيد ص 5، شرح تنقيح الفصول ص70، الروضة ص30، فوتح الرحموت 1/ 57، تيسير التحرير 2/ 128، إرشاد الفحول ص6، مختصر ابن الحاجب 1/ 225". 9 يشمل خطاب الوضع السبب والشرط والمانع والعلة والصحة والفساد والأداء والقضاء والرخصة والعزيمة، ويسمى الحكم الوضعي، والثلاثة الأول تدخل فيه باتفاق الأصوليين، أما الباقي فاختلفوا في دخولها وعدم دخولها فيه على أقوال، كما سيأتي. 10 يشمل خطاب التكليف الإيجات والندب والتخيير والتحريم والكراهية، ويُسمى الحكم التكليفي. "انظر إرشاد الفحول ص6".

وَلا تَتَقَيَّدُ اسْتِفَادَةُ الأَحْكَامِ مِنْ صَرِيحِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ، بَلْ تَكُونُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ. وَالنَّصُّ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا، أَوْ نَهْيًا، أَوْ إذْنًا، أَوْ خَبَرًا بِمَعْنَاهَا، أَوْ إخْبَارًا بِالْحُكْمِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ} 1 وقَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا} 2، [وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : "إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ" 3 وقَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} 4، أَوْ بِذِكْرِ خَاصَّةٍ لأَحَدِ الأَحْكَامِ، كَوَعِيدٍ5 عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ "6أَوْ وَعْدٍ7 عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ 6 أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَقَدْ يَجْتَمِعُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ8 وَخِطَابُ الْوَضْعِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، كَالزِّنَا،

_ 1 الآية 183 من البقرة. 2 الآية 58 من النساء. 3 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك واحمد والدارمي عن ابن عمر مرفوعاً، ويحرم الحلفُ بالآباء لأن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمةُ الحقيقية إنما هي لله وحده، وتخصيص الآباء خرج على مقتضى العادة، وإلا فحقيقة النهي عامة في كل تعظيم لغير الله. "انظر: صحيح البخاري 4/ 102، صحيح مسلم بشرح النووي 11/ 105، سنن أبي داود 3/ 303، سنن النسائي 7/ 5، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 5/ 132، سنن ابن ماجة 1/ 677، الموطأ 2/ 480، مسند أحمد 2/ 7، فيض القدير 2/ 319، سنن الدارمي 2/ 185". 4 الآية 96 من المائدة. 5 في ز: كوعيده. 6 ساقطة من ش. 7 في ز: وعده. 8 في جميع النسخ ش ز د ع ب ض: الشرع، وهو خطأ، لأنَّه ذكرَ خطاب التكليف في مقابلة خطاب الوضع، وكلاهما يدخل في خطاب الشرع، وقد ذكر المصنف في الصفحة التالية، عندما أراد التفصيل: "وقد ينفرد خطاب الوضع" ثم قال: "وأما انفراد خطاب التكليف"، مما يدل على أن المراد هنا في الأعلى، خطاب التكليف. قال القرافي: "اعلم أن خطاب الوضع قد يجتمع مع خطاب التكليف، وقد ينفرد كل واحد منها بنفسه" "الفروق 1/ 163".

فَإِنَّهُ حَرَامٌ، وَسَبَبٌ لِلْحَدِّ1. وَقَدْ يَنْفَرِدُ خِطَابُ الْوَضْعِ، كَأَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ وَكَوْنِ الْحَيْضِ مَانِعًا مِنْ الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا. وَكَوْنِ الْبُلُوغِ شَرْطًا2 لِلتَّكْلِيفِ، وَحَوَلانِ الْحَوْلِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ3. وَأَمَّا انْفِرَادُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ: فَقَالَ فِي "شَرْحِ التَّنْقِيحِ": لا يُتَصَوَّرُ، إذْ لا تَكْلِيفَ إلاَّ لَهُ سَبَبٌ، أَوْ شَرْطٌ أَوْ مَانِعٌ4. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي5 "شَرْحِهِ": هُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ كَمَا قَالَ. "وَ" الشَّيْءُ6 "الْمَشْكُوكُ لَيْسَ بِحُكْمٍ" وَهُوَ الصَّحِيحُ7. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَالشَّاكُّ لا مَذْهَبَ لَهُ 8 وَالْوَاقِفُ لَهُ مَذْهَبٌ"8؛ لأَنَّهُ يُفْتِي بِهِ وَيَدْعُو إلَيْهِ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذَا الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. وَقِيلَ: لا.

_ 1 انظر: الفروق 1/ 163. 2 في ش: شرعاً. 3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص80-81، الفروق 1/ 163. 4 شرح تنقيح الفصول ص81، وقارن ما قاله القرافي نفسه في "الفروق 1/ 163". 5 ساقطة من ع. 6 ساقطة من ز ب ض, وفي ع: والشيء و. 7 نقل المجد بن تيمية عن الرازي أن المشكوك في وجوبه يخاف على تاركه بالعقاب، وليس بواجب "المسودة ص 575". 8 في ز ع ب ض: والوقف مذهب.

فصل الواجب

فصل الواجب ... "فَصْلٌ" لَمَّا أَنْهَى1 الْكَلامَ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى خَمْسَةٍ2، أَخَذَ يُبَيِّنُ تَعْرِيفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَالأَحْكَامِ، فَقَالَ: "الْوَاجِبُ لُغَةً:" أَيْ فِي اللُّغَةِ "السَّاقِطُ وَالثَّابِتُ". قَالَ فِي "الْقَامُوسِ": وَجَبَ يَجِبُ وَجْبَةً: سَقَطَ. وَالشَّمْسُ وَجْبًا وَوُجُوبًا: غَابَتْ. وَالْوَجْبَةُ: السَّقْطَةُ مَعَ الْهَدَّةِ، أَوْ صَوْتُ السَّاقِطِ3. وَقَالَ فِي "الْمِصْبَاحِ": وَجَبَ الْحَقُّ، وَالْبَيْعُ يَجِبُ وُجُوبًا وَوَجْبَةً: لَزِمَ وَثَبَتَ4. وَمِنْ أَمْثِلَةِ الثُّبُوتِ: [قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] : "أَسْأَلُك مُوجِبَاتِ رَحْمَتِك" 5. "وَ". أَمَّا الْوَاجِبُ "شَرْعًا:" أَيْ: فِي عُرْفِ الشَّرْعِ فَلَهُمْ فِيهِ حُدُودٌ كَثِيرَةٌ، اقْتَصَرَ مِنْهَا فِي الأَصْلِ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ6. - أَحَدُهَا: وَهُوَ مَا قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": أَنَّهُ أُولاهَا: "مَا ذُمَّ شَرْعًا

_ 1 في نسخة ع، ب: انتهى. 2 ينقسم الحكم الشرعي إلى قسمين: تكليفي ووضعي، والحكم التكليفي ينقسم إلى خمسة أقسام، وهذا رأي الجمهور العلماء، خلافاً للحنفية الذين يقسمون الحكم التكليفي إلى سبعة أقسام، فيزيدون الفرض والمكروه تحريماً. "انظر: فواتح الرحموت 1/ 58". وعبارة "إلى خمسة" ساقطة من ب. 3 القاموس المحيط 1/ 141. 4 المصباح المنير 2/ 1003، وانظر الصحاح، للجوهري 1/ 231-232. 5 هذا جزء من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: رواه الحاكم عن ابن مسعود مرفوعاً، والموجبات: جمع موجب، وهي الكلمة التي أوجبت لقائلها الرحمة من الله سبحانه وتعالى. "انظر: فيض القدير 2/ 121، الأذكار ص21". 6 ساقطة من ز ع ب ض.

تَارِكُهُ قَصْدًا مُطْلَقًا" وَهُوَ لِلْبَيْضَاوِيِّ1. وَنَقَلَهُ فِي "الْمَحْصُولِ" عَنْ ابْنِ الْبَاقِلاَّنِيِّ. وَقَالَ فِي "الْمُنْتَخَبِ"2: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الرُّسُومِ، لَكِنْ فِيهِ نَقْصٌ وَتَغْيِيرٌ3. وَتَبِعَهُ الطُّوفِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، وَلَمْ يَقُلْ "قَصْدًا"4. فَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ "مَا ذُمَّ" خَيْرٌ مِنْ التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ "مَا يُعَاقَبُ" لِجَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ تَارِكِهِ5. وَقَوْلُنَا "شَرْعًا": أَيْ مَا وَرَدَ ذَمُّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ فِي إجْمَاعِ الأُمَّةِ، وَلأَنَّ الذَّمَّ لا يَثْبُتُ إلاَّ بِالشَّرْعِ6، 7 خِلافًا لِمَا"7 قَالَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ. وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ، لأَنَّهُ8 لا ذَمَّ فِيهَا9. وَقَوْلُهُ: "تَارِكُهُ": اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْحَرَامِ. فَإِنَّهُ لا يُذَمُّ إلاَّ فَاعِلُهُ10.

_ 1 منهاج الوصول، للبيضاوي، مع شرحه للأسنوي 1/ 52. 2 هو "منتخب المحصول" في الأصول المنسوب للرازي، فخر الدين محمد بن عمر الرازي الشافعي المتوفي سنة 606هـ، والأكثر أنه لبعض تلامذة الإمام الرازي وليس له، "انظر: طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي 8/ 93، إيضاح المكنون 2/ 569". 3 التغيير في التعريف هو أن الإمام الرازي عبر في "المحصول" و "المنتخب" بقوله: "على بعض الوجوه" وتبعه صاحب التحصيل والشوكاني في إرشاد الفحول ص6، لكن صاحب الحاصل أبدله بقوله: "مطلقاً" فتبعه البيضاوي. "انظر: نهاية السول 1/ 55، 57، المسودة ص576"، وفي د ز ع ب ض: تعبير. 4 مختصر الطوفي ص19. 5 انظر: شرح الورقات ص23. 6 انظر: نهاية السول 1/ 56. 7 في ش ز د: خلاف ما. 8 ساقطة من ش. 9 انظر: نهاية السول 1/ 55. 10 انظر: نهاية السول 1/ 56.

وَقَوْلُهُ: "قَصْدًا" فِيهِ تَقْدِيرَانِ1 مَوْقُوفَانِ عَلَى مُقَدِّمَةٍ، وَهُوَ أَنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا هُوَ بِالْحَيْثِيَّةِ، أَيْ الَّذِي بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ لَذُمَّ تَارِكُهُ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْحَيْثِيَّةِ لاقْتَضَى أَنَّ كُلَّ وَاجِبٍ لا بُدَّ مِنْ حُصُولِ الذَّمِّ عَلَى تَرْكِهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ2. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَأَحَدُ التَّقْدِيرَيْنِ: أَنَّهُ إنَّمَا أَتَى بِالْقَصْدِ؛ لأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ؛ إذْ التَّارِكُ لا عَلَى سَبِيلِ الْقَصْدِ لا يُذَمُّ3. الثَّانِي: أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا مَضَى مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ فِعْلِ الصَّلاةِ ثُمَّ تَرَكَهَا بِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ، وَقَدْ تَمَكَّنَ4. وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُذَمَّ شَرْعًا تَارِكُهَا، لأَنَّهُ مَا تَرَكَهَا قَصْدًا. فَأَتَى بِهَذَا الْقَيْدِ لإِدْخَالِ5 هَذَا الْوَاجِبِ فِي الْحَدِّ، وَيَصِيرُ بِهِ جَامِعًا6. وَقَوْلُهُ "مُطْلَقًا" فِيهِ تَقْدِيرَانِ أَيْضًا مَوْقُوفَانِ عَلَى مُقَدِّمَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الإِيجَابَ بِاعْتِبَارِ الْفَاعِلِ قَدْ يَكُونُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَعَلَى الْعَيْنِ، وَبِاعْتِبَارِ الْمَفْعُولِ7 قَدْ يَكُونُ مُخَيَّرًا كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ، [وَقَدْ يَكُونُ مُحَتَّمًا، كَالصَّلاةِ أَيْضًا وَبِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ الْمَفْعُولِ فِيهِ قَدْ يَكُونُ مُوَسَّعًا كَالصَّلاةِ] 8، وَقَدْ

_ 1 في ش ب ع ض د: تقريران، وكذلك في الحالات التالية. 2 انظر: نهاية السول 1/ 56. 3 انظر: نهاية السول 1/ 56. 4 يقول الأسنوي: لأن الصلاة تجب عندنا بأول الوقت وجوباً موسعاً بشرط الإمكان، وقد تمكن. "نهاية السول 1/ 56". 5 في ش: لادخاله. 6 انظر: نهاية السول 1/ 56، البدخشي 1/ 53، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 1/ 230. 7 في ش: المعقول. 8 زيادة ضرورية من نهاية السول 1/ 57.

يَكُونُ مُضَيَّقًا كَالصَّوْمِ. فَإِذَا تَرَكَ الصَّلاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا صَدَقَ أَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا، إذْ الصَّلاةُ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ. وَمَعَ ذَلِكَ لا يُذَمُّ عَلَيْهَا إذَا أَتَى بِهَا فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ. وَيُذَمُّ إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ جَمِيعِهِ، وَإِذَا تَرَكَ إحْدَى1 خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، فَقَدْ تَرَكَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لا ذم2 فِيهِ إذَا أَتَى بِغَيْرِهِ. وَإِذَا تَرَكَ صَلاةَ جِنَازَةٍ فَقَدْ تَرَكَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلا يُذَمُّ عَلَيْهِ إذَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ3. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَأَحَدُ التَّقْدِيرَيْنِ أَنَّ قَوْلَهُ4: "مُطْلَقًا" عَائِدٌ إلَى الذَّمِّ. وَذَلِكَ أَنَّهُ5 قَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الذَّمَّ عَلَى الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ عَلَى الْمُخَيَّرِ وَعَلَى الْكِفَايَةِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. وَالذَّمَّ عَلَى الْوَاجِبِ الْمُضَيَّقِ وَالْمُحَتَّمِ وَالْوَاجِبِ عَلَى الْعَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. فَلِذَلِكَ قَالَ: "مُطْلَقًا" لِيَشْمَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِشَرْطِهِ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لَوَرَدَ عَلَيْهِ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ6. وَالتَّقْدِيرُ الثَّانِي: أَنَّ "مُطْلَقًا" عَائِدٌ إلَى التَّرْكِ، وَالتَّقْدِيرُ تَرْكًا مُطْلَقًا7، لِيَدْخُلَ الْمُخَيَّرُ وَالْمُوَسَّعُ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ. فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لا يَأْثَمُ، وَإِنْ صَدَقَ أَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا، وَكَذَلِكَ الآتِي بِهِ آتٍ بِالْوَاجِبِ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَأْثَمْ. وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا حَصَلَ التَّرْكُ الْمُطْلَقُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ. وَهَكَذَا فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَالْمُوَسَّعِ. وَدَخَلَ فِيهِ أَيْضًا الْوَاجِبُ الْمُحَتَّمُ وَالْمُضَيَّقُ وَفَرْضُ

_ 1 في ز ع ب ض: أحد. 2 في ش: لازم. 3 انظر: نهاية السول 1/ 57، البدخشي 1/ 54، العضد على ابن الحاجب 1/ 230، الحدود، للباجي ص54. 4 في ز: قولنا. 5 في ع ب ض: لأنه. 6 انظر: نهاية السول 1/ 57. 7 في ش زيادة: ليشمل ذلك كله بشرطه، ولو لم يذكر ذلك لورد عليه من ترك شيئاً من ذلك. اهـ. وهو مكرر مع السطر الذي قبله.

الْعَيْنِ، لأَنَّ كُلَّ مَا ذُمَّ الشَّخْصُ عَلَيْهِ 1 إذَا تَرَكَهُ وَحْدَهُ ذُمَّ عَلَيْهِ"1 أَيْضًا إذَا تَرَكَهُ هُوَ وَغَيْرَهُ2. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْحُدُودِ السِّتَّةِ: فَالْحَدُّ الثَّانِي: أَنَّ الْوَاجِبَ مَا يُعَاقَبُ تَارِكُهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْوَاجِبَ مَا تُوُعِّدَ عَلَى تَرْكِهِ بِالْعِقَابِ. الرَّابِعُ: مَا يُذَمُّ تَارِكُهُ شَرْعًا. الْخَامِسُ: مَا يُخَافُ الْعِقَابُ بِتَرْكِهِ. السَّادِسُ: لابْنِ عَقِيلٍ، فَإِنَّهُ حَدَّهُ بِأَنَّهُ إلْزَامُ الشَّرْعِ. وَقَالَ: الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ أَحْكَامُهُ وَمُتَعَلَّقَاتُهُ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": فَحَدُّهُ بِهِ يَأْبَاهُ الْمُحَقِّقُونَ، وَهُوَ حَسَنٌ3. "وَمِنْهُ" أَيْ مِنْ الْوَاجِبِ: "مَا لا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، كَنَفَقَةٍ وَاجِبَةٍ4، وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَغَصْبٍ وَنَحْوِهِ" كَعَارِيَّةٍ، وَدَيْنٍ "إذ5 فَعَلَ" ذَلِكَ "مَعَ غَفْلَةٍ6" لِعَدَمِ النِّيَّةِ الْمُتَرَتِّبِ7 عَلَيْهَا الثَّوَابُ8.

_ 1 ساقطة من ش، وكذا في د مع تقديم وتأخير، وانظر: نهاية السول 1/ 58. 2 انظر: نهاية السول 1/ 58. 3 انظر في تعريف الواجب: "التعريفات ص319، الحدود للباجي ص53، المستصفى 1/ 65، شرح الورقات ص22، الإحكام لابن حزم 1/ 323، فواتح الرحموت 1/ 61، المسودة ص575، إرشاد الفحول ص6، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 1/ 225، 229". 4 ساقطة من ش. 5 في ش د: إن. 6 في ز: غفلته. 7 في ب ض: المرتب. 8 نرى أن هذا الكلام غير دقيق، لأنه يخالف النصوص الشرعية التي تثبت الأجر للمؤمن، ولو كان فعله واجباً شرعياً، أي مفروضاً عليه لغيره، كالأمثلة التي ذكرها المصنف، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على =

"وَمِنْ الْمُحَرَّمِ مَا لا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ، كتركه1" أَيْ كَأَنْ يَتْرُكَ الْمُكَلَّفُ الْمُحَرَّمَ "غَافِلاً" عَنْ كَوْنِ تَرْكِهِ طَاعَةً بِامْتِثَالِ الأَمْرِ بِالتَّرْكِ. لأَنَّ شَرْطَ تَرْتِيبِ الثَّوَابِ عَلَى تَرْكِهِ، نِيَّةُ2 التَّقَرُّبِ بِهِ، فَتَرَتُّبُ3 الثَّوَابِ وَعَدَمُهُ فِي فِعْلِ الْوَاجِبِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمِ رَاجِعٌ إلَى وُجُودِ شَرْطِ الثَّوَابِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ النِّيَّةُ4. "وَالْفَرْضُ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ: - "التَّقْدِيرُ"، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} 5، أَيْ قَدَّرْتُمْ. وَمِنْهُ6 قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِك نَصِيبًا مَفْرُوضًا} 7 أَيْ مَعْلُومًا.

_ = مساكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك" رواه مسلم، وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل دينار ينفقه الرجل: دينار ينفقه على عياله". وقال عليه الصلاة والسلام: "إنّ من الذنوب ذنوباً لا تكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الصدقة، ولكنها يكفرها الهم على كسب العيال". وقال أيضاً: "السعي على نفقة العيال جهاد في سبيل الله" وقال أيضاً: "حتى اللقمة تضعها في في زوجتك صدقة". "انظر: مسند أحمد: 1/ 172، 173، صحيح مسلم 2/ 691-692". كل هذه النصوص، وغيرها كثيرة، تثبت وتؤكد الثواب في النفقة، وكذلك فإن حفظ الأمانة والوديقة صدقة، وردها حسنة، ورد المغصوب لصاحبه توبة وعدول عن الظلم والعدوان، فهو عمل حسن وله أجر وثواب. وأما تقييدها بأنها مع غفلة، وبدون نية، فهذا يشمل كل الواجبات، وخاصة العبادات، كما لو أدى الزكاة جبراً، والبقاء بدون طعام وشراب طوال النهار، فالعبادة لا تصح إلا بالنية، وقد ذكر المصنف ما يؤيد ذلك ص385، 397، فقال: ولو بدون نية. 1 ساقطة من ش د ز. 2 ساقطة من ش. 3 في ز ع ض: فترتيب. 4 انظر: شرح تنقيح الفصول ص71. 5 الآية 237 من البقرة. 6 ساقطة من ز ع ب ض. 7 الآية 118 من النساء.

- "وَالتَّأْثِيرُ" قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْفَرْضُ: الْحَزُّ فِي الشَّيْءِ، وَفَرْضُ الْقَوْسِ: الْحَزُّ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْوَتَرُ1. - "وَالإِلْزَامُ"، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} 2، أَيْ أَوْجَبْنَا الْعَمَلَ بِهَا3. - "وَالْعَطِيَّةُ" يُقَالُ، فَرَضْت لَهُ4 كَذَا وَافْتَرَضْته أَيْ أَعْطَيْته، وَفَرَضْت لَهُ فِي الدِّيوَانِ. قَالَهُ5 فِي "الصِّحَاحِ"6. - "وَالإِنْزَالُ" وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلَى مَعَادٍ} 7، أَيْ أَنْزَلَ عَلَيْك الْقُرْآنَ. قَالَ الْبَغَوِيّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ8. - "وَالإِبَاحَةُ" وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} 9، 10 أَيْ: أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ"10. - "وَيُرَادِفُ11" الْفَرْضَ "الْوَاجِبُ شَرْعًا" أَيْ فِي12 عُرْفِ الشَّرْعِ عَلَى

_ 1 الصحاح، له 3/ 1097، وانظر: القاموس المحيط 2/ 352. 2 الآية 1 من النور. 3 انظر: القاموس المحيط: 2/ 352. 4 في ش: لك. 5 في ش: قال. 6 الصحاح، للجوهري 3/ 1097، وانظر: القاموس المحيط 2/ 352. 7 الآية 85 من القصص. 8 تفسير البغوي 5/ 186. 9 الآية 38 من الأحزاب. 10 ساقطة من ش. وانظر: الإحكام، الآمدي 1/ 99. 11 في ش: ويراد به. 12 في ش: من.

الصَّحِيحِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ1 وَالأَكْثَرِ2 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} 3، أَيْ أَوْجَبَهُ. وَالأَصْلُ تَنَاوُلُهُ حَقِيقَةً وَعَدَمُ غَيْرِهِ، نَفْيًا لِلْمَجَازِ وَالاشْتِرَاكِ4. وَفِي الصَّحِيحِ5: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ" 6، وَلأَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا يُذَمُّ تَارِكُهُ شَرْعًا، وَالاسْتِدْعَاءُ لا يَقْبَلُ التَّزَايُدَ. كَجَائِزٍ وَلازِمٍ، وَصَادِقٍ وَكَاذِبٍ. فَلا يُقَالُ: أُجَوِّزُ وَلا أُلْزِمُ؛ لأَنَّهُ7 انْتَظَمَهُ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الْفَرْضَ آكَدُ8. وَاخْتَارَهَا

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر: مختصر الطوفي ص19، الروضة ص16، التمهيد ص7، الحدود للباجي ص55، المستصفي 1/ 66، القواعد والفوائد الأصولية ص63، نهاية السول 1/ 58، شرح البدخشي 1/ 58، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 1/ 228، 232، إرشاد الفحول ص6، الإحكام، الآمدي 1/ 97، لابن حزم 1/ 323. 3 الآية 197 من البقرة. 4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 99. 5 أي صحيح البخاري، وكتب الأحاديث الصحيحة كثيرة، ولكن المصنف إذا أطلق الصحيح فيريد به صحيح البخاري، لأنه أصح كتاب بعد القرآن الكريم، لما بذل فيه مؤلفه رحمه الله من الجهد والدقة والتمحيص في أسانيده ومتونه، وفي ض ز ع ب: الصحيحين، وهو خطأ، لأن هذا الحديث لم يروه إلا البخاري. 6 هذا جزء من حديث رواه البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً، وأوله: "إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد أذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ... " الحديث، وما تقرب إلي عبدي بشيء، أي بفعل طاعة، مما افترضته عليه: أي من أدائه عيناً أو كفاية، لأنها الأصل الذي ترجع إليه جميع الفروع، والأمر بها جازم، ويتضمن أمرين: الثواب على فعلها، والعقاب على تركها. "انظر: صحيح البخاري 4/ 129، فيض القدير 2/ 241". 7 في ز: الأن. 8 انظر: الروضة ص16، القواعد والفوائد الأصولية ص63، المسودة ص50.

مِنْ أَصْحَابِنَا: ابْنُ شَاقِلا وَالْحَلْوَانِيُّ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ1، وَابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ. وَلِلْقَاضِي2 مِنْ أَصْحَابِنَا الْقَوْلانِ. قَالَ3 الطُّوفِيُّ: وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ، إذْ لا نِزَاعَ فِي انْقِسَامِ الْوَاجِبِ إلَى قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ4. فَلْيُسَمُّوا هُمْ الْقَطْعِيَّ مَا شَاءُوا5، ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّ الْخِلافَ لَيْسَ بِلَفْظِيٍّ، يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: بَعْضُ الْوَاجِبِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا6، وَأَنَّ فَائِدَتَهُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ7.

_ 1 الفرق بينهما عند الحنفية أن الفرض ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه، والواجب ما ثبت بدليل ظني فيه شبهة العدم. "انظر: التعريفات للجرجاني ص173، 319، كشف الأسرار 2/ 303، الإحكام للآمدي 1/ 99، أصول السرخسي 1/ 110، فواتح الرحموت 1/ 58، القواعد والفوائد الأصولية ص63، البدخشي 1/ 55، التوضيح على التنقيح 3/ 75". 2 في ش: والقاضي. 3 في ز: وقال. 4 في ش دع: ظني وقطعي. 5 مختصر الطوفي ص19، وهذا ما ذهب إليه ابن قدامة في "الروضة" "ص 16"، والغزالي في "المستصفي" "1/ 66"، والأرْمَوي في الحاصل "نهاية السول 1/ 58" والعضد في "شرح مختصر ابن الحاجب" "1/ 232"، قال ابن اللحام: إن أريد أن المأمور به ينقسم إلى مقطوع به ومظنون فلا نزاع في ذلك، وإن أريد أنه لا تختلف أحكامها فهذا محل نظر "القواعد والفوائد الأصولية ص64" وانظر: الإحكام للآمدي 1/ 99. 6 انظر: القواعد والفوئد الأصولية ص64، المسودة ص50، 58. 7 رتب الحنفية على الفرق بينهما آثاراً كثيرة منها أن حكم الفرض لازم علماً وتصديقاً بالقلب، وعملاً بالبدن، وأنه من أركان الشرائع، ويكفر جاحده، ويفسق تاركه بلا عذر، أما حكم الواجب فهو لازم عملاً بالبدن لا تصديقاً، ولا يكفر جاحده، ويفسق تاركه إن استخف به، أما إذا تأول فلا، وإذا ترك المكلف فرضاً كالركوع أو السجود بطلت صلاته، ولا يسقط في عمد ولا في سهو، ولا تبرأ الذمة إلا بالإعادة، أما إذا ترك واجباً فإن عمله صحيح، ولكنه ناقص، وعليه الإعادة، فإن لم يُعد برئت ذمته مع الإثم. "انظر: كشف الأسرار 2/ 303، أصول السرخسي 1/ 111، فواتح الرحموت 1/ 58، القواعد والفوائد الأصولية ص64، شرح البدخشي 1/ 55، تيسير التحرير 2/ 135، المسودة ص50، 58، التوضيح على التنقيح 3/ 75".

"وَ" عَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ "ثَوَابَهُمَا1 سَوَاءٌ" وَلَيْسَ بَعْضُهَا2 آكَدَ مِنْ بَعْضٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَيْضًا عَلَى الأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا آكَدَ مِنْ بَعْضٍ. وَأَنَّ فَائِدَتَهُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الآخَرِ، وَأَنَّ طَرِيقَ أَحَدِهِمَا مَقْطُوعٌ بِهِ، وَطَرِيقَ الآخَرِ مَظْنُونٌ. كَمَا قُلْنَا. عَلَى3 الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّهُمَا4 مُتَبَايِنَانِ5. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": قُلْت6: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى هَذَا - سَوَاءٌ قُلْنَا بِالتَّبَايُنِ أَوْ التَّرَادُفِ7-: إنَّهُ لا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا آكَدَ مِنْ الآخَرِ، وَأَنَّهُ8 يُثَابُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الآخَرِ9. انْتَهَى. "وَصِيغَتُهُمَا" أَيْ صِيغَةُ الْوُجُوبِ وَالْفَرْضِ. كَوَجَبَ10 وَفَرَضَ. وَكَذَا وَاجِبٌ وَفَرْضٌ.

_ 1 في ش د: ثواباهما. 2 في ش د: بعضهما. 3 ساقطة من ش د. 4 في ع ز ب ض: وأنهما. 5 انظر: البدخشي 1/ 56 وما بعدها، المسودة ص50. 6 ساقطة من ز، وفي ع ض: وقلت. 7 في ز: بالترادف. 8 في ز: أنه. 9 انظر المسودة ص50، 58. 10 في ش: كموجب.

"وَحَتْمٌ" وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَانَ عَلَى رَبِّك حَتْمًا مَقْضِيًّا} 1 أَيْ وَاجِبَ الْوُقُوعِ بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ، وَإِلاَّ فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. فَيُقَالُ فِي الْوَاجِبِ: حَتْمٌ وَمَحْتُومٌ وَمُحَتَّمٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ فِي "الْمِصْبَاحِ": حَتَمَ عَلَيْهِ الأَمْرُ حَتْمًا - مِنْ بَابِ ضَرَبَ- أَوْجَبَهُ جَزْمًا، وَتَحَتَّمْ: وَجَبَ وُجُوبًا لا يُمْكِنُ سُقُوطُهُ2. انْتَهَى. "وَ" كَذَا "لازِمٌ" قَالَ فِي3 "الْحَاوِي"4 وَغَيْرِهِ: حَتْمٌ وَلازِمٌ كَوَاجِبٍ5 قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَلا يُقْبَلُ التَّأْوِيلُ عِنْدَ الأَكْثَرِ، وَهُوَ مِنْ اللُّزُومِ وَهُوَ لُغَةً: عَدَمُ الانْفِكَاكِ عَنْ الشَّيْءِ6. فَيُقَالُ لِلْوَاجِبِ لازِمٌ وَمَلْزُومٌ بِهِ7، وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ: "وَمَنْ لَزِمَتْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ أُخِذَ مِنْهُ ابْنُ لَبُونٍ" 8.

_ 1 الآية 17 من مريم. 2 المصباح المنير 1/ 188، وانظر: الصحاح 5/ 1892. 3 ساقطة من ش. 4 تصنيف الفقيه عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم بن علي، الضرير البصري، المتوفى سنة 684هـ. "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص208". 5 انظر: المستصفى 1/ 66. 6 انظر: المصباح المنير 2/ 850، لسان العرب 12/ 541، القاموس المحيط 4/ 175. 7 انظر: الصحاح 1/ 231. 8 هذا جزء من حديث طويل، رواه احمد والنسائي وأبو داود والبخاري، وقطعه في عشرة مواضع، والدارقطني، وأخرجه الشافعي والبيهقي والحاكم والدارمي عن أنس عن أبي بكر رضي الله عنهما مرفوعاً، قال ابن حزم: هذا كتاب في غاية الصحة، وقال الدارقطني: هذا إسناده صحيح، ورواته كلهم ثقات. "انظر: نيل الأوطار 4/ 140، سنن أبي داود 2/ 129، صحيح البخاري مع حاشية السندي 1/ 251، المستدرك 1/ 390، السنن الكبرى 4/ 100، سنن النسائي 5/ 13، مسند أحمد 1/ 11، سنن الدارمي 1/ 382".

"وَ" كَذَا "إطْلاقُ الْوَعِيدِ" لأَنَّ خَاصَّةَ الْوَاجِبِ مَا تُوُعِّدَ بِالْعِقَابِ عَلَى تَرْكِهِ. وَيَمْتَنِعُ وُجُودُ خَاصَّةِ الشَّيْءِ بِدُونِ ثُبُوتِهِ إلاَّ فِي كَلامِ مَجَازٍ. "وَ" وَكَذَا "كُتِبَ عَلَيْكُمْ" مَأْخُوذٌ مِنْ كَتَبَ الشَّيْءَ إذَا حَتَّمَهُ وَأَلْزَمَ بِهِ، وَتُسَمَّى الصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَاتُ لِذَلِكَ. وَمِنْهُ حَدِيثُ: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ1"، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ} 2، وقَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ} 3، كُلُّ ذَلِكَ "نَصٌّ فِي الْوُجُوبِ"4. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ-الآيَةَ} 5، فَقِيلَ: الْمُرَادُ وَجَبَ. وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ فَرْضًا وَنُسِخَتْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ6 بِالْوَصِيَّةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهِمَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. فَلا يَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ7. "وَإِنْ كَنَّى الشَّارِعُ عَنْ عِبَادَةٍ بِبَعْضِ 8 مَا فِيهَا"8" نَحْوِ9 تَسْمِيَةِ الصَّلاةِ قُرْآنًا

_ 1 رواه أحمد ومالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم عن عبادة بن الصامت مرفوعاً، قال الزين العراقي، وصححه ابن عبد البر. "انظر: سنن أبي داود 2/ 84، سنن ابن ماجة 1/ 448، سنن النسائي 1/ 186، فيض القدير 3/ 453، مسند أحمد 5/ 319". 2 الآية 183 من البقرة. 3 الآية 216 من البقرة. 4 في ش: الوجود. 5 الآية 180 من البقرة. 6 في ز: والمراد. 7 انظر: تفسير ابن كثير 1/ 372، أحكام القرآن لابن العربي 1/ 61، 70، تفسير القرطبي 2/ 244، 1: تفسير ابن كثير 1/ 372، أحكام القرآن لابن العربي 1/ 61، 70، تفسير القرطبي 2/ 244، 258 وما بعدها، تفسير الطبري 2/ 115 وما بعدها، تفسير الخازن 1/ 148، تفسير البغوي 1/ 148". 8 ساقطة من ش. 9 ساقطة من د، والقوس في ش ز وبعدها.

فِي قَوْله1 تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} 2، وَنَحْوِ 3 التَّعْبِيرِ عَنْ الإِحْرَامِ بِالنُّسُكِ"3 بِأَخْذِ الشَّعْرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} 4، "دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ" أَيْ فَرْضِ الْمُكَنَّى بِهِ عَنْ 5 تِلْكَ الْعِبَادَةِ"5. فَيَدُلُّ قَوْله تَعَالَى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ6 فِي الصَّلاةِ وَيَدُلُّ قَوْله تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} عَلَى فَرْضِيَّةِ الْحَلْقِ فِي الْحَجِّ، لأَنَّ الْعَرَبَ لا تُكَنِّي عَنْ الشَّيْءِ إلاَّ بِالأَخَصِّ بِهِ. وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَسَبِّحْ7 بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} 8 يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِي الصَّلاةِ. ذَكَرَهُ9 الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ. "وَمَا لا يَتِمُّ الْوُجُوبُ10 إلاَّ بِهِ" سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ. كَاكْتِسَابِ الْمَالِ لِلْحَجِّ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ، كَحُضُورِ الإِمَامِ

_ 1 في ز ع ب: بقوله. 2 الآية 78 من الإسراء. 3 في ش: التعبير في النسك، وفي د ع: التعبير في الإحرام والنسك، وفي ب: التعبير بالنسك عن الإحرام، وفي ض: التعبير عن الإحرام والنسك. 4 الآية 27 من الفتح. 5 في ش: ذلك العبارة. 6 في ش: القرآن. 7 في ش ع ز ب: فسبح!؟ وهو خطأ. 8 الآية 39 من السورة ق. 9 في ش: وذكره. 10 في ش: الواجب، والصواب ما في المتن، وهو ما عبر عنه المجد بن تيمية والبعلي بقولهما: إن مالا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب كالمال في الحج والكفارات، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب مطلقاً "المسودة ص61، القواعد والفوئد الأصولية ص94" وانظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص61، اللمع ص10، والمقصود أن مالا يتم الوجوب، أي التكليف "انظر: نهاية السول 1/ 120، التمهيد ص15".

الْجُمُعَةَ وَحُضُورِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرِطِ فِيهَا، لأَنَّهُ مِنْ صُنْعِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ "لَيْسَ بِوَاجِبٍ مُطْلَقًا"1 وَحُكِيَ إجْمَاعًا. "وَمَا لا يَتِمُّ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ" إيجَابُهُ2 "إلاَّ بِهِ وَهُوَ3" أَيْ وَاَلَّذِي لا يَتِمُّ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلاَّ بِهِ "مَقْدُورٌ لِمُكَلَّفٍ فَوَاجِبٌ، يُعَاقَبُ" الْمُكَلَّفُ "بِتَرْكِهِ، وَيُثَابُ4 بِفِعْلِهِ" كَالْوَاجِبِ الأَصْلِيِّ5.

_ 1 مطلقاً أي سواء كان شرطاً أم سبباً، وسواء كان في مقدور المكلف أم لا. 2 الواجب المطلق هو الذي يكون وجوبه غير مشروط الوجوب بذلك الغير، بل مشروط الوقوع به، وهو مقدمة الوجود، كما سيأتي "في هـ5"، قال البناني: المراد بالمطلق ما لا يكون مقيداً بما يتوقف عليه وجوده، وإن كان مقيداً بما يتوقف عليه وجوبه، كقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} فإن وجوب الصلاة مقيد بما يتوقف عليه ذلك الوجوب، وهو الدلوك، وليس مقيداً بما يتوقف عليه وجود الواجب، وهو الوضوء والاستقبال ونحوهما "حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 193". وانظر: تقرير الشربيني 1/ 192، فواتح الرحموت 1/ 95، المسودة ص 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص61، الإحكام للآمدي 1/ 111". 3 ساقطة من ش. 4 في ش: ثياب. 5 تنقسم مقدمة الواجب إلى قسمين: القسم الأول: مدمة الوجوب، وهي التي يتعلق بها التكليف بالواجب، أو يتوقف شغل الذمة عليها كدخول الوقت بالنسبة للصلاة، فهو مقدمة لوجوب الواجب في ذمة المكلف، وكالاستطاعة لوجوب الحج، وحولان الحول لوجوب الزكاة، فهذه المقدمة ليست واجبة على المكلف باتفاق. والقسم الثاني: مقدمة الوجود، وهي التي يتوقف عليها وجود الواجب بشكل شرعي صحيح، لتبرأ منه الذمة، كالوضوء بالنسبة للصلاة، فلا توجد الصلاة الصحيحة إلا بوجود الوضوء، ولا تبرأ ذمة المكلف بالصلاة إلا بالوضوء، ومقدمة الوجود قد تكون في مقدور المكلف فتجب، وقد لا تكون في مقدوره فلا تجب، واختلاف العلماء في القسم الثاني فقط. "انظر: الإحكام، للآمدي 1/ 110، مختصر الطوفي ص23، المستصفى 1/ 71، حاشية البناني 1/ 193، تقرير الشربيني 1/ 193، العضد على ابن الحاجب 1/244، المسودة ص60، نهاية السول 1/ 170، شرح البدخشي 1/ 122، اللمع ص10، شرح تنقيح الفصول ص160، تيسير التحرير 2/ 215".

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَلا يَخْلُو. إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا لا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلاَّ بِهِ جُزْءًا مِنْ الْوَاجِبِ الْمُطْلَقِ، كَالسُّجُودِ فِي الصَّلاةِ. فَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ، لأَنَّ الأَمْرَ بِالْمَاهِيَّةِ الْمُرَكَّبَةِ أَمْرٌ1 بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنْهُ. كَالسَّبَبِ2 الشَّرْعِيِّ، وَالسَّبَبِ الْعَقْلِيِّ، وَالسَّبَبِ الْعَادِيِّ. وَكَالشَّرْطِ3 الشَّرْعِيِّ، وَالشَّرْطِ4 الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْطِ5 الْعَادِيِّ. فَهَذِهِ السِّتَّةُ مَحَلُّ الْخِلافِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ وُجُوبُهَا6. فَمِثَالُ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ: صِيغَةُ الْعِتْقِ في7 الْوَاجِبِ مِنْ كَفَّارَةٍ وَنَحْوِهَا. وَمِثَالُ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ: الطَّهَارَةُ لِلصَّلاةِ وَنَحْوِهَا. وَمِثَالُ السَّبَبِ الْعَقْلِيِّ: الصُّعُودُ إلَى مَوْضِعٍ عَالٍ. فِيمَا إذَا وَجَبَ إلْقَاءُ الشَّيْءِ مِنْهُ.

_ 1 في ز: أمر كلي. 2 السبب: هو ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص94، نهاية السول 1/ 123". 3 الشرط: هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. "القواعد والفوائد الأصولية ص94، نهاية السول 1/ 123". 4 في ز: وكالشرط. 5 في ز: وكالشرط. 6 وهو مذهب الإمام الرازي وأتباعه والآمدي وأكثر الشافعية والحنابلة، خلافاً للمعتزلة الذين منعوا ذلك، وهناك أقوال أخرى، منها أن الأمر بالشيء يكون أمراً بالمقدمة إذا كانت سبباً لا شرطاً، ومنها أنه ليس أمراً لا بالسب ولا بالشرط، ومنها أن الأمر بالشيء يكون أمراً بالشرط الشرعي دون العقلي والعادي ودون السبب بأنواعه، وهذا رأي الطوفي وإمام الحرمين وابن الحاجب. "انظر: التمهيد ص15-16، مختصر الطوفي ض24، الروضة ص19، المستصفى 1/ 71، جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 193، تيسير التحرير 2/ 215، مختصر ابن الحاجب 1/ 244، المسودة ص60-61، فواتح الرحموت 1/ 95، المدخل إلى مذهب أحمد ص61". 7 في ش: من.

وَمِثَالُ الشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ: تَرْكُ أَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَمِثَالُ السَّبَبِ الْعَادِيِّ1: وُجُودُ النَّارِ فِيمَا إذَا وَجَبَ إحْرَاقُ شَخْصٍ. وَمِثَالُ الشَّرْطِ الْعَادِيِّ: غَسْلُ الزَّائِدِ عَلَى حَدِّ الْوَجْهِ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ لِيَتَحَقَّقَ غَسْلُ جَمِيعِهِ. فَالشَّرْطُ الشَّرْعِيُّ: مَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ شَرْطًا، وَإِنْ أَمْكَنَ وُجُودُ الْفِعْلِ بِدُونِهِ 2 وَالشَّرْطُ الْعَقْلِيُّ: مَا لا يُمْكِنُ وُجُودُ الْفِعْلِ بِدُونِهِ"2 عَقْلاً، وَالشَّرْطُ الْعَادِيُّ: مَا لا يُمْكِنُ 3 وُجُودُ الْفِعْلِ بِدُونِهِ"3 عَادَةً4. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَتَارَةً يُعَبَّرُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا لا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ5، وَتَارَةً بِمَا لا يَتِمُّ الأَمْرُ6 إلاَّ بِهِ يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ7، لَكِنَّ الْعِبَارَةَ الأُولَى أَشْهَرُ. وَالثَّانِيَةُ أَشْمَلُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الأَمْرَ قَدْ يَكُونُ لِلنَّدْبِ. فَتَكُونُ مُقَدِّمَتُهُ مَنْدُوبَةً، وَرُبَّمَا كَانَتْ وَاجِبَةً. كَالشَّرْطِ8 فِي صَلاةِ التَّطَوُّعِ، إلاَّ أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْكَفُّ عَنْ فَاسِدِ الصَّلاةِ عِنْدَ إرَادَةِ التَّلَبُّسِ بِالصَّلاةِ مَثَلاً وَجَبَ مَا لا يَتِمُّ الْكَفُّ مَعَ التَّلَبُّسِ إلاَّ بِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَمَّا لا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلاَّ بِهِ فَهُوَ

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ش، وموجودة في ز د ب وعلى هامش ع. 3 ساقطة من ز. 4 انظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 195. 5 وتسمى أيضاً مقدمة الواجب، وغير ذلك "انظر: التمهيد للإسنوي ص15، المستصفى 1/ 71، تقرير الشربيني على جمع الجوامع 1/ 192". 6 في ع ب ض: المأمور. 7 يعبر البيضاوي عنها بقوله: وجوب الشيء مطلقاً يوجب وجوب ما لا يتم إلا به، ويقول الإسنوي في شرحه على منهاج البيضاوي: فالواجب الأول والأخير بمعنى التكليف، والوجوب الثاني بمعنى الاقتضاء. "نهاية السول 1/ 120، 123، وانظر: التمهيد ص15". 8 في ع ب ض: كالشروط.

وَاجِبٌ1. وَقَدْ عُلِمَ مِنْ الْمَتْنِ: أَنَّهُ لا يَجِبُ إلاَّ إذَا كَانَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ2، لِحَدِيثِ: "إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" 3، لَكِنْ لَوْ سَقَطَ وُجُوبُ الْبَعْضِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، هَلْ يَبْقَى4 وُجُوبُ الْبَاقِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ. أَمْ لا5؟ قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي بَقَاءَ الْوُجُوبِ لِلْحَدِيثِ الْمُوَافِقِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 6، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ النُّطْقُ فِي الصَّلاةِ لِعُذْرٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ. خِلافًا لِلْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِنَا. وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ7، لِوُجُوبِهِ ضَرُورَةً كَجُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ، وَشُرُوطِ الصَّلاةِ8. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيَتَوَجَّهُ الْخِلافُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ فِي قَوْلِ مَنْ اسْتَحَبَّ غَسْلَ مَوْضِعِ الْقَطْعِ فِي الطَّهَارَةِ9. وَكَذَا إمْرَارُ الْمُوسَى فِيمَنْ

_ 1 يشترط لوجوب المقدمة عند الجمهور شرطان: أن يكون الواجب مطلقاً، أي غير معلق على حصول ما يتوقف عليه، وإن تكون المقدمة في مقدور المكلف، وهذا ما أشار إليه المصنف. "انظر: نهاية السول 1/ 123، 124". 2 انظر: مختصر الطوفي ص24، الروضة ص19، المستصفى 1/ 71، حاشية البناني وتقرير الشربيني 1/ 192، العضد على ابن الحاجب 1/ 245، نهاية السول 1/ 124. 3 هذا جزء من حديث صحيح رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة، ومعنى "إذا أمرتكم بأمر فأئتوا منه" أي وجوباً في الواجب، وندباً في المندوب، ما استطعتم: أي ما أطلقتم، لأن فعله هو إخراجه من العدم إلى الوجود، وذلك يتوقف على شرائط وأسباب كالقدرة على الفعل. "انظر: صحيح مسلم 2/ 975، سنن ابن ماجة 1/ 3، فيض القدير: 3/ 563، سنن السنائي 5/ 83، مسند أحمد 2/ 247". 4 في ز: بقي. 5 ساقطة من ش. 6 الآية 16 من التغابن. 7 انظر: المغني لابن قدامة 1/ 350. 8 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 111. 9 انظر: المغني 1/ 19.

لا شَعْرَ لَهُ1، وَرُدَّ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "عُمْدَةِ الأَدِلَّةِ": يُمِرُّ الْمُوسَى. وَلا يَجِبُ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَشَيْخُنَا2. وَأَمَّا كَلامُ أَحْمَدَ: فَخَارِجٌ مَخْرَجَ الأَمْرِ، لَكِنَّهُ حَمَلَهُ شَيْخُنَا عَلَى النَّدْبِ. انْتَهَى كَلامُ ابْنِ مُفْلِحٍ3. وَلَنَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ شَبِيهَةٌ بِذَلِكَ. كَوُجُوبِ الْقِيَامِ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِعِلَّةٍ فِي ظَهْرِهِ وَوَاجِدٍ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ مِنْ الْمَاءِ4، وَبَعْضِ صَاعٍ فِي5 الْفِطْرَةِ6. وَرُبَّمَا خَرَجَ عَنْ الْقَاعِدَةِ فُرُوعٌ، الرَّاجِحُ فِيهَا خِلافُ ذَلِكَ، لِمَدَارِكَ فِقْهِيَّةٍ، مَحَلُّهَا الْفِقْهُ7.

_ 1 وذلك للتحلل من الإحرام بالحلق في الحج والعمرة. "انظر: المغني 3/ 388". 2 جاء في هامش ب: يعني به الشيخ تقي الدين إن كان من تتمة كلام ابن المفلح، والقاضي إن كان من كلام ابن عقيل، لأن القاضي أبا يعلى شيخه. 3 لعل كلام ابن مفلح في "أصوله" المخطوط، وانظر عدم لزوم القراءة وتحريك اللسان عن المعذور في "الفروع 1/ 417". 4 انظر: المغني 1/ 175. 5 في ش: من. 6 يقول ابن اللحام: وضابطه "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" إما أن يكون بالأداء لتبرأ الذمة، أو بالاجتناب ليحصل ترك الحرام، إذ تركه واجب. "القواعد والفوائد الأصولية ص104"، وانظر: "الروضة ص20، نهاية السول 1/ 127، البدخشي 1/ 126". 7 انظر أمثلة عنها في كتاب "القواعد والفوائد الأصولية، لابن اللحام البعلي ص94 وما بعدها، التمهيد ص16، مختصر الطوفي ص24، المسودة ص65".

فصل العبادة والوقت

فصل العبادة والوقت ... "فَصْلٌ" "الْعِبَادَةُ إنْ لَمْ يُعَيَّنْ وَقْتُهَا" أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا1 وَقْتٌ مُعَيَّنٌ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ2،"لَمْ تُوصَفْ بِأَدَاءٍ وَلا قَضَاءٍ وَلا إعَادَةٍ" كَالنَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ، مِنْ صَلاةٍ وَصَوْمٍ وَصَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا، وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا لَهَا سَبَبٌ، كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَسُجُودِ التِّلاوَةِ، أَوْ لا سَبَبَ لَهَا3. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: قَدْ4 تُوصَفُ مَا لَهَا سَبَبٌ بِالإِعَادَةِ. كَمَنْ أَتَى بِذَاتِ السَّبَبِ مَثَلاً مُخْتَلَّةً5، فَتَدَارَكَهَا حَيْثُ يُمْكِنُ التَّدَارُكُ6. "وَإِنْ عُيِّنَ" وَقْتُهَا7 "وَلَمْ يُحَدَّ، كَحَجٍّ وَكَفَّارَةٍ" وَزَكَاةِ مَالٍ، لا فِطْرَةٍ "تُوصَفُ بِأَدَاءٍ فَقَطْ" أَيْ دُونَ قَضَاءٍ، لأَنَّ وَقْتَ ذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ8. وَ "الْقَضَاءُ" فِعْلُ الْوَاجِبِ خَارِجَ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا. وَلأَنَّ9 كُلَّ

_ 1 ساقطة من ش ز د. 2 قسم علماء الأصول الواجب باعتبار الوقت إلى قسمين: واجب مؤقت وواجب مطلق عن التوقيت، ثم قسموا الواجب المؤقت إلى أنواع، وهذا ما تناوله المصنف بالبيان. 3 كالصلاة المطلقة والأذكار المطلقة. "انظر: نهاية السول 1/ 84، البناني وشرح جمع الجوامع 1/ 109، العضد على ابن الحاجب 1/ 233، الأشباه والنظائر، السيوطي ص395". 4 في ع: وقد. 5 في ش: مختلفة. 6 انظر: نهاية السول 1/ 84، فواتح الرحموت 1/ 85، وانظر ما يوصف بالأداء والقضاء، وما لا يوصف به في "الأشباه والنظائر، للسيوطي ص395 وما بعدها". 7 الوقت هو الزمن المقدر شرعاً مطلقاً، أي موسعاً "شرح جمع الجوامع 1/ 109". 8 انظر: كشف الأسرار 1/ 146، المستصفى 1/ 95، مناهج العقول للبدخشي 1/ 81، حاشية الجرجاني على شرح العضد 1/ 233، شرح تنقيح الفصول ص275. 9 هكذا في جميع النسخ، ولعل الأصح: لأن.

وَقْتٍ مِنْ الأَوْقَاتِ الَّتِي يُؤَخَّرُ فِعْلُهَا إلَيْهِ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْفِعْلِ فِيهِ. وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. فَلَوْ قُلْنَا: إنَّ أَدَاءَهَا فِي الْوَقْتِ الثَّانِي بَعْدَ تَأْخِيرِهَا قَضَاءٌ، لَزِمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَمَا بَعْدَهُمَا1. "وَإِطْلاقُ الْقَضَاءِ فِي حَجٍّ فَاسِدٍ لِشَبَهِهِ2 بِمَقْضِيٍّ" فِي اسْتِدْرَاكِهِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا شَرَعَ فِيهِ وَتَلَبَّسَ بِأَفْعَالِهِ تَضَيَّقَ الْوَقْتُ عَلَيْهِ3. وَذَلِكَ كَمَا لَوْ تَلَبَّسَ بِأَفْعَالِ الصَّلاةِ، مَعَ أَنَّ الصَّلاةَ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ4. وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: أَنْتُمْ قُلْتُمْ: إنَّ5 الْحَجَّ لا يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ، وَقَدْ6 وَصَفْتُمُوهُ هُنَا؟ "وَفِعْلُ صَلاةٍ بَعْدَ تَأْخِيرِ قَضَائِهَا لا يُسَمَّى قَضَاءَ الْقَضَاءِ" لِتَسَلْسُلِهِ وَهُوَ مُمْتَنَعٌ7.

_ 1 انظر كشف الأسرار 1/ 147، وفي ز ع ب ض: بعده. 2 في ش: يشبه. 3 الأن الأصل أن وقت الحج هو العمر كله، لكنه تضيق وقته بالشروع، "انظر: تيسير التحرير 2/ 200، فواتح الرحموت 1/ 85، التمهيد ص9، نهاية السول: 1/ 85، شرح تنقيح الفصول ص73، الأشباه والنظائر، للسيوطي ص396". 4 قال الإسنوي: "إذا أحرم بالصلاة وأفسدها، ثم أتى بها في الوقت فإنه يكون قضاء، يترتب عليه جميع أحكام القضاء، لفوات وقت الإحرام بها، لأجل امتناع الخروج، نص على ذلك القاضي حسين في "تعليقه" والمتولي في "التتمة" والرُوْياني في "البحر" في باب صفة الصلاة" "نهاية السول 1/ 85" وقال أيضاً: "وسببه أن وقت الإحرام بها قد فات، والدليل عليه: أنه لو أراد الخروج منها لم يجز على المعروف، وخالفهم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، فجزم بأنها تكون أداء" "التمهيد ص9-10" وانظر: "اللمع ص9، تيسير التحرير 1/ 200، الأشباه والنظائر، للسيوطي ص396، الفروع، ابن مفلح 3/ 139". 5 ساقطة من ش. 6 في ش د ع: فقد. 7 انظر: مختصر الطوفي ص34، الروضة ص32، المستصفى 1/ 96، تيسير التحرير 2/ 198.

"وَإِنْ حُدَّ" وَقْتُ الْعِبَادَةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَصَلاةِ الظُّهْرِ "وُصِفَتْ بِالثَّلاثَةِ" الَّتِي هِيَ الأَدَاءُ، وَالْقَضَاءُ، وَالإِعَادَةُ1؛ لأَنَّهَا إنْ فُعِلَتْ فِي وَقْتِهَا كَانَتْ أَدَاءً، وَإِنْ فُعِلَتْ بَعْدَهُ كَانَتْ قَضَاءً وَإِنْ تَكَرَّرَ فِعْلُهَا كَانَتْ مُعَادَةً2، "سِوَى جُمُعَةٍ" فَإِنَّهَا تُوصَفُ بِالأَدَاءِ وَالإِعَادَةِ إذَا3 حَصَلَ فِيهَا خَلَلٌ وَأَمْكَنَ تَدَارُكُهَا فِي وَقْتِهَا، وَلا تُوصَفُ بِالْقَضَاءِ، لأَنَّهَا إذَا فَاتَتْ صُلِّيَتْ ظُهْرًا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا. "فَالأَدَاءُ: مَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ أَوَّلاً شَرْعًا" 4. فَقَوْلُنَا "مَا فُعِلَ" جِنْسٌ لِلأَدَاءِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُنَا "فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ5" يَخْرُجُ الْقَضَاءُ وَمَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ وَقْتٌ كَإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ إذَا ظَهَرَ. وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ إذَا وُجِدَ. وَالْجِهَادِ إذَا تَحَرَّكَ الْعَدُوُّ وَالنَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ، وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَسُجُودِ التِّلاوَةِ.

_ 1 زاد الشافعية قسماً رابعاً وهو التعجيل، وذلك في الحالات التي أجاز الشارع فيها أداء الواجب قبل وقته، مثل إخراج زكاة الفطر قبل انتهاء رمضان، ودفع الزكاه قبل حولان الحول. "انظر: نهاية السول 1/ 84، القواعد الكبرى، للعز بن عبد السلام 1/ 241، التلويح على التوضيح 2/ 191، حاشية الجرجاني 1/ 234، الأشباه والنظائر، للسيوطي ص395-402، الفروق 1/ 196 وما بعدها". 2 الإعادة: هي تكرار العبادة في الوقت لعذر، وسيذكر المصنف تعريف الإعادة فيما بعد ص368. 3 في ز ع ب ض: إن. 4 انظر تعريف الأداء في "التمهيد ص9، التعريفات ص13، مختصر الطوفي ص33، الروضة ص31، كشف الأسرار 1/ 134، المستصفى 1/ 95، فواتح الرحموت 1/ 85، البدخشي 1/ 81، نهاية السول 1/ 84، مختصر ابن الحاجب 1/ 232، شرح تنقيح الفصول ص72". 5 يكتفي في الصلاة بوقوع أول الواجب في الوقت، مثل تكبيرة الإحرام عند الحنفية والراجح عند الحنابلة، والركعة الأولى من الصلاة عند الجمهور، لحديث الصحيحين: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة". "انظر: فواتح الرحموت 1/ 85، حاشية البناني 1/ 108، تيسير التحرير 2/ 198، حاشية الجرجاني على شرح العضد 1/ 234، فيض القدير 6/ 44، روضة الطالبين، للنووي 1/ 183، الفروع، لابن مفلح 1/ 305، سنن الدارمي 1/ 277، فتح الباري 2/ 38، صحيح مسلم 1/ 423، الموطأ 1/ 105".

وَقَوْلُنَا "أَوَّلاً" لِيَخْرُجَ مَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا، لَكِنَّهُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي قُدِّرَ لَهُ أَوَّلاً شَرْعًا، كَالصَّلاةِ إذَا ذَكَرَهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا، أَوْ اسْتَيْقَظَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، لِقَوْلِهِ1 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا. فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا" 2، فَإِذَا فَعَلَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهُوَ وَقْتٌ ثَانٍ، لا أَوَّلُ3. فَلَمْ يَكُنْ أَدَاءً. وَيَخْرُجُ بِهِ أَيْضًا: قَضَاءُ الصَّوْمِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لَهُ وَقْتًا مُقَدَّرًا، لا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ. وَهُوَ مِنْ حِينِ الْفَوَاتِ إلَى رَمَضَانَ السَّنَةِ الآتِيَةِ، فَإِذَا فَعَلَهُ كَانَ قَضَاءً، لأَنَّهُ فَعَلَهُ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ4 لَهُ ثَانِيًا، لا أَوَّلاً5. وَقَوْلُنَا "شَرْعًا" لِيَخْرُجَ مَا قُدِّرَ لَهُ وَقْتٌ لا بِأَصْلِ الشَّرْعِ، كَمَنْ ضَيَّقَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ –لِعَارِضِ6-[الْوَقْتِ] 7 الْمُوَسَّعِ8، إنْ لَمْ يُبَادِرْ9.

_ 1 في ع ض: كقوله. 2 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك مرفوعاً بألفاظ مختلفة. "انظر: صحيح البخاري مع شرح السندي 1/ 122، صحيح مسلم 1/ 477، سنن أبي داود، 1/ 175، سنن ابن ماجة 1/ 227، التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 445، فيض القدير 6/ 230، 231، سنن النسائي 1/ 236، مسند أحمد 3/ 31، سنن الدارمي 1/ 280". 3 هذا الشرح على اعتبار "أولاً" حالا من "وقته المقدر"، ويصح أنْ تكون حالاً من "فعل" أي ما فعل أولاً في الوقت المقدر، لتخريج الإعادة، كما لو صلى الظهر في وقته، ثم صلاه مرة ثانية، فالفعل الأول أداء، والثاني إعادة. "انظر: نهاية السول 1/ 84، العضد على ابن الحاجب 1/ 232، وانظر تعريف المصنف للإعادة –فيما بعد- وأنه قيدها بالفعل ثانياً ص368". 4 في ز: المقدور. 5 انظر: التمهيد ص9، نهاية السول 1/ 84، العضد على ابن الحاجب 1/ 233. 6 في ش: لعارض هبة، وفي ز ع ب ض: ظنه. 7 في جميح النسخ: الفوات 8 ساقطة من ش ع ز ب. 9 وكذا لو قدر الوقت من الحاكم، كما لو حَدَّد شهر رمضان لدفع الزكاة، فإنّ هذا الوقت المقدر ليس من قبل الشارع، ويسمى فعلُ المكلف أداء، سواء دفع الزكاة في الوقت أم خارجه. "انظر: تيسير التحرير 2/ 198، البدخشي 1/ 81، شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 233".

"وَالْقَضَاءُ: مَا فُعِلَ بَعْدَ وَقْتِ الأَدَاءِ"1 عَلَى2 قَوْلِ الْجُمْهُورِ "وَلَوْ" كَانَ التَّأْخِيرُ "لِعُذْرٍ" سَوَاءٌ "تَمَكَّنَ مِنْهُ" أَيْ مِنْ فِعْلِهِ فِي وَقْتِهِ "كَمُسَافِرٍ" يُفْطِرُ "أَوْ لا" أَيْ3 أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْفِعْلِ فِي وَقْتِهِ، "لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ كَحَيْضٍ" وَنِفَاسٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْفِعْلِ شَرْعًا مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، "أَوْ" لِمَانِعٍ "عَقْلِيٍّ، كَنَوْمٍ لِوُجُوبِهِ" أَيْ وُجُوبِ فِعْلِ الْعِبَادَةِ "عَلَيْهِمْ" وَهُوَ الصَّوْمُ حَالَةَ وُجُودِ الْعُذْرِ، وَهُوَ السَّفَرُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ. وَحَيْثُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ مَعَ وُجُودِ الْعُذْرِ، كَانَ فِعْلُهُ بَعْدَ زَوَالِهِ قَضَاءً لِخُرُوجِ وَقْتِ الأَدَاءِ، وَكَوْنُهُ قَضَاءً مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ حَالَ الْعُذْرِ4.

_ 1 انظر تعريف القضاء في "التمهيد ص90، مختصر الطوفي ص33، التعريفات ص185، الروضة ص31، كشف الأسرار 1/ 135، شرح تنقيح الفصول ص73، المستصفى 1/ 95، فواتح الرحموت 1/ 85، مناهج العقول، للبدخشي 1/ 82، نهاية السول 1/ 85، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 111، للمع ص9". 2 في ز ع ب: وعلى. 3 في ع ب ض: يعني. 4 يرى بعض العلماء أن فعل الواجب إذا فات لعذر لا يسمى قضاء، لعدم وجوبه عليهم حال العذر، بدليل عدم عصيانهم لو ماتوا فيه، ويرد عليهم أن نية القضاء واجبة، وأن السيدة عائشة قالت: "كنا نحيضُ فنؤمر بقضاء الصوم" وأن العباداة تثبت في الذمة كالدين، ومن ثم يجب قضاؤها، وهو قضاء حقيقي أو مجازي علىقولين، وقال القرافي: لا يشترط في القضاء تقديم الوجوب، بل تقديم سببه. "انظر: مختصر الطوفي ص33، الروضة ص32، الإحكام لابن حزم 1/ 306، 283، 301، الإحكام، الآمدي 1/ 109، 110، شرح تنقيح الفصول ص74، القواعد والفوائد الأصولية ص31، المستصفى 1/ 96، فواتح الرحموت 1/ 85، البدخشي 1/ 83، نهاية السول 1/ 86، تيسير التحرير 2/ 199، حاشية البناني 1/ 112، شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 233".

وَإِطْلاقُ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْمُؤَدَّى وَالْمَقْضِيِّ، مِنْ إطْلاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ. وَقَدْ اشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ، حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً. "وَعِبَادَةُ صَغِيرٍ" لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ "لا تُسَمَّى قَضَاءً" إجْمَاعًا1، "وَلا أَدَاءً" عَلَى الصَّحِيحِ، لأَنَّ الصَّغِيرَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ عِبَادَةٌ، حَتَّى تُقْضَى2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "فُرُوعِهِ": تَصِحُّ الصَّلاةُ مِنْ مُمَيِّزٍ نَفْلاً، وَيُقَالُ: لِمَا فَعَلَهُ: 3 صَلاةُ كَذَا. وَفِي"3 "التَّعْلِيقِ" مَجَازاً4. اهـ. "وَالإِعَادَةُ: مَا فُعِلَ" أَيْ فِعْلُ5 مَا فُعِلَ مِنْ الْعِبَادَةِ "فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ" أَيْ الْمَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ، "ثَانِيًا" أَيْ بَعْدَ فِعْلِهِ أَوَّلاً "مُطْلَقًا"6 أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الإِعَادَةُ لِخَلَلٍ فِي الْفِعْلِ الأَوَّلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ: لَوْ صَلَّى الصَّلاةَ فِي وَقْتِهَا صَحِيحَةً، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَصَلَّى. فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ تُسَمَّى مُعَادَةً عِنْدَ الأَصْحَابِ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ7 خَلَلٍ وَلا عُذْرٍ8. "وَالْوَقْتُ" الْمُقَدَّرُ:

_ 1 في ش: وجوباً. 2 في ش ز د: يقضي. 3 في ش: كذا صلاة وكذا في. 4 الفروع: 1/ 290-291، وانظر الفروع أيضاً: 2/ 18، في ش ز: مجاز، وكذا في الفروع. 5 ساقطة من د. وفي ش: نقل. 6 انظر: التمهيد ص9، مختصر الطوفي ص33، الروضة ص31، المستصفى 1/ 95، فواتح الرحموت 1/ 85، تيسير التحرير 1/ 199، حاشية البناني 1/ 117، شرح تنقيح الفصول ص86. 7 ساقطة من ش. 8 خالف الحنفية في هذا القول، وقيدوا الإعادة بحالة الخلل في الفعل الأول دون العذر، بينما ذكر الجمهور من العذر طلب الفضيلة في صلاة الجماعة مثلاً. "انظر: فواتح الرحموت 1/ 85، مناهج العقول للبدخشي 1/ 83، تيسير التحرير 2/ 199، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 118، شرح العضد 1/ 233".

- "إمَّا" أَنْ يَكُونَ 1 بِقَدْرِ الْفِعْلِ"1 كَصَوْمِ" رَمَضَانَ "فَـ" ـهُوَ الْوَقْتُ "الْمُضَيَّقُ". - "أَوْ" أَنْ يَكُونَ "أَقَلَّ، فَـ2" ـهُوَ "مُحَالٌ" أَيْ فَالتَّكْلِيفُ بِهِ مِنْ الْمُحَالِ، نَحْوِ إيجَابِ صَلاةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَنَحْوِهِ3. - "أَوْ" أَنْ يَكُونَ الْمُقَدَّرُ لِلْعِبَادَةِ "أَكْثَرَ" مِنْ وَقْتِ فِعْلِهَا "فَـ" ـهُوَ "الْمُوَسَّعُ" كَالصَّلَوَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ4، "فَيَتَعَلَّقُ" الْوُجُوبُ "بِجَمِيعِهِ5" أَيْ جَمِيعِ الْوَقْتِ "مُوَسَّعًا أَدَاءً" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرِ6 الْمُتَكَلِّمِينَ7. "وَيَجِبُ الْعَزْمُ" 8 عَلَى بَدَلِ"8 الْفِعْلِ أَوَّلَ الْوَقْتِ "إذَا أُخِّرَ" 9. "وَيَتَعَيَّنُ" الْفِعْلُ "آخِرَهُ" أَيْ آخِرَ الْوَقْتِ.

_ 1 في ش بتقدير فعل. 2 في ش: و. 3 التكليف بالمحال جائز عند بعض العلماء كما سبق، أما الذين منعوا التكليف بالمحال فقالوا يجوز في الحالة المذكورة أعلاه، إذا كان لغرض التكميل خارج الوقت، كوجوب الظهر عند من زال عذره في آخر الوقت، كالجنون والحيض والصبا، وقد بقي مقدار تكبيرة، خلافاً لزفر من الحنفية. "انظر: نهاية السول 1/ 112، مناهج العقول 1/ 108، كشف الأسرار 1/ 215". 4 انظر: تخريج الفروع على الأصول ص31، مختصر الطوفي ص21، الروضة ص18، المدخل إلى مذهب أحمد ص60، القواعد والفوائد الأصولية ص69، شرح جمع الجوامع 1/ 187. 5 في ز: جميعه. 6 في ز ع ب ض: والأكثر من. 7 انظر: مختصر ابن الحاجب 1/ 241، الإحكام، الآمدي 1/ 105، المدخل إلى مذهب أحمد ص60، مختصر الطوفي ص21، نهاية السول 1/ 112، اللمع ص9، القواعد والفوائد الأصولية ص70، حاشية البناني 1/ 187، المسودة ص26، 28، تخريج الفروع على الأصول ص31. 8 ساقطة من ش: ويوجد مكانها: به قبل، وفي ز ب ض: يدل الفعل، وعلى هامش ب: على الفعل. 9 اشترط أكثر الحنابلة والمالكية والشافعية والجبائي وابنه من المعتزلة وجوب العزم على بدل =

"وَيَسْتَقِرُّ وُجُوبُ" فِعْلِ الْعِبَادَةِ "بِأَوَّلِهِ" أَيْ أَوَّلِ وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ1، لأَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَدَائِهَا فِيهِ2، فَلَوْ طَرَأَ مَانِعٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ لَزِمَ الْقَضَاءُ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ. فَإِنْ أُخِّرَتْ عَنْهُ: صَارَتْ قَضَاءً3. وَقَالَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ: يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِآخِرِ الْوَقْتِ4. زَادَ الْكَرْخِيُّ: أَوْ

_ = الفعل لتمييزه عن المندوب الذي يجوز تركه مطلقاً، أما الواجب الموسع فلا يجوز تركه في أول الوقت إلا بشرط الفعل بعده أو العزم على الفعل، وما جاز تركه بشرط فليس بندب كالواجب المخير أيضاً. "انظر: الروضة ص18، مختصر الطوفي ص21، الإحكام، الآمدي 1/ 106، القواعد والفوئد الأصولية ص70، كشف الأسرار 1/ 220". ولم يشترط العزم على الفعل أبو الخطاب ومجد الدين بن تيمية من الحنابلة، وأبو الحسين البصري من المعتزلة، والإمام الرازي وأتباعه وابن السبكي من الشافعية، وابن الحاجب من المالكية، "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص60، الإحكام، الآمدي 1/ 105، نهاية السول 1/ 112، مناهج العقول 1/ 109، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 1/ 241، حاشية البناني: 1/ 188، فواتح الرحموت 1/ 47، المسودة 28، المجموع، للنووي 3/ 49". 1 قال البعلي: ونعني بالاستقرار وجوب القضاء، ثم ذكر أمثلة من الفروع الفقهية لذلك "القواعد الفوائد الأصولية ص71 وما بعدها، وانظر: المسودة ص29، المجموع، للنووي 3/ 47". 2 في أول الوقت "انظر: القواعد والفوئد الأصولية ص71، الروضة ص18، تيسير التحرير 2/ 189، 191، 193، أصول السرخسي 1/ 31". 3 وهو قول بعض الشافعية وبعض الحنفية العراقيين. "انظر: الإحكام، للآمدي 1/ 105، فواتح الرحموت 1/ 74، شرح جمع الجوامع 1/ 188، القواعد والفوائد الأصولية ص71، تيسير التحرير 2/ 191 نهاية السول 1/ 114، مختصر ابن الحاجب 1/ 241". 4 وهذا ما نقله السرخسي عن العراقيين فقال: وأكثر العراقيين من مشايخنا يقولون: الوجوب لا يثبت في أول والوقت، وإنما يتعلق الوجوب بآخر الوقت، "أصول السرخسي 1/ 31".وانظر: تخريج الفروع على الأصول ص31.

بِالدُّخُولِ فِيهَا1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ - بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ-: إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِهِ. وَزِيَادَةُ الْكَرْخِيِّ: بِالدُّخُولِ. فَإِنْ قَدَّمَهُ فَنَفْلٌ يُسْقِطُ الْفَرْضَ، وَأَكْثَرُهُمْ قَالَ2: إنْ بَقِيَ مُكَلَّفًا، فَمَا قَدَّمَهُ وَاجِبٌ. وَعِنْدَهُمْ إنْ طَرَأَ مَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فَلا وُجُوبَ3. انْتَهَى. وَلَنَا عَلَى الأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {أَقِمْ الصَّلاةَ-الآيَةَ} 4، قُيِّدَ5: بِجَمِيعِ وَقْتِهَا. لأَنَّ جِبْرِيلَ أَمَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 6 أَوَّلَ الْوَقْتِ"6 وَآخِرَهُ. وَقَالَ لَهُ7:

_ 1 الواقع أن للحنفية رأيين، فقال بعض الحنفية العراقيين: ليس كل الوقت وقتاً للواجب بل آخره، فإن قدمه فنفل يسقط به المرض، وهذا ما ذكره المصنف أعلاه، وقال الأنصاري في شرح مسلم الثبوت: ونسب هذا القول للحنفية، وهذه النسبة غلط، وقال أكثر الحنفية: إذا كان الواجب موسعاً فجميع الوقت لأدائه، وأن سبب الوجوب هو الجزء الأول من الوقت إن اتصل به الأداء، وإلا انتقل إلى ما يليه، وإلا تعين الجزء الأخير. "انظر: فواتح الرحموت 1/ 73، 74، تيسير التحرير 2/ 189، التوضيح على التنقيح 2/ 205، أصول السرخسي 1/ 30، 32، 33، كشف الأسرار 1/ 215، 219، وانظر: الإحكام، للآمدي 1/ 105، المدخل إلى مذهب إحمد ص60، نهاية السول 1/ 114، شرح تنقيح الفصول ص150، شرح تنقيح الفصول ص150". 2 ساقطة من ش ز ع ب ض. 3 قال الكمال بن الهمام: فلو كانت طاهرة أول الوقت فلم تُصلِ حتى حاضت اخره لا قضاء عليها "تيسير التحرير 2/ 192، 194، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص71، نهاية السول 1/ 114، فواتح الرحموت 1/ 74، مناهج العقول 1/ 111 وبعدها، كشف الأسرار 1/ 216، أصول السرخسي 1/ 31، جمع الجوامع 1/ 189". 4 الآية 78 من الأسراء، وهي {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} . 5 في ش د ع: قيل. 6 في ز ع ب: أوله. 7 ساقطة من ز: وفي ع ب: وقال: الوقت ما بينهما، وقاله له جبريل أيضاً عليه الصلاة والسلام.

"الْوَقْتُ مَا بَيْنَهُمَا"1. وَلأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لِلْفِعْلِ جُزْءٌ مِنْ الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ الْفِعْلُ قَبْلَهُ، وَيَكُونُ2 الْفِعْلُ بَعْدَهُ قَضَاءً. فَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ عَنْهُ، وَهُوَ خِلافُ الإِجْمَاعِ3. "وَمَنْ أَخَّرَ" الْفِعْلَ فِي الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ "مَعَ ظَنِّ مَانِعٍ" مِنْهُ "كَعَدَمِ الْبَقَاءِ4" بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ زَمَنٌ يَتَّسِعُ لِلْفِعْلِ فِيهِ "أَثِمَ" إجْمَاعًا، لِتَضْيِيقِهِ عَلَيْهِ بِظَنِّهِ5. "ثُمَّ إنْ بَقِيَ" مِنْ ظَنِّ عَدَمِ الْبَقَاءِ "فَفَعَلَهَا" أَيْ فَعَلَ الْعِبَادَةَ "فِي وَقْتِهَا

_ 1 هذا الحديث رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم عن ابن عباس مرفوعاًً، ورواه الإمام أحمد عن جابر مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 1/ 101، سنن أبي داود 1/ 161، سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/ 464، سنن النسائي 1/ 197، 209، المستدرك 1/ 193، نيل الأوطار 1/ 351"، قال الطوفي: النص قُيَّد بجميع الوقت، فتخصيص بعضه بالإيجاب تحكم "مختصر الطوفي ص21"، وفي ز: وقاله جبريل أيضاً عليه السلام. 2 في ش: ويكره. 3 قال البدخشي: ثم حقيقة الموسع ترجع إلى المخير بالنسبة إلى الوقت، كأن قيل للمكلف: افعل إما في أول الوقت أو وسطه أو آخره، فهو مخير في الإتيان به في أول جزء منها "منهاج العقول 1/ 109" وهو ما صرح به البزدوي والسرخسي "كشف الأسرار 1/ 220، 229، أصول السرخسي 1/ 33"، وانظر: "الروضة ص18، الإحكام، الآمدي 1/ 108، نهاية السول 1/ 115، مختصر ابن الحاجب 1/ 242، تخريج الفروع على الأصول ص31، شرح تنقيح الفصول ص150". 4 في ش: البناء. 5 كما لو كان محكوماً عليه بالقتل، وأن التنفيذ سيتم في ساعة معينة، وكما لو كانت المرأة تعرف أن عادتها تأتيها في ساعة معينة من الوقت، فيتضيق الوقت عليهما، "انظر: جمع الجوامع 1/ 190، مختصر ابن الحاجب 1/ 243، نهاية السول 1/ 87، فواتح الرحموت 1/ 86، الإحكام، الآمدي 1/ 109، القواعد والفوائد الأصولية ص82، المستصفى 1/ 95، الروضة صي31، تيسير التحرير 2/ 200، مختصر الطوفي ص23، التمهيد ص10، الفروع، ابن المفلح 1/ 293".

فَـ" ـهِيَ "أَدَاءٌ" عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ لِبَقَاءِ الْوَقْتِ. وَلا يُلْتَفَتُ إلَى ظَنِّهِ الَّذِي بَانَ خَطَؤُهُ. "وَمَنْ لَهُ تَأْخِيرٌ" فَمَاتَ1 قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهَا فَإِنَّهَا "تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ، لأَنَّهَا لا تَدْخُلُهَا2 النِّيَابَةُ فَلا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهَا فِي الذِّمَّةِ، بِخِلافِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ3، "وَلَمْ يَعْصِ" بِالتَّأْخِيرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ4. وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا، لأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ. وَاعْتِبَارُ سَلامَةِ الْعَاقِبَةِ مَمْنُوعٌ لأَنَّهُ غَيْبٌ5. "وَمَتَى طُلِبَ6" أَيْ طُلِبَ فِعْلُ الْعِبَادَةِ "مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِالذَّاتِ، أَوْ مِنْ مُعَيَّنٍ كَالْخَصَائِصِ" النَّبَوِيَّةِ7. قَالَ الإِمَامُ8 أَحْمَدُ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خُصَّ

_ 1 في هامش ب: كمن به سَلَسُ بول مثلاً ومستحاضة، وانظر أمثلة أخرى في "القواعد والفوائد الأصولية ص76". 2 في ش: تسقطها. 3 انظر حكم هذه المسألة، مع بيان الأحكام التي تدخلها النيابة في "التمهيد ص11، الإحكام، الآمدي 1/ 149، شرح جمع الجوامع 1/ 191، روضة الطالبين للنووي 1/ 183، الفروع، لابن مفلح 1/ 293، تخريج الفروع على الأصول ص60". 4 تدخل هذه المسألة في القاعدة الأصولية وهي "الأمر الذي أريد به التراخي، إذا مات المأمور به بعد تمكنه منه وقبل الفعل" لم يمت عاصياً عند الجمهور، وقال قوم يموت عاصياً، واختاره الجويني وأبو الخطاب، "انظر: القواعد والفوائد الأصلية ص76، المسودة ص41، الفروع 1/ 293"، وفي ز: جماهير العلماء. 5 انظر رأي الجمهور في "مختصر الطوفي ص23، الروضة ص19، الإحكام، للآمدي 1/ 191، المدخل إلى مذهب أحمد ص60، مختصر ابن الحاجب 1/ 243، المستصفى 1/ 70، شرح جمع الجوامع 1/ 191" والمراجع السابقة. 6 في ش د: طلب. 7 في ز: أي خصائص النبي صلى الله عليه وسلم. 8 في ش د: إمامنا.

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِواجَبَاتٍ1 وَمَحْظُورَاتٍ وَمُبَاحَاتٍ وَكَرَامَاتٍ2، "فَـ" إنْ كَانَ الطَّلَبُ "مَعَ جَزْمٍ" كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصِيَامِ3 رَمَضَانَ. فَالْمَطْلُوبُ "فَرْضُ عَيْنٍ4. وَ" إنْ كَانَ الطَّلَبُ "بِدُونِهِ" أَيْ بِدُونِ جَزْمٍ، كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَصَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ، فَالْمَطْلُوبُ "سُنَّةُ عَيْنٍ"5. "وَإِنْ طُلِبَ الْفِعْلُ" أَيْ حُصُولُهُ "فَقَطْ، فَـ" طَلَبُهُ "مَعَ جَزْمٍ" كَالْجِهَادِ وَنَحْوِهِ "فَرْضُ كِفَايَةٍ6، وَ" طَلَبُ حُصُولِهِ "بِدُونِهِ" أَيْ بِدُونِ جَزْمٍ. كَابْتِدَاءِ السَّلامِ مِنْ جَمْعٍ فَهُوَ "سُنَّةُ كِفَايَةٍ"7. وَالْفَرْقُ بَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ: أَنَّ 8 فَرْضَ الْعَيْنِ"8 مَا تَكَرَّرَتْ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَغَيْرِهَا. فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ لِلَّهِ، وَتَعْظِيمُهُ وَمُنَاجَاتُهُ وَالتَّذَلُّلُ وَالْمُثُولُ9 بَيْنَ يَدَيْهِ. وَهَذِهِ الآدَابُ تُكَرَّرُ10 كُلَّمَا كُرِّرَتْ الصَّلاةُ11.

_ 1 في ش: بموجبات. 2 انظر كتاب الخصائص الكبرى للسيوطي، مطبوع في ثلاثة أجزاء، والشامل للترمذي وغيره. 3 في ز ع ب ض: صوم. 4 سمي فرض عين لأن خطاب الشارع يتوجه إلى كل مكلف بعينه، ولا تبرأ ذمة المكلف منه إلا بأدائه بنفسه. 5 انظر: الفروق 1/ 117. 6 سمي فرض كفاية لأن قيام بعض المكلفين به يكفي للوصول إلى مقصد الشارع في وجود الفعل، ويكفي في سقوط الإثم عن الباقين، مع كونه واجباً على الجميع كما سيأتي. "انظر: التمهيد ص13، نهاية السول 1/ 118". 7 انظر: التمهيد ص13، نهاية السول 1/ 117، حاشية البناني 1/ 182، القواعد والفوائد الأصولية ص186، الفروق 1/ 117. 8 في ش: الأول. 9 في ش: والتضرع. 10 في ش ز: تكثر. 11 في ز: الصلوات.

وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ: مَا لا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ. كَإِنْجَاءِ الْغَرِيقِ، وَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ وَنَحْوِهَا، فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ تَبَايُنَ النَّوْعَيْنِ1. "وَهُمَا" أَيْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ، وَسُنَّةُ الْكِفَايَةِ "مُهِمٌّ" أَيْ. أَمْرٌ يُهْتَمُّ بِهِ، "يُقْصَدُ" مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ "حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ2" فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ نَحْوُ الْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ. وَقَوْلُهُ: "مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ - إلَخْ3" مُخْرِجٌ4 لِفَرْضِ الْعَيْنِ وَسُنَّةِ الْعَيْنِ، لأَنَّ مَا مِنْ فِعْلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ إلاَّ5 وَيَنْظُرُ فِيهِ الْفَاعِلُ، حَتَّى يُثَابَ عَلَى وَاجِبِهِ وَمَنْدُوبِهِ، وَيُعَاقَبَ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ - إنْ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ-. وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي كَوْنِ الْمَطْلُوبِ عَيْنًا يُخْتَبَرُ بِهِ الْفَاعِلُ وَيُمْتَحَنُ، لِيُثَابَ أَوْ يُعَاقَبَ. وَالْمَطْلُوبُ عَلَى الْكِفَايَةِ يُقْصَدُ حُصُولُهُ قَصْدًا ذَاتِيًّا، وَقَصْدُ الْفَاعِلِ فِيهِ تَبَعٌ6 لا ذَاتِيٌّ7. "وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ" وَاجِبٌ "عَلَى الْجَمِيعِ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ8. قَالَ الإِمَامُ

_ 1 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص186، الفروق 1/ 116، شرح تنقيح الفصول ص157. 2 المقصود في فرض الكفاية إيقاعُ الفعل مع قطع النظر عن الفاعل. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص186، المحلي على جمع الجوامع 1/ 183، تيسير التحرير 2/ 213، الفروق 1/ 117". 3 في ز ع ب ض: بالذات إلى فاعله. 4 في ش: جامع. 5 ساقطة من ش. 6 في ش: يقع. 7 أي من غير نظر بالأصالة والأولية إلى الفاعل، وإنما المنظور إليه أولاً وبالذات هو الفعل والفاعل إنما ينظر إليه تبعاً لضرورة توقف الفعل على فاعل. "انظر حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 183". 8 الواجب الكفائي يتعلق بجميع المكلفين عند الجمهور، فالقادر عليه يقوم بنفسه به، وغير القادر يحثُ غيره على القيام به، لأن الخطاب موجهٌ لكل مكلف، وأن التأثيم يتعلق بالكل عند الترك، لكنه يسقط بفعل البعض لحصول المقصود، وقال الإمام الرازي والبيضاوي والتاج السبكي: إن فرض الكفاية يتعلق بطائفة غير معينة، لأنه لو تعلق بالكل لم سقط إلا بفعل =

أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْغَزْوُ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ، فَإِذَا غَزَا بَعْضُهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ1. وَقَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي "الأُمِّ": حَقٌّ عَلَى النَّاسِ غُسْلُ الْمَيِّتِ، وَالصَّلاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ، لا يَسَعُ عَامَّتَهُمْ تَرْكُهُ. وَإِذَا قَامَ بِهِ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى2. "وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ الْجَازِمُ وَالإِثْمُ" فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ "بِفِعْلِ مَنْ يَكْفِي" رُخْصَةً وَتَخْفِيفًا3، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ4. "وَيَجِبُ" عَيْنًا "عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ لا يَقُومُ بِهِ" أَيْ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ5، لأَنَّ الظَّنَّ مَنَاطُ التَّعَبُّدِ6.

_ = الكل، وأنه يجوز الأمر لواحد مبهم اتفاقاً، كفوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة / 122] ، وهناك أقوال أخرى. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص12، 187، نهاية السول 1/ 118، مناهج العقول 1/ 118، فواتح الرحموت 1/ 63، 64، مختصر ابن الحاجب 1/ 234، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 1/ 184، تيسير التحرير 2/ 213، الروضة ص108، المستصفى 2/ 15، المسودة ص30، شرح تنقيح الفصول ص155"، وفي ض: على وفاق الأمر. 1 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص187، المسودة ص30. 2 الأم 1/ 274. 3 في ش: تحقيقاً. 4 انظر: نهاية السول 1/ 119، فواتح الرحموت 1/ 66، حاشية الجرجاني على شرح العضد 1/ 234، الفروق 1/ 116. 5 كما إذا انحصر الواجب الكفائي بشخص واحد فيصير عليه واجباً عينياً، ويجب عليه القيام به، مثل وجود عالم واحد يصلح للفتوى أو للقضاء، وشاهد واحد في القضية، وطبيب واحد في البلدة، وسباح واحد أمام الغريق، كما ينقلب الواجب الكفائي من جهة أخرى إلى واجب عيني على كل مسلم في بعض الحالات، كالجهاد في سبيل الله، فهو واجب كفائي، ولكن إذا تعرضت بلاد المسلمين للغزو أو الاعتداء أو الاحتلال، فإنه يصبح واجباً عينياً على كل مكلف قادر يستطيع حمل السلاح وحماية الوطن والذود عن حياضه. "انظر: منهاج العقول 1/ 117". 6 وكذلك العكس، فإن غلب على ظن جماعة أن غيرهم يقوم بذلك سقط عنهم، فالتكليف بفرض الكفاية دائر مع الظن. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص12، 189، نهاية السول 1/ 118، مناهج العقول 1/ 117، 118، فواتح الرحموت 1/ 63، تيسير التحرير 2/ 214، المسودة ص30، شرح تنقيح الفصول ص156، الفروق 1/ 117".

"وَإِنْ فَعَلَهُ" أَيْ فَعَلَ الْمَطْلُوبَ حُصُولُهُ "الْجَمِيعُ مَعًا" أَيْ غَيْرَ مُرَتَّبٍ "كَانَ فَرْضًا" فِي حَقِّ الْجَمِيعِ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي تَمْيِيزَ بَعْضِهِمْ1. "وَفَرْضُ الْعَيْنِ أَفْضَلُ" مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، لأَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ أَهَمُّ، وَلأَجْلِ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الأَعْيَانِ. وَهَذَا قَوْلُ الأَكْثَرِ. وَقِيلَ عَكْسُهُ2. "وَلا فَرْقَ بَيْنَهُمَا" أَيْ بَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ "ابْتِدَاءً"3 قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ4، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي ثَانِي الْحَالِ5، وَهُوَ فَرْقٌ حُكْمِيٌّ6.

_ 1 ولأن فرض الكفاية يتعلق بالجميع، ولترغيب الناس فيه. "انظر: التمهيد ص13، فواتح الرحموت 1/ 64، القواعد والفوائد الأصولية ص189، المستصفى 2/ 15، الروضة ص108، المسودة ص31". 2 وهو قول أكثر الشافعية، ونقل الطويق في شرحه قولين، قال إمام الحرمين: إن القيام بفرض الكفاية أفضل من فرض العين، لأن فاعله ساعٍ في صيانة الأمة كلها عن المأثم، ولا شك في رجحان من حلّ محل المسلمين أحمعين في القيام بمهم من مهمات الدين، خلافاً للتاج السبكي والمحلي وغيرهما الذين قالوا: إن فرض العين أفضل لشدة اعتناء الشارع به لقصده حصوله من كل مكلف. "انظر: التمهيد ص13، المحلي على جمع الجوامع 1/ 183، 184، القواعد والفوائد الأصولية ص188، 189". 3 أي من جهة الوجوب، لشمول حد الواجب لهما "الإحكم، الآمدي 1/ 100". 4 وهو قول الجمهور. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 100، الروضة ص108، المسودة ص30". 5 أي من جهة الإسقاط، فإن فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، خلافاً لفرض العين، فلا يسقط بفعل البعض، بل لا بد أن يقوم به كل مكلف بعينه. "انظر: الإحسكام، الآمدي 1/ 100، القواعد والفوائد الأصولية ص187". 6 أي من حيث الأثر، لا من حيث الحقيقة والذات. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص187"، وفي ض: فرض حكمي.

"وَيَلْزَمَانِ" أَيْ فَرْضُ الْعَيْنِ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ "بِشُرُوعٍ مُطْلَقًا1" أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ جِهَادًا، أَوْ صَلاةً عَلَى جِنَازَةٍ، أَوْ غَيْرَهُمَا2. قَالَ فِي "شَرْحِ3 التَّحْرِيرِ": فِي الأَظْهَرِ. وَيُؤْخَذُ4 لُزُومُهُ بِالشُّرُوعِ5 مِنْ6 مَسْأَلَةِ حِفْظِ الْقُرْآنِ. فَإِنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا، فَإِذَا حَفِظَهُ إنْسَانٌ7 وَأَخَّرَ تِلاوَتَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى نَسِيَهُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: مَا أَشَدَّ مَا جَاءَ فِيمَنْ حَفِظَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ8. وَفِيهِ وَجْهٌ يُكْرَهُ9.

_ 1 وهو قول الشافعية بأن يصير فرض الكفاية كفرض العين في وجوب الإتمام على الإصح بجامع الفرضية. وقيل: لا يجب إتمامه، لأن القصد من فرض الكفاية حصوله في الجملة، فلا يتعين حصوله ممن شرع فيه، وقيل: يتعين فرض الكفاية بالشروع في الجهاد وصلاة الجنازة دون غيرهما. "انظر: شرح جمع الجوامع 1/ 185-186، القواعد والفوائد الإصولية ص188". 2 في ب: غيرهما. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: يؤخذ من. 5 في ع ب: بالشرع. 6 ساقطة من ش. 7 ساقطة من ش. 8 ويؤخذ اللزوم بالشرع أيضاً من الجهاد، فهو فرض كفاية لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة / 122] ولكن إذا دخل به إنسان فيحرم عليه التراجع والتوالي، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال / 15-16] ، فيجب الاستمرار في صف القتال، لما في الانصراف عنه من كسر قلوب الجند. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 186". 9 قال البعلي بعد كلام الإمام أحمد: وقدمه بعضهم "القواعد والفوائد الإصولية ص118-189".

"وَإِنْ طُلِبَ" شَيْءٌ1 "وَاحِدٌ مِنْ أَشْيَاءَ2، كَخِصَالِ كَفَّارَةِ" يَمِينٍ "وَنَحْوِهَا" 3 كَجَزَاءِ الصَّيْدِ فِي قَوْله تَعَالَى 3: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} 4، وَكَفِدْيَةِ الأَذَى فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} 5، وَكَالْجُبْرَانِ فِي الزَّكَاةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 6 "شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ 6 دِرْهَمًا". وَمِثْلُهُ7 الْوَاجِبُ8 فِي الْمِائَتَيْنِ مِنْ الإِبِلِ أَرْبَعُ حِقَاقٍ9، أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ10. وَكَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ11 غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ لِلابِسِ

_ 1 في ش: مفتي. 2 ينقسم الواجب من حيث نوع الفعل المطلوب القيام به إلى قسمين: واجب معين كالصلاة والحج، وواجب مخير أو مبهم، كخصال الكفارة وغيرها. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص65، الروضة ص17، المدخل إلى مذهب أحمد ص59، التمهيد ص14، نهاية السول 1/ 96، تيسير التحرير: 2/ 211". 3 في ش د: اية. 4 الآية 95 من المائدة، وفي د تتمة الآية، وهي {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} . 5 الآية 196 من البقرة، وفي ش تتمة الآية، وهي قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} . 6 في ز ب ض: شاتين أو عشرين، وهذا موافق لبعض روايات الحديث، وقد سبق تخريجه ص355. 7 في ز ب ض: ومثل. 8 في ش: كواجب. 9 الحقائق جمع حِقّة من الإبل، وهي التي طبعنت في السنة الرابعة، لأنها استحقت أن يحمل عليها. "المصباح المنير 1/ 224". 10 بنيت اللبون هي بنت الناقة التي دخلت في السنة الثالثة، سميت بذلك لأن أمها ولدت غيرها فصار لها لبن. "المصباح المنير 1/ 845". 11 في ش: من.

الْخُفِّ أَوْ الْمَسْحِ عَلَيْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ،"فَالْوَاجِبُ وَاحِدٌ لا بِعَيْنِهِ" عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ1. قَالَ الْبَاقِلاَّنِيُّ: إنَّهُ إجْمَاعُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةُ الْفِقْهِ. "وَيَتَعَيَّنُ" ذَلِكَ الْوَاحِدُ "بِالْفِعْلِ2" ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالأَشْعَرِيَّةِ، لأَنَّهُ يَجُوزُ3 التَّكْلِيفُ بِذَلِكَ عَقْلاً، كَتَكْلِيفِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ بِفِعْلِ هَذَا الشَّيْءِ أَوْ ذَاكَ4، عَلَى أَنْ يُثِيبَهُ عَلَى أَيِّهِمَا فَعَلَ. وَيُعَاقِبَهُ بِتَرْكِ الْجَمِيعِ. وَلَوْ أَطْلَقَ لَمْ يُفْهَمْ وُجُوبُهُمَا. وَالنَّصُّ دَلَّ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْجَمِيعَ وَلا وَاحِدًا بِعَيْنِهِ؛ لأَنَّهُ خَيَّرَهُ. وَلَوْ أَوْجَبَ التَّخْيِيرَ الجَمِيعِ5 لَوَجَبَ عِتْقُ الْجَمِيعِ، إذَا وَكَّلَهُ فِي إعْتَاقِ أَحَدِ عَبْدَيْهِ، وَتَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ6 بِالْخَاطِبَيْنِ، إذَا وَكَّلَتْهُ7 فِي التَّزْوِيجِ بِأَحَدِهِمَا8. وَمُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ: هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْخِصَالِ، وَلا تَخْيِيرَ فِيهِ، لأَنَّهُ وَاحِدٌ، وَلا يَجُوزُ تَرْكُهُ. وَمُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ خُصُوصِيَّاتُ الْخِصَالِ الَّتِي فِيهَا التَّعَدُّدُ9، وَلا وُجُوبَ فِيهَا. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ10.

_ 1 انظر: جمع الجوامع 1/ 175، الإحكام، للآمدي 1/ 100، المدخل إلى مذهب أحمد ص60، الروضة ص17، المسودة ص27، التمهيد ص14، نهاية السول 1/ 97، المستصفى 1/ 67، اللمع ص9، المعتمد 1/ 84. 2 أي بفعل المكلف. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 100، تيسير التحرير 2/ 213". 3 في ع: لا يجوز. 4 في ز: وذلك، وفي ب ض: أو ذاك. 5 في ش: في الجميع. 6 في ز ش: وليتيه. 7 في ش: إذا وكله. 8 انظر: الإحكام، للآمدي 1/ 104، الروضة ص17، العضد على ابن الحاجب 1/ 236، المستصفى 1/ 67. 9 وهي خصوص الإعتاق مثلاً، أو الكسوة، أو الطعام. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص67، التمهيد ص14، المحلي على جمع الجوامع 1/ 176، شرح تنقيح الفصول ص152". 10 مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 1/ 235، وانظر: التمهيد ص14.

وَقَالَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ: وَعِنْدِي زِيَادَةٌ أُخْرَى فِي التَّخْيِيرِ1، وَهِيَ2 أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ يُقَالُ عَلَى الْمُتَوَاطِئِ3، كَالرَّجُلِ، وَلا إبْهَامَ فِيهِ. فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ مَعْلُومَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْحَقَائِقِ4، وَيُقَالُ عَلَى الْمُبْهَمِ مِنْ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ. كَأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الأَوَّلَ لَمْ تُقْصَدْ فِيهِ إلاَّ الْحَقِيقَةُ. وَالثَّانِي: قُصِدَ فِيهِ ذَلِكَ مَعَ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ بِعَيْنِهِ، أَيْ 5 لا بِاعْتِبَارِ 5 مَعْنًى مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ مُبْهَمًا؛ لأَنَّهُ أُبْهِمَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ. فَلا يُقَالُ فِي الأَوَّلِ الَّذِي نَحْوُ أَعْتِقْ رَقَبَةً، إنَّهُ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ، لأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيهِ بِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِخُصُوصِيَّاتِهِ، بِخِلافِ الثَّانِي. فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى تَسْمِيَتِهِ مُخَيَّرًا. وَمِنْ الأَوَّلِ: أَكْثَرُ أَوَامِرِ الشَّرِيعَةِ6، فَيَتَعَيَّنُ7 أَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي الأَوَّلِ، وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ قَوْلُهُمْ: "مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ"، وَالْمَعْنَى: أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهَا وَتَمَيُّزُهَا مَعَ الإِبْهَامِ احْتِرَازًا8 عَنْ9 الْقِسْمِ الأَوَّلِ. انْتَهَى.

_ 1 في ش ز ع ب ض: التحير. 2 في ش ع: وهو. 3 المتواطىء هو الكلي الذي لم تتفاوت أفراده، كالإنسان بالنسبة إلى أفراده، فإن الكلي فيها، وهو الحيوانية والناطقة، لا يتفاوت فيها بزيادة ولا نقص، وسمي بذلك من التواطؤ، وهو التوافق. 4 قال الإسنوي: أحد الأشباه قدر مشترك بين الخصال كلها لصدقه على كل واحد منها، وهو واحد لا تعدد فيه، وإنما التعدد في محالِّه، لأن المتواطىء موضوع لمعنى واحد صادق على أفراد، كالإنسان، وليس موضوعاً لمعان متعددة، وإذا كان واحد استحال فيه التخيير، وإنما التخيير في الخصوصيات، وهو خصوص الإعتاق مثلاً أو الكسوة أو الإطعام. "التمهيد ص14". 5 في ش ع: لاعتبار. 6 في ش: الشيء بعينه. 7 في ش: فتعين، وفي د: فتبين. 8 في ب ض: احتراز. 9 في ز ع ض: من.

وَقِيلَ: يَجِبُ جَمِيعُ الْخِصَالِ1، وَيَسْقُطُ2 بِفِعْلِ3 وَاحِدٍ مِنْهَا. وَقِيلَ: الْوَاجِبُ4 مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَهُ مِنْهَا سَقَطَ5. وَقِيلَ: الْوَاجِبُ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ6. وَمَحَلُّ الْخِلافِ فِي صِيغَةٍ وَرَدَتْ يُرَادُ بِهَا التَّخْيِيرُ أَوْ7 مَا فِي مَعْنَاهُ8. وَأَمَّا نَحْوُ تَخْيِيرِ الْمُسْتَنْجِي بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ، وَمُرِيدِ الْحَجِّ9 بَيْنَ الإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، لأَنَّهُ لَمْ 10 يَرِدْ تَخْيِيرٌ فِيهِ بِلَفْظٍ"10 وَلا بِمَعْنَاهُ11.

_ 1 وهو قول الحبائي وابنه أبي هاشم من المعتزلة، وقال أبو الحسن البصري المعتزلي: يجب الجميع على البدل. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 100، القواعد والفوائد الأصولية ص65، المعتمد 1/ 84، 87". 2 أي الواجب. 3 في ش: فعل. 4 في ش: الواحد. 5 هذا القول ينسبه الأشاعرة إلى المعتزلة، ينسبه المعتزلة إلى الأشاعرة، ولذلك سمي قول التراجُم. "انظر: القواعد والفوئد الأصولية ص65، المسودة ص28، نهاية السول 1/ 98، التمهيد ص14، تيسير التحرير 2/ 212، حاشية البناني 1/ 179، فواتح الرحموت 1/ 66، المعتمد 1/ 87". وفي ز ب: يسقط. 6 انظر مناقشة هذه الأقوال في "شرح العضد وحاشية التفتازاني 1/ 235 وما بعدها، نهاية السول 1/ 97، 102، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 177 وما بعدها، المستصفى 1/ 68، المعتمد 1/ 91". 7 في ب ض: و. 8 انظر: المسودة ص27، فواتح 1/ 66، اللمع ص9. 9 في ز ع ب ض: النسك. 10 في ش: يخير فيه بلفظه. 11 في ب ض: معناه.

"وَ" إذَا عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الأَشْيَاءِ الْمُخَيَّرِ الْمُكَلَّفِ فِيهَا1، "إنْ2 كَفَّرَ بِهَا" كُلِّهَا، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ "مُتَرَتِّبَةً3" أَيْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ "فَالْوَاجِبُ الأَوَّلُ" أَيْ الْمُخْرَجُ أَوَّلاً إجْمَاعًا، لأَنَّهُ الَّذِي أَسْقَطَ الْفَرْضَ. وَاَلَّذِي بَعْدَهُ لَمْ يُصَادِفْ وُجُوبًا فِي الذِّمَّةِ. "وَ" إنْ أَخْرَجَ الْكُلَّ "مَعًا" أَيْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. قَالَ4 فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَصَوَّرَهَا أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي "شَرْحِ اللُّمَعِ"5: بِأَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ يَوْمٌ وَوَكَّلَ فِي الإِطْعَامِ وَالْعِتْقِ. ثُمَّ قَالَ قُلْت: وَأَوْلَى مِنْهَا6 فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِأَنْ يُوَكِّلَ شَخْصًا يُطْعِمُ، وَشَخْصًا يَكْسُو وَيَعْتِقُ، هُوَ7 فِي آنٍ وَاحِدٍ، أَوْ8 أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْكُلِّ، وَتُفْعَلَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، "أُثِيبَ ثَوَابَ وَاجِبٍ عَلَى أَعْلاهَا فَقَطْ9"؛ لأَنَّهُ لا يُنْقِصُهُ مَا انْضَمَّ10 إلَيْهِ وَ11 تَرْجِيحُ الأَعْلَى، لِكَوْنِ الزِّيَادَةِ فِيهِ لا يَلِيقُ بِكَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى تَضْيِيعُهَا عَلَى

_ 1 في ز: بها. 2 في ش: و "إن. 3 في ش: مترتبة. 4 في ش: قاله. 5 قال الشيخ أبو إسحاق في "اللمع" ص9: فالحواجب منها واحدّ غير معين، فأيها فعل فقد فعل الواجب، وإن فعل الجميع سقط الفرض عنه بواحد منها، والباقي تطوع. 6 في ش: فيها. 7 في ش: وهو. 8 في ش: و. 9 انظر: القواعد والفوئد الأصولية ص67، المسودة ص28، المحلي على جمع الجوامع 1/ 179، الإحكام، الآمدي 1/ 102. 10 في ش: فانضم. 11 ساقطة من ش.

الْفَاعِلِ مَعَ الإِمْكَانِ وَقَصْدُهَا بِالْوُجُوبِ. وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ1 آخَرُ2. "كَمَا" أَنَّهُ "لا يَأْثَمُ لَوْ تَرَكَهَا" كُلَّهَا "سِوَى بِقَدْرِ" عِقَابِ أَدْنَاهَا "لا نَفْسِ عِقَابِ أَدْنَاهَا فِي قَوْلِ" الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ3. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُعَاقَبُ عَلَى نَفْسِ الأَدْنَى، لأَنَّ الْوُجُوبَ يَسْقُطُ بِهِ4. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ: يُثَابُ عَلَى وَاحِدٍ وَيَأْثَمُ بِهِ5. وَقِيلَ: يَأْثَمُ عَلَى وَاحِدٍ لا بِعَيْنِهِ، كَمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ6. "تَنْبِيهٌ7": "الْعِبَادَةُ" هِيَ "الطَّاعَةُ8". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي آخِرِ "الْمُسَوَّدَةِ": "كُلُّ مَا كَانَ طَاعَةً وَمَأْمُورًا بِهِ، فَهُوَ عِبَادَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْعِبَادَةُ:

_ 1 ساقطة من ش، وفي ز: بها، ومعنى به أي بالأعلى. 2 ولأنه لو اقتصر عليه لحصل له بذلك، فإضافة غيره إليه لا تُنقصه. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص67، المحلي على جمع الجوامع 1/ 179". 3 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص67، المسودة ص28. 4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 180. 5 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص67، الإحكام، الآمدي 1/ 102. 6 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص67. 7 في ش: تكفيه. 8 قال الباجي: العبادة هي الطاعة والتذلل لله تعالى باتباع ما شُرع، قولنا: هي الطاعة يحتمل معنيين، أحداهما: امتثال الأمر، وهو مقتضاه في اللغة، إلا أنه في اللغة واقع على كل امتثالٍ لأمر في طاعة أو معصية، لكننا قد احترزنا من المعصية بقولنا: والتذلل لله تعالى، لأن طاعة الباري تعالى لا يصح أن تكون معصية، والثاني: أن الطاعة إذا أطلقت في الشرع فإنها تقتضي القربة، وطاعة الله تعالى دون طاعة غيره. "الحدود ص58".

مَا كَانَ مِنْ شَرْطِهَا1 النِّيَّةُ2". فَدَخَلَ فِي كَلامِ أَصْحَابِنَا وَمَنْ وَافَقَهُمْ: الأَفْعَالُ وَالتُّرُوكُ، كَتَرْكِ الْمَعَاصِي وَالنَّجَاسَةِ وَالزِّنَا وَالرِّبَا وَكُلِّ مُحَرَّمٍ، وَالأَفْعَالُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالزَّكَاةِ مَعَ النِّيَّةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْعَوَارِيّ وَالْوَدَائِعِ وَالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَلَوْ بِلا نِيَّةٍ3. "وَ" أَمَّا "الطَّاعَةُ" فَهِيَ "مُوَافَقَةُ الأَمْرِ" أَيْ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وِفَاقِ الأَمْرِ بِهِ. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: الطَّاعَةُ مُوَافَقَةُ الإِرَادَةِ. "وَالْمَعْصِيَةُ مُخَالَفَتُهُ" أَيْ مُخَالَفَةُ الأَمْرِ بِارْتِكَابِ ضِدِّ مَا كُلِّفَ بِهِ. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: الْمَعْصِيَةُ مُخَالَفَةُ الإِرَادَةِ4. "وَكُلُّ قُرْبَةٍ" وَهِيَ مَا قُصِدَ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَفْقِ أَمْرِهِ أَوْ نَهْيِهِ "طَاعَةٌ، وَلا عَكْسَ5" أَيْ وَلَيْسَ كُلُّ طَاعَةٍ قُرْبَةً، لاشْتِرَاطِ الْقَصْدِ فِي الْقُرْبَةِ6 دُونَ الطَّاعَةِ7، فَتَكُونُ الْقُرْبَةُ أَخَصَّ مِنْ الطَّاعَةِ8. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ 1 كذا في المسودة وز، وفي ش د ع ب ض: شرطه. 2 المسودة ص576، وانظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص62، أصول السرخسي 1/ 97. 3 انظر: المسودة ص43، وقال الجرجاني عن المحرم: وحكمه الثواب بالترك لله تعالى، والعقاب بالفعل. "التعريفات ص181". 4 انظر: المسودة ص576، التعريفات للجرجاني ص145، كشاف اصطلاحات الفنون 4/ 915، المدخل إلى مذهب أحمد ص62، تيسير التحرير 2/ 223-224، الأربعين ص246. 5 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص62. 6 في ش: الطاعة. 7 في ش: القربة. 8 انظر: كشاف اصطلاحات الفنون 4/ 915.

فصل الحرام

"فَصْلٌ" "الْحَرَامُ ضِدُّ الْوَاجِبِ"، وَإِنَّمَا كَانَ ضِدُّهُ بِاعْتِبَارِ تَقْسِيمِ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ، وَإِلاَّ فَالْحَرَامُ1 فِي الْحَقِيقَةِ: ضِدُّ الْحَلالِ، إذْ يُقَالُ: هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، 2 كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّحْلِ 2: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} 3. "وَهُوَ" أَيْ وَحَدُّهُ "مَا ذُمَّ فَاعِلُهُ، وَلَوْ قَوْلاً، وَ" لَوْ4 "عَمَلَ قَلْبٍ شَرْعًا". فَخَرَجَ "بِالذَّمِّ": الْمَكْرُوهُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ، وَبِقَوْلِهِ: "فَاعِلُهُ": الْوَاجِبُ. فَإِنَّهُ يُذَمُّ تَارِكُهُ. وَالْمُرَادُ: مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَذُمَّ عَلَى فِعْلِهِ. وَدَخَلَ بِقَوْلِهِ: "وَلَوْ قَوْلاً": الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يَحْرُمُ التَّلَفُّظُ5 بِهِ. وَدَخَلَ بِقَوْلِهِ: "وَلَوْ عَمَلَ قَلْبٍ": النِّفَاقُ وَالْحِقْدُ وَنَحْوُهُمَا. وَلَفْظَةُ "شَرْعًا" مُتَعَلِّقَةٌ بِـ "ذُمَّ". وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الذَّمَّ لا يَكُونُ إلاَّ مِنْ الشَّرْعِ6. "وَيُسَمَّى" الْحَرَامُ "مَحْظُورًا وَمَمْنُوعًا وَمَزْجُورًا وَمَعْصِيَةً وَذَنْبًا وَقَبِيحًا

_ 1 في ز: الحرم. 2 في ش: لقوله تعالى. 3 الآية 116 من النحل. 4 ساقطة من ز ع ب ض. 5 في ش: اللفظ. 6 انظر في تعريف الحرام "التعريفات للجرجاني ص217، مختصر الطوفي ص26، المدخل إلى مذهب أحمد ص62، الإحكام، الآمدي 1/ 113، المستصفى 1/ 76، نهاية السول 1/ 61، التوضيح على التنقيح 3/ 80".

وَسَيِّئَةً وَفَاحِشَةً وَإِثْمًا وَحَرَجًا وَتَحْرِيجًا1 وَعُقُوبَةً". فَتَسْمِيَتُهُ2 مَحْظُورًا مِنْ الْحَظْرِ. وَهُوَ الْمَنْعُ. فَيُسَمَّى3 الْفِعْلُ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ، وَتَسْمِيَتُهُ مَعْصِيَةً لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَذَنْبًا لِتَوَقُّعِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَيْهِ، وَبَاقِي ذَلِكَ لِتَرَتُّبِهَا4 عَلَى فِعْلِهِ5. "وَيَجُوزُ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ لا بِعَيْنِهِ، كَمِلْكِهِ أُخْتَيْنِ وَوَطْئِهِمَا" فَإِنَّهُ يَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْ إحْدَاهُمَا لا بِعَيْنِهَا6. وَكَمَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الأَرْبَعَةِ، لا بِعَيْنِهِ7. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَقَدْ قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: يَجُوزُ تَحْرِيمُ وَاحِدٍ لا بِعَيْنِهِ، وَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ عَلَى التَّخْيِيرِ "وَلَهُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا" عَلَى التَّخْيِيرِ8. قَالَ9 ابْنُ بُرْهَانٍ10: وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، لأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ

_ 1 في ش: وتحريجاً وحراجاً. 2 في ز: وتسميته. 3 في ز: فسمي. 4 في ع: لترتبه. 5 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص62، الإحكام، الآمدي 1/ 113، إرشاد الفحول ص6، نهاية السول 1/ 61. 6 انظر: التمهيد ص15، القواعد والفوائد الأصولية ص69، الإحكام 1/ 114، جمع الجوامع 1/ 181. 7 انظر: التمهيد ص15، المدخل إلى مذهب أحمد ص63، القواعد والفوائد الأصولية ص70. 8 انظر: المسودة ص81، شرح العضد 2/ 2، تيسير التحرير 2/ 218، المحلي على جمع الجوامع 1/ 181، الإحكام، الآمدي 1/ 114، التمهيد ص15، المدخل إلى مذهب أحمد ص62، القواعد والفوائد الأصولية ص69. 9 في ز: وقال. 10 هو أحمد بن علي بن محمد، المعروف بابن بَرْهان، بفتح الباء، أبو الفتح، الفقيه الشافعي الأصولي المحدث، كان حنبلي المذهب ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، كان حاد الذهن، لا يسمع شيئاً إلا حفظه، وكان يُضرب به المثل في تبحره في الأصول والفروع، صنف في أصول الفقه، "البسيط" و "الوسيط" و "الأوسط" و "الوجيز"، توفي سنة 518هـ، وقيل غير ذلك. "انظر: طبقات الشافعية للسبكي 6/ 30، وفيات الأعيان 1/ 82، شذرات الذهب 4/ 62، الفتح المبين 2/ 16".

كَمَسْأَلَةِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، إلاَّ أَنَّ التَّخْيِيرَ هُنَا فِي التَّرْكِ، وَهُنَاكَ فِي الْفِعْلِ. فَكَمَا أَنَّ الْمُكَلَّفَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْجَمِيعِ، وَأَنْ1 يَأْتِيَ بِالْبَعْضِ، وَيَتْرُكَ الْبَعْضَ2 الْبَاقِيَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْجَمِيعَ، وَأَنْ يَتْرُكَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ هُنَا، عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ3. فَأَهْلُ السُّنَّةِ جَوَّزُوا النَّهْيَ عَنْ وَاحِدٍ لا بِعَيْنِهِ4، وَجَوَّزُوا فِعْلَ أَحَدِهِمَا عَلَى التَّخْيِيرِ. وَمَا دَامَ لا يُعَيِّنُ: لا يَجُوزُ لَهُ الإِقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا5. وَيَأْتِي الْخِلافُ فِي كَوْنِ الْمُحَرَّمِ وَاحِدًا لا بِعَيْنِهِ، أَوْ الْكُلَّ أَوْ مُعَيَّنًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ6. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي النَّهْي، بَلْ يَجِبُ اجْتِنَابُ كُلِّ وَاحِدٍ، وَبَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ7 قَبِيحٍ. فَإِذَا نَهَى عَنْ أَحَدِهِمَا لا

_ 1 في ع ب: وبين أن. 2 ساقطة من ش. 3 انظر: فواح الرحموت 1/ 110، المحلي على جمع الجوامع 1/ 181. 4 وخالف في ذلك القرافي، وذهب إلى صحة التخيير في المأمور به، وعدم صحته في المنهي عنه، لأن القاعدة تقتضي أن النهي متعلق بمشترك حرمت أفراده كلها، وقال: إن متعلق النهي في الآختين هو الجمع بينهما، وكل واحد منهما ليس منهياً عنها، بل المحرم هو الجمع فقط "شرح تنقيح الفصول ص172، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص69". 5 أي إذا فعل أنواع المحرم المخير فلا يجوز له الإقدام بقية الأنواع. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 181". 6 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 114، المسودة ص81، فواتح الرحموت 1/ 110، تيسير التحرير 2/ 218، المحلي على جمع الجوامع 1/ 181. 7 ساقطة من ز.

بِعَيْنِهِ، ثَبَتَ الْقُبْحُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَيَمْتَنِعَانِ جَمِيعًا. 1 وَلَوْ وَرَدَ 1 ذَلِكَ بِصِيغَةِ التَّخْيِيرِ2. كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} 3. "وَلَوْ اشْتَبَهَ مُحَرَّمٌ بِمُبَاحٍ" كَمَيْتَةٍ بِمُذَكَّاةٍ "وَجَبَ الْكَفُّ4. وَلا يَحْرُمُ الْمُبَاحُ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ؛ لأَنَّ الْمُبَاحَ لَمْ يَحْرُمْ. وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ: أَنَّهُ اشْتَبَهَ. فَمَنَعْنَا لأَجْلِ الاشْتِبَاهِ، لا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ. فَإِذَا تَبَيَّنَ الْمُحَرَّمَ زَالَ ذَلِكَ. فَوُجُوبُ الْكَفِّ ظَاهِرًا لا يَدُلُّ عَلَى شُمُولِ التَّحْرِيمِ. وَلِهَذَا لَوْ أَكَلَهُمَا لَمْ يُعَاقَبْ إلاَّ عَلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ وَاحِدَةٍ5. "وَفِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ"6 كَنَوْعِ الآدَمِيِّ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ قَاطِبَةً، لأَنَّهُ يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، فَتُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ. وَأَمَّا السَّيِّئَاتُ: فَإِنْ تَابَ مِنْهَا غُفِرَتْ. وَكَذَا إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِلاَّ فَهُوَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ. وَخَالَفَ7 الْمُعْتَزِلَةُ، فَقَالُوا بِخُلُودِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ، وَلَوْ عَمِلُوا حَسَنَاتٍ كَثِيرَةً. وَهَذَا 8 يُصَادِمُ الْقُرْآنَ 8 وَالأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ الْوَارِدَةَ عَنْ

_ 1 في ع: ولورود. 2 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 114، المعتمد 1/ 183، المحلي على جمع الجوامع 1/ 182. 3 الآية 24 من سورة الإنسان. 4 أي حرمتا، إحداهما بالأصالة، والأخرى بعارض الاشتباه. "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص61، مختصر الطوفي ص24، الروضة ص20، نهاية السول 1/ 106، 129، جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 197، 221". 5 انظر أمثلة أخرى في "القواعد والفوائد الأصولية ص94-104، المستصفى 1/ 72". 6 أي يجمتع في الشخص الواحد، ويصدر منه ما يوجب الثواب والعقاب، كما يجتمع ذلك من شخصين من بني آدم. "انظر: الإرشاد للجويني ص392، الأربعين ص293 وما بعدها". 7 في ش: وخالفت. 8 في ز ب: مصادم للقرآن.

الْمَعْصُومِ الَّذِي لا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى فِي الشَّفَاعَةِ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَخُرُوجِهِمْ مِنْ النَّارِ وَدُخُولِهِمْ الْجَنَّةَ1. "وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ بِالنَّوْعِ" كَالسُّجُودِ مَثَلاً "مِنْهُ وَاجِبٌ وَ" مِنْهُ "حَرَامٌ2، كَسُجُودٍ لِلَّهِ" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "وَ" سُجُودٍ "لِغَيْرِهِ" كَالصَّنَمِ3، لِتَغَايُرِهِمَا4 بِالشَّخْصِيَّةِ، فَلا اسْتِلْزَامَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الأَئِمَّةِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ وَغَيْرِهِمْ. فَإِنَّ السُّجُودَ نَوْعٌ مِنْ الأَفْعَالِ ذُو أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ. فَيَجُوزُ أَنْ يَنْقَسِمَ إلَى وَاجِبٍ وَحَرَامٍ. فَيَكُونَ بَعْضُ أَفْرَادِهِ وَاجِبًا، كَالسُّجُودِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَبَعْضُهَا حَرَامٌ، كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ5. وَلا امْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ": "السُّجُودُ بَيْنَ يَدَيْ الصَّنَمِ مَعَ قَصْدِ التَّقَرُّبِ

_ 1 روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان والحاكم وابن ماجة عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". والإضافة بمعنى أل العهدية أي الشفاعة التي وعدني الله بها لأهل الكبائر الذين استوجبوا النار بذنوبهم الكبيرة. "انظر: فيض القدير 4/ 162، سنن أبي داود 4/ 325، تحفة الأحوذي 7/ 127، سنن ابن ماجة 2/ 1441، مسند أحمد 3/ 213، المستدرك 1/ 69". 2 هذا الكلام متفرع عن قوله: "الحرام ضد الواجب"، قال ابن قدامة: الحرام ضد الواجب، فيستحيل أن يكون الشيء الواحد واجباً وحراماً، طاعة معصية من وجه واحد، إلا أن الواحد بالجنس ينقسم إلى واحد بالنوع، وإلى واحد بالعين أي بالعدد، والواحد بالنوع يجوز أن ينقسم إلى واجب وحرام، ويكون أنقسامه بالإضافة، لأن اختلاف الإضافات والصفات يوجب المغايرة، والمغايرة تكون تارة بالنوع كالسجود، وتارة بالوصف. "الروضة ص23، المستصفى 1/ 76، وانظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص63، فواتح الرحموت 1/ 104". 3 في ز ب: كللصنم. 4 في ز: المتغاير هنا. 5 استدل أهل السنة بقوله تعالى: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} الآية 37 من فصلت، "وانظر: الإحكام، الآمدي 1/ 115، المستصفى 1/ 76، شرح العضد 2/ 2، المسودة ص84".

إلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَرَّمٌ عَلَى مَذَاهِبِ1 عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ. وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ: إنَّ السُّجُودَ لا تَخْتَلِفُ2 صِفَتُهُ، وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ الْقَصْدُ"3. "وَ" الْفِعْلُ الْوَاحِدُ "بِالشَّخْصِ" فِيهِ تَفْصِيلٌ، "فَمِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ: يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ وَاجِبًا وَحَرَامًا4" لِتَنَافِيهِمَا إلاَّ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ عَقْلاً وَشَرْعًا5. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِامْتِنَاعِهِ 6 شَرْعًا لا 6 عَقْلاً فَلا يُجَوِّزُونَهُ، تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا} 7. "وَ" الْفِعْلُ الْوَاحِدُ بِالشَّخْصِ "مِنْ جِهَتَيْنِ، كَصَلاةٍ فِي مَغْصُوبٍ، لا" يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ وَاجِبًا وَحَرَامًا8، وَلا9 "تَصِحُّ، وَلا يَسْقُطُ الطَّلَبُ بِهَا" أَيْ بِالصَّلاةِ فِي الْمَغْصُوبَةِ مِنْ بُقْعَةٍ أَوْ سُتْرَةٍ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَالزَّيْدِيَّةُ وَالْجُبَّائِيَّةُ. وَقَالَهُ أَبُو شِمْرٍ

_ 1 كذا في المسودة، وفي ش ز ض ع ب: مذهب، قال ابن قدامة: فالإجماع منعقد على أن الساجد للصنم عاص بنفس السجود والقصد جميعاً، والساجد لله مطيع بهما جميعاً "الروضة ص24، المستصفى 1/ 76". 2 في ع: يختلف. 3 المسودة ص84، وانظر: فواتح الرحموت 1/ 104. 4 في ز ب ع ض: حراماً. 5 انظر: مختصر الطوفي ص26، المدخل إلى مذهب أحمد ص63، الإحكام، الآمدي 1/ 115، فواتح الرحموت 1/ 105، شرح العضد 2/ 2، تيسير التحرير 2/ 219. 6 ساقطة من ش. 7 الآية 268 من البقرة. 8 في ش: ولا حراماً، وفي ع ب ض: حراماً. 9 ساقطة من ب، وفي ش: "ولا.

الْحَنَفِيُّ1. وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَصَبْغَ الْمَالِكِيِّ2. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ3. وَوَجْهٌ لأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، "وَ" كَذَا "لا" يَسْقُطُ الطَّلَبُ "عِنْدَهَا" أَيْ عِنْدَ فِعْلِهَا4.

_ 1 أبو شمر أحد أئمة القدرية المرجئة، جمع بين الإرجاء في الإيمان ونفي القول بالقدر، وهو من تلاميذ النظام، كان يناظر دون أن يتحرك في شيء، ويرى كثرة الحركات عيباً، قال الجاحظ: وكان إذا نازع لم يحرك يديه ولا منكبيه، ولم يقلب عينيه، ولم يحرك رأسه، حتى كأن كلامه يخرج من صَدْغ صخرة، وهو من رجال منتصف القرن الثالث، انظر ترجمته في "طبقات المعتزلة ص57، الملل والنحل، للشهرستاني 1/ 32، البيان والتبيين 1/ 91". 2 هو أصْبَغُ بنُ الفرج بن سعيد، أبو عبد الله المصري، الثقة، مفتي أهل مصر، دخل المدينة يوم وفاة الإمام مالك، فسمع من أشهب وابن القاسم وابن وهب، كان فقيهاً محدثاً قوياً في الجدل والمناظرة، له كتب كثيرة منها كتاب في الأصول، و "تفسير غريب الموطأ" و "أداب القضاء" توفي بمصر سنة 225هـ وقيل 221هـ، انظر ترجمته في "الديباج المذهب 1/ 299، وفيات الإعيان 1/ 217، شذرات الذهب 2/ 56، الفتح المبين 1/ 144، حسن المحاضرة 1/ 123، تذكرة الحفاظ 2/ 457، طبقات الحفاظ ص200". 3 هو الإمام مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة، جمع بين الفقه والحديث والرأي، ولا يفتي أحد ومالك في المدينة، وكان يعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يركب دابة في المدينة، مناقبه كثيرة جداً، جمع الحديث في "الموطأ"، روى له أصحاب الكتب الستة، توفي سنة 179هـ، انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/ 284، طبقات الفقهاء ص68، الديباج المذهب 1/ 62، شذرات الذهب 1/ 289، صفة الصفوة 2/ 177، طبقات الحفاظ صن89، طبقات القراء 1/ 35، تهذيب الأسماء 2/ 75، طبقات المفسرين 2/ 293، الفتح المبين 1/ 122، تذكرة الخفاظ 1/ 207، الخلاصة ص366". 4 قال ابن قدامة: "فروي أنها لا تصح إذ يؤدي أن تكون العين الواحدة من الأفعال حراماً واجباً، وهو متناقض، فإن فعله في الدار، وهو الكون في الدار، وركوعه وسجوده وقيامه وقعوده أفعال اختيارية، وهو معاقب عليها، منهي عنها، فكيف يكون متقرباً بما هو معاقب عليه، مطيعاً بما هو عاص به، ثم قال: ارتكاب النهي متى أخل بشرط العبادة أفسدها بالإجماع، كما لو نهى المحدث عن الصلاة فخالف وصلى، ونية التقرب للصلاة شرط، والقرب بالمعصية محالٌ، فكيف يمكن التقرب به، وقيامه وقعوده في الدار فعل هو عاص به، فكيف يكون متقرباً بما هو عاص به، وهذا محالٌ" "الروضة ص24، المستصفى 1/ 77"، وانظر: مختصر الطوفي ص26، المدخل إلى مذهب أحمد ص64، الإحكام، الآمدي 1/ 115، المسودة ص83، 85، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 3، تيسير التحرير 2/ 219، المحلي على جمع الجوامع 1/ 203، مقالات الإسلاميين 2/ 124، الفروق 2/ 183".

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ، وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ: يَسْقُطُ الطَّلَبُ عِنْدَهَا، لا بِهَا1. قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": لأَنَّ السَّلَفَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الظَّلَمَةَ لا يُؤْمَرُونَ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ الْمُؤَدَّاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَلا طَرِيقَ إلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا إلاَّ بِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ2. قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ3: "الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَقُولُ بِذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الإِجْمَاعِ عَلَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ. فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلا يَقُولُ4 بِسُقُوطِ الطَّلَبِ بِهَا، وَلا عِنْدَهَا". انْتَهَى. وَقَدْ مَنَعَ الإِجْمَاعَ أَبُو الْمَعَالِي وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا5.

_ 1 أي إن الصلاة ليست صحيحة، ولكن تسقط عن المكلف وتبرأ بها ذمته، ولا يطالب بها يوم القيامة، "انظر: تيسير التحرير 2/ 219، المحلي على جمع الجوامع 1/ 202، المدخل إلى مذهب أحمد ص64، الإحكام، الآمدي 1/ 115، المستصفى 1/ 77، شرح العضد 2/ 3". 2 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 118، الفروق 2/ 183. 3 هو محمد بن عبد الرحيم بن محمد، أبو عبد الله، الملقب بصفي الدين الهندي، الأرْمَوي، الفقيه الشافعي الأصولي، ولد بالهند سنة 644هـ، وقدم اليمن والحجاز ومصر وسورية، واستقر فيها للتدريس والفتوى، وكان قوي الحجة، ناظر الإمام ابن تيمية في دمشق، ومن مصنفاته "الزبدة" في علم الكلام، و "الفائق" في التوحيد، و "نهاية الوصول إلى علم الإصلول" توفي سنة 715هـ بدمشق، مصنفاته جيدة، لا سيما "النهاية". "انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 9/ 162، البدر الطالع 2/ 187، شذرات الذهب 6/ 37، الدرر الكامنة 4/ 132، الفتح المبين 2/ 116". 4 في ش ض: نقول. 5 انظر: الروضة ص24، شرح العضد وحاشية الجرجاني 2/ 3، تيسير التحرير 2/ 221، المحلي على جمع الجوامع 1/ 203.

وَقَدْ رَدَّ الطُّوفِيُّ مَا قَالَهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ1، فَقَالَ: "لأَنَّهُ لَمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عِنْدَ الْبَاقِلاَّنِيِّ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ، ثُمَّ أَلْزَمَهُ الْخَصْمُ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَأْمُرُوا الظَّلَمَةَ بِإِعَادَةِ الصَّلَوَاتِ2، مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهَا مِنْهُمْ فِي أَمَاكِنِ الْغَصْبِ، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ، فَحَاوَلَ الْخَلاصَ بِهَذَا التَّوَسُّطِ، فَقَالَ3: يَسْقُطُ الْفَرْضُ عِنْدَ هَذِهِ الصَّلاةِ لِلإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ لا بِهَا. لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا4. ثُمَّ قَالَ: وَأَحْسِبُ أَنَّ هَؤُلاءِ الَّذِينَ ادَّعَوْا الإِجْمَاعَ بَنَوْهُ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: - إحْدَاهُمَا: أَنَّ مَعَ كَثْرَةِ الظَّلَمَةِ فِي تِلْكَ5 الأَعْصَارِ عَادَةً لا تَخْلُو6 منْ7 إيقَاعِ الصَّلاةِ فِي مَكَان غُصِبَ مِنْ بَعْضِهِمْ. - الثَّانِيَةُ: أَنَّ السَّلَفَ يَمْتَنِعُ عَادَةً تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى تَرْكِ الإِنْكَارِ، وَالأَمْرُ بِالإِعَادَةِ مِنْ بِنَاءِ هَؤُلاءِ عَلَى مَا ظَنُّوهُ مِنْ دَلِيلِ الْبُطْلانِ، وَإِلاَّ فَلا إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ مَنْقُولٌ، تَوَاتُرًا وَلا آحَادًا. وَالْمُقَدَّمَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالْوَهَنِ". انْتَهَى. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: "قَالَ الْبَاقِلاَّنِيُّ: لَوْ لَمْ تَصِحَّ لَمَا سَقَطَ التَّكْلِيفُ. وَقَدْ سَقَطَ بِالإِجْمَاعِ8، لأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ، قِيلَ: لا إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ وَنَقْلِهِ9. كَيْفَ؟ وَقَدْ خَالَفَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ

_ 1 انظر: مختصر الطوفي ص27، ولم يذكر الطوفي الرد على الباقلاني صراحة ومفصلاً في هذا المختصر، ولعله ذكره في "شرحه على المختصر". 2 في ز: الصلاة. 3 في ب ض: وقال. 4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 118. 5 في ش: هذه. 6 في ع: يخلو. 7 في ش: عن. 8 في ش: الاجماع. 9 يقول ابن قدامة: "وقد غلط من زعم أن في هذه المسألة إجماعاً، لأن السلف لم يكونوا =

مَعَهُ، وَهُوَ إمَامُ النَّقْلِ، وَأَعْلَمُ بِأَحْوَالِ السَّلَفِ؟ 1 وَلأَنَّهُ يُنْقَضُ الإِجْمَاعُ بِدُونِهِ"1. وَقَالَ أَيْضًا: قَوْلُ الْبَاقِلاَّنِيِّ: "يَسْقُطُ الْفَرْضُ عِنْدَهَا لا بِهَا" بَاطِلٌ؛ لأَنَّ مُسْقِطَاتِ الْفَرْضِ مَحْصُورَةٌ، مِنْ نَسْخٍ أَوْ عَجْزٍ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ. كَالْكِفَايَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا"2. انْتَهَى. وَعِنْدَ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ فِعْلَ الصَّلاةِ يَحْرُمُ، وَتَصِحُّ3، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا4 وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخَلاَّلُ5 وَابْنُ

_ = يأمرون من تاب من الظلمة بقضاء الصلاة في أماكن الغصب، إذ هذا جهل بحقيقة الإجمعاع، فإن حقيقتة الاتفاق من علماء أهل العصر، وعدم النقل عنهم ليس باتفاق، ولو نقل عنهم أنهم سكتوا فيحتاج إلى أنه اشتهر فيما بينهم القولُ ينفي وجوب القضاء فلم ينكروه، فيكون حينئذ اختلاف هل هو إجماع أم لا؟ " "الروضة ص24"، وانظر مناقشة ذلك في "المستصفى 1/ 79، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 3، المحلي على جمع الجوامع 1/ 203، الفروق 2/ 183". 1 ساقطة من ش، وفي ز: ولأنه تعليل ينقض الإجماع بدونه، والمعنى أن الإجماع لا يتحقق بدون موافقة الإمام أحمد في هذه المسألة، وقد ثبت عنه أنه خالف، فلا إجماع. 2 انظر: فواتح الرحموت 1/ 106. 3 في ش: ويصح. 4 وهو قول الحنفية، "انظر: فواتح الرحموت 1/ 105، الفروق 2/ 85، تيسير التحرير 2/ 219، أصول السرخسي 1/ 81" وقال الحنفية: تصح مع الكراهة، "التوضيح على التنقيح 2/ 228، كشف الأسرار 2/ 278"، قال نجم الدين الطوفي: مذهب الحنفية في هذا الأصل أدخلُ في التدقيق، وأشبهُ بالتحقيق "المدخل إلى مذهب أحمد ص63". 5 هو أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر الخلال، البغدادي، الفقيه، جمع مذهب أحمد وصنفه، وكان واسع العلم، شديد الاعتناء بالآثار، من كتبه "السنة" و "العلل" و "الجامع لعلوم الإمام أحمد" و "الطبقات" و "تفسير الغريب" و "أخلاق أحمد" توفي سنة 311هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/ 12، المنهج الأحمد 2/ 5، شذرات الذهب 2/ 261، طبقات الحفاظ ص329، تذكرة الحفاظ 3/ 785".

عَقِيلٍ وَالطُّوفِيُّ1، "نَظَرًا2 إلَى جِنْسِهَا، لا إلَى عَيْنِ مَحَلِّ النِّزَاعِ"3 فَتَكُونُ هَذِهِ الصَّلاةُ وَاجِبَةً حَرَامًا بِاعْتِبَارَيْنِ، فَتَكُونُ صَحِيحَةً، لأَنَّ مُتَعَلِّقَ الطَّلَبِ وَمُتَعَلِّقَ النَّهْيِ فِي ذَلِكَ مُتَغَايِرَانِ، فَكَانَا كَاخْتِلافِ الْمَحَلَّيْنِ، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ مُسْتَقِلَّةٌ عَنْ الأُخْرَى، وَاجْتِمَاعُهُمَا إنَّمَا هُوَ بِاخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ. فَلَيْسَا مُتَلازِمَيْنِ فَلا تَنَاقُضَ4. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ لا ثَوَابَ فِيهَا5. نَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ6 عَنْ أَحْمَدَ: لا أَجْرَ لِمَنْ غَزَا عَلَى فَرَسِ غَصْبٍ. وَصَرَّحَ بِعَدَمِ الثَّوَابِ فِي الصَّلاةِ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي "التَّمْهِيدِ" وَجَمْعٌ. ذَكَرَهُ فِي "الْفُرُوعِ" فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ7، وَقَالَهُ8 الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: فِي حَجّ، وَقَدَّمَهُ التَّاجُ السُّبْكِيُّ.

_ 1 مختصر الطوفي ص27. 2 في د: نظر. 3 ساقطة من ش. 4 انظر: الروضة ص24، مختصر الطوفي ص27، الإحكام، للآمدي 1/ 116، المستصفى 1/ 77، الفروق 2/ 85، 183، فواتح الرحموت 1/ 106، شرح العضد 2/ 2، التلويح على التوضيح 2/ 228. 5 لا يثاب فاعلها عقوبة له عليها من جهة الغصب، وقيل من جهة الخلاة وإن عوقب من جهة الغصب، فقد يعاقب بغير حرمان الثواب، أو بحرمان بعضه، "انظر: المحلي علي جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 202، المدخل إلى مذهب أحمد ص63". 6 هو أحمد بن القاسم صاحب أبي عبيد القاسم بن سلاّم، قال ابن أبي يعلى: حدث عن أبي عبيد، وعن إمامنا بمسائل كثيرة، وذكره العليمي فيمن لم تؤرخ وفاته من أصحاب الإمام أحمد، وعده المرداوي في الإنصاف ضمن من نقل الفقه عن الإمام أحمد من أصحابه ونقله عنه إلى من بعده "انظر: طبقات الحنابلة 1/ 55، المنهج الأحمد 1/ 290، الإنصاف 12/ 277، 280". 7 الفروع 1/ 332. 8 في ش: وقال.

وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رِوَايَةٌ1 ثَالِثَةٌ2: أَنَّ الْمُصَلِّيَ إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ لَمْ تَصِحَّ، وَإِلاَّ صَحَّتْ3. وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ - وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا4- أَنَّهُ مَتَى أَخَلَّ مُرْتَكِبُ النَّهْيِ بِشَرْطِ الْعِبَادَةِ أَفْسَدَهَا، وَنِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِالصَّلاةِ شَرْطٌ، وَالتَّقَرُّبُ بِالْمَعْصِيَةِ مُحَالٌ5. وَأَيْضًا مِنْ شَرْطِ الصَّلاةِ: الطَّاعَةُ وَنِيَّتُهُ بِهَا أَدَاءُ الْوَاجِبِ، وَحَرَكَتُهُ مَعْصِيَةٌ، وَنِيَّةُ6 أَدَاءِ الْوَاجِبِ7، بِمَا يَعْلَمُهُ غَيْرُ وَاجِبٍ مُحَالٌ. وَأَيْضًا مِنْ شَرْطِ الصَّلاةِ: إبَاحَةُ الْمَوْضِعِ، وَهُوَ8 مُحَرَّمٌ. فَهُوَ كَالنَّجَسِ. وَلأَنَّ الأَمْرَ بِالصَّلاةِ لَمْ يَتَنَاوَلْ هَذِهِ9 الْمَنْهِيَّ عَنْهَا، فَلا يَجُوزُ كَوْنُهَا وَاجِبَةً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى10. "وَتَصِحُّ تَوْبَةُ خَارِجٍ مِنْهُ" أَيْ تَوْبَةُ غَاصِبٍ لِمَكَانِ مَنْ غَصَبَهُ حَالَ

_ 1 في ش: في رواية. 2 في ب: الثالثة. 3 انظر: الفروع 1/ 332. 4 جاء في هامش ز: قوله: "ووجه المذهب وهو عدم الصحة مطلقاً" أي علم التحريم أو لا، أقول: هذا غير مسلم، إذ المنصوص عليه في كتب الفروع كالمنتهى وغيره أن من صلى في غصب، ثوباً أو بقعة، أو حج بغصب، عالماً ذاكراً لم تصح، وإلا صحت، انتهى لمحرره عبد الله السفرايني "المخطوط ز صفحة 51"، وانظر: شرح منتهى الإرادات 2/ 422، وقال الشيخ ابن تيمية: فمن فرق بين من يعلم ومن لا يعلم فقد أصاب، ومن لا أخطأ "مجموعة الفتاوي 29/ 293". 5 انظر: مختصر الطوفي ص27، الروضة ص11، المستصفى 1/ 78. 6 في ع: ونيته. 7 في ع ض: الوجوب. 8 أي الموضع المغصوب. 9 أي هذه الصلاة المنهي عنها. 10 انظر: مختصر الطوفي ص27، الروضة ص24، المستصفى 1/ 78.

خُرُوجِهِ مِنْهُ، وَهُوَ "فِيهِ" قَبْلَ إتْمَامِ خُرُوجِهِ. "وَلَمْ يَعْصِ بِخُرُوجِهِ" عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمُعْظَمِ. وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالأَشْعَرِيَّةُ1. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ لا يُعَدُّ وَاطِئًا بِنَزْعِهِ، فِي الإِثْمِ. بَلْ فِي التَّكْفِيرِ. وَكَإِزَالَةِ2 مُحْرِمٍ طِيبًا بِيَدِهِ، أَوْ غَصَبَ عَيْنًا ثُمَّ نَدِمَ وَشَرَعَ فِي حَمْلِهَا عَلَى رَأْسِهِ إلَى صَاحِبِهَا3، أَوْ4 أَرْسَلَ صَيْدًا صَادَهُ مُحْرِمٌ أَوْ فِي حَرَمٍ مِنْ شِرْكٍ، وَالرَّامِي بِالسَّهْمِ إذَا خَرَجَ السَّهْمُ عَنْ مَحَلِّ قُدْرَتِهِ5 فَنَدِمَ. وَإِذَا جُرِحَ ثُمَّ تَابَ وَالْجُرْحُ مَا زَالَ إلَى السِّرَايَةِ6. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَقَدْ نَقَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ7 فِي "الْفُرُوقِ" فِي كِتَابِ الصَّوْمِ: "أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى تَأْثِيمِ مَنْ دَخَلَ أَرْضًا غَاصِبًا. قَالَ: فَإِذَا قَصَدَ الْخُرُوجَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِخُرُوجِهِ، لأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْغَصْبِ".

_ 1 وهو قول الحنفية. "انظر: فواتح الرحموت 1/ 110، المستصفى 1/ 89، شرح العضد، 2/ 4، تيسير التحرير 2/ 221، المحلي على جمع الجوامع 1/ 203". وقال قوم من المعتزلة والمتكلمين، لا تصح توبته حتى يفارقها، وهو عاص بمشية في خروجه، كما سيأتي، "انظر: المسودة ص85، المحلي على جمع الجوامع 1/ 203". 2 في ز: كإزالة. 3 في ض: صاحبه. 4 في ع ب: و. 5 في ش: فرزته، وفي المسودة مقدرته، ولعل الصواب: فَرْضَته، لأن فَرْض القوس لغة: هو الحَزُّ الذي يقع فيه الوتر. "الصحاح، للجوهري 3/ 1097". 6 وتمام الكلام في "المسودة" حكاية عن ابن عقيل: فعنده في جميع هذه المواضع، الإثمُ ارتفع بالتوبة، والضمانُ باقٍ، وعند المخالف "وهم المعتزلة والمتكلمون" هو عاضٍ إلى أن ينقضي أثرُ المعصية "المسودة ص86-87". 7 هو عبد الله بن محمد بن أبي بكر، الزريراني، ثم البغدادي، الحنبلي، فقيه العراق، ومفتي الآفاق، كان عارفاً بأصلول الدين ومعرفة المذهب والخلاف والفرائض وأسماء الرجال والتاريخ واللغة العربية، وبرع في الفقه وأصوله، له كتاب "الوجيز" و "الفروق"، توفي سنة 729هـ. "انظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 410، الدرر الكامنة 2/ 494، المدخل إلى مذهب أحمد ص207، شذرات الذهب 6/ 89".

وَمَا نَقَلَهُ مَوْجُودٌ فِي "الأُمِّ" فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي الْمُحْرِمِ إذَا تَطَيَّبَ، فَقَالَ: "وَلَوْ دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَهُ. وَكَانَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَلَمْ أَزْعُمْ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا1، وَإِنْ كَانَ يَمْشِي بِمَا2 لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ3، لأَنَّ مَشْيَهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الذَّنْبِ، لا "لِزِيَادَةٍ مِنْهُ"4، فَهَكَذَا هَذَا الْبَابُ"5. وَخَالَفَ ذَلِكَ6 أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَبُو شِمْرٍ الْمُرْجِئُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِنَا7. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: "حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ، وَحَقُّ الآدَمِيِّ يَزُولُ بِزَوَالِ أَثَرِ الظُّلْمِ"8. وَاسْتَصْحَبَ أَبُو الْمَعَالِي حُكْمَ الْمَعْصِيَةِ مَعَ الْخُرُوجِ9، مَعَ10 أَنَّهُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ

_ 1 ساقطة من ش ب ز، وفي ض سقط: بالخروج منها. 2 في ش ز ض ب: ما، وفي الأم: فيما. 3 كذا في الأم، وساقطة من جميع النسخ. 4 في الأم: للزيادة فيه. 5 الأم 2/ 154. 6 في ب ض: في ذلك. 7 المسودة ص85، 87، لكن أبا الخطاب قيدها أنها أقل المعصيتين، قال: وإنما هي معصية، إلا أنه يفعلها لدفع أكثر المعصيتين بأقلها، لأن دوامه في الدار معصية تطول، وخروجه معصية قليلة. "انظر: المسودة ص85، 87، المستصفى 1/ 89". 8 المسودة ص88، وانظر: فتاوي ابن تيمية 29/ 286. 9 استصحاب المعصية في هذا الخروج حتى بفرغ، زجراً له عن هذا الفعل الشنيع "انظر: فواتح الرحموت 1/ 110، جمع الجوامع 1/ 203، 204. 10 في ش: فقال.

عَنْهُ1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: "كَذَا قِيلَ عَنْهُ. وَقِيلَ عَنْهُ: إنَّهُ طَاعَةٌ، لأَخْذِهِ فِي تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، لأَنَّهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَمُسْتَنِدٌ2 إلَى فِعْلٍ يَتَعَدَّى فِيهِ كَالصَّلاةِ"3. "وَالسَّاقِطُ عَلَى جَرِيحٍ" وَالْحَالُ أَنَّهُ "إنْ بَقِيَ" عَلَى الْجَرِيحِ "قَتَلَهُ" بِسَبَبِ عَدَمِ انْتِقَالِهِ "وَ" يَقْتُلُ "مِثْلُهُ" أَيْ كُفْءُ الَّذِي سَقَطَ عَلَيْهِ 4 إنْ انْتَقَلَ" عَمَّنْ سَقَطَ عَلَيْهِ"4، "يَضْمَنُ" مَا تَلِفَ بِسَبَبِ عَدَمِ انْتِقَالِهِ. "وَتَصِحُّ تَوْبَتُهُ إذًا" أَيْ فِي حَالَةِ5 بَقَائِهِ عَلَى الْجَرِيحِ، لأَنَّهُ إذَا بَقِيَ مُتَنَدِّمًا مُتَمَنِّيًا أَنْ يَكُونَ لَهُ جَنَاحَانِ يَطِيرُ بِهِمَا عَنْهُ6، أَوْ يُدْلِي إلَيْهِ بِحَبْلٍ7 يَتَعَلَّقُ بِهِ. فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ غَايَةَ جَهْدِهِ. وَصَارَ كَحَجَرٍ أَلْقَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى ذَلِكَ الْجَرِيحِ8. "وَيَحْرُمُ انْتِقَالُهُ" عَنْهُ9، مَا دَامَ أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ قَتَلَ كُفْءَ مَنْ كَانَ

_ 1 انظر: شرح العضد 2/ 4. 2 في ز: ومستنداً. 3 انظر: المسودة ص85. 4 ساقطة من ش. 5 في ز: حال. 6 في ز ع ب ض: من عليه. 7 في ع: حبلاً، وفي ض: حبل. 8 انظر: المسودة ص87. 9 وهذا ما أكده شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي، وقال: يجب أن يستمر، وينبغي ترجيحه إن كان السقوط بغير اختياره، لأن الانتقال استئنافُ فعل بالاختيار بخلاف المكث، فإنه بقاء، ويغتفر فيه مالا يغتفر في الابتداء، وقال الشيخ البناني: ولا بيتعد ترجحه إذا كان السقوط باختياره أيضاً، لأن الانتقال استئناف قتل بغير حق، وتكميل القتل أهون من استئنافه، وقال إمام الحرمين: لا حكم فيه، لأن التخيير بالاستمرار أو الانتقال، أو بوجوب الاستمرار أو الانتقال يؤدي إلى القتل المحرم، والمنع منهما لا قدرة على امتثاله، وقال باستمرار عصيانه ببقاء ما تسبب فيه من الضرر بسقوطه، إن كان باختياره، وإلا فلا عصيان. "انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه وحاشية البناني 1/ 205".

عَلَيْهِ1. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى آخَرَ، قَوْلاً وَاحِدًا2. وَوَجْهُهُ: حُصُولُ الضَّرَرِ عَلَى الثَّانِي بِانْتِقَالِ السَّاقِطِ إلَيْهِ. وَالضَّرَرُ لا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى مَنْ سَقَطَ عَلَيْهِ، وَالانْتِقَالِ إلَى كُفْئِهِ3، لِتَسَاوِيهِمَا فِي الضَّرَرِ4. "وَ" أَمَّا لَوْ كَانَ الَّذِي سَقَطَ عَلَيْهِ، أَدْنَى مِنْ الَّذِي لَوْ5 انْتَقَلَ إلَيْهِ قَتَلَهُ، كَمَا لَوْ سَقَطَ عَلَى كَافِرٍ مَعْصُومٍ. وَمَتَى انْتَقَلَ عَنْهُ قَتَلَ مُسْلِمًا مَعْصُومًا فَإِنَّهُ "يَلْزَمُ الأَدْنَى قَطْعًا" أَيْ بِلا خِلافٍ. وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: "وَيَلْزَمُ الأَدْنَى": أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْ سَقَطَ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَمَنْ يَقْتُلُهُ لَوْ لَمْ يَسْتَمِرَّ كَافِرًا، لَزِمَهُ الانْتِقَالُ إلَيْهِ، لِكَوْنِ6 ذَلِكَ أَخَفَّ مَفْسَدَةً7 فِي الصُّورَتَيْنِ8. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ9.

_ 1 انظر: المسودة ص86. 2 انظر: المسودة ص87. 3 في ع: كفؤ. 4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 205. المستصفى 1/ 89. 5 ساقطة من ش. 6 في ز: لكونه. 7 في ب: مضرة. 8 انظر: المحلي على جمع الجموع 1/ 206. 9 في ش: علم.

فصل في المندوب

فصل في المندوب ... "فَصْلٌ":"الْمَنْدُوبُ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ: "الْمَدْعُوُّ لِمُهِمٍّ" أَيْ لأَمْرٍ مُهِمٍّ "مِنْ النَّدْبِ، وَهُوَ الدُّعَاءُ" لأَمْرٍ مُهِمٍّ. قَالَ الشَّاعِرُ1: لا يَسْأَلُونَ أَخَاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهُمْ ... فِي النَّائِبَاتِ عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانَا وَمِنْهُ2 الْحَدِيثُ: "انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ يَخْرُجُ فِي سَبِيلِهِ" 3 أَيْ أَجَابَ لَهُ طَلَبَ مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ4. وَالاسْمُ النُّدْبَةُ - مِثْلُ غُرْفَةٍ-، وَنَدَبَتْ الْمَرْأَةُ الْمَيِّتَ، فَهِيَ نَادِبَةٌ، وَالْجَمْعُ نَوَادِبُ؛ لأَنَّهُ كَالدُّعَاءِ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ عَلَى تَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ، كَأَنَّهُ يَسْمَعُهَا5. "وَ" الْمَنْدُوبُ "شَرْعًا" أَيْ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ: "مَا أُثِيبَ فَاعِلُهُ6" كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ "وَلَوْ" كَانَ "قَوْلاً" كَأَذْكَارِ الْحَجِّ "وَ" لَوْ كَانَ "عَمَلَ قَلْبٍ" كَالْخُشُوعِ فِي الصَّلاةِ.

_ 1 البيت لقرِيْطِ بن أنَيْف العَنْبري، نسبه له التبريزي في شرح ديوان الحماسة "1/ 5". 2 في ش: وفي. 3 رواه البخاري والنسائي وأحمد ومالك وابن ماجة والبيهقي والدارمي والطبراني في الأوسط، "انطر: صحيح البخاري 1/ 16، سنن النسائي 6/ 15، سنن ابن ماجة 2/ 920، السنن الكبرى 9/ 159، مجمع الزوائد 5/ 276، مسند أحمد 2/ 231" ورواه مسلم بلفظ تضمن "صحيح مسلم 4/ 1495" ورواه الدارمي ومسلم والبخاري والنسائي بلفظ تكفل "سنن الدارمي 2/ 200، صحيح مسلم 4/ 1496، فتح الباري 13/ 342، سنن النسائي 6/ 15، الموطأ 2/ 443". 4 انظر: النهاية في غريب الحديث 5/ 34. 5 انظر: المصباح المنير 2/ 921. 6 يخرج من التعريف المباح، فإن فاعله لا يثاب ولا يعاقب، ويخرج المحرم والمكروه، فإن تاركهما يثاب، "نهاية السول 1/ 59".

وَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ: "وَلَمْ يُعَاقَبْ تَارِكُهُ": الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ. وَبِقَوْلِهِ: "مُطْلَقًا": الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ1، كَخِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ كَصَلاةِ الْجِنَازَةِ2. "وَيُسَمَّى" الْمَنْدُوبُ "سُنَّةً وَمُسْتَحَبًّا وَتَطَوُّعًا وَطَاعَةً وَنَفْلاً وَقُرْبَةً وَمُرَغَّبًا فِيهِ وَإِحْسَانًا". قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي "مُقْنِعِهِ": "وَيُسَمَّى النَّدْبُ تَطَوُّعًا وَطَاعَةً وَنَفْلاً وَقُرْبَةً إجْمَاعًا"3. لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَخْبَرْنَا الشَّيْخَ 4 أَبُو تَمَّامٍ بِمَكَّةَ أَنَّهُ سَأَلَ الشَّيْخَ"4 أَبَا إِسْحَاقَ بِبَغْدَادَ عَنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: سُنَّةً وَفَضِيلَةً وَنَفْلاً وَرَغِيبَةً5، فَقَالَ: هَذَا عَامَّةً6 فِي الْفُقَهَاءِ، وَلا يُقَالُ: إلاَّ فَرْضٌ وَسُنَّةٌ لا غَيْرُ. قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَسَأَلْت أَبَا الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيِّ7 بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ: هَذِهِ

_ 1 في ش: المخبر. 2 انظر تعريف المندوب في "المدخل إلى نذهب أحمد ص62، مختصر الطوفي ص25، الروضة ص20، شرح تنقيح الفصول ص71، الحدود للباجي ص55، التعريفات ص250، الإحكام، الآمدي 1/ 119، المسودة ص576، جمع الجوامع 1/ 80، التوضيح على التنقيح 2/ 75، التلويح 3/ 78، نهاية السول 1/ 58، شرح العضد على ابن الحاجب 1/ 225، كشف الأسرار 2/ 311، إرشاد الفحول ص6، شرح الورقات ص26". 3 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص62، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 89، التوضيح على التنقيح 3/ 76، نهاية السول 1/ 59، مختصر الطوفي ص25، إرشاد الفحول ص6. 4 ساقطة من ش. 5 في ش ز ع ب ض: وهيئة. 6 في ش ز: عامته. 7 هو أحمد بن محمد بن أحمد، القاضي أبو العباس، الجرجاني، كان قاضياً بالبصرة ومُدرساً فيها، وكان إماماً في الفقه والأدب، تقفه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، له تصانيف حسنة، منها: "المعاياة" و "الشافي" و "التحرير"، و "كنايات الأدباء وإشارات البلغاء" جمع فيه محاسن النظم والنشر، توفي سنة 482هـ، "انظر: طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي 4/ 74، طبقات ابن هداية ص178، المنتظم، ابن الجوزي 9/ 50".

أَلْقَابٌ لا أَصْلَ لَهَا، وَلا نَعْرِفُهَا فِي الشَّرْعِ1. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. "وَأَعْلاهُ" أَيْ أَعَلا الْمَنْدُوبِ "سُنَّةٌ، ثُمَّ فَضِيلَةٌ، ثُمَّ نَافِلَةٌ"2. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو طَالِبٍ3 - مُدَرِّسُ المستنصرية، مِنْ أَئِمَّةِ4 أَصْحَابِنَا فِي "حَاوِيهِ الْكَبِيرِ"-: إنَّ5 الْمَنْدُوبَ يَنْقَسِمُ ثَلاثَةَ أَقْسَامٍ. أَحَدُهَا: مَا يَعْظُمُ أَجْرُهُ، فَيُسَمَّى6 سُنَّةً.

_ 1 قال أكثر الشافعية والحنابلة: إن هذه الألفاظ مترادفة وهي أقسام، وقال بعض الشافعية كالقاضي حسين وبعض الحنابلة وأكثر الحنفية، إنها على مراتب، ثم قال السبكي والخلاف لفظي. "انظر: حاشية الناني 1/ 89، 90، المدخل إلى مذهب أحمد ص62، مختصر الطوفي ص25، التوضيح على التنقيح 3/ 76، مناهج العقول 1/ 59". 2 أسماء المراتب محل اختلاف بين علماء الأصول، فبعضهم يسميها، سنة مؤكدة ثم سنة غير مؤكدة ثم سنة زائدة، وبعضهم يسميها، سنة ومستحباً وتطوعاً، وبعضهم يسميها: سنة الهادي وسنة الزوائد، ولهذا قال السبكي فيما سبق: "والخلاف لفظي" أي اختلاف اصطلاحي، ولا مشاحة في الاصطلاح، "انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 90، التوضيح على التنقيح 3/ 76، الممدخل إلى مذهب أحمد ص62، إرشاد الفحول ص60". 3 هو عبد الله بن عمر بن ابي قاسم، أبو طالب، الفقيه البصري، الضرير، نور الدين، نزيل بغداد، حفظ القرآن بالبصرة، وقدم بغداد، ودرس الفقه حتى أذن له بالفتوى، سمع من الشيخ مجد الدين بن تيمية، ثم درَّي بالمستنصرية، وكان بارعاً في الفقه، وله معرفة بالحديث والتفسير، له تصانيف عديدة، منها "الحاوي" في الفقه في مجلدين، و "جامع العلوم، في تفسير كتاب الله الحي القيوم" و "الكافي" في شرح الخرقي، و "الواضح" و "الشافي" في المذهب، توفي سنة 684هـ. "انظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 313، نكت الهميان ص189، طبقات المفسرين 1/ 277، شذرات الذهب 5/ 386". 4 ساقطة من ش. 5 ساقطة من ع. 6 في ز ض: يسمى.

وَالثَّانِي: مَا يَقِلُّ أَجْرُهُ، فَيُسَمَّى1 نَافِلَةً. وَالثَّالِثُ: مَا يَتَوَسَّطُ 2 فِي الأَجْرِ بَيْنَ هَذَيْنِ"2، فَيُسَمَّى فَضِيلَةً وَرَغِيبَةً3. "وَهُوَ" أَيْ الْمَنْدُوبُ "تَكْلِيفٌ". قَالَهُ4 الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ5، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ، وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقُ، وَالطُّوفِيُّ، وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُمْ6، إذْ مَعْنَاهُ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ. وَقَدْ يَكُونُ أَشَقَّ مِنْ الْوَاجِبِ. وَلَيْسَتْ الْمَشَقَّةُ مُنْحَصِرَةً فِي الْمَمْنُوعِ عَنْ نَقِيضِهِ، حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ. وَمَنَعَهُ ابْنُ حَمْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ7. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ". "وَ" هُوَ "مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً" عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِمَا.

_ 1 في ز: ويسمى، وفي ض: يسمى. 2 في ش: بين هذين الأجرين. 3 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص62. 4 في ش ز ع ب: قال. 5 هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، الاستاذ أبو إسحاق، الإسفراييني، كان فقيهاً متكلماً أصولياً، وكان ثقة ثبتاً في الحديث، أقر له أهل بغداد ونيسابور بالتقدم والفضل، درّس بمدرسة نيسابور، وكان يلقب بركن الدين، وهو أول من لقب من العلماء، له تصانيف فائقة منها "الجامع" في أصول الدين والرد على الملحدين، و "العسفة" في أصول الفقه، توفي بنيسابور سنة 418هـ وقيل 417هـ. "انظر: طبقات الفقهاء للشيرازي ص126، طبقات الشافعية الكبرى، السبكي 4/ 256، وفيات الأعيان 1/ 8، الفتح المبين 1/ 228، البداية والنهاية 12/ 24، شذرات الذهب 2/ 209". 6 انظر: الروضة ص6، مختصر الطوفي ص11، الإحكام، الآمدي1/ 121 المسودة ص35، المحلي على جمع الجوامع 1/ 171. 7 انظر: فواتح الرحموت 1/ 112، الإحكام، الآمدي 1/ 121، تيسير التحرير 2/ 224، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 5، المحلي على جمع الجوامع 1/ 171، شرح تنقيح الفصول ص79".

وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ عُلَمَاءِ الأُصُولِ وَالْفُقَهَاءِ1، لِدُخُولِهِ فِي حَدِّ الأَمْرِ، لانْقِسَامِ2 الأَمْرِ إلَيْهِمَا3. وَهُوَ مُسْتَدْعًى وَمَطْلُوبٌ4. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} 5، وَإِطْلاقُ الأَمْرِ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَالأَصْلُ: الْحَقِيقَةُ، وَلأَنَّهُ طَاعَةٌ لامْتِثَالِ الأَمْرِ6. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْحَلْوَانِيِّ7 وَالْحَنَفِيَّةِ8 وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ - مِنْهُمْ أَبُو

_ 1 انظر: الروضة ص20، المستصفى 1/ 75، فواتح الرحموت 1/ 111، الإحكام، الآمدي، 1/ 120، تيسير التحرير 2/ 222، المسودة ص6، 8، 15، المدخل إلى مذهب أحمد ص62، مختصر الطوفي ص25، القواعد والفوائد الأصولية ص146، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 5. 2 في ش د ع ب ض: وانقسام. 3 إذا ينقسم الأمر لغة إلى أمر إيجاب وأمر ندب، فكما أن الواجب مأمور به حقيقة، فإن المندوب مأمور به حقيقة ايضاً، "انظر: مختصر الطوفي ص25، الروضة ص21، الإحكام، الآمدي 1/ 120، المستصفى 1/ 75، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد 2/ 5". 4 أي المندوب مستدعى فعله ومطلوب كالواجب، لكنّ الواجب مطلوب مع ذم تاركه، والمندوب مطلوب مع عدم ذم تاركه، والمطلوب أمر من الشارع، فالمندوب مأمور به حقيقة. "انظر: الروضة ص21، المستصفى 1/ 75". 5 الآية 90 من النحل. 6 اتفق العلماء على أن المندوب طاعة، والطاعة تكون من امتثال أمر الله تعالى، فكان المندوب مأموراً به على الحقيقة، "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 120، مختصر الطوفي ص25، الروضة ص21، المسودة ص7، 44، المستصفى 1/ 76، شرح العضد 2/ 5". 7 نص ابن تيمية في "المسودة" "ص6" والبعلي في "القواعد والفوائد الأصولية" "ص164"، أن صاحب هذا الرأي هو عبد الرحمن الحلواني، وهو ابن الحلواني، ابي الفتح، الذي مر معنا سابقاً "ص305"، والابن هو عبد الرحمن بن محمد بن علي، أبو محمد، ولد سنة 490هـ، وبرع في الفقه والأصول، وصنف فيهما، وهو من شيوخ الحنابلة، ومن مصنفاته "التبصير" في الفقه، و "الهداية" في أصول الفقه، وله "تفسير القرآن"، توفي سنة 546هـ. "انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 221، طبقات المفسرين 1/ 274، شذرات الذهب 1/ 144". 8 النقل عن الحنفية فيه تساهل، لأن المحققين من الحنفية يقولون: إن المندوب مأمور به حقيقة، كالجمهور، خلافاً للكرخي وأبي بكر الرازي من الحنفية اللذين سارت على رأيهما أكثر كتب الحنفية، بأن المندوب مأمور به مجازاً. "انظر: فواتح الرحموت 1/ 111، تيسير التحرير: 2/ 222، أصول السرخسي 1/ 14".

حَامِدٍ وَغَيْرُهُ- أَنَّهُ مَجَازٌ1. "فَـ" عَلَى الأَوَّلِ "يَكُونُ لِلْفَوْرِ". قَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسًا عَلَى الْوَاجِبِ. لَكِنْ لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ عَلَى الْفَوْرِ، مَاذَا يَكُونُ؟ يَحْتَمِلُ مَا أَتَى بِهِ عَلَى وَجْهِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَكْرَارُهُ كَالْوَاجِبِ، يَعْنِي كَالأَمْرِ الْمُرَادِ لِلْوُجُوبِ2. فَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّ أَمْرَ النَّدْبِ هَلْ يَتَكَرَّرُ؟ قَالَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الأَمْرِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْوُجُوبُ عَلَى مَا يَأْتِي3 فِي مَسَائِلِ الأَمْرِ4. "وَلا يَلْزَمُ" الْمَنْدُوبُ "بِشُرُوعٍ" بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ إتْمَامِهِ وَقَطْعِهِ5. وَذَلِكَ: لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ يَنْوِي صَوْمَ التَّطَوُّعِ، ثُمَّ يُفْطِرُ" رَوَاهُ

_ 1 أي المندوب مأمور به مجازاً، وليس حقيقة، انظر تفصيل هذا القول وأدلته ومناقشته في "الإحكام، الآمدي 1/ 120، المسودة ص6، القواعد والفوائد الأصولية ص164، المستصفى 1/ 75، حاشية التفتازاني على العضد 2/ 4، أصول السرخسي 1/ 14 وما بعدها". 2 في ش: به الوجوب، وفي ز: به للوجوب. 3 في ع: أتى. 4 انظر: المسودة ص26. 5 وهو مذهب الشافعية والحنابلة. "انظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 90، 93، كشف الأسرار 2/ 311، مختصر الطوفي ص25، المسودة ص60، فواتح الرحموت 1/ 115،تخريج الفروع على الأصول ص59".

مُسْلِمٌ1 وَغَيْرُهُ2. وَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 3 فَيُحْمَلُ عَلَى التَّنْزِيهِ، جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ4. هَذَا إنْ لَمْ يُفَسَّرْ بُطْلانُهَا بِالرِّدَّةِ، بِدَلِيلِ الآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا5، أَوْ أَنَّ

_ 1 هو مسلم بن الحجاج بن مسلم، أبو الحسين القشيري، النيسابوري، أحد الأئمة من حفاظ الحديث، وهو صاحب الصحيح المشهور الذي صنفه من ثلاثمائة ألف حديث، وله تصانيف كثيرة، منها "المسند الكبير" على أسماء الرجال، و "الجامع الكبير" على الأبواب، وكتاب "العلل" و "الكنى" و "أوهام المحدثين"، توفي سنة 261هـ. "انظر: وفيات الإعيان 4/ 280، المنهج الأحمد 1/ 147، طبقات الحنابلة 1/ 337، شذرات الذهب 2/ 144، طبقات الحفاظ ص260، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 89، تذكرة الحفاظ 2/ 588، الخلاصة ص375". 2 رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي وروى البخاري أن أبا الدرداء وأبا طلحة وأبا هريرة وابن عباس وحذيفة كانوا يفعلون ذلك، وفي رواية لمسلم: "فقد أصبحت صائماً فأكل". وفي رواية عن عائشة: "فجئت به فأكل، ثم قال: "قد كنت أصبحت صائماً". "انظر: صحيح مسلم 2/ 808، 809، صحيح البخاري 1/ 329، سنن أبي داود 2/ 442، سنن ابن ماجة 1/ 543، سنن النسائي 4/ 164"، وروى الترمذي والحاكم وأحمد والدارمي عن أم هانىء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر" وفي رواية: "أمين نفسه". "انظر: سنن أبي داود 2/ 442، سنن الترمذي 3/ 81، كشف الخفا 2/ 26، فيض القدير 4/ 231، مسند أحمد 6/ 341، المستدرك 1/ 439، سنن الدارمي 2/ 16". 3 الآية 32 من سورة محمد. 4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 93. 5 وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [الآيتان 32-33 من سورة محمد] ، وانظر: تفسير ابن كثير 6/ 324.

الْمُرَادَ: وَلا1 تُبْطِلُوهَا بِالرِّيَاءِ2، نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ3 عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَنُقِلَ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ تَفْسِيرُهَا بِمَعْنَى لا تُبْطِلُوهَا بِالْكَبَائِرِ4، لَكِنَّ الظَّاهِرَ تَفْسِيرُهَا بِمَا تَقَدَّمَ5. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ6، وَاحْتَجَّا بِحَدِيثِ الأَعْرَابِيِّ: "هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لا، إلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ"7 أَيْ فَيَلْزَمُك التَّطَوُّعُ إنْ تَطَوَّعْت، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فِي أَصْلِهِ.

_ 1 في ش ض ب: فلا. 2 وهو رأي ابن عباس رضي الله عنه وابن جريج ومقاتل. "انظر: الكشاف 3/ 539، فواتح الرحموت 1/ 115، تفسير القرطبي 16/ 254". 3 هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، أبو عمر، الحافظ، القرطبي، أحد أعلام الأندلس، وكبير محدثيها، كان ثقة نزيهاً متبحراً في الفقه والعربية والحديث والتاريخ، قال الباجي: لم يكن بالأندلس مثله في الحديث، وقال أيضاً: أبو عمر أحفظ أهل المغرب، له كتب كثيرة نافعة ومفيدة، منها: "التمهيد" و "الاستذكار" و "الاستيعاب" في معرفة الصحابة، و "جامعة بيان العلم وفضله" و "الدرر في اختصار المغازي والسير" و "بهجة المجالس" توفي سنة 463هـ وقيل 458هـ، "انظر: وفيات الأعيان 6/ 64، الديباج المذهب 2/ 367، شذرات الذهب 4/ 314، طبقات الحفاظ 432 ص432، شجرة النور الزكية ص119، تذكرة الحفاظ 3/ 1128". 4 انظر: كشاف 3/ 538. 5 انظر رد ابن المنير الإسكندراني على رأي الزمخشري في حاشية الكشاف "3/ 538" وفيه: "قال الإمام أحمد: قاعدة أهل السنة على أن الكبائر ما دون الشرك لا تحبط حسنة مكتوبة، لأن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً ... وقاعدة المعتزلة موضعة على أن كبيرة واحدة تحبط ما تقدمها من الحسنات، ولو كانت مثل زبد البحر. 6 انظر: كشف الأسرار 2/ 311، 312، التلويح على التوضيح 3/ 79، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 1/ 90، فواتح الرحموت 1/ 114، تفسير القرطبي 16/ 255، أصول السرخسي 1/ 115. 7 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي ومالك والحاكم وأحمد عن طلحة بن عبيد الله قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد، ثائر الرأس، يُسمع دويّ صوته، ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات في اليوم والليلة" ... الحديث"، "انظر: صحيح البخاري 1/ 17، صحيح مسلم 1/ 41، سنن أبي داود 1/ 160، سنن النسائي 1/ 184، سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/ 246، المستدرك 1/ 201، الموطأ 1/ 175، مسند أحمد 1/ 162".

وَعِنْدَنَا أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَبْطَلَ1 تَطَوُّعَهُ بِفِطْرِهِ بَعْدَ نِيَّةِ الصَّوْمِ. وَمَحَلُّ الْخِلافِ "غَيْرُ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، لِوُجُوبِ مُضِيٍّ فِي فَاسِدِهِمَا" فَإِتْمَامُ صَحِيحِ تَطَوُّعِهِمَا أَوْلَى بِوُجُوبِ الْمُضِيِّ فِيهِ، "وَ" لِـ "ـمُسَاوَاةِ نَفْلِهِمَا" لِـ "فَرْضِهِمَا نِيَّةً" أَيْ فِي النِّيَّةِ2 "وَكَفَّارَةً" أَيْ: 3 وَفِي الْكَفَّارَةِ"3، "وَغَيْرَهُمَا" كَانْعِقَادِ الإِحْرَامِ لازِمًا فِي حَقِّ مَنْ لَزِمَهُ الْحَجُّ وَغَيْرِهِ4. وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: رِوَايَةٌ أُخْرَى بِوُجُوبِ إتْمَامِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَلُزُومِ الْقَضَاءِ إنْ أَفْطَرَ5. وَعَنْهُ ثَالِثَةٌ: يَلْزَمُ إتْمَامُ الصَّلاةِ دُونَ الصَّوْمِ؛ لأَنَّهَا ذَاتُ إحْرَامٍ وَإِحْلالٍ. كَالْحَجِّ6.

_ 1 في ز: أبدل. 2 أن النية في كل منهما هي قصد الدخول في الحج والتلبس فيه "المحلي على جمع الجوامع 1/ 93". 3 في ش ض: في الكفارة، وفي ز: والكفارة. والكفارة تجب في الحج والواجب، والحج التطوع بالجماع المفسد له "انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 94". 4 أي في حق من وجب عليه الحج، وفي حق المتنفل والمتطوع. "انظر: حاشية البناني وجمع الجوامع 1/ 93، 49، كشف الأسرار 2/ 315، فواتح الرحموت 1/ 116، المغني 9/ 160، أصول السرخسي 1/ 116". 5 وهي رواية حنبل عن الإمام أحمد "انظر: المغني 3/ 159". 6 انظر: المغني 3/ 160.

وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ؛ كَالصَّدَقَةِ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا، وَالْقِرَاءَةِ وَالأَذْكَارِ: فَلا يَلْزَمُ إتْمَامُهَا بِالشُّرُوعِ فِيهَا، وِفَاقًا لِلأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ1. "فَرْعٌ"2: "الزَّائِدُ عَلَى قَدْرٍ وَاجِبٍ فِي رُكُوعٍ3 وَنَحْوِهِ" كَسُجُودٍ وَقِيَامٍ وَجُلُوسٍ فِي الصَّلاةِ "نَفْلٌ"4 عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ5، وَعِنْدَ6 أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، لِجَوَازِ تَرْكِهِ مُطْلَقًا. وَهَذَا شَأْنُ النَّفْلِ7. وَأَوْجَبَهُ الْكَرْخِيُّ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ8. قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ. وَأَخَذَهُ مِنْ نَصِّ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ الإِمَامَ إذَا أَطَالَ الرُّكُوعَ، فَأَدْرَكَهُ فِيهِ مَسْبُوقٌ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْكُلُّ وَاجِبًا لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، لِعَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ9.

_ 1 انظر: المغني 3/ 160، حاشية البناني 1/ 90، 93، المحلي على جمع الجوامع 1/ 94، تقريرات الشربيني 1/ 90. 2 في ش: فروع. 3 في ش: ركوح. 4 في ش: مطلقاً!؟. 5 انظر: التمهيد ص 14، 17، التلويح على التوضيح 3/ 78، نهاية السول 1/ 131، مناهج العقول 1/ 129، المستصفى 1/ 73، كشف الأسرار 2/ 311، شرح تنقيح الفصول ص160، المسودة 58. 6 ساقطة من ز ع ب ض. 7 قال الطوفي: الزيادة على الواجب إن تميزت كصلاة التطوع فندب اتفاقاً، وإن لم تتميز كالزيادة في الطمأنينة والركوع والسجود، ومدة القيام، والقعود على أقل الواجب فهو واجب عند القاضي، ندب عند أبي الخطاب، وهو الصواب "مختصر الطوفي ص25" وعند الشافعية قولان، والأصح أنه مندوب "التمهيد ص17" وانظر: المسودة ص58، المدخل إلى مذهب أحمد ص20، القواعد والفوائد الأصولية ص105، نهاية السول 1/ 131. 8 انظر المسودة ص58، 59، المستصفى 1/ 73، كشف الأسرار 2/ 311. 9 رد المجد بن تيمية كلام القاضي وقال: وليس هذا بمأخذ صحيح، لأن الكل قد اتفقوا على هذا الحكم، مع خلافهم في المسألة، وفي مسألة اقتداء المفترض بالمتنفل، ولذلك ذكر ابن عقيل =

"وَمَنْ" "أَدْرَكَ رُكُوعَ إمَامٍ" وَلَوْ بَعْدَ طُمَأْنِينَتِهِ "أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ"1، قَالُوا: لأَنَّ الاتِّبَاعَ يُسْقِطُ الْوَاجِبَ، كَمَسْبُوقٍ وَصَلاةِ امْرَأَةٍ الْجُمُعَةَ2. وَيُوجِبُ الاتِّبَاعُ مَا كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ، كَمُسَافِرٍ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ، فَيَلْزَمُهُ الإِتْمَامُ وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ. وَلا يُشْتَرَطُ فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ إدْرَاكُ 3 الطُّمَأْنِينَةِ مَعَ الإِمَامِ"3، خِلافًا لِمَالِكٍ4 رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى.

_ = فساد هذا المأخذ، واعتذر عن نص الإمام أحمد بكلام آخر ذكره، وكذلك أبو الخطاب غلط شيخه في ذلك، قال ابن عقيعل: نص أحمد لا يدل عندي على هذا، بل يجوز أن يعطي أحد أمرين، أما جواز ائتمام المفترض بمتنفل، ويحتمل أن يجري مجرى الواجب في باب الاتباع خاصة "المسودة ص58". وجواز ائتمام المفترض بمتنفل هو أحد القولين عند الإمام أحمد ورجحه ابن قدامة، وهو قول الشافعية. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص106، المسودة ص59، المعني 2/ 166". 1 لما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة". ورى البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد ومالك والدارمي والبيهقي عن أبي هريرة مرفواعاً: "ومن أدرك الركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" أي ومن أدرك ركوع الركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. "انظر: فتح الباري 2/ 38، صحيح مسلم 1/ 432، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي: 1/ 554، سنن أبي داود 1/ 326، سنن الدارمي 1/ 277، الموطأ 1/ 105، مسند أحمد 2/ 241، فيض القدير 6/ 44، المغني 1/ 363، سنن النسائي 1/ 206، سنن ابن ماجة 1/ 256". 2 صلاة الجمعة غير واجبة على المرأة، وإنما الواجب عليها صلاة الظهر، ولكن إذا حضرت المرأة الجمعة سقط عنها الظهر. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص106". 3 انظر: المغني 1/ 363، وفي ع ب ض: طمأنينة الإمام. 4 قال المالكية: إن المصلي يدرك الركعة متى مكَّن يديه من ركبتيه أو مما قاربهما قبل رفع الإمام، وأن لم يطمئن إلا بعد رفعه، قال الإمام مالك: وحدُّها: إمكان يديه بركبتيه قبل رفع إمامه. "انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 295، حاشية العدوي على شرح الخرشي 2/ 17، التاج والإكليل للمواق 2/ 82". وقد ورد عن الإمام أحمد أنه قال: إذا مكّن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك. "مسائل الإمام أحمد ص35".

فصل المكروه

"فَصْلٌ":"الْمَكْرُوهُ ضِدُّ الْمَنْدُوبِ"1. "وَهُوَ" لُغَةً ضِدُّ الْمَحْبُوبِ، أَخْذًا مِنْ الْكَرَاهَةِ. وَقِيلَ: مِنْ الْكَرِيهَةِ، وَهِيَ الشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ2. وَفِي اصْطِلاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ: "مَا مُدِحَ تَارِكُهُ، وَلَمْ يُذَمَّ فَاعِلُهُ"3. فَخَرَجَ بِـ "مَا مُدِحَ": الْمُبَاحُ، فَإِنَّهُ لا مَدْحَ فِيهِ وَلا ذَمَّ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: "تَارِكُهُ": الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ، فَإِنَّ فَاعِلَهُمَا يُمْدَحُ لا تَارِكُهُمَا. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: "وَلَمْ يُذَمَّ فَاعِلُهُ": الْحَرَامُ، فَإِنَّهُ يُذَمُّ فَاعِلُهُ، لأَنَّهُ - وَإِنْ شَارَكَ الْمَكْرُوهَ فِي الْمَدْحِ بِالتَّرْكِ- فَإِنَّهُ يُفَارِقُهُ فِي ذَمِّ فَاعِلِهِ4. "وَلا ثَوَابَ فِي فِعْلِهِ". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "فُرُوعِهِ": قَالُوا فِي الأُصُولِ: الْمَكْرُوهُ لا ثَوَابَ فِي فِعْلِهِ. قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُمْ: مَا كُرِهَ بِالذَّاتِ لا بِالْعَرَضِ. قَالَ وَقَدْ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَلِهَذَا لَمَّا احْتَجَّ مَنْ كَرِهَ صَلاةَ الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ

_ 1 في ش: الواجب، والمكروه ضد المندوب لأن المندوب هو ما طلب الشارع فعله طلباً غير جازم، والمكروه هو ما طلب الشارع تركه طلباً غير جازم. "اننظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص63". كما أن المكروه ضد الواجب، قال الغزالي: "وكما يتضاد الحرام والواجب فيتضاد المكروه والواجب فلا يدخل مكروه تحت الأمر" "المستصفى 1/ 79". 2 انظر: المصباح المنير 2/ 818. 3 انظر في تعريف المكروه "المدخل إلى مذهب أحمد ص63، الإحكام، الآمدي 1/ 122، مختصر الطوفي ص28، نهاية السول 1/ 61، إرشاد الفحول ص6، شرح الورقات ص29، التلويح على التوضيح 3/ 81، التعريفات، للجرجاني ص246". 4 انظر: نهاية السول 1/ 62.

بِالْخَبَرِ الضَّعِيفِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: "مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ شَيْءٌ"1، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالأَجْرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لا اعْتِقَادًا وَلا بَحْثًا. "وَهُوَ" أَيْ الْمَكْرُوهُ "تَكْلِيفٌ وَمَنْهِيٌّ2 3 عَنْ حَقِيقَةٍ 3"، لأَنَّ الْعُلَمَاءَ

_ 1 رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي وابن شيبه، قال ابن الجوزي: "حديث لا يصح"، وقال النووي: "إنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به"، وسبب ضعفه أن كل طرقه عن صالح بن أبي صالح مولى التوأمة بنت أمية بن خلف، وصالح اختلط كلامه في آخر عمره، قال البيهقي: "وصالح مختلف في عدالته، كان مالك بن أنس يجرحه"، وفي رواية أبي داود وابن ماجة: "فلا شيء عليه"، وقال البنا الساعاتي: إن الحديث صحيح لأنه سمع من صالح قبل أن يخرف، وحَمل الحديث على نقص الأخر في حق من صلى في المسجد، ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة، لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه. "انظر: سنن أبي داود 3/ 282، الفتح الرباني 7/ 248، 249، فيض القدير 6/ 171، سنن ابن ماجة 1/ 486، السنن الكبرى 4/ 52، مسند أحمد: 2/ 444". 2 جمع المصنف رحمه الله تعالى بين حكم التكليف وحكم النهي للمكروه، وفاسه على المندوب، والعبارة توهم بأن الحكم متفق عليه في الأمرين، وقد رأينا سابقاً "ص405-406". أن المندوب تكليف عند الحنابلة وأبي بكر الباقلاني وأبي إسحاق الإسفراييني، بينما قال أكثر المذاهب والعلماء، إن المندوب ليس تكليفاً، وكذلك قال الجمهور: إن المكروه ليس تكليفاً، خلافاً للحنابلة. أما كون الأمر حقيقة في المندوب، وكون النهي حقيقة في المكروه فهو رأي حماهير الأئمة والمذاهب، خلافاً للحنفية وبعض الحنابلة وبعض الشافعية الذين يرون أن المندوب مأمور به مجازاً، كما سبق "ص406-407"، ويأتي هذا الخلاف في المكروه، قال ابن الحاجب: المكروه منهي عنه، غير مكلف به كالمندوب، وقال عبد الشكور: المكروه كالمندوب، لا نهي ولا تكليف، والدليل والاختلاف "مسلم الثبوت مع شحه فواتح الرحموت 1/ 112" انظر: مختصر ابن الحاجب وشرح العضد 2/ 5، المسودة ص35، تيسير التحرير 2/ 225، الإحكام، الآمدي 1/ 122، مناهج العقول 1/ 161، حاشية البناني 2/ 225، شرح تنقيح الفصول ص79. 3 في ش: عن حقيقة.

ذَكَرُوا أَنَّهُ عَلَى وِزَانِ1 الْمَنْدُوبِ2. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ تَكْلِيفٌ وَمَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً3 عَلَى الأَصَحِّ4. "وَمُطْلَقُ الأَمْرِ5 لا يَتَنَاوَلُهُ" أَيْ لا يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ6. وَقِيلَ: بَلَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ7 السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ8 مِنْ أَصْحَابِنَا: هُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا9. وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَطْلُوبُ التَّرْكِ وَالْمَأْمُورَ مَطْلُوبُ الْفِعْلِ، فَيَتَنَافَيَانِ10، وَلا يَصِحُّ الاسْتِدْلال لِصِحَّةِ طَوَافِ الْمُحْدِثِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:

_ 1 في ش: زان. 2 انظر: مناهج العقول 1/ 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص63، مختصر الطوفي ص28، تيسير التحرير 2/ 225، الإحكام، الآمدي 1/ 122، شرح العضد 2/ 5. 3 ساقطة من ش. 4 صفحة 405-407. 5 انظر بيان ذلك في "المحلي على جمع الجوامع, وتقريرات الشربيني عليه 1/ 197". 6 وهو قول الشافعية وأكثر الحنابلة والجرجاني من الحنفية، لأن مطلق الأمر بالصلاة مثلاً لا يتناول الصلاة المشتملة على السدل ورفع البصر إلى السماء والالتفات ونحو ذلك من المكروهات "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص63، القواعد والفوائد الأصولية ص107، المستصفى 1/ 79، المحلي على جمع الجوامع 1/ 197، المسودة ص15". 7 ساقطة من ز ع ب ض. 8 هو رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز، أبو محمد التميمي، البغدادي، الفقيه، الواعظ، شيخ الحنابلة، تقديم في الفقه والأصول والتفسير والعربية توفي سنة 488هـ. "انظر: شذرات الذهب 3/ 384، طبقات الحنابلة 2/ 250، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 77، المنهج الأحمد 2/ 162، طبقات المفسرين 1/ 171، طبقات القراء 1/ 284". 9 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص907، وهذا ما نقله السبكي عن الحنفية أيضاً "جمع الجوامع 1/ 198". 10 انظر: مختصر الطوفي ص28، القواعد والفوائد الأصولية ص107، المستصفى 1/ 79، المحلي على جمع الجوامع 1/ 199.

{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} 1، وَلا لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ وَالْمُولاةِ2 بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آيَةِ الْوُضُوءِ: {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ} 3. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَكَذَا4 وَطْءُ الزَّوْجِ الثَّانِي فِي حَيْضٍ لا يُحِلُّهَا لِلأَوَّلِ5. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلافِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} 6 فَعِنْدَنَا لا يَتَنَاوَلُ الطَّوَافَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَلا مَنْكُوسًا7. وَعِنْدَهُمْ يَتَنَاوَلُهُ، فَإِنَّهُمْ - وَإِنْ اعْتَقَدُوا كَرَاهَتَهُ- قَالُوا فِيهِ: يُجْزِئُ، لِدُخُولِهِ تَحْتَ الأَمْرِ. وَعِنْدَنَا لا يَدْخُلُ، لأَنَّهُ لا يَجُوزُ أَصْلاً، فَلا طَوَافَ بِدُونِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَوُقُوعُهُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ8. وَعِبَارَةُ "جَمْعِ الْجَوَامِعِ" كَمَا فِي الْمَتْنِ. وَزَادَ: "خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ"9. وَاعْتَرَضَهَا10 شَارِحُهُ الْكُورَانِيُّ بِأَنَّ عَدَمَ التَّنَاوُلِ يُشْعِرُ بِصَلاحِ الْمَحَلِّ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ11 فِي الْخَارِجِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ عَدَمُ التَّنَاوُلِ لِعَدَمِ قَابِلِيَّةِ

_ 1 الآية 29 من الحج. 2 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص107، المسودة ص51. 3 الآية 6 من المائدة. 4 في ش: وإذا. 5 قال ابن قدامة: واشترط أكثر أصحابنا أن يكون الوطء حلالاً، فإن وطئها في حيض أو نفاس أو إحرام من أحدهما أو منهما، أو أحدهما صائمُ فرضٍ لم تحل، لأنه وطء حرام لحقّ الله تعالى، فلم يحصل به الإحلال. "المغني 7/ 517". 6 الآية 29 من الحج. 7 المنكوس: المقلوب، وهو الذي رجلاه إلى الأعلى، ورأسه إلى الأسفل. "المصباح المنير 2/ 966". 8 انظر: المستصفى 1/ 80. 9 جمع الجوامع 1/ 197-198. 10 في ش: واعتراضهما. 11 في ش: يصح.

الْمَحَلِّ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْكَرَاهَةِ1. وَقَوْلُهُ: "خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ": صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَائِلُونَ بِأَنَّ الأَمْرَ يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ، وَهَذَا أَمْرٌ لا يُعْقَلُ؛ لأَنَّ الْمُبَاحَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، مَعَ كَوْنِ2 طَرَفَيْهِ عَلَى حَدِّ الْجَوَازِ. فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ3 يَكُونَ الْمَكْرُوهُ مِنْ جُزْئِيَّاتِ4 الْمَأْمُورِ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ؟ وَكُتُبُهُمْ - أُصُولاً وَفُرُوعًا - مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الصَّلاةَ فِي الأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَاسِدَةٌ، حَتَّى الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُطْلَقًا5 انْتَهَى.

_ 1 هذه المسألة فرع عن مسألة الأمر والنهي في شيء واحد، والعلماء متفقون على أن الأمر والنهي أو الإيجاب والتحريم لا يحتمعان في أمر واحد بالذات، أما إذا كان له جهتان، فإن كانتا متلازمتين فلا يجتمعان كالأول، وإن كانت الجهتان غير متلازمتين فلا مانع من اجتماع الأمر والنهي أو الإيجاب والتحريم في الشيء الواحد لكن العلماء اختلفوا في تلازم الجهتين وعدم تلازمهما، كما اختلف العلماء في متعلق النهي، فقال الجمهور: إن النهي يقتضي الفساد والبطلان، بينما فرق الحنفية بين النهي الوارد على الأصول فإنه يوجب البطلان، وبين النهي الوارد على الوصف فإنه يوجب الفساد، أما النهي الوارد على أمر آخر يجاور الشيء أو يتعلق به، فلا يؤثر عليه، وبناء على ذلك اختلف العلماء في فروع كثيرة كالصلاة في الأرض المغصوبة، فقال الحنابلة بعدم صحتها، لأن الصلاة لا تكون واجبة ومحرومة في أن واحد، وقال الجمهور بصحتها، لأن الوجوب يتعلق بالصلاة، والنهي يتعلق بالغصب، وكالصلاة في الأوقات المكروهة، فقال الحنفية والمالكية بصحتها، لأن النهي على الوقت، وليس على ذات الصلاة، وقال الشافعية والحنابلة بعدم صحتها، لأن الوقت ملازم للصلاة، ثم قال الشافعية تصح الصلاة في الأماكن المكروهة، لأن المكان غير ملازم للصلاة، خلافاً للوقت، واتفق الجميع على عدم صحة الصوم في يوم النحر، لأن صوم يوم النحر لا ينفك في اليوم، ويلخص الشربيي ذلك فيقول: وحاصله تخصيص الدعوى بما يجوز انفكاك الجهتين فيه. "انظر: تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 1/ 197-198، حاشية البناني 1/ 201، أصول السرخسي 1/ 89، المسودة ص81، كشف الأسرار 1/ 177 وما بعدها، حاشية ابن عابدين 5/ 49، بدائع الصنائع 5/ 299، الفروق للقرفي 2/ 83، 183، المستصفى 1/ 95". 2 في ع: كونه. 3 في ش: بأن. 4 في ش: جزئياته. 5 إن اعتراض الكوراني على جمع الجوامع غير دقيق، وأن الصلاة في الأوقات المكروهة صحيحة =

"وَهُوَ" أَيْ الْمَكْرُوهُ "فِي عُرْفِ الْمُتَأَخِّرِينَ: لِلتَّنْزِيهِ"، يَعْنِي أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّهُمْ إذَا أَطْلَقُوا الْكَرَاهَةَ، فَمُرَادُهُمْ التَّنْزِيهُ، لا التَّحْرِيمُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ لا يَمْتَنِعُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الْحَرَامِ1، لَكِنْ قَدْ جَرَتْ

_ = ناقصة عند الحنفية وليست فاسدة، لأن الحنفية يرون أنّ الوقت ظرف للصلاة، ولذلك فأن تعلق الصلاة بالوقت تعلق مجاورة، فإن شرع المصلي بأداء العصر مثلاً، واستمرت صلاته إلى الوقت المكروه فإن صلاته صحيحة، وليست مكروهة، قال عبيد الله بن مسعود: "لما كان الوقت متسعاً جاز له شغل كل الوقت، فبعض الفساد الذي يتصل بالبناء" ثم يقول: "فاعترض الفساد بالغروب على البعض الفاسد فلا يفسد" "التوضيح على التنقيح 11/ 202". وقال البزدوي: "منها الصلاة وقت طلوع الشمس ودلوكها، مشروعية بأصلها إذ لا قبح في أركانها وشروطها، والوقت صحيح باصله، فاسد بوصفه، وهو أنه منسوب إلى الشيطان، كما جاءت به السنة، إلا أن الصلاة لا توجد بالوقت لأنها ظرفها، لا معيارها، وهو سببها، فصارت الصلاة ناقصة لا فاسدة"، ثم عقب البخاري فقال: "بخلاف الصلاة في الأرض المغصوبة، فإن المكان ليس بسبب ولا وصف، فلا يؤثر في الفساد ولا في النقصان "كشف الأسرار 1/ 277-278"، وقال السرخسي الحنفي: "لأن النهي باعتبار وصف الوقت الذي هو ظرف للأداء يُمَكّنُ نقصاناً في الأداء" "أصول السرخسي 1/ 89"، وأكد الكاساني أن صلاة النفل والتطوع مكروهة في الأوقات المكروهة، "بدائع الصنائع 1/ 295 وما بعدها"، وهذا يبين أن الأمر يتناول المكروه عند الحنفية كما جاء في "جمع الجوامع"، وأن اعترض الكوراني غير صحيح، وأن نقله عن الحنفية غير دقيق، ولذلك قال الشربيني: "فمنازعة النقل عنهم مردودة" "تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 1/ 198"، ولكن ابن اللحام نقل عن الحنفية قولين، فقال: قال الجرجاني من الحنفية لا يتناوله، وقال الرازي الحنفي يتناوله "القواعد والفوائد الأصولية ص107" وهو ما نقله المجد بن تيمية في "المسودة ص51". 1 قسم الحنفية المكروه إلى قسمين: مكروه تحريمي، ومكروه تنزيهي، والمكروه التحريمي هو ما طلب الشارع تركه طلباً جازماً بدليل ظني، مثل لبس الحرير والذهب على الرجال الثابت بالحديث الذي رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذين حرام على ذكور أمتي حلّ لإناثهم" ومثل البيع علىالبيع، والخطبة على الخطبة، وحكمه أنه إلى الحرام أقرب، وهو قسم من الحرام عند الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف، ويأخذ أحكام الحرام تقريباً من تحريم الفعل وطلب الترك واستحقاق العقاب على الفعل، ولكن لا يكفر جاحده، والمكروه التنزيهي هو ما طلب الشارع تركه طلباً غير جازم "انظر: =

عَادَتُهُمْ وَعُرْفُهُمْ: أَنَّهُمْ إذَا أَطْلَقُوهُ أَرَادُوا التَّنْزِيهَ 1 لا التَّحْرِيمَ"1. وَهَذَا مُصْطَلَحٌ لا مُشَاحَّةَ فِيهِ. "وَيُطْلَقُ" الْمَكْرُوهُ "عَلَى الْحَرَامِ"2، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ3. وَمِنْ كَلامِهِ "أَكْرَهُ الْمُتْعَةَ، وَالصَّلاةَ فِي الْمَقَابِرِ" وَهُمَا مُحَرَّمَانِ. لَكِنْ لَوْ وَرَدَ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ الْكَرَاهَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ مِنْ خَارِجٍ عَلَى التَّحْرِيمِ وَلا عَلَى التَّنْزِيهِ: فَلِلأَصْحَابِ فِيهَا وَجْهَانِ: - أَحَدُهُمَا: - وَاخْتَارَهُ الْخَلاَّلُ وَصَاحِبُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُمْ- أَنَّ الْمُرَادَ التَّحْرِيمُ4.

_ = التوضيح 3/ 80، التعريفات للجرجاني ص249، الفتح الكبير 1/ 428". وقسم بعض الشافعية المكروه إلى قسمين بحسب محل دليل النهي غير الجازم، فإن كان محل النهي مخصوصاً بأمر معين، فهو مكروه، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" رواه الستة وأحمد، وأن كان النهي غير الجازم غيرَ مخصوص بأمر معين فيكون فعله خلاف الأولى، كالنهي عن ترك المندوبات. "انظر: حاشية البناني 1/ 80، الإحكام، الآمدي 1/ 122، شرح الورقات ص29، الفتح الكبير 1/ 106، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد 2/ 5، المدخل إلى مذهب أحمد ص64، الروضة ص23، القواعد والفوائد الأصولية ص107". 1 ساقطة من ش. 2 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص63، مختصر الطوفي ص29، الروضة ص23، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد 2/ 5، إعلان الموقعين 1/ 40 وما بعدها. 3 قال ابن بدران: إن الإمامين أحمد ومالكاً يطلقانه على الحرام الذي يكون ذليله ظنياً تورعاً منهما "المدخل إلى مذهب أحمد ص64" وقال ابن القيم: وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك، حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقو لفظ الكراهية، فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهية "إعلان الموقعين 1/ 39". 4 انظر: الإنصاف 12/ 248.

- وَالثَّانِي: - وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الأَصْحَابِ-: أَنَّ الْمُرَادَ التَّنْزِيهُ1. وَمِنْ كَلامِ أَحْمَدَ: "أَكْرَهُ النَّفْخَ فِي الطَّعَامِ، وَإِدْمَانَ اللَّحْمِ وَالْخُبْزِ الْكِبَارِ"2، وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ لِلتَّنْزِيهِ. وَقَدْ وَرَدَ الْمَكْرُوهُ بِمَعْنَى الْحَرَامِ فِي قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} 3. "وَتَرْكُ الأَوْلَى4، وَهُوَ" أَيْ تَرْكُ الأَوْلَى "تَرْكُ مَا فِعْلُهُ رَاجِحٌ" عَلَى تَرْكِهِ "أَوْ عَكْسُهُ" وَهُوَ فِعْلُ مَا تَرْكُهُ رَاجِحٌ عَلَى فِعْلِهِ "وَلَوْ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ" أَيْ عَنْ التَّرْكِ "كَتَرْكِ مَنْدُوبٍ". قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَتُطْلَقُ الْكَرَاهَةُ فِي الشَّرْعِ بِالاشْتِرَاكِ عَلَى الْحَرَامِ، وَعَلَى تَرْكِ الأَوْلَى، وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ. وَقَدْ يُزَادُ: مَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَتَرَدُّدٌ5. "وَيُقَالُ لِفَاعِلِهِ" أَيْ فَاعِلِ الْمَكْرُوهِ "مُخَالِفٌ، وَمُسِيءٌ، وَغَيْرُ مُمْتَثِلٍ"6، مَعَ أَنَّهُ لا يُذَمُّ فَاعِلُهُ، وَلا يَأْثَمُ عَلَى الأَصَحِّ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ7-: أساء.

_ 1 وهو قول الطوفي "انظر: مختصر الطوفي ص29، الإنصاف 12/ 247". 2 وكراهية الخبز الكبار لأنه ليس فيه بركة كما قال الإمام أحمد "انظر: كشاف القناع 6/ 195". 3 الآية 38 من الإسراء. 4 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص63، مختصر الطوفي ص29، تيسير التحرير 2/ 225، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد: 2/ 5. 5 وهذا ما قاله الآمدي، "الإحكام، له 1/ 122" وانظر: إرشاد الفحول ص6، تيسير التحرير 2/ 225. 6 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص64. 7 ساقطة من ش.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ - فِيمَنْ أُمِرَ بِحَجَّةٍ1 أَوْ عُمْرَةٍ فِي شَهْرٍ، فَفَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ-: أَسَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ - فِي مَأْمُومٍ وَافَقَ إمَامًا فِي أَفْعَالِهِ -: أَسَاءَ. وَظَاهِرُ كَلامِ بَعْضِهِمْ: تَخْتَصُّ الإِسَاءَةُ بِالْحَرَامِ. فَلا يُقَالُ: أَسَاءَ، إلاَّ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ2. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: يَأْثَمُ بِتَرْكِ السُّنَنِ أَكْثَرَ عُمْرِهِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3. وَلأَنَّهُ مُتَّهَمٌ أَنْ يَعْتَقِدَهُ غَيْرَ سُنَّةٍ، وَاحْتَجَّا بِقَوْلِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ-: رَجُلُ سُوءٍ، مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ4. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ إطْلاقَ الإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ رَجُلُ سُوءٍ، إنَّمَا مُرَادُهُ مَنْ اعْتَقَدَ5 أَنَّهُ غَيْرُ6 سُنَّةٍ، وَتَرَكَهُ لِذَلِكَ. فَيَبْقَى كَأَنَّهُ اعْتَقَدَ السُّنَّةَ الَّتِي سَنّهَا الرَّسُولُ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] غَيْرَ سُنَّةٍ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلرَّسُولِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وَمُعَانِدٌ لِمَا سَنَّهُ، أَوْ أَنَّهُ تَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَتَرْكُهُ لَهُ7 كَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي قَلْبِهِ مَا لا يُرِيدُهُ الرَّسُولُ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] 8.

_ 1 في ش: بحجّ. 2 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص64. 3 رواه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد من حديث طويل عن أنس، ورواه مسلم وأبو داود والدارمي عن عائشة.. وأوله: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته ... " والمراد بالسنة: الطريقة، والرغبة عن السنة: الإعراض عنها، وأراد صلى الله عليه وسلم أن التارك لهديه القويم، المائل إلى الرهبانية خارج عن الاتباع، أو معناه: من تركها إعراضاً عنها، غير معتقد لها على ما هي عليه. "انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 3/ 237، صحيح مسلم 2/ 102، نيل الأوطار 6/ 113، 117، سنن النسائي 6/ 50، مسند أحمد 3/ 241، سنن الدارمي 2/ 133". 4 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص64. 5 في ب: اعتقده. 6 في ب: غيره. 7 ساقطة من ش. 8 انظر: شرح الورقات ص26.

فصل المباح

"فَصْلٌ":"الْمُبَاحُ لُغَةً: الْمُعْلَنُ وَالْمَأْذُونُ". قَالَ فِي الْبَدْرِ1 الْمُنِيرِ: "بَاحَ الشَّيْءُ بَوْحًا - مِنْ بَابِ قَالَ- ظَهَرَ، وَيَتَعَدَّى بِالْحَرْفِ، فَيُقَالُ: بَاحَ بِهِ صَاحِبُهُ، وَبِالْهَمْزَةِ أَيْضًا، فَيُقَالُ: أَبَاحَهُ، وَأَبَاحَ الرَّجُلُ مَالَهُ: أَذِنَ فِي الأَخْذِ2 وَالتَّرْكِ، وَجَعَلَهُ مُطْلَقَ الطَّرَفَيْنِ، وَاسْتَبَاحَهُ النَّاسُ: أَقْدَمُوا3 عَلَيْهِ"4. "وَشَرْعًا" أَيْ وَ5 فِي اصْطِلاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ: "مَا" أَيُّ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ مِنْ الشَّارِعِ "خَلا مِنْ مَدْحٍ وَذَمٍّ". فَخَرَجَ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ: لأَنَّ كُلاًّ مِنْ الأَرْبَعَةِ لا يَخْلُو مِنْ مَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ، إمَّا فِي الْفِعْلِ، وَإِمَّا6 فِي التَّرْكِ. وَقَوْلُهُ "لِذَاتِهِ"7 مُخْرِجٌ لِمَا تَرَكَ بِهِ حَرَامًا. فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ تَرْكِ الْحَرَامِ، وَمُخْرِجٌ أَيْضًا لِمَا تَرَكَ بِهِ وَاجِبًا، فَإِنَّهُ يُذَمُّ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، فَلا يَكُونُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ لِذَاتِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ8.

_ 1 كذا في جميع النسخ، والصواب: المصباح. 2 في ش: الأخذ منه. 3 في ز: قدموا. 4 المصباح المنير 1/ 105، وانظر: القاموس المحيط 1/ 224. 5 ساقطة من ع. 6 في ع: أو. 7 في ش "لذاته"، مما يشعر أنها من الشرع وليست من المتن. 8 انظر في تعريف المباح، "الحدود للباجي ص55-56، نهاية السول 1/ 61، جمع الجوامع 1/ 83، إرشاد الفحول ص6، المستصفى 1/ 66، المدخل إلى مذهب أحمد ص64، الإحكام، الآمدي 1/ 133، تيسير التحرير 2/ 225، المسودة ص557، الروضة ص21، مختصر الطوفي ص29، شرح تنقيح الفصول ص71".

"وَهُوَ" أَيْ وَ1 الْمُبَاحُ "وَوَاجِبٌ نَوْعَانِ" مُنْدَرِجَانِ تَحْتَ جِنْسٍ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ "لِلْحُكْمِ" مَجَازًا2. وَقِيلَ: إنَّ الْمُبَاحَ جِنْسٌ لِلْوَاجِبِ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِهِ بِأَنَّ الْمُبَاحَ وَالْوَاجِبَ مَأْذُونٌ فِيهِمَا. وَاخْتَصَّ الْوَاجِبُ بِفَصْلِ3 "الْمَنْعِ مِنْ التَّرْكِ"، وَالْمَأْذُونُ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْمُبَاحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ4. فَيَكُونُ جِنْسًا5 لَهُ6. وَأُجِيبَ: بِأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ فَصْلَ7 الْمُبَاحِ، لأَنَّ الْمُبَاحَ لَيْسَ هُوَ الْمَأْذُونُ8 فَقَطْ9، بَلْ الْمَأْذُونُ مَعَ عَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ التَّرْكِ، وَالْمَأْذُونُ بِهَذَا الْقَيْدِ: لا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، بَلْ يَكُونُ مُبَايِنًا لِلْوَاجِبِ10. قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ11 فِي "شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ": وَالْحَقُّ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ. وَذَلِكَ

_ 1 ساقطة من ش ض. 2 انظر: مختصر ابن الحاجب وشرح العضد 2/ 6، الإحكام للآمدي 1/ 125، المستصفى 1/ 73، تيسير التحرير 2/ 228، المحلي على جمع الجوامع 1/ 172، فواتح الرحموت 1/ 113. 3 في ش: بفعل. وانظر: الإحكام: 1/ 125. 4 في ز: وغيره بل يكون مبيناً للواجب. 5 في ش: جنسياً. 6 انظر: شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 6، الإحكام، للآمدي 1/ 125، المستصفى 1/ 73، تيسير التحرير 2/ 227، المحلي على جمع الجوامع 1/ 172، فواتح الرحموت 1/ 113. 7 في ش: فعل. 8 في ب: فصل المأذون. 9 في ز: فقط فلا شك أنه مشترك بين الواجب وغيره فيكون جنساً. 10 انظر: شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 7، الإحكام للآمدي 1/ 125، المستصفى 1/ 74، تيسير التحرير 2/ 228. 11 هو محمد بن محمود بن محمد بن عباد العجلي، الملقب بشمس الدين الأصفهاني، أبو عبد الله، ولد بأصفهان ثم رحل إلى بغداد فتعلم فيها، ودرس بمصر، وتولى القضاء فيها، وكان =

لأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْمُبَاحِ الْمَأْذُونُ فَقَطْ، فَلا شَكَّ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، فَيَكُونُ جِنْسًا. وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمُبَاحِ الْمَأْذُونُ، مَعَ عَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ التَّرْكِ، فَلا شَكَّ أَنَّهُ يَكُونُ نَوْعًا مُبَايِنًا لِلْوَاجِبِ، 1 وَلا يَكُونُ 1 جِنْسًا2. "وَلَيْسَ" الْمُبَاحُ "مَأْمُورًا بِهِ" عِنْدَ الأَرْبَعَةِ3. وَخَالَفَ الْكَعْبِيُّ4 وَمَنْ تَبِعَهُ5. وَجْهُ قَوْلِ الأَرْبَعَةِ: أَنَّ الأَمْرَ يَسْتَلْزِمُ تَرْجِيحَ الْفِعْلِ، 6 وَلا تَرْجِيحَ فِي 6 الْمُبَاحِ7.

_ = إماماً متكلماً فقيهاً أصولياً أدبياً شاعراً، منطقياً ورعاً متديناً كثير العبادة والمراقبة، صنف في المنطق والخلاف وأصول الفقه، شرح "المحصول" للإمام الرازي، وهو شرح حافل، وله "غاية المطلب" في المنطق، وكتاب "القواعد" في العلوم الأربعة: علم أصول الفقه وأصول الدين والخلاف والمنطق، وشرح "مختصر ابن الحاجب" وشرح "الطوالع والتجريد" في علم الكلام، وشرح "منهاج الأصول" للبيضاوي في الأصول، توفي سنة 688هـ بالقاهرةز انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 7/ 100، شذرات الذهب 5/ 406، الفتح المبين 2/ 90، فهارس المكتبة الأحمدية بتونس، حسن المحاضرة 1/ 542، بغية الوعاة 1/ 240". 1 في ش ع ب ض: فلم يكن. 2 وهذا ما ايده الامدي فقال: "وعلى كل تقدير فالمسألة لفظية، وهي محل الاجتهاد، "الإحكام 1/ 126" وهو رأي ابن عبد الشكور أيضاً. "انظر: فواتح الرحموت 1/ 113". 3 انظر: المستصفى 1/ 74، تيسير التحرير 2/ 226، الإحكام، الآمدي 1/ 124، المدخل إلى مذهب أحمد ص64، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 6، الروضة ص23، مختصر الطوفي ص29، نهاية السول 1/ 140، مناهج العقول 1/ 140، المحلي على جمع الجوامع 1/ 172، فواتح الرحموت 1/ 113. 4 هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعْبي، البلْخي، أبو القاسم، وهو رأس طائفة من المعتزلة، تسمى الكعبية، له آراء خاصة في علم الكلام والأصول، وله مؤلفات في علم الكلام، توفي سنة 319هـ. وقال ابن خلكان وابن كثير: 317هـ. "انظر: وفيات الأعيان 2/ 248، شذرات الذهب 2/ 281، البداية والنهاية 11/ 284، الفتح المبين 1/ 170". 5 في ش: وافقه وتبعه. 6 في ش: لا ترجيح. 7 انظر: شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 7، الإحكام، للأمدي 1/ 125، المستصفى 1/ 74، تيسير التحرير 2/ 228.

قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَمِنْ الْعَجَبِ 1 مَا حُكِيَ عَنْ الْكَعْبِيِّ وَ 1 إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَابْنِ بُرْهَانٍ وَالآمِدِيِّ2: مِنْ إنْكَارِ الْمُبَاحِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَأَنَّهُ لا وُجُودَ لَهُ أَصْلاً، وَهُوَ خِلافُ الإِجْمَاعِ3. "وَلا مِنْهُ" أَيْ مِنْ الْمُبَاحِ "فِعْلُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ"4 قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ،

_ 1 في ز: ما حكى الكعبي عن. وفي ع ب ض/ ما حكى عن الكعبي. 2 قال الآمدي: "وقد اعترض عليه "على الكعبي" من لا يعلم غور كلامه"، ثم قال: "وبالجملة وإن استبعده من استبعده فهو في غاية الغوص والإشكال، وعسى أن يكون عند غيري حله" "الإحكام 1/ 124، 135"، وقد اعتبر ابن السبكي والمحلي وابن الحاجب أن الخلاف لفظي بناء على توجيه الكعبي لمذهبه "جمع الجوامع، والمحلي عليه 1/ 173، مختصر ابن الحاجب 1/ 6" وانظر: تيسير التحرير 2/ 227، نهاية السول 1/ 142، وقال المجد بن تيمية: "وقوّي ابنْ بَرْهان مذهبه "الكعبي" بناء على تقدير صحة من قال: إن النهي عن الشيء ذي الأضداد أمر بواحد منها، ورد الجوني عليه هذا الأصل، وهذا لا إشكال فيه" "المسودة ص65". 3 أجمعت الأمة على انقسام الأحكام الشرعية إلى إيجاب وندب وإباحة وكراهية وتحريم، فمنكر المباح يكون خارقاً للإجماع، وأوَّل الكعبي الإجماع بأنه إجماع على وجود المباح باعتبار الفعل في ذاته، مع قطع النظر عما يستلزمه ويحصل به: من ترك حرام، أما ما يلزم عن الفعل من ترك حرام فلا إجماع فيه. واحتج الكعبي بأن كل فعل يوصف بالإباحة يكون وسيلة لترك الحرام، وذلك بالاشتغال به، وترك الحرام واجب، وكل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وردّ عليه: بأن المباح ليس هو نفس ترك الحرام، وإنما هو شيء يترك به الحرام، مع إمكان ترك الحرام بغيره، فهو أخص من ترك الحرام، وأنَّ كلام الكعبي يترتب عليه أن يكون المندوب واجباً، لأنه يشغل به عن الحرام، وأن يكون الحرام واجباً، إذا شغل به عن حرام آخر، وأن يكون الواجب حراماً إذا شغل به عن واجب آخر. "انظر: المسودة ص65، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 6، الإحكام، الآمدي 1/ 124، تيسير التحرير 2/ 226، نهاية السول 1/ 142، المستصفى 1/ 74، فواتح الرحموت 1/ 114". 4 هذا الحكم فرع عن أصل مختلف فيه بين أهل السنة والمعتزلة، وهو: هل المباح حكم شرعي؟ قالت المعتزلة: الإجابة ليست حكماً شرعياً، بل حكم عقلي، لأن المباح ما انتفى الحرج =

فَإِنَّهُ قَالَ: "الْمُبَاحُ هُوَ1 كُلُّ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ لِفَاعِلِهِ، لا ثَوَابَ لَهُ عَلَى فِعْلِهِ وَلا عِقَابَ فِي تَرْكِهِ". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: "فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ فِعْلِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ2. "وَيُسَمَّى" الْمُبَاحُ "طِلْقًا وَحَلالاً"3. قَالَ فِي "الْقَامُوسِ": "الطِّلْقُ: الْحَلالُ"4. وَقَالَ5 فِي الْبَدْرِ6 الْمُنِيرِ: "وَشَيْءٌ طِلْقٌ - وِزَانُ حِمْلٍ- أَيْ حَلالٌ7. وَافْعَلْ هَذَا طَلْقًا لَكَ: أَيْ حَلالاً8، وَيُقَالُ: الطِّلْقُ الْمُطْلَقُ، الَّذِي يَتَمَكَّنُ

_ = عن فعله وتركه، وذلك ثابت قبل ورود الشرع، ومستمر بعده، فلا يكون حكماً شرعياً، ومعنى إباحة الشيء تركه على ما كان قبل الشرع، وقال أهل السنة، الإباحة حكمٌ شرعيٌ، وهي خطاب الله تعالى بتخيير المكلف بين الفعل وبين الترك مطلقاً، أو خطاب الله تعالى بعدم المدح والذم على فاعله مطلقاً، أو لا ثواب على فعله، ولا عقاب على تركه، وبناء على ذلك فالخطاب موجه إلى المكلفين، أما غير المكلف فلا يوصف فعله بالإباحة، وهذا الاختلاف مع المعتزلة متفرع عن الاختلاف معهم في الحسن والقبيح، ولذلك قال المصنف سابقاً "ص 307": "الحسن ما لفاعله، وعكسه"، ثم قال: "ولا يوصف فعل غير مكلف من صغير ومجنون بحسن ولا قبح". "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص64، الإحكام، للآمدي 1/ 124، الروضة ص21، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 6، شرح تنقيح الفصول ص70، نهاية السول 1/ 63"، وسيذكر الاختلاف مع المعتزلة في ذلك ص428. 1 ساقطة من ش. 2 المسودة ص577. 3 انظر: إرشاد الفحول ص6، المدخل إلى مذهب أحمد ص64، نهاية السول 1/ 63. 4 القاموس المحيط 3/ 267. 5 في ع: قال. 6 كذا في ش ز ع ب ض د: والصواب: المصباح. 7 في ش: حلال، ويقال: الطلق المطلق. 8 في ز ع: حلالا لك.

صَاحِبُهُ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ، فَيَكُونُ: فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، مِثْلُ: الذِّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ. وَأَعْطَيْته مِنْ طِلْقِ مَالِي: أَيْ مِنْ حِلِّهِ1، أَوْ مِنْ مُطْلَقِهِ2". انْتَهَى. "وَيُطْلَقُ" مُبَاحٌ "وَحَلالٌ عَلَى غَيْرِ الْحَرَامِ"3، فَيَعُمُّ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمَكْرُوهَ وَالْمُبَاحَ4، لَكِنَّ الْمُبَاحَ يُطْلَقُ عَلَى الثَّلاثَةِ، وَالْحَلالَ عَلَى الأَرْبَعَةِ. فَيُقَالُ لِلْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ: مُبَاحٌ5. وَيُقَالُ لِهَذِهِ الثَّلاثَة، وَلِلْمُبَاحِ6: حَلالٌ، لَكِنْ إطْلاقُ الْمُبَاحِ عَلَى مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ هُوَ الأَصْلُ7. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً} 8. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: "وَسَلَكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ فِي تَقْسِيمِ الْحُكْمِ، فَقَالَ: الْحُكْمُ قِسْمَانِ: تَحْرِيمٌ وَإِبَاحَةٌ"9. وَفِي "تَعْلِيقَةِ" الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: إنَّهَا ثَلاثَةٌ: إيجَابٌ، وَحَظْرٌ، وَإِبَاحَةٌ". "وَالإِبَاحَةُ: إنْ أُرِيدَ بِهَا خِطَابُ" الشَّرْعِ "فَـ" ـهِيَ "شَرْعِيَّةٌ، وَإِلاَّ"

_ 1 في ش: جله. 2 المصباح المنير 2/ 575. 3 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص64، شرح تنقيح الفصول ص70. 4 في ش: والمباح، ويقال لهذه الثلاثة. 5 وقد وردت السنة في ذلك، روى أبو داود وابن ماجة والحاكم عن ابن عمر رصي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". فالطلاق من الحلال الجائز الفعل ولكنه من أشد المكروهات. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص71، سنن ابي داود 2/ 343، سنن ابن ماجة 1/ 650، المستدرك 2/ 196". 6 في ز: والمباح. 7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص71. 8 الآية 59 من يونس. 9 انظر: شرح تنقيح الفصول ص70.

أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرَدْ بِهَا ذَلِكَ لِتَحَقُّقِهَا قَبْلَ الشَّرْعِ "فَعَقْلِيَّةٌ" وَهَذَا الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ1. وَخَالَفَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ. فَقَالُوا: الْمُبَاحُ مَا اقْتَضَى نَفْيَ الْحَرَجِ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ قَبْلَ الشَّرْعِ وَبَعْدَهُ2. قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّ النِّزَاعَ فِيهِ لَفْظِيٌّ. فَإِنْ أُرِيدَ بِالإِبَاحَةِ عَدَمُ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ: فَلَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، لأَنَّهُ قَبْلَ الشَّرْعِ مُتَحَقِّقٌ وَلا حُكْمَ قَبْلَهُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا3 الْخِطَابُ الْوَارِدُ مِنْ الشَّرْعِ بِانْتِفَاءِ الْحَرَجِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَهِيَ مِنْ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ4. "وَتُسَمَّى" الإِبَاحَةُ "شَرْعِيَّةً بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ، أَوْ" بِمَعْنَى "الإِذْنِ" قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ5. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي "الرَّوْضَةِ" - لَمَّا قَسَّمَ الأَفْعَالَ-: "وَقِسْمٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِدَلِيلٍ مِنْ أَدِلَّةِ السَّمْعِ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ6 طَلَبُ فِعْلٍ وَلا تَرْكٍ. فَالْمُكَلَّفُ بِهِ مُخَيَّرٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لا حُكْمَ لَهُ7". "وَالْجَائِزُ8 لُغَةً: الْعَابِرُ".

_ 1 انظر: الروضة ص21، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 6، شرح تنقيح الفصول ص70، تيسير التحرير 2/ 225، المسودة ص36، المستصفى 1/ 75، الإحكام، الآمدي 1/ 124، نهاية السول 1/ 63، المدخل إلى مذهب أحمد ص64، مختصر الطوفي ص19. 2 المراجع السابقة. 3 في ش: بالإباحة عدم الفعل عن الحرج. 4 وهذا ما صرح به الآمدي "الإحكام، له 1/ 124" وانظر: المسودة ص36، المستصفى 1/ 75. 5 انظر: المسودة ص36-37. 6 كذا في الروضة، وفي ش: به، وساقطة من ز ع ب ض. 7 الروضة ص22، وانظر: المستصفى 1/ 75. 8 ذكر المصنف الجائز بعد المباح، لأن المباح اسم من أسماء الجائز "شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 6".

قَالَ فِي الْبَدْرِ1 الْمُنِيرِ: "جَازَ الْمَكَانَ يَجُوزُهُ جَوْزًا وَجَوَازًا. سَارَ فِيهِ، وَأَجَازَهُ بِالأَلِفِ: قَطَعَهُ، وَأَجَازَهُ أَنْفَذَهُ، وَجَازَ الْعَقْدُ وَغَيْرُهُ: نَفَذَ2 وَمَضَى عَلَى الصِّحَّةِ. وَأَجَزْتُ الْعَقْدَ أَمْضَيْتُهُ. وَجَعَلْته جَائِزًا نَافِذًا"3. "وَ" الْجَائِزُ "اصْطِلاحًا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ: "يُطْلَقُ عَلَى مَا لا يَمْتَنِعُ شَرْعًا، فَيَعُمُّ غَيْرَ الْحَرَامِ4" مُبَاحًا كَانَ أَوْ وَاجِبًا، أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا. "وَ" يُطْلَقُ الْجَائِزُ فِي عُرْفِ الْمَنْطِقِيِّينَ عَلَى مَا لا يَمْتَنِعُ "عَقْلاً"5، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُمْكِنِ الْعَامِّ "فَيَعُمُّ كُلَّ مُمْكِنٍ". "وَهُوَ" أَيْ وَالْمُمْكِنُ "مَا جَازَ وُقُوعُهُ حِسًّا" أَيْ مَا جَازَ أَنْ يَقَعَ وُقُوعًا يُدْرَكُ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ "أَوْ وَهْمًا" يَعْنِي أَوْ مَا جَازَ أَنْ يَقَعَ فِي الْوَهْمِ "أَوْ شَرْعًا" يَعْنِي أَوْ مَا جَازَ أَنْ يَقَعَ فِي الشَّرْعِ6. "وَ" يُطْلَقُ الْجَائِزُ أَيْضًا "عَلَى مَا اسْتَوَى فِيهِ الأَمْرَانِ شَرْعًا كَمُبَاحٍ، وَ" عَلَى مَا اسْتَوَى فِيهِ الأَمْرَانِ "عَقْلاً7، كَفِعْلِ صَغِيرٍ".

_ 1 كذا في جميع النسخ، والصواب: المصباح. 2 في ع: نفذه. 3 المصباح المنير 1/ 180، وانظر: القاموس المحيط 2/ 176. 4 انظر تعريف الجائز في الاصطلاح الشرعي في "الحدود للباجي ص59، المدخل إلى مذهب أحمد ص65، المسودة ص577، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 6، الإحكام، للآمدي 1/ 126، تيسير التحرير 2/ 225". 5 أي سواء كان واجباً أو راجحاً أو متساوي الطرفين أو مرجوحاً. "انظر: شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 6". 6 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص65. 7 ما استوى فيه الأمران شرعاً وعقلاً عند المخْبر بجوازه وبالنظر إلى عقله، وإن كان أحدهما في نفس الأمر واجباً أو راجحاً. "انظر: حاشية التفتازاني على العضد 2/ 6".

"وَ" يُطْلَقُ الْجَائِزُ أَيْضًا "عَلَى مَشْكُوكٍ فِيهِ فِيهِمَا" أَيْ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ1 "بِالاعْتِبَارَيْنِ"2. وَالأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الْخَمْسَةُ لَهَا نَظَائِرُ مِنْ الأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ، نَظِيرُ3 الْوَاجِبِ الشَّرْعِيِّ: ضَرُورِيُّ الْوُجُودِ4، وَهُوَ الْوَاجِبُ عَقْلاً، وَنَظِيرُ الْمُحَرَّمِ: الْمُمْتَنِعُ، وَنَظِيرُ الْمَنْدُوبِ: الْمُمْكِنُ الأَكْثَرِيُّ، وَنَظِيرُ الْمَكْرُوهِ: الْمُمْكِنُ الأَقَلِّيُّ، وَنَظِيرُ الْمُبَاحِ: الْمُمْكِنُ الْمُتَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ. "وَلَوْ نُسِخَ وُجُوبُ" فِعْلٍ "بَقِيَ الْجَوَازُ" فِيهِ "مُشْتَرَكًا بَيْنَ نَدْبٍ وَإِبَاحَةٍ"5 فَيَبْقَى6 الْفِعْلُ إمَّا مُبَاحًا، أَوْ مَنْدُوبًا. لأَنَّ الْمَاهِيَةَ الْحَاصِلَةَ بَعْدَ النَّسْخِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ قَيْدَيْنِ: أَحَدُهُمَا: زَوَالُ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الأَمْرِ. وَالثَّانِي: زَوَالُ الْحَرَجِ عَنْ التَّرْكِ، وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ النَّاسِخِ. وَهَذِهِ الْمَاهِيَّةُ صَادِقَةٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ، فَلا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا بِخُصُوصِهِ7. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَرَجَّحَهُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ وَالْمُتَأَخِّرُونَ. وَحُكِيَ عَنْ الأَكْثَرِ8.

_ 1 انظر استعمال الجائز في معان أخرى في "الحدود للباجي ص59، المسودة ص577". 2 أي باعتبار العقل أو الشرع، وهما استواء الطرفين وعدم الامتناع، يعني في النفس، ولا يجزم بعدمه إذا كان جانب وجوده راجحاً. "انظر: حاشية التفتازاني على العضد 2/ 5، المدخل إلى مذهب أحمد ص65، مختصر ابن الحاجب 2/ 5، تيسير التحرير 2/ 225". 3 في ش: نظير. 4 في ش: الوجوب. 5 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص65، القواعد والفوائد الأصولية ص163، نهاية السول 1/ 136، مناهج العقول للبدخشي 1/ 136، جمع الجوامع 1/ 174. 6 في ع: فبقي. 7 انظر: نهاية السول 1/ 139، المحلي على جمع الجوامع 1/ 174. 8 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص65، القواعد والفوائد الأصولية ص163، المسودة ص16، نهاية السول 1/ 138.

وَقَالَ1 الْقَاضِي فِي "الْعُدَّةِ"، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي "التَّمْهِيدِ"، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْوَاضِحِ"، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي "الْمُقْنِعِ". يَبْقَى النَّدْبُ2، لأَنَّ الْمُرْتَفِعَ: التَّحَتُّمُ3 بِالطَّلَبِ، فَإِذَا زَالَ التَّحَتُّمُ، بَقِيَ أَصْلُ الطَّلَبِ، وَهُوَ النَّدْبُ، فَيَبْقَى الْفِعْلُ مَنْدُوبًا4. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَذَهَبَتْ5 طَائِفَةٌ: إلَى أَنَّ الْخِلافَ لَفْظِيٌّ، مِنْهُمْ: ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ6، وَالْهِنْدِيُّ، لأَنَّا إنْ7 فَسَّرْنَا الْجَوَازَ بِنَفْيِ الْحَرَجِ، فَلا شَكَّ أَنَّهُ

_ 1 في ش: وقاله. 2 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص65، جمع الجوامع 1/ 175. 3 في ع: تحتم. 4 نقل ابن بدران قولا ثالثاً، ورجحه، فقال: وقيل: تبقى الإباحة، وهو مثل القول بالجواز. وهو المختار "المدخل إلى مذهب أحمد ص65". وذهب القاضي أبو يعلى وأبو محمد التميمي، واختاره ابن برْهان والإمام الغزالي والحنفية، إلى أنه لا يدل على الندب أو الإباحة، وإنما يرجع إلى ماكان عليه من البراءة الأصلية، أو الإباحة، أو التحريم، لأن اللفظ موضوع لإفادة الوجوب دون الجواز، وإنما الجواز تبع، للوجوب، إذ لا يجوز أن يكون واجباً لا يجوز فعله، فإذا نسخ الوجوب وسقط، سقط التابع له، وهو نظير قول الفقهاء، إذا بطل الخصوص بقي العموم. "وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص163، المسودة ص16، المستصفى 1/ 73، نهاية السول 1/ 136، 140، مناهج العقول 1/ 136، المدخل إلى مذهب أحمد ص56". 5 في ز: فذهب. 6 هو عبد الله بن محمد بن أحمد، الشريف الحسني، أبو محمد، الإمام العلامة المحقق الحافظ الجليل المتفنن المتقن، أبن الإمام العلامة الجحة النظار أبي عبد الله الشريف التلمساني إمام وقته بلا مدافع، وكان أبوه محمد من أكابر علماء تلمسان ومحققيهم كأبيه، ولد سنة 748هـ فنشأ على عفة وصيانة وجدِّ، مرضي الأخلاق، محمود الأحوال، موصوفاً بالنبل والفهم والحذق والحرص على طلب العلم، أخذ عن أبيه، وتوفي غريقاً سنة 792هـ أثناء انصرافه من مالقة إلى تلمسان. "انظر: نيل الابتهاج ص150، شجرة النور الزكية ص234، الفكر السامي، للحجوري 4/ 83"، وفي ش: التلمساني. 7 ساقطة من ش.

جِنْسٌ لِلْوَاجِبِ، فَإِذَا1 رُفِعَ الْوُجُوبُ وَحْدَهُ، فَلا يَلْزَمُ ارْتِفَاعُهُ. وَإِنْ فَسَّرْنَاهُ بِالأَعَمِّ2، أَوْ بِالإِبَاحَةِ، أَوْ بِالنَّدْبِ: فَخَاصَّتُهَا فِي خَاصَّةِ الْوُجُوبِ. فَلَيْسَ شَيْءٌ3 مِنْهَا جِنْسًا لِلْوُجُوبِ. فَإِذَا رُفِعَ الْوُجُوبُ لا يُوجَدُ إلاَّ بِدَلِيلٍ يَخُصُّهَا فَلا نِزَاعَ، لأَنَّ الأَقْوَالَ لَمْ تَتَوَارَدْ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ يَخُصُّهَا4. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ الَّذِي يُعِيدُ5 الْحَالَ إلَى6 مَا كَانَ قَبْلَ الإِيجَابِ: مِنْ إبَاحَةٍ، أَوْ تَحْرِيمٍ، أَوْ كَرَاهَةٍ7، غَيْرُ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ حُدُوثِ الإِيجَابِ بَعْدَ ذَلِكَ: أَنْ تَبْقَى إبَاحَةٌ8 شَرْعِيَّةٌ، أَوْ نَدْبٌ كَمَا قُرِّرَ، حَتَّى يُسْتَدَلَّ أَنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ بِذَلِكَ الأَمْرِ الَّذِي نُسِخَتْ خَاصَّةُ التَّحَتُّمِ9 بِهِ، وَبَقِيَّةُ مَا تَضَمَّنَتْهُ10 بَاقِيَةٌ، فَلا يَكُونُ الْخِلافُ لَفْظِيًّا، بَلْ مَعْنَوِيًّا11، لأَنَّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ مَجِيءِ أَمْرِ الإِيجَابِ حَرَامًا، وَأُعِيدَ الْحَالُ إلَى ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا. وَمَنْ يَقُولُ: يَبْقَى12 الْجَوَازُ، لا يَكُونُ حَرَامًا.

_ 1 في ز ع: وإذا. 2 أي بالمعنى الأعم: وهو الإذن بالفعل "انظر: مناهج العقول 1/ 137"، وفي ع ب ز ض: بالإباحة أو بالأعم. 3 في ع: في شيء. 4 ساقطة من ز ع ض. 5 في ش: يفيد. 6 في ع: على. 7 هذا الجواب بناء على القول الذي ذكرناه سابقاً في "ص431 هامش 4" عن القاضي أبي يعلى وأبي محمد التميمي وابن برهان والغزالي والحنفية بعودة الباقي إلى أصله قبل ورود الشرع. 8 في ع: اباحته. 9 في ش: التحريم. 10 في ش ز ع ب: تضمنه. 11 انظر: نهاية السول 1/ 138. 12 في ش: ينفي.

"وَلَوْ صُرِفَ نَهْيٌ عَنْ تَحْرِيمِ" شَيْءٍ "بَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ" فِيهِ "حَقِيقَةً" عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ1. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْمُسَوَّدَةِ": "إذَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ2 لَيْسَ لِلْفَسَادِ، لَمْ يَكُنْ مَجَازًا، لأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ جَمِيعِ مُوجِبِهِ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ عَنْ بَعْضِ مُوجِبِهِ، كَالْعُمُومِ الَّذِي خَرَجَ3 بَعْضُهُ، بَقِيَ حَقِيقَةً4 فِيمَا بَقِيَ5، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ: وَكَذَا إذَا قَامَتْ الدَّلالَةُ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ التَّحْرِيمِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى نَهْيًا حَقِيقَةً عَلَى التَّنْزِيهِ، كَمَا إذَا قَامَتْ دَلالَةُ الأَمْرِ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ"6.

_ 1 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص56، القواعد والفوائد الأصولية ص193. 2 في ش: الفساد للنهي. 3 كذا في جميع النسخ، وفي المسودة: إذا خرج. 4 كذا في المسودة، وفي ض، وفي بقية النسخ: حقيقته. 5 في د ض: يقي له. 6 المسودة ص84.

فصل خطاب الوضع

"فَصْلٌ":"خِطَابُ الْوَضْعِ" فِي اصْطِلاحِ الأُصُولِيِّينَ: "خَبَرٌ" أَيْ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ، بِخِلافِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ "اُسْتُفِيدَ مِنْ نَصْبِ1 الشَّارِعِ2عَلَمًا3 مُعَرِّفًا لِحُكْمِهِ"4. وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ خِطَابِهِ فِي كُلِّ حَالٍ5 وَفِي كُلِّ وَاقِعَةٍ، بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ، حَذَرًا6 مِنْ تَعْطِيلِ أَكْثَرِ الْوَقَائِعِ عَنْ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ7. وَ8 سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ شَيْءٌ وَضَعَهُ اللَّهُ9 فِي شَرَائِعِهِ. أَيْ جَعَلَهُ دَلِيلاً وَسَبَبًا وَشَرْطًا، لا أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ عِبَادَهُ، وَلا أَنَاطَهُ بِأَفْعَالِهِمْ، مِنْ حَيْثُ هُوَ خِطَابُ وَضْعٍ، وَلِذَلِكَ لا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ فِي أَكْثَرِ خِطَابِ الْوَضْعِ10، كَالتَّوْرِيثِ وَنَحْوِهِ11.

_ 1 في ز: نصيب. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: علم. 4 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص65، مختصر الطوفي ص30، التوضيح على التنقيح 3/ 90، تيسير التحرير 2/ 128، المحلي على جمع الجوامع 1/ 86، وفي ض: للحكم. 5 انظر: مختصر الطوفي ص30. 6 في ز: جذارا. 7 قال ابن قدامة: "اعلم أنه لما عسْر على الخلق معرفةٌ خطاب الله تعالى في كل حال أظهر خطابه لهم بأمور محسوسة جعلها مقتضية لأحكامها، على مثال أقتضاء العلة المحسوسة معلولها، وذلك شيئان، أحداهما: العلة، والثاني السبب، ونصبْهما مقتضيين لأحكامهما حكمٌ من الشارع" "الروضة ص30" وانظر: المستصفى 1/ 93، أصول السرخسي 2/ 302. 8 ساقطة من ش ع ب ض. 9 غير موجودة في ش ع ب ض. 10 في ش: العلم لوضع. 11 انظر: تنقيح الفصول ص89-80، الإحكام، للآمدي 1/ 127.

قَالَ الطُّوفِيُّ فِي "شَرْحِهِ": وَيُسَمَّى1 هَذَا2 النَّوْعُ خِطَابَ الْوَضْعِ وَالإِخْبَارِ3. أَمَّا مَعْنَى الْوَضْعِ: فَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ وَضَعَ - أَيْ شَرَعَ- أُمُورًا، سُمِّيَتْ أَسْبَابًا وَشُرُوطًا وَمَوَانِعَ، يُعْرَفُ عِنْدَ وُجُودِهَا أَحْكَامُ الشَّرْعِ مِنْ إثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ. فَالأَحْكَامُ تُوجَدُ بِوُجُودِ الأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ، وَتَنْتَفِي4 بِوُجُودِ الْمَانِعِ وَانْتِفَاءِ الأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ. وَأَمَّا مَعْنَى الإِخْبَارِ: فَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ بِوَضْعِ هَذِهِ الأُمُورِ: أَخْبَرَنَا بِوُجُودِ أَحْكَامِهِ وَانْتِفَائِهَا، عِنْدَ وُجُودِ تِلْكَ الأُمُورِ5 وَانْتِفَائِهَا. كَأَنَّهُ قَالَ مَثَلاً: إذَا وُجِدَ النِّصَابُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَالْحَوْلُ الَّذِي هُوَ شَرْطُهُ، فَاعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت عَلَيْكُمْ أَدَاءَ الزَّكَاةِ، وَإِنْ وُجِدَ الدَّيْنُ الَّذِي هُوَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهَا، أَوْ انْتَفَى السَّوْمُ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِهَا فِي السَّائِمَةِ. فَاعْلَمُوا أَنِّي لَمْ أُوجِبْ عَلَيْكُمْ الزَّكَاةَ. وَكَذَا الْكَلامُ فِي الْقِصَاصِ وَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَغَيْرِهَا، بِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِ أَسْبَابِهَا وَشُرُوطِهَا، وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا وَعَكْسِهِ"6. انْتَهَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَ خِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابِ التَّكْلِيفِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ: أَنَّ الْحُكْمَ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ هُوَ قَضَاءُ الشَّرْعِ عَلَى الْوَصْفِ بِكَوْنِهِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ مَانِعًا، وَخِطَابِ التَّكْلِيفِ: لِطَلَبِ أَدَاءِ مَا تَقَرَّرَ7 بِالأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ

_ 1 ساقطة من ش، وفي ب ض: وسمي. 2 في ش: وهذا. 3 وهو تسمية المجد بن تيمية "المسودة ص80". 4 في ز ب: وتنفى. 5 في د ض: أو. 6 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص65، المسودة ص80. 7 في ز: قرر.

وَالْمَوَانِعِ1. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ: أَنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْفِعْلِ وَكَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ2، كَالصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهَا، عَلَى مَا سَبَقَ فِي شُرُوطِ التَّكْلِيفِ3. وَأَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ: فَلا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ مَا اُسْتُثْنِيَ4. أَمَّا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ: فَكَالنَّائِمِ يُتْلِفُ شَيْئًا حَالَ نَوْمِهِ، وَالرَّامِي إلَى صَيْدٍ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ، فَيَقْتُلُ إنْسَانًا، فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا، وَكَالْمَرْأَةِ تَحِلُّ بِعَقْدِ وَلِيِّهَا عَلَيْهَا، وَتَحْرُمُ بِطَلاقِ زَوْجِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لا تَعْلَمُ ذَلِكَ. وَأَمَّا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ وَالْكَسْبِ5: فَكَالدَّابَّةِ تُتْلِفُ شَيْئًا، وَالصَّبِيِّ أَوْ6 الْبَالِغِ يَقْتُلُ خَطَأً، فَيَضْمَنُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَالْعَاقِلَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ وَالإِتْلافُ مَقْدُورًا وَلا مُكْتَسَبًا لَهُمْ7. وَطَلاقُ الْمُكْرَهِ عِنْدَ مَنْ يُوقِعُهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ بِمُطْلَقِ الإِكْرَاهِ أَوْ مَعَ الإِلْجَاءِ8.

_ 1 انظر: تيسير التحرير 2/ 128، حاشية البناني وشرح المحلي على جمع الجوامع 1/ 84، الفروق 1/ 116. 2 انظر: أدلة ذلك في "شرح تنقيح الفصول ص78، وما بعدها، الفروق 1/ 161". 3 لم يسبق للمصنف ذكر شروط التكليف، لكنه ذكرها فيما بعد في فصل التكليف. 4 انظر: شرح تنقيح الفصول ص78، التمهيد ص25. 5 في ز: على الكسب. 6 في ز: و. 7 انظر: الفروق 1/ 162. 8 إذا كان الإكراه بحق فقد اتفق الفقهاء على وقوع الطلاق، كما إذا أكرهه الحاكم على الطلاق، أما إذا كان الإكراه بغير حق، فقال جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة بعدم وقوع الطلاق، لاشتراط القصد فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا =

وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ: "وَلا يُشْتَرَطُ لَهُ تَكْلِيفٌ، وَلا كَسْبٌ، وَلا عِلْمٌ، وَلا قُدْرَةٌ"1. وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ قَاعِدَتَانِ: أُشِيرَ إلَى الأُولَى مِنْهُمَا2 بِقَوْلِهِ: "إلاَّ سَبَبَ عُقُوبَةٍ"3 كَالْقِصَاصِ. فَإِنَّهُ لا يَجِبُ عَلَى مُخْطِئٍ فِي الْقَتْلِ، لِعَدَمِ الْعِلْمِ، وَحَدِّ الزِّنَا، فَإِنَّهُ لا يَجِبُ عَلَى مِنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ، لِعَدَمِ الْعِلْمِ أَيْضًا، وَلا عَلَى مَنْ أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا، لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الامْتِنَاعِ؛ إذْ الْعُقُوبَاتُ تَسْتَدْعِي وُجُودَ الْجِنَايَاتِ الَّتِي تُنْتَهَكُ بِهَا حُرْمَةُ الشَّرْعِ، زَجْرًا عَنْهَا وَرَدْعًا، وَالانْتِهَاكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالاخْتِيَارِ. وَالْمُخْتَارُ لِلْفِعْلِ: هُوَ الَّذِي إنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ قَدْ انْتَفَى ذَلِكَ فِيهِمَا، وَهُوَ شَرْطُ تَحَقُّقِ الانْتِهَاكِ لانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، فَتَنْتَفِي الْعُقُوبَةُ لانْتِفَاءِ سَبَبِهَا. وَأَمَّا الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: فَأُشِيرَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: "أَوْ" إلاَّ "نَقْلُ مِلْكٍ" كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ. فَلَوْ تَلَفَّظَ بِلَفْظٍ

_ = عليه" رواه ابن ماجة عن ابن عباس مرفوعاً، وصححه ابن حبان، واستنكره أبو حاتم، ورواه ابن عدي وضعفه، ورواه البهقي عن ابن عمر، ورواه الطبراني عن ثوبان، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" ورواه أبو داود وابن ماجة والحاكم وأحمد عن عائشة مرفوعاً، وقال الحنفية يقع طلاق المكره، لأنهم لا يشترطون الرضا للطلاق، وقالوا: إن الإكراه يزيل الرضا لا الاختيار، والمكره اختار الطلاق دون غيره. 1 انظر: التمهيد ص25، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 85، الفروق 1/ 161. 2 ساقطة من ض. 3 انظر: مختصر الطوفي ص80، شرح تنقيح الفصول ص79، 80، الفروق 1/ 162.

نَاقِلٍ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ مُقْتَضَاهُ، لِكَوْنِهِ أَعْجَمِيًّا بَيْنَ الْعَرَبِ1، أَوْ عَرَبِيًّا بَيْنَ الْعَجَمِ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ: لَمْ يَلْزَمْهُ مُقْتَضَاهُ2. وَالْحِكْمَةُ فِي اسْتِثْنَاءِ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ: عَدَمُ تَعَدِّي الشَّرْعِ قَانُونَ الْعَدْلِ فِي الْخَلْقِ، وَالرِّفْقِ بِهِمْ، وَإِعْفَائِهِمْ عَنْ تَكْلِيفِ الْمَشَاقِّ، أَوْ التَّكْلِيفِ بِمَا لا يُطَاقُ، وَهُوَ حَلِيمٌ3. "وَأَقْسَامُهُ" أَيْ أَقْسَامُ خِطَابِ الْوَضْعِ أَرْبَعَةٌ "عِلَّةٌ، وَسَبَبٌ، وَشَرْطٌ، وَمَانِعٌ". قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": "وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعِلَّةِ: هَلْ هِيَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَمْ لا؟ قَالَ: فَنَحْنُ تَابَعْنَا 4 بِذِكْرِهَا هُنَا الشَّيْخَ"4 - يَعْنِي الْمُوَفَّقَ- فِي "الرَّوْضَةِ"5، وَالطُّوفِيَّ6 وَابْنَ قَاضِي الْجَبَلِ"7.

_ 1 في ش: العجم. 2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص80، الفروق 1/ 162. 3 ويؤيد ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود وأحمد عن خيفة الرقاشي مرفوعاً: "لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس". "انظر: الفتح الكبير 3/ 359، الفروق 1/ 162، مسند أحمد 5/ 72". 4 في ز: الشيخ بذكرها هنا. 5 الروضة ص30. 6 مختصر الطوفي ص31. 7 أن الاختلاف في اعتبار العلة من خطاب الوضع أم لا يعود إلى اختلاف العلماء في العلاقة بين العلة والسبب، فقال بعض العلماء، إنهما بمعنى واحد. وقال آخرون: إنهما متغايران، وخصوا العلة بالأمارة المؤثرة التي تظهر فيها المناسبة بينهما وبين الحكم، وخصوا السبب بالإمارة غير المؤثرة في الحكم، وقال أكثر العلماء: إن السبب أعم من العلة مطلقاً، فكل علة سبب ولا عكس، وأن السبب يشمل الأسباب التي ترد في المعاملات والعقوبات، ويشمل العلة التي تدرس في القياس، والفرق بينهما أن الصفة التي يرتبط بها الحكم إن كانت لا يدرك أثيرها في الحكم بالعقل، ولا تكون من صنع المكلف، كالوقت للصلاة المكتوبة فتسمى سبباً، أما إذا أدرك العقل تأثير الوصف بالحكم فيسمى علةٌ، ويسمى سبباً، فالسبب يشمل القسمين، وهو أعم من العلة مطلقاً. قال المحلي –بعد تعريف السبب-: "تنبيهاً على أن المعبر عنه هنا بالسبب، هو المعبر عنه في القياس بالعلة كالزنا لوجوب الجلد، والزوال لوجوب الظهر، والإسكار لحرمة الخمر". "المحلي على جمع الجوامع 1/ 95" وانظر: المستصفى 1/ 94، الموافقات 1/ 179، الحدود للباجي ص72، التوضيح على التنقيح 3/ 91، 118، تيسير التحرير 2/ 128، الإحكام، للآمدي 1/ 128.

"وَالْعِلَّةُ أَصْلاً" أَيْ فِي الأَصْلِ "عَرَضٌ مُوجِبٌ لِخُرُوجِ الْبَدَنِ الْحَيَوَانِيِّ عَنْ الاعْتِدَالِ الطَّبِيعِيِّ"1، وَذَلِكَ لأَنَّ الْعِلَّةَ فِي اللُّغَةِ: هِيَ الْمَرَضُ2، وَالْمَرَضُ هُوَ هَذَا الْعَرَضُ الْمَذْكُورُ. وَالْعَرَضُ فِي اللُّغَةِ: مَا ظَهَرَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ3. وَفِي اصْطِلاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ: مَا لا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، كَالأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالْحَرَكَاتِ وَالأَصْوَاتِ. وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الأَطِبَّاءِ، لأَنَّهُ عِنْدَهُمْ عِبَارَةٌ عَنْ حَادِثٍ مَا، إذَا قَامَ بِالْبَدَنِ أَخْرَجَهُ عَنْ الاعْتِدَالِ4. وَقَوْلُنَا: "مُوجِبٌ لِخُرُوجِ الْبَدَنِ": هُوَ إيجَابٌ حِسِّيٌّ، كَإِيجَابِ الْكَسْرِ لِلانْكِسَارِ، وَالتَّسْوِيدِ لِلاسْوِدَادِ. فَكَذَلِكَ الأَمْرَاضُ الْبَدَنِيَّةُ مُوجِبَةٌ لاضْطِرَابِ الْبَدَنِ إيجَابًا مَحْسُوسًا. وَقَوْلُنَا: "الْبَدَنِ الْحَيَوَانِيِّ": احْتِرَازٌ5 عَنْ النَّبَاتِيِّ وَالْجَمَادِيِّ، فَإِنَّ الأَعْرَاضَ الْمُخْرِجَةَ لَهَا6 عَنْ حَالِ الاعْتِدَالِ - مَا مِنْ شَأْنِهِ الاعْتِدَالُ مِنْهَا-: لا

_ 1 انظر: مختصر الطوفي ص31، المدخل إلى مذهب أحمد ص66. 2 انظر: المصباح المنير 2/ 652، الصحاح 5/ 1773،القاموس المحيط 4/ 21. 3 انظر: الصحاح 3/ 1082، القاموس المحيط 2/ 347. 4 انظر: التعريفات للجرجاني ص160، كشاف اصطلاحات الفنون 4/ 1036. 5 في ش ع: احترازاً. 6 ساقطة من ش.

يُسَمَّى فِي الاصْطِلاحِ عَلِيلاً. وَقَوْلُنَا "عَنْ الاعْتِدَالِ الطَّبِيعِيِّ": هُوَ إشَارَةٌ إلَى حَقِيقَةِ الْمِزَاجِ، وَهُوَ الْحَالُ الْمُتَوَسِّطَةُ الْحَاصِلَةُ عَنْ تَفَاعُلِ كَيْفِيَّاتِ الْعَنَاصِرِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ. فَتِلْكَ الْحَالُ هِيَ الاعْتِدَالُ الطَّبِيعِيُّ. فَإِذَا انْحَرَفَتْ عَنْ التَّوَسُّطِ لِغَلَبَةِ الْحَرَارَةِ1 أَوْ غَيْرِهَا: كَانَ ذَلِكَ هُوَ انْحِرَافُ الْمِزَاجِ، وَانْحِرَافُ الْمِزَاجِ هُوَ الْعِلَّةُ وَالْمَرَضُ وَالسَّقَمُ. "ثُمَّ اُسْتُعِيرَتْ" الْعِلَّةُ "عَقْلاً" أَيْ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ "لِمَا أَوْجَبَ حُكْمًا عَقْلِيًّا" كَالْكَسْرِ لِلانْكِسَارِ، وَالتَّسْوِيدِ الْمُوجِبِ، أَيْ الْمُؤَثِّرِ لِلسَّوَادِ. "لِذَاتِهِ 2 كَكَسْرٍ لانْكِسَارٍ"2" أَيْ لِكَوْنِهِ كَسْرًا أَوْ3 تَسْوِيدًا، لا4 لأَمْرٍ خَارِجٍ مِنْ وَضْعِيٍّ أَوْ اصْطِلاحِيٍّ5. وَهَكَذَا الْعِلَلُ الْعَقْلِيَّةُ. هِيَ مُؤَثِّرَةٌ لِذَوَاتِهَا بِهَذَا6 الْمَعْنَى. كَالتَّحْرِيكِ7 الْمُوجِبِ لِلْحَرَكَةِ، وَ8 التَّسْكِينِ الْمُوجِبِ لِلسُّكُونِ. "ثُمَّ" اُسْتُعِيرَتْ الْعِلَّةُ "شَرْعًا" أَيْ مِنْ التَّصَرُّفِ الْعَقْلِيِّ إلَى التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ9، فَجُعِلَتْ فِيهِ "لِـ" مَعَانٍ ثَلاثَةٍ:

_ 1 في ش ز: المرارة. 2 ساقطة من ش ز ض. 3 في ع ب: و. 4 ساقطة من ب. 5 انظر: الروضة ص30، مختصر الطوفي ص31، المدخل إلى مذهب أحمد ص66. 6 في ش: هذا. 7 في ز ع ب ض: كالتحرك. 8 في ز: أو. 9 سيأتي الكلام مفصلاً على العلة في بحث القياس، وهو المكان الذي تعرض فيه معظم الأصوليين لتعريف العلة وأنواعها وما يتعلق بها.

أَحَدُهَا: "مَا أَوْجَبَ حُكْمًا شَرْعِيًّا" أَيْ مَا وُجِدَ عِنْدَهُ الْحُكْمُ "لا مَحَالَةَ" أَيْ قَطْعًا1، "وَهُوَ" الْمَجْمُوعُ "الْمُرَكَّبُ مِنْ مُقْتَضِيهِ" أَيْ من2 مُقْتَضِي الْحُكْمِ. "وَشَرْطِهِ، وَمَحَلِّهِ، وَأَهْلِهِ"3 تَشْبِيهًا بِأَجْزَاءِ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ4. وَذَلِكَ لأَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرَهُمْ. قَالُوا: كُلُّ حَادِثٍ لا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ، لَكِنَّ الْعِلَّةَ5: - إمَّا مَادِّيَّةٌ: كَالْفِضَّةِ لِلْخَاتَمِ، وَالْخَشَبِ لِلسَّرِيرِ. - أَوْ صُورِيَّةٌ: كَاسْتِدَارَةِ الْخَاتَمِ، وَتَرْبِيعِ السَّرِيرِ. - أَوْ فَاعِلِيَّةٌ: كَالصَّانِعِ وَالنَّجَّارِ. - أَوْ غَائِيَّةٌ: كَالتَّحَلِّي بِالْخَاتَمِ، وَالنَّوْمِ عَلَى السَّرِيرِ. فَهَذِهِ أَجْزَاءُ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ6. وَلَمَّا كَانَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ هُوَ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ اسْتَعْمَلَ الْفُقَهَاءُ لَفْظَةَ "الْعِلَّةِ" بِإِزَاءِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَالْمُوجِبُ لا مَحَالَةَ: هُوَ مُقْتَضِيهِ وَشَرْطُهُ وَمَحَلُّهُ وَأَهْلُهُ. مِثَالُهُ: وُجُوبُ الصَّلاةِ، حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَمُقْتَضِيهِ: أَمْرُ الشَّارِعِ بِالصَّلاةِ، وَشَرْطُهُ: أَهْلِيَّةُ الْمُصَلِّي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ إلَيْهِ، بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلاً بَالِغًا، وَمَحَلُّهُ الصَّلاةُ، [وَأَهْلُهُ: الْمُصَلِّي] 7.

_ 1 انظر: مختصر الطوفي ص31، الروضة ص30، المدخل إلى مذهب أحمد ص66، أصول السرخسي 2/ 301. 2 ساقطة من ش ز. 3 مقتضي الحكم: هو المعنى الطالب له، وشرطه: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، ومحله: ما تعلق به، وأهله: هو المخاطب به "المدخل إلى مذهب أحمد ص66". 4 انظر: مختصر الطوفي ص31، المدخل إلى مذهب أحمد ص66. 5 ساقطة من ض. 6 انظر: ص31. 7 زيادة لاستكمال التقسيم والمعنى. "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص66".

وَكَذَلِكَ حُصُولُ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ: حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَمُقْتَضِيهِ: كَوْنُ الْحَاجَةِ دَاعِيَةً إلَيْهِمَا1. وَصُورَتُهُ2: الإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِيهِمَا. وَشَرْطُهُ: مَا ذُكِرَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. وَمَحَلُّهُ: هُوَ الْعَيْنُ الْمَبِيعَةُ وَالْمَرْأَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، وَأَهْلِيَّتُهُ: كَوْنُ الْعَاقِدِ صَحِيحَ الْعِبَارَةِ3 وَالتَّصَرُّفِ. وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ: لا فَرْقَ بَيْنَ الْمُقْتَضِي وَالشَّرْطِ وَالْمَحَلِّ وَالأَهْلِ، بَلْ الْعِلَّةُ الْمَجْمُوعُ، وَالأَهْلُ وَالْمَحَلُّ: وَصْفَانِ مِنْ أَوْصَافِهَا4. وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي "شَرْحِهِ": "قُلْت: الأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: هُمَا رُكْنَانِ مِنْ أَرْكَانِهَا، لأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمَا جُزْآنِ مِنْ أَجْزَائِهَا. وَرُكْنُ الشَّيْءِ هُوَ جُزْؤُهُ الدَّاخِلُ فِي حَقِيقَتِهِ". وَبِالْجُمْلَةِ: فَهَذِهِ الأَشْيَاءُ الأَرْبَعَةُ مَجْمُوعُهَا يُسَمَّى عِلَّةً5. - وَالْمَعْنَى الثَّانِي مِمَّا اُسْتُعِيرَتْ لَهُ الْعِلَّةُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْعَقْلِيِّ إلَى التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ: اسْتِعَارَتُهَا "لِمُقْتَضِيهِ" أَيْ مُقْتَضِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ الْمَعْنَى الطَّالِبُ لِلْحُكْمِ، "وَإِنْ تَخَلَّفَ" الْحُكْمُ عَنْ مُقْتَضِيهِ "لِمَانِعٍ" مِنْ الْحُكْمِ "أَوْ فَوَاتِ شَرْطِ" الْحُكْمِ6. مِثَالُهُ: الْيَمِينُ. هِيَ الْمُقْتَضِيَةُ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، فَتُسَمَّى عِلَّةً لِلْحُكْمِ. وَإِنْ كَانَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِوُجُودِ أَمْرَيْنِ: الْحَلِفُ الَّذِي هُوَ الْيَمِينُ، وَالْحِنْثُ فِيهَا، لَكِنَّ الْحِنْثَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَالْحَلِفَ هُوَ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي

_ 1 في د: إليها، وفي ش: إليه. 2 ساقطة من ز. 3 في ش: العبادة. 4 انظر: روضة الناظر ص30، وأضاف ابن قدامة فقال: "أخذاً من العلة العقلية". 5 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص66. 6 انظر: الحدود للباجي ص72، مختصر الطوفي ص31، الروضة ص30، المدخل إلى مذهب أحمد ص66، كشف الأسرار 4/ 171، أصول السرخسي 2/ 302.

لَهُ، فَقَالُوا: إنَّهُ عِلَّةٌ. فَإِذَا حَلَفَ الإِنْسَانُ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ تَرْكِهِ، قِيلَ: قَدْ وُجِدَتْ مِنْهُ عِلَّةُ وُجُوبِ1 الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ لا يُوجَدُ حَتَّى يَحْنَثَ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمُجَرَّدِ2 الْحَلِفِ3 انْعَقَدَ سَبَبُهُ4. وَكَذَلِكَ الْكَلامُ فِي مُجَرَّدِ مِلْكِ النِّصَابِ وَنَحْوِهِ. وَلِهَذَا لَمَّا انْعَقَدَتْ أَسْبَابُ الْوُجُوب5 مُجَرَّدِ هَذِهِ الْمُقْتَضَيَاتِ جَازَ فِعْلُ الْوَاجِبِ بَعْدَ6 وُجُودِهَا، وَقَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهَا عِنْدَنَا، كَالتَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ7، وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ8. وَقَوْلُهُ: "وَإِنْ تَخَلَّفَ لِمَانِعٍ"9 مِثْلِ: أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَبًا لِلْمَقْتُولِ، فَإِنَّ الإِيلادَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ10 الْقِصَاصِ. وَكَذَا النِّصَابُ يُسَمَّى عِلَّةً لِوُجُوبِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: لمجرد. 3 في ش ز ع: الحنث. 4 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص66. 5 في ش: الوجود. 6 في ش ب: بغير. 7 لحديث مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والله، إن شاء الله، لا أحلف على يمين، ثم أرى خيراً منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير" "انظر: صحيح مسلم 3/ 1368". وقال الحنفية: لا يجوز التكفير قبل الحنث، لأن اليمين ليس بسبب للكفارة مغنى، والاداء قبل تحقيق السبب لا يجوز. "انظر: أصول السرخسي 2/ 305". 8 وهو من قبيل تعجيل الواجب قبل وقت أدائه، كإخراج كفارة الفطر قبل انتهاء رمضان، واخراج زكاة المال قبل تمام الحول، وإخراج الكفارة قبل الحنث، وتعجيل الأجرة وغيرها، "انظر: نهاية السول 1/ 84، التلويح على التوضيح 2/ 191، 3/ 94، 105، حاشية الجرجاني على ابن الحاجب 1/ 234، أصول السرخسي 2/ 305، الموافقات 1/ 182، 189، الفروق 1/ 196 وما بعدها". 9 في ش: المانع. 10 في ش ع ب ض: وجود.

الزَّكَاةِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ وُجُوبُهَا لِوُجُودِ مَانِعٍ كَالدَّيْنِ. وَقَوْلُهُ: "أَوْ فَوَاتُ شَرْطٍ" مِثْلُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ. فَإِنَّهُ يُسَمَّى عِلَّةً لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ وُجُوبُهُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْمُكَافَأَةُ، بِأَنْ يكون1 الْمَقْتُولُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا، وَالْقَاتِلُ حُرًّا أَوْ مُسْلِمًا. وَكَذَا مِلْكُ النِّصَابِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ، وَهُوَ خُرُوجُهُ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ. - "وَ" الْمَعْنَى الثَّالِثُ مِمَّا اُسْتُعِيرَتْ لَهُ الْعِلَّةُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْعَقْلِيِّ إلَى التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ: اسْتِعَارَتُهَا "لِلْحِكْمَةِ" أَيْ حِكْمَةِ الْحُكْمِ "وَهِيَ2 الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الْحُكْمُ، كَمَشَقَّةِ سَفَرٍ لِقَصْرٍ وَفِطْرٍ"3. وَبَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ: أَنَّ حُصُولَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمُسَافِرِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ لِتَخْفِيفِ الصَّلاةِ عَنْهُ بِالْقَصْرِ، وَتَخْفِيفِ مَشَقَّةِ الصَّوْمِ بِإِبَاحَةِ الْفِطْرِ. "وَكَـ" وُجُودِ "دَيْنٍ وَأُبُوَّةٍ4 لِمَنْعِ" وُجُوبِ "زَكَاةٍ وَقِصَاصٍ"5. وَبَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ: أَنَّ انْقِهَارَ مَالِكِ النِّصَابِ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ مَعْنًى6 مُنَاسِبٌ لإِسْقَاطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَنْهُ، وَكَوْنَ الأَبِ سَبَبًا لِوُجُودِ الابْنِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لإِيجَادِهِ لَمْ تَقْتَضِ الْحِكْمَةُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ سَبَبًا لإِعْدَامِ أَبِيهِ وَهَلاكِهِ7 لِمَحْضِ حَقِّ الابْنِ8.

_ 1 في ش: كان. 2 في ش: وهو. 3 انظر: مختصر الطوفي ص31، الروضة 30، المدخل إلى مذهب أحمد ص66. 4 في ش: وأبوه. 5 وانظر: مختصر الطوفي ص31، المدخل إلى مذهب أحمد ص66. 6 في ش: مامع. 7 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص66. 8 الحقيقة أن لابن ليس سبب لإعدام والقصاص، وإنما وجود القتل عمداً عدواناً هو السبب =

وَاحْتَرَزَ بِهَذَا الْقَيْدِ عَنْ أَنَّهُ لا يَمْتَنِعُ رَجْمُهُ إذَا زَنَى بِابْنَتِهِ1، لِكَوْنِ ذَلِكَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى دُونَهَا. "وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ خِطَابِ الْوَضْعِ "السَّبَبُ". وَهُوَ "لُغَةً" أَيْ فِي اسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ: "مَا تُوُصِّلَ بِهِ إلَى غَيْرِهِ"2: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: "السَّبَبُ: الْحَبْلُ، وَكُلُّ شَيْءٍ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى أَمْرٍ مِنْ الأُمُورِ"3. فَقِيلَ: هَذَا سَبَبٌ، وَهَذَا مُسَبَّبٌ عَنْ هَذَا. "وَشَرْعًا" أَيْ: وَالسَّبَبُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ: "مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَ" يَلْزَمُ "مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ"4. فَالأَوَّلُ: احْتِرَازٌ5 مِنْ الشَّرْطِ: فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ. وَالثَّانِي: احْتِرَازٌ6 مِنْ الْمَانِعِ7؛ لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلا عَدَمٌ.

_ = الموجب للقصاص والإعدام، ولعل سبب منع القصاص أن ولي الدم للابن هو الأب وحده، أو مع غيره، وإذا عفا بعض الأولياء سقط القصاص، قال الشوكاني: "وفي هذا المثال الذي أصبق عليه جمهور أهل الأصول نظر، لأن السبب المقتضي للقصاص هو فعله، لا وجود الابن ولا عدمه، ولا يصح أن يكون ذلك حكمة مانعة للقصاص، ولكنه ورد الشرع بعدم ثبوت القصاص لفرع من أصل، وقيل إن المراد هنا السبب البعيد، فإن الولد سبب يعيد في القتل إذ لولاه ثم يتصور قتله أياه، فله مدخل في القتل، لتوفقه عليه" "إرشاد الفحول ص7" وانظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 98. 1 في ز ب ع: ببنته. 2 انظر: المصباح المنير 1/ 400. 3 الصحاح 1/ 145، وكذا في المصباح المنير 1/ 400. 4 انظر في تعريف السبب "المدخل إلى مذهب أحمد ص67، التعريفات للجرجاني ص121، شرح تنقيح الفصول ص81، جمع الجوامع 1/ 94، مناهج العقول 1/ 68، المستصفى 1/ 94، إرشاد الفحول ص6، التلويح على التوضيح 3/ 102". 5 في ش: احترازاً. 6 في ش: احترازاً. 7 في ش: مما لو قارن المانع.

وَالثَّالِثُ: احْتِرَازٌ1 مِمَّا لَوْ قَارَنَ السَّبَبُ فِقْدَانَ الشَّرْطِ، أَوْ2 وُجُودَ الْمَانِعِ. كَالنِّصَابِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ، أَوْ مَعَ وُجُودِ الدَّيْنِ. 3 فَإِنَّهُ لا"3 يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ، لَكِنْ لا لِذَاتِهِ، بَلْ لأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ وَوُجُودُ الْمَانِعِ4. فَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِ ذَلِكَ لِذَاتِهِ لِلاسْتِظْهَارِ5 عَلَى مَا لَوْ تَخَلَّفَ وُجُودُ الْمُسَبَّبِ مَعَ وُجْدَانِ السَّبَبِ6 لِفَقْدِ شَرْطٍ7 8 أَوْ [وُجُودِ] مَانِعٍ 8، كَمَنْ بِهِ سَبَبُ الإِرْثِ، وَلَكِنَّهُ قَاتِلٌ، أَوْ رَقِيقٌ أَوْ نَحْوُهُمَا، وَعَلَى مَا لَوْ وُجِدَ الْمُسَبَّبُ9 مَعَ فُقْدَانِ السَّبَبِ10، لَكِنْ 11 لِوُجُودِ سَبَبٍ 11 آخَرَ. كَالرِّدَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْقَتْلِ إذَا فُقِدَتْ وَوُجِدَ قَتْلٌ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، أَوْ زِنَا مُحْصَنٍ12. فَتَخَلَّفَ هَذَا التَّرْتِيبُ عَنْ السَّبَبِ لا لِذَاتِهِ، بَلْ لِمَعْنًى خَارِجٍ13. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا "فَـ" اعْلَمْ أَنَّ السَّبَبَ "يُوجَدُ الْحُكْمُ عِنْدَهُ، لا بِهِ"14 وَهُوَ

_ 1 في ش: احترازاً. 2 في ز: و. 3 في ز: فلا. 4 انظر: شرح تنقيح الفصول ص81، الفروق 1/ 109. 5 في ع: لا للاستظهار. 6 في ش ع: المسبب. 7 في ع: شرطه. 8 في ع: أو ما. 9 في ش: السبب. 10 في ش: المسبب. 11 في ز: بسبب لوجود. 12 في ز: محض. 13 انظر: شرح تنقيح الفصول ص81-82. 14 أي إن السبب لا يكون سبباً إلا يجعل الشارع له سبباً، لأنه وضعه علامة على الحكم التكليفي، والتكليف من الله تعالى الذي يكلف المرء بالحكم، ويضع السبب الذي يرتبط به الحكم، وهذه الأسباب ليست مؤثرة بذاتها في وجود الأحكام، بل هي علامة وأمارة لظهورها =

الَّذِي يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ1، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 2. وَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ 3 مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ 3} 4؛ إذْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي دُلُوكِ الشَّمْسِ حُكْمَانِ. أَحَدُهُمَا: كَوْنُ الدُّلُوكِ سَبَبًا، وَالآخَرُ: وُجُوبُ الصَّلاةِ عِنْدَهُ. وَكَذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الزَّانِي حُكْمَانِ. أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ الرَّجْمِ. وَالثَّانِي: كَوْنُ الزِّنَى 5 الَّذِي نِيطَ 5 بِهِ6 سَبَبًا7. وَلا شَكَّ أَنَّ الأَسْبَابَ مُعَرِّفَاتٌ8، إذْ الْمُمْكِنَاتُ مُسْتَنِدَةٌ9 إلَى اللَّهِ تَعَالَى

_ = ووجودها ومعرفة لها عند جمهور العلماء، ولهذا عرّف الإمام الغزالي السبب فقال: "هو ما يحصل الشيء عنده لا به"، ويقول الشاطبي: "إن السبب غير فاعل بنفسه، إنما وقع المسبب عنده لا به". "انظر: المستصفى 1/ 94، الموفقات 1/ 129، الإحكم للآمدي 1/ 128، إرشاد الفحول ص6، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 95، نهاية السول 1/ 73، المدخل إلى مذهب أحمد ص67، الروضة ص30، أصول السرخسي 2/ 301". 1 يعرف السبب بإضافة الحكم إليه، كحد الزنا، فالحد حكم شرعي أضيف إلى الزنا، فعرفنا أن الرنا هو سبب الحد، ومثل صلاة المغرب، فالصلاة حكم شرعي أضيف إلى المغرب، فعرفنا أن الغروب هو السبب الذي يوجد عنده الحكم. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 95، كشف الأسرار 2/ 343". 2 الآية 78 من الإسراء. 3 غير موجودة في ز، وفي ع ب: تنتهي الآية بلفظ فاجلدوا. 4 الآية 2 من النور. 5 ساقطة من ش. 6 ساقطة من ز د ب. 7 الزنا ليس موجباً للحد بعينه، بل يجعل الشارع له موجباً، ولذلك يصح تعليله به "انظر: الروضة ص30، المستصفى 1/ 93-94، مختصر ابن الحاجب 2/ 7، نهاية السول 1/ 71، مناهج العقول 1/ 67". 8 وذلك أن الشرع جعل وجود السبب علامة على وجود مسببه وهو الحكم، وجعل تخلفه وانتفاءه علامة على تخلف ذلك الحكم، فالشارع ربط وجود الحكم بوجود السبب، وعدمه بعدمه "انظر: التلويح على التوضيح على 3/ 102، إرشاد الفحول ص6، المدخل إلى مذهب أحمد ص67". 9 في ع: مسندة.

ابْتِدَاءً عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ1. وَبَيْنَ الْمُعَرِّفِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ، وَبَيْنَ الْحُكْمِ الَّذِي نِيطَ بِهِ: ارْتِبَاطٌ ظَاهِرٌ. فَالإِضَافَةُ إلَيْهِ وَاضِحَةٌ. "وَيُرَادُ بِهِ" أَيْ بِالسَّبَبِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ أَشْيَاءُ: - أَحَدُهَا: "مَا يُقَابِلُ الْمُبَاشَرَةَ. كَحَفْرِ بِئْرٍ مَعَ تَرْدِيَةٍ. فَأَوَّلٌ سَبَبٌ. وَثَانٍ عِلَّةٌ"2 فَإِذَا حَفَرَ إنْسَانٌ3 بِئْرًا، وَدَفَعَ آخَرُ إنْسَانًا فَتَرَدَّى فِيهَا فَهَلَكَ. فَالأَوَّلُ - وَهُوَ الْحَافِرُ - مُتَسَبِّبٌ إلَى هَلاكِهِ. وَالثَّانِي - وَهُوَ الدَّافِعُ - مُبَاشِرٌ. فَأَطْلَقَ الْفُقَهَاءُ السَّبَبَ عَلَى مَا يُقَابِلُ الْمُبَاشَرَةَ. فَقَالُوا: إذَا اجْتَمَعَ الْمُتَسَبِّبُ وَالْمُبَاشِرُ: غَلَبَتْ الْمُبَاشَرَةُ وَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ، وَانْقَطَعَ حُكْمُ التَّسَبُّبِ4. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا: لَوْ أَلْقَاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفٍ فَقَدَّهُ. فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُتَلَقِّي بِالسَّيْفِ. وَلَوْ5 أَلْقَاهُ فِي 6 مَاءٍ مُغْرِقٍ 6 فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ فَابْتَلَعَهُ. فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُلْقِي، لِعَدَمِ قَبُولِ الْحُوتِ الضَّمَانَ. وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي

_ 1 قال جمهور العلماء: الحكم يحصل عند السبب لا به، وأن السبب غير فاعل بنفسه، بل معرف للشيء وعلامة عليه، قال المعتزلة: إن السبب مؤثر في الأحكام بذاته، بواسطة قوة أودعها الله فيه. وقال بعض العلماء: إن الأسباب تؤثر في الأحكام لا بذاتها، بل يجعل الله تعالى، وهو قول الغزالي، وقال الآمدي: السبب باعث على الحكم. "انظر: المستصفى 1/ 94، ارشاد الفحول ص6، الإحكام للآمدي 1/ 127، المحلي على جمع الجوامع 1/ 95، نهاية السول 1/ 70، 73، مختصر الطوفي ص32، تقريرات الشربيني 1/ 94". 2 انظر: مختصر الطوفي ص31، الروضة ص30، المدخل إلى مذهب أحمد ص67، المستصفى 1/ 94، أصول السرخسي 2/ 303. 3 في ع ب: شخص. 4 في ش: المتسبب، وانظر: المدخل إلى مذهب أحمد 67. 5 في ز: وان. 6 في ز: ما يغرق.

زُبْيَةِ1 أَسَدٍ. فَقَتَلَهُ. - "وَ" الشَّيْءُ الثَّانِي مِمَّا يُرَادُ بِلَفْظِ السَّبَبِ "عِلَّةُ الْعِلَّةِ كَرَمْيٍ2، هُوَ سَبَبٌ لِقَتْلٍ، وَعِلَّةٌ لِلإِصَابَةِ الَّتِي هِيَ عِلَّةٌ لِلزُّهُوقِ3" أَيْ زُهُوقِ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ4. فَالرَّمْيُ هُوَ5 عِلَّةُ عِلَّةِ الْقَتْلِ. وَقَدْ سَمَّوْهُ6 سَبَبًا7. - "وَ" الشَّيْءُ الثَّالِثُ مِمَّا يُرَادُ بِلَفْظِ السَّبَبِ "الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ بِدُونِ شَرْطِهَا كَـ" مِلْكِ "نِصَابٍ8 بِدُونِ" حَوَلانِ "الْحَوْلِ"9. - "وَ" الشَّيْءُ الرَّابِعُ مِمَّا يُرَادُ بِلَفْظِ السَّبَبِ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ "كَامِلَةً" وَهِيَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ مُقْتَضَى الْحُكْمِ وَشَرْطِهِ، وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَوُجُودِ الأَهْلِ وَالْمَحَلِّ. سُمِّيَ ذَلِكَ سَبَبًا اسْتِعَارَةً؛ لأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ ذَلِكَ فِي حَالٍ مِنْ الأَحْوَالِ. كَالْكَسْرِ لِلانْكِسَارِ. وَأَيْضًا فَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الْكَامِلَةُ سَبَبًا؛ لأَنَّ عَلِيَّتَهَا لَيْسَتْ

_ 1 الزبْيَةُ: حفرة في موضع عالٍ يُصاد فيها الأسد ونحوه، والجميع زُبي، مثل مُدية ومدى. "المصباح المنير 1/ 383". 2 في ش: لرمي. 3 في ش: لزهوق، وفي ع ب: الزهوق. 4 انظر: مختصر الطوفي ص32، الروضة ص30، المدخل إلى مذهب أحمد ص67، المستصفى 1/ 94، أصول السرخسي 2/ 316. 5 ساقطة من ش. 6 في ع: سمَّاه. 7 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص67. 8 في ع: لنصاب. 9 انظر: مختصر الطوفي ص32، الروضة ص30، المدخل إلى مذهب أحمد ص67، المستصفى 1/ 94، أصول السرخسي 2/ 305، وما بعدها.

لِذَاتِهَا، بَلْ بِنَصَبِ الشَّارِعِ لَهَا أَمَارَةً عَلَى الْحُكْمِ1، بِدَلِيلِ وُجُودِهَا دُونَهُ، كَالإِسْكَارِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ، وَلَوْ كَانَ الإِسْكَارُ عِلَّةً لِلتَّحْرِيمِ لِذَاتِهِ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ فِي حَالٍ، كَالْكَسْرِ لِلانْكِسَارِ فِي الْعَقْلِيَّةِ. وَالْحَالُ أَنَّ التَّحْرِيمَ وَوُجُوبَ الْحَدِّ مَوْجُودَانِ بِدُونِ2 مَا لا يُسْكِرُ. فَأَشْبَهَتْ بِذَلِكَ السَّبَبَ، وَهُوَ مَا يَحْصُلُ الْحُكْمُ عِنْدَهُ لا بِهِ. فَهُوَ مُعَرِّفٌ لِلْحُكْمِ لا مُوجِبٌ لَهُ لِذَاتِهِ، وَإِلاَّ لَوَجَبَ قَبْلَ الشَّرْعِ. "وَهُوَ" أَيْ السَّبَبُ قِسْمَانِ: - أَحَدُهُمَا: "وَقْتِيٌّ" وَهُوَ مَا لا يَسْتَلْزِمُ فِي تَعْرِيفِهِ لِلْحُكْمِ3 حِكْمَةً بَاعِثَةً "كَزَوَالِ" الشَّمْسِ "لِـ" وُجُوبِ الـ "ظُّهْرِ" فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ وَقْتُ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَلْزِمَ حِكْمَةً بَاعِثَةً عَلَى الْفِعْلِ4. - "وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي "مَعْنَوِيٌّ" وَهُوَ مَا "يَسْتَلْزِمُ حِكْمَةً بَاعِثَةً" فِي تَعْرِيفِهِ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ "كَإِسْكَارٍ" فَإِنَّهُ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ جُهِلَ عِلَّةً "لِتَحْرِيمِ" كُلِّ مُسْكِر5، وَكَوُجُودِ الْمِلْكِ. فَإِنَّهُ جُعِلَ سَبَبًا لإِبَاحَةِ الانْتِفَاعِ.

_ 1 انظر: مختصر الطوفي ص32، الروضة ص30، المدخل إلى مذهب أحمد ص67، المستصفى 1/ 94، أصول السرخسي 2/ 311، وفي ع ز ب: الحكم به. 2 في ش ع ب: بشرب. 3 في ع: للحكم الشرعي. 4 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص67، الإحكام للآمدي 1/ 127، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 7، مناهج العقول 1/ 68، فواتح الرحموت 1/ 61، إرشاد الفحول ص7. 5 أضاف ابن بدران توضيحا فقال: "وسميت هذه العلة سبباً فرقاً بينها وبين العلة العقلية، لأن العقلية موجبة لوجود معلولها كالكسر للانكسار وسائر الأفعال مع الانفعالات، فإنه متى وجد الفعل القابل، وانتفى المانع، وجد الانفعال، بخلاف الأسباب، فأنه لا يلزم من وجودها وجود مسبباتها، وأما العلة الشرعية الكاملة فإنها، وإن كان يلزم من وجودها وجود معلولها سبباً، مع أن السبب لا يلزم من وجوده وجود مسببه، لكن لما كان تأثيرها ليس لذاتها، بل بواسطة نصب الشارع له ضعفت لذلك عن العلة العقلية فأشبهت السبب الذي حكمه أن يحصل عنده لا به، فلذلك سميت سبباً" "المدخل إلى مذهب أحمد ص67-68".

وَكَالضَّمَانِ، فَإِنَّهُ جُعِلَ سَبَبًا لِمُطَالَبَةِ الضَّامِنِ بِالدَّيْنِ، وَكَالْجِنَايَاتِ. فَإِنَّهَا جُعِلَتْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ، أَوْ الدِّيَةِ1. قَالَ الآمِدِيُّ: "السَّبَبُ عِبَارَةٌ عَنْ وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٌ دَلَّ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَى كَوْنِهِ مُعَرِّفًا 2 لِثُبُوتِ حُكْمٍ 2 شَرْعِيٍّ"3، طَرْدِيًّا، كَجَعْلِ4 زَوَالِ الشَّمْسِ سَبَبًا لِلصَّلاةِ، أَوْ غَيْرَ طَرْدِيٍّ كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، سَوَاءٌ اطَّرَدَ الْحُكْمُ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَطَّرِدْ5، لأَنَّ السَّبَبَ الشَّرْعِيَّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ، إذْ لا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ إلاَّ وُجُودُ حُكْمِهَا فِي بَعْضِ صُوَرِ وُجُودِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَهُوَ عَدَمُ الاطِّرَادِ. - "وَ" الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ خِطَابِ الْوَضْعِ "الشَّرْطُ". وَهُوَ "لُغَةً" أَيْ فِي اسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ: "الْعَلامَةُ": لأَنَّه6 عَلامَةٌ لِلْمَشْرُوطِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} 7، أَيْ عَلامَاتُهَا. قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ8.

_ 1 انظر: فواتح الرحموت 1/ 61، مناهج العقول 1/ 68، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 7، إرشاد الفحول ص7، المدخل إلى مذهب أحمد ص67، الإحكام للآمدي 1/ 127. 2 في الإحكام: لحكم. 3 الإحكام، له 1/ 127. 4 في ع: كأن جعل. 5 يقول الآمدي عن السبب، بعد تعريفه: "وهو منقسم إلى مالا يستلزم في تعريفه حكمةٌ باعثة عليه، كجعل زوال الشمس أمارة معرفة لوجوب الصلاة.... وإلى ما يستلزم حكمة باعثة على شرع الحكم المسبب كالشدة المطربة المعرفة لتحريم شرب النبيذ "أي قياساً على الخمر". لا لتحريم شرب الخمر في الأصل المقيس عليه، فإنّ تحريم شرب الخمر معروف بالنص أو "كذا" الاجماع" "الإحكام 1/ 127". 6 في ش: لأنها. 7 الآية 18 من سورة محمد. 8 انظر: الروضة ص31، المدخل إلى مذهب أحمد ص67، تفسير الرازي 28/ 60، تفسير القرطبي 16/ 240، تفسير ابن كثير 6/ 317، أصول السرخسي 2/ 302.

1 قَالَ: فِي 1 "الْمِصْبَاحِ": "الشَّرْطُ - مُخَفَّفٌ- مِنْ الشَّرَطِ - بِفَتْحِ الرَّاءِ- وَهُوَ الْعَلامَةُ. وَجَمْعُهُ: أَشْرَاطٌ. وَجَمْعُ الشَّرْطِ - بِالسُّكُونِ- شُرُوطٌ، وَيُقَالُ لَهُ: شَرِيطَةٌ. وَجَمْعُهُ شَرَائِطُ"2. "وَ" الشَّرْطُ "شَرْعًا" أَيْ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ: "مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ" وَ "لا" يَلْزَمُ "مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلا عَدَمٌ لِذَاتِهِ"3. فَالأَوَّلُ: احْتِرَازٌ4 مِنْ الْمَانِعِ، لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلا عَدَمٌ. وَالثَّانِي: احْتِرَازٌ5 مِنْ السَّبَبِ وَمِنْ الْمَانِعِ أَيْضًا. أَمَّا مِنْ السَّبَبِ: فَلأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ6 الْوُجُودُ لِذَاتِهِ. كَمَا سَبَقَ7، وَأَمَّا مِنْ الْمَانِعِ: فَلأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ. وَالثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُهُ: "لِذَاتِهِ" احْتِرَازٌ8 مِنْ مُقَارَنَةِ الشَّرْطِ وُجُودَ السَّبَبِ. فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ، أَوْ مُقَارَنَةِ الشَّرْطِ قِيَامَ الْمَانِعِ. فَيَلْزَمُ الْعَدَمُ، لَكِنْ لا لِذَاتِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ شَرْطًا، بَلْ لأَمْرٍ خَارِجٍ، وَهُوَ مُقَارَنَةُ السَّبَبِ، أَوْ قِيَامُ الْمَانِعِ9.

_ 1 في ش: وفي. 2 المصباح المنير 1/ 472-473، وانظر: القاموس المحيط: 2/ 381. 3 انظر: تعريف الشرط شرعاً في "الحدود للباجي ص60، التعريفات للجرجاني ص131، شرح تنقيح الفصول ص82، الإحكام، الآمدي 1/ 130، أصول السرخسي 2/ 303، إرشاد الفحول ص7، المدخل ألى مذهب أحمد ص68، مختصر ابن الحاجب 2/ 7، مختصر الطوفي ص32، الروضة ص31". 4 في ش: احترازاً. 5 في ش: احترازاً. 6 في ش: عدم وجوده. 7 صفحة 396. 8 في ش: احترازاً. 9 انظر: شرح تنقيح الفصول ص82.

إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَلِلشَّرْطِ ثَلاثُة1 إطْلاقَاتٍ: - فَالأَوَّلُ2: مَا يُذْكَرُ فِي الأُصُولِ هُنَا مُقَابِلاً لِلسَّبَبِ وَالْمَانِعِ، وَمَا يُذْكَرُ فِي قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ: "شَرْطُ الْعِلْمِ الْحَيَاةُ". وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ: "شَرْطُ الصَّلاةِ الطَّهَارَةُ". "شَرْطُ صِحَّةِ الْبَيْعِ التَّرَاضِي"، وَنَحْوُ ذَلِكَ. - الإِطْلاقُ الثَّانِي: اللُّغَوِيُّ. وَالْمُرَادُ بِهِ: صِيَغُ التَّعْلِيقِ بِـ "إِنْ" وَنَحْوِهَا3، وَهُوَ مَا يُذْكَرُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ لِلْعُمُومِ4، نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} 5، وَمَا يُذْكَرُ فِي الْفِقْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: "لا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ". وَنَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَإِنَّ دُخُولَ الدَّارِ لَيْسَ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلاقِ شَرْعًا وَلا عَقْلاً، بَلْ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي وَضَعَهَا أَهْلُ اللُّغَةِ. وَهَذَا كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ: يَرْجِعُ6 إلَى كَوْنِهِ سَبَبًا وُضِعَ7 لِلتَّعْلِيقِ، حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ8. وَوَهَمَ مَنْ فَسَّرَهُ هُنَاكَ بِتَفْسِيرِ الشَّرْطِ الْمُقَابِلِ لِلسَّبَبِ وَالْمَانِعِ. كَمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ الأُصُولِيِّينَ. - الإِطْلاقُ الثَّالِثُ: جَعْلُ الشَّيْءِ9 قَيْدًا فِي شَيْءٍ. كَشِرَاءِ الدَّابَّةِ

_ 1 في ش د ز ع ب: ثلاث، وهو خطأ. 2 في ش د ع ب: الأول. 3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص259. 4 انظر: جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 97، أصول السرخسي 2/ 303، 320، تيسير التحرير 2/ 120. 5 الآية 6 من سورة الطلاق. 6 في ز: ويرجع. 7 في ز ع ب: يوضع. 8 انظر: أصول السرخسي 2/ 320، شرح تنقيح الفصول ص261. 9 في ز ع ب: شيء.

بِشَرْطِ كَوْنِهَا حَامِلاً، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُعَادَ إلَى الأَوَّلِ بِسَبَبِ مُوَاضَعَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. كَأَنَّهُمَا قَالا: جَعَلْنَاهُ مُعْتَبَرًا فِي عَقْدِنَا يُعْدَمُ بِعَدَمِهِ، وَإِنْ أَلْغَاهُ الشَّرْعُ. فَهَلْ1 يَلْغُو2 الْعَقْدُ، أَوْ يُثْبِتُ الْخِيَارَ؟ مَحَلُّ تَفْصِيلِ ذَلِكَ كُتُبُ الْفِقْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُعَادَ إلَى الثَّانِي، كَأَنَّهُمَا قَالا: إنْ كَانَ كَذَا فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَإِلاَّ فَلا3. إذَا عَرَفْت4 ذَلِكَ، فَالْمَقْصُودُ هُنَا: هُوَ5 الْقِسْمُ الأَوَّلُ، "فَإِنْ أَخَلَّ عَدَمُهُ" أَيْ عَدَمُ الشَّرْطِ "بِحِكْمَةِ السَّبَبِ فَـ" ـهُوَ "شَرْطُ السَّبَبِ" وَذَلِكَ "كَقُدْرَةٍ عَلَى تَسْلِيمِ مَبِيعٍ" فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ 6 شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ 6، الَّذِي هُوَ سَبَبُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَصْلَحَةٍ، وَهُوَ حَاجَةُ الابْتِيَاعِ 7 لِعِلَّةِ الانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ 7. وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ. فَكَانَ عَدَمُهُ مُخِلاًّ بِحِكْمَةِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي شُرِعَ لَهَا الْبَيْعُ8. "وَإِنْ اسْتَلْزَمَ عَدَمُهُ" أَيْ عَدَمُ الشَّرْطِ "حِكْمَةً تَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ" كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلاةِ "فَـ" ذَلِكَ "شَرْطُ الْحُكْمِ" فَإِنَّ عَدَمَ الطَّهَارَةِ حَالَ الْقُدْرَةِ

_ 1 في ش: فهو. 2 في ش: يلغى. 3 انظر أنواع الشروط الفقهية وأثرها على التصرفات ومدى قبول العقود لها وما يتعلق فيها من آراء المذاهب في الكتب الفقهية لكل مذهب في كتاب "البيع"، "وانظر: نظرية الشروط المقترنة بالعقد، للشيخ زكي الدين شعبان، المدخل الفقهي العام، للأستاذ مصطفى الزرقا 1/ 481، وما بعدها، الموافقات 1/ 187، أصول الفقه، للخضري ص69، الفقه الإسلامي في أسلوبه الجديد للدكتور وهبة الزحيلي 1/ 154". 4 في ز: عرف. 5 ساقطة من ع ب. 6 في ش: شرط صحته، وفي د: شرط صحة البيع. 7 في ش: في المبيع، وفي ز: وهو علة الانتفاع بالمبيع، وفي ع: وهو حاجة الانتفاع بالمبيع. 8 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص68.

عَلَيْهَا مَعَ الإِتْيَانِ بِالصَّلاةِ: يَقْتَضِي نَقِيضَ حِكْمَةِ الصَّلاةِ، وَهُوَ الْعِقَابُ، فَإِنَّهُ نَقِيضُ وُصُولِ الثَّوَابِ1. "وَهُوَ" أَيْ الشَّرْطُ مُنْحَصِرٌ فِي أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ2: - الأَوَّلُ: شَرْطٌ "عَقْلِيٌّ كَحَيَاةٍ لِعِلْمٍ"؛ لأَنَّه3 إذَا انْتَفَتْ الْحَيَاةُ انْتَفَى الْعِلْمُ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا وُجُودُهُ4. - وَالثَّانِي "شَرْعِيٌّ، كَطَهَارَةٍ لِصَلاةٍ"5. - "وَ" الثَّالِثَ "لُغَوِيٌّ، كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ قُمْت، وَهَذَا" النَّوْعُ "كَالسَّبَبِ" فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْقِيَامِ وُجُودُ الطَّلاقِ. وَمِنْ عَدَمِ الْقِيَامِ عَدَمُ الطَّلاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ6. - "وَ" الرَّابِعُ "عَادِيٌّ، كَغِذَاءِ الْحَيَوَانِ" إذْ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْغِذَاءِ انْتِفَاءُ الْحَيَاةِ. وَمِنْ وُجُودِهِ وُجُودُهَا؛ إذْ لا يَتَغَذَّى إلاَّ الْحَيُّ7. فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ الشَّرْطُ الْعَادِيُّ كَالشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ فِي كَوْنِهِ مُطَّرِدًا

_ 1 هذا تقسيم للشرط باعتبار المشروط، أو باعتبار السبب والمسبب، أو السبب والحكم. "انظر: الإحكام، للآمدي 1/ 130، فواتح الرحموت 1/ 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص67، شرح العضد على ابن الحاجب، وحاشية التفتازاني عليه 2/ 7". 2 هذا تقسيم للشرط باعتبار إدراك العلاقة مع المشروط. "انظر: الموافقات 1/ 180، المدخل إلى مذهب أحمد ص67، مختصر الطوفي ص32، الروضة ص30". 3 في ش: لأنها. 4 انظر: شرح تنقيح الفصول ص85، مختصر الطوفي ص32، المدخل إلى مذهب أحمد ص68، الروضة ص31. 5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص85، مختصر الطوفي ص32، المحلي على جمع الجوامع 1/ 98، أصول السرخسي 2/ 328، الروضة ص31، وفي ع: للصلاة. 6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص85، المدخل إلى مذهب أحمد ص68. مختصر الطوفي ص32، الروضة ص31. 7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص85، المدخل إلى مذهب أحمد ص68.

مُنْعَكِسًا1. "وَمَا جُعِلَ قَيْدًا فِي شَيْءٍ لِمَعْنًى" فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ "كَشَرْطٍ فِي عَقْدٍ فَـ" حُكْمُهُ "كَـ" شَرْطٍ "شَرْعِيٍّ"2. "وَ" الشَّرْطُ "اللُّغَوِيُّ: أَغْلَبُ اسْتِعْمَالِهِ فِي" أُمُورٍ "سَبَبِيَّةٍ عَقْلِيَّةٍ"3، نَحْوُ4: إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَالْعَالَمُ مُضِيءٌ، "وَ" سَبَبِيَّةٍ "شَرْعِيَّةٍ" نَحْوُ: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} 5، فَإِنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ سَبَبُ ضَوْءِ الْعَالَمِ عَقْلاً. وَالْجَنَابَةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ6 التَّطْهِيرِ شَرْعًا7. "وَاسْتُعْمِلَ" الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ "لُغَةً" أَيْ فِي عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ: "فِي شَرْطٍ لَمْ يَبْقَ لِمُسَبِّبٍ شَرْطٌ سِوَاهُ" نَحْوُ: إنْ تَأْتِنِي أُكْرِمْك. فَإِنَّ الإِتْيَانَ شَرْطٌ لَمْ يَبْقَ لِلإِكْرَامِ سِوَاهُ، لأَنَّهُ إذَا دَخَلَ8 الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ عَلَيْهِ عُلِمَ أَنَّ أَسْبَابَ الإِكْرَامِ حَاصِلَةٌ، لَكِنْ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى حُصُولِ الإِتْيَانِ9. - "وَ" الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ خِطَابِ الْوَضْعِ "الْمَانِعُ" وَهُوَ10 اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْمَنْعِ11. وَهُوَ "مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلا عَدَمٌ".

_ 1 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص68. 2 وقيل كاللغوي، "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص68". 3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص85، المدخل إلى مذهب أحمد 68. 4 في ع: كنحو. 5 الآية 6 من المائدة. 6 في ش ز: لوجود. 7 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص68. 8 في ش ز: أدخل على، وفي ب: أدخل. 9 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص68. 10 ساقطة من ش ز. 11 انظر: المصباح المنير 2/ 897. القاموس المحيط 3/ 89.

فَالأَوَّلُ: احْتِرَازٌ1 مِنْ السَّبَبِ؛ لأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ. وَالثَّانِي: احْتِرَازٌ2 مِنْ الشَّرْطِ؛ لأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ. 3 وَالثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُنَا 3: "لِذَاتِهِ": احْتِرَازٌ4 مِنْ مُقَارَنَةِ الْمَانِعِ لِوُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ. فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوُجُودُ لا لِعَدَمِ الْمَانِعِ، بَلْ لِوُجُودِ السَّبَبِ الآخَرِ، كَالْمُرْتَدِّ الْقَاتِلِ لِوَلَدِهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ قِصَاصًا، لأَنَّ الْمَانِعَ لأَحَدِ السَّبَبَيْنِ فَقَطْ5. "وَهُوَ" 6 أَيْ الْمَانِعُ 6 "إمَّا لِحُكْمِ"7 وَتَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ "وَصْفٌ وُجُودِيٌّ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ مُسْتَلْزِمٌ لِحِكْمَةٍ تَقْتَضِي نَقِيضَ حُكْمِ السَّبَبِ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الْمُسَبِّبِ"8، "كَأُبُوَّةٍ فِي قِصَاصٍ" مَعَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ. وَهُوَ كَوْنُ الأَبِ سَبَبًا لِوُجُودِ الْوَلَدِ، فَلا يَحْسُنُ كَوْنُهُ سَبَبًا لِعَدَمِهِ9. فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ 10 وَهُوَ الْقِصَاصُ 10 مَعَ وُجُودِ مُقْتَضِيهِ، وَهُوَ الْقَتْلُ11.

_ 1 في ش: احترازا. 2 في ش: احترازا. 3 ف ع ب: وقولنا. 4 في ش: احترازا. 5 انظر في تعريف المانع "التعريفات للجرجاني ص207، إرشاد الفحول ص7، جمع الجوامع 1/ 98، الموافقات 1/ 179، المدخل إلى مذهب أحمد ص68-69، مختصر الطوفي ص32، الروضة ص31". 6 في ز: أي المنع المدلول عليه بالمانع. 7 في ش: الحكم. 8 هذه عبارة الآمدي مع تغيير في آخرها: "مع بقاء حكمة السبب" "الإحكام، له 1/ 130"، وانظر: فواتح الرحموت 1/ 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص69، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 1/ 98. 9 انظر: شرح العضد 2/ 7، المحلي على جمع الجوامع 1/ 89. 10 ساقطة من ش ز ب. 11 انظر هامش صفحة 444 من هذا الكتاب.

"أَوْ" يَكُونُ الْمَانِعُ1 "لِسَبَبِهِ" أَيْ سَبَبِ الْحُكْمِ، وَالْمَانِعُ هُنَا: "وَصْفٌ يُخِلُّ وُجُودُهُ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ" "كَدَيْنٍ مَعَ مِلْكِ نِصَابٍ"، وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ حِكْمَةَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي النِّصَابِ - الَّذِي هُوَ السَّبَبُ- كَثْرَةُ تَحَمُّلِ الْمُوَاسَاةِ مِنْهُ2، شُكْرًا عَلَى نِعْمَةِ ذَلِكَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ 3 الْمَدِينُ مُطَالَبًا 3 بِصَرْفِ الَّذِي يَمْلِكُهُ فِي الدَّيْنِ صَارَ كَالْعَدَمِ4. وَسُمِّيَ5 الأَوَّلُ: مَانِعَ الْحُكْمِ؛ لأَنَّ سَبَبَهُ مَعَ بَقَاءِ حِكْمَتِهِ لا يُؤَثِّرُ. وَالثَّانِي: مَانِعُ السَّبَبِ، لأَنَّ حِكْمَتَهُ فُقِدَتْ مَعَ وُجُودِ صُورَتِهِ فَقَطْ، فَالْمَانِعُ: يَنْتَفِي الْحُكْمُ لِوُجُودِهِ. وَالشَّرْطُ: يَنْتَفِي الْحُكْمُ لانْتِفَائِهِ. "وَنَصْبُ هَذِهِ" الأَشْيَاءِ، وَهِيَ الْعِلَّةُ وَالسَّبَبُ وَالشَّرْطُ وَالْمَانِعُ "مُفِيدَةً" أَيْ حَالَ إفَادَتِهَا "مُقْتَضَيَاتِهَا" وَالْمَعْنَى: أَنَّ نَصْبَهَا لِتُفِيدَ مَا اقْتَضَتْهُ مِنْ الأَحْكَامِ "حُكْمٌ شَرْعِيٌّ" أَيْ قَضَاءٌ مِنْ الشَّارِعِ بِذَلِكَ6. فَجَعْلُ الزِّنَا سَبَبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَوُجُوبُ الْحَدِّ حُكْمٌ آخَرُ. وَكَذَا وُجُوبُ حَدِّ الْقَذْفِ مَعَ جَعْلِ الْقَذْفِ سَبَبًا لَهُ. وَوُجُوبُ الْقَطْعِ مَعَ نَصْبِ السَّرِقَةِ سَبَبًا لَهُ، وَوُجُوبُ الْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ أَوْ الْقِصَاصِ، مَعَ نَصْبِ الرِّدَّةِ أَوْ الْقَتْلِ سَبَبًا. وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.

_ 1 في ز: المنع. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: الدين مطابقاً. 4انظر: مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 7، الإحكام، للآمدي 1/ 130، المدخل إلى مذهب أحمد ص69، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 1/ 97، فواتح الرحموت 1/ 61، مناهج العقول 1/ 69، حاشية التفتازاني على العضد 2/ 7، إرشاد الفحول ص7. 5 في ش: ومسمى، وفي ض: سُمّي. 6 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 130، نهاية السول 1/ 70، وما بعدها، مختصر الطوفي ص32، الروضة ص31، المدخل إلى مذهب أحمد ص69.

فَوَائِدُ1: الأُولَى: قَدْ يَلْتَبِسُ السَّبَبُ بِالشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِهِمَا. وَيَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِمَا كَالْحَدَثِ2، وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُهُ، بِخِلافِ الشَّرْطِ. فَإِذَا شُكَّ فِي وَصْفٍ: هَلْ هُوَ3 سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ؟ نَظَرْت: فَإِنْ كَانَتْ كُلَّهَا مُنَاسِبَةً لِلْحُكْمِ، كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمَحْضِ الْعُدْوَانِ، فَالْكُلُّ سَبَبٌ. وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا4 مُنَاسِبًا، كَأَسْبَابِ الْحَدَثِ، فَكُلِّ5 وَاحِدٍ سَبَبٌ. وَإِنْ نَاسَبَ الْبَعْضَ فِي ذَاتِهِ وَالْبَعْضَ فِي غَيْرِهِ، فَالأَوَّلُ: سَبَبٌ. وَالثَّانِي: شَرْطٌ. كَالنِّصَابِ وَالْحَوْلِ. فَإِنَّ النِّصَابَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْغِنَى وَنِعْمَةِ الْمِلْكِ فِي نَفْسِهِ. فَهُوَ6 السَّبَبُ، وَالْحَوْلُ مُكَمِّلٌ لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ فِي مُدَّتِهِ. فَهُوَ شَرْطٌ. قَالَهُ الْقَرَافِيُّ7. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: "وَلَكِنَّ هَذَا لا يَكُونُ إلاَّ فِي السَّبَبِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي يَكُونُ عِلَّةً، لا فِي السَّبَبِ الزَّمَانِيِّ وَنَحْوِهِ. فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْوَصْفُ هُوَ الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي تَعْرِيفِهِ أَوْ تَأْثِيرِهِ عَلَى الْخِلافِ. فَالسَّبَبُ، وَإِلاَّ فَالشَّرْطُ". اهـ.

_ 1 انظر هذه الفوائد في "شرح تنقيح الفصول ص82 وما بعدها". 2 ساقطة من ش ز ب ض. 3 ساقطة من ز. 4 في ش: منهما. 5 في ش: كلكل. 6 في ز: وهو. 7 شرح تنقيح الفصول ص84.

الثَّانِيَةُ: الشَّرْطُ وَعَدَمُ الْمَانِعِ، كِلاهُمَا يُعْتَبَرُ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ. فَقَدْ يَلْتَبِسَانِ، حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ جَعَلَهُ إيَّاهُ1. كَمَا عَدَّ الْفُورَانِيُّ2 وَالْغَزَالِيُّ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلاةِ: تَرْكُ الْمَنَاهِي مِنْ الأَفْعَالِ وَالْكَلامِ وَالأَكْلِ وَنَحْوِهِ. وَتَبِعَهُمَا الرَّافِعِيُّ3 فِي "شَرْحِ الْوَجِيزِ"4 وَغَيْرُهُ. وَالنَّوَوِيُّ5 فِي "الرَّوْضَةِ"6. لَكِنْ قَالَ فِي "شَرْحِ الْمُهَذَّبِ": "الصَّوَابُ أَنَّهَا لَيْسَتْ شُرُوطًا. وَإِنْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ

_ 1 انظر: الفروق للقرافي 1/ 111. 2 هو عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فوران الشافعي، أبو القاسم، الإمام الكبير، الحافظ للمذهب، وهو شيخ أهل مرو، صنف في الأصول والفروع والخلاف والجدل والملل والنحل، ومن مصنفاته "الإبانة" و "العمد" في الفقه، وقد تتبعه فيهما الجويني، ونال منه كثيراً. توفي سنة 461هـ. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 2/ 314، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 109، شذرات الذهب 3/ 309، البداية والنهاية 12/ 98، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 280". 3 هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، القزويني، الرافعي، أبو القاسم، كان متضلعاً من علوم الشريعة تفسيراً وحديثاً وأصولاً، وكان ورعاً تقياً زاهداً، طاهر الذيل، مراقباً لله، ويعتبر مع النووي من محرري المذهب الشافعي ومحققيه في القرن السابع، له مصنفات، ومنها "الشرح الكبير" المسمى بـ "فتح العزيز في شرح الوجيز" و "الشرح الصغير" و "المحرر" و "شرح مسند الشافعي" و "الأمالي الشارحة على مفردات الفاتحة" و "الإيجاز في أخبار الحجاز" توفي سنة 623هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 281، شذرات الذهب 5/ 108، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 264، فوات الوفيات 2/ 7، طبقات المفسرين 1/ 335". 4 فتح العزيز، شرح الوجيز 4/ 105، 118، 134. 5 هو يحيى بن شرف بن مري النووي، شيخ الإسلام، أبو زكريا، أستاذ المتأخرين، قال السبكي: "كان يحيى رحمه الله سيداً حصوراً، وليناً على النفس هصوراً، وزاهداً لم يبال بخراب الدنيا إذا صير دينه ربعا معموراً، له الزهد والقناعة، ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة والمصابرة على أنواع الخير، لا يصرف ساعة في غير طاعة، هذا مع التفنن في أصناف العلوم فقها ومتون حديث وأسماء رجال ولغة وتصوفاً"، له مصنفات فاخرة نفيسة، أهمها: "رياض الصالحين" و "شرح صحيح مسلم" و "الأذكار" و "الأربعين" في الحديث، و "المجموع شرح المهذب" و "الروضة" و "لغات التنبيه" و "المناسك" و "المنهاج" في الفقه، و"تهذيب الأسماء وللغات" و "طبقات الفقهاء". توفي سنة 676هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 395، شذرات الذهب 5/ 354، الفتح المبين 2/ 81، طبقات الحفاظ ص510، تذكرة الحفاظ 4/ 1470". 6 روضة الطالبين 1/ 289، 293، 296.

فَمَجَازٌ، وَإِنَّمَا هِيَ مُبْطِلاتٌ"1. وَقَالَ فِي "التَّحْقِيقِ": غَلِطَ مَنْ عَدَّهَا شُرُوطًا". اهَـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا - عَلَى تَقْدِيرِ التَّغَايُرِ - أَنَّ الشَّرْطَ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا وُجُودِيًّا. وَأَمَّا عَدَمُ الْمَانِعِ2 فَعَدَمِيٌّ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي التَّغَايُرِ3: إنْ عُدِمَ الْمَانِعُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالأَصْلِ. وَالشَّرْطُ لا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ. فَإِذَا شَكَّ فِي شَيْءٍ يَرْجِعُ لِهَذَا4 الأَصْلِ5. وَلِذَلِكَ عُدَّتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا، لأَنَّ الشَّكَّ فِيهَا مَعَ تَيَقُّنِ ضِدِّهَا الْمُسْتَصْحَبِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الصَّلاةِ. قَالُوا: وَيَلْزَمُ مَنْ ادَّعَى اتِّحَادَهُمَا اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ فِيمَا إذَا شَكَكْنَا فِي طَرَيَانِ الْمَانِعِ، لأَنَّا حِينَئِذٍ نَشُكُّ فِي عَدَمِهِ. وَالْفَرْضُ أَنَّ عَدَمَهُ شَرْطٌ. فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرْطٌ لا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ. وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّكَّ فِي طَرَيَانِ الْمَانِعِ 6 لا أَثَرَ 6 لَهُ، فَيُوجَدُ الْمَشْرُوطُ. وَهُوَ تَنَاقُضٌ. الثَّالِثَةُ: سَبَبُ السَّبَبِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ السَّبَبِ، لأَنَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ7 عَلَيْهِ. كَالإِعْتَاقِ فِي الْكَفَّارَةِ، سَبَبُ السُّقُوطِ8 عَنْ الذِّمَّةِ، وَالإِعْتَاقُ يَتَوَقَّفُ عَلَى اللَّفْظِ الْمُحَصِّلِ لَهُ.

_ 1 المجموع شرح المهذب 3/ 518. 2 ساقطة من ش. 3 ساقطة من ز ع ب ض. 4 في ش ز: في هذا. 5 بيّن القرافي الفرق بينهما فقال: "الفرق بينهما يظهر بتقرير قاعدة، وهي أن كل مشكوك فيه ملغي في الشريعة، فإذا شككنا في السبب لم نرتب عليه حكماً، أو في الشرط لم نرتب الحكم أيضاً، أو في المانع رتبنا الحكم" ثم يقول: "فهذه القاعدة مجمع عليها، وهي أن كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم الذي يجزم بعدمه" "الفروق 1/ 111". 6 في ع: لاثر. 7 في ب: يتوقف. 8 في ش: السقوط.

وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي "شَرْحِهِ": الشَّرْطُ1 وَجُزْؤُهُ وَجُزْءُ الْعِلَّةِ، كُلٌّ مِنْهَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ2 وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلا عَدَمٌ. فَهِيَ تَلْتَبِسُ3، وَالْفَرْقُ: أَنَّ مُنَاسَبَةَ الشَّرْطِ وَجُزْئِهِ: فِي غَيْرِهِ. وَمُنَاسَبَةَ جُزْءِ الْعِلَّةِ: فِي نَفْسِهِ"4. "مِثَالُهُ: الْحَوْلُ، مُنَاسَبَتُهُ5 فِي السَّبَبِ الَّذِي هُوَ النِّصَابُ لِتَكْمِلَتِهِ الْغِنَى الْحَاصِلُ بِهِ التَّنْمِيَةُ. وَجُزْءُ الْعِلَّةِ الَّذِي هُوَ النِّصَابُ مُنَاسَبَتُهُ6 فِي نَفْسِهِ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى بَعْضِ الْغِنَى. فَالْعِلَّةُ وَجُزْؤُهَا مُؤَثِّرَانِ. وَالشَّرْطُ مُكَمِّلٌ لِتَأْثِيرِ الْعِلَّةِ. وَمِنْ ثَمَّ عَرَّفَ بَعْضُهُمْ الشَّرْطَ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ". قَالَ: "وَمِنْهَا: الْحُكْمُ. كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ سَبَبِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ. فَمَا الْفَرْقُ؟ "7. "الْجَوَابُ: بِمَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِ السَّبَبِ مُؤَثِّرًا مُنَاسِبًا فِي نَفْسِهِ. وَالشَّرْطُ مُكَمِّلٌ مُنَاسِبٌ فِي غَيْرِهِ". قَالَ: "وَمِنْهَا: أَجْزَاءُ الْعِلَّةِ. يَتَرَتَّبُ8 عَلَيْهَا الْحُكْمُ، وَالْعِلَلُ الْمُتَعَدِّدَةُ إذَا وُجِدَتْ 9 تَرَتَّبَ الْحُكْمُ 9، فَمَا الْفَرْقُ؟ ". "وَالْجَوَابُ: أَنَّ جُزْءَ10 الْعِلَّةِ إذَا انْفَرَدَ لا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ، بَلْ لا بُدَّ مِنْ

_ 1 في ش: الجزء. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: تلبيس. 4 انظر: الفورق 1/ 109. 5 في ع: مناسبه. 6 في ع: مناسبه. 7 في ع: الفرق بينهما. 8 في ش ز: ترتب. 9 ساقطة من ش. 10 في ع: أجزاء.

وُجُودِ بَقِيَّةِ أَجْزَائِهَا. كَأَوْصَافِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، إذَا اجْتَمَعَتْ وَجَبَ الْقَوَدُ، وَلَوْ انْفَرَدَ بَعْضُهَا، كَالْقَتْلِ خَطَأً، أَوْ عَمْدًا فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ، أَوْ قَتَلَ الْعَادِلُ الْبَاغِيَ: لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ، بِخِلافِ الْعِلَلِ الْمُتَعَدِّدَةِ. فَإِنَّ بَعْضَهَا إذَا انْفَرَدَ اسْتَقَلَّ بِالْحُكْمِ. كَمَنْ لَمَسَ وَنَامَ وَبَالَ، وَجَبَ الْوُضُوءُ بِجَمِيعِهَا. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا. نَعَمْ إذَا اجْتَمَعَتْ كَانَ حُكْمًا ثَابِتًا بِعِلَلٍ1. 2 كَمَا يَأْتِي 2. اهـ. الرَّابِعَةُ: الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ، مِنْهَا: مَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ وَاسْتِمْرَارَهُ، كَالرَّضَاعِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَاسْتِمْرَارَهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ3. وَمِنْهَا: مَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَهُ فَقَطْ. كَالْعِدَّةِ تَمْنَعَ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ، وَلا تُبْطِلُ اسْتِمْرَارَهُ4. وَمِنْهَا: مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، كَالإِحْرَامِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الصَّيْدِ. فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ، فَهَلْ تَجِبُ5 إزَالَةُ6 الْيَدِ عَنْهُ7؟ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا تَجِبُ8، وَكَالطَّوْلِ يَمْنَعُ

_ 1 انظر: الفروق 1/ 109-110. 2 في ع: كما ذكروه في موضعه. 3 مثال طروء الرضاع على النكاح أن يتزوج بنتاً في المهد فترضعها أمه فتصير أخته من الرضاع، فتحرم عليه، فيبطل النكاح بينهما، "شرح تنقيح الفصول ص84، الفروق 1/ 110". 4 لا يجوز العقد على المعتقدة لقوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} "البقرة/ 235" ولكن العدة لا تبطل استمرار النكاح، كما إذا غصبت امرأة متزوجة، أو زنت اختيارا، أو وطئت بشبهة، فإنها تستبرأ من هذا الماء، ليتبين هل خلق منه ولد فيلحق بالغير، أو يلاعن منه الزنا، ومع ذلك فالنكاح لا يبطل بهذا الاستبراء. "شرح تنقيح الفصول ص84، الفروق 1/ 110". 5 في ش ز ب: يجب. 6 في ش: ابتداء إزالة. 7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص84. 8 انظر: الفروق 1/ 110.

ابْتِدَاءَ نِكَاحِ الأَمَةِ1. فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ، فَهَلْ يُبْطِلُهُ2؟ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لا يُبْطِلُهُ3. وَكَوُجُودِ الْمَاءِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ التَّيَمُّمِ. فَلَوْ طَرَأَ وُجُودُ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي الصَّلاةِ فَهَلْ يَبْطُلُ4؟ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُبْطِلُهُ5. "وَمِنْهُ" أَيْ وَمِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ "فَسَادٌ وَصِحَّةٌ"، لأَنَّهُمَا مِنْ الأَحْكَامِ6، وَلَيْسَا دَاخِلَيْنِ فِي الاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ، لأَنَّ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَبُطْلانِهَا، وَبِصِحَّةِ الْمُعَامَلَةِ وَبُطْلانِهَا: لا يُفْهَمُ مِنْهُ اقْتِضَاءٌ وَلا تَخْيِيرٌ، فَكَانَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ. وَهَذَا قَوْلُ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ7. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: مَعْنَى الصِّحَّةِ: الإِبَاحَةُ، وَمَعْنَى الْبُطْلانِ: الْحُرْمَةُ8. وَذَهَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَجَمْعٌ إلَى أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلانَ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ الشَّرْعِ. فَلا يَكُونُ دَاخِلاً فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ9.

_ 1 لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء / 25] ، والطوْل: القدرة على تكاليف الزواج. 2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص84. 3 انظر: الفروق 1/ 110. 4 انظر: شرح تنقيح الفصول ص84. 5 انظر: الفروق 1/ 110. 6 هذا تقسيم للحكم باعتبار اجتماع الشروط المعتبرة في الفعل في الفعل، وعدم اجتماعها فيه "نهاية السول 1/ 74". 7 هناك أقوال أخرى في اعتبار الفساد والصحة من خطاب الوضع أو التكليف أو غير ذلك "انظر: فواتح الرحموت 1/ 121 وما بعدها، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 99". 8 في ش: الحرمان. 9 لأن الفعل إما أن يكون مسقطاً للقضاء أو موافقاً لأمر الشارع فيكون صحيحا بحكم العقل، واما أن لا يسقط القضاء أو لا يوافق أمر الشارع فهو باطل وفاسد بحكم العقل، "انظر: مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 7، فواتح الرحموت 1/ 55، 120، 121، تيسير التحرير 2/ 238".

"وَهِيَ" أَيْ الصِّحَّةُ "فِي عِبَادَةٍ: سُقُوطُ الْقَضَاءِ" أَيْ قَضَاءُ الْعِبَادَةِ "بِالْفِعْلِ" أَيْ: بِفِعْلِهَا1. بِمَعْنَى أَنْ لا يَحْتَاجَ إلَى فِعْلِهَا ثَانِيًا2. وَهَذَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ3. وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ: مُوَافَقَةُ الأَمْرِ4، وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ5. فَصَلاةُ مَنْ ظَنَّ الطَّهَارَةَ صَحِيحَةٌ عَلَى قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ، فَاسِدَةٌ عَلَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ6. فَالْمُتَكَلِّمُونَ نَظَرُوا لِظَنِّ الْمُكَلَّفِ. وَالْفُقَهَاءُ لِمَا فِي نَفْسِ الأَمْرِ7.

_ 1 في ش ز: بعملها. 2 المقصود بالقضاء هنا فعل العبادة ثانياً في الوقت، وهو الإعادة اصطلاحا، وليس القضاء بالمعنى الاصطلاحي الأصولي السابق، وهو فعل العبادة خارج الوقت، ولذلك فسر المصنف سقوط القضاء "بمعنى أن لا يحتاج إلى فعلها ثانياً". "انظر: حاشية البناني 1/ 100". 3 مراد المصنف بالفقهاء هنا طريقة الحنفية ومن سار على نهجهم في كتابة علم الأصول، ويقابلها طريقة المتكلمين التي سار عليها معظم علماء الأصول من المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والحنابلة. وانظر معنى الصحة في العبادة في "الإحكام للآمدي 1/ 130، نهاية السول 1/ 75، شرح تنقيح الفصول ص76، المستصفى 1/ 94، فواتح الرحموت 1/ 122، تيسير التحرير 2/ 235، الموفقات 1/ 197، الروضة ص31، مختصر الطوفي ص33، المدخل إلى مذهب أحمد ص69، إرشاد الفحصول ص105، شرح الورقات ص30، حاشية البناني 1/ 100". 4 أي أن يوافق فعل المكلف أمر الشارع، والمراد بالموافقة أعم من أن تكون بحسب الواقع أو بحسب الظن، بشرط عدم ظهور فساده، لأنا أمرنا باتباع الظن مالم يظهر فساده، والمسقط للقضاء هو الموافقة الواقعية. "انظر: فواتح الرحموت 1/ 121". 5 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 130، حاشية البناني 1/ 99، نهاية السول 1/ 75، المستصفى 1/ 94، شرح تنقيح الفصول ص76، تيسير التحرير 2/ 235، الروضة ص31، مختصر الطوفي ص33، إرشاد الفحول ص105. 6 انظر: المستصفى 1/ 94، الإحكام للآمدي 1/ 130، المحلي على جمع الجوامع 1/ 100، نهاية السول 1/ 75، تيسير التحرير 2/ 235، حاشية البناني 1/ 99، شرح تنقيح الفصول ص76، الروضة ص31، مختصر الطوفي ص33، إرشاد الفحول ص105، المدخل إلى مذهب أحمد ص69. 7 يرى جلال الدين المحلي الجميع بين القولين باعتبار آخر، وهو أن النظر في العبادة بحسب اعتقاد الفاعل، وأن لزوم القضاء لا ينافي ذلك، وأن النظر في المعاملات بحسب الواقع ونفس الأمر. "انظر: شرح الورقات ص30".

لَكِنْ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: "اللاَّئِقُ بِقَوَاعِدِ الْفَرِيقَيْنِ الْعَكْسُ". وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ1: "هَذَا الْبِنَاءُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لأَنَّ 2 مَنْ قَالَ 2: مُوَافَقَةُ الأَمْرِ إنْ أَرَادَ الأَمْرَ الأَصْلِيَّ: فَلَمْ تَسْقُطْ3، أَوْ الأَمْرَ بِالْعَمَلِ بِالظَّنِّ: فَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُ الظَّنِّ4. فَيَلْزَمُ أَنْ لا تَكُونَ صَحِيحَةً مِنْ حَيْثُ عَدَمُ مُوَافَقَةِ الأَمْرِ الأَصْلِيِّ وَلا5 الأَمْرِ بِالْعَمَلِ بِالظَّنِّ"6. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ7. قَالَ: وَالْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ وَقَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ عِنْدَ الأَكْثَرِ8، وَقَطَعُوا بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ،

_ 1 هو محمد بن علي بن وهْب، تقي الدين، القشيْري، أبو الفتح، المنفلوطي المصري المالكي، ثم الشافعي، اشتهر بالتقوى حتى سمي بتقي الدين، وكان عالما زاهدا ورعا عارفا بالمذهب المالكي والمذهب الشافعي، متقناً لأصول الدين وأصول الفقه والنحو واللغة، له تصانيف كثيرة، منها: "الالمام" في آحاديث الأحكام، شرحه "الإمام" و "مقدمة المطرزي" في أصول الفقه، وشرح بعض "مختصر ابن الحاجب"، و "شرح العمدة" و "الاقتراح في علوم الحديث" و "الأربعين التساعية"، ولي فضاء الديار المصرية، وتوفي سنة 702هـ. انظر ترجمته في "شذرات الذهب 6/ 5، الدرر الكامنة 4/ 210، طبقات الشافعة الكبرى للسبكي 9/ 207، البدر الطالع 2/ 229، الديباج المذهب 2/ 318، الفتح المبين 2/ 102، طبقات الحفاظ ص513، حسن المحاضرة 1/ 317، شجرة النور ص189، تذكرة الحفاظ 4/ 1481". 2 ساقطة من ش. 3 في ع: يسقط. 4 في ز: النظر. 5 ساقطة من ب. 6 يقول الأنصاري في فواتح الرحموت "1/ 121": "فموافقة الأمر، وسقوط القضاء متلازمان عند التحقيق، ثم نقاش أدلة المتكلمين في ذلك. 7 في ع: الظاهر. 8 خلافاً للقاضي عبد الجبار وأتباعه. "انظر: ارشاد الفحول ص150".

وَيَكُونُ الْخِلافُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ لَفْظِيًّا1. اهـ. "وَ" الصِّحَّةُ "فِي مُعَامَلَةٍ: تَرَتُّبُ أَحْكَامِهَا" أَيْ أَحْكَامِ الْمُعَامَلَةِ "الْمَقْصُودَةِ بِهَا" أَيْ بِالْمُعَامَلَةِ، "عَلَيْهَا"2 وَذَلِكَ لأَنَّ3 الْعَقْدَ لَمْ يُوضَعْ إلاَّ لإِفَادَةِ مَقْصُودِ كَمَالِ النَّفْعِ فِي الْبَيْعِ. وَمِلْكِ الْبُضْعِ فِي النِّكَاحِ. فَإِذَا أَفَادَ مَقْصُودَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ. وَحُصُولُ مَقْصُودِهِ: هُوَ تَرَتُّبُ حُكْمِهِ عَلَيْهِ، لأَنَّ الْعَقْدَ مُؤَثِّرٌ لِحُكْمِهِ وَمُوجِبٌ لَهُ4. قَالَ الآمِدِيُّ: "وَلا بَأْسَ بِتَفْسِيرِ الصِّحَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ بِهَذَا"5. قَالَ الطُّوفِيُّ: "لأَنَّ مَقْصُودَ الْعِبَادَةِ رَسْمُ6 التَّعَبُّدِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْعَبْدِ مِنْهَا. فَإِذَا أَفَادَتْ ذَلِكَ كَانَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا: إنَّهَا كَافِيَةٌ فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ، فَتَكُونُ صَحِيحَةً"7.

_ 1 قال علماء الأصول: والقضاء واجب على القولين، ومن هنا نرى أن الخلاف بينهما لفظي لا حقيقي، لأن الصحة على قول المتكلمين في موافقة الأمر المتوجه على المكلف في الحال، وأن الفضاء يجب بأمر جديد، كما أن الصلاة على قول الفقهاء غير مجزئة، فليست صحيحة، ويجب قضاؤها، ولذلك قال القرافي: "فاتفقوا على أنه لا يجب الفضاء إذا لم يطلع على الحدث، وأنه يجب عليه القضاء إذا اطلع" "شرح تنقيح الفصول ص77" وانظر: المستصفى 1/ 95، نهاية السول 1/ 75، شرح الورقات ص30، تيسير التحرير 1/ 235، المدخل إلى مذهب أحمد ص69، مختصر الطوفي ص33. 2 انظر: المستصفى 1/ 94، فواتح الرحموت 1/ 122، شرح تنقيح الفصول ص76، الموافقات 1/ 197، شرح الورقات ص30، الإحكام، الآمدي 1/ 131، حاشة البناني على جمع الجوامع 1/ 100، مناهج العقول 1/ 73، التعريفات للجرجاني ص137، الروضة ص31، مختصر الطوفي ص33. 3 في ز: أن. 4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 101، نهاية السول 1/ 74، المدخل إلى مذهب أحمد ص69. 5 عبارة الآمدي: "ولو قيل للعبادة صحيحة بهذا التفسير فلا حرج" "الإحكام، له 1/ 131". 6 في ش: وسم. 7 قال الطوفي في مختصره: "الصحة في العبادات وقوع الفعل كافياً في سقوط القضاء" "مختصر الطوفي ص33"، وانظر: إرشاد الفحول ص105، المدخل إلى مذهب أحمد ص69.

"وَيَجْمَعُهُمَا" أَيْ وَيَجْمَعُ الْعِبَادَةَ وَالْمُعَامَلَةَ فِي حَدِّ صِحَّتِهِمَا قَوْلُهُ: "تَرَتُّبُ أَثَرٍ مَطْلُوبٍ مِنْ فِعْلٍ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ1. فَالْفُقَهَاءُ فَسَّرُوا الأَثَرَ الْمَطْلُوبَ بِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ. وَالْمُتَكَلِّمُونَ بِمُوَافَقَةِ الشَّرْعِ. "فَبِصِحَّةِ عَقْدٍ يَتَرَتَّبُ أَثَرُهُ" مِنْ2 التَّمَكُّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ لَهُ3، كَالْبَيْعِ إذَا صَحَّ الْعَقْدُ تَرَتَّبَ أَثَرُهُ مِنْ مِلْكٍ، وَجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ هِبَةٍ وَوَقْفٍ وَأَكْلٍ وَلُبْسٍ وَانْتِفَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَذَا إذَا صَحَّ عَقْدُ النِّكَاحِ وَالإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ، تَرَتَّبَ عَلَيْهَا أَثَرُهَا مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ لَهُ بِهِ. فَيَنْشَأُ ذَلِكَ عَنْ الْعَقْدِ. وَتَرَتُّبُ الْعِتْقِ عَلَى الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ4 لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَتَرَتُّبُ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ فِي الْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ، لِوُجُودِ الإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، لا مِنْ جِهَةِ الْعَقْدِ فِي الثَّلاثِ. "وَ" بِصِحَّةِ "عِبَادَةٍ" يَتَرَتَّبُ "إجْزَاؤُهَا، وَهُوَ" أَيْ إجْزَاؤُهَا "كِفَايَتُهَا فِي إسْقَاطِ التَّعَبُّدِ"5. "وَيَخْتَصُّ" الإِجْزَاءُ "بِهَا" أَيْ بِالْعِبَادَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً6.

_ 1 انظر: الإحكام، للآمدي 1/ 131، حاشية البناني 1/ 99، تيسير التحرير 2/ 234. 2 في ض: أي من. 3 انظر: الموافقات 1/ 197، المحلي على جمع الجوامع 1/ 101، الإحكام، للآمدي 1/ 131. 4 ساقطة من ز. 5 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 131، المحلي على جمع الجوامع 1/ 103، تيسير التحرير 2/ 228، نهاية السول 1/ 199. 6 ذهب القرافي وغيره إلى أن الإجزاء وصف للعبادة الوجبة فقط. وأن النوافل من العبادات توصف بالصحة دون الإجزاء كالعقود، وقال الجمهور إن الإجزاء يشمل العبادة الواجبة والمستحبة. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص78، المحلي على جمع الجوامع 1/ 103 وما بعدها، نهاية السول 1/ 77، تيسير التحرير 2/ 236".

وَتَفْسِيرُ إجْزَائِهَا بِكِفَايَتِهَا فِي إسْقَاطِ التَّعَبُّدِ يُنْقَلُ عَنْ الْمُتَكَلِّمِينَ1. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ أَظْهَرُ. وَقِيلَ: الإِجْزَاءُ هُوَ الْكِفَايَةُ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ. وَيُنْقَلُ عَنْ الْفُقَهَاءِ2. فَعَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ: فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ بِشُرُوطِهِ يَسْتَلْزِمُ الإِجْزَاءَ بِلا3 خِلافٍ. وَعَلَى الثَّانِي: يَسْتَلْزِمُهُ عِنْدَ الأَكْثَرِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: "وَإِلاَّ لَكَانَ الأَمْرُ بَعْدَ الامْتِثَالِ مُقْتَضِيًا4 إمَّا لِمَا فُعِلَ، وَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَإِمَّا لِغَيْرِهِ، فَالْمَجْمُوعُ مَأْمُورٌ بِهِ، فَلَمْ يُفْعَلْ إلاَّ بَعْضُهُ. وَالْفَرْضُ خِلافُهُ"5. "وَكَصِحَّةِ قَبُولٍ وَنَفْيِهِ، كَنَفْيِ إجْزَاءٍ" يَعْنِي أَنَّ الْقَبُولَ مِثْلُ الصِّحَّةِ، فَلا يُفَارِقُهَا فِي إثْبَاتٍ وَلا نَفْيٍ. فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وُجِدَ الآخَرُ، وَإِذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا انْتَفَى الآخَرُ. وَهَذَا6 الْمُقَدَّمُ فِي "التَّحْرِيرِ". وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ

_ 1 انظر: الموافقات 1/ 197، الإحكام، الآمدي 1/ 131، تيسير التحرير 2/ 235، المحلي على جمع الجوامع 1/ 103، نهاية السول 1/ 199، إرشاد الفحول ص105، شرح تنقيح الفصول ص77، المدخل إلى مذهب أحمد ص71". 2 الإجزاء في العبادة بمعنى الصحة، والفرق بينهما أن الصحة وصف للعبادة والعقود، أما الإجزء فهو وصف للعبادة فقط فالصحة أعم من الإجزاء مطقاً، وقيل: الإجزاء شمل العبادة وغيرها، فعلى هذا فهما متسايان "انظر: شرح تنقيح الفصول ص77-78، نهاية السول 1/ 77 وما بعدها، شرح الورقات ص31، الإحكام، الآمدي 1/ 131، تيسير التحرير 2/ 235، المحلي على جمع الجوامع 1/ 103، مناهج العقول 1/ 86". 3 في ش: ولا. 4 في ع: يكون مقتضياً. 5 انظر أدلة الجمهور على سقوط القضاء بمجرد الإتيان بالمأمور به على وجهه، وأدلة المخالفين ومناقشتها في "إرشاد الفحول ص105، تيسير التحرير 2/ 238، نهاية السول 1/ 199". 6 في ش: وهو.

فِي "الْوَاضِحِ". وَقِيلَ: إنَّ الْقَبُولَ أَخَصُّ مِنْ الصِّحَّةِ، إذْ كُلُّ مَقْبُولٍ صَحِيحٌ وَلا عَكْسَ. وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ 1 أَرْبَعِينَ صَبَاحًا" 2 وَ 1 "إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَوَالِيهِ" 3 وَ4 "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا" 5 وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَيَكُونُ الْقَبُولُ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الثَّوَابُ. وَالصِّحَّةُ قَدْ تُوجَدُ فِي الْفِعْلِ وَلا ثَوَابَ فِيهِ6. لَكِنْ قَدْ أَتَى نَفْيُ الْقَبُولِ فِي الشَّرْعِ تَارَةً بِمَعْنَى نَفْيِ7 الصِّحَّةِ، كَمَا فِي

_ 1 ساقطة من ز ع ب ض. 2 رواه مسلم وأحمد، وهو حديث صحيح، وقد خص العدد بالأربعين، على عادة العرب، للتكثير، وخص الليلية لأن من عادة العرب ابتداء الحساب بالليالي، وخص الصلاة لكونها عماد الدين، ومعني عدم القبول عدم الثواب لا استحقاق العقاب، فالصلاة المقبولة يستحق فاعلها الثواب، والصلاة غير المقبولة لايستحق الثواب ولا العقاب، كما قال النووي، وقيل: إن عدم القبول يحبط تضيعف الأجر مع براءة الذمة من المطالبة. "انظر: صحيح مسلم 4/ 1751، فيض القدير 6/ 22، مسند أحمد 4/ 68". 3 حديث صحيح رواه مسلم عن جرير، والمعنى أن لا يثاب عليها مع صحتها لعدم التلازم بين القبول والصحة، فالصلاة غير مقبولة لاقترانها بمعصية، وصحيحة لوجود شروطها وأركانها. "انظر: صحيح مسلم 1/ 83، فيض القدير 1/ 238". 4 ساقطة من ش ع ب ض. 5 رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والطراني وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وراه أحمد وزاد: فإن مات مات كافراً. "انظر: تحفة الأحوذي 5/ 601، سنن النسائي 8/ 281، سنن ابن ماجة 2/ 1121، الترغيب والترهيب 3/ 264، فيض القدير 6/ 157، مسند أحمد 2/ 176". 6 انظر: المسودة ص52. 7 ساقطة من ز.

حَدِيثِ1: "لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ" 2. وَ "لا تُقْبَلُ صَلاةُ حَائِضٍ إلاَّ بِخِمَارٍ" 3 وَ "لا تُقْبَلُ صَلاةُ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ" 4، وَنَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ} 5. وَتَارَةً بِمَعْنَى نَفْيِ الْقَبُولِ مَعَ وُجُودِ الصِّحَّةِ، كَمَا فِي الأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي الآبِقِ، وَشَارِبِ الْخَمْرِ، وَمَنْ أَتَى عَرَّافًا. وَقَدْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي "الْوَاضِحِ". وَرَجَّحَ أَنَّ الصَّحِيحَ لا يَكُونُ إلاَّ

_ 1 في ش: الحديث. 2 رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماحه وأحمد والدرامي، وعَنْوَن به البخاري، والطهور –بضم الطاء- المراد به المصدر أي التطهير، والمراد هنا ما هو أعم من الوضوء والغسل، قال النووي: والقبول هنا يرادف الصحة، وهو الإجزاء ... وعدم القبول عدم الصحة، والغُلُول: ما يؤخذ من جهة الخيانة في الغنيمة أو الغصب أو السرقة، والمعنى أن الله تعالى لا يقبلُ صدقة من مال غُلول. "انظر: صحيح مسلم 1/ 204، سنن أبي داود 1/ 47، سنن النسائي 1/ 75، سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/ 23، صحيح البخاري 1/ 38، سنن أبن ماجة 1/ 100، سنن الدارمي 1/ 175، فيض القدير 6/ 415، مسند أحمد 2/ 20". 3 رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وابن حبان عن عائشة مرفوعاً، والمقصود بالحائض المرأة التي بلغت سنّ الحيض، والخمار ما تستر به الرأس، خصّ الحيض لأنه أكثر ما يبلغ به الإناث، لا للاحتراز، فالصبية المميزة لا تقبل صلاتها إلا بخمار. "انظر: تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 2/ 377، سنن أبي داود 1/ 244، سنن ابن ماجة 1/ 215، فيض القدير 6/ 415-416، مسند أحمد 6/ 150". 4 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وأحمد عن أبي هريرة مرفوعاً، والقبول هنا يرادف الصحة أيضاً، ولما كان الإتيان بشروط الصلاة مظنة الإجزاء، وأن القبول ثمرته، عبر عن الصحة بالقبول مجازاً. "انظر: صحيح البخاري 1/ 38، صحيح مسلم 1/ 204، سنن أبي داود 1/ 47، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 1/ 102، فيض القدير 6/ 452، مسند أحمد 2/ 308". 5 الآية 91 من آل عمران.

مَقْبُولاً، وَلا يَكُونُ مَرْدُودًا، إلاَّ1 وَهُوَ بَاطِلٌ2. قَالَ3 ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: ظَهَرَ لِي4 فِي الأَحَادِيثِ الَّتِي نُفِيَ فِيهَا الْقَبُولَ وَلَمْ تَنْتَفِ مَعَهُ الصِّحَّةُ - كَصَلاةِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ- أَنَّا نَنْظُرُ فِيمَا نُفِيَ، فَإِنْ قَارَنَتْ ذَلِكَ الْفِعْلَ مَعْصِيَةٌ، - كَحَدِيثِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ-؛ انْتَفَى، الْقَبُولُ. أَيْ الثَّوَابُ، لأَنَّ إثْمَ الْمَعْصِيَةِ أَحْبَطَهُ، وَإِنْ لَمْ تُقَارِنْهُ مَعْصِيَةٌ. كَحَدِيثِ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ" وَنَحْوِهِ، فَانْتِفَاءُ الْقَبُولِ سَبَبُهُ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَنَحْوُهَا، وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ. انْتَهَى. "وَ" الصِّحَّةُ - بِاعْتِبَارِ إطْلاقَاتِهَا- ثَلاث: - "شَرْعِيَّةٌ، كَمَا هُنَا" وَتُرْسَمُ بِـ "مَا أَذِنَ الشَّارِعُ فِي جَوَازِ الإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُتَّصِفِ بِهَا"، وَهُوَ يَشْمَلُ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ إلاَّ التَّحْرِيمَ، فَإِنَّهُ لا إذْنَ فِيهِ، وَالأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ: فِيهَا5 الإِذْنُ اتِّفَاقًا6 فِي جَوَازِ الإِقْدَامِ 7 عَلَى الْفِعْلِ الْمُتَّصِفِ بِهَا 7. - "وَ" الثَّانِيَةُ: "عَقْلِيَّةٌ، كَإِمْكَانِ الشَّيْءِ وُجُودًا وَعَدَمًا" يَعْنِي بِأَنْ يَتَعَلَّقَ8 وُجُودُ الْمُمْكِنِ وَعَدَمُ الْمُمْتَنِعِ. - "وَ" الثَّالِثَةُ: "عَادِيَّةٌ، كَمَشْيٍ وَنَحْوِهِ" كَجُلُوسٍ وَاضْطِجَاعٍ. وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلا مَأْمُورٌ بِهِ، وَلا مَشْرُوعٌ

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر: المسودة ص52. 3 في ز ع ض: وقال. 4 ساقطة من ش. 5 ساقطة من ش. 6 ساقطة من ش. 7 ساقطة من ز ع ب ض. 8 في ش: يتعلق.

عَلَى الإِطْلاقِ، إلاَّ وَفِيهِ الصِّحَّةُ الْعَادِيَّةُ. وَلِذَلِكَ حَصَلَ الاتِّفَاقُ1 عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ لَمْ يَقَعْ فِيهَا طَلَبُ وُجُودٍ وَلا عَدَمٍ، إلاَّ فِيمَا يَصِحُّ عَادَةً. وَإِنْ جَوَّزْنَا تَكْلِيفَ مَا لا يُطَاقُ. "وَبُطْلانٌ وَفَسَادٌ مُتَرَادِفَانِ، يُقَابِلانِ الصِّحَّةَ2 الشَّرْعِيَّةَ" سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ، أَوْ فِي الْمُعَامَلاتِ3. فَهُمَا فِي الْعِبَادَاتِ4: عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ تَرَتُّبِ الأَثَرِ عَلَيْهَا، أَوْ عَدَمِ سُقُوطِ الْقَضَاءِ، أَوْ5 عَدَمِ6 مُوَافَقَةِ الأَمْرِ، وَفِي الْمُعَامَلاتِ: عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ تَرَتُّبِ الأَثَرِ عَلَيْهَا7. وَفَرَّقَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ الْبُطْلانِ وَالْفَسَادِ8.

_ 1 في ع: اتفاق الناس. 2 ساقطة من ش ز. 3 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 131، المحلي على جمع الجوامع 1/ 105، نهاية السول 1/ 84، شرح العضد 2/ 7، الموافقات 1/ 198، المسودة ص80، المستصفى 1/ 95، الروضة ص31، مختصر الطوفي ص33، المدخل إلى مذهب أحمد ص69، التمهيد ص8. 4 في ز ض ع: العبادة. 5 في ب: و. 6 في ع: أعدم. 7 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 105، نهاية السول 1/ 74، الإحكام، الآمدي 1/ 131، شرح الورقات ص31، المستصفى 1/ 95، شرح تنقيح الفصول ص76، التعريفات للجرجاني ص43، المدخل إلى مذهب أحمد ص69. 8 يرى الحنفية أن الفاسد والباطل بمعنى واحد في العبادات، ولكنهم يفرقون بينهما في المعاملات، فقال أبو حنيفة: الفاسد: هو ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه، ويفيد الملك عند اتصال القبض به، والباطل مالم يشرع بأصله ولا بوضعه. "انظر: التعريفات للجرجاني ص170، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 7، تيسير التحرير 2/ 236، شرح تنقيح الفصول ص77، المحلي على جمع الجوامع 1/ 106، نهاية السول 1/ 75، التمهيد ص8، المسودة ص80، القواعد والفوائد الأصولية ص110، الإحكام، الآمدي 1/ 131، الفروق 2/ 82".

وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ فِي الْفِقْهِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ1. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": قُلْت غَالِبُ الْمَسَائِلِ الَّتِي حَكَمُوا عَلَيْهَا بِالْفَسَادِ إذَا كَانَتْ مُخْتَلَفًا فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَاَلَّتِي حَكَمُوا عَلَيْهَا بِالْبُطْلانِ إذَا كَانَتْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا، أَوْ الْخِلافُ فِيهَا شَاذٌّ، ثُمَّ وَجَدْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ: الْفَاسِدُ مِنْ النِّكَاحِ مَا يَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ، وَالْبَاطِلُ مَا كَانَ مُجْمَعًا عَلَى بُطْلانِهِ2. "فَوَائِدُ": "النُّفُوذُ3: تَصَرُّفٌ لا يَقْدِرُ فَاعِلُهُ عَلَى رَفْعِهِ" كَالْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ مِنْ الْبَيْعِ وَالإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهَا4، إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهَا، وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهَا5، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَالطَّلاقُ وَالْفَسْخُ وَنَحْوُهَا. وَقِيلَ: إنَّهُ مُرَادِفٌ لِلصِّحَّةِ6.

_ 1 إن التفريق بين الفاسد والباطل عند الجمهور بسبب الدليل، وليس كما يقول الحنفية: "إن الباطل ما لم يشرع بالكلية، والفاسد ما شرع أصله، وامتنع لاشتماله على وصف محرم"، ولذلك قال الجمهور: المنهي عنه فاسد وباطل، سواء كان النهي لعينه أو لوصفه. ومن المسائل التي فرق فيها الجمهور بين الفاسد والباطل الحج والنكاح والوكالة والخلع والإجارة ... "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص111 وما بعدها، التمهيد ص8، شرح الورقات ص32، نهاية السول 1/ 74، الفروق 3/ 82". 2 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص70، القواعد والفوائد الأصولية ص112. 3 في د: العقود. 4 ومناسبة هذه الفائدة أن الإجزاء يختص بالعبادة عند الأكثر، والنفوذ يختص بالعقود، عند الأكثر. "انظر: شرح الورقات ص31". 5 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص71. 6 انظر: شرح الورقات ص31.

قَالَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ1: "نُفُوذُ الْعَقْدِ: أَصْلُهُ: مِنْ نُفُوذِ السَّهْمِ، وَهُوَ بُلُوغُ الْمَقْصُودِ مِنْ الرَّمْيِ، وَكَذَلِكَ الْعَقْدُ إذَا أَفَادَ الْمَقْصُودَ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ نُفُوذًا، فَإِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْعَقْدِ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ، مِثْلُ: الْبَيْعِ إذَا أَفَادَ الْمِلْكَ وَنَحْوَهُ قِيلَ لَهُ صَحِيحٌ، وَيُعْتَدُّ بِهِ. فَالاعْتِدَادُ بِالْعَقْدِ هُوَ الْمُرَادُ بِوَصْفِهِ، بِكَوْنِهِ2 نَافِذًا". وَقَالَ فِي "مَتْنِ الْوَرَقَاتِ": وَالصَّحِيحُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ3. "وَالْعَزِيمَةُ لُغَةً: الْقَصْدُ الْمُؤَكَّدُ". قَالَ فِي "الْقَامُوسِ": "عَزَمَ عَلَى الأَمْرِ يَعْزِمُ عَزْمًا4 - وَيُضَمُّ- وَمَعْزَمًا وَعُزْمَانًا5 - بِالضَّمِّ- وَعَزِيمًا وَعَزِيمَةً، 6 وَعَزَمَهُ وَاعْتَزَمَهُ 6، وَعَلَيْهِ، وَتَعَزَّمَ أَرَادَ فِعْلَهُ، وَقَطَعَ عَلَيْهِ أَوْ7 جَدَّ فِي الأَمْرِ، وَعَزَمَ الأَمْرُ نَفْسُهُ عُزِمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى

_ 1 هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم، الشيخ برهان الدين بن الفِرْكاح، الفَزاري، العلامة فقيه الشام، شيخ الشافيعة في زمانه، قال ابن السبكي: "وكان ملازماً للشغل بالعلم والإفادة والتعليق سديد السيرة، كثيرة الورع، مُجمعاً على تقدمه في الفقه ومشاركته في الأصول والنحو والحديث" أخذ الكثير عن والده، وخلفه في تدريس الطلبة ولإفتاء، وعرض عليه القضاء فامتنع، وتولى الخطابة بعد موت عمه، له مصنفات كثيرة، منها: "التعليقة" على التنبيه للشيرازي في عشر مجلدات، و "تعليقة على مختصر ابن الحاجب" في الأصول، وعلق على "المنهاج" توفي بدمشق سنة 729هـ. "انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 9/ 312، الدرر الكامنة 1/ 35، شذرات الذهب 6/ 88، المنهل الصافي 1/ 80، طبقات الشافعيه، للأسنوي 2/ 290، مرآة الجنان 4/ 279، الفتح المبين 2/ 135". 2 في ش ز: وبكونه. 3 انظر: شرح الورقات ص31. 4 كذا في القاموس وع، وفي ش ز ب ض: عزمه، وهي صواب لغة، كما جاء في "لسان العرب 12/ 399". 5 في ش ز ب: وعزماً. 6 في ش ض: وعزمة وأعزامه. 7 كذا في القاموس، وفي ش ز ض ع ب: و.

الرَّجُلِ: أَقْسَمَ، وَالرَّاقِي قَرَأَ1 الْعَزَائِمَ: أَيْ الرُّقَى. وَ2 هِيَ آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ تُقْرَأُ عَلَى ذَوِي الآفَاتِ رَجَاءَ الْبُرْءِ، وَأُولُو الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ: الَّذِينَ عَزَمُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ فِيمَا عَهِدَ إلَيْهِمْ. وَهُمْ: نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ"3. "وَ" الْعَزِيمَةُ "شَرْعًا" أَيْ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ: "حُكْمٌ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ خَالٍ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ4". "فَشَمِلَ"5 الأَحْكَامَ "الْخَمْسَةَ": لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا حُكْمٌ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ. فَيَكُونُ فِي الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ عَلَى مَعْنَى التَّرْكِ. فَيَعُودُ الْمَعْنَى فِي تَرْكِ الْحَرَامِ إلَى الْوُجُوبِ6. وَقَوْلُهُ: "بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ": احْتِرَازٌ عَنْ7 الثَّابِتِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ.

_ 1 كذا في القاموس، وفي ش: وفي ز ض ع ب: في. 2 في ض: إذ. 3 القاموس المحيط 4/ 151، وانظر: المصباح المنير 2/ 626، لسان 12/ 399. 4 ساقطة من ز. 5 في ض: فتشمل. 6 قال الطوفي: "إن العزيمة تشمل الواجب والحرام والمكروه". وقال الآمدي وابن قدامة: إن العزيمة تختص بالواجب، وقال القرافي: تخص بالواجب والمندوب، وقال الحنفية: العزيمة تشمل الفرض والواجب والسنة والنقل، "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص114 وما بعدها، الإحكام، الآمدي 1/ 131، الروضة ص32، شرح تنقيح الفصول ص87، فواتح الرحموت 1/ 119، التوضيح على التنقيح 3/ 82، كشف الأسرار 2/ 300، حاشية البناني على جمع الجوامع وتقريرات الشربيني 1/ 123، تيسير التحرير 2/ 229" وانظر مناقشة التفتازاني للقرافي والحنفية في "التلويح على التوضيح 3/ 83". 7 في ع ب ض: من.

وَقَوْلُهُ: "خَالٍ1 عَنْ مُعَارِضٍ": احْتِرَازٌ عَمَّا2 يَثْبُتُ3 بِدَلِيلٍ، لَكِنْ لِذَلِكَ الدَّلِيلِ مُعَارِضٌ، مُسَاوٍ أَوْ رَاجِحٌ؛ لأَنَّهُ إنْ4 كَانَ الْمُعَارِضُ مُسَاوِيًا لَزِمَ الْوَقْفُ5 وَانْتَفَتْ الْعَزِيمَةُ. وَوَجَبَ طَلَبُ الْمُرَجِّحِ الْخَارِجِيِّ، وَإِنْ كَانَ رَاجِحًا، لَزِمَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَانْتَفَتْ الْعَزِيمَةُ، وَثَبَتَتْ6 الرُّخْصَةُ كَتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَخْمَصَةِ فَالتَّحْرِيمُ فِيهَا عَزِيمَةٌ، لأَنَّهُ حُكْمٌ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ خَالٍ عَنْ مُعَارِضٍ. فَإِذَا وُجِدَتْ الْمَخْمَصَةُ حَصَلَ الْمُعَارِضُ7 لِدَلِيلِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ رَاجِحٌ عَلَيْهِ، حِفْظًا لِلنَّفْسِ، فَجَازَ الأَكْلُ، وَحَصَلَتْ الرُّخْصَةُ8. "وَالرُّخْصَةُ لُغَةً: السُّهُولَةُ". قَالَ فِي "الْمِصْبَاحِ": يُقَالُ: رَخَّصَ الشَّارِعُ لَنَا فِي كَذَا تَرْخِيصًا. وَأَرْخَصَ إرْخَاصًا: إذَا يَسَّرَهُ وَسَهَّلَهُ، وَفُلانٌ يَتَرَخَّصُ فِي الأَمْرِ إذَا لَمْ يَسْتَقْصِ، وَقَضِيبٌ رَخْصٌ أَيْ طَرِيٌّ9 لَيِّنٌ، وَرَخُصَ الْبَدَنُ - بِالضَّمِّ- رَخَاصَةً

_ 1 ساقطة من ز. 2 في ز ض ع ب: مما. 3 في ب: ثبت. 4 في ش: إذا. 5 في ش: التوقف. 6 في ش: وتثبت. 7 في ز العارض. 8 انظر في تعريف العزيمة "الإحكام، الآمدي 1/ 131، جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 124، كشف الأسرار 2/ 298، أصول السرخسي 1/ 117، نهاية السول 1/ 91، مناهج العقول 1/ 89، التعريفات للجرجاني ص155، المستصفى 1/ 98، القواع والفوائد الأصولية ص114، مختصر الطوفي ص34، الروضة ص32، المدخل إلى مذهب أحمد ص71، شرح تنقيح الفصول ص85، 87، التوضيح على التنقيح 3/ 82". 9 في ش: طرف.

وَرُخُوصَةً: إذَا نَعُمَ وَلانَ مَلْمَسُهُ، فَهُوَ رَخِيصٌ1. "وَ" الرُّخْصَةُ "شَرْعًا: مَا ثَبَتَ عَلَى خِلافِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ2". فَقَوْلُهُ: "مَا ثَبَتَ عَلَى خِلافِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ". احْتِرَازٌ عَمَّا3 ثَبَتَ4 عَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ. فَإِنَّهُ لا يَكُونُ رُخْصَةً، بَلْ عَزِيمَةً. كَالصَّوْمِ فِي الْحَضَرِ5. وَقَوْلُهُ: "لِمُعَارِضٍ6 رَاجِحٍ": احْتِرَازٌ عَمَّا7 كَانَ لِمُعَارِضٍ غَيْرِ رَاجِحٍ، بَلْ إمَّا مُسَاوٍ، فَيَلْزَمُ الْوَقْفُ8 عَلَى حُصُولِ الْمُرَجِّحِ، أَوْ قَاصِرٍ عَنْ مُسَاوَاةِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، فَلا يُؤَثِّرُ، وَتَبْقَى الْعَزِيمَةُ بِحَالِهَا9. وَهَذَا الَّذِي فِي الْمَتْنِ ذَكَرَهُ الطُّوفِيُّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"10.

_ 1 كذا في المصباح المنير 1/ 342، 343، وفي جميع النسخ: رخيص، لكن جاء في المصباح المنير: رخُص الشيء رُخْصاً فهو رخيص من باب قَرُب، "واننظر: القاموس المحيط 2/ 316". 2 انظر في تعريف الرخصة "نهاية السول 1/ 87، المستصفى 1/ 98، تيسير التحرير 2/ 228، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 7، كشف الأسرار 2/ 298، الإحكام، الآمدي 1/ 132، التلويح على التوضيح 3/ 81، الموفقات 1/ 205، أصول السرخسي 1/ 117، مناهج العقول 1/ 87، التعريفات ص115، شرح تنقيح الفصول ص85، حاشية البناني 1/ 120، المدخل إلى مذهب أحمد ص71، القواعد والفوائد الأصولية ص 115، الروضة ص32". 3 في ز ع ب ض: مما. 4 في ع ب: يثبت. 5 قال الإسنوي: "هذا تقسيم للحكم باعتبار كونه على وفق الدليل أو خلافه" "نهاية السول 1/ 189". 6 المعارض هو العذر "مناهج العقول 1/ 87". 7 في ز ع ب ض: مما 8 في ش: التوقف. 9 إنْ الرخصة لا تثبت إلا بدليل، وإلا يلزم ترك العمل بالدليل الأصلي السالم عن المعارص، "انظر: نهاية السول 1/ 89، الإحكام، الآمدي 1/ 132". 10 مختصر الطوفي ص34.

وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي 1 شَرْحِ مُخْتَصَرِهِ 1: "فَلَوْ قَيلَ2: اسْتِبَاحَةَ الْمَحْظُورِ شَرْعًا مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْحَاظِرِ3. صَحَّ وَسَاوَى الأَوَّلَ". وَقَالَ الْعَسْقَلانِيُّ فِي "شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطُّوفِيِّ": "أَجْوَدُ مَا يُقَالُ فِي الرُّخْصَةِ: "ثُبُوتُ حُكْمٍ لِحَالَةٍ تَقْتَضِيهِ، مُخَالَفَةُ مُقْتَضَيْ دَلِيلٍ يَعُمُّهَا". وَهَذَا الْحَدُّ لابْنِ حَمْدَانَ فِي "الْمُقْنِعِ". "وَمِنْهَا" أَيْ مِنْ4 الرُّخْصَةِ "وَاجِبٌ" كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ. فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُ؛ لأَنَّهُ سَبَبٌ لإِحْيَاءِ النَّفْسِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ وَاجِبٌ5، وَذَلِكَ: لأَنَّ النُّفُوسَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُكَلَّفِينَ، 6 فَيَجِبُ حِفْظُهَا 6، لِيَسْتَوْفِيَ7 اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَقَّهُ مِنْهَا بِالْعِبَادَاتِ وَالتَّكَالِيفِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} 8، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} 9. "وَ" مِنْهَا " مَنْدُوبٌ" كَقَصْرِ الْمُسَافِرِ10 الصَّلاةَ إذَا اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ،

_ 1 في ب: شرحه. 2 في ش: قبل. 3 انظر: القواعد والفوئد الأصولية ص115، كشف الآسرار 2/ 298، 299، وفي ع ض: الحاضر. 4 ساقطة من ع ض ب. 5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص87، الإحكام، الآمدي 1/ 132، التوضيح على التنقيح 3/ 83، تيسير التحرير 2/ 232، حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 122، التمهيد ص12، الروضة ص33، مختصر الطوفي ص35، القواعد والفوائد الأصولية ص117. 6 ساقطة من ز. 7 في ز: ليوفي. 8 الآية 195 من البقرة. 9 الآية 29 من النساء. 10 ساقطة من ض.

وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ1. "وَ" مِنْهَا "مُبَاحٌ" كَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي غَيْرِ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ2. وَكَذَا مَنْ3 أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ4. وَكَذَا بَيْعُ الْعَرَايَا5، لِلْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ6. وَفُهِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّ الرُّخْصَةَ لا تَكُونُ مُحَرَّمَةً وَلا مَكْرُوهَةً7، وَهُوَ

_ 1 خلافاً للحنفية، فإنهم يعتبرون القصر للمسافر عزيمة، وليس له أنْ يصلي أربعاً. "انظر: مناهج العقول 1/ 88". 2 إن الجمع بين الصلاتين في عرفة ومزدلفة مباحّ ورخصة للمكلف عند الجمهور، خلافاً للحنفية الذين يمنعون الجمع إلا في مزدلفة وعرفة. "انظر: نهاية السول 1/ 190، التمهيد ص13". 3 في ع: لمن. 4 يرى بعض العلماء أن الأفضل عدمُ النطق بكلمة الكفر، والنطق بها خلاف الأولى، والأولى الصبر وتحمل الأذى في سبيل الإيمان. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص118، فواتح الرحموت 1/ 117". 5 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص120، كشف الأسرار 2/ 222، تيسير التحرير 2/ 228، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، حاشية البناني 1/ 121، التمهيد ص13، الروضة ص33، مختصر الطوفي ص35. 6 وهو ما رواه البخاري والترمذي وأحمد عن رافع بن خُديج وسهل بن ابي حثمة، وروى البخاري ومسلم ومالك حديثاً بلفظ: "إلا أنه رخص في بيع العرية: النخلة والنخلتين يأخذهما أهل البيت يخرصها تمراً، يأكلون رطباً"، والعرية في الأصل ثمر النخل دون الرقبة، كانت العرب في الجدب تتطوع بذلك على من لا تمر له، وقال مالك: العرية: أن يعري الرجل النخلة، أي يهبها له، أو يهب له ثمرها ثم يتأذى بدخوله عليه، ويرخص الموهوب له للواهب أن يشتري رطبها منه بتمر يابس. "انظر: نيل الأوطار 5/ 225، مسند أحمد 4/ 140، الموطأ 2/ 620، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 4/ 527، فتح الباري بشرح البخاري 4/ 263، صحيح مسلم 3/ 1167". 7 قال البعلي: "ومن الرخص ما هو مكروه، كالسفر للترخص" "القواعد والفوائد الأصولية ص118، 119". وانظر: أصول السرخسي 1/ 118، 119، التوضيح على التنقيح 3/ 85، تيسير التحرير 2/ 228، حاشية البناني 1/ 121، فواتح الرحموت 1/ 117، التمهيد ص13، مختصر الطوفي ص35، المدخل إلى مذهب أحمد ص72.

ظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ" 1. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا خُفِّفَ عَنَّا مِنْ التَّغْلِيظِ الَّذِي كان2 عَلَى الأُمَمِ قَبْلَنَا لَيْسَ بِرُخْصَةٍ شَرْعِيَّةٍ، لَكِنْ قَدْ يُسَمَّى رُخْصَةً مَجَازًا3، بِمَعْنَى أَنَّهُ سُهِّلَ عَلَيْنَا مَا شُدِّدَ عَلَيْهِمْ، رِفْقًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَةً بِنَا مَعَ جَوَازِ إيجَابِهِ عَلَيْنَا، كَمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ، لا عَلَى مَعْنَى أَنَّا اسْتَبَحْنَا شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمِ4 عَلَيْهِمْ، مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ فِي حَقِّنَا، لأَنَّهُ إنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ لا عَلَيْنَا. فَهَذَا وَجْهُ التَّجَوُّزِ، وَعَدَمُ كَوْنِ الأَوَّلِ لَيْسَ بِرُخْصَةٍ، لأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ5. "وَالاثْنَتَانِ" أَيْ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ "وَصْفَانِ لِلْحُكْمِ" لا لِلْفِعْلِ فَتَكُونُ الْعَزِيمَةُ بِمَعْنَى التَّأْكِيدِ فِي طَلَبِ الشَّيْءِ، وَتَكُونُ الرُّخْصَةُ بِمَعْنَى التَّرْخِيصِ6. وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَاقْبَلُوا رُخْصَةَ اللَّهِ" 7، وَمِنْهُ قَوْلُ أُمِّ

_ 1 رواه أحمد والبيهقي عن ابن عمر، ورواه الطبراني عن ابن عباس وابن مسعود، وهو حديث ضعيفن، وقال ابن طاهر: وفقه على ابن مسعود أصح. "انظر: فيض القدير 2/ 292، مسند أحمد 2/ 108". 2 ساقطة من ش ز. 3 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 133، المستصفى 1/ 98، فواتح الرحموت 1/ 118، أصول السرخسي 1/ 120، تيسير التحرير 2/ 232، مختصر الطوفي ص34. 4 في ض: العزم. 5 انظر: الموافقات 1/ 207، أصول السرخسي 1/ 130 التوضيخ على التنقيح 3/ 86، كشف الأسرار 2/ 320، تيسير التحرير 2/ 232، المستصفى 1/ 98. 6 انظر: المستصفى 1/ 98، 100، حاشية البناني 1/ 124، الإحكام، الآمدي 1/ 131، تيسير التحرير 2/ 228، التمهيد ص12، القواعد والفوائد الأصولية ص116، المدخل إلى مذهب أحمد ص71. 7 رواه مسلم اللفظ، وروى معناه أصحاب السنن وأحمد في صيام المسافر. "انظر: صحيح مسلم 1/ 478، 2/ 786، سنن النسائي 4/ 147، فيض القدير 5/ 381، تفيسر ابن كثير 2/ 374، مسند أحمد 5/ 58، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 3/ 397، سنن أبي داود 2/ 426، سنن ابن ماجة 1/ 531".

عَطِيَّةَ1: "نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا"2. وَقِيلَ: هُمَا وَصْفَانِ لِلْفِعْلِ3. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُمَا وَصْفان4 لِلْحُكْمِ. فَقَالَ جَمْعٌ: هُمَا وَصْفَانِ لِلْحُكْمِ "الْوَضْعِيِّ" 5 أَيْ فَيَكُونَانِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ 5، مِنْهُمْ. الآمِدِيُّ6. وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ حَمْدَانَ فِي "مُقْنِعِهِ"7. وَقَالَ جَمْعٌ: لِلْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ8 لِمَا فِيهِمَا مِنْ مَعْنَى الاقْتِضَاءِ9.

_ 1 هي نُسَيبةُ بنت الحارث، الصحابية، أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاركت بالجهاد، قال: "عزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وكنت أخالفهم في الرجال، وأصنع لهم الطعام، وأقوم على المرضى، وأداوي الجرحى"، روت عدة أحاديث في الصحيحين وغيرهما. "انظر: الإصابة 4/ 476، الاستيعاب 4/ 471، صفة الصفوة 2/ 71، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 364". 2 رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد، "انظر: صحيح البخاري 1/ 221، صحيح مسلم 2/ 646، سنن أبي داود 3/ 274، سنن ابن ماجة 1/ 502، مسند أحمد 5/ 85، الفتح الرباني 8/ 21". 3 وهو قول ابن الحاجب والرازي وغير هما، وقالوا: إن الفعل الذي يجوز للمكلف الإتيان به إما أن يكون عزيمة أو رخصة. "انظر: مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 8، التمهيد ص12، حاشية البناني 1/ 124". وقارن ما نقله البعلي عن الرازي وابن الحاجب في "القواعد والفوائد الأصولية ص116". 4 في ش: وصف. 5 ساقطة من ز ع ض، لكن كتبت في ع بعد سطرين. 6 الإحكام، له 1/ 131. 7 انظر: المستصفى 1/ 89، الموافقات 1/ 122، المسودة ص80، فواتح الرحموت 1/ 116، القواعد والفوائد الأصولية ص116. 8 في ع: التكليفي أي فيكونان من خطاب الوضع، لا من خطاب التكليف. 9 وهو رأي ابن السبكي والإسنوي والعضد من الشافعية، وصدر الشريعة من الحنفية, "انظر: جمع الجوامع مع حاشية البناني 1/ 119، كشف الأسرار 2/ 298، شرح العضد على ابن الحاجب وحاشية التفتازاني 2/ 8، القواعد والفوائد الأصولية ص116".

فصل التكليف

"فَصْلٌ":"التَّكْلِيفُ لُغَةً: إلْزَامُ1 مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ" فَإِلْزَامُ الشَّيْءِ، وَالإِلْزَامُ بِهِ: هُوَ تَصْيِيرُهُ لازِمًا لِغَيْرِهِ، لا2 يَنْفَكُّ عَنْهُ مُطْلَقًا، أَوْ وَقْتًا مَا. قَالَ فِي "الْقَامُوسِ": "وَالتَّكْلِيفُ: الأَمْرُ بِمَا يَشُقُّ، وَتَكَلَّفَهُ تَجَشَّمَهُ"3. وَقَالَ أَيْضًا: "أَلْزَمَهُ إيَّاهُ فَالْتَزَمَهُ، إذَا لَزِمَ شَيْئًا لا يُفَارِقُهُ"4. "وَ" التَّكْلِيفُ "شَرْعًا" أَيْ: فِي اصْطِلاحِ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ: "إلْزَامُ مُقْتَضَى خِطَابِ الشَّرْعِ" فَيَتَنَاوَلُ الأَحْكَامَ الْخَمْسَةَ: الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ، الْحَاصِلَيْنِ عَنْ الأَمْرِ، وَالْحَظْرَ وَالْكَرَاهَةَ، الْحَاصِلَيْنِ عَنْ النَّهْيِ. وَالإِبَاحَةَ الْحَاصِلَةَ عَنْ التَّخْيِيرِ، إذَا قُلْنَا إنَّهَا مِنْ خِطَابِ الشَّرْعِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي الْمُبَاحِ وُجُوبَ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ مُبَاحًا5، أَوْ6 اخْتِصَاصَ اتِّصَافِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِمَا دُونَ فِعْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ7.

_ 1 في ع: الالزام. 2 في ع: ولا. 3 القاموس المحيط: 3/ 198، وانطر: المصباح المنير 2/ 828. 4 القاموس المحيط 4/ 177، وانظر: المصباح المنير 2/ 852. 5 وهذا من مقتضيات الخطاب المذكور، وفي قولٍ إنّ الإباحة ليست تكليفاً، لأن التكليف هو الخطاب بأمر أو نهي. "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص58، مختصر الطوفي ص11، الفروق 1/ 161، تهذيب الفروق 1/ 176". 6 في ع: و. 7 انظر تعريف التكليف في "التعريفات ص58، طبعة الحلبي، المدخل إلى مذهب أحمد ص58، الروضة ص26،مختصر الطوفي ص11،الفروق 1/ 161".

"وَالْمَحْكُومُ بِهِ" 1 عَلَى الْمُكَلَّفِ "فِعْلٌ بِشَرْطِ إمْكَانِهِ2". الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ يَتَعَلَّقُ بِالْبَحْثِ فِيهِ النَّظَرُ فِي أَشْيَاءَ: - الأَوَّلُ: النَّظَرُ فِي الْحَاكِمِ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. - الثَّانِي: النَّظَرُ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْعَبْدُ الْمُكَلَّفُ. - الثَّالِثُ: النَّظَرُ فِي الْمَحْكُومِ بِهِ، وَهُوَ الْفِعْلُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا3. وَيَسْتَدْعِي ذَلِكَ: أَنَّ الْفِعْلَ 4 غَيْرُ الْمَقْدُورِ 4 عَلَيْهِ هَلْ يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ أَوْ لا؟ وَيُسَمَّى التَّكْلِيفُ بِهِ: التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ، وَهُوَ أَقْسَامٌ: - أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ، كَجَمْعِ الضِّدَّيْنِ، وَإِيجَادِ الْقَدِيمِ وَإِعْدَامِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْتَنِعُ تَصَوُّرُهُ. فَإِنَّهُ لا يَتَعَلَّقُ بِهِ قُدْرَةٌ مُطْلَقًا5. - ثَانِيهَا: مَا يَكُونُ مَقْدُورًا لِلَّهِ تَعَالَى كَالتَّكْلِيفِ بِخَلْقِ الأَجْسَامِ وَبَعْضِ الأَعْرَاضِ. - ثَالِثُهَا: مَا 6 لَمْ تَجْرِ 6 عَادَةٌ بِخَلْقِ الْقُدْرَةِ عَلَى مِثْلِهِ لِلْعَبْدِ مَعَ جَوَازِهِ،

_ 1 المحكوم به هو فعل المكلف، وذلك لأن فعل المكلف يوصف بأنه مأمور به أو منهي عنه، بينما يطلق أكثر علماء الأصول على المحكوم به لفظ "المحكوم فيه" لأن الشارع جعل الفعل محكوماً فيه بالوجوب أو التحريم. "انظر: المستصفى 1/ 86، التوضيح على التنقيح 3/ 129، تيسير التحرير 2/ 184، فواتح الرحموت 1/ 123، مناهج العقول 1/ 181، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، المسودة ص80". 2 في ض: إحكامه. 3 انظر: المستصفى 1/ 86، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، إرشاد الفحول ص9، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص15، المدخل إلى مذهب أحمد ص59. 4 في ز ع ض ب: الغير مقدور. 5 انظر: نهاية السول 1/ 185، المسودة ص76. 6 في ش: لا تجري.

كَالْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ، وَالطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ1. - رَابِعُهَا: مَا لا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ عَلَيْهِ حَالَ2 تَوَجُّهِ الأَمْرِ، وَلَهُ الْقُدْرَةُ3 عَلَيْهِ عِنْدَ الامْتِثَالِ. كَبَعْضِ الْحَرَكَاتِ4. - خَامِسُهَا: مَا فِي امْتِثَالِهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ كَالتَّوْبَةِ بِقَتْلِ النَّفْسِ5. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا "فَيَصِحُّ" مِنْ ذَلِكَ التَّكْلِيفُ "بِمُحَالٍ لِغَيْرِهِ" إجْمَاعًا، كَتَكْلِيفِ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ لا يُؤْمِنُ بِالإِيمَانِ وَذَلِكَ لأَنَّ6 اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْكِتَابَ، وَبَعَثَ الرُّسُلَ بِطَلَبِ الإِيمَانِ وَالإِسْلامِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَعَلِمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ لا يُؤْمِنُ7. وَ "لا" يَصِحُّ التَّكْلِيفُ مِنْ ذَلِكَ8 بِمُحَالٍ "لِذَاتِهِ"، وَهُوَ الْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِيُّ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، "وَ" لا بِمُحَالٍ "عَادَةً" كَالطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ، وَالْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ، وَنَحْوِهِمَا عِنْدَ الأَكْثَرِ9. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ

_ 1 انظر: نهاية السول 1/ 185. 2 في ز ب ع ض: بحال. 3 في ض: قدرة. 4 انظر: نهاية السول 1/ 185. 5 المرجع السابق. 6 في ش: أن. 7 انظر: نهاية السول 1/ 185، 188، شرح تنقيح الفصول ص143، المحلي وحاشية البناني 1/ 206، 208، فواتح الرحموت 1/ 127، العضد على ابن الحاجب وحاشية التفتازاني 2/ 9، الإحكام، الآمدي 1/ 134، تيسير التحرير 2/ 139، 140، إرشاد الفحول ص9، المسودة ص89، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص15. 8 في ش: جهة، وفي ب: سقطت "من ذلك". 9 انظر: الموافقات 2/ 76، الإحكام، الآمدي 1/ 135، تيسير التحرير 2/ 137، المستصفى 1/ 86، المحلي على جمع الجوامع 1/ 206، فواتح الرحموت 1/ 123، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، إرشاد الفحول ص9، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص15، المدخل إلى مذهب أحمد ص59، نهاية السول 1/ 186، المسودة ص79.

وَالأَصْفَهَانِيّ، وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ. وَحُكِيَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ وَأَبِي الْمَعَالِي، وَابْنِ حَمْدَانَ فِي "نِهَايَةِ الْمُبْتَدَئِينَ"1. وَقَالَ أَكْثَرُ الأَشْعَرِيَّةِ وَالطُّوفِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: بِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا2، قَالَ الآمِدِيُّ: وَهُوَ لازِمُ أَصْلِ الأَشْعَرِيَّةِ فِي وُجُوبِ مُقَارَنَةِ الْقُدْرَةِ لِلْمَقْدُورِ بِهَا وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ3 تَعَالَى4. وَقَالَ الآمِدِيُّ وَجَمْعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ عَادَةً5، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا6 "إلاَّ" الْمُحَالَ "عَقْلاً" وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أُشِيرَ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ7 "فِي وَجْهٍ". وَجْهِ الْمَذْهَبِ الأَوَّلِ - وَهُوَ الْمَنْعُ فِي الْمُحَالِ لِذَاتِهِ وَعَادَةً-8 قَوْله تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا} 9، وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ10 رَضِيَ

_ 1 وهو رأي الحنفية وأيده ابن السبكي. "انظر: فواتح الرحموت 1/ 123، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 207، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، نهاية السول 1/ 186". 2 أي سواء كان محالاً لذاته "عقلاً" أم محالاً للعادة، أم محلاً لغيره، وهو اختيار الإمام الرازي ومن تبعه. "انظر: نهاية السول 1/ 185، التمهيد ص24، المستصفى 1/ 86، الإحكام، الآمدي 1/ 133، إرشاد الفحول ص9، مختصر الطوفي ص15". 3 في ض: الله. 4 وقد عبر الآمدي بلازم الأشعري إذ لم يثبت تصريح الأشعري بالتكليف بالمحال، وإنما أخذ من مضمون كلامه. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 134"، وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 9، 11، المستصفى 1/ 86. 5 الإحكام، الآمدي 1/ 134، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 207. 6 في ز: يثبتوا. 7 في ز ب ع ض: يقولي. 8 انظر: نهاية السول 1/ 186، 187، الإحكام، الآمدي 1/ 135، الروضة ص28 وما بعدها. 9 الآية 286 من البقرة. 10 هو عبد الرحمن أو عبد الله بن صَخْر الدَوّسي، صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم المدينة سنة سبع، وأسلم، وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكني بأبي هريرة لأنه وجد هرة فحملها في كمه، ولزمَ رسول الله وواظب عليه رغبة في العلم، وكان أحفظ الصحابة، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه حريص على العلم والحديث ودعا له بالحفظ، روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل، توفي بالمدينة سنة 57هـ، وهو ابن 78 سنة. "انظر: الاستيعات 4/ 202، الإصابة 4/ 202، صفة الصفوة 1/ 685، مشاهير علماء الأمصار ص15،شذرات الذهب1/ 63".

اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} 1، اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابَةِ. وَقَالُوا: "لا نُطِيقُهَا"2، وَفِيهِ: "أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَهَا"3، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا4 لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} 5، وَفِيهِ عَقِبَ كُلِّ دَعْوَةٍ: "قَالَ: نَعَمْ"6، وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: "قَدْ قُلْت"7. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ مَا يَثْقُلُ وَيَشُقُّ8، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي

_ 1 الآية 284 من البقرة. 2 هذا جزء من حديث رواه الإمام أحمد ومسلم، وتكملته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم، سمعنا وعصينا"؟ بل قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك اللمصير، قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم" "انظر: صحيح مسلم 1/ 115، مسند أحمد 2/ 413، تفسير ابن كثير 1/ 600". 3 ونصها: "فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل.... " صحيح مسلم 1/ 115". 4 في ز ع ض ب: إلى آخر السورة، والتكملة من صحيح مسلم، ومن ش. 5 الآية 286 من البقرة. 6 أي قال الله تعالى. "انظر صحيح مسلم 1/ 116". 7 صحيح مسلم 1/ 116. 8 انظر: المستصفى 1/ 87، الروضة ص29.

الْمَمْلُوكِ: "لا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لا يُطِيقُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ1، وَكَقَوْلِهِ2: "لا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ. فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ3. وَاحْتَجَّتْ الأَشْعَرِيَّةُ بِسُؤَالِ رَفْعِ التَّكْلِيفِ4 عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُسْتَحِيلِ لِغَيْرِهِ5. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالآمِدِيُّ6 وَغَيْرُهُمَا7: بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِالْمُسْتَحِيلِ لَكَانَ مَطْلُوبَ الْحُصُولِ، لأَنَّهُ مَعْنَاهُ. وَهُوَ مُحَالٌ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ وُقُوعِهِ، لأَنَّهُ يَلْزَمُ تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلافِ مَاهِيَّتِهِ، وَاسْتِدْعَاءُ حُصُولِهِ فَرْعُ تَصَوُّرِ وُقُوعِهِ8.

_ 1 رواه مسلم عن أبي هريرة، وأوله: "للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق". رواه أحمد والبيهقي ومالك والشافعي، ومعنى: لا يكلف: نفي بمعنى النهي، إلا ما يطيق الدوام عليه. "انظر: صحيح مسلم 3/ 138، الموطأ 2/ 980، مسند أحمد 2/ 247، فيض القدير 5/ 292". 2 في ز: ولقوله. 3 رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة عن أبي ذر، وهذا لفظ البخاري وابن ماجة، قال المناوي: ولا يكلفه: من التكليف وهو تحميل الشخص شيئاً معه كلفة، وقيل: هو الأمر بما يشق، أي لا يكلف من العمل "ما يغلبه" أي يعجز عنه، وتصر قدرته فيه مغلوبة، بعجزه عنه لمعظمه أو لصعوبته، فيحرم ذلك. "انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/ 15، صحيح مسلم 3/ 1283، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 6/ 75، سنن أبي داود 4/ 462، سنن ابن ماجة 2/ 1216، فيض القدير 1/ 221، مسند أحمد 5/ 158". 4 أي رفع التكليف بما لا يطاق في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} البقرة 276. 5 انظر: نهاية السول 1/ 188، الإحكام، الآمدي 1/ 135، 138، الروضة ص28. 6 الإحكام، له 1/ 135. 7 في ض: وغيرهم. 8 انظر: فواتح الرحموت 1/ 123، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، تيسير التحرير 2/ 138، إرشاد الفحول ص9، مختصر الطوفي ص15.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ مُحَالاً. لأَنَّ الْحُكْمَ بِصِفَةِ الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ1؟ قِيلَ: الْجَمْعُ الْمُتَصَوَّرُ الْمَحْكُومُ بِنَفْيِهِ عَلَى الضِّدَّيْنِ: هُوَ جَمْعُ الْمُخْتَلِفَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُتَضَادَّةٍ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهِ مَنْفِيًّا عَنْ الضِّدَّيْنِ تَصَوُّرُهُ ثَابِتًا لَهُمَا، لاسْتِلْزَامِهِ التَّصَوُّرَ عَلَى خِلافِ الْمَاهِيَّةِ2. وَحَيْثُ قِيلَ بِجَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ لِذَاتِهِ، فَعِنْدَ الأَكْثَرِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ3. قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَالْمَجْدُ: "الْمُحَالُ لِذَاتِهِ مُمْتَنِعٌ سَمْعًا إجْمَاعًا، وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ وَالاسْمِ اللُّغَوِيِّ"4. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ وَاقِعٌ5 قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ مِنْ أَصْحَابِنَا: اللَّهُ تَعَالَى يَتَعَبَّدُ خَلْقَهُ بِمَا يُطِيقُونَ، وَمَا لا يُطِيقُونَ. وَكَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلا6، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلا

_ 1 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 136، نهاية السول 1/ 187، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 1/ 207، فواتح الرحموت 1/ 125، 126. 2 يقول التفتازاني: "فحاصلة أن المستحيل هو الخارجي، وليس الذهني، وهو ظاهر، والمتصور هو الذهني لأنه الحاصل في العقل، فليس المتسحيل هو المتصور. "حاشية التفتازاني على العضد 2/ 9" وانظر: الإحكام، الآمدي 1/ 136، العضد على ابن الحاجب 2/ 9، 10، إرشاد الفحول ص9. 3 انظر: نهاية السول 1/ 186، الموافقات 2/ 76، فواتح الرحموت 1/ 123، العضد على ابن الحاجب 2/ 11، شرح تنقيح الفصول ص143، تيسير التحرير 2/ 137، 139، المسودة ص79، إرشاد الفحول ص9. 4 انظر: المسودة ص79. 5 وهو قول الإمام فخر الدين الرازي. "المراجع السابقة هـ 2، 3". 6 هو إبراهم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقُلا، أبو إسحاق البراز، كان جليل القدر، كثير الرواية، حسن الكلام في الأصول والفروع، شيخ الحنابلة في وقته، وهو تلميذ أبي بكر عبد العزيز، وكان له حلقتان في بغداد، توفي سنة 369هـ عن 54 سنة. "انظر: المنهج الأحمد 2/ 64، شذرات الذهب 3/ 68، طبقات الحنابلة 2/ 128، المدخل إلى مذهب أحمد ص206، المطلع على أبواب المقنع ص429".

يَسْتَطِيعُونَ} 1. وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ عَادَةً، قِيلَ: إنَّهُ وَاقِعٌ. وَقِيلَ: لَمْ يَقَعْ2. "وَلا" يَصِحُّ التَّكْلِيفُ "بِغَيْرِ فِعْلٍ"3. "وَشُرِطَ" لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ4 "عِلْمُ مُكَلَّفٍ حَقِيقَتَهُ5" أَيْ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ الَّذِي كُلِّفَ بِهِ، وَإِلاَّ لَمْ يَتَوَجَّهْ قَصْدُهُ إلَيْهِ، لِعَدَمِ تَصَوُّرِ قَصْدِ مَا لا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ، وَإِذَا لَمْ يَتَوَجَّهْ قَصْدُهُ إلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ وُجُودُهُ مِنْهُ، لأَنَّ تَوَجُّهَ الْقَصْدِ إلَى الْفِعْلِ مِنْ لَوَازِمِ إيجَادِهِ. فَإِذَا انْتَفَى اللاَّزِمُ - وَهُوَ الْقَصْدُ- انْتَفَى الْمَلْزُومُ، وَهُوَ الإِيجَادُ6.

_ 1 الآية 42 من القلم. 2 انظر: نهاية السول 1/ 186، العضد على ابن الحاجب 2/ 11، فواتح الرحموت 1/ 123. 3 وضع علماء الأصول قاعدة أصولية وهي: "لاتكليف إلا بفعل". "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص62، العضد على ابن الحاجب 2/ 13، الإحكام، الآمدي 1/ 137، المستصفى 1/ 90، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 213، فواتح الرحموت 1/ 132، تيسير التحرير 2/ 135، المسودة ص80، مختصر الطوفي ص17، المدخل إلى مذهب أحمد ص59". 4 يشترط في التكليف شروط، بعضها يتعلق بالمكلف به، وهو الفعل المحكوم به، وبعضها يتعلق بالمكلف المحكوم عليه، وقد شرع المصنف بشروط الفعل، وسبق له بيان أحد شروطه "ص 484": وهو أن يكون الفعل ممكناً، ثم ذكر شروط المكلف فيما بعد، "انظر: الروضة ص26، مختصر الطوفي ص11، المدخل إلى مذهب أحمد ص58". 5 في ز: حقيقة. 6 انظر: المستصفى 1/ 86، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص15، القواعد والفوائد الأصولية ص57-58، المدخل إلى مذهب أحمد ص58.

"وَ" مِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا: أَنْ1 يَعْلَمَ الْمُكَلَّفُ "أَنَّهُ" أَيْ الْفِعْلُ "مَأْمُورٌ بِهِ، وَ" أَنَّهُ "مِنْ اللَّهِ تَعَالَى" وَإِلاَّ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ قَصْدُ الطَّاعَةِ وَالامْتِثَالِ بِفِعْلِهِ2. وَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ قَصْدُ الطَّاعَةِ "فَلا يَكْفِي مُجَرَّدُهُ" أَيْ مُجَرَّدُ حُصُولِ الْفِعْلِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الامْتِثَالِ بِفِعْلِهِ3. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" 4. "وَمُتَعَلِّقُهُ" أَيْ: مُتَعَلِّقُ الْمَأْمُورِ بِهِ "فِي نَهْيٍ"5، نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلاَّ بِالْحَقِّ} 6، "كَفُّ النَّفْسِ7" عِنْدَ الأَكْثَرِ،

_ 1 في ز: أنه. 2 انظر: المستصفى 1/ 86، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص15، المدخل إلى مذهب أحمد ص95. 3 أضاف الغزالي شرطاً في الفعل المحكوم به، وهو: أن يكون الفعلُ معدوماً، إذ إيجاد الموجود محال، وتبعه ابن قدامة والطوفي فيه، كما أضاف الغزالي شرطاً آخر، وهو: أن يكون الفعل مكتسباً للعبد حاصلاً باختياره. "انظر: المستصفى 1/ 86، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص15، نهاية السول 1/ 172، فواتح الرحموت 1/ 132، المحلي على جمع الجوامع 1/ 216". 4 هذا طرف من حديث مشهور رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد وغيرهم، عن عمر ابن الخطاب رصي الله عنه مرفوعاً، والحديث مجمع على صحته، وهو أحمد الأحاديث التي عليها مدار الدين، والغرض أن ذات العمل الخالي عن النية موجود، والمراد نفي أحكامها كالصحة والفضيلة. "انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/ 6، صحيح مسلم 3/ 1515، سنن أبي داود 1/ 510، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 5/ 283، سنن النسائي 1/ 50، سنن ابن ماجة 2/ 1412، كشف الخفا 1/ 11، فيض القدير 1/ 30، جامع العلوم والحكم ص5، مسند أحمد 1/ 25". وفي ع ب: بالنية، ورواية الحديث وردت باللفظين. 5 إن متعلق التكليف هو الأمر والنهي، وكلاهما لا يكون إلا فعلاً، وبما أن التكليف في الأمر ظاهر، لأن مقتصاه إيجاد فعل مأمور به كالصلاة والصيام، فتركه المصنف، وشرع في متعلق التكليف في النهي. "انظر: المستصفى 1/ 90، العضد على ابن الحاجب 2/ 13، مختصر الطوفي ص17، المدخل إلى مذهب أحمد ص59". 6 الآية 151 من الأنعام. 7 إن كف النفس عن المنهي عنه فعل، والتكليف في المنهي عنه تكليف بفعل إذن. "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 14، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 214، تيسير التحرير 2/ 135، الإحكام، الآمدي 1/ 147، مختصر الطوفي ص17، المدخل إلى مذهب أحمد ص59".

وَهُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ1. وَقِيلَ: 2 مَعْنَاهُ: فِعْلٌ 2 ضِدُّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَنُسِبَ إلَى الْجُمْهُورِ3. قَالَ الْكُورَانِيُّ: هَذَا عَيْنُ الأَوَّلِ، إذْ كَفُّ النَّفْسِ مِنْ جُزْئِيَّاتِ فِعْلِ الضِّدِّ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي "الرَّوْضَةِ": "وَقِيلَ: لا يَقْتَضِي الْكَفَّ إلاَّ أَنْ يَتَلَبَّسَ بِضِدِّهِ، فَيُثَابَ عَلَيْهِ، لا عَلَى التَّرْكِ"4. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلُ الأَشْعَرِيِّ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَابْنِ أَبِي الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ5 وَغَيْرِهِمْ. قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الإِيمَانِ: التَّرْكُ فِي الْحَقِيقَةِ فِعْلٌ، لأَنَّهُ ضِدُّ الْحَالِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا6.

_ 1 انظر: تيسير التحرير 2/ 135، المسودة ص80، الروضة ص29، مختصر الطوفي ص17، المدخل إلى مذهب أحمد ص59. 2 ساقطة من ز ع ب، وفي ض: فعل. 3 انظر: المستصفى 1/ 90، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 215، المسودة ص80، الروضة ص29، مختصر الطوفي ص17، التمهيد ص20. 4 الروضة ص29، وانظر: المستصفى 1/ 90، المسودة ص80. 5 هو عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي، شيخ الإسلام، أبو القاسم، المعروف بابن الحنبلي، الفقيه الواعظ المفسر، له مصنفات في الفقه والأصول، منها: "المنتخب" في الفقه، و "المفردات" و "البرهان" في أصول الدين، و "الرسالة في الرد على الأشعرية"، كان شيخ الحنابلة بالشام في وقته، وهو ابن شيخ الإسلام أبي الفرج المقدسي الزاهد، توفي سنة 536هـ بدمشق. "انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 198، طبقات المفسرين 1/ 362، شذرات الذهب 4/ 113". 6 انظر: المسودة ص80.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَوَجْهُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ: أَنَّهُ لَوْ كُلِّفَ بِنَفْيِ الْفِعْلِ لَكَانَ مُسْتَدْعًى حُصُولُهُ مِنْهُ، وَلا يُتَصَوَّرُ، لأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ، لأَنَّهُ نَفْيٌ مَحْضٌ، وَرَدَّهُ أَبُو هَاشِمٍ فَقَالَ: بَلْ هُوَ مَقْدُورٌ1، وَلِهَذَا يُمْدَحُ بِتَرْكِ الزِّنَا، وَرَدُّوهُ بِأَنَّ عَدَمَ الْفِعْلِ مُسْتَمِرٌّ فَلَمْ تُؤَثِّرْ الْقُدْرَةُ فِيهِ2. "وَيَصِحُّ" التَّكْلِيفُ "بِهِ" أَيْ بِالْفِعْلِ "حَقِيقَةً" أَيْ عَلَى الْحَقِيقَةِ لا الْمَجَازِ "قَبْلَ حُدُوثِهِ" أَيْ الْفِعْلِ3. قَالَ الآمِدِيُّ: "اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ قَبْلَ حُدُوثِهِ، سِوَى شُذُوذٍ مِنْ أَصْحَابِنَا"4. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا تَقَدَّمَ الأَمْرُ عَلَى الْفِعْلِ كَانَ أَمْرًا عِنْدَنَا عَلَى الْحَقِيقَةِ. قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ5: نَقَلَ الأَكْثَرُونَ6 أَنَّهُ حَقِيقَةٌ. نَقَلَهُ

_ 1 يقول أبو هاشم، إن متعلق التكليف في النهي: هو العدم الأصلي، لأن تارك الزانى ممدوح حتى مع الغفلة عن ضدية ترك الزنا، وردَّ عليه بأن المدح إنما يكون عن كف النفس عن المعصية. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 147، تيسير التحرير 2/ 135، التمهيد ص20، مختصر الطوفي ص17". 2 انظر: الإحكام، الآمدمي 1/ 147، المستصفى 1/ 90، العضد على ابن الحاجب 2/ 14. 3 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 148، العضد على ابن الحاجب 2/ 14، فواتح الرحموت 1/ 134، تيسير التحرير 2/ 141، المسودة ص55، إرشاد الفحول ص10. 4 الإحكام، له 1/ 148. 5 هو عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد بن الحسين، البغدادي، أبو محمد، الفقيه المالكي الأصولي الشاعر، الأديب العابد الزاهد، تولى القضاء بالعراق ومصر، له مؤلفات في الفقه، منها: "المعونة في شرح الرسالة" و "النصرة لمذهب مالك" مائة جزء، و "الإشراف على مسائل الخلاف"، و "شرح المدونة"، وله مؤلفات في الأصول منها: "أوائل الأدلة" و "الإفادة" و "التلخيص" و "التلقين"، وله "عين المسائل" توفي سنة 422 هـ بمصر "انظر: الديباج المذهب 2/ 26، وفيات الأعيان 2/ 387، شذرات الذهب 3/ 223، الفتح المبين 1/ 230، فوات الوفيات 2/ 44". 6 في ع: أكثرون.

بْنُ قَاضِي الْجَبَلِ. وَقِيلَ: أَمْرُ إعْلامٍ وَإِيذَانٍ لا حَقِيقَةٌ1، وَضَعَّفَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي "الْبُرْهَانِ" بَعْدَ أَنْ نَقَلَهُ عَنْ أَصْحَابِ الأَشْعَرِيِّ بِمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَأَنَّهُ لا يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ عَاقِلٌ2. وَقَالَ قَوْمٌ، مِنْهُمْ الإِمَامُ الرَّازِيّ: لا يَتَوَجَّهُ الأَمْرُ بِأَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ إلْزَامًا إلاَّ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ لَهُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ التَّحْقِيقُ، إذْ لا قُدْرَةَ عَلَيْهِ إلاَّ حِينَئِذٍ3. وَمَا قِيلَ: مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَدَمُ الْعِصْيَانِ بِتَرْكِهِ؟ فَجَوَابُهُ: أَنَّ الْمَلامَ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى التَّلَبُّسِ بِالْكَفِّ عَنْ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ ذَلِكَ الْكَفُّ عَنْهُ4. وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الأَخِيرِ. تَقْدِيرُهُ: أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ يُؤَدِّي إلَى سَلْبِ التَّكَالِيفِ. فَإِنَّهُ يَقُولُ: لا أَفْعَلُ حَتَّى أُكَلَّفَ. وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لا يُكَلَّفُ حَتَّى يَفْعَلَ5. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ قَبْلَ الْمُبَاشَرَةِ مُتَلَبِّسٌ بِالتَّرْكِ، وَهُوَ فِعْلٌ فَإِنْ6 كَفَّ النَّفْسَ عَنْ الْفِعْلِ فَقَدْ بَاشَرَ التَّرْكَ. فَتَوَجَّهَ إلَيْهِ التَّكْلِيفُ بِتَرْكِ التَّرْكِ حَالَةَ

_ 1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص147. 2 انظر: المحلي علىجمع الجوامع 1/ 217، فوتح الرحموت 1/ 134، نهاية السول 1/ 178، تيسير التحرير 2/ 142. 3 وهذا ما أيده البيضاوي في "المنهاج"، والسبكي في "جمع الجوامع"، لكن الإسنوي رده وضعفه، كما ضعفه البناني. "انظر: نهاية السول 1/ 175، المحلي على جمع الجوامع وحاسية البناين عليه 1/ 217، مناهج العقول 1/ 175". 4 انظر: المحلي علىجمع الجوامع 1/ 217-218. 5 انظر: نهاية السول 1/ 177. 6 في ع ب: فإنه.

مُبَاشَرَتِهِ لِلتَّرْكِ. وَذَلِكَ بِالْفِعْلِ وَصَارَ الْمَلامُ عَلَى ذَلِكَ1. وَهَذَا جَوَابٌ نَفِيسٌ أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو الْمَعَالِي فِي مَسْأَلَةِ تَكْلِيفِ مَا لا يُطَاقُ. "وَلا يَنْقَطِعُ" التَّكْلِيفُ "بِهِ" أَيْ بِحُدُوثِ الْفِعْلِ عِنْدَ الأَشْعَرِيِّ وَالأَكْثَرِ2؛ لأَنَّ الْفِعْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ، وَكُلُّ مَقْدُورٍ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِهِ، وَالتَّكْلِيفُ هُنَا تَعَلَّقَ بِمَجْمُوعِ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، لا3 بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ. فَلا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ إلاَّ بِتَمَامِ الْفِعْلِ، وَيَكُونُ التَّكْلِيفُ بِإِيجَادِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ لا بِإِيجَادِ مَا قَدْ وُجِدَ، فَلا تَكْلِيفَ بِإِيجَادِ مَوْجُودٍ فَلا مُحَالَ4. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ الأَمْرِ بِالْفِعْلِ الْمَوْجُودِ، وَالأَصَحُّ عَدَمُهَا5. قَالَ الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ"، وَتَبِعَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ: "لا يَصِحُّ الأَمْرُ بِالْمَوْجُودِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ"6. انْتَهَى. لَكِنْ لا يَنْقَطِعُ التَّكْلِيفُ إلاَّ بِتَمَامِ الْفِعْلِ كَمَا تَقَدَّمَ7.

_ 1 انظر: تقريرات الشربيني على حاشية البناني 1/ 218. 2 خلافاً للمعتزلة وإمام الحرمين ومن وافقهم من الحنابلة، وقد صرح الطوفي وابن بدران بانطاع التكليف حال حدوث الفعل. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 148، تيسير التحرير 2/ 141، 143، العضد على ابن الحاجب 2/ 14، شرح تنقيح الفصول ص147، إرشاد الفحول ص11، مختصر الطوفي ص15، المدخل إلى مذهب أحمد ص59". 3 ساقطة من ض. 4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 148، شرح تنقيح الفصول ص147، فواتح الرحموت 1/ 134، تيسير التحرير 2/ 142 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 14، إرشاد الفحول ص11. 5 انظر: المسودة ص57. 6 المسودة ص57. 7 قد يتبادر للقارئ التناقض بين منع الأمر بالموجود، وبين استمرار التكليف بالفعل بعد حدوثه، والواقع أنه لا تناقض، لأن المنع منحصر في ابتداء الأمر حال الوجود، أما استمرار التكليف فيعني أن الأمر تقدم على الفعل، ويستمر هذا الأمر إلى تمام الفعل. "انظر: المسودة ص56، تيسير التحرير 2/ 141، إرشاد الفحول ص10".

"وَ" يَصِحُّ التَّكْلِيفُ "بِغَيْرِ مَا عَلِمَ آمِرٌ وَمَأْمُورٌ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ" فَيَصِحُّ بِمَا عَلِمَ آمِرٌ وَحْدَهُ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ فِي وَقْتِهِ عِنْدَ الأَكْثَرِ1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ لا يُمَكَّنُ مِنْهُ مَعَ بُلُوغِهِ حَالَ التَّمَكُّنِ عِنْدَ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْخَطَّابِ. وَقَالَ: إنَّهُ يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا. فَلِهَذَا يَعْلَمُ الْمُكَلَّفُ بِالتَّكْلِيفِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ. وِفَاقًا لِلأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ2. انْتَهَى. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ: يُبْنَى3 عَلَى النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ4. قَالَ بَعْضُهُمْ: تُشْبِهُهَا؛ لأَنَّ ذَلِكَ رَفْعُ الْحُكْمَ بِخِطَابٍ. وَهَذَا بِتَعْجِيزٍ. وَنَبَّهَ5 ابْنُ عَقِيلٍ عَلَيْهِ. وَنَفَى ذَلِكَ أَبُو الْمَعَالِي وَالْمُعْتَزِلَةُ6. وَزَعَمَ غُلاةُ الْقَدَرِيَّةِ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ كَمَعْبَدِ الْجُهَنِيِّ7، وَعَمْرِو بْنِ

_ 1 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 155، نهاية السول 1/ 180، المحلي على ابن الحاجب وحاشية البناني عليه 1/ 218، فواتح الرحموت 1/ 151، تيسير التحرير 2/ 240، القواعد والفوائد الأصولية ص189، إرشاد الفحول ص10، المسودة ص52، 54. 2 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 155، تيسير التحرير 2/ 240، المسودة ص52. 3 في ز ع: بنيني. 4 وعبارة الموفق: "ولا يبعد النسخ قبل المتمكن من الامتثال" "الروصة ص28"، وانظر: المسودة ص53، تيسير التحرير 2/ 240، الإحكام، ابن حزم 1/ 472-474، بينما قال المعتزلة: "لا يجوز نسخ الشيء قبل وقته" "المعتمد 1/ 407". 5 في ع: وتبعه. 6 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 155، العضد على ابن الحاجب 2/ 16، المحلي على جمع الجوامع 1/ 219، المسودة ص53. 7 هو عبد الله بن عكيم أو عديم، تابعي، روى عن أبي ذر ومعاوية، وهو أول من تكلم بالقدر، قال أبو حاتم: كان صدوقاً في الحديث، وكان أول من تكلم بالقدر بالبصرة، قدم المدينة فأفسد فيها أناساً، وكان الحسن يقول: إياكم ومعبد، فإنه ضالّ مُضِلّ، قتله عبد الملك في القدر، وصلبه سنة 80هـ. وقيل: بل عذبه الحجاج ثم قتله. "انظر: تهذيب التهذيب 10/ 225، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص89، شذرات الذهب 1/ 88، المعارف ص625، جمهرة أنساب العرب، أبن حزم ص445، الجرح والتعديل 8/ 208".

عُبَيْدٍ1: أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَفْعَالَ الْعِبَادِ حَتَّى فَعَلُوهَا2. وَهَذَا كُفْرٌ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى قَائِلِهِ إنْ لَمْ يَتُبْ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلافِ: الابْتِلاءُ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي تَرِكَةِ مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ النَّهَارِ، وَكَذَا مَنْ عَلَّقَ طَلاقَ زَوْجَتِهِ بِشُرُوعِهِ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلاةٍ وَاجِبَيْنِ وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا3 تَطْلُقُ إجْمَاعًا4. وَجْهُ الصِّحَّةِ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ التَّكْلِيفُ لَمْ يَعْصَ أَحَدٌ، لأَنَّ شَرْطَ الْفِعْلِ إرَادَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إيَّاهُ، لاسْتِحَالَةِ تَخَلُّفِ الْمُرَادِ عَنْ إرَادَتِهِ تَعَالَى، فَإِذَا تَرَكَهُ 5 عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ 5 لا يُرِيدُهُ، وَأَنَّ الْعَاصِيَ لا يُرِيدُهُ. قَالَ الْمُخَالِفُ: لَوْ جَازَ التَّكْلِيفُ مَعَ عِلْمِ الآمِرِ انْتِفَاءَ6 شَرْطِ وُقُوعِهِ لَجَازَ

_ 1 هو عمر بن عبيد بن باب، أبو عثمان، من أهل البصرة، وأصله من كابل، كان متكلماً زاهداً مشهوراً، وهو من جلة أصحاب الحسن، كان متعبداً، وكان شيخ المعتزلة في وقته مع واصل بن عطاء، له رسائل وخطب، وكتاب في التفسير عن الحسن البصري، والرد على القدرية، وكلام كثير في العدل والتوحيد، توفي سنة 144هـ، وهو راجع إلى مكة. "انظر: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص68، طبقات المعتزلة ص35، وفيات الأعيان 3/ 130". 2 انظر: المسودة ص54، القواعد والفوائد الأصولية ص189. 3 في ز: فإنه. 4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 157، القواعد والفوائد الأصولية ص189، المسودة ص53، شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 17. 5 في ز ع ب: علم الله أنه. 6 في ع: انتفى.

مَعَ عِلْمِ الْمَأْمُورِ بِذَلِكَ، اعْتِبَارًا بِالأَمْرِ، وَالْجَامِعُ: الْعِلْمُ بِعَدَمِ الْحُصُولِ1. رُدَّ بِأَنَّ هَذَا يَمْتَنِعُ امْتِثَالُهُ، فَلا يَعْزِمُ وَلا2 يُطِيعُ وَلا يَعْصِي وَلا ابْتِلاءَ، بِخِلافِ مَسْأَلَتِنَا3. وَقَدْ قَطَعَ الأُصُولِيُّونَ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَكْلِيفِ مَا عَلِمَ آمِرٌ وَمَأْمُورٌ انْتِفَاءَ شَرْطِ وُقُوعِهِ4. "وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ أَمْرٍ بِاخْتِيَارِ مُكَلَّفٍ فِي وُجُوبِ وَعَدَمِهِ" ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ5. وَقِيلَ: لا. لَفْظُ ابْنِ عَقِيلٍ: يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الأَمْرُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّقًا عَلَى اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ بِفِعْلٍ أَوْ بِتَرْكٍ مُفَوَّضًا6 إلَى اخْتِيَارِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ، مَعَ كَوْنِهِ مُخَيَّرًا بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ7. "لا أَمْرٍ بِمَوْجُودٍ" فَإِنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ8. "وَشُرِطَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "فِي مَحْكُومٍ عَلَيْهِ" وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِالْفِعْلِ "عَقْلٌ وَفَهْمُ خِطَابٍ"9.

_ 1 انظر: حاشية البناني 1/ 220، فوتح الرحموت 1/ 153. 2 في ز ب ع: فلا. 3 انظر: فواتح الرحموت 1/ 153. 4 انظر تفصيل الموضوع في "تيسير التحرير 2/ 240-243، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 220، فوتح الرحموت 1/ 151". 5 انظر: المسودة ص54. 6 في ع: متوطا. 7 انظر: المسودة ص54. 8 انظر: السودة ص57. 9 انظر: أصول السرخسي 2/ 340، المستصفى 1/ 83، مناهج العقول 1/ 170، العضد على ابن الحاجب 2/ 15، الإحكام، الآمدي 1/ 150، فواتح الرحموت 6/ 143، 154، تيسير التحرير 2/ 243، التلويح على التوضيح 3/ 143، إرشاد الفحول ص11، الروضة ص26، مختصر الطوفي ص11، المدخل إلى مذهب أحمد ص58، القواعد والفوائد الأصولية ص15.

لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَأَحْكَامِ الْمَحْكُومِ فِيهِ، شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الآدَمِيُّ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَقْلُ وَفَهْمُ الْخِطَابِ، لأَنَّ التَّكْلِيفَ خِطَابٌ، وَخِطَابُ مَنْ لا عَقْلَ لَهُ وَلا فَهْمَ مُحَالٌ1، وَلأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ مَطْلُوبٌ حُصُولُهُ مِنْ الْمُكَلَّفِ طَاعَةً وَامْتِثَالاً. لأَنَّهُ مَأْمُورٌ، وَالْمَأْمُورُ يَجِبُ أَنْ يَقْصِدَ إيقَاعَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الطَّاعَةِ وَالامْتِثَالِ، وَالْقَصْدُ إلَى ذَلِكَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْفَهْمِ، لأَنَّ مَنْ لا يَفْهَمُ لا يُقَالُ لَهُ: افْهَمْ، وَلا يُقَالُ لِمَنْ لَمْ2 يَسْمَعْ: اسْمَعْ، وَلا لِمَنْ لا3 يُبْصِرُ: أَبْصِرْ4. فَلا يُكَلَّفُ مُرَاهِقٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ فَهْمُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقْصُودِ5. فَجَعَلَ الشَّارِعُ الْبُلُوغَ عَلامَةً لِظُهُورِ الْعَقْلِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثٍ: عَنْ6 النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ - وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى7 يَحْتَلِمَ، وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى يَبْلُغَ- وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ" 8، وَلأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ ضَعِيفُ الْعَقْلِ وَالْبِنْيَةِ، وَلا بُدَّ مِنْ

_ 1 انظر: مناهج العقول 1/ 170، المستصفى 1/ 83، الروضة ص26. 2 كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: لا. 3 في ع: لم. 4 انظر: المستصفى 1/ 83، الإحكام، الآمدي 1/ 150، أصول السرخسي 2/ 340، فواتح الرحموت 1/ 153، المسودة ص35، القواعد والفوائد الأصولية ص15، 16، الروضة ص26، مختصر الطوفي ص11، المدخل إلى مذهب أحمد ص58، إرشاد الفحول ص11. 5 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 151، العضد على ابن الحاجب 1/ 15، المراجع السابقة. 6 ساقطة من ز ب ع. 7 ساقطة من ش. 8 رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم عن عائشة وعلي وعمر بألفاظ متقاربة. قال السيوطي: حديث صحيح. "انظر: سنن أبي داود 4/ 198، سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/ 685، سنن ابن ماجة 1/ 658، المستدرك 4/ 389، كشف الخفا 1/ 434، فيض القدير 4/ 35، مسند أحمد 6/ 100".

ضَابِطٍ يَضْبِطُ الْحَدَّ الَّذِي تَتَكَامَلُ فِيهِ بِنْيَتُهُ وَعَقْلُهُ، فَإِنَّهُ يَتَزَايَدُ تَزَايُدًا خَفِيَّ التَّدْرِيجِ فَلا يَعْلَمُ بِنَفْسِهِ. وَالْبُلُوغُ ضَابِطٌ لِذَلِكَ. وَلِهَذَا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَكْثَرُ الأَحْكَامِ1. وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنَّ الْمُرَاهِقَ مُكَلَّفٌ بِالصَّلاةِ. وَثَالِثَةٌ: أَنَّ ابْنَ عَشْرٍ مُكَلَّفٌ بِهَا. وَرَابِعَةٌ: أَنَّ الْمُمَيِّزَ مُكَلَّفٌ بِالصَّوْمِ2. وَ "لا" يُشْتَرَطُ فِي مَحْكُومٍ عَلَيْهِ "حُصُولُ شَرْطٍ شَرْعِيٍّ" لِصِحَّةِ الْفِعْلِ. كَاشْتِرَاطِ الإِسْلامِ لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ، وَالطَّهَارَةِ: لِصِحَّةِ الصَّلاةِ3. "وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ" أَيْ بِفُرُوعِ4 الإِسْلامِ5. كَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ

_ 1 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 151، المستصفى 1/ 84، فوتح الرحموت 1/ 154، تيسير التحرير 2/ 248، التوضيح على التنقيح 3/ 150، أصول السرخسي 2/ 341، إرشاد الفحول ص11. 2 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص16، 17، الروضة ص26، مختصر الطوفي ص12، وانظر أحكام الصغر المميز في" أصول السرخسي 2/341وما بعدها, تسير التحرير 2/ 248وما بعدها, 2/255, الا شباه والنظائر, ابن نجيم ص306". 3 انظر: المستصفى 1/ 91، المحلي على جمع الجوامع 1/ 210، العضد على ابن الحاجب 2/ 12، الإحكام، الآمدي 1/ 144، إرشاد الفحول ص10، مختصر الطوفي ص14. 4 في ب: فروع. 5 هذه المسألة فرع ومثال للشرط السابق، وهو حصول الشرط الشرعي، وهل هو شرط بصحة التكليف أم لا؟ "انظر: التمهيد ص28، نهاية السول 1/ 195، العضد على ابن الحاجب 2/ 12، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 211" ويرى الشاطبي أن الإيمان ليس شرطاً للعبادة والتكليف، بل هو العمدة في التكليف، لأن معنى العبادة هو التوجه إلى المعبود بالخضوع والتعظيم بالقلب والجوارح، وهذا فرع الإيمان، فكيف يكون أصل الشيء وقاعدته شرطاً فيه؟ ‍‍! ثم يقول: وإذا توسعنا في معنى الشرط، فيكون الإيمان شرطاً عقلياً، وليس شرطاً شرعياً، أو هو شرط في المكلف، وليس في التكليف. "الموافقات 1/ 181"، وانظر: تيسير التحرير 2/ 148-149، حاشية التفتازاني على العضد 2/ 12-13.

وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَالأَشْعَرِيَّةِ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ1 وَالْكَرْخِيِّ2 وَظَاهِرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ3 - فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ-4.

_ 1 هو أحمد بن علي، أبو بكر الرازي، الإمام الكبير، المعروف بالجصاص، انتهب إليه رئاية الحنفية ببغداد، قال الخطيب: "كان إمام أصحاب أبي حنيفة في وقته، وكان مشهوراً بالزهد والدين والورع"، له مصنفات كثيرة، منها: "أحكام القرآن" و "شرح الجامع" لمحمد بن الحسن، و "شرح مختصر الكرخي" و "شرح مختصر الطحاوي" و "شرح الأسماء الحسنى"، وله كتاب مفيد في أصول الفقه، وكتاب "جوابات المسائل"، و "المناسك"، توفي سنة 370هـ ببغداد. "انظر: شذرات الذهب 3/ 71، الجوهر المضيئة 1/ 84، الطبقات السنية 1/ 380، الفوائد البهية ص27، تاج التراجم ص6، طبقات المفسرين 1/ 55". 2 هو عبد الله بن الحسن بن دلال بن دلهم، أبو الحسن الكرخي الحنفي، كان زاهداً ورعاً صبوراً على العسر، صواماً قواماً، وصل إلى طبقة المجتهدين، وكان شيخ الحنفية بالعراق، له مؤلفات منها: "المختصر"، و "شرح الجامع الكبير" و "شرح الجامع الصغير" و "رسالة في الأصول"، توفي سنة 340هـ ببغداد وعاش ثمانين سنة. "انظر: الفوائد البهية ص108، تاج التراجم ص39، شذرات الذهب 2/ 358، التفح المبين 1/ 186". 3 انظر: المستصفى 1/ 91، العضد على ابن الحاجب 2/ 12، شرح تنقيح الفصول ص162، نهاية السول 1/ 194، كشف الأسرار 4/ 243، فواتح الرحموت 1/ 128، تيسير التحرير 2/ 148، الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص325، تخريج الفروع على الأصول ص35، الأشباه والنظائر، للسيوطي ص253، القواعد والفوائد الأصولية ص49، التمهيد ص28، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص13، المدخل إلى مذهب أحمد ص58. 4 هو سليمان بن خلف بن سعد، التجيبي، أبو الوليد الباجي، القرطبي المالكي، أحد الأئمة الأعلام في الحديث والفقه والمناظرة والأصول، ولي القضاء في الأندلس، وكان صالحاً ورعاً مخلصاً، له مؤلفات كثيرة، منها: "المنتقى" شرح الموطأ، و "الإشارات" في أصول الفقه، و "الحدود في الأصول" و "إحكام الفصول في أحكام الأصول" و "الناسخ والمنسوخ" توفي في الرباط سنة 474هـ. انظر ترجمته في "الديباج المذهب 1/ 277، تذكرة الحفاظ 3/ 1178، وفيات الأعيان 1/ 215، طبقات المفسرين 1/ 202، شذرات الذهب 3/ 344، وفيات الأعيان 2/ 142، فوات الوفيات 1/ 356، الفتح المبين 1/ 252، طبقات الحفاظ ص440".

وَذَلِكَ لِوُرُودِ الآيَاتِ الشَّامِلَةِ لَهُمْ، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ} 1، {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} 2، {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} 3، {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ} 4، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} 5، {يَا بَنِي آدَمَ} 6، {يَا أُولِي الأَبْصَارِ} 7. "كَـ" ـمَا أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ "بِالإِيمَانِ" وَالإِسْلامِ إجْمَاعًا لإِمْكَانِ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الإِيمَانُ8. وَأَيْضًا: فَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} 9، أَيْ: فَوْقَ عَذَابِ الْكُفْرِ. وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى بَقِيَّةِ عِبَادَاتِ الشَّرْعِ10. وَاحْتَجَّ فِي "الْعُدَّةِ"11 وَ "التَّمْهِيدِ" بِأَنَّ الْكَافِرَ مُخَاطَبٌ بِالإِيمَانِ، وَهُوَ: شَرْطُ الْعِبَادَةِ وَمَنْ خُوطِبَ بِالشَّرْطِ كَالطَّهَارَةِ كَانَ مُخَاطَبًا بِالصَّلاةِ، وَكَذَا احْتَجَّ ابْنُ عَقِيلٍ بِخِطَابِهِ12 بِصِدْقِ الرُّسُلِ، وَهِيَ مَشْرُوطَةٌ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ

_ 1 الآية 21 من البقرة. 2 الآية 16 من الزمر. 3 الآية 43 من البقرة. 4 الآية 183 من البقرة، وهذه الآية خارجة عن محل النزاع، ولا يصح الاستشهاد بها على مخاطبة الكفار، لأن مطلعها خطاب للمؤمنين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} . 5 الآية 97 من آل عمران. 6 الآية 31 من الأعراف. 7 الآية 2 من الحشر، وفي ب ض زيادة: "يا أولي الألباب". 8 انظر: شرح تنقيح الفصول ص162، والمراجع السابقة في الصفحة 501 هامش 3. 9 الآية 88 من النحل. 10 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 145 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/ 131. 11 في ش ز ب ض: العمدة، وهو تصحيف. 12 أي خطاب الله للكافر.

تَعَالَى، وَهِيَ عَلَى النَّظَرِ، وَأَنَّ هَذَا لِقُوَّتِهِ مُفْسِدٌ لِكُلِّ شُبْهَةٍ لِلْخَصْمِ1. "وَالْفَائِدَةُ" أَيْ فَائِدَةُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الإِسْلامِ "كَثْرَةُ عِقَابِهِمْ فِي الآخِرَةِ" لا الْمُطَالَبَةُ بِفِعْلِ الْفُرُوعِ فِي الدُّنْيَا، وَلا قَضَاءُ مَا فَاتَ مِنْهَا2. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ الْمُهَذَّبِ": اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ الأَصْلِيَّ لا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَغَيْرُهَا مِنْ فُرُوعِ الإِسْلامِ، وَالصَّحِيحُ فِي كُتُبِ الأُصُولِ: أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ، كَمَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِأَصْلِ الإِيمَانِ ... ، قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ3 مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ، لأَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ غَيْرُ الْمُرَادِ هُنَا، فَالْمُرَادُ هُنَاكَ: أَنَّهُمْ لا يُطَالَبُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا مَعَ كُفْرِهِمْ، وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْمَاضِي، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِعِقَابِ4 الآخِرَةِ. وَمُرَادُهُمْ فِي كُتُبِ الأُصُولِ: أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا فِي الآخِرَةِ زِيَادَةً عَلَى عَذَابِ الْكُفْرِ. فَيُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْكُفْرِ جَمِيعًا، لا عَلَى الْكُفْرِ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا. فَذَكَرُوا فِي الأُصُولِ حُكْمَ طَرَفٍ، وَفِي الْفُرُوعِ حُكْمَ الطَّرَفِ الآخَرِ5. انْتَهَى. وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ6.

_ 1 انظر: الروضة ص28، القواعد والفوائد الأصولية ص50، نهاية السول 1/ 194. 2 في ب ش ض: منهما في الآخرة. وانظر: كشف الأسرار 4/ 243، نهاية السول 1/ 197، شرح تنقيح الفصول ص165، فواتح الرحموت 1/ 126، القواعد والفوائد الأصولية ص50، إرشاد الفحول ص10، الروضة ص28، مختصر الطوفي ص14. 3 كذا في المجموع شرح المهذب، وساقطة من النسخ. 4 في ش: الخطاب. 5 المجموع شرح المهذب 3/ 4، وانظر نفس المرجع 4/ 328. 6 وهو المشهور عن أكثر الحنفية أيضاً، وهو قول الشافعي اختاره أبو حامد الاسفراييني والرازي =

وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالنَّوَاهِي دُونَ الأَوَامِرِ1. وَقِيلَ: إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِمَا سِوَى الْجِهَادِ2. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ3 أَيْضًا: أَنَّ مِنْ فَوَائِدِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ: تَيْسِيرُ الإِسْلامِ عَلَى الْكَافِرِ، وَالتَّرْغِيبُ فِيهِ، وَالْحُكْمُ بِتَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُ بِفِعْلِ الْخَيْرِ وَتَرْكِ الشَّرِّ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا أَوْ4 بِفِعْلِهَا5. "وَمُلْتَزِمُهُمْ" أَيْ وَالْمُلْتَزِمُ مِنْ الْكُفَّارِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ حُكْمُهُ "فِي إتْلافٍ" لِمَالِ غَيْرِهِ "وَجِنَايَةٍ" عَلَى آدَمِيٍّ وَ6 بَهِيمَةٍ "وَتَرَتُّبِ أَثَرِ عَقْدِ" مُعَاوَضَةٍ وَغَيْرِهِ "كَمُسْلِمٍ" لَكِنَّ هَذِهِ الأَحْكَامَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ، بَلْ هُمْ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي الضَّمَانِ

_ = من الشافعية وأبو زيد والسرخسي من الحنفية. "انظر: فواتح الرحموت 1/ 128، تيسير التحرير 2/ 148، الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص325، كشف الأسرار 4/ 243، نهاية السول 1/ 194، العضد على ابن الحاجب 2/ 12، شرح تنقيح الفصول ص163، المحلي على جمع الجوامع 1/ 212، التمهيد ص28، الأشباه والنظائر، للسيوطي ص253، الروضة ص27، مختصر الطوفي ص24، القواعد والفوائد الأصولية ص49، الإحكام، الآمدي 1/ 144، إرشاد الفحول ص10، المستصفى 1/ 91". 1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص163، المحلي وحاشية البناني 1/ 212، نهاية السول 1/ 195، التمهيد ص28، الروضة ص27، مختصر الطوفي ص14، ارشاد الفحول ص10. 2 وهناك قول خامس أن المرتد مكلف دون الكافر الأصلي، حكاه القرافي عن القاضي عبد الوهاب في "الملخص". "انظر: شرح تنقيح الفصول ص166، المحلي على جمع الجوامع 1/ 212، التمهيد ص28، نهاية السول 1/ 195، القواعد والفوائد الأصولية ص50". 3 وهو القرافي في كتبه "انظر: شرح تنقيح الفصول ص165 وما بعدها". 4 في ع ب: و. 5 انظر: نهاية السول 1/ 197، شرح تنقيح الفصول ص165، المحلي على جمع الجوامع 1/ 211، القواعد والفوائد الأصولية ص50 وما بعدها". 6 في ب ع ض: أو.

بِالإِتْلافِ وَالْجِنَايَةِ1. وَلا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشُّرُوطِ فِي مُعَامَلاتِهِمْ، وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ، وَالْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا أَوْ فَسَادِهَا وَتَرَتُّبِ آثَارِ كُلٍّ عَلَيْهِ، مِنْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَطَلاقٍ وَغَيْرِهَا. وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ مَعَ قَوْلِهِ بِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ بِالْفُرُوعِ2. "وَيُكَلَّفُ" الْعَاقِلُ "مَعَ سُكْرٍ لَمْ يُعْذَرْ بِهِ" وَهُوَ مَا إذَا اسْتَعْمَلَ مَا يُسْكِرُهُ مُخْتَارًا عَالِمًا بِأَنَّهُ يُسْكِرُ3. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ4 عَبْدِ اللَّهِ: السَّكْرَانُ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ عَنْهُ الْقَلَمُ5. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ هَانِئٍ6: أَنَّ7 السَّكْرَانَ لَيْسَ

_ 1 قال الإسنوي: لا يشترط التكليف في خطاب الوضع، كجعل الإتلاف موجباً للضمان، ونحو ذلك، ولهذا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون والضمان بفعلهما، وفعل الساهي والبهيمة "التنهيد ص25"، وانظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 166. 2 اختلف العلماء في أنكحة الكفار على ثلاثة أقوالٍ، أصحها: أنها صحيحة، والثاني: فاسدة والثالث: إن اجتمعت شرائط المسلمين كانت صحيحة، وإلا ففاسدة. "انظر: التمهيد ص30، القواعد والفوائد الأصولية ص55، الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص325، 375". 3 وهو رأي الحنفية،، "انظر: التوضيح على التنقيح 3/ 205، المسودة ص35، الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص311". 4 ساقطة من ز ع ب. 5 انظر: القواعد والفوئد الأصولية ص37، المسودة ص37. 6 هو أحمد بن محمد بن هانئ، أبو بكر الطائي، ويقال الكلبي، الأثرم، الإسكافي، كان جليل القدر، حافظاً، إماماً، كثير الرواية عن الإمام أحمد، قال ابن حبان: كان من خيار عباد الله، وقال إبراهيم الأصفهاني: هو أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن، له كتاب "العلل"، اختلف في تاريخ وفاته، والغالب بعد سنة 260 هـ، قال ابن حجر 2619هـ، وقال الحافظ العراقي: توفي سنة 273هـ. "انظر: طبقات الحنابلة 1/ 66، المنهج الأحمد 1/ 206، شذرات الذهب 2/ 141، المدخل إلى مذهب أحمد ص205، طبقات الحفاظ ص256، الخلاصة ص12، تذكرة الحفاظ 2/ 570". 7 ساقطة من ع ب.

بِمَرْفُوعٍ عَنْهُ الْقَلَمُ، 1 فَلا يَسْقُطَ 1 عَنْهُ مَا صَنَعَ2 وَفِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ3: لَيْسَ السَّكْرَانُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْفُوعِ عَنْهُ الْقَلَمُ، هَذَا جِنَايَتُهُ مِنْ نَفْسِهِ4. وَحَكَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: وَجَدْت السَّكْرَانَ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ عَنْهُ الْقَلَمُ5. وَنَصَّ عَلَيْهِ 6 فِي الأُمِّ 6 أَيْضًا7. فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّاحِي فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ8. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: * أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ9.

_ 1 كذا في القواعد والفوائد الأصولية، وفي ش ز ض ب: فيسقط. 2 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص37، المسودة ص37. 3 هو حنبل بن إسحاق بن حنبل، أبو علي الشيباني، ابن عم الإمام أحمد وتلميذه، له "تاريخ" حسن، وله عن أحمد "سؤالات" يأتي فيها بغرائب ويخالف رفاقه، وسمع المسند كاملاً من الإمام أحمد، وكان ثقة ثبتاً، توفي بواسط سنة 273هـ. "انظر: شذرات الذهب 2/ 162، طبقات الحنابلة 1/ 143، المنهج الأحمد 1/ 166، المدخل إلى مذهب أحمد ص207، طبقات الحفاظ ص268، تذكرة الحفاظ 2/ 600". 4 انظر: القواعد والفوائد الأصولية 2/ 600". 5 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص37، نهاية السول 1/ 171. 6 في ش: الإمام. 7 الأم، للشافعي 5/ 253. 8 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص37، 38، 39، المسودة ص35، التمهيد ص35، وهو رأي الحنفية. "انظر: كشف الأسرار 4/ 353، فواتح الرحموت 1/ 145". 9 هذه الرواية اقتصر عليها ابن بدران فقال: "ولا يكلف النائم والناسي والسكران الذي لا يعقل. "المدخل إلى مذهب أحمد ص58" وهو رأي ابن قدامة في "الروضة ص27" والطوفي في "مختصره ص12"، وهو رأي الغزالي والجويني والمعتزلة وأكثر المتكلمين والآمدي وابن عقيل. "انظر: المستصفى 1/ 84، القواعد والفوئد الأصولية ص37، 38، الإحكام، الآمدي 1/ 152".

وَعَنْهُ ثَالِثَةٌ 1: أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي أَقْوَالِهِ. وَكَالصَّاحِي فِي أَفْعَالِهِ2. وَعَنْهُ رَابِعَةٌ: أَنَّهُ فِي الْحُدُودِ كَالصَّاحِي، وَفِي غَيْرِهَا: كَالْمَجْنُونِ3. وَعَنْهُ خَامِسَةٌ: أَنَّهُ فِيمَا يَسْتَقِلُّ بِهِ. - كَقَتْلِهِ وَعِتْقِهِ وَنَحْوِهِمَا4- كَالصَّاحِي، وَفِيمَا لا يَسْتَقِلُّ بِهِ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَمُعَاوَضَاتِهِ كَالْمَجْنُونِ5. وَعَنْهُ سَادِسَةٌ: لا أَقُولُ فِي طَلاقِ السَّكْرَانِ وَعِتْقِهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ. وَعَنْهُ سَابِعَةٌ: لا تَصِحُّ رِدَّتُهُ فَقَطْ. وَأَمَّا قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ زَمَنَ سُكْرِهِ فَلَمْ يَقُلْ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ إلاَّ أَبُو ثَوْرٍ6، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَحَدُّ السَّكْرَانِ الَّذِي فِيهِ الْخِلافُ: هُوَ الَّذِي يَخْلِطُ7 فِي كَلامِهِ وَيَسْقُطُ

_ *1 ساقطة من ض ع. 2 انظر: القواعد والفوائد الأصلية ص38. 3 المرجع السابق. 4 في ز: ونحوهما. 5 القواعد والفوائد الأصولية ص38. 6 هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان، أبو ثور البغدادي الكلبي، كان إماماً جليلاً، وفقيهاً ورعاً خيراً، كان من أصحاب الرأي حتى حضر الشافعي إلى بغداد فاختلف إليه ورجع عن الرأي إلى الحديث، وصار صاحب قول عند الشافعية، وهو ناقل الأقوال القديمة عن الشافعي، توفي في سنة 240هـ ببغداد. "انظر: وفيات الأعيان 1/ 7، طبقات الفقهاء ص101، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 74، البداية والنهاية 10/ 322، شذرات الذهب 2/ 93، طبقات الحفاظ ص223، الخلاصة ص17، ميزان الاعتدال 1/ 29، طبقات المفسرين 1/ 7، طبقات الفقهاء الشافعية، العبادي ص22". 7 في ع ض ب: يختلط.

تَمْيِيزُهُ بَيْنَ الأَعْيَانِ. وَلَوْ كَانَ يُمَيِّزُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَبَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى1. "وَيُكَلَّفُ" الْعَاقِلُ أَيْضًا مَعَ "إكْرَاهٍ وَيُبِيحُ" الإِكْرَاهُ "مَا فُتِحَ ابْتِدَاءً" أَيْ مَا قَبُحَ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ. كَالتَّلَفُّظِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ2. وَمَحَلُّ الْخِلافِ فِي تَكْلِيفِ الْمُكْرَهِ: إذَا كَانَ الإِكْرَاهُ "بِضَرْبٍ أَوْ تَهْدِيدٍ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ" وَكَوْنُ الْمُكْرَهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مُكَلَّفًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ3، - خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالطُّوفِيِّ4- لِصِحَّةِ الْفِعْلِ مِنْهُ، وَصِحَّةِ التَّرْكِ وَنِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا يَأْثَمُ الْمُكْرَهُ بِالْقَتْلِ بِلا خِلافٍ5. قَالَهُ الْمُوَفَّقُ فِي "الْمُغْنِي"6، مَعَ أَنَّهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلاقًا

_ 1 انظر: الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص311، القواعد والفوائد الأصولية ص38، التوضيح على التنقيح 3/ 207. 2 انظر: التمهيد ص28، المستصفى 1/ 90، فواتح الرحموت 1/ 166، الإحكام، ابن حزم 2/ 719، نهاية السول 1/ 174، كشف الأسرار 4/ 384، التوضيح على التنقيح 3/ 227، القواعد والفوائد الأصولية ص47، المسودة ص35. 3 وهو الذي أكره فباشر الفعل بنفسه، وهنا زال الرضى فقط دون الاختيار، أما إذا زال الرضى والاختيار وصار كالآلة فله حكم آخر سيذكره المصنف في الصفحة التالية. "انظر: نهاية السول 1/ 174، مناهج العقول 1/ 174، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 72، التوضيح على التنقيح 3/ 227، فواتح الرحموت 1/ 166، تيسير التحرير 2/ 307، الإحكام، الآمدي 1/ 154، المستصفى 1/ 90، القواعد والفوائد الأصولية ص39، التمهيد ص27، الروضة ص27، مختصر الطوفي ص12، المدخل إلى مذهب أحمد ص58، المسودة ص35". 4 وهو قول السبكي ومن تبعه. "انظر: جمع الجوامع وشرح المحلي وحاشية البناني 1/ 73، نهاية السول 1/ 174، التمهيد ص27، مختصر الطوفي ص12-13". 5 قال السبكي والمحلي: يمتنع تكليفه حالة القتل والاكراه، وأثم القاتل لإيثاره نفسه بالبقاء على مكافئه. "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 74". 6 المغني 8/ 267، وانظر: الروضة ص27.

بِقُدُومِ زَيْدٍ، فَقَدِمَ مُكْرَهًا: لا يَحْنَثُ، لِزَوَالِ اخْتِيَارِهِ بِالإِكْرَاهِ. وَمَسْأَلَةُ أَفْعَالِ الْمُكْرَهِ مُخْتَلِفَةُ الْحُكْمِ فِي الْفُرُوعِ1. قَالَ فِي"شَرْحِ التَّحْرِيرِ":وَالأَشْهَرُ عِنْدَنَا نَفْيُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ. وَضَابِطُ الْمَذْهَبِ أَنَّ2 الإِكْرَاهُ لا يُبِيحُ الأَفْعَالَ، وَإِنَّمَا يُبِيحُ الأَقْوَالَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي بَعْضِ الأَفْعَالِ، وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ3. وَ "لا" يُكَلَّفُ "مَنْ" انْتَهَى الإِكْرَاهُ إلَى سَلْبِ قُدْرَتِهِ حَتَّى صَارَ "كَآلَةٍ تُحْمَلُ"4. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: إذَا انْتَهَى الإِكْرَاهُ إلَى سَلْبِ الْقُدْرَةِ وَالاخْتِيَارِ، فَهَذَا غَيْرُ مُكَلَّفٍ. وَ5 قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الْمُكْرَهُ كَالآلَةِ يَمْتَنِعُ تَكْلِيفُهُ قِيلَ: بِاتِّفَاقٍ، لَكِنْ الآمِدِيُّ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَطْرُقُهُ الْخِلافُ مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ6 لِتَصَوُّرِ الابْتِلاءِ مِنْهُ، بِخِلافِ الْغَافِلِ، وَحِينَئِذٍ فَلا تَكْلِيفَ بِفِعْلِ الْمُلْجَأِ إلَيْهِ. لأَنَّهُ وَاجِبُ الْوُقُوعِ، وَلا بِتَرْكِ الْمُلْجَأِ إلَى تَرْكِهِ، لأَنَّهُ مُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ7.

_ 1 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص39، الروض المربع 2/ 362، التمهيد ص27، التوضيح على التنقيح 3/ 227 وما بعدها، كشف الأسرار 4/ 384 وما بعدها. 2 ساقطة من ش. 3 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص39، التمهيد ص27 وما بعدها، التوضيح على التنقيح 3/ 228. 4 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 70، نهاية السول 1/ 173، الإحكام، الآمدي 1/ 154، مناهج العقول 1/ 173، التمهيد ص26، مختصر الطوفي ص12، المدخل إلى مذهب أحمد ص58، القواعد والفوائد الأصولية ص39. وفي ع ز: بحمل. 5 ساقطة من ع. 6 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 154. 7 انظر: تيسير التحرير 2/ 309.

وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا: تَقَدَّمَ: أَنَّهُ يَصِحُّ التَّكْلِيفُ مَعَ سُكْرٍ لَمْ يُعْذَرْ بِهِ، وَأَمَّا مَنْ عُذِرَ بِالسُّكْرِ، كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْمُسْكِرِ. فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِي حَالِ سُكْرِهِ الْمَعْذُورِ بِهِ. وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ: "أَوْ عُذِرَ بِسُكْرٍ"1. "وَ" كَذَا لا يُكَلَّفُ "آكِلٌ بَنْجًا وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَنَائِمٌ وَنَاسٍ وَمُخْطِئٌ وَمَجْنُونٌ وَغَيْرُ بَالِغٍ"2 مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى3. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ4 مَسَائِلَ لا يُكَلَّفُ صَاحِبُهَا عَلَى الأَصَحِّ مِنْ الْمَذْهَبِ. - أَحَدُهَا5: الْمَعْذُورُ بِالسُّكْرِ كَالْمُكْرَهِ، هَلْ يُكَلَّفُ أَمْ لا؟ فِيهِ خِلافٌ، وَالصَّحِيحُ6 مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ7 حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ فِي تَكْلِيفِهِ وَعَدَمِهِ8، ثُمَّ قَالَ: - الثَّانِيَةُ: الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ حَالَ

_ 1 انظر: التوضيح على التنقيح 3/ 204، نهاية السول 1/ 171. 2 هذه الموانع التي تمنع التكليف أو تسقطه يدرسها علماء الأصول، وخاصة الحنفية، بعنوان عوارض الأهلية، ويبحثون كلاً منها على حده، وقد يجمعونها تحت عنوان "منع تكليف الغافل". "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 152، 154، المستصفى 1/ 84، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 68، فوتح الرحموت 1/ 156، التوضيح على التنفيح 3/ 161، أصول السرخسي 2/ 338، 341، تيسير التحرير 2/ 264، وما بعدها، كشف الأسرار 4/ 262 وما بعدها، نهاية السول 1/ 171، الروضة ص27، مختصر الطوفي ص12، المدخل إلى مذهب أحمد ص59، القواعد والفوئد الأصولية ص16، 30، 35، 37، 39، المسودة ص35". 3 في ع: أو أنثى. 4 ساقطة من ز. 5 في ش: أحدهما. 6 في ع: والأصح. 7 في ض ب: أن المكره في عدم التكليف. 8 انظر: القواعد والقوائد الأصولية ص39، التوضيح على التنقيح 3/ 204، كشف الأسرار 4/ 351.

إغْمَائِهِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ السَّكْرَانِ الْمُكْرَهِ فِي عَدَمِ التَّكْلِيفِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ1، ثُمَّ قَالَ: - الثَّالِثَةُ: آكِلُ الْبَنْجِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ أَكْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إذَا 2 أَزَالَ الْعَقْلَ 2 كَالْمَجْنُونِ. وَلا يَقَعُ طَلاقُ مَنْ تَنَاوَلَهُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ، لأَنَّهُ لا لَذَّةَ فِيهِ3، ثُمَّ قَالَ: - وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ: النَّائِمُ وَالنَّاسِي، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمَا غَيْرُ مُكَلَّفَيْنِ حَالَ النَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ، لأَنَّ الإِتْيَانَ بِالْفِعْلِ الْمُعَيَّنِ عَلَى وَجْهِ الامْتِثَالِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، لأَنَّ الامْتِثَالَ عِبَارَةٌ عَنْ إيقَاعِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الطَّاعَةِ4. وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمُ الْمَأْمُورِ بِتَوَجُّهِ الأَمْرِ نَحْوَهُ وَبِالْفِعْلِ. فَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَقْلاً لِعَدَمِ الْفَهْمِ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّكْرَانِ، بِدَلِيلِ عَدَمِ تَحَرُّزِهِمْ مِنْ الْمَضَارِّ وَقَصْدِ الْفِعْلِ بِلُطْفٍ وَمُدَارَاةٍ، بِخِلافِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّهُمَا يَفْهَمَانِ وَيَقْصِدَانِ الْفِعْلَ عِنْدَ التَّلَطُّفِ5 بِهِمَا، وَيَحْتَرِزَانِ مِنْ الْمَضَارِّ، بَلْ وَالْبَهِيمَةُ كَذَلِكَ، وَيُخَصُّ النَّائِمُ وَالنَّاسِي بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ النَّائِمِ

_ 1 انظر: القواعد والقوائد الأصولية ص35، التوضيح على التنقيح 3/ 168، كشف الأسرار 4/ 280. 2 في ض: زال عقله، وفي ب: زال العقل. 3 وروي عن أبي حنيفة رحمه الله أيضاً أن الرجل إذا كان عالماً بفعل البنج فأكله يصح طلاقه وعتاقه. "انظر: التلويح على التوضيح 3/ 205، كشف الأسرار 4/ 352". 4 انظر: التوضيح على التنقيح 3/ 167، تيسير التحرير 2/ 263 وما بعدها، كشف الأسرار 4/ 276، 278، نهاية السول 1/ 171، تخريج الفروع على الأصول ص33، الروضة ص27، التمهيد ص24، مختصر الطوفي ص12، القواعد والفوائد الأصولية ص30، الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص302. 5 في ب: التلفظ.

حَتَّى يَسْتَيْقِظَ"1، وَ "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ"2، وَأَلْحَقَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي "مُقْنِعِهِ" الْمُخْطِئَ بِهِمَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ3، انْتَهَى. "وَوُجُوبُ زَكَاةٍ وَ" وُجُوبُ "نَفَقَةٍ وَ" وُجُوبُ "ضَمَانِ" مُتْلَفٍ "مِنْ رَبْطِ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ" لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِمَالِهِ أَوْ ذِمَّتِهِ الإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي بِهَا يَسْتَعِدُّ لِقُوَّةِ الْفَهْمِ بَعْدَ الْحَالَةِ الَّتِي امْتَنَعَ تَكْلِيفُهُ مِنْ أَجْلِهَا، بِخِلافِ الْبَهِيمَةِ4.

_ 1 هذا طرف من حديث سبق تخريجه ص499. 2 رواه ابن ماجة والحاكم وابن حبان والطبراني عن ثوبان بألفاظ مختلفة، واضطربت أقوال العلماء في صحته وضعفه، قال المناوي: "رمز المصنف "السيوطي" لصحته، وهو غير صحيح، فقد تعقبه الهيثمي، وقصارى أمر الحديث أن النووي ذكر أنه حسن، ولم يسلم له ذلك، وذكر عبد لله بن أحمد في العلل أن أباه أنكره"، ورواه ابن ماجة عن ابن عباس بلفظ "إن الله وضع عن أمته الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وفي زوائد ابن ماجة: إسناده صحيح إن سلم من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع، ورواه ابن ماجة عن أبي ذر بلفظ: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان ... " وفي الزوائد إسناده صعيف، لاتفاقهم على ضعف أبي بكر الهذلي في سنده، بينما قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ورواه البيهقي عن ابن عمر بلفظ "وضع ... " وصححه، كما صححة ابن حبان، واستنكره أبو حاتم، ورواه ابن عدي من حديث أبي بكرة مرفوعاً بلفظ "رفع عن هذه الأمة ثلاثاً، الخطأ والنسيان والأمر يكرهون عليه" وضعفه، وقوله: "رفع عن أمتي الخطأ": أي إثمه، لا حكمه، إذ حكمه في الضمان لا يرتفع. "انظر: سنن ابن ماجة 1/ 659، فيض القدير 4/ 34، 6/ 326، كشف الخفا 1/ 433، تخريج أحاديث أصول البزدوي ص89". 3 وأيده الآمدي فقال: "وأما الخاطيء فغير مكلف إجماعاً، فيما هو مخطىء فيه" "الإحكام، له 1/ 154" وانظر: تيسير التحرير 2/ 305، التوضيح على التنقيح 3/ 224، كشف الأسرار 4/ 380، فواتح الرحموت 1/ 165. 4 أي هذا من خطاب الوضع، وقد سبق أنه لا يشترط في خطاب الوضع التكليف بالبلوغ والعقل. "انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 152، التمهيد ص25، شرح تنقيح الفصول ص145، المستصفى 1/ 84، مناهج العقول 1/ 173، الروضة ص27، مختصر الطوفي ص12، إرشاد الفحول ص11".

"وَلا" يُكَلَّفُ "مَعْدُومٌ حَالَ عُدْمِهِ" إجْمَاعًا "وَيَعُمُّهُ الْخِطَابُ إذَا كُلِّفَ كَغَيْرِهِ" أَيْ كَغَيْرِ الْمَعْدُومِ مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ، وَلا يَحْتَاجُ إلَى خِطَابٍ آخَرَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَحُكِيَ عَنْ الأَشْعَرِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَحَكَاهُ الآمِدِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ1. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَانٍ. وَنُسِبَ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَجَمْعٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْمَعْدُومَ لا يَعُمُّهُ الْخِطَابُ مُطْلَقًا2. وَاسْتَدَلَّ لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأُوحِيَ إلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} 3، قَالَ السَّلَفُ: مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَقَدْ أُنْذِرَ بِإِنْذَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إذَا امْتَنَعَ خِطَابُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَالْمَعْدُومُ أَجْدَرُ: ضَعِيفٌ، لأَنَّهُ فَهِمَ عَنْ الْحَنَابِلَةِ تَنْجِيزَ5 التَّكْلِيفِ وَلَمْ يَعْلَمْ التَّعْلِيقَ. وَأَنَّ حُكْمَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَحُكْمِ الْمَعْدُومِ6.

_ 1 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 153، فوتح الرحموت 1/ 147، نهاية السول 1/ 165، مناهج العقول 1/ 165، العضد على ابن الحاجب 2/ 15، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/ 77، المستصفى 1/ 85، تيسير التحرير 2/ 131، 239، المسودة ص44، إرشاد الفحول ص11، منهاج السنة 2/ 81. 2 انظر: أصول السرخسي 2/ 334، فوتح الرحموت 1/ 146، تيسير التحرير 2/ 131، نهاية السول 1/ 167، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني 1/ 78. 3 الآية 19 من الأنعام. 4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 153، تفسير ابن كثير 3/ 12، تفسير القرطبي 6/ 399، تفسير الخازن 2/ 102. 5 في ع: بتخير. 6 إن هذا الاختلاف ثابت بالنسبة للصبي والمجنون بتقدير فهمه، بل أولى، من حيث إن المشترط في حقه الفهم فقط، وفي حق المعدوم الوجود والفهم "انظر: الإحكام، الآمدمي 1/ 153، تيسير التحرير 2/ 131، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني وتقريرات الشربيني 1/ 77، المستصفى 1/ 85، فواتح الرحموت 1/ 148".

وَمِنْ الأَدِلَّةِ أَيْضًا: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} 1، وَكَالأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ لِمَعْدُومٍ مُتَأَهِّلٍ، وَخَيفُة2 الْمُوصَي الْفَوْتَ3 لا أَثَرَ لَهُ4. وَيَحْسُنُ لَوْمُ الْمَأْمُورِ فِي الْجُمْلَةِ بِإِجْمَاعِ الْعُقَلاءِ عَلَى تَأَخُّرِهِ عَنْ الْفِعْلِ مَعَ قُدْرَتِهِ5 وَتَقَدُّمِ أَمْرِهِ6. وَلأَنَّهُ أَزَلِيٌّ، وَتَعَلُّقُهُ بِغَيْرِهِ جُزْءٌ مِنْ حَقِيقَتِهِ. وَالْكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْجُزْءِ، وَكَلامُ الْقَدِيمِ صِفَتُهُ7، وَإِنَّمَا تُطْلَبُ الْفَائِدَةُ فِي سَمَاعِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ إذَا وُجِدَ، وَلأَنَّ التَّابِعِينَ وَالأَئِمَّةَ لَمْ يَزَالُوا يَحْتَجُّونَ بِالأَدِلَّةِ، وَهُوَ دَلِيلُ التَّعْمِيمِ وَالأَصْلُ عَدَمُ اعْتِبَارِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ. قَالَ الْمُخَالِفُونَ: تَكْلِيفٌ وَلا مُكَلَّفٌ مُحَالٌ8.

_ 1 الآية 153 من الأنعام. 2 في ش: خوف. 3 في ض: الفوات. 4 انظر: الإحكام، الآمدي 1/ 153. 5 ساقطة من ش. 6 هذا فرع عن تكليف المعدوم بأن ينجز التكليف عند البلوغ والقدرة، وإلا استحق اللوم، "انظر: حاشية التفتازاني على العضد 2/ 14، شرح تنقيح الفصول ص146". 7 هذا الكلام جواب عن اعتراض المخالفين الذين قالوا، الأمر بالمعدوم فرع قدم الكلام بأقسامه، وأنه محال، لأنه يلزم تعدد القديم باعتبار أنواعه وأفراده، فأن المتعلق يزيد غير المتعلق بعمرو، والجواب: أن التعدد ههنا بحسب تعدد المتعلقات وأنه تعدد اعتباري لا يوجب تعدداً وجودياً، وذلك هو المحال، ومثاله الإبصار فإنه وصف واحد، لا يتعدد في الوجود بكثرة المبصرات، إنما يتعدد تعلقه، والوصف واحد "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 16، تيسير التحرير 2/ 239، نهاية السول 1/ 168، مناهج العقول 1/ 168". قال القرافي: "هذه المسألة أغمض مسألة في أصول الفقه". "شرح تنقيح الفصول ص145، 146". 8 هذا قول المعتزلة. "انظر: تيسير التحرير 2/ 239، نهاية السول 1/ 169، العضد على ابن الحاجب 2/ 15".

رُدَّ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ، ثُمَّ بِالْمَنْعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْكَاتِبِ يُخَاطِبُ مَنْ يُكَاتِبُهُ بِشَرْطِ وُصُولِهِ وَيُنَادِيهِ، وَأَمْرِ الْمُوصِي وَالْوَاقِفِ حَقِيقَةٍ، لأَنَّهُ لا يَحْسُنُ نَفْيَهُ1. قَالُوا: لا يُقَالُ لِلْمَعْدُومِ نَاسٍ. رُدَّ: بِأَنْ2 يُقَالَ: بِشَرْطِ وُجُودِهِ. قَالُوا: الْعَاجِزُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَهَذَا3 أَوْلَى. رُدَّ: بِالْمَنْعِ عِنْدَ كُلِّ قَائِلٍ بِقَوْلِنَا، بَلْ مُكَلَّفٌ بِشَرْطِ قُدْرَتِهِ وَبُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ4. وَإِنَّمَا رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ فِي الْحَالِ، أَوْ قَلَمُ الإِثْمِ، بِدَلِيلِ النَّائِمِ. "وَلا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "شَيْءٌ" لا "عَقْلاً وَلا شَرْعًا" عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ: مِنْهُمْ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، بَلْ يُثِيبُ الْمُطِيعَ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ5. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَمَعْنَى كَلامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَرْعًا بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ. وَلِهَذَا أَوْجَبُوا إخْرَاجَ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ النَّارِ بِوَعْدِهِ. وَقَالَ6 ابْنُ الْجَوْزِيِّ7 فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ

_ 1 انظر: إرشاد الفحول ص12، نهاية السول 1/ 169، تقريرات الشربيني 1/ 77. 2 في ع ب: بل. 3 في ش ز ب: فهنا. 4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 15. 5 كان المصنف جاء بهذه المسألة كفرع ونتيجة على جواز التكليف للمعدوم، وجواز التكليف بالمحال عند من يقول به، من حيث أنه لا يقبح من الله شيء، ولا يجب عليه شيء. "انظر: المستصفى 1/ 87". 6 في ع ض ب: قال. 7 هو عبد الرحمن بن علي بن محمد، جمال الدين، أبو الفرج، المعروف بابن الجوزي، شيخ وقته، وإمام عصره، يتصل نسبه بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، حفظ القرآن، وكان =

الْمُؤْمِنِينَ} 1، أَيْ وَاجِبًا أَوْجَبَهُ هُوَ2. وَذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَقَالَ3 الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَكْثَرُ النَّاسِ يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقًا زَائِدًا عَلَى مُجَرَّدِ الْوَعْدِ لِهَذِهِ الآيَةِ. وَلِحَدِيثِ مُعَاذٍ4 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ " 5.

_ = محدثاً مفسراً فقيهاً أصولياً واعظاً أدبياً زاهداً قارئاً، له مؤلفات كثيرة منها، "المعني" و "زاد المسير" في التفسير، و "الأذكياء" و "مناقب عمر بن خطاب" و "مناقب عمر بن عبد العزيز" و "مناقب أحمد بن حنبل" و "الموضوعات" في الحديث، و"منهاج الوصول إلى علم الأصول" وغيرها، توفي سنة 597هـ ببغداد، انظر ترجمته في "شذرات الذهب 4/ 229، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 399، وفيات الأعيان 2/ 321، طبقات المفسرين 1/ 270، الفتح المبين 2/ 40، طبقات القراء 1/ 375، طبقات الحفاظ ص477، تذكرة الحفاظ 4/ 1342". 1 الآية 47 من الروم. 2 زاد المسير في علم التفسير 5/ 308. 3 في ع: قال. 4 هو مُعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس، أبو عبد الرحمن، الصحابي الأنصاري الخزرجي، الإمام المقدم في علم الحلال والحرام، قال أبو نعيم عنه: "إمام الفقهاء، وكنز العلماء، شهد العقبة وبدراً والمشاهد" وكان أفضل شباب الأنصار حلماً وحياء وسخاء، وكان جميلاً وسيماً، وقال عمر: "عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، ولولا معاذ لهلك عمر". أمره النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن ولاية القضاء، قدم من اليمن في خلافة أبي بكر، ولحق بالجهاد والجيش الإسلامي في بلاد الشام، وكانت وفاته بالطاعون سنة 17، أو 18هـ، وعاش 34 سنة. "انظر: الإصابة 3/ 426، صفة الصفوة 1/ 489، تهذيب الأسماء 2/ 98، شذرات الذهب 1/ 29". 5 هذا جزء من حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة عن معاذ مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري بشرح السندي 2/ 146، 4/ 129، صحيح مسلم 1/ 59، تحفة الأحوذي بشرح الترمذي 7/ 402، سنن ابن ماجة 2/ 1435".

وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ: يَجِبُ عَلَيْهِ1 رِعَايَةُ الأَصْلَحِ. وَهِيَ قَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ2. [انتهى المجلد الأول من شرح الكوكب المنير، ويليه المجلد الثاني وأوله: الأدلة الشرعية.] [والحمد لله رب العالمين.]

_ 1 ساقطة من ض. 2 انظر: رأي أهل السنة في هذه المسألة في "المسودة ص63-65، الإرشاد للجويني ص287، غاية المرام، الآمدي ص224، 228، نهاية الاقدام ص404 وما بعدها".

المجلد الثاني

المجلد الثاني تنبيه: الأدلة ... تَنْبِيهٌ: الأَدِلَّةُ أَيْ أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا عَلَى1 مَا فِي بَعْضِهَا مِنْ خِلافٍ ضَعِيفٍ جِدًّا أَرْبَعَةٌ: الأَوَّلُ2: "الْكِتَابُ" وَهُوَ الْقُرْآنُ "وَهُوَ الأَصْلُ". "وَ" الثَّانِي: السُّنَّةُ وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُهَا فِي بَابِهَا "وَهِيَ مُخْبِرَةٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى" سُبْحَانَهُ3. "وَ" الثَّالِثُ: "الإِجْمَاعُ" وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُهُ فِي بَابِهِ "وَهُوَ" أَيْ الإِجْمَاعُ "مُسْتَنِدٌ إلَيْهِمَا" أَيْ إلَى4 الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. "و" الرَّابِعُ: "الْقِيَاسُ" عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَجَمْعٌ: لَيْسَ الْقِيَاسُ مِنْ الأُصُولِ. وَتَعَلَّقُوا بِأَنَّهُ لا يُفِيدُ إلاَّ الظَّنَّ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِير"ِ: وَ5الْحَقُّ هُوَ الأَوَّلُ. وَالثَّانِي ضَعِيفٌ جِدًّا.

_ 1 في د ض: أي على. 2 ساقطة من ز. 3 في ع: سبحانه وتعالى. 4 ساقطة من ض. 5 ساقطة من ض.

فَإِنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يُفِيدُ الْقَطْعَ كَمَا سَيَأْتِي. وَإِنْ قُلْنَا: لا يُفِيدُ إلاَّ الظَّنَّ فَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَنَحْوُهُ لا يُفِيدُ إلاَّ الظَّنَّ. اهـ. "وَهُوَ" أَيْ الْقِيَاسُ "مُسْتَنْبَطٌ مِنْ الثَّلاثَةِ" الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ. وَأَمَّا الأَدِلَّةُ الَّتِي اُشْتُهِرَ الْخِلافُ فِيهَا فَخَمْسَةٌ1: الاسْتِصْحَابُ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا. وَالاسْتِقْرَاءُ، وَمَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ، وَالاسْتِحْسَانُ،.وَقَدْ آنَ الْكَلامُ عَلَى هَذِهِ الأَدِلَّةِ. وَلَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ هُوَ الأَصْلُ لِجَمِيعِهَا بَدَأْت بِهِ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقُلْت:

_ 1 في ز: خمسة.

باب: الكتاب

"بَابٌ" "الْكِتَابُ: الْقُرْآنُ" عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الأَعْيَانِ. بِدَلِيلِ قَوْلِ مَنْ نَزَّلَ الْفُرْقَانَ {وَإِذْ صَرَفْنَا إلَيْك نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} - إلَى قَوْلِهِ - {إنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} 1 وَالْمَسْمُوعُ وَاحِدٌ، وَبِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {إنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ} 2 وَالإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى اتِّحَادِ اللَّفْظَيْنِ3. وَالْكِتَابُ فِي الأَصْلِ جِنْسٌ، ثُمَّ غُلِّبَ عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ بَيْنِ الْكُتُبِ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ. "وَهُوَ" أَيْ الْقُرْآنُ. "كَلامٌ مُنَزَّلٌ" أَيْ نَزَّلَهُ السَّيِّدُ جِبْرِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ "عَلَى" قَلْبِ سَيِّدِنَا "مُحَمَّدٍ" رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِك بِإِذْنِ اللَّهِ} 4. "مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ" أَيْ مَقْصُودٌ بِهِ الإِعْجَازُ5، كَمَا أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِهِ بَيَانُ الأَحْكَامِ وَالْمَوَاعِظِ، وَقَصُّ أَخْبَارٍ مَنْ قُصَّ فِي الْقُرْآنِ مِنَ6 الأُمَمِ،

_ 1 الآيتان 29-30 من الأحقاف. 2 الآيتان 1-2 من سورة الجن. 3 انظر: مختصر الطوفي ص 45، جمع الجوامع 1/ 223، مناهج العقول 1/ 201، فتاوى ابن تيمية 12/ 7، الروضة ص 33. 4 الآية 97 من البقرة. 5 انظر رأي الغزالي والبزدوي في عدم تقييد التعريف بالإعجاز في "المستصفى 1/ 101، وكشف الأسرار 1/ 22". 6 ساقطة من د.

دَلِيلُ1 التَّحَدِّي2 بِهِ، لِقَوْلِهِ3 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} 4 5أَيْ فَأْتُوا بِمِثْلِهِ17، إنِ ادَّعَيْتُمْ الْقُدْرَةَ فَلَمَّا عَجَزُوا تَحَدَّاهُمْ بِعَشْرِ سُوَرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ 6 فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} 7 فَلَمَّا عَجَزُوا تَحَدَّاهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} 8 أَيْ مِنْ مِثْلِ الْقُرْآنِ، أَوْ مِنْ مِثْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا عَجَزُوا تَحَدَّاهُمْ بِدُونِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ} 9. 10أَيْ فَلْيَأْتُوا بِمِثْلِهِ22. "مُتَعَبَّدٌ بِتِلاوَتِهِ" لِتَخْرُجَ الآيَاتُ الْمَنْسُوخَةُ اللَّفْظِ سَوَاءٌ بَقِيَ حُكْمُهَا أَمْ لا. لأَنَّهَا11 صَارَتْ بَعْدَ النَّسْخِ غَيْرَ قُرْآنٍ لِسُقُوطِ التَّعَبُّدِ بِتِلاوَتِهَا. وَلِذَلِكَ لا تُعْطَى حُكْمَ الْقُرْآنِ12.

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ز. وفي ش: المتحدي في. 3 في ز ع: قوله. وفي ب: في قوله. 4 الآية 88 من الإسراء. 5 ساقطة من ز. وفي ش: دليل. وفي ع سقطت لفظة أي. 6 ساقطة من ش ز. 7 الآية 13 من هود. 8 الآية 38 من يونس. وفي ز ب ع ض: من مثله. وقال تعالى في سورة البقرة 23: {وَإِنْ كُُنْتُمْ فِيْ رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوْا بِسُوْرَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} . 9 الآيتان 33-34 من الطور. 10 ساقطة من ب ع ض. 11 في ز إنها. 12 انظر في تعريف القرآن الكريم "التعريفات للجرجاني ص 152. الإحكام للآمدي 1/ 159، أصول السرخسي 1/ 279، نهاية السول 1/ 204، كشف الأسرار 1/ 21، مناهل العرفان 1/ 9، المستصفى 1/ 101، فواتح الرحموت 2/ 7، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 18، تيسير التحرير 3/ 3، جمع الجوامع 1/ 223، التلويح على التوضيح 1/ 154، المدخل إلى مذهب أحمد ص87، مختصر الطوفي ص 45، أصول الفقه الإسلامي ص 96 وما بعدها.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامٌ مُنَزَّلٌ احْتَاجَ1 إلَى تَبْيِينِ مَوْضُوعِ2 لَفْظِ الْكَلامِ وَمَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْكَلامِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا3. وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ الْكَلامِ، وَهِيَ أَعْظَمُ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ، حَتَّى قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يُسَمَّ عِلْمُ الْكَلامِ إلاَّ لأَجْلِهَا وَ4لِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهَا أَئِمَّةُ الإِسْلامِ الْمُعْتَبَرِينَ، الْمُقْتَدَى5 بِهِمْ اخْتِلافًا كَثِيرًا مُتَبَايِنًا6. فَالْقَوْلُ الأَوَّلُ: هُوَ قَوْلُ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كُلاَّبٍ وَأَتْبَاعِهِ مِنْهُمْ الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إسْمَاعِيلَ الأَشْعَرِيُّ وَأَتْبَاعُهُ: أَنَّ الْكَلامَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الأَلْفَاظِ الْمَسْمُوعَةِ، وَبَيْنَ الْكَلامِ النَّفْسِيِّ. وَذَلِكَ:

_ 1 في ش ز ض: احتيج. 2 ساقطة من ض. 3 ذكر العلامة البناني المراد من هذا التعريف عند علماء الأصول، وبين اختلافه عن المراد به في أصول الدين فقال: "إن القرآن عند الأصوليين أحد الأدلة الخمسة. أي أحد الأمور المحتج بها. والاحتجاج إنما هو بأبعاض اللفظ المذكور لا بمدلوله، فيكون القرآن هو اللفظ المذكور لا مدلوله، خلاف المعنى بالقرآن في أصول الدين. أي فيطلق على كل من المعنيين بالاشتراك، كما يطلق على كل منهما. حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 224". 4 ساقطة من ش. 5 في ع ض: والمقتدى. 6 انظر كشف الأسرار 1/ 22، مناهل العرفان 1/ 9، كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 22، 5/ 1272، كشف الظنون 2/ 1503، إتمام الدراية لقراء النقاية للسيوطي ص 3 على هامش مفتاح العلوم، التعريفات للجرجاني ص 162، فتح الباري 13/ 273.

لأَنَّهُ1 قَدْ اُسْتُعْمِلَ لُغَةً وَعُرْفًا فِيهِمَا. وَالأَصْلُ فِي الإِطْلاقِ الْحَقِيقَةُ، فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا2. أَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعِبَارَةِ فَكَثِيرٌ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 3 {يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} 4 وَيُقَالُ: سَمِعْت كَلامَ فُلانٍ وَفَصَاحَتَهُ، يَعْنِي أَلْفَاظَهُ الْفَصِيحَةَ. وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ وَهُوَ مَدْلُولُ الْعِبَارَةِ. فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} 5 {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ} 6 وَقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي يَوْمِ السَّقِيفَةِ: زَوَّرْت فِي نَفْسِي كَلامًا7 وَقَوْلِ الشَّاعِرِ: إنَّ الْكَلامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلاً8

_ 1 في ع: أنه. 2 انظر: التمهيد للإسنوي ص 30، المستصفى 1/ 100، حاشية البناني 1/ 224، فتاوى ابن تيمية 7/ 170، 12/ 67، القواعد والفوائد الأصولية ص 154، مختصر الطوفي ص 45، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 104، المحصول للرازي 1/ 235. 3 الآية 6 من التوبة. 4 الآية 75 من البقرة. وفي ش ز ض ع ب: "وهم يسمعون"، وهو خطأ. وتمام الآية: {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} . 5 الآية 8 من المجادلة. 6 الآية 13 من الملك. 7 أي هيأت وأصلحت من التزوير، وهو إصلاح الشيء وتحسينه. وقد جاء في رواية أخرى عن عمر: ما زورت كلاماً لأقوله إلا سبقني به أبو بكر. "انظر لسان العرب 4/ 336 وما بعدها ووجه الدلالة في قول عمر أنه سمى ما في النفس كلاماً قبل التكلم به. وانظر: الإنصاف للباقلاني ص 110". 8 البيت للأخطل. وقال جماعة: إنه لغيره؛ لأن هذا البيت لا يوجد في ديوان الأخطل. وقد أضيف إلى ديوانه في قسم الزيادات عند طباعة شعر الأخطل في بيروت "ص......=

وَالأَصْلُ فِي الإِطْلاقِ: الْحَقِيقَةُ. قَالَ الأَشْعَرِيُّ: لَمَّا كَانَ يَسْمَعُهُ بِلا انْخِرَاقٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلامُهُ بِلا حَرْفٍ وَلا صَوْتٍ. وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ: "أَنَّ قَوْمًا جَعَلُوا الْكَلامَ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى مَجَازًا فِي الْعِبَارَةِ. وَقَوْمًا عَكَسُوا، وَقَوْمًا قَالُوا: بِالاشْتِرَاكِ. فَهِيَ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ وَنُقِلَتْ عَنْ الأَشْعَرِيِّ1". وَالْمَعْنَى النَّفْسِيُّ نِسْبَةٌ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ قَائِمَةٌ بِالْمُتَكَلِّمِ، وَنَعْنِي بِالنِّسْبَةِ بَيْنَ الْمُفْرَدَيْنِ: أَيْ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُفْرَدَيْنِ، تَعَلُّقَ أَحَدِهِمَا بِالآخَرِ، وَإِضَافَتَهُ إلَيْهِ عَلَى جِهَةِ الإِسْنَادِ الإِفَادِيِّ، بِحَيْثُ2 إذَا عُبِّرَ عَنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ بِلَفْظٍ يُطَابِقُهَا وَيُؤَدِّي مَعْنَاهَا: كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ إسْنَادًا إفَادِيًّا3. وَمَعْنَى قِيَامِ النِّسْبَةِ بِالْمُتَكَلِّمِ: مَا قَالَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيّ4، وَهُوَ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: اسْقِنِي مَاءً فَقَبْلَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ قَامَ بِنَفْسِهِ تَصَوُّرُ حَقِيقَةِ السَّقْيِ وَحَقِيقَةِ الْمَاءِ وَالنِّسْبَةِ الطَّلَبِيَّةِ بَيْنَهُمَا. فَهَذَا هُوَ الْكَلامُ النَّفْسِيُّ. وَالْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ، وَصِيغَةُ5 قَوْلِهِ: "اسْقِنِي مَاءً"، عِبَارَةٌ عَنْهُ 6وَدَلِيلٌ عَنْهُ6.

_ = 508. وقد نسبه إلى الأخطل ابن هشام في شذور الذهب ص 28، وابن يعيش الحلبي في "شرح المفصل للزمخشري 1/ 21"، "والجاحظ في البيان والتبيين 1/ 218" والقرافي في شرح تنقيح الفصول ص 126 وغيرهم. انظر: معجم شواهد العربية 1/ 271. 1 المستصفى 1/ 100. وانظر: فواتح الرحموت 2/ 6، فتاوى ابن تيمية 12/ 67، القواعد والفوائد الأصولية ص 154، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 104. 2 في ز ض ع ب: أي بحيث. 3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 3، مختصر ابن الحاجب 2/ 18، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 103. 4 انظر الأربعين في أصول الدين للرازي ص 174، غاية المرام ص 97. 5 في د: وهو صيغة. 6 ساقطة من ش.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: كُلُّ عَاقِلٍ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ الأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْخَبَرَ عَنْ كَوْنِ الْوَاحِدِ نِصْفَ الاثْنَيْنِ، وَعَنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، ثُمَّ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعِبَارَاتٍ وَلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. فَالْمُخْتَلِفُ هُوَ الْكَلامُ اللِّسَانِيُّ، وَغَيْرُ الْمُخْتَلِفِ هُوَ الْكَلامُ النَّفْسِيُّ الْقَائِمُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُسَمَّى1 ذَلِكَ الْعِلْمُ الْخَاصُّ: سَمْعًا؛ لأَنَّ إدْرَاكَ الْحَوَاسِّ إنَّمَا هِيَ عُلُومٌ خَاصَّةٌ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْعِلْمِ فَكُلُّ إحْسَاسٍ عِلْمٌ وَلَيْسَ كُلُّ عِلْمٍ إحْسَاسًا2. فَإِذَا وُجِدَ هَذَا الْعِلْمُ الْخَاصُّ فِي نَفْسِ مُوسَى الْمُتَعَلِّقُ بِالْكَلامِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى يُسَمَّى3 بِاسْمِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ السَّمَاعُ. اهـ. هَذَا حَقِيقَةُ مَذْهَبِهِمْ. لَكِنَّ الأَشْعَرِيَّ وَأَتْبَاعَهُ قَالُوا: الْقُرْآنُ الْمَوْجُودُ عِنْدَنَا حِكَايَةُ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَابْنُ كُلاَّبٍ وَأَتْبَاعُهُ. قَالُوا: الْقُرْآنُ الْمَوْجُودُ بَيْنَ النَّاسِ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى لا عَيْنِهِ4. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَ5رَأَيْت الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ عَكَسَ عَنْهُمَا. فَجَعَلَ الْعِبَارَةَ عَنْ الأَشْعَرِيِّ، وَالْحِكَايَةَ عَنْ ابْنِ كُلاَّبٍ6. وَقَالَ الأَشْعَرِيُّ: كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ يُسْمَعُ عِنْدَ تِلاوَةِ كُلِّ تَالٍ وَقِرَاءَةِ كُلِّ قَارِئٍ.

_ 1 في ب: وسمي. 2 في ش: احساس. 3 في ب: سمي. 4 قال الآمدي: "الكتاب هو الكلام المعبر عن الكلام النفساني". "الإحكام له 1/ 159". وانظر: الفصل في الملل والنحل 3/ 6. 5 ساقطة من ع. 6 هذا ما نقله المصنف عن الشيخ تقي الدين في فتوى الأزهرية فيما بعد ص 34.

وَقَالَ الْبَاقِلاَّنِيُّ: إنَّمَا نَسْمَعُ1 التِّلاوَةَ دُونَ الْمَتْلُوِّ، وَالْقِرَاءَةَ دُونَ الْمَقْرُوءِ2. وَذَهَبَ الإِمَامُ أَحْمَدُ إمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ مُدَافَعَةٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ، وَإِمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِلا شَكٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ - قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ فِي الأَمْرِ، وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ - إلَى أَنَّ الْكَلامَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْعِبَارَةِ وَمَدْلُولِهَا، بَلْ الْكَلامُ حَقِيقَةً: هُوَ الْحُرُوفُ الْمَسْمُوعَةُ مِنْ الصَّوْتِ3، وَإِلَى ذَلِكَ الإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ. "وَالْكَلامُ حَقِيقَةً" أَيْ الْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ إطْلاقِهِ أَنَّهُ4 "الأَصْوَاتَ وَالْحُرُوفَ". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمَعْرُوفُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ فِرَقِ الأُمَّةِ. فَإِنَّ جَمَاهِيرَ الطَّوَائِفِ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ5 بِصَوْتٍ، مَعَ تَنَازُعِهِمْ فِي أَنَّ كَلامَهُ هَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ قَدِيمٌ أَوْ حَادِثٌ، أَوْ مَا زَالَ يَتَكَلَّمُ6.

_ 1 في ع ض: تسمع. 2 الإنصاف للباقلاني ص 80. والمتلو هو اللفظ. والمكتوب هو أشكال الحروف. والمسموع هو الصوت. وأما التلاوة والكتابة والسماع بالمعاني المصدرية فإنما هي نسب بين التالي والمتلو، والكاتب والمكتوب، والسامع والمسموع. فطرفا كل من هذه النسب مخلوقان. وإنما القديم هو ما قام به سبحانه. وإطلاق المتلو والمحفوظ والمكتوب والمسموع على ما قام به سبحانه من قبيل وصف المدلول بصفة الدال. "انظر تعليق الشيخ محمد زاهد الكوثري على الإنصاف ص 80". ويقول الباقلاني أيضاً: "التلاوة غير المتلو، كما أن العبادة غير المعبود، والذكر غير المذكور، والدعاء غير المدعو. الإنصاف ص 82". 3 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 154. 4 ساقطة من ز. 5 في ش ز: تكلم. 6 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 243، غاية المرام ص 88، الإنصاف للباقلاني ص 110.

"وَإِنْ1 سُمِّيَ بِهِ" أَيْ يُسَمَّى بِالْكَلامِ "الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ وَهُوَ" أَيْ الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ "نِسْبَةٌ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ قَائِمَةٌ" أَيْ2 تِلْكَ النِّسْبَةُ "بِالْمُتَكَلِّمِ" وَتَقَدَّمَ3 الْكَلامُ عَلَى الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ، يَعْنِي أَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ الْكَلامُ عَلَى الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ "فَ" إطْلاقُهُ عَلَيْهِ "مَجَازٌ" وَهَذَا عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ4. قَالَ الطُّوفِيُّ: إنَّمَا كَانَ حَقِيقَةً فِي الْعِبَارَةِ، مَجَازًا5 فِي مَدْلُولِهَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى فَهْمِ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْ إطْلاقِ الْكَلامِ: إنَّمَا هُوَ6 الْعِبَارَاتُ، وَالْمُبَادَرَةُ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ. الثَّانِي: أَنَّ الْكَلامَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَلْمِ، لِتَأْثِيرِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ، وَالْمُؤَثِّرُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ إنَّمَا هُوَ الْعِبَارَاتُ، لا الْمَعَانِي النَّفْسِيَّةُ بِالْفِعْلِ، نَعَمْ هِيَ مُؤَثِّرَةٌ لِلْفَائِدَةِ بِالْقُوَّةِ، وَالْعِبَارَةُ مُؤَثِّرَةٌ بِالْفِعْلِ. فَكَانَتْ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً، وَمَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا بِالْقُوَّةِ مَجَازٌ. قَالَ الْمُخَالِفُونَ: اُسْتُعْمِلَ لُغَةً وَعُرْفًا فِيهِمَا. قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنْ بِالاشْتِرَاكِ أَوْ بِالْحَقِيقَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَبِالْمَجَازِ7 فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ؟ وَالأَوَّلُ مَمْنُوعٌ.

_ 1 في ز ب ش: وإنما. 2 ساقطة من ب ع ض. 3 في ش: ويقدم. 4 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص 154، فواتح الرحموت: 2/ 6. 5 في ش ز: مجاز. وهو خطأ. 6 ساقطة من ض. 7 في ش ز: والمجاز.

قَالُوا: الأَصْلُ فِي الإِطْلاقِ الْحَقِيقَةُ. قُلْنَا: وَالأَصْلُ عَدَمُ الاشْتِرَاكِ، ثُمَّ إذَا1 تَعَارَضَ2 الْمَجَازُ وَ3الاشْتِرَاكُ الْمُجَرَّدُ، فَالْمَجَازُ4 أَوْلَى، ثُمَّ إنَّ لَفْظَ الْكَلامِ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعِبَارَاتِ، وَكَثْرَةُ مَوَارِدِ الاسْتِعْمَالِ تَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} 5 فَمَجَازٌ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ بِالْقَرِينَةِ. وَهِيَ قَوْلُهُ: "فِي أَنْفُسِهِمْ"، وَلَوْ أُطْلِقَ لَمَا فُهِمَ إلاَّ الْعِبَارَةُ. وَكَذَلِكَ6 كُلُّ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا الْبَابِ إنَّمَا يُفِيدُ مَعَ الْقَرِينَةِ. وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "زَوَّرْت فِي نَفْسِي كَلامًا" إنَّمَا أَفَادَ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي نَفْسِي وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} 7 فَلا حُجَّةَ فِيهِ، لأَنَّ الإِسْرَارَ نَقِيضُ الْجَهْرِ. وَكِلاهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ أَنَّ إحْدَاهُمَا أَرْفَعُ صَوْتًا مِنْ الأُخْرَى8. وَأَمَّا الشِّعْرُ: فَهُوَ لِلأَخْطَلِ9. وَيُقَالُ: إنَّ الْمَشْهُورَ فِيهِ: "إنَّ الْبَيَانَ لَفِي

_ 1 في ز: قد. 2 في ر: يعارض. 3 ساقطة من ز. 4 في ز: والمجاز. 5 الآية 8 من المجادلة. وفي ش ز ب ع: يقولون.... 6 في ز: ولذلك. 7 الآية 13 من الملك. 8 انظر مناقشة هذه الأدلة بإسهاب في كتاب الإيمان "لابن تيمية ص 113 وما بعدها". 9 هو غياث بن غوث بن الصلت، أبو مالك، من بني تغلب، الشاعر المشهور في العصر الأموي، كان يُشَبّه من شعراء الجاهلية بالنابغة الذبياني. وكان يمدح بني أمية، مدح....=

الْفُؤَادِ"، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ كَمَا ذَكَرْتُمْ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ مَادَّةِ الْكَلامِ، وَهُوَ التَّصَوُّرَاتُ الْمُصَحِّحَةُ لَهُ؛ إذْ مَنْ لا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ1 مَعْنَى2 مَا يَقُولُ لا يُوجَدُ مِنْهُ3 كَلامٌ، ثُمَّ هُوَ مُبَالَغَةٌ مِنْ هَذَا الشَّاعِرِ فِي تَرْجِيحِ الْفُؤَادِ عَلَى اللِّسَانِ. اهـ كَلامُ الطُّوفِيِّ. وَنَقَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي "النُّونِيَّةِ": أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ: رَدَّ كَلامَ النَّفْسِ مِنْ تِسْعِينَ وَجْهًا4. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: "مَنْ أَحَالَ سَمَاعَ مُوسَى كَلامًا لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ فَلْيُحْلِلْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُؤْيَةَ ذَاتٍ لَيْسَتْ بِجِسْمٍ وَلا عَرَضٍ5". اهـ. قَالَ الطُّوفِيُّ: كُلُّ هَذَا تَكَلُّفٌ وَخُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ، بَلْ عَنْ الْقَاطِعِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلاَّ خَيَالاتٌ لاغِيَةٌ. وَأَوْهَامٌ مُتَلاشِيَةٌ. وَمَا ذَكَرُوهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْمَعَانِيَ لا تَقُومُ شَاهِدًا إلاَّ بِالأَجْسَامِ. فَإِنْ أَجَازُوا مَعْنًى قَامَ بِالذَّاتِ الْقَدِيمَةِ وَلَيْسَتْ جِسْمًا، فَلْيُجِيزُوا خُرُوجَ صَوْتٍ مِنْ الذَّاتِ الْقَدِيمَةِ وَلَيْسَتْ جِسْمًا،

_ =معاوية ومن بعدهما حتى هلك. وهو أحد الثلاثة المتفق على أنهم أشعر أهل عصرهم، وهم: جرير والفرزدق والأخطل. وكان حسن الديباجة، في شعره إبداع، وكان كثير العناية بشعره ينظم القصيدة، ويسقط ثلثيها، ثم يظهر مختارها. له ديوان شعر مطبوع. وقد خطله كعب بن جُعيل، وقال له: "إنك لأخطل يا غلام"، والخطل السفه وفحش القول، وكان الأخطل هجّاءً بذيئاً، مات سنة 90هـ. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء ص 455، الأغاني 8/ 280، طبقات فحول الشعراء للجمحي 1/ 298، شرح شواهد المغني للسيوطي 1/ 123، الأعلام للزركلي 5/ 318". 1 ساقطة من ع ض. 2 ساقطة من ض. 3 في ش ز ض: فيه. 4 انظر الكافية بشرح النونية 1/ 206، 224، 264، الإيمان لابن تيمية ص 110. 5 الأربعين في أصول الدين للغزالي ص 20.

إذْ كِلاََ1 الأَمْرَيْنِ خِلافُ الشَّاهِدِ، وَمَنْ أَحَالَ كَلامًا لَفْظِيًّا مِنْ غَيْرِ جِسْمٍ فَلْيُحْلِلْ ذَاتًا مَرْئِيَّةً مِنْ غَيْرِ جِسْمٍ، وَلا فَرْقَ. ثُمَّ قَالَ الطُّوفِيُّ: وَالْعَجَبُ2 مِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ - مَعَ أَنَّهُمْ عُقَلاءُ فُضَلاءُ - يُجِيزُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا، وَسَمْعًا لِكَلامِهِ النَّفْسِيِّ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِ 3حَرْفٍ وَلا صَوْتٍ5. وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَاصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ قَلْبٌ لِحَقِيقَةِ السَّمْعِ فِي الشَّاهِدِ، إذْ حَقِيقَةُ السَّمْعِ فِي الشَّاهِدِ إيصَالُ4 الأَصْوَاتِ بِحَاسَّةٍ5، ثُمَّ يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا الْقَوْلَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ 6بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ8 قَدِيمَيْنِ مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ، لِكَوْنِ7 ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلشَّاهِدِ8 فَإِنْ جَازَ قَلْبُ حَقِيقَةِ السَّمْعِ شَاهِدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى كَلامِهِ، فَلِمَ لا يَجُوزُ910مُخَالَفَتُهُ لِلشَّاهِدِ12 بِالنِّسْبَةِ إلَى اسْتِوَائِهِ وَكَلامِهِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ؟ فَإِنْ قَالُوا: لأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ حَرْفٍ وَصَوْتٍ إلاَّ11 مِنْ جَسَدٍ وَوُجُودٌ فِي جِهَةٍ لَيْسَ بِجِسْمٍ.

_ 1 ساقطة من ض. 2 في ش: والعجيب. 3 في ب ع ض: صوت ولا حرف. 4 في ش ز ب: أيضاً سماع. وفي ض: أيضاً. 5 في ش: بحاسته. وفي ب ع ض: بحاسيته. 6 في ب ع ض: بصوت وحرف. 7 في ش ز: لكونه. 8 في ز: لشاهد. 9 في ع ض: يجيزوا. 10 في ش ز ع ض: مخالفة الشاهد. 11 في ع ض: لا.

قُلْنَا: إنْ عَنَيْتُمْ اسْتِحَالَتَهُ بِالإِضَافَةِ إلَى الشَّاهِدِ. فَسَمَاعُ كَلامٍ1 بِدُونِ تَوَسُّطِ صَوْتٍ وَحَرْفٍ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ عَنَيْتُمْ اسْتِحَالَتَهُ مُطْلَقًا فَلا نُسَلِّمُ، إذْ الْبَارِي جَلَّ جَلالُهُ عَلَى خِلافِ الْمُشَاهَدِ2 وَالْمَعْقُولِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ. وَقَدْ وَرَدَتْ النُّصُوصُ بِمَا قُلْنَاهُ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ. اهـ. وَ3قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ4 عَنْ قَوْلِ الأَشْعَرِيِّ: "لَمَّا كَانَ سَمْعُهُ بِلا انْخِرَاقٍ. وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلامُهُ بِلا حَرْفٍ وَلا صَوْتٍ" هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَلا يَقْتَضِي مَا قَالَهُ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ سَمْعَهُ لَمَّا كَانَ بِلا انْخِرَاقٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلامُهُ بِلا لِسَانٍ وَشَفَتَيْنِ وَحَنَكٍ. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ الْكَلامُ مِنْ5 غَيْرِ حَرْفٍ، وَكَانَتْ الْحُرُوفُ عِبَارَةً عَنْهُ، لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُحْكَمَ لِتِلْكَ الْعِبَارَةِ بِحُكْمٍ، إمَّا أَنْ يَكُونَ أَحْدَثَهَا فِي صَدْرٍ أَوْ لَوْحٍ، أَوْ أَنْطَقَ بِهَا بَعْضَ عَبِيدِهِ فَتَكُونَ مَنْسُوبَةً إلَيْهِ. فَيَلْزَمَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ: أَنْ يُفْصِحَ بِمَا عِنْدَهُ فِي6 السُّوَرِ وَالآيِ وَالْحُرُوفِ: أَهِيَ7 عِبَارَةُ جِبْرِيلَ أَوْ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ؟

_ 1 في ش: كلامه. 2 في ز ع ب ض: المشاهدة. 3 ساقطة من ب. 4 هو عبيد الله بن سعيد بن حاتم، أبو نصر السجستاني أو السجزي، نسبة إلى سجستان، الإمام الحافظ، كان متقناً بصيراً بالحديث والسنة، واسع الرواية، نزيل الحرم ومصر، وله كتاب "الإبانة الكبرى" في القرآن. وهو كتاب طويل يدل على إمامته وبصره بالرجال والطرق، مات بمكة سنة 444هـ. انظر ترجمته في "العقد الثمين 5/ 307، تذكرة الحفاظ 3/ 1118، حسن المحاضرة 1/ 353، شذرات الذهب 3/ 271، طبقات الحفاظ ص 429". 5 ساقطة من ز ع ب ض. 6 في ع: من. 7 في ش: هي.

وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 1 "وَكُنْ" حَرْفَانِ، وَلا يَخْلُو الأَمْرُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {كُنْ} التَّكْوِينَ كَالْمُعْتَزِلَةِ، أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ2 ظَاهِرَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَرَادَ إيجَادَ3 شَيْءٍ قَالَ لَهُ: {كُنْ} عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ4. وَقَدْ قَالَ الأَشْعَرِيُّ: إنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لا بِمَعْنَى التَّكْوِينِ. فَيَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ حَرْفَانِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِهِ وَإِنْ قَالَ: لَيْسَ بِحَرْفٍ صَارَ بِمَعْنَى التَّكْوِينِ كَالْمُعْتَزِلَةِ. اهـ. وَقَالَ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ ابْنُ حَجَرٍ، فِي "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ" 5فِي بَابِ كَلامِ قَوْلِهِ: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} 4 وَالْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، تَلَقَّاهُ جِبْرِيلُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَلَّغَهُ جِبْرِيلُ إلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم6، وَبَلَّغَهُ مُحَمَّدٌ7 صلى الله عليه وسلم إلَى أُمَّتِهِ8، اهـ.

_ 1 الآية 40 من النحل. وفي ش: الآية 83 من يس، وهو خطأ. 2 ساقطة من ض. 3 في ب ع ض: انجاز. 4 انظر: الإنصاف للباقلاني ص 71. 5 في ش ز ب ض: في باب كلام الرب مع جبريل. وهذا النص غير موجود في هذا الباب "فتح الباري 13/ 357". وفي ع: في باب كلام الرب مع جبريل. في باب قوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} . 6 فتح الباري 13/ 357. 7 اللفظة غير موجودة في ز ع ب ض، ولا في فتح الباري 13/ 357. 8 فتح الباري شرح صحيح البخاري 13/ 357. وروى البخاري أن الزهري قال: "من الله الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم". "فتح الباري 13/ 387". وانظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23.

وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا: عَنْ الْقُرْآنِ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ1. "وَالْكِتَابَةُ كَلامٌ حَقِيقَةً2" لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ كَلامُ اللَّهِ3". وَاخْتَلَفَ كَلامُ4 الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا فِي تَسْمِيَةِ الْكِتَابَةِ كَلامًا حَقِيقَةً. قَالَ الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ" عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَنَا كَلامٌ حَقِيقَةً، أَظُنُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلاقِ بِالْكِتَابَةِ5". اهـ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": قُلْت قَدْ ذَكَرَ الأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ صَرِيحَ الطَّلاقِ، وَنَوَى بِهِ الطَّلاقَ: يَقَعُ6 الطَّلاقُ بِذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ7، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا بَلْ كَتَبَ صَرِيحَ الطَّلاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الطَّلاقِ بِهِ8، فَلِلأَصْحَابِ فِي وُقُوعِ الطَّلاقِ بِذَلِكَ وَجْهَانِ:

_ 1 قال الإمام أحمد بن حنبل في قول السلف: "منه بدأ"أي هو المتكلم به. فإن الذين قالوا: إنه مخلوق، قالوا: خلقه في غيره، فبدأ من ذلك المخلوق، فقال السلف: منه بدأ: أي هو المتكلم به لم يخلقه في غيره. "انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 17، 35، 37، شرح الكافية 1/ 29، 205، فيض القدير 5/ 416". 2 قال الباقلاني: ويجب أن يُعلم أن كلام الله تعالى مكتوب في المصاحف على الحقيقة. "الإنصاف ص 93". 3 انظر فتاوى ابن تيمية 12/ 240-242. 4 ساقطة من ض. 5 المسودة ص 14. وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 162. 6 في ز: وقع. 7 انظر: المغني 7/ 486، المحرر في الفقه 2/ 54. 8 ساقطة من ش.

أَحَدُهُمَا: هُوَ أَيْضًا صَرِيحٌ فَيَقَعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. وَهَذَا هُوَ1 الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ2. قَالَ نَاظِمُ "الْمُفْرَدَاتِ3": 4أَدْخَلَهُ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ فِي الصَّرِيحِ10، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا وَتَبِعَهُ أَصْحَابُهُ. وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الأَصْحَابِ5. اهـ. وَقَالَ فِي "الإِنْصَافِ": وَفِي "تَعْلِيقِ الْقَاضِي" مَا يَقُولُونَ فِي الْعُقُودِ وَالْحُدُودِ وَالشَّهَادَاتِ هَلْ تَثْبُتُ بِالْكِتَابَةِ؟ قِيلَ: الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي الْوَصِيَّةِ تَثْبُتُ، وَهِيَ عَقْدٌ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَثْبُتَ جَمِيعُهَا؛ لأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّرِيحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لا تَثْبُتَ6، لأَنَّهُ لا كِنَايَةَ لَهَا فَقَوِيَتْ، وَلِلطَّلاقِ وَالْعِتْقِ كِنَايَةٌ فَضَعُفَا.

_ 1 ساقطة من ب ض. 2 في ش ز: الأصحاب في الصريح. وانظر: المغني 7/ 486، المحرر في الفقه 2/ 54. 3 هو محمد بن عبد القوي بن بدران، شمس الدين، أبو عبد الله، المرداوي، المقدسي، الحنبلي، الفقيه المحدث النحوي، سمع الحديث، وتعلم الفقه، وبرع في العربية واللغة، ودرس وأفتى وصنف. قال الذهبي: "كان حسن الديانة، دمث الأخلاق، كثير الإفادة، مطرحاً للتكلف". وله تصانيف، منها: "قصيدة في الفقه"، و"منظومة الآداب" و"نظم المفردات" وكتاب "النعمة"، و"مجمع" البحرين، و"الفروق"، وعمل طبقات للحنابلة. توفي سنة 699هـ بدمشق. انظر ترجمته في "شذرات الذهب 5/ 425، ذيل طبقات الحنابلة 2/ 342، بغية الوعاة 1/ 167، المدخل إلى مذهب أحمد ص 210". 4 في ش: أكثر الأصحاب في الصحيح أدخله. وفي ب د ع: أدخله الأصحاب في الصريح. 5 في ش: أصحابه. 6 في ش ز ع: يثبت.

قَالَ الْمَجْدُ: لا أَدْرِي أَرَادَ صِحَّتَهَا بِالْكِتَابَةِ. أَوْ بِنِيَّتِهَا1 بِالظَّاهِرِ2. قَالَ فِي "الْفُرُوعِ": وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ أَرَادَهُمَا،. اهـ. وَقَالَ فِي "التَّحْرِيرِ3" - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَةَ، كَلامٌ حَقِيقَةً - وَقِيلَ: لا كَالإِشَارَةِ، وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَصَحُّ. اهـ. "وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ4 تَعَالَى مُتَكَلِّمًا كَيْفَ شَاءَ وَإِذَا شَاءَ بِلا كَيْفٍ، يَأْمُرُ بِمَا شَاءَ5 وَيَحْكُمُ6". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى هَلْ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَمْ7 لا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَابْنُ كُلاَّبٍ وَمَنْ وَافَقَهُ قَالُوا: لا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، بَلْ كَلامُهُ لازِمٌ لِذَاتِهِ كَحَيَاتِهِ8، ثُمَّ مِنْ هَؤُلاءِ مَنْ عَرَفَ أَنَّ الْحُرُوفَ وَالأَصْوَاتَ لا تَكُونُ إلاَّ مُتَعَاقِبَةً، وَالصَّوْتُ لا يَبْقَى زَمَانَيْنِ، فَضْلاً عَنْ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا. فَقَالَ: الْقَدِيمُ مَعْنًى وَاحِدٌ، لامْتِنَاعِ مَعَانٍ لا نِهَايَةَ لَهَا9، وَامْتِنَاعِ التَّخْصِيصِ بِعَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ. فَقَالُوا: هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَقَالُوا: إنَّ اللَّهَ

_ 1 في ز: نيتها. 2 في ش ع ض: بالإيجاب. 3 في هامش ع: شرح التحرير. 4 لفظة الجلالة غير موجودة في ب. 5 في ب ع ض: يشاء. 6 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 126. 7 في ض: أو. 8 انظر مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 27. 9 نقل السبكي عن ابن كلاب والقلانسي أن كلام الله تعالى لا يتصف بالأمر والنهي في الأزل، لحدوث هذه الأمور، وقدم الكلام النفسي. وإنما يتصف بذلك فيما لا يزال. "انظر: طبقات الشافعية الكبرى 2/ 300. وانظر فتاوى ابن تيمية 12/ 49، 51، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 148، الإنصاف للباقلاني ص 99".

تَعَالَى لا يَتَكَلَّمُ بِالْكَلامِ الْعَرَبِيِّ وَالْعِبْرِيِّ، وَقَالُوا: إنَّ مَعْنَى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَسَائِرِ1كُتُبِ اللَّهِ1 تَعَالَى مَعْنًى وَاحِدٌ، وَقَالُوا2: مَعْنَى آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الدِّينِ مَعْنًى وَاحِدٌ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ الَّتِيْ3 يَقُولُ جُمْهُورُ الْعُقَلاءِ إنَّهَا مَعْلُومَةُ الْفَسَادِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ4. وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ عَرَفَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ، وَالتَّوْرَاةِ الْعِبْرِيَّةِ، وَأَنَّهُ نَادَى مُوسَى بِصَوْتٍ5، وَيُنَادِي6 عِبَادَهُ بِصَوْتٍ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حُرُوفَهُ وَمَعَانِيهِ، لَكِنْ اعْتَقَدُوا - مَعَ ذَلِكَ - أَنَّهُ قَدِيمُ الْعَيْنِ7. وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. فَالْتَزَمُوا أَنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَدِيمَةُ الأَعْيَانِ لَمْ تَزَلْ وَلا تَزَالُ8، وَقَالُوا: إنَّ الْبَاءَ لَمْ تَسْبِقْ السِّينَ، وَأَنَّ السِّينَ لَمْ تَسْبِقْ الْمِيمَ، وَأَنَّ جَمِيعَ الْحُرُوفِ مُقْتَرِنَةٌ بِبَعْضِهَا اقْتِرَانًا قَدِيمًا أَزَلِيًّا، لَمْ يَزَلْ وَلا يَزَالُ9، وَقَالُوا: هِيَ مُتَرَتِّبَةٌ فِي حَقِيقَتِهَا وَمَاهِيَّتِهَا، غَيْرُ مُتَرَتِّبَةٍ فِي وُجُودِهَا10. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: إنَّهَا مَعَ ذَلِكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ الَّتِي يَقُولُ جُمْهُورُ الْعُقَلاءِ: إنَّهَا مَعْلُومَةُ الْفَسَادِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ.

_ 1 في ب ع: كتب كلام الله. وفي ش ز: كلامه. 2 في ش ز ع ب: و. وفي ض: وقالوا: إن. 3 في ز: الذي. 4 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 20، 148. فتاوى ابن تيمية 12/ 49. 5 في ز: بصوته. 6 في ش ز: ونادى. 7 قال الرازي: "صفة الكلام قديمة". "الأربعين في أصول الدين ص 179". 8 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 21، 44، 156، فتاوى ابن تيمية 12/ 150، 158، تفسير القرطبي 1/ 55، الإنصاف للباقلاني ص 111 وما بعدها. 9 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 156. 10 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 151، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 28.

وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يَقُولُ: هُوَ قَدِيمٌ، وَلا يَفْهَمُ مَعْنَى الْقَدِيمِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَكَلَّمُ 1بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ1، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالنَّظَرِ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ2، لَكِنْ مِنْ هَؤُلاءِ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الأَزَلِ بِمَشِيئَتِهِ3. كَمَا4 لَمْ يَكُنْ5 يُمْكِنُهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَفْعَلَ فِي الأَزَلِ شَيْئًا، فَالْتَزَمُوا أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِمَشِيئَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا، كَمَا أَنَّهُ فَعَلَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلاً، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلامِ وَالْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ6. وَأَمَّا السَّلَفُ وَالأَئِمَّةُ فَقَالُوا: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ قَدِيمَ النَّوْعِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ. فَإِنَّ الْكَلامَ صِفَةُ كَمَالٍ، وَمَنْ يَتَكَلَّمُ أَكْمَلُ مِمَّنْ لا7 يَتَكَلَّمُ، وَمَنْ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ يَكُونُ الْكَلامُ مُمْكِنًا لَهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا مِنْهُ، أَوْ قُدِّرَ أَنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ. فَكَيْفَ إذَا كَانَ مُمْتَنِعًا؟ لامْتِنَاعِ أَنْ يَصِيرَ الرَّبُّ قَادِرًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنْ يَكُونَ التَّكَلُّمُ وَالْفِعْلُ مُمْكِنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ؟ 8 اهـ. وَقَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ فِي "أُصُولِهِ" فِي الأَمْرِ: الأَمْرُ9 قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ

_ 1 في ب ع ض: بمشيئته وقدرته. 2 انظر: الجواب الصحيح 2/ 143، السنة ص 15، فتاوى ابن تيمية 12/ 149. 3 في ع: بمشيئة. 4 في ب: وكما. 5 ساقطة من ز ع ب ض. 6 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 29-30، 68، توضيح المقاصد 1/ 262. 7 في ع: لم. 8 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 44، 137، توضيح المقاصد 1/ 262. 9 ساقطة من ش.

الْكَلامِ، وَالْكَلامُ الأَلْفَاظُ الْمُتَضَمِّنَةُ1 لِمَعَانِيهَا. وَالإِنْسَانُ قَبْلَ تَلَفُّظِهِ يَقُومُ بِقَلْبِهِ طَلَبٌ فَيَفْزَعُ إلَى اللَّفْظِ، كَمَا إذَا قَالَ: "اسْقِنِي مَاءً"، كَأَنَّهُ يَجِدُ طَلَبًا قَائِمًا بِقَلْبِهِ. فَيَقْصِدُ اللَّفْظَ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَقِيقَةِ ذَلِكَ الطَّلَبِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْعِلْمِ. وَقَالَتْ أُخْرَى2: إرَادَةُ الْفِعْلِ3. وَقَالَتْ الأَشْعَرِيَّةُ: هُوَ كَلامُ النَّفْسِ، وَهُوَ مُغَايِرٌ لِلْعِلْمِ وَالإِرَادَةِ4. وَأَنْكَرَتْ5 الْجَمَاهِيرُ وَالْمُعْتَزِلَةُ قِيَامَ مَعْنًى بِالنَّفْسِ غَيْرَ الْعِلْمِ وَالإِرَادَةِ2. وَقَالُوا: الْقَائِمُ بِالْقَلْبِ هُوَ صُورَةُ مَا تُرِيدُ النُّطْقَ بِهِ. قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ6: الَّذِي يَجِدُهُ الإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ: هُوَ اسْتِحْضَارُ صُوَرِ الْكَلامِ وَالْعِلْمُ بِمَا7 يَقُولُهُ8 شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْعَزْمُ عَلَى إيرَادِهِ

_ 1 في ز ش ب ع: المنتظمة. 2 في ض: الأخرى. 3 انظر رد الإمام فخر الدين الرازي على كون الطلب هو الإرادة، وأنه يرى أن الطلب مغاير للإرادة، ولا يجوز أن يكون عبارة عن الإرادة. "الأربعين في أصول الدين ص 174". 4 ساقطة من ض. 5 في ش: وأنكر. 6 هو محمد بن علي بن الطيب، أبو الحسين البصري المعتزلي، أحد أئمة المعتزلة. كان مشهوراً في علمي الأصول والكلام، وكان قوي الحجة والمعارضة في المجادلة والدفاع عن آراء المعتزلة. قال ابن خلكان: "كان جيد الكلام، مليح العبارة، غزير المادة، إمام وقته". وله تصانيف، منها: "المعتمد" في أصول الفقه، و "تصفح الأدلة"، و"غرر الأدلة"، و"شرح الأصول الخمسة"، و"نقض الشافي" في الإمامة، و"نقض المقنع". توفي سنة 436هـ. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/ 401، شذرات الذهب 3/ 259، الفتح المبين / 237، فرق وطبقات المعتزلة ص 125". 7 في ز ش: بها. 8 في ض: يقوم له.

بِاللِّسَانِ، كَمَا يَسْتَحْضِرُ صُورَةَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ أَنْ يَكْتُبَ، وَلا مُقْتَضَى لإِثْبَاتِ أَمْرٍ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ كَلامًا فِي اللُّغَةِ، وَلا يُسَمَّى الإِنْسَانُ لأَجْلِهِ مُتَكَلِّمًا وَلِذَلِكَ يَقُولُ أَهْلُ اللُّغَةِ لِلسَّاكِتِ: إنَّهُ غَيْرُ مُتَكَلِّمٍ، وَإِنْ جَازَ أَنْ1 يَقُومَ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى. لا يَقُولُونَ لِلسَّاكِتِ: إنَّهُ غَيْرُ مُرِيدٍ، وَلا عَالِمٍ. قَالَ: وَقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ: فِي "نَفْسِي كَلامٌ مَجَازٌ". وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ عَزْمٌ عَلَى الْكَلامِ، كَقَوْلِهِمْ: فِي نَفْسِي السَّفَرُ. قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ فِي النَّفْسِ مَعْنًى هُوَ الْكَلامُ عَنْ الاعْتِقَادَاتِ وَالْعَزْمِ، لَكَانَ مُحْدَثًا؛ لأَنَّ الَّذِي يُشِيرُونَ إلَيْهِ مُرَتَّبٌ يَتَجَدَّدُ فِي النَّفْسِ بَعْضُهُ بَعْدَ بَعْضٍ، وَمُرَتَّبٌ حَسَبَ تَرْتِيبِ2 الْكَلامِ الْمَسْمُوعِ. فَإِنْ كَانَ3 كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى مَعْنَى مَا4 فِي النَّفْسِ مِنْ الْكَلامِ فِي الشَّاهِدِ: اسْتَحَالَ قِدَمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ، بَطَلَ قَوْلُهُمْ: إنَّ مَا أَثْبَتْنَاهُ مَعْقُولٌ فِي الشَّاهِدِ. وَقَالَتْ الأَشَاعِرَةُ: ذَلِكَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ هُوَ الْكَلامُ. وَالْحُرُوفُ وَالأَصْوَاتُ دَلالاتٌ5 عَلَيْهِ وَمُعَرِّفَاتٌ، وَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ. هِيَ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ وَالاسْتِخْبَارُ6، وَأَنَّهَا صِفَاتٌ لَهُ7، لا أَنْوَاعٌ. فَإِنْ8 عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ

_ 1 في ش ز ب: أنه. 2 ساقطة من ش. وفي د ض: ترتب. 3 ساقطة من ض. 4 ساقطة من ع. 5 في ش: دلات. 6 يقول الباقلاني: ويجب أن يعلم أن الكلام الحقيقي هو المعنى الموجود في النفس، لكن جعل عليه أمارات تدل عليه. "الإنصاف ص 106، 109". 7 ساقطة من ض. 8 في ز ع ب ض: إن.

كَانَ عَرَبِيًّا، أَوْ السُّرْيَانِيَّةِ كَانَ سُرْيَانِيًّا. وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ اللُّغَاتِ، وَأَنَّهُ لا يَتَبَعَّضُ وَلا يَتَجَزَّأُ1. ثُمَّ اخْتَلَفُوا. فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: الْكَلامُ الْمُطْلَقُ حَقِيقَةً: هُوَ مَا فِي النَّفْسِ، شَاهِدًا أَوْ غَائِبًا، وَإِطْلاقُ الْكَلامِ عَلَى الْحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ مَجَازٌ. وَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِي اللِّسَانِ مَجَازٌ فِي النَّفْسِيِّ. وَلَيْسَ الْخِلافُ جَارِيًا فِي نَفْسِ الْكَلامِ، بَلْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ عَوَارِضِ الْكَلامِ. قَالَ الرَّازِيّ فِي "الأَرْبَعِينَ": "مَاهِيَّةُ ذَلِكَ الطَّلَبِ مُغَايِرَةٌ لِذَلِكَ اللَّفْظِ2، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: أَنَّ مَاهِيَّةَ هَذَا الْمَعْنَى لا تَتَبَدَّلُ بِاخْتِلافِ الأَمْكِنَةِ وَالأَزْمِنَةِ، وَالأَلْفَاظَ الدَّالَّةَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ3 الأَزْمِنَةِ وَالأَمْكِنَةِ4".

_ 1 يقول الآمدي: "إن الكلام قضية واحدة، ومعلوم واحد، قائم بالنفس، وإن اختلاف العبارات والتعبيرات عنه إنما بسبب اختلاف المتعلقات والنسب والإضافات مما يقع به التضاد أو الاختلاف أو التعدد". "غاية المرام ص 115". وانظر: نفس المرجع ص 113، 115 وما بعدها، الإنصاف للباقلاني ص 106. 2 قال الرازي تحت عنوان في حقيقة الكلام: "اعلم أن الإنسان إذا أراد أن يقول: اسقني الماء، فإنه قبل أن يتلفظ بهذا اللفظ يجد في نفسه طلباً واقتضاءً لذلك الفعل، وماهية ذلك الطلب.... "الأربعين في أصول الدين ص 174". 3 في ش: باخلاف. 4 كتاب الأربعين ص 174.

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: قِيلَ عَلَيْهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: إنْ أَرَدْت اخْتِلافَ أَجْنَاسِهَا، فَهَذَا مُسَلَّمٌ وَلا يَنْفَعُك1، وَإِنْ أَرَدْت اخْتِلافَ قَدْرِهَا وَصِفَتِهَا فَمَمْنُوعٌ، لأَنَّا لا نُسَلِّمُ أَنَّ الطَّلَبَ الْحَاصِلَ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ مَعَ الصَّوْتِ الْجَهْوَرِيِّ مُمَاثِلٌ لِلطَّلَبِ بِاللَّفْظِ الأَعْجَمِيِّ2 مَعَ الصَّوْتِ الضَّعِيفِ. وَهَذَا لأَنَّ الْقَائِمَ بِالنَّفْسِ قَدْ يَتَفَاوَتُ، فَيَكُونُ طَلَبٌ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ وَأَكْمَلُ. الثَّانِي 3: هَبْ أَنَّ الْمَدْلُولَ مُتَّحِدٌ وَالدَّالَّ مُخْتَلِفٌ. لَكِنْ لِمَ لا يَجُوزُ وُجُودُ الْمَدْلُولِ مَشْرُوطًا بِالدَّلِيلِ؟ فَهُوَ وَإِنْ غَايَرَهُ لَكِنْ لا يُوجَدُ إلاَّ بِوُجُودِهِ. أَلا تَرَى أَنَّ كَوْنَ الإِنْسَانِ مُخْبِرًا لِغَيْرِهِ لا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَمْرٍ ظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى مَا فِي بَاطِنِهِ مِنْ الْمَعْنَى. وَذَلِكَ الأَمْرُ الظَّاهِرُ وَإِنْ اخْتَلَفَ، لَكِنْ لا يَكُونُ مُخْبَرًا إلاَّ بِهِ. وَإِذَا لاحَ لَك ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ كَوْنِ الْمَعْنَى مُغَايِرًا كَافِيًا 4فِي مَطْلُوبِهِ6. وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْمَعْنَى قَائِمٌ بِالرُّوحِ، وَاللَّفْظُ قَائِمٌ بِالْبَدَنِ، ثُمَّ إنَّ وُجُودَ الرُّوحِ فِي هَذَا الْعَالَمِ لا يُمْكِنُ إلاَّ مَعَ الْبَدَنِ. وَأَيْضًا فَكَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُتَلازِمَيْنِ دَلِيلاً عَلَى الآخَرِ لا يَقْتَضِي ذَلِكَ وُجُودَ الْمَدْلُولِ بِدُونِ الدَّلِيلِ، كَالأُمُورِ الْمُتَضَايِفَةِ، كَالأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ. قَالَ الرَّازِيّ: "الْوَجْهُ الثَّانِي": أَنَّ جَمِيعَ الْعُقَلاءِ يَعْلَمُونَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ:

_ 1 في هامش ز: ينفك. 2 في ع ض: العجمي. 3 في ع: والثاني. 4 في ع: لمطلوبه.

"افْعَلْ"، دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ 1الطَّلَبِ بِالْقَلْبِ. وَالدَّلِيلُ7 مُغَايِرٌ لِلْمَدْلُولِ2. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هَبْ أَنَّ الأَمْرَ كَذَلِكَ، لَكِنْ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى أَنَّهُ يُوجَدُ الْمَدْلُولُ بِدُونِ3 دَلِيلِهِ. قَالَ الرَّازِيّ: "الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ جَمِيعَ الْعُقَلاءِ يَعْلَمُونَ بِالضَّرُورَةِ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: "افْعَلْ"، لا يَكُونُ طَلَبًا وَأَمْرًا إلاَّ عِنْدَ اصْطِلاحِ النَّاسِ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ4. فَأَمَّا5 كَوْنُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالْقَلْبِ طَلَبًا فَإِنَّهُ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ حَقِيقِيٌّ، لا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْوَضْعِ وَالاصْطِلاحِ6". قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: قِيلَ: مَا ذَكَرْت مَمْنُوعٌ. فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَجْعَلُونَ اللُّغَاتِ اصْطِلاحِيَّةً، بَلْ إمَّا تَوْقِيفِيَّةٌ بِإِلْهَامٍ أَوْ بِغَيْرِ7 إلْهَامٍ. وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ. وَلَوْ سُلِّمَ، فَلِمَ قُلْت بِإِمْكَانِ وُجُودِهِ بِدُونِ اللَّفْظِ؟ قَالَ الرَّازِيّ: "الْوَجْهُ الرَّابِعُ": هُوَ8 أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ قَوْلَنَا: "ضَرَبَ، وَيَضْرِبُ9".

_ 1 في الأربعين ص 174: الطلب القائم بالقلب، ولا شك أن الدليل. 2 كتاب الأربعين في أصول الدين ص 174. 3 في ب ض: دون. 4 في "الأربعين": الموضوع. 5 في "الأربعين": وأما. 6 كتاب الأربعين ص 174. 7 في ش ز: غير. 8 في "الأربعين": وهو. 9 في ش: ويضرب.

إخْبَارٌ، وَقَوْلَنَا: "اضْرِبْ وَلا تَضْرِبْ"، أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَلَوْ أَنَّ الْوَاضِعِينَ قَلَبُوا الأَمْرَ وَقَالُوا بِالْعَكْسِ لَكَانَ جَائِزًا1. أَمَّا لَوْ قَالُوا: إنَّ2 حَقِيقَةَ الطَّلَبِ يُمْكِنُ أَنْ تُقْلَبَ3 خَبَرًا أَوْ حَقِيقَةَ الْخَبَرِ يُمْكِنُ أَنْ تُقْلَبَ4 طَلَبًا، لَكَانَ ذَلِكَ مُحَالاً5". قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: قِيلَ: لَوْ سُلِّمَ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ لا يَكُونَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا مَشْرُوطًا بِالآخَرِ. وَأَيْضًا أَنْتُمْ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الطَّلَبِ وَحَقِيقَةَ الْخَبَرِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، بَلْ ادَّعَى الرَّازِيّ أَنَّ حَقِيقَةَ الطَّلَبِ دَاخِلَةٌ فِي حَقِيقَةِ الْخَبَرِ. فَقَالَ فِي كَوْنِ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدًا6، أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْكَلامُ كُلُّهُ خَبَرٌ؛ 7لأَنَّ الأَمْرَ13 عِبَارَةٌ عَنْ تَعْرِيفِ فِعْلِهِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ لَصَارَ مُسْتَحِقًّا لِلذَّمِّ. وَكَذَا الْقَوْلُ فِي النَّهْيِ وَإِذَا كَانَ مَرْجِعُ الْكُلِّ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ - وَهُوَ الْخَبَرُ - صَحَّ أَنَّ كَلامَ اللَّهِ وَاحِدٌ8. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاللُّغَةِ وَالْعُرْفِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} 9 فَلَمْ

_ 1 في "الأربعين": ذلك جائزاً ممكناً. وفي ض: جائز. 2 ساقطة من كتاب "الأربعين". 3 في "الأربعين": تنقلب. 4 في الأربعين: تنقلب. 5 كتاب الأربعين ص 174. 6 في ض: واحد. 7 في ش: لا الأمر. وفي ز: لا للأمر. 8 كتاب الأربعين ص 180. 9 الآيتان 10-11 من مريم.

يُسَمِّ الإِشَارَةَ كَلامًا، وَقَالَ لِمَرْيَمَ: {فَقُولِي إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إنْسِيًّا} 1. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَفَا لأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأ وَالنِّسْيَانِ وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ" 2. وَقَسَّمَ أَهْلُ اللِّسَانِ الْكَلامَ إلَى اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ. وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً عَلَى أَنَّهُ3 مَنْ حَلَفَ لا يَتَكَلَّمُ لَمْ4 يَحْنَثْ بِدُونِ النُّطْقِ، وَإِنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ. فَإِنْ قِيلَ: الأَيْمَانُ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ. قِيلَ: الأَصْلُ عَدَمُ التَّغْيِيرِ. وَأَهْلُ الْعُرْفِ يُسَمُّونَ النَّاطِقَ مُتَكَلِّمًا وَمَنْ عَدَاهُ سَاكِتًا أَوْ5 أَخْرَسَ.

_ 1 الآية 26 من مريم. 2 جمع المصنف رحمه الله بين حديثين؛ الأول: رواه ابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". وفي زوائد ابن ماجه: إسناده ضعيف، لاتفاقهم على ضعف أبي بكر الهذلي في سنده. وصححه ابن حبان، واستنكره أبو حاتم. ولابن عدي من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رفع الله عن هذه الأمة ثلاثاً: الخطأ والنسيان والأمر يكرهون عليه"، وضعفه. وسبق تخريجه في المجلد الأول ص 436 هـ، 512. والثاني: رواه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به". وهذا لفظ مسلم. ولعل سبب الخلط بين الحديثين هو الحديث الثالث الذي رواه ابن ماجه: " إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورها ما لم تتكلم به، وما استكرهوا عليه". انظر: سنن ابن ماجه 1/ 659، تخريج أحاديث البزدوي ص 89، صحيح البخاري 4/ 153، صحيح مسلم 1/ 116. 3 في ع ض: أن. 4 في ز ع ض: لا. 5 في ز: و.

فَإِنْ1 قَالُوا: قَوْله تَعَالَى: {إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 2 أَكْذَبَهُمُ3 اللَّهُ تَعَالَى فِي شَهَادَتِهِمْ. وَمَعْلُومٌ صِدْقُهُمْ فِي النُّطْقِ اللِّسَانِيِّ. فَلا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ كَلامٍ فِي النَّفْسِ لِيَكُونَ الْكَلامُ عَائِدًا إلَيْهِ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} 4 وقَوْله تَعَالَى: {اسْتَكْبَرُوا فِيْ أَنْفُسِهِمْ} 5 وقَوْله تَعَالَى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ} 6 وقَوْله تَعَالَى: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} 7. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: أَمَّا الأَوَّلُ: فَلأَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ8 الإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ مَعَ اعْتِقَادِهِ. فَلَمَّا لَمْ يَكُونُوا مُعْتَقِدِينَ ذَلِكَ أَكْذَبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَعَنْ الثَّانِي وَجْهَانِ: الأَوَّلُ: أَنَّهُ قَوْلُهُ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ خَفِيَّةٍ، وَلِهَذَا فَسَّرَهُ بِمَا بَعْدَهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ قَوْلٌ مُفِيدٌ، فَهُوَ مَجَازٌ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ.

_ 1 ساقطة من ز. 2 الآية الأولى من المنافقون. 3 في ض: كذبهم. 4 الآية 8 من المجادلة. 5 الآية 21 من الفرقان. 6 الآية 13 من الملك. 7 الآية 16 من ق. 8 ساقطة من ز ع ب ض.

وَعَنْ الثَّالِثِ: أَنَّ1 الاسْتِكْبَارَ رُؤْيَةُ النَّفْسِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ. قَالُوا: قَوْلُ عُمَرَ: "زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي كَلامًا". قُلْنَا: "زَوَّرَ" صَوَّرَ مَا يُرِيدُ النُّطْقَ2 بِهِ، أَوْ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي بِنَاءً أَوْ سَفَرًا3. قَالُوا: قَوْلُ الأَخْطَلِ: إنَّ الْكَلامَ لَفِي الْفُؤَادِ4 وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلاً12 قُلْنَا: الْبَيْتُ مَوْضُوعٌ عَلَى الأَخْطَلِ. فَلَيْسَ هُوَ فِي نُسَخِ دِيوَانِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لابْنِ ضَمْضَمٍ5. وَلَفْظُهُ: إنَّ الْبَيَانَ6. وَسَيَأْتِي: وَقَالَ الآمِدِيُّ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا جَعَلْتُمْ الْحَقَائِقَ - الَّتِي هِيَ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ وَالاسْتِخْبَارُ - شَيْئًا وَاحِدًا، لَزِمَكُمْ أَنْ تَرُدُّوا الصِّفَاتِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ.

_ 1 ساقطة من ز ش. 2 في ز: والنطق. 3 قال ابن تيمية: "وقول عمر": "زوّرت في نفسي مقالة أردت أن أقولها"، حجة عليهم. قال أبو عبيد: التزوير إصلاح الكلام وتهيئته. قال: وقال أبو زيد: المزوَّرُ من الكلام والمزوق واحد، وهو المصلح الحسن. وقال غيره: زورت في نفسي مقالة، أي: هيأتها لأقولها. فلفظها يدل على أنه قدر في نفسه ما يريد أن يقوله، ولم يقله. "الإيمان ص 113". 4 في ز ع ب ض: إلخ. 5 هو سعيد بن ضمضم الكلابي، أبو عثمان، وفد على الحسن بن سهل وزير الخليفة المأمون. وله فيه أشعار جياد، وكان فصيحاً، وأخذ الناس عنه اللغة. "انظر: إنباه الرواة 4/ 187، الفهرست لابن النديم ص 69". وفي ش ز ع ب ض: ضمضام. 6 انظر: الإيمان لابن تيمية ص 116.

قُلْنَا: هُوَ سُؤَالٌ وَارِدٌ. وَلَعَلَّ عِنْدَ غَيْرِنَا حَلَّهُ1. وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ: قَوْلُهُمْ: لا تَتَبَعَّضُ2 يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم سَمِعَ بَعْضَ كَلامَ اللَّهِ، وَلا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: سَمِعَ الْكُلَّ. وَقَالَ ابْنُ دِرْبَاسٍ الشَّافِعِيُّ3: وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} 4 مَعَ التَّصْرِيحِ بِاخْتِصَاصِ مُوسَى بِالْكَلامِ. اهـ كَلامُ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي فُتْيَا لَهُ تُسَمَّى "بِالأَزْهَرِيَّةِ". وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَعَ فِي مَحْذُورَاتٍ. أَحَدُهَا: قَوْلُهُمْ: "إنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ5 كَلامُ اللَّهِ" فَإِنَّ نَفْيَ هَذَا الإِطْلاقِ6 خِلافُ مَا عُلِمَ بِالاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الإِسْلامِ، وَخِلافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ.

_ 1 انظر: غاية المرام ص 118. 2 في ز: لا تبعيض. وفي ب ع ض: لا يتبعض. 3 هو عثمان بن عيسى بن درباس، ضياء الدين، أبو عمرو القاضي، الكردي، كان من أعلم الشافعية في زمانه في الفقه والأصول. وناب في الحكم عن أخيه قاضي القضاة صدر الدين عبد الملك بالديار المصرية، له مصنفات كثيرة، منها: "الاستقصاء لمذاهب الفقهاء في شرح "المهذب"، وهو شرح وافٍ لم يسبق إلى مثله في عشرين مجلداً، ولم يكمله. وله "شرح اللمع" للشيرازي في أصول الفقه في مجلدين. مات بمصر سنة 602هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 338، وفيات الأعيان 2/ 406، شذرات الذهب 5/ 7، حسن المحاضرة 1/ 408". 4 الآية 79 من الأنبياء. 5 ساقطة من ب ع. وفي ز: هو ليس. 6 في ض: اطلاق.

وَالثَّانِي: قَوْلُهُمْ: "عِبَارَةٌ" إنْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ، لَزِمَ 1أَنْ يَكُونَ1 كُلُّ تَالٍ مُعَبِّرًا عَمَّا فِي نَفْسِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُعَبِّرُ عَنْ غَيْرِهِ هُوَ الْمُنْشِئُ لِلْعِبَارَةِ فَيَكُونُ كُلُّ قَارِئٍ هُوَ الْمُنْشِئُ لِعِبَارَةِ الْقُرْآنِ وَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ. وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ عِبَارَةٌ عَنْ مَعَانِيهِ، فَهَذَا حَقٌّ؛ إذْ كُلُّ كَلامٍ فَلَفْظُهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنَاهُ، لَكِنَّ هَذَا لا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مُتَنَاوِلاً لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى. الثَّالِثُ: أَنَّ الْكَلامَ قَدْ قِيلَ "إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي اللَّفْظِ مَجَازٌ فِي الْمَعْنَى. وَقِيلَ: "حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَى مَجَازٌ فِي اللَّفْظِ"، وَقِيلَ: "بَلْ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا". وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالأَئِمَّةُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي مَجْمُوعِهِمَا2، كَمَا أَنَّ الإِنْسَانَ قِيلَ: "هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْبَدَنِ فَقَطْ". وَقِيلَ: "بَلْ فِي الرُّوحِ فَقَطْ". وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَجْمُوعِ3. فَالنِّزَاعُ فِي النَّاطِقِ كَالنِّزَاعِ فِي مَنْطِقِهِ4. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ. فَالْمُتَكَلِّمُ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلامٍ لَهُ لَفْظٌ وَمَعْنًى، وَبُلِّغَ عَنْهُ بِلَفْظِهِ وَ5مَعْنَاهُ. فَإِذَا قِيلَ: "مَا بَلَّغَهُ الْمُبَلِّغُ مِنْ اللَّفْظِ": إنَّ6 هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْآنِ، وَأَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي لِلْمُبَلَّغِ عَنْهُ نَفَى عَنْهُ اللَّفْظَ الَّذِي لِلْمُبَلَّغِ عَنْهُ. وَالْمَعْنَى الَّذِي قَامَ بِالْمُبَلِّغِ. فَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ إلاَّ الْقُرْآنَ الْمَسْمُوعَ، الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى

_ 1 ساقطة من ز. 2 انظر: كشف الأسرار 1/ 24. 3 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية 3/ 55. 4 يوضح ذلك ابن تيمية فيقول: فتنازعهم في مسمى النطق كتنازعهم في مسمى الناطق، فمن سمى شخصاً محمداً وإبراهيم، وقال: جاء محمد، وجاء إبراهيم، لم يكن هذا محمداً وإبراهيم المذكورين في القرآن. "مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 56". 5 في ع: أو. 6 ساقطة من ش.

الْقَائِمِ بِالذَّاتِ. قِيلَ لَهُ: فَهَذَا الْكَلامُ الْمَنْظُومُ الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ قِرَاءَةِ الْقُرَّاءِ هُوَ1 مَوْجُودٌ قَطْعًا وَثَابِتٌ، فَهَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْعِبَارَةِ وَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ غَيْرُهُ2 أَوْ غَيْرُهُمَا؟ فَإِنْ جَعَلْته غَيْرَهُمَا: بَطَلَ اقْتِصَارُك عَلَى3 الْعِبَارَةِ وَالْمُعَبَّرِ عَنْهُ، وَإِنْ جَعَلْته أَحَدَهُمَا: لَزِمَك إنْ لَمْ تُثْبِتْ إلاَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ، وَالْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ أَنْ تَجْعَلَهُ نَفْسَ مَا سُمِعَ4 مِنْ الْقُرَّاءِ، فَتَجْعَلَ5 عَيْنَ مَا بَلَّغَهُ الْمُبَلِّغُونَ هُوَ عَيْنُ مَا سَمِعُوهُ. وَهَذَا الَّذِي فَرَرْتَ6 مِنْهُ. وَأَيْضًا فَيُقَالُ لَهُ: الْقَارِئُ الْمُبَلِّغُ إذَا قَرَأَ، فَلا بُدَّ لَهُ فِيمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ لَفْظٍ وَمَعْنًى، وَإِلاَّ كَانَ اللَّفْظُ الَّذِي قَامَ بِهِ عِبَارَةً عَنْ الْقُرْآنِ. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي قَامَ بِهِ، لا عَنْ مَعْنًى قَامَ بِغَيْرِهِ. فَقَوْلُهُمْ: "هَذَا هُوَ الْعِبَارَةُ عَنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ" أَخْطَئُوا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَخْطَئُوا فِي بَيَانِ مَذْهَبِهِمْ. فَإِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ: إنَّ اللَّفْظَ الْمَسْمُوعَ مِنْ الْقَارِئِ حِكَايَةُ اللَّفْظِ الَّذِي عُبِّرَ بِهِ عَنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ مُطْلَقًا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ، وَلَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ: حِكَايَةٌ عَنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى. ثُمَّ إذَا عُرِفَ مَذْهَبُهُمْ بَقِيَ خَطَؤُهُمْ فِي أُصُولٍ:

_ 1 في ع: هل. وفي ض: هل هو. 2 ساقطة من ب. 3 في ع: عن. 4 في ب ع ض: يسمع. 5 في ش ب ع ض: فيجعل. 6 في ش: فرت.

مِنْهَا: زَعْمُهُمْ أَنَّ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ مَعْنًى وَاحِدٌ، هُوَ1 الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ، وَأَنَّ مَعْنَى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَمَعْنَى آيَةِ الْكُرْسِيِّ مَعْنَى آيَةِ الدَّيْنِ. وَفَسَادُ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ2. وَمِنْهَا: زَعْمُهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ 3اللَّهُ بِهِ3. وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ بِمَا يَطُولُ هُنَا ذِكْرُهُ. وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأَوَّلُ مَنْ قَالَ هَذَا فِي الإِسْلامِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كُلاَّبٍ وَجَعَلَ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ حِكَايَةً عَنْ ذَلِكَ" الْمَعْنَى4. فَلَمَّا جَاءَ الأَشْعَرِيُّ وَاتَّبَعَ ابْنَ كُلاَّب فِي أَكْثَرِ مَقَالَتِهِ نَاقَشَهُ عَلَى قَوْلِهِ: "إنَّ هَذَا حِكَايَةٌ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: الْحِكَايَةُ تُمَاثِلُ الْمَحْكِيَّ. فَهَذَا اللَّفْظُ5 يَصِحُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ، لأَنَّ ذَلِكَ الْمَخْلُوقَ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ عِنْدَهُمْ. وَحِكَايَةُ مِثْلِهِ. وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ ابْنِ كُلاَّب فَلا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً، بَلْ نَقُولُ: إنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى. فَأَوَّلُ مَنْ قَالَ بِالْعِبَارَةِ الأَشْعَرِيُّ. وَكَانَ الْبَاقِلاَّنِيُّ6 - فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ- إذَا دَرَسَ مَسْأَلَةَ الْقُرْآنِ يَقُولُ: هَذَا

_ 1 في ع: وهو. 2 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 20. 3 في ب: به الله تعالى. 4 انظر: الإيمان لابن تيمية ص 112. 5 في ب: إلا للفظ. 6 في ب ع ض: ابن الباقلاني.

قَوْلُ الأَشْعَرِيِّ. وَلَمْ يُبَيِّنْ1 صِحَّتَهُ - أَوْ كَلامًا هَذَا مَعْنَاهُ2. وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الإسْفَرايِينِيّ3 يَقُولُ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ الأَئِمَّةِ فِي الْقُرْآنِ خِلافُ قَوْلِ الأَشْعَرِيِّ. وَقَوْلُهُمْ: هُوَ قَوْلُ الإِمَامِ أَحْمَدَ4. وَكَذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ5، ذَكَرَ أَنَّ الأَشْعَرِيَّ خَالَفَ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلامِ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ6 وَأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ.

_ 1 في ب: يتبين. وفي ش ض: تتبين. 2 يقول الباقلاني: "اعلم أن الله تعالى متكلم، له كلام عند أهل السنة والجماعة، وأن كلامه قديم ليس بمخلوق ... ولا يجوز أن يقال: كلام الله عبارة ولا حكاية، ولا يوصف بشيء من صفات الخلق". "الإنصاف ص 71، 106، 110". 3 هو أحمد بن محمد بن أحمد، الشيخ أبو حامد الإسفراييني، الفقيه الشافعي، انتهت إليه رياسة الدين والدنيا ببغداد، وكان كثير التلاميذ والأصحاب، قوي الحجة والبرهان والمناظرة، وكان زعيم طريقة العراق في الفقه الشافعي في القرن الرابع الهجري. وكان له مكانة رفيعة. شرح مختصر المزني في "تعليقته" في نحو خمسين مجلداً، وذكر فيها خلاف العلماء وأقوالهم، ومآخذهم ومناظراتهم. وله كتاب في "أصول الفقه". توفي سنة 406هـ ببغداد. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية" الكبرى للسبكي 4/ 61، وفيات الأعيان 1/ 55، طبقات الفقهاء ص 123، شذرات الذهب 3/ 178، الفتح المبين 1/ 224، البداية والنهاية 12/ 2، تهذيب الأسماء 2/ 208، تاريخ بغداد 4/ 368". 4 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 160-161، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23. 5 هو عبد الله بن يوسف بن عبد الله، أبو محمد الجويني، والد إمام الحرمين، يلقب بركن الدين. قال ابن العماد: "كان إماماً في التفسير وفي الفقه والأدب، مجتهداً في العبارة، ورعاً مهيباً، صاحب جد ووقار". وكان زاهداً متقشفاً عابداً، عالماً بالفقه، والأصول، والنحو، والتفسير، والأدب، درس وأفتى بنيسابور. ومن تصانيفه: "الفروق"، و"السلسلة"، و"التبصرة"، و"التذكرة"، "ومختصر المختصر"، و"شرح الرسالة"، و"التفسير"، و"المحيط". توفي بنيسابور سنة 438. انظر في ترجمته: "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 73، وفيات الأعيان 2/ 250، شذرات الذهب 3/ 261، طبقات المفسرين 1/ 253، البداية والنهاية 12/ 55، تبيين كذب المفتري ص 257". 6 ساقطة من ض.

وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا يَذْكُرُونَ قَوْلَهُمْ فِي حَدِّ الْكَلامِ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَيَجْعَلُونَ الْخِلافَ فِي ذَلِكَ مَعَ الأَشْعَرِيِّ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ الَّتِي صَنَّفَهَا أَئِمَّةُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكُلاَّبِيَّةِ: إنَّ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ حِكَايَةُ ذَلِكَ، وَظَنُّوا أَنَّ الْمُبَلِّغَ حَاكٍ لِذَلِكَ الْكَلامِ. وَلَفْظُ الْحِكَايَةِ قَدْ يُرَادُ بِهِ مُحَاكَاةُ النَّاسِ فِيمَا يَقُولُونَهُ وَيَفْعَلُونَهُ اقْتِدَاءً بِهِمْ وَمُوَافَقَةً لَهُمْ، فَمَنْ قَالَ: إنَّ1 الْقُرْآنَ حِكَايَةُ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذَا الْمَعْنَى، فَقَدْ غَلِطَ وَضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا. فَإِنَّ الْقُرْآنَ لا يَقْدِرُ النَّاسُ عَلَى2 أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وَلا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَحْكِيهِ. وَقَدْ يُرَادُ بِلَفْظِ الْحِكَايَةِ النَّقْلُ وَالتَّبْلِيغُ. كَمَا يُقَالُ: فُلانٌ حَكَى عَنْ فُلانٍ أَنَّهُ قَالَ كَذَا، كَمَا يُقَالُ عَنْهُ نَقَلَ عَنْهُ فَهُنَا بِمَعْنَى التَّبْلِيغِ لِلْمَعْنَى. وَقَدْ يُقَالُ: حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، لِمَا قَالَهُ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ، فَالْحِكَايَةُ3 هُنَا بِمَعْنَى التَّبْلِيغِ لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى، لَكِنْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: حَكَيْت كَلامَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُمَاثَلَةِ لَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ: حَكَيْت عَنْهُ كَلامَهُ، وَبَلَّغْت عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَبْلِيغٍ عَنْهُ. وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الآخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ بَلَّغَ عَنْهُ مَا قَالَهُ. فَإِنْ أُرِيدَ الْمَعْنَى الأَوَّلُ، جَازَ أَنْ يُقَالَ: هَذَا حِكَايَةُ كَلامِ فُلانٍ، وَ4هَذَا مِثْلُ كَلامِ فُلانٍ، وَلَيْسَ

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ب. 3 في ب: من الحكاية. 4 ساقطة من ز.

هُوَ مُبَلِّغًا عَنْهُ كَلامَهُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ1 الْمَعْنَى الثَّانِي - وَهُوَ مَا إذَا حَكَى الإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ مَا يَقُولُهُ وَبَلَّغَهُ عَنْهُ - فَهُنَا يُقَالُ: هَذَا كَلامُ فُلانٍ، وَلا يُقَالُ: هَذَا حِكَايَةُ كَلامِ فُلانٍ، كَمَا لا يُقَالُ هَذَا مِثْلُ كَلامِ فُلانٍ. بَلْ قَدْ يُقَالُ: هَذَا كَلامُ فُلانٍ بِعَيْنِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْهُ وَلَمْ يُحَرِّفْ وَلَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ. اهـ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْقُرْآنُ كَيْفَ تَصَرَّفَ فَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلا نَرَى الْقَوْلَ بِالْحِكَايَةِ وَالْعِبَارَةِ. وَغَلَّطَ مَنْ قَالَ بِهِمَا وَجَهَّلَهُ. فَقَالَ: مَنْ قَالَ إنَّ الْقُرْآنَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ فَقَدْ غَلِطَ وَجَهِلَ. وَقَالَ: النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، دُونَ2 الْعِبَارَةِ وَالْحِكَايَةِ. وَقَالَ: هَذِهِ بِدْعَةٌ لَمْ يَقُلْهَا السَّلَفُ. وقَوْله تَعَالَى: {تَكْلِيمًا} 3 يُبْطِلُ الْحِكَايَةَ. مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ4. نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي "نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ5". وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ مُوَفَّقُ الدِّينِ ابْنُ قُدَامَةَ فِي مُصَنَّفٍ لَهُ6: وَاعْتَرَضَ7 الْقَائِلُ 8بِالْكَلامِ النَّفْسِيِّ7 بِوُجُوهٍ:

_ 1 ساقطة من ض. 2 في ض: أنه دون. 3 قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوْسَى تَكْلِيْماً} . الآية 164 من النساء. 4 انظر فتاوى ابن تيمية 12/ 517، السنة للإمام أحمد ص 15، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 128، الكافية 1/ 205. 5 انظر صيد الخاطر ص 102، 103، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 21، مسائل الإمام أحمد ص 265 وما بعدها، الكافية بشرح القصيدة النونية 1/ 29. 6 ألف الشيخ ابن قدامة عدة كتب في العقيدة، منها: "الاعتقاد"، و"مسألة في تحريم النظر في كتب أهل الكلام"، و"مسألة العلو"، و"كتاب القدر"، و"البرهان في مسألة القرآن". "انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 133، فوات الوفيات 1/ 203، شذرات الذهب 5/ 88، المدخل إلى مذهب أحمد ص 207". 7 في ز ع ب ض: واعتراض. 8 في ز ض: بكلام النفس.

أَحَدُهَا: قَوْلُ الأَخْطَلِ: إنَّ الْكَلامَ لَفِي الْفُؤَادِ. الثَّانِي: سَلَّمْنَا أَنَّ كَلامَ الآدَمِيِّ حَرْفٌ وَصَوْتٌ، وَلَكِنَّ1 كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى يُخَالِفُهُ؛ لأَنَّهُ صِفَتُهُ، فَلا تُشْبِهُ صِفَتُهُ صِفَاتِ الآدَمِيِّينَ2، وَلا كَلامُهُ كَلامَهُمْ3. الثَّالِثُ: أَنَّ مَذْهَبَكُمْ فِي الصِّفَاتِ أَنْ لا تُفَسَّرَ4. فَكَيْفَ فَسَّرْتُمْ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا ذَكَرْتُمْ. الرَّابِعُ: أَنَّ الْحُرُوفَ لا تَخْرُجُ إلاَّ مِنْ مَخَارِجَ وَأَدَوَاتٍ وَالصَّوْتُ لا يَكُونُ إلاَّ مِنْ جِسْمٍ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَعَالَى5 عَنْ ذَلِكَ. الْخَامِسُ: أَنَّ الْحُرُوفَ يَدْخُلُهَا التَّعَاقُبُ، فَالْبَاءُ6 تَسْبِقُ السِّينَ، وَالسِّينُ تَسْبِقُ الْمِيمَ وَكُلُّ مَسْبُوقٍ مَخْلُوقٌ. السَّادِسُ: أَنَّ هَذَا يَدْخُلُهُ التَّجَزِّي وَالتَّعْدَادُ، وَالْقَدِيمُ لا يَتَجَزَّأُ وَلا يَتَعَدَّدُ. قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ الْمُوَفَّقُ: الْجَوَابُ عَنْ الأَوَّلِ مِنْ وُجُوهٍ. الأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا كَلامُ شَاعِرٍ نَصْرَانِيٍّ عَدُوِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدَيْنِهِ. 7فَهَلْ يَجِبُ7 إطْرَاحُ كَلامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَسَائِرِ الْخَلْقِ تَصْحِيحًا لِكَلامِهِ، وَحَمْلُ كَلامِهِمْ عَلَى الْمَجَازِ صِيَانَةً لِكَلِمَتِهِ هَذِهِ عَنْ الْمَجَازِ؟

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ز ع ض. 3 في ع: ككلامهم. 4 في ش: نفس. 5 في ع: متعال. 6 في ز: والباء. 7 في ز: فيجب. وفي ع ض: أفيجب.

وَأَيْضًا: فَتَحْتَاجُونَ إلَى إثْبَاتِ هَذَا الشِّعْرِ بِبَيَانِ إسْنَادِهِ وَنَقْلِ الثِّقَاتِ لَهُ، وَلا نَقْنَعُ12بِدَعْوَى شُهْرَتِهِ4، وَقَدْ يَشْتَهِرُ الْفَاسِدُ. وَقَدْ سَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ الْخَشَّابِ3 إمَامَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي زَمَانِهِ يَقُولُ: قَدْ فَتَّشْتُ4 دَوَاوِينَ5 الأَخْطَلِ الْعَتِيقَةَ فَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْبَيْتَ فِيهَا6. الثَّانِي: لا نُسَلِّمُ أَنَّ لَفْظَهُ هَكَذَا، وَ7إِنَّمَا قَالَ: "إنَّ الْبَيَانَ لَفِيْ8 الْفُؤَادِ" فَحَرَّفُوهُ وَقَالُوا: الْكَلامَ9. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا مَجَازٌ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْكَلامَ مِنْ10 عُقَلاءِ النَّاسِ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّرَوِّي فِيهِ، وَاسْتِحْضَارِ مَعَانِيهِ فِي الْقَلْبِ11، كَمَا قِيلَ: "لِسَانُ

_ 1 في ع: نقتنع. 2 في ز ع ض: بشهرته. 3 هو عبد الله بن أحمد بن أحمد، أبو محمد، المعروف بابن الخشاب، البغدادي الحنبلي، العالم المشهور في الأدب، والنحو، والتفسير، والحديث، والنسب، والفرائض، والحساب. وله معرفة بالمنطق، والفلسفة، والهندسة. وكان يحفظ القرآن على القراءات الكثيرة، وكان متضلعاً في العلوم والخط الحسن. له مصنفات كثيرة، منها: "المرتجل في شرح الجمل" لعبد القاهر الجرجاني، و"شرح اللمع" لابن جني، وله "الرد على التبريزي في تهذيب الإصلاح"، و"شرح مقدمة الوزير ابن هبيرة في النحو، والرد على الحريري في "مقاماته". توفي سنة 567هـ ببغداد. "انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 2/ 288، شذرات الذهب 4/ 220، بغية الوعاة 2/ 29، إنباه الرواة 2/ 99، الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 316". 4 في ض: فتشنا. 5 في ش ب: ديوان. 6 انظر: الإيمان لابن تيمية ص 116. 7 ساقطة من ز ع ض. 8 في ز: من. وفي ع: عن. 9 انظر: كتاب الإيمان لابن تيمية ص 116. 10 في ش: عن. 11 انظر: الإيمان لابن تيمية ص 116.

الْحَكِيمِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ. [فَإِذَا أَرَادَ الْكَلامَ رَجَعَ إلَى قَلْبِهِ] 1 فَإِنْ كَانَ لَهُ قَالَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَكَتَ، وَكَلامُ الْجَاهِلِ عَلَى طَرَفِ لِسَانِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا مَجَازٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ. أَحَدُهَا: مَا ذَكَرْنَا2، وَمَا تَرَكْنَاهُ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرْنَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلامَ هُوَ النُّطْقُ، وَحَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَحَمْلُ3 كَلامِ4 الأَخْطَلِ عَلَى مَجَازِهَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ. الثَّانِي: أَنَّ الْحَقِيقَةَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا بِسَبْقِهَا إلَى الذِّهْنِ وَتَبَادُرِ الأَفْهَامِ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلاقِ الْكَلامِ مَا ذَكَرْنَاهُ. الثَّالِثُ: تَرْتِيبُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ5 دُونَ مَا ذَكَرُوهُ. الرَّابِعُ: قَوْلُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ، وَهُمْ أَعْرَفُ بِهَذَا الشَّأْنِ. الْخَامِسُ: مِنْ الاشْتِقَاقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. السَّادِسُ: لا تَصِحُّ إضَافَةُ مَا ذَكَرُوهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّهُ جَعَلَ الْكَلامَ فِي الْفُؤَادِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يُوصَفُ بِذَلِكَ. وَجَعَلَ اللِّسَانَ دَلِيلاً عَلَيْهِ، وَلأَنَّ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الأَخْطَلُ بِالْكَلامِ هُوَ التَّرَوِّي وَالْفِكْرُ، وَاسْتِحْضَارُ الْمَعَانِي، وَحَدِيثُ النَّفْسِ وَوَسْوَسَتُهَا. وَلا يَجُوزُ إضَافَةُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِلا خِلافٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

_ 1 ما بين القوسين زيادة لتمام الكلام. "انظر: أدب الدين والدنيا ص 249". 2 في ض: ذكرناه. 3 في ز ع ض: بحمل. 4 في ع ض: كلمة. 5 في ع ض: ذكرنا.

قَالَ: وَمِنْ أَعْجَبِ الأُمُورِ أَنَّ خُصُومَنَا رَدُّوا عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، وَخَالَفُوا جَمِيعَ الْخَلْقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ فِرَارًا مِنْ التَّشْبِيهِ عَلَى زَعْمِهِمْ، ثُمَّ صَارُوا إلَى تَشْبِيهٍ أَقْبَحَ وَأَفْحَشَ مِنْ كُلِّ تَشْبِيهٍ. وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ التَّغْفِيلِ. وَمِنْ أَدَلِّ الأَشْيَاءِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ: تَرْكُهُمْ1 قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا لا يُحْصَى مِنْ الأَدِلَّةِ، وَتَمَسَّكُوا2 بِكَلِمَةٍ قَالَهَا هَذَا الشَّاعِرُ النَّصْرَانِيُّ جَعَلُوهَا أَسَاسَ مَذْهَبِهِمْ وَقَاعِدَةَ عَقْدِهِمْ3، وَلَوْ أَنَّهَا انْفَرَدَتْ عَنْ مُبْطِلٍ وَخَلَتْ عَنْ مُعَارِضٍ لَمَا جَازَ أَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا هَذَا الأَصْلُ الْعَظِيمُ، فَكَيْفَ وَقَدْ عَارَضَهَا مَا لا يُمْكِنُ رَدُّهُ؟ فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ مَنْ بَنَى قَصْرًا مِنْ4 أَعْوَادِ الْكِبْرِيتِ فِي مَجْرَى السَّيْلِ5. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: "إنَّ كَلامَ اللَّهِ يَجِبُ أَنْ لا يَكُونَ حُرُوفًا يُشْبِهُ كَلامَ الآدَمِيِّينَ". قُلْنَا: جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ الاتِّفَاقَ فِي أَصْلِ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِتَشْبِيهٍ، كَمَا أَنَّ اتِّفَاقَ الْبَصَرِ فِي أَنَّهُ إدْرَاكُ6 الْمُبْصَرَاتِ، وَالسَّمْعِ فِي أَنَّهُ إدْرَاكُ7 الْمَسْمُوعَاتِ، وَالْعِلْمِ فِيْ8 أَنَّهُ إدْرَاكُ9 الْمَعْلُومَاتِ لَيْسَ بِتَشْبِيهٍ، كَذَلِكَ هَذَا.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: وتمسكهم. 3 في ض: عندهم. 4 في ز ع ض: على. 5 في ز ع ض: النيل. 6 في ز ض: أدرك. 7 في ز ض: أدرك. 8 في ض: ب. 9 في ز ض: أدرك.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ تَشْبِيهًا لَكَانَ1 تَشْبِيهُهُمْ أَقْبَحَ وَأَفْحَشَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ إنْ نَفَوْا هَذِهِ الصِّفَةَ لِكَوْنِ هَذَا تَشْبِيهًا، يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُوا سَائِرَ الصِّفَاتِ، مِنْ الْوُجُودِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهَا. 2 الرَّابِعُ: أَنَّنَا3 نَحْنُ لَمْ نُفَسِّرْ هَذَا؛ إنَّمَا فَسَّرَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ3. وَ4أَمَّا قَوْلُهُمْ: "أَنْتُمْ فَسَّرْتُمْ هَذِهِ الصِّفَةَ"؟ فَنَقُولُ 5: إنَّمَا لا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي سَكَتَ السَّلَفُ عَنْ تَفْسِيرِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَلامُ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ بَيْنَ الْخَلْقِ أَنْ6 لا تَشْبِيهَ فِيهِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. الثَّانِي: أَنَّنَا نَحْنُ فَسَّرْنَاهُ بِحَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ تَفْسِيرًا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَهُمْ فَسَّرُوهُ بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ وَلا سُنَّةٌ وَلا يُوَافِقُ الْحَقِيقَةَ، وَلا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَ7أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْحُرُوفَ تَحْتَاجُ إلَى مَخَارِجَ وَأَدَوَاتٍ؟ فَنَقُولُ8: احْتِيَاجُهَا إلَى ذَلِكَ فِي حَقِّنَا لا يُوجِبُ ذَلِكَ فِي كَلامِ اللَّهِ

_ 1 في ز ض: كان. 2 ساقطة من ض. 3 في ز ع: أنا. 4 ساقطة من ع ض. 5 في ز ع: قلنا. 6 ساقطة من ز ع ض. 7 ساقطة من ز. 8 في ز ع ض: قلنا.

تَعَالَى1، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ2. فَإِنْ قَالُوا: بَلْ يَحْتَاجُ اللَّهُ تَعَالَى كَحَاجَتِنَا، قِيَاسًا لَهُ عَلَيْنَا أَخْطَؤوا مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ الَّتِي سَلَّمُوهَا كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ. فَإِنَّهَا3 لا تَكُونُ4 فِي حَقِّنَا إلاَّ فِي جِسْمٍ، وَ5لا يَكُونُ الْبَصَرُ إلاَّ فِي حَدَقَةٍ، وَلا السَّمْعُ إلاَّ مِنْ انْخِرَاقٍ. وَاَللَّهُ تَعَالَى بِخِلافِ ذَلِكَ6. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِنَا وَقِيَاسٌ لَهُ عَلَيْنَا وَهَذَا كُفْرٌ. الثَّالِثُ: أَنَّ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ لَمْ تَحْتَجْ إلَى مَخَارِجَ فِي كَلامِهَا. كَالأَيْدِي وَالأَرْجُلِ، وَالْجُلُودِ الَّتِي تَتَكَلَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ7، وَالْحَجَرِ الَّذِي سَلَّمَ عَلَى

_ 1 ساقطة من ض. 2 يقول الآمدي: إذ الحروف والأصوات إنما تتصور بمخارج وأدوات وتزاحم أجرام واصطكاكات، وذلك في حق الباري محال. "غاية المرام ص 111". ثم يقول: نعم، لو قيل: "إن كلامه بحروف وأصوات لا كحروفنا وأصواتنا، كما أن ذاته وصفاته ليست كذاتنا وصفاتنا، كما قال بعض السلف، فالحق أن ذلك غير مستبعد عقلاً، لكنه مما لم يدل الدليل القاطع على إثباته من جهة المعقول، أو من جهة المنقول. فالقول به تحكم غير مقبول. "غاية المرام ص 112". وانظر: الإنصاف للباقلاني ص 103. 3 ساقطة من ز ع ب ض. 4 في ض: يكون ذلك. 5 ساقطة من ع. 6 قال شيخ الإسلام ابن حجر: "فصفاته صفة من صفات ذاته، لا تشبه صفة غيره؛ إذ ليس يوجد شيء من صفاته في صفات المخلوقين. هكذا قرره المصنف "البخاري" في كتاب "خلق أفعال العباد". "فتح الباري شرح صحيح البخاري 13/ 353". 7 إن كلام الأيدي والأرجل والجلود ثابت في القرآن الكريم، قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيْهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوْا يَكْسِبُوْنَ} [الآية 65] من يس. وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَآؤُوْهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُوْدُهُمْ بِمَا كَانُوْا يَفْعَلُوْنَ وَقَالُوْا لِجُلُوْدِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوْا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِيْ أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} . [الآيتان 20-21 من فصلت] . وقال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيْهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ} . [الآية 24 من النور] .

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم1، وَالْحَصَا الَّذِي سَبَّحَ فِي كَفَّيْهِ2، وَالذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ الَّتِي كَلَّمَتْهُ3.

_ 1 روى مسلم والترمذي وأحمد والدارمي عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلّم علي قبل أن أبعث، وإني لأعرفه الآن". "انظر: صحيح مسلم 4/ 1783، تحفة الأحوذي 10/ 98، مسند أحمد 5/ 89، سنن الدارمي 1/ 12". وروى البزار عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما أوحي إلي جعلت لا أمرّ بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله". وروى الترمذي والدارمي والطبراني في الأوسط عن علي قال: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يمر على حجر ولا شجر إلا سلم عليه". "انظر: تحفة الأحوذي 10/ 100، سنن الدارمي 1/ 12، مجمع الزوائد 8/ 259". 2 أخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم والبيهقي عن أبي ذر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ... وبين يدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات، فأخذهن فوضعن في كفه، فسبحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النحل". وأخرجه ابن عساكر عن أنس. وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس قال: لما قدم ملوك حضرموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم الأشعث بن قيس ... فقالوا: "كيف نعلم أنك رسول الله؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفًّا من حصا، فقال: "هذا يشهد أني رسول الله"، فسبّح الحصى في يده". "انظر: الخصائص الكبرى 2/ 304، مجمع الزوائد 8/ 298". وفي ض: كفه. 3 روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس: "أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك. قال: "ما كان الله ليسلطك على ذلك، قال عليَّ". "انظر: صحيح البخاري 3/ 56، 4/ 22، صحيح مسلم 4/ 1721". وزاد أنس فيما رواه البزار والطبراني: "فلما مدّ يده إليها ليأكل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عضواً من أعضائها يخبرني أنها مسمومة، فامتنع". "انظر مجمع الزوائد 8/ 295". وفي رواية أبي داود: أخبرتني هذه في يدي –للذراع. وفي رواية الدارمي: قال: إن هذه تخبرني أنها مسمومة. "انظر: سنن أبي داود 2/ 483، سنن الدارمي 1/ 32".

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ1". وَلا خِلافَ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إنْطَاقِ الْحَجَرِ الأَصَمِّ بِلا أَدَوَاتٍ. قُلْت أَنَا2: الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لا يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْتَاجُ كَحَاجَتِنَا قِيَاسًا لَهُ عَلَيْنَا، فَإِنَّهُ عَيْنُ التَّشْبِيهِ، وَهُمْ لا يَقُولُونَ ذَلِكَ 3بَلْ يَفِرُّونَ3 مِنْهُ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الشَّيْخَ قَالَ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ قَوْلِهِمْ لَهُ4. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُمْ: "إنَّ التَّعَاقُبَ يَدْخُلُ فِي الْحُرُوفِ"؟. قُلْنَا: إنَّمَا كَانَ5 ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَنْطِقُ بِالْمَخَارِجِ وَالأَدَوَاتِ، وَلا يُوصَفُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ: إنَّمَا يَتَعَيَّنُ التَّعَاقُبُ فِيمَنْ يَتَكَلَّمُ بِأَدَاةٍ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ شَيْءٍ إلاَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمُتَكَلِّمُ بِلا جَارِحَةٍ فَلا يَتَعَيَّنُ فِي كَلامِهِ التَّعَاقُبُ، وَقَدْ اتَّفَقَ6 الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ7 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَوَلَّى الْحِسَابَ بَيْنَ خَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَعِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: أَنَّ الْمُخَاطَبَ فِي الْحَالِ هُوَ وَحْدَهُ. وَهَذَا خِلافُ التَّعَاقُبِ. اهـ كَلامُ أَبِي نَصْرٍ.

_ 1 رواه البخاري والترمذي والدارمي عن عبد الله بن مسعود. وأوله في البخاري: "كنا نعدّ الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً...." "انظر: فتح الباري 6/ 383، تحفة الأحوذي 10/ 110، سنن الدارمي 1/ 14". 2 في ش: أخبرنا. 3 في ز ع ب ض: ويفرون. 4 ساقطة من ض. 5 ساقطة من ض. 6 في ع ض: اتفقت. 7 في ع ض: أن الله.

ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ: وَقَوْلُهُمْ: "إنَّ الْقَدِيمَ لا يَتَجَزَّأُ وَلا يَتَعَدَّدُ" غَيْرُ صَحِيحٍ. فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَعَدِّدَةٌ1. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 2 وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ" 3 وَهِيَ قَدِيمَةٌ. وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ4 عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ قَالَ: إنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقَةٌ فَقَدْ كَفَرَ. وَكَذَلِكَ كُتُبُ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ مُتَعَدِّدَةٌ. وَهِيَ 5كَلامُ اللَّهِ5 تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ6، وَإِنَّمَا هَذَا أَخَذُوهُ مِنْ عِلْمِ الْكَلامِ7، وَهُوَ مُطْرَحٌ عِنْدَ جَمِيعِ الأَئِمَّةِ.

_ 1 في ش ز ع ب: معدودة. وهو خطأ. ولذلك جاء في حاشية ش: "لا تدل الآية ولا الحديث على الانحصار في عدد". 2 الآية 180 من الأعراف. 3 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 4/ 276، صحيح مسلم 4/ 2063، تحفة الأحوذي 9/ 480، سنن ابن ماجه 2/ 1269، مسند أحمد 2/ 258. ورواه ابن عساكر عن عمر. انظر: فيض القدير 2/ 478". 4 ساقطة من ز ع ب ض. 5 في ب ع ض: كلامه. 6 في ض: مخلوق. وانظر في أسماء الله تعالى وكتبه "الإيمان لابن تيمية ص 154". 7 انظر رأي العلماء في علم الكلام في "فتح الباري 13/ 273، التعريفات للجرجاني ص 162، تبيين كذب المفتري 336 وما بعدها، آداب الشافعي ومناقبه ص 182، والمراجع المشار إليها في الهامش، استحسان الخوض في علم الكلام لأبي الحسن الأشعري، صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام للسيوطي".

قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ بِالْكَلامِ تَزَنْدَقَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا ارْتَدَى بِالْكَلامِ أَحَدٌ فَأَفْلَحَ1. وَقَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَحَبَّ الْكَلامَ أَحَدٌ فَكَانَ عَاقِبَتُهُ إلَى خَيْرٍ. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ الْمَالِكِيُّ2: الْبِدَعُ عِنْدَ مَالِكٍ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ هِيَ كُتُبُ الْكَلامِ وَالتَّنْجِيمِ وَشِبْهِ ذَلِكَ. لا تَصِحُّ إجَارَتُهَا، وَلا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِهَا3. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ، فَإِنْ قِيلَ: "الصَّوْتُ وَالْحَرْفُ إذَا ثَبَتَا فِي الْكَلامِ اقْتَضَيَا عَدَدًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ". قِيلَ لَهُمْ: قَدْ بَيَّنَّا مِرَارًا أَنَّ اعْتِمَادَ أَهْلِ4 الْحَقِّ فِي هَذِهِ الأَبْوَابِ عَلَى السَّمْعِ. وَقَدْ وَرَدَ السَّمْعُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ ذُو عَدَدٍ. وَأَقَرَّ الْمُسْلِمُونَ بِأَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً لا مَجَازًا5، وَهُوَ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ6، وَقَدْ عَدَّ الأَشْعَرِيُّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى

_ 1 انظر: تبيين كذب المفتري ص 336، آداب الشافعي ومناقبه ص 182، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 60. 2 هو محمد بن أحمد بن عبد الله، وقيل: محمد بن أحمد بن علي بن إسحاق بن خويز منداد، أبو عبد الله البصري المالكي، كان يجانب علم الكلام، وينافرُ أهلَه، ويحكم على الكل أنهم من أهل الأهواء، تفقه على الأبهري، له كتاب كبير في الخلاف، وكتاب في أصول الفقه، وكتاب في أحكام القرآن. وله اختيارات شواذّ، وتكلم فيه أبو الوليد الباجي. توفي سنة 390هـ تقريباً، وكان إماماً عالماً متكلماً فقيهاًَ أصولياً. انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 229، طبقات المفسرين 2/ 68، الوافي بالوفيات 2/ 52، لسان الميزان 5/ 291، شجرة النور ص 103". 3 في ز ب ض: أهله. 4 في ز ع ب ض: أولي. 5 في ض: مجاز. 6 قال الباقلاني: بل كلامه قديم، صفة من صفات ذاته، كعلمه وقدرته وإرادته، ونحو ذلك من صفات الذات. "الإنصاف له ص 71".

سَبْعَ عَشْرَة صِفَةً، وَبَيَّنَ أَنَّ مِنْهَا مَا لا يُعْلَمُ إلاَّ بِالسَّمْعِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يُوصَفَ بِصِفَاتٍ مَعْدُودَةٍ لَمْ يَلْزَمْنَا بِدُخُولِ الْعَدَدِ فِي الْحُرُوفِ شَيْءٌ. اهـ كَلامُ أَبِي نَصْرٍ. قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ: الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى صلى الله عليه وسلم1، وَيُكَلِّمُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ2، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 3 وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} 4 وَقَالَ تَعَالَى: {يَا مُوسَى إنِّي اصْطَفَيْتُك عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} 5 وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ} 6 وَقَالَ تَعَالَى: {إذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} 7 وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ سَمِعَ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ اللَّهِ، لا مِنْ شَجَرٍ وَلا مِنْ حَجَرٍ وَلا مِنْ غَيْرِهِ8؛ لأَنَّهُ لَوْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ أَفْضَلَ مِنْهُ9 فِي ذَلِكَ؛ لأَنَّهُمْ سَمِعُوا مِنْ أَفْضَلَ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ مُوسَى، لِكَوْنِهِمْ

_ 1 انظر في صحيح البخاري: كتاب التوحيد، باب ما جاء في قوله عز وجل: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوْسَى تَكْلِيْماً} . "فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13/ 367". 2 انظر في صحيح البخاري: كتاب التوحيد، باب كلام الرب يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. "فتح الباري 13/ 364". 3 الآية 164 من النساء. 4 الآية 143 من الأعراف. 5 الآية 144 من الأعراف. 6 الآية 52 من مريم. 7 الآية 16 من النازعات. 8 ساقطة من ز. 9 ساقطة من ز ب ع ض. وفي شرح الكافية: أفضل في ذلك منه.

سَمِعُوا مِنْ مُوسَى1. فَلِمَ سُمِّيَ إذَنْ كَلِيمَ الرَّحْمَنِ2؟ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى إلاَّ صَوْتًا وَحَرْفًا، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنًى فِي النَّفْسِ وَفِكْرَةً وَرَوِيَّةً: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَكْلِيمًا لِمُوسَى، وَلا هُوَ بِشَيْءٍ3 يُسْمَعُ، وَلا يَتَعَدَّى الْفِكْرَ وَالْمَرْئِيَّ، وَلا يُسَمَّى مُنَادَاةً4. فَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ لا نُسَمِّيهِ صَوْتًا مَعَ كَوْنِهِ مَسْمُوعًا. قُلْنَا: الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا مُخَالَفَةٌ فِي اللَّفْظِ مَعَ الْمُوَافَقَةِ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّنَا لا نَعْنِي بِالصَّوْتِ إلاَّ مَا كَانَ مَسْمُوعًا. الثَّانِي: أَنَّ لَفْظَ الصَّوْتِ قَدْ جَاءَتْ بِهِ الأَخْبَارُ وَالآثَارُ5، وَسَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى حِدَةٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ بَعْدَ ذَلِكَ: النِّزَاعُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَكَلَّمَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ أَمْ لا؟ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ: اتِّبَاعُ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اهـ كَلامُ الشَّيْخِ 6مُوَفَّقِ الدِّينِ7. وَقَالَ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ ابْنُ حَجَرٍ فِي "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ7": "قَالَ

_ 1 انظر: فتح الباري 3/ 350. 2 انظر: توضيح المقاصد بشرح الكافية النونية 1/ 225. 3 في ز ش: بنبي. وفي ب وشرح الكافية: شيء. 4 انظر: فتح الباري 13/ 367، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 36، 131 وما بعدها، 146، توضيح المقاصد بشرح الكافية 1/ 226. 5 انظر: توضيح المقاصد بشرح النونية 1/ 226. 6 في ب ع ض: الموفق. 7 فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13/ 353-354.

الْبَيْهَقِيُّ: الْكَلامُ مَا يَنْطِقُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ، وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي نَفْسِهِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - يَعْنِيْ فِي قِصَّةِ السَّقِيفَةِ1 - وَفِيهِ "وَكُنْت زَوَّرْت فِي نَفْسِي مَقَالَةً" وَفِي رِوَايَةٍ "كَلامًا" قَالَ: فَسَمَّاهُ كَلامًا قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِهِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ ذَا مَخَارِجَ سُمِعَ كَلامُهُ ذَا حُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذِي مَخَارِجَ، فَهُوَ بِخِلافِ ذَلِكَ، وَالْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِذِي مَخَارِجَ، فَلا يَكُونُ كَلامُهُ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ2. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ4. وَقَالَ: اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي5

_ 1 ق ابن حجر: وقد تقدم سياقه في كتاب الحدود "فتح الباري 13/ 353". 2 يقول الآمدي: "ذهب أهل الحق من الإسلاميين إلى كون الباري تعالى متكلماً بكلام قديم أزلي نفساني، إحدى صفات الذات، ليس بحروف ولا أصوات. "غاية المرام ص 88". 3 هو الصحابي ابن الصحابي جابر بن عبد الله بن عمرو، أبو عبد الله، الأنصاري السَّلَمي المدني، أحد المكثرين من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عنه جماعات من أئمة التابعين، ومناقبه كثيرة، استشهد أبوه يوم أحد، فأحياه الله وكلمه. وغزا جابر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، ولم يشهد بدراً ولا أحداً، منعه أبوه. وكان لجابر حلقة علم في المسجد النبوي، وكان آخر الصحابة موتاً بالمدينة سنة 78هـ. وإذا أطلق جابر في كتب الحديث والفقه فهو المقصود. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 213، الاستيعاب 1/ 221، تهذيب الأسماء 1/ 142، 286، شذرات الذهب 1/ 84، الخلاصة ص 59". 4 هو الصحابي عبد الله بن أنيس بن حرام الجهني الأنصاري، القضاعي السلمي، أبو يحيى، شهد العقبة في السبعين من الأنصار، وكسر أصنام بني سلمة مع معاذ بن جبل، وشهد بدراًَ واحداً والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وحده. وهو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، وهو الذي سافر إليه جابر شهراًَ فأدركه في الشام، فسمع منه حديثاً في المظالم والقصاص بين أهل الجنة والنار قبل دخولهما، توفي سنة 74هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 278، الاستيعاب 2/ 258، تهذيب الأسماء 1/ 260، شذرات الذهب 1/ 60، مشاهير علماء الأنصار ص 56، حلية الأولياء 2/ 5". 5 في ض: بـ.

الاحْتِجَاجِ بِرِوَايَاتِهِ1، وَلَمْ يَثْبُتْ لَفْظُ2 الصَّوْتِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ حَدِيثِهِ. فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - يَعْنِي الَّذِي يَلِيهِ3 - وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - يَعْنِي الَّذِي بَعْدَهُ – "أَنَّ الْمَلائِكَةَ يَسْمَعُونَ عِنْدَ حُصُولِ4 الْوَحْيِ5 صَوْتًا" 6 فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْتُ لِلسَّمَاءِ، أَوْ لِلْمَلَكِ الآتِي بِالْوَحْيِ، أَوْ لأَجْنِحَةِ الْمَلائِكَةِ. وَإِذَا اُحْتُمِلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ7". "وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَى أَنَّ الرَّاوِيَ أَرَادَ: فَيُنَادِي نِدَاءً، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالصَّوْتِ8". قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: "وَهَذَا حَاصِلُ كَلامِ مَنْ نَفَى9 الصَّوْتَ مِنْ الأَئِمَّةِ10، وَيَلْزَمُ مِنْهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُسْمِعْ أَحَدًا مِنْ مَلائِكَتِهِ وَلا رُسُلِهِ كَلامَهُ11، بَلْ أَلْهَمَهُمْ إيَّاهُ". "وَحَاصِلُ الاحْتِجَاجِ لِلنَّفْيِ: الرُّجُوعُ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى أَصْوَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، لأَنَّهَا الَّتِي عُهِدَ أَنَّهَا ذَاتُ مَخَارِجَ، وَلا يَخْفَى مَا فِيهِ، إذْ الصَّوْتُ قَدْ يَكُونُ مِنْ

_ 1 في ع: بروايات ابن عقيل لسوء حفظه. 2 في ش ز: بلفظ. والأعلى موافق لما في فتح الباري. 3 سيأتي الحديث الأول ص 62، وسيأتي الحديث الذي يليه ص 66-67. 4 في ش ز ع ب ض: حضور، والأعلى من فتح الباري 13/ 354. 5 في ش: الرحمن. 6 سيأتي صفحة 65. 7 فتح الباري 13/ 354. 8 فتح الباري 13/ 354. 9 في فتح الباري: ينفي. 10 انظر: الإنصاف للباقلاني ص 99. 11 في فتح الباري: ورسله.

غَيْرِ مَخَارِجَ. كَمَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ اتِّصَالِ الأَشِعَّةِ1، كَمَا سَبَقَ". "سَلَّمْنَا، لَكِنْ نَمْنَعُ2 الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ. وَصِفَةُ الْخَالِقِ لا تُقَاسُ عَلَى صِفَةِ الْمَخْلُوقِ3، وَإِذَا ثَبَتَ ذِكْرُ الصَّوْتِ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَجَبَ الإِيمَانُ بِهِ4". ثُمَّ قَالَ5: "إمَّا التَّفْوِيضُ وَإِمَّا التَّأْوِيلُ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ6". اهـ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ7" قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "ثُم َّ8 يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ" 9 حَمَلَهُ بَعْضُ الأَئِمَّةِ عَلَى مَجَازِ الْحَذْفِ، أَيْ يَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي10. وَاسْتَبْعَدَهُ11 بَعْضُ مَنْ أَثْبَتَ الصَّوْتَ بِأَنَّ فِي قَوْلِهِ: "يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ" إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُ هَذَا فِيهِمْ، وَبِأَنَّ الْمَلائِكَةَ إذَا سَمِعُوهُ صُعِقُوا، وَإِذَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَمْ يُصْعَقُوا".

_ 1 في ب ع ض: أشعة. 2 في ع: يمنع. 3 في ض: المخلوقين. 4 فتح الباري 13/ 354. 5 ساقطة من ز ض ب ع. 6 فتح الباري 13/ 354. 7 العبارة توهم أن قول ابن حجر في حديث آخر، مع أنه في نفس الحديث الذي تكلم عنه ابن حجر، ونقله عنه المصنف. وقد ذكر ابن حجر هذه العبارة في أول شرح الحديث. "انظر: فتح الباري 13/ 353". 8 ساقطة من ش. 9 رواه البخاري في خلق أفعال العباد ص 13، 59، وسيأتي أيضاً صفحة 110. 10 هذا المجاز من نسبة الفعل إلى الآمر به. "انظر: الإشارة إلى الإيجاز ص 63". 11 في ش ز ع ب ض: فاستبعده، والأعلى من فتح الباري 13/ 353.

قَالَ: "فَعَلَى هَذَا فَصَوْتُهُ1 صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ لا يُشْبِهُ2 صَوْتَ غَيْرِهِ؛ إذْ لَيْسَ يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ فِي صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ3". قَالَ: "وَهَكَذَا4 قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ - يَعْنِي بِهِ الْبُخَارِيَّ - فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ"5. اهـ. وَحَدُّ الصَّوْتِ: مَا يَتَحَقَّقُ سَمَاعُهُ. فَكُلُّ مُتَحَقِّقٍ سَمَاعُهُ صَوْتٌ، وَكُلُّ مَا لا يَتَأَتَّى سَمَاعُهُ أَلْبَتَّةَ لَيْسَ بِصَوْتٍ6. وَصِحَّةُ الْحَدِّ كَوْنُهُ مُطَّرِدًا مُنْعَكِسًا7. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: "إنَّ الصَّوْتَ هُوَ الْخَارِجُ8 مِنْ هَوَاءٍ بَيْنَ جِرْمَيْنِ. فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لأَنَّهُ يُوجَدُ سَمَاعُ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ. كَتَسْلِيمِ الأَحْجَارِ، وَتَسْبِيحِ الطَّعَامِ وَالْجِبَالِ9، وَشَهَادَةِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلِ وَحَنِيْنِ الْجِذْعِ10. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ

_ 1 في ش ز ب: صوته. 2 في ع: تشبه. 3 فتح الباري 13/ 353. 4 في ع: هذا. 5 خلق أفعال العباد ص 59. وانظر: فتح الباري 13/ 353. 6 انظر: الرد على الجهمية والمعتزلة، للإمام أحمد ص 236 من مجلة أضواء الشريعة العدد الثامن. 7 انظر في تعريف الصوت "مختصر الطوفي ص 41، التعريفات للجرجاني ص 118، شرح الكوكب المنير 1/ 103، 104". 8 في ض: خارج. 9 إن تسبيح الجبال ثابت في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} . الأنبياء/ 79. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاًَ يَا جِبَالُ أَوِّبِيْ مَعَهُ وَالطَّيْر} . سبأ/ 10. وقوله تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ} . الآية 18 من سورة ص. 10 وهو صوت الجذع الذي كان يخطب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اتخذوا له منبراً فخطب عليه، فحنّ الجذع كحنين الناقة. وفي البخاري عن جابر: "فصاحت النخلة صياح.............=

تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} 1. وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} 2 وَمَا لِشَيْءٍ3 مِنْ ذَلِكَ مُنْخَرَقٌ بَيْنَ جِرْمَيْنِ4. وَقَدْ أَقَرَّ الأَشْعَرِيُّ أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَالَتَا "أَتَيْنَا طَائِعِينَ"5، حَقِيقَةً لا مَجَازًا. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ6، مِنَّا: لَسْنَا نَشُكُّ أَنَّ الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ*عَلَى

_ = الصبي". والحديث رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن عدد من الصحابة. "انظر: فتح الباري 6/ 392، تحفة الأحوذي 3/ 22، 10/ 100، سنن النسائي 3/ 83، سنن ابن ماجه 1/ 454، مسند أحمد 1/ 249، 267، سنن الدارمي 1/ 15". وقد مرت الآيات الدالة على شهادة الأيدي والأرجل "صفحة 46". ومرت الأحاديث في تسليم الأحجار "صفحة 47". 1 الآية 44 من الإسراء. 2 الآية 30 من سورة ق. 3 في ع: شيءٌ. 4 انظر رأي الآمدي في الصوت، فإنه يقول: "إذ الصوت لا يكون إلا عن اصطكاكات أجرام، والحروف عبارة عن تقطع الأصوات". "غاية المرام ص 92". 5 قال الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ، فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِيْنَ} . الآية 11 من فصلت. 6 هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد، الكاتب النحوي اللغوي، صاحب التصانيف الحسان المفيدة. قال ابن خلكان: "كان فاضلاً ثقة، سكن بغداد وحدّث بها". ومن تصانيفه: "المعارف"، و"أدب الكاتب"، و"الشعر والشعراء"، و"غريب القرآن"، و"مشكل القرآن"، و"غريب الحديث"، و"مشكل الحديث"، و"طبقات الشعراء"، و"الأشربة" وغيرها. ولي قضاء الدينور، وتكلم به بعض العلماء، ورد الذهبي ذلك، توفي فجأة سنة 276هـ. انظر ترجمته الوافية في "وفيات الأعيان 2/ 246، شذرات الذهب 2/ 169، إنباه الرواة 2/ 143، تهذيب الأسماء 2/ 281، طبقات المفسرين 1/ 245، بغية الوعاة 2/ 63، طبقات النحويين واللغويين ص 183، ميزان الاعتدال 2/ 503".

الْحَقِيقَةِ لاَ عَلَى الْمَجَازِ لاَ1 كَمَا يَقُولُهُ2 بَعْضُ أَصْحَابِ الْكَلامِ: "إنَّ الَّذِي فِي الْمُصْحَفِ3 دَلِيلٌ عَلَى4 الْقُرْآنِ". اهـ. وَقَالَ الشِّهَابُ السُّهْرَوَرْدِيُّ5: أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَثَبَتَ عَنْ رَسُولِهِ: الاسْتِوَاءُ وَالنُّزُولُ وَالنَّفْسُ وَالْيَدُ وَالْعَيْنُ وَالْقَدَمُ وَالرِّجْلُ وَالْوَجْهُ، فَلا يُتَصَرَّفُ فِيهَا بِتَشْبِيهٍ وَلا تَعْطِيلٍ؛ إذْ لَوْلا إخْبَارُ اللَّهِ وَ6رَسُولِهِ لَمَا7 تَمَالأَ8 عَقْلٌ أَنْ يَحُومَ9 حَوْلَ ذَلِكَ الْحِمَى، وَلَوْلا أَنَّ10 الصَّادِقَ11 الْمَعْصُومَ قَالَ ذَلِكَ لَمَا قُلْنَا، وَلا حُمْنَا حَوْلَهُ. فَإِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ لا تُعْرَفُ إلاَّ بِالدَّلِيلِ الْمَحْضِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

_ 1 ساقطة من ز ع ب ض. 2 في د: يقول. 3-* ساقطة من ش، وموجودة في ز. وجاء بعدها نصف صفحة مكتوبة خطأ ومكررة عن إعجاز القرآن. 4 في ض: على أنه. 5 هو عمر بن محمد بن عبد الله، شهاب الدين السُّهْرَوَرْدي. قال الداودي: كان فقيهاً شافعياً، شيخاً ورعاً، كثير الاجتهاد في العبادة والرياضة. وكان له مجلس وعظٍ، وكان صوفيًّا. له مصنفات كثيرة، منها: "عوارف المعارف"، و"بغية البيان في تفسير القرآن"، و"المناسك"، و"رشف النصائح الإيمانية وكشف الفضائح اليونانية". عمي في آخر عمره وأقعد، توفي سنة 632هـ. انظر ترجمته في "طبقات المفسرين 2/ 10، وفيات الأعيان 1/ 119، شذرات الذهب 5/ 153، طبقات الشافعية الكبرى 8/ 338، معجم المؤلفين 7/ 313". وفي ش ز ع ب ض: الشهرزوري، وهو تصحيف. 6 ساقطة من ض. 7 في ع ض: ما. 8 في ض: تحاك. 9 في ع: يحول. 10 ساقطة من ش. 11 في ب ض: الصادق المصدَّق.

قَالَ الْمُؤَلَّفُ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 1 {يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ} 2 وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّ قُرَيْشًا مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي" 3 وَقَالَ الصِّدِّيقُ: مَا هَذَا كَلامِي، وَلا كَلامُ صَاحِبِي، وَلَكِنَّهُ كَلامُ اللَّهِ4. وَالْكَلامُ الْحُرُوفُ الْمَنْظُومَةُ، وَالْكَلِمَاتُ الْمَفْهُومَةُ، وَالأَصْوَاتُ الْمَلْهُومَةُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا} 5، {فَقُولِي إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إنْسِيًّا} {فَأَشَارَتْ إلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ 6 مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا 3} 7 {لا

_ 1 الآية 6 من التوبة. 2 الآية 75 من البقرة. 3 سيأتي النص كاملاً مع تخريجه ص 73. 4 أخرج البخاري في كتابه "خلق أفعال العباد" "ص 13" عن أبي بكر رضي الله عنه أنه لما نزلت: {ألم. غُلِبَتِ الرُّومُ} الروم/ 1-2] ، خرج يصيح ويقول: كلام ربي، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها إذا سمعت القرآن قالت: كلام ربي، كلام ربي. ونقل ابن حجر عن البيهقي أنه ساق حديث نيار بن مُكْرِم أن أبا بكر قرأ عليهم سورة الروم، فقالوا: هذا كلامُك أو كلام صاحبك؟ قال: ليس كلامي ولا كلام صاحبي، ولكنه كلام الله". وأصل هذا الحديث أخرجه الترمذي مصحِّحاً. وأخرجه أحمد في كتاب "السنة". وأخرج أحمد في كتاب "السنة" أيضاً، والحاكم، وابن المبارك في "الجهاد" عن عكرمة بن أبي جهل أنه كان يأخذ المصحف فيضعه على وجههه ويقول: كلام ربي، كلام ربي. "انظر: فتح الباري 13/ 350، تحفة الأحوذي 9/ 53، السنة ص 20، 21، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 6، الإبانة للأشعري ص 30، المستدرك 3/ 243، الجهاد لابن المبارك ص 57". 5 الآيتان 10-11 من مريم. وأول الآية الثانية: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ... } . 6 في ز ع ض: الآية. وفي ب: {نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ} ... الآية. 7 الآيتان 26، 29 من مريم.

يَتَكَلَّمُونَ إلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} 1 {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} 2، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وقَوْله تَعَالَى: {وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} 3 يَعْنِي بِهِ النُّطْقَ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} 4، {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} 5 أَيْ: يَنْطِقُ. وَحَدِيثِ "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي" 6 وَحَدِيثُ "إنَّ صَلاتَنَا هَذِهِ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ" 7 وَحَدِيثِ "لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إلاَّ

_ 1 الآية 38 من النبأ. وفي ش ز ض: ولا يتكلمون. وهو خطأ. 2 الآية 35 من المرسلات. 3 الآية 65 من يس. 4 الآية 21 من فصلت. وفي ز ب ض: فقالوا. وهو خطأ. 5 الآية 46 من آل عمران. 6 تتمة الحديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". رواه البيهقي عن ابن عمر. ورواه الطبراني عن ثوبان، ورواه ابن ماجه عن ابن عباس، وصححه ابن حبان، واستنكره أبو حاتم. ورواه ابن عدي عن أبي بكرة وضعفه، ورواه الحاكم وصححه. "انظر: سنن ابن ماجه 1/ 659، فيض القدير 4/ 34، 362، كشف الخفاء 1/ 433، تخريج أحاديث البزدوي ص 89، المستدرك 2/ 198، موارد الظمآن ص 360، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 294". وقد مرت الإشارة إلى هذا الحديث صفحة 31، كما مرت الإشارة إليه في المجلد الأول صفحة 436هـ، 512. ولعل المؤلف يريد الإشارة إلى حديث: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به". وقد مر صفحة 31. 7 هذا طرف من حديث طويل رواه معاوية بن الحكم السُّلَمي. وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وابن حبان والبيهقي. ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد". انظر: مسند أحمد 5/ 447، صحيح مسلم 1/ 382، سنن أبي داود 1/ 213، سنن النسائي 3/ 14، خلق أفعال العباد ص 27، نيل الأوطار 2/ 357".

ثَلاثَةٌ" 1 وَحَدِيثِ "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لا لَهُ" 2 وَحَدِيثِ "مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقْطُهُ" 3 وَإِجْمَاعِ النَّاسِ فِي الشِّعْرِ وَالنَّظْمِ فِي كَلامِهِمْ وَعُرْفِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ أَنَّ الْكَلامَ يَكُونُ4 حَقِيقَةً. وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لا يَتَكَلَّمُ لا يَحْنَثُ إلاَّ بِالنُّطْقِ5. اهـ. وَقَدْ بَيَّنَّا بِالأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ: أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي عِنْدَنَا هُوَ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّهُ مَسْمُوعٌ مَقْرُوءٌ مَتْلُوٌّ مَحْفُوظٌ6. وَكَيْفَمَا قُرِئَ وَتُلِيَ وَسُمِعَ وَحُفِظَ وَكُتِبَ فَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ7. اهـ. وَثَبَتَ عَنْ الْغَيْرِ: ذِكْرُ الصَّوْتِ8 الْمُضَافِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَعَنْ الْحُفَّاظِ

_ 1 هذا طرف من حديث طويل رواه أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً ... والثلاثة هم: عيسى، وصاحب جريج، وصبي يرضع. "انظر: صحيح البخاري 2/ 254، صحيح مسلم 4/ 1976، مسند أحمد 2/ 307". 2 لم أجد هذا الحديث فيما اطلعت عليه من كتب الحديث، ولا في الفهارس والمفاتيح المساعدة لذلك، ولا يظهر فيه دلالة على موضوع البحث.. 3 هذا طرف من حديث شريف، وتمامه: "ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه فالنار أولى به". رواه الطبراني وأبو نعيم والعسكري وغيرهم عن ابن عمر مرفوعاً. قال العسكري: أحسبه وهماً. والصواب أنه من قول عمر رضي الله عنه، وأن الأحنف قال: قال لي عمرُ: يا أحنف، من كثر ضحكه ... ومن كثر كلامه.... وسنده ضعيف، كما قاله الزين العراقي. "انظر كشف الخفا 2/ 274". 4 في ع ز: يكن. وهو خطأ. 5 في ض: بنطق. 6 في ع: محفوظ مكتوب. 7 في ش ز ع ب: القديم. وانظر: فواتح الرحموت 2/ 6، فتاوى ابن تيمية 12/ 164، 210، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 124. 8 في ب ز ض: المصنف.

وَالْمُحَدِّثِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ، وَصَحَّحُوهُ فِي تِسْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا، بَلْ أَكْثَرَ. فَلا يُتَصَرَّفُ فِيهَا بِتَشْبِيهٍ، وَلا تَعْطِيلٍ1. وَقَدْ خَرَّجَ الْفَاضِلُ النَّاقِدُ أَبُو بَكْرٍ الْمِصْرِيُّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا مِنْهَا. وَذَكَرَ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. نَقَلَهُ الطُّوفِيُّ فِي "شَرْحِهِ". وَكَذَلِكَ جَمَعَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ2. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" وَ3فِي "خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ". وَالْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ فِي "جُزْءٍ مُفْرَدٍ" لَهُ أَيْضًا4. الْحَدِيثُ الأَوَّلُ: مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "خَرَجْت إلَى الشَّامِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "5 يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ - أَوْ قَالَ10::

_ 1 قارن ما جاء في الإنصاف للباقلاني ص 129 وما بعدها. 2 هو عبد الغني بن عبد الواحد بن علي، تقي الدين، أبو محمد، المقدسي الصالحي الحنبلي، الإمام الحافظ المحدث. قال السيوطي: "كان غزير الحفظ والإتقان، وقيِّماً يجمع فنون الحديث، كثير العبادة، ورعاً، ماشياً على قانون السلف، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، له تصانيف كثيرة، منها: "المصباح"، و"نهاية المراد" و"الكمال" و"العمدة" و"تحفة الطالبين" و"الروضة" و"الذكر"، و"محنة الإمام أحمد" وغيرها. حدث في دمشق، ثم خرج إلى مصر، ومات فيها سنة 600هـ. "انظر: طبقات الحفاظ ص 485، ذيل طبقات الحنابلة 2/ 5، شذرات الذهب 4/ 345، حسن المحاضرة 1/ 354، تذكرة الحفاظ 4/ 1372، البداية والنهاية 13/ 38". 3 ساقطة في ب ز ض. 4 قال في "شرح الكافية": "جمعها ضياء الدين المقدسي، وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي، الإمام العالم الحافظ الحجة، محدث الشام، شيخ السنة، المتوفى سنة 643هـ. "شرح الكافية 1/ 226". وسوف يشير إلى ذلك المصنف صفحة 64 5 ساقطة من ب.

يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ" - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى الشَّامِ- "حُفَاةً 1 عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا". قَالَ: قُلْت: مَا بُهْمًا؟ قَالَ: "لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ 2، فَيُنَادِي بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ 3، لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يُطَالِبُهُ بِمَظْلِمَةٍ. وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ، وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُطَالِبُهُ بِمَظْلِمَةٍ". قَالُوا: كَيْفَ؟ وَإِنَّا نَأْتِي اللَّهَ غُرْلاً4 بُهْمًا؟ قَالَ: "بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ 5". أَخْرَجَ6 الْبُخَارِيُّ أَصْلَهُ فِي "صَحِيحِه"ِ تَعْلِيقًا مُسْتَشْهِدًا بِهِ إلَى قَوْلِهِ: "الدَّيَّانُ" 7 وَأَخْرَجَهُ شِهَابُ الدِّينِ فِي "الأَدَبِ الْمُفْرَدِ8"، وَأَخْرَجَهُ

_ 1 ساقطة من ز ع ب ض. 2 البُهْمُ في اللغة جمع بَهْمَة، وهي صغار الغنم. ومعناه هنا: أنه أمر لا قيمة له، فكأنه لا شيء معه. والغُرْلُ جمع أَغْرَل، وهو الذي لم يختن، على وزن أحمر. "انظر: المصباح المنير 1/ 103، 2/ 684، فتح الباري 13/ 353". 3 قال الحليمي: هو مأخوذ من قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّيْنِ} . وهو المحاسب والمجازي، لا يضيع عمل عامل. وقال الكرماني: "المعنى لا ملك إلا أنا"، ولا مجازي إلا أنا. "فتح الباري 13/ 354". 4 ساقطة من ض. 5 قال ابن حجر: "يعني أن القصاص بين المتظالمين إنما يقع بالحسنات والسيئات". "فتح الباري 13/ 354" ولذلك سمي هذا الحديث حديث القصاص والمظالم بين أهل الجنة وأهل النار. 6 في ع: وأخرج. 7 صحيح البخاري 4/ 294. وانظر: فتح الباري 13/ 353، الأدب المفرد ص 337. 8 أي أخرج هذا الحديث شهاب الدين ابن حجر في "فتح الباري" عن "الأدب المفرد". قال ابن حجر عند الكلام عن سند الحديث وطرقه: "وساق هنا "أي البخاري" من الحديث بعضه. وأخرجه بتمامه في "الأدب المفرد". "فتح الباري 13/ 353". وانظر: الأدب المفرد ص337 باب المعانقة.

أَحْمَدُ1 وَأَبُو يَعْلَى2 وَالطَّبَرَانِيُّ3. وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الضِّيَاءُ4 بِسَنَدِهِ إلَى جَابِرٍ. قَالَ

_ 1 رواه الإمام أحمد عن جابر، عن عبد الله بن أنيس. وأخرج النسائي بعضَه عن ابن عباس. "انظر: مسند أحمد 3/ 495، سنن النسائي 4/ 92، فتح الباري 13/ 353". 2 هو أحمد بن علي بن المثنى، التميمي الموصلي، أبو يعلى، الحافظ، صاحب المسند الكبير. قال ابن العماد: "وصنف التصانيف، وكان ثقة صالحاً متقناً". وكان من أهل الصدق والأمانة والدين. وثقه ابن حبان، ووصفه بالإتقان والدين. وكان مسنده كالبحر مع غيره، ورحل إليه الناس، توفي سنة 307هـ. انظر ترجمته في "شذرات الذهب 2/ 250، تذكرة الحفاظ 2/ 707، مرآة الجنان 2/ 249، طبقات الحفاظ ص 306". 3 هو سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، نسبة إلى طبرية، الإمام العلامة الحجة. ولد بعكا، وسمع بالشام، والحجاز، واليمن، ومصر، وبغداد، والكوفة، والبصرة، وأصبهان، والجزيرة. وحدث عن ألف شيخ. وقد رحل في طلب الحديث، وكان بصيراً بالعلل، والرجال والأبواب. صنف تصانيف كثيرة، منها: "المعتجم الكبير"، وهو المسند، و"المعجم الأوسط" عن شيوخه، و"المعجم الصغير"، و"دلائل النبوة"، و"الأوائل"، و"التفسير" وغيرها من المصنفات المفيدة. قال الذهبي: "ومع سعة روايته لم ينفرد بحديث"، توفي سنة 360هـ. انظر ترجمته في تذكرة "الحفاظ 3/ 912، طبقات الحنابلة 2/ 49، وفيات الأعيان 2/ 141، طبقات المفسرين 1/ 198، ميزان الاعتدال 2/ 195، شذرات الذهب 3/ 30، طبقات الحفاظ ص 372، البداية والنهاية 11/ 270". 4 هو محمد بن عبد الواحد بن أحمد، السعدي الحنبلي، ضياء الدين، المقدسي، أبو عبد الله، الإمام الحافظ الحجة، محدث الشام، وشيخ السنة. قال ابن العماد: "وهو حافظ متقن ثبت ثقة، نبيل الحجة، عالم بالحديث وأحوال الرجال، وهو ورع تقي زاهد عابد محتاط في أكل الحلال، مجاهد في سبيل الله". له تصانيف كثيرة مشهورة، منها: "الأحاديث المختارة"، وو"فضائل الأعمال"، و"صفة الجنة"، و"صفة النار"، و"أفراد الحديث"، و"الرواة عن البخاري"، و"دلائل النبوة" وغيرها. توفي بدمشق سنة 643هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 4/ 1405، طبقات الحفاظ ص 494، ذيل طبقات الحنابلة 2/ 236، شذرات الذهب 5/ 224". وفي ب ع: أيضاً.

جَابِرٌ: "بَلَغَنِي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ فِي الْقِصَاصِ. وَكَانَ صَاحِبُ الْحَدِيثِ بِمِصْرَ1، فَاشْتَرَيْت بَعِيرًا فَشَدَدْت عَلَيْهِ رَحْلاً، وَسِرْت حَتَّى وَرَدْت مِصْرَ، فَمَضَيْتُ2 إلَى بَابِ الرَّجُلِ الَّذِي بَلَغَنِي عَنْهُ الْحَدِيثُ. فَقَرَعْت بَابَهُ، فَخَرَجَ إلَيَّ مَمْلُوكُهُ. فَنَظَرَ فِي وَجْهِي وَلَمْ يُكَلِّمْنِي، فَدَخَلَ إلَى سَيِّدِهِ. فَقَالَ: أَعْرَابِيٌّ 3عَلَى الْبَابِ3، فَقَالَ: سَلْهُ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ. فَخَرَجَ إلَيَّ مَوْلاهُ. فَلَمَّا تَرَاءَيْنَا اعْتَنَقَ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ. فَقَالَ: يَا جَابِرُ، مَا جِئْت تَعْرِفُ؟ قَالَ4: فَقُلْت: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقِصَاصِ، وَلا أَظُنُّ أَنَّ5 أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى أَوْ مِمَّنْ بَقِيَ أَحْفَظُ لَهُ مِنْك. قَالَ: نَعَمْ يَا جَابِرُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْعَثُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِكُمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا، ثُمَّ يُنَادِي بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، غَيْرِ فَظِيعٍ، يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَنْ قَرُبَ: أَنَا الدَّيَّانُ، لا تَظَالُمَ الْيَوْمَ. أَمَا وَعِزَّتِي لا يُجَاوِرُنِي الْيَوْمَ ظَالِمٌ وَلَوْ لَطْمَةً بِكَفٍّ، أَوْ يَدٍ عَلَى يَدٍ. أَلا وَإِنَّ أَشَدَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي: عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ. فَلْتَرْتَقِبْ أُمَّتِي الْعَذَابَ إذَا تَكَافَأَ النِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَالرِّجَالُ بِالرِّجَالِ". الْحَدِيثُ الثَّانِي: مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلائِكَةُ

_ 1 جاء في رواية الضياء أن عبد الله بن أنيس كان بمصر، بينما صرحت أكثر كتب التراجم والحديث أنه كان بالشام. 2 في ز: فنصبت. 3 ساقطة من ب ض. 4 ساقطة من ب ع ض. 5 ساقطة من ب ع ز.

بِأَجْنِحَتِهَا 1خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ6. كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ. فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ - إلَى آخِرِهِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد2 وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ3. الثَّالِثُ: مَا رَوَى ابْنُ4 مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ5 صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا فَيُصْعَقُونَ، فَلا يَزَالُونَ كَذَلِكَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَإِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ، مَاذَا قَالَ رَبُّك؟ قَالَ: يَقُولُ: الْحَقَّ. قَالَ: فَيُنَادُونَ الْحَقَّ الْحَقَّ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ6.

_ 1 في ش ز ع ب: تصديقاً له، وفي البخاري: خضعاناً، وفي ض والترمذي وابن ماجه: خضعاناً لقوله. 2 هو سليمان بن الأشعث بن شداد، أبو داود السجستاني، ويقال له: السِّجْزيّ. قال النووي: "واتفق العلماء على الثناء على أبي داود، ووصفه بالحفظ التام، والعلم الوافر، والإتقان والورع، والدين، والفهم الثاقب في الحديث وغيره، وفي أعلى درجات النسك والعفاف والورع". وعده الشيرازي وابن أبي يعلى من أصحاب أحمد. وذكره العبادي والسبكي في طبقات الشافعية، وهو صاحب كتاب "السنن". توفي بالبصرة سنة 275هـ. انظر في ترجمته "تهذيب الأسماء 2/ 224، شذرات الذهب 2/ 167، وفيات الأعيان 2/ 138، طبقات المفسرين 1/ 201، المنهج الأحمد 1/ 175، طبقات الحنابلة 1/ 159، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 293، طبقات الشافعية للعبادي ص 60، تذكرة الحفاظ 2/ 591، طبقات الحفاظ ص 261، الخلاصة ص 150". 3 انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 3/ 146، 179، 4/ 294، سنن أبي داود 2/ 358، تحفة الأحوذي 9/ 90، سنن ابن ماجه 1/ 70، خلق أفعال العباد ص 13، 60، فتح الباري 13/ 354، الأسماء والصفات للبيهقي 1/ 200. 4 في ع: عن ابن. 5 ساقطة من ض. 6 سنن أبي داود 2/ 537. وقال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" بعد الحديث: وقد أخرج البخاري والترمذي وابن ماجه نحوه من حديث عكرمة مولى ابن عباس عن أبي هريرة. "مختصر سنن أبي داود 7/ 127". ولعل المنذري يشير إلى حديث أبي هريرة" السابق.

الرَّابِعُ: مَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ صَلْصَلَةً كَصَلْصَلَةِ السَّلِسَةِ 1 عَلَى الصَّفَا. قَالَ: فَيُفَزَّعُونَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ. فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ يَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ، مَاذَا قَالَ رَبُّك؟ قَالَ فَيَقُولُ: الْحَقَّ. قَالُوا: الْحَقَّ الْحَقَّ " 2. رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ3 الصَّبَّاحِ بْنِ أَبِي سُرَيْجٍ4 عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ5

_ 1 في ش: السلسة. 2 رواه البخاري معلقاً، ووصله البيهقي في "الأسماء والصفات". ورواه أحمد عن أبي معاوية. وقد توسع ابن حجر في ذكر طرقه وأسانيده، ورجح صحته. ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد". "انظر: فتح الباري 13/ 352، الأسماء والصفات 1/ 201، خلق أفعال العباد ص 60، تفسير الطبري 22/ 90". 3 في ش: عن. وفي ض: بن أبي. 4 هو أحمد بن أبي سريج الصباح، وقيل: أحمد بن عمر الصباح، النهشلي الرازي، أبو جعفر المقرئ. قرأ على الكسائي. وروى عن شعيب بن حرب وأبي معاوية الضرير وجماعة. وحدث عنه البخاري وأبو داود والنسائي في كتبهم، وأبو بكر بن أبي داود وأبو حاتم، وقال: صدوق. مات بعد سنة 240هـ، وقال ابن الجوزي: مات سنة 230هـ. انظر في ترجمته "معرفة القراء الكبار للذهبي 1/ 178، تهذيب التهذيب 1/ 44، الخلاصة ص 6، 7، طبقات القراء 1/ 63، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 25". وفي ش ض: شريح. 5 هو محمد بن خازم، أبو معاوية الضرير، التيمي، الكوفي، الحافظ. قال ابن حبان: "كان حافظاً، ولكن كان مرجئاً خبيثاً". وقال الذهبي: "أحد الأئمة الأعلام الثقات، لم يتعرض له أحد، احتج به الشيخان، وقد اشتهر عنه غلو التشيع". توفي سنة 195هـ. انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 4/ 575، طبقات الحفاظ ص 122، تذكرة الحفاظ 1/ 294، شذرات الذهب 1/ 343، الخلاصة ص 334، نكت الهميان ص 247".

الْخَامِسُ: بِمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ. قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي تَصْنِيفِهِ: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ. قَالَ: سَأَلْت أَبِي، فَقُلْت: يَا أَبَتِ1، الْجَهْمِيَّةُ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ. فَقَالَ: كَذَبُوا، إنَّمَا يَدُورُونَ عَلَى التَّعْطِيلِ2، ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ3 بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ4. قَالَ: حَدَّثَنِيْ الأَعْمَشُ5 عَنْ أَبِي

_ 1 في ض: يا أبي. 2 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23. 3 في ش ز ع ب: عبد الله. وهو خطأ. ولم أجد في جميع كتب التراجم التي رجعت إليها اسم "عبد الله المحاربي". وإنما هو عبد الرحمن. وقد جاء في "الخلاصة" أن عبد الرحمن روى عن الأعمش، وأن أحمد روى عنه، كما أكّد الذهبي ذلك في "ميزان الاعتدال" كما سيأتي في ترجمته. وفي مسند الإمام أحمد: "حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش". وقال ابن حجر: "فقد وافقه عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش، أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة" له عن أبيه عن المحاربي". "انظر: مسند أحمد 1/ 448، فتح الباري 13/ 356، ميزان الاعتدال 2/ 585، الخلاصة ص 234". 4 هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي، أبو محمد الكوفي. روى عن الأعمش، وروى عنه ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل, وثقه ابن معين والنسائي. وقال أبو حاتم: صدوق إذا حدث عن الثقات، ويروي عن المجهولين أحاديث منكرة، فيفسد حديثه بذلك. وقال الذهبي: حدث عنه أحمد وهناد، مات بالكوفة سنة 195هـ. انظر ترجمته في "الخلاصة ص 234، ميزان الاعتدال 2/ 585، شذرات الذهب 1/ 343، تذكرة الحفاظ 1/ 312، طبقات الحفاظ ص 129". 5 هو سليمان بن مهران، أبو محمد، مولى بني كاهل، المعروف بالأعمش. كان محدث الكوفة وعالمها، وكان أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بالفرائض وأحفظهم للحديث. قال ابن خلكان: "كان ثقة عالماً فاضلاً، رأى أنس بن مالك وكلمه، ولم يرزق السماع عليه، وروى عن عبد الله بن أبي أوفى حديثاً واحداً ... وكان لطيف الخلق مزاحاً". توفي سنة 148هـ. انظر في ترجمته "وفيات الأعيان 2/ 136، طبقات القراء 1/ 315، تذكرة الحفاظ 1/ 154، الخلاصة ص 155، شذرات الذهب 1/ 220، تاريخ بغداد 9/ 3، طبقات الحفاظ ص 67، مشاهير علماء الأمصار ص 111".

الضُّحَى1 عَنْ مَسْرُوقٍ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ صَوْتَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ. قَالَ السِّجْزِيُّ: "وَمَا فِي رُوَاةِ هَذَا الْخَبَرِ إلاَّ إمَامٌ مَقْبُولٌ". اهـ. وَتَتِمَّةُ الْحَدِيثِ "فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا، حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ - قَالَ: سَكَنَ عَنْ قُلُوبِهِمْ - نَادَى أَهْلُ السَّمَاءِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الْحَقَّ. قَالَ: كَذَا وَكَذَا". وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ3 وَغَيْرُهُ: وَمِثْلُ هَذَا لا يَقُولُهُ ابْنُ مَسْعُودٍ إلاَّ تَوْقِيفًا؛ لأَنَّهُ إثْبَاتُ صِفَةٍ لِلذَّاتِ. اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ.

_ 1 هو مسلم بن صبيح الهمداني مولاهم، أبو الضحى، العطار لكوفي التابعي. روى عن علي مرسلاً، وعن ابن عباس وجماعة. وروى عنه الأعمش وغيره. وثقه ابن معين وأبو زرعة، وكان ثقة كثير الحديث، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة 100هـ. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب 1/ 132، الخلاصة ص 375، طبقات ابن سعد 6/ 288، الجرح والتعديل للرازي 10/ 186". 2 هو مسروق بن الأجدع بن مالك، من هَمْدان، ويكنى أبا عائشة، الإمام الكوفي، القدوة الفقيه العابد، صاحب ابن مسعود، وروى عن أبي بكر وعمر ومعاذ وعلي. وروى له أصحاب الكتب الستة. كان يصلي حتى تورمت قدماه، قال الشعبي: ما رأيت أطلب للعلم منه. توفي سنة 63هـ. انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص79، طبقات القراء 2/ 294، تذكرة الحفاظ 1/ 49، شذرات الذهب 1/ 71، الخلاصة ص 374، طبقات الحفاظ ص 14، المعارف ص 432". 3 هو محمد بن محمد بن الحسين، القاضي الشهيد، أبو الحسين، ابن شيخ المذهب القاضي أبي يعلى الفراء. كان عارفاً بالمذهب، متشدداً في السنة، كثير الحط على الأشاعرة، وكان مفتياً مناظراً، له تصانيف كثيرة في الأصول والفروع، منها: "المجموع" في الفروع، و"المفردات في الفقه"، و"المفردات في أصول الفقه"، و"إيضاح الأدلة في الرد على الفرق الضالة المضلة"، و"طبقات الحنابلة" وغيرها. دخل عليه خدمه، وهو نائم في بيته، فأخذوا ماله وقتلوه سنة 526هـ. انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 176، شذرات الذهب 4/ 79، المدخل إلى مذهب أحمد ص 210.

السَّادِسُ: مَا رَوَى بَهْزُ1بْنُ حَكِيمِ2 بْنِ مُعَاوِيَةَ2 عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ جَدِّهِ4: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فُزِّعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ لانْحِطَاطِهِ، وَسَمِعُوا صَوْتَ الْوَحْيِ كَأَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنْ صَوْتِ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفَا. فَكُلَّمَا مَرَّ بِأَهْلِ سَمَاءٍ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ، بِمَ أُمِرْت؟ فَيَقُولُ: نُورُ الْعِزَّةِ الْعَظِيمُ. كَلامُ اللَّهِ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ" 5. السَّابِعُ: مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ

_ 1 ساقطة من ز ع ب ض. 2 هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، أبو عبد الملك، القشيري البصري. روى عن أبيه وزرارة بن أوفى. وروى عنه الزهري وابن عون وسليمان التيمي والثوري والحمادان وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة يحتج به. وقال يحيى: إسناده عن أبيه عن جده صحيح. ذكره البغوي في الصحابة، ولم يوافقه ابن حجر وابن عبد البر. توفي سنة 140هـ. انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 1/ 138، الإصابة 1/ 166، الاستيعاب 1/ 180، ميزان الاعتدال 1/ 353، الخلاصة ص 53". 3 هو حكيم بن معاوية بن حَيْدة، والد بهز بن حكيم، وهو أبو بهز القشيري البصري التابعي، ثقة معروف، روى عنه ابنه بهز والحريري، وثقه ابن حبان. "انظر: تهذيب الأسماء 1/ 167، الخلاصة ص 91". 4 هو معاوية بن حَيْدة بن معاوية القشيري، نزل البصرة، ومات بخراسان، له وفادة وصحبة. وأخرج له أصحاب السنن، وعلق له البخاري. "انظر: الإصابة 3/ 432، الاستيعاب 3/ 404، الخلاصة ص 381". 5 رواه ابن مردويه. "انظر: فتح الباري 13/ 355".

قُلُوبِهِمْ} - الآيَةَ1. قَالَ: لَمَّا أَوْحَى اللَّهُ الْجَبَّارُ عَزَّ وَجَلَّ إلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم دَعَا الرَّسُولَ مِنْ الْمَلائِكَةِ لِيَبْعَثَهُ بِالْوَحْيِ. فَسَمِعَتْ الْمَلائِكَةُ صَوْتَ الْجَبَّارِ يَتَكَلَّمُ بِالْوَحْيِ. فَلَمَّا2 كُشِفَ عَنْ قُلُوبِهِمْ سَأَلُوهُ عَمَّا قَالَ؟ قَالُوا: الْحَقَّ، وَعَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَقُولُ إلاَّ حَقًّا، وَأَنَّهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَصَوْتُ الرَّحْمَنِ كَصَوْتِ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفَا - كُلَّمَا سَمِعُوهُ خَرُّوا سُجَّدًا، فَلَمَّا رَفَعُوا رُؤُوْسَهُمْ قَالُوا: مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ3: الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ4. الثَّامِنُ: مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ5 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَم. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فَيُنَادِي بِصَوْتٍ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُك أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِك بَعْثًا إلَى النَّارِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ6. التَّاسِعُ: مَا رَوَاهُ النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ7. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

_ 1 الآية 23 من سبأ. وتتمة الآية: {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 2 في ع ب ز ض: ولما. 3 في ش ز ع ب: قالوا. 4 رواه الطبري في تفسيره. وروى البخاري في كتابه "خلق أفعال العباد" عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "إذا قضى الله -جل ذكره- أمراً تكلم، رجفت الأرض والسماء والجبال، وخرت الملائكة كلهم سجداً". "انظر: تفسير الطبري 22/ 91، خلق أفعال العباد ص 60". 5 هو الصحابي أبو سعيد الخدري، سعد بن مالك. ومرت ترجمته في المجلد الأول. 6 هذا طرف من حديث طويل رواه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي سعيد مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 2/ 233، 4/ صحيح مسلم 2/ 201، مسند أحمد 3/ 32، فتح الباري 13/ 355، خلق أفعال العباد ص60". ورواه الترمذي عن عمران بن حصين. "انظر: تحفة الأحوذي 9/ 10". 7 هو الصحابي النوَّاسُ بن سَمْعان بن خالد العامري الكلابي. وله ولأبيه صحبة. له سبعة عشر حديثاً، انفرد له مسلم بثلاثة. روى عنه جبير بن نفير وأبو إدريس الخولاني. "انظر: الإصابة 3/ 579، الاستيعاب 3/ 569، الخلاصة ص 406".

"إذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَ بِأَمْرٍ أَخَذَتْ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِذَا سَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صُعِقُوا وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، فَيَكُونُ أَوَّلُهُمْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ، فَيَنْتَهِي 1 بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ إلَى 2 الْمَلائِكَةِ، كُلَّمَا مَرَّ بِهِ فِي 3 سَمَاءٍ سَأَلَهُ أَهْلُهَا: مَاذَا قَالَ رَبُّنَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: {الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 4. فَيَقُولُونَ 5 كُلُّهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ جِبْرِيلُ فَيَنْتَهِي بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ 6 حَيْثُ أُمِرَ مِنْ السَّمَاءِ 7 وَالأَرْضِ". رَوَاهُ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ بِسَنَدِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ8 مُتَّصِلاً إلَى النَّوَّاسِ9 بْنِ سَمْعَانَ10.

_ 1 في رواية: فيمضي "فتح الباري 13/ 355". 2 في ز ع ب: على. 3 ساقطة من ز. وفي ب ع: بـ. 4 الآية 23 من سبأ. 5 في ب: فيقول. 6 ساقطة من ش. 7 في ز: بالسماء. وفي ش ب ع ض: السماء. 8 هو عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، أبو محمد الأصبهاني، الحافظ، الملقب بأبي الشيخ، العابد القانت، صاحب التصانيف السائرة، كان حافظاً ثبتاً ثقة مأموناً متقناً. ومن مصنفاته: "الأحكام"، و"التفسير". توفي سنة 369 هـ وله 95 سنة. "انظر: طبقات المفسرين 1/ 240، طبقات القراء 1/ 447، شذرات الذهب 3/ 69، تذكرة الحفاظ 3/ 945". 9 في ض: نواس. 10 روى حديث النواس ابن جرير الطبري وابن خزيمة وابن أبي حاتم والبيهقي. "انظر: تفسير ابن كثير 5/ 551، تفسير الطبري 22/ 91، الأسماء والصفات 1/ 203".

الْعَاشِرُ: مَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ. وَيَقُولُ: "أَلا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إلَى قَوْمِهِ؟ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ1 وَابْنُ مَاجَهْ2. الْحَادِيَ عَشَرَ: مَا رَوَاهُ جَابِرٌ. قَالَ: "لَمَّا قُتِلَ أَبِيْ3 يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا جَابِرُ، أَلا أُخْبِرُك بِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لأَبِيك"؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: "وَمَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا إلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، إلاَّ أَبَاك. فَكَلَّمَ اللَّهُ أَبَاك

_ 1 هو أحمد بن شعيب بن علي بن سنان الخراساني النسائي، أبو عبد الرحمن. وهو القاضي الإمام الحافظ، أحد الأئمة المبرزين، والحفاظ المتقنين، والأعلام المشهورين. قال الحاكم: "كان النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال". له مصنفات، منها: "السنن الكبرى"، و"السنن الصغرى"، و"خصائص علي"، و"مسند علي"، و"مسند مالك" وغيرها. مات شهيداً بفلسطين سنة 303هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 14، طبقات القراء 1/ 349، العقد الثمين 3/ 45، وفيات الأعيان 1/ 59، تذكرة الحفاظ 2/ 698، شذرات الذهب 2/ 239، طبقات الحفاظ ص 303، الخلاصة ص 7، حسن المحاضرة 1/ 349". 2 رواه أصحاب السنن وأحمد. ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. ويظهر أن النسائي رواه في السنن الكبرى، لأنني لم أجده في السنن الصغرى المطبوعة، ولم يشر عبد الغني المقدسي إلى رواية النسائي له. ورواه البخاري في خلق أفعال العباد. "انظر: سنن أبي داود 2/ 536، تحفة الأحوذي 8/ 242، سنن ابن ماجه 1/ 73، ومسند أحمد 3/ 390، المستدرك 2/ 612، خلق أفعال العباد ص 13، 28، ذخائر المواريث 1/ 128". 3 هو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي السلمي، معدود في أهل العقبة وبدر، وكان من النقباء، واستشهد يوم أحد. وهو أول قتيل قتل من المسلمين يومئذ، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهزيمة، وجدع أنفه، وقطعت أذناه، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها، وأن الله تعالى كلمه كفاحاً". "انظر: الإصابة 2/ 350، الاستيعاب 2/ 339، حلية الأولياء 2/ 4".

كِفَاحًا. فَقَالَ: يَا 1 عَبْدَ اللَّهِ تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِك 2. قَالَ: يَا رَبِّ تَرُدُّنِي فَأُقْتَلُ فِيك ثَانِيَةً2. فَقَالَ: سَبَقَ مِنِّي الْقَوْلُ 3: "أَنَّهُمْ إلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ 4 ". فَقَالَ: يَا رَبِّ أَخْبِرْ مَنْ وَرَائِي". فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ 5 عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 6. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ7. الثَّانِيَ عَشَرَ: مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَأَ طَهَ وَيس قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَلْفِ عَامٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ الْمَلائِكَةُ 8، قَالَتْ: طُوبَى لأُمَّةٍ يَنْزِلُ هَذَا عَلَيْهِمْ، وَطُوبَى لأَجْوَافٍ تَحْمِلُ هَذَا، وَطُوبَى لأَلْسُنٍ تَتَكَلَّمُ بِه ِ9 ". رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ10.

_ 1 في الإصابة: يا عبدي سلني أعطك. رواه الترمذي. "انظر: الإصابة 2/ 350". 2 في ع: ثانيا. 3 في ض: القول مني. 4 قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} . يس/ 31. 5 في ز: أحياء – الآية. وفي ب ع: أمواتا –الآية. وفي ض: في سبيل الله- الآية. 6 الآية 169 من آل عمران. 7 قال الترمذي: حديث حسن غريب. ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد". ورواه الإمام أحمد مختصراً. "انظر: تحفة الأحوذي 8/ 360، سنن ابن ماجه 1/ 68، 2/ 936، خلق أفعال العباد ص 14، مسند أحمد 3/ 361". 8 في مجمع الزوائد: الملائكة القران. 9 في مجمع الزوائد: بهذا. 10 هو محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري، أبو بكر، المحدث الحافظ الكبير، الثبت، إمام الأئمة حفظاً وفقهاً وزهداً، شيخ الإسلام، تفقه على المزني وغيره، وصنف......=

الثَّالِثَ عَشَرَ: مَا رَوَاهُ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ1، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِعَبْدٍ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا، وَإِنَّ الْبِرَّ لَيُذَرُّ 2 عَلَى رَأْسِ الْعَبْدِ مَا دَامَ فِي صَلاتِهِ، وَمَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ". قَالَ أَبُو نَضْرٍ3: يَعْنِي الْقُرْآنَ.

_ =وجود واشتهر، وانتهت إليه الإمامة والحفظ في عصره بخراسان، مصنفاته تزيده عن مائة وأربعين كتاباً سوى المسائل، توفي سنة 311هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 109، تذكرة الحفاظ 2/ 720، البداية والنهاية 11/ 149، طبقات القراء 2/ 97، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 105، شذرات الذهب 2/ 262، طبقات الحفاظ ص 310". والحديث رواه الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي: "وفيه إبراهيم بن مهاجر بن مسمار، ضعفه البخاري بهذا الحديث، ووثقه ابن معين". "مجمع الزوائد 7/ 56". وقال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع. وقال ابن عدي: لم أجد لإبراهيم حديثاً أنكر من هذا، لأنه لا يرويه غيره. الموضوعات لابن الجوزي 1/ 110". 1 هو الصحابي صدي بن عجلان بن الحارث، أبو أمامة الباهلي، مشهور بكنيته، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة. أخرج الطبراني أنه شهد أحداً، لكن سنده ضعيف، وهو ممن بايع تحت الشجرة. وقال ابن حبان: كان مع علي بصفين، سكن مصر ثم انتقل إلى حمص، فسكنها ومات فيها، وهو آخر من مات من الصحابة بالشام، توفي سنة 86هـ، وله 106 سنوات. "انظر: الإصابة 2/ 182، الاستيعاب 4/ 4، تهذيب الأسماء 2/ 176، شذرات الذهب 1/ 96، الخلاصة ص 464". ولفظة الباهلي ساقطة من ز ع ض. 2 في ز ع ض ب: ليدور. 3 في ش ز ع ب ض: أبو نصر، وهو تصحيف. وقد نص الترمذي عليه، فروى الحديث عن أبي النضر عن بكر بن خنيس. "انظر: تحفة الأحوذي 8/ 229". وأبو النضر هو سعيد بن أبي عَرُوبة مهران العدوي مولاهم، البصري، الحافظ العالم، شيخ البصرة في زمانه. روى عنه الأعمش وشعبة والثوري وابن المبارك. ولم يكن له كتاب، إنما كان يحفظ ذلك. وقال أبو حاتم: قبل أن يختلط ثقة. وكان أعلم الناس بحديث قتادة، وكان يقول بالقدر سراً. توفي سنة 156هـ. "انظر: ميزان الاعتدال 2/ 151، المعارف ص 508، شذرات الذهب 1/ 239، الخلاصة ص 141، طبقات الحفاظ ص 78، تذكرة الحفاظ 1/ 177".

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا بِلَفْظِ: "مَا أَذِنَ اللَّهُ لِعَبْدٍ ... " وَسَاقَهُ أَيْضًا1 مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ2. الرَّابِعَ عَشَرَ: مَا رَوَاهُ عُثْمَانُ3 عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ، كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْهُ".

_ 1 ساقطة من ش. 2 رواه أحمد والترمذي. ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد" موقوفاً على خباب بن الأرت، ثم قال: "مع أن هذا الخبر لا يصح لإرساله وانقطاعه. وقال المباركفوري: وفي سنده بكر بن خنيس وهو متكلم فيه". وقوله: "بأفضل مما خرج منه"، يعني بأفضل من القرآن، وخرج منه، أي ظهر لنا كظهور الشيء من الشيء. وقيل: الضمير في "منه" عائد إلى العبد. وخروجه منه وجوده على لسانه محفوظاً في صدره، مكتوباً بيده، والمقصود أنه لا يوجد شيء من العبادات يتقرب العبد به إلى الله ويجعله وسيلة له أفضل من القرآن. "انظر: تحفة الأحوذي 8/ 229، 230، مسند أحمد 5/ 268، فيض القدير 5/ 416، خلق أفعال العباد ص 13، 65". 3 هو عثمان بن عفان بن أبي العاص، القريشي الأموي، أمير المؤمنين، وثالث الخلفاء الراشدين، أبو عبد الله، ذو النورين، أسلم قديماً عندما دعاه أبو بكر إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة بزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد وفاته رقية تزوج أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى له 146 حديثاً. بويع بالخلافة سنة 24 هـ. وفتح في عهده شمال أفريقيا وفارس. وهو أحد المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وكان جواداً في سبيل الله، قتل شهيداً سنة 35هـ، ومناقبه كثيرة. "انظر: الإصابة 2/ 462، الاستيعاب 3/ 69، تهذيب الأسماء 1/ 321، شذرات الذهب 1/ 40، الخلاصة ص 261، إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء ص 142، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 147".

رَوَاهُ الْحَافِظُ أَيْضًا بِسَنَدِهِ1. وَرَوَى أَيْضًا بِسَنَدِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: صَلَّيْت مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ 2عَلَى جِنَازَةٍ2 فَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: يَا رَبَّ الْقُرْآنِ اغْفِرْ لَهُ3. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "اُسْكُتْ. فَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى، لَيْسَ بِمَرْبُوبٍ، مِنْهُ خَرَجَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ4". الْخَامِسَ عَشَرَ: مَا رَوَاهُ أَبُو5 شُرَيْحٍ6. قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَبْشِرُوا، أَبْشِرُوا، أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَأَنِّي

_ 1 لعله الحافظ ضياء الدين المقدسي الذي مرت ترجمته صفحة 64، أو الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، وهو المراد إذا أطلق الحافظ عند علماء الحديث. ورواه أبو يعلى في "معجمه" والبيهقي عن أبي هريرة. ورواه الترمذي في آخر حديث: "من شغله القرآن عن ذكري". ورواه البخاري عن أبي عبد الرحمن السلمي موقوفاً عليه في كتابه "خلق أفعال العباد". وأشار إلى تضعيفه فقال: "لو صح هذا الخبر لم يكن فيه...." وقال ابن حجر: "وخرجه ابن عدي بسند ضعيف". ورواه الدارمي عن شهر بن حوشب. ورواه أحمد في كتاب "السنة" عن الحسن، وعن أبي هريرة. "انظر: تحفة الأحوذي 8/ 244، فيض القدير 4/ 434، الفتح الكبير 2/ 268، خلق أفعال العباد ص 13، 65، السنة ص 22، سنن الدارمي 2/ 441، فتح الباري 13/ 352". 2 ساقطة من ز ش ب د ض. 3 في ش: لي. 4 وهو ما رواه الإمام أحمد عن وكيع "السنة ص 25"، ومرت الإشارة إليه صفحة 20. ومعنى "منه خرج أو بدأ" أن الله تعالى أمر به ونهى. "وإليه يعود" أي هو الذي يسأل العبد عما أمره وعما نهاه. وقال الطيبي: معنى قوله: "منه بدأ" أنه أنزله على الخلق ليكون حجة لهم وعليهم. ومعنى قوله: "إليه يعود" أن مآل أمر وعاقبته من حقيقته في ظهور صدق ما نطق به من الوعد والوعيد إليه تعالى. "انظر فيض القدير 5/ 416، شرح الكافية 1/ 29، 205". 5 ساقطة من ز. 6 هو الصحابي خويلد بن عمرو، أبو شريح الخزاعي ثم الكعبي، أسلم قبل الفتح، وكان معه لواء خزاعة يوم الفتح. قال الواقدي: كان أبو شريح الخزاعي من عقلاء المدينة. وكان يحمل أحد ألوية بني كعب بن خزاعة يوم فتح مكة. وعندما جهز عمرو بن سعيد أمير المدينة البعث إلى مهاجمة مكة في عهد يزيد بن معاوية، جاءه أبو شريح وحذره من ذلك. رُوِيَ له عشرون حديثاً. ومات بالمدينة سنة 68هـ. "انظر: الإصابة 4/ 101، الاستيعاب 4/ 101، تهذيب الأسماء 2/ 242، الخلاصة ص 452، شذرات الذهب 1/ 76".

رَسُولُ اللَّهِ؟ ", فَقَالُوا1: بَلَى. فَقَالَ2: "فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ، طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ. فَتَمَسَّكُوا بِهِ. فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا" 3. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ4. وَرَوَى مَعْنَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ5 فِي "الصَّحِيحِ" "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ

_ 1 في ز ع ب ض: قالوا. 2 في ع ض: قال. 3 رواه الطبراني عن جبير. "انظر: الفتح الكبير 1/ 17". 4 هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم، أبو بكر، الحافظ، الحجة، الثبت، النحرير، العبسي مولاهم، الكوفي. قال أبو عبيد: انتهى علم الحديث إلى أربعة؛ فأبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له، وأحمد أفقههم فيه. وقد صنف ابن أبي شيبة تصانيف كثيرة، منها: "المسند"، و"المصنف"، و"الأحكام"، و"التفسير"، و"السنن"، و"التاريخ"، و"الفتوح". مات سنة 235هـ. انظر ترجمته في "طبقات المفسرين 1/ 246، طبقات الحفاظ ص 189، ميزان الاعتدال 2/ 490، تذكرة الحفاظ 2/ 432، تاريخ بغداد 10/ 66، البداية والنهاية 10/ 315، شذرات الذهب 2/ 85، الخلاصة ص 212، الفهرست ص 320". 5 هو سليمان بن داود بن الجارود البصري، أبو داود الطيالسي الحافظ، أحد الأعلام. قال الخطيب: "كان حافظاً مكثراً ثقة ثبتاً". وقال ابن المديني: "ما رأيت أحداً أحفظ من أبي داود". وقال أبو حاتم: "أبو داود محدث صدوق كثير الخطأ"، وهو صاحب "المسند". ماب بالبصرة سنة 203هـ، وقيل سنة 204هـ. انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 2/ 203، تذكرة الحفاظ 1/ 351، تاريخ بغداد 9/ 24، الخلاصة ص 151، طبقات الحفاظ ص 149، شذرات الذهب 2/ 12". وفي ض: والطيالسي.

سَيُكَلِّمُهُ 1 رَبُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ" 2. وَفِي أَحَادِيثَ أُخَرَ تَبْلُغُ3 نَحْوَ الثَّلاثِينَ وَارِدَةٌ فِي الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ4، بَعْضُهَا صِحَاحٌ وَبَعْضُهَا حِسَانٌ، وَيُحْتَجُّ بِهَا أَخْرَجَهَا الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ غَالِبَهَا، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَأَخْرَجَ غَالِبَهَا أَيْضًا ابْنُ حَجَرٍ فِي "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ5". وَاحْتَجَّ بِهَا الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ. وَقَدْ صَحَّحُوا هَذِهِ الأَحَادِيثَ وَاعْتَقَدُوهَا مَعَ مَا فِيهَا، وَاعْتَمَدُوا عَلَيْهَا، مُنَزِّهِينَ اللَّهَ6 عَمَّا لا يَلِيقُ بِجَلالِهِ مِنْ شُبُهَاتِ الْحُدُوثِ وَغَيْرِهَا، كَمَا قَالُوا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ7. فَإِذَا رَأَيْنَا أَحَدًا مِنْ النَّاسِ مَا يُقَدَّرُ 8عُشْرَ مِعْشَارِ هَؤُلاءِ5 يَقُولُ9: لَمْ يَصِحَّ

_ 1 في ز ش: سيكلم. 2 هذا طرف من حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد عن عدي بن حاتم. "انظر: صحيح البخاري 2/ 54، 4/ 287، صحيح مسلم 2/ 702، تحفة الأحوذي 7/ 98، سنن ابن ماجه 1/ 66، مسند أحمد 4/ 256، السنة للإمام أحمد ص 43، الفتح الكبير 3/ 124، منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود 2/ 232. 3 في ز ع ب: تبلغ هذه. 4 جاء في "شرح الكافية": "وقد رُوي في إثبات الحرف والصوت أحاديث تزيد عن أربعين حديثاً، بعضها صحاح، وبعضها حسان، ويحتج بها، أخرجها الإمام الحافظ ضياء الدين المقدسي وغيره. وأخرج أحمد غالبها...." ونقل ما ذكره المصنف أعلاه. "شرح الكافية 1/ 229". 5 فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13/ 352. 6 في ز ع ب: لله. 7 انظر: فتح الباري 13/ 356، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 74، وقارن ما جاء في "فواتح الرحموت 2/ 7". 8 في ض: قدر معشارهم. 9 في ز: يقوله.

عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ وَاحِدٌ1 أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ. وَرَأَيْنَا2 هَؤُلاءِ الأَئِمَّةَ أَئِمَّةَ الإِسْلامِ الَّذِينَ اعْتَمَدَ أَهْلُ الإِسْلامِ عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَعَمِلُوا بِهَا وَدَوَّنُوهَا وَدَانُوا3 اللَّهَ بِهَا صَرَّحُوا بِأَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ لا يُشْبِهَانِ صَوْتَ مَخْلُوقٍ وَلا حَرْفَهُ بِوَجْهٍ أَلْبَتَّةَ. مُعْتَمَدِينَ عَلَى مَا صَحَّ عِنْدَهُمْ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ الْمَعْصُومِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، الَّذِي لا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى4، مَعَ اعْتِقَادِهِمْ الْجَازِمِينَ بِهِ، الَّذِي لا يَعْتَرِيهِ شَكٌّ وَلا وَهْمٌ وَلا خَيَالٌ: نَفْيَ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَالتَّعْطِيلِ وَالتَّكْيِيفِ5، وَأَنَّهُمْ قَائِلُونَ فِي صِفَةِ الْكَلامِ كَمَا يَقُولُونَ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ6 تَعَالَى، مِنْ النُّزُولِ وَالاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ وَالْوَجْهِ وَالْعَيْنِ وَغَيْرِهَا7، كَمَا قَالَهُ سَلَفُ الأُمَّةِ، مَعَ إثْبَاتِهِمْ لَهَا. {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلاَّ الضَّلالُ} 8، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} 9. وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ السِّجِسْتَانِيُّ - رَادًّا عَلَى مُنْكِرِي الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ - عَنْ

_ 1 في ب ز ش: والحق. 2 في ض: ورأيت. 3 في ع: لله. 4 هذا اقتباس من قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوْحَى} . النجم/ 3-4. 5 انظر: فتح الباري 13/ 356، مجموعة الرسائل والمسائل 2/ 153. 6 في ع: التي لله. 7 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم ص 420، 465. التعرف لمذهب أهل التصوف ص 14 وما بعدها. 8 الآية 32 من يونس. 9 الآية 40 من النور.

الزُّهْرِيِّ1 عَنْ أَبِي بَكْرِ "بْنِ" 2 عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ3 عَنْ جَرِيرٍ4 عَنْ كَعْبٍ5 أَنَّهُ قَالَ: "لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى بِالأَلْسِنَةِ كُلِّهَا قَبْلَ لِسَانِهِ،

_ 1 هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، الزهري، أبو بكر المدني التابعي، أحد الأعلام، نزل الشام. روى عن الصحابة والتابعين. رأى عشرة من الصحابة، وكان من أحفظ أهل زمانه، وأحسنهم سياقاً لمتون الأخبار، فقيهاً فاضلاً، ينسب إلى جد جده "شهاب". وكان يأتي دور الأنصار فلا يبقي فيها شابًّا إلا سأله، ولا كهلاً، ولا أنثى ولا عجوزاً إلا سأله. قال الشيرازي: "كان أعلمهم بالحلال والحرام". توفي سنة 124هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 42، تذكرة الحفاظ 1/ 108، طبقات الفقهاء ص 63، حلية الألياء 3/ 360، طبقات القراء 2/ 262، وفيات الأعيان 3/ 317، شذرات الذهب 1/ 162، الخلاصة ص 359، تهذيب الأسماء 1/ 90". 2 ساقطة من جميع النسخ، ولا بد من إضافتها. 3 هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث القرشي المخزومي، المدني التابعي، أحد فقهاء المدينة السبعة، واسمه كنيته في الصحيح. قال النووي: "وكان ثقة عالماً عاقلاً سخياً كثير الحديث". وكان يقال له راهب قريش، لفضله وكثرة صلاته. واستصغر يوم الجمل، فردَّ هو وعروة بن الزبير، وذهب بصره بعد، وكان هو وإخوته ثقات جلة، يضرب بهم المثل. دخل مغتسله فمات فجأة فيه سنة 94هـ بالمدينة. انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 2/ 194، وفيات الأعيان 1/ 253، مشاهير علماء الأمصار ص 65، تذكرة الحفاظ 1/ 63، طبقات الحفاظ ص 24، طبقات الفقهاء 47، 59، 61، المعارف ص 282، نكت الهميان ص 131، الخلاصة ص 444". 4 في ش ز: بن. وهو خطأ. 5 هو كعب بن ماتع الحميري، أبو إسحاق، المعروف بكعب الأحبار. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً، وأسلم في خلافة أبي بكر أو عمر. وقيل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. والراجح أن إسلامه كان في خلافة عمر. وكان مسكنه في اليمن، ثم قدم المدينة، ثم أتى الشام فمات بحمص سنة 32هـ، وقيل غير ذلك. وكان على دين اليهود، وكان عنده علم كثير، وكان يقص على الناس ثم أمسك حتى أمره معاوية بذلك. وذكره معاوية فقال: "إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين عند أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب". أخرجه البخاري. وأوّله بعضهم بأن مراده بالكذب عدم وقوع ما يخبر به أنه سيقع، لا أنه يكذب. توفي سنة 32هـ بحمص، وقيل سنة 35هـ. انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 315، الخلاصة ص 321، تهذيب الأسماء 2/ 68، مشاهير علماء الأمصار ص 118، شذرات الذهب 1/ 40".

فَطَفِقَ مُوسَى يَقُولُ: وَاَللَّهِ يَا رَبِّ مَا أَفْقَهُ هَذَا، حَتَّى كَلَّمَهُ بِلِسَانِهِ آخِرَ الأَلْسِنَةِ1 بِمِثْلِ صَوْتِهِ. قَالَ: وَهُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ2. رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ3 وَالزُّبَيْدِيُّ4 وَمَعْمَرٌ5 وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ6.

_ 1 في ع: الألسنة كلها. 2 روى هذا الحديث الطبريُّ بسنده عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. قال: أخبرني جزْءُ بن جابر الخثعمي، قال: سمعت كعباً يقول...." "تفسير الطبري 6/ 29". وهذا السند يتفق مع ما أثبتناه أعلاه، مع استبدال جَزْء بن جابر بجرير. 3 هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، واسم جده محمد، روى عنه أبو داود وابن ماجه، وذكره ابن حبان في الثقات. "انظر: الخلاصة ص 345، 477، ميزان الاعتدال 3/ 595، لسان الميزان 5/ 218، التاريخ الكبير 1/ 126". 4 هو محمد بن الوليد بن عامر الزُّبَيْديّ، أبو الهذيل الحمصي القاضي. روى عن الزهري ونافع وخلق. قال الأوزاعي: "لم يكن من أصحاب الزهري أثبت من الزبيدي". وقال ابن سعد: "كان أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث". وهو من أتباع التابعين, والحفاظ المتقنين، والفقهاء في الدين. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. توفي سنة 148، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 77، مشاهير علماء الأمصار ص 182، الخلاصة ص363، تذكرة الحفاظ 1/ 162، طبقات الحفاظ ص 71، شذرات الذهب 1/ 224". 5 هو مَعْمَر بن راشد الأزدي الحراني البصري، أبو عروة، نزيل اليمن. روى عن الأعمش ومحمد بن المنكدر وقتادة والزهري وخلق. قال ابن حبان: "كان فقيهاً متقناً، حافظاً ورعاً". وهو أول من ارتحل إلى اليمن في طلب الحديث، فلقي بها همام بن منبه، وله "الجامع" المشهور في السير. وهو أقدم من "الموطأ". له أوهام احتملت له في سعة ما أتقن. توفي سنة 152هـ. انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 4/ 154، مشاهير علماء الأمصار ص 192، شذرات الذهب 1/ 235، تذكرة الحفاظ 1/ 190, الخلاصة ص 384، طبقات الحفاظ ص 82". 6 هو يونس بن يزيد الأيلي، الأموي مولاهم، أبو يزيد الرقاشي. روى عن.......=

وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ1، وَهُمْ أَئِمَّةٌ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ2. وَقَوْلُهُ "بِمِثْلِ صَوْتِهِ" مَعْنَاهُ: أَنَّ مُوسَى حَسِبَهُ مِثْلَ صَوْتِهِ فِي تَمَكُّنِهِ مِنْ سَمَاعِهِ وَبَيَانِهِ عِنْدَهُ، وَيُوَضِّحُهُ قَوْله تَعَالَى: "لَوْ كَلَّمْتُك بِكَلامِي لَمْ تَكُ شَيْئًا وَلَمْ تَسْتَقِمْ لَهُ3". وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: أَنَّ أَبَاهُ أَبَا يَعْلَى: ذَكَرَ فِي "الْمُرْتَضَى مِنْ

_ = الزهري ونافع وجماعة. وروى عنه ابن وهب والأوزاعي والليث. قال ابن العماد: "صاحب الزهري، وأوثق أصحابه، وهو حجة ثقة". وقال ابن مهدي: "كتابه صحيح". لكن الإمام أحمد استنكر له أحاديث، مات بالصعيد بمصر سنة 159هـ. انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 4/ 484، تذكرة الحفاظ 1/ 162، طبقات الحفاظ ص 71، الخلاصة ص 441، شذرات الذهب 1/ 233، حسن المحاضرة 1/ 345". 1 هو شعيب بن أبي حمزة دينار، الأموي مولاهم، أبو بشر الحمصي. روى عن الزهري ونافع وابن المنكدر. أحد الأثبات المشاهير. قال يحيى بن معين: "هو أثبت الناس في الزهري". روى عن الزهري 1600 حديث. قال أحمد بن حنبل: "رأيت كتبه وقد ضبطها وقيّدها". وهو ممن صنف في العبادة. وذكر ابن سعد والسيوطي أن اسم أبي دينار حمزة. وقال الذهبي وابن العماد: "إن أبا حمزة هو ابن دينار". مات شعيب سنة 163هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 94، تذكرة الحفاظ 1/ 221، الخلاصة ص 166، العبر 1/ 242، شذرات الذهب 1/ 257، طبقات ابن سعد 7/ 468 ط صادر". وفي ش ض: ابن أبي ضمرة. وهو تصحيف. 2 انظر تفسير الطبري 6/ 29، الأسماء والصفات 1/ 189 وما بعدها. 3 يظهر أن هذا الخبر من الإسرائيليات، وأن قوله تعالى: "لو كلمتك بكلامي ... " من التوراة. وليس من القرآن الكريم يقيناًَ. وقد روى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا ... } ... الآية". رواه أبو داود في سننه. "انظر: صحيح البخاري 4/ 307، تفسير الطبري 6/ 29، سنن أبي داود 2/ 286".

الدَّلائِلِ": أَنَّ الْقَادِرَ بِاَللَّهِ1 جَمَعَ الْعُلَمَاءَ مِنْ سَائِرِ الْفِرَقِ. وَكَتَبَ رِسَالَةً فِي الاعْتِقَادِ، وَقُرِئَتْ عَلَى الْعُلَمَاءِ كُلِّهِمْ وَأَقَرُّوا بِهَا. وَكَتَبُوا خُطُوطَهُمْ عَلَيْهَا. وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ2 اعْتِقَادٌ إلاَّ هَذَا، وَقُرِئَتْ مِرَارًا فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ، وَفِيهَا: "أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ تَكَلَّمَ بِهِ تَكَلُّمًا، وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ جِبْرِيلُ مِنْ اللَّهِ. فَتَلاهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَتَلاهُ مُحَمَّدٌ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَتَلاهُ أَصْحَابُهُ عَلَى الأُمَّةِ، وَلَمْ يَصِرْ بِتِلاوَةِ الْمَخْلُوقِينَ لَهُ مَخْلُوقًا؛ لأَنَّ ذَلِكَ الْكَلامَ بِعَيْنِهِ الَّذِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ3"، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ4. وَحَكَى ابْنُ حَجَرٍ الإِجْمَاعَ مِنْ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ5 مَخْلُوقٍ، تَلَقَّاهُ جِبْرِيلُ عَنْ اللَّهِ، وَبَلَّغَهُ جِبْرِيلُ إلَى مُحَمَّدٍ، وَبَلَّغَهُ مُحَمَّدٌ إلَى أُمَّتِهِ6.

_ 1 هو أحمد بن إسحاق بن جعفر، أبو العباس الخليفة العباسي، القادر بالله. بويع له بالخلافة سنة 381هـ، وكان غائباً. قال الخطيب: "كان له من الشعر والديانة والسيادة وإدامة التهجد بالليل والصدقات، مع حسن المذهب وحسن الاعتقاد، تفقه على المذهب الشافعي". وصنف كتاباً في "الأصول" ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب أهل الحديث، وأورد فيه فضائل عمر بن عبد العزيز، وكان الكتاب يقرأ كل جمعة، وفيه تكفير المعتزلة والقائلين بخلق القرآن، وهو أطول الخلفاء العباسيين مدة في الخلافة، إذ استمر فيها 41 سنة. توفي سنة 422هـ. "انظر: تاريخ الخلفاء ص 411، شذرات الذهب 3/ 221، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 5، تاريخ بغداد 4/ 37". 2 ساقطة من د ب. 3 وجاء في تتمة الكلام أيضاً: "فهو غير مخلوق في كل حال، متلوًّا ومحفوظاً ومكتوباً ومسموعاً. "انظر مقالات الإسلاميين، المقدمة 1/ 27، التعرف لمذهب أهل التصوف ص 18". 4 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 61، 123، مقالات الإسلاميين 1/ 26، التعرف ص 18 وما بعدها. 5 في ض: وغير. 6 فتح الباري 13/ 357، وانظر مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "صَيْدِ الْخَاطِرِ": "نَهَى الشَّرْعُ عَنْ الْخَوْضِ فِيمَا يُثِيرُ غُبَارَ شُبْهَةٍ، وَلا يَقْوَى عَلَى قَطْعِ طَرِيقِهِ إقْدَامُ الْفَهْمِ. وَإِذَا كَانَ قَدْ نَهَى عَنِ1 الْخَوْضِ فِي الْقَدَرِ. فَكَيْفَ يُجِيزُ الْخَوْضَ فِي صِفَاتِ الْمُقَدِّرِ؟ وَمَا ذَاكَ2 إلاَّ لأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا لِخَوْفِ إثَارَةِ شُبْهَةٍ تُزَلْزِلُ الْعَقَائِدَ، أَوْ لأَنَّ قُوَى الْبَشَرِ تَعْجِزُ عَنْ إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ3". وَاسْتُدِلَّ لأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ عَبْدِ اللَّهِ4 وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ5 وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ وَالْحَدِيثِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالآثَارِ وَالْفِطْرَةِ وَالْعَقْلِ.

_ 1 في ب ز ض: أهل. 2 في ش ز: ذلك. والأعلى من ب ع ض، ومن صيد الخاطر. 3 صيد الخاطر ص 184. وانظر: نفس المرجع ص 181. 4 هو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، التميمي مولاهم، أبو عبد الرحمن المروزي، أحد الأئمة الأعلام. قال ابن العماد: "الإمام العالم الفقيه الحافظ الزاهد ذو المناقب ... ذو التصانيف النافعة، والرحلة الواسعة، جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والشعر وفصاحة العرب، مع قيام الليل والعبادة". وكان رحمه الله يحج عاماً ويغزو عاماً. وكانت له تجارة واسعة ينفق معظمها على الفقراء. قال ابن مهدي: "الأئمة أربعة: سفيان، ومالك، وحماد بن زيد، وابن المبارك". له مصنفات كثيرة، منها: "السنن"، و"التفسير"، و"التاريخ"، و"الزهد"، و"الجهاد". مات عند منصرفه من الغزو سنة 181هـ بهيت بالعراق. انظر ترجمته في "تاريخ بغداد 10/ 152، تذكرة الحفاظ 1/ 274، حلية الأولياء 8/ 162، الديباج المذهب 1/ 407، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 134، طبقات الحفاظ ص 117، طبقات القراء 1/ 446، طبقات المفسرين 1/ 243، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 94، المعارف ص 511، مشاهير علماء الأمصار ص 194، الخلاصة ص 211، وفيات الأعيان 2/ 236، الفهرست ص 319، تهذيب الأسماء 1/ 285". 5 هو عثمان بن سعيد بن خالد، أبو سعيد الدارمي السجستاني، الإمام الحافظ الحجة، محدث هراة، جمع بين الحديث والفقه، وكان ثقة حجة ثبتاً، وله تصانيف كثيرة. قال أبو زرعة: "رُزِق حسن التصنيف". ومن مصنفاته: "سؤالات في الرجال"، و"المسند" الكبير، و"الرد على الجهمية". وقال أبو الفضل الجارودي: "كان إماماً يقتدى به في حياته وبعد مماته". مات سنة 280هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 2/ 621، البداية والنهاية 11/ 69، طبقات الحفاظ ص 274، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 302، طبقات الحنابلة 1/ 221".

وَتَوَلُّدُهُ تَنَوُّعُهُ إلَى مَاضٍ وَأَمْرٍ وَمُضَارِعٍ وَمُشْتَقٍّ وَغَيْرِهِ، وَمَصْدَرٍ وَقَوْلٍ 1وَأَدَاةِ تَأْكِيدٍ6 وَغَيْرِ ذَلِكَ عَنْ "تَكْلِيمًا". وَالْمُنَادَاةُ وَالْمُنَاجَاةُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لا تُرْجُمَانَ بَيْنَهُمَا، وَإِسْمَاعُ الْبَشَرِ حَقِيقَةً لا يَقَعُ إلاَّ لِلأَصْوَاتِ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ غَيْرَ الصَّوْتِ يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَسْمَعَهُ مَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْبُنْيَةِ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا احْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} 2 وَالنِّدَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ، لا يَكُونُ إلاَّ بِصَوْتٍ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ اللَّهِ وَلا رُسُلِهِ3، وَلا عَنْ4 غَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ غَيْرُ صَوْتٍ. وَكَلَّمَ مُوسَى بِلا وَاسِطَةٍ إجْمَاعًا. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِ طَهَ:، "قَالَ وَهْبٌ5: وَ6نُودِيَ مِنْ الشَّجَرَةِ فَقِيلَ:

_ 1 في ب: وإرادة وتأكيد. 2 الآية 11 من طه. وفي ز ع ب ض: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ} [الآية] . 3 في ض: رسوله. 4 ساقطة من ب ع ض. 5 هو وهب بن مُنَبِّه، أبو عبد الله الصنعاني اليماني، التابعي، صاحب الأخبار والقصص. كانت له معرفة بأخبار الأوائل وأحوال الأنبياء، وسير الملوك. وكان شديد الاعتناء بكتب الأولين، وتاريخ الأمم، وصنف كتاباً في ذكر ملوك حمير وأخبارهم وقصصهم وقبورهم وأشعارهم. وهو من أبناء الفرس الذين قدموا إلى اليمن. وله إخوة منهم: همام بن منبه، وهو أكبر من وهب. ولي وهب القضاء لعمر بن عبد العزيز. وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. توفي بصنعاء سنة 110هـ، وقيل سنة 114، 116. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 5/ 88، طبقات الحفاظ ص 41، تذكرة الحفاظ 1/ 100، تهذيب الأسماء 2/ 149، حلية الأولياء 4/ 23، المعارف ص 459، الخلاصة ص 419، شذرات الذهب 1/ 150، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 74". 6 ساقطة من ع ض.

يَا مُوسَى. فَأَجَابَ سَرِيعًا -لاَ1 يَدْرِي مَنْ دَعَاهُ-. فَقَالَ: إنِّي أَسْمَعُ صَوْتَك وَلا أَرَى مَكَانَك. فَأَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا فَوْقَك وَمَعَك وَأَمَامَك وَخَلْفَك، وَأَقْرَبُ إلَيْك مِنْ نَفْسِك. فَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لا يَنْبَغِي إلاَّ لِلَّهِ. فَأَيْقَنَ بِهِ2. قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي قِصَّةِ مُوسَى: إنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّارَ هَالَتْهُ وَفَزِعَ مِنْهَا. فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا مُوسَى. فَأَجَابَ سَرِيعًا اسْتِئْنَاسًا بِالصَّوْتِ. فَقَالَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، أَسْمَعُ صَوْتَك وَلا أَرَى مَكَانَك. فَأَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: فَوْقَك وَأَمَامَك وَوَرَاءَك، وَعَنْ يَمِينِك وَعَنْ شِمَالِك. فَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لا تَنْبَغِي إلاَّ لِلَّهِ. قَالَ: فَكَذَلِكَ أَنْتَ يَا إلَهِي، كَلامَك أَسْمَعُ أَمْ كَلامَ رَسُولِك؟ قَالَ: بَلْ كَلامِي يَا مُوسَى. وَقَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: بِمَ شَبَّهْتَ صَوْتَ3 رَبِّك؟ قَالَ: إنَّهُ لا شَبَهَ لَهُ. وَرُوِيَ: أَنَّ مُوسَى لَمَّا سَمِعَ كَلامَ الآدَمِيِّينَ مَقَتَهُمْ، لِمَا وَقَرَ فِي مَسَامِعِهِ مِنْ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلأَنَّ حَقِيقَةَ التَّكَلُّمِ وَالْمُنَادَاةِ4 وَالْمُنَاجَاةِ شَيْءٌ تَوَارَدَتْ الأَخْبَارُ5 وَالآثَارُ بِهِ. فَمَا إنْكَارُهُ إلاَّ عِنَادٌ وَاتِّبَاعٌ لِلْهَوَى، وَصُدُوفٌ عَنْ الْحَقِّ، وَتَرْكٌ لِلصِّرَاطِ6 الْمُسْتَقِيمِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى لا يُفَارِقُ ذَاتَ اللَّهِ، وَلا يُبَايِنُهُ كَلامُهُ، وَلا شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ، بَلْ لَيْسَ صِفَةُ شَيْءٍ مِنْ

_ 1 في ز ش ب ع ض: ما. وما أثبتناه في الأعلى من تفسير البغوي. 2 تفسير البغوي 4/ 265. وانظر: تفسير الخازن 4/ 265. 3 في ض: كلام. 4 ساقطة من ض. 5ساقطة من ض. 6 في ب ز ع ض: الصراط.

مَوْصُوفٍ تُبَايِنُ مَوْصُوفَهَا وَتَنْتَقِلُ عَنْهُ1 إلَى غَيْرِهِ. فَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ عَاقِلٌ أَنَّ كَلامَ اللَّهِ يُبَايِنُهُ، وَيَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ؟ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: كَلامُ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ لَيْسَ بِبَائِنٍ مِنْهُ. وَقَدْ جَاءَ فِي الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ "أَنَّهُ مِنْهُ بَدَأَ، وَمِنْهُ خَرَجَ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ" نَصًّا مِنْهُ، وَمِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ، أَوْ2 الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ، وَلا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُبَايِنُهُ3 وَانْتَقَلَ عَنْهُ4. وَقَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَلامَ الْمَخْلُوقِ لا يُبَايِنُ مَحَلَّهُ5. قَالَ أَحْمَدُ: مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ6. وَقَالَ: مِنْهُ بَدَأَ عِلْمُهُ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ حُكْمُهُ. وَقَالَ تَارَةً: مِنْهُ خَرَجَ، وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ7. وَقَالَ تَارَةً: الْقُرْآنُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ جَلَبَةَ8، مِنَّا. يَعْنِي: عَلَى حَدِّ حَقِيقَةِ الْعُلُومِ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى

_ 1 ساقطة من ب ز ع ض. 2 في ض: و. 3 في ش: باينه. 4 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 52، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 35. 5 انظر: مسائل الإمام أحمد ص 266. 6 انظر فتاوى ابن تيمية 2/ 517. 7 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 40، 235، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 37. 8 هو عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن جلبة البغدادي، ثم الحراني، أبو الفتح، قاضي حران. تفقه في بغداد على القاضي أبي يعلى، ثم ولاه القضاء بحران. قال العليمي: "وكان فقيهاً واعظاً فصيحاً، كتب الكثير من مصنفات القاضي، وكان ناشراً للمذهب، داعياً إليه، وكان مفتي حران وواعظها وخطيبها ومدرسها". له مصنفات كثيرة، منها: "مختصر المجرد"، و"رؤوس المسائل"، و"أصول الفقه"، و"أصول الدين"، و"كتاب النظام بخصال الأقسام". قتل مع ولديه وجماعة، وصلبوا على يد ابن قريش العقيلي الرافضي لما أظهر سب السلف، فأنكروا عليه ذلك سنة 476هـ. وسماه ابن العماد: "عبد الله بن أحمد". انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/ 245، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 42، المنهج الأحمد 2/ 146، شذرات الذهب 3/ 352". وفي ش: ابن جلية. وفي الهامش: كذا في الأصل. وفي ض: ابن جلية.

اللَّهِ، وَارْتِفَاعُ الْقُرْآنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً عَنْ النَّاسِ، وَتَرْتَفِعُ تِلاوَتُهُ وَأَحْكَامُهُ. فَيَعُودُ إلَى اللَّهِ حَقِيقَةً بِهِمَا1. وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: "الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ". وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ2: سَمِعْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ3 يَقُولُ: أَدْرَكْت

_ 1 انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 44. 2 هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون، الكوفي، ثم المكي، الهلالي مولاهم، أبو محمد. وهو من تابعي التابعين. قال النووي: "روى عنه خلائق لا يحصون من الأئمة، واتفقوا على إمامته وجلالته وعظم مرتبته، ولم يكن له كتب، وحجّ سبعين حجة، ومناقبه كثيرة مشهورة". وكان إماماً مجتهداً حافظاً وشيخ الحجاز، وكان ورعاًَ زاهداً واسع العلم، كبير القدر، توفي بمكة سنة 198هـ، ودفن بالحجون. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 262، تاريخ بغداد 9/ 174، حلية الأولياء 7/ 270، طبقات القراء 1/ 308، طبقات المفسرين 1/ 190، طبقات الحفاظ ص 113، وفيات الأعيان 2/ 129، الخلاصة ص 145، تهذيب الأسماء 1/ 224، شذرات الذهب 1/ 354، ميزان الاعتدال 2/ 170، الفهرست ص 316". 3 هو عمرو بن دينار، أبو محمد الجُمَحي مولاهم، المكي التابعي. قال النووي: "وأجمعوا على جلالته وإمامته وتوثيقه، وهو أحد أئمة التابعين وأحد المجتهدين أصحاب المذاهب". روى عن جابر وأبي هريرة وابن عمر وغيرهم. وروى عنه شعبة والحمادان والسفيانان وقتادة وغيرهم. وكان عالم مكة، وكان مولى، ولكن شرفه بالعلم. وقال عنه سفيان ين عيينة: هو ثقة ثقة ثقة ثقة أربع مرات. وقال: وحديث أسمعه من عمرو أحبّ إليّ من عشرين من غيره. توفي سنة 126هـ. انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 1/ 113، طبقات الفقهاء ص 70، طبقات الحفاظ ص 43، تهذيب الأسماء 2/ 27، طبقات القراء 1/ 600، الخلاصة ص 288، المعارف ص 468، شذرات الذهب 1/ 171.

مَشَايِخَنَا وَالنَّاسَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ 1". وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ2 أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنَّكُمْ لَنْ تَتَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ بِأَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ - يَعْنِي الْقُرْآنَ" 3.

_ 1 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 505، السنة ص 25، شرح الكافية 1/ 205. 2 هو الصحابي خباب بن الأرت بن جندلة التميمي، ويقال الخزاعي، أبو عبد الله. سبي في الجاهلية، فبيع في مكة، وحالف بني زهرة، وكان يألف رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، ويألفه رسول الله، وكان من السابقين الأولين، أسلم سادس ستة، وهو أول من أظهر إسلامه مع أبي بكر وعمار، وكان من المستضعفين، وعذب عذاباً شديداً لأجل ذلك، ثم شهد المشاهد كلها. روى الطبراني قال: "لما رجع علي من صفين مر بقبر خباب فقال: رحم الله خباباً، أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً، وابتلي في جسمه أحوالاً، ولن يضيع الله أجره". وكان يعمل السيوف. مات سنة 37 هـ. وهو أول من دفن بظهر الكوفة. "انظر: الإصابة 1/ 416، الاستيعاب 1/ 423، تهذيب الأسماء 1/ 174، شذرات الذهب 1/ 47، الخلاصة ص 104". 3 رواه الترمذي عن جبير بن نفير أيضاً بلفظ: "إنكم لن ترجعوا إلى الله بأفضل مما خرج منه...." ورواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي في "المسند". ورواه عن جبير في "الزهد"، وفي سنده بكر بن خنيس، وهو متكلم فيه. ورواه أحمد في "السنة". ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد" عن خباب بن الأرت موقوفاً عليه، ثم قال: هذا الخبر لا يصح لإرساله وانقطاعه. وقد مر صفحة 75. "انظر: تحفة الأحوذي 8/ 230، مسند أحمد 5/ 268، السنة ص 17، 20، فيض القدير 2/ 552، خلق أفعال العباد ص 13، 65".

وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْمَقْرُوءُ، وَالتِّلاوَةَ هُوَ الْمَتْلُوُّ1. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا. فَإِنَّمَا أَرَادَ حَسْمَ الْمَادَّةِ، لِئَلاَّ يَتَدَرَّجَ أَحَدٌ إلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ. كَمَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. حَسْمًا لِلْمَادَّةِ2. اهـ. وَإِلاَّ فَلا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرٌ3. وَقَالَ مَالِكٌ الصَّغِيرُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ4: "إنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بِذَاتِهِ. وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِذَاتِهِ، وَأَسْمَعَهُ كَلامَهُ، لا كَلامًا قَامَ فِي غَيْرِهِ" اهـ.

_ 1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 6، الإنصاف للباقلاني ص 112، فتاوى ابن تيمية 12/ 75، 211، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23، فتح الباري 13/ 391، 397. 2 قال البخاري: "من نقل عني أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فقد كذب، وإنما قلت: إن أفعال العباد مخلوقة". "انظر: فتح الباري 13/ 387" وانظر: صيد الخاطر لابن الجوزي ص 102، السنة ص 29، فتاوى ابن تيمية 12/ 242. 3 بين الحافظ ابن حجر الفرق بين هذه الأمور فقال: "إن حركة لسان القارئ بالقرآن من فعل القارئ، بخلاف المقروء، فإنه كلام الله القديم، كما أن حركة لسان ذاكر الله حادثة من فعله، والمذكور هو الله سبحانه وتعالى قديم". "فتح الباري 13/ 385". ثم نقل كلام البخاري في "خلق أفعال العباد" أنه قال: "القرآن مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء على الألسنة، فالقراءة والحفظ والكتابة مخلوقة، والدليل عليه أنك تكتب "الله" وتحفظه وتدعوه، فدعاؤك وحفظك وكتابتك وفعلك مخلوق، والله هو الخالق. "فتح الباري 13/ 387-388". وانظر: فتح الباري 13/ 391، 397، فواتح الرحموت 2/ 6، فتاوى ابن تيمية 12/ 74، 170، 424 وما بعدها، مجموعة الرسائل والمسائل 23/ 24. 4 هو أبو محمد، عبد الله بن عبد الرحمن، وكنية عبد الرحمن أبو زيد، نفري النسب، سكن القيروان، وكان إمام المالكية في وقته، وقدوتهم، وجامع مذهب مالك، وشارح أقواله، وكان واسع العلم، كثير الحفظ والرواية، يقول الشاعر ويجيده مع الصلاح والورع، وهو الذي لخص المذهب ونشره، فكان يعرف: بمالك الصغير. وكان سريع الانقياد للحق والرجوع إليه. ومن مصنفاته: "مختصر المدونة"، و"النوادر الزيادات على المدونة"، و"الاقتداء بأهل المدينة"، و"الرسالة"، و"التنبيه"، و"المناسك"، و"الذب عن مذهب مالك". توفي سنة 386 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الديباج المذهب 1/ 127، شجرة النور الزكية ص 96، الفهرست ص 283، شذرات الذهب 3/ 131".

وَ1قَالَ الطَّحَاوِيُّ2: "إنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ، مِنْهُ بَدَأَ بِلا كَيْفِيَّةٍ قَوْلاً. وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَحْيًا وَصَدَّقَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حَقًّا، وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ بِالْحَقِيقَةِ3"، وَهُوَ صَرِيحٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ 4بْنُ خُزَيْمَةَ5 - مِنَّا - لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا، وَلا مِثْلَ لِكَلامِهِ، وَاسْتَصْوَبَاهُ. وَمِنْ الْمُسْتَبْعَدِ جِدًّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلامُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كُلُّهُ مَجَازٌ لا حَقِيقَةَ فِيهِ، وَلَوْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ، وَبِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ

_ 1 ساقطة من ع. 2 هو أحمد بن محمد بن سلامة، أبو جعفر الطحاوي الأزدي المصري، الإمام العلامة الحافظ، الفقيه الحنفي، ابن أخت المزني، وهن صاحب التصانيف البديعة، وكان ثقة ثبتاً، انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة. ومصنفاته كثيرة، منها: "أحكام القرآن"، و"معاني الآثار"، و"بيان مشكل الآثار":، و"المختصر في الفقه"، و"اختلاف الفقهاء"، و"العقيدة"، وحكم أراضي مكة". توفي بمصر سنة 321هـ. انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 116، تذكرة الحفاظ 3/ 808، طبقات المفسرين 1/ 73، طبقات الفقهاء ص 142، الفوائد البهية ص 31، وفيات الأعيان 1/ 53، طبقات الحفاظ ص 337، تاج التراجم ص 8، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 162، حسن المحاضرة 1/ 350، الفهرست ص 292". 3 شرح العقيدة الطحاوية ص 117. 4 في ز ع: وابن. 5 الغالب أنه أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة المحدث الشافعي، لكن ابن أبي يعلى ذكر محمد بن إسحاق في تراجم الحنابلة. وقال عنه: من جملة من نقل عن إمامنا. انظر: "طبقات الحنابلة 1/ 270".

مِنْهُ1 يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ. قَالَ الطُّوفِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: هُوَ حَقِيقَةٌ، وَلَكِنْ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْكَلامِ النَّفْسِيِّ بِالاشْتِرَاكِ، كَمَا قُلْتُمْ: إنَّ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةَ فِي الشَّرْعِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَقِيقَةٌ، لَكِنْ مُخَالِفَةٌ لِلصِّفَاتِ الْمُشَاهَدَةِ، وَهِيَ مَقُولَةٌ بِالاشْتِرَاكِ. قُلْنَا: نَحْنُ اُضْطُرِرْنَا إلَى الْقَوْلِ بِالاشْتِرَاكِ، فِي الصِّفَاتِ2 لِوُرُودِ نُصُوصِ الشَّرْعِ الثَّابِتَةِ بِهَا. فَأَنْتُمْ مَا الَّذِي اضْطَرَّكُمْ إلَى إثْبَاتِ الْكَلامِ النَّفْسِيِّ؟ فَإِنْ قِيلَ: دَلِيلُ الْعَقْلِ3 الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ لا صَوْتَ وَلا حَرْفَ إلاَّ مِنْ جِسْمٍ، قُلْنَا: فَمَا أَفَادَكُمْ إثْبَاتُهُ شَيْئًا؛ لأَنَّ الْكَلامَ النَّفْسِيَّ الَّذِي أَثْبَتُّمُوهُ لا يَخْرُجُ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ أَنْ يَكُونَ عِلْمًا أَوْ تَصَوُّرًا، عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ عَنْ أَئِمَّتِكُمْ. فَإِنْ كَانَ عِلْمًا فَقَدْ رَجَعْتُمْ مُعْتَزِلَةً، وَنَفَيْتُمْ الْكَلامَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَوَّهْتُمْ عَلَى النَّاسِ بِتَسْمِيَتِكُمْ الْعِلْمَ كَلامًا. وَإِنْ كَانَ تَصَوُّرًا، فَالتَّصَوُّرُ فِي الشَّاهِدِ حُصُولُ صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْلِ. وَإِنَّمَا يُعْقَلُ فِي الأَجْسَامِ. وَإِنْ عَنَيْتُمْ تَصَوُّرًا مُخَالِفًا لِلتَّصَوُّرِ فِي الشَّاهِدِ، لائِقًا بِجَلالِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَثْبِتُوا كَلامًا عِبَارَةً عَنْ خِلافِ الشَّاهِدِ4، لائِقَةً5 بِجَلالِهِ تَعَالَى. وَهَذَا كَلامٌ مَتِينٌ لا مَحِيدَ لِلْمُنْصِفِ عَنْهُ.

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 في ز ع: ورود. وفي ب ض: وورود. 3 في ز ع ض: العقلي. 4 قال الآمدي: "الكلام في الشاهد، أعني كلام اللسان والنطق اللساني". "غاية المرام ص 117". 5 في ب: لائق.

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ1: "أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ2 عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى، وَعَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَالصُّحُفِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا. فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: إنَّ كَلامَ اللَّهِ صِفَةُ فِعْلٍ مَخْلُوقٍ3، وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِكَلامٍ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَتْبَاعُهُ4: كَلامُ اللَّهِ هُوَ عِلْمُهُ لَمْ يَزَلْ، وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ. 5وَقَالَتِ الأَشَاعِرَةُ6: كَلامُ اللَّهِ صِفَةُ ذَاتٍ لَمْ تَزَلْ7، وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ7، وَهُوَ غَيْرُ8 عِلْمِ اللَّهِ، وَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى إلاَّ كَلامٌ وَاحِدٌ9. وَاحْتُجَّ لأَحْمَدَ: بِأَنَّ الدَّلائِلَ الْقَاطِعَةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُشْبِهُهُ

_ 1 هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، أبو محمد الأموي الظاهري. قال ابن خلكان: "كان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب، وكان متفنناً في علوم جمة، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه، متواضعاً". له مصنفات كثيرة، منها: "الإيصال في فهم الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام"، و"المحلى"، و"الإحكام لأصول الأحكام"، و"الفصل في الملل والنحل"، و"الإجماع"، و"طوق الحمامة" وغيرها. توفي سنة 456هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 3/ 1146، وفيات الأعيان 3/ 13، الفتح المبين 1/ 243، الصلة 2/ 415، بغية الملتمس ص 403، شذرات الذهب 3/ 299، طبقات الحفاظ ص 436". 2 في "الفصل في الملل": أهل الإسلام. 3 في ش ز ع ب ض: مخلوقة. وما أثبتناه في الأعلى من "الفصل في الملل". 4 في "الفصل": وقال أهل السنة ... وهو قول أحمد. 5 ساقطة من ش ز. 6 في "الفصل": الأشعرية. 7 في ش ز ع ب ض: يزل. 8 في ش ز ع ب ض: عين. وما أثبتناه في الأعلى من "الفصل في الملل". 9 الفصل في الملل 3/ 5. وانظر: فتح الباري 13/ 350-351، الإبانة للأشعري ص 19، الإنصاف للباقلاني ص 110 وما بعدها.

شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، فَلَمَّا كَانَ كَلامُنَا غَيْرَنَا وَكَانَ مَخْلُوقًا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلامُ اللَّهِ لَيْسَ غَيْرَهُ، وَلَيْسَ مَخْلُوقًا1. وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لِذَلِكَ2. وَقَالَ أَيْضًا: اخْتَلَفُوا. فَقَالَتِ3 الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَبَعْضُ الزَّيْدِيَّةِ، وَالإِمَامِيَّةِ، وَبَعْضُ الْخَوَارِجِ: كَلامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، خَلَقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فِي بَعْضِ الأَجْسَامِ، كَالشَّجَرَةِ حِينَ كَلَّمَ مُوسَى4. وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَتَكَلَّمُ، وَإِنْ نُسِبَ إلَيْهِ ذَلِكَ فَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: يَتَكَلَّمُ حَقِيقَةً، لَكِنْ يَخْلُقُ ذَلِكَ الْكَلامَ فِي غَيْرِهِ5. وَقَالَتْ الْكَرَّامِيَّةُ: الْكَلامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ، لازِمَةٌ لِذَاتِ اللَّهِ. كَالْحَيَاةِ، وَأَنَّهُ لا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَتَكْلِيمُهُ مَنْ كَلَّمَهُ: إنَّمَا هُوَ خَلْقُ إدْرَاكٍ لَهُ يَسْمَعُ بِهِ الْكَلامَ، وَنِدَاؤُهُ لِمُوسَى لَمْ يَزَلْ، لَكِنَّهُ أَسْمَعَهُ ذَلِكَ حِينَ نَادَاهُ6.

_ 1 الفصل في الملل والنحل 3/ 5، وانظر: فتح الباري 13/ 351. 2 المراجع السابقة. 3 في ع: قال. 4 في ض: كلَّمه. 5 يقول ابن تيمية عن المعتزلة: "لكن معنى كونه سبحانه متكلماً عندهم أنه خلق الكلام في غيره. فمذهبهم ومذهب الجهمية في المعنى سواء، لكن هؤلاء يقولون: هو متكلم حقيقة، وأولئك ينفون أن يكون متكلماً حقيقة، وحقيقة قول الطائفتين أنه غير متكلّم، فإنه لا يعقل متكلم إلا من قام به الكلام". "مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 27". 6 انظر: فتح الباري 13/ 351، منهاج السنة 1/ 38، فتاوى ابن تيمية 12/ 149.

وَيُحْكَى عَنْ الْمَاتُرِيدِيِّ الْحَنَفِيِّ أَبِي مَنْصُورٍ1 نَحْوُهُ، لَكِنْ قَالَ: خَلَقَ صَوْتًا حِينَ نَادَاهُ فَأَسْمَعَهُ كَلامَهُ. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ هَذَا مُرَادُ السَّلَفِ الْقَائِلِينَ: إنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ2. [وَقَالُوا إذَا كَانَ الْكَلامُ قَدِيمًا لِعَيْنِهِ، لازِمًا لِذَاتِ الرَّبِّ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ] 3 فَالْحُرُوفُ لَيْسَتْ قَدِيمَةً؛ لأَنَّهَا مُتَعَاقِبَةٌ، وَمَا كَانَ مَسْبُوقًا بِغَيْرِهِ وَمَفْقُودًا حِينَ التَّلَفُّظِ بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا4، وَالْكَلامُ الْقَدِيمُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ لا يَتَعَدَّدُ وَلا يَتَجَزَّأُ، بَلْ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ إنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ:

_ 1 هو محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي، من كبار العلماء، وكان إمام المتكلمين، وعرف بإمام الهدى، وكان قوي الحجة، مفحماً في الخصومة. دافع عن عقائد المسلمين، ورد شبهات الملحدين، له كتاب "التوحيد"، و"المقالات"، و"رد أوائل الأدلة"، للكعبي، و"بيان وهم المعتزلة"، و"تأويلات القرآن"، و"مأخذ الشرائع في الفقه"، و"الجدل" في أصول الفقه. ورأيه وسط بين المعتزلة والأشاعرة. مات بسمرقند سنة 333هـ. انظر ترجمته في "الجواهر المضيئة 2/ 130، الفوائد البهية ص 195، تاج التراجم ص 59، الفتح المبين 1/ 182، الفكر السامي 3/ 93". 2 انظر: فتح الباري 13/ 351. 3 ما بين القوسين إضافة من فتح الباري 13/ 351. وهي إضافة ضرورية لصحة السياق والمعنى، ولأن المصنف نقل هذه الفقرات بأكملها من فتح الباري وحكى هذا النص الأخير عن ابن كلاب والقلانسي والأشعري. 4 قال السبكي: "ثم زاد ابن كلاب وأبو العباس القلانسي على سائر أهل السنة، فذهبا إلى أن كلام الله تعالى لا يتصف بالأمر والخبر في الأزل، لحدوث هذه الأمور، وقد الكلام النفسي، وإنما يتصف فيما لا يزال، فألزمهما أئمتنا أن يكون القدر المشترك موجوداً". "طبقات الشافعية الكبرى 2/ 300". والقلانسي هو أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن خالد، إمام أهل السنة في القرن الثالث، وصنف في الكلام مائة وخمسين مصنفاً. "انظر: طبقات الشافعية الكبرى 2/ 300، فتاوى ابن تيمية 12/ 165، الإنصاف للباقلاني ص 99".

فَقُرْآنٌ، أَوْ1 بِالْعِبْرَانِيَّةِ: فَتَوْرَاةٌ مَثَلاً2. وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ كَلامُ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ التَّوْرَاةُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ، وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِحُرُوفِ الْقُرْآنِ، وَأَسْمَعَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمَلائِكَةِ وَالأَنْبِيَاءِ صَوْتَهُ. وَقَالُوا: إنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ وَالأَصْوَاتَ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ، لازِمَةٌ لِلذَّاتِ3، لَيْسَتْ مُتَعَاقِبَةً، بَلْ لَمْ تَزَلْ قَائِمَةً بِذَاتٍ مُقْتَرِنَةٍ لا تُسْبَقُ، وَالتَّعَاقُبُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ، بِخِلافِ الْخَالِقِ4. وَذَهَبَ أَكْثَرُ هَؤُلاءِ إلَى أَنَّ الأَصْوَاتَ وَالْحُرُوفَ هِيَ الْمَسْمُوعَةُ مِنْ الْقَارِئِينَ، وَأَبَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: لَيْسَتْ هِيَ الْمَسْمُوعَةَ مِنْ الْقَارِئِينَ5. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ6 بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِالْحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ7، وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، لَكِنَّهُ فِي الأَزَلِ لَمْ يَتَكَلَّمْ، لامْتِنَاعِ وُجُودِ الْحَادِثَاتِ8 فِي الأَزَلِ، فَكَلامُهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ، لا مُحْدَثٌ9.

_ 1 في ض: و. 2 انظر: فتح الباري 13/ 351، فتاوى ابن تيمية 12/ 44، 52. 3 في ع ب ض: الذات. 4 انظر: فتح الباري 13/ 351، فتاوى ابن تيمية 12/ 49، تفسير القرطبي 1/ 55. 5 انظر: فتح الباري 13/ 351، فتاوى ابن تيمية 12/ 138. 6 في ع: يتكلم. 7 في ب ع ض: بذاته. وهو متفق مع "فتح الباري". 8 في "فتح الباري": الحادث. 9 انظر: فتح الباري 13/ 351، فتاوى ابن تيمية 12/ 49.

وَذَهَبَ الْكَرَّامِيَّةُ: إلَى أَنَّهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ وَمُحْدَثٌ1. وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ2: أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: "إنَّهُ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ3 بِكَلامٍ يَقُومُ بِذَاتِهِ وَمَشِيئَتِهِ4 وَاخْتِيَارِهِ": هُوَ أَصَحُّ الأَقْوَالِ نَقْلاً وَعَقْلاً، وَأَطَالَ5. وَالْمَحْفُوظُ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ تَرْكُ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَالتَّعَمُّقِ6 فِيهِ، وَالاقْتِصَارُ7 عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، ثُمَّ السُّكُوتُ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ8. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَيْضًا9: "اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكَلامِ فِي أَنَّ كَلامَ اللَّهِ هَلْ هُوَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ أَمْ لا؟ فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لا يَكُونُ الْكَلامُ إلاَّ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ. وَالْكَلامُ الْمَنْسُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَائِمٌ بِالشَّجَرَةِ. وَقَالَتْ الأَشَاعِرَةُ: كَلامُهُ10 لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ، وَأَثْبَتَتْ الْكَلامَ

_ 1 انظر: فتح الباري 13/ 351. 2 قال ابن حجر: وذكر الفخر الرازي في "المطالب العالية". "فتح الباري 13/ 351". 3 في فتح الباري: متكلم. 4 في ش ب ض: بمشيئته. 5 انظر فتح الباري 13/ 351. 6 في ب ع ض: التعميق. 7 في ش ض: والاختصار. 8 فتح الباري 13/ 351. وانظر: الإيمان لابن تيمية ص 344، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 17، 23، الإبانة للأشعري ص 33، الإنصاف للباقلاني ص 71. 9 فتح الباري 13/ 356 في آخر باب: قول الله: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} من كتاب التوحيد. 10 في فتح الباري: كلام الله.

النَّفْسِيَّ، وَحَقِيقَتُهُ: مَعْنًى قَائِمٌ بِالنَّفْسِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عَنْهُ الْعِبَارَةُ، كَالْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ، وَاخْتِلافُهَا لا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلافِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ، وَالْكَلامُ النَّفْسِيُّ هُوَ ذَلِكَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ. وَأَثْبَتَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ1 بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ. أَمَّا الْحُرُوفُ2: 3فَلِلتَّصْرِيحِ بِهَا فِي ظَاهِرِ4 الْقُرْآنِ3، وَأَمَّا الصَّوْتُ: فَمَنْ مَنَعَ مِنْهُ5 قَالَ: إنَّ الصَّوْتَ هُوَ الْهَوَاءُ الْمُتَقَطِّعُ6 الْمَسْمُوعُ مِنْ الْحَنْجَرَةِ. وَأَجَابَ مَنْ أَثْبَتَهُ بِأَنَّ الصَّوْتَ الْمَوْصُوفَ بِذَلِكَ هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ الآدَمِيِّينَ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَصِفَاتُ الرَّبِّ بِخِلافِ ذَلِكَ. فَلا يَلْزَمُ7 الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ، مَعَ اعْتِقَادِ التَّنْزِيهِ وَعَدَمِ التَّشْبِيهِ8. وَيَجُوزُ9 أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْحَنْجَرَةِ، فَلا يَلْزَمُ التَّشْبِيهُ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ 10بْنُ أَحْمَدَ10: سَأَلْت أَبِي عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ: لَمَّا كَلَّمَ

_ 1 في "فتح الباري": متكلم. 2 في ش: الحرف. والأعلى من "فتح الباري" ومن ع ب ز ض. 3 في ع: فالتصريح بها في ظاهر القرآن. والأعلى من "فتح الباري". وفي ش ب ز ض: فلا تصريح به في ظاهر القرآن. 4 ساقطة من ش ع ز. والأعلى من ب و"فتح الباري". 5 ساقطة من ب ع ض. 6 في ز ع ب ض: المنقطع. وكذا في "فتح الباري". 7 في ز ع ب ض: يلزمه. 8 في ز: الشبيه. 9 في في ب ع ض: وأنه يجوز. وكذا في "فتح الباري". 10 ساقطة من ز ع ب ض. وفي "فتح الباري": ابن أحمد بن حنبل في كتاب "السنة".

اللَّهُ مُوسَى لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ"؟ فَقَالَ لِي أَبِي: بَلْ يَتَكَلَّمُ1 بِصَوْتٍ، وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تُرْوَى كَمَا جَاءَتْ. وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ2". قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ 3ابْنُ تَيْمِيَّةَ13 فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ4: اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلامِ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَكْثَرُهُمْ قَوْلَ السَّلَفِ فِيهَا، بَلْ يَذْكُرُونَ قَوْلَيْنِ وَثَلاثَةً وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، مَعَ أَنَّهَا بَلَغَتْ أَقْوَالُهُمْ فِيهَا إلَى تِسْعَةٍ5. أَحَدُهَا: أَنَّ كَلامَ اللَّهِ هُوَ مَا6 يَفِيضُ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ الْمَعَانِي، إمَّا مِنْ

_ 1 في "فتح الباري": تكلم. 2 انتهى كلام ابن حجر في "فتح الباري 13/ 356". وانظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 243 وما بعدها. 3 ساقطة من ب ع ض. 4 هو ابن المطهّر، جمال الدين أبو منصور، الحسن و"قيل الحسين" بن يوسف بن على بن المطهر الحلي، المشهور عند الشيعة بالعلامة. وهو الذي ألف كتاباً باسم "منهاج الاستقامة في إثبات الإمامة" ورد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية بكتاب عظيم "منهاج السنة النبوية" في أربع مجلدات. ولابن المطهر مصنفات كثيرة، منها: "منتهى المطلب في تحقيق المذهب"، و"تلخيص المرام في معرفة الأحكام"، و"تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية"، و"شرح مختصر ابن الحاجب" في أصول الفقه. توفي سنة 726هـ". "انظر: الأعلام للزركلي 2/ 244، مرآة الجنان 4/ 276، الدرر الكامنة 2/ 71، روضات الجنات ص 172، لسان الميزان 2/ 317، مقدمة منهاج السنة النبوية 1/ 2، 5، 16 مطبعة المدني". وفي ش: الرافضة. 5 انظر هذه الأقوال باختصار في "فتاوى ابن تيمية 12/ 42، 162 وما بعدها، منهاج السنة 1/ 221، شرح العقيدة الطحاوية ص 117 وما بعدها، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 113، التعرف ص 18 وما بعدها". وانظر منهاج السنة 2/ 278 تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، مطبعة المدني، فإن المحقق استكمل النقص الموجود في الطبعة الأولى. 6 ساقطة من ز ع ب ض. وفي ش: أن. والأعلى من د و"شرح العقيدة الطحاوية" و"منهاج السنة".

الْعَقْلِ الْفَاعِلِ1 عِنْدَ بَعْضِهِمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ بَعْضٍ آخَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الصَّابِئَةِ2 وَالْمُتَفَلْسِفَة، كَابْنِ سِينَا3 وَأَمْثَالِهِ4. الثَّانِي: قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ: أَنَّهُ5 مَخْلُوقٌ6 خَلَقَهُ اللَّهُ مُنْفَصِلاً عَنْهُ7. الثَّالِثُ: لِلْكُلاَّبِيَّةِ8 وَالأَشْعَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا: أَنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ، لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ9، وَالْكَلامُ الَّذِي بَيْنَ النَّاسِ عِبَارَةٌ عَنْهُ، وَهُوَ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ10 وَالاسْتِخْبَارُ، فَإِنْ11 عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: كَانَ قُرْآنًا.

_ 1 في فتاوى ابن تيمية، ومنهاج السنة، ومجموعة الرسائل والمسائل: الفعال. 2 ساقطة من ز ع ب ش ض. وأثبتنا من د ومنهاج السنة وفتاوى ابن تيمية. 3 هو الحسين بن عبد الله بن سينا، أبو علي الرئيس الحكيم المشهور، صاحب التصانيف الكثيرة في الفلسفة والطب، أبوه من بلْخ، ثم انتقل إلى بخارى. وانتقل ابن سينا في البلاد، واشتغل بالعلوم، وحصل الفنون، وأتقن علم القرآن والأدب، وحفظ أشياء من أصول الدين والحساب والجبر. ثم نظر في علوم المنطق واليونان، ثم رغب في علم الطب، فمارسه ودرسه حتى فاق فيه غيره. ومن مصنفاته: "الشفا" في الحكمة والفلسفة، و"النجاة"، و"الإشارة"، و"القانون"، و"الأوسط الجرجاني"، وله شعر. توفي بهمذان سنة 428هـ. وقد طعن به الكثير كاليافعي وابن الصلاح، وكفره الغزالي، وأثنى عليه ابن خلكان. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 419، شذرات الذهب 3/ 234، مرآة الجنان 3/ 47". 4 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 117، منهاج السنة 1/ 221. 5 في ع: هو أنه. 6 في ز: غير مخلوق. وهو خطأ. 7 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، فتاوى ابن تيمية 12/ 163، منهاج السنة 2/ 280 مطبعة المدني، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 42. 8 في ز ع ب ض: الكلابية. 9 في ع: بصوت. 10 ساقطة من ز ع ب ض: وما أثبتناه من د ومنهاج السنة الطبعة الجديدة فقط. 11 في ز ع ب: وإن.

وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرِيَّةِ: كَانَ تَوْرَاةً1. الرَّابِعُ: لِلسَّالِمِيَّةِ2 وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ:3أَنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ مُجْتَمِعَةٌ فِي الأَزَلِ8، وَذَكَرَهُ الأَشْعَرِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ نَحْوِ4 السَّالِمِيَّةِ5، فَهُوَ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ عِنْدَهُمْ6. الْخَامِسُ: لِلْكَرَّامِيَّةِ7 وَنَحْوِهِمْ: أَنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ؛ لَكِنْ تَكَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا8 بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا9. السَّادِسُ: لِلرَّازِيِّ فِي10 "إشْكَالِهِ"11 مَثَلاً، وَصَاحِبِ "الْمُعْتَبَرِ"12: أَنَّ

_ 1 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، فتاوى ابن تيمية 12/ 165، منهاج السنة 1/ 221، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 113. 2 في ض: السالمية. 3 ساقطة من ز ع ب ض. وفي منهاج السنة 1/ 221: أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل. 4 في ب ز ض: ونحو. 5 في ب ز: السلامة. وانظر: مقالات الإسلاميين 2/ 234. 6 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، منهاج السنة 1/ 221، مجموعة الرسائل والمسائل 2/ 39. 7 في ز ع ب ض: الكرامية. 8 ساقطة من ش ز ع ب ض. 9 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، فتاوى ابن تيمية 12/ 172، منهاج السنة 1/ 221. 10 في ع: و. 11 في شرح "العقيدة الطحاوية ص 118": في المطالب العالية. 12 هو هبة الله بن علي بن ملْكا، أبو البركات البغدادي، الفيلسوف والطبيب. كان يهوديًّا ثم أسلم، وحسن إسلامه، وخدم الملوك والخلفاء بصناعته، وخدم العامة بحسن تدبيره. قال عنه ابن تيمية: أقرب الفلاسفة إلى السنة والحديث. وقال: وكان ابن سينا نشأ في بين المتكلمين والنفاة للصفات، وابن رشد نشأ بين الكلابية، وأبو البركات نشأ ببغداد بين............=

كَلامَهُ يَرْجِعُ إلَى مَا يُحْدِثُهُ1 مِنْ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ2. السَّابِعُ: لأَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ: أَنَّ كَلامَهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنًى قَائِمًا بِذَاتِهِ هُوَ3 مَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ4. الثَّامِنُ: لأَبِي الْمَعَالِي وَمَنْ تَبِعَهُ: أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَعْنَى الْقَدِيمِ الْقَائِمِ بِالذَّاتِ، وَبَيْنَ مَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الأَصْوَاتِ5. التَّاسِعُ: أَنَّهُ يُقَالُ6: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَمَتَى شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ بِكَلامٍ يَقُومُ بِهِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ يُسْمَعُ، وَأَنَّ نَوْعَ الْكَلامِ قَدِيمٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّوْتُ الْمُعَيَّنُ قَدِيمًا. وَهَذَا الْقَوْلُ: هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ7. وَمِنْ أَعْظَمِ الْقَائِلِينَ8 بِهِ: إمَامُنَا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ وَنَحْوُهُمْ.

_ =المسلمين. "منهاج السنة 1/ 98". ونقل عنه ابن تيمية كثيراً وناقشه. وصنف أبو البركات عدة كتب أهمها "المعتبر" في الحكمة. وهو من أجل كتبه وأشهرها، و"النفس" وغير ذلك. عمي في آخر عمره. توفي سنة 547هـ. "انظر: مقالة السيد سليمان الندوي في آخر كتاب المعتبر المطبوع في الهند 1357هـ، الرد على المنطقيين ص 125، منهاج السنة 2/ 281 مط المدني، نكت الهميان ص 304". 1 في جميع النسخ: يحدث. والذي أثبتناه في الأعلى من "شرح العقيدة الطحاوية ص 118". 2 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، منهاج السنة 2/ 281 مطبعة المدني. 3 في "منهاج السنة 2/ 282 مطبعة المدني": وهو. 4 انظر: منهاج السنة 2/ 282 مطبعة المدني، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 39. 5 انظر: منهاج السنة 2/ 282 مطبعة المدني. 6 في "فتاوى ابن تيمية 12/ 173": أن الله تعالى. وفي "شرح العقيدة الطحاوية ص 118": أنه تعالى. 7 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، فتاوى ابن تيمية 12/ 173، منهاج السنة 1/ 221. 8 في ب ع ض: القائل.

وَ1قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: نَصَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ "الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ": "أَنَّ كَلامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ وَ2مَتَى شَاءَ بِلا كَيْفٍ"3. قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُهُ: "إذَا شَاءَ"، أَيْ أَنْ يُسْمِعَنَا. قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ يَأْمُرُ بِمَا شَاءَ4 وَيْحُكُمْ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَافْتَرَقَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ فِرْقَتَيْنِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَلامُهُ لازِمٌ لِذَاتِهِ. وَالْحُرُوفُ وَالأَصْوَاتُ مُقْتَرِنَةٌ لا مُتَعَاقِبَةٌ. وَيُسْمِعُ كَلامَهُ مَنْ شَاءَ، وَأَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا شَاءَ إذَا شَاءَ. وَأَنَّهُ نَادَى مُوسَى حِينَ كَلَّمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ نَادَاهُ مِنْ قَبْلُ5. وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الأَشْعَرِيَّةِ: أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ، مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ، مَقْرُوءٌ بِالأَلْسِنَةِ. قَالَ تَعَالَى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 6 {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} 7 وَفِي الْحَدِيثِ "لا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ

_ 1 ساقطة من ب ع ض. 2 ساقطة من ب ز ع ض. 3 انظر: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص 232، 248 من العدد الثامن من مجلة أضواء الشريعة بالرياض. 4 في ب: يشاء. 5 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 73. 6 الآية 6 من التوبة. 7 الآية 49 من العنكبوت.

كَرَاهَةَ 1 أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ" 2 وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا فِي الصُّدُورِ، بَلْ مَا فِي الْمُصْحَفِ3. وَأَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّ الَّذِي بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى4. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقُرْآنُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَقْرُوءُ، وَهُوَ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْقِرَاءَةُ. وَهِيَ الأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ. وَبِسَبَبِ ذَلِكَ وَقَعَ الاخْتِلافُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَنْ الْحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ: فَمُرَادُهُمْ الْكَلامُ النَّفْسِيُّ الْقَائِمُ بِالذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ، وَهُوَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَوْجُودَةِ الْقَدِيمَةِ5. وَأَمَّا الْحُرُوفُ: فَإِنْ كَانَتْ بِحَرَكَاتٍ6 أَوْ7 أَدَوَاتٍ، كَاللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ، فَهِيَ أَعْرَاضٌ؛ وَإِنْ كَانَتْ كِتَابَةً فَهِيَ أَجْسَامٌ، وَقِيَامُ الأَجْسَامِ وَالأَعْرَاضِ بِذَاتِ اللَّهِ مُحَالٌ8، وَيَلْزَمُ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَفِرُّ مِنْهُ. فَأَلْجَأَ ذَلِكَ بَعْضَهُمْ

_ 1 في ش ب ش ب ز ع: كراهية. 2 رواه مسلم عن ابن عمر بلفظ: "لا تسافروا بالقرآن، فإني لا آمن أن يناله العدو". وفي رواية: "أنه كان ينهى أن يُسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو. وفي رواية: "فإني أخاف". ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد", عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُسافر بالقرآن إلى أرض العدو". رواه أحمد. "انظر: صحيح مسلم 3/ 1491، خلق أفعال العباد ص 48، مسند أحمد 2/ 6، الفتح الكبير 3/ 323". 3 في ض: المصاحف. 4 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 241، الإبانة للأشعري ص 34، الأربعين في أصول الدين للغزالي ص 20. 5 ساقطة من ش ب ز ض. 6 في ع ب ز ض: حركات. 7 في ش: و. 8 انظر بحث الجسم ومعناه ونفيه عن الله تعالى في "مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 30 وما بعدها".

إلَى أَنْ ادَّعَى قِدَمَ الْحُرُوفِ، كَمَا الْتَزَمَتْهُ1 السَّالِمِيَّةُ. وَمِنْهُمْ مَنْ الْتَزَمَ قِيَامَ ذَلِكَ بِذَاتِهِ2. وَمِنْ شِدَّةِ اللَّبْسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَثُرَ نَهْيُ السَّلَفِ عَنْ الْخَوْضِ فِيهَا3. وَاكْتَفَوْا بِاعْتِقَادِ أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، وَهُوَ أَسْلَمُ الأَقْوَالِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَيْضًا: لَمْ يَكُنْ فِي كَلامِ الإِمَامِ4 أَحْمَدَ وَلا الأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ قَدِيمٌ، بَلْ يَقُولُونَ: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَ5كَيْفَ شَاءَ، كَقَوْلِ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ6. وَقَالَ: رَادًّا عَلَى الرَّافِضِي7: مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ. كَقَوْلِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ: كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ8. وَقَالَ: قَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي مَعْنَى كَوْنِ الْقُرْآنِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ. هَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ نَفْسَ الْكَلامِ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ كَالْعِلْمِ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ

_ 1 في ز: التزمه. 2 انظر: مجموعة الرسائل المسائل 3/ 33. 3 ساقطة من ز ع ب ض. 4 ساقطة من ب ع ض. 5 ساقطة من ز ع ب. 6 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 22، 46. 7 هو ابن المطهر الرافضي أحد شيوخ الشيعة الرافضة في عصر ابن تيمية. ألف كتابه "منهاج الاستقامة في معرفة الإمامة" فردّ عليه ابن تيمية في كتابه القيم الكبير "منهاج السنة النبوية"، وسبق بيان ذلك صفحة 100. 8 في ز ع ب ض: السنة.

يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. ذَكَرَهُمَا الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِ الشَّافِي1 عَنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ. وَذَكَرَهُمَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ فِي "أُصُولِهِ" اهـ2. وَقَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ3 فِي "الْمَنَاقِبِ": وَمِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَنْكَرَهَا أَحْمَدُ فِي الْقُرْآنِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ صَوْتٍ. فَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ وَبَدَّعَ قَائِلَهُ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْحَارِثَ الْمُحَاسِبِيَّ إنَّمَا هَجَرَهُ أَحْمَدُ لأَجْلِ ذَلِكَ. اهـ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا سَبَبُ تَحْذِيرِ أَحْمَدَ مِنْ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَنَحْوِهِ مِنْ الْكِلابِيَّةِ. كَمَا أَمَرَ بِهَجْرِ الْقَائِلِ بِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْحُرُوفَ انْتَصَبَتْ الأَلِفُ وَسَجَدَتِ الْبَاءُ، وَشَدَّدَ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُ4. وَلَمَّا أَظْهَرُوا ذَلِكَ أَمَرَ

_ 1 في ش: الشافعي. 2 ساقطة من ش ز. 3 هو عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، زين الدين، أبو الفرج الحنبلي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحافظ الإمام المحدث الفقيه الواعظ. قال ابن العماد: "واشتغل بسماع الحديث، وكانت مجالس تذكيره للقلوب صارعة، وللناس عامة مباركة نافعة. وله مصنفات مفيدة، ومؤلفات عديدة. منها: "الذيل على طبقات الحنابلة"، و"القواعد الفقهية"، و"شرح جامع الترمذي"، و"شرح علل الترمذي"، و"شرح الأربعين النووية"، و"شرح البخاري إلى الجنائز"، و"اللطائف في الوعظ وأهوال القيامة". وكان زاهداً في الدنيا، راغباً عن أصحاب الولايات. توفي بدمشق سنة 795هـ. انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 2/ 428، البدر الطالع 1/ 328، ذيل تذكرة الحفاظ ص 367، طبقات الحفاظ ص 536، شذرات الذهب 6/ 339". 4 انظر: الإنصاف للباقلاني ص 102، مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص 185، 186.

بِهَجْرِهِمْ كَمَا أَمَرَ السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ1 الْجُنَيْدَ2 أَنْ يَتَّقِيَ بَعْضَ كَلامِ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ3. فَذَكَرُوا أَنَّ الْحَارِثَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ، وَاشْتَهَرَ عِلْمًا وَفَضْلاً وَحَقَائِقَ4 وَزُهْدًا5. وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الْكَلابَاذِيُّ6. "وَقَالَتْ7 طَائِفَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ: كَلامُ

_ 1 هو السَّريُّ بن المُغَلِّس السَّقَطيّ، أبو الحسن البغدادي، أحد الأولياء الكبار، وله أحوال وكرامات، وهو خال الجنيد وأستاذه، لزم بيته، وانقطع عن الناس. قال ابن خلكان: "كان أوحد زمانه في الورع وعلوم التوحيد". توفي ببغداد سنة 251هـ، وقيل 256هـ، وقيل 257هـ. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 2/ 101، حلية الأولياء 10/ 116، مرآة الجنان 2/ 158، شذرات الذهب 2/ 127، تاريخ بغداد 9/ 187، صفة الصفوة 2/ 371، طبقات الصوفية ص 48". 2 هو الجنيد بن محمد بن الجنيد، أبو القاسم الخزاز، أصله من نهاوند، لكنه ولد ونشأ ببغداد وتفقه على أبي ثور، وسمع الحديث، ولقي العلماء، وصحب جماعة من الصالحين، واشتغل بالعبادة، وكان يقول: من لم يحفظ القرآن، ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة. قال ابن خلكان: "وكلامه مدون مشهور". توفي سنة 297هـ. انظر ترجمته في "حلية الأولياء 10/ 255، وفيات الأعيان 1/ 323، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 260، طبقات الحنابلة 1/ 129، صفة الصفوة 2/ 416، المنهج الأحمد 1/ 219، شذرات الذهب 2/ 229، تاريخ بغداد 7/ 241، طبقات الصوفية ص 155". وفي ز ع ب ض: للجنيد. 3 ساقطة من ش ع ز. 4 في ب ز ض: وحقائقاً، وهو خطأ. 5 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 95، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 74. 6 هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم، البخاري الكلاباذي، أبو بكر، كان إماماً أصوليًّا. وله كتاب "التعرف لمذهب أهل التصوف" جمع فيه باختصار أقوال التصوف، وآراء الحنفية في التوحيد. توفي سنة 380هـ. انظر ترجمته في "الفوائد البهية ص 161، كشف الظنون 1/ 419". وفي ز ش ب ع ض: الكلابذاني. وهو تصحيف، ومصححة على هامش ض. 7 في جميع النسخ: قال. وما أثبتناه في الأعلى من كتاب "التعرف لمذهب أهل التصوف".

اللَّهِ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ1، وَأَنَّهُ لا يُعْرَفُ كَلامٌ2 إلاَّ كَذَلِكَ، مَعَ إقْرَارِهِمْ أَنَّهُ صِفَةُ اللَّهِ3 تَعَالَى فِي ذَاتِهِ، 4وَأَنَّهُ غَيْرُ مُحْدَثٍ10. قَالَ5: وَهُوَ6 الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ سَالِمٍ7. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَأَلْت أَبِي عَنْ إنْكَارِ الْجَهْمِيَّةِ كَلامَ اللَّهِ لِمُوسَى، وَعَنْ قَوْمٍ8 أَنْكَرُوا صَوْتَ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ لِي: بَلْ تَكَلَّمَ اللَّهُ بِصَوْتٍ. هَذِهِ الأَحَادِيثُ يَمُرُّونَهَا كَمَا جَاءَتْ. وَقَالَ أَبِي: حَدَّثَنَا9 ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ كَمَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ10.

_ 1 في "التعرف": وصوت. 2 في "التعرف": كلامه. 3 في ع ض: لله. 4 في "التعرف": غير مخلوق. 5 في ب ز ع ض: وقال. 6 في "التعرف": وهذا قول حارث. 7 التعرف لمذهب أهل التصوف ص 19. وابن سالم هو: أحمد بن محمد بن أحمد بن سالم، أبو الحسن، البصري، تلميذ سهل بن عبد الله التستري، وكان لأبي الحسن بن سالم أحوال ومجاهدات، وهو أستاذ مكي بن أبي طالب الذي عُرف في كتابه "قوت القلوب". كما كان أبو الحسن صديقاً لأبي مجاهد المفسر، وتنتسب فرقة السالمية إلى أبي الحسن بن سالم وإلى أبيه أبي عبد الله "المتوفى سنة 293هـ". صاحب سهل. وقد أسس الفرقة سهل المتوفى سنة 283هـ فخلفه من بعده أبو عبد الله وابنه أبو الحسن. وعمر أبو الحسن كثيراً، وكان آخر أصحاب التستري وفاة، وهي فرقة من المتكلمين من أهل السنة ذوي النزعة الصوفية. قال ابن العماد عنهم: "وقد خالفوا أصول السنة في مواضع، وبالغوا في الإثبات في مواضع، وعمر أبو الحسن دهراً وبقي إلى سنة بضع وخمسين". وتوفي سنة 360هـ. "انظر: شذرات الذهب 3/ 36، مرآة الجنان 2/ 372، حلية الأولياء 10/ 378، طبقات الصوفية ص 414، دائرة المعارف الإسلامية في مصطلح السالمية". 8 في ع: عموم. وهو تصحيف. 9 في ع ض: حديث. 10 مر هذا الحديث مع تخريجه صفحة 67.

وَرَوَى الْخَلاَّلُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ1 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ2 قَالَ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَمَّنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ؟ فَقَالَ: بَلْ تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ3. هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ صَحَّتَا4 عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِلا شَكٍّ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ "خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَاد"ِ: وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ: "كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ خَفِيضَ الصَّوْتِ"5 وَ "أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَادِي بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، *فَلَيْسَ هَذَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى 6".

_ 1 هو محمد بن علي بن عبد الله بن مهران، أبو جعفر الوراق، الجرجاني الأصل، البغدادي المنشأ، يعرف بحمدان. حدث عنه أبو بكر الخلال وابن سريج وعبد الله البغوي وغيرهم. قال الخلال عنه: "رفيع القدر، كان عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان". وهو مشهود له بالصلاح والفضل، توفي سنة 272هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 308، المنهج الأحمد 1/ 164". 2 هو يعقوب بن إسحاق بن بختان، أبو يوسف. سمع من مسلم بن إبراهيم والإمام أحمد، وكان أحد الصالحين الثقات، وجان جار الإمام أحمد وصديقه، وروى عنه مسائل صالحة كثيرة في الورع لم يروها غيره، ومسائل في السلطان. ذكره العليمي في أصحاب أحمد فيمن لم تؤرخ وفاته. انظر: المنهج الأحمد 1/ 340، "طبقات الحنابلة 1/ 415، تاريخ بغداد 14/ 280". 3 انظر: طبقات الحنابلة 1/ 415، وقارن ذلك بما جاء في الإنصاف للباقلاني ص 129 وما بعدها. 4 في ب: صحيحتان. 5 خلق أفعال العباد ص 59. 6 خلق أفعال العباد ص 59. ورواه البخاري في "صحيحه" عن جابر عن عبد الله بن أنيس. "انظر: صحيح البخاري 4/ 294".

وَفِيْ1 هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَوْتَ اللَّهِ تَعَالَى لا يُشْبِهُ صَوْتَ الْمَخْلُوقِينَ2؛ لأَنَّ [صَوْتَ] 3 اللَّهِ تَعَالَى يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ4"، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُصْعَقُونَ مِنْ صَوْتِهِ. فَإِذَا نَادَى الْمَلائِكَةَ لَمْ يُصْعَقُوا وَقَالَ تَعَالَى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} 5 فَلَيْسَ لِصِفَةِ اللَّهِ نِدٌّ وَلا مِثْلٌ، وَلا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ بِالْمَخْلُوقِينَ". هَذَا لَفْظُهُ بِعَيْنِهِ6. وَذَكَرَ حَدِيثَيْ7 ابْنِ أُنَيْسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ8، وَتَقَدَّمَا9. قَالَ الْعَلاَّمَةُ الْمِرْدَاوِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ الْمَذَاهِبِ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ وَالتَّحْقِيقِ مِنْ الأَقْوَالِ التِّسْعَةِ؟ قُلْت: إنْ صَحَّتِ الأَحَادِيثُ بِذِكْرِ الصَّوْتِ فَلا كَلامَ "10فِيْ أَنَّهُ10" أَوْلَى وَأَحْرَى وَأَصَحُّ مِنْ غَيْرِهِ، مَعَ الاعْتِقَادِ فِيهِ بِمَا يَلِيقُ11 بِجَلالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ بِوَجْهٍ مَا أَلْبَتَّةَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ صَحَّتْ الأَحَادِيثُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَصَحَّحَهَا الأَئِمَّةُ الْكِبَارُ

_ 1 في ش ز: و. 2 في ب ع ض: الخلق. 3 ساقطة من جميع النسخ. وهي إضافة ضرورية من البخاري. *-4 ساقطة من ش ز. 5 الآية 22 من البقرة. 6 خلق أفعال العباد ص 59. 7 في ش: حديث. 8 خلق أفعال العباد ص 59-60. 9 صفحة 62-66 من هذا الكتاب. 10 في ش ب ز ض: لأنه. 11 في ز: لا يليق.

الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ، كَأَحْمَدَ، وَالْبُخَارِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالرَّازِيِّ1 وَغَيْرِهِمْ2، حَتَّى الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فِي زَمَنِنَا. قَالَ: وَ3قَدْ صَحَّتْ هَذِهِ الأَحَادِيثُ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ4. وَكَذَلِكَ5 صَحَّحَهَا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ6. وَفِيهِ كِفَايَةٌ وَهِدَايَةٌ7، وَلَوْلا أَنَّ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ الْمَعْصُومَ قَالَ ذَلِكَ، لَمَا قُلْنَاهُ وَلا حُمْنَا حَوْلَهُ. كَمَا قَالَ السُّهْرَوَرْدِيُّ8 ذَلِكَ فِي "عَقِيدَتِهِ9":. فَإِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا تُعْرَفُ إلاَّ بِالنَّقْلِ الْمَحْضِ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، أَوْ مِنْ10 صَاحِبِ

_ 1 إذا أطلق الرازي في الحديث فالمراد أبو حاتم أو أبو زرعة الرازي. وستأتي الترجمة لكل منهما فيما بعد. والمقصود هنا ابن أبي حاتم صاحب كتاب "الرد على الجهمية" الذي ذكر هذه الأحاديث وصححها، كما ذكره ابن حجر أكثر من مرة في "فتح الباري 13/ 352"، وابن تيمية في "منهاج السنة 2/ 283 مطبعة المدني". وابن أبي حاتم هو عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي، أبو محمد الرازي، الإمام الحافظ الناقد. أخذ علم أبيه وأبي زرعة الرازي. وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، وكان ثقة زاهداً ثبتاً، له مؤلفات كثيرة نافعة، منها: "الجرح والتعديل"، و"التفسير"، و"الرد على الجهمية"، و"العلل، و"المسند"، و"الفوائد الكبرى". توفي سنة 327هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 3/ 324، ميزان الاعتدال 2/ 587، فوات الوفيات 1/ 542، طبقات المفسرين 1/ 279، تذكرة الحفاظ 3/ 839، طبقات الشافعية الكبرى للعبادي ص 43، المنهج الأحمد 2/ 17، طبقات الحنابلة 2/ 55، شذرات الذهب 3/ 324، طبقات الحفاظ ص 345، البداية والنهاية 11/ 191". 2 في ش ز: فتحرهم. وفي ب ع: فتخيرهم. 3 ساقطة من ب ع. 4 فتح الباري 12/ 352، 354. 5 في ع: وكذا. 6 في ش ز ب: فتحرهم. وساقطة من ع. 7 في ع: وهداية فتحرهم. 8 في ش ز ع ب ض: الشهرزوري. 9 سبق نص السهروردي صفحة 58 من هذا المجلد. 10 ساقطة من ش.

الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ. فَتَصْحِيحُ هَؤُلاءِ وَإِثْبَاتُهُمْ لِلأَحَادِيثِ بِذِكْرِ الصَّوْتِ أَوْلَى مِنْ نَفْيِ مَنْ نَفَى أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ1 ذِكْرُ2 الصَّوْتِ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا3: أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي. وَمِنْهَا: عِظَمُ الْمُصَحِّحِ وَجَلالَةُ قَدْرِهِ وَكَثْرَةُ اطِّلاعِهِ، لا سِيَّمَا فِي إثْبَاتِ صِفَةِ4 اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الزُّهْدِ الْعَظِيمِ وَالْقِدَمِ الْمَتِينِ. أَفَيَلِيقُ بِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَنَحْوِهِمَا مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ إثْبَاتُ صِفَةٍ لِلَّهِ5 مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَيَدِينُونَ اللَّهَ بِهَا. وَيَعْتَقِدُونَهَا وَيَهْجُرُونَ مَنْ يُخَالِفُهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ صَحَّ عِنْدَهُمْ؟ فَمَا الْحَامِلُ لَنَا أَوْ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَعْتَقِدُ هَذَا مُسْلِمٌ فِي مُسْلِمٍ فَضْلاً عَنْ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ. ثُمَّ الأَسْلَمُ - بَعْدَ هَذَا الْمَذْهَبِ مِنَ الْمَذَاهِبِ التِّسْعَةِ - مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ: "الاكْتِفَاءُ بِاعْتِقَادِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا. وَقَالَ: وَهَذَا أَسْلَمُ الأَقْوَالِ، لِشِدَّةِ اللَّبْسِ وَنَهْيِ السَّلَفِ عَنْ الْخَوْضِ فِيهَا6". اهـ. وَالظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - 7أَنَّ السَّلَفَ إنَّمَا اكْتَفَى8 بِذَلِكَ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْكَلامِ فِيهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ وُقُوعِ النَّاسِ فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ مِنْ الشُّبَهِ الْمُوجِبَةِ

_ 1 ساقطة من ض. 2 في ض: وذكر. 3 في ش ز: أحدها. 4 في ع: صفات. 5 في ز ع ب ض: الله. 6 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 123، 124. 7 في ز ع ب ض: إنما اكتفى السلف.

لِخَبْطِ1 الْعَقَائِدِ وَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، لِقَوْلِ أَحْمَدَ: مَنْ قَالَ: "لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ" فَهُوَ جَهْمِيٌّ2. وَمَنْ قَالَ: "لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ": مُبْتَدِعٌ3. وَإِنَّمَا أَطَلْنَا لأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ فِي زَمَنِنَا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ وَحَرْفٍ قَدِيمَيْنِ غَيْرِ مُتَعَاقِبَيْنِ مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ إذَا شَاءَ وَكَيْفَ4 شَاءَ، كَمَا قُرِّرَ، يَكُونُ كَافِرًا. فَهَذَا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ. وَقَدْ سَمَّوْا مُخَالِفَهُ مُبْتَدِعًا. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ5 وَغَيْرِهِ. وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ مِنْ6 زَمَنِهِ إلَى زَمَنِنَا، وَ7لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، كَمَا8 قَالَ إمَامُهُمْ: وَصَنَّفُوا فِي ذَلِكَ كَثِيرًا جِدًّا.

_ 1 في ش: لحبوط. 2 ساقطة من ز ع ض. 3 قال الباقلاني: "ولا يجوز أن يقول أحد: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق، ولا أني أتكلم بكلام الله". "الإنصاف ص 71".وانظر: مسائل الإمام أحمد ص 262، 265، 266، فتاوى ابن تيمية 12/ 74، 167، 170، 209، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 4، 24، 60. 4 في ع: بما. 5 هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة المخزومية، وأمها عاتكة بنت عامر، كنيتها بابنتها سلمة بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد. هاجرت مع أبي سلمة إلى الحبشة الهجرتين، وخرج أبو سلمة إلى أحد، فأصيب عضده بسهم ثم برأ الجرح، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فعاد الجرح، ومات منه، فاعتدت أم سلمة، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت من أجمل النساء. توفيت سنة 59هـ، ولها 84 سنة، وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة، ودفنت بالبقيع. قال ابن حجر وابن العماد: توفيت سنة 61هـ. ولها مناقب. انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 458، الاستيعاب 4/ 454، تهذيب الأسماء 1/ 361، شذرات الذهب 1/ 69، الخلاصة ص 496". 6 في ض: في. 7 ساقطة من ب ع. 8 في ع: قالوا كما.

وَإِذَا1 نَظَرَ الْمُنْصِفُ فِي كَلامِ الْعُلَمَاءِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ. وَاطَّلَعَ عَلَى مَا قَالُوهُ2 فِي3 هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلِمَ الْحَقَّ وَعَذَرَ الْقَائِلَ، وَأَحْجَمَ عَنِ4 الْمَقَالاتِ الَّتِي لا تَلِيقُ بِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَهَا فِي مُسْلِمٍ، وَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ. وَلِهَذَا قَالَ الْحَافِظُ الْعَلاَّمَةُ ابْنُ حَجَرٍ: قَدْ5 صَحَّتْ الأَحَادِيثُ بِذَلِكَ. فَمَا بَقِيَ إلاَّ التَّسْلِيمُ أَوْ التَّأْوِيلُ6، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولَ: بِعَقْلِهِ هَذِهِ الأَحَادِيثُ مُشْكِلَةٌ، وَيَلْزَمُ مِنْهَا الْمَحْذُورُ الْعَظِيمُ. فَيَتْبَعُ قَوْلَ هَذَا، أَوْ قَوْلَ مَنْ اتَّبَعَ الأَحَادِيثَ عَلَى حُكْمِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اللاَّئِقَةِ بِجَلالِهِ وَعَظَمَتِهِ! بَلْ قَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ فِي غَيْرِ رِوَايَةٍ مَنْصُوصَةٍ بِجَمِيعِ ذَلِكَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: الْقُرْآنُ مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ 7. فَمَنْ قَالَ8: "الْقُرْآنُ مَقْدُورٌ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَكِنْ مَنَعَ9 اللَّهُ قُدْرَتَهُمْ10" كَفَرَ، بَلْ هُوَ مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ، وَالْعَجْزُ شَمِلَ الْخَلْقَ11.

_ 1 في ع: فإذا. 2 في ب ض: قالوا. 3 في ب: من. 4 ساقطة من ب ز. 5 ساقطة من ز. 6 فتح الباري 13/ 354. 7 انظر الفروع 1/ 418. 8 في ش ز: قائل. 9 في ض: يمنع. 10 هذا رأي النظام من المعتزلة، ويعني به أن الله صرف العرب عن معارضته وسلب قلوبهم عنه. "انظر: الإتقان في علوم القرآن 1/ 118، بيان إعجاز القرآن للخطابي ص 22، البرهان في علوم القرآن 2/ 93". 11 انظر: الجواب الصحيح 4/ 75، البرهان في علوم القرآن 2/ 93.

قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: كَلامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُعْجِزٌ فِي لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ وَنَظْمِهِ. كَالْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ1. وَخَالَفَ الْقَاضِي 2فِي الْمَعْنَى9. وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَحَدَّى بِمِثْلِهِ فِي اللَّفْظِ وَالنَّظْمِ3. قِيلَ لِلْقَاضِي: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الإِعْجَازَ فِي غَيْرِ الْمَعْنَى فَقَطْ، بَلْ هُوَ فِيهِ أَيْضًا!؟ فَقَالَ: الدَّلالَةُ عَلَى أَنَّ الإِعْجَازَ نَظْمًا وَلَفْظًا لا مَعْنًى: أَشْيَاءُ. مِنْهَا: أَنَّ الْمَعْنَى يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ كُلُّ أَحَدٍ يُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا الْقَوْلِ4 قَوْله تَعَالَى: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} 5 وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّحَدِّيَ بِأَلْفَاظِهَا، وَلأَنَّهُ قَالَ: {مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} وَالْكَذِبُ لا يَكُونُ مِثْلَ الصِّدْقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ6: "مِثْلُهُ فِي اللَّفْظِ وَالنَّظْمِ7". اهـ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: هَلْ يَسْقُطُ الإِعْجَازُ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ. أَمْ هُوَ بَاقٍ؟ الأَظْهَرُ مِنْ جَوَابِ أَحْمَدَ: أَنَّ الإِعْجَازَ فِيهَا8 بَاقٍ، خِلافًا لِلأَشْعَرِيَّةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ9.

_ 1 وهو رأي الصاحبين من الحنفية، خلافاً للإمام أبي حنيفة الذي يرى الإعجاز في المعنى. "انظر: أصول السرخسي 1/ 281-282، البرهان في علوم القرآن 2/ 99، فواتح الرحموت 2/ 8، الفروع 1/ 418". 2 ساقطة من ش ب ز. 3 انظر: الفروع 1/ 418، الفصل في الملل والنحل 3/ 16. 4 ساقطة من ع. 5 الآية 13 من هود. 6 ساقطة من ض. 7 انظر: الفروع 1/ 418. 8 في ع: منهما. 9 انظر: الفروع 1/ 418. وعبارة "والله أعلم" ساقطة من ض.

"وَفِي بَعْضِ آيَة"ٍ مِنْ الْقُرْآنِ "إعْجَازٌ" ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ1 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} 2. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا فِيهِ الإِعْجَازُ، وَإِلاَّ فَلا نَقُولُ3 فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ نَظَرَ} 4 وَنَحْوِهَا: إنَّ فِي بَعْضِهَا إعْجَازًا وَ5فِيهَا أَيْضًا. وَهُوَ وَاضِحٌ6. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَنَفِيَّةُ: لا إعْجَازَ فِي بَعْضِ آيَةٍ، بَلْ فِي آيَةٍ7.وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ عَلَى إطْلاقِهِ. فَإِنَّ8 بَعْضَ الآيَاتِ الطِّوَالِ فِيهَا إعْجَازٌ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي "الشَّامِلِ" وَغَيْرِهِ: إنَّمَا يَتَحَدَّى بِالآيَةِ إذَا كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَا بِهِ التَّعْجِيزُ، لا فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ نَظَرَ} 9 فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} 10 أَيْ مِثْلِهِ فِي الاشْتِمَالِ عَلَى مَا 11بِهِ يَقَعُ1 الإِعْجَازُ لا مُطْلَقًا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْقُرْآنُ كُلُّهُ مُعْجِزٌ، لَكِنْ مِنْهُ مَا لَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ مُعْجِزًا

_ 1 المرجع السابق. 2 الآية 34 من الطور. 3 في ش ز ض: يقول. 4 الآية 21 من المدثر. 5 في ض: أو. 6 انظر: الفصل في الملل والنحل 3/ 19. 7 انظر: أصول السرخسي 1/ 280. وعبارة "بل في آية" ساقطة من ض. 8 في ش ز ع ب: وقال. 9 الآية 21 من المدثر. 10 الآية 34 من الطور. 11 في ع: يقع به.

بِذَاتِهِ. وَمِنْهُ مَا إعْجَازُهُ مَعَ الانْضِمَامِ إلَيْهِ1. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} 2 أَنَّ الإِعْجَازَ يَحْصُلُ بِأَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْهُ3. "وَيَتَفَاضَلُ" الْقُرْآنُ، وَيَتَفَاضَلُ أَيْضًا "ثَوَابُهُ" لِظَوَاهِرِ الأَحَادِيثِ. وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ4 وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْغَزَالِيُّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ5: إنَّهُ الْحَقُّ. وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ6.

_ 1 ساقطة من ب ع ض. 2 الآية 23 من البقرة. وفي ش ز: فليأتوا. وهو خطأ. 3 انظر: نهاية السول 1/ 204، الإتقان في علوم القرآن 2/ 123، البرهان في علوم القرآن 2/ 108. 4 هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، المعروف بابن راهويه. قال ابن خلكان: "جمع بين الحديث والفقه والورع، وكان أحد أئمة الأعلام". وكان قوي الذاكرة، يحفظ سبعين ألف حديث، جالس الإمام أحمد وروى عنه. وناظر الإمام الشافعي، ثم صار من أتباعه، وجمع كتبه، وله مسند مشهور، ومصنفات كثيرة، منها: "المسند"، و"التفسير". توفي بنيسابور سنة 238هـ. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 179، تذكرة الحفاظ 2/ 433، حلية الأولياء 9/ 234، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 83، طبقات الحنابلة 1/ 109، طبقات الحفاظ ص 188، المنهج الأحمد 1/ 108، الخلاصة ص 27، شذرات الذهب 2/ 179، الفهرست ص 321، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 94". 5 هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح –بفتح الفاء وسكون الراء- الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الله القرطبي، الإمام العالم الجليل، الفقيه المفسر المحدث. وكان من عباد الله الصالحين، والعلماء الزاهدين في الدنيا، المشتغلين بأمور الآخرة. قال الذهبي: "إمام متقن متبحر في العلم، له مصنفات مفيدة، تدل على إمامته وكثرة اطلاعه ووفور عقله". ومن مؤلفاته: "أحكام القرآن" في التفسير، أجاد في البيان واستنباط الأحكام وإثبات القراءات والناسخ والمنسوخ والإعراب، و"شرح أسماء الله الحسنى"، و"التذكار في أفضل الأذكار"، و"التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة"، و"التقصي" وغير ذلك. توفي سنة 671هـ. انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 308، شجرة النور الزكية ص 197، شذرات الذهب 5/ 335، طبقات المفسرين 2/ 65". 6 تفسير القرطبي 1/ 110. وانظر: الإتقان 2/ 156، البرهان في علوم القرآن 1/ 438، الفروع 1/ 415، جواهر القرآن ص 38، 48.

قَالَ1 الْغَزَالِيُّ فِي "جَوَاهِرِ الْقُرْآنِ": "لَعَلَّك أَنْ تَقُولَ: قَدْ أَشَرْت إلَى تَفْضِيلِ بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ، و2الْكَلامُ كَلامُ اللَّهِ3. فَكَيْفَ يُفَارِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا؟ وَكَيْفَ يَكُونُ بَعْضُهَا أَشْرَفَ مِنْ بَعْضٍ؟ فَاعْلَمْ أَنَّ نُورَ الْبَصِيرَةِ إنْ كَانَ لا يُرْشِدُك إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الْمُدَايَنَاتِ، وَبَيْنَ سُورَةِ الإِخْلاصِ وَسُورَةِ3 تَبَّتْ. وَتَرْتَاعُ عَلَى4 اعْتِقَادِ الْفَرْقِ نَفْسُك الْخَوَّارَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ بِالتَّقْلِيدِ. فَقَلِّدْ صَاحِبَ الرِّسَالَةِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ. وَقَالَ: "يس قَلْبُ الْقُرْآنِ" 5، و "فَاتِحَةُ الْكِتَابِ أَفْضَلُ سُوَرِ الْقُرْآنِ" 6، وَ "آيَةُ الْكُرْسِيِّ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ" 7، " {وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} :

_ 1 في ع: وقال. 2 في جواهر القرآن: والكل قول الله تعالى. 3 في ع: وبين سورة. 4 في جواهر القرآن: من. 5 هذا الحديث رواه الترمذي والدارمي عن أنس، وأوله: "إن لكل شيء قلباً، وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس ... الحديث". وفسر الغزالي ذلك فقال: "إن ذلك لأن الإيمان صحته الاعتراف بالحشر والنشر، وهو مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعلت قلب القرآن لذلك". واستحسن ذلك فخر الدين الرازي. "انظر: تحفة الأحوذي 8/ 197، سنن الدارمي 2/ 456، جواهر القرآن ص 48، البرهان في علوم القرآن 1/ 144". 6 وردت أحاديث كثيرة في فضل فاتحة الكتاب بألفاظ متعددة. "انظر: فيض القدير 4/ 418 وما بعدها، زاد المسير 1/ 10، تفسير الطبري 1/ 47، تفسير القرطبي 1/ 108". 7 رواه الترمذي وعبد الرزاق في حديث طويل بلفظ: "وفيها آية هي سيدة آي القرآن؛ آية الكرسي". وقال الترمذي: حديث غريب، وفيه حكيم بن جبير، تكلم فيه شعبة وضعفه. "تحفة الأحوذي 8/ 181، وانظر: المصنف لعبد الرزاق 3/ 376". ورواه أبو داود بلفظ: "إنها أعظم آي القرآن". "سنن أبي داود 1/ 337". وانظر فضل آية الكرسي في "صحيح مسلم 1/ 556". وروى عبد الرزاق أيضاً عن عبد الله بن مسعود قال: "أعظم آية في القرآن آية الكرسي". "المصنف 3/ 371". ورواه الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "سيدة آي القرآن آية الكرسي". المستدرك 2/ 260".

تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ" 1. وَالأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَتَخْصِيصِ2 بَعْضِ السُّوَرِ وَالآيَاتِ بِالْفَضْلِ، وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ فِي تِلاوَتِهَا لا تُحْصَى3". اهـ. وَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ: إلَى الْمَنْعِ. وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ الإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ: كَرِهَ أَنْ تُرَدَّدَ سُورَةٌ دُونَ أُخْرَى4. قَالَ5 ابْنُ الْحَصَّارِ6: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُنْكِرُ7 الاخْتِلافَ فِي ذَلِكَ مَعَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ بِالتَّفْضِيلِ8.

_ 1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والدارمي وعبد الرزاق. "انظر: صحيح البخاري 3/ 230، صحيح مسلم 1/ 556، سنن أبي داود 1/ 337، تحفة الأحوذي 8/ 205، سنن النسائي 2/ 133، سنن ابن ماجه 2/ 1244، الموطأ 1/ 209، سنن الدارمي 2/ 460، المصنف 3/ 371، فتح الباري 13/ 277". 2 في "جواهر القرآن": بتخصيص. 3 جواهر القرآن ص 37-38، وانظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 156. 4 انظر: تفسير القرطبي 1/ 109، الإتقان في علوم القرآن 2/ 156، البرهان في علوم القرآن 1/ 438. 5 في ع: وقال. 6 هو علي بن محمد بن أحمد، أبو الحسن الخزرجي الإشبيلي، ثم الفاسي، يعرف بابن الحصّار، الفقيه العالم المحصل المتفنن المؤلف. أخذ عن أبي القاسم بن حبيش، وأقرأ في أصول الفقه، وحجّ وجاور، وحدّث عنه المنذري، وصنف في أصول الفقه. وله كتاب "الناسخ والمنسوخ"، و"البيان في تنقيح البرهان"، وله "أرجوزة في أصول الدين" شرحها في أربعة أجزاء. توفي سنة 611هـ. "انظر: شجرة النور الزكية ص 173". 7 في ب ع ض: يذكر. وهو تصحيف. 8 في ز: بالفضل. والكلام منقول حرفياً من السيوطي في "الإتقان 2/ 156". وانظر: تفسير القرطبي 1/ 110.

وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ: كَلامُ اللَّهِ فِي اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ كَلامِهِ فِي غَيْرِهِ. فَـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 1: أَفْضَلُ مِنْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} 2. وَقَالَ فِي "الإِتْقَانِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ": "اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّفْضِيلِ:.فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَضْلُ رَاجِعٌ إلَى عِظَمِ الأَجْرِ وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ بِحَسَبِ انْتِقَالاتِ النَّفْسِ وَخَشْيَتِهَا، وَتَدَبُّرِهَا وَتَفَكُّرِهَا3 عِنْدَ وُرُودِ أَوْصَافِ الْعَلِيِّ. وَقِيلَ: بَلْ يَرْجِعُ4 لِذَاتِ اللَّفْظِ، وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} 5 وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَآخِرُ سُورَةِ6 الْحَشْرِ، وَسُورَةُ الإِخْلاصِ مِنْ الدَّلالاتِ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَصِفَاتِهِ، لَيْسَ مَوْجُودًا مَثَلاً فِي {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} 7 وَمَا كَانَ مِثْلَهَا. فَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا هُوَ بِالْمَعَانِي الْعَجِيبَةِ وَكَثْرَتِهَا8". اهـ. "وَيَتَفَاوَتُ إعْجَازُهُ" قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا: فِي بَعْضِهِ إعْجَازٌ أَكْثَرُ مِنْ بَعْضٍ.

_ 1 الآية الأولى من الإخلاص. 2 الآية الأولى من المسد. 3 ساقطة من ب. 4 ساقطة من ز. 5 الآية 163 من البقرة. وفي ب: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} . وفي ز ع ض: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} . - الآية. 6 في ش ب ز: آية. 7 الآية الأولى من المسد. 8 الإتقان في علوم القرآن 1/ 156-157. وانظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 438، 440، جواهر القرآن ص 38 وما بعدها، تفسير القرطبي 1/ 110.

قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": قُلْت: وَهُوَ صَحِيحٌ1، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ2 عُلَمَاءِ الْبَلاغَةِ3."وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهُ" أَيْ مِنْ الْقُرْآنِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ4 وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ5 وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو6 عُبَيْدٍ وَدَاوُد7،

_ 1 في ع: الصحيح. 2 ساقطة من ع. 3 انظر: البرهان في علوم القرآن 2/ 99. 4 هو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار "قيل من أقيال اليمن" الشعبي، أبو عمرو. وهو من حمير، وهو تابعي كوفي. قال ابن خلكان: جليل القدر، وافر العلم، عالم الكوفة، وكان نحيفاً، وكان مزاحاً. له مناقب وشهرة، توفي بالكوفة فجأة سنة 103هـ، وقيل غير ذلك، وقد أدرك خمسمائة من الصحابة أو أكثر. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 2/ 227، تذكرة الحفاظ 1/ 79، تاريخ بغداد 12/ 229، حلية الأولياء 4/ 310، طبقات القراء 1/ 350، طبقات الحفاظ ص 32، طبقات الفقهاء ص 81، الخلاصة ص 184، المعارف ص 449، شذرات الذهب 1/ 126". 5 هو سفيان بن سعيد بن مسروق، أبو عبد الله الثوري الكوفي، أمير المؤمنين في الحديث، أجمع الناس على دينه وورعه وزهده وعلمه، وهو أحد الأئمة المجتهدين، عين على قضاء الكوفة فامتنع واختفى. قال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين، والفقهاء في الدين ممن لزم الحديث والفقه، وواظب على الورع والعبادة ... حتى صار عَلَماً يرجع إليه في الأمصار. مات بالبصرة سنة 161هـ. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 2/ 127، طبقات المفسرين 1/ 186، طبقات الفقهاء ص 84، تاريخ بغداد 9/ 151، تذكرة الحفاظ 1/ 203، حلية الأولياء 6/ 356، مشاهير علماء الأمصار ص 169، التاج المكلل ص 50، صفة الصفوة 3/ 147، طبقات الحفاظ ص 88، الخلاصة ص 145، شذرات الذهب 1/ 250، الفهرست ص 85". 6 في ز ش ب ض: أبي. 7 هو داود بن علي بن خلف، أبو سليمان الأصبهاني البغدادي، إمام أهل الظاهر، وكان زاهداً متقللاً كثير الورع، وكان أكثر الناس تعصباً للإمام الشافعي. وصنف في فضائله والثناء عليه كتابين، ثم صار صاحب مذهب مستقل. وكان من عقلاء الناس. ويحضر مجلسَه العددُ الكثير. ومن مؤلفاته: "الكافي في مقال المطلبي"، "وإبطال القياس"، "وأعلام النبي و"المعرفة"، "والدعاء"، و"الطهارة"، "والحيض"، "والصلاة" وغيرها. توفي ببغداد سنة 270هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 2/ 284، ميزان الاعتدال 2/ 14، تاريخ بغداد 8/ 369، وفيات الأعيان 2/ 26، طبقات الحفاظ ص 253، طبقات المفسرين 1/ 166، شذرات الذهب 2/ 158، الفهرست ص 303، الفتح المبين 1/ 159، طبقات الفقهاء ص 92".

وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ1، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَكْثَرِ2 الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ3 وَغَيْرِهِمْ4.

_ 1 هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، أبو عبد الله، أصله من حرستا بغوطة دمشق. ونشأ بالكوفة، وطلب الحديث على الإمام مالك، ثم حضر مجلس أبي حنيفة سنين، وتفقه على أبي يوسف، والتقى مع الشافعي وناظره، ثم أثنى عليه الشافعي، وكان من أفصح الناس. دوّن فقه أبي حنيفة ونشره، ولاه الرشيد قضاء الرقة، ثم عزله عنها. وأهم كتبه: "الجامع الكبير"، "والجامع الصغير"، "والأصل"، "والسير الصغير"، "والسير الكبير"، "والزيادات"، "والآثار"، "والنوادر" وغيرها. توفي سنة 189هـ. انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 135، الفوائد البهية ص 163، الجواهر المضيئة 2/ 42، تهذيب الأسماء 1/ 80، وفيات الأعيان 3/ 324، تاج التراجم ص 54، المعارف ص 500، التاج المكلل ص 105، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 120، شذرات الذهب 1/ 320، الفهرست ص 287". 2 ساقطة من ز ش. وموجودة في بقية النسخ، وهو الصحيح؛ لأن نصف القراء تركوا البسملة في القراءة، وهم: ابن عامر، ونافع، وحمزة، وأبو عمرو. "انظر فواتح الرحموت 2/ 14". 3 القراء السبعة هم: 1- نافع بن عبد الرحمن الليثي "ت 169هـ." 2- عبد الله بن كثير المكي "ت 126هـ." 3- زيان بن العلاء، أبو عمرو البصري "ت 154هـ". 4- عبد الله بن عامر الشامي اليحصبي قاضي دمشق "ت 118هـ". 5- عاصم بن أبي النجود الكوفي "ت 128هـ". 6- حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات الكوفي "ت 156هـ". 7- علي بن حمزة الكسائي النحوي، أبو الحسن "ت 189هـ". "انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 327". وفي ض: من السبعة. 4 "انظر: صحيح ابن خزيمة 1/ 248، شرح النووي على مسلم 4/ 113، الإحكام للآمدي 1/ 163، أصول السرخسي 1/ 280، المجموع شرح المهذب 3/ 333، المستصفى 1/ 102، فواتح الرحموت 2/ 14، جمع الجوامع 1/ 227، زاد المسير 1/ 7، فتاوى ابن تيمية 13/ 399، أصول الفقه الإسلامي ص 106 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 7، كشف الأسرار 1/ 73، التلويح على التوضيح 1/ 159، إرشاد الفحول ص 31".

وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَالأَوْزَاعِيُّ1 وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ2 وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ3. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ4، لَكِنْ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي "تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ": فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ نَظَرٌ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: تَكُونُ الْبَسْمَلَةُ كَالاسْتِعَاذَةِ. وَعَلَى الأَوَّلِ "لا" تَكُونُ "مِنْ الْفَاتِحَةِ" عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهَا مُعْظَمُ أَصْحَابِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، اخْتَارَهَا ابْنُ بَطَّةَ5 وَأَبُو

_ 1 هو عبد الرحمن بن عمرو بن يُحمِد، أبو عمرو الأوزاعي، إمام أهل الشام. قال ابن حبان: "أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً، وورعاً وحفظاً، وفضلاً وعبادة، وضبطاً مع زهادة". وكان إماماً في الحديث، وكان يسكن بيروت، وكان أهل الشام والمغرب على مذهبه قبل انتقال المغرب إلى مذهب مالك نحوَ مائتي سنة. وهو من تابعي التابعين، وكان بارعاً في الكتابة والترسل. توفي سنة 157 هـ ببيروت. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 178، وفيات الأعيان 2/ 310، طبقات الفقهاء ص 76، طبقات الحفاظ ص 79، مشاهير علماء الأمصار ص 180، تهذيب الأسماء 1/ 298، الخلاصة ص 232، شذرات الذهب 1/ 241". 2 في ب ع: والطبري. وهو خطأ. 3 وهو قول القاضي الباقلاني ومكي بن أبي طالب. وقد ذكر الإمام النووي أدلة هذا القول في "المجموع" وناقشها ورود عليها. "انظر: تفسير الطبري 1/ 146 ط المعارف، الإحكام للآمدي 1/ 163، المجموع شرح المهذب 3/ 334، كشف الأسرار 1/ 23، الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب 1/ 22، مختصر ابن الحاجب 1/ 19، جمع الجوامع 1/ 227". 4 انظر: زاد المسير 1/ 7. 5 هو عبيد الله بن محمد بن محمد، أبو عبد الله العُكبري المعروف بابن بطة، الفقيه الحنبلي، العالم الصالح. قال ابن العماد: "كان أحد المحدثين العلماء الزهاد". لازم بيته أربعين سنة، ولم يُرَ مفطراً إلا في يومي الفطر والأضحىوالتشريق، وكان مستجاب الدعوة، صنف كتاباً كبيراً في السنة سماه "السنن". وله مصنفات كثيرة، منها: "الإبانة في أصول الديانة" الصغرى والكبرى، "والمناسك"، "وذم البخل"، "وتحريم الخمر". توفي بعكبرا سنة 387هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/ 144، المنهج الأحمد 2/ 69، شذرات الذهب 3/ 122".

حَفْصٍ1 الْعُكْبَرِيَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ2. "وَلا تَكْفِيرَ بِاخْتِلافٍ فِيهَا" أَيْ وَلا يَكْفُرُ مَنْ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ 3مِنْ الْقُرْآنِ5، وَلا يَكْفُرُ4 مَنْ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ5 مِنْ الْفَاتِحَةِ6، وَلا مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ. وَلأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ الْقَطْعِيِّ، بَلْ مِنْ الْحُكْمِيِّ، وَهُوَ الأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا هَلْ هِيَ قُرْآنٌ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ، كَسَائِرِ الْقُرْآنِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ، لاخْتِلافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا7. وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ8: "أَنَّهُ لا يُكَفَّرُ النَّافِي بِأَنَّهَا قُرْآنٌ إجْمَاعًا9".

_ 1 هو عمر بن إبراهيم بن عبد الله، أبو حفص العُكبري، ويعرف بابن المسلم. له معرفة عالية بالمذهب الحنبلي، وله التصانيف السائرة، منها: "المقنع"، "وشرح الخرقي"، "والخلاف بين أحمد ومالك"، "والاختيارات في المسائل المشكلات". وصحب عدداً من فقهاء الحنابلة كأبي إسحاق بن شاقلا، ولازم ابن بطة. توفي سنة 387هـ. انظر ترجمته في "المنهج الأحمد 2/ 73، طبقات الحنابلة 2/ 163". 2 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 111، المجموع شرح المهذب 3/ 333، 335، حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 21، أصول الفقه الإسلامي ص 106، أصول السرخسي 1/ 280، التلويح على التوضيح 1/ 159. 3 في ب ع ض: بقران. 4 ساقطة من ب ع ض. 5 ساقطة من ز. 6 قال المجد ابن تيمية: "وليست من الفاتحة". "المحرر في الفقه 1/ 53". وانظر: الفروع 1/ 413. 7 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 163، كشف الأسرار 1/ 23، البرهان في علوم القرآن 2/ 125، المستصفى 1/ 103. 8 في ش: الثوري. 9 المجموع 3/ 333، وهذا ما نقله الآمدي والغزالي عن أبي بكر الباقلاني. "انظر: الإحكام 1/ 163، المستصفى 1/ 103، 104، مختصر ابن الحاجب 2/ 19".

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: "وَقُوَّةُ الشُّبْهَةِ فِي "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" مَنَعَتْ مِنْ التَّكْفِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ1". قَالَ بَعْضُهُمْ: لَكِنْ هَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا أَثْبَتْنَاهَا قُرْآنًا قَطْعِيًّا. أَمَّا إذَا أَثْبَتْنَاهَا حُكْمِيًّا. فَلَيْسَ هُنَا مُقْتَضٍ لِلتَّكْفِيرِ، حَتَّى يُدْفَعَ بِالشُّبْهَةِ. "وَهِيَ" أَيْ الْبَسْمَلَةُ "آيَةٌ فَاصِلَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ". قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذَا مَنْصُوصُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي "تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ": وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ2 أَبِي حَنِيفَةَ3. "سِوَى بَرَاءَةَ" يَعْنِي إلاَّ "بَرَاءَةَ". فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَّلِهَا إجْمَاعًا. إمَّا لِكَوْنِهَا أَمَانًا. وَهَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ، كَمَا قَالَ4 ابْنُ

_ 1 مختصر ابن الحاجب 2/ 19. 2 في ع: عن. 3 يتلخص هذا الموضوع في أن العلماء اتفقوا على أن البسملة بعض آية في "سورة النمل". واختلفوا في كونها آية في أوائل السور على ثلاثة أقوال: الأول: أن البسملة آية في أول كل سورة أو مع الآية الأولى من كل سورة إلا في "سورة التوبة". وهذا قول الشافعي. الثاني: أن البسملة ليست آية في أوائل السور مطلقاً، وهو قول المالكية والباقلاني من الشافعية. الثالث: أن البسملة آية من القرآن الكريم، وتتكرر في أوائل السور للفصل، وهو قول الحنابلة والحنفية. وقال الشوكاني: والحق أنها آية في كل سورة، وبيّن الأدلة. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 14، تيسير التحرير 3/ 7، أصول السخسي 1/ 280، التلويح على التوضيح 1/ 159، كشف الأسرار 1/ 23، المستصفى 1/ 102، الإحكام للآمدي 1/ 163، حاشية البناني وتقريرات الشربيني 1/ 227، مختصر ابن الحاجب 1/ 19، الإتقان في علوم القرآن 1/ 78، المجموع شرح المهذب 3/ 333، إرشاد الفحول ص 31، مناهل العرفان 1/ 426". 4 في ض: قاله.

عَبَّاسٍ. وَقَدْ كَشَفَتْ أَسْرَارَ الْمُنَافِقِينَ. وَلِذَلِكَ تُسَمَّى "الْفَاضِحَةَ"، وَإِمَّا لأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالأَنْفَالِ سُورَةً وَاحِدَةً، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ، عَلَى أَقْوَالٍ1. "وَ" الْبَسْمَلَةُ أَيْضًا "بَعْضُهَا" أَيْ بَعْضُ آيَةٍ "مِنْ" سُورَةِ "النَّمْلِ2" إجْمَاعًا. فَهِيَ قُرْآنٌ فِيهَا قَطْعًا3. "وَ" الْقِرَاءاتُ "السَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الأَئِمَّةِ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ4. نَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ5 مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ "الْغَايَةِ". وَقَالَ: قَالَتْ: الْمُعْتَزِلَةُ6: آحَاداً7. اهـ. وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: "إنَّهَا آحَادٌ" كَالطُّوفِيِّ فِي "شَرْحِهِ8". قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ

_ 1 انظر هذه الأقوال وتعليلها في "البرهان في علوم القرآن 1/ 263، جمع الجوامع 1/ 228، تفسير القرطبي 8/ 61، تفسير الخازن 3/ 46، زاد المسير 3/ 389". 2 وهي قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ} . الآية 30 من النمل. 3 انظر: أًصول السرخسي 1/ 280، المستصفى 1/ 104، مختصر ابن الحاجب 1/ 19، جمع الجوامع 1/ 227، الفروع 1/ 413. 4 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 87، مناهل العرفان 1/ 428، فواتح الرحموت 2/ 15، مختصر ابن الحاجب 2/ 21، المحلي على جمع الجوامع 1/ 228. 5 هو زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى، أبو علي السرخسي، الفقيه المقرئ المحدث، من أئمة أصحاب الشافعي، وهو من أصحاب الوجوه في المذهب، وأخذ علم الكلام عن الأشعري. قال الحاكم: "الفقيه المحدث، شيخ عصره بخراسان". توفي سنة 389هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 293، تهذيب الأسماء 1/ 192، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 86، طبقات القراء 1/ 288، تبيين كذب المفتري ص 206، شذرات الذهب 3/ 131". 6 ساقطة من ش. 7 في ع آحاد. 8 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 87. وقد ذكر الطوفي في "مختصره" أن: القراءات السبعة متواترة، خلافاً لقوم. ورد احتمال الآحاد. "انظر: مختصر الطوفي ص 46".

أَنَّهَا تَوَاتَرَتْ عَنْهُمْ لا إلَيْهِمْ - بِأَنَّ1 أَسَانِيدَ الأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ بِهَذِهِ الْقِرَاءاتِ السَّبْعِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَوْجُودَةٌ فِي كُتُبِ الْقِرَاءاتِ2. وَهِيَ نَقْلُ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ، لَمْ تَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ التَّوَاتُرِ. وَرُدَّ بِأَنَّ انْحِصَارَ الأَسَانِيدِ فِي طَائِفَةٍ لا يَمْنَعُ مَجِيءَ الْقِرَاءاتِ عَنْ غَيْرِهِمْ. فَقَدْ كَانَ يَتَلَقَّى الْقِرَاءَةَ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ بِقِرَاءَةِ إمَامِهِمْ الَّذِي مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ: الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَنْ مِثْلِهِمْ. وَكَذَلِكَ دَائِمًا، فَالتَّوَاتُرُ حَاصِلٌ لَهُمْ، وَلَكِنَّ الأَئِمَّةَ الَّذِينَ قَصَدُوا ضَبْطَ الْحُرُوفِ وَحَفِظُوا شُيُوخَهُمْ فِيهَا جَاءَ السَّنَدُ مِنْ قِبَلِهِمْ. وَهَذَا كَالأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ هِيَ آحَادٌ، وَلَمْ تَزَلْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ مَنْقُولَةً عَمَّنْ يَحْصُلُ بِهِمْ التَّوَاتُرُ عَنْ مِثْلِهِمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ3، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِذَلِكَ، وَلا يُغْتَرَّ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ أَسَانِيدَ الْقُرَّاءِ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا آحَادٌ4. وَإِذَا5 تَقَرَّرَ هَذَا، فَاسْتَثْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ مَا كَانَ مِنْ

_ 1 في ش: بأنها. 2 في ع: القراءة. وفي ش ب ز: القراء. 3 لا يخلو كتاب من كتب السنة النبوية من نقل حجة النبي صلى الله عليه وسلم التي ودّع فيها الأمة، وبين لهم مناسكهم. وقد رواها البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وغيرهم. "انظر: صحيح البخاري 3/ 82، صحيح مسلم 2/ 886، سنن أبي داود 2/ 388، تحفة الأحوذي 3/ 545، سنن النسائي 5/ 204، سنن ابن ماجه 2/ 1022، مسند أحمد 3/ 305، سنن الدارمي 2/ 45". 4 انظر تفصيل هذا البحث مع بيان أسماء القراء ورواياتهم وطرقهم في "النشر في القراءات العشر 1/ 54، البرهان في علوم القرآن 1/ 319، إرشاد الفحول ص 30، البناني على جمع الجوامع 1/ 228، فواتح الرحموت 2/ 16". 5 في ب ع: إذا.

قُبَيْلِ صِفَةِ الأَدَاءِ، كَالْمَدِّ وَالإِمَالَةِ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ1 وَنَحْوِهِ2. وَمُرَادُهُ: مَقَادِيرُ الْمَدِّ وَكَيْفِيَّةُ الإِمَالَةِ لا أَصْلُ الْمَدِّ وَالإِمَالَةِ. فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ قَطْعًا3. فَالْمَقَادِيرُ، كَمَدِّ حَمْزَةَ4 وَوَرْشٍ5. فَإِنَّهُ قَدْرُ سِتِّ أَلِفَاتٍ. وَقِيلَ: خَمْسٌ. وَقِيلَ: أَرْبَعٌ. وَرَجَّحُوهُ. وَمَدُّ عَاصِمٍ6: قَدْرُ ثَلاثِ أَلِفَاتٍ،

_ 1في ش ز: الهمز. وفي ع ض ب ومختصر ابن الحاجب: الهمزة. 2انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 21، البرهان في علوم القرآن 1/ 319، مناهل العرفان 1/ 430، النشر في القراءات العشر 1/ 395، فواتح الرحموت 2/ 15، جمع الجوامع 1/ 228، المدخل إلى مذهب أحمد ص 87. 3انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 319، فواتح الرحموت 2/ 15، البناني على جمع الجوامع 1/ 229. 4هو حمزة بن حبيب بن عمارة، أبو عمارة الكوفي، التيمي مولاهم، أحد القراء السبعة. ولد سنة 80هـ، وأدرك الصحابة بالسن، فيحتمل أن يكون رأى بعضهم. قال ابن الجزري: "وإليه صارت الإمامة في القراءة بعد عاصم والأعمش، وكان إماماًَ حجة ثبتاً رضى قيماً بكتاب الله، بصيراً بالفرائض، عارفاً بالعربية، حافظاً للحديث، عابداً خاشعاًَ، زاهداً ورعاً، قانتاً لله عديم النظر". كان يتجر بالزيت. توفي بحلوان سنة 156هـ. ومن مصنفاته: "كتاب قراءة حمزة"، و"كتاب الفرائض". انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 261، مشاهير علماء الأمصار ص 168، مرآة الجنان 1/ 332، معرفة كبار القراء 1/ 93، الخلاصة ص 93، الفهرست ص 44، شذرات الذهب 1/ 240". 5هو عثمان بن سعيد بن عبد الله، أبو سعيد القرشي مولاهم، القبطي المصري، الملقب بورش، شيخ القراء المحققين، وإمام أهل الأداء المرتلين. انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه، ولقبه نافع بورش لبياضه، أو الورشان، وهو اسم طائر معروف، اشتغل بالقرآن والعربية، فمهر بهما. توفي سنة 197هـ بمصر. انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 502، حسن المحاضرة 1/ 485، معرفة القراء الكبار 1/ 126، شذرات الذهب 1/ 349". 6 هو عاصم بن بَهْدَلة أبي النجود، أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي، شيخ القراء بالكوفة، وأحد القراء السبعة. انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة، وجمع بين الفصاحة والإتقان، والتحرير والتجويد. وكان أحسن الناس صوتاً بالقرآن. قال الإمام أحمد عنه: "رجل صالح خير ثقة، لكن قراءة أهل المدينة أحب، فإن لم فقراءة عاصم. ووثقه أبو زرعة وجماعة، وخرج له أصحاب الكتب الستة. توفي سنة 127هـ. انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 346، ميزان الاعتدال 2/ 358، معرفة القراء الكبار 1/ 73، الخلاصة ص 182، شذرات الذهب 1/ 175، الفهرست ص 43".

وَالْكِسَائِيِّ1: قَدْرُ أَلِفَيْنِ وَنِصْفٍ وقالون2: قَدْرُ أَلِفَيْنِ، وَالسُّوسِيِّ3: قَدْرُ أَلِفٍ وَنِصْفٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ4. وَكَذَلِكَ الإِمَالَةُ تَنْقَسِمُ إلَى: مَحْضَةٍ. وَهِيَ أَنْ يَنْحَنِيَ5 بِالأَلِفِ إلَى الْيَاءِ،

_ 1 هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، الكوفي، أبو الحسن، المعروف بالكسائي، أحد القراء السبعة. قال ابن خلكان: "كان إماماً في النحو واللغة والقراءات، ولم يكن له في الشعر يد". وكان يؤدب الأمين بن الرشيد ويعلمه. استوطن بغداد، وله مصنفات، منها: "معاني القرآن"، و"مختصر في النحو"، و"القراءات"، و"مقطوع القرآن وموصوله"، و"النوادر". توفي بالري سنة 189هـ. انظر ترجمته في "طبقات المفسرين 1/ 399، إنباه الرواة 2/ 256، طبقات القراء 1/ 535، طبقات النحويين ص 127، مرآة الجنان 1/ 421، معرفة القراء الكبار 1/ 100، وفيات الأعيان 2/ 457، المعارف ص 545، شذرات الذهب 1/ 321، الفهرست ص 44". 2 هو عيسى بن مينا بن وردان، الملقب بقالون، المدني، قارئ المدينة ونحويّها. ويقال: إنه ربيب نافع، وقد اختص به كثيراً، وهو الذي لقبه قالون، بمعنى جيد، لجودة قراءته باللغة الرومية. وكان أصم لا يسمع البوق، لكنه يسمع القرآن. قال ابن أبي حاتم: كان أصم يقري القرآن، ويفهم خطأهم ولحنهم بالشفة، ويكتب حديثه بالجملة. توفي سنة 220هـ. انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 615، ميزان الاعتدال 3/ 327، معرفة القراء الكبار 1/ 128، شذرات الذهب 2/ 48". 3 هو صالح بن زياد بن عبد الله، أبو شعيب السوسي، مقرئ ضابط، محرر ثقة، وهو عالم أهل الرقة ومقرئهم. قال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة 261هـ. انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 332، الخلاصة ص 170، معرفة القراء الكبار 1/ 159، شذرات الذهب 2/ 143". 4 انظر: النشر في القراءات العشر 1/ 314، 320، وما بعدها، البرهان في علوم القرآن 1/ 319، مناهل العرفان 1/ 435. 5 في ع ض: ينحي، وكذا في البرهان في علوم القرآن 1/ 320.

وَبِالْفَتْحَةِ إلَى الْكَسْرَةِ، وَإِلَى بَيْنَ بَيْنَ. وَهِيَ كَذَلِكَ، 1إلاَّ أَنَّهَا5 تَكُونُ إلَى الأَلِفِ وَالْفَتْحَةِ أَقْرَبَ، وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ عِنْدَ الأَئِمَّةِ2. أَمَّا أَصْلُ التَّخْفِيفِ3 فِي الْهَمْزَةِ4 وَالتَّشْدِيدِ فَمُتَوَاتِرٌ5، وَأَمَّا كَوْنُ أَنَّ مِنْ الْقُرَّاءِ مَنْ يُسَهِّلُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُبْدِلُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً6. وَلِهَذَا كَرِهَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ طُولِ الْمَدِّ وَالْكَسْرِ وَالإِدْغَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ7؛ لأَنَّ الأُمَّةَ إذَا أَجْمَعَتْ8 عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ لَمْ يُكْرَهْ فِعْلُهُ. وَهَلْ يَظُنُّ عَاقِلٌ أَنَّ الصِّفَةَ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتَوَاتَرَتْ إلَيْنَا يَكْرَهُهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ فَعَلِمْنَا بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً، وَهُوَ وَاضِحٌ. 9وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ وَجَمْعٍ3، وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْكِسَائِيّ؛ لأَنَّهَا كَقِرَاءَةِ حَمْزَةَ فِي الإِمَالَةِ وَالإِدْغَامِ10. كَمَا نَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي "الْغَايَةِ".

_ 1 في ض: لأنها. 2 انظر: النشر في القراءات العشر 2/ 30 وما بعدها، البرهان في علوم القرآن 1/ 320، مناهل العرفان 1/ 436. 3 في ض: التحقيق. 4 في ش ز ع: الهمز. 5 في ض: فهو تواتر. 6 انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 320، مناهل العرفان 1/ 437. 7 قال ابن الجزري: وأما ما ذُكر عن عبد الله بن إدريس وأحمد بن حنبل من كراهة قراءة حمزة، فإن ذلك محمول على قراءة من سمعنا منه ناقلاً عن حمزة، وما آفة الأخبار إلا رواتها. "طبقات القراء 1/ 263". وانظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 320، الفروع 1/ 422. 8 في ض: اجتمعت. 9 ساقطة من ش ز. 10 انظر: الفروع 1/ 422.

فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُتَوَاتِرًا لَمَا كَرِهَهُ1 أَحَدٌ مِنْ الأَئِمَّةِ. وَزَادَ أَبُوْ شَامَةَ2 الأَلْفَاظَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا بَيْنَ الْقُرَّاءِ أَيْ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ تَأْدِيَتِهَا. كَالْحَرْفِ الْمُشَدَّدِ، يُبَالِغُ بَعْضُهُمْ فِيهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَزِيدُ حَرْفًا، وَبَعْضُهُمْ لا يَرَى ذَلِكَ، وَبَعْضُهُمْ يَرَى التَّوَسُّطَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ تَحْتَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الاحْتِرَازِ عَنْهُ فِي اسْتِثْنَائِهِ مَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الأَدَاءِ3. لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ4: لا نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَ ابْنَ الْحَاجِبِ إلَى ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ

_ 1 في ش: كرههه. 2 هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم، أبو شامة المقدسي، ثم الدمشقي، شهاب الدين، أبو القاسم، الإمام الحافظ المحدث العلامة المجتهد، الشافعي المقرئ، النحوي. برع في علم العربية والقراءات. درس الحديث، وأتقن الفقه، ودرس وأفتى، وكان متواضعاً، ولي مشيخة الإقراء، ومشيخة الحديث بدمشق. وله مصنفات كثيرة، منها: "شرح الشاطبية"، و"مختصر تاريخ دمشق"، و"شرح المفصل للزمخشري"، و"كتاب الروضتين"، و"البيهقي"، و"مقدمة في النحو" وغيرها. توفي سنة 665هـ. انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 365، طبقات المفسرين 1/ 263، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 165، طبقات الحفاظ ص 507، تذكرة الحفاظ 4/ 1460، البداية والنهاية 13/ 250, بغية الوعاة 2/ 77، شذرات الذهب 5/ 318، فوات الوفيات 1/ 527، معرفة القراء الكبار 2/ 537". 3 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 22. 4 هو محمد بن محمد بن علي بن يوسف، أبو الخير، العمري الدمشقي، ثم الشيرازي، الشافعي، المقرئ، ويعرف بابن الجزري، الحافظ، شيخ القراء في زمانه. وصار قاضياً بشيراز، وفتح مدرسة القرآن بالشام وشيراز. حفظ القرآن، وصلى به، وجمع القراءات، وجلس للإقراء في المسجد الأموي، وولي مشيخة الإقراء الكبرى، له تصانيف كثيرة، منها: "النشر في القراءات العشر"، و"التقريب"، و"التمهيد في التجويد"، و"منجد المقرئين"، و"طبقات القراء". توفي سنة 833هـ. انظر ترجمته في "طبقات القراء 2/ 247، الضوء اللامع 9/ 255، طبقات المفسرين 2/ 59، البدر الطالع 2/ 257، ذيل تذكرة الحفاظ ص 376، طبقات الحفاظ ص 543، شذرات الذهب 7/ 204". وفي ز ش ب ض: ابن الجوزي. وهو تصحيف، لأن ابن الجوزي متقدم، وقد توفي سنة 597هـ، بينما وفاة ابن الحاجب سنة 646هـ، فكيف ينقل عنه؟!

إذَا ثَبَتَ تَوَاتُرُ اللَّفْظِ "1ثَبَتَ تَوَاتُرُ1" هَيْئَتِهِ؛ إذْ اللَّفْظُ لا يَقُومُ إلاَّ بِهِ، وَلا يَصِحُّ إلاَّ بِوُجُودِهِ2. "وَمُصْحَفُ عُثْمَانَ" 3بْنِ عَفَّانَ "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ4" الَّذِي كَتَبَهُ وَأَرْسَلَ 4مِنْهُ إلَى الآفَاقِ5 مَصَاحِفَ عَدِيدَةً "أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ5". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ: مُصْحَفُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ6. وَقَالَ الْعَلاَّمَةُ أَبُو شَامَةَ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ الإِمَامُ فِي الْقِرَاءاتِ فِي كِتَابِهِ "الْمُرْشِدِ": إنَّ الْقِرَاءاتِ الَّتِي بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْ السَّبْعَةِ وَالْعَشَرَةِ7 وَغَيْرِهَا8 هِيَ

_ 1 في ش: ثبتت. 2 قال ابن الجزري في ترجمة ابن الحاجب –بعد أن ذكر فضله وعلمه ومصنفاته وأخلاقه-: قلت: إلا أنه أعضل فيما ذكره في مختصر الأصول حين تعرض للقراءات، وأتى بما لم يتقدم فيه غيره، كما أوضحت ذلك في كتابي المنجد وغير ذلك. "طبقات القراء 1/ 509". 3 ساقطة من ب ض. وفي ع: بن عفان. 4 في ب ز ض: إلى الآفاق منه. وفي ع: منه إلى الآفاق من. 5 وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أن المصحف العثماني مشتمل على ما يحتمله رسمه من الأحرف السبعة. وذهب جماعات من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى أن المصحف العثماني مشتمل على جميع الأحرف السبعة، ولكل فريق أدلته. "انظر: النشر في القراءات العشر 1/ 31، تفسير الطبري 1/ 25، فتاوى ابن تيمية 13/ 395 وما بعدها، البرهان في علوم القرآن 1/ 213، مناهل العرفان 1/ 392، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/ 87، 523". 6 انظر: فتاوى ابن تيمية 13/ 395، الفروع 1/ 423. 7 القراءات السبعة هي: قراءة أبي عمرو ونافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن كثير وابن عامر. والعشرة: هي قراءة السبعة مع قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي أبي محمد "205هـ"، وأبي جعفر يزيد بن القعقاع "130هـ"، وخلف بن هشام "229هـ". 8 في ش ض: وغيرهما.

حَرْفٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ" 1. اهـ. "فَتَصِحُّ الصَّلاةُ" بِقِرَاءَةِ "مَا وَافَقَهُ وَصَحَّ" سَنَدُهُ "وَإِنْ لَمْ يَكُنْ" مَا قَرَأَ بِهِ الْمُصَلِّي "مِنْ" الْقِرَاآتِ "الْعَشَرَةِ" نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "فُرُوعِهِ": "وَتَصِحُّ بِمَا وَافَقَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ وِفَاقًا لِلأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ3".وَقَالَ 4ابْنُ الْجَزَرِيِّ6 فِي كِتَابِ "النَّشْرِ فِي الْقِرَاءاتِ الْعَشْرِ": كُلُّ قِرَاءَةٍ وَافَقَتْ إحْدَى5 الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَلَوْ احْتِمَالاً. وَوَافَقَتْ الْعَرَبِيَّةَ وَلَوْ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ6 - وَصَحَّ سَنَدُهَا - فَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ

_ 1 رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد. انظر: صحيح البخاري 3/ 227، صحيح مسلم 1/ 560، تحفة الأحوذي 8/ 264، مسند أحمد 5/ 385، تخريج أحاديث البزدوي ص 190. قال ابن الجزري: وقد نص الإمام الكبير أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله على أن هذا الحديث تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم. "النشر في القراءات العشر 1/ 21". وانظر آراء العلماء في المقصود من الأحرف السبعة في "النشر في القراءات العشر 1/ 23، الرسالة للشافعي ص 273، إرشاد الفحول ص 31، البرهان في علوم القرآن 1/ 213، مناهل العرفان 1/ 148، تفسير الطبري 1/ 11 وما بعدها، الإشارة إلى الإيجاز للعز بن عبد السلام ص 270، فتاوى ابن تيمية 13/ 290، تفسير القرطبي 1/ 41". 2 انظر وجوه الاختلاف في القراءات في كتاب "تأويل مشكل القرآن لابن تيمية ص 36، النشر في القراءات العشر 1/ 54، المحلي على جمع الجوامع 1/ 231". 3 الفروع 1/ 422. 4 ساقطة من ب ز ع ض. 5 في ش ع: أحد. 6 العبارة في كتاب النشر: "كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف ولو احتمالاً. النشر في القراءات العشر 1/ 9".

يُنْكِرَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنْ السَّبْعَةِ، أَوْ عَنْ الْعَشَرَةِ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِمْ1 مِنْ الأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ2. وَمَتَى اخْتَلَّ رُكْنٌ مِنْ هَذِهِ الأَرْكَانِ الثَّلاثَةِ: أُطْلِقَ عَلَيْهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ شَاذَّةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ3 كَانَتْ عَنْ السَّبْعَةِ، أَوْ عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. صَرَّحَ بِهِ الدَّانِيُّ4، وَمَكِّيٌّ5،

_ 1 العبارة في الأصل: "القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم. "النشر في القراءات العشر 1/ 9". 2 انظر: إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 6. 3 ساقطة من ش. 4 هو عثمان بن سعيد بن عثمان، أبو عمرو الداني، الأموي مولاهم، القرطبي، الإمام العلامة الحافظ، شيخ مشايخ المقرئين، رحل إلى المشرق، ثم رجع إلى قرطبة، وسمع الحديث، وبرَّز فيه، وفي أسماء رجاله، وفي القراءات علماً وعملاً، وفي الفقه والتفسير. وكان حسن الخط، جيد الضبط، من أهل الحفظ والذكاء، وكان ديناً فاضلاً ورعاً، مالكي المذهب. وله مصنفات كثيرة، منها: "جامع البيان" في القراءات السبع، و"التيسير" و"المقنع"، و"طبقات القراء"، و"التمهيد"، و"الفتن والملاحم". توفي بدانية سنة 444هـ. انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 503، طبقات الحفاظ ص 429، تذكرة الحفاظ 3/ 1120، طبقات المفسرين 1/ 373، الديباج المذهب 2/ 84، إنباه الرواة 2/ 341، معرفة القراء الكبار 1/ 325، شجرة النور الزكية ص 115، الصلة 2/ 385، شذرات الذهب 3/ 272". 5 هو مكي بن أبي طالب بن حَمُّوش، أبو محمد القيسي، ثم الأندلسي القرطبي. قال ابن الجزري: إمام علامة، محقق عارف، أستاذ القراء المجودين، قال صاحبه المقري: كان من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية، حسن الفهم والخلق، جيد الدين والعقل، كثير التأليف في علوم القرآن، محسناً مجوداً عالماً بمعاني القراءات. له مصنفات كثيرة، منها: "التبصرة في القراءات"، و"التفسير"، و"مشكل إعراب القرآن"، و"الرعاية" في التجويد، و"الموجز في القراءات". توفي سنة 437هـ. انظر ترجمته في "طبقات القراء 2/ 309، طبقات المفسرين 2/ 331، 337، وفيان الأعيان 4/ 361، إنباه الرواة 3/ 313، الديباج المذهب 2/ 342، بغية الوعاة 2/ 298، شذرات الذهب 3/ 260، معرفة القراء الكبار 1/ 316".

وَالْمَهْدَوِيُّ1، وَأَبُو شَامَةَ. وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الَّذِي لا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلافُهُ2. اهـ. "وَ" مَا كَانَ مِمَّا وَرَدَ "غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ، وَهُوَ مَا خَالَفَهُ" أَيْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ "لَيْسَ بِقُرْآنٍ، فَلا تَصِحُّ" الصَّلاةُ "بِهِ" لأَنَّ الْقُرْآنَ لا يَكُونُ إلاَّ مُتَوَاتِرًا، وَهَذَا غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ. فَلا يَكُونُ قُرْآنًا فَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ بِهِ عَلَى الأَصَحِّ3. وَعَنْهُ تَصِحُّ. رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ4 عَنْ مَالِكٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَالشَّيْخُ

_ 1 هو أحمد بن عمار بن أبي العباس، الإمام أبو العباس المهدوي، نسبة إلى المهدية بالمغرب، أستاذ مشهور، وهو نحوي ولغوي مفسر، وكان مقدماً في القراءات والعربية. وألف كتباً كثيرة النفع، منها: "التفصيل" وهو كتاب كبير في التفسير، "والتحصيل" مختصر للأول. قال القفطي: "والكتابان مشهوران في الآفاق"، وله "تعليل القراءات السبع"، و"الهداية" في القراءات السبع. قال الذهبي: توفي بعد 430هـ. وقال السيوطي: مات في الأربعين وأربعمائة. "انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 92، طبقات المفسرين 1/ 56، إنباه الرواة 1/ 91، بغية الوعاة 1/ 351، شجرة النور الزكية ص 108، معرفة القراء الكبار 1/ 320". 2 النشر في القراءات العشر 1/ 9. 3 وهو رأي الحنفية والمالكية والشافعية. انظر: أصول السرخسي 1/ 279 وما بعدها، المستصفى 1/ 102، العضد على ابن الحاجب 2/ 19، جمع الجوامع 1/ 228، أصول مذهب أحمد ص 186، 191، الفروع 1/ 423، المجموع للنووي 3/ 392، فواتح الرحموت 1/ 9، البرهان في علوم القرآن 1/ 332، 467، فتاوى ابن تيمية 13/ 394". 4 هو عبد الله بن وهب بن مسلم المصري، الفهري مولاهم، أبو محمد، أحد الأعلام، تفقه بمالك والليث. حدث عن السفيانين وابن جريج. قال ابن عدي: من جُلّة الناس وثقاتهم. وقال ابن يونس: جمع ابن وهب وبين الفقه والرواية والعبادة. وكان مالك يكتب إليه في المسائل ويقول: ابن وهب عالم، وابن القاسم فقيه. له مصنفات، منها: "أهوال القيامة"، "والموطأ الكبير والصغير"، وطلب للقضاء فتغيب. توفي سنة 197هـ. انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 150، طبقات القراء 1/ 463، طبقات الحفاظ ص 126، تذكرة الحفاظ 1/ 304، الديباج المذهب 1/ 413، شجرة النور الزكية ص 58، مرآة الجنان 1/ 458، ميزان الاعتدال 2/ 522، وفيات الأعيان 2/ 240، الخلاصة ص 218، شذرات الذهب 1/ 347".

تَقِيُّ الدِّينِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، لِصَلاةِ الصَّحَابَةِ بِهِ1 بَعْضِهِمْ خَلْفَ بَعْضٍ2. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَصْحَابِ هَذِهِ الْقِرَاآتِ، كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ3، وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ4 وَالأَعْمَشِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَضْرَابِهِمْ. وَلَمْ

_ 1 ساقطة من ب ع ض. 2 قال ابن الجزري: "واختلف العلماء في جواز القراءة بذلك في الصلاة فأجازها بعضُهم، لأن الصحابة التابعين كانوا يقرؤون بهذه الحروف في الصلاة، وهذا أحد القولين لأصحاب الشافعي وأبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالك وأحمد. وأكثر العلماء على عدم الجواز، لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن ثبتت بالنقل، فإنها منسوخة بالعرضة الأخيرة، أو بإجماع الصحابة على المصحف العثماني". "النشر في القراءات العشر 1/ 14". وانظر: الفروع 1/ 107، فتاوى ابن تيمية 13/ 394، 397، فواتح الرحموت 2/ 9، جمع الجوامع 1/ 228. 3 هو الحسن بن يسار، أبو سعيد البصري. كان من سادات التابعين وكبرائهم وكبرائهم وجمع من كل فن من علم وزهد، وورع وعبادة، وكان فصيحاً أريباً، وكان عالماً فقيهاً، ثقة مأموناً ناسكاً، رأساً في العلم والعمل، لقي عائشة وعلياً رضي الله عنهما، ولم يسمع منهما. وسمع ابن عمر وأنساً وسمرة وأبا بكرة وعدداً كبيراً من الصحابة، ومن كبار التابعين، وروى عنه خلائق من التابعين وغيرهم، مناقبه كثيرة. وحيث أطلق الحسن في كتب الفقه والحديث والرجال والورع فهو المقصود. مات سنة 110هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 71، حلية الأولياء 2/ 131، طبقات الحفاظ ص 28، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 87، طبقات القراء 1/ 235، طبقات المفسرين 1/ 147، ميزان الاعتدال 1/ 527، تهذيب الأسماء 1/ 161، وفيات الأعيان 1/ 354، مشاهير علماء الأمصار ص 88، المعارف ص 44، الخلاصة ص 77، شذرات الذهب 1/ 136". 4 هو طلحة بن مُصرف بن عمرو، أبو محمد الهَمْداني، الكوفي التابعي، الإمام، سمع أنساً وابن أبي أوفى. واتفقوا على جلالته وإمامته ووفور علمه بالقرآن وغيره، مع الورع، وكان من أقرأ أهل الكوفة وخيارهم، وكانوا يسمونه سيد القراء. توفي سنة 112هـ. انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 343، تهذيب الأسماء 2/ 253، الخصلاصة ص 180، المعارف ص 529، صفة الصفوة 3/ 96، شذرات الذهب 1/ 145، الفهرست ص 107".

يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ عَلَيْهِمْ. وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: أَنَّهَا لا تُجْزِئُ عَنْ1 رُكْنِ الْقِرَاءَةِ2. "وَمَا صَحَّ مِنْهُ" أَيْ مِمَّا لَمْ يَتَوَاتَرْ "حُجَّةٌ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْبُوَيْطِيُّ3 فِي بَابِ الرَّضَاعِ، وَفِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ4.

_ 1 ساقطة من ض. 2 انظر: الفروع 1/ 424، فتاوى ابن تيمية 13/ 398. 3 هو يوسف بن يحيى، أبو يعقوب البويطي المصري الفقيه، أكبر أصحاب الشافعي المصريين، وخليفته في حلقته. وكان قوي الحجة من كتاب الله. روى له الترمذي. قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، وليس أحد من أصحابي أعلم منه، أبو يعقوب لساني. له "المختصر" المشهور، وهو أقل الكتب خطأ، وله "كتاب الفرائض". وكانت الفتاوى ترد إليه من السلطان فمن دونه. وحمل إلى بغداد فامتنع من القول بخلق القرآن، فحبس حتى مات سنة 231هـ. وكان عابداً، دائم الذكر، كبير القدر مجتهداً. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 162، طبقات الفقهاء ص 98، الخلاصة ص 440، تهذيب الأسماء 2/ 275، وفيات الأعيان 6/ 60، شذرات الذهب 2/ 71، الفهرست ص 298، حسن المحاضرة 1/ 306، تاريخ بغداد 14/ 299". 4 قال الأسنوي: "والصحيح عند الآمدي وابن الحاجب أنه لا يحتج به، ونقله الآمدي عن الشافعي رضي الله عنه. وقال إمام الحرمين في "البرهان": إنه ظاهر مذهب الشافعي، لأن الراوي لم ينقلها خبراً، والقرآن ثبت بالتواتر، لا بالآحاد". "التمهيد ص 32". ثم قال: "وجزم النووي في "شرح مسلم" بما قاله الإمام ... ثم قال: وما قالوه جميعه خلاف مذهب الشافعي وخلاف قول جمهور أصحابه.... "التمهيد ص 33". وقال السبكي: وأما إجراؤه مجرى الآحاد فهو الصحيح. "جمع الجوامع 1/ 231". وانظر أقوال العلماء في حجية غير المتواتر وعدم حجيته في "نهاية السول 2/ 333، أصول السرخسي 1/ 281، الإحكام للآمدي 1/ 160، إرشاد الفحول ص 31، فواتح الرحموت 2/ 16، مختصر الطوفي ص 46، الروضة ص 34، القواعد والفوائد الأصولية ص 155، الإتقان في علوم القرآن 1/ 82، شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 130، أصول مذهب أحمد ص 186".

وَاحْتَجَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَطْعِ يُمْنَى1 السَّارِقِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمْ2. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا نُقِلَ عَنْ مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ3. وَقَالُوا: لأَنَّهُ4 إمَّا قُرْآنٌ أَوْ خَبَرٌ، وَكِلاهُمَا مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ5. وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ "يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ، ثُمَّ نَقَلَهُ قُرْآنًا خَطَأٌ لِوُجُوبِ تَبْلِيغِ الْوَحْيِ عَلَى6 الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَنْ يَحْصُلُ بِخَبَرِهِ الْعِلْمُ7 مَرْدُودٌ، إذْ نِسْبَةُ الصَّحَابِيِّ رَأْيَهُ إلَى الرَّسُولِ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ لا يَلِيقُ بِهِ. فَالظَّاهِرُ صِدْقُ النِّسْبَةِ8، وَالْخَطَأُ الْمَذْكُورُ إنْ سُلِّمَ لا يَضُرُّ؛ إذْ الْمُضِرُّ حِينَئِذٍ كَوْنُهُ قُرْآنًا لا خَبَرًا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ9، وَهُوَ كَافٍ10. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: قَالَ: الْخَصْمُ: لَمْ يُصَرَّحْ بِكَوْنِهِ قُرْآنًا، ثُمَّ لَوْ صُرِّحَ فَعَدَمُ

_ 1 في ع: يمين. 2 في ش: أيمانهما. 3 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 156، أصول مذهب أحمد ص 191. 4 في ض: إنه. 5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 16، جمع الجوامع 1/ 232، مختصر الطوفي ص 46. 6 في ش ز: عن. 7 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 160، مختصر ابن الحاجب 2/21. 8 أي نسبة الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أنه سمعه تفسيراً، فظنّه قرآناً. "انظر: الروضة ص 34، فواتح الرحموت 2/ 17". 9 في ش ز: ذكرنا. 10 انظر: مختصر الطوفي ص 46، الروضة ص 34.

شَرْطِ الْقِرَاءَةِ لا يَمْنَعُ صِحَّةَ سَمَاعِهِ. فَيَقُولُ: هُوَ مَسْمُوعٌ مِنْ الشَّارِعِ. وَكُلُّ قَوْلِهِ1 حُجَّةٌ. وَهَذَا وَاضِحٌ. اهـ. وَعَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رِوَايَةٌ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ2. "وَتُكْرَهُ قِرَاءَتُهُ" أَيْ قِرَاءَةُ مَا صَحَّ مِنْ غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ3. نَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "فُرُوعِهِ" وَغَيْرُهُ4 نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى. وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} 5. "وَمَا اتَّضَحَ مَعْنَاهُ" مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ "مُحْكَمٌ" مُفْعَلٌ6 مِنْ أَحْكَمْت الشَّيْءَ أُحْكِمُهُ إحْكَامًا. فَهُوَ مُحْكَمٌ إذَا أَتْقَنْته. فَكَانَ فِي غَايَةِ مَا يَنْبَغِي مِنْ

_ 1 في ش ب ز: قول. 2 وهو اختيار الآمدي وابن الحاجب، ونقله الآمدي عن الشافعي. وقال الجويني في البرهان: إنه ظاهر المذهب. "انظر: نهاية السول 2/ 333، الإحكام للآمدي 1/ 160، المستصفى 1/ 102، المحلي على جمع الجوامع 1/ 232، أصول مذهب أحمد ص 186". 3 لقد أفتى ابن الصلاح الشافعي بذلك وقال: يجب منع القارئ بالشواذ، وتأثيمه بعد تعريفه، وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه. وأفتى ابن الحاجب المالكي بذلك وقال: لا يجوز أن يُقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة ولا في غيرها ... فإن كان جاهلاً بالتحريم عُرِّف به، وأمر بتركها، وإن كان عالماً أدب بشرطه، وإن أصرّ على ذلك أدب على إصراره، حبس إلى أن يرتدع عن ذلك. وأيد ذلك النووي فقال: لا تجوز القراءة في الصلاة ولا في غيرها بالقراءة الشاذة، لأنها ليست متواترة، ونقل عن ابن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشواذ، ولا يصلى خلف من يقرأ بها. "انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 332-333، 467، المجموع شرح المهذب 3/ 392، مختصر ابن الحاجب 2/ 21، المحلي على جمع الجوامع 1/ 231". 4 الفروع 1/ 422، 423، 424. وانظر: فتاوى ابن تيمية 13/ 397. 5 قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} . الآيات 1-3 من الليل. وانظر: فتاوى ابن تيمية 13/ 394. 6 ساقطة من ض.

الْحِكْمَةِ. وَمِنْهُ: بِنَاءٌ مُحْكَمٌ، أَيْ ثَابِتٌ يَبْعُدُ انْهِدَامُهُ1. وَذَلِكَ كَالنُّصُوصِ وَالظَّوَاهِرِ2؛ لأَنَّهُ مِنْ الْبَيَانِ فِي غَايَةِ الإِحْكَامِ وَالإِتْقَانِ3. "وَعَكْسُهُ" أَيْ عَكْسُ الْمُحْكَمِ "مُتَشَابِهٌ4" وَهُوَ مَا لَمْ يَتَّضِحْ مَعْنَاهُ. إمَّا "لاشْتِرَاكٍ" كَالْعَيْنِ وَالْقُرْءِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُشْتَرَكَاتِ. أَوْ "إجْمَالٍ" وَهُوَ إطْلاقُ اللَّفْظِ بِدُونِ بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ. كَالْمُتَوَاطِئِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} 5 وَعَدَمُ تَقْدِيرِ الْحَقِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 6. أَوْ "ظُهُورِ تَشْبِيهٍ. كَصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى" أَيْ كَآيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَخْبَارِهَا. فَاشْتَبَهَ الْمُرَادُ مِنْهَا عَلَى النَّاسِ. فَلِذَلِكَ قَالَ قَوْمٌ: بِظَاهِرِهِ فَشَبَّهُوا وَجَسَّمُوا، وَتَأَوَّلَ قَوْمٌ: فَحَرَّفُوا وَعَطَّلُوا. وَتَوَسَّطَ قَوْمٌ: فَسَلَّمُوا، وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ7.

_ 1 انظر: المصباح المنير 1/ 226، القاموس المحيط 4/ 100. 2 في ض: والظاهر. 3 عرف الآمدي "المحكم" هو ما ظهر معناه، وانكشف كشفاً يزيل الإشكال، ويرفع الاحتمال. "الإحكام 1/ 165". وانظر: المستصفى 1/ 106، مختصر ابن الحاجب 2/ 21، الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، المدخل إلى مذهب أحمد ص 88، إرشاد الفحول ص 31، مناهل العرفان 2/ 168، الروضة ص 35، مختصر الطوفي ص 48، تفسير القاسمي 4/ 787. 4 في ب: المتشابه. 5 الآية 67 من البقرة. 6 الآية 141 من الأنعام. 7 انظر أقوال العلماء في الصفات في "الإتقان في علوم القرآن 2/ 6، البرهان في علوم القرآن 2/ 78، الإحكام للآمدي 1/ 165، الإحكام لابن حزم 1/ 489، المسودة ص 163، المستصفى 1/ 106، مختصر ابن الحاجب 2/ 21، المدخل إلى مذهب أحمد ص 88، الروضة ص 35، مختصر الطوفي ص 48، الشامل في أصول الدين ص 510، 609".

وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا عُرِفَ الْمُرَادُ بِهِ، إمَّا بِالظُّهُورِ، وَإِمَّا بِالتَّأْوِيلِ. وَالْمُتَشَابِهُ: مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعِلْمِهِ، كَقِيَامِ السَّاعَةِ، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَالدَّابَّةِ، وَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ1 فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ2. وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا لا يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ إلاَّ وَجْهًا وَاحِدًا. وَالْمُتَشَابِهُ: مَا احْتَمَلَ أَوْجُهًا3. وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى، وَالْمُتَشَابِهُ بِخِلافِهِ، كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ4 وَاخْتِصَاصِ الصِّيَامِ بِرَمَضَانَ دُونَ شَعْبَانَ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ5. وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ. وَالْمُتَشَابِهُ: مَا لا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ إلاَّ بِرَدِّهِ إلَى غَيْرِهِ6. وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا تَأْوِيلُهُ تَنْزِيلُهُ7. وَالْمُتَشَابِهُ: مَا لا يُدْرَى8 إلاَّ بِالتَّأْوِيلِ9. وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا لا تَتَكَرَّرُ10 أَلْفَاظُهُ، وَمُقَابِلُهُ الْمُتَشَابِهُ11.

_ 1 في ش ز: المتقطعة. 2 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، المدخل إلى مذهب أحمد 89، مناهل العرفان 2/ 168، الروضة 35. 3 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، إرشاد الفحول ص 32. 4 في ع: الصلاة. 5 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، المسودة ص 162. 6 وهو ظاهر كلام أحمد. "انظر: المسودة ص 161، الإتقان في علوم القرآن 2/ 2". 7 في ش: تنزيه. 8 كذا في جميع النسخ. ولعلها يدرك. 9 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، المسودة ص 162. 10 في ب ع: يتكرر. 11 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2.

وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ الْفَرَائِضُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، وَالْمُتَشَابِهُ الْقَصَصُ وَالأَمْثَالُ1. وَعَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ2 وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ الْمُحْكَمَ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ، وَالْمُتَشَابِهُ الَّذِي يُؤْمَنُ بِهِ وَلا يُعْمَلُ بِهِ3. "وَلَيْسَ فِيهِ" أَيْ فِي الْقُرْآنِ "مَا لا مَعْنَى لَهُ" فِي الصَّحِيحِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلافٍ4. قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي "شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ": وَالظَّاهِرُ أَنَّ خِلافَهُمْ فِيمَا 5لَهُ مَعْنًى3 وَلا نَفْهَمُهُ، أَمَّا مَا لا مَعْنَى لَهُ أَصْلاً فَمَنْعُهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. اهـ.

_ 1 وقد استبعد الآمدي هذا القول. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 166، المسودة ص 162، الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، إرشاد الفحول ص 32، الروضة ص 35". 2 هو قتادة بن دِعَامة بن قتادة، أبو الخطاب السَّدُوسي البصري، الأكمه، التابعي. أجمعوا على جلالته وتوثيقه وحفظه وإتقانه وفضله. قال سعيد بن المسيب: "ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة". وقال أحمد: "كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لم يسمع شيئاً إلا حفظه". وكان عالماً بالتفسير واختلاف العلماء، وإماماً في النسب، ورأساً في العربية وأيام العرب. توفي بواسط في الطاعون سنة 117هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 122، تهذيب الأسماء 2/ 57، طبقات الفقهاء ص 89، طبقات المفسرين 2/ 43، طبقات الحفاظ ص 47، طبقات القراء 2/ 25، ميزان الاعتدال 3/ 385، وفيات الأعيان 3/ 248، نكت الهميان ص 230، الخلاصة ص 315، شذرات الذهب 1/ 153، حلية الأولياء 2/ 333". 3 وهناك تعريفات أخرى للمحكم والمتشابه، وقد ردّ الغزالي أكثرها. "انظر: المستصفى 1/ 106، الإتقان في علوم القرآن 2/2، شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 217، البرهان في علوم القرآن 2/ 68، مناهل العرفان 1/ 167، 172، زاد المسير 1/ 350، الروضة ص 35، تفسير القاسمي 4/ 787". 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 167، فواتح الرحموت 2/ 17، المحلي على جمع الجوامع 1/ 232. 5 في ب: معنى له.

وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ1؛2لأَنَّهُ لا يُخَالِفُ فِيهِ3 إلاَّ جَاهِلٌ أَوْ مُعَانِدٌ5 لأَنَّ مَا لا مَعْنَى لَهُ هَذَيَانٌ لا يَلِيقُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ عَاقِلٌ. فَكَيْفَ بِالْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ لَكِنْ حُكِيَ4 عَنْ الْحَشْوِيَّةِ وُقُوعُهُ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ. وَفِي قَوْله تَعَالَى: {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} 5 وقَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} 6 وقَوْله تَعَالَى: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 7 وقَوْله تَعَالَى: {لا تَتَّخِذُوا إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 8 وَنَحْوِهِ9. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ: بِأَنَّ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ: إمَّا أَسْمَاءُ السُّوَرِ، أَوْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَوْ سِرُّ10 اللَّهِ11 تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي التَّفَاسِيرِ12، وَبِأَنَّ رُءُوسَ الشَّيَاطِينِ مَثَلٌ13 فِي الاسْتِقْبَاحِ،

_ 1 في ب ض: الظاهر. 2 ساقطة من ش. 3 في ز ع ب: في ذلك. 4 في ض: قد حكي. 5 الآية 65 من الصافات. 6 الآية 196 من البقرة. 7 الآية 13 من الحاقة. 8الآية 51 من النحل. 9 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 167، فواتح الرحموت 2/ 17، المحلي على جمع الجوامع 1/ 232. 10 في ش: سوى. 11 في ع: لله. 12 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 167، فواتح الرحموت 2/ 17، تفسير الطبري 1/ 86، تفسير القرطبي 1/ 154، زاد المسير 1/ 20، المحلي على جمع الجوامع 1/ 232. 13 في ض: مثل ما.

عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي ضَرْبِ الأَمْثَالِ بِمَا1 يَتَخَيَّلُونَهُ2 قَبِيحًا. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَرُءُوسُ الشَّيَاطِينِ: اسْتَقَرَّ قُبْحُهَا فِي الأَنْفُسِ فَشُبِّهَ بِهَا. كَقَوْلِ امْرِئِ الْقِيسِ: أَيَقْتُلُنِي3 وَالْمَشْرَفِيُّ4 مُضَاجِعِي ... وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ فَشَبَّهَهَا5 بِأَنْيَابِ الأَغْوَالِ لِقُبْحِهَا الْمُسْتَقِرِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقِيقَةٌ. كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ6.

_ 1 في ش ب ز: مما. 2 في ض: يتخذونه. 3 في ع: أتقتلني. 4 المَشْرَفي: سيف منسوب إلى قرى الشام يقال لها المشارف. والمسنونة: هي السهام المحددة الأزجة الصافية. وقد شبهها بأنياب الأغوال تشنيعاً لها، ومبالغة في وصفها. والأغوال: الشياطين. وإنما خص الشياطين لما شاع من عظيم أمرهم وكثرة نكرهم. وثبت في النفوس من شناعة خلقهم. ولذلك قال الله عز وجل: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوْسُ الشَّيَاطِيْنِ} . الآية 65 من الصافات. والبيت من الطويل، ذكره الجرجاني في "دلائل الإعجاز" ص 80، والعباسي في "معاهد التنصيص" 1/ 134. "انظر: معجم شواهد العربية 1/ 310، ديوان امرئ القيس ص 33". 5 في ض: فشبه. 6 هو محمد بن علي بن عمر، أبو عبد الله التميمي المازري، الفقيه المالكي، المحدث، يعرف بالإمام. وكان واسع الباع في العلم والاطلاع، مع حدة الذهن، حتى بلغ درجة الاجتهاد. وكان إمام المالكية في عصره، وكان أديباً حافظاً، طبيباً أصولياً، رياضيًّا متكلماً. وله مؤلفات مفيدة، منها: "المعلم بفوائد كتاب مسلم"، وهو شرح جيد لصحيح مسلم، أكمله القاضي عياض في "الإكمال"، وشرح البرهان لإمام الحرمين في أصول الفقه، وسماه "إيضاح المحصول في برهان الأصول"، "والتعليقة على المدونة"، "والكشف والإنباء على المترجم بالإحياء"، وهو رد على الغزالي، وله مؤلف في الطب، و"نظم الفرائد في علم العقائد"، و"شرح التلقين". توفي سنة 536هـ. انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 250، شجرة النور الزكية ص 127، وفيات الأعيان 2/ 26، مرآة الجنان 3/ 267، شذرات الذهب 4/ 114، الفتح المبين 2/ 26".

وَقَوْلُهُ: {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} فِيهِ شَيْئَانِ: الْجَمْعُ وَالتَّأْكِيدُ بِالْكَمَالِ. وَجَوَابُ الْجَمْعِ: رَفْعُ الْمَجَازِ الْمُتَوَهَّمِ فِي الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ؛ إذْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنًى "أَوْ" مَجَازًا. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولِيْ أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 1، وَالتَّأْكِيدُ أَفَادَ عَدَمَ النَّقْصِ فِي الذَّاتِ، كَمَا2 قَالَ تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} 3، أَوْ عَدَمَ النَّقْصِ فِي الأَجْرِ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ النَّقْصِ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ. وَوَصْفُ النَّفْخَةِ بِالْوَاحِدَةِ إبْعَادٌ لِلْمَجَازِ وَتَقْرِيرٌ لِوَحْدَتِهَا بِسَبَبِ الْمُفْرَدِ؛ لأَنَّ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ بِالْجِنْسِ. وَقَوْلُهُ: {إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} قَالَ صَاحِبُ "الْمَثَلِ السَّائِرِ4": التَّكْرِيرُ فِي الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. كَدَلالَتِهِ عَلَى الْجِنْسِ وَالْعَدَدِ، وَهُوَ بَابٌ مِنْ "التَّكْرِيرِ مُشْكِلٌ؛ لأَنَّهُ يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ أَنَّهُ تَكْرِيرٌ مَحْضٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ5. وَلَيْسَ كَذَلِكَ6". فَالْفَائِدَةُ إذًا فِي قَوْلِه: ِ {إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} و"َإِلَهٌ وَاحِدٌ": هِيَ أَنَّ الاسْمَ الْحَامِلَ لِمَعْنَى الإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ دَالٌّ عَلَى الْجِنْسِيَّةِ وَالْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ. فَإِذَا أُرِيدَتْ الدَّلالَةُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَكَانَ الَّذِي يُسَاقُ إلَيْهِ هُوَ الْعَدَدُ شُفِعَ بِمَا يُؤَكِّدُهُ. وَهَذَا دَقِيقُ الْمَسْلَكِ.

_ 1 الآية الأولى من فاطر. 2 ساقطة من ش. 3 الآية 233 من البقرة. 4 المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، لضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد، ابن الأثير الجزري، أبو الفتح، المتوفى سنة 637هـ، جمع فيه ما يتعلق بفن الكتابة. انظر: كشف الظنون 2/ 1586. 5 المثل السائر 3/ 25. 6 انظر بحث التكرار لبيان فائدة تكرير المعاني والألفاظ في كتاب "المثل السائر 3/ 3 وما بعدها. البرهان في علوم القرآن 3/ 11 وما بعدها".

وَأَلْحَقَ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ كَلامَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِكَلامِ اللَّهِ تَعَالَى. فَقَالَ: لا يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِشَيْءٍ وَلا يَعْنِي بِهِ شَيْئًا، خِلافًا لِلْحَشْوِيَّةِ. وَسُمُّوا حَشْوِيَّةً؛ لأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي حَلْقَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَمَامَهُ. فَلَمَّا أَنْكَرَ كَلامَهُمْ قَالَ: رُدُّوهُمْ إلَى حَشْوِ الْحَلْقَةِ، أَيْ جَانِبِهَا1. وَقَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: بِفَتْحِ الشِّينِ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالإِسْكَانِ. وَكَذَا قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: بِالسُّكُونِ. لأَنَّهُ إمَّا مِنْ الْحَشْوِ، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوُجُودِ الْحَشْوِ الَّذِي لا مَعْنَى لَهُ فِي كَلامِ الْمَعْصُومِ، أَوْ لِقَوْلِهِمْ بِالتَّجْسِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ2. "وَ" لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا "لا" أَيْ شَيْءٌ "مَعْنِيٌّ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرِهِ" وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَأَتْبَاعِهِمْ3؛ لأَنَّهُ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى4 مَدْلُولِ اللُّغَةِ 5فِيمَا اقْتَضَاهُ5 نِظَامُ الْكَلامِ، وَلأَنَّ اللَّفْظَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ كَالْمُهْمَلِ "إلاَّ بِدَلِيلٍ" لِلاحْتِرَازِ مِنْ وُرُودِ الْعَامِّ وَتَأَخُّرِ الْمُخَصِّصِ لَهُ وَنَحْوِهِ. وَقَالَتْ الْمُرْجِئَةُ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَنَفَوْا ضَرَرَ الْعِصْيَانِ مَعَ مُجَامَعَةِ الإِيمَانِ. فَقَالُوا: لا تَضُرُّ6 مَعَ الإِيمَانِ مَعْصِيَةٌ، كَمَا لا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ، زَاعِمِينَ أَنَّ آيَاتِ الْوَعِيدِ لِتَخْوِيفِ الْفُسَّاقِ، وَلَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا، بَلْ الْمُرَادُ بِهَا خِلافُ

_ 1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 233. 2 انظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 233، فتاوى ابن تيمية 12/ 176. 3 انظر: جمع الجوامع 1/ 233. 4 في ض: بلا. 5 في ع: في مقتضاه. 6 في ب ع ض: يضرّ.

الظَّاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الشَّرْعُ ذَلِكَ1. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إلاَّ تَخْوِيفًا} 2. وَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ تَخْوِيفًا لِنُزُولِ الْعَذَابِ وَوُقُوعِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ بَاطِلٌ بِأَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ الْقِصَاصِ وَقَطْعِ يَدِ3 السَّارِقِ وَنَحْوِهَا4. الثَّالِثُ: أَنَّهُ إذَا فُهِمَ أَنَّهُ لِلتَّخْوِيفِ، لَمْ يَبْقَ لِلتَّخْوِيفِ فَائِدَةٌ5. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: مَحَلُّ الْخِلافِ فِي آيَاتِ الْوَعِيدِ وَأَحَادِيثِهِ. لا فِي الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي."وَفِيهِ" أَيْ فِي الْقُرْآنِ "مَا لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ6 إلاَّ اللَّهُ تَعَالَى" عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ7. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْوَاضِحِ": لَيْسَ بِبِدْعٍ8 أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا يَتَشَابَهُ لِنُؤْمِنَ بِمُتَشَابِهِهِ وَنَقِفَ عِنْدَهُ. فَيَكُونَ التَّكْلِيفُ بِهِ هُوَ الإِيمَانُ بِهِ جُمْلَةً،

_ 1 انظر: جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 1/ 233. 2 الآية 59 من الإسراء. 3 ساقطة من ز ع ب ض. 4 في ع ض: ونحوهما. 5 ساقطة من ز ع ض. 6 في ب ع ض: معناه. 7 وهو رأي كثير من المسلمين. "انظر: البرهان في علوم القرآن 2/ 74، تفسير الطبري 1/ 33، فواتح الرحموت 2/ 17". 8 في ش ز: يندفع.

وَتَرْكُ الْبَحْثِ عَنْ تَفْصِيلِهِ. كَمَا كَتَمَ الرُّوحَ وَالسَّاعَةَ وَالآجَالَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْغُيُوبِ، وَكَلَّفَنَا التَّصْدِيقَ بِهَا1 دُونَ أَنْ يُطْلِعَنَا عَلَى عِلْمِهِ2. اهـ. وَهَذَا مَذْهَبُ سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ "الْمَحْصُولِ"، بِنَاءً عَلَى تَكْلِيفِ3 مَا لا يُطَاقُ4. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: حَكَى ابْنُ بُرْهَانٍ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى: هَلْ 5يَشْتَمِلُ عَلَى8 مَا لا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ؟ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْخِطَابِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ6 بِهِ تَكْلِيفٌ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَفْهُومِ الْمَعْنَى، وَمَا7 لا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ فَيَجُوزُ8. "وَيَمْتَنِعُ دَوَامُ إجْمَالِ مَا فِيهِ تَكْلِيفٌ".قَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَالْقُشَيْرِيُّ: مَا فِيهِ تَكْلِيفٌ يَمْتَنِعُ دَوَامُ إجْمَالِهِ، وَإِلاَّ فَلا. وَاخْتَارَهُ التَّاجُ السُّبْكِيُّ وَالْبِرْمَاوِيُّ9. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ": "ثُمَّ بَحْثُ أَصْحَابِنَا يَقْتَضِي فَهْمَهُ إجْمَالاً

_ 1 في ش ع ب ض: به. 2 انظر: المسودة ص 175، الإشارة إلى الإيجاز ص 280، تفسير الخازن 1/ 321، تفسير البغوي 1/ 321. 3 في ع تكليفه. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 168، تفسير الطبري 1/ 33. 5 في ش: يشمل. 6 في ب ع ز: لا يتعلق. 7 في ب ع ز ض: أو. 8 انظر: المسودة ص 164. 9 انظر: جمع الجوامع وشرحه 1/ 234.

لا1 تَفْصِيلاً2. وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ: لا، وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ 3لا أَدْرِي2، كَقَوْلِ أَكْثَرِ4 الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، أَوْ تَأْوِيلُهُ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ، مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا: فِي "سَمِيعٌ بَصِيرٌ5" يُسْكَتُ6 عَمَّا بِهِ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ، أَوْ تَأْوِيلُهُ بِإِدْرَاكِهِ، وَأَمَّا تَأْوِيلُهُ بِمَا يُوجِبُ تَنَاقُضًا أَوْ تَشْبِيهًا فَزَيْغٌ. وَقَوْلُهُ - يَعْنِي ابْنَ عَقِيلٍ - فِي7 قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللَّهُ} 8. أَيْ كُنْهَ ذَلِكَ. "وَيُوقَفُ" فِي الأَصَحِّ الْمُخْتَارِ "عَلَى {إلاَّ اللَّهُ} 9لَفْظًا وَمَعْنًى8 لا" عَلَى {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} 10.

_ 1 في ش: و. وعبارة "المسودة": يقتضي أنه يفهم على سبيل الجملة، لا على سبيل التفصيل. 2 المسودة ص 164: ويضيف المجد فيقول: "ووافقنا أبو الطيب الطبري، وحكاه عن أبي بكر الصيرفي، وكلهم تمسّك بالآية. وانظر: تفسير الطبري 1/ 7". 3 في ش: الإدراك. 4 في ب: بعض. 5 في ض: وبصير. 6 في ض: نسكت. 7 ساقطة من ب غ ض. 8 الآية 7 من آل عمران. وتتمة الآية: {هُوَ الَّذِيْ أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِيْنَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيْلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُوْنَ فِي الْعِلْمِ يَقُوْلُوْنَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ} . 9 ساقطة من ش ز ع. 10 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 492، فواتح الرحموت 2/ 17، المحلي على جمع الجوامع 1/ 233، إرشاد الفحول ص 32، المدخل إلى مذهب أحمد ص 89، الروضة ص 36، مختصر الطوفي ص 48، تفسير القاسمي 4/ 795.

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالأَعْلامِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ1: هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ2، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ3 ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ4 وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ5. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي "تَفْسِيرِهِ": "هُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ: أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ

_ 1 هو حَمَد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، أبو سليمان الخطابي، البُسْتي، الحافظ الفقيه، الأديب المحدث، كان عالماً وزاهداً وورعاً، ويقوم بالتدريس والتأليف، أخذ الفقه عن القفال وابن أبي هريرة، وله شعر جيد، وهو من ذرية زيد بن الخطاب. له مصنفات كثيرة نافعة، منها: "معالم السنن"، و"غريب الحديث"، و"أعلام السنن" في شرح البخاري، و"الشجاج"، و"إصلاح غلط المحدثين"، و"الغنية عن الكلام وأهله"، و"العزلة" و"شرح الأسماء الحسنى". توفي سنة 388هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 282، طبقات الحفاظ ص 403، تذكرة الحفاظ 3/ 1081، وفيات الأعيان 1/ 453، بغية الوعاة 1/ 546، إنباه الرواة 1/ 125، البداية والنهاية 11/ 236، شذرات الذهب 3/ 127". 2 في ش: العلماء لفظاً ومعنى. 3 ساقطة من ض. 4 هو الصحابي أبي بن كعب بن قيس، أبو المنذر، وأبو الطفيل الأنصاري النجاري، سيد القراء. شهد العقبة الثانية وبدراً والمشاهد كلها. وقرأ الرسول صلى الله عليه وسلم عليه القرآن. وهو أول من كتب للنبي عليه الصلاة والسلام الوحي. وجمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحد المفتين من الصحابة. ويرجع إليه عمر في النوازل والمعضلات. مات سنة 20هـ. وقال عمر: اليوم مات سيد المسلمين. "انظر: الإصابة 1/ 19، الاستيعاب 1/ 47، تهذيب الأسماء 1/ 108، طبقات القراء 1/ 31، مشاهير علماء الأمصار ص 12، الخلاصة ص 24، حلية الأولياء 1/ 250، معرفة القراء الكبار 1/ 32".ك 5 هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق. أسلمت صغيرة بعد 18 شخصاً، وتزوجها رسول الله قبل الهجرة، وبنى بها بعد الهجرة، وكناها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عبد الله، بابن أختها عبد الله بن الزبير، وهي من أكثر الصحابة رواية. ولها فضائل كثيرة، ومناقب معروفة. قال عطاء: كانت عائشة من أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً. ماتت سنة 57هـ، ودفنت بالبقيع. انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 359، الاستيعاب 4/ 356، تهذيب الأسماء 2/ 352، طبقات الفقهاء ص 47".

وَعَائِشَةُ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ1، وَرِوَايَةُ2 طَاوُسٍ3 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ. وَاخْتَارَهُ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَالأَخْفَشُ، وَقَالُوا: لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ إلاَّ اللَّهُ4. وَخَالَفَ الآمِدِيُّ وَجَمْعٌ، مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَبُو الْبَقَاءِ فِي إعْرَابِهِ5. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": "الرَّاسِخُونَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ6".

_ 1 هو عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو عبد الله المدني، أحد فقهاء المدينة السبعة، الحافظ، جمع بين العلم والسيادة والعبادة، كثير الحديث، وهو شقيق عبد الله بن الزبير، أمهما أسماء. قال ابن شهاب: "عروة بحر لا يُنزف". وكان كثير الصوم. توفي سنة 94هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 23، طبقات الفقهاء ص 58، طبقات القراء 1/ 511، تذكرة الحفاظ 1/ 62، الخلاصة ص 265، مشاهير علماء الأمصار ص 64، شذرات الذهب 1/ 103". 2 في ش ز: ورواية عن. وما أثبتناه في الأعلى من: ب ع ض. وكذا في تفسير البغوي. 3 هو طاووس بن كيسان، أبو عبد الرحمن اليماني الحميري مولاهم، وهو من كبار التابعين والعلماء والفضلاء الصالحين. واتفقوا على جلالته وفضيلته، ووفور علمه وصلاحه وحفظه وتثبته. قال ابن الجوزي: اسمه ذكوان، وطاووس لقبه، لأنه كان طاووس القراء. قال ابن خلكان: "والمشهور أن اسمه طاووس". وله قصة رجولة وشهامة وجرأة مع الحكام. مرض بمنى ومات بمكة سنة 106هـ. انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 1/ 251، طبقات الحفاظ ص 34، طبقات الفقهاء ص 73، طبقات القراء 1/ 341، تذكرة الحفاظ 1/ 90، حلية الأولياء 4/ 3، وفيات الأعيان 2/ 194، مشاهير علماء الأمصار ص 122، المعارف ص 455، شذرات الذهب 1/ 133، الخلاصة ص 181". 4 تفسير البغوي 1/ 321، وانظر: تفسير الخازن 1/ 321، الإتقان في علوم القرآن 2/ 3، فواتح الرحموت 2/ 18، الروضة ص 36. 5 إملاء ما مَنَّ به الرحمن 1/ 124، وانظر: الإحكام للآمدي 1/ 167، 168. 6 شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 218.

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ1. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي "شَرْحِهِ"، قَالَ الْمُؤَوِّلَةُ - وَهُمْ الْمُعْتَزِلَةُ وَالأَشْعَرِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ - الْوَقْفُ التَّامُّ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} 2. وَقِيلَ: الْخِلافُ فِي ذَلِكَ لَفْظِيٌّ. فَإِنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الرَّاسِخَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، أَرَادَ بِهِ3 أَنَّهُ يَعْلَمُ ظَاهِرَهُ لا حَقِيقَتَهُ، وَمَنْ قَالَ: لا يَعْلَمُ: أَرَادَ بِهِ لا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى4. وَالْحِكْمَةُ فِي إنْزَالِ الْمُتَشَابِهِ: ابْتِلاءُ الْعُقَلاءِ5. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ الشَّافِعِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ6: الْوَقْفُ عَلَى {إلاَّ اللَّهُ}

_ 1 وهو قول مجاهد والضحاك وابن عباس في رواية، واختارها النووي. وقال ابن الحاجب: إنه الظاهر. "انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 3، الدر المنثور 2/ 8، البرهان في علوم القرآن 2/ 72، المستصفى 1/ 106، مختصر ابن الحاجب 2/ 21". 2 الآية 3 من آل عمران. 3 ساقطة من ب. 4 وهو قول الراغب، فإنه بين أوجه المحكم والمتشابه، ثم قال: "وإن لكل واحد منهما وجهاً حسبما دلّ عليه التفصيل المتقدم" "المفردات في غريب القرآن ص 255". وانظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 5. 5 انظر: مناهل العرفان 2/ 178، الإتقان في علوم القرآن 2/ 4، 12، البرهان في علوم القرآن 2/ 75، فواتح الرحموت 2/ 19، الروضة ص 36. 6 هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد، الخثعمي الأندلسي المالكي الضرير، أبو القاسم وأبو زيد، الحافظ العلامة، الأديب النحوي المفسر. قال السيوطي: "كان إماماً في لسان العرب، واسع المعرفة، غزير العلم، نحويًّا متقدماً، لغويًّا، عالماً بالتفسير وصناعة الحديث، عالماً بالرجال والأنساب، عارفاً بعلم الكلام وأصول الفقه، عارفاً بالتاريخ، ذكيًّا نبيهاً، عمي وله 17 سنة". وله مصنفات كثيرة، منها: "الروض الأنف" في السيرة، و"التعريف والإعلام في مبهمات القرآن"، "ونتائج الفكر"، "ومسألة رؤية الله في المنام". وله شعر كثير، وتصانيفه ممتعة مفيدة. توفي سنة 581هـ بمراكش. انظر ترجمته في "الديباج المذهب 1/ 480، طبقات القراء 1/ 371، طبقات الحفاظ ص 478، طبقات المفسرين 1/ 266، تذكرة الحفاظ 4/ 1348، وفيات الأعيان 2/ 324، إنباه الرواة 2/ 162، نكت الهميان ص 187، بغية الوعاة 2/ 81، البداية والنهاية 12/ 319، شذرات الذهب 4/ 271، شجرة النور الزكية ص 156".

وَيَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْعَطْفُ1 لِمُخَالَفَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِلْمِ الرَّاسِخِينَ؛ لأَنَّ عِلْمَهُمْ ضَرُورِيٌّ وَنَظَرِيٌّ، بِخِلافِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ مُطْلَقًا، فَلا يُجْزَمُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ. قَالَهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ2. وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالأَوَّلِ بِسِيَاقِ الآيَةِ3 فِي ذَمِّ مُبْتَغِي التَّأْوِيلِ وقَوْله تَعَالَى: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} 4، وَلأَنَّ وَاوَ {وَالرَّاسِخُونَ} لِلابْتِدَاءِ، وَيَقُولُونَ خَبَرُهُ5؛ لأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَاطِفَةً عَادَ ضَمِيرُ {يَقُولُونَ} إلَى

_ 1 في ب ع: الوقف. وهو تحريف. 2 هو محمد بن علي بن إسماعيل، أبو بكر القفال الشاشي، الفقيه الشافعي، إمام عصره، كان فقيهاً محدثاً أصوليًّا لغويًّا شاعراً. قال ابن السبكي: "كان إماماً في التفسير، إماماً في الحديث، إماماً في الكلام، إماماً في الأصول، إماماً في الفروع، إماماً في الزهد والورع، إماماً في اللغة والشعر، ذاكراً للعلوم، محققاً لما يورده، حسن التصرف فيما عنده". وهو أول من صنف في الجدل الحسن من الفقهاء. له كتاب في "أصول الفقه"، وله "شرح الرسالة"، و"التفسير"، و"أدب القضاء"، و"دلائل النبوة"، و"محاسن الشريعة". وهو والد القاسم صاحب التقريب. توفي سنة 336 هـ، وقيل 365، 366هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 200، طبقات الفقهاء ص 112، وفيات الأعيان 3/ 338، تهذيب الأسماء 2/ 282، طبقات المفسرين 2/ 196، تبيين كذب المفتري ص 182، شذرات الذهب 3/ 51، الفتح المبين 1/ 201". 3 في ب ض: الأول. وهو تحريف. 4 الآية 7 من آل عمران. 5 انظر: البيان في غريب إعراب القرآن 1/ 192، تفسير القاسمي 4/ 795.

الْمَجْمُوعِ1، وَيَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ، وَكَانَ مَوْضِعُ "يَقُولُونَ": نَصْبًا حَالاً، فَفِيهِ اخْتِصَاصُ الْمَعْطُوفِ بِالْحَالِ2. 3قَالُوا: خُصَّ ضَمِيرُ "يَقُولُونَ" بِالرَّاسِخِينَ لِلدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ، وَالْمَعْطُوفُ قَدْ يَخْتَصُّ بِالْحَالِ6 مَعَ عَدَمِ اللَّبْسِ، نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ} 4 فِيهَا قَوْلانِ وقَوْله تَعَالَى: {َيَعْقُوبَ نَافِلَةً} 5 قِيلَ: حَالاً مِنْ يَعْقُوبَ؛ لأَنَّهَا الزِّيَادَةُ. وَقِيلَ: مِنْهُمَا؛ لأَنَّهَا6 الْعَطِيَّةُ. وَقِيلَ: هِيَ مَصْدَرٌ كَالْعَاقِبَةِ مَعًا، وَعَامِلُهُ مَعْنًى "وَهَبْنَا7". وَلَنَا: أَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَالأَشْهَرُ خِلافُهُ. وَلِهَذَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "إنْ تَأْوِيلُهُ إلاَّ عِنْدَ اللَّهِ" وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ: "وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ"، 8وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لأَنَّهُ9 كَانَ يَقْرَأُ: "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللَّهُ"، وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ11". فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلاسْتِئْنَافِ10؛ لأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ - وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ بِهَا11 الْقِرَاءَةُ - فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهَا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا

_ 1 في ش: المجمل. وهو تصحيف. 2 ساقطة من ب ز. 3 ساقطة من ب ض. 4 الآية 9 من الحشر. 5 الآية 72 من الأنبياء. وتتمة الآية: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوْبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِيْنَ} . 6 في ش: وهي. 7 في ش: وهبا. 8 ساقطة من ض. وانظر: تفسير القاسمي 4/ 796. 9 في ب: أنه. 10 انظر: البيان في غريب إعراب القرآن 1/ 192، تفسير القاسمي 4/ 796. 11 في ز: لها.

بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ، فَيُقَدَّمُ كَلامُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ دُونَهُ1. قَالَ الأُسْيُوطِيُّ2: قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الآيَةِ: "قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنْفَرِدٌ بِعِلْمِ تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ3". قَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: اللَّهُ هُوَ4 الْمُنْفَرِدُ. قَالَ فِي "الرَّوْضَةِ"، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُخَاطِبُ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ بِمَا لا يَعْقِلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يُنْزِلُ عَلَى رَسُولِهِ مَا لا يَطَّلِعُ عَلَى تَأْوِيلِهِ؟ قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَهُمْ الإِيمَانَ بِمَا لا يَطَّلِعُونَ عَلَى تَأْوِيلِهِ، لِيَخْتَبِرَ طَاعَتَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} 5. {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ

_ 1 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 3، الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2/ 6، زاد المسير 1/ 354. 2 هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد، جلال الدين السيوطي، المجتهد، الإمام الكبير، صاحب التصانيف، الشافعي. قال الشوكاني: "حفظ القرآن، وبرز في جميع الفنون، وفاق الأقران، وشتهر ذكره، وبعد صيته، وصنف التصانيف المفيدة ... ولم يسلم من حسد الأقران ... فطعن به السخاوي". وقال السيوطي عن نفسه: "رزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع". وذكر العلماء أن مؤلفاته بلغت ستمائة مؤلف في العلوم السابقة. وذلك أنه ترك وظائفه من تدريس وإفتاء، واعتزل الناس، وانصرف للتأليف. ومن مصنفاته: "الدر المنثور" في التفسير، و"بغية الوعاة"، و"حسن المحاضرة، و"طبقات الحفاظ"، و"الإتقان في علوم القرآن"، و"المزهر" في اللغة، و"لباب النقول في أسباب النزول" وغيرها. توفي سنة 911هـ. انظر ترجمته في "حسن المحاضرة 1/ 335، البدر الطالع 1/ 328، الضوء اللامع 4/ 65، درة الحجال 3/ 94، الكواكب السائرة 1/ 226، شذرات الذهب 8/ 51، الفتح المبين 3/ 65". وفي ش: السيوطي 3 الروضة ص 36. 4 ساقطة من ش. 5 الآية 31 من محمد.

الرَّسُولَ} – الآيَةَ1. {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} 2. وَكَمَا اخْتَبَرَهُمْ3 بِالإِيمَانِ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ4، مَعَ أَنَّهُ لا يُعْلَمُ مَعْنَاهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ5. "وَيَحْرُمُ تَفْسِيرُهُ" أَيْ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ "بِرَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ بِلا أَصْلٍ" لِلآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 6. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} 7. فَأَضَافَ التَّبْيِينَ إلَيْهِ8. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ و َ9 بِمَا لا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ10. وَعَنْ جُنْدُبٍ11 عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ".

_ 1 الآية 143 من البقرة. وفي ب ض: لنعلم- الآية. 2 الآية 60 من الإسراء. 3 في ش ز ض: أخبرهم. 4 في ب ض: المتقطعة. 5 الروضة ص 36. وانظر: البرهان في علوم القرآن 2/ 75. 6 الآية 80 من البقرة. 7 الآية 44 من النحل. وأول الآية: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ ... } . 8 انظر: المسودة ص 174، البرهان في علوم القرآن 2/ 161، تفسير الطبري 1/ 34، فتاوى ابن تيمية 13/ 28، أصول مذهب أحمد ص 184. 9 في ب ض: أو. 10 انظر: تحفة الأحوذي 8/ 277، فيض القدير 6/ 190، تخريج أحاديث البزدوي ص 8. 11 هو جندب بن عبد الله بن سفيان، أبو عبد الله البَجَلي، سكن الكوفة، ثم البصرة. قدمهما مع مصعب بن الزبير. وروى عنه أهل المصرين، كما روى عنه بعض أهل الشام. ويقال له: جندب الخير، وليست صحبته قديمة، وله ثلاثة وأربعون حديثاً. ومات بعد الستين من الهجرة. "انظر: الإصابة 1/ 248، الاستيعاب 1/ 217، مشاهير علماء الأمصار ص 47، الخلاصة ص 64".

رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ1. "وَلا يَحْرُمُ" تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ "2بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ1" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ3. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الاحْتِجَاجُ فِي التَّفْسِيرِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ كَثِيرٌ. وَلأَنَّ الْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ. فَيَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِمُقْتَضَى لُغَةِ الْعَرَبِ. وَعَنْهُ لا يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو4 الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى. وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، أَوْ عَلَى صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِقَلِيلٍ مِنْ اللُّغَةِ5. "فَائِدَةٌ": قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثَلاثُ كُتُبٍ لَيْسَ فِيهَا أُصُولٌ: الْمَغَازِي، وَالْمَلاحِمُ وَالتَّفْسِيرُ. لَيْسَ غَالِبُهَا الصِّحَّةَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ6.

_ 1 انظر: سنن أبي داود 2/ 287، تحفة الأحوذي 8/ 279، تخريج أحاديث البزدوي ص 8، الفتح الكبير 3/ 219، فيض القدير 6/ 190. 2 في ش: باللغة. 3 انظر: المسودة ص 175، البرهان في علوم القرآن 2/ 160، أصول مذهب أحمد ص 185. 4 ساقطة من ش. 5 المسودة ص 176، وانظر البرهان في علوم القرآن 2/ 160. 6 انظر: المسودة ص 175، البرهان في علوم القرآن 2/ 156.

باب: السنة

"بَابٌ" "السُّنَّةُ لُغَةً: الطَّرِيقَةُ" وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا- إلَى آخِرِهِ1". وَتُسَمَّى2 بِهَا أَيْضًا: الْعَادَةُ وَالسِّيرَةُ. قَالَ فِي الْبَدْرِ3 الْمُنِيرِ: السُّنَّةُ السِّيرَةُ. حَمِيدَةً كَانَتْ أَوْ ذَمِيمَةً4. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: السُّنَّةُ السِّيرَةُ. وَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمُهُ وَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ5. اهـ. . "وَ" السُّنَّةُ شَرْعًا: وَ"6اصْطِلاحًا": أَيْ فِي اصْطِلاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ. تُطْلَقُ تَارَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ الْقُرْآنَ. وَمِنْهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ

_ 1 هذا الحديث رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي جُحَيفة مرفوعاً. وتتمة الحديث: "من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء". "انظرصحيح مسلم 2/ 705، 4/ 2059، سنن النسائي 5/ 57، تحفة الأحوذي 7/ 438، مسند أحمد 4/ 362، 2/ 505، سنن الدارمي 1/ 130، سنن ابن: ماجه 1/ 74". 2 في ش ز: ويسمى. 3 كذا في جميع النسخ. والصواب: المصباح. 4 المصباح المنير 1/ 445. 5 القاموس المحيط 4/ 239. 6 ساقطة من ز ض ب ع.

أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ" 1. وَتُطْلَقُ تَارَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ الْفَرْضَ وَغَيْرَهُ مِنْ الأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ2. وَرُبَّمَا لا يُرَادُ بِهَا إلاَّ مَا يُقَابِلُ الْفَرْضَ. كَفُرُوضِ الْوُضُوءِ وَالصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَسُنَنِهَا. فَإِنَّهُ لا يُقَابَلُ بِهَا الْحَرَامُ، وَلا الْمَكْرُوهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمُقَابَلَةُ لازِمَةً لِلإِطْلاقِ، لَكِنَّهَا لَمْ تُقْصَدْ3. وَتُطْلَقُ تَارَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ الْبِدْعَةَ. فَيُقَالُ: أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَهْلُ الْبِدْعَةِ4. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ5: "اصْطِلاحًا" مِنْ السُّنَّةِ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ الْعَامِّ. فَإِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْقُولِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ6؛ لأَنَّهَا فِي اصْطِلاحِ عُلَمَاءِ الأُصُولِ. "قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ الْوَحْيِ" أَيْ غَيْرُ الْقُرْآنِ "وَلَوْ" كَانَ أَمْرًا مِنْهُ "بِكِتَابَةٍ" كَأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْكِتَابَةِ يَوْمَ

_ 1 رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس وابن مسعود وأبي مسعود الأنصاري مرفوعاً. "انظر: صحيح مسلم 1/ 465، مسند أحمد 4/ 121، سنن أبي داود 1/ 137، تحفة الأحوذي 2/ 32، سنن النسائي 2/ 59، سنن ابن ماجه 1/ 313، فيض القدير 6/ 456". 2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 169، نهاية السول 2/ 238. 3 انظر في إطلاقات السنة الحدود للباجي ص 56، الإحكام 1/ 169، أصول السرخسي 1/ 113، فواتح الرحموت 2/ 97، تيسير التحرير 3/ 20، حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، التلويح على التوضيح 2/ 2 ط الميمنية، أصول مذهب أحمد ص 199. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 169، الموافقات 4/ 4، إرشاد الفحول ص 33. 5 في ش ز ض ب ع: بقولهم. 6 انظر تعريف السنة في العرف الشرعي العام في "إرشاد الفحول ص 33، المدخل إلى مذهب أحمد ص 89".

الْحُدَيْبِيَةِ1. وَقَوْلِهِ: "صلى الله عليه وسلم: "اُكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ" 2 يَعْنِي الْخُطْبَةَ الَّتِي خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم3، وَأَمْرِهِ بِالْكِتَابَةِ إلَى الْمُلُوكِ4 وَنَحْوِ ذَلِكَ5. "وَفِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم". وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ فِعْلاً فَهُوَ عَمَلٌ بِجَارِحَةِ اللِّسَانِ. وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يُقَابِلُ الْفِعْلَ6 كَمَا هُنَا7، حَتَّى "وَلَوْ" كَانَ الْفِعْلُ

_ 1 الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد عن أنس مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 2/ 112، صحيح مسلم 3/ 1411، سنن أبي داود 2/ 78، مسند أحمد 1/ 86، 342، 4/ 87، 325، تخريج أحاديث البزدوي ص 225، زاد المعاد 2/ 306، السيرة النبوية لابن هشام 3/ 366. 2 هو الصحابي أبو شاه اليماني. يقال: إنه كلبي، ويقال: إنه فارسي من الأبناء الذين قدموا اليمن في نصرة سيف بن ذي يزن كما قال السِّلَفي. وقد جاء ذكره في الصحيحين في حديث أبي هريرة في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فقال أبو شاه: اكتبها لي يا رسول الله، يعني الخطبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه"َ. "انظر: الإصابة 4/ 100، الاستيعاب 4/ 106". 3 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 4/ 188، صحيح مسلم 2/ 988، مختصر صحيح مسلم 1/ 201، تحفة الأحوذي 7/ 429، سنن أبي داود 2/ 287، 481، سنن النسائي 4/ 38، سنن ابن ماجه 2/ 876، مسند أحمد 2/ 238". 4 روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل، كما كتب إلى كسرى والنجاشي والمقوقس والمنذر بن ساوى وملك عُمان وصاحب اليمامة وملك غسان وغيرهم، يدعوهم إلى الإسلام. "انظر: صحيح البخاري 3/ 90، صحيح مسلم 3/ 1393، سنن أبي داود 2/ 628، تحفة الأحوذي 7/ 499، تخريج أحاديث البزدوي ص 183، خلق أفعال العباد ص 63، 64، زاد المعاد 3/ 126 وما بعدها". 5 انظر: إرشاد الفحول ص 42. 6 في ض: العقل. 7 في ض: ههنا.

"بِإِشَارَةٍ" عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَنَّهُ كَالأَمْرِ بِهِ1، كَمَا فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ2: لَمَّا تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ3 دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، حَتَّى سَمِعَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ. فَخَرَجَ إلَيْهِمَا، حَتَّى كَشَفَ حُجْرَتَهُ فَنَادَى فَقَالَ4: "يَا كَعْبُ". قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - فَأَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ - أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُمْ فَاقْضِهِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ5.

_ 1 انظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 2/ 95، إرشاد الفحول ص 42. 2 هو الصحابي كعب بن مالك بن عمرو الأنصاري الخَزْرجي السَّلَمي، أبو عبد الله. شهد العقبة وأحداًَ وسائر المشاهد إلا بدراً وتبوك. وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن تبوك وتاب الله عليهم، وأنزل الله تعالى فيهم: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ... } ، ومعه مرارة بن ربيعة وهلال بن أمية. روى كعب ثمانين حديثاً، وجرح يوم أحد أحد عشر جرحاً، وهو أحد شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مطبوعاً على الشعر، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر فقال: "المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه". وقد عمي في آخر عمره، توفي بالمدينة سنة 53هـ، وقيل غير ذلك. "انظر: الإصابة 3/ 302، الاستيعاب 3/ 286، تهذيب الأسماء 2/ 69، نكت الهميان ص 231، مسند أحمد 3/ 456، الخلاصة ص 321". 3 هو الصحابي عبد الله بن سلامة بن عمير الأسلمي، أبو محمد، أول مشاهده الحديبية ثم خيبر. وهو الذي تزوج امرأة على أربع أواق ذهباً، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو كنتم تنحتون من الجبال ما زدتم". وكان ممن بايع تحت الشجرة، وله روايات في غير الكتب الستة، توفي سنة 71هـ. "انظر: الإصابة 2/ 321، 295، الاستيعاب 2/ 288، شذرات الذهب 1/ 77". 4 ساقطة من ش ز. 5 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن كعب بن مالك مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 2/ 114، صحيح مسلم 3/ 1192، سنن أبي داود 2/ 273، سنن النسائي 8/ 210، مسند أحمد 6/ 386، سنن ابن ماجه 2/ 811".

وَاسْمُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ: عَبْدُ اللَّهِ، وَاسْمُ أَبِيهِ سَلامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ1. وَمِنْهُ إشَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي الصَّلاةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2. وَطَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "بِالْبَيْتِ" 3 عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى رُكْنٍ أَشَارَ إلَيْهِ4. وَمِنْ الْفِعْلِ أَيْضًا: عَمَلُ الْقَلْبِ وَالتَّرْكُ. فَإِنَّهُ كَفُّ النَّفْسِ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لا تَكْلِيفَ إلاَّ بِفِعْلٍ5. فَإِذَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَرَادَ فِعْلَ شَيْءٍ كَانَ مِنْ السُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يُنَحِّيَ مُخَاطَ أُسَامَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ

_ 1 هو أبو حدرد سلامة بن عمير بن أبي سلامة الأسلمي. قال أحمد: اسمه عبد الله، وقيل عبيد، وقيل عبيدة، له صحبة، ويعد في أهل الحجاز. روى عنه ابناه عبد الرحمن وحدرد ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي. وأبو يحيى الأسلمي، ولم تؤرخ وفاته. "انظر: الإصابة 4/ 42، الاستيعاب 4/ 40، تهذيب الأسماء 2/ 212، الخلاصة ص 447". 2 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأحمد عن عائشة وأنس بروايات كثيرة مرفوعة. "انظر: صحيح البخاري 1/ 214، 125، 2/ 111، صحيح مسلم 1/ 312، 315 وما بعدها، سنن أبي داود 1/ 216، سنن النسائي 2/ 61، تخريج أحاديث البزدوي ص 245، مسند أحمد 5/ 332". 3 زيادة من البخاري. وساقطة من جميع النسخ. 4 رواه البخاري باللفظ السابق. ورواه الترمذي والنسائي وأحمد والدارمي قريبًا منه. ورواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد بلفظ: يستلم الركن بمحجن عن ابن عباس مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 1/ 280، 283، صحيح مسلم 2/ 926، سنن أبي داود 1/ 434، تحفة الأحوذي 3/ 602، سنن النسائي 5/ 186، سنن ابن ماجه 2/ 982، مسند أحمد 1/ 214، 264، سنن الدارمي 2/ 43". 5 المجلد الأول ص 490.

اللَّهِ حَتَّى أَكُونَ1 أَنَا الَّذِي أَفْعَلُ. قَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَحِبِّيهِ فَإِنِّي أُحِبُّهُ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ2. وَحَدِيثِ أَنَسٍ3: "أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ إلَى رَهْطٍ - أَوْ4 أُنَاسٍ - مِنْ الْعَجَمِ. فَقِيلَ: إنَّهُمْ لا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إلاَّ بِخَاتَمٍ. فَاِتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ5. وَمِثْلُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ: "أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْهَى أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى، أَوْ بِبَرَكَةَ، أَوْ أَفْلَحَ، أَوْ يَسَارٍ أَوْ6 نَافِعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ

_ 1 ساقطة من ز ض ب ع ومن الترمذي. 2 تحفة الأحوذي 10/ 323، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. 3 هو الصحابي أنس بن مالك بن النضر، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد المكثرين من الرواية عنه. خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهو غلام يخدمه، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالمال والولد والجنة. وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ثم شهد الفتوح، وقطن البصرة، ومات بها. وهو آخر الصحابة موتاً بالبصرة. وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثماني غزوات، وبارك الله له في المال والولد والعمر. مات سنة 93هـ، وقيل غير ذلك. "انظر: الإصابة 1/ 71، الاستيعاب 1/ 71، تهذيب الأسماء 1/ 127، الخلاصة ص 40، شذرات الذهب 1/ 100". 4 في ع: و. 5 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي عن أنس بن مالك مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 4/ 36، شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 69، سنن أبي داود 2/ 405، سنن الترمذي 7/ 503، سنن النسائي 8/ 151، سنن البيهقي 10/ 128، صحيح مسلم 3/ 1657، الموطأ 2/ 936". 6 في ش ز: و. وهي رواية ثانية في الحديث.

عَنْهُ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قُبِضَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ1. وَإِذَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَرَكَ كَذَا. كَانَ أَيْضًا مِنْ السُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ2. كَمَا وَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قُدِّمَ إلَيْهِ الضَّبُّ فَأَمْسَكَ عَنْهُ وَتَرَكَ أَكْلَهُ: أَمْسَكَ3 الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَتَرَكُوهُ، حَتَّى بَيَّنَ4 لَهُمْ أَنَّهُ حَلالٌ، وَلَكِنَّهُ يَعَافُهُ5. وَلَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ مُقَيَّدٌ بِتَصْرِيحِ الرَّاوِي بِأَنَّهُ تَرَكَ، أَوْ قِيَامِ الْقَرَائِنِ عِنْدَ الرَّاوِي الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ أَنَّهُ تَرَكَ. وَالْمُرَادُ مِنْ أَقْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَفْعَالِهِ: مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الإِعْجَازِ.

_ 1 رواه مسلم عن جابر مرفوعاً. ورواه أبو داود عن سمرة بن جندب وجابر. ورواه الترمذي بألفاظ أخرى. "انظر: صحيح مسلم 3/ 1686، سنن أبي داود 2/ 586، تحفة الأحوذي 8/ 124". 2 انظر: إرشاد الفحول ص 42. 3 في ض: وأمسك. 4 في ش: سن. وفي ز: يبين. وفي ض: تبين. 5 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس عن خالد بن الوليد أنه أخبره أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة، وهي خالته وخالة ابن عباس، فوجد عندها ضبًّا منبوذاً، فقدمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فقال خالد بن الوليد: أحرام الضبّ يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه". قال خالد: فاجتررته فأكلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فلم يَنْهَني. وهناك أحاديث أخرى بألفاظ كثيرة في ذلك. "انظر: صحيح البخاري 3/ 293، 4/ 269، صحيح مسلم 3/ 1542 وما بعدها، سنن أبي داود 2/ 317، سنن الترمذي 5/ 492، سنن النسائي 7/ 174، سنن ابن ماجه 2/ 1080، مسند أحمد 4/ 88، نيل الأوطار 8/ 133".

"وَإِقْرَارُهُ" يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ شَرْعًا وَ1اصْطِلاحًا: قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلُهُ وَإِقْرَارُهُ عَلَى الشَّيْءِ 2يُقَالُ أَوْ7 يُفْعَلُ، فَإِذَا سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنْسَانًا يَقُولُ شَيْئًا، أَوْ رَآهُ يَفْعَلُ شَيْئًا. فَأَقَرَّهُ3 عَلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ السُّنَّةِ قَطْعًا4. وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ5 ذَلِكَ6. "وَزِيدَ الْهَمُّ" أَيْ وَزَادَ7 الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَقْسَامِ السُّنَّةِ: مَا هَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِفِعْلِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لا يَهُمُّ إلاَّ بِحَقٍّ مَحْبُوبٍ مَطْلُوبٍ شَرْعًا؛ لأَنَّهُ مَبْعُوثٌ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ8. وَمِنْهُ: هَمُّهُ صلى الله عليه وسلم بِمُعَاقَبَةِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجَمَاعَةِ9.

_ 1 ساقطة من ز ض ب ع. 2 ساقطة من د. 3 في ب ع: وأقره. 4 انظر في تعريف السنة المحلي على جمع الجوامع 2/ 94، مناهج العقول 2/ 236، نهاية السول 2/ 238، الإحكام للآمدي 1/ 169، فواتح الرحموت 2/ 97، تيسير التحرير 3/ 19، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، التلويح على التوضيح 2/ 2 ط الميمنية، التعريفات للجرجاني ص 128 ط لبنان، أصول السرخسي 1/ 113، غاية الوصول ص 91، إرشاد الفحول ص 33، المدخل إلى مذهب أحمد ص 89، مختصر الطوفي ص 49، أصول مذهب أحمد ص 200. 5 في ض ب ع: تفاصيل. 6 صفحة 194 من هذا المجلد عند بحث السكوت. 7 في ع: وزادت. 8 انظر: البناني على جمع الجوامع 2/ 94، إرشاد الفحول ص 41، أصول مذهب أحمد ص 201. 9 روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوها ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً، فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم جزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار". وفي رواية لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أناساً في بعض الصلوات، فقال: "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم، ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها"، يعني صلاة العشاء. "انظر: صحيح البخاري 1/ 119، صحيح مسلم 1/ 451، سنن أبي داود 1/ 129، تحفة الأحوذي 1/ 631، سنن النسائي 2/ 83، سنن ابن ماجه 1/ 259، مسند أحمد 2/ 376، الترغيب والترهيب 1/ 153 وما بعدها".

"وَهِيَ" أَيْ وَ1أَقْسَامُ السُّنَّةِ كُلُّهَا "حُجَّةٌ" أَيْ تَصْلُحُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهَا عَلَى ثُبُوتِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ2 "لِلْعِصْمَةِ" أَيْ لِثُبُوتِ الْعِصْمَةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ الَّتِي هِيَ أَيْ الْعِصْمَةُ "سَلْبُ الْقُدْرَةِ" أَيْ سَلْبُ قُدْرَةِ الْمَعْصُومِ "عَلَى الْمَعْصِيَةِ" فَلا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا؛ لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَلَبَ قُدْرَتَهُ عَلَيْهَا3. وَقِيلَ: إنَّ الْعِصْمَةَ4 صَرْفُ دَوَاعِي الْمَعْصِيَةِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بِمَا يُلْهِمُ اللَّهُ الْمَعْصُومَ مِنْ تَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ5. وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ عَنْ الأَشْعَرِيَّةِ: إنَّ الْعِصْمَةَ تَهَيُّؤُ الْعَبْدِ لِلْمُوَافَقَةِ مُطْلَقًا. وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى خَلْقِ الْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ طَاعَةٍ. فَإِذًا الْعِصْمَةُ تَوْفِيقٌ عَامٌّ6.

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر حجية السنة في "الرسالة للشافعي ص 73 وما بعدها، المستصفى 1/ 129، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، الإحكام لابن حزم 1/ 87، أصول السرخسي 2/ 90 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 22، إرشاد الفحول ص 33، مختصر الطوفي ص 49، الروضة ص 46، المدخل إلى مذهب أحمد ص 89، أصول مذهب أحمد ص 204". 3 بحث العصمة من بحوث علم الكلام أو العقيدة. وإنما يذكرها علماء الأصول في حجية السنة لتوقف الأدلة على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب شهادة: "لا إله إلا الله محمد رسول الله". "انظر فواتح الرحموت 2/ 97، تيسير التحرير 3/ 20، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، إرشاد الفحول ص 34، المنخول ص 223". 4 في ض: المعصية. وهو تحريف. 5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 97، تيسير التحرير 3/ 20. 6 انظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 2/ 95، التعريفات ص 156، إرشاد الفحول ص 34.

وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: الْعِصْمَةُ خَلْقُ أَلْطَافٍ تُقَرِّبُ إلَى الطَّاعَةِ. وَلَمْ يَرُدُّوهَا إلَى الْقُدْرَةِ 1لأَنَّ الْقُدْرَةَ5 عِنْدَهُمْ عَلَى الشَّيْءِ صَالِحَةٌ لِضِدِّهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ: لا تُطْلَقُ الْعِصْمَةُ فِي غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمَلائِكَةِ إلاَّ بِقَرِينَةِ إرَادَةِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ السَّلامَةُ مِنْ الشَّيْءِ. وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي "الرِّسَالَةِ" "وَأَسْأَلُهُ الْعِصْمَةَ" 2 وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ3. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ السَّلامَةَ أَعَمُّ مِنْ وُجُوبِ السَّلامَةِ. فَقَدْ تُوجَدُ السَّلامَةُ فِي غَيْرِ النَّبِيِّ4 وَالْمَلَكِ اتِّفَاقًا لا وُجُوبًا. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ5 فِي كِتَابِهِ "الإِيضَاحُ فِي الْجَدَلِ": الْعِصْمَةُ حِفْظُ الْمَحَلِّ بِالتَّأْثِيمِ وَالتَّضْمِينِ.

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 الرسالة ص 102. 3 انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي ص 329، 334. 4 في ض ب: النبي صلى الله عليه وسلم. 5 هو يوسف بن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد التيمي البكري القرشي البغدادي، أبو محمد وأبو المحاسن ابن الجوزي، محيي الدين، العلامة الفاضل، الفقيه الأصولي، الواعظ الشهيد. كان كثير المحفوظ، قوي المشاركة في العلوم، وافر الحشمة. اشتغل بالفقه والخلاف والأصول، وبرع في ذلك، وكان أشهر فيها من والده. تولى الأعمال الجليلة، وأرسله الخليفة إلى ملوك الأطراف، وأنشأ مدرسة بدمشق، وهي المعروفة بالجوزية، ووقف عليها أوقافاً كثيرة، وكذلك فعل في بغداد، وله مصنفات كثيرة، منها: "معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز"، و"المذهب الأحمد في مذهب أحمد"، و"الإيضاح في الجدل". قتل صبراً بسيف الكفار التتار شهيداً مع أبنائه الثلاثة سنة 656هـ. انظر ترجمته في "ذيل طبقات الحنابلة 2/ 258، طبقات المفسرين للداودي 2/ 380، شذرات الذهب 5/ 286، هدية العارفين 6/ 555".

"وَلا يَمْتَنِعُ1 عَقْلاً" أَيْ فِي تَصَوُّرِ الْعَقْلِ "مَعْصِيَةٌ" أَيْ صُدُورُ مَعْصِيَةٍ مِنْ النَّبِيِّينَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَامْتِنَاعُهَا عَقْلاً "قَبْلَ الْبَعْثَةِ" مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ. فَمَنْ أَثْبَتَهُ - كَالرَّوَافِضِ - مَنَعَهَا لِلتَّنْفِيرِ فَتُنَافِي2 الْحِكْمَةَ. وَقَالَتْهُ3 الْمُعْتَزِلَةُ: فِي الْكَبَائِرِ. وَمَنْ نَفَى التَّقْبِيحَ الْعَقْلِيَّ لَمْ يَمْنَعْهَا4. "وَ" كُلُّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ فَهُوَ "مَعْصُومٌ بَعْدَهَا" أَيْ بَعْدَ الْبَعْثَةِ "مِنْ تَعَمُّدِ مَا يُخِلُّ بِصِدْقِهِ فِيمَا دَلَّتْ الْمُعْجِزَةُ عَلَى صِدْقِهِ" فِيهِ "مِنْ رِسَالَةٍ5 وَتَبْلِيغٍ" إجْمَاعًا. حَكَاهُ الآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ6. فَالإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ فِي الأَحْكَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا؛ لأَنَّ الْمُعْجِزَةَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِمْ فِيهَا. فَلَوْ جَازَ كَذِبُهُمْ فِيهَا لَبَطَلَتْ دَلالَةُ7 الْمُعْجِزَةِ8.

_ 1 في ض: تمتنع. 2 في ز: فتتنافى. 3 في ش ب ز: وقالت. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 169، 170، نهاية السول 2/ 239، فواتح الرحموت 2/ 97، 98، 100، تيسير التحرير 3/ 20، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، المنخول ص 223 وما بعدها، الشفاء 2/ 157، إرشاد الفحول ص 35، شرح الأصول الخمسة ص 375. 5 في ض ع: رسالته. 6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، نهاية السول 2/ 239، فواتح الرحموت 2/ 98، تيسير التحرير 3/ 21، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، الشفاء 2/ 122، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، أصول الدين للبغدادي ص 168، الإرشاد للجويني ص 358. 7 في ع: دلالته. 8 انظر: الإحكام 1/ 170، تيسير التحرير 3/ 21، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 329، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، إرشاد الفحول ص 34، المنخول ص 223.

"وَلا يَقَعُ" مَا يُخِلُّ بِصِدْقِهِ لا "غَلَطًا وَ" لا "سَهْوًا" عِنْدَ الأَكْثَرِ1. قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: "وَأَمَّا الْكَذِبُ غَلَطًا. فَجَوَّزَهُ الْقَاضِي - يَعْنِي الْبَاقِلاَّنِيَّ - وَمَنَعَهُ الْبَاقُونَ، لِمَا مَرَّ مِنْ دَلالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى الصِّدْقِ2". وَ3قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": وَلِلْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِهِ غَلَطًا وَنِسْيَانًا قَوْلانِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْجِزَةَ هَلْ دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِ فِيهَا؟ وَاخْتَلَفَ فِيهِ كَلامُ ابْنِ عَقِيلٍ اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ دَلالَةَ الْمُعْجِزَةِ: هَلْ دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِمْ مُطْلَقًا فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ، أَوْ مَا دَلَّتْ إلاَّ عَلَى مَا صَدَرَ عَنْهُمْ عَمْدًا4؟ وَتَأَوَّلَ مَنْ مَنَعَ الْوُقُوعَ الأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي سَهْوِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّشْرِيعَ5. كَمَا فِي حَدِيثِ "وَلَكِنْ أُنَسَّى" 6 بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، نهاية السول 2/ 239، تيسير التحرير 3/ 21، المستصفى 2/ 214، الشفاء 2/ 130، المنخول ص 225، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، غاية الوصول ص 91، إرشاد الفحول ص 34. 2 شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 22، وانظر: حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، تيسير التحرير 3/ 21. 3 ساقطة من ض ب ع. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، تيسير التحرير 3/ 21، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، الشفا 2/ 160، الإرشاد للجويني ص 356. 5 انظر أقوال العلماء في جواز السهو وعدمه من النبي صلى الله عليه وسلم والقصد منه أو تأوله في "نيل الأوطار 3/ 124-125، غاية الوصول ص 91، الشفاء 2/ 128، 158، المسودة ص 190". 6 رواه الإمام مالك بلفظ: "إني لأنسى أو أُنْسى لأَسُنَّ". قال الحافظ ابن حجر: "إن هذا الحديث لا أصل له، فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد". "فتح الباري 3/ 65". وقال ابن عبد البر: "لا أعلم هذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسنداً ولا مقطوعاً من غير هذا الوجه، وهو أحد الأحاديث الأربعة التي في الموطأ التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة، ومعناه صحيح في الأصول". "انظر: الموطأ 1/ 100، نيل الأوطار 3/ 125".

وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ1 هَذَا بِأَنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لِيَقَعَ النِّسْيَانُ فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ، لِتَصْرِيحِهِ صلى الله عليه وسلم بِالنِّسْيَانِ فِي قَوْلِهِ: "إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ. فَإِذَا نَسِيت فَذَكِّرُونِي" 2. وَلأَنَّ الأَفْعَالَ الْعَمْدِيَّةَ تُبْطِلُ الصَّلاةَ. وَالْبَيَانُ كَافٍ بِالْقَوْلِ. فَلا ضَرُورَةَ إلَى الْفِعْلِ3. وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ4 وَغَيْرُهُ الْخِلافَ فِي الأَفْعَالِ، وَأَنَّهُ لا يَجُوزُ فِي الأَقْوَالِ الْبَلاغِيَّةِ إجْمَاعًا5. وَمَعْنَاهُ لابْنِ عَقِيلٍ، فِي الإِرْشَادِ. فَإِنَّهُ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ لَمْ يُعْصَمُوا مِنْ الأَفْعَالِ فِي نَفْسِ الأَدَاءِ. فَلا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْكَذِبُ فِي

_ 1 في ز ض ب ع: يعبر في. 2 هذا جزء من حديث طويل رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن ابن مسعود مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 1/ 82، صحيح مسلم 1/ 400، سنن أبي داود 1/ 133، سنن النسائي 3/ 24، سنن ابن ماجه 1/ 380، 382، مسند أحمد 1/ 455، نيل الأوطار 3/ 133". 3 انظر: المسودة ص 190، إرشاد الفحول ص 35. 4 هو عياض بن موسى بن عياض بن عمرو، أبو الفضل اليحصبي السبتي، القاضي، عالم المغرب، الحافظ. وهو من أهل التفنن في العلم والذكاء والفطنة والفهم. تفقه وصنف التصانيف التي سارت بها الركبان، وبعُد صيته، وكان إمام أهل الحديث في وقته، وأعلم الناس بعلوم الحديث والنحو والأصول واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم. ولي قضاء سبتة ثم غرناطة. ومن مؤلفاته: "الشفاء"، "وطبقات المالكية"، "وشرح صحيح مسلم"، "والتاريخ"، و"المشارق"، و"الإعلام بحدود قواعد الإسلام", و"الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع". توفي سنة 544هـ بمراكش. انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 46، طبقات المفسرين 2/ 18، إنباه الرواة 2/ 363، شجرة النور الزكية ص 140، تذكرة الحفاظ 4/ 1304، تهذيب الأسماء 2/ 43، وفيات الأعيان 3/ 152، طبقات الحفاظ ص 468، بغية الملتمس ص 425". وفي ب: وعياض. 5 الشفاء للقاضي عياض 2/ 160. وانظر: الأربعين في أصول الدين للرازي ص 329، نهاية الإقدام ص 445، إرشاد الفحول ص 35، المسودة ص 190.

الأَقْوَالِ فِيمَا يُؤَدُّونَهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلا فِيمَا شَرَعَهُ مِنْ الأَحْكَامِ عَمْدًا وَلا سَهْوًا وَلا نِسْيَانًا1. وَمَنْ قَالَ بِالْوُقُوعِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لا يُقَرُّ عَلَيْهِ إجْمَاعًا2. "وَ" أَمَّا "مَا لا يُخِلُّ" بِصِدْقِهِ فِيمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْمُعْجِزَةُ "فَ" هُوَ مَعْصُومٌ فِيهِ "مِنْ" وُقُوعِ "كَبِيرَةٍ" إجْمَاعًا، وَلا عِبْرَةَ بِخِلافِ الْحَشْوِيَّةِ وَبَعْضِ الْخَوَارِجِ3. "وَ" كَذَا هُوَ مَعْصُومٌ مِنْ فِعْلِ "مَا يُوجِبُ خِسَّةً أَوْ إسْقَاطَ مُرُوءَةٍ عَمْدًا 4". قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَقَدْ قَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ مَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ. قُلْت: بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ. اهـ.

_ 1 انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي ص 329، المستصفى 2/ 214. 2 انظر: المسودة ص 190، الفصل في الملل والنحل 3/ 3، التوضيح على التنقيح 2/ 14 طبع الميمنية، إرشاد الفحول ص 35. 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، نهاية السول 2/ 239، كشف الأسرار 3/ 199، فواتح الرحموت 2/ 98، المستصفى 2/ 213، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، تيسير التحرير 3/ 21، المنخول ص 223، إرشاد الفحول ص 33، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، أصول الدين للبغدادي ص 168. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، نهاية السول 2/ 239، فواتح الرحموت 2/ 99، أصول السرخسي 2/ 86، تيسير التحرير 3/ 21، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، الشفاء 2/ 154، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، أصول الدين للبغدادي ص 168، الإرشاد للجويني ص 356، المستصفى 2/ 213، إرشاد الفحول ص 34، غاية الوصول ص 91.

1وَأَمَّا جَوَازُ وُقُوعِ ذَلِكَ سَهْوًا فَفِيهِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ2. وَاخْتَلَفَ كَلامُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي ذَلِكَ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَفِي وَجْهٍ سَهْوًا3" أَنَّهُ لا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ سَهْوًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى3. وَأَمَّا جَوَازُ وُقُوعِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لا تُوجِبُ خِسَّةً وَلا إسْقَاطَ مُرُوءَةٍ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. فَفِيهِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا: جَوَازُ وُقُوعِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَالأَشْعَرِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ4.

_ 1 ساقطة من ش ز. وفي ب زيادة من أصحابنا. وابن أبي موسى هو محمد بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أبي موسى الهاشمي، أبو علي الحنبلي البغدادي، صاحب التصانيف، انتهت إليه رئاسة المذهب، وكان رئيساً رفيع القدر، بعيد الصيت، له المكانة العليا عند الخليفتين القادر بالله والقائم بأمر الله. صنف "الإرشاد"، و"شرح كتاب الخرقي". توفي سنة 428 هـ، وله ابن أخ أبو جعفر عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أبي موسى، وكان علامة، وعند الإطلاق فالمراد الأول. انظر ترجمته في "المدخل إلى مذهب أحمد ص 209، طبقات الحنابلة 2/ 182، المنهج الأحمد 2/ 126، شذرات الذهب 2/ 238". 2 وهو رأي الرازي وابن حزم والحنفية وأكثر العلماء. "انظر: تيسير التحرير 3/ 21، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، الإحكام للآمدي 1/ 171، فواتح الرحموت 2/ 99، المسودة ص 188، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، الفصل في الملل والنحل 4/ 2-3، أصول الدين للبغدادي ص 168، المستصفى 2/ 214، إرشاد الفحول ص 34". 3 في ب ع: وسهواًَ. 4 انظر: نهاية السول 2/ 239، كشف الأسرار 3/ 199، فواتح الرحموت 2/ 99، تيسير التحرير 3/ 21، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، المستصفى 2/ 213، الإرشاد للجويني ص 356، المسودة ص 188، إرشاد الفحول ص 34، المنخول ص 223.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَمِنْ صَغِيرَةٍ مُطْلَقًا" عَدَمُ الْجَوَازِ1، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ: يَجُوزُ الْهَمُّ لا الْفِعْلُ. وَمَنَعَ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ وَجَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الذَّنْبِ2 مُطْلَقًا، كَبِيرًا أَوْ3 صَغِيرًا، عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، أَخَلَّ بِصِدْقِهِ أَوْ لا4، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْمَعَالِي فِي "الإِرْشَادِ5" وَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَأَبِي بَكْرٍ "وَ" 6

_ 1 وهو قول الحنفية. قال ابن عبد الشكور: "وهو الحق، فإن صغيرتهم كبيرة". "انظر: فواتح الرحموت 2/ 99، كشف الأسرار 1/ 199، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، البناني على جمع الجوامع 2/ 95، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، نهاية الإقدام ص 445، تيسير التحرير 3/ 21، إرشاد الفحول ص 34". 2 في ز: الكذب. 3 في ض ب: و. 4 انظر: نهاية السول 2/ 239، كشف الأسرار 1/ 199، 200، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، إرشاد الفحول ص 34. 5 يظهر أن رأي الإمام الجويني يخالف المنقول عنه هنا، لأنه قال في "الإرشاد ص 356": "وأما الذنوب المعدودة من الصغائر، على تفصيل سيأتي الشرح عليه، فلا تنفيها العقول، ولم يقم عندي دليل قاطع سمعي على نفيها، ولا على إثباتها ... قلنا: الأغلب على الظن عندنا جوازها، وقد شهدت أقاصيص الأنبياء في آي من كتاب الله تعالى على ذلك". وهذا يبين أن الإمام أبا المعالي الجويني يرى أن العقل لا ينفيها، وأن غلبة الظن في السمع بالجواز، والله أعلم. "انظر: الإرشاد ص 356 وما بعدها". 6 الواو إضافة ضرورية، لأن أبا بكر بن مجاهد أحمد بن موسى بن العباس، المتوفى سنة 324هـ من القراء، ولأن المصنف نقل ذلك عن ابن حزم، وابن حزم يصرح بأن القول "لابن مجاهد شيخ ابن فُوْرك". وهو أبو عبد الله الطائي، المتكلم الأصولي، ولم يذكر في ترجمة أبي بكر بن مجاهد أقوال في الكلام والأصول. "انظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 57، طبقات القراء 1/ 139، شذرات الذهب 2/ 302، معرفة القراء الكبار 1/ 216".

ابْنِ مُجَاهِدٍ1 وَابْنِ فُورَكٍ. نَقَلَهُ عَنْهُ2 ابْنُ حَزْمٍ فِي "الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ3"، وَابْنِ حَزْمٍ4 وَابْنِ بُرْهَانٍ فِي "الأَوْسَطِ". وَنَقَلَهُ فِي "الْوَجِيزِ" عَنْ اتِّفَاقِ الْمُحَقِّقِينَ. وَحَكَاهُ فِي "زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ" عَنْ الْمُحَقِّقِينَ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ5: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَتْحِ

_ 1 هو محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي المالكي، أبو عبد الله. وهو بصري الأصل، وسكن بغداد ودرس فيها وأخذ عن القاضي التستري، وصحب أبا الحسن الأشعري. وكان فقيهاً حافظاً متكلماً أصوليًّا، زاهداً وورعاً. وعنه أخذ القاضي أبو بكر الباقلاني علم الكلام والحديث. له مؤلفات في "الأصول" على مذهب مالك، "ورسالة" في العقائد، و"هداية المستبصر ومعونة المستنصر". توفي سنة 370 هـ. وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 210، شجرة النور الزكية ص 92، تاريخ بغداد 1/ 343، تبيين كذب المفتري ص 177، الفتح المبين 1/ 213". 2 في ش: عن. 3 النقل عن ابن حزم غير دقيق، لأنه نقل قول ابن فورك بجواز الصغائر حالة العمد فقط، فقال: "لا يجوز عليهم كبيرة من الكبائر أصلاً، وجوزوا الصغائر بالعمد، وهو قول ابن فُورَك الأشعري". ثم قال ابن حزم: "لا يجوز أن يقع من نبي أصلاً معصية بعمد لا صغيرة ولا كبيرة، وهو قول ابن مجاهد الأشعري شيخ ابن فُورَك". ثم قال ابن حزم: "وهذا القول الذي ندين الله تعالى به". "الفصل في الملل والنحل 4/ 2". 4 يرى ابن حزم رحمه الله أنه لا يجوز أن يقع من نبي أصلاً معصية بعمد، لا صغيرة ولا كبيرة، ويقول: "إنه يقع من الأنبياء السَّهْو من غير قصد". "الفصل في الملل والنحل 4/ 2-3". 5 هو الحسين بن محمد بن أحمد المروذي، أبو علي الفقيه الشافعي، المعروف بالقاضي، كان إماماً كبيراً وصاحب وجه في مذهب الشافعي، وإذا أطلق القاضي في الفقه الشافعي فهو المقصود. صنف في الأصول والفروع والخلاف. ويقال له: حبر الأمة وحبر المذهب. له "التعليق الكبير". وهو كثير الفروع والفوائد. توفي سنة 462 هـ بمروروذ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 356، تهذيب الأسماء 1/ 164، وفيات الأعيان 1/ 400، شذرات الذهب 3/ 310، طبقات العبادي ص 112".

الشِّهْرِسْتَانِيّ1، وَابْنِ عَطِيَّةَ الْمُفَسِّرِ2، وَشَيْخِ الإِسْلامِ الْبُلْقِينِيِّ3، وَالسُّبْكِيِّ وَوَلَدِهِ التَّاجِ4.

_ 1 هو محمد بن عبد الكريم بن أحمد، أبو الفتح الشهرستاني. كان إماماً مبرزاً فقيهاً متكلماً أصوليًّا، برع في الفقه، وتفرد في علم الكلام، وكان كثير المحفوظ، حسن المحاورة، يعظ الناس، شافعي المذهب. ومن مصنفاته: "نهاية الإقدام في علم الكلام"، والملل والنحل"، و"المناهج والبيان"، و"المضارعة"، و"تلخيص الأقسام لمذاهب الأعلام". توفي سنة 548هـ، وقيل 549هـ. انظر في ترجمته "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 128، وفيات الأعيان 3/ 403، شذرات الذهب 4/ 149". 2 هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عطية، أبو محمد الغرناطي القاضي، الإمام الكبير. كان فقيهاً عالماً بالتفسير والأحكام والحديث والفقه والنحو واللغة والأدب. وكان غاية في الدهاء والذكاء وطلب العلم. ألف كتابه "الوجيز في التفسير"، وهو أصدق شاهد على إمامته في العربية وغيرها. وألف "البرنامج" الذي ضمنه مروياته وأسماء شيوخه. تولى القضاء وعدل فيه. توفي سنة 540هـ بمدينة لورقة. انظر ترجمته في "طبقات المفسرين 1/ 260، الديباج المذهب 2/ 57، شجرة النور الزكية ص 129، بغية الملتمس ص 376، بغية الوعاة 2/ 73". 3 هو عمر بن رسلان بن نصير البلقيني الكناني العسقلاني الشافعي، سراج الدين، الحافظ المحدث الفقيه الأصولي. كان أعجوبة زمانه حفظاً واستذكاراً، وفاق الأقران، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد. وقيل: إنه مجدد القرن التاسع، وانفرد برئاسة العلماء، ولقب بشيخ الإسلام. تولى الإفتاء والقضاء بدمشق. وله مؤلفات كثيرة، منها: "التدريب" في الفقه، وتصحيح المنهاج في الفقه ستة مجلدات، و"الملمات برد المهمات" في الفقه، و"محاسن الإصلاح" في الحديث، و"شرح البخاري"، و"شرح الترمذي"، ومنهج الأصلين في مسائل أصول الدين وأصول الفقه. توفي سنة 805 هـ بالقاهرة. انظر ترجمته في "الضوء اللامع 6/ 85، طبقات المفسرين 2/ 3، طبقات الحفاظ ص 538، الفتح المبين 3/ 10، حسن المحاضرة 1/ 329، البدر الطالع 1/ 506، ذيل تذكرة الحفاظ 206، 369، شذرات الذهب 7/ 51". 4 انظر: جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 95، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 134، الشفاء للقاضي عياض 2/ 160.

فَالْعِصْمَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَلِسَائِرِ1 الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ كَبِيرٍ أَوْ2 صَغِيرٍ. عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا فِي الأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا لأَنَّا أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَآثَارِهِمْ وَسِيَرِهِمْ عَلَى الإِطْلاقِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ قَرِينَةٍ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا، تَعَاضَدَتْ الأَخْبَارُ بِتَنْزِيهِهِمْ عَنْ النَّقَائِصِ مُنْذُ وُلِدُوا، وَنَشْأَتُهُمْ عَلَى كَمَالِ أَوْصَافِهِمْ فِي تَوْحِيدِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ عَقْلاً أَوْ شَرْعًا، عَلَى الْخِلافِ فِي ذَلِكَ، وَلا سِيَّمَا فِيمَا بَعْدَ الْبَعْثَةِ فِيمَا يُنَافِي الْمُعْجِزَةَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً" 3، إنَّمَا هُوَ رُجُوعُهُ مِنْ حَالَةٍ4 إلَى أَرْفَعَ مِنْهَا، لِتَزَايُدِ عُلُومِهِ وَاطِّلاعِهِ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. فَهُوَ يَتُوبُ مِنْ الْمَنْزِلَةِ الأُولَى إلَى الأُخْرَى. وَالتَّوْبَةُ هُنَا ُغَوِيَّةٌ5. اهـ.

_ 1 في ض: وسائر. 2 في ز: و. وفي ض: صغير أو كبير. 3 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن أبي هريرة والأغر المزني وأنس. والمراد بالسبعين التكثير لا التحديد. وفي رواية: "مائة مرة". والقصد أن يكون دائم الحضور. "انظر: صحيح البخاري 4/ 99، صحيح مسلم 4/ 2075، سنن أبي داود 1/ 348، تحفة الأحوذي 9/ 143، سنن ابن ماجه 2/ 1254، مسند أحمد 4/ 211، سنن الدارمي 2/ 302، فيض القدير 6/ 359". 4 في ع: حالته. 5 وهو رأي الشوكاني. انظر: "إرشاد الفحول ص 35".

فصل: أفعال النبي صلى الله عليه وسلم

فصل: أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ... فَصْلٌ: "مَا اخْتَصَّ مِنْ أَفْعَالِهِ" أَيْ مِنْ أَفْعَالِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ "صلى الله عليه وسلم بِهِ1 فَـ" كَوْنُهُ 2مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم2 "وَاضِحٌ" لأَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَصَائِصَ كَثِيرَةً أُفْرِدَتْ بِالتَّصَانِيفِ3. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خُصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَاجِبَاتٍ وَمَحْظُورَاتٍ وَمُبَاحَاتٍ وَكَرَامَاتٍ4. "وَمَا كَانَ" مِنْ أَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم "جِبِلِّيًّا. كَنَوْمٍ" وَاسْتِيقَاظٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَذَهَابٍ وَرُجُوعٍ وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمُبَاحٌ. قَطَعَ بِهِ الأَكْثَرُ5، وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلافًا6؛ لأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُقْصَدْ7 بِهِ التَّشْرِيعُ. وَلَمْ نُتَعَبَّدْ بِهِ،

_ 1 ذكر الشوكاني أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى سبعة أقسام، ثم ذكر هذه الأقسام وبين حكم كل قسم. "انظر: إرشاد الفحول ص 35". 2 في ز: صلى الله عليه وسلم من خصائصه. 3 من هذه الكتب "الشمائل" للترمذي وغيره، و"الخصائص الكبرى" للسيوطي، مطبوع في ثلاثة مجلدات، و"الشفا" للقاضي عياض، وشروح الشفا. 4 في ش: وكراهات. وفي ض: وإكرامات. 5 انظر: نهاية السول 2/ 240، الإحكام للآمدي 1/ 173، كشف الأسرار 3/ 200، فواتح الرحموت 2/ 180، تيسير التحرير 3/ 120، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، المحلي على جمع الجوامع 2/ 97، التلويح على التوضيح 2/ 14 طبع الميمنية، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 35، أصول السرخسي 2/ 86 وما بعدها. 6 نقل الشيخ زكريا الأنصاري خلافاً فيه، فقال: "وقيل يندب". "غاية الوصول ص 92 كما ذكر المؤلف في الصفة التالية "179" أن الباقلاني والغزالي نقلا قولاً بالندب، وأن أبا إسحاق الإسفراييني نقل قولاً بالامتناع. 7 في ض: تقصد.

وَلِذَلِكَ نُسِبَ إلَى الْجِبِلَّةِ1. وَهِيَ الْخِلْقَةِ، لَكِنْ لَوْ تَأَسَّى بِهِ مُتَأَسٍّ 2فَلا بَأْسَ9، كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ3 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. فَإِنَّهُ كَانَ إذَا حَجَّ يَجُرُّ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ حَتَّى يُبْرِكَهَا4 حَيْثُ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ صلى الله عليه وسلم تَبَرُّكًا بِآثَارِهِ5، وَإِنْ تَرَكَهُ لا رَغْبَةً عَنْهُ، وَلا اسْتِكْبَارًا فَلا بَأْسَ. وَنَقَلَ ابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَالْغَزَالِيُّ قَوْلاً: أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّأَسِّي بِهِ6. وَنَقَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: هَذَا وَعَزَاهُ لأَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ. وَالثَّانِي: لا يُتَّبَعُ فِيهِ أَصْلاً. فَتَصِيرُ الأَقْوَالُ ثَلاثَةً: مَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ وَمُمْتَنِعٌ.

_ 1 في ز: الجبلية. 2 ساقطة من ش. 3 هو الصحابي عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، القرشي العدوي المدني الزاهد، أبو عبد الرحمن. أسلم مع أبيه قبل بلوغه، وهاجر قبل أبيه، ولم يشهد بدراً لصغره. وقيل شهد أحداً، وقيل لم يشهدها، وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وشهد غزوة مؤتة واليرموك وفتح مصر وأفريقيا. وكان شديد الاتباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع الزهد. وهو أحد الستة المكثرين من الرواية. ومناقبه كثيرة. توفي بمكة سنة 73 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 347، الاستيعاب 2/ 341، تهذيب الأسماء 1/ 278، حلية الأولياء 1/ 292، 2/ 7، طبقات الفقهاء ص 49، تذكرة الحفاظ 1/ 37، طبقات القراء 1/ 437، نكت الهميان ص 183، طبقات الحفاظ ص 9". 4 في ز ض ب: يركبها. وكذا في ع. لكنها صححت في الهامش. 5 انظر: الموطأ 1/ 333. 6 أيد هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: دلالة أفعاله العادية على الاستحباب أصلاً وصفة. "المسودة ص 191". وجزم الزركشي الشافعي أيضاً بالقول بالندب لاستحباب التأسي به. "انظر: البناني على جمع الجوامع 2/ 97، نهاية السول 2/ 240، الإحكام للآمدي 1/ 173، المنخول ص 226، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 35".

وَمَا كَانَ مِنْ أَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَمِلُ الْجِبِلِّيَّ وَغَيْرَهُ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "أَوْ يَحْتَمِلُهُ كَجِلْسَةِ الاسْتِرَاحَةِ1" وَرُكُوبِهِ فِي الْحَجِّ2 وَدُخُولِهِ مَكَّةَ مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ، وَخُرُوجِهِ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدَي3، وَذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ فِي الْعِيدِ4 وَنَحْوِهِ

_ 1 وهي الجلسة بين الخطبتين في صلاة الجمعة، لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين، يقعد بينهما. وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما، يقرأ القرآن ويذكر الناس". "انظر: صحيح البخاري 1/ 165، صحيح مسلم 2/ 589، سنن أبي داود 1/ 251، تحفة الأحوذي 3/ 24، سنن النسائي 3/ 90، سنن ابن ماجه 1/ 351، شرح السنة 4/ 246، سنن الدارمي 1/ 366". 2 روى مسلم في حديث جابر رضي الله عنه في حجة النبي صلى الله عليه وسلم: "فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت ناقته على البيداء...." وقال البخاري في صحيحه في كتاب الحج: "باب الركوب والارتداف في الحج. ورواه النسائي عن ابن عباس. "انظر: صحيح مسلم 2/ 887، صحيح البخاري 1/ 268، سنن النسائي 5/ 136". وقد سبق "ص 163" "أنه صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على بعير، وكلما أتى الركن أشار إليه أو استلمه بمحجنه". 3 روى مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة دخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى". وروى البخاري قريباً منه. "انظر: صحيح البخاري 1/ 266، صحيح مسلم 2/ 918، سنن أبي داود 1/ 432، سنن النسائي 5/ 158، سنن ابن ماجه 2/ 981". وروى مسلم وأبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها". "انظر: صحيح مسلم 2/ 918، سنن أبي داود 1/ 432، تحفة الأحوذي 3/ 589. وروى مسلم وأبو داود عن عائشة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كداء من أعلى مكة. انظر صحيح مسلم 2/ 919، سنن أبي داود 1/ 432". 4 وهو الذهاب إلى العيد من طريق والرجوع منه في أخرى. قال الفقهاء: إنه مستحب، لما روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق". وروى أبو داود وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر". ورواه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة أيضاً. "انظر: صحيح البخاري 1/ 175، سنن أبي داود 1/ 263، تحفة الأحوذي 3/ 95، سنن ابن ماجه 1/ 412، التمهيد للأسنوي ص 134".

"وَلُبْسِهِ" النَّعْلَ "السِّبْتِيَّ1" وَالْخَاتَمَ2 "فَمُبَاحٌ" عِنْدَ الأَكْثَرِ. وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ3. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ فِعْلِ الإِمَامِ أَحْمَدَ4 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ تَسَرَّى، وَاخْتَفَى ثَلاثَةَ أَيَّامٍ5، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَوْضِعٍ

_ 1 النعل السِّبْتيّة -بكسر السين- التي لا شعر عليها. "المصباح المنير 1/ 401". وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه أخرج نعلين جَرْداوين "أي خَلقين لم يبق عليهما شعر"، وقال: إنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم. "صحيح البخاري 2/ 189". وروى البخاري وأبو داود والنسائي وأحمد ومالك عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعل التي ليس لها شعر، ويتوضأ فيها، فأحب أن ألبسها". "انظر: صحيح البخاري 1/ 43، سنن أبي داود 1/ 411، سنن النسائي 1/ 68، مسند أحمد 2/ 60، الموطأ 1/ 333". 2 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من فضة، وكتب عليه "محمد رسول الله"، وكان يلبسه. وسبق تخريج هذا الحديث كاملاً ص 164. 3 وهو ما رجحه الشوكاني، وقال: "وقد حكاه الأستاذ أبو إسحاق عن أكثر المحدثين، فيكون مندوباً". وذكره الشيخ زكريا الأنصاري واقتصر عليه. "انظر: إرشاد الفحول ص 35، غاية الوصول ص 92، التمهيد ص 134، المحلي على جمع الجوامع 2/ 97". 4 ساقطة من ش. 5 انظر: مناقب الإمام أحمد ص 177، 179.

آخَرَ اقْتِدَاءً بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّسَرِّي، وَاخْتِفَائِهِ فِي الْغَارِ ثَلاثًا1. وَقَالَ: مَا بَلَغَنِي حَدِيثٌ إلاَّ عَمِلْت بِهِ2، حَتَّى أُعْطِي الْحَجَّامَ دِينَارًا3. وَوَرَدَ أَيْضًا4 عَنْ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ5 جَاءَ عَنْهُ6 أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: اسْقِنِي. فَشَرِبَ7 قَائِمًا. فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ قَائِمًا8.

_ 1 وذلك ثابت في حديث الهجرة الطويل الذي رواه البخاري وأحمد وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها، وفيه قالت: "ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب ثقف لقن". "انظر: صحيح البخاري 2/ 333، مسند أحمد 2/ 198". 2 ساقطة من ض ب. 3 روى البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجرته". وفي رواية "وأعطاه صاعين" وفي رواية "صاعاً". "انظر: صحيح البخاري 4/ 10، صحيح مسلم 3/ 1204، سنن أبي داود 2/ 239، سنن ابن ماجه 2/ 731، مسند أحمد 1/ 135، زاد المعاد 4/ 493 وما بعدها". 4 ساقطة من ض. 5 ساقطة من ش. 6 ساقطة من ض. 7 ساقطة من ز ض ب ع. 8 لما روى البخاري ومسلم وابن ماجه والترمذي والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنه، وما رواه البخاري وأبو داود وأحمد عن علي رضي الله عنه، وما رواه الترمذي وأحمد عن عمرو بن شعيب، وما رواه الدارمي عن ابن عمر وأم سليم رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب قائماً". "انظر: صحيح البخاري 1/ 283، 3/ 325، صحيح مسلم 3/ 1601، سنن أبي داود 2/ 302، تحفة الأحوذي 6/ 4، سنن النسائي 5/ 189، سنن ابن ماجه 2/ 1132، مسند أحمد 1/ 101، 134، 2/ 174، سنن الدارمي 2/ 120". وروى الإمام مالك أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم كانوا يشربون قياماً. "انظر: الموطأ 2/ 925-926".

وَمَنْشَأُ الْخِلافِ فِي ذَلِكَ تَعَارُضُ الأَصْلِ وَالظَّاهِرِ. فَإِنَّ الأَصْلَ عَدَمُ التَّشْرِيعِ، وَالظَّاهِرُ فِي أَفْعَالِهِ التَّشْرِيعُ؛ لأَنَّهُ مَبْعُوثٌ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ1. ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُ ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ رَجَّحَ فِعْلَ ذَلِكَ وَالاقْتِدَاءَ بِهِ وَالتَّأَسِّي قَالَ: لَيْسَ مِنْ الْجِبِلِّيِّ، بَلْ مِنْ الشَّرْعِ الَّذِي يُتَأَسَّى2 بِهِ فِيهِ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْجِبِلِّيَّ وَغَيْرَهُ: فَيَحْمِلُهُ عَلَى الْجِبِلِّيِّ. "وَبَيَانُهُ" أَيْ وَمَا بَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُكْمٍ "بِقَوْلٍ كَ" قَوْلِهِ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي 3، أَوْ" بَيَّنَهُ بِ "فِعْلٍ عِنْدَ حَاجَةٍ" إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ "كَقَطْعِ" يَدِ السَّارِقِ4 "مِنْ كُوعٍ5 وَ" إدْخَالِ "غَسْلِ مِرْفَقٍ" وَكَعْبَيْنِ فِي وُضُوءٍ6.

_ 1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 97، التمهيد ص 134، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 35، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 64. 2 في ش ز: نتأسى. 3 أخرجه البخاري في حديث طويل عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث. ورواه الإمام أحمد والدارمي. "انظر: صحيح البخاري 1/ 117، تخريج أحاديث البزدوي ص 19، مسند أحمد 5/ 53، سنن الدارمي 1/ 286". 4 في ب ز ع: لسارق. وفي ض: السارق. 5 أخرج الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بسارق فقطع يده من مفصل الكوع. وفي إسناده مجهول. وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل رجاء بن حيوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع من المفصل. وقال المحلي: قال المصنف أي "السبكي": روي بإسناد حسن أنه صلى الله عليه وسلم قطع سارقاً من المفصل. "انظر: سبل السلام 4/ 37-38، المحلي على جمع الججوامع 2/ 97". 6 أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلها، ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثاً ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيها نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه". ورواه أحمد وأبو داود عن ابن عباس عن علي رضي الله عنهما. "انظر: صحيح البخاري 1/ 42، صحيح مسلم 1/ 204، سنن أبي داود 1/ 24، سنن النسائي 1/ 61، 68، تحفة الأحوذي 1/ 164، مسند أحمد 1/ 58، نيل الأوطار 1/ 165، 179 وما بعدها".

"فَ" ذَلِكَ الْبَيَانُ "وَاجِبٌ عَلَيْهِ" صلى الله عليه وسلم لِوُجُوبِ التَّبْلِيغِ عَلَيْهِ1. "وَ" أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ، وَلا جِبِلِّيًّا، وَلا مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْجِبِلِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَلا بَيَانًا. فَقِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: مَا عُلِمَ حُكْمُهُ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "إنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ" أَيْ صِفَةَ حُكْمِهِ2 "مِنْ3 وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ". وَعِلْمُ صِفَةِ حُكْمِ ذَلِكَ الْفِعْلِ: "إمَّا بِنَصِّهِ" صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا الْفِعْلُ وَاجِبٌ عَلَيَّ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَوْ مُبَاحٌ4، أَوْ يَذْكُرُ خَاصَّةً مِنْ خَوَاصِّ أَحَدِ هَذِهِ5 الأَحْكَامِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. "أَوْ تَسْوِيَتِهِ" صلى الله عليه وسلم الْفِعْلَ الَّذِي مَا عَلِمْنَا صِفَةَ حُكْمِهِ

_ 1 انظر: المستصفى 2/ 214، الرسالة للإمام الشافعي ص 29، المنخول ص 225، فواتح الرحموت 2/ 180، المحلي على جمع الجوامع 2/ 97، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23، الإحكام لابن حزم 1/ 431، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 36. 2 في ض: حكم. 3 ساقطة من ض. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 173، نهاية السول 2/ 247، المسودة ص 190، المحلي على جمع الجوامع 2/ 98، غاية الوصول ص 92. 5 ساقطة من ض.

"بِمَعْلُومِهَا" أَيْ بِفِعْلٍ مَعْلُومٍ صِفَةُ حُكْمِهِ، بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا مِثْلُ كَذَا، أَوْ هَذَا مُسَاوٍ لِفِعْلِ كَذَا وَنَحْوِ ذَلِكَ1. "أَوْ" تُعْلَمَ صِفَةُ حُكْمِ الْفِعْلِ "بِقَرِينَةٍ تُبَيِّنُ" صِفَةَ "أَحَدِهَا2" أَيْ أَحَدِ الأَحْكَامِ الثَّلاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ3. فَمِنْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ: فِعْلُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ لِلصَّلاةِ، فَإِنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الأَذَانَ وَالإِقَامَةَ مِنْ أَمَارَاتِ الْوُجُوبِ، وَلِهَذَا لا يُطْلَبَانِ فِي صَلاةِ عِيدٍ وَلا كُسُوفٍ، وَلا اسْتِسْقَاءٍ. فَيَدُلاَّنِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلاةِ الَّتِي يُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقَامُ4.وَمِنْهَا: قَطْعُ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ، وَالْخِتَانُ5 فَإِنَّ الْجَرْحَ وَالإِبَانَةَ مَمْنُوعٌ مِنْهُمَا، فَجَوَازُهُمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا6. وَمِنْ قَرَائِنِ الْوُجُوبِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ قَضَاءً لِمَا عُلِمَ وُجُوبُهُ7.

_ 1 انظر: نهاية السول 2/ 247، المحلي على جمع الجوامع 2/ 98، غاية الوصول ص 92. 2 في ش ز: أحدهما. 3 انظر: نهاية السول 2/ 247، فواتح الرحموت 2/ 180، تيسير التحرير 3/ 120، المستصفى 2/ 214. 4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 98، نهاية السول 2/ 247، غاية الوصول ص 92. 5 ساقطة من ش. 6 ذكر الأسنوي في ذلك قاعدة، فقال: ما كان من الأفعال ممنوعاً لم يكن واجباً، فإن فَعَلَهُ الرسول عليه الصلاة والسلام فإنا نستدل بفعله على وجوبه. "التمهيد ص 33". وورد مثله في "جمع الجوامع 2/ 98". وانظر: غاية الوصول ص 92، نهاية السول 2/ 248. 7 انظر: نهاية السول 2/ 248.

وَأَمَّا النَّدْبُ1: فَكَقَصْدِ الْقُرْبَةِ مُجَرَّدًا2 عَنْ دَلِيلِ وُجُوبٍ وَقَرِينَةٍ3. وَأَمَّا الإِبَاحَةُ: فَكَالْفِعْلِ الَّذِي ظَهَرَ بِالْقَرِينَةِ أَنَّهُ4 لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْقُرْبَةُ5. "أَوْ" تُعْلَمُ صِفَةُ حُكْمِ الْفِعْلِ "بِوُقُوعِهِ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ6" كَقَطْعِ يَدِ7 السَّارِقِ مِنْ الْكُوعِ8. "أَوْ" تُعْلَمَ صِفَةُ حُكْمِ الْفِعْلِ بِوُقُوعِهِ "امْتِثَالاً لِنَصٍّ يَدُلُّ عَلَى حُكْمٍ" مِنْ إيجَابٍ أَوْ نَدْبٍ، فَيَكُونُ هَذَا الْفِعْلُ تَابِعًا لأَصْلِهِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ النَّصِّ مِنْ ذَلِكَ9. فَكُلُّ فِعْلٍ مِنْ ذَلِكَ عُلِمَتْ صِفَةُ حُكْمِهِ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم "فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ10".

_ 1 أي وأما معرفة الندب.... "انظر: نهاية السول 2/ 248، المحلي على جمع الجوامع 2/ 98". 2 في ض: مجرد. 3 في ب: وقرينته. 4 في ز: إن. 5 انظر: نهاية السول 2/ 248. 6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 174، 186، شرح تنقيح الفصول ص 288، كشف الأسرار 3/ 200، فواتح الرحموت 2/ 180، المعتمد 1/ 377، المسودة ص 186، 191، الإحكام لابن حزم 1/ 422، 431، تيسير التحرير 3/ 121، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، 23، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 97، 98، غاية الوصول ص 92، اللمع ص 37، نهاية السول 2/ 247. 7 ساقطة من ز ض ب ع. 8 انظر: المستصفى 2/ 214، الإحكام للآمدي 1/ 173، غاية الوصول ص 92. 9 انظر: نهاية السول 2/ 247، والمراجع السابقة في هامش 6. 10 هذا جواب الشرط الوارد في قوله ص 184: "إن علمت صفته من وجوب أو ندب أو إباحة"، وهذا رأي الجمهور. وفي المسألة ثلاثة أقوال أخرى، ولكل قول دليله. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 174، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، 23، المحلي على جمع الجوامع 2/ 98، نهاية السول 2/ 240، أصول السرخسي 2/ 87، تيسير التحرير 3/ 121، المسودة ص 187، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 36".

لَكِنْ إنْ أَتَى بِالْفِعْلِ بَيَانًا لِنَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ، فَقَدْ أَتَى بِوَاجِبٍ مِنْ جِهَةِ التَّشْرِيعِ، أَيْ تَبْيِينُ الْحُكْمِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ. فَيَكُونُ لِلْفِعْلِ حِينَئِذٍ جِهَتَانِ: جِهَةُ وُجُوبٍ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ التَّشْرِيعِ. وَ1جِهَةُ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِفِعْلِ الأُمَّةِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِهِ، وَلا بِجِبِلِّيٍّ2، وَلا مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْجِبِلِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَلا بِبَيَانٍ3: هُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَإِلاَّ أَيْ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ صِفَةُ حُكْمِ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ. فَهُوَ4 نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "فَإِنْ تَقَرَّبَ بِهِ" أَيْ قَصَدَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْبَةَ "فَ" هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ الإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ. وَقَالَ: هُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ5.

_ 1 في ع: أو. 2 في ب: جبلي. 3 في ع: بيان. 4 في ض: وهو. 5 قال بهذا الرأي المعتزلة وابن سريج وأبو سعيد الإصطخري وابن خيران وابن أبي هريرة من الشافعية، ومالك. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 288، الإحكام للآمدي 1/ 174، نهاية السول 2/ 241، كشف الأسرار 3/ 201، فواتح الرحموت 2/ 180، تيسير التحرير 3/ 122، المحلي على جمع الجوامع 2/ 99، الإحكام لابن حزم 1/ 422، اللمع ص 37، إرشاد الفحول ص 36، المسودة ص 187". وفي ع: الشافعي والظاهرية.

وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ. قَالَ الْمَجْدُ: "نَقَلَهَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ1 وَالأَثْرَمُ وَجَمَاعَةٌ بِأَلْفَاظٍ صَرِيحَةٍ2". وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ3. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ بِالْوَقْفِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِهِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالأَشْعَرِيَّةُ4. وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ.

_ 1 هو إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري، أبو يعقوب، خدم الإمام أحمد وهو ابن سبع سنين، وكان ذا دين وورع، ونقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة. توفي ببغداد سنة 275هـ. انظر ترجمته في "المنهج الأحمد 1/ 174، طبقات الحنابلة 1/ 108". 2 المسودة ص 187. 3 هذا القول حكاه الجويني في البرهان عن الشافعي، فقال: "وفي كلام الشافعي ما يدل عليه". وقال الرازي في "المحصول": "إن هذا القول نسب إلى الشافعي". وذكر الزركشي في "البحر" أنه حكاه عن القفال وأبي حامد المروزي، واقتصر عليه الشيخ زكريا الأنصاري. وقال الآمدي: وهو "اختيار إمام الحرمين وابن الحاجب". وهو رأي الرازي وابن حزم وجماعة من الحنابلة. "انظر: شرح تنقيح الفصور ص 288، الإحكام للآمدي 1/ 174، المحلي على جمع الجوامع 2/ 99، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23 وما بعدها، المسودة ص 187، 188، الإحكام لابن حزم 1/ 422، 429، تيسير التحرير 3/ 123، فواتح الرحموت 2/ 182، أصول السرخسي 2/ 87، نهاية السول 2/ 241، إرشاد الفحول ص 37، اللمع ص 37، غاية الوصول ص 92". 4 وحكى الرازي وابن السمعاني والآمدي وابن الحاجب قولاً رابعاً أنه للإباحة حملاً على أقل الأحوال، وهو رأي الكرخي من الحنفية، واختاره السرخسي والجصاص. وقال ابن عبد الشكور: "وهو الصحيح عند أكثر الحنفية". "انظر: أصول السرخسي 2/ 87، كشف الأسرار 3/ 201، 203، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/ 181، 183، تيسير التحرير 3/ 122، التوضيح على التنقيح 2/ 15 طبع الميمنية، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 25، المحلي على جمع الجوامع 2/ 99، الإحكام للآمدي 1/ 174، إرشاد الفحول ص 37".

وَحُكِيَ عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَقِّقِينَ1. وَ 2 النَّوْعُ الثَّانِي: هُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِلاّ"َ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَقَرَّبْ بِالْفِعْلِ الَّذِي لَمْ تُعْلَمْ صِفَةُ حُكْمِهِ "ف" هُوَ "مُبَاحٌ" عِنْدَ الأَكْثَرِ3. قَالَ الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ": "فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُفِيدُ الإِبَاحَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ4" فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: وَاجِبٌ، وَاخْتَارَهُ5 جَمَاعَةٌ6. وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ، وَ7اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ أَيْضًا8.

_ 1 قال الرازي: وهو قول الصيرفي وأكثر المعتزلة، وهو المختار، وحكاه الشيخ أبو إسحاق عن أكثر أصحاب الشافعي، وأكثر المتكلمين ورجحه، وحكاه عن الدقاق، واختاره القاضي أبو الطيب الطبري، ونسبه ابن عبد الشكور للكرخي. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 174، نهاية السول 2/ 241، المحلي على جمع الجوامع 2/ 99، شرح تنقيح الفصول ص 288 وما بعدها، أصول السرخسي 2/ 87، فواتح الرحموت 2/ 181، 183، تيسير التحرير 3/ 123، كشف الأسرار 3/ 201، المسودة ص 188، الإحكام لابن حزم 1/ 423، اللمع ص 37، إرشاد الفحول ص 37- 38". 2 ساقطة من ع. 3 انظر: كشف الأسرار 3/ 201، تيسير التحرير 3/ 123، المعتمد 1/ 377، المسودة ص 187، 191، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23، 25، جمع الجوامع 2/ 99، الإحكام للآمدي 1/ 174، نهاية السول 2/ 241، 243، شرح تنقيح الفصول ص 288، إرشاد الفحول ص 38، اللمع ص 37. 4 المسودة ص 187. 5 في ش ب ز: اختاره. 6 انظر: المسودة ص 189، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 25، المعتمد 1/ 377، نهاية السول 2/ 241، 244، الإحكام للآمدي 1/ 174، غاية الوصول ص 92. 7 ساقطة من ش ب ز. 8 وهناك قول رابع بالوقف. انظر هذه الأقوال مع بيان أصحابها وذكر أدلتها في: "المستصفى 2/ 214، المحلي على جمع الجوامع 2/ 99، الإحكام للآمدي 1/ 174، 178، نهاية السول 2/ 241، 244، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 24، 25، المعتمد 1/ 377، المسودة ص 189، 193، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 38".

وَاسْتُدِلَّ1 لِلْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ2 بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّبِعُوهُ} 3 وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} 4. وَالْفِعْلُ أَمْرٌ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} 5 وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 6 أَيْ تَأَسَّوْا بِهِ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} 7 وَمَحَبَّتُهُ وَاجِبَةٌ. فَيَجِبُ لازِمُهَا، وَهُوَ اتِّبَاعُهُ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} 8. فَلَوْلا الْوُجُوبُ لَمَا رَفَعَ تَزْوِيجُهُ الْحَرَجَ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ9.

_ 1 في ب: واستدلوا. 2 انظر هذه الأدلة مع مناقشة المخالفين لها في "نهاية السول 2/ 244، البناني على جمع الجوامع 2/ 99، الرسالة ص 79 وما بعدها، المنخول ص 229، الإحكام للآمدي 1/ 175، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 423 وما بعدها، أصول السرخسي 1/ 88 وما بعدها، وتيسير التحرير 3/ 122، كشف الأسرار 3/ 202، فواتح الرحموت 2/ 180، 181 وما بعدها، المعتمد 1/ 378 وما بعدها، 381 وما بعدها، المسودة ص 187 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 36". 3 الآية 158 من الأعراف. وفي ز ض ب ع: فاتبعوه. وأول الآية: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّيْ رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيْعًا الَّذِيْ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ... فَآمِنُوْا بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِيْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَِّبعُوْهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُوْنَ} . واستدل الآمدي بالآية 155 من الأنعام الموافقة لنسخة ز ض ب، وهي {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوْهُ وَاتَّقُوْا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْنَ} . 4 الآية 63 من النور. 5 الآية 7 من الحشر. وفي ض: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُوْلُ فَخُذُوْهُ وَمَا نَهَاكُمْ} . 6 الآية 21 من الأحزاب. 7 الآية 31 من آل عمران. وفي ض تتمة الآية { ... يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} . 8 الآية 37 من الأحزاب. وفي ض تتمة الآية { ... فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} . 9 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 186، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23، كشف الأسرار 3/ 203.

وَلَمَّا خَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعْلَهُ فِي الصَّلاةِ خَلَعُوا نِعَالَهُمْ1. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ2، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. وَرُوِيَ مُرْسَلاً3. وَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِالتَّحَلُّلِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ: تَمَسَّكُوا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ4، وَسَأَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ عَنْ الْغُسْلِ بِلا إنْزَالٍ. فَأَجَابَ بِفِعْلِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ5

_ 1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 180 وما بعدها، كشف الأسرار 3/ 203، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23، الإحكام للآمدي 1/ 176، المستصفى 219. 2 ساقطة من ض. 3 هذا طرف من حديث رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وأحمد عن أبي سعيد مرفوعاً، وتكملته: "فلما انصرف قال لهم: "لم خلعتم"؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: "إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً، فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما، فإن رأى خبثاً فليمسحه بالأرض ثم ليصلّ فيهما". "انظر: سنن أبي داود 1/ 151، المستدرك 1/ 260، مسند أحمد 3/ 20، نيل الأوطار 2/ 135، تخريج أحاديث البزدوي ص 20". 4 رواه البخاري من حديث طويل جداً في كتاب الشروط، وفيه: "فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "قوموا ثم احلقوا"، قال الصحابي: مِسْوَر بن مخْرمة "راوي الحديث": فوالله، ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتجب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بَدَنَك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك ... فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم أن يقتل بعضاً غمًّا". "صحيح البخاري 2/ "122، وهذا هو محل الاستشهاد. "وانظر: سنن أبي داود 2/ 78، نيل الأوطار 5/ 105، الإحكام لابن حزم 1/ 423". 5 روى مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها قالت: "إن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يُكْسِل، هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأفعل ذلك، أنا وهذه، ثم نغتسل". "صحيح مسلم 1/ 272". انظر: الموطأ 1/ 46، الإحكام للآمدي 1/ 177، نهاية السول 2/ 244، فواتح الرحموت 2/ 182، تيسير التحرير 3/ 125، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23.

وَلأَنَّ فِعْلَهُ كَقَوْلِهِ فِي بَيَانٍ مُجْمَلٍ وَتَخْصِيصٍ وَتَقْيِيدٍ، وَلأَنَّ فِي مُخَالَفَتِهِ تَنْفِيرًا وَتَرْكًا لِلْحَقِّ، لأَنَّ فِعْلَهُ حَقٌّ1. "وَلَمْ يَفْعَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" الْفِعْلَ "الْمَكْرُوهَ لِيُبَيِّنَ بِهِ الْجَوَازَ" لأَنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ التَّأَسِّي "بَلْ فِعْلُهُ يَنْفِي الْكَرَاهَةَ2" قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ3. وَمُرَادُهُمْ "حَيْثُ لا مُعَارِضَ لَه"ُ وَإِلاَّ فَقَدْ يَفْعَلُ غَالِبًا شَيْئًا، ثُمَّ يَفْعَلُ خِلافَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ4. وَهُوَ كَثِيرٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ، كَقَوْلِهِمْ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مَعَ الْجَنَابَةِ لِنَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ5 أَوْ مُعَاوَدَةِ وَطْءٍ6، تَرَكَهُ لِبَيَانِ

_ 1 روى الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن الله بعث نبينا محمداً، ولا نعلم شيئاً، فإنما نفعل كما رأينا محمداً يفعل". "المستدرك 1/ 258". وانظر مزيداً من الأدلة من جهة السنة في "الإحكام للآمدي 1/ 176 وما بعدها، كشف الأسرار 3/ 203". 2 كما أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفي الحرمة بالأولى، وهو ما صرح به ابن السبكي في "جمع الجوامع 2/ 96". وصرح المحلي بأن "خلاف الأولى مثل المكروه أو مندرج فيه". "المحلي على جمع الجوامع 2/ 97". 3 انظر: المسودة ص 189، شرح تنقيح الفصول ص 292، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 96، فواتح الرحموت 2/ 181، غاية الوصول ص 92. 4 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 433، غاية الوصول ص 92. 5 روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب، وفي رواية عنها: "ربما اغتسل في أول الليل وربما اغتسل في آخره". رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي وأحمد. وروى أبو داود وابن ماجه أيضاً عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه". "انظر: سنن أبي داود 1/ 50، 51، سنن ابن ماجه 1/ 192، 195، سنن النسائي 1/ 164، شرح السنة للبغوي 2/ 35، مسند أحمد 6/ 138". 6 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والبغوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغُسْل واحد" وفي رواية البخاري: "الساعة الواحدة من الليل والنهار". "انظر: صحيح البخاري 1/ 59، صحيح مسلم 1/ 249، سنن أبي داود 2/ 49، تحفة الأحوذي 1/ 431، سنن النسائي 1/ 172، سنن ابن ماجه 1/ 194، سنن الدارمي 1/ 192، شرح السنة للبغوي 2/ 35، فتح الباري 9/ 254".

الْجَوَازِ1، وَفَعَلَهُ غَالِبًا لِلْفَضِيلَةِ2. "وَتَشْبِيكُهُ" بَيْنَ أَصَابِعِهِ "بَعْدَ سَهْوِهِ" فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ3 فِي الْمَسْجِدِ4 "لا يَنْفِيهَا" أَيْ لا يَنْفِي الْكَرَاهَةَ "لأَنَّهُ نَادِرٌ5".

_ 1 قال البغوي: "فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك أحياناً ليدل على الرخصة، وكان يتوضأ في أغلب أحواله ليدل على الفضيلة". "شرح السنة 2/ 36". 2 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 433 وما بعدها. 3 هو الصحابي الخِرباق بن عمرو، من بني سليم. وقيل له ذو اليدين لأنه كان في يديه طول. وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين، وكان في يديه طول. وفي رواية أنه بسيط اليدين، وهو الذي قال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ حين سلّم في ركعتين، وقد عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زماناً، وروى عنه التابعون، وليس هو ذا الشمالين الذي قتل في بدر. "انظر: الإصابة 1/ 489، الاستيعاب 1/ 491، تهذيب الأسماء 1/ 185، نيل الأوطار 3/ 122". 4 في حديث ذي اليدين حديث طويل رواه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة. قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: "لهذا الحديث طرق كثيرة وألفاظ، وقد جمع طرق الكلام عليه في مصنف مفرد الشيخ صلاح الدين العلائي". وفي الباب عن ابن عمر عند أبي داود وابن ماجه والبيهقي والبزار والطبراني، وعن معاوية بن خديج عند أبي داود والنسائي. "انظر: صحيح البخاري 1/ 212، صحيح مسلم 1/ 403، سنن أبي داود 1/ 231، سنن النسائي 3/ 17، سنن ابن ماجه 1/ 283، نيل الأوطار 3/ 122، التلخيص الحبير 4/ 110 على هامش المجموع، مسند أحمد 4/ 77". 5 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 96.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ1، قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ مِنْ التَّثْلِيثِ لِبَيَانِ التَّشْرِيعِ2. "وَإِذَا سَكَتَ" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عَنْ إنْكَارِ" فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ، فُعِلَ3 أَوْ قِيلَ "بِحَضْرَتِهِ أَوْ" فِي "زَمَنِهِ مِنْ غَيْرِ كَافِرٍ" وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عَالِمًا بِهِ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ" حَتَّى لِغَيْرِ الْفَاعِلِ أَوِ4 الْقَائِلِ فِي الأَصَحِّ5. "وَإِنْ" كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ أَوْ الْقَوْلُ الْوَاقِعُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ زَمَنِهِ مِنْ غَيْرِ كَافِرٍ قَدْ سَبَقَ تَحْرِيمُهُ فَ سُكُوتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إنْكَارِهِ "نَسْخٌ" لِذَلِكَ التَّحْرِيمِ السَّابِقِ6، لِئَلاَّ يَكُونَ سُكُوتُهُ مُحَرَّمًا، وَلأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ

_ 1 روى الدارمي عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وجمع بين المضمضة والاستنشاق". "سنن الدارمي 1/ 177". قال النووي عنه: بإسناد صحيح. "المجموع 1/ 360". وروى ابن ماجه عن أبي بن كعب "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ثم قال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به". ثم توضأ مرتين مرتين وقال: "من توضأ مرتين آتاه الله أجره مرتين". ثم توضأ ثلاثاً وقال: "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي، ووضوئي خليلي إبراهيم صلى الله عليه وسلم". "سنن ابن ماجه 1/ 145". ورواه البيهقي عن ابن عمر. "السنن الكبرى 1/ 80". قال النووي: إسنادهما ضعيف. "المجموع 1/ 430". 2 انظر: المجموع 1/ 435 بالمعنى. 3 ساقطة من ش. 4 في ض ب ع: و. 5 وهو قول الجويني. ونقله المازري عن الجمهور. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: إنه خاص بالفاعل أو القائل، ولا يعم غيره. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 290، الإحكام للآمدي 1/ 188، المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/ 95-96، المنخول ص 229، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 25، الإحكام لابن حزم 1/ 436، فواتح الرحموت 2/ 183، تيسير التحرير 3/ 128، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 41، اللمع ص 38". 6 ساقطة من ض.

الْحَاجَةِ لإِيهَامِ الْجَوَازِ وَالنَّسْخِ، وَلا سِيَّمَا إنْ اسْتَبْشَرَ بِهِ1. وَلِذَلِكَ احْتَجَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالإِمَامُ2 الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ بِالْقَافَةِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا "أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ3، رَأَى أَقْدَامَ4 زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ5 وَابْنِهِ أُسَامَةَ6،7وَهُمَا مُتَدَثِّرَانِ. فَقَالَ7: إنَّ هَذِهِ

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 188، المنخول ص 228، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 25، تيسير التحرير 3/ 128، فواتح الرحموت 2/ 183، إرشاد الفحول ص 41. 2 ساقطة من ش ز. 3 هو الصحابي مُجَزَّز، وقيل مُجَزِّز، لأنه كان يجز نواصي الأسارى من العرب، ابن الأعور بن جَعْدة الكناني المدلجي، ذكر فيمن فتح مصر. وشهد الفتوح بعد النبي صلى الله عليه وسلم. واعتبر قوله في حكم شرعي في إثبات النسب بالقافة، وحديثه في الصحيح مشهور. انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 365، الاستيعاب 3/ 530، تهذيب الأسماء 2/ 83". 4 ساقطة من ز ض ب ع. 5 هو الصحابي زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي نسباً، القرشي الهاشمي بالولاء، الحجازي، أبو أسامة، حبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهر مواليه. وقع في السبي فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد، فوهبته للنبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، فأعتقه وتبنّاه حتى نزل تحريم التبني، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين جعفر بن أبي طالب، وهو من السابقين للإسلام، وهاجر إلى المدينة وشهد بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخيبر. وعينه الرسول صلى الله عليه وسلم أميراً على غزوة مؤتة فاستشهد سنة ثمان من الهجرة، وله مناقب كثيرة. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 564، الاستيعاب 1/ 544، تهذيب الأسماء 1/ 202، الخلاصة ص 127". 6 هو الصحابي أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل، أبو محمد. ويقال: أبو زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، أمه أم أيمن حاضنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. أمّره الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش عظيم، وكان عمره ثماني عشرة سنة أو عشرين. واعتزل الفتن بعد قتل عثمان، وسكن المزة بدمشق، ثم مكة، ثم المدينة، ومات بها في خلافة معاوية سنة 54هـ. روي عنه أحاديث كثيرة، وله مناقب عديدة. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 31، الاستيعاب 1/ 57، تهذيب الأسماء 1/ 113، الخلاصة ص 26". 7 ساقطة من ز. وفي ض ب ع: فقال.

الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَسُرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَأَعْجَبَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1. وَقَيَّدَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْمَسْأَلَةَ بِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَيْهِ2. وَلا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ؛ لأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ وُجُوبَ إنْكَارِهِ الْمُنْكَرَ لا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ3. "فَائِدَةٌ": "التَّأَسِّي" بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فِعْلُك" أَيْ أَنْ تَفْعَلَ "كَمَا فَعَلَ" لأَجْلِ أَنَّهُ فَعَلَ4. وَأَمَّا التَّأَسِّي فِي التَّرْكِ: فَهُوَ أَنْ تَتْرُكَ مَا تَرَكَهُ، لأَجْلِ أَنَّهُ تَرَكَهُ5. "وَ" أَمَّا التَّأَسِّي "فِي الْقَوْلِ فَـ" هُوَ "امْتِثَالُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ6"،

_ 1 هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والبيهقي عن عائشة. "انظر: صحيح البخاري 4/ 170، صحيح مسلم 2/ 1082، النووي على مسلم 10/ 40، سنن أبي داود 1/ 526، سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 6/ 327، سنن النسائي 6/ 151، سنن ابن ماجه 2/ 787، السنن الكبرى 10/ 262، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 112، سبل السلام 4/ 137، مسند أحمد 6/ 82، 226". 2 مختصر ابن الحاجب وحاشية التفتازاني عليه 2/ 25، وانظر: الإحكام للآمدي 1/ 189. 3 وذلك لإخبار الله تعالى بعصمته في قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} . المائدة/ 67. "وانظر: إرشاد الفحول ص 41، الإحكام للآمدي 1/ 189". 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 172، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23، الإحكام لابن حزم 1/ 426، المعتمد 1/ 372، كشف الأسرار 3/ 202، تيسير التحرير 3/ 123، المصباح المنير 1/ 27. 5 انظر: المعتمد 1/ 372، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23. 6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 290, الإحكام للآمدي 1/ 172، نهاية السول 2/ 245، المسودة ص 186، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 23، المعتمد 2/ 1004، 1/ 374.

"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي الْكُلِّ "ف" هُوَ "مُوَافَقَةٌ لا مُتَابَعَةٌ" لأَنَّ الْمُوَافَقَةَ الْمُشَارَكَةُ فِي الأَمْرِ1، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لأَجْلِهِ2. فَالْمُوَافَقَةُ أَعَمُّ مِنْ التَّأَسِّي؛ لأَنَّ الْمُوَافَقَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ تَأَسٍّ3، ثُمَّ التَّأَسِّي وَالْوُجُوبُ بِالسَّمْعِ لا بِالْعَقْلِ. خِلافًا لِبَعْضِ الأُصُولِيِّينَ4.

_ 1 انظر: المعتمد 2/ 374. 2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 172. 3 ذهب الرازي وغيره إلى أن التأسي والمتابعة معناهما واحد. "انظر: نهاية السول 2/ 245 4 انظر: المسودة ص 186، 189.

فصل: لا تعارض بين أفعال النبي صلى الله عليه وسلم

فصل: لا تعارض بين أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ... فَصْلٌ: "لا تَعَارُضَ 1 بَيْنَ فِعْلَيْه"ِ أَيْ: فِعْلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ تَمَاثَلا، كَمَا لَوْ فَعَلَ صَلاةً، ثُمَّ فَعَلَهَا مَرَّةً أُخْرَى فِي وَقْتٍ آخَرَ2 "وَ" كَذَا "لَوْ اخْتَلَفَا" وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا. كَفِعْلِ صَوْمٍ وَفِعْلِ صَلاةٍ "أَوْ لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُمَا، لَكِنْ لا يَتَنَاقَضُ حُكْمَاهُمَا" لإِمْكَانِ الْجَمْعِ. وَحَيْثُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ امْتَنَعَ التَّعَارُضُ3. "وَكَذَا إنْ تَنَاقَضَ" الْحُكْمُ "كَصَوْمِ" رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي "وَقْتٍ" بِعَيْنِهِ "وَفِطْرٍ" هـ فِي "مِثْلِه"ِ فَإِنَّهُمَا لا يَتَعَارَضَانِ أَيْضًا، لإِمْكَانِ كَوْنِهِ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ وَفِي الْوَقْتِ الآخَرِ بِخِلافِهِ4. "لَكِنْ إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَكَرُّرِ" فِعْلِهِ5 "الأَوَّلِ لَهُ" أَيْ عَلَى وُجُوبِ

_ 1 قال الإسنوي: "التعارض بين الأمرين هو تقابلهما على وجه يمنع كل واحد منهما مقتضى صاحبه". "نهاية السول 2/ 251". وانظر: "البناني على جمع الجوامع 2/ 99، تيسير التحرير 3/ 136، المصباح المنير 2/ 516". 2 لأن الفعل لا عموم له فلا يشمل جميع الأوقات المستقبلة، ولا يدل على التكرار، وهو قول جمهور الأصوليين. "انظر: نهاية السول 2/ 251، شرح تنقيح الفصول ص 294، المعتمد 1/ 388، إرشاد الفحول ص 38". 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 190، شرح تنقيح الفصول ص 294، نهاية السول 2/ 251، المعتمد 1/ 289، تيسير التحرير 3/ 147، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 26. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 190، المنخول ص 227. 5 في ض: فعل.

تَكَرُّرِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ "أَوْ" دَلَّ دَلِيلٌ "لأُمَّتِه"ِ عَلَى وُجُوبِ التَّأَسِّي بِهِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي1 مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ "فَتَلَبَّسَ بِضِدِّهِ" أَيْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهُوَ الْفِطْرُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوْمِ، دَلَّ أَكْلُهُ2 عَلَى نَسْخِ دَلِيلِ تَكْرَارِ الصَّوْمِ فِي حَقِّهِ، لا نَسْخِ حُكْمِ الصَّوْمِ السَّابِقِ، لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ التَّكْرَارَ. وَرَفْعُ حُكْمٍ وُجِدَ مُحَالٌ3 أَوْ "أَقَرَّ آكِلاً فِي مِثْلِهِ" أَيْ فِي4 مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ: "فَنَسْخٌ"، لِدَلِيلِ تَعْمِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الأُمَّةِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الشَّخْصِ، أَوْ تَخْصِيصِهِ5. وَقَدْ يُطْلَقُ النَّسْخُ وَالتَّخْصِيصُ عَلَى الْمَعْنَى، بِمَعْنَى زَوَالِ التَّعَبُّدِ مَجَازًا6. وَقِيلَ فِي فِعْلَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخْتَلِفَيْنِ: إنَّهُ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ. فَالثَّانِي7 نَاسِخٌ، 8وَلا تَعَارُضَ9 وَإِلاَّ تَعَارَضَا، وَعُدِلَ إلَى الْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ9. وَحَيْثُ انْتَهَى الْقَوْلُ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ فِعْلاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْنَشْرَعْ الآنَ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ فِعْلُهُ وَقَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقْتَضِي خِلافَ مَا يَقْتَضِيهِ الآخَرُ.

_ 1 ساقطة من ب. 2 في ع: كله. 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 190، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 26. 4 ساقطة من ش ب ز ع. 5 يقول الآمدي: "فإن ذلك يدل على نسخ حكم ذلك الدليل ... أو تخصيصه". الإحكام للآمدي 1/ 190. وانظر: التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 26، شرح تنقيح الفصول ص 294. 6 انظر: الإحكام للآمدي. المرجع السابق، التفتازاني على ابن الحاجب، المرجع السابق. 7 في ش: النافي. وفي ز: فالتالي. 8 ساقطة من ش ب ز ع. 9 وقيل يثبت التخيير. "انظر: إرشاد الفحول ص 38".

وَتَنْحَصِرُ مَسَائِلُ ذَلِكَ فِي اثْنَتَيْنِ1 وَسَبْعِينَ مَسْأَلَةً. وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لا يَخْلُو إمَّا أَنْ لا يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّكْرَارِ وَالتَّأَسِّي، أَوْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ يَدُلَّ عَلَى الأَوَّلِ، وَهُوَ التَّكْرَارُ، دُونَ الثَّانِي وَهُوَ التَّأَسِّي، أَوْ يَدُلَّ عَلَى الثَّانِي وَحْدَهُ، وَهُوَ التَّأَسِّي دُونَ الأَوَّلِ، وَهُوَ التَّكْرَارُ. فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، كُلٌّ مِنْ الأَرْبَعَةِ يَتَنَوَّعُ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَوْعًا، فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ اثْنَتَيْنِ2 وَسَبْعِينَ مَسْأَلَةً3؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الأَقْسَامِ الأَرْبَعَةِ لا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ، أَوْ خَاصًّا بِنَا، أَوْ عَامًّا لَهُ وَلَنَا. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ ذَلِكَ لا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْفِعْلِ، وَمُتَأَخِّرًا عَنْهُ، أَوْ مَجْهُولَ التَّارِيخِ. فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَنْوَاعٍ حَصَلَتْ مِنْ ضَرْبِ ثَلاثَةٍ فِي ثَلاثَةٍ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْهَا لا يَخْلُو4 إمَّا أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّهِ، أَوْ فِي حَقِّنَا. فَهَذِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَوْعًا مَضْرُوبَةٌ فِي الأَرْبَعَةِ الأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ. فَتَصِيرُ اثْنَتَيْنِ5 وَسَبْعِينَ مَسْأَلَةً تُؤْخَذُ مِنْ مَنْطُوقِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ وَمَفْهُومِهِمَا6. "وَحَيْثُ" عَلِمْتَ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ "لا" تَعَارُضَ "فِي فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ، حَيْثُ لا دَلِيلَ عَلَى تَكَرُّرٍ" فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَلا تَأَسٍّ بِه"ِ. وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الأَوَّلُ "وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ" أَيْ "وَ"الْحَالُ أَنَّ الْقَوْلَ خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَالُ أَيْضًا

_ 1 في جميع النسخ: اثنين. وهي خطأ. 2 في جميع النسخ: اثنين. وهي خطأ. 3 ساقطة من ض ب. 4 في ض: لا يكون. 5 في جميع النسخ: اثنين. وهي خطأ. 6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، نهاية السول 2/ 249، شرح تنقيح الفصول ص 292 وما بعدها، جمع الجوامع 2/ 99، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 26، تيسير التحرير 3/ 148، المعتمد 1/ 389 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 39.

أَنَّ الْقَوْلَ "تَأَخَّرَ" عَنْ الْفِعْلِ1. مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا فِي وَقْتٍ، ثُمَّ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ: لا يَجُوزُ لِي مِثْلُ هَذَا الْفِعْلِ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ2. وَوَجْهُ عَدَمِ التَّعَارُضِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ أُمَّتِهِ جَمِيعًا: كَوْنُ الْجَمْعِ3 مُمْكِنًا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى التَّكْرَارِ، وَلَمْ يَكُنْ رَافِعًا لِحُكْمٍ فِي الْمَاضِي وَلا فِي الْمُسْتَقْبَلِ4. أَمَّا عَدَمُ التَّعَارُضِ فِي حَقِّهِ: فَلأَنَّ الْقَوْلَ لَمْ يَتَنَاوَلْ الزَّمَانَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْفِعْلُ، وَالْفِعْلُ أَيْضًا: لَمْ يَتَنَاوَلْ الزَّمَانَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْقَوْلُ. فَلا يَكُونُ أَحَدُهُمَا رَافِعًا لِحُكْمِ الآخَرِ. وَأَمَّا عَدَمُ التَّعَارُضِ فِي حَقِّ الأُمَّةِ: فَظَاهِرٌ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ تَعَلُّقٌ بِالأُمَّةِ. "لَكِنْ إنْ تَقَدَّمَ" الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ. كَمَا لَوْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَجِبُ عَلَيَّ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا5. وَتَلَبَّسَ6 بِضِدِّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ "فَالْفِعْلُ" الَّذِي تَلَبَّسَ بِهِ "نَاسِخٌ" لِحُكْمِ قَوْلِهِ السَّابِقِ لِجَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ عَلَى الصَّحِيحِ7.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي المرجع السابق، نهاية السول 2/ 252، المعتمد 1/ 390، الإحكام لابن حزم 1/ 435، تيسير التحرير 3/ 148، حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27. 2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، نهاية السول 2/ 253، حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، إرشاد الفحول ص 39. 3 في ض: الجميع. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، المعتمد 1/ 391. 5 في ش: الوقت. 6 في ز ض ب ع: ويتلبس. 7 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، نهاية السول 2/ 252، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، المعتمد 1/ 390، شرح تنقيح الفصول ص 293، الإحكام لابن حزم 1/ 431 تيسير التحرير 3/ 148، إرشاد الفحول ص 39.

وَذَكَرَ الأَصْفَهَانِيُّ فِي "شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ": أَنَّهُ إنْ كَانَ الْفِعْلُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ مُقْتَضَى الْقَوْلِ لَمْ يَكُنْ نَاسِخًا لِلْقَوْلِ، إلاَّ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَكْرَارِ1 مُقْتَضَى الْقَوْلِ. فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْفِعْلُ نَاسِخًا لِتَكَرُّرِ مُقْتَضَى الْقَوْلِ. وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ2، وَلا ابْنُ مُفْلِحٍ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَتَابَعْتُهُمَا. "وَإِنْ جُهِلَ" هَلْ تَقَدَّمَ الْفِعْلُ عَلَى الْقَوْلِ، أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ "وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ" دُونَ الْفِعْلِ؛ لأَنَّ الْقَوْلَ أَقْوَى دَلالَةً مِنْ الْفِعْلِ لِوَضْعِهِ لَهَا، وَلِعَدَمِ الاخْتِلافِ فِي كَوْنِهِ دَالاًّ، وَلِدَلالَتِهِ3 عَلَى الْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ بِلا وَاسِطَةٍ، وَلأَنَّ الْقَوْلَ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْقُولِ وَالْمَحْسُوسِ. فَيَكُونُ أَعَمَّ فَائِدَةً4 "وَلا" تَعَارُضَ فِي فِعْلِهِ وَقَوْلِه: حَيْثُ لا دَلِيلَ عَلَى تَكْرَارِ5 وَتَأَسٍّ6 "إنْ اخْتَصَّ الْقَوْلُ بِنَا مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ، أَوْ تَقَدَّمَ الْفِعْلُ عَلَى الْقَوْلِ، أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْقَوْلِ لَهُ7،

_ 1 في ش ز: تكرر. 2 مختصر ابن الحاجب 2/ 26، وقال التفتازاني: "فالمصنف لم يتعرض له، لأنه يذكر في نظيره من القسم الرابع ما يعلم به حكمه". "حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27". 3 في ض: والدلالة. 4 انظر: نهاية السول 2/ 254، المعتمد 1/ 390، الإحكام لابن حزم 1/ 434، تيسير التحرير 3/ 148. 5 في ز ش: تكرر. 6 في ض ب ع: ولا تأس. 7 ساقطة من ب. وانظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، نهاية السول 2/ 253، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، إرشاد الفحول ص 40.

"أَوْ عَمَّ" الْقَوْلُ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ وَلا بِنَا "وَ" الْحَالُ أَنَّهُ قَدْ "تَقَدَّمَ الْفِعْلُ1". أَمَّا كَوْنُهُ لا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِعَدَمِ2 وُجُوبِ تَكَرُّرِ الْفِعْلِ3. وَأَمَّا كَوْنُهُ لا مُعَارَضَةَ فِي حَقِّ الأُمَّةِ: فَلأَنَّ الْقَوْلَ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخٌ لِلْفِعْلِ قَبْلَ وُقُوعِ التَّأَسِّي بِهِ4، وَبَعْدَ وُقُوعِ التَّأَسِّي يَكُونُ نَاسِخًا لِلتَّكْرَارِ فِي حَقِّهِمْ إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّكْرَارِ فِي حَقِّهِمْ. قَالَهُ الأَصْفَهَانِيُّ. "وَلا" تَعَارُضَ "فِي حَقِّنَا إنْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ" وَيَكُونُ الْفِعْلُ نَاسِخًا فِي حَقِّهِ لِلْقَوْلِ السَّابِقِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الإِتْيَانِ بِمُقْتَضَى الْقَوْلِ5 "وَهُو"َ أَيْ وَ6حُكْمُ ذَلِكَ "ك" قَوْلٍ "خَاصٍّ بِهِ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْعَامُّ" أَيْ الْعُمُومُ "ظَاهِرًا فِيهِ" أَيْ فِي الْقَوْلِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْعُمُومُ يَتَنَاوَلُهُ7 الْقَوْلُ ظَاهِرًا "فَالْفِعْلُ" الْمُتَأَخِّرُ "تَخْصِيصٌ" لِعُمُومِ الْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ8. وَأَمَّا فِي حَقِّ الأُمَّةِ: فَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ9 مَخْصُوصًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَنَسْخٌ، وَإِلاَّ فَتَخْصِيصٌ10.

_ 1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 293، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، نهاية السول 2/ 252، الإحكام للآمدي 1/ 191، إرشاد الفحول ص 40. 2 في ب ز ض ع: لعدم. 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27. 4 ساقطة من ض. 5 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، نهاية السول 2/ 252، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27. 6 ساقطة من ض. 7 في ش ب ز: يتناول. 8 انظر: التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، المحلي على جمع الجوامع 2/ 101. 9 في ع: وجوب. 10 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 293، نهاية السول 2/ 252، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، المحلي على جمع الجوامع 2/ 101، المعتمد 1/ 390، غاية الوصول ص 93.

"وَلا" تَعَارُضَ "فِينَا" أَيْ فِي حَقِّنَا "مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ الْفِعْلَ، أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ "مَعَ دَلِيلٍ دَلَّ1 عَلَيْهِمَا" أَيْ عَلَى التَّكْرَارِ وَالتَّأَسِّي، لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْفِعْلِ لَنَا2 "وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ" أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْقَوْلَ خَاصٌّ بِهِ. وَفِيهِ أَيْ وَفِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْمُتَأَخِّرُ" مِنْ الْقَوْلِ أَوْ3 الْفِعْلِ "نَاسِخٌ" لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ4. "وَمَعَ جَهْلٍ" بِالتَّارِيخِ "يُعْمَلُ بِالْقَوْلِ" وَقِيلَ بِالْفِعْلِ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ5. "وَلا" تَعَارُضَ "فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَعَه"ُ أَيْ مَعَ الدَّلِيلِ "عَلَيْهِمَا" أَيْ عَلَى التَّكْرَارِ وَالتَّأَسِّي وَالْقَوْلُ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْقَوْلَ مُخْتَصٌّ "بِنَا" تَقَدَّمَ الْقَوْلُ أَوْ تَأَخَّرَ، لِعَدَمِ تَوَارُدِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ6.

_ 1 ساقطة من ز ض ع. 2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 192، نهاية السول 2/ 252، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، المحلي على جمع الجوامع 2/ 100. 3 في ش: و. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 192، نهاية السول 2/ 252، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، المحلي على جمع الجوامع 2/ 99، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 40. 5 هذه الصورة مختصرة وفيها إبهام، وقد وضحها الآمدي فقال: "وأما إن جهل التاريخ فلا معارضة بين فعله وقوله بالنسبة إلى الأمة، لعدم تناول قوله لهم، وأما بالنسبة له فقد اختلف فيه ... ثم قال: والمختار إنما هو العمل بالقول لوجوه أربعة...." "الإحكام للآمدي 1/ 192". وقال الكمال بن الهمام: "وقيل: يُتَوقف، وهو المختار". "تيسير التحرير 3/ 148، 149". وكذلك قال التفتازاني: "وثالثها وهو المختار التوقف لاحتمال الأمرين، والمصير إلى أحدهما بلا دليل تحكم". "التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27". وهذا هو اختيار ابن السبكي والمحلي. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 100". وانظر: نهاية السول 2/ 254، المعتمد 1/ 390، الإحكام لابن حزم 1/ 435، غاية الوصول ص 92، إرشاد الفحول ص 40. 6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 100، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، غاية الوصول ص 93.

وَأَمَّا "فِينَا" أَيْ فِي حَقِّ الأُمَّةِ ف "الْمُتَأَخِّرُ" مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ "نَاسِخٌ" لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ1 "وَمَعَ جَهْلٍ" بِالتَّارِيخِ "يُعْمَلُ بِالْقَوْلِ" عَلَى الْمُخْتَارِ2. "وَلا" تَعَارُضَ "فِينَا" أَيْ فِي حَقِّنَا "مَعَ" دَلالَةِ "دَلِيلٍ عَلَى تَكَرُّرٍ" فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا" عَلَى "تَأَسٍّ" فِي حَقِّ الأُمَّةِ "إنْ اخْتَصَّ الْقَوْلُ بِهِ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوْ عَمَ" هـ الْقَوْلُ وَعَمَّ الأُمَّةَ، لِعَدَمِ تَوَارُدِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ3. "وَفِيهِ" أَيْ وَفِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْمُتَأَخِّرُ" مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ "نَاسِخٌ" لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا4. "فَإِنْ جُهِلَ" الْمُتَقَدِّمُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ "عُمِلَ بِالْقَوْلِ" عَلَى الْمُخْتَارِ5.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 193، نهاية السول 2/ 252، المحلي على جمع الجوامع 2/ 100، تيسير التحرير 3/ 148، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27. 2 ذكر التفتازاني رحمه الله أدلة القائلين بترجيح القول على الفعل، وأدلة المخالفين، ثم بين أدلة الترجيح للقول المختار بالعمل بالقول، ولم يذكر المؤلف الصورة الثالثة من هذا القسم، وهو "إن دل الدليل على التكرار والتأسي، وكان القول عاماً له ولنا، فالمتأخر من القول والفعل ناسخ للآخر في حقه وحقنا، فإن جهل التاريخ ففيه الأقوال الثلاثة، والمختار تقديم القول". "انظر التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28". وقال المحلي: "وإن جهل المتأخر فالأقوال أصحها في حقه الوقف، وفي حقنا تقدم القول". "المحلي على جمع الجوامع 2/ 101". وانظر: الإحكام للآمدي 1/ 193، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 27، المحلي على جمع الجوامع 2/ 100، تيسير التحرير 3/ 148، غاية الوصول ص 93، إرشاد الفحول ص 40. 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 193، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28، إرشاد الفحول ص 40. 4 انظر: تيسير التحرير 3/ 149، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28، غاية الوصول ص 92. 5 قال التفتازاني: "وعند الجهل فالثلاثة، والمختار الوقف". وقال الشيخ زكريا الأنصاري: "فالوقف على الأصح، وقيل يرجح القول، وعزي للجمهور". "انظر: التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28، غاية الوصول ص 92، الإحكام للآمدي 1/ 193، شرح تنقيح الفصول ص 293، المعتمد 1/ 390، تيسير التحرير 3/ 149".

"وَإِنْ" دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى التَّكْرَارِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ التَّأَسِّي فِي حَقِّ الأُمَّةِ. وَالْحَالُ أَنَّ الْقَوْلَ "اخْتَصَّ بِنَا فَلا" تَعَارُضَ "مُطْلَقًا" يَعْنِي لا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا فِي حَقِّنَا لِعَدَمِ تَوَارُدِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ1. "وَلا" تَعَارُضَ "مَعَهُ" أَيْ مَعَ الدَّلِيلِ "عَلَى تَأَسٍّ" بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2 "فَقَطْ" أَيْ دُونَ التَّكْرَارِ فِي حَقِّهِ "وَالْقَوْلُ خَاصٌّ" أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْقَوْلَ خَاصٌّ "بِه"ِ أَيْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَتَأَخَّرَ" عَنْ الْفِعْلِ "مُطْلَقًا" يَعْنِي لا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا فِي حَقِّنَا3. أَمَّا عَدَمُ التَّعَارُضِ4 فِي حَقِّهِ: فَلِعَدَمِ وُجُوبِ تَكَرُّرِ الْفِعْلِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ5 الأُمَّةِ: فَلِعَدَمِ تَوَارُدِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ6. "وَإِنْ تَقَدَّمَ" الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْحَالُ أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى التَّأَسِّي دُونَ التَّكْرَارِ "فَالْفِعْلُ" الْمُتَأَخِّرُ "نَاسِخٌ فِي حَقِّهِ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ7.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 193، إرشاد الفحول ص 40. 2 ساقطة من ش. 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 194، نهاية السول 2/ 252، تيسير التحرير 3/ 150، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28. 4 في ز ش: المعارض. 5 ساقطة من ض. 6 انظر: التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28. 7 مختصر ابن الحاجب 2/ 26. وهو ما نص عليه الآمدي وذكره حرفيًّا. "انظر: الإحكام 1/ 194". وانظر: حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28، تيسير التحرير 3/ 150.

قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ: وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ، فَالْفِعْلُ نَاسِخٌ لِلْقَوْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الإِتْيَانِ بِمُقْتَضَى الْقَوْلِ. "فَإِنْ جُهِلَ" الْمُتَقَدِّمُ مِنْ 1الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ7 "عُمِلَ بِالْقَوْلِ" عَلَى الْمُخْتَارِ2. "وَإِنْ اخْتَصَّ" الْقَوْلُ "بِنَا" وَالْحَالُ أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ3 عَلَى تَأَسٍّ دُونَ التَّكْرَارِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَفِيهِ لا" تَعَارُضَ، تَقَدَّمَ الْقَوْلُ أَوْ تَأَخَّرَ4. "وَفِينَا" يَعْنِي وَفِي حَقِّنَا "الْمُتَأَخِّرُ" مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ "نَاسِخٌ" لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا5. وَإِنْ عَمَّ الْقَوْلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالأُمَّةَ وَالْحَالُ أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى التَّأَسِّي دُونَ التَّكْرَارِ "فَإِنْ تَأَخَّرَ" الْقَوْلُ عَنْ الْفِعْلِ "فَفِيهِ" أَيْ فَفِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا" تَعَارُضَ لِعَدَمِ تَوَارُدِهِمَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ6. "وَفِينَا" أَيْ وَفِي حَقِّ الأُمَّةِ الْقَوْلُ "نَاسِخٌ لِلْفِعْلِ7".

_ 1 في ض: الفعل والقول. 2 قال التفتازاني: "فإن جهل فالمذاهب الثلاثة، والمختار الوقف، وفيه نظر". "التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28"، وانظر: الإحكام للآمدي 1/ 194، نهاية السول 2/ 254، تيسير التحرير 3/ 150. 3 في ع: دالٌّ. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 194، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28. 5 لم يذكر المصنف حالة إن اختص القول بنا، وجهل التاريخ، فيعمل بالقول على المختار. انظر: الإحكام للآمدي 1/ 194، ولعل المصنف اكتفى بالحالة السابقة "إن اختص القول به وجهل التاريخ". "وانظر: التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28، غاية الوصول ص 93، الإحكام للآمدي 1/ 194". 6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 194، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28. 7 انظر: الإحكام للآمدي، المرجع السابق، التفتازاني على ابن الحاجب، المرجع السابق.

"وَإِنْ تَقَدَّمَ" الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ "فَالْفِعْلُ نَاسِخٌ" لِتَأَخُّرِهِ1، إنْ كَانَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ التَّأَسِّي مَخْصُوصًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ التَّأَسِّي مَخْصُوصًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ، فَالْفِعْلُ تَخْصِيصٌ لِلدَّلِيلِ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْقَوْلِ. وَإنْ كَانَ ذَلِكَ "بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ" بِمُقْتَضَى الْقَوْلِ "لا" تَعَارُضَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا فِي حَقِّ أُمَّتِهِ "إلاَّ أَنْ يَقْتَضِيَ الْقَوْلُ التَّكْرَارَ" فِي حَقِّهِ "فَالْفِعْلُ" إنْ تَأَخَّرَ "نَاسِخٌ لَهُ" أَيْ لِلْقَوْلِ. وَهَذَا إنْ عُلِمَ 2أَنَّ الْفِعْلَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْقَوْلِ5 "فَإِنْ جُهِلَ" الْمُتَأَخِّرُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ "عُمِلَ بِالْقَوْلِ فِيهِنَّ" أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ3. فَائِدَةٌ: "فِعْلُ الصَّحَابِيِّ" وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُ الصَّحَابِيِّ4 "مَذْهَبٌ لَهُ" أَيْ لِلصَّحَابِيِّ الَّذِي فَعَلَهُ فِي الأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَالْوَجْهُ5 الثَّانِي: أَنَّ فِعْلَ الصَّحَابِيِّ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْقُرْبَةِ يَقْتَضِي6 الْوُجُوبَ قِيَاسًا عَلَى فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي المرجع السابق، التفتازاني على ابن الحاجب، المرجع السابق. 2 في ز: القول متأخر عن الفعل. 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 194، تيسير التحرير 3/ 151، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 28. 4 وذلك في فصل مستقل عن تعريف الصحابي وعدالة الصحابة ص 465. 5 في ض: والقول. 6 في ش: بمقتضى.

وَاحْتَجَّ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي "الْجَامِعِ الْكَبِيرِ" فِي قَضَاءِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لِلصَّلاةِ بِفِعْلِ عَمَّارٍ1 وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لَوْ تُصُوِّرَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الإِجْمَاعِ عَلَى عَمَلٍ لا قَوْلَ مِنْهُمْ فِيهِ: كَانَ كَفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثُبُوتِ الْعِصْمَةِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي، خِلافًا لابْنِ الْبَاقِلاَّنِيِّ2. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الأَوَّلُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، حَتَّى أَحَالُوا الْخَطَأَ مِنْهُمْ فِيهِ إذْ3 لَمْ يَشْتَرِطُوا انْقِرَاضَ الْعَصْرِ4، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ 1 هو الصحابي عمار بن ياسر بن عامر العنسي الشامي الدمشقي، أبو اليقظان، مولى بني مخزوم، كان من السابقين إلى الإسلام مع أمه وأبيه. أسلم مع صهيب في وقت واحد في دار الأرقم، وكان أول من أشهر إسلامه مع أبي بكر وبلال وخباب وصهيب رضي الله عنهم، وأمه سمية. وكان يعذب مع أمه وأبيه في الله على إسلامهم، ويقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة". هاجر عمار إلى المدينة، وشهد بدراً وأحداً والخندق وجميع المشاهد، وروي له عن رسول الله اثنان وسبعون حديثاً، وهو أول من بنى مسجداً لله في الإسلام، بنى مسجد قباء، وشهد قتال اليمامة في زمن أبي بكر، وقطعت أذنه، واستعمله عمر على الكوفة، وله مناقب كثيرة، قتل بصفين مع علي رضي الله عنه سنة 37هـ وهو ابن 93 سنة. انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 512، الاستيعاب 2/ 476، تهذيب الأسماء 2/ 37، الخلاصة ص 279، حلية الأولياء 1/ 139". 2 وهذا الإجماع على فعل يدل على إباحته ... ويدل على جوازه لعصمتهم عن الباطل، وسيأتي الكلام على ذلك مفصلاً في الباب الآتي. "انظر: شرح الورقات ص 173، 174، المسودة ص 334، أصول السرخسي 1/ 303، فواتح الرحموت 2/ 235". 3 في ز ض ع: إذا. 4 في ض: العصمة. وانظر: المسودة ص 334، فواتح الرحموت 2/ 235.

"بَابٌ" "الإِجْمَاعُ لُغَةً: الْعَزْمُ وَالاتِّفَاقُ" قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} 1 أَيْ اعْزِمُوا، وَيَصِحُّ2 إِطْلاقُهُ عَلَى الْوَاحِدِ، يُقَالُ: أَجْمَعَ فُلانٌ عَلَى كَذَا، أَيْ عَزَمَ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى كَذَا، أَيْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، فَكُلُّ أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ فَهُوَ إِجْمَاعٌ فِي إِطْلاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ3. وَأَجْمَعْتُ السيرَ والأمر، وأجمعت عَلَيْهِ، يتعدى بنفسه وبالحرف "عزمتُ عَلَيْهِ4"، وفي حديث: "من لم يُجْمعِ الصيامَ قبل الفجر فلا صيام له" 5، أي من لم يعزم عَلَيْهِ فينويه6.

_ 1 الآية 71 من يونس. 2 في ع: فيصح. 3 انظر: المصباح المنير 1/ 171، القاموس المحيط 3/ 15، إرشاد الفحول ص 71. 4 زيادة من المصباح المنير 1/171. 5 هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن حفصة رضي الله عنها. قال ابن حجر: "سنده صحيح، لكن اختلف في رفعه ووقفه"، وصوب النسائي وقفه. وفي "العلل" للترمذي عن البخاري أن هذا خطأ، والصواب وقفه عن ابن عمر. ورواه الدارقطني والبيهقي عن عائشة. ورواه ابن ماجه والدارمي بلفظ آخر، وله روايات أخرى أيضاً. "انظر: مسند أحمد 6/ 287، سنن أبي داود 1/ 571، تحفة الأحوذي 3/ 423، سنن النسائي 4/ 166، سنن ابن ماجه 1/ 542، سنن الدارمي 2/ 7، سنن البيهقي 4/ 213، سنن الدارقطني 2/ 173، تخريج أحاديث البزدوي ص 118، التلخيص الحبير 6/ 304، فيض القدير 6/ 222". 6 في ض: وينويه. وانظر: المصباح المنير 1/ 171، القاموس المحيط 3/ 15.

"و" الإجماع "اصطلاحا" أي في اصطلاح علماء الشريعة "اتفاق مجتهدي الأمة في عصر على أمر، ولو" كان الأمر "فعلا" اتفاقا، كائنا "بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1". والمراد باتفاقهم اتحاد اعتقادهم، واحترز بالاتفاق عن الاختلاف. وبقيد "الاجتهاد" عن2 غير المجتهد، فلا يكون اتفاق غير المجتهد من أصولي وفروعي ونحوي، ولا من لم يَكْمُلْ فيه شروطُ الاجتهاد إجماعا، ولا تقدح3 مخالفته في انعقاد الإجماع. وبقيد "الأمة" المنصرفِ إطلاق لفظها إلى أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن4 اتفاق مجتهدي بقية الأمم. ودخل في قوله: "على أمر" جميع الأمور من الأقوال والأفعال الدينية والدنيوية والاعتقادات والسكوت والتقرير وغير ذلك5. وإنما أَبْرَزَ قولَه: "ولو فعلا" مع دخوله في مسمى الأمر للبيان والتأكيد6.

_ 1 هذا القيد لمنع انعقاد الإجماع في حياته صلى الله عليه وسلم، كما ذكره كثير من العلماء. انظر: شرح الورقات ص 165، 170. 2 ساقطة من ز ض ع. 3 في ش ز ب: يقدح. 4 ساقطة من ز ض ع. 5 انظر شرح التعريف ومحترزاته وما يدخل فيه وما يخرج منه في "جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 177، نهاية السول 2/ 336، 337، العضد على ابن الحاجب 2/ 29، شرح تنقيح الفصول ص 322، مناهج العقول 2/ 334، كشف الأسرار 3/ 227، الإحكام للآمدي 1/ 196، شرح الورقات ص 165، تيسير التحرير 3/ 224، غاية الوصول ص 107، إرشاد الفحول ص 71، أصول مذهب أحمد ص 310، المدخل إلى مذهب أحمد ص 128، الوسيط في أصول الفقه ص 44". 6 انظر: شرح الورقات ص 173.

وقد1 اختلف العلماء فيما إذا اتفق مجتهدو العصر على فعل فعلوه، أو فعله بعضهم، وسكت الباقون مع علمهم، هل يكون إجماعا أم لا؟ والأرجح: أنه ينعقد به الإجماع لعصمة الأمة، فيكون كالقول المجمع عَلَيْهِ، وكفعل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اختاره2 أبو الخطاب من أصحابنا، وقطع به أبو إسحاق الشيرازي، واختاره الغزالي في "المنخول"3، وصرح به أبو الحسين البصري في "المعتمد" وتبعه في "المحصول"4. قَالَ بعض أصحابنا: هو قولُ الجمهور، حتى أحالوا الخطأ منهم إذا5لم يُشْتَرطْ انْقِرَاضُ العصر6. وقيل: لا ينعقد الإجماع بذلك7. ويتفرع على المسألة: إذا فعلوا فعلا قُرْبة، ولكن لا يعلم هل فعلوه واجبا أو مستحبا؟ فمقتضى القياس أنه كفعل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنا أمرنا

_ 1 ساقطة من ض. 2 في ز: اختارها. 3 في ش: المحصول، وهو خطأ. وفي هامش ض: المنتحل. وانظر المنخول ص 318. 4 انظر: شرح الورقات ص 174، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، المسودة ص334، التمهيد ص 136، أصول السرخسي 1/ 303، المعتمد 2/ 479، 532، فواتح الرحموت 2/ 234، إرشاد الفحول ص 84، المنخول ص 318، اللمع ص 49. 5 في ش ز: إذ. 6 انظر: المسودة ص 334، كشف الأسرار 3/ 228. 7 وهو قول فخر الدين الرازي، ونسبه الآمدي والغزالي والجويني والرازي للشافعي، وهو قول داود وابنه والمرتضى وابن الباقلاني. "انظر: التمهيد ص 136، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، المسودة ص 334، أصول السرخسي 1/ 303، كشف الأسرار 3/ 228، إرشاد الفحول ص 84".

باتباعهم، كما أمرنا باتباع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1. وللعلماء في تعريف الإجماع حدودٌ غيرُ ذلك يطول الكلام بذكرها2.وأنكر النظَّامُ3 وبعضُ الرافضةِ ثبوت الإجماع، وروي عن الإمام أحمد رضي الله عنه، وحُمِل على الوَرَع، أو على غير عالم بالخلاف، أو على تعذُّر معرفةِ الكُلِّ4، أو على العامِّ النُّطْقي، أو على بعده، أو على5 غير الصحابة

_ 1 وفي قول أن إجماعهم يدل على إباحة الفعل. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 322". 2 انظر في تعريف الإجماع الحدود للباجي ص 63-64، التعريفات للجرجاني ص 8، التمهيد ص 136، شرح الورقات ص 164، شرح تنقيح الفصول ص 322، تيسير التحرير 3/ 223، المعتمد 2/ 257، نهاية السول 2/ 336، كشف الأسرار 3/ 226، المستصفى 1/ 173، فواتح الرحموت 2/ 211، الإحكام للآمدي 1/ 195، جمع الجوامع 2/ 176، مختصر ابن الحاجب 2/ 29، شرح الورقات ص 164، مختصر الطوفي ص 128، اللمع ص 48، التمهيد ص 136، الروضة ص 67، غاية الوصول ص 107، إرشاد الفحول ص 71، المدخل إلى مذهب أحمد ص 128. 3 هو إبراهيم بن يسار بن هانئ، أبو إسحاق البصري، المعروف بالنظام، المعتزلي المشهور. كان أديباً متكلماً، وهو أستاذ الجاحظ، وتنسب إليه أقوال شاذة، ذكرها البغدادي، منها: منع إمكان وقوع الإجماع على أمر عادة، فضلاً عن حجيته، وهو رئيس فرقة من المعتزلة، وكان شديد الحفظ، فحفظ القرآن والتوراة والإنجيل وتفاسيرها والأشعار والأخبار واختلاف الناس في الفتيا. وطالع كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة. له مؤلفات كثيرة اشتهرت بين الناس بمصر والعراق والشام والبصرة، منها: كتاب "النكت" في عدم حجية الإجماع. توفي سنة 231هـ. انظر ترجمته في "روضات الجنات 1/ 151، فرق وطبقات المعتزلة ص 59، تكملة الفهرست لابن النديم ص 2، الفتح المبين 1/ 141، تاريخ بغداد 6/ 97، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص 264". 4 وذلك أن الإمام أحمد قال: "من ادعى الإجماع فهو كاذب". "انظر: أصول مذهب أحمد ص 319، مناهج العقول 2/ 339، فواتح الرحموت 2/ 212، تيسير التحرير 3/ 227". 5 ساقطة من ض.

لحصرهم وانتشار غيرهم1. "وهو" أي الإجماع "حجة قاطعة بالشرع" أي بدليل الشرع كونه حجةً قاطعةً2، وهذا مذهب الأئمة الأعلام، منهم الأربعة وأتباعهم وغيرهم من المتكلمين3. وقال الآمدي والرازي: هو حجة ظنية لا قطعية4.

_ 1 انظر: المستصفى 1/ 189، الإحكام للآمدي 1/ 198، 200، 230، جمع الجوامع 2/ 178، المنخول ص 303، نهاية السول 2/ 338، مناهج العقول 2/ 335، كشف الأسرار 3/ 227، 240، 252، أصول السرخسي 1/ 295، 313، تيسير التحرير 3/ 225، 227، 240، فواتح الرحموت 2/ 211، 220، شرح تنقيح الفصول ص 322، مختصر ابن الحاجب 2/ 29، 34، الروضة ص 67، المسودة ص 315، 316، أصول مذهب أحمد ص 313، 319، فتاوى ابن تيمية 19/ 271، 20/ 10، 247، المدخل إلى مذهب أحمد ص 129، مختصر الطوفي ص 128، الإحكام لابن حزم 1/ 507، 509، المعتمد 2/ 458، 478، 483، اللمع ص 48، إرشاد الفحول ص 72، 73، 81، 82. 2 قال ابن بدران: "ومعنى كونه قاطعاً أنه يقدم على باقي الأدلة، وليس القاطع هنا بمعنى الجازم الذي لا يحتمل النقيض ... وإلا لما اختلف في تكفير منكر حكمه". "المدخل إلى مذهب أحمد ص 130". لكن البزدوي قال: "حكمه في الأصل أن يثبت الحكم المراد به شرعياً على سبيل اليقين". "كشف الأسرار على أصول البزدوي 3/ 351" وانظر: فواتح الرحموت 2/ 213، إرشاد الفحول ص 78. 3 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 30، جمع الجوامع 2/ 195، مناهج العقول 2/ 339، المستصفى 1/ 204، المنخول ص 303، نهاية السول 2/ 350، شرح الورقات ص 168، المسودة ص 315، فتاوى ابن تيمية 19/ 176، 202، 20/ 10، أصول السرخسي 1/ 295، 300، 318، فواتح الرحموت 2/ 213، تيسير التحرير 3/ 227، المعتمد 2/ 458، الإحكام لابن حزم 1/ 494، غاية الوصول ص 109، التمهيد ص 136، المدخل إلى مذهب أحمد ص 129، 133، اللمع ص 48، الروضة ص 67، أصول مذهب أحمد ص 318، إرشاد الفحول ص 78، الوسيط ص 92. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 200، كشف الأسرار 3/ 252، غاية الوصول ص 109، مختصر الطوفي ص 129، إرشاد الفحول ص 79.

وقيل: ظنية في السكوتي ونحوه، دون النطقي1. واستدل للقول الأول2 بقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} 3 احتج4 بها الشافعي وغيره5، لأنه توعد على متابعة غير سبيل المؤمنين، وإنما يجوز لمفسدة متعلقة به، وليست من جهة المشاقة، وإلا كانت كافة، والسبيل الطريق، فلو خص بكفر أو غيره كان اللفظ مبهما، وهو خلاف الأصل، و "المؤمن" حقيقة في الحي المتصف بالإيمان، ثم عمومه إلى يوم القيامة يبطل المراد، وهو الحث على متابعة سبيلهم، والجاهل غير مراد، ثم المخصوص6 حجة، والسبيل عام، والتأويل بمتابعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو بمتابعتهم في الإيمان أو الاجتهاد لا7 ضرورة إليه، فلا يقبل، وليس تبيين الهدى شرطا للوعيد بالاتباع، بل للمشاقة؛ لأن إطلاقها لمن عرف الهدى أولا، ولأن تبيين الأحكام الفروعية ليس شرطا في المشاقة، فإن من تبين له صدقُ الرسول وتركه فقد شاقه، ولو جهلها8.

_ 1 وهناك أقوال أخرى. "انظر: كشف الأسرار 3/ 252، فواتح الرحموت 2/ 213، غاية الوصول ص 109، الروضة ص 78، إرشاد الفحول ص 79". 2 ساقطة من ض. 3 الآية 115 من النساء. 4 في ع: واحتج. 5 أحكام القرآن للشافعي 1/ 39. 6 في ش ز: الخصوص. 7 في ض: ولا. 8 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 324، المسودة ص 315، المعتمد 2/ 462، المستصفى 1/ 175، نهاية السول 2/ 343، الإحكام للآمدي 1/ 200، المحلي على جمع الجوامع 2/ 195 مناهج العقول 2/ 339، تيسير التحرير 3/ 229، أصول السرخسي 1/ 296، فواتح الرحموت 2/ 214، كشف الأسرار 3/ 253، مختصر ابن الحاجب 2/ 31، الإحكام لابن حزم 1/ 497، مختصر الطوفي ص 28، اللمع ص 48، إرشاد الفحول ص 74، غاية الوصول ص 108.

رُدَّ الأولُ بأن الإجماع إن احتاج إلى مُسْتَنَدٍ فقد يكون قياسًا، والثاني مُشْكِلٌ جِدًّا، قاله الآمدي1. واختار2 أبو الخطاب أن مرادَ الآية فيما لا نعلمُ أنه خطأٌ، وإن ظنناه رددناه إلى 3الله والرسول7. وبقوله تعالى: {وَلا تَفَرَّقُوا} 4 وخلافُ الإجماع تفرقٌ، والنهي5 عن التفرق ليس في الاعتصام للتأكيدِ ومخالفةِ الظاهر، وتخصيصُه بها قبل الإجماع لا يمنعُ الاحتجاجَ به، ولا يختص الخطابُ بالموجودين زمنَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن التكليفَ لكل من وُجِدَ مكلَّفًا6، كما سَبَق7. وبقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} 8 فلو اجتمعوا على باطلٍ كانوا قد اجتمعوا على منكَرٍ لم يُنْهَوا عنه، ومعروف لم يُؤْمَرُوا به، وهو خلافُ ما وَصَفَهم اللهُ تعالى به9، ولأنه جعلهم أمةً وسَطا أي عُدُولا، ورضِي بشهادَتِهم مطلقًا10.

_ 1 الإحكام للآمدي 1/ 218. 2 في ض: واختاره. 3 في ض: الرسول. وفي ع: الله ورسوله 4 الآية 103 من آل عمران، وأول الآية: {وَاعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعاً وَلاَ تَتَفَرَّقُوا} . 5 في ز: فالنهي. 6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 217، المستصفى 1/ 174، المعتمد 2/ 468. 7 في المجلد الأول، فصل التكليف ص 483. 8 الآية 110 من آل عمران. 9 انظر: كشف الأسرار 3/ 237، 255، أصول السرخسي 1/ 296، نهاية السول 2/ 349، الإحكام للآمدي 1/ 214، المستصفى 1/ 174، شرح تنقيح الفصول ص 324، مختصر الطوفي ص 128، إرشاد الفحول ص 77، المعتمد 2/ 461. 10 وذلك في قوله سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} البقرة: 143. "وانظر: المستصفى 1/ 174، شرح تنقيح الفصول ص 324، نهاية السول 2/ 349، الإحكام للآمدي 1/ 211، مناهج العقول 2/ 347، كشف الأسرار 3/ 237، 256، فواتح الرحموت 2/ 216، أصول السرخسي 1/ 297، المعتمد 2/ 259".

وعلى ذلك اعتراضاتٌ وأجوبةٌ يطُولُ الكتابُ بذكرها1. وعن أبي مالك الأشعري2 رضي الله عنه مرفوعا: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَارَكُمْ مِنْ ثَلاثِ خِلالٍ: أَنْ لا يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ فَتَهْلَكُوا جَمِيعًا، وَأَنْ لا يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ، وَأَنْ لا تَجْتَمِعُوا3 عَلَى ضَلالَةٍ". رواه أبو داود4. وعن ابن عمر مرفوعا: "لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة أبدا" رواه الترمذي5.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 200 وما بعدها، أصول السرخسي 1/ 296 وما بعدها، الروضة ص 67 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 74 وما بعدها. 2 هو الصحابي الحارث بن الحارث، أبو مالك الأشعري الشامي، مشهور بكنيته، ومختلف في اسمه. له حديث قدسي طويل تفرد بروايته أبو سلام الأسود، روى له الترمذي والنسائي وأبو داود. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 275، 4/ 171، الاستيعاب 4/ 175 وما بعدها، الخلاصة ص 67". 3 في ش ز: يجتمعوا. والأعلى من ب ض، ومن سنن أبي داود. 4 رواه أبو داود والدارمي. قال المناوي: "قال في المنار: هذا الحديث منقطع، وقال ابن حجر: في إسناده انقطاع، وله طرق لا يخلو واحد منها من مقال. وقال في موضع آخر: سنده حسن، وله شاهد عند أحمد، رجاله ثقات، لكن فيه راوٍ لم يسمَّ". "انظر: سنن أبي داود 2/ 414، مختصر سنن أبي داود 6/ 139، سنن الدارمي 1/ 29، فيض القدير 2/ 199 وما بعدها". 5 هذا طرف من حديث رواه الترمذي والحاكم عن ابن عمر. ورواه أبو داود عن أبي مالك الأشعري. ورواه أحمد عن أبي بصرة الغفاري. قال المباركفوري عن حديث الترمذي: "والحديث قد استدل به على حجية الإجماع، وهو ضعيف، لكن له شواهد، قال الحافظ ابن.............=

وعن أنس مرفوعا: "لا تجتمع 1هذه الأمة 2 على ضلالة، فإذا رأيتم الاختلافَ فعليكم بالسَّوادِ الأعظم، الحقِّ وأهلِهِ" رواه ابن ماجه2 وابن أبي عاصم3. وعن أبي ذر4 مرفوعا:

_ =حجر في التلخيص: "قوله وأمته معصومة، لا تجتمع على ضلالة" هذا في حديث مشهور له طرق كثيرة، لا يخلو واحد منها من مقال ... ". "انظر: تحفة الأحوذي 6/ 386، سنن أبي داود 2/ 414، تخريج أحاديث البزدوي ص 245، المقاصد الحسنة ص 460، مسند أحمد 6/ 396، المستدرك 1/ 115". وانظر رأي ابن حزم في هذا الحديث في "الإحكام 1/ 496". وانظر أيضاً: تخريج أحاديث المنهاج للعراقي ص 298، المنشور في العدد الثاني من مجلة البحث العلمي. 1 ساقطة من ز ض ب. ولفظ ابن ماجه: إن أمتي لا تجتمع. وفي ض: لا تجتمعوا. ولفظ الحاكم: لا يجمع الله هذه الأمة. 2 قال ابن قطلوبغا: "رواه ابن ماجه، وفيه ضعف، لكن له طريقان آخران أحدهما عند الحاكم والآخر عند ابن أبي عاصم، وفي كليهما ضعف. ورواه أبو نعيم في "الحلية" عن ابن عمر، وأصله للترمذي". وقال البوصيري في "زوائد ابن ماجه": "في إسناده أبو خلف الأعمى، وهو ضعيف، وقد جاء الحديث بطرق في كلها نظر". وراه عبد بن حميد وأيو يعلى الموصلي. "انظر: سنن ابن ماجه 2/ 1303، المستدرك 1/ 115، تخريج أحاديث البزدوي ص 243، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 300". 3 هو أحمد بن عمرو النبيل، أبي عاصم الشيباني الزاهد، أبو بكر الحافظ الكبير، الإمام، قاضي أصبهان. قال السيوطي: "له الرحلة الواسعة، والتصانيف النافعة، ذهبت كتبه بالبصرة في فتنة الزنج سنة 255هـ. فأعاد من حفظه خمسين ألف حديث، وكان من حفاظ الحديث والفقه، ظاهري المذهب". وكان صالحاً ورعاً متعبداً، كبير القدر، صاحب مناقب، وصنف في الرد على داود الظاهري. توفي سنة 287هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 2/ 640، طبقات الحفاظ ص 280، شذرات الذهب 2/ 197". 4 هو الصحابي جُندب بن جُنادة بن سفيان، الغفاري الحجازي، أبو ذر. اختلف في اسمه. كان من السابقين إلى الإسلام، ورجع إلى قومه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم هاجر إلى المدينة................=

"عليكم بالجماعة، إنَّ الله تعالى لا 1 يجمع أمتي إلا على هدًى". رواه أحمد2. وعن أبي ذر مرفوعًا3: "من فارق الجماعة شبرا فقد خلع رِبْقَةَ الإسلام من عنقه". رواه أحمد وأبو داود4. ولهما عن معاوية5 مرفوعاً:

_ = وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي، وكان زاهداً متقللاً من الدنيا، قوالاً بالحق، صادق اللهجة. قال ابن عمر: "والله، ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر". لم يشهد بدراً، ولكن عمر ألحقه بهم، وكان يوازي ابن مسعود في العمل، وله مناقب كثيرة، توفي بالربذة سنة 32هـ. انظر ترجمته في "الإصابة 4/ 63، الاستيعاب 4/ 61، تهذيب الأسماء 2/ 229، الخلاصة ص 449، شذرات الذهب 1/ 39، حلية الأولياء 1/ 156، 352". 1 في ش ز: لم. وفي مسند أحمد: لن. 2 رواه أحمد والترمذي. وجاء معناه في أحاديث كثيرة ستمر في الصفحة التالية. "انظر مسند أحمد 5/ 145، تحفة الأحوذي 6/ 384، 388". 3 ساقطة من ش ز. 4 رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن أبي ذر مرفوعاً. ورواه مسلم عن ابن عباس مرفوعاً بألفاظ أخرى. ورواه النسائي عن عَرْفجة بألفاظ مختلفة. "انظر: مسند أحمد 5/ 180، سنن أبي داود 2/ 542، المستدرك 1/ 117، صحيح مسلم 3/ 1478، سنن النسائي 7/ 84". 5 هو الصحابي معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب القرشي الأموي، أمير المؤمنين، أول خلفاء بني أمية، أبو عبد الرحمن، أسلم مع أبيه وأمه وأخيه يزيد في فتح مكة. وقال معاوية: إنه أسلم يوم الحديبية، وكتم إسلامه، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً، وكان أحد الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استخلفه أبو بكر على الشام، وأقره عمر وعثمان على ذلك، ولم يبايع علياً، ثم حاربه، وتولى الخلافة بعد مقتل علي رضي الله عنه. وكان يوصف بالدهاء والحلم والوقار، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم اجعله هادياً مهديًّا". توفي سنة 60هـ بدمشق. "انظر ترجمته في الإصابة 3/ 433، الاستيعاب 3/ 395، تهذيب الأسماء 2/ 102، الخلاصة ص 381".

"ألا 1 إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعبن ـ 2يعني فرقة1 ـ ثنتان وسبعون في النار، وواحدةٌ في الجنة وهي الجماعة" 3. وعن ابن عمر مرفوعا: "إن الله لا يجمع أمتي ـ أو قَالَ أمةَ محمدٍ ـ على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار" رواه الترمذي4. وعن ثوبان5 مرفوعا: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" 6. وفي حديث

_ 1 ساقطة من ز ش ب ض. 2 في ش: فرقة، يعني. وفي ب ز ع: يعني ملة. 3 هذا جزء من حديث رواه أحمد وأبو داود والحاكم وابن حبان والدارمي عن معاوية وأبي هريرة مرفوعاً، وأوله: "افترقت اليهود ... "، أو "إن أهل الكتاب". "انظر: سنن أبي داود 2/ 503، مسند أحمد 4/ 102، المستدرك 1/ 16، 128، موارد الظمآن ص 454، سنن الدارمي 2/ 241". 4 انظر: تحفة الأحوذي 6/ 386. قال الترمذي: هذا حديث غريب. وانظر المستدرك 1/ 115. ومر في الصفحة السابقة طرفه. 5 هو ثوبان بن بُجْدُد، ويقال: ابن جُحْدُر، الهاشمي، من أهل السراة، موضع بين مكة واليمن، وقيل من حمير، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، ولم يزل معه في الحضر والسفر. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الشام فنزل الرملة، ثم انتقل إلى حمص، وابتنى بها داراً، وتوفي بها سنة 45هـ، وقيل 54هـ. روى عنه الجماعة، وله 127 حديثاً. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 204، الاستيعاب 1/ 209، تهذيب الأسماء 1/ 140، الخلاصة ص 58، حلية الأولياء 1/ 180، 350". 6 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والحاكم وابن حبان عن ثوبان وجابر بن سمرة وعقبة بن عامر ومعاوية وعمران بن حصين بألفاظ متقاربة. "انظر: صحيح البخاري 1/ 24، 2/ 286، 4/ 263، صحيح مسلم 3/ 1523 وما بعدها، سنن أبي داود 2/ 4، تحفة الأحوذي 6/ 433، 483، سنن ابن ماجه 1/ 4، مسند أحمد 4/ 93، المستدرك 4/ 449، موارد الظمآن ص 458، تخريج أحاديث البزدوي ص 247، الفتح الكبير 3/ 321".

جابر: "إلى يوم القيامة" 1، وفي حديث جابر2 بن سمرة3: "حتى تقوم الساعة" رواه مسلم4. وعن ابن عمر مرفوعا: "عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم 5 الجماعة" رواه الشافعي وأحمد وعبد بن حميد6 والترمذي وغيرهم7.

_ 1 انظر: صحيح مسلم 3/ 1524. 2 ساقطة من ب ض، ومكتوبة على هامش ع. 3 هو الصحابي جابر بن سمرة بن جنادة، أبو عبد الله، السوائي، هو وأبوه صحابيان، وهو صحابي مشهور. روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وستة وأربعون حديثاً. نزل الكوفة، وابتنى بها داراً. وروى عنه جماعات من التابعين. قال جابر: لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ألفي صلاة. رواه مسلم. توفي سنة 66هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 212، الاستيعاب 1/ 224، تهذيب الأسماء 1/ 142، الخلاصة ص 59". 4 انظر: صحيح مسلم 3/ 1524، تخريج أحاديث البزدوي ص 35، 246. 5 في ب: فيلزم. 6 هو عبدُ بن حُميد بن نصر الكِسِّيّ، أبو محمد الحافظ. قيل اسمه: عبد الحميد. روى عنه مسلم والترمذي وخلق. صنف "المسند"، و"التفسير". وعلق له البخاري في دلائل النبوة في صحيحه فسماه عبد الحميد. وكان من الأئمة الثقات. توفي سنة 249هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 2/ 534، الخلاصة ص 248، طبقات الحفاظ ص 234، طبقات المفسرين 1/ 368، شذرات الذهب 1/ 120". 7 هذا الحديث رواه الشافعي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي عن ابن عمر وأبي الدرداء وعمر مرفوعاً بألفاظ مختلفة. "انظر: الرسالة للشافعي ص 474، تحفة الأحوذي 6/ 384، سنن النسائي 2/ 83، المستدرك 1/ 114، شرح السنة 3/ 347، تخريج أحاديث البزدوي ص 243". وقد ورد الأمر في لزوم الجماعة في أحاديث كثيرة، منها ما رواه الحاكم والبزار وابن حبان عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: "نضر الله امرأ سمع............=

وعن ابن مسعود: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيِّئًا فهو عند الله سيئٌ رواه أبو داود الطيالسي1. قَالَ الآمدي وغيره: "السنةُ أقربُ الطرقِ إلى كون الإجماع حجة قاطعة2". واستُدِلَّ أيضًا لكونه حجةً قاطعةً بأن3 العادةَ تُحِيل إجماعَ مجتهدي

_ = مقالتي فوعاها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ثلاث لا يَغُلُّ عليهن قلب امرئ مؤمن: إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعاءهم محيط من ورائهم". وروى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير مرفوعاً: "الجماعة رحمة، والفرقة عذاب". "انظر: المستدرك 1/ 77، 78، 113، 246، الرسالة للشافعي ص 473، 475، تحفة الأحوذي 6/ 383 وما بعدها، الترغيب والترهيب 1/ 54 الطبعة الثالثة، موارد الظمآن ص 47، سنن الدارمي 2/ 241، 324". وقال الحاكم بعد حديث حذيفة مرفوعاً، وفيه: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قال: لم أجد للشيخين حديثاً يدل على أن الإجماع حجة غير هذا". "المستدرك 1/ 113". 1 الحديث رواه أحمد في كتاب السنة والبزار والطبراني وأبو نعيم والبيهقي في كتاب الاعتقاد، وأبو داود الطيالسي، والحاكم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود، وأوله: إن الله نظر في قلوب العباد فاختار محمداً صلى الله عليه وسلم، فبعثه لرسالته ... الحديث. "انظر: مسند أبي داود الطيالسي ص 33 ط الهند، تخريج أحاديث البزدوي ص 246، المقاصد الحسنة ص 367، كشف الخفا 2/ 188". وفي ب: والطيالسي. وهو خطأ. 2 الإحكام للآمدي 1/ 219. وذكر أكثر العلماء أن هذه الأحاديث وغيرها تفيد التواتر المعنوي في عصمة الأمة، وأن الأمة تلقت هذه الأحاديث بالقبول. "انظر: كشف الأسرار 3/ 237، 258 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 215، تيسير التحرير 3/ 228، أصول السرخسي 1/ 399، مختصر ابن الحاجب 2/ 32، مناهج العقول 2/ 349، الرسالة للشافعي ص 403، 475، الإحكام للآمدي 1/ 220، نهاية السول 2/ 350، المعتمد 2/ 471، إرشاد الفحول ص 78، المستصفى 1/ 175-176". 3 في ب ز ض ع: أن.

العصر على قطعٍْ بحكمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ غَيْرِ اطِّلاعٍ عَلَى دليلٍ قاطعٍ في ذلك الحُكْمِ، فوجب 1في ذلك الحُكْمِ4 تقديرُ2 نصٍّ قاطعٍ فيه، ولأن الإجماعَ مقدَّمٌ على الدليل القاطع، فكان قاطعا، وإلا تعارض الإجماعان، لتقديم القاطع على غيره إجماعًا3. "وَيَثْبُتُ" الإِجْمَاعُ. وَهُوَ كَوْنُ هَذَا الْحُكْمِ مَجْمَعًا عَلَيْهِ "بِخَبَرالْوَاحِدِ" لأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ شَرْعِيَّةٌ طَرِيقُهَا طَرِيقُ بَقِيَّةِ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ الَّتِي يَكْفِي فِي ثُبُوتِهَا الظَّنُّ4. "وَلا يُعْتَبَرُ فِيهِ" أَيْ فِي انْعِقَادِ الإِجْمَاعِ "وِفَاقُ الْعَامَّةِ" لِلْمُجْتَهِدِينَ،

_ 1 ساقطة من ع. 2 في ب ز ش: تقرير. 3 انظر مزيداً من الأدلة لحجية الإجماع في "كشف الأسرار 3/ 260 وما بعدها، أصول السرخسي 1/ 295، فواتح الرحموت 2/ 213، المعتمد 2/ 476 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/ 30، 32، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/ 196، المنخول ص 306، المستصفى 1/ 176، 179، الإحكام للآمدي 1/ 223، المسودة ص 316، الروضة ص 68". 4 قال الشوكاني: "وأما الآحاد فغير معمول به في نقل الإجماع". ثم بين بعد ذلك أنه قول الجمهور خلافاً لجماعة، منهم الرازي "إرشاد الفحول ص 73، 79، 89". وقال القرافي: "إنه حجة خلافاً لأكثر الناس". "شرح تنقيح الفصول ص 332". وقال ابن عبد الشكور: "الإجماع الآحادي يجب العمل به خلافاً للغزالي وبعض الحنفية". "فواتح الرحموت 2/ 242". "انظر: جمع الجوامع 2/ 179، مناهج العقول 2/ 385، المستصفى 1/ 15، الإحكام للآمدي 1/ 281، المعتمد 2/ 531، 534 وما بعدها، نهاية السول 2/ 386، تيسير التحرير 3/ 261، كشف الأسرار 3/ 265، أصول السرخسي 1/ 302، الروضة ص 78، المسودة ص 344، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133، مختصر الطوفي ص 137، مختصر ابن الحاجب 2/ 44، غاية الوصول ص 109".

سَوَاءٌ كَانَتْ مَسَائِلُهُ مَشْهُورَةً أَوْ خَفِيَّةً1. وَاعْتَبَرَهُ قَوْمٌ مُطْلَقًا2، وَقَوْمٌ فِي الْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ3. "وَلا" يُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي انْعِقَادِهِ وِفَاقُ "مَنْ عَرَفَ الْحَدِيثَ" مِنْ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِينَ "أَوْ" عَرَفَ "اللُّغَةَ، أَوْ" عِلْمَ "الْكَلامِ وَنَحْوَهُ" كَالْعَرَبِيَّةِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَالتَّصْرِيفِ "أَوْ" مَنْ عَرَفَ "الْفِقْهَ" فَقَطْ فِي مَسْأَلَةٍ 4فِي أُصُولِهِ5 "أَوْ" مَنْ عَرَفَ "أُصُولَهُ5" فَقَطْ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْفِقْهِ؛ لأَنَّ هَؤُلاءِ مِنْ جُمْلَةِ

_ 1 العوام هم من عدا العلماء، وعلل الإمام الرازي وغيره ذلك بأنهم ليسوا من أهل الاجتهاد، فلا عبرة لقولهم، وهو قول الجمهور. "انظر: جمع الجوامع 2/ 177، شرح الورقات ص 166، اللمع ص 51، نهاية السول 2/ 336، المنخول ص 310، 378، مناهج العقول 2/ 377، المستصفى 1/ 182، الإحكام للآمدي 1/ 226، مختصر ابن الحاجب 2/ 33، شرح تنقيح الفصول ص 341، المسودة ص 331، الروضة ص 39، مختصر الطوفي ص 129، تيسير التحرير 3/ 223، فواتح الرحموت 2/ 217، كشف الأسرار 3/ 237، 239، غاية الوصول ص 107، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130، إرشاد الفحول ص 87، الوسيط في أصول الفقه ص 52، أصول السرخسي 1/ 311". 2 حكى هذا القول ابن الصباغ وابن برهان عن بعض المتكلمين، واختاره الآمدي والغزالي، ونقله الجويني وابن الحاجب وابن السمعاني والصفي الهندي عن القاضي أبي بكر الباقلاني. "انظر: المستصفى 1/ 181، 182، الإحكام للآمدي 1/ 226، جمع الجوامع 2/ 177، المعتمد 2/ 482، نهاية السول 2/ 378، كشف الأسرار 3/ 237، تيسير التحرير 3/ 224، مختصر ابن الحاجب 2/ 33، غاية الوصول ص 107، شرح تنقيح الفصول ص 341، الروضة ص 69، المسودة ص 331، إرشاد الفحول ص 87". 3 ذكر ابن السبكي والمحلي أن الآمدي يقول بهذا القول، لأنه فصل بين المشهور وغيره، لكن الآمدي لم يذكر إلا قولين، واختار القول الثاني. انظر أصحاب هذا القول وأدلتهم في "المستصفى 1/ 181، 182، شرح تنقيح الفصول ص 341، مناهج العقول 2/ 377، كشف الأسرار 3/ 239، جمع الجوامع 2/ 177، إرشاد الفحول ص 88، غاية الوصول ص 107، المعتمد 2/ 481، غاية الوصول ص 107، الإحكام للآمدي 1/ 226". 4 في ز: في أصول. وفي ش: الأصول. 5 في د: في أصوله.

الْمُقَلِّدِينَ، فَلا تُعْتَبَرُ مُخَالَفَتُهُمْ. وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ1. وَقِيلَ: بِاعْتِبَارِ وِفَاقِ كُلٍّ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ لِمَا فِي كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ الأَهْلِيَّةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلْفِئَتَيْنِ لِتَلازُمِ الْعِلْمَيْنِ2. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ قَوْلُ الأُصُولِيِّ فِي الْفِقْهِ دُونَ الْفُرُوعِيِّ فِي الأُصُولِ؛ لأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الاجْتِهَادِ دُونَ عَكْسِهِ، اخْتَارَهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَهُوَ الْحَقُّ3، وَقِيلَ عَكْسُهُ4. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا لا يُعْتَبَرُ أَيْضًا لانْعِقَادِ الإِجْمَاعِ وِفَاقُ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ شُرُوطِ الاجْتِهَادِ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ فَاتَهُ بَعْضُ شُرُوطِهِ" لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ. وَمَعْنَاهُ لابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ5.

_ 1 انظر بقية الآراء مع بيان أصحابها وأدلتها في "الإحكام للآمدي 1/ 288، المحلي على جمع الجوامع 2/ 177، المستصفى 1/ 182، 183، شرح الورقات ص 166، مناهج العقول 2/ 377، المنخول ص 311، شرح تنقيح الفصول ص 341، 342، فواتح الرحموت 2/ 217، تيسير التحرير 3/ 224، كشف الأسرار 3/ 240، أصول السرخسي 1/ 312، المسودة ص 331، غاية الوصول ص 107، اللمع ص 51، مختصر الطوفي ص 130، الروضة ص 69، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130، إرشاد الفحول ص 88". 2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 341، 342، نهاية السول 2/ 378، الإحكام للآمدي 1/ 228، مناهج العقول 2/ 377، الروضة ص 70. 3 وهو قول عبد الوهاب المالكي أيضاً، واختاره ابن السبكي والمحلي. "انظر: المسودة ص 331، نهاية السول 2/ 378، المحلي على جمع الجوامع 2/ 177، غاية الوصول ص 107". 4 انظر: المستصفى 1/ 182، مختصر ابن الحاجب 2/ 33، المنخول ص 311، شرح تنقيح الفصول ص 341، 342، نهاية السول 2/ 378، الإحكام للآمدي 1/ 228، مناهج العقول 2/ 377، كشف الأسرار 3/ 240، مختصر الطوفي ص 130. 5 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 130.

قَالَ الْمَجْدُ: "مَنْ أَحْكَمَ أَكْثَرَ أَدَوَاتِ الاجْتِهَادِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إلاَّ خُصْلَةٌ أَوْ خُصْلَتَانِ، اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ، وَالْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى أَنَّهُ لا يُعْتَدُّ بِخِلافِهِ، خِلافًا لِلْبَاقِلاَّنِيِّ1". "وَلا" يُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي انْعِقَادِ الإِجْمَاعِ وِفَاقُ مُجْتَهِدٍ "كَافِرٍ" مُطْلَقًا. أَمَّا الْكَافِرُ الأَصْلِيُّ وَالْمُرْتَدُّ فَبِلا خِلافٍ2. وَأَمَّا الْمُكَفَّرُ بِارْتِكَابِ "بِدْعَةٍ" فَلا يُعْتَبَرُ وِفَاقُهُ "عِنْدَ مُكَفِّرِهِ" بِارْتِكَابِ تِلْكَ الْبِدْعَةِ. وَأَمَّا مَنْ لا يُكَفِّرُهُ فَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ الْمَحْكُومِ بِفِسْقِهِمْ3. قَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: لا يُعْتَبَرُ فِي الإِجْمَاعِ وِفَاقُ الْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَالرَّافِضَةِ4.

_ 1 المسودة ص 331. 2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 33، المحلي على جمع الجوامع 2/ 177، شرح الورقات ص 167، الإحكام للآمدي 1/ 225، اللمع ص 51، شرح تنقيح الفصول ص 335، المعتمد 2/ 480، الروضة ص 70، فواتح الرحموت 2/ 217، مختصر الطوفي ص 130، غاية الوصول ص 107، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130. 3 وللعلماء أقوال وتفصيلات في ذلك. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 229، مختصر ابن الحاجب 2/ 33، شرح تنقيح الفصول ص 335، الإحكام لابن حزم 1/ 580 وما بعدها، نهاية السول 2/ 387، المستصفى 1/ 183، شرح الورقات ص 168، كشف الأسرار 1/ 183، أصول السرخسي 1/ 311، تيسير التحرير 3/ 224، 239، المنخول ص 310، الروضة ص 70، اللمع ص 51، مختصر الطوفي ص 130، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130، إرشاد الفحول ص 80". 4 قال الشوكاني –بعد عبارة الأستاذ أبي منصور-: "وهكذا رواه أشهب عن مالك. وراه العباس بن الوليد عن الأوزاعي. ورواه أبو سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن، وحكاه أبو ثور عن أئمة الحديث". "إرشاد الفحول ص 80". "وانظر: أصول السرخسي 1/ 311، تيسير التحرير 3/ 239، كشف الأسرار 3/ 238، جمع الجوامع 2/ 177".

"وَلا" يُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الإِجْمَاعِ وِفَاقُ مُجْتَهِدٍ "فَاسِقٍ مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الاعْتِقَادِ أَوْ الأَفْعَالِ. فَالاعْتِقَادُ كَالرَّفْضِ وَالاعْتِزَالِ وَنَحْوِهِمَا. وَالأَفْعَالُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالأَكْثَرُ1.قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: هَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَنَا2. قَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: هُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ؛ لأَنَّهُ لا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلا يُقَلَّدُ فِي فَتْوَى، كَالْكَافِرِ وَالصَّغِيرِ3. وَقِيلَ: إنْ ذَكَرَ مُسْتَنَدًا صَالِحًا اُعْتُدَّ بِقَوْلِهِ وَإِلاَّ فَلا. فَإِذَا بَيَّنَ مَأْخَذَهُ وَكَانَ صَالِحًا لِلأَخْذِ بِهِ اعْتَبَرْنَاهُ4.

_ 1 وخالف في ذلك أبو الخطاب من الحنابلة، والجويني والشيرازي والإسفراييني والآمدي والغزالي من الشافعية، وقالوا باعتبار قول الفاسق في الإجماع. وقارن ما ذكره الدكتور عبد الله التركي، فإنه نسب إلى الجمهور عدم اشتراط العدالة في الإجماع. "انظر: المستصفى 1/ 183، الإحكام للآمدي 1/ 229، المسودة ص 331، البناني على جمع الجوامع 2/ 177، المنخول ص 310، مختصر ابن الحاجب 2/ 33، فواتح الرحموت 2/ 218، كشف الأسرار 3/ 237، تيسير التحرير 3/ 238، أصول السرخسي 1/ 311، 312، الإحكام لابن حزم 1/ 580، غاية الوصول ص 107، مختصر الطوفي ص 130، اللمع ص 50، الروضة ص 70، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130، أصول مذهب أحمد ص 310". 2 انظر: تيسير التحرير 3/ 238، كشف الأسرار 3/ 237. 3 انظر: تيسير التحرير 3/ 238، مختصر ابن الحاجب 2/ 33. 4 وهو قول بعض الشافعية. وهناك قول رابع بأن قوله يعتبر في حق نفسه، لا في حق غيره، فإن خالف فلا يكون الإجماع حجة عليه. "انظر: المسودة ص 331، المستصفى 1/ 183، مختصر ابن الحاجب 2/ 33، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 178، كشف الأسرار 3/ 238، تيسير التحرير 3/ 239، غاية الوصول ص 107".

قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَلا بَأْسَ بِهَذَا الْقَوْلِ1. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْفَاسِقِ بِلا تَأْوِيلٍ. أَمَّا الْفَاسِقُ بِتَأْوِيلٍ فَمُعْتَبَرٌ2 فِي الإِجْمَاعِ كَالْعَدْلِ3. اهـ. "وَلا يَنْعَقِدُ" الإِجْمَاعُ "مَعَ مُخَالَفَةِ" مُجْتَهِدٍ "وَاحِدٍ" يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ، وَالأَكْثَرِ4، لأَنَّهُ5 لا يُسَمَّى إجْمَاعًا مَعَ الْمُخَالَفَةِ؛ لأَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يَنْهَضْ إلاَّ فِي كُلِّ الأُمَّةِ؛ لأَنَّ "الْمُؤْمِنَ" لَفْظٌ عَامٌّ، وَالأُمَّةُ مَوْضُوعَةٌ لِلْكُلِّ؛ وَلأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ إصَابَةَ الأَقَلِّ وَخَطَأَ الأَكْثَرِ، كَمَا كَشَفَ الْوَحْيُ عَنْ إصَابَةِ عُمَرَ فِي أَسْرَى بَدْرٍ6، وَكَمَا انْكَشَفَ الْحَالُ عَنْ

_ 1 انظر: تيسير التحرير 3/ 239. 2 في ش: فيعتبر. 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 229. 4 وهو قول أكثر المالكية وأكثر الحنفية وأكثر الشافعية. "انظر: كشف الأسرار 3/ 245، أصول السرخسي 1/ 316، تيسير التحرير 3/ 236، فواتح الرحموت 2/ 222، مختصر ابن الحاجب 2/ 34، شرح تنقيح الفصول ص 336، المستصفى 1/ 186، 202، الإحكام للآمدي 1/ 235، شرح الورقات ص 167، نهاية السول 2/ 378، جمع الجوامع 2/ 178، المنخول ص 312، مناهج العقول 2/ 377، المعتمد 2/ 486، 491، الإحكام لابن حزم 1/ 507، 544، غاية الوصول ص 107، مختصر الطوفي ص 131، اللمع ص 50، الروضة ص 71، المسودة ص 329، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130، إرشاد الفحول ص 88، الوسيط ص 71". 5 في ز ش: أنّه. 6 وذلك أن عمر رضي الله عنه رأى عدم أخذ الأسرى في بدر، وعدم أخذ الفدية منهم، وعدم إطلاق سراحهم، وأن رأيه فيهم القتل، وأيده على ذلك بعض الصحابة، بينما ذهب أبو بكر وأكثر الصحابة إلى قبول الفداء من الأسرى، ومال إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل القرآن الكريم مؤيداًَ رأي عمر ومن معه، ومعاتباً نبيه صلى الله عليه وسلم في أخذه برأي الأكثرية في قبول الفداء، فقال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيْدُوْنَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيْدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيْمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيْمٌ} . الأنفال/ 67- 68. وأخرج قصة أسرى بدر الإمام مسلم وأبو داود عن ابن عباس، والترمذي عن ابن مسعود، وأحمد عن أنس وابن مسعود، وأصحاب التفاسير وكتب السيرة. "انظر: صحيح مسلم 3/ 1385، سنن أبي داود 2/ 56، تحفة الأحوذي 5/ 185، مسند أحمد 1/ 383، تفسير ابن كثير 3/ 345، تفسير القرطبي 10/ 42".

إصَابَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي أَمْرِ الرِّدَّةِ1. وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ حَتَّى مَعَ مُخَالَفَةِ اثْنَيْنِ. اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الْحَنَفِيُّ2 وَابْنُ حَمْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي "الْمُقْنِعِ"، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ3. وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ فِي "الْمُحِيطِ"4. وَقِيلَ: إنَّ هَذَا فِي غَيْرِ أُصُولِ الدِّينِ. أَمَّا فِيهَا فَلا يَنْعَقِدُ مَعَ مُخَالَفَةِ أَحَدٍ5.

_ 1 انظر المراجع السابقة في الصفحة السابقة في هامش 4. 2 في ض: والحنفي. وهو خطأ. 3 وهو رأي أبي الحسين الخياط. "انظر: المعتمد 2/ 486، نهاية السول 2/ 378، كشف الأسرار 3/ 245، الإحكام للآمدي 1/ 235". 4 قال ابن قدامة: "وقد أومأ إليه أحمد". "الروضة ص 71". وقال الطوفي: "وهو رواية عن أحمد". "مختصر الطوفي ص 131". وقد أيد هذا القول السرخسي وابن بدران. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 336، المسودة ص 329، أصول السرخسي 1/ 316، تيسير التحرير 3/ 236، 237، 238، كشف الأسرار 3/ 245، فواتح الرحموت 2/ 222، الإحكام لابن حزم 1/ 507، 544 وما بعدها، نهاية السول 2/ 379، المعتمد 2/ 486، 491، مناهج العقول 2/ 378، المستصفى 1/ 186، الإحكام للآمدي 1/ 235، المنخول ص 311، جمع الجوامع 2/ 178، غاية الوصول ص 107، اللمع ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130، إرشاد الفحول ص 89، الوسيط في أصول الفقه ص 72". 5 هذا التفصيل ذكره البزدوي في "أصوله" وذكر القرافي أن هذا قول ابن الأحشاد. "انظر: كشف الأسرار على أصول البزدوي 3/ 245، شرح تنقيح الفصول ص 336، المسودة ص 330، جمع الجوامع 2/ 178".

وَقِيلَ: هُوَ مَعَ الْمُخَالَفَةِ حُجَّةٌ، لا إجْمَاعٌ. اخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ1. "وَتُعْتَبَرُ مُخَالَفَةُ مَنْ صَارَ أَهْلاً قَبْلَ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ" أَيْ: عَصْرِ الْمُجْمِعِينَ؛ لأَنَّ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ مُعْتَبَرٌ لِصِحَّةِ الإِجْمَاعِ. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ2. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَالصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ: أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى انْقِرَاضِ الْعَصْرِ، فَمَنْ اشْتَرَطَ لِصِحَّةِ الإِجْمَاعِ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ قَبْلَ الاخْتِلافِ - وَهُوَ الأَصَحُّ، كَمَا يَأْتِي الْجَزْمُ بِذَلِكَ فِي الْمَتْنِ3 - قَالَ: هَذَا لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ إنْ خَالَفَ. وَمَنْ قَالَ: لا يُشْتَرَطُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ قَالَ: الإِجْمَاعُ انْعَقَدَ، وَلا اعْتِبَارَ بِمُخَالَفَةِ مَنْ صَارَ مِنْ أَهْلِ الإِجْمَاعِ بَعْدَ ذَلِكَ4. وَعَلَى اعْتِبَارِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ "وَلَوْ" كَانَ الَّذِي صَارَ أَهْلاً "تَابِعِيًّا مَعَ" إجْمَاعِ "الصَّحَابَةِ" قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ التَّابِعِيُّ أَهْلاً لِلاجْتِهَادِ، ثُمَّ صَارَ أَهْلاً قَبْلَ انْقِرَاضِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ الْمُجْمِعِينَ وَخَالَفَهُمْ5؛ لأَنَّهُ لا إجْمَاعَ لِلصَّحَابَةِ مَعَ

_ 1 اختار ابن بدران هذا الرأي، وهناك أقوال أخرى في المسألة. "انظر: مختصر ابن الحاجب 1/ 34، جمع الجوامع 2/ 178، شرح تنقيح الفصول ص 336، تيسير التحرير 3/ 237، نهاية السول 2/ 379، الإحكام للآمدي 1/ 235، مناهج العقول 2/ 377، المستصفى 1/ 186، فواتح الرحموت 2/ 222، كشف الأسرار 3/ 245، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130، اللمع ص 50، إرشاد الفحول ص 89". 2 انظر: المسودة ص 320، 321، 322، فواتح الرحموت 2/ 221، شرح الورقات ص 173. 3 سيذكر المصنف أقوال العلماء في اشتراط انقراض العصر لصحة الإجماع صفحة 246. 4 انظر: المسودة ص 333. 5 أي ومن لم يشترط انقراض العصر، فلا يعتبر قول من صار مجتهداً بعد اتفاق المجتهدين، ولو كان تابعيًّا مع الصحابة. "انظر: تيسير التحرير 3/ 241، الإحكام للآمدي 1/ 240، 257، فواتح الرحموت 2/ 221، جمع الجوامع 2/ 179، مختصر الطوفي ص 132، مختصر ابن الحاجب 2/ 32، 35، إرشاد الفحول ص 81، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130، المسودة ص 323".

مُخَالَفَةِ تَابِعِيٍّ مُجْتَهِدٍ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقِ، وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْهُمْ، أَكْثَرُ1 الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ2. لأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ مِنْ الأُمَّةِ. فَلا يَنْهَضُ الدَّلِيلُ بِدُونِهِ، وَلأَنَّ الصَّحَابَةَ سَوَّغُوا اجْتِهَادَ التَّابِعِينَ وَفَتْوَاهُمْ مَعَهُمْ فِي الْوَقَائِعِ الْحَادِثَةِ فِي زَمَانِهِمْ، فَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ3 يُفْتِي فِي الْمَدِينَةِ وَفِيهَا خَلْقٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَشُرَيْحٌ بِالْكُوفَةِ وَفِيهَا45أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ5 عَلِيُّ6بْنُ أَبِي طَالِبٍ7 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ فِي خُصُومَةٍ عَرَضَتْ لَهُ عِنْدَهُ، عَلَى

_ 1 في ش: وأكثر. 2 انظر: المستصفى 1/ 185، الإحكام للآمدي 1/ 240، مختصر ابن الحاجب 2/ 35، شرح تنقيح الفصول ص 335, المسودة ص 321، 333، تيسير التحرير 3/ 241، المعتمد 2/ 491، نهاية السول 2/ 387، فواتح الرحموت 2/ 221، جمع الجوامع 2/ 179، مختصر الطوفي ص 132، اللمع ص 50، الروضة ص 70، إرشاد الفحول ص 81، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130. وفي ض ع: والمالكية والشافعية. 3 هو سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي، أبو محمد القرشي المدني، سيد التابعين، الإمام الجليل، فقيه الفقهاء. قال الإمام أحمد: "سيد التابعين سعيد بن المسيب". وقال يحيى بن سعيد: "كان أحفظ الناس لأحكام عمر وأقضيته". جمع الحديث والتفسير والفقه والورع والعبادة والزهد. توفي سنة 93هـ، وقيل 94هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 54، طبقات الفقهاء ص 57، مشاهير علماء الأمصار ص 63، وفيات الأعيان 2/ 117، شذرات الذهب 1/ 102، الخلاصة ص 143، طبقات الحفاظ ص 17، حلية الأولياء 2/ 161". 4 في ب ض ع: وبها. 5 ساقطة من ش. 6 ساقطة من ع.

خِلافِ رَأْيِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ1، كَانُوا يُفْتُونَ بِآرَائِهِمْ زَمَنَ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرِ أَنَّهُمْ2 أَجْمَعُوا أَوْ لا، وَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُمْ فِي الإِجْمَاعِ مَعَهُمْ لَسَأَلُوا قَبْلَ إقْدَامِهِمْ عَلَى الْفَتْوَى: هَلْ أَجْمَعُوا أَمْ لا؟ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا، فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ مَعَهُمْ مُطْلَقًا3. وَسُئِلَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: "سَلُوا مَوْلانَا الْحَسَنَ. فَإِنَّهُ غَابَ وَحَضَرْنَا، وَحَفِظَ وَنَسِينَا"4. فَقَدْ سَوَّغُوا اجْتِهَادَهُمْ، وَلَوْلا صِحَّتُهُ وَاعْتِبَارُهُ لَمَا سَوَّغُوهُ5، وَإِذَا اُعْتُبِرَ قَوْلُهُمْ فِي الاجْتِهَادِ فَلْيُعْتَبَرْ فِي الإِجْمَاعِ؛ إذْ لا يَجُوزُ مَعَ تَسْوِيغِ الاجْتِهَادِ تَرْكُ الاعْتِدَادِ بِقَوْلِهِمْ وِفَاقًا. وَالأَدِلَّةُ السَّابِقَةُ تَتَنَاوَلُهُمْ. وَاخْتِصَاصُ الصَّحَابَةِ بِالأَوْصَافِ الشَّرِيفَةِ6 لا يَمْنَعُ7 مِنْ الاعْتِدَادِ بِذَلِكَ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ اتِّفَاقَ الصَّحَابَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ التَّابِعِينَ يَكُونُ إجْمَاعًا. وَاخْتَارَهُ الْخَلاَّلُ وَالْحَلْوَانِيُّ وَالْقَاضِي أَيْضًا فِي بَعْضِ كُتُبِهِ8، فَيَكُونُ لَهُ اخْتِيَارَانِ9.

_ 1 في ض: وغيره. 2 في ش ز: منهم. 3 انظر: تيسير التحرير 3/ 241، فواتح الرحموت 2/ 222، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 35، نهاية السول 2/ 387، المستصفى 1/ 185، الإحكام للآمدي 1/ 240، الروضة ص 71. 4 انظر: الروضة ص 71، اللمع ص 50، مختصر الطوفي ص 132، إرشاد الفحول ص 81. 5 في ب ض ع: سوغوا. 6 في ش ز: الشرعية. 7 في ع: تمنع. 8 وهو كتاب "العدة". "انظر: المسودة ص 333". 9 وهو مرويّ عن إسماعيل بن علية، وعن نفاة القياس، وحكاه الباجي عن ابن خواز.....=

وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الصَّحَابَةَ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ. فَهُمْ أَعْلَمُ بِالتَّأْوِيلِ. فَالتَّابِعُونَ مَعَهُمْ كَالْعَامَّةِ مَعَ الْعُلَمَاءِ. وَلِذَلِكَ قُدِّمَ تَفْسِيرُهُمْ. وَأَنْكَرَتْ1 عَائِشَةُ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ2 لَمَّا خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا3. وَزَجَرَتْهُ بِقَوْلِهَا " أَرَاك كَالْفَرُّوجِ يَصِيحُ بَيْنَ الدِّيَكَةِ "4. وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ مُعْتَبَرًا لَمَا أَنْكَرَتْهُ5.

_ = منداد. واختاره ابن برهان في الوجيز، وحكاه الموفق عن القاضي الباقلاني وبعض الشافعية. وفي المسألة أقوال أخرى. "انظر: المستصفى 1/ 185، الإحكام للآمدي 1/ 240، العضد على ابن الحاجب 2/ 35، نهاية السول 2/ 387، شرح تنقيح الفصول ص 335، المسودة ص 321، 333، تيسير التحرير 3/ 241، فواتح الرحموت 2/ 221 وما بعدها، المعتمد 2/ 491، الروضة ص 70، مختصر الطوفي ص 50، 132، إرشاد الفحول ص 81". 1 في ش: وأكرته. 2 هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، أحد الأعلام، ليس له اسم، وقيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، وقيل: اسمع كنيته واحد. قال ابن سعد: "كان ثقة فقيهاً كثير الحديث". ونقل أبو عبد الله الحاكم أنه أحد الفقهاء السبعة عن أكثر أهل الأخبار، وكان كثيراً ما يخالف ابن عباس، فحرم بذلك علماً كثيراً. مات سنة 94هـ، وقيل 104هـ. "انظر: طبقات الفقهاء ص 61، شذرات الذهب 1/ 105، تذكرة الحفاظ 1/ 63، طبقات الحفاظ ص 23، تهذيب التهذيب 12/ 115، الخلاصة ص 451". 3 في ع: عنها زوجها. 4 روى الإمام مالك أن السيدة عائشة قالت ذلك لأبي سلمة في الغسل من التقاء الختانين. قال أبو سلمة: سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ما يوجب الغُسْل؟ فقالت: هل تدري، ما مِثْلُك يا أبا سلمة؟ مثلُ الفروج يسمع الديكة تصرخ، فيصرخ معها، إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. "الموطأ 1/ 46". وذكر الإمام مالك أن أبا سلمة بن عبد الرحمن سأل أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عدة المرأة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً، بعد أن سمع قول ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم. "انظر: الموطأ 2/ 589". 5 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 241، مختصر ابن الحاجب 2/ 35، المستصفى 1/ 185، فواتح الرحموت 2/ 222، المعتمد 2/ 491، الروضة ص 71، مختصر الطوفي ص 132.

وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ كَوْنَهُمْ أَعْلَمُ لا يَنْفِي اعْتِبَارَ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ، وَكَوْنُهُمْ مَعَهُمْ كَالْعَامَّةِ مَعَ الْعُلَمَاءِ تَهَجُّمٌ مَمْنُوعٌ. وَالصُّحْبَةُ لا تُوجِبُ الاخْتِصَاصَ، وَإِنْكَارُ عَائِشَةَ إمَّا لأَنَّهَا1 لَمْ تَرَهُ مُجْتَهِدًا، أَوْ لِتَرْكِهِ2 التَّأَدُّبَ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ حَالَ الْمُنَاظَرَةِ مِنْ رَفْعِ صَوْتٍ وَنَحْوِهِ. وَقَوْلُهَا "يَصِيحُ" يُشْعِرُ بِهِ3. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَوْنُهُ لا إجْمَاعَ لِلصَّحَابَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ مُجْتَهِدٍ تَابِعِيٍّ كَذَلِكَ لا إجْمَاعَ لِلتَّابِعِينَ مَعَ مُخَالَفَةِ مُجْتَهِدٍ مِنْ تَابِعِ التَّابِعِينَ. وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ4 بِقَوْلِهِ: "أَوْ تَابِعِهِ" أَيْ تَابِعَ التَّابِعِيَّ "مَعَ التَّابِعِينَ" لأَنَّهُ5 إذَا لَمْ6يَنْعَقِدْ إجْمَاعُ3 الصَّحَابَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ مُجْتَهِدٍ تَابِعِيٍّ، فَلأَنْ لا يَنْعَقِدَ إجْمَاعُ التَّابِعِينَ مَعَ مُخَالَفَةِ مُجْتَهِدٍ مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ مِنْ بَابٍ أَوْلَى7. لَكِنْ "لا" يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإِجْمَاعِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً عِنْدَ انْعِقَادِهِ "مُوَافَقَتُهُ" عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ إذَا صَارَ أَهْلاً قَبْلَ انْقِرَاضِ عَصْرِ الْمُجْمِعِينَ8. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: "وَالضَّابِطُ أَنَّ اللاَّحِقَ إمَّا أَنْ يَتَأَهَّلَ قَبْلَ

_ 1 في ز ض ب ع: أنه. 2 في ض ع: لترك. 3 انظر: المستصفى 1/ 185، الإحكام للآمدي 1/ 242، شرح تنقيح الفصول ص 335، فواتح الرحموت 2/ 222، مختصر الطوفي ص 132، الروضة ص 71. 4 في ش: أشار. 5 في ض: مع أنه. 6 في ش ز: يعتمد اجماع. وفي د: ينعقد بإجماع. 7 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 300، المسودة ص 339، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130. 8 انظر: المسودة ص 320، 323، 333.

الانْقِرَاضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَعَلَى الأَوَّلِ: فَإِمَّا أَنْ يُوَافِقَ أَوْ يُخَالِفَ أَوْ يَسْكُتَ. قُلْت: سِرُّ1 الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُدْرِكَ لا يُعْتَبَرُ2 وِفَاقُهُ3، بَلْ يُعْتَبَرُ عَدَمُ خِلافِهِ إذَا قُلْنَا بِهِ4" اهـ. "وَلَيْسَ إجْمَاعُ الأُمَمِ الْخَالِيَةِ" حُجَّةً عِنْدَ الْمَجْدِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ5. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ6 الشِّيرَازِيُّ: "هَذَا قَوْلُ الأَكْثَرِ7". وَصَرَّحَ بِهِ الآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ8. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّهُ كَانَ حُجَّةً قَبْلَ النَّسْخِ9. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنْ كَانَ سَنَدُهُمْ قَطْعِيًّا فَحُجَّةٌ، أَوْ ظَنِّيًّا فَالْوَقْفُ10. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ قَطَعَ أَهْلُ الإِجْمَاعِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِقَوْلِهِمْ: فَهُوَ

_ 1 في ش: من. 2 في ش ز: تعتبر. 3 في ش: وفاته. 4 المسودة ص 323، 320. 5 المسودة ص 321. 6 في ش ز: الحسن. وهو خطأ. 7 اللمع ص 50. 8 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 284، جمع الجوامع 2/ 184، شرح الورقات ص 168، شرح تنقيح الفصول ص 323، غاية الوصول ص 107. 9 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 323، المنخول ص 309، اللمع ص 50. 10 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 323.

حُجَّةٌ، لاسْتِنَادِهِ إلَى قَاطِعٍ فِي الْعَادَةِ، وَالْعَادَةُ لا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأُمَمِ. وَإِلاَّ لَكَانَ مُسْتَنَدُهُ مَظْنُونًا. وَالْوَجْهُ الْوَقْفُ1. "وَ" كَذَا "لا" يَكُونُ إجْمَاعُ "أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجَّةً" مَعَ مُخَالَفَةِ مُجْتَهِدٍ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ؛ لأَنَّهُمْ بَعْضُ الأُمَّةِ، لا كُلُّهَا؛ لأَنَّ الْعِصْمَةَ مِنْ الْخَطَإِ إنَّمَا تُنْسَبُ2 لِلْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَلا مَدْخَلَ لِلْمَكَانِ فِي الإِجْمَاعِ؛ إذْ لا أَثَرَ لِفَضِيلَتِهِ فِي عِصْمَةِ3 أَهْلِهِ، بِدَلِيلِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ4. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ5، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْقَوْلَ

_ 1 إن أبا المعالي صاحب هذا القول هو نفسه إمام الحرمين الجويني الذي ذكر المصنف لقبه قبل سطر واحد، وذكر رأيه في المسألة، والرأيان متفقان، مع الاختلاف في الألفاظ، وتكرار المعنى. "انظر: شرح الورقات ص 168، شرح تنقيح الفصول ص 323، المسودة ص 320". 2 في ض: ينسب. 3 في ض: عصمته. 4 انظر: الرسالة للشافعي ص 534، كشف الأسرار 3/ 241، الإحكام للآمدي 1/ 243، شرح تنقيح الفصول ص 336، المسودة ص 331، أصول السرخسي 1/ 314، الإحكام لابن حزم 1/ 552 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 244، المعتمد 2/ 492، نهاية السول 2/ 354، مناهج العقول 2/ 351، المستصفى 1/ 187، المنخول ص 315، فتاوى ابن تيمية 20/ 494، أصول مذهب أحمد ص 349، 354، غاية الوصول ص 107، اللمع ص 50، الروضة ص 72، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، إرشاد الفحول ص 82، عمل أهل المدينة ص 88 وما بعدها. 5 انظر: كشف الأسرار 3/ 241، فواتح الرحموت 2/ 356، الإحكام للآمدي 1/ 249، المستصفى 1/ 187، المسودة ص 331، أصول السرخسي 1/ 314، المنخول ص 314، الإحكام لابن حزم 1/ 507، 552، المعتمد 2/ 492، نهاية السول 2/ 353، مناهج العقول 2/ 351، مختصر ابن الحاجب 2/ 35، غاية الوصول ص 107، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، الروضة ص 72، إرشاد الفحول ص 82.

الْبَاطِلَ خَبَثٌ، وَالْخَبَثُ مَنْفِيٌّ عَنْ الْمَدِينَةِ بِقَوْلِ الصَّادِقِ1. وَإِذَا2 انْتَفَى الْبَاطِلُ بَقِيَ الْحَقُّ. فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ. فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِظَاهِرِهِ. وَكَذَلِكَ3 أَطْلَقَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْقَوْلَ بِهِ4 عَنْ مَالِكٍ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ5. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ يَلِيهِمْ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ6.

_ 1 روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً " ... ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبث ... ". وروى مسلم ومالك عن جابر مرفوعاً: "إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها". وروى مسلم عن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها طَيْبةٌ، وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة". وروى البخاري ومسلم ومالك وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... وهي المدينة تنفي الناس، كما ينفي الكير خبث الحديد". "انظر: صحيح البخاري 1/ 321، صحيح مسلم 2/ 1005 وما بعدها، مسند أحمد 2/ 439، الموطأ 2/ 886، المنتفى 7/ 189، 190". وقد ورد في فضل المدينة أحاديث كثيرة في كتب الصحاح، لكن قال الإمام البيضاوي وابن الحاجب والمراغي وغيرهم الاستدلال بالأحاديث على حجية إجماع أهل المدينة ضعيف. "انظر: أصول السرخسي 1/ 314، نهاية السول 2/ 354، مناهج العقول 2/ 351، كشف الأسرار 3/ 241، الإحكام للآمدي 1/ 243، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 36". 2 في ز ش: فإذا. 3 في زش: ولذلك. 4 ساقطة من ز ض ب ع. 5 وحمل الباجي والقرافي كلام الإمام مالك في حجية إجماع أهل المدينة على ما كان طريقه النقل المستفيض، كالصاع والمد والأذان والإقامة ... وفصل القاضي عبد الوهاب والقرطبي بين حالات وحالات، وأنكر بعض المالكية أن يكون ذلك مذهباً لمالك. "انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 35، الإحكام للآمدي 1/ 243، المنخول ص 314، أصول مذهب أحمد ص 352، شرح تنقيح الفصول ص 334، المسودة ص 332، الإحكام لابن حزم 1/ 507، 552 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 244، المعتمد 2/ 492، نهاية السول 2/ 354، فواتح الرحموت 2/ 234، اللمع ص 50، إرشاد الفحول ص 82". 6 انظر: المسودة ص 332.

"وَلا قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ" وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ1 يَكُونُ إجْمَاعًا، وَلا حُجَّةً مَعَ مُخَالَفَةِ مُجْتَهِدٍ. وَهَذَا الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ2 الأَئِمَّةِ3؛ لأَنَّهُمْ لَيْسُوا كُلَّ الأُمَّةِ الَّذِينَ جُعِلَتْ الْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِمْ4. وَعَنْ الإِمَامِ5 أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ قَوْلَهُمْ إجْمَاعٌ وَحُجَّةٌ6. اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا7 مِنْ أَصْحَابِنَا.

_ 1 ساقطة من ض ع. 2 في ب: عن. 3 في ض: الأمة. 4 انظر: المستصفى 1/ 187، القواعد والفوائد الأصولية ص 294، المسودة ص 340، تيسير التحرير 3/ 242، نهاية السول 2/ 358، الإحكام للآمدي 1/ 249، مناهج العقول 2/ 356، مختصر ابن الحاجب 2/ 36، جمع الجوامع 2/ 179، أصول أحمد ص 337، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، مختصر الطوفي ص 50، الروضة ص 72، اللمع ص 50، إرشاد الفحول ص 83. 5 ساقطة من ض ع. 6 وعنه رواية ثالثة أنه حجة لا إجماع, وذكر بعض الحنابلة عن أحمد قولاً رابعاً أن قول أبي بكر وعمر إجماع، وهو ما رجحه ابن بدران. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 294، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131، المسودة ص 340، الروضة ص 73، إرشاد الفحول ص 83، مختصر الطوفي ص 135، تيسير التحرير 3/ 243، نهاية السول 2/ 357، مناهج العقول 2/ 356، الإحكام للآمدي 1/ 249، مختصر ابن الحاجب 2/ 36، أصول مذهب أحمد ص 339، 341". 7 هو الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء البغدادي الإمام، أبو علي، المقرئ المحدث الفقيه الواعظ، صاحب التصانيف في الفقه والفرائض وأصول الدين وفي علوم مختلفة، وكان أديباً، شديداً على أهل الأهواء، وكان عالماً بالعربية في الأدب والشعر والرسائل. له مصنفات كثيرة، منها: "شرح الخرقي"، و"الكامل" في الفقه، و"الكافي المحدد في شرح المجرد"، و"آداب العالم والمتعلم"، و"مناقب الإمام أحمد"، و"فضائل الشافعي"، و"شرح الإيضاح" في النحو الفارسي، و"مختصر غريب الحديث" لأبي عبيد. توفي سنة 471هـ. انظر: ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/ 243، الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 32، طبقات القراء 1/ 206، بغية الوعاة 1/ 495، المنهج الأحمد 2/ 138، شذرات الذهب 3/ 338، المدخل إلى مذهب أحمد ص 206".

وَأَبُو خَازِمٍ1 - بِالْمُعْجَمَتَيْنِ - وَكَانَ قَاضِيًا حَنَفِيًّا. وَحَكَمَ بِذَلِكَ زَمَنَ الْمُعْتَضِدِ2 فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الأَرْحَامِ. فَأَنْفَذَ حُكْمَهُ. وَكَتَبَ بِهِ إلَى الآفَاقِ3. وَلَمْ يَعْتَبِرْ خِلافَ زَيْدٍ4 فِي ذَلِكَ.

_ 1 هو عبد الحميد بن عبد العزيز القاضي، أبو خازم. أصله من البصرة، وتفقه عليه أبو جعفر الطحاوي، ولي قضاء الشام والكوفة والكرخ من بغداد، وكان جليل القدر. وله شعر جيد. وكان ورعاً عالماً بمذهب أبي حنيفة وبالفرائض والحساب والذرع والقسمة والجبر والمقابلة والوصايا والمناسخات. وكان من قضاة العدل. له مصنفات، منها: "المحاضر والسجلات"، و"أدب القاضي"، و"كتاب القاضي"، و"كتاب الفرائض". توفي سنة 292هـ. وأبو خازم بالخاء المعجمة، وقيل بالحاء المهملة. انظر ترجمته في "الجواهر المضيئة 1/ 296، الفوائد البهية ص 86، طبقات الفقهاء ص 141، شذرات الذهب 2/ 210، تاج التراجم ص 33، البداية والنهاية 11/ 99، الفهرست ص 292، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 159". 2 هو الخليفة العباسي أحمد بن طلحة بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد، أبو العباس، المعتضد بالله، كان ملكاً شجاعاً، مهيباً، وافر العقل، شديد الوطأة، وذا سياسة عظيمة، موصوفاً بالرجولة، لقي الحروب، وعرف فضله، وهابه الناس، وسكنت الفتنة في أيامه، ونشر العدل ورفع العلم، وكان يسمى السفاح الثاني، لأنه جدد ملكَ بني العباس. توفي سنة 289هـ. انظر ترجمته في "فوات الوفيات 1/ 83، شذرات الذهب 2/ 199، تاريخ الخلفاء ص 368". 3 قال السيوطي: "وفي سنة 283هـ كتب المعتضد بالله كتباً بتوريث ذوي الأرحام". تاريخ الخلفاء ص 368. "وانظر: المسودة ص 340، أصول السرخسي 1/ 317، فواتح الرحموت 2/ 231". 4 هو الصحابي زيد بن ثابت بن الضحاك، أبو سعيد الأنصاري النجاري المدني الفرضي، كاتب الوحي والمصحف. أسلم قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة، واستصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وشهد أحداً وقيل لا، وشهد الخندق وما بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الرسول يوم تبوك راية بني النجار. وقال: القرآن مقدم، وزيد أكثر أخذاً للقرآن، كتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب له المراسلات إلى الناس، ثم كتب لأبي بكر وعمر في خلافتهما، وهو أحد الثلاثة الذين جمعوا المصحف، وكان عمر وعثمان يستخلفانه إذا حجَّا، وكان أعلم الصحابة بالفرائض. توفي بالمدينة سنة 54هـ، وقيل غير ذلك، ومناقبه كثيرة جداً. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 561، الاستيعاب 1/ 551، تهذيب الأسماء 1/ 200، الخلاصة ص 127، تذكرة الحفاظ 1/ 30".

بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُلَفَاءَ الأَرْبَعَةَ يُوَرِّثُونَهُمْ1. وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ2 بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَالَفَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ فِي الْفَرَائِضِ، وَابْنَ مَسْعُودٍ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ3، وَغَيْرَهُمَا فِي غَيْرِ4 ذَلِكَ. وَلَمْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ بِإِجْمَاعِ الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ5. "وَلا" قَوْلِ "أَهْلِ الْبَيْتِ، وَ" أَهْلُ الْبَيْتِ "هُمْ: عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ6" بِنْتُ

_ 1 ومحل الاستشهاد أن الإمام أحمد البردعي أبا سعيد ردّ على أبي خازم بأن زيداً خالف فيه، وأن الحكم القضائي استند إلى قول أحد المجتهدين فلا ينقض، فأجاب أبو خازم: لا أعدّ زيداً خلافاً على الخلفاء الأربعة، فاعتبر اتفاقهم إجماعاً. "انظر: المسودة ص 340، أصول السرخسي 1/ 317، تيسير التحرير 3/ 242، فواتح الرحموت 2/ 231، الإحكام للآمدي 1/ 249، مناهج العقول 2/ 356، نهاية السول 2/ 357، المستصفى 1/ 187، شرح تنقيح الفصول ص 335، القواعد والفوائد الأصولية ص 294، إرشاد الفحول ص 83، مختصر الطوفي ص 135". 2 ساقطة من ض. 3 ساقطة من ب ض ع. 4 ساقطة من ض ع. 5 انظر: المستصفى 1/ 186، العضد على ابن الحاجب 2/ 35، أصول السخسي 1/ 320، كشف الأسرار 3/ 246، 249، فواتح الرحموت 2/ 222، الروضة ص 72، أصول مذهب أحمد ص 342. 6 هي فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمها خديجة بنت خويلد أم المؤمنين. وهي أصغر بنات الرسول عليه الصلاة والسلام. تزوجها علي رضي الله عنه بعد موقعة أحد، وقيل غير ذلك. ولدت لعلي الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم. وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء من غزوة بدأ بالمسجد، فصلى فيه ثم يأتي فاطمة، ثم يأتي أزواجه، وإذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها. وهي سيدة نساء المؤمنين، ومناقبها كثيرة. توفيت سنة 11 هـ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر. انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 377، الاستيعاب 4/ 373، تهذيب الأسماء 2/ 353، الخلاصة ص 494، حلية الأولياء 2/ 39".

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَنَجْلاهُمَا" هُمَا حَسَنٌ1 وَحُسَيْنٌ2 "رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ" لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ: أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} 3 أَدَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِسَاءَ. وَقَالَ: "هَؤُلاءِ أَهْلُ

_ 1 هو الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو محمد القرشي الهاشمي المدني، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. وكان شبيهاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، سَمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم وعقّ عنه وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضة، ولم يكن الحسن والحسين يسمى بهما في الجاهلية، وكان حليماً ورعاً كريماً. ولي الخلافة بعد مقتل أبيه، ثم تنازل عنها لمعاوية. وله مناقب كثيرة. توفي بالمدينة سنة 49هـ، وقيل غير ذلك، ودفن بالبقيع. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 328، الاستيعاب 1/ 369، تهذيب الأسماء 1/ 158". 2 هو الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة، وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، حجَّ ماشياً 25 مرة، وكان فاضلاً، كثير الصلاة والصوم والحج والصدقة وأفعال الخير كلها، مناقبه كثيرة. قتل رضي الله عنه يوم عائشة بكربلاء سنة 61هـ. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 331، الاستيعاب 1/ 378، تهذيب الأسماء 1/ 162، الخلاصة ص 83". 3 الآية 33 من الأحزاب. وقال جماهير المفسرين إن المراد من الآيات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أولها وآخرها، وأول الآية 32: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ... } ، وأول الآية. {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ... } . وأول الآية 34: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلََى فِيْ بُيُوْتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ ... } . "انظر: تفسير ابن كثير 5/ 454، تفسير الطبري 22/ 6، تفسير الخازن 5/ 213، تفسير البغوي 5/ 213، تفسير القرطبي 14/ 182، تفسير القاسمي 13/ 4854". وانظر: الإحكام للآمدي 1/ 247.

بَيْتِي وَخَاصَّتِي. اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا" 1. "بِإِجْمَاعٍ، وَلا حُجَّةَ مَعَ مُخَالَفَةِ مُجْتَهِدٍ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ2 وَغَيْرِهِمْ، لِلأَدِلَّةِ الْعَامَّةِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ3. وَقَالَ الْقَاضِي فِي "الْمُعْتَمَدِ" وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالشِّيعَةُ: إنَّ قَوْلَ أَهْلِ الْبَيْتِ إجْمَاعٌ4. وَالْمُرَادُ بِالشِّيعَةِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى حُبِّ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ شِيعَتِهِ. وَقَدْ كَانَ فِي الأَصْلِ لَقَبًا لِلَّذِينَ أَلِفُوهُ فِي حَيَاتِهِ. كَسَلْمَانَ5، وَأَبِي ذَرٍّ،

_ 1 الحديث رواه الترمذي عن عمر بن أبي سلمة. ورواه الإمام أحمد والحاكم وصححه وابن جرير الطبري عن أم سلمة. ورواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها. "انظر: تحفة الأحوذي 9/ 66، مسند أحمد 6/ 292، تفسير ابن كثير 5/ 454، تفسير الطبري 22/ 6، المستدرك 2/ 416، 3/ 146، صحيح مسلم 4/ 1883، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 298". 2 ساقطة من ض. 3 انظر: نهاية السول 2/ 355، كشف الأسرار 3/ 241، مختصر ابن الحاجب 2/ 36، جمع الجوامع 2/ 179، شرح تنقيح الفصول ص 334، المسودة ص 329، 333، أصول السرخسي 1/ 315، مناهج العقول 2/ 352، تيسير التحرير 3/ 242، فواتح الرحموت 2/ 228، الإحكام للآمدي 1/ 245، مختصر الطوفي ص 136، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، إرشاد الفحول ص 83. 4 وهو قول الزيدية والإمامية. "انظر: كشف الأسرار 3/ 241، فواتح الرحموت 2/ 228، تيسير التحرير 3/ 242، أصول السرخسي 1/ 314، شرح تنقيح الفصول ص 334، المسودة ص 333، نهاية السول 2/ 355، مناهج العقول 2/ 353، الإحكام للآمدي 1/ 245، مختصر ابن الحاجب 2/ 36، مختصر الطوفي ص 136، إرشاد الفحول ص 83، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132". 5 هو الصحابي سلمان الفارسي، أبو عبد الله، سلمان الخير، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. سئل عن نسبه فقال: أنا سلمان ابن الإسلام، له قصة مشهورة في إسلامه. وأول مشاهده الخندق، ولم يتخلف عن مشهد بعدها. آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي الدرداء، وكان من فضلاء الصحابة وزهادهم وعلمائهم. وهو الذي أشار بحفر الخندق حين جاء الأحزاب. ثم سكن العراق روي له ستون حديثاً. توفي بالمدائن سنة 36هـ، وقيل غير ذلك. وقيل: إنه عاش 250 سنة فأكثر. له ثلاث بنات. وفي الحديث: "إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان". انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 62، الاستيعاب 2/ 56، تهذيب الأسماء 1/ 227، الخلاصة ص 147، حلية الأولياء 1/ 185، 368".

وَالْمِقْدَادِ1، وَعَمَّارٍ. وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ثُمَّ صَارَ لَقَبًا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَرَى تَفْضِيلَهُ عَلَى كُلِّ الصَّحَابَةِ، وَيَرَى أُمُورًا أُخْرَى لا يَرْضَاهَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلا أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَلا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا فِرَقًا كَثِيرَةً. وَهَؤُلاءِ هُمْ الْمُرَادُ بِإِطْلاقِ الأُصُولِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ "الشِّيعَةُ2". "وَمَا عَقَدَهُ أَحَدُ3" الْخُلَفَاءِ "الأَرْبَعَةِ مِنْ صُلْحٍ" كَصُلْحِ بَنِي تَغْلِبَ "وَ" مِنْ "خَرَاجٍ" كَعَقْدِ خَرَاجِ السَّوَادِ "وَ" مِنْ "جِزْيَةٍ" وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ لا يَجُوزُ نَقْضُهُ عِنْدَ الأَكْثَرِ4. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الأَصْحَابِ، وَقَالَ أَيْضًا: وَ5يَجُوزُ ذَلِكَ6 إذَا رَأَى

_ 1 هو الصحابي المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي، واشتهر بالمقداد بن الأسود، لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث الأزهري، فتبناه فنسب إليه. ولقبه أبو الأسود، وقيل أبو عمرو أو أبو معبد، قديم الإسلام والصحبة، وهو ممن أظهر إسلامه بمكة مبكراً، وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهد بدراً وسائر المشاهد. وكان الفارس الوحيد في بدر. روي له اثنان وأربعون حديثاً. وشهد فتح مصر. مناقبه كثيرة. توفي سنة 33هـ، ودفن بالمدينة. انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 453، الاستيعاب 3/ 472، تهذيب الأسماء 2/ 111، حلية الأولياء 1/ 172". 2 ساقطة من ب. وانظر: فواتح الرحموت 2/ 228 وما بعدها. 3 ساقطة من ب. 4 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 294، المسودة ص 341. 5 ساقطة من ع. 6 ساقطة من ز ش ب ع.

ذَلِكَ الإِمَامُ. فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمُ رَأْيِهِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ؛ لأَنَّ الْمَصَالِحَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَزْمِنَةِ1. قُلْتُ: وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ2. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ 1 انظر: المسودة ص 341. 2 قال البهوتي: "وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم ليس لأحد نقضه، وما حماه غيره من الأئمة يجوز نقضه". "الروض المربع 2/ 233".

باب: الإجماع

باب: الإجماع ... وما قِيلَ من أن الآيةَ ظاهرةٌ، ولا دليل على أن الظاهرَ حجةٌ إلا الإجماعُ، فيلزم الدورُ1 ـ ممنوعٌ؛ لجَوَازِ نصٍّ قاطعٍ على أنه حجة، أو استدلالٍ قطعي؛ لأن الظاهرَ مظنونٌ، وهو حجةٌ لئلا يلزم رفعُ النقيضين، أو اجتماعُهما، أو العملُ بالمرجوح، وهو خلافُ العقل. وبقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} 2 والمشروطُ عدمٌ عندَ عدمِ شرْطِهِ، فاتفاقُهم كافٍ3. واعترِضَ عدمُ الرَّد إلى الكتاب والسنة عند الإجماع: أنه إن بُنِي الإجماعُ على أحدهما فهو كاف، وإلا ففيه تجويزُ الإجماعِ بلا دليل4. ثم لا نسلم عدمَ الشرط، فإن الكلام مفروض في نزاعِ مجتهدِينَ متأخِّرِينَ لإجماعٍ سابقٍ5.

_ 1 انظر أوجه الاعتراض على الاستدلال بهذه الآية بشكل مفصل وطويل مع مناقشتها في كتاب إرشاد الفحول ص 74-76 نقلاً عن المحصول للرازي، المعتمد 2/ 462 وما بعدها، نهاية السول 2/ 343 وما بعدها، مناهج العقول 2/ 339 وما بعدها، كشف الأسرار 3/ 253، المستصفى 1/ 175، فواتح الرحموت 2/ 214، الإحكام للآمدي 1/ 200، 211، مختصر ابن الحاجب 2/ 31، المنخول ص 305. 2 الآية 59 من النساء. 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 218، المستصفى 1/ 174، المعتمد 2/ 470. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 218. 5 في ب ز ش ع: لا إجماع، وهو خطأ. والأعلى من نسخة ض، وهو الموافق لعبارة الآمدي في "الإحكام".

فصل: انقراض العصر

فصل: انقراض العصر ... فَصْلٌ: "يُعْتَبَرُ" لِصِحَّةِ انْعِقَادِ الإِجْمَاعِ "انْقِرَاضُ الْعَصْرِ، وَهُوَ مَوْتُ مَنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ" مِنْ غَيْرِ رُجُوعِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ فُورَكٍ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ. وَنَقَلَهُ الأُسْتَاذُ عَنْ الأَشْعَرِيِّ، وَابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ1، "فَيَسُوغُ لَهُمْ" أَيْ لِجَمِيعِ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ وَلِبَعْضِهِمْ الرُّجُوعَ عَمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ "لِدَلِيلٍ" يَقْتَضِي الرُّجُوعَ "وَلَوْ عَقِبَهُ" أَيْ عَقِبَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْحُكْمِ؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ2 بِمَوْتِ مَنْ اُعْتُبِرَ فِيهِ. وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ3 فَيَسُوغُ4 لَهُمْ وَلِبَعْضِهِمْ الرُّجُوعُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الإِجْمَاعِ5.

_ 1 انظر: كشف الأسرار 3/ 243، المستصفى 1/ 192، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، المسودة ص 320، أصول السرخسي 1/ 315، الإحكام لابن حزم 1/ 507، تيسير التحرير 3/ 230، المعتمد 2/ 502، 538، نهاية السول 2/ 386، فواتح الرحموت 2/ 224، الإحكام للآمدي 1/ 256، مناهج العقول 2/ 384، جمع الجوامع 2/ 182، المنخول ص 317، شرح الورقات ص 171، مختصر الطوفي ص 133، الروضة ص 73، إرشاد الفحول ص 84، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130. 2 في ز ش: استقر. 3 في ش: المجتهدون الذين. 4 في ش: يسوغ. 5 انظر: أصول السرخسي 1/ 315، كشف الأسرار 3/ 243، 244، نهاية السول 2/ 386، الإحكام لابن حزم 1/ 507، المسودة ص 321، 323، شرح الورقات ص 171، 173، إرشاد الفحول ص 85، مختصر الطوفي ص 133، غاية الوصول ص 107.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ غَيْرُ ذَلِكَ. أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: أَنَّهُ لا يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ مُطْلَقًا1. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ لِلإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ لِضَعْفِهِ دُونَ غَيْرِهِ. اخْتَارَهُ الآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَنُقِلَ عَنْ الأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ. وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الأَصْحَابِ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ الأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَاخْتَارَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ2. وَجَعَلَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ مَحَلَّ الْخِلافِ فِي غَيْرِ السُّكُوتِيِّ3.

_ 1 قال ابن قدامة عن الإمام أحمد: "وقد أومأ إلى أن ذلك ليس بشرط ... وهو قول الجمهور واختاره أبو الخطاب، فيمتنع رجوع أحدهم أو رجوعهم عنه". الروضة ص 73. وقال ابن بدران عن الإمام أحمد: "قلت: ومعتمد مذهبه عدم الاشتراط". المدخل إلى مذهب أحمد ص 131. وقد نسب صاحب "كشف الأسرار" هذا الاشتراط للإمام الشافعي، وليس لذلك أصل!! "انظر: كشف الأسرار 3/ 243، المستصفى 1/ 192، الإحكام للآمدي 1/ 256، جمع الجوامع 2/ 181، المنخول ص 317، مناهج العقول 2/ 384، نهاية السول 2/ 386، تيسير التحرير 3/ 230، فواتح الرحموت 2/ 224، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، المعتمد 2/ 502، 538، الإحكام لابن حزم 1/ 513، المسودة ص 320، أصول السرخسي 1/ 308، 315، شرح الورقات ص 171، شرح تنقيح الفصول ص 330، مختصر الطوفي ص 133، إرشاد الفحول ص 84". 2 هو الحسن بن عبد الله، وقيل عبيد الله، أبو علي البَنْدَنيجي الفقيه الشافعي، القاضي، من أصحاب الشيخ أبي حامد. قال ابن السبكي: "كان فقيهاً عظيماً غواصاً على المشكلات، صالحاً ورعاً". وقال الشيخ أبو إسحاق: "كان حافظاً للمذهب". له كتاب "الذخيرة" في الفقه، و"تعليقة" مشهورة في الفقه سماها بـ"الجامع". مات سنة 425هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 305، طبقات الفقهاء ص 129، اللباب 1/ 180، تاريخ بغداد 7/ 343، طبقات الشافعية للعبادي ص 113، طبقات الشافعية الشافعية للإسنوي 1/ 193، طبقات الشافعية لابن هداية ص 332، تهذيب الأسماء 2/ 261". 3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 332، التمهيد للإسنوي ص 137، المسودة ص 320، أصول السرخسي 1/ 308، تيسير التحرير 3/ 231، كشف الأسرار 3/ 243، فواتح الرحموت 2/ 224، 235، الإحكام للآمدي 1/ 256، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، جمع الجوامع 2/ 183، اللمع ص 49، نهاية السول 2/ 386، مختصر الطوفي ص 133، غاية الوصول ص 108، إرشاد الفحول ص 84.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ لِلإِجْمَاعِ الْقِيَاسِيِّ دُونَ غَيْرِهِ1. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ إنْ بَقِيَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ. وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُكْتَرَثْ بِالْبَاقِي. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا مَاتَ مِنْهُمْ جَمْعٌ وَبَقِيَ مِنْهُمْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، وَرَجَعُوا أَوْ بَعْضُهُمْ لَمْ يَنْعَقِدْ الإِجْمَاعُ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْهُمْ دُونَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ، وَرَجَعُوا أَوْ بَعْضُهُمْ لَمْ يُؤَثِّرْ2 فِي الإِجْمَاعِ3. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ4 يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ 5فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ دُونَ إجْمَاعِ غَيْرِهِمْ6. وَحَيْثُ لا يُعْتَبَرُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ5، لا يُعْتَبَرُ تَمَادِي الزَّمَنِ مُطْلَقًا، بَلْ يَكُونُ اتِّفَاقُهُمْ حُجَّةً بِمُجَرَّدِهِ، حَتَّى لَوْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ لا يُعْتَدُّ بِهِ، وَيَكُونُ خَارِقًا لِلإِجْمَاعِ7.

_ 1 وهو قول الجويني، كما نقله عنه ابن الحاجب وغيره. ولكن ابن السبكي قال: "وهو وهم، وأن الجويني لا يشترطه مطلقاً"، وهو ما أكده أيضاً ابن عبد الشكور. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 224، جمع الجوامع 2/ 183، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، تيسير التحرير 3/ 230، كشف الأسرار 3/ 343، إرشاد الفحول ص 84". 2 في ض: يؤثروا. 3 انظر: تيسير التحرير 3/ 231، جمع الجوامع 2/ 183، غاية الوصول ص 108. 4 في ع: أن. 5 ساقطة من ض. 6 وهناك أقوال أخرى في اشتراط انقراض العصر وعدمه. "انظر: المسودة ص 320، 321، نهاية السول 2/ 386، المنخول ص 317". 7 انظر: كشف الأسرار 3/ 244، تيسير التحرير 3/ 231، المستصفى 1/ 174، 192، شرح الورقات ص 171، المسودة ص 320، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 85.

وَلَوْ نَشَأَ مُخَالِفٌ1 لَمْ يُعْتَدَّ بِقَوْلِهِ، بَلْ يَكُونُ الإِجْمَاعُ حُجَّةً عَلَيْهِ2. وَلَوْ ظَهَرَ لِجَمِيعِهِمْ مَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ فَرَجَعُوا كُلُّهُمْ حَرُمَ. وَكَانَ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ3، حَتَّى لَوْ جَاءَ غَيْرُهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى خِلافِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا. وَإِلاَّ لَتَصَادَمَ الإِجْمَاعَانِ4. وَاسْتُدِلَّ لاعْتِبَارِ انْقِرَاضِ5 الْعَصْرِ: بِأَنَّ عَلِيًّا خَالَفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ. وَأَنَّ حَدَّ الْخَمْرِ ثَمَانُونَ، وَعُمَرُ خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ. فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ سَوَّى. وَعُمَرُ فَضَّلَ6. وَأُجِيبَ عَنْ الأَوَّلِ بِأَنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ الإِجْمَاعِ. وَقَوْلُ عُبَيْدَةَ7

_ 1 في ب: مخالفاً. وهو خطأ. 2 انظر: المنخول ص 317، نهاية السول 2/ 386، الإحكام للآمدي 1/ 256، اللمع ص 49، والمراجع السابقة في الصفحة السابقة هامش 7. 3 انظر: شرح الورقات ص 171، مختصر الطوفي ص 133، اللمع ص 49، أصول السرخسي 1/ 315، المستصفى 1/ 174، 192، 209 وما بعدها. 4 سيذكر المصنف حكم تصادم الإجماعين بعد صفحات، ص 258. 5 في ب: الانقراض. 6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 258، كشف الأسرار 3/ 243، الروضة ص 73، المسودة ص 323-324، الإحكام لابن حزم 1/ 516، المعتمد 2/ 504، نهاية السول 2/ 386، مناهج العقول 2/ 384. 7 هو عبيدة "بفتح العين وكسر الباء" السلماني المرادي، أبو مسلم. وقيل: أبو عمرو، عَبيدة بن قيس بن عمرو المرادي الهَمْداني التابعي الكبير. أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وسمع عمر وعلياً وابن مسعود وابن الزبير، وهو مشهور بصحبة علي. نزل الكوفة، وورد المدينة، وحضر مع علي قتال الخوارج، وكان أحد أصحاب ابن مسعود في القراءة والفتوى. وكان شريح يستشيره إذا أشكل عليه أمرٌ، وهو أحد علماء الكوفة. توفي سنة 72هـ، وقيل غيره. انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 102، شذرات الذهب 1/ 78، الخلاصة ص 256، تهذيب الأسماء 1/ 317، تاريخ بغداد 11/ 117، تذكرة الحفاظ 1/ 50، طبقات القراء 1/ 498، طبقات الحفاظ ص 14".

لِعَلِيٍّ1: "رَأْيُك فِي الْجَمَاعَةِ" أَيْ زَمَنَ الاجْتِمَاعِ وَالأُلْفَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك وَحْدَك 2 كَيْفَ وَقَدْ قَالَ جَابِرٌ "بِعْنَاهُنَّ عَلَى زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَشَطْرٍ مِنْ خِلافَةِ3 عُمَرَ" 4وَهُوَ قَوْلُ8 ابْنِ عَبَّاسٍ5. وَعَنْ الثَّانِي: أَنَّهُ خَالَفَ السُّكُوتِيَّ، ثُمَّ هُوَ فِعْلٌ6. وَعَنْ الثَّالِثِ: بِأَنَّهُ خَالَفَ فِي زَمَانِهِ7. وَاسْتُدِلَّ لَهُ أَيْضًا: بِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ. فَسَاغَ الرُّجُوعُ8، وَإِلاَّ مَنَعَ الاجْتِهَادُ الاجْتِهَادَ9.

_ 1 ساقطة من ب ض ز ع. 2 رواه عبد الرزاق. "انظر: تيسير التحرير 3/ 231-232، المعتمد 2/ 504، نهاية السول 2/ 386، كشف الأسرار 3/ 244، المستصفى 1/ 195، فواتح الرحموت 2/ 226". 3 في ب ض ع: ولاية. 4 في د: وقواه. 5أي أنه لم يتم الإجماع في زمن عمر، لأن جابراً وغيره خالف في ذلك وقتئذ، ولكن عَبيدة أراد أن يكون علي مع عمر والأكثر. "انظر: المعتمد 2/ 504، نهاية السول 2/ 370، 386، كشف الأسرار 3/ 244، 248، الإحكام لابن حزم 1/ 516 وما بعدها، مناج العقول 2/ 385، المستصفى 1/ 195، فواتح الرحموت 2/ 226، الإحكام للآمدي 1/ 259، مختصر الطوفي ص 133". 6 ذهب بعض العلماء إلى جواز مخالفة الإجماع السكوتي بمعارض صحيح، لا بمجرد التشهي. "انظر: شرح الورقات ص 170، الإحكام للآمدي 1/ 260". 7 انظر: المعتمد 2/ 504، كشف الأسرار 3/ 244، الإحكام للآمدي 1/ 260. 8 في ب ض: رجوع. 9 انظر: المستصفى 1/ 193، 194، الإحكام للآمدي 1/ 258، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، فواتح الرحموت 2/ 225، تيسير التحرير 3/ 231، الروضة ص 73، مختصر الطوفي ص 133.

أُجِيبُ: لا يَجُوزُ؛ إذْ صَارَ الأَوَّلُ قَطْعِيًّا1. وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا: بِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الرُّجُوعِ يَلْزَمُ مِنْهُ إلْغَاءُ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ بِتَقْدِيرِ الاطِّلاعِ عَلَيْهِ إذَا خَالَفَ إجْمَاعَهُمْ2. أُجِيبَ لُزُومُ الإِلْغَاءِ مَمْنُوعٌ، لِتَوَقُّفِهِ عَلَى تَقْدِيرِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ، لأَنَّ الْبَارِيَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَصَمَهُمْ عَنْ الاتِّفَاقِ عَلَى خِلافِ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالإِجْمَاعُ قَطْعِيٌّ، يُقَدَّمُ عَلَى الْخَبَرِ الظَّنِّيِّ3. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: رُدَّ لأَنَّهُ بَعِيدٌ. وَقِيلَ: مُحَالٌ4 لِلْعِصْمَةِ، ثُمَّ يَلْزَمُ لَوْ انْقَرَضُوا فَلا أَثَرَ لَهُ، لأَنَّ الإِجْمَاعَ قَاطِعٌ، وَلأَنَّهُ إنْ كَانَ عَنْ نَصٍّ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَإِلاَّ لَمْ يَجُزْ نَقْضُ اجْتِهَادٍ بِمِثْلِهِ، لا سِيَّمَا لِقِيَامِ الإِجْمَاعِ هُنَا5. وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا: بِأَنَّ مَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطُ دَوَامِ الْحُكْمِ. فَكَذَا هُنَا6. أُجِيبَ: لإِمْكَانِ7 نَسْخِهِ. فَيُرْفَعُ قَطْعِيٌّ بِمِثْلِهِ8. وَاسْتُدِلَّ لِقَوْلِ الأَكْثَرِ - الَّذِي هُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ9 انْقِرَاضِ الْعَصْرِ - بِأَدِلَّةِ

_ 1 انظر: المستصفى 1/192، 194، الإحكام للآمدي 1/ 260، فواتح الرحموت 2/ 226، تيسير التحرير 3/ 231، مختصر ابن الحاجب 2/ 38. 2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 259، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، تيسير التحرير 3/ 231. 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 260، تيسير التحرير 3/ 231. 4 انظر: في ش: يحال. 5 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 260. 6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 259. 7 في ش: بامكان. والأعلى من ز ض ب. وهو الموافق لعبارة الآمدي 8 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 260، المسودة ص 322. 9 ساقطة من ض.

الإِجْمَاعِ. وَبِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ امْتَنَعَ الإِجْمَاعُ لِلتَّلاحُقِ1. وَرُدَّ بِنُدْرَةِ إدْرَاكِهِ مُجْتَهِدًا. وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُمْ حُجَّةً لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهِمْ كَالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2. رُدَّ بِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَبِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ وَحْيٌ فَلَمْ يُقَسْ بِغَيْرِهِ3. وَقَوْلُهُمْ: عَنْ اجْتِهَادٍ "لا عَدَدَ تَوَاتُرٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ4 لا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ انْعِقَادِ الإِجْمَاعِ أَنْ يَبْلُغَ الْمُجْمِعُونَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ. كَمَا لا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. فِي5 الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ مُعْظَمِ الْعُلَمَاءِ؛ لأَنَّ الْمَقْصُودَ اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ، وَقَدْ حَصَلَ6.

_ 1 في ش و: المتلاحق. وانظر: كشف الأسرار 3/ 244، المستصفى 1/ 192، شرح تنقيح الفصول ص 330، المسودة ص 321، 322، تيسير التحرير 3/ 231، نهاية السول 2/ 386، مناهج العقول 2/ 385، فواتح الرحموت 2/ 225، الإحكام للآمدي 1/ 256، 258، مختصر ابن الحاجب 2/ 38، الروضة ص 73، شرح الورقات ص 171، مختصر الطوفي ص 133. 2 أي أن الاتفاق والإجماع هو الحجّة، فإذا مات بعض المجتهدين فلا تبطل الحجة بموتهم، بأن يجوز للباقين الرجوع عنه، لأن الحجة بالاتفاق والقول، وليس بالموت. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 256، المستصفى 1/ 192، والمراجع السابقة في هامش 1". 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 156. 4 ساقطة من ش ز. 5 في ش: و. 6 وفي قول، لا يحصل الإجماع إلا بعدد التواتر، وهو قول الباقلاني وإمام الحرمين واختاره ابن السبكي. "انظر: المستصفى 1/ 188، شرح الورقات ص 167، شرح تنقيح الفصول ص 341، أصول السرخسي 1/ 312، تيسير التحرير 3/ 235، فواتح الرحموت 2/ 221، الإحكام للآمدي 1/ 250، جمع الجوامع 2/ 181، المنخول ص 313، غاية الوصول ص 107، المسودة ص 330، مختصر الطوفي ص 130، الروضة ص 69، المدخل إلى مذهب أحمد ص 130، إرشاد الفحول ص 89".

"فَلَوْ لَمْ يَكُنْ" فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ "إلاَّ" مُجْتَهِدٌ "وَاحِدٌ" وَلَمْ يَصِرْ مُخَالِفٌ أَهْلاً حَتَّى مَاتَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ "فَـ" قَوْلُهُ1 "إجْمَاعٌ" فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَصْحَابِنَا. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ. وَعَزَاهُ الْهِنْدِيُّ لِلأَكْثَرِينَ2. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْوَاضِحِ": لَوْ قَلَّ عَدَدُ الاجْتِهَادِ فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْوَاحِدُ وَالاثْنَانِ لِفِتْنَةٍ3 أَوْ غَيْرِهَا اسْتَوْعَبَتْهُمْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَلَّ الْقُرَّاءُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بِكَثْرَةِ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مُسْتَقِلاًّ بِالإِجْمَاعِ وَلَمْ يَنْخَرِمْ لِعَدَمِ الْكَثْرَةِ، وَإِذَا4 كَانَ هَذَا الْعَدَدُ الْقَلِيلُ يَصْلُحُ لإِثْبَاتِ أَصْلِ5 الإِجْمَاعِ الْمَقْطُوعِ بِهِ. فَأَوْلَى أَنْ يَصْلُحَ لِفَكِّ الإِجْمَاعِ وَاخْتِلالِهِ بِمُخَالَفَتِهِ6. "وَقَوْلُ مُجْتَهِدٍ" وَاحِدٍ "فِي" مَسْأَلَةٍ "اجْتِهَادِيَّةٍ تَكْلِيفِيَّةٍ" لِيُخْرِجَ مَا لا تَكْلِيفَ فِيهِ. كَقَوْلِ الْقَائِلِ مَثَلاً: عَمَّارٌ7 أَفْضَلُ مِنْ حُذَيْفَةَ8 "إنْ انْتَشَرَ"

_ 1 ساقطة من ض. 2 وخالف جماعة، فقال بعضهم: لا يكون الإجماع إلا من اثنين فصاعداً. واعتبر الجويني وغيره عدد التواتر كما سبق في هامش رقم 6 من الصفحة السابقة. "انظر: المستصفى 1/ 188، الإحكام للآمدي 1/ 251، جمع الجوامع 2/ 181، شرح الورقات ص 167، شرح تنقيح الفصول ص 341 وما بعدها، نهاية السول 2/ 337، المنخول ص 313، مختصر ابن الحاجب 2/ 36، فواتح الرحموت 2/ 221، تيسير التحرير 3/ 224، 236، غاية الوصول ص 107، مختصر الطوفي ص 130، إرشاد الفحول ص 90". 3 في ض: لفتنته. 4 في ع: وإن. 5 في ش ز ض: أهل. 6 في ش: لمخالفته. 7 في ش: عبَّاد. وهو خطأ. 8 هو الصحابي حذيفة بن اليمان، أبو عبد الله، حليف بني عبد الأشهل من الأنصار، وأصله من اليمن، أسلم حذيفة وأبوه. وهاجرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد أحداً...............=

قَوْلُهُ "وَمَضَتْ مُدَّةٌ يُنْظَرُ1 فِيهَا" ذَلِكَ الْقَوْلُ "وَتَجَرَّدَ" قَوْلُهُ "عَنْ قَرِينَةِ رِضًى وَسُخْطٍ، وَلَمْ يُنْكَرْ" وَكَانَ ذَلِكَ "قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ" لِيُخْرِجَ مَا اُحْتُمِلَ أَنَّهُ قَالَهُ تَقْلِيدًا لِغَيْرِهِ "إجْمَاعٌ ظَنِّيٌّ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ2 وَالْمَالِكِيَّةِ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ3 أَصْحَابِهِ4.

_ = فقتل أبوه يومئذ، وشهد حذيفة الخندق وما بعدها. وأسلمت أمه، وهاجرت. وكان حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، يعلمهم وحده. وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وحده ليلة الأحزاب، وحضر حرب نهاوند، وحمل الراية بعد مقتل أمير الجيش النعمان بن مقرن. وفتح حذيفة الري وهَمَذان والدينور، وشهد فتح الجزيرة، وولاه عمر المدائن، فتوفي فيها سنة 36هـ. وكان كثير السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحاديث الفتنة والشر ليتجنبها. ومناقبه كثيرة رضي الله عنه. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 317، الاستيعاب 1/ 277، تهذيب الأسماء 1/ 154، الخلاصة ص 74، حلية الأولياء 1/ 270، 354". 1 في ش: لينظر. 2 نقل الكلام بن الهمام وابن عبد الشكور الحنفيان أن الإجماع السكوتي قطعي عند أكثر الحنفية. وقال عبد العزيز البخاري: "كان ذلك إجماعاً مقطوعاً به عند أكثر أصحابنا". "كشف الأسرار 2/ 228". واختار الآمدي من الشافعية، وابن الحاجب من المالكية، والكرخي من الحنفية أنه إجماع ظني. "انظر: تيسير التحرير 3/ 246، فواتح الرحموت 2/ 232، 234، الإحكام للآمدي 1/ 252، مختصر ابن الحاجب 2/ 37". 3 في ش: وأكثر و. 4 انظر: المستصفى 1/ 191، القواعد والفوائد الأصولية ص 294، شرح تنقيح الفصول ص 330، الإحكام لابن حزم 1/ 507، 508، نهاية السول 2/ 375، المسودة ص 334، 335، أصول السرخسي 1/ 303، 308 وما بعدها، شرح الورقات ص 174 وما بعدها، اللمع ص 52، المتعمد 2/ 532، مناهج العقول 2/ 373، المحلي والبناني وتقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/ 188، الإحكام للآمدي 1/ 252، مختصر ابن الحاجب 2/ 37، تيسير التحرير 3/ 246، مختصر الطوفي ص 133، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131، التمهيد للإسنوي ص 136، الروضة ص 76، غاية الوصول ص 108، إرشاد الفحول ص 84، الوسيط في أصول الفقه ص 107.

وَذَلِكَ: لأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُوَافَقَةُ لِبُعْدِ سُكُوتِهِمْ عَادَةً. وَلِذَلِكَ1 يَأْتِي فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَالتَّابِعِيِّ فِي مَعْرِضِ الْحُجَّةِ: "كَانُوا يَقُولُونَ أَوْ يَرَوْنَ" وَنَحْوُهُ2، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَسُكُوتُهُمْ يُشْعِرُ بِالْمُوَافَقَةِ، وَإِلاَّ لأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ سُكُوتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عَلَى3 فِعْلِ أَحَدٍ بِلا دَاعٍ4؟. وَفِي "شَرْحِ الْوَسِيطِ" لِلنَّوَوِيِّ: الصَّوَابُ مِنْ5 مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ حُجَّةٌ وَإِجْمَاعٌ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ6. اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْفُنُونِ"، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ ابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: لا يَكُونُ إجْمَاعًا7 وَلا حُجَّةً8، لاحْتِمَالِ تَوَقُّفِ السَّاكِتِ، أَوْ ذَهَابِهِ إلَى تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ.

_ 1 في ش: وكذلك. 2 سيأتي الكلام على هذه النقطة تفصيلاً في فصل مستند الصحابي في هذا المجلد. 3 في ز ش: هل. 4 انظر: كشف الأسرار 3/ 228، 230 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 233، أصول السرخسي 1/ 305، تيسير التحرير 3/ 247، المعتمد 2/ 533 وما بعدها، نهاية السول 2/ 376، الإحكام للآمدي 1/ 252، المنخول ص 318، جمع الجوامع 2/ 188، مختصر ابن الحاجب 2/ 37، الإحكام لابن حزم 1/ 507، مناهج العقول 2/ 374، اللمع ص 49، إرشاد الفحول ص 84. 5 ساقطة من ض. 6 قال ابن السبكي: "والصحيح حجة ... وفي كونه إجماعاً تردد". "جمع الجوامع 2/ 189، 191". وانظر: اللمع ص 49، غاية الوصول ص 108، فتاوى ابن تيمية 20/ 14. 7 في ب: إجماع. 8 وهو الأصح عند الرازي، وهناك قول ثالث أنه ليس بإجماع، ولكنه حجة، لأن الظاهر الموافقة. وهناك أقوال أخرى كثيرة. "انظر: المستصفى 1/ 191، 192، المحلي على جمع الجوامع وتقريرات الشربيني عليه 2/ 187، 189، نهاية السول 2/ 375، مختصر ابن الحاجب 1/ 37، الإحكام للآمدي 1/ 252.....=

حَكَاهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي "الْمَنْخُولِ": نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ1. وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَهِدْ، أَوْ اجْتَهَدَ وَوَقَفَ2، أَوْ خَالَفَ وَكَتَمَ لِلتَّرَوِّي وَالنَّظَرِ، أَوْ3 لأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أَوْ وَقَّرَ الْقَائِلَ أَوْ هَابَهُ4. وَرَدَّهُ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ بِأَنَّهُ خِلافُ الظَّاهِرِ، لا سِيَّمَا فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ مَعَ طُولِ بَقَائِهِمْ. وَاعْتِقَادُ الإِصَابَةِ لا يَمْنَعُ5 النَّظَرَ لِتَعَرُّفِ الْحَقِّ. كَالْمَعْرُوفِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ6.

_ = مناهج العقول 2/ 373، أصول السرخسي 1/ 303، تيسير التحرير 3/ 246، فواتح الرحموت 2/ 232، 233، كشف الأسرار 3/ 229، 230، شرح تنقيح الفصول ص 330، الإحكام لابن حزم 1/ 566، غاية الوصول ص 108، اللمع ص 49، 52، التمهيد ص 136، الروضة ص 76، المسودة ص 335، 336، مختصر الطوفي ص 134، المعتمد 2/ 533، إرشاد الفحول ص 84-85، الوسيط في أصول الفقه ص 107. 1 المنخول ص 318. وقال الغزالي في "المستصفى": "واختار أنه ليس بإجماع ولا حجة". "المستصفى 1/ 191". وانظر: نهاية السول 2/ 375. 2 في ض ع: ووافق. وكذا في ب. لكنها صححت على الهامش كالأعلى. 3 في ش: و. 4 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 330، المعتمد 2/ 534 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/ 37، أصول السرخسي 1/ 229، 303، المستصفى 1/ 192، الإحكام للآمدي 1/ 252، نهاية السول 2/ 376، مناهج العقول 2/ 373، المنخول ص 318-319، غاية الوصول ص 108، الروضة ص 77، مختصر الطوفي ص 134، إرشاد الفحول ص 84. 5 في ش: تمنع. 6 في ش: ز: حالهم. وانظر: مناهج العقول 2/ 372، الإحكام 1/ 253، تيسير التحرير 3/ 247، المعتمد 2/ 533 وما بعدها، 539، أصول السرخسي 1/ 306 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 233، مختصر ابن الحاجب 2/ 37، اللمع ص 49، الروضة ص 77، مختصر الطوفي ص 134.

وَ "لا" يَكُونُ "الأَخْذُ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ، كَدِيَةِ الْكِتَابِيِّ الثُّلُثُ" إجْمَاعًا لِلْخِلافِ فِي الزَّائِدِ، خِلافًا لِمَنْ ظَنَّهُ إجْمَاعًا1، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ2؛ لأَنَّ قَوْلَهُ يَشْتَمِلُ3 عَلَى وُجُوبِ الثُّلُثِ وَنَفْيِ الزَّائِدِ. وَالإِجْمَاعُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الزَّائِدِ، بَلْ عَلَى وُجُوبِ الثُّلُثِ فَقَطْ وَهُوَ بَعْضُ الْمُدَّعَى. فَالثُّلُثُ4 وَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، لَكِنْ نَفْيُ الزِّيَادَةِ5 لَمْ يَكُنْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. فَالْمَجْمُوعُ لا يَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَالْقَائِلُ بِالثُّلُثِ مَطْلُوبُهُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ6: مِنَ7 الثُّلُثِ وَنَفْيِ الزِّيَادَةِ، فَلا يَكُونُ مَذْهَبُهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. فَالأَخْذُ بِمِثْلِ ذَلِكَ مُرَكَّبٌ مِنْ الإِجْمَاعِ وَالْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ. فَإِنَّ إيجَابَ الثُّلُثِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَوُجُوبُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ مَدْفُوعٌ بِالْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ8.

_ 1 قال الإمام الشافعي: إن دية الكتابي ثلث دية المسلم أخذاً بأقل ما قيل في ديته، فظن بعض العلماء أن الإمام الشافعي يعتبر ذلك إجماعاً، وأنه استند على الإجماع، وهو غير صحيح كما بينه علماء الشافعية في كتبهم الأصولية، حتى قال الغزالي رحمه الله: "وهو سوء ظن الشافعي رحمه الله". وأشار إلى ذلك أيضاً الكمال بن الهمام رحمه الله. "انظر: المستصفى 1/ 216، غاية الوصول ص 108، الإحكام للآمدي 1/ 281، تيسير التحرير 3/ 258، الوجيز للغزالي 2/ 140، فواتح الرحموت 2/ 241، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 187، الوسيط في أصول الفقه ص 146". 2 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 43، مختصر الطوفي ص 137، المستصفى 1/ 216، الإحكام للآمدي 1/ 281، الروضة ص 79. 3 في ب: مشتمل. 4 في ع: والثلث. 5 في ض: الزائد. 6 في ش: أمور. 7 ساقطة من ض ع. 8 انظر: تيسير التحرير 3/ 258، الإحكام للآمدي 1/ 281، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، البناني على جمع الجوامع 2/ 187، المستصفى 1/ 216، الروضة ص 79، فواتح الرحموت 2/ 242، الوسيط في أصول الفقه ص 147.

"وَلا" إجْمَاعَ "يُضَادُّ" إجْمَاعًا "آخَرَ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ1؛ لأَنَّهُ إذَا انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الأَحْكَامِ لا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ بَعْدَهُ إجْمَاعٌ يُضَادُّهُ، لاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ تَعَارُضَ دَلِيلَيْنِ قَطْعِيَّيْنِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ2. وَجَوَّزَهُ3 أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ4.

_ 1 هذا الحكم إذا كان الإجماع الثاني من غير أهل الإجماع الأول. أما إذا كان الإجماع الثاني من أهل الإجماع الأول فالمسألة فيها اختلاف. وهذا الاختلاف متفرع عن اختلاف العلماء في جواز رجوع المجمعين أو بعضهم عن الإجماع أم لا، وجواز الرجوع وعدمه مبني أيضاً على اشتراط انقراض العصر في الإجماع أو عدم اشتراطه، وقد سبق بيان ذلك ص 246-252. 2 انظر: جمع الجوامع 2/ 200، المعتمد 2/ 497، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 85. 3 قال الرازي –عن جواز الإجماع بعد الإجماع: وهو الأولى. وقال الصفي الهندي: ومأخذ أبي عبد الله قوي. واختار هذا القول البزدوي وأكده، وأنه يجوز نسخ الإجماع بالإجماع. "انظر: كشف الأسرار 3/ 262، المعتمد 2/ 497، غاية الوصول ص 110، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/ 200، إرشاد الفحول ص 85-86، الوسيط في أصول الفقه ص 138". 4 هو الحسين بن علي، أبو عبد الله البصري الحنفي. ويعرف بالجُعْل، شيخ المتكلمين، وأحد شيوخ المعتزلة، أخذ الاعتزال وعلم الكلام عن أبي علي بن خلاد، ثم أخذه عن أبي هاشم الجبائي، وبلغ بجده واجتهاده ما لم يبلغه غيره من أصحاب أبي هاشم، كما لازم مجلس أبي الحسن الكرخي زمناً طويلاً. وله تصانيف كثيرة في الاعتزال والفقه والكلام، وكان مقدماً في علمي الفقه والكلام، ويملي فيهما، ويدرسهما، وصبر على شدائد الدنيا دون أن يناله منها حظ، مع زهده فيها، وهو شيخ القاضي عبد الجبار الذي نقل عنه كثيراً في "شرح الأصول الخمسة". ومن كتبه: "شرح مختصر أبي الحسن الكرخي"، و"كتاب الأشربة"، و"تحليل نبيذ التمر"، و"كتاب تحريم المتعة"، و"جواز الصلاة بالفارسية". توفي سنة 369هـ. وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الفوائد البهية ص 67، الجواهر المضيئة 1/ 216، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 143، الفهرست ص 248، 294، شذرات الذهب 3/ 68، تاريخ بغداد 8/ 73، فرق وطبقات المعتزلة ص 111، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص 325، طبقات المفسرين 1/ 155، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 165".

"وَلا" إجْمَاعَ "عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ لأَنَّ الإِجْمَاعَ لا يَكُونُ إلاَّ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالْمُجْتَهِدُ لا يَقُولُ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ. فَإِنَّ الْقَوْلَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ خَطَأٌ. وَأَيْضًا فَكَانَ يَقْتَضِي إثْبَاتَ شَرْعٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ وَلأَنَّهُ1 مُحَالٌ عَادَةً، فَكَالْوَاحِدِ مِنْ الأُمَّةِ2. وَالدَّلِيلُ: إمَّا الْكِتَابُ، كَإِجْمَاعِهِمْ3 عَلَى حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِمَّا السُّنَّةُ، كَإِجْمَاعِهِمْ4 عَلَى تَوْرِيثِ كُلٍّ مِنْ الْجَدَّاتِ5 السُّدُسَ وَنَحْوِهِ6. وَيَأْتِي الْقِيَاسُ7. وَخَالَفَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ بِالْبَحْثِ وَالْمُصَادَفَةِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الإِجْمَاعَ قَدْ يَكُونُ عَنْ تَوْفِيقٍ8 مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ.

_ 1 في ش ز: لأنه. 2 انظر: كشف الأسرار 3/ 263، الإحكام للآمدي 1/ 261، جمع الجوامع 2/ 195، شرح تنقيح الفصول ص 339، المسودة ص 330، أصول السرخسي 1/ 301، تيسير التحرير 3/ 254، فواتح الرحموت 2/ 238، مناهج العقول 2/ 279، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، المعتمد 2/ 520، نهاية السول 2/ 380، اللمع ص 48، مختصر الطوفي ص 136، غاية الوصول ص 108، إرشاد الفحول ص 79، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، الوسيط في أصول الفقه ص 114. 3 في ز ش: كاجتماعهم. 4 في ش ب ز: فكإجماعهم. 5 في ش: من الجدين. وهو خطأ. 6 انظر: المعتمد 2/ 522، شرح تنقيح الفصول ص 339-340، أصول السرخسي 1/ 301، كشف الأسرار 3/ 263، اللمع ص 48، مختصر الطوفي ص 136. 7 سيأتي في الصفحة بعد التالية. 8 في ش ز ب: توقيف. والأعلى من ض وهامش ب، وهو الموافق لما جاء في المعتمد ونهاية السول.

وَأَجَابُوا عَمَّا سَبَقَ بِأَنَّ الْخَطَأَ 1إنَّمَا هُوَ فِي الْوَاحِدِ مِنْ الأُمَّةِ. أَمَّا فِي جَمِيعِ الأُمَّةِ فَلا2. وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَطَأَ9 إذَا اجْتَمَعَ لا يَنْقَلِبُ صَوَابًا؛ لأَنَّ الصَّوَابَ فِي قَوْلِ الْكُلِّ إنَّمَا هُوَ مُرَاعَاةُ عَدَمِ الْخَطَإِ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ3. قَالَ4 الْمُخَالِفُ: لَوْ كَانَ الإِجْمَاعُ عَنْ دَلِيلٍ كَانَ الدَّلِيلُ هُوَ الْحُجَّةُ فَلا فَائِدَةَ فِيهِ5. وَرُدَّ بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهِ. وَهُوَ عَنْ دَلِيلٍ هُوَ الْوَحْيُ، ثُمَّ فَائِدَتُهُ: سُقُوطُ الْبَحْثِ عَنَّا6 عَنْ دَلِيلِهِ. وَحُرْمَةُ الْخِلافِ7 الْجَائِزِ قَبْلَهُ. وَبِأَنَّهُ يُوجِبُ عَدَمَ انْعِقَادِهِ عَنْ دَلِيلٍ8.

_ 1 ساقطة من ض. 2 وهو قول القاضي عبد الجبار المعتزلي. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 261، المحلي على جمع الجوامع 2/ 195، نهاية السول 2/ 380، المعتمد 2/ 520، تيسير التحرير 3/ 255، المسودة ص 330، شرح تنقيح الفصول ص 339، فواتح الرحموت 2/ 238، كشف الأسرار 3/ 263، غاية الوصول ص 108، إرشاد الفحول ص 79". 3 انظر: المعتمد 2/ 520. 4 في ع: وقال. 5 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 263، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، الإحكام لابن حزم 1/ 505، نهاية السول 2/ 381، المعتمد 2/ 521، مناهج العقول 2/ 380، كشف الأسرار 3/ 263، فواتح الرحموت 2/ 239. 6 ساقطة من ش. 7 ساقطة من ض. 8 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 263، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، المعتمد 2/ 521، نهاية السول 2/ 381، مناهج العقول 2/ 380، كشف الأسرار 3/ 263، فواتح الرحموت 2/ 239.

"وَيَجُوزُ" كَوْنُ الإِجْمَاعِ "عَنْ اجْتِهَادٍ وَقِيَاسٍ، وَوَقَعَ" عَنْ اجْتِهَادٍ وَقِيَاسٍ "وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ" أَيْ مُخَالَفَةُ الإِجْمَاعِ الْوَاقِعِ عَنْ اجْتِهَادٍ أَوْ قِيَاسٍ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ1. وَخَالَفَ ابْنُ حَزْمٍ، وَالظَّاهِرِيَّةُ وَالشِّيعَةُ فِي الْجَوَازِ2. وَقَوْمٌ فِي الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ3، وَقَوْمٌ فِي الْوُقُوعِ4. أَمَّا وُقُوعُ الإِجْمَاعِ بِالْقِيَاسِ: فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي نَحْوِ الشَّيْرَجِ تَقَعُ فِيهِ الْفَأْرَةُ

_ 1 انظر: المستصفى 1/ 196، الإحكام للآمدي 1/ 264، جمع الجوامع 2/ 184، مناهج العقول 2/ 382، المنخول ص 309، غاية الوصول ص 107، نهاية السول 2/ 383، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، شرح تنقيح الفصول ص 339، المسودة ص 328، 330، أصول السرخسي 1/ 301، تيسير التحرير 3/ 256، فواتح الرحموت 2/ 239، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، مختصر الطوفي ص 136، الروضة ص 77، إرشاد الفحول ص 79، اللمع ص 48، المعتمد 2/ 495، 524 وما بعدها، الوسيط في أصول الفقه ص 121. 2 وهو قول ابن جرير الطبري أيضاً والحاكم صاحب "المختصر" من الحنفية، والقاشاني من المعتزلة. "انظر: المسودة ص 328، 330، جمع الجوامع 2/ 184، الإحكام لابن حزم 1/ 495، نهاية السول 2/ 383، كشف الأسرار 3/ 263 وما بعدها، المستصفى 1/ 196، فواتح الرحموت 2/ 239، الإحكام للآمدي 1/ 264، مختصر ابن الحاجب 3/ 39، مختصر الطوفي ص 136، اللمع ص 48، الروضة ص 77، إرشاد الفحول ص 79، غاية الوصول ص 107، المعتمد 2/ 495، 524". 3 وهو قول عند الشافعية حكاه ابن القطان في قياس الشبه، وحكاه ابن الصباغ عن بعض الشافعية في الأمارة الخفية. "انظر: تيسير التحرير 3/ 256، المعتمد 2/ 524، نهاية السول 2/ 383، الإحكام للآمدي 1/ 264، جمع الجوامع 2/ 184، غاية الوصول ص 107، إرشاد الفحول ص 79، 80". 4 انظر: المستصفى 1/ 196، الإحكام للآمدي 1/ 264، نهاية السول 2/ 383، جمع الجوامع 2/ 184، المنخول ص 308، فواتح الرحموت 2/ 239، المعتمد 2/ 524 وما بعدها، أصول السرخسي 1/ 302، تيسير التحرير 3/ 256، الروضة ص 78، غاية الوصول ص 107، مختصر ابن الحاجب 2/ 39.

فَتَمُوتُ: يُرَاقُ قِيَاسًا عَلَى السَّمْنِ1. وَقَالُوا: بِتَحْرِيمِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ قِيَاسًا2 عَلَى لَحْمِهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ3، وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ4. وَالأَصْلُ عَدَمُ النَّصِّ ثُمَّ لَوْ كَانَ نَصٌّ لَظَهَرَ وَاحْتُجَّ بِهِ5. "وَفِي قَوْلِ" ابْنِ حَامِدٍ وَجَمْعٍ "يَكْفُرُ مُنْكِرُ حُكْمِ" إجْمَاعٍ "قَطْعِيٍّ6".

_ 1 روى أبو داود وابن حبان في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع في السمن؟ فقال: "إن كان جامداً فألقوه وما حوله وكلوه، وإن كان مائعاً فلا تقربوه". "انظر: سنن أبي داود 2/ 328 موارد الظمآن ص 331، تيسير التحرير 3/ 256، نهاية السول 2/ 383، الإحكام للآمدي 1/ 264". 2 في ش ز: يراق قياساً. 3 قياساً على إمامته بالصلاة كما في الصحيحين وغيرهما، وكذا قياس حد الشرب للخمر على حد القذف. "انظر: تيسير التحرير 3/ 256، نهاية السول 2/ 383، فواتح الرحموت 2/ 239 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 264، 265، مختصر ابن الحاجب 2/ 239". 4 قياساً على تاركي الصلاة، لأن الله تعالى جمع بينهما، فقال أبو بكر رضي الله عنه: "والله، ما فرقت بين ما جمع الله، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} الآية 43 من البقرة، وفي آيات أخرى. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 264". 5 انظر أمثلة أخرى للإجماع المبني على الاجتهاد والقياس في أصول السرخسي 1/ 301، نهاية السول 2/ 383، مناهج العقول 2/ 382، كشف الأسرار 3/ 264، المستصفى 1/ 196، فواتح الرحموت 2/ 239، الإحكام للآمدي 1/ 264، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، المنخول ص 309، الروضة ص 78. 6 انظر: كشف الأسرار 3/ 261، فواتح الرحموت 2/ 243، تيسير التحرير 3/ 258، الإحكام للآمدي 1/ 282، نهاية السول 2/ 387، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 197، 201، شرح تنقيح الفصول ص 337، المسودة ص 344، مختصر الطوفي ص 137، غاية الوصول ص 110، إرشاد الفحول ص 78، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، أصول السرخسي 1/ 318، الوسيط في أصول الفقه ص 104.

وَفِي قَوْلِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَجَمْعٍ: لا، وَيَفْسُقُ1. وَالطُّوفِيُّ وَالآمِدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا: يَكْفُرُ بِنَحْوِ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، مَعَ أَنَّهُ حُكِيَ الأَوَّلُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَلا أَظُنُّ أَحَدًا3 لا يُكَفِّرُ 4مَنْ جَحَدَ هَذَا5. اهـ. وَالْحَقُّ أَنَّ مُنْكِرَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الضَّرُورِيِّ وَالْمَشْهُورِ وَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَافِرٌ قَطْعًا. وَكَذَا الْمَشْهُورُ فَقَطْ لا الْخَفِيُّ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": فِي الأَصَحِّ فِيهِمَا5. وَمِثَالُ الْخَفِيِّ: إنْكَارُ اسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الابْنِ السُّدُسَ مَعَ الْبِنْتِ، وَتَحْرِيمُ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وَإِفْسَادُ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَهَذَا لا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ لِعُذْرِ الْخَفَاءِ، خِلافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ فِي قَوْلِهِ:

_ 1 انظر: المعتمد 2/ 524، نهاية السول 2/ 287، المنخول ص 309، الإحكام للآمدي 1/ 282، المسودة ص 344، تيسير التحرير 3/ 260، فواتح الرحموت 2/ 243، كشف الأسرار 3/ 261، مختصر الطوفي ص 137، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، غاية الوصول ص 110، الوسيط في أصول الفقه ص 105. 2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 282، مختصر الطوفي ص 137، نهاية السول 2/ 387، كشف الأسرار 3/ 262، تيسير التحرير 3/ 259، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132. 3 في ض: أحد. 4 في ش ز: جاحدها. وانظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 201. 5 في ش: فيها. وهذا ما أكده القرافي وابن السكن أيضاً. وهناك أقوال أخرى تفصل بين حالات وحالات. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 337، جمع الجوامع 2/ 201، 202، كشف الأسرار 3/ 262، فواتح الرحموت 2/ 244، تيسير التحرير 3/ 259، 260، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، غاية الوصول ص 110".

إنَّهُ يَكْفُرُ، لِتَكْذِيبِهِ الأُمَّةَ1. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُمْ صَرِيحًا إذَا فُرِضَ أَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ2. "وَإِذَا" كَانَ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ "اخْتَلَفُوا" فِي مَسْأَلَةٍ "عَلَى قَوْلَيْنِ حَرُمَ إحْدَاثُ" قَوْلٍ "ثَالِثٍ" مُطْلَقًا عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ3 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ4. قَالَ5 ابْنُ مُفْلِحٍ: كَمَا لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ. فَإِنَّهُ يَحْرُمُ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَانٍ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي "الرِّسَالَةِ6".

_ 1 المدخل إلى مذهب أحمد ص 132. 2 المدخل إلى مذهب أحمد المرجع السابق. 3 ساقطة من ع. 4 وهو قول الجمهور. قال الكيا الهراسي: إنه الصحيح، وبه الفتوى. وجزم به القفال الشاشي، والقاضي أبو الطيب الطبري والروياني والصيرفي، ولم يحكيا خلافه إلا عن بعض المتكلمين. "انظر: إرشاد الفحول ص 86، شرح تنقيح الفصول ص 326، 328، المسودة ص 326، أصول السرخسي 1/ 310، 319، الإحكام لابن حزم 1/ 507، تيسير التحرير 3/ 250، كشف الأسرار 3/ 234، فواتح الرحموت 2/ 235، المعتمد 2/ 505، 506، نهاية السول 2/ 361، المستصفى 1/ 198، الإحكام للآمدي 1/ 268، مناهج العقول 2/ 359، جمع الجوامع 2/ 197، المنخول ص 320، غاية الوصول ص 109، اللمع ص 52، مختصر الطوفي ص 134، الروضة ص 75، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131، أصول مذهب أحمد ص 361، 363". 5 في ب ض: قاله. 6 يقول الشافعي رحمه الله: "فلم يكن لي عندي خلافهم، ولا الذهاب إلى القياس، والقياس مُخْرِجٌ من جميع أقاويلهم". الرسالة ص 596". وانظر: الروضة ص 76، أصول السرخسي 1/ 310، تيسير التحرير 3/ 250، كشف الأسرار 3/ 235، المستصفى 1/ 199.

وَقَالَ الآمِدِيُّ وَالطُّوفِيُّ وَجَمْعٌ: إنْ رَفَعَ1 الْقَوْلُ الثَّالِثُ حُكْمًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ حَرُمَ إحْدَاثُهُ وَإِلاَّ فَلاَ2. فَمِثَالُ مَا يَرْفَعُ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ: إذَا3 رَدَّ بِكْرًا بِعَيْبٍ بَعْدَ وَطْئِهَا مَجَّانًا. فَهَذَا الْقَوْلُ يَحْرُمُ إحْدَاثُهُ. فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْبِكْرِ إذَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قِيلَ: تُرَدُّ مَعَ الأَرْشِ. وَقِيلَ: لا تُرَدُّ بِوَجْهٍ. فَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا تُرَدُّ مَجَّانًا رَافِعٌ لإِجْمَاعِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى مَنْعِ الرَّدِّ قَهْرًا مَجَّانًا4. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: "قَهْرًا" عَمَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ مَعَ الأَرْشِ، أَوْ عَلَى الإِمْسَاكِ وَأَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ جَازَ، وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الإِمْسَاكِ وَأَخْذِ الأَرْشِ وَبَيْنَ الرَّدِّ وَإِعْطَاءِ الأَرْشِ إنْ لَمْ يَكُنْ 5الْبَائِعُ دَلَّسَ4. فَإِنْ دَلَّسَ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي أَرْشٌ.

_ 1 في ش ز: وقع. 2 هذا التفصيل مروي عن الشافعي. واختاره المتأخرون من أصحابه، ورجحه جماعة من الأصوليين، منهم ابن الحاجب وابن بدران والطوفي والقرافي والرازي وابن السبكي. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 326، 328، نهاية السول 2/ 361، جمع الجوامع 2/ 197، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، كشف الأسرار 3/ 235، فواتح الرحموت 2/ 235، تيسير التحرير 3/ 250، مختصر الطوفي ص 135، غاية الوصول ص 109، مناهج العقول 2/ 359، الإحكام للآمدي 1/ 269، إرشاد الفحول ص 86، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131، أصول مذهب أحمد ص 361، 365، الوسيط في أصول الفقه ص 47". 3 ساقطة من ض. 4 انظر أمثلة أخرى في "الإحكام للآمدي 1/ 269، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، شرح تنقيح الفصول ص 326، 328، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131، غاية الوصول ص 109، تيسير التحرير 3/ 250 وما بعدها، نهاية السول 2/ 362، المستصفى 1/ 199، مناهج العقول 2/ 359، كشف الأسرار 3/ 235، فواتح الرحموت 2/ 235، أصول مذهب أحمد ص 361، المحلي وتقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/ 197، 198". 5 في ب ز ض ع: دلّس البائع.

وَمِثَالُ مَا لا يَرْفَعُ مُجْمَعًا: الْفَسْخُ فِي النِّكَاحِ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ: الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَنَحْوِهَا إنْ كَانَ فِي الزَّوْجِ، وَالرَّتْقِ وَالْفَتْقِ وَنَحْوِهِمَا إنْ كَانَ فِي الزَّوْجَةِ. فَقِيلَ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا 1أَنْ يَفْسَخَ5 بِهَا. وَقِيلَ: لا. كَمَا2 نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُفْسَخُ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ3. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تَفْسَخُ دُونَ الرَّجُلِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخَلاصِ بِالطَّلاقِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، بَلْ وَافَقَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قَوْلاً، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي أُخْرَى. وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِكَوْنِ هَذَا التَّفْصِيلِ لا مَعْنَى لَهُ؛ إذْ لا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ إنْ اسْتَلْزَمَ إبْطَالَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ يَكُونُ مَرْدُودًا، لَكِنَّ الْخَصْمَ يَقُولُ: إنَّهُ4 مُسْتَلْزِمٌ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضٍ لا يَسْتَلْزِمُ فَالْكَلامُ فِي الْكُلِّ5. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ، وَذَكَرَهُ6 فِي "التَّمْهِيدِ":

_ 1 في ز: الفسخ. 2 في ب ض ع: فما. 3 انظر أمثلة أخرى في "الإحكام للآمدي 1/ 269، 270، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، أصول السرخسي 1/ 319، تيسير التحرير 3/ 251، نهاية السول 2/ 361، مناهج العقول 2/ 359، كشف الأسرار 3/ 235، فواتح الرحموت 2/ 236، المحلي على جمع الجوامع 2/ 198، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131، غاية الوصول ص 102، أصول مذهب أحمد ص 361". 4في ش ز: لأنه. 5 وهذه الحالة يصبح حكمها كالمسألة الآتية في إحداث تفصيل بعد الاختلاف على قولين، وقد جعل الآمدي وابن الحاجب وغيرهما مسألة إحداث القول الثالث ومسألة التفصيل مسألة واحدة، لكن الأسنوي والقرافي يريان أن هناك فرقاً بينهما. "انظر: نهاية السول 2/ 365، البناني على جمع الجوامع 2/ 197، المراجع السابقة في هامش 3". 6 في ش ب ز ع: وذكر.

إنَّ ظَاهِرَ كَلامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لا يَحْرُمُ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ مُطْلَقًا1؛ لأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَالَ: لا يَقْرَأُ الْجُنُبُ حَرْفًا2. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْرَأُ مَا شَاءَ. فَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَقْرَأُ بَعْضَ آيَةٍ. وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي فِي قِرَاءَةِ الْجُنُبِ. قُلْنَا بِهَذَا مُوَافَقَةً لِكُلِّ قَوْلٍ. وَلَمْ نَخْرُجْ3 عَنْهُمْ. اهـ. وَلأَنَّهُ لَمْ يَخْرِقْ إجْمَاعًا سَابِقًا. فَإِنَّهُ قَدْ لا يَرْفَعُ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ4. "وَلا" يَحْرُمُ إحْدَاثُ "تَفْصِيلٍ" أَيْ قَوْلٍ مُفَصَّلٍ "إذَا اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ" حَالَ كَوْنِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ "إثْبَاتًا" وَالآخَرِ "نَفْيًا" عِنْدَ الْقَاضِي. وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ5.

_ 1 وهو قول الظاهرية وبعض الحنفية، وهناك أقوال أخرى، كمنع الثالث بعد اختلاف الصحابة، دون غيرهم. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 328، المسودة ص 326، أصول السرخسي 1/ 310، 319، تيسير التحرير 3/ 251، فواتح الرحموت 2/ 235، كشف الأسرار 3/ 235 وما بعدها، الإحكام للآمدي 1/ 268، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، المنخول ص 320، مناهج العقول 2/ 359، المعتمد 2/ 505، 506، اللمع ص 52، الروضة ص 75، إرشاد الفحول ص 86". 2 ساقطة من ع. 3 في ش ز: يخرج. 4 وهو رأي ابن حزم أيضاً. "انظر: المسودة ص 328، أصول السرخسي 1/ 310، الإحكام للآمدي 1/ 268، الروضة ص 75، مختصر الطوفي ص 134، الإحكام لابن حزم 1/ 515، 516، أصول مذهب أحمد ص 363". 5 انظر: نهاية السول 2/ 365، الإحكام للآمدي 1/ 268، مناهج العقول 2/ 363، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، تيسير التحرير 3/ 251، فواتح الرحموت 2/ 236، المسودة ص 327، غاية الوصول ص 109، المعتمد 2/ 508 وما بعدها، اللمع ص 52.

وَمَنَعَ ذَلِكَ قَوْمٌ مُطْلَقًا. وَنَقَلَهُ الآمِدِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ1. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي "التَّمْهِيدِ" وَغَيْرِهِ: إنْ صَرَّحُوا بِالتَّسْوِيَةِ لَمْ يَجُزْ لاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ ظَاهِرًا2. وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا. فَإِنْ اخْتَلَفَ طَرِيقُ3 الْحُكْمِ فِيهَا، كَالنِّيَّةِ4 فِي الْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ فِي الاعْتِكَافِ جَازَ، وَإِلاَّ لَزِمَ5 مَنْ وَافَقَ إمَامًا فِي مَسْأَلَةٍ مُوَافَقَتُهُ فِي جَمِيعِ مَذْهَبِهِ، وَإِجْمَاعُ الأُمَّةِ عَلَى6 خِلافِهِ7. وَإِنْ اتَّفَقَ الطَّرِيقُ كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةٍ8 وَأَبَوَيْنِ9. وَكَإِيجَابِ نِيَّةٍ فِي وُضُوءٍ وَتَيَمُّمٍ وَعَكْسِهِ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ10.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 268، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، جمع الجوامع 2/ 197، المسودة ص 327، المعتمد 2/ 508، 513، نهاية السول 2/ 365، مناهج العقول 2/ 363. 2 انظر: المسودة ص 327، 328، المعتمد 2/ 508، نهاية السول 2/ 365، مناهج العقول 2/ 364، المستصفى 1/ 200. 3 في ش ز: طريقا. والأعلى من د ب ع، وهو الموافق للمسودة. 4 في ش: كالتسمية. وهو خطأ. 5 في ش ز ع: للزم. 6 ساقطة من: ب ز ض ع. 7 انظر: المسودة ص 328، المعتمد 2/ 510. 8 في المسودة: وزوجة. وانظر: تيسير التحرير 3/ 237. 9 ساقطة من ش. 10 انظر شرح تنقيح الفصول ص 327، المسودة ص 327، 328، الإحكام للآمدي 1/ 269، 271، نهاية السول 2/ 365، مناهج العقول 2/ 360 وما بعدها، 364، أصول السرخسي 1/ 316، تيسير التحرير 3/ 253، 237، مختصر ابن الحاجب 2/ 39، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/ 197، فواتح الرحموت 2/ 236، كشف الأسرار 3/ 235، المعتمد 2/ 505، 506، 509 وما بعدها.

وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيِّ1. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَالشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ: إنْ صَرَّحُوا بِالتَّسْوِيَةِ لَمْ يَجُزْ، وَإِلاَّ جَازَ لِمُوَافَقَتِهِ لِكُلِّ2 طَائِفَةٍ3. قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ عُلِمَ4 اتِّحَادُ الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ جَارٍ5 مَجْرَى النَّصِّ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ كَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ؛ مَنْ6 وَرَّثَ إحْدَاهُمَا وَرَّثَ الأُخْرَى، وَمَنْ مَنَعَ مَنَعَ؛ لأَنَّ الْمَأْخَذَ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ الرَّحِمِيَّةُ7. اهـ. "وَلا" يَحْرُمُ إحْدَاثُ "دَلِيلٍ" زَائِدٍ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ دَلِيلٍ سَابِقٍ لِلْحُكْمِ. زَادَ الْقَاضِي: مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْصَدَ بَيَانُ الْحُكْمِ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ؛ لأَنَّهُ قَوْلٌ عَنْ اجْتِهَادٍ غَيْرُ مُخَالِفٍ إجْمَاعًا؛ لأَنَّهُمْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى فَسَادِ غَيْرِ مَا ذَكَرُوهُ، وَأَيْضًا وَقَعَ كَثِيرًا وَلَمْ يُنْكَرْ، وَلأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ8.

_ 1 وقاله الأسنوي أيضاً. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 328، المسودة ص 328، نهاية السول 2/ 365". 2 في ز ش ب ع: كل. 3 وهذا ما نقله القرافي عن الرازي. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 327، المسودة ص 327، تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/ 197-198، اللمع ص 52". 4 في ش: على. وهو تصحيف. 5 في ب: جاري. 6 في ع: ومن. 7 انظر: غاية الوصول ص 109، نهاية السول 2/ 365. 8 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 273، نهاية السول 2/ 387، جمع الجوامع 2/ 198، مختصر ابن الحاجب 2/ 40، شرح تنقيح الفصول ص 333، المعتمد 2/ 514، المسودة ص 328، غاية الوصول ص 109، تيسير التحرير 3/ 253، فواتح الرحموت 2/ 237، 238، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132.

وَقِيلَ: لا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ1. رُدَّ، لا يَخْفَى فَسَادُ ذَلِكَ؛ لأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الأَدِلَّةِ أَحْكَامُهَا لا أَعْيَانُهَا. فَعَيْنُ الْحُكْمِ بَاقٍ. وَأَيْضًا: الْمُرَادُ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَإِلاَّ لَزِمَ الْمَنْعُ فِيمَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ2. "أَوْ عِلَّةٍ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يَحْرُمُ إحْدَاثُ عِلَّةٍ، كَمَا لا يَحْرُمُ إحْدَاثُ دَلِيلٍ "آخَرَيْنِ" صِفَةٌ لِلدَّلِيلِ وَالْعِلَّةِ. وَعَلَى جَوَازِ إحْدَاثِ الْعِلَّةِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُوَفَّقُ وَالطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُمْ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي بَابِ الْقِيَاسِ3. وَقِيلَ: لا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ، لأَنَّ عِلَّتَهُمْ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهَا، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ غَيْرِهَا4. "أَوْ تَأْوِيلٍ لا يُبْطِلُ الأَوَّلَ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يَحْرُمُ إحْدَاثُ تَأْوِيلٍ ثَانٍ

_ 1 وهذا ما نقله ابن القطان عن بعض الشافعية، وهناك أقوال أخرى. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 273، شرح تنقيح الفصول ص 333، المسودة ص 329، نهاية السول 2/ 387، جمع الجوامع 2/ 199، مختصر ابن الحاجب 2/ 40، المعتمد 2/ 514، فواتح الرحموت 2/ 237، 238، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132". 2 انظر: فواتح الرحموت 2/ 238، العضد على ابن الحاجب 2/ 41، المحلي على جمع الجوامع 2/ 199، الإحكام للآمدي 1/ 274، مختصر ابن الحاجب 2/ 40، إرشاد الفحول ص 87. 3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 333، المعتمد 2/ 514 وما بعدها، المسودة ص 329، جمع الجوامع 2/ 199، مختصر الطوفي ص 155، الروضة ص 76، غاية الوصول ص 109. 4 انظر: جمع الجوامع 2/ 199، شرح تنقيح الفصول ص 333، المسودة ص 329، غاية الوصول ص 109.

لا يُبْطِلُ التَّأْوِيلَ الأَوَّلَ، بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ الآمِدِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَتَبِعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ1. وَقِيلَ: لا يَجُوزُ إحْدَاثُ تَأْوِيلٍ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ. قَالَ: لأَنَّ الآيَةَ مَثَلاً إذَا احْتَمَلَتْ مَعَانِيَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى تَأْوِيلِهَا بِأَحَدِهَا صَارَ كَالإِفْتَاءِ فِي حَادِثَةٍ تَحْتَمِلُ أَحْكَامًا بِحُكْمٍ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُؤَوَّلَ بِغَيْرِهِ. كَمَا لا يُفْتَى2 بِغَيْرِ مَا أَفْتَوْا بِهِ3. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: "لا يَحْتَمِلُ مَذْهَبُنَا غَيْرَ هَذَا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ4". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَمُرَادُهُ دَفْعُ5 تَأْوِيلِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ عِنْدَ السَّلَفِ. اهـ. وَذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لا يَجُوزُ إحْدَاثُ مَذْهَبٍ ثَالِثٍ كَذَلِكَ لا يَجُوزُ إحْدَاثُ

_ 1 وهو اختيار أبي الحسين البصري المعتزلي. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 273، 274، نهاية السول 2/ 387، جمع الجوامع 2/ 198، شرح تنقيح الفصول ص 333، تيسير التحرير 3/ 253، فواتح الرحموت 2/ 237، مختصر ابن الحاجب 2/ 40، المعتمد 2/ 517، المسودة ص 329، إرشاد الفحول ص 87، غاية الوصول ص 109، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132". 2 في ش: يخفى. وهو خطأ. 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 273، نهاية السول 2/ 387، شرح تنقيح الفصول ص 333، تيسير التحرير 3/ 254، فواتح الرحموت 2/ 237، المسودة ص 329، المعتمد 2/ 517، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132، مختصر ابن الحاجب 2/ 40. 4 المسودة ص 329. 5 في ش ع: رفع. وهو تصحيف، وساقطة من ض.

تَأْوِيلٍ، وَلأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا تَأْوِيلٌ آخَرَ لَتَكَلَّفُوا1 طَلَبَهُ كَالأَوَّلِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي "التَّمْهِيدِ"، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ وَتَعْلِيلِهِمَا مِنْ غَيْرِ نَصْرِ أَحَدِهِمَا. "وَاتِّفَاقُ" مُجْتَهِدِي "عَصْرٍ ثَانٍ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ" مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ "الأَوَّلِ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْخِلافُ" فِي الْعَصْرِ الأَوَّلِ "لا يَرْفَعُهُ" أَيْ لا يَرْفَعُ الْخِلافَ، وَلا يَكُونُ اتِّفَاقُ2 الْعَصْرِ الثَّانِي إجْمَاعًا؛ لأَنَّ مَوْتَ3 الْمُخَالِفِ فِي الْعَصْرِ الأَوَّلِ لا يَكُونُ مُسْقِطًا لِقَوْلِهِ فَيَبْقَى. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا. قَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ وَأَكْثَرِ الأَشْعَرِيَّةِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْ عِبَارَاتِهِ الرَّشِيقَةِ: "الْمَذَاهِبُ لا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا4". وَنَقَلَهُ ابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ عَنْ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَاخْتَارَهُ5.

_ 1 في ع: لكلِّفوا. 2 ساقطة من ض. 3 في ش: توقف. وهو خطأ. 4 انظر: التمهيد ص 138، نهاية السول 2/ 371، كشف الأسرار 3/ 249. 5 ينتج عن هذا الرأي أحد شروط الاجتهاد عند الجمهور، وهو اشتراط عدم الاختلاف السابق لصحة الإجماع، وهو قول الإمام أحمد وأبي الحسن الأشعري وإمام الحرمين والغزالي والرازي. واختاره الآمدي وبيّن أدلته. وهو قول أبي بكر الصيرفي الشافعي والقاضي أبي يعلى. "انظر: نهاية السول 2/ 370، 371، جمع الجوامع 2/ 186، المنخول ص 320، المستصفى 1/ 203، الإحكام للآمدي 1/ 275، مختصر ابن الحاجب 2/ 41، العضد على ابن الحاجب 2/ 42، التمهيد للأسنوي ص 138، شرح الورقات ص 165، مناهج العقول 2/ 367، غاية الوصول ص 108، اللمع ص 51، كشف الأسرار 3/ 247، فواتح الرحموت 2/ 226، أصول السرخسي 1/ 319، 320، تيسير التحرير 3/ 232، 234، المسودة ص 325، 341، المعتمد 2/ 498، 517، الروضة ص 74، 75، إرشاد الفحول ص 86، المدخل إلى مذهب أحمد ص 131".

وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً وَإِجْمَاعًا، وَيَرْفَعُ الْخِلافَ، قَالَهُ1 أَبُو الْخَطَّابِ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّازِيُّ وَأَتْبَاعُهُ وَغَيْرُهُمْ. مِنْهُمْ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ وَالإِصْطَخْرِيُّ2 وَابْنُ خَيْرَانَ3 وَالْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ4.

_ 1 في ض: قال. 2 هو الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى، أبو عيسى الإصطخري، قاضي قُمْ، شيخ الشافعية بالعراق، وأحد أصحاب الوجوه في المذهب، ولي حسبة بغداد، وأفتى بقتل الصائبة. واستقضاه المقتدر بالله على سجستان، وله أخبار طريفة في الحسبة، وصنف كتباً حسنة. ومن مؤلفاته: "أدب القضاء"، و"كتاب الفرائض الكبير"، و"كتاب الشروط والوثائق والمحاضر والسجلات"، ولم يكن في باب القضاء كتاب يقارعه. وله في الأصول آراء مشهورة. توفي سنة 328هـ ببغداد. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 230، وفيات الأعيان 1/ 357، البداية والنهاية 11/ 193، شذرات الذهب 2/ 312، طبقات الفقهاء ص 111، الفهرست ص 300، تاريخ بغداد 7/ 268، الفتح المبين 1/ 179". 3 هو الحسين بن صالح بن خيران، الشيخ أبو علي، الفقيه الشافعي، وأحد أركان المذهب، كان فقيهاً ورعاً فاضلاً متقشفاً تقياً زاهداً، من كبار الأئمة، عرض عليه القضاء فلم يقبله في زمن المقتدر بالله، وسُمِّر باب داره لذلك، وكان يعاتب ابن سريج على قبوله تولية القضاء. توفي سنة 320هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 271، وفيات الأعيان 1/ 400، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 110، البداية والنهاية 11/ 173، شذرات الذهب 2/ 387، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 67، تهذيب الأسماء 2/ 261، تاريخ بغداد 8/ 53". 4 منهم الطوفي وابن الحاجب والرازي وابن حزم وأكثر الحنفية. وهو قول المالكية والشافعية. "انظر: كشف الأسرار 3/ 247، 249، التمهيد للإسنوي ص 138، شرح تنقيح الفصول ص 328، المسودة ص 325، 343، أصول السرخسي 1/ 319، 320، الإحكام لابن حزم 1/ 507، 515، غاية الوصول ص 108، تيسير التحرير 3/ 232، 234، المعتمد 2/ 497، 499 وما بعدها، 517، نهاية السول 2/ 370، مناهج العقول 2/ 367، المنخول ص 321، المستصفى 1/ 203، فواتح الرحموت 2/ 226، الإحكام للآمدي 1/ 275 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/ 40، المحلي على جمع الجوامع 2/ 187، اللمع ص 51، مختصر الطوفي ص 135، الروضة ص 74، 75، إرشاد الفحول ص 86".

"وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَقَرَّ الْخِلافُ فِي الْعَصْرِ الأَوَّلِ "فَ" اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ الثَّانِي "إجْمَاعٌ" قَطْعًا. وَذَلِكَ كَخِلافِ الصَّحَابَةِ لأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَإِجْمَاعِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَكَخِلافِهِمْ فِي دَفْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيِّ مَكَان، ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى دَفْنِهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ إذْ الْخِلافُ لَمْ يَكُنْ اسْتَقَرَّ1. "وَلَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ أَرْبَابُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَمْ يَصِرْ قَوْلُ الْبَاقِي إجْمَاعًا" ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مَحَلَّ وِفَاقٍ، وَصَحَّحَهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ فِي "التَّقْرِيبِ"؛ لأَنَّ حُكْمَ الْمَيِّتِ فِي حُكْمِ الْبَاقِي الْمَوْجُودِ وَجَزَمَ بِهِ الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ2، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ 3فِي "الْمُسْتَصْفَى"4: إنَّهُ الرَّاجِحُ4. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِير"ِ: وَ5هَذَا قَوْلُ الأَكْثَرِينَ6. وَقِيلَ: يَصِيرُ إجْمَاعًا وَحُجَّةً؛ لأَنَّهُمْ صَارُوا 7كُلَّ الأُمَّةِ3، اخْتَارَهُ

_ 1 حكى الجويني والهندي أن الصيرفي خالف في ذلك، بينما قال الشيرازي: صارت المسألة إجماعية بلا خلاف. "انظر: اللمع ص 51، شرح الورقات ص 165، إرشاد الفحول ص 86، شرح تنقيح الفصول ص 328، الروضة ص 73، غاية الوصول ص 107، مناهج العقول 2/ 371 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، جمع الجوامع 2/ 184". 2 وذلك في كتابه "الجدل". انظر: "إرشاد الفحول ص 86". 3 ساقطة من ش. 4 المستصفى 1/ 202. 5 ساقطة من ض. 6 انظر: مناهج العقول 2/ 372، الإحكام للآمدي 1/ 279، نهاية السول 2/ 375، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 41، المسودة ص 324، المعتمد 2/ 501، التمهيد ص 139، إرشاد الفحول ص 86. 7 في ض: كالأمة.

الرَّازِيّ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا1. وَبَنَى السُّهَيْلِيُّ الْخِلافَ عَلَى الْخِلافِ فِي إجْمَاعِ التَّابِعِينَ بَعْدَ اخْتِلافِ الصَّحَابَةِ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ بِنَاءٌ ظَاهِرٌ. وَلَوْ مَاتَ بَعْضُ2 أَرْبَابِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَرَجَعَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ إلَى قَوْلِ الآخَرِينَ. فَقَالَ ابْنُ كَجٍّ3: فِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إجْمَاعٌ؛ لأَنَّهُمْ أَهْلُ الْعَصْرِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لأَنَّ الصِّدِّيقَ جَلَدَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ، وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى ثَمَانِينَ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَلَمْ4 يَجْعَلُوا الْمَسْأَلَةَ إجْمَاعًا؛ لأَنَّ الْخِلافَ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ. وَقَدْ5 مَاتَ مِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ بَعْضٌ، وَرَجَعَ بَعْضٌ إلَى قَوْلِ عُمَرَ.

_ 1 انظر: مناهج العقول 2/ 372، الإحكام للآمدي 1/ 279، نهاية السول 2/ 375، التمهيد للإسنوي ص 139، إرشاد الفحول ص 86. 2 ساقطة من ز ش. 3 هو يوسف بن أحمد بن كجّ القاضي الإمام، أبو القاسم الدينوري، صاحب أبي الحسين بن القطان، أحد أركان المذهب الشافعي، وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب، ارتحل الناس إليه من الآفاق، وأطنبوا في وصفه، جمع بين رئاسة العلم والدنيا، وله وجه في المذهب، وله مسائل وفوائد وغرائب في القضاء والشهادات. تولى القضاء ببلده، وصنف كتباً كثيرة انتفع بها الفقهاء، منها: "المجرد"، وهو مطول. قتله العيارون بالدينور سنة 405 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 359، وفيات الأعيان 6/ 63، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 118، شذرات الذهب 3/ 177، البداية والنهاية 11/ 355". 4 في ش ب ز ع: فلم. 5 ساقطة من ض.

"وَاتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ بَعْدَ اخْتِلافِهِمْ وَقَدْ اسْتَقَرَّ" اخْتِلافُهُمْ "إجْمَاعٌ" وَحُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ. وَذَكَرَ1 الْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ2. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُسْتَنَدُ قَطْعِيًّا كَانَ إجْمَاعًا وَحُجَّةً، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَنَدُ ظَنِّيًّا فَلا3. وَخَالَفَ الْبَاقِلاَّنِيُّ وَالآمِدِيُّ وَجَمْعٌ، وَقَالُوا بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ لِتَنَاقُضِ الإِجْمَاعَيْنِ. وَهُمَا الاخْتِلافُ أَوَّلاً ثُمَّ الاتِّفَاقُ ثَانِيًا، كَمَا إذَا كَانُوا عَلَى قَوْلٍ فَرَجَعُوا عَنْهُ إلَى آخَرَ4. وَنَقَلَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ فِي "الْوَجِيزِ" عَنْ الشَّافِعِيِّ5.

_ 1 في ض: وذكر. 2 وهو قول الشافعية والمالكية. وللحنفية قولان، وبه قال ابن الحاجب والرازي، وهذا يتفق مع القول باشتراط انقراض العصر. وأما إذا لم يستقر الخلاف بينهم فيكون اتفاقهم إجماعاً كما مر صفحة 274. "انظر: الحدود للباجي ص 63، التمهيد ص 139، مختصر الطوفي ص 133، تخريج الفروع على الأصول ص 21، شرح تنقيح الفصول ص 328، المسودة ص 324، نهاية السول 2/ 369، مناهج العقول 2/ 366، جمع الجوامع 2/ 184، المستصفى 1/ 205، الإحكام للآمدي 1/ 278، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، المنخول ص 321". 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 278، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 185، المنخول ص 321. 4 وهو رأي الصيرفي وإمام الحرمين والآمدي. انظر: الحدود للباجي ص 64، التمهيد للإسنوي ص 139، المعتمد 2/ 493، نهاية السول 2/ 369، 370، المستصفى 1/ 205، 205 وما بعدها، المسودة ص 324، مناهج العقول 2/ 366، الإحكام للآمدي 1/ 278، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، جمع الجوامع 2/ 185، المنخول ص 321. 5 وهناك أقوال أخرى. "انظر: نهاية السول 2/ 371، المستصفى ص205، المسودة ص 324".

وَالْمَانِعُ لِذَلِكَ مَحْجُوجٌ بِالْوُقُوعِ. كَمَسْأَلَةِ الْخِلافَةِ لأَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهَا1. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَلا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلافِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ فَأَمَّا إنْ شَرَطْنَاهُ2، فَإِنَّهُ3 يَجُوزُ قَطْعًا. وَقَالَهُ غَيْرُهُ4. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَكُلُّ مَنْ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ قَالَ: إجْمَاعٌ5. "وَلا يَصِحُّ تَمَسُّكٌ بِإِجْمَاعٍ فِيمَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ" أَيْ صِحَّةُ الإِجْمَاعِ "عَلَيْهِ كَوُجُودِهِ" سُبْحَانَهُ وَ "تَعَالَى وَصِحَّةِ الرِّسَالَةِ" وَدَلالَةِ الْمُعْجِزَةِ، لاسْتِلْزَامِهِ عَلَيْهِ لُزُومَ الدَّوْرِ6. "وَيَصِحُّ" التَّمَسُّكُ بِالإِجْمَاعِ "فِي غَيْرِهِ" أَيْ غَيْرِ مَا تَتَوَقَّفُ7 صِحَّةُ الإِجْمَاعِ عَلَيْهِ: مِنْ أَمْرٍ "دِينِيٍّ" كَالرُّؤْيَةِ وَ "كَنَفْيِ الشَّرِيكِ" وَوُجُوبِ الْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ لا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ، لإِمْكَانِ تَأَخُّرِ مَعْرِفَتِهَا عَنْ

_ 1 انظر: التمهيد ص 139، شرح تنقيح الفصول ص 329، نهاية السول 2/ 370، مناهج العقول 2/ 366، الإحكام للآمدي 1/ 276، 278. 2 في ب: اشترطناه. 3 في ش: فلا. 4 وهو ما قاله الإسنوي. انظر: نهاية السول 2/ 369. 5 وهو ما قاله الآمدي أيضاً. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 278". 6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 283، كشف الأسرار 3/ 251، شرح تنقيح الفصول ص 343، مختصر ابن الحاجب 2/ 44، تيسير التحرير 3/ 63، نهاية السول 2/ 358، مناهج العقول 2/ 357، فواتح الرحموت 2/ 246، غاية الوصول ص 108، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133. 7 في ب: يتوقف.

الإِجْمَاعِ بِخِلافِ الأَوَّلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدِّينِيُّ عَقْلِيًّا، كَرُؤْيَةِ الْبَارِي، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ، أَوْ شَرْعِيًّا كَوُجُوبِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا1. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: لا خِلافَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: صَحَّ اتِّفَاقًا، وَقَطَعَ بِهِ فِي "الْمُقْنِعِ" وَغَيْرِهِ. "أَوْ" مِنْ أَمْرٍ "عَقْلِيٍّ، كَحُدُوثِ2 الْعَالَمِ" وَهَذَا الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُ3. قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": وَأَمَّا حُدُوثُ الْعَالَمِ فَيُمْكِنُ إثْبَاتُهُ: لأَنَّهُ يُمْكِنُنَا إثْبَاتُ الصَّانِعِ بِحُدُوثِ الأَعْرَاضِ، ثُمَّ نَعْرِفُ صِحَّةَ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ نَعْرِفُ 4الإِجْمَاعَ بِهِ8؛ ثُمَّ نَعْرِفُ 5حُدُوثَ الأَجْسَامِ بِهِ9. اهـ. وَخَالَفَ فِي هَذِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُطْلَقًا، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي6 كُلِّيَّاتُ أُصُولِ الدِّينِ، كَحُدُوثِ7 الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ، دُونَ جُزْئِيَّاتِهِ، كَجَوَازِ الرُّؤْيَةِ8. اهـ.

_ 1 انظر: كشف الأسرار 3/ 251، الإحكام للآمدي 1/ 283، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 44، "اللمع ص 49، شرح تنقيح الفصول ص 343، تيسير التحرير 3/ 262، المعتمد 2/ 494، جمع الجوامع 2/ 194، مناهج العقول 2/ 357، نهاية السول 2/ 337، 358، غاية الوصول ص 108، مختصر الطوفي ص 137، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133. 2 في ز: كحدث. 3 انظر: جمع الجوامع 2/ 194، شرح تنقيح الفصول ص 322، 344، تيسير التحرير 3/ 263، نهاية السول 2/ 337، 358، فواتح الرحموت 2/ 246، المعتمد 2/ 494، غاية الوصول ص 108، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133. 4 في ب ز ع: به الإجماع. 5 في ب ز ع: به حدوث الأجسام. 6 في ش: قال: و. وفي ز: و. 7 في ب ز ع: قال كحدث. 8 وخالف فيه أيضاً بعض الحنفية. "انظر: اللمع ص 49، شرح تنقيح الفصول ص 323، نهاية السول 3/ 262، تيسير التحرير 3/ 262، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133".

قَالَ الْكُورَانِيُّ: لا مَعْنَى لِلإِجْمَاعِ فِيهِ؛ لأَنَّهُ إنْ كَانَ قَطْعِيًّا بِالاسْتِدْلالِ، فَمَا فَائِدَةُ الإِجْمَاعِ فِيهِ إلاَّ تَعَاضُدُ الأَدِلَّةِ لا 1إثْبَاتُ4 الْحُكْمِ ابْتِدَاءً. وَقَالَ الإِمَامُ فِي "الْبُرْهَانِ": أَيُّ فَائِدَةٍ فِي الإِجْمَاعِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، مَعَ أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ الإِجْمَاعُ حُجَّةً فِيهَا كَسَائِرِ الأَحْكَامِ لَمْ يَجُزْ إلاَّ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَعَدَمُ الْمُخَالَفَةِ2. أ"َو"ْ مِنْ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ. كَرَأْيٍ فِي حَرْبٍ" وَتَدْبِيرِ أَمْرِ الْجُيُوشِ وَأَمْرِ الرَّعِيَّةِ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: فِيهِ مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ، الْمُرَجَّحُ مِنْهُمَا وُجُوبُ الْعَمَلِ فِيهِ بِالإِجْمَاعِ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلامِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمْ فِي حَدِّ الإِجْمَاعِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَالآمِدِيُّ وَأَتْبَاعُهُ؛ لأَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ دَالٌّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ. فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ3.

_ 1 في ع: لإثبات. 2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 322، نهاية السول 2/ 337، فواتح الرحموت 2/ 246. 3 انظر: كشف الأسرار 3/ 251، فواتح الرحموت 2/ 246، الإحكام للآمدي 1/ 283، شرح تنقيح الفصول ص 344، المسودة ص 317، تيسير التحرير 3/ 262، نهاية السول 2/ 337، 358، مختصر ابن الحاجب 2/ 44، جمع الجوامع 2/ 194، مختصر الطوفي ص 137، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133، غاية الوصول ص 108.

وَلِلْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيِّ فِيهِ قَوْلانِ. أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، وَوَجْهُهُ: اخْتِلافُ الْمَصَالِحِ بِحَسَبِ الأَحْوَالِ. فَلَوْ كَانَ حُجَّةً لَزِمَ تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ وَإِثْبَاتُ الْمَفْسَدَةِ، وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَصَحَّحَهُ السَّمْعَانِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا1. قَالَ الْكُورَانِيُّ: لا مَعْنَى لِلإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ. لأَنَّهُ لَيْسَ أَقْوَى مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لَيْسَ دَلِيلاً لا يُخَالَفُ فِيهِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ قِصَّةُ التَّلْقِيحِ حَيْثُ قَالَ: "أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ" 2. وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لا يَجُوزُ خِلافُهُ، وَمَا ذَكَرُوهُ3 مِنْ أَمْرِ الْحُرُوبِ وَنَحْوِهَا إنْ أَثِمَ مُخَالِفُ ذَلِكَ فَلِكَوْنِهِ4 شَرْعِيًّا، وَإِلاَّ فَلا مَعْنَى لِوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ5. اهـ. وَقِيلَ: هُوَ حُجَّةٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الرَّأْيِ لا قَبْلَهُ6، ذَكَرَهُ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 284، مختصر ابن الحاجب 2/ 44، المستصفى 1/ 173، المسودة ص 317، تيسير التحرير 3/ 262، المعتمد 2/ 494، نهاية السول 2/ 337، فواتح الرحموت 2/ 246، مختصر الطوفي ص 137، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133. 2 قصة التلقيح هي أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقوم يلقحون النخل فقال صلى الله عليه وسلم: "لو لم تفعلوا لصلح"، فخرج شيصاً، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم". أي أنتم أعلم مني بذلك، وأنا أعلم بأمر أخراكم منكم. والحديث رواه مسلم وابن ماجه عن أنس وعائشة مرفوعاً. "انظر: صحيح مسلم 4/ 1836، سنن ابن ماجه 2/ 825، فيض القدير 3/ 50". 3 في ش: ذكره. 4 في ش: لكونه. 5 وهو ما أيده الشيرازي. "انظر: اللمع ص 49، المعتمد 2/ 494، كشف الأسرار 2/ 252". 6 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 133.

"أَوْ" مِنْ أَمْرٍ "لُغَوِيٍّ". قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: لا خِلافَ فِي ذَلِكَ، كَكَوْنِ1 الْفَاءِ لِلتَّعْقِيبِ، فَقُطِعَ بِهِ2. وَقِيلَ: يُعْتَدُّ بِالإِجْمَاعِ فِيهِ إنْ تَعَلَّقَ بِالدِّينِ وَإِلاَّ فَلا. ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ.

_ 1 في ش: لكونه. 2 وهو رأي الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي، وأيده الإسنوي أيضاً. "انظر: غاية الوصول ص 108، نهاية السول 2/ 337، 358".

فصل: ارتداد الأمة

فَصْلٌ: ارْتِدَادُ الأُمَّةِ جَائِزٌ عَقْلاً قَطْعًا. لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ، وَلا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ. قَالَ الآمِدِيُّ: "لا خِلافَ فِي تَصَوُّرِ ارْتِدَادِ الأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةِ فِي بَعْضِ الأَعْصَارِ عَقْلاً1". وَ "لا" يَجُوزُ ذَلِكَ "سَمْعًا" فِي الأَصَحِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَصْحَابِنَا2. قَالَه3 ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: وَصَرَّحَ بِهِ الطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُ. وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَصَحَّحَهُ التَّاجُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. وَذَلِكَ لأَدِلَّةِ الإِجْمَاعِ. وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أُمَّتِي لا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلالَةٍ" 4 وَانْعِقَادِ الإِجْمَاعِ5. وَخَالَفَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ؛ وَقَالُوا: الرِّدَّةُ تُخْرِجُهُمْ عَنْ كَوْنِهِمْ أُمَّتَهُ؛ لأَنَّهُمْ إذَا ارْتَدُّوا لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُمُ الأَدِلَّةُ6.

_ 1 الإحكام للآمدي 1/ 280. 2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 280، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، تيسير التحرير 3/ 258، فواتح الرحموت 2/ 241، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 199، نهاية السول 2/ 387، غاية الوصول ص 109، مختصر الطوفي ص 137. 3 في ش: قال. 4 مر هذا الحديث بلفظ: "لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة". ص 218، وبلفظ آخر: "إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة" ص 220 مع تخريجهما. 5 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 280، مختصر الطوفي ص 137، جمع الجوامع 2/ 199، مختصر ابن الحاجب 2/ 43. 6 انظر: تيسير التحرير 3/ 258، نهاية السول 2/ 387، الإحكام للآمدي 1/ 280 فواتح الرحموت 2/ 241، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، المحلي على جمع الجوامع 2/ 199، غاية الوصول ص 109.

وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَصْدُقُ بَعْدَ ارْتِدَادِهِمْ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ارْتَدَّتْ. وَهُوَ أَعْظَمُ 1الْخَطَإِ فَتَمْتَنِعُ6 الأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ2. "وَيَجُوزُ اتِّفَاقُهَا" أَيْ اتِّفَاقُ الأُمَّةِ "عَلَى جَهْلِ مَا3" أَيْ جَهْلِ شَيْءٍ "لَمْ نُكَلَّفْ بِهِ" فِي الأَصَحِّ لِعَدَمِ الْخَطَإِ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ. كَتَفْضِيلِ عَمَّارٍ عَلَى حُذَيْفَةَ أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ لأَنَّ ذَلِكَ لا يَقْدَحُ فِي أَصْلٍ مِنْ الأُصُولِ4. وَقِيلَ: لا يَجُوزُ اتِّفَاقُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِلاَّ كَانَ5 الْجَهْلُ سَبِيلاً لَهَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ6. وَأُجِيبَ: بِمَنْعِ كَوْنِهِ سَبِيلاً لَهَا؛ لأَنَّ سَبِيلَ الشَّخْصِ مَا يَخْتَارُهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ7.

_ 1 ساقطة من ب. وفي ع: الخطأ، متمنع. 2 انظر: تيسير التحرير 3/ 258، نهاية السول 2/ 387، فواتح الرحموت 2/ 241، الإحكام للآمدي 1/ 280، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، المحلي على جمع الجوامع 2/ 199. 3 ساقطة من ز. 4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 199، شرح تنقيح الفصول ص 344، نهاية السول 2/ 388، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87. 5 في ع: لكان. 6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 200، نهاية السول 2/ 388، الإحكام للآمدي 1/ 279، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87. 7 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، المحلي على جمع الجوامع 2/ 200، نهاية السول 2/ 388، غاية الوصول ص 109.

وَ1أَمَّا مَا كُلِّفُوا بِهِ فَيَمْتَنِعُ جَهْلُ جَمِيعِهِمْ بِهِ، كَكَوْنِ الْوِتْرِ وَاجِبًا أَمْ لا وَنَحْوُهُ2. وَ "لا" يَجُوزُ "انْقِسَامُهَا" أَيْ انْقِسَامُ الأُمَّةِ "فِرْقَتَيْنِ كُلُّ فِرْقَةٍ مُخْطِئَةٌ فِي مَسْأَلَةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْأُخْرَى" عِنْدَ الأَكْثَرِ3. قَالَ الْقَرَافِيُّ: "اخْتَلَفُوا هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى خَطَإٍ فِي مَسْأَلَتَيْنِ. كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِمَذْهَبِ الْخَوَارِجِ، وَالْبَقِيَّةِ بِمَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَفِي الْفُرُوعِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَعْضُ - أَيْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ - بِأَنَّ الْعَبْدَ يَرِثُ. وَالْبَاقِي بِأَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا يَرِثُ. فَقِيلَ: لا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ إجْمَاعٌ عَلَى الْخَطَإِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ؛ لأَنَّ كُلَّ خَطَإٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَطَأَيْنِ لَمْ يُسَاعِدْ عَلَيْهِ الْفَرِيقُ الآخَرُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ إجْمَاعٌ4". ثُمَّ قَالَ: تَنْبِيهٌ: الأَحْوَالُ ثَلاثَةٌ: الأُولَى: اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْخَطَإِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يَرِثُ فَلا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، المحلي على جمع الجوامع 2/ 200، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87. 3 خلافاً لابن قدامة وزكريا الأنصاري والمحلي والآمدي وغيرهم. "انظر: الروضة ص 76، غاية الوصول ص 109، تيسير التحرير 3/ 252، نهاية السول 2/ 387، حاشية البناني وشرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 200". 4 شرح تنقيح الفصول ص 344.

الثَّانِيَةُ: أَنْ يُخْطِئَ كُلُّ فَرِيقٍ فِي مَسْأَلَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الأُخْرَى. فَيَجُوزُ. فَإِنَّا نَقْطَعُ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ يَجُوزُ أَنْ يُخْطِئَ. وَمَا مِنْ مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ إلاَّ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ مَا يُنْكَرُ1 وَإِنْ قَلَّ. فَهَذَا لا بُدَّ لِلْبَشَرِ مِنْهُ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُخْطِئُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ، مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَإِنَّ الْعَبْدَ وَالْقَتْلَ كِلاهُمَا يَرْجِعُ إلَى فَرْعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَانِعُ الْمِيرَاثِ. فَوَقَعَ الْخَطَأُ فِيهِ كُلِّهِ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى اتِّحَادِ الأَصْلِ مَنَعَ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى تَعَدُّدِ الْفَرْعِ أَجَازَ2. اهـ. "وَلا" يَجُوزُ أَيْضًا عَلَى الأُمَّةِ "عَدَمُ عِلْمِهَا بِدَلِيلٍ اقْتَضَى حُكْمًا" فِي مَسْأَلَةٍ تَكْلِيفِيَّةٍ "لا دَلِيلَ لَهُ" أَيْ لِذَلِكَ الْحُكْمِ "غَيْرُهُ" أَيْ غَيْرُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ؛ لأَنَّهُ إنْ عُلِمَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، بَلْ3 عَنْ تَشَهٍّ4، وَالْعَمَلُ بِالْحُكْمِ عَنْ التَّشَهِّي لا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ كَانَ تَرْكًا لِلْحُكْمِ الْمُتَوَجِّهِ5 عَلَى الْمُكَلَّفِ6. قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ فِي "شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ": أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْوَاقِعِ دَلِيلٌ أَوْ خَبَرٌ رَاجِحٌ، أَيْ7 بِلا مُعَارِضٍ، وَقَدْ عُمِلَ عَلَى8 وَفْقَ ذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوْ الْخَبَرِ بِدَلِيلٍ

_ 1 في شرح تنقيح الفصول: يتكرر. وهو تصحيف. 2 شرح تنقيح الفصول ص 344-345. 3 ساقطة من ب ع. 4 في ش: تشهي. وهو خطأ. 5 في ع: أي المتوجه. 6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، شرح تنقيح الفصول ص 344، تيسير التحرير 3/ 257، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132. 7 ساقطة من ع. 8 ساقطة من ش ز.

آخَرَ. فَهَلْ يَجُوزُ عَدَمُ عِلْمِ الأُمَّةِ 1بِهِ أَمْ لا؟ 9 فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ. وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُ بِأَنَّ اشْتِرَاكَ جَمِيعِهِمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ، أَوْ الدَّلِيلِ الرَّاجِحِ، لَمْ يُوجِبْ مَحْذُورًا؛ إذْ لَيْسَ اشْتِرَاكُ جَمِيعِهِمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ إجْمَاعًا، حَتَّى تَجِبَ2 مُتَابَعَتُهُمْ فِيهِ، بَلْ عَدَمُ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوْ الْخَبَرِ كَعَدَمِ حُكْمِهِمْ فِي وَاقِعَةٍ لَمْ يَحْكُمُوا فِيهَا بِشَيْءٍ فَجَازَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَسْعَى فِي طَلَبِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوْ الْخَبَرِ لِيَعْلَمَهُ3. وَاحْتَجَّ النَّافِي4: بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ عَدَمُ عِلْمِ5 جَمِيعِهِمْ بِذَلِكَ6 الدَّلِيلِ أَوْ الْخَبَرِ 7لَحَرُمَ تَحْصِيلُ5 الْعِلْمِ بِهِ، وَالتَّالِي8 ظَاهِرُ الْفَسَادِ. بَيَانُ الْمُلازَمَةِ: أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَدَمُ عِلْمِهِمْ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَوْ طَلَبُوا الْعِلْمَ بِهِ لاتَّبَعُوا غَيْرَ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ9. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِمْ لا يَكُونُ سَبِيلاً لَهُمْ؛ لأَنَّ السَّبِيلَ: مَا اخْتَارَهُ الإِنْسَانُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ10.

_ 1 في ش ز: أولاً. وفي ب ع: أو لا. 2 ساقطة من ش. 3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، تيسير التحرير 3/ 257، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132. 4 في ش ز: الثاني. وهو تصحيف. 5 في ب ع: علمهم. 6 في ز ش ب: لذلك. 7 في ض: لحصل. 8 في ز ش ب ض ع. والثاني. وهو تصحيف. 9 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 43، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132. 10 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 43.

فصل: السند أو الإسناد

فصل: السند أو الإسناد ... "فَصْلٌ": "يَشْتَرِكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ فِي سَنَدٍ، وَيُسَمَّى إسْنَادً ا 1". لَمَّا فَرَغَ مِنْ الأَبْحَاثِ الْمُخْتَصَّةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكِتَابِ2 وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ. شَرَعَ فِي الأَبْحَاثِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلاثَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلامَ فِي الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، ثُمَّ يَتْلُوهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ دَلالَةُ الأَلْفَاظِ. لأَنَّهُ بَعْدَ الصِّحَّةِ يَتَوَجَّهُ النَّظَرُ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الثَّابِتُ، ثُمَّ يَتْلُوهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ اسْتِمْرَارُ الْحُكْمِ وَبَقَاؤُهُ بِأَنَّهُ3 لَمْ يُنْسَخْ، ثُمَّ يَتْلُوهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، مِنْ بَيَانِ أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ؛ لأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الثَّلاثَةِ الأُوَلِ. وَقَوْلُهُ "يَشْتَرِكُ كَذَا ... فِي سَنَدٍ" إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّةُ وُصُولِهَا إلَيْنَا لا ثُبُوتُهَا فِي نَفْسِهَا، وَلا كَوْنُهَا حَقًّا. "وَهُوَ" أَيْ السَّنَدُ "إخْبَارٌ عَنْ طَرِيقِ الْمَتْنِ" قَوْلاً أَوْ فِعْلاً تَوَاتُرًا أَوْ

_ 1 يشترك الكتاب والسنة والإجماع في أمرين: الأول: النظر في السند، وهو ما بحثه المؤلف هنا حتى نهاية هذا المجلد. والثاني: النظر في المتن، ويشمل الأوامر والنواهي، والعموم والخصوص، والمطلق والمقيد ... إلخ، وهو موضوع المجلد الثالث بكامله. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 3، العضد على ابن الحاجب 2/ 45، تدريب الراوي 2/ 42". 2 في ض: الإجماع. 3 في ش ب ز ض: بأن.

آحَادًا1. وَلَوْ كَانَ الإِخْبَارُ بِوَاسِطَةٍ مُخْبِرٍ2 وَاحِدٍ3 فَأَكْثَرَ عَمَّنْ يُنْسَبُ الْمَتْنُ إلَيْهِ4. "و"َ يَشْتَرِكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ أَيْضًا "فِي مَتْنٍ وَهُوَ الْمُخْبَرُ بِهِ". وَأَصْلُ السَّنَدِ فِي اللُّغَةِ: مَا يُسْتَنَدُ5 إلَيْهِ، أَوْ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الأَرْضِ6. وَأَخْذُ الْمَعْنَى الاصْطِلاحِيِّ مِنْ الثَّانِي أَكْثَرُ مُنَاسَبَةً. فَلِذَلِكَ يُقَالُ: أَسْنَدْت الْحَدِيثَ، أَيْ7 رَفَعْته إلَى الْمُحَدِّثِ8. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ أَسْنَدَ يُسْنِدُ، أُطْلِقَ عَلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَا يُسْنَدُ إلَيْهِ9. وَالْمُسْنِدُ - بِكَسْرِ النُّونِ - مَنْ يَرْوِي الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِهِ أَوْ لَيْسَ لَهُ إلاَّ مُجَرَّدُ رِوَايَتِهِ10. وَأَمَّا مَادَّةُ الْمَتْنِ: 11فَإِنَّهَا فِي11 الأَصْلِ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى الصَّلابَةِ. وَيُقَالُ

_ 1 في ض: إخباراً. 2 في ش ز: لخبر. 3 في ش ب ز ض: آخر. 4 انظر تعريف السند والإسناد في الورقات وشرحها ص 186، الإحكام للآمدي 2/ 3، شرح نخبة الفكر ص 19، تدريب الراوي 1/ 41، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، التعريفات للجرجاني ص 23. 5 في ز ع: يسند. 6 انظر: المصباح المنير 1/ 444، القاموس المحيط 1/ 314. 7 ساقطة من ز ع ض. 8 في ش ب ز ع: محدث. 9 انظر: تدريب الراوي 1/ 41. 10 انظر: تدريب الراوي 2/ 43، أصول الحديث ص 448. 11 في ش: ففي.

لِمَا صَلُبَ مِنْ الأَرْضِ: مَتْنٌ، وَالْجَمْعُ مِتَانٌ. وَيُسَمَّى أَسْفَلُ الظَّهْرِ مِنْ الإِنْسَانِ وَالْبَهِيمَةِ مَتْنًا، وَالْجَمْعُ مُتُونٌ1. فَالْمَتْنُ هُنَا: مَا تَضَمَّنَهُ الثَّلاثَةُ، الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَعَامٍّ وَخَاصٍّ، وَمُجْمَلٍ وَمُبَيَّنٍ، وَمَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ وَنَحْوِهَا2. "وَالْخَبَرُ" يُحَدُّ عِنْدَ الأَكْثَرِ. وَلَهُمْ فِيهِ حُدُودٌ كَثِيرَةٌ3 قَلَّ أَنْ يَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ خَدْشٍ. وَأَسْلَمُهَا قَوْلُهُمْ "مَا يَدْخُلُهُ صِدْقٌ وَكَذِبٌ" وَهُوَ لأَبِي الْخَطَّابِ فِي "التَّمْهِيدِ"، وَابْنِ الْبَنَّا وَابْنِ عَقِيلٍ. وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ4. وَنُقِضَ بِمِثْلِ مُحَمَّدٌ وَمُسَيْلِمَةُ صَادِقَانِ. وَبِقَوْلِ مَنْ يَكْذِبُ دَائِمًا: كُلُّ أَخْبَارِي كَذِبٌ5، فَخَبَرُهُ هَذَا لا يَدْخُلُهُ صِدْقٌ، وَإِلاَّ6 كُذِّبَتْ أَخْبَارُهُ وَهُوَ مِنْهَا. وَلا 7كَذِبٌ وَإِلاَّ6 كُذِّبَتْ أَخْبَارُهُ مَعَ هَذَا، وَصَدَقَ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ أَخْبَارِي كَذِبٌ فَتَنَاقَضَ8.

_ 1 انظر: المصباح المنير 2/ 866، القاموس المحيط 4/ 271. 2 انظر: تدريب الراوي 1/ 42. 3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 100، الإحكام للآمدي 2/ 4. 4 اختاره هذا التعريف الجبائي وابنه وأبو عبد الله البصري والقاضي عبد الجبار من المعتزلة، واختاره إمام الحرمين الجويني، وذكره الآمدي وشرحه ثم ناقشه واعترض عليه. والمراد من دخول الصدق والكذب أن الخبر يحتملهما عقلاًَ بالنظر إلى حقيقته النوعية، مع قطع النظر عن الطرفين والمخبر. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 102". "وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 6، المعتمد 2/ 542، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، البناني على جمع الجوامع 2/ 106، المحصول 1/ 318، شرح الورقات ص 176، إرشاد الفحول ص 42، فواتح الرحموت 2/ 102". 5 في ز: أخبار. 6 في ب ع: ولا كذب وإلا. وفي د: ولا كذب ولا. 7 ساقطة من ب. 8 في ع: فيتناقض، وفي ب: فيناقض. وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 6، فواتح الرحموت 2/ 107، نهاية السول 1/ 245، المسودة ص 233، الفروق 1/ 58.

وَيَلْزَمُ الدَّوْرُ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَتِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَبَرِ1. "وَ"2لأَنَّ الصِّدْقَ: الْخَبَرُ الْمُطَابِقُ، وَالْكَذِبَ: ضِدُّهُ. وَبَابَاهُمَا3 مُتَقَابِلانِ فَلا يَجْتَمِعَانِ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ. فَيَلْزَمُ امْتِنَاعُ الْخَبَرِ أَوْ وُجُودُهُ مَعَ عَدَمِ صِدْقِ الْحَدِّ. وَبِخَبَرِ الْبَارِي4. وَأُجِيبَ عَنْ الأَوَّلِ: بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى خَبَرَيْنِ لإِفَادَتِهِ حُكْمًا لِشَخْصَيْنِ. وَلا يُوصَفَانِ بِهِمَا. بَلْ يُوصَفُ بِهِمَا الْخَبَرُ الْوَاحِدُ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَرٌ5.

_ 1 أي لتوقف معرفة الصدق والكذب على معرفة الخبر، لأن الصدق هو الخبر عن الشيء على ما هو عليه، والكذب الخبر عن الشيء لا على ما هو عليه. "انظر: مناهج العقول 1/ 243، نهاية السول 1/ 245، البناني على جمع الجوامع 2/ 106، الإحكام للآمدي 2/ 6، فواتح الرحموت 2/ 102، تيسير التحرير 3/ 24، المعتمد 2/ 543، الفروق 1/ 20، إرشاد الفحول ص 42". 2 الواو إضافة يقتضيها المعنى والسياق، وذلك أن الآمدي رحمه الله أورد على التعريف أربعة إشكالات مفصلة، اختصرها المصنف هنا، وهي: الأول: أنه نقض بقول القائل....، والثاني: أنه يفضي إلى الدور ... ، والثالث: أن الصدق والكذب متقابلان ... ، والرابع: أن الباري تعالى له خبر ولا يتصور دخول الكذب فيه. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 6". 3 في ش، ز ض: وبأنهما. وفي ب وأصل ع: وبابهما. 4 "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7، فواتح الرحموت 2/ 102، كشف الأسرار 2/ 360، شرح الورقات ص 177، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، العضد على ابن الحاجب 2/ 47، إرشاد الفحول ص 42". 5 هذا الجواب لأبي هاشم الجبائي، وقد أجاب والده أبو علي بجواب آخر أيضاً. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7، المعتمد 2/ 542، المسودة ص 233، الفروق 1/ 58".

وَرُدَّ: لا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِهِمَا بِدَلِيلِ الْكَذِبِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: كُلُّ مَوْجُودٍ حَادِثٌ. وَإِنْ أَفَادَ حُكْمًا لأَشْخَاصٍ1. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ كَذِبٌ؛ لأَنَّهُ أَضَافَ الْكَذِبَ إلَيْهِمَا مَعًا، وَهُوَ لأَحَدِهِمَا2. وَسَلَّمَهُ بَعْضُهُمْ. وَ3لَكِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ الصِّدْقُ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِّ بِأَنَّ اللُّغَةَ لا تَمْنَعُ الْقَوْلَ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ، صَدَقْتَ أَمْ كَذَبْتَ4. وَرُدَّ بِرُجُوعِهِ إلَى التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ. وَهُوَ غَيْرُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ5. وَقَوْلُهُ: "كُلُّ أَخْبَارِي كَذِبٌ". إنْ طَابَقَ فَصِدْقٌ، وَإِلاَّ فَكَذِبٌ. وَلا يَخْلُو عَنْهُمَا6. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَتَنَاوَلُ قَوْلُهُ مَا7 سِوَى هَذَا الْخَبَرِ؛ إذْ الْخَبَرُ لا يَكُونُ بَعْضَ الْمُخْبَرِ. قَالَ: وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِهِ.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي، المرجع السابق، المعتمد 2/ 542، مختصر ابن الحاجب 2/ 45. 2 هذا الجواب لأبي عبد الله البصري. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7. 3 ساقطة من ض. 4 هذا الجواب للقاضي عبد الجبار المعتزلي. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7، المعتمد 2/ 543، 544، العضد على ابن الحاجب 2/ 47". 5 انظر الفرق بين الصدق والكذب وبين التصديق والتكذيب في الفروق للقرافي 1/ 18، 21. 6 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7، شرح الورقات ص 177-178. 7 في ش: ما في.

وَلا جَوَابَ عَنْ الدَّوْرِ. وَقَدْ قِيلَ: لا تَتَوَقَّفُ1 مَعْرِفَةُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عَلَى الْخَبَرِ لِعِلْمِهِمَا ضَرُورَةً2. وَأُجِيبَ عَنْ الأَخِيرِ وَمَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ جِنْسُ الْخَبَرِ، وَهُوَ قَابِلٌ لَهُمَا كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فِي جِنْسِ اللَّوْنِ3. وَرُدَّ، لا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْحَدِّ فِي كُلِّ خَبَرٍ وَإِلاَّ لَزِمَ وُجُودُ الْخَبَرِ دُونَ حَدِّهِ4 وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْوَاوَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْجَمْعِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ التَّرْدِيدُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ تَجَوُّزًا5، لَكِنْ يُصَانُ الْحَدُّ عَنْ مِثْلِهِ6. وَ7الْحَدُّ الثَّانِي لِلْقَاضِي فِي "الْعُدَّةِ" وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ8 كُلُّ مَا دَخَلَهُ الصِّدْقُ وَ9الْكَذِبُ10.

_ 1 في ب ع ض: يتوقف. 2 هذا جواب القاضي عبد الجبار على الإشكال الثاني وهو لزوم الدور، وقد شرحه البدخشي، فقال: "والجواب أن الخبر المعرف هو الكلام المخَبَّر به، والخبر المأخوذ في الصدق والكذب بمعنى الإخبار بدليل تعديته بعن". "مناهج العقول 1/ 243". "انظر: البناني على جمع الجوامع 2/ 106، الفروق للقرافي 1/ 21، الإحكام للآمدي 2/ 8، فواتح الرحموت 2/ 102، تيسير التحرير 3/ 24". 3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 8. 4 انظر المرجع السابق. 5 المرجع السابق. 6 في ش: مثاله. 7 ساقطة من ع. 8 في ش ز: أن. 9 في ب ض: أو. 10 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 8، كشف الأسرار 2/ 360، الكفاية ص 16.

وَالثَّالِثُ: لِلْمُوَفَّقِ فِي "الرَّوْضَةِ" وَغَيْرِهِ: مَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ أَوْ1 التَّكْذِيبُ2. فَيَرِدُ عَلَيْهِمَا الدَّوْرُ الْمُتَقَدِّمُ. وَمَا قَبْلَ الدَّوْرِ أَيْضًا، وَبِمُنَافَاةِ أَوْ لِلتَّعْرِيفِ؛ لأَنَّهَا لِلتَّرْدِيدِ3. فَلِهَذَا4 أَتَى الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ5 وَغَيْرُهُ بِالْوَاوِ، وَهُوَ الْحَدُّ الرَّابِعُ6. وَالْحَدُّ الْخَامِسُ لأَبِي الْحُسَيْنِ الْمُعْتَزِلِيِّ: أَنَّ الْخَبَرَ كَلامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً، وَالْكَلِمَةُ عِنْدَهُ كَلامٌ؛ لأَنَّهُ حَدَّهُ بِمَا انْتَظَمَ مِنْ حُرُوفٍ مَسْمُوعَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ7. السَّادِسُ: لابْنِ الْحَاجِبِ فِي "مُخْتَصَرِهِ" وَغَيْرِهِ: هُوَ8 الْكَلامُ الْمَحْكُومُ

_ 1 في ز ش ب ع: و. وما أثبتناه في الأعلى من "الروضة" ومن ض. 2 وقد عدل التعريف عن الصدق والكذب إلى التصديق والتكذيب، لأن الصدق مطابقة الواقع، والكذب عدم مطابقته، فهما نسبة، والنسب والإضافات عدمية. أما التصديق والتكذيب فهو قول وجودي مسموع، فالأولان عدميان، والآخران وجوديان. وفرق آخر أن الصدق والكذب تابع للخبر، أما التصديق والتكذيب فتابعان للصدق والكذب. "انظر: الفروق 1/ 18، نهاية السول 1/ 245، كشف الأسرار 2/ 360، المستصفى 1/ 132، الروضة ص 48". 3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 8، العضد على ابن الحاجب 2/ 48، الفروق 1/ 19. 4 في ب: فلهذه. 5 مختصر الطوفي ص 49، ولفظه: "وما تطرق إليه التصديق والتكذيب". 6 انظر: المحصول للرازي 1/ 381، الإحكام للآمدي 2/ 9، المستصفى 1/ 132. 7 ولفظه: "كلام يفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور، نفياً أو إثباتاً". المعتمد 2/ 544. "وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 9، فواتح الرحموت 2/ 103، تيسير التحرير 3/ 24، كشف الأسرار 2/ 360، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، إرشاد الفحول ص 42-43". 8 في ب: وهو.

فِيهِ بِنِسْبَةٍ خَارِجِيَّةٍ. قَالَ: وَنَعْنِي الْخَارِجَ عَنْ كَلامِ النَّفْسِ. فَنَحْوُ: طَلَبْت الْقِيَامَ حُكْمٌ بِنِسْبَةٍ لَهَا خَارِجِيٌّ، بِخِلافِ قُمْ1. قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ: وَنَعْنِي2 بِالْكَلامِ مَا تَضَمَّنَ كَلِمَتَيْنِ بِالإِسْنَادِ. وَالْمُرَادُ بِالنِّسْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ: الأَمْرُ الْخَارِجُ عَنْ كَلامِ النَّفْسِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ كَلامُ النَّفْسِ بِالْمُطَابَقَةِ وَاللاَّ مُطَابَقَةِ. وَيُسَمَّى ذَلِكَ الأَمْرُ3: النِّسْبَةَ الْخَارِجِيَّةَ. فَيَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ: نَحْوُ طَلَبْت الْقِيَامَ. فَإِنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِنِسْبَةٍ لَهَا خَارِجِيٌّ، وَهُوَ نِسْبَةُ طَلَبِ الْقِيَامِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَهَذِهِ4 النِّسْبَةُ الْخَارِجِيَّةُ5 عَنْ الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ تَعَلَّقَ بِهَا الْحُكْمُ النَّفْسِيُّ بِالْمُطَابَقَةِ وَاللاَّ مُطَابَقَةِ6 بِخِلافِ قُمْ. فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحُكْمِ النَّفْسِيِّ، وَلَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ خَارِجِيٌّ7. الْحَدُّ السَّابِعُ لِلْبِرْمَاوِيِّ: أَنَّ الْخَبَرَ مَا لَهُ مِنْ الْكَلامِ خَارِجٌ. أَيْ لِنِسْبَتِهِ8 وُجُودٌ خَارِجِيٌّ فِي زَمَنٍ غَيْرِ زَمَنِ الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ. الْحَدُّ9 الثَّامِنُ لابْنِ حَمْدَانَ فِي "الْمُقْنِعِ": أَنَّهُ قَوْلٌ يَدُلُّ عَلَى نِسْبَةِ

_ 1 مختصر ابن الحاجب 2/ 45، وانظر: كشف الأسرار 2/ 360، تيسير التحرير 3/ 25، إرشاد الفحول ص 43. 2 في ش: ويعني. 3 ساقطة من ع. 4 في ش ز: وهو. 5 في ب ز ع ض: خارجية. 6 ساقطة من ش. 7 انظر: شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 45، المحلي على جمع الجوامع 2/ 103، غاية الوصول ص 94. 8 في دع ض: لنسبة. 9 ساقطة من ش ب ز ع.

مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ أَوْ سَلْبِهَا عَنْهُ، وَيَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ1. وَالْقَوْلِ 2 الثَّانِي: - وَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَ لا يُحَدُّ كَالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لِلْقَائِلِينَ3 بِهِ - مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا: عُسْرُهُ، كَمَا قِيلَ فِي الْعِلْمِ4. الْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ تَصَوُّرَهُ ضَرُورِيٌّ؛ لأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ، أَيْ يَعْلَمُ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَنَا مَوْجُودٌ، مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ النِّسْبَةِ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ 5مُحْتَمِلٍ لِلصِّدْقِ1 وَالْكَذِبِ، وَهُوَ خَبَرٌ خَاصٌّ. فَمُطْلَقُ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ هَذَا الْخَبَرِ الْخَاصِّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا6. "وَيُطْلَقُ" الْخَبَرُ "مَجَازًا" أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ "عَلَى دَلالَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ وَإِشَارَةٍ

_ 1 هذا التعريف قريب من التعريف الذي اختاره الآمدي وشرحه وبين احترازاته، وهناك تعريفات أخرى للخبر. "انظر: التمهيد للإسنوي ص 134، التعريفات للجرجاني ص 101، شرح تنقيح الفصول ص 346، الإحكام للآمدي 2/ 9، المستصفى 1/ 132، فواتح الرحموت 2/ 102، تيسير التحرير 3/ 24، نهاية السول 1/ 242، الفروق للقرافي 1/ 18، شرح الورقات ص 176، إرشاد الفحول ص 44، اللمع ص 39، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90". 2 في ش ز: وللقول، وهذا هو القول الثاني المقابل لقول أكثر العلماء الذين رأوا تعريف الخبر. 3 في ش ز: المقابلين. 4 وقد سبق بيان ذلك في المجلد الأول ص 60. 5 في ب ع ض: يحتمل الصدق. 6 لقد ناقش الآمدي رحمه الله هذا القول ورد على أدلته. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 4، فواتح الرحموت 2/ 100، مناهج العقول 2/ 257، نهاية السول 1/ 245، كشف الأسرار 2/ 360، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، جمع الجوامع والمحلي عليه وحاشية البناني 2/ 107، إرشاد الفحول ص 43".

حَالِيَّةٍ" كَقَوْلِهِمْ: عَيْنَاكِ تُخْبِرُنِي بِكَذَا، وَالْغُرَابُ يُخْبِرُ بِكَذَا1. قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي2: وَكَمْ لِظَلامِ اللَّيْلِ عِنْدَك مِنْ يَدٍ ... تُخَبِّرُ أَنَّ الْمَانَوِيَّةَ تَكْذِبُ3 "و"َ يُطْلَقُ الْخَبَرُ"حَقِيقَةً عَلَى الصِّيغَةِ 4". قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَيُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى قَوْلٍ مَخْصُوصٍ. وَذَلِكَ 5لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ7 عِنْدَ الإِطْلاقِ إلَى6 ذَلِكَ7. "وَتَدُلُّ" الصِّيغَةُ "بِمُجَرَّدِهَا" أَيْ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ "عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى كَوْنِهِ خَبَرًا عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ8.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 3، كشف الأسرار 2/ 359. 2 هو أحمد بن الحسين بن الحسن، الجُعْفي، الكندي الكوفي، المفروف بالمتنبي، الشاعر المشهور. قدم الشام وجال في الأقطار، واشتغل في فنون الأدب، وكان من المكثرين من نقل اللغة المطلعين على غريبها، ويستشهد بكلام العرب من النظم والنثر. وشعره في النهاية والقمة، ادعى النبوة في السماوة، ثم تاب منها، قتل سنة 354 هـ. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 102، شذرات الذهب 3/ 13، حسن المحاضرة 1/ 560". 3 البيت لأبي الطيب المتنبي يمدح به كافورا الأخشيدي ومطلعها: أغالب فيك الشوق والشوق أغلب ... وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب والمانوية أصحاب ماني بن فاتك الثنوي الذي يمجد النور ويعبده، ويكره الظلمة ويلعن السواد. "انظر: العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطبي 2/ 336، الملل والنحل للشهرستاني 2/ 72، الفهرست ص 458". 4 انظر: المسودة ص 232، الإحكام للآمدي 2/ 3، كشف الأسرار 2/ 360. 5 في ض: التبادر للفهم. 6 في ض: في. 7 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 3. 8 انظر: المسودة ص 232، اللمع ص 39.

وَنَاقَشَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ: الصِّيغَةُ. هِيَ الْخَبَرُ. فَلا يُقَالُ لَهُ صِيغَةٌ، وَلا1 هِيَ دَالَّةٌ عَلَيْهِ2. وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَا قَالَهُ الْقَاضِي. وَقَالُوا: لأَنَّ الْخَبَرَ هُوَ 3اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، لا4 اللَّفْظُ فَقَطْ. فَتَقْدِيرُهُ لِهَذَا الْمُرَكَّبِ جُزْءٌ، وَ4يَدُلُّ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمُرَكَّبِ5. وَإِذَا قِيلَ: الْخَبَرُ الصِّيغَةُ فَقَطْ، بَقِيَ الدَّلِيلُ هُوَ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ6. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لا صِيغَةَ لَهُ، وَيَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةٍ هِيَ7 قَصْدُ الْمُخْبِرِ إلَى الإِخْبَارِ8. كَالأَمْرِ عِنْدَهُمْ9. وَقَالَتْ الأَشْعَرِيَّةُ: هُوَ الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ10. وَقَالَ الآمِدِيُّ: "يُطْلَقُ عَلَى الصِّيغَةِ وَعَلَى الْمَعْنَى، وَالأَشْبَهُ لُغَةً: حَقِيقَةٌ فِي

_ 1 في ب: إلا. 2 انظر: المسودة ص 232. 3 ساقطة من ض. 4 ساقطة من ب ع ض. 5 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 45، المحلي على جمع الجوامع 2/ 104، المسودة ص 232. 6 انظر: المسودة ص 232. 7 في ع ب ز ض: هو. وفي المسودة: وهو. 8 في المسودة: الإخبار به. 9 نسب الشيرازي هذا القول للأشعرية، ورَدَّ عليه: بأن أهل اللغة قسموا الكلام إلى أربعة أقسام، فقالوا: أمر ونهي وخبر واستخبار، وهذا يدل على فساد قولهم. "انظر: اللمع ص 39، المعتمد 2/ 542، المسودة ص 232". 10 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 4، المستصفى 1/ 132، جمع الجوامع 2/ 104، المسودة ص 232.

الصِّيغَةِ لِتَبَادُرِهَا عِنْدَ الإِطْلاقِ1. "وَلا يُشْتَرَطُ فِيهِ" أَيْ فِي الْخَبَرِ "إرَادَةُ" الإِخْبَارِ، بَلْ هُوَ مُفِيدٌ بِذَاتِهِ إفَادَةً أَوَّلِيَّةً2. وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا يُفِيدُ بِاللاَّزِمِ أَوْ بِالْقَرِينَةِ. نَحْوُ أَنَا أَطْلُبُ مِنْك أَنْ تُخْبِرَنِي بِكَذَا، أَوْ أَنْ تَسْقِيَنِي مَاءً، أَوْ أَنْ تَتْرُكَ الأَذَى وَنَحْوَهُ. فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ دَالاًّ عَلَى الطَّلَبِ، لَكِنَّهُ3 لا بِذَاتِهِ بَلْ هَذِهِ4 إخْبَارَاتٌ لازَمَهَا الطَّلَبُ، وَلا يُسَمَّى الأَوَّلُ اسْتِفْهَامًا، وَلا الثَّانِي أَمْرًا، وَلا الثَّالِثُ نَهْيًا5. وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنَا عَطْشَانُ. كَأَنَّهُ قَالَ: اسْقِنِي. فَإِنَّ هَذَا طَلَبٌ بِالْقَرِينَةِ لا بِذَاتِهِ6. 7إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ5 "فَإِتْيَانُهُ" أَيْ مَجِيئُهُ "دُعَاءً" نَحْوَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَرَحِمَهُ8 "أَوْ9 تَهْدِيدًا" نَحْوَ 10قَوْله تَعَالَى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ} 11 وَ8نَحْوَ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّك لا تَنْتَهِي عَنْ سُوءِ فِعْلِك بِدُونِ الْمُعَاقَبَةِ "أَوْ أَمْرًا" نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ

_ 1 الإحكام للآمدي 2/ 4، وانظر: الحدود للباجي ص 60، نهاية السول 2/ 260، المحلي على جمع الجوامع 2/ 104. 2 انظر: المعتمد 2/ 542. 3 في ب ع ض: لكن. 4 في ض: هذا. 5 في ب ض ع: نهيأ لذلك. 6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 348. 7 ساقطة من ض. 8 في ب ع: ورحمه الله. 9 في ز ع ب: و. 10 ساقطة من ش ز. وفي ض: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} ، و. 11 الآية 31 من الرحمن.

يَتَرَبَّصْنَ} 1 {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} 2 وَأَمَرْتُك أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَأَنْتَ مَأْمُورٌ بِكَذَا "مَجَازٌ" لأَنَّ ذَلِكَ لا يَدْخُلُهُ صِدْقٌ وَلا كَذِبٌ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَالْخَبَرُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَحْكُومٍ عَلَيْهِ وَمَحْكُومٍ بِهِ. وَيُعَبِّرُ عَنْهُ الْبَيَانِيُّونَ بِمُسْنَدٍ إلَيْهِ وَمُسْنَدٍ، وَيَعُدُّونَهُ إلَى مُطْلَقِ الْكَلامِ. وَالْمَنَاطِقَةُ يُسَمُّونَ الْخَبَرَ قَضِيَّةً، لِمَا فِيهَا مِنْ الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ، وَيُسَمُّونَ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَوْضُوعًا، وَالْمَقْضِيَّ بِهِ مَحْمُولاً؛ لأَنَّك تَضَعُ الشَّيْءَ وَتَحْمِلُ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَيُقَسِّمُونَ الْقَضِيَّةَ إلَى: طَبِيعِيَّةٍ3، وَهِيَ مَا حُكِمَ فِيهَا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ 4عَلَى الآخَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ13، لا بِالنَّظَرِ إلَى أَفْرَادِهِ نَحْوُ: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَنَحْوُ: 5الْمَاءُ مُرْوٍ5. وَغَيْرِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي قُصِدَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى شَخْصٍ فِي الْخَارِجِ لا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، ثُمَّ يُنْظَرُ. فَإِنْ حُكِمَ فِيهَا عَلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ سُمِّيَتْ شَخْصِيَّةً. نَحْوُ زَيْدٌ قَائِمٌ. أَوْ لا عَلَى مُعَيَّنٍ. فَإِنْ ذُكِرَ فِيهَا سُورُ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ فِي نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ. سُمِّيَتْ مَحْصُورَةً. نَحْوُ كُلُّ إنْسَانٍ كَاتِبٌ بِالْقُوَّةِ، وَبَعْضُ الإِنْسَانِ كَاتِبٌ بِالْفِعْلِ.

_ 1 الآية 228 من البقرة. 2 الآية 233 من البقرة. 3 في ض: طبيعة. 4 ساقطة من ع. 5 في ش: المأمور. وهو خطأ فادح.

وَنَحْوُ لا شَيْءَ، أَوْ لا وَاحِدَ مِنْ الإِنْسَانِ بِجَمَادٍ، وَلَيْسَ بَعْضُ الإِنْسَانِ بِكَاتِبٍ بِالْفِعْلِ، أَوْ بَعْضُ الإِنْسَانِ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَضِيَّةِ سُورٌ، وَالْمُرَادُ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى الأَفْرَادِ لا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ: سُمِّيَتْ1 مُهْمَلَةً، نَحْوُ الإِنْسَانُ فِي خُسْرٍ. وَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى بَعْضٍ ضَرُورِيٌّ، فَهُوَ الْمُتَحَقِّقُ. وَلا يَصْدُقُ عَلَيْهَا كُلِّيَّةٌ. لَكِنْ إذَا كَانَ فِيهَا " أَلْ " كَمَا فِي: الإِنْسَانُ كَاتِبٌ، يُطْلِقُ عَلَيْهَا2 ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ كَثِيرًا أَنَّهَا كُلِّيَّةٌ، نَظَرًا إلَى إفَادَةِ "أَلْ" لِلْعُمُومِ3. فَهِيَ مِثْلُ: كُلٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ اصْطِلاحِ الْمَنَاطِقَةِ4. "وَغَيْرُهُ" أَيْ وَغَيْرُ الْخَبَرِ مِنْ الْكَلامِ "إنْشَاءٌ وَتَنْبِيهٌ" وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ، سُمِّيَ5 إنْشَاءً لأَنَّك ابْتَكَرْته مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ6، وَسُمِّيَ7 تَنْبِيهًا؛ لأَنَّك تُنَبِّهُ بِهِ عَلَى مَقْصُودِك8.

_ 1 في ب ز ع ض: وسميت. 2 في ع: عليهما. 3 في ب ع: العموم. 4 انظر: مختصر ابن الحاجب 1/ 86. 5 في ع: يسمى. 6 حقيقة الإنشاء أنه القول الذي بحيث يوجد به مدلوله في نفس الأمر أو متعلقه. انظر: الفروق 1/ 21. 7 في ع: ويسمى. 8 قال ابن عبد الشكور: "وتسمية الجميع بالتنيبه كما في المختصر غير متعارف". "مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت 2/ 103". وقال بعضهم: التنبيه، يطلق على القسم والنداء. وقال المناطقة: يطلق على القسم والنداء والتمني والترجي. وزاد بعضهم: الاستفهام. وقال ابن الحاجب وغيره كالمصنف: "كل ما ليس بخبر يسمى إنشاء وتنبيهاً". "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 45، 49". "وانظر: تيسير التحرير 3/ 26، مناهج العقول 2/ 245، نهاية السول 1/ 243، المحلي على جمع الجوامع 2/ 106، التعريفات للجرجاني ص 40، 71، المحصول للرازي 1/ 318، الفروق 1/ 21، إرشاد الفحول ص 44، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90".

"وَمِنْهُ" أَيْ مِنْ غَيْرِ الْخَبَرِ "الأَمْرُ" نَحْوُ قُمْ "وَنَهْيٌ" نَحْوُ لا تَقْعُدْ "وَاسْتِفْهَامٌ" نَحْوُ هَلْ عِنْدَك أَحَدٌ؟ "وَتَمَنٍّ" نَحْوُ "لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ1" "وَتَرَجٍّ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} 2. وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي: أَنَّ التَّمَنِّي يَكُونُ فِي الْمُسْتَحِيلِ وَالْمُمْكِنِ، وَالتَّرَجِّي لا يَكُونُ إلاَّ فِي الْمُمْكِنِ3. "وَقَسَمٌ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {تَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 4 وَنِدَاءٌ نَحْوُ: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} 5 "وَصِيغَةُ عَقْدٍ" نَحْوُ وَهَبْت وَنَحْوُ قَبِلْت "وَ" صِيغَةُ "فَسْخ" نَحْوُ أَقَلْت. وَقِيلَ: إنَّ صِيَغَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ لَيْسَتْ بِإِنْشَاءٍ، وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا مِنْ الإِخْبَارِ. فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِك: الإِخْبَارُ عَمَّا فِي قَلْبِك. فَإِنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ هُوَ

_ 1 لفظة "يعود" ساقطة من ز. وفي ض: يعود يوماً. وهذه الجملة قطعة من بيت من الشعر، وهو: فيا ليت الشباب يعود يوماً ... فأخبره بما فعل المشيب والبيت لأبي العتاهية إسماعيل بن قاسم ت 213 هـ. "انظر: أبو العتاهية؛ أشعاره وأخباره ص 32، مغني اللبيب ص 376". 2 الآية 216 من البقرة، وأول الآية {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً} . 3 انظر: مناهج العقول 1/ 244، البناني على جمع الجوامع 2/ 106. 4 الآية 57 من الأنبياء، وأول الآية {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ} . 5 الآية الأولى من النساء.

التَّرَاضِي. فَصَارَ "بِعْت" وَنَحْوُهَا: لَفْظًا1 دَالاًّ2 عَلَى الرِّضَى بِمَا فِي ضَمِيرِك. فَيُقَدَّرُ وُجُودُهَا3 قَبْلَ اللَّفْظِ لِلضَّرُورَةِ. وَغَايَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا. وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ4. وَدَلِيلُ الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ5: أَنَّ صِيغَةَ الْعَقْدِ وَالْفَسْخِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا اقْتَرَنَ مَعْنَاهُ بِوُجُودِ لَفْظِهِ، نَحْوُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَعْتَقْت وَطَلَّقْت وَفَسَخْت وَنَحْوِهَا6 مِمَّا يُشَابِهُ ذَلِكَ، مِمَّا تُسْتَحْدَثُ بِهَا الأَحْكَامُ إنْشَاءً؛ لأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ خَبَرًا لَكَانَ إمَّا عَنْ مَاضٍ أَوْ حَالٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ، وَالأَوَّلانِ بَاطِلانِ، لِئَلاَّ يَلْزَمَ أَنْ لا يَقْبَلَ الطَّلاقُ وَنَحْوُهُ التَّعْلِيقَ. لأَنَّهُ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ شَيْءٍ7 لَمْ يُوجَدْ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ، وَالْمَاضِي وَالْحَالُ قَدْ وُجِدَا8، لَكِنَّ

_ 1 في ب: لفظ. وهو خطأ. 2 في ض: دلَّ. 3 في ش ز: وجودهما. 4 وهو قول الإمام أبي حنيفة وأصحابه. وادعى ابن عبد الشكور أنه قول الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة. "انظر: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/ 103، 104، تيسير التحرير 3/ 26، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 163، الفروق 1/ 28، 29، غاية الوصول ص 103، المحصول 1/ 440، الفروق 1/ 23". 5 قال الجمهور: إن صيغ العقود والفسوخ إنشاء لوجود مضمونها في الخارج بها. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 103، تيسير التحرير 3/ 28، مختصر ابن الحاجب 2/ 49، المحلي على جمع الجوامع 2/ 163، الفروق 1/ 27، 28 وما بعدها، غاية الوصول ص 103، المحصول 1/ 440". 6 في ش: ونحوهما. 7 في ز: الشيء. 8 في ش ض: وجد.

قَبُولَهُ التَّعْلِيقَ إجْمَاعٌ، وَالْمُسْتَقْبَلُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ؛ لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ "سَأُطَلِّقُ"، وَالْفَرْضُ1 خِلافُهُ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّتِهِ. وَأَيْضًا لا خَارِجَ لَهَا، وَلا تَقْبَلُ2 صِدْقًا وَلا كَذِبًا. وَلَوْ كَانَتْ خَبَرًا لَمَا قَبِلَتْ تَعْلِيقًا، لِكَوْنِهِ مَاضِيًا؛ وَلأَنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ قَاطِعٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ طَلَّقْت إذَا قَصَدَ بِهِ الْوُقُوعَ وَطَلَّقْت إذَا قَصَدَ بِهِ الإِخْبَارَ3. "وَلَوْ قَالَ لِرَجْعِيَّةٍ: طَلَّقْتُك، طَلُقَتْ" عَلَى الصَّحِيحِ4 الَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُ لأَنَّهُ5 إنْشَاءٌ لِلطَّلاقِ6. فَعَلَى هَذَا: لا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَنَّهُ أَرَادَ الإِخْبَارَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَفِي وَجْهٍ وَإِنْ ادَّعَى مَاضِيًا" وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ "أَنِّي مَتَى قُلْت فِي وَجْهٍ: كَانَ الْمُقَدَّمُ خِلافَهُ7" فَعُلِمَ مِنْهَا: أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت الإِخْبَارَ8.

_ 1 في د ع: والغرض. 2 في ز ض: يقبل. 3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 103، 104 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 27، مختصر ابن الحاجب 2/ 49، البناني على جمع الجوامع 2/ 28 وما بعدها، المحصول 1/ 441 وما بعدها. 4 في ب ض: الأصح. 5 في ز ع: أنه. 6 انظر: المحصول 1/ 444. 7 المجلد الأول صفحة 29. 8 وهذا الطلاق يقع قضاء فقط، ولا يقع ديانة إذا كان صادقاً فيما بينه وبين نفسه. "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 49، التفتازاني على العضد 2/ 49، الفروق 1/ 28، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 44، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 53".

وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا لا تَطْلُقُ، وَكَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ قَصَدَ الإِخْبَارَ عَنْ الطَّلاقِ الْمَاضِي1. "وَ" قَوْلُ الشَّاهِدِ "أَشْهَدُ: إنْشَاءٌ تَضَمَّنَ إخْبَارًا" عَمَّا فِي نَفْسِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ2. وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ مَحْضٌ3؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَهْلِ اللُّغَةِ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي "الْمُجْمَلِ": الشَّهَادَةُ خَبَرٌ عَنْ عِلْمٍ. وَقَالَ الرَّازِيِّ: قَوْلُهُ أَشْهَدُ إخْبَارٌ عَنْ الشَّهَادَةِ. وَهِيَ الْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ الْمُسَمَّى بِكَلامِ4 النَّفْسِ. وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ؛ لأَنَّهُ لا يَدْخُلُهُ تَكْذِيبٌ شَرْعًا. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْقَرَافِيُّ5. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 6 فَرَاجِعٌ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ ذَلِكَ شَهَادَةً؛ 7لا أَنَّهَا11 مَا وَاطَأَ فِيهَا الْقَلْبُ اللِّسَانَ. وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ الْقَوْلُ الأَوَّلُ لاضْطِرَابِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ. فَقَائِلٌ بِأَنَّهَا إخْبَارٌ. كَمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَقَائِلٌ بِأَنَّهَا إنْشَاءٌ؛ لأَنَّهُ لا يَدْخُلُ تَكْذِيبٌ شَرْعًا. فَالْقَائِلُ

_ 1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 104 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 50، الفروق 1/ 30. 2 أي تضمن الأخبار بالمشهود به نظراً إلى وجود مضمونه في الخارج به وإلى متعلقه. انظر: غاية الوصول ص 102، المحلي على جمع الجوامع 2/ 162. 3 نظراًَ إلى متعلقه فقط. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 162، غاية الوصول ص 102". 4 في ز ب ع ض: كلام. 5 نظراً إلى اللفظ فقط. "انظر: الفروق 1/ 17، المحلي على جمع الجوامع 2/ 162، غاية الوصول ص 102". 6 الآية الأولى من المنافقون. 7 في ز ع ض ب: لأنها.

بِالثَّالِثِ - رَأَى1 أَنَّ كُلاًّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ - لَهُ وَجْهٌ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا2. وَقَالَ الْكُورَانِيُّ: إذَا3 أَرَدْت تَحْقِيقَ الْمَسْأَلَةِ، فَاعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ دَلالَةَ الأَلْفَاظِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالنَّفْسِ. فَإِنْ أُرِيدَ بِالْكَلامِ الإِشَارَةُ إلَى أَنَّ النِّسْبَةَ الْقَائِمَةَ بِالنَّفْسِ مُطَابِقَةٌ لأُخْرَى4 خَارِجِيَّةٍ فِي أَحَدِ الأَزْمِنَةِ الثَّلاثَةِ. فَالْكَلامُ خَبَرٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْخَارِجِيَّةُ قَائِمَةً بِالنَّفْسِ أَيْضًا، كَعَلِمْتُ وَظَنَنْت. أَوْ بِغَيْرِهِ كَخَرَجْتُ وَدَخَلْت، وَإِنْ لَمْ يُرَدْ5 مُطَابَقَةُ تِلْكَ النِّسْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ لأُخْرَى خَارِجِيَّةٍ. فَالْكَلامُ إنْشَاءٌ. فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: أَشْهَدُ بِكَذَا. لا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ الْقَائِمَةَ بِنَفْسِهِ تُطَابِقُ نِسْبَةً أُخْرَى فِي أَحَدِ الأَزْمِنَةِ، بَلْ مُرَادُهُ الدَّلالَةُ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ ثُبُوتِ هَذِهِ النِّسْبَةِ. مِثْلُ: اضْرِبْ، وَلا تَضْرِبْ. فَهُوَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ، وَلا يَرْجِعُ الصِّدْقُ وَلا6 الْكَذِبُ إلَيْهِ، وَكَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ خَبَرًا لا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ 7إنْشَاءً مَحْضًا؛ لأَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ مُسْتَقِلَّةٌ بِحُكْمٍ، وَلَوْ كَانَ كَوْنُ الشَّيْءِ مُتَضَمِّنًا لآخَرَ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ7 مَحْضُ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَمْ يَبْقَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ قَطُّ إذْ قَوْلُك:

_ 1 في ش: أي. 2 قال العلامة المحلي: "لم تتوارد الثلاثة على محل واحد، ولا منافاة بين كون أشهد إنشاء، وكون معنى الشهادة إخباراً، لأنه صيغة مؤدية لذلك المعنى بمتعلقه". "المحلي على جمع الجوامع 2/ 162".وقال العضد: "وهذه المسألة لفظية لا يجدي الإطناب فيها كثير نفع". "العضد على ابن الحاجب 2/ 51". "وانظر: غاية الوصول ص 102". 3 في ع ض: إن. 4 في ع: للأخرى. 5 في ب ع ض: ترد. 6 ساقطة من ب ز ض. 7 ساقطة من ض.

اضْرِبْ. مُتَضَمِّنٌ لِقَوْلِك: الضَّرْبُ مِنْك مَطْلُوبٌ، أَوْ أَطْلُبُ الضَّرْبَ1 مِنْك. وَهَذَا مِمَّا لا يَقُولُ بِهِ عَاقِلٌ2. اهـ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فُرُوقًا بَيْنَ الْخَبَرِ وَالإِنْشَاءِ: أَحَدُهَا: قَبُولُ الْخَبَرِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، بِخِلافِ الإِنْشَاءِ. الثَّانِي: أَنَّ الْخَبَرَ 3تَابِعٌ لِلْمُخْبِرِ عَنْهُ1 فِي أَيِّ زَمَانٍ كَانَ مَاضِيًا كَانَ أَوْ حَالاً أَوْ مُسْتَقْبَلاً، وَالإِنْشَاءُ مَتْبُوعٌ لِمُتَعَلَّقِهِ. فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ الإِنْشَاءَ سَبَبٌ لِوُجُودِ مُتَعَلَّقِهِ. فَيَعْقُبُ آخِرَ حَرْفٍ مِنْهُ 4أَوْ يُوجَدُ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ2 عَلَى الْخِلافِ فِي ذَلِكَ إلاَّ أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ. وَلَيْسَ الْخَبَرُ سَبَبًا وَلا مُعَلَّقًا5 عَلَيْهِ، بَلْ مُظْهِرٌ لَهُ6 فَقَطْ7 اهـ. وَهَذِهِ الْفُرُوقُ رَاجِعَةٌ إلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَهُ خَارِجٌ 8يَصْدُقُ أَوْ يَكْذِبُ6. وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الظِّهَارَ هَلْ هُوَ خَبَرٌ أَوْ إنْشَاءٌ؟

_ 1 ساقطة من ب ز ض. 2 انظر مناقشة الموضوع في "فواتح الرحموت 2/ 103-107". 3 في ش ب ع ز: للمخبر. وما أثبتناه أعلاه من د ض. والنص باختصار وتصرف من "الفروق". 4 ساقطة من ش. 5 في د ع ض: متعلقاً. 6 ساقطة من ب ع ض. 7 الفروق 1/ 23 باختصار وتصرف. وانظر: حاشية التفتازاني على العضد 2/ 49. 8 في ش ض: بصدق أو بكذب. وفي د: بيصدق أو يكذب.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَشَارَ إلَى كَذِبِ الْمُظَاهِرِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا 1 وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} 2 قَالَ: وَلأَنَّهُ حَرَامٌ وَلا سَبَبَ لِتَحْرِيمِهِ إلاَّ كَوْنُهُ كَذِبًا. وَأَجَابَ عَمَّنْ قَالَ: سَبَبُ التَّحْرِيمِ: أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّلاقِ الثَّلاثِ. وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى رَأْيٍ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ3. لَكِنْ4 قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ خِلافًا5 لَهُ؛ لأَنَّ مَقْصُودَ النَّاطِقِ بِهِ تَحْقِيقُ مَعْنَاهُ الْخَبَرِيِّ بِإِنْشَاءِ التَّحْرِيمِ. فَالتَّكْذِيبُ وَرَدَ عَلَى مَعْنَاهُ الْخَبَرِيِّ لا عَلَى مَا قَصَدَ مِنْ إنْشَاءِ التَّحْرِيمِ. فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ طَلاقًا وَلا ظِهَارًا إلاَّ مِنْ حَيْثُ الإِخْبَارُ. فَالإِنْشَاءُ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ أَذِنَ الشَّارِعُ فِيهِ كَمَا أَرَادَهُ الْمُنْشِئُ. كَالطَّلاقِ. وَضَرْبٌ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الشَّرْعُ، وَلَكِنْ رَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمًا. وَهُوَ الظِّهَارُ، رَتَّبَ عَلَيْهِ6 7تَحْرِيمَ الْمَرْأَةِ إذَا عَادَ2 حَتَّى يُكَفِّرَ. وَقَوْلُهُ: إنَّهَا حَرَامٌ لا 8يَقْصِدُ طَلاقًا أَوْ ظِهَارًا3 رَتَّبَ فِيهِ التَّحْرِيمَ حَتَّى يُكَفِّرَ. اهـ.

_ 1 هنا ينتهي الاستشهاد بالآية في ب ع ض. 2 الآية 2 من المجادلة. 3 الفروق 1/ 31-37. 4 ساقطة من ض. 5 وهو قول أبي سعيد الهروي والغزالي. "انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 367". 6 في ب ز ع ض: فيه. 7 في ض: التحريم. 8 في ع: بقصد طلاق أو ظهار.

"وَيَتَعَلَّقُ" مِنْ قِسْمِ الإِنْشَاءِ "بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ" اثْنَا عَشَرَ حَقِيقَةً. "أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَدُعَاءٌ وَتَرَجٍّ وَتَمَنٍّ" لِدَلالَةِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ عَلَى الطَّلَبِ. وَطَلَبُ الْمَاضِي مُتَعَذِّرٌ، وَالْحَالُ مَوْجُودٌ، وَطَلَبُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ. فَتَعَيَّنَ الْمُسْتَقْبَلُ. "وَشَرْطٌ وَجَزَاءٌ" لأَنَّ مَعْنَى هَاتَيْنِ1 الْحَقِيقَتَيْنِ رَبْطُ أَمْرٍ وَتَوْقِيفُ دُخُولِهِ2 فِي الْوُجُودِ عَلَى وُجُودِ أَمْرٍ آخَرَ. وَالتَّوَقُّفُ فِي الْوُجُودِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ. "وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ" لأَنَّ الْوَعْدَ حَثٌّ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ فِيمَا3 تَتَوَقَّعُهُ النَّفْسُ مِنْ خَيْرٍ. وَالْوَعِيدُ زَجْرٌ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ بِمَا تَتَوَقَّعُهُ النَّفْسُ مِنْ شَرٍّ. وَالتَّوَقُّعُ لا يَكُونُ إلاَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. "وَإِبَاحَةٌ" وَذَلِكَ لأَنَّ الإِبَاحَةَ تَخْيِيرٌ بَيْنَ 4الْفِعْلِ أَوْ4 التَّرْكِ. وَالتَّخْيِيرُ إنَّمَا يَكُونُ فِي5 مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ. "وَعَرْضٌ" نَحْوُ أَلا تَنْزِلُ عِنْدَنَا فَنُكْرِمَك. "وَتَحْضِيضٌ" نَحْوُ: هَلاَّ تَنْزِلُ عِنْدَنَا فَنُكْرِمَك؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا مُخْتَصٌّ بِالْمُسْتَقْبَلِ، لَكِنَّ التَّحْضِيضَ أَشَدُّ وَأَبْلَغُ مِنْ الْعَرْضِ6.

_ 1 في ب ز ع: هذين. 2 في ز: وخوله. 3 في ب د ع ض: بما. 4 في ب: الفعلين و. وفي ع ض: الفعل و. 5 ساقطة من ض. 6 انظر: الفروق 1/ 27 وما بعدها.

فصل: الخبر صدق أو كذب

فصل: الخبر صدق أو كذب ... فَصْلٌ: "الْخَبَرُ إنْ طَابَقَ" مَا فِي الْخَارِجِ "فَ" هُوَ "صِدْقٌ وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ فِي الْخَارِجِ "فَ" هُوَ "كَذِبٌ" وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ مَعَ الصِّدْقِ، أَوْ عَدَمِهَا مَعَ الْكَذِبِ. وَبَيْنَ أَنْ لا يَعْتَقِدَ شَيْئًا أَوْ يَعْتَقِدَ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ مَعَ وُجُودِهَا، أَوْ يَعْتَقِدَ وُجُودَهَا مَعَ عَدَمِهَا. وَإِذَنْ فَلا وَاسِطَةَ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ1. وَقَالَ الْجَاحِظُ2: الْمُطَابِقُ3 مَعَ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ صِدْقٌ، وَغَيْرُ الْمُطَابِقِ4 مَعَ اعْتِقَادِ5 عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ كَذِبٌ. وَغَيْرُهُمَا وَاسِطَةٌ،

_ 1 انظر قول الجماهير مع توجيهه وبيانه في "التمهيد للإسنوي ص 135، الإحكام للآمدي 2/ 10، شرح تنقيح الفصول ص 347، فواتح الرحموت 2/ 107، تيسير التحرير 3/ 28، نهاية السول 2/ 261، الفروق 1/ 25، المعتمد 2/ 544، مختصر ابن الحاجب 2/ 50، المحلي على جمع الجوامع 2/ 110، المسودة ص 232، إرشاد الفحول ص 44، غاية الوصول ص 94". 2 هو عمرو بن بحر بن محبوب، أبو عثمان، المعروف بالجاحظ، الكناني الليثي البصري، العالم المشهور، صاحب التصانيف في كل فن، وله مقالة في أصول الدين، وإليه تنسب الفرقة الجاحظية من المعتزلة، كان بحراً من بحور العلم، رأساً في الكلام والاعتزال. ومن تصانيفه: "الحيوان"، و"البيان والتبيين"، و"العرجان والبرصان والقرعان". وله مصنفات في التوحيد وإثبات النبوة وفي الإمامة وفضائل المعتزلة، وكان مع فضائله وفصاحته مشوه الخلقة، وأصيب في أواخر عمره بالفالج. توفي بالبصرة سنة 255هـ. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/ 140، بغية الوعاة 2/ 228، شذرات الذهب 2/ 121، روضات الجنات 5/ 324، فرق وطبقات المعتزلة ص 73". 3 في ش ب ز ض: المطابقة. وكذا في أصل ع، لكنها صححت على الهامش كالأعلى. 4 في ش ب ز ض: المطابقة. 5 ساقطة من ش ب ز.

لا1 صِدْقٌ2، وَلا كَذِبٌ. فَيَدْخُلُ فِي الْوَاسِطَةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فَتَصِيرُ الأَقْسَامُ عِنْدَهُ سِتَّةٌ: صِدْقٌ وَكَذِبٌ وَ3وَاسِطَةٌ4؛ لأَنَّ الْخَبَرَ إمَّا مُطَابِقٌ أَوْ غَيْرُ مُطَابِقٍ. فَإِنْ كَانَ 5مُطَابِقًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لا. وَالثَّانِي: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ أَنْ لا5 مُطَابَقَةَ أَوْ لا6. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ فَإِمَّا7 أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ أَنْ لا مُطَابَقَةَ أَوْ لا. وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ اعْتِقَادُ الْمُطَابَقَةِ أَوْ لا8. وَاسْتُدِلَّ لِقَوْلِ الْجَاحِظِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} 9. وَالْمُرَادُ الْحَصْرُ فِي الافْتِرَاءِ وَالْجُنُونِ، ضَرُورَةَ عَدَمِ اعْتِرَافِهِمْ بِصِدْقِهِ.

_ 1 في ش ز: ولا. 2 في ش ز: صدق فيه. 3 ساقطة من ض. 4 وكذلك قال الراغب الأصبهاني بالواسطة. وقال البناني: "قلت: وكلام السعد في مطوله يشعر بعدم الجزم بنفي الواسطة". "انظر: البناني على جمع الجوامع 2/ 112، الإحكام للآمدي 2/ 10، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 111، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 50، المسودة ص 232، الفروق 1/ 25، فواتح الرحموت 2/ 108، تيسير التحرير 3/ 28، نهاية السول 2/ 260، المعتمد 2/ 544، التمهيد ص 135، إرشاد الفحول ص 44". 5 ساقطة من ض. 6 قال القرافي: "والخلاف لفظي". "شرح تنقيح الفصول ص 347". وكذلك يرى الرازي في "المحصول" أن المسألة لفظية، وهو ما يراه الآمدي أيضاً. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 12، إرشاد الفحول ص 44". 7 في ض: إما. 8 انظر تفصيل قول الجاحظ وتقسيماته في "العضد على ابن الحاجب 2/ 50، فواتح الرحموت 2/ 108، تيسير التحرير 3/ 28، شرح تنقيح الفصول ص 347، غاية الوصول ص 94، إرشاد الفحول ص 44". 9 الآية 8 من سبأ. والآية حكاية عن الكفار في اعتراضهم على قوله صلى الله عليه وسلم لهم: {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِيْ خَلْقٍ جَدِيْدٍ} . سبأ/ 7.

فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ كَلامُ مَجْنُونٍ لا يَكُونُ صِدْقًا؛ لأَنَّهُمْ لا يَعْتَقِدُونَ صِدْقَهُ وَلا كَذِبَهُ؛ لأَنَّهُ قَسِيمُ الْكَذِبِ1 عَلَى مَا زَعَمُوهُ. فَثَبَتَتْ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ2. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى: أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ لَمْ يَفْتَرِ. فَيَكُونَ مَجْنُونًا؛ لأَنَّ الْمَجْنُونَ لا افْتِرَاءَ لَهُ لِعَدَمِ قَصْدِهِ3. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِنَحْوِ قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي حَدِيثِ "إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ" 4: مَا كَذَبَ، وَلَكِنْ5 وَهِمَ6 ".

_ 1 في ض: للكذب. 2 انظر: فواتح الرحموت 2/ 108، تيسير التحرير 3/ 28، العضد على ابن الحاجب 2/ 50، شرح تنقيح الفصول ص 347، الإحكام للآمدي 2/ 10، الفروق 1/ 26، إرشاد الفحول ص 44. 3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 108، تيسير التحرير 3/ 28، العضد على ابن الحاجب 2/ 50، الفروق 1/ 26، شرح تنقيح الفصول ص 347، الإحكام للآمدي 2/ 10، إرشاد الفحول ص 44. 4 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والشافعي والبغوي عن ابن عمر مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 1/ 223، صحيح مسلم 2/ 641، سنن أبي داود 2/ 172، سنن النسائي 4/ 13، سنن ابن ماجه 1/ 508، بدائع المنن 1/ 205، شرح السنة 5/ 240 وما بعدها". 5 في ب ع ض: ولكنه. وهي رواية ثانية عن مالك والشافعي وأحمد. 6 روى كلام عائشة الإمام مسلم بلفظ: "إنكم لتحدثوني غير كاذبين ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ". والإمام مالك وأحمد بلفظ: "أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ"، والإمام الشافعي بلفظ: "أما إنه لم يكذب ولكنه أخطأ أو نسي". "انظر: صحيح مسلم 2/ 641، الموطأ 1/ 234، مسند أحمد 6/ 107، بدائع المنن 1/ 205". ووجه الاستدلال أن الوهم –وهو ما ليس عن اعتقاد، وإن خالف الواقع- ليس بكذب، وقد قبل جماهير الفقهاء والمحدثين حديث ابن عمر. وقال السيوطي: إنه متواتر، وبينوا المقصود منه................=

وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا كَذَبَ عَمْدًا، بَلْ وَهِمَ1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": الْمُرَادُ مِنْ الآيَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْحَصْرُ فِي كَوْنِهِ خَبَرًا كَذِبًا، أَوْ لَيْسَ بِخَبَرٍ لِجُنُونِهِ. فَلا عِبْرَةَ بِكَلامِهِ2. وَأَمَّا الْمَدْحُ وَالذَّمُّ فَيَتْبَعَانِ الْقَصْدَ وَيَرْجِعَانِ إلَى الْمُخْبِرِ، لا إلَى الْخَبَرِ. وَمَعْلُومٌ عِنْدَ الأُمَّةِ صِدْقُ الْمُكَذِّبِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} 3 مَعَ عَدَمِ4 اعْتِقَادِهِ، وَكَذِبُهُ فِي نَفْيِ الرِّسَالَةِ مَعَ اعْتِقَادِهِ5. وَكَثُرَ فِي السُّنَّةِ تَكْذِيبُ مَنْ أَخْبَرَ - يَعْتَقِدُ الْمُطَابَقَةَ - فَلَمْ يَكُنْ، كَقَوْلِهِ6 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ" 7 اهـ.

_ 1 وَهِمَ يَوْهَم على وزن غلط يَغْلَط وزناً ومعنى، أي إنه نسي أو أخطأ كما جاء في رواية أخرى. "انظر: المصباح المنير 2/ 1046، فواتح الرحموت 2/ 108 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 29، العضد على ابن الحاجب 2/ 50". 2 يرى الآمدي وغيره أن المسألة لفظية، ويبرهنون على ذلك. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 12، إرشاد الفحول ص 44". 3 لفظ الجلالة غير موجود في ض. 4 ساقطة من ض. 5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 11، فواتح الرحموت 2/ 108، المعتمد 2/ 545. 6 في ض: قوله. 7 هو الصحابي أبو السنابل بن بَعْكك بن الحجاج بن الحارث، اسمه حَبَّة، أو حَنَّة، وقيل عمرو، وقيل غير ذلك. أسلم يوم فتح مكة، وكان من المؤلفة قلوبهم، وكان شاعراً، وخطب سبيعة الأسلمية. قال البخاري: لا أعلم أنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن سعد: أقام بمكة حتى مات. وقال البغوي: سكن الكوفة. وقال ابن حبان: توفي بالمدينة، ولم يذكر تاريخ وفاته، روي له اثنا عشر حديثاً............=

وَقِيلَ: إنْ اعْتَقَدَ الْمُخْبِرُ الْمُطَابَقَةَ وَكَانَ الأَمْرُ كَمَا اعْتَقَدَ، فَصِدْقٌ وَإِلاَّ فَكَذِبٌ، سَوَاءٌ كَانَ مُطَابِقًا أَوْ لَمْ يَكُنْ1. كَقَوْلِهِ2 تَعَالَى: {إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 3، كَذَّبَهُمُ4 اللَّهُ تَعَالَى لِعَدَمِ5 اعْتِقَادِهِمْ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ مُطَابِقٌ لِلْخَارِجِ6.

_ =انظر ترجمته في "الإصابة 4/ 95، تهذيب الأسماء 2/ 241، مشاهير علماء الأمصار ص 21، الخلاصة ص 451". وسبب الحديث أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد وفاة زوجها ببضع وعشرين ليلة، فتزينت وتعرضت للتزويج، فقال لها أبو السنابل: "لا سبيل إلى ذلك أي حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشراً فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: "كذب أبو السنابل" أو "ليس كما قال أبو السنابل، وقد حللت فتزوجي". هكذا رواه البغوي والشافعي. والحديث مع القصة وردت بألفاظ مختلفة في البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والشافعي وابن حبان والدارمي وغيرهم. "انظر: شرح السنة 9/ 304، صحيح البخاري 3/ 204، صحيح مسلم 2/ 1122، تحفة الأحوذي 4/ 373، سنن النسائي 6/ 158، بدائع المنن 2/ 402، موارد الظمآن ص 323، سنن الدارمي 2/ 166، سنن ابن ماجه 1/ 653، فتح الباري 8/ 461، الموطأ 2/ 590، مسند أحمد 6/ 289، الرسالة للشافعي ص 575". 1 هو قول النظام ومن تابعه من أهل الأصول والفقهاء، ودليلهم النقلي الآية الكريمة المذكورة بالأعلى. واستدلوا أيضاً بالعقل. ويرى الشوكاني الجمع بينهما، وأن الصدق ما طابق الواقع والاعتقاد، وأن الكذب ما خالفهما أو خالف أحدهما. "انظر: إرشاد الفحول ص 44، 45، فواتح الرحموت 2/ 108، تيسير التحرير 3/ 29". 2 في ب ع ض: لقوله. 3 الآية الأولى من سورة المنافقون. 4 في ش ز: وكذبهم. 5 في د ض: في عدم. 6 انظر: فواتح الرحموت 2/ 107، تيسير التحرير 3/ 29، تفسير ابن كثير 4/ 368 ط الحلبي، إرشاد الفحول ص 45.

وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ1 أَكْذَبَهُمْ فِي شَهَادَتِهِمْ؛ لأَنَّ الشَّهَادَةَ الصَّادِقَةَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمُطَابَقَةِ مُعْتَقِدًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْكَاذِبُونَ2 فِي ضَمَائِرِهِمْ3. وَقِيلَ فِي تَمَنِّيهِمْ. فَالْخَبَرُ عَلَى4 هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ مُنْحَصِرًا فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، لَكِنْ لا5 عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ6. "وَيَكُونَانِ" أَيْ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ "فِي" زَمَنٍ "مُسْتَقْبَلٍ" كَ مَا يَكُونَانِ7 فِي زَمَنٍ مَاضٍ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ قَالَ: "لا آكُلُ" ثُمَّ أَكَلَ: هَذَا كَذِبٌ8، لا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ. وَقِيلَ لَهُ9 أَيْضًا: بِمَ تَعْرِفُ10 الْكَذَّابَ؟ قَالَ بِخُلْفِ الْوَعْدِ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالشَّيْخُ مُوَفَّقُ

_ 1 في ض: أن. 2 في ب: لكاذبون. 3 قال محمد نظام الدين الأنصاري: "ولك أن تقرر بأن قولهم: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} كناية عن الإخبار بإيمانهم. فمقصودهم الإخبار بأنهم مؤمنون ثابتون على إيمانهم، وعبروا عنه بما هو ملزوم الإيمان، وهو الشهادة عن صميم القلب، فردَّ الله عليهم بأنهم كاذبون في دعواهم، لما أنهم منافقون، وليس لهم في أصل الأمر تصديق أصلاً". "فواتح الرحموت 2/ 107". "وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 71". 4 في ب: في. 5 ساقطة من ش. 6 انظر: فواتح الرحموت 2/ 107، تيسير التحرير 3/ 29، إرشاد الفحول ص 45. 7 في ض: يكون. 8 في ز ش ب: الكذب. 9 في ش: عنه. 10 في ب ع ض: يعرف.

الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} 1. وقَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} - إلَى آخِرِ الآيَةِ 2، وقَال3 تَعَالَى: {وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} 4، وقَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} 5 فَأَكْذَبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" فِي *قَوْلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ6 يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ "الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ" فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَذَبَ سَعْدٌ" 7.

_ 1 الآية 38 من النحل. 2 الآية 11 من الحشر، وتتمة الآية: {وَلاَ نُطِيْعُ فِيْكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوْتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُوْنَ} . 3 في ش: وقوله. والأعلى أصح لأنها تكملة الآية السابقة، ومحلُّ الاستشهاد بها. 4 الآية 11 من الحشر. 5 الآية 12 من العنكبوت. 6 هو الصحابي سعد بن عبادة بن دُلَيم الخزرجي الأنصاري، سيد الخزرج، أبو ثابت، وقيل: أبو قيس، كان نقيب بني ساعدة، وصاحب راية الأنصار في المشاهد كلها. وكان سيداً جواداً، وجيهاً في الأنصار، ذا رياسة وسيادة وكرم، وكان شديد الغيرة، وكان أحد النقباء بالعقبة، وشهد بدراً وباقي المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكتب بالعربية، ويحسن الرمي والعوم. خرج إلى الشام فمات بحوران سنة 15 هـ، وقيل 16 هـ. ويرى ابن عساكر وغيره أن قبره نُقل إلى المزة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاوره مع سعد بن معاذ، ومناقبه كثيرة. انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 30، الاستيعاب 2/ 38، تهذيب الأسماء 1/ 212، الخلاصة ص 134". 7 روى البخاري أن سعد بن عبادة قال يوم الفتح: "يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فقال أبو سفيان: يا عباس، حبذا يوم الذمار ... فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة سعد قال: "كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويومٌ تكسى فيه الكعبة". صحيح البخاري 3/ 61".

وَفِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" فِي قَوْلِ1 عَبْدِ حَاطِبٍ2 لَمَّا جَاءَ يَشْكُو حَاطِبًا3 "لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ" فَقَالَ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَذَبْت، لا يَدْخُلُهَا" 5. وَرَدَّ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ6 عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} 7.

_ *- 1 ساقطة من ب. 2 هو حاطب بن أبي بلتعة عمرو بن عمير الصحابي، أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله، حليف الزبير بن العوام، شهد بدراً والحديبية، وشهد الله له بالإيمان في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ... } الآيتان 1-2 من الممتحنة نزلتا فيه. وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب الإسكندرية سنة ست من الهجرة، وسأله المقوقس عن رسول الله، ثم قال له: أنت حكيم جئت من عند حكيم، وبعث معه هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، منها مارية القبطية وأختها سيرين. وأرسل معه من يوصله إلى مأمنه. توفي حاطب سنة 30 هـ بالمدينة، وصلى عليه عثمان رضي الله عنهما، وكان عمره خمساً وستين سنة. انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 1/ 152، شذرات الذهب 1/ 37، مشاهير علماء الأمصار ص 21، الإصابة 1/ 300". 3 في ب ز ع ض: على حاطب. 4 في ض: فقال النبي صلى الله عليه وسلم. 5 روى الإمام أحمد ومسلم عن جابر: "أن عبداً لحاطب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً، فقال: يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبت لا يدخلها، فإنه شهد بدراً والحديبية". "انظر: صحيح مسلم 4/ 1942، مسند أحمد 3/ 349". 6 هو أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي، يعرف بابن النحاس، أبو جعفر النحوي، المصري، من أهل الفضل الشائع، والعلم الذائع، كان عالماً بالنحو، صادقاً. صنف كتباً كثيرة، منها: "إعراب القرآن"، و"معاني القرآن"، و"الكافي" في العربية، و"المقنع" في اختلاف البصريين والكوفيين، و"وشرح المعلقات"، و"شرح المفضليات". غرق في النيل سنة 338 هـ. انظر ترجمته في "بغية الوعاة 1/ 362، طبقات المفسرين 1/ 67، شذرات الذهب 2/ 346، حسن المحاضرة 1/ 531، وفيات الأعيان 1/ 82". 7 الآية 27 من الأنعام.

وَقِيلَ: لا يَكُونُ الْكَذِبُ إلاَّ فِي مَاضٍ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَهُوَ قَوْلٌ مَشْهُورٌ، بَلْ هُوَ الْمَفْهُومُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْخَبَرَ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ يَقْبَلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ. فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ كَالْوَعْدِ. كَانَ إنْشَاءً. وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ. اهـ. "وَمَوْرِدُهُمَا" أَيْ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ "النِّسْبَةُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا" الْخَبَرُ بِإِيقَاعِ الْمُخْبِرِ1. "وَمِنْهُ" أَيْ وَمِنْ الْخَبَرِ مَا هُوَ "مَعْلُومٌ صِدْقُهُ" وَهُوَ أَنْوَاعٌ. أَحَدُهَا: مَا يَكُونُ عِلْمُ صِدْقِهِ ضَرُورِيًّا بِنَفْسِ الْخَبَرِ بِتَكَرُّرِ الْخَبَرِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ، كَالْخَبَرِ الَّذِي 2بَلَغَتْ رُوَاتُه2 حَدَّ التَّوَاتُرِ، لَفْظِيًّا كَانَ أَوْ مَعْنَوِيًّا3. النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يَكُونُ ضَرُورِيًّا بِغَيْرِ نَفْسِ الْخَبَرِ، لِكَوْنِهِ4 مُوَافِقًا لِلضَّرُورِيِّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مُتَعَلَّقُهُ مَعْلُومًا لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ وَتَكَرُّرٍ.

_ 1 أي إن مورد الصدق والكذب في الخبر هي مجرد النسبة التي تضمنها الخبر فقط دون غيرها، مثال: "قام زيد بن عمرو"، فإن مورد الصدق والكذب في القيام فقط، ولاتشمل بنوته لعمرو، إذ لم يقصد بالخبر الإخبار بالبنوة، وهذا ما يسمى في القضاء، بالحكم الضمني، وقد قال به أكثر الفقهاء إذا كان المشهود عليه غائباً. "انظر: غاية الوصول ص 94، نظرية الدعوى 2/ 206، 222، المحلي على جمع الجوامع 2/ 115 وما بعدها". 2 في ش: بلغ رواته. وفي د ض: بلغت روايته. 3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 12، المستصفى 1/ 140، نهاية السول 2/ 261، 262، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، الكفاية للخطيب البغدادي ص 17، المعتمد 2/ 547، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، إرشاد الفحول ص 45. 4 في ع ض: بل بكونه.

نَحْوُ: الْوَاحِدُ نِصْفُ الاثْنَيْنِ1. النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا يَكُونُ "نَظَرِيًّا" 2، كَخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَخَبَرِ كُلِّ الأُمَّةِ؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ حُجَّةٌ. فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلاثَةِ عُلِمَ بِالنَّظَرِ وَالاسْتِدْلالِ3. النَّوْعُ الرَّابِعُ: مَا يَكُونُ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ وَغَيْرَ نَظَرِيٍّ، وَلَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلنَّظَرِيِّ4، وَهُوَ الْخَبَرُ الَّذِي عُلِمَ مُتَعَلَّقُهُ بِالنَّظَرِ. كَقَوْلِنَا: الْعَالَمُ حَادِثٌ5 "وَ" مِنْ الْخَبَرِ أَيْضًا مَا هُوَ مَعْلُومٌ "كَذِبُهُ6" وَهُوَ أَنْوَاعٌ أَيْضًا. أَحَدُهَا: مَا عُلِمَ خِلافُهُ بِالضَّرُورَةِ. كَقَوْلِ الْقَائِلِ: النَّارُ بَارِدَةٌ7.

_ 1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 354، الإحكام للآمدي 2/ 12، نهاية السول 2/ 261، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، المعتمد 2/ 546، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، إرشاد الفحول ص 45. 2 في جميع النسخ: ضروريًّا. 3 انظر: التمهيد ص 134، الكفاية للخطيب البغدادي ص 17، أصول السرخسي 1/ 374، تيسير التحرير 3/ 29، كشف الأسرار 2/ 360، فواتح الرحموت 2/ 109، شرح تنقيح الفصول ص 354، الإحكام للآمدي 2/ 12، المستصفى 1/ 141، المحلي على جمع الجوامع 2/ 119، المسودة ص 243، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، غاية الوصول ص 95، إرشاد الفحول ص 45، المعتمد 2/ 546، 551. 4 في ع: للنظر. 5 ذكر القرافي وغيره أنواعاً أخرى للخبر المعلوم صدقه والمفيد للعلم. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 354، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، إرشاد الفحول ص 45". 6 انظر: المسودة ص 233. 7 ونحو: النقيضان يجتمعان أو يرتفعان. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 12، المستصفى 1/ 142، المحلي على جمع الجوامع 2/ 116، مناهج العقول 2/ 274، نهاية السول 2/ 277، شرح تنقيح الفصول ص 355، كشف الأسرار 2/ 360، فواتح الرحموت 2/ 109، غاية الوصول ص 94، إرشاد الفحول ص 46، المعتمد 2/ 547".

النَّوْعُ الثَّانِي: مَا عُلِمَ خِلافُهُ بِالاسْتِدْلالِ. كَقَوْلِ الْفَيْلَسُوفِ1: الْعَالَمُ قَدِيمٌ2. النَّوْعُ الثَّالِثُ: أَنْ يُوهِمَ أَمْرًا بَاطِلاً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْبَلَ التَّأْوِيلَ لِمُعَارَضَتِهِ لِلدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ. كَمَا لَوْ اخْتَلَقَ بَعْضُ الزَّنَادِقَةِ حَدِيثًا كَذِبًا عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ عَلَى 3رَسُولِ اللَّهِ5 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَحَقَّقُ أَنَّهُ كَذِبٌ4. النَّوْعُ الرَّابِعُ: أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ الرِّسَالَةَ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِغَيْرِ مُعْجِزَةٍ5. "وَ" مِنْ الْخَبَرِ أَيْضًا: مَا هُوَ "مُحْتَمِلٌ" لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ6.

_ 1 في ع: الفيلسوفي. 2 انظر: التمهيد للباقلاني ص 161، المحلي على جمع الجوامع 2/ 116، الكفاية للخطيب البغدادي ص 17، المستصفى 1/ 142، مناهج العقول 2/ 274، نهاية السول 2/ 277، المعتمد 2/ 547، شرح تنقيح الفصول ص 355، غاية الوصول ص 94، إرشاد الفحول ص 46، كشف الأسرار 2/ 360. 3 في ب ع ض: رسوله. 4 ومثل ذلك قول الزنادقة أيضاً: إن الله تعالى خلق نفسه، فهذا كذب لإيهامه باطلاً، وهو حدوثه تعالى، وقد دل العقل القاطع على أنه تعالى منزه عن الحدوث. ومثل حديث: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نَفْسٌ منفوسة اليومَ". رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً، فحذفوا كلمة "اليوم". "انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 116، غاية الوصول ص 95، إرشاد الفحول ص 46، صحيح مسلم 4/ 1967". 5 ذكر القرافي والمحلي وغيرهما أنواعًا أخرى للخبر المعلوم كذبه. "انظر: التمهيد للإسنوي ص 134، شرح تنقيح الفصول ص 355، المحلي على جمع الجوامع 2/ 11 وما بعدها، المستصفى 1/ 145، أصول السرخسي 1/ 374، غاية الوصول ص 95، إرشاد الفحول ص 46". 6 هذا تقسيم آخر للخبر باعتبار آخر. "انظر: التمهيد للإسنوي ص 134، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، التمهيد للباقلاني ص 162، المسودة ص 233، أصول السرخسي 1/ 374، إرشاد الفحول ص 46".

"فَالأَوَّلُ" وَهُوَ مَا عُلِمَ صِدْقُهُ. قَدْ تَقَدَّمَتْ أَنْوَاعُهُ الَّتِي مِنْهَا مَا هُوَ "ضَرُورِيٌّ بِنَفْسِهِ كَمُتَوَاتِرٍ. وَبِغَيْرِهِ كَمُوَافِقٍ لِضَرُورِيٍّ وَنَظَرِيٍّ، كَخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَالإِجْمَاعِ وَخَبَرِ مَنْ وَافَقَ أَحَدَهَا أَوْ1 ثَبَتَ فِيهِ2 صِدْقُهُ3. "وَ" الْقِسْمُ "الثَّانِي" مِنْ الْخَبَرِ وَهُوَ الْمَعْلُومُ كَذِبُهُ. قَدْ تَقَدَّمَتْ 4أَنْوَاعُهُ أَيْضًا5. وَمِنْهَا "مَا خَالَفَ مَا عُلِمَ صِدْقُهُ5". "وَ" أَمَّا الْقِسْمُ "الثَّالِثُ" مِنْ الْخَبَرِ، وَهُوَ الْمُحْتَمِلُ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ6. أَحَدُهَا: "مَا ظُنَّ صِدْقُهُ كَعَدْلٍ" أَيْ كَخَبَرِ الْعَدْلِ، لِرُجْحَانِ صِدْقِهِ عَلَى كَذِبِهِ، وَيَتَفَاوَتُ فِي الظَّنِّ7 "وَ" النَّوْعُ الثَّانِي: مَا ظُنَّ "كَذِبُهُ كَ" خَبَرِ "كَذَّابٍ" لِرُجْحَانِ

_ 1 في ز ش: و. 2 في ع ض: به. 3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 354، الإحكام للآمدي 2/ 12، المستصفى 1/ 141، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، كشف الأسرار 2/ 360، العضد على ابن الحاجب 2/ 51. 4 في ز ع ض: أيضاً أنواعه. 5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 355، الإحكام للآمدي 2/ 12، المستصفى 1/ 142، نهاية السول 2/ 277، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، العضد على ابن الحاجب 2/ 51. 6 ساقطة من ب. وانظر: كشف الأسرار 2/ 360، الكفاية ص 18، إرشاد الفحول ص 46. 7 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 13، مناهج العقول 2/ 279، المحلي على جمع الجوامع 2/ 129، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، نهاية السول 2/ 281، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، إرشاد الفحول ص 46، كشف الأسرار 2/ 360.

كَذِبِهِ عَلَى صِدْقِهِ. وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ أَيْضًا1. "وَ" النَّوْعُ الثَّالِثُ: "مَا شُكَّ فِيهِ كَ" خَبَرِ "مَجْهُولِ" الْحَالِ. فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الاحْتِمَالانِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ2. "وَلَيْسَ كُلُّ خَبَرٍ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ" يَكُونُ "كَذِبًا" 3. قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: "وَقَوْلُ قَوْمٍ: كُلُّ خَبَرٍ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ كَذِبٌ بَاطِلٌ4. وَاسْتَدَلُّوا لِقَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ5 لَوْ كَانَ صِدْقًا لَنُصِبَ عَلَيْهِ6 دَلِيلٌ، كَخَبَرِ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ. فَإِنَّهُ إذَا كَانَ صِدْقًا7 دَلَّ عَلَيْهِ بِالْمُعْجِزَةِ. وَهَذَا الاسْتِدْلال فَاسِدٌ، لِجَرَيَانِ مِثْلِهِ فِي نَقِيضِ مَا أَخْبَرَ بِهِ إذَا أَخْبَرَ بِهِ آخَرُ. فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ، وَيُعْلَمُ8 بِالضَّرُورَةِ وُقُوعُ الْخَبَرِ بِهِمَا، أَيْ بِالإِخْبَارِ بِشَيْءٍ وَبِنَقِيضِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْعِلْمُ بِكَذِبِ كُلِّ شَاهِدٍ؛ إذْ لا يُعْلَمُ صِدْقُهُ إلاَّ

_ 1 انظر: نهاية السول 2/ 281، الإحكام للآمدي 2/ 13، الكفاية للخطيب البغدادي ص 101، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، كشف الأسرار 2/ 360، إرشاد الفحول ص 46. 2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 13، نهاية السول 2/ 281، العضد على ابن الحاجب 2/ 51، فواتح الرحموت 2/ 109، تيسير التحرير 3/ 29، كشف الأسرار 2/ 360، إرشاد الفحول ص 46. 3 وهذا رد على بعض الظاهرية القائلين بأن كل خبر لم يعلم صدقه فهو كذب، لأنه لو كان صدقاً لما تركنا الله تعالى بدون دليل يدل عليه. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 109، الإحكام للآمدي 2/ 13، تيسير التحرير 3/ 30، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 51". 4 ساقطة من ب. 5 في ع: بأن. 6 في ز: على. 7 في ب: صادقاً. 8 في شرح العضد: ونعلم.

بِدَلِيلٍ، وَالْعِلْمُ1 بِكَذِبِ كُلِّ مُسْلِمٍ فِي دَعْوَى إسْلامِهِ؛ 2إذْ لا10 دَلِيلَ عَلَى مَا فِي بَاطِنِهِ. وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالإِجْمَاعِ3. "وَمَدْلُولُهُ" أَيْ الْخَبَرُ هُوَ "الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لا ثُبُوتُهَا" أَيْ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ النِّسْبَةِ لا نَفْسُ الثُّبُوتِ. فَإِذَا قُلْت: زَيْدٌ قَائِمٌ. فَمَدْلُولُهُ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ قِيَامِهِ 4لا نَفْسِ ثُبُوتِ قِيَامِهِ1؛ إذْ لَوْ كَانَ الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ ثُبُوتُ قِيَامِ زَيْدٍ، لَزِمَ مِنْهُ أَنْ لا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا، بَلْ يَكُونُ كُلُّهُ صِدْقًا. قَالَهُ الرَّازِيّ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ5. وَخَالَفَ الْقَرَافِيُّ فَقَالَ: إنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْ الْخَبَرَ إلاَّ لِلصِّدْقِ، لاتِّفَاقِ اللُّغَوِيِّينَ وَالنَّحْوِيِّينَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى "قَامَ زَيْدٌ": حُصُولُ الْقِيَامِ مِنْهُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي. وَاحْتِمَالُهُ الْكَذِبَ لَيْسَ مِنْ الْوَضْعِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ6. اهـ.

_ 1 أي ويلزم العلم. 2 في ب: أو لا يعلم. 3 العضد على ابن الحاجب 1/ 51. وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 13، فواتح الرحموت 2/ 109 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 30. 4 ساقطة من ش. 5 اختلف العلماء في مدلول الخبر على قولين: الأول: ما ذكره المصنف وهو الحكم بالنسبة، وهو قول الرازي ومن وافقه. والقول الثاني: أن مدلول الخبر ثبوت النسبة في الخارج، وهو ما رجحه السعد التفتازاني وغيره. "انظر: المحصول 1/ 322، تيسير التحرير 3/ 26، المحلي على جمع الجوامع 2/ 113-114، غاية الوصول ص 94". 6 قاله القرافي في كتابه: "نفائس الأصول في شرح المحصول" وهو مخطوط. وذكر معناه في كتابيه الفروق 1/ 24، شرح تنقيح الفصول ص 346. "وانظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 113، غاية الوصول ص 94، إرشاد الفحول ص 44".

قَالَ الْكُورَانِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ أَنَّ الْخَبَرَ فِي1 مِثْلِ: "زَيْدٌ قَائِمٌ"، إذَا صَدَرَ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ بِالْقَصْدِ، يَدُلُّ عَلَى الإِيقَاعِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي صَدَرَ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الْوُقُوعِ. فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى حُكْمًا، فَاحْتِمَالُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَصِدْقُ الْخَبَرِ وَكَذِبُهُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ، إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الإِيقَاعِ؛ لأَنَّهُ الْمُتَّصِفُ2 بِذَلِكَ الْوُقُوعِ3، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ إفَادَةِ الْمُخَاطَبِ فَالْحُكْمُ هُوَ الْوُقُوعُ4؛ لأَنَّك إذَا قُلْت "زَيْدٌ قَائِمٌ" إنَّمَا يُفِيدُ الْمُخَاطَبَ وُقُوعَ الْقِيَامِ، لا أَنَّك أَوْقَعْت الْقِيَامَ عَلَى زَيْدٍ. فَإِنَّهُ لا يُعَدُّ فَائِدَةً. "وَمِنْهُ" أَيْ وَ5مِنَ الْخَبَرِ "تَوَاتُرٌ" يَعْنِي أَنَّ الْخَبَرَ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ، تَوَاتُرًا وَآحَادًا. "وَهُوَ" أَيْ التَّوَاتُرُ "لُغَةً تَتَابُعُ" شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ "بِمُهْلَةٍ" أَيْ6 وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ مِنْ الْوَتْرِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} 7 أَصْلُهَا وَتْرًا أُبْدِلَتْ التَّاءُ مِنْ الْوَاوِ8. قَالَهُ9 ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ. ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ10: مِنْ

_ 1 ساقطة من ش ب ز ع. 2 في ش: المتصف بالكلام. 3 في ب ز ض: لا الوقوع. 4 في د: لا الوقوع. 5 ساقطة من ع ض. 6 في ب: أو. 7 الآية 44 من المؤمنون. 8 انظر: القاموس المحيط 2/ 156، المصباح المنير 2/ 1002، المغرب للمطرزي ص 475. 9 في ز: وقاله. 10 هو موهوب بن أحمد بن محمد، أبو منصور الجوالقي، شيخ أهل اللغة في عصره قال ابن السمعاني: "إمام في اللغة والأدب، وهو من مفاخر بغداد، وهو متدين ثقة ورع، غزير الفضل، كامل العقل، مليح الخط، كثير الضبط، صنف التصانيف، واشتهرت عنه". وكان يصلي بالمقتفي بالله الخليفة. ومن تصانيفه: "شرح أدب الكاتب" و"المعرب"، و"تتمة درة الغوّاص للحريري" وسماه "التكملة فيما يلحن به العامة". توفي سنة 540 ببغداد. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 4/ 426، شذرات الذهب 4/ 127، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 204، بغية الوعاة 2/ 308، إنباه الرواة 3/ 335".

غَلَطِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُمْ: تَوَاتَرَتْ كُتُبُك إلَيَّ. أَيْ اتَّصَلَتْ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ. وَإِنَّمَا التَّوَاتُرُ الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ بَيْنَهُمَا انْقِطَاعٌ. وَهُوَ تَفَاعُلٌ مِنْ الْوَتْرِ، وَهُوَ الْعَوْدُ اهـ. "و"َ التَّوَاتُرُ "اصْطِلاحًا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ الْعُلَمَاءِ "خَبَرُ عَدَدٍ يَمْتَنِعُ مَعَهُ" أَيْ مَعَ هَذَا الْعَدَدِ "لِكَثْرَتِهِ" أَيْ مِنْ أَجْلِ كَثْرَتِهِ "تَوَاطُؤٌ" فَاعِلُ يَمْتَنِعُ "عَلَى كَذِبٍ" مُتَعَلِّقٌ بِتَوَاطُؤٍ عَنْ مَحْسُوسٍ مُتَعَلِّقٍ بِخَبَرٍ، أَيْ بِخَبَرِ عَدَدٍ1 "عَنْ مَحْسُوسٍ" "أَوْ خَبَرُ" عَدَدٍ "عَنْ عَدَدٍ كَذَلِكَ" أَيْ يَمْتَنِعُ مَعَهُ لِكَثْرَتِهِ تَوَاطُؤٌ عَلَى كَذِبٍ إلَى "أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَحْسُوسٍ" أَيْ مَعْلُومٍ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ. كَمُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمَاعٍ2. فَقَوْلُهُ: "خَبَرٌ" جِنْسٌ يَشْمَلُ الْمُتَوَاتِرَ وَغَيْرَهُ. وَبِإِضَافَتِهِ إلَى عَدَدٍ يَخْرُجُ خَبَرُ الْوَاحِدِ. وَبِقَوْلِهِ: "يَمْتَنِعُ مَعَهُ3 ... إلَى آخِرِهِ": يَخْرُجُ بِهِ خَبَرُ عَدَدٍ لَمْ يَتَّصِفْ ذَلِكَ الْعَدَدُ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ.

_ 1 ساقطة من ش. وفي ب ز ع ض: خبر. 2 اعتبر الطوفي وغيره هذا القيد شرطاً في التواتر، فقالوا: وشرط التواتر إسناده إلى عيان محسوس، وليس عن اجتهاد، وهو قول الجويني وابن برهان والمقدسي وغيرهم. "انظر: المسودة ص 234، المعتمد 2/ 563، مختصر الطوفي ص 51، شرح الورقات ص 183، المحلي على جمع الجوامع 2/ 123، الروضة ص 50، غاية الوصول ص 96". 3 ساقطة من ش ب ز.

وَخَرَجَ بِقَيْدِ "الْمَحْسُوسِ" مَا كَانَ عَنْ مَعْلُومٍ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ كَإِخْبَارِ أَهْلِ السُّنَّةِ دَهْرِيًّا بِحُدُوثِ1 الْعَالَمِ لِتَجْوِيزِهِ غَلَطَهُمْ فِي الاعْتِقَادِ2. "مُفِيدٌ" صِفَةٌ لِتَوَاتُرٍ، أَيْ وَمِنْ الْخَبَرِ تَوَاتُرٌ مُفِيدٌ "لِلْعِلْمِ بِنَفْسِهِ3".فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْخَبَرُ الَّذِي صِدْقُ الْمُخْبِرِينَ فِيهِ بِسَبَبِ الْقَرَائِنِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا لا يَنْفَكُّ عَنْ الْمُتَوَاتِرِ عَادَةً وَغَيْرِهَا؛ لأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ لا بِنَفْسِهِ، بَلْ بِسَبَبِ مَا احْتَفَّ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ4. ثُمَّ الْقَرَائِنُ الْمُفِيدَةُ لِلْعِلْمِ قَدْ تَكُونُ عَادِيَّةً كَالْقَرَائِنِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى مَنْ يُخْبِرُ بِمَوْتِ وَلَدِهِ مِنْ شَقِّ الْجُيُوبِ وَالتَّفَجُّعِ. وَقَدْ تَكُونُ عَقْلِيَّةً، كَخَبَرِ جَمَاعَةٍ

_ 1 في ب ز ع: بحدث. 2 انظر في تعريف التواتر التعريفات للجرجاني ص 102، 210، 74، الحدود للباجي ص 61، المغرب ص 475، الكافية في الجدل ص 179، 181، مقدمة ابن الصلاح ص 135، الإحكام لابن حزم 1/ 93، شرح الورقات ص 179، 181، شرح تنقيح الفصول ص 349، أصول السرخسي 1/ 282، فواتح الرحموت 2/ 110، تيسير التحرير 3/ 30، نهاية السول 2/ 262، مختصر الطوفي ص 49، اللمع ص 39، غاية الوصول ص 95، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90، الإحكام للآمدي 2/ 14، إرشاد الفحول ص 46. 3 انظر: المسودة ص 233، شرح الورقات ص 179، الإحكام لابن حزم 1/ 93، المعتمد 2/ 551، الكفاية للخطيب البغدادي ص 16، شرح نخبة الفكر ص 24، جامع بيان العلم 2/ 41، العضد على ابن الحاجب 2/ 52، المحلي على جمع الجوامع 2/ 119، كشف الأسرار 2/ 360، فواتح الرحموت 2/ 110، الإحكام للآمدي 2/ 14، الروضة ص 48، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90. 4 أما القرائن اللازمة للخبر من أحوال المخبِر والمخبَر والمخبَر عنه، فلا تضر في إفادة العلم من المتواتر، بل لها تأثير في ذلك. "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 52، شرح الورقات ص 179، مناهج العقول 2/ 260، كشف الأسرار 2/ 360، تيسير التحرير 3/ 30، فواتح الرحموت 2/ 110، الروضة ص 48، إرشاد الفحول ص 46".

تَقْتَضِي الْبَدِيهَةُ1 أَوْ2 الاسْتِدْلال صِدْقَهُ. وَقَدْ تَكُونُ حِسِّيَّةً3 كَالْقَرَائِنِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى مَنْ يُخْبِرُ بِعَطَشِهِ. وَكَوْنُ خَبَرِ التَّوَاتُرِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ هُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ4. "وَ" الْعِلْمُ "الْحَاصِلُ" بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ "ضَرُورِيٌّ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ، إذْ لَوْ كَانَ نَظَرِيًّا لافْتَقَرَ إلَى تَوَسُّطِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَلَمَا حَصَلَ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَلَسَاغَ الْخِلافُ فِيهِ عَقْلاً، كَسَائِرِ النَّظَرِيَّاتِ، وَلأَنَّ الضَّرُورِيَّ مَا اُضْطُرَّ الْعَقْلُ إلَى التَّصْدِيقِ بِهِ. وَهَذَا كَذَلِكَ5.

_ 1 في ش: البديهي. 2 في ز ش: و. 3 ساقطة من ش. 4 وخالف في ذلك السمنية، وهم من عبدة الأصنام، والبراهمة، وهم من منكري الرسالة، فإنهم حصروا مدارك العلم في الحواس الخمسة فقط. وفرق بعضهم بين الحاضر والماضي، فقالوا: يفيد العلم في الحاضر، لأنه معضود بالحس، فيبعد تطرق الخطأ إليه، أما الماضي فإنه بعيد عن الحس، فيتطرق إليه احتمال الخطأ والنسيان. وقال جماعة بأنه يفيد علم طمأنينة لا يقين. وقد بين الآمدي وصاحب "فواتح الرحموت" أدلة هذه الآراء مع مناقشتها والرد عليها. "انظر: كشف الأسرار 2/ 262 وما بعدها، المعتمد 2/ 551، العضد على ابن الحاجب 2/ 52، المسودة ص 233، مناهج العقول 2/ 262، فواتح الرحموت 2/ 113، الإحكام للآمدي 2/ 15، المستصفى 1/ 132، شرح تنقيح الفصول ص 349، 350، أصول السرخسي 1/ 283، شرح الورقات ص 179، نهاية السول 2/ 265، الروضة ص 48، مختصر الطوفي ص 49، إرشاد الفحول ص 47، تيسير التحرير 3/ 31". 5 انظر: الحدود للباجي ص 62، أصول السرخسي 1/ 283، 292، كشف الأسرار 2/ 262، فواتح الرحموت 2/ 114، تيسير التحرير 3/ 32، نهاية السول 2/ 265، مناهج العقول 2/ 264، المستصفى 1/ 133، شرح تنقيح الفصول ص 351، المحلي على جمع الجوامع 2/ 122، المسودة ص 234، التمهيد للباقلاني ص 162، شرح نخبة الفكر ص 26، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 53، الإحكام للآمدي 2/ 18، 19، غاية الوصول ص 96، المعتمد 2/ 552 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 50، اللمع ص 39، الروضة ص 49، إرشاد الفحول ص 46، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمْعٌ: إنَّهُ نَظَرِيٌّ؛ إذْ لَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا 1لَمَا افْتَقَرَ6 إلَى النَّظَرِ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ. وَهُمَا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الإِخْبَارِ وَامْتِنَاعُ تَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ. فَصُورَةُ التَّرْتِيبِ مُمْكِنَةٌ2. رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ ضَرُورِيٍّ3. وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَالْخِلافُ لَفْظِيٌّ؛ إذْ مُرَادُ الأَوَّلِ بِالضَّرُورِيِّ: مَا اُضْطُرَّ الْعَقْلُ إلَى تَصْدِيقِهِ. وَالثَّانِي: الْبَدِيهِيُّ الْكَافِي فِي حُصُولِ الْجَزْمِ بِهِ تَصَوُّرُ طَرَفَيْهِ. وَالضَّرُورِيُّ يَنْقَسِمُ إلَيْهِمَا. فَدَعْوَى كُلٍّ غَيْرُ دَعْوَى الآخَرِ، وَالْجَزْمُ حَاصِلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ4.

_ 1 في ض: لافتقر. 2 وهو قول الكعبي وأبي الحسين البصري من المعتزلة، وإمام الحرمين والدقاق من الشافعية. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 351، العضد على ابن الحاجب 2/ 53، المحلي على جمع الجوامع 2/ 122، المسودة ص 234، شرح نخبة الفكر ص 27، فواتح الرحموت 2/ 114، 115، تيسير التحرير 3/ 32، أصول السرخسي 1/ 291، المعتمد 2/ 552، نهاية السول 2/ 265، مناهج العقول 2/ 264، الإحكام للآمدي 2/ 18، 20، المستصفى 1/ 132، غاية الوصول ص 96، الروضة ص 49، مختصر الطوفي ص 50، إرشاد الفحول ص 46، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90". 3 قال العضد: "إن العلم بالصدق ضروري يحصل بالعادة لا بالمقدمتين، فاستغني عن الترتيب، ولا ينافي صورة الترتيب، فإن وجوده لا يوجب الاحتياج إليها، فإنها ممكنة في كل ضروريّ. العضد على ابن الحاجب 2/ 53". وانظر: كشف الأسرار 2/ 367، 368، نهاية السول 2/ 266، مناهج العقول 2/ 264، شرح تنقيح الفصول ص 351، أصول السرخسي 1/ 291، فواتح الرحموت 2/ 115، تيسير التحرير 3/ 32، الروضة ص 49. 4 مختصر الطوفي ص 50. وهذا الرأي هو ما أيده شيخ الإسلام زكريا الأنصاري وابن بدران والمحلي. وقال الغزالي: إنه قسم ثالث ليس ضرورياً ولا نظرياً، بل من نوع القضايا التي قياساتها معها، وقال المرتضى والآمدي بالوقف، وهناك أقوال كثيرة "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 18، 23، المستصفى 1/ 133، المحلي على جمع الجوامع 2/ 122، غاية الوصول ص 96، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90، أصول السرخسي 1/ 284، فواتح الرحموت 2/ 114، تيسير التحرير 3/ 32، نهاية السول 2/ 266، مناهج العقول 2/ 264، العضد على ابن الحاجب 2/ 53، إرشاد الفحول ص 46".

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ التَّوَاتُرِ لا يُوَلِّدُ الْعِلْمَ، بَلْ "يَقَعُ" الْعِلْمُ "عِنْدَهُ" أَيْ عِنْدَ خَبَرِ التَّوَاتُرِ "بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى" عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَخَالَفَ قَوْمٌ1. لَنَا عَلَى الأَوَّلِ: مَا ثَبَتَ مِنْ الأُصُولِ أَنَّهُ لا مُوجِدَ2 إلاَّ اللَّهُ. وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إجْرَاءِ الْعَادَةِ بِخَلْقِ الْوَلَدِ مِنْ الْمَنِيِّ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِهِ بِدُونِ ذَلِكَ خِلافًا لِمَنْ قَالَ بِالتَّوَلُّدِ3. قَالَ الْمُخَالِفُ: يُمْكِنُ أَنْ يَخْلُقَهُ اللَّهُ4 وَيُمْكِنُ ضِدُّهُ. قُلْنَا: هُوَ5 مُمْكِنٌ عَقْلاً وَوَاجِبٌ عَادَةً. وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّهُ لَوْ وُلِّدَ الْعِلْمُ فَإِمَّا مِنْ الأَخِيرِ وَحْدَهُ، 6وَهُوَ مُحَالٌ إذْ كَانَ يَكْفِي مُنْفَرِدًا. أَوْ مِنْهُ وَمِنْ الْجُمْلَةِ قَبْلَهُ6، وَهُوَ مُحَالٌ أَيْضًا، لِعَدَمِ صُدُورِ

_ 1 وهم البراهمة وغيرهم. وانظر أدلتهم ومناقشتهم والرد عليها في "اللمع ص 39، غاية الوصول ص 95، أصول السرخسي 1/ 283، الإحكام للآمدي 2/ 23، نهاية السول 2/ 273، كشف الأسرار 2/ 361، المسودة ص 235". 2 في ز ش ب: يوجد. 3 في ش: التوالد. والتولد هو إيجاد المخلوق بلا أب ولا أم، مثل: الحيوان المتولد من الماء الراكد في الصف. أما التوالد فهو فعل مشترك بين شخصي الذكر والأنثى. "انظر: التعريفات للجرجاني ص 72، المسودة ص 235، الإحكام للآمدي 2/ 23، المعتبر في الحكمة 2/ 266". 4 لفظة الجلالة غير موجودة في ع ض. 5 ساقطة من ز ش. 6 ساقطة من ض.

الْمُسَبَّبِ عَنْ سَبَبَيْنِ1 فَصَاعِدًا، أَوْ2 لأَنَّهَا تُعْدَمُ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَالْمَعْدُومُ لا يُؤَثِّرُ. فَقِيلَ: يَجُوزُ تَأْثِيرُ الأَخِيرِ مَشْرُوطًا بِوُجُودِ مَا قَبْلَهُ وَانْعِدَامِهِ أَيْضًا. فَهُوَ وَارِدٌ فِي إفَادَتِهِ التَّوَلُّدَ3. "وَهُوَ" أَيْ التَّوَاتُرُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ "لَفْظِيٌّ" وَهُوَ مَا اشْتَرَكَ عَدَدُهُ فِي لَفْظٍ بِعَيْنِهِ4. وَذَلِكَ كَحَدِيثِ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ" 5 فَإِنَّهُ قَدْ

_ 1 في ز ش ع: شيئين. 2 في ب: و. 3 انظر مناقشة ذلك في "الإحكام للآمدي 2/ 23 وما بعدها". وقد اشترط العلماء في خبر التواتر ليفيد العلم شروطاً عدة، منها: أن يكون المخبرون عدداً لا يصح منهم التواطؤ على الكذب، وأن يستوي طرفاه ووسطه، وأن يكون الخبر في الأصل عن مشاهدة أو سماع مباشر، وغير ذلك. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 115، تيسير التحرير 3/ 34، كشف الأسرار 2/ 360، المستصفى 1/ 134، الإحكام للآمدي 2/ 25، شرح تنقيح الفصول ص 353، نهاية السول 2/ 270، مناهج العقول 2/ 266، المحلي على جمع الجوامع 2/ 123، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 53، المعتمد 2/ 558، 561، مقدمة ابن الصلاح ص 135، المسودة ص 235، شرح نخبة الفكر ص 22، اللمع ص 39، الروضة ص 50، إرشاد الفحول ص 47". 4 "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 353، تيسير التحرير 3/ 36، نهاية السول 2/ 274، غاية الوصول ص 95. 5 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والحاكم والطبراني والدارمي وغيرهم عن عدد من الصحابة، منهم أنس والزبير وأبو هريرة وعلي وجابر وأبو سعيد وابن مسعود وزيد بن أرقم وخالد بن عرفطة وسلمة بن الأكوع وعقبة بن عامر ومعاوية والسائب بن يزيد وسلمان بن خالد الخزاعي والعشرة المبشرين بالجنة وغيرهم. "انظر: صحيح البخاري 1/ 31، صحيح مسلم 1/ 10، سنن أبي داود 2/ 287، تحفة الأحوذي 7/ 419، سنن ابن ماجه 1/ 13، مسند أحمد 1/ 70، 4/ 245، سنن الدارمي 1/ 76، فيض القدير 6/ 214، النووي على مسلم 1/ 66، المستدرك 1/ 103".

نَقَلَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ1. قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ2: "يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثَالاً لِلْمُتَوَاتِرِ مِنْ السُّنَّةِ3". اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوَاتُرَ4 يَكُونُ فِي الْقُرْآنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِرَاءاتِ السَّبْعَ مُتَوَاتِرَةٌ. وَ5تَقَدَّمَ الْخِلافُ فِي الْعَشْرِ6. وَأَمَّا الإِجْمَاعُ: فَالْمُتَوَاتِرُ فِيهِ كَثِيرٌ. وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَالْمُتَوَاتِرُ فِيهَا قَلِيلٌ، حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ نَفَاهُ إذَا كَانَ لَفْظِيًّا، لَكِنَّ الأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ اللَّفْظِيِّ مِنْ السُّنَّةِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ

_ 1 نص العلماء على تواتر هذا الحديث، وأنه رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعون رجلاً من الصحابة. وقال ابن الجوزي: "رواه من الصحابة واحد وستون نفساً". وفي قول: اثنان وستون، وفيهم المشهود لهم بالجنة، ولم يجتمع العشرة على رواية حديث غيره، واستمر عدد رواته في ازدياد في الطبقات التالية على التوالي والاستمرار. "انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 135، فيض القدير 6/ 214، النووي على صحيح مسلم 1/ 68، شرح الورقات ص 183، اللمع ص 39، الموضوعات لابن الجوزي 1/ 56، 65". 2 هو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشَّهْرَزوري الشافعي، أبو عمرو، الإمام الحافظ، شيخ الإسلام، تقي الدين. تفقه وبرع في المذهب الشافعي وأصوله، وفي الحديث وعلومه، وفي التفسير. وكان مشاركاً في عدة علوم، متبحراً في الأصول والفروع. وكان زاهداً جليلاً. وإذا أطلق الشيخ في علم الحديث فالمراد به ابن الصلاح. صنف كتباً كثيرة، منها: "علوم الحديث"، و"شرح مسلم"، و"إشكالات على كتاب الوسيط" في الفقه. توفي بدمشق سنة 643هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 326، طبقات المفسرين 1/ 377، تذكرة الحفاظ 4/ 1430، وفيات الأعيان 2/ 408، طبقات الحفاظ ص 499، البداية والنهاية 13/ 168، شذرات الذهب 5/ 221، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 220". 3 مقدمة ابن الصلاح ص 135. 4 في ش ز ض: المتواتر. 5 في ب ع: وقد. 6 صفحة 127 وما بعدها.

حَدِيثَ ذِكْرِ حَوْضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ فِي كِتَابِ "الْبَعْثِ وَالنُّشُور": أَوْرَدَ رِوَايَتَهُ عَنْ أَزْيَدَ مِنْ ثَلاثِينَ صَحَابِيًّا1. وَأَفْرَدَهُ الْمَقْدِسِيُّ بِالْجَمْعِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَحَدِيثُهُ مُتَوَاتِرٌ بِالنَّقْلِ. وَحَدِيثُ الشَّفَاعَةِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: بَلَغَ التَّوَاتُرَ2،

_ 1 حديث الحوض رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والحاكم وابن حبان عن أبي سعيد الخدري وحذيفة وثوبان وأنس وأبي هريرة وعقبة بن عامر وابن مسعود وغيرهم. قال القاضي عياض: أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان، وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة، لا يتأول ولا يختلف فيه، ثم قال: وحديثه متواتر النقل، رواه خلائق من الصحابة، وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ البيهقي في كتابه "البعث والنشور" بأسانيده زطرقه المتكاثرات. ثم قال القاضي عياض: وفي بعض هذا ما يقتضي كون الحديث متواتراً. وذكر الزين العراقي أن رواته من الصحابة مائة ونيف، ونقل عن ابن الجوزي في مقدمة "الموضوعات" أن رواته ثمانية وتسعون نفساً". "انظر: صحيح البخاري 1/ 232، 3/ 20، صحيح مسلم 4/ 1792، سنن أبي داود 2/ 538، تحفة الأحوذي 7/ 133، سنن ابن ماجه 2/ 1438، شرح ألفية العراقي 2/ 277، ذخائر المواريث 2/ 20، الموطأ 1/ 29، المنتقى 1/ 70، مسند أحمد 1/ 257، المستدرك 1/ 75، موارد الظمآن ص 646". 2 روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك، فيقولون: لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا. قال: فيأتون آدم ... الحديث إلى قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيأتوني فأستأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، قل تسمع، سل تعطه، اشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي ثم أشفع ... الحديث. "صحيح مسلم 1/ 180".ورواه البخاري عن أبي هريرة. "صحيح البخاري 3/ 149". وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان والحاكم وابن ماجه عن جابر مرفوعاً أن ر سول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". "انظر: مسند أحمد 3/ 213، سنن أبي داود 2/ 537، تحفة الأحوذي 7/ 127، سنن ابن ماجه 2/ 1441، المستدرك 1/ 69". وقد وردت أحاديث الشفاعة وخصوصية الرسول صلى الله عليه وسلم بها، وأنه اختبأ دعوته للشفاعة يوم........=

وَحَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ1. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَاهُ نَحْوُ أَرْبَعِينَ صَحَابِيًّا وَاسْتَفَاضَ وَتَوَاتَرَ2. وَأَمَّا التَّوَاتُرُ الْمَعْنَوِيُّ مِنْ السُّنَّةِ، وَهُوَ بِأَنْ3 يَتَوَاتَرَ مَعْنًى فِي ضِمْنِ أَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ فِيهِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ فَكَثِيرٌ. "و"َ قِسْمٌ "مَعْنَوِيٌّ، وَهُوَ تَغَايُرُ الأَلْفَاظِ مَعَ الاشْتِرَاكِ فِي مَعْنًى كُلِّيٍّ" وَلَوْ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ4 كَمَا تَقَدَّمَ. وَذَلِكَ "كَحَدِيثِ الْحَوْضِ، وَسَخَاءِ

_ = القيامة، وأنه صاحب المقام المحمود، في جميع كتب السنة تقريباً بروايات كثيرة، وألفاظ متعددة، وعن عدد كبير من الصحابة، وذكر معظمها القاضي عياض في كتابه القيم "الشفا". "انظر: الشفا 1/ 216 وما بعدها طبع التجارية، صحيح مسلم 1/ 180 وما بعدها، صحيح البخاري 1/ 115، سنن أبي داود 1/ 126، تحفة الأحوذي 7/ 127، سنن ابن ماجه 2/ 1441، مسند أحمد 2/ 222، 3/ 2، 4/ 437، 5/ 43، المستدرك 1/ 69 وما بعدها، سنن الدارمي 2/ 327، موارد الظمآن ص 642 وما بعدها، فيض القدير 2/ 162، سنن النسائي 2/ 22، النووي على مسلم 3/ 53". 1 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والطبراني والدارمي وابن حبان وغيرهم عن ابن عمر وسعد وحذيفة والمغيرة وجرير وبلال وصفوان وخزيمة وثوبان وأسامة وعمر بن الخطاب وابن أبي عمارة وغيرهم. قال الزين العراقي: "فقد رواه أكثر من ستين من الصحابة، منهم العشرة". شرح ألفية العراقي 2/ 27". "انظر: صحيح البخاري 1/ 49، صحيح مسلم 1/ 228، سنن أبي داود 1/ 33، سنن النسائي 1/ 69، تحفة الأحوذي 1/ 313، سنن ابن ماجه 1/ 181، نيل الأوطار 1/ 209، تخريج أحاديث البزدوي ص 152، سنن الدارمي 1/ 181، مسند أحمد 4/ 246، موارد الظمآن ص 71، الموطأ 1/ 38". 2 انظر: شرح ألفية العراقي 2/ 276. 3 في ع: أن. 4 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 353، مختصر ابن الحاجب 2/ 55، مناهج العقول 2/ 270، نهاية السول 2/ 274، المحلي على جمع الجوامع 2/ 119، المسودة ص 235، تيسير التحرير 3/ 36، غاية الوصول ص 95.

حَاتِمٍ1 وَشُجَاعَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهَا2. وَذَلِكَ إذَا كَثُرَتْ الأَخْبَارُ فِي الْوَقَائِعِ وَاخْتُلِفَ فِيهَا، لَكِنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنًى مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا بِجِهَةِ التَّضَمُّنِ أَوْ الالْتِزَامِ، حَصَلَ الْعِلْمُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ مَثَلاً الشَّجَاعَةُ أَوْ الْكَرَمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيُسَمَّى الْمُتَوَاتِرَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَذَلِكَ كَوَقَائِعِ حَاتِمٍ فِيمَا يُحْكَى مِنْ عَطَايَاهُ مِنْ فَرَسٍ وَإِبِلٍ وَعَيْنٍ وَثَوْبٍ وَنَحْوِهَا. فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ جُودَهُ فَيُعْلَمُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْقَضَايَا بِعَيْنِهِ، وَكَقَضَايَا3 عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حُرُوبِهِ مِنْ أَنَّهُ هَزَمَ فِي خَيْبَرَ كَذَا4، وَفَعَلَ فِي أُحُدٍ كَذَا، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِالالْتِزَامِ عَلَى شُجَاعَتِهِ. وَقَدْ تَوَاتَرَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الْقَطْعِ5. "وَلا يَنْحَصِرُ" التَّوَاتُرُ "فِي عَدَدٍ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْمُحَقِّقِينَ "وَيُعْلَمُ" حُصُولُ الْعَدَدِ "إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ" عِنْدَهُ "وَلا دَوْرَ" إذْ حُصُولُ الْعِلْمِ مَعْلُولُ

_ 1 هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشْرج، من طيئ، كان جواداً شاعراً جيد الشعر، وكان حيث ما نزل عرف منزله، وإذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب بالقداح سبق، وإذا أسر أطلق، وقسم ماله بضع عشرة مرة. "انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 241 تحقيق أحمد شاكر طبع دار المعارف بمصر 1966، شرح شواهد المغني للسيوطي ص 75، والمراجع التي أشير إليها في هامش الكتابين". 2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 55، المحلي على جمع الجوامع 2/ 119، الإحكام للآمدي 2/ 30، فواتح الرحموت 2/ 119، تيسير التحرير 3/ 36، شرح الورقات ص 183، اللمع ص 39. 3 في ض: وقضايا. 4 ساقطة من ض. 5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 30، نهاية السول 2/ 274، مناهج العقول 2/ 271، العضد على ابن الحاجب 2/ 55، المحلي على جمع الجوامع 2/ 119.

الأَخْبَارِ وَدَلِيلُهُ. كَالشِّبَعِ وَالرِّيِّ مَعْلُولُ الْمُشْبِعِ1 وَالْمُرْوِي وَدَلِيلُهُمَا2، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ابْتِدَاءً الْقَدْرُ الْكَافِي مِنْهُمَا3. وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّقْدِيرَاتِ تَحَكُّمٌ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ4. نَعَمْ, لَوْ أَمْكَنَ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ اللَّحْظَةِ الَّتِي يَحْصُلُ لَنَا الْعِلْمُ بِالْمَخْبَرِ عَنْهُ فِيهَا5 أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ أَقَلِّ عَدَدٍ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ؛ إذْ الظَّنُّ يَتَزَايَدُ بِتَزَايُدِ الْمُخْبِرِينَ تَزَايُدًا خَفِيًّا تَدْرِيجِيًّا. كَتَزَايُدِ النَّبَاتِ وَعَقْلِ الصَّبِيِّ وَنُمُوِّ بَدَنِهِ، وَنُورِ6 الصُّبْحِ وَحَرَكَةِ الْفَيْءِ فَلا يُدْرَكُ7.

_ 1 في ض: الشبع. 2 في ش: ودليلها. 3 في ش: منها. وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 352، أصول السرخسي 1/ 294، نهاية السول 2/ 270، مناهج العقول2/ 266، كشف الأسرار 2/ 361، شرح الورقات ص 181، الروضة ص 50، مختصر الطوفي ص 51-52، إرشاد الفحول ص 47، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91. 4 انظر أقوال العلماء في تحديد العدد ومناقشة ذلك، وأن التواتر غير محصور في عدد عند الجماهير في "المحلي على جمع الجوامع 2/ 120 وما بعدها، المسودة ص 235، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 54، مناهج العقول 2/ 268، نهاية السول 2/ 271، الإحكام للآمدي 2/ 25 وما بعدها، شرح الورقات ص 181، المستصفى 2/ 134، 137، 138، شرح تنقيح الفصول ص 351 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 94، كشف الأسرار 2/ 361، تيسير التحرير 3/ 34، فواتح الرحموت 2/ 110، 116 وما بعدها، شرح نخبة الفكر ص 19 وما بعدها، شرح الورقات ص 181، إرشاد الفحول ص 47، غاية الوصول ص 95، الروضة ص 50، اللمع ص 40، المعتمد 2/ 561، 565". 5 في ض: فيهما. 6 في ب ع ض: وضوء. وكذا في مختصر الطوفي ص 52. 7 مختصر الطوفي ص 52. وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 26، المستصفى 1/ 137، العضد على ابن الحاجب 2/ 54، كشف الأسرار 2/ 361، المسودة ص 235، اللمع ص 40، الروضة ص 51.

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ نَعْلَمُ1 الْعِلْمَ بِالتَّوَاتُرِ مَعَ الْجَهْلِ بِأَقَلِّ عَدَدِهِ؟ قُلْنَا: كَمَا يُعْلَمُ أَنَّ الْخُبْزَ مُشْبِعٌ، وَالْمَاءَ مُرْوٍ، وَإِنْ جَهِلْنَا عَدَدَهُ2. اهـ. "وَيَخْتَلِفُ" الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِالتَّوَاتُرِ "بِاخْتِلافِ الْقَرَائِنِ" أَيْ قَرَائِنِ التَّعْرِيفِ. مِثْلِ الْهَيْئَاتِ الْمُقَارِنَةِ لِلْخَبَرِ الْمُوجِبَةِ لِتَعْرِيفِ مُتَعَلَّقِهِ، وَلاخْتِلافِ أَحْوَالِ الْمُخْبِرِينَ فِي اطِّلاعِهِمْ عَلَى قَرَائِنِ التَّعْرِيفِ، وَلاخْتِلافِ إدْرَاكِ الْمُسْتَمِعِينَ لِتَفَاوُتِ الأَذْهَانِ وَالْقَرَائِحِ وَلاخْتِلافِ الْوَقَائِعِ عَلَى عِظَمِهَا وَحَقَارَتِهَا3. وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ4. قَالَ فِي "جَمْعِ الْجَوَامِعِ": "وَالصَّحِيحُ ثَالِثُهَا": أَنَّ عِلْمَهُ لِكَثْرَةِ الْعَدَدِ مُتَّفِقٌ، وَلِلْقَرَائِنِ قَدْ يَخْتَلِفُ5. فَيَحْصُلُ لِزَيْدٍ دُونَ عَمْرٍو6". وَ7قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: هَلْ يَجِبُ اطِّرَادُ حُصُولِ الْعِلْمِ بِالتَّوَاتُرِ لِكُلِّ مَنْ بَلَغَ، أَوْ يُمْكِنُ حُصُولُ الْعِلْمِ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ؟ فِيهِ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ. ثَالِثُهَا - وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ - أَنَّ عِلْمَهُ مُتَّفِقٌ8، أَيْ يَتَّفِقُ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي الْعِلْمِ بِهِ،

_ 1 في ب ع ص: يعلم. 2 انظر: المستصفى 1/ 138، الإحكام للآمدي 2/ 26، الروضة ص 51. 3 انظر: المستصفى 1/ 135، العضد على ابن الحاجب 2/ 54، غاية الوصول ص 96، الروضة ص 49. 4 انظر هذه الأقوال في "المحلي على جمع الجوامع 2/ 124، غاية الوصول ص 96". 5 انظر: غاية الوصول ص 96. 6 جمع الجوامع 2/ 124. 7 ساقطة من ب. 8 في د: متفق عليه.

وَلا يَخْتَلِفُونَ وَإِنْ كَانَ لاخْتِلافِ قَرَائِنَ بِهِ اضْطَرَبَتْ1. فَقَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْخَبَرَ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ فِيهِ إلاَّ بِانْضِمَامِ قَرِينَةٍ إلَى الْخَبَرِ لَيْسَ مِنْ التَّوَاتُرِ، بَلْ2 لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِمُجَرَّدِ3 رِوَايَتِهِمْ4. اهـ. "وَيَتَفَاوَتُ الْمَعْلُومُ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُحَقِّقِينَ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالأُرْمَوِيُّ وَالْخُونَجِيُّ5 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ لا. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: الأَصَحُّ التَّفَاوُتُ. فَإِنَّا نَجِدُ بِالضَّرُورَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ "الْوَاحِدِ نِصْفَ الاثْنَيْنِ" وَبَيْنَ مَا عَلِمْنَاهُ مِنْ جِهَةِ التَّوَاتُرِ مَعَ كَوْنِ الْيَقِينِ حَاصِلاً فِيهِمَا.

_ 1 في ش: اضطردت. 2 ساقطة من ض. 3 في ش: لمجرد. 4 يميز العلماء في هذا المجال بين القرائن اللازمة والقرائن المنفصلة، وقد حصروا موضوع المسألة في القرائن اللازمة للخبر من أحواله المتعلقة بالعدد، أو بالمخبر به أو بالمخبر عنه. أما القرائن المنفصلة عن الخبر المفيد للعلم فلا تجعل الحديث متواتراً. "انظر: غاية الوصول ص 96، مختصر الطوفي ص 51". 5 هو محمد بن ناماوار بن عبد الملك، القاضي أفضل الدين، أبو عبد الله الشافعي، الخونجي، الفيلسوف، بالغ في علوم الأوائل حتى تفرد برئاسة ذلك في زمانه، وكان يفتي ويناظر، وولي قضاء القاهرة بعد عزل الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وصنف "الموجز" في المنطق والجمل، و"كشف الأسرار" في الطبيعيات. وشرح مقالة ابن سينا، وغير ذلك. توفي سنة 646، وقيل غير ذلك، ودفن بسفح المقطم. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 105، حسن المحاضرة 1/ 541، شذرات الذهب 5/ 237".

قَالَ: وَوَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ الشَّيْخِ1 عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ وَبَيْنَ الْخُونَجِيِّ. فَنَفَى ابْنُ عَبْدِ السَّلامِ التَّفَاوُتَ وَأَثْبَتَهُ الْخُونَجِيُّ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ قُلْت: كَيْفَ يَنْفِي التَّفَاوُتَ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ الْمُخْبَرُ 2 كَالْمُعَايِنِ 3" وَكَمَا يُفَرَّقُ4 بَيْنَ عِلْمِ الْيَقِينِ وَعَيْنِ الْيَقِينِ؟ ثُمَّ هُنَا أَمْرٌ آخَرُ. وَهُوَ أَنَّ مَنْ فَسَّرَ الرُّؤْيَةَ فِي الآخِرَةِ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ. وَكَذَلِكَ الْكَلامُ كَيْفَ يُمْكِنُهُ نَفْيُ التَّفَاوُتِ؟ اهـ. "وَيَمْتَنِعُ اسْتِدْلالٌ بِهِ" أَيْ بِالتَّوَاتُرِ "عَلَى مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ5 بِهِ عِلْمٌ" يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ التَّوَاتُرُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَلَمْ يَحْصُلْ عِنْدَ آخَرِينَ، امْتَنَعَ الاسْتِدْلال بِالتَّوَاتُرِ عِنْدَ مَنْ حَصَلَ لَهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ؛ لأَنَّهُ يَقُولُ: مَا تَدَّعِيهِ مِنْ التَّوَاتُرِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَلا أَسْمَعُهُ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ عِنْدِي6. "و"َ يَمْتَنِعُ "كِتْمَانُ أَهْلِهِ" أَيْ أَهْلِ التَّوَاتُرِ "مَا" أَيْ شَيْئًا "يُحْتَاجُ إلَى

_ 1 ساقطة من ب. 2 في ش: الخبر. وهو نص رواية ثانية. 3 هذا الحديث رواه أحمد وابن منيع والطبراني والعسكري وابن حبان والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: "ليس الخبر كالمعاينة"، وله تتمة. ورواه أحمد وابن حبان بلفظ: "ليس المعاين كالمُخْبَر". ورواه البغوي والدارقطني في "الأفراد" والضياء في "المختارة" وابن عدي وأبو يعلى الخليلي في "الإرشاد". "انظر: فيض القدير 5/ 357، كشف الخفا 2/ 168، مسند أحمد 1/ 271، موارد الظمآن ص 510". 4 في ب ع: نفرق. وفي ض: تفرق 5 ساقطة من ش. 6 عبر المجد ابن تيمية عن هذه المسألة بأسلوب آخر فقال: "ولا يشترط للتواتر أن يُجْمِع الناس كلهم على التصديق به، خلافاً لليهود". "المسودة ص 233".

نَقْلِهِ كَـ" امْتِنَاعِ "كَذِبٍ عَلَى عَدَدِهِمْ" أَيْ عَدَدِ الْحَاصِلِ الْعِلْمُ بِهِمْ فِي التَّوَاتُرِ "عَادَةً" أَيْ فِي الْعَادَةِ1. وَ2هَاهُنَا مَسْأَلَتَانِ: الأُولَى: امْتِنَاعُ3 كِتْمَانِ أَهْلِ التَّوَاتُرِ مَا يُحْتَاجُ إلَى نَقْلِهِ، خِلافًا لِلرَّافِضَةِ، حَيْثُ قَالُوا: لا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ4، لاعْتِقَادِهِمْ كِتْمَانَ النَّصِّ عَلَى إمَامَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ5. وَهَذَا لا يَعْتَقِدُهُ مُسْلِمٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ يَكُونَ خَيْرُ الْقُرُونِ الَّذِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَشَهِدَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ6، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَنْهُمْ7 بِأَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ8، يَعْلَمُونَ أَنَّ الإِمَامَةَ يَسْتَحِقُّهَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَكْتُمُونَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيُوَلُّونَ غَيْرَهُ. وَهَذَا9 مِنْ أَمْحَلْ الْمُحَالِ الَّذِي لا يَرْتَابُ فِيهِ مُسْلِمٌ. وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ بُهْتِ

_ 1 انظر: المسودة ص 235، الروضة ص 51، مختصر الطوفي ص 53. 2 ساقطة من ض. 3 في ش ز ض: في امتناع. 4 في ش ز: على ذلك. 5 انظر: التمهيد للباقلاني ص 165، المسودة ص 235، الروضة ص 51، مختصر الطوفي ص 52، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91. 6 سيأتي نص الحديث في ذلك في "فصل الصحابي" من هذا المجلد ص 465، 474. 7 ساقطة من ب ع ض. 8 وردت آيات كثيرة في الثناء على الصحابة وبيان فضلهم ورضاء الله عليهم، وقد ذكر المصنف بعضها فيما بعد في "فصل الصحابي"، منها قوله تعالى: {وَالسَّابِقُوْنَ الأَوَّلُوْنَ مِنَ الْمُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِيْنَ اتَّبَعُوْهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوْا عَنْهُ} . التوبة/ 100، وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِيْنَ إِذْ يُبَايِعُوْنَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} . الفتح/ 18. "وانظر: المسودة ص 259". 9 في ب ز ع ض: هذا.

الرَّافِضَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَسْتَحِقُّونَ1، وَلأَنَّ هَذَا فِي الْقُبْحِ كَتَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَهُوَ مُحَالٌ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: امْتِنَاعُ الْكَذِبِ عَلَى عَدَدِ التَّوَاتُرِ عَادَةً، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْعَادَةِ، وَإِنْ كَانَ لا يُحِيلُهُ الْعَقْلُ. وَهَذَا مَأْخَذُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي جَوَازِ مَا يُحْتَاجُ إلَى نَقْلِهِ؛ لأَنَّهُ إذَا جَازَ الْكَذِبُ فَالْكِتْمَانُ أَوْلَى. وَالأَصَحُّ عَدَمُ جَوَازِهِ عَادَةً لا لِذَاتِهِ2، وَلا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ3 "وَلا يُشْتَرَطُ إسْلامُهُمْ" أَيْ4 إسْلامُ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ فِي التَّوَاتُرِ5. وَاشْتَرَطَ ابْنُ عَبْدَانَ6 مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الإِسْلامَ وَالْعَدَالَةَ أَيْضًا. لأَنَّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ عُرْضَةٌ لِلْكَذِبِ وَالتَّحْرِيفِ. وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ، لأَفَادَ إخْبَارَ النَّصَارَى بِقَتْلِ الْمَسِيحِ، وَهُوَ

_ 1 في ب: يستحقونه. 2 ساقطة من د ض. 3 انظر: مختصر الطوفي ص 53، المدخل إلى مدخل مذهب أحمد ص 91. 4 ساقطة من ض. 5 انظر: المستصفى 1/ 140، الإحكام للآمدي 2/ 27، نهاية السول 2/ 261، المحلي على جمع الجوامع 2/ 122، مختصر ابن الحاجب 2/ 55، شرح نخبة الفكر ص 21، كشف الأسرار 2/ 361، تيسير التحرير 3/ 35، غاية الوصول ص 96، اللمع ص 39، الروضة ص 51، شرح الورقات ص 181، مختصر الطوفي ص 52، المسودة ص 234، إرشاد الفحول ص 48، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91. 6 هو عبد الله بن عبدان بن محمد بن عبدان، الفقيه أبو الفضل، شيخ همذان وفقيهها وعالمها، كان ثقة ورعاً جليل القدر، وممن يشار إليه. له كتاب "شرائط الأحكام"، و"شرح العبادات". توفي سنة 433هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 5/ 65، شذرات الذهب 3/ 251، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 143".

بَاطِلٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} 1، وَبِالإِجْمَاعِ2. وَأُجِيبَ: بِمَنْعِ حُصُولِ شَرْطِ التَّوَاتُرِ لِلاخْتِلالِ3 فِي الطَّبَقَةِ الأُولَى، لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ، وَلأَنَّهُمْ4 رَأَوْهُ مِنْ بَعِيدٍ أَوْ بَعْدَ صَلْبِهِ، فَشُبِّهَ لَهُمْ. وَلِلاخْتِلالِ فِي الْوَسَطِ بِقُصُورِ النَّاقِلِينَ عَنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِمَّا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاقِلِينَ إلَيْنَا مِنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ؛ لأَنَّ بُخْتنَصْر5 قَدْ قَتَلَ النَّصَارَى حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلاَّ دُونَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ. وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ إخْبَارِ الإِمَامِيَّةِ بِالنَّصِّ عَلَى إمَامَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ6. "وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ" بَيْنَ وُقُوعِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَبَيْنَ الإِخْبَارِ.

_ 1 الآية 157 من النساء. 2 وكذلك اشترط البزدوي من الحنفية الإسلام في عدد التواتر. "انظر: كشف الأسرار 2/ 361، فواتح الرحموت 2/ 118، العضد على ابن الحاجب 2/ 55، الإحكام للآمدي 2/ 27، اللمع ص 39، المسودة ص 234". 3 في ش ز: للاخلال. 4 في ض: ولأنه. 5 هو أحد ملوك الأرض، كان كاتباً عند ملك الجزيرة ليقر الذي نذر؛ لئن ظفر ببيت المقدس ليذبحن ابنه للزهرة التي يعبدها، ولكن الله أرسل ريحاً فأهلكته، وأفل هو وجيشه، فقتله ابنه، وغضب بختنصر للأب، فقتل الابن واستلم الحكم، وكان أول ملك، ثم غزا بني إسرائيل وانتصر عليهم، ثم رده الله عنهم، ثم فسقوا فجاءهم وانتصر عليهم، وقتل منهم وصلب وجدع، وباع ذراريهم ونساءهم، ومثل بهم، وأسر منهم الكثير، ثم لحق بأرض بابل. "انظر: المعارف ص 32، 46، 562". 6 انظر: أصول السرخسي 1/ 285، الإحكام للآمدي 2/ 28، المستصفى 1/ 139، فواتح الرحموت 2/ 118، تيسير التحرير 3/ 36، كشف الأسرار 2/ 366، المعضد على ابن الحاجب 2/ 55.

"وَلا" يُشْتَرَطُ أَيْضًا "أَنْ لا يَحْوِيَهُمْ بَلَدٌ وَلا يُحْصِيَهُمْ عَدَدٌ1". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَشَرَطَ طَوَائِفُ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنْ لا يَحْوِيَهُمْ بَلَدٌ وَلا يُحْصِيهِمْ عَدَدٌ2، وَهُوَ بَاطِلٌ. لأَنَّ أَهْلَ الْجَامِعِ لَوْ أَخْبَرُوا عَنْ سُقُوطِ الْمُؤَذِّنِ مِنَ3 الْمَنَارَةِ، أَوِ4 الْخَطِيبِ عَنْ الْمِنْبَرِ، لَكَانَ إخْبَارُهُمْ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ فَضْلاً عَنْ أَهْلِ بَلَدٍ5. "وَلا" يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِيهِمْ "اخْتِلافُ نَسَبٍ6 وَ" لا اخْتِلافُ "دِينٍ وَ" لا اخْتِلافُ "وَطَنٍ 7". قَالَ8 ابْنُ مُفْلِحٍ: وَشَرَطَ قَوْمٌ اخْتِلافَ النَّسَبِ وَالدِّينِ وَالْوَطَنِ

_ 1 انظر: كشف الأسرار 2/ 361، المحلي على جمع الجوامع 2/ 122، المسودة ص 234، 236، نهاية السول 2/ 271، العضد على ابن الحاجب 2/ 55، فواتح الرحموت 2/ 119، الإحكام للآمدي 2/ 27، المستصفى 1/ 139، الإحكام لابن حزم 1/ 96، غاية الوصول ص 96، مختصر الطوفي ص 52، الروضة ص 51، إرشاد الفحول ص 48، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91. 2 وممن اشترط ذلك البزدي "انظر: كشف الأسرار على أصول البزدوي 2/ 361". وقد عرف السرخسي خبر التواتر فقال: "أن ينقله قوم لا يتوهم اجتماعهم وتواطؤهم على الكذب لكثرة عددهم وتباين أمكنتهم عن قوم مثلهم هكذا إلى أن يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم. أصول السرخسي 1/ 282". فاشترط في التعريف تباين الأمكنة. "وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 27، العضد على ابن الحاجب 2/ 55". 3 في ب ع ض: عن. 4 في ب: و. 5 انظر: كشف الأسرار 2/ 361، الإحكام للآمدي 2/ 27، الروضة ص 51، مختصر الطوفي ص 52. 6 انظر: المستصفى 1/ 139، فواتح الرحموت 2/ 119، نهاية السول 2/ 271، غاية الوصول ص 96. 7 انظر: فواتح الرحموت 2/ 119، نهاية السول 2/ 271، الإحكام للآمدي 2/ 27، المستصفى 1/ 139، العضد على ابن الحاجب 2/ 55، مختصر الطوفي ص 52، إرشاد الفحول ص 48، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91. 8 في ض: قاله.

لِتَنْدَفِعَ1 التُّهْمَةُ2، وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ؛ لأَنَّ التُّهْمَةَ لَوْ حَصَلَتْ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ، سَوَاءٌ كَانُوا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، وَمِنْ نَسَبٍ وَاحِدٍ وَفِي3 وَطَنٍ وَاحِدٍ، أَوْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ. وَإِنْ ارْتَفَعَتْ حَصَلَ الْعِلْمُ كَيْفَ كَانُوا. "وَلا" يُشْتَرَطُ أَيْضًا "إخْبَارُهُمْ طَوْعًا4". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَشَرَطَ قَوْمٌ إخْبَارَهُمْ طَوْعًا، وَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنَّ الصِّدْقَ لا يَمْتَنِعُ حُصُولُ الْعِلْمِ بِهِ، وَإِلاَّ فَاتَ5 الشَّرْطُ6. "وَلا" يُشْتَرَطُ أَيْضًا "أَنْ لا يَعْتَقِدَ" الْمُخْبِرُ "خِلافَهُ" أَيْ نَقِيضَ الْمُخْبَرِ بِهِ7. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَشَرَطَ الْمُرْتَضَى مِنْ الشِّيعَةِ - وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ الْمُوسَوِيُّ8 - عَدَمَ اعْتِقَادِ نَقِيضِ الْمُخْبَرِ. قَالَ: لأَنَّ اعْتِقَادَ النَّقِيضِ مُحَالٌ

_ 1 في ب: لتدفع. 2 وهو ما اشترطه البزدوي. "انظر: كشف الأسرار 2/ 27، أصول السرخسي 2/ 27". 3 في ش ز ع: في. 4 اشترط الخطيب البغدادي في خبر التواتر أن لا يدخله أسباب القهر والغلبة. "انظر: الكفاية للخطيب البغدادي ص 16". وانظر: المستصفى 1/ 140، الإحكام للآمدي 2/ 28، إرشاد الفحول ص 48. 5 في ع ض: لفات. 6 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 28. 7 انظر: مختصر الطوفي ص 52، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91. 8 هو علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الشريف المرتضى، أبو القاسم، وهو أخو الشريف الرضي. كان أبو القاسم نقيب الطالبيين، وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر وأصول الفقه، وله تصانيف على مذهب الشيعة، ومقالة في أصول الدين. وله ديوان شعر كبير. واختلف الناس في "نهج البلاغة" هل هو الذي جمعه أم الشريف الرضي؟ والغالب أنه ليس من كلام علي، وإنما هو من كلام من جمعه. ومن مصنفات المرتضى: "الغرر والدرر" في اللغة والنحو، و"الذخيرة" في الأصول، و"الذريعة" في أصول الفقه، و"الشيب والشباب"، وكتاب "النقض على ابن جني"، و"طيف الخيال"، و"ديوان شعر". توفي سنة 436هـ ببغداد. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/ 3، شذرات الذهب 3/ 256، بغية الوعاة 3/ 256، إنباه الرواة 2/ 249، مرآة الجنان 3/ 55، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص 383، تاريخ بغداد 11/ 402".

وَالطَّارِئُ أَضْعَفُ مِنْ الْمُسْتَقِرِّ، فَلا يَرْفَعُهُ. وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا، بَلْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ سَوَاءٌ كَانَ السَّامِعُ يَعْتَقِدُ نَقِيضَ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ لا. فَلا يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ عَلَى ذَلِكَ1. "وَمَنْ حَصَلَ بِخَبَرِهِ عِلْمٌ بِوَاقِعَةٍ لِشَخْصٍ حَصَلَ2" الْعِلْمُ "بِمِثْلِهِ" أَيْ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْخَبَرِ "بِغَيْرِهَا" أَيْ بِغَيْرِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ "لآخَرَ" أَيْ لِشَخْصٍ آخَرَ3. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَقَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ4 وَالْبَاقِلاَّنِيّ: مَنْ حَصَلَ بِخَبَرِهِ عِلْمٌ بِوَاقِعَةٍ5 لِشَخْصٍ حَصَلَ بِمِثْلِهِ بِغَيْرِهَا لِشَخْصٍ آخَرَ6 صَحِيحٍ.

_ 1 انظر: مختصر الطوفي ص 52. 2 في ع: حصل له. 3 انظر: المستصفى 1/ 135، الإحكام للآمدي 2/ 29، الروضة ص 49، غاية الوصول ص 96، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90. 4 في جميع النسخ: الحسن، وهو خطأ. وأبو الحسين هو البصري المعتزلي القاضي، صاحب "المعتمد"، وقد نص الآمدي على ذلك فقال: "ذهب القاضي أبو بكر وأبو الحسين البصري إلى أن كل عدد وقع العلم بخبره في واقعة لشخص، لا بد وأن يكون مفيداً للعلم بغير تلك الواقعة لغير ذلك الشخص إذا سمعه". "الإحكام للآمدي 2/ 29". 5 في ب: واقعة. 6 انظر: المعتمد 2/ 561، 563، 564.

ثُمَّ قَالَ: إنْ تَسَاوَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. فَلأَجْلِ هَذَا قُلْنَا "مَعَ تَسَاوٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ". قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ عَادَةً. وَسَبَقَهُ بِاشْتِرَاطِ التَّسَاوِي ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ1.

_ 1 والتساوي يكون في المخبرين والخبر والمخبَر. وهذا ما صرح به ابن الحاجب والعضد، وهو مضمون كلام الآمدي. واشترط الغزالي تجرد الخبر عن القرائن. أما إذا حفت به القرائن فإن الوقائع والأشخاص تختلف. "انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 55، الإحكام للآمدي 2/ 29-30، المستصفى 1/ 135، فواتح الرحموت 2/ 117، تيسير التحرير 3/ 35".

فصل: خبر الآحاد

فصل: خبر الآحاد ... "فَصْلٌ" "وَمِنْ الْخَبَرِ آحَادٌ" وَمِنْ الْخَبَرِ آحَادٌ جَمْعُ أَحَدٍ. كَأَبْطَالٍ جَمْعُ بَطَلٍ، وَهَمْزَةُ أَحَدٍ: مُبْدَلَةٌ مِنْ الْوَاوِ1، وَأَصْلُ آحَادٍ أَأْحَادٌ بِهَمْزَتَيْنِ، أُبْدِلَتْ الثَّانِيَةُ أَلِفًا كَآدَمَ2. "وَهُوَ" أَيْ خَبَرُ الآحَادِ فِي الاصْطِلاحِ "مَا عَدَا الْمُتَوَاتِرَ3" عِنْدَ ابْنِ الْبَنَّاءِ، وَالْمُوَفَّقِ وَالطُّوفِيِّ وَجَمْعٍ كَثِيرٍ، فَلا وَاسِطَةَ بَيْنَ التَّوَاتُرِ وَالآحَادِ4. "فَدَخَلَ" فِي الآحَادِ مِنْ الأَحَادِيثِ مَا عُرِفَ بِأَنَّهُ مُسْتَفِيضٌ مَشْهُورٌ5،

_ 1 في ب: الواحد. وفي ض: واو. 2 انظر: القاموس المحيط 1/ 283، المصباح المنير 1/ 13، 2/ 1007. 3 انظر تعريف خبر الآحاد في "التعريفات للجرجاني ص 101، الكفاية للخطيب ص 16، الكافية في الجدل ص 56، شرح تنقيح الفصول ص 356، المحلي على جمع الجوامع 2/ 129، المستصفى 1/ 145، نهاية السول 2/ 281، مناهج العقول 2/ 279، شرح نخبة الفكر ص 51، الإحكام للآمدي 2/ 31، مختصر ابن الحاجب 2/ 55، شرح الورقات ص 184، فواتح الرحموت 2/ 110، تيسير التحرير 3/ 37، كشف الأسرار 2/ 370، غاية الوصول ص 97، إرشاد الفحول ص 48، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91". 4 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 97، شرح الورقات ص 184، الروضة ص 46، 48، اللمع ص 40، مختصر الطوفي ص 53، إرشاد الفحول ص 48. 5 يرى الجمهور أن خبر الآحاد أقسام، منها خبر الواحد، ومنها الخبر المستفيض الذي عرفه المؤلف، ومنها المشهور، وهو ما اشتهر ولو في القرن الثاني أو الثالث، وكان رواته في الطبقة الأولى واحداً فأكثر، وجعل الجصاص الحنفي الحديث المشهور قسماً من المتواتر ووافقه بعض الحنفية. وذهب جمهور الحنفية إلى أن المشهور قسيمٌ للمتواتر. وقال الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي: "وقد يسمى المستفيض مشهوراً". وقسم القرافي الأخبار إلى متواتر وآحاد وما ليس بمتواتر ولا آحاد. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 349، غاية الوصول ص 97، الإحكام للآمدي 2/ 31، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 129 وما بعدها، شرح نخبة الفكر ص 31 كشف الأسرار 2/ 368، 3/ 59، نهاية السول 2/ 281، تيسير التحرير 3/ 37، أصول السرخسي 1/ 291 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 111، إرشاد الفحول ص 49، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91 وما بعدها".

وَهُوَ مَا زَادَ نَقْلَتُهُ عَلَى ثَلاثَةٍ" عُدُولٍ. فَلا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً فَصَاعِدًا فِي الأَصَحِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَجَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ حَمْدَانَ فِي "الْمُقْنِعِ"1. وَقِيلَ: مَا زَادَ نَقَلَتُهُ عَلَى الاثْنَيْنِ2. وَقِيلَ: مَا زَادَ نَقَلَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ. فَلا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ3 وَأَبُو حَاتِمٍ4 الْقَزْوِينِيُّ5.

_ 1 وهو قول الأصوليين. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 31، نهاية السول 2/ 281، مختصر ابن الحاجب 2/ 55، غاية الوصول ص 97، تدريب الراوي 2/ 173، إرشاد الفحول ص 49". 2 وهو قول المحدثين. "انظر: تدريب الراوي 2/ 173، شرح نخبة الفكر ص 30، تيسير التحرير 3/ 37، غاية الوصول ص 97". 3 هو الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الذي قال في "التنبيه": أقل ما ثبت به الاستفاضة اثنان، وتبعه الشيخ زكريا الأنصاري، ولعل المقصود أبو إسحاق الإسفراييني. "انظر: غاية الوصول ص 97، إرشاد الفحول ص 49، المحلي على جمع الجوامع 2/ 129، التنبيه ص 162". 4 هو محمود بن الحسن بن محمد الطبري، المعروف بالقزويني، أبو حاتم، ينتهي نسبه إلى أنس بن مالك رضي الله عنه. وهو شيخ أبي إسحاق الشيرازي، تفقه على الشيخ أبي حامد ببغداد، وأخذ الأصول عن أبي بكر الباقلاني. وكان حافظاً للمذهب والخلاف، صنف كتباً كثيرة في المذهب والخلاف والأصول والجدل، منها: "تجريد التجريد" الذي ألفه رفيقه المحاملي. توفي سنة 414هـ وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 5/ 312، تهذيب الأسماء 2/ 207، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 130، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 145، تبيين كذب المفتري ص 260". 5 في ز ش: القزوينيين.

وَقِيلَ: هُوَ الشَّائِعُ عَنْ أَصْلٍ1. قَالَهُ فِي "جَمْعِ الْجَوَامِعِ" وَغَيْرِهِ2. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ بْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ مَا ارْتَفَعَ عَنْ ضَعْفِ الآحَادِ، وَلَمْ يَلْتَحِقْ بِقُوَّةِ التَّوَاتُرِ3. "وَيُفِيدُ" الْحَدِيثُ الْمُسْتَفِيضُ الْمَشْهُورُ "عِلْمًا نَظَرِيًّا". نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ عَنْ الأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ فُورَكٍ4. وَقِيلَ: يُفِيدُ الْقَطْعَ5.

_ 1 في ض: أصله. 2 انظر: جمع الجوامع 2/ 129، غاية الوصول ص 97، إرشاد الفحول ص 49. 3 الفرق بين الخبر المتواتر والخبر المشهور أن جاحد الخبر المتواتر كافر باتفاق، وجاحد الخبر المشهور مختلف فيه. فقال الجرجاني يكفر، وهو ما نقله الكمال بن الهمام عن الجصاص، بينما نقل ابن عبد الشكور وصدر الشريعة عنه أنه لا يكفر. وقال ابن عبد الشكور: "والاتفاق على أن جاحده لا يكفر، بل يضلل". وهو ما جاء فيه "كشف الأسرار" أيضاً، وأساس الاختلاف هو اختلافهم في المشهور هل يفيد علم يقين أم علم طمأنينة؟ على قولين. أما جاحد خبر الآحاد فلا يكفر عند الأكثرين، كما سيذكره المصنف صفحة 352. وقد ذكر علماء الحديث وأصول الفقه تعريفات كثيرة للخبر المستفيض والمشهور. "انظر: الكافية في الجدل ص 55، أصول السرخسي 1/ 292، 293، فواتح الرحموت 2/ 111، تيسير التحرير 3/ 37- 38، تدريب الراوي 2/ 173، حاشية البناني على جمع الجوامع 2/ 129، التعريفات للجرجاني ص 102، 229، أصول البزدوي وكشف الأسرار 2/ 367، 368، 369، شرح نخبة الفكر ص 47، جامع بيان العلم 2/ 42، المسودة ص 245، 248". 4 وهو قول أبي بكر الجصاص. "انظر: تيسير التحرير 3/ 38، فواتح الرحموت 2/ 111، جمع الجوامع 2/ 130، المسودة ص 240، غاية الوصول ص 97". 5 قال ابن عبد الشكور: "ويوجب ظنًَّا كأنه اليقين". وقال الأنصاري شارح "مسلم الثبوت": "ويسمى هذا الظن علم الطمأنينة". "مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت 2/ 112". وانظر: كشف الأسرار 2/ 368، تيسير التحرير 3/ 38.

"وَغَيْرُهُ" أَيْ وَغَيْرُ الْمُسْتَفِيضِ مِنْ الأَحَادِيثِ "يُفِيدُ الظَّنَّ فَقَطْ وَلَوْ مَعَ قَرِينَةٍ" عِنْدَ الأَكْثَرِ لاحْتِمَالِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى مَا دُونَ عَدَدِ رُوَاةِ الْمُسْتَفِيضِ لِقُرْبِ احْتِمَالِ السَّهْوِ وَالْخَطَإِ عَلَى عَدَدِهِمْ الْقَلِيلِ1. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَابْنُ حَمْدَانَ وَالطُّوفِيُّ وَجَمْعٌ: إنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ2. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَصَحُّ3.

_ 1 ذكر الآمدي حجج هذا القول وناقشها وردها. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 32 وما بعدها. وانظر: كشف الأسرار 2/ 370، فواتح الرحموت 2/ 121، العضد على ابن الحاجب 2/ 56، المحلي على جمع الجوامع 2/ 130، توضيح الأفكار 1/ 25، المسودة ص 240، 244، مناهج العقول 2/ 279، المستصفى 1/ 145، شرح تنقيح الفصول ص 356، الروضة ص 52، اللمع ص 40، غاية الوصول ص 97، مختصر الطوفي ص 53، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91. 2 وهو قول إمام الحرمين والغزالي والآمدي والنظام والرازي وابن الحاجب والبيضاوي والسبكي، وأيده شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، واحتج له الآمدي بحجج كثيرة، وشرح هذه الحجج أبو الحسين البصري. قال الشوكاني: "وقيل لا يفيده، وهذا خلاف لفظي؛ لأن القرائن إن كانت قوية بحيث يحصل لكل عاقل عندها العلم كان من المعلوم صدقه. إرشاد الفحول ص 50". انظر: المستصفى 2/ 136، نهاية السول 2/ 262، المعتمد 2/ 566، تيسير التحرير 3/ 76، المحصول 1/ 285، المسودة ص 240، 243، اللمع ص 40، الورقات وشرحها ص 184، شرح تنقيح الفصول ص 354، 357، الإحكام للآمدي 2/ 32، 37، فواتح الرحموت 2/ 121، مناهج العقول 2/ 279، توضيح الأفكار 1/ 26، مختصر ابن الحاجب 2/ 55، جمع الجوامع 2/ 130، غاية الوصول ص 97، الروضة ص 52، مختصر الطوفي ص 51، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90. 3 قال الشوكاني: "وقال أحمد بن حنبل: إن خبر الواحد يفيد بنفسه العلم، وحكاه ابن حزم في "الإحكام" عن داود الظاهري والحسين بن علي الكرابيسي والحارث المحاسبي، وقال: وبه نقول. وحكاه ابن خواز منداد عن مالك بن أنس، واختاره، وأطال في تقريره، ونقل عن القفال أنه يوجب العلم الظاهر". "إرشاد الفحول ص 48". واستدلوا على القول بأنه يفيد العلم مطلقاً أنه يجب العمل به. وبين صاحب "كشف الأسرار" أن الإمام أحمد قال: إن خبر الآحاد يفيد العلم ضرورة. وقال داود: إنه يفيد العلم استدلالاً". "كشف الأسرار 2/ 371".........=

لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْقَرَائِنُ لا يُمْكِنُ أَنْ تُضْبَطَ بِعَادَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُمْكِنُ أَنْ تُضْبَطَ بِمَا تَسْكُنُ إلَيْهِ النَّفْسُ، كَسُكُونِهَا إلَى الْمُتَوَاتِرِ 1أَوْ قَرِيبٍ1 مِنْهُ بِحَيْثُ لا يَبْقَى فِيهَا احْتِمَالٌ عِنْدَهُ. "إلاَّ إذَا نَقَلَهُ" أَيْ نَقَلَ غَيْرَ الْمُسْتَفِيضِ "آحَادُ الأَئِمَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمْ" أَيْ عَلَى إمَامَتِهِمْ "مِنْ طُرُقٍ مُتَسَاوِيَةٍ وَتُلُقِّيَ" الْمَنْقُولُ "بِالْقَبُولِ فَالْعِلْمُ" أَيْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ "فِي قَوْلٍ2". قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا ظَاهِرُ كَلامِ أَصْحَابِنَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ الأُصُولِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ3 أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالْقَبُولِ تَصْدِيقًا لَهُ4، وَعَمَلاً بِهِ

_ = وانظر: أصول السرخسي 1/ 321، 329، الإحكام لابن حزم 1/ 107- 125، الإحكام للآمدي 2/ 32، المسودة ص 240، 244 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 121، 122 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 76، مناهج العقول 2/ 279، المعتمد 2/ 566، 570، توضيح الأفكار 1/ 25، العضد على ابن الحاجب 2/ 56، جمع الجوامع 2/ 130، الكفاية للخطيب البغدادي ص 25- 26، غاية الوصول ص 97. وقال ابن بدران: "إنه يفيد العلم في قول لأحمد، وحمله بعض العلماء على أخبار مخصوصة". المدخل إلى مذهب أحمد ص 91". 1 في ز ش: وقربت. 2 وهو قول الخطيب البغدادي، ورجحه الشوكاني. "انظر: الكفاية للخطيب البغدادي ص 17، إرشاد الفحول ص 49، المعتمد 2/ 547، توضيح الأفكار 1/ 96، 121، المسودة ص 240، 243، غاية الوصول ص 97، الروضة ص 52، مختصر الطوفي ص 53، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91". 3 في ض: وابن حمد. 4 ساقطة من ب ع ض.

يُوجِبُ الْعِلْمَ إلاَّ فِرْقَةً قَلِيلَةً اتَّبَعُوا طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكَلامِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ1. وَالأَوَّلُ: ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَأَمْثَالُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالسَّرَخْسِيُّ2 وَأَمْثَالُهُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ3 وَالسَّلَفُ وَأَكْثَرُ الأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ4. اهـ. قَالَ ابْنُ5 الصَّلاحِ: مَا أَسْنَدَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: "الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ النَّظَرِيُّ6 وَاقِعٌ بِهِ7، خِلافًا لِقَوْلِ مَنْ نَفَى ذَلِكَ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لا يُفِيدُ فِي

_ 1 قسم أبو إسحاق الشيرازي خبر الواحد إلى قسمين: الأول: يوجب العلم، ومنه خبر الله عز وجل وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يحكي الرجل بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ويدعي علمه فلا ينكره عليه، فيقطع به على صدقه. ومنها خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول، فيقطع بصدقه سواء عمل الكل به، أو عمل البعض، ثم قال: فهذه الأخبار توجب العمل، ويقع العلم بها استدلالاً. والقسم الثاني: ما يوجب العمل ولا يوجب العلم ... "اللمع ص 40". وانظر: النووي على مسلم 1/ 19، المسودة ص 240. 2 هو محمد بن أحمد بن أبي سهل، المعروف بشمس الأئمة، السرخسي، الفقيه الأصولي، نسبة إلى سَرَخس من بلاد خراسان. تتلمذ على الحلواني وتخرج عليه، وذاع صيته، واشتهر اسمه، وصار إماماً من أئمة الحنفية، وكان حجة ثبتاً، متكلماً متحدثاً، مناظراً أصوليًّا، مجتهداً. له مصنفات كثيرة، منها: "المبسوط" في الفقه، أملى خمسة عشر جزءاًَ منه وهو في السجن. وأملى "شرح السير الكبير لمحمد بن الحسن". وله "شرح مختصر الطحاوي"، و"شرح كتب محمد"، و"أصول السرخسي". توفي سنة 483هـ، وقيل في حدود سنة 490هـ. انظر ترجمته في "الجواهر المضية 2/ 28، الفوائد البهية ص 158، تاج التراجم ص 52، الفتح المبين 1/ 264". 3 في ض: السنة. 4 انظر: المسودة ص 240، اللمع ص 40، الروضة ص 52، مختصر الطوفي ص 53، إرشاد الفحول ص 49. 5 في ض: أبو. 6 في ب: والنظري. 7 وهو ما رجحه الشوكاني في "إرشاد الفحول ص 49". انظر مناقشة ذلك في فواتح الرحموت 2/ 123، تيسير التحرير 3/ 76 وما بعدها، توضيح الأفكار 1/ 121-124، تدريب الراوي 1/ 132، شرح ألفية العراقي 1/ 69، شرح النووي على مسلم 1/ 19.

أَصْلِهِ إلاَّ الظَّنَّ. وَإِنَّمَا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالْقَبُولِ لأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ، وَالظَّنُّ قَدْ يُخْطِئُ1. قَالَ: "وَقَدْ كُنْت أَمِيلُ إلَى هَذَا، وَأَحْسِبُهُ قَوِيًّا، ثُمَّ بَانَ لِي أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ2 أَوَّلاً هُوَ الصَّحِيحُ؛ لأَنَّ ظَنَّ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَإِ لا يُخْطِئُ، وَالأُمَّةُ 3فِي إجْمَاعِهَا8 مَعْصُومَةٌ مِنْ الْخَطَإِ4". وَقَالَ النَّوَوِيُّ: "خَالَفَ ابْنَ الصَّلاحِ الْمُحَقِّقُونَ وَالأَكْثَرُونَ، وَقَالُوا5: يُفِيدُ الظَّنَّ مَا لَمْ يَتَوَاتَرْ6. اهـ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالْقَاضِي أَبُو7 بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَأَبُو حَامِدٍ وَابْنُ بُرْهَانٍ وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ وَالآمِدِيُّ وَغَيْرُهُمْ: لا8 يُفِيدُ الْعِلْمَ مَا نَقَلَهُ آحَادُ الأُمَّةِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِمْ إذَا تُلُقِّيَ بِالْقَبُولِ9.

_ 1 مقدمة ابن الصلاح ص 14. 2 في ض: اخترنا. 3 في ش: إجماعاً. 4 مقدمة ابن الصلاح ص 14. 5 في "التقريب" للنووي: فقالوا. 6 تدريب الراوي شرح تقريب النواوي 1/ 132، شرح النووي على مسلم 1/ 20. وانظر: توضيح الأفكار 1/ 124. 7 في ش: وأبو بكر. 8 ساقطة من ش. 9 وهو قول الغزالي أيضاً وابن عبد الشكور. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 41، المستصفى 1/ 142، فواتح الرحموت 2/ 123، توضيح الأفكار 1/ 96، 124".

وَقَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ: يُفِيدُهُ1 عَمَلاً لا قَوْلاً. "وَيُعْمَلُ بِآحَادِ الأَحَادِيثِ فِي أُصُولِ" الدِّيَانَاتِ. وَحَكَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا2. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا نَتَعَدَّى3 الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: يُعْمَلُ بِهِ فِيهَا فِيمَا تَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَلِهَذَا قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ تَلَقَّتْهَا الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ. وَ4قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ أَخْبَارَ الآحَادِ الْمُتَلَقَّاةَ بِالْقَبُولِ تَصْلُحُ5 لإِثْبَاتِ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي مُقَدِّمَةِ الْمُجَرَّدِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينُ فِي عَقِيدَتِهِ6. اهـ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا7: لا يُعْمَلُ بِهِ فِيهَا8."وَلا يُكَفَّرُ مُنْكِرُهُ" أَيْ مُنْكِرُ خَبَرِ الآحَادِ فِي الأَصَحِّ. حَكَى ابْنُ حَامِدٍ الْوَجْهَيْنِ عَنْ الأَصْحَابِ9.

_ 1 في ز ش: يفيد. 2 انظر: المسودة ص 245. 3 في ب: يتعدى. 4 ساقطة من ب ض. 5 في ض: يصلح. 6 انظر: المسودة ص 247، 248. 7 في ض: وغيره. 8 وهو رأي الجمهور. انظر تفصيل ذلك في "شرح تنقيح الفصول ص 372، كشف الأسرار 3/ 27، المعتمد 2/ 577، الكفاية ص 432". 9 انظر: المسودة ص 245. وانظر: الهامش رقم 3 صفحة 347 من هذا المجلد.

وَنُقِلَ تَكْفِيرُهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ1. وَالْخِلافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوْ لا فَإِنْ قُلْنَا: يُفِيدُ الْعِلْمَ، كُفِّرَ 2مُنْكِرُهُ، وَإِلاَّ فَلا3. ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ3. لَكِنَّ التَّكْفِيرَ بِمُخَالَفَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، كَمَا سَبَقَ4 آخِرَ الإِجْمَاعِ. إذْ لا يَلْزَمُ مِنْ الْقَطْعِ أَنْ يُكَفَّرَ مُنْكِرُهُ5. "وَمَنْ أَخْبَرَ" عَنْ شَيْءٍ "بِحَضْرَتِهِ" أَيْ حَضْرَةِ النَّبِيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ" ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوْ" أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ بِحَضْرَةِ "جَمْعٍ عَظِيمٍ وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ" فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ "دَلَّ عَلَى صِدْقِهِ ظَنًّا". هَاهُنَا مَسْأَلَتَانِ. الأُولَى: إذَا أَخْبَرَ مُخْبِرٌ بِشَيْءٍ بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ ظَنًّا لا قَطْعًا فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. لِتَطَرُّقِ الاحْتِمَالِ بِعَدَمِ سَمَاعِهِ أَوْ إلْقَاءِ بَالِهِ، أَوْ أَنَّهُ مَا فَهِمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ لأَمْرٍ يَعْلَمُهُ، أَوْ بَيَّنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِوَقْتٍ6 وَنَحْوِهِ7.

_ 1 انظر: جامع بيان العلم 2/ 230-236، المسودة ص 245. 2 ساقطة من ض. 3 انظر: المسودة ص 245. 4 في ض: سبق العلم. 5 صفحة 262-263 من هذا المجلد. 6 في ع: الوقت. وساقطة من ض. 7 وهو ما أيده الآمدي وابن الحاجب. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 39، فواتح الرحموت 2/ 125، تيسير التحرير 3/ 71، نهاية السول 2/ 262، المعتمد 2/ 547، 554، مختصر ابن الحاجب 2/ 57، المحلي على جمع الجوامع 2/ 127، المسودة 243".

وَقِيلَ: بَلْ قَطْعًا؛ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 1لا يُقِرُّ عَلَى9 الْبَاطِلِ2. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الأَمْرُ دِينِيًّا دَلَّ عَلَى صِدْقِهِ؛ لأَنَّهُ بُعِثَ شَارِعًا لِلأَحْكَامِ، فَلا يَسْكُتُ عَمَّا يُخَالِفُ الشَّرْعَ، بِخِلافِ الدُّنْيَوِيِّ. فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبْعَثْ لِبَيَانِ الدُّنْيَوِيَّاتِ3. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إذَا أَخْبَرَ مُخْبِرٌ بِشَيْءٍ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ عَظِيمٍ، وَسَكَتُوا عَنْ تَكْذِيبِهِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ ظَنًّا لا قَطْعًا. اخْتَارَهُ الآمِدِيُّ وَالرَّازِيُّ؛ إذْ رُبَّمَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ حَالُ ذَلِكَ الْمُخْبِرِ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ خَفَاؤُهُ لا يُفِيدُ الْقَطْعَ، وَقَدَّمَ ذَلِكَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَنَصَرَهُ4. وَقِيلَ: إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَاذِبًا لَكَذَّبُوهُ5، وَلا دَاعِيَ إلَى السُّكُوتِ عُلِمَ صِدْقُهُ، قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي "مُخْتَصَرِهِ" وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ6.

_ 1 في ع: لا يقرر. وفي ض: لا يقر. 2 وهو ما أيده الشيخ أبو إسحاق الشيرازي كما سبق، والسبكي وغيرهما. "انظر: اللمع ص 40، المستصفى 1/ 141، جمع الجوامع 2/ 127، المسودة ص 243، الإحكام للآمدي 2/ 39، نهاية السول 2/ 262، غاية الوصول ص 97، إرشاد الفحول ص 50". 3 وهو قول الغزالي. "انظر: المستصفى 1/ 141، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 128، غاية الوصول ص 97". 4 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 40، نهاية السول 2/ 262، العضد على ابن الحاجب 2/ 57، المسودة ص 243، تيسير التحرير 3/ 80، فواتح الرحموت 2/ 125، المعتمد 2/ 547، 554، غاية الوصول ص 97. 5 في ش: ما كذبوه. 6 منهم أبو إسحاق الشيرازي والسبكي وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري الذي قيد الجمع العظيم بعدد التواتر، ومنهم الغزالي وابن عبد الشكور والكمال بن الهمام. "انظر: اللمع ص 40، غاية الوصول ص 97، المستصفى 1/ 141، مختصر ابن الحاجب 2/ 57، المحلي على جمع الجوامع 2/ 127، المسودة ص 243، 244، فواتح الرحموت 2/ 125، تيسير التحرير 3/ 80، نهاية السول 2/ 262، إرشاد الفحول ص 50".

وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ إلاَّ وَاحِدٌ أَوْ1 اثْنَانِ. وَالْعَادَةُ لا تُحِيلُ سُكُوتَهُمَا، ثُمَّ يُحْتَمَلُ مَانِعٌ2. "وَكَذَا مَا" أَيْ: وَ3كَالْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِي الدَّلالَةِ عَلَى صِدْقِ الْخَبَرِ ظَنًّا خَبَرٌ "تَلَقَّاهُ" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَبُولِ4، كَإِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ5". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمِنْهُ مَا تَلَقَّاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَبُولِ كَإِخْبَارِهِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي قِصَّةِ الْجَسَّاسَةِ6. وَهِيَ7 فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ"، فَإِنَّهُ صَدَّقَهُ وَوَافَقَ مَا كَانَ يُخْبِرُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّجَّالِ8.

_ 1 في ب: و. 2 انظر المراجع السابقة في هامش 4 صفحة 354. 3 ساقطة من ش. 4 ساقطة من ض. 5 هو الصحابي تميم بن أوس بن خارجة الداري، أبو رقية، كني بابنته رقية، لأنه لم يولد له غيرها. كان نصرانيًّا ثم أسلم سنة تسع من الهجرة، وروي له تسعة عشر حديثاً. وكان بالمدينة ثم انتقل إلى بيت المقدس بعد مقتل عثمان، وكان كثير التهجد، وهو أول من قص على الناس، استأذن عمر رضي الله عنه فأذن له، وهو أول من أسرج في المسجد، وكان له هيئة خاصة ولباس خاص. وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم قصة الجساسة والدجال فحدث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر. قال الخزرجي: "وناهيك بهذه المنقبة الشريفة". وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في فلسطين بيت عينون. مات في فلسطين سنة 40هـ. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 183، الاستيعاب 1/ 184، تهذيب الأسماء 1/ 138، الخلاصة ص 55". 6 المسودة ص 243. 7 في ب ض: وهو. 8 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وأبو داود الطيالسي في حديث الدجال "انظر: صحيح مسلم 4/ 2262، سنن أبي داود 2/ 432، تحفة الأحوذي 6/ 502، سنن ابن ماجه 2/ 1354، مسند أحمد 6/ 373، 413، منحة المعبود 2/ 218".

"و"َ كَذَا "إخْبَارُ شَخْصَيْنِ عَنْ قَضِيَّةٍ يَتَعَذَّرُ عَادَةً تَوَاطُؤُهُمَا عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى كَذِبٍ وَخَطَإٍ". قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ" مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خِلافٍ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ1، فَإِنَّهُ عَقَّبَهُ2 كَلامَهُ3، وَلَمْ نَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ4. اهـ. "وَلَوْ انْفَرَدَ مُخْبِرٌ فِيمَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، وَقَدْ شَارَكَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَكَاذِبٌ قَطْعًا" خِلافًا لِلشِّيعَةِ5. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: لَوْ انْفَرَدَ مُخْبِرٌ بِأَنَّ مَلِكَ الْمَدِينَةِ قُتِلَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلْجُمُعَةِ وَسَطَ الْجَامِعِ، أَوْ أَنَّ خَطِيبَهَا قُتِلَ عَلَى الْمِنْبَرِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ

_ 1 في ع: تقي الدين رحمه الله تعالى. 2 في ش: عقب. 3 في ب ع ض: لكلامه. 4 وعبارة الشيخ تقي الدين بعد خبر تميم الداري، ونصها: "ومنه إخبار شخصين عن قضية، يعلم أنهما لم يتوطآ عليها، ويتعذر في العادة الاتفاق على الكذب فيها أو الخطأ". "المسودة 344". 5 ويشمل هذا القسم ما يجب على الكافة علمه، وما جرت العادة أن ينقله أهل التواتر. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 355، الإحكام للآمدي 1/ 41، المستصفى 1/ 142، 171، فواتح الرحموت 2/ 126، تيسير التحرير 3/ 115، نهاية السول 2/ 277، مناهج العقول 2/ 274، المعتمد 2/ 547، مختصر ابن الحاجب 2/ 57، المحلي على جمع الجوامع 2/ 118، التمهيد للباقلاني ص 165، المسودة ص 268، غاية الوصول ص 95، اللمع ص 46".

بِكَذِبِهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ الْمُعْتَبَرِينَ1. لَنَا عَلَى الشِّيعَةِ: الْقَطْعُ عَادَةً بِكَذِبٍ مِثْلِ هَذَا، 2فَإِنَّهَا تُحِيلُ3 السُّكُوتَ عَنْهُ. وَلَوْ جَازَ كِتْمَانُهُ لَجَازَ الإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْكَذِبِ، وَلَجَازَ كِتْمَانُ مِثْلِ مَكَّةَ وَبَغْدَادَ. وَبِمِثْلِهِ يُقْطَعُ3 بِكَذِبِ مُدَّعِي مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ. وَالنَّصِّ عَلَى إمَامَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا تَدَّعِيهِ4 الشِّيعَةُ. وَلَمْ تُنْقَلْ شَرَائِعُ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ5 عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ6 لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَنُقِلَتْ شَرِيعَةُ7 مُوسَى وَعِيسَى لِتَمَسُّكِ قَوْمٍ بِهِمَا، وَلَمْ يُنْقَلْ كَلامُ الْمَسِيحِ فِي الْمَهْدِ، لأَنَّهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَاتِّبَاعِهِ8. وَأَمَّا مُعْجِزَاتُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ9 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا كَانَ مِنْهَا بِحَضْرَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ

_ 1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 127، شرح تنقيح الفصول ص 355، المستصفى 1/ 142 وما بعدها، نهاية السول 2/ 277، المعتمد 2/ 548، العضد على ابن الحاجب 2/ 57، المحلي على جمع الجوامع 2/ 118، غاية الوصول ص 95. 2 في د ض: فإنه يستحيل. 3 في ع: نقطع. 4 في ض: يَدَّعيه. 5 ساقطة من ش ز. 6 ساقطة من ب ع ض. 7 في ز: شرعية. 8 هذه الجمل رد على اعتراضات الشيعة وحججهم فيما يدعونه بصحة انفراد شخص فيما تتوفر الداواعي على نقله. "انظر: المعتمد 2/ 548، العضد على ابن الحاجب 2/ 58، تيسير التحرير 3/ 115، فواتح الرحموت 2/ 126، الإحكام للآمدي 2/ 41، اللمع ص 46، نهاية السول 2/ 277". 9 غير موجودة في ض.

تَوَاتَرَ. وَلَمْ يَسْتَمِرَّ اسْتِغْنَاءً بِالْقُرْآنِ، وَإِلاَّ فَلا يَلْزَمُ1؛ لأَنَّهُ نَقَلَهُ مَنْ رَآهُ2. "وَيُعْمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي فَتْوَى 3وَ" فِي 4 "حُكْمٍ وَ" فِي "شَهَادَةٍ" إجْمَاعًا "وَ" فِي "4أُمُورٍ دِينِيَّةٍ، وَ" فِي5 "أُمُورٍ دُنْيَوِيَّةٍ" عَلَى الصَّحِيحِ5. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: يُعْمَلُ بِهِ بِالإِجْمَاعِ فِي ثَلاثَةِ أَمَاكِنَ: فِي الْفَتْوَى، وَفِي الْحُكْمِ؛ لأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى فَتْوَى وَزِيَادَةُ التَّنْفِيذِ بِشُرُوطِهِ الْمَعْرُوفَةِ. وَ6فِي الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ شُرِطَ الْعَدَدُ أَوْ لا، لأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ7 الآحَادِ، وَفِي الرِّوَايَةِ فِي الأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَالْمُعَامَلاتِ وَنَحْوِهَا اهـ. لَكِنْ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي "التَّمْهِيدِ": مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِمَّنْ قَالَ لا يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ لا يَلْزَمُهُ8 قَبُولُ قَوْلِ مُفْتٍ وَاحِدٍ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الثَّلاثَةَ الأُوَلَ مَحِلُّ وِفَاقٍ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ9 وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ.

_ 1 في ب: يلزمه. 2 انظر أدلة الجمهور بشكل وافٍ مع مناقشة أدلة الشيعة في "العضد على ابن الحاجب 2/ 57، الإحكام للآمدي 2/ 42، 43، نهاية السول 2/ 277، مناهج العقول 2/ 275، المحلي على جمع الجوامع 2/ 118، فواتح الرحموت 2/ 127، تيسير التحرير 3/ 116". 3 ساقطة من ش. 4 ساقطة من ش ز. وفي ب ض: أمور دنيوية وفي "أمور دينية". 5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 358، أصول السرخسي 1/ 321، الكفاية للخطيب البغدادي ص 432، نهاية السول 2/ 282، المحلي على جمع الجوامع 2/ 131، غاية الوصول ص 98. 6 ساقطة من ب ع. 7 في ش: من. 8 في ز ش ب ع: يلزم. 9 هو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد، أبو المحاسن الروياني، الإمام الجليل، أحد أئمة المذهب الشافعي، وكان يلقب فخر الإسلام. قال الجرجاني فيه: "نادرة العصر، إمام في الفقه". وقال غيره: شافعي عصره. ولي قضاء طبرستان ورُويان من قراها. صنف في الأصول والخلاف، ومن تصانيفه: "البحر"، و"الحلية" في الفقه، و"الفروق" و"التجربة" و"حقيقة القولين" و"مناصيص الشافعي"، و"الكافي" و"المبتدأ". قال أبو عمرو بن الصلاح: "هو في "البحر" كثير النقل قليل التصرف ... وفعل في "الحلية" ضد ذلك، فإنه أمعن النظر في الاختيار، حتى اختار كثيراً من مذهب العلماء غير الشافعي". وكتاب "البحر" عبارة عن "الحاوي" للماوردي. قتله الباطنية الملاحدة حسداً بجامع آمل سنة 502هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 7/ 197، وفيات الأعيان 2/ 369، شذرات الذهب 4/ 4، تهذيب الأسماء 2/ 277، طبقات ابن هداية 190، البداية والنهاية 12/ 170".

"وَالْعَمَلُ بِهِ" أَيْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ "جَائِزٌ عَقْلاً" عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ1.وَخَالَفَ فِيهِ قَوْمٌ مِنْهُمْ الْجُبَّائِيُّ، وَأَكْثَرُ الْقَدَرِيَّةِ، وَبَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ2. وَلَنَا أَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ، وَلَيْسَ احْتِمَالُ الْكَذِبِ وَالْخَطَإِ بِمَانِعٍ، وَإِلاَّ لَمُنِعَ فِي الشَّاهِدِ وَالْمُفْتِي3، وَلا يَلْزَمُ الْوُصُولُ لِمَا سَبَقَ فِي إفَادَتِهِ الْعِلْمَ،

_ 1 قال الإسنوي: "اتفق الكل على وجوب العمل بخبر الواحد في الفتوى والشهادة والأمور الدنيوية"، كما مر في كلام المصنف. واختلفوا في الأمور الدينية، لكن البدخشي نبه إلى أن الرازي أشار إلى الاتفاق على الجواز لا على الوجوب. "انظر: نهاية السول 2/ 281، مناهج العقول 2/ 279، المحلي على جمع الجوامع 2/ 132، المسودة ص 237، الرسالة ص 369، المستصفى 1/ 146، الإحكام للآمدي 2/ 45، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 58، المعتمد 2/ 573، فواتح الرحموت 2/ 131، تيسير التحرير 3/ 81، الروضة ص 53، مختصر الطوفي ص 54، إرشاد الفحول ص 49، غاية الوصول ص 98، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92". 2 انظر أدلة هذا الرأي ومناقشتها في "كشف الأسرار 2/ 370، المعتمد 2/ 549، فواتح الرحموت 2/ 121، تيسير التحرير 3/ 81، نهاية السول 2/ 281، 282، مناهج العقول 2/ 279، 281، العضد على ابن الحاجب 2/ 58، المحلي على جمع الجوامع 2/ 133، المسودة ص 237، الإحكام للآمدي 2/ 45، اللمع ص 40، الروضة ص 53، إرشاد الفحول ص 49". 3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 45، المستصفى 1/ 147، فواتح الرحموت 2/ 131، تيسير التحرير 3/ 81، العضد على ابن الحاجب 2/ 58.

وَإِلاَّ1 نُقِلَ، لِقَضَاءِ2 الْعَادَةِ فِيهِ بِالتَّوَاتُرِ، وَلا التَّعَبُّدُ فِي الإِخْبَارِ عَنْ اللَّهِ بِلا مُعْجِزَةٍ؛ لأَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ صِدْقَهُ بِدُونِهَا، وَلا التَّنَاقُضُ بِالتَّعَارُضِ؛ لأَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِالتَّرْجِيحِ أَوْ التَّخْيِيرِ أَوْ الْوَقْفِ؛ وَلأَنَّ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ دَفْعُ ضَرَرٍ مَظْنُونٍ فَوَجَبَ أَخْذًا بِالاحْتِيَاطِ، وَقَوَاطِعُ الشَّرْعِ نَادِرَةٌ فَاعْتِبَارُهَا يُعَطِّلُ أَكْثَرَ الأَحْكَامِ، وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثٌ إلَى الْكَافَّةِ3. وَمُشَافَهَتُهُمْ وَإِبْلاغُهُمْ بِالتَّوَاتُرِ مُتَعَذِّرٌ، فَتَعَيَّنَتْ الآحَادُ4. وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ5 نَصْبَ الشَّارِعِ عِلْمًا ظَنِّيًّا عَلَى وُجُوبِ فِعْلٍ تَكْلِيفِيٍّ جَائِزٌ بِالضَّرُورَةِ، ثُمَّ إنَّ الْمُنْكِرَ لِذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بِالشَّرْعِ وَعَرَفَ قَوَاعِدَهُ وَمَبَانِيَهُ وَافَقَ6، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ 1 في ب ع ض: ولا. 2 في ب: بقضاء. 3 وهذا ثابت بالأدلة القطعية في القرآن الكريم. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} . سبأ/ 28. وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} . الأنبياء/ 107. والأحاديث في ذلك كثيرة، منها ما رواه مسلم والترمذي وأحمد وأبو يعلى وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضلت على الأنبياء بست ... ومنها: وأرسلت إلى الخلق كافة". انظر: صحيح مسلم 1/ 371، فيض القدير 4/ 438، تحفة الأحوذي 5/ 160، مسند أحمد 2/ 412. 4 هذه الأدلة تتضمن الرد على المانعين. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 132، المعتمد 2/ 575، العضد على ابن الحاجب 2/ 58، مناهج العقول 2/ 279، المستصفى 1/ 146، 147، فواتح الرحموت 2/ 131، تيسير التحرير 3/ 82، الإحكام للآمدي 2/ 46، الروضة ص 53، مختصر الطوفي ص 54، إرشاد الفحول ص 49". 5 ساقطة من ض. 6 ساقطة من ض. وانظر: مختصر الطوفي ص 55، اللمع ص 40، الإحكام للآمدي 2/ 48، المستصفى 1/ 146، الروضة ص 53.

وَالْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ "وَاجِبٌ سَمْعًا" فِي الأُمُورِ الدِّينِيَّةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ1. قَالَ2 الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: يَجِبُ عِنْدَنَا سَمْعًا. وَقَالَهُ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ3. قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ4: لا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ الْفِقْهِ5 فِي قَبُولِ خَبَرِ الآحَادِ.

_ 1 انظر: المسودة ص 238، 240، الكفاية ص 18، مناهج العقول 2/ 280، المعتمد 2/ 549، 583، العضد على ابن الحاجب 2/ 59، المحلي على جمع الجوامع 2/ 131، المستصفى 1/ 146، 148، فواتح الرحموت 2/ 131، تيسير التحرير 3/ 82، الإحكام لابن حزم 1/ 94، نهاية السول 2/ 281، اللمع ص 40، شرح تنقيح الفصول ص 357، شرح الورقات ص 184، غاية الوصول ص 98، مختصر الطوفي ص 55، الروضة ص 53، إرشاد الفحول ص 48، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92. 2 في ش: فقال. 3 قال أبو الحسين البصري من المعتزلة والقفال وابن سريج من الشافعية: إن العمل بخبر الواحد واجب سمعاً وواجب عقلاً أيضاً، وهو منقول عن الإمام أحمد أيضاً، واختاره أبو الخطاب من الحنابلة، والقاضي أبو يعلى في "الكفاية". انظر أقوالهم وأدلتهم مع مناقشتها في "فواتح الرحموت 2/ 132، 135، المستصفى 1/ 147، نهاية السول 2/ 281، مناهج العقول 2/ 279، 280، مختصر ابن الحاجب 2/ 58، المحلي على جمع الجوامع 2/ 131، 132، المسودة ص 237، الرسالة ص 390". 4 هو أحمد بن أبي أحمد، المعروف بابن القاص الطبري، أبو العباس. كان إمام وقته في طبرستان. صنف كتباً كثيرة في الفقه والأصول، منها: "التلخيص"، و"أدب القضاء"، و"والمواقيت"، و"المفتاح" وغيرها. تصانيفه صغيرة الحجم، كثيرة الفائدة، سافر حتى وصل إلى طرسوس، وقيل: إنه تولى القضاء بها، وكان كثير المواعظ. ومات مغشيًّا عليه عند الوعظ وذكر الله تعالى سنة 335 هـ، وقيل 336 بطرسوس. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 59، وفيات الأعيان 1/ 51، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 111، البداية والنهاية 11/ 219، شذرات الذهب 2/ 339، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 73". وفي ع: ابن القاضي. 5 في ض: اللغة.

فَأَصْحَابُ1 هَذَا الْقَوْلِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ: دَلَّ عَلَيْهِ، مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ وَرُجُوعِهِمْ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ2. لَكِنَّ الْجُبَّائِيَّ اعْتَبَرَ لِقَبُولِهِ شَرْعًا أَنْ يَرْوِيَهُ اثْنَانِ فِي جَمِيعِ طَبَقَاتِهِ، أَوْ يُعْضَدَ بِدَلِيلٍ آخَرَ. كَظُهُورِهِ وَانْتِشَارِهِ فِي الصَّحَابَةِ، أَوْ عَمِلَ بَعْضُهُمْ بِهِ. كَحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ فِي تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ لأَنَّهُ رَدَّ خَبَرَ الْمُغِيرَةِ3 فِيهِ4: حَتَّى شَهِدَ مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ5، وَكَذَلِكَ عُمَرُ رَدَّ قَوْلَ6

_ 1 في ع: وأصحاب. 2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 368، اللمع ص 40، إرشاد الفحول ص 49، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96. 3 هو الصحابي المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أبو عبد الله، وقيل أبو عيسى، الكوفي. أسلم عام الخندق، وكان موصوفاً بالدهاء والحلم، وشهد الحديبية، وولاه عمر بن الخطاب على البصرة مدة، ثم نقله إلى الكوفة والياً، وأقره عثمان عليها ثم عزله. شهد اليمامة وفتح الشام، وذهبت عينه يوم اليرموك، وشهد القادسية، وفتح نهاوند، واعتزل الفتنة بعد قتل عثمان، ثم استعمله معاوية على الكوفة حتى توفي فيها سنة 50 هـ، وقيل 51 هـ، وهو أول من وضع ديوان البصرة. انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 453، الاستيعاب 3/ 388، تهذيب الأسماء 2/ 109، الخلاصة ص 385". 4 سيأتي الحديث كاملاً مع تخريجه صفحة 369. 5 هو الصحابي محمد بن مسلمة بن سلمة الأوسي الأنصاري الحارثي، أبو عبد الرحمن المدني، وهو ممن سُمِّيَ في الجاهلية محمداً. ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة. أسلم على يد مصعب بن عمير. وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد بدراً وما بعدها إلا تبوك، فإنه تخلف بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان من فضلاء الصحابة، كثير العبادة والخلوة. واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته، واعتزل الفتن فلم يشهد الجمل وصفين، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم له. وتولى مهمات كثيرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن عمر، وسكن الربذة بعد قتل عثمان، ثم مات بالمدينة سنة 46 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 383، الاستيعاب 3/ 336، تهذيب الأسماء 1/ 92، مشاهير علماء الأمصار ص 22، الخلاصة ص 359". 6 في ش: وقول.

أَبِي مُوسَى1 فِي الاسْتِئْذَانِ2، حَتَّى وَافَقَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ3.

_ 1 هو الصحابي عبد الله بن قيس بن سليم، أبو موسى الأشعري. أسلم قبل الهجرة وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة بعد خيبر. واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن وعدن، واستعمله عمر على البصرة بعد المغيرة. وافتتح الأهواز ثم أصبهان. واستعمله عثمان على الكوفة، وكان أحد الحكمين بصفين، ثم اعتزل الفريقين. كان حسن الصوت بالقرآن. وفي الصحيح أنه أوتي مزماراً من مزامير آل داود، وهو أحد القضاة المشهورين. سكن الكوفة، وتفقه أهلها به. مات سنة 42 هـ، وقيل 44هـ. انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 359، تهذيب الأسماء 2/ 268، شذرات الذهب 1/ 53، مشاهير علماء الأمصار ص 37، حلية الأولياء 1/ 256، الخلاصة ص 210". 2 روى البخاري ومسلم ومالك وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي والطبراني عن أبي موسى وأبي سعيد معاً، أن أبا سعيد قال: كنت جالساً بالمدينة في مجلس الأنصار، فأتانا أبو موسى فزعاً مذعوراً، فقلت: ما شأنك؟ قال: إن عمر أرسل إليَّ أن آتيه، فأتيت بابه فسلمت ثلاثاً فلم يرد، فرجعت، فقال: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: أتيت فسلمت على بابك ثلاثاً فلم ترد، فرجعت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع"، فقال عمر: أقم عليه البينة، وإلا أوجعتك؟! فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد: قلت: أنا أصغرهم، قال: فاذهب به، فذهبت إلى عمر فشهدت. "انظر: صحيح البخاري 4/ 88، صحيح مسلم 3/ 1694، الموطأ 2/ 964، مسند أحمد 3/ 6، 19، 4/ 393، سنن أبي داود 2/ 637، تحفة الأحوذي 7/ 464، سنن ابن ماجه 2/ 1220، سنن الدارمي 2/ 274، فيض القدير 1/ 273". 3 انظر: أصول السرخسي 1/ 321، 331، فواتح الرحموت 2/ 133، 144، كشف الأسرار 3/ 28، توضيح الأفكار 1/ 19، تدريب الراوي 1/ 72 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، المحلي على جمع الجوامع 2/ 137، المسودة ص 238، مناهج العقول 2/ 307، الإحكام للآمدي 2/ 94، المستصفى 1/ 155، نهاية السول 2/ 309، مناهج العقول 2/ 307، شرح تنقيح الفصول ص 357، 368، اللمع ص 40، الروضة ص 56، مختصر الطوفي ص 57، المعتمد 2/ 622، 623.

وَالْجَوَابُ: أَنَّهُمَا فَعَلا ذَلِكَ تَثَبُّتًا فِي قَضِيَّةٍ خَاصَّةٍ. وَلِذَلِكَ حَكَمَا1 فِي وَقَائِعَ كَثِيرَةٍ بِأَخْبَارِ الآحَادِ2. وَاخْتَارَ عَبْدُ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ الْجُبَّائِيِّ: أَنَّهُ لا يُحَدُّ بِخَبَرٍ دَالٍّ عَلَى حَدِّ الزِّنَا إلاَّ أَنْ يَرْوِيَهُ أَرْبَعَةٌ، قِيَاسًا عَلَى الشَّهَادَةِ بِهِ3. وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ4 مَعَ الْفَارِقِ، إذْ بَابُ الشَّهَادَةِ أَحْوَطُ. وَلِذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِيهِ5.

_ 1 في ز: حكمنا. 2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 59، 68، أصول السرخسي 1/ 331 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 134، كشف الأسرار 3/ 28، مناهج العقول 2/ 307، 308، المعتمد 2/ 622، تدريب الراوي 1/ 73، نهاية السول 2/ 310، المحلي على جمع الجوامع 2/ 137، المستصفى 1/ 155، اللمع ص 40، الروضة ص 56، إرشاد الفحول ص 49، مختصر الطوفي ص 55، 56، 57. 3 وكذا ما يوجب الحدّ، وما يندرئ بالشبهة عند الكرخي وأكثر الحنفية كما جاء في "التحرير" و"مسلم الثبوت"، وهو قول أبي عبد الله البصري وغيره، فلا يثبت ذلك بخبر الآحاد عندهم، إلا إذا رواه أربعة فما فوق. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 357، أصول السرخسي 1/ 321، 333 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 88، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/ 136-137، 144، كشف الأسرار 3/ 28، المسودة ص 239، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، 72، المحلي على جمع الجوامع 2/ 133، 137، المعتمد 2/ 622، الإحكام للآمدي 2/ 94، 117، المستصفى 1/ 155، نهاية السول 2/ 309، مناهج العقول 2/ 307". 4 في ض: قياساً. 5 انظر: المسودة ص 239، تيسير التحرير 3/ 88، كشف الأسرار 3/ 29، المعتمد 2/ 624، فواتح الرحموت 2/ 137، 144، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، المحلي على جمع الجوامع 2/ 133، المستصفى 1/ 155، الروضة ص 56، 66، إرشاد الفحول ص 56، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96.

وَمَنَعَ قَوْمٌ مِنْ قَبُولِ أَخْبَارِ1 الآحَادِ مُطْلَقًا، مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي2 دَاوُد3 وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةُ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ4. وَ5نَاقَضُوا فَأَثْبَتُوا تَصَدُّقَ عَلِيٍّ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلاةِ وَنِكَاحَ الْمُتْعَةِ6

_ 1 في ز ش: خبر. 2 ساقطة من ب ع ض. 3 كذا في جميع النسخ، ولعله تصحيف عن أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي انظر: شذرات الذهب 2/ 93؛ لأن ابن أبي داود إمام من أئمة الحديث، وهو محدث ابن محدث، فكيف يمنع قبول خبر الآحاد؟؟!. وهو عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث، أبو بكر السجستاني، الحافظ، ومن أكابر الحفاظ ببغداد، متفق على إمامته، وهو إمام ابن إمام. شارك أباه في شيوخه بمصر والشام، وسمع ببغداد. كان زاهداً ناسكاً. جمع وصنف، وكان يقعد على المنبر بعد ما عمي فيسرد من حفظه. ومن مصنفاته: "المصابيح"، و"المسند"، و"السنن"، و"التفسير"، و"القراءات"، و"الناسخ والمنسوخ" وغيرها. توفي سنة 316 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/ 51، المنهج الأحمد 2/ 11، طبقات المفسرين 1/ 229، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 307، طبقات الحفاظ ص 322، تذكرة الحفاظ 2/ 767، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 60، ميزان الاعتدال 2/ 433، شذرات الذهب 2/ 168، 273، طبقات القراء 1/ 420، الفهرست ص 324". 4 انظر آراءهم وأدلتهم مع المناقشة في "أصول السرخسي 1/ 321، فواتح الرحموت 2/ 131، تيسير التحرير 3/ 82، كشف الأسرار 2/ 370، المعتمد 2/ 603 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 59، شرح تنقيح الفصول ص 357، المسودة ص 238، الروضة ص 53، مختصر الطوفي ص 55، إرشاد الفحول ص 48". 5 ساقطة من ع. 6 كان نكاح المتعة مباحاً في أول الإسلام، ثم حرّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد روى البخاري ومسلم ومالك والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن علي رضي الله عنه مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر". وروى أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والدارمي عن سبرة الجهني أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرّم..........=

وَالنَّقْضَ بِأَكْلِ لَحْمِ1 الإِبِلِ2. وَكُلُّهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالآحَادِ3. قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَإِنَّمَا دَفَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلامِ خَبَرَ الآحَادِ لِعَجْزِهِ عَنْ السُّنَنِ رَغْمَ4 أَنَّهُ لا يَقْبَلُ مِنْهَا إلاَّ مَا تَوَاتَرَ بِخَبَرِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالنِّسْيَانُ. وَهَذَا ذَرِيعَةٌ إلَى إبْطَالِ السُّنَنِ. فَإِنَّ مَا شَرَطَهُ لا يَكَادُ يُوجَدُ إلَيْهِ سَبِيلٌ اهـ.

_ = ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخْلِ سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً". وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي عن سبرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة". "انظر: صحيح البخاري 3/ 52، 246، صحيح مسلم 2/ 1025، سنن أبي داود 1/ 478، تحفة الأحوذي 4/ 267، سنن النسائي 6/ 102، 179، سنن ابن ماجه 1/ 631، الموطأ 2/ 542، مسند أحمد 3/ 405، 4/ 55، 1/ 103، 2/ 95، سنن الدارمي 2/ 86، 140، تخريج أحاديث البزدوي ص 343، نيل الأوطار 6/ 152، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 60". 1 ساقطة من ب. وفي ض: لحوم. 2 روى الإمام أحمد ومسلم عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت توضأ، وإن شئت فلا تتوضأ"، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم، توضأ من لحوم الإبل ... ". وروى ابن ماجه نحوه عن ابن عباس. وكذلك رواه أبو داود والترمذي. وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان وابن الجارود وابن خزيمة في صحيحه عن البراء بن عازب قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء عن لحوم الإبل؟ فقال: "توضؤوا منها". "انظر: مسند أحمد 5/ 86، 88، صحيح مسلم 1/ 275، سنن أبي داود 1/ 41، تحفة الأحوذي 1/ 263، سنن ابن ماجه 1/ 166، موارد الظمآن ص 78، نيل الأوطار 1/ 237، 239". 3 لقد رد الإمام الشافعي على هذه الفئة في "الرسالة ص 458 وما بعدها". وانظر: فواتح الرحموت 2/ 136، المستصفى 1/ 148، "كشف الأسرار 2/ 370".222 4 في ب ز ع ض: زعم.

وَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ إذَا خَالَفَهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ1. وَمَنَعَهُ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، أَوْ خَالَفَهُ رَاوِيهِ2، أَوْ عَارَضَ الْقِيَاسَ3؛ لأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى - كَحَدِيثِ مَسِّ الذَّكَرِ4 - تَقْتَضِي الْعَادَةُ تَوَاتُرَهُ، وَلأَنَّ مَا خَالَفَهُ رَاوِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا خَالَفَهُ لِدَلِيلٍ أَقْوَى. وَلِذَلِكَ5 لَمْ يُوجِبُوا التَّسْبِيعَ فِي وُلُوغِ

_ 1 انظر تفصيل هذا الموضوع في "عمل أهل المدينة ص 308، 320". 2 يشترط السرخسي والبزدوي في هذه الحالة أن يُعلَم أن تاريخ المخالفة كانت بعد رواية الحديث. أما إذا كانت قبله أو جهل التاريخ فيقدم الخبر. انظر: "أصول السرخي 2/5، كشف الأسرار 3/ 63". 3 يفرق السرخسي بين حالتين: الأولى: إذا كان الراوي من الصحابة معروفاً بالفقه والرأي والاجتهاد، فإن خبره حجة موجبة للعلم، وموجبة للعمل به، سواء كان الخبر موافقاً للقياس أو مخالفاً له، فيترك القياس، ويعمل بالخبر، ويرد على الإمام مالك في تقديم القياس على الخبر مطلقاً. والثاني: إذا كان الصحابي معروفاً بالعدالة وحسن الضبط والحفظ ولكنه قليل الفقه، فيقدم القياس على الخبر، ويضرب أمثلة لذلك ... لكنه يعترف لأبي هريرة بالحفظ والضبط والعدالة، ثم يقول عنه إنه غير فقيه، وأنه نقل الحديث بالمعنى فلم يدرك كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؟! انظر: "أصول السرخسي 1/ 338 وما بعدها، 341". بينما يقسم الكمال بن الهمام الصحابة إلى مجتهد وعدل ضابط ومجهول العين والحال ويقول: إن هذا التقسيم عند الحنفية للراوي صحابياً كان أم غيره. انظر: "تيسير التحرير 3/ 52-54". وانظر: كشف الأسرار 2/ 377، 384، 390، مناهج العقول 2/ 308، المسودة ص 239. 4 روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك والشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود والدارمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضأ". وهذا لفظ ابن ماجه. وروي مثله عن جابر وأبي أيوب وأم حبيبة وبسرة. "انظر: مسند أحمد 2/ 223، سنن أبي داود 1/ 41، تحفة الأحوذي 1/ 270، سنن النسائي 1/ 84، سنن ابن ماجه 1/ 161، الموطأ 1/ 184، بدائع المنن 1/ 34، المستدرك 1/ 136، سنن الدارمي 1/ 184، موارد الظمآن ص 78، نيل الأوطار 1/ 233، كشف الخفا 1/ 100، تخريج أحاديث البزدوي ص 165". 5 في ز ش: وكذلك.

الْكَلْبِ لِمُخَالَفَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِرِوَايَتِهِ1، وَلأَنَّ مُخَالَفَةَ الْقِيَاسِ تَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِ كَذِبِهِ. وَلِهَذَا رَدُّوا خَبَرَ الْمُصَرَّاةِ2 لِمُخَالَفَتِهِ لِقِيَاسِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ3.

_ 1 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، أولاهن، وفي رواية إحداهن، وفي رواية أخراهن بالتراب". ورواه الدارمي وابن ماجه عن عبد الله بن مغفل، وفيه: "والثامنة عفروه في التراب". "انظر: صحيح البخاري 1/ 44، صحيح مسلم 1/ 235، مسند أحمد 2/ 245، سنن أبي داود 1/ 17، تحفة الأحوذي 1/ 300، سنن النسائي 1/ 46، سنن ابن ماجه 1/ 130، الموطأ 1/ 34، سنن الدارمي 1/ 188، نيل الأوطار 1/ 49، المستدرك 1/ 160، سنن الدارقطني 1/ 63". 2 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحبلها، إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر". "انظر: صحيح البخاري 2/ 17 وما بعدها، صحيح مسلم 3/ 1155 وما بعدها، مسند أحمد 2/ 242، سنن أبي داود 2/ 242، تحفة الأحوذي 4/ 459، سنن النسائي 7/ 223، سنن ابن ماجه 2/ 753، نيل الأوطار 5/ 241، تخريج أحاديث البزدوي ص 159، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 76، سنن الدارمي 2/ 251". والمصراة هي الناقة أو الشاة التي يترك صاحبها حلبها ليتجمع لبنها في ضرعها ليوهم المشتري بكثرة لبنها. 3 انظر أدلة الحنفية ومناقشتها في "الإحكام لابن حزم 1/ 104، 143 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 94، 112، المستصفى 1/ 171 وما بعدها، نهاية السول 2/ 313، كشف الأسرار 2/ 381 وما بعدها، 390 وما بعدها، 3/ 11، 16، 64، المسودة ص 238، 239، المعتمد 2/ 548 وما بعدها، 653 وما بعدها، 659، 670، قواعد التحديث ص 91، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، 72، المحلي على جمع الجوامع 2/ 135، تخريج الفروع على الأصول ص 15، شرح تنقيح الفصول ص 372، أصول السرخسي 1/ 340، 341، 368، 2/ 5، فواتح الرحموت 2/ 128 وما بعدها، تيسير التحرير 2/ 73، 113 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 69، 70، اللمع ص 40، الروضة ص 65، إرشاد الفحول ص 56". وسوف يذكر المؤلف بعضها فيما بعد ص 565 وما بعدها.

وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ عَلَى قَبُولِهِ بِأَنَّهُ قَدْ كَثُرَ جِدًّا قَبُولُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَمَلاً شَائِعًا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ يَحْصُلُ بِهِ إجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ عَادَةً قَطْعًا1. فَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، لَمَّا جَاءَتْهُ الْجَدَّةُ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا مَا لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ. وَمَا عَلِمْت لَك فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا. فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ. فَسَأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ. فَقَالَ: هَلْ مَعَك غَيْرُك؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِثْلَهُ. فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ. رَوَاهُ 2أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد1 وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ3. وَاسْتَشَارَ عُمَرُ النَّاسَ فِي الْجَنِينِ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ قَضَى فِيهِ رَسُولُ

_ 1 انظر: مناهج العقول 2/ 282 وما بعدها، شرح الورقات ص 185، الرسالة للشافعي ص 401 وما بعدها، 435 وما بعدها، 452 وما بعدها، أصول السرخسي 1/ 322 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 98 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 56 وما بعدها، 112 وما بعدها، المستصفى 1/ 148، فواتح الرحموت 2/ 132، تيسير التحرير 3/ 82، 113، نهاية السول 2/ 287، تخريج الفروع على الأصول ص 15، شرح تنقيح الفصول ص 358، 368، 372، كشف الأسرار 2/ 371، 378، 3/ 28، المعتمد 2/ 583 وما بعدها، 622 وما بعدها، 655، جامع بيان العلم 2/ 42، العضد على ابن الحاجب 2/ 59، 68، المحلي على جمع الجوامع 2/ 135 وما بعدها، الكفاية ص 26 وما بعدها، غاية الوصول ص 98، اللمع ص 46، الروضة ص 53، 65، مختصر الطوفي ص 55، 70، إرشاد الفحول ص 49، 56، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92، 96. 2 ساقطة من ز ش. 3 قال الشوكاني: "رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي"، ولم يروِ النسائي هذا الحديث، ولعل المصنف رآه في السنن الكبرى للنسائي التي لم تطبع بعد، والحديث رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والدارمي عن قبيصة بن ذؤيب. "انظر: مسند أحمد 5/ 327، الموطأ 2/ 513، سنن أبي داود 2/ 109، تحفة الأحوذي 6/ 278، سنن ابن ماجه 2/ 910، سنن الدارمي 2/ 359، موارد الظمآن ص 300، نيل الأوطار 6/ 67".

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. فَقَالَ: لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَك. فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1. وَلأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا2 لَقَضَيْنَا بِغَيْرِهِ3. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدٌ4 مِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ أَنَّهُ سَأَلَ5 عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ6: "إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ7"، وَقَوْلُ عُمَرَ ذَلِكَ

_ 1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة. ورواه البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد والدارمي عن المغيرة بن شعبة عن عمر، ورواه ابن حبان وغيره عن ابن عباس. ورواه مالك مرسلاً. "انظر: صحيح البخاري 4/ 193، صحيح مسلم 3/ 1309، 1311، سنن أبي داود 2/ 497، تحفة الأحوذي 4/ 666، سنن النسائي 8/ 42، سنن ابن ماجه 2/ 882، نيل الأوطار 7/ 78، 80، الموطأ 2/ 855، سنن الدارمي 2/ 196، مسند أحمد 4/ 244، 253، موارد الظمآن ص 366، المنتقى للباجي 7/ 79". 2 ساقطة من ز ش. 3 في ش: بغرة. وانظر: سنن أبي داود 2/ 498، بدائع المنن 2/ 268، الأم 6/ 107. 4 هو سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني، الحافظ، أبو عثمان، أحد الأعلام، الثقة. قال أحمد عنه: من أهل الفضل والصدق. وقال أبو حاتم: من المتقنين الأثبات، ممن جمع وصنف، وهو صاحب كتاب "السنن والزهد". توفي بمكة سنة 227 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 179، تذكرة الحفاظ 2/ 416، الخلاصة ص 43، شذرات الذهب 2/ 62، ميزان الاعتدال 2/ 159، العقد الثمين 4/ 586". 5 في ز ش: سئل. 6 هو الصحابي حمل بن مالك بن النابغة الهذلي، أبو نضلة، نزل البصرة، وله فيها دار. جاء ذكره في حديث أبي هريرة في الصحيح وغيره في قصة الجنين، مما يدل على أنه عاش إلى خلافة عمر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات هذيل. انظر ترجمته في الإصابة 1/ 355، 3/ 27، الاستيعاب 1/ 366، تهذيب الأسماء 1/ 169، الخلاصة ص 94. 7 رواه الشافعي وأبو داود والدارمي وابن حبان عن ابن عباس: أن عمر نشد الناس قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة، وأن تقتل بها. وعند ابن حبان: "بغرة، عبد أو أمة". "انظر: الرسالة ص 427 تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، سنن أبي داود 2/ 498، سنن الدارمي 2/ 196، موارد الظمآن ص 367، بدائع المنن 2/ 268، الأم للشافعي 6/ 107".

وَطَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْهُ. وَأَخَذَ عُمَرُ بِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ1 فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2. وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لا يُوَرِّثُ الْمَرْأَةَ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ3: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ

_ 1 هو الصحابي عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف، أبو محمد، القرشي الزهري المدني. كان اسمه في الجاهلية: عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة. وأمه الشفاء، أسلم قديماً، وهو أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنهم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة أهل الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، هاجر الهجرتين، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، شهد بدراً وبيعة الرضوان وسائر المشاهد، وكان كثير الإنفاق في سبيل الله. جرح يوم أحد إحدى وعشرين جراحة، ومناقبه كثيرة. توفي سنة 32 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 416، الاستيعاب 2/ 393، تهذيب الأسماء 1/ 301، الخلاصة ص 232، حلية الأولياء 1/ 97". 2 الحديث رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي والشافعي ومالك عن عبد الرحمن بن عوف وغيره. "انظر: صحيح البخاري 2/ 200، مسند أحمد 1/ 191، سنن أبي داود 2/ 150، تحفة الأحوذي 5/ 211، الموطأ 1/ 278، نيل الأوطار 8/ 63، تخريج أحاديث البزدوي ص 156، بدائع المنن 2/ 126". 3 هو الصحابي الضحاك بن سفيان بن كعب العامري الكلابي، أبو سعيد، كان من الشجعان الأبطال، يعد بمائة فارس، وكان يقوم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحاً بسيفه، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية إلى بني كلاب، وكان على صدقات قومه، وهو معدود في أهل المدينة، وكان ينزل باديتها. انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 206، الاستيعاب 2/ 206، تهذيب الأسماء 1/ 249، الخلاصة ص 176".

أَشْيَمَ1 مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا. رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ2. وَرَوَى هَؤُلاءِ "أَنَّ عُثْمَانَ أَخَذَ. بِخَبَرِ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ3 أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ4". وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ سَعْدًا حَدَّثَهُ أَنَّ "النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. فَسَأَلَ ابْنُ عُمَرَ أَبَاهُ عَنْهُ. فَقَالَ: نَعَمْ5، إذَا حَدَّثَك سَعْدٌ عَنْ

_ 1 هو أشيم الضِّبابي –بكسر المعجمة الأولى-، قتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، وهو صحابي مسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحاك بن سفيان أن يورث امرأته من ديته. "انظر: الإصابة 1/ 52، الاستيعاب 1/ 115، تهذيب الأسماء 1/ 123". 2 ورواه أيضاً ابن ماجه وأبو يعلى. "انظر: الموطأ 2/ 866، مسند أحمد 3/ 452، سنن أبي داود 2/ 117، تحفة الأحوذي 4/ 674، سنن ابن ماجه 2/ 883، نيل الأوطار 6/ 84، 85، سنن الدارمي 2/ 377". 3 هي الصحابية فُريعة بنت مالك بن سنان الخُدرية، ويقال لها: الفارعة، أنصارية، وهي أخت أبي سعيد الخدري, شهدت بيعة الرضوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها، فقال لها: "امكثي حتى يبلغ الكتاب أجله"، فلما كان عثمان بن عفان أرسل إليها يسألها، فأخبرته به فاتبعه وقضى به. "انظر: الإصابة 4/ 386، الاستيعاب 4/ 387، تهذيب الأسماء 2/ 353، الخلاصة ص 495". 4 رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والشافعي والطبراني وابن حبان والدارمي والحاكم وصححه. "انظر: الموطأ 2/ 591، مسند أحمد 6/ 413، سنن أبي داود 1/ 536، تحفة الأحوذي 4/ 378، سنن النسائي 6/ 166، سنن ابن ماجه 1/ 654، نيل الأوطار 6/ 335، تخريج أحاديث البزدوي ص 156، موارد الظمآن ص 323، سنن الدارمي 2/ 169، بدائع المنن 2/ 409". 5 ساقطة من ض.

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ"1. وَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ. رَوَاهُ الأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى سَعِيدٌ مِنْ طُرُقٍ عَدَمَ رُجُوعِهِ2. وَتَحَوَّلَ أَهْلِ قُبَاءَ إلَى الْقِبْلَةِ وَهُمْ فِي الصَّلاةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ3. وَمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ4.

_ 1 صحيح البخاري 1/ 49. ومر تخريج حديث المسح على الخفين مفصلاً ص 332 2 قال الشوكاني: "التصريح بتحريم ربا الفضل هو مذهب الجمهور، للأحاديث الكثيرة في الباب، وروي عن ابن عمر أنه يجوز ربا الفضل، ثم رجع عنه. وكذلك روي عن ابن عباس، واختلف في رجوعه". وهذا مارواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه. "انظر: صحيح البخاري 2/ 21، صحيح مسلم 3/ 1209، مسند أحمد 2/ 262، 5/ 200، تحفة الأحوذي 4/ 442، سنن النسائي 7/ 247، سنن ابن ماجه 2/ 758، نيل الأوطار 5/ 216، تخريج أحاديث البزدوي ص 172". 3 ورواه أحمد ومسلم وأبو داود عن أنس أيضاً. قال الشوكاني: وفي الباب عن البراء عن الجماعة إلا أبا داود. وعن ابن عباس عند أحمد والبزار والطبراني، وإسناده صحيح كما قال العراقي. وعن عمارة بن أوس عند أبي يعلى في المسند والطبراني في الكبير. وعن عمرو بن عوف المزني عند البزار والطبراني أيضاً. وعن سعد بن أبي وقاص عند البيهقي بإسناد صحيح. وعن سهل بن سعد عند الطبراني والدارقطني. وعن عثمان بن حنيف عند الطبراني ... وغيرهم". "نيل الأوطار 2/ 186". "وانظر: صحيح مسلم 1/ 375، مسند أحمد 2/ 113، سنن أبي داود 1/ 240، تحفة الأحوذي 8/ 299، الموطأ 1/ 196، شرح السنة للبغوي 2/ 323، تخريج أحاديث البزدوي ص 244، سنن النسائي 1/ 196، 2/ 47". 4 روى البخاري ومسلم ومالك والدارمي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة. "انظر: صحيح البخاري 1/ 82، صحيح مسلم 1/ 375، الموطأ 1/ 195، سنن الدارمي 1/ 281".

1وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ2: "مَا كُنَّا نَرَى بِالْمُزَارَعَةِ بَأْسًا، حَتَّى سَمِعْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ2 يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا فَتَرَكْتُهَا3 مِنْ أَجْلِهِ4". وَلِلشَّافِعِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "كُنَّا نُخَابِرُ فَلا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا فَزَعَمَ رَافِعٌ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ، فَتَرَكْنَاهُ مِنْ أَجْلِهِ5".

_ 1 ساقطة من ب. وفي ع: وقال. 2 هو الصحابي رافع بن خديج بن رافع الأنصاري الأوسي الحارثي المدني. أبو عبد الله، وقيل غير ذلك. استصغره رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فرده، وأجازه يوم أحد، فشهد أحداً والخندق وأكثر المشاهد، أصابه سهم يوم أحد فنزعه وبقي نصله إلى أن مات، وانتقضت جراحته، فتوفي بالمدينة سنة 74 هـ. وقيل غير ذلك. قال البخاري: مات زمن معاوية. وقال ابن حجر: وهو المعتمد، وما عداه واهٍ، وأرخه سنة 59هـ. وكان عريف قومه، وشهد صفين مع علي رضي الله عنهم. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 495، الاستيعاب 1/ 495، تهذيب الأسماء 1/ 187، الخلاصة ص 113". 3 في ش وهامش ز: فتركناه. 4 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه ومالك. "انظر: صحيح البخاري 2/ 46، صحيح مسلم 3/ 1180-1184، سنن أبي داود 2/ 234، الموطأ 2/ 711، تحفة الأحوذي 4/ 542، سنن النسائي 7/ 31، 32، سنن ابن ماجه 2/ 819، نيل الأوطار 5/ 312 وما بعدها". وعبارة "من أجله" ساقطة من ب ض. 5 رواه الشافعي ومسلم والنسائي وأحمد. "انظر: صحيح مسلم 3/ 1178، 1179، سنن النسائي 7/ 36، مسند أحمد 3/ 463، بدائع المنن 2/ 170". وانظر معنى الحديث في النهي عن المخابرة في "صحيح البخاري 2/ 46، سنن الدارمي 2/ 270، موارد الظمآن ص 277، الموطأ 2/ 711". والمخابرة هي مزرعة الأرض بجزء مما يخرج كالثلث والربع، أو بجزء معين من الخارج. وفيها خلاف بين الفقهاء. "انظر: الرسالة للشافعي ص 445، المنتقى للباجي 5/ 142".

وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَرَى أَنْ لا تَصْدُرَ الْحَائِضُ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: "سَلْ1 فُلانَةَ الأَنْصَارِيَّةَ، هَلْ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ. فَرَجَعَ زَيْدٌ، وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَاك إلاَّ صَدَقْت" رَوَاهُ مُسْلِمٌ2، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ3. لا يُقَالُ: إنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ؛ لأَنَّا نَقُولُ: بَلْ هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ كَمَا سَبَقَ فِي أَخْبَارِ الإِجْمَاعِ4. وَأَيْضًا: تَوَاتَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ5 كَانَ يَبْعَثُ 6الآحَادَ إلَى6 النَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الأَحْكَامِ، مَعَ الْعِلْمِ بِتَكْلِيفِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ الْعَمَلَ بِذَلِكَ7.

_ 1 ساقطة من ش. 2 صحيح مسلم 2/ 964. وروى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والدارمي عن عائشة وعمر وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أن الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف، وأن الحائض تنفر قبل أن تودع. "انظر: صحيح البخاري 1/ 303، صحيح مسلم 2/ 964، سنن أبي داود 1/ 462، تحفة الأحوذي 4/ 13، سنن النسائي 1/ 160، سنن ابن ماجه 2/ 21، نيل الأوطار 5/ 52، مسند أحمد 6/ 177، سنن الدارمي 2/ 72، موارد الظمآن ص 251". 3 انظر: المستصفى 1/ 148 وما بعدها، الروضة ص 54. 4 انظر: أصول السرخسي 1/ 328، المستصفى 1/ 148، تيسير التحرير 3/ 82، العضد على ابن الحاجب 2/ 59. 5 في ب ع ض: وأتم السلام. 6 في ش: الآحاء في. وفي ز: الآحاد في. 7 ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوْا أَنْ تُصِيْبُوْا قَوْماً بِجَهَالَةٍ} الحجرات/ 6، وقوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوْا فِي الدِّيْنِ وَلِيُنْذِرُوْا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوْا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُوْنَ} التوبة/ 122. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 358، أصول السرخسي 1/ 323 وما بعدها، فواتح.....=

لا يُقَالُ: هَذَا مِنْ الْفُتْيَا لِلْعَامِّيِّ؛ لأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلَى كُتُبِهِ مَعَ الآحَادِ إلَى الأَطْرَافِ، وَمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ قَبْضِ زَكَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَعَمِلَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَتَأَسَّوْا بِهِ، وَذَلِكَ مَقْطُوعٌ بِهِ1. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَهَلْ يُعْمَلُ بِهِ مُطْلَقًا، أَوْ حَيْثُ لا طَرِيقَ إلَى الْعِلْمِ غَيْرُهُ2؟ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ لِلأَصْحَابِ3. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْمُسَوَّدَةِ" قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْحُكْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ الرَّسُولِ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يُمْكِنُهُ سُؤَالُهُ، مِثْلُ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ 5وَاخْتِيَارِهِ. يَعْنِي: أَنَّهُ لا يَجُوزُ5. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ بَقِيَّةُ6 أَصْحَابِنَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: جَوَازُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِمَنْ يُمْكِنُهُ سُؤَالُهُ، أَوْ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إلَى التَّوَاتُرِ، مُحْتَجِّينَ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ لا يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ مَعَ إمْكَانِ

_ 1 يقول ابن حزم –بعد ذكر الأدلة على قبول خبر الواحد-: "فصح بهذا إجماع الأمة كلها على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم". "الإحكام 1/ 102". وانظر: تيسير التحرير 3/ 84، كشف الأسرار 2/ 374. 2 ساقطة من ب ز ع ض. 3 انظر: مختصر الطوفي ص 49، المسودة ص 291. 4 في ع: رسول الله. 5 في ض: و"المسودة": واختيارُه أنه لا يجوز. 6 في ز ش: بعض. والأعلى من ب ع، وهو الموافق للمسودة.

الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ. وَهَذَا الْقَوْلُ خِلافُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ. وَخِلافُ مَا شَهِدَتْ بِهِ النُّصُوصُ. وَذَكَرَ فِي1 مَسْأَلَةِ مَنْعِ التَّقْلِيدِ: أَنَّ الْمُتَمَكِّنَ مِنْ الْعِلْمِ لا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الظَّنِّ، وَجَعَلَهُ مَحِلَّ وِفَاقٍ وَ2احْتَجَّ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ3. اهـ.

_ 1 في ش ز: من. 2 ساقطة من ب ع ض. 3 المسودة ص 239.

فصل: الرواية

"فَصْلٌ: "الرِّوَايَةُ" الرِّوَايَةُ فِي اصْطِلاحِ الْعُلَمَاءِ "إخْبَارٌ" يُحْتَرَزُ بِهِ "عَنْ" الإِنْشَاءِ عَنْ أَمْرٍ "عَامٍّ" مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ "لا يَخْتَصُّ" وَاحِدٌ مِنْهُمَا "بِ" شَخْصٍ "مُعَيَّنٍ" مِنْ الأُمَّةِ1. "وَ" مِنْ صِفَةِ هَذَا الإِخْبَارِ: أَنَّهُ "لا تَرَافُعَ2 فِيهِ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ". "وَعَكْسُهُ" أَيْ وَعَكْسُ هَذَا الْمَذْكُورِ "الشَّهَادَةُ" فَإِنَّهَا إخْبَارٌ بِلَفْظٍ خَاصٍّ 3عَنْ خَاصٍّ3 عِلْمُهُ مُخْتَصٌّ بِمُعَيَّنٍ 4يُمْكِنُ التَّرَافُعُ4 فِيهِ عِنْدَ الْحُكَّامِ5.

_ 1 انظر: الفروق للقرافي 1/ 5، فقد حكى هذا التعريف حرفيًّا عن المازري. 2 في ش: تدافع. 3 مشطوب عليها في ع. 4 في ش: ممكن التدافع. 5 انظر الفرق بين الرواية والشهادة في "الرسالة للشافعي ص 372 وما بعدها، أصول السرخسي 1/ 353 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 118، الإحكام للآمدي 2/ 46، المستصفى 1/ 161، كشف الأسرار 2/ 402، المعتمد 2/ 574، تدريب الراوي 1/ 331، الرفع والتكميل ص 50 وما بعدها، الكفاية ص 94، جمع الجوامع 2/ 161، الفروق للقرافي / 4 وما بعدها، شرح النووي على مسلم 1/ 72".

"وَمِنْ شُرُوطِ رَاوٍ1: عَقْلٌ" إجْمَاعًا؛ إذْ لا وَازِعَ2 لِغَيْرِ3 عَاقِلٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ، وَلا عِبَارَةَ4 أَيْضًا، كَالطِّفْلِ5. "وَ" مِنْهَا "إسْلامٌ" إجْمَاعًا لِتُهْمَةِ عَدَاوَةِ الْكَافِرِ لِلرَّسُولِ6 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِشَرْعِهِ7. "وَ" مِنْهَا "بُلُوغٌ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ 8مِنْ الأَئِمَّةِ8،

_ 1 المقصود هنا شروط الراوي عند الأداء، وهي تختلف في جملتها عن شروط الراوي عند التحمل. "انظر: الرسالة للشافعي ص 370 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 39، توضيح الأفكار 2/ 114، أصول الحديث ص 229". 2 في هامش ز ش: "لا مانع. والوازع هو الكافّ، يقال: وزعه يزعه وزعاً، إذا كفّه"، وفي نهاية العبارة في ز: "طوفي". 3 في ب: بغير. 4 في ع: عبادة. وكذا في "مختصر الطوفي" ص 58، وفي "المدخل إلى مذهب أحمد" ص 93: ولا عبادة لهما "أي للصبي والمجنون". 5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 138، نهاية السول 2/ 294، مناهج العقول 2/ 292، كشف الأسرار 2/ 392، الإحكام للآمدي 2/ 71، المستصفى 1/ 156، أصول السرخسي 1/ 345، جمع الجوامع 2/ 146، الكفاية ص 76، توضيح الأفكار 2/ 114، تدريب الراوي 1/ 300، مقدمة ابن الصلاح ص 50، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 57، مختصر الطوفي ص 58، إرشاد الفحول ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93. 6 في ع: لرسوله. 7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 358، أصول السرخسي 1/ 346، الإحكام للآمدي 2/ 73، المستصفى 1/ 156، فواتح الرحموت 2/ 139، تيسير التحرير 3/ 41، 47، المعتمد 2/ 618، نهاية السول 2/ 295، مناهج العقول 2/ 293، كشف الأسرار 2/ 392، مقدمة ابن الصلاح ص 50، معرفة علوم الحديث ص 53، أصول الحديث ص 230، توضيح الأفكار 2/ 115، تدريب الراوي 1/ 300، العضد على ابن الحاجب 2/ 62، جمع الجوامع 2/ 146، الكفاية ص 77، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 56، مختصر الطوفي ص 57، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92، إرشاد الفحول ص 57. 8 ساقطة من ش.

لاحْتِمَالِ كَذِبِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، كَالْفَاسِقِ بَلْ أَوْلَى؛ لأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَلا يَخَافُ الْعِقَابَ1. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَتَخَرَّجُ فِي رِوَايَتِهِ رِوَايَتَانِ، كَشَهَادَتِهِ2. وَرُوِيَ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ شَهَادَةَ الْمُمَيِّزِ3 تُقْبَلُ. وَعَنْهُ ابْنُ عَشْرٍ. وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ4. "وَ" مِنْهَا "ضَبْطٌ" لِئَلاَّ يُغَيِّرَ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى فَلا يُوثَقُ بِهِ5.

_ 1 انظر: التمهيد ص 135، غاية الوصول ص 99، شرح تنقيح الفصول ص 359، أصول السرخسي 1/ 372، الإحكام للآمدي 2/ 71، المستصفى 1/ 156، فواتح الرحموت 2/ 139، تيسير التحرير 3/ 39، المسودة ص 258، نهاية السول 2/ 294، مناهج العقول 2/ 292، كشف الأسرار 2/ 395، مقدمة ابن الصلاح ص 50، الكفاية ص 77، المعتمد 2/ 620، أصول الحديث ص 230، توضيح الأفكار 2/ 115، تدريب الراوي 1/ 300، العضد على ابن الحاجب 2/ 61، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 146، الروضة ص 57، مختصر الطوفي ص 58، إرشاد الفحول ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، النووي على صحيح مسلم 1/ 61. 2 قال الإسنوي عن خبر الصبي: فيه خلاف بين الأصوليين، وكذلك عند المحدثين والفقهاء، والأصح عند الجميع عدم القبول. "التمهيد ص 135". وانظر: نهاية السول 2/ 295، مناهج العقول 2/ 292، توضيح الأفكار 2/ 124، المسودة ص 258، غاية الوصول ص 99، تيسير 3/ 40، المجموع شرح المهذب للنووي 3/ 100، والمراجع السابقة في الهامش السابق. 3 في ب: الكبير. 4 انظر: المغني 10/ 144، المسودة ص 290، تدريب الراوي 2/ 6. 5 انظر: أصول السرخسي 1/ 345، فواتح الرحموت 2/ 142، تيسير التحرير 3/ 44، كشف الأسرار 2/ 392، مقدمة ابن الصلاح ص 50، أصول الحديث ص 232، توضيح الأفكار 2/ 116، تدريب الراوي 1/ 300، الإحكام للآمدي 2/ 75، المستصفى 1/ 156، الروضة ص 57، اللمع ص 42، مختصر الطوفي ص 58، إرشاد الفحول ص 54، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، نهاية السول 2/ 308، مناهج العقول 2/ 306.

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا يَنْبَغِي لِمَنْ لا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ. وَالشَّرْطُ غَلَبَةُ ضَبْطِهِ وَذِكْرِهِ عَلَى سَهْوِهِ لِحُصُولِ الظَّنِّ إذًا. ذَكَرَهُ الآمِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. وَفِي الْوَاضِحِ لابْنِ عَقِيلٍ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَقِيلَ لَهُ: مَتَى تَتْرُكُ2 حَدِيثَ الرَّجُلِ.؟ قَالَ: إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ، وَلأَنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ تَرَكُوا رِوَايَةَ3 كَثِيرٍ4 مِمَّنْ ضَعُفَ ضَبْطُهُ مِمَّنْ سَمِعَ كَثِيرًا5 ضَابِطًا. فَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ. فَذَكَرَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرُهُ: أَنَّهَا6 لا تُقْبَلُ7؛ لأَنَّهُ لا غَالِبَ لِحَالِ الرُّوَاةِ8. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مَا قَالَ الآمِدِيُّ: مِنْ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى غَالِبِ9 حَالِ10 الرُّوَاةِ. فَإِنْ جُهِلَ حَالُهُمْ: اُعْتُبِرَ حَالُهُ. فَإِنْ قِيلَ:

_ 1 انظر في تعريف الضبط كتاب "التعريفات للجرجاني ص 142، أصول السرخسي 1/ 348، الإحكام لابن حزم 1/ 132، تيسير التحرير 3/ 44، مناهج العقول 2/ 306، كشف الأسرار 2/ 396 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 50، المعتمد 2/ 619، توضيح الأفكار 1/ 8، تدريب الراوي 1/ 304، مختصر ابن الحاجب 2/ 63، الكفاية ص 158، الإحكام للآمدي 2/ 75". 2 في ب ع ض: يترك. 3 ساقطة من ض. 4 في ض: كثيراً. 5 في ش ز: كبيراً. 6 في ض: أنه. 7 في ب ع ض: يقبل. 8 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 75، الروضة ص 57، إرشاد الفحول ص 54. 9 في ع: الغالب. 10 ساقطة من ش.

ظَاهِرُ حَالِ الْعَدْلِ أَلاَّ يَرْوِيَ إلاَّ مَا يَضْبِطُهُ. وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ الإِكْثَارُ1. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الضَّبْطِ، بَلْ خِيفَ 2ذَلِكَ لإِكْثَارِهِ2. فَإِنْ قِيلَ: الْخَبَرُ دَلِيلٌ. وَالأَصْلُ صِحَّتُهُ فَلا يُتْرَكُ3 بِاحْتِمَالٍ، كَاحْتِمَالِ حَدَثٍ بَعْدَ طَهَارَةٍ4. رُدَّ إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ مَعَ الظَّنِّ، وَلا ظَنَّ مَعَ تَسَاوِي الْمُعَارِضِ وَاحْتِمَالُ الْحَدَثِ وَرَدَ عَلَى يَقِينِ الطُّهْرِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ5. "وَ" مِنْهَا "عَدَالَةٌ" إجْمَاعًا لِمَا سَبَقَ مِنْ الأَدِلَّةِ "ظَاهِرًا وَبَاطِنًا" عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا6. وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ عَنِ الأَكْثَرِ7.

_ 1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 142-143، الإحكام 2/ 75. 2 في ش: من ذلك الإكثار. وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 76، فواتح الرحموت 2/ 143. 3 في ب ع ض: نتركه. وصححت على هامش ع كما أثبتناه أعلاه. 4 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 76. 5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 76، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 50 وما بعدها، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 56 وما بعدها. 6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 360، المستصفى 1/ 157، نهاية السول 2/ 303، مناهج العقول 2/ 296، جمع الجوامع 2/ 148، الكفاية ص 34، 77، المسودة ص 257، تدريب الراوي 1/ 300، مختصر ابن الحاجب 2/ 63، توضيح الأفكار 2/ 116، صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 61، مقدمة ابن الصلاح ص 50، معرفة علوم الحديث ص 53، المعتمد 2/ 620، كشف الأسرار 2/ 392، تيسير التحرير 3/ 44، فواتح الرحموت 2/ 143، أصول السرخسي 1/ 345، أصول الحديث ص 231، غاية الوصول ص 99، اللمع ص 42، 43، الروضة ص 57، التمهيد ص 136، مختصر الطوفي ص 57، إرشاد الفحول ص 51، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92. 7 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 76.

وَعِنْدَ الْقَاضِي وَابْنِ الْبَنَّاءِ، وَغَيْرِهِمَا: تَكْفِي الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا لِلْمَشَقَّةِ. كَمَا قُلْنَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. وَصَاحِبُ "رَوْضَةِ الْفِقْهِ" مِنْ أَصْحَابِنَا1. "وَمَنْ رَوَى" حَالَ كَوْنِهِ "بَالِغًا مُسْلِمًا عَدْلاً وَقَدْ تَحَمَّلَ"2 حَالَ كَوْنِهِ "صَغِيرًا ضَابِطًا3، أَوْ" حَالَ كَوْنِهِ "كَافِرًا" ضَابِطًا "أَوْ" حَالَ كَوْنِهِ "فَاسِقًا" ضَابِطًا "قُبِلَ" مَا رَوَاهُ، لاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ فِيهِ حَالَ رِوَايَتِهِ4. "وَهِيَ" أَيْ الْعَدَالَةُ فِي اللُّغَةِ: التَّوَسُّطُ فِي الأَمْرِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلا نُقْصَانٍ5.

_ 1 وهو قول بعض الشافعية في الاكتفاء بالعدالة الظاهرة لقبول الرواية. انظر: اللمع ص 43، فواتح الرحموت 2/ 146-147. 2 في ز: يحتمل. 3 يشترط في الراوي في حال السماع أن يكون مميزاً ضابطاً، فلو سمع المجنون حال جنونه، ثم أفاق فلا يصح ذلك، لأنه وقت الجنون غير ضابط. انظر: اللمع ص 41، المستصفى 1/ 156، فواتح الرحموت 2/ 138 وما بعدها، الإلماع للقاضي عياض ص 62، أصول الحديث ص 227، إرشاد الفحول ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93. 4 ذهب أكثر العلماء إلى جواز تحمل الصبي المميز للرواية على أن يؤديها بعد البلوغ، ويقاس عليه غيره ممن ذكر أعلاه، لكنهم في تحديث سن الصبي لصحة سماعه وتحمله. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 72، المستصفى 1/ 156، نهاية السول 2/ 295، مناهج العقول 2/ 293، كشف الأسرار 2/ 395، المسودة ص 258، 290، الكفاية ص 54، 76، مقدمة ابن الصلاح ص 60، المعتمد 2/ 620، تدريب الراوي 2/ 4، العضد على ابن الحاجب 2/ 61، جمع الجوامع 2/ 147، تيسير التحرير 3/ 39، شرح تنقيح الفصول ص 359، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 57، مختصر الطوفي ص 58، إرشاد الفحول ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، شرح النووي على مسلم 1/ 61". 5 انظر: المصباح المنير 2/ 604، القاموس المحيط 4/ 13.

وَهِيَ فِي اصْطِلاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ "صِفَةٌ" أَيْ كَيْفِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ، وَتُسَمَّى قَبْلَ رُسُوخِهَا حَالاً "رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ" أَيْ نَفْسِ الْمُتَّصِفِ بِهَا تَحْمِلُهُ عَلَى مُلازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ، وَتَحْمِلُهُ أَيْضًا عَلَى "تَرْكِ الْكَبَائِرِ1" "وَمِنْهَا" أَيْ مِنْ الْكَبَائِرِ: غِيبَةٌ وَنَمِيمَةٌ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": اُخْتُلِفَ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ. هَلْ هُمَا مِنْ الصَّغَائِرِ أَوْ مِنْ الْكَبَائِرِ؟ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا مِنْ الْكَبَائِرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ"، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي "فُرُوعِهِ". قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: "لا خِلافَ أَنَّ الْغِيبَةَ مِنْ الْكَبَائِرِ2".اهـ. وَقِيلَ: إنَّهُمَا مِنْ الصَّغَائِرِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ "الْفُصُولِ3" "وَالْغُنْيَةِ4" وَالْمُسْتَوْعِبِ5".

_ 1 انظر: المغني 10/ 148، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، إرشاد الفحول ص 51. 2 تفسير القرطبي 16/ 337. 3 كتاب "الفصول" لعلي بن عقيل بن محمد البغدادي الفقيه الأصولي المجتهد، المتوفى سنة 513 هـ، ومرت ترجمته في المجلد الأول. "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 209". 4 كتاب "الغنية" للشيخ عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيلي البغدادي. "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 208". 5 كتاب "المستوعب" للعلامة محمد بن عبد الله بن الحسين بن محمد السامري، المتوفى سنة 610هـ، وهو كتاب مختصر، جمع فيه مؤلفه بين عدد من المختصرات في المذهب الحنبلي. قال ابن بدران: "وبالجملة فهو أحسن متن صنف في مذهب الإمام أحمد وأجمعه". ثم قال: "وقد حذا حذوه الشيخ موسى الحجاوي في كتابه "الإقناع"، وجعله مادة كتابه. "المدخل إلى مذهب أحمد ص 210، 217".

"وَ" تَحْمِلُهُ أَيْضًا عَلَى تَرْكِ "الرَّذَائِلِ" الْمُبَاحَةِ. كَالأَكْلِ فِي السُّوقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَلا يَأْتِي بِكَبِيرَةٍ لِلآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْقَاذِفِ1. وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي مِنْ الْكَبَائِرِ2. وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ "بِلا بِدْعَةٍ مُغَلَّظَةٍ" وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَيْهَا3. "وَتُقْبَلُ4 رِوَايَةُ" مَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ5، وَلَوْ أَنَّهُ "قَاذِفٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ". قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: إنْ قَذَفَ6 بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ؛ لأَنَّ7 نَقْصَ الْعَدَدِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ8.

_ 1 وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . الآية 4 من النور. 2 انظر في تعريف العدالة: "التعريفات للجرجاني ص 152، اللمع ص 42، المعتمد 2/ 616، توضيح الأفكار 2/ 117، مختصر ابن الحاجب 2/ 63، المغني 10/ 148، شرح تنقيح الفصول ص 361، أصول السرخسي 1/ 350 وما بعدها، الكفاية ص 78، الإحكام للآمدي 2/ 77، المستصفى 1/ 157، فواتح الرحموت 2/ 143، تيسير التحرير 3/ 44، جمع الجوامع 2/ 148، نهاية السول 2/ 303، مناهج العقول 2/ 296، كشف الأسرار 2/ 399، 400، شرح نخبة الفكر ص 52، غاية الوصول ص 99، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92، إرشاد الفحول ص 51، 52، شرح منح الجليل 4/ 218". 3 صفحة 402. 4 في ع: ويقبل. 5 أي تقبل رواية من اتصف بهذه الشروط السابقة في الراوي. 6 في ب: القذف. 7 في ب: لأنه. 8 قال الحنفية بقبول رواية المحدود في القذف مطلقاً، سواء كان محدوداً بشهادة أم.....=

زَادَ الْقَاضِي فِي "الْعُدَّةِ1": وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ، وَيَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ، وَلا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِمَا يَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ2. وَكَذَا زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي "اللُّمَعِ": "وَأَبُو بَكْرَةَ3 وَمَنْ شَهِدَ مَعَهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ؛ لأَنَّهُمْ أَخْرَجُوا أَلْفَاظَهُمْ مَخْرَجَ الإِخْبَارِ، لا مَخْرَجَ الْقَذْفِ. وَجَلَدَهُمْ عُمَرُ بِاجْتِهَادِهِ4".

_ 1 في ز ش: العمدة. وهو تصحيف. 2 لا ترد الرواية بما يسوغ فيه الاجتهاد، كاللعب بالشطرنج وشرب النبيذ ونحوه لقول بعض المجتهدين به. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 90، فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 43، 46، 55، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 151، 165، المسودة ص 258، 265، 266". 3 هو الصحابي نفيع بن الحارث بن كلدة، ويقال: نفيع بن مسروح، الثقفي، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من عبيد الحارث بن كلدة بن عمرو الثقفي فاستلحقه، وهو مشهور بكنيته. وكان من فضلاء الصحابة، سكن البصرة، وأنجب أولاداً لهم شهرة في العلم والمال والولايات. وكان تدلى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حصن الطائف ببكرة، فاشتهر بأبي بكرة، وكان ممن اعتزل الفتنة يوم الجمل. وكان ممن شهد على المغيرة بن شعبة بالزنا، فلم تتم الشهادة، فجلده عمر، ثم سأله الانصراف والرجوع عن ذلك فلم يفعل وأبى، فلم يقبل له شهادة، ولم يزل على كثرة العبادة حتى توفي سنة 51 هـ بالبصرة. انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 572، الاستيعاب 3/ 567، تهذيب الأسماء 2/ 198، الخلاصة ص 404". 4 اللمع ص 43. وانظر شرح تنقيح الفصول ص 360، كشف الأسرار 2/ 404، المسودة ص 258.

"وَيُحَدُّ" الْقَاذِفُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مَعَ قَبُولِ رِوَايَتِهِ1. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِير"ِ: وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ2. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ يُحَدُّ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لا يُحَدُّ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: فَيُتَوَجَّهُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَقَاءُ عَدَالَتِهِ. وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا جَزَمَ بِهِ الآمِدِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْجَرْحِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَذْفِ3. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: صَرَّحَ الْقَاضِي فِي قِيَاسِ الشَّبَهِ مِنْ الْعَدَالَةِ بِعَدَالَةِ مَنْ أَتَى بِكَبِيرَةٍ45أَيْ وَاحِدَةً1، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ6} 7. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ أَكَلَ الرِّبَا: إنْ أَكْثَرَ لَمْ يُصَلَّ خَلَفَهُ. قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: فَاعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي "الْمُغْنِي": "إنْ أَخَذَ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، رُدَّتْ رِوَايَتُهُ8".

_ 1 انظر: الروضة ص 60، مختصر الطوفي ص 61. 2 قال الخزرجي عن أبي بكرة رضي الله عنه: "له مائة واثنان وثلاثون حديثاً اتفقا "أي البخاري ومسلم" على ثمانية، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بآخر. روى عنه أولاده عبد الرحمن وعبد العزيز وعبيد الله ومسلم وجماعة. "الخلاصة ص 404". 3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 89. 4 في ب ع ض: كبيرة. 5 ساقطة من ش ب ز، وفي ع: بواحدة. 6 في ب ز ض: الآية. 7 الآية 102 من المؤمنون. وفي ع: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} الآية القارعة/. 8 المغني 10/ 164 "مع التصرف".

"وَالصَّغَائِرُ" وَهِيَ كُلُّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ لا حَدَّ فِيهِ فِي الدُّنْيَا وَلا وَعِيدَ فِي الآخِرَةِ وَهُنَّ مَعَ كَثْرَةِ صُوَرِهِنَّ "سَوَاءٌ1 حُكْمًا" أَيْ فِي الْحُكْمِ. قَالَ فِي "التَّحْرِير"ِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي الصَّغَائِرِ، بَلْ أَطْلَقُوا. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لا فَرْقَ. "إنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ تَكَرُّرًا يُخِلُّ بِالثِّقَةِ2 بِصِدْقِهِ3" أَيْ صِدْقِ الرَّاوِي لَمْ تَقْدَحْ4 فِي صِحَّةِ رِوَايَتِهِ "لِتَكْفِيرِهَا" أَيْ تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ "بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَمَصَائِبِ الدُّنْيَا" عَلَى الأَصَحِّ فِي كَوْنِ الذُّنُوبِ تَنْقَسِمُ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ5. وَقَالَ الأُسْتَاذُ6 وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَابْنُ فُورَكٍ وَالْقُشَيْرِيُّ7 وَالسُّبْكِيُّ8. وَحُكِيَ عَنْ الأَشْعَرِيَّةِ: إنَّ جَمِيعَ الذُّنُوبِ كَبَائِرُ9.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ع ز: الثقة. 3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 143، مناهج العقول 2/ 297، المحلي على جمع الجوامع 2/ 160، إرشاد الفحول ص 53. 4 في ش ع ز: يقدح. 5 انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 3، إرشاد الفحول ص 52، الفروق للقرافي 1/ 121. 6 هو الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، كما هو معروف في مصطلح الفقه الشافعي، وهو ما نص عليه ابن حجر الهيتمي في الزواجر 1/ 3. 7 في الزواجر 1/ 3: ابن القشيري في "المرشد". 8 هو تقي الدين السبكي، والد تاج الدين صاحب جمع الجوامع. انظر: "جمع الجوامع" 2/ 152، إرشاد الفحول ص 52. 9 انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 3، جمع الجوامع 2/ 152، إرشاد الفحول ص 52.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: كَأَنَّهُمْ1 كَرِهُوا تَسْمِيَةَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةً إجْلالاً لَهُ، مَعَ مُوَافَقَتِهِمْ فِي الْجَرْحِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ، بَلْ مِنْهُ مَا يَقْدَحُ، وَمِنْهُ مَا لا يَقْدَحُ. وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي التَّسْمِيَةِ2.اهـ. اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} – الآيَةَ3، وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي تَكْفِيرِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ مَا بَيْنَهُمَا إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ4؛ إذْ لَوْ كَانَ الْكُلُّ كَبَائِرَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُكَفَّرُ بِمَا ذُكِرَ. وَفِي5 الْحَدِيثِ: "الْكَبَائِرُ سَبْعٌ" 6، وَفِي رِوَايَةٍ "تِسْعٌ".

_ 1 في ش: كأنما. وفي الفروق: وكأنهم. 2 الفروق للقرافي 1/ 121. وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 361. 3 الآية 31 من النساء. 4 روى مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجه، واللفظ لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". وهو عنوان عند البخاري: "باب الصلوات الخمس كفارة"، وساق حديث أبي هريرة مرفوعاً: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم ... ". "انظر: صحيح مسلم 1/ 209، مسند أحمد 2/ 229، تحفة الأحوذي 1/ 627، سنن ابن ماجه 1/ 196، صحيح البخاري 1/ 102، فيض القدير 4/ 243، مرعاة المفاتيح 2/ 1". 5 في ش ب: وفي هذا. 6 روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات". "انظر: صحيح مسلم 1/ 92، صحيح البخاري 2/ 131، فيض القدير 1/ 153". وروى النسائي عن عمير: "أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: "هنّ سبع، أعظمهن الإشراك وقتل النفس والفرار" ... الحديث. سنن النسائي 7/ 72". وروى الطبراني في "الأوسط" عن أبي سعيد مرفوعاً: "الكبائر سبع: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والرجوع إلى الأعرابية بعد الهجرة". قال السيوطي: صحيح، لكن تعقبه المناوي وضعفه. "انظر: فيض القدير 5/ 61". ورواه الخطيب في "الكفاية ص 103".

وَعَدَّهَا"1. فَلَوْ كَانَتْ الذُّنُوبُ كُلُّهَا كَبَائِرَ لَمَا سَاغَ ذَلِكَ2. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ الْكُورَانِيُّ فِي "شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ": إنْ أَرَادُوا إسْقَاطَ الْعَدَالَةِ فَقَدْ خَالَفُوا الإِجْمَاعَ. وَإِنْ أَرَادُوا قُبْحَ الْمَعْصِيَةِ نَظَرًا إلَى كِبْرِيَائِهِ تَعَالَى، وَأَنَّ3 مُخَالَفَتَهُ لا تُعَدُّ4 أَمْرًا صَغِيرًا، فَنِعْمَ الْقَوْلُ5.اهـ. وَعَلَى الأَصَحِّ فِي كَوْنِ الصَّغَائِرِ سَوَاءً حُكْمًا. وَقَالَ الآمِدِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ: إنَّ مِثْلَ سَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ، وَاشْتِرَاطِ أَخْذِ الأُجْرَةِ عَلَى إسْمَاعِ6 الْحَدِيثِ يُعْتَبَرُ تَرْكُهُ7 كَالْكَبَائِرِ8. وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ

_ 1 روى أبو داود والنسائي والحاكم عن عمير مرفوعاً: "الكبائر تسع، أعظمهن الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، والفرار يوم الزحف، وعقوق الوالدين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتاً". "انظر: المستدرك 1/ 59، الفتح الكبير 2/ 337". 2 انظر: فواتح الرحموت 2/ 144، إرشاد الفحول ص 52، تفسير الطبري 5/ 36 وما بعدها، الفروق للقرافي 1/ 121. 3 في ش ز: فإن. 4 في ب: يُعد. 5 انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 3، الفروق للقرافي 1/ 121. 6 في ب: سماع. 7 ساقطة من ش. أي يعتبر ترك هذه الصغائر في صفات العدل وشروطه لقبول الرواية. 8 قال الآمدي: "وذلك "أي تعريف العدالة" إنما يتحقق باجتناب الكبائر وبعض الصغائر وبعض المباحات. أما الكبائر ... وأما بعض الصغائر فما يدل فعله على نقص الدين، وعدم الترفع عن الكذب، وذلك كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة، واشتراط أخذ الأجرة على إسماع الحديث، ونحو ذلك. وأما بعض المباح فما يدل على نقص المروءة ودناءة الهمة كالأكل في السوق، والبول في الشوارع، وصحبة الأراذل، والإفراط في المزح، ونحو ذلك مما يدل على سرعة الإقدام على الكذب، وعدم الاكتراث به. "الإحكام للآمدي 2/ 77". "وانظر: المستصفى 1/ 157، فواتح الرحموت 2/ 144، تيسير التحرير 3/ 45، مناهج العقول 2/ 297، مقدمة ابن الصلاح ص 56".

اللَّهُ عَنْهُ فِي اشْتِرَاطِ أَخْذِ الأُجْرَةِ: لا يُكْتَبُ عَنْهُ الْحَدِيثُ وَلا كَرَامَةَ1. وَقَالَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو حَاتِمٍ2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُعْتَبَرُ تَرْكُ3 مَا فِيهِ دَنَاءَةٌ وَتَرْكُ مُرُوءَةٍ كَأَكْلِهِ فِي السُّوقِ بَيْنَ النَّاسِ الْكَثِيرِ. وَمَدِّ رِجْلَيْهِ وَ4كَشْفِ رَأْسِهِ بَيْنَهُمْ وَالْبَوْلِ فِي الشَّوَارِعِ وَاللَّعِبِ بِالْحَمَامِ وَصُحْبَةِ5 الأَرَاذِلِ6 وَالإِفْرَاطِ فِي الْمَزْحِ7، لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ "إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت" رَوَاهُ

_ 1 رواه الخطيب في "الكفاية" عن الإمام أحمد. "انظر الكفاية ص 153". وانظر حكم أخذ الأجرة على الرواية في "توضيح الأفكار 2/ 251، تدريب الراوي 1/ 337، العضد على مختصر ابن الحاجب 2/ 63، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 148-149، الكفاية ص 153، المسودة ص 266، فواتح الرحموت 2/ 144، طبقات الحنابلة 1/ 170". 2 هو محمد بن إدريس بن المنذر بن مِهْران، الغطفاني الحنظلي، أبو حاتم الرازي، أحد الأعلام، حافظ المشرق، كان بارع الحفظ، واسع الرحلة، من أوعية العلم. قال الخطيب: كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات، مشهوراً بالعلم، مذكوراً بالفضل. جمع أحاديث الزهري وصنفها ورتبها، وكان المرجع في معرفة رجال الحديث. توفي سنة 277 هـ، وقيل 275هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 207، شذرات الذهب 2/ 171، طبقات القراء 2/ 970، طبقات الحفاظ ص 255، تذكرة الحفاظ 2/ 567، تاريخ بغداد 3/ 73، المنهج الأحمد 1/ 183، طبقات الحنابلة 1/ 284". 3 في ض: تركه. 4 في ب ز ض: أو. 5 في ع: وصحبته. 6 في ز ش ب: الأرذال. 7 قال ابن الحاجب: وتتحقق "العدالة" باجتناب الكبائر وترك الإصرار على الصغائر، وبعض الصغائر، وبعض المباح. "مختصر ابن الحاجب 2/ 63". وهو معنى ما نقلناه عن الآمدي في "الإحكام 2/ 77".

الْبُخَارِيُّ1، يَعْنِي: إذَا2 صَنَعَ مَا شَاءَ فَلا يُوثَقُ بِهِ3.اهـ. وَعَلَى الأَصَحِّ فِي كَوْنِ الصَّغَائِرِ إنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ مِنْهُ4 تَكَرُّرًا يُخِلُّ الثِّقَةَ بِصِدْقِ الرَّاوِي لَمْ يُقْدَحْ فِي رِوَايَتِهِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ فِي "أُصُولِهِ": حَدُّ الإِصْرَارِ5 الْمَانِعِ فِي الصَّغَائِرِ: أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ تَكَرُّرًا يُخِلُّ الثِّقَةَ بِصِدْقِهِ6.اهـ. وَقِيلَ: يَقْدَحُ تَكْرَارُهَا فِي الْجُمْلَةِ. وَقِيلَ: ثَلاثًا. قَالَهُ7 ابْنُ حَمْدَانَ فِي "الْمُقْنِعِ" وَ"آدَابِ الْمُفْتِي8".

_ 1 رواه البخاري وأحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن مسعود. ورواه بعضهم عن حذيفة. ورواه أحمد عن أبي مسعود الأنصاري وعن حذيفة. ورواه ابن ماجه عن عقبة بن عمرو، ولفظه: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة؛ إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت". ورواه مالك مرسلاً. "انظر: صحيح البخاري 4/ 68، مسند أحمد 4/ 121، 5/ 383، سنن ابن ماجه 2/ 1400، سنن أبي داود 2/ 552، الموطأ 1/ 158، كشف الخفا 1/ 98، فيض القدير 2/ 540". 2 في ب: أي إن من. وفي ع: أي من. وفي ض: أي. 3 انظر: المستصفى 1/ 157، الإحكام للآمدي 2/ 77، تيسير التحرير 3/ 45، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 149، المغني 10/ 149. 4 ساقطة من ش ب ز. 5 في ش: الاحتراز. 6 قال الشوكاني: "وقد قيل: إن الإصرار على الصغيرة حكمه حكم مرتكب الكبيرة، وليس على هذا دليل يصلح للتمسك به، وإنما هي مقالة لبعض الصوفية، فإنه قال: لا صغيرة مع إصرار. وقد روى بعض من لا يعرف علم الرواية هذا اللفظ، وجعله حديثاً، ولا يصح ذلك، بل الحق أن الإصرار حكمه حكم ما أصر عليه، فالإصرار على الصغيرة صغيرة، والإصرار على الكبيرة كبيرة". "إرشاد الفحول ص 53". وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 63. 7 في ب: قال. 8 قال ابن حمدان: وبالجملة كل ما يأثم بفعله مرة يفسق بفعله ثلاثاً. "صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 13". وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 361.

وَقَالَ فِي "التَّرْغِيبِ" وَغَيْرِهِ: تَقْدَحُ كَثْرَةُ الصَّغَائِرِ وَإِدْمَانُ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي "الْمُقْنِعِ": "لا يُدْمِنُ عَلَى صَغِيرَةٍ1". وَهُوَ مُرَادُ الأَوَّلِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ فَالإِدْمَانُ هُنَا كَمَا قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ فِي "أُصُولِهِ" كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى الأَصَحِّ فِي كَوْنِ الصَّغَائِرِ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَبِمَصَائِب الدُّنْيَا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} 2. وَلِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ مِنْ تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ بِمَصَائِبِ الدُّنْيَا. وَاخْتَارَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ. وَحَكَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ3. "وَيُرَدُّ كَاذِبٌ وَلَوْ تَدَيَّنَ" أَيْ تَحَرَّزَ عَنْ الْكَذِبِ "فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ" أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ الإِمَامَانِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا؛ لأَنَّهُ لا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْذِبَ فِيهِ. وَعَنْهُ: وَلَوْ بِكَذْبَةٍ وَاحِدَةٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْوَاضِحِ" وَغَيْرُهُ4.

_ 1 وعبارة ابن قدامة: ويعتبر لها "للعدالة" شيئان: الصلاح في الدين، وهو أداء الفرائض واجتناب المحارم، وهو أن لا يرتكب كبيرة، ولا يدمن على "صغيرة. المقنع 3/ 690". 2 الآية 31 من النساء. وتتمة الآية: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيْماً} . 3 انظر: منهاج السنة النبوية 3/ 31 وما بعدها، 35 وما بعدها، تفسير الطبري 5/ 44، تفسير غريب القرآن ص 125، الكبائر للذهبي ص 7. 4 قال المجد ابن تيمية: "وقد روي عن أحمد أن الكذبة الواحدة لا تردّ بها الشهادة، فالرواية أولى" "المسودة ص 262". وهذه الرواية هي الراجحة عند الإمام أحمد، كما يفهم من عبارة المصنف بلفظ: "وعنه". وهو ما صرح به المصنف أيضاً بعد عدة أسطر، ونص عليها غيره. "انظر: المسودة ص 262، 266، المحلي على جمع الجوامع 2/ 149، الكفاية ص 101، توضيح الأفكار 2/ 237 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 51، كشف الأسرار 2/ 404".

وَاحْتَجَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "رَدَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ فِي كَذْبَةٍ1". وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ. رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ2 وَالْخَلاَّلُ وَجَعَلَهُ فِي التَّمْهِيدِ إنْ صَحَّ لِلزَّجْرِ. وَفِيهِ وَعِيدٌ فِي مَنَامِهِ34صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ6 فِي الصَّحِيحِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: الزَّجْرُ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَأَنَّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ5.

_ 1 انظر: المغني 10/ 149. 2 هو إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحربي. قال ابن أبي يعلى: "كان إماماً في العلم، رأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراًَ بالأحكام، حافظاً للحديث". وهو أحد الناقلين لمذهب أحمد. صنف كتباً كثيرة، منها: "غريب الحديث"، و"دلائل النبوة"، و"كتاب الحمام"، و"سجود القرآن"، و"ذم الغيبة"، و"النهي عن الكذب"، و"المناسك". توفي سنة 285 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 86، المنهج الأحمد 1/ 196، شذرات الذهب 2/ 190، طبقات الحفاظ ص 259، تذكرة الحفاظ 2/ 584، المدخل إلى مذهب أحمد ص 206". 3 كذا في جميع النسخ. ولعل الصواب: عقابه أو عتابه. 4 في ض ب ع: عليه أفضل الصلاة والسلام. 5 روى البخاري ومسلم والترمذي وأحمد والبيهقي عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ - ثلاثاً- قلنا: نعم يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين" - وكان متكئاً فجلس - فقال: "ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور"، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت". "انظر: صحيح البخاري 2/ 102، صحيح مسلم 1/ 91، تحفة الأحوذي 6/ 584، مسند أحمد 5/ 36، السنن الكبرى 10/ 121". وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله"- ثلاث مرات، ثم قرأ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} . الحج/ 30-31. "انظر: سنن أبي داود 2/ 274، تحفة الأحوذي 6/ 585، سنن ابن ماجه 2/ 794، السنن الكبرى 10/ 121، التلخيص الحبير 2/ 404، مسند أحمد 4/ 178". وروى البخاري والترمذي والنسائي عن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر؟ فقال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور". "انظر: صحيح البخاري 2/ 12، تحفة الأحوذي 8/ 372، 6/ 584، سنن النسائي 7/ 81، مسند أحمد 3/ 131، 5/ 37".

وَذَكَرَ فِي "الْفُصُولِ" فِي الشَّهَادَةِ: أَنَّ بَعْضَهُمْ اخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَقَاسَ عَلَيْهَا بَقِيَّةَ الصَّغَائِرِ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْكَذْبَةَ الْوَاحِدَةَ لا تَقْدَحُ لِلْمَشَقَّةِ وَعَدَمِ دَلِيلِهِ1. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ "الْفُصُولِ": أَنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ. وَقِيَاسُ بَقِيَّةِ الصَّغَائِرِ عَلَيْهَا بَعِيدٌ، لأَنَّ الْكَذِبَ مَعْصِيَةٌ فِيمَا تَحْصُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَهُوَ الْخَبَرُ الْعَامُّ2.اهـ. "وَتَقْدَحُ كَذْبَةٌ" وَاحِدَةٌ "فِيهِ" أَيْ فِي الْحَدِيثِ "وَلَوْ تَابَ مِنْهَا". نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ: لا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ3 مُطْلَقًا4. وَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ5، قَالَ: لأَنَّهُ زِنْدِيقٌ. فَتُخَرَّجُ تَوْبَتُهُ عَلَى تَوْبَتِهِ وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَكْذِبُ فِيهَا لِرِشْوَةٍ إلَى أَرْبَابِ الدُّنْيَا.

_ 1 "انظر: المسودة ص 262، شرح تنقيح الفصول ص 361 وما بعدها. 2 ساقطة من ز ش ب ع ض. 3 ساقطة من ش ب ز ع. 4 نقل الخطيب البغدادي بإسناده، والمجد بن تيمية عن الإمام أحمد أنه سئل عن محدث كذب في حديث واحد ثم تاب ورجع، فقال: "توبته فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يكتب حديثه أبداً". "انظر: الكفاية ص 117، المسودة ص 261، 262". "وانظر: توضيح الأفكار 2/ 237، تدريب الراوي 1/ 239 وما بعدها". 5 يقول عبد العزيز البخاري: "ثم التائب من أسباب الفسق والكذب تقبل روايته، إلا التائب من الكذب متعمداً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا تقبل روايته أبداً، وإن حسنت توبته على ما ذكر عن غير واحد من أهل العلم، منهم أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ..........=

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا فَرْقٌ بَعِيدٌ؛ لأَنَّ الرَّغْبَةَ إلَيْهِمْ بِأَخْبَارِ الرَّجَاءِ1، أَوْ2 الْوَعِيدِ غَايَةُ3 الْفِسْقِ. وَظَاهِرُ كَلامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ تَوْبَتَهُ تُقْبَلُ. وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، لَكِنْ فِي غَيْرِ مَا كَذَبَ فِيهِ. كَتَوْبَتِهِ فِيمَا أَقَرَّ بِتَزْوِيرِهِ4. وَقَبِلَهَا الدَّامَغَانِيُّ الْحَنَفِيُّ5 فِيهِ أَيْضًا. قَالَ: لأَنَّ رَدَّهَا لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ حُكْمٌ.

_ = البخاري. ثم نقل مثل ذلك عن أبي بكر الصيرفي في شرحه لـ"رسالة الشافعي" وعن أبي المظفر السمعاني، وأبي عمرو بن الصلاح. "انظر: كشف الأسرار 2/ 404". وانظر: مقدمة ابن الصلاح ص 55، توضيح الأفكار 2/ 237 وما بعدها، 241، الكفاية ص 117، المسودة ص 262. لكن النووي رحمه الله قال: "قلت: هذا كله مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا، ولا يتقوى الفرق بينه وبين الشهادة" "تدريب الراوي شرح تقريب النواوي 1/ 330". وانظر: توضيح الأفكار 2/ 240، 242. 1 في ض: الرجال. 2 في ز ش: و. 3 في د ع: غايته. 4 وهذا ما رجحه النووي وقطع به، وقال: "المختار القطع بصحة توبته وقبول روايته". شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 70. وانظر: تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1/ 330. 5 هو محمد بن علي بن الحسين بن عبد الملك، أبو عبد الله الدامغاني، قاضي القضاة ببغداد، سمع الحديث، وبرع بالفقه، وانتهت إليه رئاسة الفقهاء. وكان ذا عقل واسع، وتواضع جم، وكان كثير العبادة، وبقي في القضاء ثلاثين سنة. توفي سنة 478 هـ، ولم يتفق له الحج، وله "شرح مختصر الحاكم". انظر ترجمته في "الجواهر المضية 2/ 96، الفوائد البهية ص 182، شذرات الذهب 4/ 362، تاريخ بغداد 3/ 109، البداية والنهاية 12/ 129".

قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: سَأَلْت أَبَا بَكْرٍ الشَّاشِيَّ1 عَنْهُ. فَقَالَ: لا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِيمَا رُدَّ، وَيُقْبَلُ2 فِي غَيْرِهِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ. قَالَ: وَسَأَلْت قَاضِي الْقُضَاةِ الدَّامَغَانِيَّ. فَقَالَ: يُقْبَلُ حَدِيثُهُ الْمَرْدُودُ وَغَيْرُهُ، بِخِلافِ شَهَادَتِهِ إذَا رُدَّتْ ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تِلْكَ خَاصَّةً. قَالَ: لأَنَّ هُنَاكَ حُكْمًا مِنْ الْحَاكِمِ بِرَدِّهَا. فَلا يُنْقَضُ، وَرَدُّ الْخَبَرِ مِمَّنْ رُوِيَ لَهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ3.اهـ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا يَتَوَجَّهُ لَوْ رَدَدْنَا الْحَدِيثَ لِفِسْقِهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَذْهَبُ. فَأَمَّا إذَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ فِيهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ الشَّهَادَةِ؟ فَنَظِيرُهُ أَنْ يَتُوبَ مِنْ شَهَادَةِ زُورٍ 4وَيُقِرَّ فِيهَا5 بِالتَّزْوِيرِ5. "وَالْكَبِيرَةُ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا "مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ" فِيهِ "وَعِيدٌ" خَاصٌّ "فِي الآخِرَةِ. وَزِيدَ" أَيْ وَزَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ أَوْ مَا فِيهِ "لَعْنَةٌ أَوْ غَضَبٌ 6أَوْ نَفْيُ إيمَانٍ 7"

_ 1 كذا في جميع النسخ. وقد يرد على الذهن أن المقصود هو محمد بن علي بن إسماعيل القفال، أبو بكر الشاشي، الذي مرت ترجمته ص 154، وهو غير صحيح، لأن أبا بكر الشاشي توفي قبل ولادة أبي يعلى بنصف قرن تقريباً. وفي المسودة: أبا بكر الشامي. 2 في ز ش ب: وتقبل. 3 انظر: المسودة ص 262. 4 في ش: ويقرنها. 5 المسودة ص 262. 6 ساقطة من ش. وفي د: أو نفي إيمان أو غضب. 7 وهذا ما قاله الواحدي في تفسيره. "انظر: الوجيز للواحدي 1/ 148، فواتح الرحموت 2/ 144، العضد على ابن الحاجب 2/ 63".

1اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْكَبِيرَةِ، هَلْ لَهَا ضَابِطٌ تُعْرَفُ بِهِ أَوْ لا؟ فَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهَا لا يُعْرَفُ ضَابِطُهَا2. قَالَ2 الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ: مَعْنَى الْكَبِيرَةِ أَنَّ عِقَابَهَا أَعْظَمُ وَالصَّغِيرَةُ أَقَلُّ، وَلا يُعْلَمَانِ إلاَّ بِتَوْقِيفٍ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ3: الصَّحِيحُ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ تُعْرَفُ بِهِ، وَإِلاَّ لاقْتَحَمَ النَّاسُ الصَّغَائِرَ وَاسْتَبَاحُوهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْفَى ذَلِكَ عَنْ الْعِبَادِ لِيَجْتَهِدُوا فِي اجْتِنَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، رَجَاءَ أَنْ تُجْتَنَبَ4 الْكَبَائِرُ. نَظِيرُهُ إخْفَاءُ الصَّلاةِ الْوُسْطَى وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَسَاعَةِ الإِجَابَةِ 5فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ6 وَقِيَامِ السَّاعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ6.

_ 1 ساقطة من ش. وانظر: إرشاد الفحول ص 52، الوجيز في تفسير القرآن العزيز للواحدي 1/ 148. 2 في د ض: وقال. 3 هو علي بن أحمد بن محمد، أبو الحسين الواحدي، النيسابوري، المفسر، كان أستاذ عصره في علم النحو والتفسير، ودأب في العلوم، وأخذ اللغة، وتصدر للتدريس والإفادة مدة طويلة، وكان شاعراً، وله مصنفات كثيرة، منها: التفاسير الثلاثة: "البسيط"، و"الوسيط"، و"الوجيز"، وله "أسباب النزول"، و"الإغراب في الإعراب"، و"التحبير" في شرح الأسماء الحسنى"، و"شرح ديوان المتنبي"، و"نفي التحريف عن القرآن الشريف". توفي سنة 468 هـ بنيسابور. انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 523، طبقات المفسرين 1/ 387، وفيات الأعيان 2/ 464، إنباه الرواة 2/ 464، بغية الوعاة 2/ 145، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 240، شذرات الذهب 3/ 330، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 168، البداية والنهاية 12/ 114". 4 في ش ب ز: يجتنبوا. 5 ساقطة من ش. وفي ب ع ض: في الجمعة. 6 قال ابن حجر الهيثمي: "قاله الواحدي في بسيطه" "الزواجر 1/ 5". وانظر: الوجيز للواحدي 1/ 148.

وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّ لَهَا1 ضَابِطًا مَعْرُوفًا2، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الضَّابِطِ عَلَى أَقْوَالٍ. الأَوَّلُ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ - أَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ وَعِيدٌ فِي الآخِرَةِ، لِوَعْدِ3 اللَّهِ مُجْتَنِبَهَا4 بِتَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ5. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلأَنَّهُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ مَا فِيهِ لَعْنَةٌ أَوْ غَضَبٌ أَوْ نَفْيُ إيمَانٍ؛ لأَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ نَفْيُ الإِيمَانِ لأَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ، بَلْ لِكَمَالٍ وَاجِبٍ6. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ كَلامَ أَحْمَدَ إلاَّ عَلَى مَعْنًى يُبَيِّنُ مِنْ كَلامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُهُ، لا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ مِنْ كَلامِ كُلِّ أَحَدٍ. الْقَوْلُ7 الثَّانِي - وَهُوَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ -:أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةٌ، وَمَا تَعَلَّقَ بِحَقِّ الآدَمِيِّ كَبِيرَةٌ.

_ 1 في ش: لهما. 2 وضع العز بن عبد السلام ضابطاً لتمييز الصغائر من الكبائر فقال: "إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر والكبائر، فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو أربت عليها فهي من الكبائر ... ". ثم ذكر أمثلة. "انظر: قواعد الأحكام 1/ 23". وانظر: تفسير الطبري 5/ 37 وما بعدها، الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 5، الفروق للقرافي 1/ 121، إرشاد الفحول ص 52. 3 في ش: كوعد. 4 في ش: لمن يجتنبها. وفي د ع: مجتنبيها. 5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 144، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، تفسير الطبري 5/ 40، الفروق للقرافي 1/ 121. 6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 361، فواتح الرحموت 2/ 144. 7 في ع ض: والقول.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - وَنُسِبَ إلَى الأَكْثَرِ -: أَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ1. الرَّابِعُ: مَا أَوْجَبَ حَدًّا فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَغَيْرُهُ صَغِيرَةٌ، وَهُوَ لِجَمَاعَةٍ2. الْخَامِسُ - وَهُوَ لِلْهَرَوِيِّ3 -: أَنَّ الْكَبِيرَةَ 4كُلُّ مَعْصِيَةٍ9 يَجِبُ فِي جِنْسِهَا حَدٌّ مِنْ قَتْلٍ وَ5غَيْرِهِ. وَتَرْكُ كُلِّ فَرِيضَةٍ6 مَأْمُورٍ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَالْكَذِبُ فِي الشَّهَادَةِ وَ7الرِّوَايَةِ وَفِي الْيَمِينِ.

_ 1 انظر: الزواجر 1/ 4، جمع الجوامع 2/ 152، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، غاية الوصول ص 100، إرشاد الفحول ص 52. 2 وهو تعريف البغوي وغيره. "انظر: الزواجر 1/ 4، جمع الجوامع 2/ 152، شرح تنقيح الفصول ص 361، غاية الوصول ص 100". 3 إن الفقهاء والمحدثين الذين ينتسبون إلى هراة كثيرون، منهم القاضي أبو عاصم محمد بن أحمد العبادي، الهروي، صاحب "أدب القضاء" المتوفى سنة 458 هـ، ومنهم أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي صاحب "كتاب الغريبين"، وإذا أطلق "الهروي" في أبواب القضاء فالمقصود القاضي أبو سعيد محمد بن أحمد بن أبي يوسف الهروي تلميذ القاضي أبي عاصم، وهو قاضي همذان، شرح "أدب القضاء" للعبادي الهروي، وسماه "الإشراف على غوامض الحكومات"، وكان من الأئمة الفقهاء. توفي في حدود سنة 500هـ، وقيل: قتل شهيداً مع ابنه في جامع همذان سنة 498هـ. وهو المقصود هنا، لأن ابن حجر الهيتمي نص عليه فقال: "وهو تعريف الهروي في إشرافه". "الزواجر 1/ 2". انظر ترجمة أبي سعيد الهروي في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 365، تهذيب الأسماء 2/ 236، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 187، طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 519. وفي هامش ب: الحافظ الحنبلي. 4 ساقطة من ز ش. 5 في ب ع ض: أو. 6 في ض: كبيرة. 7 في ض: وفي.

الْقَوْلُ السَّادِسُ - وَهُوَ لإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ-: أَنَّ الْكَبِيرَةَ كُلُّ جَرِيمَةٍ1 تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ2. وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ3. وَمَجْمُوعَةُ مَا جَاءَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الأَحَادِيثِ مِنْ الْكَبَائِرِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ4: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالزِّنَا، وَأَفْحَشُهُ بِحَلِيلَةِ الْجَارِ5، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرُ، 6وَأَكْلُ الرِّبَا10، وَأَكْلُ

_ 1 وفي رواية: جريرة، وهي بمعناها "انظر: الزواجر 1/ 4". 2 قال ابن حجر الهيتمي: "على أنك إذا تأملت كلام الإمام "الجويني" الأول ظهر لك أنه لم يجعل ذلك حدًّا للكبيرة، خلافاً لمن فهم منه ذلك، لأنه يشمل صغائر الخسّة، وليست كبائر، وإنما ضبطه به ما يبطل العدالة، لأن إمام الحرمين قال في آخر التعريف: "ورقة الديانة مبطلة للعدالة" "الزواجر 1/ 4". 3 وهو ما اختاره السبكي وغيره، وانظر تعريف الكبيرة في التعريفات للجرجاني ص 192، إرشاد الفحول ص 52، غاية الوصول ص 100، فواتح الرحموت 2/ 143-144، تيسير التحرير 3/ 45، مناهج العقول 2/ 297، كشف الأسرار 2/ 399 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 93، جمع الجوامع 2/ 152، الزواجر 1/ 4، تفسير الطبري 5/ 37 وما بعدها، الفروق للقرافي 1/ 121، تفسير مجاهد ص 153، قواعد الأحكام 1/ 26. 4 اختلف العلماء في عدد الكبائر، فقيل هي سبع، وقيل تسع، وقيل عشر، وقيل اثنتا عشرة، وقيل أربع عشرة، وقيل ست وثلاثون، وقيل سبعون، وقيل ثلاث. وأكد الذهبي أن عددها سبعون، وصنف كتاباً فيها "الكبائر"، ولكن الحافظ ابن حجر الهيتمي صنف كتاب "الزواجر عن اقتراف الكبائر" وأوصلها إلى سبعمائة معصية. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع". وليس هناك دليل على حصرها في عدد معين. قال الطبري: "والذي نقول به في ذلك كل ما ثبت به الخبر". "انظر: فواتح الرحموت 2/ 143، كشف الأسرار 2/ 399، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، المحلي على جمع الجوامع 2/ 160 وما بعدها، الزواجر 1/ 9، موسوعة فقه إبراهيم النخعي 2/ 576، تفسير الطبري 5/ 42، إرشاد الفحول ص 52، قواعد الأحكام 1/ 24، الكبائر للذهبي ص 8". 5 في ز ش: الجارة. وفي ع: جاره. 6 ساقطة من ش.

مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ، وَالاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَالسَّرِقَةُ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَاسْتِحْلالُ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ، وَتَرْكُ السُّنَّةِ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ1، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَمَنْعُ ابْنِ السَّبِيلِ مِنْ فَضْلِ الْمَاءِ، وَعَدَمُ التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالتَّسَبُّبُ إلَى شَتْمِهِمَا، وَالإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ2. "وَيُرَدُّ مُبْتَدِعٌ دَاعِيَةٌ" أَيْ رِوَايَةُ مُبْتَدِعٍ يَدْعُو النَّاسَ 3إلَى بِدْعَتِهِ3. وَ4الْمُبْتَدِعُ وَاحِدُ الْمُبْتَدِعَةِ، وَهُمْ أَهْلُ الأَهْوَاءِ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ5. وَالْمُرَادُ إذَا كَانَتْ بِدْعَتُهُ غَيْرَ مُكَفِّرَةٍ. كَالْقَوْلِ بِتَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ "أَوْ مَعَ بِدْعَةٍ6 مُكَفِّرَةٍ" كَالْقَوْلِ بِإِلاهِيَّتِهِ7 أَوْ غَيْرِهِ8.

_ 1 التعرب: هو الإقامة في البادية مع الأعراب. قال ابن الأثير: "وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يَعدّونه كالمرتد" "النهاية في غريب الحديث 3/ 202". وانظر: القاموس المحيط 1/ 107. 2 انظر: جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 153 وما بعدها، مناهج العقول 2/ 297، الإحكام للآمدي 2/ 77، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، الزواجر 1/ 4، فواتح الرحموت 2/ 143، تيسير التحرير 3/ 45، غاية الوصول ص 100، إرشاد الفحول ص 53. 3 ساقطة من ض. 4 ساقطة من ز ش. 5 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 54، معرفة علوم الحديث ص 53، توضيح الأفكار 2/ 198 وما بعدها، 280، جمع الجوامع 2/ 147، المسودة ص 262، 263، 264، أصول السرخسي 1/ 373، فواتح الرحموت 2/ 140، تيسير التحرير 3/ 42-43، اللمع ص 42، غاية الوصول ص 99، إرشاد الفحول ص 50. 6 ساقطة من ز ش ع. 7 في ش ع: بآلهيته. 8 انظر: شرح نخبة الفكر ص 156، توضيح الأفكار 2/ 213، تدريب الراوي 1/ 324، العضد على ابن الحاجب 2/ 62، المسودة ص 263، المعتمد 2/ 617، 618، نهاية السول 2/ 295، فواتح الرحموت 2/ 140، الإحكام للآمدي 2/ 73، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 56.

وَعَلَّلَ رَدَّ غَيْرِ الْمُكَفِّرَةِ بِخَوْفِ الْكَذِبِ لِمُوَافَقَةِ هَوَاهُ. وَنُقِضَ ذَلِكَ بِالدَّاعِيَةِ فِي الْفُرُوعِ. وَلَمْ يُفَرِّقْ جَمَاعَةٌ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ وَغَيْرِهِ. وَقَبِلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ1. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْكَفَاءَةِ مِنْ "الْفُصُولِ": إنْ دَعَا كَفَرَ. وَقَالَ أَيْضًا: وَالصَّحِيحُ لا كُفْرَ؛ لأَنَّ أَحْمَدَ أَجَازَ الرِّوَايَةَ عَنْ الْحَرُورِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ2.اهـ. وَعُلِمَ مِمَّا فِي الْمَتْنِ: أَنَّ الْمُبْتَدِعَ غَيْرَ الدَّاعِيَةِ وَغَيْرَ الْمُكَفَّرِ بِبِدْعَتِهِ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَاتِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعَدَمِ عِلَّةِ الْمَنْعِ، وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُبْتَدَعَةِ. كَالْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَالْمُرْجِئَةِ، وَرِوَايَةِ السَّلَفِ3 وَالأَئِمَّةِ عَنْهُمْ4.

_ 1 وهو قول أبي الخطاب من الحنابلة والغزالي وغيره من الشافعية، وأبي الحسين البصري من المعتزلة، بشرط أن يعتقدوا حرمة الكذب، وأن لا يتعلق الخبر بعقيدتهم وهواهم. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 83، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، الكفاية ص 121، تدريب الراوي 1/ 325، شرح نخبة الفكر ص 156، مناهج العقول 2/ 295، نهاية السول 2/ 297، كشف الأسرار 3/ 25-26، فواتح الرحموت 2/ 142، اللمع ص 42، غاية الوصول ص 99، إرشاد الفحول ص 51، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92". 2 وهذا ما أيده الكمال بن الهمام حيث أجاز الرواية عن المبتدع بما هو كفر، كغلاة الروافض والخوارج، إن اعتقد حرمة الكذب "انظر: تيسير التحرير 3/ 41". 3 في ش ز: المسلمين. 4 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 133، مناهج العقول 2/ 295، شرح تنقيح الفصول ص 359، الإحكام للآمدي 2/ 83، جمع الجوامع 2/ 147، تدريب الراوي 1/ 325، توضيح الأفكار 2/ 214، المسودة ص 263، الكفاية ص 120، كشف الأسرار 3/ 26، 27، مقدمة ابن الصلاح ص 54، المعتمد 2/ 618، تيسير التحرير 3/ 42، فواتح الرحموت 2/ 140، 142، شرح نخبة الفكر ص 158، مختصر الطوفي ص 57، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 56، النووي على صحيح مسلم 1/ 60.

لا يُقَالُ: قَدْ تُكُلِّمَ فِي بَعْضِهِمْ؛ لأَنَّهُ أُرِيدَ مَعْرِفَةُ حَالِهِمْ، أَوْ لِلتَّرْجِيحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، ثُمَّ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِمَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ رَدِّهِ رَدُّ الْجَمِيعِ أَوْ الأَكْثَرِ، لِكَثْرَةِ تَفْسِيقِ الطَّوَائِفِ وَتَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلأَنَّهَا حَاجَةٌ عَامَّةٌ. فَهِيَ أَوْلَى مِنْ تَصْدِيقِهِ فِي اسْتِئْذَانِهِ وَإِرْسَالِهِ بِهَدِيَّةٍ. وَذَلِكَ إجْمَاعٌ. ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَنَهْيُ أَحْمَدَ عَنْ الأَخْذِ عَنْهُمْ إنَّمَا هُوَ لِهَجْرِهِمْ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِالأَحْوَالِ وَالأَشْخَاصِ. وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ الْخَلاَّلُ عَنْ قَوْمٍ لِنَهْيِ الْمَرُّوذِيِّ1، ثُمَّ رَوَى عَنْهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ2. وَلِهَذَا جَعَلَ الْقَاضِي الدَّاعِيَ إلَى الْبِدْعَةِ قِسْمًا غَيْرَ دَاخِلٍ فِي مُطْلَقِ الْعَدَالَةِ3.

_ 1 هو أحمد بن محمد بن الحجاج، المقدم من أصحاب أحمد لورعه وفضله. وهو من أجل أصحابه، وكان إماماً في الفقه والحديث، كثير التصانيف. توفي سنة 275 هـ، ودفن عند قبر الإمام أحمد. انظر ترجمته في طبقات الحنابلة 1/ 56، المنهج الأحمد 1/ 172، شذرات الذهب 2/ 166. وفي ش: المروزي، وهو تصحيف. ما أثبتناه في الأعلى من نسخة ب ز. وقد نص عليه في المسودة ص 264. أما المروزي فهو هيدام بن قتيبة أحد الناقلين مذهب أحمد عنه. توفي سنة 274هـ. "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 211". 2 وعلل ذلك الشيخ تقي الدين فقال: "وذلك أن العلة استحقاق الهجر عند التارك، واستحقاق الهجر يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من أمر أصحابه بالصلاة عليه". "المسودة ص 264، 266". 3 انظر: المسودة ص 264.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: عَدَمُ الْقَبُولِ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَالآمِدِيِّ وَالْجُبَّائِيَّةِ وَجَمَاعَةٍ1. كَمَا لَوْ تَدَيَّنَ بِالْكَذِبِ كَالْخَطَّابِيَّةِ مِنْ الرَّافِضَةِ - نِسْبَةً إلَى أَبِي الْخَطَّابِ2 - مِنْ مَشَايِخِ الرَّافِضَةِ، كَانَ يَقُولُ: بِأُلُوهِيَّةِ3 جَعْفَرٍ الصَّادِقِ4، ثُمَّ ادَّعَى5 الأُلُوهِيَّةَ6 لِنَفْسِهِ، عَلَيْهِ

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 83، المستصفى 1/ 160، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، نهاية السول 2/ 295-296، مناهج العقول 2/ 296، شرح نخبة الفكر ص 156، تدريب الراوي 1/ 324، العضد على ابن الحاجب 2/ 62، الكفاية ص 120، فواتح الرحموت 2/ 140. 2 هو محمد بن أبي زينب الأسدي الأجدع، مولى بني أسد. قال ابن قتيبة: "ولا أدري من هو". وهو الذي عزا نفسه إلى أبي جعفر محمد الصادق. فلما وقف الصادق على غلوه الباطل في حقه تبرأ منه ولعنه، وأمر أصحابه بالبراءة منه، وشدد القول في ذلك. فلما اعتزل عنه ادعى الإمامة لنفسه، وزعم أبو الخطاب أن الأئمة أنبياء ثم آلهة. وقال بألوهية جعفر بن محمد، وألوهية آبائه، وأن الألوهية نور في النبوة، وزعم أن جعفراً هو الإله في زمانه، ولما وقف عيسى بن موسى صاحب المنصور على خبث دعوته قتله بالكوفة، وافترقت ال خطابية بعده فرقاً. قال السبكي: "يرون جواز الشهادة لأحدهم بمجرد قوله، وهم المجسمة، ويرون الكذب على مخالفيهم". "انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1/ 179 طبعة 1387 هـ/ 1967 م، طبقات الشافعية الكبرى 2/ 16، المعارف ص 623، دائرة المعارف الإسلامية 8/ 369". 3 في ب ز ع ض: بإلاهية. 4 هو جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله الهاشمي، أحد الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. كان سيد بني هاشم في زمنه، ومن سادات أهل البيت. ولقب بالصادق لصدقه في مقالته. وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر والفأل، وله خمسمائة رسالة، جمعها تلميذه جابر بن حباب الصوفي، وكان من عباد أتباع التابعين، ومن علماء أهل المدينة. مات سنة 148 هـ، ودفن بالبقيع في قبر أبيه وجده وعم جده الحسن بن علي. روى عنه خلق كثير، وكان ثقة. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 291، طبقات القراء 1/ 196، تهذيب الأسماء 1/ 149، مشاهير علماء الأمصار ص 127، الخلاصة ص 63، حلية الأولياء 3/ 192، تذكرة الحفاظ 1/ 166". 5 ساقطة من ض. 6 في ب ز ض: الإلهية.

لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَهُوَ وَأَتْبَاعُهُ يَسْتَحِلُّونَ الْكَذِبَ فِي نُصْرَةِ مَذْهَبِهِمْ. فَيَرَوْنَ1 الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِهِمْ عَلَى مُخَالِفِهِمْ2. قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ قَوْمٌ أَشْهَدُ بِالزُّورِ مِنْ الرَّافِضَةِ3. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: الْقَبُولُ مَعَ بِدْعَةٍ مُفَسِّقَةٍ مُطْلَقًا لا مَعَ مُكَفِّرَةٍ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ لِعِظَمِ الْكُفْرِ، فَيَضْعُفُ الْعُذْرُ وَيَقْوَى عَدَمُ الْوُثُوقِ4. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ: إنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ قَالُوا: لا تُقْبَلُ رِوَايَةُ مَنْ كُفِّرَ بِبِدْعَتِهِ5 اتِّفَاقًا6اهـ.

_ 1 في ع: ويرون. 2 ولأن المبتدعة إما كفرة أو فسقة، فلا يجوز أن يقبل خبرهم، وهو رأي القاضي عبد الجبار من المعتزلة. "انظر: المستصفى 1/ 160، شرح تنقيح الفصول ص 360، 362، نهاية السول 2/ 296، مناهج العقول 2/ 294، مقدمة ابن الصلاح ص 54، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، فواتح الرحموت 2/ 140، اللمع ص 42، إرشاد الفحول ص 50 وما بعدها". 3 آداب الشافعي ومناقبه ص 187، 189. وانظر: النووي على صحيح مسلم 1/ 60. وقال الآمدي: "فإما أن يكون ممن يرى الكذب ويتدين به فلا نعرف خلافاً في امتناع قبول شهادته، كالخطابية من الرافضة، لأنهم يرون شهادة الزور لموافقيهم في المذهب". "الإحكام للآمدي 2/ 83". "وانظر: المستصفى 1/ 160، نهاية السول 2/ 304، مناهج العقول 2/ 298، مقدمة ابن الصلاح ص 54، الكفاية ص 120، 126". 4 انظر: توضيح الأفكار 2/ 215، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، المسودة ص 263. 5 في ب: ببدعة. 6 وقال النووي أيضاً في "التقريب": "من كفر ببدعته لم يحتج به بالاتفاق". "تدريب الراوي شرح تقريب النواوي 1/ 324، شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 60". وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 62.

وَقَالَ الْقَاضِي عَلاءُ الدِّينِ الْبَعْلِيُّ1 مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا: "إنْ كَانَتْ بِدْعَةُ أَحَدِهِمْ مُغَلَّظَةً كَالتَّجَهُّمِ رُدَّتْ رِوَايَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَسِّطَةً كَالْقَدَرِيَّةِ. رُدَّتْ إنْ كَانَ دَاعِيَةً. وَإِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً2 كَالإِرْجَاءِ، فَهَلْ تُقْبَلُ3 مَعَهَا مُطْلَقًا. أَمْ يُرَدُّ غَيْرُ الدَّاعِيَةِ؟ رِوَايَتَانِ. هَذَا تَحْقِيقُ مَذْهَبِنَا4".اهـ. "وَلَيْسَ الْفُقَهَاءُ" الْمُخْتَلِفُونَ فِي الْفُرُوعِ "مِنْهُمْ" أَيْ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الأَكْثَرِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": قَالَهُ5 ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَوْلَى6. وَخَالَفَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَابْنُ الْبَنَّاءِ وَجَمْعٌ فَأَدْخَلُوهُمْ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ.

_ 1 هو علي بن محمد بن علي بن عباس، أبو الحسين البعلي الحنبلي، علاء الدين المعروف بابن اللحام، كان يعظ في الجامع الأموي، وينقل مذاهب المخالفين محررة من كتبهم مع حسن المجالسة وكثرة التواضع، وصار شيخ الحنابلة بالشام مع ابن مفلح، وعرض عليه قضاء دمشق فأبى، ثم قدم القاهرة بعد غزوة التتر للشام، وولي تدريس المنصورية. ومن مصنفاته "القواعد والفوائد الأصولية"، و"الأخبار العلمية"، و"اختيارات الشيخ تقي الدين"، و"تجريد أحكام النهاية"، و"المختصر في أصول الفقه". توفي سنة 803 هـ. انظر: ترجمته في "الضوء اللامع 5/ 320، شذرات الذهب 7/ 31، طبقات المفسرين 1/ 432، المدخل إلى مذهب أحمد ص 236". 2 في ع: خفية. 3 في ع: يقبل. 4 المختصر في أصول الفقه ق 25/ ب، مخطوط بالمكتبة الأزهرية رقم 127/ 5482، ومصور في مركز البحث العلمي والتراث الإسلامي بمكة المكرمة، ويقوم بتحقيقه الزميل الفاضل الدكتور محمد مظهر بقا، المحقق في المركز. 5 في ض: قال. 6 قال أبو حامد الشافعي: "ضرب اختلفوا في الفروع، فهؤلاء لا يفسقون بذلك، ولا ترد شهادتهم، وقد اختلف الصحابة في الفروع ومن بعدهم من التابعين". المغني لابن قدامة 10/ 146، 164.

فَ عَلَى الأَوَّلِ "مَنْ شَرِبَ نَبِيذًا مُخْتَلَفًا فِيهِ: حُدَّ" عِنْدَنَا "وَيُفَسَّقُ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ" أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى إبَاحَتِهِ "أَوْ مُقَلِّدٌ" لِذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ؛ لأَنَّ1 مَحِلَّ الْخِلافِ فِيهِمَا2. وَعَنْ3 أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ بِالْفِسْقِ مُطْلَقًا. وَاخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي "الإِرْشَادِ"، وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ فِي "الْمُبْهِجِ"4، وِفَاقًا لِلإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ فِي ذَلِكَ5. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لا حَدَّ وَلا فِسْقَ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ قَوِيٌّ لِلْخِلافِ فِيهِ كَغَيْرِهِ، وَلِئَلاَّ يُفَسَّقَ بِوَاجِبٍ، لِفِعْلِهِ مُعْتَقِدًا وُجُوبَهُ فِي مَوْضِعٍ6، وَلا أَثَرَ لاعْتِقَادِ الإِبَاحَةِ7.

_ 1 في ب: لأنه. 2 وخالف الحنفية في ذلك، فقال الكمال بن الهمام: "وأما شرب النبيذ واللعب بالشطرنج وأكل متروك التسمية عمداً من مجتهد ومقلده فليس بفسق". "تيسير التحرير 3/ 43". وقال المجد ابن تيمية: "وأما من فعل محرَّماً بتأويل فلا ترد روايته في ظاهر المذهب". "المسودة ص 265". وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 63، 66، صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 110، المغني 10/ 164، المسودة ص 266. 3 في ض: وعند. 4 في ش ز: المنهج. وهو تصحيف. "وانظر: طبقات الحنابلة 2/ 248، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 71، المنهج الأحمد 2/ 162". 5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 362. 6 في ب ع ض: مواضع. 7 قال ابن الحاجب: "وأما من يشرب النبيذ ويلعب بالشطرنج ونحوه من مجتهد ومقلد فالقطع أنه ليس بفاسق". "مختصر ابن الحاجب 2/ 62". وهناك أقوال أخرى في المسألة. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 82، المستصفى 1/ 160، تيسير التحرير 3/ 43، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، المسودة ص 265، 266".

"وَحَرُمَ إجْمَاعًا إقْدَامُ" مُكَلَّفٍ "عَلَى مَا" أَيْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ "لَمْ يَعْلَمْ جَوَازَهُ:" لأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ يَجُوزُ فِعْلُهُ أَوْ لا يَجُوزُ: جُرْأَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى الْعُلَمَاءِ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَسْأَلْ، وَلأَنَّهُ ضَمَّ جَهْلاً إلَى فِسْقٍ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: وَلا يُحْكَمُ بِفِسْقِ مُخَالِفٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ، وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ، خِلافًا لِبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ1. قَالَ2 ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا أَطْلَقَهُ. "وَيُرَدُّ مَا رَوَاهُ مُتَسَاهِلٌ فِي رِوَايَتِهِ3" سَمَاعًا أَوْ إسْمَاعًا كَالنَّوْمِ وَقْتَ السَّمَاعِ، وَقَبُولِ التَّلْقِينِ، أَوْ يُحَدِّثُ لا مِنْ أَصْلٍ مُصَحَّحٍ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْمُحَدِّثُونَ. وَهُوَ قَادِحٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: يَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِي الْفُتْيَا وَاسْتِفْتَاءُ مَعْرُوفٍ بِهِ. وَقَبُولُ الْحَدِيثِ مِمَّنْ هُوَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ. وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي "الْمَحْصُولِ" وَغَيْرِهِ4.

_ 1 "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 62. 2 في ض: قاله. 3 في ز ش: رواية. 4 قال المجد بن تيمية: "إذا كان الراوي يتساهل في أحاديث الناس، ويكذب فيها، ويتحرز في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تقبل روايته ... وبهذا قال مالك خلافاً لبعضهم". "المسودة ص 266". وانظر: أصول السرخسي 1/ 373، فواتح الرحموت 2/ 142، كشف الأسرار 3/ 23، 25، 48، 49، المستصفى 1/ 162، شرح تنقيح الفصول ص 370، مناهج العقول 2/ 306، نهاية السول 2/ 309، مقدمة ابن الصلاح ص 57، توضيح الأفكار 2/ 255، تدريب الراوي 1/ 339، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، غاية الوصول ص 99، الكفاية ص 151 وما بعدها.

"وَ" مَا رَوَاهُ "مَجْهُولُ عَيْنٍ" عَلَى الصَّحِيحِ وَقَطَعَ بِهِ جَمْعٌ، مِنْهُمْ التَّاجُ السُّبْكِيُّ1. وَحَكَى الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ2. أَحَدَهَا: لا يُقْبَلُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ3. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ مُطْلَقًا. وَهُوَ رَأْيُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الرَّاوِي غَيْرَ الإِسْلامِ4. وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ الْمُنْفَرِدُ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ لا يَرْوِي إلاَّ عَنْ عَدْلٍ، كَابْنِ مَهْدِيٍّ5 وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ6.

_ 1 جمع الجوامع 2/ 150. وانظر: مقدمة ابن الصلاح ص 53، توضيح الأفكار 2/ 185، الروضة ص 57، المستصفى 1/ 162، غاية الوصول ص 100، إرشاد الفحول ص 54. 2 انظر هذه الأقوال مع بيان أصحابها وأدلتهم في توضيح الأفكار 2/ 185 وما بعدها". 3 انظر: المسودة ص 255، إرشاد الفحول ص 53، توضيح الأفكار 2/ 185. 4 انظر: غاية الوصول ص 100، توضيح الأفكار 2/ 185، إرشاد الفحول ص 53. 5 هو عبد الرحمن بن مهدي بن حسان، أبو سعيد البصري، اللؤلؤي، الحافظ. روى عن شعبة ومالك والسفيانين والحمادين وخلق. قال ابن المديني: "كان من أعلم الناس". وقال أبو حاتم: "إمام ثقة أثبت من يحيى بن سعيد، وأوثق من وكيع". وكان أحد أركان الحديث بالعراق، وكتب عن صغار التابعين، وكان رأساً في العبادة، وكان فقيهاً مفتياً عظيم الشأن، يحج كل سنة. مات بالبصرة سنة 198هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 329، طبقات الحفاظ ص 139، الخلاصة ص 235، طبقات الحنابلة 1/ 207، المنهج الأحمد 1/ 58، المعارف ص 513، شذرات الذهب 1/ 355، تاريخ بغداد 10/ 240، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 91، تهذيب الأسماء 1/ 304". 6 هو يحيى بن سعيد بن فروخ القطان، التميمي مولاهم، المحدث، أبو سعيد البصري الأحول، الحافظ، الإمام، من تابعي التابعين. اتفقوا على إمامته وجلالته ووفور حفظه وعلمه وصلاحه، وكان محدث زمانه، وأحد أئمة الجرح والتعديل، وكان ورعاً فاضلاً متديناً........=

وَاكْتَفَيْنَا بِالتَّعْدِيلِ بِوَاحِدٍ قُبِلَ، وَإِلاَّ فَلا1. وَالرَّابِعُ: إنْ كَانَ مَشْهُورًا فِي غَيْرِ الْعِلْمِ بِالزُّهْدِ وَالْقُوَّةِ فِي الدِّينِ، قُبِلَ وَإِلاَّ فَلا، وَهُوَ لابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ2. وَالْخَامِسُ: إنْ زَكَّاهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مَعَ رِوَايَةِ وَاحِدٍ عَنْهُ، قُبِلَ وَإِلاَّ فَلا. وَهُوَ لأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَطَّانِ3. "أَوْ عَدَالَةٍ" عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ "مَجْهُولُ عَيْنٍ" يَعْنِي أَنَّهُ لا تُقْبَلُ4 رِوَايَةُ مَجْهُولِ الْعَدَالَةِ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْهُمْ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ

_ 1 انظر: توضيح الأفكار 2/ 185، المسودة ص 255، إرشاد الفحول ص 53. 2 انظر: توضيح الأفكار 2/ 185. 3 هو أحمد بن محمد بن أحمد، المعروف بابن القطان، البغدادي، أبو الحسين، الفقيه الشافعي الأصولي. نشأ ببغداد، وحفظ بها القرآن، وتعلم العلوم، ونبغ في الفقه والأصول، وكان من كبار أئمة الشافعية، مجتهداً في المذهب، وانحصرت فيه رئاسة علماء الشافعية بعد وفاة أبي القاسم الداركي، وصنف في أصول الفقه وفروعه. توفي سنة 359 هـ، ولم يترجم له ابن السبكي. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 53، طبقات الفقهاء ص 113، تاريخ بغداد 4/ 365، شذرات الذهب 3/ 28، الفتح المبين 1/ 198، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 85". وهذا الرأي ظاهر تصرف ابن حبان في ثقاته، فإنه يحكم برفع الجهالة برواية واحدة وحكي ذلك عن النسائي أيضاً. "انظر: توضيح الأفكار 2/ 185، مقدمة ابن الصلاح ص 53، إرشاد الفحول ص 53". 4 في ض: يقبل.

عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ1. وَعِنْدَ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: تُقْبَلُ وِفَاقًا لأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَابْنِ فُورَكٍ وَسُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَالْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ2. وَمِنْ أَصْحَابِنَا: الطُّوفِيُّ. كَقَبُولِهِ عَقِبَ إسْلامِهِ. وَإِطْلاقُ الْقَبُولِ3 عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ نَقَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ4.

_ 1 وهو رأي الكمال بن الهمام من الحنفية. انظر أدلة هذا القول في "الكفاية ص 81، المسودة ص 253، تيسير التحرير 3/ 48، كشف الأسرار 2/ 400، 3/ 20، نهاية السول 2/ 304، الإحكام للآمدي 2/ 78، المستصفى 1/ 157، تدريب الراوي 1/ 316، مختصر ابن الحاجب 1/ 64، توضيح الأفكار 2/ 191، مقدمة ابن الصلاح ص 53، شرح نخبة الفكر ص 155، غاية الوصول ص 100، اللمع ص 43، التمهيد ص 136، مختصر الطوفي ص 58، الروضة ص 57-58، إرشاد الفحول ص 51، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93". 2 هو أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر، الحافظ أبو العباس، محب الدين، الطبري، ثم المكي، شيخ الحرم، وحافظ الحجاز بلا مدافعة. وهو شيخ الشافعية ومحدث الحجاز. كان فقيهاً إماماً، زاهداً صالحاً. صنف التصانيف الجيدة، منها: "الإحكام" في الحديث، "ومختصر في الحديث"، ورتبه على أبواب "التنبيه"، وكتاب في "فضل مكة"، و"شرح على التنبيه"، و"تخريجة في التفسير"، و"الكافي في غريب القرآن" وغير ذلك. توفي سنة 694هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 18، العقد الثمين 3/ 61، المنهل الصافي 1/ 320، طبقات الحفاظ ص 510، تذكرة الحفاظ 4/ 1474، البداية والنهاية 13/ 340، شذرات الذهب 5/ 425". 3 في ب ض: القول. 4 انظر أدلة هذا القول ومناقشتها في "الإحكام للآمدي 2/ 78، 80، المستصفى 1/ 157 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 146، تيسير التحرير 3/ 48، مقدمة ابن الصلاح ص 53، العضد على ابن الحاجب 2/ 64، جمع الجوامع 2/ 150، الكفاية ص 82، شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 61، المغني لابن قدامة 10/ 57، المسودة ص 253، 256، توضيح الأفكار 2/ 192، شرح نخبة الفكر ص 154، شرح تنقيح الفصول ص 364، الروضة ص 57- 58، إرشاد الفحول ص 51-53، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 386".

وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنْ رَدَّهُ جَمِيعُهُمْ لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِ قُبِلَ، وَإِنْ لَمْ يُرَدَّ وَلَمْ يُقْبَلْ جَازَ قَبُولُهُ لِظَاهِرِ عَدَالَةِ الْمُسْلِمِ وَلَمْ يَجِبْ. وَجَوَّزَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَضَاءَ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ. أَمَّا الْيَوْمَ فَتُعْتَبَرُ1 التَّزْكِيَةُ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ2.اهـ. وَنَقَلَ الْبِرْمَاوِيُّ عَنْ صَاحِبِ "الْبَدِيعِ3" وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَبِلَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الإِسْلامِ حَيْثُ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ الْعَدَالَةُ. فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلا بُدَّ مِنْ التَّزْكِيَةِ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ4.اهـ.

_ 1 في ع: فيعتبر. 2 وهو ما اختاره الكمال بن الهمام نقلاً عن ظاهر الرواية عن أبي حنيفة في مجهول الحال، وأنه لا بدَّ من التزكية. أما ظاهر العدالة، وهو من التزم أوامر الله ونواهيه، ولم يظهر فيه خلاف ذلك، وباطن أمره غير معلوم، فهو عدل، وتقبل روايته "انظر: تيسير التحرير 3/ 48- 49". بينما يخصص السرخسي قبول العدالة الظاهرة بالقرون الثلاثة، فيقول: "المجهول من القرون الثلاثة عدل بتعديل صاحب الشرع إياه ما لم يتبين منه ما يزيل عدالته، فيكون خبره حجة" "أصول السرخسي 1/ 352". وانظر: كشف الأسرار 2/ 386، 388، 400، 3/ 20، المعتمد 2/ 620، تدريب الراوي 1/ 317، المسودة ص 257، أصول السرخسي 1/ 370، إرشاد الفحول ص 53. 3 في ش: البدائع. وهو تصحيف، لأن كتاب "البدائع" للكاساني في الفقه الحنفي. أما كتاب "البديع" فهو في أصول الفقه، وهو ما ينقل عنه الحنفية في هذه المواطن، ويتردد في كتبهم الأصولية، واسمه الكامل: "بديع النظام، الجامع بين أصول البزدوي والإحكام" للساعاتي، مظفر الدين أحمد بن علي الساعاتي البغدادي الحنفي المتوفى سنة 694هـ. "انظر: الفتح المبين 2/ 94، فواتح الرحموت 2/ 150". 4 حكى الإمام مسلم في "صحيحه" الإجماع على رد خبر الفاسق، فقال: "إنه غير مقبول عند أهل العلم، كما أن شهادته مردودة عند جميعهم". وهو ما نقله السرخسي عن الإمام محمد رحمه الله تعالى. وقال عضد الدين: "واعلم أن هذا مبني على أن الأصل الفسق أو العدالة، والظاهر أنه الفسق، لأن العدالة طارئة، ولأنه أكثر العضد على ابن الحاجب 2/ 64". وانظر: صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 61، أصول السرخسي 1/ 371، فواتح الرحموت 2/ 147، إرشاد الفحول ص 53.

وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُوقَفُ وَيَجِبُ الْكَفُّ فِي التَّحْرِيمِ إلَى الظُّهُورِ احْتِيَاطًا. فَلَوْ كُنَّا عَلَى اعْتِقَادٍ فِي حِلِّ شَيْءٍ فَرَوَى لَنَا مَسْتُورٌ تَحْرِيمَهُ، فَاَلَّذِي أَرَاهُ: وُجُوبُ الانْكِفَافِ1 عَمَّا كُنَّا نَسْتَحِلُّهُ إلَى تَمَامِ الْبَحْثِ عَنْ حَالِ الرَّاوِي2. قَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ حُكْمًا بِالْحَظْرِ لِلتَّرْتِيبِ عَلَى الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَوَقُّفٌ فِي الأَمْرِ. وَالتَّوَقُّفُ3 فِي الإِبَاحَةِ يَتَضَمَّنُ الإِحْجَامَ، وَهُوَ مَعْنَى الْحَظْرِ. فَهُوَ إذًا حَظْرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ قَاعِدَةٍ مُمَهَّدَةٍ. وَهِيَ التَّوَقُّفُ عِنْدَ عَدَمِ بُدُوِّ ظَوَاهِرِ الأُمُورِ إلَى اسْتِبَانَتِهَا. فَإِذَا ثَبَتَتْ الْعَدَالَةُ فَالْحُكْمُ بِالرِّوَايَةِ إذْ ذَاكَ. اهـ. "أَوْ ضَبْطٍ" مَعْطُوفٌ عَلَى "عَدَالَةٍ" يَعْنِي أَنَّهُ تُرَدُّ رِوَايَةُ مَجْهُولِ الضَّبْطِ كَمَا تُرَدُّ رِوَايَةُ مَجْهُولِ الْعَدَالَةِ؛ لأَنَّ غَيْرَ الضَّابِطِ لا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يُدَلَّسَ عَلَيْهِ. فَاشْتُرِطَ ثُبُوتُ ضَبْطِهِ4. "لا رَقِيقٌ" يَعْنِي أَنَّهُ لا تُرَدُّ رِوَايَةُ الرَّقِيقِ مِنْ أَجْلِ رِقِّهِ5 لِظَاهِرِ الأَدِلَّةِ. فَإِنَّهَا تَشْمَلُهُ6.

_ 1 في ش: الكف. وفي ز: الكفاف. 2 واعترض عليه الأبياري في "شرح البرهان" بأن اليقين لا يزول بالشك، والحِلُّ ثابت بالأصل فلا يرفع بالتحريم المشكوك فيه. "انظر: جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 150". 3 في ع ض: والتوقيف. 4 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 132، اللمع ص 42، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93. 5 في ز ش: رق. 6 انظر: أصول السرخسي 1/ 352، فواتح الرحموت 2/ 144، تيسير التحرير 3/ 46، كشف الأسرار 2/ 402، المعتمد 2/ 621، الإحكام لابن حزم 1/ 130، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، المسودة ص 259.

"وَ" لا "أُنْثَى" لِقَبُولِهِمْ خَبَرَ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ1 وَأَمِّ سَلَمَةَ وَأَمِّ سُلَيْمٍ2 وَغَيْرِهِنَّ، وَلا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الأُنْثَى حُرَّةً أَوْ رَقِيقَةً3. "وَ" كَذَا لا تُرَدُّ رِوَايَةُ "قَرِيبٍ" لِكَوْنِهِ قَرِيبًا لِلرَّاوِي عَنْهُ4. "وَ" لا رِوَايَةُ "ضَرِيرٍ" لِكَوْنِهِ ضَرِيرًا5.

_ 1 هي أسماء بنت أبي بكر الصديق، والدة عبد الله بن الزبير بن العوام. أسلمت قديماً بعد سبعة عشر نفساً. هاجرت وهي تحمل بعبد الله، فولدته بقباء، وعاشت إلى أن ولي ابنها الخلافة، وبقيت على قيد الحياة إلى أن قتل، وماتت بعده بقليل بمكة سنة 73 هـ. وقيل غير ذلك. وكانت تلقب بذات النطاقين، لقبها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة. روت عدة أحاديث في الصحيحين والسنن. عاشت مائة سنة لم يسقط لها سن، ولم ينكر لها عقل، ولها مناقب كثيرة رضي الله عنها. انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 230، الاستيعاب 4/ 232، تهذيب الأسماء 2/ 328، الخلاصة ص 488، حلية الأولياء 2/ 55". ولفظة "أسماء" ساقطة من ض. 2 هي سهلة بنت ملحان بن خالد الأنصارية النجارية، وقيل اسمها رملة، وقيل غير ذلك. وهي أم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت من فاضلات الصحابيات، وكانت تحت مالك بن النضر. أسلمت مع قومها، وعرضت الإسلام على زوجها، فغضب عليها وخرج إلى الشام فمات هناك، ثم خلف عليها أبو طلحة الأنصاري. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث، وكانت من عقلاء النساء، وقاتلت يوم حنين. انظر ترجمتها في "الاستيعاب 4/ 455، الإصابة 4/ 461، تهذيب الأسماء 2/ 363، الخلاصة ص 498، حلية الأولياء 2/ 57". 3 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 130، الإحكام للآمدي 2/ 94، المعتمد 2/ 621، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، المسودة ص 258، كشف الأسرار 2/ 402، فواتح الرحموت 2/ 144، أصول السرخسي 1/ 352، الروضة ص 58، مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص93. 4 انظر: المستصفى 1/ 161، الإحكام للآمدي 2/ 94، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، 68، فواتح الرحموت 2/ 144، تيسير التحرير 3/ 46، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93. 5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 94، المستصفى 1/ 161، المعتمد 2/ 621، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، المسودة ص 259، 290، تيسير التحرير 3/ 46، كشف الأسرار 2/ 402، فواتح الرحموت 2/ 144، أصول السرخسي 1/ 352، الروضة ص 58، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.

"وَ" لا "عَدُوٍّ" لِكَوْنِهِ عَدُوًّا لِلرَّاوِي عَنْهُ؛ لأَنَّ حُكْمَ الرِّوَايَةِ عَامٌّ لِلْمُخْبِرِ وَالْمُخْبَرِ1، وَلا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ فَلا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ، بِخِلافِ الشَّهَادَةِ2. "وَ" لا تُرَدُّ أَيْضًا رِوَايَةُ "قَلِيلِ سَمَاعِ الْحَدِيثِ" 3 بَلْ مَتَى سَمِعَ، وَلَوْ حَدِيثًا وَاحِدًا، صَحَّتْ رِوَايَتُهُ لَهُ4. "وَ" لا تُرَدُّ أَيْضًا رِوَايَةُ "جَاهِلٍ بِمَعْنَاهُ" أَيْ مَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيه. وَلا جَاهِلٍ بِـ "فِقْهٍ وَعَرَبِيَّةٍ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ5. وَاعْتَبَرَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْرِفَةَ الْفِقْهِ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي

_ 1 في ش: والخبر. 2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 94، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، 68، فواتح الرحموت 2/ 144، تيسير التحرير 3/ 46، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93. 3 في ب زيادة وخبط وقلب: "أي معنى الحديث الذي يرويه ولا ترد أيضاًَ رواية جاهل بمعناه، بل متى سمع، ولو حديثاً واحداً صحت روايته له، ولا ترد أيضاً رواية جاهل بـ ".... 4 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 94، المستصفى 1/ 161، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، كشف الأسرار 3/ 75، المعتمد 2/ 621، فواتح الرحموت 2/ 144، 149، الكفاية ص 93، المسودة ص 267. 5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 144، شرح تنقيح الفصول ص 369، نهاية السول 2/ 310، مناهج العقول 2/ 94، المستصفى 1/ 161، المعتمد 2/ 620، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، الروضة ص 58، غاية الوصول ص 99، مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، الإحكام للآمدي 2/ 94.

حَنِيفَةَ 1مِثْلُهُ، وَنُقِلَ عَنْهُ2 أَيْضًا: إنَّمَا تُعْتَبَرُ2 مَعْرِفَتُهُ إنْ خَالَفَ مَا رَوَاهُ الْقِيَاسُ3. وَاحْتَجَّا بِأَنَّ غَيْرَ الْفَقِيهِ مَظِنَّةُ سُوءِ الْفَهْمِ وَوَضْعِ النُّصُوصِ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْهَا، فَالاحْتِيَاطُ لِلأَحْكَامِ أَنْ لا يُرْوَى عَنْهُ4. وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ وَلَيْسَ بِفَقِيهٍ" إسْنَادُهُ5 جَيِّدٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ6. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ7. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نَضَّرَ اللَّهُ" رَوَاهُ الأَصْمَعِيُّ: بِتَشْدِيدِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ. وَأَبُو

_ 1 ساقطة من ز ش. وفي ب ع ض: مثله. وعن أبي حنيفة. 2 في ض: يعتبر. 3 وهو اختيار عيسى بن إبّان والقاضي أبي زيد الدبوسي، وتابعهما فخر الإسلام البزدوي، خلافاً لأبي الحسن الكرخي الذي تبعه ابن عبد الشكور وغيره. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 144-145، المحلي على جمع الجوامع 2/ 147، نهاية السول 2/ 310، مناهج العقول 2/ 308، الإحكام لابن حزم 1/ 132، شرح تنقيح الفصول ص 369، غاية الوصول ص 99". 4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 145. 5 في ع: وإسناده. 6 رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي مرفوعاً. "انظر: سنن أبي داود 2/ 289، تحفة الأحوذي 7/ 416، سنن ابن ماجه 1/ 64، 2/ 1051، تخريج أحاديث البزدوي ص 188، سنن الدارمي 1/ 74". 7 انظر: بدائع المنن 1/ 15، مسند أحمد 1/ 437، 4/ 80، 5/ 138. وانظر: فواتح الرحموت 2/ 145، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، الروضة ص 58.

عُبَيْدٍ بِتَخْفِيفِهَا1، أَيْ نَعَّمَهُ اللَّهُ2. وَكَانَتْ3 الصَّحَابَةُ تَقْبَلُ رِوَايَةَ الأَعْرَابِيِّ لِحَدِيثٍ وَاحِدٍ. وَعَلَى ذَلِكَ عَمَلُ الْمُحَدِّثِينَ4. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ5. وَالْجَوَابُ 6عَمَّا قَالُوا6: أَنَّا7 إنَّمَا نَقْبَلُ8 رِوَايَتَهُ إذَا9 رَوَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى الْمُطَابِقِ وَكَانَ يَعْرِفُ مُقْتَضَيَاتِ الأَلْفَاظِ. وَالْعَدَالَةُ تَمْنَعُهُ مِنْ تَحْرِيفٍ لا يَجُوزُ10.

_ 1 في ب ع ض: بتخفيفه. 2 التشديد للمبالغة والتكثير، والنَّضْر والنضارة في الأصل حسن الوجه. والمراد هنا رفع القدر والمرتبة، وهو إما دعاء أي جمله وزينه، وإما خبر عن أنه من أهل نضرة النعيم. "انظر: القاموس المحيط 2/ 149، المصباح المنير 2/ 942، فواتح الرحموت 2/ 145، تيسير التحرير 3/ 101". 3 في ش: وكان. 4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 145، الروضة ص 59، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93. 5 هذا جزء من حديث رواه الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد. "انظر: تحفة الأحوذي 7/ 417، سنن ابن ماجه 1/ 85، مسند أحمد 1/ 437". 6 في ض: عنا. 7 ساقطة من ب. 8 في ب: تقبل. 9 في ع: إذ. 10 انظر: فواتح الرحموت 2/ 145 وما بعدها.

"وَ" لا تُرَدُّ رِوَايَةُ "عَدِيمِ نَسَبٍ" كَوَلَدِ الزِّنَا وَالْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ "وَ" لا رِوَايَةُ "مَجْهُولِهِ1" أَيْ مَجْهُولِ النَّسَبِ؛ لأَنَّ هَؤُلاءِ كُلَّهُمْ دَاخِلُونَ فِي عُمُومِ الأَدِلَّةِ. فَصَحَّتْ رِوَايَتُهُمْ كَغَيْرِهِمْ حَيْثُ لا مَانِعَ2.3والله أعلم13.

_ 1 في ش ز: مجهول. 2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 94، المستصفى 1/ 162، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، فواتح الرحموت 2/ 144، شرح تنقيح الفصول ص 370، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 60. 3 ساقطة من ش ب ز ع.

فصل: الجرح والتعديل

فصل: الجرح والتعديل ... فَصْلٌ: "شُرِطَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ1 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالأَكْثَرِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ "ذِكْرُ سَبَبِ جَرْحٍ" لاخْتِلافِ النَّاسِ فِي سَبَبِهِ وَاعْتِقَادِ بَعْضِهِمْ مَا لا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْجَرْحِ جَارِحًا2، كَشُرْبِ النَّبِيذِ مُتَأَوِّلاً. فَإِنَّهُ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ عِنْدَ مَالِكٍ دُونَ غَيْرِهِ3. وَكَمَنْ رَأَى إنْسَانًا يَبُولُ قَائِمًا فَيُبَادِرُ بِجَرْحِهِ لِذَلِكَ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِي أَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ مُخْطِئٌ أَوْ مَعْذُورٌ. كَمَا رُوِيَ

_ 1 ساقطة من ع. 2 وهذا قول أكثر الفقهاء، ومنهم الشافعية والحنفية، وأكثر المحدثين، ومنهم البخاري ومسلم. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 86، المستصفى 1/ 162، فواتح الرحموت 2/ 151، نهاية السول 2/ 305، مناهج العقول 2/ 301، جمع الجوامع 2/ 163، العضد على ابن الحاجب 2/ 65، الكفاية ص 107، تدريب الراوي 1/ 305، توضيح الأفكار 2/ 133 وما بعدها، كشف الأسرار 3/ 68، مقدمة ابن الصلاح ص 51، تيسير التحرير 3/ 61، أصول السرخسي 2/ 9، الإحكام لابن حزم 1/ 131، شرح تنقيح الفصول ص 365، المسودة ص 269، غاية الوصول ص 103، الروضة ص 59، اللمع ص 44، إرشاد الفحول ص 68، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93". وانظر تفصيل هذا الموضوع في "الرفع والتكميل ص 27 وما بعدها، الأجوبة الفاضلة ص 161 وما بعدها". 3 انظر ما نقلناه عن ابن الحاجب المالكي ص 408، فإنه قال: "وأما من يشرب النبيذ ويلعب الشطرنج ونحوه من مجتهد ومقلد فالقطع أنه ليس بفاسق" "مختصر ابن الحاجب 2/ 62". وانظر آراء العلماء فيما سبق ص 408، والمسودة ص 266.

عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّهُ بَال قَائِمًا". 1 لِعُذْرٍ كَانَ بِهِ2. فَلِهَذَا وَشَبَهِهِ يَنْبَغِي بَيَانُ سَبَبِ الْجَرْحِ لِيَكُونَ عَلَى ثِقَةٍ وَاحْتِرَازٍ مِنْ الْخَطَإِ وَالْغُلُوِّ فِيهِ3 "و"َ شُرِطَ أَيْضًا ذِكْرُ سَبَبِ "تَضْعِيفٍ" كَمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبِ جَرْحٍ. فَلا يَمْنَعُ قَبُولَ الْخَبَرِ قَوْلُ مُحَدِّثٍ "هَذَا الْحَدِيثُ" ضَعِيفٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْزُوَهُ إلَى مُسْتَنَدٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِيهِ؛ لأَنَّهُ قَدْ يُضَعِّفُهُ بِشَيْءٍ لَوْ ذَكَرَهُ لَمْ يَكُنْ قَادِحًا. هَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَيُؤَثِّرُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ4، وَيَكُونُ الْخَبَرُ ضَعِيفًا

_ 1 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "انتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، فتنحيت، فقال: "ادْنه"، فدنوت حتى قمت عند عقبيه، فتوضأ ومسح على خفيه". والسُّباطة، مَلْقى التراب والقمامة. "انظر: صحيح البخاري 1/ 53، صحيح مسلم 1/ 228، سنن أبي داود 1/ 6، تحفة الأحوذي 1/ 69، سنن النسائي 1/ 26، سنن ابن ماجه 1/ 111، مسند أحمد 5/ 382، سنن الدارمي 1/ 171، مرعاة المفاتيح 1/ 431". 2 قال ابن تيمية: "ولعله لم يجلس لمانع كان، أو وجع كان به". وروى الخطابي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً من جرح كان بمأبضه "ما تحت الركبة"، وقد ضعفه الدارقطني والبيهقي حديث أبي هريرة. وقال الحافظ ابن حجر: "ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى، لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي"، كما روى البخاري ومسلم ومالك وغيرهم حديث الأعرابي الذي بال في المسجد قائماً، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتركوه". وروى مالك أن ابن عمر: "بال قائماً". "انظر: نيل الأوطار 1/ 107، 109، فتح الباري 1/ 341، 342 طبعة الحلبي، صحيح مسلم 1/ 236، المنتقى شرح الموطأ 1/ 128 وما بعدها". 3 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 131، فواتح الرحموت 2/ 152، تيسير التحرير 3/ 56، كشف الأسرار 3/ 68 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 51، الكفاية ص 110 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 60، إرشاد الفحول ص 68، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93. 4 يقول عبد العزيز البخاري الحنفي: "وهو مذهب عامة الفقهاء والمحدثين، وذهب القاضي أبو بكر الباقلاني وجماعة إلى أن الجرح المطلق مقبول" "كشف الأسرار 3/ 68". وقال البزدوي: "وأما الطعن من أئمة الحديث فلا يقبل مجملاً، لأن العدالة ظاهرة ... ، ثم قال: لا يقبل في الشهادة من المزكي الجرح المطلق، فهذا أولى". "أصول البزدوي مع كشف الأسرار 3/ 68".

عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ قَالُوا: لأَنَّ الْمُحَدِّثَ ثِقَةٌ وَقَدْ ضَعَّفَهُ1. "وَ" إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْجَرْحَ الْمُطْلَقَ، وَلا التَّضْعِيفَ الْمُطْلَقَ وَوُجِدَ "لا يَلْزَمُ تَوَقُّفٌ" عَنْ الْعَمَلِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ "إلَى" حِينِ "تَبْيِينِ" الْجَرْحِ، أَوْ2 التَّضْعِيفِ، بِخِلافِ الشَّهَادَةِ؛ لأَنَّ الْخَبَرَ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْقَدْحُ، وَالشَّهَادَةُ آكَدُ3. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ4. وَقِيلَ: بَلَى فَيُتَوَقَّفُ5 حَتَّى يَتَبَيَّنَ السَّبَبُ الَّذِي أَطْلَقَهُ؛ لأَنَّهُ أَوْجَبُ رِيْبَةً6، وَإِلاَّ لانْسَدَّ بَابُ الْجَرْحِ غَالِبًا. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ مَيْلُ ابْنِ مُفْلِحٍ، وَهُوَ الأَحْوَطُ7.

_ 1 قال الشيخ زكريا الأنصاري: "ويكفي إطلاقه أي الجرح في الرواية، كأن يقول الجارح: فلان ضعيف، أو ليس بشيء، إن عرف مذهب الجارح من أنه لا يجرح إلا بقادح، فإن لم يعرف مذهبه فلا يكفي إطلاقه" "غاية الوصول ص 103". وجاء مثل ذلك في "مسلم الثبوت وشرحه". "انظر: فواتح الرحموت 2/ 152، تيسير التحرير 3/ 62". 2 في ب ض: و. 3 لأن الشهادة لا تقبل إلا من العدل، لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوْا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} الطلاق/ 2. 4 انظر: المسودة ص 254، 272. 5 في ب ع: فليتوقف. 6 في ش: رتبة. وفي د: ربيبة. 7 وهو ما أيده ابن الصلاح والشوكاني وغيرهما. "انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 51، إرشاد الفحول ص 68، المستصفى 1/ 162، فواتح الرحموت 2/ 152، تيسير التحرير 3/ 63، المسودة ص 272".

"لا تَعْدِيلٍ" أَيْ أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبِ التَّعْدِيلِ، اسْتِصْحَابًا لِحَالِ الْعَدَالَةِ1. وَقِيلَ: بَلَى، لالْتِبَاسِ الْعَدَالَةِ لِكَثْرَةِ التَّصَنُّعِ2. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهُوَ قَوِيٌّ، وَاشْتَرَطَهُ ابْنُ حَمْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُ، كَاشْتِرَاطِ ذِكْرِ سَبَبِ الْجَرْحِ لِلْمُسَارَعَةِ 3إلَى التَّعْدِيلِ2، بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ. وَعَنِ4 الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. اخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. مِنْهُمْ ابْنُ5 الْبَاقِلاَّنِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ. فَيَكْفِي مُجَرَّدُ قَوْلِهِ "هُوَ فَاسِقٌ أَوْ عَدْلٌ" اعْتِمَادًا عَلَى الْجَارِحِ وَالْمُعَدِّلِ6.

_ 1 وهو قول أكثر الفقهاء ومنهم الحنفية، وأكثر المحدثين ومنهم البخاري ومسلم والخطيب البغدادي. انظر آراءهم وأدلتهم في "كشف الأسرار 3/ 69، فواتح الرحموت 2/ 151، تيسير التحرير 3/ 61، شرح تنقيح الفصول ص 365، العضد على ابن الحاجب 2/ 65، جمع الجوامع 2/ 163، الكفاية ص 99 وما بعدها، المسودة ص 269، الإحكام للآمدي 2/ 86، المستصفى 1/ 162، مقدمة ابن الصلاح ص 50، توضيح الأفكار 2/ 148، تدريب الراوي 1/ 305، نهاية السول 2/ 305، مناهج العقول 2/ 301، مختصر الطوفي ص 60، إرشاد الفحول ص 68، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، الرفع والتكميل ص 27 وما بعدها". 2 انظر جمع الجوامع 2/ 163، نهاية السول 2/ 305، مناهج العقول 2/ 301، العضد على ابن الحاجب 2/ 65، الإحكام للآمدي 2/ 86، المستصفى 1/ 162، شرح تنقيح الفصول ص 365، فواتح الرحموت 2/ 151، 152، تيسير التحرير 3/ 61، 63، مختصر الطوفي ص 60، الكفاية ص 99، غاية الوصول ص 103، إرشاد الفحول ص 68، الرفع والتكميل ص 33. 3 في ب ض: للتعديل. 4 في ش: وعند. 5 ساقطة من ض. 6 وعلل ذلك الطوفي فقال: "لأنه إن كان خبيراً ضابطاً ذا بصيرة قُبِلَ منه، وإلا فلا........=

"وَ" لا يُشْتَرَطُ أَيْضًا ذِكْرُ سَبَبِ "تَصْحِيحٍ" لِلْخَبَرِ. فَيَكْفِي قَوْلُ مَنْ يُعْتَدُّ1 بِقَوْلِهِ "هَذَا الْخَبَرُ صَحِيحٌ" فَإِنَّ إطْلاقَ تَصْحِيحِهِ يَسْتَلْزِمُ تَعْدِيلَ رُوَاتِهِ2. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبِ التَّعْدِيلِ3. "وَيَكْفِي4 فِيهِنَّ" فِي مَسَائِلِ الْجَرْحِ وَالتَّضْعِيفِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّصْحِيحِ إذَا وُجِدَتْ بِشُرُوطِهَا "وَ" فِي "تَعْرِيفِ" عَدْلٍ "وَاحِدٍ لَيْسَ مِنْ عَادَتِه"ِ أَيْ: لَيْسَ مِنْ5 عَادَةِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ "تَسَاهُلٌ" فِي التَّعْدِيلِ "أَوْ مُبَالَغَةٌ" فِي الْجَرْحِ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ6.

_ = أو يطالب بالسبب" "مختصر الطوفي ص 60". وعلله الموفق أيضاً فقال: "لأن أسباب الجرح معلومة، فالظاهر لا يجرح إلا بما يعلمه". "الروضة ص 59". وهذا ما رجحه الآمدي والقرافي ومن تبعهما. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 86، شرح تنقيح الفصول ص 365، توضيح الأفكار 2/ 144، الكفاية ص 107، العضد على ابن الحاجب 2/ 65، جمع الجوامع 2/ 163 وما بعدها، المسودة ص 269 وما بعدها، نهاية السول 2/ 305، مناهج العقول 2/ 301، المستصفى 1/ 162، فواتح الرحموت 2/ 151، تيسير التحرير 3/ 61، الروضة ص 59، غاية الوصول ص 103، إرشاد الفحول ص 66، 68، المدخل إلى مذهب أحمد ص 63، الرفع والتكميل ص 33". 1 في ز ش: يعتقد. 2 في ش: روايته. وفي ض: راويه. 3 انظر: تيسير التحرير 3/ 62، توضيح الأفكار 1/ 309، المسودة ص 251، والمراجع السابقة. 4 في ع: فيكفي. 5 ساقطة من ع. 6 منهم القاضي أبو بكر الباقلاني والإمام فخر الدين الرازي والآمدي وغيرهم. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 85، المستصفى 1/ 162، نهاية السول 2/ 305، مناهج العقول 2/ 300، جمع الجوامع 2/ 163، الكفاية ص 96، المسودة ص 271، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 64، تدريب الراوي 1/ 308، توضيح الأفكار 2/ 120 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 52، تيسير التحرير 3/ 58، فواتح الرحموت 2/ 150، اللمع ص 43، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 61، إرشاد الفحول ص 66، شرح تنقيح الفصول ص 365". وانظر شروط الجارح والمعدل في "الرفع والتكميل ص 16 وما بعدها".

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ وَالْجُمْهُورُ: يَكْفِي جَرْحُ وَاحِدٍ وَتَعْدِيلُهُ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ لا يَزِيدُ عَلَى مَشْرُوطِهِ. وَيَكْفِي فِي الرِّوَايَةِ وَاحِدٌ لا الشَّهَادَةُ. فَتَعْدِيلُ الرَّاوِي تَبَعٌ لِلرِّوَايَةِ وَفَرْعٌ لَهَا؛ لأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ لأَجْلِهَا، وَالرِّوَايَةُ لا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ، بَلْ يَكْفِي فِيهَا رَاوٍ وَاحِدٌ. فَكَذَا مَا هُوَ تَبَعٌ وَفَرْعٌ لَهَا. فَلَوْ قُلْنَا: تُقْبَلُ رِوَايَةُالْوَاحِدِ، وَلا يَكْفِي فِي تَعْدِيلِهِ إلاَّ اثْنَانِ1، لَزَادَ الْفَرْعُ عَلَى أَصْلِهِ. وَزِيَادَةُ الْفُرُوعِ عَلَى أُصُولِهَا غَيْرُ مَعْهُودَةٍ عَقْلاً وَلا شَرْعًا2.اهـ. وَكَمَا أَنَّ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ مِنْ فُرُوعِ الرِّوَايَةِ: كَذَلِكَ التَّعْرِيفُ. وَاعْتَبَرَ قَوْمٌ الْعَدَدَ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ فِي مُقْنِعِهِ. كَالشَّهَادَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ؛ لأَنَّهَا شَهَادَةٌ، فَاعْتُبِرَ لَهَا الْعَدَدُ3. رُدَّ بِأَنَّهُ خَبَرٌ لا شَهَادَةٌ4. وَاعْتَبَرَ قَوْمٌ الْعَدَدَ فِي الْجَرْحِ فَقَطْ فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ5.

_ 1 في ض: ثنان. 2 انظر: المستصفى 1/ 162، الإحكام للآمدي 2/ 85، العضد على ابن الحاجب 2/ 64، فواتح الرحموت 2/ 150- 151، تيسير التحرير 3/ 58، شرح تنقيح الفصول ص 365، المسودة ص 271، مختصر الطوفي ص 61، إرشاد الفحول ص 66، الرفع والتكميل ص 51. 3 وذهب إلى ذلك بعض الشافعية. انظر أدلة هذا الرأي ومناقشتها في "المستصفى 1/ 162، نهاية السول 3/ 305، مناهج العقول 2/ 300، العضد على ابن الحاجب 2/ 64، فواتح الرحموت 2/ 150، تيسير التحرير 3/ 58، شرح تنقيح الفصول ص 365، توضيح الأفكار 2/ 121، اللمع ص 43، مختصر الطوفي ص 61، إرشاد الفحول ص 66". 4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 151، اللمع ص 43. 5 وفي قول يشترط اثنان في الرواية والشهادة، وفي قول يثبت الجرح والتعديل بواحد في الرواية والشهادة، وهو قول الباقلاني، واختاره الكمال بن الهمام وأكثر الحنفية. وقال الإمام محمد: يشترط اثنان في تزكية الشهادة لطمأنينة القلب. وقال الخصاف: يشترط العدد بتزكية العلانية دون السر. "انظر: تيسير التحرير 3/ 58- 59، كشف الأسرار 3/ 37- 38، نهاية السول 2/ 305، مناهج العقول 2/ 300، مقدمة ابن الصلاح ص 52، توضيح الأفكار 2/ 121، العضد على ابن الحاجب 2/ 64، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 163، الكفاية ص 96، المغني 10/ 58، 60".

"وَمَنْ اشْتَبَهَ اسْمُهُ" مِنْ الْعُدُولِ "بِمَجْرُوحٍ وُقِفَ خَبَرُهُ" أَيْ الْخَبَرُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الاشْتِبَاهُ، حَتَّى يُتَحَقَّقَ أَمْرُهُ. وَذَلِكَ لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي ذَلِكَ الْمَجْرُوحَ. فَلا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ، بَلْ يُتَوَقَّفُ حَتَّى يُعْلَمَ هَلْ هُوَ الْمَجْرُوحُ أَوْ غَيْرُهُ؟ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ الْمُدَلِّسُونَ مِثْلَ هَذَا يَذْكُرُونَ الرَّاوِيَ الضَّعِيفَ بِاسْمٍ يُشَارِكُهُ فِيهِ رَاوٍ ثِقَةٌ، لِيُظَنَّ أَنَّهُ ذَلِكَ الثِّقَةُ تَرْوِيجًا لِرِوَايَتِهِمْ1. "وَلا شَيْءَ لِجَرْحٍ بِاسْتِقْرَاءٍ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يُلْتَفَتُ إلَى ذِكْرِ الْجَرْحِ بِطَرِيقِ الاسْتِقْرَاءِ. وَمَعْنَى الاسْتِقْرَاءِ: التَّتَبُّعُ، بِأَنْ يُقَالَ: تَتَبَّعْنَا كَذَا فَوَجَدْنَاهُ كَذَا مِرَارًا كَثِيرَةً لَمْ يَنْخَرِمْ فِي مَرَّةٍ مِنْهَا2. فَلَوْ قِيلَ: مَنْ وَجَدْنَاهُ يَعْمَلُ كَذَا فَهُوَ مَجْرُوحٌ. وَاسْتَقْرَيْنَا ذَلِكَ فِي أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ. فَهَذَا لَيْسَ بِجَرْحٍ، وَلَيْسَ مِنْ طُرُقِ الْجَرْحِ حَتَّى يُحْكَمَ3 بِهِ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَخَذْتُهَا مِنْ كَلامِ ابْنِ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ.

_ 1 انظر: المستصفى 1/ 162، الكفاية ص 371 وما بعدها، تدريب الراوي 1/ 322، اللمع ص 43، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93. 2 انظر: التعريفات للجرجاني ص 18. 3 في ع: نحكم.

"وَلَهُ جَرْحٌ" أَيْ وَلِلْجَارِحِ الْجَرْحُ فِي الرَّاوِي "بِ" سَبَبِ "اسْتِفَاضَةٍ" أَيْ إشَاعَةٍ عَنْ مُحَدِّثٍ أَنَّ فِيهِ صِفَةً تُوجِبُ رَدَّ الْحَدِيثِ. فَيَجُوزُ الْجَرْحُ بِذَلِكَ. كَمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالاسْتِفَاضَةِ فِي مَسَائِلَ مَخْصُوصَةٍ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ1. وَمَنَعَ الْجَرْحَ بِذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ الْجَرْحُ بِالاسْتِفَاضَةِ وَلا تُقْبَلُ، كَمَا أَنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ2 أَنْ يُزَكِّيَهُ بِالاسْتِفَاضَةِ. "لا تَزْكِيَةٍ"3 يَعْنِي أَنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ4 أَنْ يُزَكِّيَ بِالاسْتِفَاضَةِ مَنْ شَاعَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الأَكْثَرِ. "وَقِيلَ: بَلَى، إذَا شَاعَتْ عَدَالَتُهُ. كَأَحَدِ الأَئِمَّةِ. وَجَعَلَهُ" 5أَيْ: وَجَعَلَ4 "صَاحِبُ التَّحْرِيرِ" الَّذِي هُوَ أَصْلُ "كِتَابِنَا" "الْمَذْهَبَ فِي أَصْلِهِ"أَيْ أَصْلِ "كِتَابِنَا"، وَهُوَ "التَّحْرِيرُ". وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِمَنْ شَاعَتْ إمَامَتُهُ وَعَدَالَتُهُ 6مِنْ الأَئِمَّةِ5. فَإِنَّهُ يُزَكَّى بِالاسْتِفَاضَةِ. قَالَ صَاحِبُ الأَصْلِ، قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ. فَإِنَّهُ كَانَ يَسْأَلُهُ7 الْوَاحِدُ مِنْهُمْ8 عَنْ

_ 1 تقبل الشهادة بالاستفاضة في النسب والولادة والموت والنكاح والولاية والعزل والملك المطلق والوقف والعتق والولاء، مع اختلاف بين الفقهاء في هذه الحالات. "انظر: المغني 10/ 141، الوجيز للغزال 2/ 254، المحرر في الفقه 2/ 244، شرح منح الجليل 4/ 271، بدائع الصنائع 6/ 266". 2 ساقطة من ض. 3 في ش ب ز: يزكيه. 4 ساقطة من ض. ومشطوب عليها في ع. 5 ساقطة من ب ع ض. 6 ساقطة من ش ز. 7 في ش ب ز ع: يُسأَلُ. 8 ساقطة من ض.

مِثْلِهِ. فَيَقُولُ: ثِقَةٌ: لا يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ. كَمَا لا1 يُسْأَلُ مَثَلاً عَنْ الإِمَامِ مَالِكٍ وَالأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَنَحْوِهِمْ2. قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "هَذَا صَحِيحُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَعَلَيْهِ الاعْتِمَادُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: الْخَطِيبُ3، وَمَثَّلَ ذَلِكَ بِمَالِكٍ وَشُعْبَةَ4

_ 1 ساقطة من ز ش. 2 انظر: فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 49، توضيح الأفكار 2/ 124، تدريب الراوي 1/ 301، الكفاية ص 86، شرح تنقيح الفصول ص 365، اللمع ص 43، إرشاد الفحول ص 66، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93. 3 هو أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، أبو بكر الحافظ، المعروف بالخطيب. كان من الحفاظ المتقنين، والعلماء المتبحرين. وصنف قريباً من مائة مصنف، أهمها: "تاريخ بغداد" الذي يدل على اطلاع عظيم، و"الجامع"، و"الكفاية"، و"شرف أصحاب الحديث"، و"الرحلة في طلب الحديث"، و"الفقيه والمتفقه" وغيرها. وكان محدثاً ومؤرخاً وفقيهاً وأديباً، وهو محدث الشام والعراق. توفي سنة 463 هـ ببغداد. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 29، وفيات الأعيان 1/ 76، البداية والنهاية 12/ 101، تذكرة الحفاظ 3/ 1135، طبقات الحفاظ ص 434، تبيين كذب المفتري ص 268، شذرات الذهب 3/ 311، التاج المكلل ص 32، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 164". وانظر: الكفاية ص 86. 4 هو شعبة بن الحجاج بن الورد العَتَكي الأزدي مولاهم، أبو بسطام الواسطي، ثم البصري، الإمام المشهور، وهو من تابعي التابعين وأعلام المحدثين وكبار المحققين. قال الإمام أحمد: "لم يكن في زمن شعبة مثله في الحديث، ولا أحسن حديثاً منه، قسم له منه حظ". وقال الشافعي: "لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق". وهو أول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين وعدالتهم. توفي سنة 160 هـ بالبصرة. انظر تر جمته في تذكرة الحفاظ 1/ 193، طبقات الحفاظ ص 83، تذيب الأسماء 1/ 245، شذرات الذهب 1/ 247، الخلاصة ص 166، حلية الأولياء 7/ 144، تاريخ بغداد 9/ 255.

وَالسُّفْيَانَيْنِ1 وَالأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ2 وَابْنِ الْمُبَارَكِ 3وَوَكِيعٍ وَأَحْمَدَ وَابْنِ مَعِينٍ4 وَابْنِ الْمَدِينِيِّ4، وَمَنْ جَرَى

_ 1 هما سفيان بن عيينة وسفيان الثوري، وقد مرت ترجمتهما. 2 هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم، المصري، التابعي، الحافظ، الفقيه المجتهد، شيخ الديار المصرية في الفقه والحديث. كان ورعاً فاضلاً، عالماً كريماً، إماماً. أجمع العلماء على جلالته وإمامته وعلو مرتبته في الفقه والحديث. قال الشافعي: "الليث بن سعد أفقه من مالك، إلا أنه ضيعه أصحابه". واستقل بالفتوى في زمانه بمصر، وكان عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر. توفي سنة 175 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 78، تذكرة الحفاظ 1/ 224، طبقات الحفاظ ص 95، تهذيب الأسماء 2/ 73، حسن المحاضرة 1/ 301، شذرات الذهب 1/ 285، وفيات الأعيان 3/ 280، مشاهير علماء الأمصار ص 191، الخلاصة ص 323، طبقات القراء 2/ 34". 3 ساقطة من ض. وابن المديني هو علي بن عبد الله بن جعفر بن المديني السعدي مولاهم، أبو الحسن البصري، أحد الأئمة الأعلام، حفاظ الإسلام، انعقد الإجماع على جلالته وإمامته. وله التصانيف الحسان. روى عنه أحمد والبخاري وأبو داود وأبو حاتم: وخلق. قال أبو حاتم: "كان علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل، وكان أحمد لا يسميه تبجيلاً له، إنما يدعوه بكنيته". توفي سنة 234هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 145ن طبقات الفقهاء ص 103، تذكرة الحفاظ 2/ 428، طبقات الحفاظ ص 184، تهذيب الأسماء 1/ 350، تاريخ بغداد 11/ 458، الخلاصة ص 275، شذرات الذهب 2/ 81، طبقات الحنابلة 1/ 225، المنهج الأحمد 1/ 97". 4 هو يحيى بن معين بن عون الغَطَفاني مولاهم، أبو زكريا البغدادي، أحد الأئمة الأعلام، الحافظ، العالم، المتفنن. قال الخطيب: "كان إماماً ربانيًّا، عالماً، حافظاً، ثبتاً، متقناً". وقال ابن المديني: "ما أعلم أحداً كتب ما كتب يحيى بن معين". ورى له أصحاب الكتب الستة. قال الإمام أحمد: "كل حديث لا يعرفه يحيى فليس بحديث". وكان بينه وبين أحمد مودة. توفي بالمدينة سنة 233هـ، وقيل غير ذلك، حمل على سرير النبي صلى الله عليه وسلم. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 5/ 190، تذكرة الحفاظ 2/ 429، تهذيب الأسماء 2/ 156، طبقات الحفاظ ص 185، الخلاصة ص 428، تاريخ بغداد 14/ 177، شذرات الذهب 2/ 79، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 654، طبقات الحنابلة 1/ 402، المنهج الأحمد 1/ 93".

مَجْرَاهُمْ فِي نَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَاسْتِقَامَةِ الأَمْرِ فَلا1 يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ هَؤُلاءِ وَأَمْثَالِهِمْ، وَإِنَّمَا2 يُسْأَلُ عَمَّنْ خَفِيَ أَمْرُهُ عَنْ3 الطَّالِبِينَ4". "وَيُقَدَّمُ5 جَرْحٌ" يَعْنِي: إذَا جَرَحَ رَاوِيًا وَاحِدٌ6 فَأَكْثَرُ، وَعَدَّلَهُ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ، قُدِّمَ الْعَمَلُ بِجَرْحِهِ عَلَى الْعَمَلِ بِتَعْدِيلِهِ؛ لأَنَّ الْجَارِحَ7 مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا الْمُعَدِّلُ. وَهَذَا الصَّحِيحُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ8. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنْ كَثُرَ عَدَدُ 9الْمُجَرِّحِينَ عَلَى عَدَدِ7 الْمُعَدِّلِينَ قُدِّمَ الْجَرْحُ وَإِلاَّ فَلا10.

_ 1 في ز ع ش ب ض: ولا. وما أثبتناه في الأعلى من مقدمة ابن الصلاح. 2 في ع: فإنما. وفي ض: إنما. 3 في الكفاية: على. 4 مقدمة ابن الصلاح ص 50. وانظر: تدريب الراوي 1/ 301، الكفاية ص 86، شرح تنقيح الفصول ص 365، فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 49، اللمع ص 43، إرشاد الفحول ص 66-67. 5 في ش: وبعدم. 6 في ش ب ز ع: واحداً. وهو خطأ نحوي. 7 في ش: المجروح. 8 انظر: مناهج العقول 2/ 302، مقدمة ابن الصلاح ص 52، توضيح الأفكار 2/ 158، جمع الجوامع 2/ 164، الكفاية ص 105، العضد على ابن الحاجب 2/ 65، شرح تنقيح الفصول ص 366، الإحكام لابن حزم 1/ 130، الإحكام للآمدي 2/ 87، تدريب الراوي 1/ 309، المسودة ص 272، فواتح الرحموت 2/ 154، تيسير التحرير 3/ 60، نهاية السول 2/ 305، المستصفى 1/ 163، اللمع ص 44، الروضة ص 59، غاية الوصول ص 103، مختصر الطوفي ص 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94، الرفع والتكميل ص 54. 9 ساقطة من ش. 10 وهناك قول ثالث بتقديم التعديل على الجرح، وقول بالتعارض مع الحاجة إلى مرجح، وقول بتقديم الأكثر من أية جهة، وقول بتقديم الجرح إن فسر، وإلا يقدم التعديل. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 87، المستصفى 1/ 163، نهاية السول 2/ 305، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 164، العضد على ابن الحاجب 2/ 66، المسودة ص 272، شرح تنقيح الفصول ص 366، فواتح الرحموت 2/ 154، تيسير التحرير 3/ 60، توضيح الأفكار 2/ 161، تدريب الراوي 1/ 310، مقدمة ابن الصلاح ص 52، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 61، إرشاد الفحول ص 68-69، الرفع والتكميل ص 59".

وَلِلتَّعْدِيلِ مَرَاتِبُ أُشِيرَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: "وَأَقْوَى تَعْدِيلٍ" أَيْ أَعْلَى مَرَاتِبِهِ "حُكْمُ مُشْتَرَطِ الْعَدَالَةِ بِهَا" أَيْ بِالْعَدَالَةِ. وَهَذَا بِلا خِلافٍ1. قَالَ2 ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: وَحُكْمُ الْحَاكِمِ تَعْدِيلٌ اتِّفَاقًا. أَطْلَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ3. وَمُرَادُهُ: مَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ4 حَاكِمٌ يَشْتَرِطُ الْعَدَالَةَ، وَهُوَ تَعْدِيلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ كَانَ الْحَاكِمُ فَاسِقًا لِقَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ5 لَيْسَ عَدْلاً عِنْدَهُ. "فَقَوْلٌ" أَيْ: فَيَلِي6 هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ التَّعْدِيلُ بِالْقَوْلِ. "وَأَعْلاهُ" أَيْ مِنْ7 أَعْلَى التَّعْدِيلِ بِالْقَوْلِ قَوْلُ الْمُعَدِّلِ هُوَ "عَدْلٌ رَضِيٌّ، مَعَ ذِكْرِ سَبَبِهِ" أَيْ سَبَبِ التَّعْدِيلِ بِأَنْ يُثْنِيَ8 عَلَيْهِ بِذِكْرِ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 88، المستصفى 1/ 163، نهاية السول 2/ 306، مناهج العقول 2/ 302، العضد على ابن الحاجب 2/ 66، جمع الجوامع 2/ 164، فواتح الرحموت 2/ 149، الروضة ص 60، إرشاد الفحول ص 66، غاية الوصول ص 103، مختصر الطوفي ص 61، تيسير التحرير 3/ 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94، الرفع والتكميل ص 70 وما بعدها. 2 في ع: وقال. 3 الروضة ص 60. 4 في ش ع: غير. 5 في ب ع ض: ما. 6 في ش: قبل. 7 ساقطة من ب ع ض. 8 في ش: يبني.

مِمَّا يُعْلَمُ مِنْهُ مِمَّا يَنْبَغِي شَرْعًا مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَاسْتِعْمَالِ وَظَائِفِ الْمُرُوءَةِ1. فَبِدُونِهِ أَيْ فَيَلِي هَذِهِ2 الْمَرْتَبَةَ قَوْلُهُ: هُوَ عَدْلٌ رَضِيٌّ بِدُونِ ذِكْرِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ، وَيَتَفَاوَتُ هَذَا أَيْضًا. فَأَعْلاهُ تَكْرِيرُ3 اللَّفْظِ، بِأَنْ يَقُولَ: ثِقَةٌ ثِقَةٌ، أَوْ عَدْلٌ عَدْلٌ، 4أَوْ ثِقَةٌ عَدْلٌ12، أَوْ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ، أَوْ ثِقَةٌ ثَبْتٌ، أَوْ ثِقَةٌ حُجَّةٌ أَوْ ثِقَةٌ حَافِظٌ، أَوْ ثِقَةٌ ضَابِطٌ5. وَيَلِيهِ: ذِكْرُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ، 6وَهُوَ أَنْ2 يَأْتِيَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ7. وَيَلِيهِ قَوْلُ الْمُعَدِّلِ: هُوَ صَدُوقٌ، أَوْ مَأْمُونٌ، أَوْ خِيَارٌ، أَوْ لا بَأْسَ وَنَحْوُهُ8. وَيَلِيهِ قَوْلُ الْمُعَدِّلِ: مَحِلُّهُ الصِّدْقُ، أَوْ رَوَوْا عَنْهُ، أَوْ صَالِحُ الْحَدِيثِ أَوْ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، أَوْ حَسَنُ الْحَدِيثِ، أَوْ صُوَيْلِحٌ، أَوْ صَدُوقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ

_ 1 انظر: المستصفى 1/ 163، نهاية السول 2/ 306، مناهج العقول 2/ 302، الإحكام للآمدي 2/ 88، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94. 2 في ع: بهذه. 3 في ع ض: تكرار. 4 ساقطة من ض. 5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 88، المستصفى 1/ 163، فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 49، توضيح الأفكار 2/ 262، تدريب الراوي 1/ 342، الكفاية ص 84. 6 في ع ز ض: بأن. وفي ب: بأنه. 7 انظر: تيسير التحرير 3/ 49، فواتح الرحموت 2/ 148، توضيح الأفكار 2/ 264، مقدمة ابن الصلاح ص 58. 8 انظر: فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 49، مقدمة ابن الصلاح ص 58، توضيح الأفكار 2/ 265، تدريب الراوي 1/ 343.

أَرْجُو أَنْ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَنَحْوُهُ1. "فَعُمِلَ بِرِوَايَتِهِ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لا مُسْتَنَدَ لَهُ غَيْرُهَا" أَيْ فَيَلِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ - وَهِيَ التَّعْدِيلُ بِالْقَوْلِ - عَمَلُ مَنْ2 يُعْتَدُّ بِتَعْدِيلِهِ بِرِوَايَةِ الْمُعَدِّلِ، بِشَرْطِ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْعَامِلَ بِرِوَايَتِهِ لا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي عَمَلِهِ غَيْرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ تَعْدِيلاً، لاحْتِمَالِ أَنْ3 يَكُونَ عَمِلَ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَافَقَ رِوَايَتَهُ4. وَقَالَ5 الْمُوَفَّقُ وَأَبُو الْمَعَالِي. "إلاَّ فِيمَا الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا"6. قَالَ7 الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ" "قَالَ الْجُوَيْنِيُّ وَالْمَقْدِسِيُّ: يَكُونُ تَعْدِيلاً إلاَّ فِيمَا الْعَمَلُ بِهِ مِنْ مَسَالِكِ الاحْتِيَاطِ". قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يُفْصَلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي مِمَّنْ يَرَى قَبُولَ مَسْتُورِ الْحَالِ، أَوْ يَجْهَلُ مَذْهَبَهُ فِيهِ8. "وَلَيْسَ تَرْكُ عَمَلٍ بِهَا" أَيْ بِرِوَايَةِ أَحَدٍ "وَ" لا تَرْكُ عَمَلٍ "بِشَهَادَةِ"

_ 1 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 59، توضيح الأفكار 2/ 265، 266، فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 49. 2 في ز ش: بمن. 3 في ز: أنه. 4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 149، نهاية السول 2/ 306، مناهج العقول 2/ 304، الإحكام للآمدي 2/ 88، المستصفى 1/ 163، اللمع ص 44، الروضة ص 60، غاية الوصول ص 104، مختصر الطوفي ص 61، إرشاد الفحول ص 67، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94، تيسير التحرير 3/ 50، تدريب الراوي 1/ 315، العضد على ابن الحاجب 2/ 66، جمع الجوامع 2/ 164، الكفاية ص 92، المسودة ص 269، 272. 5 في ب ز ع ض: وقاله. 6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 164، المستصفى 1/ 163، غاية الوصول ص 104، الروضة ص 60. 7 في ز ش ع ب: قاله. 8 المسودة ص 272.

أَحَدٍ "جَرْحًا" لَهُ، لاحْتِمَالِ سَبَبٍ لِتَرْكِ الْعَمَلِ غَيْرِ الْفِسْقِ. كَعَدَاوَةٍ أَوْ تُهْمَةِ قَرَابَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَلأَنَّ عَمَلَهُ قَدْ يَكُونُ مُتَوَقِّفًا عَلَى أَمْرٍ آخَرَ زَائِدٍ عَنْ الْعَدَالَةِ. فَيَكُونُ التَّرْكُ لِعَدَمِ ذَلِكَ، لا لانْتِفَاءِ الْعَدَالَةِ، فَلا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْجَرْحِ بِذَلِكَ مَعَ الاحْتِمَالِ1. "ثُمَّ" يَلِي مَا تَقَدَّمَ فِي الرُّتْبَةِ "رِوَايَةُ عَدْلٍ عَادَتُهُ أَنْ2 لا يَرْوِيَ إلاَّ عَنْ عَدْلٍ". هَذَهِ3 آخِرُ مَرَاتِبِ التَّعْدِيلِ. وَصُورَةُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مَتَى رَوَى الثِّقَةُ عَنْ شَخْصٍ مَجْهُولِ الْحَالِ، وَكَانَتْ عَادَةُ الثِّقَةِ أَنَّهُ4 لا يَرْوِي إلاَّ عَنْ عَدْلٍ، فَتَكُونُ رِوَايَتُهُ عَنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ تَعْدِيلاً لِذَلِكَ الشَّخْصِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ. فَلَيْسَ بِتَعْدِيلٍ5.

_ 1 انظر: المستصفى 1/ 163، الإحكام للآمدي 2/ 89، مناهج العقول 2/ 302، 304، جمع الجوامع 2/ 164، العضد على ابن الحاجب 2/ 66، الكفاية ص 114، الروضة ص 60، غاية الوصول ص 104، مختصر الطوفي ص 61، تدريب الراوي 1/ 315، فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 54. 2 ساقطة من ب ع ض. 3 في ز ش: هذا. 4 ساقطة من ض. 5 هذا هو الرأي الأول. وهو ما اختاره الجويني وابن القشيري والغزالي والآمدي والصفي الهندي وابن الحاجب والكمال بن الهمام وابن عبد الشكور وغيرهم. وفي المسألة قولان آخران سيذكرهما المصنف فيما يلي. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 89، المستصفى 1/ 163، نهاية السول 2/ 306، مناهج العقول 2/ 303، جمع الجوامع 2/ 164، مختصر ابن الحاجب 2/ 66، المسودة ص 254، 273، كشف الأسرار 2/ 386، تيسير التحرير 3/ 50، 55، 56، فواتح الرحموت 2/ 150، غاية الوصول ص 104، الروضة ص 59، مختصر الطوفي ص 61، إرشاد الفحول ص 53، 67، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94".

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي آخِرِ "شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ": اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الثِّقَةِ عَنْ رَجُلٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ: هَلْ هُوَ تَعْدِيلٌ أَمْ لا؟ حَكَى1 أَصْحَابُنَا عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ2 وَحَكَوْا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ تَعْدِيلٌ، وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ خِلافُ ذَلِكَ3. قَالَ: وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إنْ عُرِفَ أَنَّهُ لا يَرْوِي إلاَّ عَنْ ثِقَةٍ، فَرِوَايَتُهُ عَنْ إنْسَانٍ تَعْدِيلٌ لَهُ. وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِتَعْدِيلٍ. وَصَرَّحَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا، وَأَصْحَاب الشَّافِعِيِّ4. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الأَثْرَمِ: إذَا رَوَى الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ رَجُلٍ: فَهُوَ حُجَّةٌ. قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ5: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إذَا رَوَى عَنْ رَجُلٍ لا يُعْرَفُ. فَهُوَ حُجَّةٌ.

_ 1 في ز: وحكى. 2 انظر: المسودة ص 253، مختصر الطوفي ص 61. 3 انظر: جمع الجوامع 2/ 164، فواتح الرحموت 2/ 149، 177. 4 انظر: نهاية السول 2/ 306، العضد على ابن الحاجب 2/ 66، إرشاد الفحول ص 67. 5 هو عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان النَّصْري، أبو زرعة الدمشقي. ذكره الخلال فقال: إمام في زمانه، رفيع القدر، حافظ، عالم بالحديث والرجال، وصنف من حديث الشام ما لم يصنفه أحد ... وجمع كتاباً لنفسه في التاريخ وعلل الرجال، سمعناه، وسمعنا منه حديثاً كثيراً، وكان عالماً بأحمد ويحيى بن معين، وسمع منهما سماعاً كثيراً ... وروى عن أحمد. وكان محدث الشام في زمانه. توفي سنة 280 هـ، وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 205، طبقات الحفاظ ص 266، تذكرة الحفاظ 2/ 624، الخلاصة ص 232، شذرات الذهب 2/ 177". كما روى عن الإمام أحمد أبو زُرعة الرازي، وستأتي ترجمته فيما بعد ص 471.

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ1: مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ أَحَدٍ إلاَّ وَهُوَ ثِقَةٌ. وَذَكَرَ نُصُوصًا أُخَرَ فِي ذَلِكَ عَنْهُ. وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ: إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيُعْرَفُ كَوْنُهُ لا يَرْوِي إلاَّ عَنْ عَدْلٍ، إمَّا بِتَصْرِيحِهِ وَهُوَ الْغَايَةُ، أَوْ بِاعْتِبَارِنَا لِحَالِهِ، أَوْ اسْتِقْرَائِنَا لِمَنْ يَرْوِي عَنْهُ وَهُوَ دُونَ الأَوَّلِ. قَالَهُ2 ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرُهُ3 وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ رِوَايَةَ الثِّقَةِ عَنْ شَخْصٍ لا تَكُونُ4 تَعْدِيلاً لَهُ مُطْلَقًا5. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": وَرِوَايَةُ الْعَدْلِ لَيْسَتْ تَعْدِيلاً عِنْدَ أَكْثَرِ

_ 1 هو إبراهيم بن هانئ، أبو إسحاق النيسابوري. نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، وكان ورعاً صالحاً، صبوراًً على الفقر، كثير العبادة، ثقة. اختفى عنده الإمام أحمد ثلاثة أيام من الواثق. وقال الإمام أحمد: إن كان أحد من الأبدال فإبراهيم بن هانئ. وثقه أحمد والدارقطني. توفي سنة 265 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 97، المنهج الأحمد 1/ 152، شذرات الذهب 2/ 149". وفي ب: ابن برهان. وهو خطأ. 2 في ض: قال. 3 انظر: إرشاد الفحول ص 67. 4 في ش ب ز: يكون. 5 وهو قول أكثر الشافعية وابن حزم الظاهري والخطيب. وقال ابن الصلاح: "عند أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم". ثم قال: "وهو الصحيح". "انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 53، تدريب الراوي 1/ 314، الكفاية ص 89، الرسالة للشافعي ص 374 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 135، المسودة ص 253، 271، 273، فواتح الرحموت 2/ 150، تيسير التحرير 3/ 50، 55، نهاية السول 2/ 306، اللمع ص 44، الروضة ص 59، إرشاد الفحول ص 67، العضد على ابن الحاجب 2/ 66".

الْعُلَمَاءِ1 مِنْ الطَّوَائِفِ، وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ2.اهـ. وَقِيلَ: إنَّهَا تَعْدِيلٌ لَهُ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، عَمَلاً بِظَاهِرِ الْحَالِ3. "وَلا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ مُبْهَمٍ كَحَدَّثَنِي ثِقَةٌ أَوْ عَدْلٌ أَوْ مَنْ لا أَتَّهِمُهُ" عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ، لاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مَجْرُوحًا عِنْدَ غَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ مِنْ صُوَرِ الْمُرْسَلِ عَلَى الْخِلافِ فِيهِ4. قَالَ الرُّويَانِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: هُوَ كَالْمُرْسَلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَكَذَا أَبُو الْمَعَالِي، وَاخْتَارَ5 قَبُولَهُ؛ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَشَارَ إلَيْهِ6. وَقَبِلَهُ الْمَجْدُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُرْسَلَ وَالْمَجْهُولَ. فَقَالَ: "إذَا قَالَ الْعَدْلُ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، أَوْ مَنْ لا أَتَّهِمُهُ، أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ، وَ7نَحْوَ ذَلِكَ.

_ 1 في ض: و. 2 انظر: تيسير التحرير 3/ 50، العضد على ابن الحاجب 2/ 66. 3 انظر هذا القول مع أدلته ومناقشتها في "فواتح الرحموت 2/ 149، 150، تيسير التحرير 3/ 50، 55، نهاية السول 2/ 306، العضد على ابن الحاجب 2/ 66، الكفاية ص 89، المسودة ص 253، 271، 273، مقدمة ابن الصلاح ص 53، تدريب الراوي 1/ 314". 4 وهو قول أبي بكر القفال الشاشي والخطيب البغدادي والصيرفي والقاضي أبي الطيب الطبري وابن حزم والشيخ أبي إسحاق الشيرازي وابن الصباغ والماوردي والروياني. "انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 52، توضيح الأفكار 2/ 167، تدريب الراوي 1/ 310، الكفاية ص 89، المسودة ص 256 وما بعدها، جمع الجوامع 2/ 151، الإحكام لابن حزم 1/ 135، كشف الأسرار 3/ 71، إرشاد الفحول ص 67". 5 في ب ع ض: واختياره. 6 انظر: جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 151، المسودة ص 257. 7 في ش ز: أو. وما أثبتناه في الأعلى من ب ع و"المسودة".

فَإِنَّهُ يُقْبَلُ، وَإِنْ رَدَدْنَا الْمُرْسَلَ وَالْمَجْهُولَ؛ لأَنَّ ذَلِكَ تَعْدِيلٌ صَرِيحٌ عِنْدَنَا1". اهـ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ2. وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلاحِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُقْبَلُ3. وَقِيلَ: -وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّلاحِ عَنْ اخْتِيَارِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ-؛ إنَّهُ4 إنْ كَانَ الْقَائِلُ لِذَلِكَ5 مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ الْعَارِفِينَ بِمَا6 يَشْتَرِطُهُ هُوَ وَخُصُومُهُ فِي الْعَدْلِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي مَقَامِ الاحْتِجَاجِ فَيُقْبَلُ؛ لأَنَّ مِثْلَ هَؤُلاءِ لا يُطْلَقُ فِي مَقَامِ الاحْتِجَاجِ إلاَّ فِي مَوْضِعٍ يَأْمَنُ أَنْ يُخَالِفَ 7فِيهِ مَنْ10 أَطْلَقَ أَنَّهُ ثِقَةٌ8. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، فَتَارَةً يُرِيدُ بِهِ أَحْمَدَ9، وَتَارَةً 10يُرِيدُ بِهِ2 يَحْيَى بْنَ حَسَّانَ11، وَتَارَةً يُرِيدُ بِهِ ابْنَ

_ 1 المسودة ص 256-257. 2 وهو قول الإمام أبي حنيفة وأكثر الحنفية. "انظر: كشف الأسرار 3/ 72، توضيح الأفكار 2/ 167، 171، إرشاد الفحول ص 67، فواتح الرحموت 2/ 177". 3 فواتح الرحموت 2/ 177. 4 ساقطة من ش. وفي ب ز: بأنه. 5 ساقطة من ش. 6 في ب: بها. 7 في د ب ع ض: فيمن. 8 قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: "قبل في الأصح"، وهو قولٌ للإمام أحمد. "انظر: غاية الوصول ص 100، المسودة ص 271، توضيح الأفكار 2/ 172، مقدمة ابن الصلاح ص 52". 9 انظر: مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 315، طبقات الحنابلة 1/ 281، 282. 10 ساقطة من ب ع ض. 11 هو يحيى بن حسان بن حيان البكري التنيسي، أبو زكريا المصري. أخذ عن.......=

أَبِي فُدَيْكٍ1، وَتَارَةً سَعِيدَ بْنَ سَالِمٍ الْقَدَّاحِ2، وَتَارَةً إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ3.

_ = الحمادين، وأخذ عنه الشافعي وأحمد بن صالح. وثقه أحمد والعجلي والنسائي والشافعي وغيرهم. وكان إماماً حجة من جلة المصريين. توفي سنة 208 هـ عن 64 سنة. انظر ترجمته في "حسن المحاضرة 1/ 287، الخلاصة ص 422، شذرات الذهب 2/ 22". ونقل البيهقي عن الربيع بن سليمان أنه قال: "إذا قال الشافعي: أخبرني الثقة، يريد به يحيى بن حسان". ونقل أيضاً: "كان الشافعي إذا قال: "أخبرني الثقة: فإنه يريد به يحيى بن حسان". "مناقب الشافعي 1/ 533، 2/ 246، 316". 1 هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فُدَيك دينار الديلمي مولاهم، أبو إسماعيل المدني، الحافظ. كان كثير الحديث. قال في المغني: "ثقة مشهور". وقال ابن سعد: "وحده ليس بحجة". روى عنه الشافعي وأحمد وقتيبة وآدم بن أبي إياس وآخرون. توفي سنة 200 هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 345، طبقات الحفاظ ص 145، الخلاصة ص 328، شذرات الذهب 1/ 359، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 505". 2 هو سعيد بن سالم القداح، أبو عثمان الخراساني ثم المكي، يروي عن ابن جريج وابن عمر. ويروي عنه الشافعي وعلي بن حرب. قال ابن معين: ليس به بأس. وأخرج له أبو داود والنسائي، وصار مفتي مكة. قال الذهبي: "مات بعد المائتين". انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 2/ 139، الخلاصة ص 138، العقد الثمين 4/ 564، مناقب الشافعي 2/ 312، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 201". 3 هو إسماعيل بن إبراهيم بن مِقْسَم، الإمام الحجة، أبو بشر الأسدي البصري، ابن عُلَيَّة، وهي أمه. كان حافظاً فقيهاً، كبير القدر، ولي المظالم ببغداد زمن الرشيد، وحدّث بها إلى أن مات. قال ابن معين: ثقة ورع تقي. وقال شعبة: ابن عُلية سيد المحدثين، وعُليّة أمه. قال ابن المديني: ما أحد أثبت بالحديث من إسماعيل. وقال: الحفاظ أربعة: إسماعيل بن علية ... . قال ابن قتيبة: وكان من خيار الناس، منسوب إلى أمه. مات سنة 193 هـ، وكان على مظالم محمد الأمين. انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 1/ 213، المعارف ص 384، 507، شذرات الذهب 1/ 333، طبقات الحفاظ ص 133، تذكرة الحفاظ 1/ 322، تاريخ بغداد 6/ 229، طبقات المفسرين 1/ 104، تهذيب الأسماء 1/ 120، الخلاصة ص 32، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 29، الفهرست ص 317"...........=

وَاشْتُهِرَ عَنْهُ ذَلِكَ فِيهِ، وَتَارَةً يُرِيدُ مَالِكًا1. "وَالْجَرْحُ" هُوَ أَنْ يُنْسَبَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "إلَى قَائِلٍ مَا" أَيْ شَيْءٌ"يُرَدُّ لأَجْلِهِ" أَيْ لأَجْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ "قَوْلُهُ" أَيْ قَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ مِنْ خَبَرٍ، أَوْشَهَادَةٍ مِنْ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ، أَوْ ارْتِكَابِ ذَنْبٍ، أَوْ مَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ2. "وَالتَّعْدِيلُ ضِدُّهُ" وَهُوَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى قَائِلٍ مَا يُقْبَلُ لأَجْلِهِ قَوْلُهُ: مِنْ فِعْلِ

_ = وجاء في جميع النسخ: إبراهيم بن إسماعيل. وهو خطأ؛ لأن البيهقي عدد أسماء من روى عنهم الشافعي، وليس فيهم إبراهيم بن إسماعيل، بل ذكر ما أثبتناه في الأعلى، فقال: "إسماعيل بن إبراهيم بن عُلية البصري". "مناقب الشافعي 2/ 314". وقال أيضاً: "قلت: وقد قال الشافعي: أخبرنا الثقة عن معمر، والمراد به "إسماعيل بن عليّة" لتسميته إياه في موضع آخر". "مناقب الشافعي 2/ 316". أما إبراهيم بن إسماعيل بن علية فيقول عنه الذهبي: جهمي هالك، كان يناظر ويقول بخلق القرآن. مات سنة 218 هـ. "ميزان الاعتدال 1/ 20". وذكر البيهقي إبراهيم بن إسماعيل بن عُليّة وأنه كان يناقش الشافعي في خبر الواحد، ثم وصفه بأنه "مبتدع". مناقب الشافعي 1/ 211. 1 حقق الإمام أبو حاتم الرازي هذا الموضوع فقال: "إذا قال الشافعي: أخبرني الثقة عن ابن أبي ذئب، فهو ابن أبي فديك. وإذا قال: حدثني الثقة عن الليث بن سعد، فهو يحيى بن حسان. وإذا قال: أخبرني الثقة عن الوليد بن كثير، فهو أبو أسامة. وإذا قال: أخبرني الثقة عن الأوزاعي، فهو عمرو بن أبي سلمة. وإذا قال: أخبرني الثقة عن ابن جريج، فهو مسلم بن خالد الزنجي. وإذا قال: أخبرني الثقة عن صالح مولى التوأمة، فهو إبراهيم بن يحيى. "انظر: آداب الشافعي ومناقبه ص 96". وانظر: جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 150، تيسير التحرير 3/ 106، تدريب الراوي 1/ 313، إرشاد الفحول ص 67- 68. 2 قال ابن حجر: "الطعن يكون بعشرة أشياء: بعضها يكون أشد في القدح من بعض، خمسة منها تتعلق بالعدالة، وخمسة تتعلق بالضبط". "شرح نخبة الفكر ص 120". وانظر في تعريف الجرح "التعريفات للجرجاني ص 78، الإحكام لابن حزم 1/ 131، مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، الرفع والتكميل ص 27".

الْخَيْرِ وَالْعِفَّةِ وَالْمُرُوءَةِ، وَالتَّدَيُّنِ بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَنَحْوِ ذَلِكَ1. "وَتَدْلِيسُ الْمَتْنِ" وَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ "عَمْدًا: مُحَرَّمٌ وَجَرْحٌ" لِمُتَعَمِّدِهِ2. وَ3لِلتَّدْلِيسِ مَعْنَيَانِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَالاصْطِلاحُ. فَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: كِتْمَانُ الْعَيْبِ فِي مَبِيعٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَيُقَالُ: دَالَسَهُ: خَادَعَهُ، كَأَنَّهُ مِنْ الدَّلَسِ وَهُوَ الظُّلْمَةُ؛ لأَنَّهُ إذَا غَطَّى عَلَيْهِ الأَمْرُ أَظْلَمَهُ عَلَيْهِ4. وَأَمَّا فِي الاصْطِلاحِ فَقِسْمَانِ: قِسْمٌ مُضِرٌّ يَمْنَعُ الْقَبُولَ. وَقِسْمٌ لا يَضُرُّ. فَالْمُضِرُّ: هُوَ تَدْلِيسُ الْمَتْنِ. وَسَمَّاهُ الْمُحَدِّثُونَ: الْمُدْرِجِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ – اسْمُ فَاعِلٍ. فَالرَّاوِي لِلْحَدِيثِ إذَا أَدْخَلَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ كَلامِهِ أَوَّلاً أَوْ5 آخِرًا أَوْ وَسَطًا عَلَى وَجْهٍ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ. وَفَاعِلُهُ عَمْدًا مُرْتَكِبٌ مُحَرَّمًا مَجْرُوحٌ6 عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغِشِّ. أَمَّا لَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْ صَحَابِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، فَلا يَكُونُ ذَلِكَ مُحَرَّمًا7.

_ 1 انظر في تعريف التعديل "مختصر الطوفي ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.الرفع والتكميل ص 27". 2 انظر: اللمع ص 42، جمع الجوامع 2/ 165، غاية الوصول ص 104، شرح نخبة الفكر ص 135. 3 ساقطة من ع ض. 4 انظر: المصباح المنير 1/ 305، القاموس المحيط 2/ 224. 5 في ب: و. 6 ساقطة من ش. 7 المدرج أنواع كثيرة ذكرها علماء الحديث وفصلوا القول فيها "انظر: تدريب الراوي 1/ 268، توضيح الأفكار 2/ 51 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 45، 46، إرشاد الفحول ص 55".

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي التَّشَهُّدِ1. قَالَ فِي آخِرِهِ "فَإِذَا2 قُلْت هَذَا، فَإِنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ" وَهُوَ مِنْ كَلامِهِ، لا مِنْ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ: وَهَذَا مِنْ الْمُدْرَجِ أَخِيرًا3. وَمِثَالُ4 الْمُدْرَجِ أَوَّلاً: مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ" 5، فَإِنَّ "أَسْبِغُوا

_ 1 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، كفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله". قال الترمذي: حديث ابن مسعود أصح حديث في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين. "انظر: صحيح البخاري 1/ 150، صحيح مسلم 1/ 302، مسند أحمد 1/ 376، سنن أبي داود 1/ 221، تحفة الأحوذي 2/ 171، سنن النسائي 2/ 189، سنن ابن ماجه 1/ 291". 2 في ع: وإذا. 3 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 45، معرفة علوم الحديث ص 39، شرح نخبة الفكر ص 136، تدريب الراوي 1/ 268، توضيح الأفكار 2/ 53. 4 في ش: وقال. 5 روى البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لم يغسل عقبه فقال: "ويلٌ للأعقاب من النار". ورواه أحمد عن جابر أيضاً. وروى أبو داود والنسائي عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "أسبغوا الوضوء"، وفي رواية: "أمرنا أن نسبغ الوضوء، ويل للأعقاب من النار".......=

الْوُضُوءَ" مِنْ كَلامِ أَبِي هُرَيْرَةَ1. وَمِثَالُ الْوَسَطِ: مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ2 عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ3 رَضِيَ

_ = ووروى البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه عن عمرو بن العاص مرفوعاً بلفظ: "أتموا الوضوء، ويل للأعقاب من النار". وروى مالك وأحمد وغيرهما أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل عند عائشة، فتوضأ عندها فقالت: يا عبد الرحمن، أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويل للأعقاب من النار". "انظر: صحيح البخاري 1/ 21، 43، صحيح مسلم 1/ 213، سنن أبي داود 1/ 22، سنن النسائي 1/ 66، 75، تحفة الأحوذي 1/ 152، سنن ابن ماجه 1/ 154، مسند أحمد 2/ 201، 282، 4/ 191، 5/ 425، 6/ 81، 99، موارد الظمآن ص 67، الموطأ 1/ 19، سنن الدارمي 1/ 177، نيل الأوطار 1/ 197، 199، 200، فيض القدير 2/ 366، 6/ 366". 1 انظر: شرح نخبة الفكر ص 135، توضيح الأفكار 2/ 55، أصول الحديث ص 371. 2 هو علي بن عمر بن أحمد بن مَهْدي، أبو الحسن، البغدادي، الدارقطني، الإمام الحافظ الكبير، شيخ الإسلام، حافظ الزمان، إليه النهاية في معرفة الحديث وعلومه. وكان يدعى فيه أمير المؤمنين، وكان إماماً في القراءات والنحو. قال الخطيب: "كان فريد عصره، وإمام وقته، وانتهى إليه علم الأثر والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال مع الصدق والثقة وحسن الاعتقاد". وله مصنفات كثيرة، منها: "السنن"، و"العلل"، و"الأفراد"، و"المختلف والمؤتلف"، و"المعرفة بمذاهب الفقهاء"، و"المعرفة بالأدب والشعر". توفي سنة 385 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في طبقات الحفاظ ص 393، تذكرة الحفاظ 3/ 991، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 462، وفيات الأعيان 1/ 459، طبقات القراء 1/ 558، تاريخ بغداد 12/ 34. 3 هي الصحابية بُسرة بنت صفوان بن نوفل الأسدية. وهي خالة مروان بن الحكم، وجدة عبد الملك بن مروان، وهي بنت أخي ورقة بن نوفل، وأخت عقبة بن أبي معيط لأمه، كانت تحت المغيرة بن أبي العاص، فولدت له معاوية وعائشة. روي لها أحد عشر حديثاً. قال الشافعي: "لها سابقة قديمة وهجرة". وكانت من المبايعات. انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 252، الاستيعاب 4/ 249، تهذيب الأسماء 2/ 332، الخلاصة ص 489".

اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَهُ1، فَلْيَتَوَضَّأْ2" قَالَ: فَذِكْرُ الأُنْثَيَيْنِ، وَالرُّفْغِ مُدْرَجٌ، إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ الرَّاوِي عَنْ بُسْرَةَ3. وَ4مَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى الْمُحَدِّثِينَ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِأَنْ يَرِدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى التَّصْرِيحُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلامِ الرَّاوِي، وَهُوَ طَرِيقٌ ظَنِّيٌّ، قَدْ يَقْوَى وَقَدْ يَضْعُفُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ حَيْثُ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُحَدِّثُ عَمْدًا، بِأَنْ قَصَدَ إدْرَاجَ كَلامِهِ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينٍ، بَلْ دَلَّسَ ذَلِكَ: كَانَ فِعْلُهُ حَرَامًا، وَيَصِيرُ مَجْرُوحًا مَرْدُودَ الْحَدِيثِ5. "و"َ الْقِسْمُ الثَّانِي "غَيْرُهُ" أَيْ غَيْرُ الْمُضِرِّ الَّذِي هُوَ تَدْلِيسُ الْمَتْنِ "مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا6" وَلَهُ صُوَرٌ: إحْدَاهَا 7: أَنْ يُسَمِّيَ شَيْخَهُ فِي رِوَايَتِهِ8 بِاسْمٍ لَهُ غَيْرِ مَشْهُورٍ مِنْ كُنْيَةٍ

_ 1 في سنن الدارقطني: رفغيه. 2 سنن الدارقطني 1/ 148. الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك والشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارمي وابن الجارود، بدون الزيادة. وسبق تخريجه ص 367. 3 سنن الدارقطني 1/ 148. وانظر: توضيح الأفكار 2/ 56، شرح نخبة الفكر ص 135. 4 ساقطة من ض. 5 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 46، شرح نخبة الفكر ص 137، أصول الحديث ص 372، توضيح الأفكار 2/ 62. 6 انظر: شرح نخبة الفكر ص 115، تدريب الراوي 1/ 228، الكفاية ص 355، شرح النووي على مسلم 1/ 33، اللمع ص 42، المسودة ص 276، فواتح الرحموت 2/ 149، تيسير التحرير 3/ 56. 7 في ض: أحدها. 8 في ش: رواية.

أَوْ لَقَبٍ أَوْ اسْمٍ1 وَنَحْوِهِ، كَقَوْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ الْمُقْرِئُ الإِمَامِ2: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى. يُرِيدُ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيَّ. وَقَوْلُهُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَسَد3،4وَيُرِيدُ بِهِ5 النَّقَّاشَ5 الْمُفَسِّرَ6 - نِسْبَةً إلَى جَدِّهِ - وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا، وَيُسَمَّى هَذَا "تَدْلِيسَ الشُّيُوخِ7".

_ 1 ساقطة من ض. 2 هو أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، المقرئ، الإمام الحافظ، أبو بكر التميمي، شيخ القراء في وقته. قال ثعلب: ما بقي في عصرنا أعلم بكتاب الله من ابن مجاهد. وكان ذا علم واسع، وبراعة وفهم، وصدق لهجة، وعبادة ونسك، وكان شافعي المذهب، كما كان بصيراً بالقراءات وعللها، وازدحم عليه الطلبة للقراءة والعلم، وصنف "القراءات السبعة". توفي سنة 324 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 57، طبقات القراء 1/ 139، شذرات الذهب 1/ 139، تذكرة الحفاظ 3/ 820، معرفة القراء الكبار 1/ 216". 3 في ش: أسيد. 4 في ب ع ض: يريد. 5 في ش: النعاس. 6 هو محمد بن الحسن بن زياد، المقرئ، المفسر، المعروف بالنقاش، أبو بكر، الموصلي الأصل، البغدادي، الإمام في القراءات والتفسير وكثير من العلوم. وكان إمام أهل العراق في القراءة والتفسير. وصنف في التفسير "شفاء الصدور"، كما صنف في غيره. فمن ذلك: "الإشارة إلى غريب القرآن"، و"الموضح في القرآن ومعانيه"، و"المناسك"، و"دلائل النبوة"، و"المعجم الكبير والأوسط والأصغر" في أسماء القرآن. وله أحاديث مناكير. ولد سنة 266 هـ، وتوفي سنة 351 هـ. انظر ترجمته في "طبقات المفسرين 2/ 132، طبقات القراء 2/ 119، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 145، طبقات الحفاظ ص 370، تذكرة الحفاظ 3/ 908، شذرات الذهب 3/ 8، معرفة القراء الكبار 1/ 236، تاريخ بغداد 2/ 201، البداية والنهاية 11/ 242، وفيات الأعيان 3/ 325". 7 انظر مزيداً من الأمثلة في "توضيح الأفكار 1/ 367 وما بعدها، التعريفات للجرجاني ص 57، المسودة ص 277، أصول السرخسي 1/ 379 وما بعدها، تدريب الراوي 1/ 228، جمع الجوامع 2/ 165، الكفاية ص 22، شرح نخبة الفكر ص 115، نهاية السول 2/ 640، غاية الوصول ص 104، إرشاد الفحول ص 55، أصول الحديث ص 342".

وَأَمَّا تَدْلِيسُ الإِسْنَادِ: فَهُوَ1 أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ لَقِيَهُ أَوْ عَاصَرَهُ حَدِيثًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، مُوهِمًا سَمَاعَهُ مِنْهُ، قَائِلاً: قَالَ: فُلانٌ أَوْ عَنْ فُلانٍ وَنَحْوَهُ. وَرُبَّمَا لَمْ2 يُسْقِطْ شَيْخَهُ وَأَسْقَطَ غَيْرَهُ. قَالَهُ3 ابْنُ الصَّلاحِ4. وَمِثْلَهُ غَيْرُهُ: كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا: "لا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ" 5. ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ؛ لأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا سُلَيْمَانَ بْنَ أَرْقَمَ6

_ 1 في ز ع ض: وهو. 2 في ش: لا. 3 في ض: وقاله. 4 مقدمة ابن الصلاح ص 34. وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 90، تيسير التحرير 3/ 56، كشف الأسرار 3/ 70، أصول السرخسي 1/ 379، التعريفات للجرجاني ص 57، الكفاية ص 22، 357، المسودة ص276، شرح نخبة الفكر ص 115، اللمع ص 42، تدريب الراوي 1/ 243، توضيح الأفكار 1/ 350، إرشاد الفحول ص 55، أصول الحديث ص 342، 343. 5 رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن عائشة مرفوعاً. ورواه أيضاً أبو داود عن ابن عباس. ورواه النسائي عن عمران بن حصين."انظر: سنن أبي داود 2/ 208 وما بعدها، تحفة الأحوذي 5/ 122، سنن النسائي 7/ 24، 26، سنن ابن ماجه 1/ 686، مسند أحمد 6/ 246، سنن الدارمي 2/ 183". 6 هو سليمان بن أرقم البصري، أبو معاذ. قال البخاري: هو مولى قريظة والنضير. روى عن الحسن وعطاء. وروى عنه الثوري ويحيى بن حمزة. قال الترمذي: متروك. وقال أحمد: لا يروى عنه. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: كنا ننهى عن مجالسة سليمان بن أرقم، فذكر منه أمراً عظيماً. وقال الذهبي: "له في "الكامل" نيف وعشرون حديثاً". "انظر: الخلاصة ص 150، ميزان الاعتدال 2/ 196، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 228".

عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ1، وَأَنَّ هَذَا وَجْهُ الْحَدِيثِ2. قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "هَذَا الْقِسْمُ مَكْرُوهٌ جِدًّا ذَمَّهُ الْعُلَمَاءُ. وَكَانَ شُعْبَةُ مِنْ أَشَدِّهِمْ ذَمًّا لَهُ، وَقَالَ مَرَّةً: التَّدْلِيسُ أَخُو الْكَذِبِ، وَلأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ. وَهَذَا مِنْهُ إفْرَاطٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ3".

_ 1 هو يحيى بن أبي كثير صالح بن المتوكل، الطائي مولاهم، أبو النضر، اليماني. كان أحد العلماء الأعلام الأثبات. قال أحمد: من أثبت الناس، إنما يعد مع الزهري. وقال أبو حاتم: إمام لا يحدث إلا عن ثقة. روى عن أنس وجابر وأبي أمامة مرسلاً، وعن عبد الله بن أبي أوفى وعكرمة وغيرهم. وكان يدلس. وقال ابن حبان: "لا يصح له عن أنس بن مالك ولا غيره من الصحابة سماع. وتلك كلها أخبار مدلسة". مات سنة 129 هـ. انظر ترجمته في "الخلاصة ص 427، طبقات الحفاظ ص 51، تذكرة الحفاظ 1/ 127، شذرات الذهب 1/ 176، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 652، مشاهير علماء الأمصار ص 191". 2 تحفة الأحوذي 5/ 122. وقال الخطابي: لو صح هذا الحديث لكان القول به واجباً والمصير إليه لازماً، إلا أن أهل المعرفة بالحديث زعموا أنه حديث مقلوب، وهم فيه سليمان. وقال النووي في "الروضة": حديث ضعيف باتفاق المحدثين. ثم تعقبه الحافظ ابن حجر فقال: قلت: قد صححه الطحاوي وأبو علي ابن السكن، فأين الاتفاق؟ وقال ابن حجر في "فتح الباري": رواته ثقات، لكنه معلول. وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: لا يصحّ. لكن له شاهد، ونبه على الشاهد السيوطي عند النسائي عن عمران. وقال العراقي: فيه اضطراب. وقال النسائي: سليمان بن أرقم متروك. وللحديث طرق ذكرها الحافظ ابن حجر في "التلخيص" مع الكلام عليها. "انظر: نيل الأوطار 8/ 274، 275، فيض القدير 6/ 437، تحفة الأحوذي 5/ 122، فتح الباري 11/ 469، شرح السنة للبغوي 10/ 34". 3 مقدمة ابن الصلاح ص 35. وممن شدّد في ذمه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "اللمع ص 42". وانظر: أصول السرخسي 1/ 379، فواتح الرحموت 2/ 149، كشف الأسرار 3/ 70، شرح النووي على مسلم 1/ 33، شرح نخبة الفكر ص 118، تدريب الراوي 1/ 228، أصول الحديث ص 342، 343.

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُسَمِّيَ شَيْخَهُ بِاسْمِ شَيْخٍ آخَرَ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ رَوَاهُ عَنْهُ1، كَمَا يَقُولُهُ تَلامِذَةُ الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيِّ2: حَدَّثَنَا أَبُو3 عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، تَشْبِيهًا بِقَوْلِ الْبَيْهَقِيّ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَهَذَا لا يَقْدَحُ لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ4. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَأْتِيَ فِي التَّحْدِيثِ بِلَفْظٍ يُوهِمُ أَمْرًا لا قَدْحَ فِي إيهَامِهِ5، وَ6ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: حَدَّثَنَا وَرَاءَ النَّهْرِ، مُوهِمًا أَنَّهُ7 نَهْرُ جَيْحُونَ،

_ 1 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 35، اللمع ص 42، غاية الوصول ص 104، كشف الأسرار 3/ 70، إرشاد الفحول ص 55. 2 هو محمد بن أحمد بن عثمان، أبو عبد الله الذهبي، شمس الدين، الحافظ، الإمام. ولد بكفر بطنا من غوطة دمشق، ودرس في دمشق والقاهرة والإسكندرية ومكة وغيرها، ثم أقام بدمشق. وكان متقناً لعلم الحديث ورجاله، وعرف تراجم الناس والتاريخ، حتى لقب بـ"مؤرخ الإسلام". وله مصنفات كثيرة مشهورة، وهي غاية في الدقة والكمال، منها: "تاريخ الإسلام" الكبير، و"تذهيب التهذيب"، و"ميزان الاعتدال"، و"النبلاء" في شيوخ السنة، و"تذكرة الحفاظ"، و"مختصر سنن البيهقي"، و"طبقات مشاهير كبار القراء"، و"التجريد في أخبار الصحابة". وقد أضر قبل موته بسنوات. توفي سنة 747هـ. انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 3/ 426، نكت الهميان ص 241، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 9/ 100، شذرات الذهب 6/ 153، البدر الطالع 2/ 110، طبقات الحفاظ ص 517، طبقات القراء 2/ 71، ذيل تذكرة الحفاظ ص 34، 347". 3 ساقطة من ز. 4 ساقطة من ب ز ع ض. وانظر: كشف الأسرار 3/ 71، جمع الجوامع 2/ 165، فواتح الرحموت 2/ 149، تيسير التحرير 3/ 56، غاية الوصول ص 104. 5 في ع: إبهامه. 6 ساقطة من ش ز ض. 7 ساقطة من ز ش ب.

وَهُوَ نَهْرُ عِيسَى بِبَغْدَادَ أَوْ1 الْحِيرَةِ وَنَحْوِهَا بِمِصْرَ، فَلا قَدْحَ فِي ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ مِنْ بَابِ الإِغْرَابِ2، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إيهَامُ الرِّحْلَةِ إلاَّ أَنَّهُ صَدَقَ فِي نَفْسِهِ3. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَكْرُوهٌ4. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ5 وَالْمَرُّوذِيِّ6: لا يُعْجِبُنِي، هُوَ مِنْ أَهْلِ الرِّيبَةِ. وَلا يُغَيِّرُ اسْمَ رَجُلٍ؛ 7لأَنَّهُ لا يُعْرَفَ2. وَسَأَلَهُ مُهَنَّا8 عَنْ

_ 1 في ش ز: و. 2 الإغراب من أغرب أي جاء بشيء غريب، وكلام غريب بعيد عن الفهم "المصباح المنير 2/ 681". 3 ويسمى هذا التدليس "تدليس البلاد" ولا يعتبر ذلك جرحاً. "انظر: توضيح الأفكار 1/ 372، أصول الحديث ص 343، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، جمع الجوامع 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 56، الإحكام للآمدي 2/ 90، غاية الوصول ص 104". 4 قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: "هذه الكراهة: تنزيه أم تحريم؟ قولان ... والأشبه أنه محرم" "المسودة ص 277". وانظر: فواتح الرحموت 2/ 149، شرح نخبة الفكر ص 15 وما بعدها، تدريب الراوي 1/ 228. 5 هو حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي، الكرماني، أبو محمد، وقيل أبو عبد الله. كان يكتب بخطه مسائل سمعها من الإمام أحمد. وكان فقيه البلد، رجلاً جليلاً مهيباً، وكان السلطان قد جعله على أمر الحكم وغيره. وسمع من أحمد يقول: الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء، لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة، والخبز والماء في كل يوم مرة أو مرتين. توفي سنة 280 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 145، تذكرة الحفاظ 2/ 613، طبقات الحفاظ ص 271، شذرات الذهب 2/ 176، المدخل إلى مذهب أحمد ص 206". 6 في ش: والمروزي. 7 في ش ز: لئلا يعرف. وفي ب ع: لأنه لا يعرفه. 8هو مهنا بن يحيى الشامي، السُّلَمي، أبو عبد الله. قال الخلال: "كان من كبار أصحاب الإمام أحمد، وروى عن الإمام أحمد من المسائل ما فخر به، وكان الإمام أحمد يكرمه، ويعرف له حق الصحبة. ولزمه 43 سنة إلى أن مات. قال الدارقطني: ثقة نبيل. انظر ترجمته في طبقات الحنابلة 1/ 345، المنهج الأحمد 1/ 331.

هُشَيْمٍ1؟ قَالَ: ثِقَةٌ إذَا لَمْ يُدَلِّسْ. قُلْت: فِي2 التَّدْلِيسِ عَيْبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالأَشْبَهُ تَحْرِيمُهُ، لأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ تَدْلِيسِ الْمَبِيعِ3. "وَمَنْ عُرِفَ بِهِ عَنْ الضُّعَفَاءِ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ السَّمَاعَ" يَعْنِي أَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الضُّعَفَاءِ مُوهِمًا أَنَّ سَمَاعَهُ عَنْ غَيْرِهِمْ: لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ، بِأَنْ يُفْصِحَ بِتَعْيِينِ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ، عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى4. "وَمَنْ كَثُرَ مِنْهُ" التَّدْلِيسُ "لَمْ تُقْبَلْ عَنْعَنَتُهُ" قَالَهُ الْمَجْدُ5، قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُحْمَلَ تَشْبِيهُ ذَلِكَ بِمَا سَبَقَ فِي الضَّبْطِ مِنْ

_ 1 هو هُشيم بن بشير بن القاسم، السُّلَمي مولاهم، أبو معاوية الواسطي. روى عنه شعبة ومالك وأحمد والثوري وغيرهم. قال العجلي: "ثقة يدلس". وقال ابن سعد: ثقة حجة كثير الحديث يدلس كثيراً. وكان عنده عشرون ألف حديث. ومن مؤلفاته: "السنن في الفقه"، و"التفسير"، و"القراءات". توفي سنة 183 هـ ببغداد. انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 1/ 248، تاريخ بغداد 14/ 85، طبقات الحفاظ ص 105، طبقات المفسرين 2/ 352، الفهرست 318، الخلاصة ص 414، مشاهير علماء الأمصار ص 177، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 620. 2 ساقطة من ع. 3 المسودة ص 277. 4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 149، كشف الأسرار 3/ 70، مقدمة ابن الصلاح ص 35، شرح نخبة الفكر ص 116، تدريب الراوي 1/ 229 وما بعدها. 5 وهو قول الشافعي وغيره. انظر: الرسالة ص 380، تيسير التحرير 3/ 56، المسودة ص 261، 276، 278.

كَثْرَةِ السَّهْوِ وَغَلَبَتِهِ، وَمَا1 فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ السَّمَاعَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ. وَمَنْ دَلَّسَ مُتَأَوِّلاً قُبِلَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَالأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ لأَنَّهُ قَدْ صَدَرَ مِنْ الأَعْيَانِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ. وَقَلَّ مَنْ سَلِمَ مِنْهُ2. وَقَدْ رَدَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلَ شُعْبَةَ: التَّدْلِيسُ كَذِبٌ. قِيلَ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ: كَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ: إنَّ التَّدْلِيسَ كَذِبٌ. فَقَالَ: لا، قَدْ دَلَّسَ قَوْمٌ. وَنَحْنُ نَرْوِي عَنْهُمْ3. "وَالْمُعَنْعَنُ بِلا تَدْلِيسٍ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ: مُتَّصِلٌ" يَعْنِي: أَنَّ الإِسْنَادَ الْمُعَنْعَنَ الَّذِي لا يُعْلَمُ فِيهِ تَدْلِيسٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ:4 مُتَّصِلٌ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالأَكْثَرِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ، عَمَلاً بِالظَّاهِرِ. وَالأَصْلُ عَدَمُ التَّدْلِيسِ5، لَكِنْ شَرَطَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ثَلاثَةَ شُرُوطٍ: الْعَدَالَةَ، وَاللِّقَاءَ،

_ 1 ما: ساقطة من ض. 2 انظر: المسودة ص 277. 3 انظر تفصيل ذلك مع الأدلة، وبيان من اشتهر بالتدليس مع الأمثلة في "المسودة ص 277، توضيح الأفكار 1/ 346، 348، 353، الكفاية ص 355، مقدمة ابن الصلاح ص 34 وما بعدها، تدريب الراوي 2/ 223 وما بعدها، معرفة علوم الحديث ص 103، شرح نخبة الفكر ص 116". 4 ساقطة من ب. 5 أي يعتبر الحديث المعنعن مسنداً من حيث الأصل، وليس مرسلاً، ويعمل به، وقال الحاكم: "إن الأحاديث المعنعنة متصلة بإجماع أئمة أهل النقل، إذا لم يكن فيه تدليس". "معرفة علوم الحديث ص 34". وانظر: كشف الأسرار 3/ 71، مقدمة ابن الصلاح ص 29، الرسالة ص 373، 378، شرح الورقات ص 192، اللمع ص 41، شرح نخبة الفكر ص 214 وما بعدها، توضيح الأفكار 1/ 330، تدريب الراوي 1/ 214، صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 127 وما بعدها، المسودة ص 260.

وَعَدَمَ التَّدْلِيسِ1. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا رَوَاهُ الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ2 عَنْ عَلْقَمَةَ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. *أَوْ4 رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ5 عَنْ أَبِيهِ، وَدَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ

_ 1 انظر: شرح الورقات ص 193، تدريب الراوي 1/ 215. 2 هو إبراهيم بن يزيد بن عمرو بن الأسود، أبو عمران، النخعي. قال الذهبي: "أحد الأعلام، يرسل عن جماعة، وكان لا يُحكِم العربية، ربما لحن، واستقر الأمر على أن إبراهيم حجة، وأنه إذا أرسل عن ابن مسعود وغيره، فليس ذلك بحجة". رأى إبراهيم زيد بن أرقم وغيره من الصحابة، ولم يصح له سماعٌ من صحابي، وكان فقيه أهل الكوفة. توفي سنة 95 هـ، وقيل 96 هـ. انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 1/ 74، الخلاصة ص 23، طبقات الفقهاء ص 82، طبقات الحفاظ ص 29، تذكرة الحفاظ 1/ 73، حلية الأولياء 4/ 217، صفة الصفوة 3/ 86، وفيات الأعيان 1/ 6، طبقات القراء 1/ 29، شذرات الذهب 1/ 111، مشاهير علماء الأمصار ص 101". 3 هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة النخعي، أبو شِبل الكوفي، التابعي الكبير، الفقيه البارع. سمع عمر بن الخطاب وعثمان وعليًّا وابن مسعود وسلمان، وأجمعوا على جلالته، ووفور علمه، وجميل طريقته. وكان أكبر أصحاب ابن مسعود وأشبههم به هدياً ودلالة، شهد صفين. توفي سنة 62 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 79، طبقات الحفاظ ص 12، تذكرة الحفاظ 1/ 48، الخلاصة ص 271، تاريخ بغداد 2/ 296، تهذيب الأسماء 1/ 342، المعارف ص 431، شذرات الذهب 1/ 70، معرفة القراء الكبار 1/ 44، طبقات القراء 1/ 516، مشاهير علماء الأمصار ص 100". 4 في ز ش: و. 5هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عمر. وقيل أبو عبد الله القرشي، العدوي، المدني، التابعي، الإمام الفقيه، الزاهد العابد. أجمعوا على إمامته وجلالته، وزهادته وعلو...........=

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1": كُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ2. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّ الإِسْنَادَ الْمُعَنْعَنَ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ3. قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "عَدَّهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ قَبِيلِ الْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ اتِّصَالُهُ بِغَيْرِهِ4". فَيُجْعَلَ مُرْسَلاً، إنْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ5 الصَّحَابِيِّ، وَمُنْقَطِعًا إنْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ6 غَيْرِهِ7. "*وَقَوْلُنَا: "بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ" يَشْمَلُ8: "عَنْ وَإِنْ وَقَالَ" وَنَحْوَهُ عَلَى الصَّحِيحِ9. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ "إنَّ فُلانًا" لَيْسَتْ لِلاتِّصَالِ.10

_ = مرتبته. قال ابن سعد: "كان سالم كثير الحديث، عالياً من الرجال ورعاً". وعدَّه ابن المبارك من فقهاء المدينة السبعة، وأصح الأسانيد كلها: الزهري عن سالم عن أبيه، وهي سلسلة الذهب. توفي سنة 106 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 33، تذكرة الحفاظ 1/ 88، تهذيب الأسماء 1/ 207، الخلاصة ص 131، حلية الأولياء 2/ 193، وفيات الأعيان 2/ 94، شذرات الذهب 1/ 33، طبقات القراء 1/ 301، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 62، مشاهير علماء الأمصار ص 65". *-1 ساقطة من ب. 2 انظر: المسودة ص 261. 3 انظر: المسودة ص 260. 4 مقدمة ابن الصلاح ص 29. 5 في ش ز: قبل. 6 في ش ز: قبل. 7 انظر: اللمع ص 41، كشف الأسرار 3/ 71. 8 في ع: شمل. 9 انظر: الكفاية ص 406. 10 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 29.

وَلَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَ الْمُدَلِّسِ وَغَيْرِهِ1، عُلِمَ2 إمْكَانُ اللِّقَاءِ أَوْ لا. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ. "وَيَكْفِي إمْكَانُ لُقِيٍّ" دُونَ الْعِلْمِ بِهِ3 "فِي قَوْلٍ" اخْتَارَهُ مُسْلِمٌ. وَحَكَاهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالأَخْبَارِ4. قَالَ5 ابْنُ مُفْلِحٍ: وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فِيمَا يُرَدُّ بِهِ الْخَبَرُ وَمَا لا يُرَدُّ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي آخِرِ "شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ". وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ. وَاشْتَرَطَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا: الْعِلْمَ بِاللُّقِيِّ6. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي "شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ": هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلامِ الإِمَامِ7 أَحْمَدَ وَأَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِمْ8 مِنْ أَعْيَانِ الْحُفَّاظِ، بَلْ كَلامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ السَّمَاعِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الأَعْيَانِ ثَبَتَتْ9 لَهُمْ الرُّؤْيَةُ10 لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ. وَقَالُوا مَعَ ذَلِكَ: لَمْ يَثْبُتْ

_ *-1 ساقطة من ض. 2 في ع ض: وعلم. 3 ساقطة من ب. 4 انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 130 وما بعدها، صحيح مسلم 1/ 29. 5 في ض: وقال. 6 انظر: توضيح الأفكار 1/ 44، 86، 100. 7 ساقطة من ش ز. 8 ساقطة من ش ز. وفي ض: وغيرهما. 9 في ب: ثبت. 10 في ز ع ب: الرواية. وهو تصحيف.

لَهُمْ السَّمَاعُ مِنْهُمْ. فَرِوَايَاتُهُمْ عَنْهُمْ مُرْسَلَةٌ. مِنْهُمْ الأَعْمَشُ1، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ2 وَابْنُ عَوْنٍ3، وَقُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ4: رَأَوْا أَنَسًا وَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْهُ، فَرِوَايَتُهُمْ عَنْهُ مُرْسَلَةٌ5. كَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ. وَقَالَهُ6 أَبُو زُرْعَةَ أَيْضًا فِي7 يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ.

_ 1 في ز: للأعمش. 2 هو أيوب بن أبي تميمة كيسان، السختياني، العنزي، أبو بكر البصري، الفقيه، أحد الأئمة الأعلام. قال شعبة: "هو سيد الفقهاء". وقال ابن سعد: "وكان ثقة ثبنتاً حجة جامعاً كثير العلم". وكان من سادات البصرة، وعباد أتباع التابعين، وفقهائهم. واشتهر بالفضل والعلم والنسك والصلابة في السنة، والقمع لأهل البدعة. رأى أنس بن مالك، ولم يسمع منه، وهو من صغار التابعين، مات بالطاعون سنة 131 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء للشيرازي ص 89، طبقات الحفاظ ص 52، تذكرة الحفاظ 1/ 130، تهذيب الأسماء 1/ 131، الخلاصة ص 42، شذرات الذهب 1/ 181، مشاهير علماء الأمصار ص 150، المعارف ص 471، حلية الأولياء 3/ 3، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 48". 3 هو عبد الله بن عون بن أرطبان، المزني، أبو عون البصري، أحد الأعلام، وهو شيخ البصرة وعالمهم. وكان ورعاً ثقة، عالماً بالسنة. قال عبد الرحمن بن مهدي: ما كان بالعراق أعلم بالسنة من ابن عون. وقال أبو إسحاق: هو ثقة في كل شيء. وقال ابن معين: وقد رأى ابن عون أنس بن مالك، وهو أكبر من أيوب بسنتين، وعاش بعده عشرين سنة. توفي سنة 151 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 69، تذكرة الحفاظ 1/ 156، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 90، الخلاصة ص 209، شذرات الذهب 1/ 230، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 324". 4 هو قرة بن خالد السدوسي، الحافظ، أبو خالد البصري، صاحب الحسن وابن سيرين. قال يحيى القطان: كان من أثبت شيوخنا، وثقه أحمد وابن معين، مات سنة 154 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 85، تذكرة الحفاظ 1/ 198، الخلاصة ص 316، شذرات الذهب 1/ 237، مشاهير علماء الأمصار ص 156". 5 في ب: غير مرسلة. 6 في ب ز ع: وقال. 7 في ع: فيه في.

وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: قَدْ رَأَى أَنَسًا فَلا أَدْرِي أَسَمِعَ1 مِنْهُ أَمْ لا؟ وَلَمْ يَجْعَلُوا رِوَايَتَهُ عَنْهُ مُتَّصِلَةً بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ، وَالرُّؤْيَةُ أَبْلَغُ مِنْ إمْكَانِ اللُّقِيِّ. وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ صِبْيَانِ الصَّحَابَةِ رَأَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَصِحَّ لَهُمْ سَمَاعٌ مِنْهُ. فَرِوَايَاتُهُمْ عَنْهُ مُرْسَلَةٌ. كَطَارِقِ بْنِ شِهَابٍ2 وَغَيْرِهِ3. وَكَذَلِكَ مَنْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ مَعَ اللِّقَاءِ لَمْ يَسْمَعْ مِمَّنْ لَقِيَهُ إلاَّ شَيْئًا يَسِيرًا. فَرِوَايَتُهُ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ مُرْسَلَةٌ. كَرِوَايَاتِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ. فَإِنَّ الأَكْثَرِينَ نَفَوْا سَمَاعَهُ مِنْهُ. 4وَأَثْبَتَ أَحْمَدُ أَنَّهُ رَآهُ وَسَمِعَ مِنْهُ، وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ: رِوَايَاتُهُ5 عَنْهُ مُرْسَلَةٌ. إنَّمَا سَمِعَ1 مِنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا، مِثْلَ

_ 1 في ز ش ع ض: سمع. 2 هو طارق بن شهاب بن عبد شمس، الكوفي البجلي، الأحمسي، أبو عبد الله. أدرك الجاهلية. ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو رجل. ويقال: لم يسمع منه شيئاً. قال ابن أبي حاتم: "سمعت أبي يقول: له صحبة، والحديث الذي رواه مرسل" وقال ابن حجر: "إذا ثبت أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي على الراجح". وأخرج له أصحاب الكتب الستة. غزا في زمن أبي بكر وعمر وثلاثين غزوة. سكن الكوفة، توفي سنة 83 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 220، الاستيعاب 2/ 237، تهذيب الأسماء 1/ 251، الخلاصة ص 178، مشاهير علماء الأمصار ص 48". 3 الروايات المرسلة عن الصحابة، سواء كانوا من كبار الصحابة أم من صغارهم، مقبولة عند جماهير علماء الحديث والأصول. أما الروايات المرسلة عن غير الصحابة فقد اختلف العلماء فيها، كما سيذكر ذلك المصنف في فصل "المرسل" في آخر هذا المجلد.4 ساقطة من ض. 5 في ب: روايته.

نَعْيِهِ1 النُّعْمَانَ بْنَ مُقْرِنٍ2 عَلَى الْمِنْبَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ3. وَكَذَلِكَ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ4 عُثْمَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَأْمُرُ5 بِقَتْلِ الْكِلابِ وَذَبْحِ الْحَمَامِ، وَرِوَايَاتُهُ عَنْهُ6 غَيْرَ ذَلِكَ مُرْسَلَةٌ. وَ7قَالَ أَحْمَدُ: ابْنُ جُرَيْجٍ8 لَمْ يَسْمَعْ مِنْ طَاوُسٍ وَلا حَرْفًا. وَيَقُولُ: رَأَيْت طَاوُسًا.

_ 1 في ز ش: نفيه. 2 هو الصحابي النعمان بن مقرن بن عائذ المزني، ويقال: النعمان بن عبيد، ويقال لعبيد: مقرن بن مقرن بن أوس بن مالك الأنصاري. ويقال: النعمان بن عمرو بن مقرن، يكنى بأبي عمرو. وقيل: أبو حكيم. كان مع النبي صلى الله عليه وسلم مع إخوته، وهم سبعة. وسكن. البصرة، ثم ذهب إلى الكوفة، وكان من سادات الصحابة، وشارك في القادسية، وكان أميراً في فتح أصبهان، وتوجه إلى نهاوند، فكان أول صريع فيها سنة 21 هـ. فنعاه عمر للناس يوم أصيب على المنبر، وأخذ حذيفة بن اليمان الراية بعده، ففتح الله عليه. انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 562، الاستيعاب 3/ 545، المعارف ص 299، الخلاصة ص 403، شذرات الذهب 1/ 32". 3 قال يحيى بن سعيد: كان سعيد أحفظ الناس لأحكام عمر وأقضيته، وكان يسمى راوية عمر، وقد ولد سعيد لسنتين مضتا، وقيل لأربع من خلافة عمر. وقال يحيى بن معين: "سعيد بن المسيب رأى عمر". وقال: "ولم يثبت له من عمر سماع. توفي سعيد سنة 93 هـ أو 94 هـ. ومرت ترجمته ص 232. "وانظر: طبقات الحفاظ ص 17- 18، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 207". 4 في ع: عن. 5 ساقطة من ب ز ع ض. 6 ساقطة من ب. 7 ساقطة من ز ش ع. 8 هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج القرشي، الأموي مولاهم، المكي، أبو الوليد، ويقال: أبو خالد، من تابعي التابعين، أحد العلماء المشهورين، من فقهاء مكة وقرائهم. قال أحمد: أول من صنف الكتب ابنُ جريج وابن أبي عروبة. وقال عطاء: سيد أهل الحجاز ابن جريج. وقال ابن حبان البستي: جمع وصنف وحفظ وذاكر، وكان يدلس. قال الواقدي: سألته عن قراءة الحديث عن المحدث؟ قال: إذا قرأها هو والسماع سواء. قال ابن العماد: قلت: هذا مذهب مالك وجماعة. وعن أحمد: فالسماع أعلى رتبة. مات سنة 150 هـ. قال النووي: واعلم أن ابن جريج أحد شيوخنا وأئمتنا، فالشافعي أخذ عن مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 74، تذكرة الحفاظ 1/ 169، مشاهير علماء الأمصار ص 145، طبقات القراء 1/ 469، تهذيب الأسماء 2/ 298، وفيات الأعيان 2/ 338، المعارف ص 488، تاريخ بغداد 1/ 400، شذرات الذهب 1/ 227، الخلاصة ص 244، طبقات المفسرين للداودي 1/ 352، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 371، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 71".

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ أَيْضًا: الزُّهْرِيُّ1 لا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، رَآهُ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَرَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ2 وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. وَأَثْبَتَ أَيْضًا دُخُولَ مَكْحُولٍ3 عَلَى وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ4 وَرُؤْيَتَهُ لَهُ وَمُشَافَهَتَهُ، وَأَنْكَرَ

_ 1 في ض: الرازي. 2 هو الصحابي بن الصحابي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أبو جعفر القرشي الهاشمي. أمه أسماء بنت عميس. كان أبوه جعفر قد هاجر إلى أرض الحبشة فولدت له عبد الله هناك، وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة. وهاجر مع أبيه إلى المدينة، وهو أخو محمد بن أبي بكر الصديق، ويحيى بن علي بن أبي طالب. أمهم أسماء تزوجها جعفر، ثم أبو بكر، ثم علي. وكان عبد الله كريماً جواداً حليماً. وكان يسمى بحر الجود، وهو أجود العرب، مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، ودعا له. توفي سنة 80 هـ. انظر ترجمته "في الإصابة 2/ 289، الاستيعاب 2/ 275، تهذيب الأسماء 1/ 263، الخلاصة ص 193، مشاهير علماء الأمصار ص 9". 3 هو مكحول بن عبد الله الدمشقي، أبو عبد الله الفقيه، أحد أئمة التابعين. قال أبو حاتم: "ما أعلم بالشام أفقه منه". ولم يكن في زمانه أبصر منه بالفتيا، وكان في لسانه عجمة ظاهرة، وهي عجمة أهل السند، لأنه كان من سبي كابل، وثقه جماعة. وضعفه جماعة. توفي سنة 112 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 42، تذكرة الحفاظ 1/ 107، حلية الأولياء 5/ 177، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 75، وفيات الأعيان 4/ 368، الخلاصة ص 386، شذرات الذهب 1/ 146، مشاهير علماء الأمصار ص 114". 4 هو الصحابي واثلة بن الأسقع بن عبد العزى، أبو شداد، وقيل في كنيته غير ذلك، الكناني الليثي. أسلم قبل غزوة تبوك وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد فتح الشام وحمص. وقيل: إنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، وكان من أهل الصُّفّة. سكن الشام بدمشق، ثم استوطن بيت جيرين بقرب بيت المقدس، ودخل البصرة، وكان له بها دار. توفي بدمشق سنة 85 هـ، وقيل غير ذلك. وله مائة وخمس سنين. وهو آخر من مات بدمشق من الصحابة. انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 626، الاستيعاب 3/ 643، طبقات القراء 2/ 358، تهذيب الأسماء 2/ 142، حلية الأولياء 2/ 21".

سَمَاعَهُ مِنْهُ1. وَقَالَ: لَمْ يَصِحَّ لَهُ مِنْهُ سَمَاعٌ2، وَجَعَلَ رِوَايَاتِهِ عَنْهُ مُرْسَلَةً. وَقَالَ أَحْمَدُ: أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ3 لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، مِنْ أَيْنَ سَمِعَ مِنْهُ؟ وَمُرَادُهُ: مِنْ أَيْنَ صَحَّتْ رِوَايَتُهُ4 بِسَمَاعِهِ مِنْهُ، وَإِلاَّ فَإِمْكَانُ ذَلِكَ وَاحْتِمَالُهُ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِي أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ5: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ،

_ 1 ساقطة من ب ع ض. 2 خالف في ذلك الإمام يحيى بن معين، فقال: "سمع مكحول من واثلة بن الأسقع، وسمع من فضالة بن عبيد، وسمع من أنس بن مالك". "يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 584". 3 هو أبان بن عثمان بن عفان، أبو سعيد القرشي، المدني الأموي، التابعي الكبير. قال عمرو بن شعيب: "ما رأيت أحداً أعلم بحديث ولا فقه من أبان بن عثمان". وهو أحد فقهاء المدينة العشرة. واتفق العلماء على أنه ثقة. شهد الجمل مع عائشة، وكان أبرص أحول، وأصابه الفالج قبل موته بسنة. توفي بالمدينة سنة 105 هـ. انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 1/ 97، شذرات الذهب 1/ 131، مشاهير علماء الأمصار ص 67، الخلاصة ص 15". 4 في ب ع ض: الرواية. 5هو أسعد بن سهل بن حنيف، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم جده لأمه أبي أمامة أسعد بن زرارة، وكناه بكنيته ودعا له. وهو أنصاري دَوْسي مدني. ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب: ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عبد البر: يعد من كبار التابعين، وكان من علماء المدينة. توفي سنة مائة هجرية. انظر ترجمته في "الاستيعاب 4/ 5، الإصابة 4/ 9، 3/ 59، شذرات الذهب 1/ 118، مشاهير علماء الأمصار ص 28".

هَذَا مَعَ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَدَلَّ كَلامُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ عَلَى أَنَّ الاتِّصَالَ لا يَثْبُتُ إلاَّ بِثُبُوتِ التَّصْرِيحِ بِالسَّمَاعِ. وَهَذَا أَضْيَقُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْهُمَا: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ1: إمَّا السَّمَاعُ، وَإِمَّا اللِّقَاءُ. وَالإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ تَبِعَهُ2: عِنْدَهُمْ لا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ السَّمَاعِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمْ: أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: ابْنُ سِيرِينَ3 لَمْ يَجِئْ عَنْهُ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الزُّهْرِيُّ أَدْرَكَ أَبَانَ بْنَ عَبَّاس4 وَمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَلَكِنْ لا يَثْبُتُ لَهُ السَّمَاعُ، كَمَا أَنَّ حَبِيبَ بْنَ أَبِي

_ 1 في ع: الأمرين. 2 في د ض: معه. وكذا في أصل ز. لكنها صححت على الهامش كما أثبتناه أعلاه. 3 هو محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر البصري، مولى أنس بن مالك، التابعي الكبير، الإمام في التفسير والحديث والفقه. وعبر الرؤيا والمقدم في الزهد والورع، ولم يكن بالبصرة أعلم منه بالقضاء. وأريد على القضاء فهرب إلى الشام، وكان بزازاً، وحبس بدين عليه. توفي سنة 110 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء للشيرازي ص 88، طبقات القراء 2/ 151، تذكرة الحفاظ 1/ 77، طبقات الحفاظ ص 31، الخلاصة ص 340، وفيات الأعيان 3/ 322، شذرات الذهب 1/ 138، تاريخ بغداد 5/ 331، حلية الأولياء 2/ 263، تهذيب الأسماء 1/ 82، مشاهير علماء الأمصار ص 88". 4 كذا في جميع النسخ. ولم أجد هذا الاسم في كتب الرجال والتراجم. والغالب أنه تصحيف من أبان بن عثمان الذي مرت ترجمته في الصفحة السابقة. ولعله أبان بن أبي عياش، الفقيه أبو إسماعيل، مولى بني عبد القيس، من أهل البصرة. يحدث عن أنس والحسن، وروى عنه الثوري. وكان من العباد الذين يسهرون الليل بالقيام، ويطوي النهار بالصيام. قال أحمد وابن معين: متروك. وقال ابن حبان: ضعيف. مات في حدود 140 هـ. "انظر: الخلاصة ص 15، المعارف ص 421، ميزان الاعتدال 1/ 10، كتاب المجروحين 1/ 81، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 6".

ثَابِتٍ1 لا يَثْبُتُ لَهُ السَّمَاعُ مِنْ عُرْوَةَ، وَقَدْ سَمِعَ مِمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، غَيْرَ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى شَيْءٍ يَكُونُ حُجَّةً. وَاعْتِبَارُ السَّمَاعِ لاتِّصَالِ الْحَدِيثِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَحَكَاهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَقُوَّةُ كَلامِهِ تُشْعِرُ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ. "وَظَاهِرُهُ" أَيْ وَظَاهِرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَكْفِي إمْكَانُ اللِّقَاءِ2 "لَوْ3 رَوَى" ثِقَةٌ "عَمَّنْ" أَيْ عَنْ إنْسَانٍ "لَمْ يُعْرَفْ بِصُحْبَتِهِ، و"َ وَلا بِـ "رِوَايَتِهِ4 عَنْهُ يُقْبَلُ مُطْلَقًا" سَوَاءٌ أَقَرَّ بِهِ أَصْحَابُ الشَّيْخِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ أَوْ أَنْكَرُوهُ؛ لأَنَّهُ ثِقَةٌ. وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَابْنُ بُرْهَانٍ، وَلَمْ يَقْبَلْهُ5 الشَّافِعِيَّةُ. وَكَلامُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ. قَالَ الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ": "إذَا رَوَى رَجُلٌ خَبَرًا عَنْ شَيْخٍ مَشْهُورٍ لَمْ يُعْرَفْ بِصُحْبَتِهِ وَلَمْ 6يَشْتَهِرْ بِالرِّوَايَةِ5 عَنْهُ، وَأَجْمَعَ7 أَصْحَابُ الشَّيْخِ

_ 1 هو حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار الأسدي، أبو يحيى الكوفي، وهو من خيار الكوفيين وثقاتهم ومتقنيهم، لكنه كان يدلس، وهو فقيه الكوفة ومفتيها. سمع ابن عمر وابن عباس، وثقه ابن معين وجماعة. واحتج به كل من أفراد الصحاح بلا تردد. وتكلم فيه ابن عون بأنه كان أعور، وهو من الشيعة. توفي سنة 119 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 116، طبقات الحفاظ ص 44، ميزان الاعتدال 1/ 451، مشاهير علماء الأمصار ص 108، الخلاصة ص 70، المعارف ص 587، 624، شذرات الذهب 1/ 156، حلية الأولياء 5/ 60، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 96، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 83". 2 في ع: اللقي. 3 في ش: أو. 4 في ع: برواية. 5 في ب ع ض: تقبله. 6 في المسودة: تشتهر الرواية. 7 في المسودة: واجتمع.

الْمَعْرُوفُونَ عَلَى جَهَالَتِهِ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ: هَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ قَبُولَ خَبَرِهِ؟ قَالَتْ1 الشَّافِعِيَّةُ: يَمْنَعُ، وَقَالَتْ2 الْحَنَفِيَّةُ: لا يَمْنَعُ، وَنَصَرَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ. وَالأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ، وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ. وَالثَّانِي: يَدُلُّ عَلَى كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي اعْتِذَارِهِ لِجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ3 فِي قِصَّةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ4 مَعَ زَوْجَتِهِ56". وَقَدْ7 قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْمُحَقِّقُونَ8 مِنْ الْعُلَمَاءِ يَمْنَعُونَ رَدَّ الْخَبَرِ

_ 1 في ش ز: وقال. 2في ش ز: وقال. 3 هو جابر بن يزيد بن الحارث، الجُعْفي، الكوفي، أحد كبار علماء الشيعة. وثقه الثوري وغيره. وقال النسائي: "متروك". له في أبي داود حديث فرد. وقال شعبة: كان جابر إذا قال: أخبرنا وحدثنا وسمعنا فهو من أوثق الناس، وكان يؤمن بالرجعة فترك بسبب اعتقاده وتصرفاته. توفي سنة 128 هـ. وروى عنه أبو حنيفة ثم قال: ما رأيت أكذب من جابر الجعفي. وقال ابن معين: كان جابر الجعفي كذاباً. وقال: لا يكتب حديثه ولا كرامة. انظر ترجمته في "الخلاصة ص 59، ميزان الاعتدال 1/ 379، شذرات الذهب 1/ 175، المعارف ص 480، طبقات الحفاظ ص 39، كشف الأسرار 3/ 3، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 76". 4 هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو المنذر. قال ابن سعد: "كان ثقة ثبتاً كثير الحديث حجة". وهو أحد تابعي المدينة المشهورين، المكثرين من الحديث، المعدودين من أكابر العلماء، وجلة التابعين. قدم بغداد على المنصور فمات فيها سنة 146 هـ، وقيل غير ذلك. وصلى عليه المنصور. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 61، تذكرة الحفاظ 1/ 144، وفيات الأعيان 5/ 129، الخلاصة ص 410، شذرات الذهب 1/ 218، ميزان الاعتدال 4/ 301، تاريخ بغداد 14/ 37، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 618". 5 هي فاطمة بنت المنذر بن الزبير الأسدية المدنية. روت عن أم سلمة وعن جدتها أسماء بنت أبي بكر، وحدث عنها زوجها هشام بن عروة وابن سوقة. وثقها العجلي."انظر: الخلاصة ص 494، تذكرة الحفاظ 1/ 144". 6 المسودة ص 305. 7 ساقطة من ب. 8 في ش: المحقون.

بِالاسْتِدْلالِ، كَرَدِّ خَبَرِ الْقَهْقَهَةِ1 اسْتِدْلالاً بِفَضْلِ2 الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْمَانِعِ مِنْ الضَّحِكِ3. وَرَدَّتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرُّؤْيَةِ4. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ قَوْلَهُ: "لأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ5" بَعِيدُ الصِّحَّةِ؛ لأَنَّ السُّنَّةَ تَأْتِي بِالْعَجَائِبِ6. وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَعْرُوفٍ بِالْخَبَرِ بِإِتْلافٍ أَوْ غَضَبٍ لَمْ تُرَدَّ بِالاسْتِبْعَادِ7. هَذَا مَعْنَى8 كَلامِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي رَدِّهِ بِمَا يُحِيلُهُ الْعَقْلُ9.

_ 1 روى ابن أبي شيبة عن حميد بن هلال قال: كانوا في سفر، فصلى بهم أبو موسى، فسقط رجل أعور في بئر أو شيء، فضحك القوم كلهم غير أبي موسى والأحنف، فأمرهم أن يعيدوا الصلاة. وروى الطبراني عن أبي موسى حديث الوضوء من القهقهة. "انظر: تخريج أحاديث البزدوي ص 197". 2 في ش ز: بفعل. 3 انظر: المسودة ص 238. 4 انظر: المسودة ص 238. وحديث الرؤية رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن أبي هريرة وغيره مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 1/ 105، 4/ 283، صحيح مسلم 1/ 163، سنن أبي داود 2/ 535، تحفة الأحوذي 7/ 267، سنن ابن ماجه 1/ 63، سنن الدارمي 2/ 326، مسند أحمد 3/ 16". 5 رواه البخاري في"صحيحه 3/ 138"، والترمذي بمعناه "تحفة الأحوذي 8/ 496". 6 انظر: المسودة ص 238. 7 هنا ينتهي كلام ابن عقيل عن منع رد الخبر بالاستدلال، مع الأمثلة لذلك، والتصرف في العبارة. انظر: "المسودة ص 238". 8 ساقطة من ض. 9 انظر: المسودة ص 238.

"وَلا يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ خَبَرٍ أَنْ لا يُنْكَرَ" يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ رَوَى ثِقَةٌ خَبَرًا فَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ قَبُولِهِ عِنْدَنَا. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلافِ فِي خَبَرِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ1 وَرَدِّ عُمَرَ لَهُ2. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: جَوَابُ مَنْ قَالَ: 3رَدَّهُ السَّلَفُ3: أَنَّ الثِّقَةَ لا يُرَدُّ حَدِيثُهُ لإِنْكَارِ غَيْرِهِ؛ لأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةً4.

_ 1 هي الصحابية فاطمة بنت قيس بن خالد الفهرية القريشية. وهي أخت الضحاك بن قيس، وكانت أكبر منه بعشر سنين، طلقها زوجها، وتزوجت أسامة، وكانت من المهاجرات الأول، وفي بيتها اجتمع أصحاب الشورى، وكانت ذات عقل وافر وجمال وكمال، وهي التي روت قصة الجساسة بطولها، وحديثها في طلب النفقة من وكيل زوجها. وروت 34 حديثاً. انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 384، الاستيعاب 4/ 383، تهذيب الأسماء 2/ 353، الخلاصة ص 494، مسند أحمد 6/ 373". 2 روى مسلم عن الشعبي أنه حدث بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، فأخذ الأسود بن يزيد كفًّا من حصى فحصبه به وقال: ويلك، تحدث بمثل هذا؟! قال عمر: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة، لا ندري، لعلها حفظت أو نسيت". وكذلك روى مسلم أن عائشة رضي الله عنها أنكرت ذلك على فاطمة. "انظر صحيح مسلم 2/ 1116، 1118، نيل الأوطار 6/ 339". وروى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك والدارمي وغيرهم عن فاطمة بنت قيس قالت: طلقني زوجي ثلاثاً، فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة". "انظر: صحيح مسلم 1/ 115، مسند أحمد 6/ 373، سنن أبي داود 1/ 531، تحفة الأحوذي 4/ 351، سنن النسائي 6/ 175، سنن ابن ماجه 1/ 656، الموطأ 2/ 579، سنن الدارمي 2/ 165، نيل الأوطار 6/ 338". 3 في ب: رد السلف الخلف. 4 انظر: المسودة ص 272.

فصل: الصحابي

فَصْلٌ: "الصَّحَابِيُّ: مَنْ لَقِيَهُ" الصَّحَابِيُّ: مَنْ لَقِيَهُ أَيْ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ صَغِيرٍ أَوْ1 كَبِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى "أَوْ رَآهُ يَقَظَةً" فِي حَالِ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "حَيًّا" وَفِي حَالِ كَوْنِ الرَّائِي "مُسْلِمًا. وَلَوْ ارْتَدَّ" بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَرَهُ بَعْدَ إسْلامِهِ "وَمَاتَ مُسْلِمًا". وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي2 تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ؛ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ3 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ4. قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ5.

_ 1 في ض: و. 2 في ز ش: من. 3 ساقطة من ش. 4 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 92، تيسير التحرير 3/ 65، مختصر الطوفي ص 62، إرشاد الفحول ص 70، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94.5 وهناك أقوال كثيرة في تعريف الصحابي وتمييزه عن غيره. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 94، المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 313، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، جمع الجوامع 2/ 165، المسودة ص 292، التعريفات للجرجاني ص 137، شرح النووي على مسلم 1/ 35، الكفاية ص 49 وما بعدها، تدريب الراوي 2/ 208 وما بعدها، توضيح الأفكار 2/ 426 وما بعدها، المعتمد 2/ 666، مقدمة ابن الصلاح ص 146، شرح نخبة الفكر ص 176، كشف الأسرار 2/ 384، فواتح الرحموت 2/ 158، تيسير التحرير 3/ 65، 66، شرح تنقيح الفصول ص 360، الإحكام لابن حزم 1/ 203، شرح الورقات ص 189، الروضة ص 60، مختصر الطوفي ص 62، إرشاد الفحول ص 70، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94، الإصابة في تمييز الصحابة 1/ 7، غاية الوصول ص 104، أسد الغابة 1/ 18".

فَقَوْلُنَا: "مَنْ لَقِيَهُ": أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: "مَنْ رَآهُ" لِيَعُمَّ اللِّقَاءُ1 الْبَصِيرَ وَالأَعْمَى2. وَقَوْلُنَا: "يَقَظَةً" احْتِرَازٌ3 مِمَّنْ رَآهُ مَنَامًا، فَإِنَّهُ لا يُسَمَّى صَحَابِيًّا إجْمَاعًا. وَقَوْلُنَا: "حَيًّا" احْتِرَازٌ4 مِمَّنْ رَآهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَأَبِي ذُؤَيْبٍ الشَّاعِرِ خَالِدِ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيِّ5، لأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ وَأُخْبِرَ بِمَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَافَرَ لِيَرَاهُ، فَوَجَدَهُ مَيِّتًا مُسَجَّى فَحَضَرَ الصَّلاةَ عَلَيْهِ وَالدَّفْنَ6.* فَلَمْ يُعَدَّ صَحَابِيًّا. وَعَدَّهُ ابْنُ مَنْدَهْ7 فِي الصَّحَابَةِ، وَقَالَ: مَاتَ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ.

_ 1 في ع ض: للقي. 2 انظر: شرح نخبة الفكر ص 177، تدريب الراوي 2/ 209، إرشاد الفحول ص 70. 3 في ض: احترازاً. 4 في ض: احترازاً. 5 هو خالد بن خويلد بن محرث، أبو ذؤيب الهذلي، الشاعر المعروف، وهو مشهور بكنيته، والمشهور في اسمه: خويلد بن خالد بن محرث، وهو أشعر بني هذيل. عاش في الجاهلية دهراً، وأسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره، لكنه شهد الصلاة عليه، وشهد دفنه، وساق قصيدة بليغة رثى فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان فصيحاً، كثير الغريب، متمكناً في الشعر. وعامة ما قاله من الشعر في إسلامه. ومات خمسة من أولاده بالطاعون، فرثاهم، وشهد سقيفة بنى ساعدة، وسمع خطبة أبي بكر. ومات في غزو نحو المغرب في خلافة عثمان. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 460، 4/ 65، الاستيعاب 4/ 65". 6 انظر: الإصابة 4/ 65. 7 هو محمد بن إسحاق بن محمد بن زكريا بن يحيى بن منده، أبو عبد الله، الإمام الحافظ، محدث العصر، الأصبهاني، العَبْدي، مكثر في الحديث مع الحفظ والمعرفة والصدق. وله مصنفات كثيرة. قال الذهبي: لا يقبل قول أبي نعيم في ابن منده، ولا قول ابن منده في أبي نعيم، للعداوة المشهورة بينهما. وله كتاب "معرفة الصحابة". ورحل كثيراً، وكان ختام الرحالين، وفرد المكثرين. توفي سنة 395 هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 3/ 1031، طبقات الحفاظ ص 408، شذرات الذهب 3/ 146".

وَفِي "شَرْحِ التَّدْرِيبِ1"، وَمَنْ عَدَّهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمُرَادُهُ2 الصُّحْبَةُ الْحُكْمِيَّةُ، دُونَ الاصْطِلاحِيَّةِ3. وَقَوْلُنَا "مُسْلِمًا" لِيَخْرُجَ مَنْ رَآهُ وَاجْتَمَعَ بِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَلَمْ يَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ4. فَإِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ" كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ5، وَلِيَخْرُجَ أَيْضًا مَنْ رَآهُ وَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَقَوْلُنَا "وَلَوْ ارْتَدَّ". ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَرَهُ وَمَاتَ مُسْلِمًا" لَهُ مَفْهُومٌ وَمَنْطُوقٌ: فَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ إذَا6 ارْتَدَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ، كَابْنِ خَطَلٍ7 وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لا يُعَدُّ مِنْ الصَّحَابَةِ قَطْعًا. فَإِنَّهُ بِالرِّدَّةِ

_ *- 1 ساقطة من ب ع. وفي ض: فلم يعد صحابيًّا، وسقط الباقي. 2 في ض: فمرادهم. 3 انظر: تدريب الراوي 2/ 209، شرح نخبة الفكر ص 179. 4 هو زيد بن عمرو بن نفيل القرشي العَدَوي، والد سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة. كان زيد يتعبد في الفترة قبل النبوة على دين إبراهيم، ويوحد الله، ويعيب على قريش الذبح على الأنصاب، ويقول: يا معشر قريش، ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري، وينهى قريشاً عن الزنا، لأنه يورث الفقر. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه؟ فقال: "يبعث يوم القيامة أمة وحده". توفي قبل النبوة. ورثاه ورقة بن نوفل. قال ابن حجر: ذكره البغوي وابن منده في الصحابة، وفيه نظر، لأنه مات قبل البعثة بخمس سنين. "انظر: الإصابة 1/ 569، تهذيب الأسماء 1/ 205، اقتضاء الصراط المستقيم ص 258". 5 ورواه الطيالسي في "مسنده". "انظر: الإصابة 1/ 570". 6 ساقطة من ع. 7 هو عبد العزى، وقيل: اسمه غالب بن عبد الله بن عبد مناف. وسماه محمد بن.....=

تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهِ مُؤْمِنًا تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الأَشْعَرِيِّ: إنَّ الْكُفْرَ وَالإِيمَانَ لا يَتَبَدَّلانِ. خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. وَالاعْتِبَارُ فِيهِمَا بِالْخَاتِمَةِ1. وَمَنْطُوقُهُ: لَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الإِسْلامِ، كَالأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ2، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُؤْمِنًا3. فَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ مُؤْمِنًا ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ رَآهُ ثَانِيًا مُؤْمِنًا4. فَأَوْلَى وَأَوْضَحُ أَنْ يَكُونَ صَحَابِيًّا. فَإِنَّ الصُّحْبَةَ قَدْ صَحَّتْ

_ = إسحاق والباجي: عبد الله بن خطل. أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بقتله. والسبب أنه أسلم ثم ارتد، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء المسلمين. وروى البخاري ومسلم ومالك عن أنس بن مالك "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: يا رسول الله، ابن خطل متعلق بأشعار الكعبة، فقال: "اقتلوه". انظر: تهذيب الأسماء 2/ 298، تخريج أحاديث البزدوي ص 60، الموطأ 1/ 422، صحيح البخاري 1/ 317، صحيح مسلم 2/ 990، المنتقى للباجي 3/ 80". 1 انظر: شرح نخبة الفكر ص 176، 179، شرح الكوكب المنير المجلد الأول ص 152. 2 هو الأشعث بن قيس بن معديكرب، الكندي، أبو محمد، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر في سبعين راكباً من كندة، وكان من ملوك كندة. ثم ارتد فيمن ارتد من الكنديين وأسر. فأحضر إلى أبي بكر، فأسلم، فأطلقه وزوجه أخته أم فروة، ثم شهد اليرموك والقادسية وغيرهما، وسكن الكوفة، وشهد مع علي رضي الله عنه صفين، وكان اسمه معديكرب. وإنما لقب بالأشعث لحاله، وذهبت عينه يوم اليرموك، فحلف ليثأر، وبر بيمينه، وكان جواداً كريماً. أخرج له البخاري ومسلم في الصحيحين. وتزوج الحسن بن علي ابنته. مات بعد قتل علي بأربعين ليلة، وقيل سنة 42 هـ. انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 5، تهذيب الأسماء 1/ 123، شذرات الذهب 1/ 48، الخلاصة ص 39". 3 وهو قول الشافعية، خلافاً للحنفية، كما ذكر محمد بن نظام الدين الأنصاري، فإنه أنكر صحبته، وبين الأدلة، وهو ما رجحه أيضاً الكمال بن الهمام. انظر: "فواتح الرحموت 2/ 158، تيسير التحرير 3/ 66، شرح نخبة الفكر ص 176، 179". 4 ساقطة من د.

بِالاجْتِمَاعِ1 الثَّانِي قَطْعًا. وَخَرَجَ مَنْ اجْتَمَعَ بِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ وَلَمْ يَلْقَهُ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لا يَكُونُ صَحَابِيًّا بِذَلِكَ الاجْتِمَاعِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مُؤْمِنًا، كَمَا رَوَى2 أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ3 بْنِ أَبِي4 الْحَمْسَاءِ5، قَالَ: بَايَعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ فِي مَكَانِهِ وَنَسِيت6 ثُمَّ ذَكَرْت ذَلِكَ7 بَعْدَ ثَلاثٍ فَجِئْت. فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانِهِ. فَقَالَ: "يَا فَتَى، لَقَدْ شَقَقْت عَلَيَّ 8. أَنَا فِي انْتِظَارِك مُنْذُ ثَلاثٍ 9" ثُمَّ لَمْ يُنْقَلْ10 أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ.

_ 1 في ز: بالإجماع. وهو تصحيف. 2 في ب ز ع ض: رواه. 3 في ش ز ض: ابن عبد الله. وهو خطأ. وقد نص ابن حجر وأبو داود على اسمه، عبد الله بن أبي الحمساء "انظر: الإصابة 2/ 298، سنن أبي داود 2/ 595". 4 ساقطة من ب. 5 هو عبد الله بن أبي الحمساء، العامري، من بني عامر بن صعصعة، يعدّ في أهل البصرة، ويقال: سكن مكة، حديثه عند عبد الله بن شقيق عن أبيه عنه، ومن حديثه أنه قال: بعت بيعاً من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ... الحديث". "انظر: الاستيعاب 2/ 290، الإصابة 2/ 298، الخلاصة ص 195". وفي ش ب ز ض: الحسناء. وهو تصحيف. 6 في ض: فنسيت. 7 ساقطة من ش ب ز ع. 8 في ع: علي يا فتى. 9 رواه أبو داود والبزار. "انظر: سنن أبي داود 2/ 595، الإصابة 2/ 298". 10 في ب: يذكر.

وَدَخَلَ فِي قَوْلِنَا: "مَنْ لَقِيَ" مَنْ جِيءَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ فَحَنَّكَهُ 1النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2. كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ2، أَوْ تَفَلَ فِي3 فِيهِ كَمَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ4، بَلْ مَجَّهُ بِالْمَاءِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ5، وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعٍ6. أَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ7، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ

_ 1 العبارة غير موجودة في ع ض. 2 هو عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هشام، أبو محمد القرشي الهاشمي. لأبيه وأمه صحبة. وأمه هي هند بنت أبي سفيان. ولما ولدته أرسلته إلى أختها أم حبيبة، فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفل في فيه. وكان له عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتان. وروى عنه مرسلاً، واتفقوا على توثيقه، فكان ثقة، ظاهر الصلاح، ولي البصرة لابن عبد الزبير. توفي سنة 84، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 58، 2/ 281، الخلاصة ص 194، شذرات الذهب 1/ 94، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 300". وقد روى الإمام مسلم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَنَّك عبد الله بن أبي طلحة وابن أبي موسى الأشعري وعبد الله بن الزبير. وروي عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيُبَرِّك عليهم ويحنكهم". صحيح مسلم 3/ 1689-1691. وانظر: الإصابة 1/ 5. 3 ساقطة من ع ض. 4 هو محمود بن الربيع بن سراقة، أبو نعيم. وقيل: أبو محمد الأنصاري الخزرجي المدني، ثبت عنه في الصحيح أنه قال: عقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجّها في وجهي من دلوٍ من بئر في دارنا، وأنا ابن خمس. سكن المدينة. قال ابن حجر: "والأثبت في كنيته أبو محمد". توفي سنة 99 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 386، الاستيعاب 3/ 421، مشاهير علماء الأمصار ص 28، تهذيب الأسماء 2/ 84، شذرات الذهب 1/ 116". 5 صحيح البخاري 4/ 117، 106. والحديث رواه مسلم ضمن حديث طويل. ورواه أحمد عن عبادة، والمجُّ هو طرح الماء من الفم بالتزريق. "انظر: صحيح مسلم 1/ 456، 3/ 1689، مسند أحمد 5/ 321، الإصابة 3/ 386". 6 انظر: الإلماع ص 63. 7 انظر: الخلاصة ص 293.

صُعَيْرٍ1 - بِالصَّادِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ - وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَهَؤُلاءِ صَحَابَةٌ، وَإِنْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ خِلافَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلامِ ابْنِ مَعِينٍ وَأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ2 وَأَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَكَأَنَّهُمْ نَفَوْا الصُّحْبَةَ الْمُؤَكَّدَةَ3. "قَالَ فِي "الأَصْلِ" 4أَيْ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فِي "التَّحْرِيرِ5"

_ 1 هو عبد الله بن ثعلبة ب صُعَير –بضم المهملة الأولى- العذري المدني، الشاعر، أبو محمد، حليف بني زهرة، صحابي صغير. مسح النبي صلى الله عليه وسلم وجهه يوم الفتح، وكان قارئاً، ومن أعلم الناس بالأنساب. قال البغوي: رأى النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه، له صحبة. وذكره ابن حبان في الصحابة، ولد قبل الهجرة، وقيل بعدها، ومات سنة 89 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 285، الاستيعاب 2/ 271، مشاهير علماء الأمصار ص 36، الخلاصة ص 293". 2 هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ، القرشي مولاهم، المخزومي، أبو زُرعة الرازي، الإمام الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، حفاظ الإسلام. قال الذهبي: وكان من أفراد الدهر حفظاً وذكاءً وديناً وعلماً وعملاً. وروى عنه الإمام مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو عوانه وخلق. قال الإمام أحمد: ما جاوز الجسر أفقه من إسحاق بن راهويه، ولا أحفظ من أبي زرعة. وقال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل. مات بالري آخر يوم من ذي الحجة سن 264 هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 2/ 557، طبقات الحفاظ ص 249، الخلاصة ص 251، شذرات الذهب 2/ 142، طبقات المفسرين 1/ 369، تاريخ بغداد 10/ 326، طبقات الحنابلة 1/ 199، المنهج الأحمد 1/ 148، شذرات الذهب 2/ 142". 3 جاء في هامش ز: فإنهم اشترطوا في الراوي التمييز. قال في المراسيل للعلائي: عبد الله بن الحارث بن نوفل، وكذا عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تعرف له صحبة، بل تابعي، ذكره الجلال السيوطي في "شرح تدريب الراوي". "وانظر: تدريب الراوي 2/ 209-210، صحيح مسلم 3/ 1689-1691". 4 في ش ز ض: أي قال صاحب التحرير. وفي ب: صاحب التحرير في التحرير.

"وَلَوْ جِنِّيًّا فِي الأَظْهَرِ" أَيْ وَ1لَوْ كَانَ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا2 جِنِّيًّا فِي الأَظْهَرِ مِنْ قَوْلَيْ3 الْعُلَمَاءِ لِيَدْخُلَ4 الْجِنُّ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ "نَصِيبِينَ" وَأَسْلَمُوا، وَهُمْ تِسْعَةٌ أَوْ سَبْعَةٌ مِنْ الْيَهُودِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {إنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} 5 وَذُكِرَ فِي أَسْمَائِهِمْ: شَاصُ، وَمَاصُ، وَنَاشَى، وَمُنْشَى، وَالأَحْقَبُ، وَزَوْبَعَةُ، وَسُرَّقُ، وَعُمَرُ، وَجَابِرٌ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ابْنُ الأَثِيرِ6 فِي كِتَابِهِ "أُسْدُ الْغَابَةِ" قَوْلَ مَنْ ذَكَرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ7. فَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي الصَّحَابَةِ، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَهُمْ. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ" قُلْت: الأَوْلَى أَنَّهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ. فَإِنَّهُمْ لَقَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنُوا بِهِ وَأَسْلَمُوا، وَذَهَبُوا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ض. 3 في ش ز: قول. 4 في ع: فيدخل. 5 الآية 30 من الأحقاف. 6 هو علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم، أبو الحسن، الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري، الملقب بـ "عز الدين". ولد بالجزيرة، ورحل للموصل وبغداد والشام والقدس. ثم لزم بيته للعلم والتصنيف. وكان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل. وكان إماماً في حفظ الحديث ومعرفته، وحافظاً للتواريخ، وخبيراً بأنساب العرب وأيامهم. كان أديباً نبيلاً محتشماً. وأقبل في آخر عمره على الحديث. له مصنفات كثيرة، منها: "الكامل" في التاريخ. واختصر "الأنساب" لأبي سعد السمعاني في "اللباب في تهذيب الأنساب" واستدرك عليه، و"أسد الغابة في معرفة الصحابة"، وشرع في "تاريخ الموصل". توفي سنة 630 هـ بالموصل. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 299، تذكرة الحفاظ 4/ 1399، طبقات الحفاظ ص 492، وفيات الأعيان 3/ 33، شذرات الذهب 5/ 137". 7 قال ابن الأثير في ترجمة: زوبعة الجني: "ولو لم نشرط أننا لا نترك ترجمة لتركنا هذه وأمثالها. أسد الغابة 2/ 267".

"وَالصَّحَابَةُ عُدُولٌ 1". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: "الَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ وَجُمْهُورُ الْخَلَفِ: أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ2 عُدُولٌ بِتَعْدِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ3". وَ4قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ وَغَيْرُهُ: "الأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ5 عَلَى تَعْدِيلِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَلا يُعْتَدُّ بِخِلافِ مَنْ خَالَفَهُمْ6". اهـ7. وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مُقَدِّمَةِ "الاسْتِيعَابِ" إجْمَاعَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ8. وَحَكَى فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الإِجْمَاعَ9.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 90، المستصفى 1/ 164، شرح الورقات ص 191، نهاية السول 2/ 313، جمع الجوامع 2/ 166، المسودة ص 249، 259، 292، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، فواتح الرحموت 2/ 155، تيسير التحرير 3/ 64، كشف الأسرار 2/ 384، مقدمة ابن الصلاح ص 146،شرح نخبة الفكر ص153، اللمع ص 61، غاية الوصول ص 104، مختصر الطوفي ص 62، إرشاد الفحول ص 69، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94، قواعد التحديث ص 199، تدريب الراوي 2/ 214. 2 ساقطة من ب ع ض. وفي المسودة: كلهم 3 المسودة ص 292. 4 ساقطة من ب ز ع ض. 5 في ع: مجتمعة. 6 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 146، 147، إرشاد الفحول ص 69، المسودة ص 69. 7 ساقطة من ش. 8 الاستيعاب 1/ 9. 9 انظر: إرشاد الفحول ص 69.

وَتَعْدِيلَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ عَلَى1 رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْله2 تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} 3، وقَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ} 4وقَوْله تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 5 وقَوْله تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} 6 وقَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ7 وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} 8. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا 9 مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ" 10. وَهَذَا وَإِنْ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَلا يَضُرُّنَا كَوْنُ الْخِطَابِ بِذَلِكَ لِلصَّحَابَةِ؛ لأَنَّ الْمَعْنَى: لا يَسُبُّ غَيْرُ أَصْحَابِي11 أَصْحَابِي.

_ 1 في ع ض: الله على. 2 في ض: قول الله. 3 الآية 100 من التوبة. 4 الآية 18 من الفتح. 5 الآية 29 من الفتح. 6 الآية 110 من آل عمران. 7 تنتهي الآية هنا في ب ع ض. 8 الآية 143 من البقرة. 9 ساقطة من ز ع. 10 الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعاً، وأول الحديث: "لا تسبوا أصحابي". انظر: صحيح البخاري 2/ 292، صحيح مسلم 4/ 1967، مسند أحمد 3/ 11، سنن أبي داود 2/ 518، تحفة الأحوذي 1/ 363، سنن ابن ماجه 1/ 57، كشف الخفا 2/ 352. 11 في ض: صحابي.

"وَلا يَسُبُّ أَصْحَابِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا"1. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي" 2 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ تَوَاتَرَ امْتِثَالُهُمْ الأَوَامِرَ وَالنَّوَاهِيَ3. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ4 الأَدِلَّةُ دَلَّتْ عَلَى فَضْلِهِمْ، فَأَيْنَ التَّصْرِيحُ بِعَدَالَتِهِمْ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ مَنْ أَثْنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ بِهَذَا الثَّنَاءِ كَيْفَ5 لا يَكُونُ عَدْلاً؟ فَإِذَا6 كَانَ التَّعْدِيلُ يَثْبُتُ بِقَوْلِ اثْنَيْنِ مِنْ النَّاسِ. فَكَيْفَ لا تَثْبُتُ الْعَدَالَةُ بِهَذَا الثَّنَاءِ الْعَظِيمِ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ "وَالْمُرَادُ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِقَدْحٍ7". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": وَمُرَادُهُمْ8 مَنْ جُهِلَ حَالُهُ. فَلَمْ يُعْرَفْ بِقَدْحٍ.

_ 1 انظر: شرح النووي على مسلم 16/ 93. 2 الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي النسائي والبيهقي عن عمران بن حصين وأبي هريرة وابن مسعود مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 2/ 287، صحيح مسلم بشرح النووي 16/ 84، سنن أبي داود 2/ 518، تحفة الأحوذي 6/ 586، سنن النسائي 7/ 17، السنن الكبرى 10/ 160، مسند أحمد 1/ 378، صحيح مسلم 4/ 1963". 3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 91، المستصفى 1/ 164، فواتح الرحموت 2/ 156 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 65، كشف الأسرار 2/ 384، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، المحلي على جمع الجوامع 2/ 168، الكفاية ص 46، المسودة ص 259، مقدمة ابن الصلاح ص 147، غاية الوصول ص 104، الروضة ص 60، مختصر الطوفي ص 62، إرشاد الفحول ص69. 4 في ض: فهذه. 5 في ض: فكيف. 6 في ش ز: فإن. 7 انظر: المستصفى 1/ 164، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94. 8 في ش: ومراده.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْحُكْمُ بِالْعَدَالَةِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ اُشْتُهِرَتْ عَدَالَتُهُ. نَقَلَهُ الْبَرْمَاوِيُّ1. قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِير"ِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا فِي النُّسْخَةِ غَلَطًا. اهـ. وَقِيلَ: هُمْ عُدُولٌ إلَى زَمَنِ الْفِتْنَةِ بِقَتْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبَعْدَهُ كَغَيْرِهِمْ2. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: إلاَّ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا لِخُرُوجِهِ عَلَى الإِمَامِ3 بِغَيْرِ حَقٍّ4. وَقِيلَ: هُمْ كَغَيْرِهِمْ مُطْلَقًا5. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَهَذِهِ الأَقْوَالُ بَاطِلَةٌ6، بَعْضُهَا مَنْسُوبٌ إلَى

_ 1 في ض: ذكره. 2 هذا القول ينسب إلى واصل بن عطاء وأصحابه الواصلية. وانظر تفصيل هذا القول. وأدلته ومناقشتها في الإحكام للآمدي 2/ 90، المستصفى 1/ 164، فواتح الرحموت 2/ 155، تيسير التحرير 3/ 64، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، جمع الجوامع 2/ 168، غاية الوصول ص 104، مختصر الطوفي ص 62، إرشاد الفحول ص 70، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94". 3 في ض: الإمامة. 4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 155، تيسير التحرير 3/ 65، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، جمع الجوامع 2/ 168، الإحكام للآمدي 1/ 91، المستصفى 1/ 164، المسودة ص 249، غاية الوصول ص 105، إرشاد الفحول ص 70. 5 وهذا قول المبتدعة والمعتزلة، وهناك أقوال أخرى."انظر/ شرح تنقيح الفصول ص 360، أصول السرخسي 1/ 338 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 90، المستصفى 1/ 164، جمع الجوامع 2/ 168، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، فواتح الرحموت 2/ 155، تيسير التحرير 3/ 64، اللمع ص 42، مختصر الطوفي ص 62، غاية الوصول ص 104، إرشاد الفحول ص 69، 70". 6 في ش: الباطلة.

عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَأَضْرَابِهِ، وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الاجْتِهَادِ، وَلا قَدْحَ عَلَى مُجْتَهِدٍ1 عِنْدَ2 الْمُصَوِّبَةِ وَغَيْرِهِمْ. اهـ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ عُدُولاً: الْعِصْمَةَ وَاسْتِحَالَةَ الْمَعْصِيَةِ عَلَيْهِمْ، إنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ لا نَتَكَلَّفَ الْبَحْثَ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، وَلا طَلَبَ التَّزْكِيَةِ فِيهِمْ3. فَلَوْ4 قَالَ ثِقَةٌ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَذَا: كَانَ ذَلِكَ كَتَعْيِينِهِ بِاسْمِهِ لاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْعَدَالَةِ5. فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ6: مِنْ الْفَوَائِدِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ7 قَطُّ رِوَايَةٌ عَمَّنْ لُمِزَ بِالنِّفَاقِ، يَعْنِي مِمَّنْ يُعَدُّ مِنْ الصَّحَابَةِ8.

_ 1 في ب ض: المجتهد. 2 في ض: على. 3 هذا القول لابن الأنباري وغيره. انظر: اللمع ص 43، إرشاد الفحول ص 70. 4 في ب ض: ولو. 5 انظر: إرشاد الفحول ص 70، المسودة ص 259. 6 هو يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، القُضاعي، ثم الكلبي، الشافعي، الإمام العالم الحبر، الحافظ، محدث الشام، جمال الدين، أبو الحجاج. سمع الكتب الطوال، وكان كثير الحياء والقناعة والتواضع والتوود إلى الناس، قليل الكلام. برع في التصنيف واللغة وفنون الحديث ومعرفة الرجال. ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية. له مصنفات كثيرة مفيدة، منها: "تهذيب الكمال"، و"الأطراف". توفي سنة 742 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 10/ 395، تذكرة الحفاظ 4/ 1498، طبقات الحفاظ ص 517، البدر الطالع 2/ 353، الدرر الكامنة 5/ 233، شذرات الذهب 6/ 136". 7 في ب: توجد. 8 انظر: إرشاد الفحول ص 70.

"وَتَابِعِيٌّ مَعَ صَحَابِيٍّ. كَهُوَ" أَيْ كَالصَّحَابِيِّ "مَعَهُ" أَيْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي التَّابِعِيِّ مَعَ الصَّحَابِيِّ: الْخِلافُ فِي الصَّحَابَةِ قِيَاسًا عَلَيْهِمْ1. وَاشْتَرَطَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَجَمَاعَةٌ فِي التَّابِعِيِّ2 الصُّحْبَةَ3، فَلا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ وَلا اللِّقَاءِ4، بِخِلافِ الصَّحَابَةِ. فَإِنَّ لَهُمْ مَزِيَّةً عَلَى سَائِرِ النَّاسِ وَشَرَفًا بِرُؤْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5. وَاشْتَرَطَ ابْنُ حِبَّانَ فِي التَّابِعِيِّ: كَوْنَهُ فِي سِنٍّ6 يُحْفَظُ عَنْهُ، بِخِلافِ الصَّحَابِيِّ. فَإِنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ اخْتَصُّوا بِشَيْءٍ لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهِمْ7. "وَلا يُعْتَبَرُ عِلْمٌ بِثُبُوتِ الصُّحْبَةِ" فِي حَقِّ مَنْ لَمْ8 تُعْلَمْ صُحْبَتُهُ بِتَوَاتُرٍ أَوْ9 اشْتِهَارٍ عِنْدَ الأَئِمَّةِ10 الأَرْبَعَةِ، خِلافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ11.

_ 1 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 151، تدريب الراوي 2/ 234، غاية الوصول ص 104، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95. 2 في ع: التابعين. 3 انظر: جمع الجوامع 2/ 167، شرح الورقات ص 189، غاية الوصول ص 104. 4 في ع: اللقى. 5 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، أسد الغابة 1/ 19. 6 في ش: ممن. 7 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، أسد الغابة 1/ 19. 8 في ب: لا. 9 في ب ع ض: و. 10 ساقطة من ش. 11 أي يعرف كون الصحابي صحابيًّا بالتواتر والاستفاضة وبكونه من المهاجرين أو من الأنصار، أو بخبر صحابي آخر معلوم الصحبة، وبقول الشخص العدل: أنا صحابي، مع الاختلاف في الحالة الأخيرة فقط. "انظر: المسودة ص 292، إرشاد الفحول ص 71، المدخل إلى مذهب أحمد ص 94".

"فَلَوْ قَالَ مُعَاصِرٌ عَدْلٌ: أَنَا صَحَابِيٌّ قُبِلَ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ: لأَنَّهُ ثِقَةٌ مَقْبُولُ الْقَوْلِ. فَقُبِلَ فِي ذَلِكَ كَرِوَايَتِهِ1. وَقِيلَ: لا يُقْبَلُ2. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الطُّوفِيِّ فِي "مُخْتَصَرِهِ"، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ ابْنِ الْقَطَّانِ3 الْمُحَدِّثِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ4 مِنْ الْحَنَفِيَّةِ5.

_ 1 قال الشوكاني: "ولا بد من تقييد قول من قال بقبول خبره أنه صحابي بأن تقوم القرائن الدالة على صدق دعواه، وإلا لزم قبول خبر كثير من الكذابين الذين ادعوا الصحبة". "إرشاد الفحول ص 71". وهذا ما قيده المصنف بوصفين: معاصر عدل. "انظر: المسودة ص 293، الإحكام للآمدي 2/ 93، العضد على ابن الحاجب 2/ 67، المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 313، جمع الجوامع 2/ 167، المعتمد 2/ 667، تيسير التحرير 3/ 67، الروضة ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95". 2 في ش ب ع ز: تقبل. 3 هو علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم، الحميري، الكتاني الفاسي، أبو الحسن، ابن القطان، الحافظ، الناقد، العلامة المحدث، قاضي الجماعة. كان من أبصر الناس بصناعة الحديث، وأحفظهم لأسماء رجاله، وأشدهم عناية بالرواية، معروفاً بالحفظ والإتقان. صنف "الوهم والإيهام على الأحكام الكبرى لعبد الحق الإشبيلي". مات سنة 628 هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 4/ 1407، طبقات الحفاظ ص 494، شذرات الذهب 5/ 128، شجرة النور الزكية ص 179". 4 هو الحسين بن علي بن محمد بن جعفر، أبو عبد الله الصيمري الحنفي. قال الباجي: "هو إمام الحنفية ببغداد". وكان قاضياً عالماً خبيراً، وكان ثقة صاحب حديث، وكان صدوقاً، وافر العقل، جميل المعاشرة، عارفاً بحقوق أهل العلم، حريصاً على سمعته. له شرح مختصر الطحاوي" عدة مجلدات، "ومجلد ضخم في أخبار أبي حنيفة وأصحابه". توفي سنة 436 هـ. انظر ترجمته في "الجواهر المضيئة 1/ 214، الفوائد البهية ص 67، تاج التراجم ص 26، شذرات الذهب 3/ 256، تاريخ بغداد 8/ 78، تذكرة الحفاظ 3/ 1109". 5 مختصر الطوفي ص 62. ويعلل الطوفي لرأيه فيقول: "إذ هو متهم بتحصيل منصب الصحابة، ولا يمكن تفريع قبول قوله على عدالتهم، إذ عدالتهم فرع الصحبة، فلو أثبتت الصحبة بها لزم الدور". وهو ما....=

"لا" إنْ قَالَ "تَابِعِيٌّ عَدْلٌ: فُلانٌ صَحَابِيٌّ" فَإِنَّهُ لا يُقْبَلُ فِي الأَصَحِّ، لِكَوْنِهِمْ خَصُّوا ذَلِكَ بِالصَّحَابِيِّ عَلَى مَا فِي الصَّحَابِيِّ مِنْ الْخِلافِ. قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ "اللُّمَعِ": لا أَعْرِفُ فِيهِ نَقْلاً. وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ: أَنَّهُ لا يُقْبَلُ؛ لأَنَّ ذَلِكَ مُرْسَلٌ؛ لأَنَّهَا قَضِيَّةٌ لَمْ يَحْضُرْهَا. "وَ" إنْ قَالَ الْعَدْلُ "أَنَا تَابِعِيٌّ، قَالَ فِي "الأَصْلِ" الَّذِي هُوَ "التَّحْرِيرُ" "فَالظَّاهِرُ كَصَحَابِيٍّ" يَعْنِي أَنَّ الْعَدْلَ الْمَعَاصِرَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ، لَوْ قَالَ: أَنَا تَابِعِيٌّ لِكَوْنِي لَقِيت بَعْضَ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ. كَمَا لَوْ قَالَ الْمَعَاصِرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا صَحَابِيٌّ؛ لأَنَّهُ ثِقَةٌ، مَقْبُولُ الْقَوْلِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ كَرِوَايَتِهِ.

_ = أكده ابن عبد الشكور. وردّ ابن قدامة هذه الشبهة فقال: "قلنا: إنما خبَّر عن نفسه بما يترتب عليه حكم شرعي، يوجب العمل، لا يلحق غيره مضرة، ولا يوجب تهمة، فهو كرواية الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم". "الروضة ص 60". وانظر: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/ 161، نهاية السول 2/ 313، المسودة ص 293، الإحكام للآمدي 2/ 93، غاية الوصول ص 104، إرشاد الفحول ص 71، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95.

فصل: مستند الصحابي

فَصْلٌ: مُسْتَنَدُ الصَّحَابِيِّ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: لا خِلافَ فِيهِ، لِكَوْنِهِ لا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لِصَرَاحَتِهِ، وَهُوَ1 الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَعْلَى مُسْتَنَدِ صَحَابِيٍّ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا أَوْ أَخْبَرَنِي، أَوْ شَافَهَنِي وَ2سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَرَأَيْته يَفْعَلُ كَذَا3 وَنَحْوَهُمَا كَحَضَرْتُ أَوْ4 شَاهَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَذَا، أَوْ يَفْعَلُ كَذَا5. وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَعْلَى النَّوْعَيْنِ، لِكَوْنِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا قَطْعًا6. النَّوْعُ الثَّانِي: مَا فِيهِ خِلافٌ لِكَوْنِهِ يَحْتَمِلُ وُجُودَ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ صَرَاحَتِهِ. وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "وَيُحْمَلُ" أَيْ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ "قَالَ" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا "وَ" قَوْلُ الصَّحَابِيِّ "فَعَلَ" رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا "وَنَحْوُهُمَا"

_ 1 في ب ع: فهو. 2 في ب: أو. 3 في ش: كذا كذا. 4 في ب ع ض: و. 5 ساقطة من ز ع ب ض. 6 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 95، المستصفى 1/ 129، نهاية السول 2/ 315، مناهج العقول 2/ 313، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، شرح تنقيح الفصول ص 373، تيسير التحرير 3/ 68، فواتح الرحموت 2/ 161، الروضة ص 47، مختصر الطوفي ص 63، إرشاد الفحول ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95.

كَأَقَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَذَا1، "وَعَنْهُ" كَقَوْلِ2 الصَّحَابِيِّ: أَقُولُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "و"َ كَقَوْلِهِ "إنَّهُ" أَيْ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَذَا3، أَوْ قَالَ كَذَا عَلَى "الاتِّصَالِ" أَيْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لا وَاسِطَةَ بَيْنَهُ4 وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا شَرْعِيًّا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الصَّحَابِيِّ الْقَائِلِ ذَلِكَ5. وَخَالَفَ 6فِي ذَلِكَ6 أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجَمْعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. فَقَالُوا: لا يُحْمَلُ عَلَى السَّمَاعِ لاحْتِمَالِهِ وَتَرَدُّدِهِ بَيْنَ سَمَاعِهِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ7.

_ 1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 161، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، جمع الجوامع 2/ 173، الكفاية ص 419، المسودة ص 260، شرح تنقيح الفصول ص 373، المستصفى 1/ 129، الإحكام للآمدي 2/ 95، غاية الوصول ص 106، الروضة ص 47، مختصر الطوفي ص 63، إرشاد الفحول ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95. 2 في ب: أي وكقول. وفي ض: وقول. 3 ساقطة من ز ش ب ع. 4 في ز: بين. 5 وهو ما رجحه الآمدي وابن عبد الشكور. وقال الخطيب البغدادي: "فقال أكثر العلماء: الواجب في ذلك حمله على أن الصحابي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم" "الكفاية ص 419". وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 95، المستصفى 1/ 130، نهاية السول 2/ 316، مناهج العقول 2/ 314، توضيح الأفكار 1/ 272، المسودة ص 260، تيسير التحرير 3/ 68، فواتح الرحموت 2/ 161. 6 ساقطة من ض. 7 وهو قول القاضي أبي بكر الباقلاني. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 95، نهاية السول 2/ 316، فواتح الرحموت 2/ 161، تيسير التحرير 3/ 68، توضيح الأفكار 1/ 273، الكفاية ص 419، المسودة ص 260".

"وَ" قَوْلُ الصَّحَابِيِّ "أَمَرَ" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا "وَ1نَهَى" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَذَا "وَ2أَمَرَنَا" رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا وَ3نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَذَا "وَ4أُمِرْنَا" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِكَذَا "وَ5نُهِينَا" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَنْ كَذَا "وَ6رُخِّصَ لَنَا" فِي كَذَا، وَ7أُبِيحَ لَنَا كَذَا "وَ8حُرِّمَ عَلَيْنَا" كَذَا "وَمِنْ السُّنَّةِ" كَذَا وَكَذَا9. وَقَوْلُهُ: جَرَتْ السُّنَّةُ أَوْ مَضَتْ السُّنَّةُ بِكَذَا. كَقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "مِنْ السُّنَّةِ: وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد10. وَقَوْلِ أَنَسٍ "مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا – الْحَدِيثَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ11.

_ 1 في ش زض: أو. 2 في ش ب ز: أو. 3 في ش ز: أو. 4 في ب ع ض: أو. 5 في ش ز: أو. 6 في ش ز: أو. 7 في ش ز: أو. 8 في ش: أو. 9 السنة عند الحنفية تعمُّ سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وسنة الخلفاء الراشدين، والكل حجّة عندهم، لأن سنة الخلفاء الراشدين حجة عند الحنفية. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 162، تيسير التحرير 3/ 69، المسودة ص 294". 10 الحديث رواه أبو داود وأحمد والدارقطني والبيهقي والبغوي عن علي رضي الله عنه. "انظر: سنن أبي داود 1/ 174، مسند أحمد 1/ 110، سنن البيهقي 2/ 31، شرح السنة 3/ 32، نيل الأوطار 2/ 210". 11 الحديث رواه البخاري ومسلم والبيهقي وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والدارمي والدارقطني والترمذي وابن ماجه. "انظر: صحيح البخاري 3/ 263، صحيح مسلم 2/ 1084، تحفة الأحوذي 4/ 291، سنن ابن ماجه 1/ 617، سنن الدارمي 2/ 144، نيل الأوطار 6/ 242.

"وَكُنَّا نَفْعَلُ" كَذَا أَوْ1 نَقُولُ كَذَا، أَوْ2 نَرَى كَذَا عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "وَكَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْوَ ذَلِكَ" كَقَوْلِهِ: كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3 "حُجَّةٌ" يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ "قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" لَكِنَّهُ فِي الدَّلالَةِ دُونَ ذَلِكَ، لاحْتِمَالِ الْوَاسِطَةِ أَوْ اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِأَمْرٍ وَلا نَهْيٍ: أَمْرًا أَوْ نَهْيًا، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَقْلِ الأَمْرِ إلاَّ بَعْدَ جَزْمِهِ بِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ، وَمَعْرِفَةُ الأَمْرِ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ اللُّغَةِ وَهُمْ أَهْلُهَا، فَلا تَخْفَى4 عَلَيْهِمْ5.

_ 1 في ب: و. 2 في ب: و. 3 يشترط في هذه الألفاظ الأخيرة: "كنا نفعل، أو نقول، أو نرى، وكانوا يفعلون، وكان الأمر ... أن تضاف إلى عهد النبوة لتدل على الجواز أو الوجوب في الصحيح عند الأكثر، فإن أطلق ففيه خلاف بين العلماء، لكن لا فرق بين قول الصحابي ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعد موته، فإن له حكم الرفع". انظر: "جمع الجوامع 2/ 173، المستصفى 1/ 131، نهاية السول 2/ 317-318، مناهج العقول 2/ 315، المجموع 1/ 59، الكفاية ص 422، شرح النووي على مسلم 1/ 30، المسودة ص 393، 395، تدريب الراوي 1/ 185، توضيح الأفكار 1/ 273 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 23، تيسير التحرير 3/ 70، فواتح الرحموت 2/ 162، شرح تنقيح الفصول ص 373 وما بعدها، غاية الوصول ص 106، الروضة ص 47- 48، مختصر الطوفي ص 64، إرشاد الفحول ص 41، 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95". 4 في ش زض: يخفى. 5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 96 وما بعدها، المستصفى 2/ 130 وما بعدها، نهاية السول 2/ 316، جمع الجوامع 2/ 173، الكفاية ص 419، 420 وما بعدها، المسودة ص 291، المجموع 1/ 59 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 68 وما بعدها، تدريب الراوي 1/ 186، 188 وما بعدها، توضيح الأفكار 1/ 265 وما بعدها، المعتمد 2/ 667، قواعد التحديث ص 144، فواتح الرحموت 2/ 161، تيسير التحرير 3/ 69، الروضة ص 47، غاية الوصول ص 106، مختصر الطوفي ص 64، إرشاد الفحول ص 60، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95.

ثُمَّ إنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ فِي صِيغَةِ الأَمْرِ وَنَحْوِهَا خِلافٌ، وَخِلافُنَا فِيهِ لا يَسْتَلْزِمُهُ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُجَّةً، وَرَجَعَتْ إلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ1. وَخَالَفَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي ذَلِكَ، وَخَالَفَ الصَّيْرَفِيُّ وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالْكَرْخِيُّ الْحَنَفِيَّانِ، وَالإِسْمَاعِيلِيّ2 وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَنَقَلَهُ3 ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: "أُمِرْنَا وَنُهِينَا" لاحْتِمَالِ أَنَّ الآمِرَ غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ النَّاهِي4.

_ 1 انظر: مختصر الطوفي ص 64، والمراجع السابقة. 2 هو أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس، أبو بكر الإسماعيلي، الشافعي، إمام أهل جرجان، والمرجوع إليه في الفقه والحديث، وصاحب التصانيف. قال الشيخ أبو إسحاق:"جمع بين الفقه والحديث ورياسة الدين والدنيا". وقال الحاكم: "كان أبو بكر واحد عصره، وشيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم في الرياسة والمروءة والسخاء". له تصانيف كثيرة، منها: "المستخرج على الصحيح"، و"المعجم"، و"مسند عمر"، و"المسند الكبير" نحو مائة مجلد. توفي سنة 371 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 7، تبيين كذب المفتري ص 192، تذكرة الحفاظ 3/ 947، طبقات الحفاظ ص 381، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 116، شذرات الذهب 3/ 75، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 86". 3 في ض: ونقل. 4 قال الإمام النووي رحمه الله: "إن الصحيح أن قول الصحابي: من السنة كذا في حكم المرفوع، وأنه مذهب الجماهير، وأن أبا بكر الإسماعيلي قال: له حكم الموقوف على الصحابي". "المجموع شرح المهذب 1/ 59، شرح النووي على مسلم 1/ 30. وقال السرخسي: لا يفهم منه ... الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". "أصول السرخسي 1/ 380"، وهو قول ابن حزم أيضاً. "انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 194، الإحكام للآمدي 2/ 97، شرح تنقيح الفصول ص 373، 374، نهاية السول 2/ 316، فواتح الرحموت 2/ 161، تيسير التحرير 3/ 69، 70، المعتمد 2/ 667، المسودة ص 291، مقدمة ابن الصلاح ص 24، توضيح الأفكار 1/ 266، الكفاية ص 423، إرشاد الفحول ص 60، 61، مختصر الطوفي ص 64، غاية الوصول ص 106"

وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْرِضِ الاحْتِجَاجِ، فَيُحْمَلُ عَلَى صُدُورِهِ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ الرَّسُولُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَصْدُرُ عَنْهُ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّحْرِيمُ وَالتَّرْخِيصُ تَبْلِيغًا عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِنْ1 كَانَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ بَعْضِ الْخُلَفَاءِ2، لَكِنَّهُ3 بَعِيدٌ. فَإِنَّ الْمُشَرِّعَ لِذَلِكَ هُوَ صَاحِبُ الشَّرْعِ4. "وَقَوْلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ عَنْهُ5" أَيْ عَنْ الصَّحَابِيِّ إذَا رَوَى عَنْهُ حَدِيثًا "يَرْفَعُهُ" أَيْ الصَّحَابِيُّ "أَوْ يَنْمِيْهِ6" إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوْ يَبْلُغُ بِهِ" النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوْ يَرْوِيهِ7" عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كَمَرْفُوعٍ صَرِيحًا" عِنْدَ الْعُلَمَاءِ8. قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "حُكْمُ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ صَرِيحًا9".

_ 1 في ز: وأنه. 2 في ش: الحلفاء. 3 في ض: لكونه. 4 وهناك قول بالوقف، وقول بالتفصيل، وأن الألفاظ السابقة على درجات، كما بينه البيضاوي وغيره. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 97، المستصفى 1/ 130 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 161، تيسير التحرير 3/ 69، نهاية السول 2/ 316، مناهج العقول 2/ 314، المعتمد 2/ 667، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، شرح تنقيح الفصول ص 374، الروضة ص 47، مختصر الطوفي ص 64، إرشاد الفحول ص 60، 61". 5 في ض: عنه يرفعه. 6 في ب: ينهيه. 7 في ش ز ع ب ض: رواية. 8 انظر: الكفاية ص 415، 416، تدريب الراوي 1/ 191، مقدمة ابن الصلاح ص 25. 9 مقدمة ابن الصلاح ص 25.

وَذَلِكَ كَقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "الشِّفَاءُ فِي ثَلاثٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ", ثُمَّ قَالَ: رَفَعَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1. وَكَحَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ2 عَنْ الأَعْرَجِ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْلُغُ بِهِ. قَالَ: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ" 4، وَغَيْرُهُ كَثِيرٌ.

_ 1 رواه البخاري وابن ماجه. ورواه مسلم وأبو داود بلفظ آخر: "إن كان شيء من أدويتكم خير ففي شَرْطَة مِحْجَم...." ورواه الخطيب بسنده، ورواه مالك بلاغاً. انظر: صحيح البخاري 4/ 9، سنن ابن ماجه 2/ 1155، صحيح مسلم 4/ 1730، سنن أبي داود 2/ 331، الكفاية ص 415، الموطأ 2/ 974، فيض القدير 4/ 175. 2 هو عبد الله بن ذَكْوان، أبو عبد الرحمن، القرشي المدني، وأبو الزناد لقب، وكان يغضب منه، وهو راوية الأعرج. قال الإمام أحمد: كان سفيان يسمي أبا الزناد أمير المؤمنين في الحديث. وهو من كبار العلماء في المدينة بعد كبار التابعين. قال البخاري: أصح أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. وكان ثقة ثبتاً فقيهاً. مات فجأة في مغتسله سنة 131 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 2/ 418، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 65، طبقات الحفاظ ص 54، تذكرة الحفاظ 1/ 134، المعارف ص 464، الخلاصة ص 196، شذرات الذهب 1/ 182، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 305. 3 هو عبد الرحمن بن هرمز بن كيسان، الهاشمي مولاهم، أبو داود، المدني، الأعرج، القارئ، التابعي، صاحب أبي هريرة، كان يكتب المصاحف، وهو من أول من وضع العربية. وكان أعلم الناس بالنحو وأنساب قريش، أخذ القراءة عن أبي هريرة وابن عباس. توفي سنة 117 هـ بالإسكندرية. انظر ترجمته في طبقات القراء 1/ 318، إنباه الرواة 2/ 172، طبقات الحفاظ ص 38، تذكرة الحفاظ 1/ 97، طبقات النحويين واللغويين ص 26، المعارف ص 465، مشاهير علماء الأمصار ص 77، الخلاصة ص 236، شذرات الذهب 1/ 153، تهذيب الأسماء 1/ 305، معرفة القراء الكبار 1/ 63. 4 هذا طرف من حديث رواه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة وجابر ومعاوية وعمرو مرفوعاً. ورواه الترمذي بلفظ آخر. قال النووي: ومعناه في الإسلام والجاهلية، كما صرح به في الرواية الأخرى. انظر: هداية الباري 2/ 246، صحيح مسلم 3/ 1451، مسند أحمد 3/ 379، 4/ 101، تحفة الأحوذي 6/ 481، فيض القدير 6/ 294، شرح النووي على مسلم 12/ 200، الكفاية ص 416، موارد الظمآن ص 369.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةُ "تُقَاتِلُونَ قَوْمًا - الْحَدِيثَ1". وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ2 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ3 "كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاةِ. قَالَ أَبُو

_ 1 هذا طرف من حديث صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقاتلون قوماً بين يدي الساعة، نعالهم الشَّعَر، كأن وجوههم المجان المُطْرقة، حمر الوجوه، صغار الأعين". والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والخطيب مع تقديم وتأخير واختلاف بالألفاظ. "انظر: صحيح البخاري 2/ 278، صحيح مسلم 4/ 2234، سنن أبي داود 2/ 427، تحفة الأحوذي 6/ 461، الكفاية ص 416، تدريب الراوي 1/ 191". 2 هو سلمة بن دينار، المدني الأعرج، الزاهد الفقيه، أبو حازم، التابعي المشهور بالمحاسن، مولى بني مخزوم. أجمعوا على توثيقه وجلالته والثناء عليه، ولم يحدث عن أحد من الصحابة إلا عن سهل بن سعد –خلافاً لأبي حازم التابعي، واسمه: سلمان مولى عزة الأشجعية، المشهور بالرواية عن أبي هريرة- وكان سلمة زاهداً أشقر فارسياً. روى عنه الزهري وهو أكبر منه. قال ابن سعد: "كان ثقة، كثير الحديث، وكان يقص في مسجد المدينة، توفي سنة 140 هـ، وقيل 135 هـ". انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 2/ 207، طبقات الحفاظ ص 53، تذكرة الحفاظ 1/ 133، الخلاصة ص 147، شجرة النور الزكية ص 47، المعارف ص 479، 583، شذرات الذهب 1/ 208، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 224. 3 هو الصحابي سهل بن سعد بن مالك بن ثعلبة ... بن ساعدة الخزرجي الأنصاري، أبو العباس، المدني، من مشاهير الصحابة. وكان اسمه حزناً فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة سنة 91 هـ، وقيل غير ذلك، وروى 188 حديثاً. انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 88، الاستيعاب 2/ 95، الخلاصة ص 157، تهذيب الأسماء 1/ 238، شجرة النور الزكية ص 45، شذرات الذهب 1/ 99".

حَازِمٍ: لا 1أَعْلَمُ إلاَّ أَنَّهُ يَنْمِي2 ذَلِكَ2. قَالَ مَالِكٌ: هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ3. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ4 عَنْ مَالِكٍ. فَقَالَ: "يَنْمِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5"، فَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ6.

_ 1 في ض: يعلم أنه ينهي عن. 2 رواه البخاري وأحمد ومالك والخطيب مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 1/ 135، مسند أحمد 5/ 336، الموطأ 1/ 159، المنتقى 1/ 280، الكفاية ص 416". 3 هو عبد الله بن يوسف الكلاعي، أبو محمد الدمشقي، التِّنِّيسي، شيخ البخاري. وقال البخاري عنه: كان من أثبت الشاميين، وثقه أبو حاتم. وقال ابن معين: أثبت الناس في الموطأ: عبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الله بن يوسف التنيسي، وأخرج له البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي. توفي سنة 218 هـ. "انظر: الخلاصة ص 219، ميزان الاعتدال 2/ 528، طبقات الحفاظ ص 172، تذكرة الحفاظ 1/ 404".وانظر: المنتقى شرح الموطأ 1/ 281. 4 هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب، أبو عبد الرحمن المدني، أحد الأئمة الأعلام في العلم والعمل. نزل البصرة ثم مكة، وكان زاهداً. روى عن مالك. قال أبو حاتم: "ثقة حجّة، لم أرَ أخشع منه". وكان مجاب الدعوة. أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. قال مالك عنه عند مجيئه: "قوموا إلى خير أهل الأرض"، توفي سنة 221هـ. روى عن مالك "الموطأ"، ولازمه عشرين سنة. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 165، الخلاصة ص 215، تذكرة الحفاظ 1/ 383، الديباج المذهب 1/ 411، العقد الثمين 5/ 285، وفيات الأعيان 2/ 250، شجرة النور الزكية ص 57، شذرات الذهب 2/ 49". 5 صحيح البخاري 1/ 135، وعبارة البخاري: "حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن أبي حازم". فزاد ابن أبي حازم، بينما نقل الباجي أن البخاري "أخرجه من رواية عبد الله بن يوسف عن مالك" "المنتقي 1/ 381". 6 قال الحافظ ابن حجر: "هذا حكمه الرفع، لأنه محمول على أن الآمر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، قال البيهقي: لا خلاف في ذلك بين أهل النقل". وقال النووي: "هذا حديث صحيح مرفوع، ونميت الحديث، رفعته وأسندته، وفي رواية: يرفع مكان ينمي، والمراد بقوله: ينميه: يرفعه في اصطلاح أهل الحديث"..........=

"وَ" قَوْلُ "تَابِعِيٍّ: أُمِرْنَا وَنُهِينَا، وَمِنْ السُّنَّةِ، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ" كَذَا "كَ" قَوْلِ "صَحَابِيٍّ" ذَلِكَ "حُجَّةٌ" أَيْ فِي الاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا1. وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَكِنَّهُ كَالْمُرْسَلِ2. وَخَالَفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي قَوْلِهِ: "كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا"3. وَقَالَ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لأَنَّهُ قَدْ يَعْنِي مَنْ أَدْرَكَهُ. كَقَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ "كَانُوا يَفْعَلُونَ" يُرِيدُ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ4. "وَأَعْلَى مُسْتَنِدِ غَيْرِ صَحَابِيٍّ: قِرَاءَةُ الشَّيْخِ" عَلَى الرَّاوِي عَنْهُ، وَهُوَ يَسْمَعُ، سَوَاءٌ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ إمْلاءً أَوْ تَحْدِيثًا مِنْ حِفْظِهِ أَوْ مِنْ كِتَابِهِ5.

_ =وقال الباجي: قال إسماعيل ينمى ذلك، ولم يقل ينمي. قال ابن وضاح: يريد ينمى ذلك يرفع ذلك ويسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الشوكاني: وقد أعل بعضهم الحديث بأنه ظن من أبي حازم، ورد بأن أبا حازم لو لم يقل: لا أعلمه إلى آخره، لكان في حكم المرفوع، لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا، يصرف بظاهره إلى من له الأمر وهو النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: فتح الباري 2/ 152-153، شرح النووي على مسلم 4/ 114، نيل الأوطار 2/ 209، المنتقى 1/ 281، مقدمة ابن الصلاح ص 24. 1 انظر: الروضة ص 48، مختصر الطوفي ص 64. 2 وهذا ما رجحه الشوكاني، وعند الشافعية وجهان، والمشهور أنه موقوف على بعض الصحابة. وقال الحافظ العراقي كما قال النووي: "الأصح أنه من التابعين موقوف، ومن الصحابي ظاهر في أنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال النووي أيضاً: إنه موقوف، وهو قول الشافعي في الجديد". "انظر: إرشاد الفحول ص 61، المستصفى 1/ 131، تيسير التحرير 3/ 69، توضيح الأفكار 1/ 299، المجموع 1/ 60، شرح النووي على مسلم 1/ 30، المسودة ص 294، 295". 3 ساقطة من ش ز ع ب. 4 انظر: المسودة ص 297. 5 هذه المراتب مختلف في ترتيبها قوة وضعفاً بين العلماء، كما جاء في "فواتح الرحموت" و"كشف الأسرار" وغيرها، وجعلها الشيخ زكريا الأنصاري إحدى عشرة مرتبة........=

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ "فَإِنْ قَصَدَ" الشَّيْخُ "إسْمَاعَهُ وَحْدَهُ، أَوْ" أَنْ يُسْمِعَهُ "وَ" يُسْمِعَ غَيْرَهُ "قَالَ" أَيْ سَاغَ لِلرَّاوِي أَنْ يَقُولَ "أَسْمَعَنَا، وَ" أَنْ يَقُولَ "حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا" فُلانٌ1 "وَقَلَّ" قَوْلُ الرَّاوِي2 فِي مِثْلِ هَذَا "أَنْبَأَنَا وَ3نَبَّأَنَا" فُلانٌ4 "وَهِيَ" أَيْ هَذِهِ الأَلْفَاظُ "مُرَتَّبَةٌ" أَيْ فِي الرُّتْبَةِ "كَمَا ذُكِرَتْ" أَيْ كَمَا رُتِّبَتْ فِي الذِّكْرِ.

_ = "انظر: المستصفى 1/ 165، فواتح الرحموت 2/ 164، نهاية السول 2/ 320، كشف الأسرار 3/ 39، غاية الوصول ص 106، شرح تنقيح الفصول ص 367، 375، أصول السرخسي 1/ 375، الإحكام لابن حزم 1/ 255، الإحكام للآمدي 2/ 99، تيسير التحرير 3/ 91، مناهج العقول 2/ 318، المعتمد ص2/ 663، الإلماع ص 69، قواعد التحديث ص 203، توضيح الأفكار 2/ 295، تدريب الراوي 2/ 8، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، جمع الجوامع 2/ 174، أصول الحديث ص 233، شرح الورقات ص 193، الروضة ص 61، مختصر الطوفي ص 65، شرح نخبة الفكر ص 210، إرشاد الفحول ص 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، مقدمة ابن الصلاح ص 62". 1 ويجوز أن يقول أيضاً: قرأ علي، ويجوز بالإفراد: حدثني ... وبالجمع: حدثنا. "انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 62، شرح نخبة الفكر ص 210، 212، الإلماع ص 69، 122، توضيح الأفكار 2/ 297، تدريب الراوي 1/ 8، الكفاية ص 294، شرح الورقات ص 193، الإحكام لابن حزم 1/ 255، الإحكام للآمدي 2/ 99، المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 320، مناهج العقول 2/ 318، شرح تنقيح الفصول ص 375، كشف الأسرار 3/ 39، 42، تيسير التحرير 3/ 93، اللمع ص 45، الروضة ص 61، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، مختصر الطوفي ص 65، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، إرشاد الفحول ص 62". 2 في ز ش ع ب: الرواة. 3 في ض: أو. 4 انظر: شرح الورقات ص 193، مقدمة ابن الصلاح ص 63، شرح نخبة الفكر ص 210، الإلماع ص 69، 122، توضيح الأفكار 2/ 297، الكفاية ص 294.

قَالَ الْخَطِيبُ1: "أَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ: سَمِعْت، ثُمَّ حَدَّثَنَا. وَحَدَّثَنِي، ثُمَّ أَخْبَرَنَا. وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الاسْتِعْمَالِ، ثُمَّ أَنْبَأَنَا وَنَبَّأَنَا، وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الاسْتِعْمَالِ2".اهـ. وَإِنَّمَا كَانَتْ "أَسْمَعَنَا وَحَدَّثَنَا" أَرْفَعُ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الاحْتِرَازِ مِنْ الإِجَازَةِ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَخْبَرَنَا" أَسْهَلُ مِنْ "حَدَّثَنَا" فَإِنَّ حَدَّثَنَا شَدِيدٌ3. اهـ. "وَلَهُ" أَيْ لِلرَّاوِي "إفْرَادُ الضَّمِيرِ" بِأَنْ يَقُولَ: سَمِعْت أَوْ حَدَّثَنِي "وَ" لَوْ كَانَ "مَعَهُ غَيْرُهُ، وَ" لَهُ "جَمْعُهُ" أَيْ جَمْعُ الضَّمِيرِ بِأَنْ يَقُولَ: سَمِعْنَا أَوْ حَدَّثَنَا، وَلَوْ كَانَ الرَّاوِي "مُنْفَرِدًا" بِالسَّمَاعِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ4 "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الشَّيْخُ الإِسْمَاعَ "قَالَ" الرَّاوِي "سَمِعْت وَحَدَّثَ، وَأَخْبَرَ وَأَنْبَأَ وَنَبَّأَ" قَطَعَ بِهِ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ5.

_ 1 ساقطة من ض. 2 انظر: الكفاية ص 284-286 بتوسع. وانظر: تدريب الراوي 2/ 8 وما بعدها. 3 انظر: المسودة ص 283. روى الرامهرمزي والخطيب والشيخ تقي الدين عن الإمام أحمد: أن حدثنا وأخبرنا واحد، وهو مذهب غالب المغاربة. "انظر: المحدث الفاصل ص 517، الكفاية ص 286، المسودة ص 283، شرح نخبة الفكر ص 211، الإلماع ص 133، تدريب الراوي 2/ 10، قواعد التحديث ص 207 وما بعدها، أصول الحديث ص 248". 4 انظر آراء العلماء في ذلك في الكفاية ص 294 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 93، معرفة علوم الحديث ص 260، الإلماع ص 127، شرح نخبة الفكر ص 211 وما بعدها. 5 ولا يجوز للراوي أن يقول في هذه الحالة: حدثني، ولا أخبرني، بأن يضيفه إلى نفسه؛ لأنه مُشعِر بالقصد، وهو ما لم يقع، وهو ما ذكره عدد من الأصوليين، منهم: الآمدي والعضد والإسنوي ... وقال بعض العلماء: لا فرق في جواز الرواية على الجملة بين كون قراءة الشيخ عن قصد، وكونها اتفاقية، وبه صرح الماوردي والروياني، لكن الفرق في اللفظ فقط. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 100، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، نهاية السول 2/ 320، مناهج العقول 2/ 318، كشف الأسرار 3/ 39، المعتمد 2/ 664، مقدمة ابن الصلاح ص 64، شرح نخبة الفكر ص 211، شرح الورقات ص 194، إرشاد الفحول ص 61، 62".

وَالرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ مُسْتَنَدِ1 غَيْرِ الصَّحَابِيِّ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "ثُمَّ قِرَاءَتُهُ" أَيْ قِرَاءَةُ الرَّاوِي عَلَى الشَّيْخِ2. وَالرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ: سَمَاعُ الرَّاوِي قِرَاءَةَ غَيْرِهِ عَلَى الشَّيْخِ وَهُوَ يَسْمَعُ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ غَيْرِهِ" أَيْ غَيْرِ الرَّاوِي "عَلَى الشَّيْخِ3".

_ 1 في ش: متسند. 2 أكثر المحدثين يُسَمُّون القراءة على الشيخ عرضاً، أي أن القارئ يعرض ما يقرؤه على الشيخ، كما يعرض القرآن على الإمام. وذهب بعض الناس إلى كراهتها. وقال جماهير الفقهاء والمحدثين: إنها بمنزلة السماع. وقال بعضهم بتقديم السماع على القراءة. وقال آخرون بتقديم القراءة على السماع. "انظر آراء العلماء وأدلتهم ومناقشتها في "الإحكام لابن حزم 1/ 255، الإحكام للآمدي 2/ 99، المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 320، مناهج العقول 2/ 318، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، جمع الجوامع 2/ 174، أصول السرخسي 1/ 375، فواتح الرحموت 2/ 164، تيسير التحرير 3/ 91، كشف الأسرار 3/ 39، المعتمد 2/ 627، شرح الورقات ص 194، الروضة ص 61، مختصر الطوفي ص 65، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 62، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، معرفة علوم الحديث ص 259، شرح نخبة الفكر ص 210، الإلماع ص 70، قواعد التحديث ص 203، توضيح الأفكار 2/ 298، تدريب الراوي 2/ 12، المحدث الفاصل ص 420، مقدمة ابن الصلاح ص 64، الكفاية ص 260، أصول الحديث ص 235". 3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 376، فواتح الرحموت 2/ 164، تيسير التحرير 3/ 91، جمع الجوامع 2/ 174، المسودة ص 286، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، المعتمد 2/ 664، مناهج العقول 2/ 318، نهاية السول 2/ 320، غاية الوصول ص 106، مقدمة ابن الصلاح ص 64، شرح نخبة الفكر ص 210، الإلماع ص 70، قواعد التحديث ص 203، تدريب الراوي 2/ 12.

"وَيَقُولُ فِيهِمَا1" أَيْ قِرَاءَتِهِ، وَفِي2 قِرَاءَةِ غَيْرِهِ "حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ3". "وَيَجُوزُ الإِطْلاقُ" وَهُوَ أَنْ لا يَقُولَ: قِرَاءَةً4 عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْخَلاَّلِ وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ5 وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمْ6. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: لا يُطْلِقُ، وَقَالَ جَمْعٌ؛ لأَنَّهُ كَذِبٌ7.

_ 1 في ش ز: فيها. 2 في ساقطة من ض. 3 "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 296، المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 320، مناهج العقول 2/ 318، المسودة ص 283، فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 93، الإحكام للآمدي 2/ 100، كشف الأسرار 3/ 39، 42، توضيح الأفكار 2/ 305، تدريب الراوي 2/ 16، شرح نخبة الفكر ص 210، آداب الشافعي ص 99، مختصر الطوفي ص 65، إرشاد الفحول ص 62، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، أصول الحديث ص 240، مقدمة ابن الصلاح ص 65، المعتمد 2/ 665". 4 في ش: قرأت. 5 في ز: ابن عبد العزيز. وهو خطأ 6 وهو مذهب أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة، وسفيان بن عيينة، ومعظم الحجازيين، والكوفيين، والبخاري والثوري والزهري ويحيى بن معين. "انظر: شرح الورقات ص 195، فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 93، نهاية السول 2/ 321، كشف الأسرار 3/ 40، المسودة ص 283، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 296، تدريب الراوي 2/ 16، المحدث الفاصل ص 421 وما بعدها، توضيح الأفكار 2/ 305، جامع بيان العلم 2/ 214، مختصر الطوفي ص 65، الروضة ص 61، إرشاد الفحول ص 62، مقدمة ابن الصلاح ص 65". 7 وهو ما أيده أبو إسحاق الشيرازي وأبو الحسين البصري، كما أيده الآمدي، وصححه الغزالي. وقال المحلي وابن الصلاح: "هو مذهب الشافعي وأصحابه ومسلم بن الحجاج وجمهور أهل المشرق وعزي إلى أكثر المحققين. وقال الجويني: يجوز الإطلاق في أخبرني دون حدثني......=

وَفِي الرِّوَايَةِ بِسَمَاعِ قِرَاءَةِ غَيْرِهِ عَلَى الشَّيْخِ خِلافٌ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ: الصِّحَّةُ1. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ2: وَوَقَعَ الإِجْمَاعُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الأَزْمِنَةِ وَقَبْلَهَا. وَحُكِيَ الْمَنْعُ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ3 وَوَكِيعٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلاَّمٍ4 وَعَبْدِ

_ =انظر: اللمع ص 45، شرح الورقات ص 195، الإحكام للآمدي 2/ 100، المستصفى 1/ 165، تيسير التحرير 3/ 93، نهاية السول 2/ 321، كشف الأسرار 3/ 39، 42، مقدمة ابن الصلاح ص 65، المعتمد 2/ 664، توضيح الأفكار 2/ 305 وما بعدها، تدريب الراوي 2/ 16، الكفاية ص 296، الروضة ص 61، شرح تنقيح الفصول ص 377، إرشاد الفحول ص 62. 1 انظر: مختصر الطوفي ص 65، جامع بيان العلم 2/ 216، والمراجع السابقة في الهامش 6 من الصفحة السابقة. 2 انظر: شرح نخبة الفكر ص 213، توضيح الأفكار 2/ 303. 3 هو الضحاك بن مَخْلد بن الضحاك الشيباني البصري، النبيل، الحافظ، أبو عاصم. كان فقيهاً حافظاً، عابداً متقناً. روى عنه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. وكان واسع العلم، ولم يُرَ في يده كتاب قط. قال: من طلب الحديث فقد طلب أعلى الأمور، فيجب أن يكون خير الناس. توفي سنة 212 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 156، تذكرة الحفاظ 1/ 366، الخلاصة ص 177، المعارف ص 520، شذرات الذهب 2/ 28". 4 هو محمد بن سلاّم بن عبيد الله بن سالم، أبو عبد الله البصري، الجُمَحي، وهو أخو عبد الرحمن بن سلاّم، وهو من أهل اللغة والأدب. وروى عنه الجمّ الغفير، وكان صدوقاً، يختلف إليه يحيى بن معين ليستفيد منه. له كتاب في "طبقات الشعراء". مات ببغداد سنة 231 هـ. انظر ترجمته في "إنباه الرواة 3/ 143، الخلاصة ص 340، طبقات المفسرين 2/ 151، بغية الوعاة 1/ 115، تاريخ بغداد 5/ 327، شذرات الذهب 2/ 71، ميزان الاعتدال 3/ 567، الفهرست ص 165". وانظر: محمد بن سلاَم البخاري، أبو عبد الله السُّلَمي مولاهم، الحافظ الكبير. روى عن ابن عيينة وابن المبارك وغيرهم. وروى عنه ابنه إبراهيم والبخاري وخلق، وكان من كبار المحدثين، وله حديث ورحلة، وله مصنفات في كل باب من العلم. توفي سنة 225 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 182، تذكرة الحفاظ 2/ 422، الخلاصة ص 34.

الرَّحْمَنِ بْنِ سَلاَّمٍ الْجُمَحِيِّ1. "وَسُكُوتُ الشَّيْخِ عِنْدَ قِرَاءَةٍ عَلَيْهِ بِلا مُوجِبٍ" لِسُكُوتِهِ2 مِنْ3 غَفْلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَإِقْرَارِهِ4. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ. قَالَ: وَالأَحْوَطُ أَنْ يَسْتَنْطِقَهُ بِالإِقْرَارِ5 بِهِ6" وَشَرَطَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ إقْرَارَ الشَّيْخِ بِصِحَّةِ مَا قُرِئَ عَلَيْهِ نُطْقًا7.

_ 1 هو عبد الرحمن بن سلاَّم بن عبيد الله بن سالم، أبو حرب، مولى قدامة بن مظعون. قال أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في الثقات. وهو أخو محمد بن سلاّم الجمحي. مات سنة 232 هـ، وقيل غير ذلك. وروى له مسلم 13 حديثاً. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب 6/ 192، إنباه الرواة 3/ 143 هامش". 2 في ش: كسكوته. 3 في ش: عن. 4 انظر: المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 321، شرح الورقات ص 195، الإحكام للآمدي 2/ 100، مناهج العقول 2/ 319، المسودة ص 284، 286، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 280، الإلماع ص 78، توضيح الأفكار 2/ 306، تدريب الراوي 2/ 20، مقدمة ابن الصلاح ص 67، شرح تنقيح الفصول ص 377، الروضة ص 61، فواتح الرحموت 2/ 164، تيسير التحرير 3/ 91، كشف الأسرار 3/ 39". 5 في ض: بإقرار. 6 وهو قول الخطيب والقاضي أبي يعلى وأبي الطيب. انظر: الكفاية ص 280، المسودة ص 284، 287. 7 وهو رأي بعض الشافعية كأبي إسحاق الشيرازي وسَليم الرازي. "انظر: المستصفى 1/ 165، كشف الأسرار 3/ 39، الإحكام للآمدي 2/ 100، تيسير التحرير 3/ 91، نهاية السول 2/ 316، شرح تنقيح الفصول ص 377، مقدمة ابن الصلاح ص 65، الإلماع ص 78، توضيح الأفكار 2/ 306، تدريب الراوي 2/ 20، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 280، الروضة ص 61، مختصر الطوفي ص 65".

وَالصَّحِيحُ: أَنَّ عَدَمَ إنْكَارِهِ، وَلا حَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، مِنْ إكْرَاهٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: كَافٍ. لأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ بِأَنَّ السُّكُوتَ تَقْرِيرٌ فِي مِثْلِ هَذَا، وَإِلاَّ لَكَانَ سُكُوتُهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ قَادِحًا1. "وَيَحْرُمُ" عَلَى الرَّاوِي "إبْدَالُ قَوْلِ الشَّيْخِ حَدَّثَنَا بِ" قَوْلِ الرَّاوِي "أَخْبَرَنَا وَعَكْسُهُ" وَهُوَ إبْدَالُ قَوْلِ الشَّيْخِ "أَخْبَرَنَا" بِقَوْلِ الرَّاوِي "حَدَّثَنَا"، لاحْتِمَالِ2 أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ لا يَرَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَذِبًا عَلَيْهِ3. وَعَنْهُ: لا يَحْرُمُ4. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: "أَخَذَهَا الْقَاضِي مِنْ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ5: حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَاحِدٌ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ6 سَلَمَةُ بْنُ

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 100،" المستصفى" 1/ 165، "كشف الأسرار" 3/ 39، "الروضة ص 61، "مقدمة ابن الصلاح" ص 67. 2 في ش ب ز ع: لاحتماله. 3 انظر: الكفاية ص 292 وما بعدها، "مقدمة ابن الصلاح" ص 68، "تدريب الراوي" 2/ 22، "المسودة" ص 283، 285، "الروضة" ص 61، "مختصر الطوفي" ص 65. 4 وهو قول من أباح التحديث على المعنى. انظر: "الكفاية" ص 293، "المسودة" ص 283، "الروضة" ص 61، "مختصر الطوفي" ص 65. 5 هو أحمد بن عبد الجبار بن محمد بن عمر بن عطارد، التميمي، العطاردي، أبو عمر الكوفي، أحد الضعفاء، ضعفه غير واحد. قال ابن عدي: إنه كان يتورع أن يحدث عن كل أحد. وسماعه للسيرة صحيح. وقيل: إن أبا داود روى عنه، لكن المزي قال: لم أقف على ذلك. مات سنة 272 هـ. انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال" 1/ 112، "الخلاصة" ص 8، "شذرات الذهب" 2/ 162. 6 في ع ب ض: عن. وما أثبتناه في الأعلى من ش ز والمسودة.

شَبِيبٍ1 "أَيْضًا2". "و"َيَحْرُمُ أَيْضًا عَلَى الرَّاوِي" رِوَايَةُ مَا شَكَّ فِي سَمَاعِهِ" مَا دَامَ شَاكًّا. ذَكَرَهُ الآمِدِيُّ إجْمَاعًا؛ لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ السَّمَاعِ؛ وَلأَنَّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ3 عَلَى شَيْخِهِ4. "و"َكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مَرْوِيٍّ "بِمُشْتَبَهٍ بِغَيْرِهِ" أَيْ بِغَيْرِ مَرْوِيٍّ. لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحْتَمَلُ5 أَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي رَوَاهُ مَا دَامَ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ أَحَدُ الْمُشْتَبَهَيْنِ أَنَّهُ مَسْمُوعُهُ6. وَ"يَحْرُمُ أَيْضًا عَلَيْهِ: رِوَايَةُ "مُسْتَفْهِمٍ مِنْ غَيْرِ الشَّيْخِ7".

_ 1 سلمة بن شبيب النيسابوري، أبو عبد الله الحافظ. روى عن الشافعي والعلماء في الشام والحجاز والعراق وخراسان، ونزل مكة. قال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: ليس به بأس. وروى عنه أصحاب الكتب الستة إلا البخاري، وأبو حاتم وعبد الله بن أحمد بن حنبل وآخرون. وقيل: إن أحمد بن حنبل حدّث عنه. توفي بمصر سنة 247 هـ، وقيل غير ذلك. وقال الخلال: "رفيع القدر، حدّث عنه شيوخنا الأجلّة". انظر ترجمته في "الخلاصة" ص 148، "تذكرة الحفاظ" 2/ 543، "طبقات الحنابلة" 1/ 168، "شذرات الذهب" 2/ 116، "مناقب الشافعي" 2/ 334. 2 "المسودة" ص 283. وهو ما نقله الخطيب البغدادي عن الإمام أحمد في "الكفاية" ص 286. 3 في ش ب ز: شهادته. 4 "انظر: الإحكام للآمدي" 2/ 101، "المستصفى" 1/ 166، "مقدمة ابن الصلاح" ص 105، "المعتمد" 2/ 627، "شرح تنقيح الفصول" ص 367، "الإلماع" ص 135، "الكفاية" ص 234، "الروضة" ص 62، "مختصر الطوفي" ص 67. 5 في ض: يجعل. 6 وقيل: يجوز اعتماداً على غلبة الظن. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 102، المستصفى 1/ 166، 167، المعتمد 2/ 666، الكفاية ص 372، الروضة ص 62، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96". 7 وأجازها آخرون نظراً لاتحاد المجلس. "انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 70، توضيح الأفكار 2/ 308، تدريب الراوي 2/ 26"

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ بَعْدَ كَلامٍ تَقَدَّمَ: وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ إلاَّ مَا سَمِعَهُ مِنْ الشَّيْخِ فَلا يَسْتَفْهِمُهُ مِمَّنْ مَعَهُ، ثُمَّ يَرْوِيهِ. وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ خِلافًا لآخَرِينَ. اهـ. قَالَ خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ1: سَمِعْت مِنْ الثَّوْرِيِّ عَشَرَةَ آلافِ حَدِيثٍ أَوْ نَحْوَهَا. فَكُنْت أَسْتَفْهِمُ جَلِيسِي. فَقُلْت لِزَائِدَةَ2. فَقَالَ: لا تُحَدِّثُ بِهَا إلاَّ مَا 3تَحْفَظُ بِقَلْبِكَ6 وَتَسْمَعُ أُذُنُكَ4. قَالَ5: فَأَلْقَيْتُهَا6. "لا" أَنْ يَرْوِيَ "مَا ظَنَّهُ مَسْمُوعَهُ" مِنْ غَيْرِ اشْتِبَاهٍ "أَوْ" ظَنَّهُ مِنْ مُشْتَبَهٍ بِعَيْنِهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالأَكْثَرِ، عَمَلاً بِالظَّنِّ7.

_ 1 هو خلف بن تميم بن أبي عتاب الكوفي، أبو عبد الرحمن، الإمام الحافظ الزاهد، التميمي، ويقال البجلي، ويقال المخزومي مولاهم. وثقه أبو حاتم وابن حبان. قال أبو حاتم: ثقة صالح الحديث. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق أحد النساك المجاهدين. روى عن الثوري عشرة آلاف حديث. قال ابن حبان: مات سنة 206هـ. وقال ابن سعد: 213 هـ. انظر ترجمته في "الخلاصة" ص 105، "تذكرة الحفاظ" 1/ 379. 2 هو زائدة بن قدامة الثقفي، أبو الصلت الكوفي، الإمام. كان ثقة حجة. قال الإمام أحمد: المثبتون في الحديث أربعة: سفيان وشعبة وزهير وزائدة. وكان لا يحدث أحداً حتى يسأل عنه، فإن كان من أهل السنة حدثه، وإن كان من أهل البدعة لم يحدثه، وكان لا يعد السماع حتى يسمعه ثلاث مرات. له مصنفات كثيرة، منها: "التفسير"، و"السنن"، و"القراءات"، و"الزهد"، و"المناقب". توفي بأرض الروم غازياً سنة 161 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "طبقات المفسرين" 1/ 174، "طبقات القراء" 1/ 288، "طبقات الحفاظ" ص 91، "تذكرة الحفاظ" 1/ 215، "الخلاصة" ص 120، مشاهير علماء الأمصار ص 171، الفهرست ص 316، "شذرات الذهب" 1/ 251، يحيى بن معين وكتابه "التاريخ" 1/ 170. 3 في د ع ض: يحفظ قلبك. 4 في ش: بأذنك. 5 ساقطة من ع. 6 انظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 70، "الإلماع" ص 136، "الكفاية" ص 70. 7 وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد، خلافاً لأبي حنيفة. انظر: "الإحكام للآمدي" 2/ 102، والمراجع السابقة في الصفحة السابقة 498 هامش 6.

"وَلا يُؤَثِّرُ" فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ "مَنْعُ الشَّيْخِ" الرَّاوِيَ مِنْ "رِوَايَتِهِ عَنْهُ بِلا قَادِحٍ1". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ بَعْدَ كَلامٍ تَقَدَّمَ. وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ، أَنَّ مَنْعَ الشَّيْخِ لِلرَّاوِي2 مِنْ رِوَايَتِهِ - وَلَمْ يُسْنِدْ ذَلِكَ إلَى خَطَإٍ أَوْ شَكٍّ - لا يُؤَثِّرُ. وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ. اهـ. "ثُمَّ" الرُّتْبَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ مُسْتَنَدِ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ: الرِّوَايَةُ بِالإِجَازَةِ وَتَتَفَاوَتُ. وَبِجَوَازِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالأَكْثَرُ مِنْ أَصْحَابِهِمَا وَبَقِيَّةُ الْعُلَمَاءِ، وَحَكَى الاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِهَا الْبَاقِلاَّنِيُّ وَالْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُمَا3.

_ 1 وهذا قول بعض الظاهرية، خلافاً للجمهور الذين منعوا الرواية مع وجوب العمل إن صح السند. قال النووي: وقال بعض أهل الظاهر: لو قال هذه روايتي لا تروها، كان له روايتها عنه. والصحيح ما قاله غير واحد من المحدثين وغيرهم أنه لا تجوز الرواية به، لكن يجب العمل به إن صح السند "تدريب الراوي 2/ 59". وانظر: مقدمة ابن الصلاح ص 84، المحدث الفاصل ص 451، أصول الحديث ص 241. 2 في ش: الراوي. 3 وحكى القاضي عياض أيضاً الإجماع على جواز الرواية بها كالعمل بها، ونقل الآمدي عدم جوازها عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال ابن عبد الشكور: إن أبا حنيفة احتاط، ومنع الإجازة. "انظر: المستصفى 1/ 165، فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 94، نهاية السول 2/ 322، مناهج العقول 2/ 320، كشف الأسرار 3/ 43، المسودة ص 287، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 311، تدريب الراوي 2/ 29، المحدث الفاصل ص 435، توضيح الأفكار 2/ 309، جامع بيان العلم 2/ 219، قواعد التحديث ص 204، مقدمة ابن الصلاح ص 72، أصول الحديث ص 236، شرح ألفية العراقي 2/ 61، اللمع ص 45، الروضة ص 61، شرح الورقات ص 196، مختصر الطوفي ص 66، إرشاد الفحول ص 63، المدخل إلى "مذهب أحمد" ص 95، "الإحكام للآمدي 2/ 100".

وَاحْتَجَّ ابْنُ الصَّلاحِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ "إذَا جَازَ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ مَرْوِيَّاتِهِ، وَقَدْ1 أَخْبَرَهُ بِهَا جُمْلَةً. 2فَهُوَ كَمَا1 لَوْ أَخْبَرَهُ بِهَا3 تَفْصِيلاً، وَإِخْبَارُهُ بِهَا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى التَّصْرِيحِ نُطْقًا، كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ4. وَعَلَى هَذَا: يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا كَالْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ. قَالَهُ5 ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ6. وَمَنَعَهَا شُعْبَةُ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ. وَنَقَلَهُ الرَّبِيعُ7 عَنْ الشَّافِعِيِّ8.

_ 1 في ش ز ب ع ض: فقد. وما أثبتناه في الأعلى من مقدمة ابن الصلاح. 2 كذا في مقدمة ابن الصلاح، وفي جميع النسخ: فكما. 3 ساقطة من ز ع ب ض، ومقدمة ابن الصلاح. 4 مقدمة ابن الصلاح ص 73. وانظر: اللمع ص 45. 5 في ش: قال. 6 وخالف بعض أهل الظاهر، وقالوا: لا يجب العمل بها، لأنها جارية مجرى المراسيل، والرواية عن المراسيل. وقال الجمهور: يجب العمل بها. "انظر: اللمع ص 45، الكفاية ص 311، شرح ألفية العراقي 2/ 63". 7 هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي، أبو محمد، المؤذن، المصري، صاحب الإمام الشافعي، الذي روى أكثر كتبه، وأثنى عليه الشافعي خيراً, وكان مؤذناً بمسجد عمرو. ويقدم الأصحاب روايته على رواية المزني عند التعارض. قال النووي: "واعلم أن الربيع حيث أطلق في كتب المذهب المراد به المرادي، وإذا أرادوا الجيزي قيدوه". وصارت الرواحل تشد إليه من أقطار الأرض لسماع كتب الشافعي منه. توفي سنة 270 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 132، وفيات الأعيان 2/ 52، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 98، البداية والنهاية 11/ 48، طبقات الحفاظ ص 252، تذكرة الحفاظ 2/ 286، الخلاصة ص 115، حسن المحاضرة 1/ 348، 398، شذرات الذهب 2/ 159، الفهرست ص 297، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 24، "طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 12". 8 ومنعها أبو الشيخ الأصبهاني والقاضي حسين والماوردي والروياني من الشافعية وأبو طاهر الدباس من الحنفية، وأبو نصر السجزي وغيرهم. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 377، كشف الأسرار 3/ 43، تدريب الراوي 2/ 30، قواعد التحديث ص 204، جامع بيان العلم 2/ 219، اللمع ص 45، مقدمة ابن الصلاح ص 72، الروضة ص 45، "الكفاية" ص 314، "إرشاد الفحول" ص 63".

قَالَ شُعْبَةُ: لَوْ صَحَّتْ الإِجَازَةُ لَبَطَلَتْ الرِّحْلَةُ1. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَوْ صَحَّتْ لَبَطَلَ الْعِلْمُ2. وَنَقَلَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لا أَرَى هَذَا يَجُوزُ وَلا يُعْجِبُنِي3. وَقَالَ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ4 الْحَنَفِيُّ5: مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَجَزْت لَك أَنْ

_ 1 انظر: شرح ألفية العراقي 2/ 62، الكفاية ص 316، إرشاد الفحول ص 63. 2 انظر: الكفاية ص 315، إرشاد الفحول ص 63. 3 يرى الإمام مالك صحة الرواية بالإجازة. وفسر الخطيب قول مالك المذكور أعلاه بأنه قاله على وجه الكراهة أن يجيز العلم لمن ليس من أهله، ولا من خدمه، وعانى التعب فيه، فكان يقول: "إذا امتنع من إعطاء الإجازة لمن هذه صفته: "يحب أن يدعى قِسًّا ولم يخدم الكنيسة"، فضرب ذلك مثلاً. "الكفاية ص 317". 4 في جميع النسخ: الدبوسي: وهو تصحيف وخطأ. ولعله اشتبه على النساخ بأبي زيد الدبوسي، عبد الله بن عمر بن عيسى الذي مرت ترجمته في المجلد الأول "ص "330، وقد وَرَدَ النصُّ على أن صاحب هذا الرأي هو أبو طاهر الدباس في كتب كثيرة، منها: "مقدمة ابن الصلاح ص 72،" و"شرح ألفية العراقي 2/ 63"، "وإرشاد الفحول ص 63" و"كشف الأسرار 3/ 43" وغيرها. 5 هو محمد بن محمد بن سفيان، أبو طاهر الدباس، الفقيه الحنفي. كان أكثر أخذه عن القاضي أبي خازم، وولي القضاء بالشام، وكان إمام أهل الري بالعراق. وكان من أهل السنة والجماعة، صحيح الاعتقاد. تخرّج به جماعةٌ من الأئمة. وكان يوصف بالحفظ وكثرة الروايات، بخيلاً بعلمه، ضنيناً به، خرج من الشام إلى مكة فمات بها، ولم تحدد سنة وفاته، وذلك في القرن الرابع الهجري. انظر ترجمته في "الجواهر المضيئة" 2/ 116، "الفوائد البهية" ص 187، "طبقات الفقهاء للشيرازي" ص 142، "أخبار أبي حنيفة وأصحابه" ص 162".

تَرْوِيَ عَنِّي، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَجَزْت لَك أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ1. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إنْ عَلِمَ2 الْمُجِيزُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَالْمُجَازُ لَهُ ضَابِطٌ: جَازَ، وَإِلاَّ فَلا، لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ السُّنَّةِ وَحِفْظِهَا3. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَأَعْلاهَا "مُنَاوَلَةُ" كِتَابٍ "مَعَ إجَازَةٍ أَوْ إذْنٍ" فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ. وَيُسَمَّى هَذَا "عَرْضُ الْمُنَاوَلَةِ"كَمَا أَنَّ سَمَاعَ الشَّيْخِ يُسَمَّى "عَرْضَ الْقِرَاءَةِ"4. وَهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرْنَاهُ5، وَهِيَ الْمُنَاوَلَةُ مَعَ الإِجَازَةِ أَوِ6 الإِذْنِ. وَالرِّوَايَةُ7 بِهَذَا النَّوْعِ جَائِزَةٌ8.

_ 1 وهو رأي ابن حزم، وأبي الحسين البصري المعتزلي، وقد أجاب العلماء عن ذلك، فانظر هذه الأقوال ومناقشتها في "شرح تنقيح الفصول ص 378،"الإحكام لابن حزم 1/ 256، كشف الأسرار 3/ 43، المعتمد 2/ 666، مقدمة ابن الصلاح ص 72، إرشاد الفحول ص 63". 2 في ز: يعلم. 3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 94، كشف الأسرار 3/ 43، 44، جامع بيان العلم 2/ 219، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، مناهج العقول 2/ 320. وقارن من نقله الآمدي في "الإحكام 2/ 100". 4 انظر: كشف الأسرار 3/ 46، مقدمة ابن الصلاح ص 79، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 326، التعريفات للجرجاني ص 255. 5 في ب ع ض: ذكرنا. 6 في ب ع ض: و. 7 في ش: والعمل. 8 في ش: جائز. وانظر: جمع الجوامع 2/ 172، المسودة ص 287، الإحكام لابن حزم 1/ 255، الإحكام للآمدي 2/ 101، المستصفى 1/ 165، مناهج العقول 2/ 319، شرح تنقيح الفصول ص 378، تيسير التحرير 3/ 93، كشف الأسرار 3/ 45، فواتح الرحموت 2/ 165، أصول السرخسي 1/ 377 توضيح الأفكار 2/ 334، قواعد التحديث ص 203، شرح نخبة الفكر ص 216، جامع بيان العلم 2/ 218، تدريب الراوي 2/ 45، الكفاية ص 318، مقدمة ابن الصلاح ص 79، الإلماع ص 79، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، الروضة ص 61، مختصر الطوفي ص 66، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 63.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي "الإِلْمَاعِ": جَائِزَةٌ1 بِالإِجْمَاعِ2. وَكَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ: لا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ3.اهـ. لَكِنَّ الصَّيْرَفِيَّ حَكَى الْخِلافَ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَأَنَّ الْمَانِعَ خَرَّجَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ، فِي4 الصَّكِّ وَلَمْ يَقْرَأْ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، بَلْ قَالَ: اشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِمَنْعِهِ مَشْهُورٌ. كَمَا ذَكَرُوهُ5 فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي6. وَمِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ لِلْمُنَاوَلَةِ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ مَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ: إنَّ بَعْضَ7 أَهْلِ الْحِجَازِ احْتَجُّوا عَلَيْهَا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كَتَبَ لأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا. وَ8قَالَ: "وَلا تَقْرَأْهُ 9 حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا". فَلَمَّا بَلَغَ

_ 1 في ش: جائز. 2 "الإلماع" ص 88. انظر أدلة شروعية المناولة وأدلة منعها في "الإحكام لابن حزم 1/ 257، كشف الأسرار 3/ 46، المعتمد 2/ 665، الكفاية ص 312". 3 انظر: إرشاد الفحول ص 63. 4 في ش ب ز: كما في. 5 في ض: ذكره. 6 وهو قول الحنفية الذين يشترطون أن يعلم المجاز له ما في الكتاب كالشهادة على الصك. انظر: "فواتح الرحموت 2/ 165، شرح الورقات ص 196، الإحكام للآمدي 2/ 101، إرشاد الفحول ص 63، المغني 10/ 84". 7 ساقطة من ض. 8 ساقطة من ع ض. 9 في ض: يقرأه.

ذَلِكَ الْمَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1، لَكِنْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى أَنَّهُ لا حُجَّةَ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لاحْتِمَالِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَهُ عَلَيْهِ. فَتَكُونُ وَاقِعَةَ عَيْنٍ يَسْقُطُ فِيهَا2 الاسْتِدْلال لِلاحْتِمَالِ3. وَأَمِيرُ السَّرِيَّةِ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ4 الْمُجَدَّعُ فِي اللَّهِ تَعَالَى. وَذَلِكَ فِي رَجَبٍ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ5 مَرْفُوعًا6. وَصِفَةُ هَذَا النَّوْعِ: "أَنْ يَدْفَعَ الشَّيْخُ إلَى الطَّالِبِ أَصْلَ مَرْوِيِّهِ، أَوْ فَرْعًا مُقَابَلاً بِهِ. وَيَقُولُ: هَذَا سَمَاعِي، أَوْ مَرْوِيِّي7 بِطَرِيقِ كَذَا فَارْوِهِ عَنِّي، أَوْ

_ 1 وراه البخاري معلقاً، ورواه الطبري والخطيب مرفوعاً، كما ورد ذلك في كتب السيرة النبوية. "انظر: صحيح البخاري 1/ 23، تفسير الطبري 2/ 347، الكفاية ص 312، السيرة النبوية لابن هشام 2/ 239، زاد المعاد 2/ 214". 2 في ش ب ع ض: منها. 3 بين الإمام العيني وجه الاستدلال بالحديث فقال: "إنه جاز له الإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بما فيه، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأه، ولا هو قرأه عليه، فلولا أنه حجة لم يجب قبوله" "عمدة القاري 2/ 27"، وانظر: الإلماع ص 82. 4 هو الصحابي عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي، المجدع، أبو محمد. أمه آمنة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أسلم قديماً قبل دخول الإسلام دار الأرقم، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة، هو وأخواه وأخته زينب. وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية، وهو أول أمير أمره، وغنيمته أول غنيمة في الإسلام. ثم شهد بدراً، واستشهد يوم أحد، وقطع الكفار أذنه وأنفه، ومثلوا به، فكان يسمى المجدع في الله. ودفن هو وخاله حمزة في قبر واحد. استشاره النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر في أسارى بدر. انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 286، الاستيعاب 2/ 272، تهذيب الأسماء 1/ 262". 5 في ب ع ض: الطبراني. وفي ز: الطبراني، مع الشطب على الألف. 6 تفسير الطبري 2/ 347. 7 في ب ض: مرويتي. وفي مقدمة ابن الصلاح –والنص منقول عنه حرفيًّا-: روايتي عن فلان فاروِه عني.

أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَهُ عَنِّي، ثُمَّ يُمَلِّكُهُ1 إيَّاهُ بِطَرِيقٍ أَوْ يُعِيرُهُ لَهُ يَنْقُلُهُ وَيُقَابِلُهُ بِهِ2". وَفِي مَعْنَاهُ: "أَنْ يَجِيءَ الطَّالِبُ بِذَلِكَ إلَى الشَّيْخِ وَيَعْرِضَهُ عَلَيْهِ، فَيَتَأَمَّلَهُ الشَّيْخُ الْعَارِفُ الْيَقِظُ. وَيَقُولُ: نَعَمْ هَذَا مَسْمُوعِي، أَوْ رِوَايَتِي بِطَرِيقِ كَذَا، فَارْوِهِ عَنِّي3". وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَأَنَّهَا مُنْحَطَّةٌ عَنْ رُتْبَةِ السَّمَاعِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ4. وَذَهَبَ رَبِيعَةُ5

_ 1 في ز: ملكه. 2 مقدمة ابن الصلاح ص 79. وانظر: مسائل الإمام أحمد ص 325، المستصفى 1/ 166، "المحلي على جمع الجوامع 2/ 174، الكفاية ص 318 وما بعدها، كشف الأسرار 3/ 45- 46، الإحكام للآمدي 2/ 101، مختصر الطوفي ص 66، شرح نخبة الفكر ص 217، الإلماع ص 79، تدريب الراوي 2/ 45، المحدث الفاصل ص 435، إرشاد الفحول ص 63. 3 مقدمة ابن الصلاح ص 79. 4 انظر: الإلماع ص 79، مقدمة ابن الصلاح ص 79، الكفاية ص 318 وما بعدها، 328، كشف الأسرار 3/ 45- 46، معرفة علوم الحديث ص 256، شرح نخبة الفكر ص 217، تدريب الراوي 2/ 46، إرشاد الفحول ص 63. وفي ض: جمهور. 5 هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فرُّوخ، القرشي، التميمي مولاهم، المدني، شيخ مالك، ويقال له ربيعة الرأي، لأنه كان يعرف بالرأي والقياس، أبو عثمان. وهو تابعي جليل، وكان حافظاً للحديث، ثقة ثبتاً، مفتياً في المدينة. قال الخطيب: "كان فقيهاً عالماً حافظاً للفقه والحديث". واتفق العلماء على توثيقه وجلالته وعظم مرتبته في العلم والفهم. توفي سنة 136 هـ بالمدينة، وقيل بالأنبار. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 68، تذكرة الحفاظ 1/ 157، ميزان الاعتدال 2/ 44، تاريخ بغداد 8/ 420، وفيات الأعيان 2/ 50، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 65، الخلاصة ص 116، تهذيب الأسماء 1/ 189، شذرات الذهب 1/ 194، يحيى بن معين وكتابه "التاريخ" 2/ 163، الفهرست لابن النديم ص 285".

وَمَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ1 وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَجَمْعٌ2 إلَى أَنَّهَا كَالسَّمَاعِ3. "وَلا تَجُوزُ" الرِّوَايَةُ "بِمُجَرَّدِهَا" أَيْ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَةِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ وَلا إذْنٍ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ4. وَحَكَى الْخَطِيبُ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ صَحَّحُوهَا5. وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ6.

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 ساقطة من ز ع ب ض. 3 وهي رواية عن أحمد وإسحاق ويحيى بن سعيد الأنصاري ومجاهد وأبي الزبير وغيرهم، وحكاها الخطيب عن ابن خزيمة وغيره. "انظر: الكفاية ص 316، 326، الإلماع ص 79، توضيح الأفكار 2/ 334، جامع بيان العلم 2/ 218، تدريب الراوي 2/ 46، مقدمة ابن الصلاح ص 79، معرفة علوم الحديث ص 257، إرشاد الفحول ص 63". وفي ع: كسماع. 4 وعلل ذلك الطوفي فقال: "لجواز معرفته بخلل، وقد يتساهل الإنسان بالكلام وعند الجزم يتوقف" مختصر الطوفي ص 66". وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 101، المستصفى 1/ 166، كشف الأسرار 3/ 45، 46، توضيح الأفكار 2/ 335، تدريب الراوي 2/ 50، مقدمة ابن الصلاح ص 81، شرح نخبة الفكر ص 218، قواعد التحديث ص 204، "أصول الحديث ص 238، الروضة ص 61، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص63، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95. 5 منهم ابن جريج والرازي وأبو نصر الصباغ وأبو العباس بن الوليد والقاضي أبو محمد بن خلاد وغيرهم. "انظر: الكفاية ص 334 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 81، إرشاد الفحول ص 63". 6 في د ض: وابن القيم، وكذلك في أصل ع، ولكنهت صححت كما أثبتناه أعلاه من ش ب ز.

وَعَابَهَا1 غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَ2الأُصُولِيِّينَ عَلَى الْمُحَدِّثِينَ3. وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: إطْلاقَ "حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا" فِي الْمُنَاوَلَةِ مَعَ الإِجَازَةِ أَوْ الإِذْنِ4. وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالزُّهْرِيُّ وَجَمْعٌ، لأَنَّهَا عِنْدَهُمْ كَالسَّمَاعِ5. "وَيَكْفِي اللَّفْظُ" يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْكِتَابُ بِيَدِ الْمُجَازِ لَهُ أَوْ عَلَى الأَرْضِ وَنَحْوِهِ، وَأَجَازَهُ بِهِ: جَازَ6، وَلا يُشْتَرَطُ فِيهَا7 فِعْلُ الْمُنَاوَلَةِ لأَنَّهُ لا

_ 1 في ب د: وعليها. 2 ساقطة من ش ب ز. 3 النص مأخوذ حرفياً من "مقدمة ابن الصلاح ص 81". وانظر: كشف الأسرار 3/ 46، شرح نخبة الفكر ص 218، قواعد التحديث ص 203، نهاية السول 2/ 321، مناهج العقول 2/ 319، جمع الجوامع 2/ 174، أصول الحديث ص 238، توضيح الأفكار 2/ 335، تدريب الراوي 2/ 50، إرشاد الفحول ص 63. 4 في هامش ب: فلا بد أن يقول حدثنا. انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 330، توضيح الأفكار 2/ 336، تدريب الراوي 2/ 51، مختصر الطوفي ص 66، مقدمة ابن الصلاح ص 81، الروضة ص 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، المسودة ص 288. 5 قال ابن الصلاح: "حكي عن قوم من المتقدمين ومن بعدهم أنهم جوزوا إطلاق "حدثنا وأخبرنا" في الرواية والمناولة. حكي ذلك عن الزهري ومالك وغيرهما, وهو لائق بمذهب جميع من سبقت الحكاية عنهم أنهم جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة سماعاً". "مقدمة ابن الصلاح ص 81". وانظر: توضيح الأفكار 2/ 336، الإلماع ص 128، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، مقدمة ابن الصلاح ص 81، تدريب الراوي 2/ 51، الكفاية ص 332، الروضة ص 61، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95. 6 ساقطة من ض. 7 في ض: فيهما.

تَأْثِيرَ لَهَا1. "وَمِثْلُهَا" أَيْ وَمِثْلُ الْمُنَاوَلَةِ "مُكَاتَبَةٌ مَعَ إجَازَةٍ، أَوْ" مَعَ "إذْنٍ" بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَنَّهُ خَطُّ الْكَاتِبِ، أَوْ يَظُنُّهُ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ2. قَالَ الْعِرَاقِيُّ3 فِي "شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ": "الْمُكَاتَبَةُ أَنْ يَكْتُبَ الشَّيْخُ شَيْئًا مِنْ

_ 1 في ش ز: له. انظر: المستصفى 1/ 166، الروضة ص 61، أصول السرخسي 1/ 377، مختصر الطوفي ص 66، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95. 2 وهو قول مالك والشافعي والحنفية. "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 69، شرح تنقيح الفصول ص 267، 376، 378، فواتح الرحموت 2/ 164، كشف الأسرار 3/ 41، 42، تيسير التحرير 3/ 92، أصول السرخسي 1/ 376، الإحكام لابن حزم 1/ 256، الإحكام للآمدي 2/ 101، المعتمد 2/ 665، توضيح الأفكار 2/ 340، تدريب الراوي 2/ 55، الكفاية ص 336، الإلماع ص 83، مناهج العقول 2/ 319، نهاية السول 2/ 321، مقدمة ابن الصلاح ص 84، شرح نخبة الفكر ص 216، المسودة ص 287، اللمع ص 45، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 62، أصول الحديث ص 240". 3 هو عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، الكردي، المصري الشافعي، الإمام الحافظ، الحجة المحدث، أبو الفضل، زين الدين. ولد سنة 725 هـ، وتوفي والده وهو ابن ثلاث سنوات، وعاش يتيماً. وبدأ بالعلم فحفظ القرآن، وهو ابن ثماني سنين، واشتغل بعلم القراءات والعربية، وصار متقناً للحديث وعلومه، والفقه وأصوله، والنحو، وكان صالحاً خيراً، ديناً ورعاً، عفيفاً متواضعاً. رحل في طلب العلم إلى دمشق وحلب وحمص وبيت المقدس ومكة وغيرها. له مؤلفات كثيرة منها: "ألفية مصطلح الحديث"، و"شرح ألفية الحديث"، و"التقييد والإيضاح"، و"المراسيل"، و"نظم الاقتراح"، و"تخريج أحاديث الإحياء"، و"نظم منهاج البيضاوي" في الأصول، و"نظم غريب القرآن"، و"نظم السيرة النبوية" في ألف بيت. وولي القضاء. توفي سنة 806 هـ بالقاهرة. انظر ترجمته في "الضوء اللامع 4/ 171، حسن المحاضرة 1/ 360، شذرات الذهب 7/ 55، ذيل تذكرة الحفاظ ص 370، طبقات الحفاظ ص 538".

حَدِيثِهِ بِخَطِّهِ، أَوْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ فَيَكْتُبَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ إلَى غَائِبٍ عَنْهُ، أَوْ حَاضِرٍ عِنْدَهُ1". فَهَذَانِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُجِيزَهُ مَعَ ذَلِكَ. فَتَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْمُنَاوَلَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ كَالسَّمَاعِ2؛ لأَنَّ الْكِتَابَةَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ3. وَقَدْ4 كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَلِّغُ الْغَائِبَ بِالْكِتَابَةِ إلَيْهِ5.

_ 1 شرح ألفية العراقي 2/ 104. 2 في ض: كالكتابة. 3 انظر: تيسير التحرير 3/ 92، كشف الأسرار 3/ 42، توضيح الأفكار 2/ 338، تدريب الراوي 2/ 55، مناهج العقول 2/ 321، الإحكام لابن حزم 1/ 257، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 62. 4 في ش ز: وقال. 5 روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام. صحيح البخاري 3/ 90، صحيح مسلم 3/ 1393. وروى مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم "صحيح مسلم 3/ 1397". وروى أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد عن عبد الله بن عكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا ينتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب". ونصه عند أحمد: "أتانا كتاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم.... وذكر ابن القيم كتباً كثيرة إلى ملوك الأرض، يدعوهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام. "انظر: سنن أبي داود 2/ 387، تحفة الأحوذي 5/ 402، زاد المعاد 1/ 60، 3/ 128، سنن ابن ماجه 1/ 1194، مسند أحمد 4/ 310، سنن النسائي 7/ 155". وروى ابن حبان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى بكر بن وائل: "أن أسلموا تسلموا"، وكتب إلى يهود خيبر، وكتب إلى المنذر بن ساوى، وكتب إلى كسرى والمقوقس. انظر: تخريج أحاديث البزدوي ص 184". وانظر: كشف الأسرار 3/ 42، تخريج أحاديث البزدوي ص 183، الإلماع ص 140.

وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتُبُ إلَى عُمَّالِهِ تَارَةً1، وَيُرْسِلُ أُخْرَى2. وَمَنَعَ قَوْمٌ مِنْ الرِّوَايَةِ بِالْكِتَابَةِ، وَأَجَابُوا عَنْ كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلَى الأَخْبَارِ الْمُرْسَلَةِ عَلَى يَدَيْهِ3. "ثُمَّ" يَلِي الْمُنَاوَلَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ فِي الرُّتْبَةِ "إجَازَةُ خَاصٍّ لِخَاصٍّ" كَقَوْلِهِ:

_ 1 روى أبو داود أن العلاء بن الحضرمي كان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على البحرين، فكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه. "انظر: سنن أبي داود 2/ 628". وذكر ابن القيم كتباً كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه. "انظر: زاد المعاد 1/ 59 وما بعدها". 2 إن إرسال الرسل والوفود ثابت في السنة بكثرة، فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، وقال له: "إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله ... ". كما كنت الوفود تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مختلف الأرجاء، وتحمل عن الأحكام، ومنهم وفد عبد القيس الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فمرنا بأمر فصل نخبر به من والانا، وندخل به الجنة، فأمرهم بأربع ... الحديث. وروى الطبراني والبزار عن أبي بكر الصديق قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يؤذن في الناس "أنه من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصاً له دخل الجنة". وروى الطبراني عن بلال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال، ناد في الناس، من قال: لا إله إلا الله قبل موته بسنة دخل الجنة، أو شهر أو جمعة أو يوم أو ساعة". وروى الطبراني عن زيد بن خالد الجهني قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبشر الناس "أنه من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة". وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بسورة براءة مكتوبة ليقرأها في عرفات. "انظر: تخريج أحاديث البزدوي ص 184، الكفاية ص 313، 336، وما بعدها، المسودةص 281". 3 منهم بعض الشافعية كالماوردي، ومنهم الإمام أبو حنيفة خلافاً لصاحبيه، ورد عليهم الشيرازي فقال: "وهذا غير صحيح، لأن الأخبار مبناها على حسن الظن" "اللمع ص 45". وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 367، أصول السرخسي 1/ 357، توضيح الأفكار 2/ 340.

أَجَزْت لِفُلانٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي كِتَابَ كَذَا مَعَ غَيْبَةِ الْكِتَابِ، وَإِلاَّ فَهِيَ الْمُنَاوَلَةُ1. فَإِجَازَةُ عَامٍّ لِخَاصٍّ كَقَوْلِهِ: أَجَزْت لِفُلانٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي جَمِيعَ مَرْوِيَّاتِي2. فَعَكْسُهُ وَهِيَ إجَازَةُ خَاصٍّ لِعَامٍّ. كَقَوْلِهِ: أَجَزْت لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ3 لِمَنْ أَدْرَكَ حَيَاتِي أَوْ لِكُلِّ أَحَدٍ: أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي كِتَابِي الْفُلانِيَّ4. "فَ" إجَازَةُ "عَامٍّ لِعَامٍّ" كَقَوْلِهِ: أَجَزْت لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَرْوِيَ

_ 1 انظر: جمع الجوامع 2/ 174، المستصفى 1/ 165، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، كشف الأسرار 3/ 47، تيسير التحرير 3/ 95، مقدمة ابن الصلاح ص 72، الإلماع ص 88، شرح ألفية العراقي 2/ 61، تدريب الراوي 2/ 29، توضيح الأفكار 2/ 317، قواعد التحديث ص 203، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 64. 2 ذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين على تجويز الرواية بهذا النوع، ومنعها السرخسي من الحنفية، وقال: "فإن ذلك غير صحيح بالاتفاق" "أصول السرخسي 1/ 378". وانظر: جمع الجوامع 2/ 174، المستصفى 1/ 165، نهاية السول 2/ 322، مناهج العقول 2/ 320، كشف الأسرار 3/ 47، تيسير التحرير 3/ 95، إرشاد الفحول ص 64، غاية الوصول ص 106، توضيح الأفكار 2/ 317، تدريب الراوي 2/ 32، العضد على ابن الحاجب 2/ 69، الكفاية ص 329، شرح ألفية العراقي 2/ 64، مقدمة ابن الصلاح ص 73، الإلماع ص 91، قواعد التحديث ص 203، أصول السرخسي 1/ 378. 3 في ش: و. 4 ذهب بعض العلماء إلى جواز ذلك، منهم أبو بكر الخطيب وابن منده الحافظ وابن عتاب وأبو محمد بن سعيد الأندلسي وجماعة من المتأخرين. "انظر: مناهج العقول 2/ 320، جمع الجوامع 2/ 174، نهاية السول 2/ 322، العضد على ابن الحاجب 2/ 99، تيسير التحرير 3/ 95، كشف الأسرار 3/ 41، غاية الوصول ص 106، الإلماع ص 98، قواعد التحديث ص 203، توضيح الأفكار 2/ 317، تدريب الراوي 2/ 32، شرح ألفية العراقي 2/ 64، شرح نخبة الفكر ص 220، مقدمة ابن الصلاح ص 73".

عَنِّي1 جَمِيعَ مَرْوِيَّاتِي2. ذَكَرَ3 هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ - وَهُمَا إجَازَةُ الْخَاصِّ لِلْعَامِّ وَالْعَامِّ لِلْعَامِّ - الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ، وَقَالَهُ4 أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي إجَازَةِ الْعَامِّ لِلْعَامِّ5. وَمَنَعَ هَذَا الأَخِيرَ جَمَاعَةٌ6. وَجَوَّزَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ. وَفَعَلَهُ ابْنُ مَنْدَهْ7 وَغَيْرُهُ. فَقَالَ: أَجَزْت لِمَنْ قَالَ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ8 وَجَوَّزَ أَبُو الطَّيِّبِ الإِجَازَةَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَوْجُودًا عِنْدَ الإِجَازَةِ9.

_ 1 ساقطة من ب. 2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 70، جمع الجوامع 2/ 174، فواتح الرحموت 2/ 165، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 64، الإلماع ص 98، قواعد التحديث ص 203، توضيح الأفكار 2/ 317، تدريب الراوي 2/ 32. 3 في ب: وذكر. 4 في ب ض: وقال. 5 قال الشيخ تقي الدين: "الإجازة المطلقة لكل أحد صحيحة، كقوله: أجزتُ وذلك لكل من أراده، ونحوه، ذكره القاضي. وحكي عن أبي بكر عبد العزيز أنه وُجِدَت عنده إجازة كذلك بخط أبي حفص البرمكي أو بخط والده أحمد بن إبراهيم البرمكي ولفظها على كتاب "الرد على من انتحل غير مذهب أهل الحديث: إجازة الشيخ لجميع مسموعاته مع جميع ما خرج منه، لمن أراده". "المسودة ص 291". 6 منهم الماوردي والقاضي حسين وإبراهيم الحربي وأبو الشيخ الأصبهاني. "انظر: الإلماع ص 99، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 175". 7 في ع: ابن منده منا. 8 انظر: شرح ألفية العراقي 2/ 64، تدريب الراوي 2/ 32، الإلماع ص 99، توضيح الأفكار 2/ 317- 318، إرشاد الفحول ص 64. 9 انظر: شرح ألفية العراقي 2/ 65، الإلماع ص 98، إرشاد الفحول ص 64.

وَقَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "لَمْ نَرَ وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْ1 أَحَدٍ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ اسْتَعْمَلَ هَذِهِ الإِجَازَةَ وَلا2 مِنْ الشِّرْذِمَةِ الْمُجَوِّزَةِ، وَالإِجَازَةُ فِي أَصْلِهَا ضَعْفٌ3، وَتَزْدَادُ4 بِهَذَا التَّوَسُّعِ 5ضَعْفًا كَبِيرًا13 لا يَنْبَغِي احْتِمَالُهُ6". وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي "شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ": "مِمَّنْ أَجَازَهَا أَبُو الْفَضْلِ ابْنُ خَيْرُونَ الْبَغْدَادِيُّ7 وَابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ8 وَالسَّلَفِيُّ9 وَغَيْرُهُمْ. وَرَجَّحَهُ

_ 1 في ش ز: من. 2 في ش ز: إلا. 3 كذا في جميع النسخ، وفي مقدمة ابن الصلاح. وفي شرح ألفية العراقي: ضعيفة. 4 في ع ض: ويزداد. 5 في ض: ضعف كثير. 6 مقدمة ابن الصلاح ص 74، وانظر: شرح ألفية العراقي 2/ 65. 7 هو أحمد بن الحسن بن خيرون، أبو الفضل البغدادي، الحافظ العالم الناقد، محدث بغداد. كان ثقة متقناً، واسع الرواية. له معرفة بالحديث مع التواضع، وكان يقال له: هو في زمانه كيحيى بن معين في زمانه، إشارة إلى كلامه في شيوخ العصر جرحاً وتعديلاً مع الإنصاف. قال ابن العماد: "وكتب ما لا يوصف". مات في رجب سنة 488 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 445، تذكرة الحفاظ 4/ 1207، شذرات الذهب 3/ 383، ميزان الاعتدال 1/ 92". 8 هو محمد بن أحمد بن محمد بن رشد المالكي، أبو الوليد، جدُّ ابن رشد الفيلسوف، زعيم فقهاء وقته بالأندلس والمغرب، وكان بصيراً بالأصول والفروع والفرائض والتفنن في العلوم، ولي قضاء الجماعة بقرطبة، وكان صاحب الصلاة في المسجد الجامع. له مصنفات كثيرة، منها: "حجب المواريث"، و"البيان والتحصيل" في الأصول، و"المقدمات"، و"تهذيب كتب الطحاوي في مشكل الآثار"، و"اختصار الكتب المبسوطة ليحيى"، بن إسحاق بن يحيى. توفي سنة 520 هـ. انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 248، شذرات الذهب 4/ 62، شجرة النور الزكية ص 129، الفتح المبين 2/ 14، الصلة 2/ 576، بغية الملتمس ص 51". 9 هو أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو طاهر، عماد الدين الأصفهاني، الحافظ العلامة، شيخ الإسلام. وسِلَفة لفظ أعجمي وهو لقب جده أحمد. ومعناه الغليظ الشفة، كان حافظاً ناقداً متقناً، ديناً خيراً، وكان أوحد زمانه في علم الحديث، وأعلمهم بالرواية، وكان شافعي المذهب، وكان مغرى بجمع الكتب، وبرع في الأدب، وأتقن مذهب الشافعي. ومن مصنفاته: معجم شيوخ أصبهان، ومعجم شيوخ بغداد، ومعجم شيوخ السفر. توفي بالإسكندرية سنة 576 هـ. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 87، طبقات القراء 1/ 102، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 32، طبقات الحفاظ ص 468، تذكرة الحفاظ 4/ 1298، حسن المحاضرة 1/ 354، شذرات الذهب 4/ 255، البداية والنهاية 12/ 307".

ابْنُ الْحَاجِبِ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي1 زِيَادَةِ "الرَّوْضَةِ2". "ثُمَّ مُكَاتَبَةٌ3 بِدُونِهَا" أَيْ بِدُونِ إجَازَةٍ، بَلْ كَتَبَ إلَيْهِ يُخْبِرُهُ بِقِرَاءَتِهِ4 الْكِتَابَ الْفُلانِيَّ عَلَى الشَّيْخِ الْفُلانِيِّ فَقَطْ، وَظَاهِرُ كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْخَلاَّلِ: الْجَوَازُ، فَإِنَّ أَبَا مُسْهِرٍ5 وَأَبَا تَوْبَةَ6 كَتَبَا إلَيْهِ

_ 1 في ش ع ز ض: من. 2 شرح ألفية العراقي 2/ 65. وانظر: تدريب الراوي 2/ 33، مختصر ابن الحاجب 2/ 69. 3 في ش: مكاتبته. 4 في ض: بقراءة. 5 هو عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى الغساني الدمشقي، أبو مسهر، شيخ دمشق ومحدثها. روى عنه أحمد خارج المسند. قال ابن حبان: "كان إمام أهل الشام في الحفظ والإتقان، وإليه يرجع أهل الشام في الجرح والتعديل لشيوخهم". وكان علامة بالمغازي والأثر كثير العلم، رفيع الذكر، وهو ثقة. طلبه المأمون من الرقة إلى بغداد فحبسه. وتوفي في السجن لعدم قوله بخلق القرآن سنة 218 هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 381، طبقات الحفاظ ص 163، الخلاصة ص 221، تاريخ بغداد 11/ 72، شذرات الذهب 2/ 44، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 339". 6 هو الربيع بن نافع الحلبي، أبو توبة الطرسوسي. قال أبو حاتم: حجة. وقال يعقوب بن سفيان: حجة. روى عن أحمد ومعاوية بن سلاّم. وأخرج عنه أبو داود. توفي سنة 241 هـ. وقال الذهبي: "الحافظ الحجة ... شيخ طرسوس ومحدثها". انظر ترجمته في "الخلاصة ص 115، المنهج الأحمد 1/ 291، طبقات الحنابلة 1/ 156، تذكرة الحفاظ 2/ 472، شذرات الذهب 2/ 99".

بِأَحَادِيثَ وَحَدَّثَ بِهَا1، وَهُوَ الأَشْهَرُ لِلْمُحَدِّثَيْنِ. وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ. حَتَّى قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: إنَّهَا أَقْوَى مِنْ الإِجَازَةِ. وَجَزَمَ بِهِ الرَّازِيّ فِي "الْمَحْصُولِ2" وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ "الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ" "3وَكَتَبَ إلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ4". وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مُوسَى5 "كَتَبَ إلَيَّ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ"6.

_ 1 انظر: المسودة ص 288. 2 وهو رأي كثير من المتأخرين، ومنهم أيوب السختياني ومنصور والليث بن سعد وكثير من الشافعية، خلافاً للماوردي. "انظر: كشف الأسرار 3/ 41، تيسير التحرير 3/ 92، المستصفى 1/ 166، نهاية السول 2/ 321، 322، الكفاية ص 338، المسودة ص 268، المحدث الفاصل ص 441 وما بعدها، شرح ألفية العراقي 2/ 104، الإلماع ص 84، توضيح الأفكار 2/ 340، تدريب الراوي 2/ 55، مقدمة ابن الصلاح ص 83، غاية الوصول ص 106، إرشاد الفحول ص 62، أصول الحديث ص 240". 3 صحيح البخاري 4/ 155. 4 هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي، أبو بكر البصري الحافظ، أحد أوعية السنة. روى عنه أصحاب الكتب الستة وغيرهم. قال الخطيب: "كان يحفظ حديثه، ثقة كثير الحديث. ويلقب: بندار، والبندار في الأصل من في يده القانون، وهو أصل ديوان الخراج، فأطلق عليه البندار، لأنه جمع حديث بلده. قال أبو داود: كتبت عنه خمسين ألف حديث". مات سنة 252 هـ. انظر ترجمته في "الخلاصة ص 328، ميزان الاعتدال 3/ 490، طبقات الحفاظ ص 222، تذكرة الحفاظ 2/ 511، شذرات الذهب 2/ 126". 5 كذا في جميع النسخ، ولا يوجد شخص بهذا الاسم، وهو تصحيف عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، الزهري المدني. روى عن أبيه وعثمان والعباس. وروى عنه مسلم وابنه داود والزهري وغيرهم. قال ابن سعد: "ثقة كثير الحديث". قال الواقدي: "مات سنة 104 هـ". انظر: "الخلاصة ص 184، المعارف ص 243، صحيح مسلم 3/ 1453، شذرات الذهب 1/ 126، مشاهير علماء الأمصار ص 66". 6 روى مسلم من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إلي: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمية يقول: "لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ... الحديث" "صحيح مسلم 3/ 1453". وانظر: شرح ألفية العراقي 2/ 104. وفي نسخة ب: سمرة بن جابر.

وَلِلشَّافِعِيَّةِ خِلافٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهَا مِنْ الْخِلافِ مَعَ الإِجَازَةِ، فَمَعَ عَدَمِهَا أَقْوَى1. "وَيَكْفِي"2 فِي جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمُكَاتَبَةِ "مَعْرِفَةُ خَطِّهِ" أَيْ أَنْ3 يَعْرِفَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ خَطَّ الْكَاتِبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ، وَيَكْفِي الظَّنُّ فِي ذَلِكَ الْمُعْتَمِدُ عَلَى إخْبَارِ عَدْلٍ عَلَى الصَّحِيحِ4. وَحَكَى أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ لا يَكْفِي فِي ذَلِكَ إلاَّ عَدْلانِ يَشْهَدَانِ عَلَى الْكَاتِبِ بِأَنَّهُ كَتَبَهُ عَلَى حَدِّ شَرْطِ كِتَابِ الْقَاضِي56إلَى الْقَاضِي6 "وَتَجُوزُ إجَازَةٌ بِمُجَازٍ بِهِ" فِي الأَصَحِّ. كَأَجَزْت لَك مُجَازَاتِي، أَوْ

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 101، المستصفى 1/ 166، نهاية السول 2/ 322، كشف الأسرار 3/ 41، تدريب الراوي 2/ 55، إرشاد الفحول ص 63. 2 في ب ع ض: وتكفي. 3 في ش ز: إن كان. 4 انظر: فواتح الرحموت 2/ 164، "تيسير التحرير" 3/ 92، "كشف الأسرار" 3/ 42، "الروضة" ص 61، "مقدمة ابن الصلاح" ص 84، "الإلماع" ص 117، "توضيح الأفكار" 2/ 341، "تدريب الراوي" 2/ 57، "المحدث الفاصل" ص 452، "شرح ألفية العراقي" 2/ 105. وانظر صفحة 509 من هذا المجلد والمراجع المشار إليها في هامش 2. 5 وهو قول الإمام أبي حنيفة. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 164، تيسير التحرير 3/ 93، كشف الأسرار 3/ 44 وما بعدها، توضيح الأفكار 2/ 341، المغني 10/ 84، المحرر في الفقه 2/ 212، الوجيز للغزالي 2/ 243، شرح منح الجليل 4/ 201". 6 ساقطة من ب ز ع ض.

أَجَزْت لَك مَا أُجِيزُ لِي رِوَايَتَهُ. وَهَذَا هُوَ1 الصَّحِيحُ. وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، خِلافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَقَدْ كَانَ الْفَقِيهُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ2 يَرْوِي بِالإِجَازَةِ عَنْ الإِجَازَةِ3. "و"َ تَجُوزُ الإِجَازَةُ "لِطِفْلٍ، وَمَجْنُونٍ وَغَائِبٍ وَكَافِر" لِيَرْوِيَ الطِّفْلُ مَا أُجِيزَ بِهِ إذَا بَلَغَ، وَالْمَجْنُونُ إذَا عَقَلَ، وَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ4. وَقَدْ وَقَعَتْ مَسْأَلَةُ الْكَافِرِ فِي زَمَنِ الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِزِّيِّ بِدِمَشْقَ. وَكَانَ طَبِيبًا سُمِّيَ5 بَعْدَ إسْلامِهِ مُحَمَّدًا6. وَكَانَ أَبُوهُ يُسَمَّى عَبْدَ السَّيِّدِ،

_ 1 ساقطة من ض. 2 هو نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم المقدسي، الفقيه الشافعي، الشيخ أبو الفتح الدمشقي، الزاهد، المجمع على جلالته وفضله. تفقه بصور ثم بديار بكر، ودرس ببيت المقدس مدة، ثم انتقل إلى صور، ثم إلى دمشق، وكان يحدث ويفتي ويدرس، وكان حافظاً زاهداً متبتلاً ورعاً، كبير القدر، وكانت أوقاته كلها مستغرقة في عمل الخير والعلم. ومن مصنفاته: الانتخاب الدمشقي في الفقه، والحجة على تارك المحجة، والتهذيب في الفقه، والمقصود وشرح الإشارة لسليم الرازي. توفي سنة 490 هـ بدمشق. انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 2/ 125، طبقات الشافعية الكبرى 5/ 351، تبيين كذب المفتري ص 286، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 181، شذرات الذهب 3/ 395، مرآة الجنان 3/ 153". 3 انظر: كشف الأسرار 3/ 48، تدريب الراوي 2/ 40 وما بعدها، الكفاية ص 349، مقدمة ابن الصلاح ص 77. 4 ومنعها لغير المكلف آخرون. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وزعم قوم أنه يجب أن يكون وقت التحمل بالغاً". "انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 76، تدريب الراوي 2/ 38، الكفاية ص 325، قواعد التحديث ص 203، نهاية السول 2/ 322، كشف الأسرار 3/ 47، 48، إرشاد الفحول ص 64، المسودة ص 291". 5 في ش ب ز ع: يُسمَّى. 6 في ش ب ز ع: محمد.

يَسْمَعُ1 الْحَدِيثَ وَهُوَ يَهُودِيٌّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيِّ. وَكَتَبَ اسْمَهُ فِي طَبَقَاتِ السُّمَّاعِ مَعَ النَّاسِ، وَأَجَازَ ابْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ لِمَنْ سَمِعَهُ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَكَانَ السَّمَاعُ وَالإِجَازَةُ بِحَضْرَةِ الْمِزِّيِّ الْحَافِظِ، وَبَعْضُ السُّمَّاعِ بِقِرَاءَتِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. ثُمَّ هَدَى اللَّهُ الْيَهُودِيَّ إلَى الإِسْلامِ. وَحَدَّثَ بِمَا أُجِيزَ لَهُ. وَتَحَمَّلَ الطُّلاَّبُ عَنْهُ. قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيُّ وَرَأَيْته وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ2. لا لِـ "مَعْدُومٍ" فَلا تَصِحُّ الإِجَازَةُ لَهُ "مُطْلَقًا" لا بِالأَصَالَةِ كَأَجَزْت لِمَنْ يُولَدُ لَك، وَلا بِالتَّبَعِيَّةِ، كَأَجَزْت لَك وَلِمَنْ يُولَدُ لَك فِي ظَاهِرِ كَلامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقَالَهُ غَيْرُهُمْ. لأَنَّهَا مُحَادَثَةٌ أَوْ إذْنٌ فِي الرِّوَايَةِ، بِخِلافِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ تَبَعًا لِمَنْ وُلِدَ3. وَأَجَازَهَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي4 دَاوُد مِنْ أَصْحَابِنَا. فَإِنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ إنْسَانٌ الإِجَازَةَ. قَالَ: قَدْ أَجَزْت لَك وَلأَوْلادِك، وَلِحَبَلِ الْحَبَلَةِ، يَعْنِي لِمَنْ يُولَدُ بَعْدُ5

_ 1 في ب: سمع. 2 ساقطة من ز. 3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 95، كشف الأسرار 3/ 48، العضد على ابن الحاجب 2/ 70، جمع الجوامع 2/ 175، نهاية السول 2/ 322، غاية الوصول ص 106، مقدمة ابن الصلاح ص 75، شرح نخبة الفكر ص 221، الإلماع ص 98، 104، قواعد التحديث ص 203، توضيح الأفكار 2/ 318، تدريب الراوي 2/ 37، شرح ألفية العراقي 2/ 74. 4 ساقطة من ش. 5 في د: لك. وأجاز الخطيب البغدادي وأبو نصر الصباغ من الشافعية، وأبو يعلى الفراء من الحنابلة، وابن عمروس من المالكية الإجازة للمعدوم ابتداءً من غير عطف على موجود، وكذلك أجازها أبو عبد الله بن منده انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 76، فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 95، نهاية السول 2/ 322، مناهج العقول 2/ 320، كشف الأسرار 3/ 48، شرح نخبة الفكر ص 221، الإلماع ص 99-101، 104-105، العضد على ابن الحاجب 2/ 70، قواعد التحديث ص 203، تدريب الراوي 2/ 37، جمع الجوامع 2/ 174، شرح ألفية العراقي 2/ 74، الكفاية ص 325.

"وَلا تَصِحُّ" أَيْضًا إجَازَةٌ "لِمَجْهُولٍ" كَأَجَزْت لِرَجُلٍ مِنْ النَّاسِ "وَلا بِمَجْهُولٍ1" كَأَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي 2بَعْضًا مِنْ مَرْوِيَّاتِي4. وَجَوَّزَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَمْرُوسٍ الْمَالِكِيُّ3: أَجَزْت لِمَنْ شَاءَ فُلانٌ4. وَالصَّحِيحُ: خِلافُ ذَلِكَ، وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالتَّعْلِيقِ. أَمَّا لَوْ اُسْتُجِيزَ لِمَنْ سُمِّيَ5 وَنُسِبَ لَهُ. فَلا6 يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الإِجَازَةِ

_ 1 في قول تصح لمجهول بمجهول. "انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 74، شرح نخبة الفكر ص 220، الإلماع ص 101، تدريب الراوي 2/ 34، كشف الأسرار 3/ 48، فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 95، شرح ألفية العراقي 2/ 68". 2 في ض: بعض رواياتي. 3 هو محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عمروس البزاز، أبو الفضل البغدادي، المالكي، الإمام الفاضل. كان من حفاظ القرآن ومدرسيه، وإليه انتهت الفتيا في الفقه على مذهب مالك في بغداد، وكان فقيهاً أصوليًّا، وله "تعليق" حسن مشهور في الخلاف. ودرس عليه القاضي أبو الوليد الباجي ببغداد، وحدث عنه، كما حدّث عنه أبو بكر الخطيب البغدادي. وله "مقدمة" حسنة في أصول الفقه. توفي سنة 452 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 238، شجرة النور الزكية ص 105، تاريخ بغداد 2/ 339، شذرات الذهب 3/ 290، تبيين كذب المفتري ص 264". 4 وهو قول الخطيب البغدادي الشافعي، والقاضي أبي عبد الله الدامغاني الحنفي. "انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 74، تدريب الراوي 2/ 35، الإلماع ص 102". 5 في ع: يسمى. 6 في ب ز ع ض: لم.

جَهْلُهُ بِشَخْصِهِ، كَمَا لا يَقْدَحُ عَدَمُ مَعْرِفَتِهِ بِمَنْ هُوَ حَاضِرٌ يَسْمَعُهُ بِشَخْصِهِ1. "وَلا" تَصِحُّ إجَازَةٌ بِ "مَا لَمْ يَتَحَمَّلْهُ" الْمُجِيزُ "لِيَرْوِيَهُ عَنْهُ" الْمُجَازُ "إذَا تَحَمَّلَهُ" الْمُجِيزُ2. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: "لَمْ أَرَهُمْ تَكَلَّمُوا عَلَيْهِ. وَرَأَيْت بَعْضَ الْعَصْرِيِّينَ يَفْعَلُهُ. لَكِنْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الطُّبْنِيُّ3: كُنْت عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ يُونُسَ4 بِقُرْطُبَةَ فَسَأَلَهُ إنْسَانٌ الإِجَازَةَ بِمَا رَوَاهُ5 وَمَا يَرْوِيهِ بَعْدُ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ6 فَغَضِبَ. فَقُلْت: يَا هَذَا، يُعْطِيكَ مَا لَمْ يَأْخُذْ7؟ فَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ:

_ 1 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 74، الإلماع ص 101، تدريب الراوي 2/ 35. 2 انظر: تيسير التحرير 3/ 95، كشف الأسرار 3/ 48، نهاية السول 2/ 322، مقدمة ابن الصلاح ص 77، الإلماع ص 106، تدريب الراوي 2/ 39. 3 هو عبد الملك بن زيادة الله علي بن حسين السَّعدي، التميمي، الطُّبْني، الشيخ، الأديب الراوية، أبو مروان، من أهل قرطبة من بيت علم ونباهة وأدب وخير وصلاح، وأصلهم من طبْنة بأفريقية. رحل إلى المشرق مرتين للعلم، واعتنى بتقييد العلم والحديث، وبرع في الأدب والشعر، "وله فهرسة". توفي سنة 457 هـ. انظر ترجمته في "الصلة 2/ 360، جذوة المقتبس ص 265، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة 2/ 52". 4 هو يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث، القاضي أبو الوليد، القرطبي، يعرف بابن الصفار. كان رجلاً صالحاً، قديم الطلب. سمع منه أبو الوليد الباجي وجماعة. وكان يميل إلى كثرة العبادة، وكان سريع الدمعة، ولي القضاء مع الخطابة والوزارة، وكان فقيهاً عدلاً حجة علامة في النحو واللغة والعربية والشعر، فصيحاً مفوهاًَ. له مصنفات في الزهد وغيره، منها: "الموعب" في شرح "الموطأ" وجمع مسائل ابن زرب وتآليفه، "وأخبار الزهاد"، "والابتهاج لمحبة الله عز وجل"، و"كتاب المنقطعين إلى الله عز وجل"، و"التهجد"، و"فضائل الأنصار"، و"التسلي عن الدنيا". توفي سنة 429 هـ. انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 374، شذرات الذهب 3/ 244، شجرة النور الزكية ص 113، الصلة 2/ 68، بغية الملتمس ص 512". 5 في ض: روى. 6 في ع: يجب. 7 في الإلماع: يأخذه.

هَذَا جَوَابِي. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهُوَ الصَّحِيحُ1. وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ "التَّحْرِيرِ" تَبَعًا لَهُ2، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْلِيقِ. "وَيَقُولُ" مُجَازٌ لَهُ حَيْثُ صَحَّتْ الإِجَازَةُ "أَجَازَ لِي" فُلانٌ، أَوْ أَجَازَ لَنَا بِاتِّفَاقٍ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ. "وَيَجُوزُ" أَنْ يَقُولَ "حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي إجَازَةً" وَحَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا إجَازَةً عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ3. وَمَنَعَ قَوْمٌ "حَدَّثَنَا" دُونَ "أَخْبَرَنَا" قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَجَوَّزَ أَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْزُبَانِيُّ4 أَنْ يَقُولَ: أَخْبَرَنَا دُونَ "حَدَّثَنَا5".

_ 1 الإلماع ص 106. وانظر: مقدمة ابن الصلاح ص 77، تدريب الراوي 2/ 39، التقييد والإيضاح ص 188. 2 ساقطة من ش. 3 فإن لم يقل "إجازة" لم يجز، كما سيذكره المصنف، وجوّزه قوم. "انظر: مناهج العقول 2/ 320، نهاية السول 2/ 322، الإحكام للآمدي 2/ 100، المسودة ص 288، كشف الأسرار 3/ 44، تيسير التحرير 3/ 95، فواتح الرحموت 2/ 165، مختصر الطوفي ص 66، مقدمة ابن الصلاح ص 82، توضيح الأفكار 2/ 336، تدريب الراوي 2/ 52". 4 هو محمد بن عمران بن موسى بن سعيد، أبو عبد الله، الكاتب المَرْزُباني، الخراساني الأصل، البغدادي المولد. كان راوية للأدب، صاحب أخبار وتواليف كثيرة، مائلاً إلى التشيع، وكان معتزليًّا، وصنف في أخبار المعتزلة، وآخذه أهل الحديث بأنَّ أكثر روايته كانت إجازة، ولا يبين في تصانيفه الإجازة من السماع، بل يقول في كل ذلك: أخبرنا، وأيده في ذلك جماعةٌُ من الرواة. ومن مؤلفاته: "المقتبس" في أخبار جامعي النحو واللغة ومصنفيها، وجمع ديوان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، "والموثق" في أخبار الشعراء المشهورين، و"أشعار الخلفاء" وغيرها. توفي سنة 384 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/ 475، ميزان الاعتدال 3/ 673، لسان الميزان 5/ 327، إنباه الرواة 3/ 180، شذرات الذهب 3/ 111، تاريخ بغداد 3/ 135، معجم الأدباء 7/ 268". 5 انظر: كشف الأسرار 2/ 44، تيسير التحرير 3/ 95، مختصر الطوفي ص 66، مقدمة ابن الصلاح ص 81- 82.

"لا إطْلاقُهُمَا" أَيْ لا يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ "حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي" مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ إجَازَةً "فِيهِنَّ" أَيْ فِي1 جَمِيعِ صُوَرِ الرِّوَايَةِ بِالإِجَازَةِ اللاَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُنَّ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إيهَامِ كَوْنِ الرِّوَايَةِ بِالتَّحْدِيثِ2 عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لأَنَّهَا الأَصْلُ الْمُتَبَادِرُ الْفَهْمُ إلَيْهِ3. "وَلا تَجُوزُ رِوَايَةٌ بِوَصِيَّةٍ بِكُتُبِهِ" وَقِيلَ: بَلَى4. 5قَالَ أَيُّوبُ4 لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: إنَّ فُلانًا أَوْصَى إلَيَّ بِكُتُبِهِ، أَفَأُحَدِّثُ بِهَا عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ: لا آمُرُك وَلا أَنْهَاك6.

_ 1 ساقطة من ض. 2 في د ض: بالحديث. 3 قال ابن الصلاح: "والمختار الذي عليه عمل الجمهور وأهل الورع المنع في ذلك من إطلاق حدثنا وأخبرنا ونحوهما" "مقدمة ابن الصلاح ص 82". وقال جماعة: تصح بالإطلاق، منهم أبو بكر الرازي والقاضي أبو زيد والبزدوي والجويني، ورجحه ابن عبد الشكور. وقيل: هو مذهب مالك وأهل المدينة. "انظر: كشف الأسرار 2/ 44، تيسير التحرير 3/ 95، نهاية السول 2/ 322، مناهج العقول 2/ 320، فواتح الرحموت 2/ 165، الإحكام للآمدي 2/ 100، توضيح الأفكار 2/ 336، الإلماع ص 128، تدريب الراوي 2/ 52، مختصر الطوفي ص 66". 4 انظر: المستصفى 1/ 165، الإلماع ص 115، شرح نخبة الفكر ص 219، قواعد التحديث ص 204، تدريب الراوي 2/ 59 وما بعدها، المحدث الفاصل ص 459، جمع الجوامع 2/ 175، الكفاية ص 352، مقدمة ابن الصلاح ص 85، غاية الوصول ص 106، أصول الحديث ص 243. 5 في ش: قيل. 6 انظر: المحدث الفاصل ص 459، الكفاية ص 352، الإلماع ص 116، أصول الحديث ص 243.

قَالَ حَمَّادٌ1: وَكَانَ أَبُو قِلابَةَ2 قَالَ: ادْفَعُوا كُتُبِي إلَى أَيُّوبَ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِلاَّ فَأَحْرِقُوهَا3، وَعَلَّلَ ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ "بِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الإِذْنِ4". قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، وَهُوَ إمَّا زَلَّةُ عَالِمٍ، أَوْ مُؤَوَّلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ5 عَلَى سَبِيلِ الْوِجَادَةِ6".

_ 1 هو حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري، الأزرق. قال ابن حبان: "كان ضريراً، وكان يحفظ حديثه كله". وقال ابن مهدي: "ائمة الناس في زمانهم أربعة: سفيان ومالك والأوزاعي وحماد بن زيد". وهما حمادان: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة. والأول أحفظ وأثبت في أيوب، وكان من أهل الورع والدين. توفي سنة 179 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 96، تذكرة الحفاظ 1/ 228، الخلاصة ص 92، المعارف ص 502، مشاهير علماء الأمصار ص 157، نكت الهميان ص 147، شذرات الذهب 1/ 292، حلية الأولياء 6/ 257". 2 هو عبد الله بن زيد بن عمر الجَرْمي، أبو قِلابة، أحد الأئمة الأعلام، كثير الحديث، بصري، سكن داريا بالشام، تابعي، ثقة في نفسه، إلا أنه يدلس عمن لحقهم، وعمن لم يلحقهم. قال أبو علية: حدثنا أيوب قال: أوصى إلي أبو قلابة بكتبه، فأتيت بها من الشام، فأديت كراءها بضعة عشر درهماً. قال أيوب: ما أدركت أعلم منه بالقضاء، طلب له فهرب حتى أتى اليمامة، وناظر العلماء في القسامة أما عمر بن عبد العزيز. مات بالشام سنة 104 هـ وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 94، الخلاصة ص 198، ميزان الاعتدال 2/ 455، طبقات الحفاظ ص 36، المعارف ص 446، شذرات الذهب 1/ 126، حلية الأولياء 2/ 282، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 309". 3 انظر المحدث الفاصل ص 460، الإلماع ص 116، الكفاية ص 352، أصول الحديث ص 243. 4 الإلماع ص 115. 5 في ب: ذلك أن يكون. وفي مقدمة ابن الصلاح: الرواية. 6 مقدمة ابن الصلاح ص 85.

وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي الدَّمِ1 ذَلِكَ. وَقَالَ: الْوَصِيَّةُ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنْ الْوِجَادَةِ بِلا خِلافٍ، وَهِيَ مَعْمُولٌ بِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ2. اهـ. "وَلا" تَجُوزُ الرِّوَايَةُ أَيْضًا "بِوِجَادَةٍ3" بِكَسْرِ الْوَاوِ، مَصْدَرٌ مُوَلَّدٌ4 لِوَجَدَ5. فَإِنَّ مَادَّةَ "وَجَدَ" مُتَّحِدَةُ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ مُخْتَلِفَةُ الْمَصَادِرِ بِحَسَبِ اخْتِلافِ الْمَعَانِي. فَيُقَالُ فِي الْغَضَبِ: مُوجَدَةً، وَفِي الْمَطْلُوب وُجُودًا، وَفِي الضَّالَّةِ وِجْدَانًا - بِكَسْرِ الْوَاوِ6 - وَفِي الْحُبِّ وَجْدًا - بِالْفَتْحِ وَفِي الْمَالِ وُجْدَانًا - بِالضَّمِّ - وَفِي7 الْغِنَى جِدَةً - بِالْكَسْرِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ، وَإِجْدَانًا - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ8.

_ 1 هو إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم، أبو إسحاق، شهاب الدين، المعروف بابن أبي الدم الحموي، الهَمْداني، الشافعي، القاضي. نشأ في بغداد، وتعلم فيها، ثم رحل إلى العواصم الإسلامية، واشتغل بالتدريس والتعليم، وحدّث في القاهرة والشام وحماه، ثم تولى قضاء حماه. له مصنفات كثيرة، منها: شرح مشكل الوسيط للغزالي، و"أدب القضاء"، و"التاريخ الكبير"، و"تدقيق العناية في تحقيق الدراية"، و"الفرق الإسلامية"، و"الفتاوي". أرسله والي حماة إلى بغداد، فمرض بالمعرة، فعاد إلى حماة، ومات فيها سنة 642 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 8/ 115، طبقات الشافعية للإسنوي 1/ 546، الأعلام للزركلي 1/ 42، شذرات الذهب 5/ 213". 2 لعل ذلك في كتابه تدقيق العناية في تحقيق الدراية. "انظر: مقدمة كتاب أدب القضاء ص 13". وانظر: تدريب الراوي 2/ 60. 3 وفي قول تصح. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 165، نهاية السول 2/ 322، مقدمة ابن الصلاح ص 86، غاية الوصول ص 106، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95". 4 في ش ب ز ع ض: مؤكد. 5 في ب: من وجد. 6 في ش: الهمزة. وساقطة من ب ز. وبدلها في ب ز ع ض: بالكسر. 7 ساقطة من ب. 8 انظر: "القاموس المحيط" 1/ 356.

"وَهِيَ" أَيْ الْوِجَادَةُ فِي اصْطِلاحِ الْمُحَدِّثِينَ "وِجْدَانُهُ" أَيْ الرَّاوِي "شَيْئًا" مِنْ الأَحَادِيثِ مَكْتُوبًا "بِخَطِّ الشَّيْخِ" الَّذِي يَعْرِفُهُ وَيَثِقُ بِأَنَّهُ خَطُّهُ، 1حَيًّا كَانَ8 الْكَاتِبُ أَوْ مَيِّتًا عَلَى الصَّحِيحِ. "وَيَقُولُ" إذَا أَرَادَ الإِخْبَارَ بِذَلِكَ "وَجَدْت بِخَطِّ فُلانٍ" كَذَا2. وَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِأَنَّهُ خَطُّهُ فَيَقُولُ: وَجَدْت مَا ذُكِرَ لِي أَنَّهُ خَطُّ فُلانٍ كَذَا، وَلا يَقُولُ: حَدَّثَنَا وَلا أَخْبَرَنَا، خِلافًا لِمَنْ جَازَفَ فِي إطْلاقِ ذَلِكَ3. "وَلا" تَجُوزُ الرِّوَايَةُ أَيْضًا "بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الشَّيْخِ: سَمِعْت كَذَا، أَوْ هَذَا سَمَاعِي، أَوْ" هَذَا رِوَايَتِي، أَوْ" هَذَا خَطِّي4. أَمَّا إذَا قَالَ عَنْ فُلانٍ، فَقَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "إنَّهُ تَدْلِيسٌ قَبِيحٌ إذَا5 كَانَ

_ 1 في ع: حيث كان الكاتب حيًّا. 2 انظر: نهاية السول 2/ 323، كشف الأسرار 3/ 53، جمع الجوامع 2/ 175، أصول السرخسي 1/ 359، مقدمة ابن الصلاح ص 86، الكفاية ص 353، مختصر الطوفي ص 66، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95، المحدث الفاصل ص 497، 500، شرح نخبة الفكر ص 219، الإلماع ص 117، توضيح الأفكار 2/ 347، تدريب الراوي 2/ 61. 3 ويصح عند بعض أهل الحديث أن يقول في الوجادة: أخبرنا فلان، قياساً على الكتاب المبعوث إليه، وله أن يقول كذلك: بلغني عن فلان. "انظر: تدريب الراوي 2/ 62، كشف الأسرار 3/ 53، مقدمة ابن الصلاح ص 86، شرح نخبة الفكر ص 219، الإلماع ص 117، قواعد التحديث ص 204، أصول الحديث ص 245، توضيح الأفكار 2/ 348". 4 ويسمى هذا إعلاماً. وفي قول يصح. "انظر: المستصفى 1/ 165، جمع الجوامع 2/ 175، فواتح الرحموت 2/ 165، غاية الوصول ص 106، توضيح الأفكار 2/ 343، تدريب الراوي 2/ 58، قواعد التحديث ص 204، مقدمة ابن الصلاح ص 84، 85، الإلماع ص 107، شرح نخبة الفكر ص 220، أصول الحديث ص 241، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95". 5 في ش ض: إذ.

يُوهِمُ سَمَاعَهُ مِنْهُ1. "وَيُعْمَلُ" وُجُوبًا "بِمَا ظَنَّ صِحَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ" أَيْ: مِمَّا قُلْنَا: إنَّهُ لا تَجُوزُ لَهُ رِوَايَتُهُ2 عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ، يَعْنِي أَنَّهُ لا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ. وَذَلِكَ لِعَمَلِ الصَّحَابَةِ بِكُتُبِهِ3 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ فِي "شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ": قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَنُظَّارُ أَصْحَابِهِ وَنَصَرَهُ الْجُوَيْنِيُّ. وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ5. قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ "وَهُوَ الَّذِي لا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ فِي الأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ6". قَالَ النَّوَوِيُّ: "وَ7هُوَ الصَّحِيحُ8". وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقِيلَ: لا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْفُقَهَاءِ 9مِنْ الْمَالِكِيَّةِ5 وَغَيْرِهِمْ:

_ 1 مقدمة ابن الصلاح ص 86، وانظر: توضيح الأفكار 2/ 347 -348. 2 في ع: رواية. 3 في ز ع ب ض: على كتبه. 4 انظر: نهاية السول 2/ 322، كشف الأسرار 3/ 51، الإلماع ص 110، 120، المعتمد 2/ 628، مقدمة ابن الصلاح ص 87، توضيح الأفكار 2/ 348، تدريب الراوي 2/ 59، أصول الحديث ص 242. 5 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 87، توضيح الأفكار 2/ 348، تدريب الراوي 2/ 63. 6 مقدمة ابن الصلاح ص 87، وانظر: توضيح الأفكار 2/ 348. 7 ساقطة من ع ض. 8 تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 2/ 63. 9 ساقطة من ض.

لا يَرَوْنَ الْعَمَلَ بِهِ1.اهـ. وَمَحَلُّ الْخِلافِ إذَا لَمْ تُخَالِفْهُ2 صَحِيحَةٌ. فَإِنَّ الاعْتِمَادَ يَكُونُ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا. "وَمَنْ رَأَى سَمَاعَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ3 فَلَهُ رِوَايَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ إذَا ظَنَّهُ خَطَّهُ" فَيَكْتَفِي بِالظَّنِّ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا4. وَقَالَ الْمَجْدُ، "وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: لا يُعْمَلُ بِهِ إلاَّ إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ خَطُّهُ5". وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يَجُوزُ الْعَمَلُ6 بِهِ حَتَّى يَذْكُرَ سَمَاعَهُ7.وَجْهُ الأَوَّلِ: أَنَّ غَالِبَ الأَحْكَامِ مَبْنَاهَا عَلَى الظَّنِّ8.

_ 1 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 87. 2 في ض: يخالفه. 3 في ش: ينكره. 4 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 105، المعتمد 2/ 628، الإلماع ص 139، توضيح الأفكار 2/ 347، الكفاية ص 233، 257، المسودة ص 280، اللمع ص 45، الروضة ص 62، مختصر الطوفي ص 68، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96. 5 المسودة ص 279، 280. وانظر: فواتح الرحموت 2/ 165، تيسير التحرير 3/ 96. 6 في ع: أن يعمل. 7 وهو قول للشافعية. وقال الشيرازي: وهو الصحيح، لأنه لا يأمن أن يكون قد زُوِّر خطه، فلا تجوز الرواية بالشاك. اللمع ص 45. وعلله الموفق فقال: "قياساً على الشهادة" "الروضة ص 62". و"انظر: أصول السرخسي 1/ 358، 379، تيسير التحرير 3/ 96، كشف الأسرار 3/ 51، الإلماع ص 139، الكفاية ص 233، المسودة ص 279، مقدمة ابن الصلاح ص 105، مختصر الطوفي ص 68، المغني 10/ 141". 8 انظر: المسودة ص 281.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلِهَذَا قِيلَ لأَحْمَدَ: فَإِنْ أَعَارَهُ1 مَنْ لَمْ يَثِقْ بِهِ؟ فَقَالَ: كُلَّ ذَلِكَ أَرْجُو. فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْحَدِيثِ لا تَكَادُ تَخْفَى؛ لأَنَّ الأَخْبَارَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ وَغَلَبَتِهِ2.

_ 1 في ب ع ض: أعاده. 2 المسودة ص 280. وانظر: الروضة ص 62، فواتح الرحموت 2/ 166.

فصل: نقل الحديث بالمعنى

فصل: نقل الحديث بالمعنى ... "فَصْلٌ" "لِعَارِفٍ" بِمَعَانِي1 الأَلْفَاظِ وَمَا يُحِيلُهَا "نَقْلُ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى" الْمُطَابِقِ2 عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ. وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ3، لِمَا رَوَى ابْنُ مَنْدَهْ فِي "مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ" مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ4 قَالَ: "قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَسْمَعُ مِنْك الْحَدِيثَ، فَلا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرْوِيَهُ كَمَا سَمِعْته مِنْك، يُزِيدُ حَرْفًا أَوْ يُنْقِصُ حَرْفًا فَقَالَ: "إذَا

_ 1 في ض: بمباني. 2 ساقطة من ش ز. 3 انظر: نهاية السول 2/ 329، الرسالة للشافعي ص 370، 373، 380 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 103، المستصفى 1/ 168، مناهج العقول 2/ 328، جمع الجوامع 2/ 171، العضد على ابن الحاجب 2/ 70، الرسالة ص 370، شرح تنقيح الفصول ص 380، المسودة ص 281، أصول السرخسي 1/ 355، فواتح الرحموت 2/ 166، تيسير التحرير 3/ 97، كشف الأسرار 3/ 55، المعتمد 2/ 627، اللمع ص 44، الروضة ص 63، غاية الوصول ص 105، مختصر الطوفي ص 71، إرشاد الفحول ص 57، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97، مقدمة ابن الصلاح ص 105، قواعد التحديث ص 221، توضيح الأفكار 2/ 371، 392، الإلماع ص 178 وما بعدها، تدريب الراوي 2/ 98، المحدث الفاصل ص 533، الكفاية ص 198، شرح النووي على مسلم 1/ 36، أصول الحديث ص 251. 4 السائل هو سليمان بن أكيمة. ولعل في النص نقصاً، والصواب: "عبد الله بن سليمان ... "عن أبيه". وهذا ما أكده الخطيب البغدادي في "الكفاية ص 199". فقال: "عن يعقوب بن عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي عن أبيه عن جده قال: قلت...."، وهذا ما ذكره ابن حجر في "الإصابة 2/ 73"، ولم أجد ترجمة لعبد الله بن سليمان. أما سليمان بن أكيمة فقال ابن حجر: هو سليم بن أكيمة ... وذكر الحديث ونصه وطرقه وتخريجه فقط، ولم يذكر له ترجمة غير ذلك. "انظر: الإصابة 2/ 73".

لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا، وَلا تُحَرِّمُوا حَلالاً، وَأَصَبْتُمْ الْمَعْنَى فَلا بَأْسَ" 1. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ. فَقَالَ: لَوْلا هَذَا مَا حَدَّثَنَا. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا زَالَ الْحُفَّاظُ يُحَدِّثُونَ بِالْمَعْنَى وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ2. وَعَنْهُ: لا يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. وَحَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَمْعٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا3.

_ 1 الحديث خرجه السيوطي في "تدريب الراوي" فقال: رواه ابن منده في "معرفة الصحابة"، والطبراني في "الكبير" ثم قال: والحديث مضطرب لا يصح كما قال السخاوي. وذكره ابن الجوزي في "الموضوعات". ورواه الخطيب في "الكفاية" عن يعقوب بن عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي عن أبيه عن جده قال: قلنا...." ويعقوب بن عبد الله ليس له ترجمة. وذكره يحيى بن معين فقال: عن شيخ يقال له: يعقوب بن عبد الله...." "انظر: تدريب الراوي 2/ 99، الكفاية ص 199، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 681، فواتح الرحموت 2/ 168، كشف الأسرار 3/ 55-56، تيسير التحرير 3/ 99". 2 انظر مزيداً من الأدلة لجواز نقل الحديث بالمعنى مع شروطه في "شرح تنقيح الفصول ص 381، العضد على ابن الحاجب 2/ 70 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 103، نهاية السول 2/ 329، مناهج العقول 2/ 328، أصول السرخسي 1/ 355 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 98، قواعد التحديث ص 221، المسودة ص 281، 282, الكفاية ص 198، 203، الرسالة ص 370". 3 وممن منع نقل الحديث بالمعنى محمد بن سيرين وابن حزم وأبو بكر الرازي الحنفي. "انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 205، الإحكام للآمدي 2/ 103، نهاية السول 2/ 329، جمع الجوامع 2/ 172، مناهج العقول 2/ 328، أصول السرخسي 1/ 355، كشف الأسرار 3/ 55، فواتح الرحموت 2/ 167، تيسير التحرير 3/ 98، المسودة ص 281، مقدمة ابن الصلاح ص 105، المعتمد 2/ 626، شرح تنقيح الفصول ص 380، توضيح الأفكار 2/ 372، الإلماع ص 178، تدريب الراوي 2/ 98، المحدث الفاصل ص 538، الكفاية ص 167 وما بعدها، 198، شرح النووي على مسلم 1/ 36، غاية الوصول ص 106، العضد على ابن الحاجب 2/ 70".

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: فِي نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ التَّابِعِينَ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ سِوَى مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ، فَلَعَلَّهُ اسْتِحْبَابٌ، أَوْ لِغَيْرِ عَارِفٍ. فَإِنَّهُ إجْمَاعٌ فِيهِمَا1. وَجَوَّزَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ نَسِيَ اللَّفْظَ لأَنَّهُ قَدْ تَحَمَّلَ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى وَعَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَيَلْزَمُهُ الآخَرُ2. وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ لِلصَّحَابَةِ فَقَطْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الأَحَادِيثِ الطِّوَالِ دُونَ الْقِصَارِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلاحْتِجَاجِ لا لِلتَّبْلِيغِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ فَقَطْ3. وَمَنَعَ أَبُو الْخَطَّابِ إبْدَالَ لَفْظٍ بِأَظْهَرَ مِنْهُ مَعْنًى أَوْ أَخْفَى4.

_ 1 انظر أدلة المانعين ومناقشتها في "مختصر الطوفي ص 71، شرح تنقيح الفصول ص 381، الإحكام للآمدي 2/ 104، فواتح الرحموت 2/ 168 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 99 وما بعدها، نهاية السول 2/ 329، مناهج العقول 2/ 328، كشف الأسرار 3/ 55، قواعد التحديث ص 255، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، الكفاية ص 201، غاية الوصول ص 106". 2 انظر: غاية الوصول ص 106، جمع الجوامع 2/ 172. 3 وهو قول الخطيب البغدادي. وفرق السرخسي والبزدوي أيضاً بين المحكم والمتشابه، والظاهر والمشكل، والمجمل والمشترك والمتشابه. "انظر: الكفاية ص 198، كشف الأسرار 3/ 57، فواتح الرحموت 2/ 167، تيسير التحرير 3/ 97، نهاية السول 2/ 329، المستصفى 1/ 168، الإحكام للآمدي 2/ 103، العضد على ابن الحاجب 2/ 70، جمع الجوامع 2/ 172،غاية الوصول ص 106، اللمع ص 44، إرشاد الفحول ص 57". 4 وهو قول أبي الحسين البصري المعتزلي، لأن الشارع ربما قصد إيصال الحكم باللفظ الجلي تارة، وبالخفي أخرى. "انظر: الروضة ص 64، المعتمد 2/ 626، نهاية السول 2/ 329، مختصر الطوفي ص 71-72، إرشاد الفحول ص 57".

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْوَاضِحِ": إبْدَالُهُ بِالظَّاهِرِ أَوْلَى. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ بِأَظْهَرَ اتِّفَاقًا لِجَوَازِهِ 1بِغَيْرِ عَرَبِيَّةٍ4، وَهِيَ أَتَمُّ بَيَانًا2. وَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى "فَلَيْسَ" الْحَدِيثُ "بِكَلامِ اللَّهِ تَعَالَى". "وَهُوَ" أَيْ الْحَدِيثُ "وَحْيٌ إنْ رُوِيَ مُطْلَقًا" مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ أَوْ نَهَى أَوْ كَانَ خَبَرًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى3". 4"وَإِنْ بَيَّنَ" النَّبِيُّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فِي الْحَدِيثِ "أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ أَوْ نَهَى"، أَوْ كَانَ خَبَرًا عَنْ اللَّهِ" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى7 "أَنَّهُ قَالَهُ فَـ" لا يَجُوزُ تَغْيِيرُ لَفْظِهِ "كَالْقُرْآنِ". وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ5 نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى مَعَ تَغْيِيرِ6 اللَّفْظِ: مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ وَاثِلَةَ "إذَا حَدَّثْنَاكُمْ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَاهُ فَحَسْبُكُمْ"7.

_ 1 في ش ز: بعربية. 2 وهو ما أكده القرافي والخطيب، وذكر الشوكاني ثمانية مذاهب في نقل الحديث بالمعنى. "انظر: إرشاد الفحول ص 57، الكفاية ص 173 وما بعدها، 193، الإحكام للآمدي 2/ 103، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 171 وما بعدها، المسودة ص 282، كشف الأسرار 3/ 56، العضد على ابن الحاجب 2/ 70، اللمع ص 44، غاية الوصول ص 106، فواتح الرحموت 2/ 167، تيسير التحرير 3/ 97، 99، نهاية السول 2/ 329". 3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 168. 4 ما بين القوسين مكرر في ع. 5 في ع: أنه يجوز. 6 في ض: تغير. 7 رواه البيهقي عن واثلة. وروى ابن عبد البر عن واثلة بن الأسقع قال: "حسبكم إذا جئناكم بالحديث على معناه. "انظر: جامع بيان العلم 1/ 94، الكفاية ص 204، المحدث الفاصل ص 533".

وَرَوَى الْخَلاَّلُ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا1. وَحَدَّثَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا 2فَقَالَ: "أَوْ دُونَ ذَلِكَ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ"3.وَكَانَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا حَدَّثَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا5، قَالَ "أَوْ كَمَا قَالَ" إسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ. رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ4. وَكَذَلِكَ5 نُقِلَتْ وَقَائِعُ مُتَّحِدَةٌ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلأَنَّهُ يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ

_ 1 "انظر: المحدث الفاصل ص 533، مقدمة ابن الصلاح ص 106، كشف الأسرار 2/ 379- 380، 3/ 56، تدريب الراوي 1/ 102، الإحكام للآمدي 2/ 103- 104، أصول السرخسي 1/ 355". 2 ساقطة من ض. 3 رواه ابن ماجه والحاكم والدارمي والطبراني في الكبير عن ابن مسعود وأبي الدرداء. "انظر: سنن ابن ماجه 1/ 11، المستدرك 1/ 111، سنن الدارمي 1/ 83، 86، مجمع الزوائد 1/ 141". 4 رواه ابن ماجه عن أنس، وروى الدارمي والخطيب عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أو نحوه، أو شبهه. "انظر: سنن ابن ماجه 1/ 11، سنن الدارمي 1/ 83، 84، الكفاية ص 206". وانظر: كشف الأسرار 3/ 56، مقدمة ابن الصلاح ص 106، قواعد التحديث ص 210، جامع بيان العلم 1/ 95، تدريب الراوي 2/ 102، فواتح الرحموت 2/ 168، تيسير التحرير 3/ 98-99، أصول السرخسي 1/ 356، توضيح الأفكار 2/ 373، شرح النووي على مسلم 1/ 72. 5 في ض: ولذلك.

بِعَجَمِيَّةٍ إجْمَاعًا، فَبِعَرَبِيَّةٍ أَوْلَى لِحُصُولِ1 الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْمَعْنَى، وَلِهَذَا لا تَجِبُ تِلاوَةُ اللَّفْظِ وَلا تَرْتِيبُهُ، بِخِلافِ الْقُرْآنِ وَالأَذَانِ وَنَحْوِهِ2. "وَجَائِزٌ إبْدَالُ الرَّسُولِ بِالنَّبِيِّ وَعَكْسُهُ" وَهُوَ إبْدَالُ لَفْظِ "النَّبِيِّ" بِلَفْظِ "الرَّسُولِ" نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ3 أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ4. وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالنَّوَوِيُّ5 وَغَيْرُهُمْ6. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ78مَا يُقَالُ6 عِنْدَ

_ 1 في ب ع ز: ولحصول. 2 انظر: نهاية السول 2/ 329، مقدمة ابن الصلاح ص 105، المستصفى 1/ 168، العضد على ابن الحاجب 2/ 70، الإحكام للآمدي 1/ 103 وما بعدها، الروضة ص 63، مختصر الطوفي ص 71، فواتح الرحموت 2/ 168، توضيح الأفكار 2/ 373، 392. 3 ساقطة من ش ز. 4 روى الخطيب البغدادي بسنده عن صالح بن أحمد بن حنبل قال: "قلت لأبي: يكون في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجعله الإنسان: قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس" "الكفاية ص 244". وانظر شرح ألفية العراقي 2/ 195، المسودة ص 282. 5 في ش: والثوري. 6 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 117، الكفاية ص 244، شرح ألفية العراقي 2/ 195، المسودة ص 282. 7 هو الصحابي البَرَاء بن عازب بن الحارث –بتخفيف الراء باتفاق- أبو عمارة أو أبو عمرو، أو أبو الطفيل، الأنصاري الأوسي المدني. استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وأول مشاهده أحد، وقال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة. وشهد مع أبي موسى غزوة تستر، وشهد مع علي الجمل وصفين والنهروان, وهو الذي الفتتح الري سنة 24 هـ، ونزل الكوفة، وابتنى بها داراً، ومات في إمارة مصعب بن الزبير سنة 73 هـ. انظر ترجمته في "الإصابة / 142، الاستيعاب 1/ 139، تهذيب الأسماء 1/ 132، الخلاصة ص 46، حلية الأولياء 1/ 350". 8 ساقطة من ب ز ع ض.

النَّوْمِ "آمَنْت بِكِتَابِك الَّذِي أَنْزَلْت وَنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت"، قَالَ: وَرَسُولِك، قَالَ: "لا، " وَنَبِيِّك" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1. وَرُدَّ الاعْتِرَاضُ: بِأَنَّ فَائِدَةَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: عَدَمُ الالْتِبَاسِ بِجِبْرِيلَ أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَ لَفْظَيْ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ2.قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ مِنْ ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ "الرَّسُولَ" كَمَا يَكُونُ مِنْ الأَنْبِيَاءِ يَكُونُ مِنْ الْمَلائِكَةِ. الثَّانِي: أَنْ تَضَمَّنَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَرَسُولِك" النُّبُوَّةَ بِطَرِيقِ الالْتِزَامِ. فَأَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أَنْ يُصَرِّحَ بِذِكْرِ النُّبُوَّةِ. الثَّالِثُ: الْجَمْعُ بَيْنَ لَفْظَيْ3 النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ. وَمَحِلُّ الْخِلافِ فِي غَيْرِ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ لاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ "لا" يَجُوزُ "تَغْيِيرُ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ" لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ تَصْنِيفِ مُصَنِّفِهَا4. قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "لا نَرَى الْخِلافَ جَارِيًا، وَلا أَجْرَاهُ النَّاسُ فِيمَا

_ 1 الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن البراء مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 1/ 55، صحيح مسلم 4/ 2082، سنن أبي داود 2/ 606، تحفة الأحوذي 9/ 338، سنن ابن ماجه 2/ 1275، مسند أحمد 4/ 285، سنن الدارمي 2/ 290". وانظر: الإحكام لابن حزم 1/ 206، الكفاية ص 202، المحدث الفاصل ص 538، الإلماع ص 175، مختصر الطوفي ص 71. 2 انظر شرح ألفية العراقي 2/ 195، الرسالة للشافعي ص 270 وما بعدها، الكفاية ص 203، مختصر الطوفي ص 71. 3 في ب: لفظتي. 4 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 68، شرح النووي على مسلم 1/ 36، تدريب الراوي 2/ 22، 102.

نَعْلَمُ1 فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ بُطُونُ الْكُتُبِ فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُغَيِّرَ لَفْظَ شَيْءٍ مِنْ كِتَابٍ، وَيُثْبِتَ فِيهِ2 لَفْظًا آخَرَ بِمَعْنَاهُ. فَإِنَّ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى رَخَّصَ3 فِيهَا مَنْ رَخَّصَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِمْ فِي4 ضَبْطِ الأَلْفَاظِ وَالْجُمُودِ عَلَيْهَا مِنْ الْحَرَجِ وَالنَّصَبِ. وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ بُطُونُ الأَوْرَاقِ وَالْكُتُبِ، وَلأَنَّهُ إنْ مَلَكَ تَغْيِيرَ اللَّفْظِ فَلَيْسَ يَمْلِكُ تَغْيِيرَ تَصْنِيفِ غَيْرِهِ5". "وَلَوْ كَذَّبَ" أَصْلٌ فَرْعًا فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ "أَوْ غَلَّطَ أَصْلٌ فَرْعًا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ" أَيْ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي كَذَّبَ فِيهِ الشَّيْخُ رَاوِيَهُ عَنْهُ، أَوْ غَلَّطَ6 فِيهِ الشَّيْخُ رَاوِيَهُ عَنْهُ7 عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الأَكْثَرِ8، وَحَكَاهُ جَمَاعَةٌ إجْمَاعًا لِكَذِبِ أَحَدِهِمَا. وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ9.

_ 1 في ض: لا نعلم. 2 ساقطة من ب، وفي مقدمة ابن الصلاح: بدله فيه، وفي ض: فيه بدله. 3 في ب: قد رخّص. 4 في مقدمة ابن الصلاح: من. 5 مقدمة ابن الصلاح ص 105- 106. 6 في ض: غلطه. 7 ساقطة من ض. 8 في ع: الأكثرين. 9 قال الآمدي: "فلا خلاف في امتناع العمل بالخبر" "الإحكام 2/ 106". وذكر النووي في "التقريب": "أنه المختار" "تدريب الراوي شرح تقريب النواوي 1/ 334". ونقل الإجماع على عدم العمل به الشيخُ سراج الدين الهندي، والشيخ قوام الدين الكاكي، لكن الإجماع فيه نظر، لأن السرخسي والبزدوي والدبوسي حكوا اختلاف السلف فيه، بينما ذكر ابن السبكي أنه يعمل به ولا يرد. وقال الخطيب: "لا يعمل به". "انظر: الكفاية ص 139، جمع الجوامع 2/ 138، فواتح الرحموت 2/ 170، كشف الأسرار 3/ 59، تيسير التحرير 3/ 107، المستصفى 1/ 167، مقدمة ابن الصلاح ص 55، توضيح الأفكار 2/ 243، تدريب الراوي 1/ 334، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، اللمع ص 45، الإحكام للآمدي 2/ 106".

"وَ" لَكِنْ "هُمَا عَلَى عَدَالَتِهِمَا" لِعَدَمِ بُطْلانِ الْعَدَالَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ بِالشَّكِّ. فَلَوْ شَهِدَا عِنْدَ حَاكِمٍ فِي وَاقِعَةٍ قُبِلا؛ لأَنَّ تَكْذِيبَهُ أَوْ تَغْلِيطَهُ قَدْ يَكُونُ لِظَنٍّ مِنْهُ أَوْ غَيْرِهِ1. وَقِيلَ: يُعْمَلُ بِهِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ2. "وَإِنْ أَنْكَرَهُ" أَيْ أَنْكَرَ الأَصْلُ الْفَرْعَ بِأَنْ قَالَ الشَّيْخُ: مَا أَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَيْ "وَلَمْ يُكَذِّبْ" الأَصْلُ الْفَرْعَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ "عُمِلَ بِهِ" عِنْدَ الإِمَامِ3 أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَالأَكْثَرِ؛ لأَنَّ الْفَرْعَ عَدْلٌ جَازِمٌ غَيْرُ مُكَذَّبٍ 4أَوْ مُغَلَّطٍ، فَيُعْمَلُ7 بِمَا رَوَاهُ. كَمَوْتِ الأَصْلِ أَوْ جُنُونِهِ5.

_ 1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 138، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، المستصفى 1/ 167، الإحكام للآمدي 2/ 106، فواتح الرحموت 2/ 170، تيسير التحرير 3/ 107، كشف الأسرار 3/ 59، مقدمة ابن الصلاح ص 55، تدريب الراوي 1/ 334، الكفاية" ص 139، "المسودة" ص 279، اللمع ص 45، غاية الوصول ص 98. 2 منهم السمعاني وابن السبكي، وعزاه الشاشي للشافعي. وفي المسألة أقوال أخرى. "انظر: جمع الجوامع 2/ 138، تدريب الراوي 1/ 334، الإحكام للآمدي 2/ 106، مقدمة ابن الصلاح ص 55، المسودة ص 279". 3 ساقطة من ب ع ض. 4 في ز ش: فعمل. 5 وهو قول الإمام محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وأبي الحسن الكرخي وجماعة من الحنفية. "انظر: أصول السرخسي 2/ 3، فواتح الرحموت 2/ 170، 171، تيسير التحرير 3/ 107، كشف الأسرار 3/ 60، جمع الجوامع 2/ 140، نهاية السول 2/ 310، المستصفى 1/ 167، الإحكام للآمدي 2/ 106، 107، شرح تنقيح الفصول ص 369، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، المسودة ص 278 وما بعدها، تدريب الراوي 1/ 235، مقدمة ابن الصلاح ص 55، المعتمد" 2/ 621، "توضيح الأفكار" 2/ 247، الكفاية ص 139، 380، اللمع ص 45، الروضة ص 62، مختصر الطوفي ص 67، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96".

وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ1 عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ2 عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ4"،

_ 1 هو عبد العزيز بن محمد بن عبيد، أبو محمد، الداروردي، المدني، مولى قُضاعة، وأصله من دارورد قرية من خراسان. ولد بالمدينة ونشأ بها. روى عن زيد بن أسلم وخلق. وروى عنه الشافعي وابن مهدي. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، يغلط. وقال ابن العماد: كان فقيهاً صاحب حديث، وأثنى عليه ابن معين. توفي سنة 187 هـ، وقيل 189 هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 269، طبقات الحفاظ ص 115، الخلاصة ص 241، المعارف ص 515، شذرات الذهب 1/ 316، اللباب 1/ 496، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 367". 2 هو سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان، أبو يزيد، أحد العلماء الثقات. قال يحيى: "ليس بالقوي في الحديث". وقال: "حديثه ليس بالحجة". وكان قد اعتل بعلة فنسي بعض حديثه. وقيل: ما له أخ فوَجِدَ عليه فنسي كثيراً من الحديث، وكانت ممن كثرت عنايته بالعلم، ومواظبته على الدين. توفي سنة 140 هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 137، ميزان الاعتدال 2/ 243، الخلاصة ص 158، شذرات الذهب 1/ 208، مشاهير علماء الأمصار ص 137، المعارف ص 478، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 243". 3 هو ذكوان السمان، ويقال الزيات، أبو صالح، التابعي، مولى جويرية بنت الأحمس، امرأة من قيس الغطفاني، وهو من أجل الناس وأوثقهم. قال أحمد: "ثقة ثقة شهد الدار". أخذ عن سعد وأبي الدرداء وعائشة وأبي هريرة وخلق. وروى عنه بنوه سهيل وعبد الله وصالح وعباد. توفي سنة 101 هـ. انظر ترجمته في "الخلاصة ص 112، ميزان الاعتدال 4/ 539، شذرات الذهب 1/ 208، طبقات الحفاظ ص 33، المعارف ص 478، تذكرة الحفاظ 1/ 89، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 158". 4 رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والشافعي والخطيب عن أبي هريرة مرفوعاً. "انظر: سنن أبي داود 2/ 277، تحفة الأحوذي 4/ 572، بدائع المنن 2/ 235، سنن ابن ماجه 2/ 793، نيل الأوطار 8/ 293، الكفاية ص 381". ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن جابر مرفوعاً. انظر: سنن ابن ماجه 2/ 793، مسند أحمد 3/ 305، تحفة الأحوذي 4/ 572، نيل الأوطار 8/ 292، تخريج أحاديث البزدوي ص 194. وروى مسلم وأحمد وأبو داود والشافعي وابن ماجه عن ابن عباس مرفوعاً "قضى بيمين مع الشاهد". "انظر: صحيح مسلم 3/ 1337، سنن أبي داود 2/ 278، بدائع المنن 2/ 234، سنن ابن ماجه 2/ 793، سنن النسائي 8/ 217، مسند أحمد 1/ 315".

وَنَسِيَهُ سُهَيْلٌ وَقَالَ1: حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي2. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ. قَالَ: "فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسُهَيْلٍ. فَقَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ - وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ - أَنِّي حَدَّثْتُهُ إيَّاهُ وَلا أَحْفَظُهُ. وَكَانَ سُهَيْلٌ يُحَدِّثُهُ بَعْدُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ3".وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ4.فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ الْعَمَلُ بِهِ؟.قِيلَ: مَذْكُورٌ فِي مَعْرِضِ الْحُجَّةِ، فَإِنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ، ثَبَتَ أَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ5. وَعَنْهُ: لا يُعْمَلُ بِهِ. وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ6. وَلِذَلِكَ رَدُّوا

_ 1 في ض: فقال. 2 انظر: الكفاية ص 381. 3 بدائع المنن 2/ 235. 4 سنن أبي داود 2/ 277. وانظر: الكفاية ص 381، الروضة ص 63، الإحكام للآمدي 2/ 106، تدريب الراوي 1/ 335، المحدث الفاصل ص 516، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، مختصر الطوفي ص 67. 5 انظر مزيداً من أدلة العمل به في "فواح الرحموت 2/ 171، كشف الأسرار 3/ 60، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، الكفاية ص 381 وما بعدها". 6 وهو قول أبي يوسف خلافاً لمحمد رحمهم الله تعالى، وهو قول الكرخي والدبوسي والبزدوي. "انظر: كشف الأسرار 3/ 6، أصول السرخسي 2/ 3، فواتح الرحموت 2/ 170، تيسير التحرير 3/ 107، المستصفى 1/ 167، الإحكام للآمدي 2/ 106، المسودة ص 278، شرح تنقيح الفصول ص 369، العضد على ابن الحاجب 1/ 71، تدريب الراوي 1/ 335، توضيح الأفكار 2/ 248، الكفاية ص 380، 383، المعتمد 2/ 621، اللمع ص 45، الروضة ص 52، مختصر الطوفي ص 67، مقدمة ابن الصلاح ص 55.

خَبَرَ "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" 1؛ لأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ: لا أَذْكُرُهُ2. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سُهَيْلٍ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَقَاسُوهُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا إذَا نَسِيَ شَاهِدُ الأَصْلِ3. وَأُجِيبُوا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ أَضْيَقُ4. "وَتُقْبَلُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ ضَابِطٍ" فِي الْحَدِيثِ "لَفْظًا أَوْ مَعْنًى" يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ "إنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ" عِنْدَ جَمَاهِيرِ

_ 1 هذا طرف من حديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأبو داود الطيالسي وأبو عوانة والدارمي وابن حبان عن عائشة مرفوعاً، وحسنه الترمذي. قال الشوكاني: وقد أعل بالإرسال. "انظر: مسند أحمد 6/ 47، سنن أبي داود 1/ 481، تحفة الأحوذي 4/ 228، سنن ابن ماجه 1/ 605، سنن الدارمي 2/ 137، موارد الظمآن ص 305، نيل الأوطار 6/ 135، تخريج أحاديث البزدوي ص 194، الكفاية ص 380، منحة المعبود 1/ 305". 2 انظر: أصول السرخسي 2/ 3، 6، فواتح الرحموت 2/ 171، الكفاية ص 380، المسودة ص 278. 3 يقول السرخسي: "حديثه غريب مستنكر، ويخشى على العامل به المأثم" "أصول السرخسي 1/ 294". وانظر: مزيداً من الأدلة في "تيسير التحرير 3/ 107، كشف الأسرار 3/ 61 وما بعدها، المستصفى 1/ 167، فواتح الرحموت 2/ 172، أصول السرخسي 2/ 3 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 56، الكفاية ص 380، 383". 4 أي أن الشهادة أضيق من الرواية لكثرة شروطها، فيمتنع القياس. "انظر: مختصر الطوفي ص 67، شرح تنقيح الفصول ص 369، تيسير التحرير 3/ 108، المحلي على جمع الجوامع 2/ 140".

الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا1. "أَوْ اتَّحَدَ" الْمَجْلِسُ "وَتُصُوِّرَتْ غَفْلَةُ2 مَنْ فِيهِ عَادَةً" عَلَى الصَّحِيحِ "أَوْ جُهِلَ الْحَالُ" بِأَنْ شَكَكْنَا: هَلْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ مَنْ يُتَصَوَّرُ3 غَفْلَتُهُ أَوْ لا. وَهَلْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ4؟ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ5: فَالصَّحِيحُ الْقَبُولُ، وَهُوَ ظَاهِرُ "الرَّوْضَةِ" وَغَيْرِهَا6، وَقَطَعَ بِذَلِكَ الْبِرْمَاوِيُّ. وَقَالَ: هُوَ كَمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: هَذَا أَوْلَى. وَظَاهِرُ كَلامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ كَاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، وَقَالَهُ7 الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَيُعْطَى حُكْمَهُ. وَقَالَ: كَلامُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مُخْتَلِفٌ فِي الْوَقَائِعِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ أَعْلَمُ8.

_ 1 وقال الشوكاني: "وتقبل بالاتفاق" "إرشاد الفحول ص 56". وانظر أقوال العلماء وأدلتهم في "المعتمد 2/ 609، نهاية السول 2/ 331، مناهج العقول 2/ 330، الإحكام للآمدي 2/ 108، المستصفى 1/ 168، المحلي على جمع الجوامع 2/ 140، الكفاية ص 425، شرح النووي على مسلم 1/ 33، المسودة ص 299، شرح تنقيح الفصول ص 381، الإحكام لابن حزم 1/ 208، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، فواتح الرحموت 2/ 172، مقدمة ابن الصلاح ص 40، توضيح الأفكار 2/ 17، تدريب الراوي 1/ 245، تيسير التحرير 3/ 109، اللمع ص 46، الروضة ص 63، غاية الوصول ص 98، مختصر الطوفي ص 68، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96". 2 في ش: علة. 3 في ع: تتصور. 4 في ب ع ض: في أكثر. 5 ساقطة من ش، ومشطوب عليها في ز. 6 انظر: الروضة ص 63، الإحكام للآمدي 2/ 108، 110، المستصفى 1/ 168، فواتح الرحموت 2/ 172، شرح تنقيح الفصول ص 381، تيسير التحرير 3/ 109، نهاية السول 2/ 331، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، 72، المعتمد 2/ 610، تدريب الراوي 1/ 245، الكفاية ص 425، المسودة ص 300، غاية الوصول ص 98، إرشاد الفحول ص 56، مقدمة ابن الصلاح ص 40. 7 في ع: وقال. 8 وفي المسألة أقوال كثيرة "انظر: المسودة ص 299، 302 وما بعدها".

وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ وَلَمْ يُتَصَوَّرْ1 غَفْلَةُ مَنْ فِيهِ عَادَةً: أَنَّ زِيَادَتَهُ لا تُقْبَلُ وَهَذَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الأَكْثَرِ. وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا2.وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا. اخْتَارَهُ3 ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالتَّاجُ السُّبْكِيُّ وَأَلْحَقُوهَا بِمَا إذَا كَانَ فِي الْمَجْلِسُ جَمَاعَةٌ لا تُتَصَوَّرُ غَفْلَتُهُمْ4. وَعَنْهُ: تُقْبَلُ5. وَحَكَاهُ الْبِرْمَاوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ6، قَالَ: وَلِهَذَا قَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ الأَعْرَابِيِّ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلالِ7 مَعَ انْفِرَادِهِ.

_ 1 في ز ع: تتصور. 2 انظر: تيسير التحرير 3/ 108، فواتح الرحموت 2/ 172، العضد على ابن الحاجب 2/ 71، المسودة ص 301، المحلي على جمع الجوامع 2/ 141، المعتمد 2/ 610، نهاية السول 2/ 331، مناهج العقول 2/ 330، الإحكام للآمدي 2/ 109، غاية الوصول ص 98. 3 في ع: واختاره. 4 انظر: جمع الجوامع 2/ 141، المسودة ص 303، غاية الوصول ص 98. 5 قال الشيخ زكريا الأنصاري: "وقيل: تقبل مطلقاً، وهو ما اشتهر عن الشافعي، ونقل عن الفقهاء والمحدثين، لجواز غفلة من لم يزد عنها" "غاية الوصول ص 98". وانظر: المسودة ص 299 وما بعدها. 6 وهناك أقوال أخرى عند اتحاد المجلس، فقال أبو الخطاب: يقدم قول الأكثر، ثم الأحفظ والأضبط، ثم المثبت. وقال القاضي أبو يعلى: إذا تساوى الطرفان ففيه روايتان، وقال الأبهري من المالكية: لا تقبل الزيادة. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 109، شرح تنقيح الفصول ص 382، الروضة ص 63، غاية الوصول ص 98، المسودة ص 299، 300، مختصر الطوفي ص 68، توضيح الأفكار 2/ 17 وما بعدها". 7 أخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني وابن حبان والبيهقي والحاكم مرفوعاً عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله"؟ قال: نعم، قال: "أتشهد أن محمداً رسول الله"؟ قال: نعم، قال: "يا بلال، أذّن في الناس، فليصوموا غداً". قال الترمذي: روي مرسلاً. "انظر: سنن أبي داود 1/ 547، تحفة الأحوذي 3/ 372، سنن النسائي 4/ 106، سنن ابن ماجه 1/ 529، موارد الظمآن ص 221، نيل الأوطار 4/ 209، تخريج أحاديث البزدوي ص 167، المستدرك 1/ 424، السنن الكبرى للبيهقي 4/ 211، سنن الدارقطني 2/ 158".

وَقَبِلَ خَبَرَ ذِي الْيَدَيْنِ 1مَعَ وُجُودِ4 أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ2. "وَإِنْ خَالَفَتْ" الزِّيَادَةُ "الْمَزِيدَ" فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي قُلْنَا بِقَبُولِهَا فِيهَا3 "تَعَارَضَا" أَيْ الْمَزِيدُ وَالزِّيَادَةُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ4 الإِبْيَارِيُّ5 عَنْ قَوْمٍ "فَ" عَلَى هَذَا "يُطْلَبُ مُرَجِّحٌ" لأَحَدِهِمَا6. وَنَقَلَ الإِبْيَارِيُّ أَيْضًا عَنْ قَوْمٍ تَقْدِيمَ الزِّيَادَةِ. قَالَ: وَهُوَ الظَّاهِرُ

_ 1 في ع ب ز ض: و. 2 سبق تخريج هذا الحديث تفصيلاً ص 193. 3 في ش ز: منها. 4 في ش: نغله. 5 هو علي بن إسماعيل بن علي بن عطية، الأبياري، شمس الدين، أبو الحسن. وأبيار بلدة بمديرية الغربية "جمع بئر" بمصر. كان من العلماء الأعلام، وأئمة الإسلام، بارعاً في علوم شتى، وهو فقيه مالكي وأصولي محدث، رحل إليه الناس، وكان صاحب دعوة مجابة، ناب في القضاء عن عبد الرحمن بن سلامة، وأخذ عنه جماعة منهم ابن الحاجب. وكان ابن عقيل الشافعي المصري يفضل الأبياري على الإمام فخر الدين الرازي في الأصول. له مصنفات كثيرة، منها: "شرح البرهان لإمام الحرمين" في الأصول، و"سفينة النجاة" على مسلك "إحياء علوم الدين" للغزالي. وقال بعضهم: إنها أكثر إتقاناً من "الإحياء" وأحسن منه، و"شرح التهذيب"، و"تكملة الجامع بين التبصرة والجامع لابن يونس". توفي سنة 618 هـ. ويصحف نَسَبُه أحياناً، ويكتب "الأنباري"، ولذلك نبه عليه العلامة جلال الدين المحلي، فقال: "بالموحدة ثم التحتانية في شرح البرهان" "المحلي على جمع الجوامع 2/ 150"، كما نبه على ذلك ابن فرحون في "الديباج". انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 121، حسن المحاضرة 1/ 454، شجرة النور الزكية ص 166، الفتح المبين 2/ 52". 6 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 111، المعتمد 2/ 610، تيسير التحرير 3/ 111، إرشاد الفحول ص 56، المسودة ص 303.

عِنْدَنَا1 إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَطَرُّقِ الْوَهْمِ 2إلَى أَحَدِهِمَا3 لاسْتِحَالَةِ كَذِبِهِمَا. وَامْتَنَعَ الْحَمْلُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ، لَمْ يَبْقَ إلاَّ الذُّهُولُ وَالنِّسْيَانُ، وَالْعَادَةُ تُرْشِدُ إلَى3 أَنَّ نِسْيَانَ مَا جَرَى أَقْرَبُ مِنْ تَخَيُّلِ مَا لَمْ يَجْرِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُثْبِتُ أَوْلَى4. وَقَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "إنَّ الزِّيَادَةَ إذَا خَالَفَتْ مَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ5". وَعِنْدَ أَبِي الْحُسَيْنِ6: إنْ غَيَّرَتْ الْمَعْنَى لا الإِعْرَابَ قُبِلَتْ وَإِلاَّ فَلا7. "وَإِنْ رَوَاهَا" الرَّاوِي "مَرَّةً وَتَرَكَهَا" مَرَّةً "أُخْرَى8

_ 1 في ش ز: عنده. 2 ساقطة من ب. 3 ساقطة من ض. 4 انظر: المعتمد 2/ 612. 5 لأنها تعتبر من قبيل الشاذ. وهو ما يرويه الثقة مخالفاً لما رواه الثقات، وهو رأي أهل الحديث. "انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 37، تيسير التحرير 3/ 110، معرفة علوم الحديث ص 119، المعتمد 2/ 613، تدريب الراوي 1/ 232، آداب الشافعي ص 233". 6 في جميع النسخ: الحسن، وهو تصحيف. وقد نقل الشيخ تقي الدين ابن تيمية هذا الرأي ونص على أنه لأبي الحسين البصري، وجاء معناه في المعتمد 2/ 611 لأبي الحسين البصري. 7 قال ابن تيمية: وقال أبو الحسين البصري: إن غيرت الزيادة إعراب الكلام ومعناه تعارضتا ... وإن غيرت المعنى دون الإعراب ... قبلت" "المسودة ص 300". وانظر: المعتمد 2/ 611، المحلي على جمع الجوامع 2/ 142- 143، غاية الوصول ص 98، نهاية السول 2/ 331، مناهج العقول 2/ 331. 8 ساقطة من ع.

فَـ" ذَلِكَ1 "كَتَعَدُّدِ رُوَاةٍ" قَالَهُ2 ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ مُفْلِحٍ وَالْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُمْ: فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ اتِّحَادِ سَمَاعِهَا مِنْ الَّذِي رَوَى عَنْهُ وَتَعَدُّدِهِ. وَالْمُرَادُ مَا أَمْكَنَ جَرَيَانُهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَالأَقْوَالِ لا مَا لا يُمْكِنُ3. وَقِيلَ: الاعْتِبَارُ بِكَثْرَةِ الْمَرَّاتِ، وَإِنْ تَسَاوَتْ قُبِلَتْ4. وَقِيلَ: إنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ سَمِعَ النَّاقِصَ فِي مَجْلِسٍ وَالزَّائِدَ فِي آخَرَ قُبِلَتْ. وَإِنْ عَزَاهُمَا5 لِمَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَتَكَرَّرَتْ رِوَايَتُهُ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ، ثُمَّ رَوَى الزِّيَادَةَ. فَإِنْ قَالَ: كُنْت نَسِيت هَذِهِ الزِّيَادَةَ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ فِي الزِّيَادَةِ6. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمِثَالُ زِيَادَةِ الرَّاوِي مَرَّةً وَتَرْكِهَا أُخْرَى: حَدِيثُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى 7بْنِ طَلْحَةَ8 بْنِ عُبَيْدِ8 اللَّهِ9

_ 1 في ب: كذلك. 2 في ش ز: قال. 3 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 71، الإحكام للآمدي 2/ 111، نهاية السول 2/ 332، المعتمد 2/ 614، المحلي على جمع الجوامع 2/ 142، غاية الوصول ص 98. 4 انظر: نهاية السول 2/ 332، مناهج العقول 2/ 331، المعتمد 2/ 615. 5 في ض: عزاها. 6 ذكر الشيخ زكريا الأنصاري أن في المسألة ثلاثة أقوال، ثم رجح القبول. "انظر: غاية الوصول ص 98، المعتمد 2/ 615". 7 ساقطة من ش. 8 في ش ز ض: عبد. 9 هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، القريشي، التميمي، المدني، التابعي. سكن الكوفة، وروى عنه عمر بن عبد العزيز والثوري، وهو ثقة. وثقه يحيى بن معين ومحمد بن سعد. وروى له مسلم وأصحاب السنن الأربعة. قال الواقدي: مات سنة 148 هـ. انظر ترجمته في "الخلاصة ص 180، ميزان الاعتدال 2/ 343، تهذيب الأسماء 1/ 254، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 280، مشاهير علماء الأمصار ص 163".

بِسَنَدِهِ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْت: إنَّا خَبَّأْنَا لَك خُبْئًا1. فَقَالَ: "أَمَا إنِّي كُنْت أُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ" 2 وَأَسْنَدَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ هَكَذَا3. وَرَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ شَيْخٌ بَاهِلِيٌّ وَزَادَ فِيهِ "وَ4أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ" ثُمَّ عَرَضْته عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ5. وَمِثَالُ6 زِيَادَةٍ سَكَتَ عَنْهَا بَقِيَّةُ الثِّقَاتِ حَدِيثُ7 أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى8 "قَسَمْت الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ. فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ9: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي." حَدِيثٌ صَحِيحٌ10.

_ 1 في بدائع المنن: حَيساً. وهي رواية ثانية للحديث. والحيس: هو التمر المخلوط بسمن وأقط. 2 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد عن عائشة مرفوعاً بألفاظ مختلفة. "انظر: صحيح مسلم 2/ 809، سنن أبي داود 1/ 572، سنن النسائي 4/ 163، تحفة الأحوذي 3/ 430، 432، نيل الأوطار 4/ 221، 289". 3 انظر: بدائع المنن 1/ 164. 4 ساقطة من ض. 5 قال النسائي عن الزيادة: هي خطأ. "انظر: نيل الأوطار 4/ 289". 6 في ش: وهناك. 7 في ش: في حديث. 8 ساقطة من ب ز ع. 9 ساقطة من د ض. 10 رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن عائشة مرفوعاً. ورواه البخاري في كتابه خلق أفعال العباد. "انظر: صحيح مسلم 1/ 296، سنن أبي داود 1/ 188، سنن النسائي 2/ 105، تحفة الأحوذي 8/ 284، سنن ابن ماجه 2/ 1243، مسند أحمد 2/ 240، خلق أفعال العباد ص 18".

ثُمَّ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانِ1 عَنْ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ2 عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخَبَرَ. وَذَكَرَ فِيهِ4: "فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ذَكَرَنِي عَبْدِي" تَفَرَّدَ بِالزِّيَادَةِ. وَفِيهِ مَقَالٌ. وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ شَرِبَ مِنْ إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي جَوْفِهِ نَارَ جَهَنَّمَ" 5،

_ 1 هو عبد الله بن زياد بن سمعان المدني، الفقيه، أبو عبد الرحمن، مولى أم سلمة. أخرج له ابن ماجه، جرحه أكثر العلماء. قال البخاري: سكتوا عنه. وقال مرة: ضعيف. وقال مالك: يكذب. وقال أحمد: متروك. وقال الذهبي: متروك متهم بالكذب. وقال يحيى بن معين: مدني ضعيف. "انظر: ميزان الاعتدال 2/ 424، الخلاصة ص 198، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 308". 2 هو العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب المدني، مولى الحُرَقة، أبو شبل من جهينة، صدوق مشهور. روى له مسلم وأصحاب السنن الأربعة. قال مالك: "كان عند العلاء صحيفة يحدث بما فيها...." وصحيفته بالمدينة مشهورة. توفي سنة 138 هـ. "انظر: ميزان الاعتدال 3/ 102، شذرات الذهب 1/ 207، المعارف ص 490، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 415، تذكرة الحفاظ 1/ 135". 3 هو عبد الرحمن بن يعقوب الجهني، مولى الحُرَقة، من جهينة، المدني. يروي عن أبيه عن أبي هريرة. ويروي عنه ابنه العلاء. قال النسائي: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال العجلي: تابعي ثقة. "انظر: الخلاصة ص 237، تهذيب التهذيب 6/ 301". 4 في ع: وفيه. 5 رواه مسلم عن أم سلمة. ورواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو عوانة مقتصراً على آنية الفضة، عن أم سلمة وعائشة. وروى معناه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن حذيفة وغيره مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 3/ 327، صحيح مسلم 3/ 1634، 1635، سنن أبي داود 2/ 303، تحفة الأحوذي 5/ 626، سنن النسائي 8/ 175، سنن ابن ماجه 2/ 1130، مسند أحمد 6/ 98.

زَادَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ1 الْجَارِي2 عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ3 عَنْ أَبِيهِ4 عَنْ جَدِّهِ5 عَنْ ابْنِ عُمَرَ: "أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ6". "وَإِنْ أَسْنَدَ" الرَّاوِي "أَوْ وَصَلَ أَوْ رَفَعَ مَا أَرْسَلَهُ، 7أَوْ قَطَعَهُ4 أَوْ وَقَفَهُ: قُبِلَ".

_ 1 هو يحيى بن محمد بن عبد الله بن مهران الحجازي الجاري، يروي عن عبد العزيز الداروردي. وعن زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع. وروى له أبو داود والترمذي والنسائي. قال البخاري: يتكلمون فيه. وقال ابن حجر: وهو ليس بالمشهور. وقال ابن عدي: الجاري ليس بحديثه بأس. "انظر ترجمته في "لسان الميزان 2/ 478، ميزان الاعتدال 4/ 406، الخلاصة ص 427". 2 في ش ب ز: الحارثي. وفي ع: أبي الجاري. وفي ض: الجاري. 3 هو زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع، يروي عن أبيه، ويروي عنه يحيى بن محمد الجاري. قال الذهبي: زكريا ليس بالمشهور. "انظر: لسان الميزان 2/ 478، ميزان الاعتدال 4/ 406". 4 هو إبراهيم بن عبد الله بن مطيع، لم يرد ذكره وترجمته في كتب الرجال والتراجم. "الخلاصة، ميزان الاعتدال، تهذيب التهذيب، لسان الميزان، التاريخ الكبير للبخاري، كتاب المجروحين لابن حبان، المغني في الضعفاء للذهبي، التاريخ ليحيى بن معين، طبقات الحفاظ، تذكرة الحفاظ" لكن ورد في ترجمة والده أنَّ ابنيه إبراهيم ومحمد وغيرهما رووا عنه. 5 هو عبد الله بن مطيع بن الأسود، القرشي، العدوي، من أولاد الصحابة. روى عن أبيه. وروى عنه ابناه إبراهيم ومحمد، والشعبي. وكان عبد الله من رجال قريش جَلَداً وشجاعة. وكان على قريش يوم الحرة ففر، ثم سار مع ابن الزبير بمكة، وقاتل معه حتى قتل ابن الزبير، وجرح عبد الله، فمات من جراحته. روى عنه مسلم والبخاري في "الأدب المفرد". "انظر: المعارف ص 395، الخلاصة ص 215، تهذيب التهذيب 6/ 36". 6 قال الذهبي: "هذا حديث منكر، أخرجه الدارقطني، وزكريا ليس بالمشهور، روى عنه ابن أبي فديك أيضاً". "ميزان الاعتدال 4/ 406". 7 ساقطة من ض.

ذَكَرَ هُنَا ثَلاثَ مَسَائِلَ. الأُولَى: إذَا أَسْنَدَ الرَّاوِي مَا أَرْسَلَهُ قُبِلَ إسْنَادُهُ. الثَّانِيَةُ: إذَا وَصَلَ الرَّاوِي حَدِيثًا رَوَاهُ مَقْطُوعًا قُبِلَ وَصْلُهُ. الثَّالِثَةُ: إذَا رَفَعَ الرَّاوِي حَدِيثًا رَوَاهُ مَوْقُوفًا قُبِلَ رَفْعُهُ. وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الثَّلاثِ: قَبُولُ إسْنَادِهِ وَوَصْلِهِ وَرَفْعِهِ "مُطْلَقًا" قَطَعَ بِهِ فِي "التَّمْهِيدِ" وَغَيْرِهِ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ: لأَنَّ1 الرَّاوِيَ إذَا صَحَّ عِنْدَهُ الْخَبَرُ أَفْتَى بِهِ تَارَةً، وَرَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْرَى. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الشَّافِعِيَّةِ2. وَخَالَفَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّاوِي وَاحِدًا3. وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ الإِرْسَالُ4. "وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ" أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُسْنِدُ غَيْرَ الْمُرْسِلِ. وَاَلَّذِي وَصَلَهُ غَيْرَ الَّذِي قَطَعَهُ. وَاَلَّذِي رَفَعَهُ غَيْرَ الَّذِي وَقَفَهُ "فَكَزِيَادَةٍ" فِي الْحَدِيثِ5.

_ 1 في ش: أن. 2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 111، تيسير التحرير 3/ 109، كشف الأسرار 3/ 7، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 144، مناهج العقول 2/ 326، نهاية السول 2/ 327، 333، شرح النووي على مسلم 1/ 32، الكفاية ص 417، المعتمد 2/ 624، المسودة ص 251. 3 في ب: واحد. 4 انظر: مناهج العقول 2/ 326، نهاية السول 2/ 327، كشف الأسرار 3/ 7، مقدمة ابن الصلاح ص 34، المعتمد 2/ 625، المسودة ص 251. 5 قال بعض أصحاب الحديث: يرد الخبر. وقال الشافعية: لا يردّ. وقيل: يقدم الأحفظ. "انظر: اللمع ص46، كشف الأسرار 3/ 8، مقدمة ابن الصلاح ص 34، المعتمد 2/ 639، توضيح الأفكار 1/ 339 وما بعدها، تدريب الراوي 1/ 221، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، الكفاية ص 409، غاية الوصول ص 98، إرشاد الفحول ص 56".

مِثَالُ مَا أَسْنَدَهُ رَاوٍ وَأَرْسَلَهُ غَيْرُهُ: إسْنَادُ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ1 عَنْ جَدِّهِ أَبِي2 إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ3 عَنْ أَبِي بُرْدَةَ4 عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ: "لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ" 5. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَشُعْبَةُ عَنْ أَبِي

_ 1 هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، أبو يوسف، الكوفي، أحد الأعلام. قال أحمد بن حنبل: ثقة، وجعل يعجب من حفظه. وقال الذهبي: "إسرائيل اعتمده البخاري ومسلم في الأصول، وهو في الثبت كالأسطوانة". وكان إسرائيل مع حفظه وعلمه صالحاً خاشعاً لله، كبير القدر. روى عنه أصحاب الكتب الستة. ووثقه يحيى بن معين. توفي سنة 162 هـ. انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 1/ 208، الخلاصة ص 31، تذكرة الحفاظ 1/ 214، طبقات الحفاظ ص 90، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 28". 2 في ض: عن أبي. 3 وهو عمرو بن عبد الله بن علي الهَمْداني، ثم السبيعي، منسوب إلى جد القبيلة السَّبيع بن مصعب بن معاوية، أبو إسحاق التابعي، الكوفي. أجمعوا على توثيقه وجلاله والثناء عليه. قال شعبة: "كان أحسن حديثاً من مجاهد والحسن وابن سيرين". سمع ثمانية وثلاثين صحابيًّا. توفي سنة 127 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الخلاصة ص 291، طبقات القراء 1/ 602، شذرات الذهب 1/ 174، تهذيب الأسماء 2/ 171، طبقات الحفاظ ص 43، تذكرة الحفاظ 1/ 114". 4 هو عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، أبو بردة. كان أبوه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو بردة كان قاضياً على الكوفة، وليها بعد القاضي شريح، وله مكارم ومآثر مشهورة. وكان أبو موسى تزوج في عمله على البصرة. وكان والد الزوجة رجلاً من أهل الطائف، فولدت له أبا بردة، وسماه أبو موسى عامراً، وكساه جده بردتين، فكناه أبا بردة، فذهب اسمه. وكان ولده بلال قاضياً على البصرة، وهم ثلاثة قضاة في نسق. توفي أبو بردة سنة 103 هـ وقيل غير ذلك. "انظر: وفيات الأعيان 2/ 225، شذرات الذهب 1/ 126، المعارف ص 589". 5 رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وابن حبان والدارمي والحاكم وصححاه، وذكر الحاكم له طرقاً. وقال: "وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأم سلمة وزينب". ثم سرد تمام ثلاثين صحابيًّا. وقد اختلف في وصله وإرساله. ورواه ابن حبان بنفس السند السابق. "انظر: سنن أبي داود 1/ 481، تحفة الأحوذي 4/ 226، سبل السلام 3/ 117، نيل الأوطار 6/ 134، الكفاية ص 409 وما بعدها، سنن الدارمي 2/ 137، موارد الظمآن ص 304، مسند أحمد 4/ 394، سنن ابن ماجه 1/ 605، المستدرك 2/ 169".

إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1. فَقَضَى الْبُخَارِيُّ لِمَنْ وَصَلَهُ. وَقَالَ: زِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ2. وَمِثَالُ مَا رَفَعَهُ رَاوٍ وَوَقَفَهُ غَيْرُهُ: حَدِيثُ مَالِكٍ فِي "الْمُوَطَّإِ"3 عَنْ أَبِي النَّضْرِ4 عَنْ بُسْرِ5 بْنِ سَعِيدٍ6 عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ7: "أَفْضَلُ صَلاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلاَّ الْمَكْتُوبَةَ" 8. وَخَالَفَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ9

_ 1 تحفة الأحوذي 4/ 226. 2 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 33-34، تدريب الراوي 1/ 222، الكفاية ص 410، 413. 3 الموطأ 1/ 130. 4 هو سالم بن أبي أمية التيمي مولاهم، أبو النضر المدني. روى عن أنس وسليمان بن يسار وبسر بن سعيد وعن عبد الله بن أبي أوفى كتابة. وروى عنه موسى بن عقبة وابن إسحاق والليث. قال ابن المديني: له نحو خمسين حديثاً. وثقه يحيى بن معين والنسائي. وقال مالك في الموطأ: عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله. وكان يوصف بالفضل والعقل والعبادة. مات سنة 129 هـ. "انظر: الخلاصة ص 131، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 186، تهذيب التهذيب 3/ 431". 5 في ش ع: بشر. 6 هو بُسْر بن سعيد المدني الزاهد العابد، المجاب الدعوة. روى عن عثمان وزيد بن ثابت، مولى الحضرميين، كان من المتقنين. مات سنة مائة هجرية. "انظر: مشاهير علماء الأمصار ص 76، شذرات الذهب 1/ 118، الخلاصة ص 47". 7 ساقطة من ع ش. وفي ز: على. 8 رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن زيد مرفوعاً بألفاظ مختلفة، ولفظ الصحيحين: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً". انظر: صحيح البخاري 1/ 206، صحيح مسلم 1/ 538، الموطأ 1/ 130، سنن أبي داود 1/ 240، 334، تحفة الأحوذي 2/ 530، سنن النسائي 3/ 161، مسند أحمد 5/ 184. 9 هو موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي مولاهم، المدني، أبو محمد الأسدي مولهم. كان متقناً، فقيهاً حافظاً نبيهاً. صنف المغازي فأجاد، وكان مالك إذا سئل عن المغازي يقول: "عليكم بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنها أصح المغازي". وقال ابن معين: ثقة. وثقه أحمد وأبو حاتم. مات سنة 141 هـ. انظر ترجمته في "الخلاصة ص 392، طبقات الحفاظ ص 63، تذكرة الحفاظ 1/ 148، شذرات الذهب 1/ 209، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 594".

وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنُ1 أَبِي هِنْدٍ2 وَغَيْرُهُمَا. فَرَوَوْهُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَرْفُوعًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. "وَحَرُمَ نَقْصُ مَا تَعَلَّقَ بِبَاقٍ" يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّاوِي أَنْ يُنْقِصَ مِنَ3 الْحَدِيثِ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِبَاقِي الْحَدِيثِ إجْمَاعًا، لِبُطْلانِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَدِيثِ نَحْوُ الْغَايَةِ وَالاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِمَا4، كَنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ5 حَتَّى يُزْهِيَ6".

_ 1 في ش ز: عن. 2 هو عبد الله بن سعيد بن أبي هند، أبو بكر، مولى بني فزارة. يروي عن أبيه وسعيد بن المسيب وأبي أمامة بن سهل، وروى عنه القطان ومكي وجماعة. كما روى عنه أصحاب الكتب الستة. وثقه أحمد ويحيى بن معين وقال: ثقة يحدث عنه مالك. وقال القطان: صالح يعرف وينكر. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال الذهبي: صدوق ربما وهم. انظر ترجمته في "الخلاصة ص 199، ميزان الاعتدال 2/ 429، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 310". 3 ساقطة من ش. 4 انظر: جمع الجوامع 2/ 144، المستصفى 1/ 168، الإحكام 2/ 111، نهاية السول 2/ 333، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، المسودة ص 304، فواتح الرحموت 2/ 169، تيسير التحرير 3/ 75، الكفاية ص 191، مقدمة ابن الصلاح ص 106، تدريب الراوي 2/ 103، 104، اللمع ص 45، غاية الوصول ص 98، إرشاد الفحول ص 58. 5 في دب ع ض: الثمرة. 6 في ب ع د ض: تُزهي. وفي ز وهامش ع: تزهو، وهما روايتان للحديث. وصوب الخطابي: تزهو دون تزهي. قال ابن الأثير: "منهم من أنكر تزهي، كما أن منهم من أنكر تزهو". والصواب الروايات على اللغتين، زَهَتْ تَزْهُو، وأزهتْ تُزْهي، أي...........=

فَيُتْرَكُ "حَتَّى يُزْهِيَ1" وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ، إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ" 2 فَيُتْرَكُ "إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ" وَكَذَلِكَ الصِّفَةُ فِي "فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ" 3 فَيُتْرَكُ "السَّائِمَةِ" وَكَذَا مَا فِيهِ4 تَغْيِيرٌ مَعْنَوِيٌّ، كَمَا فِي النُّسَخِ، نَحْوُ "كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا" 5، وَكَذَا تَرْكُ بَيَانِ مُجْمَلٍ فِي الْحَدِيثِ، أَوْ تَخْصِيصِ عَامٍّ أَوْ تَقْيِيدِ

_ = تحمر. قال المناوي: ولا يكتفى بوقت بدو الصلاح، بل لا بد من حصوله بالفعل في الكل أو البعض. "انظر: فيض القدير 6/ 306، النهاية في غريب الحديث 2/ 323". والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه ومالك، ورواه النسائي والدارمي بلفظ: "حتى يبدو صلاحه". "انظر: صحيح البخاري 2/ 23، صحيح مسلم 3/ 1167، سنن أبي داود 2/ 226، تحفة الأحوذي 4/ 420، سنن ابن ماجه 2/ 747، سنن النسائي 7/ 231، نيل الأوطار 5/ 195، الموطأ 2/ 618، سنن الدارمي 2/ 251". 1 في د ز ب ع ض: تزهي. وفي هامش ع: تزهو، وهي رواية صحيحة أيضاً "نهى عن بيع الثمار حتى تُزْهي". 2 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي ومالك والشافعي عن عبادة بن الصامت وأبي سعيد بألفاظ مختلفة. "انظر: صحيح البخاري 2/ 21، صحيح مسلم 3/ 1309، سنن أبي داود 2/ 224، تحفة الأحوذي 4/ 441، السنن الكبرى 5/ 276، الموطأ 2/ 632، سنن النسائي 7/ 241، سنن ابن ماجه 1/ 8، نيل الأوطار 5/ 215، الأم 3/ 29، بدائع المنن 2/ 174". 3 هذا جزء من حديث رواه البخاري وأبو داود والنسائي والطبراني والدارمي عن أنس وابن عمر مرفوعاً بألفاظ مختلفة. "انظر: صحيح البخاري 1/ 253، سنن أبي داود 1/ 358، سنن النسائي 5/ 14، 20، سنن الدارمي 1/ 381، تخريج أحاديث البزدوي ص 127، تخريج أحاديث المنهاج ص 289". 4 في ب ع: كان فيه. 5 رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والبغوي والحاكم عن بريدة مرفوعاً، ورواه ابن ماجه عن ابن مسعود مرفوعاً. "انظر: صحيح مسلم 2/ 672، سنن أبي داود 2/ 195، تحفة الأحوذي 4/ 159، سنن النسائي 4/ 73، سنن ابن ماجه 1/ 501، تخريج أحاديث البزدوي ص 225، فيض القدير 5/ 55، شرح السنة للبغوي 5/ 462، موارد الظمآن ص 201".

مُطْلَقٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لا يَجُوزُ تَرْكُهُ إجْمَاعًا1. "وَيُسَنُّ أَنْ لا يُنْقِصَ" مِنْ الْحَدِيثِ "غَيْرَهُ" أَيْ غَيْرَ مَا تَعَلَّقَ بِبَاقِيهِ بِلا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ2. فَإِنْ نَقَصَهُ شَيْئًا لا يَتَعَلَّقُ بِبَاقِيهِ جَازَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ3. وَقِيلَ: 4لا يَجُوزُ3 مُطْلَقًا5.

_ 1 انظر: المستصفى 1/ 168، نهاية السول 2/ 333، الإحكام للآمدي 2/ 111، فواتح الرحموت 2/ 169، تيسير التحرير 3/ 75، جمع الجوامع 2/ 144، الكفاية ص 191، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، المسودة ص 304، تدريب الراوي 3/ 104، مقدمة ابن الصلاح ص 106، اللمع ص 45، غاية الوصول ص 98، إرشاد الفحول ص 58. 2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 111، اللمع ص 44. 3 انظر: المجموع 1/ 64، قواعد التحديث ص 225، المسودة ص 304، فواتح الرحموت 2/ 169، تيسير التحرير 3/ 75، المستصفى 1/ 168، الإحكام للآمدي 2/ 111، نهاية السول 2/ 333، مقدمة ابن الصلاح ص 106، توضيح الأفكار 2/ 393، الإلماع ص 181، النووي على مسلم 1/ 49، تدريب الراوي 2/ 103، الكفاية ص 189، 193، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، جمع الجوامع 2/ 144، اللمع ص 45، غاية الوصول ص 98. 4 ساقطة من ش. 5 وهو قول أكثر من منع نقل الحديث بالمعنى، وبه قال أبو الحسين البصري. "انظر: تيسير التحرير 3/ 75، فواتح الرحموت 2/ 170، المعتمد 2/ 626، المحلي على جمع الجوامع 2/ 144، المسودة ص 304، المستصفى 1/ 168، مقدمة ابن الصلاح ص 106، الإلماع ص 181، توضيح الأفكار 2/ 392، تدريب الراوي 2/ 103، النووي على مسلم 1/ 49، اللمع ص 45، إرشاد الفحول ص 58".

وَقِيلَ: إنْ نَقَلَهُ 1بِتَمَامِهِ مَرَّةً5 جَازَ وَإِلاَّ فَلا2. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْحَدِيثُ مَشْهُورًا بِتَمَامِهِ جَازَ وَإِلاَّ فَلا3. "ويجب العمل4 بحمْلِ صَحَابِيٍّ ما رَوَاه" من حديثٍ محتملِ المعْنَيَيْنِ "على أحد مَحْمَلَيْه تَنَافَيَا" أي المحملان5 "أو لا يعني" أو6 لم يَتَنَافَيَا7. قَالَ ابن مفلح: عندنا وعند عامة العلماء. إن8 هذه المسألة تعرف بما إذا قَالَ راوي الحديث فيه شيئا، هل يُقْبَلُ أو يُعْمَلُ بالحديث؟ ولها أحوال: منها: أن يكون الخبر عامًّا، فيحمله الراوي على بعض أفراده، ويأتي

_ 1 في ز: مرة بتمامه. 2 انظر: توضيح الأفكار 2/ 393، تدريب الراوي 2/ 103، النووي على مسلم 1/ 49، تيسير التحرير 3/ 75، فواتح الرحموت 2/ 170، مقدمة ابن الصلاح ص 106، اللمع ص 45، إرشاد الفحول ص 58. 3 وهناك أقوال أخرى في المسألة. "انظر: إرشاد الفحول ص 58". 4 في ش ب ز ع: عملٌ. 5 في ش ب ز ض: المحملين. 6 في ض: وإن. 7 جمع المصنف بين حالتي التنافي وعدمه. وقال بوجوب العمل بحمل الصحابي فيهما، ويفرق السبكي وغيره بين الحالتين، فيعمل بحمل الصحابي على أحد محمليه المتنافيين، أما عند عدم التنافي فالحكم كالمشترك يحمل على معنييه. "انظر: جمع الجوامع 2/ 145، الأجوبة الفاضلة ص 222، شرح تنقيح الفصول ص 371، الإحكام للآمدي 1/ 115، المعتمد 2/ 670، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، غاية الوصول ص 99، إرشاد الفحول ص 59". 8 ساقطة من ز ش ب ع.

ذلك في تخصيص العام، أو يَدَّعِي تقييدًا في مطلَق، فكالعامِّ1 يُخَصِّصُهُ2، أو يَدَّعِي نسخَه، و3يأتي في النسخ، أو يخالفُه بترك نص الحديث، كرواية أبي هريرة في الولوغ سبعًا4، وقولِهِ: "يُغْسَلُ ثلاثا" “5 وبعضُهم يمثِّلُ ذلك لتخصيص العام، ولا يَصِحُّ، لأن العددَ نصٌّ فيه6. ومنها: مسألةُ الكتابِ، وهي7 أن يروي صحابي خبرا محتملا لمعنيين ويحمله على أحدهما، فإن تنافَيَا، كالقُرْء، يحمله8 الراوي على الأطهار مثلا، وجبَ الرجوع إلى حملِهِ، عملا بالظاهر9، كما قاله أصحابنا، وجمهور الشافعية كالأستاذين10 أبي إسحاق وأبي منصور وابن فورك والكيا الهراسي، وسُلَيم الرازي، ونقله أبو الطيب عن مذهب الشافعي11، ولهذا رجع إلى تفسير ابن عمر رضي الله عنهما في التفرق في خيار

_ 1 في ع: وكالعام. 2 في ض: يخصه. 3 في ع: أو. 4 سبق تخريجه ص 368. 5 روى هذا الحديث الدارقطني بسند صحيح سنن الدارقطني 1/ 65. انظر: كشف الأسرار 3/ 65، أصول السرخسي 2/ 6، تيسير التحرير 3/ 72، المعتمد 2/ 670، إرشاد الفحول ص 56. 6 ساقطة من ض. 7 في ز ع ض: وهو. 8 في ش ز: ويجعله. 9 في ش: بالطاهر. 10 في ش ز: كالأستاذ. 11 انظر: فواتح الرحموت 2/ 162، تيسير التحرير 3/ 71، الإحكام للآمدي 2/ 115، المعتمد 2/ 670، مناهج العقول 2/ 310، شرح تنقيح الفصول ص 371، غاية الوصول ص 99، الأجوبة الفاضلة ص 222.

المجلس1 بالأبدان2، وإلى تفسيره3: "حبل الحبلة"4 ببيعه إلى نِتَاجِ النِّتاج، وإلى قول عمر رضي الله عنه في: "هاءً وهاءً" 5 أنه التقابُض في مجلس العقد6.

_ 1 أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والدارمي وابن حبان عن حكيم بن حزام وابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا". "انظر: صحيح البخاري 2/ 12، صحيح مسلم 3/ 1163، سنن أبي داود 2/ 245، تحفة الأحوذي 4/ 448، سنن النسائي 7/ 217، سنن ابن ماجه 2/ 736، تخريج أحاديث البزدوي ص 195، نيل الأوطار 5/ 208، الموطأ 2/ 671، مسند أحمد 3/ 402، سنن الدارمي 2/ 250، موارد الظمآن ص 270، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 75". 2 انظر: أصول السرخسي 2/ 7. 3 في ض: تفسير. 4 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن بيع حَبَل الحبلة"، وفي لفظ: "كان أهل الجاهلية يتبايعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة، وحبل الحبلة أن تُنْتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت منها، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك". "انظر: صحيح البخاري 2/ 17، 319، صحيح مسلم 3/ 1153، سنن أبي داود 2/ 229، تحفة الأحوذي 4/ 423، سنن النسائي 7/ 257، المنتقى شرح الموطأ 5/ 21". 5 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك والشافعي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالوَرِق ربا إلا هاءً وهاءً، والبر بالبر ربا إلا هاءً وهاءً، والشعير بالشعير بالشعير ربا إلا هاءً وهاءً، والتمر بالتمر ربا إلا هاءً وهاءً"، والمعنى: خذ وهات، وهو التقابض في الحال. "انظر: صحيح البخاري 2/ 20، صحيح مسلم 3/ 1210، سنن أبي داود 2/ 222، تحفة الأحوذي 4/ 442، سنن النسائي 7/ 240، سنن ابن ماجه 2/ 757، 759، "الموطأ 2/ 637". 6 روى الإمام مالك والشافعي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لمالك بن أوس لما صرف من طلحة بن عبيد الله، والله، لا تفارقه حتى تأخذ منه، ثم ذكر الحديث السابق ... الموطأ 2/ 637، الأم للشافعي 3/ 29، المنتقى 4/ 271".

وخالف أبو بكر الرازي من الحنفية، فقال: لا يُعْمَل بحمل الصحابي1. وقيل: يجتهد أولا، فإن لم يظهر له شيء وجب العمل بحمل الصحابي2. وعن الإمام أحمد رضي الله عنه روايةٌ ثانيةٌ: أنه يجب العمل بحمل التابعي أيضا، وعند جَمْعٍ وبعضِ الأئمة3. وحيث علمتَ أن الصحيح وجوب العمل بحمل ما رواه الصحابي على أحد مَحْمَلَيْه، فإنه يكون كما "لو أُجْمِعَ على جوازهما" أي جواز كل من المحملين "و" أجمع أيضًا على "إرادة أحدهما" كما في حديث ابن عمر في التفرق في خيار المجلس، هل هو التفرقُ بالأبدان، أو بالأقوال؟ فقد أجمعوا على4 أن المرادَ أحدُهما، فكان ما صار إليه الراوي أولى.

_ 1 قال القرافي: "وقال الكرخي: ظاهر الخبر أولى" "شرح تنقيح الفصول ص 371". وقال الأنصاري في "فواتح الرحموت": "وأكثر أصحابنا لا يقبلون تأويل الصحابي وتعيين أحد المحامل" "فواتح الرحموت 2/ 162"، وهو ما جاء في كتب الحنفية أيضاً وفي "المعتمد". "انظر: الأجوبة الفاضلة ص 222، أصول السرخسي 2/ 7، تيسير التحرير 3/ 71، كشف الأسرار 3/ 65، المعتمد 2/ 670". 2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 115. 3 قال الشوكاني: "وإن كان المقتصر غير صحابي، ولم يقع الإجماع على أن المعنى الذي اقتصر عليه هو المراد فلا يصار إلى تفسيره". "إرشاد الفحول ص 59". وقال السبكي: وقيل: أو التابعي "أي كالصحابي". وقال المحلي: وإنما لم يساوِ التابعي الصحابي على الراجح، لأن ظهور القرينة للصحابي أقرب" "جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 145". وانظر: غاية الوصول ص 99. 4 ساقطة من ش ب ز ض.

قَالَ 1ابن أبي1 هريرة2: أحمله عليهما معا، فأجعل لهما الخيار في الحالين بالخبر. قَالَ الماوردي: هذا صحيح، لولا أن الإجماعَ منعقدٌ على أن المراد أحدهما. "أو قاله" أي وكما لو قاله الصحابي "تفسيرا" لمعنى الحديث3. قَالَ في "شرح التحرير": واعلم أن الخلاف - كما قَالَ الهندي - فيما إذا ذكر ذلك الراوي، لا بطريق التفسير للفظة، وإلا فتفسيره4 أولى بلا خلاف. اهـ ومحل ذلك إذا كان الحمل أو التفسير على أحد معنييه الظاهرين، أو الظاهر منهما. أما إذا حمله الصحابي بتفسيره، أو بأن المراد منه غير ظاهره، فإنه "لا" يقبل منه ما يذكره "على غير ظاهره" كما إذا حمل ما ظاهره5 الوجوب على الندب، أو بالعكس، أو ما هو حقيقة على المجاز، ونحو

_ 1 في ش: أبو. 2 هو الحسن بن الحسين، أبو علي، المعروف بابن أبي هريرة، الإمام الجليل، القاضي، أحد عظماء الأصحاب في المذهب الشافعي، وكان أحد شيوخ الشافعية، وانتهت إليه إمامة العراقيين. له مسائل محفوظة في الفروع. وعارض أبا إسحاق بكلام مرضي، وأجوبة صحيحة معروفة عنه. درّس ببغداد، وتخرج عليه خلق كثير، وكان معظماً عند السلاطين والرعايا. شرح "مختصر المزني". مات سنة 345 هـ. وقال ابن كثير سنة 375 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 256، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 112، وفيات الأعيان 1/ 358، البداية والنهاية 11/ 304، طبقات الشافعية للعبادي ص 77، الفتح المبين 1/ 193، تذكرة الحفاظ 3/ 857، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 72، مرآة الجنان 2/ 337". 3 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 299، مختصر الطوفي ص 65. 4 في ب: تفسيره. 5 في ض: ظاهر.

ذلك، فإنه لا يلتفت إلى قوله "وعُمِل" في ذلك "بالظاهر1 ولو كانَ قولُه" أي قول2 الصحابي "حجةً" في غير هذه الصورة. وعلى العمل بالظاهر في هذه الصورة أكثرُ الفقهاء3، ولهذا قَالَ الشافعي رضي الله عنه: كيف أترك الخبرَ لأقوالِ أقوامٍ لو عاصرتُهم لحَجَجْتُهُمْ4. وقيل: يعملُ بقولِ الصحابي، ويُتْرك الظاهرُ، وحكي عن الإمام أحمد رضي الله عنه وأكثرِ الحَنَفِيَّةِ؛ لأن الصحابي لا يقولُ بما يخالفُ الظاهرَ إلا عن تَوْقِيفٍ، وللمالكيةِ خلافٌ5. واختار ابن عقيل والآمدي وأبو الحسين6 وعبد الجبار: يعمل بالظاهر إلا أن يُعْلَمَ مأخذُه، ويكون صالحًا، وهو أظهرُ7.

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ش ب ز ع. 3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 115، جمع الجوامع 2/ 146، العضد على ابن الحاجب 2/ 73، فواتح الرحموت 2/ 163، تيسير التحرير 3/ 71، أصول السرخسي 2/ 6 وما بعدها، غاية الوصول ص 99، إرشاد الفحول ص 59، الأجوبة الفاضلة ص 223. 4 في ش: لحججهم. وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 72، المحلي على جمع الجوامع 2/ 146، المعتمد 2/ 670، تيسير التحرير 3/ 71، الإحكام للآمدي 2/ 115، غاية الوصول ص 99، الرسالة ص 596 وما بعدها. 5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 163، تيسير التحرير 3/ 72، العضد على ابن الحاجب 2/ 73، المعتمد 2/ 670، جمع الجوامع 2/ 146، الإحكام للآمدي 2/ 115، غاية الوصول ص 99، إرشاد الفحول ص 59، الأجوبة الفاضلة ص 223. 6 في ب ز ع ض: الحسن. وما أثبتناه أعلاه من ش، وهو ما ورد النص عليه في إرشاد الفحول ص 60، تيسير التحرير 3/ 72. 7 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 115، تيسير التحرير 3/ 72، جمع الجوامع 2/ 146، المعتمد 2/ 670، إرشاد الفحول ص 60.

قَالَ ابن مفلح: لعله مرادُ مَنْ أَطْلَقَ."ولا يرد خبره"1 أي خبرُ الصَّحَابِيِّ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لمخالفته1 ما لا يحتمل تأويلا" أي بسببِ مخالفتِهِ نصًّا لا يحتملُ التأويلَ في الأصحِّ عندنا2. "ولا يُنْسَخُ" النصُّ، وقالته الشافعية، لاحتمال نسيانه، ثم لو عُرِفَ ناسخُه لذَكَرَهُ، ورواه ولو مرَّةً، لئلا يكون كاتِمًا للعلم3، كرواية أبي هريرة في "غسل الولوغ سبعا" وقولِهِ: "يغسل ثلاثا". وقالت الحنفية - وهو رواية عن أحمد4 -: لا يُعْمَل بالخبر5.

_ 1 في ز: لمخالفه. وفي ض: بمخالفة. 2 وهذا ما نص عليه الآمدي. وقال أبو الحسين البصري: "إذا خالف مقتضى العقل، ولم يمكن تأويله من غير تأسف فيرد". وفرق اللكنوي بين حالتي استناد الصحابي إلى مستند قوي أم لا. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 116، المعتمد 2/ 549، 641، الأجوبة الفاضلة ص 224". 3 انظر: المعتمد للآمدي 2/ 116، المعتمد 2/ 549، 641، إرشاد الفحول ص 60. 4 هذه الرواية رجحها أبو الخطاب. وقال: "ويقبل قول الصحابي: هذا الخبر منسوخ، ويرجع إلى تفسيره. وقال الشيرازي: يردّ الخبر إن خالف نص كتاب أو سنة متواترة، فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ" "اللمع ص 46"؟ وانظر: مختصر الطوفي ص 65، المدخل إلى مذهب أحمد ص 95. 5 ذهب الحنفية إلى أنه لا يعمل بالخبر، وأن الصحابي علم بالناسخ، وإن لم يذكره فينسخ الحكم الأول، ويعمل بالخبر الذي رواه، وهو ما بينه السرخسي وابن عبد الشكور، وصاحب فواتح الرحموت، وذكروا الأمثلة السابقة وغيرها. "انظر: أصول السرخسي 2/ 6، فواتح الرحموت 2/ 163، تيسير التحرير 3/ 72، 73".

وقال الآمدي: "يتعين ظهورُ ناسخ عنده، 1وقد لا يكون ناسخا4 عند غيره، فلا يُتْرَك النصُّ باحتمال2" وخالفه ابن الحاجب، وقال: "في العمل بالنص نظرٌ3". وقال إمام الحرمين وابن4 القشيري5: إِنْ تحققنا نسيانَه للخبر، أو فرضنا مخالفتَه لخبر لم يروه، وجوزنا أنه 6لم يبلُغْه8، فالعملُ بالخبر، أو روى خبرًا يقتضي رفعَ الحرج، فيما سبقَ فيه حظْرٌ، ثم رأيْناه يتخرَّجُ، فالعملُ بالخبر أيضًا. "وَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ" فُرِضَ أَنَّهُ "خَالَفَ عَمَلَ أَكْثَرِ الأُمَّةِ أَوْ" أَنَّهُ خَالَفَ "الْقِيَاسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ" فَالْخَبَرُ "مُقَدَّمٌ".

_ 1 ساقطة من ض. 2 الإحكام للآمدي 2/ 116، بتصرف. وانظر مناقشة ذلك في "فواتح الرحموت 2/ 163، المسودة ص 231". 3 مختصر ابن الحاجب 2/ 72. 4 ساقطة من ض. 5 هو عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن، أبو نصر، أحد أولاد الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم القشيري، وهو أكثرهم علماً، وأشهرهم اسماً، وكان إماماً بارعاً، وعالماً بحراً، رباه أبوه وعلمه، ثم لزم إمام الحرمين، كما لزم أبا إسحاق الشيرازي في بغداد، واستوفى في علم الأصول والتفسير والوعظ والفقه والخلاف، وروى الأحاديث، وكان مناظراً أديباً متكلماً. صنف "التيسير في التفسير" وله شعر لطيف. واعتقل لسانه في آخر عمره إلا عن الذمر وآي القرآن. توفي سنة 514 هـ بنيسابور. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 159، وفيات الأعيان 2/ 377 "في ترجمة والده"، فوات الوفيات 1/ 559، شذرات الذهب 4/ 45، طبقات المفسرين 1/ 291، تبيين كذب المفتري ص 308، تذكرة الحفاظ 4/ 1254، البداية والنهاية 12/ 187، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 199، مرآة الجنان 3/ 210. 6 في ش: بلغه. وفي ز: يبلغه.

أَمَّا كَوْنُ خَبَرِ الْوَاحِدِ مُقَدَّمًا عَلَى مَا عَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ الأُمَّةِ: فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ. وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا1. وَأَمَّا كَوْنُهُ مُقَدَّمًا مَعَ مُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ: فَلِنَصِّ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَأَصْحَابِهِمَا2 وَالْكَرْخِيِّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالأَكْثَرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ3. وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "لَوْلا هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ4 بِرَأْيِنَا"5 وَبِرُجُوعِهِ إلَى تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا6، وَلِعَمَلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ7.

_ 1 قال الآمدي: "فلا يُردّ الخبر بذلك إجماعا"ً "الإحكام 2/ 116"، لكن المالكية يقدمون إجماع أهل المدينة على خبر الواحد كما مر سابقاً ص 367. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 164، تيسير التحرير 3/ 73، نهاية السول 2/ 313، العضد على ابن الحاجب 2/ 73، المحلي على جمع الجوامع 2/ 135، عمل المدينة ص 73 وما بعدها". 2 ساقطة من ش. 3 وهو قول الإمام أبي حنيفة. "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 118، فواتح الرحموت 2/ 177، تيسير التحرير 3/ 116، أصول السرخسي 1/ 339، كشف الأسرار 2/ 378، نهاية السول 2/ 312، المحلي على جمع الجوامع 2/ 136، المسودة ص 239، 241، العضد على ابن الحاجب 2/ 73، تخريج الفروع على الأصول ص 195، اللمع ص 41، 46، مختصر الطوفي ص 70، إرشاد الفحول ص 55، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96، المعتمد ص 2/ 653 وما بعدها". 4 ساقطة من ض. 5 أخرجه الشافعي في "الأم" ورواه أبو داود بلفظ آخر، وسبق تخريجه كاملاً ص 370. "انظر: سنن أبي داود 2/ 109، 498، تيسير التحرير 3/ 117، بدائع المنن 2/ 268، الرسالة ص 427، الأم للشافعي 6/ 107". 6 سبق تخريجه كاملاً صفحة 371. 7 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 119، تيسير التحرير 3/ 117، كشف الأسرار 2/ 378.

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَكْثَرُهُمْ يَنْهَى عَنْ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ1، وَالْقُرْعَةِ فِي عِتْقِ جَمَاعَةٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَشَاعَ وَلَمْ يُنْكَرْ. وَقَدَّمَ الْمَالِكِيَّةُ الْقِيَاسَ2، وَقَالَهُ3 أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ: إنْ خَالَفَ الأُصُولَ أَوْ مَعْنَى الأُصُولِ لا قِيَاسَ الأُصُولِ. وَأَجَازُوا الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ سَفَرًا، وَأَبْطَلُوهُ4 بِالْقَهْقَهَةِ دَاخِلَ الصَّلاةِ5. وَاحْتَجَّتْ الْمَالِكِيَّةُ لِتَقْدِيمِهِمْ الْقِيَاسَ بِاحْتِمَالِ كَذِبِ الرَّاوِي وَفِسْقِهِ وَكُفْرِهِ وَخَطَئِهِ، وَالإِجْمَالِ فِي الدَّلالَةِ وَالتَّجَوُّزِ وَالإِضْمَارِ وَالنَّسْخِ مِمَّا6 لا يَحْتَمِلُهُ الْقِيَاسُ7. وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ، وَبِتَطَرُّقِهِ إلَى أَصْلٍ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَبِتَقْدِيمِ

_ 1 لما ورد في ذلك من الروايات المضطربة. "انظر: تحفة الأحوذي 1/ 198، سنن ابن ماجه 1/ 133، المستدرك 1/ 159، سنن الدارقطني 1/ 116". 2 قال القرافي: "حكى القاضي عياض في "التنبيهات" وابن رشد في "المقدمات" في مذهب مالك في تقديم القياس على خبر الواحد قولين، وعند الحنفية قولان أيضاً" "شرح تنقيح الفصول ص 387". وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 118، فواتح الرحموت 2/ 177، كشف الأسرار 2/ 377، المسودة ص 239، 241. 3 في ش: وقال. 4 في ز: وأبطلوا. 5 وهناك أقوال أخرى بالتساوي، وبالتفصيل بين قياس وقياس، وخبر وخبر، وبالوقف.... "انظر: المسودة ص 239، 241، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، الإحكام للآمدي 2/ 118، تخريج الفروع على الأصول ص 195، اللمع ص 41، 46، الروضة ص 66، إرشاد الفحول ص 55، أصول السرخسي 1/ 338 وما بعدها". 6 في ش ز: بما. 7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 387، المعتمد 2/ 658.

ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ مَعَ التَّطَرُّقِ فِي الدَّلالَةِ1. قَالُوا2 ظَنُّهُ فِي الْخَبَرِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ، وَفِي الْقِيَاسِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ، وَهُوَ بِهَا أَوْثَقُ3. رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَطَأَ إلَيْهِ أَقْرَبُ مِنْ الْخَطَإِ فِي الْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ مُسْتَنِدٌ إلَى الْمَعْصُومِ. وَيَصِيرُ ضَرُورِيًّا بِضَمِّ أَخْبَارٍ إلَيْهِ، وَلا يَفْتَقِرُ إلَى قِيَاسٍ وَلا إجْمَاعٍ كَمَا4 فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ. وَهُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ مُسْتَثْنًى لِلْمَصْلَحَةِ، وَقَطْعِ النِّزَاعِ لاخْتِلاطِهِ5. وَاعْتُرِضَ بِمِثْلِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لأَبِي هُرَيْرَةَ - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "تَوَضَّؤُوا مِمَّا6 مَسَّتْ النَّارُ 7" فَقَالَ8: "أَفَنَتَوَضَّأُ9 من

_ 1 انظر: اللمع ص 41، الروضة ص 66، المعتمد 2/ 658، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96 2 في ش: ما لو. 3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 122، كشف الأسرار 2/ 378، المعتمد 2/ 658. 4 ساقطة من ش ز. 5 انظر أدلة الجمهور في تقديم الخبر، ومناقشة أدلة المخالفين في "الإحكام للآمدي 2/ 119 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 178، نهاية السول 2/ 313، العضد على ابن الحاجب 2/ 73- 74، المعتمد 2/ 655، تخريج الفروع على الأصول ص 195، الروضة ص 96، مختصر الطوفي ص 70 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 56". 6 في د: بما. 7 أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه. "انظر: صحيح مسلم 1/ 272، تحفة الأحوذي 1/ 256، سنن ابن ماجه 2/ 163". 8 في ز: فقالوا إنا. 9 في ش ب: إنا نتوضأ. وفي د: أإنا نتوضأ.

مِنْ الْحَمِيمِ1" أَيْ مِنْ2 الْمَاءِ الْحَارِّ3. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ " يَا ابْنَ أَخِي إذَا سَمِعْت حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا تَضْرِبْ لَهُ مَثَلاً " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ4. رُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِبْعَادٌ لِمُخَالَفَتِهِ5 الظَّاهِرَ6. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ. وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ"7 وَأَيْضًا خَبَرُ مُعَاذٍ سَبَقَ فِي أَنَّ الإِجْمَاعَ حُجَّةٌ، وَلأَنَّ الْخَبَرَ أَقْوَى فِي غَلَبَةِ الظَّنِّ؛ لأَنَّهُ يُجْتَهَدُ فِيهِ فِي الْعَدَالَةِ وَالدَّلالَةِ، وَيُجْتَهَدُ فِي الْقِيَاسِ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الأَصْلِ، وَكَوْنِهِ مُعَلَّلاً وَصَلاحِيَةِ

_ 1 في ض: الحميم الحار. 2 ساقطة من ض. 3 أي هل نتوضأ من الماء الحار، وهو مما مسته النار؟ وقد نتوضأ بالماء الحار، فكيف نتوضأ بما عنه نتوضأ. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 178، تيسير التحرير 3/ 118، كشف الأسرار 2/ 378، العضد على ابن الحاجب 2/ 73". 4 انظر: تحفة الأحوذي 1/ 256، سنن ابن ماجه 1/ 163. وانظر: شرح السنة للبغوي 1/ 348، أصول السرخسي 1/ 340، فواتح الرحموت 2/ 178، المعتمد 2/ 655، العضد على ابن الحاجب 2/ 73. 5 في ش ز ع ض: لمخالفة. 6 انظر: فواتح الرحموت 2/ 178، مناهج العقول 2/ 309 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 73. 7 رواه البخاري ومسلم بلفظ: "أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ". ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد. "انظر: صحيح البخاري 1/ 50، صحيح مسلم 1/ 273، سنن أبي داود 1/ 43، تحفة الأحوذي 1/ 258، سنن النسائي 1/ 90، سنن ابن ماجه 1/ 164، الموطأ 1/ 25، نيل الأوطار 1/ 246، مسند أحمد 1/ 365".

الْوَصْفِ1 لِلتَّعْلِيلِ، وَوُجُودِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَنَفْيِ2 الْمُعَارِضِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ3. وَلَمَّا تَعَارَضَتْ الأَدِلَّةُ عِنْدَ ابْنِ الْبَاقِلاَّنِيِّ: تَوَقَّفَ فِي الْمَسْأَلَةِ4. وَعِنْدَ أَبِي الْحُسَيْنِ: إنْ كَانَتْ5 الْعِلَّةُ بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ فَالْقِيَاسُ كَالنَّصِّ عَلَى حُكْمِهَا، وَإِنْ كَانَ الأَصْلُ مَقْطُوعًا بِهِ فَقَطْ، فَالاجْتِهَادُ وَالتَّرْجِيحُ6. وَعِنْدَ صَاحِبِ "الْمَحْصُولِ" يُقَدَّمُ الْخَبَرُ مَا لَمْ تُوجِبْ الضَّرُورَةُ تَرْكَهُ. كَخَبَرِ الْمُصَرَّاةِ لِمُعَارَضَتِهِ الإِجْمَاعَ فِي ضَمَانِ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ. وَعِنْدَ الآمِدِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ إنْ ثَبَتَتْ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ، وَهِيَ قَطْعِيَّةٌ فِي الْفَرْعِ فَالْقِيَاسُ، أَوْ ظَنِّيَّةٌ فَالْوَقْفُ، وَإِلاَّ فَالْخَبَرُ7، وَمَعْنَى كَلامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يَقْتَضِيهِ8.

_ 1 في ش ب: الوضوء. 2 في ش: ويبقى. 3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 119- 122، فواتح الرحموت 2/ 178-180، تيسير التحرير 3/ 118، كشف الأسرار 2/ 378، 379. 4 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 118، فواتح الرحموت 2/ 177، نهاية السول 2/ 312، إرشاد الفحول ص 55. 5 في ز: كان. 6 انظر: المعتمد 2/ 654، الإحكام للآمدي 2/ 118، فواتح الرحموت 2/ 177، تيسير التحرير 3/ 116، كشف الأسرار 2/ 377، العضد على ابن الحاجب 2/ 73. 7 الإحكام للآمدي 1/ 118. 8 وهو قول ابن الحاجب والمخار عند السبكي والكمال بن الهمام والبيضاوي وتابعه الإسنوي والعضد. وهناك أقوال كثيرة. "انظر: مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 73، 74، الإحكام للآمدي 2/ 118- 119، فواتح الرحموت 2/ 177 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 116، نهاية السول 2/ 312، المحلي على جمع الجوامع 2/ 136، إرشاد الفحول ص 55".

"وَيُعْمَلُ بِـ" الْحَدِيثِ "الضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُوَفَّقِ وَالأَكْثَرِ1. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَلالِ وَالْحَرَامِ شَدَّدْنَا2 فِي الأَسَانِيدِ. وَإِذَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ، وَمَا لا يَضَعُ3 حُكْمًا وَلا يَرْفَعُهُ تَسَاهَلْنَا فِي الأَسَانِيدِ4. وَاسْتَحَبَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ الاجْتِمَاعَ لَيْلَةَ5 الْعِيدِ فِي رِوَايَةٍ. فَدَلَّ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ لَوْ كَانَ شِعَارًا. وَفِي "الْمُغْنِي" فِي صَلاةِ التَّسْبِيحِ: "الْفَضَائِلُ لا يُشْتَرَطُ لَهَا صِحَّةُ الْخَبَرِ"6، وَاسْتَحَبَّهَا جَمَاعَةٌ لَيْلَةَ الْعِيدِ. فَدَلَّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشِّعَارِ وَغَيْرِهِ. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ". وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى. لا يُعْمَلُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ. وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَحِبَّ صَلاةَ التَّسْبِيحِ لِضَعْفِ خَبَرِهَا عِنْدَهُ7، مَعَ أَنَّهُ خَبَرٌ مَشْهُورٌ عُمِلَ

_ 1 وهو المعتمد عند الأئمة. "انظر: المجموع للنووي 1/ 59، المسودة ص 273، الكفاية ص 33، قواعد التحديث ص 113، مقدمة ابن الصلاح ص 49، تيسير التحرير 3/ 37، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97، الأجوبة الفاضلة ص 228 وما بعدها". 2 في الكفاية: تشدّدنا. 3 في ش ز: يضيع. 4 رواه الخطيب بسنده في "الكفاية ص 134" ورواه النوفلي عن أحمد انظر: المسودة ص 273. 5 ساقطة من ض. 6 المغني 2/ 98. 7 قال ابن قدامة: "فأما صلاة التسبيح، فإن أحمد قال: ما تعجبني، قيل له: لم؟ قال: ليس فيها شيء يصح، ونَفَضَ يده كالمنكر" "المغني 2/ 98".

بِهِ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الأَئِمَّةِ1. وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَيْضًا التَّيَمُّمَ بِضَرْبَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ عَنْهُ2، مَعَ أَنَّ فِيهِ أَخْبَارًا وَآثَارًا3، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ4.

_ 1 روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس وأبي رافع رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: "يا عماه، ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أَحْبُوك، ألا أفعل بك عشر خصال؟ إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك، أوله وآخره، وقديمه وحديثه، وخطأه عمده، وصغيره وكبيره، وسره وعلانيته، عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القرآن قلت: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع، وتقولها وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً، فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في الأربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة". انظر: "سنن أبي داود 1/ 298، تحفة الأحوذي 2/ 594، سنن ابن ماجه 1/ 442". 2 قال ابن قدامة: "المسنون عند أحمد: "التيمم ضربة واحدة" "المغني 1/ 179". وانظر: الروض المربع 1/ 31، كشف القناع 1/ 200، المحرر في الفقه 1/ 21. واستدل الحنابلة بما رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والدارمي عن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في التيمم ضربة للوجه والكفين. وهو قول عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق والصادق والإمامية، ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء واختاره، وهو قول عامة أهل الحديث. "انظر: المغني 1/ 180، سنن الدارمي 1/ 190، نيل الأوطار 1/ 308- 309، تحفة الأحوذي 1/ 441، 443، صحيح مسلم 1/ 280، صحيح البخاري 1/ 70، مسند أحمد 4/ 264، سنن أبي داود 1/ 79". 3 وهو ما رواه الحاكم والبيهقي والدارقطني وأبو داود ومالك عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين"، وهو قول جمهور الفقهاء. "انظر: الموطأ 1/ 56، سنن أبي داود 1/ 79، المستدرك 1/ 179، سنن الدارقطني 1/ 177، 181، نيل الأوطار 1/ 309، المغني 1/ 179، الوجيز للغزالي 1/ 21، منح الجليل 1/ 92، بدائع الصنائع 1/ 45، الأم للشافعي 1/ 49". 4 وهو قول البخاري ومسلم وابن حزم ويحيى بن معين وأبي بكر بن العربي "انظر: قواعد التحديث ص 113، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97".

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُعْمَلُ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، لا فِي إثْبَاتِ مُسْتَحَبٍّ وَلا غَيْرِهِ1. قَالَ2 الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ قَوْلِ أَحْمَدَ وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ. قَالَ الْعَمَلُ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْسَ تَرْجُو ذَلِكَ الثَّوَابَ، وَ3تَخَافُ ذَلِكَ الْعِقَابَ. وَمِثَالُ ذَلِكَ: التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ بِالإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَالْمَنَامَاتِ وَكَلِمَاتِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ وَوَقَائِعِ الْعَالِمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، لا اسْتِحْبَابٍ وَلا غَيْرِهِ. لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِيمَا عُلِمَ حُسْنُهُ أَوْ قُبْحُهُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ. فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ وَلا يَضُرُّ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ4 فِي نَفْسِ الأَمْرِ حَقًّا أَوْ بَاطِلاً. وَقَالَ فِي "شَرْحِ الْعُمْدَةِ" فِي التَّيَمُّمِ بِضَرْبَتَيْنِ: وَالْعَمَلُ بِالضِّعَافِ إنَّمَا يَسُوغُ فِي عَمَلٍ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ. فَإِذَا رُغِّبَ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ عُمِلَ بِهِ. أَمَّا، إثْبَاتُ سُنَّةٍ فَلا. وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ الضَّعِيفِ، كَابْنِ

_ 1 وقيل: يعمل به مطلقاً. قال السيوطي: "وعزي إلى أبي داود وأحمد، لأن ذلك عندهما أقوى من رأي الرجال". "انظر: الكفاية ص 133، قواعد التحديث ص 113، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97". 2 في ض: وقال. 3 في ب ز ع ض: أو. 4 ساقطة من ش ز.

لَهِيعَةَ1 وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ2. فَيُقَالُ لَهُ. فَيَقُولُ أَعْرِفُهُ أَعْتَبِرُ بِهِ، كَأَنِّي أَسْتَدِلُّ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ، لا أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا انْفَرَدَ3. وَيَقُولُ: يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا. وَيَقُولُ: الْحَدِيثُ عَنْ الْجُعْفِيِّ قَدْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي وَقْتٍ. وَقَالَ: كُنْت لا أَكْتُبُ حَدِيثَ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، ثُمَّ كَتَبْته أَعْتَبِرُ بِهِ4. وَقَالَ أَيْضًا: مَا أَعْجَبَ أَمْرَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ. وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ5 مِنْ أَعْجَبِهُمْ، يَكْتُبُ عَنْ

_ 1 هو عبد الله بن لهيعة بن عقبة المصري الفقيه، أبو عبد الرحمن، قاضي مرصر ومسندها. قال السيوطي: "وثقه أحمد وغيره، وضعفه يحيى القطان وغيره". وقال النووي: "وهو ضعيف عند أهل الحديث". وقال يحيى بن معين: "لا يحتج بحديثه". وهو أول قاضٍ استقضاه الخليفة، وكان القضاة يعينون من الوالي، وخرّج له الترمذي وأبو داود وغيرهما. توفي سنة 174 هـ. وسماه السيوطي: "عبد الله بن عقبة بن لهيعة. وقال: مات سنة 164 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 101، تذكرة الحفاظ 1/ 237، الخلاصة ص 211، ميزان الاعتدال 2/ 475، تهذيب الأسماء 2/ 301، حسن المحاضرة 1/ 301، 2/ 141، شذرات الذهب 1/ 283، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 327". 2 هو أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الحمصي، يقال اسمه بكر، وقيل: بكير، وقيل: عمرو، وقيل: عامر، وقيل: عبد السلام. ضعيف عند علماء الحديث. قال الذهبي: وكان من العباد. وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. ضعفه أحمد وغيره لكثرة ما يغلط، وكان أحد أوعية العلم. وقال ابن حبان: رديء الحفظ، لا يحتج به إذا انفرد. وقال ابن عدي: أحاديثه صالحة، ولا يحتج به. مات سنة 156 هـ. انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 4/ 497، الخلاصة ص 477، 464، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 695". 3 انظر: المسودة ص 274، 275. 4 انظر: المسودة ص 274. 5 هو يزيد بن هارون بن زاذان الواسطي، السُّلمي، أبو خالد، أحد الأئمة. قال أحمد: "كان حافظاً متقناً صحيح الحديث". وكان إماماً ربانيًّا يطيل صلاة الليل والنهار، ويجلس في مجلسه العدد الكثير من الرجال، وكان يحفظ أربعة وعشرين ألف حديث، وهو مولى لبني سليم. مات بواسط سنة 206 هـ بعد أن كف بصره. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 317، الخلاصة ص 435، طبقات الحنابلة 1/ 422، المنهج الأحمد 1/ 75، شذرات الذهب 2/ 16، مشاهير علماء الأمصار ص 177، المعارف ص 515، طبقات الحفاظ ص 132، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 677".

الرَّجُلِ مَعَ عِلْمِهِ بِضَعْفِهِ1. وَفِي "جَامِعِ" الْقَاضِي: أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ لا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْمَآثِمِ2. وَقَالَ الْخَلاَّلُ: مَذْهَبُهُ - يَعْنِي: الإِمَامَ أَحْمَدَ - أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُعَارِضٌ قَالَ بِهِ3. وَقَالَ فِي كَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ: مَذْهَبُهُ فِي الأَحَادِيثِ، إنْ4 كَانَتْ مُضْطَرِبَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُعَارِضٌ قَالَ بِهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: طَرِيقِي لَسْت أُخَالِفُ مَا ضَعُفَ مِنْ الْحَدِيثِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ مَا يَدْفَعُهُ.

_ 1 انظر: المسودة ص 274، قواعد التحديث ص 114، المدخل إلى مذهب أحمد ص 97. 2 في ش ب ز: المأثم. وانظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 97. 3 انظر: المسودة ص 273، 275، المدخل إلى مذهب أحمد 97. 4 في ز ع ض: وإن.

فصل: المرسل

"فَصْلٌ": "الْمُرْسَلُ" فِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ1 هُوَ "قَوْلُ غَيْرِ صَحَابِيٍّ فِي كُلِّ عَصْرٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالْكَرْخِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُحَدِّثِينَ2. وَخَصَّهُ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ وَكَثِيرٌ مِنْ الأُصُولِيِّينَ بِالتَّابِعِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ كِبَارِهِمْ، وَهُوَ مَنْ لَقِيَ جَمَاعَةً كَثِيرَةً مِنْ الصَّحَابَةِ، كَعُبَيْدِ اللَّهِ3 بْنِ عَدِيِّ بْنِ4 الْخِيَارِ5 وَكَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ،

_ 1 في د ب: الفقهاء والمحدثين. وذكره الشيخ زكريا الأنصاري أنه تعريف الفقهاء والأصوليين. غاية الوصول ص 104. 2 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 123، المستصفى 1/ 169، نهاية السول 2/ 324، جمع الجوامع 2/ 168، مناهج العقول 2/ 323، مختصر ابن الحاجب 2/ 74، فواتح الرحموت 2/ 174، تيسير التحرير 3/ 102، غاية الوصول ص 105، الكافية في الجدل ص 56، الكفاية ص 20، الروضة ص 64، شروح الورقات ص 188، مختصر الطوفي ص 69، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96، إرشاد الفحول ص 64. 3 في ض: كعبد الله. 4 ساقطة من ض. 5 هو عبيد الله بن عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، القرشي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عن عمر وعثمان وعلي، أسلم أبوه يوم الفتح، وكان من فقهاء قريش وعلمائهم. ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من كبار التابعين، وله دار بالمدينة عند دار علي بن أبي طالب. روى له البخاري ومسلم. مات سنة 95 هـ. انظر: ترجمته في "الإصابة 3/ 74، الاستيعاب 2/ 436، الخلاصة ص 252، تهذيب الأسماء 1/ 313، مشاهير علماء الأمصار ص 83".

وَكَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ1 حَكِيمِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَكَمَسْرُوقٍ2، وَكَعْبِ الأَحْبَارِ وَأَشْبَاهِهِمْ. أَوْ مِنْ صِغَارِهِمْ، وَهُوَ مَنْ لَمْ يَلْقَ مِنْ الصَّحَابَةِ إلاَّ الْقَلِيلَ. كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَأَبِي حَازِمٍ وَابْنِ شِهَابٍ لَقِيَ عَشَرَةً مِنْ الصَّحَابَةِ3.

_ 1 هو عبد الله بن ثُوَّب. وقيل: ابن ثواب أو أثوب، وقيل: ابن عبد الله، أبو مسلم الخولاني. ويقال اسمه: يعقوب بن عوف، لكنه اشتهر بكنيته، اليماني الزاهد. رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فمات عليه الصلاة والسلام وهو في الطريق، فكان من سادات التابعين، وصاحب كرامات. وكان من عباد أهل الشام وزهادهم. قال مالك بن دينار: أبو مسلم حكيم هذه الأمة. مات سنة 62 هـ. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 49، الخلاصة ص 460، طبقات الحفاظ ص 13، مشاهير علماء الأمصار ص 112، المعارف ص 439، شذرات الذهب 1/ 70، حلية الأولياء 5/ 120، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 3/ 725". 2 في ض: ومسروق. 3 يرى الشوكاني أن الخلاف بين التعريفين لفظي واصطلاحي، ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن محل الخلاف والكلام والحجية هو الثاني، وهو المرسل عند أكثر المحدثين انظر: إرشاد الفحول ص 64. يقول القرافي: "الإرسال هو إسقاط صحابي من السند، والصحابة كلهم عدول، فلا فرق بين ذكره والسكوت عنه، فكيف جرى الخلاف؟ جوابه: أنهم عدول إلا عند قيام المعارض، وقد يكون المسكوت عنه منهم عرض في حقه ما يوجب القدح، فيتوقف في قبول الحديث حتى تعلم سلامته عن القادح" "شرح تنقيح الفصول ص 380". ولكن الآمدي والغزالي وابن الحاجب وغيرهم عرفوا المرسل بتعريف الفقهاء والأصوليين، ثم بينوا الاختلاف في حجيته بين الأئمة، بينما قسم البزدوي المرسل إلى أربعة أنواع وبين حكم كل نوع، كما وضح الإمام الشافعي عن المرسل في "الرسالة ص 465". وانظر: شرح الورقات ص 187، غاية الوصول ص 104، نهاية السول2/ 324، الإحكام للآمدي 2/ 123، المستصفى 1/ 169، تيسير التحرير 3/ 68، كشف الأسرار 3/ 2، توضيح الأفكار 1/ 283، تدريب الراوي 1/ 195، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 74، جمع الجوامع 2/ 168، الكفاية ص 20، 384، التعريفات للجرجاني ص 15، 221، أصول الحديث ص 327.

وَقِيلَ: مَا كَانَ مِنْ1 صِغَارِ التَّابِعِينَ لا يُسَمَّى مُرْسَلاً، بَلْ مُنْقَطِعًا لِكَثْرَةِ الْوَسَائِطِ لِغَلَبَةِ رِوَايَتِهِمْ عَنْ التَّابِعِينَ. وَقِيلَ: يُسَمَّى مُرْسَلاً إذَا سَقَطَ مِنْ الإِسْنَادِ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، سَوَاءٌ الصَّحَابِيُّ وَغَيْرُهُ. فَيَتَّحِدُ مَعَ الْمُسَمَّى بِالْمُنْقَطِعِ بِالْمَعْنَى الأَعَمِّ2. قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "فَفِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُسَمَّى3 مُرْسَلاً. قَالَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَقَطَعَ بِهِ إلاَّ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُوصَفُ بِالإِرْسَالِ مِنْ حَيْثُ الاسْتِعْمَالُ: مَا رَوَاهُ التَّابِعِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رَوَاهُ تَابِعُ التَّابِعِيِّ فَيُسَمُّونَهُ مُعْضَلاً4".اهـ. وَعَلَى هَذَا: لَوْ سَقَطَ بَيْنَ الرَّاوِيَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ5 يُسَمَّى مُعْضَلاً أَيْضًا. "وَهُوَ" أَيْ الْمُرْسَلُ "حُجَّةٌ كَمَرَاسِيلِ6 الصَّحَابَةِ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. وَحَكَاهُ الرَّازِيّ فِي "الْمَحْصُولِ" عَنْ الْجُمْهُورِ.

_ 1 في ش: عن. 2 وهو تعريف الجويني. وذهب إليه الفقهاء وعلماء الأصول والخطيب البغدادي وجماعة من المحدثين وابن حزم الظاهري. وانظر في تعريف المرسل "اللمع ص 41، الورقات وشرحها ص 187، الحدود للباجي ص 63، التعريفات للجرجاني ص 221، الإحكام لابن حزم 1/ 135، شرح نخبة الفكر ص 110، توضيح الأفكار 1/ 286، 324، الكفاية ص 20، أصول الحديث ص 339". 3 في ب: سمي. 4 مقدمة ابن الصلاح ص 27 بتصرف. 5 في ب: أنه. 6 في ش ز: كمرسل.

وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ1. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَّ التَّابِعِينَ أَجْمَعُوا بِأَسْرِهِمْ عَلَى قَبُولِ الْمَرَاسِيلِ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ إنْكَارُهَا إلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ2. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: إنْكَارُ كَوْنِهِ حُجَّةً بِدْعَةٌ حَدَثَتْ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ. وَذَلِكَ لِقَبُولِهِمْ مَرَاسِيلَ الأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ3. وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنَّ الْمُرْسَلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ4.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 123، المستصفى 1/ 169، نهاية السول 2/ 325، مناهج العقول 2/ 323، جمع الجوامع 2/ 169، العضد على ابن الحاجب 2/ 74، المسودة ص 250، 259، شرح تنقيح الفصول ص 379، فواتح الرحموت 2/ 174، كشف الأسرار 3/ 2، أصول السرخسي 1/ 360، تيسير التحرير 3/ 102، المعتمد 2/ 628، اللمع ص 41، الروضة ص 64، غاية الوصول ص 26، شرح نخبة الفكر ص 112، قواعد التحديث ص 134، توضيح الأفكار 1/ 287، 293، تدريب الراوي 1/ 198، الكفاية ص 384، المجموع 1/ 60، أصول الحديث ص 338، إرشاد الفحول ص 64. 2 قال ابن عبد البر: "كأن ابن جرير يعني أن الشافعي أول من أبى قبول المرسل". ويرد على قول الطبري بما نقله عن الإمام مسلم في مقدمة "صحيحه" عن ابن عباس أنه لم يقبل مرسل التابعين، وما نقله عن ابن سيرين وغيره في المرسل، وما نقله الحاكم عن سعيد بن المسيب ومالك بن أنس وغيرهم بعدم حجية المرسل. "انظر: صحيح مسلم 1/ 12 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 103، كشف الأسرار 3/ 4، توضيح الأفكار 1/ 292، فواتح الرحموت 2/ 175، إرشاد الفحول ص 65، معرفة علوم الحديث ص 25 وما بعدها". 3 انظر أدلة حجية مرسل غير الصحابة في "أصول السرخسي 1/ 360 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 174، تيسير التحرير 3/ 102 وما بعدها، كشف الأسرار 3/ 4، توضيح الأفكار 1/ 291، الكفاية ص 391 وما بعدها، الروضة ص 95". 4 انظر: توضيح الأفكار 1/ 290، 295، العضد على ابن الحاجب 2/ 74، المجموع......=

قَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: "هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَنُقَّادِ الأَثَرِ1"، كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ فِي "الْكِفَايَةِ"2. وَحَكَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالأَخْبَارِ3. وَهَذَا وَإِنْ قَالَهُ مُسْلِمٌ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ، لَكِنْ أَقَرَّهُ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ فِيهِ جَهْلاً بِعَيْنِ الرَّاوِي وَضَعْفِهِ4. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَتْبَاعُهُ: إنْ كَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يُرْسِلْ إلاَّ عَنْ عُذْرٍ، وَأَسْنَدَهُ غَيْرُهُ أَوْ أَرْسَلَهُ، وَشُيُوخُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ أَوْ عَضَّدَهُ عَمَلُ صَحَابِيٍّ، أَوْ الأَكْثَرُ أَوْ قِيَاسٌ، أَوْ انْتِشَارٌ، أَوْ عَمَلُ الْعَصْرِ: قُبِلَ، وَإِلاَّ فَلا5.

_ =60 جمع الجوامع 2/ 169، تدريب الراوي 1/ 198، المسودة ص 250، شرح تنقيح الفصول ص 378، الرسالة للشافعي ص 464 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 135، الإحكام للآمدي 2/ 123- 129، المستصفى 1/ 169، فواتح الرحموت 2/ 174، تيسير التحرير 3/ 102، نهاية السول 2/ 324، مناهج العقول 2/ 323، شرح نخبة الفكر ص 110، غاية الوصول ص 105، الروضة ص 64، مختصر الطوفي ص 69، إرشاد الفحول ص 64، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96، أصول الحديث ص 338. 1 مقدمة ابن الصلاح ص 26. 2 الكفاية ص 384. 3 انظر: صحيح مسلم 1/ 30. 4 وهو قول للشافعي وقول للباقلاني والظاهرية وجمهول المحدثين. قال الشوكاني: فذهب الجمهور إلى ضعفه وعدم قيام الحجة به. وذكر الآمدي أدلة الطرفين وناقشها. وهناك أقوال أخرى في حجية الحديث المرسل وعدم حجيته، منها قول ابن الحاجب: إن كان الراوي من أئمة النقل قبل، وإلا فلا. "انظر: الكفاية ص 387، مختصر ابن الحاجب 2/ 74، جمع الجوامع 2/ 169، المجموع 1/ 60، تدريب الراوي 1/ 168، شرح نخبة الفكر ص 111، قواعد التحديث ص 133، فواتح الرحموت 2/ 174 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 102، أصول السرخسي 1/ 360، كشف الأسرار 3/ 2، المعتمد 2/ 629، 633 وما بعدها، اللمع ص 41، شرح الورقات ص 188، إرشاد الفحول ص 64، نهاية السول 2/ 325". 5 انظر: الرسالة للشافعي ص 461 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 123، نهاية السول 2/ 324، مناهج العقول 2/ 326، جمع الجوامع 2/ 169، المجموع 1/ 61، المسودة ص 250، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/ 74، المعتمد 2/ 629، 638، فواتح الرحموت 2/ 174، تيسير التحرير 3/ 102، كشف الأسرار 3/ 2، شرح تنقيح الفصول ص 380، اللمع ص 41، شرح الورقات ص 189، إرشاد الفحول ص 65، غاية الوصول ص 105، قواعد التحديث ص 138، توضيح الأفكار 1/ 288، تدريب الراوي 2/ 198، أصول الحديث ص 339، شرح نخبة الفكر ص 112.

"وَيَشْمَلُ"1 اسْمُ الْمُرْسَلِ مَا سَمَّوْهُ "مُعْضَلاً وَ" مَا سَمَّوْهُ "مُنْقَطِعًا" 2. قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ سَمَّوْا مَا رَوَاهُ تَابِعُ3 التَّابِعِيِّ وَمَا سَقَطَ بَيْنَ رَاوِيَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ مُعْضَلاً4. وَقَالَ الْقَاضِي5 وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ لَوْ انْقَطَعَ فِي الإِسْنَادِ وَاحِدٌ، كَرِوَايَةِ تَابِعِ التَّابِعِيِّ عَنْ صَحَابِيٍّ. فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَالأَشْهَرُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ. اهـ.

_ 1 في ض: ويشتمل. 2 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 25، 27، 28، توضيح الأفكار 1/ 287، أصول الحديث ص 339، 340. 3 في ض: تابعي. 4 أي يدخل في الحديث المرسل باصطلاح علماء الفقه والأصول المنقطع بالاصطلاح المشهور عند المحدثين، وهو ما سقط من رواته قبل الصحابي راوٍ في موضع واحد. ويدخل المعضل في اصطلاح المحدثين، وهو ما سقط منه اثنان فصاعداً في موضع واحد. قال النووي: "والمشهور في الفقه والأصول أن الكل مرسل، وبه قطع الخطيب، وهذا اختلاف في الاصطلاح والعبارة". "انظر: تيسير التحرير 3/ 102، معرفة علوم الحديث ص 27، 36، مقدمة ابن الصلاح ص 26، 28، الكفاية ص 20، مقدمة ابن الصلاح ص 27، 28، شرح نخبة الفكر ص 110، 113، 114، تدريب الراوي 1/ 195، كشف الأسرار 3/ 2، توضيح الأفكار 1/ 324". 5 ساقطة من ض.

وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ: مَنْ رَوَى عَمَّنْ لَمْ يَلْقَهُ وَوَقَفَهُ عَلَيْهِ فَمُرْسَلٌ1 أَوْ مُنْقَطِعٌ، وَيُسَمَّى مَوْقُوفًا، وَالْمُنْقَطِعُ سُقُوطُ رَاوٍ فَأَكْثَرَ مِمَّنْ2 هُوَ دُونَ الصَّحَابِيِّ3. وَالانْقِطَاعُ: إمَّا فِي الْحَدِيثِ أَوْ الإِسْنَادِ، عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلامِهِمْ مِنْ الإِطْلاقَيْنِ؛ إذْ مَرَّةً يَقُولُونَ فِي الْحَدِيثِ: مُنْقَطِعٌ، وَمَرَّةً فِي الإِسْنَادِ مُنْقَطِعٌ. فَالْمُنْقَطِعُ بِهَذَا الاعْتِبَارِ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْمُنْقَطِعِ الْمُقَابِلِ لِلْمُتَّصِلِ الَّذِي هُوَ مَوْرِدُ التَّقْسِيمِ. فَإِنْ كَانَ السَّاقِطُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ طَبَقَتَيْنِ فَصَاعِدًا، إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ سُمِّيَ4 مُعْضَلاً، وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعَيْنِ سُمِّيَ5 مُنْقَطِعًا مِنْ مَوْضِعَيْنِ6. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَإِذَا رَوَى عَمَّنْ لَمْ يَلْقَهُ، فَهُوَ مُرْسَلٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ انْقَطَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ7 رَوَى عَنْهُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَكَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَمُنْقَطِعٌ عَلَى رَأْيِ الْمُحَدِّثِينَ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ فِي أَصْلِ الْمُرْسَلِ. وَمَوْقُوفٌ لِكَوْنِهِ وَقَفَهُ8 عَلَى شَخْصٍ. فَهُوَ بِهَذِهِ الاعْتِبَارَاتِ لَهُ ثَلاثُ

_ 1 في ب: فهو مرسل. 2 في ب: عمن. 3 انظر: مقدمة ابن الصلاح ص 27. 4 في ش ز: يسمى. 5 في ش ز: يسمى. 6 قال الشوكاني: "ولا تقوم الحجة بالحديث المنقطع، وهو الذي سقط من رواته واحد ممن دون الصحابة، ولا بالمعضل، وهو الذي سقط من رواته اثنان" "إرشاد الفحول ص 66". وانظر: شرح الورقات ص 188، غاية الوصول ص 105، أصول السرخسي 1/ 359. 7 في ض: ما. 8 في د ب ع ض: وقف.

صِفَاتٍ. يُسَمَّى مُرْسَلاً بِاعْتِبَارٍ، وَمُنْقَطِعًا عَلَى رَأْيِ الْمُحَدِّثِينَ، وَمَوْقُوفًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَقَفَهُ عَلَى شَخْصٍ1. وَأَمَّا مُرْسَلُ الصَّحَابَةِ: فَحُجِّيَّةُ غَيْرِ الصَّحَابَةِ2 مَقِيسَةٌ عَلَى حُجِّيَّةِ مُرْسَلِهِمْ، وَعَلَى حُجِّيَّةِ مُرْسَلِ الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لأَنَّ رِوَايَتَهُمْ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَالْجَهَالَةُ بِالصَّحَابِيِّ3 غَيْرُ قَادِحَةٍ لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عُدُولٌ. وَهَذَا فِي الْغَالِبِ وَإِلاَّ فَقَدْ يَرْوِي عَنْ التَّابِعِيِّ4. وَأَمَّا صِغَارُ الصَّحَابَةِ - كَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ5، فَإِنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ

_ 1 انظر: كشف الأسرار 3/ 2، فواتح الرحموت 2/ 174، نهاية السول 2/ 324، مناهج العقول 2/ 323، مقدمة ابن الصلاح ص 25. 2 في ض: الصحابي. 3 في ب ض: بالصحابة. 4 أجمع الصحابة على قبول الأحاديث التي أرسلها الصحابة، مع علمهم أن بعضهم يروي بواسطة بعض، وقد قال البراء بن عازب: "ما كل ما حدثناكم به سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنا لا نكذب". والصحابي لا يروي إلا عن صحابي مثله، أو عن معلوم العدالة. وقال قوم: لا يقبل مرسل الصحابي إلا أن يُعلم بنصه أو عادته أنه لا يروي إلا عن صحابي، لجواز أن يروي عن غير صحابي. "انظر: كشف الأسرار 3/ 2، فواتح الرحموت 2/ 174، 175، تيسير التحرير 3/ 102، أصول السرخسي 1/ 359، الإحكام للآمدي 2/ 124، المستصفى 1/ 170، الإحكام لابن حزم 1/ 143، الكفاية ص 385 وما بعدها، المعتمد 2/ 632، معرفة علوم الحديث ص 14، مقدمة ابن الصلاح ص 26، توضيح الأفكار 1/ 317، قواعد التحديث ص 143، تدريب الراوي 1/ 207، اللمع ص 41، الروضة ص 64، شرح الورقات ص 191، المسودة ص 259، إرشاد الفحول ص 95، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96، مختصر الطوفي ص 68- 69. 5 هو محمد بن أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان التيمي، أبو القاسم. أمه أسماء بنت عميس. ولدته في طريق المدينة إلى مكة في حجة الوداع، ونشأ في حجر علي بن أبي........=

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاثَةِ أَشْهُرٍ وَأَيَّامٍ - فَإِنَّ مَرَاسِيلَهُمْ كَمَرَاسِيلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ، لا مِنْ قَبِيلِ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ. وَهَذَا مِمَّا1 يُلْغَزُ بِهِ. فَيُقَالُ: صَحَابِيٌّ حَدِيثُهُ مُرْسَلٌ لا يَقْبَلُهُ مَنْ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ.

_ = طالب، لأنه تزوج أمه، وانضم إليه، فكان من كبار أحزابه، وشهد معه الجمل وصفين، ثم أرسله إلى مصر أميراً سنة 37 هـ، فولي إمارتها لعلي. ثم انهزم أمام عمرو بن العاص في جيش معاوية، وقتل بمصر سنة 38 هـ. وكان علي يثني عليه ويفضله على غيره. وكانت له عبادة واجتهاد. ولما بلغ عائشة قتله حزنت عليه كثيراً، وتولت تربية ولده القاسم، وكان ممن حضر الدار عند قتل عثمان رضي الله عنهم أجمعين. وروى حديثه النسائي وابن ماجه. انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 472، الاستيعاب 3/ 348، الخلاصة ص 329، تهذيب الأسماء 1/ 85، حسن المحاضرة 1/ 233، 583، 584". فائدة: وهناك محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وجده وأبو جده أبو قحافة، أربعتهم، وليست هذه المنقبة لغيره. "انظر: الاستيعاب 3/ 353". 1 في ش: كما.

المجلد الثالث

المجلد الثالث باب الأمر ... بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَابٌ الأمر: "الأَمْرُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ1" لَمَّا كَانَ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ: السَّنَدُ، وَالْمَتْنُ2. وَتَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَى السَّنَدِ3 أَخَذَ فِي الْكَلامِ عَلَى الْمَتْنِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَتْنُ مِنْهُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَعَامٌّ وَخَاصٌّ وَمُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ وَمُجْمَلٌ وَمُبَيَّنٌ وَظَاهِرٌ وَمُؤَوَّلٌ وَمَنْطُوقٌ وَمَفْهُومٌ. بَدَأَ مِنْ ذَلِكَ بِالأَمْرِ ثُمَّ بِالنَّهْيِ، لانْقِسَامِ الْكَلامِ إلَيْهِمَا بِالذَّاتِ، لا بِاعْتِبَارِ الدَّلالَةِ وَالْمَدْلُولِ. فَالأَمْرُ لا يَعْنِي بِهِ مُسَمَّاهُ، كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي الأَخْبَارِ عَنْ الأَلْفَاظِ: أَنْ يَلْفِظَ بِهَا وَالْمُرَادُ مُسَمَّيَاتُهَا، بَلْ لَفْظَةُ الأَمْرِ هُوَ أَمْرٌ4، كَمَا يُقَالُ: زَيْدٌ مُبْتَدَأٌ، وَضَرَبَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَفِي حَرْفُ جَرٍّ. وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ. وَهَذَا بِالاتِّفَاقِ5.

_ 1 إن باب الامر والنهي من الابواب المهمة في أصول الفقه، لأنهما أساس التكليف في توجيه الخطاب إلى المكلفين، ولذلك أهتم بها علماء الأصول بالتوضيح والبيان لتمحيص الأحكام الشرعية، وجعلهما كثير من المؤلفين في مقدمة كتب الأصول. قال الإمام السرخي: "فأحق ما يبدأ به في البيا، الأمر وال، هي، لأ، معظم الابتلا بها، وبمعرفتهما تتم معرفة الأحكام، ويتميزالحلال م، الحرام" "أصول السرخي 1/11 ". وانظر: الم، خول ص 98، التبصرة ص17، العدة1/213. 2 في ش ز: في المت،. 3 المجلد الثاني صفحة 287 - 582 4 في ش ز ض: وهو أمر. 5 انظر: الإحكام للآمدي 2/130، المحصول ج1ق2/7، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/366، م، اهج العقول 2/2،،هاية السول2/6، القواعد والفوائد الأصولية 158، مختصر الطوفي ص84، كشف الاسرار1/101، التوضيح على التنقيح 2/46، تيسير التحرير 1/224، فواتح الرحموت 1/367، العضد على ابن الحاجب 2/76، التمهيد ص72، إرشاد الفحول ص91، مباحث الكتاب والسنة ص109، المعتمد 1/45.

"وَ"هُوَ أَيْضًا "نَوْعٌ مِنْ" أَنْوَاعِ "الْكَلامِ" لأَنَّ الْكَلامَ هُوَ الأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ بِالإِسْنَادِ عَلَى إفَادَةِ مَعَانِيهَا. فَنَوْعٌ مِنْهُ يَكُونُ مِنْ الأَسْمَاءِ فَقَطْ، وَنَوْعٌ مِنْ الْفِعْلِ الْمَاضِي1 وَفَاعِلِهِ، وَنَوْعٌ مِنْ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ وَفَاعِلِهِ، وَنَوْعٌ مِنْ فِعْلِ الأَمْرِ وَفَاعِلِهِ2. ثُمَّ الأَمْرُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ3 عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ4. وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ: "وَمَجَازٌ فِي الْفِعْلِ" وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} 5 أَيْ فِي الْفِعْلِ

_ 1. ساقطة من ض. 2. انظر: أصول السرخي 1/11، البرهان للجوني 1/199، الأحكام للآمدي 2/130، المنخول ص 98، المستصفى 1/411، العبادي على الوقات ص 60. 3. يرى بعض العلماء أن إطلاق الأمر على الفعل حقيقة، ويكون الأمر مشتركاً بينهما، واحتجوا بقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} ، وفرعوا على ذلك أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على اللإيجاب ضرورة أنه أمر. انظر أدلة هذا الرأي مع مناقشته في "نهاية السول 2/8، الأحكام للآمدي 2/131، المحصول ج1 ق2/7،10، المعتمد 1/45، 47، 56، شرح تنقيح الفصول ص 126، التوضيح على التنقيح 2/46، التلويح على التوضيح 2/47، العضد على ابن الحاجب 2/76، اللمع ص 7، فتح الغفار 1/28، كشف الأسرار 1/102، وما بعدها، تيسير التحرير 1/334 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 91". 4. انظر آراء العلماء في إطلاق الأمر على الفعل مجازاً في "المسودة ص 16، مختصر البعلي ص 97، القواعد والفوائد الأصولية ص158، العدة 1/223، الإحكام للآمدي 1/131، جمع الجوامع 1/366، العضد على ابن الحاجب 2/76، اللمع ص 7، شرح تنقيح الفصول ص 126، التوضيح على التنقيح 2/46، تيسير التحرير 1/334، المعتمد 1/45، فواتح الرحموت 1/367، أصول السرخسي 1/11، فتح الغفار 1/28". 5 الآية 159 من آل عمران.

وَنَحْوِهِ1. وقوله تعالى: {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} 2 وقوله تعالى: {حَتَّى إذَا جَاءَ أَمْرُنَا} 3. وَيُطْلَقُ أَيْضًا4 وَيُرَادُ بِهِ الشَّأْنُ5. وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} 6 أَيْ: شَأْنُهُ، وَالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مُبَاشِرٌ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ كَقوله تعالى: {إنَّمَا قَوْلُنَا 7 لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} 8 وَيُطْلَقُ أَيْضًا وَيُرَادُ بِهِ الصِّفَةُ9، نَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ: "لأَمْرٍ مَا يَسُودُ مَنْ يَسُودُ"10 أَيْ بِصِفَةِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ.

_ 1 ساقطة من ض. 2 الآية 73 من هود. 3 الآية 40من هود. 4 ساقطة من ض. 5 انظر: أصول السرخسي 1/12، شرح تنقيح الفصول ص 126. 6 الآية 97 من هود. 7 في ب ز ع ض: أمرنا، ولا يوجد في القرآن آية بهذا اللفظ "انما أمرنا ... "، ولعل المقصود الآية 82 من سورة يس: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} . 8 الاية 40 من النحل. 9 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 127. 10 هذا عجز بيت من الوافر، لأنس بن مدركة الخثعمي، وصدره: عزمت على إقامة ذي صباحٍ وقد استشهد به سيبويه في "الكتاب" والمبرد في "المقتضب" وابن جني في "الخصائص" وابن الشجري في "أماليه" وابن يعيش الحلبي في "شرح المفصل" وابن عصفور في "المقرب" والبغدادي في "خزانة الأدب". " انظر: معجم شواهد العربية 1/106، شرح أبيات سيبويه للسيرافي 1/388"

وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الشَّيْءُ كَقَوْلِهِمْ: تَحَرَّكَ الْجِسْمُ لأَمْرٍ، أَيْ لِشَيْءٍ1. وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الطَّرِيقَةِ 2بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَعَلَى الْقَصْدِ وَالْمَقْصُودِ. وَقِيلَ إنَّ الأَمْرَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْفِعْلِ والْقَوْلِ بِالاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ لأَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِمَا3 وَقِيلَ مُتَوَاطٍ فَهُوَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا مِنْ بَابِ التَّوَاطُؤِ دَفْعًا لِلاشْتِرَاكِ وَالْمَجَاز4ِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْكِفَايَةِ" إنَّ الأَمْرَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالشَّأْنِ وَالطَّرِيقَةِ وَنَحْوِهِ5.

_ 1. انظر: شرح تنقيح الفصول ص 126. 2. ساقطة من ش ز. 3. انظر أصحاب هذا القول وأدلتهم ومناقشاتها في "العضد على ابن الحاجب 2/76، نهاية السول 2/8/ جمع الجوامع 1/367، شرح تنقيح الفصول ص126، فواتح الرحموت 1/367، كشف الأسرار 1/102، التوضيح على التنقيح 2/46، تيسير التحرير 1/334، التمهيد ص 73، القواعد والفوائد الأصولية ص 158، مباحث الكتاب والسنة ص 109". 4 وهو اختيار الآمدي، وقال التفتازاني عن هذا القول:"وهو قول حادث مخالف للإجماع، فلم يلتفت إليه". "انظر: التلويح على التوضيح 2/46، الإحكام للآمدي 2/137، العضد على ابن الحجاب 2/76، جمع الجوامع 1/367، فواتح الرحموت 1/367، تيسير التحرير 1/334، مختصر البعلي ص 67". 5 ذهب إلى ذلك أبو الحيسن البصري، بينما أنكر القاضي ذلك في كتابه "العدة" فقال: "الفعل لا يسمى أمراً ... حقيقة". "انظر: المسودة ص 16، العدة 1/223، المعتمد 1/45، الإحكام للآمدي 2/131، المحصول ? 1 ق2/7،14، نهاية السول 2/9، جمع الجوامع 1/367، التلويح على التوضيح 2/46، مختصر البعلي ص97، القواعد والفوائد الأصولية ص152، 158، إرشاد الفحول ص 91".

قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَلِيمِ1،وَالِدُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: "هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِمَنْ أَنْصَفَ"2.اهـ. وَاسْتَدَلَّ لَلْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ-وَهُوَ كَوْنُ الأَمْرِ مَجَازًا فِي غَيْرِ الْقَوْلِ الْمَخْصُوص- بِأَنَّ الْقَوْلَ يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ الإِطْلاقِ، وَلَوْ كَانَ مُتَوَاطِئًا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ الأَخَصُّ، لأَنَّ الأَعَمَّ لا يَدُلُّ عَلَى الأَخَصِّ، وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ لَزِمَ الاشْتِرَاكُ3 وَالاطِّرَادُ؛ لأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ الْحَقِيقَةِ، وَلا يُقَالُ لِلآكِلِ آمِرٌ، وَلا يُشْتَقُّ لَهُ مِنْهُ أَمْرٌ4، وَلا مَانِعَ،

_ 1 هو عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله، ابن تيمية، الحراني، شهاب الدين، أبو المحاسن، والد شيخ الاسلام تقي الدين احمد بن عبد الحليم، وهو ابن الشيخ مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن تيمية، سمع عبد الحليم من والده، وقرأ عليه المذهب حتى اتقنه، ورحل إلى حلب في طلب العلم، ثم صار شيخ البلد بعد أبيه، وخطيبه وحاكمه، ودرّس وأفتى وصنف، وكان محققاً لما ينقله، ديناً، متواضعاً، حسن الخلق، جواداً، وقدم دمشق، قال الذهبي: "وكان من أنجم الهدى، وإنما اختفى بين نور القمر وضوء الشمس" يشير إلى والده وابنه، له تعاليق وفوائد، وصنف في علوم شتى، توفي سنة 680هـ بدمشق، ودفن بسفح قاسيون. انظر ترجمته في ذيل "طبقات الحنابلة 2/310، شذرات الذهب 5/376، البداية والنهاية 13/303. 2 المسودة ص 16، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 162. 3 أي يكون كل فعل أمراً باطراد، وأن الأمر يقع على آحاد الأفعال، والواقع أن ذلك غير مطرود، فلا يقال للأكل والشرب أمر. "انظر: المعتمد 1/46، الإحكام للآمدي 2/131، المحصول ج1 ق 2/7، فواتح الرحموت1/368، العضد على ابن الحاجب 2/6، إرشاد الفحول ص 91، العدة 1/223". وفي ش: لا طرد، وفي ز عِ: ولا طرد. 4 يوضح ذلك السرخسي فيقول: "ألا ترى أنه لا يقولون للآكل والشارب آمراً، فبهذا تبين أن اسم الأمر لا يتناول الفعل حقيقة، كما لا يقال: "الأمر" اسم عام يدخل تحته المشتق وغيره، لأن الأمر مشتق في الأصل، فإنه يقال: أمر يامر أمراً، فهر آمر، وماكان مشتقاً في الأصل لا يقال إنه يتناول المشتق وغيره حقيقة" "أصول السرخسي 1/12". "وانظر: التلويح على التوضيح 2/47 وما بعدها، كشف الأسرار1/105 وما بعدها، تيسير التحرير 1/336، فواتح الرحموت1/368، المعتمد 1/47، الإحكام للآمدي 2/131، 135، المحصول? 1 ق2/8، العدة 1/223".

وَلاتَّحَدَ1 جَمْعَاهُمَا2، وَلَوُصِفَ بِكَوْنِهِ مُطَاعًا وَمُخَالِفًا، وَلِمَا صَحَّ نَفْيُهُ3. "وَ"أَمَّا "حَدُّهُ" أَيْ حَدُّ الأَمْرِ فِي الاصْطِلاحِ فَهُوَ "اقْتِضَاءُ" مُسْتَعْلٍ مِمَّنْ دُونَهُ فِعْلاً بِقَوْلٍ "أَوْ اسْتِدْعَاءِ مُسْتَعْلٍ" أَيْ عَلَى جِهَةِ الاسْتِعْلاءِ "مِمَّنْ" أَيْ مِنْ شَخْصٍ "دُونَهُ فِعْلاً" مَعْمُولُ اسْتِدْعَاءِ "بِقَوْلٍ" مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِدْعَاءِ4.

_ 1 في ع: لا اتحد، وفي د: وإلا اتحد. 2 استدل بعض علماء الأصول على كون الأمر مجازاً في الفعل وليس حقيقة بأن العرب تفرق بين جمع الأمر الذي هو القول، فتجمعه على"أوامر"، وبين جمع المر الذي هو الفعل، فتجمعه على "أمور" وهذا يدل على أن الأمر ليس حقيقة في الفعل، وقال ابن عبد الشكور- مستدلاً على كون الأمر حقيقة في القول مجازاً في الفعل وأنه غير مشترك فيهما-: وثالثاً بلزوم اتحاد الجمع" على تقدير الاشتراك اللفظي"، مع أن في الفعل "أمور"، وفي القول "أوامر"، ثم قال: ولك أن تعارض بأنه لولا الاشتراك لم يختلف الجمع، وقد اختلف. "فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 1/368". واعترض الأصوليين على هذا الاستدلال فقال أبو الحسين البصري:" انه قد حكي عن أهل اللغة أن "الأمر" لا يجمع "أوامر" لا في القول ولا في الفعل، وأن "أوامر" جمع "آمرة"، وأن "أمر" و"أمور" يقع كل منهما موقع الآخر إن استعمل في الفعل، وليس أحدهما جمعاً للآخر"، ثم قال: "وأن اختلاف جمعيهما ليس، بأن يدل على أنه حقيقة فيهما، بأولى من أن يدل على أنه مجاز في أحدهما وحقيقة في الآخر المعتمد1/48". " وانظر: أصول السرخسي 1/12، تيسير التحرير1/336، إرشاد الفحول ص 91". 3. أي ماكان مستعملاً بطريق المجاز يجوز نفيه عنه، أما ماكان مستعملاً بطريق الحقيقة فلا يصبح نفيه عنه، كالأب فهو حقيقة للأب الأدنى فلا بجوز نفيه عنه، ومجاز للجد فيجوز نفيه عنه بإثبات غيره، وأنه يجوز نفي الأمر عن الفعل وغيره، كما لو قال إنسان: ماأمرت اليوم بشيء، كان صادقاً، وإن كان قد فعل أفعالاً. "وانظر: أصول السرخسي 1/13، التلويح على التوضيح 2/48، تيسير التحرير1/335، 337، كشف الأسرار 1/102، المحصول ? 1 ق2/9 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 1/366، العدة 1/223، إرشاد الفحول ص91". 4 انظر تعريف الأمر في "الإحكام للآمدي 1/137 وما بعدها، 140، الحدود للباجي ص 52، الكافية في الجدل ص 33، المحصول ج1ق 2/19، 22، المستصفى 1/411، البرهان للجويني 1/203، العبادي على الورقات ص77، اللمع ص7، التبصرة ص17، المنخول ص102، جمع الجوامع 1/367، فتح الغفار 1/26، كشف الأسرار 1/101،تيسير التحرير 1/33، التوضيح على التنقيح 2/44، فواتح الرحموت 1/370، مختصرابن الحاجب 2/77 وما بعدها، روضة الناظر 2/189، نزهة الخاطر 2/6، مختصر الطوفي ص84، مختصر البعلي ص67، إرشاد الفحول ص92 وما بعدها".

فَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ الاسْتِعْلاءُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْمُوَفَّقِ1وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ وَالطُّوفِيِّ وَابْنِ مُفْلِحٍ وَابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ وَابْنِ بُرْهَانٍ فِي الأَوْسَطِ وَالْفَخْرِ الرَّازِيِّ2، وَالآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَأَبِي الْحُسَيْنِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ3. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَاعْتَبَرَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْبَنَّاءِ وَالْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ وَالْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ، وَنَسَبَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ إلَى الْمُحَقِّقِينَ، وَأَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ

_ 1 في ش، ز: الموافق وأبي الخطاب. 2 ذكر الفخر الرازي رأيه في "المحصول" عرضاً في التعريف " المحصول? 1ق 2/22" وأشار فيما بعد أنه لا يشترط، واكتفى بذكر رأي جمهور المعتزلة، ثن أتبعه برأي أبي الحسين البصري، ثم قال: "وقال أصحابنا لا يعتبر العلو، ولا الاستعلاء" وذكرأدلة كل قول: "انظر: المحصول ? 1 ق 2/45 وما بعدها" ولعله بين رأيه في كتاب آخر، بدليل مانقله الإسنوي عنه فقال: "وصححه أيضاً في "المنتخب" وجزم به في "المعالم" "نهاية السول 2/8". 3 اختار هذا الرأي في أشتراط الاستعلاء في الأمر القرافي والباجي من المالكية، وابن عبد الشكور وصدر الشريعة من الحنفية، ورجحه الكمال بن الهمام منهم، وهو قول الآمدي وغيره من الشافعية. "انظر: المعتمد 1/45، الحدود للباجي ص 53، شرح تنقيح الفصول ص 136، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/77، فتح الغفار 1/26، التوضيح على التنقيح 2/44، تيسير التحرير 1/337، 338، جمع الجوامع 1/369، الإحكام للآمدي 2/140، نهاية السول 2/7، المحصول ? 1 ق 2/45،نزهة الخاطر 2/62، الروضة 2/189، مختصر الطوفي ص 84، التمهيد ص 72، مختصر البعلي ص 97، القواعد والفوائد الأصولية ص 158، مباحث الكتاب والسنة ص 109، جمع الجوامع 1/369".

وَالْمُعْتَزِلَةُ: الْعُلُوَّ. فَأَمْرُ الْمُسَاوِي ِغَيْرِهِ يُسَمَّى عِنْدَهُمْ الْتِمَاسًا، وَالأَدْوَنِ سُؤَالا1ً. وَاعْتَبَرَ الاسْتِعْلاءَ وَالْعُلُوَّ مَعًا ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ2. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لا تُشْتَرَطُ الرُّتْبَةُ3. فَتَلَخَّصَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الاسْتِعْلاءُ وَالْعُلُوُّ4 مَعًا. وَالثَّانِي: عَكْسُهُ. وَالثَّالِثُ: اعْتِبَارُ الاسْتِعْلاءِ فَقَطْ. وَالرَّابِعُ: اعْتِبَارُ الْعُلُوِّ فَقَطْ5. "وَتُعْتَبَرُ إرَادَةُ النُّطْقِ بِالصِّيغَةِ6"

_ 1. وهو قول ابن الصباغ والسمعاني من الشافعية. "انظر: نهاية السول 2/7، جمع الجوامع 1/369، اللمع ص7، التبصرة ص17، المحصول ? 1 ق 2/45، التمهيد ص72، شرح تنقيح الفصول ص 136، المعتمد 1/49، تيسير التحرير 1/338، فواتح الرحموت1/369، فتح الغفار1/26، نزهة الخاطر2/62، المسودة ص41، القواعد والفوائد الأصولية ص 158". 2 انظر: جمع الجوامع 1/369، نهاية السول 2/8، التمهيد ص 72، القواعد والفوائد الأصولية ص 158". 3 قال الفخر الرازي: "الذي عليه المتكلمون: أنه لا يشترط علو ولا استعلاء"، وماهو ما جزم به ابن السبكي، ورجحه العضد، ولم تشترط المعتزلة وغيرهم الاستعلاء، لقول فرعون لمن دونه {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} الأعراف/110. انظر أدلة هذا القول مع مناقشته في المسودة ص 41، فواتح الرحموت 1/370، تيسير التحرير 1/338، جمع الجوامع 1/369، المحصول ? 1 ق 2/45، المستصفى 1/441، العضد على ابن الحاجب 2/77، مختصر الطوفي من 84، القواعد والفوائد الأصولية ص 158، شرح تنقيح الفصول ص 137". 4 في ش ع ض ب: العلو والاستعلاء. 5 انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشة الأدلة في المراجع السابقة هامش 3. 6 انظر هذة المسألة في " الإحكام للآمدي 2/138، 139، المنخول ص 103، الموافقات 1/83، البرهان 1/204، 211، المسودة ص 4، القواعد والفوائد الأصولية ص 159".

قَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: بِلا خِلافٍ، حَتَّى1 لا يَرِدُ نَحْوُ: نَائِمٍ وَسَاهٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: اتَّفَقْنَا أَنَّ إرَادَةَ النُّطْقِ مُعْتَبَرَةٌ. وَإِلاَّ فَلَيْسَ طَلَبًا وَاقْتِضَاءً وَاسْتِدْعَاءً. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلْ هُوَ كَلامٌ؟ فَنَفَاهُ الْمُحَقِّقُونَ، فَقَوْمٌ لِقِيَامِ الْكَلامِ بِالنَّفْسِ, وَقَوْمٌ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ. وَعِنْدَنَا لأَنَّهُ مَدْفُوعٌ إلَيْهِ. كَخُرُوجِ حَرْفٍ مِنْ غَلَبَةِ عُطَاسٍ وَنَحْوِهِ2. "وَتَدُلُّ" الصِّيغَةُ "مُجَرَّدِهَا عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى الأَمْرِ "لُغَةً" أَيْ3 عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَة. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هُوَ قَوْلُ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالأَوْزَاعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَبِهِ يَقُولُ الْبَلْخِيُّ4

_ 1 في ض: حيث. 2 انظر: المعتمد 1/50. 3 ساقطة من ب. 4 وهو محمد بن الفضل بن العباس، أبو عبد الله البلخي، فقيه حنفي من مشاهير مشايخ خرسان، أصله من بلخ، ثم أخرج منها، فدخل سمرقند، ومات فيها سنة 319 هـ، وله كلام بيلغ، ووعظ لطيف، وتأثير في التوجيه، وسماه أبو نعيم: من حكماء المشرق المتأخرين. انظر ترجمته في "حلية الأولياء 10/221، طبقات الصوفية ص 212، الأعلام للزركلي 7/221". وورد في بعض كتب الأصول في بابي الأمر والعموم اسم: محمد بن الشجاع، أبو عبد الله الثلجي، وهو فقيه حنفي أيضاً من بغداد، كان فقيه العراق في وقته، والمقدم في الفقه والحديث، مع ورع وعبادة، وكان يميل إلى الاعتزال، مات فجأة سنة 267 هـ ساجداً في صلاة العصر، له كتاب "تصحيح الآثار" و "كتاب النوادر" و "كتاب المضاربة" في الفقه الحنفي، ولعلماء الحديث كلام فيه، ويقال له أيضاً: ابن الثلجي. انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 2/629، الفوائد البهية ص 171، ميزان الاعتدال 3/577، الأعلام للزركلي7/28، المعتمد 1/134، تفسير النصوص 2/19، الروضة 2/223، العدة 2/489".

مِنْ الْمُعْتَزِلَة1ِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الصِّيغَةُ الأَمْرُ. فَمَنَعَ أَنْ يُقَالَ لِلأَمْرِ صِيغَةٌ أَوْ أَنْ يُقَالَ: هِيَ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، بَلْ الصِّيغَةُ نَفْسُهَا هِيَ الأَمْرُ، وَالشَّيْءُ لا يَدُلُّ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ: الأَمْرُ2 الإِرَادَةُ، وَالأَشْعَرِيَّةِ: الأَمْرُ مَعْنًى فِي النَّفْسِ3. وَكَذَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ: صِيغَةُ الأَمْرِ. كَقَوْلِك: ذَاتُ الشَّيْءِ وَنَفْسُهُ4. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: قَوْلُهُمْ لِلأَمْرِ صِيغَةً صَحِيحٌ، لأَنَّ الأَمْرَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، فَاللَّفْظُ دَلَّ5 عَلَى التَّرْكِيبِ، وَلَيْسَ هُوَ عَيْنُ الْمَدْلُولِ، وَلأَنَّ اللَّفْظَ دَلَّ6 عَلَى صِيغَتِهِ الَّتِي هِيَ الأَمْرُ بِهِ، كَمَا يُقَالُ: يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ أَمْرًا، وَلَمْ يَقُلْ: عَلَى

_ 1. انظر هذه المسألة في " الإحكام للآمدي 2/141، التبصرة ص 22، المستصفى 1/412 وما بعدها، 417، جمع الجوامع 1/371، البرهان 1/200، شرح التنقيح ص 126، الروضة 2/189، التلويح على التوضيح 2/45، كشف الأسرار 1/101، تيسير التحرير 1/340، مختصر البعلي ص 98، مختصر الطوفي ص 84، العدة 1/214". 2. ساقطة من ض. 3. ويقول الأشعرية: ليس للأمر صيغة، وإنما هو معنى في النفس. " انظر: مختصر ابن الحاجب 2/79، شرح تنقيح الفصول ص 126، المعتمد 1/50، اللمع ص 8، التبصرة ص 22، المحصول ? 1 ق 2/24، البناني على جمع الجوامع 1/370، الإحكام للآمدي 2/141، المسودة ص 8-9، البرهان 1/212، المستصفى 1/413، 417 ". وفي ض: نفس. 4. انظر: البرهان للجويني 1/272، الإحكام للآمدي 2/141، التبصرة ص 18، المحصول? 1 ق 2/24، 34، المسودة ص 4، 8، 9، تيسير التحرير 1/340. 5. في ض: دال. 6. في ع: دال.

الأَمْرِ1. وَقَالَ الْقَاضِي: الأَمْرُ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ وَاسْتِدْعَائِهِ، فَجَعَلَهُ مَدْلُولَ الأَمْرِ لا عَيْنَ الأَمْرِ2. وَ "لا" يُشْتَرَطُ فِي الأَمْرِ "إرَادَةُ الْفِعْلِ" عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ3؛ لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ إبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِه4، وَلَمْ يُرِدْهُ مِنْهُ، وَأَمَرَ إبْلِيسَ بِالسُّجُودِ وَلَمْ يُرِدْهُ مِنْهُ، وَلَوْ أَرَادَهُ لَوَقَعَ؛ لأَنَّهُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَلأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ تُرَدَّ5 الأَمَانَاتُ إلَى أَهْلِهَا ثُمَّ إنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لأؤَدِّيَنَّ إلَيْك أَمَانَتَك6 غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحْنَثْ وَ7 لَوْ كَانَ مُرَادَ اللَّهِ لَوَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ. وَلا حِنْثَ بِالإِجْمَاعِ، خِلافًا لِمَنْ حَنَّثَهُ8 كَالْجُبَّائِيِّ9.

_ 1. انظر بيان ذلك في "نزهةالخاطر2/63 وما بعدها, المسودة ص 8 وما بعدها، فتح الغفار1/27, البرهان للجويني1/212, كشف الأسرار1/101, اللمع ص 8, العدة1/214". 2. انظر: العدة 1/214. 3. انظر آراء العلماء في اشتراط إرادة الفعل وعدم اشتراطها في "فواتح الرحموت1/271, تيسير التحرير 1/241, نهاية السول2/10, جمع الجوامع1/270, الموافقات3/81, التبصرة ص 18, المحصول ? 1 ق2/24, المستصفى1/415, المعتمد1/50, البرهان للجويني1/204, شرح تنقيح الفصول ص134, المسودة ص54, الروضة2/192, مختصر الطوفي ص85, مختصر البعلي ص 97, مباحث الكتاب والسنة ص 10, العدة1/214, 220". 4. في ز ع ب: ولده. 5. في ز ض ع ب: برد. .6 في ض ب: أمانتك إليك. .7 ساقطة من ض. 8. ساقطة من ش. 9. في ش: للجبائي: وهذا قول أبي علي الجبائي, وابنه أبي هاشم الجبائي من المعتزلة. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص138".

وَخَرَقَ الإِجْمَاعَ1. قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الأَصْحَابِ: لَنَا عَلَى أَنَّ الأَمْرَ لا يُشْتَرَطُ لَهُ إرَادَةُ: إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا. قَالُوا: الصِّيغَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيمَا سَبَقَ مِنْ الْمَعَانِي. فَلا تَتَعَيَّنُ لِلأَمْرِ2 إلاَّ بِالإِرَادَةِ. إذْ لَيْسَتْ أَمْرًا لِذَاتِهَا3 وَلا لِتَجَرُّدِهَا عَنْ الْقَرَائِنِ. قُلْنَا: اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ الأَمْرِ مَجَازٌ، فَهِيَ بِإِطْلاقِهَا لَهُ. ثُمَّ الأَمْرُ وَالإِرَادَةُ يَنْفَكَّانِ4 كَمَنْ يَأْمُرُ وَلا يُرِيدُ، أَوْ يُرِيدُ وَلا يَأْمُرُ. فَلا يَتَلازَمَانِ، وَإِلاَّ اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ5. "وَالاسْتِعْلاءُ" طَلَبٌ "بِغِلْظَةِ. وَالْعُلُوُّ: كَوْنُ الطَّالِبِ6 أَعْلَى رُتْبَةً7"

_ 1. انظر أدلة الجمهور على عدم اشتراط إرادة الفعل في الأمر, في "البرهان للجويني1/205, المعتمد 1/50, 54, نهاية السول2/14, شرح تنقيح الفصول ص 138, المستصفى1/415, جمع الجوامع والمحلي عليه 1/370, فواتح الرحموت 1/371, الروضة 2/192, نزهة الخاطر2/67". 2. في ش: يتعين الأمر, وفي ز: تتعين لأمر, والأعلى من مختصر الطوفي, وموافق لنسخة ع ض ب. 3. في ش: بذاتها. 4. في ع ب: يتفاكان. 5. انظر: مختصر الطوفي58, الروضة2/192, نزهة الخاطر2/67, القواعد والفوائد الأصولية ص189، المحصول ? 1 ق2/29, نهاية السول2/14, شرح تنقيح الفصول ص138. 6. في ع ب: طالب. 7. انظر: التمهيد ص72. فتح الغفار1/27. نهاية السول2/7.

قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي التَّنْقِيحِ: الاسْتِعْلاءُ هَيْئَةٌ فِي الأَمْرِ مِنْ التَّرَفُّعِ أَوْ إظْهَارِ الأَمْرِ1، وَالْعُلُوُّ يَرْجِعُ إلَى هَيْئَةِ الآمِرِ مِنْ شَرَفِهِ وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَأْمُور2ِ انْتَهَى. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْعُلُوِّ أَنْ يَكُونَ الآمِرُ فِي نَفْسِهِ عَالِيًا، أَيْ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْ الْمَأْمُورِ، وَالاسْتِعْلاءُ أَنْ يَجْعَلَ الآمِرُ نَفْسَهُ عَالِيًا بِكِبْرِيَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الأَمْرِ كَذَلِكَ أَوْ لا، فَالْعُلُوُّ مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ لِلآمِرِ، وَالاسْتِعْلاءُ مِنْ صِفَةِ صِيغَةِ الأَمْرِ وَهَيْئَةِ نُطْقِهِ مَثَلاً. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: فَالْعُلُوُّ صِفَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ، وَالاسْتِعْلاءُ صِفَةٌ لِلْكَلامِ3. "وَتَرِدُ صِيغَةُ افْعَلْ" لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ 4. أَحَدُهَا كَوْنُهَا "لِوُجُوبٍ5" نَحْوَ قوله تعالى: {أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 6 وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي". "وَ" الثَّانِي: لِـ "نَدْبٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ

_ 1. في "التنقيح": القهر. 2. شرح تنقيح الفصول ص137, وانظر: مختصر البعلي ص97, القواعد والفوائد الأصلية ص159. 3. انظر: نهاية السول2/8. 4. انظر المعاني التي ترد لها صيغة إفعل في "أصول السرخي1/14, التوضيح على التنقيح2/51, كشف الأسرار1/107, المعتمد1/49, فواتح الرحموت1/372, الإحكام للامدي2/142, المنخول ص132، المحصول ? 1 ق2/57, المستصفى1/417, جمع الجوامع1/370, العبادي على الورقات ص81, نهاية السول2/14, العدة1/219, مختصر الطوفي ص84, مختصر البعلي ص98, التفتازاني على العضد2/78, اثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص295, مباحث الكتاب والسنة ص112". 5. انظر: المراجع السابقة. 6. الاية78 من الإسراء.

خَيْرًا} 1 فَإِنَّهُ لِلنَّدْبِ عَلَى الأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَمَاعةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ2. وَعِنْدَ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَجَمْعٍ: أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ3. وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: حَمْلُ الآيَةِ عَلَى الْوُجُوبِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، مَعَ قَوْلِهِ فِي كِتَابِهِ الإِنْصَافِ إنَّ كَوْنَ الْكِتَابَةِ مُسْتَحَبَّةً لِمَنْ عُلِمَ فِيهِ خَيْرٌ: الْمَذْهَبُ بِلا رَيْبٍ، وَذَكَرَهُ عَنْ جَمَاهِيرِ الأَصْحَابِ، فَلْيُعَاوِدْ ذَلِكَ مَنْ أَرَادَهُ4. "وَ"الثَّالِثُ: كَوْنُهَا5 بِمَعْنَى "إبَاحَةٍ6" نَحْوَ قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} 7 وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} 8.

_ 1. الآية33 من النور. 2. انظر: الإحكام لابن حزم 1/287, التوضيح على التنقيح 2/51, كشف الأسرار 1/107, أصول السرخسي 1/14, فواتح الرحموت 1/372. نهاية السول 2/14, جمع الجوامع 1/372, المستصفى 1/417, الإحكام للآمدي 2/142, الروضة 2/191, العبادي على الورقات ص 81, المنخول ص132, العدة1/219. 3. انظر: المحلى لابن حزم 9/222, فواتح الرحموت1/372. 4. الإنصاف7/446 5. في ض: كونه. 6. انظر: نهاية السول 2/14, جمع الجوامع 1/372, المحصول? 1 ق2/95, المستصفى1/417, المنخول ص132, العبادي على الوراقات ص81, الإحكام لابن حزم 1/287, أصول السرخسي1 /14, التوضيح على التنقيح2/51،كشف الأسرار1/107,فواتح الرحموت1/372،الروضة2/191,العدة1/219 7. الآية 2من المائدة. 8. الآية 10من الجمعة.

وَاعْلَمْ أَنَّ الإِبَاحَةَ إنَّمَا تُسْتَفَادُ مِنْ خَارِجٍ. فَلِهَذِهِ الْقَرِينَةِ يُحْمَلُ الأَمْرُ عَلَيْهَا مَجَازًا بِعَلاقَةِ الْمُشَابَهَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ. لأَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ1.

_ 1. أي من خارج عن الأمر, لأن الأصل في الأمر للوجوب, فإن أريد به الندب أوالإباحة فلا بد من قرينة تدل على ذلك, وهذه القرينة إما لفظية أو غير لفظية, وقد تكون القرينة قاعدة شرعية عامة, مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} فالأمر بالمكاتبة للندب للنص على القرينة بعده {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} لأن الله تعالى علق الكتابة على علم المالك بما يراه خيرآ للعبد, كما يوجد في الآية قرينة أخرى, وهي قاعدة عامة في الشريعة أن المالك له حرية التصرف في ملكه, وأول الآية نصت على ثبوت الملك له {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . ويرى القاضي حسين من الشافعية أن الأمر هنا للندب لقرينة أخرى وهي أنه وقع بعد حظر, والأمر بعد الحظر للندب عنده, والحظر السابق هو تحريم بيع مال الشخص بماله, وهو ممتنع, والكتابة كذلك, ثم جاء الأمر بها فصارت للندب, "انظر: التمهيد للإستوي ص74". ومثل الأمر بالإنتشار بعد الصلاة, فإنه ورد في الآية بعد النص على حظر البيع والتجارة أثناء الصلاة, بقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} سورة الجمعة9, فالأمر بالفعل بعد الحظر يفيد الإباحة عند الجمهور, وكذلك الأمر بالاصطياد بعد التحلل من الإحرام, فإنه ورد بعد النص على تحريم الصيد اثناء الإحرام في قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} المائدة/1, ومثل قوله صلى اله عليه وسلم فيما رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور, ألا فزوروها" فالأمر بالفعل بعد حظره قرينة على صرفه إلى الإباحة, وقد يختلف الفقهاء في القرينة, وهل تصرف الأمر من الوجوب إلى الندب أو الإباحة أم لا. وخالف الظاهرية –ومنهم ابن حزم- جماهير العلماء، وقالوا: إن الأمر للوجوب، ولا يصرفه عن الوجوب قرينة، ولا يخرج الأمر عن الوجوب إلابنصٍ آخر أو إجماع. انظر تفصيل هذا الموضوع في "المسودة ص17، الروضة 2/192، نزهة الخاطر 2/70، القواعد والفوائد الأصولية ص161، الإحكام لابن حزم 1/276، البرهان للجوني 1/261، التوضيح على التنقيح 2/63، كشف الأسرار 1/107-120، نهاية السول 2/18، أثر الاختلاف في القواعد الإصولية ص299،311،مباحث الكتاب والسنة ص123، أصول الفقه الإسلامي ص276، 313،تفسير النصوص 2/360، العدة1/248،256، فيض القدير5/55،الإحكام للآمدي2/142".

"وَ" الرَّابِعُ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "إرْشَادٍ"1 نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} 2 وقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} 3 وقوله تعالى: {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} 4 وَالضَّابِطُ فِي الإِرْشَادِ: أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَصَالِحِ الدُّنْيَا، بِخِلافِ النَّدْبِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَصَالِحِ الآخِرَةِ، وَأَيْضًا: الإِرْشَادُ لا ثَوَابَ فِيهِ، وَالنَّدْبُ فِيهِ الثَّوَابُ5 "وَ" الْخَامِسُ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "إذْنٍ"6 نَحْوَ قَوْلِ مَنْ بِدَاخِلِ مَكَان لِلْمُسْتَأْذِنِ7 عَلَيْهِ: اُدْخُلْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُ هَذَا فِي قِسْمِ الإِبَاحَةِ. وَقَدْ يُقَالُ: الإِبَاحَةُ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ صِيَغِ الشَّرْعِ الَّذِي لَهُ الإِبَاحَةُ وَالتَّحْرِيمُ، وَإِنَّمَا الإِذْنُ يُعْلَمُ بِأَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَ دُخُولَ مِلْكِ ذَلِكَ الآذِنِ8 مَثَلاً، فَتَغَايَرَا.

_ 1. انظر: الإحكام للآمدي /142، المحصول ج1 ق2/58، المستصفى 1/417، نهاية السول 2/15، جمع الجوامع 1/372، أصول السرخسي 1/14، التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، المنخول ص 132، فواتح الرحموت 1/372، العدة 1/219. 2. الآية 282 من البقرة. 3. الآية 282 من البقرة. 4. الآية 282 من البقرة. 5. انظر: كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، المحلي على جمع الجوامع والبناني عليه 1/372، المستصفى1/419، 422، المحصول? 1ق2/58، الإحكام للآمدي2/142، نهاية السول2/17. 6. انظر: جمع الجوامع 1/373. 7. في ض ب: لمستأذن. 8. ساقطة من ض.

"وَ" السَّادِسُ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَأْدِيبٍ"1 نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي2 سَلَمَةَ3 فِي حَالِ صِغَرِهِ "يَا غُلامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ4 وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ5. وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُ ذَلِكَ فِي قِسْمِ النَّدْبِ. مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ6. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَقْرَبُ مِنْ النَّدْبِ7.

_ 1. انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، المنخول ص132، المحصول ? 1 ق 2/57، المستصفى1/417، الرسالة ص350، 352، الإحكام للآمدي2/142، جمع الجوامع 1/373. 2. ساقطة من ض. 3. هو الصحابي عمر بن عبد الله بن عبد الأسد القرشي المخزومي، أبو حفص، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد بأرض الحبشة في أواخر السنة الثانية للهجرة، وكان أبواه مهاجرين للحبشة، ثم توفي والده أبو سلمة، فتزوج رسول صلى الله عليه وسلم والدته أم سلمة، فعاش في كنف الرسول صلى الله عليه وسلم ورعايته، شهد مع علي الجمل، واستعمله على رضي الله عنه على البحرين وفارس، وروي له اثنا عشر حديثاً، توفي سنة 83 هـ. انظر ترجمته في "الإصابة 2/519،الاستيعاب 2/474، الخلاصة ص 283، تهذيب الأسماء 2/16، مشاهير علماء الأمصارص 27، أسد الغابة 4/183". 4. ساقطة من ش ز. 5.هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه ومالك والدارمي عن عمر بن أبي سلمة مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 3/291، صحيح مسلم 3/1599، سنن أبي داود 2/314، تحفة الأحوذي 5/590، سنن ابن ماجه2/1087، مختصر سنن أبي داود 5/304، الموطأ ص 580 ط الشعب، مسند أحمد 4/26، سنن الدارمي 2/94، ذخائر المواريث 3/63، الفتح الكبير 3/400، تخريج أحاديث مختصر المناهج ص 289، البيان والتعريف 2/270". 6. ومنهم الآمدي، ونسب ابن عبد الشكور أن الشافعي يقول إن الأمر للوجوب، فقال: "وعند الشافعي للإيجاب" "فواتح الرحموت1/372"، وانظر: الإحكام للآمدي2/142، نهاية السول شرح منهاج الوصول2/14 7. وهو رأي الفخر الرازي والتفتازاني وعبد العزيز البخاري. "انظر: المحصول ? 1 ق2/57، التلويح على التوضيح2/51، كشف الأسرار1/107".

هُوَ يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَة1ِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا2 عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ؛ لأَنَّ الأَدَبَ3 مُتَعَلِّقٌ بِمَحَاسِنِ الأَخْلاقِ، وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ4 مِنْ مُكَلَّفٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لأَنَّ عُمَرَ كَانَ صَغِيرًا. وَالنَّدْبُ مُخْتَصٌّ بِالْمُكَلَّفِينَ، وَأَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ وَغَيْرِهَا5. "وَ" السَّابِعُ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "امْتِنَانٍ"6 نَحْوُ قوله تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ} 7 وَسَمَّاهُ أَبُو الْمَعَالِي: الإِنعَامَ8. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِبَاحَةِ: أَنَّ الإِبَاحَةَ مُجَرَّدُ إذْنٍ، وَالامْتِنَانُ لا بُدَّ فِيهِ مِنْ اقْتِرَانِ حَاجَةِ الْخَلْقِ لِذَلِكَ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَيْهِ9، وَالْعَلاقَةُ بَيْنَ الامْتِنَانِ وَالْوُجُوبِ: الْمُشَابَهَةُ فِي الإِذْنِ إذْ الْمَمْنُونُ لا يَكُونُ إلاَّ مَأْذُونًا فِيهِ10.

_ 1. انظر: المحصول? 1 ق 2/58. 2. ساقطة من ض. 3. في ش: الإذن. 4. ساقطة من ش. 5. انظر: التلويح على التوضيح 2/51، فواتح الرحموت 1/372، نهاية السول 2/17. 6. انظر: التوضيع على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، نهاية السول 2/15، جمع الجوامع 1/372، الإحكام للآمدي 2/143، المنخول ص132، المحصول ? 1 ق2/85، المستصفى 1/417، العدة 1/220 7. الاية 88 من المائدة. 8. وتبعه ابن السبكي في "جمع الجوامع 1/374" وحقيقة إسداء النعمة، وفرق بعضهم بين الإنعام والامتنان باختصاص الإنعام بذكر أعلى مايحتاج إليه "انظر: البناني على جمع الجوامع1/374". 9. انظر فتح الرحموت 1/372، نهاية السول 2/18، المحلي على جمع الجوامع 1/373. 10. انظر: نهاية السول 2/18.

"وَ" الثَّامِنُ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "إكْرَامٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {اُدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} 1 فَإِنَّ قَرِينَةَ2 بِسَلامٍ آمَنِينَ يَدُلُّ عَلَى الإِكْرَامِ3. "وَ" التَّاسِعُ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "جَزَاءٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 4. "وَ" الْعَاشِرُ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "وَعْدٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} 5، "وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَنِي تَمِيمٍ "أَبْشِرُوا" 6. وَقَدْ يُقَالُ بِدُخُولِ ذَلِكَ فِي الامْتِنَانِ. فَإِنَّ بُشْرَى الْعَبْدِ مِنَّةٌ عَلَيْهِ. "وَ" الْحَادِيَ عَشَرَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَهْدِيدٍ"7 نَحْوُ قوله تعالى: {اعْمَلُوا

_ 1. الآية 46 من الحجر. 2. في ع ض: بقرينة. 3. ولعلاقة بين الوجوب والإكرام هي المشابهة في الإذن. " انظر: نهاية السول 2/18، جمع الجوامع 1/373، المحصول ? 1 ق 2/58، المستصفى 1/418، الإحكام للآمدي 2/134، المنخول ص 1133، الروضة 2/191، العدة 1/220، كشف الأسرار 1/107، التوضيح على التنقيح 2/51، فواتح الرحموت 1/372". 4. الآية 32 من النحل. 5. الآية 30 من فصلت. 6. هذا الحديث رواه البخاري والترمذي وأحمد عن عمران بن حصين، قال جاء نفر من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يابني تميم أبشروا"، قالوا: بشرتنا فأعطنا، فتغير وجهه، فجاءه أهل اليمن، فقال "يأهل اليمن، اقبلوا بالبشرى، إذ لم يقبلها بنو تميم"، قالوا: قبلنا، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم يحدث: "بدأ الخلق والعرش ... " الحديث. "انظر: صحيح البخاري2/207، باب بدء الخلق، تحفة الأحوذي 10/450، مسند أحمد 4/426، 433". 7. وسمى السرخسي ذلك توبيخاً، وسماه صدر الشريعة تهديداً، وسماه البردوي تقريعاًَ، وبين عبد العزيز البخاري الفرق بين التقريع والتوبيخ. "انظر: كشف الأسرار 1/107،108، أصول السرخسي 1/14، التوضيح على التنقيح 2/51،فواتح الرحموت1/372، الروضة2/191، الإحكام للآمدي2/143، التبصرة ص 20، المنخول ص133، المحصول? 1 ق2/59، المستصفى 1/418، نهاية السول 2/15، جمع الجوامع1/372، العبادي على الورقات ص 98، العدة 1/219".

مَا شِئْتُمْ} 1 وقوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِك وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ} 2. "وَ" الثَّانِي عَشَرَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "إنْذَارٍ"3 نَحْوُ قوله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إلَى النَّارِ} 4 وَقَدْ جَعَلَهُ قَوْمٌ قِسْمًا مِنْ التَّهْدِيدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْبَيْضَاوِيِّ 5. وَالصَّوَابُ الْمُغَايَرَةُ. وَالْفَرْقُ: أَنَّ التَّهْدِيدَ هُوَ التَّخْوِيفُ، وَالإِنْذَارُ: إبْلاغُ الْمَخُوفِ6. كَمَا فَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِهِمَا7.

_ 1. الآية 40 من فصلت. 2. الآية 64 من الإسراء. 3. انظر: كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، المحصول? 1 ق 2/58، المستصفى 1/418، الإحكام للآمدي 2/143، المنخول ص 133، نهاية السول 2/15، جمع الجوامع 1/373. 4. الآية 30 من إبراهيم. 5. وهو رأي الفخر الرازي أيضاً. "انظر: نهاية السول شرح منهاج الوصول 2/15، 18، المحصول? 1 ق 2/59". 6 قال التفتازاني: "والتهديد هو التخويف، ويقرب منه الإنذار ... فإنه إبلاغ مع تخويف"، "التلويح 2/51"، وقال الإسنوي بعد نقل هذا الفرق عن "الصحاح" قال: "وقد فرق الشارحون بفروق أخرى، لا أصل لها فاجتنبها"، "نهاية السول2/18". وانظر كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، جمع الجوامع 1/373. 7. قال الجوهري: "الإنذار: الإبلاغ، ولا يكون إلا في التخويف" "الصحاح 2/25".

وَقِيلَ: الإِنْذَارُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِالْوَعِيدِ كَالآيَةِ وَالتَّهْدِيدُ لا يَجِبُ فِيهِ ذَلِكَ، بَلْ قَدْ يَكُونُ مَقْرُونًا وَقَدْ لا يَكُونُ مَقْرُونًا. وَقِيلَ: التَّهْدِيدُ عُرْفًا أَبْلَغُ فِي الْوَعِيدِ وَالْغَضَبِ مِنْ الإِنْذَارِ. "وَ" الثَّالِثَ عَشَرَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَحْسِيرٍ" وَتَلْهِيفٍ، نَحْوُ قوله تعالى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} 1وَمِثْلُهُ قوله تعالى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} 2حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ3. "وَ" الرَّابِعَ عَشَرَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَسْخِيرٍ"4 نَحْوُ قوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} 5 وَالْمُرَادُ بِالتَّسْخِيرِ هُنَا: السُّخْرِيَةُ6 بِالْمُخَاطَبِ بِهِ، لا بِمَعْنَى التَّكْوِينِ، كَمَا قَالَهُ7 بَعْضُهُمْ8. "وَ" الْخَامِسَ عَشَرَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَعْجِيزٍ"9 نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:

_ 1. الآية 119 من آل عمران. 2. الآية 108 من المؤمنون. 3 انظر: مقياس اللغة 2/62، 182. 4 وسماه ابن السبكي: التسخير والامتهان. "انظر: جمع الجوامع 1/373، المحصول ? 1 ق2/60، المستصفى 1/418، المنخول ص133، الإحكام للآمدي 2/143، نهاية السول 2/15، التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، الروضة 2/191، تفسير النصوص 1/238". 5 الآية 65 من البقرة. 6. في ز ض ب: السخريا. 7. في ش ع: قال. 8. انظر: فواتح الرحموت 1/372. 9 وسماه السرخسي التقريع "أصول السرخسي 1/14". "وانظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، التبصرة ص20، المنخول ص133، المحصول? 1 ق 2/60، نهاية السول 2/15، جمع الجوامع 1/373، الإحكام للآمدي 2/143، العدة 1/219".

{فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} 1، وَالْعَلاقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُجُوبِ الْمُضَادَّةُ؛ لأَنَّ التَّعْجِيزَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُمْتَنِعَاتِ، وَالإِيجَابُ فِي الْمُمْكِنَاتِ. وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} 2 وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ3 بِقوله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} 4. وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْجِيزِ وَالتَّسْخِيرِ: أَنَّ التَّسْخِيرَ نَوْعٌ مِنْ التَّكْوِينِ فَمَعْنَى {كُونُوا قِرَدَةً} 5 انْقَلِبُوا إلَيْهَا. وَأَمَّا التَّعْجِيزُ: فَإِلْزَامُهُمْ أَنْ يَنْقَلِبُوا، وَهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يَنْقَلِبُوا6. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ: فِي التَّمَسُّكِ بِهَذَا نَظَرٌ7. وَإِنَّمَا التَّعْجِيزُ حَيْثُ يَقْتَضِي الأَمْرُ8 فِعْلَ مَا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُ9 نَحْوُ قوله تعالى: {فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ} 10 "وَ" السَّادِسَ عَشَرَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "إهَانَةٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {ذُقْ إنَّك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} 11 وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهِ التَّهَكُّمَ.12

_ 1. الآية 38 من يونس، وفي ع: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} البقرة /23. 2. الآية 34 من الطور. 3. انظر: الروضة 2/191. 4. الآيتان 50، 51 من الإسراء. 5. الآية 65 من البقرة. 6. ساقطة من ض، وانظر: كشف الأسرار 1/108، نهاية السول 2/18. 7. في ب: النظر. 8. في ض ع: بالأمر. 9. انظر: نهاية السول 2/19. 10. الآية 168 من آل عمران. 11. الآية 49من الدخان. 12.انظر: المستصفى 1/418، الإحكام للآمدي 2/143، المنخول ص133، المحصول ج1 ق2/60، نهاية السول 2/19، جمع الجوامع 1/374، التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372، الروضة 2/191.

وَضَابِطُهُ: أَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ ظَاهِرُهُ الْخَيْرُ وَالْكَرَامَةُ، وَالْمُرَادُ ضِدُّهُ، وَيُمَثَّلُ بِقوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجِلِكَ} 1 وَالْعَلاقَةُ أَيْضًا فِيهِمَا2 الْمُضَادَّةُ. "وَ" السَّابِعَ عَشَرَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "احْتِقَارٍ" نَحْوُ قوله تعالى فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ يُخَاطِبُ السَّحَرَةَ {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} 3 إذْ أَمْرُهُمْ فِي مُقَابَلَةِ الْمُعْجِزَةِ حَقِيرٌ، وَهُوَ مِمَّا أَوْرَدَهُ الْبَيْضَاوِيُّ4. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِهَانَةِ: أَنَّ الإِهَانَةَ إمَّا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ. كَتَرْكِ إجَابَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لا بِمُجَرَّدِ اعْتِقَادٍ. وَالاحْتِقَارُ: قَدْ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ5 الاعْتِقَادِ. فَلِهَذَا يُقَالُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ: احْتَقَرَهُ، وَلا يُقَالُ: أَهَانَهُ6. "وَ" الثَّامِنَ عَشَرَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَسْوِيَةٍ"7 نَحْوُ قوله تعالى: {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} 8 بَعْدَ قوله تعالى: {اصْلَوْهَا} 9 أَيْ هَذِهِ

_ 1 الآية 64 من الإسراء. 2 في ع ض ب: هنا. 3 الآية 43 من الشعراء. 4 كذا أورده ابن عبد الشكور. "انظر: نهاية السول بشرح منهاج الوصول2/19، فواتح الرحموت 1/372، التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، جمع الجوامع 1/372". 5 في ض ب: مجرد. 6 انظر نهاية السول 2/19، فواتح الرحموت 1/372. 7 انظر: الروضة 2/191، نهاية السول 2/19، جمع الجوامع 1374، المستصفى 1/418، المحصول ? 1 ق 2/60، المنخول ص133، الإحكام للآمدي2/143، كشف الأسرار1/107، فواتح الرحموت1/372،التوضيح على التنقيح2/51. 8 الآية 16 من الطور. 9 الآية 16 من الطور.

التَّصْلِيَةُ لَكُمْ، سَوَاءٌ صَبَرْتُمْ أَوْ لا. فَالْحَالَتَانِ سَوَاءٌ، وَالْعَلاقَةُ الْمُضَادَّةُ. لأَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ مُضَادَّةٌ لِوُجُوبِ الْفِعْلِ1. وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "فَاخْتَصَّ 2 عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ3. "وَ" التَّاسِعَ عَشَرَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "دُعَاءٍ"4 نَحْوُ قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} 5، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} 6 وَكُلُّهُ طَلَبُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ وَالإِحْسَانِ. وَالْعَلاقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ7 الإِيجَابِ طَلَبُ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ8. "وَ" الْعِشْرُونَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَمَنٍّ9" كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

_ 1.انظر: نهاية السول 2/19. 2. في جميع النسخ: فأحرص، وهو تحريف من النساخ. 3. هذا الحديث رواه البخاري تعليقاً في "صحيحه" في كتاب النكاح، باب ما يكره من التبتل والخصاء، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت يارسول الله، إني رجل شاب، وأنا أخاف على نفسي العنت، ولا أجد ما أتزوج به النساء، فسكت عني، ثم قلت: مثل ذلك، فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة، جف القلم بما أنت لاقٍ، فاختصِ على ذلك أو ذر". ورواه النسائي بلفظ: "ولا أجد طولاً أتزوج النساء، أفأختصي؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال ثلاثاً". "انظر: صحيح البخاري 3/155-156، سنن النسائي 6/49". 4. انظر: المحصول ? 1 ق2/60، المستصفى 1/418، المنخول ص133، نهاية السول 2/19، جمع الجوامع 1/374، الإحكام للآمدي 2/143، الروضة 2/191، التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/107، فواتح الرحموت 1/372. 5. الآية 41 من إبراهيم، وفي ز ع ض ب: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} نوح/28. 6. الآية147 من آل عمران. 7. في ش: بين وبينه، وفي ز: بين وبين. 8. انظر: نهاية السول 2/19. 9. انظر: نهاية السول 2/19، جمع الجوامع 1/374، المحصول ? 1 ق2/60، المستصفى 1/418، المنخول ص133، الإحكام للآمدي 2/143، فواتح الرحموت 1/272، كشف الأسرار 1/107، التوضيح على التنقيح 2/51، الروضة 2/191.

"أَلا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلا انْجَلِي1" وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى التَّمَنِّي دُونَ التَّرَجِّي؛ لأَنَّهُ أَبْلَغُ. لأَنَّهُ نَزَّلَ لَيْلَهُ لِطُولِهِ مَنْزِلَةَ الْمُسْتَحِيلِ انْجِلاؤُهُ2. كَمَا قَالَ الآخَرُ "وَلَيْلُ الْمُحِبِّ بِلا آخِرٍ3" قَالَ بَعْضُهُمْ؛ وَالأَحْسَنُ تَمْثِيلُ هَذَا كَمَا مَثَّلَهُ ابْنُ فَارِسٍ لِشَخْصِ تَرَاهُ: كُنْ فُلانًا. وَفِي الْحَدِيثِ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى طَرِيقِ4 تَبُوكَ "كُنْ أَبَا ذَرٍّ" 5 وَرَأَى6 آخَرَ فَقَالَ:

_ 1. هذا صدر بيت من الطويل للأمرئ القيس، وعجزه: "بصبح وما الإصباح منك بأمثل" واستشهد بهذا البيت ابن الشجري في "أماليه"، والعيني في "شرح شواهد الألفية"، والأشموني في "شرح ألفية ابن مالك"، والعباسي في "معاهد التنصيص"، والشيخ خالد في "التصريح بمضمون التوضيح". "انظر: ديوان امرئ القيس ص8 ط ثانية بدار المعارف بمصر، معجم شواهد العربية ص304". 2. قال العلماء: إن الترجي يكون في الممكنات والتمني في المستحيلات، لذلك حمل الشاعر ليله على التمني، لأن ليل المحب لطوله كانه مستحيل الانجلاء، ولذا استشهدوا في البيت للتمني، وقد يكون للترجي إذا كان مترقباً للإصباح. "انظر: نهاية السول 2/19، فواتح الرحموت 1/342، المحلي على جمع الجوامع 1/374". 3. هذا عجز بيت من المتقارب لخالد الكاتب، وصدره: "رقدت ولم ترث للساهر" ذكره الجرجاني في "دلائل الإعجاز ص376، الطبعة الثالثة عن دار المنار بمصر سنة 1366 هـ" وعبد السلام هارون في "معجم شواهد العربية ص193". 4. ساقطة من ز ع ض ب. 5. هذا الحديث رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، وقال: فيه إرسال. "انظر: المستدرك 3/50، زاد المعاد 3/534، طبع مؤسسة الرسالة". 6. في ب وروى.

"كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ" 1 لأَنَّ امْرَأَ الْقِيسِ قَدْ يَدَّعِي اسْتِفَادَةَ التَّمَنِّي مِنْهُ مِنْ " أَلا " لا2 مِنْ صِيغَةِ افْعَلْ، بِخِلافِ هَذَا الْمِثَالِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ " أَلا "3 قَرِينَةُ إرَادَةِ التَّمَنِّي بِافْعَلْ، وَأَمَّا " كُنْ فُلانًا " فَلَيْسَ أَنْ يَكُونَ إيَّاهُ، بَلْ الْجَزْمُ بِهِ، وَأَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَلَمَّا احْتَمَلَ أَنَّ هَذَا4 فِي الْمِثَالَيْنِ ذَكَرْتُهُمَا. "وَ" الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "كَمَالِ الْقُدْرَةِ" نَحْوُ قوله تعالى: {إنَّمَا قَوْلُنَا5 لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 6 هَكَذَا سَمَّاهُ الْغَزَالِيُّ وَالآمِدِيُّ7.

_ 1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم. "انظر: صحيح البخاري 3/86، صحيح مسلم 4/2122، رياض الصالحين ص20" وأبو خيثمة هو الصحابي عبد الله بن خيثمة، الأنصاري السالمي المدني، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً وباقي المشاهد، وتأخر عن غزوة تبوك عدة أيام، وبعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل أبو خيثمة على اهله، فوجد امرأتين له في عريشتين لهما في حائط، قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له ماءً فيه ... فقال لنفسه: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والحر والريح، وأبو خيثمة في ظل باردٍ، وطعام، وامرأة حسناء، مقيم في ماله، ما هذا بالنصف، والله لاأدخل عريشة واحدة منكما حتى الحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك إذا شخص يزول يه السراب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كن أبا خيثمة"، فإذا هو أبو خيثمة، عاش إلى زمن يزيد بن معاوية. انظر: ترجمته في "الإصابة 4/53، الإستيعاب 4/51، أسد الغابة 3/225، تهذيب الأسماء 2/224". 2 ساقطة من ض. 3 في ض: الأمر. 4 في ش ز: ان يكون هذا، وفي ض: هذين المثالين. 5 في ز ع ض ب: أمرنا، ولعل المقصود الآية الأخرى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} سورة يّس /82. 6 الآية 40 سورة النحل. 7 وسماه الغزالي في "المنخول134":نهاية الاقتدار، وسماه في "المستصفى 1/418": كمال القدرة. "انظر: الإحكام للآمدي 2/143، فواتح الرحموت 2/9".

وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّكْوِينِ1، وَسَمَّاهُ الْقَفَّالُ وَأَبُو الْمَعَالِي وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: التَّسْخِيرَ، فَهُوَ تَفْعِيلٌ مِنْ " كَانَ " بِمَعْنَى وُجِدَ، فَتَكْوِينُ الشَّيْءِ إيجَادُهُ مِنْ الْعَدَمِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوجِدُ لِكُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ2. "وَ" الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "خَبَرٍ3" نَحْوُ قوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} 4 وقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} 5 وقوله تعالى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} 6 وقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 7 وَمِنْهُ عَلَى رَأْيٍ "إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت" 8

_ 1 منهم صدر الشريعة وابن عبد الشكور من الحنفية، والفخر الرازي وابن السبكي من الشافعية، والتكوين هو الإيجاد من العدم، أما التسخير فهو الانتقال إلى حالة ممتهنة، وقال ابن عبد الشكور عن "التكوين":ولا يعتبر فيه الانتقال من حالة إلى أخرى كالتسخير". "انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، 53، فواتح الرحموت 1/342، المحصول ? 1 ق2/61، جمع الجوامع 1/343، التبصرة ص30، التلويح على التوضيح 2/58، كشف الأسرار 1/107، 112 وما بعدها، العبادي على الورقات ص98، نهاية السول 2/19، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص296" 2 يرى بعض العلماء أن الأمر هنا بمعنى التكوين حقيقة، وليس مجازاً، قال السرخسي الحنفي: "فالمراد حقيقة هذه الكلمة "كن" عندنا، لا يكون مجازاً عن التكوين كما زعم بعضهم". "أصول السرخسي 1/18". 3 انظر: المحصول ? 1 ق2/50، نهاية السول 2/19، جمع الجوامع 1/374، كشف الأسرار 1/107، الروضة 2/191، شرح تنقيح الفصول ص142. 4 الاية 81 من التوبة. 5 الآية 75 من مريم. 6 الآية 12 من العنكبوت. 7 الآية 38 من مريم. 8 هذا جزء من حديث شريف، وأوله: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة"، وسبق تخريجه ح2ص391.

وَذَلِكَ لأَنَّهُ لَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ بِمَعْنَى الأَمْرِ1 فِي قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} 2 وقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} 3 جَاءَ الأَمْرُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ 4وَكَذَا جَاءَ الْخَبَرُ5 بِمَعْنَى النَّهْيِ6، كَمَا فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا" بِالرَّفْعِ7؛ إذْ لَوْ كَانَ نَهْيًا لَجُزِمَ، فَيُكْسَرُ لالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. قَالَ أَرْبَابُ الْمَعَانِي: وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لِشِدَّةِ طَلَبِهِ نَزَّلَ الْمَطْلُوبَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِعِ لا مَحَالَةَ، وَمِنْ هُنَا تُعْرَفُ الْعَلاقَةُ فِي إطْلاقِ الْخَبَرِ بِمَعْنَى الأَمْرِ وَالنَّهْيِ8 "وَ" الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَفْوِيضٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} 9 ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي10.

_ 1 انظر: نهاية السول 2/20، شرح تنقيح الفصول ص142، مختصر البعلي ص99، المحصول ? 1 ق2/50، التمهيد ص72. 2 الاية 233 من البقرة. 3 الآية 228 من البقرة. 4 ساقطة من ش ز. 5 في ش ز: والخبر. 6 انظر: المحصول ج1 ق2/52، نهاية السول 2/20. 7 هذا الحديث رواه ابن ماجة عن أبي هريرة، وتتمه: "فإن الزانية هي التي تزوج نفسها"، ورواه الشافعي والدارقطني. "انظر: سنن ابن ماجة 1/606، بدائع المنن 2/318، سنن الدارقطني 3/227، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص289، نيل الأوطار 6/134، الفتح الكبير 3/322". 8 العلاقة بين الأمر والخبر: أن الأمر يدل على وجود الفعل، كما أن الخبر يدل على وجود الفعل أيضاً، والعلاقة بين الخبر والنهي: أن النهي يدل على عدم الفعل، كما أن الخبر يدل الفعل أيضاً. "انظر: المحصول ? 1 ق2/52، 54". 9 الآية 72 من طه. 10 سار ابن السبكي على منهج أبي المعالي في هذه التسمية: "انظر: جمع الجوامع 1/374".

وَيُسَمَّى أَيْضًا1: التَّحْكِيمُ. وَسَمَّاهُ ابْنُ فَارِسٍ وَالْعَبَّادِيُّ2: التَّسْلِيمَ، وَسَمَّاهُ نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدِ الْمَرُّوذِيُّ3: الاسْتِبْسَالَ. وَ4قَالَ: أَعْلَمُوهُ5 أَنَّهُمْ قَدْ اسْتَعَدُّوا لَهُ بِالصَّبْرِ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ تَارِكِينَ لِدِينِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَسْتَقِلُّونَ مَا هُوَ فَاعِلٌ فِي جَنْبِ مَا يَتَوَقَّعُونَهُ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} 6 أَخْبَرَهُمْ بِهَوَانِهِمْ "وَ" الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَكْذِيبٍ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى7

_ 1 ساقطة من ض. 2 هو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، أبو عاصم العبادي، الهروي، الإمام الجليل، القاضي، كان مجراً في العلم، وحافظاً لمذهب الشافعي، كان معروفاً بغموض العبارة، حباً لاستعمال الذهن الثاقب، كان من أصحاب الوجوه في المذهب، وكان مناظراً، دقيق النظر، تفقه وسمع الحديث الكثير، ودرس وحدث، وصنف كتباً كثيرة، منها "أدب القضاء" الذي شرحه أبو سعد الهروي في كتاب "الإشراف على غوامض الحكومات" ولأبي عاصم: "طبقات الفقهاء" و "الرد على القاضي السمعاني" و "كتاب الأطعمة" و "الزيادات" و "زيادات الزيادات" والهادي إلى مذهب العلماء" وغيرها، توفي سنة458 ?. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 4/104، وفيات الأعيان 3/351، شذرات الذهب 3/306، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص56، تهذيب الأسماء 2/249". 3 هو نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الليث الفقيه السمرقندي المشهور بإمام الهدى، علامة من أئمة الحنفية، ومن الزهاد، له تصانيف كثيرة منها: "تفسير القرآن" و "عمدة العقائد" و "بستان العارفين" و "تنبيه الغافلين" و "خزانة الفقه" و "شرح الجامع الصغير" و "عيون المسائل" و "مختلف الرواية" وغيرها، توفي سنة 373?، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الفوائد البيهة ص220، الجواهر المضيئة 2/196، الأعلام للزركلي 8/348". 4 ساقطة من ع ض ب. 5 في ش: اعلموا. 6 الآية 71 من يونس. 7 انظر: جمع الجوامع 1/374، تفسير النصوص 1/238.

{قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1 وَمِنْهُ قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} 2 {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ} 3 "وَ" الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "مَشُورَةٍ"4 نَحْوُ قوله تعالى: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} 5 فِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ لابْنِهِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إشَارَةً إلَى مُشَاوَرَتِهِ فِي هَذَا الأَمْرِ. وَهُوَ قَوْلُهُ: {يَا بُنَيَّ إنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُك فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} 6 ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ "وَ" السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "اعْتِبَارٍ" نَحْوُ قوله تعالى: {اُنْظُرُوا إلَى ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} 7 فَإِنَّ فِي8 ذَلِكَ عِبْرَةً لِمَنْ يَعْتَبِرُ9 "وَ" السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "تَعَجُّبٍ10" نَحْوُ قوله تعالى: {اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَك الأَمْثَالَ} 11 قَالَهُ الْفَارِسِيُّ. وَمَثَّلَهُ الْهِنْدِيُّ بِقَوْلِهِ

_ 1 الآية 93 من آل عمران. 2 الآية 23 من البقرة. 3 الآية 150 من الأنعام. 4 انظر: جمع الجوامع 1/374. 5 الآية 102 من الصافات. 6 الآية 102 من الصافات. 7 الآية 99 من الأنعام. 8 ساقطة من ع ض. 9 انظر: جمع الجوامع 1/374، تفسير النصوص 1/238. 10 انظر: جمع الجوامع 1/374. ومثله عبد العزيز البخاري بقوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} مريم/38، أي ما أسمعهم وما أبصرهم، "كشف الأسرار 1/107. 11 الآية 48 من الإسراء.

تَعَالَى: {كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} 1 وَتَقَدَّمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ مَثَّلَ بِهِ لِلتَّعْجِيزِ2، وَأَنَّ ابْنَ عَطِيَّةَ قَالَ: فِيهِ نَظَرٌ3. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ4: وَهُوَ الظَّاهِرُ5. فَإِنَّ التَّمْثِيلَ بِهِ لِلتَّعَجُّبِ أَوْضَحُ؛ لأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّعَجُّبُ "وَ" الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "إرَادَةِ امْتِثَالِ أَمْرٍ آخَرَ6" نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كُنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ، وَلا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ" 7 فَإِنَّ8 الْمَقْصُودَ الاسْتِسْلامُ وَالْكَفُّ عَنْ الْفِتَنِ9. فَهَذَا الَّذِي وَقَعَ اخْتِيَارُنَا عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَشْيَاءَ غَيْرَ

_ 1 الآية 50 من الإسراء. 2 في ض: لتعجيز. 3 صفحة 26. 4 في ض: قاله. 5 في ض: ظاهر. 6 انظر: جمع الجوامع 1/374. 7 هذا الحديث رواه الطبراني عن خباب بن الأرت، ورواه أحمد والحاكم عن خالد بن عرفطة بلفظ: "فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول، لا القاتل، فافعل" قال العجلوني: وبعضها يقوى بعضاً، وصحح الحاكم حديث حذيفة أنه قيل له: ما تأمرنا إذا اقتتل المصلون؟ قال: "آمرك أن تنظر أقصى بيت من دارك فتلج فيه، فإن دخل عليك، فتقول: ها بؤ بإثمي وإثمك، فتكون كابن آدم" وروى الإمام أحمد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يمنع أحدكم إذا جاء من يريد قتله أن يكون مثل ابني آدم: القاتل في النار، والمقتول في الجنة" وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفتنة: "كسروا فيها قسيكم وقطعوا أوتاركم، واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دخل على أحدكم بيته، فليكن كخير ابني آدم" وفي رواية "كن كابن آدم". "انظر: كشف الخفا 2/193 ط حلب، المستدرك 4/444، أسنى المطالب ص171، سنن أبي داود 2/415، 416، سنن ابن ماجة 2/1310، تحفة الأحوذي 6/437، مسند أحمد 4/416، 5/292، نيل الأوطار 5/368". 8 في ز: فإنما. 9 في ش: القتل.

ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ نَظَرٌ1. فَمِنْهَا، وَهُوَ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: كَوْنُهَا بِمَعْنَى "التَّخْيِيرِ2" نَحْوُ قوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} 3 ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ. وَقَدْ يُقَالُ: نَفْسُ صِيغَةِ افْعَلْ لَيْسَ فِيهَا تَخْيِيرٌ إلاَّ4 بِانْضِمَامِ أَمْرٍ آخَرَ يُفِيدُهُ، لَكِنْ مِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي التَّسْوِيَةِ. وَمِنْهَا، وَهُوَ الثَّلاثُونَ: الاخْتِيَارُ. نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَلا يَغْمِسْ 5 يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثًا" بِدَلِيلِ "فَإِنَّهُ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ" 6. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَهَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ النَّدْبِ. فَلا حَاجَةَ إلَى إفْرَادِهِ.

_ 1 ذكر الغزالي في معاني صيغة "إفعل" خمسة عشر وجهاً، ثم قال: "وهذه الأوجه عدها الأصوليون شغفاً منهم بالتكثير، وبعضها كالمتداخل، فإن قوله "كل مما يليك" داخل في الندب، والآداب مندوب إليها، وقوله: "تمتعوا" للإنذار قريب من قوله: "اعملوا ما شئتم" الذي هو للتهديد" "المستصفى 1/419" 2 ذكر ابن عبد الشكور التخيير، ومثله الشارح محمد نظام الدين الأنصاري بقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" أي مخير في الفعل وقت زوال الحياء. "فواتح الرحموت 1/372". 3 الآية 42 من المائدة. ساقطة من ش ز ع ب. 4 ساقطة من ش ز ع ب. في ش: بضده. 5 في ش: بضده. في ض ش: يغمس، وهي رواية للحديث عند مسلم. 6 في ض ش: يغمس، وهي رواية للحديث عند مسلم. هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ومالك والشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي عن أبي هريرة مرفوعاً، وأوله: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل ... " "انظر: صحيح البخاري 1/30، صحيح مسلم بشرح النووي 3/180، سنن أبي داود 1/23، تحفة الأحوذي 1/109، سنن النسائي 1/110، سنن ابن ماجة 1/138، الموطأ ص39 طبعة الشعب، بدائع المنن 1/27، مسند أحمد 2/241، 253، سنن الدارمي 1/196".

قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ قُلْت1: لَيْسَ فِي هَذَا صِيغَةُ أَمْرٍ، إنَّمَا هُوَ صِيغَةُ نَهْيٍ كَمَا تَرَى. انْتَهَى. وَمِنْهَا، وَهُوَ الْحَادِي وَالثَّلاثُونَ: الْوَعِيدُ. نَحْوُ قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} 2 وَلَكِنْ هَذَا مِنْ التَّهْدِيدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّهْدِيدُ أَبْلَغُ مِنْ الْوَعِيدِ. وَمِنْهَا، وَهُوَ الثَّانِي وَالثَّلاثُونَ: الالْتِمَاسُ. كَقَوْلِك لِنَظِيرِك: افْعَلْ. وَهَذَا يَأْتِي عَلَى رَأْيٍ3، وَهُوَ وَشَبَهُهُ مِمَّا يَقِلُّ4 جَدْوَاهُ فِي دَلائِلِ الأَحْكَامِ. وَمِنْهَا، وَهُوَ الثَّالِثُ وَالثَّلاثُونَ: التَّصَبُّرُ. نَحْوُ قوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 5 {فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} 6 {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} 7 ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ8. وَمِنْهَا، وَهُوَ الرَّابِعُ وَالثَّلاثُونَ: قُرْبُ الْمَنْزِلَةِ، نَحْوُ قوله تعالى: {اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ} 9 ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَمِنْهَا، وَهُوَ الْخَامِسُ وَالثَّلاثُونَ: التَّحْذِيرُ وَالإِخْبَارُ عَمَّا يَئُولُ الأَمْرُ

_ 1 ساقطة من ب. 2 الآية 29 من الكهف. وفي ع ض ب: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ... } . 3 وهو رأي ابن عبد الشكور، "انظر: مسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت 1/372". 4 في ش: تقل. 5 الآية 40 من التوبة. 6 الآية 17 من الطارق. 7 الآية 83 من الزخرف. 8 انظر: تفسير النصوص 1/283. 9 الآية 49 من الأعراف، والآية 32 من النحل، والآية 70 من الزخرف.

إلَيْهِ1، نَحْوُ قوله تعالى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} 2 قَالَهُ الصَّيْرَفِيُّ. "وَكَنَهْيٍ" فِي الْمَعْنَى "دَعْ، وَاتْرُكْ" وَكُفَّ، وَأَمْسِكْ نَفْسَك عَنْ كَذَا. وَنَحْوُهُ3. لَمَّا كَانَ4 مِنْ أَبْعَاضِ " افْعَلْ " مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَفِّ عَنْ الْفِعْلِ. اُحْتِيجَ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَى إخْرَاجِهَا. وَلِهَذَا قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي حَدِّ الأَمْرِ: إنَّهُ اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كُفَّ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ كُفَّ5، أَيْ مَدْلُولٍ عَلَى الْكَفِّ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ بِغَيْرِ كُفَّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ أَمْرٍ. فَقَوْلُهُ "اقْتِضَاءُ فِعْلٍ" أَيْ طَلَبُ فِعْلٍ، وَهُوَ جِنْسٌ يَشْمَلُ الأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَتَخْرُجُ الإِبَاحَةُ6 وَغَيْرُهَا مِمَّا تُسْتَعْمَلُ مِنْهُ7 صِيغَةُ الأَمْرِ. وَلَيْسَ أَمْرًا، وَقَوْلُهُ "غَيْرِ كُفَّ " فَصْلٌ خَرَجَ بِهِ النَّهْيُ. فَإِنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ هُوَ كُفَّ. وَقَوْلُهُ "مَدْلُولٍ عَلَيْهِ بِغَيْرِ كُفَّ" صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: كُفَّ 8.

_ 1 انظر: كشف الأسرار 1/107. 2 الآية 65 من هود، وأولها: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا ... } . 3 انظر: تيسير التحرير 1/337، 338، فواتح الرحموت 1/395، العضد على ابن الحاجب 2/77، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/367 وما بعدها. 4 في ش ز: بعض من. 5 جمع الجوامع 1/367. 6 في ض ب: ويخرج 7 في ش ب: منه. 8 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/367.

فصل الأمر حقيقة في الوجوب

فصل الأمر حقيقة في الوجوب ... فَصْلُ الأمر حقيقة الوجوب: "الأَمْرِ" فِي حَالَةِ1 كَوْنِهِ "مُجَرَّدًا عَنْ قَرِينَةٍ" "حَقِيقَةٍ فِي الْوُجُوبِ" عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ2 "شَرْعًا" أَيْ بِاقْتِضَاءِ وَضْعِ الشَّرْعِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ أَحَدُ الأَقْوَالِ الثَّلاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ3. وَالثَّانِي 4 - وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ الشَّافِعِيِّ - أَنَّهُ بِاقْتِضَاءِ وَضْعِ اللُّغَةِ5.

_ 1 في ض: حال. 2 وهو قول الظاهرية أيضاً، قال إمام الحرمين في "البرهان" والآمدي في "الإحكام" إنه مذهب الشافعي، وذكر الشيرازي في "شرح اللمع" أن الأشعري نص عليه. "انظر: البرهان للجويني 1/216، الإحكام للآمدي 2/144، الإحكام لابن حزم 1/259، اللمع ص8، التبصرة ص26، التمهيد ص73، فواتح الرحموت 1/373، كشف الأسرار 1/108، 110، تيسير التحرير 1/341، أصول السرخسي 1/14، المستصفى 1/423، المعتمد 1/57، التوضيح على التنقيح 2/53، شرح تنقيح الفصول ص127، الروضة ص127، مختصر الطوفي ص86، مختصر البعلي ص99، القواعد والفوائد الأصولية ص159، مختصر ابن الحاجب 2/79، العبادي على الورقات ص80، العدة 1/224، إرشاد الفحول ص94، مباحث الكتاب والسنة ص112، تفسير النصوص 1/241، المسودة ص13، فتح الغفار 1/31. 3 انظر: فواتح الرحموت 2/377، تيسير التحرير 1/360، نهاية السول 2/21، البرهان للجويني 1/223، القواعد والفوائد الأصولية ص159، مختصر البعلي ص99، التمهيد ص73، اللمع ص8، مباحث الكتاب والسنة ص112. 4 في ش ز: الثاني. 5 وهو رأي ابن حزم الظاهري وابن نجيم الحنفي وابن عبد الشكور وجلال الدين المحلي، وهو الصحيح عن أبي إسحاق الشيرازي، وهو ظاهر كلام الآمدي. انظر: الإحكام لابن حزم 1/263، فتح الغفار 1/31، فواتح الرحموت 1/377، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/375، تيسير التحرير 1/360، اللمع ص8، التمهيد ص73، البرهان 1/223، مختصر البعلي ص99، القواعد والفوائد الأصولية ص159، نهاية السول 2/22، الإحكام للآمدي 2/145، مباحث الكتاب والسنة ص114".

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ - أَنَّهُ بِاقْتِضَاءِ الْفِعْلِ1. وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ بِقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} 2 وَبِقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} 3 ذَمَّهُمْ وَذَمَّ إبْلِيسَ عَلَى مُخَالَفَةِ الأَمْرِ الْمُجَرَّدِ4. لأَنَّ السَّيِّدَ لا يُلامُ عَلَى عِقَابِ عَبْدِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ مُجَرَّدِ أَمْرِهِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلاءِ، وَدَعْوَى قَرِينَةِ الْوُجُوبِ وَاقْتِضَاءِ تِلْكَ اللُّغَةِ لُغَةً لَهُ دُونَ هَذِهِ: غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ5.

_ 1 ذكر هذا الرأي القيرواني في "المستوعب"، انظر: التمهيد ص73، نهاية السول 2/22، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/375، مختصر البعلي ص99، القواعد والفوائد الأصولية ص159، مباحث الكتاب والسنة ص114. 2 الآية 63 من النور. 3 الآية 48 من المرسلات. 4 وذلك في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} الأعراف/12، ومثل هذا الذم لا يكون إلا على ترك الواجب، فدل على أن الأمر للوجوب. "انظر: التبصرة ص27، شرح تنقيح الفصول ص127، مباحث الكتاب والسنة ص113، العدة1/230". 5 انظر القول في الوجوب وأدلته ومناقشتها في "المحصول ج1 ق2/69 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/80، نهاية السول 2/20، وما بعدها، أحكام الإحكام 1/104، 138، المسودة ص5، ص15، أصول السرخسي 1/16، 18، الإحكام لابن حزم 1/259، فتح الغفار 1/33، شرح تنقيح الفصول ص127، البرهان للجويني 1/221، التوضيح على التنقيح 2/53 وما بعدها، 62 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/144، 146، التبصرة ص27، المنخول ص105، المستصفى 1/429، مختصر الطوفي ص86، الروضة 2/194، إرشاد الفحول ص94، العدة 1/229، تفسير النصوص 1/245". وفي ش: ممسوعة.

وَقِيلَ: إنَّ الأَمْرَ الْمُجَرَّدَ عَنْ قَرِينَةٍ حَقِيقَةٍ فِي النَّدْبِ. وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَالآمِدِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ1. وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَسْرِهَا2. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَمَرَ3 بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَلُ مِمَّا نَهَى عَنْهُ4. فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الأَصْحَابِ5: لَعَلَّهُ لأَنَّ الْجَمَاعَةَ قَالُوا: الأَمْرُ لِلنَّدْبِ، وَلا تَكْرَارَ. وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَالدَّوَامِ، لِئَلاَّ يُخَالِفَ نُصُوصَهُ6. وَأَمَّا أَبُو الْخَطَّابِ: فَإِنَّهُ أَخَذَ مِنْ النَّصِّ أَنَّهُ لِلنَّدَبِ7. وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّا نَحْمِلُ الأَمْرَ الْمُطْلَقَ عَلَى مُطْلَقِ الرُّجْحَانِ، وَنَفْيًا لِلْعِقَابِ بِالاسْتِصْحَابِ، وَلأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَلأَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً8.

_ 1 الإحكام للآمدي 2/144، المستصفى 1/426. 2 هذا قول أكثر المعتزلة، ونقله السرخسي عن بعض المالكية. وانظر القول في الندب مع أدلته ومنا قشتها في "مختصر ابن الحاجب 2/79، نهاية السول 2/22، 37، جمع الجوامع 1/375، المسودة ص5، أصول السرخسي 1/16، فتح الغفار 1/31، شرح تنقيح الفصول ص137، البرهان للجويني 1/215، التلويح على التوضيح 2/51، 53، 63، كشف الأسرار 1/108، 111، تيسير التحرير 1/341، مختصر البعلي ص99، المعتمد 1/57، 76، الإحكام للآمدي 2/144، اللمع ص8، التبصرة ص27، المستصفى 1/419، 423، 426، فواتح الرحموت 1/373، التمهيد ص73، روضة الناظر 2/193، مختصر الطوفي ص86، القواعد والفوائد الأصولية ص159، العدة 1/229، إرشاد الفحول ص94، تفسير النصوص 1/242، مباحث الكتاب والسنة ص112". 3 في ش ز ع: أمر الله. 4 انظر: المسودة ص5، 14، الفوائد والفوائد الأصولية ص191، العدة 1/228. 5 منهم أبو البركات ابن تميمة، "انظر: المسودة ص14، القواعد والفوائد الأصولية ص191". 6 انظر: العدة 1/229. 7 انظر: المسودة ص5، القواعد والفوائد الأصولية ص191. 8 هناك أقوال كثيرة في المسألة، ولكل قول دليله، وبحثه المصنف رحمه الله سابقاً في المجلد الأول ص405. "وانظر: كشف الأسرار 1/119، تيسير التحرير 1/347، المعتمد 1/76، التبصرة ص33، المحصول ج1 ق2/353، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 1/81، اللمع ص7، شرح تنقيح الفصول ص127، الروضة 2/193، العدة 1/248، مباحث الكتاب والسنة ص113، 114، تفسير النصوص 1/264، أصول الفقه الإسلامي ص277".

وَقِيلَ: إنَّ الأَمْرَ الْمُجَرَّدَ عَنْ قَرِينَةٍ حَقِيقَةٍ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَهُوَ الطَّلَبُ. فَيَكُونُ مِنْ الْمُتَوَاطِئِ. اخْتَارَهُ الْمَاتُرِيدِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ1، لَكِنْ قَالَ: يُحْكَمُ بِالْوُجُوبِ ظَاهِرًا فِي حَقِّ الْعَمَلِ احْتِيَاطًا دُونَ الاعْتِقَادِ2. وَاسْتُدِلَّ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بِأَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ. وَالأَصْلُ الْحَقِيقَةُ، وَيَحْسُنُ الاسْتِفْهَامُ. وَالتَّقْيِيدُ أَفْعَلَ3 وَاجِبًا أَوْ نَدْبًا4. رَدُّ خِلافِ الأَصْلِ. وَمَنَعَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لا يَحْسُنُ الاسْتِفْهَامُ5. وَفِي الْمَسْأَلَةِ اثْنَا عَشَرَ قَوْلاً غَيْرَ هَذِهِ الثَّلاثَةِ أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهَا6 خَشْيَةَ الإِطَالَةِ. وَذَكَرَ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلاً7.

_ 1 انظر: كشف الأسرار 1/118، تيسير التحرير 1/340، 347 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/144، المحصول ?1 ق2/67، مختصر ابن الحاجب 2/79، نهاية السول 2/22، جمع الجوامع 1/375، المعتمد 1/56، شرح تنقيح الفصول ص127، التمهيد ص72، القواعد والفوائد الأصولية ص160، مباحث الكتاب والسنة ص112. 2 انظر: كشف الأسرار 1/108، تيسير التحرير 1/341، فواتح الرحموت 1/373. 3 في ش: فعل. 4 انظر: كشف الأسرار 1/108، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/81، القواعد والفوائد الأصولية ص162. 5 أي لا يحسن الاستفهام عن الأمر، هل هو للوجوب أم لا؟ "انظر: مختصر البعلي ص99". 6 في ب: ذكره. 7 ساقطة من ش ز، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص161.

"وَ" يَكُونُ الأَمْرُ الَّذِي لَيْسَ مُقَيَّدًا1 بِمَرَّةٍ وَلا تَكْرَارٍ "لِتَكْرَارٍ حَسَبِ الإِمْكَانِ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَأَبِي إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ قَالَهُ2 الآمِدِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ3 وَالْمُتَكَلِّمِينَ4، وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْقَصَّار5ِ عَنْ مَالِكٍ. فَيَجِبُ اسْتِيعَابُ

_ وذكر الإسنوي في هذه المسألة ستة عشر قولاُ "التمهيد"، وقال الغزالي: "والمختار أنه متوقف فيه" "المستصفى 1/419، 423". وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/79، نهاية السول 2/22، جمع الجوامع وشرح المحلي والبناني عليه 1/376، التبصرة ص27، المنخول ص105، المحصول ? 1 ق2/62، 66، المعتمد 1/57، الإحكام للآمدي 2/144، كشف الأسرار 1/107وما بعدها، التلويح على التوضيح 2/51، 53، فواتح الرحموت 1/373، نهاية السول 2/22ن أصول السرخسي 1/15، الإحكام لابن حزم 1/259 وما بعدها، فتح الغفار 1/31 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص127، البرهان للجويني 1/212، المسودة ص5، الروضة 2/193، مختصر الطوفي ص86، القواعد والفوائد الأصولية ص159 وما بعدها، العدة 1/229، مباحث الكتاب والسنة ص113، 115، إرشاد الفحول ص94. 1 في ض ب: بمقيد. 2 في ش ز ع ب ض: قال. 3 في ض: العلماء. 4 انظر أدلة هذا القول ومناقشتها في "التوضيح على التنقيح 2/68، نهاية السول 2/42، 46، البرهان للجويني 1/224، 229، تيسير التحرير 1/351، مختصر البعلي ص100، المعتمد 1/108، الإحكام للآمدي 2/155، جمع الجوامع 1/380، اللمع ص8، التبصرة ص41، المنخول ص108، المحصول ? 1 ق2/163، المستصفى 2/2، مختصر ابن الحاجب 2/81، العبادي على الورقات ص83، المسودة ص20، نزهة الخاطر 2/78، التمهيد ص78، القواعد والفوائد الأصولية ص171". 5 هو علي بن عمر بن أحمد، أبو الحسن، الفقيه المالكي، المعروف بابن القصار الأبهري الشيرازي البغدادي، كان أصولياً نظاراً، تفقه بأبي بكر الأبهري، وتفقه عليه القاضي عبد الوهاب وابن عمروس وجماعة، ولي بغداد، وله كتاب كبير في مسائل الخلاف، قال الشيرازي: "لا أعرف لهم كتاباً في الخلاف أحسن منه" توفي سنة 398 ?، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الديباج المذهب ص199 ط أولى، ترتيب المدارك 2/602، شجرة النور الزكية ص92، طبقات الفقهاء للشيرازي ص198، تاريخ بغداد 12/41".

الْعُمْرِ بِهِ، دُونَ أَزْمِنَةِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالنَّوْمِ وَضَرُورِيَّاتِ الإِنْسَانِ1. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: لا يَقْتَضِي تَكْرَارًا إلاَّ بِقَرِينَةٍ. وَنَقَلَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ2. وَاخْتَلَفَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى3

_ 1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص120، المعتمد 1/110، المنخول ص108، العضد على ابن الحاجب 2/82، نهاية السول 2/42. 2 وهو قول ابن الخطاب، ورجحه الطوفي، ومال إليه ابن قدامة، وهو الصحيح عند الفخر الرازي وابن الحاجب وأبي الحسين البصري، وعبد الحنفية والظاهرية. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص171، الروضة 2/199، المسودة ص20، 22، مختصر الطوفي 87، 88، العدة 1/264، مختصر البعلي ص100، كشف الأسرار 1/122، تيسير التحرير 1/251، فتح الغفار 1/36، التوضيح على التنقيح 2/69، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/62، أصول السرخسي 1/20، الإحكام لابن حزم 1/216، المعتمد 1/108، المحصول ? 1 ق2/162، فواتح الرحموت 1/380". 3 ذكر البعلي في القول الأول أنه: "أشهر قولي القاضي" "القواعد والفوائد الأصولية ص171"، وهو ما نص عليه القاضي في "العدة1/264"، ونقله الطوفي عنه، "مختصر الطوفي ص87"، وقاله الموفق عنه "الروضة 2/200". وهناك أقوال أخرى في المسألة، ففي قول ثالث: أن الأمر لا يقتضي التكرار، ولا يدل على المرة، ولا على التكرار، وفي قول رابع أن الأمر إن كان معلقاً بشرط اقتضى التكرار، وإن كان مطلقاً فلا يقضي التكرار، وهو اختيار المجد ابن تيمية في "المسودة ص20" وفي قول خامس أنه مشترك بين التكرار والمرة، فيتوقف إعماله في أحدهما على وجود القرينة، وفي قول سادس أنه على التوقف، وهو اختيار الأشعرية وإمام الحرمين والغزالي، واختلفوا في معنى الوقف، فقيل: لا يعلم أوضع للمرة هنا أو للتكرار أو لمطلق الفعل، وقيل: لا يعلم مراد المتكلم لاشتراك الأمر بين الثلاثة، ونقل ابن الحاجب والآمدي والمجد عم إمام الحرمين أنه لا يقتضي شيئاً، ولكن كلام الجويني في "البرهان" يخالف ذلك. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص171، 172، المسودة ص20، 21، التمهيد ص78، مختصر البعلي ص101، التلويح على التوضيح 2/69، المنخول ص108، 111، الإحكام للآمدي 2/155، البرهان للجويني 1/224، 228، شرح تنقيح الفصول ص130، العدة 1/264 وما بعدها، 275، إرشاد الفحول ص98، مختصر ابن الحاجب 2/81".

"وَ" يَكُونُ الأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِـ"فِعْلِ الْمَرَّةِ" الْوَاحِدَةِ "بِالالْتِزَامِ"1. فَعَلَى كَوْنِهِ لا يَقْتَضِي تَكْرَارًا يُفِيدُ الأَمْرُ طَلَبَ الْمَاهِيَّةِ مِنْ غَيْرِ إشْعَارٍ بِوَحْدَةٍ وَلا بِكَثْرَةٍ، إلاَّ أَنَّهُ2 لا يُمْكِنُ3 إدْخَالُ تِلْكَ4 الْمَاهِيَّةُ فِي الْوُجُودِ بِأَقَلَّ مِنْ مَرَّةٍ. فَصَارَتْ الْمَرَّةُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ؛ لأَنَّ الأَمْرَ يَدُلُّ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الالْتِزَامِ5. وَقِيلَ: يَقْتَضِي فِعْلَ مَرَّةٍ بِلَفْظِهِ وَوَضْعِهِ6. "وَ"أَمْرٍ "مُعَلَّقٍ بِمُسْتَحِيلٍ" نَحْوُ: صَلِّ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُتَحَرِّكًا سَاكِنًا "لَيْسَ أَمْرًا" لأَنَّهُ كَقَوْلِهِ7: كُنْ الآنَ مُتَحَرِّكًا سَاكِنًا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

_ 1 في ض: بالتزام. 2 في ض ب: لأنه. 3 في ع: تمكن. 4 مابين القوسين إضافة من "القواعد والفوائد الأصولية ص171"، والنص منقول حرفياً منه. 5 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص171، الروضة 2/200، المحصول? 1 ق2/163، جمع الجوامع 1/379، نزهة الخاطر 2/78، أصول السرخسي 1/25، الإحكام لابن حزم 1/319، فتح الغفار 1/26، البرهان للجويني 1/229، تيسير التحرير 1/351، مختصر البعلي ص10، المعتمد 1/107، الإحكام للآمدي 2/155، التبصرة ص41، نهاية السول 2/43، العبادي على الورقات ص82، إرشاد الفحول ص97، التمهيد ص78. 6 وهذا قول أصحاب الإمام مالك، وقاله كثير من الحنفية والشافعية، ونقله الشيرازي في "شرح اللمع" عن أكثر الشافعية، وقال الغزالي: "وإليه صار الشافعية الفقهاء". "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص171، التمهيد ص78، شرح تنقيح الفصول ص120، البرهان للجويني 1/224، 228، تيسير التحرير 1/351، مختصر البعلي ص10، نهاية السول 2/42، المسودة ص20، أصول السرخسي 1/20، الإحكام للآمدي 2/155، اللمع ص8، المنخول ص108، المحصول ? 1 ق2/63، المستصفى 2/2، فواتح الرحموت 1/380، مختصر ابن الحاجب 2/81، التلويح على التوضيح 2/69، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص315". 7 في ع: كقولك.

"وَ"أَمْرٍ مُعَلَّقٍ "بِشَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ لَيْسَا بِعِلَّةٍ" لِلْمَأْمُورِ بِهِ، كَقَوْلِهِ: إذَا مَضَى شَهْرٌ، أَوْ إذَا هَبَّتْ1 رِيحٌ، أَوْ إنْ سَافَرَ زَيْدٌ، فَأَعْتِقُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي، فَحَصَلَ شَيْءٌ مِمَّا عَلَّقَ عَلَيْهِ الأَمْرَ، وَأَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ. فَقَدْ امْتَثَلَ مَا أَمَرَ بِهِ "وَلَمْ يَتَكَرَّرْ" الأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ "بِتَكَرُّرِهِمَا"2 أَيْ: تَكَرُّرِ3 الشَّرْطِ الَّذِي لَيْسَ بِعِلَّةٍ ثَابِتَةٍ. وَلا الصِّفَةِ الَّتِي لَيْسَتْ4 بِعِلَّةٍ ثَابِتَةٍ 5. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ عِلَّةً ثَابِتَةً نَحْوُ قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} 6 أَوْ كَانَتْ الصِّفَةُ عِلَّةً ثَابِتَةً نَحْوُ قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 7 {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 8 فَإِنَّ الأَمْرَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ اتِّفَاقًا9

_ 1 في ض: هب. 2 في ض: بتكرره. 3 في ب: بتكرر. 4 في ع: ليس. 5 اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاث مذاهب، الأول: أنه لا يدل على التكرار من جهة اللفظ، لكن يدل عليه من جهة القياس، بناء على أن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعلية، وهو اختيار الفخر الرازي، والثاني: يدل على التكرار بلفظه، والثالث: لا يدل على التكرار لا بلفظه ولا بالقياس، وهو اختيار الآمدي وابن الحاجب وأبي الحسين البصري والشيرازي. انظر: هذه الآراء مع الأدلة والمناقشة في "التمهيد ص79، أصول السرخسي 1/21، شرح تنقيح الفصول ص131، المعتمد 1/115 وما بعدها، المستصفى 2/7، الإحكام للآمدي 2/161 وما بعدها، اللمع ص8، التبصرة ص47 وما بعدها، المحصول ? 1 ق2/179، وما بعدها، نهاية السول 2/42، 50 وما بعدها، منهاج العقول 2/46، القواعد والفوائد الأصولية ص172، العدة 1/275". 6 الآية 6 من المائدة. 7 الآية 38 من المائدة. 8 الآية 2 من النور. 9 دعوى الاتفاق غير مسلمة، لأن بعض الحنفية خالفوا في ذلك، فقال النسفي: "ولا يقتضي التكرار سواء كان معلقاً بالشرط أو مخصوص بالوصف أو لم يكن" "فتح الغفار بشرح المنار للنسفي 1/36-37"، وقال صدر الشريعة: "وعند بعض علمائنا: لا يحتمل التكرار إلا أن يكون=

قَالَهُ ابْنُ1 الْبَاقِلاَّنِيِّ فِي التَّقْرِيبِ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالآمِدِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُمْ2. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ: وَكَلامُ أَصْحَابِنَا يَقْتَضِيهِ3. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لاتِّبَاعِ الْعِلَّةُ، لا لِلأَمْرِ. فَمَعْنَى هَذَا التَّكْرِيرِ: أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ4 وُجِدَ الْحُكْمُ؛ لأَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْحُكْمُ، لا أَنَّهُ إذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ يَتَكَرَّرُ الْفِعْلُ5.

_ =معلقاً بشرط أو مخصوص بوصف" "التوضيح على التنقيح2/69"، وعلق التفتازاني عليه: "وظاهر عبارة المصنف أن المعلق على شرط أو وصفة يحتمل التكرار، والحق أنه يوجبه على هذا المذهب" "التلويح على التوضيح 2/71"، وقال البزدوي: "وقال عامة مشايخنا: لا توجبه ولا تحتمله بكل حال" "كشف الأسرار على أصول البزدوي 1/122"، وقال عبد العزيز البخاري: "والمذهب الصحيح عندنا أنه لا يوجب التكرار، ولا يحتمله سواء كان مطلقاً أو معلقاً بشرط، أو مخصوصاً بوصف، إلا الأمر بالفعل يقع على أقل جنسه" "كشف الأسرار 1/123"، وقال الكمال بن الهمام: "الشرط هنا علة فيتكرر بتكررها اتفاقاً" "تيسير التحرير 1/353"، وقال ابن عبد الشكور: "فإن كان علة فهل يتكرر بتكررها؟ والحق نعم، وقيل: لا، فدعوى الإجماع في العلة، كما في المختصر وغيره، غلط" "فواتح الرحموت 1/386". "وانظر: العدة 1/275، مختصر البعلي ص101، المعتمد 1/115، الإحكام للآمدي 2/161، المستصفى 2/7، تفسير النصوص 2/318". 1 ساقطة من ض. 2 انظر: المحصول ? 1 ق2/179، المستصفى 2/8، جمع الجوامع 1/280، الإحكام للآمدي 2/161 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/83، أصول السرخسي 1/20، 21، فواتح الرحموت 1/386، التمهيد ص79، المسودة ص20، الروضة 2/200، العدة 1/276، القواعد والفوائد الأصولية ص172، تفسير النصوص 2/318 وما بعدها. 3 القواعد والفوائد الأصولية ص172. 4 ساقطة من ض، وسقط من ب: إذا وجدتِ العلةُ وجد الحكم، لا أنه. 5 انظر: الإحكام للآمدي 2/161، المحصول ? 1 ق2/183، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/83، الروضة 2/200، العدة 1/276.

"وَ" الأَمْرُ "لِلْفَوْرِ"1 سَوَاءٌ قِيلَ: إنَّ الأَمْرَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَوْ لا عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ، وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ2.

_ 1 المقصود من كون الأمر للفور أن يبادر المكلف لامتثال الأمر وتنفيذه بعد سماعه دون تأخير، فإن تأخر عن الأداء كان مؤاخذاً، قال صدر الشريعة: "المراد بالفور الوجوب في الحال، والمارد بالتراخي عدم التقيد بالحال لا التقيد بالمستقبل. حتى لو أداه في الحال يخرج عن العهدة" "التوضيح على التنقيح 2/188"، وقال عبد العزيز البخاري: "ومعنى قولنا على الفور أنه يجب تعجيل الفعل في أوقات الإمكان، ومعنى قولنا على التراخي: أنه يجوز تأخيره عنه، وليس معناه أنه يجب تأخيره عنه" "كشف الأسرار 1/254". "وانظر: اللمع ص8، فواتح الرحموت 1/387، جمع الجوامع 1/381، تخريج الفروع ص40، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص321". وفي ب: إلا للفور. 2 إن القول بان الأمر للفور هو رأي بعض الشافعية كأبي بكر الصيرفي والقاضي أبي الطيب الطبري وأبي حامد وأبي بكر الدقاق، وهو قول الظاهرية، وبعض الحنفية، وقد نسب المصنف القول به للحنفية تساهلا كما فعل الجويني والبيضاوي والفخر الرازي وغيرهم، والصواب أنه قول أبي الحسن الكرخي منهم وتبعه بعض الحنفية، وأن أكثر الحنفية يرون أن الأمر لمطلق الطلب فقط، قال ابن عبد الشكور في "مسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت 1/387": "هو لمجرد الطلب فيجوز التأخير كما يجوز البدار" وقال عبد العزيز البخاري في "كشف الأسرار 254": "اختف العلماء في الأمر المطلق أنه على الفور أم على التراخي، فذهب أكثر أصحابنا وأصحاب الشافعي وعامة المتكلمين إلى أنه على التراخي، وذهب بعض أصحابنا، منهم أبو الحسن الكرخي.. إلى أنه على الفور. وانظر تحقيق المسألة في "تيسير التحرير 1/356، أصول السرخسي 1/26ن التوضيح على التنقيح 2/188، المعتمد 1/120، الإحكام لابن حزم 1/294، شرح تنقيح الفصول ص128، البرهان للجويني 1/231، 241، المنخول ص 111، الإحكام للآمدي 1/165، التبصرة ص52، المحصول? 1 ق2/189، المستصفى 2/9ن مختصر ابن الحاجب 2/83، نهاية السول 2/55، جمع الجوامع 1/381، العبادي على الورقات ص85، مختصر البعلي ص101، المسودة ص24، 25، التمهيد ص80، الروضة 2/202 وما بعدها، العدة 1/281، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص322، تفسير النصوص 2/345، القواعد والفوائد الأصولية ص189، مختصر الطوفي ص89، مباحث الكتاب والسنة ص10، إرشاد الفحول ص99".

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ مِنْهُمْ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ. وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا1 تَأْخِيرَ الْحَجِّ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ2. وَقِيلَ: لا يَقْتَضِي الْفَوْرَ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ الْعَزْمُ3. وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ لُغَةً. قَالَهُ أَكْثَرُ الأَشْعَرِيَّةِ، فَإِنْ بَادَرَ امْتَثَلَ4

_ 1 في ش: جوز. 2 اختلف العلماء فيما يترتب على التراخي، بأن يموت المأمور به بعد تمكنه منه وقبل الفعل، فإنه لا يموت عاصياً عند الأكثرين، وقال قوم يموت عاصياً، وقال النووي: "فيه أوجه ... والأصح العصيان" "المجموع 7/90". "وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص75 وما بعدها، نزهة الخاطر 2/86، الإحكام للآمدي 2/20، أصول السرخسي 1/26، كشف الأسرار 1/255، شرح تنقيح الفصول ص129، الإحكام لابن حزم 1/299، المجوع للنووي 7/82، 83، 88، المغني 2/232، المسودة ص25، شرح الكوكب المنير 1/373". 3 يرى أكثر الحنفية والشافعية أن الأمر لمجرد الطلب، وأنه لا يقتضي الفور ولا التراخي، وصرح الجويني فقال: "والوجه أن يعبر: الصيغة تقتضي الامتثال" "البرهان 1/233، 235"، وهذه رواية عن أحمد، وهو الراجح عند المالكية كما اختره ابن الحاجب، وقالت المعتزلة: لا يقتضي التعجيل، ولا يشترطون العزم، ووقع تساهل في عبارات بعض العلماء الأصول أن الأمر للتراخي وينسبونه للشافعية، والتحقيق أنهم يقصدون أن التأخير جائز، قال الشيرازي: "والتعبير بكونه يفيد التراخي غلط ... " وهذا ما حققه علماء الشافعية. انظر تحقيق المسألة وأقوال العلماء فيها مفصلة مع الأدلة والمناقشة في "نهاية السول 2/55، التبصرة ص53، اللمع ص8، 9، المحصول ? 1 ق2/189، جمع الجوامع 1/381، المعتمد 1/120، 129، الإحكام للآمدي 1/165، المستصفى 2/9، فواتح الرحموت 1/387 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/83، البرهان 1/232، الإحكام لابن حزم 1/294 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص129، المسودة ص24، 25، مختصر البعلي ص 101، المنخول ص 111، تيسير التحرير 2/356 وما بعدها، القواعد والفوائد الأصولية ص179، 180، العدة 1/282، مختصر الطوفي ص89، التمهيد ص80، الروضة 2/202، أصول السرخسي 1/28، إرشاد الفحول ص99، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص321 وما بعدها، تفسير النصوص 2/345 وما بعدها". 4 تعددت الأقوال في مسألة الأمر للفور أو للتراخي أو لمجرد الطلب والامتثال أو الوقف أو غير ذلك، ولكل قولٍ دليله. "انظر: جمع الجوامع 1/382، البرهان للجويني 1/232، 246، كشف الأسرار 1/254، تيسير التحرير 1/357، الإحكام للآمدي 2/165، المنخول ص111، المحصول ? 1 ق2/189، المستصفى 2/9، مختصر ابن الحاجب 2/83، 84، نهاية السول 2/55، المسودة ص25، 26، الروضة 2/202، مختصر الطوفي ص89-90، التمهيد ص80، التبصرة ص53، القواعد والفوائد الأصولية ص180، العدة 1/282، إرشاد الفحول ص99، مباحث الكتاب والسنة ص120 وما بعدها، مختصر البعلي ص 101".

"وَفَعَلَ عِبَادَةً لَمْ يُقَيَّدْ" فِعْلُهَا "بِوَقْتٍ" فِي حَالَةِ كَوْنِ الْفِعْلِ "مُتَرَاخِيًا" عَنْ الْفَوْرِ بِهِ1 عَلَى الْقَوْلِ بِهَا "أَوْ مُقَيَّدٌ بِهِ" أَيْ بِوَقْتِ "بَعْدَهُ" أَيْ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي قُيِّدَ بِهِ "قَضَاءً بِالأَمْرِ الأَوَّلِ" لا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فِي الصُّورَتَيْنِ. أَمَّا فِي الأُولَى -وَهِيَ "مَا2 إذَا لَمْ يُقَيَّدْ الأَمْرُ بِوَقْتٍ وَقُلْنَا بِالْفَوْرِيَّةِ، وَفَعَلَهُ مُتَرَاخِيًا- فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ. وَإِنْ قُلْنَا: الأَمْرُ لِلتَّرَاخِي فَلَيْسَ بِقَضَاءٍ3. وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ - وَهِيَ مَا4 إذَا كَانَ الأَمْرُ مُقَيَّدًا بِوَقْتٍ5 وَفَعَلَهُ بَعْدَهُ - فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِيهَا أَيْضًا بِالأَمْرِ الأَوَّلِ. اخْتَارَهُ6 الْقَاضِي وَالْحَلْوَانِيُّ وَالْمُوَفَّقُ وَابْنُ حَمْدَانَ وَالطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُمْ7.

_ 1 ساقطة من ض ب. 2 ساقطة من ز ع ض ب. 3 نقل المجد عن الجويني أنه قال: "أجمع المسلمون على أن كل مأمور به بأمر مطلق إذا أخره ثم أقامه, فهو مؤد, لا قاض" ثم ذكر المجد الاختلاف بين علماء الحنفية في ذلك فقال: "قال الرازي منهم كالجمهور, وقال غيره: إنه يسقط كالموت عندهم, هذا قول الكرخي وغيره, وأبي الفرج المالكي" "المسودة ص26". وانظر: العدة1/293,294, الإحكام للامدي2/179, فتح الغفار1/42. 4 ساقطة من ض ب. 5 في ض: بالوقت. 6 في ع: واختاره. 7 وهو قول المقدسي من الحنابلة, وقول الحنفية وبعض الشافعية. "انظر: مختصر البعلي ص102, العدة1/293, القواعد والفوائد الأصولية ص180, مختصر الطوفي ص90, الروضة2/204,206, المسودةص27, فتح الغفار1/42, شرح تنقيح الفصول ص144, البرهان للجويني 1/265,267, المعتمد1/146, الإحكام للآمدي2/179, اللمع ص9, التبصرة ص64, المنخول ص121, المستصفى2/10, العضد على ابن الحاجب2/92, جمع الجوامع1/382, إرشاد الفحول ص106".

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ فِي1 بَابِ الْحَيْضِ: وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ الصَّوْمَ إجْمَاعًا، وَتَقْضِيهِ إجْمَاعًا هِيَ وَكُلُّ مَعْذُورٍ بِالأَمْرِ السَّابِقِ لا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فِي الأَشْهَرِ2. "والأمرُ بـ" شيءٍ "معينٍ3 نهيٌ عن ضده "أي ضدِّ ذلك المعين "معنىً" أي من جهة المعنى، لا من جهة اللفظ4، عند أصحابنا والأئمةِ الثلاثة، وذكره أبو

_ 1 ساقطة من ش. 2 الفروع1/260. يرى جمهور الفقهاء أنه لابد من أمر جديد, وهو قول أبي الخطاب من الحنابلة, واختاره ابن عقيل منهم, وقواه المجد ابن تيمية, ولكل قول دليله. "انظر: المستصفى2/11, المسودة ص27, أصول السرخي1/45,46, الإحكام لابن حزم1/203, الروضة 2/204, مختصر الطوفي ص90, شرح تنقيح الفصول ص129,144, البرهان للجويني 1/265, مختصر البعلي ص102, العدة 1/296, المعتمد 1/146, الإحكام للآمدي 2/179, اللمع ص9, التبصرة ص64, المنخول ص120, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/92, جمع الجوامع 1/382, إرشاد الفحول ص106, مباحث الكتاب والسنة ص125, أصول الفقه الإسلامي ص262". 3 قيد المصنف الأمر بالشيء المعين للاحتراز عن الأمر بشيء غير معين كالواجب المخير, وعن الأمر بشيء في وقت موسع, كالواجب الموسع, فإن الآمر بهما ليس نهياً عن الضد باتفاق. "انظر: التبصرة ص89". 4 قال القرافي: "أريد به أن الأمر يدل بالالتزام, لا بالمطابقة" "شرح تنقيح الفصول ص13", وقال البعلي: "وعند أكثر الأشاعرة من جهة اللفظ, بناء على أن الأمر والنهي لا صيغة لهما" "مختصر البعلي ص101", وقال الفخر الرازي:" اعلم أنا لا نريد بهذا أن صيغة الأمر هي صيغة النهي, بل المراد أن الأمر بالشيء دال على أن المنع من نقيضه بطريق الالتزام" " المحصول2/324", وقال أبو الحسين البصري: "فالخلاف في الاسم" "المعتمد1/106".

الخطاب عن الفقهاء، وقاله الكعبي وأبو الحسين المعتزلي1. قَالَ القاضي: بناء على أصلِنا أن2 مطلقَ الأمرِ للْفَوْرِ3. وعن باقي المعتزلة: ليس نهيا عن ضده، بناء على أصلِهم في اعتبار إرادةِ الناهي، وليست معلومةً، وقطع به النووي في الروضة في كتاب الطلاق؛ لأن القائل: اسكن قد يكون غافلاً عن ضد السكون، وهو الحركة فليس عينَه، ولا يتضمنه4. وعند الأشعرية: الأمر معنًى في النفس، فقال بعضهم: هو عين النهي عن ضده الوجودي، وهو قول الأشعري، قَالَ أبو حامد: بنى الأشعري ذلك على أن الأمر لا صيغة له، وإنما هو معنًى قائمٌ في النفس، فالأمر عندهم هو نفسُ النهي من هذا الوجه، أي فاتصافه بكونه أمرا ونهيا كاتصاف الكونِ الواحد بكونه قريبًا من شيءٍ بعيدا من شيء 5.

_ 1 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص183ومختصر الطوفي ص88, المسودة ص49, العدة2/368, أصول السرخسي 1/94, الإحكام لابن حزم 1/314, شرح تنقيح الفصول ص136 والبرهان للجويني 1/250, تيسير التحرير 1/362, مختصر البعلي ص101, المعتمد 1/106, الإحكام للآمدي 1/170, اللمع ص11, التبصرة ص89, جمع الجوامع 1/386, العبادي على الوراقات ص19, تخريج الفروع على الأصول ص128, إرشاد الفحول ص101 2 في ش ز: لأن, ولأعلى من"العدة" وبقية النسخ. 3 قال القاضي أبو يعلى: "الأمر بالشيء نهي عن ضده عن طريق المعنى, سواء كان له ضد واحد أو أضداد كثيرة, وسواء كان مطلقاً أو معلقاً بوقت مضيق, لأن من أصلنا: أن إطلاق الأمر يقتضي الفور" "العدة1/368". وسبق بحث هذه المسألة في المجلد الأول ص390, وانظر: أصول الفقه الإسلامي ص297. 4 انظر: البرهان للجويني1/250, تيسير التحرير1363, مختصر البعلي ص101, المعتمد1/106, الإحكام للآمدي2/171, اللمع ص11, التبصرة ص90, المحصول? 1 ق2/334, مختصر الطوفي ص88, 89, المسودة ص49, العدة 2/370. 5 انظر: البرهان 1/250، تيسير التحرير 1/362، المسودة ص49، القواعد والفوائد الأصولية ص183، العدة 2/370.

وقال ابن الصباغ وأبو الطيب والشيرازي: إنه ليس عينَ النهي، ولكنه يتضمنُه ويستلزمُه من طريق المعنى، ونُقِلَ هذا عن أكثر الفقهاء، واختاره الآمدي، إلا أن1 يقول2 بتكليفِ المحالِ3. وقال أبو المعالي والغزالي والكِيا الهِرَّاسِيُّ 4: إنه ليس عينَ النهي5 عن ضِدِّه ولا يقتضيه6. وللقاضي أبي بكر الباقلاني الأقوال الثلاثة المتقدمة7. وعند الرازي في ”المحصول“: يقتضي الكراهةَ، لأن النهي لما لم يكن مقصودًا سمي اقتضاء؛ لأنه ضروري، فيثبت به8 أقلُّ ما يثبت بالنهي، وهو الكراهة 9.

_ 1 في ش: أنه. 2 في ض ب: نقول. 3 وهذا ما نقله الجويني أنه آخر ما قاله القاضي أبو بكر الباقلاني, وهو ما اختاره السرخسي والنسفي وابن نجيم وغيرهم من الحنفية. "انظر: الإحكام للآمدي1/172, البرهان للجويني1/250, أصول السرخسي1/94, التوضيح على النتقيح2/238, فتح الغفار بشرح المنار2/60, التبصرة ص55,89, جمع الجوامع1/386, تيسير التحرير1/363, العدة1/370, العضد على ابن الحاجب2/85". 4 ساقطة من ض ب. 5 في ش ع: النهي. 6 وهو قول الآمدي على القول بجواز التكليف بالمحال. " انظر: الإحكام للآمدي2/171, المستصفى1/82, البرهان للجويني1/252, تيسير التحرير1/362, المسودة ص49, جمع الجوامع1/387, القواعد والفوائد الأصولية ص183, المنخول ص114, إرشاد الفحول ص102". 7 انظر: الإحكام للآمدي2/170, المستصفى1/81, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه1/8, جمع الجوامع1/386. 8 ساقطة من ض ب. 9 وهذا ما نقله الكمال بن الهمام عن فخر الإسلام البزدوي والقاضي أبي زيد الدبوسي وأتباعهما, وهناك أقوال أخرى في المسألة. "انظر: المحصول ? 1 ق2/324وما بعدها, تيسير التحرير1/363,367, البرهان للجويني1/250,251, التوضيح على التنقيح2/238".

والمراد بالضد هنا الوجودي، وذلك لأنه هو من لوازم الشيء المأمور به1. "وكذا العكس" يعني أن النهي عن شيء يكون أمرا بضده2. ثم إنه قد يكون للمأمور ضد واحد، كالأمر بالإيمان فإنه نهي عن الكفر، وقد يكون للمنهي عنه ضد واحد، كالنهي عن صوم يوم العيد، فإنه أمر بفطره3، وقد يكون لكل منهما أضداد، وهو المشار إليه بقوله: "ولو تعدد الضد"4 وذلك كالأمر بالقيام، فإن له أضداد من قعود وركوع وسجود واضطجاع5.

_ وأتباعهما, وهناك أقوال أخرى في المسألة. "انظر: المحصول ? 1 ق2/324وما بعدها, تيسير التحرير1/363,367, البرهان للجويني1/250,251, التوضيح على التنقيح2/238". 1 ساقطة من ع ض. وانظر: تيسير التحرير1/363, المحصول ? 1 ق2/337, البناني على جمع الجوامع1/386, العبادي على الورقات ص91. 2 انظر: البرهان للجويني1/350, اللمع ص14, الإحكام للآمدي2/173, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه2/88,85, جمع الجوامع1/388, العبادي على الورقات ص91 أصول السرخسي1/96, المسودة ص81, القواعد والفوائد الأصولية ص183, مختصر البعلي ص102, العدة2/430,372. 3 انظر: المعتمد1/107, تيسير التحرير1/363, إرشاد الفحول ص101. 4 في ب: ضد. 5 جمع المصنف رحمه الله تعالى بين مسألتي الأمر والنهي إذا تعدد الضد في كل منهما, وقد ميز العلماء بين المسألتين, فقالوا: إن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده, وأن النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده فقط, وهو ما صرح به القاضي أبو يعلى في "العدة2/430,372". "انظر: المسودة ص81, العدة2/368, مختصر البعلي ص102, أصول السرخسي1/96,94, فواتح الرحموت1/97, المستصفى1/81, شرح تنقيح الفصول ص177.136.135, البرهان للجويني1/250, تيسير التحرير1/363, المعتمد1/108, اللمع ص14, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه2/87 وما بعدها, إرشاد الفحول ص102, أصول الفقه الإسلامي ص299".

ووجه ذلك أن أمر الإيجاب طلبُ فعلٍ يُذَمُّ تاركُه إجماعًا ولا ذمَّ إلا على فعل، وهو الكفُّ عن المأمور به، أو1 الضدِّ، فيستلزمُ النهيُ عن ضده، أو النهيُ عن الكف عنه2. ورده القائلُ بأن3 الأمرَ بمعيَّنٍ4 لا يكون نهيا عن ضده بأن الذَّمَ على الترك بدليل خارجي5 عن الأمر، وإن سُلِّم فالنهيُ طلبُ كَفٍّ عن فعل، لا عن كفٍّ، وإلا لزم تصورُ الكَفِّ عن الكَفِّ لكل أمر، والواقعُ خِلافُهُ6. وفي هذا الرد نظرٌ ومَنْعٌ؛ ولأن المأمور به لا يتم إلا بترك ضده، فيكون مطلوبًا، وهو معنى النهي، والخلافُ في كون النهي عن شيء لا يكون أمرًا بضده، كالخلاف في كون الأمر بالشيء لا يكون نهيا عن ضده، والصحيح من الخلافين ما في المتن7. "وَنَدْبٌ كَإِيجَابٍ" يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ أَمْرِ النَّدْبِ حُكْمُ أَمْرِ الإِيجَابِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ الْقَاضِي8 وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ، إنْ قِيلَ

_ 1 في ع ب: و. 2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص137, تيسير التحرير1/364 وما بعدها, العدة2/431. 3 في ش ز: أن 4 في ع ض ب: بمعنى 5 في ض ب: خارج. 6 انظر: تيسير التحرير1/365, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه2/86 وما بعدها, جمع الجوامع والمحلي عليه1/389, إرشاد الفحول ص102, العدة1/370وما بعدها. 7 انظر أدلة هذه الأقوال مع مناقشتها بتفصيل في المراجع السابقة في هامش6 والمرجع المشار إليهما في الصفحة السابقة هامش5,2. 8 قال القاضي أبو يعلى:"إذا صرف الأمر عن الوجوب جاز أن يحتج به على الندب والجواز, ويكون حقيقة فيه, ولا يكون مجازاً, وهذا بناء على أصلنا: أن المندوب مأمور به" ثم ذكر أقوال الحنفية بخلاف ذلك, وأقوال الشافعية. "انظر: العدة2/374".

إنَّ النَّدْبَ1 مَأْمُورٌ2 بِهِ حَقِيقَةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً3. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَأَمْرُ النَّدْبِ كَالإِيجَابِ عِنْدَ الْجَمِيعِ إنْ قِيلَ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ فِي التَّقْرِيبِ، وَحُمِلَ النَّهْيُ عَنْ الضِّدِّ فِي الْوُجُوبِ تَحْرِيمًا. وَفِي النَّهْيِ تَنْزِيهًا. قَالَ: وَ4بَعْضُ أَهْلِ الْحَقِّ خَصَّصَ5 ذَلِكَ بِأَمْرِ الإِيجَابِ لا النَّدْبِ، وَهُوَ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ الأَشْعَرِيِّ6. "وَالأَمْرُ بَعْدَ حَظْرٍ، أَوْ" بَعْدَ "اسْتِئْذَانٍ، أَوْ" كَانَ "بِمَاهِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ بَعْدَ سُؤَالِ تَعْلِيمَ": "لِلإِبَاحَةِ" فِي الْمَسَائِلِ الثَّلاثِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِنَّ. وَالإِبَاحَةُ فِي الأَوْلَى، وَهِيَ الأَمْرُ بَعْدَ الْحَظْرِ: حَقِيقَةً لِتَبَادُرِهَا إلَى الذِّهْنِ فِي

_ 1 في ض ب: المندوب. 2 في ع ض: حكم مأمور. 3 المجلد الأول ص405. وانظر: المسودة ص50, جمع الجوامع1/387, شرح تنقيح الفصول ص136, تيسير التحرير1/363,347, المعتمد1/107, المع ص11,7, المحصول? 1 ق2/353, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه1/85, مختصر البعلي ص102. 4 ساقطة من ض ب. 5 في ض: وخصوا, وفي ب: خص. 6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص136, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه2/89,85 وما بعدها.

ذَلِكَ، لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ لَهُ1 فِيهَا حِينَئِذٍ، وَالتَّبَادُرُ عَلامَةُ الْحَقِيقَةِ2. وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ، فَوُرُودُ الأَمْرِ بَعْدَهُ يَكُونُ لِرَفْعِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ. فَالْوُجُوبُ أَوْ النَّدْبُ زِيَادَةٌ لا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ3. وَمِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ قَوْله4 تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} 5 {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} 6 {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ 7 مِنْ حَيْثُ

_ 1 ساقطة من ض ب. 2 وهذا قول الشافعي, وبعض المالكية, ونقله ابن برهان عن أكثر الفقهاء والمتكلمين, ورجحه ابن الحاجب والآمدي والطوفي وغيرهم. ويرى الطوفي أن الأمر بعد الحظر يقتضي الإباحة من حيث العرف, لا اللغة’, لأنه في اللغة يقتضي الوجوب, وهو ما أيده الكمال بن الهمام وابن عبد الشكور, وقالا: "إن الإباحة في عرف الشرع". "انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه2/91, نهاية السول2/40, جمع الجوامع1/378, فتح الرحموت1/379, تيسير التحرير2/345, كشف الأسرار1/121,120, التوضيح على التنقيح2/62, المعتمد1/82, الإحكام للآمدي2/178, التبصرة ص38, المنخول ص131, البرهان للجويني1/263, أصول السرخسي1/19, شرح تنقيح الفصول ص139,138, المسودة ص16, مختصر الطوفي ص86, نزهة الخاطر2/76, اللمع ص8, المستصفى1/435, الروضة2/198, العدة1/256, التمهيدص74, القواعد والفوائد الأصولية ص165, مختصر البعلي ص99, مباحث الكتاب ص123". 3 انظر مزيداً من الأدلة لهذا القول في المراجع السابقة. 4 في ب: في قوله. 5 الآية 2 من المائدة, وقد وردت هذه الآية بعد قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} المائدة/1, وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرمٌ} المائدة/95. 6 الآية10 من الجمعة, وقد وردت هذه الآية بعد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الجمعة/9. 7 هنا تنتهي الآية في ع ض ب.

أَمَرَكُمْ اللَّهُ} 1. وَمِنْ ذَلِكَ فِي السُّنَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ فَادَّخِرُوهَا" 2. وَالأَصْلُ عَدَمُ دَلِيلٍ سِوَى الْحَظْرِ. وَالإِجْمَاعُ حَادِثٌ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ: لا تَأْكُلْ هَذَا. ثُمَّ يَقُولُ لَهُ3: كُلْهُ4. وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى5، وَأَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ، وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ6 مِنْ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ كَالأَمْرِ

_ 1 الآية222البقرة: وهذه الآية وردت بعد قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ} البقرة/222. 2 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والحاكم عن عائشة وعلي وغيرهما مرفوعاً بألفاظ متقاربة. "انظر: صحيح البخاري3/319, صحيح مسلم3/1561, سنن أبي داود2/89, تحفة الأحوذي5/99, سنن النسائي4/73, سنن ابن ماجه2/1055, الموطأ ص299 ط الشعب, مسند أحمد6/51, المستدرك4/232, تخريج أحاديث البزدوي ص225, نيل الأوطار5/143, فيض القدير5/55,45". 3 ساقطة من ش ز ض ب. 4 انظر: التبصرة ص39, المحصول ? 1 ق2/160, وما بعدها, نهاية السول1/41, جمع الجوامع1/378، البرهان للجويني1/263, مختصر ابن الحاجب والعضد عليه2/91, فواتح الرحموت1/380, تيسيرالتحرير1/346, مختصر الطوفي ص87, العدة1/257وما بعدها, مباحث الكتاب والسنة ص87. 5 لم يبين القاضي أبو يعلى رأيه في كتابه"العدة" وإنما اكتفى بذكر الرأي الأول, ثم الرأي الثاني والاستدلال لكل منهما, ومناقشة أدلة القول الثاني وردها, "العدة1/263,256", ولعله ذكر الرأي الأعلى في كتاب آخر. 6 هو عبيد الله بن مسعود بن محمود بن أحمد, المحبوبي البخاري , الإمام الحنفي, كان فقيهاً أصولياً, محدثاً مفسراً, لغوياً أديباً, متكلماً, وكان حافظاً للشريعة, متقناً للأصول والفروع, متبحراً في المنقول والمعقول, عرف بصدر الشريعة منذ نشأته فاشتهر بذلك بين أقرانه وشيوخه وتلاميذه, شرح كتاب "الوقاية" لجده تاج الشريعة محمود, ثم اختصره "الوقاية" وسماه "النقاية" وألف في الأصول متنا مشهوراً اسمه "التنقيح" ثم شرحه بكتابه "التوضيح على التنقيح", ثم جاء التفتازاني وعمل عليه حاشية سماها "التلويح" مطبوع عدة مرات, توفي في بخارى سنة 747? انظر ترجمته في "الفوائد البهية ص109, تاج التراجم ص40, الفتح المبين2/155, الأعلام للزركلي4/354".

ابْتِدَاءً1. وَاسْتُدِلَّ لِلْوُجُوبِ بِقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 2. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالإِبَاحَةِ: أَنَّ الْمُتَبَادِرَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَفِي الآيَةِ إنَّمَا عُلِمَ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ3. وَذَهَبَ أَبُو الْمَعَالِي وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَالآمِدِيُّ إلَى الْوَقْفِ فِي الإِبَاحَةِ

_ 1 أي أنه للوجوب, وأن النهي السابق لا يصلح قرينة لصرف الأمر من الوجوب إلى الندب أو الإباحة, وهو قول المعتزلة وأكثر الحنفية, واختاره الباجي وكثر أصحاب مالك والبيضاوي, قال السرخسي: "الأمر بعد الحظر: الصحيح عندنا أن مطلقه الإيجاب" "أصول السرخسي1/19". انظر أصحاب هذا القول مع أدلته ومناقشتها في "التوضيح على التنقيح2/62 ط الخشاب, كشف الأسرار1/121,120, فتح الغفار1/32, تيسير التحرير1/345, وفواتح الرحموت1/37, العضد على ابن الحاجب2/91, نهاية السول2/40, جمع الجوامع1/378, المستصفى1/435, الإحكام للآمدي2/178, اللمع ص8, التبصرة ص38, المنخول ص131, المحصول ? 1 ق2/159, المعتمد1/82, الإحكام للآمدي2/178, التمهيد ص74, القواعد والفوائد الأصولية ص165, العدة1/257وما بعدها, الروضة2/198, المسودة ص16, شرح تنقيح الفصول ص139, مختصر البعلي ص100, مباحث الكتاب والسنة ص124. 2 الآية5 من التوبة. 3 انظر مناقشة أدلة القول الثاني في "التلويح على التوضيح2/62, الروضة2/199, مختصر ابن الحاجب2/87, كشف الأسرار1/121, تيسير التحرير1/345, العدة1/259, والمراجع السابقة".

وَالْوُجُوبِ. لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ1. وَقِيلَ: لِلنَّدَبِ2. وَأَسْنَدَ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ3 إلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ الإِنْسَانَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ الْجُمُعَةِ نُدِبَ لَهُ أَنْ يُسَاوِمَ شَيْئًا، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِهِ4. وَذَهَبَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجَمْعٌ إلَى5 أَنَّهُ لِرَفْعِ الْحَظْرِ السَّابِقِ وَإِعَادَةِ حَالِ الْفِعْلِ إلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْحَظْرِ6.

_ 1 انظر: المستصفى1/435, المنخول ص131, البرهان1/264, جمع الجوامع1/378. العضد على ابن الحاجب2/91, التلويح على التوضيح2/63, المسودة ص17, شرح تنقيح الفصول ص140, فواتح الرحموت1/379, الإحكام للآمدي2/178,. 2 وهو قول القاضي حسين من الشافعية. "انظر: مختصر البعلي ص100, القواعد والفوائد الأصولية ص165, التمهيد ص74, التوضيح على التنقيح2/62, كشف الأسرار1/121". 3 هو مسعود بن عمر بن عبد الله , سعد الدين التفتازاني, العلامة الشافعي, كان أصولياً مفسراً, متكلماً متحدثاً, نحوياً أديباً, ولد بتفتازان من بلاد خرسان, ثم رحل إلى سرخس, وأقام بها حتى أبعده تيمورلنك إلى سمرقند, فجلس فيها للتدريس, وأقبل عليه الطلاب والعلماء, واشتهرت تصانيفه في الآفاق, وكان الشريف الجرجاني في بدء أمره يعتمد عليها, ويأخذ منها, ومن مؤلفاته: "التلويح في كشف حقائق التنقيح" في الأصول, و "تهذيب المنطق والكلام" و "حاشية على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب" في الأصول, و "شرح على العقائد النسفية" و "شرح مقاصد الطالبين في علم أصول الدين" وغيرهما, توفي بسمرقند سنة791?, وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الدرر الكامنة5/119, الفتح المبين2/206, بغية الوعاة2/285, البدرالطالع2/303, الأعلام للزركلي8/113". 4 انظر: التلويح2/62. 5 ساقطة من ز ع ض ب. 6 وهو رأي الكمال بن الهمام من الحنفية وغيره. "انظر: المسودة ص16وما بعدها, تيسير التحرير1/346, مختصر البعلي ص100, مختصر الطوفي ص86, شرح تنقيح الفصول ص140, القواعد والفوائد الأصولية ص165, مباحث الكتاب والسنة ص124".

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ1 {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 2. قَالَ الْكُورَانِيُّ: هَذَا الْخِلافُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ، وَأَمَّا مَعَ وُجُودِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ3. انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ كَوْنُ الأَمْرِ بَعْدَ الاسْتِئْذَانِ لِلإِبَاحَةِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ عَنْ الأَصْحَابِ. وَقَالَ: لا فَرْقَ بَيْنَ الأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ وَبَيْنَ الأَمْرِ بَعْدَ الاسْتِئْذَانِ4. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ: إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الأَمْرَ الْمُجَرَّدَ لِلْوُجُوبِ، فَوُجِدَ أَمْرٌ بَعْدَ اسْتِئْذَانٍ، فَإِنَّهُ لا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، بَلْ الإِبَاحَةَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَحِلَّ وِفَاقٍ. قُلْت: وَكَذَا ابْنُ عَقِيلٍ5. انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَإِطْلاقُ جَمَاعَةٍ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. مِنْهُمْ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ وَالاسْتِئْذَانِ: الْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ.

_ 1 المسودة ص18. 2 الآية 5 من التوبة. 3 وهناك أقوال أخرى في المسالة، كالتفصيل بين الأمر الصريح بلفظه، وبين صيغة "أفعل"، وهو رأي ابن حزم الظاهري والمجد بن تيمية. "انظر: مختصر الطوفي ص18، 19، 20، الإحكام لابن حزم1/321, مختصر البعلي ص100, الإحكام للآمدي 2/178, البرهان للجويني1/264, القواعد والفوائد الأصولية ص165, الروضة2/198". 4 انظر: التمهيد ص75, المسودة ص18, فواتح الرحموت1/379, نهاية السول 2/41, جمع الجوامع 1/378. 5 القواعد والفوائد الأصولية ص169.

وَاخْتَارَ أَنَّ الأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْوُجُوبِ. فَكَذَا بَعْدَ الاسْتِئْذَانِ عِنْدَهُ1 انْتَهَى. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ لِمَا اسْتَدَلاَّ عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ بِلَحْمِ الإِبِلِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ لَمَّا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوُضُوءِ2 مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ 3فَقَالَ: "نَعَمْ يُتَوَضَّأُ 4 مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ" 5. وَمِمَّا يُقَوِّي الإِشْكَالَ: أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الأَمْرَ بِالصَّلاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ6 وَهُوَ بَعْدَ سُؤَالٍ، وَلا يَجِبُ بِلا خِلافٍ، وَلا7 يُسْتَحَبُّ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِمَ يَسْتَحِبُّونَ الْوُضُوءَ مِنْهُ؟ وَالاسْتِحْبَابُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ يَقْتَضِي الإِبَاحَةَ؟ قُلْت: إذَا قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ فَلِدَلِيلٍ غَيْرِ هَذَا الأَمْرِ. وَهُوَ أَنَّ الأَكْلَ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ يُورِثُ قُوَّةً نَارِيَّةً، فَنَاسَبَ8 أَنْ تُطْفَأَ9 بِالْمَاءِ، كَالْوُضُوءِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَلَوْ كَانَ الْوُضُوءُ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ10 الإِبِلِ وَاجِبًا عَلَى الأُمَّةِ، وَكُلُّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ لَحْمَ الإِبِلِ، لَمْ يُؤَخِّرْ بَيَانَ وُجُوبِهِ، حَتَّى يَسْأَلَهُ سَائِلٌ فَيُجِيبَهُ.

_ 1 القواعد والفوائد الأصولية ص170. وانظر: المحصول ? 1 ق2/159, فواتح الرحموت 1/379, نهاية السول 2/41. 2 في ز ع ض ب: التوضئ, وكذا في"القواعد والفوائد الأصولية ص170" فالنص منقول منه مع تصرف بسيط. 3 ساقطة من ض. 4 في ب: توضأ. 5 صحيح مسلم1/275, ومر تخريج الحديث كاملاً في المجلد الثاني ص366. 6 ونصه"قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم" انظر: النووي على صحيح مسلم4/48. 7 في ع ض ب: بل ولا, 8 في ز ع ض ب: فيناسب. 9 في ش ز ع ض ب: يطفأ, والأعلى من" القواعد والفوائد الأصولية ص170". 10 في ع ض ب: لحم.

فَعُلِمَ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ لُحُومِهَا مَشْرُوعٌ. وَهُوَ حَقٌّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ يُقَالُ: الْحَدِيثُ إنَّمَا ذُكِرَ فِيهِ بَيَانُ وُجُوبِ مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ 1الْغَنَمِ؟ قَالَ: "إنْ شِئْت فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْت فَلا تَتَوَضَّأْ" مَعَ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ لُحُومِ2 الْغَنَمِ مُبَاحٌ. فَلَمَّا خَيَّرَ فِي لَحْمِ الْغَنَمِ وَأَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لَحْمِ3 الإِبِلِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الإِذْنِ، بَلْ لِلطَّلَبِ الْجَازِمِ4. انْتَهَى. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ5. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ - وَهِيَ الأَمْرُ بِمَاهِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ بَعْدَ سُؤَالِ تَعْلِيمٍ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ: وَالأَمْرُ بِمَاهِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ بَعْدَ سُؤَالِ تَعْلِيمٍ، كَالأَمْرِ بَعْدَ الاسْتِئْذَانِ فِي الأَحْكَامِ وَالْمَعْنَى6. وَحِينَئِذٍ فَلا يَسْتَقِيمُ اسْتِدْلالُ الأَصْحَابِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ بِمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْك فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ فَقَالَ7: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ 8 عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ... " الْحَدِيثَ9

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 في ض ب: لحم. 3 ساقطة من ش ز. 4 القواعد والفوائد الأصولية ص170. 5 انظر: المغني1/141, المحرر في الفقه1/15, كشاف القناع1/147, الفروع لابن مفلح1/183. 6 انظر: التمهيد للإسنوي ص75. 7 في ش: فقل, وفي ز ع ض ب: قال, والأعلى من "القواعد والفوائد الأصولية". 8 في ش: صلى الله, وفي ز ب: صلي, وكذا في القواعد, وهو خطأ نحوي 9 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والبغوي عن أبي حميد الساعدي, وأبي مسعود الأنصاري وابن مسعود رضي الله عنهم مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري4/106, صحيح مسلم1/305, سنن أبي داود1/324, تحفة الأحوذي9/85, سنن النسائي3/38, سنن ابن ماجه1/293, مسند أحمد4/119, شرح السنة3/191, الموطأ ص120 ط الشعب, مختصر سنن أبي داود1/454".

نَعَمْ إنْ1 ثَبَتَ الْوُجُوبُ مِنْ خَارِجٍ. فَيَكُونُ هَذَا الأَمْرُ لِلْوُجُوبِ؛ لأَنَّهُ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةٍ وَاجِبَةٍ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ2. "وَنَهْيٌ" عَنْ شَيْءٍ "بَعْدَ أَمْرٍ" بِهِ "لِلتَّحْرِيمِ" قَالَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَالْمُوَفَّقُ وَالطُّوفِيُّ وَالأَكْثَرُ. وَحَكَاهُ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَ3الْبَاقِلاَّنِيّ إجْمَاعًا4. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ: لِلْكَرَاهَةِ. قَالَ5: وَتَقَدَّمَ الْوُجُوبُ قَرِينَةً فِي أَنَّ النَّهْيَ بَعْدَهُ لِلْكَرَاهَةِ، وَقَطَعَ بِهِ6. وَقَالَهُ الْقَاضِي و7َ أَبُو الْخَطَّابِ:

_ 1 في ش ز ع ب: إن, والأعلى من" القواعد والفوائد الأصولية". 2 القواعد والفوائد الأصولية ص170 وما بعدها. وانظر: التمهيد ص75. 3 ساقطة من ش ز. 4 قال الجويني:" وقد ذكر الأستاذ أبو إسحاق أن صيغة النهي بعد تقدم الوجوب محمولة على الحظر, والوجوب السابق لا ينتهض قرينة في حمل النهي على رفع الوجوب, وادعى الوفاق في ذلك" "البرهان1/265". "وانظر: مختصر الطوفي ص87, العدة1/262, الروضة2/201, المسودة ص17, 83, شرح تنقيح الفصول ص140, نهاية السول 2/41, جمع الجوامع 1/379, التمهيد ص81, مختصر البعلي ص100, المنخول ص130, المحصول? 1ق2/162, مختصر ابن الحاجب 2/95, تيسير التحرير 1/376". 5 في ع ض ب: فقال. 6 انظر: المسودة ص83, مختصر الطوفي ص87, مختصر البعلي ص100, جمع الجوامع 1/379. 7 في ش: وقال.

ثُمَّ سَلَّمَا1 أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ؛ لأَنَّهُ آكَدُ2. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هُوَ لإِبَاحَةِ التَّرْكِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "وَلا تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ" 3 ثُمَّ سَلِمَ أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ4. وَقِيلَ: لِلإِبَاحَةِ. كَالْقَوْلِ فِي مَسْأَلَةِ الأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْر5ِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قوله تعالى: {إنْ سَأَلْتُك عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} 6. وَوَقَفَ أَبُو الْمَعَالِي لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ7. وَفَرَّقَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ الأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ، وَالنَّهْيِ بَعْدَ الأَمْرِ بِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ مُقْتَضَى النَّهْيِ وَهُوَ التَّرْكُ مُوَافِقٌ لِلأَصْلِ، بِخِلافِ مُقْتَضَى الأَمْرِ، وَهُوَ الْفِعْلُ.

_ 1 في ش ب ز: سلمنا. 2 انظر: العدة1/262. 3 هذا الحديث بهذا اللفظ رواه ابن ماجه وأحمد عن جابر بن سمرة مرفوعاً, ورواه مسلم وغيره بألفاظ أخرى سبقت. "انظر: سنن ابن ماجه1/166, مسند أحمد5/105,102,97". 4 روضة الناظر2/199. 5 انظر: العدة1/262, التمهيد ص81, شرح تنقيح الفصول ص140, مختصر البعلي ص100, نهاية السول 2/41, المحلي على جمع الجوامع 1/379. 6 الآية76 من الكهف. 7 انظر: البرهان1/265. ونقل المجد بن تيمية غلط من ادعى في هذه المسألة إجماعاً, وقال ابن عقيل: لا يقتضي التحريم, ولا التنزيه، بل يقتضي الإسقاط لما أوجبه الأمر، وغلط من قال: يقتضي التنزيه فضلاً عن التحريم. "انظر: المسودة ص84، جمع الجوامع 1/389، تيسير التحرير 1/376، تفسير النصوص 2/384".

الثَّانِي: أَنَّ1 النَّهْيَ لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالأَمْرَ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَاعْتِنَاءُ الشَّارِعِ بِدَفْعِ الْمَفَاسِدِ أَشَدُّ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْقَوْلَ بِالإِبَاحَةِ فِي الأَمْرِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ سَبَبُهُ وُرُودُهُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرًا لِلإِبَاحَةِ. وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي النَّهْيِ بَعْدَ الْوُجُوبِ2. انْتَهَى "وَكَأَمْرٍ خَبَرٌ3 بِمَعْنَاهُ" يَعْنِي أَنَّ الأَمْرَ الَّذِي بِلَفْظِ الْخَبَرِ نَحْوُ قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} 4 حُكْمُهُ حُكْمُ الأَمْرِ الصَّرِيحِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ تَاجٌ لِلْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ دُونَ صُورَةِ اللَّفْظِ5. وَكَذَا النَّهْيُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ. وَمِنْهُ قوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 6. وَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّهُمَا كَالأَمْرِ وَالنَّهْي الصَّرِيحِ بِدُخُولِ النَّسْخِ فِيهِمَا؛ إذْ الأَخْبَارُ الْمَحْضَةُ لا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ 7. "وَأَمْرٌ" مِنْ الشَّارِعِ "بِأَمْرٍ" لآخَرَ "بِشَيْءٍ لَيْسَ أَمْرًا بِهِ" أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ8. كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ عَنْ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: "مُرْهُ

_ 1 ساقطة من ب. 2 انظر: المعتمد 1/112 وما بعدها، نهاية السول 2/41، المحلي على جمع الجوامع 1/379، اللمع ص14، تيسير التحرير 1/352، 376، شرح تنقيح الفصول ص140 وما بعدها، الروضة 2/201، نزهة الخاطر 2/77، التمهيد ص81، مختصر الطوفي ص87، العدة 1/262. 3 في ب: خبراً. 4 الآية 228 من البقرة. 5 انظر: مختصر البعلي ص100. 6 الآية 79 من الواقعة. 7 قال بعض الحنابلة: الخبر بمعنى الأمر لا يحتمل الندب. "انظر: مختصر البعلي ص100". 8 وهو ما صححه ابن الحاجب والقرافي والفخر الرازي وابن عبد الشكور وغيرهم. "انظر: مختصر ابن الحاجب 2/93، شرح تنقيح الفصول ص148، المحصول ? 1 ق2/426، فواتح الرحموت 1/390، تيسير التحرير 1/361، مختصر البعلي ص102، الإحكام للآمدي 2/182، المستصفى 2/13، نهاية السول 2/58، جمع الجوامع 1/384، الروضة 2/207، التمهيد ص75، القواعد والفوائد الأصولية ص190، إرشاد الفحول ص107".

فَلْيُرَاجِعْهَا" 1 وَ2قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُرُوهُمْ بِالصَّلاةِ3 لِسَبْعٍ" 4 وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَأْمُرْ أَهْلَك بِالصَّلاةِ} 5 لأَنَّهُ مُبَلِّغٌ لا آمِرٌ6، وَلأَنَّهُ لَوْ كَانَ آمِرًا

_ 1 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مره فليرجعها، أو ليطلقها طاهراً أو حاملاً". "انظر: صحيح البخاري 3/176 مط العثمانية، صحيح مسلم 2/1095، سنن أبي داود 1/503 تحفة الأحوذي 4/341، سنن النسائي 6/112، سنن ابن ماجه 1/652، مسند أحمد 1/44، 2/26، 43، سنن الدارمي 2/160". قال ابن دقيق العيد: "يتعلق ذلك بمسألة أصولية، وهي أن الأمرَ بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أو لا؟ وذكر الحافظ ابن حجر: أن من مثل بها فهو غالط، وأن ذلك تابع للقرينة". "انظر: إحكام الأحكام 2/203، فتح الباري 11/262 ط الحلبي، نيل الأوطار 6/250". 2 في ب: أو. 3 في ز ض ع ب: بها. 4 رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن ابن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً بلفظ: "مروا أولادكم بالصلاة.." ورواه الترمذي عن سبرة مرفوعاً بلفظ: "علموا الصبي الصلاة ... " وقال حديث حسن صحيح، وعليه العمل عند بعض أهل العلم، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي عليه. "انظر: سنن أبي داود 1/115، مسند أحمد 2/180، 187، تحفة الأحوذي 2/445، مختصر سنن أبي داود 1/270، تخريج أحاديث البزدوي ص327، المستدرك 1/258، 197، فيض القدير 5/521". 5 الآية 132 من طه. 6 قال القرافي: "لأن الأمر بالأمر لا يكون أمراً، لكن علم من الشريعة أن كل من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر غيره، فإنما هو على سبيل التبليغ، ومتى كان على سبيل التبليغ صار الثالث مأموراً إجماعاً" "شرح تنقيح الفصول ص149".

لَكَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ: مُرْ عَبْدَك بِكَذَا، مَعَ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ لا تَفْعَلُهُ1: أَمْرَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ2. "وَ" قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} 3 "لَيْسَ" ذَلِكَ "أَمْرًا لَهُمْ بِإِعْطَاءٍ"4. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَمْ يُعَلِّلْهُ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ5. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَجِبُ عَلَيْهِمْ الإِعْطَاءُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الأَمْرَ بِالأَخْذِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُقَدِّمَةَ الْوَاجِبِ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلاةِ. وَإِنْ اخْتَلَفَ الْفَاعِلُ هُنَا. فَيَكُونُ كَالأَمْرِ لَهُمْ ابْتِدَاءً6. "وَأَمْرٌ بِصِفَةٍ" فِي فِعْلٍ "أَمْرٌ بِ" الْفِعْلِ7 "الْمَوْصُوفِ" نَصًّا8. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ، تَبَعًا لِلْمَجْدِ فِي الْمُسَوَّدَةِ: إذَا وَرَدَ الأَمْرُ بِهَيْئَةٍ أَوْ

_ 1 في ش ز: تفعل. 2 انظر: نهاية السول 2/58، الإحكام للآمدي 2/182-183، فواتح الرحموت 1/391، مختصر ابن الحاجب 2/93ن تيسير التحرير1/361، إرشاد الفحول ص107 3 الآية 103 من التوبة، وتتمة الآية: {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} . 4 انظر: المستصفى 2/13، الإحكام للآمدي 2/182. 5 انظر مناقشة ذلك في المراجع السابقة، وسوف تتكرر هذه المسألة في فصل العام، وهل الآية تشمل كل مالٍ أم لا؟ 6 انظر مناقشة هذا القول في "الإحكام للآمدي 2/183، المستصفى 2/13، المحلي على جمع الجوامع 1/384". 7 في ش: به فعل. 8 انظر: مختصر البعلي ص103، اللمع ص10.

صِفَةٍ لِفِعْلٍ، وَدَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا1، سَاغَ2 التَّمَسُّكُ بِهِ عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْفِعْلِ لِتَضَمُّنِهِ الأَمْرَ بِهِ لأَنَّ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُهُمَا3. فَإِذَا خُولِفَ فِي الصَّرِيحِ بَقِيَ الْمُتَضَمَّنُ عَلَى أَصْلِ الاقْتِضَاءِ. ذَكَرَهُ4 أَصْحَابُنَا. وَنَصَّ عَلَيْهِ إمَامُنَا5 حَيْثُ تَمَسَّكَ عَلَى وُجُوبِ الاسْتِنْشَاقِ6 بِالأَمْرِ بِالْمُبَالَغَةِ7، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، بِأَنَّهُ8 لا يَبْقَى دَلِيلاً عَلَى وُجُوبِ الأَصْلِ9. حَكَاهُ الْجُرْجَانِيُّ10.

_ 1 في ب: استحبابها، وفي المسودة: أنها مستحبة. 2 في المسودة: جاز. 3 في المسودة: وجوبها. 4 في ع: وذكره. 5 في المسودة: أحمدُ. 6 نقل الترمذي عن الأمام أحمد رضي الله عنه أنه قال: "الاستنشاق أوكد من المضمضة" "تحفة الأحوذي 2/120" ونقل ابن قدامة عن أحمد أنه قال: "الاستنشاق عندي آكد" "المغني 1/90"، وانظر: كشف القناع 1/105. 7 في ز: للمبالغة. والأمر بالمبالغة جاء في حديث لقيط بن صبرة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء، قال: "أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً". رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وأخرجه الشافعي وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي، وقال النووي: "حديث لقيط بن صبرة أسانيده صحيحة". "انظر: مسند أحمد 4/33، 211، سنن أبي داود 1/31، مختصر سنن أبي داود 1/105، تحفة الأحوذي 1/119، سنن النسائي 1/57، سنن ابن ماجه 1/142، بدائع المنن 1/31، موارد الظمآن ص68، المستدرك 1/148، السنن الكبرى 1/52، نيل الأوطار 1/172". 8 في ب: فإنه. 9 في ب: الأمر. 10 المسودة ص59. والجرجاني هو محمد بن يحيى بن مهدي، أبو عبد الله، الفقيه الجرجاني، من أعلام الحنفية، ومن أصحاب التخريج، أصله من جرجان، وسكن بغداد، وتفقه عليه القدوري، وصنف كتباً، منها "ترجيح مذهب أبي حنيفة" و "القول المنصور في زيارة القبور"، توفي سنة 397 ? وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الجواهر المضيئة 2/143، تاريخ بغداد 3/433، الفوائد البيهة ص202، الأعلام للزركلي 8/5".

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَحَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ مُخَالَفَةَ الظَّاهِرِ فِي لَفْظِ الْخِطَابِ لا تَقْتَضِي1 مُخَالَفَةَ الظَّاهِرِ فِي فَحْوَاهُ، وَهُوَ يُشْبِهُ نَسْخَ اللَّفْظِ، هَلْ يَكُونُ نَسْخًا لِلْفَحْوَى؟ وَهَكَذَا يَجِيءُ فِي جَمِيعِ دَلالاتِ الالْتِزَامِ. وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ مُتَوَجِّهٌ. وَسِرُّهَا أَنَّه2ُ: هَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ أَمْرَيْنِ، أَوْ أَمْرٍ بِفِعْلَيْنِ، أَوْ أَمْرٍ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَلَوَازِمُهُ جَاءَتْ ضَرُورَةً؟ وَهُوَ يُسْتَمَدُّ مِنْ الأَمْرِ بِالشَّيْءِ, هَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ؟ 3 انْتَهَى. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: الأَمْرُ بِالصِّفَةِ أَمْرٌ بِالْمَوْصُوفِ وَيَقْتَضِيهِ، كَالأَمْرِ بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَكُونُ أَمْرًا بِهِمَا4 "وَأَمْرٌ مُطْلَقٌ بِبَيْعٍ" أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَالَ: بِعْهُ بِمِائَةٍ مَثَلاً، أَوْ بِعْهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ "يَتَنَاوَلُهُ" أَيْ يَتَنَاوَلُ الْبَيْعَ الصَّادِرَ مِنْ الْمَأْمُورِ "وَلَوْ" وَقَعَ "بِغَبْنٍ فَاحِشٍ"5 قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: إذَا أُطْلِقَ الأَمْرُ، كَقَوْلِهِ لِوَكِيلِهِ:6 بِعْ كَذَا. فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا: يَتَنَاوَلَ7 الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ, وَاعْتُبِرَ ثَمَنُ الْمِثْلِ لِلْعُرْفِ

_ 1 في المسودة: يقتضي. 2 ساقطة من ش ز. 3 المسودة ص59. 4 انظر: اللمع ص10. 5 انظر: المسودة ص98، الإحكام للآمدي 2/183، فواتح الرحموت 1/392، نهاية السول 2/58، إرشاد الفحول ص108. 6 في ض: بعه بكذا. 7 في ز ش ع: تناول.

وَالاحْتِيَاطِ لِلْمُوَكِّلِ. وَفَرَّقُوا أَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي اعْتِبَارِ إطْلاقِهِ بِالتَّعَدِّيَةِ بِتَعْلِيلِهِ، بِخِلافِ الْمُوَكِّلِ. "وَيَصِحُّ" الْبَيْعُ مَعَ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ "وَيَضْمَنُ" الْوَكِيلُ الْمَأْمُورُ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ "النَّقْصَ"1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: ثُمَّ هَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ النَّقْصَ أَمْ لا، كَقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لا يُعْتَبَرُ ثَمَنُ الْمِثْلِ. وَاعْتَبَرُوهُ فِي الْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: الأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ إذَا أَتَى بِمُسَمَّاهَا اُمْتُثِلَ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ اللَّفْظُ الْجُزْئِيَّاتِ2 وَلَمْ يَنْفِهَا3، فَهِيَ مِمَّا لا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلاَّ بِهِ 4. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ عِنْدَ ذِكْرِهِ5 هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَنْبِيهٌ هَذَا فَرْدٌ مِنْ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ. وَهِيَ الدَّالُ عَلَى الأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الأَخَصِّ. فَإِذَا قُلْنَا "جِسْمٌ" لا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ نَامٍ. وَإِذَا قُلْنَا "نَامٍ" لا يُفْهَمُ أَنَّهُ حَيَوَانٌ. وَإِذَا قُلْنَا "حَيَوَانٌ"

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 2/183، 184، إرشاد الفحول ص108. 2 في ز ع ض: للجزيئات. 3 في ض: بنفعها. 4 انظر الإحكام للآمدي 2/182، مختصر ابن الحاجب 2/93، نهاية السول 2/58، إرشاد الفحول ص108. وقد اختلف العلماء في أحكام الوكالة المطلقة في البيع، فقال الجمهور: يتقيد الوكيل بنقد البلد وثمن المثل، وإلا ضمن، وهو قول المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة، خلافاً لما نقله المؤلف عن الحنفية، وقال الإمام أبو حنيفة يفرق بين البيع والشراء، فاعتبر ثمن المثل في الشراء فقط، وهو ما نسبه المؤلف إلى الحنفية عامة. "انظر: كشاف القناع 3/463، مغني المحتاج 2/223، البدائع للكاساني 7/3469، التاج والإكليل لمختصر خليل 5/196 على هامش مواهب الجليل، الفقه الإسلامي في أسلوبه الجديد 2/96". 5 في ع: ذكر.

لا يُفْهَمُ أَنَّهُ إنْسَانٌ، وَإِذَا قُلْنَا "إنْسَانٌ1" لا يُفْهَمُ أَنَّهُ زَيْدٌ. فَإِنَّ2 قُلْنَا: إنَّ الْكُلِّيَّ قَدْ يُحْصَرُ نَوْعُهُ فِي شَخْصِهِ كَانْحِصَارِ الشَّمْسِ فِي فَرْدٍ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مُلُوكِ الأَقَالِيمِ وَقُضَاةِ الأُصُولِ تَنْحَصِرُ أَنْوَاعُهُمْ فِي أَشْخَاصِهِمْ. فَإِذَا قُلْت: صَاحِبُ مِصْرَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ الذِّهْنُ إلَى3 الْمَلِكِ الْحَاضِرِ فِي وَقْتِ الصِّيغَةِ. فَيَكُونُ الأَمْرُ بِتِلْكَ الْمَاهِيَّةِ يَتَنَاوَلُ الْجُزْئِيَّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ. قُلْت: لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّفْظِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَاقِعَ كَذَلِكَ. وَمَقْصُودُ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ دَلالَةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَفْظٌ. انْتَهَى. "وَالأَمْرَانِ الْمُتَعَاقِبَانِ بِلا عَطْفٍ إنْ اخْتَلَفَا" كَقَوْلِ الْقَائِلِ "صَلِّ صُمْ" وَنَحْوِهِمَا "عَمَلٌ بِهِمَا" أَيْ بِالأَمْرَيْنِ إجْمَاعًا4. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفَا "وَلَمْ يَقْبَلْ" الأَمْرُ "التَّكْرَارَ" كَقَوْلِهِ: صُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَكَقَوْلِهِ: أَعْتِقْ سَالِمًا أَعْتِقْ سَالِمًا. وَكَقَوْلِهِ: اُقْتُلْ زَيْدًا. اُقْتُلْ زَيْدًا "أَوْ قَبِلَ التَّكْرَارَ وَمَنَعَتْهُ5" أَيْ التَّكْرَارَ "الْعَادَةُ"6

_ 1 في ب: إنه إنسان. 2 في ب: وإذا. 3 في ز ع: الحاضر الملك، وفي ض ب: حاضر الملك. 4 انظر: شرح تنقيح الفصول ص1311، المعتمد 1/173، التبصرة ص50، المحصول ? 1 ق2/253 وما بعدها، جمع الجوامع 1/389، إرشاد الفحول ص109، العدة 1/278 هامش. 5 في ب: ومنعه. 6 نقل القرافي عن القاضي عبد الوهاب أن "موانع التكرار أمور، أحدها: أن يمتنع التكرار إما عقلاً كقتل المقتول، أو كسر المكسور، وكذلك: صم هذا اليوم، أو شرعاً كتكرار العتق في عبدٍ، وثانيهما: أن يكون الأمر مستغرقاً للجنس ... ، وكذلك الخبر، كقوله: اجلد الزناة، أو خلقت الخلق، وثالثهما: أن يكون هناك عهد أو قرينة حالٍ يقتضي الصرف للاول" "شرح تنقيح الفصول ص132".

كَقَوْلِهِ: اسْقِنِي مَاءً، اسْقِنِي مَاءً "أَوْ" قَبِلَ التَّكْرَارَ وَ "عُرِّفَ ثَانٍ" مِنْ الأَمْرَيْنِ. كَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، صَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ1 "أَوْ" قَبِلَ التَّكْرَارَ فِي حَالَةِ كَوْنِ أَنَّهُ "بَيْنَ آمِرٍ وَمَأْمُورٍ عَهْدٌ ذِهْنِيٌّ" يَمْنَعُ التَّكْرَارَ. كَمَنْ لَهُ عَلَى شَخْصٍ دِرْهَمٌ. فَقَالَ لَهُ: أَحْضِرْ لِي دِرْهَمًا، أَحْضِرْ لِي دِرْهَمًا "فَ" الثَّانِي "تَأْكِيدٌ" لِلأَوَّلِ إجْمَاعًا2. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ الْعَادَةُ التَّكْرَارَ، وَلَمْ يُعْرَفُ ثَانِي الأَمْرَيْنِ دُونَ الأَوَّلِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ آمِرٍ وَمَأْمُورٍ عَهْدٌ ذِهْنِيٌّ "فَ" الثَّانِي "تَأْسِيسٌ" لا تَأْكِيدٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَالَه3 أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ "كَبَعْدِ امْتِثَالِ"4 الأَمْرِ الأَوَّلِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ الأَشْبَهُ5 بِمَذْهَبِنَا. كَقَوْلِنَا فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ الْفُقَهَاءِ قَاطِبَةً.

_ 1 في ب: ركعتين. 2 انظر: المسودة ص23، شرح تنقيح الفصول ص132، الإحكام للآمدي 2/184، التبصرة ص50، المحصول ?1 ق2/255، فواتح الرحموت 1/391، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، جمع الجوامع 1/389، التمهيد ص76، العدة 1/278، إرشاد الفحول ص109. 3 في ش ز: وقال. 4 وهو الذي اختاره القاضي في "كتاب الروايتين" وكتاب "مقدمة المجرد" بينما اختار في "العدة 1/280" أنه للتأكيد، واختار القول بالتأسيس أبو البركات بن تيمية وأبو عبد الله البصري، وأكثر الشافعية والقاضي عبد الجبار المعتزلي والفخر الرازي والآمدي والحنفية وغيرهم. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص173، التمهيد ص76، الروضة 2/200، المسودة ص23، العدة 1/278، شرح تنقيح الفصول ص132، تيسير التحرير 1/362، مختصر البعلي ص103، والمعتمد 1/174، الإحكام للآمدي 2/195، اللمع ص9، التبصرة ص50، المحصول ج1 ق2/255، فواتح الرحموت 1/391، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، نهاية السول 2/58، إرشاد الفحول ص108، جمع الجوامع 1/389". 5 في ع ض: أشبه.

وَذَلِكَ. لأَنَّ الأَصْلَ التَّأْسِيسُ1. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ: الثَّانِي تَأْكِيدٌ لا تَأْسِيسٌ، لِئَلاَّ يَجِبَ فِعْلٌ بِالشَّكِّ وَلا تَرْجِيحَ. وَمَنَعَ بِأَنَّ تَغَايُرَ اللَّفْظِ يُفِيدُ تَغَايُرَ الْمَعْنَى، ثُمَّ سَلَّمَهُ3. "وَبِهِ" أَيْ وَ4الأَمْرَانِ الْمُتَعَاقِبَانِ بِعَطْفٍ "إنْ اخْتَلَفَا" كَصَلِّ وَصُمْ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ, وَآتُوا الزَّكَاةَ5 "عُمِلَ بِهِمَا"6. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفَا "وَلَمْ يَقْبَلْ" الأَمْرُ "التَّكْرَارَ" حِسًّا. كَاقْتُلْ زَيْدًا، وَاقْتُلْ زَيْدًا، أَوْ7 لَمْ يَقْبَلْ الأَمْرُ التَّكْرَارَ حُكْمًا. كَأَعْتِقْ سَالِمًا وَأَعْتِقْ

_ 1 المسودة ص23. وانظر: التمهيد ص77، القواعد والفوائد الأصولية ص173، تيسير التحرير1/362. 2 وعملا ببراءة الذمة، ولكثرة التأكيد في مثل هذه الحالات، وهو ما رجحه أبو محمد المقدسي والقاضي أبو يعلى في "العدة" والصيرفي والكمال بن الهمام وغيرهم. "انظر: التمهيد للإسنوي ص76، تيسير التحرير 1/362، مختصر البعلي ص103، والمعتمد 1/174،اللمع ص9، التبصرة ص51، فواتح الرحموت 1/391، 392، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، نهاية السول 2/58، إرشاد الفحول ص108، العدة 1/280". 3 وهناك قول ثالث بالوقف للتعارض، وهو قول أبي الحسين البصري وغيره، ولكل قول دليله. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص173، جمع الجوامع 1/389، المعتمد 1/175، المحصول ? 1 ق2/255، مختصر البعلي ص103، نهاية السول 2/58، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، الإحكام للآمدي 2/185". 4 ساقطة من ض. 5 الآية 43، 110 من البقرة 6 انظر: تيسير التحرير 1/362، المعتمد 1/176، الإحكام للآمدي 2/185. 7 في ع ض ب: و.

سَالِمًا "فَ" الثَّانِي "تَأْكِيدٌ" بِلا خِلافٍ1. "وَإِنْ قَبِلَ" الأَمْرُ التَّكْرَارَ مَعَ الْعَطْفِ "وَلَمْ تَمْنَعْ" مِنْ التَّكْرَارِ "عَادَةٌ وَلا عُرِّفَ" بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ "ثَانٍ" مِنْ الأَمْرَيْنِ كَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ "فَ" الثَّانِي "تَأْسِيسٌ 2. وَإِنْ مَنَعَتْ عَادَةٌ" مِنْ التَّكْرَارِ كَقَوْلِهِ: اسْقِنِي مَاءً، وَ3اسْقِنِي مَاءً "تَعَارَضَا" أَيْ تَعَارَضَ الْعَطْفُ وَمَنْعُ الْعَادَةِ4. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ عَادَةٌ مِنْ5 التَّكْرَارِ "وَعُرِّفَ ثَانٍ" كَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَصَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ6 "فَ" الثَّانِي "تَأْكِيدٌ" فِي اخْتِيَارِ الْقَاضِي وَأَبِي الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيِّ7.

_ 1 انظر: المحصول? 1 ق2/260، الإحكام للآمدي 2/185، المسودة ص24، المعتمد 1/17، العدة 1/280. 2 ذكر الآمدي الاختلاف في هذه الصورة، وأنها كالصورة السابقة التي قال عنها: "قال القاضي عبد الجبار: إن الثاني يفيد ما أفاده الأول ... وخالفه أبو الحسين البصري بالذهاب إلى الوقف" "الإحكام للآمدي 2/158". وانظر: هذه المسألة في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94، جمع الجوامع/389، شرح تنقيح الفصول ص132، المسودة ص24، المعتمد 1/175، فواتح الرحموت 1/392، تيسير التحرير 1/362، القواعد والفوائد الأصولية ص173، العدة 1/280". 3 ساقطة من ب. 4 قال: الآمدي: "فقد تعارض الظاهر من حروف العطف مع منع العادة من التكرار، ويبقى الأمر على ما ذكرناه فيما إذا لم بكن حرف عطفٍ، ولاثم تعريف ولا عادة مانعة من التكرار" "الإحكام للآمدي 2/186". "وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 1/94". 5 ساقطة من ب. 6 في ش ز ض: ركعتين. 7 قال الآمدي: "فلا خلاف في كون الثاني مؤكداً للأول" "الأحكام 2/185". "وانظر: المسودة ص23، 24، التمهيد ص77، القواعد والفوائد الأصولية ص173، شرح تنقيح الفصول ص133، والمعتمد 1/176، جمع الجوامع 1/389".

وَاخْتَارَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْوَقْفَ لِمُعَارَضَةِ1 لامِ الْعَهْدِ لِلْعَطْفِ2.

_ 1 في ض: لمعارضته. 2 انظر: المعتمد 1/176. وهو ما رجحه الآمدي "انظر: الإحكام له 2/186". "وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص173، التمهيد ص77، المسودة ص23، 24، شرح تنقيح الفصول ص132، المحصول? 1 ق2/258، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/54".

باب النهي

باب النهي: "النَّهْيُ مُقَابِلٌ لِلأَمْرِ فِي كُلِّ حَالِهِ"1 أَيْ فِي كُلِّ الَّذِي لِلأَمْرِ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمَتْنِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ.. وَمِنْ2 كَوْنُهُ نَوْعًا مِنْ الْكَلامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ3. "وَصِيغَتُهُ" "لا تَفْعَلْ4. وَتَرِدُ" لَمَعَانٍ كَثِيرَةٍ5:

_ 1 عرف الإسنوي النهي بأنه: "هو القول الدال بالوضع على الترك" "التمهيد ص80"، وله تعريفات كثيرة. "انظر: كشف الأسرار 1/256، تيسير التحرير 1/374، أصول السرخسي 1/278، التوضيح على التنقيح 2/44، فواتح الرحموت 1/495، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/94 وما بعدها، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/390، العبادي على الورقات ص93، الكافية في الجدول ص33، فتح الغفار 1/77، المستصفى 1/411". 2 في ش: ومنه. 3 انظر مباحث النهي، وانه مقابل للأمر في جميع أحواله في "الروضة 2/216، فتح الغفار 1/77، شرح تنقيح الفصول ص168، البرهان للجويني 1/283، كشف الأسرار 1/256، تيسير التحرير 1/374، مختصر البعلي ص103، المعتمد 1/181، الإحكام للآمدي 2/187، المنخول ص126، المستصفى 2/24، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/95، نهاية السول 2/62 وما بعدها، التمهيد ص72، اللمع ص14، مختصر الطوفي هي 95، مباحث الكتاب والسنة ص128، العدة 2/426". 4 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص190، المسودة ص80، تيسير التحرير 1/375، مختصر البعلي ص103، المعتمد 1/181، اللمع ص14، العدة 2/425. 5 انظر: تيسير التحرير 1/375، فواتح الرحموت 1/395، المستصفى 1/418، المحصول? 1 ق2/469، الإحكام للآمدي 2/187، منهاج العقول 2/16، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392، إرشاد الفحول ص109، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص330، تفسير النصوص 2/378، العدة 2/427.

أحَدُهَا: كَوْنُهَا "لِتَحْرِيمٍ" وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَقَطْ1. نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} 2 وقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} 3 وقوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 4. "وَ" الثَّانِي: لِـ"كَرَاهَةٍ"5 نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَمَسُّ6 أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ" 7 وَمِثْلُهُ الْمُحَلَّى8 وَغَيْرُهُ بِقوله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا

_ 1 انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/256، تيسير التحرير 1/375، تحقيق المراد ص61، الإحكام للآمدي 2/187، المنخول ص134، المحصول ? 1 ق2/469، المستصفى 1/148، فواتح الرحموت 1/395، منهاج العقول 2/16، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392، إرشاد الفحول ص109، العدة 2/426، تفسير النصوص 2/378. 2 الآية 29 من النساء. 3 الآية 32 من الإسراء. 4 الآية 29 من النساء. 5 انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/56، تيسير التحرير 1/377، تحقيق المراد ص61، الإحكام للآمدي 2/187، المنخول ص134، المستصفى 1/418، فواتح الرحموت 1/395، منهاج العقول 2/16، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392. 6 في ع ض ب: يمسكن، وهي رواية أخرى للحديث. 7 هذا الحديث متفق على صحته، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وابن حبان والبغوي عن أبي قتادة مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 1/41، صحيح مسلم 1/225، سنن أبي داود 1/7، تحفة الأحوذي 1/77، سنن النسائي 1/26، سنن ابن ماجه 1/113، سنن الدارمي 1/172، موارد الظمآن ص63، شرح السنة 1/367". 8 في ش: المحلى. والمحليٌ هو محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، الشيخ جلال الدين المحلي، أبو عبد الله الشافعي المصري، برع في فنون الفقه والكلام والأصول والنحو والمنطق وغيرها، وكان آية في الذكاء والفهم،

الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} 1. "وَ" الثَّالِثُ: كَوْنُهَا لِ "تَحْقِيرٍ"2 نَحْوَ قوله تعالى: {لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} 3. "وَ" الرَّابِعُ: كَوْنُهَا لِ "بَيَانِ الْعَاقِبَةِ"4 نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} 5

_ =وعلى قدم من الصلاح والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يواجه بذلك أكابر الظلمة والحكام، ويأتون إليه فلا يلتفت إليهم، ويرجع إليه القضاة، ولي تدريس الفقه، وعرض عليه القضاء فامتنع، له مصنفات كثيرة نافعة مفيدة، وهي في غاية الاختصار والتحرير وسلامة العبارة، فأقبل عليها الناس والعلماء وتداولوها حتى وقتنا الحاضر، منها "شرح جمع الجوامع" في الأصول، و"المناسك" و "كتاب الجهاد" و "شرح بردة المديح" و "شرح منهاج الطالبين" في الفقه، وشرع في أشياء لم يكملها، منها "شرح القواعد لابن هشام" و "شرح التسهيل" و "تفسير القرآن" وغيرها، توفي سنة 864? انظر ترجمته في "حسن المحاضرة 1/443، شذرات الذهب 7/303، الضوء اللامع 7/39، طبقات المفسرين 2/80، البدر الطالع 2/115، الفتح المبين 3/40". 1 الآية 267 من البقرة. 2 وسماه السبكي التقليل والاحتقار. " انظر: التوضيح على التنقيح 2/51، كشف الأسرار 1/256، مختصر البعلي ص103، تحقيق المراد ص65، الإحكام للآمدي 1/187، المنخول ص135، المستصفى 1/418، فواتح الرحموت 1/395، منهاج العقول 2/16، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/395". 3 الآية 88 من الحجر. 4 انظر: الإحكام للآمدي 2/53، المستصفى 1/418، المنخول ص134، منهاج العقول 2/16، جمع الجوامع 1/392، نهاية السول 2/62، مختصر البعلي ص103، فواتح الرحموت 1/395، كشف الأسرار 1/256، التلويح على التوضيح 2/53، تحقيق المراد ص62، إرشاد الفحول ص109. 5 الآية 42 من إبراهيم، واستشهد لذلك المحلي بقوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء} آل عمران 169، ثم قال: "أي عاقبة الجهاد الحياة، لا الموت" "المحلي على جمع الجوامع 1/294".

"وَ" الْخَامِسُ: كَوْنُهَا لِ "دُعَاءٍ"1 نَحْوَ قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} 2 وقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتنَا} 3. "وَ" السَّادِسُ: كَوْنُهَا لِ "يَأْسٍ"4 نَحْوَ قوله تعالى: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ} 5. وَبَعْضُهُمْ مَثَّلَ بِهِ لِلاحْتِقَارِ. "وَ" السَّابِعُ: كَوْنُهَا لِ "إرْشَادٍ"6 نَحْوَ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} 7 وَالْمُرَادُ: أَنَّ الدَّلالَةَ عَلَى الأَحْوَطِ تَرْكُ ذَلِكَ.

_ 1 انظر: كشف الأسرار 1/256، فواتح الرحموت 1/395، المنخول ص135، المستصفى 1/418، منهاج العقول 2/16، جمع الجوامع 1/392،الإحكام للآمدي 2/187، نهاية السول 2/62، تحقيق المراد ص62، مختصر البعلي ص103، إرشاد الفحول ص109، العدة 2/427. 2 الآية 286 من البقرة. 3 الآية 8 من آل عمران. 4 انظر: التلويح على التوضيح 2/53، كشف الأسرار 1/256، مختصر البعلي ص103، تحقيق المراد ص62، فواتح الرحموت 1/395، منهاج العقول 2/19، الإحكام للآمدي 2/187، المستصفى 1/418، المنخول ص135، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392، إرشاد الفحول ص110. 5 الآية 66 من التوبة، أي إن العذر لا ينفع، وهذا لتحقيق اليأس، واستشهد الغزالي في "المستصفى" و "المنخول" بقوله تعالى: {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} التحريم/7، وانظر: العدة 2/427. 6 انظر: الإحكام للآمدي 2/187، المنخول ص135، المستصفى 1/418، نهاية السول 2/62، جمع الجوامع 1/392، منهاج العقول 2/19، فواتح الرحموت 1/395، التوضيح على التنقيح 2/53، كشف الأسرار 1/256، مختصر البعلي ص103، تحقيق المراد ص62،إرشاد الفحول ص109. 7 الآية 101 من المائدة.

قِيلَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هِيَ لِلتَّحْرِيمِ. وَالأَظْهَرُ الأَوَّلُ. لأَنَّ الأَشْيَاءَ الَّتِي يَسْأَلُ عَنْهَا السَّائِلُ1 لا يَعْرِفُ2 حِينَ السُّؤَالِ هَلْ تُؤَدِّي إلَى مَحْذُورٍ أَمْ3 لا؟ وَلا تَحْرِيمَ إلاَّ بِالتَّحَقُّقِ. "وَ" الثَّامِنُ: كَوْنُهَا "لأَدَبٍ" نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} 4 وَلَكِنْ هَذَا رَاجِعٌ إلَى الْكَرَاهَةِ؛ إذْ الْمُرَادُ لا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ النِّسْيَانِ. فَإِنَّ نَفْسَ النِّسْيَانِ لا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ حَتَّى يُنْهَى عَنْهُ. وَبَعْضُهُمْ يُعِدُّ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرَ، وَلَيْسَ لِلْخَبَرِ مِثَالٌ صَحِيحٌ. وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 5 وَهَذَا الْمِثَالُ إنَّمَا هُوَ لِلْخَبَرِ بِمَعْنَى النَّهْيِ، لا لِلنَّهْيِ بِمَعْنَى الْخَبَرِ. "وَ" التَّاسِعُ: كَوْنُهَا لِ "تَهْدِيدٍ"6 كَقَوْلِك لِمَنْ تُهَدِّدُهُ: أَنْتَ لا تَمْتَثِلُ أَمْرِي. هَكَذَا مَثَّلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ "لا" هُنَا نَافِيَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مَعْنَى التَّهْدِيدِ. وَالأَوْلَى تَمْثِيلُهُ بِقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ - وَقَدْ أَمَرَهُ بِفِعْلِ شَيْءٍ فَلَمْ7 يَفْعَلْهُ - لا تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ عَادَتَك أَنْ8 لا تَفْعَلَهُ بِدُونِ الْمُعَاقَبَةِ. "وَ" الْعَاشِرُ: كَوْنُهَا لِ "إبَاحَةِ التَّرْكِ" كَالنَّهْيِ بَعْدَ الإِيجَابِ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ فِي أَنَّ النَّهْيَ بَعْدَ الأَمْرِ لِلإِبَاحَةِ. وَالصَّحِيحُ خِلافُهُ.

_ 1 ساقطة من ض. 2 في ش ز: تعرف. 3 في ض ب: أو. 4 الآية 237 من البقرة. 5 الآية 79 من الواقعة. 6 انظر: تحقيق المراد ص62، فواتح الرحموت 1/395، العدة 1/427، إرشاد الفحول ص10. 7 في ض: ولم. 8 ساقطة من ض ب.

"وَ" الْحَادِيَ عَشَرَ: كَوْنُهَا لِ "لالْتِمَاسِ"1 كَقَوْلِك لِنَظِيرِك: لا تَفْعَلْ، عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ صِيغَةَ الأَمْرِ لَهَا ثَلاثُ صِفَاتٍ: أَعْلَى، وَنَظِيرٌ, وَأَدْوَنُ2. وَكَذَلِكَ النَّهْيُ. "وَ" الثَّانِيَ عَشَرَ: كَوْنُهَا لِ "لتَّصَبُّرِ"3 نَحْوَ قوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 4. "وَ" الثَّالِثَ عَشَرَ: كَوْنُهَا لِ "إيقَاعِ أَمْنٍ" نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا تَخَفْ إنَّك مِنْ الآمِنِينَ} 5 {لا تَخَفْ نَجَوْت مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} 6 وَلَكِنْ قِيلَ: إنَّهُ رَاجِعٌ إلَى نَظِيرٍ7، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ لا تَخَافُ. "وَ" الرَّابِعَ عَشَرَ: كَوْنُهَا. لِ "تَسْوِيَةٍ"8 نَحْوَ قوله تعالى: {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} 9. "وَ" الْخَامِسَ عَشَرَ: كَوْنُهَا لِ "تَحْذِيرٍ"10 نَحْوَ قوله تعالى: {وَلا

_ 1 في ض ب: التماسٍ. وانظر: فواتح الرحموت 1/395، إرشاد الفحول ص110. 2 في ش ز ض: ودون. 3 في ش ز: لتصبير. 4 الآية 40 من التوبة. 5 الآية 31 من القصص. 6 الآية 25 من القصص. 7 في ش: نظير. 8 انظر: فواتح الرحموت 1/395، تحقيق المراد ص63. 9 الآية 16 من الطور. 10 انظر: تحقيق المراد ص62. ولصيغة النهي معان أخرى كالشفقة وتسكين النفس والعظة، وبعضها متداخل في بعض. "انظر: التوضيح على التنقيح 2/53، كشف الأسرار 1/256، تحقيق المراد ص62، منهاج العقول 2/19، العدة 2/427".

تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1. "فَإِنْ" "تَجَرَّدَتْ" صِيغَةُ النَّهْيِ عَنْ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ وَالْقَرَائِنِ "فَ" هِيَ "لِتَحْرِيمٍ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ2. وَبَالَغَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إنْكَارِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا لِلْكَرَاهَةِ3. وَقِيلَ: صِيغَةُ النَّهْيِ تَكُونُ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَ4الْكَرَاهَةِ. فَتَكُونُ مِنْ الْمُجْمَلِ 5. وَقِيلَ: تَكُونُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ. فَتَكُونُ حَقِيقَةً فِي كُلٍّ مِنْهُمَا6. وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ7

_ 1 الآية 102 من آل عمران. 2 وهو الصحيح عند الفخر الرازي والآمدي وغيرهما. "انظر: المسودة ص81، الرسالة ص217، 343، البرهان للجويني 1/283، نهاية السول 2/63، الإحكام للآمدي 2/187، التبصرة ص99، المحصول ? 1 ق2/469، تحقيق المراد ص63، اللمع ص14، فواتح الرحموت 1/396، كشف الأسرار 1/256، التمهيد ص81، مختصر الطوفي ص95، القواعد والفوائد الأصولية ص190، شرح تنقيح الفصول ص168، التمهيد ص81". 3 الرسالة ص353. "وانظر: التمهيد ص81، المسودة ص81، القواعد والفوائد الأصولية ص190". 4 في ش: أو. 5 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص190. 6 وهو مطلق الترك. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص190، تيسير التحرير 1/375". 7 وهو قول الأشعرية، وهناك أقوال أخرى في المسألة. "انظر: المسودة ص81، شرح تنقيح الفصول ص168، المحصول ? 1 ق2/469، التبصرة ص99، تحقيق المراد ص63، كشف الأسرار 1/256، تيسير التحرير 1/375، فواتح الرحموت 1/396، القواعد والفوائد الأصولية ص190، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص332".

"وَ"وُرُودُ1 صِيغَةِ النَّهْيِ "مُطْلَقَةً عَنْ شَيْءٍ لِعَيْنِهِ" أَيْ لَعَيْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَالْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالْكَذِبِ2 وَنَحْوِهَا3 مِنْ الْمُسْتَقْبَحِ لِذَاتِهِ: يَقْتَضِي فَسَادَهُ شَرْعًا4 عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ5.

_ 1 في ب: وورد. 2 ساقطة من ض. 3 في ض ب: ونحوهما. 4 أي أن اقتضاء النهي للفساد هو الشرع، لافي اللغة، لأن صيغة النهي لغة تدل على مجرد طلب الكف عن الفعل على وجه الجزم والقطع، واقتضاؤه للفساد أو البطلان قدر زائد يحتاج إلى دليل آخر غير اللغة، وهو اختيار الآمدي وأكثر الأصوليون، وفي قول: إنه يقتضي الفساد من جهة اللغة واللسان، وقيل: معنى. "انظر: جمع الجوامع 1/393، نهاية السول 2/62، الإحكام للآمدي2/188، مختصر ابن الحاجب 2/95، تيسير التحرير 1/376، فواتح الرحموت 1/396، مختصر البعلي ص104، مباحث الكتاب والسنة ص129،130". 5 قال: القرافي: ومعنى الفساد في العبادات وقوعها على نوع من الخلل يوجب بقاء الذمة مشغولة بها، وفي المعاملات عدم ترتب آثارها عليها" "شرح تنقيح الفصول ص173". والفاسد والباطل بمعنى واحد عند الجمهور، بينما فرق الحنفية بينهما، فقالوا: الباطل ما ليس مشروعاً بأصله ولا بوصفه، والفاسد ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه، وسبق بيان ذلك في المجلد الأول ص473وما بعدها. والأشياء التي نهى الشارع عنها لعينها باطلة عند الحنفية، وليست مشروعة أصلاً وهناك أقوال أخرى في المسألة. "انظر: مختصر ابن الحاجب 2/95، نهاية السول 2/63، العبادي على الورقات ص93، المحصول ? 1 ق2/486، المنخول ص126، 205، تيسير التحرير 1/376، المعتمد 1/184، الإحكام للآمدي 2/188، التبصرة ص100، المستصفى 2/24، جمع الجوامع 1/393، البرهان للجويني 1/283، المسودة ص80، 83، أصول السرخسي 1/80، 82، فواتح الرحموت 1/396، فتح الغفار 1/78، 79، 81، التوضيح على التنقيح 2/223، كشف الأسرار 1/257، 258، 266، اللمع ص14، مختصر الطوفي ص104، مختصر البعلي ص10، التمهيد ص81، الروضة 2/217، العدة 2/432، إرشاد الفحول ص110، القواعد والفوائد الأصولية ص192، 193، تحقيق المراد ص67، 72، 74، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص343، مباحث الكتاب والسنة ص129، 130، تفسير النصوص 2/389".

قَالَ الْخَطَّابِيُّ1: هَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ2، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" 3. وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ4 عَلَى الْفَسَادِ بِالنَّهْيِ، كَاحْتِجَاجِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} 5 وَاسْتِدْلالُ الصَّحَابَةِ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. عَلَى فَسَادِ6 عُقُودِ الرِّبَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ" - الْحَدِيثَ 7" وَعَلَى فَسَادِ

_ 1 في ع: أبو الخطاب، والأعلى من بقية النسخ وهو الصواب، لأنه ورد بالنص في "المسودة" و "القواعد والفوائد الأصولية". 2 انظر: المسودة ص83، القواعد والفوائد الأصولية ص192. 3 هذا الحديث رواه البخاري معلقاً، ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً، ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد". قال المناوي: "أي مردود فلا يقبل منه، وفيه دليل للقاعدة الأصولية أن مطلق النهي يقتضي الفساد، لأن المنهي عنه مخترع محدث، وقد حكم عليه بالرد المستلزم للفساد". "انظر: فتح الباري 13/317، صحيح البخاري 4/268، صحيح مسلم 3/1344، خلق أفعال العباد ص29، سنن أبي داود 2/506، سنن ابن ماجه 1/7، مسند أحمد 6/146، 180، فيض القدير 6/183". 4 في ض: يستدون، وفي ب: يستدل. 5 الآية 221 من البقرة. 6 في ض ب: العقود بالربا. 7 هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن والبيهقي ومالك والشافعي عن عبادة بن الصامت وأبي سعيد مرفوعاً بألفاظ مختلفة، وتقدم تخريجه في المجلد الثاني ص554.

نِكَاحِ الْمَحْرَمِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ1. وَقَدْ شَاعَ وَذَاعَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ2. فَإِنْ قِيلَ: احْتِجَاجُهُمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ لا عَلَى الْفَسَادِ3. فَالْجَوَابُ: أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْفَسَادِ مَعًا. أَلا تَرَى إلَى حَدِيثِ بَيْعِ الصَّاعَيْنِ4 مِنْ التَّمْرِ بِالصَّاعِ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا" 5 وَذَلِكَ

_ 1 ورد النهي عن نكاح المحرم في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينكح المُحْرِمُ، ولا يخطب" رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك وأحمد والدارمي وغيره. " انظر صحيح مسلم 2/1030، سنن أبي داود 1/427، تحفة الأحوذي 3/579، سنن النسائي 5/151، 6/73، سنن ابن ماجه 1/632، مسند أحمد 1/57، 64، المنتقى شرح الموطأ 2/228، سنن الدارمي 2/141، نيل الأوطار 5/16، نصب الراية 3/170". 2 انظر أدلة الجمهور في "الرسالة للشافعي ص347، تيسير التحرير 1/381، المعتمد 1/187 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص174، الإحكام للآمدي 2/190، التبصرة ص101، المحصول? 1 ق2/496، المستصفى 2/26 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/95 وما بعدها، الروضة 2/218، العدة 2/434 وما بعدها، مختصر الطوفي ص96، إرشاد الفحول ص110، تحقيق المراد ص10 وما بعدها، تفسير النصوص 2/390". 3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص174 وما بعدها، تيسير التحرير 1/381، تحقيق المراد ص113، 129. 4 ساقطة من ز ع ض ب. 5 روى البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجل على خيبر فجاءهم بتمر جنيب، فقال: "أكل تمر خيبر هكذا"؟ قال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: "لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنبياُ" وهذا لفظ البخاري، وفي رواية مسلم "هذا هو الربا"، وفي رواية لمسلم والنسائي: "أوّه عين الربا"، وروى الطبراني وأحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، والصاع بالصاعين، أني أخاف عليكم الرما، والرما هو الربا" وروى أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: اشترينا الصاع بصاعين من تمرنا صاعاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربيتم". "انظر: صحيح البخاري 2/24، صحيح مسلم 3/1215 وما بعدها، سنن النسائي 7/240، سنن ابن ماجه 2/758، مسند أحمد 2/109، 3/2، تخريج احاديث البزدوي ص76، النووي على مسلم 11/22".

بَعْدَ الْقَبْضِ. فَأَمَرَ1 بِرَدِّهِ. و2َبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" وَالرَّدُّ إذَا أُضِيفَ إلَى الْعِبَادَاتِ اقْتَضَى عَدَمَ الاعْتِدَادِ بِهَا، وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْعُقُودِ اقْتَضَى3 فَسَادَهَا4. فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ بِمَقْبُولٍ وَلا طَاعَةٍ5. قُلْنَا: الْحَدِيثُ يَقْتَضِي رَدَّ ذَاتِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ اقْتَضَى رَدَّ مُتَعَلِّقِهِ6. فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مِنْ أَخْبَارِ الآحَادِ، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ الأُصُولِ7. قِيلَ: تَقَوَّى بِالْقَبُولِ. وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الْفُرُوعِ8. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ 9، وَلا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ، وَلا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ" 10 وَنَحْوَ

_ 1 في ض: فأمره. 2 ساقطة من ب. 3 ساقطة من ض. 4 انظر: تيسير التحرير 1/382، تحقيق المراد ص114وما بعدها، 130وما بعدها. 5 انظر: التبصرة ص101، المحصول ? 1 ق2/488، المستصفى 2/30، العدة 2/435. 6 انظر: المعتمد 1/187، الإحكام للآمدي 2/191، التبصرة ص101، إحكام الأحكام 1/53، العدة 2/432. 7 قال ابن حجر الهيثمي: "والزعم أن القواعد الكلية لا تثبت بخبر الواحد باطل" "انظر: فيض القدير 6/183". وانظر: تحقيق المراد ص112، التبصرة ص101. 8 انظر: تحقيق المراد ص114، التبصرة ص101. 9 سبق تخريجه بلفظ "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" المجلد الأول ص299. 10 سبق تخريجه بلفظ "ومن لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" وله روايات وألفاظ متعددة، المجلد الثاني ص210.

ذَلِكَ. قَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ نَفْيَ نَفْسِ الْفِعْلِ؛ لأَنَّ الْفِعْلَ مَوْجُودٌ مِنْ حَيْثُ الْمُشَاهَدَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ حُكْمِهِ. فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ. فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ إيجَادُهُ. وَكَانَ. الْفَرْضُ1 الأَوَّلُ عَلَى عَادَتِهِ2. وَيَدُلُّ لِلْفَسَادِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا: الاعْتِبَارُ وَالْمُنَاقَضَةُ. أَمَّا الاعْتِبَارُ3: فَلأَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِ مَفْسَدَةٍ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَوْ بِمَا. يُلازِمُهُ؛ لأَنَّ الشَّارِعَ حَكِيمٌ لا يَنْهَى عَنْ الْمَصَالِحِ. وَفِي الْقَضَاءِ بِإِفْسَادِهَا إعْدَامٌ لَهَا بِأَبْلَغِ الطُّرُقِ وَلأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا مَعَ رَبْطِ الْحُكْمِ بِهَا يُفْضِي4 إلَى التَّنَاقُضِ فِي الْحِكْمَةِ؛ لأَنَّ نَصْبَهَا سَبَبًا يُمَكِّنُ مِنْ التَّوَسُّلِ5، وَالنَّهْيُ يَمْنَعُ مِنْ التَّوَسُّلِ6، وَلأَنَّ حُكْمَهَا مَقْصُودُ الآدَمِيِّ وَمُتَعَلِّقُ غَرَضِهِ، فَتَمْكِينُهُ مِنْهُ حَثٌّ عَلَى تَعَاطِيهِ. وَالنَّهْيُ مَنْعٌ مِنْ التَّعَاطِي، وَلأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْسُدْ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لَزِمَ مِنْ نَفْيِهِ لِكَوْنِهِ مَطْلُوبَ التَّرْكِ بِالنَّهْيِ حُكْمُه7ُ لِلنَّهْيِ، وَمِنْ ثُبُوتِهِ لِكَوْنِ الْفَرْضِ جَوَازَ التَّصَرُّفِ، وَصِحَّتُهُ

_ 1 في ش: الغرض. 2 انظر: تيسير التحرير 1/380، الروضة 2/217 وما بعدها، مباحث الكتاب والسنة ص130. 3 ساقطة من ض. الاعتبار هو التقدير، وهو قريب من القياس في اللغة، والاعتبار في الاصطلاح: إيراد الحكم على وفق أمر آخر، ويأتي القياس والمصالح المرسلة باسم المناسب المعتبر، وهو كل وصف شهد الشرع باعتباره بأخذ فروع الأحكام. "انظر: الكافية في الجدل ص62، إرشاد الفحول ص217، الوسيط في أصول الفقه ص24". 4 في ز ع ض ب: مفضٍ. 5 في ض ب: التوصل. 6 في ض ب: التوصل. 7 في ش ز: عن حكمه.

حُكْمُ الصِّحَّةِ. وَذَلِكَ بَاطِلٌ1. أَمَّا الْمُلازَمَةُ: فَلاسْتِحَالَةِ خُلُوِّ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ الْحِكْمَةِ. وَأَمَّا بُطْلانُ الثَّانِي: فَلأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا يُؤَدِّي إلَى خُلُوِّ الْحُكْمِ عَنْ الْحِكْمَةِ، وَهُوَ خَرْقٌ لِلإِجْمَاعِ. لأَنَّ حِكْمَةَ النَّهْيِ إمَّا أَنْ تَكُونَ رَاجِحَةً عَلَى حُكْمِ الصِّحَّةِ2 أَوْ مَرْجُوحَةً أَوْ مُسَاوِيَةً؛ وَلَوْ3 كَانَ كَذَلِكَ لامْتَنَعَ النَّهْيُ. فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ أَنْ تَكُونَ رَاجِحَةً عَلَى حُكْمِ الصِّحَّةِ. وَفِي رُجْحَانِ النَّهْيِ تَمْتَنِعُ الصِّحَّةُ. فَإِنْ قُلْت5: التَّرْجِيحُ غَايَتُهُ أَنْ يُنَاسِبَ نَفْيَ الصِّحَّةِ وَلا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفِي الصِّحَّةِ إلاَّ بِإِيرَادِ شَاهِدٍ بِالاعْتِبَارِ. وَلَوْ ظَهَرَ كَانَ الْفَسَادُ لازِمًا مِنْ الْقِيَاسِ6. قُلْنَا: الْقَضَاءُ بِالْفَسَادِ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ، فَلا يُفْتَقَرُ إلَى شَاهِدِ الاعْتِبَارِ، وَلأَنَّ فِي الشَّرْعِيَّاتِ مَنْهِيَّاتٍ بَاطِلَةً، وَلا مُسْتَنِدَ لَهَا إلاَّ أَنَّ النَّهْيَ لِلأَصْلِ7. وَأَمَّا دَلِيلُ الْفَسَادِ بِالْمُنَاقَضَةِ8: فَلأَنَّ الْمُخَالِفِينَ أَبْطَلُوا النِّكَاحَ فِي

_ 1 انظر: كشف الأسرار 1/261، تحقيق المراد ص131. 2 ساقطة من ش ز ض ب. 3 في ش ز ع: إذ لو. 4 انظر: الإحكام للآمدي 2/189 وما بعدهما، المحصول? 1 ق2/494، 496، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/96، تحقيق المراد ص131. 5 في ش ز: قلنا. 6 انظر: تحقيق المراد ص135. 7 انظر: تحقيق المراد ص135، الإحكام للآمدي 1/53. 8 المناقضة عند الأصوليون هي النقض، وعند أهل النظر عبارة عن منع مقدمة الدليل، أو هي ابطال دليل المعلل "كشاف اصطلاح الفنون 6/1411"، وقال الباجي: "النقض: هو وجود العلة وعدم الحكم" "الحدود ص76"، وقال الجويني: "النقض: انتفاء الحكم عما ادعي له من العلة، وقيل: وجود العلة مع فقد ما ادعي من حكمها، وقيل: ابراء العلة حيث لا حكم" "الكافية في الجدل ص69".

الْعِدَّةِ1 وَنِكَاحَ الْمَحْرَمِ، وَالْمُحَاقَلَةَ2 وَالْمُزَابَنَةَ وَالْمُنَابَذَةَ وَالْمُلامَسَةَ3، وَالْعَقْدَ عَلَى مَنْكُوحَةِ الأَبِ لِقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} 4. {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} 5 وَالصَّلاةَ فِي الْمَكَانِ النَّجِسِ وَالثَّوْبِ النَّجِسِ6،

_ 1 أبطل العلماء النكاح في العدة لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} البقرة/228، ولقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} القرة/232، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} القرة /234، ولحديث أي السنابل وسبيعة الأسلمية الذي مر سابقاً "المجلد الثاني ص313" وغيره. 2 في ض ب: المحالقة. 3 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والدارقطني عن جابر وغيره بألفاظ متقاربة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة، وأن، يشتري النخل حتى يشقه، والمزابنة أن يباع النخل بأوساق من التمر، والمخابرة الثلث والربع وأشباه ذلك. واختف العلماء في تفسير المحاقلة ففسرها بعضهم بما جاء في الحديث، وقال أبو عبيد: هي بيع الطعام في سنبله، والحقل: الحرث وموضع الزرع، وأخرج الشافعي عن جابر أن المحاقلة أن يبيع الرجل الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة، وقال ابن الكثير: "المحاقلة مختلف فيها، قيل: هي اكتراء الأرض بالحنطة، هكذا جار مفسراً في الحديث" "النهاية في غريب الحديث 1/416". "انظر: صحيح البخاري 2/15 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 1/194، سنن أبي داود 2/225، تحفة الأحوذي 4/416، سنن النسائي 7/234، سنن ابن ماجه2/761، مسند أحمد 1/224، 2/392، سنن الدارمي 2/252، الموطأ 386 ط الشعب، سنن الدارقطني 3/48، نيل الأوطار 5/189، المغني 4/156". 4 الآية 22 من النساء. وفي ع ض ب: " ... من النساء الآية. 5 الآية 221 من البقرة. وفي ع ض ب: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} . 6 لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} المدثر/4، ولما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ومالك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي". "انظر: صحيح البخاري 1/46 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 4/17، سنن أبي داود 1/65، تحفة الأحوذي 1/390، سنن النسائي 1/98، سنن ابن ماجه 1/203، مسند أحمد 6/83، 129، الموطأ ص62 ط الشعب".

وَحَالَةِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ1، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلا مُسْتَنِدَ إلاَّ النَّهْيِ2. قَالُوا: لَوْ دَلَّ الْفَسَادُ3 لَنَاقَضَ التَّصْرِيحَ بِالصِّحَّةِ فِي قَوْلِهِ: نَهَيْتُك عَنْ فِعْلِ كَذَا فَإِنْ فَعَلْت صَحَّ4. قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْفَسَادِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالصِّحَّةِ5 لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حِكْمَةِ الْفَسَادِ، وَلأَنَّهُ لَوْ سَلِمَ فَالتَّصْرِيحُ بِخِلافِ الظَّاهِرِ، وَ6لا تَنَاقُضَ7، نَحْوَ: رَأَيْتُ أَسَدًا يَرْمِي. وَأَيْضًا فَإِنَّ8 قَوْلَهُ: يُشْبِهُ الْمُسْتَدْرَكَ وَالْمُسْتَثْنَى. فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَكِنَّك إنْ فَعَلْت صَحَّ، أَوْ قَوْلُهُ: إلاَّ أَنَّك إذَا فَعَلْت صَحَّ. وَلَيْسَ فِي كَلامِ الشَّارِعِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ9. وَكَذَا لَوْ كَانَ النَّهْيُ لِوَصْفٍ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لازِمٌ لَهُ. وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ

_ 1 لما رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" وسبق تخريجه في المجلد الأول ص471. 2 انظر: تحقيق المراد ص103، الإحكام للآمدي 2/193. 3 في ش ز ع: الفساد. 4 انظر: التبصرة ص103، المحصول ? ق2/489 وما بعدها، العدة 2/439. 5 ساقطة من ض. 6 ساقطة من ش ز. 7 في ع: يناقض. 8 في ش ز: فإنه. 9 انظر: تفصيل هذه الأدلة مع الزيادة عليها في "تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد للعلائي ص111 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/188، 192 وما بعدها، التبصرة ص103، المحصول 2/487، 489، العدة 2/439".

"أَوْ وَصْفِهِ" كَالنَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمَةِ1 وَعَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ2.فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ "يَقْتَضِي فَسَادَهُ شَرْعًا" عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ3. فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْقِيَامِ وَالاسْتِيلاءِ وَالسَّبِيلِ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَيَبْطُلُ هَذَا الْوَصْفُ. اللاَّزِمُ4 لَهُ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الشَّيْءِ وَفَسَادَ وَصْفِهِ. فَالْمُحَرَّمُ عِنْدَهُمْ وُقُوعُ الصَّوْمِ فِي الْعِيدِ لا الْوَاقِعُ. فَالْفِعْلُ حَسَنٌ5؛.لا أَنَّهُ6 صَوْمٌ قَبِيحٌ لِوُقُوعِهِ فِي الْعِيدِ. فَهُوَ عِنْدَهُمْ طَاعَةٌ يَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ7، وَوَصْفُ قُبْحِهِ لازِمٌ لِلْفِعْلِ لا لِلاسْمِ، وَلا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ8.

_ 1 ورد النهي عن نكاح الكافر للمسلة في قوله تعالى: {وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ} البقرة/221 2 انظر: المغني 4/199. 3 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/98، جمع الجوامع 1/394، الفروق 2/82، المنخول ص205، العدة 2/441، الروضة 2/217، المسودة ص82، 83، مختصر الطوفي ص96، التمهيد ص81، مباحث الكتاب والسنة 131، 133. 4 في ش ز: الملازم. 5 في ع: عندهم حسن. 6 في ز ع ض ب: لأنه. 7 قال النووي رحمه الله: "وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمداً لعينها، قال الشافعي والجمهور: لا ينعقد نذره، ولا يلزمه قضاؤهما، وقال أبو حنيفة: ينعقد ويلزم قضاؤهما، قال: فإن صامهما أجزأه، وخالف الناس كلهم في ذلك" شرح النووي على مسلم 8/15". وقال التمرتاشي والحصكفي: "ولو نذر صوم الأيام المنهية، أو صوم هذه السنة صح مطلقاً على المختار، وفرقوا بين النذر والشروع فيها بأن نفس الشروع معصية، ونفس النذر طاعة فصح، ولكنه أفطر الأيام المنهية، وجوباً تحامياً عن المعصية وقضاها إسقاطاً للواجب، وإن صامهما خرج عن العهدة مع الحرمة" "حاشية ابن عابدين 4/433". 8 قال الآمدي: "وهو اختيار المحققين من أصحابنا كالقفال وإمام الحرمين والغزالي وكثير من الحنفية، وبه قال جماعة من المعتزلة ... وكثير من مشايخهم" "الإحكام للآمدي 2/188". انظر: هذا الرأي وأدلته في "فواتح الرحموت 1/398، أصول السرخسي 1/81، 85، كشف الأسرار 1/258 وما بعدها، التوضيح على التنقيح 2/223، 227، فتح الغفار 1/78، تيسير التحرير 1/377 وما بعدها، 382 وما بعدها، المعتمد 1/184، 188وما بعدها، تحقيق المراد ص91، 149 وما بعدها، المستصفى 2/25، مختصر ابن الحاجب 2/97، 98، نهاية السول 2/64، جمع الجوامع 1/396، الفروق 2/83، الروضة 2/217، المسودة ص83، مختصر الطوفي ص96، البرهان للجويني 1/292، تفسير النصوص2/390، مباحث الكتاب والسنة ص135، 136، العدة 2/442، المحصول? 1 ق2/500"

وَقِيلَ لأَبِي الْخَطَّابِ فِي نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ1 الْعِيدِ2 نَهْيُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ؟ فَقَالَ: هُوَ حُجَّتُنَا؛ لأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا3 لا يَكُونُ مُحَالٌ، كَنَهْيِ الأَعْمَى عَنْ النَّظَرِ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمَا نَهَى عَنْهُ4. "وَكَذَا" لَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ "لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ كَ" النَّهْيِ عَنْ عَقْدِ بَيْعٍ "بَعْدَ نِدَاءِ جُمُعَةٍ"5 وَكَالْوُضُوءِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ، يَعْنِي فَإِنَّهُ يَقْتَضِي فَسَادَهُ عِنْدَ

_ 1 ساقطة من ع ض. 2 جاء النعي عن صوم يوم العيد في الحديث الصحيح المرفوع الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد ومالك والشافعي وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي عن أبي سعيد وعمر وأبي هريرة وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم الضحى" وفي رواية البخاري وأحمد "لا صوم في يومين" وفي رواية مسلم "لا يصح الصيام في يومين". "انظر: صحيح البخاري 1/233 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 8/15، مسند أحمد 5/52، 66، الموطأ ص200 ط الشعب، نيل الأوطار 4/293، سنن أبي داود 1/563، تحفة الأحوذي 3/579، سنن ابن ماجه 1/546، بدائع المنن 1/275، سنن الدارمي 2/20". 3 في ب: عنه. 4 انظر مناقشة الموضوع في "الإحكام للآمدي 2/192، المحصول? 1 ق2/500 وما بعدها، المستصفى 2/28، الروضة 2/217، مختصر البعلي ص104". 5 هو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} الجمعة/9.

الإِمَامِ أَحْمَدَ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ1 وَالْمَالِكِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَالْجُبَّائِيَّةِ2. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الأَكْثَرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الآمِدِيُّ: لا خِلافَ أَنَّهُ لا يَقْتَضِي الْفَسَادَ إلاَّ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ3. وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاتِ4. وَأَلْزَمَ الْقَاضِي5 الشَّافِعِيَّةَ بِبُطْلانِ الْبَيْعِ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ وَالِدَةٍ

_ 1 في ع: والظاهرية والمالكية. 2انظر هذه المسألة في "المعتمد 1/195، نهاية السول 2/65، شرح تنقيح الفصول 174، 176، مختصر الطوفي ص86، مختصر البعلي ص104، المسودة ص83، العدة 2/441، الفروق 2/85، الإحكام لابن حزم 3/307، مباحث الكتاب والسنة ص132". ولفظة الجبائية: ساقطة من ب. 3 في ع ض ب: وإمامنا أحمد. وانظر: الإحكام للآمدي 2/188، التبصرة ص100 هامش. 4 هذا رد على القول الذي يذهب للتفصيل بين العبادات والمعاملات، وهو رأي أبي الحسين البصري والفخر الرازي وابن السبكي وغيرهم، وهناك مذاهب أخرى. انظر أصحاب هذه المذاهب مع أدلتها ومناقشتها مع بيان مذهب الحنابلة وأدلتهم في "المعتمد 1/184، التمهيد ص82، المسودة ص83، العدة 2/444، المحصول ?1 ق2/486، المنخول ص126، المستصفى 2/25، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/95 وما بعدها، نهاية السول 2/52، 65، أصول السرخسي 1/81، فتح الغفار 1/78، التوضيح على التنقيح 2/229، 232، تيسير التحرير 1/377، جمع الجوامع 1/393، 395، تحقيق المراد ص77، 9، اللمع ص15، القواعد والفوائد الأصولية ص192، فواتح الرحموت 1/396، مباحث الكتاب والسنة ص131". 5 انظر: العدة 2/446. واستدل القاضي بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا توله والدة عن ولدها"، روى هذا الحديث أبو بكر رضي الله عنه، وأخرجه عنه البيهقي قال السيوطي إنه حسن، وقال الحافظ ابن حجر: سنده ضعيف، ورواه أبو عبيد في "غريب الحديث" مرسلاً عن الزهري، "انظر: فيض القدير 6/423، التلخيص الخبير 3/15",

وَوَلَدِهَا1 "لا" إنْ كَانَ النَّهْيُ "عَنْ غَيْرِهِ" أَيْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ غَيْرِ عَقْدٍ. وَكَانَ ذَلِكَ "لِحَقِّ2 آدَمِيٍّ، كَتَلَقٍّ3" لِلرُّكْبَانِ4 "وَ"كَ "نَجْشٍ"5 وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِغَيْر6ِ الْمُشْتَرِي "وَ" كَـ"سَوْمٍ" عَلَى سَوْمِ مُسْلِمٍ "وَ" كَـ"خِطْبَةٍ" وَلَوْ لِذِمِّيَّةٍ عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ7 "وَ"كَ "تَدْلِيسِ"

_ 1 ورد عن علي رضي الله عنه أنه فرق بين جارية وولدها، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع. رواه أبو داود والدارقطني، وفي الباب أحاديث أخر. "انظر: سنن أبي داود 2/58، نيل الأوطار 5/182". 2 في ع ض: كحق. 3 في ب: كتلقي. 4 روى البخاري ومسلم عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان" ورواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما، وروى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تلقوا الركبان، ولا بيع حاضر لبادٍ". "انظر: صحيح البخاري 2/13المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 10/160، سنن أبي داود 2/241، مسند أحمد 2/105، 156، 394، نيل الأوطار5/188، المغني 4/164". وفي ع ض ب: الركبان. 5 روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش"، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة، ورواه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهم. "انظر: صحيح البخاري 2/12 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم على شرح النووي 10/16، سنن أبي داود 2/241، سنن النسائي 7/227، سنن ابن ماجه 2/734، نيل الأوطار 5/187، المغني 4/159". 6 في ش: لغير، وفي ب: ليغر بها. 7 روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، ولا يسوم على سومه" وفي لفظ: "لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه"، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبع الرجل أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن". "انظر: صحيح البخاري 2/12 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم على شرح النووي 10/15، نيل الأوطار 5/187، مسند أحمد 2/398، 411، 457، سنن ابن ماجه 2/734، سنن النسائي 7/227، نيل الأوطار 5/189، المغني 4/159"

مَبِيعٍ1، كَالتَّصْرِيَةِ2 وَنَحْوِهَا. فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ3. قَالَ4 ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَحَيْثُ قَالَ أَصْحَابُنَا: اقْتَضَى النَّهْيُ الْفَسَادَ فَمُرَادُهُمْ: مَا لَمْ يَكُنْ النَّهْيُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ. فَإِنْ كَانَ وَلا مَانِعَ. كَتَلَقِّي الرُّكْبَانَ وَالنَّجْشِ. فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ عَلَى الأَصَحِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ. لإِثْبَاتِ الشَّرْعِ الْخِيَارَ فِي التَّلَقِّي5. "وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَالدَّوَامَ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ6، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِهِ

_ 1 في ش: بيع، وفي ع: لمبيع، وفي ز: ببيع. 2 لحديث: "لا تصروا الإبل والغنم، عمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها امسكها، وإن سخطها ردها، وصاعاً من تمر" وسبق تخريجه كاملاً في المجلد الثاني ص368 هـ، 566، 568، وانظر شرح النووي على صحيح مسلم 10/160 3 قال الشوكاني: "وقد اختلف في هذا النهي، هل يقتضي الفساد أم لا؟ فقيل: يقتضي الفساد، وقيل: لا، وهو الظاهر، لآن النهي ههنا لأمر خارج، وهي لا يقتضيه، كما تقرر في الأصول" "نيل الأوطار5/188". وقال: "وق قال بالفساد المرادف للبطلان بعض المالكية، وبعض الحنابلة، وقال غيرهم بعدم الفساد. "نيل الأوطار 5/188". "وانظر: مختصر البعلي ص104، 105، التمهيد ص82، مختصر الطوفي". 4 في ض ب: وقال. 5 وذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار" وفي روايات أخرى "أن يتلقى السلع حتى تبلغ الأسواق" "نهى عن التلقي" "نهى عن تلقي البيوع" "أن يتلقى الجلب" وسيده أي مالكه، "انظر: النووي على مسلم 10/163، سن أبي داود 2/240". 6 انظر: المسودة ص81، التمهيد ص81، تيسير التحرير 1/376، مختصر البعلي ص 105، فواتح الرحموت 1/406، نهاية السول 2/63، القواعد والفوائد الأصولية ص191، العدة 2/428".

لِلدَّوَامِ: كَوْنُهُ لِلْفَوْرِ؛ لأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهِ، وَلأَنَّ مَنْ نُهِيَ عَنْ فِعْلٍ بِلا قَرِينَةٍ فَفَعَلَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ عُدَّ مُخَالِفًا لُغَةً وَعُرْفًا. وَلِهَذَا لَمْ يَزَلْ1 الْعُلَمَاءُ يُسْتَدَلُّونَ2 بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. وَحَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ بُرْهَانٍ وَأَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ إجْمَاعًا3. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَمْرِ: أَنَّ الأَمْرَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ فَيَقَعُ الامْتِثَالُ فِيهِ بِالْمَرَّةِ. وَأَمَّا الانْتِهَاءُ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلا يَتَحَقَّقُ إلاَّ بِاسْتِيعَابِهِ فِي الْعُمُرِ فَلا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَكْرَارٌ، بَلْ بِالاسْتِمْرَارِ4 بِهِ يَتَحَقَّقُ الْكَفُّ5. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ النَّهْيَ مُنْقَسِمٌ6 إلَى الدَّوَامِ كَالزِّنَا، وَإِلَى غَيْرِهِ كَالْحَائِضِ

_ 1 في ع ض ب: تزل. 2 في ع ض ب: تستدل. 3 نقل العلماء عن أبي بكر الباقلاني أن النهي لا يقتضي الفور والتكرار كالأمر، وتابعه على ذلك الفخر الرازي فقال: "إن قلنا إن النهي يفيد التكرار فهو يفيد الفور لا محالة، وإلا فلا" أي إن ذلك لم يفيد التكرار فلا يفيد الفور، وقد اختار الفخر الرازي أن الأمر لا يفيد التكرار، وبالتالي فإن الأمر لا يفيد الفور عنده، ثم صرح باختياره فقال: "المشهور أن النهي يفيد التكرار، ومنهم من أباه، وهو المختار". "انظر: المحصول 2/470، 475". وقال العضد: "يقتضي دوام ترك المنهي عند المحققين ظاهراً ... وقد خالف في ذلك شذوذ" "العضد على ابن الحاجب 2/98". "وانظر: فواتح الرحموت 1/406، تيسير التحرير 1/376، الإحكام للآمدي 2/194، المسودة ص81، شرح تنقيح الفصول ص168، البرهان للجويني 1/230، مختصر ابن الحاجب 2/98، التمهيد ص81، مختصر البعلي ص105، العدة 2/428، جمع الجوامع 1/390، القواعد والفوائد الأصولية ص191، تفسير النصوص 2/382". 4 في ع ض ب: الاستمرار. 5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص171، البرهان للجويني 1/230، اللمع ص14. 6 في ع: ينقسم.

عَنْ الصَّلاةِ. فَكَانَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، دَفْعًا لِلاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ. وَرُدَّ بِأَنَّ عَدَمَ الدَّوَامِ لِقَرِينَةٍ، هِيَ تَقْيِيدُهُ بِالْحَيْضِ، وَكَوْنُهُ حَقِيقَةً لِلدَّوَامِ أَوْلَى مِنْ الْمَرَّةِ لِدَلِيلِنَا، وَلإِمْكَانِ التَّجَوُّزِ فِيهِ عَنْ بَعْضِهِ لاسْتِلْزَامِهِ لَهُ بِخِلافِ الْعَكْسِ1. "وَ"قَوْلُ النَّاهِي عَنْ شَيْءٍ "لا تَفْعَلْهُ مَرَّةً يَقْتَضِي تَكْرَارَ التَّرْكِ" قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ. فَلا يَسْقُطُ النَّهْيُ بِتَرْكِهِ مَرَّةً2. وَعِنْدَ الْقَاضِي وَالأَكْثَرِ يَسْقُطُ بِمَرَّةٍ3، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَدَّمَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، حَتَّى قَالَ شَارِحُهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ عَنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ: غَرِيبٌ لَمْ نَرَهُ لِغَيْرِ ابْنِ4 السُّبْكِيّ. وَقَطَعَ بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَمْ يَطَّلِعَا عَلَى كَلامِ الْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ5. "وَيَكُونُ" النَّهْيُ "عَنْ" شَيْءٍ "وَاحِدٍ" فَقَطْ، وَهُوَ كَثِيرٌ6 "وَ"عَنْ "مُتَعَدِّدٍ" أَيْ شَيْئَيْنِ7 فَأَكْثَرَ "جَمْعًا" أَيْ عَنْ الْهَيْئَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ. فَيَكُونُ لَهُ فِعْلُ

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 2/194. 2 قال القرافي: "وهو المشهور من مذاهب العلماء" وقال الكمال: "خلافاً لشذوذ"، وهذا فرع لاقتضاء النهي التكرار وعدمه. "انظر: الروضة 2/201، المسودة ص81، شرح تنقيح الفصول ص168، تيسير التحرير 1/376، مختصر البعلي ص105، فواتح الرحموت 1/406، المحصول? 1 ق2/470، القواعد والفوائد الأصولية ص192". 3 ساقطة من ض. 4 ساقطة من ض. 5 ومذهب الفخر الرازي، ورأيه مخالف لاختيار أكثر الأشاعرة والشافعية. "انظر: المحصول? 1 ق2/470، المسودة ص81، القواعد والفوائد الأصولية ص192، مختصر البعلي ص105، شرح تنقيح الفصول ص168، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/390". 6 انظر جمع الجوامع 1/392، نهاية السول 2/66. 7 في ض ب: عن شيئين.

أَيُّهَا شَاءَ عَلَى انْفِرَادِهِ1 كَالْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ2، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَ3بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا4. "وَفَرْقًا" وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الافْتِرَاقِ دُونَ الْجَمْعِ. كَالنَّهْيِ عَنْ. الاقْتِصَارِ5 عَلَى أَحَدِ شَيْئَيْنِ6.نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا تَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ" 7 فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُنَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ حَالَتَيْ الرِّجْلَيْنِ8، لا عَنْ لُبْسِهِمَا مَعًا، وَلا عَنْ تَحْفِيفِهِمَا مَعًا. وَلِذَلِكَ

_ 1 نقل الشيرازي أن المعتزلة قالت: "يكون نهياً عنهما، فلا يجوز فعل واحد منهما"، وأيد أبو الحسين البصري الجمهور، وخالف المعتزلة في ذلك. "انظر: التبصرة ص104، المعتمد 1/183، المسودة ص81، شرح تنقيح الفصول ص172، المنخول ص131، المحصول ? 1 ق2/508، نهاية السول 2/66، جمع الجوامع 1/393، القواعد والفوائد الأصولية ص69". 2 ثبت النهي عن تحريم الجمع بين الأختين في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} إلى قوله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} النساء/23. 3 في ب: أو. 4 روى البخاري ومسلم أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها" وفي رواية: "نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها". "انظر: صحيح البخاري 3/160 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 9/191، سنن أبي داود 1/476، تحفة الأحوذي 4/272، سنن النسائي 6/79 وما بعدها، سنن ابن ماجه 1/621، مسند أحمد 2/179، 423، سنن الدارمي 2/136، نيل الأوطار 6/166". 5 في ش: إحفائهما. 6 في ش: جمع الجوامع وشرح المحلي والبناني عليه 1/393. 7 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمش أحدكم في نعل واحدةٍ، ليُنْعِلْهما جميعاً، أو ليُحْفهما جميعاً" وفي رواية: "أو ليخلعهما جميعاً" وفيه روايات أخرى. "انظر: صحيح البخاري 4/34، صحيح مسلم 3/1660، سنن أبي داود 2/389، مختصر سنن أبي داود 6/83، تحفة الأحوذي 5/470، سنن ابن ماجه 2/1195". 8 انظر: التبصرة ص104، منهاج العقول 2/62.

قَالَ: "لِيُنْعِلْهُمَا 1 جَمِيعًا أَوْ لِيُحْفِهِمَا 2 جَمِيعًا". "وَ" يَكُونُ النَّهْيُ أَيْضًا عَنْ مُتَعَدِّدٍ "جَمِيعًا" وَمِنْ أَمْثِلَةِ النَّهْيِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا: لا تَأْكُلْ السَّمَكَ وَتَشْرَبْ اللَّبَنَ. فَإِنَّك إنْ3 جَزَمْت الْفِعْلَيْنِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ. فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِنْ نَصَبْت الثَّانِيَ مَعَ جَزْمِ الأَوَّلِ كَانَ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ4 بِانْفِرَادٍ5، وَإِنْ جَزَمْت الأَوَّلَ وَرَفَعْت الثَّانِيَ كَانَ الأَوَّلُ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ فَقَطْ فِي حَالَةِ مُلابَسَةِ6 الثَّانِي7. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلامِ عَلَى الأَمْرِ وَالنَّهْيِ اللَّذَيْنِ حَقُّهُمَا التَّقْدِيمُ لِتَعَلُّقِهِمَا بِنَفْسِ الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ. شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بِمَدْلُولِ الْخِطَابِ بِاعْتِبَارِ الْمُخَاطَبِ بِهِ فَقَالَ:

_ 1 في ز: وليلبسهما، وفي ع ض ب: ليلبسهما. 2 في ب: ليخلعهما. 3 في ع: إذا. 4 ساقطة من ز ع ض ب. 5 في ش: بانفراد. 6 في ب: ملابسته. 7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص173، المعتمد 1/182-183.

باب العام

باب العام: "الْعَامُّ" فِي اصْطِلاحِ الْعُلَمَاءِ."لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ" أَيْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ. قَالَ الطُّوفِيُّ -بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لِلْعَامِّ حُدُودًا كُلَّهَا مُعْتَرِضَةً1- اللَّفْظُ إنْ دَلَّ. عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ. فَهُوَ الْمُطْلَقُ كَالإِنْسَانِ2، أَوْ عَلَى وَحْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ. كَزَيْدٍ فَهُوَ الْعَلَمُ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ كَرَجُلٍ فَهُوَ النَّكِرَةُ، أَوْ عَلَى وَحَدَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ. فَهِيَ إمَّا بَعْضُ وَحَدَاتِ الْمَاهِيَّةِ فَهُوَ3 اسْمُ الْعَدَدِ. كَعِشْرِينَ رَجُلاً، أَوْ جَمِيعُهَا فَهُوَ الْعَامُّ4. فَإِذًا هُو5َ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ وَهُوَ أَجْوَدُهَا6. فَهَذَا الْحَدُّ مُسْتَفَادٌ مِنْ التَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ؛ لأَنَّ التَّقْسِيمَ الصَّحِيحَ يَرِدُ عَلَى جِنْسِ الأَقْسَامِ، ثُمَّ يُمَيِّزُ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ بِذِكْرِ خَوَاصِّهَا الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِهَا. فَيَتَرَكَّبُ كُلُّ

_ 1 مختصر الطوفي ص97. 2 ساقطة من مختصر البعلي. 3 في ع: فهي. 4 في ع: كالعام. 5 في مختصر الطوفي: فهو إذن. 6 مختصر الطوفي ص97. وانظر: مختصر البعلي ص105، نهاية السول 2/70.

وَاحِدٍ مِنْ أَقْسَامِهِ مِنْ جِنْسِهِ الْمُشْتَرَكِ وَمُمَيِّزهُ1 الْخَاصُّ، وَهُوَ الْفَصْلُ. وَلا مَعْنَى لِلْحَدِّ إلاَّ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ. وَعَلَى هَذَا فَقَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ مَعْرِفَةَ حُدُودِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْحَقَائِقِ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ وَالْعَلَمُ وَالنَّكِرَةُ وَاسْمُ الْعَدَدِ وَالْعَامُّ2. فَالْمُطْلَقُ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ وَصْفٍ زَائِدٍ3. وَالْعَلَمُ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى وَحْدَةٍ مُعَيَّنَةٍ4. وَاسْمُ الْعَدَدِ: هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى بَعْضِ وَحَدَاتِ مَاهِيَّةِ مَدْلُولِهِ5. وَالْعَامُّ: مَا ذَكَرْنَا6.انْتَهَى. وَقَوْلُهُ "فَإِنْ دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ" أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ جَمِيعِ مَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ وَحْدَةٍ وَكَثْرَةٍ وَحُدُوثٍ وَقِدَمٍ، وَطُولٍ وَقِصَرٍ وَلَوْنٍ مِنْ الأَلْوَانِ. فَهَذَا الْمُطْلَقُ كَالإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ إنْسَانٌ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى حَيَوَانٍ نَاطِقٍ لا عَلَى وَاحِدٍ وَلا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرَ، وَإِنْ كَانَ لا يَنْفَكُّ عَنْ7 بَعْضِ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ وَافَقَهُ: إنَّهُ اللَّفْظُ الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ8.

_ 1 في ش ز ع: ويميز. 2 ساقطة من ز ش. 3 انظر: نهاية السول 2/71، المحصول ? 1 ق2/520، شرح تنقيح الفصول ص39، إرشاد الفحول ص144. 4 انظر: نهاية السول 2/72. 5 انظر: نهاية السول 2/72، المحصول ? 1 ق2/522. 6 يرى الإسنوي أن هذا التقسيم ضعيف لوجوهٍ كثيرة. "فانظر: نهاية السول 2/72". 7 في ز: على. 8 هذا تعريف القاضي أبي الحسين البصري، وتابعه أبو الخطاب الحنبلي في ذلك، واختاره الرازي وزاد عليه "بحسب وضع واحد" ورجحه الشوكاني. "انظر: المعتمد 1/203، مختصر ابن الحاجب 2/98، العدة 1/140، المحصول? 1 ق2/513، إرشاد الفحول ص112".

وَقِيلَ: مَا عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا1. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقًا ضَرْبَةً2، أَيْ دَفْعَةً3. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ4. "وَيَكُونُ" الْعَامُّ "مَجَازًا" عَلَى الأَصَحِّ، كَقَوْلِك: رَأَيْت الأُسُودَ عَلَى الْخُيُولِ، فَالْمَجَازُ هُنَا كَالْحَقِيقَةِ فِي أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَامًّا5. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: لا يَعُمُّ بِصِيغَتِهِ؛ لأَنَّهُ عَلَى خِلافِ الأَصْلِ، فَيَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى الضَّرُورَةِ6.وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَجَازَ لَيْسَ خَاصًّا بِحَالِ الضَّرُورَةِ، بَلْ هُوَ عِنْدَ قَوْمٍ غَالِبٌ عَلَى اللُّغَاتِ7.

_ 1 وهذا تعريف القاضي أبي يعلى الفراء الحنبلي. "انظر: العدة 1/140". 2 مختصر ابن الحاجب 2/99. 3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/100، 101. 4 انظر في تعريف العام "العضد على ابن الحاجب 2/99، الحدود ص44، المعتمد 1/203، جمع الجوامع 1/398، نهاية السول 2/68، الكافية في الجدل ص50، الإحكام للآمدي 2/195، التوضيح على التنقيح 1/193، فواتح الرحموت 1/255، الإحكام لابن حزم 1/363، شرح تنقيح الفصول ص38، أصول السرخسي 1/125، فتح الغفار 1/84، منهاج العقول 2/66، الروضة 2/220، تيسير التحرير 1/190، المنخول ص138، المستصفى 2/32، اللمع ص15، المسودة ص574، العدة 1/140، مباحث الكتاب والسنة ص147، تفسير النصوص 2/9، إرشاد الفحول ص112، المحصول? 1 ق2/513". 5 انظر: جمع الجوامع 1/401. 6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/401. 7 تقدم بحث المجاز بإسهاب في "المجلد الأول ص135 – 199".

وَاسْتَدَلَّ عَلَى مَجَازِهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ. إلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلامَ" 1 فَإِنَّ الاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ. فَدَلَّ عَلَى تَعْمِيمِ كَوْنِ الطَّوَافِ صَلاةَ2 مَجَازٍ. "وَالْخَاصُّ" بِخِلافِ الْعَامِّ؛ لأَنَّهُ قَسِيمُهُ، وَهُوَ3 "مَا دَلَّ" عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ دَلالَةً "أَخَصُّ" مِنْ دَلالَةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ4 "وَلَيْسَ" هُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ "بِعَامٍّ" إلاَّ 5بِالْمَحْدُودِ أَوَّلاً6. "وَلا" شَيْءَ "أَعَمَّ مِنْ مُتَصَوِّرِ" اسْمِ مَفْعُولٍ، أَيْ لا أَعَمَّ مِنْ شَيْءٍ مُمْكِنٍ تُخَيَّلُ صُورَتُهُ فِي الذِّهْنِ. فَيَتَنَاوَلُ ذَلِكَ الْمَعْلُومَ وَالْمَجْهُولَ7 وَالْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ8

_ 1 الحديث بهذا اللفظ أخرجه مرفوعاً البيهقي والحاكم وابن حبان والدارمي عن ابن عباس والطبراني عن ابن عمر وأحمد عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه موقوفاً النسائي عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. "انظر: المستدرك 1/459، 2/267، سنن النسائي 5/176، سنن البيهقي 5/85، مسند أحمد 3/414، 4/64، 5/377، تخريج أحاديث أصول البردوي ص13، سنن الدارمي 2/44، فيض القدير 4/293، التلخيص الحبير 1/129". وأخرجه أيضاً الترمذي والحاكم عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ "الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه، فلا يتكلمن إلا بخير" "تحفة الأحوذي 4/33، المستدرك 1/459، عرضة الأحوذي 4/182". 2 ساقطة من ز ش ع. 3 في ش ز: وهو. 4 انظر: في تعريف الخاص "الحدود للباجي ص44، المسودة ص571، مختصر البعلي ص105، المعتمد 1/251، الكافية في الجدل ص50، الإحكام للآمدي 2/196، أصول السرخسي 1/124، التوضيح على التنقيح 1/168، شرح الورقات ص106، المنخول ص162، كشف الأسرار 1/30، مختصر الطوفي ص108، إرشاد الفحول ص141". 5 في ش ز: إلا 6 انظر: الإحكام للآمدي 2/197. 7 ساقطة من ض. 8 هذا تقسيم العام والخاص بحسب المراتب علواً ونزولاً وتوسطاً، ويسمى القسم الأول العام المطلق، ويقال إنه ليس بموجود. "انظر: نزهة الخاطر 2/121، المستصفى 2/32، الروضة 2/220، الإحكام للآمدي 2/197، مختصر الطوفي ص98".

"وَ" لا شَيْءَ "أَخَصُّ مِنْ عَلَمِ الشَّخْصِ" كَزَيْدٍ وَهِنْدٍ، وَمِثْلُهُ الْحَاضِرُ وَالْمُشَارُ1 إلَيْهِ بِهَذَا وَنَحْوِهِ2. "وَكَحَيَوَانٍ" أَيْ وَمِثْلِ لَفْظِ حَيَوَانٍ "عَامٌّ" نِسْبِيٌّ لأَنَّ الْحَيَوَانَ أَعَمُّ مِنْ الإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَالأَسَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ "خَاصٌّ نِسْبِيٌّ" لأَنَّ الْحَيَوَانَ أَخَصُّ مِنْ الْجِسْمِ لِشُمُولِهِ كُلَّ مُرَكَّبٍ، وَمِنْ النَّامِي لِشُمُولِهِ النَّبَاتَ، فَكُلُّ لَفْظٍ بِالنِّسْبَةِ3 إلَى مَا دُونَهُ عَامٌّ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فَوْقَهُ خَاصٌّ4. "وَيُقَالُ لِلَّفْظِ عَامٌّ وَخَاصٌّ، وَلِلْمَعْنَى أَعَمُّ وَأَخَصُّ"5. قَالَ الْكُورَانِيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ: هَذَا مُجَرَّدُ اصْطِلاحٍ لا يُدْرَكُ لَهُ وَجْهٌ سِوَى التَّمْيِيزُ بَيْنَ صِفَةِ6 اللَّفْظِ وَصِفَةِ7 الْمَعْنَى.

_ 1 في ش: والمشار. 2 ويسمى هذا القسم: خاصاً مطلقاً. "انظر: الإحكام للآمدي 2/197، البرهان 1/400، مختصر الطوفي ص98، مختصر البعلي ص105، الروضة 2/221، الإحكام لابن حزم 1/362". 3 في ش ز: لما. 4 ويسمى هذا القسم عاماً وخاصاً إضافياً. "انظر: المعتمد 1/207، المستصفى 2/32، الإحكام للآمدي 2/197، البرهان 1/400، المنخول ص162، نزهة الخاطر 2/122، الروضة 2/221، مختصر الطوفي ص98، مختصر البعلي ص106". 5 انظر: جمع الجوامع 1/404. 6 في ص: صيغة. 7 في ض ب: صيغة.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ1، تَدُلُّ2 عَلَى الزِّيَادَةِ وَالرُّجْحَانِ. وَالْمَعَانِي3 أَعَمُّ مِنْ الأَلْفَاظِ، فَخُصَّتْ بِصِيغَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِيهَا عَامٌّ وَخَاصٌّ أَيْضًا4.اهـ5. "وَالْعُمُومُ" بِمَعْنَى "الشَّرِكَةِ فِي الْمَفْهُومِ" لا بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ فِي اللَّفْظِ "مِنْ عَوَارِضِ الأَلْفَاظِ حَقِيقَةً" إجْمَاعًا6، بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ عَامٍّ يَصِحُّ شَرِكَةُ الْكَثِيرِينَ فِي مَعْنَاهُ، لا أَنَّهُ7 يُسَمَّى عَامًّا حَقِيقَةً، إذْ لَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فِي مُجَرَّدِ الاسْمِ لا فِي مَفْهُومِهِ لَكَانَ مُشْتَرَكًا لا عَامًّا، وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الأَلْفَاظِ لِذَاتِهَا. "وَكَذَا" -عَلَى خِلافٍ- يَكُونُ الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ "الْمَعَانِي" حَقِيقَةً "فِي قَوْلِ" الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ الْحَاجِبِ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ. فَيَكُونُ الْعُمُومُ مَوْضُوعًا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا بِالتَّوَاطُؤِ8.

_ 1 ساقطة من ب. 2 في ض: يدل. 3 في ش ع: فالمعاني. 4 انظر: البناني والمحلي على جمع الجوامع 1/404. 5 ساقطة من ش ز. 6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/101، جمع الجوامع 2/403، المستصفى 2/32، المسودة ص97، الإحكام للآمدي 2/198، نزهة الخاطر 2/118، نهاية السول 2/68، المعتمد 1/203، مختصر البعلي ص106، نزهة الخاطر 2/118، فتح الغفار 1/84، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/194، مختصر الطوفي ص97، إرشاد الفحول ص113. 7 في ض: لأنه. 8 قال البعلي: "إنه الصحيح" "مختصر البعلي ص106"، ورجح هذا القول ابن نجيم الحنفي واختاره ابن عبد الشكور والكمال بن الهمام. "انظر: فتح الغفار 1/84، فواتح الرحموت 1/258، المسودة ص97، الموافقات 3/166، الإحكام للآمدي 2/198، نهاية السول 2/68، جمع الجوامع 2/403ن مختصر ابن الحاجب 2/101، تيسير التحرير 1/194، إرشاد الفحول ص113".

وَالْقَوْلُ الثَّانِي -وَهُوَ قَوْلُ الْمُوَفَّقِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ1 وَالأَكْثَرِ- إنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي مَجَازًا لا حَقِيقَةً2. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْعُمُومَ لا يَكُونُ فِي الْمَعَانِي لا حَقِيقَةً وَلا مَجَازًا3. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ: أَنَّ حَقِيقَةَ الْعَامِّ لُغَةُ شُمُولِ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ4، وَهُوَ فِي الْمَعَانِي: كَعَمَّ الْمَطَرُ وَالْخَصِبُ، وَفِي الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ لِشُمُولِهِ لِمَعَانِي الْجُزْئِيَّاتِ5. وَاعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَمْرٌ وَاحِدٌ شَامِلٌ. وَعُمُومُ الْمَطَرِ شُمُولُ مُتَعَدِّدٍ لِمُتَعَدِّدٍ؛ لأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الأَرْضِ يَخْتَصُّ بِجُزْءٍ مِنْ الْمَطَرِ6.

_ 1 في ش: الجويني. 2 نقل الآمدي هذا القول عن الأكثرين، ولم يرجح خلافه، وهو قول أكثر الحنفية وأبي الحسن البصري. "انظر: المسودة ص90، 97، نزهة الخاطر 2/118، العضد على ابن الحاجب 2/101، الإحكام للآمدي 2/198، أصول السرخسي 1/125، فتح الغفار 1/84، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/194، إرشاد الفحول ص113، المعتمد 1/203، نهاية السول 2/68". 3 قال عبد العلي محمد بن نظام الأنصاري: "وهذا مما لم يعلم قائله ممن يعتد بهم" "فواتح الرحموت 1/258". "وانظر: مختصر الطوفي ص97، العضد على ابن الحاجب 2/101، نهاية السول 2/68، المستصفى 2/33، فتح الغفار 1/84، تيسير التحرير 1/194، إرشاد الفحول ص113". 4 في ض: متعدد. 5 انظر أدلة القول الأول: بان العموم من عوارض المعاني حقيقة في "الروضة2/220، نزهة الخاطر 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/403، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/101، نهاية السول 2/68، فتح الغفار 1/84، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/19، إرشاد الفحول ص113". 6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/101، نهاية السول 2/68، المعتمد 1/203، الإحكام للآمدي 2/198، أصول السرخسي 1/125، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/195، إرشاد الفحول ص113.

وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعُمُومِ لُغَةً، وَلَوْ سَلِمَ فَعُمُومُ الصَّوْتِ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ شَامِلٍ لِلأَصْوَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْحَاصِلَةِ لِسَامِعَيْهِ. وَعُمُومُ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الطَّلَبُ الشَّامِلُ لِكُلِّ طَلَبٍ تَعَلَّقَ بِكُلِّ مُكَلَّفٍ. وَكَذَا الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الذِّهْنِيُّ1. وَقَدْ فَرَّقَ طَائِفَةٌ بَيْنَ الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ، فَقَالُوا: بِعُرُوضِ الْعُمُومِ لِلْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ2. دُونَ الْخَارِجِيِّ. لأَنَّ الْعُمُومَ عِبَارَةٌ عَنْ شُمُولِ أَمْرٍ وَاحِدٍ لِمُتَعَدِّدٍ، وَالْخَارِجِيَّ لا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ. لأَنَّ الْمَطَرَ الْوَاقِعَ فِي هَذَا الْمَكَانِ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، بَلْ كُلُّ قَطْرَةٍ مِنْهُ مَخْصُوصَةٌ بِمَكَانٍ خَاصٍّ. وَالْمُرَادُ بِالْمَعَانِي الْمُسْتَقِلَّةِ كَالْمُقْتَضَى وَالْمَفْهُومِ. أَمَّا الْمَعَانِي التَّابِعَةُ لِلأَلْفَاظِ: فَلا خِلافَ فِي عُمُومِهَا3؛ لأَنَّ لَفْظَهَا عَامٌّ4. "وَلِلْعُمُومِ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ" أَيْ5 يَخْتَصُّ بِهَا عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَعَامَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَهِيَ "حَقِيقَةٌ فِيهِ" أَيْ فِي الْعُمُومِ "مَجَازٌ فِي الْخُصُوصِ" عَلَى

_ 1 انظر: أدلة النافين ومناقشتها في "الإحكام للآمدي 2/198، نهاية السول 2/68، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/101، فواتح الرحموت 1/258، تيسير التحرير 1/195، إرشاد الفحول ص113". 2 ساقطة من ب. 3 في ش: عمومه. 4 انظر توجيه هذا القول وتعليله ومناقشته في "فواتح الرحموت 1/259، تيسير التحرير 1/195 وما بعدها، فتح الغفار 1/84، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/404، الروضة 2/220". 5 في ش: تختص به. 6 هذا مذهب الجمهور، مذهب الجمهور، ويسمى مذهب أرباب العموم. " انظر: المسودة ص89، 100، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/102، التبصرة ص105، المعتمد 1/209ن المحصول ج1 ق2/523، فواتح الرحموت 1/260، تيسير التحرير 1/229، الإحكام لابن حزم 1/338 وما بعدها، مختصر البعلي ص106، القواعد والفوائد الأصولية ص194، تخريج الفروع على الأصول ص173، العدة 2/485، إرشاد الفحول ص115، مباحث الكتاب والسنة ص148، تفسير النصوص 2/19".

الأَصَحِّ؛ لأَنَّ كَوْنَهَا لِلْعُمُومِ أَحْوَطُ مِنْ كَوْنِهَا لِلْخُصُوصِ1. وَقِيلَ: عَكْسُهُ2. وَقِيلَ: مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ3. وَقَالَتْ الأَشْعَرِيَّةُ: لا صِيغَةَ لِلْعُمُومِ4.

_ 1 انظر: المسودة ص89، مختصر ابن الحاجب 2/102، المستصفى 2/34، 36، مختصر البعلي ص106، جمع الجوامع 1/410، نهاية السول 2/82، الإحكام للآمدي 2/200، القواعد والفوائد الأصولية ص194، المعتمد 1/210، التمهيد ص83، الرسالة للشافعي ص51، 53، البرهان للجويني 1/321، الإحكام لابن حزم 1/339. 2 قال أصحاب القول الثاني إن هذه الصيغ حقيقة في الخصوص مجاز في العموم، ويسمى مذهب أرباب الخصوص، وحكي عن الجبائي والبلخي أو الثلجي. انظر تفصيل هذا القول مع أدلته ومناقشتها في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/102، جمع الجوامع 1/410، نهاية السول 2/82، المستصفى 2/34، 36، 45، الإحكام للآمدي 2/200، 218 وما بعدها، البرهان للجويني 1/321، فواتح الرحموت 1/260، تيسير التحرير 1/197، 229، الإحكام لابن حزم 1/338، القواعد والفوائد الأصولية ص194، العدة 2/489، مختصر البعلي ص106، المعتمد 1/209، التمهيد ص83، تفسير النصوص 2/19". 3 وهذا قول أبي بكر الباقلاني، وذهب إليه الأشعري تارة. "انظر: المسودة ص89، جمع الجوامع 1/410، نهاية السول 2/82، التمهيد ص83، الإحكام للآمدي 2/200، أصول السرخسي 1/132، البرهان للجويني 1/322، المحصول ? 1 ق2/523، شرح تنقيح الفصول ص192، فواتح الرحموت 1/260، التبصرة ص105، مختصر البعلي ص106، القواعد والفوائد الأصولية ص194، تيسير التحرير 1/197، 229، مختصر ابن الحاجب 2/102". 4 أي يجب التوقف في صيغ العموم، قال البعلي: "والوقف إما على معنى لا ندري، وإما نعلم أنه وضع، ولا ندري أحقيقة أم مجاز" "مختصر البعلي ص160"، وهذا رأي الأشعري واختاره الآمدي، ويسمى مذهب الواقفية، وهناك قول خامس بالتوقف في الأخبار، أما الأوامر والنواهي فتحمل على العموم. انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "مختصر البعلي ص106، العدة 2/490، المسودة ص89، الروضة 2/223، مختصر الطوفي ص99، الإحكام لابن حزم 1/339، مختصر ابن الحاجب 2/102، جمع الجوامع 1/410، التبصرة ص105، نهاية السول 2/82، المنخول ص183، المعتمد 1/209، المستصفى 2/34، 36، 46، اللمع ص16، التمهيد ص83، الإحكام للآمدي 2/200، أصول السرخسي 1/132، البرهان 1/320، تيسير التحرير 1/197، 229، المحصول? 1 ق2/523، 565، شرح تنقيح الفصول ص192، التلويح على التوضيح 1/196، فواتح الرحموت 1/260، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص200، تفسير النصوص 2/19، 21".

وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِ الإِنْسَانِ: لا تَضْرِبْ أَحَدًا1. وَكُلُّ مَنْ قَالَ كَذَا فَقُلْ لَهُ كَذَا عَامٌّ قَطْعًا2. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا: فَالْحُمُرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَا أُنْزِلَ3 عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ" {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} 4 وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ الأَحْزَابِ قَالَ: "لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ". فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمْ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ5، وَلأَنَّ نُوحًا تَمَسَّك بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَهْلَكَ} 6 بِأَنَّ ابْنَهُ مِنْ

_ 1 في ض: أحد 2 انظر العضد على ابن الحاجب والتفتازاني عليه 2/102. 3 في ز ب: أنزل الله. 4 الآيتان 7، 8 من الزلزلة. والحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 3/143 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم 2/682". 5 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 3/34، صحيح مسلم 3/1391، زاد المعاد 3/275". 6 لآية 40 من هود، وأول الآية: {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} .

أَهْلِهِ1، وَأَقَرَّهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبَيَّنَ الْمَانِعَ2، وَاسْتِدْلالُ الصَّحَابَةِ وَالأَئِمَّةِ عَلَى حَدِّ كُلِّ سَارِقٍ وَزَانٍ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 3 وَ 4 {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 5. وَاعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ6 بِأَنَّ الْعُمُومَ فُهِمَ مِنْ الْقَرَائِنِ، ثُمَّ الأَخْبَارُ آحَادٌ7. رُدَّ بِأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الْقَرِينَةِ، ثُمَّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَرِيحٌ8، وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ9 مَعْنًى. وَأَيْضًا صِحَّةُ الاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِك: أَكْرِمْ النَّاسَ إلاَّ الْفُسَّاقَ، هُوَ10إخْرَاجٌ مَا لَوْلاهُ لَدَخَلَ بِإِجْمَاعِ أَهْل الْعَرَبِيَّةِ، لا يَصْلُحُ دُخُولُهُ. وَأَيْضًا مَنْ دَخَلَ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، و11َمِنْ نِسَائِي طَالِقٌ, يَعُمُّ اتِّفَاقًا،

_ 1 وذلك في قوله تعالى على لسان نوح: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} الآية 45 من هود. 2 أي المانع من دخول ابنه في أهله، وذلك في قوله تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} الآية 46 من هود. وانظر: التبصرة ص106، العدة 2/491. 3 الآية 38 من المائدة. 4 ساقطة من ش ز ع. 5 الآية 2 من النور. 6 ساقطة من ض ب. 7 انظر: المسودة ص89، الروضة 2/223، 227، مختصر الطوفي ص100، نزهة الخاطر 2/127، العدة 2/496، العضد على ابن الحاجب 2/103، التبصرة ص108، المعتمد 1/223، المستصفى 2/44، الإحكام للآمدي 2/208، المحصول ? 1 ق2/532، 565. 8 ساقطة من ض. 9 في ض: متواتر. 10 في ش: وهي. 11 ساقطة من ب.

وَكَذَا قَوْلُك مُسْتَفْهِمًا مَنْ جَاءَك؟ عَامٌّ؛ لأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْعُمُومِ اتِّفَاقًا. وَلَيْسَ بِحَقِيقَةٍ فِي الْخُصُوصِ. لِحُسْنِ جَوَابِهِ بِجُمْلَةِ الْعُقَلاءِ وَلِتَفْرِيقِ أَهْلِ اللُّغَةِ بَيْنَ لَفْظِ الْعُمُومِ وَلَفْظِ الْخُصُوصِ. وَأَيْضًا كُلُّ النَّاسِ عُلَمَاءُ، يُكَذِّبُهُ كُلُّهُمْ لَيْسُوا عُلَمَاءَ1. "وَمَدْلُولُهُ" أَيْ الْعُمُومِ كُلِّيَّةً "أَيْ مَحْكُومٌ فِيهِ" عَلَى "كُلِّ فَرْدٍ" فَرْدٍ2 بِحَيْثُ لا يَبْقَى فَرْدٌ "مُطَابِقَةً"3 أَيْ دَلالَةً مُطَابِقَةً "إثْبَاتًا وَسَلْبًا4". فَقَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} "5 بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: اُقْتُلْ زَيْدًا الْمُشْرِكَ وَعَمْرًا6 الْمُشْرِكَ وَبَكْرًا الْمُشْرِكَ إلَى آخِرِهِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِنَا: كُلُّ رَجُلٍ يُشْبِعُهُ رَغِيفَانِ. أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ7.

_ 1 انظر مزيداً من أدلة القول الأول، والرد على الاعتراضات والشبه عليه في "الروضة 2/224 وما بعدها، مختصر الطوفي ص99 وما بعدها، العدة 2/490 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/102 وما بعدها، التبصرة ص106، نهاية السول 2/82، المعتمد 1/209 وما بعدها، المستصفى 2/38 وما بعدها، 48 وما بعدها، اللمع ص16، الإحكام للآمدي 2/201 وما بعدها، المحصول? 1 ق2/525 وما بعدها، 571 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص19، كشف الأسرار 1/301، فواتح الرحموت 1/261 وما بعدها، تيسير التحرير 1/197، إرشاد الفحول ص115، تفسير النصوص 2/24 وما بعدها، مباحث الكتاب والسنة ص149". 2 ساقطة من ض ب. 3 قال البناني: "مطابقة صفة لمصدر محذوف والتقدير دال عليه دلالة مطابقة، ويحتمل حالتيه من كل فرد، أي حال كون كل فردٍ مطابقة أي ذا مطابقة ... إلا أن مجيء المصدر حالاً وإن كثر غير مقيس" "البناني على جمع الجوامع 1/405". 4 انظر: جمع الجوامع 1/405، مختصر البعلي ص106، شرح تنقيح الفصول ص195، فتح الغفار 1/86، تيسير التحرير 1/193، التمهيد 83. 5 الآية 5 من التوبة. 6 في ش ز: وعمرا. 7 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/405، التمهيد ص83، شرح تنقيح الفصول ص196.

"لا" أَنَّ مَدْلُولَ الْعُمُومِ "كُلِّيٌّ" وَهُوَ مَا اشْتَرَكَ فِي مَفْهُومِهِ كَثِيرُونَ كَالْحَيَوَانِ وَالإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ صَادِقٌ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ1. "وَلا كُلَّ" أَيْ وَلا أَنَّ مَدْلُولَ الْعُمُومِ عَلَى أَفْرَادِهِ مِنْ بَابِ دَلالَةِ الْكُلِّ2 عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ3 وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَأَسْمَاءِ الْعَدَدِ. وَمِنْهُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ يَحْمِلُ الصَّخْرَةَ، أَيْ الْمَجْمُوعُ لا كُلُّ وَاحِدٍ. وَيُقَالُ: الْكُلِّيَّةُ وَالْجُزْئِيَّةُ4 وَالْكُلِّيُّ وَالْجُزْئِيُّ وَالْكُلُّ وَالْجُزْءُ، فَصِيغَةُ الْعُمُومِ لِلْكُلِّيَّةِ، وَالنَّكِرَاتِ لِلْكُلِّيِّ، وَأَسْمَاءِ. الأَعْدَادِ5 لِلْكُلِّ، وَبَعْضِ الْعَدَدِ زَوْجٌ لِلْجُزْئِيَّةِ، وَالأَعْلامِ لِلْجُزْئِيِّ، وَمَا تَرَكَّبَ مِنْ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ كَالْخَمْسَةِ لِلْجُزْءِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْكُلِّيِّ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدِهَا: أَنَّ الْكُلَّ مُتَقَوِّمٌ بِأَجْزَائِهِ، وَالْكُلِّيَّ مُتَقَوِّمٌ بِجُزْئِيَّاتِهِ.

_ 1 وضح المحلي ذلك فقال: "أي من غير نظر إلى الأفراد نحو الرجل خير من المرأة، أي حقيقته أفضل من حقيقتها، وكثيراً ما يفضل بعض أفرادها بعض أفراده" "المحلي على جمع الجوامع 1/406"، واللفظ يدل على الكلي يسمى مطلقاً، وسبق بيانه في "المجلد الأول ص93 هامش، 132". "وانظر: التمهيد ص83، مختصر البعلي ص106، فتح الغفار 1/86، شرح تنقيح الفصول ص195" 2 في ض: الكلي. 3 أي إن العام ليس محكوماً فيه على مجموع الأفراد من حيث هو مجموع. "انظر: مختصر البعلي ص106، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/406، التمهيد ص83، شرح تنقيح الفصول ص195". في ش ز ع: أجزائه. 4 الكلية هي ثبوت الحكم لكل واحد بحيث لا يبقى فرد، ويكون الحكم ثابتاً للكل بطريق الالتزام، وتقابلها الجزئية وهي ثبوت لبعض الأفراد. " انظر: التمهيد ص83، فتح الغفار 1/86" 5في ش ز: الأعلام.

الثَّانِي: أَنَّ الْكُلَّ فِي الْخَارِجِ وَالْكُلِّيَّ فِي الذِّهْنِ. الثَّالِثِ: أَنَّ الأَجْزَاءَ مُتَنَاهِيَةٌ، وَالْجُزْئِيَّاتِ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ. الرَّابِعِ: أَنَّ الْكُلَّ مَحْمُولٌ عَلَى أَجْزَائِهِ، وَالْكُلِّيَّ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ1. "وَدَلالَتُهُ" أَيْ دَلالَةُ الْعُمُومِ "عَلَى أَصْلِ الْمَعْنَى" دَلالَةً "قَطْعِيَّةً" وَهَذَا بِلا نِزَاعٍ2. "وَ"دَلالَتُهُ "عَلَى كُلِّ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ بِلا قَرِينَةٍ" تَقْتَضِي كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ. كَالْعُمُومَاتِ3 الَّتِي لا يَدْخُلُهَا تَخْصِيصٌ4. نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 5 {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} 6 {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} 7 دَلالَةً "ظَنِّيَّةً" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ 8.

_ 1 انظر: شرح الكوكب المنير 1/132، 135، 136، التمهيد ص83، شرح تنقيح الفصول ص27.. 2 انظر: مختصر البعلي ص106، جمع الجوامع 1/407، فتح الغفار 1/86، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص202، مباحث الكتاب والسنة ص153. 3 في ب: كعمومات. 4 انظر: المحلي على جمع الجوامع والبناني عليه 1/407، 408.الآية 3 من الحديد. 5 الآية 3 من الحديد.. 6 الآية 284 من البقرة 7 الآية 6 من هود. 8 ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن دلالة العام على كل فرد بخصوصه ظنية، وقال الحنفية والمعتزلة وابن عقيل والفخر إسماعيل من الحنابلة وحكي رواية عن أحمد، ونقل عن الشافعي، عن دلالته قطعية، وقال آخرون بالوقف. "انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه1/407، نهاية السول 2/82، المسودة ص109، الروضة 2/242، مختصر الطوفي ص105، التبصرة ص119، اللمع ص16، تخريج الفروع على الأصول ص173، كشف الأسرار 1/91 وما بعدها، أصول السرخسي 1/132، فتح الغفار 1/86، التلويح على التوضيح 1/196، 204، فواتح الرحموت 1/265، مختصر البعلي ص106، مباحث الكتاب والسنة ص153"

وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْمُتَرَاخِي1 لا يَكُونُ نَسْخًا، وَلَوْ كَانَ الْعَامُّ نَصًّا عَلَى أَفْرَادِهِ لَكَانَ نَسْخًا، وَذَلِكَ أَنَّ صِيَغَ الْعُمُومِ تَرِدُ تَارَةً بَاقِيَةً عَلَى عُمُومِهَا، وَتَارَةً يُرَادُ بِهَا بَعْضُ الأَفْرَادِ، وَتَارَةً يَقَعُ فِيهَا التَّخْصِيصُ وَ2مَعَ الاحْتِمَالِ لا قَطْعَ، بَلْ لَمَّا كَانَ الأَصْلُ بَقَاءَ الْعُمُومِ فِيهَا كَانَ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُعْتَمَدُ لِلظَّنِّ. وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ الإِجْمَالِ، وَإِنْ اقْتَرَنَ بِالْعُمُومِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ قَابِلٍ لِلتَّعْمِيمِ. فَهُوَ كَالْمُجْمَلِ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ إلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ مِنْهُ "نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} 3" ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ 4. "وَعُمُومُ الأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الأَحْوَالِ وَالأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَات" عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ5. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ: الْعَامُّ فِي الأَشْخَاصِ عَامٌّ فِي الأَحْوَالِ. هَذَا 6الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 7 ظَاهِرُهَا عَلَى الْعُمُومِ: أَنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ وَلَدِهِ فَلَهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ

_ 1 في د: المتراخي. 2 ساقطة من ض. 3 الآية 20 من الحشر. 4 انظر مزيداً من أدلة الجمهور في كون دلالة العام على أفراده ظنية، مع أدلة الحنفية ومناقشتها في "المحلي على جمع الجوامع البناني عليه 1/407، فتح الغفار 1/86 وما بعدها، أصول السرخسي 1/132، التلويح على التوضيح 1/199، فواتح الرحموت 1/266، مباحث الكتاب والسنة ص153، والمراجع السابقة في هامش6". 5 انظر: جمع الجوامع 1/408، مختصر البعلي ص106، القواعد والفوائد الأصولية ص236، مباحث الكتاب والسنة ص152. 6 ساقطة من ش ز ض ع ب. وأثبتناها من "القواعد والفوائد الأصولية". 7 الآية 11 من النساء.

تَعَالَى. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْ الْكِتَابِ: أَنَّ الآيَةَ إنَّمَا قَصَدَتْ لِلْمُسْلِمِ لا لِلْكَافِرِ1.انْتَهَى2. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمْعٌ، مِنْهُمْ الْقَرَافِيُّ، قَالَ -وَتَابَعَهُ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ- بِأَنَّ3 صِيَغَ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً فِي الأَشْخَاصِ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ فِي الأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ وَالأَحْوَالِ والْمَتَعَلِّقاتِ فَهَذِهِ الأَرْبَعُ لا عُمُومَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِ الْعُمُومِ فِي غَيْرِهَا، حَتَّى يُوجَدَ لَفْظٌ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، نَحْوَ: لأَصُومَنَّ الأَيَّامَ، وَلأصَلِّيَنَّ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ، وَلا عَصَيْت اللَّهَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، وَلأَشْتَغِلَنَّ بِتَحْصِيلِ جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ4.

_ 1 بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والدارمي والدارقطني عن أسامة بن زيد مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم". "انظر: صحيح البخاري 4/115 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 11/52، سنن أبي داود 2/113، تحفة الأحوذي 6/386، سنن ابن ماجه 2/912، مسند أحمد 5/201، الموطأ ص321 ط الشعب، سنن الدارقطني 3/69، التلخيص الحبير 3/84، نصب الراية 4/428، نيل الأوطار 6/82". وروى الإمام أحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاًَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتوارث أهل ملتين شتى"، ورواه ابن حبان عن ابن عمر مرفوعاً. "انظر: التلخيص الحبير 3/84، مسند أحمد 2/187، سنن أبي داود 2/113، سنن ابن ماجه 2/912، سنن الدارمي 2/370، نصب الراية 4/428، سنن الدارقطني 3/70". وروى الإمام مالك عن علي رضي الله عنه قال: "وإنما ورث أبا طالب عقيل وطالب، ولم يرثه علي، فذلك تركنا نصيبنا من الشعب" "الموطأ ص322 ط الشعب". 2 القواعد والفوائد الأصولية ص236. وانظر: العدة 2/551. 3 ساقطة من ش ز ض ب. 4 ومثل قوله تعالى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} التوبة/5، تقتضي قتل كل مشرك لكن في كل حال بحيث يعم الهدنة والحرابة وعقد الذمة. وهذا قول أبي العباس ابن تيمية أيضا. ً "انظر: مختصر البعلي ص106، نهاية السول 2/81، القواعد والفوائد الأصولية ص236، المسودة ص49، المحلي على جمع الجوامع 1/408، شرح تنقيح الفصول ص200".

وَرَدَّ ذَلِكَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. فَقَالَ: أُولِعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ -وَمَا قَرُبَ مِنْهُ- بِأَنْ قَالُوا: صِيغَةُ الْعُمُومِ إذَا وَرَدَتْ عَلَى الذَّوَاتِ مَثَلاً، أَوْ عَلَى الأَفْعَالِ: كَانَتْ عَامَّةً فِي ذَلِكَ مُطْلَقَةً فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالأَحْوَالِ وَالْمُتَعَلِّقَات، ثُمَّ يَقُولُونَ1: الْمُطْلَقُ2 يَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ. فَلا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا عَدَاهُ. وَأَكْثَرُوا مِنْ3 هَذَا السُّؤَالِ فِيمَا لا يُحْصَى كَثْرَةً4 مِنْ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَصَارَ ذَلِكَ دَيْدَنًا لَهُمْ فِي الْجِدَالِ. قَالَ: وَهَذَا عِنْدَنَا بَاطِلٌ، بَلْ الْوَاجِبُ أَنَّ 5 مَا دَلَّ عَلَى الْعُمُومِ فِي الذَّوَاتِ -مَثَلاً- يَكُونُ6 دَالاًّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي كُلِّ ذَاتٍ تَنَاوَلَهَا اللَّفْظُ، وَلا يَخْرُجُ7 عَنْهَا ذَاتٌ إلاَّ بِدَلِيلٍ يَخُصُّهَا. فَمَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الذَّوَاتِ، فَقَدْ خَالَفَ مُقْتَضَى الْعُمُومِ. إلَى أَنْ قَالَ8 - مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا. فَتَقْتَضِي9 الصِّيغَةُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ ذَاتٍ صَدَقَ عَلَيْهَا أَنَّهَا الدَّاخِلَةُ. فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: هُوَ مُطْلَقٌ فِي الأَزْمَانِ10 فَأَعْمَلُ بِهِ فِي الذَّوَاتِ الدَّاخِلَةِ الدَّارِ فِي أَوَّلِ

_ 1 في ز ع ض ب: قال. 2 في ب: والمطلق. 3 في ض: في. 4 في ز: كثيرة. 5 ساقطة من ض ع ب. 6 في ب: فيكون. 7 في إحكام الأحكام: تخرج. 8 ساقطة من ز ض ع ب. 9 في إحكام الأحكام: فمقتضى. 10 في ز ض ع ب: الزمان.

النَّهَارِ مَثَلاً، وَلا أَعْمَلُ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الزَّمَانِ، وَقَدْ عَمِلْت بِهِ مَرَّةً، فَلا يَلْزَمُ أَنْ أَعْمَلَ بِهِ أُخْرَى لِعَدَمِ عُمُومِ الْمُطْلَقِ. قُلْنَا لَهُ1: لَمَّا دَلَّتْ الصِّيغَةُ2 عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ ذَاتٍ دَخَلَتْ الدَّارَ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا الذَّوَاتُ3 الدَّاخِلَةُ فِي آخِرِ النَّهَارِ. فَإِذَا أَخْرَجْت4 بَعْضَ5 تِلْكَ الذَّوَاتِ، فَقَدْ أَخْرَجْت مَا دَلَّتْ الصِّيغَةُ عَلَى دُخُولِهِ وَهِيَ كُلُّ ذَاتٍ6.وَقَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ7."فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ8" يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَامَّ فِي

_ 1 ساقطة من ب ز ع. 2 في ز ع ب: الصيغة لما دلت. 3 ساقطة من ز ع ب. 4 في ب: خرجت. 5 ساقطة من ز. 6 ساقطة من ز ع ب. 7 هو الصحابي خالد بن زيد بن كليب، أبو أيوب الأنصاري الخزرجي المدني، من السابقين إلى الإسلام، شهد بيعة العقبة وبدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوان وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل عليه الصلاة والسلام حين قدم المدينة مهاجراً، وأقام عنده شهراً، وله منزلة رفيعة في الإسلام، ومناقبه كثيرة، روى عنه البخاري ومسلم، كما روى عنه عدد من الصحابة، واستحلفه علي كرم الله وجهه على المدينة لما خرج مهاجراً إلى العراق، ثم لحق به، وشهد معه قتال الخوارج، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين مصعب بن عمير، ولزم الجهاد في سبيل الله بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي بأرض الروم غازياً سنة52 ?، قيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 2/89 مطبعة السعادة، أسد الغابة 2/94، الخلاصة 1/277 مطبعة الفجالة الجديدة، تهذيب الأسماء 2/177، مشاهير علماء الإمصار ص26". 8 هذا الأثر رواه مسلم وأبو داود والترمذي والدارمي وأحمد عن أبي أيوب الأنصاري في آخر حديث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة. "انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 3/153، سنن أبي داود 1/3، تحفة الأحوذي 1/53، سنن الدارمي 1/170، مسند أحمد 5/421". وسوف يأتي تخريج الحديث الكامل فيما بعد الصفحة 372.

الأَشْخَاصِ عَامٌّ فِي الْمَكَانِ1. انْتَهَى. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ يَعُمُّ بِطَرِيقِ الالْتِزَامِ لا بِطَرِيقِ الْوَضْعِ، وَجَمَعُوا بَيْنَ الْمَقَالَتَيْنِ. "وَصِيغَتُهُ" 3 أَيْ الْعُمُومِ "اسْمُ شَرْطٍ، وَ" اسْمُ "اسْتِفْهَامٍ 4 كَمَنْ فِي عَاقِلٍ5 "نَحْوَ". قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 6، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 7 {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} 8 وَتَقُولُ9 فِي الاسْتِفْهَامِ: مَنْ الَّذِي عِنْدَك؟ " وَمَا فِي غَيْرِهِ" أَيْ غَيْرِ الْعَاقِلِ10. نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {مَا يَفْتَحْ اللَّهُ

_ 1 إحكام الأحكام 1/94-95، ونقل البعلي هذا النص بأكمله في "القواعد والفوائد الأصولية ص236-237". 2 وهناك أقوال أخرى في المسألة. "انظر: نهاية السول 2/81". 3 في ع ب: وصيغة. 4 ساقطة من ز. 5 وعبر البيضاوي وغيره بقولهم: "ومن للعالمين" وبين الإسنوي الحكمة من ذلك. "انظر: نهاية السول 2/78، المعتمد 1/206، مختصر ابن الحاجب 2/102، شرح الورقات ص101، الإحكام للآمدي 2/197، العدة 2/485، البرهان 1/322، 360، المحصول ? 1 ق2/517، شرح تنقيح الفصول ص199، 200، التمهيد ص85، اللمع ص15، أصول السرخسي 1/155، فتح الغفار 1/95، 56، كشف الأسرار 2/5، التلويح على التوضيح 1/263، المسودة ص100، الروضة 2/222، مختصر الطوفي ص98، المنخول ص140، إرشاد الفحول ص117". 6 ساقطة من ز ع ب. 7 الآيتان 2، 3 من الطلاق. 8 الآية 46 من فصلت. 9 في ش ز: يقول. 10 انظر: جمع الجوامع 1/409، نهاية السول 2/79، المعتمد 1/206، البرهان 1/322، المحصول ج1 ق2/517، شرح تنقيح الفصول ص199، الإحكام للآمدي 2/198، اللمع ص1، التمهيد ص85، أصول السرخسي 1/156، فتح الغفار 1/95، 96، المسودة ص101، الروضة 2/222، مختصر البعلي ص107، مختصر الطوفي ص98، كشف الأسرار 2/11، التلويح على التوضيح 1/267، إرشاد الفحول ص117، العدة 2/485.

لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} 1 {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ} 2 وَتَقُولُ فِي الاسْتِفْهَامِ: مَا الَّذِي عِنْدَك؟ وَاسْتِعْمَالُ "مَنْ" فِيمَنْ يَعْقِلُ وَ "مَا" فِيمَا لا يَعْقِلُ شَائِعٌ. قَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلامِ الْعَرَبِ. وَقِيلَ3: تَكُونُ "مَا" لِمَنْ يَعْقِلُ وَلِمَنْ لا يَعْقِلُ فِي الْخَبَرِ وَالاسْتِفْهَامِ4، وَالصَّحِيحُ الأَوَّلُ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ "مَنْ، وَمَا" فِي الاسْتِفْهَامِ لِلْعُمُومِ5. فَإِذَا6 قُلْنَا: مَنْ فِي الدَّارِ؟ حَسُنَ الْجَوَابُ بِوَاحِدٍ. فَيُقَالُ مَثَلاً: زَيْدٌ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلسُّؤَالِ. فَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ قَوْمٌ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ حُكْمِ الاسْتِفْهَامِ، لا بِاعْتِبَارِ الْكَائِنِ فِي الدَّارِ. فَالاسْتِفْهَامُ عَمَّ جَمِيعَ الرُّتَبِ. فَالْمُسْتَفْهِمُ عَمَّ بِسُؤَالِهِ كُلَّ وَاحِدٍ يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ فِي الدَّارِ. فَالْعُمُومُ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْوُقُوعِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ الاسْتِفْهَامِ وَاشْتِمَالِهِ عَلَى كُلِّ الرُّتَبِ الْمُتَوَهَّمَةِ

_ 1 الآية 2 من فاطر. 2 الآية 198 من آل عمران. 3 في ع: وقد. 4 انظر: المحصول ? 1 ف2/517، مختصر البعلي ص107. 5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص200. 6 في ب: فإن.

"وَمِنْ" صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا "أَيْنَ، وَأَنَّى، وَحَيْثُ لِلْمَكَانِ"1 نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ} 2 وقَوْله تَعَالَى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمْ الْمَوْتُ} 3 فِي الْجَزَاءِ4. وَ5تَقُولُ مُسْتَفْهِمًا: أَيْنَ زَيْدٌ؟ "وَمَتَى" لِزَمَانٍ مُبْهَمٍ6 نَحْوَ: مَتَى تَقُمْ أَقُمْ. وَلا يُقَالُ: مَتَى طَلَعَتْ الشَّمْسُ؟، لأَنَّ زَمَنَ طُلُوعِهَا غَيْرُ مُبْهَمٍ. وَاسْتُدِلَّ لِمَتَى بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلَى ضَوْءِ نَارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ7

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 2/198، أصول السرخسي 1/157، البرهان 1/323، المحصول ج1 ق2/518، شرح تنقيح الفصول ص179، نهاية السول 2/79، المنخول ص138، المعتمد 1/206، اللمع ص15، جمع الجوامع 1/409، مختصر البعلي ص107، المسودة ص101، الروضة 2/222، مختصر الطوفي ص98، العدة 2/485. 2 الآية 4 من الحديد. 3 الآية 78 من النساء. 4 في ع: الخبر. 5 في ع: أو. 6 انظر: أصول السرخسي 1/157، البرهان 1/323، المحصول ج1 ق2/518، شرح تنقيح الفصول ص197، الإحكام للآمدي 2/198، المعتمد 1/206، نهاية السول 2/79، المنخول ص138، اللمع ص15، جمع الجوامع 1/409، مختصر البعلي ص107، الروضة 2/222، مختصر الطوفي ص98، العدة 2/485. 7 البيت من الطويل للحطيئة من قصيدة يمدح فيها بغيض بن عامر، ومطلعها: آثرت ادلاجي على ليلِ حَرةٍ ... هضيم الحشا حُسَّانةِ المتجرد ومعنى تعشو: أي تجيئه على غير هداية، أو تجيئه على غير بصر ثابت. والبيت ذكره ابن هشام في "مغني اللبيب" وابن منظور في "لسان العرب" وسيبويه في "الكتاب" والعباسي في "معاهد التنصيص" والمبرد في "المقتضب"، والزجاجي في "الجمل" وابن الشجري في "أماليه" وابن يعيش الحلبي في "شرح المفصل" وابن عقيل في "شرحه على ألفية ابن مالك". "انظر: شرح أبيات سيبويه للسيرافي 2/65، شرح ابن عقيل 2/365، معجم شواهد العربية ص111، لسان العرب 5/57 ط دار صادر ودار بيروت 1388هـ/1968م، ديوان الحطيئة ص25".

وَتَقُولُ فِي الاسْتِفْهَامِ: مَتَى جَاءَ زَيْدٌ؟ "وَأَيُّ لِلْكُلِّ" يَعْنِي أَنَّ " أَيَّ " الْمُضَافَةَ تَكُونُ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِ الْعَاقِلِ1.فَمِنْ الأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} 2 وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" وَمِنْ الثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} 3 وَتَقُولُ فِي الاسْتِفْهَامِ: أَيُّ وَقْتٍ تَخْرُجُ؟ "وَتَعُمُّ4 مَنْ وَأَيَّ الْمُضَافَةَ إلَى الشَّخْصِ ضَمِيرُهُمَا5، فَاعِلاً" كَانَ، نَحْوَ قَوْلِهِ: مَنْ قَامَ مِنْكُمْ؟ أَوْ أَيُّكُمْ قَامَ فَهُوَ حُرٌّ "أَوْ" كَانَ "مَفْعُولاً6" نَحْوَ قَوْلِهِ: مَنْ أَقَمْته مِنْكُمْ، أَوْ أَيُّكُمْ أَقَمْته فَهُوَ حُرٌّ. فَقَامُوا فِي الصُّورَةِ الأُولَى، أَوْ أَقَامَهُمْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ7. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَ "أَيُّ" عَامَّةٌ فِيمَا تُضَافُ إلَيْهِ مِنْ الأَشْخَاصِ وَالأَزْمَانِ وَالأَمْكِنَةِ وَالأَحْوَالِ. وَمِنْهُ: أَيُّ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا8.وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهَا

_ 1 انظر: المعتمد 2/206، شرح تنقيح الفصول ص179، التلويح على التوضيح 1/257، تيسير التحرير 1/226، المحصول ج1 ق2/516، العدة 2/485، الإحكام للآمدي 2/197، اللمع ص15، التمهيد ص76، جمع الجوامع 1/409، نهاية السول 2/78، مختصر الطوفي ص98، مختصر البعلي ص107، إرشاد الفحول ص118. 2 الآية 12 من الكهف. 3 الآية 28 من القصص. 4 في ش ع: يعم. 5 في ب: ضميرها. 6 انظر: مختصر البعلي ص107. 7 يرى السرخسي أن "أي" لا تعم. "انظر: أصول السرخسي 1/161". 8 هذا طرف من حديث حسن رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والطيالسي وأبو عوانة والدارمي وابن حبان عن عائشة مرفوعاً بلفظ "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها" وسبق تخريجه كاملاً في "المجلد الثاني ص541".

بِالاسْتِفْهَامِيَّةِ أَوْ الشَّرْطِيَّةِ أَوْ الْمَوْصُولَةِ، لِتَخْرُجَ الصِّفَةُ1. نَحْوَ: مَرَرْت بِرَجُلٍ أَيِّ رَجُلٍ، وَالْحَالُ نَحْوَ2: مَرَرْت بِزَيْدٍ أَيِّ رَجُلٍ. اَهَـ. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: لا عُمُومَ فِي الْمَوْصُولَةِ، نَحْوَ: يُعْجِبُنِي أَيُّهُمْ هُوَ قَائِمٌ. فَلا عُمُومَ فِيهَا، بِخِلافِ الشَّرْطِيَّةِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 3 وَالاسْتِفْهَامِيَّةِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} 4. "وَ"مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا: الاسْمُ "الْمَوْصُولُ 5 " سَوَاءٌ كَانَ مُفْرَدًا كَاَلَّذِي وَاَلَّتِي أَوْ مَثْنًى نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} 6 أَوْ مَجْمُوعًا نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} 7 {وَاَللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} 8 {وَاَللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ} 9. "وَ" مِنْ صِيَغِهِ أَيْضًا "كُلُّ" وَهِيَ أَقْوَى صِيَغِهِ10.وَلَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى إضَافَتِهَا

_ 1 في ب: كمررت. 2 ساقطة من ز. 3 الآية 110 من الإسراء. 4 الآية 38 من النمل. 5 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/102، جمع الجوامع 1/409، نهاية السول 2/78، أصول السرخسي 1/157، فواتح الرحموت 1/260، شرح الورقات ص101، إرشاد الفحول ص12. 6 الآية 16 من النساء. 7 الآية 101 من الأنبياء. 8 الآية 34 من النساء. 9 الآية 4 من الطلاق. 10 انظر: الإحكام للآمدي 2/197، أصول السرخسي 1/157، فتح الغفار 1/97، المحصول ج1 ق2/517، 555 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص179، كشف الأسرار 2/8، تيسير التحرير 1/224، المعتمد 1/206، التمهيد ص84، جمع الجوامع 1/409، نهاية السول 2/7، المسودة ص101، الروضة 2/222، القواعد والفوائد الأصولية ص178، مختصر البعلي ص107، مختصر الطوفي ص98.

مَعَانٍ. مِنْهَا: أَنَّهَا إذَا أُضِيفَتْ إلَى نَكِرَةٍ. فَهِيَ لِشُمُولِ أَفْرَادِهِ1 نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} 2. وَمِنْهَا: أَنَّهَا إذَا أُضِيفَتْ لِمَعْرِفَةٍ3، وَهِيَ جَمْعٌ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ. فَهِيَ لاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِهِ أَيْضًا4، نَحْوَ كُلُّ الرِّجَالِ وَكُلُّ النِّسَاءِ عَلَى وَجَلٍ إلاَّ مَنْ أَمَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ: "كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ، فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا" 5. وَمِنْهَا: أَنَّهَا إذَا أُضِيفَتْ لِمَعْرِفَةٍ مُفْرَدٍ، فَهِيَ لاسْتِغْرَاقِ أَجْزَائِهِ أَيْضًا، نَحْوَ كُلُّ الْجَارِيَةِ حَسَنٌ، أَوْ كُلُّ زَيْدٍ جَمِيلٌ. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَادَّتُهَا تَقْتَضِي الاسْتِغْرَاقَ وَالشُّمُولَ كَالإِكْلِيلِ لإِحَاطَتِهِ بِالرَّأْسِ، وَالْكَلالَةِ لإِحَاطَتِهَا بِالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ. فَلِهَذَا كَانَتْ أَصَرْحَ صِيَغِ الْعُمُومِ لِشُمُولِهَا الْعَاقِلَ وَغَيْرَهُ، الْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ، الْمُفْرَد6َ وَالْمَثْنَى وَالْجَمْعَ، وَسَوَاءٌ بَقِيَتْ عَلَى

_ 1 انظر: تيسير التحرير 1/224، فتح الغفار 1/98. 2 الآية 185 من آل عمران، وفي آيات أخرى. 3 في ب: إلى المعرفة. 4 انظر: فتح الغفار 1/98، تيسير التحرير 1/224. 5 هذا تتمة حديث شريف، وأوله: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله ملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن "أو تملأ" ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقران حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو ... " رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي والبغوي وابن ماجه والدارمي عن أبي مالك الأشعري مرفوعاً، وقال السيوطي: صحيح، وقال ابن القطان: اكتفوا أنه في "مسلم"، وقد بين الدارقطني أنه منقطع. " ناظر: مسند أحمد 3/321، 399، 5/342، 344، صحيح مسلم 1/203، تحفة الأحوذي 9/498، سنن ابن ماجه 1/102، شرح السنة 1/319، سنن الدارمي 1/167، فيض القدير 4/292". 6 ساقطة من ب.

إضَافَتِهَا كَمَا مَثَّلْنَا، أَوْ حُذِفَ الْمُضَافُ إلَيْهِ. نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كُلٌّ آمَنَ بِاَللَّهِ} 1. قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَيْسَ فِي كَلامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ أَعَمُّ مِنْهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ مُبْتَدَأَةً وَتَابِعَةً لِتَأْكِيدِ الْعَامِّ. نَحْوَ جَاءَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ. وَهُنَا: فَوَائِدُ: مِنْهَا: أَنْ مَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِهَا تَسْتَغْرِقُ الأَفْرَادَ فِيمَا إذَا أُضِيفَتْ لِجَمْعٍ مُعَرَّفٍ، كَمَا لَوْ أُضِيفَتْ إلَى نَكِرَةٍ. فَتَكُونُ مِنْ الْكُلِّيَّةِ. كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِكَايَةً عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "يَا عِبَادِي: كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلاَّ مَنْ أَطْعَمْته.." الْحَدِيثَ2 وَهُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ مِنْ الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ، لا مِنْ الْكُلِّيَّةِ. وَمِنْهَا: إذَا دَخَلَتْ "كُلُّ" عَلَى جَمْعٍ مُعَرَّفٍ بِأَلْ3، وَقُلْنَا بِعُمُومِهَا. فَهَلْ الْمُفِيدُ لِلْعُمُومِ الأَلْفُ وَاللاَّمُ وَ "كُلٌّ" تَأْكِيدٌ، أَوْ اللاَّمُ لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ وَ "كُلٌّ" لِتَأْسِيسِ إفَادَةِ الْعُمُومِ؟ وَالثَّانِي: أَظْهَرُ؛ لأَنَّ "كُلاًّ" إنَّمَا تَكُونُ مُؤَكِّدَةً إذَا كَانَتْ تَابِعَةً. وَقَدْ يُقَالُ: اللاَّمُ أَفَادَتْ عُمُومَ مَرَاتِبِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَ "كُلٌّ" أَفَادَتْ اسْتِغْرَاقَ الأَفْرَادِ. فَنَحْوَ: كُلُّ الرِّجَالِ، تُفِيدُ فِيهَا الأَلِفُ وَاللاَّمُ عُمُومَ مَرَاتِبِ جَمْعِ

_ 1 الآية 2/285 من البقرة. 2 هذا حديث قدسي رواه الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه بألفاظ مختلفة عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ... " الحديث. ورواه أبو عوانة وابن حبان والحاكم. " انظر: مسند أحمد 5/160، صحيح مسلم 4/1994، سنن ابن ماجه 2/1422، جامع العلوم والحكم ص209، الاتحافات السنية بشرح الأحاديث القدسيةص41". 3 في ض د: باللام.

الرَّجُلِ، وَكُلُّ اسْتِغْرَاقِ الآحَادِ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ1: إنَّ "كُلَّ" لا تَدْخُلُ فِي الْمُفْرَدِ وَالْمُعَرَّفِ بِاللاَّمِ إذَا أُرِيدَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْعُمُومُ. اهـ, وَلِهَذَا مَنَعَ دُخُولَ أَلْ عَلَى "كُلٍّ" وَعَيَّبَ قَوْلَ بَعْضِ النُّحَاةِ: بَدَلُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلّ2ِ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمُفْرَدِ وَالْمُعَرَّفِ. نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إسْرَائِيلَ} 3 وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ الطَّلاقِ وَاقِعٌ إلاَّ طَلاقَ الْمَعْتُوهِ" 4 لأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا5 مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ 6الْمُعَرَّفِ، حَتَّى تَكُونَ لاسْتِغْرَاقِ الأَفْرَادِ لا الأَجْزَاءِ 7.

_ 1 هو محمد بن السري بن سهل، أبو بكر النحوي، المعروف بابن السراج، أحد أئمة النحو المشهورين، وأحد العلماء المذكورين بالأدب وعلم العربية، أخذ الأدب عن المبرد، وأخذ عنه جماعة من الأعيان, ونقل عنه الجوهري في كتابه "الصحاح" في مواضع عديدة، وله تصانيف مشهورة في النحو، منها كتاب "الأصول" قال ابن خلكان: "وهو من أجود الكتب المصنفة في هذا الشأن، وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه" وله كتاب "جمل الأصول" و "الموجز" و "شرح كتاب سيبويه" و "احتجاج القراء" و "الشعر والشعراء" وغيرها، توفي سنة 316 ?. 2 ساقطة من ش. 3 الآية 93 من آل عمران. 4 هذا الحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله" قال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن عجلان، وهو ضعيف ذاهب الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم.. أن طلاق المعتوه المغلوب على عقله لا يجوز". ورواه البخاري عن علي رضي الله عنه موقوفاً بلفظ: "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه". "انظر: صحيح البخاري 3/179 المطبعة العثمانية، تحفة الأحوذي 4/370، نيل الأوطار 6/265". 5 في ش ز: أنها. 6 في ب: جمع. 7 في ب: لإجزاء.

وَمِنْهَا: أَنَّ مَحَلَّ عُمُومِهَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا نَفْيٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا نَحْوَ لَمْ يَقُمْ كُلُّ الرِّجَالِ. فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لِلْمَجْمُوعِ، وَالنَّفْيُ وَارِدٌ عَلَيْهِ. وَسُمِّيَتْ سَلْبَ الْعُمُومِ، بِخِلافِ مَا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا. نَحْوَ: كُلُّ إنْسَانٍ لَمْ يَقُمْ. فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ فِي كُلِّ فَرْدٍ، وَيُسَمَّى عُمُومُ السَّلْبِ. وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ أَرْبَابِ الْبَيَانِ. وَأَصْلُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ" جَوَابًا لِقَوْلِهِ: أَنَسِيت1 أَمْ قَصُرَتْ الصَّلاةُ؟ أَيْ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْ الأَمْرَيْنِ، لَكِنْ بِحَسَبِ ظَنِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلِذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلاسْتِفْهَامِ عَنْ أَيِّ الأَمْرَيْنِ وَقَعَ، وَلَوْ كَانَ لِنَفْيِ الْمَجْمُوعِ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ، وَلا لِقَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: "قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ" فَإِنَّ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ يَقْتَضِيهِ الإِيجَابُ الْجُزْئِيُّ. وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِمْ: تُقَدَّمُ النَّفْيُ لِسَلْبِ الْعُمُومِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} 2 فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ3 الْقَاعِدَةُ بِأَنْ لا يَنْتَقِضَ النَّفْيُ, فَإِنْ انْتَقَضَ كَانَتْ لِعُمُومِ السَّلْبِ، وَقَدْ يُقَالُ: انْتِقَاضُ النَّفْيِ قَرِينَةُ إرَادَةِ عُمُومِ السَّلْبِ. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. "وَ" مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا "جَمِيعُ 4 " وَهِيَ مِثْلُ كُلِّ، إلاَّ أَنَّهَا لا تُضَافُ إلاَّ5 إلَى مَعْرِفَةٍ، فَلا يُقَالُ: جَمِيعُ رَجُلٍ، وَتَقُولُ جَمِيعُ النَّاسِ،

_ 1 في ب: نسيت. 2 الآية 93 من مريم 3 في ض: تقييده. 4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/409، نهاية السول 2/78، المعتمد 1/206، الإحكام للآمدي 2/197، المحصول ج1 ق2/517، 555، شرح تنقيح الفصول ص179، كشف الأسرار 2/10، تيسير التحرير 1/225، فتح الغفار 1/99، مختصر الطوفي ص98، الروضة 2/222، إرشاد الفحول 117، أصول السرخسي 1/158. 5 ساقطة من ض.

وَجَمِيعُ الْعَبِيدِ، وَدَلالَتُهَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ، بِخِلافِ كُلٍّ فَإِنَّهَا بِطَرِيقِ النُّصُوصِيَّةِ. سوَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلاًّ 1تَعُمُّ عَلَى جِهَةِ الانْفِرَادِ، وَجَمِيعَ عَلَى جِهَةِ الاجْتِمَاعِ2. "وَنَحْوَهُمَا" أَيْ وَمِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا: كُلُّ مَا كَانَ نَحْوَ كُلٍّ وَجَمِيعٍ، مِثْلَ أَجْمَعَ وَأَجْمَعِينَ3. "وَ" كَذَلِكَ "مَعْشَرَ وَمَعَاشِرَ وَعَامَّةً وَكَافَّةً وَقَاطِبَةً" قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 4 وَقَالَ تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} 5 وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} 6 وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّا مَعَاشِرَ 7 الأَنْبِيَاءِ لا نُورَثُ، مَا 8 تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ" 9 وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْتَدَّتْ

_ 1 في ض: كل. 2 انظر: تيسير التحرير 1/225. 3 انظر: مختصر البعلي ص107، إرشاد الفحول ص119. 4 الآية 39 من الحجر. 5 الآية 33 من الرحمن. 6 الآية 36 من التوبة. 7 في ش: معشر. 8 في ز: وما، وفي ض ع ب سقط: "ما تركناه صدقة". 9 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك وأحمد والبيهقي عن أبي بكر وعثمان وعائشة وأبي هريرة وغيرهم مرفوعاًُ بألفاظ متقاربة، واللفظ السابق معزو للترمذي في غير "جامعه". " انظر: صحيح البخاري 3/17، 4/55، صحيح مسلم 3/1389، 1383، سنن أبي داود 2/128، تحفة الأحوذي 5/232، سنن النسائي 7/120، مسند أحمد 1/9، 13، السنن الكبرى 10/143، تخريج أحاديث البردوي ص64، النووي على مسلم 12/76، المنتقى 7/317، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص490".

الْعَرَبُ قَاطِبَةً"1 قَالَ ابْنُ الأَثِير2ِ: أَيْ جَمِيعُهُمْ3، لَكِنَّ مَعْشَرَ وَمَعَاشِرَ: لا يَكُونَانِ إلاَّ مُضَافَيْنِ، بِخِلافِ قَاطِبَةً وَعَامَّةً وَكَافَّةً فَإِنَّهَا4 لا تُضَافُ5 "وَ"مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا "جَمْعٌ مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِمُذَكَّرٍ أَوْ لِمُؤَنَّثٍ6، وَسَوَاءٌ كَانَ سَالِمًا أَوْ مُكَسَّرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ

_ 1 هذا جزء من حديث رواه النسائي عن أنس بلفظ: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب" ورواه الدارمي. "انظر: سنن النسائي 6/6، 7/71، سنن الدارمي 1/42". 2 هو المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري الشافعي، أبو السعادات، مجد الدين، ابن الأثير، صاحب كتاب النهاية في غريب الحديث"، ولد بالجزيرة، ونشأ بها وتعلم، ثم انتقل إلى الموصل، فظهرت شخصيته، ونضجت ثقافته، وتولى عدة مناصب، وعرضت عليه الوزارة فرفضها، وعزف عن الدنيا، وأقبل على العلم، فجذب الناس من كل صوب، إلى أن مرض فلزم بيته صابراً متحسباً متفرغاً للعلم والتصنيف، وكان عالماً فاضلاً، وفقيهاً ومحدثاً وأدبياً ونحوياً، وكان ورعاً تقياً متديناً، وله مؤلفات كثيرة نافعة ومفيدة، منها "النهاية في غريب الحديث" و "جامع الأصول من أحاديث الرسول" و "الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف" للثعلبي النيسابوري والزمخشري، و "البديع" في النحو، و"الشافي شرح مسند الشافعي" توفي سنة 606 هـ، وهو شقيق عز الدين على بن محمد ... ابن الأثير الجزري، صاحب "أسد الغابة" المتوفى سنة 630هـ، وشقيق ضياء نصر الله، الكاتب والأديب صاحب "المثل السائر" المتوفى سنة 637?. انظر ترجمة مجد الدين في "طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/366، وفيات الأعيان 3/289، إنباه الرواة 3/257، النجوم الزاهرة 5/22، البداية والنهاية 13/54، مرآة الجنان 4/11". 3 النهاية في غريب الحديث4/79. 4 في ب: فإنهما. 5 انظر: مختصر البعلي ص107، إرشاد الفحول ص119. 6 في ض ب: مؤنث.

"مُعَرَّفٌ"1 ذَلِكَ الْجَمْعُ "بِلامٍ أَوْ إضَافَةٍ"2. مِثَالُ السَّالِمِ مِنْ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ الْمُعَرَّفِ بِاللاَّمِ: قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} 3 وَمِثَالُ جَمْعِ الْكَثْرَةِ مِنْ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ الرِّجَالُ وَالصَّوَاحِبُ. وَ4جَمْعُ الْقِلَّةِ: الأَفْلَسُ وَالأَكْبَادُ، وَمِثَالُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِالإِضَافَةِ قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} 5 وقَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 6 وَقِيلَ: إنَّ الْجَمْعَ الْمُذَكَّرَ لا يَعُمُّ، فَلا يُفِيدُ الاسْتِغْرَاقَ7.

_ 1 في ع ي: معرفاً. 2 انظر: فواتح الرحموت 1/260، كشف الأسرار 2/2، التلويح على التوضيح 1/233، تيسير التحرير 1/210، أصول السرخسي 1/151، المستصفى 2/37، جمع الجوامع والبناني عليه 1/410، نهاية السول 2/79، المنخول ص138، المعتمد 1/207، مختصر ابن الحاجب 2/102، الإحكام للآمدي 2/197، اللمع ص15، التمهيد ص87، البرهان 1/323، المحصول ج1 ق2/518، شرح تنقيح الفصول ص180، شرح الورقات ص101، مختصر البعلي ص107، مختصر الطوفي ص98، الروضة 2/221، إرشاد الفحول ص119، العدة 2/484. 3 الآية 35 من الأحزاب. 4 في ض: أو. 5 الآية 11 من النساء، وفي ب ض ع تنتهي الآية عند {أَوْلادِكُمْ} وانظر: المسودة ص111. 6 الآية 23 من النساء. 7 هو قول الشيخ أبي هاشم الجبائي المعتزلي، خلافاً للشيخ أبي علي الجبائي، وهناك أقوال أخرى تفصل بين حالات وحالات. "انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/410 وما بعدها، المعتمد 1/240، 242، المستصفى 2/37".

وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّحِيحُ عَنْهُمْ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فِي التَّشَهُّدِ. "فَإِنَّكُمْ إذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ: فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 1. وَعَلَى هَذَا الأَصَحُّ: أَنَّ أَفْرَادَهُ آحَادٌ فِي الإِثْبَاتِ وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 2 أَيْ كُلَّ مُحْسِنٍ وقَوْله تَعَالَى: {فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ} 3 أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَيُؤَيِّدُهُ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدِ مِنْهُ، نَحْوَ جَاءَ الرِّجَالُ إلاَّ زَيْدًا4. وَقِيلَ: إنَّ أَفْرَادَهُ جُمُوعٌ، وَكَوْنُهُ فِي الآيَاتِ آحَادٌ بِدَلالَةِ الْقَرِينَةِ5. "وَ" مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا "اسْمُ جِنْسٍ مُعَرَّفٍ تَعْرِيفَ جِنْسٍ" وَهُوَ مَا لا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ6كَالنَّاسِ وَالْحَيَوَانِ وَالْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَنَحْوِهَا7، حَمْلاً لِلتَّعْرِيفِ عَلَى فَائِدَةٍ لَمْ تَكُنْ، وَهُوَ تَعْرِيفُ جَمِيعِ الْجِنْسِ؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ كَالْجَمْعِ، وَالاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} 8

_ 1 انظر: صحيح البخاري 1/150، صحيح مسلم 1/302، مسند أحمد 1/382. وسبق تخريج هذا الحديث بنصه الكامل تفصيلاً في "المجلد الثاني ص442". 2 الآية 134 من آل عمران. 3 الآية 8 من القلم. 4 انظر تفصيل الأدلة في "جمع الجوامع والمحلي عليه 1/411، المعتمد 1/240". 5 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/411 وما بعدها. 6 انظر: نهاية السول 2/79، المعتمد 1/207، الإحكام للآمدي 2/197، المحصول ج1 ق2/518، شرح تنقيح الفصول ص180، كشف الأسرار 2/14، التلويح على التوضيح 1/242، فواتح الرحموت 1/260، أصول السرخسي 1/154، 160، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/102، الروضة 2/221، مختصر البعلي ص107، مختصر الطوفي ص98، اللمع ص15، العدة 2/484، 519 وما بعدها. 7 في ض: ونحوهما. 8 الآيتان 2، 3 من العصر.

وَ "لا" يَعُمُّ "مَعَ قَرِينَةِ عَهْدٍ" اتِّفَاقًا1.وَذَلِكَ كَسَبْقِ تَنْكِيرٍ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} 2 لأَنَّهُ يَصْرِفُهُ إلَى ذَلِكَ فَلا يَعُمُّ إذَا عُرِفَ وَنَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} 3 وَنَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} 4. "وَيَعُمُّ مَعَ جَهْلِهَا" أَيْ جَهْلِ قَرِينَةِ الْعَهْدِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لأَنَّ تَقْيِيدَ الْعُمُومِ بِانْتِفَاءِ الْعَهْدِ يَقْتَضِي أَنَّ الأَصْلَ فِيهِ الاسْتِغْرَاقُ. وَلِهَذَا احْتَاجَ الْعَهْدُ إلَى قَرِينَةٍ فِيمَا5 احْتَمَلَ الْعَهْدَ وَالاسْتِغْرَاقَ، لانْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ فَمَحْمُولٌ6 عَلَى الأَصْلِ، وَهُوَ الاسْتِغْرَاقُ لِعُمُومِ فَائِدَتِهِ7. وَقِيلَ: إنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعَهْدِ8. وَقِيلَ: إنَّهُ مُجْمَلٌ لِكَوْنِهِ مُحْتَمَلاً احْتِمَالاً عَلَى السَّوَاءِ9. "وَإِنْ عَارَضَ الاسْتِغْرَاقَ عُرْفٌ أَوْ احْتِمَالُ تَعْرِيفِ جِنْسٍ لَمْ يَعُمَّ" وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ الطَّلاقُ10 يَلْزَمُنِي لا أَفْعَلُ كَذَا، وَ11حَنِثَ، فَإِنَّهُ لا يَقَعُ

_ 1 انظر هذه المسألة في "المسودة ص105، الروضة 2/230، نزهة الخاطر 2/134، التبصرة ص115، نهاية السول 2/79". 2 الآيتان 15، 16 من المزمل. 3 الآية 27 من الفرقان. 4 الآية 36 من آل عمران. 5 في ش ز: فيما. 6 في ض ع: محمول. 7 انظر: المسودة ص105، الروضة 2/230. 8 انظر: التمهيد ص89. 9 انظر: المسودة ص105، الروضة 2/230. 10 في ض: إن الطلاق. 11 في ش: لو، وفي ز: أو.

عَلَيْهِ إلاَّ وَاحِدَةٌ: لأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لا يَعْتَقِدُونَهُ1 ثَلاثًا2، وَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ الأَلِفَ وَاللاَّمَ3 فِي الأَجْنَاسِ. لِلاسْتِغْرَاقِ. وَلِهَذَا يُنْكِرُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَ ثَلاثًا، وَلا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ طَلَّقَ إلاَّ وَاحِدَةً. فَمُقْتَضَى اللَّفْظِ فِي ظَنِّهِمْ وَاحِدَةٌ، فَلا يُرِيدُونَ إلاَّ مَا يَعْتَقِدُونَهُ مُقْتَضَى لَفْظِهِمْ. فَيَصِيرُ كَأَنَّهُمْ نَوَوْا وَاحِدَةً، وَلأَنَّ الأَلِفَ وَاللاَّمَ فِي أَسْمَاءِ الأَجْنَاسِ4 تُسْتَعْمَلُ لِغَيْرِ الاسْتِغْرَاقِ كَثِيرًا. كَقَوْلِهِمْ: وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلاقِ، وَإِذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الطَّلاقَ، وَأَشْبَاهُ هَذَا مِمَّا يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَلا يُفْهَمُ مِنْهُ الاسْتِغْرَاقُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَلا يُحْمَلُ عَلَى التَّعْمِيمِ إلاَّ بِنِيَّةٍ صَارِفَةٍ إلَيْهِ. قَالَهُ5 فِي الْمُغْنِي6. وَهَذَا7 الأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَعُمُّ فَتَطْلُقُ ثَلاثًا. وَنَحْوَ: وَاَللَّهِ لا أَشْتَرِي8 الْعَبِيدَ يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ9. "وَ"مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ10 أَيْضًا "مُفْرَدٌ مُحَلًّى بِلامٍ غَيْرِ عَهْدِيَّةٍ لَفْظًا" كَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَالْمُؤْمِنِ وَالْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ وَالْحُرِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاء11ِ

_ 1 في ض: يعتمدونه. 2 في ش ز: ثلاثة 3 ساقطة من ش ز ع. 4. في د: أشياء، وفي ض: الأسماء. 5. في د ض ب: قال. 6 انظر: المغني 7/484، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص169. 7 في ب: أصح الروايتين عند. 8. في ب: اشتريت. 9 انظر: المغني 7/484، القواعد والفوائد الأصولية ص196. 10 في ب: العمومات. 11 وهو قول الشافعي والإمام أحمد وابن برهان وأبي الطيب والبويطي، ونقله الآمدي عن الأكثرين، ونقله الفخر الرازي عن الفقهاء والمبرد، وهو قول أبي علي الجبائي، وصحح البيضاوي وابن الحاجب، وخالف فيه الفخر الرازي مطلقاً، واختلف النقل عن أبي هاشم، وفصل إمام الحرمين والغزالي كما سيذكره المصنف. "انظر: جمع الجوامع 1/214، تيسير التحرير 1/209، المستصفى 2/37، 89، المحصول ج1 ق2/602، المعتمد 1/244، كشف الأسرار 2/14، التلويح على التوضيح 1/240، التمهيد ص94، فتح الغفار 1/104، المنخول ص144، التبصرة ص115، شرح الورقات ص100، مختصر البعلي ص107، المسودة ص105، الروضة 2/221، مختصر الطوفي ص98، القواعد والفوائد الأصولية ص194، نهاية السول 2/80، العدة 2/485، 591".

قَالَ الشَّافِعِيُّ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فِي الرِّسَالَةِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي1 وَنَحْوَهُ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ. وَأَيْضًا لَمْ يَزَلْ3 الْعُلَمَاءُ يَسْتَدِلُّونَ4 بِآيَةِ السَّرِقَةِ وَآيَةِ الزِّنَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلِوُقُوعِ الاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ، وَهُوَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} 5 - الآيَةَ6. وَأَيْضًا فَيُوصَفُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} 7 وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: إنَّهُ يُفِيدُ الْجِنْسَ لا الاسْتِغْرَاقَ فَلا يَعُمُّ8.

_ 1 الآية 2 من النور. 2 الرسالة ص67، وانظر: نهاية السول 2/80. 3 في ض ع ب: تزل. 4 في ز ض ع ب: تستدل. 5 الآية 19 من المعارج. 6 ساقطة من ش، وفي د: الآيات. 7 الآية 31 من النور. 8 وهذا قول الإمام فخر الدين الرازي والمنقول عن أبي هاشم الجبائي المعتزلي. "انظر: المحصول ج1 ق2/599، المعتمد1/244، جمع الجوامع 1/412، المستصفى 2/37، التمهيد ص94".

وَقِيلَ: هُوَ مُجْمَلٌ، فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلأَمْرَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ1. وَقِيلَ: إنَّهُ يُفِيدُ الْعُمُومَ إنْ كَانَ مِمَّا يَتَمَيَّزُ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ، وَلَكِنْ لا يَتَشَخَّصُ لَهُ وَاحِدٌ، وَلا يَتَعَدَّدُ. كَالذَّهَبِ وَالْعَسَلِ، بِخِلافِ مَا يَتَشَخَّصُ مَدْلُولُهُ. كَالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالرَّجُلِ2. وَقِيلَ بِالْفَرْقِ فِيمَا إذَا3 دَخَلَتْ عَلَيْهِ "أَلْ" بَيْنَ مَا فِيهِ تَاءُ التَّأْنِيثِ الدَّالَّةُ عَلَى الْوَحْدَةِ4 كَضَرْبَةٍ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْعُمُومِ وَالْجِنْسِ، بِخِلافِ مَا لا هَاءَ فِيهِ كَرَجُلٍ؛ أَوْ فِيهِ وَ5بُنِيَتْ عَلَيْهِ الْكَلِمَةُ: كَصَلاةٍ وَزَكَاةٍ. فَالْمُقْتَرِنُ بِـ"أَلْ" مِنْ ذَلِكَ عَامٌّ6. وَعَلَى الأَوَّلِ -الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ- أَنَّ عُمُومَهُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ. وَقِيلَ: مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. وَقَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: عُمُومُ الْمُفْرَدِ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَلْ غَيْرُ عُمُومِ الْجَمْعِ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ "أَلْ" فَالأَوَّلُ: يَعُمُّ الْمُفْرَدَاتِ. وَالثَّانِي: يَعُمُّ الْجُمُوعَ؛ لأَنَّ أَلْ تَعُمُّ أَفْرَادَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ. وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَى جَمْعٍ7.

_ 1 انظر: المستصفى 2/37. 2 وهذا قول إمام الحرمين والغزالي رحمهما الله تعالى. " انظر: البرهان 1/339 وما بعدها، المستصفى 2/53، المنخول ص144، جمع الجوامع 1/412 وما بعدها". 3 ساقطة من ب. 4 في ز ع ض ب: توحيده. 5 ساقطة من ض، ومكانها: هاء، وساقطة من ب. 6 وهذا رأي الغزالي. "انظر: المستصفى 2/53، جمع الجوامع 1/412 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص181". 7 انظر: نهاية السول 2/79.

وَفَائِدَةُ هَذَا: تَعَذُّرُ الاسْتِدْلالِ بِالْجَمْعِ عَلَى مُفْرَدٍ فِي حَالَةِ النَّفْيِ وَالنَّهْيِ؛ لأَنَّ الْعُمُومَ وَارِدٌ عَلَى أَفْرَادِ الْجُمُوعِ، وَالْوَاحِدُ لَيْسَ بِجَمْعٍ. "وَ" مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا "مُفْرَدٌ مُضَافٌ لِمَعْرِفَةٍ" كَعَبْدِك وَامْرَأَتِك عِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ، تَبَعًا لِعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَ1حَكَاهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ الأَكْثَرِ2.وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} 3. "وَ"مِنْ صِيَغِهِ أَيْضًا "نَكِرَةٌ فِي نَفْيٍ 4، وَ" كَذَا فِي "نَهْيٍ" لأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّفْيِ5.صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ، وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ الْعَامِلُ النَّكِرَةَ، نَحْوَ: مَا أَحَدٌ قَائِمًا، أَوْ يُبَاشِرَ الْعَامِلُ فِيهَا. نَحْوَ: مَا قَامَ أَحَدٌ. أَوْ كَانَتْ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَلَمْ يُبَاشِرْهَا، نَحْوَ لَيْسَ فِي الدَّارِ رَجُلٌ6.

_ 1 ساقطة من ب. 2 وخالف في ذلك الحنفية والشافعية. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/413، نهاية السول 2/80، الروضة 2/221، مختصر البعلي ص108، مختصر الطوفي ص98، القواعد والفوائد الأصولية ص200". 3 الآية 34 من إبراهيم. 4 انظر هذه المسألة في "المستصفى 2/90، الإحكام للآمدي 2/197، البرهان 1/323، 337، المحصول ج1 ق2/518، 563، جمع الجوامع 1/413، نهاية السول 2/80، المعتمد 1/207، المنخول ص146، مختصر ابن الحاجب 2/102، تيسير التحرير 1/219، أصول السرخسي 1/160، فتح الغفار 1/100، شرح تنقيح الفصول ص181، كشف الأسرار 2/12، فواتح الرحموت 1/260، شرح الورقات ص104، مختصر البعلي ص108، المسودة ص101، الروضة 2/222، مختصر الطوفي ص98، إرشاد الفحول ص119، القواعد والفوائد الأصولية ص201، اللمع ص15، التمهيد ص90". 5 انظر: المسودة ص101. 6 انظر: نهاية السول 2/80، شرح تنقيح الفصول ص184، 195، التمهيد ص90، القواعد والفوائد الأصولية ص201.

وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي أَنَّهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ1.وَهُوَ. مَخْصُومٌ2 بِقَوْله تَعَالَى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} 3 رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ4 {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} 5 لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا لَمَا حَصَلَ بِهِ الرَّدُّ6. وَمِنْ أَمْثِلَةِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ نَحْوُ7: قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} 8 وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَطْغَوْا فِيهِ} 9 {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} 10 {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} 11 {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} 12. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَإِنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَالنَّهْيِ يَكُونُ "وَضْعًا" بِمَعْنَى أَنَّ اللَّفْظَ وُضِعَ لِسَلْبِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ الأَفْرَادِ بِالْمُطَابِقَةِ13.

_ 1 انظر: الروضة 2/29، شرح تنقيح الفصول ص182. 2 في ض: مخصوص. 3 الآية 91 من الأنعام. 4 ساقطة من ض. 5 الآية 91 من الأنعام. 6 انظر: المحصول ج1 ق2/583 وما بعدها 7 ساقطة من ش ز. 8 الآيتان 23، 24 من الكهف. 9 الآية 81 من طه. 10 الآية 32 من الإسراء. 11 الآية 151 من الأنعام. 12 الآية 188 من البقرة. 13 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه والبناني 1/413، نزهة الخاطر 2/125، مختصر الطوفي ص99.

وَقِيلَ: إنَّ عُمُومَهَا1 لُزُومًا، بِمَعْنَى أَنَّ نَفْيَ فَرْدٍ مِنْهُمْ يَقْتَضِي نَفْيَ جَمِيعِ الأَفْرَادِ ضَرُورَةً2. وَالأَوَّلُ: اخْتِيَارُ الْقَرَافِيُّ 3َ مَنْ وَافَقَهُ. وَالثَّانِي: اخْتِيَارُ السُّبْكِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ4. وَيُؤَيِّدُ الأَوَّلَ: صِحَّةُ الاسْتِثْنَاءِ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ بِالاتِّفَاقِ. فَدَلَّ عَلَى تَنَاوُلِهَا5 لِكُلِّ فَرْدٍ6. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ دَلالَةَ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ عَلَى الْعُمُومِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يَكُونُ "نَصًّا" وَصُورَتُهُ: مَا إذَا بُنِيَتْ فِيهِ النَّكِرَةُ عَلَى الْفَتْحِ لِتَرَكُّبِهَا مَعَ لا7. نَحْوَ: لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ8. "وَ" قِسْمٌ يَكُونُ "ظَاهِرًا" وَصُورَتُهُ: مَا إذَا لَمْ تُبْنَ النَّكِرَةُ مَعَ لا. نَحْوَ: لا فِي الدَّارِ رَجُلٌ بِالرَّفْعِ؛ لأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: بَعْدَهُ، بَلْ9 رَجُلانِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ نَصًّا. فَإِنْ زِيدَ فِيهَا "مَنْ" كَانَتْ نَصًّا أَيْضًا10

_ 1 في ب: عمومها. 2 انظر: فواتح الرحموت 1/261، جمع الجوامع والبناني عليه 1/413. 3 ساقطة من ض. 4 وهو قول الحنفية والسبكي الكبير. 5 في ب: تناولهما. 6 انظر: فواتح الرحموت 1/261. 7 ساقطة من ض. 8 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/414، شرح تنقيح الفصول ص182، فتح الغفار 1/100، فواتح الرحموت 1/260. 9 ساقطة من ض ب. 10 وقيل: إنها لا تعم في هذه الحالة. "انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/414، نهاية السول 2/80، فتح الغفار 1/100، شرح تنقيح الفصول ص182، 194، فواتح الرحموت 1/260، التمهيد ص90".

"وَ" مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ أَيْضًا النَّكِرَةُ "فِي" سِيَاقِ "إثْبَاتٍ لامْتِنَانٍ" مَأْخُوذُ ذَلِكَ1 مِنْ اسْتِدْلالِ أَصْحَابِنَا إذَا حَلَفَ لا يَأْكُلُ فَاكِهَةً يَحْنَثُ بِأَكْلِ2 التَّمْرِ وَالرُّمَّانِ لِقَوْله تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} 3 قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ4، وَذَكَرَ5 جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ فِي أَوَائِلِ تَعْلِيقِهِ6 فِي الْكَلامِ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} 7 وَجَرَى عَلَيْهِ8 الزَّمْلَكَانِيُّ9 فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ. وَقَطَعَ

_ 1 ساقطة من ض. 2 في: يأكل، وفي ب: بأكله. 3 الآية 68 من الرحمن. 4 القواعد والفوائد الأصولية ص204، وانظر: التمهيد ص93. 5 في ش ز ع: وذكره. 6 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص204. 7 الآية 48 من الفرقان. 8 ساقطة من ش. 9 وهو محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم، كمال الدين الزملكاني، ابن خطيب زملكا، ويعرف بابن الزملكاني، الفقيه الأصولي المناظر القاضي، منسوب إلى زملكا قرية في غوطة دمشق الشرقية، طلب الحديث وقرأ الأصول والنحو بدمشق، ثم ولي قضاء حلب، قال ابن كثير: "انتهت إليه رئاسة المذهب تدريساً وإفتاء ومناظرة، وبرع وساد أقرانه" وقال الذهبي: "شيخنا عالم العصر، وكان من بقايا المجتهدين، ومن أذكياء أهل زمانه، درس وأفتى وصنف، وتخرج به الأصحاب"، ومن مصنفاته: "الرد على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيادة" و "تفضيل البشر على الملائكة" و "شرح منهاج الطالبين" غير كامل، و"البرهان في إعجاز القران"، طلبه السلطان ليوليه قضاء القضاء في دمشق فمرض في الطريق، ومات بمدينة بلبيس من أعمال مصر سنة 727هـ، وحمل إلى القاهرة، ودفن بجوار تربة الإمام الشافعي. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 9/190، الدرر الكامنة 4/192، شذرات الذهب 6/78، البدر الطالع 2/494، حسن المحاضرة 1/320، البداية والنهاية 14/131، كشف الظنون 1/241، البرهان في علوم القرآن 2/95".

بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ وَشَرْحِهَا1. قِيلَ: وَالْقَوْلُ بِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلامِ2 الْبَيَانِيِّينَ فِي تَنْكِيرِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ. أَنَّهُ يَكُونُ لِلتَّكْثِير3ِ. نَحْوَ إنَّ لَهُ لإٍبِلاً، وَإِنَّ لَهُ لَغَنَمًا. وَعَلَيْهِ حَمَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ لَنَا لأَجْرًا} 4 وَكَذَا قَرَّرَهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} 5. "وَ" كَذَا النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ "اسْتِفْهَامٍ إنْكَارِيٍّ" قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. لأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّفْيِ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ فِي بَابِ مُسَوِّغَاتِ الابْتِدَاءِ وَصَاحِبِ الْحَالِ. وَ6فِي بَابِ الاسْتِثْنَاءِ، وَفِي الْوَصْفِ الْمُبْتَدَإِ الْمُسْتَغْنَى بِمَرْفُوعِهِ عَنْ خَبَرِهِ7 عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ النَّفْيَ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَهُوَ الاسْتِفْهَامُ. نَحْوَ هَلْ قَامَ زَيْدٌ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} 8 {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} 9 فَإِنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ ذَلِكَ كُلِّهِ، لأَنَّ الإِنْكَارَ هُوَ حَقِيقَةُ النَّفْيِ

_ 1 خالف الجماعة في ذلك، منهم الغزالي، فقال في "المنخول ص146": "وفي الإثبات تشعر بالتخصيص، وهو قول الحنفية وأبي هاشم المعتزلي، وفرق الرازي بين النكرة في الإثبات إذا كانت خبراً فلا تعم، وإذا كانت أمراً فالأكثرون على أنها للعموم. "انظر: المعتمد 1/246، كشف الأسرار 2/12، 24، فتح الغفار 1/101، المحصول ج1 ق2/564، المستصفى 2/37، 90، التمهيد ص93". 2 في ض ع ب: قول. 3 في ب: للتنكير. 4 الآية 41 من الشعراء، وانظر: الكشاف 3/112. 5 الآية 12 من الغاشية، وانظر: الكشاف 3/247. 6 ساقطة من ع. 7 في ش ز ع ض ب: خبر. 8 الآية 98 من مريم. 9 الآية 65 من مريم.

"وَ" كَذَا النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ "شَرْطٍ" فَإِنَّهَا تَعُمُّ1 نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} 2 {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ} 3 وَمَنْ يَأْتِينِي بِأَسِيرٍ فَلَهُ دِينَارٌ4. يَعُمُّ كُلَّ أَسِيرٍ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ5. وَقَدْ صَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ بِإِفَادَتِهِ الْعُمُومَ6، وَوَافَقَهُ. الإِبْيَارِيُّ7 فِي شَرْحِهِ8، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلامِ الآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ: لا أَكَلْت وَإِنْ أَكَلْت9. وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ10 الْمُرَادَ الْعُمُومُ الْبَدَلِيُّ لا الْعُمُومُ11 الشُّمُولِيُّ12

_ 1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/414، نهاية السول 2/81، التلويح على التوضيح 1/246، البرهان 1/337، مختصر ابن الحاجب 2/117، التمهيد ص92، تيسير التحرير 1/219، مختصر البعلي ص108، المسودة ص103، القواعد والفوائد الأصولية ص204. 2 الآية 46 من فصلت. 3 الآية 6 من التوبة. 4 في ض ب: درهم. 5 ساقطة من ض ع. 6 ساقطة من ض، وانظر: البرهان 1/323. 7 في ش ض ز ع ب: الأنباري، وكذا في القواعد والفوائد الأصولية، وهو تصحيف يقع كثيراً في كتب الأصول، ولذلك نبه عليه المحققون كما مر في ترجمته "المجلد الثاني ص544" وهو علي بن إسماعيل بن عطية أبو الحسن الأبياري، شارح كتاب "البرهان"، ونقل الإسنوي رأيه في هذه المسألة "نهاية السول 2/81" وصحح نسبه في هامش نسخة ع. 8 وصرح بهذا الرأي أبو البركات ابن تيمية. "انظر: المسودة ص102، مختصر البعلي ص108". 9 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/117، نهاية السول 2/81، القواعد والفوائد الأصولية ص204، التمهيد ص93، الإحكام للآمدي 2/251. 10 ساقطة من ض. 11 ساقطة من ش ز ع ض. 12 قال بهذا الرأي ابن السبكي، ثم قال شارحه المحلي: "أقول: وقد تكون للشمول نحو {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} التوبة/6، أي كل واحد منم" "جمع الجوامع والمحلي عليه 1/414".

"وَلا يَعُمُّ جَمْعٌ مُنْكَرٌ غَيْرُ مُضَافٍ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالأَكْثَرِ1؛ لأَنَّهُ لَوْ قَالَ: اضْرِبْ رِجَالاً، امْتَثَلَ بِضَرْبِ أَقَلِّ الْجَمْعِ، أَوْ2 لَهُ عِنْدِي عَبِيدٌ، قَبْلَ تَفْسِيرِهِ بِأَقَلِّ الْجَمْعِ، لأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يُسَمُّونَهُ نَكِرَةً، وَلَوْ كَانَ عَامًّا لَمْ يَكُنْ نَكِرَةً لِمُغَايَرَةِ مَعْنَى النَّكِرَةِ لِمَعْنَى الْعُمُومِ، كَمَا سَبَقَ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ، وَلأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى أَقَلِّ3 الْجَمْعِ، وَعَلَى مَا زَادَ مَرْتَبَةٌ بَعْدَ أُخْرَى إلَى مَا لا يَتَنَاهَى، وَإِذَا كَانَ مَدْلُولُ النَّكِرَةِ أَعَمَّ مِنْ هَذَا وَمِنْ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ، فَالأَعَمُّ لا يَدُلُّ عَلَى الأَخَصِّ. وَعُمُومُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ عُمُومِ بَدَلٍ لا شُمُولٍ4. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَجْهًا بِالْعُمُومِ5. وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ6 وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَحَكَاهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ7

_ 1 انظر هذه المسألة في "التوضيح على التنقيح 1/168، فواتح الرحموت 1/268، تيسير التحرير 1/205، المحصول ج1 ق2/614، البرهان 1/336، التبصرة ص118، جمع الجوامع والحلي عليه 1/419، نهاية السول 2/84، شرح تنقيح الفصول ص191، مختصر ابن الحاجب 2/104، المسودة ص106، مختصر البعلي ص108، التمهيد ص89، القواعد والفوائد الأصولية ص238، إرشاد الفحول 123، العدة 2/523". 2 في ش ز ب: و. 3 في ش: الأقل. 4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/104، جمع الجوامع 1/419، نهاية السول 2/84، المحصول ج1 ق2/615، تيسير التحرير 1/205. 5 في ب: في العموم. 6 ساقطة من ب. 7 قال الإسنوي: "والجمهور على أنه لا يعم" "التمهيد ص85"، وكذا قاله الآمدي "الإحكام 2/197"، وهو قول فخر الإسلام البردوي من الحنفية. "انظر: المحصول ج1 ق2/614، فواتح الرحموت 1/268، تيسير التحرير 1/205، المحلي على جمع الجوامع 1/419، التبصرة ص118، نهاية السول 2/84، القواعد والفوائد الأصولية ص228، مختصر البعلي ص108، العدة 2/523، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/104، إرشاد الفحول ص123، شرح تنقيح الفصول ص191".

"وَ"عَلَى الأَوَّلِ "يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ جَمْعٍ1". وَقِيلَ: يُحْمَلُ عَلَى مَجْمُوعِ الأَفْرَادِ مِنْ دَلالَةِ الْكُلِّ عَلَى الأَجْزَاءِ2. وَالصَّحِيحُ الأَوَّلُ3. قَالَ ابْنُ4 الْعِرَاقِيِّ: قُلْت: وَكَلامُ الْجُمْهُورِ فِي الْحَمْلِ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ مَحْمُولٌ عَلَى جُمُوعِ الْقِلَّةِ، لِنَصِّهِمْ عَلَى أَنَّ جُمُوعَ الْكَثْرَةِ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ أَحَدَ عَشَرَ فَمَا فَوْقَهَا5.وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: إنَّهُ يَقْبَلُ تَفْسِيرَ الإِقْرَارِ بِدَرَاهِمَ بِثَلاثَةٍ، مَعَ أَنَّ دَرَاهِمَ6 جَمْعُ كَثْرَةٍ. وَكَأَنَّهُمْ جَرَوْا فِي ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ7.انْتَهَى

_ 1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/419، نهاية السول 2/84، التمهيد ص89، تيسير التحرير 1/206، العدة 2/523، المحصول ج1 ق2/614، مختصر ابن الحاجب 2/104، القواعد والفوائد الأصولية ص228. 2 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/419. 3 انظر: العدة 2/524. 4 ساقطة من ض ب. 5 في ض ع ب: ويخالف. 6 في ع: الدراهم. 7 قال الإسنوي: "واعلم أنه لا فرق عند الأصوليين والفقهاء بجمع القلة كأفلس أو بجمع الكثرة كفلوس، على خلاف طريقة النحويين" "التمهيد ص90"، جاء في "فواتح الرحموت 1/271": "فائدة: لا فرق عند قوم من الفقهاء وأهل الأصول بين جمع القلة وبين جمع الكثرة، وإن صرح به النحاة". "وانظر: المحلي على جمع الجوامع 1/419، البناني على جمع الجوامع 1/420 وما بعدها، نهاية السول 2/84، شرح تنقيح الفصول ص191، أصول السرخسي 1/151، البرهان 1/355، فواتح الرحموت 1/268".

"وَهُوَ" أَيْ أَقَلُّ الْجَمْعِ "ثَلاثَةٌ حَقِيقَةً" قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَذَكَرَهُ1 ابْنُ بُرْهَانٍ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ قَاطِبَةً. وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ مَالِكٍ. وَحَكَاهُ الآمِدِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَشَايِخِ الْمُعْتَزِلَةِ2. وَقَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَالْغَزَالِيُّ3 وَابْنُ الْمَاجِشُونِ4، وَالْبَلْخِيُّ5

_ 1 في ش: وذكر. 2 انظر هذه المسألة في "كشف الأسرار 2/28، التلويح على التوضيح 1/227، 229، فواتح الرحموت 1/269، تيسير التحرير 1/207، أصول السرخسي 1/151، فتح الغفار 1/108، البرهان 1/348، المحصول ج1 ق2/606، نهاية السول 2/101، شرح تنقيح الفصول ص233، الإحكام لابن حزم 1/391، منهاج العقول 2/97، الإحكام للآمدي 2/222، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/419، التبصرة ص127، المنخول ص148، المعتمد 1/248، اللمع ص15، الروضة 2/231، العدة 2/649، مختصر البعلي ص109، مختصر الطوفي ص101، نزهة الخاطر 2/137، القواعد والفوائد الأصولية ص238، إرشاد الفحول ص124". 3 ينتهي السقط في نسخة ش، والذي طبع ملحقاً. 4 هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، القرشي التيمي مولاهم، المدني، أبو مروان، الفقيه المالكي، تفقه على الإمام مالك وأبيه عبد العزيز، وتعلم الأدب من خؤولته من كلب البادية، ودارت عليه الفتيا وعلى أبيه من قبل، وأضر في أخر عمره، وكان يناظر الإمام الشافعي على مستوى عالٍ فلا بعرف الناس ما يقولان، وكان يسمع الغناء، قال يحيى بن أكثم: "كان مجراً لا تدركه الدلاء". توفي سنة 212هـ وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الديباج المذهب ص153 الطبعة الأولى، الانتقاء ص57، طبقات الفقهاء للشيرازي ص148، ترتيب المدارك 1/360 وما بعدها، الخلاصة 2/178 مطبعة الفجالة الجديدة، وفيات الأعيان 2/240، الأعلام 4/305، ميزان الاعتدال 2/658". 5 في ش ض ع ب: الباجي، والأعلى من ز، ونص عليه الشيرازي في "التبصرة ص106"، وجاء في "المسودة ص89": "وقال محمد بن شجاع البلخي وأبو هاشم وجماعة المعتزلة: يحمل لفظ الجمع على الثلاثة، ويوقف فيما زاد"، ونقل ابن قدامة مثل ذلك عن محمد بن شجاع الثلجي. "انظر: الروضة 2/223" وتقدمت ترجمة الاثنين.

وَابْنُ دَاوُد1، وَعَلِيُّ بْنُ عِيسَى النَّحْوِيُّ2، وَنِفْطَوَيْهِ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا: اثْنَانِ حَقِيقَةً, وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا3،

_ 1 هو محمد بن داود بن علي بن خلف الظاهري، أبو بكر، كان فقيهاً أديباً مناظراً ظريفاً شاعراً، وكان يناظر أبا العباس ابن سريج، وهو إمام ابن إمام، وجلس مكان والده بعد وفاته في الحلقة والتدريس وهو صغير السن حتى استصغره الناس، وله تصانيف كثيرة منها: "الوصول إلى معرفة الأصول" و "الانذار" و "الاعذار" والانتصار" على محمد بن جرير وغيره، و"الزهرة" في الأدب، و "اختلاف مسائل الصحابة"، وهو ابن داود الظاهري، توفي أبو بكر سنة297 هـ. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/390، تذكرة الحفاظ 2/660، تاريخ بغداد 5/256، طبقات الفقهاء للشيرازي ص175، النجوم الزاهرة 3/171". وترجم لابن داود في هامش "الإحكام للآمدي 2/81" بأنه موسى بن داود الضبي، أبو عبد الله الخالقاني 218هـ، بينما نص على اسمه الشوكاني وغيره. "انظر: إرشاد الفحول ص124، مختصر البعلي ص45، 109، الروضة 2/231، التبصرة ص127". 2 هو علي بن عيسى بن الفرج بن صالح، أبو الحسن الربعي، النحوي، بغدادي المنزل، شيرازي الأصل، درس ببغداد الأدب على أبي سعيد السيرافي، وخرج إلى شيراز فدرس النحو على أبي علي الفارسي عشرين سنة حتى أتقنه، ثم عاد إلى بغداد ويقي فيها إلى أخر عمره، وله تصانيف كثيرة في النحو، منها: "شرح مختصر الجرمي" و "البديع" و "شرح الإيضاح" لأبي علي الفارسي، وغيرها، توفي سنة 420 هـ ببغداد. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/425، إنباه الرواة 2/297، تاريخ بغداد 12/17، شذرات الذهب 3/216، النجوم الزاهرة 4/271، بغية الوعاة 2/112، البداية والنهاية 12/27". 3 وفي المسألة أقوال أخرى، ولكل قولٍ دليله. "انظر: العدة 2/650، التبصرة ص127، الروضة 2/231، منهاج العقول 2/97، الإحكام لابن حزم 1/391، البرهان 1/349، المحصول ج1 ق2/223، كشف الأسرار 2/82، التلويح على التوضيح 1/227، 229، فواتح الرحموت 1/269، الإحكام للآمدي 2/222، نهاية السول 2/101، تيسير التحرير 1/207، أصول السرخسي 1/51، نزهة الخاطر 2/138، المحلي على جمع الجوامع 1/419، شرح تنقيح الفصول ص233، مختصر الطوفي ص101، مختصر البعلي ص109، القواعد والفوائد الأصولية ص238، إرشاد الفحول ص123، المنخول ص148، المعتمد 1/248، المستصفى 2/91، اللمع ص215".

وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ بِسَبْقِ الثَّلاثَةِ عِنْدَ الإِطْلاقِ. وَلا يَصِحُّ نَفْيُ الصِّيغَةِ عَنْهَا, وَهُمَا دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ. وَالْمُثَنَّى بِالْعَكْسِ1. رَوَى2 الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ حَزْمٍ3 -مُحْتَجًّا بِهِ- وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ إلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ4 عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عنْهُ؛ أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ "إنَّ الأَخَوَيْنِ لا يَرُدَّانِ الأُمَّ إلَى السُّدُسِ. إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ} 5 وَالأَخَوَانِ فِي لِسَانِ قَوْمِك لَيْسَا بِإِخْوَةٍ, فَقَالَ عُثْمَانُ: لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُضَ أَمْرًا كَانَ قَبْلِي، وَتَوَارَثَهُ النَّاسُ، وَمَضَى فِي الأَمْصَارِ6".

_ 1 انظر: مزيداً من أدلة القول الأول: "أن أقل الجمع ثلاثة حقيقة" في "الروضة 2/231 وما بعدها، التبصرة ص128، المستصفى 2/91 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/270، نهاية السول 2/101، المحصول ج1 ق2/606 وما بعدها، البرهان 1/351، أصول السرخسي 1/152، الإحكام للآمدي 2/225، العدة 2/651، مختصر الطوفي 101". 2 في ع ب: وروى. 3 انظر: السنن الكبرى للبيهقي 6/227ن المحلي لابن حزم 9/258. وأخرج أثر ابن عباس الحاكم في "المستدرك 4/335" وصححه، ووافقه الذهبي، ولكن تعقبه ابن حجر في "التلخيص الحبير 3/85". 4 في ع ب: ذؤيب. وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، أبو الحارث القرشي العامري المدني، أحد الأئمة الأعلام، صاح الإمام مالك، قال أحمد عنه: "يشبه بابن المسيب، وهو أصلح وأورع وأقوم بالحق من مالك" وهو من عباد المدينة وقرائهم وفقهائهم، توفي بالكوفة سنة 159 هـ. انظر ترجمته في "الخلاصة 2/431 مطبعة الفجالة الجديدة، وفيات الأعيان 3/323، طبقات الفقهاء للشيرازي ص67، مشاهير علماء الأمصار ص140، البداية والنهاية 10/131". 5 الآية 11 من النساء. 6 في ز: الأعصار.

قَالَ أَحْمَدُ فِي شُعْبَةَ1: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيفٌ, وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ2. وَلَمَّا حَجَبَ الْقَوْمُ الأُمَّ بِالأَخَوَيْنِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الآيَةَ قَصَدَتْ الأَخَوَيْنِ فَمَا فَوْقَ3، وَهَذَا دَلِيلُ صِحَّةِ الإِطْلاقِ مَجَازًا, وَدَلِيلُ الْقَائِلِ حَقِيقَةً هَذِهِ الآيَةُ. وَالأَصْلُ الْحَقِيقَةُ4. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ "يُسَمَّى الأَخَوَانِ إخْوَةٌ5". رُدَّ6 بِمَا سَبَقَ, وَإِنْ صَحَّ قَوْلُ زَيْدٍ -فَإِنَّ فِيهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي الزِّنَادِ7،

_ 1 في ش: شعبة مولى ابن عباس عنه. 2 ساقطة من ز ض ع ب: ثم كتبت بعد سطر. قال ابن كثير: "وفي صحة هذا الأثر نظر، لآن في سنن الحديث شعبة مولى ابن عباس، وقد تكلم فيه مالك بن أنس، ولو كان صحيحاً عنه لذهب إليه أصحاب ابن عباس رضي الله عنه الأخصاء به، والمنقول عنهم خلافه" "تفسير ابن كثير 1/459 ط الحلبي". "وانظر: ميزان الاعتدال 2/274، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/256". 3 في ز ع ض: الزيادة التي سقطت قبل السطر. 4 احتج الجمهور بقول ابن عباس رضي الله عنه بأن أقل الجمع ثلاثة حقيقة، ولذلك اعترض على عثمان رضي الله عنه، وأقره عثمان على ذلك، واستدلوا على صحة إطلاق الجمع على الاثنين مجازاً بالإجماع الذي ذكره عثمان رضي الله عنه، وذلك بحمل اللفظ على خلاف الظاهر بالإجماع، فدل على صحته، وأنه ليس حقيقة، وإنما مجازاً، وهو ما بينه المصنف في الصفحة التالية. "انظر: نزهة الخاطر 2/139، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/105، نهاية السول 2/103، منهاج العقول 2/99، تيسير التحرير 1/207، الإحكام للآمدي 2/23، 225، التلويح على التوضيح 1/229، فواتح الرحموت 1/270، اللمع ص15، إرشاد الفحول ص124، العدة 2/651". 5 انظر: التبصرة ص123، تيسير التحرير 1/207، العدة 2/652. 6 في ش: ور. 7 هو عبد الرحمن بن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، المدني القرشي مولاهم، أبو محمد، قال الذهبي: "أحد العلماء الكبار، وأخير المحدثين لهشام بن عروة"، وكان فقيهاً مفتياً، وكان من الحفاظ المكثرين، ولي خراج المدينة، وقدم بغداد، ولقي رجال أبيه، ولم يحدث عنهم حتى مات أبوه، وروى له أصحاب السنن، توفي ببغداد سنة174 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص106، الخلاصة ص227، ميزان الاعتدال 2/575، شذرات الذهب 1/284، المعارف ص465، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/347".

مُخْتَلَفٌ فِيهِ1 -فَمُرَادُهُ: مَجَازًا وَفِي حَجْبِ الأُمِّ2. قَالُوا {إنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} 3 لِمُوسَى وَهَارُونَ4. رُدَّ5، وَمَنْ آمَنَ مِنْ قَوْمِهِمَا، أَوْ6 وَفِرْعَوْنُ أَيْضًا7. قَالُوا {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} 8. رَدَّ الطَّائِفَةُ الْجَمَاعَةَ لُغَةً, وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الطَّائِفَةُ: الْوَاحِدُ فَمَا

_ 1 قال يحيى بن معين: "وابن أبي الزناد" لا يحتج بحديثه وقال أيضاً: "ماحدث بالمدينة فهو صحيح"، وقال يعقوب بن شيبة عنه: "ثقة صدوق فيه ضعف"، وقال ابن عدي: "بعض ما يرويه لا يتابع عليه"، وقال أحمد: مضطرب الحديث، ووثقه مالك، وضعفه النسائي، وقال الذهبي: "وقد مشاه جماعة وعدلوه، وكان من الحفاظ المكثرين". "انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/347، ميزان الاعتدال 2/576، الخلاصة ص227". 2 انظر: التبصرة ص129، كشف الأسرار 2/28، فواتح الرحموت 1/270، العدة 2/652. 3 الآية 15 من الشعراء. 4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/105، المحصول ج1 ق2/611، فواتح الرحموت 1/270، إرشاد الفحول ص124، العدة 2/655. 5 ساقطة من ب. 6 ساقطة من ب. 7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/105، المحصول ج1 ق2/611، فواتح الرحموت 1/270، العدة 2/655، إرشاد الفحول ص124. 8 الآية 9 من الحجرات.

فَوْقَهُ, 1نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} 2 فَإِنْ صَحَّ فَمَجَازٌ. وَلا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الْجَمْعِ، وَلِهَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الشَّيْءِ3. وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، كَالْخَصْمِ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ؛ لأَنَّهُ فِي الأَصْلِ مَصْدَرٌ4. قَالُوا {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} 5. رُدَّ6 الضَّمِيرُ لِلْقَوْمِ، أَوْ لَهُمْ وَلِلْحَاكِمِ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِمَعْنَى الأَمْرِ؛ لأَنَّهُ لا يُضَافُ الْمَصْدَرُ إلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ معا7. قَالُوا: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "الاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ" 8

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 الآية 2 من النور. 3 الصحاح 4/1397، وانظر: المستصفى 2/94. 4 انظر: كشف الأسرار 2/5، التوضيح على التنقيح 1/233، الإحكام لابن حزم 1/395، العدة 2/653. 5 الآية 78 من الأنبياء. 6 في ش ع ز ض ب: و. 7 ساقطة من. وانظر: التبصرة ص129 وما بعدها، المعتمد 1/248، المستصفى 2/92، الإحكام للآمدي 2/222، شرح تنقيح الفصول ص235، نهاية السول 2/102، أصول السرخسي 1/152، المحصول ج1 ق2/607، 610، فواتح الرحموت 1/270، منهاج العقول 2/98. 8 هذا الحديث رواه الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم والدارقطني عن أبي أمامة وأبي موسى رضي الله عنهما مرفوعاً، وبوب له البخاري. انظر: مسند أحمد 5/254، سنن ابن ماجه 1/312، فيض القدير 1/148، صحيح البخاري بحاشية السندي 1/83 المطبعة العثمانية، المستدرك4/334، سنن الدارقطني 1/280". وانظر احتجاج علماء الأصول بهذا الحديث، وتوجههم له في "العضد على ابن الحاجب 2/105، التبصرة ص130، المعتمد 1/448، المحصول ج1 ق2/608، كشف الأسرار 2/28، الإحكام لابن حزم 1/391، منهاج العقول 2/99، شرح تنقيح الفصول ص236، فتح الغفار 1/109، نهاية السول 2/103، إرشاد الفحول ص124، العدة 2/657".

رُدَّ خَبَرٌ ضَعِيفٌ1.ثُمَّ الْمُرَادُ فِي2 الْفَضِيلَةِ، لِتَعْرِيفِهِ الشَّرْعَ لا اللُّغَةَ3. وَعَلَى الأَوَّلِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَبُو الْمَعَالِي: يَصِحُّ إطْلاقُ الْجَمْعِ عَلَى الاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدِ مَجَازًا4وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَد

_ 1 جاء في زوائد ابن ماجه: ربيع وولده ضعيفان، وقال القسطلاني في "شرح البخاري": "طرقة كلها ضعيفة"، ونقل العجلوني عن صاحب "التمييز" قال عنه: "ضعيف" ثم قال: "ولعله أراد باعتبار ذاته"، وقال السيوطي: حسن لغيره، وقال الحافظ ابن حجر: "الربيع بن بدر ضعيف، وأبوه مجهول"، ولكن قد وردت أحاديث كثيرة تؤكد صحة هذا المعنى، وهو عنوان عند البخاري قال: "باب: أثنان فما فوقهما جماعة" وذكر حديث مالك بن الحويرث مرفوعاً: "إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما، ثم ليؤمكما أكبركما " ووردت أحاديث كثيرة تفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى جماعة مع شخص آخر، أو مع إحدى نسائه. "انظر: كشف الخفا 1/47، صحيح البخاري 1/121، تخريج أحاديث البردوي ص72، التلخيص الحبير 3/81، فيض القدير 1/149، سنن النسائي 2/81، سنن ابن ماجه 1/312، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص291". 2 في ب: بـ. 3 وضح ذلك الطوفي فقال: "والاثنان جماعة في حصول الفضيلة حكماً لا لفظاً، إذ الشارع يبين الأحكام لا اللغات" "مختصر الطوفي ص101"، وقال العضد بعد بيان رده على دليل المخالفين: "واعلم أن هذا الدليل، وإن سلم، فليس في محل النزاع لما مر انه ليس النزاع في ج م ع، وإنما النزاع في صيغ الجمع" "العضد على ابن الحاجب 2/106". "وانظر: الإحكام للآمدي 2/223، أصول السرخسي 1/151 وما بعدها، فتح الغفار 1/109، مختصر الطوفي ص102، العضد على ابن الحاجب 2/105،شرح تنقيح الفصول ص236، منهاج العقول 2/99، كشف الأسرار 2/29، 30، المحصول ج1 ق2/613، فواتح الرحموت 1/271، التلويح على التوضيح 1/227، الإحكام لابن حزم 1/391، الروضة 2/232، القواعد والفوائد الأصولية ص239، العدة 2/658، نهاية السول 2/103، إرشاد الفحول ص124، التبصرة ص130، المعتمد 1/248". 4 ذكر ابن الحاجب في المسألة أربعة أقوال: الأول: لا يصح، ثانيها: يصح حقيقة، ثالثها: يصح مجازاً، رابعها: يصح حق على الواحد، ثم بين العضد أدلة كل قول، وقال ابن السبكي: "والأصح أنه يصدق على الواحد مجازاً". "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/105 وما بعدها، جمع الجوامع 1/420، نهاية السول 2/101، البرهان 1/354، فواتح الرحموت 1/269، تيسير التحرير 1/208، المعتمد 248، العدة 2/654، منهاج العقول 2/98، إرشاد الفحول ص124".

جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} 1 وَمَثَّلَهُ ابْنُ فَارِسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} 2 فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمُرْسَلِينَ: سُلَيْمَانُ3 أَوْ الْهُدْهُدُ4 وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لاحْتِمَالِ إرَادَتِهَا الْجَيْشَ. وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ الزَّوْجِ لامْرَأَتِهِ - وَقَدْ رَآهَا تَتَصَدَّى لِنَاظِرِيهَا5-: تَتَبَرَّجِينَ لِلرِّجَالِ؟ وَلَمْ يَرَ إلاَّ وَاحِدًا. فَإِنَّ الأَنَفَةَ مِنْ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهَا الْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ6. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْجَمْعَ، لِظَنِّهِ أَنَّهَا لَمْ 7تَتَبَرَّجْ لِهَذَا الْوَاحِدِ إلاَّ وَقَدْ تَبَرَّجَتْ لِغَيْرِهِ8. "وَالْمُرَادُ" بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلافِ "غَيْرُ لَفْظِ جَمْعٍ" الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَالْعَيْنِ؛ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الاثْنَيْنِ9، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ؛ لأَنَّ مَدْلُولَهُ: ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ10

_ 1 الآية 173 من آل عمران. وكلمة "فاخشوهم" ساقطة من ش ض ع ب. 2 الآية 35 من النمل. 3 في ض: سليمان بن داود. 4 ساقطة من ش، وفي ب: والهدهد. 5 في ش ز ع: لناظريها، وفي ب: لناظرٍ. 6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/421، البرهان 1/353، تيسير التحرير 1/207. 7 في ب: لا. 8 انظر أدلة إطلاق الجمع على الاثنين مجازاً في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/105، المحلي والبناني على جمع الجوامع 1/421، البرهان 1/353، التلويح على التوضيح 1/229وما بعدها". 9 في ب: اثنين. 10 انظر: الإحكام للآمدي 2/222، منهاج العقول 2/99، شرح تنقيح الفصول ص233 نهاية السول 2/103 فتح الغفار 1/109، العضد على ابن الحاجب 2/105، نزهة الخاطر 2/138، القواعد والفوائد الأصولية ص238، العدة 2/658، التمهيد ص90، فواتح الرحموت 1/270، إرشاد الفحول ص123.

"وَ" غَيْرُ "نَحْنُ، وَ1قُلْنَا، وَقُلُوبُكُمَا" وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِي الإِنْسَانِ مِنْهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، بَلْ هُوَ وِفَاقٌ2. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ الْخِلافُ فِي {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} 3 لأَنَّ قَاعِدَةَ.4: أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ أُضِيفَا إلَى مُتَضَمِّنِهِمَا يَجُوزُ فِيهِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ: الْجَمْعُ5 عَلَى الأَصَحِّ6، نَحْوَ قَطَعْت رُؤوسَ7 الْكَبْشَيْنِ، ثُمَّ الإِفْرَادُ كَرَأْسِ الْكَبْشَيْنِ، ثُمَّ التَّثْنِيَةُ كَرَأْسَيْ الْكَبْشَيْنِ. وَإِنَّمَا رَجَحَ الْجَمْعُ اسْتِثْقَالاً، لِتَوَالِي دَالَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ التَّثْنِيَةُ وَتَضَمُّنُ الْجَمْعِ الْعَدَدَ، بِخِلافِ مَا لَوْ أُفْرِدَ8.انْتَهَى. وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلافُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لاسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ لُغَةً. وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي نَحْوِ "رِجَالٌ وَمُسْلِمِينَ "وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ وَالْخِطَابِ9.

_ 1 ساقطة من ض. 2 انظر: التلويح على التوضيح 1/227، الإحكام لابن حزم 1/392، نهاية السول 2/102، المستصفى 2/92، البرهان 1/350، المحصول ج1 ق2/611، كشف الأسرار 2/32، العضد على ابن الحاجب 2/105، نزهة الخاطر 2/137، مختصر الطوفي ص101، القواعد والفوائد الأصولية ص239، العدة 2/654، منهاج العقول 2/98، إرشاد الفحول 123. 3 الآية 4 من التحريم 4 في ش: اللغات. 5 في ش: للجمع. 6 في ض ع: الأفصح. 7 في ش: رأس. 8 انظر: نزهة الخاطر 2/137-138، العدة 2/654، المحلي على جمع الجوامع 1/419، المحصول ج1 ق2/611، فواتح الرحموت 1/270، مناهج العقول 2/98، 99، نهاية السول 2/103. 9 انظر: المنخول ص149، فواتح الرحموت 1/270، الإحكام لابن حزم 1/392، نهاية السول 2/103، فتح الغفار 1/109، العدة 2/654.

"وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ صَلاةٍ ثَلاثَةٌ" قَالَهُ الأَصْحَابُ، مَا عَدَا ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكَلِ، وَصَاحِبِ الْبُلْغَةِ1 فِيهَا. وَاخْتَارَهُ مِنْ النُّحَاةِ الزَّجَّاجُ2. وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّ لَفْظَ "جَمْعٍ" كَلَفْظِ "جَمَاعَةٍ"3. "وَمِعْيَارُ الْعُمُومِ: صِحَّةُ الاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ" يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ عَلَى عُمُومِ اللَّفْظِ بِقَبُولِهِ4 الاسْتِثْنَاءَ مِنْهُ5، فَإِنَّ الاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجٌ مَا لَوْلاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَوَجَبَ6 أَنْ تَكُونَ كُلُّ الأَفْرَادِ وَاجِبَةَ الانْدِرَاجِ. وَهَذَا مَعْنَى الْعُمُومِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ7 الْعَدَدَ، فَوَرَدَ عَلَيْهِ8، فَأَجَابَ: بِأَنَّا لَمْ نَقُلْ كُلُّ مُسْتَثْنًى مِنْهُ عَامٌّ. بَلْ قُلْنَا: كُلُّ عَامٍّ يَقْبَلُ الاسْتِثْنَاءَ. فَمِنْ أَيْنَ الْعَكْسُ9؟

_ 1 البلغة في الفقه للحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى بن مسلم الربعي البغدادي المتوفي سنة 631 هـ "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص206". ويوجد كتاب "البلغة في الفروع" للشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المتوقي سنة 597 هـ، و"البلغة" لأبي البقاء عبد الحسين العكبري المتوفى سنة 538هـ "أنظر: كشف الظنون 1/202". 2 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص239. 3 في ع: الجماعة. أي أقل الجماعة في غير الصلاة ثلاثة، وقال ابن الجوزي وغيره: إن أقلها اثنان، وهذا ما ذكره البعلي ثم قال: "واستشكل القرافي محل النزاع في هذه المسألة" "القواعد والفوائد الأصولية ص229". 4 في ز: بقوله، وفي ض: هو بقبوله، وفي ب: بقبول. 5 انظر: جمع الجوامع والمحلي والبناني عليه 1/417، نهاية السول 2/82، مختصر البعلي ص109. 6 في ض: فلزم. 7 جمع الجوامع 1/417. 8 انظر: البناني على جمع الجوامع 1/417. 9 انظر: البناني على جمع الجوامع 1/417.

قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ مِعْيَارَ الشَّيْءِ مَا يَسَعُهُ وَحْدَهُ. فَإِذَا وَسِعَ غَيْرَهُ مَعَهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مِعْيَارَهُ1فَاللَّفْظُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الاسْتِثْنَاءِ بِالْعُمُومِ انْتَهَى. وَبَقِيَتْ2 مَسَائِلُ تَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ. مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ عَامًّا بِالْعُرْفِ أَوْ بِالْعَقْلِ3. فَالأَوَّلُ فِي ثَلاثِ4 أُمُورٍ: أَحَدُهَا: فَحْوَى الْخِطَابِ5. وَالثَّانِي 6: لَحْنُ الْخِطَابِ. فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ الْحُكْمُ فِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ، وَالْمَسْكُوتُ عَنْهُ مُسَاوٍ لَهُ7. فِيهِ أَوْ8 أَوْلَى نَحْوُ. قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} 9 {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 10"وَيَأْتِي11 بَيَانُ الْقِسْمَيْنِ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ12.

_ 1 في ض ب: معياراً. 2 في ع: وبقية. 3 انظر: الموافقات 3/189 وما بعدها، المحصول ج1 ق2/516، 519، جمع الجوامع 1/414، المسودة ص49، العدة 2/547، مباحث الكتاب والسنة ص150. 4 في ش ز ض ب: ثلاث. 5 ساقطة من ض. 6 في ب: والثانية. 7 ساقطة من ش. 8 في ض ب: و. 9 الآية 10 من النساء. 10 الآية 23 من الإسراء. 11 في ش: وبه يأتي. 12 صفحة 481 وما بعدها من هذا المجلد.

وَحِكَايَةُ الْخِلافِ فِي الْفَحْوَى أَنَّهُ. دَلَّ عَلَى الْمَسْكُوتِ عَنْهُ قِيَاسًا، أَوْ 1نَقَلَ عُرْفًا أَوْ2 مَجَازًا بِالْقَرِينَةِ، أَوْ دَلَّ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ3. وَالثَّالِثِ: مَا نِسْبَةُ4 الْحُكْمِ فِيهِ لِذَاتٍ. وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ فِي الْمَعْنَى بِفِعْلٍ اقْتَضَاهُ الْكَلامُ، نَحْوُ. قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} 5 {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 6 فَإِنَّ الْعُرْفَ الأَوَّلَ7 نَقَلَهُ إلَى تَحْرِيمِ الأَكْلِ عَلَى الْعُمُومِ، وَفِي الثَّانِيَةِ إلَى جَمِيعِ الاسْتِمْتَاعَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ النِّسَاءِ، فَيَشْمَلُ الْوَطْءَ وَمُقَدِّمَاتِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّرُ الْوَطْءَ فَقَطْ8، عَلَى مَا يَأْتِي. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْعَامُّ بِالْعَقْلِ. وَذَلِكَ فِي ثَلاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ، نَحْوُ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِلإِسْكَارِ9 فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لَهُ، وَالْعَقْلُ يَحْكُمُ بِأَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ يُوجَدُ الْمَعْلُولُ، وَكُلَّمَا انْتَفَتْ يَنْتَفِي10.

_ 1 في ب: و. 2 في ب: و. 3 انظر: المعتمد 1/208، 209. 4 في ش: نسبة. 5 الآية 3 من المائدة. 6 الآية 23 من النساء. 7 في ش ز: الأولى. 8 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/415، نهاية السول 2/81، المعتمد 1/207، المحصول ج1 ق2/519، التبصرة ص201، إرشاد الفحول ص131، مباحث الكتاب والسنة ص150، 151. 9 في ش: على الإسكار. 10 انظر: نهاية السول 2/81، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/415، 425، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/119، المعتمد 1/108، المحصول ج1 ق2/519، فواتح الرحموت 1/285، تيسير التحرير 1/259، إرشاد الفحول ص135، مباحث الكتاب والسنة ص150.

فَهَذَا الْقِسْمُ لَمْ يَدُلَّ بِاللُّغَةِ، لأَنَّهُ لا مَنْطُوقَ فِيهِ بِصِيغَةِ عُمُومٍ1، وَلا بِالْمَفْهُومِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَلا بِالْعُرْفِ لِعَدَمِ الاشْتِهَارِ2. فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْعَقْلُ3. وَإِذَا قُلْنَا: بِأَنَّ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 4 مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ يَكُونُ مِنْ الْعَامِّ عَقْلاً5. نَعَمْ6 تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ7 عُمُومِ الْعِلَّةِ عَقْلاً، لَكِنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ الشَّرْعِ فَالْحُكْمُ فِي عُمُومِهِ8 لِكُلِّ مَا فِيهِ تِلْكَ الْعِلَّةُ الَّتِي وَقَعَ الْقِيَاسُ بِهَا شَرْعِيٌّ9. وَقِيلَ: الْحُكْمُ فِي عُمُومِهِ10 لُغَوِيٌّ 11. وَقِيلَ: لا يَعُمُّ شَرْعًا وَلا لُغَةً12.

_ 1 في ض: عمومه. 2 في ض: الاستشهاد. 3 انظر: نهاية السول 2/81. 4 الآية 23 من الإسراء. 5 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/425، تيسير التحرير 1/259، مباحث الكتاب والسنة ص151. 6 في ش: يعم. 7 ساقطة من ض، وفي ش ز ع: من حيث. 8 في ض: عموم. 9 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/119، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/425، تيسير التحرير 1/259. 10 في ض: عموم. 11 وهو قول النظام. "انظر: فواتح الرحموت 1/285، تيسير التحرير 1/259، العضد على ابن الحاجب 2/119، المحلي على جمع الجوامع 1/425، إرشاد الفحول ص135". 12 وهو قول القاضي أبي بكر الباقلاني: "انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/119، فواتح الرحموت 1/285، تيسير التحرير 1/259، إرشاد الفحول ص135".

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ "زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ 1 وَدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا" 2 فَإِنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ شَهِيدٍ شَرْعًا3. وَالثَّانِي: مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ4 الْقَائِلِ5 بِهِ6، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ" 7 فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ8 عَلَى أَنَّ مَطْلَ غَيْرِ الْغَنِيِّ عُمُومًا لا يَكُونُ ظُلْمًا9.

_ 1 في ع: بكلوهم. 2 هذا الحديث رواه البخاري والنسائي والترمذي وأحمد والشافعي والطبراني والحاكم والديلمي عن عبد الله بن ثعلبة وجابر وأنس رضي الله عنهم مرفوعاً بألفاظ مختلفة. "انظر: صحيح البخاري 3/19 المطبعة العثمانية، سنن النسائي 4/64، تحفة الأحوذي 4/126، مسند أحمد 5/431، المستدرك 1/366، بدائع المنن 1/210، فيض القدير 4/65، نيل الأوطار 4/32". 3 ساقطة من ش. وانظر: المستصفى 2/68، العضد على ابن الحاجب 2/119. 4 في ش: ولا. 5 في ز ش: قائل. 6 ويسمى عند الشافعية: دليل الخطاب. "انظر: المحصول ج1 ق2/520، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/416". 7 هذا طرف من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 2/58، صحيح مسلم 3/1197، سنن أبي داود 2/222، مختصر سنن أبي داود 5/17، تحفة الأحوذي 4/535، سنن النسائي 7/278، سنن ابن ماجه 2/803، مسند أحمد 2/71، 245، 254، الموطأ ص418 ط الشعب، فيض القدير 5/523، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص289". 8 في ش ع ض ب: بمفهومه يدل. 9 خلافا للغزالي. "انظر: المستصفى 2/70، المحصول ج1 ق2/520، المحلي على جمع الجوامع 1/416".

وَالثَّالِثُ: إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالِ1، كَمَا لَوْ2 سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ أَفْطَرَ؟ فَقَالَ "عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ" 3 فَيُعْلَمُ أَنَّهُ يَعُمُّ4 كُلَّ مُفْطِرٍ5. "فَائِدَةٌ:" "سَائِرُ الشَّيْءِ بِمَعْنَى بَاقِيهِ" وَهَذَا الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَذَلِكَ لأَنَّهَا مِنْ "أَسْأَرَ" بِمَعْنَى أَبْقَى، فَهُوَ6 مِنْ السُّؤْرِ، وَهُوَ الْبَقِيَّةُ، فَلا يَعُمُّ7

_ 1 في ش: بالسؤال. 2 ساقطة من ض ب. 3 هذا الحديث صحيح، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بألفاظ وصيغ مختلفة. "انظر: صحيح البخاري 1/331، صحيح مسلم 2/781، مختصر سنن أبي داود 3/268، تحفة الأحوذي 3/418، سنن ابن ماجه 1/534، مسند أحمد 2/241". 4 ساقطة من ز. 5 اختلف العلماء في هذه المسألة، وقد لخص أقوالهم الترمذي فقال: "وأما من أفطر متعمداً من أكل وشرب، فإن أهل العلم قد اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: عليه القضاء والكفارة، وشبهوا الأكل والشرب بالجماع، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق، وقال بعضهم: عليه القضاء ولا كفارة عليه، لأنه إنما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة في الجماع، ولم يذكر عنه في الأكل والشرب، وقالوا: لا يشبه الأكل والشرب الجماع، وهو قول الشافعي وأحمد"، "تحفة الأحوذي 3/418". "وانظر: المعتمد 1/208، المنخول ص150، المحصول ج1 ق2/520، المغني 3/130". 6 في ب: فهي. 7 وهو قول القاضي عبد الوهاب المالكي، وقال الإسنوي: " وهو الصحيح، للحديث: "وفارق سائرهن" أي باقيهن". "انظر نهاية السول 2/78، شرح تنقيح الفصول ص190، مختصر البعلي ص190".

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ: هِيَ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ1، لأَنَّهَا مِنْ سُوَرِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِهَا. وَغَلَّطُوهُ2. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرَهُ السِّيرَافِيُّ فِي شَرْحِ سِيبَوَيْهِ، وَالْجَوَالِيقِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْكَاتِبِ، وَابْنُ بَرِّيٍّ3 وَغَيْرُهُمْ، وَأَوْرَدُوا لَهُ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً. وَمِمَّنْ عَدَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ: الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ فِي التَّقْرِيبِ، وَغَيْرِهِ. وَلَكِنْ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: لا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَهُوَ لِلْعُمُومِ الْمُطْلَقِ. وَالْعُمُومُ4 الْبَاقِي بِحَسَبِ الاسْتِعْمَالِ.

_ 1 قال الجوهري: "وسائر الناس جميعهم" "الصحاح 2/692". "وانظر: كشف الأسرار 1/110". 2 انظر: نهاية السول 2/78، شرح تنقيح الفصول ص190. 3 وهو عبد الله بن بري بن عبد الجبار بن بري، المقدسي الأصل، المصري، أبو محمد المعروف بابن البري، الإمام المشهور في علم النحو واللغة والرواية والدراية، قال ابن خلكان: "كان علامة عصره، وحافظ وقته، ونادرة دهره"، نشأ بمصر، وقرأ العربية على مشايخها، وأتقنها، وبدأ بالتدريس والتأليف، وقصده الطلبة من الآفاق، قال القفطي: "وكان جم الفوائد، كثير الاطلاع، عالماً بكتاب سيبويه، وعللهن وكانت كتبه في غاية الصحة والجودة"، ولي رئاسة الديوان المصري، ومن مؤلفاته: "الرد على ابن الخشاب"، انتصر فيه للحريري، و"غلط الضعفاء في الفقهاء" و "شرح شواهد الإيضاح" و "حواش على صحاح الجوهري" استدرك عليه مواضع كثيرة، و"حواش على درة الغواص" للحريري، توفي سنة882 هـ. انظر ترجمته في "إنباه الرواة 2/110، وفيات الأعيان 2/292، حسن المحاضرة 1/533، شذرات الذهب 4/273، مرآة الجنان 3/424، بغية الوعاة 2/34، الأعلام للزركلي 4/200، النجوم الزاهرة 6/103، طبقات الشافعية الكبرى 7/121". 4 في ش ز: العموم.

فصل العام بعد تخصيصه

فصل العام بعد تخصيصه: "الْعَامِّ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ حَقِيقَةً" فِيمَا لَمْ, يَخُصَّ1 عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا, وَنَقَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ, قَالَ أَبُو حَامِدٍ: هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ2, وَذَلِكَ لأَنَّ3 الْعَامَّ فِي تَقْدِيرِ أَلْفَاظٍ مُطَابِقَةٍ لأَفْرَادِ مَدْلُولِهِ مِنْهَا4 فَسَقَطَ بِالتَّخْصِيصِ طِبْقَ مَا خُصِّصَ بِهِ مِنْ الْمَعْنَى, فَالْبَاقِي مِنْهَا وَمِنْ الْمَدْلُولِ مُتَطَابِقَانِ5 تَقْدِيرًا، فَلا اسْتِعْمَالَ فِي غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، فَلا مَجَازَ، فَالتَّنَاوُلُ6 بَاقٍ7، فَكَانَ8 حَقِيقَةً قَبْلَهُ، فَكَذَا بَعْدَهُ9.

_ 1 في ش ز ع: يخصص. 2 وهو رأي كثير من الحنفية كشمس الأئمة السرخسي. "انظر: كشف الأسرار 1/307، المستصفى 2/54، الإحكام للآمدي 2/227، أصول السرخسي 1/144، المحصول ج1 ق3/18، البرهان 1/410، نهاية السول 2/105، شرح تنقيح الفصول ص226، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/5، مختصر ابن الحاجب 2/106، التبصرة ص122، منهاج العقول 2/104، مختصر البعلي ص109، المسودة ص116، الروضة 2/239، العدة 2/533، اللمع ص18، فواتح الرحموت 1/311، إرشاد الفحول ص135". 3 في ش ز: أن. 4 في ش: مها فقط. 5 في ش: مدلولها متطابقان، وفي د: المدلول متطابقات. 6 في ش: فالتأويل. 7 في ع: باقياً. 8 في ض ع ب: وكان. 9 انظر أدلة هذا القول ومناقشتها في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/107، التبصرة ص123، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/5، المنخول ص153، الإحكام للآمدي 2/230، نهاية السول 2/105 وما بعدها، المعتمد 1/282 وما بعدها، منهاج العقول 2/104، الإحكام لابن حزم 1/373، كشف الأسرار 1/307، تيسير التحرير 1/308، فواتح الرحموت 1/312، اللمع ص18، إرشاد الفحول ص153، العدة 2/523 وما بعدها".

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَأَكْثَرُ الأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ: يَكُونُ مَجَازًا بَعْدَ التَّخْصِيصِ, وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ، لأَنَّهُ قَبْلَ التَّخْصِيصِ حَقِيقَةٌ فِي الاسْتِغْرَاقِ, فَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِ بَعْدُ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى قَرِينَةٍ، وَيَحْصُلُ الاشْتِرَاكُ1. وَجُمْلَةُ الأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِيَةٌ، تَرَكْنَا بَاقِيَهَا خَشْيَةَ الإِطَالَةِ2. "وَهُوَ" -أَيْ الْعَامُّ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ- "حُجَّةٌ إنْ خُصَّ بِمُبَيِّنٍ" 3 أَيْ بِمَعْلُومٍ, أَوْ اسْتِثْنَاءٍ4 بِمَعْلُومٍ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ

_ 1 واختار هذا القول الجويني والقرافي ورجحه الآمدي وكثير من الحنفية كعيسى بن إبان وغيره، ومال إليه الغزالي، قال المجد: "ومعنى كونه مجازاً معنى في الاقتصار به على البعض الباقي لا في تناوله له" "المسودة ص116". وانظر تفصيل هذا القول مع أدلته ومناقشتها في "فواتح الرحموت 1/311، العدة 2/535، المحصول ج1 ق3/18، البرهان 1/411، المنخول ص153، المستصفى 2/58، الإحكام للآمدي 2/227، اللمع ص18، التبصرة ص122، 124، مختصر ابن الحاجب 2/106، المعتمد 1/282، الروضة 2/239، مختصر البعلي ص109، شرح تنقيح الفصول ص226، إرشاد الفحول ص135، المسودة ص115". 2 انظر هذا الأقوال في "الإحكام للآمدي 2/227، نهاية السول 2/105، العضد على ابن الحاجب 2/106، التبصرة ص122، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/6، المستصفى 2/54 وما بعدها، البرهان 1/410 وما بعدها، المعتمد 1/182 وما بعدها، المحصول ج1 ق3/19، منهاج العقول 2/104، فواتح الرحموت 1/311، كشف الأسرار 1/307، أصول السرخسي 1/144، تيسير التحرير 1/308، العدة 2/538، المسودة ص116، الروضة 2/239، مختصر البعلي ص109، اللمع ص1/18، الإحكام للآمدي 2/277، إرشاد الفحول ص136". 3 كذا في ش ز ض، وكذا في مختصر البعلي وابن الحاجب، وفي د: بمعين، وكذا في جمع الجوامع ونهاية السول، وفي المستصفى: بمعلوم. 4 في ش: واستثناء.

وَالأَكْثَرِ1, وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ عَنْ الْفُقَهَاءِ2. وَقَالَ الدَّبُوسِيُّ3.هُوَ الَّذِي صَحَّ عِنْدَنَا مِنْ مَذْهَبِ السَّلَفِ, لَكِنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ4 قَطْعًا، بِخِلافِ مَا قَبْلَ التَّخْصِيصِ5. اهـ. وَقِيلَ: حُجَّةٌ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ، لا فِيمَا زَادَ, حَكَاهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ تَحَكُّمٌ6. وَقِيلَ: حُجَّةٌ فِي وَاحِدٍ، وَلا يَتَمَسَّكُ بِهِ فِي جَمْعٍ7.

_ 1 وهذا قول الشافعية، واختاره الجويني والفخر الرازي وغيرهما. "انظر: المحصول ج1 ق3/22، 23، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/108، 109، المستصفى 2/57، التبصرة ص187، جمع الجوامع 2/7، التمهيد ص125، نهاية السول 2/109، شرح تنقيح الفصول ص227، المعتمد 1/286، أصول السرخسي 1/144، فتح الغفار 1/90، كشف الأسرار 1/307، تيسير التحرير 1/313، المسودة ص116، مختصر البعلي ص109، مختصر الطوفي ص104، نزهة الخاطر 2/150، الروضة 2/238، إرشاد الفحول ص137". 2 ذكره الآمدي عن الفقهاء ثم اختاره ورجحه وذكر أدلته "انظر: الإحكام للآمدي 2/232، 233 وما بعدها". 3 في ش: الدبوسوي. 4 في ض ب: للعام. 5 هذا ما صححه السرخسي وغيره، وانظر أدلة هذا القول في "أصول السرخسي 1/144، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/108، 109، التبصرة ص188 وما بعدها، المحصول ج1 ق3/23 وما بعدها". 6 أي أنه حجة في أقل الجمع، وهو ثلاثة أو اثنان، لأنه المتيقن، وما عداه مشكوك فيه، لاحتمال أن يكون قد خصص، فيكون الاحتجاج به تحكما بغير دليل. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/7، المستصفى 2/57، العضد على ابن الحاجب 2/109، تيسير التحرير 1/313، الإحكام للآمدي 2/233، فواتح الرحموت 1/308، مختصر البعلي ص109، إرشاد الفحول ص137، 138، مختصر الطوفي ص104". 7 انظر: إرشاد الفحول ص137.

وَقِيلَ: حُجَّةٌ إنْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ، وَإِنْ خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ فَمُجْمَلٌ فِي الْبَاقِي1. وَ 2 قِيلَ: إنْ كَانَ الْعُمُومُ مُنْبِئًا عَنْهُ قَبْلَ التَّخْصِيصِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 3 فَهُوَ حُجَّةٌ، فَإِنَّهُ يُنْبِئُ4 عَنْ الْحَرْبِيِّ كَمَا يُنْبِئُ5 عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْبِئًا6 فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} 7 فَإِنَّهُ لا يُنْبِئُ عَنْ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ, فَإِذَا انْتَهَى الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ عِنْدَ وُجُودِهِمَا8. وَفِيهِ أَقْوَالٌ يَطُولُ الْكَلامُ بِذِكْرِهَا9.

_ 1 وهذا قول أبي الحسن الكرخي والبلخي وغيرهما. "انظر: مختصر ابن الحاجب 2/108، الإحكام للآمدي 2/232، التبصرة ص187، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/7، نهاية السول 2/109، شرح تنقيح الفصول ص227، المحصول ج1 ق3/23، فواتح الرحموت 1/308، مختصر الطوفي ص105، إرشاد الفحول ص138". 2 ساقطة من ش. 3 الآية 5 من التوبة. 4 5 في ش: ينهى. 5 في ش: ينهى. 6 في ب: منبئاً له. 7 الآية 37 من المائدة. 8 وهذا قول أبي عبد الله البصري. "انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/108، 109، الإحكام للآمدي 2/232، تيسير التحرير 1/313، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/7، المعتمد 1/286، التبصرة ص188". 9 انظر هذه الأقوال في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/108، العدة 2/539، المستصفى 2/56، الإحكام للآمدي 2/232، مختصر البعلي ص110، المسودة ص116، الروضة 2/238، مختصر الطوفي ص104، كشف الأسرار 1/307، التبصرة ص187، أصول السرخسي 1/144 وما بعدها، فتح الغفار 1/90 وما بعدها، تيسير التحرير 1/313، فواتح الرحموت 1/308، نهاية السول 2/109، شرح تنقيح الفصول 2/227، المعتمد 1/286، جمع الجوامع 2/7، إرشاد الفحول ص138".

وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ1 خُصَّ بِمُبَيِّنٍ2 أَنَّهُ لَوْ خُصَّ بِمَجْهُولٍ3 كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 4.إلاَّ5 بَعْضَهُمْ، لَمْ يَكُنْ حُجَّةً اتِّفَاقًا. قَالَهُ جَمْعٌ وَهُوَ ظَاهِرُ6 تَقْيِيدِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا7. وَ8مَحَلُّ الْخِلافِ بِالْمُخَصَّصِ بِمُعَيَّنٍ9، فَلا يُسْتَدَلُّ بِـ {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 10 إلاَّ بَعْضَهُمْ بِقَتْلِ فَرْدٍ مِنْ الأَفْرَادِ، إذْ مَا مِنْ فَرْدٍ مِنْ الأَفْرَادِ11 إلاَّ و12َيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْرَجُ13.وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} 14

_ 1 في ز: وإن. 2 قال السبكي والإسنوي: "بمعين" "انظر: جمع الجوامع 2/7، نهاية السول 2/107". 3 قال العضد والتفتازاني: "أما المخصص بمجمل أي مبهم غير معين.. فليس بحجةٍ بالاتفاق" "العضد والتفتازاني على ابن الحاجب 2/108" وانظر: منهاج العقول 2/106. 4 الآية 5 من التوبة. 5 في ش: لا. 6 ساقطة من ض ب. 7 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/108، نهاية السول 2/107 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 2/7، المحصول ج1 ق3/23، المنخول ص153، المستصفى 2/57، الإحكام للآمدي 2/233، أصول السرخسي 1/144، التمهيد ص125، المعتمد 1/287، فواتح الرحموت 1/308، إرشاد الفحول ص137. 8 ساقطة من ز ض ب. 9 في ش ز ع: بمعنى. 10 الآية 5 من التوبة. 11 ساقطة من ز ض ع ب. 12 ساقطة من ش ب. 13 انظر: التمهيد ص125، نهاية السول 2/108، وسيأتي الكلام عن ذلك صفحة 418. 14 الآية 1 من المائدة.

وَ 1 قِيلَ: يَكُونُ حُجَّةً أَيْضًا. وَقَدَّمَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَعَزَاهُ إلَى الأَكْثَرِ2. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ ابْنَ بُرْهَانٍ. وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ. انْتَهَى. "وَعُمُومُهُ" أَيْ عُمُومُ3 مَا خُصَّ بِمُبَيِّنٍ "مُرَادٌ تَنَاوُلاً، لا حُكْمًا" أَيْ مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لأَفْرَادِهِ، لا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ, "وَقَرِينَتُهُ لَفْظِيَّةٌ وَ4قَدْ تَنْفَكُّ" عَنْهُ5. "وَالْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ, كُلِّيٌّ اُسْتُعْمِلَ فِي جُزْئِيٍّ6 وَمِنْ ثَمَّ كَانَ7" هَذَا "مَجَازًا" لِنَقْلِ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الأَصْلِيِّ، بِخِلافِ مَا قَبْلَهُ

_ 1 ساقطة من ز. 2 واختلف آراء الحنفية إلى عدة أقوال أهمها اثنان، فقال الكرخي: لا يبقى العام حجة أصلاً، سواء كان المخصص معلوماً أو مجهولاً، وفصل غيره بينهما، قال السرخسي: "والصحيح عندي أن المذهب عند علمائنا رحمهم الله في العام إذا لحقه خصوص يبقى حجة فيما وراء المخصوص، سواء كان المخصوص مجهولاً أو معلوماً" "أصول السرخسي 1/144"، وقال البردوي مثل ذلك تماماً "انظر: كشف الأسرار 1/308"، لكن قال ابن نجيم: "وهو باق في المعلوم لا المجمل، وبهذا ضعف ما ذهب إليه المصنف "النسفي صاحب المنار" تبعاً لفخر الإسلام، وهو إن كان هو المختار عندنا كما في التلويح، لكنه ضعيف من جهة الدليل، فالظاهر هو مذهب الجمهور، وهو أنه كان مخصوصاً بمجمل فليس بحجة ... وبمعلوم حجة" "فتح الغفار 1/90". "وانظر: كشف الأسرار 1/307، تيسير التحرير 1/313، فواتح الرحموت 1/308، إرشاد الفحول ص137، جمع الجوامع 2/6". 3 في ز: وعموم. 4 ساقطة من ش ز. 5 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/5. 6 في ش: كأن يعمل في جزء شيء. 7 القوسان ساقطان من ش.

"وَقَرِينَتُهُ عَقْلِيَّةٌ لا تَنْفَكُّ" عَنْهُ1 وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا: أَنَّ دَلالَةَ الأَوَّلِ2 أَعَمُّ مِنْ دَلالَةِ الثَّانِي. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: لَمْ يَتَعَرَّضْ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَالْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ. وَهُوَ مِنْ مُهِمَّاتِ هَذَا الْبَابِ3. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّ4 الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ: مَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَقَلَّ. وَمَا لَيْسَ بِمُرَادٍ هُوَ الأَكْثَرُ. قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ5: وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ: لأَنَّ6 الْمُرَادَ بِهِ هُوَ الأَكْثَرُ، وَمَا لَيْسَ بِمُرَادٍ: هُوَ الأَقَلُّ7. وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا. وَالثَّانِي: أَنَّ8 إرَادَةَ مَا أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ، ثُمَّ خُصَّ بِتَأَخُّرٍ أَوْ تَقَارُنٍ9. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَجِبُ أَنْ يَتَنَبَّهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. فَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ أَعَمُّ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ. أَلا تَرَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إذَا أَرَادَ بِاللَّفْظِ أَوَّلاً مَا دَلَّ

_ 1 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/5. 2 في ب: أهم من الثاني. 3 انظر الفرق بينهما في "جمع الجوامع 2/5، إرشاد الفحول ص40، مباحث الكتاب والسنة ص208، تفسير النصوص 2/105". 4 في ز ع ب: أن. 5 في ز ض ع ب: ابن أبي هريرة. 6 في ش: أن. 7 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص195، جمع الجوامع 2/5. 8 ساقطة من ض. 9 وضح البعلي هذا الوجه الثاني فقال: "إن البيان فيما أريد به الخصوص متقدم على اللفظ، وفيما أريد به العموم متأخر عن اللفظ أو مقترن به" "القواعد والفوائد الأصولية ص195".

عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ مِنْ الْعُمُومِ، ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْضَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ: كَانَ عَامًّا مَخْصُوصًا، وَلَمْ يَكُنْ عَامًّا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ؟ وَيُقَالُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ الَّذِي أَخْرَجَ. وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ إذَا قَصَدَ الْعُمُومَ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ1 أَنْ لا يَقْصِدَ الْخُصُوصَ، بِخِلافِ مَا إذَا نَطَقَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ مُرِيدًا بِهِ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ2 فِي هَذَا. اهـ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَحَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ: أَنَّ الْعَامَّ إذَا قُصِرَ عَلَى بَعْضِهِ، لَهُ ثَلاثُ حَالاتٍ: الأُولَى 3: أَنْ يُرَادَ بِهِ فِي الابْتِدَاءِ خَاصٌّ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِهِ خَاصٌّ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُرَادَ بِهِ عَامٌّ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ بَعْضُهُ، فَهَذَا نَسْخٌ. وَالثَّالِثَةُ: أَنْ لا يَقْصِدَ بِهِ خَاصٌّ وَلا عَامٌّ فِي الابْتِدَاءِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ أَمْرٌ يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ أَنَّهُ4 لَمْ يُرِدْ بِهِ فِي الابْتِدَاءِ عُمُومَهُ، فَهَذَا هُوَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ. وَلِهَذَا كَانَ التَّخْصِيصُ عِنْدَنَا بَيَانًا، لا نَسْخًا. إلاَّ إنْ أَخْرَجَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ، فَيَكُونُ نَسْخًا، لأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعُمُومَ أُرِيدَ بِهِ فِي5 الابْتِدَاءِ. اهـ. وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ، فَقَالَ: الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ أُرِيدَ عُمُومُهُ وَشُمُولُهُ لِجَمِيعِ الأَفْرَادِ مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهَا، لا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، وَاَلَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ لَمْ يُرَدْ شُمُولُهُ لِجَمِيعِ الأَفْرَادِ لا مِنْ جِهَةِ التَّنَاوُلِ وَلا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ6 بَلْ هُوَ كُلِّيٌّ اُسْتُعْمِلَ فِي

_ 1 في ش: بين. 2 في ع: يتناوله. 3 في ب: الأول. 4 ساقطة من ب. 5 في ش: به. 6 ساقطة من ش.

جُزْئِيٍّ، وَلِهَذَا كَانَ مَجَازًا قَطْعًا، لِنَقْلِ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الأَصْلِيِّ، بِخِلافِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ1 وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ الْبُلْقِينِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ قَرِينَةَ الْمَخْصُوصِ لَفْظِيَّةٌ، وَقَرِينَةَ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ عَقْلِيَّةٌ. الثَّانِي: أَنَّ قَرِينَةَ الْمَخْصُوصِ قَدْ تَنْفَكُّ عَنْهُ؛ وَقَرِينَةَ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ لا تَنْفَكُّ عَنْه. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: يَجُوزُ وُرُودُ الْعَامِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، خَبَرًا كَانَ أَوْ أَمْرًا. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَقَدْ ذَكَرَ2 الإِمَامُ3 أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} 4 قَالَ: وَأَتَتْ عَلَى أَشْيَاءَ لَمْ تُدَمِّرْهَا، كَمَسَاكِنِهِمْ وَالْجِبَالِ. "وَالْجَوَابُ" مِنْ الشَّارِعِ إنْ لَمْ5 يَكُنْ مُسْتَقِلاًّ بِالسُّؤَالِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "لا الْمُسْتَقِلَّ" فَهُوَ "تَابِعٌ لِسُؤَالٍ" فِي "عُمُومِهِ6" اتِّفَاقًا7 نَحْوُ {جَوَابِ

_ 1 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/5. 2 في ش: ذكر. 3 ساقطة من ش. 4 الآية 25 من الأحقاف. 5 ساقطة من ب. 6 في ب: عموم. 7 الجواب غير المستقل هو الذي لا يكون كلاماً مفيداً بدون اعتبار السؤال أو الحادثة، مثل نعم، فإن كان السؤال عاماً كان جوابه عاماً باتفاق. "انظر: الإحكام للآمدي 2/237، نهاية السول 2/158، المحصول ج1 ق3/187، جمع الجوامع 37/2، مختصر ابن الحاجب 109/2، المعتمد 303/1، التلويح على التوضيح 272/1، فتح الغفار 59/2، فواتح الرحموت 289/1، تيسير التحرير 263/1، مختصرا البعلي ص 110، 147، إرشاد الفحول ص 113، شرح تنقيح الفصول 216،العدة 596/2.

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ1 بِالتَّمْرِ "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ، إذَا يَبُسَ"؟ قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَلا إذْنَ" 2. وَفِي قَوْلِ3: "وَ" كَذَا فِي "خُصُوصِهِ" يَعْنِي أَنَّ الْجَوَابَ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ يَتْبَعُ السُّؤَالَ4 فِي خُصُوصِهِ أَيْضًا فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ5، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} 6 وَكَحَدِيثِ أَنَسٍ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ، أَيَنْحَنِي7 لَهُ؟ قَالَ: "لا".قَالَ: أَفَيَلْزَمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: "لا". قَالَ: فَيَأْخُذُهُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ8.

_ 1 في ش: أو ييبس. 2 هذا الحديث صحيح، رواه الإمام مالك وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن ماجه وأحمد وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً. "انظر: المنتقى 4/242، سنن أبي داود 2/225، تحفة الأحوذي 4/418، سنن النسائي 7/236، سنن ابن ماجه 2/761، المستدرك 2/38، نيل الأوطار 5/224، مسند أحمد 1/175، سنن الدارقطني 3/49، التلخيص الحبير 3/9". 3 في ز ش: قوله. 4 في ش: تبع السؤال. 5 قال ابن عبد الشكور: "وهو الأوجه". "انظر: فواتح الرحموت 1/289، تيسير التحرير 1/263، الإحكام للآمدي 2/237، البرهان 1/374، نهاية السول 2/158، المحصول ج1 ق3/187، المحلي على جمع الجوامع 2/37، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/109، 110، مختصر البعلي ص110، أصول السرخسي 2/271، إرشاد الفحول ص133". 6 الآية 44 من الأعراف. 7 في ب: وينحني. 8 هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجه هن أنس مرفوعاً، وروى معناه أبو داود عن أبي ذرٍ مرفوعاً. "انظر: تحفة الأحوذي 7/514، سنن ابن ماجه 1/1220، سنن أبي داود 2/644، مختصر سنن أبي داود 8/82".

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ: كَقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ: تَغَدَّ عِنْدِي، فَيَقُولُ لا1. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بُرْدَةَ "تَجْزِيك 2، وَلاتَجْزِي 3 أَحَدًا بَعْدَك" أَيْ فِي الأُضْحِيَّةِ4. قَالَ الآمِدِيُّ: فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ وَإِنْ تُرِكَ فِيهِ الاسْتِفْصَالُ مَعَ تَعَارُضِ الأَحْوَالِ5: لا يَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، إذْ اللَّفْظُ لا عُمُومَ لَهُ. وَلَعَلَّ الْحُكْمَ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ، كَتَخْصِيصِ أَبِي بُرْدَةَ بِقَوْلِهِ: "وَ 6 لا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَك" ثُمَّ بِتَقْدِيرِ تَعْمِيمِ الْمَعْنَى فَبِالْعِلَّةِ لا بِالنَّصِّ7.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 2/240، نهاية السول 2/158. 2 في ش ز ض: يجزيك. 3 في ش ز ض: يجزي. 4 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد عن البراء بن عازب قال: ضحى خالٌ لي يقال له: أبو بردة، قبل الصلاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شاتك شاة لحم"، فقال: يا رسول الله، إن عندي داجناً جذعة من المعز قال: "اذبحها، ولا تصلح لغيرك" وهناك ألفاظ أخرى للحديث، واسم أبي بردة هانئ بن نيار، وتقدمت ترجمته في المجلد الأول ص337. قال ابن حجر: "والجذعة وصف لسن معين، فمن الضأن ما أكمل السنة، والجذع من المعز ما دخل في السنة الثانية" "فتح الباري 10/9"، وقال النووي: "وفيه أن جزعة المعز لا تجزي في الأضحية، وهذا متفق عليه" "النووي على مسلم 13/112". "وانظر: صحيح البخاري 3/317، صحيح مسلم 3/1552، سنن أبي داود 2/87، تحفة الأحوذي 5/96، سنن النسائي 7/196، سنن ابن ماجه 2/1054، مسند أحمد 3/466، نيل الأوطار 5/128". 5 في ش: الأقوال. 6 ساقطة من ش. 7 الإحكام للآمدي 2/237، وانظر: نهاية السول 2/158، العدة 2/596.

وَقَالَهُ قَبْلَهُ أَبُو الْمَعَالِي، لاحْتِمَالِ مَعْرِفَةِ حَالِهِ. فَأَجَابَ عَلَى مَا عُرِفَ. وَعَلَى هَذَا تَجْرِي1 أَكْثَرُ الْفَتَاوَى مِنْ الْمُفْتِينَ2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلْعُلَمَاءِ: إنَّ الْجَوَابَ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ لا يَتْبَعُ السُّؤَالَ فِي خُصُوصِهِ، إذْ لَوْ اُخْتُصَّ3 بِهِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى تَخْصِيصِهِ. وَهَذَا ظَاهِرُ كَلامِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: تُرِكَ الاسْتِفْصَالُ فِي حِكَايَةِ الْحَالِ مَعَ قِيَامِ الاحْتِمَالِ: يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، وَيَحْسُنُ بِهِ4 الاسْتِدْلال 5. قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَهَذَا ظَاهِرُ كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لأَنَّهُ احْتَجَّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَصْحَابُنَا6. وَ7قَالَ الْمَجْدُ أَيْضًا8: وَمَا سَبَقَ إنَّمَا يَمْنَعُ قُوَّةَ الْعُمُومِ لا ظُهُورَهُ، لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الْمَعْرِفَةِ لِمَا لَمْ يَذْكُرْ9.

_ 1 في ع: يجري. 2 انظر: البرهان 1/346. 3 في ش: خص. 4 في ض ب ع: بها 5 قال المحلي: "وقيل: لا ينزل منزلة العموم، بل يكون الكلام مجملاً" "جمع الجوامع 1/426". "وانظر: إحكام الأحكام 1/161، المستصفى 2/68، المحصول ج1 ق2/631، شرح تنقيح الفصول ص186، نهاية السول 2/89، البرهان 1/345، التمهيد ص97، المسودة ص108، فواتح الرحموت 1/289ن تيسير التحرير 1/264، مختصر البعلي ص116، القواعد والفوائد الأصولية ص234، المنخول ص150، إرشاد الفحول ص132، مباحث الكتاب والسنة ص162". 6 المسودة ص109. 7 ساقطة من ش ز ض. 8 ساقطة من ش ز. 9 المسودة ص109.

وَمَثَّلَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ1 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَيْلانَ2 وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ: "أَمْسِكْ أَرْبَعًا" 3 وَلَمْ يَسْأَلْهُ: هَلْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِنَّ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا؟ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ4. وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ عِبَارَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ "حِكَايَةُ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبُ الإِجْمَالِ5، وَسَقَطَ بِهَا6 الاسْتِدْلال"7 فَاخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ الْعُلَمَاءِ عَنْ ذَلِكَ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا مُشْكِلٌ، وَمِنْهُمْ8 مَنْ9 قَالَ:

_ 1 في ب: بقوله. 2 هو الصحابي غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي، أبو عمر، كان أحد أشراف ثقيف ومقدميهم، وكان حكيماً، وفد على كسرى فقال له كسرى: أنت حكيم في قومٍ لا حكمة فيهم، وكان شاعراً محسناً، أسلم بعد فتح الطائف، وكان تحته عشرة نسوة فأسلمن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعاً منهن ويفارق باقيهن، توفي في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر ترجمته في "الإصابة 3/189، الاستيعاب 3/189، أسد الغابة 4/343، تهذيب الأسماء 2/49". 3 روى الإمام مالك والشافعي وأحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً". "انظر: المنتقى 4/122، بدائع المنن 2/351، تحفة الأحوذي 4/278، سنن ابن ماجه 1/628، موارد الظمآن ص310، المستدرك 2/193، نيل الأوطار 6/180". 4 انظر توجيه إمام الحرمين الجويني لوجه العموم في ذلك في "البرهان 1/346". "انظر: المحصول ج1 ق2/632، المحلي على جمع الجوامع 1/426، نهاية السول 2/89، التمهيد ص97، إرشاد الفحول ص132، مباحث الكتاب والسنة ص163". 5 في ض ب: إجمال. 6 في ز ع ض ب: منها. 7 في ض: استدلال. وانظر: شرح تنقيح الفصول ص186، نهاية السول 2/89، القواعد والفوائد الأصولية ص224، التمهيد ص97. 8 في ض: ومنه. 9 ساقطة من ب.

لَهُ1 قَوْلانِ. وَقَالَ الأَصْفَهَانِيُّ: يُحْمَلُ الأَوَّلُ عَلَى قَوْلٍ يُحَالُ عَلَيْهِ الْعُمُومُ، وَيُحْمَلُ الثَّانِي عَلَى فِعْلٍ، لأَنَّهُ لا عُمُومَ لَهُ. وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الإِسْلامِ الْبُلْقِينِيُّ، وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الإِلْمَامِ2، وَالسُّبْكِيُّ فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الأَوَّلُ مَعَ بُعْدِ الاحْتِمَالِ، وَالثَّانِي مَعَ قُرْبِ الاحْتِمَالِ. ثُمَّ الاحْتِمَالُ إنْ كَانَ فِي دَلِيلِ الْحُكْمِ سَقَطَ الْحُكْمُ3 وَ4الاسْتِدْلالُ، كَقَوْلِهِ فِي الْمُحْرِمِ: "لا تُمِسُّوهُ 5 طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا" 6

_ 1 ساقطة من ب. 2 في ب: الإمام، ولابن العيد كتاب "الإلمام بأحاديث الأحكام" ثم شرحه بنفسه في "شرح الإلمام" وسماه الصلاح الصفدي إنه "الإمام" وقال ابن حجر: إن "الإمام" ليس "شرح الإلمام" فالإلمام في أحاديث الأحكام، والإلمام مستمد منه. والإلمام مطبوع بالرياض ص1383هـ/1963م. 3 ساقطة من ب. 4 ساقطة من ز ض ع ب. 5 في ز ض ع ب: تقربوه. 6 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبغوي والدارمي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اغسلوه بماءٍ وسدرٍ وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً". "انظر: صحيح البخاري 1/220، صحيح مسلم 2/865، سنن أبي داود 2/196، تحفة الأحوذي 4/23، سنن النسائي 4/32، 5/154، سنن ابن ماجه 2/1030، شرح السنة للبغوي 5/321، سنن الدرامي 2/50، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص304". وبين القرافي رأيه في ذلك فقال: "وهذه واقعة عين في هذا المحرم وليس في اللفظ ما يقتضي أن هذا الحكم ثابت لكل محرم أو ليس بثابت، وإذا تساوت الاحتمالات بالنسبة إلى بقية المحرمين سقط استدلال الشافعية به على أن المحرم إذا مات لا يغسل ... بل علل حكم الشخص المعين فقط، فكان اللفظ مجملاً بالنسبة إلى غيره " "الفروق 2/90".

وَقَالَ أَيْضًا: الأَوَّلُ إذَا كَانَ الاحْتِمَالُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ كَقِصَّةِ غَيْلانَ، وَالثَّانِي إذَا كَانَ الاحْتِمَالُ فِي دَلِيلِ الْحُكْمِ1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا: الْحُكْمُ عَامٌّ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ, ثُمَّ2 قَالَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ: حُكْمُهُ فِي وَاحِدٍ حُكْمُهُ فِي مِثْلِهِ، إلاَّ أَنْ يُرَدَّ تَخْصِيصَهُ, وَلِهَذَا حُكْمُهُ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ حُكْمُهُ3 فِي سَائِرِ الشُّهَدَاءِ4. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: اللَّفْظُ خَاصٌّ، وَالتَّعْلِيلُ عَامٌّ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْمُحْرِمِ5. "وَ" الْجَوَابُ "الْمُسْتَقِلُّ" وَهُوَ الَّذِي لَوْ وَرَدَ ابْتِدَاءً لأَفَادَ الْعُمُومَ "إنْ سَاوَى6 السُّؤَالَ" فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ عِنْدَ كَوْنِ السُّؤَالِ عَامًّا أَوْ خَاصًّا "تَابَعَهُ"

_ 1 جمع القرافي بين العبارتين فقال: "الاحتمالات تارة تكون في كلام صاحب الشرع على السواء فتقدح، وتارة تكون في محل مدلول اللفظ فلا تقدح، فحيث قال الشافعي رضي الله عنه: "إن حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال"، مراده إذا استوت الاحتمالات في كلام صاحب الشرع، ومراده "أن حكاية الحال إذا ترك فيها الاستفصال تنزل منزلة العموم في المقال" إذا كانت الاحتمالات في محل المدلول دون الدليل" "الفروق 2/88، 90"، وقال القرافي أيضاً: "لا شك أن الإجمال المرجوح لا يؤثر في المساوي الراجح، وحينئذ فنقول: الاحتمال المؤثر إن كان في محل الحكم وليس في دليله فلا يقدح كحديث غيلان، وهو مراد الشافعي بالكلام الأول، وإن كان في دليله قدح، وهو المراد بالكلام الثاني" "شرح تنقيح الفصول ص187". "انظر: نهاية السول 2/89ن التمهيد ص97، الإحكام للآمدي 2/256، القواعد والفوائد الأصولية ص234، إرشاد الفحول ص132". 2 ساقطة من ز ض ع ب. 3 في ش ز ع ب: حكمه. 4 انظر: المستصفى 2/69، الإحكام للآمدي 2/256. 5 وهو رأي الغزالي. "انظر: المستصفى 2/68، البرهان 1/348". 6 في ش: أن يساوي.

أَيْ تَابَعَ الْجَوَابَ السُّؤَالُ1 "فِيمَا فِيهِ" أَيْ فِي السُّؤَالِ "مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ2 الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ3. فَالْعُمُومُ4 نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" 5. وَالْخُصُوصُ نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهُ الأَعْرَابِيُّ عَنْ وَطْئِهِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ6: "أَعْتِقْ رَقَبَةً" 7

_ 1 في ش ع: السؤال الجواب. 2 ساقطة من ب. 3 انظر هذه المسألة في "أصول السرخسي 1/272، فواتح الرحموت 1/290، الإحكام للآمدي 2/237، 238، نهاية السول 2/159، شرح تنقيح الفصول ص216، المعتمد 1/303، المحصول ج1 ق2/188، جمع الجوامع 2/37، المنخول ص151، المستصفى 2/58، البرهان 1/374، الروضة 2/233، إرشاد الفحول ص133". 4 ساقطة من ش. 5 روى الإمام مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن الجارود والبيهقي وابن شيبة والدارقطني وابن حبان والحاكم والدارمي عن أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه، الحلُ ميتته"، قال البغوي: "هذا الحديث صحيح متفق علي صحته" وحكى الترمذي أن البخاري صححه. "انظر: المنتقى 1/54، بدائع المنن 1/19، مسند أحمد 2/361، سنن أبي داود1/19، تحفة الأحوذي 1/225، 230، سنن النسائي 1/44، 7/183، سنن ابن ماجه 1/136، سنن الدارمي 1/186ن المستدرك 1/141، موارد الظمآن ص60ن التلخيص الحبير 1/9، نيل الأوطار 1/24، البيات والتعريف 3/242". 6 ساقطة من ش. 7 روى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله، قال: "وما أهلكك"؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: "اعتق رقبة ... " الحديث.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: هَذَا مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْعِبَارَةِ الأُولَى1. "فَإِنْ2 كَانَ الْجَوَابُ3 أَخَصَّ مِنْ السُّؤَالِ4 اخْتَصَّ بِهِ" أَيْ الْجَوَابِ "السُّؤَالُ" كَمَنْ يَسْأَلُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ الْكَوَافِرِ؟ فَيُقَالُ لَهُ: اُقْتُلْ الْمُرْتَدَّاتِ، فَيَخْتَصُّ السُّؤَالُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ بِالْمُرْتَدَّاتِ مِنْهُنَّ5. "وَإِنْ كَانَ" الْجَوَابُ "أَعَمَّ" مِنْ السُّؤَالِ. مِثَالُهُ: لَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَاءِ بِئْرِ بِضَاعَةَ؟ فَقَالَ: "الْمَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" 6

_ 1 وهي "ترك الاستفصال في حكاية الحال، مع قيام الاحتمال، ينزل منزلة العموم في المقال". "انظر: المستصفى 2/60، البرهان 1/348، 373، 375، اللمع ص22، العدة 2/602". 2 في ز ض ع ب: وإن. 3 في ش ز: الجواب. 4 انظر هذه المسألة في "الإحكام للآمدي 2/238، فواتح الرحموت 1/290، التمهيد ص125، نهاية السول 2/158، المعتمد 1/303، المحصول ج1 ق3/188، جمع الجوامع 2/37 5 في ش: المرتدات. 6 هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس وأبي سعيد وسهل بن سعد رضي الله عنهم مرفوعاً بألفاظ مختلفة، قال العراقي بعدما حكى اختلاف الناس فيه: "والحديث صحيح"، وحكى المنذر عن الإمام أحمد أنه قال: حديث بئر بضاعة صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وكذلك رمز له السيوطي، وقال المناوي: هذا متروك الظاهر فيما إذا تغير بالنجاسة اتفاقاً، وخصه الشافعية والحنابلة بمفهوم خبر أبي داود وغيره، "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" كما سيأتي صفحة 368. "انظر: سنن أبي داود 1/16، 15، تحفة الأحوذي 1/204، سنن النسائي 1/141، مختصر سنن أبي داود للمنذري 1/73، فيض القدير 6/248، سنن الدارقطني 1/28، مسند أحمد 1/235، 284، 3/16، 31، 6/172، سنن ابن ماجه 1/173، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص292، التلخيص الحبير 1/12".

"أَوْ وَرَدَ" حُكْمٌ "عَامٌّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ بِلا سُؤَالٍ"، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى شَاةٍ1 مَيْتَةٍ لِمَيْمُونَةَ2، فَقَالَ: "أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ" 3. "اُعْتُبِرَ عُمُومُهُ" أَيْ عُمُومُ الْجَوَابِ فِي الصُّورَةِ الأُولَى، وَعُمُومُ اللَّفْظِ الْوَارِدِ عَلَى السَّبَبِ الْخَاصِّ فِي الثَّانِيَةِ4، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى سَبَبِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِمَا

_ 1 في ز ض ع ب: بشاة. 2 هي الصحابية ميمونة بنت الحارث بن خزن الهلالية، أم المؤمنين، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع في ذي القعدة، لما اعتمر عمرة القضية، وقيل: اسمها برة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل غيرها، وهي أخر امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم ممن دخل بهن، وروي عنها 46 حديثاً، وماتت بسرف "ماء قريب من مكة، عشرة أميال إلى جهة المدينة"، ودفنت هناك سنة 51هـ، وقيل غير ذلك، وصلى عليها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم، وقيل تزوجها وهو حلال، ولهذا اختلف الفقهاء في نكاح المحرم. انظر ترجمتها في "الإصابة 4/411، الاستيعاب 4/404، الخلاصة ص496، تهذيب الأسماء 2/355، أسد الغابة 7/272". 3 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد عن ابن عباس رضي اله عنهما مرفوعاُ بأسانيد صحيحة، وروى البخاري معناه عن ابن عباس أيضاً مرفوعاً. "انظر: صحيح مسلم 1/276، تحفة الأحوذي 5/398، سنن النسائي 7/151 وما بعدها، سنن ابن ماجه 2/1193، صحيح البخاري 2/27، مسند أحمد 1/219، 227، سنن أبي داود 2/386، فيض القدير 3/139، تخريج أحاديث البردوي ص161، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص293". 4 يعبر علماء الأصول عن هذه المسألة بقولهم: "العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب"، وهو قول الآمدي وإمام الحرمين والبيضاوي وابن الحاجب والفخر الرازي. "انظر: الإحكام للآمدي 2/238 وما بعدها، نهاية السول 2/158، المستصفى 2/114، البرهان 1/372، فواتح الرحموت 1/290، التمهيد ص124، المعتمد 1/303، المنخول ص151، الموافقات 3/178، اللمع ص22، المحصول ج1 ق3/188، شرح تنقيح الفصول ص216، جمع الجوامع 2/38، أصول السرخسي 1/272، فتح الغفار 2/59، تخريج الفروع على الأصول ص1993، إرشاد الفحول ص133، نزهة الخاطر 2/141، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/110، التبصرة ص144".

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالأَشْعَرِيَّةِ1، لأَنَّ عُدُولَ الْمُجِيبِ عَمَّا2 سُئِلَ عَنْهُ، أَوْ عُدُولَ الشَّارِعِ3 عَمَّا اقْتَضَاهُ حَالُ السَّبَبِ الَّذِي وَرَدَ الْعَامُّ عَلَيْهِ عَنْ4 ذِكْرِهِ بِخُصُوصِهِ إلَى الْعُمُومِ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَتِهِ، لأَنَّ الْحُجَّةَ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْعُمُومِ، وَالسَّبَبُ لا يُصْلَحُ مُعَارِضًا، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ عِنْدَ وُرُودِ الْجَوَابِ أَوْ5 السَّبَبِ: بَيَانُ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ وَغَيْرِهَا6. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَلَنَا قَوْلٌ فِي مَذْهَبِنَا، وَقَالَهُ7 جَمْعٌ كَثِيرٌ: أَنَّهُ يُقْتَصَرُ عَلَى سَبَبِهِ8.

_ 1 انظر: المستصفى 2/60، 114، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/110، الإحكام للآمدي 2/239، البرهان 1/374، تيسير التحرير 1/264، نهاية السول 2/159، المسودة ص130، الروضة 2/233، مختصر البعلي ص110، مختصر الطوفي ص102، القواعد والفوائد الأصولية ص240، التمهيدص124. 2 في ض: لما. 3 في ش: المشار. 4 في ش: عن. 5في ش: و. 6 انظر: الروضة 2/233، مختصر الطوفي ص102، العضد على ابن الحاجب 2/110، التبصرة ص145، المحصول ج1 ق3/189، أصول السرخسي 1/272. 7 في ب: قال. 8 وهو قول مالك وأبي ثور والمزني والقفال والدقاق من الشافعية، وقال الجويني: وهو الذي صح عندنا من مذهب الشافعي، ثم نصره، لكن الفخر الرازي ناقشه ورد عليه في "مناقب الشافعي"، ونقل هذا القول عن الشافعي أيضاً، وفي المسألة عدة آراء وتفصيلات. "انظر: نهاية السول 2/159، اللمع ص23، شرح تنقيح الفصول ص216، المحصول ج1 ق3/189، المحلي على جمع الجوامع 2/159، التمهيد ص124، المسودة ص130، نزهة الخاطر 2/141، العضد على ابن الحاجب 2/110، المستصفى 1/60، الإحكام للآمدي 2/239، التبصرة ص145، الرسالة ص206، 231، فواتح الرحموت 1/290، تيسير التحرير 1/264، مختصر البعلي ص110، الروضة 2/233، مختصر الطوفي ص102، تخريج الفروع على الأصول ص193، القواعد والفوائد الأصولية ص240، إرشاد الفحول ص134".

وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ اسْتَدَلُّوا عَلَى التَّعْمِيمِ مَعَ السَّبَبِ الْخَاصِّ، وَلَمْ يُنْكَرْ، كَآيَةِ اللِّعَانِ1, وَنَزَلَتْ فِي هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ2, وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ3وَآيَةِ الظِّهَارِ4، وَنَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ

_ 1 آية اللعان هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ, وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} النور/6-7. 2 هو الصحابي هلال بن أمية بن عامر الأنصاري المدني، شهد بدراً وأحداً، وكان قديم الإسلام، وكان يكسر أصنام بني واقف من قومه، وكانت معه رايتهم يوم الفتح، وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فتاب الله عليهم، وذكرهم في سورة التوبة، وهم هلال وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع. انظر ترجمة هلال في "الإصابة 3/606، الاستيعاب 3/604، أسد الغابة 5/406، تهذيب الأسماء 2/139". 3 هذه الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي والحاكم عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 3/279، صحيح سلم 2/1134، سنن أبي داود 1/52، سنن النسائي 6/140، سنن ابن ماجه 1/668، السنن الكبرى للبيهقي 10/265، تحفة الأحوذي 9/26، المستدرك2/202". قال النووي: "السبب في نزول آية اللعان عويمر العجلاني، وقال الجمهور: السبب قصة هلال بن أمية ... لأنه أول رجل لاعن"، وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي والحاكم عن أنس بن مالك قال: إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سمحاء، وكان أخ البراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لاعن في الإسلام ... " وقال الصنعاني: "قد اختلفت الروايات في سبب نزول آية اللعان ... ثم جمع بينها". "انظر: المراجع السابقة، نيل الأوطار 6/300، 302، سبل السلام 4/16، النووي على مسلم /128، فتح الباري 9/374 ط الحلبي، الرسالة للشافعي ص148". 4 آية الظهار هي قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ, وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} المجادلة/2-3.

الصَّامِتِ1. رَوَاهُ 2أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا3. وَقِصَّةِ عَائِشَةَ فِي الإِفْكِ4 فِي الصَّحِيحَيْنِ5، وَغَيْرِ ذَلِكَ, فَكَذَا هُنَا, وَلأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ بِوَضْعِهِ وَالاعْتِبَارُ بِهِ بِدَلِيلٍ لَوْ كَانَ أَخَصَّ, وَالأَصْلُ عَدَمُ مَانِعٍ, وَقَاسَ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، مَعَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَخْتَلِفُ بِهِمَا6 قَالَ الْمُخَالِفُ: لَوْ عَمَّ جَازَ تَخْصِيصُ السَّبَبِ بِالاجْتِهَادِ كَغَيْرِهِ7.

_ 1 هو الصحابي أوس بن الصامت بن قيس الأنصاري، اخو عبادة بن الصامت، شهد بدراً والمشاهد كلها، وعن عائشة رضي الله عنها أن جميلة "بنت عم له" كانت تحت أوس بن الصامت، وكان به لمم ... فذكرت الحديث" وكان أول ظهار في الإسلام منه، وكان شاعراً، مات في أيام عثمان، وله 85 سنة، وقالوا مات ص34 هـ بالرملة، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 1/85، الاستيعاب 1/78، تهذيب الأسماء 1/129، الخلاصة ص41، أسد الغابة 1/172". 2 ساقطة من ش ز ض ب. 3 هذا الحديث رواه احمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم مرفوعاُ عن خولة بنت مالك، وعائشة وسلمة بن صخر وغيرهم. "انظر: مسند أحمد 6/411، سنن أبي داود 1/513، تحفة الأحوذي 4/381، 9/188، سنن ابن ماجه 1/666، المستدرك 2/481، نيل الأوطار 6/294، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص70". 4 ساقطة من ش. 5 انظر: صحيح البخاري 3/163، صحيح مسلم بشرح النووي 17/102، مسند أحمد 6/194، سنن أبي داود 2/471، تحفة الأحوذي 9/29، سبل السلام 4/15، نيل الأوطار 6/319. 6 في ش ز: بها. انظر مزيداً من أدلة القول الأول في "الروضة 2/233، مختصر الطوفي ص102، نزهة الخاطر 2/142، العضد على ابن الحاجب 2/210، التبصرة ص146، المستصفى 2/60، الإحكام للآمدي 2/239، فواتح الرحموت 1/290، تيسير التحرير 1/264، شرح تنقيح الفصول ص216، المعتمد 1/304، المحصول ج1 ق3/189، العدة 2/601 وما بعدها". 7 انظر: الروضة 2/233، مختصر الطوفي ص102، نزهة الخاطر 2/142، المسودة ص131، العضد على ابن الحاجب 2/110، المستصفى 2/60، الإحكام للآمدي 2/240، البرهان 1/377 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/290، تيسير التحرير 1/265.

وَرُدَّ1 بِأَنَّ السَّبَبَ مُرَادٌ قَطْعًا بِقَرِينَةٍ خَارِجِيَّةٍ، لِوُرُودِ الْخِطَابِ بَيَانًا لَهُ، وَغَيْرُهُ ظَاهِرٌ. وَلِهَذَا لَوْ سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ طَلاقَهَا، فَقَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ: طَلُقَتْ, ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعًا وَأَنَّهُ لا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ. وَالأَشْهَرُ عِنْدَنَا: وَلَوْ اسْتَثْنَاهَا بِقَلْبِهِ، لَكِنْ يَدِينُ2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ خِلافٌ, وَلَوْ اسْتَثْنَى غَيْرَهَا لَمْ تَطْلُقْ، عَلَى أَنَّهُ مَنَعَ فِي الإِرْشَادِ3 وَالْمُبْهِجِ4 وَالْفُصُولِ الْمُعْتَمِرَ الْمُحْصَرَ5 مِنْ التَّحَلُّلِ مَعَ أَنَّ سَبَبَ الآيَةِ6 فِي حُصْرِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَكَانُوا مُعْتَمِرِينَ7. وَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ حَمَلَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي

_ 1 في ش ز: ورد. 2 قال البعلي: "وأما محل السبب فلا يجوز إخراجه بالاجتهاد إجماعاً، قاله غير واحدٍ، لأن دخوله مقطوع به، لكون الحكم أورد بياناً له، بخلاف غيره، فإنه يجوز إخراجه، لأن دخوله مظنون به، لكن نقل ناقلون عن أبي حنيفة أنه يجوز إخراج السبب" "القواعد والفوائد الأصولية ص242. "وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/110، المستصفى 2/60، 61، الإحكام للآمدي 2/240 وما بعدها". وسوف يذكر المصنف هذا الدليل مرة ثانية بعد أربع صفحات "ص187". 3 الإرشاد لابن موسى، كما نص عليه البعلي في "القواعد والفوائد الأصولية ص242". 4 في ش: المنهج، وفي "القواعد والفوائد الأصولية ص242": والشيرازي في الممتع، والصواب "المبهج" لأبي الفرج الشيرازي. "انظر: طبقات الحنابلة 2/248، ذيل طبقات الحنابلة 1/71، المنهج الأحمد 2/162". 5 ساقطة من ش. 6 الآية هي قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} الآية 196 من البقرة. 7 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص242، الروضة 2/234، تفسير ابن كثير 1/231 ط الحلبي، تفسير الطبري 2/215.

هُرَيْرَةَ "لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ" 1 عَلَى أَمْرِ الآخِرَةِ، مَعَ أَنَّ سَبَبَهُ أَمْرُ الدُّنْيَا2.لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ سَبَبُهُ3. وَالأَصَحُّ عَنْ4 أَحْمَدَ: أَنَّهُ لا يَصِحُّ اللِّعَانُ عَلَى حَمْلٍ, وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَهُوَ سَبَبُ آيَةِ اللِّعَانِ، وَاللِّعَانُ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ, لَكِنْ5 ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ. وَلِهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ لاعَنَ بَعْدَ الْوَضْعِ 6 ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلِمَ وُجُودَهُ بِوَحْيٍ، فَلا

_ 1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 4/70، صحيح مسلم 4/2295، سنن أبي داود 2/565، سنن ابن ماجه 2/1318، مسند أحمد 2/115، الأدب المفرد ص328، نيل الأوطار 6/454، سنن الدارمي 2/319". 2 سبب ورود الحديث أنه لما اسر أبو عزة الجمحي الشاعر ببدر وشكا عائلة وفقراً فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلقه بغير فداء، ثم ظفر به بأحد، فقال: مُنٌ علي، وذكر فقراً وعائلة، فقال: "لا تمسح بعارضيك ملة، تقول سخرت بمحمد مرتين، وأمر به فقتل" قال سعيد بن المسيب: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال حينئذ: "لا يلدغ المؤمن" فصار الحديث مثلاً. "انظر البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث 3/331". 3 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص242، الإحكام للآمدي 2/240 وما بعدها. 4 في د ب: عند. 5 في ض: لكنه. 6 روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه ذكر التلاعن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم بن عدي في ذلك قولاً، ثم أنصرف، فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد مع أهله رجلاً، فقال عاصم: ما ابتليت بهذا إلا لقولي فيه، فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره بالذي وجد عليه امرأته، وكان ذلك الرجل مصفراً، قليل اللحم، سبط الشعر، وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله خدلاً، آدم، كثير اللحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بين"، فوضعت شبيهاً بالذي ذكر زوجها انه وجده عندها، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما". وروى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر أن رجلاً لاعن امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرق رسول الله بينهما، وألحق الولد بأمه". "انظر: صحيح البخاري 3/281، صحيح مسلم 2/1132، 1134، سنن أبي داود 1/524، تحفة الأحوذي 4/390، سنن النسائي 6/146، سنن ابن ماجه 1/669، نيل الأوطار 6/310".

يَكُونُ اللِّعَانُ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ. وَلَيْسَ سَبَبُ الآيَةِ قَذْفَ حَامِلٍ وَلِعَانِهَا1. وَ2فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ3 عَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدٍ: أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ4 ابْنِي5، فَاقْبِضْهُ6 إلَيْك, فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ وَفِيهِ فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا7 يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ،

_ 1 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص243، البرهان 1/378، المنخول ص151، فواتح الرحموت 1/290، تيسير التحرير 1/265. 2 ساقطة من ع. 3 هو عتبة بن أبي وقاص بن أهيب القرشي الزهري، أخو سعد، ولم يذكره الجمهور في الصحابة، وذكره ابن منده فيهم، واحتج بحديث وصيته إلى أخيه سعد في ابن وليدة زمعة، وأنكر أبو نعيم على ابن منده ذلك، وقال أبو نعيم: وعتبة هذا هو الذي شج وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته بوم أحد، وما علمت له إسلاماً، ولم بذكره أحد من المتقدمين في الصحابة" ودعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحول عليه الحول حتى يموت كافراً، فما حال عليه الحول حتى مات كافراً إلى النار، قال ابن حجر: فلا معنى لا يراده في الصحابة، وذكر الباجي أن وصيته كانت بحسب أنواع النكاح التي كانت في الجاهلية، وقد حرمها الإسلام. "انظر: الإصابة 3/161، أسد الغابة 3/571، تهذيب الأسماء 1/320، المنتقى للباجي 6/5". 4 هو زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشي العامري المكي، مات قبل فتح مكة، وكانت له جارية يمانية يطؤها مع غيره كما كان معهوداً في أنكحة الجاهلية. "انظر: تهذيب الأسماء 1/311، الإصابة 2/433، الاستيعاب 2/410، المنتقى 6/5". 5 هو عبد الرحمن بن زمعة بن قيس القرشي العامري الذي تخاصم فيه سعد وعبد بن زمعة، وله عقب، توفي بالمدينة. "انظر: تهذيب الأسماء 1/311، الاستيعاب 2/410، أسد الغابة 3/448". 6 في ض: قابضة. 7 ساقطة من ش ز.

عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ "وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ1 هَذَا أَخِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ فَنَظَرَ"2, فَرَأَى فِيهِ3 شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: "هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ, وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ" 4, وَكَانَتْ تَحْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5 وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ6 "هُوَ أَخُوك

_ 1 هو الصحابي عبد بن زمعة بن قيس القرشي العامري المكي، أمه عاتكة بنت الأحنف، وهو أخو سودة أم المؤمنين لأبيها، وكان عبد بن زمعة شريفاً ومن سادات الصحابة. "انظر: الإصابة 2/433، الاستيعاب 2/442، أسد الغابة 2/515، تهذيب الأسماء 1/310". 2 هذه زيادة من الحديث، وتوضح المعنى. 3 ساقطة من ض ع ب. 4 هي أم المؤمنين سودة بن زمعة بن قيس القرشية العامرية الصحابية، أم الأسود، كانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ابن عمها السكران بن عمرو، أخي سهل بن عمرو، وكان زوجها مسلماً هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة، ومات، ولم يعقب، أسلمت سودة قديماً وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلم زوجها، وجرحا في مكة، فهاجرا إلى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة عشر من البعثة النبوية بعد وفاة خديجة، ودخل بها بمكة وهاجر إلى المدينة، وقيل: تزوجها بعد عائشة، ولها مناقب كثيرة، ماتت في خلافة عمر رضي الله عنهم، وقيل: غير ذلك. انظر ترجمتها في "الإصابة 4/338، الاستيعاب 4/323، أسد الغابة 7/157، تهذيب الأسماء 2/348، الخلاصة ص492". 5 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ومالك والشافعي والحاكم والبيهقي، ورواه الترمذي مختصراً، عن عائشة وأبي هريرة وعثمان وابن مسعود وابن الزبير وابن عمر وأبي أمامة رضي الله عنهم مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 4/170، صحيح مسلم 2/1080، سنن أبي داود 1/528، سنن النسائي 6/148، تحفة الأحوذي 4/321، 6/310، سنن ابن ماجه 1/646، المنتقى شرح الموطأ 6/4، المستدرك 4/96، السنن الكبرى 6/86، النووي على مسلم 10/38، بدائع المنن 2/219، إحكام الأحكام 2/319، نيل الأوطار 6/313، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص98، مسند أحمد 4/5، 6/27، 129، البيان والتعريف 3/289". 6 في ع: البخاري.

يَا عَبْدُ" وَلأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ1 أَنَّ زَمْعَةَ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا، وَكَانَتْ تَظُنُّ بِآخَرَ2 وَفِيهِ "احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ، فَلَيْسَ لَك بِأَخٍ " 3.زَادَ أَحْمَدُ "أَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَهُ" 4. قَالُوا: لَوْ عَمَّ لَمْ يُنْقَلُ5 السَّبَبُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ6. رُدَّ فَائِدَتُهُ7 مَنْعِ تَخْصِيصِهِ، وَمَعْرِفَةِ8 الأَسْبَابِ9.

_ 1 هو الصحابي عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي، أبو خبيب، أو أبو حبيب، أو أبو عبد الرحمن، وهو أول مولود في الإسلام في السنة الأولى بعد الهجرة، أمه أسماء بنت أبي بكر، وهو فارس قريش، شهد اليرموك وفتح أفريقيا، وصار أمير المؤمنين، بويع بالخلافة بعد موت يزيد سنة64 هـ، وغلب على اليمن والحجاز والعراق وخراسان، وكان فصيحاً شريفاً، لسناً أطلس، كثير العبادة، وكان يسمى حمامة المسجد، ودافع عن عثمان في الدار، قاتله بنو أمية حتى انتصروا عليه في الكعبة، وقتل وصلب سنة 73هـ، ثم سلم إلى أمه فدفنته بالمدينة في دار صفية بنت حيي ثم زيدت دارها في المسجد، فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، كما يقول الكتبي. انظر ترجمته في "الإصابة 4/69 المطبعة الشرفية، الخلاصة 2/56 مطبعة الفجالة الجديدة، أسد الغابة 3/242، المعارف ص256، 600، فوات الوفيات 1/445، العقد الثمين 5/141، البداية والنهاية 8/332، تاريخ الخلفاء ص211، حلية الأولياء 1/329". 2 في رواية النسائي: "كانت لزمعة جارية يطؤها هو، وكان يظن بآخر يقع عليها، فجاءت بولد شبه الذي كان يظن به، فمات زمعة وهي حبلى" "سنن النسائي 6/148" 3 وتمام الحديث: "لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص، قالت: فما رآها حتى لقي الله" "انظر: المنتقى شرح الموطأ 6/5". 4 انظر: مسند أحمد 4/5، سنن النسائي 6/149. 5 في ض: ينتقل. 6 انظر: الروضة 2/233، العضد على ابن الحاجب 2/111، المستصفى 2/61، الإحكام للآمدي 2/240، فواتح الرحموت 1/292، تيسير التحرير 1/266، نهاية السول 2/159، التمهيد ص124، مختصر الطوفي ص102، العدة 2/613. 7 في ش: فائدة. 8 في ض ب: ومعرفته. 9 بين المجد ابن تيمية أنواع الأسباب، وذكر فائدتها، ثم قال: "ومن لم يحط علماً بأسباب الكتاب الكتاب والسنة والإ عظم خطؤه كما وقع لكثير من المتفقهين والأصوليين والمفسرين" "المسودة ص131". وانظر مناقشة أدلة القول الثاني القائل باقتصار الحكم على السبب في "المستصفى 2/61، الإحكام للآمدي 2/241، نهاية السول 2/159، العضد على ابن الحاجب 2/111، فواتح الرحموت 1/292، تيسير التحرير 1/266، التمهيد ص124، المسودة ص131، العدة 2/613، الروضة 2/224، مختصر الطوفي ص102، نزهة الخاطر 2/142".

قَالُوا: لَوْ قَالَ: تَغَدَّ عِنْدِي، فَحَلَفَ لا تَغَدَّيْت، لَمْ يَعُمَّ1، وَمِثْلُهُ نَظَائِرُهَا. رُدَّ بِالْمَنْعِ2 فِي الأَصَحِّ عَنْ أَحْمَدَ, وَإِنْ سَلِمَ كَقَوْلِ مَالِكٍ3 فَلِلْعُرْفِ، وَلِدَلالَةِ السَّبَبِ عَلَى النِّيَّةِ، فَصَارَ كَمَنْوِيٍّ4. قَالُوا: لَوْ عَمَّ لَمْ يُطَابِقْ الْجَوَابُ السُّؤَالَ5. رُدَّ طَابَقٌ وَزَادَ6

_ 1 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/111، الإحكام للآمدي 2/240، فواتح الرحموت 1/292، تيسير التحرير 1/266، المعتمد 1/303، 304، المحصول ج1 ق3/188، العدة 2/613. 2 في ش ز: مثله نظائر، رد لمنع. 3 في ض: لملك. 4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/111، الإحكام للآمدي 2/421، فواتح الرحموت 1/292، تيسير التحرير 1/266. 5 ساقطة من ب، وسقط من ب أيضاً: رد، طابق وزاد. وانظر: الروضة 2/234، مختصر الطوفي ص102، نزهة الخاطر 2/142، العدة 2/613، شرح تنقيح الفصول ص216، المحصول ج1 ق3/190، العضد على ابن الحاجب 2/111، الإحكام للآمدي 2/240، فواتح الرحموت 1/292، تيسير التحرير 1/266. 6 انظر: فواتح الرحموت 1/292، تيسير التحرير 1/266، المحصول ج1 ق3/190، الإحكام للآمدي 2/241، العضد على ابن الحاجب 2/111، نزهة الخاطر 2/144، مختصر الطوفي ص103، الروضة 2/224.

"وَصُورَةُ السَّبَبِ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ 1 فِي الْعُمُومِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ [فَلا يَخُصُّ2 بِاجْتِهَادٍ] فَيَتَطَرَّقُ التَّخْصِيصُ إلَى3 ذَلِكَ الْعَامِّ، إلاَّ تِلْكَ الصُّورَةَ، فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا4، لَكِنَّ السُّبْكِيَّ قَالَ: إنَّمَا تَكُونُ صُورَةُ السَّبَبِ قَطْعِيَّةً إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى دُخُولِهَا وَضْعًا تَحْتَ اللَّفْظِ الْعَامِّ, وَإِلاَّ فَقَدْ يُنَازَعُ5 فِيهِ الْخَصْمُ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْعَامِّ إخْرَاجَ السَّبَبِ, فَالْمَقْطُوعُ بِهِ إنَّمَا هُوَ6 بَيَانُ حِكْمَةِ السَّبَبِ، وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ كَوْنِهِ خَارِجًا، كَمَا يَحْصُلُ بِدُخُولِهِ, وَلا دَلِيلَ عَلَى تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْ الأَمْرَيْنِ7. فَائِدَةٌ: "قِيلَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ عَامٌّ لَمْ يُخَصَّ8 إلاَّ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي

_ 1 في ش: لدخول. 2 في ش ز: يختص. 3 ساقطة من ض ع ب. 4 هذا ما ذكره المصنف سابقاً صفحة 181، ونقلنا بعده نص البعلي: أن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد إجماعاً. "وانظر: تيسير التحرير 1/267، نهاية السول 2/159، اللمع ص22، البرهان 1/378، المنخول ص151، المحصول ج1 ق3/191، جمع الجوامع 2/39، التمهيد ص124، القواعد والفوائد الأصولية ص242، الإحكام للآمدي 2/240، العضد على ابن الحاجب 2/110، المستصفى 2/60". 5 في ش ز: تنازع. 6 ساقطة من ض. 7 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/39-40. 8 نقل الشوكاني عن علم الدين العراقي أنه قال: "ليس في القرآن عام غير مخصوص إلا أربعة مواضع: أحدها: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} النساء/23، فكا ما سميت أما عن نسب أو رضاع، وإن علت، فهي حرام، ثانيها: قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} الرحمن/26، {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ} آل عمران/185، ثالثاً: قوله تعالى: {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} البقرة/284، ثم اعترض الشوكاني على الموضع الرابع بأن القدرة لا تتعلق بالمستحيلات، وهي أشياء، ثم ألحق الشوكاني بما سبق قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} هود/6. "انظر: إرشاد الفحول ص143 وما بعدها، الروضة 2/238، شرح تنقيح الفصول ص227، الرسالة للشافعي ص53-54".

الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} 1 وقَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 2.

_ 1 الآية 6 من هود. 2 الآية 101 من الأنعام.

فصل إطلاق جمع المشترك على معانيه

فصل إطلاق جمع المشترك على معانيه ... فصل إطلاق جمع المشترك: "يَصِحُّ إطْلاقُ جَمْعِ الْمُشْتَرَكِ" عَلَى مَعَانِيهِ "وَمُثَنَّاهُ" عَلَى مَعْنَيَيْهِ مَعًا "كَ1" إطْلاقِ "مُفْرَدٍ2 عَلَى كُلِّ مَعَانِيهِ3". أَمَّا إرَادَةُ4 الْمُتَكَلِّمِ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ أَحَدَ5 مَعَانِيهِ أَوْ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ6, فَهُوَ جَائِزٌ قَطْعًا، وَهُوَ حَقِيقَةٌ، لأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ7. وَأَمَّا إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ اسْتِعْمَالَهُ فِي كُلِّ مَعَانِيهِ -وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ- فَفِيهِ مَذَاهِبُ: أَحَدُهَا -وَهُوَ الصَّحِيحُ-: يَصِحُّ، كَقَوْلِنَا: الْعَيْنُ مَخْلُوقَةٌ، وَنُرِيدُ8 جَمِيعَ مَعَانِيهَا. وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الأَصْحَابِ9.

_ 1 في ب: وكـ. 2 في ش: مفرد. 3 في ض ع: ماله معا. 4 في ش: أي ما أراد. 5 في د: كأحد. 6 ساقطة من ش. 7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/111 وما بعدها، التبصرة ص184، المسودة ص168، المنخول ص147. وسيرد بحث المشترك تفصيلاً فيما بعد 8 في ش ز ض: يريد 9 انظر هذا القول في المسألة في المستصفى 2/71، الإحكام للآمدي 2/242، البرهان 1/343، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/111، 112، التبصرة ص184، تيسير التحرير 1/235، مختصر البعلي ص110، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص228، المنخول ص147، جمع الجوامع 1/297".

قَالَ فِي الانْتِصَارِ -لَمَّا قِيلَ لَهُ فِيمَنْ لا يَجِدُ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ -: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، أَيْ لا يَحْبِسُهَا. فَقَالَ: الظَّاهِرُ مِنْهَا الإِطْلاقُ، عَلَى أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْعَقْدِ وَالْمَكَانِ مَعًا. وَنُسِبَ إلَى الشَّافِعِيِّ1. وَقَطَعَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ: ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} 2 فَإِنَّ الصَّلاةَ مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ، وَمِنْ الْمَلائِكَةِ الدُّعَاءُ3وَكَذَا لَفْظُ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} 4 وَشَهَادَتُهُ تَعَالَى5 عِلْمُهُ، وَشَهَادَةُ غَيْرِهِ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ. وَبِقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} 6 النِّكَاحُ الْعَقْدُ، وَالْوَطْءُ مُرَادَانِ7 لَنَا مِنْهُ إذَا قُلْنَا: النِّكَاحُ مُشْتَرَكٌ8. وَقَطَعَ بِهِ الْبَاقِلاَّنِيُّ, وَنَقَلَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ9 مَذْهَبِ الْمُحَقِّقِينَ وَجَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ10. وَيَكُونُ إطْلاقِهِ11 عَلَى مَعَانِيهِ أَوْ مَعْنَيَيْهِ مَجَازًا لا حَقِيقَةً. نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَارَهُ12

_ 1 في ع ض ب: للشافعي. 2 الآية 56 من الأحزاب. 3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/114. 4 الآية 18 من آل عمران. 5 في ض ب: وشهادة الله. 6 الآية 22 من النساء. 7 في ش: مراد لنا. 8 في ب: المشترك. 9 في ش: من. 10 انظر: المنخول ص147، المستصفى 2/72، 74، الإحكام للآمدي 2/242 وما بعدها، العدة 2/703، المسودة ص166. 11 في ش: من إطلاقه، وفي ز: بإطلاقه. 12 ساقطة من ش ز.

ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ1. وَقِيلَ: حَقِيقَةً2. الْمَذْهَبُ الثَّانِي: يَصِحُّ إطْلاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ بِقَرِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ. الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: صِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنَيَيْهِ فِي النَّفْيِ دُونَ الإِثْبَاتِ، لأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ3 تَعُمُّ4. الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: صِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مُفْرَدٍ, فَإِنْ كَانَ جَمْعًا كَاعْتَدِّي بِالأَقْرَاءِ5، أَوْ مُثَنًّى، كَقُرْأَيْنِ صَحَّ6. الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: صِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ إنْ تَعَلَّقَ أَحَدُ7 الْمَعْنَيَيْنِ بِالآخَرِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} 8 فَإِنَّ كُلاًّ مِنْ9 اللَّمْسِ بِالْيَدِ10 وَلازِمٌ لِلآخَرِ.

_ 1 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/294، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/111، 112، التبصرة ص184، البرهان 1/344، تيسير التحرير 1/235. 2 نقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني والمعتزلة: أنه يصح حقيقة إن صح الجمع. "انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/112، تيسير التحرير 1/235، جمع الجوامع 1/295". 3 في ز: النفي في النكرة، وفي ض ع ب: النكرة في النفي. 4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/112، مختصر البعلي ص111، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص230، المسودة ص168. 5 في ش ز: الأقراء. 6 ساقطة من ش. وانظر: مختصر البعلي ص111، المسودة ص168. 7 في ع: إحدى. 8 الآية 43 من النساء. 9 في ش: فكلمة. 10 في ش: تأكيد.

الْمَذْهَبُ السَّادِسُ: يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ بِوَضْعٍ جَدِيدٍ، لَكِنْ لَيْسَ مِنْ اللُّغَةِ، فَإِنَّ اللُّغَةَ مَنَعَتْ مِنْهُ1. الْمَذْهَبُ السَّابِعُ: لا يَصِحُّ مُطْلَقًا. اخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْقَيِّمِ. وَحَكَاهُ عَنْ الأَكْثَرِينَ2. قَالَ3 فِي كِتَابِهِ4 جَلاءُ الأَفْهَامِ5 فِي الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِي مَنْعِ كَوْنِ الصَّلاةِ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الرَّحْمَةُ-: الأَكْثَرُونَ لا يُجَوِّزُونَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ لا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. وَرَدَ مَا وَرَدَ عَنْ الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا عَلَى إبْطَالِ اسْتِعْمَالِ6 اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ مَعًا بِضْعَةَ عَشَرَ دَلِيلاً فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْءِ فِي كِتَابِ التَّعْلِيقِ عَلَى الأَحْكَامِ7. فَعَلَى الْجَوَازِ: هُوَ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ8 مَعَانِيهِ، فَيُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِهَا؛ لأَنَّهُ

_ 1 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/112، المعتمد 1/326. 2 في ش ز: الأكثر. ذهب إلى ذلك أصحاب أبي حنيفة كالكرخي، وأبو هاشم الجبائي وأبو عبد الله البصري من المعتزلة، والإمام الفخر الرازي والغزالي وإمام الحرمين، ونقله القرافي عن مالك وأبي حنيفة، وفي قول عند الحنفية: أن حكم المشترك الوقف. "انظر: التبصرة ص184، المعتمد 1/324، الإحكام للآمدي 2/242، تيسير التحرير 1/235، المستصفى 2/72، أصول السرخسي 1/126، 162، كشف الأسرار 1/39 وما بعدها، 2/33، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص230، التمهيد ص42، المسودة ص168". 3 في ض ع ب: فقال. 4 في ض: كتاب. 5 ساقطة من ز ض ع ب. 6 ساقطة من ض. 7 ساقطة من ز. 8 في ش: و.

لا تَدَافُعَ بَيْنَهَا1. وَقِيلَ: هُوَ مُجْمَلٌ، فَيُرْجَعُ إلَى مُخَصَّصٍ2. قَالَ الإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمَحَلُّ الْخِلافِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي كُلِّ مَعَانِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكُلِّيِّ الْعَدَدِيِّ، كَمَا قَالَهُ فِي التَّحْصِيلِ، أَيْ فِي كُلِّ فَرْدٍ، فَرَدُّوا ذَلِكَ3 بِأَنْ يَجْعَلَهُ يَدُلُّ عَلَى4 كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ بِالْمُطَابِقَةِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي تَدُلُّ5 عَلَى الْمَعْنَى الآخَرِ بِهَا, وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكُلِّيِّ6 الْمَجْمُوعِيَّ7، وَهُوَ8 أَنْ يَجْعَلَ مَجْمُوعَ الْمَعْنَيَيْنِ مَدْلُولاً مُطَابِقًا كَدَلالَةِ الْعَشَرَةِ عَلَى آحَادِهَا، وَلا الْكُلِّيِّ الْبَدَلِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَدْلُولاً مُطَابِقًا عَلَى الْبَدَلِ. انْتَهَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ جَمْعَ9 الْمُشْتَرَكِ بِاعْتِبَارِ10 مَعَانِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ

_ 1 في ش ع ض ب: بينهما. وهو قول الشافعي، وهو كثير في كلام القاضي الباقلاني وأصحابه، وقال العضد: "فيحمل عند التجرد عن القرائن عليهما، ولا يحتمل على أحدهما خاصة إلا بقرينة" "العضد على ابن الحاجب 2/112، 113 وما بعدها". وانظر: مختصر البعلي ص110، المنخول ص147. 2 في ش: التخصيص. قال البعلي: "وهو ما صرح به القاضي وابن عقيل" "مختصر البعلي ص111"، ولكن القاضي صرح في مكان أنه مجمل وصرح في مكان آخر أنه عام. "انظر: العدة 1/145، 2/513". 3 في ز ض: فردوا ذلك، وفي ش: وردوا ذلك. 4 في ش: يجعل بدلاً عن. 5 في ض: يدل. 6 في ش: بالكلي. 7 في ش ض ب: المجموع. 8 في ش: وهي. 9 في ع ض ب: جميع. 10 في ض: اعتبار.

الْمُفْرَدِ1 فِي مَعَانِيهِ2. وَوَجْهُ الْبِنَاءِ: أَنَّ التَّثْنِيَةَ وَالْجَمْعَ تَابِعَانِ لِمَا3 يُسَوَّغُ عَلَى4 الْمُفْرَدِ فِيهِ، فَحَيْثُ جَازَ اسْتِعْمَالُ الْمُفْرَدِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ جَازَ تَثْنِيَةُ الْمُشْتَرَكِ وَجَمْعُهُ، وَحَيْثُ لا فَلا، فَتَقُولُ5: عُيُونُ زَيْدٍ، وَتُرِيدُ: بِذَلِكَ الْعَيْنَ الْبَاصِرَةَ، وَالْعَيْنَ الْجَارِيَةَ، وَعَيْنَ الْمِيزَانِ، وَالذَّهَبِ6 الَّذِي لِزَيْدٍ7. وَاسْتَعْمَلَ الْحَرِيرِيّ8ُ ذَلِكَ فِي الْمَقَامَاتِ، فِي قَوْلِهِ "فَانْثَنَى بِلا عَيْنَيْنِ" يُرِيدُ الْبَاصِرَةَ وَالذَّهَبَ. وَهَذَا قَوْلُ الأكثر9.

_ 1 في ش: الفرد. 2 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/297. 3 في ب: على. 4 ساقطة من ز ش. 5 في ض: فيقول. 6 في ض ع ب: والذهب والفضة. 7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/112، الإحكام للآمدي 2/242، المنخول ص147، جمع الجوامع 1/297. 8 هو القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد، الحريري البصري، صاحب "المقامات" المشهورة، قال ابن السمعاني: "أحد الأئمة في الأدب واللغة، ولم يكن له في فنه نظير في عصره، فاق أهل زمانه بالذكاء والفصاحة"، وكان غنياً كثير المال، وقال ابن خلكان: "ورزق الحظوة التامة في عمل "المقامات"، واشملت على شيء كثير من كلام العرب، من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كلامها، ومن عرفها حق معرفتها استدل بها على فضل هذا الرجل، وكثرة اطلاعه، وغزارة مادته"، ويحكي أنه كان دميماً، قبيح المنظر، وكان مولعاً بنتف لحيته عند الفكرة، وله تواليف حسان، منها "در الغواص في أوهام الخواص" و "ملحمة الإعراب" منظومة في النحو، وله "شرحها" وله "ديوان شعر ورسائل" توفي سنة516هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/266، وفيات الأعيان 3/227، شذرات الذهب 4/50، إنباه الرواة 3/23، بغية الوعاة 2/257، مرآة الجنان 3/213، النجوم الزاهرة 5/225". 9 في ش ز: كثير. وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/112، الإحكام للآمدي 2/242.

وَقِيلَ: يَجُوزُ تَثْنِيَتُهُ وَجَمْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ1 إطْلاقُ الْمُفْرَدِ عَلَى مَعَانِيهِ2. وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا. "وَيَصِحُّ إطْلاقُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ الرَّاجِحِ مَعًا" وَيَكُونُ إطْلاقُهُ عَلَيْهِمَا مَعًا مَجَازًا. فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الأَقْوَالِ وَالأَحْكَامِ3. إلاَّ أَنَّ الْقَاضِي4 أَبَا5 بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيَّ قَالَ: اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مُحَالٌ لأَنَّ الْحَقِيقَةَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَالْمَجَازُ6 فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ7، وَهُمَا مُتَنَاقِضَانِ8انْتَهَى. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 9 فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي وَلَدِ الصُّلْبِ، مَجَازٌ فِي وَلَدِ الابْنِ. وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} 10 فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، خِلافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْوُجُوبِ11

_ 1 في ع: نصحح. 2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/112. 3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/113، المسودة ص166، العدة 22/703، جمع الجوامع 1/298. 4 ساقطة من ش. 5 في ب: أبو. 6 ساقطة من ش. 7 ساقطة من ض. 8 انظر: المسودة ص166، المنخول ص147، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/298. 9 الآية 11 من النساء. 10 الآية 77 من الحج. 11 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/299.

وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إنَّ مَدْلُولَ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ1 مُطْلَقُ الطَّلَبِ، فِرَارًا مِنْ الاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ2. وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْمَجْدُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ" 3 يَشْمَلُ الْمُحْتَضَرَ وَالْمَيِّتَ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةٌ، وَقَبْلَهُ مَجَازٌ4. وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا: اللَّمْسُ حَقِيقَةٌ فِي اللَّمْسِ5 بِالْيَدِ، مَجَازٌ فِي الْجِمَاعِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا. وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، لأَنَّهُ لا تَدَافُعَ بَيْنَهُمَا6. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ7 "وَهُوَ" أَيْ اللَّفْظُ حَالَةَ إطْلاقِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمَجَازهِ8 "ظَاهِرٌ فِيهِمَا" أَيْ

_ 1 في د: على. 2 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/299. 3 هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن معقل بن يسار، ورواه النسائي في "عمل اليوم والليلة". قال النووي: "إسناده ضعيف، فيه مجهولان، لكن لم يضعفه أبو داود" وقال ابن حجر: "أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال راويه" ونقل عنه قوله: "وأما الحاكم فتساهل في تصحيحه لكنه من فضائل الأعمال، وعلى هذا يحمل سكوت أبي داود، والعلم عند الله" وقال الدارقطني: "إنه حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث". "انظر: سنن أبي داود 4/287، مختصر سنن أبي داود 4/287، سنن ابن ماجه 1/466، مسند أحمد 5/26، المستدرك 1/565، الأذكار للنووي ص131، فيض القدير 2/67، موارد الظمآن ص184". 4 انظر: المحرر في الفقه 1/182. 5 في ش ز ض: بالمس، والأعلى من ع ب، و "العدة". 6 العدة 2/704. 7 انظر: المسودة ص167، 565، المنخول ص148. 8 في ش: الحقيقة والمجاز.

غَيْرُ مُجْمَلٍ، وَلا ظَاهِرٍ1 فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ، إذْ لا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا "فَيُحْمَلُ2 عَلَيْهِمَا كَعَامٍّ3". وَمَحَلُّ صِحَّةِ الإِطْلاقِ وَالْحَمْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَنَافٍ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ. "فَإِنْ تَنَافَيَا4 كَافْعَلْ، أَمْرًا و5َ تَهْدِيدًا: امْتَنَعَ" الإِطْلاقُ وَالْحَمْلُ. "وَأُلْحِقَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "بِذَلِكَ" أَيْ بِمَا تَقَدَّمَ اللَّفْظَانِ "الْمَجَازَانِ الْمُسْتَوَيَانِ6" مِثَالُ ذَلِكَ7 لَوْ حَلَفَ لا يَشْتَرِي دَارَ زَيْدٍ، وَقَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّهُ8 لا يَعْقِدُ بِنَفْسِهِ، وَتَرَدَّدَ الْحَالُ بَيْنَ السَّوْمِ وَشِرَاءِ الْوَكِيلِ: هَلْ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا أَمْ لا؟ فَمَنْ جَوَّزَ الْحَمْلَ يَقُولُ: يَحْنَثُ كُلٌّ مِنْهُمَا9. "وَدَلالَةُ الاقْتِضَاءِ وَالإِضْمَارِ عَامَّةٌ" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ10. وَعِنْدَ الْقَاضِي وَجَمْعٌ مُجْمَلَةٌ11.

_ 1 في ع: نص أو ظاهر. 2 في ش: فتحمل. 3 انظر: جمع الجوامع 1/296، مختصر البعلي ص110. 4 في ش: وإن تنافى. 5 في ع ب: أو. 6 في ش: المستوفيان. 7 في ش: مثل، وفي ز ض ع: مثل ذلك. 8 ساقطة من ز. 9 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/300. 10 نسب البردوي هذا القول للشافعي، وليس هناك دليل يؤيد ذلك، لكن قال بهذا القول بعض الشافعية. "انظر: كشف الأسرار 2/237، المستصفى 2/62، تيسير التحرير 1/242، المسودة ص90، مختصر البعلي ص111، تخريج الفروع على الأصول ص145، إرشاد الفحول ص131، العدة 2/513". 11 قال المجد ابن تيمية: "وقال أكثر الحنفية وبعض الشافعية، لا يثبت العموم في ذلك بل هو مجمل، واختاره القاضي في أوائل "العدة" وآخر "العمدة" وزعم أن أحمد قد أومأ إليه، وذكر كلاماً لا يدل عندي على ما قال بل على خلافه" "المسودة ص91، 94" "وانظر: المحلي على جمع الجوامع 1/424، المستصفى 2/62".

وَعِنْدَ ابْنِ حَمْدَانَ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ هِيَ لِنَفْيِ الإِثْمِ1. وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِمَا رَوَاهُ2 الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ "إنَّ اللَّهَ وَضَعَ" وَرَوَاهُ3 ابْنُ عَدِيٍّ4 "إنَّ اللَّهَ رَفَعَ5 عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ثَلاثًا: الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَالأَمْرَ يُكْرَهُونَ عَلَيْهِ" 6 فَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِيهِ: مُقْتَضَى الإِضْمَارِ، وَمُقْتَضَاهُ الإِضْمَارُ.

_ 1 يعبر الحنفية والشافعية عن هذا الرأي بقولهم: "المقتضى لا عموم له". "انظر: البناني على جمع الجوامع 1/402، نهاية السول 2/89، المستصفى 2/61، المحصول ج1 ق2/624، تخريج الفروع على الأصول ص149، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/115، اللمع ص17، مختصر البعلي ص111، الإحكام للآمدي 2/249، فواتح الرحموت 1/294، أصول السرخسي 1/248، تيسير التحرير 1/22، إرشاد الفحول ص131، مباحث الكتاب والسنة 159، العدة 2/517". 2 في ز ض ع ب: روى. 3 في ز ض ب: وروى. 4 هو عبد الله بن عدي بن عبد الله بن مبارك، الجرجاني، أبو أحمد، ويعرف أيضاً بابن القطان، قال ابن قاضي شبهة: "أحد الأئمة الأعلام وأركان الإسلام" كان حافظاً متقناً جليلاً عارفاً بعلل الرجال، رحل إلى بلاد كثيرة كالشام ومصر، قال ابن السبكي: "وكتابه الكامل" طابق اسمه معناه، ووافق لفظه فحواه وكان فيه لحن، وألف كتاب "الانتصار" على مختصر المزني في الفقه، وكتاب "الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين"، توفي سنة 365 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 3/315، طبقات الحفاظ ص380، شذرات الذهب 3/51، تذكرة الحفاظ 3/940، البداية والنهاية 11/283". 5 في ز ض ب: رفع الله. 6 انظر: سنن ابن ماجه 1/659، كشف الخفا 1/433، فيض القدير 4/34، 6/362، تخريج أحاديث البردوي ص89، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص294، المستدرك 2/198، مجمع الزوائد 6/250، التلخيص الحبير 2/281. وسبق تخريج هذا الحديث برواياته وألفاظ في المجلد الأول ص436، 512، والمجلد الثاني ص31، 60.

وَدَلالَتُهُ1 عَلَى الْمُضْمَرِ دَلالَةُ إضْمَارٍ وَاقْتِضَاءٍ. فَالْمُضْمَرُ عَامٌّ2. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَيُسَمَّى مُقْتَضًى3، لأَنَّهُ أَمْرٌ اقْتَضَاهُ النَّصُّ لِتَوَقُّفِ صِحَّتِهِ عَلَيْهِ. وَهُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ: اللَّفْظُ الطَّالِبُ لِلإِضْمَارِ، وَبِفَتْحِهَا, ذَلِكَ الْمُضْمَرُ نَفْسُهُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْكَلامُ, تَصْحِيحًا4وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا, انْتَهَى. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الْمُقْتَضِي -بِالْكَسْرِ-: الْكَلامُ الْمُحْتَاجُ لِلإِضْمَارِ، وَبِالْفَتْحِ: هُوَ ذَلِكَ الْمَحْذُوفُ. وَيُعَبَّرُ عَنْهُ أَيْضًا بِالْمُضْمَرِ5, فَالْمُخْتَلَفُ فِي عُمُومِهِ: عَلَى6 الصَّحِيحِ الْمُقْتَضَى -بِالْفَتْحِ- بِدَلِيلِ7 اسْتِدْلالِ مَنْ نَفَى عُمُومَهُ بِكَوْنِ8 الْعُمُومِ مِنْ عَوَارِضِ الأَلْفَاظِ، فَلا يَجُوزُ دَعْوَاهُ فِي الْمَعَانِي. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُقْتَضِي9 -بِالْكَسْرِ–

_ 1 في ب: ودلالة. 2 أي إن الخطأ أو النسيان لا يمكن رفعه، لأنه قد وقع فعلا، ولكن المراد به حكمه الذي تعلق به الفعل، وهذا الحكم عام في الإثم والأثر المترتب على الفعل. انظر استدلال علماء الأصول بهذا الحديث قي "المسودة ص91، 94، 95، 103، العضد على ابن الحاجب 2/116، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/249، العدة 2/514، 517، الروضة 2/183". 3 في ز ض ع ب: مقتضياً. 4 ساقطة من ش. 5 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/424، المحصول ج1 ق2/624، تيسير التحرير 1/241، العضد على ابن الحاجب 2/115، فواتح الرحموت 1/294، إرشاد الفحول ص131، مباحث الكتاب والسنة ص160. 6 في ش: هو. 7 ساقطة من ع. 8 في ع: لكون. 9 في ب: المحتمل.

وَهُوَ الْمَنْطُوقُ بِهِ، الْمُحْتَاجُ فِي دَلالَتِهِ لِلإِضْمَارِ، كَمَا صَوَّرَ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ1. وَبِالْجُمْلَةِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَى تَقْدِيرٍ فِي نَحْوِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} 2 وَغَيْرِهَا مِنْ الأَمْثِلَةِ، إنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَقْدِيرِ شَيْءٍ مِنْ الْمُحْتَمَلاتِ كُلِّهَا، وَ3 هُوَ الْمُرَادُ بِالْعُمُومِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوَّلاً؟ فِيهِ4 مَذَاهِبُ5. وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ رَفْعَ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ، بَلْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ, فَاللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ مَعَ قَرِينَةٍ عَقْلِيَّةٍ. احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ6. 7قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ8 مَا عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِنَفْسِهِ مَعَ قَرِينَةٍ عَقْلِيَّةٍ. فَهُوَ حَقِيقَةٌ، أَوْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ، لَكِنْ مُقْتَضَاهُ الأَوَّلُ9. وَكَذَا فِي التَّمْهِيدِ وَالرَّوْضَةِ: أَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي ذَلِكَ10.

_ 1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/402، مباحث الكتاب والسنة ص158، 162، العدة 2/517. 2 الآية 3 من المائدة. وليس المقصود من الآية تحريم نفس العين، بل المقصود الفعل، ويحمل على كل فعل من بيع وأكل وغيرهما. "انظر: المسودة ص90، العدة2/145، 513، 518". 3 في ش: أو. 4 في ش: أو. 5 قال القاضي أبو يعلى: "وذهب الأكثر من أصحاب أبي حنيفة والشافعي إلى أنه لا يعتبر العموم في ذلك" "العدة 2/517". "وانظر: المسودة ص90 وما بعدها". 6 ساقطة من ش ز. وانظر: العدة 2/517، الروضة 2/183. 7 ساقطة من ش. 8 في ض ع ب. مضمونه أن. 9 انظر: المسودة ص93. 10 انظر: الروضة ص183.

وَاعْتُرِضَ: لا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ، فَهُوَ مَجَازٌ1. وَ2 رُدَّ بِالْمَنْعِ لذَلِكَ3. ثُمَّ قَوْلُنَا أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ بَابَ الإِضْمَارِ فِي الْمَجَازِ أَقَلُّ، فَكُلَّمَا قَلَّ قَلَّتْ مُخَالَفَةُ الأَصْلِ فِيهِ، فَيَسْلَمُ قَوْلُنَا: لَوْ عَمَّ أُضْمِرَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَلا يَجُوزُ4. رَدٌّ بِالْمَنْعِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْخَطَإِ عَامٌّ وَلا زِيَادَةَ، وَيَمْنَعُ أَنَّ زِيَادَةَ حُكْمٍ مَانِعٌ5. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِهِمْ6: التَّخْصِيصُ كَالإِضْمَارِ وَكَذَا قَالَ إلْكِيَا فِي الإِضْمَارِ: هَلْ هُوَ مِنْ الْمَجَازِ أَمْ لا؟ فِيهِ قَوْلانِ، كَالْقَوْلَيْنِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَإِنَّهُ7 نَقْصُ الْمَعْنَى عَنْ اللَّفْظِ وَالإِضْمَارُ عَكْسُهُ، وَ8 لَيْسَ فِيهِمَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَوْضِعٍ9 آخَرَ. وَفِي التَّمْهِيدِ: لأَنَّ الإِثْمَ لا مِزْيَةَ10

_ 1 وهذا محكي عن أبي عبد البصري المعروف بالجعل. "انظر: العدة 2/518، 519". وانظر: المسودة ص93. 2 ساقطة من ز ض ب. 3 في ش: كذلك. وانظر: العدة 2/519. 4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/116، العدة 2/518. 5 انظر: مناقشة هذه الأدلة في "الإحكام للآمدي 2/249-250". 6 هذا ما نقله الشيخ تقي الدين ابن تيمية عن القاضي أبي يعلى. "انظر: المسودة ص565". 7 في المسودة: فإن العموم المخصوص. 8 ساقطة من جميع النسخ، وأثبتناها من "المسودة". 9 في ز ض ع ب: موضوع. 10 في ع: لا مزية فيه.

لأُمَّتِهِ1 فِيهِ عَلَى الأُمَمِ2 لأَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ3، وَلأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ4 فِي5 نَحْوِ: لَيْسَ لِلْبَلَدِ6 سُلْطَانٌ، لِنَفْيِ الصِّفَاتِ الَّتِي تَنْبَغِي لَهُ7. وَلا وَجْهَ لِمَنْعِ الآمِدِيِّ الْعُرْفَ فِي نَحْوِ: لَيْسَ لِلْبَلَدِ سُلْطَانٌ8 وَكَلامُ الآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ فِي التَّحْرِيمِ الْمُضَافِ إلَى الْعَيْنِ، وَنَحْوُ "لا صَلاةَ إلاَّ بِطَهُورٍ" يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ9 هُنَا. وَقَالُوا فِيهِ بِزِيَادَةِ الإِضْمَارِ، وَأَنَّهُ أَوْلَى, وَقَالُوا10 فِي "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي" لا إجْمَالَ فِيهِ وَلا إضْمَارَ، لِظُهُورِهِ11 لُغَةً قَبْلَ الشَّرْعِ فِي نَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ، وَتَبَادُرِهِ إلَى الْفَهْمِ. وَالأَصْلُ فِيمَا تَبَادَرَ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَةً أَوْ12 عُرْفًا13. "وَ" مَا مِنْ اللَّفْظِ "مِثْلُ: لا آكُلُ، أَوْ14 إنْ أَكَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ: يَعُمُّ مَفْعُولاتِهِ، فَيُقْبَلُ تَخْصِيصُهُ" وَكَذَا سَائِرُ الأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ15

_ 1 في ش: إلا منه 2 في ش الإثم، وفي هامش ش: كذا في الأصل، وليحرر. 3 انظر: الروضة 2/184. 4 في ز ض ع ب: العرف. 5 ساقطة من ض ع ب. 6 في ز ش: في البلد. 7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/116، الروضة 2/182، الإحكام للآمدي 2/249. 8 انظر: الإحكام للآمدي 2/249. 9 في ش: ذكره. 10 في ز: وقال. 11 في ش ز ض: لظهور. 12 في ب: و. 13 انظر: فواتح الرحموت 1/265، الروضة 2/183، الإحكام للآمدي 2/249. 14 في ض ع: و. 15 انظر: هذه المسألة في "جمع الجوامع 1/423، نهاية السول 2/87، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/627، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/117، فواتح الرحموت 2/286، مختصر البعلي ص111".

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الْفِعْلُ الْمَنْفِيُّ هَلْ يَعُمُّ، حَتَّى إذَا وَقَعَ فِي يَمِينٍ1، نَحْوُ وَاَللَّهِ لا آكُلُ أَوْ2 لا أَضْرِبُ أَوْ3 لا أَقُومُ، أَوْ مَا أَكَلْت أَوْ مَا قَعَدْت وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَنَوَى تَخْصِيصَهُ بِشَيْءٍ يُقْبَلُ، أَوْ لا يَعُمُّ فَلا يُقْبَلُ؟ يَنْظُرُ. إمَّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُتَعَدِّيًا أَوْ لازِمًا: فَالأَوَّلُ: هُوَ الَّذِي يَنْصَبُّ فِيهِ الْخِلافُ عِنْدَ الأَكْثَرِ. فَإِذَا نُفِيَ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ مَفْعُولٌ بِهِ، فَفِيهِ مَذْهَبَانِ: أَحَدُهُمَا: -وَهُوَ4 قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ5 وَأَبِي يُوسُفَ- أَنَّهُ يَعُمُّ6وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّهُ لا يَعُمُّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقُرْطُبِيِّ وَالرَّازِيِّ7. وَمَنْشَأُ الْخِلافِ: النَّفْيُ8 لِلأَفْرَادِ9، فَيُقْبَلُ10 إرَادَةُ التَّخْصِيصِ بِبَعْضِ

_ 1 في ز: عين. 2 في ش: و. 3 في ش: و4 ساقطة من ز ض ع ب. 5 في ز ع ب: والمالكية والشافعية. 6 انظر نهاية السول 2/82، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/627، شرح تنقيح الفصول ص184، جمع الجوامع 1/423، مختصر ابن الحاجب 2/116، مباحث الكتاب والسنة ص136. 7 قال الرازي: "ونظر أبي حنيفة رحمه الله –فيه دقيق" "المحصول ج1 ق2/627". وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/116، المحلي على جمع الجوامع 1/423، نهاية السول 2/87، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/627، شرح تنقيح الفصول ص184. 8 في ش ز ض ب: المنفي. 9 في ش ز: بالإفراد. 10 في ش ز: فتقبل.

الْمَفَاعِيلِ بِهِ لِعُمُومِهِ, أَوْ لِنَفْيِ1 الْمَاهِيَّةِ وَلا تَعَدُّدَ فِيهَا، فَلا عُمُومَ, وَالأَصَحُّ هُوَ الأَوَّلُ. "فَلَوْ2 نَوَى" مَأْكُولاً "مُعَيَّنًا: قُبِلَ بَاطِنًا" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَابْنِ الْبَنَّا وَالْقُرْطُبِيِّ وَالرَّازِيِّ3. فَإِنْ ذَكَرَ الْمَفْعُولَ بِهِ،.كَ لا أُكُلُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا، أَوْ لا أَضْرِبُ عَبْدًا، فَلا خِلافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي عُمُومِهِ وَقَبُولِهِ التَّخْصِيصَ4. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِقَوْلِهِ "بَاطِنًا" بِصِحَّةِ الاسْتِثْنَاءِ فِيهِ، فَكَذَا تَخْصِيصُهُ. قَالَ الْمُخَالِفُ: الْمَأْكُولُ لَمْ يُلْفَظْ بِهِ، فَلا عُمُومَ، كَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ5. رُدَّ6 بِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ7.

_ 1 في ش ز ض ب: المنفي. 2 في ش: أو. 3 لا يقبل قوله قضاء بالاتفاق، لأن النية خلاف الظاهر من الكلام، وفيها منفعة له، فتكون كدعوى، فلا تقبل إلا بدليل، ولا يقبل ديانة عند أبي حنيفة ومن معه، لأن التخصيص من توابع العموم، ولا عموم هنا. "انظر: المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/627، نهاية السول 2/78، 88، المحلي على جمع الجوامع 1/423، شرح تنقيح الفصول ص185، فواتح الرحموت 1/286، مختصر البعلي ص111". 4 في ض ع ب: للتخصيص. انظر: نهاية السول 2/87. 5 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/117، نهاية السول 2/88، المستصفى 2/62، الإحكام للآمدي 2/251، المحصول ج1 ق2/628، فواتح الرحموت 1/186، شرح تنقيح الفصول ص185. 6 في ش ض: ورد. 7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/117.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ بِالْفَرْقِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ1. "فَلَوْ زَادَ" فَقَالَ: إنْ أَكَلْت "لَحْمًا" مَثَلاً "وَنَوَى" لَحْمًا "مُعَيَّنًا، قُبِلَ" مِنْهُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ2 "مُطْلَقًا" أَيْ بَاطِنًا وَظَاهِرًا. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ عِنْدَنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ3، مَا ذُكِرَ عَنْ غَيْرِنَا، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا اتِّفَاقًا، وَخَرَّجَهُ الْحَلْوَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ4. "وَالْعَامُّ فِي شَيْءٍ عَامٌّ فِي مُتَعَلِّقَاتِهِ" وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: خِلافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ الإِمَامُ5, أَحْمَدُ فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 6 ظَاهِرُهَا عَلَى الْعُمُومِ: أَنَّ مَنْ7 وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ وَلَدٍ فَلَهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ, وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَ8 هُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْ الْكِتَابِ- أَنَّ الآيَةَ إنَّمَا قَصَدَتْ لِلْمُسْلِمِ9، لا لِلْكَافِرِ10.

_ 1 انظر بيان الفرق في "الإحكام للآمدي 2/251، شرح تنقيح الفصول ص185، فواتح الرحموت 2/286". 2 في ب: المتعين. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: الروايتين. وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/423، نهاية السول 2/78، 88، المحصول ج1 ق2/630، فواتح الرحموت 1/288، التمهيد ص113. 5 ساقطة من ض ب. 6 الآية 11 من النساء. 7 ساقطة من ض. 8 ساقطة من ع ب. 9 سبق بيان هذه المسألة عن الإمام أحمد مع الأدلة ص115. 10 في ع: الكافر.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: سَمَّاهُ عَامًّا, وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي الأَحْوَالِ يَعُمُّهَا عَلَى الْبَدَلِ, وَمَنْ أَخَذَ بِهَذَا1 لَمْ يَأْخُذْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ لَفْظِ الْقُرْآنِ، بَلْ بِمَا ظَهَرَ لَهُ مِمَّا سَكَتَ عَنْهُ الْقُرْآنُ. وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 2 عَامَّةٌ فِيهِمْ، مُطْلَقَةٌ فِي أَحْوَالِهِمْ. فَإِذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِحُكْمٍ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ لَفْظِ الْقُرْآنِ، بَلْ لِمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ3. وَقَالَ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا، كَالْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" 4 فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ، وَفِي وَصِيَّةِ الْمُمَيِّزِ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ عَلَى الشُّفْعَةِ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ" 5

_ 1 في ز: بها. 2 الآية 5 من التوبة. 3 تقدمت مسألة "عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة"، خلافاً للقرافي وبعض الحنابلة، كأبي العباس ابن تيمية الذي قال: "إن عموم الأشخاص لا يقتضي عموم الأحوال"، "راجع ذلك مع الأدلة ص115". 4 هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي والدارقطني وابن عدي عن أمامة وعمرو بن خارجة وأنس وابن عباس وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وجابر وزيد بن أرقم والبراء وعلي بن أبي طالب ومعتقل بن يسار رضي الله عنهم مرفوعاً بلفظ: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث". "انظر: سنن أبي داود 2/103، سنن النسائي 6/207، تحفة الأحوذي 6/309، سنن ابن ماجه 2/906، نصب الراية 4/403، سنن البيهقي 6/463، سنن الدارقطني 4/98، كشف الخفا 2/514، تخريج أحاديث البردوي ص222، التلخيص الحبير 3/92، مسند أحمد 4/186، 238، 5/267". 5 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ومالك والشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 2/22 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 11/46، سنن ابي داود 2/256، تحفة الأحوذي 4/613، سنن النسائي 7/282، سنن ابن ماجه 2/834، الموطأ ص444 ط الشعب، بدائع المنن 2/211، مسند أحمد 3/296، 399، التلخيص الحبير 3/55، 56، نصب الراية 4/175".

وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ عَامٌّ فِي الأَمْلاكِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. تَنْبِيهٌ: لا يَخْتَصُّ جَوَازُ التَّخْصِيصِ بِالنِّيَّةِ بِالْعَامِّ، بَلْ يَجْرِي فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ بِالنِّيَّةِ. وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي "لا أَكَلْت" إنَّهُ لا عُمُومَ فِيهِ، بَلْ مُطْلَقٌ، وَالتَّخْصِيصُ فَرْعُ الْعُمُومِ1. اُعْتُرِضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالنِّيَّةِ تَقْيِيدًا، فَلَمْ يَمْنَعُوهُ, وَهَذِهِ هِيَ2 مَسْأَلَةُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالنِّيَّةِ, وَلا أَكَلْت مِثْلَ قَوْلِهِ: إِنْ3 أَكَلْت، لأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ كَالنَّفْيِ4. "وَنَفْيُ الْمُسَاوَاةِ لِلْعُمُومِ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ5. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْغَزَالِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ: لَيْسَ لِلْعُمُومِ, وَيَكْفِي النَّفْيُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ6.

_ 1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص185، فواتح الرحموت 1/286. 2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص185، فواتح الرحموت 1/286. 3 في ش: وإن. 4 انظر: المحصول 2/619 هامش. 5 انظر هذه المسألة في "جمع الجوامع والمحلي عليه 1/422، نهاية السول 2/87، الإحكام للآمدي 2/247، المحصول ج1 ق2/617، شرح تنقيح الفصول ص186، التمهيد ص98، تخريج الفروع على الأصول ص160، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/114، فواتح الرحموت 1/289، تيسير التحرير 1/250، مختصر البعلي ص111، المسودة ص106". 6 انظر: نهاية السول 2/85، المعتمد 1/249، الإحكام للآمدي 2/247، المحصول ج1 ق2/617، المحلي على جمع الجوامع 1/422، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/114، شرح تنقيح الفصول ص186، فواتح الرحموت 1/289، تيسير التحرير 1/250، التمهيد ص98، المسودة ص107، مختصر البعلي ص111.

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: إنَّ1 الْخِلافَ فِي الاسْتِدْلالِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ بِقَوْله تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} 2 فَلَوْ قُتِلَ بِهِ لَثَبَتَ اسْتِوَاؤُهُمَا، وَالاسْتِدْلالُ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لا يَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ بِقَوْله تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} 3 وَ4 لَوْ قُلْنَا: يَلِي5، لاسْتَوَى مَعَ الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ، وَهُوَ الْعَدْلُ6. وَمَنْ نَفَى الْعُمُومَ فِي الآيَتَيْنِ لا يَمْنَعُ قِصَاصَ الْمُؤْمِنِ بِالذِّمِّيِّ، وَلا وِلايَةَ الْفَاسِقِ7. ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَأْخَذَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الاسْتِوَاءَ فِي الإِثْبَاتِ هَلْ هُوَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي اللُّغَةِ أَوْ مَدْلُولُهُ لُغَةً الاسْتِوَاءُ مِنْ وَجْهٍ مَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَنَفْيُهُ مِنْ سَلْبِ الْعُمُومِ، 8فَلا يَكُونُ عَامًّا9. وَإِنْ قُلْنَا: مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، فَهُوَ مِنْ عُمُومِ

_ 1 في ز ض ع ب: وإن. 2 الآية 20 من الحشر. 3 الآية 18 من السجدة. 4 ساقطة من ش ز ض ب. 5 في ش: بلى. 6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/422، نهاية السول 2/87، المعتمد 1/249، التمهيد ص98. 7 وهو قول الحنفية في المسألتين. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/422، العضد على ابن الحاجب 2/114، فواتح الرحموت 1/289". 8 ساقطة من ب هنا، ثم ذكرت بعد ست كلمات. 9 انظر: نهاية السول 2/87، فواتح الرحموت 1/289، تيسير التحرير 1/250.

السَّلْبِ1 فِي الْحُكْمِ، لأَنَّ نَقِيضَ الإِيجَابِ الْكُلِّيِّ سَلْبٌ جُزْئِيٌّ، وَنَقِيضَ الإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ سَلْبٌ كُلِّيٌّ, وَ2 لَكِنْ كَوْنُ الاسْتِوَاءِ فِي الإِثْبَاتِ عَامًّا مِنْ غَيْرِ صِيغَةِ عُمُومٍ مَمْنُوعٌ, غَايَتُهُ: أَنَّ حَقِيقَةَ الاسْتِوَاءِ ثَبَتَتْ3. وَقَوْلُ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ: نَفْيُ الاسْتِوَاءِ أَعَمُّ مِنْ نَفْيِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمِنْ نَفْيِهِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَالأَعَمُّ4 لا يَلْزَمُ مِنْهُ الأَخَصُّ5: مَرْدُودٌ بِمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَغَيْرُهُ6. بِأَنَّ7 ذَلِكَ فِي الإِثْبَاتِ أَمَّا8 نَفْيُ الأَعَمِّ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ انْتِفَاءُ9 الأَخَصِّ، كَنَفْيِ الْحَيَوَانِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الإِنْسَانِ. هَذَا إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ الاسْتِوَاءَ عَامٌّ لَهُ جُزْئِيَّاتٌ10. أَمَّا إذَا قُلْنَا: حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهَا نَفْيُ كُلِّ مُتَّصِفٍ بِهَا11. "وَالْمَفْهُومُ مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ12 "عَامٌّ فِيمَا

_ 1 في ش: السبب. 2 ساقطة من ب. 3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/114، نهاية السول 2/87، فواتح الرحموت 1/289، الإحكام للآمدي 247، شرح تنقيح الفصول ص186، تيسير التحرير 1/251، التمهيد ص98. 4 في ش: أعم. 5 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/114، نهاية السول 2/87. 6 ساقطة من ش. 7 في ش: إن. 8 في ش: ما. 9 في ب: نفي. 10 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/114، نهاية السول 2/87، تيسير التحرير 1/250. 11 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/115. 12 في ز ض ع ب: مخالفة أو موافقة.

سِوَى الْمَنْطُوقِ يُخَصَّصُ1 بِمَا. يُخَصَّصْ2 بِهِ الْعَامُّ هَذَا3 عِنْدَ الأَكْثَرِينَ4 مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ5. قِيلَ6 لأَصْحَابِنَا: لَوْ كَانَ حُجَّةً لَمَا خُصَّ، لأَنَّهُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ اللَّفْظِ كَالْعِلَّةِ، فَأَجَابُوا بِالْمَنْعِ، وَأَنَّ اللَّفْظَ بِنَفْسِهِ دَلَّ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ، فَخُصَّ كَالنُّطْقِ وَقَدْ قِيلَ لأَحْمَدَ7 فِي الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ السَّبْعَ وَالذِّئْبَ وَالْغُرَابَ وَنَحْوُهُ؟ فَاحْتَجَّ8 بِقَوْله تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ ... } الآيَةَ9 10 لَكِنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ11 هَلْ يَعُمُّهُ النُّطْقُ12؟ فِيهِ خِلافٌ يَأْتِي. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: قَالَ الآمِدِيُّ وَالرَّازِيُّ13: الْخِلافُ فِي الْمَفْهُومِ حُجَّةٌ،

_ 1 في ز ش: مخصص. 2 في ش: لم يخصص. 3 في ب: وهذا. 4 في ش ز ع ب: الأكثر. 5 واختار أبو العباس ابن تيمية وابن عقيل والمقدسي من الحنابلة أنه لا عموم له، وهو رأي الغزالي وابن دقيق العيد من الشافعية. "انظر: مختصر البعلي ص111، 113، القواعد والفوائد الأصولية ص234، 237، مختصر ابن الحاجب 2/120، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/416 وما بعدها، المحصول ج1 ق2/654، الإحكام للآمدي 2/257، منهاج العقول 2/93، شرح تنقيح الفصول ص191، نهاية السول 2/96، تيسير التحرير 1/260، فواتح الرحموت 1/297، إرشاد الفحول ص131، المسودة ص 144". 6 في د ض ب: وقيل. 7 في ز ض ع ب: قال أحمد. 8 في ز ع ض ب: واحتج. 9 ساقطة من ب. 10 الآية 95 من المائدة. 11 في ع: موافقته. 12 في ز: المنطق. 13 انظر: الإحكام للآمدي 2/257، المحصول ج1 ق2/654.

لَهُ عُمُومٌ لا يَتَحَقَّقُ، لأَنَّ مَفْهُومَيْ1 الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالِفَةِ عَامٌّ فِي سِوَى الْمَنْطُوقِ، وَلا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ2، لِقَوْلِهِ3 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ" 4 يَقْتَضِي مَفْهُومُهُ سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ، دُونَ غَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ5. فَمَتَى جَعَلْنَاهُ حُجَّةً لَزِمَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْمُخَالَفَةِ، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ, وَتَأَوَّلُوا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُخَالِفِينَ أَرَادُوا: أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِالْمَنْطُوقِ، وَلا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. قِيلَ: قَوْلُهُمْ "الْمَفْهُومُ لا عُمُومَ لَهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظٍ حَتَّى يَعُمَّ" لا6. يُرِيدُونَ بِهِ7 سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ جَمِيعِ الْمَعْلُوفَةِ، لأَنَّهُ خِلافُ مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ، وَلَكِنَّهُمْ قَدْ يَذْكُرُونَهُ فِي مَعْرِضِ الْبَحْثِ، فَقَدْ قَالُوا: دَلالَةُ الاقْتِضَاءِ. تُجَوِّزُ8 رَفْعِ الْخَطَإِ9، أَيْ حُكْمُهُ10: لا يَعُمُّ حُكْمَ الإِثْمِ وَالْغُرْمِ مَثَلاً، تَقْلِيلاً لِلإِضْمَارِ، فَكَذَلِكَ11 يُقَالُ فِي الْمَفْهُومِ: هُوَ حُجَّةٌ، لِضَرُورَةِ

_ 1 في ش مفهوم. 2 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص238، الإحكام للآمدي 2/257. 3 في ز ض ع ب: فقوله. 4 رواه البخاري وأبو داود والنسائي والدارمي والطبراني ومالك وأحمد عن أنس وعمر وابن عمر مرفوعاً بألفاظ متقاربة. "انظر: صحيح البخاري 1/253، سنن أبي داود 1/358، سنن النسائي 5/14، 20، سنن الدارمي 1/381، تخريج أحاديث البردوي ص127، تخريج احاديث مختصر المنهاج ص289، المنتقى 2/126، مسند أحمد 1/12". 5 انظر: التبصرة ص226، اللمع ص18، إرشاد الفحول ص132. 6 ساقطة من ش. 7 ساقطة من ض. 8 في ش: بجواز. 9 في ب: الخطاب. 10 في ض: حكم. 11 في ش ز ض ب: فلذلك.

ظُهُورِ1 فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ بِالصِّفَةِ, وَيَكْفِي فِي الْفَائِدَةِ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، لِتَوَقُّفِ بَيَانِهَا عَلَى دَلِيلٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَهْلُ الْمَفْهُومِ، لَكِنَّهُ بَحْثٌ مُتَّجَهٌ2 "وَرَفْعُ3 كُلِّهِ4 تَخْصِيصٌ أَيْضًا" لإِفْرَادِهِ5 اللَّفْظَ فِي مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ، فَهُوَ كَبَعْضِ الْعَامِّ6.

_ 1 ساقطة من ش. 2 يرى الفخر الرازي والعضد وغيرهما أنه إذا حرر محل النزاع لم يتحقق خلاف، وأنه نزاع لفظي يعود إلى تفسير العام بأنه ما يستغرق في محل النطق، أو ما يستغرق في الجملة. انظر مناقشة هذه المسألة في "العضد على ابن الحاجب، والتفتازاني عليه 2/120، جمع الجوامع والمحلي عليه والبناني عليه 1/416 وما بعدها، المحصول ج1 ق2/654، شرح تنقيح الفصول ص191، فواتح الرحموت 1/297، تيسير التحرير 1/260، اللمع ص18، إرشاد الفحول ص131". 3 في ش: ووقع. 4 في ش: كل. 5 في ش: لإفراد، وفي "مختصر البعلي ص113": لإفادة. 6 انظر: مختصر البعلي ص113.

فصل فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يعم أقسامه وجهاته

فَصْلٌ فِعْلُ 1 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَعُمُّ أَقْسَامَهُ وَجِهَاتِهِ: "فِعْلُهُ" أَيْ فِعْلُ1 النَّبِيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُثْبَتِ وَإِنْ انْقَسَمَ إلَى جِهَاتٍ وَأَقْسَامٍ لا يَعُمُّ أَقْسَامَهُ وَجِهَاتِهِ2" لأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْهَا3 لا يَكُونُ إلاَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْسَامِ4. مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى دَاخِلَ الْكَعْبَةِ5 فَإِنَّهَا احْتَمَلَتْ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لا يُتَصَوَّرُ أَنَّهَا فَرْضٌ وَنَفْلٌ مَعًا، فَلا يُمْكِنُ الاسْتِدْلال بِهِ عَلَى جَوَازِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ، فَلا يَعُمُّ أَقْسَامَهُ6

_ 1 ساقطة من ش ع ض. 2 انظر هذه المسألة في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/424، المعتمد 1/205، المستصفى 2/63، الإحكام للآمدي 2/252، 253، المحصول ج1 ق2/648، فواتح الرحموت 1/293، تيسير التحرير 1/247، مختصر البعلي ص111، إرشاد الفحول ص125، اللمع ص16". 3 في ش: فيها. 4 انظر: المستصفى 2/63، الإحكام للآمدي 2/252. 5 روى مالك والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبغوي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وبلال بن رباح فأغلقها ومكث فيها، قال عبد الله بن عمر: فسألت بلالاً حين خرج ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: جعل عموداً عن يساره، وعموداً عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، ثم صلى". "انظر: صحيح البخاري 1/98، 3/83، صحيح مسلم 2/966، سنن النسائي 5/171، سنن ابن ماجه 2/1018، بدائع المنن 1/65، المنتقى 3/34، شرح السنة 2/331". 6 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/425، المستصفى 2/64، الإحكام للآمدي 2/252، المحصول ج1 ق2653، التلويح على التوضيح 1/271، فواتح الرحموت 1/293، تيسير التحرير1/247، شرح الورقات ص104، إرشاد الفحول ص125، مباحث الكتاب والسنة 156، مختصر البعلي ص111.

وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي السَّفَرِ1،لا يَعُمُّ وَقْتَيْهِمَا2 أَيْ وَقْتَ الصَّلاةِ الأُولَى وَوَقْتَ الصَّلاةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ وُقُوعَهُمَا فِي وَقْتِ الصَّلاةِ الأُولَى وَيَحْتَمِلُ وُقُوعَهُمَا فِي وَقْتِ الصَّلاةِ الثَّانِيَةِ، وَالتَّعْيِينُ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ3، فَلا يعُمُّ4 وَقْتَيْ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ، إذْ لَيْسَ فِي نَفْسِ وُقُوعِ الْفِعْلِ الْمَرْوِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ فِي وَقْتَيْهِمَا5. وَمِثْلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ6 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بَعْدَ غَيْبُوبَةِ7

_ 1 روى البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل السير جمع بين المغرب والعشاء، وفي رواية مسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك.. الحديث". وروى أبو داود عن معاذ في غزوة تبوك: "فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء". ورواه النسائي عن أنس، ورواه أحمد عن ابن عباس. "انظر: صحيح البخاري 1/193، صحيح مسلم 1/489 وما بعدها، سنن أبي داود 1/257، تحفة الأحوذي 3/121، سنن النسائي 1/121، الموطأ ص108 ط الشعب، مسند أحمد 2/4، 148، سنن ابن ماجه 1/340، سنن الدارمي 1/356، شرح السنة 4/192، نيل الأوطار 3/242". 2 في ض: وقتها. 3 ثبت ذلك بالدليل فيما رواه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى العصر ثم نزل يجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" ورواه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي عن معاذ. "انظر: صحيح البخاري 1/193، صحيح مسلم 1/489، سنن أبي داود 1/275، تحفة الأحوذي 3/121، بدائع المنن 1/117، مسند أحمد 2/150، نيل الأوطار 3/242". 4 في ش: تعم. 5 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/425، الإحكام للآمدي 2/253، المحصول ج1 ق2/648، اللمع ص17، شرح الورقات 105، مختصر البعلي ص112. 6 في ض ع ب: أنه. 7 في ش: غيوبة.

الشَّفَقِ1 فَإِنَّ صَلاتَهُ احْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْحُمْرَةِ، وَاحْتَمَلَتْ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْبَيَاضِ، وَلا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ2 بَعْدَهُمَا3.إلاَّ عَلَى رَأْيِ4 مَنْ يُجَوِّزُ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ5. "وَلا" يَعُمُّ "كُلُّ سَفَرٍ" كَسَفَرِ النُّسُكِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ6 أَيْضًا7. "وَ" لَفْظُ " كَانَ " لِدَوَامِ الْفِعْلِ وَتَكْرَارِهِ8، فَتُفِيدُ كَانَ "تَكَرُّرَهُ9" أَيْ تُكَرِّرَ10 الْفِعْلِ مِنْهُ، أَيْ فِي

_ 1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد بألفاظ مختلفة "بأنه صلى الله عليه وسلم صلى العشاء بعد غيبوبة الشفق". "انظر: صحيح البخاري 1/74 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 2/136، سنن أبي داود 1/99، تحفة الأحوذي 1/471، سنن النسائي 1/214، سنن ابن ماجه 1/219، الموطأ ص31 ط الشعب، مسند أحمد 1/333، 30، 4/416، 5/349". وقد يفهم من المسألة "أنه صلى الله عليه وسلم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق" وهذا الحديث في الصحيحين، ولكن العلامة البناني والعلامة التفتازاني نصا على الأول في الاستدلال. "انظر: البناني على جمع الجوامع 1/425، التفتازاني على مختصر ابن الحاجب 2/118، مباحث الكتاب والسنة ص157". 2 في ض ب: يكون. 3 في ض: بعديهما. 4 في ش: أي. 5 في ض ب: معنيين. 6 ساقطة من ش. 7 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، المستصفى 2/64، الإحكام للآمدي 2/253، المحصول ج1 ق2/652، فواتح الرحموت 2/652، تيسير التحرير 1/247، إرشاد الفحول ص125، مباحث الكتاب والسنة ص156. 8 في ش ع: وتكراره. 9 في ع ب: تكراره. 10 في ض ع ب: تكرار.

الدَّوَامِ1، كَمَا عُلِمَ تكر2ر إكْرَامُ الضَّيْفِ مِنْ قَوْلِهِمْ: كَانَ حَاتِمُ يُكْرِمُ الضَّيْفَ, فَلا يَعُمُّ ذَلِكَ جَمِيعَ جِهَاتِ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ كَمَا لا يَعُمُّ مِنْ3 حَيْثِيَّةِ غَيْرِ4 الْوَقْتِ5. "وَلَمْ تَدْخُلْ الأُمَّةُ" أَيْ أُمَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بِفِعْلِهِ 6" لأَنَّ فِعْلَهُ لَمَّا كَانَ لا عُمُومَ لَهُ فِي أَقْسَامِهِ، كَانَ7 كَذَلِكَ لا عُمُومَ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أُمَّتِهِ "بَلْ" هُوَ خَاصٌّ بِهِ، وَاجِبًا كَانَ أَوْ جَائِزًا8.

_ 1 العلاقة بين هذه المسألة مع ما قبلها أنها استدراك للأولى، وذلك أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يفيد العموم والدوام والتكرار، إلا إذا نقل الصحابي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ "كان" فإن نقله كذلك فإنه يدل على الدوام والتكرار، عند الجمهور، ولذلك قال الشوكاني: "وأما نحو قول الصحابي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل كذا فلا يجري فيه الخلاف المتقدم، لأن لفظ كان هو الذي دل على التكرار، لا لفظ الفعل الذي بعدها" "إرشاد الفحول ص125". "وانظر: المسودة ص115، القواعد والفوائد الأصولية ص237، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/425، الإحكام للآمدي 2/253، شرح الورقات ص05، مختصر البعلي ص112". 2 ساقطة من ش، وفي ض ع ب: تكرار. 3 ساقطة من ش. 4 ساقطة من ش. 5 اختلف العلماء في مسألة "كان" هل تفيد التكرار أم لا على قولين، الأول: أنها تفيد التكرار، وهو ما ذكره المصنف، والثاني: لا تفيد التكرار ورجحه الإسنوي والفخر الرازي، قال الإسنوي: "لفظ كان" لا يقتضي التكرار، وقيل يقتضيه"، "نهاية السول 2/88". وقال الفخر الرازي: "فأما التكرار فلا.." "المحصول ج1 ق2/650" ونقل القاضي أبو يعلى القول الثاني في "الكفاية" ومن العلماء من قال: إنه يفيد التكرار في العرف. "انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، المحلي على جمع الجوامع 1/425، تيسير التحرير 1/248، شرح تنقيح الفصول ص189 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/293، نهاية السول 2/88، المحصول ج1 ق2/650" 6 في ش: في فعله. 7 ساقطة من ز ض ب. 8 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/118، المستصفى 2/64، الإحكام للآمدي 2/253، فواتح الرحموت 293/1 التلويح على التوضيح 271/1،تيسير التحرير247/1، إرشاد الفحول ص125.

وَمَتَى وُجِدَ دُخُولُهَا فَهُوَ "بِدَلِيلٍ" خَارِجِيٍّ مِنْ "قَوْلٍ1" كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" وَ2 "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ" 3 "أَوْ قَرِينَةِ تَأَسٍّ" كَوُقُوعِ فِعْلِهِ بَعْدَ خِطَابٍ مُجْمَلٍ، كَالْقَطْعِ4 بَعْدَ آيَةِ السَّرِقَةِ5، وَكَوُقُوعِهِ بَعْدَ خِطَابٍ مُطْلَقٍ، أَوْ بَعْدَ خِطَابٍ عَامٍّ "أَوْ قِيَاسٍ عَلَى فِعْلِهِ6". وَاعْتُرِضَ بِعُمُومِ نَحْوِ "سَهَا7فَسَجَدَ "8 وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا أَنَا فَأَفِيضُ

_ 1 في ش: من قوله. 2 ساقطة من ز. 3 هذا جزء من حديث صحيح رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي بألفاظ متقاربة عن جابر مرفوعاً. "انظر: صحيح مسلم 2/1006، مسند أحمد 3/378، سنن أبي داود 1/456، سنن النسائي 5/219، مختصر سنن أبي داود 2/416". 4 روى الإمام مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً" وروى الجماعة ومالك والدارمي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم"قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم". "انظر: صحيح البخاري 4/173، صحيح مسلم 3/1312 وما بعدها، سنن أبي داود 2/448، تحفة الأحوذي 5/3، سنن النسائي 8/69، 70، سنن ابن ماجه 2/862، مسند أحمد 2/6، 54، المنتقى 7/156، 159، سنن الدارمي 2/172، 173، نيل الأوطار 7/140". 5 آية السرقة هي قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} المائدة/38. 6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، المستصفى 2/64، الإحكام للآمدي 2/253، فواتح الرحموت 1/293، تيسير التحرير 1/248، العدة 1/318. 7 ساقطة من ش. 8 هذا الحديث بهذا اللفظ رواه الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها أنه النبي صلى الله عليه وسلم: "سها قبل التمام فسجد سجدتي السهو قبل أن يسلم" وفيه عيسى بن ميمون مختلف في الاحتجاج به، وضعفه الأكثر، وروى الطبراني في الصغير عن ابن عباس قال: "صليت خلف أنس بن مالك صلاة سها فيها فسجد بعد السلام ثم التفت إلينا وقال: أما إني لم أصنع إلا كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع" وفيه مجاهيل. "انظر: مجمع الزوائد 4/153-154". وأحاديث السهو في الصلاة والسجود له كثيرة وصحيحة، منها حديث ذي اليدين في الصحيحين، وسبق تخريجه في "المجلد الثاني ص193".

الْمَاءَ"1. وَرَدَ ذَلِكَ بِالْفَاءِ، فَإِنَّهَا لِلسَّبَبِيَّةِ2. "وَالْخِطَابُ الْخَاصُّ بِهِ" أَيْ بِالنَّبِيِّ3 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} 4 وَنَحْوُهُ عَامٌّ لِلْأُمَّةِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، فَلا يَخْتَصُّ5 إلاَّ بِدَلِيلٍ يَخُصُّهُ6, وَمِنْهُ قَوْله

_ 1 هذا طرف من حديث صحيح رواه البخاري بهذا اللفظ عن جبير بن مطعم، ورواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن جبير بن مطعم مرفوعاً بألفاظ متقاربة، وروى الترمذي قريباً منه عن ميمونة. "انظر: صحيح البخاري 1/57، صحيح البخاري 1/258، سنن أبي داود 1/55، سنن النسائي 1/170، تحفة الأحوذي 1/350، سنن ابن ماجه 1/350، مختصر سنن أبي داود 1/162، مسند أحمد 4/81، نيل الأوطار 1/290". وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/118، الإحكام للآمدي 2/253. 2 أيد هذا الرد كثير من العلماء، وأن التعميم كان بأحد العوامل السابقة، قال العضد: "الجواب أن التعميم إنما كان بأحد ما ذكرنا "من قول أو قرينة أو قياس أو بالنص عليه بقوله" لا بصيغة الفعل" "العضد على ابن الحاجب 2/119"، وقال الآمدي: "أما تعميم سجود السهو فإنه إنما كان لعموم العلة، وهي السهو من حيث رتب السجود على السهو بفاء التعقيب، وهو دليل العلية" "الإحكام للآمدي 2/254". "انظر: فواتح الرحموت 1/293، تيسير التحرير 1/249". 3 في ش: النبي. 4 الآية 1 من المزمل. 5 ساقطة من ش. 6 في ز: يخصصه. وقال الإسنوي: "وظاهر كلام الشافعي في البويطي أنه يتناولهم" "نهاية السول 2/88"، وقال الغزالي: "وهذا قول فاسد" "المستصفى 2/65". "وانظر: الإحكام للآمدي 2/260، البرهان 1/367، المحصول ج1 ق2/620، مختصر ابن الحاجب 2/121، المحلي على جمع الجوامع 1/427، فواتح الرحموت 1/281، تيسير التحرير 1/251، مختصر الطوفي ص91، إرشاد الفحول ص129، مختصر البعلي ص114، العدة 1/318".

تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} 1. وَالْقَائِلُونَ بِالشُّمُولِ لا يَقُولُونَ: إنَّهُ بِاللُّغَةِ، بَلْ لِلْعُرْفِ2 فِي مِثْلِهِ حَتَّى لَوْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ بَابِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ, وَلا يَقُولُونَ: إنَّهُمْ دَاخِلُونَ بِدَلِيلٍ آخَرَ، لأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَيَتَّحِدُ الْقَوْلانِ3. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالأَشْعَرِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ: لا يَعُمُّهُمْ الْخِطَابُ إلاَّ بِدَلِيلٍ يُوجِبُ التَّشْرِيكَ، إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ بِخُصُوصِهِ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ, وَحِينَئِذٍ فَشُمُولُ الْحُكْمِ لَهُ بِذَلِكَ لا بِاللَّفْظِ، لأَنَّ اللُّغَةَ تَقْتَضِي أَنَّ خِطَابَ الْمُفْرَدِ لا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ4. وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ بِقَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} 5 فَعَلَّلَ

_ 1 الآية 1 من التحريم. 2 في ش: المعروف. 3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/122، فواتح الرحموت 1/281. 4 وهذا قول التميمي وأبي الخطاب من الحنابلة، ونسبه ابن عبد الشكور للمالكية. "انظر: فواتح الرحموت 1/281، تيسير التحرير 1/251، المستصفى 2/64، المحصول ج1 ق2/620، نهاية السول 2/88، مختصر ابن الحاجب 2/121، جمع الجوامع 1/427، الإحكام للآمدي 2/260، البرهان 1/367، مختصر البعلي ص114، إرشاد الفحول ص129، العدة 1/324". 5 الآية 37 من الأحزاب.

الإِبَاحَةَ بِنَفْيِ الْحَرَجِ عَنْ أُمَّتِهِ. وَلَوْ اخْتَصَّ بِهِ الْحُكْمُ لَمَا كَانَ عِلَّةً لِذَلِكَ وَأَيْضًا {خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} 1 وَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ مُخْتَصًّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّخْصِيصِ. فَإِنْ قِيلَ: الْفَائِدَةُ فِي التَّخْصِيصِ2 عَدَمُ الإِلْحَاقِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَلِذَلِكَ رُفِعَ الْحَرَجُ3. قُلْنَا4 ظَاهِرُ اللَّفْظِ مُقْتَضٍ لِلْمُشَارَكَةِ، لأَنَّهُ عَلَّلَ إبَاحَةَ التَّزْوِيجِ بِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ, وَكَذَلِكَ قَضَاؤُهُ بِالْخُصُوصِيَّةِ. فَالْقِيَاسُ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ5. وَأَيْضًا مَا6 فِي مُسْلِمٍ "أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: تُدْرِكُنِي الصَّلاةُ وَأَنَا جُنُبٌ، أَفَأَصُومُ7؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ" فَقَالَ: لَسْت مِثْلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ "وَاَللَّهِ إنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي" 8

_ 1 الآية 50 من الأحزاب. 2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/122، الإحكام للآمدي 2/261، فواتح الرحموت 1/281، تيسير التحرير 1/251، مختصر الطوفي ص92، العدة 1/324-325. 3 أي رفع الحرج عن الأمة بالنص والتخصيص عليها في الآية: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} ولو كانت الإباحة خاصة لما انتفى الحرج عن الأمة. "انظر: الإحكام للآمدي 2/261، 262، العضد على ابن الحاجب 2/123، تيسير التحرير 1/252، فواتح الرحموت 1/281. 4 في ش: فذلك. 5 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/427، البرهان 1/369، فواتح الرحموت 1/282، تيسير التحرير 1/252. 6 ساقطة من ز ض ب. 7 في ض: فأصوم. 8 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود وأحمد عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً. "انظر: صحيح مسلم 2/781، سنن أبي داود 1/557، مسند أحمد 6/312، نيل الأوطار 4/238".

فَدَلَّ الْحَدِيثُ مِنْ1 وَجْهَيْنِ. أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ أَجَابَهُمْ بِفِعْلِهِ2، وَلَوْ اخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ لَمْ يَكُنْ جَوَابًا لَهُمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مُرَاجَعَتَهُمْ لَهُ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْحُكْمِ، فَدَلَّ عَلَى3 أَنَّهُ لا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. وَلأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَرْجِعُونَ إلَى أَفْعَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ الأَحْكَامِ، كَرُجُوعِهِمْ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ4، وَفِي صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا، وَغَيْرِ ذَلِكَ5. قَالَ الْمُخَالِفُونَ: الْمُفْرَدُ لا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ لُغَةً. قُلْنَا: مَحَلُّ النِّزَاعِ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ، بَلْ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ6.

_ 1 ساقطة من ز. 2 في ش: بقوله. 3 ساقطة من ش. 4 روى الإمام مالك والشافعي وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قعد بين شعبها الأربع، ثم مس الختان الختان فقد وجب الغسل" وفي رواية الترمذي: "إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل" وفي رواية الشافعي وابن حبان: "إذا التقى الختان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم"، وجعله البخاري عنوان باب: "إذا التقى الختانان". "انظر: المنتقى 1/96، بدائع المنن 1/35-36، مسند أحمد 6/47، 97، صحيح مسلم 1/271، صحيح البخاري 1/62، سنن النسائي 1/92، تحفة الأحوذي 1/362، سنن ابن ماجه 1/199، سند الدارمي 1/194، موارد الظمآن ص81، شرح السنة 2/3، تخريج أحاديث البردوي ص170، نيل الأوطار 1/260". 5 انظر: البرهان 1/368، مختصر الطوفي ص92، العدة 1/327. 6 في ش: والشرع. قال الطوفي: "وكأن الخلاف لفظي، إذ هؤلاء يتمسكون بالمقتضى اللغوي، والأولون بالواقع الشرعي" "مختصر الطوفي ص92". "وانظر تيسير التحرير 1/252، العدة 1/330".

قَالُوا: يُوجِبُ كَوْنَ خُرُوجِ غَيْرِهِ تَخْصِيصًا1. قُلْنَا: مِنْ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ مُسَلَّمٌ2، إذَا ظَهَرَتْ لَهُ مُشَارَكَتُهُمْ لَهُ3. فِي الأَحْكَامِ ثَبَتَتْ4 مُشَارَكَتُهُ لَهُمْ أَيْضًا، لِوُجُودِ التَّلازُمِ ظَاهِرًا, فَإِنَّ مَا ثَبَتَ لأَحَدِ الْمُتَلازِمَيْنِ5 ثَبَتَ لِلآخَرِ؛ إذْ لَوْ ثَبَتَ لَهُمْ حُكْمٌ انْفَرَدُوا بِهِ دُونَهُ لَثَبَتَ نَقِيضُهُ فِي حَقِّهِ دُونَهُمْ, وَقَدْ ظَهَرَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلافِهِ6 وَمَحَلُّ الْخِلافِ فِيمَا يُمْكِنُ إرَادَةُ الأُمَّةِ مَعَهُ أَمَّا مَا لا يُمْكِنُ إرَادَةُ الأُمَّةِ مَعَهُ فِيهِ7، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} 8 {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبِّك} 9 وَنَحْوِهِ10، فَلا تَدْخُلُ الأُمَّةُ فِيهِ قَطْعًا، وَمِنْهُ مَا قَامَتْ قَرِينَةٌ فِيهِ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ مِنْ خَارِجٍ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} 11. وَأَمَّا إنْ12 كَانَ الْخِطَابُ خَاصًّا بِالأُمَّةِ نَحْوُ خِطَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلصَّحَابَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ بِالأُمَّةِ، لا يَخْتَصُّ بِالْمُخَاطَبِ إلاَّ بِدَلِيلٍ فَيَعُمُّ

_ 1 في ش: تخصيصان. 2 في ز: المسلم. 3 في ش ز ض: له مشاركتهم. 4 في ض: فثبتت، وفي ب: فثبت. 5 في ب: قبل المتلازمين. 6 انظر: البرهان 1/369، تيسير التحرير 1/252، مختصر الطوفي ص92. 7 ساقطة من ش. 8 الآيتان 1-2 من المدثر. 9 الآية 67 من المائدة. 10 في ش: وغيره. 11 الآية 6 من المدثر. 12 في ض ب: إذا.

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلافِ1. لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: نَفَى دُخُولَهُ هُنَا عَنْ الأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ, وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لا يَأْمُرُ نَفْسَهُ، كَالسَّيِّدِ مَعَ عَبِيدِهِ2. وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَخْبَرٌ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَذَا أَيْ وَكَمَا3. قُلْنَا فِي الصُّوَرِ4 الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ كَوْنِ الْخِطَابِ لا يَخْتَصُّ بِالْمُخَاطَبِ خِطَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَاحِدٍ مِنْ الأُمَّةِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُخَاطَبَ وَغَيْرَهُ؛ لأَنَّهُ لَوْ اخْتَصَّ بِهِ الْمُخَاطَبُ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثًا إلَى الْجَمِيعِ5. رُدَّ بِالْمَنْعِ؛ فَإِنَّ مَعْنَاهُ تَعْرِيفُ6 كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخْتَصُّ بِهِ. وَلا يَلْزَمُ شَرِكَةُ الْجَمِيعِ فِي الْجَمِيعِ7.

_ 1 وهو الخلاف في مسألة الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه عام الأمة عند الحنابلة والحنفية والمالكية، خلافاً لبعض الحنابلة وأكثر الشافعية والأشعرية والمعتزلة "صفحة 218 من هذا المجلد". وقال الشوكاني: "الخطاب الخاص بالأمة. نحو "يا أيها الأمة" لا يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم قال الصفي الهندي: بلا خوف، وكذا قال القاضي عبد الوهاب" "إرشاد الفحول ص129". وانظر: هذه المسألة في "المستصفى 2/65، 81، مختصر البعلي ص114، القواعد والفوائد الأصولية ص207، شرح تنقيح الفصول ص197، العدة 1/320". 2 انظر: مختصر البعلي ص114. 3 في ش: وكل ما. 4 في ش: الصورة. 5 وهذا قول الحنابلة فقط، وأبي المعالي الجويني، خلافاً للجمهور كما سيذكره المصنف. انظر هذه المسألة في "جمع الجوامع 1/429، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/123، الإحكام للآمدي 2/263، البرهان 1/370، فواتح الرحموت 1/280، تيسير التحرير 1/252، مختصر الطوفي ص92، مختصر البعلي ص114، إرشاد الفحول ص130، العدة 1/318، 331". 6 في ع: تعريفه. 7 ساقطة من ش. وانظر: إرشاد الفحول ص130.

وَقَالُوا: هُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ؛ لِرُجُوعِهِمْ إلَى قِصَّةِ مَاعِزٍ1، وَبِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ2، وَأَخْذِهِ3 الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ4 وَغَيْرِ ذَلِكَ5. وَ6 رُدَّ بِدَلِيلٍ هُوَ التَّسَاوِي فِي السَّبَبِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ7 كَقَوْلِ الأَعْرَابِيِّ وَاقَعْتُ

_ 1 هو الصحابي ماعز بن مالك الأسلمي، يقال: أسمه غريب، وماعز لقب له، معدود في المدنيين، كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بإسلام قومه، روى عنه عبد الله حديثاً واحداً، وهو الذي اعترف بالزنا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمه، وقال عليه الصلاة والسلام: "لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لأجزأت عنهم"، وحديثه في الرجم رواه أبو هريرة وزيد بن خالد الجهني. "انظر: الإصابة 3/337، الاستيعاب 3/438، تهذيب الأسماء 2/75، أسد الغابة 5/8". وقصة ماعز أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فرجمه رواها مسلم والبخاري وأبو داود وأحمد. "انظر: صحيح البخاري 4/121، المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 11/195، سنن أبي داود 2/446، مسند احمد 1/238، 2/286، 3/2، 5/89، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص304". 2 هي الصحابية بروع بنت واشق الرواسية الكلابية أو الأشجعية، قال الجوهري في "الصحاح": أهل العربية يقولون بكسر الباء، والصواب الفتح، وهي زوجة هلال بن مرة وقصتها في حديث معقل بن سنان الأشجعي وغيره: أنها نكحت رجلاً، وفوضت إليه "أي فوضت إليه مقدار المهر" فتوفي قبل أن يجامعها فقضى لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بصداق نسائها". "انظر: الإصابة 4/251، الاستيعاب 4/255، أسد الغابة 7/37، تهذيب الأسماء 2/332" وسيرد حديثها صفحة 227. 3 في ض ب: وأخذ. 4 هذا الحديث رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي والشافعي ومالك عن عبد الرحمن بن عوف وغيره، وسبق تخريجه في "المجلد ص371". 5 انظر: العدة 1/319. 6 ساقطة من ع ب. 7 في ش ز: لسائل، وفي ب: بالسؤال.

أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ لَهُ1: "أَعْتِقْ رَقَبَةً 2 " كَانَ عَامًّا وَإِلاَّ فَلا3, كَقَوْلِ النَّبِيِّ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ" 5 فَلا يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ -مِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ- أَنَّهُ لا يَعُمُّ, قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لأَنَّهُ عَمَّ6 فِي الَّتِي7 قَبْلَهَا لِفَهْمِ8 الاتِّبَاعِ، لأَنَّهُ مُتَّبَعٌ9. وَمَحَلُّ الْخِلافِ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يَخُصَّ ذَلِكَ10

_ 1 ساقطة من ز ض ع ب. 2 ساقطة من ز ض ع ب. 3 ساقطة من ش. 4 في ض ع ب: كقوله. 5 هذا طرف من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه ومالك وأحمد عن عائشة، ورواه البخاري ومسلم عن أبي موسى، ورواه البخاري عن ابن عمر، ورواه ابن ماجه عن ابن عباس، ولفظ البخاري: "قال الأسود: كنا عند عائشة رضي الله عنها فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها، قالت: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه، فحضرت الصلاة، فأذن، فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس ... " الحديث. "انظر: صحيح البخاري 1/122، صحيح مسلم 1/313 وما بعدها، تحفة الأحوذي 10/156، سنن ابن ماجه 1/389، تخريج احاديث البردوي ص245، الموطأ ص123 ط الشعب، مسند أحمد 6/24، 159، المنتقى 1/305، الفتح الكبير 3/135". 6 في د ض ب: لو عم. 7 في ض ب: الشيء. 8 في ب: لعلم. 9 انظر قول الجمهور في هذه المسألة في "جمع الجوامع 1/429، الإحكام للآمدي 2/263، البرهان 1/370، تخريج الفروع على الأصول ص181، مختصر ابن الحاجب 2/123، فواتح الرحموت 1/280، تيسير التحرير 1/252، مختصر الطوفي ص92، مختصر البعلي ص114، إرشاد الفحول ص130، مباحث الكتاب والسنة ص158". 10 في ز: بذلك.

الْوَاحِدَ1، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بُرْدَةَ "اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك 2 " وَمِثْلُهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، فَإِنَّهُ وَقَعَ لَهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ، فَرَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، كَمَا فِي أَبِي دَاوُد3، كَمَا رَخَّصَ لأَبِي بُرْدَةَ، وَرَخَّصَ أَيْضًا لَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ4.وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَخْصِيصِ الْعُمُومِ5 بَعْدَ تَخْصِيصٍ6

_ 1 انظر ما نقله الشوكاني من أقوال العلماء في هذه المسألة، وحصر الخلاف فيها باللغة أو بالشرع، ومحل الخلاف في كتابه "إرشاد الفحول ص130". 2 في ز: من بعدك. 3 روى عن أبو داود عن زيد بن خالد الجهني قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ضحايا، فأعطاني عتوداً جذعاً، قال: فرجعت به إليه، فقلت له: إنه جذع، "أي لا يجزي في الأضحية"، قال: "ضح به"، فضحيت به"، والعتود: هو الصغير من أولاد المعز إذا قوي ورعى وأتى عليه حول، والجمع أعتدة، ورواه الإمام أحمد. "انظر: مسند أحمد 5/194، سنن أبي داود 2/86، النهاية في غريب الحديث 3/177". 4 روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد عن عقبة بن عامر الجهني قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ضحايا فأصابني جذع، فقلت: يا رسول الله، إنه أصابني جذع، فقال: "ضح به". والجذع من أسنان الدواب، وهو كل ما كان منها شاباً قوياً، ويختلف من الإبل إلى البقر إلى الغنم، فهو من المعز ما دخل في السنة الثانية. "انظر: صحيح البخاري 3/316، صحيح مسلم 3/1556، تحفة الأحوذي 5/86، سنن النسائي 7/192، سنن ابن ماجه 2/1048، مسند أحمد 4/144، النهاية في غريب الحديث 1/250". 5 في ع: لعموم. 6 قال العضد: "فائدته "التخصيص" نفي احتمال الشركة قطعاً للإلحاق بالقياس" "العضد على ابن الحاجب 2/124". وانظر: الإحكام للآمدي 2/264، إرشاد الفحول ص130.

اُسْتُدِلَّ1 لِلأَوَّلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، بِرُجُوعِ الصَّحَابَةِ2 إلَى التَّمَسُّكِ بِقَضَايَا الأَعْيَانِ3، كَقَضِيَّةِ4 مَاعِزٍ، وَدِيَةِ الْجَنِينِ5، وَالْمُفَوَّضَةِ6، وَالسُّكْنَى لِلْمَبْتُوتَةِ7، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

_ 1 في ش: استدلال. 2 ساقطة من ش. 3 انظر: تيسير التحرير 1/252، فواتح الرحموت 1/280، الإحكام للآمدي 2/263، العضد على ابن الحاجب 2/123، العدة 1/332، 335. 4 في ز ع: كقصة. 5 سبق تخريج حديث دية الجنين في المجلد الثاني ص370. 6 المفوضة هي المرأة التي فوضت نكاحها إلى الزوج حتى تزوجها من غير مهر، وقال الفيومي: وقيل: فوضت أي أهملت حكم المهر، فهي مفوضة اسم فاعل، وقال بعضهم: مفوضة، اسم مفعول، لأن الشرع فوض أمر المهر إليها في إثباته وإسقاطه" "المصباح المنير 2/742". وحديث المفوضة هو حديث بروع بنت واشق الذي رواه علقمة عن معقل بن سنان الأشجعي قال علقمة: أتي عبد الله في امرأة تزوجها رجل ثم مات عنها، ولم يفرض لها صداقاً، ولم يكن دخل بها، قال: فاختلفوا إليه، فقال: أرى لها مثل مهر نسائها، ولها الميراث وعليها العدة، فشهد معقل بن سنان الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى لبروع ابنة واشق بمثل ما قضى". وقال علي: لا صداق لها، وكذلك قال زيد، وبهذا أخذ الإمام مالك، وأخذ سفيان والحسن وقتادة بقول ابن مسعود. "انظر: سنن أبي داود 1/487، سنن النسائي 6/99، 164، سنن ابن ماجه 1/609، مسند أحمد 1/431ن سنن الدارمي 2/155، المستدرك 2/180، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص45، تخريج أحاديث البردوي ص161، 237". 7 ساقطة من ز ض ع. والمبتوتة هي المطلقة طلاقاً باتا بائناً، كالمطلقة ثلاثاً، فلا يجوز لزوجها أن يراجعها أو يعود إليها، وقال بعض الفقهاء بأنه لا نفقة ولا سكن لها، لما رواه الإمام مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن فاطمة بنت قيس قالت: "طلقني زوجي ثلاثاً، فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة" وقال الجمهور: لها السكنى ولا نفقة لها، لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} الطلاق/6، ولقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} الطلاق/1. "انظر: صحيح مسلم 2/1114، سنن أبي داود 1/532، سنن النسائي 6/175، تحفة الأحوذي 4/351، سنن ابن ماجه 1/656، تخريج أحاديث البردوي ص161، 163، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص55، مسند أحمد 6/373، 411، النهاية في غريب الحديث 1/92، نيل الأوطار 6/338".

وَأَما1 قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2 لأَبِي بُرْدَةَ: "وَلا تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ3 بَعْدَك" فَلَوْلا4 أَنَّ الإِطْلاقَ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ لَمْ يَخُصَّ, وَكَذَلِكَ تَخْصِيصُ خُزَيْمَةَ بِجَعْلِ شَهَادَتِهِ كَشَهَادَتَيْنِ5. وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} 6 وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ "بُعِثْتُ إلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ" 7. قَالُوا: لِتَعْرِيفِ8 كُلِّ مَا يَخْتَصُّ9.

_ 1 في ش ز ع: وأيضاً. 2 ساقطة من ب. 3 في ب: لأحدٍ. 4 في ش: لو. 5 أخرج أبو داود والنسائي وأحمد والبيهقي والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد له خزيمة فهو حسبه" وفي رواية: "فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة شهادة رجلين" وفي رواية أحمد: "فكان خزيمة يدعى ذا الشهادتين"، وذكره البخاري ضمن حديث بلفظ: "خزيمة الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين"، وتقدمت ترجمة خزيمة بت ثابت الأنصاري "المجلد الأول ص337". "انظر: سنن أبي داود 2/276، سنن النسائي 7/266، مسند أحمد 5/188، 189، السنن الكبرى للبيهقي 10/146، المستدرك 2/18، صحيح البخاري 2/92 المطبعة العثمانية، نيل الأوطار 5/180، تخريج أحاديث البردوي ص256". 6 الآية 28 من سبأ. 7 هذا جزء من حديث رواه الإمام أحمد ومسلم والدارمي عن جابر وأبي ذر مرفوعاً، وأوله: "أعطيت خمساً لم يعطيهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود ... " الحديث. "انظر: صحيح مسلم 1/37، مسند أحمد 1/250، 4/416، 5/145، سنن الدارمي 2/224". 8 في ش: التعريف. 9 أي لتعريف كل أحد من الناس ما يختص به من الحكام كالمقيم والمسافر، والحر والعبد، والحائض والآيسة.. وهكذا، وليس لبيان أن كل الأحكام لكل الناس. "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/123، الإحكام للآمدي 2/263، فواتح الرحموت 8/280".

قُلْنَا: إذَا لَمْ يَكُنْ اخْتِصَاصٌ ظَهَرَ اقْتِصَارُ الْحُكْمِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَأَيْضًا فَقَوْلُ1 الرَّاوِي "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَضَى" يَعُمُّ، وَلَوْ اخْتَصَّ بِمَنْ سَوْقُهُ لَهُ2 لَمْ يَعُمَّ لاحْتِمَالِ سَمَاعِ الرَّاوِي أَمْرًا أَوْ3 نَهْيًا لِوَاحِدٍ، فَلا يَكُونُ عَامًّا4. قَالُوا: لَنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَطْعِ وَالتَّخْصِيصِ. قُلْنَا: سِيقَ جَوَابُهُمَا. قَالُوا: يَلْزَمُ مِنْهُ5 عَدَمُ فَائِدَةٍ حُكْمِيٍّ6 عَلَى الْوَاحِدِ7.

_ 1 في ض ب: قول. 2 ساقطة من ز ض ع. 3 في و: ع. 4 ستأتي هذه المسألة في الصفحة التالية. 5 ساقطة من ز ض ع ب. 6 في ز: الحكم، وفي ع: حكم. 7 هذا طرف من حديث، وتتمته "حكمي على الواحد، حكمي على الجماعة" وفي لفظ "كحكمي على الجماعة"، وهو حديث لا أصل له، كما قال العراقي، وقال: سئل عنه المزي والذهبي فأنكره، ولكن وردت احاديث كثيرة تشهد لصحة معناه، منها ما رواه الإمام مالك وأحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والدارقطني من حديث أميمة بنت رقيقة أنها قالت: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة من الأنصار نبايعه، فقلنا: يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه بين لأيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، قال: "فيما استطعتن وأطقتن"، قال: قلنا الله ورسول أرحم بنا، هلم نبايعك يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة" أو "مثل قولي لا مرأة واحدة"، قال ابن كثير في تفسيره: إسناده صحيح، وقال الترمذي: حسن صحيح، ورواه ابن ماجه مختصراً بدون الجملة الأخيرة. "انظر: تحفة الأحوذي 5/220، سنن النسائي 7/134، سنن ابن ماجه 2/959، سنن الدارقطني 4/146، مسند أحمد 6/357، الموطأ ص608 ط الشعب، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص293، كشف الخفا 1/436، تفسير ابن كثير 4/352 طبعة عيسى الحلبي، فيض القدير 3/16".

قُلْنَا: الْحَدِيثُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ أَصْلاً. "وَفِعْلُهُ" أَيْ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فِي تَعَدِّيهِ إلَيْهَا" أَيْ إلَى الأُمَّةِ "كَخِطَابٍ خَاصٍّ بِهِ" أَيْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي1 أَنَّ فِعْلَهُ مُخْرَجٌ عَلَى الْخِلافِ فِي الْخِطَابِ الْمُتَوَجَّهِ إلَيْهِ 2عِنْدَ الأَكْثَرِ3.وَالْخِطَابُ الْمُتَوَجَّهُ إلَيْهِ لا4 يَخْتَصُّ بِهِ إلاَّ بِدَلِيلٍ، فَكَذَا5 فِعْلُهُ6. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: يَتَعَدَّى فِعْلُهُ إذَا عُرِفَ وَجْهُهُ. يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ خِطَابُهُ7. "فَائِدَةٌ": "نَحْوُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ8" وَقَوْلُهُ: قَضَى رَسُولُ

_ 1 في ز: أنه. 2 ساقطة من ز. 3 انظر: مختصر البعلي ص114. 4 في ز: ولا. 5 في ش: وكذا. 6 انظر: العدة 1/318. 7 وهو قول أبي المعالي وغيره، "انظر: مختصر البعلي ص114". 8 هذا الحديث رواه الإمام مالك وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر: الموطأ ص412 ط الشعب، المنتقى 5/41، مسند أحمد 1/116، 302، 2/154، صحيح مسلم 3/1153، سنن أبي داود 2/228، تحفة الأحوذي 4/426، سنن النسائي 7/230، سنن ابن ماجه 2/739، سنن الدارمي 2/251، مختصر سنن أبي داود 5/45، نيل الأوطار 5/166".

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ 1 "يَعُمُّ كُلَّ غَرَرٍ" وَكُلَّ جَارٍ2. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الأُصُولِيِّينَ3. لَنَا: أَنَّ الصَّحَابِيَّ الرَّاوِيَ4 عَدْلٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ صِيغَةَ الْعُمُومِ، وَهِيَ الْجَارُ وَالْغَرَرُ، لِكَوْنِهِمَا مُعَرَّفَيْنِ فَاللاَّمُ الْجِنْسِ، إلاَّ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ صِيغَةَ الْعُمُومِ, وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الظَّاهِرُ5 أَنَّهُ سَمِعَ6 صِيغَةَ الْعُمُومِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ الصِّدْقُ فِيمَا فَعَلَهُ، فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ7.

_ 1 روى هذا الحديث بهذا اللفظ النسائي عن أبي رافع، ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجه بلفظ "الجار أحق بشفعة جاره" ورواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه عن سمرة مرفوعاً بلفظ: "جار الدار أحق بالدار من غيره". "انظر: مسند أحمد 3/353، 5/17، 22، سنن أبي داود 2/256، سنن النسائي 7/281، تحفة الأحوذي 4/609، سنن ابن ماجه 2/833، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص88، مختصر سنن أبي داود 5/169 وما بعدها، نيل الأوطار 5/375". 2 اختار هذا القول الآمدي والشوكاني وغيرهما، وقال الرازي: "فالاحتمال فيهما، ولكن جانب العموم أرجح" "المحصول ج1 ق2/647". "وانظر: الإحكام للآمدي 2/255، إرشاد الفحول ص125، التلويح على التوضيح 1/271، فواتح الرحموت 1/294، تيسير التحرير 1/249، الإحكام لابن حزم 1/384، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/119، مختصر الطوفي ص103، مختصر البعلي ص112، الروضة 2/235". 3 انظر: نهاية السول 2/89، المستصفى 2/66، الإحكام للآمدي 2/255، البرهان 1/348، المحصول ج1 ق2/642، شرح تنقيح الفصول ص188، التلويح على التوضيح 1/271، فواتح الرحموت 1/294، شرح الورقات ص105، اللمع ص17، التمهيد ص98، نزهة الخاطر 2/145، العضد على ابن الحاجب 2/119، جمع الجوامع 2/36، الروضة 2/235، مختصر الطوفي ص103، مختصر البعلي ص113، مباحث الكتاب والسنة ص156. 4 ساقطة من ض. 5 ساقطة من ز ع ض ب. 6 في ش: لم ينقل. 7 انظر: الإحكام للآمدي 2/255، العضد على ابن الحاجب 2/119، التوضيح على التنقيح 1/271، فواتح الرحموت 1/294، تيسير التحرير 1/249، إرشاد الفحول ص125، الروضة 2/235، مختصر الطوفي ص103.

وَاحْتَجَّ1 الْخَصْمُ عَلَى أَنَّهُ لا عُمُومَ لَهُ2؛ لأَنَّهُ حِكَايَةُ الرَّاوِي، وَحِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِأَنْ رَأَى3 عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ غَرَرٍ خَاصٍّ، أَوْ قَضَى لِجَارٍ4 خَاصٍّ, فَنَقَلَ صِيغَةَ الْعُمُومِ لِظَنِّهِ عُمُومَ الْحُكْمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ صِيغَةً خَاصَّةً، فَتَوَهَّمَ أَنَّهَا عَامَّةٌ، فَنَقَلَهَا عَامَّةً، وَحِينَئِذٍ فَلا يُمْكِنُ الاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لأَنَّ الاحْتِجَاجَ بِالْمَحْكِيِّ، لا5 بِالْحِكَايَةِ، إلاَّ إذَا طَابَقَتْهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ6. قُلْنَا: مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الاحْتِمَالَيْنِ، وَإِنْ كَانَ قَادِحًا فَهُوَ خِلافُ الظَّاهِرِ, لأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الرَّاوِي مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلأَنَّ اللاَّمَ غَالِبًا لِلاسْتِغْرَاقِ، فَحَمْلُهُ عَلَى

_ 1 في ز: فاحتج. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: روى عن. 4 في ش: لعارض. 5 ساقطة من ب. 6 انظر أدلة الجمهور في عدم العموم في "المحلي على جمع الجوامع 2/36، الإحكام للآمدي 2/255، المحصول ج1 ق2/642، شرح تنقيح الفصول ص188، التلويح على التوضيح 1/271، فواتح الرحموت 1/294، تيسير التحرير 1/249، شرح الورقات ص106، العضد على ابن الحاجب 2/119، نهاية السول 2/89، المستصفى 2/66، 67، التمهيد ص97، اللمع ص17، الروضة 2/235، مختصر ص103، إرشاد الفحول ص125، مباحث الكتاب والسنة ص157".

الْعَهْدِ خِلافُ الْغَالِبِ1.

_ 1 ذكر القاضي أبو بكر الباقلاني في "التقريب" والأستاذ أبو منصور والشيخ أبو إسحاق والقاضي عبد الوهاب وصححه، وحكاه عن أبي القفال: التفصيل بين أن يقترن الفعل بحرف "أن"، فيكون للعموم، كقوله: "قضى أن الخراج بالضمان" وبين لا يقترن فيكون خاصاً، نحو "قضى بالشفعة للجار". وذهب بعض المتأخرين إلى أن النزاع لفظي من جهة أن المانع للعموم ينفي عموم الصيغة المذكورة، والمثبت للعموم فيها هو باعتبار خارجي. "انظر: إرشاد الفحول ص125". "وانظر: الإحكام للآمدي 2/255، فواتح الرحموت 1/293، تيسير التحرير 1/249، العضد على ابن الحاجب 2/119، نزهة الخاطر 2/146، مختصر الطوفي ص103، إرشاد الفحول ص125".

فصل لفظ الرجال والرهط لا يعم النساء ولا العكس

فَصْلٌ لَفْظُ الرِّجَالِ وَالرَّهْطِ لا يَعُمُّ النِّسَاءَ وَلا الْعَكْسَ: وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ النِّسَاءِ لا يَعُمُّ الرِّجَالَ. وَلا الرَّهْطَ1 قَطْعًا2 "وَيَعُمُّ نَحْوُ" لَفْظِ "النَّاسِ، وَ" لَفْظِ "الْقَوْمِ" كَالإِنْسِ وَالآدَمِيِّينَ "الْكُلِّ" أَيْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ3 ثُمَّ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ خَاصَّةً4. وَفِي مَدْلُولِ " الْقَوْمِ " ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْقَوْمُ: الْجَمَاعَةُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَعًا5، أَوْ مِنْ الرِّجَالِ خَاصَّةً، أَوْ يَدْخُلُ النِّسَاءُ عَلَى التَّبَعِيَّةِ، وَيُؤَنَّثُ6.اهـ.

_ 1 ساقطة من ض. 2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/124، المحصول ج1 ق2/621، تيسير التحرير 1/231، المعتمد 1/250، الإحكام للآمدي 2/265، الروضة 2/236، مختصر البعلي ص114، إرشاد الفحول 126. 3 ساقطة من ض ع. وانظر: الإحكام للآمدي 2/265، البرهان 1/360، 127، مختصر البعلي ص144، المسودة ص99، العضد على ابن الحاجب 2/124، المنخول ص143، المنتقى 2/79، الروضة 2/236. 4 انظر: كشف الأسرار 2/5، التلويح على التوضيح 1/226. 5 ساقطة من ز ض ع ب. 6 القاموس المحيط 4/169-170.

وَيُسْتَأْنَسُ لِلأَوَّلِ بِقَوْله تَعَالَى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} 1 فَيَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي ذَلِكَ2 اهـ. وَنَحْوُ: الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُصَلِّينَ وَالْمُزْكِينَ3 "كَالْمُسْلِمِينَ، وَ" نَحْوُ4 "فَعَلُوا" كَكُلُوا وَشَرِبُوا، وَكَذَا5 افْعَلُوا كَكُلُوا وَاشْرَبُوا6، وَيَفْعَلُونَ كَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَفَعَلْتُمْ كَأَكَلْتُمْ وَشَرِبْتُمْ، وَكَذَا اللَّوَاحِقُ، كَذَلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ7 "يَعُمُّ النِّسَاءَ تَبَعًا" عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رضي الله تعالى عنه8. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لا يَعُمُّ، اخْتَارَهُ9 أَبُو الْخَطَّابِ وَالطُّوفِيُّ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالأَشْعَرِيَّةِ وَنَقَلَهُ10 ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ مُعْظَمِ الْفُقَهَاءِ11.

_ 1 الآية 31 من الأحقاف. 2 انظر: كشف الأسرار 2/5، التلويح على التوضيح 1/226. 3 في ش: والمشركين. 4 في ب: ونحوه. 5 في ش: وكذلك. 6 في د: وشربوا. 7 في ش: الذكور. 8 انظر هذه المسألة في "الإحكام للآمدي 2/265، البرهان 1/358، شرح تنقيح الفصول ص198، المستصفى 2/79، مختصر ابن الحاجب 2/124، المنخول ص143، المعتمد 1/250، المحصول ج1 ق2/623، المحلي على جمع الجوامع 1/429، التمهيد ص104، العدة 2/351، فواتح الرحموت 1/273، تيسير التحرير 1/231، الإحكام لابن حزم 1/324، مختصر البعلي ص114، إرشاد الفحول ص127، الروضة 2/226، مختصر الطوفي ص103. 9 في ش ب: اختارها. 10 في ع: ونقل. 11 وهذا القول رجحه الغزالي والباقلاني وغيرهما. "انظر: المستصفى 2/79، البرهان 1/358، المحصول ج1 ق2/623، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/124، نهاية السول 2/88، جمع الجوامع 1/429، المعتمد 1/250، شرح تنقيح الفصول ص198، فواتح 1/273، تيسير التحرير 1/231، الروضة 2/236، مختصر البعلي ص114، مختصر الطوفي ص103، التمهيد ص104، الإحكام للآمدي 2/265، فتح الغفار 1/93، إرشاد الفحول ص127".

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ عَنْ الْقَوْلِ الأَوَّلِ: إنَّ عُمُومَهُ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، بَلْ بِالْعُرْفِ1، أَوْ بِعُمُومِ الأَحْكَامِ أَوْ2 نَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: انْدِرَاجُ النِّسَاءِ تَحْتَ لَفْظِ "الْمُسْلِمِينَ" بِالتَّغْلِيبِ لا بِأَصْلِ الْوَضْعِ3. وَ4 قَالَ الإِبْيَارِيُّ5: لا خِلافَ بَيْنَ الأُصُولِيِّينَ وَالنُّحَاةِ فِي عَدَمِ تَنَاوُلِهِنَّ لِجَمْعٍ كَجَمْعِ الذُّكُورِ. وَإِنَّمَا ذَهَبَ بَعْضُ الأُصُولِيِّينَ إلَى ثُبُوتِ التَّنَاوُلِ، لِكَثْرَةِ اشْتِرَاكِ النَّوْعَيْنِ فِي الأَحْكَامِ لا غَيْرُ، فَيَكُونُ الدُّخُولُ عُرْفًا لا لُغَةً. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا قُلْنَا بِالتَّنَاوُلِ: هَلْ يَكُونُ دَالاًّ عَلَيْهِمَا 6بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ7 عَلَيْهِمَا مَجَازًا صِرْفًا8؟ خِلافَ9, ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْقَاضِي الْبَاقِلاَّنِيِّ10: الثَّانِي11، وَالْقِيَاسُ12 قَوْلُ أَبِي الْمَعَالِي

_ 1 في ش: العرف. 2 في ز ض ب: و. 3 البرهان 1/359. "وانظر: تيسير التحرير 1/231، إرشاد الفحول ص127". 4 ساقطة من ش. 5 في ش ض ب: الأنباري، وقال في "إرشاد الفحول ص127" ابن الأنباري. 6 ساقطة من ش. 7 في ز: و. 8 في ش ب: عرفاً. 9 في ش: خلاف الظاهر. 10 في ش: والباقلاني. 11 في ب: والثاني. 12 في ض ع: وقياس، وساقطة من ب.

الأَوَّلِ1. اهـ. وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ بِمُشَارَكَةِ الذُّكُورِ فِي الأَحْكَامِ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ2. رُدَّ بِالْمَنْعِ بِلا لِدَلِيلٍ3 وَلِهَذَا لَمْ يَعُمَّهُنَّ الْجِهَادُ وَالْجُمُعَةُ وَغَيْرُهُمَا4. أُجِيبَ بِالْمَنْعِ, ثُمَّ لَوْ كَانَ لَعُرِفَ5. وَالأَصْلُ عَدَمُهُ، وَخُرُوجُهُنَّ6 مِنْ بَعْضِ الأَحْكَامِ لا يُمْنَعُ كَبَعْضِ الذُّكُورِ، وَلأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ غَلَّبُوا الْمُذَكَّرَ7 بِاتِّفَاقٍ بِدَلِيلِ {اهْبِطُوا} 8 لآدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ9. رُدَّ بِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ، وَيَكُونُ مَجَازًا10. أُجِيبَ: لَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْعِلْمَ بِقَصْدِهِ، ثُمَّ لَوْ لَمْ يَعُمَّهُنَّ لَمَا عَمَّ11 بِالْقَصْدِ، بِدَلِيلِ جَمْعِ الرِّجَالِ، وَالأَصْلُ الْحَقِيقَةُ، وَلَوْ كَانَ مَجَازًا لَمْ يُعَدَّ الْعُدُولُ عَنْهُ عِيًّا12.

_ 1 ساقطة من ش، وفي د: للأول. وانظر: إرشاد الفحول ص127، العدة 2/354. 2 انظر: فواتح الرحموت 1/273، 275، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/125، الإحكام للآمدي 2/261، مختصر الطوفي ص104، إرشاد الفحول ص128. 3 في ش: بلا دليل، وفي د: بل له دليل، وفي ب: لدليل. 4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/124، فواتح الرحموت 1/275. 5 في ع ب: العرف. 6 في ض: وأخرجوهن، وفي ب: وإخراجهن. 7 في ش: الذكور. 8 الآية 36 من البقرة، وأول الآية: {أَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ..} الآية. 9 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/124، 125، فواتح الرحموت 1/275، تيسير التحرير 1/232، مختصر الطوفي ص104، إرشاد الفحول ص128. 10 انظر: تيسير التحرير 1/232، العضد على ابن الحاجب 2/124. 11 في ش: علم. 12 في ز: عبثاً، وفي ض ع ب: عيباً.

قَالَ الْمَانِعُونَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا لَنَا لا نُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ كَمَا يُذْكَرُ1 الرِّجَالُ؟ فَنَزَلَتْ {إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ..} الآيَةَ2 رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ3. وَلَوْ دَخَلْنَ لَمْ يَصْدُقْ نَفْيَهَا، وَلَمْ يَصِحَّ تَقْرِيرُهُ لَهُ4. رُدَّ: يَصْدُقُ، وَيَصِحُّ، لأَنَّهَا إنَّمَا5 أَرَادَتْ التَّنْصِيصَ تَشْرِيفًا لَهُنَّ لا تَبَعًا6. قَالُوا: الْجَمْعُ تَضْعِيفُ الْوَاحِدِ، وَمُسْلِمٌ لِرَجُلٍ، فَمُسْلِمُونَ لِجَمْعِهِ7. رُدَّ: يُحْتَمَلُ مَنْعُهُ8, قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ.

_ 1 في ع: تذكر. 2 الآية 35 من الأحزاب. وانظر احتجاج الجمهور بالآية ورد الحنابلة عليهم، وجوابهم على الرد في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/124". 3 روى هذا الحديث النسائي وأحمد مرفوعاً، ورواه الترمذي مرسلاً. "انظر: سنن النسائي 5/353، مسند أحمد 6/301، 305، تحفة الأحوذي 8/375". 4 "انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/125، الإحكام للآمدي 2/266، فواتح الرحموت 1/273، تيسير التحرير 1/231، مختصر الطوفي ص104، إرشاد الفحول ص127". 5 ساقطة من ز ع ض ب. 6 يقول الإسنوي: "فإن ادعى الخصم أن ذكرهن للتنصيص عليهن، ففائدة التأسيس أولى" "التمهيد ص104". وانظر: تيسير التحرير 1/231، العضد على ابن الحاجب 2/124، 125، الإحكام للآمدي 2/267، فواتح الرحموت 1/273". 7 في ش ز: لجماعة. وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/125، الإحكام للآمدي 2/266، فواتح الرحموت 1/274، تيسير التحرير 1/233. 8 في ب: جمعه.

وَقَدْ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا1 بِأَنَّ2 قَوْله تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} 3 عَامٌّ لِلذَّكَرِ وَالأُنْثَى4. وَأَمَّا الْخَنَاثَى5: فَعَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِ النِّسَاءِ: الْخَنَاثَى6 أَوْلَى وَعَلَى الْمَنْعِ: فَالظَّاهِرُ مِنْ تَصَرُّفِ الْفُقَهَاءِ: دُخُولُهُمْ فِي خِطَابِ النِّسَاءِ فِي التَّغْلِيظِ، وَالرِّجَالِ فِي التَّخْفِيفِ7. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَمِمَّا يُخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسْأَلَةُ الْوَاعِظِ الْمَشْهُورَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ لِلْحَاضِرِينَ عِنْدَهُ: طَلَّقْتُكُمْ ثَلاثًا، وَامْرَأَتُهُ فِيهِمْ، وَهُوَ لا يَدْرِي, فَأَفْتَى أَبُو الْمَعَالِي بِالْوُقُوعِ, قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ, قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْوُقُوعِ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ لا يَقَعَ, وَلَهُمْ فِيهَا8 كَلامٌ كَثِيرٌ9. " وَإِخْوَةٌ وَعُمُومَةٌ لِذَكَرٍ وَأُنْثَى10"

_ 1 في ض: بعض أصحابنا. 2 في ش: أن. 3 الآية 178 من البقرة، وأول الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ ... } الآية. 4 انظر: مختصر البعلي ص115. 5 في ش: الخنثى. 6 في ش ز: الخنثات. 7 في ش ز ض: التحقيق. وانظر التمهيد 105. 8 في ش: فيه. 9 حكى الغزالي هذه المسألة في كتابه "البسيط" الذي اختصر به كتاب "نهاية المطلب" لأبي المعالي الجويني. "انظر: روضة الطالبين 8/55، التمهيد ص105-106". 10 انظر: مختصر البعلي ص115.

قَالَ1 فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الإِخْوَةَ وَالْعُمُومَةَ يَعُمُّ الذُّكُورَ وَالإِنَاثَ, قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ4 وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ فِيهِ5 وَغَيْرُهُمْ, وَظَاهِرُ كَلامِهِ فِي الْوَاضِحِ: أَنَّ الإِخْوَةَ لا تَعُمُّ الإِنَاثَ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَعُمُّهُنَّ6. "وَتَعُمُّ7 "مَنْ" الشَّرْطِيَّةُ الْمُؤَنَّثَ"8 لِقَوْلِهِ9 تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} 10 فَالتَّفْسِيرُ11 بِالذَّكَرِ وَالأُنْثَى دَلَّ عَلَى تَنَاوُلِ12 الْقِسْمَيْنِ, وَلِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ

_ 1 في ب: قاله. 2 المغني 6/276. 3 الشرح الكبير 6/234 في الوقف، 7/24 الفرائض. 4 هو عبد الرحمن بن رزين بن عبد الله بن نصر، الغساني الحواراني ثم الدمشقي، سيف الدين، أبو الفرج، كان فقيهاً فاضلاً، وكان وكيلاً لابن الجوزي في بناء مدرسته بدمشق، وذهب إلى بغداد لرفع حسابها إليه سنة 656هـ فقتل شهيداً بسيف التتار، صنف عدة تصانيف منها: "التهذيب" في اختصار "المغني" في مجلدين، ومنها "اختصار الهداية"، وله تعليق في الخلاف مختصرة، قال ابن رجب: "وتصانيف غير محررة". انظر ترجمته في "ذيل طبقات الحنابلة 2/264، المدخل إلى مذهب أحمد ص207". 5 انظر: الفروع. 6 انظر: مختصر البعلي ص115. 7 في ش ز: فتعم. 8 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/125، جمع الجوامع 1/428، نهاية السول 2/78، الإحكام للآمدي 2/269، البرهان 1/360، المحصول ج1 ق2/622، العدة 2/351، إرشاد الفحول ص127. 9 في ب: كقوله. 10 الآية 124 من النساء. 11 في ع: فالتعبير. 12 ساقطة من ز.

وَرَسُولِهِ} 1 وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ2 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ". فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ3 بِذُيُولِهِنَّ؟ 4 فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَهْمِ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي مَنْ الشَّرْطِيَّةِ" 5.وَلأَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ حُرٌّ، فَدَخَلَهُ الإِمَاءُ عَتَقْنَ بِالإِجْمَاعِ, قَالَهُ فِي الْمَحْصُولِ6. وَحَكَى غَيْرُهُ قَوْلاً: أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ. وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ7، وَأَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرْتَدَّةِ، فَجَعَلُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" 8

_ 1 الآية 31 من الأحزاب. 2 في ز: ولقوله. 3 في ش ز ع: يصنع. 4 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد عن ابن عمر وغيره مرفوعاً، والشطر الأخير من الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك عن أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 4/17 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 14/60 وما بعدها، سنن أبي داود 2/381، 385، سنن النسائي 8/184، تحفة الأحوذي 5/406، الموطأ ص570 ط الشعب، مسند أحمد 2/24، 6/293، سبل السلام 4/158، سنن ابن ماجه 2/1181، 1185". 5 قال الصنعاني: "أي لا يرحم الله من جر ثوبه خيلاء، سواء كان من النساء أو الرجال، وقد فهمت ذلك أم سلمة فقالت عند سماعها الحديث: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ " "سبل السلام 4/158". 6 قال المجد بن تيمية: "وهذا قول المحققين من أهل اللسان والأصول والفقه". "انظر: المحصول ج1 ق2/622، المسودة ص104، مختصر ابن الحاجب 2/125، مختصر البعلي ص115". 7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/125، البرهان 1/360، المحلي على جمع الجوامع 1/428، نهاية السول 2/78، المحصول ج1 ق2/622، مختصر البعلي ص115، المسودة ص105، التمهيد ص125، نهاية السول 2/161، الإحكام للآمدي 2/269، إرشاد الفحول ص127. 8 حديث صحيح رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن ابن عباس مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 2/113، 4/132، المطبعة العثمانية، مسند أحمد 1/2،282، 5/231، سنن أبي داود 2/440، تحفة الأحوذي 5/24، سنن النسائي 7/69، سنن ابن ماجه 2/848، فيض القدير 6/95، نصب الراية 3/407، 456، المستدرك 4/366".

لا يَتَنَاوَلُهَا1, وَالصَّحِيحُ خِلافُهُ2. "وَيَعُمُّ النَّاسُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَنَحْوُهُمَا" كَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَيَا عِبَادِي "عَبْدًا" كُلُّهُ رَقِيقٌ "وَمُبَعَّضًا" قَلَّ الرِّقُّ فِيهِ أَوْ كَثُرَ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْثَرِ أَتْبَاعِهِ وَالأَئِمَّةِ3 الأَرْبَعَةِ، لأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْخَبَرِ، فَكَذَا فِي الأَمْرِ، وَبِاسْتِثْنَاءِ الشَّارِعِ لَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ4. وَقِيلَ: لا يَدْخُلُونَ إلاَّ بِدَلِيلٍ5. وَقِيلَ: إنْ تَضَمَّنَ تعبداً6 دَخَلُوا،

_ 1 احتج الحنفية بدليل آخر أن راوي الحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه خالفه، وقال: لا تقتل المرأة بل تحبس، واعتبروا رأيه مخصصا للحديث. "انظر: التمهيد ص125". 2 انظر: العدة 2/351، البرهان 1/360. 3 في ش ز ع: أتباع الأمة. 4 وكذا الجهاد والحج، وذلك لأمر عارضٍ، وهو فقره واشتغاله بخدمة سيده. "انظر: المعتمد 1/300، جمع الجوامع 1/427، شرح تنقيح الفصول ص196، فواتح الرحموت 1/276، تيسير التحرير 1/253، الإحكام لابن حزم 1/329، المستصفى 2/77، الإحكام للآمدي 2/270، البرهان 1/356، المنخول ص143، المسودة ص34، الروضة 2/236، المحصول ج1 ق3/201، القواعد والفوائد الأصولية ص209، 211، مختصر البعلي ص115، العدة 2/348، إرشاد الفحول ص128، مختصر الطوفي ص103، نزهة الخاطر 2/148، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/125، التمهيد ص104". 5 وقال بعض المالكية والشافعية لا يدخلون، وهو ما نقله الماوردي والروياني عنهم. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/427، المستصفى 2/78، المسودة 34، التمهيد ص104، الإحكام للآمدي 2/270، شرح تنقيح الفصول ص196، فواتح الرحموت 1/270، تيسير التحرير 1/253، القواعد والفوائد الأصولية ص210، إرشاد الفحول ص128". 6 في ش: أضمر العبيد.

وَإِلاَّ فَلا1. قَالَ الْهِنْدِيُّ: الْقَائِلُونَ بِعُمُومِ دُخُولِ الْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ2 فِي لَفْظِ "النَّاسِ" وَنَحْوِهِ، إنْ3 زَعَمُوا أَنَّهُ لا يَتَنَاوَلُهُمْ لُغَةً فَمُكَابَرَةٌ، وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ الرِّقَّ وَالْكُفْرَ أَخْرَجَهُمْ شَرْعًا فَبَاطِلٌ؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ فِي الْجُمْلَةِ4. "وَ" يَدْخُلُ الَّذِينَ هُمْ "كُفَّارٌ وَجِنٌّ5 فِي" مُطْلَقِ لَفْظِ "النَّاسِ وَنَحْوِهِ" مِثْلَ {أُولِي الأَلْبَابِ} 6 فِي الأَصَحِّ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ لُغَةً, وَبِهِ قَالَ الأُسْتَاذُ7 أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ, إذْ لا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ8. أَمَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ بِعَدَمِ دُخُولِهِمْ، أَوْ أَنَّهُمْ هُمْ الْمُرَادُ، لا الْمُؤْمِنُونَ: عُمِلَ بِهَا، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا

_ 1 قال أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي: إن كان لحق الله "دخلوا" وإن كان من حقوق الآدميين لم يدخلوا. انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "الإحكام للآمدي 2/370، فواتح الرحموت 1/276، تيسير التحرير 1/253، المسودة ص34، مختصر البعلي ص115، القواعد والفوائد الأصولية ص210، العضد على ابن الحاجب 2/125، التمهيد ص104، إرشاد الفحول ص128". 2 في ب: الكفار والعبيد. 3 في ز: وإن. 4 انظر ما يتفرع على هذه القاعدة من أحكام العبيد في "القواعد والفوائد الأصولية ص210، 233، العضد على ابن الحاجب 2/126، البرهان 1/357، تيسير التحرير 1/253، إرشاد الفحول ص128، التمهيد ص104". 5 ساقطة من ش. 6 الآية 179 من البقرة، وتتمة الآية {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ} وجاءت في آيات أخرى. 7 ساقطة من ش. 8 وقيل: لا يعم الكافر، بناء على عدم تكليفه بالفروع، وقيل: تعمه النواهي دون الأوامر، وتقدم بحث هذا الموضوع في "فصل الحكم التكليفي- مسألة: عل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟ " وللعلماء أقوال فيها. "وانظر: المعتمد 1/294 وما بعدها، العدة 2/358، المسودة ص46، جمع الجوامع 1/427، المحلي على جمع الجوامع 1/427، المستصفى 2/78، شرح تنقيح الفصول ص166، المحصول ج1 ق3/201، 203، إرشاد الفحول ص128".

لَكُمْ} 1 لأَنَّ الأَوَّلَ لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَطْ: أَمَّا نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيُّ2، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ3، أَوْ أَرْبَعَةٌ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ4. وَالثَّانِي: لِكُفَّارِ مَكَّةَ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: بِأَنَّ اللاَّمَ فِي ذَلِكَ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، وَالْكَلامُ فِي الاسْتِغْرَاقِيَّةِ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} 5 الْمُرَادُ الْكُفَّارُ بِدَلِيلِ بَاقِي الآيَةِ, نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ، وَجَعَلَهُ مِنْ الْعَامِّ

_ 1 الآية 173 من آل عمران. 2 هو الصحابي نعيم بن مسعود بن عامر، الغطفاني الأشجعي، أبو سلمة، أسلم في وقعة الخندق، وهو الذي أوقع الخلاف بين قريظة وغطفان وقريش يوم الخندق، وخذل بعضهم بعضٍ، وأرسل الله تعالى عليهم الريح والجنود، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن ذي اللحية، وكان نعيم يسكن المدينة، وكذلك ولده من بعده، توفي في آخر خلافة عثمان، وقيل: بل قتل يوم الجمل قبل قدوم علي البصرة، رضي الله عنهم. انظر ترجمته في: الإصابة 3/568، الاستيعاب 3/557، أسد الغابة 5/348، الخلاصة ص403، تهذيب الأسماء 2/131". 3 قال القرطبي: "اختلف في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} ، فقال مجاهد ومقاتل وعكرمة والكلبي: هو نعيم بن مسعود الأشجعي واللفظ عام، ومعناه خاص، كقوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} النساء/54، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، وقال السدي: هو أعرابي جعل له جعل على ذلك، وقال ابن إسحاق وجماعة: يريد بالناس ركب عبد القيس، مروا بأبي سفيان فدسهم إلى المسلمين ليثبطوهم، وقيل: الناس هنا المنافقون" "تفسير القرطبي 4/279". وانظر: تفسير ابن كثير 1/429، تفسير الطبري 4/178 وما بعدها، تفسير القاسمي 4/1029". 4 الرسالة ص60. وهو ما رجحه الطبري وغيره "انظر: تفسير الطبري 4/182، فواتح الرحموت 1/307". 5 الآية 73 من الحج.

الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ1, فَقَدْ يَدَّعِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي الآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَلا تَكُونُ أَلْ2 فِيهَا عَهْدِيَّةً. "وَ" قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} 3 لا يَشْمَلُ الأُمَّةَ" أَيْ أُمَّةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الأَكْثَرِ, وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ5. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} 6 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا} 7 {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} 8 إلاَّ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى مُشَارَكَةِ الأُمَّةِ لَهُمْ, وَذَلِكَ لأَنَّ اللَّفْظَ قَاصِرٌ عَلَيْهِمْ فَلا يَتَعَدَّاهُمْ9. وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى10.

_ 1 الرسالة ص60. 2 ساقطة من ش. 3 الآية 64 من آل عمران، وفي آيات أخرى كثيرة. 4 في د: أي المجيبة لنبينا محمد، وفي ض ع: المجيبة لنبينا، وفي ز: أي لنبينا، وفي ب: المجيبة لنبينا محمد. 5 انظر: جمع الجوامع 1/429. 6 الآية 171 من النساء. 7 الآية 47من النساء. وفي ش ز ض ع ب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا} ، وفي ب: يوجد آية بهذا اللفظ. وفي ض ب: "أنزلنا". 8 الآية 64 من آل عمران، وفي ب: تتمة: {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ} . 9 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/429. 10 جاء في هامش ش: "إنما نودوا بهذا إلفاتا لهم إلى إقامة العمل بالكتاب الذي أنزله الله فرقاناً لهم، فأعرضوا عنه، وقلدوا الشيوخ والآباء، واتبعوا الأهواء فتفرقوا وضلوا، وكتاب الله أولى أن يدخل المخاطبون به في هذا النداء".

قَالَ1 الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ2: يَشْمَلُ الأُمَّةَ إنْ شَرَكُوهُمْ3 فِي الْمَعْنَى, قَالَ: لأَنَّ شَرْعَهُ عَامٌّ لِبَنِي إسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، كَالْمُؤْمِنِينَ4، فَثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِمْ، كَأُمِّيِّ5 أَهْلِ الْكِتَابِ, وَذَلِكَ كَافٍ لِوَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ، فَإِنَّهُ يَعُمُّ غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يُشْرِكْهُمْ فَلا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى لأَهْلِ بَدْرٍ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ} 6 وَلأَهْلِ أُحُدٍ {إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} 7 فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَعُمُّ غَيْرَهُمْ. قَالَ: ثُمَّ الشُّمُولُ هُنَا بِطَرِيقِ الْعَادَةِ الْعُرْفِيَّةِ أَوْ8 الاعْتِبَارِ الْعَقْلِيِّ، وَفِيهِ الْخِلافُ الْمَشْهُورُ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي اسْتِدْلالُ الآيَةِ عَلَى حُكْمِنَا، مِثْلَ9 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} 10الآيَةَ فَإِنَّ هَذِهِ الضَّمَائِرَ رَاجِعَةٌ لِبَنِي إسْرَائِيلَ11. قَالَ12: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْخِطَابِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَمَّا خِطَابُهُ لَهُمْ

_ 1 في ض ع ب: وقال. 2 المسودة ص47، بتصرف. 3 في ب: شاركوهم. 4 في ز: من المؤمنين. 5 في ع: كما في. 6 الآية 69 من الأنفال. 7 الآية 122 من آل عمران. 8 في ش ز: و. 9 ز ض ع ب: بمثل. 10الآية 44 من البقرة. 11 انظر: المسودة ص48. 12 ساقطة من ع.

عَلَى لِسَانِ مُوسَى1 وَغَيْرِهِ2 مِنْ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلامُ: فَهِيَ مَسْأَلَةُ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا: هَلْ هُوَ شَرْعٌ لَنَا؟ وَالْحُكْمُ هُنَا لا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ الْخَطَّابِيِّ قَطْعًا، بَلْ بِالاعْتِبَارِ الْعَقْلِيِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ3. "وَيَعُمُّهُ" أَيْ يَعُمُّ4 النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} 5، وَ {يَا عِبَادِي} 6 وَنَحْوُ ذَلِكَ7، كَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ [حَيْثُ لا قَرِينَةَ تَخُصُّهُمْ] 8 نَحْوُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} 9 لأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالاسْتِجَابَةِ. وَقِيلَ: يَعُمُّهُ10 خِطَابُ الْقُرْآنِ دُونَ خِطَابِ السُّنَّةِ11.

_ 1 في ز ض ع ب: موسى صلى الله عليه وسلم. 2 في ض ب: أو. 3 المسودة ص48، وانظر: البناني على جمع الجوامع 1/429. 4 في ض ب: ويعم. 5 الآية 21 من البقرة، وفي آيات أخرى. 6 الآية 56 من العنكبوت، والآية 53 من الزمر. 7 في ب: سطر كامل مكرر "يا أمة محمد ... مأمورون". 8 وقال الصيرفي والحليمي من الشافعية: إلا أن يكون معه: قل، فلا تعمه. "انظر: الإحكام للآمدي 2/272، المحصول ج1 ق3/200، البرهان 1/365، 367، جمع الجوامع 1/429، نهاية السول 2/89، المستصفى 2/81،شرح تنقيح الفصول ص197، فواتح الرحموت 1/277، تيسير التحرير 2/254، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/126، مختصر البعلي ص115، إرشاد الفحول ص129، المسودة ص33، القواعد والفوائد الأصولية ص207". 9 الآية 24 من الأنفال. 10 في ض: يعم. 11 انظر: إرشاد الفحول ص129.

وَقِيلَ: لا يَعُمُّهُ1 خِطَابُ الْقُرْآنِ وَلا خِطَابُ السُّنَّةِ لِقَرِينَةِ الْمُشَافَهَةِ، وَلأَنَّ الْمُبَلِّغَ -بِكَسْرِ اللاَّمِ- غَيْرُ الْمُبَلَّغِ - بِفَتْحِهَا, وَالآمِرَ وَالنَّاهِيَ غَيْرُ الْمَأْمُورِ وَالْمَنْهِيِّ، فَلا يَكُونُ دَاخِلاً2. رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخِطَابَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْعِبَادِ، وَهُوَ مِنْهُمْ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُبَلِّغٌ لِلْأُمَّةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ3 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الآمِرُ وَالنَّاهِي، وَجِبْرِيلَ هُوَ الْمُبَلِّغُ لَهُ، وَلا يُنَافِي كَوْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَاطِبًا مُخَاطَبًا وَ4مُبَلِّغًا وَ5مُبَلَّغًا بِاعْتِبَارَيْنِ6. وَرُبَّمَا اعْتَلَّ الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ، بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ خَصَائِصُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ لِخُصُوصِيَّتِهِ7، بِخِلافِ الأَمْرِ8 الَّذِي خَاطَبَ بِهِ النَّاسَ9. وَرُدَّ10 بِأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُهُ، حَتَّى يَأْتِيَ

_ 1 في ض ب: يعم لا. 2 انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/126، المحلي على جمع الجوامع 1/427، المستصفى 2/81، الإحكام للآمدي 2/272، البرهان 1/365، تيسير التحرير 1/255، المحصول ج1 ق2/200، القواعد والفوائد الأصولية ص207، إرشاد الفحول ص129". 3 في ز ض ع ب: فالله. 4 ساقطة من ض ع ب. 5 ساقطة من ض ع ب. 6 انظر أدلة هذا القول بان الخطاب يعم النبي صلى الله عليه وسلم في "العضد على ابن الحاجب 2/126، البناني على جمع الجوامع 1/427، الإحكام للآمدي 2/272 وما بعدها، البرهان 1/365، فواتح الرحموت 1/277، تيسير التحرير 1/255". 7 في ب: لخصوصية. 8 في ع: الآمر. 9 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/126، الإحكام للآمدي 2/272، البرهان 1/365، فواتح الرحموت 1/278، المسودة ص33". 10 في ع: رد.

دَلِيلٌ1. وَتَظْهَرَ فَائِدَةُ الْخِلافِ فِي ذَلِكَ فِيمَا إذَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ: هَلْ يَكُونُ نَسْخًا فِي حَقِّهِ؟ إنْ قُلْنَا: يَعُمُّهُ2 الْخِطَابُ فَنَسْخٌ، أَيْ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَمَلِ، لأَنَّ ذَلِكَ شَرْطُ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلاَّ فَلا3. "وَيَعُمُّ" الْخِطَابُ "غَائِبًا وَمَعْدُومًا" حَالَتُهُ4 "إذَا وُجِدَ وَكُلِّفَ لُغَةً" أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ, قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ5. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: لَيْسَ النِّزَاعُ فِي قَوْلِنَا "وَيَعُمُّ الْغَائِبَ وَالْمَعْدُومَ إذَا وُجِدَ وَكُلِّفَ" فِي الْكَلامِ النَّفْسِيِّ، بَلْ هَذِهِ خَاصَّةٌ بِاللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ, وَلأَنَّنَا

_ 1 قال العضد: "الجواب أن انفراده ف ذلك بدليل لا يوجب عدم المشاركة مطلقاً، فإن عدم الحكم قد يكون لمانع، كما قد يكون لعدم المقتضي، وذلك كما لو خرج المريض والمسافر وغيرهما من عمومات مخصوصة، ولا يوجب ذلك خروجهم من العمومات مطلقاً" "العضد على ابن الحاجب 2/127". وقال الآمدي: "إن اختصاصه ببعض الأحكام غير موجب لخروجه عن عمومات الخطاب، ولهذا فإن الحائض والمسافر والمريض، كل واحد قد اختص بأحكام لا يشاركه غيره فيها، ولم يخرج بذلك عن الدخول في عمومات الخطاب" "الإحكام 2/274". "وانظر: المستصفى 2/81، البرهان 1/365، فواتح الرحموت 1/278". 2 في ب: يعم. 3 انظر: إرشاد الفحول ص129. 4 في ش: حالما. 5 انظر هذه المسألة في "المحلي على جمع الجوامع 1/428، نهاية السول 2/88، الإحكام للآمدي 2/274، المحصول ج1 ق2/429، فواتح الرحموت 1/279، تيسير التحرير 1/255، المنخول ص124، البرهان 1/270، شرح تنقيح الفصول ص145، مختصر الطوفي ص92، الروضة 2/213، إرشاد الفحول ص128". وتقدمت هذه المسألة في فصل التكليف، "المجلد الأول ص 513 وما بعدها".

مَأْمُورُونَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَصَلَ1 ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ وُجُودِنَا فَاقْتَضَى2 بِطَرِيقِ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَأَنْ لا يَكُونَ قَسِيمًا3 لِلْخَبَرِ4. اهـ. وَقِيلَ: لا يَعُمُّهُ5 الْخِطَابُ إلاَّ بِدَلِيلٍ آخَرَ6. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَمِمَّا اُخْتُلِفَ فِي عُمُومِهِ: الْخِطَابُ الْوَارِدُ شِفَاهًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} - {يَا عِبَادِي} لا7 خِلافَ في8 انه عَامٌّ فِي الْحُكْمِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ مَنْ9 لَمْ يُشَافَهْ بِهِ،

_ 1 في ز: فحصل. 2 في ش ز ع ض: مقتضٍ. 3 في ض: قسماً. 4 انظر: إرشاد الفحول ص128. 5 في ض ب: يعم. 6 قال الغزالي: "فهو خطاب مع الموجودين في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإثباته في حق من يحدث بعده بدليل زائدٍ" "المستصفى 2/83". وقال الآمدي: "فذهب أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة والمعتزلة إلى اختصاصه بالموجودين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يثبت حكمه إلى من بعدهم إلا بدليل أخر" "الإحكام 2/274". واستدل لذلك الإسنوي فقال: "لنا أنه لم يتناول الصبي والمجنون، فالمعدوم أولى" "التمهيد ص107". "وانظر: مختصر ابن الحاجب 2/127، المستصفى 1/81، نهاية السول 2/88، تيسير التحرير 1/255، مختصر الطوفي ص62، 92، الروضة 2/213، جمع الجوامع 1/427، المحصول ج1 ق2/430، شرح تنقيح الفصول ص188، فواتح الرحموت 1/278، إرشاد الفحول ص128". وتقدمت هذه المسألة في "المجلد الأول ص513" بعنوان: تكليف المعدوم. 7 في ز: بلا. 8 ساقطة من ش. 9 في ض ب: لمن.

سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا غَائِبًا وَقْتَ تَبْلِيغِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَعْدُومًا بِالْكُلِّيَّةِ, فَإِذَا بَلَغَ الْغَائِبُ وَ1 الْمَعْدُومُ بَعْدَ وُجُودِهِ تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ, وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي جِهَةِ عُمُومِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْعَامَّ الْمُشَافَهَ فِيهِ بِحُكْمٍ، لا خِلافَ فِي شُمُولِهِ لُغَةً لِلْمُشَافَهِينَ، وَفِي غَيْرِهِمْ حُكْمًا، وَكَذَا الْخِلافُ فِي غَيْرِهِمْ هَلْ2 الْحُكْمُ شَامِلٌ لَهُمْ بِاللُّغَةِ أَوْ بِدَلِيلٍ آخَرَ؟ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّهُ مِنْ اللَّفْظِ، أَيْ اللُّغَوِيِّ. وَذَهَبَ الأَكْثَرُ إلَى أَنَّهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ3. وَذَلِكَ مِمَّا عُلِمَ مِنْ عُمُومِ4 دِينِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالضَّرُورَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} 5 وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً" 6. قَالَ: وَهَذَا مَعْنًى قول7 كَثِيرٌ، كَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ مِثْلَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: وهل. 3 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/428، المستصفى 2/83 وما بعدها، المحصول ج1 ق2/635، مختصر ابن الحاجب 2/127، تيسير التحرير 1/255، إرشاد الفحول ص129. 4 ساقطة من ش. 5 الآية 19 من الأنعام. وانظر: تفسير ابن كثير 2/126 ط عيسى الحلبي، تفسير القرطبي 2/399، تفسير الخازن 2/102، تفسير القاسمي 6/2268. 6 هذا جزء من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والنسائي والدارمي وابن سعد عن جابر وأبي هريرة وخالد بن معدان رضي الله عنهم مرفوعا، ولفظه في "مسلم": "فضلت على الأنبياء بست.. وأرسلت إلى الخلق كافة"، وعبارة البخاري: "وبعثت إلى الناس عامة". "انظر: فتح الباري 1/348 ط عبد الرحمن، صحيح مسلم 1/371، سنن النسائي 1/172، سنن الدارمي 1/323، فيض القدير 3/202". 7 ساقطة من ش.

لَيْسَ خِطَابًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ، أَيْ لِمَنْ بَعْدَ1 الْمُوَاجِهِينَ. وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْحُكْمُ بِدَلِيلٍ آخَرَ مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ2. وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ لا يُقَالُ لِلْمَعْدُومِينَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ3. وَأَجَابُوا عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْخَصْمُ، بِأَنَّهُ4 لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَعْدُومُونَ مُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً إلَيْهِمْ، بِأَنَّهُ5 لا يَتَعَيَّنُ الْخِطَابُ الشِّفَاهِيُّ6 فِي الإِرْسَالِ، بَلْ مُطْلَقُ الْخِطَابِ كَافٍ7.وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. " وَالْمُتَكَلِّمُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلامِهِ8" أَيْ كَلامِ نَفْسِهِ "مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْكَلامُ خَبَرًا أَوْ إنْشَاءً، أَوْ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا "إنْ صَلَحَ" عِنْدَ دُخُولِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ9، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ

_ 1 في د: لمن بعدهم، وفي ش ز: من بعدهم. 2 مختصر ابن الحاجب 2/127. وأضاف ابن الحاجب فقال: "وأيضاً إذا أمتنع في الصبي والمجنون فالمعدوم أجدر". "وانظر: فواتح الرحموت 1/279، التهميد ص107". 3 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/127. 4 في ش: فإنه. 5 في ش: فإنه. 6 في ض ب: الشافهي. 7 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/127، الإحكام للآمدي 2/274 وما بعدها، مختصر الطوفي ص93. 8 ذكر ابن الحاجب وابن السبكي وابن قدامة وغيرهم هذه المسألة بعبارة "المخاطب داخل في عموم متعلق خطابه". 9 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/127، الروضة 2/241، جمع الجوامع 1/384، البرهان 1/362، شرح تنقيح الفصول ص198، 221، المستصفى 2/88، الإحكام للآمدي 2/278، فواتح الرحموت 1/280، المحصول ج1 ق3/199، المنخول ص143، مختصر الطوفي ص105، القواعد والفوائد الأصولية ص205، نهاية السول 2/89، التمهيد ص100، إرشاد الفحول ص130".

عَلِيمٌ} 1 إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ إطْلاقِ لَفْظِ {شَيْءٍ} عَلَيْهِ تَعَالَى2. وَقَوْلُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: مَنْ أَحْسَنَ إلَيْك فَأَكْرِمْهُ، أَوْ فَلا تُهِنْهُ, ذَكَرَهُ الآمِدِيُّ عَنْ الأَكْثَرِ, وَلأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَلا مَانِعَ مِنْ الدُّخُولِ, وَالأَصْلُ عَدَمُهُ3. وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, رِوَايَةٌ أُخْرَى: لا يَدْخُلُ إلاَّ بِدَلِيلٍ. وَقِيلَ: لا يَدْخُلُ مُطْلَقًا4. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالأَكْثَرُ: لا فِي الأَمْرِ وَلا فِي5 النَّهْيِ6. وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا "إنْ صَلَحَ" مَا إذَا كَانَ الْكَلامُ7 بِلَفْظِ الْمُخَاطَبَةِ، نَحْوُ

_ 1 الآية 282 من البقرة، والآية 176 من آل عمران، والآية 35، 64 من النور، والآية 16 من الحجرات، والآية 11 من التغابن. 2 ساقطة من ض ع ب. 3 قال ابن قدامة: "والأصل اتباع العموم" "الروضة 2/241". "وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/128، المحلي على جمع الجوامع 1/429، المنخول ص143، شرح تنقيح الفصول ص221، الإحكام للآمدي 2/278، فواتح الرحموت 1/277، تيسير التحرير 1/256، مختصر الطوفي ص105، إرشاد الفحول ص130". 4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/429، المستصفى 2/88، البرهان 1/363، تيسير التحرير 1/257، الروضة 2/241، القواعد والفوائد الأصولية ص205، مختصر الطوفي ص 105. 5 في ز ض ع ب: و. 6 عبارة المصنف غير واضحة في نقل رأي أبي الخطاب، وقد جاء واضحاً في عبارات الكتب الأخرى، قال الطوفي: "وقال أبي الخطاب إلا في الأمر" "مختصر الطوفي ص105"، وقال البعلي: "واختار أبو الخطاب يدخل إلا في الأمر، وهو أكثر كلام القاضي، وحكاه التميمي عن أحمد" "القواعد والفوائد الأصولية ص206"، وقال البعلي أيضاً في "مختصره ص115": "فيه ثلاثة أقوال: ثالثها: يتناول إلا في الأمر، واختاره أبو الخطاب" وقال ابن قدامة: "واختار أبو الخطاب أن الآمر لا يدخل في الأمر" "الروضة 2/241". "وانظر: جمع الجوامع 1/429، شرح تنقيح الفصول ص221، المحصول ج1 ق3/200، إرشاد الفحول ص130". 7 ساقطة من ض.

قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ" 1. "وَتَضَمَّنَ" كَلامٌ "عَامٌّ مَدْحًا أَوْ ذَمًّا كَالأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ" نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} 2 وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 3 وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} 4: "لا يُمْنَعُ عُمُومُهُ" أَيْ لا يُغَيَّرُ عُمُومُهُ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ5، إذْ لا تَنَافِيَ بَيْنَ قَصْدِ الْعُمُومِ، وَبَيْنَ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، فَيَحْمِلُ6 الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَغَيْرَهُمَا عَلَى الْعُمُومِ، إذْ لا صَارِفَ لَهُ عَنْهُ7.

_ 1 هذا طرف من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 4/151، صحيح مسلم 3/1267، سنن أبي داود 2/199، تحفة الأحوذي 5/132، سنن النسائي 7/4، سنن ابن ماجه 1/677، الموطأ ص297 ط الشعب، مسند أحمد 2/7، النووي على مسلم 11/105، نصب الراية 3/295، مختصر سنن أبي داود 4/357، التلخيص الحبير 4/168". 2 الآيتان 13-14 من الانفطار. 3 الآية 34 من التوبة، وتتمة الآية {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} . 4 الآية 5 من المؤمنون. 5 صحح هذا القول الآمدي والفخر الرازي وابن الحاجب، ونسب الكمال بن الهمام وابن عبد الشكور مخالفة لشافعية لذلك بإطلاق. "انظر: الإحكام للآمدي 2/280، مختصر ابن الحجاب 2/128، جمع الجوامع 1/422، نهاية السول 2/89، فتح الغفار 2/60، فواتح الرحموت 1/283، تيسير التحرير 1/257، شرح تنقيح الفصول ص221، المحصول ج1 ق3/203، المعتمد 1/302، مختصر البعلي ص116، المسودة ص133، التبصرة ص193، اللمع ص16، التمهيد ص98، إرشاد الفحول ص133". 6 في ش ز: فيحتمل. 7 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/128، المحلي والبناني على جمع الجوامع1/ 422، التبصرة ص193، تيسير التحرير 1/257، شرح تنقيح الفصول ص221، إرشاد الفحول ص133".

وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْعُمُومَ، لِوُرُودِ ذَلِكَ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَثِّ وَالزَّجْرِ، فَلَمْ يَعُمَّ1. رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعُمُومَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ، وَلا مُنَافَاةَ2. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ فِيهِ تَفْصِيلٍ, قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: الثَّالِثُ أَنَّهُ لِلْعُمُومِ، إلاَّ إنْ عَارَضَهُ عَامٌّ آخَرُ لا يَقْصِدُ بِهِ الْمَدْحَ أَوْ الذَّمَّ، فَيَتَرَجَّحُ الَّذِي لَمْ يُسَقْ3 لِذَلِكَ عَلَيْهِ4، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} 5 مَعَ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 6 فَالأُولَى سِيقَتْ لِبَيَانِ الْحُكْمِ، فَقُدِّمَتْ عَلَى سِيَاقِهَا

_ 1 وهذا قول بعض الشافعية، وبين ابن السبكي أنه وجه ضعيف في المذهب، وأن الصحيح أنه بعم، وهو قول الثابت عن الشافعي، وقال الشيرازي عن القول: بعدم العموم: وهذا خطأ "اللمع ص16"، وقال بعدم العموم أبو الحسن الكرخي وبعض الحنفية ولعض المالكية، ونقل ذلك عن الشافعية بإطلاق. "انظر: نهاية السول 2/89، المسودة ص133، المحصول ج1 ق3/203، مختصر ابن الحاجب 2/128، المحلي على جمع الجوامع 1/422، التبصرة ص193، الإحكام للآمدي 2/280، فواتح الرحموت 2/283، 284، تيسير التحرير 1/257، شرح تنقيح الفصول ص221، مختصر البعلي ص116، إرشاد الفحول ص133". 2 أي أن التعميم أبلغ في المدح والذم من عدمه، وأنه لامنافاة بين المسوق للمبالغة وبين التعميم. "انظر: المحصول ج1 ق3/204، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/128، 129، التبصرة ص194، الإحكام للآمدي 2/280، فواتح الرحموت 1/284، تيسير التحرير 1/257، إرشاد الفحول ص133". 3 في ز ض ع ب: يسبق. 4 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/422. 5 الآية 23 من النساء، وأول الآية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ... } ، وفي ب: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} . 6 الآية 3 من النساء، وأول الآية: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} .

الْمِنَّةُ بِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ, وَقَدْ رَدَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا عَلَى داود1 الظَّاهِرِيِّ احْتِجَاجَهُ, بِالثَّانِيَةِ عَلَى2 إبَاحَةُ الأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ3. اهـ. "وَمِثْلَ" أَيْ وَنَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} 4 يَعُمُّ "فَيَقْتَضِي" الْعُمُومُ "أَخْذَهَا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمَالِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ" فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَبِي الْفَرَجِ الشِّيرَازِيِّ مِنَّا5، وَقَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الْمُقْنِعِ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ6، إلاَّ أَنْ يَخُصَّ بِدَلِيلٍ مِنْ السُّنَّةِ. وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ7. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ: يَكْفِي الأَخْذُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ8.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: الثانية علة. 3 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/422. 4 الآية 103 من التوبة. 5 ساقطة من ش ز. 6 انظر هذه المسألة في "نهاية السول 2/90، جمع الجوامع 1/429، مختصر ابن الحاجب 2/128، التمهيد ص99، الإحكام للآمدي 2/279، فواتح الرحموت 1/282، تيسير التحرير 1/257، مختصر البعلي ص116، إرشاد الفحول ص126". 7 قال الشافعي: "ولولا دلالة السنة كان ظاهر القرآن أن الأموال كلها سواء، وأن الزكاة في جميعها لا في بعضها دون بعض" "الرسالة ص196". 8 يبحث أكثر العلماء هذه المسألة تحت عنوان: "الجمع المضاف إلى جمع"، واختار الآمدي قول ابن الحاجب والكرخي وقال: "ومأخذ الكرخي دقيق" كما أيده ابن عبد الشكور. "انظر: مختصر ابن الحاجب 2/182، فواتح الرحموت 1/282، تيسير التحرير 1/257، 258، أصول السرخسي 1/276، المحلي على جمع الجوامع 1/429، الإحكام للآمدي 2/379، التمهيد ص100، إرشاد الفحول ص126".

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: خِلافًا لِلأَكْثَرِينَ, ثُمَّ قَالَ: لَنَا أَنَّهُ بِصَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ، يَصْدُقُ1 أَنَّهُ2 أُخِذَ مِنْهَا صَدَقَةٌ، فَيَلْزَمُ الامْتِثَالُ, وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ دِينَارٍ مَالٌ, وَلا يَجِبُ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ3. اهـ. وَأُجِيبَ عَنْ الأَوَّلِ: بِمَنْعِ صِدْقِ ذَلِكَ، لأَنَّ {أَمْوَالَهُمْ} جَمْعٌ مُضَافٌ. فَكَانَ4 عَامًّا فِي كُلِّ نَوْعٍ نَوْعٌ وَفَرْدٍ فَرْدٌ5, إلاَّ مَا خَرَجَ بِالسَّنَةِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ6. وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّ الْمُرَادَ: عَنْ كُلِّ نِصَابٍ نِصَابٌ، كَمَا بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ7. وَمِمَّا ذَكَرَ احْتِجَاجًا8 لِلْكَرْخِيِّ9: أَنَّ "مِنْ" فِي الآيَةِ لِلتَّبْعِيضِ، وَلَوْ كَانَتْ الآيَةُ عَامَّةً. وَالتَّبْعِيضُ: يَصْدُقُ بِبَعْضِ الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ10.

_ 1 في ش ب: بصدق بواحدة، وما أثبتاه من نسخة ز ض ع ومختصر ابن الحاجب. 2 في ش ز ض ع: أنها، والأعلى من "مختصر ابن الحاجب". 3 مختصر ابن الحاجب 2/128. 4 في ش: وكان. 5 في ب: وكل فرد فرد. 6 قال الشافعي رحمه الله: "فكان مخرج الآية عاماً في الأموال، وكان يحتمل أن تكون على بعض الأموال دون بعض، فدلت السنة على أن الزكاة في بعض الأموال دون بعض" "الرسالة ص187". "وانظر: العضد والتفتازاني على ابن الحاجب 2/128، الإحكام للآمدي 2/279، إرشاد الفحول ص126". 7 انظر: العضد والتفتازاني على ابن الحاجب 2/128. 8 في ب: احتجاج. 9 في ش: على الكرخي، وفي ض: الكرخي. 10 انظر: الإحكام للآمدي 2/279.

وَجَوَابُهُ: أَنَّ التَّبْعِيضَ فِي الْعَامِّ إنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ تَبْعِيضِ كُلِّ جُزْءٍ جُزْءٍ1 مِنْهُ، فَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ كُلِّ نِصَابٍ إذْ لَوْ سَقَطَتْ2 "مِنْ" لَكَانَ الْمَالُ يُؤْخَذُ كُلُّهُ صَدَقَةً 3.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ب: أسقطت. 3 وقال الآمدي بالتوقف لعدم ترجيح أحد القولين عنده "انظر: الإحكام للآمدي 2/279". وانظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 1/429، فواتح الرحموت 2/282، إرشاد الفحول ص126.

فصل القران بين شيئين لفظا لا يقتضي التسوية بينهما حكما

فصل القران بين شيئين لفظا لا يقتضي التسوية بينهما حكما ... "فَصْلُ" الْقِرَانِ: أَنْ1 يَقْرُنَ الشَّارِعُ2 بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَفْظًا" أَيْ فِي اللَّفْظِ "لا يَقْتَضِي" ذَلِكَ الْقُرْآنِ3 "تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا" أَيْ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ "حُكْمًا فِي غَيْرِ" الْحُكْمِ "الْمَذْكُورِ إلاَّ بِدَلِيلٍ" مِنْ خَارِجٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ4, وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَلا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ جَنَابَةٍ" 5 لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الشَّرِكَةِ6. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: لا يَلْزَمُ مِنْ تَنَجُّسِهِ7 بِالْبَوْلِ تَنَجُّسُهُ8 بِالاغْتِسَالِ.

_ 1 في ض ع: بأن. 2 في ب: الشرع. 3 ساقطة من ش. 4 انظر: المسودة ص140، التبصرة ص229، التمهيد ص75، اللمع ص25، جمع الجوامع 2/19، أصول السرخسي 1/273، مختصر البعلي ص113. 5 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبغوي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه"، ورواه الترمذي والنسائي بلفظ: "ثم يتوضأ منه" وروى مسلم والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب" ف قال: كيف يفعل با أبا هريرة؟ قال "يتناوله تناولاً". "انظر: صحيح البخاري 1/54، صحيح مسلم 1/235، 236، سنن أبي داود 1/17، تحفة الأحوذي 1/222، سنن النسائي 1/44، 103، سنن ابن ماجه 1/124، 198، مختصر سنن أبي داود 1/75، شرح السنة 2/66، الفتح الكبير 3/352، إحكام الأحكام 1/62". 6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/19، المسودة ص140. 8 7 في ش ز: تنجسه.

وَمِنْ الدَّلِيلِ أَيْضًا: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 1 فَعَطَفَ وَاجِبًا عَلَى مُبَاحٍ, لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الشَّرِكَةِ وَعَدَمُ دَلِيلِهَا2. وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ وَجَمْعٌ. لأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ3، نَحْوُ. قَوْله تَعَالَى: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} 4 فَلِذَلِكَ لا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ, لأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ دُخُولُهُ فِي الزَّكَاةِ لَكَانَ فِيهِ عَطْفٌ وَاجِبٌ عَلَى مَنْدُوبٍ؛ لأَنَّ الصَّلاةَ عَلَيْهِ مَنْدُوبَةٌ5 اتِّفَاقًا6. وَضَعُفَ بِأَنَّ الأَصْلَ فِي اشْتِرَاكِ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ: إنَّمَا هُوَ فِيمَا ذَكَرَ، لا فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ, وَ7 قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اللَّفْظَيْنِ الْعَامَّيْنِ8 إذَا عُطِفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، وَخُصَّ أَحَدُهُمَا: لا يَقْتَضِي9 تَخْصِيصَ10 الآخَرِ11،

_ 1 الآية 141 من الأنعام. 2 انظر: اللمع ص25. 3 وهو قول المزني من الشافعية. "انظر: جمع الجوامع 2/19، التبصرة ص229، اللمع ص25، فتح الغفار 2/58، مختصر البعلي ص113، المسودة ص140". 4 الآية 43 من البقرة. 5 في ب: مندوبة عليه. 6 انظر: أصول السرخسي 1/273، فتح الغفار 1/59. 7 ساقطة من ب. 8 في د ض: العاملين. 9 في ع: يقضي. 10 في ع: بتخصيص. 11 سيذكر المصنف هذه المسألة في الصفحة 262، وسيكررها في آخر بحث الخاص، وبين الشوكاني سبب تكرار هذه المسألة في العام والخاص فقال: "فهذه المباحث لها تعلق بالعام وتعلق بالخاص" "إرشاد الفحول ص159".

وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ أَيْضًا بِقَوْلِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ "وَاَللَّهِ لأقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ "1. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ لِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ بِأَنَّهَا قَرِينَةُ الْحَجِّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى2، وَرَدَ الدَّلِيلُ3 وَقَرِينُهُ4 فِي الأَمْرِ بِهَا5. وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} 6 قَالَ: فَعَطْفُ اللَّمْسِ عَلَى الْغَائِطِ مُوجِبٌ7 لِلْوُضُوءِ8, قَالَ: وَخَصَّصَهُ9 أَحْمَدُ بِالْقَرِينَةِ, وذَكَرَ10 قَوْله تَعَالَى فِي آيَةِ النَّجْوَى11 وقَوْله

_ 1 هذا جزء من حديث طويل رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 1/167 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 1/207، سنن أبي داود 1/356، تحفة الأحوذي 7/326، سنن النسائي 5/11، 7/71، مسند أحمد 2/528، 1/19، 48". وانظر: التبصرة ص226، أصول السرخسي 1/373. 2 انظر: التبصرة ص230. 3 في ش ز: ورد الدليل. 4 في ع: وقرينته. وفي ش: وقرينه. 5 وضح الشيرازي الرد على الاستدلال بقول أبي بكر رضي الله عنهما فقال: "والجواب أن أبا بكر رضي الله عنه أراد: لا أفرق بين ما جمع الله في الإيجاب بالأمر، وكذلك ابن عباس أراد أنها لقرينة الحج في الأمر، والأمر يقتضي الوجوب، فكان الاحتجاج في الحقيقة يظاهر الأمر، لا بالاقتران" "التبصرة ص230". 6 الآية 6 من المائدة. 7 في ش: يوجب. 8 في ز ش ض: الوضوء. 9 في ض ع ب: وخصص. 10 في ش ز ع ب: فذكر. 11 وهي آيات النجوى في سورة المجادلة 8-10: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ... وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} والآيتان 12/13 من المجادلة.

تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} 1 {فَإِنْ أَمِنَ} 2 فَلا بَأْسَ, اُنْظُرْ إلَى آخِرِ الآيَةِ3. "وَلا يَلْزَمُ مِنْ إضْمَارِ شَيْءٍ فِي مَعْطُوفٍ " عَلَى شَيْءٍ "أَنْ يُضْمَرَ" ذَلِكَ الشَّيْءُ "فِي مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ" ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ حَمْدَانَ وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْقَاضِي وَابْنِ السَّمْعَانِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ4. وَتَرْجَمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا فِي الْمَتْنِ هِيَ تَرْجَمَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ، وَتَرْجَمَهَا الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ بِقَوْلِهِمْ "عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ5 لا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ "6

_ 1 الآية 282 من البقرة. 2 الآية 283 من البقرة، وجاء في جميع النسخ: وإذا. 3 وتتمة الآيتين: {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} البقرة 282-283. 4 انظر هذه المسألة في "المستصفى 2/70، الإحكام للآمدي 2/258، المحصول ج1 ق2/623، ج1 ق3/302، نهاية السول 2/163، المحلي على جمع الجوامع 2/32، 1/424، شرح تنقيح الفصول ص222، المعتمد 1/308، مختصر البعلي ص113، المسودة ص140، مختصر ابن الحاجب 2/120، فواتح الرحموت 1/298، تيسير التحرير 1/261، إرشاد الفحول ص139، اللمع ص25، مباحث الكتاب والسنة ص155". 5 في ش ز: العام على الخاص. 6 وترجم هذه المسالة البعلي وغيره بلفظ: "رجوع الضمير إلى بعض العام المتقدم لا يخصصه عند أكثر أصحابنا والشافعية "مختصر البعلي ص124"، ويلاحظ في هذه الترجمة مراعاتها لفصل الخاص والتخصيص، وهي ما سيذكرها المصنف في آخر فصل الخاص صفحة 389. "وانظر: نهاية السول 2/162، شرح تنقيح الفصول ص222، جمع الجوامع 2/32، المحصول ج1 ق3/205".

وَمَثَّلَ الْفَرِيقَانِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ "لا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ" 1. وَالْخِلافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورٌ، مَعَ الاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ، فَالْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ يُقَدِّرُونَ تَتْمِيمًا2 لِلْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ لَفْظًا عَامًّا، تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي مُتَعَلِّقِهِ, فَيَكُونُ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} 3 فَيُقَدَّرُ: وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ4, إذْ لَوْ قَدَّرَ خَاصًّا - وَهُوَ وَلا ذُو5 عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِحَرْبِيٍّ- لَزِمَ التَّخَالُفُ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ, وَيَكُونُ6 تَقْدِيرًا بِلا دَلِيلٍ، بِخِلافِ مَا لَوْ قَدَّرَ عَامًّا, فَإِنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ7 عَلَيْهِ مِنْ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا, وَحِينَئِذٍ فَيُخَصَّصُ

_ 1 هذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه بهذا اللفظ عن علي رضي الله عنه، ورواه الترمذي وابن ماجه عن علي وعمرو بن شعيب بدون الزيادة الأخيرة. "انظر: مسند أحمد 1/119، 122، 2/180، 192، سنن أبي داود 2/488، سنن النسائي 8/21، تحفة الأحوذي 4/669، سنن ابن ماجه 2/887، 888". قال المناوي: "تنبيه: هذا الحديث روي بزيادة، ولفظه: "لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده"، يعني بكافر حربي للإجماع على قتله بغير حربي، فقال الحنفي يقدر الحبي في المعطوف عليه لوجوب الاشتراك بين المعطوفين في صفة الحكم، فلا ينافي ما قال به من قتل المسلم بذمي، وقد مثل "بهذه الزيادة" أهل الصول للأصح عندهم أن عطف الخاص على العام كعكسه لا يخصص، فقوله: "ولا ذو عهد في عهده" يعني بكافر حربي للإجماع على قتله بغير الحربي، "فيض القدير 6/453". وانظر: المسودة ص140. 2 في ش: تتمتها. 3 الآية 285 من البقرة. 4 انظر: المسودة ص140. 5 في ز ض: ذوا، وفي ب: وذو. 6 في ز ض ع ب: وأن يكون. 7 ساقطة من ز.

الْعُمُومُ فِي الثَّانِيَةِ بِالْحَرْبِيِّ. بِدَلِيلٍ آخَرَ. وَهُوَ الاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْمُعَاهَدَ لا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ, وَيُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ وَالذِّمِّيِّ1. قَالُوا: وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يُخَصَّصَ الْعَامُّ الْمَذْكُورُ، أَوْ لا لِيَتَسَاوَيَا2. فَيَصِيرُ: لا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلا ذُو3 عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ4. وَأَمَّا أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: فَإِذَا قَدَّرُوا فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ. فَإِنَّمَا يُقَدِّرُونَ خَاصًّا. فَيَقُولُونَ: وَلا ذُو5 عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِحَرْبِيٍّ6، لأَنَّ التَّقْدِيرَ: إنَّمَا هُوَ بِمَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ بِلا زِيَادَةٍ, وَفِي التَّقْدِيرِ "بِحَرْبِيٍّ" كِفَايَةٌ وَلا يَضُرُّ تَخَالُفُهُ مَعَ الْمَعْطُوفِ

_ 1 وخلاصة الخلاف أن الجمهور يرون أن التعاطف بين الكلمتين ل يقتضي لأكثر من اشتراكها في أصل الحكم، وقال الحنفية: إن عموم المعطوف عليه يسري إلى معطوفه عن طريق التبعية، وبناء عليه قال الجمهور في الحديث: إن كلمة "كافر" في الجملة عامة تعم الذمي والحربي، وإذا قتل المسلم ذمياً أو حربياً فلا يقتل به، وأن الجملة الثانية معطوفة عليه، ولا علاقة لها بعمومها ومعناها: أنه لا يجوز قتل المعاهد مادام غير خارج على عهده، فالأولى عامة، والثانية خاصة. وقال الحنفية: العطف يسوي بين المعطوف والمعطوف عليه في العموم، ولا يصح العموم في الحديث في المعطوف لأنها تصبح "ولا يقتل ذو عهد بعهده بقتل كافرٍ ذمياً كان أو حربياً" وهذا غير صحيح، لأن المعاهد لا يقتل بقتله الكافر الحربي، ولكن يقتل باتفاق بقتله الكافر الذمي، ولذلك قال الحنفية: "إن الفقرة الثانية خصصت بدليل آخر، ويجب تخصيص الجملة الأولى مثلها للتساوي بينهما، ويخصص العام الأول، فيصير "لا يقتل مسلم بكافر حربي". "انظر: الإحكام للآمدي 2/258، المحلي على جمع الجوامع 1/32، 424، نهاية السول 2/163، شرح تنقيح الفصول ص222، المعتمد 1/308، المحصول ج1 ق3/206، العضد على ابن الحاجب والتفتازاني عليه 2/120، 121، المسودة ص140، فواتح الرحموت 1/298، تيسير التحرير 1/261، إرشاد الفحول ص139، مباحث الكتاب والسنة ص155". 2 في ز: يتساويا، وفي ض" فيتساويا، وفي ش: يتساويان. 3 في ز: ذوا. 4 ساقطة من ش. 5 في ض: ذوا. 6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/424، تيسير التحرير 1/262، فواتح الرحموت 1/298، شرح تنقيح الفصول ص222.

عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ, إذْ لا يُشْتَرَطُ إلا1 اشْتِرَاكُهُمَا فِي أَصْلِ الْحُكْمِ، وَهُوَ هُنَا: مَنْعُ الْقَتْلِ بِمَا ذَكَرَ. أَوْ2 بِمَا يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، لا فِي كُلِّ الأَحْوَالِ3: وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} 4 فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ5 بِالرَّجْعِيَّاتِ, وَإِنْ تَقَدَّمَ الْمُطَلَّقَاتُ بِالْعُمُومِ6. وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ, اهـ7.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ض: ذكروا و، في ع: يذكر أو، في ب: ذكر و. 3 أجاب القرافي على استدلال الحنفية بالحديث فقال: "والجواب عنه من أربعة أوجه، أحدها أنا نمنع أن الواو عاطفة، بل هي للاستئناف، فلا يلزم التشريك، وثانيها: سلمناه لكن العطف يقتضي التشريك في أصل الحكم دون توابعه..، وثالثها: ... بل معناه التنبيه على السببية ... فإنها "في عهده" للسببية..، ورابعها: أن معناه نفي الوهم عما يعتقد أن المعاهدة كعقد الذمة يدوم، وتكون "في" على هذا للظرفية" "شرح تنقيح الفصول ص223 باختصار". "وانظر: المعتمد 1/209، المحصول ج1 ق3/306". 4 الآية 228 من البقرة. 5 في ش ع: يختص. 6 العموم في أول الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} الآية، فلفظ "المطلقات" عام للبائن والرجعية، وتجب العدة عليهما، ويلزم من ذلك أن يكون الضمير في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ} يشملن بعل البائن وبعل الرجعية، وهذا غير صحيح، لأن البائن لا يحق لبعلها أن يردها ويراجعها، فدل على أن الضمير مع المعطوف خاص بالرجعية، مع أنه في المعطوف عليه عام في البائن والرجعية، لأن العطف لا يقتضي المشاركة في الحكم عند الجمهور، وقال الحنفية وابن الحاجب: "إن الضمير في المعطوف "وبعولتهن" عام لكنه خص بدليل منفصل". "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/121، المستصفى 2/71، الإحكام للآمدي 2/258، المحصول ج1 ق2/634، شرح تنقيح الفصول ص191، فواتح الرحموت 1/199، تيسير التحرير 1/320، مختصر البعلي ص124، اللمع ص25". وسوف يذكر المصنف هذه الآية والمسالة في نهاية بحث التخصيص. 7 ساقطة من ض ع.

وَلَمَّا انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى الْعَامِّ وَصِيَغِ الْعُمُومِ, وَكَانَ يَلْحَقُهُ التَّخْصِيصُ ذَكَرَهُ1 عَقِبَهُ2 فَقَالَ:

_ 1 في ض ب: ذكر. 2 في ش: عقبة.

باب التخصيص

باب التخصيص: بِالتَّنْوِينِ1 "التَّخْصِيصُ" وَتَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى بَيَانِ الْمُخَصِّصِ -بِكَسْرِ الصَّادِ- وَالْمُخَصَّصِ - بِفَتْحِهَا. فَأَمَّا التَّخْصِيصُ2: فَرَسَمُوهُ بِأَنَّهُ "قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ3". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ قَالَ "عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ" فَإِنَّ مُسَمَّى الْعَامِّ جَمِيعُ مَا يَصْلُحُ لَهُ اللَّفْظُ، لا بَعْضُهُ. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ تَبَعًا لِجَمْعِ الْجَوَامِعِ: هُوَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ4، فَخَرَجَ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ، لأَنَّهُ قَصْرٌ مُطْلَقٌ، لا عَامٌّ، كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ. وَكَذَا الإِخْرَاجُ مِنْ الْعَدَدِ، كَعَشْرَةٍ إلاَّ ثَلاثَةً, وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَدَخَلَ مَا عُمُومُهُ بِاللَّفْظِ كَـ {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 5 قَصْرٌ بِالدَّلِيلِ عَلَى غَيْرِ6 الذِّمِّيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ عُصِمَ بِأَمَانٍ، وَمَا عُمُومُهُ بِالْمَعْنَى، كَقَصْرِ عِلَّةِ الرِّبَا فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مَثَلاً. بِأَنَّهُ يَنْقُصُ إذَا جَفَّ عَلَى غَيْرِ الْعَرَايَا7.

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 في ض: فأما التنوين، وفي ش ز: وأما التخصيص. 3 انظر: مختصر البعلي ص116. 4 جمع الجوامع 2/2. 5 الآية 5 من التوبة. 6 ساقطة من ش ز. 7 ورد استثناء العرايا من الربا في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والدارمي عن سهل بن أبي حثمة وغيره بألفاظ كثيرة، مرفوعا. انظر: صحيح البخاري 2/15 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 10/195، سنن أبي داود 2/226، تحفة الأحوذي 4/418، سنن النسائي 7/233، سنن ابن ماجه 2/761، الموطأ ص383، 386 ط الشعب، سنن الدارمي 2/252، مسند أحمد3/360، 5/190، 364.

وَالْمُرَادُ مِنْ قَصْرِ الْعَامِّ: قَصْرُ حُكْمِهِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ1 "الْعَامِّ" بَاقِيًا2 عَلَى عُمُومِهِ، لَكِنْ لَفْظًا لا حُكْمًا, فَبِذَلِكَ يَخْرُجُ إطْلاقُ3 الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ, فَإِنَّ ذَلِكَ قَصْرُ إرَادَةِ لَفْظِ الْعَامِّ، لا قَصْرُ حُكْمِهِ. وَقَدْ وَرَدَ4 عَلَى تَعْرِيفِ التَّخْصِيصِ: أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ تَخْصِيصًا بِدَلِيلٍ عَامٍّ، لا5 قَصْرُ الْعَامِّ بِدَلِيلِهِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْكَلامَ فِي التَّخْصِيصِ الشَّرْعِيِّ فَالتَّقْدِيرُ6 قَصْرُ الشَّارِعِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، فَأُضِيفَ الْمَصْدَرُ إلَى مَفْعُولِهِ, وَحُذِفَ الْفَاعِلُ لِلْعِلْمِ بِهِ7. "وَيُطْلَقُ" التَّخْصِيصُ "عَلَى قَصْرِ لَفْظٍ غَيْرِ عَامٍّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ" أَيْ مُسَمَّى ذَلِكَ اللَّفْظِ "كَ" إطْلاقِ "عَامٍّ عَلَى غَيْرِ لَفْظٍ عَامٍّ" كَعَشَرَةٍ وَمُسْلِمِينَ

_ 1 في ب: لفظه. 2 في ب: باق. 3 في ش: الخلاف. 4 في ز ض ع ب: أورد. 5 في ز: فلم لا قيل. وفي ب ض د ع: فلم لا قال. 6 في ش: بالتقدير. 7 انظر في تعريف التخصيص "المحصول ج1 ق3/7، الإحكام للآمدي 2/281، كشف الأسرار 1/306، نهاية السول 2/90، 94، المعتد 1/250، 251، شرح تنقيح الفصول ص51، البرهان 1/400، مختصر ابن الحاجب 1/129، البناني على جمع الجوامع 2/2، مختصر البعلي ص116، العدة 1/155، مختصر الطوفي ص107، فواتح الرحموت 1/100، 300، تيسير التحرير 1/282، الحدود للباجي ص44، اللمع ص18، شرح الورقات ص101، إرشاد الفحول ص142، مباحث الكتاب والسنة ص206، تفسير النصوص 2/78".

لِلْعَهْدِ1. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَيُطْلَقُ التَّخْصِيصُ عَلَى قَصْرِ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا بِالاصْطِلاحِ كَإِطْلاقِ الْعَشَرَةِ عَلَى بَعْضِ آحَادِهَا, وَكَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى اللَّفْظِ عَامٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا لِتَعَدُّدِهِ، كَعَشَرَةٍ وَالْمُسْلِمِينَ الْمَعْهُودِينَ، لا الْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا, وَإِلاَّ كَانَ عَامًّا اصْطِلاحًا. "وَيَجُوزُ" التَّخْصِيصُ "مُطْلَقًا" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالأَكْثَرُ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُّ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَوْ خَبَرًا2، خِلافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضِ الأُصُولِيِّينَ فِي الْخَبَرِ3, وَعَنْ بَعْضِهِمْ وَ4 فِي الأَمْرِ5. وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ اُسْتُعْمِلَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ6.

_ 1 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/130، التمهيد ص109. 2 اشترط الحنفية في تخصيص العام أن يكون مقارناً له، ولا يصح أن يكون متراخياً، وإلا كان نسخاً. انظر هذه المسألة في "المستصفى 2/98، المحصول ج1 ق3/14، الإحكام للآمدي 2/282، التبصرة ص143، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/130، المعتمد 1/255، مختصر البعلي ص116، العدة 2/595، المسودة ص130، الروضة 2/243، مختصر الطوفي ص107، اللمع ص18، فواتح الرحموت 1/301، كشف الأسرار 1/307، إرشاد الفحول ص143". 3 انظر: فواتح الرحموت 1/301، كشف الأسرار 1/307، تيسير التحرير 1/275، العدة 2/595، المسودة ص130، مختصر البعلي ص116، اللمع ص18، التبصرة ص143، المعتمد 1/255، المحصول ج1 ق3/15، الإحكام للآمدي 2/282. 4 ساقطة من ش ز. 5 نقل أكثر الأصوليين الإجماع على جواز التخصيص في الأمر، ونقل الرازي والبيضاوي وابن الحاجب الخلاف في ذلك. "انظر: التبصرة ص143 هامش، فواتح الرحموت 1/301". 6 انظر: المعتمد 1/255، العضد على ابن الحاجب 2/130، المحصول ج1 ق3/14، الإحكام للآمدي 2/282، المستصفى 2/98، فواتح الرحموت 1/301.

قَالَ الْمُخَالِفُ1: يُوهِمُ فِي الْخَبَرِ الْكَذِبَ، وَفِي الأَمْرِ الْبَدَاءَ2. رَدًّا3 بِالْمَنْعِ4. وَيَرُدُّ ذَلِكَ كُلَّهُ وُرُودُ مَا هُوَ مَخْصُوصٌ قَطْعًا5، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 6 {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} 7 {يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} 8 {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} 9 {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} 10 وَفِي الأَمْرِ {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 11 وَفِي النَّهْيِ {لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 12 مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْبَانِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ قَطْعًا, بَلْ قَالُوا:

_ 1 في ض: المخالفون. 2 البداء هو ظهور المصلحة بعد خفائها. "وانظر: نهاية السول 2/96، المحصول ج1 ق3/15، كشف الأسرار 1/307، فواتح الرحموت 1/301، تيسير التحرير 1/275، منهاج العقول 2/94، إرشاد الفحول ص144". 3 في ز ع ض: رد. 4 قال الإسنوي معيناً المنع: "لأنا نعلم أن اللفظ في الأصل يحتمل التخصيص، فقيام الدليل على وقوعه مبين المراد، وإنما يلزم البداء، أو الكذب أن لو كان المخرج مراداً" "نهاية السول 2/96". "وانظر: المحصول ج1 ق3/15، كشف الأسرار 1/307، تيسير التحرير 1/275، منهاج العقول 2/94، إرشاد الفحول ص144". 5 انظر: منهاج العقول 2/94، المستصفى 2/99، الإحكام للآمدي 2/283، نهاية السول 2/96. 6 الآية 62 من الزمر. 7 الآية25 من الأحقاف. 8 الآية 57 من القصص. 9 الآية 23 من النمل. 10 الآية 84 من الكهف. 11 الآية 5 من التوبة. 12 الآية 222 من البقرة.

لا عَامَّ إلاَّ وَطَرَقَهُ التَّخْصِيصُ إلاَّ مَوَاضِعَ يَسِيرَةً1. وَ2يَجُوزُ التَّخْصِيصُ "وَلَوْ لِعَامٍّ مُؤَكَّدٍ3" إذْ تَأْكِيدُهُ لا يَمْنَعُ تَخْصِيصَهُ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ4، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ} 5 إذَا قَدَّرَ مُتَّصِلاً, وَفِي الْحَدِيثِ "فَأَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إلاَّ أَبَا قَتَادَةَ" 6. وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ مُطْلَقًا "إلَى أَنْ يَبْقَى وَاحِدٌ" فَقَطْ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ, قَالَهُ

_ 1 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/130، الإحكام للآمدي 2/282، نهاية السول 2/96، المستصفى 2/99، منهاج العقول 2/94، الروضة 2/242، نزهة الخاطر 2/159، مختصر الطوفي ص107، مختصر البعلي ص116، إرشاد الفحول ص143. 2 ساقطة من ش ض. 3 في ب: بكلام مؤكد. 4 انظر: التمهيد ص110، المحصول ج1 ق3/12. 5 الآية 30-31 من الحجر، والآية 73-74 من سورة ص. 6 هو الصحابي الحارث بن ربعي، وقيل: اسمه النعمان، أبو قتادة، الأنصاري الخزرجي السلمي، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختلف علماء السير في شهوده بدراً، وشهد أحداً وما بعدها من المشاهد، وأرسله عليه الصلاة والسلام في عدة سرايا، وأبلى في الجهاد والقتال بلاء حسناً، وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع مرفوعاً "خير فرساننا أبو قتادة" وكان من سادات الأنصار، وروى مائة وسبعين حديثاً، توفي بالمدينة سنة 54هـ، وله سبعون سنة، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 7/155 المطبعة الشرفية، أسد الغابة 6/250، الخلاصة 3/238 مطبعة الفجالة الجديدة، مشاهير علماء الأمصار ص14". والحديث ورد في عمرة القضية بعد صلح الحديبية، قال أبو قتادة: "فاحرم أصحابي غيري" "انظر: المغازي لابن إسحاق 2/733". ورواه البخاري بلفظ "فاحرموا كلهم إلا أبا قتادة لم يحرم" "صحيح البخاري 1/225، المطبعة العثمانية، كتاب الحج، باب لا يشير المحرم إلى الصيد". وروى مسلم بلفظ "أحرموا كلهم إلا أبا قتادة فإنه لم يحرم" "صحيح مسلم بشرح النووي 8/109". "وانظر: زاد المعاد 2/164، تحقيق أرناؤوط، سنن أبي داود 1/428".

أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ1. وَمَنَعَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: مِنْ أَقَلِّ الْجَمْعِ2. وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ: إنْ3 كَانَ لَفْظُهُ جَمْعًا4. وَالْقَاضِي وَوَلَدُ الْمَجْدِ وَجَمْعٌ: لا بُدَّ أَنْ يَبْقَى كَثْرَةٌ وَإِنْ لَمْ تُقَدَّرْ5.

_ 1 وهو المختار عند الحنفية. "انظر: فتح الغفار 1/108، تيسير التحرير 1/326، المسودة ص116، الروضة 2/240، العدة 2/544، مختصر البعلي ص116، التمهيد ص112، منهاج العقول 2/99، الإحكام للآمدي 2/283، جمع الجوامع 2/3، فواتح الرحموت 1/306، نهاية السول 2/100، التبصرة ص125، اللمع ص18، شرح تنقيح الفصول ص224، المعتمد 1/254، إرشاد الفحول ص144، المحصول ج1 ق3/16، الإحكام للآمدي 2/283". 2 أي يمنع أن ينقص العام بعد التخصيص عن أقل الجمع، وهو قول الغزالي وذكره الجويني عن الأكثرين، وقال به فخر الإسلام البردوي والنسفي وصدر الشريعة وأبو بكر الرازي من الحنفية. "انظر: فتح الغفار 1/108، فواتح الرحموت 1/306، العضد على ابن الحاجب 2/131، المحصول ج1 ق3/16، الإحكام للآمدي 2/283، جمع الجوامع 3/2، المعتمد 1/253، شرح تنقيح الفصول ص224، التبصرة ص125، اللمع ص18، المسودة ص117، الروضة 2/240، التمهيد ص112، نهاية السول 2/100، العدة 2/544، مختصر البعلي ص117، إرشاد الفحول ص144". 3 في ض: إذ. 4 يرى القفال أنه يجوز التخصيص إلى أن ينتهي إلى أقل المراتب التي ينطلق عليها ذلك اللفظ المخصوص مراعاة لمدلول الصيغة، فإن كان جمعاً فيجوز تخصيصه إلى ثلاثةٍ، وإن كان غير الجمع كمن وما فيجوز تخصيصها إلى الواحد وأخذ بهذا القول ابن السبكي. "انظر: التمهيد ص112، منهاج العقول 2/97، الإحكام للآمدي 2/283، المحصول ج1 ق3/16، المعتمد 1/254، جمع الجوامع 2/3، إرشاد الفحول ص144". 5 وهذا اختيار الغزالي والرازي وأكثر المعتزلة، وذكره الآمدي وابن الحاجب عن الأكثرين، وذلك بان يبقى عدد غير محصور. انظر: هذا القول مع أدلته ومناقشتها في "نهاية السول 2/100، التبصرة ص125 هامش، شرح تنقيح الفصول ص224، المعتمد 1/254، منهاج العقول 2/97، المحصول ج1 ق3/16، المسودة ص117".

وَابْنُ حَمْدَانَ وَطَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ1: تُقَرِّبُ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ2. وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِاسْتِثْنَاءٍ وَبَدَلٍ إلَى وَاحِدٍ، وَبِمُتَّصِلٍ وَصِفَةٍ، وَمُنْفَصِلٍ فِي مَحْصُورِ قَلِيلٍ إلَى اثْنَيْنِ، وَغَيْرِ الْمَحْصُورِ وَالْعَدَدِ الْكَثِيرِ، كَالْمَجْدِ3. وَمَا فِي الْمَتْنِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ إلَى أَنْ يَبْقَى وَاحِدٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ4. وَكَذَا قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ. قَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ5. قَالَ6 الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ. وَحَكَى الْجُوَيْنِيُّ إجْمَاعَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ فِي "مَنْ" وَ "مَا " وَنَحْوِهِمَا7.

_ 1 في ض: كثرة. 2 أي يقرب من مدلول اللفظ العام، وقال الشوكاني: "وإليه ميل الأكثر" "إرشاد الفحول ص144". "وانظر: مختصر البعلي ص117، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/130، جمع الجوامع 2/3". 3 قال ابن الحاجب في غير المحصور والعدد: لا بد في التخصيص من بقاء جمع يقرب من مدلول العام، كما قال ابن حمدان وطائفة، وليس كما يقول المجد. "انظر: مختصر ابن الحاجب 2/130". وتوقف الآمدي في المسألة، وقال بعض الحنفية إن منتهى التخصيص جمع يزيد على النصف. "انظر: تيسير التحرير 1/326، الإحكام للآمدي 2/284، جمع الجوامع 2/3، فواتح الرحموت 1/306، نهاية السول 2/101، التبصرة ص125". 4 في ش ز: جماعة, والأعلى من ض والمسودة، انظر النص في "المسودة ص117". 5 في ز ض ع ب: المنصور. 6 ساقطة من ض. 7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص224.

وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ1, وَحَكَاهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ عَنْ مُعْظَمِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَاسْتَدَلَّ لِلْقَوْلِ الصَّحِيحِ بِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ التَّخْصِيصُ الْمَذْكُورُ لَكَانَ الامْتِنَاعُ: إمَّا لأَنَّهُ مَجَازٌ، أَوْ لاسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ2. وَاعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ لُغَةٌ3. وَجَوَابُهُ بِالْمَنْعِ, ثُمَّ لا فَرْقُ4.وَأَيْضًا: أَكْرِمْ النَّاسَ إلاَّ الْجُهَّالَ5. وَاعْتُرِضَ6 عَلَيْهِ بِأَنَّهُ خَصَّ بِالاسْتِثْنَاءِ7. وَجَوَابُهُ الْمَعْرُوفُ التَّسْوِيَةُ، ثُمَّ8 لا فَرْقَ9. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ} 10 وَأُرِيدَ بِهِ11 نُعَيْمُ بْنُ

_ 1 انظر: التبصرة ص125، اللمع ص18. 2 في ز ض ع ب: موضوعه. 3 انظر: المعتمد 1/255، المحصول ج1 ق3/17، الإحكام للآمدي 2/285، العدة 2/546. 4 انظر: العدة 2/546 5 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/131. 6 في ش: فاعترض. 7 أي إن جواز التخصيص بالاستثناء، ولايعم بقية المخصصات. "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/131". 8 ساقطة من ض. 9 قال العضد: "والفرق قائم" "انظر العضد على ابن الحاجب 2/131". 10 الآية 173 من آل عمران. 11 ساقطة من ض ز ع ب.

مَسْعُودٍ1. رُدَّ لَيْسَ2 بِعَامٍّ، لأَنَّهُ الْمَعْهُودُ3. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 4. أُجِيبَ: أَطْلَقَ الْجَمْعَ عَلَيْهِ لِلتَّعْظِيمِ. وَمَحِلُّ النِّزَاعِ فِي الإِخْرَاجِ مِنْهُ5. وَاسْتَدَلَّ بِجَوَازِ قَوْلِهِ6: أَكَلْت الْخُبْزَ وَشَرِبْت الْمَاءَ، لأَقَلِّ شَيْءٍ مِنْهُمَا7. رَدَّ، الْمُرَادُ بَعْضُ مُطَابِقٍ لِمَعْهُودٍ ذِهْنِيٍّ8. الْقَائِلَ بِأَقَلِّ الْجَمْعِ مَا سِيقَ فِيهِ.

_ 1 انظر: نهاية السول 2/101، التبصرة ص125، شرح تنقيح الفصول 225، منهاج العقول 2/101، مختصر ابن الحاجب2/131، فواتح الرحموت 1/306، فتح الغفار 1/109، تيسير التحرير 1/328، إرشاد الفحول ص145. 2 في ش: وليس. 3 في ش: المعهود. وانظر: منهاج العقول 2/101، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/131، فواتح الرحموت 1/306، تيسير التحرير 1/328، إرشاد الفحول ص145. 4 الآية 9 من الحجر. "وانظر: المعتمد 1/255، مختصر ابن الحاجب 2/130، المحصول ج1 ق3/18، الإحكام للآمدي 2/284". 5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص224، 225، المعتمد 1/225، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/130، 131، الإحكام للآمدي 2/284. 6 ساقطة من ض ب. 7 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/131، الإحكام للآمدي 2/85، إرشاد الفحول ص145. 8 أي إن "الخبز" و "الماء" في المثال ليس بعام بل هو للبعض الخارجي المطابق للمعهود الذهني، وهو الخبز والماء المقرر في الذهن أنه يؤكل ويشرب. "انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/131، الإحكام للآمدي 2/285، إرشاد الفحول ص145".

رَدَّ لَيْسَ1 الْجَمْعُ بِعَامٍّ لِيُطْلَقَ الْعَامُّ عَلَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ2. "وَلا تَخْصِيصَ إلاَّ فِيمَا لَهُ شُمُولٌ حِسًّا" نَحْوُ: جَاءَنِي الْقَوْمُ "أَوْ حُكْمًا" نَحْوُ اشْتَرَيْتُ الْعَبْدَ3. قَالَ الْعَسْقَلانِيُّ4: لا يَسْتَقِيمُ التَّخْصِيصُ إلاَّ بِمَا فِيهِ مَعْنَى الشُّمُولِ، وَيَصِحُّ تَوْكِيدُهُ بِكُلٍّ، لِيَكُونَ ذَا أَجْزَاءٍ5 يَصِحُّ اقْتِرَانُهُمَا6 إمَّا حِسًّا كَ {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 7 أَوْ حُكْمًا, كَاشْتَرَيْت الْجَارِيَةَ كُلَّهَا، لإِمْكَانِ افْتِرَاقِ8 أَجْزَائِهَا9. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: التَّخْصِيصُ وَالنَّسْخُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ أَفْعَالَنَا الْوَاقِعَةَ فِي الأَزْمَانِ وَالأَعْيَانِ فَقَطْ. وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ تُكَلِّمُونَ أَكْثَرُوا الْقَوْلَ بِأَنَّ النَّسْخَ10 يَتَنَاوَلُ الأَزْمَانَ فَقَطْ، وَالتَّخْصِيصُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ, وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ11 الْمُحَصِّلُونَ تَجَوُّزًا12.

_ 1 في ش: رداً إذ ليس. 2 انظر مزيداً من ادلة جواز التخصيص إلى أن يبقى واحد في "الروضة2/240". 3 انظر: منهاج العقول 2/92، نهاية السول 2/95، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/130، المحصول ج1 ق3/12، الإحكام للآمدي 2/282، جمع الجوامع 2/2. 4 هو علاء الدين بن علي بن محمد الكناني العسقلاني الحنبلي الذي شرح "مختصر الطوفي" في الأصول، وتقدمت ترجمته في "المجلد الأول ص89". 5 في ش: إذا أجزى. 6 في ش: اقترانهما. 7 الآية 5 من التوبة. 8 في ع ب: اقتران. 9 انظر: المعتمد 1/253، العضد على ابن الحاجب 2/130، اللمع ص23. 10 في ض: بالنسخ. 11 في ض: يتناوله. 12 يفرق الحنفية بينهما بأمر مهم، وهو أن التخصيص يكون متصلاً بالعام، وأن النسخ يكون متراخياً عنه، وذكر الشوكاني عشرين وجهاً للتفريق بينهما. انظر الفرق بين النسخ والتخصيص في "كشف الأسرار 3/209، التلويح على التوضيح 2/281، العضد على ابن الحاجب 2/130، المحصول ج1 ق3/9، فواتح الرحموت 1/310، شرح تنقيح الفصول ص230، المعتمد 1/251، منهاج العقول 2/91، اللمع ص18، نهاية السول 2/94، 149، إرشاد الفحول ص142 وما بعدها، مباحث الكتاب والسنة ص207".

"وَالْمُخَصَّصُ" هُوَ "الْمَخْرَجُ، وَهُوَ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ" الإِخْرَاجَ1. وَ2 لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلامِ عَلَى التَّخْصِيصِ أَخَذَ فِي الْكَلامِ عَلَى الْمُخَصِّصِ -بِكَسْرِ الصَّادِ- وَهُوَ حَقِيقَةً: فَاعِلُ التَّخْصِيصِ الَّذِي هُوَ الإِخْرَاجُ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى إرَادَتهِ3 الإِخْرَاجِ, لأَنَّهُ إنَّمَا يُخَصَّصُ4 بِالإِرَادَةِ فَأُطْلِقَ عَلَى نَفْسِ الإِرَادَةِ مُخَصِّصًا، حَتَّى قَالَ الرَّازِيّ5 وَأَتْبَاعُهُ: إنَّ حَقِيقَةَ التَّخْصِيصِ هُوَ الإِرَادَةُ6. "وَيُطْلَقُ" الْمُخَصِّصُ "مَجَازًا عَلَى الدَّلِيلِ" الدَّالِّ عَلَى الإِرَادَةِ "وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا" فَإِنَّهُ الشَّائِعُ7 فِي الأُصُولِ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً8. "وَهُوَ" أَيْ الْمُخَصِّصُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ "مُنْفَصِلٌ" وَهُوَ مَا يَسْتَقِلُّ9 بِنَفْسِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَبِطًا بِكَلامٍ آخَرَ10 "وَ11 مِنْه" أَيْ وَ12 مِنْ الْقِسْمِ الْمُنْفَصِلِ

_ 1 وهذا اختيار الفخر الرازي وابن برهان، وقال أبو الحسين البصري: "إن المخصص هو إما الدليل وأما إرادة المتكلم" "المعتمد 1/256". "انظر: المحصول ج1 ق3/8، منهاج العقول 2/92، نهاية السول 2/95، 113، مختصر البعلي ص117، مختصر الطوفي ص107، إرشاد الفحول ص145". 2 ساقطة من ز ض ع ب. 3 في ش: إرادة. 4 في ب: يخص. 5 في ش: البرماوي. 6 انظر: المعتمد 1/256، المحصول ج1 ق3/8، إرشاد الفحول ص145. 7 في ش: المتتابع. 8 فيقال المخصصات، ويراد منها أدلة التخصيص. "انظر: المحصول ج1 ق3/8، منهاج العقول 2/92، نهاية السول 2/95، 113، المعتمد 1/256، مختصر البعلي ص117، مختصر الطوفي ص107، إرشاد الفحول ص142، 145". 9 في ش: استعمل. 10 انظر: جمع الجوامع 2/24، منهاج العقول 2/112، المعتمد 2/112، المعتمد 1/283، فواتح الرحموت 1/316، نهاية السول 2/113، 141، مختصر البعلي ص117. 11 ساقطة من ش. 12 ساقطة من ش.

"الْحِسِّ 1 " نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:2 {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} 3 وقَوْله تَعَالَى: {يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} 4 وقَوْله تَعَالَى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} 5. وقَوْله تَعَالَى: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} 6. وَالْمُرَادُ بِالْحِسِّ الْمُشَاهَدَةُ, وَنَحْنُ نُشَاهِدُ أَشْيَاءَ كَانَتْ حِينَ7 الرِّيحِ لَمْ تُدَمِّرْهَا وَلَمْ تَجْعَلْهَا كَالرَّمِيمِ، كَالْجِبَالِ وَنَحْوِهَا، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا فِي أَقْصَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَمْ تُجْبَ إلَيْهِ ثَمَرَاتُهُ، وَأَنَّ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً لَمْ تُؤْتَ مِنْهَا بِلْقِيسُ8 فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} 9. ثُمَّ هَاهُنَا بَحْثَانِ: الأَوَّلُ: أَنَّ10 هَذِهِ الأَمْثِلَةَ لا تَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِالْحِسِّ11،

_ 1 الحس هو الدليل المأخوذ من الرؤية البصرية أو السمع أو الذوق أو الشتم، من إطلاق أحد الحواس وإرادة الكل. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص215، المحصول ج1 ق3/115، الإحكام لابن حزم 1/342، الإحكام للآمدي 2/317، المستصفى 2/99، جمع الجوامع 2/24، نهاية السول 2/141، منهاج العقول 2/139، الروضة 2/343، مختصر البعلي ص113، مختصر الطوفي ص107، إرشاد الفحول ص157، مباحث الكتاب والسنة ص213". 2 ساقطة من ش. 3 الآية 25 من الأحقاف، وفي ز:"تدمر كل شيء". 4 الآية 57 من القصص. 5 الآية 23 من النمل. 6 الآية 42 من الذاريات. 7 ساقطة من ش ز. 8 انظر المراجع السابقة في هامش 8. 9 الآية 23 من النمل. 10 في ش: في. 11 في ش: بالجنس.

فَقَدْ يُدَّعَى1 أَنَّهَا مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ2. الثَّانِي: أَنَّ مَا كَانَ خَارِجًا بِالْحِسِّ3 فَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى يَخْرُجَ، كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي التَّخْصِيصِ4 بِالْعَقْلِ5. "وَ" مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْمُنْفَصِلِ أَيْضًا "الْعَقْلُ" ضَرُورِيًّا كَانَ أَوْ نَظَرِيًّا6. فَمِثَالُ الضَّرُورِيِّ: نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 7 فَإِنَّ الْعَقْلَ قَاضٍ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ نَفْسَهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ8.

_ 1 في ش: يراعى. 2 وهو رأي الزركشي كما نقله الشوكاني. "انظر: إرشاد الفحول ص157، نزهة الخاطر 2/160". 3 في ش: بالجنس. 4 ساقطة من ش. 5 انظر: الروضة 2/244، نزهة الخاطر 2/160، مختصر الطوفي ص107. 6 منعت طائفة من العلماء التخصيص بالعقل، لأن المخصص يتأخر، ولأنه يلزم منه جواز النسخ بالعقل، ولأنه يؤدي للتعارض مع الشرع، وقد رد الغزالي والآمدي والعضد وغيرهم على هذه الحجج، وقال الفخر الرازي: "ومنهم من نازع في تخصيص العام بدليل العقل، والأشبه عندي أنه لا خلاف في المعنى، بل في اللفظ" "المحصول ج1 ق3/111" وقال الغزالي: "وهو نزاع في العبارة" "المستصفى 2/100". "وانظر: تيسير التحرير 1/273، العدة 2/547، الإحكام للآمدي 2/314، المستصفى 2/99، جمع الجوامع 2/24، البرهان 1/408، المعتمد 1/272، شرح تنقيح الفصول ص202، فواتح الرحموت 1/301، الروضة 2/244، المسودة ص118، نهاية السول 2/141، اللمع ص19، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/147، مختصر البعلي 122، مختصر الطوفي ص107، مباحث الكتاب والسنة ص212، إرشاد الفحول ص156". 7 الآية 16 من الرعد، والآية 62 من الزمر، وفي ش: "كل شيء". 8 انظر: نهاية السول 2/141، الإحكام للآمدي 2/314، المستصفى 2/99، جمع الجوامع 2/24، منهاج العقول 2/139، العدة 2/548، مختصر ابن الحاجب 2/147، المحصول ج1 ق3/111، شرح تنقيح الفصول ص202، اللمع ص19، إرشاد الفحول ص156، فواتح الرحموت 1/301.

وَمِثَالُ النَّظَرِيِّ: نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً} 1 فَإِنَّ الْعَقْلَ بِنَظَرِهِ اقْتَضَى عَدَمَ دُخُولِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ بِالتَّكْلِيفِ بِالْحَجِّ، لِعَدَمِ فَهْمِهِمَا2، بَلْ هُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْغَافِلِينَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ3. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: مَنَعَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الأَفْرَادِ بِالْعَقْلِ مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ اقْتَضَى عَدَمَ دُخُولِهِ فِي لَفْظِ الْعَامِّ, وَفَرَّقَ بَيْنَ عَدَمِ دُخُولِهِ فِي لَفْظِ الْعَامِّ، وَبَيْنَ خُرُوجِهِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ4، وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ مَا نَزَلَ مِنْ الْكِتَابِ عَامًّا5 يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ: إنَّ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي لَمْ6 يَدْخُلْ خُصُوصُهُ قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ 7 خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} 8

_ 1 الآية 97 من آل عمران. 2 في ش: فقههما. 3 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/147، المحصول ج1 ق3/111، الإحكام للآمدي 2/314، المستصفى 2/100، فواتح الرحموت 1/301، نهاية السول 2/141، المعتمد 1/272، العدة 2/548، الروضة 2/244، مختصر الطوفي ص107، إرشاد الفحول ص156. وفي ب: المكلفين. 4 يرى الشافعي أن ذلك من باب العام الذي أريد به الخصوص، قال الجويني: "أبى بعض الناس تسمية ذلك تخصيصاً، وهي مسألة قليلة الفائدة، ولست أراها خلافية" "البرهان 1/409"، ثم الجويني إلى أنه نزاع في العبارة كما نقلناه عن الرازي والغزالي، وأنهم جعلوا ذلك بياناً، وقد يقال لهم: إن التخصيص بيان. "انظر: المسودة ص118، الروضة 2/244، جمع الجوامع 2/25، المعتمد 1/272 وما بعدها، المحصول ج1 ق3/111، المستصفى 2/100، إرشاد الفحول ص156، مباحث الكتاب والسنة ص213". 5 في د ض ب: ما. 6 ساقطة من ب. 7 في ش: هو، وفي ض: إنه. 8 الآية 16 من الرعد، والآية 62 من الزمر.

{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} 1.قَالَ: فَهَذَا عَامٌّ لا خَاصٌّ2 فِيهِ، فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ سَمَاءٍ وَ3 أَرْضٍ وَذِي رُوحٍ وَشَجَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ4 تَعَالَى خَالِقُهُ، وَكُلُّ دَابَّةٍ فَعَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا5. اهـ. "وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ التَّخْصِيصِ "مُتَّصِلٌ" وَهُوَ مَا لا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، بَلْ مُرْتَبِطٌ بِكَلامٍ آخَرَ6. "وَهُوَ" أَيْ الْمُتَّصِلُ "أَقْسَامٌ": أَحَدُهَا: "اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ". أَمَّا الاسْتِثْنَاءُ7 فَمَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ8، وَهُوَ الْعَطْفُ، مِنْ قَوْلِهِ9: ثَنَيْتُ الْحَبْلَ أُثْنِيه10: إذَا عَطَفْت11 بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ, وَقِيلَ: مِنْ ثَنَّيْته عَنْ الشَّيْءِ: إذَا صَرَفْته عَنْهُ

_ 1 الآية 6 من هود. 2 في ش: الإخلاص. 3 في ض ع ب: أو. 4 في ش: فإن الله، والأعلى من ز ض ع ب، ومن "الرسالة". 5 الرسالة ص53-54. وانظر: مناقشة هذه المسألة في "الروضة 2/244، نزهة الخاطر 2/160، والمراجع السابقة في الهامش 1". 6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/9، نهاية السول 2/113، المعتمد 1/283، فواتح الرحموت 1/316، مختصر البعلي ص117، منهاج العقول 2/112. 7 في ض: الإنشاء. 8 في ض: الشيء. 9 في د: فقوله، وفي ز ض ب: نقول، وفي ع: تقول. 10 في ش: تثنيه. 11 في ش: عطف.

"وَهُوَ" أَيْ الاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ "إخْرَاجُ مَا" أَيْ إخْرَاجُ شَيْءٍ "لَوْلاهُ" أَيْ لَوْلا الاسْتِثْنَاءُ1 "لَوَجَبَ دُخُولُهُ" أَيْ دُخُولُ ذَلِكَ الشَّيْءِ "لُغَةً" أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ2. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ3: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِينَ4. فَعَلَى هَذَا لا يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءٌ 5 مِنْ النَّكِرَةِ, فَلا يُقَالُ: جَاءَنِي رِجَالٌ إلاَّ زَيْدًا، لاحْتِمَالِ أَنْ لا يُرِيدَ الْمُتَكَلِّمُ دُخُولَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ6. وَقِيلَ: إنَّ الاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ مَا لَوْلاهُ لَجَازَ دُخُولُهُ7. فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ8 الاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّكِرَةِ وَسَلَّمَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ9.

_ 1 في ض: استثناء. 2 انظر: المسودة ص159، 160، تخريج الفروع على الأصول ص67، شرح تنقيح الفصول ص256، القواعد والفوائد الأصولية ص246، مختصر الطوفي ص111، مختصر البعلي ص117. 3 في ش: التقي. 4 المسودة ص160، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص246. 5 في ش: استثناء. 6 المسودة ص159، نهاية السول 2/113، منهاج العقول 2/112، العدة 2/673. 7 انظر هذا القول والاستثناء في "المساعد على التسهيل 1/548، نهاية السول 2/113، المعتمد 1/260، منهاج العقول 2/112، المستصفى 2/163، التمهيد ص114، نهاية السول 2/113، العدة 2/659، 673، التلويح على التوضيح 2/284، كشف الأسرار 1/121، جمع الجوامع 2/9، المحصول ج1 ق3/38، الإحكام للآمدي 2/287، المسودة ص159، 160، الروضة 2/252، القواعد والفوائد الأصولية ص245، 246، الإحكام لابن حزم 1/397، مختصر البعلي ص117، شرح الورقات ص109، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/132، شرح تنقيح الفصول ص237، 256". 8 في ش: لا يصح. 9 انظر: العدة 2/525، المسودة ص159، مختصر البعلي ص118.

وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: إنْ وُصِفَتْ النَّكِرَةُ صَحَّ الاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا، وَإِلاَّ فَلا1. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: أَمَّا إذَا أَفَادَ الاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّكِرَةِ، كَاسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ من2 مُرَكَّبٍ فَيَجُوزُ، نَحْوُ اشْتَرَيْتُ عَبْدًا إلاَّ رُبُعَهُ، أَوْ دَارًا إلاَّ سَقْفَهَا. فَالاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّكِرَةِ إذَا لَمْ يُفِدْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلاً. وَلا يَكُونُ مُنْقَطِعًا لأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لا يَدْخُلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَطْعًا. وَقَوْلُهُ3 "بِإِلاَّ" مُتَعَلِّقٌ بِإِخْرَاجٍ، يَعْنِي أَنَّ الإِخْرَاجَ يَكُونُ بِإِلاَّ. "أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا" أَيْ أَخَوَاتِ "إلاَّ". وَأَدَوَاتُ الاسْتِثْنَاءِ الْمَشْهُورَةُ ثَمَانِيَةٌ4، مِنْهَا: حُرُفٌ5 بِاتِّفَاقٍ6، وَهِيَ "إلاَّ" أَوْ وَحُرُفٌ7 عَلَى الأَصَحِّ، وَهِيَ "حَاشَا" فَإِنَّهَا حَرْفٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ دَائِمًا, وَيُقَالُ فِيهَا8: حَاشَ وَحَشَا9.

_ 1 المساعد على التسهيل 1/589. 2 ساقطة من ش. 3 ساقطة من ز. 4 قال القرافي: "فائدة: آداواته أحد عشر: إلا وهي أم الباب، وغير وليس ولا يكون وحاشا وخلا وعدا وسوى وسوى وسواء، وما عدا وما خلا ولا سيما على خلاف فيها" "شرح تنقيح الفصول ص238". "وانظر: المستصفى 2/163، منهاج العقول 2/112، البرهان 1/380، المنخول ص154، الروضة 2/252، نهاية السول 2/113، تيسير التحرير 1/283، المحلي على جمع الجوامع 2/10، الإحكام للآمدي 2/288، الإحكام لابن حزم 1/297ن مختصر البعلي ص117، مختصر الطوفي ص111، القواعد والفوائد الأصولية ص245، العضد على ابن الحاجب 2/132". 5 في ش: حروف. 6 في ع ب: بالاتفاق. 7 في ش: أو حروف، وفي د ز: أو حرف. 8 ساقطة من ش. وقال ابن مالك: "وكثر فيها: حاش، وقل حشا وحاش" "المساعد على التسهيل1/585". 9 في ش ز ض ب: وحاشا، وانظر: المساعد على التسهيل 1/584.

وَمِنْهَا مَا هُوَ فِعْلٌ بِالاتِّفَاقِ، كَلا يَكُونُ، أَوْ فِعْلٌ عَلَى الأَصَحِّ، وَهِيَ "لَيْسَ". وَمِنْهَا: مَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحَرْفِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ1 بِحَسَبِ الاسْتِعْمَالِ، فَإِنْ نُصِبَ2 مَا بَعْدَهُ كَانَ فِعْلاً، وَإِنْ جُرَّ3 مَا بَعْدَهُ كَانَ حَرْفًا، وَهُوَ "خَلا" بِالاتِّفَاقِ، وَ "عَدَا" عِنْدَ غَيْر4ِ سِيبَوَيْهِ5. وَمِنْهَا: مَا هُوَ اسْمٌ، وَهُوَ "غَيْرُ" وَ "سِوَى" وَيُقَالُ فِيهِ "سُوَى" بِضَمِّ السِّينِ، وَ "سَوَاءً" بِفَتْحِهَا وَالْمَدِّ، وَبِكَسْرِهَا وَالْمَدِّ، سَوَاءٌ قُلْنَا هُوَ ظَرْفٌ، أَوْ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الأَسْمَاءِ6. ثُمَّ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الاسْتِثْنَاءِ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَادِرَيْنِ7 مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ8؛ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 9 فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إلاَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ" 10 فَإِنَّ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ

_ 1 في ب: الفعلية والحرفية. 2 في ز: نصبت. 3 في ز: جرت. 4 ساقطة من ش. 5 قال ابن مالك: "والتزم سيبويه فعلية "عدا" "المساعد على التسهيل 1/584". 6 انظر: المساعد 1/584. 7 في ش: منه صادراً. 8 وفي قول لا يشترط أن يكون المستثنى والمستثنى منه من متكلم واحد. "انظر: جمع الجوامع 2/10". 9 الآية 5 من التوبة، وأولها: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} الآية. 10 روى البخاري وأحمد عن المغيرة بن شعبة أنه قال لعامل كسرى: "أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية". قال الشوكاني: "قال العلماء: الحكمة في وضع الجزية أن الذي يلحقهم يحملهم على الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الاطلاع على محاسن الإسلام" "نيل الأوطار 8/60". "وانظر: صحيح البخاري 2/133 المطبعة العثمانية".

مُنْفَصِلٌ لا مُتَّصِلٌ1. وَقَدَّمَ هَذَا الْقَوْلَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ2. وَضَعَّفَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ مُقَابِلَهُ, وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَوْ قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو لِي عَلَيْك مِائَةٌ، فَقَالَ عَمْرٌو: إلاَّ دِرْهَمًا، لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى عَلَى الأَصَحِّ. وَأَمَّا قَوْلُ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يُخْتَلَى خَلاهُ": يَا رَسُولَ اللَّهِ إلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إلاَّ الإِذْخِرَ" 3 فَمُؤَوَّلٌ بِأَنَّ الْعَبَّاسَ أَرَادَ أَنْ يُذَكِّرَ4 رَسُولَ اللَّهِ5 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالاسْتِثْنَاءِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ، اتِّكَالاً عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ ذَلِكَ6 بِقَرِينَةٍ، وَفَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُرِيدُ اسْتِثْنَاءَهُ، وَلأَجْلِ ذَلِكَ أَعَادَ7 النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاسْتِثْنَاءِ8، فَقَالَ "إلاَّ

_ 1 يرى بعض العلماء أن الاستثناء من متكلم واحد، وهو الله تعالى، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغ عند ربه في المعنى. "انظر: البناني والمحلي على جمع الجوامع 2/10". 2 جمع الجوامع 2/20. 3 رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد عن ابن عباس مرفوعاً، ورواه أبو داود وأحمد عن أبي هريرة مرفوعاً، وأوله: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق الله السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ... " الحديث والإذخر نبات طيب الرائحة، والخلا: الحشيش، والقين: الحداد والصائغ، أي يحتاج إليه الحداد والصائغ في وقود النار، ويختلى أي يؤخذ. "انظر: صحيح البخاري 1/160 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 9/126، سنن أبي داود 1/465، سنن النسائي 5/161، سنن ابن ماجه 2/1038، مسند أحمد 1/259، 2/228". 4 في ش ز: يذكره. 5 في ض ع ب: النبي. 6 في ب: لذلك. 7 في ش: عاد. 8 في ش: إلى الاستثناء.

الإِذْخِرَ" وَلَمْ يَكْتَفِ بِاسْتِثْنَاءِ الْعَبَّاسِ وَهَذَا يُرْشِدُ إلَى اعْتِبَارِ كَوْنِهِ1 مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا "فَلا يَصِحُّ" الاسْتِثْنَاءُ "مِنْ نَكِرَةٍ" كَمَا تَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ2. "وَلا" يَصِحُّ3 الاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا "مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ" نَحْوُ: جَاءَ الْقَوْمُ إلاَّ حِمَارًا، لأَنَّ الْحِمَارَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقَوْمِ4، وَكَذَا: لَهُ عِنْدِي مِائَةُ دِرْهَمٍ إلاَّ دِينَارًا، وَنَحْوُهُ، وَهَذَا هُوَ5 الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ6 عَنْد7 الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاخْتِيَارُ الأَكْثَرَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ8. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنْ9 الآخَرِ، وَاخْتُلِفَ فِي

_ 1 في ز: اعتباره. 2 صفحة 282. وانظر: نهاية السول 2/113، منهاج العقول 2/112، المسودة ص159، مختصر البعلي ص118. 3 ساقطة من ش. 4 في ز: العموم. 5 ساقطة من ز ض ع ب. 6 ساقطة من ض. 7 في ش: عن. 8 اختاره الغزالي في "المنخول ص159" وقال الآمدي: "ومنعه الأكثرون" "الإحكام 2/291". "وانظر: البرهان 1/396، الشرح الكبير 5/309، العدة 2/673، الروضة 2/253، التبصرة ص165، القواعد والفوائد الأصولية ص256، مختصر الطوفي ص111، مختصر البعلي ص117، كشف الأسرار 3/131، المستصفى 2/167، تيسير التحرير 1/283، إرشاد الفحول ص146، الإفصاح 2/264". 9 في ع: عن.

مَأْخَذِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَقِيلَ: لأَنَّ النَّقْدَيْنِ كَالْجِنْسِ فِي الأَشْيَاءِ1، فَكَذَا فِي الاسْتِثْنَاءِ، وَقِيلَ: إنَّ2 كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الآخَرِ، وَقِيلَ: إنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا3. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ مُطْلَقًا، لأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَلُغَةِ الْعَرَبِ4. وَوَجْهُ عَدَمِ صِحَّةِ الاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ

_ 1 في ش ز ع: أشياء. 2 في ز ض ع ب: لأن. 3 وهو قول الإمام أبي حنيفة. "انظر: كشف الأسرار 3/136، العدة 2/677، الشرح الكبير 5/311، الإحكام للآمدي 2/297، المغني 5/114، مختصر البعلي ص117، مختصر الطوفي ص111، القواعد والفوائد الأصولية ص256، الإفصاح 2/264". 4 وهذا قول أبي الخطاب من الحنابلة، وقال الحنفية: يصح الاستثناء من غير الجنس إذا كان مكيلاً أو موززناً. ثم أنقسم أصحاب هذا القول –المجوزون للاستثناء من غير الجنس- إلى فرق، فقال أكثرهم: إن الاستثناء من غير الجنس مجاز، وهو رأي الشيرازي والغزالي وابن الحاجب والرازي والبيضاوي وابن السبكي والجويني والكمال بن الهمام والسرخسي والبردوي والبخاري صاحب "كشف الأسرار" وصدر الشريعة. وقال بعضهم: كالقاضي الباقلاني: إنه حقيقة. وقال آخرون: أنه لا يسمى حقيقة ولا مجازاً، وفي قول: إنه مشترك، وفي قول: الوقف. "انظر: جمع الجوامع 2/12، تيسير التحرير 1/283، 284، فواتح الرحموت 1/316، نهاية السول 2/114، البرهان 1/384، 397، 398، شرح الورقات ص111، المنخول ص159، المعتمد 1/262، مختصر ابن الحاجب 2/132، المحصول ج1 ق3/43، الإحكام لابن حزم 1/397، الإحكام للآمدي 2/291، كشف الأسرار 3/121، التوضيح على التنقيح 2/284، 300، العدة 2/673، اللمع ص24، المستصفى 2/167، 169، التبصرة ص165، إرشاد الفحول ص146، الإفصاح 2/264".

الاسْتِثْنَاءَ صَرْفُ اللَّفْظِ بِحَرْفِهِ عَمَّا يَقْتَضِيهِ لَوْلاهُ1, لأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ، تَقُولُ: ثَنَيْت فُلانًا عَنْ رَأْيِهِ، وَثَنَيْت عِنَانَ دَابَّتِي، و2 َلأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِهِ بِالأَوَّلِ، لِعَدَمِ اسْتِقْلالِهِ، وَإِلاَّ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ كُلِّ شَيْءِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، لاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَعْنًى عَامٍّ، وَلأَنَّهُ لَوْ قَالَ: جَاءَ النَّاسُ إلاَّ الْكِلابَ وَإِلاَّ الْحَمِيرَ، عُدَّ قَبِيحًا لُغَةً وَعُرْفًا، وَلأَنَّهُ تَخْصِيصٌ، فَلا يَصِحُّ فِي غَيْرِ دَاخِلٍ3. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {إلاَّ رَمْزًا} 4، {أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} 5 {مِنْ عِلْمٍ إلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 6 {مِنْ سُلْطَانٍ إلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ} 7 وَقَوْلُ الْعَرَبِ مَا بِالدَّارِ أَحَدٌ إلاَّ زَيْدٌ، وَمَا جَاءَنِي زَيْدٌ إلاَّ عَمْرٌو8.

_ 1 ساقطة من ض. 2 ساقطة من ش. 3 انظر أدلة الحنابلة في منع الاستثناء من الجنس في "العدة 2/673 وما بعدها، الروضة 2/254، المحصول ج1 ق3/43، الإحكام للآمدي 2/292، المستصفى 2/170، مختصر الطوفي ص111". 4 الآية 41 من آل عمران، وأول الآية: {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} الآية. 5 الآية 92 من النساء، وأول الآية: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً} الآية فاستثنى الخطأ من القتل وهو ليس من جنسه. "انظر: الإحكام للآمدي 2/294". 6 الآية 157 من النساء. استثنى الظن من العلم، والظن ليس من جنس العلم. "انظر: المحصول ج1 ق3/46، الإحكام للآمدي 2/293، 296". 7 الآية 22 من إبراهيم، وأول الآية: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ} الآية. 8 هذه بعض أدلة الجمهور في جواز الاستثناء من غير الجنس، وهناك أدلة كثيرة ذكروها في كتبهم. "انظر: المعتمد 1/262، المحصول ج1 ق3/45، الإحكام للآمدي 2/293، كشف الأسرار 3/133، البرهان 1/398، المنخول ص159، شرح الورقات ص111، التبصرة ص165، اللمع ص24، نهاية السول 2/114، الروضة 2/254، المستصفى 2/167 وما بعدها، 209، العدة 2/672".

وَأُجِيبَ بِأَنَّ "إلاَّ" فِي ذَلِكَ1: بِمَعْنَى "لَكِنْ" عِنْدَ النُّحَاةِ، مِنْهُمْ: الزَّجَّاجُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ2 قَوْلِ سِيبَوَيْهِ وَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَأْتِ إلاَّ بَعْدَ نَفْيٍ، أَوْ بَعْدَ إثْبَاتٍ بَعْدَ جُمْلَةٍ3. "وَالْمُرَادُ" مِنْ قَوْلِ4 الْمُقِرِّ5 "بِعَشَرَةٍ إلاَّ ثَلاثَةً سَبْعَةٌ وَ" أَدَاةُ6 الاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ "إلاَّ" فِي هَذَا الْمِثَالِ "قَرِينَةٌ مُخَصِّصَةٌ". اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَقْدِيرِ دَلالَةِ الاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَذَاهِبَ: فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ 7 أَنَّ8 إلاَّ قَرِينَةٌ9 مُخَصِّصَةٌ10. وَمَنْشَأُ11 الْخِلافِ: الإِشْكَالُ فِي مَعْقُولِيَّةِ الاسْتِثْنَاءِ، فَإِنَّك إذَا قُلْتَ: قَامَ

_ 1 في ع: بذلك. 2 ساقطة من ز ض ع ب. 3 انظر: المغني 5/113، مختصر الطوفي ص111، الروضة 2/254، البرهان 1/398، المحصول ج1 ق3/50، فواتح الرحموت 1/316، العدة 2/676. 4 في ش: قوله. 5 في ش ز: من أقر. 6 في ش: وأدوات، وفي ض: أو أداة. 7 في ش: الأكثرين. 8 ساقطة من ش. 9 في ش ز ض ع: لا. وانظر: مختصر ابن الحاجب 2/134. 10 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/134، جمع الجوامع 2/14، فواتح الرحموت 1/316، تيسير التحرير 1/289، التلويح على التوضيح 2/285، تخريج الفروع على الأصول ص67، التمهيد ص116، القواعد والفوائد الأصولية ص246، مختصر البعلي ص117، نهاية السول 2/120، البرهان 1/401، إرشاد الفحول ص146. 11 في ش: الإشكال: الخلاف.

الْقَوْمُ إلاَّ زَيْدًا, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ دَخَلَ فِيهِمْ، فَكَيْفَ أُخْرِجَ؟ هَذَا1 وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ إخْرَاجٌ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ، فَقَدْ تَنَاقَضَ أَوَّلُ الْكَلامِ وَآخِرُهُ2. وَكَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلاَّ دِرْهَمًا، بَلْ أَبْلَغُ، لأَنَّ الْعَدَدَ نَصٌّ فِي مَدْلُولِهِ الْعَامِّ فِيهِ3 وَالْعَامُّ: فِيهِ4 الْخِلافُ السَّابِقُ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِ الاسْتِثْنَاءِ مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ، لأَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى هَذَا5 التَّقْدِيرِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَلَكِنْ قَدْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ الَّذِي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، فَتَكُونَ "إلاَّ" قَرِينَةً بَيَّنَتْ أَنَّ الْكُلَّ اُسْتُعْمِلَ، وَأُرِيدَ بِهِ الْجُزْءَ مَجَازًا6، وَعَلَى هَذَا: فَالاسْتِثْنَاءُ مُبَيِّنٌ لِغَرَضِ الْمُتَكَلَّمِ بِهِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ7عَشَرَةٌ، كَانَ ظَاهِرًا، وَيَحْتَمِلُ إرَادَةَ بَعْضِهَا مَجَازًا، فَإِذَا قَالَ: إلاَّ ثَلاثَةً، فَقَدْ تَبَيَّنَ8 أَنَّ مُرَادَهُ بِالْعَشَرَةِ سَبْعَةٌ فَقَطْ، كَمَا فِي سَائِرِ الْمُخَصِّصَاتِ9. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: الاسْتِثْنَاءُ إخْرَاجُ مَا تَنَاوَلَهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ، كَالتَّخْصِيصِ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ, وَفِي التَّمْهِيدِ: مَا لَوْلاهُ لَدَخَلَ فِي اللَّفْظِ

_ 1 ساقطة من د. 2 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/135. 3 ساقطة من ش ز ع ض ب. 4 في ش: عند. 5 ساقطة من ش ز. 6 في ب: مجاز. 7 ساقطة من ش. 8 في ز ع ض ب: بين. 9 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/135، تخريج الفروع على الأصول ص68، التمهيد ص116.

كَالتَّخْصِيصِ، وَمُرَادُهُ1 الأَوَّلُ2. وَاسْتَنْكَرَ أَبُو الْمَعَالِي هَذَا الْمَذْهَبَ، وَقَالَ: لا يَعْتَقِدُهُ لَبِيبٌ3. وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي -وَبِهِ قَالَ الْبَاقِلاَّنِيُّ-: إنَّ نَحْوَ عَشَرَةٍ إلاَّ ثَلاثَةً مَدْلُولُهُ4 سَبْعَةٌ، لَكِنْ لَهُ لَفْظَانِ، أَحَدُهُمَا مُرَكَّبٌ، وَهُوَ عَشَرَةٌ إلاَّ ثَلاثَةً، وَاللَّفْظُ الآخَرُ سَبْعَةٌ5، وَقَصَدَ بِذَلِكَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ التَّخْصِيصِ بِدَلِيلٍ مُتَّصِلٍ، فَيَكُونَ الْبَاقِي فِيهِ حَقِيقَةً، أَوْ بِمُنْفَصِلٍ6، فَيَكُونَ تَنَاوَلَ اللَّفْظَ لِلْبَاقِي7 مَجَازًا8. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجٌ لِشَيْءٍ9 دَلَّ عَلَيْهِ صَدْرُ الْجُمْلَةِ بِالْمُعَارَضَةِ، فَمَعْنَى عَشَرَةٍ إلاَّ ثَلاثَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ10.

_ 1 في ش: ورده. 2 في ش ز: كالأول. 3 البرهان 1/401، وانظر: إرشاد الفحول ص147. 4 في ش: مدلول. 5 اختار هذا القول إمام الحرمين الجويني. "انظر: البرهان 1/400، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/134، 135، فواتح الرحموت 1/320، تيسير التحرير 1/291، التلويح على التوضيح 2/286، شرح تنقيح الفصول ص231، التمهيد ص116، مختصر البعلي ص117، إرشاد الفحول ص147". 6 في ز ع ب: بالمنفصل. 7 في ش ز ع ض: الباقي. 8 أي أن الاستثناء ليس بتخصيص على رأي القاضي الباقلاني، كما سيذكره المصنف، وسبق بيان آراء العلماء في الاستثناء المنقطع، هل هو حقيقة أم مجاز "ص287". "وانظر: نهاية السول 2/120، جمع الجوامع 2/14، فواتح الرحموت 1/320، التمهيد ص116، القواعد والفوائد الأصولية ص246". 9 في ض ب: شيء. 10 أي أن لفظ الاستثناء يوجب انعدام المستثنى منه في القدر المستثنى مع باء العموم بطريق المعارضة كالتخصيص، إلا أن الاستثناء متصل بالكلام، والتخصيص منفصل. "انظر: تخريج الفروع على الأصول ص67". وفي هامش ش: كذا بالأصل وليحرر.

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ -وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ-: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِهِ، وَلَكِنْ لا يُحْكَمُ بِمَا أُسْنِدَ إلَيْهَا إلاَّ بَعْدَ إخْرَاجِ الثَّلاثَةِ مِنْهَا، فَفِي اللَّفْظِ أُسْنِدَ الْحُكْمُ إلَى عَشَرَةٍ وَفِي الْمَعْنَى إلَى سَبْعَةٍ1. وَعَلَى هَذَا: فَلَيْسَ الاسْتِثْنَاءُ مُبَيِّنًا لِلْمُرَادِ الأَوَّلِ2، بَلْ بِهِ3 وَبِمَا يَحْصُلُ الإِخْرَاجُ، وَلَيْسَ هُنَاكَ إلاَّ الإِثْبَاتُ، وَلا نَفْيَ أَصْلاً، فَلا تَنَاقُضَ4. فَالاسْتِثْنَاءُ عَلَى قَوْلِ الْبَاقِلاَّنِيِّ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ، لأَنَّ التَّخْصِيصَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ5، وَهُنَا لَمْ يُرِدْ بِالْعَامِّ بَعْضَ أَفْرَادِهِ، بَلْ الْمَجْمُوعَ6 الْمُرَكَّبَ، وَأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الأَكْثَرِينَ تَخْصِيصٌ لِمَا فِيهِ مِنْ قَصْرِ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ7. وَأَمَّا عَلَى8 الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا، نَظَرًا إلَى كَوْنِ الْحُكْمِ فِي الظَّاهِرِ لِلْعَامِّ، وَالْمُرَادُ الْمَخْصُوصُ9، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لا10 يَكُونَ تَخْصِيصًا؛

_ 1 وافق على هذا الرأي ابن السبكي والصفي الهندي. انظر هذا الرأي مع أدلته ومناقشته في "نهاية السول 2/120، مختصر ابن الحاجب 2/134، جمع الجوامع 2/13، فواتح الرحموت 1/318، تيسير التحرير 1/290، التلويح على التنقيح 2/286، 288". 2 في ز ع ب: بالأول. 3 في ش: به وبما. 4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/134، 136، التهميد ص116، إرشاد الفحول ص147. 5 ساقطة من ض. 6 في ض ب: بالمجموع. 7 انظر: نهاية السول 2/120، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/135، 136، القواعد والفوائد الأصولية ص246، التمهيد ص116، مختصر البعلي ص117، مختصر الطوفي ص111، اللمع ص23، إرشاد الفحول ص147. 8 ساقطة من ش. 9 في ش ب: المخصوص. 10 ساقطة من ش ب.

نَظَرًا إلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْمُسْتَثْنَى1 مِنْهُ تَمَامُ مُسَمَّاهُ2. فَوَائِدُ: ذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ3 إحْدَاهَا4: أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: مَا لَوْلاهُ لَعُلِمَ دُخُولُهُ، كَالاسْتِثْنَاءِ مِنْ النُّصُوصِ، مِثْلُ: عِنْدِي عَشَرَةٌ إلاَّ ثَلاثَةً. وَالثَّانِي: مَا لَوْلاهُ5 لَظُنَّ دُخُولُهُ، كَالاسْتِثْنَاءِ مِنْ الظَّوَاهِرِ، نَحْوُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلاَّ زَيْدًا. وَالثَّالِثُ: مَا لَوْلاهُ لَجَازَ دُخُولُهُ، كَالاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْمُحَالِ وَالأَزْمَانِ وَالأَحْوَالِ، كَأَكْرِمْ رَجُلاً إلاَّ زَيْدًا أَوْ6 عَمْرًا، وَصَلِّ7 إلاَّ عِنْدَ الزَّوَالِ وقَوْله تَعَالَى: {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ، إلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} 8

_ 1 في ش: من المستثنى. 2 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/135، 136، التلويح على التوضيح 2/286، التمهيد ص116، إرشاد الفحول ص147. 3 شرح تنقيح الفصول ص256 "بتصرف". 4 في ب: أحدها. 5 ساقطة من ز ض ع ب. 6 في ض ع ب: و. وكذا في "شرح تنقيح الفصول". 7 في ش ز ض: ومثل. 8 الآية 66 من يوسف.

وَالرَّابِعُ: مَا لَوْلاهُ لَقُطِعَ بِعَدَمِ دُخُولِهِ كَالاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ كَقَامَ الْقَوْمُ إلاَّ حِمَارًا. الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: يَقَعُ الاسْتِثْنَاءُ فِي عَشَرَةِ أُمُورٍ اثْنَانِ يَنْطِقُ بِهِمَا وَثَمَانِيَةٌ لا يَنْطِقُ بِهَا وَقَعَ الاسْتِثْنَاءُ1 مِنْهَا، مِمَّا2 يُنْطَقُ بِهَا مِنْ3 الأَحْكَامِ وَالصِّفَاتِ, فَالأَحْكَامُ: قَامَ الْقَوْمُ إلاَّ زَيْدًا، وَالصِّفَاتُ4: قَوْلُ الشَّاعِرِ: قَاتَلَ ابْنَ الْبَتُولِ إلاَّ عَلِيًّا5 يُرِيدُ الْحُسَيْنَ ابْنَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا6.وَمَعْنَى "الْبَتُولِ" الْمُنْقَطِعَةُ، قِيلَ: عَنْ النَّظِيرِ وَالشَّبِيهِ، وَقِيلَ عَنْ الأَزْوَاجِ إلاَّ عَنْ عَلِيٍّ، فَاسْتَثْنَى مِنْ صِفَاتِهَا لا مِنْهَا. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى} 7 اسْتَثْنَوْا مِنْ صِفَتِهِمْ الْمَوْتَةَ الأُولَى لا مِنْ ذَوَاتِهِمْ8. وَالاسْتِثْنَاءُ مِنْ الصِّفَةِ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مِنْ9 مُتَعَلِّقِهَا، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ الْمُتَقَدِّمِ، مُتَعَلِّقَهُ10 التَّبَتُّلِ،

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ز: فيما، وفي ع ب: فما، وفي "شرح تنقيح الفصول": أما اللذان. 3 ساقطة من ز ض ع ب، وفي "شرح تنقيح الفصول": فهما. 4 في ش: والصفة. 5 في ب: عبيداً. 6 ساقطة من ش ز ع ض، وأثبتناها من "شرح تنقيح الفصول. 7 الآيتان 58-59 من الصافات. 8 شرح تنقيح الفصول ص257. 9 في ض ع ب: عن. 10 في ض ع: متعلق.

وَثَانِيهَا: مِنْ بَعْضِ أَنْوَاعِهَا كَالآيَةِ، لأَنَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى أَحَدُ أَنْوَاعِ الْمَوْتِ. وَثَالِثُهَا: أَنْ يُسْتَثْنَى بِجُمْلَتِهَا لا بِتَرْكِ1 شَيْءٍ مِنْهَا2، كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلاَّ وَاحِدَةً ... وَالثَّمَانِيَةُ الْبَاقِيَةُ التي3 لا يُنْطَقُ بِهَا، وَيَقَعُ الاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا: أَحَدُهَا: الأَسْبَابُ، نَحْوُ لا عُقُوبَةَ إلاَّ بِجِنَايَةٍ. وَالثَّانِي: الشُّرُوطُ4، نَحْوُ5 لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ. وَالثَّالِثُ: الْمَوَانِعُ، نَحْوُ6 لا تَسْقُطُ الصَّلاةُ عَنْ الْمَرْأَةِ إلاَّ بِالْحَيْضِ. وَالرَّابِعُ: الْمُحَالُ، نَحْوُ7 أَكْرِمْ رَجُلاً إلاَّ زَيْدًا وَعَمْرَوًا وَبَكْرًا، فَإِنَّ كُلَّ شَخْصٍ هُوَ مَحِلُّ الأَعَمِّيَّةِ8 وَالْخَامِسُ: الأَحْوَالُ، نَحْوُ9 قَوْله تَعَالَى: {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} 10أَيْ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ إلاَّ فِي حَالَةِ الإِحَاطَةِ بِكُمْ11، فَإِنِّي أَعْذِرُكُمْ.

_ 1 في ع ب: يترك، وكذا في "شرح تنقيح الفصول". 2 في ز ض ع ب: منها شيء، وكذا في "شرح تنقيح الفصول". 3 ساقطة من جميع النسخ، وأثبتناها من "شرح تنقيح الفصول". 4 ساقطة من ب. 5 ساقطة من ز ض ع ب. 6 ساقطة من ز ض ع ب. 7 ساقطة من ض ع ب. 8 في "شرح تنقيح الفصول": لأعمه. 9 ساقطة من ز ض ع ب. 10 الآية 66 من يوسف. 11 ساقطة من جميع النسخ، وأثبتناها من "شرح تنقيح الفصول".

وَالسَّادِسُ: الأَزْمَانُ، نَحْوُ1 صَلِّ إلاَّ عِنْدَ الزَّوَالِ. وَالسَّابِعُ: الأَمْكِنَةُ، نَحْوُ2 صَلِّ إلاَّ عِنْدَ الْمَزْبَلَةِ وَنَحْوِهَا. وَالثَّامِنُ: مُطْلَقُ الْوُجُودِ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْخُصُوصِيَّاتِ، نَحْوُ3.قَوْله تَعَالَى: {إنْ هِيَ إلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} 4 أَيْ لا حَقِيقَةَ لِلأَصْنَامِ أَلْبَتَّةَ، إلاَّ أَنَّهَا لَفْظٌ مُجَرَّدٌ، فَاسْتَثْنَى اللَّفْظَ مِنْ مُطْلَقِ الْوُجُودِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّفْيِ، أَيْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا وُجُودٌ, أَلْبَتَّةَ إلاَّ عِنْدَ5 وُجُودِ اللَّفْظِ، وَلا شَيْءَ وَرَاءَهُ. فَهَذِهِ الثَّمَانِيَةُ لَمْ, يُذْكَرْ فِيهَا6 الاسْتِثْنَاءُ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ7 بِمَا يُذْكَرُ بَعْدَ الاسْتِثْنَاءِ فَرْدٌ8 مِنْهَا، فَيُسْتَدَلُّ9 بِذَلِكَ الْفَرْدِ عَلَى جِنْسِهِ وَهُوَ10 الْكَائِنُ بَعْدَ11 الاسْتِثْنَاءِ, وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ12 أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ كُلُّهَا اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ، لأَنَّهُ مِنْ الْجِنْسِ، وَحُكِمَ بِالنَّقِيضِ بَعْدَ إلاَّ, فَهَذَانِ13 الْقَيْدَانِ وَافِيَانِ بِحَقِيقَةِ الْمُتَّصِلِ14. اهـ.

_ 1 ساقطة من ز ض ع ب. 2 ساقطة من ز ض ع. 3 ساقطة من ض ب. 4 الآية 23 من النجم. 5 في ز: في، وساقطة من ض ع ب. 6 في ش: ينكروا فيها، وفي"شرح تنقيح الفصول": تذكر قبل. 7 في "شرح تنقيح الفصول": تعلم. 8 في "شرح تنقيح الفصول": وهو فرد. 9 في ض: ليستدل. 10 ساقطة من ش، وفي ب: هو، وفي "شرح تنقيح الفصول": وأن جنسه هو. 11 في هامش "شرح تنقيح الفصول": لعلها. 12 ساقطة من ب. 13 في ز ض ع ب: وهذان، وكذا في "شرح تنقيح الفصول". 14 شرح تنقيح الفصول ص256-258.

"وَشُرُوطُهُ" 1 أَيْ شُرُوطُ2 الاسْتِثْنَاءِ3 "اتِّصَالٌ مُعْتَادٌ 4 ". ثُمَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الاتِّصَالُ الْمُعْتَادُ "لَفْظًا" كَذِكْرِ الْمُسْتَثْنَى عَقِبَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، "أَوْ" يَكُونَ الاتِّصَالُ الْمُعْتَادُ "حُكْمًا" كَانْقِطَاعِهِ عَنْهُ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ عُطَاسٍ, وَيَأْتِي بِهِ عَقِبَ ذَلِكَ، فَيُشْتَرَطَ ذَلِكَ "كَبَقِيَّةِ التَّوَابِعِ5". وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: "يَصِحُّ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ"6

_ 1 في ز ض ع ب: وشرطه. 2 في ز: وشرطه، وفي ض ع ب: وشرط. 3 في ب: للاستثناء. 4 في ش: معناه. وهناك شروط كثيرة مفصلة، ذكر المنصف بعضها فيما يلي، واغفل بعضها الآخر، قد ذكرها علماء الأصول."انظر: المسودة ص153، العدة 2/660، مختصر البعلي ص118، مختصر الطوفي ص111، القواعد والفوائد الأصولية ص251، الروضة 2/253، المغنى 9/522، التمهيد ص116، نهاية السول 2/117، منهاج العقول 2/114، اللمع ص23، شرح تنقيح الفصول ص242، البرهان1/385، شرح الورقات ص110، التبصرة ص162، المنخول ص157، تيسير التحرير 1/297، المعتمد 1/260، مختصر ابن الحاجب 2/137، المستصفى 2/165، الإحكام للآمدي 2/289، فواتح الرحموت 1/321، إرشاد الفحول ص147، الشرح الكبير 5/305، جمع الجوامع 2/10، المحصول ج1 ق3/39". 5 قال الإمام مالك: "أحسن ما سمعت في الثنيا أنها لصاحبها ما لم يقطع كلامه، وما كان في ذلك نسقاً، يتبع بعضه بعضاً، قبل أن يسكت، فإن سكت وقطع كلامه فلا ثنيا له". "الموطأ ص295 ط الشعب". "وانظر: المحصول ج1 ق3/40، الإحكام للآمدي 1/289، جمع الجوامع 2/10، فواتح الرحموت 1/321، مختصر البعلي ص118، نزهة الخاطر 2/177، القواعد والفوائد الأصولية ص251، نهاية السول 2/117، شرح تنقيح الفصول ص242، مختصر ابن الحاجب 2/137، شرح الورقات ص110، المعتمد 1/261، تيسير التحرير 1/297، إرشاد الفحول ص147". 6 نقله عن ابن عباس المازني. "انظر: التبصرة ص162، نهاية السول 2/117، القواعد والفوائد الأصولية ص251، البرهان 1/385، جمع الجوامع 2/11، فواتح الرحموت 1/321، تيسير التحرير 1/297، المسودة ص152، مختصر البعلي ص117، مختصر الطوفي ص111، شرح تنقيح الفصول ص243، إرشاد الفحول ص148، الكشاف 2/480".

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَرَوَى سَعِيدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ1 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّهُ كَانَ يَرَى الاسْتِثْنَاءَ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ". الأَعْمَشُ مُدَلِّسٌ وَمَعْنَاهُ قَوْلُ. طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا "إلَى سَنَتَيْنِ"2. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا "أَنَّهُ يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ إلَى شَهْر3ٍ". وَرُوِيَ عَنْهُ "يَصِحُّ أَبَدًا" كَمَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ، وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ4. لَكِنْ حَمَلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَلامَ ابْنِ عَبَّاسٍ, رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, عَلَى نِسْيَانِ قَوْلِ "إنْ شَاءَ اللَّهُ" مِنْهُمْ الْقَرَافِيُّ5.

_ 1 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص251، ميزان الاعتدال 2/224، الكشاف 2/480. 2 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص251، جمع الجوامع 2/11، إرشاد الفحول ص148. 3 نقله عنه الآمدي وابن الحاجب وابن السبكي وغيرهم. "انظر: نهاية السول 2/117، مختصر ابن الحاجب 2/137، الإحكام للآمدي 2/289، جمع الجوامع 2/10، تيسير التحرير 1/297، فواتح الرحموت 1/321، منهاج العقول 2/115، القواعد والفوائد الأصولية ص251، المعتمد 1/261، إرشاد الفحول ص148". 4 رواه الحاكم في "المستدرك 4/303". "وانظر: تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص308، نهاية السول 2/117، جمع الجوامع 2/11، المسودة ص152، فواتح الرحموت 1/321، تيسير التحرير 1/297، مختصر البعلي ص118، الروضة 2/253، القواعد والفوائد الأصولية ص251، إرشاد الفحول ص148". 5 استدل العلماء لقول ابن عباس بقوله صلى الله عليه وسلم: "لأغزون قريشاً" ثم سكت، ثم قال: "إن شاء الله"، ولما روي أنه عليه الصلاة والسلام سأله اليهود عن لبث أصحاب الكهف، فقال: "غداً أجيبكم"، فتأخر الوحي إلى بضعة عشر يوماً ثم نزل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً، إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} الكهف23-24، فقال: "إنشاء الله"، أي أن التعليق على مشيئة الله. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص243، منهاج العقول 2/115، التبصرة ص162، القواعد والفوائد الأصولية ص252، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/137، 138، إرشاد الفحول ص148"

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقُولَ الْحَالِفُ "إنْ شَاءَ اللَّهُ" وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ1: إنَّهُ لا يَثْبُتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ2، ثُمَّ قَالَ: إنْ

_ 1 هو محمد بن عمر بن أحمد، الحافظ الكبير، شيخ الإسلام، أبو موسى، المدني الأصفهاني، انتهى إليه التقدم في الحديث مع الإسناد، وكان أوحد زمانه، وشيخ وقته في الإسناد والحفظ والثقة والإتقان والدين والصلاح والضبط والتواضع، وقرأ القراءات العشر، ومهر النحو واللغة، وله المصنفات الكثيرة، منها: "معرفة الصحابة" و "الأخبار الطوالات" و "المغيث" تتمة كتاب "الغريبين للهروي" و "اللطائف في المعارف" و "عوالي التابعين" وغيرها، توفي سنة 581 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/160، تذكرة الحفاظ 4/1334، طبقات القراء للجزري 2/215، طبقات الحفاظ ص475، شذرات الذهب 4/273، وفيات الأعيان 3/414، مرآة الجنان 3/453، البداية النهاية 12/318". 2 هذا رأي أكثر العلماء، وقالوا: إن صح فمؤول، واختلفوا في تأويله على أقوال كما ذكر المصنف، قال الشيرازي: "فالظاهر أنه لا يصح عنه، وهو بعيد" "اللمع ص23". وقال الجويني: "والجه اتهام المناقل وحمل النقل على انه خطأ، أو مختلق مخترع" "البرهان 1/386"، وقال الغزالي: "والجه تكذيب الناقل، فلا يظن به ذلك" "المنخول ص157"، ولكن الشوكاني قال: "إنها ثابتة في "مستدرك" الحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين بلفظ: "إذا حلف الرجل على يمين فله أن يستثنى إلى سنة" وقد روى عنه هذا غير الحاكم من طرق، كما ذكر أبو موسى المدني وغيره ثم يقول: "فالرواية عن ابن عباس قد صحت، ولكن الصحيح خلاف ما قاله" "إرشاد الفحول ص148". "وانظر: المحصول ج1 ق3/40، الإحكام للآمدي 2/291، المستصفى 2/165، فواتح الرحموت 1/321، تيسير التحرير 1/297، المعتمد 1/261، مختصر ابن الحاجب 2/137".

صَحَّ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَعْنَى: إذَا نَسِيتَ الاسْتِثْنَاءَ فَاسْتَثْنِ إذَا ذَكَرْت. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ أَجَازَهُ بعد1 أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ2. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: يَصِحُّ اتِّصَالُهُ بِالنِّيَّةِ، وَانْقِطَاعُهُ لَفْظًا، فَيُدَيَّنُ3. قَالَ4 الآمِدِيُّ: فَلَعَلَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ5. وَعَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَصِحُّ فِي الْيَمِينِ مُتَّصِلاً فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ إذَا لَمْ يَخْلِطْ كَلامَهُ بِغَيْرِهِ6. وَعَنْهُ أَيْضًا: وَفِي الْمَجْلِسِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ, وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ7.

_ 1 ساقطة من ع ب. 2 انظر: جمع الجوامع 2/11، مختصر البعلي ص118، إرشاد الفحول ص 148، مناهج العقول 2/115، الكشاف 2/480. 3 أي يجوز الانفصال بالاستثناء إذا نواه متصلاً ثم أظهر النية بعد ذلك فإنه يصدق ديانة، وهذا تأويل الفخر الرازي لقول ابن عباس رضي الله عنهما إن صح عنه. "انظر: المحصول ج 1 ق 3/40، مناهج العقول 2/115، شرح تنقيح الفصول ص 242، المنخول ص 157، البرهان 1/387، الإحكام للآمدي 2/289، المستصفى 2/165، القواعد والفوائد الأصولية ص 251". 4 في ع: وقال. 5 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/137، المحصول ج1 ق3/4، جمع الجوامع 2/11، القواعد والفوائد الأصولية ص 251. 6 انظر: العدة 2/661، المسودة ص152،القواعد والفوائد الأصولية ص252، مختصر البعلي ص 118. 7 أي يجوز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه بالزمن اليسير مادام في المجلس. "انظر: المسودة ص 152، 153، الروضة 2/253، مختصر البعلي ص 118، التبصرة ص 162، جمع الجوامع 2/11، المغني 9/523، فتح الرحموت 1/321، تيسر التحرير 1/298، إرشاد الفحول ص 148، الكشاف 2/480".

وَقِيلَ: يَصِحُّ مَا لَمْ يَأْخُذْ فِي كَلامٍ آخَرَ1. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ: يَصِحُّ وَلَوْ تَكَلَّمَ. وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ خَاصَّةً, وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلامَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ2. وَاسْتَدَلَّ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ؛ وَلِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" وَلَمْ يَقُلْ: أَوْ3 لِيَسْتَثْنِ4. وَكَذَلِكَ لَمَّا أَرْشَدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَيُّوبَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ بِقَوْلِهِ: {وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} 5 جَعَلَ طَرِيقَ بِرِّهِ ذَلِكَ6.

_ 1 انظر: جمع الجوامع 2/11، مختصر البعلي ص118. 2 ذكر الشيرازي قولاً آخر فقال: "وحكي عن قوم جواز إذا أورد معه كلام يدل على أن ذلك استثناء مما تقدم، وهو أن يقول: "جاء الناس"، ثم يقول بعد زمان "إلا زيداً، وهو استثناء مما كنت قلت "اللمع ص23". "وانظر: مناهج العقول 2/115، البرهان 1/386، 387، المنخول ص157، مختصر ابن الحاجب 2/137، الإحكام للآمدي 2/289،290، ومابعدها، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/11، 12، فواتح الرحموت 2/321، 323، تيسير التحرير 1/299، العدة 2/663". 3 في ع: و. 4 انظر: المعني 9/523، فواتح الرحموت 1/322، تيسر التحرير 1/298، العدة 2/661، مناهج العقول 2/115، مختصر ابن الحاجب 2/137، الإحكام للآمدي 2/289، إرشاد الفحول ص 148. وفي ب: يستثنى. 5 الآية 44 من سورة ص. وفي ب: فخذ ... 6 انظر مزيداً من أدلة العلماء الاتصال بين للمستثنى والمستثنى منه في "الروضة 2/253، التبصرة ص 163 وما بعدها، المحصول ج1 ق3/41، مختصر ابن الحاجب 2/137، فواتح الرحموت 1/321، تيسير التحرير 1/298".

وَفِي تَارِيخِ بَغْدَادَ لابْنِ النَّجَّارِ1: أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ أَرَادَ الْخُرُوجَ مَرَّةً مِنْ بَغْدَادَ، فَاجْتَازَ بَعْضَ2 الطَّرِيقِ، وَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَى رَأْسِهِ سَلَّةٌ فِيهَا بَقْلٌ، وَهُوَ يَقُولُ لآخَرَ: مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَرَاخِي3 الاسْتِثْنَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَلَوْ صَحَّ لَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} 4 بَلْ كَانَ يَقُولُ لَهُ: اسْتَثْنِ، وَلا حَاجَةَ إلَى التَّوَسُّلِ إلَى الْبِرِّ بِذَلِكَ، فَقَالَ5 الشَّيْخُ6 أَبُو إِسْحَاقَ: بَلْدَةٌ فِيهَا رَجُلٌ يَحْمِلُ الْبَقْلَ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: لا تَسْتَحِقُّ7 أَنْ يُخْرَجُ مِنْهَا. وَمِنْ لَطِيفِ مَا يُحْكَى: أَنَّ الرَّشِيدَ8 اسْتَدْعَى أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ

_ 1 هو محمد بن محمود بن الحسن، محب الدين، أبو عبد الله، ابن النجار البغدادي، كان حافظاً ثقة مؤرخاً، وكان من أعيان الحفاظ الثقات، مع الدين والصيانة والفهم وسعة الرواية، سمع الحديث بأصبهان ونيسابور وهراة ودمشق ومصر، وله المصنفات الكثيرة النافعة التي تدل على سعة علمه وفهمه وفضله، منها "تاريخ بغداد" وه ذيل على "تاريخ بغداد" للخطيب، في ثلاثين مجلداً، وهو "المؤتلف" ذيل على ابن ماكولا، و "المتفق" و "الأنساب" و "الكمال" في الرجال، و "تاريخ المدينة" و "مناقب الشافعي" توفي سنة 643هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/98، طبقات الحافظ ص449، تذكرة الحفاظ 4/1428، مرآة الجنان 4/111، البداية والنهاية 13/169، فوائد الوفيات 2/522، مفتاح السعادة 1/259". وفي ع: ابن البخاري. 2 في ز ض ع ب: في بعض. 3 ساقطة من ض. 4 الآية 44 من سورة ص. 5 في ض: قال. 6 ساقطة من ب. 7 في ش ض ع ب: يستحق. 8 هو الخليفة هارون المهدي محمد بن المنصور، خامس خلفاء بني العباس وأشهرهم، تولى الخلافة سنة 170هـ، وكان من أمير الخلفاء، وأجل ملوك الدنيا، كثير الغزو والجهاد والحج، وكان كثير العبادة والورع، يحب العلم وأهله، ويعظم حرمات الإسلام، وازدهرت الدولة في أيامه، وكان عالماً والفقه والحديث وأخبار العرب، فصيحاً، شجاعاً كريماً حازماً متواضعاً، يحج سنة ويغزو سنة، توفي بطوس أثناء ذهابه للحج سنة 193هـ. انظر ترجمته في "تاريخ الخلفاء ص 283، فوات الوفيات 2/616، البداية والنهاية 10/213، تاريخ بغداد 14/5، البدء والتاريخ 6/101، الأعلام للزركلي 9/43".

وَقَالَ لَهُ1: كَيْفَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الاسْتِثْنَاءِ؟ فَقَالَ: يُلْحَقُ عِنْدَهُ بِالْخِطَابِ، وَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِهِ2 وَلَوْ بَعْدَ زَمَانٍ، فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْك أَنْ تُفْتِيَ بِهِ وَلا تُخَالِفْهُ, وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ لَطِيفًا فِيمَا يُورِدُهُ، مُتَأَنِّيًا فِيمَا يَقُولُهُ، فَقَالَ: رَأْيُ ابْنِ عَبَّاسِ يُفْسِدُ عَلَيْك بَيْعَتَك، لأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَك وَبَايَعَك يَرْجِعُ3 إلَى مَنْزِلِهِ فَيَسْتَثْنِي, فَانْتَبَهَ الرَّشِيدُ، وَقَالَ: إيَّاكَ أَنْ تُعَرِّفَ النَّاسَ4 مَذْهَبَهُ فِي ذَلِكَ، وَاكْتُمْهُ. وَوَقَعَ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ لأَبِي حَنِيفَةَ5 مَعَ الْمَنْصُورِ6. "وَ" شَرْطٌ أَيْضًا لِلاسْتِثْنَاءِ "نِيَّتُهُ7" أَيْ أَنْ8 يَنْوِيَ الْمُسْتَثْنِي "قَبْلَ تَمَامِ

_ 1 في ض ب: فقال، وفي ع: وقال 2 في ض ب: ويغير حكمه. 3 في ض ب: ويرجع. 4 ساقطة من ض. 5 انظر: فواتح الرحموت 1/322، تيسير التحرير 1/298، الكشاف 2/480. 6 هو الخليفة عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أبو جعفر المنصور، ثاني خلفاء بني العباس، بويع بالخلافة سنة 137هـ، وكان عمره اثنتين وأربعين سنة، وكان مهيباً شجاعاً حازماً، كثير الجد والتفكير، كامل العقل، يشارك في العلم، وكان عارفاً بالفقه والأدب، مقدماً في الفلسفة والفلك، محباً للعلماء، وانتشر العلم في زمانه، وبني بغداد وغيرها، وتفي في أثناء ذهابه للحج سنة 158هـ، ودفن في الحجون بمكة المكرمة. انظر ترجمته في "تاريخ الخلفاء ص259، البداية والنهاية 10/121، فوات الوفيات 1/488، المعارف ص377، البدء والتاريخ 6/90، تاريخ بغداد10/53، العقد الثمين 5/248، الأعلام للزركلي 5/259". 7 في ن: نية. 8 ساقطة من ب

مُسْتَثْنًى مِنْهُ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ وَالشَّافِعِيَّةِ1. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: اتَّفَقَ2 الذَّاهِبُونَ إلَى اشْتِرَاطِ اتِّصَالِهِ: أَنْ يَنْوِيَ فِي الْكَلامِ، فَلَوْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ نِيَّةُ الاسْتِثْنَاءِ إلاَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُسْتَثْنَى3 مِنْهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ. ثُمَّ قِيلَ: يُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الْكَلامِ. وَقِيلَ يُكْتَفَى بِوُجُودِهَا قَبْلَ فَرَاغِهِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ4. اهـ. "وَ" شَرْطٌ أَيْضًا لِلاسْتِثْنَاءِ "نُطْقٌ بِهِ" أَيْ بِالْمُسْتَثْنَى5 "إلاَّ فِي يَمِينِ مَظْلُومٍ6 خَائِفٍ بِنُطْقِهِ7". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ: وَيُعْتَبَرُ نُطْقُهُ إلاَّ مِنْ مَظْلُومٍ خَائِفٍ8, نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُسْتَوْعَبِ9 " خَائِفٍ" وَالأَصْحَابُ عَلَى

_ 1 انظر: المسودة ص153، مختصر البعلي ص119، القواعد والفوائد الأصولية ص 252، فواتح الرحموت 1/326، الفروع لابن مفلح 6/343، الإنصاف 11/27 2 في ع: واتفق. 3 ساقطة من ز. 4 وهناك أقوال كثيرة في تعيين محل النية أول الكلام، أو بعده بفاصل يسير، أو قبل تكميل المستثنى منه، أو عدم النية أصلاً. "انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص2525، مختصر البعلي ص119، الإنصاف 11/27". 5 في ض ب: المستثنى. 6 ساقطة من ش ز، وفي د: مطلق، وفي "مختصر البعلي": "إلا في اليمين لخائف من نطقه". 7 انظر: المغني 9/523، مختصر البعلي ص119، إرشاد الفحول ص147. 8 في ز: وخائف. 9 المستوعب للعلامة محمد بن عبد الله السامري، وهو متن مختصر في المذهب الحنلبي. "انظر: المدخل إلى المذهب أحمد ص 210".

الأَوَّلِ1. قَالَ2 فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إنْ كَانَ مَظْلُومًا فَاسْتَثْنَى فِي نَفْسِهِ رَجَوْتُ أَنْ يَجُوزَ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ, فَهَذَا فِي حَقِّ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّ يَمِينَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ، أَوْ3 لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَأَوِّلِ4. انْتَهَى5. "لا تَأْخِيرُهُ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الاسْتِثْنَاءِ تَأْخِيرُ الْمُسْتَثْنَى عَنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي اللَّفْظِ. فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عِنْدَ الْكُلِّ6, وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنِّي وَاَللَّهِ -إنْ شَاءَ اللَّهُ- لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ" 7 الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ8، وَكَقَوْلِ الْكُمَيْتِ9:

_ 1 انظر: الفروع 6/3253. 2 في ع: وقال، وفي ب: قاله. 3 في ض: و. 4 الشرح الكبير مع المغني11/228، المغني 9/529 5 في ز: انتهيا. 6 اختلف العلماء في هذه المسألة، فقال بعضهم لا يجوز تقديم المستثنى في أول الكلام ولو تقدمه حرف نفي. "انظر: الإحكام للآمدي 2/28، القواعد والفوائد الأصولية ص253، العدة2/664، شرح الورقات ص111، التمهيد ص116، مختصر البعلي ص119، المسودة ص 154، اللمع ص 23". 7 ساقطة من ز. 8 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 4/100 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 11/110، سنن أبي داود 2/205، سنن النسائي 7/9، سنن ابن ماجه 1/681، مسند أحمد 4/398، 401، التخليص الحبير 4/170". 9 هو الكميت بن زيد بن خنيس الأسدي، أبو المستهل، شاعر الهاشميين، من أهل الكوفة، عاش في عهدة الدولة الأموية، وكان معروفاً بالتشيع، وكان عالماً بآداب اللغة ولغاتها، وأخبار العرب وأنسابهم، وكان من شعراء مضر، وكان متعصباً للمضرية على القحطانية، وكان معلماً ومنحازاً لبني هاشم، وأشهر شعره وأجوده "الهاشميات" وهو من أصحاب الملحمات الشعرية، توفي سنة 126هـ انظر ترجمته وحياته في "الأغاني 18/6265ط الشعب، الشعر والشعراء لابن قتيبة 562، الأعلام للزركلي 6/92، المعارف ص547، النجوم المزهرة 1/300".

وَمَا لِي إلاَّ آلَ أَحْمَدَ. شِيعَةٌ1 ... وَمَالِي إلاَّ مَذْهَبَ الْحَقِّ مَذْهَبٌ2 "وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ" فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لأَصْحَابِنَا3. قَالَ فِي الإِنْصَافِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ4.قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةُ: الصِّحَّةُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ5، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحُ الْمُحَرِّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ6، وَ

_ 1 في ش: شرعة. 2 هذا البيت للكميت من قصيدة يمدح بها آل البيت ومطلعها: طربت، وما شوقاً إلى البيض أطرب ... ولا لعباً مني، وذو الشيب يلعب واستشهد بالبيت السابق بهذا اللفظ في "الأغاني"و "مجالس ثعلب"و "شذور الذهب" و "شواهد الألفية" للعيني و "شرح الأشموني" لألفية ابن مالك، واستشهد به بلفظ"ومالي إلا مشعب الحق مشعب" في"المقتضب" للمبرد و"الإنصاف" و "الجمل" للزجاجي، و"شرح المفصل" لابن يعيش الحلبي و"خزانة الأدب" للبغدادي. "انظر: معجم شواهد العربية 1/35، شرح شذور الذهب 263، شرح ابن عقيل 1/601". وانظر: اللمع ص 23، البرهان 1/383. 3 وهو رأي الجمهور من الشافعية والمالكية والحنفية والراجح عند الحنابلة. "أنظر: جمع الجوامع 2/14، البرهان 1/396، العدة 2/667، العضد على ابن الحاجب 2/183، المحصول ج1 ق3/53، التمهيد ص 119، الروضة 2/255، المسودة ص 155، مختصر البعلي ص 119، مختصر الطوفي ص 112، نزهة الخاطر 2/181، المساعد 1/571، القواعد والفوائد الأصولية ص 247، المستصفى 2/172، مناهج العقول 2/116، التبصرة ص168ن نهاية السول 2/118، الشرح الكبير 5/301، الإنصاف 12/172". 4 الإنصاف 12/172. 5 الإفصاح 2/265، وانظر. القواعد والفوائد الأصولية ص 247، الإنصاف 12/172. 6 وهما "الرعاية الكبرى" و"الراعية الصغرى" وكلتاهما لابن حمدان. "انظر: المدخل إلى مذهب احمد ص 239".

الْحَاوِي الصَّغِيرِ1، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ2 فِي تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الإِرْشَادِ وَالْوَجِيزِ3 وَالْمُنَوَّرِ، وَمُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ4, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ فِي الإِطْلاقِ5 وَالإِقْرَارِ؛ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِمَا6: لا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الأَكْثَرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ7. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لا يَصِحُّ8. "لا الأَكْثَرُ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ مِنْ عَدَدٍ مُسَمًّى،

_ 1 لعله لأبي طالب عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم البصري الحنبلي، وله "الحاوي الكبير". "أنظر المدخل إلى مذهب أحمد ص 208". 2 هو علي بن عمر بن أحمد ... ابن عبدوس الحراني الفقيه الزاهد الواعظ، أبو الحسن، تفقه وبرع في الفقه والتفسير والوعظ، والغالب على كلامه التذكير وعلوم المعاملات، وله تفسير كبير، توفي سنة 559هـ بحران، قال المرداوي: "التذكرة لابن عبدوس فإنه بناها على الصحيح من المذهب". "انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/241، المدخل إلى مذهب أحمد ص 209، الإنصاف 1/14، 16". 3 لعله لعبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل الزريراني البغدادي، فقيه العراق ومفتي الآفاق، المتوفي سنة 732هـ."انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 206". 4 قال الرداوي: "المنتخب للشيخ تقي الدين أحمد بن محمد الآدمي البغدادي" "الإنصاف 1/14". وهناك "المنتخب في الفقه" مجلدان تصنيف عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي، ثم الدمشقي، الفقه الواعظ. "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 208". 5 في ش: الإطلاق. 6 في ز: فيها. 7انظر: المحرر في الفقه، ومعه النكت والفوائد 2/456، المغني 5/130، مختصر البعلي ص 119، مختصر الطوفي ص 112، المسودة ص155، الإنصاف 12/172 8 انظر: المغني 5/130، مختصر الطوفي ص 112، مختصر البعلي ص 119، المسودة ص 155، الإنصاف 12/173.

كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلاَّ سِتَّةً، عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ1 وَأَبِي يُوسُفَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَأَكْثَرِ النُّحَاةِ2, وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهُ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ3, وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ الإسْفَرايِينِيّ وَأَبُو4 حَيَّانَ فِي الارْتِشَافِ عَنْ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ عَنْ الأَشْعَرِيِّ5. وَقِيلَ: بَلَى6. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ: يَصِحُّ7

_ 1 انظر: المغني 5/129، مختصر البعلي ص119، مختصر الطوفي ص 112، الإنصاف 12/171. 2 انظر: المساعد 1/571. 3 انظر: الإفصاح 2/264. 4 في ض: وابن. 5 وهو قول ابن درستويه وغيره من البصريين. "انظر: العدة 2/666، المسودة ص 154، الروضة 2/255، المساعد 1/571، القواعد والفوائد الأصولية ص 247، مختصر ابن الحاجب 2/138، المستصفى 2/171، الشرح الكبير 5/301، المعتمد 1/363، التبصرة ص 168، إرشاد الفحول ص 149". وفي ش: الأشعرية. 6 انظر: الإنصاف 12/172. 7 وهو قول أكثر الكوفيين، وبه قال أبو عبيد والسيرافي واختاره ابن خروف والشلوبين وأبو بكر الخلال وغيره من الحنابلة، وفي المسألة عدة أقوال. أما استثناء الكل أو الاستثناء المستغرق فباطل باتفاق، إلا في قول شاذ. انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "التلويح على التوضيح 2/302، كشف الأسرار 3/122، فواتح الرحموت 1/323، 324، تيسير التحرير 1/300، شرح تنقيح الفصول ص 244، البرهان 1/396، شرح الورقات ص 110، نهاية السول 2/118، المسودة ص 155، الروضة 2/255، المساعد 1/571، التمهيد ص 118، 119، الفروق للقرافي 3/168، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/138، المحصول جـ 1ق3/53، الإحكام للآمدي 2/297، المستصفي 2/170، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/14، 15، إرشاد الفحول ص 149، الافصاح 2/264".

وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الأَكْثَرِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "إلاَّ إذَا كَانَتْ الْكَثْرَةُ مِنْ1 دَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْ اللَّفْظِ2" 3 نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إلاَّ مَنْ اتَّبَعَك مِنْ الْغَاوِينَ} 4 وقَوْله تَعَالَى: {إلاَّ عِبَادَك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ} 5 وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} 6 لأَنَّ7 هَذَا تَخْصِيصٌ بِصِفَةٍ، فَإِنَّهُ يُسْتَثْنَى8 بِالصِّفَةِ مَجْهُولٌ مِنْ مَعْلُومٍ وَمِنْ مَجْهُولٍ، وَيُسْتَثْنَى الْجَمِيعُ أَيْضًا9.

_ 1 في ش: عن. 2 ساقطة من ض. 3: المسودة ص 155، القواعد والفوائد الأصولية ص 247، 248، الإحكام لابن حزم 1/402. 4 الآية 42 من الحجر، وأول الآية: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} . 5 الآية 40 من الحجر، والآية التي قبلها: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ، والآية 83من سورة ص، والآية التي قبلها: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} . 6 الآية 130 من يوسف استثنى الغاوين، وهم أكثر من غيرهم بدليل قوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} ، وهذا يدل على أن الأكثر ليس بمؤمن. "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/139، الإحكام للآمدي 2/297، فواتح الرحموت 1/324". 7 في ش: إن. 8 في ب: استثناء. 9 هذه بعض أدلة الجمهور في جواز استثناء الأكثر، وأنه لا فرق بين العدد والصفة عندهم، وهناك أدلة أخرى كثيرة. "فانظر: العدة 2/669، 676، المسودة ص 155، الروضة 2/255، القواعد والفوائد الأصولية ص 248، نهاية السول 2/118، وما بعدها، التبصرة ص 169، اللمع ص 24، مناهج العقول 2/116، شرح تنقيح الفصول ص 245، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 1/138، المحصول جـ 1ق 3/122، تيسير التحرير 1/300 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/297، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/14، فواتح الرحموت 1/324، كشف الأسرار 3/112، إرشاد الفحول ص149".

فَلَوْ قَالَ: اُقْتُلْ مَنْ فِي الدَّارِ إلاَّ بَنِي تَمِيمٍ، أَوْ1 إلاَّ الْبِيضَ، فَكَانُوا كُلُّهُمْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ بِيضًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ، بِخِلافِ الْعَدَدِ. ثُمَّ الْجِنْسُ ظَاهِرٌ وَالْعَدَدُ صَرِيحٌ، فَلِهَذَا فَرَّقَتْ اللُّغَةُ بَيْنَهُمَا2. وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَمَّا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي3 ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلاَّ مَنْ أَطْعَمْته" 4. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ عَنْ ذَلِكَ: لا خِلافَ فِيهِ، لَكِنْ اتَّفَقُوا5 عَلَى6 أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَذِهِ الدَّارِ إلاَّ هَذَا الْبَيْتَ صَحَّ، وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَهَا، بِخِلافِ إلاَّ ثُلُثَيْهَا، فَإِنَّهُ عَلَى الْخِلافِ. وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: لا خِلافَ فِي جَوَازِهِ، إذَا كَانَتْ الْكَثْرَةُ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ لا مِنْ اللَّفْظِ قَالُوا7: كَالتَّخْصِيصِ، وَكَاسْتِثْنَاءِ الأَقَلِّ،

_ 1 في ز: و. 2 قال الآمدي:" إنما يمتنع استثناء الأكثر إذا كان عدد المستثنى والمستثنى منه مصرحاً به، فإن لم يكن، نحو: جاء بنو تميم إلا الأراذل منهم، فإنه يصح من غير استقباح، وإن كانت الأراذل أكثر" "الإحكام للآمدي 2/297". "وانظر: نهاية السول 2/119، العضد على ابن الحاجب 2/138، القواعد والفوائد الأصولية ص 248". 3 في ض: أبا 4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/138،139، فواتح الرحموت 1/325، تيسير التحرير 1/301، إرشاد الفحول ص149، والحديث سبق تخريجه ص 125. 5 في ش: اختلفوا. 6 ساقطة من ز ش ض ب. 7 في ز ش ع: قالوا.

وَجَوَابُهُ وَاضِحٌ، وَعَجِبَ مِنْ ذِكْرِ الْخِلافِ, ثُمَّ يَحْتَجُّ بِالإِجْمَاعِ أَنَّ1 مَنْ أَقَرَّ بِعَشَرَةٍ2 إلاَّ دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ3. "وَحَيْثُ بَطَلَ" الاسْتِثْنَاءُ "وَاسْتَثْنَى مِنْهُ" أَيْ مِنْ الْمُسْتَثْنَى4 "رَجَعَ" الاسْتِثْنَاءُ "إلَى مَا قَبْلَهُ" أَيْ مَا5 قَبْلَ الْمُسْتَثْنَى، وَهُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوَّلاً6. قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: جَزَمَ7 بِهِ فِي الْمُغْنِي8. وَقِيلَ: يَبْطُلُ الْكُلُّ9. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مَا يَئُولُ10 إلَيْهِ الاسْتِثْنَاءاتُ11. قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي. فَيَتَفَرَّعُ12 عَلَى ذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلاَّ عَشْرَةً إلاَّ ثَلاثَةً, فَعَلَى الْقَوْلِ

_ 1 في ع: أنه. 2 في ش: بعشر. 3 انظر: المسودة ص155. وقال الإسنوي: "لو قال قائل: علي عشرة إلا تسعة، لكان يلزمه واحد بإجماع الفقهاء" "نهاية السول 2/118". وانظر: مناهج العقول 2/116، فواتح الرحموت 1/325. 4 ساقطة من ض ب. 5 ساقطة من ض. 6 انظر: مختصر البعلي ص 119، القواعد والفوائد الأصولية ص 245. 7 في ب: وجزم. 8 انظر: المحرر في الفقه ومعه النكت الفوائد 2/458، المغني 5/116. 9 انظر: مختصر البعلي ص 119، القواعد والفوائد الأصولية ص 254. 10 في ع: تؤول 11 انظر: المحرر في الفقه والنكت والفوائد 2/458، مختصر البعلي ص 119، القواعد والفوائد الأصولية ص 254. 12 في ع: فيفرع.

الأَوَّلِ: يَلْزَمُهُ1 سَبْعَةٌ، لأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ الأَوَّلَ لَمْ يَصِحَّ فَيَسْقُطُ، فَيَبْقَى كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى ثَلاثَةً مِنْ عَشَرَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ، لِبُطْلانِ الاسْتِثْنَاءَيْنِ، وَعَلَى الثَّالِثِ: يَلْزَمُهُ ثَلاثَةٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَهُ2 عَلَيَّ عَشَرَةٌ تَلْزَمُنِي، إلاَّ عَشَرَةً لا تَلْزَمُنِي، إلاَّ ثَلاثَةً تَلْزَمُنِي3. "وَيُسْتَثْنَى بِصِفَةِ مَجْهُولٍ مِنْ مَعْلُومٍ، وَمِنْ مَجْهُولٍ، وَالْجَمِيعِ، كَاقْتُلْ مَنْ فِي الدَّارِ إلاَّ الْبِيضَ، فَكَانُوا كُلُّهُمْ بِيضًا لَمْ يُقْتَلُوا". قَالَهُ4 ابْنُ مُفْلِحٍ: وَغَيْرُهُ5, وَتَقَدَّمَتْ الإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ6. "وَإِذَا تَعَقَّبَ الاسْتِثْنَاءُ جُمَلاً بِوَاوِ عَطْفٍ" وَصَلَحَ عَوْدُهُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَلا مَانِعَ "أَوْ" تَعَقَّبَ7 الاسْتِثْنَاءُ جُمَلاً مُتَعَاطِفَةً "بِمَا فِي مَعْنَاهَا" أَيْ مَعْنَى8 الْوَاوِ "كَالْفَاءِ، وَثُمَّ9، وَصَلَحَ عَوْدُهُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ10" مِنْ الْجُمَلِ

_ 1 في ع: تلزمه. 2 ساقطة من ش ز ع ض. 3 انظر: المحرر في الفقه ومعه النكت والفوائد 2/458، مختصر البعلي ص119، القواعد والفوائد الأصولية ص254. 4 في ش ز ع: قال. 5 ساقطة من ش. 6 صفحة 309، وانظر: مختصر البعلي ص 120. 7 في ض: تعقبت. 8 في ب: المنع. 9 فصل في ذلك إمام الحرمين الجويني في "النهاية" والآمدي وابن الحاجب والإسنوي وغيرهم، واشترطوا أن يكون العطف بالواو فقط، فإن كان بثم وغيرها فيختص الاستثناء بالجملة الأخيرة. "انظر: التمهيد ص 120، التبصرة ص 172، جمع الجوامع 2/17، الإحكام للآمدي 2/300، مختصر ابن الحاجب 2/139، شرح تنقيح الفصول ص 253، تيسير التحرير 1/302، إرشاد الفحول ص 152، نهاية السول 2/128". 10 في ب: واحد.

"وَلا مَانِعَ" مِنْ ذَلِكَ "فَلِلْجَمِيعِ" أَيْ فَيَعُودُ الاسْتِثْنَاءُ لِلْجَمِيعِ "كَبَعْدِ مُفْرَدَاتٍ" يَعْنِي كَمَا لَوْ تَعَقَّبَ الاسْتِثْنَاءُ مُفْرَدَاتٍ، فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى جَمِيعِهَا1. أَمَّا كَوْنُ الاسْتِثْنَاءِ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلاً يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِهَا بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ: فَعِنْدَ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِمْ2. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالرَّازِيِّ وَالْمَجْدِ: يَرْجِعُ إلَى الْجُمْلَةِ3 الأَخِيرَةِ4.

_ 1 انظر هذه المسألة في "المحصول ج 1 ق 3/63، مناهج العقول 2/126، التبصرة ص 172، مختصر ابن الحاجب 2/139، الإحكام للآمدي 2/174، المستصفى 21/174، نهاية السول 2/128، جمع الجوامع 2/17، فواتح الرحموت 1/322، المنخول ص 160، المعقد 1/264، العدة 2/678، الإحكام لابن حزم 1/47، مختصر البعلي ص 119، مختصر الطوفي ص112، المسودة ص 156، 158، الروضة 2/257، نزهة الخاطر 2/185، القواعد والفوائد الأصولية ص 257، 258، التمهيد ص119، تخريج الفروع على الأصول ص 204، فتح الغفار 2/128، تيسير التحرير 1/302، التلويح على التوضيح 2/303، اللمع ص24، شرح تنقيح الفصول ص249، البرهان 1/288، إرشاد الفحول ص150، مباحث الكتاب والسنة ص 211". 2 انظر: المسودة ص 156، القواعد والفوائد الأصولية ص 257، التمهيد ص 120، والمراجع السابقة. 3 في ش ض ع ب: للجملة. 4 اختار الرازي هذا القول في "المعالم" وتوقف في "المحصول" ونقله أبو الحسين البصري في "المعتمد" عن الظاهرية. انظر هذا القول مع أدلته ومناقشتها في "التلويح على التوضيح 2/303، فواتح الرحموت 1/322، أصول السرخسي 1/275، تيسير التحرير 1/302، 305، فتح الغفار 2/128، كشف الأسرار 3/123، المحصول ج 1 ق 3/63، 67، الإحكام للآمدي 2/300، 302، ومابعدها، المستصفى 2/174، 176، جمع الجوامع 2/18، البرهان 1/388، المنخول ص 160، المعتمد 1/264، شرح تنقيح الفصول ص 249، نهاية السول 2/128، التبصرة ص 173، مناهج العقول 2/126، تخريج الفروع على الأصول ص205، التمهيد ص 120، الروضة 2/257، المسودة ص 156، العدة 2/679، مختصر الطوفي ص 112، مختصر البعلي ص 120، القواعد والفوائد الأصولية ص 257، مباحث الكتاب والسنة ص 211، اللمع ص 24".

وَقِيلَ: إنْ تَبَيَّنَ إضْرَابٌ عَنْ الأُولَى فَلِلأَخِيرَةِ، وَإِلاَّ فَلِلْجَمِيعِ1. وَالإِضْرَابُ: أَنْ يَخْتَلِفَا نَوْعًا أَوْ2 اسْمًا مُطْلَقًا أَوْ حُكْمًا، اشْتَرَكَتْ الْجُمْلَتَانِ فِي غَرَضٍ وَاحِدٍ أَوْ لا3، وَالْغَرَضُ الْحَمْلُ4. وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ5. وَقَالَ الْمُرْتَضَى6: بِالاشْتِرَاكِ7.

_ 1 وهذا قول جماعة من المعتزلة، منهم عبد الجبار وأبو الحسين البصري، واختاره القاضي أبو يعلى في "الكفاية". "انظر: المعتمد 1/265 وما بعدها، البرهان 1/393، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/139، 140، المحصول ج1 ق3 /64، الإحكام للآمدي 2/300، جمع الجوامع 2/17، تيسير التحرير 1/302، مختصر البعلي ص120، فواتح الرحموت 1/333، إرشاد الفحول ص 151". 2 في ض ب: و. 3 في ض بك أولي. 4 أي أن يكون بين الجمل تعلق بأن يكون حكم الأولى أو اسمها مضمراً في الثانية، فلا تستقل الثانية إلا مع الأولى، مثل أكرم الفقهاء ووالزهاد إلا المبتدعة، ومثل أكرم الفقهاء أو أنفق عليهم إلا المبتدعة. انظر توضيح ذلك مع الأمثلة والبيان في "القواعد والفوائد الأصولية ص257، العضد على ابن الحاجب 2/140، المحصول جـ 1ق 3/64، وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/300، شرح تنقيح الفصول ص249، إرشاد الفحول ص 151، والمراجع السابقة في الهامش1". 5 وهو قول الشعرية، منهم الباقلاني والغزالي لتعارض الأدلة. "انظر: نهاية السول 2/128، مختصر ابن الحاجب 2/139، المحصول جـ1 ق3/64، الإحكام للآمدي 2/301، جمع الجوامع 2/18، المستصفى 2/174، فواتح الرحموت 1/333، تيسير التحرير 1/302، العدة 2/679، المسودة ص 156، مختصر البعلي ص120، القواعد والفوائد الأصولية ص 257، مناهج العقول 2/126، إرشاد الفحول ص150، التبصرة ص173، اللمع ص24، البرهان 1/395". 6 في ش: الرضي. 7 أي بالاشتراك اللفظي كالقرء والعين، لأنه ورد للأخيرة وللكل ولبعض الجمل المتقدمة قال البعلي: "وحاصل ذلك أن يكون مجملاً" "مختصر البعلي ص120"، وقال العضد: "وهذان "القولان" موافقان للحنفية في الحكم، وان خالفا في المآخذ، لأنه يرجع إلى الأخيرة، فيثبت حكمه فيها، ولا يثبت في غيرها كالحنفية" "العضد على ابن الحاجب 2/139". "وانظر: مختصر ابن الحاجب 2/139، الإحكام للآمدي 2/301، جمع الجوامع 2/18، تيسير التحرير 1/302، نهاية السول 2/128، شرح تنقيح الفصول ص249، مناهج العقول 2/126، مختصر الطوفي ص 112، فواتح الرحموت 1/333، القواعد والفوائد الأصولية ص 258".

وَالآمِدِيُّ: إنْ ظَهَرَ أَنَّ الْوَاوَ لِلابْتِدَاءِ رَجَعَ لِلْجُمْلَةِ الأَخِيرَةِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهَا عَاطِفَةٌ رَجَعَ1 لِلْجَمِيعِ2، وَإِنْ أَمْكَنَا فَالْوَقْفُ3. وَقِيلَ: إنْ4 كَانَ تَعَلَّقَ رَجَعَ إلَى الْجَمِيعِ، وَإِلاَّ فَلِلأَخِيرَةِ5. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: فَإِنْ تَعَقَّبَ الاسْتِثْنَاءَ جُمَلاً، وَإِنْ لَمْ6 يُمْكِنْ عَوْدُهُ إلَى كُلٍّ مِنْهَا لِدَلِيلٍ اقْتَضَى عَوْدَهُ إلَى الأُولَى فَقَطْ، أَوْ إلَى الأَخِيرَةِ فَقَطْ7 أَوْ إلَى كُلٍّ مِنْهَا بِالدَّلِيلِ: فَلا خِلافَ فِي الْعَوْدِ إلَى مَا قَامَ لَهُ الدَّلِيلُ8.

_ 1 في ض: ترجع. 2 في ز: إلى الجمع. 3 وهذه اختيار ابن الحاجب، وقال العضد:" ومرجع هذا المذهب على الوقف، لأن القائل به يقول به عند عدم القرينة "العضد على ابن الحاجب 2/140". "وانظر: الإحكام للآمدي 2/301، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/17، مختصر ابن الحاجب 2/139". 4 في ع: أنه. 5 وهذا ما رجحه الشوكاني، وهناك أقوال أخرى في المسألة. "انظر: المحصول جـ1 ق3/64، إرشاد الفحول ص151، نهاية السول 2/128،130، البرهان 1/393،، المعتمد 1/265، مناهج العقول 2/126، مختصر الطوفي ص112، مباحث الكتاب والسنة ص 211، القواعد والفوائد الأصولية ص 258، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/139، 140". 6 في ش ز: وإن لم. 7 ساقطة من ش. 8 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/139.

مِثَالُ مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَوْدِهِ إلَى الأُولَى1 فَقَطْ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهْرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} 2 فَالاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ إلاَّ3 مَنْ "اغْتَرَفَ" إنَّمَا يَعُودُ إلَى "مِنْهُ" لا إلَى "مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ"4. وقَوْله تَعَالَى: {لا يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنُهُنَّ إلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك} 5 فَاسْتِثْنَاءُ "مَا مَلَكَتْ يَمِينُك6" يَعُودُ إلَى لَفْظِ "النِّسَاءِ" لا إلَى الأَزْوَاجِ, لأَنَّ زَوْجَتَهُ لا تَكُونُ مِلْكَ يَمِينِهِ. وَحَدِيثِ: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فِي 7 فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلاَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيق" 8 وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنْ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ

_ 1 ساقطة من ب. 2 الآية 249 من البقرة. 3 ساقطة من ش ز. 4 انظر: نهاية السول 2/128، شرح تنقيح الفصول ص 252. 5 الآية 52 من الأحزاب. 6 ساقطة من ع. 7 ساقطة من ض ع ب. 8 هذا الحديث بهذا اللفظ رواه أبو داود عن أبي هريرة مرفوعاً، قال المنذري: " وفي إسناده رجل مجهول" وأسنده ابن حزم في "المحلى". ورواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والدارمي بدون الاستثناء "إلا زكاة الفطر في الرقيق" عن أبي هريرة مرفوعاً، وفي رواية "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر" ورواه أبو داود بلفظ "ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق". "انظر: صحيح البخاري 1/175المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 7/55، 56، سنن أبي داود 1/369، تحفة الأحوذي 3/268، سنن النسائي 5/25، سنن ابن ماجه 1/578، الموطأ ص 186 ط الشعب، مسند أحمد 2/242، سنن الدارمي 1/384، مختصر سنن أبي داود2/206، المحلى لابن حزم 6/133، نيل الأوطار 4/203، فيض القدير 5/369".

لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً} 1 اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْجُمْلَةِ الأُولَى2. وَمِثَالُ الْعَائِدِ3 إلَى الأَخِيرَةِ4 جَزْمًا لِلدَّلِيلِ5 قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} 6الآيَةَ فَإِنَّ {إلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} إنَّمَا يَعُودُ لِلدِّيَةِ لا لِلْكَفَّارَةِ7, وَنَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} 8. لا يَعُودُ لِلسُّكَارَى لأَنَّ السَّكْرَانَ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، إذْ لا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهُ.

_ 1 الآية 83 من النساء، وفي ز ع ض ب: { ... أَذَاعُواْ بِهِ..إلى.. إِلاَّ قَلِيلاً} . وللمفسرين أقوال في عودة الاستثناء إلى الأخيرة {لا تبعتم الشيطان} أو إلى الوسط {لعلمه الذين بيتنبطونه} أو إلى الأولى} وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ} ، أو إلى الجميع والإحاطة، ورجح الطبري عوده إلى القسم الأول من الآية. "انظر: تفسير الطبري 5/183 وما بعدها، تفسير القاسمي 5/1414، تفسير القرطبي 5/292، تفسير البغوي 1/375 المطبعة الشرفية". 2 قال الشوكاني عن الحديث: " وأجاب الجمهور بأنه يبنى عموم قوله في "عبده" على خصوص قوله "من المسلمين" في حديث الباب، ولا يخفى أن قوله: "من المسلمين" أعم من قوله "في عبده" من وجه، وأخص من وجه" "نيل الأوطار 4/203". وانظر: المستصفى 2/179. 3 ساقطة من ب. 4 في ش: الأخير. 5 في ض ب: لدليل، وفي ع: بدليل. 6 الآية 92 من النساء، وتتمة الآية: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} . 7 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/18، الإحكام للآمدي 2/304، المستصفى 2/179، الروضة 2/258. 8 الآية 43من النساء، وفي ش ض ع ب: {إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} . وأول الآية قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} .

وَمِثَالُ الْعَائِدِ إلَى الأَخِيرِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ مُحْتَمِلاً: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآيَةَ1 فَـ {إلاَّ الَّذِينَ 2 تَابُوا} 3 عَائِدٌ إلَى الإِخْبَارِ بِأَنَّهُمْ فَاسِقُونَ قَطْعًا، حَتَّى يَزُولَ عَنْهُمْ بِالتَّوْبَةِ4 اسْمُ الْفِسْقِ, بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَ5يَلْزَمُ مِنْهُ لازِمُ الْفِسْقِ وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ, خِلافًا لأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَزُولُ اسْمُ الْفِسْقِ، وَلا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، عَمَلاً بِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَاعِدَتِهِ, وَهُوَ الْعَوْدُ إلَى الأَخِيرِ، لا إلَى غَيْرِهِ. وَلا يَعُودُ فِي هَذِهِ الآيَةِ لِلْجَلْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ قَطْعًا، لأَنَّ حَد6 الْقَذْفِ حَقٌّ لآدَمِيِّ7, فَلا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. وَهَلْ8 يَعُودُ إلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ، فَتُقْبَلَ إذَا تَابَ، أَوْ لا يَعُودُ إلَيْهِ فَلا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟ فِيهِ الْخِلافُ9.

_ 1 الآية 4 من النور، ولفظه: الآية ساقطة من ع، وتتمة الآية: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 2 في ض ب: فالذين. 3 الآية 5 من النور، وتتمة الآية: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . 4 في ش: بالقربة. 5 في ش: أو، ساقطة من د. 6 في ش ز: حق. 7 في ش: الآدمي. 8 في ب: فهل. 9 انظر: نهاية السول 2/127،128، البرهان 1/389، 394، العضد على ابن الحاجب 2/140، 141، المستصفى 2/178، المحلي على جمع الجوامع 2/19، أصول السرخسي 1/275، فواتح الرحموت 1/337، كشف الأسرار 3/123، 133، العدة 2/678، تيسير التحرير 1/307، التلويح على التوضيح 2/303، المنخول ص160، تخريج الفروع على الأصول ص207، مناهج العقول 2/125، القواعد والفوائد الأصولية ص259،260، اللمع ص24، إرشاد الفحول ص151، الإحكام للآمدي 2/304.

وَمِثَالُ الْعَائِدِ إلَى الْكُلِّ قَطْعًا بِالدَّلِيلِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} 1 فَـ {إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ بِالإِجْمَاعِ, كَمَا قَالَهُ السَّمْعَانِيُّ2. 3وَكَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} 4 الآيَةَ فَـ {إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} عَائِدٌ إلَى الْكُلِّ. وَكَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ} الآيَاتِ5 فَ {إلاَّ مَنْ تَابَ} عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ.

_ 1 الآيتان 33-34 من المائدة، وفي ب ض ز ع: {........وَرَسُولَهُ} ، الآية. 2 انظر: نهاية السول 2/128، المحلي على جمع الجوامع 2/18، تفسير الطبري 6/220 ومابعدها، تفسير ابن كثير 2/52 طبعة الحلبي، تفسير القرطبي 6/158، تفسير القاسمي 6/1955. 3 ساقطة من ش. "وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 252، تفسير الطبري 6/73، تفسير ابن كثير 2/10 ط الحلبي، تفسير القاسمي 6/1820، تفسير القرطبي 6/50". 4 الآية 3من المائدة. وفي ش: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إلى {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} . وتتمة الآية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} . 5 الآيات 68-71 من الفرقان.

قَالَ السُّهَيْلِيُّ: بِلا خِلافٍ1. وَأَمَّا مَا تَجَرَّدَ عَنْ2 الْقَرَائِنِ وَأَمْكَنَ عَوْدُهُ إلَى الأَخِيرِ وَإِلَى الْجَمِيعِ: فَفِيهِ مَذَاهِبُ: أَحَدُهَا: يَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ3. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ, وَقَالَ: إنَّهُ الظَّاهِرُ4 مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ الْمُرَجَّحُ فِي مَذْهَبِنَا. وَنَقَلَهُ الأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ أَحْمَدَ، حَيْثُ قَالَ فِي حَدِيثِ: "لا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ5 فِي سُلْطَانِهِ، وَلا يَجْلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلاَّ بِإِذْنِهِ" 6 أَرْجُو أَنْ يَكُونَ الاسْتِثْنَاءُ عَلَى كُلِّهِ7. وَقَالَ الْقَاضِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ طَاعَةِ الرَّسُولِ8. وَوَجْهُهُ9: أَنَّ الْعَطْفَ يَجْعَلُ الْجَمِيعَ كَوَاحِدٍ10

_ 1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص252، المحلي على جمع الجوامع 2/18. 2 في ش: من. 3 السنن الكبرى للبيهقي 10/152. 4 في ض ع: هو الظاهر 5 ساقطة من ز ض ع ب، وهو رواية أخرى للحديث بلفظ "لا يؤمن الرجل". 6 هذا جزء من حديث رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي مسعود الأنصاري مرفوعاً، والتكرمة: الموضع الخاص لجلوس الرجل من فراش أو سرير مما يعده كرامة، وهي تفعلة من الكرامة. "انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 5/172، سنن النسائي 2/59، تحفة الأحوذي 2/31، سنن ابن ماجه 1/313، النهاية في غريب الحديث 4/168، مسند أحمد 4/118،121، سنن أبي داود 1/137". 7 انظر: المسودة ص156، العدة 2/678، الروضة 2/257، إرشاد الفحول ص150. 8 انظر: المسودة ص158، الروضة 2/258. 9 في ش ز: ووجه. 10 انظر: المحصول ج1 ق3/68، الإحكام للآمدي 2/301، المستصفى 2/174، فواتح الرحموت 1/335، تيسير التحرير 1/304، مختصر ابن الحاجب 2/140، المعتمد 1/268، البرهان 1/390، المنخول ص 160، نهاية السول 2/129، التبصرة ص174، شرح تنقيح الفصول ص 250، مناهج العقول 2/127، الروضة 2/258، نزهة الخاطر 2/187، مختصر الطوفي ص112، تخريج الفروع على الأصول ص205، إرشاد الفحول ص151، العدة 2/680.

رَدَّ، إنَّمَا1 هَذَا فِي الْمُفْرَدَاتِ وَأَمَّا فِي الْجُمَلِ2 فَمَحِلُّ النِّزَاعِ3. قَالُوا: كَالشَّرْطِ، فَإِنَّهُ لِلْجَمِيعِ كَذَلِكَ هُنَا4. رَدٌّ بِالْمَنْعِ، ثُمَّ قِيَاسٍ فِي اللُّغَةِ، ثُمَّ الْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ رُتْبَتُهُ5 التَّقْدِيمُ, ثُمَّ لُغَةً بِلا شَكٍّ, فَالْجُمَلُ هِيَ6 الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ لَهَا7.

_ 1 في ب: بأن. 2 في ش: المجمل. 3 انظر: التبصرة ص174، البرهان 1/390، المنخول ص 160، المعتمد 1/268، مختصر ابن الحاجب 2/140، المحصول جـ1ق3/79، الإحكام للآمدي 2/301، المستصفى 2/174، فواتح الرحموت 1/335، تيسير التحرير 1/306، إرشاد الفحول ص151. 4 الشرط كما لو قال: نساؤه طوالق، عبيده أحرار، ماله صدقة إن كلم زيداً، أو إن شاء الله، وقد صح الحنفية وغيرهم بذلك فقالوا: إن الشرط المتعقب جملاً يعود إلى جميعها، فقاس الآخرون الاستثناء على الشرط. "انظر: العدة 2/680، التبصرة ص173، اللمع ص24، شرح تنقيح الفصول ص250، البرهان 1/391، المعتمد 1/267، مختصر ابن الحاجب 2/140، المحصول جـ 1ق3/68، الإحكام للآمدي 2/302، المستصفى 2/175، فواتح الرحموت 1/335، تيسير التحرير 1/306، مناهج العقول 2/127، تخريج الفروع على الأصول ص 205، نهاية السول 2/129، إرشاد الفحول ص151، المسودة ص 157، الروضة 2/257، نزهة الخاطر 2/186، مختصر الطوفي ص112". 5 في ش ض ب: رتبة. 6 في ش: فالحمل على. 7 في ش: أيضاً. انظر مناقشة الطوفي لهذا الدليل والجواب عليه، فإنه قال: " لا يقال رتبة الشرط التقديم بخلاف الاستثناء، لأنا تقول عقلاً لا لغة" "مختصر الطوفي ص112"، وقال العضد: "وإن سلم فهذا إنما يرجع إلى الجميع للقرينة الدالة على اتصال الجمل وهو اليمين عليها وإنما الكلام فيما لا قرينة فيها. العضد على ابن الحاجب 141/2. وانظر تيسير التحرير 307/1،فواتح الرحموت 335/1، المحصول ج1ق3 /78، العدة 680/2، الإحكام للآمدي 302/2، الروضة 258/2، نزهة الخاطر 187/2، المستصفى 174/2، شرح تنقيح الفصول ص250، المعتمد 268/1، مختصر ابن الحاجب 140/2، إرشاد الفحول ص 151.

قَالُوا: لَوْ كَرَّرَ الاسْتِثْنَاءَ كَانَ مُسْتَهْجَنًا1 قَبِيحًا لُغَةً. ذَكَرَهُ2 الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ بِاتِّفَاقِهِمْ3. رَدَّ بِالْمَنْعِ لُغَةً، ثُمَّ الاسْتِهْجَانِ لِتَرْكِ الاخْتِصَارِ، لأَنَّهُ لا يُمْكِنُ بَعْدَ الْجُمَلِ4 إلاَّ كَذَا فِي الْجَمِيعِ5. قَالُوا: صَالِحٌ لِلْجَمِيعِ. فَكَانَ لَهُ كَالْعَامِّ، فَبَعْضُهُ تَحَكُّمٌ6. رَدَّ لا ظُهُورَ، بِخِلافِ الْعَامِّ. وَالْجُمْلَةُ الأَخِيرَةُ أَوْلَى لِقُرْبِهَا7.

_ 1 في ش: منهجاً. 2 في ب: ذكر. 3 أي اتفاق أهل اللغة، واللفظة ساقطة من ض ب. "انظر: الروضة 2/258، مختصر الطوفي ص112، شرح تنقيح الفصول ص205، مختصر ابن الحاجب 2/140، المحصول جـ1 ق3/70، الإحكام للآمدي 2/302، المستصفى 2/175، فواتح الرحموت 1/336، تيسير التحرير 1/307". 4 في ض: الحمل. 5 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/140، المحصول جـ1 ق3/80، الإحكام للآمدي 2/302، فواتح الرحموت 1/335، تيسير التحرير 1/307. 6 انظر: التبصرة ص174، مختصر ابن الحاجب 2/140، الإحكام للآمدي 2/303، فواتح الرحموت 1/336، تيسير التحرير 1/307. 7 انظر: التبصرة ص 175، المعتمد 1/271، فواتح الرحموت 1/336، تيسير التحرير 1/307، مختصر ابن الحاجب 2/140، الإحكام للآمدي 2/303.

قَالُوا: خَمْسَةٌ1 وَخَمْسَةٌ إلاَّ سِتَّةً لِلْجَمِيعِ إجْمَاعًا, فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُمَلِ2 مَا يَقْبَلُ الاسْتِثْنَاءَ لا الْجُمَلُ3, النَّحْوِيَّةُ4. وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ, فَقَالَ: مَنْ تَأَمَّلَ غَالِبَ الاسْتِثْنَاءاتِ5 فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاللُّغَةِ وَجَدَهَا لِلْجَمِيعِ, وَالأَصْلُ إلْحَاقُ الْمُفْرَدِ بِالْغَالِبِ, فَإِذَا جَعَلَ حَقِيقَةً فِي الْغَالِبِ مَجَازًا فِيمَا قَلَّ: عُمِلَ بِالأَصْلِ النَّافِي6 لِلاشْتِرَاكِ, وَالأَصْلُ النَّافِي لِلْمَجَازِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ مُطْلَقًا7. وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ أَوَّلَ الْكَلامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ8. وَأَمَّا إذَا تَعَقَّبَ الاسْتِثْنَاءُ مُفْرَدَاتٍ9, فَقَدْ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: وَالْوَارِدُ بَعْدَ مُفْرَدَاتٍ 10, نَحْوُ: تَصَدَّقْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ إلاَّ الْفَسَقَةَ مِنْهُمْ:

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: الحمل. 3 ساقطة من ش ز. 4 انظر: المعتمد 1/269، مختصر ابن الحاجب 2/140، المحصول جـ1 ق3/70، الإحكام للآمدي 2/303، فواتح الرحموت 1/336، تيسير التحرير 1/307. 5 في ب: الاستثناء. 6 في هامش ع: الباقي. 7 انظر: المسودة ص 156 وما بعدها، 159. 8 صفحة 313-314. 9 وانظر أدلة هذه المذاهب في "مختصر الطوفي ص112، مناهج العقول 2/172، نهاية السول 2/129"، والمراجع المذكورة فغي هوامش الصفحتين "313-314". ساقطة من ض، وفي ش: فقد قال في "جمع الجوامع": "والوارد بعد مفردات". وسقط الباقي. 10 جمع الجوامع 2/19.

أَوْلَى بِعَوْدِهِ لِلْكُلِّ1 مِنْ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ لِعَدَمِ اسْتِقْلالِ الْمُفْرَدِ2, 1هـ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَفْظُ "الْجُمَلِ" يُرَادُ بِهِ مَا فِيهِ شُمُولٌ، لا3 الْجُمَلُ النَّحْوِيَّةُ، لَكِنْ الْقَاضِي وَأَبُو يَعْلَى4 وَغَيْرُهُ: ذَكَرَ الأَعْدَادَ مِنْ صُوَرِهَا، وَسَوَّى بَيْنَ قَوْلِهِ: رَجُلٌ وَرَجُلٌ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: رَجُلَيْنِ وَرَجُلَيْنِ5, وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي الاسْتِثْنَاءِ فِي الإِقْرَارِ6 وَالْعَطْفِ7 إذَا 8تَعَقَّبَ. جُمْلَتَيْنِ, هَلْ يَعُودُ إلَيْهِمَا أَوْ9 إلَى الثَّانِيَةِ: كَجُمْلَةٍ أَوْ كَجُمْلَتَيْنِ10؟ عَلَى وَجْهَيْنِ11 12 13. وَقَالَ أَيْضًا: كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُدْخِلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الاسْتِثْنَاءَ الْمُتَعَقِّبَ

_ 1 في ض: لكل. 2 المحلي على جمع الجوامع 2/19. وانظر: التمهيد ص120، التبصرة ص172 هامش. وفي ز ض ع ب: المفردات. 3 ساقطة من ب. 4 في ش: وأبو يعلى، وعبارة "المسودة" فإن القاضي وغيره ذكر الأعداد.". 5 ساقطة من "المسودة" وكذا في "القواعد والفوائد الأصولية ص 258" الذي نقل النص عن "المسودة" وفي ب: ورجلين، وانظر عبارة القاضي في "العدة 2/680". 6 في ش: الإفراد، وما أثبتناه في الأعلى من بقية النسخ، ومن "المسودة". 7 ساقطة من "المسودة" و "القواعد والفوائد الأصولية". 8 في ش ز ع: اتفقت جملتان، وما أثبتناه في الأعلى من نسخة ض ب، و "المسودة". 9 في ش: و. 10 ساقطة من ش. 11 في "المسودة" و "القواعد والفوائد الأصولية": المستثنى. 12 في ز: جملتين، وفي "المسودة": أو هما جملتان. وكذا في "القواعد والفوائد الأصولية". 13 المسودة ص 156، 158، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص258.

اسْمًا فَيُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ "جُمْلَةً"1 الْجُمْلَةَ الَّتِي تَقْبَلُ الاسْتِثْنَاءَ 2 لا يُرِيدُونَ "بِهَا"3 الْجُمْلَةَ مِنْ الْكَلامِ4 وَلا5 بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ فَإِنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يُقَالَ أَكْرِمْ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ إلاَّ الْفُسَّاقَ، أَوْ يُقَالُ: أَكْرِمْ هَؤُلاءِ وَأَكْرِمْ هَؤُلاءِ إلاَّ الْفُسَّاقَ6، 7ذَكَرَهُ فِي الْمُسَوَّدَةِ8 وَابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ عَنْهُ. قَالَ الْبِرْمَاوِيِّ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْجُمْلَةَ هِيَ الاسْمِيَّةُ مِنْ مُبْتَدَإٍ وَخَبَرٍ, وَالْفِعْلِيَّةُ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ، ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى مَنْ عَبَّرَ بِالْجُمَلِ9، فَإِنَّمَا أَرَادَ الأَعَمَّ بِالتَّقْرِيرِ10 الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ, وَهُوَ حَسَنٌ, اهـ11. "وَمِثْلُ بَنِي تَمِيمٍ وَرَبِيعَةَ أُكْرِمْهُمْ إلاَّ الطِّوَالَ" يَرْجِعُ12 الاسْتِثْنَاءُ "لِلْكُلِّ وَأَدْخَلَ بَنِي تَمِيمٍ، ثُمَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ سَائِرَ قُرَيْشٍ فَأَكْرَمَهُمْ13، الضَّمِيرُ لِلْكُلِّ14". ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَقَالَ عَنْ الصُّورَةِ الأُولَى: جَعَلَهَا فِي التَّمْهِيدِ

_ 1 في "المسودة": يعقب جملة. 2 ساقطة من ش. 3 ساقطة من جميع النسخ، وأثبتناها من "المسودة". 4 ساقطة من ب. 5 في ض: أولاً. 6 ساقطة من ب. 7 ساقطة من ش. 8 المسودة ص157-158، وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص258. 9 في ض ب: بالجملة. 10 في ش: بالتقدير. 11 ساقطة من ض. 12 في ش: ويرجع 13 في "مختصر البعلي ص120": وأكرمهم 14 انظر الإحكام للآمدي 2/303، مختصر البعلي ص120، القواعد والفوائد الأصولية ص259، المسودة ص157.

أَصْلاً1 لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا, كَذَا قَالَ, كَأَنَّهُ يَقُولُ2: إنَّ3 الْخِلافَ لَيْسَ بِجَارٍ فِيهَا، وَعَلَى قَوْلِهِ فِي التَّمْهِيدِ: الْخِلافُ جَارٍ فِيهَا4. وَقَالَ عَنْ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ قَوْلِهِ فِي التَّمْهِيدِ: الضَّمِيرُ5 لِلْجَمِيعِ، لأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَيْسَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي6 قَبْلَهَا انْتَهَى. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: رَأَيْتهَا لَهُ فِي مَسْأَلَةٍ اسْتَفْتَى عَلَيْهَا فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلادِهِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلادِ أَوْلادِهِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلادِ أَوْلادِ7 أَوْلادِهِ، عَلَى أَنَّهُ8 مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ. كَتَبَ عَلَيْهَا خَمْسَ9 كَرَارِيسَ, فَقَالَ: لَوْ قَالَ أَدْخِلْ بَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ بَنِي الْمُطَّلِبِ ثُمَّ سَائِرَ قُرَيْشٍ فَأَكْرِمْهُمْ، كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا10 إلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ, وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ اخْتِلافِ النَّاسِ فِي الاسْتِثْنَاءِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلاً: هَلْ يَعُودُ إلَى الأَخِيرَةِ أَوْ إلَى الْكُلِّ؟ لأَنَّ الْخِلافَ هُنَاكَ إنَّمَا نَشَأَ لأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ يَرْفَعُ بَعْضَ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الضَّمِيرِ, فَإِنَّ الضَّمِيرَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ إذَا لَمْ يَقُمْ مُخَصِّصٌ, وَعَلَى هَذَا

_ 1 في ض: أصل. 2 ساقطة من ب. 3 ساقطة من ز. 4 انظر: مختصر البعلي ص120. 5 في ش: والضمير. 6 ساقطة من ش ز ض ب. 7 ساقطة من ض ب. 8 في ش: أن. 9 في ع: خمسة. 10 في ض: عائد.

فَحَمْلُ الضَّمِيرِ عَلَى الْعُمُومِ حَقِيقَةٌ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْخُصُوصِ مِثْلُ التَّخْصِيصِ لِلَّفْظِ1 الْعَامِّ2 اهـ 3. "وَهُوَ" أَيْ الاسْتِثْنَاءُ الصَّحِيحُ "مِنْ نَفْيٍ" أَيْ مِنْ أَشْيَاءَ مَنْفِيَّةٍ "إثْبَاتٌ" لِلْمُسْتَثْنَى "وَبِالْعَكْسِ" أَيْ وَالاسْتِثْنَاءُ مِنْ أَشْيَاءَ مَثبتة4ٍ نَفْيٌ لِلْمُسْتَثْنَى. فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلاَّ دِرْهَمًا، كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا بِتِسْعَةٍ, وَإِذَا قَالَ5: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلاَّ دِرْهَمًا كَانَ مُقِرًّا بِدِرْهَمٍ6, وَعَلَى هَذَا7 قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةِ8 وَالشَّافِعِيَّةِ 9.

_ 1 في زض ع ب: تخصيص اللفظ 2 في ش: المستثنى. 3 ساقطة من ز. انظر: مجموع الفتاوى 31/100 وما بعدها. 4 في ش: منفية. 5 في ش: قال: له ليس علي عشرة إلا درهماً، كان ذلك إقراراً بتسعة، وإذا قال: 6 في ش: له بدرهم. 7 في ض ب: وهذا. 8 استثنى المالكية من هذه القاعدة الأيمان، فقال القرافي: "اعلم ان مذهب مالك رحمه الله أن الاستثناء من النفي إثبات، في غير الأيمان، هذه قاعدته في الأقارير، وقاعدته في الأيمان أن الاستثناء من النفي ليس باثبات" "الفروق 2/93". 9 وهذا قول طائفة محققي الحنفية، كالامام فخر الإسلام البردوي وشمس الأئمة الحلواني والقاضي أبي زيد. "انظر: المحصول جـ1ق3/56، كشف الأسرار 3/126، تيسير التحرير 1/294، التلويح على التوضيح 2/289، فواتح الرحموت 1/337، فتح الغفار 2/124، شرح تنقيح الفصول ص 247، مختصر ابن الحاجب 2/142، الإحكام للآمدي 2/308، جمع الجوامع 2/15، مناهج العقول 2/120، التمهيد ص117، نهاية السول 2/123، تخريج الفروع على الأصول ص 68، القواعد والفوائد الأصولية ص263، مختصر البعلي ص120، المحرر في الفقه 2/462، المسودة ص 160، الروضة 2/270، إرشاد الفحول ص149".

وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي كَوْنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الإِثْبَاتِ نَفْيًا، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ1, وَقَالُوا: فِي قَوْلِهِ2 لَهُ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلاَّ دِرْهَمًا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ، لَكِنْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الدِّرْهَمَ الْمُخْرَجَ مَنْفِيٌّ بِالأَصَالَةِ، لا مِنْ حَيْثُ إنَّ الاسْتِثْنَاءَ مِنْ3 الإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَلا يُوجِبُونَ فِي: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلاَّ دِرْهَمًا شَيْئًا4، إذْ الْمُرَادُ إلاَّ دِرْهَمًا فَإِنِّي لا أَحْكُمُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلا إقْرَارَ إلاَّ مَعَ حُكْمٍ ثَابِتٍ5. وَاسْتَدَلَّ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ بِاللُّغَةِ وَأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ "لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ" تَوْحِيدٌ, وَتَبَادَرَ فَهْمُ كُلِّ مَنْ سَمِعَ قَوْلَ الْقَائِلِ: لا عَالِمَ إلاَّ زَيْدٌ, وَلَيْسَ لَك عَلَيَّ إلاَّ دِرْهَمٌ إلَى عِلْمِهِ وَإِقْرَارِهِ6.

_ 1 وفي قول ثالث: الاستثناء من الاثبات نفي، وأما الاستثناء من التفي فليس بإثبات. "انظر: مختصر البعلي ص120، المسودة ص160، القواعد والفوائد الأصولية ص 263، التمهيد ص117، مناهج العقول 2/120، شرح تنقيح الفصول ص 247، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/142، 143، المحصول جـ1ق3/57، الإحكام للآمدي 2/308، جمع الجوامع 2/15، نهاية السول 2/123". 2 ساقطة من ض ع ب. 3 في ش: من النفي إثبات ومن. 4 في ش: شيء. 5 انظر: التمهيد ص118، مناهج العقول 2/120، فواتح الرحموت 1/327، فتح الغفار 1/124، العضد على ابن الحاجب 2/143، تيسير التحرير 1/294، التلويح على التوضيح 2/289، إرشاد الفحول ص149. 6 انظر أدلة الجمهور في هذه القاعدة في "الإحكام للآمدي 2/308، المحلى على جمع الجوامع 2/16، فواتح الرحموت 1/327، كشف الأسرار 1/126، تيسير التحرير 1/294، التلويح على التوضيح 2/293، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/143، المحصول جـ1 ق3/57، نهاية السول 2/123، الروضة 2/270، شرح تنقيح الفصول ص247، مناهج العقول 2/120، إرشاد الفحول ص150".

قَالُوا: لَوْ كَانَ لَلَزِمَ1 مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ ثُبُوتُهَا بِالطَّهَارَةِ2وَمِثْلُهُ لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ" وَ: "لا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ" 3. رُدَّ لا يَلْزَمُ؛ لأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ, وَإِنَّمَا سِيقَ لِبَيَانِ اشْتِرَاطِ الطُّهُورِ لِلصَّلاةِ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ4. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هَذِهِ صِيغَةُ5 الشَّرْطِ. وَمُقْتَضَاهَا نَفْيُهَا عِنْدَ نَفْيِهَا, وَوُجُودُهَا6 عِنْدَ وُجُودِهَا، لَيْسَ مَنْطُوقًا، بَلْ مِنْ الْمَفْهُومِ، فَنَفْيُ شَيْءٍ لانْتِفَاءِ شَيْءٍ لا يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ، بَلْ يَبْقَى كَمَا قَبْلَ النُّطْقِ، بِخِلافِ لا عَالِمَ إلاَّ زَيْدٌ7.

_ 1 في ز ض ع ب: لزم. 2 هذه بعض أدلة الحنفية على قولهم في المسألة، وسيذكرها المصنف بالتفصيل بعد قليل "ص332". "انظر: مختصر ابن الحاجب 2/143، المحصول جـ1 ق3/58، الإحكام للآمدي 2/308". 3 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي ومالك والشافعي عن عبادة بن الصامت وأبي سعيد مرفوعاً بألفاظ مختلفة، وأوله: "لا تبيعوا الذهب بالذهب" ورواه البخاري عن ابن عمر مرفوعا. ومر تخريجه كاملاً في "المجلد الثاني ص 554"، وانظر: صحيح البخاري 2/14 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 11/13. 4 انظر: المسودة ص 190، الروضة 2/270، 271، نهاية السول 2/124، الفروق 2/96، مختصر ابن الحاجب 2/143، الإحكام للآمدي 2/308، مناهج العقول 2/122. 5 في ش ض: صفة. 6 في "الروضة": وأما وجودها. 7 الروضة:2/270-271.

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: جَعَلَهُ الْمُثْبَتَ مِنْ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ1. وَكَذَا جَعَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ فِي قَوْلِ أَحْمَدَ: كُلُّ شَيْءٍ يُبَاعُ قَبْلَ قَبْضِهِ إلاَّ مَا كَانَ2 مَأْكُولاً. وَقَدْ احْتَجَّ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْمَهْرِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ" 3 قَالَ: فَاقْتَضَى الظَّاهِرُ صِحَّتَهُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ. قَالَ أَصْحَابُنَا: هَذِهِ دَلالَةُ صِفَةٍ4.فَإِنْ قِيلَ: فِيهِ إشْكَالٌ سِوَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ النَّفْيُ الأَعَمُّ، أَيْ لا صِفَةَ لِلصَّلاةِ مُعْتَبَرَةٌ إلاَّ صِفَةَ الطَّهَارَةِ, فَنَفَى الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةَ وَأَثْبَتَ الطَّهَارَةَ5. قِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِهَا الْمُبَالَغَةُ فِي إثْبَاتِ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَأَيْضًا أَكَّدَهَا6. وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ فَلا7 إشْكَالَ: قَوْلٌ بَعِيدٌ لأَنَّهُ مُفَرَّغٌ فَهُوَ مِنْ

_ 1 في ش: فيقي ليس يجيد. 2 ساقطة من ض. 3 هذا الحديث رواه الإمام أحمد والدارقطني، وأشار إليه الترمذي، ورواه البيهقي في "العلل"، وفي شخص متروك، ورواه الشافعي من طريق آخر مرسلاً، وقال: "وهذا وإن كان منقطعاً فإن أكثر أهل العلم يقولون به"، وهو طرف من حديث رواه الدارقطني والبيهقي عن عائشة، رضي الله عنها مرفوعاً، وقال البخاري: وقال بعض الناس: "لايجوز نكاح بغير شاهدين". "انظر: صحيح البخاري 2/67 المطبعة العثمانية، تحفة الأحوذي 4/235، بدائع المنن 2/313، السنن الكبرى 7/124 وما بعدها، نيل الأوطار 6/142". أما الشطر الأول من الحديث "لانكاح إلا بولي" فهو حديث صحيح، وسبق تخريجه في "المجلد الثاني ص 551". 4 في ش ز: صيغة. 5 انظر: الروضة 2/271. 6 انظر: نهاية السول 2/124، التبصرة ص 204، مختصر ابن الحاجب 2/143، مناهج العقول 2/122. 7 في ش: بلا

تَمَامِ الْكَلامِ, وَمِثْلُهُ: مَا زَيْدٌ إلاَّ قَائِمٌ وَنَحْوُهُ1. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: مِنْ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ: أَنَّ "لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ" لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَثْنَى فِيهِ مُثْبَتًا لَمْ يَكُنْ كَافِيًا فِي الدُّخُولِ فِي الإِيمَانِ، وَلَكِنَّهُ كَافٍ بِاتِّفَاقٍ, وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إلَهَ إلاَّ اللَّه" 2 فَجَعَلَ ذَلِكَ غَايَةَ الْمُقَاتَلَةِ. وَقَدْ أَجَابُوا بِأَنَّ الإِثْبَاتَ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا الْكُفَّارُ يَزْعُمُونَ الشَّرِكَةَ3, فَنُفِيَتْ الشَّرِكَةُ بِذَلِكَ، أَوْ4 أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لا يُفِيدُ الإِثْبَاتَ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لَكِنْ5 يُفِيدُهُ بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ, فَإِنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الشَّرِيكِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلثُّبُوتِ6. فَإِذَا قُلْتَ: لا شَرِيكَ لِفُلانٍ فِي كَرَمِهِ, اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ كَرِيمًا, وَأَيْضًا فَالْقَرَائِنُ تَقْتَضِي الإِثْبَاتَ؛ لأَنَّ كُلَّ مُتَلَفِّظٍ7 بِهَا ظَاهِرُ قَصْدِهِ إثْبَاتُهُ8 وَاحِدًا9 لا التَّعْطِيلُ.

_ 1 انظر: نهاية السول 2/124، مختصر ابن الحاجب 2/143، مناهج العقول 2/122. 2 هذا حديث صحيح متواتر، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والشافعي وأحمد والدارمي وغيرهم عن خمسة عشر صحابياًَ. "انظر: صحيح البخاري 1/167 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 1/206، سنن أبي داود 1/356، تحفة الأحوذي 7/339، سنن النسائي 5/11، سنن ابن ماجه 1/27، بدائع المنن 2/95، مسند أحمد 2/314، سنن الدارمي 2/218، فيض القدير 2/189، الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة للسيوطي ص 6". 3 في د ز ض: شركة. 4 في ب: و5 في ع: لكنه. 6 انظر: مناهج العقول 2/121، نهاية السول 2/123، فواتح الرحموت 1/230. 7 في ض: به، وساقطة من ب. 8 في ز: إثبات. 9 في ش: إنها واحداً.

وَرَدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ عُلِّقَ بِهَا بِمُجَرَّدِهَا, فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهَا تَدُلُّ بِلَفْظِهَا دُونَ شَيْءٍ زَائِدٍ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الإِلْمَامِ: كُلُّ هَذَا عِنْدِي تَشْغِيبٌ وَمُرَاوِغَاتٌ جَدَلِيَّةٌ, وَالشَّرْعُ خَاطَبَ النَّاسَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَأَمَرَهُمْ بِهَا لإِثْبَاتِ1 مَقْصُودِ التَّوْحِيدِ, وَحَصَلَ الْفَهْمُ لِذَلِكَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لأَمْرٍ2 زَائِدٍ، وَلَوْ كَانَ وَضْعُ اللَّفْظِ لا يَقْتَضِي ذَلِكَ، لَكَانَ أَهَمَّ الْمُهِمَّاتِ: أَنْ يُعَلِّمَنَا الشَّارِعُ مَا يَقْتَضِيهِ بِالْوَضْعِ مِنْ الاحْتِيَاجِ إلَى أَمْرٍ آخَرَ, فَإِنَّ ذَلِكَ3 هُوَ الْمَقْصُودُ الأَعْظَمُ فِي الإِسْلامِ4. اهـ. وَمِنْ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ أَيْضًا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إلاَّ عَذَابًا} 5 وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا أَدِلَّةُ الْحَنَفِيَّةِ، فَمِنْ أَعْظَمِهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ" أَنَّ مَنْ تَطَهَّرَ يَكُونُ مُصَلِّيًا، أَوْ تَصِحُّ صَلاتُهُ وَإِنْ فَقَدَ بَقِيَّةَ الشُّرُوطِ6. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مُطْلَقٌ يَصْدُقُ بِصُورَةِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى, فَيَحْصُلَ الإِثْبَاتُ لا أَنَّهُ عَامٌّ، حَتَّى يَكُونَ كُلُّ مُتَطَهِّرٍ مُصَلِّيًا, فَهُوَ اسْتِثْنَاءُ شَرْطٍ أَيْ

_ 1 في ع: كإثبات. 2 في ع: إلى أمرٍ 3 ساقطة من ز ع ض ب. 4 انظر: إرشاد الفحول ص150. 5 الآية 30 من النبأ. 6 انظر: مناهج العقول 2/121، المحصول جـ1 ق3/58، الإحكام للآمدي 2/308، فواتح الرحموت 1/328، ومابعدها، مختصر ابن الحاجب 2/143، نهاية السول 2/123، فتح الغفار 2/126، تيسير التحرير 1/295، التوضيح على التنقيح 2/290.

لا صَلاةَ إلاَّ بِشَرْطِ الطَّهَارَةِ, وَمَعْلُومٌ: أَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ1. وَأَيْضًا: فَالْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةُ فِي هَذَا الشَّرْطِ دُونَ, سَائِرِ2 الشُّرُوطِ؛ لأَنَّهُ آكَدُ, فَكَأَنَّهُ لا شَرْطَ غَيْرُهُ؛ 3لا أَنَّ الْمَقْصُودَ: نَفْيُ جَمِيعِ الصِّفَاتِ4. وَأَيْضًا: فَقَدْ قِيلَ: الاسْتِثْنَاءُ فِيهِ مُنْقَطِعٌ, وَلَيْسَ الْكَلامُ فِيهِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ5. عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ لا يُعْرَفُ، إنَّمَا الْمَعْرُوفُ: "لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ6, لَكِنْ فِي ابْنِ مَاجَهْ: "لا تُقْبَلُ صَلاةٌ إلاَّ بِطُهُورٍ" 7 وَلَوْ مَثَّلُوا بِحَدِيثِ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ" الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ8

_ 1 انظر: فواتح الرحموت 1/329، التلويح على التوضيح 2/292، مختصر ابن الحاجب 2/143، مناهج العقول 2/121، الإحكام للآمدي 2/308، إرشاد الفحول ص150. 2 في ش: المبالغة في سائر. 3 في ش ع: لأن. 4 انظر: مناهج العقول2/121، التبصرة ص 203، فواتح الرحموت 1/329، نهاية السول 2/123، مختصر ابن الحاجب 2/143. 5 أي ضعف ابن الحاجب هذا الجواب على دليل الحنفية، وقال: "القول بأنه منقطع بعيد، لأن هذا استثناء مفرغ، والمفرغ من تمام الكلام، بخلاف المنقطع" "مختصر ابن الحاجب2/143". "وانظر: مناهج العقول 2/121، نهاية السول 2/124، فواتح الرحموت 1/329". 6 صحيح مسلم 1/204. ومر تخريج هذا الحديث كاملاً في "المجلد الأول ص 299". 7 سنن ابن ماجه 1/100. 8 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدار مي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ورواه أحمد والترمذي بلفظ: "لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب". "انظر: صحيح البخاري 2/106 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 4/100، مسند أحمد 2/241،478؟، سنن أبي داود 1/188، تحفة الأحوذي 2/59، سنن النسائي 2/106، سنن ابن ماجه1/273، سنن الدارمي 1/283، التلخيص الحبير 1/230، نصب الراية 1/363، الفتح الكبير 3/345، سنن الدارقطني 1/321".

لَكَانَ1 أَجْوَدَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ مُوَافِقٌ2 لِقَوْلِ نُحَاةِ الْكُوفَةِ3, وَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مُوَافِقٌ4 لِقَوْلِ سِيبَوَيْهِ5, وَبَقِيَّةِ الْبَصْرِيِّينَ6. َمَحِلُّ الْخِلافِ فِي الاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ؛ لأَنَّهُ فِيهِ إخْرَاجٌ, أَمَّا الْمُنْقَطِعُ فَالظَّاهِرُ7: أَنَّ مَا بَعْدَ "إلاَّ " فِيهِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِضِدِّ الْحُكْمِ السَّابِقِ, فَإِنَّ مَسَاقَهُ هُوَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ8, فَنَحْوُ, قَوْله تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 9 الْمُرَادُ: أَنَّ لَهُمْ بِهِ اتِّبَاعَ الظَّنِّ لا الْعِلْمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّنُّ دَاخِلاً فِي الْعِلْمِ. وَقِسْ عَلَيْهِ. وَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَمِنْ الإِثْبَاتِ نَفْيٌ تَرَتَّبَ10 عَلَيْهِمَا تَعَدُّدُ الاسْتِثْنَاءِ11.

_ 1 في ض: كان. 2 في ب: موافقة. 3 في ع: أهل الكوفة. 4 في ب: موافقة. 5 في ش: نحاة سيبويه. 6 انظر: المساعد على التسهيل 1/548 7 في ض: فالظهار، وفي ب: فلإظهار. 8 في ش: الثابت لك. 9 الآية 157 من النساء. 10 في ش: يترتب. 11 وهو صحيح حملاً للكلام على الصحة. "انظر: التمهيد ص 119، نهاية السول 2/124، المحصول جـ1ق3/60، القواعد والفوائد الأصولية ص254".

وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ أَحْوَالاً: أَحَدُهَا: نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ1 عَشَرَةٌ إلاَّ تِسْعَةً إلاَّ ثَمَانِيَةً إلاَّ سَبْعَةً إلاَّ سِتَّةً إلاَّ خَمْسَةً إلاَّ أَرْبَعَةً إلاَّ ثَلاثَةً إلاَّ اثْنَيْنِ2 إلاَّ وَاحِدًا3, وَلاسْتِخْرَاجِ الْحُكْمِ مِنْ ذَلِكَ طُرُقٌ: إحداها4: طَرِيقَةُ الإِخْرَاجِ. وَجَبْرُ الْبَاقِي بِالاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي, فَنَقُولُ5: لَمَّا أَخْرَجَ6 تِسْعَةً بِالاسْتِثْنَاءِ الأَوَّلِ جَبَرَ مَا بَقِيَ وَهُوَ وَاحِدٌ بِالاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي, وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ فَصَارَ تِسْعَةً، ثُمَّ أَخْرَجَ7 بِالاسْتِثْنَاءِ الثَّالِثِ سَبْعَةً, بَقِيَ اثْنَانِ، فَجَبَرَهُ بِالرَّابِعِ وَهُوَ سِتَّةٌ فَصَارَ ثَمَانِيَةً، ثُمَّ أَخْرَجَ8 بِالْخَامِسِ خَمْسَةً, فَبَقِيَ ثَلاثَةٌ, فَجَبَرَ بِالسَّادِسِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ, فَصَارَ سَبْعَةً، ثُمَّ أَخْرَجَ9 بِالسَّابِعِ10 ثَلاثَةً, فَبَقِيَ أَرْبَعَةٌ فَجَبَرَ بِالثَّامِنِ وَهُوَ اثْنَانِ فَصَارَ الْبَاقِي سِتَّةً وَأَخْرَجَ11 مِنْهُ بِالاسْتِثْنَاءِ التَّاسِعِ وَاحِدًا12فَصَارَ الْمُقَرُّ بِهِ خَمْسَةً13. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَحُطَّ14 الآخَرَ مِمَّا يَلِيهِ، وَهَكَذَا إلَى15 الأَوَّلِ

_ 1 ساقطة من ش 2 في ع: اثنان. 3 في ش: واحد. 4 في ش ض ب: أحدها. 5 في ع: فتقول. 6 في ز ض ع: خرج. 7 في ز ض ع: خرج. 8 في ز ض ع: خرج 9 في ز ض ع: خرج. 10 في ض: التاسع. 11 في ع: وخرج. 12 في ز: واحد، وفي ض: واحد واحد، وفي ب. وهو واحد. 13انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 245، مناهج العقول 2/125، شرح تنقيح الفصول ص 256، المحلي على جمع الجوامع 2/17، المساعد 1/577. 14 في ض ع ب: يحط. 15 في ش: إلا.

فَتَحُطَّ1 وَاحِدًا2 مِنْ اثْنَيْنِ، يَبْقَى وَاحِدٌ، تَحُطَّهُ3 مِنْ ثَلاثَةٍ يَبْقَى اثْنَانِ، تَحُطَّهُمَا4 مِنْ أَرْبَعَةٍ يَبْقَى اثْنَانِ، تَحُطَّهُمَا5 مِنْ خَمْسَةٍ يَبْقَى ثَلاثَةٌ تَحُطّهُمَا6 مِنْ سِتَّةٍ يَبْقَى7 ثَلاثَةٌ، تَحُطَّهَا8 مِنْ سَبْعَةٍ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ، تَحُطَّهَا9 مِنْ ثَمَانِيَةٍ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ، تَحُطَّهَا10 مِنْ تِسْعَةٍ يَبْقَى خَمْسَةٌ، تَحُطَّهَا11 مِنْ عَشَرَةٍ يَبْقَى الْمُقَرُّ بِهِ خَمْسَةٌ12. الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ وَتْرٍ مِنْ الاسْتِثْنَاءاتِ خَارِجًا وَكُلَّ شَفْعٍ مَعَ الأَصْلِ دَاخِلاً فِي الْحُكْمِ, فَمَا اجْتَمَعَ فَهُوَ الْحَاصِلُ, فَيَسْقُطَ مَا اجْتَمَعَ مِنْ الْخَارِجِ مِمَّا اجْتَمَعَ مِنْ الدَّاخِلِ فَهُوَ الْجَوَابُ. فَالْعَشَرَةُ وَالثَّمَانِيَةُ وَالسِّتَّةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالاثْنَانِ: ثَلاثُونَ هِيَ الْمُخْرَجُ مِنْهَا وَالتِّسْعَةُ وَالسَّبْعَةُ13 وَالْخَمْسَةُ وَالثَّلاثَةُ وَالْوَاحِدُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ: هِيَ الْمُخْرَجَةُ, يَبْقَى خَمْسَةٌ. وَلَهُمْ طُرُقٌ غَيْرُ ذَلِكَ يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهَا14.

_ 1 في ب: فيحط. 2 في ض: واحد. 3 في ش: فحطه. 4 في ش: فحطهما. 5 في ش: فحطهما. 6 في ش: فحطهما. 7 في ب: تبقى. 8 في ش: فحطها 9 في ش: فحطها 10 ش: فحطها 11 في ش: فحطها 12 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص255، شرح تنقيح الفصول ص256، المساعد 1/577. 13 ساقطة من ع. 14 انظر: شرح تنقيح الفصول ص256، القواعد والفوائد الأصولية ص 254، المساعد 1/576

وَاسْتَثْنَى الْقَرَافِيُّ الشَّرْطَ, فَقَالَ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ1: قَوْلُ الْعُلَمَاءِ الاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، لَيْسَ عَلَى إطْلاقِهِ، لأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ يَقَعُ فِي الأَحْكَامِ، نَحْوَ قَامَ الْقَوْمُ إلاَّ زَيْدًا, وَمِنْ الْمَوَانِعِ، نَحْوُ لا تَسْقُطُ الصَّلاةُ عَنْ الْمَرْأَةِ إلاَّ بِالْحَيْضِ، وَمِنْ الشُّرُوطِ، نَحْوُ "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ" , فَالاسْتِثْنَاءُ مِنْ الشُّرُوطِ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلامِ الْعُلَمَاءِ, فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالنَّفْيِ لأَجْلِ عَدَمِ الشَّرْطِ أَنْ يَقْضِيَ بِالْوُجُودِ لأَجْلِ وُجُودِ الشَّرْطِ، لِمَا عُلِمَ2 مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ لا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَلا الْعَدَمُ. فَقَوْلُهُمْ3: الاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ: مُخْتَصٌّ4 بِمَا عَدَا الشَّرْطَ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ. وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةُ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ شُبْهَةِ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّ النُّقُوضَ5 الَّتِي أَلْزَمُونَا بِهَا كُلَّهَا مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ6, وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ صُوَرِ النِّزَاعِ فَلا تَلْزَمُنَا7. اهـ. "وَإِذَا عُطِفَ" اسْتِثْنَاءٌ "عَلَى" اسْتِثْنَاءٍ "مِثْلِهِ أُضِيفَ إلَيْهِ" أَيْ أُضِيفَ الثَّانِي إلَى الأَوَّلِ, فَعَشَرَةٌ إلاَّ ثَلاثَةً وَإِلاَّ اثْنَيْنِ8 كَعَشَرَةٍ إلاَّ خَمْسَةً. وَأَنْتِ طَالِقٌ إلاَّ ثَلاثًا9 إلاَّ وَاحِدَةً وَإِلاَّ وَاحِدَةً، يَلْغُو الثَّانِي إنْ بَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الأَكْثَرِ، وَإِلاَّ وَقَعَ وَاحِدَةٌ, فَيَرْجِعُ الْكُلُّ الْمُتَعَاطِفُ إلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، حَمْلاً لِلْكَلامِ عَلَى الصِّحَّةِ

_ 1 شرح تنقيح الفصول ص 248، وانظر نفس المرجع ص 256 2 في "شرح تنقيح الفصول": تقدم 3 في"شرح تنقيح الفصول": فقول العلماء. 4 في"شرح تنقيح الفصول": يختص. 5 في"شرح تنقيح الفصول": النصوص 6 في ب: الشرط 7 شرح تنقيح الفصول ص 248 8 في ض: والاثنين 9 في ش: إلا ثلاثاً

مَا أَمْكَنَ. فَإِنَّ عَوْدَ كُلٍّ لِمَا يَلِيهِ قَدْ تَعَذَّرَ بِانْفِصَالِهِ بِأَدَاةِ الْعَطْفِ1. هَذَا إذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ عَوْدِ الْكُلِّ الاسْتِغْرَاقُ, أَوْ2 الأَكْثَرُ عَلَى الصَّحِيحِ. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْطَفْ "فَ" هُوَ "اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الاسْتِثْنَاءِ3 وَيَصِحُّ" قَالَهُ4 بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ مَنْعَهُ5. فَعَلَى الصِّحَّةِ6 لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلاَّ ثَلاثَةً إلاَّ دِرْهَمًا, يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ؛ لأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ مِنْ الإِثْبَاتِ نَفْيٌ, وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثًا إلاَّ وَاحِدَةً إلاَّ وَاحِدَةً, فَيَقَعَ اثْنَتَانِ، وَيَلْغُوَ قَوْلُهُ: إلاَّ وَاحِدَةً, الثَّانِيَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لا يَلْغُو, فَيَقَعَ ثَلاثٌ7؛ لأَنَّ الاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ. وَاسْتُدِلَّ لِجَوَازِ الاسْتِثْنَاءِ مِنْ الاسْتِثْنَاءِ بِقَوْله تَعَالَى: {إلاَّ آلَ لُوطٍ إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ} 8

_ 1 انظر: مناهج العقول 2/112، جمع الجوامع 2/16، المحصول جـ1ق3/60، نهاية السول 2/124، شرح تنقيح الفصول ص254 2 في ش: و. 3 في ش ز: استثناء 4 في ز ع ض ب: قال 5 قال الجمهور بصحة الاستثناء الثاني من الاستثناء الأول، ويكون مستثنى منه، وتطبيق القاعدة السابقة، وهي أن الاستثناء في النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، وهذا مذهب البصريين والكسائي، وقال بعض النحويين تعود المستثنيات بها إلى المذكور أولاً. "انظر: المسودة ص 154، المساعد 1/577، القواعد والفوائد الأصولية ص 253، نهاية السول 2/125، الإحكام للآمدي 2/288، جمع الجوامع 2/16،17، مناهج العقول 2/123، العدة 2/666". 6 ساقطة من ض. 7 في ع: ثلاثاً. 8 الآيتان 59، 60من الحجر، وفي ب ز ع ض: "إلا امرأته الآية". "وانظر 2/666، الإحكام للآمدي 2/288، القواعد والفوائد الأصولية ص 253".

وَعَلَّلَ الْقَائِلُونَ بِالْمَنْعِ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الاسْتِثْنَاءِ الْفِعْلُ الأَوَّلُ بِتَقْوِيَةِ حَرْفِ الاسْتِثْنَاءِ, وَالْعَامِلُ لا يَعْمَلُ فِي مَعْمُولِينَ. وَأَجَابُوا عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {إنَّا أُرْسِلْنَا إلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إلاَّ آلَ لُوطٍ إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إلاَّ امْرَأَتَهُ} 1 قَدَّرْنَا بِأَنَّ2 الاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ، وَ3هُوَ "إلاَّ امْرَأَتَهُ" إنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِهِ "أَجْمَعِينَ" وَاَللَّهُ أَعْلَمُ4.

_ 1 الآيات 58، 59، 60 من الحجر 2 في ش: بألا 3 ساقطة من ب. 4 ساقطة من ز ض ع ب.

فصل القسم الثاني من المخصص المتصل

فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ 1 الشَّرْطُ 2: "وَيَخْتَصُّ" الشَّرْطُ "اللُّغَوِيُّ مِنْهُ" أَيْ مِنْ الشَّرْطِ الْمُطْلَقِ "بِكَوْنِهِ" أَيْ بِكَوْنِ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ "مُخَصَّصًا"3 قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ، فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ: الشَّرْطُ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ، ثُمَّ قَالَ: الثَّانِي اللُّغَوِيُّ, وَالْمُرَادُ بِهِ صِيَغُ التَّعْلِيقِ "بِإِنْ" وَنَحْوِهَا4, وَهُوَ مَا يُذْكَرُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فِي الْمُخَصَّصَاتِ لِلْعُمُومِ نَحْوُ "قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} 5, وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ6 فِي الْفِقْهِ7: الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ, وَالطَّلاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ8.

_ 1 ساقطة من ش 2 في ش: "الشرط" من المخصص المتصل. 3 انظر هذه المسألة في "نهاية السول 2/131، نزهة الخاطر 2/190، شرح الورقات ص 108، المعتمد 1/259، العضد على ابن الحاجب 2/132، 145، المستصفى 2/181، 205، المحلي على جمع الجوامع 2/22، مناهج العقول 2/112،130، الروضة 2/259، تيسير التحرير 1/280، التلويح على التوضيح 2/36، إرشاد الفحول ص 153" 4 أدوات الشرط هي: إن "المخففة"، وإذا، ومن، وما، ومهما، وحيثما، وأينما، وإذ، ما، والأولى حرف وهي أم صيغ الشرط، وما عداها أسماء, "انظر: الإحكام للآمدي 2/309" 5 الآية 6 من الطلاق. 6 في ش: قوله. 7 في ض: اللغة. 8 انظر أنواع الشرط، وتعريف كل نوع في "المجلد الأول ص 452 وما بعدها". "وانظر: مختصر ابن الحاجب 2/145، المحصول جـ1ق3/89، الإحكام للآمدي 2/309، المستصفى 2/180 وما بعدها، 205، المحلي على جمع الجوامع 2/21، فواتح الرحموت 1/339، 341، تيسير التحرير 1/280، إرشاد الفحول ص 153".

وَهَذَا -كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ- يَرْجِعُ إلَى كَوْنِهِ سَبَبًا، حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ1, وَوَهَمَ مَنْ فَسَّرَهُ هُنَاكَ بِتَفْسِيرِ الشَّرْطِ الْمُقَابِلِ لِلسَّبَبِ وَالْمَانِعِ، كَمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ الأُصُولِيِّينَ كَالطُّوفِيِّ2 فَجَعَلَ3 الْمُخَصَّصَ هُنَا مِنْ الشَّرْطِ4 اللُّغَوِيِّ, وَوَهَمَ مَنْ قَالَ غَيْرَهُ5. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَظَاهِرُ6 كَلامِ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ وَابْنِ مُفْلِحٍ: أَنَّ الْمَحْدُودَ7 فِي الْمُخَصَّصَاتِ يَشْمَلُ8 الشُّرُوطَ الثَّلاثَةَ فَإِنْ9 قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ قَالَ10 -لَمَّا ذُكِرَ حَدُّ الْمُوَفَّقِ وَالْغَزَالِيِّ- وَلا يَمْنَعُ لُزُومُ الدُّورِ بِحَمْلِ الشَّرْطِ عَلَى اللُّغَوِيِّ؛ إذْ الْمَحْدُودُ هُوَ الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ وَالْعَادِيِّ11. قُلْت: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ: تَمْثِيلُهُمْ بِذَلِكَ12 1هـ.

_ 1 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 85، 261، 262، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/145، جمع الجوامع 2/20، إرشاد الفحول ص 153. 2 ساقطة من ش ز. 3 في ع: في جعل. 4 ساقطة من ش ع. 5 انظر: مختصر الطوفي ص22،113، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/145، التلويح على التوضيح 2/38. 6 في ض: وهو ظاهر. 7 في ش: الحدود. 8 في ش: تشمل. 9 في ش: قال. 10 ساقطة من ش. 11 ساقطة من ش ز. 12 انظر: الروضة 2/259

"وَهُوَ" أَيْ الشَّرْطُ "مُخْرَجٌ مَا لَوْلاهُ" أَيْ لَوْلا الشَّرْطُ "لَدَخَلَ" ذَلِكَ الْمُخْرَجُ, نَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ دَخَلُوا, فَيَقْصُرَهُ الشَّرْطُ عَلَى مَنْ دَخَلَ1. "وَيَتَّحِدُ" الشَّرْطُ2، مِثْلُ إنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ فَأُكْرِمْهُ، 3أَوْ فَأَكْرِمْهُ وَأَعْطِهِ، أَوْ فَأَكْرِمْهُ أَوْ أَعْطِهِ. "وَيَتَعَدَّدُ" الشَّرْطُ "عَلَى الْجَمْعِ4" مِثْلُ إنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ وَ5السُّوقَ فأكرمه6. "وَ"يَتَعَدَّدُ الشَّرْطُ عَلَى "الْبَدَلِ" مِثْلُ إنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ أَوْ السُّوقَ. فَهَذِهِ "ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ كُلٌّ مِنْهَا" أَيْ مِنْ الأَقْسَامِ "مَعَ الْجَزَاءِ كَذَلِكَ" أَيْ كَالشَّرْطِ7، يَعْنِي أَنَّ الْجَزَاءَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّحِدًا، أَوْ8 مُتَعَدِّدًا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ، أَوْ9 مُتَعَدِّدًا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ, كَمَا مَثَّلْنَا, فَتَكُونَ الأَقْسَامُ تِسْعَةً مِنْ ضَرْبِ ثَلاثَةٍ فِي ثَلاثَةٍ10

_ 1 انظر: مختصر البعلي ص121، الإحكام للآمدي 2/310، المستصفى 2/205. 2 في ب: أي الشرط. 3 ساقطة من ز د. 4 في ب: الجميع. 5 في ب: أو. 6 ساقطة من ش ز ض ع ب. 7 في ض: الشرط. 8 في ض: و. 9 ساقطة من ض. 10 هذا تقسيم للشرط والمشروط باعتبار التعدد والاتحاد. "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/146، المحصول جـ1ق3/94، الإحكام للآمدي 2/310، المستصفى 2/206، نهاية السول 2/134، المعتمد 1/259، مختصر ابن الحاجب 2/145، مناهج العقول 2/133، فواتح الرحموت 1/342، تيسير التحرير 1/280، إرشاد الفحول ص153".

"وَيَتَقَدَّمُ" الشَّرْطُ "عَلَى الْجَزَاءِ لَفْظًا" أَيْ فِي اللَّفْظِ "لِتَقَدُّمِهِ" أَيْ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ عَلَى الْجَزَاءِ "فِي الْوُجُودِ طَبْعًا" لأَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ شَيْءٍ يُجَازَى عَلَيْهِ1. "وَمَا ظَاهِرُهُ" أَيْ تَرْكِيبُ ظَاهِرِهِ "أَنَّهُ" أَيْ أَنَّ الشَّرْطَ "مُؤَخَّرٌ" فِيهِ عَنْ الْجَزَاءِ "الْجَزَاءُ2 فِيهِ مَحْذُوفٌ قَامَ مَقَامَهُ, وَدَلَّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ" فَقَوْلُ الْقَائِلِ: أَكْرَمْتُكَ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ, خَبَرٌ, وَالْجَزَاءُ مَحْذُوفٌ مُرَاعَاةً لِتَقَدُّمِ الشَّرْطِ, كَتَقَدُّمِ الاسْتِفْهَامِ وَالْقَسَمِ3. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ: لأَدَاةِ الشَّرْطِ صَدْرُ الْكَلامِ, فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا سَبَبُهُ4 فَالْجَوَابُ5 مَعْنًى, فَهُوَ دَلِيلُ الْجَوَابِ وَلَيْسَ إيَّاهُ، خِلافًا لِلْكُوفِيِّينَ وَالْمُبَرِّدِ وَأَبِي6 زَيْدٍ7.

_ 1إن الشرط يتقدم في المعنى فيكون متقدماً في اللفظ، قال القرافي: "وهو معنى قوله: متقدم في الطبع فيقدم في الوضع" "شرح تنقيح الفصول ص 265". "وانظر: المحصول جـ1 ق3/97، شرح تنقيح الفصول ص264، الإحكام للآمدي 2/311، شرح الورقات ص111، المعتمد 1/260" 2 في ش: والجزاء 3 قال الشيرازي: "يجوز أن يتقدم الشرط في اللفظ، ويجوز أن يتأخر، كما يجوز في الاستثناء" "اللمع ص25". وقال الفخر الرازي: "لا نزاع في جواز تقديم الشرط وتأخيره، وإنما النزاع في الأولى، ويشبه أن يكون هو التقديم خلافاً للفراء" "المحصول جـ1 ق3/97". "وانظر: شرح تنقيح الفصول ص214، 264، المعتمد 1/268، مختصر ابن الحاجب 2/146، الإحكام للآمدي 2/311، فواتح الرحموت 1/342" 4 في ع: شبيه 5 في ش: فالجواب 6 في ش: ابن، وفي د: ابن أبي 7 هو سعيد بن أوس بن ثابت، الأنصاري الخزرجي، قال المبرد: كان أبو زيد عالماً

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ: إنْ عَنَوْا أَنَّ الْمُقَدَّمَ لَيْسَ بِجَزَاءٍ لِلشَّرْطِ1 فِي اللَّفْظِ2 وَإِنْ عَنَوْا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَزَاءٍ3 لِلشَّرْطِ لا لَفْظًا وَلا مَعْنًى, فَهُوَ عِنَادٌ4، لأَنَّ الإِكْرَامَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدُّخُولِ، فَيَتَأَخَّرُ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى, فَيَكُونُ جَزَاءً لَهُ مَعْنًى. قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُتَقَدِّمُ -أَيْ أَكْرَمْتُك5- جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ دُونَ الْمَعْنَى: رُوعِيَتْ الشَّائِبَتَانِ فِيهِ، أَيْ شَائِبَةُ الاسْتِقْلالِ6 مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، فَحُكِمَ بِكَوْنِهِ جَزَاءً، وَشَائِبَةُ عَدَمِ الاسْتِقْلالِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَحُكِمَ بِأَنَّ الْجَزَاءَ مَحْذُوفٌ، لِكَوْنِهِ مَذْكُورًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى7.انْتَهَى. "وَيَصِحُّ إخْرَاجُ الأَكْثَرِ" مِنْ الْبَاقِي "بِهِ" أَيْ بِالشَّرْطِ8.

_ بالنحو، ولم يكن مثل الخليل وسيبويه، وهو من أئمة الأدب، وغلبت عليه اللغة والنوادر والغريب، كان الثوري يقول عن ابن مناذر: الأصمعي. أحفظ الناس، وأبو عبيدة أجمعهم، وأبو زيد الأنصاري أوثقهم، وكان يقال له: أبو زيد النحوي، وله مصنفات كثيرة ومفيدة، منها: "المصادر" و"الإبل" و"خلق الإنسان" و"اللغات" و"النوادر" و"الجمع والتثنية" و "بيوتات العرب" وغيرها، عمر كثيراً، وتفي سنة 215هـ بالبصرة، وقيل غير ذلك، وكان يرى رأي القدرية. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 2/120، الفهرست لابن نديم ص 81، طبقات القراء 1/305، المعارف ص545، إنباه الرواة 2/30، تاريخ بغداد 9/77، شذرات الذهب 2/34، مرآة الجنان 2/58، النجوم الزاهرة 2/210، الأعلام للزركلي 3/144" 1 في ب: الشرط 2 في ش: لا لفظاً ولا معنى، فهو عناد، لأن في اللفظ الإكرام يتوقف 3في ب: الشرط 4 مختصر ابن الحاجب 2/146 5 ساقطة من ب ض هنا، ثم ذكرت بعد كلمتين 6 ساقطة من ض 7 مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/146 8انظر: جمع الجوامع 2/23، شرح تنقيح الفصول ص264، 265، نهاية السول 2/134، إرشاد الفحول ص153.

قَالَ فِي الْمَحْصُولِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْسُنُ التَّقْيِيدُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مِنْهُ1 أَكْثَرَ مِنْ الْبَاقِي، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فِي الاسْتِثْنَاءِ2 اهـ. فَلَوْ قَالَ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ كَانُوا عُلَمَاءَ، خَرَجَ جُهَّالُهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ3. "وَهُوَ" أَيْ الشَّرْطُ "فِي اتِّصَالٍ بِمَشْرُوطٍ، وَ" فِي "تَعَقُّبِ4 جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ: كَاسْتِثْنَاءٍ" يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الشَّرْطِ. بِالْمَشْرُوطِ5، كَمَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الاسْتِثْنَاءِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ "إنْ شَاءَ اللَّهُ" يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً، وَأَنَّ الشَّرْطَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلاً مُتَعَاطِفَةً عَادَ إلَى الْكُلِّ عِنْدَ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ6. وَحَكَى الْغَزَالِيُّ عَدَمَ عَوْدِهِ لِلْجَمِيعِ عَنْ الأَشْعَرِيَّةِ7. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ أَوْلَى بِالْعَوْدِ إلَى الْكُلِّ مِنْ الاسْتِثْنَاءِ، بِدَلِيلِ مُوَافَقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ, مِثَالُهُ: أَكْرِمْ قُرَيْشًا وَأَعْطِ تَمِيمًا إنْ نَزَلُوا بِكَذَا8.

_ 1ساقطة من ز، ومن "المحصول" 2 المحصول جـ 1ق3/97 3انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/23 4 في ع: تعقيب 5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 214، 264، 265، المحصول جـ1 ق3/97، مختصر ابن الحاجب 2/146، الإحكام للآمدي 2/311، جمع الجوامع 2/22، إرشاد الفحول ص153. 6 انظر: الإحكام للآمدي 2/311، المحصول جـ1 ق3/96، جمع الجوامع 2/22، العضد على ابن الحاجب 2/146، شرح تنقيح الفصول ص214، 264، المعتمد1/264، نهاية السول 2/129، اللمع ص 25، فواتح الرحموت 1/342، تيسير التحرير 1/281، مختصر البعلي ص 121، القواعد والفوائد الأصولية ص 260، التمهيد ص 121، الإحكام للآمدي 2/311 7 وحكاه في "المحصول" عن بعض الأدباء، واختار الرازي الوقف، وحكي عن أهل الظاهر. "انظر: المحصول جـ1 ق3/96، التمهيد ص 120،121، القواعد والفوائد الأصولية ص 261، الإحكام للآمدي 2/311، المعتمد 1/264، إرشاد الفحول ص 153، شرح تنقيح الفصول ص 264". 8انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 260، شرح تنقيح الفصول ص 214، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/22، تيسير التحرير 1/281.

"وَيَحْصُلُ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى شَرْطِ "عَقِبِهِ" أَيْ عَقِبِ وُجُودِ الشَّرْطِ1. "وَ"يَحْصُلُ "عَقْدٌ" أَيْ تَرَتَّبَ أَثَرُهُ مِنْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا "عَقِبَ صِيغَةِ" ذَلِكَ الْعَقْدِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هَلْ يَحْصُلُ الشَّرْطُ مَعَ الْمَشْرُوطِ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُك: بِعْتُكَ أَوْ2 وَهَبْتُكَ، هَلْ يَحْصُلُ مَعَ الْكَافِ أَوْ بَعْدَهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ, الأَكْثَرُونَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّهَا مَعَهَا, وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ السَّلامِ وَالثَّانِي بَعْدَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَاسَ3 الأَوَّلُونَ الشَّرْطَ عَلَى الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ, وَالتَّحْقِيقُ الْمَنْعُ فِيهِمَا، وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِي كَسْرَتِهِ فَانْكَسَرَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ شَارِحُ التَّحْرِيرِ: قُلْتُ وَمَا صَحَّحَهُ هُوَ ظَاهِرُ كَلامِ الأَصْحَابِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلاقِ بِالشَّرْطِ4.

_ 1 انظر: نهاية السول 2/134، مناهج العقول 2/132، شرح تنقيح الفصول ص 263، المعتمد 1/260، المحصول جـ1 ق3/92 ومابعدها. 2 في ز: و3 في ز: وقاس 4 في ع ب: بالشروط

فصل المخصص المتصل الثالث الصفة

فصل المخصص المتصل الثالث الصفة ... فصل المخصص الثالث الصفة: "الثَّالِثُ" مِنْ الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ "الصِّفَةُ" وَهُوَ1 مَا أَشْعَرَ بِمَعْنًى يَتَّصِفُ بِهِ أَفْرَادُ الْعَامِّ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَصْفُ نَعْتًا، أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ، أَوْ حَالاً، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مُفْرَدًا2 أَوْ جُمْلَةً أَوْ شِبْهِهَا3، وَهُوَ الظَّرْفُ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ4، وَلَوْ كَانَ جَامِدًا مُؤَوَّلاً بِمُشْتَقٍّ5، لَكِنْ يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَيُطْرَحَ مَفْهُومُهُ، كَمَا يَأْتِي فِي الْمَفَاهِيمِ6، أَوْ يُسَاقَ الْوَصْفُ لِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ أَوْ تَرَحُّمٍ أَوْ تَوْكِيدٍ أَوْ تَفْضِيلٍ7، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُخَصَّصًا لِلْعُمُومِ8. مِثَالُ التَّخْصِيصِ بِالصِّفَةِ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ الدَّاخِلِينَ؛ فَيُقْصَرَ الإِكْرَامُ عَلَيْهِمْ9

_ 1 في ش: وهو 2 في ش ز: لمفرد 3 في ب: شبههما 4 انظر: تفصيل الكلام عن التخصيص بالحال والظرف والجار والمجرور والتمييز في "إرشاد الفحول ص 155" 5 انظر مسألة التخصيص بالصفة في"المحصول جـ1 ق 3/105، الإحكام للآمدي 2/312، المستصفى 2/204، جمع الجوامع 2/23، فواتح الرحموت 1/344، تيسير التحرير 1/382، التوضيح على التنقيح 2/31، العضد على ابن الحاجب 2/132،146، نهاية السول 2/135، المعتمد 1/257، شرح الورقات ص 109، مناهج العقول 2/112، 134، اللمع ص 25، مختصر البعلي ص 121، إرشاد الفحول ص 153" 6 في ش: المفهم 7 في ش: تفضيل 8 انظر: التلويح على التوضيح 2/32 9 انظر: مختصر البعلي ص 121، الإحكام للآمدي 2/312.

"وَهِيَ" أَيْ الصِّفَةُ "كَاسْتِثْنَاءٍ فِي عَوْدٍ". قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالآمِدِيُّ وَجَمْعٌ1: هِيَ كَالاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ كَمَا تَقَدَّمَ2. "وَلَوْ تَقَدَّمَتْ" الصِّفَةُ، نَحْوَ وَقَفْتُ عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلادِي وَأَوْلادِهِمْ فَتُشْتَرَطَ الْحَاجَةُ فِي أَوْلادِ الأَوْلادِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُ3. وَقِيلَ: تَخْتَصُّ4 بِمَا وَلِيَتْهُ إنْ. تَوَسَّطَتْ5. قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: أَمَّا الْمُتَوَسِّطَةُ: فَالْمُخْتَارُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ6. مِثَالُ ذَلِكَ: عَلَى أَوْلادِي الْمُحْتَاجِينَ وَأَوْلادِهِمْ. قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ: لا نَعْلَمُ فِيهَا7 نَقْلاً، وَيَظْهَرُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ8.

_ 1 ساقطة من ب 2 صفحة 312 وما بعدها. أي يجري فيه القولان السابقان بعودة التخصيص عند عدم القرنية إلى الجملة الأخيرة أو إلى الجميع. "انظر: الإحكام للآمدي 2/312، جمع الجوامع 2/23، نهاية السول 2/135، المعتمد 1/257، مختصر ابن الحاجب 2/146، المحصول جـ ق3/105، فواتح الرحموت 1/344، تيسير التحرير 1/282، مختصر البعلي ص 121، القواعد والفوائد الأصولية ص 262، التمهيد ص 123، 127، إرشاد الفحول ص 153" 3 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/23، التمهيد ص 123 4 في ش: يخص 5 في ش: تخصصت توسطت 6 جمع الجوامع 2/23. وانظر: إرشاد الفحول ص 153 7 في ز: فيه 8 جمع الجوامع 2/23.

فصل المخصص المتصل الرابع الغاية

فصل المخصص المتصل الرابع الغاية: "الرَّابِعِ" مِنْ الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ "الْغَايَةُ". وَالْمُرَادُ بِهَا: أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ اللَّفْظِ الْعَامِّ حَرْفٌ مِنْ أَحْرُفِ1 الْغَايَةِ، كَاللاَّمِ وَإِلَى وَحَتَّى2. مِثَالُ اللاَّمِ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} 3 أَيْ إلَى بَلَدٍ4, وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {بِأَنَّ رَبَّك أَوْحَى لَهَا} 5 أَيْ أَوْحَى إلَيْهَا, وَمِنْ ذَلِكَ "أَوْ" فِي قَوْلِهِ: لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ6 أَوْ أُدْرِكَ الْمُنَى أَيْ: إلَى أَنْ أُدْرِكَ الْمُنَى. وَرُبَّمَا كَانَتْ " إلَى " بِمَعْنَى "مَعَ". وَ "حَتَّى" لِلابْتِدَاءِ، نَحْوُ:

_ 1 في ب: حروف 2 انظر: نهاية السول 2/136، المحصول جـ1 ق3/102، العضد على ابن الحاجب 2/132، 146، الإحكام للآمدي 2/313، المستصفى 2/208، جمع الجوامع 2/23، فواتح الرحموت 1/343، تيسير التحرير 1/281، اللمع ص 27، مناهج العقول 2/112، 136، مختصر البعلي ص 121، القواعد والفوائد الأصولية ص 262، المعتمد 1/257، إرشاد الفحول ص 154 3 الآية 57 من الأعراف 4 ساقطة من ز ع ب 5 الآية من الزلزلة 6 هذا البيت يستشهد به النحاة، ولم ينسبه أحد من علماء اللغة والأدب والنوح إلى شاعر معين، وعجزه: "فما انقادت الأيام إلا لصابر". "انظر: شرح شذور الذهب 238، شرح ابن عقيل 2/346"

حتَّى مَاءَ دِجْلَةَ أَشْكَلا1 وَمِثَالُ إلَى وَحَتَّى: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَى أَوْ حَتَّى أَنْ يَدْخُلُوا فَيُقْصَرَ عَلَى غَيْرِهِمْ2. "وَهِيَ" أَيْ الْغَايَةُ "كَاسْتِثْنَاءٍ فِي اتِّصَالٍ وَعَوْدٍ" بَعْدَ الْجُمَلِ3 فَفِي 4نَحْوِ وَقَفْتُ5 عَلَى أَوْلادِي وَأَوْلادِ أَوْلادِي6 وَأَوْلادِ أَوْلادِ أَوْلادِي إلَى أَنْ يَسْتَغْنُوا تَعُودُ7 إلَى الْكُلِّ8.

_ 1 في ش: أشكل، وهي رواية ثانية للكلمة، وهذا عجز بيت، وصدره: فما زالت القتلى تمج دماءها ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكلا وهذا البيت لجرير من قصيدة يهجو بها الأخطل، وأولها: أجدك لايصحو الفؤاد المعلل ... وقد لاح من شيب عذار ومحل وفيها: لنا الفضل في الدنيا، وأنفك راغم ... ونحن لكم يوم القيامة أفضل وجاء البيت في الديوان: ومازالت القتلى تمور دماءها ... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل واستشهد بالبيت الزمخشري في "الكشاف" عند الآية 6 من سورة النساء في قوله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} حيث جعل ما بعد حتى غاية للابتداء، وهي التي تقع بعد الجمل، واستشهد به الأشموني, ومعنى تمج: تمور، والأشكل: الذي خالط بياضه حمرة. "انظر: ديوان جرير ص 365، 267، الكشاف للزمخشري 1/501، 4/480" 2 انظر: الإحكام للآمدي 2/313، تيسير التحرير 1/281، مختصر البعلي ص121 3 أي أنها تعود إلى الجميع على قول الجمهور في الاستثناء، وعند الحنفية تعود للأخيرة. "انظر: جمع الجوامع 2/23، فواتح الرحموت 1/343، مختصر ابن الحاجب 2/146، التمهيد ص 124، القواعد والفوائد الأصولية ص 262، مختصر البعلي ص 121" 4 في ش: نفي 5 في ب: اوقفت 6 في ب: أولاد 7 في ش ز: يعود 8 انظر: الإحكام للآمدي 2/313، التمهيد ص124، تيسير التحرير 2/282، إرشاد الفحول ص154.

وَيَخْرُجُ الأَكْثَرُ1 بِهَا بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمُخْرَجِ أَقَلَّ مِنْ الْمُخْرَجِ. وَمِنْ أَحْكَامِهَا: أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَيْ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِنَقِيضِ حُكْمِهِ عِنْدَ الأَكْثَرِ2، لأَنَّ مَا بَعْدَهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ غَايَةً، بَلْ وَسَطًا بِلا فَائِدَةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} 3 فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ اللَّيْلِ دَاخِلاً قَطْعًا، وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ4. وَ5قَالَ ابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ: مُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهَا نُطْقًا. وَقِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ مُخَالِفًا مُطْلَقًا6. وَقِيلَ: مُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهَا إنْ كَانَ مَعَهَا "مِنْ" مِثَالِهِ: بِعْتُك مِنْ هَذَا إلَى هَذَا7. وَقَالَ الرَّازِيّ: إنْ تَمَيَّزَ عَمَّا قَبْلَهُ بِالْحِسِّ لَمْ يَدْخُلْ وَإِلاَّ دَخَلَ, وَالْمُتَمَيِّزُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} 8 فَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ حِسًّا اسْتَمَرَّ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى مَا بَعْدَهَا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ} 9 فَإِنَّ الْمَرْفَقَ10

_ 1 في ش: الكل 2 انظر: نهاية السول 2/136، المحصول جـ1 ق3/102، اللمع ص 27، القواعد والفوائد الأصولية ص 262، مناهج العقول 2/126، إرشاد الفحول ص154. 3 الآية 187 من البقرة. 4 انظر: نهاية السول 2/136، 137، مناهج العقول 2/136. 5 ساقطة من ب ز 6 انظر: نهاية السول 2/137. 7 انظر: نهاية السول 2/137. 8 لآية 187 من البقرة. 9 الآية 6 من المائدة. 10 في ب: المرافق.

غَيْرُ مُنْفَصِلٍ عَنْ الْيَدِ بِفَصْلٍ مَحْسُوسٍ1. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَعْنَى عَيْنًا أَوْ وَقْتًا لَمْ يَدْخُلْ وَإِلاَّ دَخَلَ2، نَحْوُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 3 لأَنَّ الْغَايَةَ هُنَا فِعْلٌ، وَالْفِعْلُ لا يُدْخِلُ نَفْسَهُ4 مَا لَمْ يُفْعَلْ، وَمَا لَمْ تُوجَدْ الْغَايَةُ لا يَنْتَهِي الْمُغَيَّا5, فَلا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ النَّهْيِ لانْتِهَاءِ النَّهْيِ, فَيَبْقَى الْفِعْلُ دَاخِلاً فِي النَّهْيِ. وَقِيلَ: لا تَدُلُّ الْغَايَةُ6 عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُخَالِفٌ وَلا مُوَافِقٌ، قَالَهُ الآمِدِيُّ7. وَمَحِلُّ مَا تَقَدَّمَ: فِي غَايَةِ تَقَدُّمِهَا عُمُومٌ يَشْمَلُهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ الْغَايَةُ عُمُومٌ يَشْمَلُهَا، فَلا يَكُونُ مَا بَعْدَهَا مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "إلاَّ فِي: قُطِعَتْ أَصَابِعُهُ8 كُلُّهَا مِنْ الْخِنْصَرِ إلَى الإِبْهَامِ وَنَحْوِهِ، فَلا" أَيْ فَلا يَكُونُ مَا بَعْدَهَا مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا، وَيَكُونُ الإِبْهَامُ دَاخِلاً قَطْعًا9. قَالَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ10: قَوْلُ الأُصُولِيِّينَ إنَّ الْغَايَةَ مِنْ الْمُخَصَّصَاتِ

_ 1 المحصول جـ1 ق3/103. وانظر: نهاية السول2/137، 138، مناهج العقول 2/136، إرشاد الفحول ص 154. 2 ساقطة من ب. 3 الآية 222من البقرة. 4 في ش: نفسه. 5 في ش: المعنى. 6 في ش ز ض ب: تدخل. 7الإحكام للآمدي 2/313. وهناك أقوال أخرى ذكرها الشوكاني. "انظر: إرشاد الفحول ص154". 8 في ش: أصابعها. 9 انظر: جمع الجوامع 2/23، إرشاد الفحول ص154. 10 هو علي بن عبد الكافي، تقي الدين السبكي، والد تاج الدين السبكي صاحب"جمع الجوامع" ومرت ترجمة الوالد والابن.

إنَّمَا1 هُوَ إذَا2 تَقَدَّمَهَا عُمُومٌ يَشْمَلُهَا لَوْ لَمْ يُؤْتَ بِهَا. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} 3 فَلَوْلا الْغَايَةُ لَقَاتَلْنَا الْكُفَّارَ أَعْطَوْا أَوْ لَمْ يُعْطُوا4. فَأَمَّا نَحْوُ "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ" وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْغَايَةِ لَمْ يَكُنْ الصَّبِيُّ شَامِلاً لِلْبَالِغِ، وَلا النَّائِمُ لِلْمُسْتَيْقِظِ، وَلا الْمَجْنُونُ لِلْمُفِيقِ فَذَكَرَ الْغَايَةَ فِي ذَلِكَ: إمَّا تَوْكِيدٌ5 لِتَقْرِيرِ أَنَّ أَزْمِنَةَ الصَّبِيِّ وَأَزْمِنَةَ الْجُنُونِ6 وَأَزْمِنَةَ النَّوْمِ لا يُسْتَثْنَى مِنْهَا شَيْءٌ, وَنَحْوه7, قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 8 طُلُوعِهِ9 أَوْ زَمَنَ طُلُوعِهِ10 لَيْسَ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى يَشْمَلَهُ {سَلامٌ هِيَ} بَلْ حُقِّقَ بِهِ ذَلِكَ، وَإِمَّا لِلإِشْعَارِ11 بِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ حُكْمُهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ, وَلَوْلا الْغَايَةُ لَكَانَ مَسْكُوتًا12 عَنْ ذِكْرِ الْحُكْمِ مُحْتَمِلاً: "وَغَايَةٌ، وَ" 13مَعْنَى "مُقَيَّدٍ بِهَا" أَيْ بِالْغَايَةِ "يَتَّحِدَانِ وَيَتَعَدَّانِ تِسْعَةَ

_ 1 ساقطة من ش ز ع ض. 2 في ش: إذا هو. 3 الآية 29 من التوبة. 4 جمع الجوامع 2/23. 5 في ز: توكيداً. 6 في ع: المجنون. 7 في ش ز ض: ونحو. 8 الآية 5 من القدر. 9 في د ب: الفجر طلوعه. 10 ساقطة من ض ب. 11 في ب: الإشعار. 12 في ش ز: سكوتاً. 13 في ش ز: معنى.

أَقْسَامٍ" لأَنَّ الْغَايَةَ وَالْمُغَيَّا1: إمَّا أَنْ يَكُونَا مُتَّحِدَيْنِ, كَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَى أَنْ يَدْخُلُوا، أَوْ مُتَعَدِّدَيْنِ: إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ، كَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ أَوْ أَعْطِهِمْ إلَى أَنْ يَدْخُلُوا أَوْ2 يَقُومُوا،34 وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُتَعَدِّدًا وَالآخَرُ مُتَّحِدًا, فَتَكُونَ الأَقْسَامُ تِسْعَةً كَالشَّرْطِ5. "وَ6الْخَامِسُ" مِنْ الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ "بَدَلُ الْبَعْضِ". نَحْوُ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ فُلانًا وَفُلانًا, اخْتَصَّ ذَلِكَ بِالرَّجُلَيْنِ الْمُسَمَّيَيْنِ7. "وَالتَّوَابِعُ الْمُخَصَّصَةُ" الَّتِي "كَبَدَلٍ وَعَطْفِ بَيَانٍ8 وَتَوْكِيدٍ وَنَحْوِهِ9 كَاسْتِثْنَاءٍ" فِي الْمَعْنَى10.

_ 1 في ش ز: المعنى. 2 في ع: أو. 3 في ش: و. 4 في ش: و. 5 انظر: المعتمد 1/298، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/146، فواتح الرحموت 1/343، تيسير التحرير 1/282. 6 ساقطة من ش ز. 7 ذكر هذا النوع من المخصصات بعض العلماء، وأغفله آخرون، قال ابن السبكي: "ولم يذكره الأكثرون" "جمع الجوامع 2/34". وانظر: مناهج العقول 2/112، العضد على ابن الحاجب 2/132، فواتح الرحموت 1/344، تيسير التحرير 1/282، إرشاد الفحول ص154. 8 ساقطة من ع. 9 في ب: ونحوها. 10 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 262.

"وَشَرْطٍ "مُقْتَرِنٍ"1 بِحَرْفِ جَرٍّ" كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنَّهُ، أَوْ بِشَرْطِ أَنَّهُ "أَوْ" حَرْفِ2 "عَطْفٍ" كَقَوْلِهِ: وَمِنْ شَرْطِهِ كَذَا ف3 "كَ" شَرْطٍ "لُغَوِيٍّ"4 فَقَوْلُهُ: أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي أَسَدٍ وَبَنِي بَكْرٍ الْمُؤْمِنِينَ أَمْكَنَ كَوْنُهُ عَامًّا5 لِبَكْرٍ فَقَطْ, وَشَرْطُ6 كَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ7 مُتَعَلِّقٌ بِالإِكْرَامِ وَهُوَ لِلْجَمِيعِ8، كَقَوْلِهِ "إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ9". "وَيَتَعَلَّقُ حَرْفٌ مُتَأَخِّرٌ بِالْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ10" وَهُوَ قَوْلُهُ: أَكْرِمْ أَوْ وَقَفْت أَوْ نَحْوُهُمَا، وَهُوَ الْكَلامُ وَالْجُمْلَةُ, فَيَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا تَعَلَّقَ بِالاسْمِ، وَمَا11 تَعَلَّقَ بِالْكَلامِ. وَوَقْفُ الإِنْسَانِ عَلَى حَمْلِ12 أَجْنَبِيَّاتٍ كَوَقْفِهِ عَلَى أَوْلادِهِ، ثُمَّ أَوْلادِ فُلانٍ، ثُمَّ الْمَسَاكِينَ، عَلَى أَنَّهُ13 لا يُعْطَى مِنْهُمْ إلاَّ صَاحِبُ عِيَالٍ، يُقَوِّي اخْتِصَاصَ الشَّرْطِ بِالْجُمْلَةِ الأَخِيرَةِ، لأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ الأُولَى, قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. "وَإِشَارَةٌ بِ" لَفْظِ "ذَلِكَ" بَعْدَ جُمَلٍ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَفْعَلْ

_ 1 في د: معنون، وفي ش ز ع ب: معنوي، والتصويب منا بحسب المعنى. 2 في ش ب: بحرف. 3 في ش: و. 4انظر: مختصر البعلي ص 121. 5في زع ب: تماماً. 6 في ز ب: وبشرط، وفي ع: ويشترط. 7 في ش: أنه. 8 في ش ز ع: للجميع معاً. 9 انظر: المسودة ص 157، القواعد والفوائد الأصولية ص 262. 10 في ش ز ع: المقدم. 11 في ز: وبين ما. 12في ش: حبل. 13 في ب: أنهم.

ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} 1 وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 2 وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} 3. "وَتَمْيِيزٌ بَعْدَ جُمَلٍ" نَحْوَ لَهُ4: عَلَيَّ أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا, وَنَحْوَ: لَهُ5 عَلَيَّ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا "يَعُودَانِ" أَيْ الإِشَارَةُ بِذَلِكَ وَالتَّمْيِيزُ "إلَى الْكُلِّ" أَيْ كُلِّ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ6 قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الإِرْشَادِ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} 7 يَجِبُ عَوْدُهُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ: وَعَوْدُهُ إلَى بَعْضِهِ لَيْسَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ, وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ وَخَدَمَنِي وَأَكْرَمَنِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، لَمْ يَعُدْ إلَى الدُّخُولِ فَقَطْ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الْوَاضِحِ فِي مُخَاطَبَةِ الْكُفَّارِ, وَقَالَ: إذَا عَادَ لِلْجَمِيعِ8 فَالْمُؤَاخَذَةُ9 بِكُلٍّ مِنْ الْجُمَلِ فَالْخُلُودُ لِلْكُفْرِ، وَالْمُضَاعَفَةُ فِي قَدْرِ الْعَذَابِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الذُّنُوبِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 10 قِيلَ: الإِشَارَةُ إلَى أُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَالنَّفَقَةِ, وَقِيلَ: إلَى النَّهْيِ عَنْ الضِّرَارِ.

_ 1 الآية 68 من الفرقان. 2 الآية 233 من البقرة. 3 الآية من المائدة. 4 في ش: قوله. 5 في ز: وقوله. 6 انظر: مختصر البعلي ص121، القواعد والفوائد الأصولية ص 262. 7 الآية 68 من الفرقان. 8 في ب: إلى الجميع. 9 في ش: فالواحدة. 10 الآية 233 من البقرة.

وَقِيلَ: إلَى الْجَمِيعِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي، لأَنَّهُ "عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ" وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ, فَيَجِبُ الْجَمِيعُ1. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} 2 إشَارَةٌ إلَى الْجَمِيعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الاسْتِقْسَامِ3. وَ4قَالَ أَبُو يَعْلَى5 الصَّغِيرُ مِنْ أَصْحَابِنَا6 فِي قَتْلِ مَانِعِ الزَّكَاةِ فِي آيَةِ الْفُرْقَانِ الْمَذْكُورَةِ7: ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي عَوْدَ الْعَذَابِ وَالتَّخْلِيدَ إلَى الْجَمِيعِ, وَكُلُّ وَاحِدٍ

_ 1 زاد المسير 1/273. وانظر: تفسير الطبري 2/502، تفسير القرطبي 3/169، تفسير القاسمي 3/611. 2 الآية 3 من المائدة. 3 إملاه ما من به الرحمن 1/207. وفي ش ض ب ز: الاستفهام، والاستقسام بالأزلام الذي جاء قبل الإشارة: {وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} . وانظر: تفسير الطبري 6/78، تفسير القرطبي 6/60، تفسير القاسمي 6/1825. 4 ساقطة من ش. 5 في ض: المعالي. 6 هو محمد بن محمد بن محمد بن الحسين، القاضي أبو يعلى الصغير، ويلقب عماد الدين، ابن القاضي أبي خازم ابن القاضي الكبير أبي يعلى، سمع أبو يعلى الصغير الحديث، ودرس الفقه، وبرع في المذهب والخلاف والمناظرة، وأفتى ودرس وناظر في شبيبته، قال ابن رجب: "كان ذا ذكاء مفرط، وذهن ثاقب، وفصاحة وحسن عبارة"، ولي القضاء بباب الأزج، ثم ولي قضاء واسط، وصنف عدة كتب، منها: "التعليقة" في مسائل الخلاف، كبيرة، و "المفردات" و "شرح المذهب" و "النكت والإشارات في المسائل المفردات" توفي سنة 560هـ، وأضر بآخر عمره. انظر ترجمته في "ذيل طبقات الحنابلة1/247، المنهج الأحمد 2/283، الأعلام 7/251، شذرات الذهب 4/190". وقارن ما قاله ابن بدران في "المدخل إلى مذهب أحمد ص 210" 7 وهي قوله تعالى {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} الآية 68 من الفرقان.

مِنْهُمْ1 لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى2 أَنَّ التَّخْلِيدَ لا يَكُونُ إلاَّ بِالْكُفْرِ، فَخُصِّصَتْ بِهِ الآيَةُ3. وَأَمَّا التَّمْيِيزُ فَمُقْتَضَى كَلامِ النُّحَاةِ وَبَعْضِ الأُصُولِيِّينَ: عَوْدُهُ إلَى الْجَمِيعِ, وَلَنَا خِلافٌ فِي الْفُرُوعِ, قَالَهُ الْبَعْلِيُّ فِي أُصُولِهِ4. وَقَالَ فِي قَوَاعِدِهِ الأُصُولِيَّةِ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْفُرُوعِ عَلَى وَجْهَيْنِ, أَصَحُّهُمَا: أَنَّ الأَمْرَ كَذَلِكَ, فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ -مَثَلاً- أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا, فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الأَلْفِ إلَيْهِ5.

_ 1 في ض ع: منه 2 ساقطة من ب 3 انظر: مختصر البعلي ص122 4 انظر: مختصر البعلي ص122 5 القواعد والفوائد الأصولية ص 263

فصل تخصيص الكتاب ببعضه وتخصيصه بالسنة مطلقا

فصل تخصيص الكتاب ببعضه وتخصيصه بالسنة مطلقا ... فَصْلٌ يُخَصَّصُ الْكِتَابُ بِبَعْضِهِ وَبِالسُّنَّةِ مُطْلَقًا: "يُخَصَّصُ الْكِتَابُ بِبَعْضِهِ وَ" يُخَصَّصُ أَيْضًا "بِالسُّنَّةِ مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءً كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً أَوْ آحَادًا. "وَ" تُخَصَّصُ "السُّنَّةُ بِهِ" أَيْ بِالْقُرْآنِ "وَبِبَعْضِهَا" أَيْ تُخَصَّصُ1 السُّنَّةُ بِبَعْضِهَا "مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً أَوْ آحَادًا2. فَمِنْ أَمْثِلَةِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ3: قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 4 فَإِنَّ عُمُومَهُ خُصَّ بِالْحَوَامِلِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 5 وَخُصَّ أَيْضًا عُمُومُهُ الشَّامِلُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا بقَوْلِهِ تَعَالَى6 فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ

_ 1 في ش: تخصيص، وفي ع ب: وتخصيص، وفي ع: وتخصص. 2 انظر: نهاية السول 2/143،الإحكام للآمدي 2/318، المحصول جـ1 ق3/117، الروضة 2/244، مختصر الطوفي ص 107، مختصر البعلي ص 123، مباحث الكتاب والسنة ص 216. 3 وهو رأي الجمهور الأصوليين، لكنهم اختلفوا في شروطه بالتقديم أو التأخير أو الاقتران أو الاستقلال أو الاتصال أو التراخي، كما سيذكره المصنف فيما بعد. "انظر: المحصول جـ1 ق3/117، جمع الجوامع 2/26، فواتح الرحموت 1/345، شرح الورقات ص114، شرح تنقيح الفصول ص 202، اللمع ص19، نهاية السول 2/143، المعتمد1/374، مناهج العقول 2/143، مختصر ابن الحاجب 2/147، مباحث الكتاب والسنة ص 216، إرشاد الفحول ص 157". 4 الآية 228 من البقرة. 5 الآية 4 من الطلاق. 6 في ض: في قوله.

عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} 1. وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} 2 خُصَّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 3. وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} 4 خُصَّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} 5. وَالْمُخَالِفُ فِي مَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ6، وَتَمَسَّكُوا

_ 1 الآية 49 من الأحزاب. "انظر: ناهية السول 2/143، شرح تنقيح الفصول ص202، المحلي على جمع الجوامع 2/26، المعتمد 1/274، المحصول جـ1 ق3/118، إرشاد الفحول ص 157" 2 الآية 234، من البقرة، في ش: 224، وفي ب ز: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} ، الآية. 3 الآية 4 من الطلاق. ويرى بعض العلماء أن قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} مخصص بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} ، ويرى بعضهم أن الآية الأولى متأخرة عن الثانية فهي ناسخة لها، لا مخصصة. وتفرع على هذا الاختلاف اختلاف الصحابة والتابعين والأئمة في عدة المتوفي عنها زوجها الحامل إذا وضعت بعد وفاة زوجها، هل تنقضي عدتها بوضع الحمل، أم تنتظر أربعة أشهر وعشرا؟ أم تعتد آخر الأجلين؟ فيه أقوال محلها كتب الفقه. "انظر: تيسير التحرير1/277، المعتمد 1/275، مختصر ابن الحجاب 2/147، فواتح الرحموت 1/346، إرشاد الفحول ص 157". 4 الآية 221 من البقرة. 5 الآية 5 من المائدة. 6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/147،148، المحصول جـ 1ق3/117, 119، الإحكام للآمدي 2/319، المحلي على جمع الجوامع 2/26، شرح تنقيح الفصول ص202، إرشاد الفحول ص157.

بِأَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ بِاللَّفْظِ. فَلا يَكُونُ إلاَّ بِالسُّنَّةِ، لِقَوْلِهِ1 تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} 2. وَمَا ذَكَر3 مِنْ الأَمْثِلَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ فِيهِ بِالسُّنَّةِ. كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي السَّنَابِلِ بْنِ بَعْكَكٍ مَعَ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ4 حِينَ قَالَ: مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا: فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفْتَاهَا بِأَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ بِوَضْعِ حَمْلِهَا5. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُبَيِّنًا إذَا بَيَّنَ مَا6 أُنْزِلَ بِآيَةٍ أُخْرَى،

_ 1 في ب ز: كقوله. 2 الآية 44 من النحل. 3 في ش ز: ذكره. 4 هي الصحابية سبيعة بنت الحارث الأسلمية، كانت امرأة سعد بن خولة رضي الله عنه، توفي عنها بمكة في حجة الوداع، وهي حامل، فوضعت بعد زوجها بليال، قيل شهر، وقيل: خمس وعشرون، وقيل: أقل من ذلك، فخطبها شاب وكهل، فمالت للشاب، فقال لها الكهل-وهو أبو السنابل مستنكراً-: تريدين أن تتزوجي؟ وكان من أهلها غيباً، ورجا أن يؤثره بها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: "قد حللت فانكحي من شئت"، وري لهاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنا عشر حديثاً. انظر ترجمتها في "الإصابة 4/130المطبعة الشرفية، أسد الغابة 7/137، تهذيب الأسماء 2/347" 5 الحديث مع القصة رواهما البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ومالك والشافعي وابن حبان والدارمي والبغوي بألفاظ مختلفة. "انظر: صحيح البخاري 3/204، صحيح مسلم 2/1122، تحفة الأحوذي 4/373، سنن النسائي 6/158، سنن ابن ماجه 1/653، شرح السنة 9/304، موارد الظمان ص 323، سنن الدارمي 2/166، الرسالة للشافعي ص 575، فتح الباري 8/461، البيان والتعريف 3/57" 6 في ع: مما.

مُنَزَّلَةً1 كَمَا بَيَّنَ مَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ السُّنَّةِ. فَإِنَّ الْكُلَّ مُنْزَلٌ2. وَمِثَالُ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ، حَتَّى مَعَ كَوْنِهَا آحَادًا عِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ3 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 4 فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلا عَلَى خَالَتِهَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ5. وَنَحْوُهُ تَخْصِيصُ آيَةِ السَّرِقَةِ بِمَا دُونَ النِّصَابِ6، وَقَتْلُ الْمُشْرِكِينَ بِإِخْرَاجِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 202، العضد على ابن الحاجب 2/148، المحصول جـ1 ق3/119، الإحكام للآمدي 2/319، إرشاد الفحول ص 157. 3 انظر هذه المسألة في "نهاية السول 2/144، البرهان 1/426، شرح تنقيح الفصول ص 207، المعتمد 1/275، مختصر ابن الحاجب 2/149، المحصول جـ1 ق3/120،121، الإحكام للآمدي 2/322، اللمع ص19، جمع الجوامع 2/27، فواتح الرحموت 1/349، شرح الورقات ص115، العدة2/550، مختصر البعلي ص123، مختصر الطوفي ص 107، المسودة ص 119، الروضة 2/244، إرشاد الفحول ص 157". 4 الآية 25 من النساء. 5 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي ومالك وأحمد وابن حبان عن أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 3/160 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 9/190، سنن أبي داود 2/476، سنن النسائي 6/79، تحفة الأحوذي 4/272، سنن ابن ماجه 1/621، سنن الدارمي2/136، موارد الظمان ص 310، المنتقى 3/300، مسند أحمد 2/179،189". وانظر: الروضة 2/246، الإحكام للآمدي 2/322، فواتح الرحموت 1/351، العدة 2/552. 6 وذلك بما رواه البخاري ومسلم واحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم، وبما رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً" وفي رواية "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً" رواه أحمد ومسلم. النسائي وابن ماجه. وسبق تخريجها صفحة 217. "انظر: نيل الأوطار 7/231، الروضة 2/244".

الْمَجُوسِ1، وَغَيْرُ ذَلِكَ2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إنْ كَانَ خُصَّ بِدَلِيلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ جَازَ وَإِلاَّ فَلا. وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ وَلَمْ يَقَعْ3. وَمِثَالُ تَخْصِيصِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ4: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ

_ 1 وذلك في حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من المجوس، وسبق تخريجه في المجلد الثاني ص371. 2 انظر: التبصرة ص133 ومابعدها، اللمع ص19، شرح تنقيح الفصول ص207، شرح الورقات ص115، الإحكام للآمدي 2/32 وما بعدها، المستصفى 2/114 وما بعدها. 3 وهناك ألأقوال أخرى تفصل في الخبر، فإن كان متواتراً فيخصص عموم الكتاب، وإن كان خبر أحاد فلا يخصصه، وفي قول: يخصص المخصص من الكتاب بالسنة إن سبق تخصيصه، وإلا فلا يصح. "انظر: نهاية السول 2/144، 148، وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص206،208، وما بعدها، البرهان 1/426، المنخول ص174، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/149، المحصول جـ1ق3/120،131 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/322، المستصفى 2/114 وما بعدها، جمع الجوامع 2/27، أصول السرخسي 1/142، فواتح الرحموت 1/349، اللمع ص19، العدة 2/550 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 108، مختصر البعلي ص 123، المسودة ص119، الروضة 2/245، إرشاد الفحول ص158، مباحث الكتاب والسنة ص 218، التبصرة ص 132". 4خالف بعض الشافعية وابن حامد من الحنابلة في تخصيص السنة بالكتاب ومنعوه، لأنها مبنية له ومفسرة، والمبين تابع للمبين. "انظر: التبصرة ص136، الإحكام للآمدي 3/321، جمع الجوامع 2/26، فواتح الرحموت 1/349، العدة 2/569، المحصول جـ1ق3/123، مختصر ابن الحاجب 2/149، شرح الورقات ص 115، اللمع ص 19، التبصرة ص136، المسودة ص122، الروضة 2/245، مختصر البعلي ص123، مختصر الطوفي ص 108، مباحث الكتاب والسنة ص217".

مَيِّتٌ" 1 رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ2, خُصَّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إلَى حِينٍ} 3. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ4 رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: "خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي 5, قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ, وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ: جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ 6 " فَإِنَّ ذَلِكَ يَشْمَلُ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ

_ 1 في ض: ميتة، وفي ب: كميتة. 2 هذا الحديث رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه والدارمي وأحمد عن ابن عمر وأبي واقد وتميم الداري رضي الله عنهم مرفوعاً بألفاظ متقاربة. "انظر: تحفة الأحوذي 5/55، سنن أبي داود 2/100، سنن ابن ماجه 2/1072، سنن الدارمي 2/93، مسند أحمد 5/218، نيل الأوطار 8/151". 3 الآية 80من النحل. 4 هو الصحابي عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي، أبو الوليد، شهد العقبة الأولى والثانية، وكان نقيباً، وشهد بدراً والمشاهد كلها، وجمع القران في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يعلم أهل الصفة الفران، ولما فتح الله على المسلمين أرسله عمر رضي الله عنه إلى الشام مع معاذ وأبي الدرداء ليعلموا الناس القران ويفقهوهم في الدين، وهو أول من تولى قضاء فلسطين، توفي بالرملة سنة 34هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 4/27، الطبعة الشرفية، أسد الغابة 3/160، تهذيب الأسماء 1/256، مشاهير علماء الأمصار ص 51، الخلاصة2/32، مطبعة الفجالة الجديدة، شجرة النور الزكية 2/184" 5 ساقطة من ض ب. 6 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه واحمد والدارمي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 11/190، سنن أبي داود2/455، تحفة الأحوذي 2/852، سنن ابن ماجه 2/852، سنن الدارمي 2/181، مسند أحمد 3/476، 5/313، نيل الأوطار 7/91".

أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ} 1. وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ" خُصَّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} 2. وَمِثَالُ تَخْصِيصِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ. قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ" 3 فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ" 4 وَهُوَ كَثِيرٌ5.

_ 1 الآية 25 من النساء. 2 الآية 29 من التوبة. 3 هذا طرف من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك والدارمي عن ابن عمر وجابر وغيرهما مرفوعاً بألفاظ مختلفة. "انظر: صحيح البخاري 1/178المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 7/54، سنن أبي داود1/370، تحفة الأحوذي 3/291، سنن النسائي 5/31، سنن ابن ماجه 1/581، سنن الدارمي 1/393، مسند أحمد 1/145،5/233، فيض القدير 4/460". 4 هذا طرف من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم ومالك والشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر: صحيح البخاري 1/178 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 7/50، سنن أبي داود1/357، تحفة الأحوذي 3/261، مسند أحمد 2/92،3/6،الموطأ ص 167ط الشعب، المنتقى 3/9، بدائع المنن 1/232، سنن النسائي5/12، سنن ابن ماجه 1/571، سنن الدارمي 1/384". والأوسق جمع وسق، والوسق ستون صاعاً، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بغدادي، فالأوسق الخمس ألف وستمائة رطل بغدادي، والرطل البغدادي يساوي 408 غرامات، فالأوسق الخمسة تساوي 652.8كيلو غراماً. "انظر: تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص294، الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان ص56، فيض القدير 5/376". 5 وقال بعض العلماء: لا يجوز تخصيص السنة بالسنة: لأن السنة بيان للقران، ولا يجوز أن يفتقر البيان إلى بيان. "انظر: مختصر ابن الحاجب 2/148، المحصول جـ1 ق3/120، الإحكام للآمدي 3/321، المستصفى 2/141، جمع الجوامع 2/26، فواتح الرحموت 1/349، المعتمد 1/275،شرح الورقات ص116، اللمع ص19، إرشاد الفحول ص157".

وَالْمُخَالِفُ فِي تَخْصِيصِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَطَائِفَةٌ. فَقَالَ1: إنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ2. وَمَنْشَأُ الْخِلافِ: مَا ذَكَرْنَا3 مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا4 تَكُونُ مُبَيِّنَةً لا مُحْتَاجَةً لِلْبَيَانِ5. "وَ"يُخَصَّصُ6 لَفْظٌ "عَامٌّ بِمَفْهُومٍ مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَفْهُومُ7 مُوَافَقَةِ8 أَوْ مَفْهُومِ مُخَالَفَةِ9. فَمِثَالُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ. وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ. قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الإِسْنَادِ10.

_ 1 في ش: قال. 2 انظر: المعتمد 1/275، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/148، الإحكام للآمدي 3/321. 3 في ش: ذكرنا. 4 ساقطة من ض. 5 انظر: الإحكام للآمدي 2/321، المعتمد 1/275، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/149،148. 6 في ض: يختص. 7 في ش: من مفهوم. 8 في ش: الموافقة، وفي ز: مخالفة. 9 في ش: المخالفة، وفي ز: موافقة. وانظر هذه المسألة في "نهاية السول 2/153، شرح تنقيح الفصول ص215، البرهان 1/449، جمع الجوامع 2/30، المستصفى 2/105، الإحكام للآمدي 2/328، مناهج العقول2/153، العضد على ابن الحاجب 2/150، المنخول ص 208، 215، المحصول جـ1ق3/13، 159، العدة 2 578، مختصر البعلي ص123، الروضة 2/247، مختصر الطوفي ص 109، إرشاد الفحول ص160، تيسير التحرير 1/316". 10 هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وابن حبان مرفوعاً عن الشريد بن سويد ري الله عنه، وقال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي، ورواه البخاري معلقاً، ورواه موصولاً ومرفوعاً بلفظ: "مطل الغني ظلم" كما سبق صفحة 157. "انظر: مسند أحمد 4/388، 399، سنن أبي داود 2/283، سنن النسائي 7/278، سنن ابن ماجه 2/118، موارد الظمان ص283، المستدرك4/102،صحيح البخاري 2/39المطبعة العثمانية، فيض القدير 5/400".

وَ " اللَّيُّ " الْمَطْلُ, وَالْمُرَادُ بِحِلِّ1 عِرْضِهِ: أَنْ يَقُولَ غَرِيمُهُ: ظَلَمَنِي2 وَعُقُوبَتُهُ3 الْحَبْسُ. خُصَّ مِنْهُ الْوَالِدَانِ4 بِمَفْهُومٍ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 5 فَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ لا يُؤْذِيهِمَا بِحَبْسٍ وَلا غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ لا يُحْبَسُ الْوَالِدُ بِدَيْنِ وَلَدِهِ، بَلْ وَلا لَهُ مُطَالَبَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ, وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ6. وَمَحِلُّ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ, فَأَمَّا إنْ قُلْنَا: إنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ مُخَصَّصًا بِالْقِيَاسِ. وَمِثَالُ التَّخْصِيصِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ7 -الْقَائِلِ بِهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ8-

_ 1 في ع: يحل. 2 في ش: ظلمتني. 3 في ش: وعقوبته. 4 ساقطة من ش ز ع. 5 الآية 23 من الإسراء. 6 انظر: مناهج العقول2/153، العضد على ابن الحاجب 2/150، الإحكام للآمدي 2/328، جمع الجوامع 2/30، العدة 2/579، اللمع ص20، فواتح الرحموت 1/353، نهاية السول 2/153، مباحث الكتاب والسنة ص 225. 7 في ش: المخالف. وانظر: مختصر الطوفي ص 109، مختصر البعلي ص123. 8 خالف في مفهوم المخالفة الحنفية وبعض الشافعية كالغزالي. انظر هذه المسألة في "المسودة ص127، 143، الروضة 2/248، العدة 2/579، مختصر الطوفي ص109، مختصر البعلي ص123، مناهج العقول 2/153، شرح تنقيح الفصول ص215، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/150، المحصول جـ1ق3/159، الإحكام للآمدي 2/328، المستصفى 2/105، جمع الجوامع 1/30، تخريج الفروع على الأصول ص73، 74، نهاية السول 2/153، فواتح الرحموت 1/353، تيسير التحرير 1/316، التلويح على التوضيح 2/29، مباحث الكتاب والسنة ص226".

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ" رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ1.خُصَّ بِمَفْهُومِهِ2 -وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ- عُمُومُ3 قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ طَهُورٌ 4 لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، إلاَّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ5, فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْقُلَّتَيْنِ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا يَصِيرُ6

_ 1 هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي والدار مي والدارقطني وابن حبان وابن خزيمة وصححاه، والطحاوي وصححه، وقال المنذري: إسناده جيد، عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر: مسند أحمد 2/12، 38، سنن أبي داود 1/15، تحفة الأحوذي 1/215، سنن النسائي 1/142، سنن ابن ماجه 1/172، المستدرك 1/122، سنن الدارمي 1/186، سنن الدارقطني 1/15، 21، موارد الظمان ص60، التخليص الحبير 1/16، شرح معاني الآثار 1/15 وما بعدها، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص291، نيل الأوطار 1/42، فيض القدير 1/313، السنن الكبرى للبيهقي 1/262". 2 في ش ض: مفهوم. 3 في ش: بعموم. 4 ساقطة من ز ض ب. 5 هذا الحديث رواه ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً، وجاء في زوائد ابن ماجه: إسناده ضعيف، ورواه الدارقطني عن ثوبان، ورواه البيهقي والطبراني، قال ابن الجوزي: "حديث لايصح" لأن فيه رشدين، وهو متروك، وروى شطره الأول أبو داود عن أبي سعيد الخدري، وكذا النسائي والطحاوي والترمذي، وسبق تخريج هذا الشطر صفحة 176. "انظر: سنن أبي داود 1/16، سنن ابن ماجه 1/174، سنن النسائي1/142، تحفة الأحوذي 1/204، فيض القدير 6/249، التلخيص الحبير1/12،14، شرح معاني الآثار 1/12، سن الدارقطني 1/28، السنن الكبرى للبيهقي 1/259، نيل الأوطار 1/39، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 292". 6 في ز ض ع: فيصير، وفي ب: فتصير.

تَنْجِيسُ الْقُلَّتَيْنِ1 فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ مَخْصُوصًا2 بِالتَّغْيِيرِ بِالنَّجَاسَةِ، وَيَبْقَى مَا دُونَهُمَا يُنَجَّسُ بِمُجَرَّدِ الْمُلاقَاةِ فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ بِدَلِيلٍ آخَرَ3. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْمَالِكِيَّةُ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمْ, فَقَالُوا: لا يُخَصُّ4 الْعُمُومُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ5. "وَبِإِجْمَاعٍ" يَعْنِي أَنَّ الْعَامَّ يُخَصُّ6 بِإِجْمَاعٍ7 "وَالْمُرَادُ دَلِيلُهُ" أَيْ دَلِيلُ الإِجْمَاعِ، لا أَنَّ الإِجْمَاعَ نَفْسَهُ مُخَصَّصٌ؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ لا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ يَسْتَنِدَ8 إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْهُ9.

_ 1 في ز ض ع ب: القلتان. 2في ض ع ب: تنجيسهما مخصوص، وفي ع: تنجسهما مخصوص. 3 انظر: المسودة ص143، القواعد والفوائد الأصولية ص287، 293، نهاية السول 2/154، العضد على ابن الحاجب 2/150، المحلي على ابن الحاجب 2/31، مناهج العقول 2/153، فواتح الرحموت 2/353، مباحث الكتاب والسنة ص226. 4 في ز: يخصص. 5 انظر: نهاية السول 2/153، المحصول جـ1ق3/159، الإحكام للآمدي 2/328، جمع الجوامع والمحلي عليه 1/31، تخريج الفروع على الأصول ص74، فواتح الرحموت 1/353، التلويح على التوضيح 1/39، القواعد والفوائد الأصولية ص 287، المسودة ص127، إرشاد الفحول ص160. 6 في ض: يختص. 7 في ش: بإجماع. 8 في ش: ليستند. 9 وقال بعض العلماء: لايجوز تخصيص العام بدليل الإجماع. "انظر: نهاية السول 2/144، المستصفى 2/102، اللمع ص21، شرح تنقيح الفصول ص202، المعتمد 1/276، مختصر ابن الحاجب 2/150، المحصول جـ1ق3/124، الإحكام للآمدي 2/327، فواتح الرحموت 1/325، العدة 2/578، مختصر البعلي ص123، مختصر الطوفي ص 107، المسودة ص126، الروضة 2/244، إرشاد الفحول ص160، مباحث الكتاب والسنة ص222".

وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1 خُصَّ بِالإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ الْقَاذِفَ يُجْلَدُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ2، لَكِنْ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: فِي التَّمْثِيلِ بِذَلِكَ نَظَرٌ، لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لا تَقُولُونَ3 بِأَنَّ4 الإِجْمَاعَ يَكُونُ نَاسِخًا، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَاسِخًا؟ فَجَوَابُهُ: أَنَّ سَنَدَ الإِجْمَاعِ قَدْ يَكُونُ مِمَّا لا يُنْسَخُ بِهِ, فَلَيْسَ فِي كُلِّ إجْمَاعٍ تَضَمُّنٌ لِمَا يَسُوغُ النَّسْخُ بِهِ, وَأَمَّا التَّخْصِيصُ: فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْبَيَانِ كَانَ كُلُّ دَلِيلٍ مُخَصَّصًا بِهِ. اهـ. وَجَعَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَمْثَلِهِ الْمَسْأَلَةَ: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} 5 خُصَّ بِالإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ6. "وَلَوْ عَمِلَ أَهْلُهُ" أَيْ أَهْلُ الإِجْمَاعِ "بِخِلافِ نَصٍّ خَاصٍّ" فِي مَسْأَلَةِ "تَضَمُّنِ"7 إجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ دَلِيلاً "نَاسِخًا" لِذَلِكَ النَّصِّ، فَيَكُونَ الدَّلِيلُ الَّذِي تَضْمَنَّهُ الإِجْمَاعُ وَدَلَّ عَلَيْهِ8: نَاسِخًا لِذَلِكَ النَّصِّ9.

_ 1 الآية 4 من النور. 2 انظر: نهاية السول 2/145، المعتمد 1/276، مختصر ابن الحاجب 2/150، المحصول جـ1ق3/124، الإحكام للآمدي 2/327، فواتح الرحموت 1/325. 3 في ب: يقولون. 4 في ض: أن. 5 الآية 9 من الجمعة. 6 انظر: إرشاد الفحول ص 160. 7 سقط القوسان من ش. 8 ساقطة من ش. 9 انظر: المستصفى 2/120، الإحكام للآمدي 2/327، مختصر ابن الحاجب 2/150، فواتح الرحموت 1/325، العدة 2/578، مختصر البعلي ص123.

"وَ" يُخَصَّصُ الْعَامُّ أَيْضًا " بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ شَمِلَهُ الْعُمُومُ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ1 الأَرْبَعَةِ, رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ2. وَقَدْ خَصَّ أَحْمَدُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 3 بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4 وَقَالَ: دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْجِمَاعَ5.

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 انظر هذه المسألة في "المستصفى 2/160، جمع الجوامع 2/31، مختصر ابن الحاجب2/151، المحصول جـ1ق3/125، الإحكام للآمدي 3/329، شرح تنقيح الفصول ص210، المعتمد 1/275، اللمع ص21، التبصرة 247، العدة 2/573، المسودة ص125، الروضة 2/248، مختصر البعلي ص123، مختصر الطوفي ص109، فواتح الرحموت 1/354، إرشاد الفحول ص158". 3 الآية 222 من البقرة. 4 روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه". وروى أبو داود عن صفية عن عائشة رضي الله عنهما قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري فيقرأ، وأنا حائض". وروى أبو داود عن ميمونة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه، وهي حائض، إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به". وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها زوجها". وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان إحدانا إذا كانت حائضاً أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأتزر بإزار ثم يباشرها". وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في العشار الواحد وأنا حائض طامث". وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة. "انظر: سنن أبي داود 1/59، 60، 61، صحيح مسلم بشرح النووي 3/230، تحفة الأحوذي 1/314 ومابعدها، سن الدارمي 1/241، وما بعدها، المنتقى 1/116، وما بعدها، التلخيص الحبير 1/167، مسند أحمد 6/182" 5 انظر: العدة 2/574، الروضة 2/248،/ نزهة الخاطر 2/167، مختصر الطوفي ص 109.

وَقَالَ جَمْعٌ، مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ: لا يُخَصُّ بِهِ مُطْلَقًا1. وَقِيلَ: إنْ فَعَلَهُ مَرَّةً فَلا تَخْصِيصَ، لاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. "وَإِنْ ثَبَتَ وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فِيهِ" أَيْ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ "بِدَلِيلٍ خَاصٍّ فَالدَّلِيلُ نَاسِخٌ لِلْعَامِّ2" وَقَدْ مَثَّلَ لِذَلِكَ3 بِالنَّهْيِ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا4، ثُمَّ جَلَسَ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ5.

_ 1 وهذا قول شاذ لبعض الشافعية، قال الآمدي: "مذهب الكثيرين أن الفعل يكون بياناً خلافاً لطائفة شاذة" "الإحكام للآمدي 2/329"، وقيل بالوقف، وقيل بالتفصيل في حالات دون أخرى، ولكل قول دليله. "انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/149، 151، المحصول جـ1ق3/125، الإحكام للآمدي 2/329، اللمع ص21، المسودة ص125، مختصر الطوفي 109" 2 انظر: فواتح الرحموت 1/354، الإحكام للآمدي 2/329، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/15، العدة 2/557. 3 في ش: ذلك. 4 روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والشافعي وأحمد ومالك عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا". "انظر: صحيح البخاري1/28 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 3/153، سنن أبي داود 1/3، تحفة الأحوذي 1/53، سنن النسائي1/24، سنن ابن ماجه 1/115، سنن الدارمي 1/170، الرسالة ص292، نيل الأوطار 1/97، التخليص الحبير 1/130، مسند أحمد 5/421، المنتقى 1/335". وروى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها". "انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 1/153، سنن أبي داود 1/3، تحفة الأحوذي 1/54، سنن 1/24، سنن ابن ماجه 1/116، نيل الأوطار 1/94، التلخيص الحبير 1/103، مسند أحمد 2/250،3/15". 5روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي ومالك والشافعي والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة". "انظر: صحيح البخاري 1/28 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 3/153، سنن أبي داود 1/3، تحفة الأحوذي 1/65، سنن النسائي 1/25، سنن ابن ماجه 1/117، سنن الدارمي 1/171، بدائع المنن 1/26، المنتقى 1/336، التخليص 1/104، نيل الأوطار 1/98، سنن الدارقطني 1/61، مسند أحمد 2/12،13" وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بخلائه أن يستقبل به القبلة لما بلغه أن الناس يكرهون ذلك". "مسند أحمد 6/183".

فَعَلَى الْقَوْلِ1 بِأَنَّ2 النَّهْيَ شَامِلٌ3 لِلصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ، فَيَحْرُمَ فِيهِمَا, وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ، وَيَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُصَّ بِذَلِكَ وَخَرَجَ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ, فَالتَّخْصِيصُ لِلْبُنْيَانِ مِنْ الْعُمُومِ سَوَاءٌ هُوَ وَالأَمَةُ فِي ذَلِكَ4. "وَ" يُخَصُّ5 الْعَامُّ أَيْضًا "بِإِقْرَارِهِ" أَيْ إقْرَارِ النَّبِيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِعْلٍ6" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ7

_ 1 في ش: هذا القول. 2 في ش: يكون. 3 في ش: شاملاً. 4 قال الشوكاني: "وقد اختلف الناس في ذلك على أقوال: الأول: لا يجوز ذلك في الصحاري ولا في البنيان......، المذهب الثاني: الجواز في الصحارى والبنيان....، المذهب الثالث: أنه يحرم في الصحاري لا في العمران ... وهو قول الجمهور، المذهب الرابع: أنه لا يجوز الاستقبال لا في الصحاري ولا في العمران، ويجوز الاستدبار فيهما.....، المذهب الخامس: أن النهي لتنزيه.." ثم ذكر المذهب السادس والسابع والثامن، ونقل الأقوال الأولى عن النووي،"انظر: نيل الأوطار 1/95". "وانظر: النووي على صحيح مسلم 3/154، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/56، الرسالة ص295 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص210، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/151، الإحكام للآمدي 2/329، المستصفى 2/107، فواتح الرحموت 1/354". 5 في ض ب: يختص. 6 في ش: مافعل. 7 انظر هذه المسألة في "المحصول ج 1 ق3/127؟، الإحكام للآمدي 3/331، المستصفى 2/109، جمع الجوامع 2/31، مناهج العقول 2/154، اللمع ص21، شرح تنقيح الفصول ص210، مختصر ابن الحاجب 2/151، نهاية السول 2/156، الروضة 2/248، العدة 2/573، المسودة ص126، مختصر البعلي ص123، مختصر الطوفي ص 109، إرشاد الفحول ص159، فواتح الرحموت 1/354".

"وَهُوَ" أَيْ التَّخْصِيصُ "أَقْرَبُ مِنْ نَسْخِهِ" أَيْ نَسْخِ الْحُكْمِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْعَامُّ نَسْخًا "مُطْلَقًا، أَوْ" نَسْخًا1 "عَنْ فَاعِلِهِ2". وَقِيلَ: نُسِخَ، إنْ نُسِخَ بِالْقِيَاسِ3. وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ وَإِلاَّ لَوَجَبَ إنْكَارُهُ4. قَالَ5 الْمُنْكِرُونَ: التَّقْرِيرُ لا صِيغَةَ لَهُ، فَلا يُقَابِلُ الصِّيغَةَ6. رُدَّ بِجَوَازِهِ7

_ 1 في ش: نسخه. 2 وعند الحنفية عن كان العلم بالفعل في مجلس ذكر العام فهو تخصيص، وإن لم يكن في المجلس بل متأخراً عنه فهو نسخ. "انظر: فواتح الرحموت 1/354ن المحلي على جمع الجوامع 2/32، المستصفى 2/110، مختصر البعلي 123، نزهة الخاطر 2/167". 3 فصل الإسنوي بين تخصيصه بالتقرير بالنسبة للفاعل، وبين شمول للباقي، فالأول تخصيص، والثاني نسخ، وقال غيره: يكون الثاني تخصيصاً أيضاً بالقياس على الفاعل. "انظر: نهاية السول 2/156، المحلي على جمع الجوامع 2/32، فواتح الرحموت 1/354". 4 انظر: نهاية السول 2/156، العضد على ابن الحاجب 2/151، المحصول ج2 ق3/127، مناهج العقول 2/154، الإحكام للآمدي 2/331، اللمع ص21، فواتح الرحموت 1/354. 5 في ع: وقال. 6 انظر: الإحكام للآمدي 2/332. 7 انظر: المرجع السابق.

وَحَيْثُ جَازَ التَّخْصِيصُ بِالتَّقْرِيرِ، فَهَلْ الْمُخَصَّصُ1 نَفْسُ تَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمُخَصَّصُ مَا تَضْمَنَّهُ التَّقْرِيرُ مِنْ سَبْقِ قَوْلٍ بِهِ، فَيَكُونُ مُسْتَدِلاًّ بِتَقْرِيرِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ خُصَّ بِقَوْلٍ سَابِقٍ، إذْ لا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ: لِلْعَامِّ إلاَّ بِإِذْنٍ صَرِيحٍ، فَتَقْرِيرُهُ دَلِيلُ ذَلِكَ؟ فِيهِ2 وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ فُورَكٍ وَالطَّبَرِيُّ. الظَّاهِرُ الأَوَّلُ. [وَ] يَجُوزُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ الْعَامِّ أَيْضًا "بِمَذْهَبِ صَحَابِيٍّ" عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ حُجَّةٌ3. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: إذَا قُلْنَا: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ. جَازَ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَبِهِ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ4.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ض ب: وفيه. 3 وهو قول الحنفية والحنابلة، وقد صرح ابن عبد الشكور بذلك فقال: "فعل الصحابي العالم مخصص عند الحنفية والحنابلة، خلافاً للشافعية والمالكية" "فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 1/355". وهناك قول يفصل بين كون الصحابي راوياً للعموم، وبين كونه مخصصاً مطلقاً. "وانظر: العدة 2/579، التمهيد ص125، تخريج الفروع على الأصول ص82، شرح تنقيح الفصول ص219، المس2/112، مختصر ابن الحاجب 2/151، المحصول ج 1 ق3/191، الإحكام للآمدي 3/333، المحلي على جمع الجوامع 2/33، المسودة ص127، الروضة2/248، نزهة الخاطر 2/169، تيسير التحرير 1/326، إرشاد الفحول ص161، مختصر البعلي ص 123، مختصر الطوفي ص 109، مباحث الكتاب والسنة ص 228". وقال المناوي:" هذا الحديث "من بدل دينه فاقتلوه" مثل به أصحابنا في الأصول إلى ماذهبوا إليه من أن مذهب الصحابي لايخصص العام، فإن الحديث من رواية ابن عباس مع قوله "إن المرتدة لاتقتل" "فيض القدير 6/95" 4 إن مانقله ابن قاضي الجبل عن المالكية فيه تساهل وعدم دقة بالنقل عنهم، وسبق ما قاله ابن عبد الشكور من اتفاق مع الحنابلة، مخالفة المالكية والشافعية لهم، وقال ابن الحاجب المالكي: "الجمهور أن مذهب الصحابي ليس بمخصص، ولو كان الراوي، خلافاً للحنفية والحنابلة". "مختصر ابن الحاجب2/151". "انظر: المراجع السابقة".

وَابْنُ حَزْمٍ وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ1. وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ2.إذَا قَالُوا بِقَوْلِهِ الْقَدِيمِ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً3. اهـ. [وَبِقَضَايَا الأَعْيَانِ4] يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يُخَصُّ بِقَضَايَا الأَعْيَانِ، مِثَالُ ذَلِكَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ5 ثُمَّ أَذِنَ فِي لُبْسِهِ لِعَبْدِ

_ 1 هو عيسى بن إبان بن صدقة أبو موسى، الحنفي، كان من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي، وتفقه على محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وكان حسن الوجه، وحسن الحفظ للحديث، وتولى قضاء العسكر، ثم قضاء البصرة، تفقه عليه أبو خازم القاضي، وقال عنه: ما رأيت لأهل بغداد حدثاً أزكى من عيسى بن إبان وبشر بن الوليد، وقال هلال بن أمية: "ما في الإسلام قاض أفقه منه" له كتاب"الحج" و"خبر الواحد" و"إثبات القياس" و "اجتهاد الرأي" مات بالبصرة سنة 221هـ. انظر ترجمته في "الفوائد البيهة ص151، تهذيب الأسماء 2/44، الجواهر المضيئة 1/401، طبقات الفقهاء ص137، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 141، الفهرست ص289، تاريخ بغداد 11/157، الأعلام للزركلي 5/283". 2 ذهب الجمهور من المالكية والشافعية وكثير من الحنابلة إلى عدم تخصيص العام بمذهب إلى الصحابي. "انظر: المحصول جـ1ق3/191، الإحكام للآمدي 2/333، المستصفى 2/112، جمع الجوامع 2/33، التبصرة ص149، اللمع ص21، شرح تنقيح الفصول ص219، البرهان 1/430، المنخول ص175، مختصر ابن الحاجب 2/151، نهاية السول 2/160،فواتح الرحموت 1/355، المسودة ص127،128، مختصر البعلي ص 123، العدة 2/580، مباحث الكتاب والسنة ص 238، إرشاد الفحول ص161، فيض القدير 6/95". 3 انظر تحقيق مذهب الشافعي رحمه الله تعالى في قوله الصحابي في "أثر الأدلة المختلف فيها، للدكتور مصطفى البغا، ص 347، وما بعدها، التبصرة ص 149". 4 انظر: المسودة ص 118، 130، إرشاد الفحول ص162. 5 ورد النهي عن لبس الحرير للرجال في أحاديث كثيرة عن عمر رضي الله عنه، ورواها البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان عن أنس وعمر وأبي موسى وعلي وعقبة بن عامر وغيرهم رضي الله عنهم. "انظر: صحيح البخاري 4/21 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 14/36 وما بعدها، سنن أبي داود 2/369، تحفة الأحوذي 5/383، سنن ابن ماجه 2/1187، موارد الظمان ص 352، التخليص الحبير 4/222".

الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ1، لِقَمْلٍ كَانَ بِهِمَا2، 3إذْنُهُ لَهُمَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَيَكُونُ الإِذْنُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ النَّهْيِ4. "وَ" يَجُوزُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ الْعَامِّ أَيْضًا "بِالْقِيَاسِ" قَطْعِيًّا كَانَ أَوْ ظَنِّيًّا5

_ 1 هو الصحابي الزبير بن العوام بن خويلد، أبو عبد الله، القريشي الأسدي، المدني، ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلم قديماً، وهو ابن خمس عشرة سنة بعد إسلام أبي بكر بقليل، وهو أحد الستة أصحاب الشورى، هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وهو أول من سل سيفاً في سبيل الله، شهد بدراً وأحداً والخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد اليرموك وفتح مصر، وشهد الجمل مع علي ثم انصرف عن القتال فلحقه جماعة من الغواة فقتلوه بناحية البصرة بوادي السباع سنة 36?، ومناقبه كثيره. انظر ترجمته في "الإصابة 3/5 المطبعة الشرفية، أسد الغابة 2/249، تهذيب الأسماء 1/194، الخلاصة2/334، مطبعة الفجالة الجديدة، مشاهير علماء الأمصار ص7، حلية الأولياء 1/89". 2 روى البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو رخص للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف، في لبس الحرير لحكة كانت بهما"، وفي رواية لمسلم عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمل، فرخص لهما في قمص الحرير في غزاة لهما". "انظر: صحيح البخاري 4/22 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 14/53 وما بعدها، سنن أبي داود 2/372، طبقات ابن سعد 3/103، سنن ابن ماجه 2/118". 3 ساقطة من ش. 4 في ض: انتهى. وانظر إرشاد الفحول ص 162. 5 انظر هذه المسألة في "العدة 2/559، الروضة 2/249، المسودة ص119، نزهة الخاطر 2/169، مختصر البعلي ص 124، تخريج الفروع على الأصول ص 175، شرح تنقيح الفصول ص203، التبصرة ص 137، نهاية السول 2/151، البرهان 1/428، شرح الورقات ص116، المنخول ص 175، مختصر ابن الحاجب 2/153، المحصول ج1 ق3/148، الإحكام للآمدي 2/337، المستصفى 2/122، جمع الجوامع 2/29، فواتح الرحموت 1/357، تيسير التحرير 1/321، أصول السرخسي 1/142، إرشاد الفحول ص 159، مباحث الكتاب والسنة ص223، اللمع ص 21".

ثُمَّ إنْ كَانَ قَطْعِيًّا خُصَّ1 بِهِ الْعَامُّ قَطْعًا, قَالَهُ الإِبْيَارِيُّ2 فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ3 وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا, فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ وَالأَشْعَرِيُّ وَالأَكْثَرُ: جَوَازُ التَّخْصِيصِ بِهِ4. وَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالطُّوفِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُخَصَّصُ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ دُونَ غَيْرِهِ, وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ5. وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ, فَقِيلَ: الْجَلِيُّ قِيَاسُ الْعِلَّةِ, وَالْخَفِيُّ6 قِيَاسُ الشَّبَهِ7.

_ 1 في ش: يخص. 2في ز ض: الأنباري. 3 في ش: البرهاني. 4 نقل ابن الحاجب هذا الرأي عن الأئمة الأربعة، ونقله الغزالي عن مالك والشافعي وأبي حنيفة، بينما نقل السرخسي عن أكثر الحنيفة أن تخصيص العام لايجوز بالقياس وخبر الواحد إلا إذا ثبت تخصيصه أولاً وابتداءً. "أصول السرخسي 1/142". وانظر "نهاية السول 2/151، التبصرة ص 137، مختصر ابن الحاجب 2/154، المستصفى 2/122، تيسير التحرير 1/321، مباحث الكتاب والسنة ص 223". 5 وهو قول الاصطخري من الشافعية. " انظر: شرح تنقيح الفصول ص 203، مختصر ابن الحاجب 2/153، المحصول ج1ق 3/149، الإحكام للآمدي 2/337، المستصفى 2/123، جمع الجوامع 2/29، فواتح الرحموت 1/357، تيسير التحرير 1/322، نهاية السول 2/151، الروضة2/249، مختصر البعلي ص 124، مختصر الطوفي ص 109، إرشاد الفحول ص 159". 6 ساقطة من ع. 7 قال الطوفي: الجلي قياس العلة، وقيل مايظهر فيه المعنى نحو: "لا يقضي القاضي وهو غضبان"، والخفي قياس الشبه"، "مختصر الطوفي ص 110"، والحديث رواه مسلم وغيره بلفظ: "لايحكم أحد بين اثنين وهو غضبان" "صحيح مسلم بشرح النووي 12/15". وانظر: الروضة 2/250، نزهة الخاطر 2/170، نهاية السول 2/151، مختصر ابن الحاجب 2/153، شرح تنقيح الفصول ص 203، المحصول ج1 ق3 /149، المستصفى 2/131، إرشاد الفحول ص 159".

وَقِيلَ: الْجَلِيُّ: مَا تَبَادَرَتْ1 عِلَّتُهُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ سَمَاعِ الْحُكْمِ. كَتَعْظِيمِ الأَبَوَيْنِ عِنْدَ سَمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 2. وَقِيلَ: الْجَلِيُّ مَا يَنْقُضُ3 قَضَاءَ الْقَاضِي بِخِلافِهِ4 وَالْخَفِيُّ خِلافُهُ5. وَقَالَ ابْنُ أَبَانَ: يُخَصُّ بِالْقِيَاسِ إنْ كَانَ الْعَامُّ مُخَصَّصًا, فَقَالَ: إنْ خُصَّ الْعَامُّ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ, جَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ وَإِلاَّ فَلا, وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ6. وَمَنَعَ قَوْمٌ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ فِي الْقُرْآنِ خَاصَّةً, وَعُزِيَ إلَى الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَنَّ التَّخْصِيصَ عِنْدَهُمْ نَسْخٌ, وَلا يُنْسَخُ الْقُرْآنُ بِالْقِيَاسِ وَلَوْ كَانَ جَلِيًّا7.

_ 1 في ض ع: تتبادر. 2 الآية 23 من الإسراء. 3 في زع: ينتفض. 4 ساقطة من ش. 5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 203، المحصول ج1ق3 /150. 6 انظر: مختصر الروضة 2/250، نهاية السول 2/151، التبصرة ص 138، اللمع ص 21، شرح تنقيح الفصول ص 203، مختصر ابن الحاجب 2/153، المحصول ج1 ق3 /148، الإحكام للآمدي 3/337، المستصفى 2/123، جمع الجوامع 2/29، تيسير التحرير 1/322، فواتح الرحموت 1/357، العدة 2/1563، المسودة ص120، مختصر البعلي ص 125، مختصر الطوفي ص 110". 7 قاله ابن حامد وأبو إسحاق ابن شاقلا وأبو الحسن الجزري من الحنابلة واختاره البزودي والسرخسي وابن الهام وصدر الشريعة من الحنفية، ونقله السرخسي عن أكثر مشايخ الحنفية، وفي قول بمتع تخصيص العام بالقياس مطلقاً، واختار القاضي أبو بكر الباقلاني الوقف، ووافقه الجويني والغزالي، وفي التخصيص بالقياس أقوالا اخرى.

وَاسْتَدَلَّ لِلتَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ بِأَنَّ الْقِيَاسَ خَاصٌّ لا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ, وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا، فَقَدَّمَ التَّخْصِيصَ بِهِ1. "وَيُصْرَفُ بِهِ" أَيْ بِالْقِيَاسِ مَعْنًى "ظَاهِرٌ غَيْرُ عَامٍّ" مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ يَحْتَمِلُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ، هُوَ فِي أَحَدِهِمَا2 ظَاهِرٌ وَفِي الآخَرِ مَرْجُوحٌ "إلَى احْتِمَالٍ مَرْجُوحٍ" أَيْ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَرْجُوحٌ لِكَوْنِ3 اللَّفْظِ غَيْرَظَاهِرٍ فِيهِ لأَجْلِ مُوَافَقَتِهِ الْقِيَاسَ. "وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَنَحْوُهَا" وَهِيَ4 صَرْفُ الظَّاهِرِ إلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ "ظَنِّيَّةٌ" لأَنَّ أَدِلَّتَهَا ظَنِّيَّةٌ لا قَطْعِيَّةٌ, فَتَكُونَ مِنْ ظَاهِرِ5 بَابِ الظُّنُونِ. وَخَالَفَ الْبَاقِلاَّنِيُّ، لِلْقَطْعِ بِالْعَمَلِ بِالظَّنِّ الرَّاجِحِ

_ "انظر: جمع الجوامع 2/30، المحصول ج1 ق3/148، الإحكام 2/337، أصول السرخسي 1/141، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/153، 154، التبصرة ص 138، نهاية السول 2/151، أحكام القرآن للجصاص 2/24، تخريج الفروع على الأصول ص 176، كشف الأسرار 1/294، الإحكام للآمدي 2/337، فواتح الرحموت 1/358، تيسير التحرير 1/322، المسودة ص 119، 120، الروضة 2/249، مختصر البعلي ص 124، مختصر الطوفي ص 109، إرشاد الفحول ص 159، التلويح على التوضيح 1/204، اللمع ص 21، شرح تنقيح الفصول ص 203، البرهان 1/428، المنخول ص 175، المستصفى 2/122". 1 انظر: التبصرة ص 139 وما بعدها، المحصول ج1 ق3\152، الإحكام للآمدي 2/338، المستصفى 2/128، ومابعدها، اللمع ص 21، شرح تنقيح الفصول ص 203، العضد على ابن الحاجب 1/154، الروضة 2/250، تخريج الفروع على الأصول ص 175، تيسير التحرير 1/322، إرشاد الفحول ص 159، مباحث الكتاب والسنة ص 223، فواتح الرحموت 1/358". 2 ساقطة من ش. 3 في ش: لكن لكون. 4 في ز ض ع ب: وهو. 5 ساقطة من ز ش ض ع.

"وَفِعْلِ الْفَرِيقَيْنِ" مِنْ الصَّحَابَةِ "إذْ قَالَ" النَّبِيُّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ1 لَمَّا فَرَغَ مِنْ الأَحْزَابِ وَ2أَمَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ: "لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْعَصْرَ إلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ". يَرْجِعُ إلَى تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ وَعَدَمِهِ3, فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذُكِرَ لَهُ: أَنَّ طَائِفَةً صَلَّتْ فِي الطَّرِيقِ فِي الْوَقْتِ، وَطَائِفَةً صَلَّتْ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ الْوَقْتِ: لَمْ يَعِبْ طَائِفَةً مِنْهُمَا. فَمَنْ أَخَّرَ الصَّلاةَ حَتَّى وَصَلَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، أَخَذَ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: "لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْعَصْرَ إلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ". وَمَنْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، أَخَذَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ: التَّأْكِيدُ فِي سُرْعَةِ الْمَسِيرِ إلَيْهِ، لا فِي تَأْخِيرِ الصَّلاةِ عَنْ وَقْتِهَا. "وَالْمُصِيبُ" مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ "الْمُصَلِّي فِي الْوَقْتِ فِي قَوْلٍ" اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لَكِنَّ4 الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ: التَّأَهُّبُ وَسُرْعَةُ الْمَسِيرِ، لا تَأْخِيرُ الصَّلاةِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ هُنَا أَرْجَحُ، وَأَنَّ الْمُؤَخِّرَ لِلصَّلاةِ حَتَّى وَصَلَ 5بَنِي قُرَيْظَةَ هُوَ الْمُصِيبُ فِي فِعْلِهِ, وَاخْتِلافُ الْعُلَمَاءِ فِي الرَّاجِحِ مِنْ الْفِعْلَيْنِ يَدُلُّ عَلَى6 أَنَّ كُلاًّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَعَلَ مَا فَعَلَهُ بِاجْتِهَادٍ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُعَنِّفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَائِفَةً مِنْهُمَا.

_ 1 ساقطة من ش ز ض. 2 ساقطة من ش. 3انظر: التمهيد ص 125. 4 في ش: لكن. 5 في ش ز ع. 6 ساقطة من ع.

فصل تقديم الخاص على العام مطلقا

فصل تقديم الخاص على العام مطلقا سواء كانا مقترنين أو غير مقترنين: "إذَا وَرَدَ" عَنْ الشَّارِعِ لَفْظٌ "عَامٌّ وَ" لَفْظٌ "خَاصٌّ، قُدِّمَ الْخَاصُّ مُطْلَقًا1" أَيْ سَوَاءٌ كَانَا مُقْتَرِنَيْنِ، مِثْلَ: مَا لَوْ قَالَ فِي كَلامٍ مُتَوَاصِلٍ: اُقْتُلُوا الْكُفَّارَ وَلا تَقْتُلُوا الْيَهُودَ، أَوْ يَقُولُ: زَكُّوا الْبَقَرَ، وَلا تُزَكُّوا الْعَوَامِلَ، أَوْ كَانَا غَيْرَ مُقْتَرِنَيْنِ، سَوَاءٌ2 كَانَ الْخَاصُّ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. لأَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَمَلاً بِكِلَيْهِمَا، بِخِلافِ الْعَكْسِ, فَكَانَ أَوْلَى3. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي صُورَةِ الاقْتِرَانِ تَعَارُضُ الْخَاصِّ لِمَا قَابَلَهُ مِنْ الْعَامِّ، وَلا يُخَصَّصُ بِهِ4. وَعَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ فِي غَيْرِ الْمُقْتَرِنَيْنِ مُوَافَقَةٌ لِقَوْلِ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ الْعَامُّ نُسِخَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ نُسِخَ مِنْ

_ 1 انظر هذه المسألة في "المحصول ج1ق3/161، المستصفى 2/102، 141، جمع الجوامع 2/42، فواتح الرحموت 1/345، التبصرة ص 151، اللمع ص 20، المعتمد 1/276، المسودة ص134، العدة 2/615، الروضة 2/251، مختصر الطوفي ص 108، إرشاد الفحول ص 163" 2 في ب: وسواء. 3 انظر أدلة تقديم الخاص على العام في "مختصر ابن الحاجب 2/147، الإحكام للآمدي 2/318، التبصرة ص 153، البرهان 2/1193، المعتمد 1/276، 279، المحصول ج1 ق3/161، المحلى على جمع الجوامع 2/43، نهاية السول 2/142، التمهيد ص 124، المسودة ص 134، 135، 137، الروضة 2/245، العدة 2/615، مختصر الطوفي ص 108، إرشاد الفحول ص 163". 4 انظر المسودة 137،جمع الجوامع 2/42.

الْعَامِّ بِقَدْرِهِ, فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: إنْ جُهِلَ التَّارِيخُ وُقِفَ الأَمْرُ حَتَّى يُعْلَمَ1. وَجْهُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ’ 2سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} 3 خَصَّ4 قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} 5. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: عَلَى هَذَا عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. مِنْهُمْ: عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ6 وَحُذَيْفَةُ وَجَابِرٌ

_ 1 اشترط الحنفية في التخصيص شروطاً أهما: أن لا يتأخر المخصص، وأن يكون المخصص مستقلاً بالكلام، وأن يكون متصلاً في الوقت ذاته بالنص العام، وإلا كان نسخاً لا تخصيصاً، وقال بعض الظاهرية: يتعارض الخاص والعام مطلقاً، وقال بعض المعتزلة وبعض الحنفية وهو رواية عن أحمد: إنه إن جهل التاريخ فيقدم الخاص. "انظر: المسودة ص 134، 136، جمع الجوامع 2/42، مختصر ابن الحاجب 2/147، المحصول ج1 ق3/161، المستصفى 2/103، الإحكام للآمدي 2/319، التمهيد 124، المعتمد 1/277، 278، نهاية السول 2/142، التبصرة ص 151، 153، وما بعدها، اللمع ص 20، فواتح الرحموت 1/300، 345، مختصر البعلي ص 122، مختصر الطوفي ص 108، الروضة 2/245، إرشاد الفحول ص 163، مباحث الكتاب والسنة ص 217". 2 في د: فقوله، وفي ش: قال. 3 الآية 5 من المائدة. 4 في ش: مع. 5الآية 221من البقرة. 6هو الصحابي طلحة بن عبيد الله بن عثمان، أبو محمد القريشي، التميمي المكي المدني، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين للإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يدي أبي بكر، وأحد الستة أصحاب الشورى الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة الخير وطلحة الجود، لم يشهد بدراً، لكن الرسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب له بسهم، وشهد أحداً وأبلى فيه بلاء حسناً، ثم شهد بقية المشاهد، قتل يوم الجمل سنة 36 ? وقبره في البصرة، ومناقبه كثيرة. انظر ترجمته في "الإصابة 3/290 المطبعة الشرفية، أسد الغابة 3/85، تهذيب الأسماء 1/252، حلية الأولياء 1/87، الخلاصة 2/11 مطبعة الفجالة الجدية، مشاهير علماء الأمصار ص7".

وَابْنُ عَبَّاسٍ1. وَأَيْضًا: الْخَاصُّ قَاطِعٌ أَوْ أَشَدُّ تَصْرِيحًا، وَأَقَلُّ احْتِمَالاً، وَلأَنَّهُ لا فَرْقَ لُغَةً بَيْنَ تَقْدِيمِ الْخَاصِّ وَتَأْخِيرِهِ2. "وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ اللَّفْظَيْنِ الْوَارِدَيْنِ "عَامًّا مِنْ وَجْهٍ. خَاصًّا مِنْ وَجْهٍ" آخَرَ3. مِثَالُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا" 4 مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ" 5

_ 1 زاد المسير 1/247. 2 انظر مزيداً من أدلة الجمهور في تقديم الخاص في "نهاية السول 2/142، التبصرة ص 151، 153، وما بعدها، اللمع ص 20، المعتمد 1/276، وما بعدها، المحصول جـ1 ق 3/162، الإحكام للآمدي 2/319، وما بعدها المحلي على جمع الجوامع 2/43، فواتح الرحموت 1/346 وما بعدها، العدة 2/615، إرشاد الفحول ص 163". 3 العام من وجه والخاص من وجه هما اللذان يوجد كل واحد منها مع الآخر أحياناً، ويوجد كل منهما بدون الآخر أحياناً أخرى، فيجتمعان في صورة، وينفرد كل واحد منها في صورة، والأمثلة في النص توضح ذلك. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 96، 97". 4هذا حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد، وسبق تخريجه في "المجلد الأول ص 366". 5 هذا جزء من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً، ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن عمر رضي الله مرفوعاً، وأوله "لاصلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر ... " وقال السيوطي: "هذا حديث متواتر" وقال ابن حجر: "ورد من رواية جمع من الصحابة تزيد عن العشرين". "انظر: صحيح البخاري 1/77 المطبعة العثمانية، صحيح مسلم بشرح النووي 6/110، سنن أبي داود1/294، تحفة الأحوذي 1/540، سنن ابن ماجه 1/395، 396، سنن النسائي 1/223، مسند أحمد 1/18، 21، 39، 2/13، الموطأ ص 154 ط الشعب، المنتقى 1/364، الأزهار المتناثرة ص 15، فيض القدير 6/428، التخليص الحبير 1/185".

فَالأَوَّلُ: خَاصٌّ فِي الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ الْفَائِتَةِ، عَامٌّ فِي الْوَقْتِ، وَالثَّانِي: عَامٌّ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَالنَّافِلَةِ، خَاصٌّ فِي الْوَقْتِ1. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَدَّلَ دَيْنَهُ فَاقْتُلُوهُ" مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ" 2. فَالأَوَّلُ عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، خَاصٌّ فِي الْمُرْتَدِّينَ. وَالثَّانِي: خَاصٌّ فِي النِّسَاءِ، عَامٌّ فِي الْحَرْبِيَّاتِ وَالْمُرْتَدَّاتِ3. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا إذَا وَرَدَا "تَعَارَضَا" لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا بِالْعَمَلِ بِهِ دُونَ الآخَرِ "وَطُلِبَ الْمُرَجِّحُ" مِنْ خَارِجٍ4. وَقَدْ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ: "مَنْ بَدَّلَ دَيْنَهُ فَاقْتُلُوهُ" عَلَى اخْتِصَاصِ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُهُ: "نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ" بِسَبَبِهِ النَّاشِئِ عَنْ قَتْلِ الْحَرْبِيَّاتِ5. وَقِيلَ: الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا نَاسِخٌ. وَحُكِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ6.

_ 1 انظر: المسودة ص139، الروضة 2/251، اللمع ص 21، العدة 2/627، مختصر الطوفي ص 110. 2 روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى عن قتل النساء والصبيان" "صحيح البخاري 2/113، المطبعة العثمانية". ورواه أبو داود وابن ماجه والدارمي ومالك وأحمد. "انظر: سنن أبي داود 2/49، سنن ابن ماجه 2/947، سنن الدارمي 2/222، مسند أحمد 2/22، 23، 76، الموطأ ص277 ط الشعب". 3 انظر: الروضة 2/252، المحلي على جمع الجوامع 2/44، المسودة ص142، مختصر الطوفي ص110. 4 انظر: الروضة 2/251، المسودة ص139، جمع الجوامع 2/42، العدة 2/627، اللمع ص21، مختصر الطوفي ص110. 5 انظر الأحاديث في جواز قتل المرأة المرتدة في "نصب الراية 3/458، تحفة الأحوذي 5/25" 6انظر: جمع الجوامع 2/44، العدة 2/627، المسودة ص 139، مختصر البعلي ص 123، رد المختار 4/224.

"وَإِذَا وَافَقَ خَاصٌّ عَامًّا 1" بِأَنْ. يَرِدْ2 لَفْظٌ عَامٌّ، وَيَأْتِي لَفْظٌ خَاصٌّ، هُوَ3 بَعْضٌ لِذَلِكَ4 الْعَامِّ وَدَاخِلٌ فِيهِ، نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ: "دِبَاغُهَا طُهُورُهَا" 5 فَهَذَا خَاصٌّ وَهُوَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْعَامِّ6 "لَمْ يُخَصِّصْهُ" أَيْ لَمْ يُخَصِّصْ الْخَاصُّ الْعَامَّ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ7. وَقِيلَ: بَلَى8،

_ 1 في ش ز ض: عام. 2 في ش: لم يرد. 3 في ش ز ض: وهو. 4 ساقطة من ض، وفي ب: ذلك، وفي ز: أفراد. 5 هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي في شاة ميمونة، ورواه مسلم بلفظ "دباغها طهور" ومر حديث أخر في شاة ميمونة بلفظ "أيما إهاب دبغ فقد طهر" "ص177". "انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 4/53، سنن النسائي 7/154، سنن أبي داود2/387، مسند أحمد 4/329، 334، 336، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص293". 6 هو في قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر". 7 أي لا يكون حكما على باقي أفراد العام بنقيض ذلك الحكم الخاص، وبين الأسنوي هذه المسألة فقال: "إذا أفراد الشارع فرداً من أفراد العام، أي نص على واحد مما تضمنه وحكم عليه بالحكم الذي حكم به على العام فإنه لا يكون مخصصاً له" وذكر الحديثين السابقين "نهاية السول 2/161". "وانظر: المسودة ص142، شرح تنقيح الفصول ص219، المعتمد 1/311، الإحكام للآمدي 2/225، جمع الجوامع 2/33، مختصر ابن الحاجب 2/152، فواتح الرحموت 1/355، تيسير التحرير 1/319، التمهيد ص126، المحصول ج1 ق3/195". 8 وهو قول أبي ثور، واحتج بأن تخصيص الشاة بالذكر يدل بمفهومه على نفي الحكم عما عداه، وأنه يجوز المنطوق بالمفهوم "كما سبق"، ورد الجمهور عليه أن هذا مفهوم لقب، وليس بحجة. "انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/33، المسودة ص142، نهاية السول 2/162، المحصول ج1 ق3/195، الإحكام للآمدي 2/335، فواتح الرحموت 1/356، شرح تنقيح الفصول ص219، المعتمد 1/311، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/152، تيسير التحرير 1/320، التمهيد ص126".

اسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّهُ لا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا فَيُعْمَلَ بِهِمَا1. وَمِنْ أَمْثِلَةِ2 ذَلِكَ أَيْضًا3: قَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} 4 فَذِكْرُهُ5 بَعْدَهُ لَيْسَ تَخْصِيصًا لِلأَوَّلِ بِإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، بَلْ اهْتِمَامًا بِهَذَا النَّوْعِ، فَإِنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ 6إذَا اهْتَمَّتْ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْعَامِّ خَصَّصَتْهُ بِالذِّكْرِ، إبْعَادًا لَهُ عَنْ الْمَجَازِ وَالتَّخْصِيصِ بِذَلِكَ النَّوْعِ7. وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ 8 وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} 9. وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {فِيهَا 10 فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} 11 لأَنَّ فَاكِهَةً مُطْلَقٌ12 " وَلا تَخُصُّ13 عَادَةٌ عُمُومًا، وَلا تُقَيِّدُ" الْعَادَةُ "مُطْلَقًا" نَحْوُ:

_ 1 انظر: المسودة ص142، نهاية السول 2/162، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/152، المحصول ج1ق3/197، الإحكام للآمدي 3/335، فواتح الرحموت 1/356، تيسير التحرير320. 2 ساقطة من ض. 3 ساقطة من ض ب. 4 الآية 90 من النحل. 5 في ب: قد ذكره. 6 ساقطة من ش. 7 شرح تنقيح الفصول ص219-220. 8 ساقطة من ع ض ب ز. 9 لآية 98 من البقرة، وأول الآية {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} . الآية 10 ساقطة من ع ض ب ز. 11 الآية 68 من الرحمن. 12 انظر" شرح تنقيح الفصول ص 220. 13 في ع ب: ولا تخصص.

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ1 الرِّبَا فِي الطَّعَامِ وَعَادَتُهُمْ الْبُرُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ2، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ3, وَلِهَذَا لا نَقْضَ بِنَادِرٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ, قَصْرًا لِلْغَائِطِ عَلَى الْمُعْتَادِ, وَذَكَرَهُ4 الْقَاضِيَ فِي مَوَاضِعَ. وَجْهُ الأَوَّلِ: الْعُمُومُ لُغَةً وَعُرْفًا، وَالأَصْلُ عَدَمُ مُخَصَّصٍ5. وَفِي شَرْحِ الْعُنْوَانِ لابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ الصَّوَابَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْعَادَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى الْفِعْلِ، وَالرَّاجِعَةِ إلَى الْقَوْلِ، فَيُخَصَّصُ بِالثَّانِيَةِ الْعُمُومُ لِسَبْقِ الذِّهْنِ عِنْدَ الإِطْلاقِ إلَيْهِ دُونَ الأُولَى، أَيْ6 إذَا تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ، وَ7لَكِنْ لَمْ

_ 1 ساقطة من ش ع. 2 قال الشافعية: العادة التي كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقررها عليه الصلاة والسلام تخصص الدليل العام، نص على ذلك الغزالي والآمدي وأبو الحسين البصري، أما مطلق العادة والعرف فلا يخصص بها عند الشافعية، قال إمام الحرمين الجويني: "فالذي رآه الشافعي أن عرف المخاطبين لايوجب تخصيص لفظ الشارع" "البرهان1/446". "وانظر: المحصول ج1ق3/198، الإحكام للآمدي 2/324، المستصفى 2/111، تيسير التحرير 1/317، شرح تنقيح الفصول ص 211، مختصر ابن الحاجب 2/152، جمع الجوامع 2/34، نهاية السول 2/155، اللمع ص 22، مناهج العقول 2/154، المسودة ص 123، مختصر البعلي ص124، العدة 2/593، إرشاد الفحول ص161". 3 قال القرافي المالكي: "وعندنا العوائد مخصصة للعموم" "شرح تنقيح الفصول ص211"، وقال ابن الحاجب: "الجمهور إن العادة.... ليس بمخصص" "مختصر ابن الحاجب 2/152"، وقال الآمدي: "فقد اتفق الجمهور من العلماء على عمومه،..... وأن العادة لاتكون منزلة للعموم على تحريم المعتاد دون غيره خلافاً لأبي حنيفة". "الإحكام 2/334". "وانظر"تيسير التحرير 1/317، إرشاد الفحول ص161، مختصر البعلي ص 124، المسودة ص 124، المعتمد 1/301، المحصول ج1ق3/199، فواتح الرحموت 1/345". 4 في ش: وذكر. 5 انظر: المسودة ص 124، مختصر ابن الحاجب 2/152. في ض: المخصص. 6ساقطة من ض. 7 الواو ساقطة من ع ز.

يُقَرِّرْهَا1 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2. "وَلا يُخَصُّ عَامٌّ بِمَقْصُودِهِ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ، خِلافًا لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ3 وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ4 لَمْسِ النِّسَاءِ مَا يُقْصَدُ مِنْهُنَّ غَالِبًا مِنْ الشَّهْوَةِ، ثُمَّ لَوْ عَمَّتْ خُصَّتْ5 بِهِ, وَخَصَّهُ حَفِيدُهُ أَيْضًا بِالْمَقْصُودِ6. "وَلا" يُخَصُّ عَامٌّ "بِرُجُوعِ ضَمِيرٍ إلَى بَعْضِهِ" أَيْ بَعْضِ الْعَامِّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَالشَّافِعِيَّةِ7. وَعَنْهُ 8: بَلْ9 كَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ10.

_ 1 في زض ب: يقدرها. 2 وقال المجد ابن تيمية: "تخصيص العموم بالعادة بمعنى قصره على العمل المعتاد كثير المنفعة، وكذا قصره على الأعيان التي كان الفعل معتاداً فيها زمن التكلم" "المسودة ص 125". "وانظر: العدة 2/592، المسودة ص 123، فواتح الرحموت 1/345، إرشاد الفحول ص 161". 3 انظر: المسودة ص 132، القواعد والفوائد الأصولية ص 224، مختصر البعلي ص 124. 4 في ض: منه. 5 في ش: خصت. 6 انظر: المسودة ص 132، القواعد والفوائد الأصولية ص234، مختصر البعلي ص124. 7 وهو ما اختاره الآمدي وابن الحاجب والبيضاوي والقاضي عبد الجبار والتاج السبكي، وسبقت الإشارة إليه في آخر بحث العام "صفحة 262 وما بعدها". "انظر: مختصر ابن الحاجب 2/153، المحصول ج1ق3/208، الإحكام للآمدي 3/326، جمع الجوامع 2/23، مناهج العقول 2/165، اللمع ص 22، شرح تنقيح الفصول 2/614، فواتح الرحموت 1/356، تيسير التحرير 1/320". 8أي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهو اصطلاح عند الحنابلة. 9في ش: بل. 10 ما اختاره إمام الحرمين الجويني وأبو الحسين البصري المعتزلي، ونقله القرافي عن الشافعي، وهو مارجحه الكمال بن الهام. "انظر نهاية السول 2/165، المحلي على جمع الجوامع 2/23، شرح تنقيح الفصول ص223، مناهج العقول 2/165، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/153، الإحكام للآمدي 2/326، فواتح الرحموت 1/256، تيسير التحرير 1 1/320، مختصر البعلي ص 124، المسودة ص138، المعتمد 1/306".

وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ1. مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 2 ثُمَّ قَالَ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ 3} 4 فَإِنَّ الْمُطَلَّقَاتِ يَعُمُّ الْبَوَائِنَ وَالرَّجْعِيَّاتِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ} عَائِدٌ إلَى الرَّجْعِيَّاتِ؛ لأَنَّ الْبَائِنَ لا يَمْلِكُ الزَّوْجُ رَدَّهَا5. وَلَوْ وَرَدَ بَعْدَ6 الْعَامِّ حُكْمٌ لا يَأْتِي إلاَّ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الضَّمِيرِ, صَرَّحَ بِهِ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ7

_ 1 اختار الوقف الإمام فخر الدين الرازي في "المحصول ج1ق3/210، ونقله الآمدي عن إمام الحرمين الجويني وأبي الحسين البصري، بينما نقل ابن الحاجب عنهما التخصيص. "انظر: شرح تنقيح الفصول ص 223، المعتمد 1/206، مختصر ابن الحاجب 2/152، الإحكام للآمدي 2/326، تيسير التحرير 1 1/320، نهاية السول 2/165، مناهج العقول 2/165". 2 الآية 228 من البقرة. 3 في ض: بردهن في ذلك. 4 الآية 228 من البقرة. 5 انظر: شرح تنقيح الفصول 218، 223، المعتمد، 1/307، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/153، العدة 2/614، فواتح الرحموت 1/356، تيسير التحرير 1 1/320، اللمع ص 22، 25، مناهج العقول 2/165، المسودة ص 138، مختصر البعلي ص124، نهاية السول 2/165. 6 في ض: بعض. 7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 219، 223، المحصول ج1ق3/208، نهاية السول 2/165، المسودة ص128، مناهج العقول 2/165، الإحكام للآمدي 2/336.

وَمِثْلُهُ الرَّازِيّ بِقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 1 ثُمَّ قَالَ: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ} 2 يَعْنِي الرَّغْبَةَ فِي مُرَاجَعَتِهِنَّ، وَالْمُرَاجَعَةُ لا تَأْتِي فِي الْبَائِنِ3. وَجْهُ الأَوَّلِ: أَنَّ الْمَظْهَرَ عَامٌّ، وَالأَصْلَ بَقَاؤُهُ, فَلا يَلْزَمُ مِنْ تَخْصِيصِ الْمُضْمَرِ تَخْصِيصُهُ4. قَالُوا: يَلْزَمُ وَإِلاَّ لَمْ يُطَابِقْهُ5. رُدَّ، لا يَلْزَمُ كَرُجُوعِهِ مَظْهَرًا6, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ 1 الآية الأولى من الطلاق. 2 الآية الأولى من الطلاق. 3 انظر: المحصول ج1ق3/209، نهاية السول 2/166، شرح تنقيح الفصول ص223، المعتمد 1/306. 4 انظر: نهاية السول 2/116، العضد على ابن الحاجب2/153، مناهج العقول 2/166. 5 انظر: شرح تنقيح الفصول ص224، نهاية السول 2/166. 6 انظر: نهاية السول2/166.

باب المطلق

باب المطلق: "الْمُطْلَقِ" مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةٍ تَدُورُ عَلَى مَعْنَى الانْفِكَاكِ مِنْ الْقَيْدِ1، فَلِذَلِكَ قُلْنَا: هُوَ [مَا تَنَاوَلَ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةٍ شَامِلَةٍ لِجِنْسِهِ] . فَخَرَجَ بِقَوْلِنَا "مَا تَنَاوَلَ وَاحِدًا" أَلْفَاظُ الأَعْدَادِ الْمُتَنَاوِلَةُ لأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. وَخَرَجَ بِ "غَيْرَ مُعَيَّنٍ" الْمَعَارِفُ كَزَيْدٍ وَنَحْوِهِ. وَبِبَاقِي2 الْحَدِّ: الْمُشْتَرَكُ وَالْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ، فَإِنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا يَتَنَاوَلُ وَاحِدًا لا بِعَيْنِهِ لا بِاعْتِبَارِ حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةٍ. وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 3 وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ" 4 فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ لَفْظِ "الرَّقَبَةِ" وَ "الْوَلِيِّ" قَدْ يَتَنَاوَلُ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ جِنْسِ الرِّقَابِ5 وَالأَوْلِيَاءِ. وَفِيهِ حُدُودٌ غَيْرُ ذَلِكَ، قَلَّ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهَا حَدٌّ6

_ 1 انظر معجم مقاييس اللغة 3/420. 2 في ع: ومافي. وفي ض: ويأتي. وفي ب: باقي. 3 الآية 3 من المجادلة. 4 سبق تخريجه في ج2 ص551. 5 في ش: الرقيات. 6 انظر تعريفات الأصوليين في "البرهان 1/256، المسودة ص147، الإحكام للآمدي 3/3، كشف الأسرار 2/286، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/44، إرشاد الفحول ص 164، فواتح الرحموت 1/360، المحصول ج1ق3/521، التعريفات للجرجاني ص115، الحدود للباجي ص47، نشر البنود على مراقي السعود 1/264، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب2/155، مناهج العقول 2/138، شرح تنقيح الفصول ص 266".

"وَ" يُقَابِلُ الْمُطْلَقَ "الْمُقَيَّدُ" وَهُوَ "مَا تَنَاوَلَ مُعَيَّنًا أَوْ مَوْصُوفًا بِزَائِدٍ1" أَيْ2 بِوَصْفٍ زَائِدٍ "عَلَى حَقِيقَةِ جِنْسِهِ"3 نَحْوُ " شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَ "4 رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ5 وَهَذَا الرَّجُلُ. وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ فِي تَقْيِيدِهِ بِاعْتِبَارِ قِلَّةِ الْقُيُودِ وَكَثْرَتِهَا، فَمَا كَثُرَتْ فِيهِ قُيُودُهُ كَقَوْله تَعَالَى: {عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ} 6 الآيَةَ7أَعْلَى رُتْبَةً مِمَّا قُيُودُهُ أَقَلُّ. "وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ" أَيْ الإِطْلاقُ وَالتَّقْيِيدُ "فِي لَفْظٍ" وَاحِدٍ "بِا" عْتِبَارِ "الْجِهَتَيْنِ" فَيَكُونَ اللَّفْظُ مُقَيَّدًا مِنْ وَجْهٍ مُطْلَقًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ8. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} 9 قُيِّدَتْ الرَّقَبَةُ10 مِنْ حَيْثُ الدِّينُ وَالإِيمَانُ11 فَتَتَعَيَّنُ12 الْمُؤْمِنَةُ لِلْكَفَّارَةِ، وَأُطْلِقَتْ مِنْ حَيْثُ مَا سِوَى الإِيمَانِ مِنْ

_ 1 ساقطة من ض ب. وفي متن مختصر التحرير: زائداً. 2 ساقطة من ع ض ب. 3 انظر تعريفات للمقيد في " الحدود للباجي ص 48، فواتح الرحموت 1/360، إرشاد الفحول ص164، كشف الأسرار 2/286، الإحكام للآمدي 3/4، شرح العضد 2/155، مناهج العقول 2/138، شرح تنقيح الفصول ص266، روضة الناظر ص260". 4 الآية 4 من المجادلة. 5 الآية 92من النساء. 6 في ش: قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً. 7 الآية 5 من التحريم. 8 شرح تنقيح الفصول ص266. 9 الآية 92 من النساء. 10 ساقطة من ش. 11 في ش: والإيمان. 12 في ب: فتعين.

الأَوْصَافِ، كَكَمَالِ الْخِلْقَةِ وَالطُّولِ وَالْبَيَاضِ وَأَضْدَادِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ, فَالآيَةُ مُطْلَقَةٌ فِي كُلِّ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَفِي كُلِّ كَفَّارَةٍ مُجْزِئَةٍ, مُقَيَّدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُطْلَقِ1 الرِّقَابِ وَمُطْلَقِ الْكَفَّارَاتِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الإِطْلاقَ وَالتَّقْيِيدَ تَارَةً يَكُونَانِ فِي الأَمْرِ، كَأَعْتِقْ رَقَبَةً وَأَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، وَتَارَةً فِي الْخَبَرِ، كَـ "لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ" 2، وَ "لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ مرشد 3 وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ 4 ". قَالَ الطُّوفِيُّ: وَهُمَا فِي الأَلْفَاظِ مُسْتَعَارَانِ مِنْهُمَا فِي الأَشْخَاصِ, يُقَالُ: رَجُلٌ أَوْ حَيَوَانٌ مُطْلَقٌ: إذَا خَلا عَنْ قَيْدٍ أَوْ عِقَالٍ، وَمُقَيَّدٌ إذَا كَانَ فِي رِجْلِهِ قَيْدٌ أَوْ عِقَالٌ أَوْ شِكَالٌ وَنَحْوُهُ مِنْ مَوَانِعِ الْحَيَوَانِ مِنْ الْحَرَكَةِ الطَّبِيعِيَّةِ الاخْتِيَارِيَّةِ. فَإِذَا قُلْنَا: أَعْتِقْ رَقَبَةً فَهَذِهِ الرَّقَبَةُ شَائِعَةٌ فِي جِنْسِهَا شُيُوعُ الْحَيَوَانِ الْمُطْلَقِ بِحَرَكَتِهِ الاخْتِيَارِيَّةِ بَيْنَ جِنْسِهِ, وَإِذَا قُلْنَا: أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ لَهَا كَالْقَيْدِ الْمُمَيِّزِ لِلْحَيَوَانِ الْمُقَيَّدِ مِنْ بَيْنِ أَفْرَادِ جِنْسِهِ، وَمَانِعَةً لَهَا مِنْ الشُّيُوعِ, كَالْقَيْدِ الْمَانِعِ لِلْحَيَوَانِ مِنْ الشُّيُوعِ بالْحَرَكَةِ 5فِي جِنْسِهِ. وَهُمَا أَمْرَانِ نِسْبِيَّانِ بِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ، فَمُطْلَقٌ لا مُطْلَقَ بَعْدَهُ كَمَعْلُومٍ،

_ 1 ساقطة من ض. 2 أخرجه بهذا اللفظ البيهقي عن عائشة وابن عباس مرفوعاً وعن عمر موقوفاً، وأخرجه أيضاً ابن حبان عن عائشة مرفوعاً. وجاء في سائر تلك الروايات، وشاهدي عدل، "انظر سنن البيهقي 7/124-126، الدارية لتخريج أحاديث الهداية 2/55". 3في ش: رشيد. 4 أخرجه بهذا اللفظ البيهقي في سننه عن ابن عباس موقوفاً. "سنن البيهقي 7/112" 5 في ش: والحركة.

وَمُقَيَّدٌ لا مُقَيَّدَ بَعْدَهُ كَزَيْدٍ, وَبَيْنَهُمَا وَسَائِطُ تَكُونُ مِنْ الْمُقَيَّدِ بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلُ، وَمِنْ الْمُطْلَقِ بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدُ، كَجِسْمٍ وَحَيَوَانٍ وَإِنْسَانٍ1. قَالَ الْهِنْدِيُّ: فَالْمُطْلَقُ الْحَقِيقِيُّ: مَا دَلَّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ فَقَطْ وَالإِضَافِيُّ مُخْتَلِفٌ2. "وَهُمَا" أَيْ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ "كَعَامٍّ وَخَاصٍّ" فِيمَا ذُكِرَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ مِنْ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ وَمُخْتَارٍ مِنْ الْخِلافِ. فَيَجُوزُ تَقْيِيدُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ، وَتَقْيِيدُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ وَبِالْكِتَابِ، وَتَقْيِيدُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْقِيَاسِ, وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ وَفِعْلُ3 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقْرِيرُهُ، وَمَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ، عَلَى الأَصَحِّ فِي الْجَمِيعِ4. "لَكِنْ" بَيْنَهُمَا فَرْقٌ5 مِنْ وُجُوهٍ: فَمِنْ6 ذَلِكَ: "إنْ وَرَدَا" أَيْ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ "وَاخْتَلَفَ7 حُكْمُهُمَا" أَيْ حُكْمُ8 الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ "فَلا حَمْلَ مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ اتَّفَقَ السَّبَبُ أَوْ اخْتَلَفَ9.

_ 1 انظر شرح تنقيح الفصول ص266. 2 نحو"رجل" و "رقبة" فإنه مطلق بالإضافة إلى "رجل عالم" و"رقبة مؤمنة"، ومقيد بالإضافة إلى الحقيقي، لأنه يدل على واحد شائع، وهما قيدان زائدان على الماهية. "إرشاد الفحول ص164". 3 في ش: وبعد. 4 انظر نشر البنود على مراقي السعود 1/266. 5 في ع: فروقاً. وفي ض. ب: فروق. 6 في ش ز: من. 7 في ش: فاختلف. 8 ساقطة من ض ب. 9 انظر "القواعد والفوائد الأصولية ص280، نهاية السول 2/140، روضة الناظر ص 266، مختصر الطوفي ص115، العدة 2/636، الإشارات للباجي ص41، التبصرة ص212، المحصول ج1ق3/214، فواتح الرحموت 1/361، إرشاد الفحول ص166، المعتمد 1/312، الإحكام للآمدي 3/4، شرح العضد 2/156، كشف الأسرار 278، المستصفى 2/185، التلويح على التوضيح 1/63، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/57، الآيات البينات 3/97، التمهيد للآسنوي ص 127".

مِثَالُ اتِّفَاقِهِ: التَّتَابُعُ فِي صِيَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ1.فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ2, وَإِطْلاقِ الإِطْعَامِ فِيهَا. وَمِثَالُ اخْتِلافِ السَّبَبِ: الأَمْرُ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَإِطْلاقُ الإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، فَتَارَةً يَتَّحِدُ سَبَبُهُمَا وَتَارَةً يَخْتَلِفُ: "فَإِنْ اتَّحَدَ سَبَبُهُمَا" أَيْ سَبَبُ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَ3مَعَ اتِّحَادِ سَبَبِهِمَا: تَارَةً يَكُونَانِ مُثْبَتَيْنِ، وَتَارَةً يَكُونَانِ نَهْيَيْنِ، وَتَارَةً يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَمْرًا وَالآخَرُ نَهْيًا. "فَإِنْ كَانَا مُثْبَتَيْنِ" أَوْ4 فِي مَعْنَى الْمُثْبَتِ, كَالأَمْرِ كَأَعْتِقْ فِي الظِّهَارِ رَقَبَةً، ثُمَّ قَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، حُمِلَ مِنْهُمَا مُطْلَقٌ وَلَوْ تَوَاتُرًا عَلَى مُقَيَّدٍ وَلَوْ آحَادًا" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ5

_ 1 في ض: يمين. 2 حيث قرأ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ} "المائدة 89" انظر أحكام القرآن لجصاص 2/461، فتح القدير للشوكاني 2/72، أحكام القرآن لابن العربي 2/654". 3 ساقطة من ش. 4 في ش: أي. 5 انظر" المحصول ج1ق3 215، الإحكام للآمدي 2/4، اللمع ص 24، القواعد والفوائد الأصولية ص281، العدة 2/628، شرح تنقيح الفصول ص266، مناهج العقول 2/139، نهاية السول 2/140، إرشاد الفحول ص164، فواتح الرحموت 1/362، التلويح على التوضيح 1/63، المستصفى 2/185، كشف الأسرار 2/287، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/50، الآيات البينات 3/93، شرح العضد 2/156، التمهيد للآسنوي ص 127".

وَغَيْرِهِمْ1, وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ إجْمَاعًا2. وَحُكِيَ فِيهِ خِلافٌ عَنْ3 الْحَنَفِيَّةِ4 وَالْمَالِكِيَّةِ5. وَقِيلَ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي تَعْلِيقِهِ: فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ "أَمَرَ الْمُحْرِمَ بِقَطْعِ الْخُفِّ"6 وَأَطْلَقَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ7، فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ؟

_ 1 انظر المعتمد للبصري 1/312. 2 حكاية للمصنف الإجماع على المجد غير دقيقة، أقول المجد في "السودة" ص 146: فإن كان المطلق والمقيد مع اتحاد السبب والحكم في شيء واحد، كما لو قال "إذا حنثتم فعليكم عتق الرقبة" وقال في موضع آخر "إذا حنثتم فعليكم عتق رقبة مؤمنة" فهذا لاخلاف فيه، وإنه يحمل المطلق على المقيد، اللهم أن لا يكون المقيد آحاداً والمطلق تواتراً، فينبني على مسألة الزيادة على النص، هل هي نسخ؟ وعلى النسخ للتواتر بالأحاد، والمنع قول الحنفية". 3 في ش: عند. 4 الصواب أن رأي الحنفية موافق في الجملة لمذهب الجمهور في حمل المطلق على المقيد إذا اتحد الحكم والسبب، وكان الحكم مثبتاً. "انظر: التلويح على التوضيح 1/63 وما بعدها، كشف الأسرار 2/287، فواتح الرحموت 1/362". انظر الإشارات للباجي ص 42. 5 انظر الإشارات للباجي ص 42. 6 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ، ولفظه: عن ابن عمر رضي الله عنهما " أن رجلاً قال: يا رسول الله! ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين، فيلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين" "انظر صحيح البخاري 2/168، صحيح مسلم 2/834، سنن النسائي 5/102، الموطأ 1/35، عارضة الأحوذي 4/54، بذل المجهود 9/47، جامع الأصول 3/390". 7 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. ولفظ البخاري: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال: "من لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فيلبس الخفين". "انظر صحيح البخاري 3/21، صحيح مسلم 2/835، بذل المجهود 9/56، عارضة الأحوذي 4/57، سنن النسائي 5/101، جامع الأصول 3/392".

فَقَالَ: إنَّمَا يُحْمَلُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ، وَتَأَوَّلْنَا1 التَّقْيِيدَ عَلَى الْجَوَازِ, وَعَلَى أَنَّ الْمَرُّوذِيَّ2 قَالَ: احْتَجَجْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا, وَقُلْتُ: فِيهِ زِيَادَةٌ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ، وَذَاكَ حَدِيثٌ, وَظَاهِرُ3 هَذَا: أَنَّهُ لَمْ يُحْمَلْ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ. وَأَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الانْتِصَارِ: لا يُحْمَلُ, نَصَّ عَلَيْهِ4 فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ5, وَإِنْ سَلَّمْنَا عَلَى رِوَايَةٍ، فَإِنْ6 لَمْ يُمْكِنْ التَّأْوِيلُ7. اهـ. وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّهُ عَمَلٌ بِالصَّرِيحِ وَالْيَقِينِ مَعَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُقَيَّدُ آحَادًا وَالْمُطْلَقُ تَوَاتُرًا انْبَنَى عَلَى الزِّيَادَةِ هَلْ هِيَ نَسْخٌ؟ وَعَلَى نَسْخِ التَّوَاتُرِ بِالآحَادِ, وَالْمَنْعُ لِلْحَنَفِيَّةِ8. وَالأَصَحُّ: أَنَّ الْمُقَيَّدَ بَيَانٌ لِلْمُطْلَقِ9. وَقِيلَ: نَسْخٌ إنْ تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ. وَقِيلَ: عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِنَسْخٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِيمَا إذَا وَرَدَ عَامٌّ

_ 1 في ز: وتأويلنا. 2 في ش زض: المروزي. 3 في ش: وظاهر. 4 أي الإمام أحمد. 5 في ش زض: المرزوي. 6 في ش: فإن. 7 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص281. 8 انظر فواتح الرحموت 2/76، والتلويح على التوضيح 2/36، فتح الغفار 2/134، المسودة ص146. 9 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص 282، التمهيد للآسنوي ص 127.

وَخَاصٌّ, سَوَاءٌ كَانَا مُقْتَرِنَيْنِ أَوْ لا. وَانْبَنَى 1عَلَى نَسْخِ التَّوَاتُرِ بِالآحَادِ. وَالصَّحِيحُ: عَلَى أَنَّهُ لا يُنْسَخُ بِهِ، فَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ2 نَسْخًا، وَأَنَّ الآحَادَ لا يَنْسَخُ التَّوَاتُرَ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا, فَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُقَيَّدَ بَيَانٌ لِلْمُطْلَقِ كَتَخْصِيصِ3 الْعَامِّ، وَكَمَا لا يَكُونُ تَأْخِيرُ الْمُطْلَقِ نَسْخًا لِلْمُقَيَّدِ مَعَ رَفْعِهِ لِتَقْيِيدِهِ فَكَذَا عَكْسُهُ. "وَمُقَيَّدٌ" يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ الْمُقَيَّدَ "وَلَوْ" وَرَدَ "مُتَأَخِّرًا" عَنْ الْمُطْلَقِ فَهُوَ "بَيَانٌ لِلْمُطْلَقِ" وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُونَ4. وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ كَانَ نَسْخًا. وَإِنْ تَقَدَّمَ كَانَ بَيَانًا5. "وَإِنْ كَانَا" أَيْ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ "نَهْيَيْنِ" نَحْوَ لا تُعْتِقْ مُكَاتَبًا6 كَافِرًا، أَوْ لا تُكَفِّرْ بِعِتْقِ كَافِرٍ "قُيِّدَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ اللَّفْظُ7 "الْمُطْلَقُ بِمَفْهُومِ" اللَّفْظِ "الْمُقَيَّدِ" عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ كَوْنِ الْمَفْهُومِ حُجَّةً, لأَنَّ الْمُقَيَّدَ دَلَّ بِالْمَفْهُومِ8.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: أيضاً. 3 في ش: لتخصيص. 4 انظر مناهج العقول 2/140، كشف الأسرار2/288، القواعد والفوائد الأصولية ص282، إرشاد الفحول ص165، نهاية السول 2/140، اللمع ص24، شرح العضد 2/156. 5 انظر المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/50، الآيات البينات 3/93، فواتح الرحموت 1/362، القواعد والفوائد الأصولية ص 282، إرشاد الفحول ص165، شرح العضد 2/156. 6 ساقطة من ش. 7 ساقطة من ع. 8 انظر خلاف الأصوليين في المسألة في "المسودة ص146، القواعد والفوائد الأصولية ص282، الآيات البينات 3/95، المعتمد للبصري، 1/313، كشف الأسرار 2/287، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/50 شرح العضد 2/157، فواتح الرحموت 1/361، التلويح على التوضيح 1/64، مناهج العقول 2/139، التمهيد للآسنوي ص 128، نهاية السول 2/140".

قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: فَالْقَائِلُ إنَّ الْمَفْهُومَ حُجَّةٌ يُقَيِّدُ قَوْلَهُ "لا تَعْتِقْ مُكَاتَبًا" بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ "لا تَعْتِقْ مُكَاتَبًا كَافِرًا" فَيَجُوزُ إعْتَاقُ الْمُكَاتَبِ الْمُسْلِمِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي الْمُنْتَخَبِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلامِ الْمَحْصُولِ1 وَمَنْ لا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ يَعْمَلُ بِالإِطْلاقِ, وَيَمْنَعُ إعْتَاقَ الْمُكَاتَبِ مُطْلَقًا, وَبِهَذَا قَالَ الآمِدِيُّ2 وَابْنُ الْحَاجِبِ3.انْتَهَى. "وَكَنَهْيٍ نَفْيٌ"4 نَحْوُ لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ، لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ رَشِيدٍ5 "وَإِبَاحَةٌ وَكَرَاهَةٌ, وَفِي نَدْبٍ نَظَرٌ". قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ قُلْتُ: وَإِنْ6 كَانَا إبَاحَتَيْنِ7 فَهُمَا8 فِي مَعْنَى النَّهْيَيْنِ, وَكَذَلِكَ إذَا كَانَا كَرَاهَتَيْنِ9, وَإِنْ كَانَا نَدْبَيْنِ, فَفِيهِ نَظَرٌ، وَإِنْ كَانَا10 خَبَرَيْنِ عَنْ11 حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَيُنْظَرَ فِي ذَلِكَ

_ 1 المحصول ج1ق3/217. 2 الإحكام في أصول الأحكام 3/5. 3 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/156. 4 انظر فواتح الرحموت 1/361، إرشاد الفحول ص 166، الآيات البينات 3/94، شرح العضد 2/157، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/50. 5 في ش: رشيد. 6 في المسودة: وإذا. 7 في ب ع ز ض: اباحين. 8 زيادة من المسودة. 9 في ب ع ز ض: كراهيين. 10 في ض: كان. 11 في ع: في.

الْحُكْمِ1. اهـ. "وَإِنْ كَانَا" أَيْ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ "أَمْرًا وَنَهْيًا" أَيْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَمْرًا وَالآخَرُ نَهْيًا "فَالْمُطْلَقُ" مِنْهُمَا "مُقَيَّدٌ بِضِدِّ الصِّفَةِ" 2كَإِنْ ظَاهَرْتَ فَأَعْتِقْ رَقَبَةً، وَلا تَمْلِكْ رَقَبَةً كَافِرَةً فَلا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِنَفْيِ الْكُفْرِ، لاسْتِحَالَةِ إعْتَاقِ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ3, وَالْحَمْلُ4 فِي ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ، لا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُطْلَقَ حُمِلَ عَلَى الْمُقَيَّدِ5. "وَإِنْ اخْتَلَفَ سَبَبُهُمَا" أَيْ سَبَبُ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ، كَإِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ فِي الْقَتْلِ وَفِي الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ. أَمَّا الظِّهَارُ: فَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ مُطْلَقَةً فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} 6. وَقَالَ فِي الْيَمِينِ: {فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} إلَى قَوْلِهِ: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 7. وَأَمَّا فِي الْقَتْلِ: فَإِنَّهَا وَرَدَتْ فِيهِ مُقَيَّدَةً بِالإِيمَانِ فِي قَوْله تَعَالَى:

_ 1 المسودة ص147. 2 في ش: كـ. 3 لتوقف الاعتاق على الملك. 4 في ش: والحمل. 5 انظر شرح العضد 2/156، الإحكام للآمدي 3/4، القواعد والفوائد الأصولية ص280، مناهج العقول 2/142، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/51، الآيات البينات 3/95، التمهيد للآسنوي ص 127. 6 الآية 3من المجادلة. 7 الآية 89 من المائدة.

{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ 1 وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} 2. وَمِنْ ذَلِكَ -وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِثَالاً لِلنَّدْبَيْنِ- قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} 3 وقَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 4 حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ قِيَاسًا بِجَامِعٍ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَحْمَدَ5 وَالشَّافِعِيِّ6 رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا, وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِمَا7 لِتَخْصِيصِ8 الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَبِهِ تَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ9 وَالشَّافِعِيَّةُ10 وَالآمِدِيُّ11 وَابْنُ

_ 1 في ش: مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية. 2 الآية 92 من النساء. 3 الآية 282 من البقرة. 4 الآية 2 من الطلاق. 5 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص283، المسودة ص145،العدة 2/638، روضة الناظر ص 261. 6 انظر مناهج العقول 2/139، شرح العضد 2/157، التمهيد للآسنوي ص 128، الإحكام للآمدي 3/5، الآيات البينات 3/97، نهاية السول 2/141، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/51. 7في ش: أصحابنا. 8 في ش: كتخصيص. 9 عزو ابن قاضي الجبل القول يحمل المطلق على المقيد في هذه الحالة للمالكية غير سديد، فقد جاء في "الإشارات" للباجي ص41:".....فإن تعلق بسببين مختلفين، نحو أن يفيد الرقبة في القتل بالإيمان، ويطلقها في الظهار، فإنه لايحمل المطلق على المقيد عند أكثر أصحابنا إلا بدليل يقتضى ذلك" وذكر الشنقيطي المالكي في "نشر البنود" 1/268، أن جل المالكية لا يحملون المطلق على المقيد مع اتحاد الحكم إذا اختلف السبب. وقال القرافي في "شرح تنقيح الفصول ص 267: وأما إذا اختلف السبب واتحد الحكم فالذي حكاه القاضي عبد الوهاب في كتاب" الإفادة" وكتاب "الملخص" عن المذهب: عدم الحمل إلا القليل من أصحابنا". 10 اللمع ص 24، نهاية السول 2/141، مناهج العقول 2/139، التبصرة ص216، التمهيد للآسنوي ص128، الآيات البينات 3/97، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/51، إرشاد الفحول ص165، المعتمد 1/313. 11 الإحكام في أصول الأحكام3/5.

الْحَاجِبِ1 وَالرَّازِيُّ2 وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَنَسَبَهُ لِلْمُحَقِّقِينَ3. اهـ. وَعَنْهُ4 لا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ5 وَمَنْ تَبِعَهُمْ6. وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "أَوْ" اخْتَلَفَ "سَبَبُ7 مُقَيَّدَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ وَمُطْلَقٍ" فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "حُمِلَ الْمُطْلَقُ" يَعْنِي عَلَى الْمُقَيَّدِ "قِيَاسًا بِجَامِعٍ"8. مِثَالُ ذَلِكَ -مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ- تَتَابُعُ صَوْمِ الظِّهَارِ، فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِتَتَابُعِهِ بِقَوْلِهِ9 تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ 10 فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} 11.

_ 1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه 2/156. 2 المحصول ج1ق3 218. 3 في ش: إلى المحققين. 4 انظر القواعد والفوائد الأصولية 283، المسودةص 145، العدة 2/638، روضة الناظر ص 261. 5 فواتح الرحموت 1/365، كشف الأسرار 2/287، التلويح على التوضيح 1/63. 6 انظر شرح تنقيح الفصول ص267، الإشارات للباجي ص42، نشر البنود على مراقي السعود 1/268. 7 في ش: سبب متناقضين. 8 انظر خلاف الأصوليين في هذه المسألة في" اللمع ص 24، العدة 2/637، شرح تنقيح الفصول ص 269، المسودة ص145، القواعد والفوائد الأصولية ص 284، نهاية السول 2/141، المحصول ج1ق3/223، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/52، الآيات البينات 1/267، إرشاد الفحول ص167، المعتمد 1/314، فواتح الرحموت 1/365، أصول السرخسي 1/267، أدب القاضي للماوردي 1/307، التمهيد للآسنوي ص130. 9 في ز: لقوله. 10 ساقطة من ش. 11 الآية 4 من المجادلة.

وَتَفْرِيقُ1 صَوْمِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِتَفْرِيقِهِ لِقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ} 2 وَوُرُودُ3 قَضَاءِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا4 لَمْ يَرِدْ بِهِ تَتَابُعٌ وَلا5 تَفْرِيقٌ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 6 فَأَطْلَقَ الْقَضَاءَ. وَحَيْثُ حَمَلْنَا الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ قِيَاسًا بِجَامِعٍ عَلَى الرَّاجِحِ7 مِنْ الْخِلافِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّهُ لا يُلْحَقُ8 بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لُغَةً بِلا خِلافٍ إذْ لا مَدْخَلَ لِلُّغَةِ فِي الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ9, قَالَهُ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ10، وَتَبِعَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ. فَإِذَا حَمَلْنَا الْمُطْلَقَ عَلَى أَحَدِ الْمُقَيَّدَيْنِ فَيَكُونُ الْحَمْلُ عَلَى أَشْبَهِ الْمُقَيَّدَيْنِ بِالْمُطْلَقِ, قَالَ الطُّوفِيُّ11 وَغَيْرُهُ12 تَبَعًا لِلْمُوَفَّقِ فِي

_ 1 ساقطة من ش. 2 الآية 196 من البقرة. 3 في ش: وورود. 4 في ش ز ع ب ض: مطلق. 5 في ش: ولا قضاء تفريق. 6 الآية 184 من البقرة. وقد جاء في ز ض ب: وإن كنتم مرضى أو على سفر. وهو غلط. 7 في ش: الراجح تخلصاً. 8 في ع: لاتحلق. 9 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص 284، أدب القاضي للماوردي 1/306، التمهيد للآسنوي ص128. 10 المسودة ص 145. 11 مختصر الروضة ص 115. 12 في ز: في شرحه وغيره.

الرَّوْضَةِ1: حَمْلاً2 عَلَى الْمُطْلَقِ عَلَى أَشْبَهِهِمَا بِهِ. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ السَّبَبُ، وَلَمْ3 يُمْكِنْ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى أَحَدِ الْمُقَيَّدَيْنِ قِيَاسًا بِجَامِعٍ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَأَحَدِ الْمُقَيَّدَيْنِ "تَسَاوَيَا" فِي عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا "وَسَقَطَا4" كَأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا5. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا. فَإِنْ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَرْجَحَ مِنْ الآخَرِ، بِأَنْ كَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ أَظْهَرَ: قُيِّدَ بِهِ. لأَنَّ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ الأَجْلَى أَوْلَى, فَإِنْ تَسَاوَيَا عُمِلَ بِالْمُطْلَقِ وَيُلْغَى الْمُقَيَّدَانِ6، كَالْبَيِّنَتَيْنِ7 إذَا8 تَعَارَضَتَا, فَإِنَّ الأَرْجَحَ فِيهِمَا التَّسَاقُطُ وَكَانَا9 كَمَنْ لا بَيِّنَةَ هُنَاكَ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ, وَأَمَّا إذَا أُطْلِقَتْ الصُّورَةُ الْوَاحِدَةُ، ثُمَّ قُيِّدَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ بِعَيْنِهَا بِقَيْدَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ" 10 وَوَرَدَ11 فِي رِوَايَةٍ: "إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ"

_ 1 روضة الناظر ص261. 2 في ش: حملا على. 3 في ش: وإن لم. 4 في ش: ومنقطعاً. 5 انظر نهاية السول 2/141، شرح تنقيح الفصول ص269، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/52، الآيات البينات 3/97، التمهيد للآسنوي ص 129. 6 في ع: المقيد إن كان. 7 في ع: لبنتين. 8 في ع: إن. 9 في ش: وكانا. 10 رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن. وقد تخريجه في ج2 ص368. 11 في القواعد: فإنه قد ورد.

رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيُّ1 وَلَمْ يُضَعِّفْهَا2. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ أَنَّهُ حَدِيثٌ ثَابِتٌ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الْخُلاصَةِ رِوَايَةُ إحْدَاهُنَّ لَمْ تَثْبُتْ3. وَفِي رِوَايَةٍ "أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ" "رَوَاهَا مُسْلِمٌ"4 وَفِي أُخْرَى "السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ" رَوَاهَا أَبُو دَاوُد5وَهِيَ 6مَعْنَى "مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ"7 "وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ" 8 قِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ "ثَامِنَةً" لأَجْلِ اسْتِعْمَالِ التُّرَابِ مَعَهَا. فَلَمَّا كَانَ الْقَيْدَانِ مُتَنَافِيَيْنِ9 تَسَاقَطَا وَرَجَعْنَا إلَى الإِطْلاقِ فِي "إحْدَاهُنَّ" فَفِي أَيْ غَسْلَةٍ جُعِلَ10 جَازَ، إذَا أَتَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ مَا يُزِيلُهُ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ11. لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي الأَوْلَوِيَّةِ12 عَلَى أَقْوَالٍ عِنْدَنَا13.

_ 1 سنن الدارقطني 1/65. 2 هذا العزو للدارقطني غير سليم، وذلك لأن الدارقطني روى الحديث عن الجاورد عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هبيرة عن علي مرفوعاً ثم قال بعده: الجاورد هو ابن أبي يزيد، متروك". "انظر سنن الدارقطني 1/65". 3 زيادة من القواعد والفوائد الأصولية. 4 زيادة من القواعد والفوائد الأصولية. وانظر صحيح مسلم 1/234. 5 بذل المجهود 1/191. 6 في القواعد: وهو. 7 زيادة من القواعد والفوائد الأصولية. 8 صحيح مسلم 1/235. 9 في القواعد: متنافيان. 10 في القواعد: جعله. 11 القواعد والفوائد الأصولية للبعلي ص285. 12 في ض: الأولية. 13 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص 285.

أَحَدُهَا: أَنَّ إحْدَى الْغَسَلاتِ لَيْسَتْ1 بِأَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا, وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ الْمُوَفَّقِ فِي الْمُقْنِعِ2 وَجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ3, وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَا أَوَّلاً, وَهُوَ التَّسَاقُطُ وَالرُّجُوعُ إلَى الإِطْلاقِ. وَعَنْهُ: الأَوْلَى4 أَنْ يَكُونَ التُّرَابُ فِي الأُولَى، وَهَذَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي5 وَالشَّرْحِ6 وَالْكَافِي7، وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى الْمُصْطَلَحِ8. وَعَنْهُ: الأَخِيرَةُ أَوْلَى. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ اتِّحَادِ السَّبَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَوْلَى بِأَحَدِ الْقَيْدَيْنِ مِنْ طَرْحِهِمَا، وَالْعَمَلُ بِالْمُطْلَقِ هُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الْقَرَافِيُّ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الشَّافِعِيَّةَ خَالَفُوا قَاعِدَتَهُمْ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَدِيثِ الْوُلُوغِ, فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ "إحْدَاهُنَّ" 9 وَهُوَ مُطْلَقٌ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُولاهُنَّ وَفِي رِوَايَةٍ "أُخْرَاهُنَّ" وَهُمَا قَيْدَانِ مُتَنَافِيَانِ فَلَمْ يَحْمِلُوا وَجَوَّزُوا التَّرْتِيبَ فِي كُلٍّ مِنْ السَّبْعِ.

_ 1 في ع ز: ليس. 2 المقنع مع الشرح الكبير 1/284. 3 انظر: المحرر لأبي البركات محمد الدين بن تيمية 1/4، القواعد والفوائد الأصولية ص 285. 4 في ز: أن الأولى. 5 المغني 1/46. 6 الشرح الكبير على المقنع 1/286. 7 الكافي 1/89. 8 انظر شرح منتهى الإرادات 1/98، كشاف القناع 1/209، الروض المربع 1/97. 9 ساقطة من ش.

فَقَالَ لَهُ الْقَرَافِيُّ1: ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُونُ قَيْدًا وَاحِدًا أَمَّا فِي الْقَيْدَيْنِ2 فَيُعْمَلُ بِالْمُطْلَقِ3 "وَأَصْلٌ كَوَصْفٍ فِي حَمْلٍ"4. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الأُصُولِيَّةِ: وَظَاهِرُ5 كَلامِ أَصْحَابِنَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الأَصْلِ، كَمَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِي الْوَصْفِ، لأَنَّهُمْ حَكَوْا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي وُجُوبِ الإِطْعَامِ6 رِوَايَتَيْنِ: الْوُجُوبَ إلْحَاقًا "لِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِكَفَّارَةِ"7 الظِّهَارِ كَمَا حَكَوْا رِوَايَتَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ وَصْفِ الإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ, وَالاشْتِرَاطَ إلْحَاقًا "لِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ"8 بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ. فَدَلَّ هَذَا مِنْ كَلامِهِمْ "عَلَى أَنَّهُ"9 لا فَرْقَ فِي الْحَمْلِ بَيْنَ الأَصْلِ وَالْوَصْفِ10. وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُ11 لا فَرْقَ فِي الْحَمْلِ بَيْنَ الأَصْلِ وَالْوَصْفِ، ابْنُ خَيْرَانِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. وَلَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ "مِنْ الشَّافِعِيَّةِ"12 فِي الْبَحْرِ: الْمُرَادُ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ

_ 1في ش: القراني. 2 أي المتعارضين اللذين يعتذر الترجيح بينهما. 3 شرح تنقيح الفصول ص 269. 4 انظر خلاف الأصوليين في هذه المسألة في" أدب القاضي للمارودي 1/305، إرشاد الفحول ص166". 5 في القواعد: فظاهر. 6 أي وجب إطعام ستين مسكيناً. 7زيادة من القواعد والفوائد الأصولية. 8 زيادة من القواعد والفوائد الأصولية. 9 زيادة من القواعد والفوائد الأصولية. 10في ش: قاله. وفي د: وممن قال بذلك. 11 في القواعد: بأن. 12 زيادة من القواعد والفوائد الأصولية.

عَلَى الْمُقَيَّدِ إنَّمَا هُوَ الْمُطْلَقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَصْفِ دُونَ الأَصْلِ1. "وَمَحِلُّ حَمْلِ" مُطْلَقٍ عَلَى مُقَيَّدٍ "إذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ" الْحَمْلُ "تَأْخِيرَ بَيَانٍ عَنْ وَقْتِ حَاجَةٍ. فَإِنْ اسْتَلْزَمَهُ حُمِلَ الْمُسَمَّى فِي إثْبَاتٍ عَلَى الْكَامِلِ الصَّحِيحِ، لا عَلَى إطْلاقِهِ فِي قَوْلٍ" لِبَعْضِ2 الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. قَالُوا3: الْمُطْلَقُ مِنْ الأَسْمَاءِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ فِي إثْبَاتٍ لا نَفْيٍ كَالْمَاءِ وَالرَّقَبَةِ4 وَعِنْدَ5 النِّكَاحِ الْخَالِي عَنْ6 وَطْءٍ يَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا} 7 وَ "لا يَدْخُلُ"8 فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ} 9. وَلَوْ حَلَفَ لا يَتَزَوَّجُ حَنِثَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ, وَلَوْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَن لَمْ يَحْنَثْ بِمُجَرَّدِهِ10 عِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. وَكَذَا قَالَ11 بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْوَاجِبَاتُ الْمُطْلَقَةُ تَقْتَضِي السَّلامَةَ مِنْ الْعَيْبِ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ بِدَلِيلِ الإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ12.

_ 1 القواعد والفوائد الأصولية للبعلي ص 284. 2 في ش ز: بعض. 3 في ع ض ب: فقالوا. 4 انظر المسودة ص 99. 5 في ش: وعند. 6 في ش: من. 7 الآية 221 من البقرة، الآية 22 من النساء. 8 زيادة يقتضيها السياق "انظر المسودة ص99". 9 الآية 230 من البقرة. 10 ساقطة من ض. 11 في ش: وعن. 12 ساقطة من ش.

وَصَرَّحَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا أَنَّ إطْلاقَ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ تَقْتَضِي الصِّحَّةَ بِدَلِيلِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِيمَا إذَا اسْتَلْزَمَ الْحَمْلُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ: أَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى إطْلاقِهِ1 قَالَهُ طَائِفَةٌ2. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ3 الأُصُولِيَّةِ: مَحِلُّ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ, فَإِنْ اسْتَلْزَمَهُ حُمِلَ عَلَى إطْلاقِهِ, قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا. مِثَالُ ذَلِكَ: لَمَّا أَطْلَقَ4 النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ بِعَرَفَاتٍ, وَكَانَ مَعَهُ الْخَلْقُ الْعَظِيمُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَوَادِي وَالْيَمَنِ مِمَّنْ5 لَمْ يَشْهَدْ6 خُطْبَتَهُ بِالْمَدِينَةِ, فَإِنَّهُ لا يُقَيَّدُ بِمَا قَالَهُ فِي الْمَدِينَةِ، وَهُوَ قَطْعُ الْخُفَّيْنِ7. وَنَظِيرُ هَذَا فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى إطْلاقِهِ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ8 سَأَلَتْهُ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ "حُتِّيهِ 9، ثُمَّ اُقْرُصِيهِ, 10 ثُمَّ اغْسِلِيهِ

_ 1 انظر المسودة ص138. 2 ساقطة من ش ز. 3 في ع ض: قواعد. 4 في القواعد: إطلاق. 5 ساقطة من القواعد والفوائد الأصولية. 6 في القواعد: يشهدوا. 7 أي بالنسبة للمحرم، كما جاء في حديث ابن عمر. "انظر بيان المسألة وتخريج أحاديثها في ص 397 من هذا الجزء". 8 في القواعد: لعائشة لما. 9 الحت: معناه أن يحك بطرف حجر أو عود. "المصباح المنير 1/146". 10 زيادة من القواعد. والقرص: معناه أن يدلك بأطراف الأصابع والأظفار دلكاً شديداً. "المصباح المنير 1/146".

بِالْمَاءِ" 1 لَمْ2 يَشْتَرِطْ عَدَدًا، مَعَ أَنَّهُ وَقْتُ حَاجَةٍ, فَلَوْ كَانَ الْعَدَدُ شَرْطًا لَبَيَّنَّهُ وَلَمْ يُحِلْهَا عَلَى وُلُوغِ الْكَلْبِ, فَإِنَّهَا رُبَّمَا لَمْ تَسْمَعْهُ, وَلَعَلَّهُ لَمْ3 يَكُنْ شُرِعَ الأَمْرُ4 بِغَسْلِ وُلُوغِهِ5. 1هـ. "وَ" اللَّفْظُ "الْمُطْلَقُ ظَاهِرُ الدَّلالَةِ عَلَى الْمَاهِيَّةِ, كَالْعَامِّ، لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ"6. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الْمُطْلَقُ قَطْعِيُّ الدَّلالَةِ عَلَى الْمَاهِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ7، وَظَاهِرٌ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَالْعَامِّ8, وَهُوَ يُشْبِهُهُ9 لاسْتِرْسَالِهِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ، إلاَّ10 أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ, وَلِهَذَا قِيلَ: عَامٌّ عُمُومَ بَدَلٍ. اهـ. وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُقَيَّدَيْنِ، وَالْمُطْلَقِ: وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا سَبَقَ دَلالَةُ الْمُطْلَقِ, وَأَنَّهُ كَالْعَامِّ فِي تَنَاوُلِهِ, وَأَطْلَقُوا عَلَيْهِ الْعُمُومَ، لَكِنَّهُ عَلَى الْبَدَلِ.

_ 1 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ وابن الجارود في المنتقى وغيرهم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها: "أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه دم الحيض....الحديث" "انظر صحيح البخاري1/66، 84، صحيح مسلم 1/240، بذل المجهود 3/103، عارضة الأحوذي 1/219، سنن النسائي 1/161، الموطأ 1/61، الدراية لتخريج أحاديث الهداية 1/90". 2 في القواعد: ولم. 3 كذا في ش وفي القواعد والفوائد الأصولية. وفي ع ز ض ب: يشرع. 4 ساقطة من ب. 5 القواعد والفوائد الأصولية ص 286. 6 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص 235. 7 انظر التلويح على التوضيح 1/66. 8 انظر نهاية السول 2/139 وما بعدها، المستصفى 2/186. 9 في ض: يشبه. 10 في ش: لا.

ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ لِلْقَاضِي1 وَقَدْ احْتَجَّ عَلَى الْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ بِقَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ} 2 لا يَدُلُّ عَلَى الْمَكَانِ, فَقَالَ: هُوَ أَمْرٌ بِالْحُكْمِ فِي عُمُومِ الأَمْكِنَةِ وَالأَزْمِنَةِ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ 1 في ش: وسئل القاضي. 2 الآية 49من المائدة.

باب المجمل

بَابُ الْمُجْمَلِ: "لُغَةً: الْمَجْمُوعُ" مِنْ أَجْمَلْتُ الْحِسَابَ1 "أَوْ الْمُبْهَمُ". قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هُوَ لُغَةً مِنْ الْجَمْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْيَهُودِ: "جَمَلُوهَا" 2 أَيْ خَلَطُوهَا3، وَمِنْهُ الْعِلْمُ الإِجْمَالِيُّ، لاخْتِلاطِ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ، وَسُمِّيَ مَا يُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ مُجْمَلاً لاخْتِلاطِ الْمُرَادِ بِغَيْرِهِ. "أَوْ الْمُحَصَّلُ" مِنْ أَجْمَلَ الشَّيْءَ إذَا حَصَّلَهُ4. "وَاصْطِلاحًا"5 أَيْ

_ 1 قال في المصباح المنير "1/134": "وأجملت الشيء إجمالاً: جمعته من غير تفصيل". وانظر معجم مقاييس اللغة 1/481 2 في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها". "انظر صحيح البخاري3/107، صحيح مسلم 3/1207، بذل المجهود 15/162، عارضة الأحوذي 5/300، سنن النسائي 7/273، سنن ابن ماجه 2/1122، جامع الأصول 1/376. 3 إن كلمة"جملوها" في الحديث ليس معناها: خلطوها كما ذكر ابن قاضي الجبل، بل معناها: أذابوها كما ذكر شراح الحديث من أهل اللغة، يؤكد ذلك قول ابن منظور في لسان العرب "11/127": وقد جمله يجمله جملاً واجمله: أذابه واستخرج دهن. وذكر الحديث. 4 معجم مقاييس اللغة 1/481. 5 انظر تعريفات الأصوليين للمجمل في "الحدود للباجي ص45، العدو 1/142، المستصفى 1/345، الإشارات للباجي ص43، التعريفات للجرجاني ص 108، أدب القاضي للماوردي1/290، المحصول ج1ق3 231، مناهج العقول 1/189، البرهان 1/419، كشف الأسرار 1/54، شرح تنقيح الفصول ص 37، 274، الإحكام للآمدي 3/8، روضة الناظر ص 180، نشر البنود 1/273، التلويح على التوضيح 1/126، إرشاد الفحول ص167، المعتمد 1/317، اللمع ص 27، فتح الغفار 1/116، أصول السرخسي 1/168، الإحكام لابن حزم 3/385، شرح العضد 2/158، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص123، شرح الحطاب على الورقات ص109".

وَ1الْمُجْمَلُ فِي اصْطِلاحِ الأُصُولِيِّينَ "مَا" أَيْ لَفْظٌ أَوْ فِعْلٌ "تَرَدَّدَ بَيْنَ مُحْتَمَلَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ". وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ "بَيْنَ مُحْتَمَلَيْنِ" عَمَّا لَهُ مَحْمَلٌ وَاحِدٌ كَالنَّصِّ. وَقَوْلُهُ "عَلَى السَّوَاءِ" احْتِرَازٌ2 عَنْ الظَّاهِرِ وَعَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي لَهَا مَجَازٌ، وَشَمِلَ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ وَالْمُشْتَرَكَ وَالْمُتَوَاطِئَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ3: الْمُجْمَلُ مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلالَتُهُ. وَابْنُ4 مُفْلِحٍ وَالسُّبْكِيُّ5: مَا لَهُ دَلالَةٌ غَيْرُ وَاضِحَةٍ6. "وَحُكْمُهُ" أَيْ الْمُجْمَلِ "التَّوَقُّفُ عَلَى الْبَيَانِ الْخَارِجِيِّ"7 فَلا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِأَحَدِ مُحْتَمَلاتِهِ إلاَّ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْ لَفْظِهِ لِعَدَمِ دَلالَةِ لَفْظِهِ8 عَلَى الْمُرَادِ بِهِ, وَامْتِنَاعِ التَّكْلِيفِ بِمَا لا دَلِيلَ عَلَيْهِ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: احترازاً. 3 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/158. 4 في ش: وقال ابن. 5 عزو المصنف هذا التعريف للسبكي غير دقيق، وذلك لأن السبكي عرفه بنفس تعريف ابن الحاجب السابق. "انظر جمع الجوامع للسبكي مع شرحه لمحلي 2/58". 6 أي من قول أو فعل. فخرج بقوله "ماله دلالة" المهمل، إذا لادلالة له. وخرج بقوله "غير واضحة" المبين، لأن دلالته واضحة. "انظر نشر البنود1/273". 7 انظر التلويح على التوضيح 1/127، روضة الناظر ص181، مختصر الطوفي ص116. 8 ساقطة من ش.

"وَهُوَ" أَيْ الْمُجْمَلُ "فِي الْكِتَابِ" أَيْ الْقُرْآنِ "وَ" فِي "السُّنَّةِ"1 أَيْ الأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خِلافًا لِدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ غَيْرَهُ, وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِمَا لا يُحْصَى. قَالَ دَاوُد: الإِجْمَالُ2 بِدُونِ الْبَيَانِ لا يُفِيدُ, وَمَعَهُ تَطْوِيلٌ، وَلا يَقَعُ فِي كَلامِ الْبُلَغَاءِ، فَضْلاً عَنْ كَلامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَلامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْكَلامَ إذَا وَرَدَ مُجْمَلاً، ثُمَّ بُيِّنَ وَفُصِّلَ أَوْقَعُ عِنْدَ النَّفْسِ مِنْ ذِكْرِهِ مُبَيَّنًا ابْتِدَاءً. "وَيَكُونُ" الإِجْمَالُ "فِي حَرْفٍ"3 نَحْوُ الْوَاوِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} 4 فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ5 تَكُونَ عَاطِفَةً، وَيَكُونَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ, وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنِفَةً، وَيَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى {إلاَّ اللَّهُ} . "وَ" يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "اسْمٍ" كَالْقُرْءِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ،

_ 1 انظر المحصول ج1ق3/237وما بعدها، إرشاد الفحول ص168، الآيات البينات 3/115، أدب القاضي للماوردي 1/290 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص280، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/63. 2 في ع: إلا إجمال. 3 انظر روضة الناظر ص 181، إرشاد الفحول ص 169، مختصر الطوفي ص116، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/61، الآيات البينات 3/113، المستصفى 1/363، كشف الأسرار 1/55،وما بعدها، الإحكام للآمدي 3/10. 4 الآية 7 من آل عمران. 5 ساقطة من ض ب.

وَكَالْعَيْنِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَعَيْنِ الْمِيزَانِ وَالذَّهَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ1. "وَ" َكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "مُرَكَّبٍ"2 نَحْوُ "الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} 3 فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيَّ، لأَنَّهُ الَّذِي يَعْقِدُ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ، لأَنَّهَا لا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا4, وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَ, لأَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ دَوَامُ الْعَقْدِ وَالْعِصْمَةُ. وَالاحْتِمَالُ الثَّانِي: هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ5 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ6 وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ7 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

_ 1 انظر "البرهان 1/421، نشر البنود 1/276، مناهج العقول 2/142، نهاية السول 2/143، روضة الناظر ص181، المحصول? 1ق3/234، اللمع ص 27، إرشاد الفحول ص 169، مختصر الطوفي ص 116، شرح تنقيح الفصول ص 274، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/60، الآيات البينات 3/111، أدب القاضي للماوردي 1/292، المستصفى 1/361، الإحكام للآمدي 3/9، فواتح الرحموت 2/32، شرح العضد 2/158". 2 انظر" روضة الناظر ص 181، نشر البنود 1/276، نهاية السول 2/144، إرشاد الفحول ص 169، مختصر الطوفي ص116، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/61، الآيات البينات 3/113، أدب القاضي للماوردي 1/292، المستصفى 1/362، الإحكام للآمدي 3/10، فواتح الرحموت 2/32، شرح العضد 2/158". 3 الآية 237 من البقرة. 4 وعلى ذلك حمله الإمام مالك رحمه الله." انظر نشر البنود 1/276، أحكام القرآن لابن العربي 1/222، الإفصاح لابن هبيرة 2/138". 5 انظر شرح منتهى الإرادات 3/74، كشف القناع 5/161، المحرر 2/38، الإفصاح لابن هبيرة 2/138. 6 فواتح الرحموت 2/32، أحكام القرآن للجصاص 1/440، الإفصاح 2/138. 7 وأصحهما، وهو قوله الجديد. انظر "أحكام القرآن للكيا الهراسي 1/305، أحكام القران للشافعي 1/200، سنن البيهقي7/252، المحلي على جمع الجوامع 2/61، المهذب2/61، أحكام القرآن لابن العربي1/219".

"وَ" يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "مَرْجِعِ ضَمِيرٍ"1 نَحْوُ الضَّمِيرِ فِي "جِدَارِهِ" فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ2: "لا يَمْنَعَن جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ" فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ عَوْدَهُ عَلَى الْغَارِزِ، أَيْ لا يَمْنَعُهُ جَارُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي جِدَارِ نَفْسِهِ. وَعَلَى هَذَا: فَلا دَلالَةَ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا طَلَبَ جَارُهُ مِنْهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ3.وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْجَارِ الآخَرِ فَيَكُونَ فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى ذَلِكَ, وَهَذَا4 الَّذِي عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ5، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ "مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَللَّهِ لأَرْمِيَن بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ"6 وَلَوْ كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَى الْغَارِزِ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ. "وَ" يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي مَرْجِعِ "صِفَةٍ"7 نَحْوُ قَوْلِك: زَيْدٌ طَبِيبٌ

_ 1 انظر نشر البنود 1/276، إرشاد الفحول ص 169، الآيات البينات 3/114، شرح العضد 2/158، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/61. 2 صحيح البخاري 3/173، صحيح مسلم3/1230. 3 في ز ض ب: التمكن. 4 في ش: وهو. 5 انظر الإفصاح لابن هبيرة 1/381، المغني 5/36، الشرح الكبير على المقنع 5/36، القواعد لابن رجب ص 243، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 2/18. 6 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده. "انظر صحيح البخاري 3/173، صحيح مسلم3/1230، عارضة الأحوذي 6/105، بذل المجهود 15/319، الموطأ 2/745، سنن البيهقي 6/68، مسند أحمد 2/240، سنن ابن ماجه 2/783". 7 انظر " نهاية السول 2/144، إرشاد الفحول ص 169، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/62، الآيات البينات 3/114، الإحكام للآمدي 3/11، فواتح الرحموت 2/33، شرح العضد 2/158".

مَاهِرٌ. فَيَحْتَمِلَ عَوْدَ "مَاهِرٌ" إلَى ذَاتِ زَيْدٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى وَصْفِهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ "طَبِيبٌ" وَلا شَكَّ أَنَّ الْمَعْنَى مُتَفَاوِتٌ بِاعْتِبَارِ الاحْتِمَالَيْنِ، لأَنَّا إنْ1 أَعَدْنَا "مَاهِرٌ"2 إلَى "طَبِيبٌ"، فَيَكُونُ مَاهِرًا فِي3 طِبِّهِ، وَإِنْ أَعَدْنَا "مَاهِرٌ"4 إلَى "زَيْدٌ"، فَتَكُونُ مَهَارَتُهُ فِي غَيْرِ الطِّبِّ، وَهُوَ مِنْ الْمُجْمَلِ بِاعْتِبَارِ التَّرْكِيبِ, صَرَّحَ بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ. "وَ"يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "تَعَدُّدِ مَجَازٍ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ" نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا وَبَاعُوهَا فَأَكَلُوا ثَمَنَهَا" 5 لأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ، لَوْ لَمْ يَعُمَّ6 جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ لَمَا7 اتَّجَهَ اللَّعْنُ فَيُقَدَّرُ8 الْجَمِيعُ، لأَنَّهُ الأَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ9. "وَ" يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "عَامٍّ خُصَّ بِمَجْهُولٍ" نَحْوُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلاَّ بَعْضَهُمْ، لأَنَّ الْعَامَّ إذَا خُصَّ بِمَجْهُولٍ صَارَ الْبَاقِي مُحْتَمَلاً. فَكَانَ مُجْمَلاً10. "وَ" كَذَا عَامٌّ خُصَّ بِـ"مُسْتَثْنًى وَصِفَةٍ مَجْهُولَيْنِ".

_ 1 في ع: إذا. 2 في ش ع: ماهراً. 3 ساقطة من ض ب. 4 في ش ز ع ب: ماهراً. 5 سبق تخريجه في ص413 من هذا الجزء. 6 في ش: يعلم. 7 في ش: ثم. 8 في ع ز: فتعدى. 9 انظر المحصول?1ق3//243، إرشاد الفحول ص 169، الإحكام للآمدي 3/11، 13، فواتح الرحموت 2/33، شرح العضد 2/158. 10 انظر المعتمد 1/324، شرح العضد 2/158، المحصول?1ق3/235، الإحكام للآمدي 3/11، وسبق الكلام عنها صفحة 164.

مِثَالُ الْمُسْتَثْنَى الْمَجْهُولِ: قَوْلُهُ1 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُحِلَّتْ 2 لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} 3 فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى مِنْ الْمَعْلُومِ مَا لَمْ يُعْلَمْ, فَصَارَ الْبَاقِي مُحْتَمَلاً, فَكَانَ مُجْمَلاً4. وَمِثَالُ مَا خُصَّ5 بِصِفَةٍ مَجْهُولَةٍ6 نَحْوُ "مُحْصِنِينَ" فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} 7 وَمُوجَبُ الإِجْمَالِ: أَنَّ الإِجْمَالَ8 غَيْرُ مُبَيَّنٍ9, فَكَانَ صِفَةً مَجْهُولَةً. "وَلا إجْمَالَ فِي إضَافَةِ تَحْرِيمٍ إلَى عَيْنٍ" نَحْوُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} 10 وَهَذَا الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ11.

_ 1 في ش: قول. 2 في ش: وأحلت. هو غلط. 3 الآية الأولى من المائدة. 4 انظر نهاية السول 2/144، البرهان 1/421، اللمع ص 27، المعتمد 1/323، الآيات البينات 3/113، شرح العضد 2/159، الإحكام للآمدي 3/11، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/61. 5 في ع: خصص. 6 انظر المحصول?1ق3/ 235، الإحكام للآمدي 3/11، شرح العضد 2/159، العدة 1/108، المعتمد 1/323. 7 الآية 24 من النساء. 8 في سائر النسخ الخطية: الإجمال. وليس بصواب. 9 في ع: المبين. 10 الآية 3 من المائدة. 11 انظر "المسودة ص90 وما بعدها، المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 103، المحصول?1ق3/ 241، روضة المناظر ص 181، مختصر الطوفي 1/346، الإحكام للآمدي 3/12، شرح العضد 2/159، المعتمد 1/333، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59، الآيات البينات 3/109، شرح تنقيح الفصول ص 275، إرشاد الفحول ص 169، اللمع ص28، فواتح الرحموت 2/34، التبصرة ص 201، مناهج العقول 2/143، نهاية السول 2/146".

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضٌ مِنْ أَصْحَابِنَا1 وَالشَّافِعِيَّةُ2 وَالأَكْثَرُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ3. وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ: بِأَنَّ تَحْرِيمَ الْعَيْنِ غَيْرُ مُرَادٍ، لأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ 4بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ, فَإِذَا أُضِيفَ إلَى عَيْنٍ مِنْ الأَعْيَانِ يُقَدَّرُ الْفِعْلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ, فَفِي الْمَأْكُولاتِ: يُقَدَّرُ الأَكْلُ، وَفِي الْمَشْرُوبَاتِ: الشُّرْبُ وَفِي الْمَلْبُوسَاتِ: اللُّبْسُ, وَفِي الْمَوْطُوءاتِ: الْوَطْءُ. فَإِذَا أُطْلِقَ أَحَدُ هَذِهِ الأَلْفَاظِ سَبَقَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ إلَى الْفَهْمِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ, فَتِلْكَ الدَّلالَةُ مُتَّضِحَةٌ لا إجْمَالَ فِيهَا5.

_ 1 اضطرب كلام القاضي أبي يعلى في هذه الآية، فذكر في العدة"1/106، 110" أنها غير مجملة ولا تفتقر إلى بيان، ثم ذكر فيه "1/145" أنها من المجمل. 2 انظر اللمع ص 28ن التبصرة ص 201، الآيات البينات 3/109، نهاية السول 2/146، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59. 3 يبدو أن نسبة المصنف القول بالإجمال في التحريم المضاف إلى الأعيان لأكثر الحنفية غير سليمة، وذلك لأن الحنفية يطلقون القول بعدم الإجمال في هذه القضية، وينسبون المخالفة في ذلك للكرخي وبعض المعتزلة. جاء في مسلم الثبوت"2/23": "مسألة: لا إجمال في التحريم المضاف إلى العين خلافاً للكرخي والبصري". وقال الكمال بن الهمام في التحرير: "التحريم المضاف إلى الأعيان عن الكرخي والبصري إجماله، والحق ظهوره في معين". "تيسير التحرير 1/166" وقال البزدوي في أصوله: "ومن الناس ظن أن التحريم المضاف إلى الأعيان مثل المحارم والخمر مجاز لما هو من صفات الفعل، فيصير وصف العين به مجازاً. وهذا غلط عظيم، لأن التحريم إذا أضيف إلى العين كان ذلك أمارة لزومه وتحققه، فكيف يكون مجازاً؟! ". وقد علق على ذلك صاحب كشف الأسرار بقوله: "اختلفوا في التحريم والتحليل المضافين إلى الأعيان مثل قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إلخ على ثلاثة قوال: فذهب الشيخ المصنف وشمس الأئمة وصاحب الميزان ومن تابعهم إلى أن ذلك بطريق الحقيقة كالتحريم والتحليل المضافين إلى الفعل، فيوصف المحل أولاً بالحرمة، ثم تثبت حرمة الفعل بناءً عليه، فيثبت التحريم عاماً. وذهب بعض أصحابنا العراقيين، منهمالشيخ أبو الحسن الكرخي ومن تابعه إلى أن المراد تحريم الفعل أو تحليله لاغير. وإليه ذهب عامة المعتزلة. وذهب قوم من نوابت القدرية كأبي عبد الله البصري وأصحاب أبي هاشم إلى أنه مجمل" " كشف الأسرار 2/106، وانظر أصول السرخسي 1/195". 4 في ش: يتعين. 5 انظر: المحصول?1ق3//241، روضة الناظر ص 181، المستصفى 1/346، الإحكام للآمدي 3/12، شرح العضد 2/159، المعتمد 1/333، شرح تنقيح الفصول ص 276، إرشاد الفحول ص 169، فواتح الرحموت 2/33، كشف الأسرار 2/107".

قَالَ الْمُخَالِفُونَ: إسْنَادُ1 التَّحْرِيمِ إلَى الْعَيْنِ لا يَصِحُّ، لأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ2 بِالْفِعْلِ, فَلا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ, وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لأُمُورٍ لا حَاجَةَ3 إلَى جَمِيعِهَا، وَلا مُرَجِّحَ لِبَعْضِهَا, فَكَانَ مُجْمَلاً4. قُلْنَا: الْمُرَجِّحُ مَوْجُودٌ, وَهُوَ الْعُرْفُ، فَإِنَّهُ قَاضٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَا، وَلأَنَّ الصَّحَابَةَ احْتَجُّوا بِظَوَاهِر هَذِهِ الأُمُورِ، وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى غَيْرِهَا5, فَلَوْ لَمْ تَكُنْ6 مِنْ الْمُبَيَّنِ7 لَمْ يَحْتَجُّوا بِهَا. "وَهُوَ عَامٌّ" يَعْنِي أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إلَى الْعَيْنِ عَامٌّ، لأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ أُمُورًا مُتَعَدِّدَةً لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَعْيِينِ شَيْءٍ مِنْهَا قُدِّرَتْ كُلُّهَا. لأَنَّ حَمْلَهَا عَلَى بَعْضِهَا تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ, وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي8 وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيِّ وَالْفَخْرِ وَغَيْرِهِمْ, 9وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ, وَذَكَرَهُ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ قَوْمٍ مِنْ10 الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: لا إجْمَالَ فِي {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 11 لأَنَّ الْعُرْفَ دَلَّ12 عَلَى التَّعْمِيمِ, فَيَتَنَاوَلُ الْعَقْدُ وَالْوَطْءَ.

_ 1 في زع: إضافة إسناد. 2 في ض: تعلق. 3 ساقطة من ض ب. 4 انظر الآيات البينات 3/109، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59. 5 فمثلاً لما بلغهم تحريم الخمر أراقوها، وكسروا ظروفها. "التبصرة ص 201". 6 في ع ض ب: يكن. في ش: المتعين. 7 في ش: المتعين. 8 انظر المسودة ص 91، 94. 9 ساقطة من ز. 10 ساقطة من ش. 11 الآية 23 من النساء. 12 ساقطة من ض.

وَقَالَ فِي الْعَامِّ: الْعُرْفُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَحْرِيمُ الاسْتِمْتَاعَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ النِّسَاءِ، مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدَّمَاتِهِ. وَاخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ1 وَالْمُوَفَّقِ2 وَالْمَالِكِيَّةِ3، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ4: انْصِرَافُ إطْلاقِ التَّحْرِيمِ فِي كُلِّ عَيْنٍ إلَى الْمَقْصُودِ اللاَّئِقِ بِهَا, لأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لُغَةً وَعُرْفًا. وَقِيلَ: لا عُمُومَ لَهُ أَصْلاً 5وَتُوصَفُ الْعَيْنُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ حَقِيقَةً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا6 وَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ7, نَقَلَهُ8 الْبِرْمَاوِيُّ عَنْهُمْ فِي كَلامِهِ عَلَى الرُّخْصَةِ. وَقَالَ التَّمِيمِيُّ وَالشَّافِعِيَّةُ9 وَصْفُ الْعَيْنِ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ مَجَازٌ. وَرَدَّهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَقَالَ بَلْ تُوصَفُ الْعَيْنُ10 بِالْحِلِّ وَالْحَظْرِ حَقِيقَةً فَهِيَ مَحْظُورَةٌ عَلَيْنَا وَمُبَاحَةٌ لِوَصْفِهَا بِطَهَارَةٍ11 وَنَجَاسَةٍ وَطِيبٍ وَخَبَثٍ فَالْعُمُومُ فِي لَفْظِ التَّحْرِيمِ اهـ.

_ 1 انظر المسودة ص95، روضة الناظر ص 181. 2 روضة الناظر ص 181. 3 المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص103، شرح تنقيح الفصول ص 276، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/159. 4 في ش: العلماء المعتزلة. 5 ساقطة من ش. 6 المسودة ص 93. 7 كشف الأسرار 2/106، أصول السرخسي 1/195، فواتح الرحموت 2/34. 8 في ع ض ب: ونقله. 9 نهاية السول 2/146. 10 ساقطة من د. 11 في ع: لطهارة.

"وَلا"1 إجْمَالَ فِي {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} 2 عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ3؛ لأَنَّ الْبَاءَ لِلإِلْصَاقِ، وَمَعَ الظُّهُورِ لا إجْمَالَ. وَقِيلَ: 4مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ مَسْحِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ5 وَحُكِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ6. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ: وَالْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الإِجْمَالِ فَرِيقَانِ: الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ قَالُوا: إنَّهُ بِوَضْعِ حُكْمِ اللُّغَةِ ظَاهِرٌ فِي مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ؛ لأَنَّ الْبَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الإِلْصَاقِ، وَقَدْ أَلْصَقَتْ الْمَسْحَ بِالرَّأْسِ7، وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّهِ8، لا لِبَعْضِهِ, لأَنَّهُ لا يُقَالُ لِبَعْضِ الرَّأْسِ رَأْسٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا مَسْحَ جَمِيعِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ وَمَالِكٍ وَالْبَاقِلاَّنِيّ، وَابْنِ جِنِّي9 كَآيَةِ التَّيَمُّمِ10, يَعْنِي قَوْله

_ 1 ساقطة من ش. 2 الآية 6 من المائدة. 3 انظر "المحصول?1ق3/ 247، المسودة ص178، الإحكام للآمدي 3/14، شرح العضد 2/159، نهاية السول 2/147، المعتمد 1/334، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59، الآيات البينات 3/109، إرشاد الفحول ص170، فواتح الرحموت 2/35 وما بعدها، مناهج العقول 2/146". 4 في ش: يحتمل. 5 وإذا ظهر الاحتمال يثبت الإجمال. "المحصول ?1ق3/ 246". 6 حكاية القول بالإجمال في هذه الآية عن الحنفية غير مسلمة، لأن القائل بالإجمال بعض الحنفية خلافاً لمذهبهم ورأي جمهورهم. قال ابن عبد الشكور في مسلم الثبوت "2/35": "مسألة: لا جمال في {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} خلافاً لبعض الحنفية". ثم رد على بعض القائلين بالإجمال أدلتهم وحججهم ونقضها. وقال ابن الهمام في التحرير: "لا جمال في {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} خلافاً لبعض الحنفية، لأنه لو لم يكن في مثله عرف يصحح إرادة البعض كمالك". "تيسير التحرير 1/167". 7 في ش: للرأس. 8 في ض: لكل. 9 انظر الإحكام للآمدي 3/14، المحصول ?1ق3/247، شرح العضد 2/159، إرشاد الفحول ص 170. 10 في ش: اليتيم.

سبحانه وتَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} 1. وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ عُرْفَ الاسْتِعْمَالِ الطَّارِئِ عَلَى الْوَضْعِ يَقْتَضِي إلْصَاقَ الْمَسْحِ بِبَعْضِ الرَّأْسِ2، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُ3. "وَلا" إجْمَالَ "فِي" قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ" 4 عِنْدَ الْجُمْهُورِ5. وَقِيلَ: مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ نَفْيِ الصُّورَةِ وَالْحُكْمِ. وَأَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ نَفْيُ الْمَذْكُورِ مُرَادًا فَلا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ لِمُتَعَلِّقِ الرَّفْعِ. وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ فَحَصَلَ الإِجْمَالُ6. وَأُجِيبَ عَنْ الأَوَّلِ: بِأَنَّ نَفْيَ الصُّورَةِ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، لِمَا فِيهِ مِنْ نِسْبَةِ كَلامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْكَذِبِ وَالْخُلْفِ, فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْحُكْمِ. وَعَنْ الثَّانِي -وَهُوَ احْتِمَالُ الْمُضْمَرَاتِ- بِأَنَّهُ قَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُرَادِ، إمَّا

_ 1 الآية 6 من المائدة. 2 ولهذا فإنه إذا قال شخص لغيره"امسح يدك بالمنديل" لا يفهم أحد من أهل اللغة أنه أوجب عليه إلصاق يده بجميع المنديل، بل إن شاء يكله وإن شاء ببعضه.. ولهذا فإنه يخرج عن العهدة بكل واحد منها. وكذلك إذا قال "مسحت يدي بالمنديل" فالسامعون يجوزون أنه مسح بكله وببعضه، غير فاهمين لزوم وقع المسح بالكل أو بالبعض، بل بالقدر المشترك بين الكل والبعض، وهو مطلق المسح. "الإحكام للآمدي 3/14، وانظر المحصول?1ق3/ 247". 3 انظر أحكام القرآن للشافعي 1/44، أحكام القرآن للكيا الهراسي 3/85، شرح العضد 2/159، الإحكام للآمدي 3/14، المحصول ?1ق3/ 247. 4 سبق تخريجه في? 1 ص 512. 5 انظر "المحصول?1ق3/ 257، روضة الناظر ص 183، مختصر الطوفي ص117، المستصفى 1/348، الإحكام للآمدي 3/15، شرح العضد 2/159، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/60، الآيات البينات 3/110، إرشاد الفحول ص171، اللمع ص29، فواتح الرحموت 2/38، أصول السرخسي 1/251، مناهج العقول 2/143، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص285 وما بعدها، نهاية السول 2/145. 6 المعتمد للبصري 1/336، شرح تنقيح الفصول ص277.

بِالْعُرْفِ أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا سَبَقَ فِي {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ 1 الْمَيْتَةُ} 2. "وَلا" إجْمَالَ "فِي آيَةِ السَّرِقَةِ" وَهِيَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 3 فِي اخْتِيَارِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ4، لأَنَّ "الْيَدَ" حَقِيقَةٌ إلَى5 الْمَنْكِبِ، وَلِصِحَّةِ إطْلاقِ بَعْضِ الْيَدِ لِمَا دُونَهُ, وَالْقَطْعُ حَقِيقَةٌ فِي إبَانَةِ الْمَفْصِلِ, فَلا إجْمَالَ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا، فَإِطْلاقُهَا إلَى الْكُوعِ مَجَازٌ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَتِهِ فِي الآيَةِ, وَهُوَ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ6 وَالإِجْمَاعُ7. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: الإِجْمَالُ فِي "الْيَدِ" وَفِي "الْقَطْعِ" لأَنَّ "الْيَدَ" تُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ إلَى الْكُوعِ، وَعَلَى مَا هُوَ إلَى الْمَنْكِبِ، وَعَلَى مَا هُوَ إلَى الْمَرْفِقِ, فَتَكُونُ8 مُشْتَرَكًا, وَهُوَ مِنْ الْمُجْمَلِ, وَ "الْقَطْعُ" يُطْلَقُ عَلَى الإِبَانَةِ، وَعَلَى الْجُرْحِ فَيَكُونُ مُجْمَلاً.

_ 1 ساقطة من ش. 2 الآية 3 من المائدة. 3 الآية 38 من المائدة. 4 انظر" المسودة ص101، نهاية السول 2/148،العدة1/149، المحصول ?1ق3/ 256، الإحكام للآمدي 3/19، شرح العضد 2/160، المعتمد 1/336، التمهيد للأسنوي ص132، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59، الآيات البينات 3/108، إرشاد الفحول ص170، فواتح الرحموت 2/39، مناهج العقول2/147. 5 في ش: في. 6 حيث روى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -في سارق رداء صفوان بن أمية- أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمر بقطعه من المفصل". "سنن الدارقطني 3/205" وأخرج ابن عدي من حديث عبد الله بن عمرو قال: "قطع النبي صلى الله عليه وسلم سارقاً من المفصل". "الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/111". 7 قال ابن قدامة: "وقد روي عن أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع. ولا مخالف لهما في الصحابة". فكان إجماعاًسكوتياً "انظر المغني 10/264". 8 في ع ض ب: فيكون.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لُغَوِيَّةٌ, وَ "الْيَدُ" حَقِيقَةٌ إلَى الْمَنْكِبِ, وَ "الْقَطْعُ" حَقِيقَةٌ فِي الإِبَانَةِ وَظَاهِرٌ فِيهِمَا. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ تَيَمَّمْتَ1 الصَّحَابَةُ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَنَاكِبِ2. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا فِي الْكُوعِ وَالْمَرْفِقِ وَالْمَنْكِبِ لَزِمَ الإِجْمَالُ، وَالْمَجَازُ أَوْلَى مِنْهُ، عَلَى مَا سَبَقَ. وَاسْتَدَلَّ لِلثَّانِي بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ3 الاشْتِرَاكَ وَالتَّوَاطُؤَ وَحَقِيقَةَ أَحَدِهِمَا، وَوُقُوعُ4 وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ الإِجْمَالِ. "وَلا" إجْمَالَ أَيْضًا "فِي" قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} 5 عِنْدَ الأَكْثَرِ6. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَلْوَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ7. وَلِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى الْقَوْلانِ8.

_ 1 في ش: تيمم. 2 انظر أحكام القرآن للجصاص 2/387 وما بعدها، أحكام القرآن للكيا الهراسي 3/113. 3 في ع: يحمل. 4 في ع: وقوع. 5 الآية 275 من البقرة. 6 انظر المسودة ص 178، روضة الناظر ص182، مختصر الطوفي ص117، التبصرة ص200،اللمع ص28. 7 أدب القاضي للماوردي 1/293، التبصرة ص200، اللمع ص28. وممن قال بالإجمال في الآية أيضاً الحنيفة. "انظر كشف الأسرار 1/54، أصول السرخسي 1/168، التلويح على التوضيح 1/127". 8 فقد ذكر في كتابه "العدة" "1/110" أن هذه الآية غير مجملة، ولا تفتقر إلى بيان. ثم ذكر فيه "1/148" أنها من المجمل.

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ، وَمَنْشَأُ الْخِلافِ: أَنَّ "أَلْ" الَّتِي فِي "الْبَيْعِ" هَلْ هِيَ لِلشُّمُولِ أَوْ عَهْدِيَّةٌ، أَوْ لِلْجِنْسِ مِنْ غَيْرِ اسْتِغْرَاقٍ، أَوْ مُحْتَمِلَةٌ؟ اهـ. قَالَ: وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} 1 عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَامٌّ خَصَّصَتْهُ السُّنَّةُ. وَالثَّانِي: مُجْمَلٌ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ2. وَهُنَا سُؤَالٌ، وَهُوَ: أَنَّ اللَّفْظَ فِي كُلٍّ مِنْ الآيَتَيْنِ3 مُفْرَدٌ مُعَرَّفٌ, فَإِنْ عَمَّ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَلْيَعُمَّ فِي الاثْنَيْنِ4، أَوْ الْمَعْنَى فَلْيَعُمَّ فِيهِمَا أَيْضًا, وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ لا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَلا الْمَعْنَى فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ، مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي آيَةِ الْبَيْعِ: الْعُمُومُ, وَفِي آيَةِ الزَّكَاةِ: الإِجْمَالُ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ5 فِي ذَلِكَ سِرًّا6, وَهُوَ أَنَّ حِلَّ الْبَيْعِ عَلَى وَفْقِ الأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الأَصْلَ فِي الْمَنَافِعِ الْحِلُّ، وَالْمَضَارِّ الْحُرْمَةُ بِأَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ, فَمَهْمَا حُرِّمَ الْبَيْعُ فَهُوَ7 خِلافُ الأَصْلِ.8 وَأَمَّا الزَّكَاةُ: فَهِيَ خِلافُ الأَصْلِ، لِتَضَمُّنِهَا أَخْذَ مَالِ الْغَيْر9ِ بِغَيْرِ إرَادَتِهِ, فَوُجُوبُهَا عَلَى خِلافِ الأَصْلِ, وَالأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ مُشْعِرَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى.

_ 1 الآية 43 من البقرة، وقد ودرت في مواطن أخرى من الكتاب العزيز. 2 أنظر خلاف الأصوليين في الآية في "التبصرة ص198، الإحكام للآمدي 3/11، أدب القاضي للماوردي 1/297، اللمع ص28". 3 في ش: الآيتين. 4 في ش: الآيتين. 5 في ش: أنهما. 6 في ش: سواء. 7 في ب: فهي. 8 ساقطة من ب. 9 في ز: ماللغير.

فَلِذَلِكَ اعْتَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيَانِ الْمُبَايَعَاتِ الْفَاسِدَةِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ1، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْمُلامَسَةِ2، وَغَيْرِ ذَلِكَ, بِخِلافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَنِ فِيهَا بِبَيَانِ مَا لا زَكَاةَ فِيهِ, فَمَنْ ادَّعَى وُجُوبَهَا فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ -كَالرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ- فَقَدْ ادَّعَى حُكْمًا عَلَى خِلافِ الدَّلِيلِ. وَأَمَّا تَرَدُّدُ الشَّافِعِيِّ فِي آيَةِ الْبَيْعِ: هَلْ الْمُخَصِّصُ أَوْ الْمُبَيِّنُ لَهَا الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ، دُونَ الزَّكَاةِ؟ فَلأَنَّهُ تَعَالَى3 عَقَّبَهُ4 عَلَى الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} 5 وَالرِّبَا6 مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ اللُّغَوِيَّةِ7, وَلَمْ يُعَقِّبْ آيَةَ الزَّكَاةِ بِشَيْءٍ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ 1 حديث النهي عن بيع حبل الحبلة أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطأ عن ابن عمر رضي الله عنه. "انظر صحيح البخاري 3/93، صحيح مسلم 3/1153، بذل المجهود 15/38، عارضة الأحوذي 5/236، سنن النسائي 7/257، سنن ابن ماجه 2/740، الموطأ2/653، شرح السنة للبغوي 8/136". 2 حديث النهي عن بيع المنابذة والملامسة أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "انظر صحيح البخاري 3/92، صحيح مسلم 3/1151، بذل المجهود 15/36، عارضة الأحوذي 6/45، سنن النسائي 7/228، الموطأ 2/666، شرح السنة للبغوي 8/129". 3 ساقطة من ع ز ض ب. 4 في ش: عقب. 5 الآية 275 من البقرة. 6 ساقطة من ش. 7 قال الشافعي في كتابه "أحكام القرآن" "1/135": قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} فاحتمل إحلال الله البيع معنيين "أحدهما" أن يكون أحل كل بيع تبايعه المتابيعان -جائزي الأمر فيما تبايعاه- عن تراض منها. وهذا أظهر معانيه. "والثاني" أن يكون الله أحل البيع إذا كان مما لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله معنى ما أراد فيكون هذا من الجملة التي أحكم الله فرضها بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. أو من العام الذي أراد به الخاص، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أريد بإحلاله منه وما حرم، أو يكون داخلاً فيمها. أو من العام الذي أباحه إلا ما حرم على لسان نبيه منه ومافي معناه. كما كان الضوء فرضاً على كل متوضىء لاخفين عليه لبسهما على كمال الطهارة. وأي هذه المعاني كان فقد ألزمه الله خلقه بما فرض من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوع تراضى بها المتابيعان استدللنا على أن الله أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم دون ما حرم على لسانه". وقال الجويني في "البرهان" "1/422": "تردد جواب الشافعي في أن قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} من المجملات. وسبب تردده أن لفظ الربا مجمل، وهو مذكور في حكم الاستثناء عن البيع، والمجهول إذا استثني من المعلوم انسحب على الكلام كله إجمال".

"وَلا" إجْمَالَ أَيْضًا "فِي" قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ" 1 "وَنَحْوُهُ" كَ "لا صَلاةَ إلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ" 2 "لا نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ" 3 "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ" 4. وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ نَفْيُ ذَوَاتٍ وَاقِعَةٍ: تَتَوَقَّفُ5 الصِّحَّةُ فِيهَا عَلَى إضْمَارِ شَيْءٍ. فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُجْمَلَةً6، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ.

_ 1 رواه بلفظ "لا صلاة" الدال على نفي العبادة لفوات أحد شروطها وهو الطهارة -وهو موطن الاستشهاد في المسألة- أبو داود وابن ماجه والدارقطني والطبراني والحاكم. "انظر بذل المجهود-/148-المستدرك1/146، سنن ابن ماجه 1/140، سنن الدارقطني 1/73، تخريج أحاديث المناهج للعراقي ص291، 295". وقد مر الحديث من قبل بلفظ "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" مع تخريجه في? 1 ص 471. 2 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عبادة بن الصامت مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 1/192، صحيح مسلم1/295، بذل المجهود 5/42، عارضة الأحوذي 2/46، سنن النسائي2/106، سنن ابن ماجه 1/273، جامع الأصول 6/223". 3 سبق تخريجه في? 2 ص 551. 4 سبق تخريجه في? 2 ص 210. 5 في ش: توقف. 6 انظر "المحصول?1ق3/ 249، روضة الناظر ص182، مختصر الطوفي ص117، نشر البنود 1/275، نهاية السول 2/144، المناهج في ترتيب الحجاج ص 103، المسودة ص 107، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص117، المعتمد 1/335، المستصفى 1/351، الإحكام للآمدي 3/17، شرح العضد 2/160، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 59، الآيات البينات 3/110، شرح تنقيح الفصول ص276، إرشاد الفحول ص170، اللمع ص 28، فواتح الرحموت 2/38،التبصرة ص 203، مناهج العقول 2/143".

فَإِنَّهُ إذَا اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ صَحَّ نَفْيُهُ حَقِيقَةً, لأَنَّ الشَّرْعِيَّ هُوَ1 تَامُّ الأَرْكَانِ مُتَوَفِّرُ الشُّرُوطِ, وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسِيءِ فِي صَلاتِهِ: "ارْجِعْ فَصَلِّ, فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ" 2 وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ النَّفْيِ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ، فَلا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ. فَلا إجْمَالَ. "وَيَقْتَضِي ذَلِكَ" وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ3 مُجْمَلاً "نَفْيَ الصِّحَّةِ"4. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَجْهُ عَدَمِ الإِجْمَالِ: أَنَّ عُرْفَ الشَّارِعِ5 فِيهِ نَفْيُ الصِّحَّةِ أَيْ6 لا عَمَلٌ شَرْعِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِعُرْفِ اللُّغَةِ، نَحْوُ: "لا عِلْمَ إلاَّ مَا نَفَعَ"، وَ "لا بَلَدَ إلاَّ بِسُلْطَانٍ" و "َلا حُكْمَ إلاَّ لِلَّهِ"7. وَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُهَا، وَأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ, فَنَفْيُ الصِّحَّةِ أَوْلَى, لأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْعَدَمِ, فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَذِّرَةِ, وَلَيْسَ هَذَا إثْبَاتًا لِلُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ، بَلْ إثْبَاتًا8 لأَوْلَوِيَّةِ9 أَحَدِ الْمَجَازَاتِ، كَالصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ وَالإِجْزَاءِ بِعُرْفِ اسْتِعْمَالٍ10. اهـ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم. "انظر صحيح البخاري 1/201، صحيح مسلم 1/298، بذل المجهود 5/117، عارضة الأحوذي 2/95، سنن النسائي 3/50، سنن ابن ماجه 1/336، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/143". 3ساقطة من ش. 4 انظر المسودة ص 107. 5 في ض: الشرع. 6 في ض: أو. 7 وكل ذلك نفي لما لاينتفي، وهو صدق، لأن المراد منه نفي مقاصده. "المستصفى 1/354". 8 في ش: اثباتاً. 9 في ض: لأولية. 10في ز: استعماله.

وَقِيلَ: إنَّهُ مُجْمَلٌ. لأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ. وَقِيلَ: لأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى نَفْيِ الصُّورَةِ بَاطِلٌ, فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ, وَالأَحْكَامُ مُتَسَاوِيَةٌ. "وَعُمُومُهُ مِنْ الإِضْمَارِ" أَيْ مَبْنِيٌّ عَلَى دَلالَةِ الإِضْمَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ دَلالَةِ الاقْتِضَاءِ, وَالإِضْمَارُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: عَامٌّ فِي نَفْيِ الْوُجُودِ وَالْحُكْمِ. وَقِيلَ: عَامٌّ فِي نَفْيِ الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ. "وَمِثْلُهُ" أَيْ مِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صَلاةَ إلاَّ بِطُهُورٍ" وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" 1. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ: قَالَ 2صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" مِنْ هَذَا الْبَابِ, لأَنَّ الأَعْمَالَ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرَهُ مَحْذُوفٌ. وَاخْتَلَفُوا: هَلْ هُوَ الصِّحَّةُ؟ فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ3: إنَّمَا الأَعْمَالُ صَحِيحَةٌ، أَوْ الْكَمَالُ؟ فَيَكُونَ تَقْدِيرُهُ: إنَّمَا الأَعْمَالُ كَامِلَةٌ. قَالَ: وَالأَظْهَرُ إضْمَارُ الصِّحَّةِ. "وَمَا اُسْتُعْمِلَ" أَيْ وَأَيُّ لَفْظٍ اُسْتُعْمِلَ "لِمَعْنًى" وَاحِدٍ "تَارَةً" وَاسْتُعْمِلَ "لآخَرِينَ4" تَارَةً "أُخْرَى, وَلا ظُهُورَ" فِي وَاحِدٍ مِنْهَا5 مُجْمَلٌ فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَصْحَابِنَا, وَقَالَهُ الْغَزَالِيُّ6

_ 1انظر المسودة ص 107، روضة الناظر ص 183. والحديث سبق تخريجه في ?1 ص 491. 2 في ش: قال. 3 في ش: التقدير. 4 في ش: في آخر. 5 في ش: احد. 6 المستصفى 1/355.

وَابْنُ الْحَاجِبِ1 وَجَمْعٌ2. وَقَالَ الآمِدِيُّ: ظَاهِرٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ3, وَحَكَاهُ عَنْ الأَكْثَرِ4. وَجْهُ إجْمَالِهِ: تَرَدُّدُهُ بَيْنَ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَيَيْنِ, وَمَحِلُّهُ: إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ, وَهُوَ أَنْ يُنْظَرَ: إنْ كَانَ الْمَعْنَى أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ عُمِلَ بِهِ جَزْمًا، لِوُجُودِهِ فِي الاسْتِعْمَالَيْنِ, وَيُوقَفُ الآخَرُ لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ, وَهَذَا اخْتِيَارُ التَّاجِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ5. قَالَ الْمَحَلِّيُّ: هَذَا مَا ظَهَرَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُهُمْ أَيْضًا6. ثُمَّ قَالَ: مِثَالُ الأَوَّلِ: حَدِيثٌ رَوَاهُ7 مُسْلِمٌ8 "لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلا يُنْكَحُ" بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ, فَإِنَّهُ إنَّ حُمِلَ عَلَى الْوَطْءِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ9 مَعْنًى وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لا يَطَأُ وَلا يُوطَأُ أَيْ لا يُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ وَطْئِهِ, وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْعَقْدِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ مَعْنَيَانِ بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ وَلا يَعْقِدُ لِغَيْرِهِ.

_ 1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/161. 2 انظر إرشاد الفحول ص171، فواتح الرحموت 2/40ـ نهاية السول 2/160. 3 في الإحكام: ما يفيد معنيين. وفي ش: المعينين. وفي ز: المعنى. 4 الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/21. 5 جمع الجوامع مع شرحه للمحلي وحاشية البناني 2/65. 6 المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/65. 7ساقطة من شرح المحلي. 8 انظر صحيح مسلم 2/1230. 9 في ش: به.

وَمِثَالُ الثَّانِي: حَدِيثُ مُسْلِمٍ1 أَيْضًا "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا" أَيْ بِأَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا أَوْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّهَا فَيَعْقِدَ لَهَا وَلا يَجْبُرْهَا, وَقَدْ قَالَ بِصِحَّةِ2 عَقْدِهَا لِنَفْسِهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَبَعْضُ3 أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ4، لَكِنْ إذَا كَانَتْ فِي مَكَان لا وَلِيَّ فِيهِ وَلا5 حَاكِمَ6. "وَمَا لَهُ" أَيْ وَأَيُّ لَفْظٍ لَهُ "مُجْمَلٌ7" لُغَةً وَشَرْعًا، كَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ" 8 فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالصَّلاةِ فِي الأَحْكَامِ, وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلاةٌ لُغَةً, لأَنَّ مَعْنَاهَا لُغَةً: الدُّعَاءُ, فَسُمِّيَ صَلاةً، لِمَا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ. فَعِنْدَ9 أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ10: يُحْمَلُ عَلَى الْمَحْمَلِ الشَّرْعِيِّ, لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ لِتَعْرِيفِ الأَحْكَامِ لا اللُّغَةِ11, وَفَائِدَةُ التَّأْسِيسِ أَوْلَى. وَأَيْضًا لَيْسَ فِي الطَّوَافِ حَقِيقَةً الصَّلاةُ الشَّرْعِيَّةُ, فَكَانَ مَجَازًا. وَالْمُرَادُ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّلاةِ فِي الطَّهَارَةِ وَالنِّيَّةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا12.

_ 1 صحيح مسم 2/1037. 2 ساقطة من شرح المحلي. 3 في شرح المحلي: وكذلك بعض. 4 في شرح المحلي: أصحابنا. 5 في ز: ولا حكم. 6 المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/65 وما بعدها. 7 في ش: مجمل. 8 سبق تخريجه في ص104 من هذا الجزء. 9 في ع: وعتد. 10 انظر" الإحكام للآمدي 3/22، شرح العضد 2/161، إرشاد الفحول ص 172، نهاية السول 2/161، الآيات البينات 3/115، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/63 ومابعدها". 11 في ش: للغه. 12 في ش: وغيرها.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ "إلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ 1 فِيهِ الْكَلامَ" فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُ صَلاةً فِي الْحُكْمِ إلاَّ مَا اُسْتُثْنِيَ، وَلأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيُّ لِلَّفْظِ حَقِيقَةً رُدَّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ، مُحَافَظَةً عَلَى الشَّرْعِيِّ مَا أَمْكَنَ. وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ وَالْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ2. أَوْ3 يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، تَقْدِيمًا لِلْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ. وَكَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "أَوْلَهُ4 حَقِيقَةٌ لُغَةً وَشَرْعًا، فَلِلشَّرْعِيِّ5" يَعْنِي أَنَّ خِطَابَ الشَّرْعِ6 إذَا وَرَدَ بِلَفْظٍ لَهُ حَقِيقَةٌ فِي اللُّغَةِ وَحَقِيقَةٌ فِي الشَّرْعِ، كَالْوُضُوءِ وَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهَا, فَإِنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ7 عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ8.لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثٌ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ, وَلأَنَّهُ كَالنَّاسِخِ الْمُتَأَخِّرِ. فَيَجِبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ.

_ 1 ساقطة من ض. 2 المستصفى 1/357. 3 في ش: و. 4 ساقطة من ش. 5 في ش: فالشرعي. 6 في ش: الخطاب الشرعي. 7 في ض ب: الشرعي. 8 انظر" المسودة ص177، التبصرة ص195، نهاية السول 1/311، الإحكام للآمدي 3/23، شرح العضد 2/161، إرشاد الفحول ص172، المستصفى 1/358، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/63، الآيات البينات 3/115، فواتح الرحموت 2/41، شرح تنقيح الفصول ص 112، 114، التمهيد للأسنوي ص61، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص123، مناهج العقول 1/309".

وَلِذَلِكَ ضَعَّفُوا حَمْلَ حَدِيثِ: "مَنْ أَكَلَ لَحْمَ جَزُورٍ فَلْيَتَوَضَّأْ 1 " عَلَى التَّنْظِيفِ بِغَسْلِ الْيَدِ، وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ2 التَّوَضُّؤَ3 مِنْهُ لِضَعْفِ الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِذَلِكَ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: هَذَا أَرْجَحُ الْمَذَاهِبِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ، إلاَّ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الشَّرْعِيِّ. قَالَ: لأَنَّ الشَّرْعِيَّ مَجَازٌ. وَالْكَلامُ لِحَقِيقَتِهِ4، حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ5 عَلَى الْمَجَازِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّرْعِ حَقِيقَةٌ، وَإِلَى اللُّغَةِ مَجَازٌ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لا لَهُ. وَقِيلَ: 6هُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ7 مُجْمَلٌ8. "فَ" عَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ "إنْ تَعَذَّرَ" الْحَمْلُ عَلَى9 الشَّرْعِيِّ "فَالْعُرْفِيِّ" أَيْ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِيِّ, لأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ, وَلِهَذَا اعْتَبَرَ الشَّارِعُ الْعَادَاتِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.

_ 1 أخرجه مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه مرفوعاً، وأخرجه أبو داود والترمذي وأحمد في مسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعاً "انظر صحيح مسلم 1/275، بذل المجهود 2/94، عارضة الأحوذي 1/133، مسند أحمد 4/288، 4/303". 2 شرح النووي على صحيح مسلم 4/49. 3 في ش: الوضوء. 4 في ش: على الحقيقة. وفي ع: للحقيقة. وفي ض: حقيقة. وفي ب: الحقيقة. 5 في ش: دليل عليه لا له. 6 ساقطة من ش. 7 في ش: أي. 8 انظر العدة 1/143، المسودة ص 177. 9 ساقطة من ش.

فَإِنْ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْعُرْفِيِّ "فَاللُّغَوِيِّ" يَعْنِي فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فَلْيُجِبْ, فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلّ" 1. حَمَلَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَغَيْرُهُمَا عَلَى مَعْنَى "فَلْيَدَعْ". وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلَ: مَا رَوَى أَبُو دَاوُد4 "فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدَعْ" وَيَكُونُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَادُهُ اللُّغَةُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ أَيْضًا الْحَمْلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ "فَالْمَجَازِ5" يَعْنِي فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ, لأَنَّ الْكَلامَ إمَّا حَقِيقَةٌ وَإِمَّا مَجَازٌ، وَقَدْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَمَا بَقِيَ إلاَّ الْمَجَازُ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ6، وَالأَقْوَالُ السَّابِقَةُ فِي7 مَجَازٍ مَشْهُورٍ وَحَقِيقَةٍ لُغَوِيَّةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ 1 رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبو داود عن ابن عمر رضي عنه. "انظر صحيح مسلم 2/1054، بذل المجهود 16/67"، وقد روى البخاري ومالك في الموطأ الشطر الأول منه عن ابن عمر رضي الله عنه: "إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها". "انظر صحيح البخاري 7/31، الموطأ 2/546". 2 المغني 8/108. 3 الشرح الكبير على المقنع 8/109. 4 بذل المجهود 16/68. 5 في ش: فالجازي. 6انظر المحصول?1ق1/ 577، مناهج العقول 1/309 وما بعدها، نهاية السول 1/311 وما بعدها. 7 في ع: المجاز مشهوره.

باب المبين

بَابُ الْمُبَيَّنِ: مِنْ لَفْظٍ أَوْ فِعْلٍ "يُقَابِلُ الْمُجْمَلَ" فَمَا تَقَدَّمَ لِلْمُجْمَلِ مِنْ تَعْرِيفَاتٍ فَخُذْ ضِدَّهَا فِي الْمُبَيَّنِ. فَإِنْ قُلْتَ: الْمُجْمَلُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مُحْتَمَلَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ, فَقُلْ1: الْمُبَيَّنُ مَا نَصَّ عَلَى مَعْنًى مُعَيَّنٍ2 مِنْ غَيْرِ إبْهَامٍ. وإنْ3 قُلْتَ: الْمُجْمَلُ مَا لا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الإِطْلاقِ مَعْنًى مُعَيَّنٌ, فَقُلْ: الْمُبَيَّنُ مَا فُهِمَ مِنْهُ عِنْدَ الإِطْلاقِ مَعْنًى مُعَيَّنٌ، مِنْ نَصٍّ أَوْ ظُهُورٍ بِالْوَضْعِ، أَوْ بَعْدَ الْبَيَانِ. "وَيَكُونُ" الْمُبَيَّنُ "فِي مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ" مِنْ الأَلْفَاظِ "وَ" فِي "فِعْلٍ سَبَقَ إجْمَالُهُ4 أَوْ لا" يَعْنِي أَوْ لَمْ يَسْبِقْ إجْمَالٌ5, فَإِنَّ الْبَيَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَكُونُ تَارَةً ابْتِدَاء, وَيَكُونُ تَارَةً بَعْدَ الإِجْمَالِ, وَقَدْ وَقَعَ هَذَا وَهَذَا, وَهُوَ وَاضِحُ الْقَصْدِ. قَالَ الْعَضُدُ6 وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا لا يَسْبِقُ فِيهِ7 إجْمَالٌ، كَمَنْ يَقُولُ

_ 1 في ض: فقال. 2 في ض: مبين. 3 في ض ش: فإن. 4 في ش: إجماله. 5 في ش: إجمال أو لا. 6 في ش: القصد. 7 في شرح العضد: ولم يسبق.

ابْتِدَاءً: اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ1. "وَالْبَيَانُ"2 الَّذِي هُوَ اسْمُ مَصْدَرِ بَيَّنَ "يُطْلَقُ عَلَى التَّبْيِينِ" الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ بَيَّنَ "وَهُوَ فِعْلُ الْمُبَيِّنِ". "وَ" يُطْلَقُ أَيْضًا "عَلَى مَا حَصَلَ بِهِ التَّبْيِينُ, وَهُوَ الدَّلِيلُ. "وَ" يُطْلَقُ أَيْضًا "عَلَى مُتَعَلَّقِهِ" أَيْ مُتَعَلَّقِ التَّبْيِينِ "وَهُوَ الْمَدْلُولُ" أَيْ الْمُبَيَّنِ -بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ- وَعَلَى مَحِلِّهِ أَيْضًا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: "فَ" الْبَيَانُ "بِنَظَرٍ3 إلَى" الإِطْلاقِ "الأَوَّلِ" الَّذِي هُوَ التَّبْيِينُ "إظْهَارُ الْمَعْنَى" أَيْ مَعْنَى الْمُبَيَّنِ "لِلْمُخَاطَبِ" وَإِيضَاحُهُ وَمَعْنَاهُ لأَبِي الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَالْوَاضِحِ لابْنِ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: إخْرَاجُ الْمَعْنَى4 مِنْ حَيِّزِ الإِشْكَالِ إلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي, وَهُوَ لَلصَّيْرَفِيِّ.

_ 1 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/162. 2 انظر معاني البيان عند الأصوليين في "العدة 1/102 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 167، المسودة ص 572 وما بعدها، شرح العضد 2/162، البرهان 1/159، الإحكام للآمدي 3/25، فواتح الرحموت 2/42، روضة الناظر ص 184، شرح تنقيح الفصول ص274، المحصول?1ق3/226، نهاية السول 2/148، مناهج العقول 2/148، اللمع ص 29، الآيات البينات 3/118، نشر البنود 1/277، المعتمد 1/317 وما بعدها، كشف الأسرار 3/104، الرسالة للشافعي ص21، المستصفى 1/364، وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/67، التعريفات للجرجاني ص 26، الحدود للباجي ص41، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/115، فتح الغفار 2/119، أصول السرخسي 2/26، تيسير التحرير 3/171، الإحكام لابن حزم1/38، الحطاب على الورقات ص 109". 3 في ع ب: ينظر. وفي ش: بالنظر. 4 عند الآمدي والجويني وابن الحاجب وأبي يعلى والغزالي والشيرازي والسبكي والبصري والخطيب والبغدادي والشوكاني وغيرهم: الشيء.

وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ1، وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالآمِدِيُّ2 وَابْنُ الْحَاجِبِ3، إلاَّ أَنَّهُمْ زَادُوا "وَ4الْوُضُوحِ" تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: هَذَا الْحَدُّ "غَيْرُ"5 تَامٍّ, لأَنَّهُ لا يَدْخُلُ فِيهِ إلاَّ مَا كَانَ مُشْكِلاً, ثُمَّ أَظْهَرُوا مَا تَبْيِينُهُ ابْتِدَاءً مِنْ الْقَوْلِ، كَقَوْله تَعَالَى: {هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} 6 فَهَذَا لَمْ يَكُنْ مُشْكِلاً7. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: رُبَّمَا وَرَدَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانٌ لِمَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِ أَحَدٍ. وَأَيْضًا فَفِي التَّعْبِيرِ بِالْحَيِّزِ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الأَجْسَامِ، تَجَوُّزٌ فِي إطْلاقِهِ

_ 1 قول المصنف أن إمام الحرمين تبع الصيرفي البيان بهذا التعريف غير سديد. وذلك لأن إمام الحرمين حكى هذا التعريف عن بعض من ينتسب إلى الأصوليين –على حد تعبيره- ثم رده بقوله: "وهذه العبارة وإن كانت محومة على المقصود، فليست مرضية، فإنها مشتملة على ألفاظ مستعارة -كالحيز والتجلي- وذوو البصائر لا يودعون مقاصد الحدود إلا في عبارات هي قوالب لها، تبلغ الغرض من غير قصور ولا ازدياد، يفهمها المبتدئون، ويحسنها المنتهون". "انظر البرهان 1/159". 2 الصواب أن الآمدي لم يتبع الصيرفي في هذا الحد، وإنما حكاه عنه، ثم عابه ورده لأمور ثلاثة ذكرها، أحدها أنه غير جامع. والثاني أن فيه تجوزاً. والثالث أن فيه زيادة. "انظر الإحكام في أصول الأحكام 3/25". 3 مختصر ابن الحاجب وشرحه العضد 2/162. 4 ساقطة من ز. 5 زيادة على سائر النسخ يقتضيها السياق، ويدل عليها نص القاضي في العدة. 6 لآية 116 من النحل. 7 نقل المصنف لهذا القول عن القاضي أبي يعلى فيه تغيير وتصرف، وعبارة القاضي في "العدة" بعد إيراد تعريف الصيرفي: "وفي هذه العبارة خلل، لأن هذا الوصف إنما يوجد في بعض أقسام البيان، وهو بيان المجمل الذي لا يستقل بنفسه. فأما الخطاب المبتدأ من الله تعالى ومن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن سائر المخاطبين إذا كان ظاهر المعنى بين المراد، فهو بيان صحيح، وإن لم يشمل عليه هذا الوصف. ألا ترى أن قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} وقوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} قد حصل به البيان، وإن لم يكن قبل ظهور ذلك إشكال أخرجه إلى التجلي، بل قد علمنا أن الغسل لم يكن واجباً، فبين وجبه بالآية" "العدة1/105".

فِي1 الْمَعَانِي، وَنَحْوُهُ التَّجَلِّي. "وَ" الْبَيَانُ بِنَظَرٍ2 "إلَى" إطْلاقِهِ عَلَى ثَانٍ، وَهُوَ مَا حَصَلَ بِهِ التَّبْيِينُ "الدَّلِيلُ". قَالَهُ التَّمِيمِيُّ وَأَكْثَرُ الأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ3، لِصِحَّةِ إطْلاقِهِ عَلَيْهِ لُغَةً وَعُرْفًا، مَعَ عَدَمِ مَا سَبَقَ. وَالأَصْلُ الْحَقِيقَةُ4. "وَ" الْبَيَانُ بِنَظَرٍ5 "إلَى" إطْلاقِهِ عَلَى "ثَالِثٍ" وَهُوَ مُتَعَلَّقُ6 التَّبْيِينِ "الْعِلْمُ" الْحَاصِلُ "عَنْ دَلِيلٍ" قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ7 وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ قَالُوا: الْبَيَانُ إظْهَارُ الْمُرَادِ بِالْكَلامِ الَّذِي لا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ إلاَّ بِهِ. قَالَ8 ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ جَمِيعِ الْحُدُودِ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْعَجَبُ أَنَّهُ أُورِدَ عَلَى الصَّيْرَفِيِّ الْمُبَيَّنُ ابْتِدَاءً, وَلا شَكَّ فِي وُرُودِهِ هُنَا، بَلْ أَوْلَى. لأَنَّهُ صَرَّحَ بِتَقَدُّمِ9 كَلامٍ لَمْ يُفْهَمْ الْمُرَادُ مِنْهُ. وَأَيْضًا الْبَيَانُ قَدْ يَرِدْ عَلَى فِعْلٍ، وَلا يُسَمَّى مِثْلُ ذَلِكَ كَلامًا.

_ 1 في ش: على. 2 في ش ع ب: ينظر، وفي د: بالنظر. 3 انظر المعتمد للبصري 1/317. 4 في ش: "و" الحقيقة. 5 في ش ع ب: ينظر، وفي د: بالنظر. 6 وفي ش: إطلاقه على. 7 انظر المعتمد 1/318، وفي ز: البصيري. 8 في ع: قاله. 9 في ش ض ب: بتقديم.

"وَيَجِبُ" الْبَيَانُ "لِمَا أُرِيدَ فَهْمُهُ" مِنْ دَلائِلِ الأَحْكَامِ. يَعْنِي إذَا1 أُرِيدَ بِالْخِطَابِ إفْهَامُ الْمُخَاطَبِ بِهِ لِيَعْمَلَ بِهِ وَجَبَ أَنْ يُبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يُرَادُ بِذَلِكَ الْخِطَابِ, لأَنَّ الْفَهْمَ شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ, فَأَمَّا مَنْ لا يُرَادُ إفْهَامُهُ ذَلِكَ فَلا يَجِبُ الْبَيَانُ لَهُ بِالاتِّفَاقِ2. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ لا يَجِبُ الْبَيَانُ فِي الْخِطَابِ إذَا كَانَ خَبَرًا لا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ, وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي التَّكَالِيفِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا. "وَيَحْصُلُ" الْبَيَانُ "بِقَوْلٍ" بِلا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ3, وَالْقَوْلُ: إمَّا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَالأَوَّلُ: نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} 4 فَإِنَّهُ مُبَيِّنٌ لِقَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} 5 إذَا6 قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِالْبَقَرَةِ بَقَرَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.

_ 1 في ز: إذ. 2 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/67، مناهج العقول 2/160، الآيات البينات 3/119، نشر البنود 1/277، شرح تنقيح الفصول ص285، وما بعدها، المحصول?1ق3/ 331، نهاية السول 2/160، المعتمد 1/358. 3 انظر "المسودة ص 573، مختصر الطوفي ص119، العدة 1/110، 112، إرشاد الفحول ص173، أصول السرخسي 2/27، فواتح الرحموت 2/45، تيسير التحرير 3/175، الإحكام لابن حزم 1/72، نهاية السول 2/150، اللمع ص29، المعتمد 1/337، نشر البنود 1/278، مناهج العقول 2/149، المستصفى 1/367، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/115، الآيات البينات 3/119، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/67، المحصول?1ق3/ 261، شرح تنقيح الفصول ص278، روضة الناظر ص184". 4 الآية 69 من البقرة. 5 الآية 67 من البقرة. 6 في ش: إن.

وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 وَغَيْرُهُ2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَالْعُيُونُ 3 أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا4 الْعُشْرُ, وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ " وَرَوَى مُسْلِمٌ نَحْوَهُ عَنْ جَابِرٍ5, وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 6. وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا الْمِثَالِ: أَنَّ السُّنَّةَ تُبَيِّنُ مُجْمَلَ الْكِتَابِ, وَهُوَ كَثِيرٌ, كَمَا فِي الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْبَيْعِ وَالرِّبَا، وَغَالِبِ الأَحْكَامِ الَّتِي7 جَاءَ تَفْصِيلُهَا فِي السُّنَّةِ. "وَفِعْلٍ" يَعْنِي: أَنَّ الْبَيَانَ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ8, وَالْمُرَادُ: فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ شِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ.

_ 1 صحيح البخاري 2/155. 2 سبق تخريج الحديث في ص 365 من هذا الجزء. 3 زيادة من صحيح البخاري. 4 العثري: هو الزرع لايسقيه إلا ماء المطر. "المصباح المنير 1/466" ويقال للنخل الذي لايحتاج في سقيه إلى تعب بدالية وغيرها عثري، كأنه عثر على الماء عثراً بلا عمل من صاحبه. "لسان العرب 4/541". 5 ولفظه " فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقي بالسانية نصف العشر". "صحيح مسلم 2/675". 6 الآية 1414 من الأنعام. 7 في ع ز ض ب: الذي 8 انظر "مناهج العقول 2/149، المحصول?1ق3/ 269، شرح تنقيح الفصول ص281، روضة الناظر ص184، المسودة ص573، مختصر الطوفي ص 119،العدة 1/118، الإحكام للآمدي 3/27، إرشاد الفحول ص 173، التبصرة ص247، أصول السرخسي 2/27، فواتح الرحموت 2/45، شرح العضد 2/162، تيسير التحرير 3/175، الإحكام لابن حزم 1/72، الآيات البينات 3/119، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/119، المعتمد 1/338، نشر البنود 1/278، المستصفى 1/366 وما بعدها، اللمع ص 29، نهاية السول 2/151، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/67".

دَلِيلُ الْمُعْظَمِ -كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ1 وَغَيْرُهُ -: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ الصَّلاةَ وَالْحَجَّ بِالْفِعْلِ, وَقَالَ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" وَقَالَ: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ". رَوَى الأَوَّلَ الْبُخَارِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ3. وَرَوَى الثَّانِيَ مُسْلِمٌ4 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. لا يُقَالُ: إنَّ الَّذِي وَقَعَ بِهِ5 الْبَيَانُ قَوْلٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ " صَلُّوا " وَ " خُذُوا " لأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا دَلَّ الْقَوْلُ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ بَيَانٌ، لا أَنَّ6 نَفْسَ الْقَوْلِ وَقَعَ بَيَانًا. وَأَيْضًا فَالْفِعْلُ مُشَاهَدٌ. وَالْمُشَاهَدَةُ أَدَلُّ7، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِالْبَيَانِ. وَفِي الْحَدِيثِ8 "لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ9 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَابْنُ حِبَّانَ10 وَالطَّبَرَانِيُّ، وَزَادَ فِيهِ: "فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ

_ 1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد2/162. 2 صحيح البخاري 1/162. 3 هو الصحابي الجليل مالك بن الحويرث بن أشيم الليثي، أبو سليمان. قال النووي: "روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر حديثاً، اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بحديث، وثبت في الصحيحين انه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شببة متقاربين، أقاموا عند النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ليلة، ثم أذن لهم بالرجوع إلى أهلهم، وأمرهم أن يعلموهم دينهم". وقال ابن عبد البر: سكن البصرة ومات بها سنة 94هـ. "انظر ترجمته في أسد الغابة 5/20، الاستيعاب3/1349، طرح التثريب 1/94، تهذيب الأسماء واللغات 2/80، صحيح البخاري 1/162". 4 صحيح مسم 2/943. 5 في ش: في. 6 في ش: لأن. 7 في ش: أولى. 8 سبق تخريجه في? 2 ص337. 9 مسند الإمام أحمد 1/215، 217. 10موارد الظمان ص 510.

عَلَيْهِ السَّلامُ عَمَّا صَنَعَ قَوْمُهُ مِنْ بَعْدِهِ, فَلَمْ يُلْقِ الأَلْوَاحَ, فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ أَلْقَى الأَلْوَاحَ". فَيَحْصُلَ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ "وَلَوْ" كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ1 كُلُّهُ "كِتَابَةً أَوْ إشَارَةً"2. قَالَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: لا أَعْلَمُ خِلافًا فِي أَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِالإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ. اهـ. مِثَالُ الْكِتَابَةِ: الْكُتُبُ الَّتِي كُتِبَتْ، وَبُيِّنَ فِيهَا الزَّكَوَاتُ3 وَالدِّيَاتُ4 وَأُرْسِلَتْ مَعَ عُمَّالِهِ. وَمِثَالُ الإِشَارَةِ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا" -وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشَرَةِ, وَقَبَضَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ5- يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. "وَ" وَالْبَيَانُ "الْفِعْلِيُّ أَقْوَى" مِنْ الْبَيَانِ الْقَوْلِيِّ, لأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْقَوْلِ, وَأَسْرَعُ إلَى الْفَهْمِ، وَأَثْبَتُ فِي الذِّهْنِ، وَأَعْوَنُ6 عَلَى

_ 1في ش: الفعل كله. 2 انظر: "اللمع ص29، الفقيه والمتفقه 1/120، روضة الناظر ص184، العدة 1/114، مختصر الطوفي ص119، إرشاد الفحول ص172، المعتمد 1/337، شرح تنقيح الفصول ص278 وما بعدها، المحصول ج1ق3/ 262، 264، البرهان 1/164، الإحكام لابن حزم 1/72، 74". 3 في ض ب: الزكاة. 4 مثل كتابه صلى الله عليه وسلم الذي بعثه مع عمرو بن حزم إلى أهل اليمن، وبين فيه الفرائض والسنن والديات. وقد سبق تخريجه في ج1 ص253، وكتابه صلى الله عليه وسلم في الصدقات الذي أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم والدارقطني. "انظر بذل المجهود 8/50، سنن الدارقطني 2/116، عارضة الأحوذي 3/106، المستدرك 1/392". 5 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر مرفوعاً، وأخرجه ابن ماجه والنسائي عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 3/34، صحيح مسلم 2/760، بذل المجهود 11/105، سنن النسائي 4/113 وما بعدها، سنن ابن ماجه 1/530". 6 في ش: وعون.

التَّصَوُّرِ1 وَقَدْ عَرَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلَ ابْنِ آدَمَ وَأَجَلَهُ وَأَمَلَهُ بِالْخَطِّ الْمُرَبَّعِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ2. "وَ" َحْصُلُ الْبَيَانُ أَيْضًا "بِإِقْرَارٍ عَلَى فِعْلٍ" أَيْ إقْرَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى3 فِعْلِ بَعْضِ أُمَّتِهِ, لأَنَّهُ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِغَيْرِهِ4 كَغَيْرِهِ مِنْ الأَدِلَّةِ5. "وَكُلُّ مُقَيَّدٍ مِنْ" جِهَةِ "الشَّرْعِ بَيَانٌ"6 وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ، تَتَنَاوَلُ مَا سَبَقَ وَمَا يَأْتِي بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, ذَكَرَ ذَلِكَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ7. وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا: التَّرْكُ، مِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ فِعْلاً8 قَدْ أُمِرَ بِهِ، أَوْ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ فِعْلُهُ

_ 1 انظر منهاج العقول 2/150، المعتمد 1/339، روضة الناظر 185، مختصر الطوفي ص119، نهاية السول 2/151. 2 ونصه: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، وخط حطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: "هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، أو قد أحاط به، وهذا الذي يخرج هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وأن أخطأه هذا نهشه هذا". "صحيح البخاري 8/110، وانظر جامع الأصول 1/287". 3 في ز: في. 4 ساقطة من ش. 5 انظر اللمع ص29، الفقيه والمتفقه 1/119، المسودة ص573، روضة الناظر ص185، العدة 1/127، المستصفى 1/367، الإحكام لابن حزم 1/72، مختصر الطوفي ص119. 6 انظر نشر البنود 1/283. 7 مختصر الطوفي ص119. 8 في ض ب: فعل.

فَيَكُونَ تَرْكُهُ لَهُ مُبَيِّنًا لِعَدَمِ وُجُوبِهِ1, وَذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ قَيْلَ2 لَهُ {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} 3 ثُمَّ إنَّهُ كَانَ يُبَايِعُ وَلا يُشْهِدُ، بِدَلِيلِ الْفَرَسِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ الأَعْرَابِيِّ ثُمَّ أَنْكَرَ الْبَيْعَ, فَعُلِمَ أَنَّ الإِشْهَادَ فِي الْبَيْعِ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّرَاوِيحَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ تَرَكَهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ4, فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، إذْ يَمْتَنِعُ تَرْكُهُ5 الْوَاجِبِ. وَمِنْهَا: السُّكُوتُ بَعْدَ السُّؤَالِ عَنْ حُكْمِ الْوَاقِعَةِ. فَيُعْلَمَ أَنَّهُ لا حُكْمَ لِلشَّرْعِ فِيهَا6، كَمَا رُوِيَ أَنَّ7 زَوْجَةَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ8 جَاءَتْ بِابْنَتَيْهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدٍ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَك يَوْمَ أُحُدٍ, وَقَدْ أَخَذَ عَمُّهُمَا مَالَهُمَا، وَلا يُنْكَحَانِ إلاَّ بِمَالٍ, فَقَالَ: "اذْهَبِي حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيك". فَذَهَبَتْ ثُمَّ نَزَلَتْ9 آيَةُ الْمِيرَاثِ {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 10 فَبَعَثَ خَلْفَ

_ 1 انظر شرح تنقيح الفصول ص279، المحصول ج1ق3/ 267، نهاية السول 2/151، المسودة ص573. 2 في ش: قال الله. 3 الآية 282 من البقرة. 4 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ومالك في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها. "انظر صحيح البخاري 3/58، صحيح مسلم 1/524، سنن النسائي 3/164، بذل المجهود 7/150، الموطأ 1/113". 5 في ش ز: ترك. 6 شرح تنقيح الفصول ص279، المحصول ج1ق3/ 268. 7 في ع ز ض ب: عن. 8 هو الصحابي الشهيد سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي. قال أهل السير: كان نقيب بني الحارث بن الخزرج، هو وعبد الله بن رواحة، وكان كاتباً في الجاهلية، شهد بيعة العقبة الأولى والثانية، وقتل يوم أحد شهيداً. "انظر ترجمته في أسد الغابة 2/348، الاستيعاب 2/589، تهذيب الأسماء واللغات 1/210". 9في ض: انزلت. 10 الآية 11 من النساء.

الْمَرْأَةِ وَابْنَتَيْهَا وَعَمِّهِمَا فَقَضَى فِيهِمْ بِحُكْمِ1 الآيَةِ2. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ حُكْمٌ، وَإِلاَّ لَمَا جَازَ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، كَمَا يَأْتِي. وَمِنْهَا: أَنْ يَسْتَدِلَّ الشَّارِعُ اسْتِدْلالاً عَقْلِيًّا، فَتَبِينُ3 بِهِ الْعِلَّةُ، أَوْ مَأْخَذُ4 الْحُكْمِ، أَوْ فَائِدَةٌ مَا إذْ5 الْكَلامُ فِي بَيَانِ الْمُجْمَلِ وَمُحْتَمَلاتُهُ بِالْفَرْضِ6 مُتَسَاوِيَةٌ, فَأَدْنَى مُرَجِّحٍ يَحْصُلُ بَيَانًا مُحَافَظَةً عَلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى الامْتِثَالِ، وَعَدَمِ الإِهْمَالِ لِلدَّلِيلِ7. قَالَهُ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ, وَتَابَعَهُ الْعَسْقَلانِيُّ فِي شَرْحِهِ, وَزَادَ الأَخِيرُ. "وَالْفِعْلُ وَالْقَوْلُ" الصَّادِرَانِ مِنْ الشَّارِعِ "بَعْدَ مُجْمَلٍ، إنْ صَلَحَا" أَيْ صَلَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ بَيَانًا "وَاتَّفَقَا" فِي غَرَضِ الْبَيَانِ، بِأَنْ لا يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ8 "فَالأَسْبَقُ" مِنْهُمَا "إنْ عُرِفَ بَيَانٌ" لِلْمُجْمَلِ "وَالثَّانِي" مِنْهُمَا "تَأْكِيدٌ" لِلأَسْبَقِ9

_ 1 في ش: بحكم الله تعالى. 2 أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث صحيح. "انظر عارضة الأحوذي 8/243، بذل المجهود 13/163، سنن ابن ماجه 2/908، مسند الإمام أحمد 3/352". 3 في ش: تتبين، وفي د: فتتبين. 4 في ش: يأخذ. 5 في ض ب: إذا. 6 في ش: بالغرض. 7 انظر نشر البنود 1/278، شرح تنقيح الفصول ص279، المحصول ج1ق3/ 267، نهاية السول 2/151. 8 في ع: تناف واتفاقاً. 9 قال الآمدي: إلا إذا كان دون الأول في الدلالة، لاستحالة تأكيد الشيء بما هو دونه في الدلالة. اهـ. انظر تحقيق المسألة في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/68، الآيات البينات 3/120، الإحكام للآمدي 3/28، المحصول ج1ق3/ 272، نشر البنود 1/279، تيسير التحرير 3/176، المعتمد 1/339، شرح تنقيح الفصول ص281، منهاج العقول 2/150".

"وَإِنْ جُهِلَ" الأَسْبَقُ مِنْ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ "فَأَحَدُهُمَا" فَقَطْ1 هُوَ الْمُبَيِّنُ فَلا يُقْضَى عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ، بَلْ يُقْضَى بِحُصُولِ الْبَيَانِ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ، وَهُوَ الأَوَّلُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ وَالثَّانِي فِي نَفْسِ الأَمْر2ِ تَأْكِيدٌ3 وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ4. وَقَالَ الآمِدِيُّ: يَتَعَيَّنُ لِلتَّقْدِيمِ غَيْرُ الأَرْجَحِ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُبَيِّنَ، لأَنَّ الْمَرْجُوحَ لا يَكُونُ تَأْكِيدًا5 لِلرَّاجِحِ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ6. وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُؤَكِّدَ الْمُسْتَقِلَّ لا يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ، كَالْجُمَلِ الَّتِي يَذْكُرُ بَعْضُهَا بَعْدَ بَعْضِ لِلتَّأْكِيدِ، وَأَنَّ التَّأْكِيدَ يَحْصُلُ بِالثَّانِيَةِ, وَإِنْ كَانَ7 أَضْعَفَ

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ش. 3 في د: تأكيداً. 4 انظر "المحصول ج1ق3/ 273، تيسير التحرير 3/176، المعتمد 1/339، إرشاد الفحول ص173، شرح العضد 2/163، نهاية السول 2/151، فواتح الرحموت 2/46، الآيات البينات 3/120، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/68، منهاج العقول 2/150". 5 في ش: توكيداً. 6 الإحكام في أصول الأحكام 3/28 باختصار وتصرف، وعبارة الآمدي: "وإن جعل ذلك –أي تقدم أحدهما- قلا يخبو: إما إن يكونا متساويين في الدلالة، أو أحدهما أرجح من الأخر على حسب اختلاف الوقائع والأقوال والأفعال. فإن كان الأول: فأحدهما هو البيان، والآخر مؤكد من غير تعيين. وإن كان الثاني: فالأشبه أن المرجوح هو المتقدم، لأنا لو فرضنا تأخر المرجوح امتنع أن يكون مؤكداً للراجح، إذ الشيء لا يؤكد بما هو دونه في الدلالة، والبيان حاصل بدونه، فكان الاتيان به غير مفيد، ومنصب الشارع منزه عن الاتيان بما لا يفيد، ولا كذلك فيما إذا جعلنا المرجوح مقدماً، فإن الاتيان بالراجح بعده يكون مفيداً للتأكيد، ولا يكون معطلاً". 7 في ش: كان.

بِانْضِمَامِهَا إلَى الأُولَى، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمُؤَكِّدِ أَقْوَى فِي الْمُفْرَدَاتِ1. "وَإِنْ" "لَمْ يَتَّفِقَا" أَيْ الْفِعْلُ وَالْقَوْلُ "كَمَا لَوْ طَافَ" النَّبِيُّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ آيَةِ الْحَجِّ" حَالَ كَوْنِهِ 2"مَرَّتَيْنِ" أَيْ طَوَافَيْنِ3 "وَأَمَرَ" مَنْ حَجَّ "قَارِنًا بِمَرَّةٍ" أَيْ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ4"فَقَوْلُهُ" الَّذِي هُوَ أَمْرُهُ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ "بَيَانٌ" سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ طَوَافُهُ5 مَرَّتَيْنِ أَوْ بَعْدَهُ, لأَنَّ الْقَوْلَ يَدُلُّ عَلَى الْبَيَانِ بِنَفْسِهِ بِخِلافِ الْفِعْلِ. فَإِنَّهُ لا يَدُلُّ إلاَّ بِوَاسِطَةِ انْضِمَامِ الْقَوْلِ إلَيْهِ, وَالدَّالُ بِنَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ الدَّالِ بِغَيْرِهِ6. لا يُقَالُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْفِعْلَ أَقْوَى فِي الْبَيَانِ, لأَنَّا نَقُولُ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَوْلَ أَقْوَى فِي الدَّلالَةِ عَلَى الْحُكْمِ, وَالْفِعْلُ أَدَلُّ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ, فَفِعْلُ الصَّلاةِ أَدَلُّ مِنْ

_ 1 نحو " جاءني القوم كلهم". "انظر شرح العضد 2/163". 2 ساقطة من ش ز. 3 حيث روى الدارقطني عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، فطاف طوافين وسعى سعيين. "سنن الدارقطني 2/263" وروى الدارقطني أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنه أنه جمع بين حجته وعمرته معاً وقال سبيلهما واحداً، فطاف بهما طوافين وسعى بهما سعيين، وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت". "سنن الدارقطني 2/258، وانظر الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/35". 4 حيث روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من احرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد عنهما حتى يحل منهما جميعاً". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. "انظر عارضة الأحوذي 4/173، سنن ابن ماجه 2/990، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/35". 5 في ز طواف. 6 انظر "المحصول ج1ق3/ 275، نشر البنود 1/280، التبصرة ص249، تيسير التحرير 3/176، منهاج العقول 2/150، الإحكام للآمدي 3/29، شرح العضد 2/163، إرشاد الفحول ص173، نهاية السول 2/151، فواتح الرحموت 2/47، المسودة ص126، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/68، الآيات البينات 3/121، شرح تنقيح الفصول ص281".

وَصْفِهَا بِالْقَوْلِ لأَنَّ فِيهِ الْمُشَاهَدَةَ, وَأَمَّا اسْتِفَادَةُ وُجُوبِهَا1 أَوْ نَدْبِهَا2 أَوْ غَيْرِهِمَا: فَالْقَوْلُ أَقْوَى لِصَرَاحَتِهِ. وَقِيلَ: الْمُقَدَّمُ3 هُوَ الْبَيَانُ4. "وَفِعْلُهُ" الَّذِي هُوَ طَوَافُهُ مَرَّتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ قَوْلِهِ5 أَوْ بَعْدَهُ "نَدْبٌ، أَوْ وَاجِبٌ مُخْتَصُّ6 بِهِ" يَعْنِي: أَنَّ فِعْلَهُ الْمَذْكُورَ يُحْمَلُ حِينَئِذٍ عَلَى النَّدْبِ، أَوْ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُخْتَصِّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قُوَّةِ دَلالَةِ الْقَوْلِ7. "وَيَجُوزُ كَوْنُ الْبَيَانِ أَضْعَفَ دَلالَةً" مِنْ الْمُبَيِّنِ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ8. وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِتَبْيِينِ السُّنَّةِ لِمُجْمَلِ الْقُرْآنِ.

_ 1 في ش: وجودها. 2 في ش: تدبرها. 3 في سائر النسخ: المقدم. 4 وهو قول أبي الحسين البصري المعتزلي. "انظر المعتمد 1/340". 5 في ض: قبله. 6 في ش: يختص. 7 انظر فواتح الرحموت 2/47، الآيات البينات 3/121، منهاج العقول 2/150، شرح العضد 2/163، نشر البنود 1/280، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/69. 8 انظر نشر البنود 1/278، روضة الناظر ص185، العدة 1/125، مختصر الطوفي ص119، نهاية السول 2/161، المعتمد 1/340. وللآمدي في المسألة تفصيل حسن يقول فيه: "والمختار في ذلك أن يقال: أما المساواة في القوة، فالواجب أن يقال: إن كان المبين مجملاً، كفى في تعيين أحد احتماليه أدنى ما يفيد الترجيح. وإن كان عاماً أو مطلقاً، فلا بد وأن يكون المخصص والمقيد في دلالته أقوى من دلالة العام على صورة التخصيص ودلالة المطلق على صورة التقييد. وإلا فلو كان مساوياً لزم الوقف. ولو كان مرجوحاً لزم منه إلغاء الراجح بالمرجوح، وهو ممتنع". "الإحكام للآمدي 3/31، وانظر شرح العضد 2/163".

وَقِيلَ: لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ أَقْوَى1. وَقِيلَ: لا بُدَّ مِنْ التَّسَاوِي2. "وَلا تُعْتَبَرُ مُسَاوَاتُهُ" أَيْ مُسَاوَاةُ الْبَيَانِ لِلْمُبَيَّنِ "فِي الْحُكْمِ" وَعَدَمِهِ3. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لا تُعْتَبَرُ مُسَاوَاةُ الْبَيَانِ لِلْمُبَيَّنِ فِي الْحُكْمِ, قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ: وَغَيْرِهِ، لِتَضَمُّنِهِ صِفَتَهُ, وَالزَّائِدُ بِدَلِيلٍ، خِلافًا لِقَوْمٍ. فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا, لأَنَّ الأَوْلَى فِي ضَعْفِ الدَّلالَةِ وَقُوَّتِهَا, وَهَذِهِ فِي مُسَاوَاةِ الْبَيَانِ لِلْمُبَيِّنِ فِي الْحُكْمِ وَعَدَمِهِ. وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَبْلَهَا مُمَثَّلَةٌ بِتَبْيِينِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ, وَذَلِكَ أَضْعَفُ فِي الرُّتْبَةِ، لا فِي الدَّلالَةِ وَلا يَلْزَمُ مِنْ ضَعْفِ الرُّتْبَةِ ضَعْفُ الدَّلالَةِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الأَضْعَفُ رُتْبَةً أَقْوَى دَلالَةً، كَتَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لأَنَّهُ أَخَصُّ فَيَكُونُ أَدَلَّ. "وَلا يُؤَخَّرُ" أَيْ لا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ "عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ"4 وَصُورَتُهُ:

_ 1 انظر الآيات البينات 3/120، شرح العضد 2/163. 2 انظر فواتح الرحموت 2/48، تيسير التحرير 3/173 وما بعدها. 3 الإحكام للآمدي 3/31. وحقيقة المسألة كما قال الرازي في "المحصول": "هل إذا كان المبين واجباً كان بيانه واجباً كذلك؟ قال به قوم. فإن أرادوا به أن المبين إذا كان واجباً. فبيانه بيان لصفة شيء واجب، فصحيح. وإن أرادوا به أنه يدل على الوجوب كما يدل المبين، فغير صحيح، لأن البيان إنما يتضمن صفة المبين، وليس يتضمن لفظاً يفيد الوجوب، ألا ترى أن صورة الصلاة ندباً وواجباً صورة واحدة!! وإن أرادوا أنه إذا كان المبين واجباً، كان بيانه واجباً على الرسالة للشافعي، وإذا لم يكن تضمن فعلاً واجباً أو لم يتضمن، وإلا كان تكليفاً بما لا يطاق". "المحصول ج1ق3/ 276، وانظر المعتمد 1/340". 4 انظر تحقيق المسألة في "المعتمد 1/342، اللمع ص29، الفقيه والمتفقه 1/121، العدة 3/724، مختصر الطوفي ص119، روضة الناظر ص185، البرهان 1/166، المسودة ص181، منهاج العقول 2/152، فواتح الرحموت 2/49، المستصفى 1/368، شرح العضد 2/164، الإحكام للآمدي 3/32، المحصول ج1ق3/ 279، إرشاد الفحول ص173، الآيات البينات 3/122، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/69، تيسير التحرير 3/174، كشف الأسرار 3/108، الإحكام لابن حزم 1/75، نهاية السول 2/156".

أَنْ يَقُولَ "صَلُّوا غَدًا" ثُمَّ لا يُبَيِّنُ لَهُمْ فِي غَدٍ كَيْفَ يُصَلُّونَ وَنَحْوُ ذَلِكَ. لأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا لا يُطَاقُ. وَجَوَّزَهُ مَنْ أَجَازَ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ1. وَالتَّفْرِيعُ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ, لأَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ وُقُوعِ التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ: أَنَّ الإِتْيَانَ بِالشَّيْءِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ مُمْتَنِعٌ, فَالتَّكْلِيفُ بِذَلِكَ تَكْلِيفٌ بِمَا2 لا يُطَاقُ, فَلا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ. وَإِلاَّ جَازَ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ3, قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. "وَلِمَصْلَحَةٍ" يَعْنِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ لِمَصْلَحَةٍ "هُوَ" الْبَيَانُ "الْوَاجِبُ أَوْ4 الْمُسْتَحَبُّ، كَتَأْخِيرِهِ" لِلأَعْرَابِيِّ "الْمُسِيءِ فِي صَلاتِهِ إلَى ثَالِثِ مَرَّةٍ"5 وَلأَنَّ الْبَيَانَ

_ 1 شرح تنقيح الفصول ص282. 2 في ش: ما. 3 وتوضيح ذلك كما قال الشوكاني: أن من جوز التكليف بما لا يطاق، فهو يقول بجوازه فقط لا بوقوعه. فكان عدم الوقوع متفقاً عليه بين الطائفتين. ولهذا نقل أبو بكر الباقلاني أجماع أرباب الشرائع على امتناعه. "إرشاد الفحول ص173، وانظر تيسير التحرير 3/174، نشر البنود 1/280". 4 في ش ض ب: و. 5 حيث روى الشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل". فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل". ثلاثاً فال: والذي بعثك بالحق، فما أحسن غيره، فعلمني! فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". والحديث سبق تخريجه في ص430 من هذا الجزء.

إنَّمَا يَجِبُ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَاجِبِ الْمُؤَقَّتِ1 فِي وَقْتِهِ2. "وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ" أَيْ الْبَيَانِ "وَتَأْخِيرُ تَبْلِيغِهِ" أَيْ تَبْلِيغِ النَّبِيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ إلَى وَقْتِهَا" أَيْ وَقْتِ الْحَاجَةِ, حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ3, وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا4, فَهُوَ جَائِزٌ، وَوَاقِعٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُبَيَّنُ ظَاهِرًا يُعْمَلُ بِهِ، كَتَأْخِيرِ بَيَانِ التَّخْصِيصِ، وَبَيَانِ التَّقْيِيدِ، وَبَيَانِ النَّسْخِ أَوْ لا، كَبَيَانِ الْمُجْمَلِ. وَعَنْهُ لا يَجُوزُ ذَلِكَ5, وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ6. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مُجْمَلٌ إلاَّ وَالْبَيَانُ مَعَهُ، وَكَذَا غَيْرُ الْمُجْمَلِ. وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ -الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ- بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَنَّ

_ 1 في ش: الوقت. 2 انظر المسودة ص182. 3 انظر: نشر البنود 1/281، التمهيد للأسنوي ص130، المحصول ج1ق3/ 280، البرهان 1/166، روضة الناظر ص185، مختصر الطوفي ص119، العدة 3/725، الفقيه والمتفقه 1/122، التبصرة ص207، كشف الأسرار 3/108، اللمع ص29، تيسير التحرير 3/174ن نهاية السول 2/156، منهاج العقول 2/152، شرح تنقيح الفصول ص282، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/69، الآيات البينات 3/123، إرشاد الفحول ص174، الإحكام للآمدي 3/32، شرح العضد 2/164، المستصفى 1/368، فواتح الرحموت 2/49، الإحكام لابن حزم 1/75". 4 المسودة ص178. 5 انظر المسودة ص179. 6 انظر: نشر البنود 1/281، البرهان 1/166، روضة الناظر ص185، مختصر الطوفي ص119، العدة 3/725، المسودة ص179،المعتمد 1/342، إرشاد الفحول ص174، الإحكام للآمدي 3/32".

لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} 1 ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ2 أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ. وَلأَحْمَدَ 3وَأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ "أَنَّهُ لَمْ يُخَمِّسْهُ"4. وَلَمَّا أَعْطَى بَنِي الْمُطَّلِبِ مَعَ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، وَمَنَعَ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ سُئِلَ، فَقَالَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلَبِ "شَيْءٌ"5 وَاحِدٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ6. وَلأَحْمَدَ7 وَأَبِي دَاوُد8 وَالنَّسَائِيِّ9 بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ "إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي 10 فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إسْلامٍ" وَلَمْ يُنْقَلْ بَيَانُ إجْمَالٍ مُقَارِنٍ, وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ, وَالأَصْلُ عَدَمُهُ. "وَ" يَجُوزُ أَيْضًا "التَّدَرُّجُ11 بِالْبَيَانِ" بِأَنْ يُبَيِّنَ تَخْصِيصًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْمُحَقِّقِينَ12فَيُقَالُ مَثَلاً "اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ" ثُمَّ يُقَالَ

_ 1 الآية 41 من الأنفال. 2 صحيح البخاري 4/112، صحيح مسلم 3/1371. 3 في ش: وروى أحمد وأبو. 4 أي السلب. انظر بذل المجهود 12/314، مسند الإمام أحمد 4/90، 6/26. 5 زيادة من صحيح البخاري. 6 صحيح البخاري 4/111. 7 مسند الإمام أحمد 4/81. 8 بذل المجهود 13/282. 9 سنن النسائي 7/119، وكلمة "النسائي" ساقطة من ش. 10 في ش: يفارقونا. 11 في ش: التدرج. 12 انظر المستصفى 1/381، الإحكام للآمدي 3/49، نهاية السول 2/161، شرح العضد 2/167.

"سَلَخَ1 الشَّهْرُ" ثُمَّ يُقَالُ "الْحَرْبِيِّينَ" ثُمَّ يُقَالَ "إذَا كَانُوا رِجَالاً ". وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ2 فِي الْمُجْمَلِ, وَأَمَّا فِي الْعُمُومِ: فَعَلَى الْخِلافِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ إذَا عَلِمَ الْمُكَلَّفُ فِيهِ بَيَانًا مُتَوَقِّعًا. وَقِيلَ: لا يَجُوزُ مُطْلَقًا لأَنَّ قَضِيَّةَ الْبَيَانِ أَنْ يُكْمِلَهُ3 أَوَّلاً. وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ بِوُقُوعِهِ, وَالأَصْلُ عَدَمُ4 مَانِعٍ5. "وَ" عَلَى الْمَنْعِ6 "يَجُوزُ تَأْخِيرُ إسْمَاعِ مُخَصِّصٍ مَوْجُودٍ" عِنْدَنَا وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ7. وَمَنَعَهُ أَبُو الْهُذَيْلِ8 وَالْجُبَّائِيُّ.

_ 1 كذا في سائر النسخ. ولعل الصواب: إذا انسلخ. 2 ساقطة من ز. 3 في ز ض: يكلمه. 4 في ض: عدمه. 5 في ش: المانع. وفي ض: على المنع. 6 أي بناء على القول بمنع تأخير البيان إلى وقت الحاجة. "انظر شرح العضد 2/167". 7 انظر "شرح العضد 2/167، الإحكام للآمدي 3/9، المعتمد 1/360، نهاية السول 2/161، الآيات البينات 3/127 وما بعدها، المستصفى 2/152، فواتح الرحموت 2/51، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/73، تيسير التحرير 3/175، شرح تنقيح الفصول ص286، المحصول ج1ق3/ 334". 8 هو محمد بن الهذيل البصري، المعروف بالعلاف، مولى عبد القيس، أحد رؤوس المعتزلة وشيوخه، وصاحب المصنفات الكثيرة في مذهبهم. قال البغدادي: "وفضائحه تترى، تكفره فيها سائر فرق الأمة من أصحابه في الاعتزال من غيرهم". وذكر ابن النديم أنه لحقه في أخر عمره خرف، إلا أنه كان لا يذهب عليه أصول المذهب، ولكنه ضعف عن مناهضة المناظرين وحجاج المخالفين. توفي سنة 226هـ وقيل سنة 235 هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص254، الفهرست لابن النديم ص203، الفرق بين الفرق للبغدادي ص121، شذرات الذهب 2/85".

وَوَافَقَا1 عَلَى الْمُخَصِّصِ الْعَقْلِيِّ2. وَاسْتَدَلَّ الْمُجَوِّزُونَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ سَمَاعُهُ، بِخِلافِ الْمَعْدُومِ. وَسَمِعَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ3} 4 وَلَمْ تَسْمَعْ الْمُخَصِّصَ5, وَسَمِعَ الصَّحَابَةُ الأَمْرَ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ إلَى الْجِزْيَةِ6, وَلَمْ يَأْخُذْ عُمَرُ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِيِّ7 حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْهُمْ8 رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ9. "وَيَجِبُ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ، وَالْعَمَلُ بِهِ فِي الْحَالِ" يَعْنِي قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا10.

_ 1 في ش: ووافق. 2 انظر المعتمد 1/360. 3 في ش: أموالكم. 4 الآية 11 من النساء. 5 ولذلك طلبت ميراثها مما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعموم الآية. يوضح ذلك ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث, ما تركناه صدقة". "انظر صحيح البخاري 8/185، صحيح مسلم 3/1381، بذل المجهود 13/266، سنن النسائي 7/120". 6 في قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة/29. 7 لأنه لم يسمع مخصصه وهو قوله عليه الصلاة والسلام في شأن المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب". أخرجه مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. "الموطأ 1/278". في ش: المجوسي. 8 في صحيح البخاري: من مجوس هجر. 9 صحيح البخاري 4/117. 10 انظر المسودة ص109، العدة 2/525، روضة الناظر ص242، مختصر الطوفي ص105ن الرسالة للشافعي ص295، 322، 341.

وَمَحِلُّهُ: إنْ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى1 طَرِيقِ تَعْلِيمِ الْحُكْمِ، وَإِلاَّ فَلا لِمَنْعِ بَيَانِ2 تَأْخِيرِ تَأْخِيرِ التَّخْصِيصِ مِنْهُ. وَقِيلَ يَجِبُ ذَلِكَ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَإِلاَّ فَلا. وَعَنْهُ لا يَجِبُ اعْتِقَادُ3 الْعُمُومِ، حَتَّى يُبْحَثَ عَنْ الْمُخَصِّصِ4, اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ5. وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ مُوجِبٌ لِلاسْتِغْرَاقِ, وَالْمُخَصِّصَ مُعَارِضٌ وَالأَصْلُ عَدَمُهُ. وَمَثَارُ6 الْخِلافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: التَّعَارُضُ بَيْنَ الأَصْلِ وَالظَّاهِرِ, وَلَهُ مَثَارٌ7 آخَرُ, وَهُوَ أَنَّ التَّخْصِيصَ هَلْ هُوَ مَانِعٌ، أَوْ عَدَمُهُ شَرْطٌ؟! فَالصَّيْرَفِيُّ جَعَلَهُ مَانِعًا, فَالأَصْلُ8 عَدَمُهُ, وَابْنُ سُرَيْجٍ: جَعَلَهُ شَرْطًا, فَلا9 بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ

_ 1 في ش: عن. 2 ساقطة من ز. 3 ساقطة من ش. 4 فإن وجد، حمل اللفظ على الخصوص، وإن لم يوجد، حمل حينئذ على العموم. "العدة 2/526، المسودة ص109، روضة الناظر 242". 5 انظر "شرح العضد 2/168، الإحكام للآمدي 3/50، البرهان 1/408، المحصول ج1ق3/ 29، المستصفى 2/157، منهاج العقول 2/91، نهاية السول 2/92، اللمع ص15، التبصرة ص119، إرشاد الفحول ص139، فواتح الرحموت 2/267، تيسير التحرير 1/230". 6 في ش: ومثال. 7 في ش: مثال. 8 في ش: لأن الأصل. 9 في ش: ولا بد.

"وَكَذَا كُلُّ دَلِيلٍ مَعَ مُعَارِضِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِكُلِّ دَلِيلٍ سَمِعَهُ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ مُعَارِضِهِ فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ1. وَالْخِلافُ جَارٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي لَفْظِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ2. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى3 أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ سَمَاعِ الْحَقِيقَةِ طَلَبُ الْمَجَازِ.

_ 1 انظر المسودة ص110، 111. 2 انظر المستصفى 2/157. 3 ساقطة من ش.

باب الظاهر

باب الظاهر: "الظَّاهِرِ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ خِلافُ الْبَاطِنِ1, وَهُوَ "الْوَاضِحُ" الْمُنْكَشِفُ. وَمِنْهُ ظَهَرَ2 الأَمْرُ: إذَا اتَّضَحَ وَانْكَشَفَ3, وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ الشَّاخِصِ الْمُرْتَفِعِ4، كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الأَشْخَاصِ: هُوَ الْمُرْتَفِعُ الَّذِي تَبَادَرُ إلَيْهِ الأَبْصَارُ كَذَلِكَ فِي الْمَعَانِي. "وَ" الظَّاهِرُ "اصْطِلاحًا"5 أَيْ فِي اصْطِلاحِ الأُصُولِيِّينَ6 "مَا" أَيْ لَفْظٌ "دَلَّ دَلالَةً ظَنِّيَّةً وَضْعًا7" كَأَسَدٍ "أَوْ عُرْفًا" كَغَائِطٍ8.

_ 1 لسان العرب 4/523. 2في ش ز: ظهور. 3 معجم مقاييس اللغة 3/471، المصباح المنير 1/459. 4 لسان العرب 4/524. 5 انظر تعريفات الأصوليين للظاهر في "المسودة ص574، البرهان 1/416، الإشارات للباجي ص8، العدة 1/140، الحدود للباجي ص43، التعريفات للجرجاني ص76، شرح العضد 2/168، تيسير التحرير 1/136، أدب القاضي للماوردي 1/616، الإحكام للآمدي 3/52، الآيات البينات 3/98، حاشية البناني 2/52، فتح الغفار 1/112، إرشاد الفحول ص175، التلويح على التوضيح 1/124، كشف الأسرار 1/46، المستصفى 1/384، فواتح الرحموت 2/19، روضة الناظر ص178، مختصر الطوفي ص42، شرح تنقيح الفصول ص37، اللمع ص27، أصول السرخسي 1/163، شرح الحطاب على الورقات ص112". 6 في ش ز: علماء الأصول. 7 في ش: وصفاً. 8 أي للخارج المستقذر إذ غلب فيه بعد أن كان في الأصل للمكان المطمئن من الأرض. "شرح العضد 2/168".

فَالظَّاهِرُ الَّذِي يُفِيدُ مَعْنًى مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، فَبِسَبَبِ ضَعْفِهِ خَفِيَ, فَلِذَلِكَ سُمِّيَ اللَّفْظُ لِدَلالَتِهِ1 عَلَى مُقَابِلِهِ -وَهُوَ الْقَوِيُّ- ظَاهِرًا. كَالأَسَدِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ مَجَازًا, لَكِنَّهُ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ2. وَالْكَلامُ فِي دَلالَةِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ لِيَخْرُجَ الْمُجْمَلُ مَعَ الْمُبَيَّنِ؛ لأَنَّهُ -وَإِنْ أَفَادَ مَعْنًى لا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ- فَإِنَّهُ لا يُسَمَّى مِثْلُهُ نَصًّا. "وَالتَّأْوِيلُ لُغَةً: الرُّجُوعُ" وَهُوَ مِنْ آلَ يَئُولُ: إذَا رَجَعَ3.وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} 4 أَيْ طَلَبَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ مَصْدَرُ أَوَّلْت الشَّيْءَ، أَيْ5 فَسَّرْته، مِنْ آلَ إذَا رَجَعَ6؛ لأَنَّهُ رُجُوعٌ مِنْ الظَّاهِرِ إلَى ذَلِكَ الَّذِي آلَ إلَيْهِ فِي دَلالَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ تَأْوِيلَهُ} 7 أَيْ مَا يَئُول إلَيْهِ بَعْثُهُمْ8 وَنُشُورُهُمْ9. وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ "التَّأْوِيلُ" فِي الْمَعَانِي وَأَكْثَرُهُ فِي الْجُمَلِ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ "التَّفْسِيرُ" فِي الأَلْفَاظِ، وَأَكْثَرُهُ فِي الْمُفْرَدَاتِ. "وَ" التَّأْوِيلُ "اصْطِلاحًا: حَمْلُ" مَعْنًى "ظَاهِرِ" اللَّفْظِ10 "عَلَى" مَعْنًى

_ 1 في ع: دلالة. 2 في ز: ضعفه. 3 لسان العرب 11/32، معجم مقاييس اللغة 1/159، المصباح المنير 1/39. 4 الآية 7 من آل عمران. 5 في ش: أي. 6 لسان العرب 11/33. 7 الآية 53 من الأعراف. 8 في ش: لغيهم. 9 لسان العرب 11/33، معجم مقاييس اللغة 1/162. في ش: وتسورهم. 10 في ض ب ش: اللفظ.

"مُحْتَمَلٍ مَرْجُوحٍ"1. وَهَذَا يَشْمَلُ التَّأْوِيلَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ. "وَزِدْ2" فِي الْحَدِّ "لِصَحِيحِهِ3" أَيْ إنْ أَرَدْت أَنْ تَحِدَّ4 التَّأْوِيلَ الصَّحِيحَ -قَوْلَك "بِدَلِيلٍ" أَيْ حَمْلَهُ بِدَلِيلٍ "يُصَيِّرُهُ" أَيْ يُصَيِّرُ الْحَمْلَ "رَاجِحًا" عَلَى مَدْلُولِهِ الظَّاهِرِ، فَيَصِيرُ5 حَدُّ التَّأْوِيلِ الصَّحِيحِ: حَمْلَ ظَاهِرٍ عَلَى مُحْتَمَلٍ مَرْجُوحٍ بِدَلِيلٍ يَصِيرُ رَاجِحًا. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَمْلَ بِلا دَلِيلٍ مُحَقَّقٍ، لِشَبَهٍ6 يُخَيَّلُ لِلسَّامِعِ أَنَّهَا دَلِيلٌ وَ7عِنْدَ التَّحْقِيقِ تَضْمَحِلُّ, يُسَمَّى8 تَأْوِيلاً فَاسِدًا, وَأَنَّ حَمْلَ مَعْنَى اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ لا يُسَمَّى تَأْوِيلاً، وَكَذَا حَمْلُ "الْمُشْتَرَكِ" وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُتَسَاوِي9 عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ أَوْ مَحَامِلِهِ لِدَلِيلٍ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: "فَإِنْ قَرُبَ" التَّأْوِيلُ "كَفَى10 أَدْنَى مُرَجِّحٍ" نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:

_ 1انظر تعريفات الأصوليين للتأويل في "كشف الأسرار 1/44، المستصفى 1/387، إرشاد الفحول ص176، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/53، الآيات البينات 3/99، الإحكام للآمدي 3/52، تيسير التحرير 1/144، شرح العضد 2/169، التعريفات للجرجاني ص28، البرهان 1/511، الحدود للباجي ص48". 2 في ش: ورد. 3 في ش: تصحيحه. 4 في ش: بجد. وفي ب: أن تجد. 5 في ض: فيكون. 6 في ش ز: بل لنسبة. وفي ع: لشانه بل. 7ساقطة من ش. 8في ش ز: تسمى. 9 في ز: التساوي. 10 في ش: كعن.

{إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ} 1 أَيْ إذَا عَزَمْتُمْ عَلَى الْقِيَامِ. "وَإِنْ بَعُدَ" التَّأْوِيلُ مِنْ الإِرَادَةِ؛ لِعَدَمِ قَرِينَةٍ عَقْلِيَّةٍ أَوْ حَالِيَّةٍ، أَوْ مَقَالِيَّةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ "افْتَقَرَ" فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَصَرْفِهِ عَنْ الظَّاهِرِ "إلَى أَقْوَى" مُرَجِّحٍ. "وَإِنْ تَعَذَّرَ" الْحَمْلُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ "رُدَّ" التَّأْوِيلُ وُجُوبًا. "فَمِنْ" التَّأْوِيلِ "الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ "اخْتَرْ" وَفِي لَفْظٍ: "أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ" 2 عَلَى ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، أَوْ إمْسَاكِ الأَوَائِلِ" أَيْ ابْتِدَاءِ نِكَاحِ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ إنْ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ مَعًا، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ عَلَى إمْسَاكِ الأَرْبَعِ الأَوَائِلِ3. وَوَجْهُ4 بُعْدِهِ أَنَّ5 الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِالإِسْلامِ لَمْ يُخَيِّرْهُ، وَقَدْ خَيَّرَهُ وَالْمُتَبَادَرُ عِنْدَ السَّمَاعِ مِنْ الإِمْسَاكِ: الاسْتِدَامَةُ6، وَالسُّؤَالُ وَقَعَ عَنْهُ وَخَصَّ التَّزْوِيجَ فِيهِنَّ, وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ شُرُوطَ النِّكَاحِ مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، لِقُرْبِ إسْلامِهِ. وَأَيْضًا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ، وَلا عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ: أَنَّهُ جَدَّدَ النِّكَاحَ

_ 1 الآية 6 من المائدة. 2 أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني البيهقي والحاكم. "انظر بذل المجهود 10/378، عارضة الأحوذي 5/60، سنن ابن ماجه 1/628، سنن الدارقطني 3/269، سنن البيهقي 7/181، المستدرك 2/193". 3 انظر تيسير التحرير 1/145، فواتح الرحموت 2/31، الإحكام للآمدي 3/54، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/53، الآيات البينات 3/100، شرح العضد 2/169، المستصفى 1/390، البرهان 1/531، روضة الناظر ص178، مختصر الطوفي ص42. 4 في ش: ووجهه. 5 في ش: فإن. وفي ع ض ب: بأن. 6 في ز: والاستدامة.

وَأَيْضًا فَالابْتِدَاءُ مُحْتَاجٌ1 إلَى رِضَى مَنْ يَبْتَدِيهَا وَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: فَارِقْ الْكُلَّ وَابْتُدِئَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ شِئْت, فَيُضَيِّعُ قَوْلَهُ "اخْتَرْ أَرْبَعًا"؛ لأَنَّهُ قَدْ لا يَرْضَيْنَ2 أَوْ بَعْضُهُنَّ. وَأَيْضًا الأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاؤُهُ, وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الأَصْلِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: هَذَا الْحَدِيثُ لا تَأْوِيلَ فِيهِ وَلَوْ صَحَّ عِنْدِي لَقُلْت بِهِ. "وَأَبْعَدُ مِنْهُ" أَيْ مِنْ التَّأْوِيلِ السَّابِقِ تَأْوِيلُهُمْ "قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ أَسْلَمَ عَنْ3 أُخْتَيْنِ "اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا 4 شِئْت" عَلَى أَحَدِ الأَمْرَيْنِ"5 يَعْنِي عَلَى ابْتِدَاءِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا، إنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، أَوْ إمْسَاكِ الأُولَى مِنْهُمَا، إنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهُمَا مُفْتَرِقَتَيْنِ6. وَإِنَّمَا كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لأَنَّ النَّافِيَ لِلتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الأَوَّلِ: هُوَ الأَمْرُ الْخَارِجُ عَنْ اللَّفْظِ، وَهُوَ شَهَادَةُ الْحَالِ، وَهُنَا انْضَمَّ إلَى شَهَادَةِ الْحَالِ مَانِعٌ

_ 1 في شك محتاج. 2 في ش: لا يرضينه. 3 في ش: عن. 4 أخرجه بهذا اللفظ الترمذي من حديث فيروز الديلمي رضي الله عنه"عارضة الأحوذي 5/63" وأخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والبيهقي عن فيروز الديلمي أيضاً بلفظ "طلق أيتهما شئت". وفي رواية أخرى للدارقطني والبيهقي عن فيروز الديلمي قال: أسلمت وتحتي أختان، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسك أيتهما شئت، وأفارق الأخرى. "انظر بذل المجهود 10/384، سنن ابن ماجه 1/627، سنن الدارقطني 3/273، سنن البيهقي 7/184". 5 انظر تيسير التحرير 1/145، فواتح الرحموت 2/21، الإحكام للآمدي 3/55، شرح العضد 2/169، البرهان 1/531، المستصفى 1/390. 6 في ش: متفرقتين.

لَفْظًا1وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "أَيَّتَهُمَا شِئْتَ" فَإِنَّ بِتَقْدِيرِ2 نِكَاحِهِمَا عَلَى التَّرْتِيبِ تَعْيِينَ الأُولَى لِلاخْتِيَارِ وَ3لَفْظُ "أَيَّتَهُمَا شِئْت" يَأْبَاهُ. وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَأْوِيلٌ ثَالِثٌ فِي الْحَدِيثَيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ لَعَلَّهُ4 أَنْ يَكُونَ هَذَا كَانَ5 قَبْلَ حَصْرِ النِّسَاءِ فِي أَرْبَعٍ، وَقَبْلَ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا6 سَبَقَ. "وَ" تَأْوِيلُهُمْ أَيْضًا " إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا" 7 مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} 8 "عَلَى إطْعَامِ طَعَامِ سِتِّينَ". فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: لَوْ رَدَّدَهَا الْمُخْرِجُ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَتْهُ. قَالُوا: لأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ وَدَفْعُ حَاجَةِ سِتِّينَ كَحَاجَةِ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا, فَجَعَلُوا الْمَعْدُومَ -وَهُوَ: طَعَامٌ "9- مَذْكُورًا مَفْعُولاً بِهِ, وَالْمَذْكُورُ -وَهُوَ قَوْلُهُ "سِتِّينَ"- مَعْدُومًا لَمْ يَجْعَلُوهُ مَفْعُولاً بِهِ، مَعَ ظُهُورِ قَصْدِ الْعَدَدِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَتِهِمْ وَتَضَافُرِهِمْ10 عَلَى الدُّعَاءِ لِلْمُحْسِنِ, وَهَذَا لا يُوجَدُ فِي الْوَاحِدِ.

_ 1 في ع: لفظ. 2 في ش: تقدير. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: لعله. 5 ساقطة من ش ض. 6 في ش: لما. 7 الآية 4 من المجادلة. 8 انظر "المستصفى 1/400، الآيات البينات 3/10، تيسير التحرير 1/146، حاشية البناني 2/54، الإحكام للآمدي 3/57، شرح العضد 3/169، فواتح الرحموت 2/24، البرهان 1/555، أصول السرخسي 1/239 وما بعدها". 9 في ش: إطعام. 10 في ع ز ض ب: تظافرهم.

وَأَيْضًا حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ تَعْطِيلٌ لِلنَّصِّ، وَلِهَذِهِ الْحِكْمَةِ شُرِعَتْ الْجَمَاعَةُ فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا. وَأَيْضًا فَلا يَجُوزُ اسْتِنْبَاطُ مَعْنًى مِنْ النَّصِّ يَعُودُ عَلَيْهِ1 بِالإِبْطَالِ. "وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ" الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ مِنْ التَّأْوِيلِ "تَأْوِيلُهُمْ" مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد2 وَالتِّرْمِذِيِّ3 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي الْغَنَمِ: "فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ عَلَى قِيمَتِهَا" 4 أَيْ قِيمَةِ شَاةٍ5. قَالُوا: لأَنَّ انْدِفَاعَ الْحَاجَةِ كَمَا يَكُونُ بِالشَّاةِ يَكُونُ بِالْقِيمَةِ. وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى بُطْلانِ الأَصْلِ؛ لأَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ لَمْ تَجِبْ الشَّاةُ فَعَادَ هَذَا الاسْتِنْبَاطُ عَلَى النَّصِّ بِالإِبْطَالِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَرُدَّ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُبْطِلُوا إخْرَاجَ الشَّاةِ بَلْ قَالُوا بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الشَّاةِ وَقِيمَةِ الشَّاةِ وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ يَعُودُ بِالتَّعْمِيمِ، كَمَا فِي "وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ" 6 يَعُمُّ7 فِي الْخِرَقِ8 وَنَحْوِهَا، وَفِي "لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ

_ 1 في ع: إليه. 2 بذل المجهود 8/53. 3 عارضة الأحوذي 3/108. 4 انظر المستصفى 1/395، تيسير التحرير 1/146، الإحكام للآمدي 3/56، شرح العضد 2/169، فواتح الرحموت 2/22. 5 في ع: الشاة. 6أخرجه مسلم والنسائي والترمذي عن سلمان رضي الله عنه مرفوعاً، ولفظه "لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار". وأخرجه النسائي وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً بلفظ "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه ثلاثة أحجار فليستطب بها فإنها تجزئ عنه". "صحيح مسلم 1/224، سنن النسائي 1/38، عارضة الأحوذي 1/32، بذل المجهود 1/98". 7 في ش: ليعمم. وفي ز: يعمم. 8 في ض د: الخزف.

غَضْبَانُ" 1 يَعُمُّ2 فِي كُلِّ مَا يُشَوِّشُ الْفِكْرَ وَلا يَعُودُ بِالإِبْطَالِ. وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ الشَّارِعَ لَعَلَّهُ رَاعَى أَنْ يَأْخُذَ الْفَقِيرُ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْغَنِيِّ فَيَتَشَارَكَانِ3 فِي الْجِنْسِ فَتَبْطُلُ الْقِيمَةُ فَعَادَ بِالْبُطْلانِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبَابُ الزَّكَاةِ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ التَّعَبُّدِ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ4: وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ التَّقْدِيرُ "قِيمَةَ5 شَاةٍ" يَكُونُ قَوْلُهُمْ بِإِجْزَاءِ الشَّاةِ لَيْسَ بِالنَّصِّ: بَلْ بِالْقِيَاسِ فَيَتْرُكُ الْمَنْصُوصَ ظَاهِرًا وَيَخْرُجُ، ثُمَّ يَدْخُلُ بِالْقِيَاسِ، فَهَذَا6 عَائِدٌ بِإِبْطَالِ النَّصِّ لا مَحَالَةَ. اهـ. وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَبْعَدَ مِمَّا قَبْلَهُ: لأَنَّهُ7 يَلْزَمُ أَنْ لا تَجِبُ الشَّاةُ8 كَمَا تَقَدَّمَ, وَكُلُّ فَرْعٍ اُسْتُنْبِطَ مِنْ أَصْلٍ يَبْطُلُ بِبُطْلانِهِ. "وَ" تَأْوِيلُهُمْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد9 وَالتِّرْمِذِيُّ10 وَابْنُ مَاجَهْ11

_ 1 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وغيرهم عن أبي بكرة مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 9/82، صحيح مسلم 3/1343، سنن ابن ماجه 2/776، سنن الدارقطني 4/206، سنن النسائي 8/209، بذل المجهود 15/266، عارضة الأحوذي 6/77، سنن البيهقي 10/105". 2 في ش: ليعمم. وفي ع ب: يعمم. 3 في ع: فيشتركان. 4 في ش: البروي. 5 في ز: وقيمة. 6 في ش: يلزم. 7 في ش: أنه. 8 ساقطة من ض. 9 بذل المجهود 10/79. 10 عارضة الأحوذي 5/13. 11 سنن ابن ماجه 1/605.

وَالدَّارَقُطْنِيّ1 عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ2 نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" وَفِي رِوَايَةٍ "بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ". "عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ"3. وَوَجْهُ بُعْدِ هَذَا التَّأْوِيلِ: أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَيْسَتْ بِامْرَأَةٍ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَقَدْ أُلْزِمُوا بِسُقُوطِ هَذَا التَّأْوِيلِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا كَانَ الْعَقْدُ عِنْدَهُمْ صَحِيحًا لا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. فَلَمَّا أُلْزِمُوا بِذَلِكَ فَرُّوا إلَى حَمْلِهِ عَلَى الأَمَةِ فَأُلْزِمُوا بِبُطْلانِهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4: "فَلَهَا الْمَهْرُ" وَمَهْرُ الأَمَةِ إنَّمَا هُوَ5 لِسَيِّدِهَا6. فَفَرُّوا مِنْ ذَلِكَ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فَقِيلَ لَهُمْ: هُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ؛ لأَنَّ حَمْلَ صِيغَةِ الْعُمُومِ الصَّرِيحَةِ وَهِيَ "أَيْ"7 الْمُؤَكَّدَةُ بِمَا مَعَهَا فِي قَوْلِهِ "أَيُّمَا" عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ لا تَخْطُرُ بِبَالِ الْمُخَاطَبِينَ غَالِبًا فِي غَايَةِ الْبُعْدُ. "وَ" تَأْوِيلُهُمْ أَيْضًا "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ" رَوَاهُ أَبُو

_ 1 سنن الدارقطني 3/221. 2 في ش: أنكحت. 3 انظر "شرح العضد 2/170، الإحكام للآمدي 3/58، فواتح الرحموت 2/25، روضة الناظر ص179، مختصر الطوفي ص43، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/54، الآيات البينات 3/102، تيسير التحرير 1/147، البرهان 1/517، المستصفى 1/402". 4 في تتمة الحديث: "فإن دخل بها، فلها المهر بما استحل من فرجها". انظر مراجع تخريج الحديث السابقة. 5 ساقطة من ع. 6 في ز: للسيد. 7 ساقطة من ض.

دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ2، وَالنَّسَائِيُّ3 وَابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَلَى خِلافٍ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ "عَلَى" صَوْمِ "الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ"5 بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي صِحَّةِ الْفَرْضِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ6. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَجَعَلُوهُ كَاللُّغْزِ فِي حَمْلِهِمْ الْعَامَّ عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ فَإِنْ ثَبَتَ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْحُكْمِ7 بِدَلِيلٍ -كَمَا قَالُوا - فَلْيُطْلَبْ لِهَذَا الْحَدِيثِ تَأْوِيلٌ قَرِيبٌ عَنْ8 هَذَا التَّأْوِيلِ9 مِثْلُ نَفْيِ الْكَمَالِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ التَّأْوِيلِ السَّابِقِ10

_ 1 بذل المجهود 11/330. 2 عارضة الأحوذي 3/263. 3 سنن النسائي 4/166. 4 سنن ابن ماجه 1/542. 5انظر: المستصفى 1/409، تيسير التحرير 1/148، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/55، الآيات البينات 3/12، البرهان 1/525، الإحكام للآمدي 3/59، فواتح الرحموت 2/26، شرح العضد 2/171، روضة الناظر ص180، مختصر الطوفي ص43. 6 ساقطة من ع ض. 7 وهو صحة صوم الفرض بنية النهار. 8 في ش: من. 9 انظر مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/169، 171. 10ثم قال: "ولكنه مردود من وجهين. أحدهما: أنحمل اللفظ على نفي الكمال غير ممكن في القضاء والنذر، وهما من متضمنات الحديث، وإذا تعين حمل اللفظة على حقيقتها في بعض المسميات تعين ذلك في سائرها، فإن الإنسان الفصيح ذا الجد لا يرسل لفظة وهو يبغي حقيقتها من وجه ومجازها من وجه. فإن قالوا: ليس القضاء والنذر مقصودين كما ذكرتم. قلنا" نعم. ولكن الشاذ لا يعني باللفظ العام تخصيصاً واقتصاراً وانحصاراً عليه، ولا يمتنع أن يشمله العموم مع الأصول. والذي يحقق هذا أنه لو حمل لفظه على نوع من الصوم، ثم حمل فيه على نفي الكمال، لما كان اللفظ عاماً أصلاً، وكان مختصاً بنوع واحد، وهو من أعم الصيغ كما تقدم تقديره. والدليل عليه أن ما ذكروه من أن الرسول عليه السلام لم يرد القضاء والنذر مذهباً لذي مذهب، فإنه إذا امتنع قبول التأويل من غير دليل، فلأن يمتنع من غير مذهب أولى". "البرهان 1/528".

"وَ" تَأْوِيلُهُمْ أَيْضًا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ1 وَابْنُ حِبَّانَ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ" عَلَى التَّشْبِيهِ3 وَنَصَبُ4 "ذَكَاةَ أُمِّهِ" عَلَى تَقْدِيرِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ، فَنُصِبَ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ، وَهُوَ كَافُ التَّشْبِيهِ. قَالَ ابْنُ عَمْرُون5: تَقْدِيرُهُمْ حَذْفُ الْكَافِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ قَوْلِك: زَيْدٌ6 عَمْرًا، أَيْ كَعَمْرٍو وَأَيْضًا فَحَذْفُ حَرْفِ الْخَفْضِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى التَّوَسُّعِ فِيهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ وَهَذَا دَلِيلُ الْجَمَاعَةِ؛ لأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا يَكُونُ وَقْتًا لِلأَوَّلِ إذَا أَغْنَى الْفِعْلُ الثَّانِي عَنْ الأَوَّلِ.

_ 1 مسند الإمام أحمد 3/31، 39، 45، 53. 2 موارد الظمآن ص265. 3 أي مثل ذكاتها أو كذكاتها، فيكون المراد بالجنين "الحي" لحرمة الميت عند الإمام أبي حنيفة. انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/55، الآيات البينات 3/102" 4 في ش: ونصبوا. 5 هو محمد بن محمد بن علي بن عمرون الحلبي النحوي، أبو عبد الله، جمال الدين، قال الفيروزابادي: إمام في العربية، أقرأها مدة بحلب، وصنف "شرح المفصل ولم يتمه، توفي سنة 649 هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/231، البلغة في تاريخ أئمة اللغة ص246، طبقات النحاة واللغويين لابن قاض شهبة ص254". 6 في ش: زيداً.

وَيُرَجِّحُ هَذَا التَّقْدِيرَ مُوَافَقَتُهُ لِرِوَايَةِ الرَّفْعِ, لَكِنَّ الْجُمْهُورَ وَهِمُوا رِوَايَةَ النَّصْبِ وَقَالُوا: الْمَحْفُوظُ الرَّفْعُ كَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ1 وَغَيْرُهُ، إمَّا لأَنَّ "ذَكَاةَ" الأَوَّلَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ, وَ "ذَكَاةَ" الثَّانِيَ هُوَ الْمُبْتَدَأُ، أَيْ ذَكَاةُ أُمِّ الْجَنِينِ ذَكَاةٌ لَهُ، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ لِلْجَنِينِ مَزِيَّةٌ, وَحَقِيقَةُ الْجَنِينِ مَا كَانَ فِي الْبَطْنِ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُذَكَّى كَذَكَاةِ أُمِّهِ، بَلْ إنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ كَافِيَةٌ عَنْ تَذْكِيَتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ2 "ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ". "وَ"َ أْوِيلُهُمْ أَيْضًا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي آيَتَيْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ: {وَلِذِي الْقُرْبَى} 3: عَلَى الْفُقَرَاءِ" دُونَ الأَغْنِيَاءِ "مِنْهُمْ" أَيْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى4. قَالُوا: لأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْخَلَّةِ، وَلا خَلَّةَ مَعَ الْغِنَى5. فَعَطَّلُوا لَفْظَ الْعُمُومِ مَعَ ظُهُورِ أَنَّ الْقَرَابَةَ هِيَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَلَوْ مَعَ الْغِنَى، لِتَعْظِيمِهَا وَتَشْرِيفِهَا مَعَ إضَافَتِهِ بلاَّمُ التَّمْلِيكِ. وَلا يَلْزَمُنَا نَحْنُ الْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ ذَلِكَ فِي الْيَتِيمِ، لِلْخِلافِ فِيهِ. فَإِنْ عَلَّلُوا بِالْفَقْرِ وَلَمْ تَكُنْ قَرَابَةٌ عَطَّلُوا لَفْظَ "ذِي الْقُرْبَى"، وَإِنْ

_ 1 معالم السنن 4/121. 2 الحديث بهذا اللفظ غير موجود في السنن الكبرى للبيهقي، وقد جاء فيها نص قريب منه عن ابن عمر موقوفاً: "إذا نحرت الناقة فذكاة ما في بطنها في ذكاتها إذا كان قد تم خلقه ونبت شعره، وإذا خرج من بطنها حياً، ذبح حتى يخرج الدم من جوفه". "انظر السنن الكبرى 9/335". 3 الآية 41 من الأنفال. والآية 7 من الحشر. 4 انظر: البرهان 1/553، تيسير التحرير 1/148، المستصفى1/407، الإحكام للآمدي 3/60، فواتح الرحموت 2/28، شرح العضد 2/171. 5 في ع: الغناء.

اعْتَبِرُوهُمَا مَعًا فَلا يَبْعُدُ وَغَايَتُهُ: تَخْصِيصُ عُمُومٍ، كَمَا فَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَخْصِيصِ الْيَتَامَى بِذَوِي الْحَاجَةِ. "وَ" مِنْ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ "الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ" مَتْنَ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ1 وَأَبُو دَاوُد2 وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ3 وَالطَّبَرَانِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ4 - وَقَالَ: لا نَعْرِفُهُ مُسْنَدًا إلاَّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ5 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَرُوِيَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ، وَمِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ6 وَهُوَ "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ" عَلَى عَمُودَيْ نَسَبِهِ"7. وَإِنَّمَا كَانَ بَعِيدًا: لِقِصَرِ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَدْلُولاتِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَظُهُورِ قَصْدِهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى حُرْمَةِ الْمَحْرَمِ وَصِلَتِهِ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 بذل المجهود 16/282. 3 سنن ابن ماجه 2/843. 4 تحفة الأحوذي 4/603. 5 المراد به هنا: الإمام الحافظ حماد بن سلمة بن دينار البصري، أبو سلمة. قال ابن المبارك: دخلت البصرة فما رأيت أحد أشبه بمالك الأول من حماد بن سلمة، وقال ابن معين: من خالف حماد بن سلمة في ثابت، فالقول قول حماد. توفي سنة 167هـ. "انظر ترجمته في طبقات الحفاظ للسيوطي ص87، تذكرة الحفاظ 1/02، شذرات الذهب 1/262، حلية الأولياء 6/249". 6 عبارة الترمذي في سننه بعد ذكر الحديث: "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة. وقد روى عضهم هذا الحديث عن قتادة عن الحسن عن عمر. شيئاً من هذا". "انظر تحفة الأحوذي 4/603". 7 وهم الأصول والفروع. انظر تحقيق المسألة في "البرهان 1/539، المستصفى 1/405، الآيات البينات 3/106، الإحكام للآمدي 3/60، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/57".

قَالَ الْكُورَانِيُّ: فَإِنْ قُلْت لِمَا1 وَجَّهَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، إذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّأْوِيلُ صَحِيحًا عِنْدَكُمْ؟ قُلْت: لَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ لا يَزُولُ إلاَّ بِالْعِتْقِ قَاسَ عِتْقَ الأُصُولِ وَالْفُرُوعِ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ، إذْ لا تَجِبُ عِنْدَهُ إلاَّ لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْوَارِدِ فِي مُسْلِمٍ2 "لا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلاَّ أَنْ يَجِدَهُ عَبْدًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ" أَيْ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَقَدْ وَافَقَهُ الْخَصْمُ عَلَى هَذَا، وَبِالآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي عِتْقِ الْوَلَدِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} 3 وَجْهُ الدَّلالَةِ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَبْطَلَ إثْبَاتَ الْوَلَدِيَّةِ بِإِثْبَاتِ الْعُبُودِيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهُمَا لا يَجْتَمِعَانِ.

_ 1 في ش: لما. 2 صحيح مسلم 2/1148. 3 الآية 26 من النساء.

باب المنطوق والمفهوم

بَابُ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ: أَمَّا الْمَنْطُوقُ: فَهُوَ الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ النُّطْقُ بِهِ. وَأَمَّا الْمَفْهُومُ: فَهُوَ الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادُ مِنْ حَيْثُ السُّكُوتُ اللاَّزِمُ لِلَّفْظِ. فَإِذًا "الدَّلالَةُ" أَيْ دَلالَةُ اللَّفْظِ "تَنْقَسِمُ إلَى مَنْطُوقٍ وَهُوَ" أَيْ الْمَنْطُوقُ "مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظٌ فِي مَحَلِّ نُطْقٍ"1. وَهُوَ نَوْعَانِ: صَرِيحٌ، وَغَيْرُ صَرِيحٍ. ثُمَّ الصَّرِيحُ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "فَإِنْ وُضِعَ لَهُ" أَيْ وُضِعَ اللَّفْظُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى "فَصَرِيحٌ" سَوَاءٌ كَانَتْ دَلالَةَ2 مُطَابَقَةٍ أَوْ تَضَمُّنٍ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا3. النَّوْعُ الثَّانِي: غَيْرُ الصَّرِيحِ 4 وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِنْ لَزِمَ عَنْهُ"

_ 1 انظر تعريفات الأصوليين للمنطوق في "إرشاد الفحول ص178، تيسير التحرير 1/91، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/235، الآيات البينات 2/2، شرح العضد 2/171، نشر البنود 1/89، 91، الإحكام للآمدي 3/66، فواتح الرحموت 1/413، منهاج العقول 1/309، 311". 2 في ض: دلالته. 3 انظر: منهاج العقول 1/311، فواتح الرحموت 1/413، إرشاد الفحول ص178، تيسير التحرير 1/92، شرح العضد 2/171. 4 في ش ز: صريح.

أَيْ لَزِمَ الْمَعْنَى عَنْ اللَّفْظِ بِأَنَّ دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ "فَغَيْرُهُ" أَيْ فَغَيْرُ صَرِيحٍ. وَتُسَمَّى هَذِهِ الدَّلالَةُ: دَلالَةَ الْتِزَامٍ وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: اقْتِضَاءٍ وَإِشَارَةٍ، وَتَنْبِيهٍ وَيُسَمَّى التَّنْبِيهُ: إيمَاءً1. لأَنَّ الْمَعْنَى إمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ مُتَضَمِّنًا لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِدْقُ اللَّفْظِ، أَوْ لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ2 عَقْلاً، أَوْ لِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ3 شَرْعًا، أَوْ لا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ. فَالأَوَّلُ: وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِنْ قَصَدَ وَتَوَقَّفَ الصِّدْقُ عَلَيْهِ كَ" قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ" 4 فَإِنَّ ذَاتَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ لَمْ يَرْتَفِعَا، فَيَتَضَمَّنُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ مِنْ الإِثْمِ أَوْ5 الْمُؤَاخَذَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ الصِّحَّةُ عَقْلاً" أَيْ مَا يَتَضَمَّنُ6 مَا تَتَوَقَّفُ7 عَلَيْهِ الصِّحَّةُ8 عَقْلاً نَحْوُ9 قَوْله تَعَالَى: {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي 10 كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي

_ 1 انظر: شرح العضد 2/172، تيسير التحرير 1/92 وما بعدها، فواتح الرحموت 1/413، إرشاد الفحول ص178. 2 ساقطة من ز. 3 ساقطة من ع ض ب. 4 سبق تخريجه في ج1 ص512. 5 في ش ز: و. 6 في ز: مالم يتضمن. 7 في ش ز: يتوقف. 8 ساقطة من ش. 9 في ش: نحو قوله تعالى. 10 في ع: أي التي.

أَقْبَلْنَا فِيهَا} 1 أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَأَهْلَ الْعِيرِ، فَإِنَّهُ إذْ2 لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَقْلاً؛ إذْ الْقَرْيَةُ وَالْعِيرُ لا يُسْأَلانِ. وَمِثْلُهُ3 {أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} 4 أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ. وَمِثْلُهُ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 5 أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ6. وَالثَّالِثُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ شَرْعًا" أَيْ مَا يَتَضَمَّنَ7 مَا تَتَوَقَّفُ8 عَلَيْهِ صِحَّتُهُ شَرْعًا "كَ" قَوْلِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِمَنْ يَمْلِكُ عَبْدًا "أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي" عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلاً، أَوْ أَعْتِقْهُ عَنَى مَجَّانًا. فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ فِي الصُّورَةِ الأُولَى إذَا أَعْتَقَهُ: بَيْعٌ ضِمْنِيٌّ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ: هِبَةٌ ضِمْنِيَّةٌ لاسْتِدْعَاءِ9 سَبْقِ الْمِلْكِ؛ لِتَوَقُّفِ 10الْعِتْقِ عَلَيْهِ. "فَ" الدَّلالَةُ فِي صُوَرِ11 الْمَتْنِ الثَّلاثِ "دَلالَةُ اقْتِضَاءٍ" لاقْتِضَائِهَا شَيْئًا زَائِدًا عَلَى اللَّفْظِ 12.

_ 1 الآية 82 من يوسف. 2 في ش: فإنه إذا. 3 في د: ومثلهما. 4 الآية 63 من الشعراء. 5 الآية 184 من البقرة. 6 ساقطة من ع ض ب. 7 في ش: تضمن. 8 في ش: يتوقف. 9 في ض: لا ستدعائه. 10 في د: المتوقف. 11 في ع: صورة. 12 انظر "الإحكام للآمدي 3/64، المستصفى 2/186، الآيات البينات 2/8، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/239 تيسير التحرير 1/91، كشف الأسرار 1/75، فتح الغفار 2/47، إرشاد الفحول ص178، روضة الناظر ص262، شرح تنقيح الفصول ص53، 55، شرح العضد 2/172، نشر البنود 1/92، فواتح الرحموت 1/413، منهاج العقول 1/310 وما بعدها، المحصول ج1ق1/318 وما بعدها، أصول السرخسي 1/248 وما بعدها، نهاية السول 1/313".

الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ دَلالَةُ الإِشَارَةِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ" أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادُ مِنْ اللَّفْظِ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ1. كَمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ" قِيلَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ؟ قَالَ: "تَمْكُثُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمُرِهَا لا تُصَلِّي" 2 لَمْ يَقْصِدْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ، لَكِنَّهُ لَزِمَ مِنْ اقْتِضَاءِ الْمُبَالَغَةِ إفَادَةُ ذَلِكَ. وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} 3 مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} 4 فَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَكَذَا 5قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ} 6 فَإِنَّهُ

_ 1 انظر "إرشاد الفحول ص187، فتح الغفار 2/44، كشف الأسرار 1/68، تيسير التحرير 1/87، فواتح الرحموت 1/407، 413، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/239، الآيات البينات 2/14، المستصفى 2/188، الإحكام للآمدي 3/65، التمهيد للأسنوي ص65، شرح العضد 2/172، نشر البنود 1/93، منهاج العقول 1/312، أصول السرخسي 1/236 وما بعدها". 2 سيق تخريجه في ج1 ص86. 3 الآية 15 من الأحقاف. 4 الآية 14 من لقمان. 5 ساقطة من ع ض. 6 الآية 187 من البقرة.

يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الإِصْبَاحِ جُنُبًا وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الاسْتِنْبَاطَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ1 مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ2. "فَ" هَذَا كُلُّهُ "دَلالَةُ إشَارَةٍ". وَ 3 الْقِسْمُ الثَّالِثُ: دَلالَةُ التَّنْبِيهِ، 4وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ" أَيْ5 اللَّفْظُ عَلَى شَيْءٍ يُقَدَّرُ "وَاقْتَرَنَ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِتَعْلِيلِهِ" أَيْ لِتَعْلِيلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ "كَانَ" ذَلِكَ الاقْتِرَانُ "بَعِيدًا" مِنْ6 فَصَاحَةِ كَلامِ الشَّارِعِ، لِتَنَزُّهِ كَلامِهِ عَنْ الْحَشْوِ الَّذِي لا فَائِدَةَ فِيهِ "فَتَنْبِيهٌ"7 أَيْ8 فَدَلالَةُ9 تَنْبِيهٍ "وَيُسَمَّى" التَّنْبِيهُ "إيمَاءً"10. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ11 "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلِيَتَوَضَّأْ" 12

_ 1 في ع: الفرضي. 2 هو محمد بن كعب بن سليم القرظي، أبو حمزة، من فضلاء أهل المدينة، كان أبوه من سبي قريظة. روى عن العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طال وابن مسعود وغيرهم. توفي سنة 108هـ، وقيل سنة 117هـ. "انظر ترجمته في الجرح والتعديل 8/67، تهذيب التهذيب 9/420، اللباب في تهذيب الأنساب 3/26، تاريخ يحيى بن معين 2/536". 3 ساقطة من ش ز. 4 في ع: قوله. 5 ساقطة من ع ض ب 6 في ع: منه. 7 ساقطة من ع ض ب. 8 ساقطة من ع ض ب. 9 في ع: فدلالته ذا. وفي ض: فدلالة ذا. 10 انظر: إرشاد الفحول ص178، الإحكام للآمدي 3/64، روضة الناظر 262 وما بعدها، شرح العضد 2/172، نشر البنود 1/93، فواتح الرحموت 1/413. 11 في ع ب: ومن أمثلة ذلك نحو. وفي ض: نحو. 12 سبق تخريجه في ج2 ص367.

1وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُفَصَّلاً فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ2 مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ. "وَالنَّصُّ الصَّرِيحُ" مِنْ اللَّفْظِ3 زَادَ الْقَاضِي4 وَابْنُ الْبَنَّاءِ: وَإِنْ اُحْتُمِلَ غَيْرُهُ. وَقَالَ الْمَجْدُ: مَا أَفَادَ الْحُكْمَ يَقِينًا أَوْ ظَاهِرًا وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا5. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ: مَا أَفَادَ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ بِلا احْتِمَالٍ، أَوْ بِاحْتِمَالٍ6 لا دَلِيلَ عَلَيْهِ7. وَيُطْلَقُ عَلَى الظَّاهِرِ قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَلا مَانِعَ مِنْهُ فَإِنَّهُ فِي اللُّغَةِ: الظُّهُورُ. فَالنَّصُّ لُغَةً8: الْكَشْفُ وَالظُّهُورُ, وَمِنْهُ: نَصَّتْ الظَّبْيَةُ رَأْسَهَا: أَيْ9

_ 1 ساقطة من ع. 2 في ض: اللغة. 3 انظر تعريفات الأصوليين للنص في "إرشاد الفحول ص178، الآيات البينات 2/4، البرهان 1/412 وما بعدها، نشر البنود 1/90 وما بعدها، مختصر الطوفي ص42، المستصفى 1/336، 384 وما بعدها، الحدود للباجي ص42، التعريفات للجرجاني ص126، أدب القاضي للماوردي 1/616، المحصول ج1ق1/316، أصول السرخسي 1/164، الحطاب على الورقات ص111، العدة 1/137، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/236". 4 العدة 1/138. 5 المسودة ص574. 6 في ز د ع ب ض: احتمال. 7 روضة الناظر ص177. 8 في ع ض ب: في اللغة. 9 في ش: إذا.

رَفَعَتْهُ وَأَظْهَرَتْهُ وَمِنْهُ: مِنَصَّةُ الْعَرُوسِ, قَالَهُ1 الْمُطَرِّزِيُّ2. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ: حَدُّ النَّصِّ فِي الشَّرْعِ3: مَا عَرِيَ4 لَفْظُهُ عَنْ الشَّرِكَةِ، وَمَعْنَاهُ عَنْ الشَّكِّ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: لِلنَّصِّ ثَلاثُ اصْطِلاحَاتٍ أَحَدُهَا: مَا لا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ, وَالثَّانِي: مَا احْتَمَلَهُ احْتِمَالاً مَرْجُوحًا كَالظَّاهِرِ، وَهُوَ الْغَالِبُ فِي إطْلاقِ الْفُقَهَاءِ, وَالثَّالِثُ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى كَيْفَ "مَا"5 كَانَ6 اهـ.

_ 1 في ع: قال. 2 المغرب للمطرزي ص453. والمطرزي: هو ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي الخوارزمي الحنفي، أبو الفتح، قال اللكنوي: "كان إماماً في الفقه والعربية واللغة، رأساً في الاعتزال، لسان البرهان، سحبان البيان، عديم النظر في الفقه وأصوله". من مؤلفاته "المغرب" في لغات الفقه و "الإيضاح" شرح مقامات الحريري و "الإقناع" في اللغة و "مختصر إطلاق المنطق" توفي سنة 610هـ وقيل 616هـ. "انظر ترجمته في الفوائد البيهة ص218، طرب الأماثل بتراجم الأفاضل ص306، بغية الوعاة 2/311، الجواهر المضيئة 2/1920، هدية العارفين 2/488". 3 في ش ز: في الشرع. 4 في ز ض: ماعرا، وفي ش: ماعدا. 5 زيادة من تنقيح الفصول. 6 هذا مختصر كلام القرافي في "تنقيح الفصول" مع بعض التحريف، وتمامه: "والنص فيه ثلاثة اصطلاحات. قيل: مادل على معنى قطعاً ولا يحتمل غيره قطعاً، كأسماء الأعداد. وقيل: مادل على معنى قطعاً وإن احتمل غيره. كصيغ الجموع في العموم، فإنها تدل على أقل الجمع قطعاً، وتحتمل الاستغراق، وقيل: مادل على معنى كيف ما كان. وهو غالب استعمال الفقهاء". ثم شرح القرافي كلامه هذا فقال: "فإذا قلنا" اللفظ إما نص أو ظاهر" فمرادنا القسم الأول. وأما الثالث فهو غالب الألفاظ، وهو غالب استعمال الفقهاء. يقولون "نص مالك على كذا" أو "لنا في المسألة النص والمعنى" ويقولون "نصوص الشريعة متضافرة بذلك". وأما القسم الثاني فهو كقوله تعالى: {اقتلوا المشركين} فإنه يقتضي قتل اثنين جزماً فهو نص في ذلك مع احتماله لقتل جميع المشركين". "انظر شرح تنقيح الفصول ص36 وما بعدها".

"وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ" النَّصُّ "تَأْوِيلاً فَ" هُوَ "مَقْطُوعٌ بِهِ" أَيْ بِدَلالَتِهِ. "وَإِلَى مَفْهُومٍ"1 مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ "إلَى مَنْطُوقٍ" يَعْنِي أَنَّ الدَّلالَةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَنْطُوقٍ -وَتَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَيْهِ-، وَإِلَى مَفْهُومٍ. "وَهُوَ" أَيْ الْمَفْهُومُ "مَا دَلَّ عَلَيْهِ" لَفْظٌ2 "لا فِي مَحَلِّ نُطْقٍ"3. وَإِذَا كَانَ الْمَفْهُومُ فِي4 الأَصْلِ لِكُلِّ مَا فُهِمَ مِنْ نُطْقٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لأَنَّهُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الْفَهْمِ لَكِنْ اصْطَلَحُوا عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهَذَا، وَهُوَ الْمَفْهُومُ الْمُجَرَّدُ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَى النُّطْقِ، لَكِنْ فُهِمَ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهُ بَلْ 5لَهُ اسْتِنَادٌ إلَى طَرِيقٍ عَقْلِيٍّ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِفَادَةِ الْحُكْمِ مِنْ الْمَفْهُومِ مُطْلَقًا: هَلْ هُوَ 6بِدَلالَةِ الْعَقْلِ مِنْ جِهَةِ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ، أَمْ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللَّفْظِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ7: قَطَعَ أَبُو الْمَعَالِي فِي الْبُرْهَانِ بِالثَّانِي8، فَإِنَّ اللَّفْظَ9 لا يُشْعِرُ

_ 1 في ع ض ب: عطف على. 2 ساقطة من ش. 3 انظر تعريفات الأصوليين للمفهوم في "إرشاد الفحول ص178، الإحكام للآمدي 3/66، نشر البنود 1/94، تيسير التحرير 1/91، شرح العضد/171، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/240، الآيات البينات 2/15، فواتح الرحموت 1/413، المستصفى 2/191، منهاج العقول". 4 في ع: من. 5 في ض: استناداً. 6 في ع: دلالة الفعل، وفي ز ض ب: بدلالة الفعل. 7 انظر المحصول ج1 ق2/654، المستصفى 2/70، 212. 8 البرهان 1/448. 9 في ض ب: الحكم.

بِذَاتِهِ1، وَإِنَّمَا دَلالَتَهُ بِالْوَضْعِ وَلا شَكَّ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَضَعْ اللَّفْظَ لِيَدُلَّ عَلَى شَيْءٍ مَسْكُوتٍ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا يُشْعِرُ بِهِ بِطَرِيقٍ الْحَقِيقَةِ، أَوْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، وَلَيْسَ الْمَفْهُومُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَلا خِلافَ أَنَّ دَلالَتَهُ لَيْسَتْ وَضْعِيَّةً2، إنَّمَا هِيَ إشَارَاتٌ ذِهْنِيَّةٌ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَالْمَفْهُومُ نَوْعَانِ, أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَالثَّانِي: مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ، أُشِيرَ 3إلَى أَوَّلِهِمَا بِقَوْلِهِ: "فَإِنْ وَافَقَ" 4أَيْ وَافَقَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ الْمَنْطُوقَ فِي الْحُكْمِ "فَ" هُوَ "مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ5، وَيُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنَهُ" أَيْ لَحْنَ الْخِطَابِ. فَلَحْنُ الْخِطَابِ مَا لاحَ فِي أَثْنَاءِ اللَّفْظِ "وَ"يُسَمَّى أَيْضًا "مَفْهُومَهُ" أَيْ مَفْهُومَ الْخِطَابِ. قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى6 فِي الْعُدَّةِ7، وَأَبُو الْخَطَّابُ فِي التَّمْهِيدِ.

_ 1 في ش: بذاته دائماً. 2 في ش: وصفية. 3 في ش ز: للأول منهما. 4 ساقطة من ض ب. 5 انظر تعريفات الأصوليين لمفهوم الموافقة وكلامهم على شرطه وما يرادفه في "العدة 1/152 وما بعدها، المسودة ص350، التمهيد للأسنوي ص65، البرهان 1/449، تيسير التحرير 1/94، مختصر الطوفي ص121، الإحكام للآمدي 3/66، اللمع ص25، إرشاد الفحول ص178، فواتح الرحموت 1/414، نشر البنود 1/95، شرح العضد 2/172، روضة الناظر ص263، التعريفات للجرجاني ص117، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/240، الآيات البينات 2/15، المستصفى 2/191، شرح تنقيح الفصول ص54". 6 ساقطة من ش. 7 العدة 1/152 وما بعدها.

"وَشَرْطُهُ" أَيْ شَرْطُ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ1 "فَهْمُ الْمَعْنَى" مِنْ اللَّفْظِ "فِي مَحَلِّ النُّطْقِ" وَ "أَنَّهُ" أَيْ الْمَفْهُومُ "أَوْلَى" مِنْ الْمَنْطُوقِ "أَوْ مُسَاوٍ" لَهُ. وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّي الأَوْلَوِيَّ بِفَحْوَى2 الْخِطَابِ، وَالْمُسَاوِيَ بِلَحْنِ الْخِطَابِ3. فَمِثَالُ الأَوْلَوِيِّ: مَا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ4؛ كَدَلالَةِ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ؛ لأَنَّهُ أَشَدُّ. وَمِثَالُ الْمُسَاوِي: تَحْرِيمُ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} 5 فَالإِحْرَاقُ مُسَاوٍ لِلأَكْلِ بِوَاسِطَةِ الإِتْلافِ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَقِيلَ: إنَّ الْفَحْوَى: مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، وَاللَّحْنُ: مَا يَكُونُ مُحَالاً عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ فِي الأَصْلِ وَالْوَضْعِ6. إذَا عَرَفَتْ ذَلِكَ: فَتَحْرِيمُ الضَّرْبِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 7 مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالأَدْنَى، وَهُوَ التَّأْفِيفُ، عَلَى الأَعْلَى، وَهُوَ الضَّرْبُ،

_ 1 في ش: المطابقة لموافقة. 2 في ع ب: فحوى. 3 انظر: نشر البنود1/96، الآيات البينات 2/16، أدب القاضي للماوردي 1/617، إرشاد الفحول 178، حاشية البناني 1/241. 4 في د: الأولى. وفي ب: الأولى والقطع. 5 الآية 10 من النساء. 6 انظر: أدب القاضي للماوردي 1/617، إرشاد الفحول ص178. 7 الآية 23 من الإسراء. وهي غير موجودة في ع ض ب، وقد أثبت بدلاً عنها: آية التأفيف. وفي ش: ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما.

وَتَأْدِيَةُ مَا دُونَ الْقِنْطَارِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْكَ} 1 مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالأَعْلَى، وَهُوَ تَأْدِيَةُ الْقِنْطَارِ، عَلَى الأَدْنَى وَهُوَ تَأْدِيَةُ مَا دُونَهُ2. "وَهُوَ" أَيْ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ "حُجَّةٌ"3. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا؛ لِتَبَادُرِ فَهْمِ الْعُقَلاءِ إلَيْهِ4, وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ دَاوُد. "وَدَلالَتُهُ لَفْظِيَّةٌ" عَلَى الصَّحِيحِ. نَصَّ5 عَلَيْهِ6 الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ7 أَصْحَابِنَا8، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْحَنَفِيَّةُ9 وَالْمَالِكِيَّةُ10 وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ11 وَجَمَاعَةٌ مِنْ

_ 1 الآية 75 من آل عمران. 2 انظر العدة 2/480. 3 انظر: الإحكام للآمدي 3/67 وما بعدها 3/71، المسودة ص346، إرشاد الفحول ص179. 4 ساقطة من ش. 5 في ش: مضى. 6 في ش ز: على ذلك. 7 في ش: من. 8 انظر: العدة 1/153، روضة الناظر ص263 وما بعدها، المسودة ص346. 9 انظر: تيسير التحرير 1/94، فتح الغفار 2/45، كشف الأسرار 1/73، التلويح على التوضيح 1/131، فواتح الرحموت 1/408، أصول السرخسي 1/241. 10 انظر: الإشارات للباجي ص92، نشر البنود 1/96، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/172 وما بعدها. 11 انظر: المستصفى 2/190، 212، اللمع ص25، الآيات البينات 2/20، شرح العضد 2/173، الإحكام للآمدي 3/67 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/243.

الْمُتَكَلِّمِينَ1. وَسَمَّاهُ الْحَنَفِيَّةُ دَلالَةَ النَّصِّ2، وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ يُفْهَمُ لُغَةً قَبْلَ شَرْعِ الْقِيَاسِ؛ وَلانْدِرَاجِ3 أَصْلِهِ4 فِي فَرْعِهِ، نَحْوَ لا تُعْطِهِ ذَرَّةً5، وَيَشْتَرِكُ فِي فَهْمِهِ اللُّغَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِلا قَرِينَةٍ. وَقِيلَ: إنَّ دَلالَتَهُ قِيَاسِيَّةٌ6، وَعَلَى كَوْنِهَا لَفْظِيَّةً، فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا "فُهِمَتْ مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ" وَهُوَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ7 وَالآمِدِيِّ8. وَالْمُرَادُ9 بِالْقَرَائِنِ هُنَا: الْمُفِيدَةُ لِلدَّلالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، لا الْمَانِعَةُ مِنْ إرَادَتِهِ؛ لأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَلا 10 تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 11

_ 1 انظر إرشاد الفحول ص178. 2 انظر: تيسير التحرير 1/90، كشف الأسرار 1/73، فتح الغفار 2/45، التلويح على التوضيح 1/131، فواتح الرحموت 1/408، أصول السرخسي 1/241. 3 في ع: الاندراج. 4 في ع: أصل. 5 فيدل على عدم إعطاء الأكثر، إذ الذرة داخلة في الأكثر. "شرح العضد 2/172". وفي ش: ذرية. 6 انظر: اللمع ص25. المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/242، الآيات البينات 2/20، الإحكام للآمدي 3/68، إرشاد الفحول ص178، شرح العضد 2/173، نشر البنود 1/97، المسودة ص348، روضة الناظر ص263، مختصر الطوفي ص122. 7 المستصفى 2/190. 8 الإحكام في أصول الأحكام 3/67. 9 في ع ض ب: هنا والمراد. 10 في سائر النسخ: ولا. 11 الآية 23 من الإسراء.

1وَنَحْوَهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ غَايَتُهُ أَنَّهُ2 عُلِمَ مِنْهُ حُرْمَةُ الضَّرْبِ بِقَرَائِنِ الأَحْوَالِ وَسِيَاقِ الْكَلامِ3. وَاللَّفْظُ لا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَجَازًا كَالتَّعْرِيضِ4. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّفْظَ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْمَعْنَى الالْتِزَامِيِّ5 الَّذِي هُوَ الضَّرْبُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى6: {فَلا 7 تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} . قَالَ الْكُورَانِيُّ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: إنَّهُ بَاطِلٌ؛ لأَنَّ الْمُفْرَدَاتِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ بِلا رَيْبٍ، مَعَ8 إجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى9 أَنَّ فِي الأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلْحَاقَ الْفَرْعِ بِأَصْلٍ10، وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي أَنَّ11 ذَلِكَ بِالشَّرْعِ12 أَوْ بِاللُّغَةِ. وَ13عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا: قِيَاسٌ جَلِيٌّ14؛ لأَنَّهُ لَمْ

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ض: إن. 3 انظر البرهان 1/451، إرشاد الفحول ص178. 4 ساقطة من ز. 5 في ض: الالتزامي كالتعريض. 6 ساقطة من ع. 7 في سائر النسخ: ولا. 8 في ش: من. 9 في ش: على أن في إجماع السلف على. 10 في ض د: بالأصل. 11 في ش: أصل. 12 في ع ض ب: في الشرع. 13 ساقطة من ع ب. 14 انظر "المسودة ص348، روضة الناظر ص263، مختصر الطوفي ص122، اللمع ص25، الآيات البينات 2/20، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/242، إرشاد الفحول ص178، أدب القاضي للماوردي 1/588، الإحكام للآمدي 3/68".

يَلْفِظْ بِهِ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِالْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ، قِيسَ1 الْمَسْكُوتُ عَلَى الْمَذْكُورِ قِيَاسًا جَلَّيَا، فَإِنَّهُ إلْحَاقُ فَرْعٍ بِأَصْلٍ لِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ، فَيَكُونُ قِيَاسًا شَرْعِيًّا2 لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ، كَمَا سَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلافِ: أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ دَلالَتَهُ لَفْظِيَّةٌ جَازَ النَّسْخُ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: قِيَاسِيَّةٌ فَلا. "وَهُوَ" أَيْ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ "قَطْعِيٌّ، كَرَهْنِ مُصْحَفٍ عِنْدَ ذِمِّيٍّ". احْتَجَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رَهْنِ الْمُصْحَفِ عِنْدَ الذِّمِّيِّ بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّفَرِ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ3 الْعَدُوِّ، مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ4 فَهَذَا قَاطِعٌ5. وَكَذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الأَمْثِلَةِ، فَإِنَّهَا قَطْعِيَّةٌ. وَالْقَطْعِيُّ كَوْنُ التَّعْلِيلِ بِالْمَعْنَى، وَكَوْنُهُ6 أَشَدَّ مُنَاسَبَةً لِلْفَرْعِ7، وَكَوْنُهُمَا قَطْعِيَّيْنِ8.

_ 1 في ع: فليس. 2 في ع: شرعاً. 3 ساقطة من ش. 4 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً "انظر صحيح البخاري 4/68، صحيح مسلم 3/1490، بذل المجهود 12/112، سنن ابن ماجه 2/961، موطأ مالك 2/446، مسند أحمد 2/63". 5 قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: "لأنه إذا نهى عما قد يكون وسيلة إلى نيلهم إياه، فهو عن إنالتهم إياه أنهى وأنهى" "المسودة ص347". 6 في ع: وكونها. 7 في ع: للوضع. 8 في ز: قطعيتين.

"وَ" نَوْعٌ "ظَنِّيٌّ" 1 كَ "إذَا رُدَّتْ شَهَادَةُ فَاسِقٍ، فَكَافِرٌ أَوْلَى" بِرَدِّ شَهَادَتِهِ، إذْ الْكُفْرُ فِسْقٌ وَزِيَادَةٌ، وَكَوْنُ هَذَا ظَنِّيًّا2 هُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ3 وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ4 وَشَرْحِهِ، وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ؛ لأَنَّهُ وَاقِعٌ فِي مَحَلِّ الاجْتِهَادِ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ عَدْلاً فِي دَيْنِهِ، فَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَالأَمَانَةَ، بِخِلافِ الْمُسْلِمِ الْفَاسِقِ، فَإِنَّ مُسْتَنَدَ قَبُولِ شَهَادَتِهِ الْعَدَالَةُ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فَهُوَ فِي مَظِنَّةِ الْكَذِبِ، إذْ لا وَازِعَ لَهُ عَنْهُ5، فَهَذَا6 ظَنِّيٌّ غَيْرُ قَاطِعٍ7. وَقِيلَ: إنَّ هَذَا الْمِثَالَ فَاسِدٌ؛ لأَنَّ التَّعْلِيلَ بِكَوْنِ الْكَافِرِ أَوْلَى بِالرَّدِّ مَمْنُوعٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ الظَّنِّيِّ أَيْضًا: مَا احْتَجَّ بِهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي8 أَنَّهُ لا شُفْعَةَ لِذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ9 {وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ

_ 1 انظر: شرح العضد 2/173، الإحكام للآمدي 3/69، تيسير التحرير 1/95. 2 في ع: ظناً. 3 روضة الناظر ص264. 4 مختصر الطوفي ص122. 5 ساقطة من ش. 6 في ش: فهو. 7 في ع ض: قطعي. 8 في ع: من. 9 هذا الحديث لم يتفقا على إخراجه في الصحيحين كما ذكر المصنف، ولكن أخرجه مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي في سننهما وأحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً، وتمامه: "لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه". "انظر صحيح مسلم 4/1707، عارضة الأحوذي 7/103، 10/175، بذل المجهود 2/142، مسند الإمام أحمد 2/263، جامع الأصول 7/392".

فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهِ1" فَهَذَا مَظْنُونٌ2. وَزَعَمَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ الْبَغْدَادِيُّ3 مِنْ أَصْحَابِنَا4 فِي جَدَلِهِ5: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَطْعِيٌّ؛ لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ غَيْرَ مَا عَلَّلُوهُ بِهِ، وَالأَكْثَرُ عَلَى خِلافِهِ. "وَمِثْلُ" قَوْلِ الْقَائِلِ "إذَا جَازَ سَلَمٌ مُؤَجَّلاً، فَحَالٌّ أَوْلَى، لِبُعْدٍ غَرَرٍ6، وَ7هُوَ الْمَانِعُ: فَاسِدٌ" مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْغَرَرَ فِي الْعُقُودِ مَانِعٌ مِنْ الصِّحَّةِ لا مُقْتَضٍ لَهَا "إذْ لا يَثْبُتُ حُكْمٌ لانْتِفَاءِ مَانِعِهِ"؛ لأَنَّ الْمَانِعَ لا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ8 وَلا عَدَمٌ. "بَلْ" إنَّمَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ "لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ" أَيْ مُقْتَضِي الْحُكْمِ "وَ" الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ السَّلَمِ "هُوَ الارْتِفَاقُ بِالأَجَلِ" عَلَى مَا قُرِّرَ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ، -كَالأَجَلِ فِي الْكِتَابَةِ-، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ، وَالْغَرَرُ مَانِعٌ لَهُ، لَكِنَّهُ احْتَمَلَ فِي الْمُؤَجَّلِ رُخْصَةً وَتَحْقِيقًا لِلْمُقْتَضِي، وَهُوَ الارْتِفَاقُ9، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. "وَإِنْ خَالَفَ" مَعْطُوفٌ10 عَلَى قَوْلِهِ11 فَإِنْ وَافَقَ " يَعْنِي، وَإِنْ

_ 1 في ش: أضيقها. 2 قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: "فإذا كان ليس لهم في الطريق حق، فالشفعة أحرى أن لا يكون لهم فيها حق. وهذا مظنون". "المسودة ص347". 3 ساقطة من ش ز. 4 في ض د: منا. 5 في ش: حد له. 6 في ش: عن رد، وفي ع: غرره. 7 الواو ساقطة من ش. 8 في ع ض: الوجود. 9 انظر: روضة الناظر ص264، مختصر الطوفي ص122. 10 في ع ض: عطف. 11 ساقطة من ع ض.

خَالَفَ الْمَفْهُومُ -وَهُوَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ- حُكْمَ الْمَنْطُوقِ "فَ" هُوَ "مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ"1 وَيُسَمَّى دَلِيلَ الْخِطَابِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ2 بِذَلِكَ؛ لأَنَّ دَلالَتَهُ مِنْ جِنْسِ دَلالاتِ3 الْخِطَابِ، أَوْ لأَنَّ الْخِطَابَ دَالٌّ عَلَيْهِ، أَوْ لِمُخَالَفَتِهِ4 مَنْظُوم5 الْخِطَابِ. وَلِلْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ شُرُوطٌ، بَعْضُهَا رَاجِعٌ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ، وَبَعْضُهَا رَاجِعٌ لِلْمَذْكُورِ. فَمِنْ الأَوَّلِ: مَا أَشَارَ6 إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَشَرْطُهُ: أَنْ لا تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةٌ" بِالْحُكْمِ مِنْ7 الْمَذْكُورِ "وَلا مُسَاوَاةٌ فِي مَسْكُوتٍ عَنْهُ" إذْ لَوْ ظَهَرَتْ8 فِيهِ أَوْلَوِيَّةٌ أَوْ مُسَاوَاةٌ، كَانَ حِينَئِذٍ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ9،

_ 1 انظر تعريفات الأصوليين لمفهوم المخالفة في "الإشارات للباجي ص93، الحدود للباجي ص50، العدة 1/154، البرهان 1/449، الإحكام للآمدي 3/69، شرح العضد 2/173، إرشاد الفحول ص179، فواتح الرحموت 1/414، المستصفى 2/191، شرح تنقيح الفصول ص53، منهاج العقول 1/312، الآيات البينات 2/23، التعريفات للجرجاني ص118، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/245، نشر البنود 1/98، تيسير التحرير 1/98، مختصر الطوفي ص122، روضة الناظر ص264، اللمع ص25، التبصرة 218". 2 في ض: ويسمى. 3 في ض: دلالة. 4 في ع لمخالفة. 5 في ش: منطوق. 6 في ض: أشير. 7 في ع ض: في. 8 في ض: ظهر. 9 انظر: فواتح الرحموت 1/414، شرح العضد 2/174. في ش ز: موافقة وقد تقدم الكلام عليه.

وَمِنْ الثَّانِي: مَا أَشَارَ1 إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَلا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ" فَأَمَّا إنْ خَرَجَ مَخْرَجَ2 الْغَالِبِ فَلا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ3. نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ 4مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} 5 فَإِنَّ تَقْيِيدَ تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ بِكَوْنِهَا فِي حِجْرِهِ -لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ- لا يَدُلُّ عَلَى حِلِّ الرَّبِيبَةِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ6. وَمِنْهُ7 قَوْله سبحانه وتَعَالَى8 {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} 9

_ 1 في ض: أشير. 2 في ش ز: إن جرى على، وفي ع: ان خرج خرج. 3 قال القرافي في "شرح تنقيح الفصول" ص272: "إنما قال العلماء أن مفهوم الصفة إذا خرجت مخرج الغالب لا يكون حجة ولا دالاً على انتفاء الحكم عن السكوت عنه بسبب أن الصفة الغالبة على الحقيقة تكون لازمة لها في الذهن بسبب الغلبة، فإذا استحضرها المتكلم ليحكم عليها حضرت معها تلك الصفة فنطق بها المتكلم لحضورها في الذهن مع المحكوم عليه، لا انه استحضرها ليفيد بها انتفاء الحكم عن المسكوت عنه، اما إذا لم تكن غالبة لا تكون لازمة للحقيقة في الذهن، فيكون المتكلم قد قصد حضورها في ذهنه ليفيد بها سلب الحكم عن المسكوت عنه، فلذلك لا تكون الصفة الغالبة دالة على نفي الحكم، وغير الغالبة دالة على نفي الحكم عن المسكوت عنه". وانظر تحقيق المسألة في "المسودة ص362، إرشاد الفحول ص180، نشر البنود 1/99، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/246، الآيات البينات 2/24، منهاج العقول 1/315، فواتح الرحموت 1/414، شرح العضد 2/175، الإحكام للآمدي 3/100، البرهان 1/477، تيسير التحرير 1/99". 4 في ع ض: الآية. 5 الآية 23 من النساء. 6 انظر: أحكام القرآن لابن العربي 1/378، أحكام القرآن للجصاص 2/129، فتح القدير للشوكاني 1/445. 7 في ز: ومن. 8 ساقطة من ع ض. 9 الآية 95 من المائدة.

وقَوْله تَعَالَى:1 {فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} 2 وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ دَاوُد: إنَّهُ شَرْطٌ فِي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ بِاعْتِبَارِهِ، فَلَمْ يُحَرِّمْ3 الرَّبِيبَةَ الْكَبِيرَةَ وَقْتَ التَّزَوُّجِ بِأُمِّهَا فِي قَوْلٍ لَهُ؛ لأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ4. وَقَالَ بِهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ5. "فَ" عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ لا يَكُونُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ "لا يَعُمُّ" وَلِهَذَا احْتَجَّ الْعُلَمَاءُ مِنْ6 أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ عَلَى7 اخْتِصَاصِ تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ بِالْحِجْرِ بِالآيَةِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ لا حُجَّةَ فِيهَا، لِخُرُوجِهَا عَلَى الْغَالِبِ.

_ 1 ساقطة من ع ض. 2 الآية 229 من البقرة. 3 في ش ز: تحرم. 4 يبدو أن نسبة هذا القول للإمام مالك غير سديدة. يدل على ذلك قول الشنقيطي المالكي في "نشر البنود" "1/99" بعد حكايته قول علي أن الربيبة البعيدة عن الزوج لا تحرم عليه: "وأما نسبته لمالك رحمه الله وانه رجع عنه، فقد قال: حلولو: لا نعرفه لأحد من أهل المذهب، أي كونه قاله، حتى يرجع عنه". 5 قال الشوكاني في "فتح القدير" "1/453": "أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مالك بن أوس بن الحدثان قال كانت عندي امرأة فتوفيت، وقد ولدت لي، فوجدت عليها، فلقيني علي بن أبي طالب فقال: مالك؟ فقلت توفيت المرأة. فقال علي: لها ابنة؟ قلت نعم. وهي بالطائف. قال: كانت حجرك؟ قلت: لا. قال: فانكحها. قلت: فأين قول الله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} ؟ قلت: إنها لم تكن في حجرك". قال الشوكاني: قال ابن منذر والطحاوي: لم يثبت ذلك عن علي، لأن راويه إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس بن الحدثان عن ثابت إلى علي بن أبي طالب على شرط مسلم. "فتح القدير 1/445" وانظر: أحكام القرآن للجصاص 2/129، أحكام القرآن للكيا الهراسي 2/243. 6 في ض ب: علماء. 7 في ش ز: عن.

"وَ" مِنْ شَرْطِهِ أَيْضًا: أَنْ "لا" يَكُونَ خَرَجَ "مَخْرَجَ تَفْخِيمٍ"1 كَحَدِيثِ: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ" الْحَدِيثَ2 فَقَيَّدَ "الإِيمَانَ" لِلتَّفْخِيمِ فِي الأَمْرِ، وَأَنَّ هَذَا لا يَلِيقُ بِمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا3. "وَلا" خَرَجَ اللَّفْظُ4 "جَوَابًا لِسُؤَالٍ" يَعْنِي أَنَّهُ إذَا خَرَجَ اللَّفْظُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ لَمْ يُعْمَلْ بِمَفْهُومِهِ5 ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فِي صَلاةِ التَّطَوُّعِ اتِّفَاقًا6. مِثْلَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ؟ فَلا يَلْزَمُ مِنْ جَوَابِ السُّؤَالِ عَنْ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَى الضِّدِّ فِي الأُخْرَى، لِظُهُورِ فَائِدَةٍ فِي الذِّكْرِ غَيْرِ الْحُكْمِ بِالضِّدِّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا كَالأَوَّلِ.

_ 1 في ض ب د: التفخيم. 2 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ عن أم حبيبة رضي الله عنه مرفوعاً، وتمامه "إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً" "انظر صحيح البخاري 7/76، صحيح مسلم 2/1124، بذل المجهود 11/59، عارضة الأحوذي 5/172، الموطأ 2/597، سنن النسائي 6/167". 3 إرشاد الفحول ص180. 4 ساقطة من ش ز. 5 انظر: نشر البنود 1/98، الآيات البينات 2/24، تيسير التحرير 1/99، إرشاد الفحول ص180، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/246، منهاج العقول 1/316، فواتح الرحموت 1/414، شرح العضد 2/174. 6 انظر المسودة ص316.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ بَابِ وُرُودِ الْعَامِّ عَلَى سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ صَارِفًا لَهُ عَنْ عُمُومِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَعَلُوا هُنَا1 السُّؤَالَ وَالْحَادِثَةَ قَرِينَةً صَارِفَةً عَنْ الْقَوْلِ بِهَذَا الْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ، وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ فِي وُرُودِ الْعَامِّ عَلَى سُؤَالٍ أَوْ حَادِثَةٍ صَارِفًا لَهُ عَنْ عُمُومِهِ عَلَى الأَرْجَحِ، بَلْ لَمْ يُجْرُوا هُنَا مَا أَجْرَوْهُ هُنَاكَ مِنْ الْخِلافِ فِي أَنَّ2 الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ3 السَّبَبِ؟ أُجِيبُ: بِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَمَّا ضَعُفَ عَنْ الْمَنْطُوقِ فِي الدَّلالَةِ انْدَفَعَ بِذَلِكَ وَنَحْوِهِ, وَقُوَّةُ اللَّفْظِ فِي الْعَامِّ تُخَالِفُ ذَلِكَ4، وَلِقُوَّةِ5 اللَّفْظِ فِي الْعَامِّ ادَّعَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ دَلالَتَهُ عَلَى كُلِّ فَرَدٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ قَطْعِيَّةٌ. وَمِنْ شَرْطِ الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا: أَنْ لا يَكُونَ الْمَنْطُوقُ ذُكِرَ "لِزِيَادَةِ امْتِنَانٍ" عَلَى الْمَسْكُوتِ عَنْهُ6، نَحْوَ قَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلا- {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ 7 لَحْمًا طَرِيًّا} 8 فَلا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقَدِيدِ مِنْ لَحْمِ مَا يُؤْكَلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ كَغَيْرِهِ9

_ 1 في ش: هذا. 2 ساقطة من ع. 3 في ض: مخصوص. 4 قال الزركشي: ولعل الفرق –يعني عموم اللفظ وعموم الفهم- أن دلالة المفهوم ضعيفة تسقط بأدنى قرينة، بخلاف اللفظ العام وقد علق الشوكاني على كلام الزركشي فقال: قلت وهذا فرق قوي، لكنه إنما يتم في المفاهيم التي دلالتها ضعيفة، أما المفاهيم اتلي دلالتها قوية قوة تلحقها بالدلالات اللفظية فلا. "انظر إرشاد الفحول ص180". 5 في ع: ولعموم. 6 انظر: إرشاد الفحول ص180، نشر البنود 1/99. 7 ساقطة من ض. 8 الآية 14 من النحل. 9 ساقطة من ش ز.

"وَلا لِحَادِثَةٍ" يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ: أَنْ لا يَكُونَ الْمَنْطُوقُ خَرَجَ لِبَيَانِ حُكْمِ حَادِثَةٍ اقْتَضَتْ بَيَانَ الْحُكْمِ فِي الْمَذْكُورِ1. كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةِ لمَيْمُونَةَ2 فَقَالَ: "دِبَاغُهَا طَهُورُهَا" 3. وَكَمَا لَوْ قِيلَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِزَيْدٍ غَنَمٌ سَائِمَةٌ فَقَالَ: "فِي السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ" 5 إذْ الْقَصْدُ6 الْحُكْمُ عَلَى تِلْكَ الْحَادِثَةِ، لا النَّفْيُ7 عَمَّا عَدَاهَا. وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} 8 فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ9 فِي الآجَالِ: أَنَّهُ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ يَقُولُونَ لِلْمَدْيُونِ: إمَّا أَنْ تُعْطِيَ، وَإِمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي الدَّيْنِ، فَيَتَضَاعَفُ بِذَلِكَ مُضَاعَفَةً كَثِيرَةً. "وَ" يُشْتَرَطُ أَيْضًا لِلْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ "لا" يَكُونَ الْمَنْطُوقُ ذُكِرَ "لِتَقْدِيرِ جَهْلِ الْمُخَاطَبِ" بِهِ، دُونَ جَهْلِهِ بِالْمَسْكُوتِ عَنْهُ10، بِأَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ يَعْلَمُ

_ 1 انظر: إرشاد الفحول ص180، نشر البنود 1/99 وما بعدها، منهاج العقول 1/316، شرح العضد 2/174، الآيات البينات 2/24، تيسير التحرير 1/99، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/246. 2 في ش: ميمونة. 3 سبق تخريجه في ص386 من هذا الجزء. 4 في ع ض ب: بحضرته. 5 سبق تخريجه في ج2 ص554. 6 في ض: إذا قصد. 7 في ض ب د: لنفي. 8 الآية 130 من آل عمران. 9 في ض: يتعاطون. 10 انظر: نشر البنود 1/99ن الآيات البينات 2/24، فواتح الرحموت 1/414، تيسير التحرير 1/99، شرح العضد 2/174، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/246.

حُكْمَ الْمَعْلُوفَةِ وَيَجْهَلُ حُكْمَ السَّائِمَةِ فَيُذْكَرُ لَهُ. "وَ" يُشْتَرَطُ أَيْضًا لِلْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ "لا" يَكُونَ لِلْمَنْطُوقِ ذِكْرٌ "لِرَفْعِ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ" عَنْ الْمُخَاطَبِ1, كَقَوْلِك لِمَنْ يَخَافُ مِنْ تَرْكِ الصَّلاةِ الْمُوَسَّعَةِ: تَرْكُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ جَائِزٌ، لَيْسَ مَفْهُومُهُ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي بَاقِي الْوَقْتِ وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَتَضَايَقَ2. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا لِلْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ أَنْ "لا" يَكُونَ الْمَنْطُوقُ "عُلِّقَ حُكْمُهُ عَلَى صِفَةٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ" ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ3 قَالَ4 ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الصِّفَةُ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ فَلا مَفْهُومَ، كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ} الآيَةَ5 أَرَادَ نَفْيَ الْحَرَجِ عَمَّنْ طَلَّقَ وَلَمْ يَمَسَّ، وَإِيجَابَ الْمُتْعَةِ تَبَعًا, ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَمِمَّا يُذْكَرُ مِنْ شُرُوطِ الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ: أَنْ لا يَعُودَ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى الأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْمَنْطُوقُ فِيهِ بِالإِبْطَالِ6، كَحَدِيثِ "لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك " 7. لا يُقَالُ: مَفْهُومُهُ صِحَّةُ بَيْعِ8 الْغَائِبِ إذَا كَانَ عِنْدَهُ، إذْ لَوْ صَحَّ فِيهِ لَصَحَّ فِي

_ 1 انظر: تيسير التحرير 1/99، الآيات البينات 2/23، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/245، نشر البنود 1/98. 2 في ض: يتضايق الوقت. 3 انظر المسودة ص363. 4 في ش: قاله. 5 الآية 226 من البقرة. 6 انظر اللمع ص26، إرشاد الفحول ص180. 7 أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن حكيم بن حزام رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر بذل المجهود 15/178، سنن النسائي 7/254، سنن ابن ماجه 2/737، عارضة الأحوذي 5/241، شرح السنة للبغوي 8/140". 8 في د ض: منع.

الْمَذْكُورِ، وَهُوَ الْغَائِبُ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ؛ لأَنَّ الْمَعْنَى فِي الأَمْرَيْنِ وَاحِدٌ. وَلَمْ يُفَرِّقْ أَحْمَدُ1 بَيْنَهُمَا. وَلَمْ أَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْمَتْنِ لِظُهُورِهِ، كَتَرْكِ نَحْوِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مِمَّا لا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ. ثُمَّ الضَّابِطُ لِهَذِهِ الشُّرُوطِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا أَنْ لا يَظْهَرَ لِتَخْصِيصِ الْمَنْطُوقِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ2. وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ الْبَيْضَاوِيُّ3. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَذْكُورِ بِالذِّكْرِ، لا نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ. وَلَكِنْ وَرَاءَ هَذَا بَحْثٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُقْتَرِنَ مِنْ الْمَفَاهِيمِ بِمَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِهِ؛ لِوُجُودِ فَائِدَةٍ تَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فِي الْمَذْكُورِ4 بِالذِّكْرِ، هَلْ يَدُلُّ اقْتِرَانُهُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَايَةِ وَجَعْلِهِ كَالْعَدَمِ، فَيَصِيرُ الْمَعْرُوضُ5 بِقَيْدِ الْمَفَاهِيمِ، إذَا كَانَ فِيهِ لَفْظُ عُمُومٍ شَامِلاً لِلْمَذْكُورِ وَالْمَسْكُوتِ، حَتَّى لا يَجُوزَ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ بِالْمَذْكُورِ بَعْلَةٍ جَامِعَةٍ.

_ 1 في ش: أحد. 2 انظر: التمهيد للأسنوي ص67ن شرح العضد 2/174، الآيات البينات 2/24، فواتح الرحموت 1/414، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/246. 3 المنهاج للبيضاوي مع شرحه للأسنوي 1/315. 4 في ع: لمذكور. 5 في ز ض: المفروض.

لأَنَّهُ مَنْصُوصٌ، فَلا حَاجَةَ لإِثْبَاتِهِ1 بِالْقِيَاسِ، إذْ2 لا يَدُلُّ، بَلْ غَايَتُهُ الْحُكْمُ عَلَى3 الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَذْكُورِ فَمَسْكُوتٌ4 عَنْ حُكْمِهِ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ قِيَاسُهُ؟! مِثَالُهُ فِي الصِّفَةِ -مَثَلاً- لَوْ قِيلَ: هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ؟ فَيَقُولُ الْمَسْئُولُ: فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ. فَغَيْرُ السَّائِمَةِ مَسْكُوتٌ عَنْ حُكْمِهِ، فَيَجُوزُ قِيَاسُهُ عَلَى السَّائِمَةِ، بِخِلافِ5 مَا لَوْ أَلْغَى لَفْظَ "السَّائِمَةِ" وَصَارَ التَّقْدِيرُ: فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ، فَلا حَاجَةَ حِينَئِذٍ لِقِيَاسِ الْمَعْلُوفَةِ بِالسَّائِمَةِ؛ لأَنَّ لَفْظَ "الْغَنَمِ" شَامِلٌ لَهُمَا؟ فِي ذَلِكَ خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ6. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْمُخْتَارُ الثَّانِي، حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ حَكَى فِيهِ الإِجْمَاعَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ، أُشِيرَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: "وَيَنْقَسِمُ إلَى مَفْهُومِ صِفَةٍ، وَ" إلَى "تَقْسِيمٍ، وَ" إلَى "شَرْطٍ، وَ" إلَى "غَايَةٍ، وَ" إلَى "عَدَدٍ لِغَيْرِ مُبَالَغَةٍ، وَ" إلَى "لَقَبٍ" وَهُوَ آخِرُ السِّتَّةِ أَقْسَامٍ7.

_ 1 في ش: لا تباعه. 2 في ش ض: أو. 3 في ع ض ب: عن. 4 في ز: المسكوت. 5 في ز: خلاف. 6 انظر في ذلك: التمهيد للأسنوي ص67، الآيات البينات 2/26، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/248 وما بعدها. 7 في ش: ستة الأقسام.

"فَالأَوَّلُ": أَيْ1 الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ "أَنْ يَقْتَرِنَ2 بِعَامٍّ صِفَةٌ خَاصَّةٌ3 كَ "فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ" وَكَـ "فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ"، وَلِذَلِكَ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: هُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِإِحْدَى صِفَتَيْ الذَّاتِ4، فَشَمَلَ الْمِثَالَيْنِ. وَمَثَّلَ بِهِمَا فِي الرَّوْضَةِ5. وَبَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ فَرْقٌ فِي الْمَعْنَى. فمُقْتَضَى الْعِبَارَةِ الأُولَى: عَدَمُ الْوُجُوبِ فِي الْغَنَمِ6، الْمَعْلُوفَةِ الَّتِي لَوْلا الْقَيْدُ بِالسَّوْمِ لَشَمَلَهَا لَفْظُ "الْغَنَمِ". وَمُقْتَضَى الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ: عَدَمُ الْوُجُوبِ فِي سَائِمَةِ غَيْرِ الْغَنَمِ، كَالْبَقَرِ مَثَلاً الَّتِي لَوْلا تَقْيِيدُ السَّائِمَةِ بِإِضَافَتِهَا إلَى الْغَنَمِ لَشَمَلَهَا لَفْظُ "السَّائِمَةِ". كَذَا7 قَالَ8 التَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي مَنْعِ9 الْمَوَانِعِ وَقَالَ: هُوَ التَّحْقِيقُ. قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ قَوْلَنَا: سَائِمَةُ الْغَنَمِ، مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا، فَهِيَ فِي الْمَعْنَى كَالأُولَى، وَالْغَنَمُ مَوْصُوفَةٌ، وَالسَّائِمَةُ صِفَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

_ 1 ساقطة من ز ض ب. 2 في ز: تقترن. 3 ساقطة من ش. 4 المنهاج للبيضاوي مع شرحه للأسنوي 1/314 وما بعدها، اللمع ص25. 5 روضة الناظر ص273. 6 في ش: غير سائمة الغنم كالبقر. 7 ساقطة من ع. 8 في ع ض ب: قاله. 9 جمع.

وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ هُنَا النَّعْتَ، وَلِهَذَا مَثَّلُوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ" 1 وَالتَّقَيُّدُ فِيهِ بِالإِضَافَةِ، لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى الصِّفَةِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَطْلُ الْكَائِنُ مِنْ الْغَنِيِّ، لا مِنْ الْفَقِيرِ. وَقَدَّرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ فَقَالَ2: مَطْلُ الشَّخْصِ الْغَنِيِّ، وَرَدَّهُ بِنَحْوِ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ. وَمَثَّلَهُ3 أَصْحَابُنَا تَارَةً بِالْعِبَارَةِ الأُولَى، وَتَارَةً بِالثَّانِيَةِ4, وَظَاهِرُ كَلامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ5. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا "مَنْ بَاعَ نَخْلاً مُؤَبَّرَا6 فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ" 7. وَمِثْلُهُ: تَعْلِيقُ نَفَقَةِ الْبَائِنِ عَلَى الْحَمْلِ. وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُونَ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ؛ لأَنَّهُ رَأْسُ8 الْمَفَاهِيمِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: لَوْ عَبَّرَ مُعَبِّرٌ عَنْ جَمِيعِ الْمَفَاهِيمِ بِالصِّفَةِ لَكَانَ ذَلِكَ مُتَّجِهًا9؛

_ 1 سبق تخريجه في ص157 من هذا الجزء. 2 ساقطة من ض. 3 في ض: ومثل. 4 في ش ض: بالعبارة الثانية. 5 انظر المسودة ص360، وكلمه "واحد" ساقطة من ش. 6 في ش: مؤبرة. 7 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطأ واحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً. وتتمة الحديث "الا أن يشترط المبتاع" "انظر صحيح البخاري 3/247، صحيح مسلم 3/1172، بذل المجهود 15/100، عارضة الأحوذي 6/2،سنن النسائي 7/261، سنن ابن ماجه 2/746، الموطأ 2/617، مسند الإمام أحمد2/6، 9، 63". 8 في ش: رأس مال. 9 في البرهان: منقدحاً.

لأَنَّ الْمَعْدُودَ1 وَالْمَحْدُودَ2 مَوْصُوفَانِ بِعَدَدِهَا3 وَحَدِّهَا4، وَكَذَا سَائِرُ الْمَفَاهِيمِ5. اهـ. "وَهُوَ" أَيْ مَفْهُومُ الصِّفَةِ "حُجَّةٌ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ- وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِمْ "لُغَةً" أَيْ مِنْ حَيْثُ دَلالَةُ اللُّغَةِ وَ6 وضْعُ اللِّسَانِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ7. وَقِيلَ: عَقْلاً، أَيْ مِنْ حَيْثُ دَلالَةُ الْعَقْلِ8، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ. وَقَالَ الرَّازِيّ فِي الْمَعَالِمِ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْعُرْفِ الْعَامِّ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْعِ9. "يَحْسُنُ الاسْتِفْهَامُ فِيهِ" أَيْ فِي مَفْهُومِ الصِّفَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لا تَشْرَبْ10 الْخَمْرَ؛ لأَنَّهُ يُوقِعُ الْعَدَاوَةَ، فَيُقَالُ لَهُ11: فَهَلْ12

_ 1 في ش: العدود. 2 في ش: الحدود. 3 في البرهان: بعدهما. 4 في البرهان: وحدهما. 5 البرهان 1/454. 6 ساقطة من ش. 7 انظر: المسودة ص351، 360، روضة الناظر ص274، الإحكام للآمدي 3/72، التمهيد للإسنوي ص66، تيسير التحرير 1/100، التبصرة ص218، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/253، الآيات البينات 2/33، العدة 2/453، شرح تنقيح الفصول ص270، إرشاد الفحول ص180، نهاية السول 1/319، شرح العضد 2/175". 8 انظر: الآيات البينات 2/34، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/253. 9 انظر: الآيات البينات 2/34، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/253. 10 في ع: لا يشرب. 11 ساقطة من ش. 12 في ش: هل.

أَشْرَبُ النَّبِيذَ؟ وَلا يُنْكِرُ أَحَدٌ اسْتِفْهَامَهُ1 هَذَا. "وَمَفْهُومُهُ" أَيْ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: "فِي 2 الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ؟ " أَنَّهُ "لا زَكَاةَ فِي مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ" عِنْدَ الْمُعْظَمِ3 "فَالْغَنَمُ وَالسَّوْمُ عِلَّةٌ" لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِمَا. وَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو حَامِدٍ وَالرَّازِيُّ-: أَنَّ مَفْهُومَهُ4 "لا زَكَاةَ" فِي5 مَعْلُوفَةِ كُلِّ حَيَوَانٍ6، فَعَلَى هَذَا: السَّوْمُ وَحْدَهُ عِلَّةٌ. "وَهُوَ" أَيْ مَفْهُومُ الصِّفَةِ "فِي بَحْثٍ عَمَّا يُعَارِضُهُ كَعَامٍّ" أَيْ كَاللَّفْظِ الْعَامِّ، ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ7. "وَمِنْهَا" أَيْ مِنْ الصِّفَةِ "عِلَّةٌ"8 نَحْوَ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِشِدَّتِهَا، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا لا شِدَّةَ فِيهِ لا يَحْرُمُ. وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّ الْوَصْفَ فِيهِ وَهُوَ "السَّوْمُ" تَتْمِيمٌ9 لِلْمَعْنَى الَّذِي هُوَ

_ 1 في ع ز: استفهام. 2 في ش: أفي. 3 انظر تحقيق المسألة في "المسودة ص358، الإحكام للآمدي 3/72، التبصرة ص226، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/251، الآيات البينات 2/28، نشر البنود 1/103، اللمع ص21، شرح تنقيح الفصول ص272 وما بعدها، إرشاد الفحول ص179". 4 في ش: مفهوم. 5 في ش: في مفهوم. 6 انظر: العدة 2/473، المسودة ص358، نهاية السول 1/319 7 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص237، المسودة ص362، المحصول ج1 ق2/654، المستصفى 2/70. 8 انظر: نشر البنود 1/100، الآيات البينات 2/29، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/251. 9 في ض: تعميم.

عِلَّتُهُ1، إلاَّ أَنَّ الْخِلافَ فِي أَحَدِهِمَا كَالْخِلافِ فِي الآخَرِ2. "وَ" مِنْهَا "ظَرْفُ"3 زَمَانٍ نَحْوَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات} 4 {إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} 5 وَظَرْفُ مَكَان، وَهُوَ6 نَحْوُ: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} 7 وَكِلا الظَّرْفَيْنِ حُجَّةٌ. "وَ" مِنْهَا "حَالٌ"8 نَحْوُ {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} 9. ذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيُّ10 فِي الْقَوَاطِعِ، وَقَالَ: إنَّهُ كَالصِّفَةِ. وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لأَنَّ الْحَالَ صِفَةٌ فِي الْمَعْنَى قُيِّدَ11 بِهَا. وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ مَفْهُومَ الصِّفَةِ بِأَنْوَاعِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَكَثِيرٌ

_ 1 حيث ان الغنم هي العلة، والسوم متم لها. "إرشاد الفحول ص181". في ز ع ش: علة. 2 انظر إرشاد الفحول ص181. 3 انظر: التمهيد للأسنوي ص71، نشر البنود 1/100، الآيات البينات 2/30، إرشاد الفحول ص183، حاشية البناني 1/251. 4 الآية 197 من البقرة. 5 الآية 9 من الجمعة. 6 ساقطة من ش ز. 7 الآية 198 من البقرة. 8 انظر: نشر البنود 1/101، إرشاد الفحول ص183، الآيات البينات 2/30، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/251. 9 الآية 187 من البقرة. 10 في ش: عقيل والسمعاني. 11 في ض ب: وقيد.

مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا1. وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ الأَشْعَرِيِّ. وَاسْتُدِلَّ لِكَوْنِهِ حُجَّةً -وَهُوَ الصَّحِيحُ– بِأَنَّهُ لو2 لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ لُغَةً لِمَا فَهِمَهُ أَهْلُهَا, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ" حَدِيثٌ حَسَنٌ3، رَوَاهُ أَحْمَدُ4 وَأَبُو دَاوُد5 وَالنَّسَائِيُّ6 وَابْنُ مَاجَهْ7، أَيْ مُطْلَقُ8 الْغَنِيِّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ9 "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ". وَفِيهِمَا10 "لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا". قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ11 فِي الأَوَّلِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَيَّ مَنْ لَيْسَ بِوَاجِدٍ لا يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ12 وَفِي الثَّانِي مِثْلُهُ، وَقِيلَ لَهُ فِي الثَّالِثِ: الْمُرَادُ

_ 1 انظر: المستصفى 2/192، تيسير التحرير 1/100، البرهان 1/467 وما بعدها، المعتمد 1/162، فواتح الرحموت 1/414، الإحكام للآمدي 3/72، المسودة ص360، التمهيد للإسنوي ص66، التبصرة ص218، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/255، الآيات البينات 2/36، العدة 2/455، شرح تنقيح الفصول ص270، إرشاد الفحول ص180، شرح العضد 2/175. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: صحيح. 4 مسند الأمام أحمد 4/222، 388، 389. 5 بذل المجهود 15/314. 6 سنن النسائي 7/278. 7 سن ابن ماجه 2/811، وسبق تخريجه صفحة 366. 8 في ز د ب ض: ملك مطلق. 9 صحيح البخاري 3/155، صحيح مسلم 3/1197، وسبق تخريجه صفحة 157. 10 صحيح البخاري 8/45، صحيح مسلم 4/1769، وفي ش: وفيه. 11 في ب: أبو عبيدة. 12 غريب الحديث لأبي عبيد 2/175، وكلمة "وعرضه" ساقطة من ش ع ز ب.

الْهِجَاءُ1 أَوْ2 هِجَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الامْتِلاءِ3 مَعْنًى؛ لأَنَّ قَلِيلَهُ كَذَلِكَ. فَأَلْزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ4 مِنْ تَقْدِيرِ الصِّفَةِ الْمَفْهُومَ قَدْرَ الامْتِلاءِ5 صِفَةً لِلْهِجَاءِ, وَهُوَ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ6 قَوْلَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ فَهِمُوا ذَلِكَ لُغَةً. فَثَبَتَتْ اللُّغَةُ بِهِ، وَاحْتِمَالُ الْبِنَاءِ عَلَى الاجْتِهَادِ مَرْجُوحٌ7. "وَكَالأُولَى" وَهِيَ الصِّفَةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِالْعَامِّ، كَقَوْلِهِمْ: "فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ"، الصِّفَةُ الْعَارِضَةُ الْمُجَرَّدَةُ، نَحْوَ قَوْلِهِمْ "فِي السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ8 وَغَيْرُهُ وَذَلِكَ لأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ الْمَوْصُوفَ فِيهَا مَحْذُوفٌ. "وَالأُولَى أَقْوَى دَلالَةً" فِي الْمَفْهُومِ؛ لأَنَّ الأُولَى وَهِيَ الَّتِي الْمِثَالُ فِيهَا مُقَيَّدٌ9 بِالْعَامِّ كَالنَّصِّ، بِخِلافِ هَذَا. "وَالثَّانِي" مِنْ أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ السِّتَّةِ: التَّقْسِيمُ: كَـ "الثَّيِّبِ أَحَقُّ

_ 1 في ش: الهجو. 2 في ب ز ش ع: و. 3 في ش: الامثال. 4 في ش ز ب: عبيدة. 5 في ش: قدراً لا مثلاً. 6 الإحكام في أصول الأحكام 3/72. 7 في ش: من حرج. 8 الإحكام في أصول الأحكام 3/87. 9 في ش: مقيدة.

بِنَفْسِهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ" 1. وَهُوَ "كَالأَوَّلِ قُوَّةً" أَيْ فِي الْقُوَّةِ ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ2 وَغَيْرُهُ3. وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ تَقْسِيمَهُ إلَى قِسْمَيْنِ، وَتَخْصِيصَ كُلِّ وَاحِدٍ بِحُكْمٍ، يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنْ الْقِسْمِ الآخَرِ. إذْ لَوْ عَمَّهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْسِيمِ فَائِدَةٌ، فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ. "وَالثَّالِثُ" الشَّرْطُ4. وَالْمُرَادُ بِهِ: مَا عُلِّقَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَى شَيْءٍ بِأَدَاةِ5 الشَّرْطِ، مِثْلَ "إنْ" وَ "إذَا" وَنَحْوِهِمَا، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ، لا الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ السَّبَبِ وَالْمَانِعِ. وَذَلِكَ كَـ {إنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 6 فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى أُولاتِ الْحَمْلِ، وَبِمَفْهُومِهِ

_ 1 أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً "انظر: صحيح مسلم 2/1037، بذل المجهود 10/105، عارضة الأحوذي 5/25، سنن النسائي 6/70، الموطأ 2/524". 2 روضة الناظر ص274. 3 مختصر الطوفي ص127. 4 انظر "التمهيد للأسنوي ص66، الإحكام للآمدي 3/88، تيسير التحرير 1/100، روضة الناظر ص273، مختصر الطوفي ص126، المسودة 357، المعتمد 1/152 وما بعدها، الآيات البينات 2/30، شرح تنقيح الفصول ص270، شرح العضد 2/180، إرشاد الفحول ص181، نشر البنود 1/101، منهاج العقول 1/320، فواتح الرحموت 1/421، المستصفى 2/205، نهاية السول 1/322، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/251". 5 في ش: بإرادة. 6 الآية 6 من الطلاق.

عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْمُعْتَدَّةِ غَيْرِ الْحَامِلِ1. "وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْقِسْمَيْنِ السَّابِقَيْنِ مِنْ جِهَةِ الدَّلالَةِ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ. فَإِنْ قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَبَبٌ لِمُسَبِّبٍ فَلا تَلازُمَ, رُدَّ بِأَنَّهُ خِلافُ الظَّاهِرِ. وَيُرَدُّ الشَّرْطُ "لِتَعْلِيلٍ كَ" قَوْلِ الإِنْسَانِ لِوَلَدِهِ "أَطِعْنِي2 إنْ كُنْتَ ابْنِي". وَمِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ3 إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ} 4. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: لَفْظُ الشَّرْطِ أَصْلُهُ التَّعْلِيقُ، وَتَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ كَثِيرًا لِلتَّعْلِيلِ لا لِلتَّعْلِيقِ، فَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى السَّبَبِ الْبَاعِثِ عَلَى5 الْمَأْمُورِ6 بِهِ، لا لِتَعْلِيقِ7 الْمَأْمُورِ8 بِهِ فَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى الصِّفَةِ الْبَاعِثَةِ لا التَّعْلِيقُ. اهـ. "وَالرَّابِعُ" مِنْ أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ السِّتَّةِ: الْغَايَةُ. وَهُوَ مَدُّ الْحُكْمِ بِأَدَاةِ الْغَايَةِ "كَـ" إلَى، وَحَتَّى، وَاللاَّمِ

_ 1 في ض: دون. 2 في ز: أطعمني، وفي ش: أعطني. 3 في ش: الله. 4 الآية 114 من النحل. 5 ساقطة من ض. 6 في ش: المأمورية. 7 في ش: تعليق. 8 في ش: المأمورية.

وَمِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ 1 حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} 2 وَحَدِيثُ "لا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ" 3. وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ4، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُعْظَمُ نُفَاةِ الْمَفْهُومِ. "وَهُوَ أَقْوَى مِنْ" الْقِسْمِ "الثَّالِثِ" مِنْ جِهَةِ الدَّلالَةِ؛ لأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى تَسْمِيَتِهَا5 حُرُوفَ الْغَايَةِ، وَغَايَةُ الشَّيْءِ نِهَايَتُهُ، فَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ بَعْدَهَا لَمْ يُفِدْ تَسْمِيَتُهَا غَايَةً. وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى الْمَنْعِ. "وَالْخَامِسُ" مِنْ أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ الْعَدَدُ6.

_ 1 ساقطة من جميع النسخ. 2 الآية 230 من البقرة. 3 أخرجه مالك في الموطأ عن ابن عمر موقوفاً، وأخرجه الدارقطني والترمذي عن ابن عمر مرفوعاً وموقوفاً، وأخرجه أبو داود عن علي وذكر أنه اختلف في رفعه ووقفه، وأخرجه الدارقطني أيضاً عن أنس وعائشة مرفوعاُ وعن علي موقوفاً، قال الدارقطني: الصحيح الوقوف، وقال الترمذي: الموقوف أصح. "انظر: الموطأ 1/246، بذل المجهود 8/65، عارضة الأحوذي 3/125، سنن الدارقطني 2/90، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/248". 4 انظر "المسودة ص358، اللمع ص28، المعتمد 1/156، الإحكام للآمدي 3/92، تيسير التحرير 1/100، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/251، الآيات البينات 2/30، شرح العضد 2/181، إرشاد الفحول ص182، نشر البنود 1/101، فواتح الرحموت 1/432، المستصفى 2/208، روضة الناظر ص273، مختصر الطوفي ص126". 5 في ع: تسمية. 6 انظر تحقيق المسألة في "العدة 2/448، 450، 455 وما بعدها، المعتمد 1/157، التمهيد للأسنوي ص68، الإحكام للآمدي 3/94، تيسير التحرير 1/100، إرشاد الفحول ص181، روضة الناظر ص274، مختصر الطوفي ص127، نشر البنود 1/101، فواتح الرحموت 1/432".

وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ "كَـ" نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1 وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَدَاوُد، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ2. قَالَ سُلَيْمٌ مِنْهُمْ: وَهُوَ دَلِيلُنَا فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ، وَالتَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ. وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الْمَعَالِي3 وَالْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ4: الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الْعَدَدِ هُوَ الْعُمْدَةُ عِنْدَنَا فِي تَنْقِيصِ الْحِجَارَةِ فِي الاسْتِنْجَاءِ مِنْ5 الثَّلاثَةِ، وَنَفَاهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالأَشْعَرِيَّةُ, وَالْقَوْلُ بِهِ أَصَحُّ؛ لِئَلاَّ يَعْرَى التَّحْدِيدُ بِهِ عَنْ فَائِدَةٍ. وَمَحِلُّ الْخِلافِ: فِي عَدَدٍ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّكْثِيرُ كَالأَلْفِ وَالسَّبْعِينَ، وَكُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لِلْمُبَالَغَةِ، نَحْوَ جِئْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ فَلَمْ أَجِدْك، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ {إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} 6: "لأَزِيدَنَّ عَلَى

_ 1 الآية 4 من النور. 2 ساقطة من ض. 3 البرهان 1/453. 4 هو أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع الأنصاري الشافعي، أبو العباس، نجم الدين، المعروف بابن الرفعة، قال الأسنوي: "كان شافعي زمانه، وإمام أوانه، مد في مدارك الفقه باعاً وذراعاً، وتوغل في مسالكه علماً وطباعاً" ومن مؤلفاته "الكفاية في شرح التنبيه"و "المطلب في شرح الوسيط" في نحو أربعين مجلداً، ولم يكمله توفي سنة 710 هـ. "انظر: ترجمته في طبقات الشافعية للسبكي 9/24، طبقات الشافعية للأسنوي 1/601، شذرات الذهب 6/26، البداية والنهاية 14/60". 5 في ش: عن. 6 الآية 80 من التوبة.

السَّبْعِينَ" 1 اسْتِمَالَةٌ لِلأَحْيَاءِ2. وَجَعَلَ أَبُو الْمَعَالِي3 وَأَبُو الطَّيِّبِ وَجَمْعٌ مَفْهُومَ الْعَدَدِ مِنْ قِسْمِ الصِّفَاتِ؛ لأَنَّ قَدْرَ الشَّيْءِ صِفَتُهُ. "وَالسَّادِسُ" مِنْ أَقْسَامِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ "اللَّقَبُ". وَهُوَ "تَخْصِيصُ اسْمٍ بِحُكْمٍ". "وَهُوَ حُجَّةٌ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَدَاوُد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَالصَّيْرَفِيِّ وَالدَّقَّاقِ وَابْنِ فُورَكٍ وَابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وَابْنِ الْقَصَّارِ. وَنَفَاهُ4 الْقَاضِي

_ 1 أخرجه البخاري في صحيحه وابن جرير وابن أبي حاتم، ولفظ البخاري: "عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: لما توفي عبد الله بن أبيّ جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه قميصه، وأمره أن يكفنه فيه، ثم قام يصلي عليه، فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال: تصلي عليه وهو منافق، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم، قال: "إنما خيرني الله - أو خبرني - فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} فقال: سأزيد على سبعين"، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا معه، ثم أنزل الله عليه {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً} الآية. "انظر صحيح البخاري 6/86، فتح القدير للشوكاني 2/388" وقد أخرج نحوه بلفظ آخر الترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. "انظر عارضة الأحوذي 11/240، سنن النسائي 4/54". 2 في ش: للأحبار. 3 البرهان 1/466 وما بعدها. 4 انظر قول جمهور الأصوليين النافين وأدلتهم في "المعتمد 1/159 وما بعدها، المع ص26ن التمهيد للأسنوي ص71، البرهان 1/453 وما بعدها، الإحكام للآمدي 3/95، تيسير التحرير 1/101، 131، مختصر الطوفي ص127، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/252، الآيات البينات 2/32، شرح تنقيح الفصول ص271، شرح العضد 2/182، إرشاد الفحول ص182، نشر البنود1/103، فواتح الرحموت 1/432، المستصفى 2/204، منهاج العقول 1/314، نهاية السول 1/318".

أَبُو يَعْلَى1 وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقُ2، وَقَالَ: وَلَوْ كَانَ مُشْتَقًّا3 كَالطَّعَامِ4. وَقَالَ الْمَجْدُ5 وَمَنْ وَافَقَهُ: إنَّهُ حُجَّةٌ بَعْدَ سَابِقَةِ مَا يَعُمُّهُ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَتُرَابُهَا طَهُورٌ" 6 بَعْدَ قَوْلِهِ: "جُعِلَتْ 7 لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا". وَ8 كَمَا لَوْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: "فِي الإِبِلِ زَكَاةٌ " 9 أَوْ10 هَلْ نَبِيعُ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ؟ فَقَالَ: "لا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ" تَقْوِيَةً لِلْخَاصِّ بِالْعَامِّ، كَالصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ

_ 1 عزو المصنف للقاضي أبي يعلى نفي الاحتجاج بمفهوم اللقب غير سديد، وذلك لأنه صرح في كتابه "العدة" بحجيته، كما ناقش أدلة النافين وردها في كلام طويل مفصل، يقول فيه: "والدلالة على أنه إذا كان معلقاً باسم دل على أن ما عداه بخلافه أن الصفة وضعت للتمييز بين الموصوف وغيره، كما أن الاسم وضع لتمييز المسمى من غيره. فإذا قال: ادفع هذا إلى زيد أو إلى عمرو، واشتر لي شاة أو جملاً وما أشبه ذلك، لم يجز العدول عنه، وكانت التسمية للتمييز والمخالفة بينه وبين ما عداه كالصفة سواء، ثم لو علق الحكم على صفة دل أن ما عداه بخلافه، كذلك إذا علقه بالاسم. الخ" "العدة 2/475". 2 روضة الناظر ص275. 3 في ش: مستفاداً. 4 نقل المصنف هذا عن الموفق فيه اختصار وتصريف، وعبارته في "الروضة": "ولا فرق بين كون الاسم مشتقاً كالطعام أو غير مشتق كأسماء الأعلام". "روضة الناظر ص275". 5 المسودة ص352 وما بعدها. 6 فيما أخرجه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت لنا تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء" "صحيح مسلم 1/371، مسند أحمد 5/383". 7 في ش: وجعلت. 8 الواو ساقطة من ش. 9 في ض: الزكاة. 10 في ض: و.

قَالَ1: وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ2 عَنْ أَحْمَدَ فِي مَفْهُومِ اللَّقَبِ لا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا. وَجْهُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ: أَنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْعَامِّ لَمْ يَتَعَلَّقْ3 بِالْخَاصِّ؛ لأَنَّهُ أَخَصُّ وَأَعَمُّ، وَلأَنَّهُ يُمَيِّزُ مُسَمَّاهُ، كَالصِّفَةِ.

_ 1 في ش: وقال. 2 في ش: جاءنا. 3 في ع ض ب: يعلق.

فصل إذا خص نوع بالذكر مما لا يصح لمسكوت عنه فله مفهوم

فصل إذا خص نوع بالذكر مما لا يصح لمسكوت عنه فله مفهوم: إذَا" "خُصَّ نَوْعٌ" مِنْ جِنْسٍ "بِالذِّكْرِ بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا" أَيْ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ "مِمَّا1 لا يَصْلُحُ لِمَسْكُوتٍ2 عَنْهُ" "فَلَهُ" أَيْ فَلِذَلِكَ الذِّكْرِ "مَفْهُومٌ". وَمِنْ3 ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {كَلاًّ إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 4 فَالْحِجَابُ عَذَابٌ فَلا يُحْجَبُ مِنْ لا يُعَذَّبُ، وَلَوْ حُجِبَ الْجَمِيعُ لَمْ يَكُنْ عَذَابًا5. قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمَّا حَجَبَ 6أَعْدَاءَهُ تَجَلَّى لأَوْلِيَائِهِ حَتَّى رَأَوْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا حَجَبَ هَؤُلاءِ فِي السُّخْطِ كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ7 فِي الرِّضَا8. وَقَالَ أَيْضًا: فِي الآيَةِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِ وُجُوهِهِمْ.

_ 1 في ع: ما. 2 في ع ض: السكوت. 3 في ش: أي ومن. 4 الآية 15 من المطففين. 5 انظر: المسودة 364، المستصفى 2/192. 6 ساقطة من ش. 7 في ش: يرونه يوم القيامة. 8 أحكام القرآن للشافعي 1/40.

وَبِهَذِهِ الآيَةِ اسْتَدَلَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ1 وَغَيْرُهُ مِنْ الأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى الرُّؤْيَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَوْلا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَائِدَةٌ، وَلا حَسُنَتْ مَنْزِلَتُهُمْ بِحَجْبِهِمْ. "وَإِذَا اقْتَضَى حَالٌ أَوْ" اقْتَضَى2 "لَفْظٌ عُمُومَ الْحُكْمِ لَوْ عَمَّ، فَتَخْصِيصُ بَعْضٍ بِالذِّكْرِ لَهُ مَفْهُومٌ" ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ3 وَغَيْرُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا4} 5 وقَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} إلَى قَوْلِهِ {وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ} 6. "وَفِعْلُهُ" أَيْ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَهُ دَلِيلٌ كَدَلِيلِ الْخِطَابِ" عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا7. وَأَخَذُوهُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ شَهْرٍ8؛ لِحَدِيثِ أُمِّ سَعْدٍ9 رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ10 وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

_ 1 الرد على الجهمية للإمام أحمد ص129. 2 ساقطة من ش. 3 المسودة ص364. 4 في ز ب: خلقنا تفضيلاً. 5 الآية 70 من الإسراء. 6 الآية 18 من الحج. 7 العدة 2/478. 8 حكاه الترمذي في سننه. "انظر عارضة الأحوذي 4/257". 9 هي أم سعد بن عبادة رضي الله عنها. "انظر ترجمتها في أسد الغابة 7/339". 10 عارضة الأحوذي 4/258.

أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ. وَضَعَّفَ هَذِهِ الدَّلالَةَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا1 وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَيْسَ لِلْفعَلِ صِيغَةٌ تَعُمُّ وَلا تَخُصُّ2، فَضْلاً عَنْ أَنْ يُجْعَلَ لَهَا دَلِيلُ خِطَابٍ "وَدَلالَةُ الْمَفْهُومِ كُلُّهَا بِالالْتِزَامِ"3 بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْيَ فِي الْمَسْكُوتِ لازِمٌ لِلثُّبُوتِ4 فِي الْمَنْطُوقِ مُلازَمَةً ظَنِّيَّةً لا قَطْعِيَّةً.

_ 1 المسودة ص353. 2 في ش: للعقل صفة لا تخص ولا تعم. وفي ع: للفعل صفة تعم ولا تخص. وفي ز: للفعل صيغة لا تخص ولا تعم. 3 انظر: شرح تنقيح الفصول ص271، منهاج العقول 1/317، نهاية السول 1/320. 4 في ع: لثبوت.

فصل كلمة إنما

فَصْلٌ: كَلِمَةُ إنَّمَا: "بِكَسْرٍ وَفَتْحٍ" أَيْ بِكَسْرِ هَمْزَتِهَا وَفَتْحِهَا1 "تُفِيدُ2 الْحَصْرَ" "نُطْقًا" أَيْ مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ3 عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ الْمُنَى وَالْمُوَفَّقِ4 وَالْفَخْرِ مِنَّا5 وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي6 وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيِّ وَالأَكْثَرُ فَهْمًا يُعْنَى بِالْمَفْهُومِ7. وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ8 وَالآمِدِيِّ9 وَالطُّوفِيِّ10 -مِنْ أَصْحَابِنَا- وَمَنْ وَافَقَهُمْ: لا تُفِيدُ الْحَصْرَ نُطْقًا وَلا فَهْمًا، بَلْ تُؤَكِّدُ الإِثْبَاتَ

_ 1 في ش: وفتحتها. 2 في ع: تقييد. 3 انظر "الإبهاج في شرح المنهاج 1/227 وما بعدها، معترك الأقران 1/183 وما بعدها، المحصول ج1 ق1/535، القواعد والفوائد الأصولية ص139، الإشارات للباجي ص92، شرح تنقيح الفصول ص57، نشر البنود 1/102، التمهيد للأسنوي ص57، نهاية السول 1/304، تيسير التحرير 1/102، 132". 4 روضة الناظر ص271. 5 ساقطة من ش. 6 العدة 2/479. 7 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص139، المسودة ص354، المستصفى 2/206، التبصرة ص239، اللمع ص26، إرشاد الفحول ص182، الآيات البينات 2/42 وما بعدها. 8 انظر: فواتح الرحموت 1/434، تيسير التحرير 1/132. 9 الإحكام في أصول الأحكام 3/97. 10 مختصر الطوفي ص125.

وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّانِ, وَقَالَ: كَمَا1 لا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ أَخَوَاتِهَا الْمَكْفُوفَةِ2 بِمَا3 مِثْلَ: لَيْتَمَا، وَلَعَلَّمَا، وَإِذَا فُهِمَ مِنْ "إنَّمَا" حَصْرٌ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ السِّيَاقِ، لا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ إمَامَ اللُّغَةِ 4نَقَلَ عَنْ5 أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهَا تُفِيدُهُ لِجَوَازِ "إنَّمَا الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ" 6 يَعْنِي7 قَلْبَهُ وَلِسَانَهُ أَيْ كَمَالُهُ بِهَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ8 لا بِهَيْئَتِهِ وَمَنْظَرِهِ. ثُمَّ قَالَ نَعَمْ9 لَهُمْ طُرُقٌ فِي إفَادَتِهَا الْحَصْرَ أَقْوَاهَا نَقْلُ أَهْلِ10 اللُّغَةِ واسْتِقْرَاءَ11 اسْتِعْمَالاتِ الْعَرَبِ إيَّاهَا فِي ذَلِكَ، وَأَضعَفُهَا12 طَرِيقَةً الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ: أَنَّ "إنَّ" لِلإِثْبَاتِ وَ "مَا" لِلنَّفْيِ13, وَلا يَجْتَمِعَانِ، فَيُجْعَلُ الإِثْبَاتُ لِلْمَذْكُورِ وَالنَّفْيُ لِلْمَسْكُوتِ14

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ع. 3 في ع: بم. 4 ساقطة من ش. 5 في ز: إلى، وفي ب: عنه. 6 انظر: الأمثال لأبي عبيد ص98، لسان العرب 4/458، قال ابن منظور: ومعنى المثل أن المرء يعلو الأمور ويضبطها بجنانه ولسانه. 7 ساقطة من ش. 8 في ع ض ب: الوصفين. 9 ساقطة من د. 10 في ش: عن أهل. 11 في ش: استقرار. 12 في ش: وأصبعها. 13 في ش: استعمل للنفي. 14 المحصول ج1 ق1/537.

وَرُدَّ بِمَنْعِ كُلٍّ مِنْ الأَمْرَيْنِ؛ لأَنَّ "إنَّ" لِتَوْكِيدِ النِّسْبَةِ، نَفْيًا كَانَ أَوْ إثْبَاتًا نَحْوَ إنَّ زَيْدًا قَامَ، وَإِنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُمْ، وَ "مَا" كَافَّةٌ لا نَافِيَةٌ عَلَى الْمُرَجَّحِ1, وَبِتَقْدِيرِ التَّسَلُّمِ: فَلا يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُ الْمَعْنَى فِي حَالَةِ الإِفْرَادِ أَوْ2 حَالَةِ التَّرْكِيبِ. قَالَ السَّكَّاكِيُّ: لَيْسَ الْحَصْرُ فِي "إنَّمَا" لِكَوْنِ "مَا" لِلنَّفْيِ، كَمَا يَفْهَمُهُ3 مَنْ لا وُقُوفَ لَهُ عَلَى النَّحْوِ؛ لأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلنَّفْيِ لَكَانَ لَهَا الصَّدْرُ4. ثُمَّ حَكَى عَنْ الرَّبَعِيِّ5: "أَنَّ"6 إنَّ لِتَأْكِيدِ7 إثْبَاتِ الْمُسْنَدِ لِلْمُسْنَدِ إلَيْهِ، وَ "مَا" مُؤَكِّدَةٌ فَنَاسَبَ مَعْنَى الْحَصْرِ8. دلِيلُ الْقَائِلِ بِالْحَصْرِ: تَبَادُرُ الْفَهْمِ بِلا دَلِيلٍ. وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى إبَاحَةِ رِبَا الْفَضْلِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ" وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ9 وَشَاعَ فِي الصَّحَابَةِ

_ 1 في ز: الأرجح. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: يفهمها، وفي مفتاح العلوم: يظنه. 4 في ش: يفهمها، وفي مفتاح العلوم: يظنه. 5 هو علي بن عيسى بن الفرج بن صالح الربعي، أبو الحسن، أحد أئمة النحويين وحذاقهم، صاحب التصانيف الحسان كـ"شرح الإيضاح" و "البديع" و "شرح البلغة" و "شرح مختصر الجرمي" توفي سنة 420 هـ "انظر ترجمته في بغية الوعاة 2/181، معجم الأدباء 14/78، إنباه الرواة 2/297ن مفتاح العلوم ص126". 6 زيادة يقتضيها السياق. 7 في سائر النسخ: للتأكيد. 8 مفتاح العلوم ص126. 9 هذا لفظ مسلم. "انظر صحيح مسلم 3/1218"، أما البخاري فلم يخرجه بهذا اللفظ، وإنما أخرجه بلفظ "لا ربا إلا في النسيئة" "صحيح البخاري 3/98".

وَلَمْ1 يُنْكَرْ، وَعَدَلَ إلَى دَلِيلٍ. لَكِنْ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْ أُسَامَةَ بِلَفْظِ: "لَيْسَ الرِّبَا إلاَّ فِي النَّسِيئَةِ" كَمَا فِي مُسْلِمٍ2. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُسْتَنَدُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ قَدْ رَوَوْا أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا وَافَقُوهُ كَانَ كَالإِجْمَاعِ. "وَقَدْ" "تَرِدُ" إنَّمَا "لِتَحْقِيقِ مَنْصُوصٍ، لا لِنَفْيِ غَيْرِهِ" نَحْوُ "إنَّمَا الْكَرِيمُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ". "وَ" لَفْظُ "تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ" يُفِيدُ الْحَصْرَ نُطْقًا3؛ لأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى ضَمِيرٍ4 عَائِدٍ إلَى الصَّلاةِ، وَفِيهَا السَّلامُ5. وَبِهِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى تَعْيِينِ لَفْظَيْ6 التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ7" وَمَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ لِمَنْعِهِمْ الْمَفَاهِيمَ

_ 1 في ض: فلم. 2 الحديث بهذا اللفظ غير موجود في صحيح مسلم، وقد روى مسلم نحوه عن أسامة بن زيد مرفوعاً "لا ربا فيما كان يداً بيد". "صحيح مسلم 3/1218" وروى البخاري والنسائي عن أسامة مرفوعاً "لا ربا إلا في النسيئة" "صحيح البخاري 3/98، سنن النسائي 247". 3 انظر: نشر البنود 1/102ن البرهان 1/478، روضة الناظر ص272، المسودة ص363، شرح تنقيح الفصول ص57 وما بعدها، المستصفى 2/207. 4 في ش: مميز. 5 في ش: اللام. 6 في ع: لفظتي. 7 أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وإسحاق وابن شيبة والبزار عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً، وأخرجه الحاكم وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. "انظر: بذل المجهود 1/153، عارضة الأحوذي 1/15، سنن ابن ماجه 1/101، المستدرك 1/132، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/126، شرح السنة للبغوي 3/17ن مسند الإمام أحمد 1/123، 129".

وَرُدَّ بِأَنَّ التَّعْيِينَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْحَصْرِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ مُنْحَصِرٌ فِي التَّكْبِيرِ كَانْحِصَارِ زَيْدٍ فِي صَدَاقَتِك، إذَا قُلْت: صَدِيقِي زَيْدٌ1. أَمَّا إذَا كَانَ الْخَبَرُ نَكِرَةً، نَحْوَ زَيْدٌ قَائِمٌ، فَالأَصَحُّ أَنَّهَا لا تُفِيدُ الْحَصْرَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ" 2 فَإِنَّهُ لا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَيْضًا جُنَّةً3. "وَ"لَفْظُ "صَدِيقِي" زَيْدٌ "أَوْ الْعَالِمُ زَيْدٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ" كَقَوْلِك: الْقَائِمُ زَيْدٌ "وَلا قَرِينَةَ عَهْدٍ يفِيدُ4 الْحَصْرَ نُطْقًا" مِنْ صِيَغِ الْحَصْرِ الْمُعْتَبَرِ، مَفْهُومُهُ حَصْرُ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ5. وَلَهُ َصِيغَتَانِ6: إحْدَاهُمَا: نَحْوُ صَدِيقِي زَيْدٌ قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ، مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ "صَدِيقِي" عَامٌّ، فَإِذَا أُخْبِرَ7 عَنْهُ بِخَاصٍّ -وَهُوَ زَيْدٌ- كَانَ حَصْرًا لِذَلِكَ الْعَامِّ، وَهُوَ الأَصْدِقَاءُ كُلُّهُمْ فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ زَيْدٌ، إذْ لَوْ بَقِيَ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْخَبَرِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ أَعَمَّ مِنْ الْخَبَرِ، وَذَلِكَ لا يَجُوزُ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: لا لُغَةً وَلا عَقْلاً، فَلا تَقُولُ: الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ8، وَلا الزَّوْجُ

_ 1 انظر: البرهان 1/480، شرح تنقيح الفصول ص58. 2 أخرجه البخاري ومسل والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده. "انظر: صحيح البخاري 3/31، صحيح مسلم 2/806، الموطأ 1/310، سنن النسائي 4/135، سنن ابن ماجه 1/525، عارضة الأحوذي 3/294، مسند الإمام أحمد 1/196، 3/341، 396، 399". 3 شرح تنقيح الفصول ص59. 4 في ش ض: تفيد. 5 انظر شرح تنقيح الفصول ص58، البرهان 1/480. 6 في ش: صورتان وصيغتان. 7 في ش: حصر. 8 في ع ب: الإنسان حيوان.

عَشَرَةٌ، بَلْ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ أَخَصَّ أَوْ مُسَاوِيًا1. وَالصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ: الْعَالِمُ زَيْدٌ وَنَحْوُهُ، كَالْقَائِمِ زَيْدٌ، إذَا جُعِلَتْ اللاَّمُ لِلْحَقِيقَةِ أَوْ لِلاسْتِغْرَاقِ لا لِلْعَهْدِ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَالصِّيَغِ الَّتِي قَبْلَهُمَا2. "وَيَحْصُلُ حَصْرٌ" أَيْضًا "بِنَفْيٍ"3 سَوَاءٌ كَانَ النَّفْيُ بِمَا أَوْ بِغَيْرِهَا4، كَلا، وَلَمْ، وَإِنْ، وَلَيْسَ "وَنَحْوُهُ" أَيْ نَحْوُ النَّفْيِ، كَالاسْتِفْهَامِ "وَاسْتِثْنَاءٌ تَامٌّ وَمُفَرَّغٌ5، وَفَصْلُ مُبْتَدَأٍ مِنْ خَبَرٍ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ"6. فَمِثَالُ النَّفْيِ: "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ7 يُبَيَّتُ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ8 ". وَمِثَالُ نَحْوِ النَّفْيِ، وَهُوَ الاسْتِفْهَامُ {فَهَلْ يُهْلَكُ إلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ9} 10. وَمِثَالُ الاسْتِثْنَاءِ: لا إلَه إلاَّ اللَّهُ، وَمَا لِي سِوَى11 اللَّهِ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

_ 1 انظر: المستصفى 2/207، فواتح الرحموت 1/434، شرح العضد 2/183، إرشاد الفحول ص182، الإحكام للآمدي 1/98، نهاية السول 1/305، تيسير التحرير 1/102، 134. 2 في ش: قبلهما. 3 انظر: معترك الأقران 1/182 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص57، نشر البنود 1/102، الإحكام للآمدي 3/99، إرشاد الفحول ص182. 4 في ع: غيرها. 5 معترك الأقران 1/182 وما بعدها. 6 معترك الأقران 1/186. 7 في ش: لا. 8 سبق تخريجه في ج1 ص210. 9 في ش: الظالمون. 10 الآية 35 من الأحقاف. 11 في ش: إله سوى.

رَضِيت بِك اللَّهُمَّ رَبًّا فَلَنْ أُرَى ... أَدِينُ إلَهًا غَيْرَك اللَّهَ وَاحِدًا وَمِثَالُ فَصْلِ الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْخَبَرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ} 1 فَإِنَّهُ لَمْ يُسْقَ إلاَّ لِلإِعْلامِ بِأَنَّهُمْ الْغَالِبُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ2. وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ 3 هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} 4 {إنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 5 وَلأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُوضَعْ إلاَّ لِلإِفَادَةِ، وَلا فَائِدَةَ فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى:6 {وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ} 7 سِوَى الْحَصْرِ. "وَيُفِيدُ الاخْتِصَاصَ" بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ8 مُقَدَّمٌ لِيُفِيدَ "وَهُوَ الْحَصْرُ" جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ وَقَعَتْ بَيْنَ الْفِعْلِ وَفَاعِلِهِ9 "تَقْدِيمُ" بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يُفِيدُ "الْمَعْمُولِ"10 بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 11 أَيْ نَخُصُّك بِالْعِبَادَةِ وَالاسْتِعَانَةِ، وَهَذَا12 مَعْنَى الْحَصْرِ.

_ 1 الآية 173 من الصافات. 2 في ش: قومهم. 3 في ز ض ب: المشركين. 4 الآية 43 من غافر. 5 الآية 5 من الشورى. 6 ساقطة من ع ز ب. 7 الآية 76 من الزخرف. 8 في ش: مضاف. 9 في ش: وفاعله و. 10 انظر: معترك الأقران 1/189 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص57، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/256، الآيات البينات 2/42. 11 الآية 5 من الفاتحة. 12 في ش: وهو.

وَسَوَاءٌ فِي الْمَعْمُولِ الْمَفْعُولُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي {إيَّاكَ نَعْبُدُ} وَالْحَالُ وَالظَّرْفُ وَالْخَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُبْتَدَأِ، نَحْوُ تَمِيمِيٌّ أَنَا وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ1 الْمَثَلِ السَّائِرِ2. وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ3 الْفَلَكِ الدَّائِرِ، وَقَالَ: لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ4. وَإِنْكَارُهُ عَجِيبٌ، فَكَلامُ الْبَيَانِيِّينَ طَافِحٌ بِهِ، وَبِهِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا5 وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ6 عَلَى تَعْيِينِ لَفْظَيْ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ، بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ" وَهُوَ يُفِيدُ الاخْتِصَاصَ قَالَهُ الْبَيَانِيُّونَ. وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَأَبُو حَيَّانَ، فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ: إنَّ تَوَهُّمَ النَّاسِ لِذَلِكَ وَهَمٌ، وَتَمَسُّكَهُمْ بِنَحْوِ {بَلْ 7 اللَّهَ

_ 1 هو ضياء الدين، نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الأثير الشيباني الجزري، أبو الفتح، الكاتب البليغ. قال ابن العماد: "انتهت إليه كتابة الإنشاء والترسل". اشتغل بالفنون المختلفة، ولكن غلبت عليه العلوم الأدبية، وصنف فيها تصانيف مشهورة منها "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" و "الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور" و "والرسائل البديعة" توفي سنة 637 هـ، "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للأسنوي 1/133، شذرات الذهب 5/187، بغية الوعاة 2/315، وفيات الأعيان 5/25". 2 المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر 2/38 وما بعدها. 3 هو عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن أبي الحديد المدائني المعتزلي، عز الدين، أبو حامد، أحد غلاة الشيعة، كان أديباً متضلعاً في فنون الأدب متقناً لعلوم اللسان، شاعراً مجيداً، متكلماً جدلياً نظاراً، من كتبه "شرح نهج البلاغة" و "الفلك الدائر على المثل السائر" و "الحواشي على المفصل". توفي سنة 655هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في البداية والنهاية 13/199، فوات الوفيات 2/259، ذيل مرآة الزمان 1/62، روضات الجنات للخوانساري 5/20". 4 الفلك الدائر على المثل السائر ص250. 5 المغني لابن قدامة 1/505، الشرح الكبير على المقنع 1/505، كشاف القناع 1/385. 6 المهذب للشيرازي 1/77، شرح السنة للبغوي 3/18، المجموع للنووي 3/289. 7 في ش: بل هم.

فَاعْبُدْ} 1 ضَعِيفٌ لِوُرُودِ {فَاعْبُدْ اللَّهَ} 2 فَيَلْزَمُ أَنَّ الْمُؤَخَّرَ يُفِيدُ عَدَمَ الْحَصْرِ، لكَوْنِهِ3 يَقْتَضِيهِ. وَأُجِيبَ: لا يَسْتَلْزِمُ حَصْرًا وَلا 4عَدَمَهُ وَلا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إفَادَةِ5 الْحَصْرِ إفَادَةُ نَفْيِهِ لا سِيَّمَا وَ "مُخْلِصًا" فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا} 6 مُغْنٍ عَنْ إفَادَةِ الْحَصْرِ7. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي أَوَّلِ8 تَفْسِيرِهِ9 فِي رَدِّ دَعْوَى الاخْتِصَاصِ: إنَّ سِيبَوَيْهِ قَالَ: إنَّ التَّقْدِيمَ لِلاهْتِمَامِ وَالْعِنَايَةِ10، فَهُوَ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَمَا فِي ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَضَرَبَ عَمْرًا زَيْدٌ، فَكَمَا أَنَّ هَذَا لا يَدُلُّ عَلَى الاخْتِصَاصِ، فَكَذَلِكَ مِثَالُنَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ تَشْبِيهَ سِيبَوَيْهِ إنَّمَا هُوَ11 فِي أَصْلِ الإِسْنَادِ، وَأَنَّ التَّقْدِيمَ يُشْعِرُ بِالاهْتِمَامِ وَالاعْتِنَاءِ وَلا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ الاخْتِصَاصِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْفَلَكِ الدَّائِرِ12: الْحَقُّ أَنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَى الاخْتِصَاصِ إلاَّ

_ 1 الآية 66 من الزمر. 2 الآية 2 من الزمر. 3 في ش: بكونه. 4 في ش: عدم إفادة الحصر إفادة حصره. 5 ساقطة من ض. 6 الآية 2 من الزمر. 7 معترك الأقران 1/190. 8 ساقطة من ش. 9 البحر المحيط لأبي حيان 1/16. 10 في ض: والغاية. 11 في ز: هو على، وفي ش: هو في. 12 الفلك الدائر على المثل السائر ص257 وما بعدها.

بِالْقَرَائِنِ، وَالأَكْثَرُ فِي الْقُرْآنِ التَّصْرِيحُ بِهِ مَعَ عَدَمِ الاخْتِصَاصِ نَحْوَ: {إنَّ لَك أَنْ لا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} 1 وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِ، فَإِنَّ حَوَّاءَ كَذَلِكَ. وَكَوْنُ الاخْتِصَاصِ هُوَ الْحَصْرَ -كَمَا فِي الْمَتْنِ- هُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَخَالَفَ السُّبْكِيُّ2، فَقَالَ: لَيْسَ مَعْنَى الاخْتِصَاصِ الْحَصْرَ، خِلافًا لِمَا يَفْهَمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ لأَنَّ الْفُضَلاءَ -كَالزَّمَخْشَرِيِّ3- لَمْ يُعَبِّرُوا فِي نَحْوِ ذَلِكَ إلاَّ بِالاخْتِصَاصِ. اهـ. "وَأَقْوَاهَا" أَيْ أَقْوَى الْمَفَاهِيمِ "اسْتِثْنَاءٌ، فَ4" يَلِيهِ "حَصْرٌ بِنَفْيٍ، فَ5" يَلِيهِ "مَا قِيلَ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ، فَ6" يَلِيهِ "حَصْرُ مُبْتَدَأٍ" فِي خَبَرٍ "فَ7" يَلِيهِ "شَرْطٌ، فَصِفَةٌ مُنَاسِبَةٌ، فَ" صِفَةٌ هِيَ "عِلَّةٌ، فَغَيْرُهَا" أَيْ فَصِفَةٌ غَيْرُ عِلَّةٍ "فَعَدَدٌ، فَتَقْدِيمُ مَعْمُولٍ" وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

_ 1 الآية 118 من طه. 2 المراد به الوالد "تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي السبكي" في كتابه "الاقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص". "انظر جمع الجوامع وحاشية الآيات البينات للعبادي عليه 2/42، معترك الأقران للسيوطي 1/191، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 10/304". 3 في الكشاف "4/112" حيث قال في قوله تعالى في أول سورة التغابن {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} : قدم الظرفان ليدل بتقديمها على معنى اختصاص الملك والحمد بالله عز وجل". 4 في ش ع ض ب: و. 5 في ش ب: و. 6 في ش ض: و. 7 في ش: و.

باب النسخ

بَابٌ النسخ: النَّسْخُ لُغَةً: الإِزَالَةُ" وَهُوَ الرَّفْعُ1 "حَقِيقَةً" يُقَالُ: نَسَخَتْ الشَّمْسُ الظِّلَّ: أَيْ2 أَزَالَتْهُ وَرَفَعَتْهُ، وَنَسَخَتْ الرِّيحُ الأَثَرَ كَذَلِكَ3. "وَ"يُرَادُ بِهِ "النَّقْلُ مَجَازًا" وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: النَّقْلُ مَعَ عَدَمِ 4بَقَاءِ الأَوَّلِ، كَالْمُنَاسَخَاتِ فِي الْمَوَارِيثِ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ مِنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ، مَعَ بَقَاءِ الْمَوَارِيثِ فِي نَفْسِهَا. وَالثَّانِي: النَّقْلُ مَعَ بَقَاءِ الأَوَّلِ كَنَسْخِ الْكِتَابِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 5. وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِ. وَقِيلَ6: إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي النَّقْلِ مَجَازٌ فِي الرَّفْعِ وَالإِزَالَةِ عَكْسُ الأَوَّلِ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ع ض ب. 3 غير أن هناك فرقاً بين الإزالة المقصود في كل من المثالين، وذلك لأن النسخ بمعنى الإزالة يرد في اللغة على نوعين "أحدهما" نسخ إلى بدل نحو قولهم "نسخ الشيب الشباب" و "نسخت الشمس الظل" أي أذهبته وحلت محله. "والثاني" نسخ إلى غير بدل نحو "نسخت الريح الأثر" أي أبطلته وأزالته. "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص8". 4 ساقطة من ع. 5 الآية 29 من الجاثية. 6 في ش: وما قيل.

وَقِيلَ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الإِزَالَةِ وَالنَّقْلِ. "وَ" النَّسْخُ "شَرْعًا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ الأُصُولِيِّينَ "رَفْعُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَرَاخٍ" أَيْ الدَّلِيلُ عَنْ الْحُكْمِ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ1 وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِ2. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ "بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ" أَوْلَى مِمَّنْ قَالَ "بِخِطَابٍ شَرْعِيٍّ" لِدُخُولِ3 الْفِعْلِ فِي الدَّلِيلِ دُونَ الْخِطَابِ. وَعَبَّرَ الْبَيْضَاوِيُّ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ4، وَهُوَ حَسَنٌ أَيْضًا. وَمِنْ النَّسْخِ بِالْفِعْلِ: نَسْخُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ بِأَكْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ5.

_ 1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/185. 2 انظر معنى النسخ في الاصطلاح الشرعي في "العدة 3/778، المسودة ص195، روضة الناظر ص69، مختصر الطوفي ص72، العضد على ابن الحاجب 2/185، الاعتبار للحازمي ص8، نهاية السول 2/162، منهاج العقول 2/162، الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص41، البرهان للجويني 2/1293، إرشاد الفحول ص184، أصول السرخسي 2/54، الإحكام لابن حزم 4/438، الإحكام للآمدي 3/104، المعتمد للبصري 1/396، المحصول للرازي ج1 ق3/423، المستصفى 1/107، فواتح الرحموت 2/53، الإشارات للباجي ص61، اللمع للشيرازي ص30، أدب القاضي للماوردي 1/333، فتح الغفار 2/130، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/75، التلويح على التوضيح 2/31، الآيات البينات 3/129، كشف الأسرار 3/155، شرح تنقيح الفصول ص301". 3 في ش: كدخول. 4 حيث عرفه بقوله "النسخ هو بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي متراخ عنه" "منهاج الوصول مع شرحه نهاية السول 2/162". 5 فقد روى مسلم والترمذي وابن ماجه والبيهقي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "توضأوا مما مست النار" "صحيح مسلم 1/272، عارضة الأحوذي 1/108، سنن ابن ماجه 1/163، سنن البيهقي 1/155" ثم نسخ ذلك بما روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي مالك وأحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أكل كتف شاةٍ، ثم صلى ولم يتوضأ". "صحيح البخاري 1/63، صحيح مسلم 1/273، سنن أبي داود 1/43، عارضة الأحوذي 1/110، سنن النسائي 1/90، سنن ابن ماجه 1/164، الموطأ 1/25، مسند أحمد 1/365، سنن البيهقي 1/153، وانظر الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص48-53".

قَوْلُهُ "مُتَرَاخٍ" لِتَخْرُجَ1 الْمُخَصِّصَاتُ الْمُتَّصِلَةُ. وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ: مَا تَعَلَّقَ بِالْمُكَلَّفِ بَعْدَ2 وُجُودِهِ أَهْلاً. وَقُيلْ: إنَّ النَّسْخَ بَيَانُ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ لا رَفْعِهِ3. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَمَعْنَى الرَّفْعِ4: إزَالَةُ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلاهُ لَبَقِيَ ثَابِتًا، عَلَى مِثَالِ رَفْعِ حُكْمِ الإِجَارَةِ بِالْفَسْخِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفَارِقُ زَوَالَ حُكْمِهَا بِانْقِضَاءِ مُدَّتِهَا5. قَالَ: وَقَيَّدْنَا الْحَدَّ6 بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِبَادَاتِ فِي الشَّرْعِ مُزِيلٌ لِحُكْمِ الْعَقْلِ7 مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَلَيْسَ بِنَسْخٍ. وَقَيَّدْنَاهُ بِالْخِطَابِ الثَّانِي؛ لأَنَّ زَوَالَ الْحُكْمِ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ لَيْسَ بِنَسْخٍ.

_ 1 في ش: ليخرج. 2 في ض: قبل. 3 وهو قول الرازي في المحصول ج1 ق3/428، والبيضاوي في المنهاج "نهاية السول 2/162" وابن حزم في الإحكام 4/438. وللحنفية في ذلك تفصيل حسن حيث قالوا: "النسخ بيان لمدة الحكم المنسوخ في حق الشارع، وتبديل لذلك الحكم بحكم آخر في حقنا على ما كان معلوماً عندنا لو لم ينزل الناسخ". "انظر أصول السرخسي 2/54، فتح الغفار لابن نجيم 2/130، التلويح على التوضيح 2/32، كشف الأسرار 3/156". 4 في ش: الحكم. 5 روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة ص69. 6 ساقطة من ش. 7 في ع ب: يزيل الحكم العقيلي. وفي ض: يزيل لحكم العقل.

وَقَوْلُنَا "مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ1"؛ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَّصِلاً بِهِ كَانَ بَيَانًا، وَإِتْمَامًا لِمَعْنَى2 الْكَلامِ، وَتَقْدِيرًا لَهُ بِمُدَّةٍ وَشَرْطٍ3. اهـ. "وَالنَّاسِخُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى حَقِيقَةً". قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ: النَّاسِخُ يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُقَالُ: نَسَخَ فَهُوَ نَاسِخٌ، قَالَ4 اللَّهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} 5. وَيُطْلَقُ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُعَرِّفَةِ لارْتِفَاعِ الْحُكْمِ مِنْ الآيَةِ، وَخَبَرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ وَتَقْرِيرِهِ وَالإِجْمَاعِ عَلَى الْحُكْمِ، كَقَوْلِنَا: وُجُوبُ صَوْمِ6 رَمَضَانَ نَسَخَ صَوْمَ7 يَوْمِ8 عَاشُورَاءَ, وَعَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ نَسْخَ الْحُكْمِ، كَقَوْلِهِمْ: فُلانٌ يَنْسَخُ الْقُرْآنَ بِالسُّنَّةِ، أَيْ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ فَهُوَ نَاسِخٌ9. وَالاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ إطْلاقَهُ عَلَى الأَخِيرَيْنِ10 مَجَازٌ، وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي الأَوَّلَيْنِ11:

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ض: بمعنى. 3 روضة الناظر ص69. وكلام ابن قدامة الذي نقله المصنف عنه هو شرح لحد النسخ الذي ارتضاه وهو "رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه". 4 في ش: وقال. 5 الآية 106 من البقرة. 6 في ش: صيام. 7 ساقطة من ض. 8 ساقطة من ش. 9 ساقطة من ش. 10 في ز: الآخرين. 11 في ش ض ب: الأوليين.

فَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ: حَقِيقَةٌ فِي الطَّرِيقِ لا فِيهِ1 تَعَالَى2. وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ: حَقِيقَةٌ فِي اللَّهِ تَعَالَى مَجَازٌ فِي الطَّرِيقِ. وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ. اهـ. "وَالْمَنْسُوخُ: الْحُكْمُ الْمُرْتَفِعُ بِنَاسِخٍ" كَالْمُرْتَفِعِ مِنْ وُجُوبِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. "وَلا يَكُونُ" "النَّاسِخُ أَضْعَفَ" يَعْنِي3 مِنْ الْمَنْسُوخِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَالأَكْثَرِ4. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ يُشْتَرَطُ فِي النَّاسِخِ عِنْدَ الأَكْثَرِ5 أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الْمَنْسُوخِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ6، وَلِذَلِكَ7 ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَصْحَابِنَا. اهـ. "وَلا" "نَسْخَ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ" بَيْنَ8 الدَّلِيلَيْنِ؛ لأَنَّا إنَّمَا نَحْكُمُ بِأَنَّ الأَوَّلَ مِنْهُمَا مَنْسُوخٌ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْنَا الْجَمْعُ فَإِذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ وَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِكَلامٍ مَقْبُولٍ، أَوْ بِمَعْنًى

_ 1 في ش: في الله. 2 ساقطة من ض. 3 ساقطة من ض ب. 4 انظر تحقيق المسألة في "العدة 3/788، المسودة ص201 وما بعدها، 229، البرهان 2/1311، إرشاد الفحول ص186، 188، شرح تنقيح الفصول ص311 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 4/477، أصول السرخسي 2/77، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/78، نهاية السول 2/179، البدخشي 2/179، فواتح الرحموت 2/76، المستصفى 1/124، شرح العضد 2/195". 5 ساقطة من ش. 6 ساقطة من ش. 7 في ض: وكذلك. 8 في ز ش ع: يعني بين.

مَقْبُولٍ فَلا نَسْخَ1. قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ وَغَيْرُهُ: لا يَتَحَقَّقُ2 النَّسْخُ إلاَّ مَعَ التَّعَارُضِ فَأَمَّا مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ فَلا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: نُسِخَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ، وَ3 نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ سِوَاهَا فَلَيْسَ يَصِحُّ4 إذَا5 حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لا مُنَافَاةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا وَافَقَ نَسْخُ عَاشُورَاءَ فَرْضَ6 رَمَضَانَ، وَنَسْخُ سَائِرِ الصَّدَقَاتِ فَرْضَ الزَّكَاةِ فَحَصَلَ النَّسْخُ مَعَهُ لا بِهِ، وَهُوَ7 قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ8. انْتَهَى. "وَلا" نَسْخَ "قَبْلَ عِلْمِ مُكَلَّفٍ" بِالْمَأْمُورٍ9 "بِهِ"؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ بِاعْتِقَادِ الْوُجُوبِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ10.

_ 1 انظر العدة لأبي يعلى 3/835، أدب القاضي للماوردي 1/360-362. 2 في المسودة: ولا يجوز. 3 في المسودة: أو. 4 في ب: بصحيح. 5 في المسودة: لو. 6 كذا في المسودة، وفي ع ز ض ب: صوم فرض، وفي ش: صوم. 7 في المسودة: هذا. 8 في المسودة ص229 وما بعدها. 9 في ش: مأمور. 10 قال الماوردي: "لأن من شرط النسخ أن يكون بعد استقرار الفرض ليخرج عن البداء إلى الإعلام بالمدة, فإن قيل: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج أن الله تعالى فرض على أمته خمسين صلاة، فلم يزل يراجع ربه فيها ويستنزله حتى استقر الفرض على خمس، فدل على جواز النسخ قبل العلم بالمنسوخ. قيل: هذا إن ثبت فهو على وجه التقرير دون النسخ، لأن الفرض يستقر بنفوذ الأمر، ولم يكن من الله تعالى فيه إلا عند استقرار الخمس". "أدب القاضي 1/356".

وَجَوَّزَهُ الآمِدِيُّ، لِعَدَمِ مُرَاعَاةِ الْحُكْمِ فِي أَفْعَالِهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ1. "وَيَجُوزُ" النَّسْخُ "فِي السَّمَاءِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَاكَ" ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ2، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ؛ لأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ بَعْضَ الْمُكَلَّفِينَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْبَشَرِ، فَإِنَّهُ قَدْ اعْتَقَدَ3 هُوَ وُجُوبَهُ وَعِلْمَهُ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلامُ السَّمْعَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ، فَلَمْ يَقَع النَّسْخُ لَهُ إلاَّ بَعْدَ عِلْمِهِ وَاعْتِقَادِهِ. 1هـ "وَ" يَجُوزُ النَّسْخُ أَيْضًا "قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ" أَيْ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْفِعْلِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَشْعَرِيَّةِ وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ4. وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ5، قَوْلُ6 أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.

_ 1 الإحكام في أصول الأحكام 3/132. وانظر تحقيق المسألة في "إرشاد الفحول ص186، المعتمد للبصري 1/412، فواتح الرحموت 2/63، فتح الغفار 2/132، كشف الأسرار 3/169 وما بعدها، أدب القاضي للماوردي 1/356". 2 في المسودة ص223. 3 في ش: أعتقد هو. 4 انظر تحقيق المسألة في "المحصول ج1 ق3/467، المستصفى 1/112، 122، شرح تنقيح الفصول ص307، الإحكام لابن حزم 4/472، اللمع ص31، نهاية السول 2/173، العدة 3/807، البدخشي 2/171، أدب القاضي للماوردي 1/357، الآيات البينات 3/137، المسودة ص207، فواتح الرحموت 2/61، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/77، التلويح على التوضيح 2/33، العضد على ابن الحاجب 2/190، كشف الأسرار 3/169، التبصرة ص260، البرهان 2/1303، الإشارات للباجي ص69، الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص100". 5 الإحكام في أصول الأحكام 3/126. 6 في ش: وهو قول.

وَمَنَعَهُ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَالصَّيْرَفِيُّ وَابْنُ بُرْهَانٍ. وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ -وَهُوَ الصَّحِيحُ- بِمَا تَوَاتَرَ فِي ذَلِكَ1، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ2 وَغَيْرِهِمَا فِي نَسْخِ فَرْضِ خَمْسِينَ صَلاةً فِي السَّمَاءِ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ بِخَمْسٍ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 3مِنْ الْفِعْلِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ4 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ فِي بَعْثٍ5، وَقَالَ: " إنْ وَجَدْتُمْ فُلانًا وَفُلانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ" ثُمَّ قَالَ حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ: "إنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بِهَا إلاَّ اللَّهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا". وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَسْرِ قُدُورٍ مِنْ لَحْمِ حُمُرٍ إنْسِيَّةٍ فَقَالَ رَجُلٌ: أَوْ نَغْسِلُهَا؟ فَقَالَ: "اغْسِلُوهَا" 6 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ7. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ. أَنَّ النَّسْخَ8 قَبْلَ الْفِعْلِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ: جَائِزٌ بِلا خِلافٍ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ: لا أَعْلَمُ فِيهِ خِلافًا

_ 1 في ش: بما قوي أثره. 2 صحيح البخاري 1/98، 5/69، صحيح مسلم 1/146، وقد أخرجه أيضاً الترمذي والنسائي وابن ماجه والطبراني. "انظر: تخريج أحاديث أصول البردوي ص221، عارضة الأحوذي 2/14". 3 ساقطة من ش. 4 صحيح البخاري 4/60، وانظر الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ض194 وما بعدها. 5 البعث: هو الجيش، وجمعه بعوث. "المصباح المنير 1/67". 6 في ز ع ض: اغسلوا. 7 صحيح البخاري 7/117، صحيح مسلم 3/1540. 8 في ش: الفسخ.

قَالَ: وَلا فَرْقَ عَقْلاً بَيْنَ أَنْ يَعْصِيَ أَوْ يُطِيعَ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِالْمَنْعِ لِعِصْيَانِهِ1. اهـ. "وَ" يَجُوزُ النَّسْخُ "عَقْلاً" بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الشَّرَائِعِ سِوَى الشمْعَثيَّةِ2 مِنْ الْيَهُودِ. وَكَذَا يَجُوزُ سَمْعًا بِاتِّفَاقٍ أَهْلِ الشَّرَائِعِ سِوَى الْعَنَانِيَّةِ3 مِنْ الْيَهُودِ, فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَهُ عَقْلاً لا سَمْعًا، وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَبُو مُسْلِمٍ الأَصْفَهَانِيُّ4.

_ 1 في ش: بعصيانه. 2 في ش: السمعتية، وكلاهما تصحيف، إذ لم نعثر على فرقة من اليهود بهذه التسمية. ولعل الصواب "الشمعونية" كما قال الأسنوي في نهاية السول"2/167" والشوكاني في إرشاد الفحول "ص185" وعبد العلي في فواتح الرحموت "2/55" وغيرهم. و"الشمعونية" ينتسبون إلى شمعون بن يعقوب كما ذكر الدكتور مصطفى زيد في كتابه "النسخ في القرآن الكريم" 1/27، وعلي حسن العريض في كتابه "فتح المنان في نسخ القرآن" ص143. 3 العنانية: فرقة من اليهود ينتسبون إلى عنان بن داود، وهم يخالفون سائر اليهود في السبت والأعياد، وينهون عن أكل الطير والظباء والسمك والجراد، ويصدقون عيسى عليه السلام في مواعظه وإرشاداته، ويقولون إنه من بني إسرائيل المتعبدين بالتوراة والمستجيبين لموسى عليه السلام، إلا أنهم لا يقولون بنبوته ورسالته. "الملل والنحل للشهرستاني 1/215، الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 1/99". 4 لقد اضطربت النقول عن أبي مسلم الأصفهاني في مسألة جواز النسخ وعدمه، فحكي عنه منع النسخ بين الشرائع، ونقل بعضهم عنه منع النسخ في القرآن الكريم، وتحقيق مذهبه أنه لم يخالف جمهور أهل السنة القائلين بجواز النسخ عقلاً وشرعاً في الحقيقة ونفس الأمر، ولكنه خالفهم في اللفظ والمصطلح. قال المحلي في "شرح جمع الجوامع" "2/88": "النسخ واقع عند كل المسلمين، وسماه أبو مسلم الأصفهاني من المعتزلة تخصيصاً، لأنه قصر الحكم على بعض الأزمان، فهو تخصيص في الأزمان كالتخصيص في الأشخاص. فقيل: خالف في وجوده حيث لم يذكره باسمه المشهور، فالخلف الذي حكاه الآمدي وغيره عنه من نفيه وقوعه لفظي لما تقدم من تسميته تخصيصاً". وقال السبكي في كتابه "رفع الحاجب" "2/ق 132ب": "وأنا أقول: الإنصاف أن الخلاف بين أبي مسلم والجماعة لفظي، وذلك أن أبا مسلم يجعل ما كان مغيا في علم الله تعالى كما هو مغيا باللفظ، ويسمى الجميع تخصيصاً، ولا فرق عنده بين أن يقول "وأتموا الصيام إلى الليل" وأن يقول: صوموا مطلقاً وعلمه محيط بأنه سينزل: لا تصوموا وقت الليل. والجماعة يجعلون الأول تخصيصاً والثاني نسخاً. ولو أنكر أبو مسلم النسخ بهذا المعنى لزمه إنكار شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإنما يقول: كانت شريعة السابقتين مغياة إلى مبعثه عليه الصلاة والسلام. وبهذا يتضح لك الخلاف الذي حكاه بعضهم في أن هذه الشريعة مخصصة للشرائع أو ناسخة، وهذا معنى الخلاف". "انظر تحقيق الدكتور محمد حسن هيتو للمسألة في هامش التبصرة للشيرازي ص251".

قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الْمُقْنِعِ: أَنْكَرَ طَائِفَةٌ 1مِنْ الْيَهُودِ وَهُمْ الْعَنَانِيَّةُ -أَتْبَاعُ عَنَانٍ- وُقُوعَهُ عَقْلاً لا شَرْعًا وَأَنْكَرَتْ الشَّمْعَثِيَّةُ2 مِنْهُمْ أَتْبَاعُ شَمْعَثَا3 الأَمْرَيْنِ4. وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنْهُمْ عَكْسَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ نَسْخُ عِبَادَةٍ بِأَثْقَلَ5 مِنْهَا عُقُوبَةً. وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: تَجُوزُ شَرْعًا لا عَقْلاً " وَأَنَّ مُحَمَّدًا وَعِيسَى لَمْ يَأْتِيَا بِمُعْجِزَةٍ. وَقَالَ الْعِيسَوِيَّةُ6 -أَتْبَاعُ غَيْرِ النَّبِيِّ-:

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: السمعتية. 3 في د: سمعتا، وفي ز: شمعتا. 4 في ش: الأموي. 5 في ش: ما نقل. وفي د: ما ثقل. 6 العيسوية: فرقة من اليهود أصحاب أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني، وهو يقولون بنبوة عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل خاصة وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى بني إسماعيل فقط وهم العرب لا إلى الناس كافة. وقولهم هذا جهل فاضح، لأنه يلزمهم بعد أن أعترفوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم أن يعترفوا بصدقه وامتناع الكذب عليه، كما هو شأن النبوة، وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله إلى الناس جميعاًَ، فوجب عليهم التصديق بذلك ... فكيف يدعون بعد هذا بأنه نبي إلى العرب خاصة!! "انظر فواتح الرحموت 2/55، الملل والنحل للشهرستاني 1/215 وما بعدها، الفصل لابن حزم 1/99، المحلي على جمع الجوامع 2/88، حاشية التفتازاني على شرح العضد 2/188".

إنَّهُمَا أَتَيَا1 بِالْمُعْجِزَةِ، وَبُعِثَا إلَى الْعَرَبِ وَالأُمِّيِّينَ، اهـ. وَأَبُو مُسْلِمٍ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرٍ الأَصْفَهَانِيُّ2. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ3: وَهُوَ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ بِالْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ انْتَسَبَ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ، وَيُعَدُّ مِنْهُمْ وَلَهُ كِتَابٌ كَبِيرٌ فِي التَّفْسِيرِ، وَلَهُ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ فَلا أَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ هَذَا الْخِلافُ مِنْهُ!. اهـ. "وَوَقَعَ" النَّسْخُ "شَرْعًا"4. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَالْحَقُّ الَّذِي لا مَحِيدَ عَنْهُ وَلا شَكَّ فِيهِ: جَوَازُهُ عَقْلاً وَشَرْعًا.

_ 1 في ش: إنما هو الإتيان. 2 من علماء المعتزلة ومشاهيرهم، كان كاتباً مترسلاً بليغاً متكلماً جدلاً، ولد سنة 254 هـ، وأشهر كتبه تفسيره "جامع التأويل لمحكم التنزيل" وكتابه "الناسخ والمنسوخ" توفي سنة 322هـ "انظر ترجمته في معجم الأدباء 18/35، بغية الوعاة 1/59، الوافي بالوفيات 2/244، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص299، 322، الفهرست لابن النديم ص151" وقد ذكر المجد بن تيمية في "المسودة ص195" أن اسمه يحيى بن عمر بن يحيى الأصبهاني، وذكر صاحب فواتح الرحموت"2/55" أنه الجاحظ، وقال الشيرازي في التبصرة "ص251" والقرافي في شرح تنقيح الفصول "ص206" هو عمرو بن يحيى الأصبهاني، وفي نهاية السول"2/170": "وأبو مسلم هو الملقب بالجاحظ كما قاله ابن التلمساني في شرح المعالم، واسم أبيه على ما قاله في المحصول "بحر" وفي المنتخب "عمر" وفي اللمع "يحيى". وهذا كله تحريف والصواب ما أثبته المؤلف وأيدته كتب التراجم التي أشرنا إليها. 3 في كتابه "قواطع الأدلة" كما ذكر البخاري في كشف الأسرار 3/157. 4 وقد حكى وقوعه شرعاً القرافي في "شرح تنقيح الفصول" ص303، ومجد الدين بن تيمية في "المسودة" ص195، والفخر الرازي في "المحصول" ج1ق3/440، والشوكاني في "إرشاد الفحول" ص185، والمحلي في "شرح جمع الجوامع" 2/88، والعضد في "شرح مختصر ابن الحاجب" 2/188، والأسنوي في "نهاية السول" 2/167، وغيرهم.

وَأَمَّا الْوُقُوعُ: فَوَاقِعٌ لا مَحَالَةَ، وَرَدَ1 فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَطْعًا2. وَأَيْضًا الْقَطْعُ بِعَدَمِ اسْتِحَالَةِ تَكْلِيفٍ فِي وَقْتٍ وَرَفْعِهِ. وَإِنْ قِيلَ: أَفْعَالُ اللَّهِ تَعَالَى تَابِعَةٌ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ كَالْمُعْتَزِلَةِ، فَالْمَصْلَحَةُ3 قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الأَوْقَاتِ. "وَلا يَجُوزُ الْبَدَاءُ عَلَى اللَّهِ4" سُبْحَانَهُ وَ "تَعَالَى"، "وَهُوَ تَجَدُّدُ الْعِلْمِ". "وَهُوَ" أَيْ الْقَوْلُ بِتَجَدُّدِ عِلْمِهِ جَلَّ وَعَلا "كُفْرٌ" بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ عَالِمًا حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ عِلْمًا فَعَلِمَ5 بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: الْبَدَاءُ: هُوَ أَنْ يُرِيدَ الشَّيْءَ دَائِمًا6، ثُمَّ يَنْتَقِلَ عَنْ

_ 1 في ش: ورد. 2 في ش: أيضا قطعاً. 3 أي فالجواب: أن المصلحة قد تختلف باختلاف الأوقات، قال الماوردي: "وقد تختلف المصالح باختلاف الزمان، فيكون المنسوخ مصلحة في الزمان الأول دون الثاني، ويكون الناسخ مصلحة في الزمان الثاني دون الأول، فيكون كل واحد منهما مصلحة في زمانه وحسناً في وقته، وإن تضادا" "أدب القاضي 1/335". 4 عند كافة المسلمين، بخلاف النسخ فهو جائز وواقع، والفرق بينهما واضح بين، قال الشيرازي: "إن البداء أن يظهر له ما كان خفياً، ونحن لا نقول فيما ينسخ أنه ظهر له ما كان خافياً عليه، بل نقول: إنه أمر به وهو عالم أنه يرفعه في وقت النسخ وإن لم يطلعنا عليه، فلا يكون ذلك بداءً" "التبصرة ص253" وانظر الفرق بين النسخ والبداء في "الإحكام للآمدي 3/109، الإحكام لابن جزم 4/446، اللمع ص31، أدب القاضي للماوردي 1/336، الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص98 وما بعدها، البناني على شرح جمع الجوامع 2/88، الآيات البينات 3/155، البرهان 2/1301، العدة 3/774، المعتمد للبصري 1/398". 5 في ش: يعلم. 6 في د: دواماً.

الدَّوَامِ لأَمْرٍ حَادِثٍ لا بِعِلْمٍ سَابِقٍ قَالَ: أَوْ يَكُونَ سَبَبُهُ دَالاً عَلَى إفْسَادِ الْمُوجِبِ لِصِحَّةِ الأَمْرِ الأَوَّلِ، بِأَنْ يَأْمُرَهُ1 لِمَصْلَحَةٍ لَمْ تَحْصُلْ فَيَبْدُو لَهُ مَا يُوجِبُ رُجُوعَهُ عَنْهُ. اهـ. "وَبَيَانُ غَايَةٍ مَجْهُولَةٍ" لِلْحُكْمِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} 2 "لَيْسَ" ذَلِكَ الْبَيَانُ "بِنَسْخٍ"3. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: اخْتَلَفَ كَلامُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: هَلْ هُوَ نَسْخٌ، أَمْ لا؟ وَالأَظْهَرُ النَّفْيُ. اهـ. وَلِلْقَاضِي الْقَوْلانِ، فَإِنَّهُ قَالَ4: فِي مَوْضِعِ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} 5 الآيَةَ؛ إنَّ6 هَذِهِ الْغَايَةَ7 مَشْرُوطَةٌ فِي حُكْمٍ مُطْلَقٍ؛ لأَنَّ غَايَةَ كُلِّ حُكْمٍ إلَى مَوْتِ الْمُكَلَّفِ، أَوْ إلَى النَّسْخِ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الأَخَفِّ بِالأَثْقَلِ أَنَّ حَدَّ الزَّانِي فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ كَانَ الْحَبْسَ ثُمَّ نُسِخَ، وَجُعِلَ حَدُّ الْبِكْرِ الْجَلْدَ وَالتَّغْرِيبَ، وَالثَّيِّبِ الْجَلْدَ

_ 1 في ش: يأمر به. 2 الآية 15 من النساء. 3 انظر تفصيل الكلام على هذه المسألة في "المسودة ص219، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص1479 وما بعدها، أصول السرخسي 2/71". 4 في ش: قال أو يكون سببه دالاً على إفساد الموجب لصحة الأمر الأول، بأن يأمره به لمصلحة لم تحصل، فيبدو له ما يوجب رجوعه عنه. اهـ. 5 الآية 2 من النور. 6 في ش ع ب: لأن. 7 أي في قوله تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء/15] .

وَالرَّجْمَ1. وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ: إنَّ الْحَبْسَ فِي الآيَةِ لَمْ يُنْسَخْ؛ لأَنَّ النَّسْخَ أَنْ يَرِدَ لَفْظٌ عَامٌّ يُتَوَهَّمُ دَوَامُهُ، ثُمَّ يَرِدَ مَا يَرْفَعُ بَعْضَهُ، وَالآيَةُ لَمْ تَرِدْ بِالْحَبْسِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا وَرَدَتْ بِهِ إلَى غَايَةٍ، هِيَ2 أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً فَأَثْبَتَتْ3 الْغَايَةَ، فَوَجَبَ الْحَدُّ بَعْدَ الْغَايَةِ بِالْخَبَرِ4. اهـ. "وَيُنْسَخُ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "إنْشَاءٌ، وَلَوْ" كَانَ الإِنْشَاءُ "بِلَفْظِ قَضَاءٍ5" فِي الأَصَحِّ نَحْوَ "قَضَى اللَّهُ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ6" مَثَلاً، ثُمَّ يَنْسَخُهُ7 وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ8. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يَجُوزُ نَسْخُهُ؛ لأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لا يَتَغَيَّرُ، نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَنْ لا تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ} 9 "أَوْ" كَانَ الإِنْشَاءُ "خَبَرًا" يَعْنِي أَنَّهُ يُنْسَخُ الإِنْشَاءُ وَلَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ

_ 1 العدة 3/786. 2 ساقطة من ع. 3 في ش: فأثبتت. 4 العدة 2/800. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن نص أبي يعلى هذا لا يمثل رأيه، وليس قولاً له، بل هو حكاية عن غيره بدأه بكلمة "وقيل". أما قوله فقد سبق النص المشار إليه، وهو أن حد الزاني البكر منسوخ بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} الآية. وحد الزاني المحصن منسوخ بآية الرجم التي نسخ رسمها. "انظر العدة 3/799 وما بعدها". 5 في ش: قضى. 6 في ع: يوم عاشوراء. 7 في ب: نسخه. 8 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/84ن الآيات البينات 3/153. 9 الآية 23 من الإسراء.

سَوَاءٌ كَانَ بِمَعْنَى الأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ، نَحْوَ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} 1 وَنَحْوَ: {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} 2. قَالَ الْجُمْهُورُ: يَجُوزُ نَسْخُهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ الإِنْشَاءُ3. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الدَّقَّاقُ4: يَمْتَنِعُ نَسْخُهُ بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ5. "أَوْ قُيِّدَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ الإِنْشَاءُ6 "بِتَأْبِيدٍ" أَيْ بِلَفْظِ تَأْبِيدٍ "أَوْ" بِلَفْظِ "حَتْمٍ" نَحْوَ "صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَبَدًا، أَوْ دَائِمًا7، أَوْ مُسْتَمِرًّا، أَوْ حَتْمًا". وَجَوَازُ نَسْخِهِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ8.

_ 1 الآية 228 من البقرة. 2 الآية 233 من البقرة. 3 انظر تفصيل المسالة في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/85، شرح تنقيح الفصول ص209، الإحكام للآمدي 3/145، الآيات البينات 3/153، المسودة ص196، العدة 3/825، أدب القاضي 1/338، اللمع ص31، إرشاد الفحول ص188، الإحكام لابن حزم 4/449، المحصول ج1ق3/486 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/195، فواتح الرحموت 2/75". 4 هو محمد بن محمد بن جعفر الدقاق الشافعي، الفقيه الأصولي القاضي، المعروف بابن الدقاق –نسبة إلى الدقيق وعمله وبيعه- ويلقب بـ "خباط" قال الخطيب البغدادي: "كان فاضلاً عالماً بعلوم كثيرة، وله كتاب في الأصول في مذهب الشافعي، وكانت فيه دعابة". ولد سنة 306هـ وتوفي عام 392 هـ، "انظر ترجمته في الوافي بالوفيات 1/116، النجوم الزاهرة 4/206، طبقات الشافعية للأسنوي 1/52، تاريخ بغداد 3/229". 5 أي لكون لفظه لفظ الخبر، والخبر لا يبدل، قال البناني: ولا يخفى ضعف هذا التمسك، لأن ذلك في الخبر حقيقة، لا فيما صورته صورة الخبر، والمراد منه الإنشاء. "البناني على شرح جمع الجوامع 2/85". 6 في ب: أي الإنشاء. 7 في ض ب: دواماً. 8 انظر "المحصول ج1ق3/491، فواتح الرحموت 2/68، فتح الغفار 2/131، أصول السرخسي 2/60، كشف الأسرار 3/164، البرهان 2/1298، شرح العضد 2/192، المسودة ص195، أدب القاضي 1/338، شرح تنقيح الفصول ص310، الإحكام للآمدي 3/134، التبصرة ص255، حاشية البناني 2/85، الآيات البينات 3/153، التلويح على التوضيح 2/33، إرشاد الفحول ص186، المعتمد للبصري 1/413".

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْحَنَفِيَّةِ قَالُوا1 لِمُنَاقَضَتِهِ الأَبَدِيَّةِ2، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى الْبَدَاءِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ لا الدَّوَامُ، كَمَا تَقُولُ: لازِمْ غَرِيمَك أَبَدًا، وَإِنَّمَا تُرِيدُ لازِمْهُ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ هُنَا3 لا تَخْلُ بِهِ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ وَقْتُهُ. وَكَمَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومٍ مُؤَكَّدٍ بِكُلٍّ وَيَمْنَعُ التَّأْبِيدَ عُرْفًا، وَبِالإِلْزَامِ4 بِتَخْصِيصِ5 عُمُومٍ مُؤَكَّدٍ، وَالْجَوَابُ وَاحِدٌ. قَالُوا: إذَا كَانَ الْحُكْمُ لَوْ أُطْلِقَ الْخِطَابُ مُسْتَمِرًّا إلَى النَّسْخِ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي التَّقْيِيدِ بِالتَّأْبِيدِ؟ قُلْنَا: فَائِدَتُهُ التَّنْصِيصُ وَالتَّأْكِيدُ، وَأَيْضًا فَلَفْظُ6 "الأَبَدِ" إنَّمَا مَدْلُولُهُ الزَّمَانُ الْمُتَطَاوِلُ. وَلا فَرْقَ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ بَيْنَ كَوْنِ الْجُمْلَةِ فِعْلِيَّةً، نَحْوَ صُومُوا أَبَدًا، أَوْ اسْمِيَّةً، نَحْوَ الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا

_ 1 في ش: قال. 2 في ع: الآية. 3 في ش: به. 4 في ش وبالالتزام. 5 في ع: يتخصص. 6 في ع: ولفظ.

وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ1 مَا يَحْتَمِلُ خِلافَ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ: الْجُمْهُورُ عَلَى2 جَوَازِ نَسْخِ مِثْلِ: صُومُوا أَبَدًا بِخِلافِ: الصَّوْمُ "وَاجِبٌ"3 مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا4 اهـ. وَاخْتَلَفَ شَارِحَاهُ الأَصْفَهَانِيُّ وَالْعَضُدُ فِي حَلِّ لَفْظِهِ، وَوَافَقَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ5 من6 احْتِمَالِ كَلامِهِ لِمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ. "وَيَجُوزُ" "نَسْخُ إيقَاعِ الْخَبَرِ" الَّذِي أُمِرَ الْمُكَلَّفُ بِالإِخْبَارِ بِهِ "حَتَّى بِنَقِيضِهِ" أَيْ نَقِيضِ الْخَبَرِ الأَوَّلِ7، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ8. قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ، فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: نَسْخُ الْخَبَرِ لَهُ صُورَتَانِ، إحْدَاهُمَا: نَسْخُ إيقَاعِ الْخَبَرِ، بِأَنْ يُكَلِّفَ الشَّارِعُ أَحَدًا بِأَنْ يُخْبِرَ بِشَيْءٍ9 عَقْلِيٍّ أَوْ

_ 1 وكذا وقع في عبارة مسلم الثبوت، وقد علل مؤلفه وشارحه منع النسخ في "الصوم واجب مستمر أبداً" بأنه نص مؤكد لا احتمال فيه لغيره، فلا يصح انتساخه. "فواتح الرحموت 2/68". 2 ساقطة من ز ع ض ب. 3 زيادة من مختصر ابن الحاجب. 4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/192. 5 قال العضد في شرح كلام ابن الحاجب المشار إليه: "أقول: الحكم المقيد بالتأبيد إن كان التأبيد يداً في الفعل مثل أن يقول "صوموا أبداً" فالجمهور على جواز نسخه، وإن كان التأبيد قيداً للوجوب وبياناً لمدة بقاء الوجوب واستمراره، فإن كان نصاً مثل أن يقول "الصوم واجب مستمر أبداً" لم يقبل خلافه، والإ قبل، وجمل ذلك على مجازه". "شرح العضد 2/192". 6 في ش: في. 7 انظر "الآيات البينات للعبادي 3/154، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/85، فواتح الرحموت 2/75، الإحكام للآمدي 3/144، شرح البدخشي 2/176". 8 انظر المعتمد للبصري 1/421. 9 في ش ع ز ض ب: بشيء من.

عَادِيٍّ، "أَوْ شَرْعِيٍّ"1 كَوُجُودِ الْبَارِي، وَإِحْرَاقِ النَّارِ، وَإِيمَانِ زَيْدٍ ثُمَّ يَنْسَخَهُ, فَهَذَا جَائِزٌ اتِّفَاقًا. وَهَلْ يَجُوزُ نَسْخُهُ بِنَقِيضِهِ "أَيْ بِأَنْ يُكَلِّفَهُ الإِخْبَارَ بِنَقِيضِهِ"2؟ الْمُخْتَارُ جَوَازُهُ، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَمَبْنَاهُ عَلَى3 أَصْلِهِمْ فِي حُكْمِ الْعَقْلِ؛ لأَنَّ أَحَدَهُمَا كَذِبٌ، فَالتَّكْلِيفُ بِهِ قَبِيحٌ. وَقَدْ عَلِمْت فَسَادَهُ4. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الثَّالِثُ: أَنْ يُرَادَ مَعَ نَسْخِهِ التَّكْلِيفُ بِالإِخْبَارِ بِضِدِّ الأَوَّلِ، إلاَّ أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ مِمَّا لا يَتَغَيَّرُ كَالإِخْبَارِ بِكَوْنِ السَّمَاءِ فَوْقَ الأَرْضِ، يُنْسَخُ بِالإِخْبَارِ بِأَنَّ السَّمَاءَ تَحْتَ الأَرْضِ. وَذَلِكَ جَائِزٌ وَخَالَفَ الْمُعْتَزِلَةُ فِيهِ، كَمَا قَالَ الآمِدِيُّ5، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا6 كَذِبٌ، وَالتَّكْلِيفُ بِهِ قَبِيحٌ، فَلا يَجُوزُ عَقْلاً. وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ الْبَاطِلَةِ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَذِبُ نَقْصٌ، وَقَبَّحَهُ بِالْعَقْلِ بِاتِّفَاقٍ، فَلِمَ لا يَمْتَنِعُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقُبْحَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِفَاعِلِهِ لا لاعْتِبَارِ7 التَّكْلِيفِ بِهِ بَلْ إذَا كُلِّفَ بِهِ صَارَ جَائِرًا فَلا يَكُونُ قَبِيحًا8، إذْ لا حُسْنَ وَلا قُبْحَ إلاَّ بِالشَّرْعِ، لا سِيَّمَا

_ 1 زيادة من شرح العضد. 2 زيادة من شرح العضد. 3 ساقطة من شرح العضد. 4 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/195. 5 في كتابه الإحكام في أصول الأحكام 3/144. 6 في ز: إحداهما. 7 في ش: باعتبار. وفي ض: لا اعتبار. 8 في ع ض ب: نسخاً.

إذَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ شَرْعِيٌّ، فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ يَكُونُ حَسَنًا. اهـ. "وَ" لا يَجُوزُ نَسْخُ "مَدْلُولِ خَبَرٍ" إجْمَاعًا حَكَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ1. وَابْنُ بُرْهَانٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ "لا يَتَغَيَّرُ كَصِفَاتِ اللَّهِ" سُبْحَانَهُ وَ "تَعَالَى، وَخَبَرِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ" وَأَخْبَارِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلامُ، وَأَخْبَارِ الأُمَمِ السَّالفةِ2 وَالإِخْبَارِ عَنْ السَّاعَةِ وَأَمَارَاتِهَا3. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَنَسْخُ مَدْلُولِ خَبَرٍ لا يَتَغَيَّرُ مُحَالٌ4 إجْمَاعًا. "أَوْ" مَدْلُولِ "خَبَرٍ" يَتَغَيَّرُ "كَإِيمَانِ زَيْدٍ وَكُفْرِهِ مَثَلاً" يَعْنِي فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ نَسْخُهُ أَيْضًا عَلَى الأَصَحِّ. وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ5. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: مَنَعَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ. اهـ.

_ 1 في ش: البروزي. 2 في ش: السابقة. 3 وذلك لأنه بفضي إلى الكذب، حيث يخبر بالشيء ثم بنقيضه، وذلك محال على الله تعالى. انظر تحقيق المسألة في "المسودة ص196، العدة 3/825، شرح تنقيح الفصول ص309، المحصول ج1 ق3/486، اللمع ص31، إرشاد الفحول ص188، الإحكام للآمدي 3/144، المعتمد للبصري 1/419، فواتح الرحموت 1/75، نهاية السول 2/178، شرح البدخشي 2/176، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/86، الآيات البينات 3/154، فتح الغفار 2/131، التلويح على التوضيح 2/33، أصول السرخسي 2/59، كشف الأسرار 3/163، الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص57". 4 في ش: بحال. 5 انظر "شرح تنقيح الفصول ص309، المحصول ج1 ق3/486، إرشاد الفحول ص188، الإحكام للآمدي 2/144، فواتح الرحموت 2/75، نهاية السول 2/178، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/86 وما بعدها، الآيات البينات 3/154، كشف الأسرار 3/163".

وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ1 وَجَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا2 وَغَيْرِهِمْ3. وَيَخْرُجُ عَلَيْهِ نَسْخُ الْمُحَاسَبَةِ بِمَا فِي النُّفُوسِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} 4 كَقَوْلِ5 جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ6، فَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ7 وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ8. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: النَّسْخُ يَجْرِي فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَفْعَلُهُ؛ لأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ، بِخِلافِ إخْبَارِهِ عَمَّا لا يَفْعَلُهُ، إذْ لا يَجُوزُ دُخُولُ الشَّرْطِ فِيهِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَ9 ابْنُ عُمَرَ النَّسْخَ، فِي قَوْله تَعَالَى10: {إنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} فَإِنَّهُ نَسَخَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْعِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى11 حَدِيثِ النَّفْسِ اهـ.

_ 1 في المسودة ص197. 2 كالقاضي أبي يعلى في العدة 3/825. 3 كالرازي في المحصول ج1 ق3/486 والآمدي في الإحكام 3/145 وأبي الحسين البصري في المعتمد 1/419 والشوكاني في إرشاد الفحول ص188 وقد عزاه إلى الجمهور. 4 الآية 284 من البقرة، وقد نسخها قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} الآية 286 من البقرة. 5 في ش: لقول. 6 انظر المسودة ص197، فتح القدير للشوكاني 1/306، الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص167، تفسير الطبري 3/95 وما بعدها، الدر المنثور للسيوطي 1/374. 7 صحيح مسلم 1/115. 8 صحيح البخاري 6/41. 9 في ش: تأويل. وفي ب: تول. 10 في ش: تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} . 11 ساقطة من ع ز ض ب.

وَقِيلَ: يَجُوزُ نَسْخُ مَدْلُولِ خَبَرٍ يَتَغَيَّرُ إنْ كَانَ مُسْتَقْبَلاً1؛ لأَنَّ نَسْخَ الْمَاضِي يَكُونُ تَكْذِيبًا. وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ لا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ2. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْكَذِبَ يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْمَاضِي. "إلاَّ خَبَرٍ عَنْ حُكْمٍ" نَحْوَ: هَذَا الْفِعْلُ جَائِزٌ، وَهَذَا الْفِعْلُ حَرَامٌ فَهَذَا يَجُوزُ نَسْخُهُ بِلا خِلافٍ؛ لأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنْشَاءٌ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ3. "وَيَجُوزُ" "نَسْخٌ بِلا بَدَلٍ" عَنْ الْمَنْسُوخِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ4. وَمَنَعَهُ جَمْعٌ وَنُقِلَ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ. وَمَنَعَهُ بَعْضُ5 الْعُلَمَاءِ فِي الْعِبَادَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّسْخَ يَجْمَعُ6 مَعْنَى الرَّفْعِ وَالنَّقْلِ

_ 1 وهو قول الشيخ تقي الدين بن تيمية في المسودة ص197، والقاضي أبي يعلى في العدة 3/825 وما بعدها، والقاضي البيضاوي في المنهاج "نهاية السول 2/177، 179". 2 انظر إرشاد الفحول ص189، الإحكام للآمدي 3/144، فواتح الرحموت 2/75، نهاية السول 2/179، شرح البدخشي 2/177، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/86، الآيات البينات 3/154. 3 انظر شرح تنقيح الفصول ص309. 4 انظر تفصيل الكلام على هذه المسألة في "المحصول ج1 ق3/479، شرح تنقيح الفصول ص308، العدة 3/783، المعتمد للبصري 1/415، البرهان 2/1313، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/87، الإحكام للآمدي 3/135، اللمع ص32، إرشاد الفحول ص187، شرح البدخشي 2/174، نهاية السول 2/177، المسودة ص198، روضة الناظر ص82، المستصفى 1/119، شرح العضد 2/193، الآيات البينات 3/155، فواتح الرحموت 2/69". 5 ساقطة من ز. 6 في ع ض: بجميع.

وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ -الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ- بِأَنَّهُ نَسْخُ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ أَمَامَ الْمُنَاجَاةِ، وَتَحْرِيمِ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ1 كَانَ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْفِطْرِ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرْ حَرِّمُ2 الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَإِتْيَانَ النِّسَاءِ إلَى اللَّيْلَةِ الآتِيَةِ ثُمَّ نُسِخَ3. وَاحْتَجَّ الآمِدِيُّ أَنَّهُ لَوْ4 فُرِضَ وُقُوعُهُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ5. وَرَدَّهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى6 قَالُوا: قَالَ تَعَالَى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 7 رُدَّ الْخِلافُ فِي الْحُكْمِ لا فِي اللَّفْظِ8. ثُمَّ لَيْسَ عَامٍّا9 فِي كُلِّ حُكْمٍ. ثُمَّ مُخَصَّصٌ10 بِمَا سَبَقَ ثُمَّ يَكُونُ نَسْخُهُ بِغَيْرِ بَدَلِ11 خَيْرًا، لِمَصْلَحَةٍ عَلِمَهَا. ثُمَّ إنَّمَا تَدُلُّ

_ 1 في ش: بأنه نسخ. 2 في ش: يحرم. 3 صحيح البخاري 3/36. 4 في ش: أن. 5 أي في العقل. "الإحكام للآمدي 3/135". 6 أي القول بجواز النسخ بلا بدل. 7 الآية 106 من البقرة. 8 والمراد بالنسخ في الآية نسخ اللفظ: أي نأت بلفظ خير منها، لا بحكم خير من حكمها، وليس الخلاف في اللفظ، إنما الخلاف في الحكم، ولا دلالة عليه في الآية. "شرح العضد 2/193، إرشاد الفحول ص187". 9 في ش: بعام. 10 في ش: مخصص. 11 في ش: خبر المصلحة عليها، ثم إنها. وفي ع: خبراً لمصلحة علمها ثم إنما.

الآيَةُ1 أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ، لا أَنَّهُ2 لا يَجُوزُ. وَأَيْضًا الْمَصْلَحَةُ قَدْ تَكُونُ فِيمَا نُسِخَ، ثُمَّ تَصِيرُ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِهِ. هَذَا عِنْدَ مَنْ يَعْتَبِرُ الْمَصَالِحَ. وَأَمَّا عِنْدَ3 مَنْ لا يَعْتَبِرُهَا فَلا إشْكَالَ فِيهِ وَبِالْجُمْلَةِ4: قَالَ اللَّهُ5 تَعَالَى: {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} . قَالَ الْبَاقِلاَّنِيُّ6: كَمَا يَجُوزُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرْفَعُ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا, فَرَفْعُ7 بَعْضِهَا بِلا بَدَلٍ مِنْ بَابِ أَوْلَى. "وَوَقَعَ" فِي قَوْلِ الأَكْثَرِ8. وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَوَّلَ9. وَالدَّلِيلُ10 عَلَى الْوُقُوعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الآيَاتِ.

_ 1 في ش: الآية على. 2 في ب: لأنه. 3 ساقطة من ع ز ض ب. 4 ساقطة من ز. 5 في ش: قال الله. 6 في ش: الباقلان. 7 في ز ض ب: ورفع. 8 انظر تفصيل المسألة في "المعتمد 1/461، العدة 3/783، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/87، الإحكام للآمدي 3/135، إرشاد الفحول ص187، شرط البدخشي 2/174، نهاية السول 2/176، أدب القاضي للماوردي 1/354، روضة الناظر ص82، المستصفى 1/119، شرح العضد 2/193، الآيات البينات 3/155، فواتح الرحموت 2/69". 9 في ش: وأدل. 10 في ش: دليل.

وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّسَالَةِ فِي ابْتِدَاءِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ1: وَلَيْسَ يُنْسَخُ فَرْضٌ أَبَدًا، إلاَّ2 أُثْبِتَ مَكَانَهُ فَرْضٌ، كَمَا نُسِخَتْ قِبْلَةُ بَيْتِ3 الْمَقْدِسِ, فَأُثْبِتَ مَكَانَهَا الْكَعْبَةُ4. قَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي شَرْحِهِ: مُرَادُهُ أَنْ يُنْقَلَ مِنْ حَظْرٍ إلَى إبَاحَةٍ، أَوْ مِنْ إبَاحَةٍ إلَى حَظْرٍ أَوْ تَخْيِيرٍ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِ الْمَفْرُوضِ. قَالَ: كَنَسْخِ الْمُنَاجَاةِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا فَرَضَ تَقْدِيمَ الصَّدَقَةِ، أَزَالَ ذَلِكَ بِرَدِّهِمْ إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَإِنْ شَاءُوا تَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّدَقَةِ، وَإِنْ شَاءُوا نَاجَوْهُ مِنْ غَيْرِ صَدَقَةٍ. قَالَ: فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: فَرْضٌ5 مَكَانَ فَرْضٍ فَتَفَهَّمْهُ6. اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِالْبَدَلِ أَعَمُّ مِنْ حُكْمٍ آخَرَ ضِدِّ الْمَنْسُوخِ كَالْقِبْلَةِ أَوْ الرَّدِّ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ شَرْعِ الْمَنْسُوخِ كَالْمُنَاجَاةِ، فَالْمَدَارُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فِي7 الْمَنْسُوخِ فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى لا يُتْرَكُوا هَمْلاً بِلا حُكْمٍ فِي ذَلِكَ الْمَنْسُوخِ بِالْكُلِّيَّةِ، إذْ مَا فِي الشَّرِيعَةِ مَنْسُوخٌ إلاَّ وَقَدْ انْتَقَلَ عَنْهُ8 إلَى أَمْرٍ آخَرَ، وَلَوْ أَنَّهُ إلَى مَا9 كَانَ

_ 1 وهو عنوان الفصل في كتاب "الرسالة". 2 في ش: إلا إذا. 3 في ش: البيت. 4 الرسالة ص109. 5 ساقطة من ض. 6 في ش: نتفهمه. 7 في ش: بدلاً من. 8 في ض: منه. 9 في ز: لما.

عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ1 يَتْرُكْ2 الرَّبُّ عِبَادَهُ هَمْلاً. "وَ" َجُوزُ النَّسْخُ "بِأَثْقَلَ" مِنْ الْمَنْسُوخِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. قَدْ تَقَدَّمَ جَوَازُ النَّسْخِ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ، وَإِلَى بَدَلٍ فَإِذَا كَانَ إلَى بَدَلٍ، فَالْبَدَلُ: إمَّا مُسَاوٍ، أَوْ أَخَفُّ، أَوْ أَثْقَلُ، وَالأَوَّلانِ جَائِزَانِ بِاتِّفَاقٍ. فَمِثَالُ الْمُسَاوِي: نَسْخُ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ. وَمِثَالُ الأَخَفِّ: وُجُوبُ مُصَابَرَةِ الْعِشْرِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمِائَتَيْنِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَالْمِائَةِ أَلْفًا فِي الآيَةِ3. نُسِخَ بِقَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} 4. فَأَوْجَبَ مُصَابَرَةَ الضِّعْفِ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الأَوَّلِ5. وَمِثْلُهُ نَسْخُ الْعِدَّةِ بِالْحَوْلِ فِي الْوَفَاةِ بِالْعِدَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَأَمَّا النَّسْخُ بِالأَثْقَلِ: فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلافِ6، وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ7.

_ 1 في ب: فلا. 2 في ز ض ب: يغادر. 3 في ض: بالآية. وفي ش ز: والآية المشار إليها هي 65 من الأنفال. 4 الآية 66 من الأنفال. 5 انظر الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص96، أحكام القران لابن العربي 2/877، الجهاد لابن المبارك ص174، الرسالة للشافعي ص127، صحيح البخاري 6/78، المحصول ج1 ق3/463. 6 في ش: خلاف. 7 خلافاً لبعض الظاهرية وبعض الشافعية. انظر كلام الأصوليين في هذه المسألة في "روضة الناظر ص82، التبصرة ص258، المسودة ص201، العدة 3/785، الإيضاح ص96، أدب القاضي للماوردي 1/354، شرح تنقيح الفصول ص308، الإحكام لابن حزم 4/466، أصول السرخسي 2/62، المحصول ج1 ق3/480، المعتمد 1/416، نهاية السول 2/177، شرح البدخشي2/174، إرشاد الفحول ص188، اللمع ص32ن المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/87، الآيات البينات 3/154، الإحكام للآمدي 3/137، شرح العضد 2/193، فواتح الرحموت 2/71، المستصفى 1/120، كشف الأسرار 3/187، الإشارات للباجي ص65، التلويح على التوضيح 2/36".

وَدَلِيلُ وُقُوعِهِ: أَنَّ الْكَفَّ عَنْ الْكُفَّارِ كَانَ وَاجِبًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَعْ أَذَاهُمْ} 1 فَنُسِخَ بِإِيجَابِ الْقِتَالِ وَهُوَ أَثْقَلُ2، أَيْ أَكْثَرُ مَشَقَّةً. وَكَذَا3 نَسْخُ وُجُوبِ4 صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ5، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا6. وَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبِهِ الأَثْرَمِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَإِنَّمَا كَانَ مُتَأَكِّدَ الاسْتِحْبَابِ، وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ7.

_ 1 الآية 48 من الأحزاب. 2 في ض ب: أثقل فهو محل الخلاف. 3 في ش: ولكن. 4 ساقطة من ش. 5 حيث روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال "من شاء صامه ومن شاء تركه". "انظر صحيح البخاري 3/57، صحيح مسلم 2/792، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص134، الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص123". 6 انظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 2/551. 7 انظر المغني لابن قدامة 3/104، المجموع شرح المهذب 6/383.

"وَ" يَجُوزُ "تَأْبِيدُ تَكْلِيفٍ بِلا غَايَةٍ" وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ وَجَوَّزَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَأَنَّهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَالأَشْعَرِيَّةِ، وَخَالَفَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْمُعْتَزِلَةُ1. قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ، وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ: يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ دَائِمًا إلَى غَيْرِ غَايَةٍ فَيَقُولُ: صَلُّوا مَا بَقِيتُمْ أَبَدًا, وَصُومُوا رَمَضَانَ مَا حَيِيتُمْ "أَبَدًا"2، فَيَقْضِي الدَّوَامَ مَعَ بَقَاءِ التَّكْلِيفِ وَبِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ وَالأَشَاعِرَةُ مِنْ الأُصُولِيِّينَ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِهِ3. قَالَ الْمَجْدُ: وَمَنَعَتْ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْهُ4، وَقَالُوا: مَتَى وَرَدَ اللَّفْظُ بِذَلِكَ لَمْ يَقْتَضِ الدَّوَامَ، وَإِنَّمَا هُوَ حَثٌّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْفِعْلِ5. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ "لا يَمْنَعُونَ الدَّوَامَ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا"6 يَمْنَعُونَ7 الدَّوَامَ مُطْلَقًا وَيَقُولُونَ: لا بُدَّ8 مِنْ دَارِ ثَوَابٍ غَيْرِ دَارِ التَّكْلِيفِ وُجُوبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ قَوْلُهُ " أَبَدًا9 " مَجَازًا، وَمُوجَبُ10 قَوْلِهِمْ: أَنَّ الْمَلائِكَةَ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَقَدْ اسْتَدَلَّ ابْنُ عَقِيلٍ بِاسْتِعْبَادِ11 الْمَلائِكَةِ،

_ 1 انظر المسودة ص80، العدة 2/398. 2 زيادة من المسودة. 3 المسودة ص55. 4 ساقطة من ض ب. 5 المسودة ص55. 6 زيادة من المسودة. 7 في ش ز ب: لا يمنعون. 8 في ش: لا بد له. 9 في ز: هذا. 10 في ش: فوجب. 11 في ش: باستبعاد.

وَإِبْلِيسَ1. "تَنْبِيهٌ": "لَمْ تُنْسَخْ إبَاحَةٌ إلَى إيجَابٍ وَلا إلَى كَرَاهَةٍ" قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: رَأَيْت ذَلِكَ فِي بَعْضِ كُتِبَ أَصْحَابِنَا.

_ 1 المسودة ص55.

فصل يجوز نسخ التلاوة دون الحكم ونسخ الحكم دون التلاوة ونسخهما معا

فصل يجوز نسخ التلاوة دون الحكم ونسخ الحكم دون التلاوة ونسخهما معا: "يَجُوزُ نَسْخُ1 التِّلاوَةِ" أَيْ تِلاوَةِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ "دُونَ الْحُكْمِ" الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْكَلِمَاتُ الْمَنْسُوخَةُ "وَعَكْسِهِ" أَيْ نَسْخِ الْحُكْمِ دُونَ التِّلاوَةِ، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ "وَهُمَا" أَيْ التِّلاوَةُ وَالْحُكْمُ مَعًا2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَمْ تُخَالِفْ3 الْمُعْتَزِلَةُ فِي نَسْخِهِمَا مَعًا4، خِلافًا لِمَا حَكَاهُ الآمِدِيُّ5 عَنْهُمْ. اهـ. وَأَمَّا نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ: فَمُمْتَنِعٌ بِالإِجْمَاعِ؛ لأَنَّهُ مُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر تفصيل المسألة في "العدة 3/780، فتح الغفار 2/13، أدب القاضي للماوردي 1/349، المسودة ص198، كشف الأسرار 3/188، المعتمد 1/418، فواتح الرحموت 2/73، روضة الناظر ص74، الإحكام للآمدي 3/141، المحصول ج1 ق3/482، إرشاد الفحول ص189، الإيضاح ص58، أصول السرخسي 2/78، شرح تنقيح الفصول ص309، المستصفى 1/123، شرح العضد 2/194، الإشارات للباجي ص66، التلويح على التوضيح 2/36". 3 في ز ض: يخالف. 4 نقل ابن مفلح مذهب المعتزلة بجواز نسخ الحكم والتلاوة معاً نقل سليم بخلاف نقل المصنف عنهم في السطر السابق عدم تجويز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه، حيث إنهم يجوزونه في الصور الثلاثة، يدل لذلك ما أقره أبو الحسين البصري المعتزلي في المعتمد"1/418" من جواز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه وجواز نسخ التلاوة والحكم معاً، ولهذا لما حكى الآمدي في الإحكام "3/141" القول بعدم جواز نسخ التلاوة والحكم معاً عزاه لطائفة شاذة من المعتزلة لا إلى مذهبهم وجمهورهم، وكذلك فعل ابن الحاجب في عزوه ذلك القول المخالف إلى بعض المعتزلة. "شرح العضد 2/194". 5 الإحكام في أصول الأحكام 3/141.

الْمُسْتَمِرَّةُ عَلَى التَّأْبِيدِ1. قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} 2 أَيْ لا يَأْتِيه مَا يُبْطِلُهُ. ثُمَّ فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوعِ النَّسْخِ فِي بَعْضِهِ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ: مَا نُسِخَتْ تِلاوَتُهُ، وَحُكْمُهُ بَاقٍ. وَمَا نُسِخَ حُكْمُهُ فَقَطْ, وَتِلاوَتُهُ بَاقِيَةٌ. وَمَا جُمِعَ فِيهِ نَسْخُ التِّلاوَةِ وَالْحُكْمِ. مِثَالُ الأَوَّلِ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ3 وَالشَّافِعِيُّ4 وَابْنُ مَاجَهْ5 عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ، أَوْ6 يَقُولَ قَائِلٌ: لا نَجِدُ حَدَّيْنِ7 فِي كِتَابِ اللَّهِ؛ فَلَقَدْ8 رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَرَجَمْنَا"9 وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، لأَثْبَتُّهَا10: "الشَّيْخُ

_ 1 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/76، فواتح الرحموت 2/73، نهاية السول 2/170، وقد خالف في هذه المسألة مكي بن أبي طالب في كتابه "الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه" ص59، فقال: "اعلم أنه جائز أن ينسخ الله جميع القرآن، بأن يرفعه من صدور عباده، ويرفع حكمه بغير عوض..الخ". 2 الآية 42 من فصلت. 3 الموطأ 2/824. 4 ترتيب مسند الإمام الشافعي 2/81. 5 سنن ابن ماجه 2/853. 6 في الموطأ: أن. وفي مسند الشافعي: وأن. 7 في رواية الشافعي: حد الرجم. 8 في الموطأ: فقد. وفي مسند الشافعي: لقد. 9 زيادة من رواية الموطأ ومسند الشافعي. 10 في الموطأ ومسند الشافعي: لكتبتها.

وَالشَّيْخَةُ1 إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ2 عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ: آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا "وَوَعَيْنَاهَا"3 وَعَقَلْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ فِي قَوْلِهِ: "الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ": الْمُحْصَنَانِ حَدُّهُمَا الرَّجْمُ بِالإِجْمَاعِ. وَقَدْ تَابَعَ عُمَرَ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، كَأَبِي ذَرٍّ، فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ "أَنَّهَا كَانَتْ فِي سُورَةِ الأَحْزَابِ" وَالْمُرَادُ: بِمَا قَضَيَا مِنْ اللَّذَّةِ. فَهَذَا الْحُكْمُ فِيهِ بَاقٍ، وَاللَّفْظُ مُرْتَفِعٌ، لِرَجْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا4 وَالْغَامِدِيَّةِ5 وَالْيَهُودِيِّينَ6. وَمِثَالُ الثَّانِي: -وَهُوَ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ لَفْظُهُ، عَكْسُ7 الَّذِي قَبْلَهُ- آيَةُ الْمُنَاجَاةِ وَالصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْهَا، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهَذِهِ الآيَةِ إلاَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ

_ 1 قال مالك في الموطأ "2/824": قوله "الشيخ والشيخة" يعني الثيب والثيبة. 2 صحيح البخاري 8/209، صحيح مسلم 3/1317. 3 زيادة من رواية البخاري ومسلم. 4 في ض ب: ماعز. وحديث رجم الرسول صلى الله عليه وسلم ماعزاً سبق تخريجه في ص224. 5 حديث رجم الغامدية أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد عن بريدة رضي الله عنه. "انظر صحيح مسلم 3/1322، سنن أبي داود 2/462، نيل الأوطار 7/123". 6 حديث رجم اليهوديين أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه. "انظر صحيح البخاري 8/205، صحيح مسلم 3/1326، سنن أبي داود 2/463، سنن ابن ماجه 2/854، نيل الأوطار 8/104". 7 في ش: وهو عكس.

رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ1. فَفِي التِّرْمِذِيِّ: عَنْهُ2 أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَرَى، دِينَارًا" 3؟ قَالَ: لا يُطِيقُونَهُ، قَالَ: "نِصْفُ دِينَارٍ"؟ قَالَ: لا يُطِيقُونَهُ، قَالَ "مَا تَرَى"؟ قَالَ شَعِيرَةٌ: قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّك لَزَهِيدٌ". قَالَ عَلِيٌّ: حَتَّى4 خَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ بِتَرْكِ الصَّدَقَةِ5. وَمَعْنَى قَوْلِهِ "شَعِيرَةٌ" أَيْ "وَزْنُ شَعِيرَةٍ"6 مِنْ ذَهَبٍ. وَرَوَى الْبَزَّارُ7 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ8 عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ "مَا عَمِلَ بِهَا

_ 1 انظر الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص368، أسباب النزول للواحدي ص235، فتح القدير للشوكاني 5/191، الدر المنثور 6/185. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: دينار. 4 في رواية الترمذي: فهي. 5 ونص الحديث في سنن الترمذي: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} المجادلة/12 قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ترى؟ ديناراً". قال: لا يطيقونه. قال: "فنصف دينار"؟ قلت: لا يطيقونه. قال: "فكم"؟ قلت: شعيرة. قال: "إنك لزهيد". قال: فنزلت {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} الآية "المجادلة/13" قال: فبي خفف الله عن هذه الأمة. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه. "سنن الترمذي مع شرح عارضة الأحوذي 12/186" وقد ذكر الشوكاني هذا الحديث وقال عنه إنه أخرجه أيضاً ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والنحاس وابن مردويه عن علي رضي الله عنه. "فتح القدير 5/191". 6 زيادة من كلام الترمذي في سننه. 7 هو أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، أبو بكر، الحافظ المعروف صاحب المسند الكبير. قال الدارقطني: ثقة يخطيء ويتكل على حفظه، وقال في المغني: صدوق. توفي سنة 292 هـ "انظر ترجمته في شذرات الذهب 2/209، طرح التثريب 1/30، تذكرة الحفاظ 2/653". 8 هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، أبو بكر، العلامة الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، وروى عن أبيه وابن جريج ومعمر وسفيان ومالك والأوزاعي وخلائق، وروى عنه الأئمة أحمد وإسحاق وابن معين وابن المديني وخلائق، قيل لأحمد: أرأيت أحسن حديثاً منه؟ قال: لا. وقال: من سمع منه بعد ما ذهب بصره، فهو ضعيف السماع، كان يلقن بعدما عمي. ولد سنة 126هـ، وتوفي سنة211هـ. "انظر ترجمته في طرح التثريب 1/78، شذرات الذهب 2/27، شرح علل الترمذي لابن لاجب2/585، تاريخ يحيى بن معين 2/363، تذكرة الحفاظ 1/364".

أَحَدٌ غَيْرِي حَتَّى نُسِخَتْ" وَأَحْسَبُهُ قَالَ "وَمَا كَانَتْ إلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ"1. وَمِثَالٌ آخَرُ لِهَذَا الْقِسْمِ: الاعْتِدَادُ فِي الْوَفَاةِ بِالْحَوْلِ2، نُسِخَ بِقَوْله تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} 3 عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ4. وَمِثَالُ الثَّالِثِ: -وَهُوَ مَا نُسِخَ لَفْظُهُ وَحُكْمُهُ مَعًا- مَا5 رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "كَانَ مِمَّا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ6 "عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ مُحَرِّمَاتٍ7" فَنُسِخَتْ8 بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ"9 فَلَمْ يَبْقَ لِهَذَا اللَّفْظِ حُكْمُ الْقُرْآنِ، لا فِي الاسْتِدْلالِ وَلا فِي غَيْرِهِ10.

_ 1 فتح القدير للشوكاني 5/191، الدر المنثور للسيوطي 6/185. 2 ساقطة من ض. والآية المنسوخة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} البقرة /240. 3 الآية 224 من البقرة. 4 انظر أحكام القرآن للجصاص 1/414، فتح القدير للشوكاني 1/259، الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص153، الدر المنثور 1/309. 5 ساقطة من ض. 6 زيادة من صحيح مسلم. 7 ساقطة من ش ز. وفي صحيح مسلم: يحرمن. 8 في ش ع ب ز: فنسخن. وفي صحيح مسلم: ثم نسخن. 9 صحيح مسلم 2/1075. 10 انظر الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص44، 45، 60.

فَلِذَلِكَ1 كَانَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا جَوَازَ مَسِّ الْمُحْدِثِ مَا نُسِخَ لَفْظُهُ، سَوَاءٌ نُسِخَ حُكْمُهُ أَوْ لا. وَوَجْهُ ابْنِ عَقِيلٍ الْمَنْعُ لِبَقَاءِ2 حُرْمَتِهِ، كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ نُسِخَ كَوْنُهُ قِبْلَةً، وَحُرْمَتُهُ بَاقِيَةٌ. وَالْجَوَازُ لِعَدَمِ حُرْمَةِ كَتْبِهِ فِي الْمُصْحَفِ. وَوَجْهُ3 الْجَوَازِ فِي الْكُلِّ: أَنَّ التِّلاوَةَ حُكْمٌ، وَمَا تَعَلَّقَ بِهَا مِنْ الأَحْكَامِ: حُكْمٌ آخَرُ، فَجَازَ نَسْخُهُمَا، وَنَسْخُ أَحَدِهِمَا كَغَيْرِهِمَا4. وَقَالَ الْمَانِعُونَ: التِّلاوَةُ مَعَ حُكْمِهَا مُتَلازِمَانِ، كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ، وَالْحَرَكَةِ مَعَ التَّحْرِيكِيَّةِ5، وَالْمَنْطُوقِ مَعَ الْمَفْهُومِ6. 7رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْعَالَمِيَّةُ وَالْحَرَكَةَ هِيَ التَّحْرِيكِيَّةُ8 وَمُنِعَ أَنَّ الْمَنْطُوقَ لا يَنْفَكُّ عَنْ الْمَفْهُومِ. سَلَّمْنَا الْمُغَايَرَةَ، وَأَنَّ الْمَنْطُوقَ لا يَنْفَكُّ9، فَالتِّلاوَةُ أَمَارَةُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً لا دَوَامًا10، فَلا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهَا نَفْيُهُ، وَبِالْعَكْسِ.

_ 1 في ش: فكذلك. 2 في ش: ببقاء. 3 في ز ض ع: وجه. 4 انظر شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/1994. 5 في ش ز: التحركية. 6 انظر شرح العضد 2/194. 7 في ش: وذلك بإن العلم. 8 في ش: التحركية. 9 أي ولو سلمنا جدلاً بذلك، فلا يلزم من نسخ أحدهما دون الأخر الانفكاك. "شرح العضد 2/194". 10 قال العضد: "أي يدل ثبوت التلاوة على ثبوت الحكم، ولا يدل على دوامه، ولذلك فإن الحكم قد يثبت بها مرة واحدة، والتلاوة تتكرر أبداً، وإذا كان كذلك، فإن نسخ التلاوة وحدها، فهو نسخ لدوامها، وهو غير الدليل. وإذا نسخ الحكم وحده فهو نسخ للدوام، وهو غير مدلول، فلا يلزم إنفكاك الدليل والمدلول، بخلاف العالمية مع العلم والمنطوق مع المفهوم إن ثبتا لتلازمهما ابتداء ودوماً. "شرح العضد على ابن الحاجب 2/194".

قَالُوا: بَقَاءُ التِّلاوَةِ1 يُوهِمُ بَقَاءَ الْحُكْمِ، فَيُؤَدِّي إلَى التَّجْهِيلِ2، وَإِبْطَالِ فَائِدَةِ الْقُرْآنِ3. رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ الْعَقْلِيِّ4 ثُمَّ لا جَهْلَ مَعَ الدَّلِيلِ لِلْمُجْتَهِدِ, وَفَرْضُ الْمُقَلِّدِ التَّقْلِيدُ5، وَالْفَائِدَةُ الإِعْجَازُ وَصِحَّةُ الصَّلاةِ6 بِهِ7. "وَ" يَجُوزُ نَسْخُ "قُرْآنٍ، وَ" نَسْخُ "سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ بِمِثْلِهِمَا8، وَ" نَسْخُ "سُنَّةٍ بِقُرْآنٍ، وَ" نَسْخُ "آحَادٍ" مِنْ السُّنَّةِ، وَهِيَ الْحَدِيثُ غَيْرُ الْمُتَوَاتِرِ "بِمِثْلِهِ" أَيْ بِحَدِيثٍ غَيْرِ مُتَوَاتِرٍ "وَ" نَسْخُ آحَادٍ "بِمُتَوَاتِرٍ"9.

_ 1 أي دون الحكم. "شرح العضد 2/194". 2 وهو قبيح، فلا يقع من الله تعالى. "شرح العضد 2/194". 3 قال العضد: لا نحصار فائدة اللفظ في إفادة مدلوله، فإذا لم يقصد به ذلك، فقد بطلت فائدته، والكلام الذي لا فائدة فيه يجب أن ينزه عنه القرآن. "شرح العضد 2/194". 4 أي على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، وهي باطلة. 5 أي لا يسلم قولهم بأنه يؤدي إلى التجهيل، قال العضد: لأنه إنما يكون كذلك لو لم ينصب عليه دليل، وأما إذا نصب فلا، إذا المجتهد يعلم بالدليل، والمقلد يعلم بالرجوع إليه، فينتفي الجهل. "شرح العضد 2/194". 6 في ض: ذلك. 7 هذا جواب على دعوى القائلين بان نسخ الحجم مع بقاء التلاوة يزيل فائدة القرآن، وذلك لقيام فائدته بكونه معجزاً بفصاحة لفظه، وكونه يتلى للثواب، وتصح به الصلوات. 8 في ع ض ب: بمثلها. 9 انظر تحقيق هذه المسائل في روضة الناظر ص84 وما بعدها، فواتح الرحموت2/76 وما بعدها كشف الأسرار 3/175 وما بعدها، الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص67 وما بعدها، الاعتبار للحازمي 24-29، التبصرة ص272ن شرح تنقيح الفصول ص311 وما بعدها، العدة. 3/802، المسودة ص205، أدب القاضي للماوردي 1/346 وما بعدها، فتح الغفار 2/133 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/79، الرسالة للشافعي ص106 وما بعدها، المستصفى 1/124، شرح العضد 2/195 وما بعدها، التلويح على التوضيح 2/34 وما بعدها، الإحكام لابن جزم 4/477، أصول السرخسي 2/67 وما بعدها، المحصول ج1 ق3/495 وما بعدها، اللمع ص32 وما بعدها، الآيات البينات 3/139، الإحكام للآمدي 3/146 وما بعدها، المعتمد 1/422 وما بعدها، إرشاد الفحول ص190، نهاية السول 2/181 وما بعدها، شرح البدخشي 2/179".

أَمَّا مِثَالُ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ: فَنَسْخُ1 الاعْتِدَادِ بِالْحَوْلِ فِي الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ2 كَمَا سَبَقَ. وَأَمَّا مِثَالُ نَسْخِ مُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِمُتَوَاتَرِهَا: فَلا يَكَادُ يُوجَدُ؛ لأَنَّ كُلَّهَا آحَادٌ: وإمَّا3 فِي4 أَوَّلِهَا، وَإِمَّا5 فِي آخِرِهَا، وَإِمَّا مِنْ أَوَّلِ إسْنَادِهَا إلَى آخِرِهِ، مَعَ أَنَّ6 حُكْمَ نَسْخِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ جَائِزٌ عَقْلاً وَشَرْعًا. 7وَمِثَالُ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ مَا كَانَ مِنْ تَحْرِيمِ مُبَاشَرَةِ الصَّائِمِ أَهْلَهُ لَيْلاً نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى8: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ}

_ 1 في ز: نسخ. 2 في ض: وعشرا. 3 في ش: أو. 4 في: من. 5 في ش: أو في. 6 ساقطة من ض. 7 ساقطة من ش. 8 الآية 187 من البقرة. وانظر تحقيق المسألة في "أحكام القرآن للجصاص 1/226، الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص122، الاعتبار للحازمي ص138، فتح القدير للشوكاني 1/187".

وَأَمَّا نَسْخُ الآحَادِ مِنْ السُّنَّةِ بِمِثْلِهَا فَكَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ1، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا" 2. رَوَاهُ3 التِّرْمِذِيُّ بِزِيَادَةٍ: "فَإِنَّهَا4 تُذَكِّرُكُمْ5 الآخِرَةَ" وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ6. وَوَجْهُ الشَّاهِدِ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُنْت نَهَيْتُكُمْ" فَصَرَّحَ بِأَنَّ النَّهْيَ مِنْ السُّنَّةِ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ. وَأَمَّا نَسْخُ الآحَادِ مِنْ السُّنَّةِ بِالْمُتَوَاتِرِ مِنْهَا: فَجَائِزٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ. "وَ" يَجُوزُ "عَقْلاً لا شَرْعًا" نَسْخُ سُنَّةٍ "مُتَوَاتِرَةٍ بِآحَادٍ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا. وَقَالَ الطُّوفِيُّ7 مِنْ أَصْحَابِنَا وَالظَّاهِرِيَّةُ8: يَجُوزُ.

_ 1 هو الصحابي الجليل بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي. أسلم قبل بدر ولم يشهدها، وكان فارساً شجاعاً، سكن المدينة ثم البصرة ثم مرو، وتوفي بها سنة 62هـ، وهو آخر من توفي من الصحابة بخراسان، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وأربعة وستون حديثاً. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/133، شذرات الذهب 1/70، اصد الغابة 1/209، طرح التثريب 1/36". 2 صحيح مسلم 2/672، وقد سبق تخريجه في ج2 ص554. 3 في ش: ورواه. 4 ساقطة من ع ز ض ب. 5 لفظ الترمذي: تذكر. 6 سنن الترمذي مع شرح عارضة الأحوذي 4/274. 7 مختصر الطوفي ص71، وقد تابع الطوفي في ذلك ابن قدامة في الروضة. "انظر الروضة ص86" وقد عللا رأيهما بجواز النسخ متواتر السنة بآحادها عقلاً بأنه لا يمتنع في العقل أن يقول الشارع تعبدتكم بالنسخ بخبر الواحد. أما شرعاً فلا يجوز لإجماع الصحابة على امتناعه. 8 الإحكام في أصول الأحكام لابن جزم 4/477.

وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ الْبَاجِيُّ، وَلَكِنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: لا يَجُوزُ بَعْدَهُ إجْمَاعًا1؛ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ الآحَادَ بِالنَّاسِخِ إلَى أَطْرَافِ الْبِلادِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيُّ. "وَ" يَجُوزُ أَيْضًا2 عَقْلاً لا شَرْعًا نَسْخُ "قُرْآنٍ بِمُتَوَاتِرٍ" مِنْ السُّنَّةِ، قَالَهُ الْقَاضِي3 وَغَيْرُهُ4. وَقِيلَ: لا يَجُوزُ عَقْلاً. قَالَ ابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ مِنْهُمْ5 مَنْ مَنَعَهُ تَبَعًا لِلْقَدَرِيَّةِ فِي الأَصَحِّ. اهـ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ مَنْعُهُ. وَهَذَا6 7الْخِلافُ فِي الْجَوَازِ عَقْلاً. وَأَمَّا الْجَوَازُ شَرْعًا: فَالْمَشْهُورُ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْعُهُ8، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ9 وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ10، وَالظَّاهِرِيَّةُ11 وَغَيْرُهُمْ.

_ 1 الإشارات للباجي ص74، قال الباجي: "والدليل على ذلك ما ظهر من تحول أهل قباء إلى مكة بخبر واحد، فقد كانوا يعلمون استقبال بيت المقدس من دين النبي صلى الله عليه وسلم". 2 ساقطة من ز. 3 العدة 3/801. 4 انظر المسودة ص204، المعتمد للبصري 1/424، الإحكام للآمدي 3/153، اللمع ص33، أدب القاضي للماوردي 1/344. 5 في ز: منعهم. 6 في ش: فهذا. 7 في ش: الجواز في الخلاف. 8 انظر العدة 3/788، المسودة ص202، روضة الناظر ص84. 9 الرسالة للشافعي ص106. 10 انظر التبصرة ص264، أدب القاضي للماوردي 1/343. 11 حكاية المصنف عن الظاهرية أنهم يقولون بعدم جواز نسخ القرآن بمتواتر السنة شرعاً فيها نظر، وذلك لقول ابن حزم في "إحكامه": "وقال طائفة: والقرآن ينسخ بالقرآن وبالسنة، والسنة تنسخ بالقرآن وبالسنة، قال أبو محمد: وبهذا نقول وهو الصحيح، وسواء عندنا السنة المنقولة بأخبار الآحاد، كل ذلك ينسخ بعضه بعضاً، وينسخ الآيات من القرآن، وينسخه الآيات من القرآن" "الإحكام 4/477".

وَقِيلَ: يَجُوزُ1، وَهُوَ رِوَايَةٌ2 عَنْ أَحْمَدَ3، وَاخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ4. وَالْمَالِكِيَّةِ5 وَغَيْرِهِمْ6 وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَحَكَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ7. "وَيُعْتَبَرُ" لِصِحَّةِ النَّسْخِ "تَأَخُّرُ8 نَاسِخٍ" عَنْ مَنْسُوخٍ، وَإِلاَّ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ اسْمُ نَاسِخٍ. "وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ" أَيْ مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: "الإِجْمَاعُ" عَلَى أَنَّ هَذَا نَاسِخٌ9 لِهَذَا، كَالنَّسْخِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ سَائِرَ

_ 1 ساقطة من ب. 2 في ب: في رواية. 3 انظر المسودة ص202. 4 انظر كشف الأسرار 3/157 وما بعدها، أصول السرخسي 2/67 وما بعدها، فتح الغفار 2/134، التلويح على التوضيح 2/34ن فواتح الرحموت 2/78. 5 انظر الإشارات للباجي ص71، شرح تنقيح الفصول ص313. 6 انظر "الاعتبار للحازمي ص26وما بعدها، الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص68، المسودة ص202، التبصرة ص265، البرهان 2/1107، روضة الناظر ص84، المعتمد 1/429، 2/1014، اللمع ص33، المحصول ج1 ق3/519، الإحكام للآمدي 3/153ن المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/78، الآيات البينات 3/139، إرشاد الفحول ص191، نهاية السول 2/181، شرح البدخشي 2/179، المستصفى 1/124". 7 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/197. 8 في ز: تأخير. 9 في ز: النسخ.

الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ1. وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ2: أَنَّ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ3 قَالَ لِحُذَيْفَةَ أَيُّ سَاعَةٍ تَسَحَّرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ النَّهَارُ، إلاَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ4 وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ يُحَرِّمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، مَعَ بَيَانِ ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} الآيَةَ5. قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا: إنَّ الإِجْمَاعَ مُبَيِّنٌ لِلْمُتَأَخِّرِ، وَإِنَّهُ نَاسِخٌ لا6 إنَّ الإِجْمَاعَ هُوَ النَّاسِخُ.

_ 1 انظر "العدة 3/، الاعتبار للحازمي ص، إرشاد الفحول ص197، الآيات البينات 3/167، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/93، العضد على ابن الحاجب 2/196، اللمع ص34، أدب القاضي للماوردي 1/364، الإحكام للآمدي 3/181، روضة الناظر ص89، مختصر الطوفي ص83، فتح الغفار 2/136، فواتح الرحموت 2/95، المستصفى 1/128". 2 هو أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد، أبو بكرن الخطيب البغدادي، الحافظ الكبير، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب التصانيف القيمة الكثيرة، من أهم كتبه "تاريخ بغداد" و "الكفاية في علم الرواية" و "موضع أوهام الجمع والتفريق" و "تقييد العلم" توفي سنة 463هـ "انظر ترجمته في شذرات الذهب 3/311، طبقات الشافعية للسبكي 4/29، طبقات الشافعية للأسنوي 1/201، الفكر السامي 2/329، النجوم الزاهرة 5/87، تبيين كذب المفتري ص268". 3 هو زر بن حبيش بن حباشة بن أوس الأسدي الكوفي، التابعي الكبير، المخضرم، قال النووي: "أدرك الجاهلية، وسمع عمر وعثمان وعلياً وابن مسعود وآخرين من كبار الصحابة، وروى عنه جماعات التابعين، منهم الشعبي والنخعي وعدي بن ثابت، واتفقوا على توثيقه وجلالته، توفي سنة8 هـ، وهو ابن مائة وعشرين سنة". "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/197، شذرات الذهب 1/91، تاريخ يحيى بن معين 2/172". 4 أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده. "سنن النسائي 4/116، سنن ابن ماجه 1/541، مسند الإمام أحمد 5/396". 5 الآية 187 من البقرة. 6 في ض ب: لأن.

"وَ" الْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ طَرِيقِ مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ1 قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا" 2. وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا: أَنْ يَنُصَّ الشَّارِعُ عَلَى خِلافِ مَا كَانَ مُقَرَّرًا بِدَلِيلٍ، بِحَيْثُ لا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى3 تَأَخُّرِ أَحَدِهِمَا، فَيَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ. "وَ" الْوَجْهُ الثَّالِثُ: 4 "فِعْلُهُ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5 فِي ظَاهِرِ كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ6 وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي7 وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ8.

_ 1 في ز: النسخ. 2 سبق تخريجه في ج2 ص554. وانظر كلام العلماء على هذه المسألة في "العدة 3/829 وما بعدها، الاعتبار للحازمي ص10، إرشاد الفحول ص197، الآيات البينات 3/167، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/93، العضد على ابن الحاجب 2/196، الإحكام لابن حزم 4/459، اللمع ص34، أدب القاضي للماوردي 1/364، الإحكام للآمدي 3/181، روضة الناظر ص88، مختصر الطوفي ص83، فتح الغفار 2/136، فواتح الرحموت 2/95، المستصفى 1/128، المعتمد 1/451". 3 في ش: مع. 4 في ش ب: الثاني. 5 انظر إرشاد الفحول ص192، 197، الإحكام لابن حزم 4/483. قال ابن حزم: "إن كل ما فعله عليه السلام من أمور الديانة أو قاله منها فهو وحي من عند الله عز وجل بقوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} وبقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} والله تعالى يفعل ما يشاء، فمرة ينزل أوامره بوحي يتلى، ومرة بوحي بنقل ولا يتلى، ومرة بوحي يعمل به ولا يتلى ولا ينقل، ومرة يأتيه جبريل بالوحي، لا معقب لحكمه، وجائز نسخ كل ذلك بالقرآن، وكل ذلك سواء ولا فرق. 6 انظر المسودة ص228، العدة 3/838. 7 العدة 3/838. 8 انظر اللمع ص33. قال الشيرازي: والدليل على جوازه أن الفعل كالقول في البيان، فكما يجوز بالقول جاز بالفعل.

وَقَدْ جَعَلَ الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ نَسْخَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ بِأَكْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ1 وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ2 ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ. وَمَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ الْقَوْلَ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحُكِيَ عَنْ التَّمِيمِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ3, لأَنَّ دَلالَتَهُ دُونَهُ4. "وَ" الْوَجْهُ الرَّابِعُ: مِنْ طُرُقِ مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ "قَوْلُ الرَّاوِي" لِلنَّاسِخِ "كَانَ كَذَا وَنُسِخَ، أَوْ رُخِّصَ فِي كَذَا ثُمَّ نُهِيَ عَنْهُ وَنَحْوِهِمَا"5 كَقَوْلِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ آخِرُ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ6 وَكَقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ، ثُمَّ قَعَدَ7 وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ كَثِيرٌ.

_ 1 سبق تخريج الحديث في المجلد الثاني صفحة 566، 567. 2 في ض ب: ما قدم. 3 المسودة ص229. 4 أي أن دلالة الفعل دون دلالة صريح القول، والشيء إنما ينسخ بمثله أو بأقوى منه، فأما بدونه فلا. "المسودة ص229". 5 انظر المسودة ص231، العدة 3/832، الاعتبار للحازمي ص10، الإحكام لابن حزم 4/459، اللمع ص34، روضة الناظر ص89، مختصر الطوفي 83، فتح الغفار 2/136، فواتح الرحموت 2/95، إرشاد الفحول ص197، وقد خالف في حجية هذا الوجه فريق من العلماء كالغزالي والرازي والآمدي، واستدلوا على ذلك بأن قول الراوي هذا ربما كان اجتهاداً، فلا يكون حجة على الغير. "المستصفى 1/128، الإحكام للآمدي 3/18، المحصول ج1 ق3/566". غير أن صاحب فواتح الرحموت رد عليهم حجتهم فقال: "إن تعيين العدل الموثوق بعدالته، بل مقطوعها لناسخ لا يكون إلا عن علم بالتاريخ والتعارض، فإن المراد عنده معلوم بمشاهدة القرائن، فحكمه بالنسخ عن بصيرة، ولا مجال للاجتهاد فيه". "فواتح الرحموت 2/95". 6 رواه الحازمي في كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص50. 7 أخرجه مسلم والترمذي والبيهقي ومالك في الموطأ، ولفظ مسلم "رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا، وقعد فقعدنا" يعني للجنازة. ولفظ البيهقي: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجنائز حتى توضع وقام الناس معه، ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود". "انظر صحيح مسلم 2/662،الموطأ=

فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الرَّاوِي يُنْسَخُ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ، عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهَا، مَعَ أَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ، وَالآحَادُ1 لا يُنْسَخُ بِهِ الْمُتَوَاتِرُ؟ قِيلَ: هَذَا حِكَايَةٌ لِلنَّسْخِ2، لا نَسْخٌ، وَالْحِكَايَةُ بِالآحَادِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا كَسَائِرِ أَخْبَارِ الآحَادِ. وَأَيْضًا: فَاسْتِفَادَةُ النَّسْخِ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ، وَالضِّمْنِيُّ3: يُغْتَفَرُ4 فِيهِ مَا لا يُغْتَفَرُ5 فِيمَا إذَا كَانَ أَصْلاً، كَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الشَّجَرِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ وَنَحْوِهِ. "لا" قَوْلُ الرَّاوِي "ذِي الآيَةِ" مَنْسُوخَةٌ "أَوْ ذَا الْخَبَرُ مَنْسُوخٌ، حَتَّى يُبَيِّنَ النَّاسِخَ" لِلآيَةِ أَوْ للْخَبَرِ6.

_ =1/222، عارضة الأحوذي 4/264، سنن البيهقي 4/27". والحديث يدل على نسخ ما روى البخاري ومسلم والبيهقي والحاكم وغيرهم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع" وفي رواية أخرى "إذا رأى أحدكم جنازة فإن لم يكن ماشياً معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه". "صحيح البخاري 2/107، عارضة الأحوذي 4/264، سنن البيهقي 4/25، المستدرك 1/356، الاعتبار للحازمي ص121 وما بعدها، صحيح مسلم 2/660". 1 ساقطة من ض. 2 في ش: نسخ. 3 في ش: والتضمن. 4 في ش ز ض: يعتبر. 5 في ش ز ض: يعتبر. 6 في ش: الخبر. وانظر تفصيل العلماء في هذه المسألة "المسودة230، العدة 3/835، نهاية السول 2/193، شرح تنقيح الفصول ص321، اللمع ص34، المعتمد 1/451".

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَإِنْ قَالَ صَحَابِيٌّ: هَذِهِ1 الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يُخْبِرَ بِمَاذَا نُسِخَتْ. قَالَ الْقَاضِي: أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ2. قَالُوا: لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلا يُقْبَلُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً أَنَّهُ يُقْبَلُ، كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِعِلْمِهِ3، فَلا احْتِمَالَ؛ لأَنَّهُ4 لا يَقُولُهُ غَالِبًا إلاَّ عَنْ نَقْلٍ. وَ5 قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: و6 إنْ كَانَ هُنَاكَ نَصٌّ يُخَالِفُهَا عُمِلَ بِالظَّاهِرِ7. وَ "لا" نَسْخَ "بِقَبَلِيَّةٍ فِي الْمُصْحَفِ"؛ لأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالنُّزُولِ لا بِالتَّرْتِيبِ فِي الْوَضْعِ؛ لأَنَّ النُّزُولَ بِحَسَبِ الْحُكْمِ وَالتَّرْتِيبُ لِلتِّلاوَةِ8.

_ 1 في ع: بهذه. 2 العدة 3/835، 836. 3 في ش: بعلمه. 4 ساقطة من ب. 5 ساقطة من ش. 6 ساقطة من ش ز. 7 المسودة ص230 بتصرف، ونص كلام المجد فيها: "وعندي أنه إن كان هناك نص آخر يخالفها، فإنه يقبل قوله في ذلك، لأن الظاهر أن ذلك النص هو الناسخ، ويكون حاصل قول الصحابي الإعلام بالتقدم والتأخر، وقوله يقبل في ذلك". حكى الشيخ تقي الدين بن تيمية في "المسودة" عن الباجي ثلاثة أقوال في المسألة "أحدها" انه لا يقبل مجال حتى يبين الناسخ ليعلم أنه ناسخ، لأن هذا كفتياه، وهو قوا ابن الباقلاني والسمناني واختاره الباجي "والثاني" أنه إن ذكر الناسخ لم يقع به نسخ، وإن لم يذكره وقع. "الثالث" يقع به النسخ بكل حال. "المسودة ص230". 8 انظر فواتح الرحموت 2/96، الإحكام للآمدي 3/181، المستصفى 1/128، أدب القاضي للماوردي 1/363، الإحكام لابن حزم 4/465، العضد على ابن الحاجب 2/196، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/94، الآيات البينات 3/167.

"وَلا" نَسْخَ أَيْضًا1 "بِصِغَرِ صَحَابِيٍّ، أَوْ تَأَخُّرِ إسْلامِهِ" يَعْنِي إذَا رَوَى الْحَدِيثَ أَحَدٌ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ أَوْ مِمَّنْ تَأَخَّرَ إسْلامُهُ2 مِنْهُمْ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ؛ لأَنَّ تَأَخُّرَ رَاوِي أَحَدِ الدَّلِيلِينَ لا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا3 رَوَاهُ نَاسِخٌ وَلِجَوَازِ أَنَّ مَنْ تَأَخَّرَ إسْلامُهُ تَحَمَّلَ الْحَدِيثَ قَبْلَ إسْلامِهِ4. "وَلا" نَسْخَ "بِمُوَافَقَةِ أَصْلٍ"5 يَعْنِي أَنَّهُ إذَا وَرَدَ نَصَّانِ فِي حُكْمٍ مُتَضَادَّانِ، وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ أَحَدَ النَّصَّيْنِ مُوَافِقٌ لِلْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ، وَالآخَرَ مُخَالِفٌ، لَمْ يَكُنْ الْمُوَافِقُ لِلأَصْلِ مَنْسُوخًا بِمَا خَالَفَهُ6. وَقِيلَ: بَلَى؛ لأَنَّ الانْتِقَالَ مِنْ الْبَرَاءَةِ لاشْتِغَالِ الذِّمَّةِ يَقِينٌ، وَالْعَوْدَ إلَى الإِبَاحَةِ ثَانِيًا شَكٌّ فَقُدِّمَ الَّذِي لَمْ يُوَافِق الأَصْلَ7. "وَلا" نَسْخَ "بِعَقْلٍ وَقِيَاسٍ8"؛ لأَنَّ النَّسْخَ لا يَكُونُ إلاَّ بِتَأَخُّرِ النَّاسِخِ عَنْ زَمَنِ الْمَنْسُوخِ، وَلا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ وَلا لِلْقِيَاسِ فِي مَعْرِفَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ، وَإِنَّمَا

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: اسلامهم. 3 في ب: انه. 4 انظر إرشاد الفحول ص197، الآيات البينات 3/167، اللمع ص34، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/94، فواتح الرحموت 2/96، الإحكام للآمدي 3/181، المستصفى 1/129، شرح العضد 2/196. 5 انظر الإحكام للآمدي 3/182، العضد على ابن الحاجب 2/196، المستصفى 1/129، فواتح الرحموت 2/96، الآيات البينات 3/167، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/93. 6 في ز: يحالفه. 7 انظر إرشاد الفحول ص197، حاشية البناني 2/94. 8 في ض: أو قياس.

يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ الْمُجَرَّدِ1. "وَلا يُنْسَخُ إجْمَاعٌ"؛ لأَنَّهُ لا يَكُونُ إلاَّ فِي2 حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَنَّهُ يَرُدُّ مَا يَنْسَخُهُ، وَإِذَا وَقَعَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ نَاسِخٌ3. "وَلا يُنْسَخُ" حُكْمٌ4 "بِهِ" أَيْ بِالإِجْمَاعِ؛ لأَنَّهُ إذَا وُجِدَ إجْمَاعٌ عَلَى خِلافِ نَصٍّ فَيَكُونُ قَدْ تَضَمَّنَ نَاسِخًا لا أَنَّهُ هُوَ النَّاسِخُ. وَلأَنَّ الإِجْمَاعَ مَعْصُومٌ مِنْ مُخَالَفَةِ دَلِيلٍ5 شَرْعِيٍّ، لا مُعَارِضَ لَهُ6 وَلا مُزِيلَ7 عَنْ دَلالَتِهِ فَتَعَيَّنَ إذَا وَجَدْنَاهُ خَالَفَ شَيْئًا، أَنَّ8 ذَلِكَ إمَّا غَيْرُ صَحِيحٍ، إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، أَوْ أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ، أَوْ نُسِخَ بِنَاسِخٍ9؛ لأَنَّ إجْمَاعَهُمْ حَقٌّ. فَالإِجْمَاعُ دَلِيلٌ عَلَى النَّسْخِ، لا رَافِعٌ لِلْحُكْمِ، كَمَا قَرَّرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى10 وَالصَّيْرَفِيُّ وَالأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَغَيْرُهُمْ11.

_ 1 انظر المستصفى 1/128، روضة الناظر ص88، المسودة ص230، اللمع ص33، المعتمد 1/450، مختصر الطوفي ص83. 2 في ش: إلا في. 3 انظر "العدة 3/826، المسودة ص224، شرح تنقيح الفصول ص314، المحصول ج1 ق3/531، المعتمد 1/432، مختصر الطوفي ص82، شرح البدخشي 2/185، نهاية السول 2/186، إرشاد الفحول ص192، شرح العضد 2/198، روضة الناظر ص87، الإحكام للآمدي 3/160، فواتح الرحموت 2/81، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 2/86". 4 في ب: حكمه. 5 في ش: دليل صحيح. 6 ساقطة من ض. 7 في ش: مزيل له. 8 في ش: يكون. 9 في ش: بناسخ أخر. 10 العدة 3/826. 11 انظر "المسودة ص224، شرح تنقيح الفصول ص314، المحصول ج1 ق3/532، المعتمد 1/433، اللمع ص33، مختصر الطوفي ص82، نهاية السول 2/186، شرح البدخشي 2/185، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/76، الآيات البينات 3/134، إرشاد الفحول ص193، الإحكام لابن حزم 4/488، العضد على ابن الحاجب 2/199، روضة الناظر ص87، الإحكام للآمدي 3/161، المستصفى 1/126، فواتح الرحموت 2/82، كشف الأسرار 3/175، الفقيه والمتفقه 1/123، التلويح على التوضيح 2/34، فتح الغفار 2/133، أصول السرخسي 2/66".

"وَكَذَا الْقِيَاسُ" أَيْ وَكَالإِجْمَاعِ الْقِيَاسُ فِي كَوْنِهِ لا يُنْسَخُ وَلا يَنْسَخُ به1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: أَمَّا الْقِيَاسُ فَلا يُنْسَخُ. ذَكَرَهُ2 الْقَاضِي3 وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ4 عَنْ أَصْحَابِنَا لِبَقَائِهِ بِبَقَاءِ أَصْلِهِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: مَنَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَعَبْدُ الْجَبَّارِ فِي قَوْلٍ، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ إذَا كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ أَصْلٍ فَالْقِيَاسُ بَاقٍ بِبَقَاءِ أَصْلِهِ فَلا يُتَصَوَّرُ رَفْعُ حُكْمِهِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ, وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ5 وَغَيْرِهِ, وَمِنْهُمْ6 مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ الْمَوْجُودِ زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْحُسَيْنِ البصري7 وَابْنِ بُرْهَانٍ وَابْنِ الْخَطِيبِ8.

_ 1 ساقطة من ش. انظر تحقيق المسألة في "العدة 3/827، المسودة ص216، 217، 225، الإحكام للآمدي 3/163، الفقيه والمتفقه 1/86، المعتمد1/434، المحصول ج1 ق3/536، نهاية السول 2/187، شرح البدخشي 2/186، فواتح الرحموت 2/84، شرح العضد 2/199، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/81، الآيات البينات 3/150، فتح الغفار 2/133". 2 في ش: وذكره. 3 العدة 3/827. 4 في ب ز ع ض: الآمدي منا، انظر الإحكام له 2/163. 5 مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/199. 6 ساقطة من ب. 7 ساقطة من ش. انظر المعتمد للبصري 1/434. 8 المحصول ج1 ق3/536.

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَا ثَبَتَ قِيَاسًا. فَإِمَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَصِّهِ عَلَى الْعِلَّةِ، أَوْ تَنْبِيهِهِ عَلَيْهَا فَيَجُوزُ نَسْخُهُ بِنَصِّهِ أَيْضًا. مِثَالُهُ: أَنْ يَنُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ، وَيَنُصَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهِ الْكَيْلُ، ثُمَّ يَنُصَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى إبَاحَتِهِ فِي الأَرُزِّ، وَيَمْنَعَ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْبُرِّ فَيَكُونَ ذَلِكَ نَسْخًا. وَإِمَّا قِيَاسٌ مُسْتَفَادٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: فَلا يَصِحُّ نَسْخُهُ؛ لأَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَدَّدَ1 بَعْدَ وَفَاتِهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ. اهـ. وَأَمَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ لا يُنْسَخُ بِهِ: فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا2 وَالْجُمْهُورُ3 قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ, وَاخْتَارَهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ, وَنَقَلَهُ عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ. قَالَ: لأَنَّ الْقِيَاسَ يُسْتَعْمَلُ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ فَلا يَنْسَخُ النَّصَّ؛ وَلأَنَّهُ دَلِيلٌ مُحْتَمَلٌ4، وَالنَّسْخُ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ مُحْتَمَلٍ. وَأَيْضًا فَشَرْطُ صِحَّةِ الْقِيَاسِ: أَنْ لا يُخَالِفَ الأُصُولَ، فَإِنْ خَالَفَ فَسَدَ. قَالَ: بَلْ وَلا يَنْسَخُ قِيَاسًا آخَرَ؛ لأَنَّ التَّعَارُضَ إنْ كَانَ بَيْنَ أَصْلَيْ الْقِيَاسَيْنِ فَهُوَ نسخ5 نَصٌّ بِنَصٍّ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ، لا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ.

_ 1 في ع: يجدد. 2 انظر العدة 3/827، المسودة ص225. 3 انظر "الفقيه والمتفقه للخطيب 1/123ن إرشاد الفحول ص193، اللمع ص33، كشف الأسرار 3/174، التلويح على التوضيح 2/34، الإحكام لابن حزم 4/488، التبصرة ص274، المستصفى 1/126، فواتح الرحموت 2/84، شرح العضد 2/199، فتح الغفار 2/133، أصول السرخسي 2/66، اللمع ص33". 4 في ع ض ب: يحتمل. 5 ساقطة من ش.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ الْمَنْسُوخَ إنْ كَانَ قَطْعِيًّا لَمْ يُنْسَخْ بِمَظْنُونٍ، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا فَالْعَمَلُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِرُجْحَانِهِ عَلَى مُعَارِضِهِ، وَتَبَيَّنَ بِالْقِيَاسِ زَوَالُ الْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ رُجْحَانُهُ فَلا ثُبُوتَ لَهُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنْ كَانَتْ عِلَّتُهُ مَنْصُوصَةً جَازَ النَّسْخُ بِهِ، وَإِلاَّ فَلا. قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ1. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَالَهُ الآمِدِيُّ2: إنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً جَازَ، وَإِلاَّ فإنْ3 كَانَ الْقِيَاسُ قَطْعِيًّا، كَقِيَاسِ الأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي السِّرَايَةِ4 فهو مقدم, لَكِنْ لا مِنْ بَابِ النَّسْخِ، أَوْ كَانَ ظَنِّيًّا فَإِنَّ كانت5 عِلَّتَهُ مُسْتَنْبَطَةٌ فَلا. وَفِي الْمَسْأَلَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ6 غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا أَضْرَبْنَا عَنْهَا7 خَشْيَةَ الإِطَالَةِ. "وَإِنْ نُسِخَ حُكْمُ أَصْلٍ تَبِعَهُ حُكْمُ فَرْعِهِ" يَعْنِي إذَا وَرَدَ النَّسْخُ عَلَى أَصْلٍ مَقِيسٍ عَلَيْهِ ارْتَفَعَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ بِالتَّبَعِيَّةِ عِنْدَنَا8

_ 1 يبدو أن عزو المصنف هذا القول للباجي فيه نظر، وذلك لنص الباجي على خلافه في كتابه "الإشارات في أصول الفقه" حيث قال: "فأما القياس فلا يصح النسخ به جملة" "الإشارات ص75". 2 في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام" 3/164 مفصلاً مبسوطاً. 3 في ش: بأن. 4 ساقطة من ش. 5 ساقط من ش. 6 انظر "روضة الناظر ص87، أصول السرخسي 2/84، كشف الأسرار 3/174، إرشاد الفحول ص193، اللمع ص33، المعتمد 1/434، المحصول ج1 ق3/537، شرح تنقيح الفصول ص316، نهاية السول 2/186، الآيات البينات 3/149، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/80". 7 ساقطة من ض. 8 المسودة ص213، 220، العدة 3/820.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ1. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي2 مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَفِيَّةُ3. قَالَ الْقَاضِي4 فِي إثْبَاتِ الْقِيَاسِ عَقْلاً: لا يَمْتَنِعُ عِنْدَنَا بَقَاءُ حُكْمِ الْفَرْعِ مَعَ نَسْخِ حُكْمِ الأَصْلِ وَمِثْلُهُ أَصْحَابُنَا -وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْمُخَالِفِ أَيْضًا- بِبَقَاءِ حُكْمِ النَّبِيذِ الْمَطْبُوخِ فِي الْوُضُوءِ بَعْدَ نَسْخِ النِّيءِ5، وَصَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّة6 مِنْ النَّهَارِ بَعْدَ نَسْخِ عَاشُورَاءَ

_ 1 الإحكام للآمدي 3/167، التبصرة ص275، نهاية السول 2/193، شرح العضد 2/200، البرهان 2/1313. 2 عزو المصنف المخالفة للقاضي أبي يعلى غير سديد، وذلك لقوله في العدة "3/820": "إذا نص على حكم في عين من الأعيان بمعنى، وقيس عليه كل موضع وجد فيه ذلك المعنى، ثم نسخ الله تعالى حكم تلك العين صار حكم الفروع منسوخاً". 3 عزو المصنف المخالفة إلى الحنفية فيه نظر، وذلك لأن مذهبهم غير مخالف لما عليه الجمهور من كون الفرع يتبع حكم الأصل إذا نسخ، يدل على ذلك قول صاحب مسلم الثبوت "2/86": "مسألة: إذا نسخ حكم الأصل لا يبقى حكم الفرع، وهذا ليس نسخاً. وقيل: يبقى. ونسب إلى الحنفية" وقد بين شارحه في "فواتح الرحموت" الأمر وزاده وضوحاً حيث قال: "أن هذه النسبة لم تثبت، وكيف لا، وقد صرحوا أن النص المنسوخ لا يصح عليه القياس". 4 لم أعثر على هذا القول الذي عزاه المصنف للقاضي في كتابه "العدة" وان مما يجدر ذكره أن رأي القاضي فيهما على خلاف ذلك، وهو موافق للجمهور، وقد نسب في "العدة" هذا الرأي وأدلته لأصحاب أبي حنيفة، ثم رده وأجاب عن أدلته. "أنظر العدة 3/821". ثم إن من العجيب في هذا النص حكاية القاضي عن ابن عقيل عزوه هذا القول للمخالف، مع أن أبا يعلى متقدم في حياته على ابن عقيل بنصف قرن من الزمان، فقد توفي القاضي أبو يعلى سنة 458 هـ، بينما توفي ابن عقيل سنة 513هـ فكيف ينقل المتقدم عن المتأخر!!. 5 حيث ثبت بالنص جواز الوضوء بالنيء، لأنه ثمرة طيبة وماء طهور، فوجب جوازه بالمطبوخ، لأن هذا المعنى موجود فيه، وقد نسخ الحكم النيء، وبقي حكم المطبوخ "انظر العدة 2/821". 6 في ش ز: بينته.

عِنْدَهُمْ1. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَعِنْدِي إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا لَمْ يَتْبَعْهُ الْفَرْعُ2، إلاَّ أَنْ يُعَلَّلَ فِي3 نَسْخِهِ بِعِلَّةٍ فَيَثْبُتَ النَّسْخُ حَيْثُ وُجِدَتْ4. اهـ. وَقِيلَ: إنْ نَصَّ عَلَى الْعِلَّةِ: لَمْ يَتْبَعْهُ الْفَرْعُ5، إلاَّ أَنْ يُعَلَّلَ فِي نَسْخِهِ بِعِلَّةٍ، فَيَتْبَعَهَا النَّسْخُ. وَوَجْهُ الأَوَّلِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ-: خُرُوجُ الْعِلَّةِ عَنْ اعْتِبَارِهَا فَلا فَرْعَ، وَإِلاَّ وُجِدَ الْمَعْلُولُ بِلا عِلَّةٍ. فَإِنْ قِيلَ: أَمَارَةٌ، فَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهَا دَوَامًا, رُدَّ بِأَنَّهَا بَاعِثَةٌ. قَالُوا: الْفَرْعُ تَابِعٌ لِلدَّلالَةِ، لا لِلْحُكْمِ, رُدَّ زَوَالُ6 الْحُكْمِ بِزَوَالِ حكمتِهِ7. وَفِي التَّمْهِيدِ أَيْضًا: لا يُسَمَّى نَصًّا8 لِزَوَالِ9 حُكْمٍ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ وَمَعْنَاهُ فِي الْعُدَّةِ10

_ 1 حيث روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء أن من لم يأكل فليصم، فأجاز صوم يوم عاشوراء بالنية من النهار، وكانت العلة فيه أنه صوم مستحق في زمانه بعينه، وهذا المعنى موجود في صوم رمضان وغيره، ثم نسخ صوم عاشوراء، وبقي حكمه في غيره. "انظر العدة 3/822". 2 في المسودة: تتبعه الفروع. 3 ساقطة من المسودة. 4 المسودة ص220. 5 في ض: الرفع. 6 في ز: زال. 7 في ش: علته. 8 كذا في سائر النسخ الخطيئة، ولعل الصواب: نسخاً. 9 في ض: كزوال. 10 العدة 3/823.

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: إذَا وَرَدَ النَّسْخُ عَلَى الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ارْتَفَعَ الْقِيَاسُ مَعَهُ بِالتَّبَعِيَّةِ. وَالْمُخَالِفُ فِيهِ الْحَنَفِيَّةُ. "وَيَجُوزُ النَّسْخُ بِالْفَحْوَى" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالْمُعْظَمِ1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: الْفَحْوَى يُنْسَخُ وَيُنْسَخُ بِهِ ذكره2 الآمِدِيُّ: اتِّفَاقًا3. وَفِي التَّمْهِيدِ: الْمَنْعُ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَهُ فِي الْعُدَّةِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ. قَالَ فِيمَا حَكَاهُ الإسْفَرايِينِيّ4: وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. لَنَا: أَنَّهُ كَالنَّصِّ، وَإِنْ قِيلَ: قِيَاسٌ فقَطْعِيٌّ5. اهـ. "وَ" يَجُوزُ أَيْضًا "نَسْخُ أَصْلِ الْفَحْوَى" كالتَّأْفِيفُ6، كَمَا لَوْ قَالَ: رَفَعْت تَحْرِيمَ التَّأْفِيفِ مَثَلاً أي دون باقي7 أَنْوَاعِ الأَذَى وَهُوَ الْفَحْوَى؛ لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ8 إبَاحَةِ الْخَفِيفِ إبَاحَةُ الثَّقِيلِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْفَخْرِ إسْمَاعِيلِ الْبَغْدَادِيِّ, وَحُكِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ9

_ 1 انظر "المسودة ص222، مختصر الطوفي ص82، روضة الناظر ص88، العدة 3/828، المعتمد 1/436، اللمع ص33، إرشاد الفحول ص194، المحصول ج1 ق3/540، نهاية السول 2/189، شرح البدخشي 2/188، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/82، الآيات البينات 3/151، شرح تنقيح الفصول ص315، فواتح الرحموت 2/88". 2 في ش: قال. وفي ع: وذكره. 3 الإحكام في أصول الأحكام 3/165. 4 العدة 3/828. 5 في ش: قطعي. 6 في ش ز: وهو التأفيف. 7 في ش: في. 8 ساقطة من ب. 9 انظر فواتح الرحموت 2/87.

وَغَيْرِهِمْ1. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ2، وَتَبِعَهُ الطُّوفِيُّ3: بِالْمَنْعِ وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ4 قَوْلُ الأَكْثَرِ؛ لأَنَّ الْفَرْعَ يَتْبَعُ الأَصْلَ فَإِذا5 رُفِعَ الأَصْلُ فَكَيْفَ يَبْقَى الْفَرْعُ6!! "وَعَكْسُهُ" يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْفَحْوَى -وَهُوَ الضَّرْبُ مَثَلاً- دُونَ أَصْلِهِ وَهُوَ التَّأْفِيفُ، كَمَا لَوْ قَالَ: رَفَعْت تَحْرِيمَ كُلِّ إيذَاءٍ7 غَيْرَ التَّأْفِيفِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا8, وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ9. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ؛ لأَنَّ الْفَحْوَى وَأَصْلَهُ مَدْلُولانِ مُتَغَايِرَانِ فَجَازَ نَسْخُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ. وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْدُ10 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَابْنُ الْحَاجِبِ11 وَغَيْرُهُمْ12.

_ 1 انظر المسودة ص221، شرح العضد 2/200، الآيات البينات 3/151، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/82. 2 روضة الناظر ص88. 3 مختصر الطوفي ص82. 4 الإحكام في أصول الأحكام 3/165. 5 في ش: فإن. 6 انظر المحصول ج1 ق3/539، المعتمد 1/437، نهاية السول 2/188، شرح البدخشي 2/188، شرح تنقيح الفصول ص315. 7 في ع: اذاء. 8 في ش: أكثر أصحابنا. 9 انظر الإحكام للآمدي 3/166، إرشاد الفحول ص194، الآيات البينات 3/151، فواتح الرحموت 2/87، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/82. 10 المسودة ص222. 11 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/200. 12 انظر المعتمد 1/437، نهاية السول 2/188، المحصول ج1 ق3/539، شرح تنقيح الفصول ص315، شرح البدخشي 2/188.

وَقِيلَ: إنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ1 الآخَرِ2. قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: وَالأَكْثَرُ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ الآخَرِ. ثُمَّ قَالَ الْمَحَلِّيُّ شَارِحُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِلْزَامَ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا الآخر3 يُنَافِي مَا صَحَّحَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مِنْ جَوَازِ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الآخَرِ، فَإِنَّ الامْتِنَاعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الاسْتِلْزَامِ، وَالْجَوَازَ مَبْنِيٌّ4 عَلَى عَدَمِهِ. وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ مُقَابِلِهِ, وَالْبَيْضَاوِيُّ عَلَى الاسْتِلْزَامِ وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ -يَعْنِي صَاحِبَ جَمْعِ الْجَوَامِعِ- بَيْنَهُمَا5. "وَ" يَجُوزُ أَيْضًا نَسْخُ "حُكْمِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ إنْ ثَبَتَ"6، وَإِلاَّ فَلا. يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَذْكُورِ، مَعَ نَسْخِ الأَصْلِ وَدُونَهُ. قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ7. وَقَدْ8 قَالَت9 الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمَاءُ 10 مِنْ

_ 1 غير موجودة في جمع الجوامع ولا في ع ض. 2 جمع الجوامع مع شرحه للمحلي 2/82. 3 ساقطة من ش. وفي شرح المحلي: للآخر. 4 في ز: والامتناع. 5 شرح المحلي على جمع الجوامع 2/83. 6 أي استقر حكمه وتقرر، وأما إذا لم يستقر حكمه، وذد وجدنا منطوقاً بخلافه قدم المنطوق عليه، وعلمنا أنه غير مراد. "المسودة ص222". 7 انظر إرشاد الفحول ص194، الإحكام للآمدي 3/172، المسودة ص222، فواتح الرحموت 2/89، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/83، الآيات البينات 3/152. 8 ساقطة من ض ب. 9 في ش: قال. 10 في ش: إنما الماء.

الْمَاءِ" 1: مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ" 2 مَعَ أَنَّ الأَصْلَ بَاقٍ. وَهُوَ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالإِنْزَالِ. "وَيَبْطُلُ" حُكْمُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ "بِنَسْخِ أَصْلِهِ" عَلَى الصَّحِيحِ3، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ4، كَذَلِكَ الطُّوفِيُّ5؛ لأَنَّ فَرْعَهُ وَعَدَمَهُ كَالْخِطَابَيْنِ, وَاخْتَارَهُ ابْنُ فُورَكٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لا يَبْطُلُ بِنَسْخِ أَصْلِهِ, وَهُوَ وَجْهٌ لأَصْحَابِنَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَأَمَّا نَسْخُ الأَصْلِ بِدُونِ مَفْهُومِهِ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ حُكْمًا: فَذَكَرَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ، قَالَ: وَأَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ضِدِّ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، فَإِذَا بَطَلَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْقَيْدِ بَطَلَ مَا يَنْبَنِي6 عَلَيْهِ. اهـ.

_ 1 الحديث أخرجه مسلم والترمذي والبيهقي وأبو داود، ولفظ مسلم: "عن أبي سعيد الخدري قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان، فصرخ به، فخرج يجر إزاره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعجلنا الرجل". فقال عتبان: يا رسول الله! أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم بمن، وماذا عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما الماء من الماء" "انظر صحيح مسلم 1/269، عارضة الأحوذي 1/168، سنن البيهقي 1/167، بذل المجهود 2/179، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/48، 50، الاعتبار للحازمي ص30-36". 2 أخرجه البخاري ومسلم. وقد سبق تخريجه في هامش ص221. 3 انظر فواتح الرحموت 2/89، الآيات البينات 3/152، إرشاد الفحول ص194، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/83. 4 روضة الناظر ص88. 5 مختصر الطوفي ص82. 6 في ص ب: ما يبنى.

وَعَلَى هَذَا: فَنَسْخُ الأَصْلِ نَسْخٌ لِلْمَفْهُومِ مِنْهُ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَرْتَفِعُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي حُكِمَ بِهِ عَلَى الْمَسْكُوتِ بِضِدِّ1 حُكْمِ2 الْمَذْكُورِ. "وَلا يُنْسَخُ بِهِ" أَيْ بِمَفْهُومِ3 الْمُخَالَفَةِ عَلَى الصَّحِيحِ4 قَطَعَ بِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ5 وَصَرَّحَ بِهِ السَّمْعَانِيُّ، لِضَعْفِهِ عَنْ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ. وَقِيلَ: بَلَى؛ لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْطُوقِ6. "وَلا حُكْمَ لِلنَّاسِخِ مَعَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ7 اتِّفَاقًا" قَبْلَ أَنْ يُبَلِّغَهُ جِبْرِيلُ إلَى8 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَإِذَا بَلَّغَهُ" لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ9" عِنْدَ أَصْحَابِنَا10 وَالأَكْثَرُ11 وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لأَنَّهُ

_ 1 في ع ز ب: لضد. 2 في ش: الحكم. 3 في ز: مفهوم. 4 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/84، الآيات البينات 3/153. 5 جمع الجوامع مع شرحه للمحلي 2/84. 6 وهو قول أبي إسحاق الشيرازي "انظر اللمع للشيرازي ص33، المحلي على جمع الجوامع 1/84". 7 في ع ز: الصلاة والسلام. 8 ساقطة من ز. 9 فإن كان الناسخ موجباً لعبادة، فلا يجب على من لم يبلغه قضاء. 10 انظر المسودة ص223، العدة 3/823، روضة الناظر ص83، مختصر الطوفي ص79، القواعد والفوائد الأصولية ص156. 11 انظر "التمهيد للأسنوي ص133 البرهان 2/1312، المستصفى 1/120، الإحكام للآمدي 3/168، اللمع ص35، نهاية السول 2/194، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/90، الآيات البينات 3/159، شرح العضد 2/201، فواتح الرحموت 2/89".

أَخَذَ بِقِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ وَالْقِبْلَةِ1. وَقِيلَ: يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ2، كَالنَّائِمِ وَقْتَ الصَّلاةِ. وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ -وَهُوَ الصَّحِيحُ- بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَزِمَ وُجُوبُ الشَّيْءِ وَتَحْرِيمُهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لأَنَّهُ لَوْ نُسِخَ وَاجِبٌ بِمُحَرَّمٍ أَثِمَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ اتفاقاً3 وَأَيْضًا يَأْثَمُ بِعَمَلِهِ4 بِالثَّانِي اتِّفَاقًا. "وَلَيْسَتْ زِيَادَةُ جُزْءٍ مُشْتَرَطٍ، أَوْ شَرْطٍ5 أَوْ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ 6مُسْتَقِلَّةٍ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ غَيْرِهِ: نَسْخًا" فإذَا7 زِيدَ فِي الْمَاهِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ جُزْءٌ مُشْتَرَطٌ، أَوْ شَرْطٌ، أَوْ زِيَادَةٌ تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَسْخًا عَلَى الرَّاجِحِ8, وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ9، مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْجُبَّائِيَّةُ.

_ 1 وذلك أن أهل قباء صلوا ركعة إلى بيت المقدس، ثم استداروا في الصلاة، ولو كان النسخ ثبت في حقهم لأمروا بالقضاء، فلما لم يؤمروا بالقضاء دل على أن النسخ لم يكن ثبت في حقهم. "العدة3/824". 2 التبصرة ص282. 3 ساقطة من ش. 4 في ع ز ض ب: بعلمه. 5 ساقطة من ض ب. 6 ساقطة من ش. 7 في ز ش ع: إذا. 8 في ع ز ض ب: المرجح. 9 انظر "شرح العضد 2/201، إرشاد الفحول ص195، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/91، الآيات البينات 3/162، روضة الناظر ص79، مختصر الطوفي ص77، العدة 3/814، المسودة ص207، الإحكام للآمدي 3/170، التبصرة ص276، البرهان 2/1309، المستصفى 1/117، المحصول ج1 ق3/542، شرح تنقيح الفصول ص317، اللمع ص35، المعتمد 1/437، نهاية السول 2/190، شرح البدخشي 2/190".

وَخَالَفَتْ الْحَنَفِيَّةُ. وتواصلوا1 بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى المنُّصُوصِ2 نَسْخٌ3 لِمَسَائِلَ4 كَثِيرَةٍ، كَرَدِّ أَحَادِيثِ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاةِ5، وَأَحَادِيثِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ6، وَاشْتِرَاطِ الإِيمَانِ فِي الرَّقَبَةِ7، وَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ8 وَغَيْرِ ذَلِكَ.

_ 1 في ش: واستدلوا. 2 في ش: النصوص. 3 انظر كشف الأسرار 3/191، التلويح على التوضيح 2/36، أصول السرخسي 2/82، فتح الغفار 2/135، فواتح الرحموت 2/93. 4 في ض ب: بمسائل. 5 كحديث "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبادة بن الصامت مرفوعاً "انظر صحيح البخاري 1/192، صحيح مسلم 1/295، جامع الأصول 6/223، عارضة الأحوذي 2/46، سنن النسائي 2/106" وحجتهم في ذلك أن قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} المزمل20، يقتضي افتراض مطلق القراءة لما تيسر، أي قدر كان من أي سورة كانت فجعل الفاتحة ركناً نسخ لهذا القاطع بخبر الواحد، فلا يجوز. 6 وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم: "قضى بشاهد ويمين" أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني ومالك في الموطأ وغيرهم. "انظر صحيح مسلم 3/1337، سنن ابن ماجه 2/793، عارضة الأحوذي 6/89، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/175، جامع الأصول 10/555، الموطأ 2/721" وحجتهم أن الحكم بشاهد ويمين بالخبر فيه زيادة على قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} "البقرة 282" وهو نسخ، والمتواتر لا ينسخ بالآحاد. 7 في كفارة الظهار بالقياس على كفارة القتل، فإن فيه زيادة على قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} "المجادلة 3" الذي يدل على إجزاء عتق مطلق الرقبة في الظهار، فلا يصح، لأنه نسخ للمتواتر بما لا يجوز نسخه. 8 لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد "وقد سبق تخريج في ج1 ص491" قالوا: إن إيجاب النية في الوضوء بالخبر زيادة على فرائض الوضوء المذكورة في قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} "المائدة 6" وهو نسخ، فلا يجوز، لأن الآحاد لا يقوى على نسخ المتواتر، فإن قيل: حديث الأعمال بالنيات مشهور، فتصح الزيادة به على الكتاب، أجابوا: إن الحديث لا يدل على اشتراط النية أصلاً في الوضوء وغيره من الوسائل. "انظر فواتح الرحموت 2/93".

وَخَالَفُوا أُصُولَهُمْ فِي اشْتِرَاطِهِمْ فِي ذَوِي الْقُرْبَى الْحَاجَةَ, وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ، وَمُخَالَفَةٌ لِلْمَعْنَى1 الْمَقْصُودِ فِيهِ2، وَفِي أَنَّ الْقَهْقَهَةَ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ، مُسْتَنِدِينَ لأَخْبَارٍ3 ضَعِيفَةٍ4، وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ. وَقَالَ الرَّازِيّ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ الَّتِي تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ: إنَّهَا إنْ أَفَادَتْ خِلافَ مَا أُسْتنِدَ5 مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ كَانَتْ نَسْخًا، كَإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ خِلافَ مَفْهُومِ6 "فِي السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ"، وَإِلاَّ فَلا7. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذِهِ8 أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهَا خَشْيَةَ الإِطَالَةِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ زِيَادَةِ الْعِبَادَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ: فَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، كَزِيَادَةِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، أو9 َوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلاةِ، أَوْ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ. فَلَيْسَتْ نَسْخًا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْجِنْسِ، كَزِيَادَةِ صَلاةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْخمسِ10: فَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ أَيْضًا عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ11 رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.

_ 1 في ب: في المغني. 2 ساقطة من ض ب. 3 في ش: إلى أخبار. 4 سبق تخريج حديث القهقهة في الصلاة وكونها تنقض الوضوء في ج2 ص463. 5 في ش: ما أسند. وفي ب: ما ستند. 6 في ش: مفهومه. 7 المحصول ج1 ق3/542، وهذا الرأي حكاه أثناء عرضه الخلاف في المسألة على أنه وجه للمفصلين فيها، ولم ينسب إلى قائله، ولم يشر إلى رجحانه عنده. 8في ض ب: هذا. 9 في ش: و. 10 في ش: الجنس. 11 انظر شرح البدخشي 2/189، شرح العضد 2/201، الإحكام للآمدي 3/170، المحصول ج1 ق3/541، شرح تنقيح الفصول ص317، إرشاد الفحول ص195، كشف الأسرار 3/191، نهاية السول 2/189.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: يَكُونُ نَسْخًا بِزِيَادَةِ صَلاةٍ سَادِسَةٍ لِتَغَيُّرِ الْوَسَطِ مِنْ الْخَمْسِ1. "ونسخُ جزءٍ أو شرطٍ عبادةٍ2 له" أي فالنسخُ لذلك الجزءِ أو الشرطِ "فَقَط" دون أصل تلك العبادة على الصحيح عند أصحابنا3 وأكثر الشافعية4. نقله عنهم ابن مفلح وابن السمعاني وهو مذهب الكرخي وأبي الحسين البصري5. وعن بعض المتكلمين والغزالي6 وحُكِي عن الحنفية7 أنه

_ 1 وقد قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} "البقرة 238" وبهذه الزيادة تخرج الوسطى عن كونها وسطى، فيبطل وجوب المحافظة عليها الثابت في الآية، وهو حكم شرعي، فيكون نسخاً. قال الشوكاني: وهو قول باطل لا دليل عليه ولا شبهة دليل، فإن الوسطى ليس المراد بها المتوسطة في العدد بل المراد بها الفاضلة، ولو سلمنا أن المراد بها المتوسطة في العدد لم تكن تلك الزيادة مخرجة لها عن كونها مما يحافظ عليها، فقد علم توسطها عند نزول الآية، وصارت مستحقة لذلك الوصف، وإن خرجت عن كونها وسطى. "إرشاد الفحول ص195". 2 كما لو أسقطت ركعتان من أربع، أو الركوع والسجود من الصلاة، أو أسقط شرط الطهارة لصحة الصلاة. قال أبو الحسين البصري في المعتمد "1/447": "شرط العبادة ما تقف صحتها عليه، وهو ضربان: "أحدهما" جزء منها "والآخر" ليس بجزء منها، فالجزء منها: هو واحد مما هو مفهوم من العبادة، كالركوع والسجود، وما ليس بجزء منها: فهو ما لم يكن واحداً مما هو المفهوم من العبادة، كالوضوء مع الصلاة". 3 انظر المسودة ص212، العدة 3/837، روضة الناضر ص81. 4 انظر المسودة ص212، العدة 3/837، الإحكام للآمدي 3/178، المحصول ج1 ق3/556، شرح تنقيح الفصول ص220، اللمع ص34، نهاية السول 2/193ن المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/93، الآيات البينات 3/166، شرح العضد 2/203، إرشاد الفحول ص196، الإشارات ص62". 5 المعتمد 1/447. 6 المستصفى 1/116. 7 انظر فواتح الرحموت 2/94، كشف الأسرار 3/179.

نسخٌ1 لأصلِ2 العبادة. وقال المجْد في المسودة: محلُّ الخِلافِ في شرطٍٍ متصلٍ كالتَّوَجُّهِ، ومنفصلٍ كوضوءٍ ليس نسخًا لها إجماعا3. ووافق الهنديُّ المجدَ. واستدَلَّ للأولِّ -الذي هو الصحيح-: بأن وجوبَ أصلِ العبادة باقٍ، ولا يفتقرُ4 إلى دليلٍ ثانٍ إجماعًا، ولم يتجددْ وجوبٌ، وكنسخِ سنَّتِها اتفاقًا.

_ 1 في ش: أصل. 2 في ش: لنسخ. 3 المسودة ص213، وعبارة فيها: "والخلاف فيما إذا نسخ جزء من العبادة أو شرطها المتصل كالتوجه، فأما المنفصل كالوضوء فلا يكون نسخاً لها إجماعاً". 4 في ش: ولا تفتقر.

فصل يستحيل تحريم معرفة الله تعالى

فَصْلٌ يَسْتَحِيلُ تَحْرِيمُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى: إلاَّ عَلَى تَكْلِيفِ1 الْمُحَالِ وَذَلِكَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَهُوَ دَوْرٌ2. "وَمَا حَسُنَ" لِذَاتِهِ، كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى: "أَوْ قَبُحَ لِذَاتِهِ" كَالْكُفْرِ "يَجُوزُ نَسْخُ وُجُوبِهِ" أَيْ وُجُوبِ3 مَا حَسُنَ لِذَاتِهِ. "وَ4" يَجُوزُ نَسْخُ "تَحْرِيمِهِ" أَيْ تَحْرِيمِ مَا قَبُحَ لِذَاتِهِ عِنْدَ مَنْ نَفَى الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ، وَنَفَى رِعَايَةَ الْحِكْمَةِ فِي أَفْعَالِهِ وَمَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ مَنَعَهُ5. "وَكَذَا" قَالُوا "يَجُوزُ نَسْخُ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ6 سِوَى مَعْرِفَتِهِ تَعَالَى", قَالَ

_ 1 في ب: التكليف. 2 قال الآمدي: "وذلك لأن تكليفه بالنهي عن معرفته يستدعي العلم بنهيه، والعلم بنهيه يستدعي العلم بذاته، فإن من لا يعرف الباري تعالى يمتنع عليه أن يكون عالماً بنهيه، فإذاّ تحريم معرفته متوقف على معرفته، وهو دور ممتنع". "الإحكام 3/180، وانظر المستصفى 1/123، إرشادص186، شرح العضد 2/203". 3 في ع: وجوبه. 4 ساقطة من ض. 5 انظر "المستصفى 1/122، الإحكام لابن حزم 4/451، الإحكام للآمدي 3/180، نهاية السول 2/194، العضد على ابن الحاجب 2/203، فواتح الرحموت 2/67، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/90، الآيات البينات 3/159، كشف الأسرار 3/163". 6 انظر خلاف العلماء في هذه المسألة في "الإحكام للآمدي 3/180، المستصفى 1/122، نهاية السول 2/194، شرح العضد 2/203، الآيات البينات 3/158، فواتح الرحموت 2/67، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/90".

الْمَجْدُ: على1 أَصْلِ أَصْحَابِنَا "وسائر"2 وَأَهْلِ الْحَدِيثِ خِلافًا لِلْقَدَرِيَّةِ3. "وَلَمْ يَقَعَا إجْمَاعًا" أَيْ لَمْ4 يَقَعْ نَسْخُ وُجُوبِ مَا حَسُنَ لِذَاتِهِ، وَلا نَسْخُ تَحْرِيمِ مَا قَبُحَ لِذَاتِهِ بِلا خِلافٍ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ5. "انتهى المجلد الثالث من "شرح الكوكب المنير" ويليه إن شاء الله المجلد الرابع والأخير، وأوله "باب القياس" "والحمد لله رب العالمين"

_ 1 في ش: من. 2 زيادة من كلام المجد في المسودة. 3 المسودة ص200، وتمام عبارة المجد: "خلافاً للقدرية في قولهم العبادات مصالح، ولا يجوز أن ترفع المصالح عندهم". 4 في ع: ولم. 5 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/90، الآيات البينات 3/159.

المجلد الرابع

المجلد الرابع باب القياس ... باب القياس "القياس لغة: التقدير والمساواة"1 2 لما فرغنا من المباحث المتعلقة بالكتاب والسنة والإجماع شرعنا في القياس ومباحثه، وهو ميزان العقول، قَالَ الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} 3 فالقياس في اللغة يدل على معنى التسوية على العموم؛ لأنه نسبة وإضافة بين شيئين، ولهذا يقال: فلان يقاس بفلان، ولا يقاس بفلان، أي يساوي فلانا، ولا يساوي فلانا.

_ 1 انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس 5/40، لسان العرب 6/187، الصحاح للجوهري 3/967. 2 ساقطة من ع ض. 3 الآية 25 من الحديد.

"و" أما القياس "شرعا" أي في عرف الشرع1 فهو: "تسوية فرع بأصل في حكم. من باب تخصيص الشيء ببعض مسمياته" فهو حقيقةٌ عرفية، مجازٌ لغويٌّ. قاله الطوفي في شرحه وغيرُه. "و" القياس "اصطلاحا" أي في اصطلاح الأصوليين2 علماءِ الشريعة: "ردُّ فرع إلى أصل3 بعلة جامعة"4. قاله القاضي5 وأبو الخطاب وابن البنَّاء. وفي التمهيد أيضا: تحصيل حكم الأصل في الفرع لاشتباههما في علة الحكم. واختاره أبو الحسين البصري 6. قَالَ ابن مفلح: ومرادُه تحصيلُ مثل حكم الأصل. ومعناه في "الواضح" وقال: إنه أَسَدُّ ما رآه. قَالَ ابن مفلح: لكنْ هو نتيجةُ القياس لا نفسُه. اهـ. وذلك كردِّ النبيذ على الخمر في التحريم بعلة الإسكار، ونعني بالرد: الإلحاقَ والتسويةَ بينهما في الحكم.

_ 1 في ض: أهل الشرع. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: أصله. 4 في العدّة: جامعة بينهما. وفي الجدل لابن عقيل: تجمعهما. 5 العدة 1/174. 6 المعتمد للبصري 2/697

وللقياس تعاريفُ أخرى غيرُ ما ذُكِرَ أضربْنا عن ذكرها خشية الإطالة1. "ولم يَرِدْ بالحدِّ قياسُ الدلالة وهو: الجمعُ بين أصل وفرع بدليل العلة"2 كالجمع بين الخمر والنبيذ بالرائحة الدالة على الشدَّة الْمُطْرِبَةِ.

_ 1 انظر تعريفات الأصوليين للقياس في "العدة 1/174، المعتمد 2/697، 1031، البرهان 2/745، الكافية للجويني ص 59، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 10، اللمع ص 53، إرشاد الفحول ص 198، مختصر الطوفي ص 145، شرح العضد 2/204، الإبهاج 3/2، شفاء الغليل للغزالي ص 18، مختصر البعلي ص 142، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/202، المستصفى 2/228، فواتح الرحموت 2/246، شرح تنقيح الفصول ص 383، روضة الناظر ص 275، الآيات البينات 4/2، المنخول ص 323، تيسير التحرير 3/264، كشف الأسرار 3/268، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/178، نهاية السول 3/3، المنهاج للباجي ص 13، المحصول 2/2/9، فتح الغفار 3/8، مناهج العقول 3/3، التعريفات للجرجاني ص 95، الحدود للباجي ص 69، الإشارات للباجي ص 95، التلويح على التوضيح 2/526، الإحكام للآمدي 3/262 وما بعدها، نشر البنود 2/104، أصول الشاشي ص 325، أصول السرخسي 2/143، أدب القاضي للماوردي 1/555، مفتاح الوصول للتلمساني ص 129، الوصول إلى مسائل الأصول للشيرازي 2/211". 2 انظر تعريف قياس الدلالة وكلام الأصوليين عليه في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/341، فواتح الرحموت 2/320، الآيات البينات 4/173، الجدل لابن عقيل ص 13، البرهان 2/867، اللمع ص 56، شرح العضد 2/205، تيسير التحرير 3/275، روضة الناظر ص 314، مختصر الطوفي ص 164، الوصول إلى مسائل الأصول 2/247 وما بعدها، إعلام الموقعين 1/139".

"ولا قياسُ العكس، وهو: تحصيلُ نقيضِ حكمِ المعلوم في غيره، لافتراقهما في علةِ الحكم"1 مثل أن يقال: لما وجب الصوم في الاعتكاف بالنذر وجب بغير نذر، عكسه الصلاة، لما لم تجب فيه بالنذر لم تجب بغير نذر. وقيل: بلى. وقيل: ليس بقياسٍ. قَالَ ابن حمدان في "المقنع" وغيرُه: المحدودُ هنا هو قياس الطرد فقط. وقال القاضي عضدُ الدين وغيرُه: القياس المحدود هو قياس العلة 2. وقال البرماوي: في حجية 3 قياس العكس خلاف، وكلام الشيخ أبي حامد يقتضي المنعَ، لكنَّ الجمهورَ على خلافه. قَالَ4 أبو إسحاق الشيرازي في "الملخص": اختلف أصحابنا في الاستدلال به على وجهين، أصحهما - وهو المذهب -

_ 1 انظر تعريف قياس العكس وكلام الأصوليين عليه في "الإحكام للآمدي 3/262، مفتاح الوصول ص 159، المسودة ص 425، المعتمد 2/699، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/343، الآيات البينات 4/175، فواتح الرحموت 2/247، تيسير التحرير 3/271". 2 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/205. 3 في ض: الحجة. 4 في ز: قال قال.

أنه يصحُّ، استدل به الشافعي في عدة مواضع. والدليل عَلَيْهِ1 أن الاستدلال بالعكس استدلالٌ2 بقياسٍ مدلولٌ على صحتِهِ بالعكس. وإذا صح القياسُ3 في الطرد - وهو غيرُ مدلول على صحته - فلأَنْ يصحَّ الاستدلالُ بالعكس - وهو قياس مدلول على صحته - أولى. قَالَ البرماوي: ويدل عَلَيْهِ أن الاستدلال به وقع في القرآن والسنة وفعل الصحابة: فأما القرآنُ، فنحو قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 4 فدل على أنه ليس إلهٌ إلا اللهُ، لعدم فسادِ السماوات والأرض. وكذلك قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} 5 ولا اختلافَ فيه فدل على أن القرآن من عند الله بمقتضى قياسِ العكس. وأما السنة، فكحديث: يأتي أحدُنا شهوته ويؤجر6؟ قَالَ:

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ش. 3 ساقطة من ض. 4 الآية 22 من الأنبياء. 5 الآية 82 من النساء. 6 في ض: فيؤجر.

"أرأيتم لو وضعها في حرام؟ يعني أكان يعاقب؟ قالوا: نعم، قَالَ: فمه! 1". فقياس وضعها في حلال فيؤجر2 على وضعها في حرا م فيؤزر بنقيض العلة 3. وأما الصحابة ففي "الصحيحين"4 عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " من مات يشرك بالله شيئا دخل النار". وقلت أنا: ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. وفي بعض أصول مسلم روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 5: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة". قَالَ: وقلت أنا: من6 مات يشرك بالله شيئا دخل النار7. ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة عَلَيْهِ.

_ 1 أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد في مسنده عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً. "انظر صحيح مسلم 2/698، بذل المجهود 20/185، مسند أحمد 5/154، 167، 168، 178". 2 في ش: ويؤجر. 3 في ش: العدة. 4 صحيح البخاري 2/69، صحيح مسلم 1/94. 5 ساقطة من ش. 6 في ض د: ومن. 7 أخرجه أبو عوانة الاسفراييني في مسنده 1/17 وابن مندة في الإيمان 1/215 عن ابن مسعود رضي الله عنه.

لكن رواهما مسلم عن جابر مرفوعا1، فلا حاجة إلى القياس. ويُجْمَعُ بين الروايتين أنه2 عند ذكر كل لفظ كان ناسيا للآخَر3، كما جمع به النووي 4. وظهر بذلك5 كلِّه أنه حجة، إلا أنَّه هل يُسمَّى قياسا حقيقةً6 أو مجازًا، أو لا يُسَمَّى قياسًا أصْلا؟ ثلاثةُ أقوالٍ، أرجحُها الثاني 7. "وَأَرْكَانُهُ"8 أَيْ الْقِيَاسِ أَرْبَعَةٌ "أَصْلٌ، وَفَرْعٌ، وَعِلَّةٌ،

_ 1 صحيح مسلم 1/94. 2 في ش: بأنه وهي ساقطة من ب. 3 في ش ز: للأخرى. 4 قال النووي: "الجيد أن يقال: سمع ابن مسعود اللفظتين من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه في وقت حَفِظ إحداهما وتيقنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ الأخرى، فرفع المحفوظة، وضم الأخرى إليها. وفي وقت آخر حفظ الأخرى، ولم يحفظ الأولى مرفوعة، فرفع المحفوظة، وضم الأخرى إليها. فهذا جمعٌ ظاهر بين روايتي ابن مسعود، وفيه موافقة لرواية غيره في رفع اللفظتين، والله أعلم". "شرح النووي على صحيح مسلم 2/97". 5 في ش: بهذا. 6 في ش: حقيقة. 7 انظر تحقيق المسألة في "الإحكام للآمدي 3/265، المعتمد 2/699، فواتح الرحموت 2/248، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/343، الآيات البينات 4/175، تيسير التحرير 3/272، المسودة ص 425، المحصول 2/2/22". 8 في ز: أي أركان.

وَحُكْمٌ"1 وَالْمُرَادُ بِالأَرْكَانِ هُنَا: مَا لا يَتِمُّ الْقِيَاسُ إلاَّ بِهِ، فَتَكُونُ2 مَجَازًا؛ لأَنَّ أَرْكَانَ الشَّيْءِ حَقِيقَةً: هِيَ أَجْزَاؤُهُ الَّتِي يَتَأَلَّفُ مِنْهَا، كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلاةِ إلاَّ أَنْ يَعْنِيَ بِالْقِيَاسِ مَجْمُوعَ هَذِهِ الأُمُورِ الأَرْبَعَةِ مَعَ الْحَمْلِ3 تَغْلِيبًا فَتَصِيرُ الأَرْبَعَةُ شَطْرًا لِلْقِيَاسِ4. وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، فَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: هُوَ قَوْلُ مَنْ خَلَطَ الاجْتِهَادَ بِالْقِيَاسِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْقِيَاسَ نَوْعٌ مِنْ الاجْتِهَادِ وَاَلَّذِي لا يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ: هُوَ مَا سِوَاهُ مِنْ أَنْوَاعِ الاجْتِهَادِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَلا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلٍ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ الشَّرْعِيَّ رَاجِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ الْمَنْطِقِيِّ الْمُؤَلَّفِ مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ؛ لأَنَّ قَوْلَنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، فَكَانَ حَرَامًا كَالْخَمْرِ مُخْتَصَرٌ مِنْ قَوْلِنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَلَيْسَ فِي الأَوَّلِ زِيَادَةٌ عَلَى الثَّانِي، إلاَّ ذِكْرَ الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ عَلَى جِهَةِ التَّنْظِيرِ بِهِ وَالتَّأَنُّسِ.

_ 1 انظر كشف الأسرار 3/344، العدة 1/175. 2 في ش ز: فيكون. 3 في ع: الجمل. 4 في ش ع: شطراً للقياس.

وَلِهَذَا لَوْ قُلْنَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ فَهُوَ حَرَامٌ، لَحَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَإِذَا ثَبَتَ1 أَنَّ الْقِيَاسَ الشَّرْعِيَّ رَاجِعٌ إلَى الْعَقْلِيِّ، لَزِمَ2 فِيهِ مَا يَلْزَمُ فِي الْعَقْلِيِّ، مِنْ كَوْنِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ. وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَالنَّتِيجَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ، مِنْ بَيْنِ مَوْضُوعٍ وَمَحْمُولٍ فَسَقَطَ مِنْهَا بِالتَّكْرَارِ جُزْآنِ، وَهُوَ الْحَدُّ الأَوْسَطُ، يَبْقَى أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ هِيَ أَرْكَانُ الْمَقْصُودِ. وَهِيَ الَّتِي يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ فِي أَقْيِسَتِهِمْ. مِثَالُهُ: قَوْلُنَا النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، جُزْآنِ: مَوْضُوعٌ وَهُوَ النَّبِيذُ، وَمَحْمُولٌ وَهُوَ مُسْكِرٌ ثُمَّ نَقُولُ3: وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. فَهَذَانِ جُزْآنِ. وَيَلْزَمُ عَنْ 4 ذَلِكَ: النَّبِيذُ حَرَامٌ وَهُمَا5 جُزْآنِ آخَرَانِ صَارَتْ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ، هَكَذَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، فَالنَّبِيذُ حَرَامٌ، يَسْقُطُ مِنْهَا لَفْظُ "مُسْكِرٍ" مَرَّتَيْنِ؛ لأَنَّهُ مَحْمُولٌ فِي الْمُقَدِّمَةِ الأُولَى مَوْضُوعٌ فِي الثَّانِيَةِ، يَبْقَى هَكَذَا: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ، فَهُوَ 6حَرَامٌ، وَهُوَ صُورَةُ قِيَاسِ الْفُقَهَاءِ.

_ 1 في ش: حصل ثبت. 2 في ش: لازم. 3 في ع ض ب: يقول. 4 في ز: من. 5 في ض: وهو. 6 في ش: وكل مسكر.

"فَالأَصْلُ1 مَحَلُّ الْحُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ2" عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، كَالْخَمْرِ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ، لافْتِقَارِ الْحُكْمِ وَالنَّصِّ إلَيْهِ3. وَقِيلَ:4 إنَّ الأَصْلَ دَلِيلُ الْحُكْمِ، وَحُكِيَ عَنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُعْتَزِلَةِ. فَيَكُونُ فِي الْمِثَالِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوهُ} 5 وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ. وَقِيلَ: إنَّ الأَصْلَ نَفْسُ حُكْمِ الْمَحَلِّ، فَهُوَ نَفْسُ الْحُكْمِ الَّذِي فِي الأَصْلِ، كَالتَّحْرِيمِ فِي الْمِثَالِ؛ لأَنَّهُ الَّذِي يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ: وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ، لِصِحَّةِ إطْلاقِ

_ 1 في ش: والأصل. 2 ساقطة من ض. 3 انظر معنى الأصل عند علماء الأصول في "العدة 1/175، إرشاد الفحول ص 204، اللمع ص 57، مختصر البعلي ص 142، الجدل لابن عقيل ص 10، المنهاج للباجي ص 13، الكافي للجويني ص 60، الإحكام للآمدي 2/273، الحدود للباجي ص 70، المحصول 2/2/24، شرح العضد 2/208، تيسير التحرير 3/275، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/212، الآيات البينات 4/11، فواتح الرحموت 2/248، نشر البنود 2/115، المعتمد للبصري 2/700، كشف الأسرار 3/301، الإبهاج 3/27، فتح الغفار 3/14، الوصول إلى مسائل الأصول 2/260". 4 ساقطة من ش. 5 الآية 90 من المائدة.

الأَصْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا1. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: أَنَّهُ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ 2. "وَالْفَرْعُ الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ" كَالنَّبِيذِ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ، حَكَاهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ عَنْهُمْ 3 وَقِيلَ: إنَّهُ حُكْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ، وَبِهِ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَهُوَ الأَصَحُّ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ تَعْرِيفَ الْفَرْعِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ لِمُقَابَلَتِهِ لِلأَصْلِ، فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ4 لِمَا بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، مِنْ اللُّزُومِ الذِّهْنِيِّ، "وَالْعِلَّةُ فَرْعٌ لِلأَصْلِ 5وَأَصْلٌ لِلْفَرْعِ6" اتِّفَاقًا، لِبِنَاءِ

_ 1 في ش: منها. 2 الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 10. 3 انظر معنى الفرع عند الأصوليين في "الجدل لابن عقيل ص 10، الكافية للجويني ص 60، الإحكام للآمدي 3/276، الحدود للباجي ص 71، المحصول 2/2/27، العدة 1/175، إرشاد الفحول ص 204، اللمع ص 57، مختصر البعلي ص 142، المنهاج للباجي ص 13، شرح العضد 2/208، تيسير التحرير 3/276، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/222، الآيات البينات 4/20، فواتح الرحموت 2/248، نشر البنود 2/123، المعتمد 2/703، كشف الأسرار 3/301، فتح الغفار 3/14". 4 في ش: المبين للضدين. 5 وذلك لاستنباطها من حكمه. "مختصر البعلي ص 142". 6 وذلك لثبوت الحكم فيه بها. "مختصر البعلي ص 142".

حُكْمِهِ عَلَيْهِ1. "وَالْحُكْمُ" الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْقِيَاسِ هُوَ "الْمُعَلَّلُ" لا الْمَحْكُومُ فِيهِ2،

_ 1 قال ابن عقيل: "العلة: هي التي ثبت الحكم لأجلها في الفرع والأصل. وقيل: الموجبة للحكم. وقيل: أمارة الحكم ودلالته. وقيل: المعنى الجالب للحكم. والجميع متقارب". "الجدل على طريقة الفقهاء ص 11. وانظر تعريفات الأصوليين للعلة في "العدة 1/175، إرشاد الفحول ص 207، اللمع ص 58، المنهاج للباجي ص 14، الكافي للجويني ص 60، الإحكام للآمدي 3/276، الحدود للباجي ص 72، نهاية السول 3/39، منهاج العقول 3/37، الوصول إلى مسائل الأصول 2/267، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/231، الآيات البينات 4/33، روضة الناظر ص 276، الإبهاج 3/28، فواتح الرحموت 2/249، الجدل لابن عقيل ص 9، نشر البنود 2/129، المعتمد 2/704، كشف الأسرار 3/293، فتح الغفار 3/19، التلويح على التوضيح 2/551، المحصول 2/2/179، المستصفى 2/230، تيسير التحرير 3/302، شرح العضد 2/209، المسودة ص 385، أصول السرخسي 2/174، مختصر البعلي ص 143". 2 قال القاضي أبو يعلى: "وأما الحكم: فما جلبته العلة، أو ما اقتضته العلة من تحريم وتحليل وصحة وفساد ووجوب وانتفاء وجوب وما أشبه ذلك". "العدة 1/176". وقال ابن عقيل: "وأما المعلول، فقد اختلف أهل العلم فيه، فقال بعضهم: هو الحكم. وعليه الأكثرون. وهو مذهبنا، ولا شك أن وجهه هو أن ما تعلقت العلة عليه فهو المعلول، وذلك الحكم. وقال أبو علي الطبري: هو المحكوم فيه؛ وهي الأعيان التي تتعلق عليها الأحكام. مثل الكلب الذي يعلل لنجاسته أو طهارته. والأول هو المعوّل عليه". "الجدل على طريقة الفقهاء ص 9". وانظر تعريفات الأصوليين للحكم في "إرشاد الفحول ص 204، اللمع ص 61، المنهاج للباجي ص 14، الوصول إلى مسائل الأصول 2/278، تيسير التحرير 3/277، المحصول 2/2/25، المعتمد 2/705".

خِلافًا1 لأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ2 الشَّافِعِيِّ3. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْرِيفِ أَرْكَانِهِ شَرَعَ فِي شُرُوطِ صِحَّتِهِ، فَقَالَ: "وَشَرْطُ حُكْمِ الأَصْلِ: كَوْنُهُ شَرْعِيًّا إنْ اسْتَلْحَقَ شَرْعِيًّا"4 وَذَلِكَ؛ لأَنَّهُ الْقَصْدُ مِنْ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ. وَلأَنَّ الْقِيَاسَ لا يَجْرِي فِي اللُّغَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فَلا يَكُونُ قِيَاسًا. وَالْكَلامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِيهِمَا صَحِيحٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، كَقِيَاسِ تَسْمِيَةِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 هو الحسين بن القاسم، أبو علي الطبري، نسبة إلى طبرستان، الإمام البارع المتفق على جلالته، شيخ الشافعية ببغداد، أول من صنف في الخلاف المجرد، تفقه على أبي علي بن أبي هريرة. من مؤلفاته "المحرر" و"الإفصاح في المذهب" و"أصول الفقه" وغيرها. توفي ببغداد سنة 35هـ "انظر ترجمته في تاريخ بغداد 8/87، طبقات الشافعية للأسنوي 2/154، طبقات الشافعية للسبكي 3/280، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/100، شذرات الذهب 3/3، تهذيب الأسماء واللغات 2/261". 3 في ش: والشافعي. 4 انظر "شرح العضد 2/209، نشر البنود 2/116، مختصر البعلي ص 142، شفاء الغليل للغزالي ص 635، مفتاح الوصول ص 155، الإحكام للآمدي 3/278، كشف الأسرار 3/313، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/215، الآيات البينات 4/13، الإبهاج 3/101، شرح البدخشي 3/117، إرشاد الفحول ص 205، فتح الغفار 3/16، تيسير التحرير 3/285، التلويح على التوضيح 2/541، المستصفى 2/325، 347، فواتح الرحموت 2/252، المحصول 2/2/483، روضة الناظر ص 318، مختصر الطوفي ص 152، أصول السرخسي 2/150".

اللاَّئِطِ زَانِيًا، وَالنَّبَّاشِ سَارِقًا، وَالنَّبِيذِ خَمْرًا، لِيَثْبُتَ الْحَدُّ وَالْقَطْعُ وَالتَّحْرِيمُ. فَإِذَا قِيلَ: بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِلْحَاقِ نَفْسِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، فَلا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ شَرْعِيًّا. "وَ" مِنْ شَرْطِ حُكْمِ الأَصْلِ: كَوْنُهُ "غَيْرَ مَنْسُوخٍ"1؛ لأَنَّ الْمَنْسُوخَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وُجُودٌ فِي الشَّرْعِ2، فَيُلْحِقَ بِهِ الأَحْكَامَ بِقِيَاسٍ وَلا غَيْرِهِ "وَ" يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ "لا" يَكُونَ3 "شَامِلاً لِحُكْمِ الْفَرْعِ"4 إذْ لَوْ كَانَ شَامِلاً لِحُكْمِ الْفَرْعِ لَمْ يَكُنْ5 جَعْلُ

_ 1 انظر "حاشية البناني 2/210، الآيات البينات 4/10، مناهج العقول 3/119، إرشاد الفحول ص 205، فتح الغفار 3/16، تيسير التحرير 3/287، الوصول إلى مسائل الأصول 2/266، التلويح على التوضيح 2/541، مفتاح الوصول ص 130، المستصفى 2/347، شرح العضد 2/209، الإحكام للآمدي 3/278، كشف الأسرار 3/303، اللمع ص 58، مختصر البعلي ص 142" 2 في ش: الشرط. وفي ض: الشرعي. 3 أي دليل حكم الأصل. "شرح العضد 2/213". 4 انظر "فواتح الرحموت 2/353، المحصول 2/2/486، نهاية السول 3/120، إرشاد الفحول ص 205، فتح الغفار 3/16، تيسير التحرير 3/286، المستصفى 2/326، شرح العضد 2/213، نشر البنود 2/119، مختصر البعلي ص 143، شفاء الغليل ص 639، الإحكام للآمدي 3/286، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/218، الآيات البينات 4/15، الإبهاج 3/102، مناهج العقول 3/118". 5 في ش: يمكن.

أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ1 أَصْلاً وَالآخَرِ فَرْعًا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ، وَلَكَانَ الْقِيَاسُ ضَائِعًا2 وَتَطْوِيلاً بِلا طَائِلٍ. مِثَالُهُ فِي الذُّرَةِ مَطْعُومٌ فَلا يَجُوزُ3 بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً قِيَاسًا عَلَى الْبُرِّ، فَيُمْنَعَ4 فِي الْبُرِّ فَنَقُولُ5 قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلاَّ يَدًا بِيَدٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ" 6 فَإِنَّ الطَّعَامَ يَتَنَاوَلُ الذُّرَةَ كَمَا يَتَنَاوَلُ الْبُرَّ. وَأَنْتَ تَعْلَمُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ دَلِيلَ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ نَصًّا وَجَبَ أَلاَّ يَتَنَاوَلَ الْفَرْعَ بِلَفْظِهِ، مِثْلَ أَنْ تَقُولَ7: النَّبَّاشُ يُقْطَعُ؛ لأَنَّهُ سَارِقٌ كَالسَّارِقِ مِنْ الْحَيِّ [فَيُقَالَ: وَلِمَ قُلْتَ إنَّ السَّارِقَ مِنْ الْحَيِّ] 8 إنَّمَا يُقْطَعُ؛ لأَنَّهُ سَارِقٌ؟ فَنَقُولَ9 لِقَوْلِهِ تَعَالَى

_ 1 ساقطة من ش 2 في ش: ضياعاً. 3 ساقطة من ض. 4 في ع: فنمنع. 5 في ش ز ع: فنقول. 6 الحديث بلفظ "الطعام بالطعام" محل الاستشهاد أخرجه مسلم والبيهقي وأحمد عن معمر بن عبد الله مرفوعاً، وليس فيه "يداً بيد". "صحيح مسلم 3/1214، سنن البيهقي 5/285، مسند أحمد 6/400". 7 في ش: تقول. وفي ض ب: يكون. 8 زيادة من شرح العضد يقتضيها السياق. 9 في ش: فنقول.

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} 1 رَتَّبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّرِقَةِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمُقْتَضِي2 لِلْقَطْعِ. فَيُقَالُ: [فَهَذَا] 3 يُوجِبُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِالنَّصِّ. فَإِنَّ ثُبُوتَ الْعِلَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَلا مُخَلِّصَ لِلْمُسْتَدِلِّ إلاَّ مَنْعُ كَوْنِهِ عَامًّا4. "وَ" مِنْ شَرْطِ حُكْمِ الأَصْلِ أَيْضًا: أَنْ "لا" يَكُونَ "مَعْدُولاً بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ" 5أَيْ عَنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَبَرِ فِيهِ، لِتَعَذُّرِ التَّعْدِيَةِ حِينَئِذٍ.

_ 1 الآية 38 من المائدة. 2 ساقطة من ز. 3 زيادة من شرح العضد يقتضيها السياق. 4 كلام المصنف على هذا الشرط منقول كله حرفياً من شرح العضد 2/213 فانظره. 5 انظر "تيسير التحرير 3/278، التلويح على التوضيح 2/539، المستصفى 2/326، فواتح الرحموت 2/250، مفتاح الوصول ص 131، المحصول 2/2/489، شرح العضد 2/211، نشر البنود 2/118، أصول السرخسي 2/149، مختصر البعلي ص 143، شفاء الغليل ص 650 وما بعدها، الإحكام للآمدي 3/282، كشف الأسرار 3/302، 304، 305، روضة الناظر ص 329، اللمع ص 57، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/218، الآيات البينات 4/15، الإبهاج 3/104، مناهج العقول 3/121، نهاية السول 3/122، إرشاد الفحول ص 206، فتح الغفار 3/15، الوصول إلى مسائل الأصول 2/262".

وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِكَوْنِهِ لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهُ، إمَّا لِكَوْنِهِ اُسْتُثْنِيَ مِنْ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ كَالْعَمَلِ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ فِيمَا لا1 تُقْبَلُ2 فِيهِ3 شَهَادَةُ الْوَاحِدِ، أَوْ لَمْ يُسْتَثْنَ "كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ" وَتَقْدِيرِ نِصَابِ الزَّكَاةِ4 وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا عُقِلَ مَعْنَاهُ، وَلَكِنْ لا نَظِيرَ لَهُ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ لا نَظِيرَ لَهُ" وَسَوَاءٌ كَانَ "لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ" كَرُخَصِ السَّفَرِ5 "أَوْ لا" مَعْنَى لَهُ ظَاهِرٌ، كَالْقَسَامَةِ6. كَذَا مَثَّلَ بِهِ ابْنُ مُفْلِحٍ تَبَعًا لابْنِ الْحَاجِبِ7 وَغَيْرِهِ 8.

_ 1 في ض: لم. 2 في ش: تقبل. 3 في ع: به. 4 في ع ز: الزكوات. 5 حيث إن علتها السفر، وهو معنى مناسب للرخصة لما فيه من المشقة، ولكنّ هذا الوصف لم يوجد في موضع آخر. "انظر شرح العضد 2/211". 6 وهي تحليف مدعي القتل مع اللوث خمسين قسماً، وصورتها أن يوجد قتيل بموضع لا يعرف قاتله ولا بينة، ويدعي وليه قتله على شخص أو جماعة، وتوجد قرينة تُشعِر بتصديق الولي في دعواه، فيحلف الولي خمسين يميناً، ويثبت القتل، فتجب الدية لا القصاص. "تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/92" ومعناه: التغليظ في حقن الدماء، وإلا لم يتعذر للأعداء القتل بغير مشهد الشاهدين، ولا للأشرار الذين لا يزعهم وازع التقوى الحلف عليه حلفةً واحدةً، فروعي فيه المصلحتان. ولا نظير له. "شرح العضد 2/211". 7 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/211. 8 الإحكام للآمدي 3/282.

قَالَ1 الْبِرْمَاوِيُّ: لَكِنْ2 فِي جَعْلِهِ الْقَسَامَةَ غَيْرَ3 مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى، وَهُوَ خَفِيٌّ بِخِلافِ شَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ: نَظَرٌ ظَاهِرٌ. "وَمَا خُصَّ مِنْ الْقِيَاسِ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَ" يَجُوزُ "قِيَاسُهُ عَلَى غَيْرِهِ"4 قَالَ أَبُو يَعْلَى: الْمَخْصُوصُ مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَاسِ يُقَاسُ عَلَيْهِ وَيُقَاسُ عَلَى غَيْرِهِ. أَمَّا الأَوَّلُ: فَلأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِيمَنْ نَذَرَ ذَبْحَ نَفْسِهِ: يَفْدِي نَفْسَهُ بِكَبْشٍ5 فَقَاسَ مَنْ نَذَرَ ذَبْحَ نَفْسِهِ عَلَى6 مَنْ نَذَرَ ذَبْحَ وَلَدِهِ. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ

_ 1 في ش: قاله. 2 في ب: لكنه. 3 ساقطة من ش. 4 انظر تحقيق المسألة في "المحصول 2/2/489، القياس لابن تيمية ص 35، مفتاح الوصول ص 131، الوصول إلى مسائل الأصول 2/262، التمهيد للأسنوي ص 449، التبصرة للشيرازي ص 448، المعتمد 2/791، شرح تنقيح الفصول ص 415، المسودة ص 399 وما بعدها، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 183، أصول السرخسي 2/149، كشف الأسرار 3/311، 312، المستصفى 2/328، روضة الناظر ص 329، اللمع ص 57، المنخول ص 387، الإبهاج 3/104، التلويح على التوضيح 2/539". 5 ساقطة من ش. 6 في ض: عن.

وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيِّ1؛ لأَنَّ الظَّنَّ الْخَاصَّ أَرْجَحُ. وَمَنَعَ ذَلِكَ2 أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، إلاَّ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّلاً، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ" 3 أَوْ مُجْمَعًا عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، كَالتَّحَالُفِ4 فِي الإِجَارَةِ 5 كَالْبَيْعِ. وَلَنَا وَجْهٌ، كَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ قَالَ: وَلِهَذَا لا نَقِيسُ عَلَى لَحْمِ الإِبِلِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِنَا. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ. ثُمَّ 6 قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِعَدَمِ فَهْمِ الْمَعْنَى، أَوْ مُسَاوَاتِهِ وَلِهَذَا

_ 1 هو القاضي إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الأزدي، أبو إسحاق، شيخ المالكية في وقته، وناشر مذهب مالك في العراق، وقاضي بغداد. قال الباجي: لم تحصل درجة الاجتهاد بعد مالك إلا له. من مؤلّفاته "أحكام القرآن" و"المبسوط" في الفقه و"الأموال والمغازي" و"الأصول" و"الاحتجاج بالقرآن" وغيرها. توفي سنة 282هـ. "انظر ترجمته في تاريخ بغداد 6/284، الديباج المذهب 1/282، شذرات الذهب 2/178، المعيار المعرب للونشريسي 2/170، الفتح المبين 1/162، شجرة النور الزكية 1/65. 2 في ش: من ذلك. 3 في ز: الطوافين عليكم. والحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي ومالك في الموطأ وغيرهم عن أبي قتادة رضي الله عنه مرفوعاً، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. "انظر الموطأ 1/23، بذل المجهود 1/196، غارضة الأحوذي 1/137، سنن ابن ماجة 1/131، سنن النسائي 1/48، سنن الدارقطني 1/70، سنن البيهقي 1/254". 4 في ش ض: التخالف. 5 في ش: الإجازة. 6 ساقطة من ش.

نَقِيسُ1 فِي الأَشْهَرِ الْعِنَبَ عَلَى الْعَرَايَا2. وَقَدْ قَاسَ الْحَنَفِيَّةُ الْمُقَدَّرَ، كَالْمُوضِحَةِ3 عَلَى4 دِيَةِ النَّفْسِ فِي حَمْلِ الْعَاقِلَةِ قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: لَنَا أَنَّ الاعْتِبَارَ بِوُجُودِ: الْقِيَاسِ بِشُرُوطِهِ، وَكَوْنِهِ مَخْصُوصًا لا يَمْنَعُ إلْحَاقَ مَا فِي مَعْنَاهُ قَالُوا: لا نَظِيرَ. قُلْنَا: لا يَخْلُو مِنْ نَظِيرٍ. "وَ" مِنْ شَرْطِ حُكْمِ الأَصْلِ أَيْضًا "كَوْنُهُ غَيْرَ فَرْعٍ"5 قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَمِنْهُ كَوْنُهُ غَيْرَ فَرْعٍ، اخْتَارَهُ

_ 1 في ز د: لا نقيس. 2 العرايا: هو بيع الرطب في رؤوس نخله بالتمر على الأرض كيلاً. "المطلع للبعلي ص 241، المهذب 1/281، التنبيه ص 65". 3 المُوضِحة: هي الشجة التي تكشف العظم وتُبدي وضَحَه، أي بياضه. "المصباح المنير 2/827، المطلع 367، النظم المستعذب 2/179". 4 في ش: في. 5 انظر "تيسير التحرير 3/287، التلويح على التوضيح 2/541، المستصفى 2/325، 347، مفتاح الوصول ص 136، فواتح الرحموت 2/253، الوصول إلى مسائل الأصول 2/264، المحصول 2/2/484، الجدل لابن عقيل ص 73، شرح العضد 2/264، مختصر البعلي ص 143، التبصرة ص 450، شفاء الغليل ص 636، المسودة ص 394، 397، 398، الإحكام للآمدي 3/278، كشف الأسرار 3/303، روضة الناظر ص 315، اللمع ص 58، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/215، الآيات البينات 4/13، الإبهاج 3/101، مناهج العقول 3/117، نهاية السول 3/119، إرشاد الفحول ص 205، فتح الغفار 3/16".

الْقَاضِي فِي مُقَدِّمَةِ الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَحْمَدَ وَقِيلَ لَهُ: يَقِيسُ الرَّجُلُ بِالرَّأْيِ؟ فَقَالَ: لا. هُوَ أَنْ يَسْمَعَ1 الْحَدِيثَ فَيَقِيسَ عَلَيْهِ2ِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ الْفَرْعِ الْمُتَوَسِّطِ عِلَّةٌ لَيْسَتْ فِي الأَصْلِ وَيُقَاسَ عَلَيْه. وَذَكَرَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الْقِيَاسِ جَوَازَ كَوْنِ الشَّيْءِ أَصْلاً لِغَيْرِهِ فِي حُكْمٍ، وَفَرْعًا لِغَيْرِهِ فِي حُكْمٍ آخَرَ، لا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ3. وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ مِنَّا4، وَقَالَ: لأَنَّهُ لا يُخِلُّ بِنُظُمِ الْقِيَاسِ وَحَقِيقَتِهِ5، وَكَذَا أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنَعَهُ أَيْضًا. ثمَّ قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَالْمَنْعُ قَالَهُ الْكَرْخِيُّ وَالآمِدِيُّ6، وَذَكَرَهُ

_ 1 في ش: تسمع. 2 في ش: فتقيس. 3 انظر المسودة ص 395. 4 ساقطة من ش ع ز. 5 كما جوزه ابن عقيل فقال: "يجوز القياس على ما ثبت بالقياس، مثل حمل الذرة على الأرز، خلافاً لبعضهم وهو أبو الحسن الكرخي وبعض أصحاب الشافعي: لا يجوز ذلك. لنا: هو أن الفرع لما ثبت الحكم فيه بالقياس صار أصلاً في نفسه، فجاز أن يُستنبط منه معنىً ويقاس عليه، كالأصل الثابت بالنص". "الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 16". 6 الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/278.

عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِمْ، وَالْجَوَازُ قَالَهُ الرَّازِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ1 وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: يَجُوزُ عِنْدَنَا، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالصَّيْرَفِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ: تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ. اهـ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: مُتَرْجَمَةٌ بِمَنْعِ الْقِيَاسِ عَلَى مَا ثَبَتَ حُكْمُهُ بِالْقِيَاسِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْعِلَّةَ إنْ اتَّحَدَتْ فَالْوَسَطُ لَغْوٌ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ2: السَّفَرْجَلُ مَطْعُومٌ فَيَكُونُ رِبَوِيًّا كَالتُّفَّاحِ، ثُمَّ يَقِيسُ التُّفَّاحَ عَلَى الْبُرِّ، وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدْ3 فَسَدَ الْقِيَاسُ. لأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الْفَرْعِ الأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ لَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُهُ؛ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الأَصْلِ الأَوَّلِ بِدُونِهِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْمُتَوَسِّطِ وَأَصْلِهِ لَيْسَ فِي فَرْعِهِ، كَقَوْلِ

_ 1 المنسوبون لجرجان من العلماء كثيرون، ويغلب على الظن أن المراد به في هذا الموطن: محمد بن يحيى بن مهدي، أبو عبد الله، الجرجاني الحنفي من أعلام الحنفية، ومن أصحاب التخريج في مذهبهم، تفقه على أبي بكر الرازي، وتفقه عليه أبو الحسن أحمد القدوري وأحمد بن محمد الناطفي، له كتاب في أصول الفقه، وله كتاب "ترجيح مذهب أبي حنيفة" و"القول المنصور في زيارة سيد القبور" وغيرها، توفي سنة 398هـ. "انظر ترجمته في الفوائد البهية ص 202، 240، الجواهر المضية 2/143، كشف الظنون 1/280، الأعلام للزركلي 8/5". 2 في ش ض ب: شافعي. 3 في ش: يتحد.

الشَّافِعِيِّ1: الْجُذَامُ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ، فَكَذَا النِّكَاحُ، كَالرَّتْقِ2 ثُمَّ يَقِيسُ الرَّتْقَ عَلَى الْجَبِّ3 بِفَوَاتِ الاسْتِمْتَاعِ. وَهَذَا الْمِثَالُ: مَثَّلَ بِهِ ابْنُ مُفْلِحٍ تَبَعًا لابْنِ الْحَاجِبِ4. لَكِنْ قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ: هُوَ عَلَى سَبِيلِ5 ضَرْبِ الْمِثَالِ، وَإِلاَّ فَرَدُّ الْمَجْبُوبِ عِنْدَنَا إنَّمَا هُوَ لِنُقْصَانِ عَيْنِ الْمَبِيعِ نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لا لِفَوَاتِ6 الاسْتِمْتَاعِ. وَأَمَّا إثْبَاتُ الْفَسْخِ بِالْجَبِّ فِي النِّكَاحِ فَلِفَوَاتِ الاسْتِمْتَاعِ، فَالْعِلَّتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ7. "وَ" مِنْ شَرْطِ حُكْمِ الأَصْلِ أَيْضًا. كَوْنُهُ "مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ" فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَمْنَعُهُ، فَلا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ فِيهِ8.

_ 1 في ش ض ب: شافعي. 2 الرَّتَق: مصدر رَتِقَتْ المرأة رتقاً: إذا استدّ مدخل الذكر من فرجها، فلا يستطاع جماعها. "المصباح المنير 1/259، المطلع ص 323، النظم العذب 2/49". 3 الجَبّ: هو استئصال المذاكير. ومنه المجبوب: وهو المقطوع الذكر والأنثيين. "المصباح المنير 1/109، النظم المستعذب 2/50". 4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/210. 5 ساقطة من ش. 6 في ش: كفوات. 7 الإبهاج شرح المنهاج 3/101 بتصرف. 8 انظر "شرح البنود 2/119، المسودة ص 396، الإحكام للآمدي 3/282، روضة الناظر ص 315، مختصر البعلي ص 143، حاشية البناني 2/220، الآيات البينات 4/16، مناهج العقول 3/115، نهاية السول 3/116، الإبهاج 3/98".

وَإِنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ؛ لِئَلاَّ يَحْتَاجَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْمَنْعِ إلَى إثْبَاتِهِ فَيَكُونَ انْتِقَالاً مِنْ مَسْأَلَةٍ إلَى1 أُخْرَى "لا" أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ "الأُمَّةِ" لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ فَقَطْ. وَهَذَا الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ2 وَاشْتَرَطَ قَوْمٌ 3اتِّفَاقَ الأُمَّةِ عَلَى الأَصْلِ، وَمَنَعُوا الْقِيَاسَ عَلَى مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِنَقْلِ الْكَلامِ إلَى التَّسَلْسُلِ 4. وَضَعَّفَهُ الْمُوَفَّقُ كَغَيْرِهِ لِنُدْرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ. وَلأَنَّ كُلاًّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ مُقَلِّدٌ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ حُكْمٍ ثَبَتَ مَذْهَبًا لإِمَامِهِ؛ لأَنَّهُ لا يَعْلَمُ مَأْخَذَهُ ثُمَّ لا يَلْزَمُ مِنْ عَجْزِهِ عَجْزُهُ، ثُمَّ لا يَتَمَكَّنُ أَحَدُهُمَا مِنْ إلْزَامِ مَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ5. "وَلا" يُشْتَرَطُ - مَعَ كَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الأُمَّةِ - أَنْ

_ 1 ساقطة من ض. 2 انظر "حاشية البناني 2/213، 220، الآيات البينات 4/16، إرشاد الفحول ص 205، الوصول إلى مسائل الأصول 2/261، مختصر البعلي ص 143، نشر البنود 2/119، الإحكام للآمدي 3/283، اللمع ص 58، روضة الناظر ص 315". 3 ساقطة من ض. 4 نهاية السول 3/119. 5 روضة الناظر ص 316، الإحكام للآمدي 3/283.

يَكُونَ ذَلِكَ "مَعَ اخْتِلافِهِمَا"1 وَقِيلَ: بَلَى، وَهُوَ اخْتِيَارُ الآمِدِيِّ 2 "وَلَوْ" "لَمْ يَتَّفِقَا" يَعْنِي الْخَصْمَيْنِ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ، وَلَمْ يَكُنْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ "فَأَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ حُكْمَهُ" أَيْ حُكْمَ الأَصْلِ بِنَصٍّ "ثُمَّ أَثْبَتَ الْعِلَّةَ" بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِهَا، مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ نَصٍّ، أَوْ سَبْرٍ أَوْ إخَالَةٍ "قُبِلَ"3 مِنْهُ اسْتِدْلالُهُ فِي الأَصَحِّ، وَنَهَضَ دَلِيلُهُ عَلَى خَصْمِهِ4. مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَقُولَ5 فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ، إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ تَالِفَةً: مُتَبَايِعَانِ تَخَالَفَا، فَيَتَحَالَفَانِ وَيُتَرَادَّانِ كَمَا لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ، فَلْيَتَحَالَفَا وَلْيَتَرَادَّا" 6 فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالنَّصِّ وَعِلَّتِهِ، وَهِيَ التَّحَالُفُ

_ 1 في ش: اختلافهما. انظر تحقيق المسألة في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/220، الآيات البينات 4/16". 2 انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/268. 3 في ض ب: قبله. 4 شرح العضد 2/213. 5 في ش: تقول. 6 لم نعثر في دواوين السنة على الحديث بهذا اللفظ أو بمعناه المطابق، والمروي فيها ما أخرج النسائي والدارقطني والبيهقي وأحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "إذا اختلف البيعان، ولا شهادة بينهما، استحلف البائع، ثم كان المبتاع بالخيار: إن شاء أخذ، وإن شاء ترك" "انظر سنن النسائي 7/266، سنن الدارقطني 3/18، سنن البيهقي 5/333، مسند أحمد 1/466". وما أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي والحاكم وأحمد عن =

بِالأَيْمَانِ 1 وَقِيلَ: لا يُقْبَلُ ذَلِكَ2 مِنْ الْمُسْتَدِلِّ حَتَّى يَكُونَ حُكْمُ الأَصْلِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، أَوْ 3يَتَوَافَقَ عَلَيْهِ الْخَصْمَانِ. وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ تُقْبَلْ4 فِي الْمُنَاظَرَةِ مُقَدِّمَةٌ تَقْبَلُ الْمَنْعَ، وَاللاَّزِمُ بَاطِلٌ، بَيَانُ الْمُلازَمَةِ: أَنَّ مَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيَشْتَرِطُ فِي حُكْمِ5 الأَصْلِ الاتِّفَاقَ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلاَّ يَحْصُلَ الانْتِقَالُ مِنْ مَطْلُوبٍ إلَى آخَرَ. وَانْتِشَارُ كَلامٍ 6 يُوجِبُ تَسَلْسُلَ الْبَحْثِ، وَيَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِ الْمُنَاظَرَةِ وَهَذَا لا يَخْتَصُّ بِحُكْمِ الأَصْلِ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي كُلِّ مُقَدِّمَةٍ تَقْبَلُ الْمَنْعَ 7. قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَرُبَّمَا يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ

_ = ابن مسعود مرفوعاً: "إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة، فالقول ما يقول صاحب السلعة أو يترادان" "انظر سنن النسائي 7/266، بذل المجهود 15/189، سنن الدارقطني 3/20، سنن البيهقي 5/332، المستدرك 2/45، مسند أحمد 1/466، سنن ابن ماجة 2/737". 1 شرح العضد 2/213. 2 في ش: ذلك منه لم يقبل. 3 في ع ب: و. 4 في ش: يقبل. 5 ساقطة من ض. 6 في ز: الكلام. 7 شرح العضد ص/213.

مِثْلُ الأَوَّلِ، يَسْتَدْعِي مَا يَسْتَدْعِيهِ، بِخِلافِ الْمُقَدِّمَاتِ الأُخَرِ1. "وَإِنْ" كَانَ الْخَصْمُ يَقُولُ بِحُكْمِ الأَصْلِ وَ 2"لَمْ يَقُلْ بِحُكْمِ أَصْلِهِ الْمُسْتَدَلِّ فَ 3" هُوَ قِيَاسٌ "فَاسِدٌ" 4 مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي الصَّوْمِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ: أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَيَصِحُّ، كَفَرِيضَةِ الْحَجِّ، وَهُوَ لا يَقُولُ بِصِحَّةِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ، بَلْ خَصْمُهُ هُوَ الْقَائِلُ بِهِ. وَوَجْهُ فَسَادِهِ: كَوْنُهُ اعْتَرَفَ5 ضِمْنًا بِخَطَئِهِ فِي الأَصْلِ، وَهُوَ إثْبَاتُ الصِّحَّةِ فِي فَرِيضَةِ الْحَجِّ وَالاعْتِرَافُ بِبُطْلانِ إحْدَى6 مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ7، اعْتَرَفَ بِبُطْلانِ دَلِيلِهِ وَلا يُسْمَعُ مِنْ الْمُدَّعِي مَا هُوَ مُعْتَرَفٌ بِبُطْلانِهِ، وَلا يُمَكَّنُ مِنْ دَعْوَاهُ فَإِنْ قِيلَ: فَذَلِكَ يَصْلُحُ إلْزَامًا لِلْخَصْمِ؛ إذْ لَوْ لَزِمَهُ8 لَزِمَ الْمَقْصُودُ، وَإِلاَّ كَانَ مُنَاقِضًا فِي مَذْهَبِهِ. لِعَمَلِهِ9 بِالْعِلَّةِ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ!

_ 1 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/213. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: و. 4 انظر شرح العضد 2/210. 5 في ش: اعتراف. 6 في ب: أحد. 7 ساقطة من ش. 8 في ض: لزم. وفي شرح العضد: التزمه. 9 في ش: كعمله.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الإِلْزَامَ مُنْدَفِعٌ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ1: الْعِلَّةُ2 فِي الأَصْلِ عِنْدِي غَيْرُ ذَلِكَ، وَلا يَجِبُ ذِكْرِي لَهَا. الثَّانِي: بِأَنْ3 يَقُولَ 4: يَلْزَمُ مِنْهُ خَطَئِي فِي الأَصْلِ أَوْ5 فِي الْفَرْعِ وَلا يَلْزَمُ مِنْهُ الْخَطَأُ فِي الْفَرْعِ مُعَيَّنًا وَهُوَ مَطْلُوبُك، وَرُبَّمَا أَعْتَرِفُ بِخَطَئِي6 فِي الأَصْلِ وَلا يَضُرُّنِي7 ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ. قَالَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ8 وَغَيْرُهُ. "وَمَا اتَّفَقَا" يَعْنِي الْخَصْمَيْنِ "عَلَيْهِ" مِنْ حُكْمِ أَصْلٍ، لَكِنْ "لِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ" فَهُوَ قِيَاسٌ مُرَكَّبٌ "وَيُسَمَّى" هَذَا "مُرَكَّبَ الأَصْلِ" سُمِّيَ بِذَلِكَ لاخْتِلافِهِمَا فِي تَرْكِيبِ الْحُكْمِ فَالْمُسْتَدِلُّ يُرَكِّبُ الْعِلَّةَ عَلَى الْحُكْمِ، وَالْخَصْمُ بِخِلافِهِ9.

_ 1 في ش: تقول. 2 ساقطة من ع. 3 في ش وشرح العضد: أن. 4 في ش: تقول. 5 في ض: و. 6 كذا في شرح العضد. وفي سائر النسخ: بخطئه. 7 في ش: ولا يضر. 8 شرح العضد 2/210 وما بعدها. 9 انظر "شرح البنود 2/120، الإحكام للآمدي 3/283، المنخول ص 395، حاشية البناني 2/220، الآيات البينات 4/18، إرشاد الفحول ص 206، تيسير التحرير 3/289، فواتح الرحموت 2/254، البرهان 2/1100، مفتاح الوصول ص 137، مختصر البعلي ص 143".

قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ1 مُرَكَّبًا لإِثْبَاتِهِمَا الْحُكْمَ كُلٌّ 2بِقِيَاسٍ، فَقَدْ اجْتَمَعَ قِيَاسَاهُمَا3 ثُمَّ إنَّ4 الأَوَّلَ اتَّفَقَا فِيهِ عَلَى الْحُكْمِ، وَهُوَ الأَصْلُ بِالاصْطِلاحِ5 دُونَ الْوَصْفِ الَّذِي يُعَلِّلُ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ فَسُمِّيَ مُرَكَّبَ الأَصْلِ"6. وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: "قِيلَ: سُمِّيَ مُرَكَّبًا لاخْتِلافِهِمَا فِي عِلَّتِهِ وَقِيلَ: فِي تَرْكِيبِهِ7 الْحُكْمَ عَلَيْهَا فِي الأَصْلِ فَعِنْدَ الْمُسْتَدِلِّ: هِيَ فَرْعٌ لَهُ، وَالْمُعْتَرِضُ بِالْعَكْسِ وَسُمِّيَ مُرَكَّبَ الأَصْلِ لِلنَّظَرِ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ اهـ. وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ مُوَافِقًا عَلَى الْعِلَّةِ، وَلَكِنْ يَمْنَعُ وُجُودَهَا فِي الأَصْلِ وَذَلِكَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ لِعِلَّةٍ يَمْنَعُ الْخَصْمُ وُجُودَهَا فِي الأَصْلِ وَ" هَذَا8 "يُسَمَّى مُرَكَّبَ الْوَصْفِ" سُمِّيَ بِذَلِكَ لاخْتِلافِهِمَا فِي نَفْسِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ9.

_ 1 في شرح العضد: يسمى. 2 في ع: كله. 3 في ب وشرح العضد: قياسهما. 4 في ع ز: إن كان. 5 في شرح العضد: باصطلاح. 6 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/212. 7 في ش: تركيبه. 8 ساقطة من ش. 9 انظر "الآيات البينات 4/18، إرشاد الفحول ص 206، تيسير التحرير =

مِثَالُ الأَوَّلِ -وَهُوَ مُرَكَّبُ الأَصْلِ- قَوْلُ الْحَنْبَلِيِّ، فِيمَا إذَا قَتَلَ الْحُرُّ عَبْدًا1: الْمَقْتُولُ عَبْدٌ، فَلا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ، كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ وَتَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا مَعَ الْمَوْلَى فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ2 هُنَا: إنَّهُ لا قِصَاصَ، فَيَلْحَقُ الْعَبْدُ بِهِ هُنَا، بِجَامِعِ الرِّقِّ، فَلا يَحْتَاجُ الْحَنْبَلِيُّ فِيهِ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِمُوَافَقَةِ خَصْمِهِ، فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ فِي مَنْعِ ذَلِكَ: إنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ جَهَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ3، لا الرِّقُّ؛ لأَنَّ السَّيِّدَ وَالْوَارِثَ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى طَلَبِ الْقِصَاصِ لا يَزُولُ الاشْتِبَاهُ؛ لاخْتِلافِ الصَّحَابَةِ فِي مُكَاتَبٍ يَمُوتُ4 عَنْ وَفَاءٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَمُوتُ عَبْدًا، وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُؤَدَّى الْكِتَابَةُ مِنْ

_ = 3/289، فواتح الرحموت 2/255، البرهان 2/1103، نشر البنود 2/121، الإحكام للآمدي 3/284، المنخول ص 396، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/221". 1 في ض: العبد. 2 في ض: يكون. 3 وذلك لاحتمال أن يبقى عبداً بعجزه عن أداء النجوم، فيستحقه السيد، وأن يصير حرّاً بأدائها، فيستحقه الورثة. وجهالة المستحق لم تثبت في العبد، فإن صحت هذه العلة بطل إلحاق العبد به في الحكم لعدم مشاركته له في العلة، وإن بطلت فيمنع حكم الأصل، ويقول: يقتل الحرّ بالمكاتب لعدم المانع. "شرح العضد 2/212". 4 في ش: مات.

أَكْسَابِهِ1، وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ2 فَقَدْ اشْتَبَهَ الْوَلِيُّ مَعَ هَذَا الاخْتِلافِ، فَامْتَنَعَ الْقِصَاصُ 3. فَإِنْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّكُمْ لا بُدَّ أَنْ تَحْكُمُوا4 فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، إمَّا5 بِمَوْتِهِ عَبْدًا أَوْ حُرًّا وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْمُسْتَحَقُّ6 مَعْلُومٌ فَيَقُولُ7 الْحَنَفِيُّ8: نَحْنُ نَحْكُمُ بِمَوْتِهِ حُرًّا، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُورَثُ، لا بِمَعْنَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى قَاتِلِهِ الْحُرِّ؛ لأَنَّ حُكْمَنَا بِمَوْتِهِ حُرًّا ظَنِّيٌّ؛ لاخْتِلافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَالْقِصَاصُ يَنْتَفِي بِالشُّبْهَةِ. فَهَذِهِ جَهَالَةٌ تَصْلُحُ لِدَرْءِ الْقِصَاصِ، وَلا يَمْتَنِعُ عِلْمُنَا9 بِمُسْتَحِقِّ10 الإِرْثِ. وَمِثَالُ الثَّانِي -وَهُوَ مُرَكَّبُ الْوَصْفِ- أَنْ يُقَالَ فِي مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ

_ 1 في ض: اكتسابه. 2 في ش: أجزائه. 3 انظر شرح العضد 2/212، التوضيح وحاشية الجرجاني عليه 2/562. 4 في ع: تحكموا عليه. 5 في ش: أو. 6 في ع: والمستحق. وفي ب: المستحق. 7 في ش: فنقول. 8 في ش: للحنفي. 9 في ض: علمها. وفي ب: على. 10 في ب: المستحق.

الطَّلاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ: هَذَا تَعْلِيقٌ لِلطَّلاقِ، فَلا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ. فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ كَوْنُهُ تَعْلِيقًا مَفْقُودَةٌ فِي الأَصْلِ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ1: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ تَنْجِيزٌ لا تَعْلِيقٌ فَإِنْ صَحَّ هَذَا: بَطَلَ إلْحَاقُ التَّعْلِيقِ بِهِ لِعَدَمِ الْجَامِعِ؛ وَإِلاَّ2 مُنِعَ حُكْمُ الأَصْلِ، وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي قَوْلِهِ: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ؛ لأَنِّي إنَّمَا مَنَعْت الْوُقُوعَ؛ لأَنَّهُ تَنْجِيزٌ 3، فَلَوْ كَانَ تَعْلِيقًا لَقُلْت بِهِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْخَصْمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لا يَنْفَكُّ عَنْ مَنْعِ الْعِلَّةِ فِي الأَصْلِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ ثَابِتًا فِيهِ، أَوْ مُنِعَ حُكْمُ الأَصْلِ، كَمَا إذَا كَانَ ثَابِتًا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ: لا يَتِمُّ الْقِصَاصُ 4 وَقَوْلُهُ "لَيْسَ بِحُجَّةٍ" خَبَرٌ لِقَوْلِهِ "وَمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ". وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ الْقِيَاسَ الْمُسَمَّى5 مُرَكَّبَ الأَصْلِ، وَالْقِيَاسَ الْمُسَمَّى مُرَكَّبَ الْوَصْفِ، لَيْسَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ

_ 1 في ض ب: قول. 2 في ش: ولا أمنع. 3 في ش: تنجيز لا تعليق. 4 شرح العضد 2/212. 5 في ش: النسبي.

الأَكْثَرِ1. أَمَّا الأَوَّلُ: فَلأَنَّ الْخَصْمَ لا يَنْفَكُّ عَنْ مَنْعِ 2الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعِ الْحُكْمِ فِي الأَصْلِ فَلا يَتِمُّ الْقِيَاسُ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلأَنَّهُ لا يَنْفَكُّ عَنْ مَنْعِ الأَصْلِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ ثَابِتًا فِيهِ، أَوْ مَنْعِ حُكْمِ الأَصْلِ إذَا كَانَ ثَابِتًا. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ: لا يَتِمُّ الْقِيَاسُ3. "وَ" قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ4 وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ "لَوْ سَلَّمَهَا" أَيْ سَلَّمَ الْخَصْمُ الْعِلَّةَ لِلْمُسْتَدِلِّ أَنَّهَا5 الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَدِلُّ "فَأَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَهَا" فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ "أَوْ سَلَّمَهُ" أَيْ سَلَّمَ وُجُودَهَا "الْخَصْمُ" حَيْثُ اخْتَلَفُوا فِيهِ "انْتَهَضَ الدَّلِيلُ" عَلَيْهِ، لِتَسْلِيمِهِ فِي الثَّانِي، وَقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ فِي الأَوَّلِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا،

_ 1 انظر "شرح العضد 2/211، نشر البنود 2/122، المنخول ص 397، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/221، الآيات البينات 4/19، نهاية السول 3/119، إرشاد الفحول ص 206، تيسير التحرير 3/289، فواتح الرحموت 2/245، المسودة ص 399". 2 ساقطة من ش. 3 ومعنى عدم تمام القياس أنه غير ناهض على الخصم. أما مجرد ثبوت الحكم في حق القائس ومقلديه، فيكفي فيه ثبوت حكم الأصل وعلته بطريق صحيح عنده. "نشر البنود 2/122". 4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/211 وما بعدها. 5 في ش: التي ذكرها.

أَوْ غَلَبَ1 عَلَى ظَنِّهِ صِحَّةُ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لا يُكَابِرُ نَفْسَهُ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ2. "وَيُقَاسُ عَلَى عَامٍّ خُصَّ، كَلائِطٍ وَآتٍ بَهِيمَةً عَلَى زَانٍ". قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ الأَصَحُّ، لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ3. وَقِيلَ: لا؛ لِضَعْفِ مَعْنَاهُ لِلْخِلافِ فِيهِ.

_ 1 في ض: وغلب. 2 انظر: نشر البنود 2/122، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/221، الآيات البينات 4/19. 3 انظر: التبصرة للشيرازي ص 448.

فصل العلة

"فَصْلٌ" "الْعِلَّةُ" الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ "مُجَرَّدُ أَمَارَةٍ وَعَلامَةٍ نَصَبَهَا1 الشَّارِعُ دَلِيلاً" يَسْتَدِلُّ بِهَا الْمُجْتَهِدُ "عَلَى" وِجْدَانِ "الْحُكْمِ" إذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ2، كَالْغَيْمِ هُوَ أَمَارَةٌ عَلَى الْمَطَرِ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ3 وَهَذَا لا يُخْرِجُ الأَمَارَةَ عَنْ كَوْنِهَا أَمَارَةً. وَقِيلَ - وَهُوَ لِلْمُعْتَزِلَةِ - إنَّ الْعِلَّةَ مُؤْثَرَةٌ فِي الْحُكْمِ، بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ. ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا أَثَّرَتْ بِذَاتِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِصِفَةٍ4 ذَاتِيَّةٍ فِيهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِوُجُوهٍ5 وَاعْتِبَارَاتٍ6.

_ 1 في ش: ينصها. 2 في ش: تتخلف. 3 في ش: تتخلف. وفي ب: لا يتخلف. 4 في ش: إنها أثرت بصفة. 5 في ع ز: بوجوده. 6 في ز: باعتبارات.

وَلَيْسَ1 عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ شَيْءٌ مِنْ الْعَالَمِ مُؤَثِّرًا فِي شَيْءٍ، بَلْ كُلٌّ مَوْجُودٌ فِيهِ، فَهُوَ بِخَلْقِ2 اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِرَادَتِهِ. وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ3. "زِيدَ" أَيْ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِّ "مَعَ أَنَّهَا" أَيْ الْعِلَّةَ "مُوجِبَةٌ لِمَصَالِحَ دَافِعَةٌ لِمَفَاسِدَ" لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الأَمَارَةِ السَّاذَجَةِ، لَكِنْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَبْعَثُ الْمُكَلَّفَ عَلَى الامْتِثَالِ، لا أَنَّهَا4 بَاعِثَةٌ لِلشَّرْعِ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَصْلَحَةً لِلْعَبْدِ تَفَضُّلاً عَلَيْهِ، وَإِحْسَانًا لَهُ، لا وُجُوبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَفِي ذَلِكَ5 بَيَانُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: الْبَاعِثُ عَلَى الْحُكْمِ بِكَذَا هُوَ

_ 1 في ض: وليس هذا. 2 في ع: خلق. 3 انظر تفسيرات الأصوليين للعلة في "المحصول 2/2/179، التلويح على التوضيح 2/551، الجدل لابن عقيل ص 9، 11، المعتمد 2/704، نشر البنود 2/129، الإحكام للآمدي 3/276، فتح الغفار 3/19، العدة 1/175، إرشاد الفحول ص 207، اللمع ص 58، المنهاج للباجي ص 14، الكافية للجويني ص 60، الحدود للباجي ص 72، نهاية السول 3/39، مناهج العقول 3/37، الإبهاج 3/28، فواتح الرحموت 2/260، روضة الناظر ص 276، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/231، الآيات البينات 4/33، مختصر الطوفي ص 152، المستصفى ص 385، أصول السرخسي 2/174، مختصر البعلي ص 143، الوصول إلى مسائل الأصول 2/267". 4 في ع: لأنها. 5 ساقطة من ض.

كَذَا، وَأَنَّهُمْ لا يُرِيدُونَ بَعْثَ الشَّارِعِ، بَلْ بَعْثَ الْمُكَلَّفِ عَلَى الامْتِثَالِ1، مِثْلُ: حِفْظُ النَّفْسِ بَاعِثٌ عَلَى تَعَاطِي فِعْلِ الْقِصَاصِ الَّذِي هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ أَمَّا حُكْمُ الشَّرْعِ: فَلا عِلَّةَ لَهُ2 وَلا بَاعِثَ عَلَيْهِ، فَإِذَا انْقَادَ الْمُكَلَّفُ لامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَخْذِ الْقِصَاصِ مِنْهُ، وَكَوْنُهُ وَسِيلَةً لِحِفْظِ النُّفُوسِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ، أَجْرٌ عَلَى الانْقِيَادِ، وَأَجْرٌ عَلَى قَصْدِ حِفْظِ النَّفْسِ، وَكِلاهُمَا أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى3 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ} 4 {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} 5 وَمِنْ أَجْلِ كَوْنِ الْعِلَّةِ لا بُدَّ مِنْ اشْتِمَالِهَا عَلَى حِكْمَةٍ تَدْعُو إلَى الامْتِثَالِ، كَانَ مَانِعُهَا وَصْفًا وُجُودِيًّا يُخِلُّ بِحِكْمَتِهَا، وَيُسَمَّى مَانِعَ السَّبَبِ6، فَإِنْ7 لَمْ يُخِلَّ بِحِكْمَتِهَا، بَلْ بِالْحُكْمِ فَقَطْ، وَالْحِكْمَةُ بَاقِيَةٌ، سُمِّيَ مَانِعَ الْحُكْمِ. مِثَالُ الْمَقْصُودِ هُنَا وَهُوَ مَانِعُ السَّبَبِ: الدَّيْنُ، إذَا قُلْنَا: إنَّهُ

_ 1 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 236، الآيات البينات 4/39. 2 ساقطة من ز ض ع ب. 3 الإبهاج للسبكي 3/29، نشر البنود 2/130. 4 الآية 178 من البقرة. 5 الآية 179 من البقرة. 6 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/237، الآيات البينات 4/41، نشر البنود 2/135. 7 في ع ض ب: وإن.

مَانِعٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ لأَنَّ حِكْمَةَ السَّبَبِ - وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ - غِنَى مَالِكِهِ، فَإِذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ فَلا غِنَى، فَاخْتَلَّتْ1 حِكْمَةُ السَّبَبِ بِهَذَا الْمَانِعِ وَبَنَى الأَصْحَابُ عَلَى كَوْنِ الْعِلَّةِ مُجَرَّدَ أَمَارَةٍ وَعَلامَةٍ صِحَّةَ التَّعْلِيلِ بِاللَّقَبِ نَصَّ 2 عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَهُ الأَكْثَرُ3. فَلِهَذَا4 قُلْنَا "فَيَصِحُّ تَعْلِيلٌ بِلَقَبٍ، كَ" مَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ "بِمُشْتَقٍّ". مِثَالُ التَّعْلِيلِ بِاللَّقَبِ: تَعْلِيلُ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ بِكَوْنِهِمَا ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَتَعْلِيلُ مَا يُتَيَمَّمُ بِهِ بِكَوْنِهِ تُرَابًا، وَمَا يُتَوَضَّأُ بِهِ بِكَوْنِهِ مَاءً. وَقِيلَ: لا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِاللَّقَبِ5. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَوَقَعَ فِي الْمَحْصُولِ حِكَايَةُ الاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالاسْمِ، كَتَعْلِيلِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ بِأَنَّهُ يُسَمَّى خَمْرًاً6.

_ 1 في ع: فاختلف. 2 في ع: ما نص. 3 انظر "الوصول إلى مسائل الأصول 2/271، نشر البنود 2/144، الآيات البينات 4/44، التبصرة للشيرازي ص 454، اللمع ص 64، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/243". 4 في ش: فهكذا. 5 انظر: التبصرة للشيرازي ص 454، نشر البنود 2/143. 6 انظر شرح تنقيح الفصول ص 410.

قَالَ: فَإِنَّا1 نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ [مُجَرَّدَ] 2 هَذَا اللَّفْظِ لا أَثَرَ لَهُ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ تَعْلِيلُ الْمُسَمَّى بِهَذَا3 الاسْمِ مِنْ كَوْنِهِ مُخَامِرًا لِلْعَقْلِ، فَذَلِكَ تَعْلِيلٌ بِالْوَصْفِ لا بِالاسْمِ4. وَقَوْلُنَا "كَبِمُشْتَقٍّ 5، اتِّفَاقًا" حَكَاهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ6. وَذَلِكَ كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمُشْتَقَّ ذَلِكَ مِنْهُ هُوَ7 عِلَّةُ الْحُكْمِ، نَحْوَ " {فَاقْتُلُوا8 الْمُشْرِكِينَ} 9 {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 10، "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ" 11 وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يَنْحَصِرُ 12. "وَلا يُشْتَرَطُ اشْتِمَالُهَا عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ" فَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لا يَبْعَثُهُ شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ.

_ 1 في ش: قلنا. 2 زيادة من المحصول. 3 في ز: هذا. 4 المحصول 2/2/422. 5 في ع: بمشتق. وفي ض ب: كمشتق. 6 انظر: جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/244، الآيات البينات 4/46. 7 في ز: وهو. 8 في سائر النسخ: اقتلوا. 9 الآية 5 من التوبة. 10 الآية 38 من المائدة. 11 سبق تخريجه 3/157. 12 انظر: نشر البنود 2/142، المسودة ص 388.

وَقِيلَ: بَلَى وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ1، بِمَعْنَى اشْتِمَالِ الْوَصْفِ عَلَى مَصْلَحَةٍ صَالِحَةٍ أَنْ تَكُونَ الْمَقْصُودَ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ أَفْعَالِ الْبَارِي تَعَالَى بِالْغَرَضِ2. "ثُمَّ قَدْ تَكُونُ" الْعِلَّةُ "رَافِعَةً أَوْ دَافِعَةً أَوْ فَاعِلَتُهُمَا، وَصْفًا حَقِيقِيًّا ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا، أَوْ عُرْفِيًّا مُطَّرِدًا، أَوْ لُغَوِيًّا" فِي الأَصَحِّ، فَيَكُونُ الْوَصْفُ الْمَجْعُولُ عِلَّةً ثَلاثَةَ أَقْسَامٍ؛ فَإِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ دَافِعًا لا رَافِعًا، 3وَيَكُونُ رَافِعًا لا دَافِعًا وَيَكُونُ دَافِعًا رَافِعًا، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ4. فَمِنْ الأَوَّلِ: الْعِدَّةُ، فَإِنَّهَا دَافِعَةٌ5 لِلنِّكَاحِ إذَا وُجِدَتْ فِي ابْتِدَائِهِ، لا رَافِعَةٌ6 لَهُ إذَا طَرَأَتْ فِي أَثْنَاءِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ.

_ 1 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/236، شرح العضد 2/213، الآيات البينات 4/41، الإحكام لللآمدي 3/289، نشر البنود 2/136، مختصر البعلي ص 143، تيسير التحرير 3/303 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/273". 2 أي المنفعة العائدة إلى العباد. "تيسير التحرير". 3 ساقطة من ع. 4 انظر "مناهج العقول 3/115، نهاية السول 3/116، نشر البنود 2/131، الإبهاج 3/98، الآيات البينات 4/37، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/233". 5 في ض: رافعة. 6 في ض: دافعة.

وَمِنْ1 الثَّانِي: الطَّلاقُ، فَإِنَّهُ يَرْفَعُ حِلَّ الاسْتِمْتَاعِ وَلا يَدْفَعُهُ؛ لأَنَّ الطَّلاقَ إلَى اسْتِمْرَارِهِ لا يَمْنَعُ وُقُوعَ نِكَاحٍ جَدِيدٍ بِشَرْطٍ. وَمِنْ الثَّالِثِ: الرَّضَاعُ، فَإِنَّهُ2 يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَإِذَا طَرَأَ فِي أَثْنَاءِ الْعِصْمَةِ رَفَعَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا وَشَبَهُهُ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ يَمْنَعُ مِنْ الابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ لِتَأَبُّدِهِ وَاعْتِضَادِهِ؛ لأَنَّ الأَصْلَ فِي الارْتِضَاعِ الْحُرْمَةُ3. وَتَكُونُ الْعِلَّةُ أَيْضًا وَصْفًا حَقِيقِيًّا، وَهُوَ مَا يُعْقَلُ4 بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ، وَلا يَتَوَقَّفُ عَلَى وَضْعٍ، كَقَوْلِنَا: مَطْعُومٌ، فَيَكُونُ رِبَوِيًّا فَالطَّعْمُ مُدْرَكٌ بِالْحِسِّ، وَهُوَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ، أَيْ لا تَتَوَقَّفُ5 مَعْقُولِيَّتُهُ عَلَى مَعْقُولِيَّةِ غَيْرِهِ. وَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لا خَفِيًّا. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُنْضَبِطًا، أَيْ مُتَمَيِّزًا6 عَنْ غَيْرِهِ.

_ 1 في ش: ومثال. 2 ساقطة من ع ض ب. 3 في ش: الجزئية. 4 في ش: يعقل. 5 في ع ض ب: يتوقف. 6 في ش ز: يتميز.

وَلا خِلافَ فِي التَّعْلِيلِ بِهِ1 وَتَكُونُ الْعِلَّةُ أَيْضًا وَصْفًا عُرْفِيًّا وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُطَّرِدًا لا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الأَوْقَاتِ، وَإِلاَّ لَجَازَ2 أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ فَلا يُعَلَّلُ بِهِ. مِثَالُهُ: الشَّرَفُ وَالْخِسَّةُ فِي الْكَفَاءَةِ وَعَدَمِهَا فَإِنَّ الشَّرَفَ يُنَاسِبُ التَّعْظِيمَ وَالإِكْرَامَ، وَالْخِسَّةَ تُنَاسِبُ ضِدَّ ذَلِكَ فَيُعَلَّلُ بِهِ بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ3. وَتَكُونُ الْعِلَّةُ أَيْضًا وَصْفًا لُغَوِيًّا. مِثَالُهُ: تَعْلِيلُ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ لأَنَّهُ يُسَمَّى خَمْرًا. فَحُرِّمَ كَعَصِيرِ الْعِنَبِ. وَفِي التَّعْلِيلِ بِهِ خِلافٌ وَالصَّحِيحُ: صِحَّةُ التَّعْلِيلِ بِهِ4.

_ 1 انظر "المستصفى 2/336، المحصول 2/2/389، حاشية البناني 2/234، المسودة ص 423 وما بعدها، الآيات البينات 4/38، الإحكام للآمدي 3/288، إرشاد الفحول ص 207، نشر البنود 2/133، نهاية السول 3/103، مناهج العقول 3/102". 2 في ش ز: جاز. 3 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/234، شرح تنقيح الفصول ص 408، المحصول 2/2/412 وما بعدها، المعتمد 2/774، الآيات البينات 4/38، الإحكام للآمدي 3/288، نشر البنود 2/134، نهاية السول 3/103". 4 انظر "مناهج العقول 3/102، الآيات البينات 4/38، نشر البنود 2/133، نهاية السول 3/103".

قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْبَنَّاءِ فِي الْعُقُودِ وَالْخَصَائِلِ1 قَالَ: كَقَوْلِنَا فِي النَّبَّاشِ: هُوَ سَارِقٌ فَيُقْطَعُ، وَفِي النَّبِيذُ خَمْرٌ فَيَحْرُمُ وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ. قَالَ الْمَحَلِّيُّ: بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ اللُّغَةِ2 بِالْقِيَاسِ وَمُقَابِلُ الأَصَحِّ قَوْلٌ3: بِأَنَّهُ لا يُعَلَّلُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ بِالأَمْرِ اللُّغَوِيِّ4. "فَلا5 يُعَلَّلُ" الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ "بِحِكْمَةٍ مُجَرَّدَةٍ عَنْ وَصْفٍ ضَابِطٍ لَهَا" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ6. وَقِيلَ: يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِمُجَرَّدِ الْحِكْمَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ ظَاهِرَةً أَوْ خَفِيَّةً، مُنْضَبِطَةً أَوْ غَيْرَ مُنْضَبِطَةٍ7 وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ الْمُجَرَّدَةُ ظَاهِرَةً مُنْضَبِطَةً صَحَّ التَّعْلِيلُ

_ 1 في ز ش ع: الخصال. 2 في ع: الغلة. 3 في ش وشرح المحلي: يقول. 4 شرح المحلي على جمع الجوامع مع حاشية البناني عليه 2/234. 5 في ش: ولا. 6 انظر "نهاية السول 3/106، الإبهاج 3/91، تيسير التحرير 4/2، فواتح الرحموت 2/274، مناهج العقول 3/105، الإحكام للآمدي 3/290، مفتاح الوصول ص 140، 141، إرشاد الفحول ص 207، نشر البنود 2/132، مختصر البعلي ص 144، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/238، شرح تنقيح الفصول ص 406، شرح العضد 2/213، الآيات البينات 4/41". 7 انظر "نهاية السول 3/106، الإبهاج 3/91، نشر البنود 2/133، الآيات البينات 4/42، شرح تنقيح الفصول ص 406، حاشية البناني 2/238".

بِهَا1، وَإِلاَّ 2فَلا. وَجْهُ الأَوَّلِ - وَهُوَ كَوْنُ التَّعْلِيلِ لا يَصِحُّ بِالْحِكْمَةِ الْمُجَرَّدَةِ مُطْلَقًا - لِخَفَائِهَا، كَالرِّضَا فِي الْبَيْعِ وَلِذَلِكَ أُنِيطَتْ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالصِّيَغِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ3 أَوْ4 لِعَدَمِ5 انْضِبَاطِهَا كَالْمَشَقَّةِ فَلِذَلِكَ أُنِيطَتْ بِالسَّفَرِ6. قَالَ الآمِدِيُّ: مَنَعَهُ الأَكْثَرُ7. "وَيُعَلَّلُ ثُبُوتِيٌّ بِعَدَمٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُعَلَّلَ الْحُكْمُ8 الثُّبُوتِيُّ بِالْعَدَمِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا9 وَالرَّازِيِّ10 وَأَتْبَاعِهِ11، وَذَكَرَهُ

_ 1 انظر "الإحكام للآمدي 3/290، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/238، الآيات البينات 4/42، الإبهاج 3/91". 2 في ع: فالوجه. وفي زض: فالأوجه. 3 في ش: عليها. 4 في سائر النسخ: و. 5 في د: وكعدم. 6 ولأنه لا يُعلم الحاصل من المصلحة المترتب عليها الحكم في الأصل، هل وجد في الفرع أم لا!! فلا يصح إثبات الحكم في الفرع، ولا يمكن التعليل بها، لأن القياس فرع ثبوت ما في الأصل من المعنى في الفرع. "الإبهاج 3/91، مناهج العقول 3/105". 7 الإحكام في أصول الأحكام 3/290. 8 ساقطة من ع ض. 9 المسودة ص 418، روضة الناظر ص 332، الجدل لابن عقيل ص 17، مختصر البعلي ص 144. 10 المحصول 2/2/400. 11 انظر "شرح تنقيح الفصول ص 411، نشر البنود 2/135، نهاية السول 3/109، الإبهاج 3/92".

ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ 1. وَحُكِيَ الْمَنْعُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ2 وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ3 وَابْنُ الْحَاجِبِ4 وَغَيْرُهُمَا5 وَاسْتَثْنَى6 بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مِثْلَ قَوْلِ7 مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ8: لَمْ يُغْصَبْ. وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِأَنَّهُ كَنَصِّ الشَّارِعِ عَلَيْهِ9، وَكَالأَحْكَامِ تَكُونُ نَفْيًا، وَكَالْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، مَعَ أَنَّهَا مُوجِبَةٌ،

_ 1 التبصرة ص 456، اللمع ص 60، الوصول إلى مسائل الأصول 2/272. 2 انظر "تيسير التحرير 4/2، فواتح الرحموت 2/274، فتح الغفار 3/23". 3 الإحكام في أصول الأحكام 3/295. 4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/214. 5 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/239، شرح العضد 2/214، الآيات البينات 4/42، مفتاح الوصول ص 138، إرشاد الفحول ص 207". 6 في ش: وصحح واستثنى. 7 في ش: أبي الحسين. 8 أي الذي مات عند الغاصب، فلا يضمن. والشاهد في هذا المثال أن الإمام محمد بن الحسن الشيباني علل بالعدم عندما قال بعدم إيجاب ضمان ولد المغصوب الذي مات عند الغاصب، لعدم كونه مغصوباً. وقد أجاب صاحب فواتح الرحموت على هذا الاستدلال بأن قول الإمام محمد رحمه الله ليس فيه تعليل بالعدمي، ولكنه استدلال على عدم وجوب الضمان بعدم علته، فبقيت الذمة غير مشغولة كما كانت. "فواتح الرحموت 2/274، وانظر فتح الغفار 3/24". 9 ساقطة من ض.

وَكَتَعْلِيلِ الْعَدَمِ بِهِ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ اتِّفَاقًا، نَحْوَ: لَمْ أَفْعَلْ هَذَا لِعَدَمِ1 الدَّاعِي إلَيْهِ، وَلَمْ أُسَلِّمْ عَلَى فُلانٍ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ؛ لأَنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ لِنَفْيِ مُقْتَضِيهِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْيِهِ لِوُجُودِ مُنَافِيهِ؛ وَلأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيلُ ضَرْبِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ بِعَدَمِ امْتِثَالِهِ؛ وَلأَنَّ الْعِلَّةَ أَمَارَةٌ تُعَرِّفُ الْحُكْمَ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَدَمِيَّةً، كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وُجُودِيَّةً. وَيَدْخُلُ فِي الْخِلافِ مَا إذَا كَانَ الْعَدَمُ لَيْسَ تَمَامَ الْعِلَّةِ، بَلْ جُزْءًا2 مِنْهَا، فَإِنَّ الْعَدَمِيَّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كُلاًّ أَوْ بَعْضًا3. وَمِنْ جُمْلَةِ الْعَدَمِيِّ أَيْضًا: إذَا كَانَ الْوَصْفُ إضَافِيًّا، وَهُوَ مَا تَعَلَّقَ4 بِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ، كَالْبُنُوَّةِ وَالأُبُوَّةِ، وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، وَالْمَعِيَّةِ5 وَالْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ عَدَمِيٌّ؛ لأَنَّ وُجُودَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الأَذْهَانِ، لا فِي الْخَارِجِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَدَمِيٌّ6.

_ 1 في ض: العدم. 2 في ع ز ض: جزء. 3 مفتاح الوصول للتلمساني ص 139. 4 في ش: تعلق. 5 في ش: والعلية. 6 المحصول 2/2/405، الآيات البينات 4/42، نشر البنود 2/136، شرح تنقيح الفصول ص 408، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/240.

فصل من شروط العلة

فصل من شروط العلة ... "فَصْلٌ" "مِنْ1 شُرُوطِهَا" أَيْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ "أَنْ لا تَكُونَ مَحَلَّ الْحُكْمِ وَلا جُزْأَهُ" أَيْ جُزْءَ مَحَلِّ الْحُكْمِ "الْخَاصِّ" عِنْدَ الأَكْثَرِ2. وَجَوَّزَ3 قَوْمٌ مِنْ الْعِلَلِ الْقَاصِرَةِ: كَوْنَ الْعِلَّةِ مَحَلَّ الْحُكْمِ أَوْ جُزْءَ مَحَلِّهِ4. فَمِثَالُ كَوْنِهَا مَحَلَّ الْحُكْمِ: قَوْلُنَا الذَّهَبُ رِبَوِيٌّ، لِكَوْنِهِ ذَهَبًا، وَالْخَمْرُ حَرَامٌ، لأَنَّهُ مُسْكِرٌ مُعْتَصَرٌ مِنْ الْعِنَبِ. 5وَمِثَالُ كَوْنِهَا جُزْءَ مَحَلِّ6 الْحُكْمِ الْخَاصِّ بِهِ: كَالتَّعْلِيلِ بِاعْتِصَارِهِ7 مِنْ الْعِنَبِ فَقَطْ. وَقَيَّدْنَا الْجُزْءَ بِالْخَاصِّ تَحَرُّزًا مِنْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَحَلِّ وَغَيْرِهِ.

_ 1 في ش: ومن. 2 انظر "شرح العضد 2/217، حاشية البناني 2/242، الآيات البينات 4/44، الإحكام للآمدي 3/288، إرشاد الفحول ص 208". 3 كذا في ش. وفي ض د ع ز: وجوزه. وفي ب: جوزه. 4 المحصول 2/2/386، نهاية السول 3/104، الإبهاج 3/90. 5 ساقطة من ش. 6 في ش: أو محله. 7 في ع: بإعصاره.

فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ إلاَّ فِي الْمُتَعَدِّيَةِ1، كَتَعْلِيلِ إبَاحَةِ الْبَيْعِ بِكَوْنِهِ2 عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ. فَإِنَّ جُزْأَهُ الْمُشْتَرَكَ3، وَهُوَ "عَقْدُهُ"4 الَّذِي هُوَ شَامِلٌ لِلْمُعَاوَضَةِ وَغَيْرِهَا لا يُعَلَّلُ بِهِ. وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ: بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْمَحَلِّ كَانَتْ قَاصِرَةً. لأَنَّهُ لَوْ5 تَحَقَّقَ بِخُصُوصِهِ فِي الْفَرْعِ، اتَّحَدَا. وَكَذَا جُزْؤُهُ. "وَ" أَنْ "لا" تَكُونَ الْعِلَّةُ "قَاصِرَةً مُسْتَنْبَطَةً" عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا6 وَالْحَنَفِيَّةِ7. وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ8. وَعَنْهُ: يَصِحُّ كَوْنُهَا قَاصِرَةً مُسْتَنْبَطَةً، كَقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ9 أَصْحَابِهِمَا10.

_ 1 في ش: التعدية. 2 في ض: بأنه. 3 في ع: المشترك بين المحل وغيره، فإن ذلك لا يكون إلا في التعدية. 4 في ش: عقد. 5 ساقطة من ش. 6 روضة الناظر ص 320، مختصر الطوفي ص 152، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 16، مختصر البعلي ص 144. 7 تيسير التحرير 4/5، فواتح الرحموت 2/276، أصول السرخسي 2/158، فتح الغفار 3/15، 28، التلويح على التوضيح 2/558، كشف الأسرار 3/389. 8 انظر المسودة ص 411. 9 في ش: أصحابنا. 10 انظر "الآيات البينات 4/43، الإحكام للآمدي 3/311، مفتاح الوصول ص 143، شفاء الغليل ص 537، نشر البنود 2/138، نهاية السول =

وَأَمَّا الْعِلَّةُ الْقَاصِرَةُ الثَّابِتَةُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ: فَأَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِهَا1، وَأَنَّ الْخِلافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ. "وَفَائِدَةُ ثُبُوتِ قَاصِرَةبنص أو إجماع مَعْرِفَةُ الْمُنَاسَبَةِ، وَمَنْعُ الإِلْحَاقِ، وَ2تَقْوِيَةُ النَّصِّ3".

_ = 3/110، البرهان 2/1080، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 47، التبصرة ص 452، اللمع ص 60، الإشارات للباجي ص 110، المعتمد 2/801 وما بعدها، الوصول إلى مسائل الأصول 2/273، شرح العضد 2/217، المحصول 2/2/423، شرح تنقيح الفصول ص 409، مناهج العقول 3/110، الإبهاج 3/93، المستصفى 2/345، حاشية البناني 2/241". 1 انظر: نهاية السول 3/110، الإبهاج 3/93، الإحكام للآمدي 3/311، إرشاد الفحول ص 208، التلويح على التوضيح 2/558، وقد ذكر العلامة المحلي والشوكاني وغيرهم أن دعوى الاتفاق على جواز التعليل بالعلة القاصرة الثابتة بنص أو إجماع معترضة بحكاية القاضي عبد الوهاب الخلاف فيه. "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/241، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/138". وعلق التاج السبكي في "الإبهاج" على حكاية القاضي عبد الوهاب هذه فقال: "وأغرب القاضي عبد الوهاب في الملخص، فحكى مذهباً ثالثاً أنها لا تصح على الإطلاق فيه، سواء كانت منصوصة أم مستنبطة، وقال: هو قول أكثر فقهاء العراق. وهذا يصادم ما نقلناه من وقوع الاتفاق في المنصوصة. ولم أر هذا القول في شيء مما وقفت عليه من كتب الأصول سوى هذا". "الإبهاج 3/94". 2 ساقطة من ش. 3 في ش: النفس. انظر تحقيق المسألة في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/241، روضة الناظر ص 320 وما بعدها، الآيات البينات 4/43، الإحكام للآمدي 3/314، نشر البنود 2/139، نهاية السول 3/111، مناهج العقول 3/111، الإبهاج 3/94".

الْحُكْمِ، لا لِمَا ذُكِرَ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لا يُنَافِي الإِعْلامَ1 طَلَبُ الانْقِيَادِ لِحُكْمِهِ2. وَمِنْهَا3: إفَادَةُ الْمَنْعِ لإِلْحَاقِ فَرْعٍ بِذَلِكَ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْجَامِعِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ فِي الأَصْلِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُومِ وَمَوْضُوعِ الْقِيَاسِ. فَأَيْنَ الْفَائِدَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ4؟! وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ وَصْفٌ آخَرُ مُتَعَدٍّ لا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ بِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ، بِخِلافِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ5 سِوَى الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ. فَإِنَّهُ لا يَفْتَقِرُ الإِلْحَاقُ بِهَا إلَى دَلِيلٍ عَلَى تَرْجِيحٍ. وَمِنْهَا: أَنَّ النَّصَّ يَزْدَادُ قُوَّةً بِهَا. فَيَصِيرَانِ كَدَلِيلَيْنِ، يَتَقَوَّى كُلٌّ مِنْهُمَا بِالآخَرِ. قَالَهُ ابْنُ6 الْبَاقِلاَّنِيِّ. وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَا يَكُونُ دَلِيلُ الْحُكْمِ فِيهِ ظَنِّيًّا. أَمَّا الْقَطْعِيُّ: فَلا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيَةٍ. نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو الْمَعَالِي7.

_ 1 في ش: الإعلان. 2 في ز ض ب: لحكمته. 3 في ض: وأما. 4 في ش: المتحددة. 5 في ش: يكون. 6 ساقطة من ش ض. 7 البرهان 2/1085.

وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ1: أَنَّ الْمُكَلَّفَ يَزْدَادُ أَجْرًا بِانْقِيَادِهِ لِلْحُكْمِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْعِلَّةِ الْمَقْصُودَةِ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِهِ، فَيَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ: أَجْرٌ فِي امْتِثَالِ2 النَّصِّ، وَأَجْرٌ بِامْتِثَالِ الْمَعْنَى فِيهِ3. "وَالنَّقْضُ، وَيُسَمَّى تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ" هُوَ "عَدَمُ اطِّرَادِهَا" وَعَدَمُ اطِّرَادِ الْعِلَّةِ "بِأَنْ تُوجَدَ" الْعِلَّةُ "بِلا حُكْمٍ"4. مِثَالُهُ: أَنْ يُقَالَ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ: صَوْمٌ عَرِيَ أَوَّلُهُ عَنْ النِّيَّةِ فَلا يَصِحُّ، كَالصَّلاةِ، فَتَنْتَقِضُ الْعِلَّةُ - وَهُوَ الْعُرْيُ فِي أَوَّلِهِ - بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَبْيِيتِ نِيَّةٍ.

_ 1 المقصود بالسبكي هنا الإمام تقيّ الدين علي بن عبد الكافي السبكي والد صاحب جمع الجوامع. 2 في ش: امتثاله. 3 انظر: جمع الجوامع مع شرحه للمحلي وحاشية البناني عليه 2/242، الإبهاج 3/94، الآيات البينات 4/43. 4 انظر تعريف النقض في "الإبهاج 3/59، المستصفى 2/336، فتنح الغفار 3/38، الوصول إلى مسائل الأصول 2/302، نهاية السول 3/76، الإحكام للآمدي 4/118، مفتاح الوصول ص 141، شفاء الغليل ص 458، شرح تنقيح الفصول ص 399، حاشية البناني 2/294، شرح العضد 2/218، المحصول 2/2/323، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 354، الكافية للجويني ص 69، البرهان 2/977، الحدود للباجي ص 76، العدة 1/177، المنهاج للباجي ص 14، التعريفات للجرجاني ص 128، المنخول ص 404، مختصر الطوفي ص 167، الجدل لابن عقيل ص 56، المعتمد ص/821، 835، 1041".

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنْ الْوَصْفِ1 إمَّا فِي وَصْفٍ ثَبَتَتْ2 عِلَّتُهُ بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ أَوْ بِاسْتِنْبَاطٍ. وَالتَّخَلُّفُ إمَّا لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ3 شَرْطٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، فَهِيَ تِسْعَةٌ، مِنْ ضَرْبِ ثَلاثَةٍ فِي ثَلاثَةٍ. "وَ" قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ النَّقْضِ قَادِحًا فِي الْعِلَّةِ، وَفِي بَقَائِهَا حُجَّةً بَعْدَ النَّقْضِ عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ4: أَحَدُهَا: أَنَّ النَّقْضَ "لا يَقْدَحُ مُطْلَقًا، وَيَكُونُ حُجَّةً فِي5 غَيْرِ

_ 1 في ش: علته. 2 في ز: تثبت. 3 في ش: لفقد. 4 انظر تحقيق المسألة في "الوصول إلى مسائل الأصول 2/303 وما بعدها، نهاية السول 3/78، تيسير التحرير 4/9، 17، فواتح الرحموت 2/278، أصول السرخسي 2/208، فتح الغفار 3/38، شرح تنقيح الفصول ص 399 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/294 وما بعدها، شرح العضد 2/218، المحصول 2/2/323، أدب القاضي للماوردي 1/541 وما بعدها، المسودة ص 412، البرهان 2/855 وما بعدها، روضة الناظر ص 323، التبصرة ص 460، 466، الإبهاج 3/59، شفاء الغليل ص 458، كشف الأسرار 3/365 وما بعدها، المستصفى 2/336، اللمع ص 64، المنخول ص 404، الإحكام للآمدي 3/315، 4/118، مختصر الطوفي ص 153، مجموع فتاوى ابن تيمية 20/167 وما بعدها، الجدل لابن عقيل ص 17، 18، المعتمد 2/822، مفتاح الوصول ص 141، 142، إرشاد الفحول ص 207، مختصر البعلي ص 144". 5 في ع ض ب: لغير.

مَا خُصَّ" كَالْعَامِّ إذَا خُصَّ بِهِ وَهَذَا1 قَوْلُ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ. وَحَكَاهُ الآمِدِيُّ2 عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا. قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ: أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ3 وَالْمَالِكِيَّةِ، وَشُهْرَتُهُ عَنْ4 الْحَنَفِيَّةِ أَكْثَرُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ مَا سَمَحُوا بِتَسْمِيَتِهِ نَقْضًا، وَسَمَّوْهُ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَقْدَحُ. اخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: ابْنُ حَامِدٍ وَقَالَهُ الْقَاضِي أَيْضًا، فَيَكُونُ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلانِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَاخْتَارَهُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الْمَاتُرِيدِيُّ، وَقَالَ: تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ بَاطِلٌ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ بِتَخْصِيصِهَا فَقَدْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِالسَّفَهِ وَالْعَبَثِ5، فَأَيُّ فَائِدَةٍ مِنْ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَلا حُكْمَ؟! فَصَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ تَخْصِيصُهَا6 نَقْضٌ7 لَهَا، وَنَقْضُهَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَهَا. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: فَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ جَوَازِ تَخْصِيصِ

_ 1 في ش: وهو. 2 الإحكام في أصول الأحكام 3/315. 3 انظر: تيسير التحرير 4/9، فواتح الرحموت 2/278. 4 ساقطة من ض. 5 في ض: البعث. 6 في ش: بتخصيصها. وفي ب: فتخصيصها. 7 في ش: نقضاً.

الْعُمُومِ، وَيَبْقَى فِي الْبَاقِي حُجَّةً عَلَى الْمُرَجَّحِ: أَنَّ الْعَامَّ يَجُوزُ إطْلاقُهُ عَلَى بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ، فَإِذَا خُصَّ فَلا مَحْذُورَ فِيهِ. وَأَمَّا الْعِلَّةُ: فَهِيَ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْحُكْمِ، فَلا يَتَخَلَّفُ مُقْتَضَاهَا عَنْهَا، فَشُرِطَ فِيهَا الاطِّرَادُ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَقْدَحُ1 فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ إلاَّ لِمَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ، وَلا يَقْدَحُ فِي الْمَنْصُوصَةِ. مِثَالُ الْقَدْحِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ: تَعْلِيلُ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، مَعَ انْتِفَائِهِ فِي قَتْلِ الأَبِ، وَعَدَمِ الْقَدْحِ فِي الْمَنْصُوصَةِ: كَقَوْلِهِ2 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّمَا ذَلِكَ3 عِرْقٌ 4" مَعَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ النَّقْضِ5 بِالْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ عَلَى رَأْيٍ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّينِ فِي الرَّوْضَةِ6. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: عَكْسُ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ الْقَدْحُ فِي

_ 1 في ش: يبطل في المطردة ويقدح. 2 في ش: بقوله. 3 في ش: ذاك. 4 الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها. "صحيح البخاري 1/79، صحيح مسلم 1/262، بذل المجهود 2/342، عارضة الأحوذي 1/207، سنن النسائي 1/148، سنن ابن ماجة 1/205". 5 في ش: النقض له. 6 روضة الناظر ص 324 وما بعدها

الْمَنْصُوصَةِ وَعَدَمُهُ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ، إلاَّ إذَا كَانَ لِمَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ. قَيَّدَهُ بِذَلِكَ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ: وَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ حَصَلَ فِي كَلامِ مُخْتَصَرِ1 ابْنِ الْحَاجِبِ التَّكْرَارُ. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: يَقْدَحُ فِي الْمَنْصُوصَةِ إلاَّ إذَا كَانَ بِظَاهِرٍ عَامٍّ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِقَاطِعٍ: لَمْ يَتَخَلَّفْ الْحُكْمُ وَإِذَا2 كَانَ خَاصًّا بِمَحَلِّ3 الْحُكْمِ لَمْ يَثْبُتْ التَّخَلُّفُ، وَهُوَ خِلافُ الْفَرْضِ4. وَأَمَّا فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ: فَيَجُوزُ فِيمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ لِمَانِعٍ أَوْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ، وَيَقْدَحُ5 فِيمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ دُونَهُمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ6 ابْنِ الْحَاجِبِ7، فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً لَمْ يَجُزْ إلاَّ لِمَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ، لأَنَّهَا لا تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهَا8 إلاَّ بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا؛ 9لأَنَّ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ10 مَانِعًا لِعَدَمِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: وإن. 3 في ش: بمجمل. 4 في ز د ب: الغرض وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، إذ المفروض منافاة التخلّف للعلية. "شرح العضد 2/219". 5 في ش: فيقدح. 6 في ب: مختار. 7 ساقطة من ب. 8 في ش: علتها. 9 في ض: لانتفاء. 10 ساقطة من د ض ب.

الْمُقْتَضِي. وَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِظَاهِرٍ عَامٍّ: فَيَجِبُ تَخْصِيصُهُ كَعَامٍّ وَخَاصٍّ، وَيَجِبُ1 تَقْدِيرُ الْمَانِعِ2 اهـ. قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَحَاصِلُ3 هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ مَانِعٍ أَوْ عَدَمِ شَرْطٍ، لَكِنْ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ يَجِبُ الْعِلْمُ بِعَيْنِهِ. وَإِلاَّ لَمْ تُظَنَّ الْعِلِّيَّةُ، وَفِي الْمَنْصُوصَةِ: لا يَجِبُ، وَيَكْفِي فِي ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ تَقْدِيرُهُ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ لا تَبْطُلُ الْعِلِّيَّةُ بِالتَّخَلُّفِ4 اهـ. وَالْقَوْلُ السَّادِسُ: الْمَنْعُ5 فِي الْمَنْصُوصَةِ، أَوْ مَا اُسْتُثْنِيَ6 مِنْ الْقَوَاعِدِ كَالْمُصَرَّاةِ وَالْعَاقِلَةِ. اخْتَارَهُ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَالْقَوْلُ السَّابِعُ: الْقَدْحُ مُطْلَقًا، إلاَّ أَنْ يَرِدَ عَلَى سَبِيلِ الاسْتِثْنَاءِ7. وَيَعْتَرِضُ عَلَى جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ كَالْعَرَايَا8. حَكَاهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ9 عَنْ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ.

_ 1 في مختصر ابن الحاجب: ووجب. 2 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/218. 3 في ش: وظاهر. 4 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/218. 5 في ب: المانع. 6 في ز: انتشي. 7 في ض ب: أو. 8 قال المحلي: وهو بيع الرطب والعنب قبل القطع بتمر أو زبيب، فإنّ جوازه وارد على كل قول في علة حرمة الربا من الطعم والقوت والكيل والمال، فلا يقدح. "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/297". 9 جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/297".

قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ حَكَاهُ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ قَوْمٍ، وَاقْتَضَى كَلامُهُ مُوَافَقَتَهُمْ1. وَقَالَ فِي الْحَاصِلِ: إنَّهُ الأَصَحُّ. وَالْقَوْلُ الثَّامِنُ: يَقْدَحُ إلاَّ لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ. وَبِهِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ2 وَالْهِنْدِيُّ. وَالْقَوْلُ التَّاسِعُ: إنْ كَانَتْ عِلَّةَ حَظْرٍ لَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُهَا، وَإِلاَّ جَازَ. حَكَاهُ الْبَاقِلاَّنِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَالْقَوْلُ الْعَاشِرُ: إنْ كَانَ التَّخَلُّفُ لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ، أَوْ فِي مَعْرِضِ الاسْتِثْنَاءِ، أَوْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِمَا لا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ: لَمْ يَقْدَحْ، وَإِلاَّ قَدَحَ. وَلَيْسَ الْخِلافُ لَفْظِيًّا، خِلافًا لأَبِي الْمَعَالِي3 وَابْنِ الْحَاجِبِ4. وَتَأْتِي أَحْكَامُ النَّقْضِ فِي الْقَوَادِحِ. "وَالتَّعْلِيلُ لِجَوَازِ5 الْحُكْمِ لا يَنْتَقِضُ بِأَعْيَانِ الْمَسَائِلِ"6 كَـ

_ 1 انظر المحصول 2/2/352. 2 انظر المنهاج للبيضاوي مع شرحه للأسنوي 3/77، 79، الإبهاج 3/59. 3 انظر البرهان 2/1000 وما بعدها. 4 انظر مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/219. 5 في ش: بجواز. 6 انظر "المسودة ص 416، 431، المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 188، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 59".

الصَّبِيِّ حُرٌّ 1، فَجَازَ أَنْ تَجِبَ زَكَاةُ مَالِهِ كَبَالِغٍ، فَلا يَنْتَقِضُ2 بِغَيْرِ الزَّكَوِيِّ 3. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ: فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ إذَا كَانَ لَهُ مَعْلُوفَةٌ أَوْ عَوَامِلُ، أَوْ مَالُهُ دُونَ نِصَابٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَقْضٍ؛ لأَنَّ الْمُعَلِّلَ4 أَثْبَتَ بِالْجَوَازِ حَالَةً وَاحِدَةً، وَانْتِفَاءُ الزَّكَاةِ فِي حَالَةٍ لا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا فِي حَالَةٍ أُخْرَى5. "وَ" التَّعْلِيلُ "بِنَوْعِهِ" أَيْ نَوْعِ الْحُكْمِ "لا يَنْتَقِضُ بِعَيْنِ6 مَسْأَلَةٍ"7 كَالنَّقْضِ بِلَحْمِ الإِبِلِ نَوْعُ عِبَادَةٍ تَفْسُدُ بِالْحَدَثِ فَتَفْسُدُ بِالأَكْلِ كَالصَّلاةِ. قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: فَنَقُولُ: فَيَنْتَقِضُ8 بِالطَّوَافِ، فَإِنَّهُ نَوْعٌ يَفْسُدُ بِالْحَدَثِ، وَلا يَفْسُدُ بِالأَكْلِ، فَقَالُوا: عَلَّلْنَا نَوْعَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَفْسُدُ بِالْحَدَثِ، فَلا يَنْتَقِضُ9 بِأَعْيَانِ الْمَسَائِلِ؛ لأَنَّ الطَّوَافَ

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ض ب: تنتقض. 3 في ش: الذكرى. 4 في ش: المعلل إذا كان له معلوفة أو عوامل. وهي ساقطة من ض. 5 في ز: الأخرى. 6 في ش: بغير. 7 انظر المنهاج في ترتيب الحجاج ص 189. 8 في ش: ينتقض. 9 في ز: تنتقض.

بَعْضُ نَوْعِهَا، فَإِذَا1 لَمْ يُوجَدْ الْحُكْمُ فِيهِ وُجِدَ فِي بَقِيَّةِ الْفَرْعِ. "وَالْكَسْرُ" وَهُوَ "وُجُودُ الْحِكْمَةِ بِلا حُكْمٍ"2 كَقَوْلِ حَنَفِيٍّ فِي عَاصٍ بِسَفَرِهِ: سَافَرَ، فَيَتَرَخَّصُ كَغَيْرِ الْعَاصِي، ثُمَّ يُبَيِّنُ مُنَاسَبَةَ السَّفَرِ بِالْمَشَقَّةِ، فَيُعْتَرَضُ بِمَنْ صَنْعَتُهُ شَاقَّةٌ حَضَرًا لا يَتَرَخَّصُ إجْمَاعًا. "وَالنَّقْضُ الْمَكْسُورُ نَقْضُ بَعْضِ الأَوْصَافِ". قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: قَالَ أَكْثَرُ الأُصُولِيِّينَ وَالْجَدَلِيِّينَ: إنَّهُ إسْقَاطُ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ، وَإِخْرَاجُهُ مِنْ الاعْتِبَارِ بِبَيَانِ أَنَّهُ لا أَثَرَ لَهُ3. وَلَهُ صُورَتَانِ4: إحْدَاهُمَا: أَنْ يُبَدِّلَ ذَلِكَ الْوَصْفَ الْخَاصَّ الَّذِي يُبَيِّنُ أَنَّهُ

_ 1 في ز: فإن. 2 انظر تعريف الكسر في "شرح العضد 2/211، الوصول إلى مسائل الأصول 2/312، المحصول 2/2/353، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/303 وما بعدها، الحدود للباجي ص 77، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 14، اللمع ص 64، مختصر الطوفي ص 168، المعتمد 2/821، 1043، الإحكام للآمدي 3/331، فواتح الرحموت 2/281". 3 انظر تعريف النقض المكسور في "الإحكام للآمدي 3/336، فواتح الرحموت 2/282، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/304، 305، اللمع ص 64، شرح العضد 2/223". 4 انظر الوصول إلى مسائل الأصول 2/316 وما بعدها، اللمع ص 64.

لُغَوِيٌّ1 بِوَصْفٍ أَعَمَّ مِنْهُ، ثُمَّ يَنْقُضُهُ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ، كَقَوْلِ شَافِعِيٍّ فِي إثْبَاتِ صَلاةِ الْخَوْفِ: صَلاةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا، فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا، كَصَلاةِ الأَمْنِ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: خُصُوصُ2 كَوْنِهَا صَلاةً مُلْغًى، لا أَثَرَ لَهُ؛ لأَنَّ الْحَجَّ وَالصَّوْمَ كَذَلِكَ، فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ الْوَصْفُ الْعَامُّ، وَهُوَ كَوْنُهَا عِبَادَةً. فَيَنْقُضُهُ3 عَلَيْهِ بِصَوْمِ الْحَائِضِ، فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ يَجِبُ قَضَاؤُهَا، وَلا يَجِبُ أَدَاؤُهَا، بَلْ يَحْرُمُ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لا يُبَدِّلَ خُصُوصَ الصَّلاةِ، فَلا يَبْقَى عِلَّةٌ لِلْمُسْتَدِلِّ إلاَّ قَوْلَهُ: يَجِبُ قَضَاؤُهَا، فَيُقَالُ عَلَيْهِ: وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ يُؤَدَّى. دَلِيلُهُ: الْحَائِضُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ دُونَ أَدَائِهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُلَخَّصِ4: وَهُوَ سُؤَالٌ مَلِيحٌ، وَالاشْتِغَالُ بِهِ يَنْتَهِي إلَى بَيَانِ الْفِقْهِ وَتَصْحِيحِ الْعِلَّةِ، وَقَدْ اتَّفَقَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ وَإِفْسَادِ الْعِلَّةِ بِهِ، وَيُسَمُّونَهُ النَّقْضَ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَالإِلْزَامَ مِنْ طَرِيقِ الْفِقْهِ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ اهـ.

_ 1 في ش: لغو. 2 في ش: وخصوص. 3 في ض: فينقضها. 4 هو كتاب "الملخص في الجدل".

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: أَنْ1 يَقُولَ شَافِعِيٌّ فِي بَيْعِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي: بَيْعٌ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ2. فَلا يَصِحُّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك عَبْدًا3. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ يَنْكَسِرُ بِمَا إذَا نَكَحَ امْرَأَةً لَمْ يَرَهَا. فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ كَوْنِهَا مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ. فَهَذَا كَسْرٌ، لأَنَّهُ نَقْضٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، إذْ النِّكَاحُ فِي الْجَهَالَةِ كَالْبَيْعِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْجَهْلَ بِالْعَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يُوجِبُ الْفَسَادَ، فَوَصْفُ كَوْنِهِ4 مَبِيعًا مُلْغًى، بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّهْنَ وَنَحْوَهُ كَذَلِكَ، وَيَبْقَى عَدَمُ الرُّؤْيَةِ، فَيَنْتَقِضُ بِنِكَاحِ مَنْ لَمْ5 يَرَهَا6. وَإِنْ نَزَّلْتَهُ7 عَلَى الصُّورَةِ الأُولَى - وَهِيَ الإِبْدَالُ بِالأَعَمِّ - فَتَقُولُ8: عَقَدَ عَلَى9 مَنْ لَمْ يَرَهُ الْعَاقِدُ، فَيَنْتَقِضُ بِالنِّكَاحِ10.

_ 1 في ض: بأن. 2 أي حال العقد. "شرح العضد 2/223". 3 أي من غير تعيين. "شرح العضد 2/223". 4 في ض: بكونه. 5 ساقطة من ش. 6 في ش: يراها. 7 في ش: تركته. 8 في ب ش: فنقول. وفي ز: فيقول. 9 في ش: علم. 10 انظر: الجدل على طريقة الفقهاء ص 65، الإحكام للآمدي 3/336.

"وَ" الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرُ: أَنَّ الْكَسْرَ وَالنَّقْضَ الْمَكْسُورَ "لا يُبْطِلانِهَا1" أَيْ الْعِلَّةَ2. وَاسْتُدِلَّ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ أَنَّ3 الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ الأَوْصَافِ، وَلَمْ يَنْقُضَاهَا4. فَإِنْ بَيَّنَ الْمُعْتَرِضُ بِأَنَّهُ5 لا أَثَرَ لَهُ لِكَوْنِهِ6 مَبِيعًا، فَإِنْ أَصَرَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفَيْنِ بَطَلَ مَا عَلَّلَ بِهِ، لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ لا7 بِالنَّقْضِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَصْفِ الْمَنْقُوضِ بَطَلَ بِالنَّقْضِ؛ لأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى كُلِّ الْعِلَّةِ. وَإِنْ أَتَى بِوَصْفٍ لا أَثَرَ لَهُ فِي الأَصْلِ لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ النَّقْضِ لَمْ يَجُزْ. "وَالْعَكْسُ8، وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ شَرْطٌ" فِي

_ 1 في ش: لا يبطلاها. 2 انظر تحقيق المسألة في "الإحكام للآمدي 3/331، 336، فواتح الرحموت 2/281، 282، اللمع ص 64، المسودة ص 429، أدب القاضي للماوردي 1/541، المحصول 2/2/353، شرح العضد 2/221، 223، حاشية البناني 2/305، الوصول إلى مسائل الأصول 2/313". 3 في ش: بأن. 4 في ش ز: ينقضها. 5 في ش: أنه. 6 في ز: ككونه. 7 في ش: إلا. 8 انظر تعريف العكس في "المعتمد 2/1044، الإحكام للآمدي 3/338، مفتاح الوصول ص 142، تيسير التحرير 4/22، المستصفى 2/336، فواتح الرحموت 2/282، فتح الغفار 3/47، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني =

صِحَّةِ الْعِلَّةِ "إنْ كَانَ التَّعْلِيلُ لِجِنْسِ الْحُكْمِ،" وَ "لا" يَكُونُ شَرْطًا "إنْ كَانَ" التَّعْلِيلُ"لِنَوْعِهِ" أَيْ نَوْعِ الْحُكْمِ1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: اشْتِرَاطُهُ2 مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ، فَمَنْ مَنَعَ3 اشْتِرَاطَهُ4 كَعَدَمِ5 الْحُكْمِ لِعَدَمِ دَلِيلِهِ. وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْحُكْمِ: عَدَمُ الظَّنِّ أَوْ الْعِلْمِ6 بِهِ، لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النَّظَرِ الصَّحِيحِ فِي الدَّلِيلِ، وَلا دَلِيلَ، وَإِلاَّ فَالصَّنْعَةُ7 دَلِيلُ وُجُودِ الصَّانِعِ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُهُ. وَمَنْ جَوَّزَهُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ؛ لِجَوَازِ دَلِيلٍ آخَرَ.

_ = عليه 2/305، شرح تنقيح الفصول ص 401، شرح العضد 2/223، المحصول 2/2/355، الكافية للجويني ص 66، الحدود للباجي ص 75، العدة 1/177، المنهاج للباجي ص 14، التعريفات للجرجاني ص 82". 1 انظر تحقيق المسألة في "كشف الأسرار 3/307، شرح تنقيح الفصول ص 401، شرح العضد 2/223، أدب القاضي للماوردي 1/544، وما بعدها، المسودة ص 424، البرهان 2/842، اللمع ص 64، الجدل لابن عقيل ص 17، المعتمد 2/790، الإحكام للآمدي 3/338، مفتاح الوصول ص 143، شفاء الغليل ص 535، تيسير التحرير 4/22، المستصفى 2/344". 2 في ش: اشتراط. 3 في ش: منع. 4 في ش ض: اشتراطه. 5 في ش ع: العدم. 6 ساقطة من ش، وفي ع: الظن. 7 في ع: فالصفة.

هَذَا إنْ كَانَ التَّعْلِيلُ لِنَوْعِ الْحُكْمِ، نَحْوَ: الرِّدَّةُ1 عِلَّةٌ لإِبَاحَةِ الدَّمِ. فَأَمَّا2 جِنْسُهُ: فَالْعَكْسُ شَرْطٌ، نَحْوَ: الرِّدَّةُ3 عِلَّةٌ لِجِنْسِ إبَاحَةِ الدَّمِ، فَلا يَصِحُّ لِفَوَاتِ الْعَكْسِ. وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: أَنَّ الْخِلافَ فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ مَعًا، وَ4عَلَى الْبَدَلِ اهـ. قَالَ الْعَضُدُ: شَرَطَ قَوْمٌ فِي عِلَّةِ حُكْمِ الأَصْلِ الانْعِكَاسَ، وَهُوَ أَنَّهُ كُلَّمَا عُدِمَ الْوَصْفُ عُدِمَ الْحُكْمُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ آخَرُونَ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ [الْوَاحِدِ] 5 بِعِلَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ؛ لأَنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ صَحَّ أَنْ يَنْتَفِيَ الْوَصْفُ وَلا يَنْتَفِي الْحُكْمُ لِوُجُودِ [الْوَصْفِ] 6 الآخَرِ وَقِيَامِهِ مَقَامَهُ7. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجُزْ فَثُبُوتُ الْحُكْمِ دُونَ الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عِلَّةً لَهُ وَأَمَارَةً عَلَيْهِ، وَإِلاَّ لانْتَفَى الْحُكْمُ بِانْتِفَائِهِ؛ لِوُجُوبِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ دَلِيلِهِ. وَنَعْنِي بِذَلِكَ: انْتِفَاءَ الْعِلْمِ أَوْ

_ 1 في ع: الرد. 2 في ش: وأما. 3 في ع: الرد. 4 ساقطة من ز. 5 زيادة من شرح العضد. 6 زيادة من شرح العضد. 7 ساقطة من ش.

الظَّنِّ1، لا انْتِفَاءَ2 نَفْسِ الْحُكْمِ3، إذْ لا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ دَلِيلِ الشَّيْءِ انْتِفَاؤُهُ، وَإِلاَّ لَزِمَ مِنْ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ عَلَى الصَّانِعِ 4انْتِفَاءُ الصَّانِعِ تَعَالَى، وَإِنَّهُ بَاطِلٌ. نَعَمْ! يَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالصَّانِعِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الصَّانِعَ تَعَالَى لَوْ لَمْ يَخْلُقْ الْعَالَمَ، أَوْ لَوْ لَمْ يَخْلُقْ فِيهِ الدَّلالَةَ، لَمَا لَزِمَ انْتِفَاؤُهُ قَطْعًا. هَذَا بِنَاءً عَلَى رَأْيِنَا، يَعْنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُجْتَهِدِينَ مُصِيبٌ وَبَعْضُهُمْ مُخْطِئٌ. وَأَمَّا عِنْدَ الْمُصَوِّبَةِ: فَلا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْعُذْرِ؛ لأَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ عِنْدَهُمْ: الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ، فَإِذَا انْتَفَيَا5 انْتَفَى الْحُكْمُ6 اهـ. "وَيَجُوزُ تَعْلِيلُ حُكْمٍ" وَاحِدٍ7 "بِعِلَلٍ" مُتَعَدِّدَةٍ "كُلُّ صُورَةٍ بِعِلَّةٍ" بِحَسَبِ تَعَدُّدِ صُوَرِهِ8 بِالنَّوْعِ إذَا كَانَ لَهُ صُوَرٌ

_ 1 في ع ض ب: أو الظن به، وفي ز: والظن. 2 في ز ض: لانتفاء 3 في د ض: الحكم بانتفائه. 4 ساقطة من ض. 5 في ش: انتفى. 6 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/223. 7 في ش: واحد بالنوع إذا كان له صور. 8 ساقطة من ش. وفي ض: بالنوع إذا كان له صور. وفي ع: بالنوع إذا كان له صورة.

اتِّفَاقًا1، كَتَعْلِيلِ قَتْلِ زَيْدٍ بِرِدَّتِهِ، وَقَتْلِ عَمْرٍو بِالْقِصَاصِ، وَقَتْلِ بَكْرٍ بِالزِّنَا، وَقَتْلِ خَالِدٍ بِتَرْكِ الصَّلاةِ2. "وَ" يَجُوزُ تَعْلِيلُ "صُورَةٍ" وَاحِدَةٍ "بِعِلَّتَيْنِ، وَبِعِلَلٍ3 مُسْتَقِلَّةٍ" عَلَى الصَّحِيحِ، كَتَعْلِيلِ تَحْرِيمِ وَطْءِ هِنْدٍ - مَثَلاً - بِحَيْضِهَا وَإِحْرَامِهَا وَوَاجِبِ صَوْمِهَا، وَكَتَعْلِيلِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ فَرْجٍ، وَزَوَالِ عَقْلٍ وَمَسِّ فَرْجٍ. فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَدِّدِينَ يَثْبُتُ الْحُكْمُ4 مُسْتَقِلاًّ5. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لأَنَّ الْعِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ6، وَلا يَمْتَنِعُ تَعَدُّدُ الْمُعَرِّفِ؛ لأَنَّ7 مِنْ شَأْنِ كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُعْرَفَ، لا الَّذِي

_ 1 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، شرح العضد 2/224، روضة الناظر ص 333، الآيات البينات 4/46، شفاء الغليل ص 514، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/145، الوصول إلى مسائل الأصول 2/269". 2 انظر "المسودة ص 416، البرهان 2/820، اللمع ص 59، الوصول إلى مسائل الأصول 2/269، مجموع فتاوى ابن تيمية 20/167 وما بعدها، المعتمد 2/799، الإحكام للآمدي 3/340، شفاء الغليل ص 514، نشر البنود 2/146، مختصر البعلي ص 144، المستصفى 2/342، فواتح الرحموت 2/282". 3 في ش: وعلة. 4 في ش: الحكم به. 5 انظر "التمهيد للأسنوي ص 467، إرشاد الفحول ص 208، المسودة ص 416، اللمع ص 59، الإحكام للآمدي 3/340، نشر البنود 2/146". 6 في ع: العرف. 7 في ز: ولأنَّ.

وُجِدَ بِهِ التَّعْرِيفُ، حَتَّى تَكُونَ الْوَاحِدَةُ إذَا عُرِفَتْ فَلا تُعْرَفُ1 الأُخْرَى؛ لأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَقْتَضِيهِ قَوْلُ2 أَحْمَدَ فِي خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ3، وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الْوُقُوعِ يَعُودُ إلَى الْقِسْمِ الأَوَّلِ فَقَطْ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعَلَّلَ بِهَا وَاحِدٌ بِالنَّوْعِ. وَأَمَّا الشَّخْصُ فَمُتَعَذِّرٌ4. فَالْقَتْلُ بِأَسْبَابِ أَشْخَاصِ الْقَتْلِ مُتَعَدِّدَةٌ5 وَالنَّوْعُ وَاحِدٌ فِي الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ. فَأَمَّا6 الْقَتْلُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَمُحَالٌ تَعَدُّدُهُ، إذْ هُوَ إزْهَاقُ الرُّوحِ، وَكَذَلِكَ أَسْبَابُ الْحَدَثِ: إنَّمَا هِيَ أَحْدَاثٌ7 فِي مَحَلٍّ، لا حَدَثٌ وَاحِدٌ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ دُونَ

_ 1 في ع: تعرف في. 2 في ش ز: كلام. 3 انظر "شرح المعضد 2/224، التمهيد للِأسنوي ص 467، الإحكام للآمدي 3/341، إرشاد الفحول ص 209". 4 في ع: فمتعدد. 5 في ش: متعدد. 6 في ض: وأما. 7 في ش: أحداث بسبب.

الْمُسْتَنْبَطَةِ1؛ لأَنَّ الْمَنْصُوصَةَ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى تَعَدُّدِهَا، فَكَانَتْ أَمَارَاتٌ. وَأَمَّا الْمُسْتَنْبَطَةُ: فَمَا فَائِدَةُ اسْتِخْرَاجِهَا عِلَّةً؟ إلاَّ أَنَّهُ لا عِلَّةَ غَيْرُهَا تُتَخَيَّلُ. وَجَوَابُهُ: أَنَّهَا إذَا كَانَتْ أَمَارَاتٍ فَاسْتُنْبِطَتْ مُتَعَدِّدَةً فَلا فَرْقَ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إنَّ ذَلِكَ [جَائِزٌ] فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ، عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ2. وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: إنَّ الْمُتَعَدِّدَ جَائِزٌ عَقْلاً وَ3مُمْتَنِعٌ شَرْعًا، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرْعِ، لا عَلَى4 مَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ دَلَّ عَلَى مَنْعِهِ5. وَالْقَوْلُ السَّادِسُ: جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ مُتَعَاقِبَتَيْنِ، بِأَنْ يُعَلَّلَ

_ 1 انظر "المحصول 2/2/356، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، شرح تنقيح الفصول ص 404، شرح العضد 2/224، التمهيد للأسنوي ص 467، فواتح الرحموت 2/282، الآيات البينات 4/47، الإحكام للآمدي 3/341، إرشاد الفحول ص 209، مختصر البعلي ص 144". 2 انظر شرح العضد 2/224، فواتح الرحموت 2/282، الآيات البينات 4/47، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، إرشاد الفحول ص 209، مختصر البعلي ص 144". 3 ساقطة من ش. 4 في ش ب ز: على معنى. 5 انظر "البرهان 2/820، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، الآيات البينات 4/47، فواتح الرحموت 2/282".

بِإِحْدَاهُمَا فِي وَقْتٍ وَالأُخْرَى1 فِي وَقْتٍ آخَرَ. وَلا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ2. وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِأَنَّ وُقُوعَهُ فِي الْخَارِجِ دَلِيلُ جَوَازِهِ، وَقَدْ وَقَعَ. فَلِلْحَدَثِ عِلَلٌ3 مُسْتَقِلَّةٌ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَذْيِ، وَكَذَا لِلْقَتْلِ لِلْقَتْلِ وَغَيْرِهِ4. وَاعْتَرَضَ الآمِدِيُّ5 بِأَنَّ الْحُكْمَ أَيْضًا مُتَعَدِّدٌ شَخْصًا مُتَّحِدٌ نَوْعًا. وَلِهَذَا يَنْتَفِي الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بِإِسْلامِهِ. وَيَبْقَى الْقِصَاصُ، وَيَنْتَفِي الْقَتْلُ بِالْقِصَاصِ قَبْلَ إسْلامِهِ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ، وَيَبْقَى الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ، وَإِبَاحَةُ الْقَتْلِ6 بِجِهَةِ الْقِصَاصِ حَقٌّ لِلآدَمِيِّ، وَبِجِهَةِ الرِّدَّةِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَلا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَيُقَدَّمُ الآدَمِيُّ فِي الاسْتِيفَاءِ7. وَقَالَهُ قَبْلَهُ أَبُو الْمَعَالِي8.

_ 1 في ض: والآخر، وفي ش: وبالأخرى. 2 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/245، الآيات البينات 4/47. 3 في ع: علة. 4 في ش: علل وغيره، وفي د: وغيره علل. 5 الإحكام في أصول الأحكام 3/343. 6 في ض: الدم، وفي ش: القتل بالقصاص قبل إسلامه بعفو الولي، ويبقى القتل بالردة، وإباحة القتل بالقصاص قبل. 7 وذلك لأن حقه مبني على الشح والمضايقة، وحق الله تعالى مبني على المسامحة والمساهلة، من حيث إنّ الآدمي يتضرر بفوات حقه دون الباري جل وعلا. "إحكام الأحكام للآمدي 3/343". 8 البرهان 2/829.

وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. قَالَ: وَعَلَيْهِ نَصَّ الأَئِمَّةُ، كَقَوْلِ أَحْمَدَ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ هَذَا، مِثْلُ: خِنْزِيرٌ مَيِّتٌ حَرَامٌ مِنْ وَجْهَيْنِ1، فَأَثْبَتَ تَحْرِيمَيْنِ. وَحِلُّ الدَّمِ مُتَعَدِّدٌ لَكِنْ ضَاقَ الْمَحَلُّ، وَلِهَذَا يَزُولُ وَاحِدٌ، وَيَبْقَى الآخَرُ. وَلَوْ اتَّحَدَ الْحِلُّ بَقِيَ بَعْضُ حِلٍّ، فَلا يُبِيحُ2. وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ: وَتَتَدَاخَلُ هَذِهِ الأَحْكَامُ، هُوَ دَلِيلُ تَعَدُّدِهَا، وَإِلاَّ فَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لا يُعْقَلُ فِيهِ تَدَاخُلٌ. قَالَ: وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مَسْأَلَةِ الأَحْدَاثِ: إذَا نَوَى أَحَدَهَا3 ارْتَفَعَ وَحْدَهُ، يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَالأَشْهَرُ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ: يَرْتَفِعُ الْجَمِيعُ. وَقَالَهُ الْمَالِكِيَّةُ، وَذَلِكَ بِأَنَّ الشَّيْءَ لا يَتَعَدَّدُ فِي نَفْسِهِ بِتَعَدُّدِ إضَافَاتِهِ، وَإِلاَّ غَايَرَ حَدَثُ الْبَوْلِ حَدَثَ الْغَائِطِ، وَتَعَدُّدُهُ بِاخْتِلافِ الأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ، فَدَعْوَى خَاصِّيَّتِهِ4 لا يُفِيدُهُ5. وَأَيْضًا فَالْعِلَّةُ دَلِيلٌ، فَجَازَ تَعَدُّدُهَا كَبَقِيَّةِ الأَدِلَّةِ. "وَ" عَلَى الْجَوَازِ فَ "كُلُّ وَاحِدَةٍ" مِنْ الْعِلَلِ "عِلَّةٌ" كَامِلَةٌ "لا جُزْءُ عِلَّةٍ" عِنْدَ الأَكْثَرِ6.

_ 1 في ض د: جهتين. 2 في ع ض: يبح. 3 في ش: أحدهما. 4 في ض: خاصة، وفي ب: خاصته. 5 في ش: لا تفيد، وفي ز: لا بقيده، وفي ض: لا يفيد. 6 انظر: شرح العضد 2/227، فواتح الرحموت 2/286، مختصر البعلي ص 144.

وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: جُزْءُ عِلَّةٍ1. وَقِيلَ: الْعِلَّةُ إحْدَاهَا لا بِعَيْنِهَا2. وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِقْلالُ كُلٍّ مِنْهَا3 مُنْفَرِدَةً. وَأَيْضًا لَوْ لَمْ تَكُنْ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِلَّةً لامْتَنَعَ اجْتِمَاعُ الأَدِلَّةِ؛ لأَنَّ الْعِلَلَ أَدِلَّةٌ. "وَ" يَجُوزُ تَعْلِيلُ "حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ" وَاحِدَةٍ، بِمَعْنَى الأَمَارَةِ اتِّفَاقًا4؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ إنْ فُسِّرَتْ بِالْمُعَرَّفِ5، فَجَوَازُهُ6 ظَاهِرٌ7؛ إذْ لا يَمْتَنِعُ عَقْلاً وَلا شَرْعًا نَصْبُ أَمَارَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. بَلْ قَالَ الآمِدِيُّ8: لا نَعْرِفُ فِي ذَلِكَ خِلافًا، كَمَا لَوْ قَالَ الشَّارِعُ: جَعَلْت طُلُوعَ الْهِلالِ أَمَارَةً عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ، أَوْ طُلُوعَ فَجْرِ رَمَضَانَ أَمَارَةً لِوُجُوبِ الإِمْسَاكِ وَصَلاةِ

_ 1 انظر مختصر البعلي ص 144. 2 انظر مختصر البعلي ص 144. 3 في ع ض ب: منهما. 4 انظر "مناهج العقول 3/115، الإبهاج 3/99، نهاية السول 3/117، الوصول إلى مسائل الأصول 2/269، حاشية البناني 2/246، شرح العضد 2/228، الآيات البينات 4/48، الإحكام للآمدي 3/344، نشر البنود 2/147، مختصر البعلي ص 145". 5 في ش ع: بالعرف. 6 في ش: فجوازه على حكمين. 7 في ش ز: ظاهراً. 8 الإحكام في أصول الأحكام 3/344 بتصرف.

الصُّبْحِ. وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ1 فِي الإِثْبَاتِ أَوْ فِي النَّفْيِ. وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "إثْبَانًا وَنَفْيًا"2 فَمِنْ الإِثْبَاتِ: السَّرِقَةُ؛ فَإِنَّهَا عِلَّةٌ فِي الْقَطْعِ لِمُنَاسَبَةِ زَجْرِ السَّارِقِ، حَتَّى لا يَعُودَ، وَفِي3 غَرَامَةِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ لِصَاحِبِهِ لِمُنَاسَبَتِهِ4 لِجَبْرِهِ5. وَمِنْ الْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ: الْحَيْضُ، فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِمَنْعِ الصَّلاةِ وَالطَّوَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْمَنْعِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ. وَلا يُعَدُّ فِي مُنَاسَبَةٍ6 وَصْفٌ وَاحِدٌ لِعَدَدٍ مِنْ الأَحْكَامِ. وَذَهَبَ جَمْعٌ يَسِيرٌ إلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ؛ لأَنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَصْفُ اسْتَوْفَاهُ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ7.

_ 1 في ش: ذلك الإمساك وصلاة الصبح، وسواء كان ذلك. 2 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/246، الآيات البينات 4/48، نشر البنود 2/147. 3 ساقطة من ش. 4 في د: مناسبته، وفي ب: لمناسبة، وفي ش: مناسبة. 5 في ب: تجبره. 6 في ز ض ب: مناسبته. 7 انظر نشر البنود 2/148.

وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ الْمَقْصُودُ عَلَيْهِمَا، فَلا يَحْصُلُ جَمِيعُهَا إلاَّ بِهِمَا1، أَوْ2 يَحْصُلُ لِلْحُكْمِ3 الثَّانِي حِكْمَةٌ أُخْرَى فَتَتَعَدَّدُ4 الْحِكْمَةُ، وَالْوَصْفُ ضَابِطٌ لأَحَدِهِمَا5. وَيَدْخُلُ فِي إطْلاقِهِمْ جَوَازُ تَعْلِيلِ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ تَضَادٌّ، وَلَكِنْ بِشَرْطَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، كَالْجِسْمِ يَكُونُ عِلَّةً لِلسُّكُونِ بِشَرْطِ الْبَقَاءِ فِي الْحَيِّزِ، وَعِلَّةً لِلْحَرَكَةِ بِشَرْطِ الانْتِقَالِ عَنْهُ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ الشَّرْطَانِ؛ لأَنَّهُ لا يُمْكِنُ اقْتِضَاءُ6 الْعِلَّةِ لَهُمَا بِدُونِ7 ذَلِكَ؛ لِئَلاَّ يَلْزَمَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ وَهُوَ مُحَالٌّ. وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّضَادُّ فِي الشَّرْطَيْنِ؛ لأَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا، كَالْبَقَاءِ فِي الْحَيِّزِ مَعَ الانْتِقَالِ مَثَلاً، فَعِنْدَ حُصُولِ ذَيْنِك الشَّرْطَيْنِ إنْ حَصَلَ الْحُكْمَانِ - أَعْنِي السُّكُونَ وَالْحَرَكَةَ - لَزِمَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ، وَإِنْ حَصَلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآخَرِ: لَزِمَ التَّرْجِيحُ بِلا

_ 1 في ع: بها. 2 في د ض: و. 3 في ع: الحكم. 4 في ع ز: فتعدد. 5 انظر تحقيق المسألة في: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/246، الآيات البينات 4/47. 6 في ض: انتفاء. 7 ساقطة من ش.

مُرَجِّحٍ، وَإِنْ حَصَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَرَجَتْ الْعِلَّةُ عَنْ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً، فَتَعَيَّنَ التَّضَادُّ فِي الشَّرْطَيْنِ. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ مُفَصَّلٌ، وَهُوَ الْجَوَازُ إنْ لَمْ يَتَضَادَّا، كَالْحَيْضِ لِتَحْرِيمِ الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ، وَالْمَنْعُ إنْ تَضَادَّا، كَأَنْ يَكُونَ مُبْطِلاً لِبَعْضِ الْعُقُودِ مُصَحِّحًا لِبَعْضِهَا، كَالتَّأْبِيدِ يُصَحِّحُ الْبَيْعَ وَيُبْطِلُ الإِجَارَةَ 1. "وَ" مِنْ شُرُوطِ2 الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا تَتَأَخَّرَ عِلَّةُ الأَصْلِ عَنْ حُكْمِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ3 يُشْتَرَطُ أَنْ لا يَكُونَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ4. كَمَا لَوْ قِيلَ فِيمَنْ أَصَابَهُ عَرَقُ الْكَلْبِ: أَصَابَهُ عَرَقُ حَيَوَانٍ نَجِسٍ، فَكَانَ نَجِسًا كَلُعَابِهِ، فَيَمْنَعُ السَّائِلُ كَوْنَ عَرَقِ الْكَلْبِ نَجِسًا.

_ 1 انظر "الوصول إلى مسائل الأصول 2/269، حاشية البناني 2/247، الآيات البينات 4/48، نشر البنود 2/148". 2 في ع ض: شرط. 3 ساقطة من ع ب. 4 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/247، شرح العضد 2/228، الآيات البينات 4/48، الإحكام للآمدي 3/349، إرشاد الفحول ص 208، مختصر البعلي ص 145، تيسير التحرير 4/30، فواتح الرحموت 2/289".

فَيَقُولُ1 الْمُسْتَدِلُّ: لأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ شَرْعًا، أَيْ أَمَرَ الشَّرْعُ بِالتَّنَزُّهِ عَنْهُ. فَكَانَ نَجِسًا كَبَوْلِهِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذِهِ الْعِلَّةُ ثُبُوتُهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ حُكْمِ الأَصْلِ؛ فَتَكُونُ فَاسِدَةً؛ لأَنَّ حُكْمَ الأَصْلِ - وَهُوَ نَجَاسَتُهُ - يَجِبُ أَنْ تَكُونَ سَابِقَةً عَلَى اسْتِقْذَارِهِ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ بِاسْتِقْذَارِهِ إنَّمَا هُوَ مُرَتَّبٌ2 عَلَى ثُبُوتِ نَجَاسَتِهِ. وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ فَاسِدَةً لِتَأَخُّرِهَا عَنْ حُكْمِ الأَصْلِ فَمَا3 يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ 4مِنْ غَيْرِ بَاعِثٍ، عَلَى تَقْدِيرِ تَفْسِيرِ الْعِلَّةِ بِالْبَاعِثِ. وَقَدْ فَرَضْنَا تَأَخُّرَهَا عَنْ الْحُكْمِ، وَهُوَ مُحَالٌ؛ لأَنَّ الْفَرْضَ5: أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ عُرِفَ قَبْلَ ثُبُوتِ عِلَّتِهِ6 لَكِنْ إنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا إذَا قُلْنَا إنَّ مَعْنَى الْمُعَرِّفِ: الَّذِي يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِهِ7. أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ التَّعْرِيفُ: فَلا لِذَلِكَ8. "وَ" مِنْ شُرُوطِ9 الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا تَرْجِعَ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ "بِإِبْطَالٍ" حَتَّى لَوْ اُسْتُنْبِطَتْ مِنْ

_ 1 في ش: ويقول. 2 في ش: مترتب. 3 في ش: فيما. 4 في ش ز: بغير. 5 في د ع ض: الغرض. 6 في ش: الحكمة. 7 ساقطة من ش، وفي ز: به التعريف. 8 في د: كذلك. 9 في ش ع ض: شرط.

نَصٍّ، وَكَانَتْ تُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا، وَذَلِكَ؛ لأَنَّ الأَصْلَ مَنْشَؤُهَا1، فَإِبْطَالُهَا لَهُ إبْطَالٌ لَهَا؛ لأَنَّهَا فَرْعُهُ، وَالْفَرْعُ لا يُبْطِلُ أَصْلَهُ؛ إذْ لَوْ أَبْطَلَ2 أَصْلَهُ لأَبْطَلَ نَفْسَهُ3. كَتَعْلِيلِ الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبَ الشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ: بِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ، فَإِنَّهُ مُجَوِّزٌ لإِخْرَاجِ قِيمَةِ الشَّاةِ، فَيَتَخَيَّرُ4 عَلَى ذَلِكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قِيمَتِهَا، وَهُوَ مُفْضٍ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا. وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ تَجْوِيزِكُمْ الاسْتِنْجَاءَ بِكُلِّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ، اسْتِنْبَاطًا مِنْ أَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي الاسْتِنْجَاءِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ5؟ فَإِنَّكُمْ أَبْطَلْتُمْ هَذَا التَّوْسِيعَ6 بِغَيْرِ7 الأَحْجَارِ الْمَأْمُورِ بِهَا!! لَكِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا8 فَهِمْنَا إبْطَالَ تَعْيِينِهَا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

_ 1 في ش ز: منشأها. 2 في ض: بطل. 3 انظر "شرح العضد 2/228، الآيات البينات 4/51، الإحكام للآمدي 3/354، إرشاد الفحول ص 208، مختصر البعلي ص 145، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/247، نهاية السول 3/117، تيسير التحرير 4/31، فواتح الرحموت 2/289، أصول السرخسي 2/165". 4 في ش: فيتخير بين هذا وبين تجويزكم الاستنجاء، وفي ض: فيخير. 5 سبق تخريجه في ج 3 ص 465. 6 في ش: التوسع. 7 في ش زب: بعين. 8 في ش: إنْ.

وَسَلَّمَ، بَعْدَ مَا أَمَرَهُ بِالاسْتِنْجَاءِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ "وَلا يَسْتَنْجِي1 بِرَجِيعٍ وَلا عَظْمٍ2" فَدَلَّ عَلَى3 أَنَّهُ أَرَادَ أَوَّلاً4: الأَحْجَارَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ عَنْ الرَّجِيعِ وَالْعَظْمِ فَائِدَةٌ. "وَفِي قَوْلٍ: وَلا بِتَخْصِيصٍ" يَعْنِي أَنَّهُ هَلْ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ: أَنْ لا تَعُودَ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ مِنْهُ بِتَخْصِيصٍ، أَوْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهَا؟ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلانِ5. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: حَدِيثُ 6النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ7 فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ، وَالْعِلَّةُ فِيهِ - وَهُوَ8

_ 1 في ش: تستنج. 2 أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن سلمان الفارسي مرفوعاً. "صحيح مسلم 1/223، سنن النسائي 1/35، عارضة الأحوذي 1/32، بذل المجهود 1/20". 3 ساقطة من ض. 4 ساقطة من ش. 5 انظر تحقيق المسألة في "الإحكام للآمدي 3/354، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/248، الآيات البينات 4/51". 6 ساقطة من ش. 7 أخرجه مالك في الموطأ 2/655، والبيهقي في سننه 5/296، والحاكم في المستدرك 2/35، والدارقطني 3/71، عن سعيد بن المسيب مرسلاً، وأخرجه البيهقي في سننه أيضاً 5/296 من طريق الحسن عن سمرة مرفوعاً ثم قال: هذا إسناد صحيح. ومن أثبت سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب عدّه موصولاً، ومن لم يثبته فهو مرسل جيد يضم إلى مرسل سعيد بن المسيب والقاسم ابن أبي بزة وقول أبي بكر الصديق. 8 في ش: وهي.

مَعْنَى الرِّبَا - تَقْتَضِي1 تَخْصِيصَهُ بِالْمَأْكُولِ2؛ لأَنَّهُ بَيْعُ رِبَوِيٍّ بِأَصْلِهِ. فَمَا لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ لا مَدْخَلَ لَهُ فِي النَّهْيِ، فَقَدْ عَادَتْ الْعِلَّةُ عَلَى3 أَصْلِهَا بِالتَّخْصِيصِ. فَلِذَلِكَ جَرَى لِلشَّافِعِيِّ قَوْلانِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، مَأْخَذُهُمَا ذَلِكَ4. وَلأَصْحَابِنَا أَيْضًا5 فِي ذَلِكَ قَوْلانِ6، وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا: صِحَّةُ الْبَيْعِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مُطْلَقًا7. وَأَمَّا عَوْدُ الْعِلَّةِ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ بِالتَّعْمِيمِ: فَإِنَّهُ جَائِزٌ8 بِغَيْرِ خِلافٍ، كَمَا يُسْتَنْبَطُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" 9 أَنَّ الْعِلَّةَ: تَشْوِيشُ الْفِكْرِ، فَيَتَعَدَّى إلَى كُلِّ

_ 1 في ع ض ب: يقتضي. 2 ساقطة من ض. 3 في ش: من. 4 انظر: المهذب 1/284، التنبيه ص 65، تكملة المجموع 11/213 وما بعدها، فتح العزيز 8/188. 5 ساقطة من ع. 6 أي في بيع اللحم بالحيوان غير مأكول اللحم. "انظر المبدع 4/135". 7 أقول: تصحيح المصنف صحة بيع اللحم بالحيوان مطلقاً غير موافق لمذهب الحنابلة، إذا الصحيح المعتمد عند الحنابلة صحة بيع اللحم بالحيوان إذا كان الحيوان غير مأكول اللحم أو كان مأكول اللحم لكن من غير جنس اللحم. أما بيع اللحم بالحيوان مأكول اللحم من جنسه فلا خلاف في مذهبهم في عدم صحته. "انظر كشاف القناع 3/243، شرح منتهى الإرادات 2/195، المبدع 4/135، المغني 4/37، المحرر 1/320". 8 في ش: بخلاف. 9 سبق تخريجه في ج 3 ص 466.

مُشَوِّشٍ مِنْ شِدَّةِ فَرَحٍ وَنَحْوِهِ. "وَ" مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا يَكُونَ لِلْمُسْتَنْبَطَةِ1 مُعَارِضٌ فِي الأَصْلِ"2. يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعِلَّةِ إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً: أَنْ لا تَكُونَ مُعَارَضَةً بِمُعَارِضٍ مُنَافٍ مَوْجُودٍ فِي الأَصْلِ صَالِحٍ لِلْعِلِّيَّةِ، وَلَيْسَ3 مَوْجُودًا فِي الْفَرْعِ؛ لأَنَّهُ4 مَتَى كَانَ فِي الأَصْلِ وَصْفَانِ مُتَنَافِيَانِ5 يَقْتَضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقِيضَ الآخَرِ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا عِلَّةً6 إلاَّ بِمُرَجِّحٍ7. مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَقُولَ الْحَنَفِيُّ8 فِي9 صَوْمِ الْفَرْضِ " صَوْمُ مُعَيَّنٍ " فَيَتَأَدَّى بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ كَالنَّفْلِ.

_ 1 في ع: للمستنبط. 2 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/249، شرح العضد 2/228، أدب القاضي للماوردي 1/541، الآيات البينات 4، 52، الإحكام للآمدي 3/354، إرشاد الفحول ص 207، تيسير التحرير 4/31، فواتح الرحموت 2/290". 3 في ز: فليس. 4 في ض: كأنه. 5 في ض: متناقضان. 6 ساقطة من ع. 7 في ش: بلا مرجح. 8 في ش: الحنفي لبعضها فيصح نكاحها و. 9 ساقطة من د.

فَيُقَالُ لَهُ: صَوْمُ فَرْضٍ، فَيُحْتَاطُ فِيهِ وَلا يُبْنَى عَلَى السُّهُولَةِ. "وَ" مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا تُخَالِفَ نَصًّا وَلا إجْمَاعًا"؛ لأَنَّ النَّصَّ وَالإِجْمَاعَ لا يُقَاوِمُهُمَا الْقِيَاسُ، بَلْ يَكُونُ إذَا خَالَفَهُمَا بَاطِلاً1. مِثَالُ مُخَالَفَةِ النَّصِّ: أَنْ يَقُولَ حَنَفِيٌّ: امْرَأَةٌ مَالِكَةٌ لِبُضْعِهَا، فَيَصِحُّ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، كَبَيْعِهَا سِلْعَتَهَا. فَيُقَالُ لَهُ: هَذِهِ عِلَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا2 بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" 3. وَمِثَالُ مُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ: أَنْ يَقُولَ مُسَافِرٌ فَلا تَجِبُ4 عَلَيْهِ الصَّلاةُ فِي السَّفَرِ، قِيَاسًا عَلَى صَوْمِهِ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي السَّفَرِ، بِجَامِعِ الْمَشَقَّةِ.

_ 1 انظر "شرح العضد 2/229، الإحكام للآمدي 3/354، إرشاد الفحول ص 207، مختصر البعلي ص 145، تيسير التحرير 4/32، المستصفى 2/348، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/250، فواتح الرحموت 2/289، أدب القاضي للماوردي 1/541، الآيات البينات 4/55". 2 ساقطة من ش. 3 سبق تخريجه في ج 2 ص 541. 4 في ش: يجب.

فَيُقَالُ: هَذِهِ الْعِلَّةُ مُخَالِفَةٌ لِلإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمَشَقَّةِ فِي الصَّلاةِ، وَوُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَى الْمُسَافِرِ مَعَ وُجُودِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ1. وَمِثَالٌ آخَرُ لَوْ قِيلَ: إنَّ الْمِلْكَ لا يُعْتَقُ فِي الْكَفَّارَةِ لِسُهُولَتِهِ عَلَيْهِ، بَلْ يَصُومُ، وَهُوَ يَصْلُحُ مِثَالاً لَهُمَا. قَالَهُ الْعَضُدُ2. "وَ" مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا "أَنْ لا تَتَضَمَّنَ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ" أَيْ حُكْمًا فِي الأَصْلِ غَيْرَ مَا أَثْبَتَهُ النَّصُّ3؛ لأَنَّهَا4 إنَّمَا تُعْلَمُ مِمَّا أُثْبِتَ فِيهِ. مِثَالُهُ "لا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلاَّ يَدًا بِيَدٍ5 سَوَاءً بِسَوَاءٍ" فَتُعَلَّلُ الْحُرْمَةُ6 بِأَنَّهُ7 رِبًا فِيمَا يُوزَنُ كَالنَّقْدَيْنِ، فَيَلْزَمُ التَّقَابُضُ، مَعَ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ. وَقَالَ الآمِدِيُّ8: لا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، إلاَّ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ

_ 1 في ض ب: المشقة للسفر. 2 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/229. 3 انظر "إرشاد الفحول ص 208، مختصر البعلي 145، تيسير التحرير 4/33، شرح العضد 2/229، فواتح الرحموت 2/289". 4 في ز: فإنها. 5 ساقطة من ش ض. 6 في ش: العلة. 7 في ش: بأنها. 8 الإحكام في أصول الأحكام 3/355.

مُنَافِيَةً لِلنَّصِّ؛ لأَنَّهَا إذَا لَمْ تُنَافِ1 لَمْ2 يَضُرَّ وُجُودُهَا. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: هُوَ الْمُخْتَارُ3. 4"وَ" مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا "أَنْ يَكُونَ دَلِيلُهَا شَرْعِيًّا 5" وَذَلِكَ؛ لأَنَّ دَلِيلَهَا لَوْ كَانَ غَيْرَ شَرْعِيٍّ لَلَزِمَ أَنْ لا يَكُونَ الْقِيَاسُ شَرْعِيًّا. "وَ" مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا "أَنْ لا يَعُمُّ دَلِيلُهَا حُكْمَ الْفَرْعِ" يَعْنِي أَنْ6 لا يَكُونَ دَلِيلُ الْعِلَّةِ7 شَامِلاً لِحُكْمِ الْفَرْعِ "بِعُمُومِهِ" كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ الطَّعْمِ، فَيُقَالُ: الْعِلَّةُ دَلِيلُهَا حَدِيثُ "الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ8 "أَوْ بِخُصُوصِهِ9" كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ

_ 1 في ع: تتلف. 2 في ع ض ب: لا. 3 وكذا اختاره التاج السبكي في جمع الجوامع. "جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/251، الآيات البينات 4/55". 4 ساقطة من ع. 5 انظر "شرح العضد 2/219، الإحكام للآمدي 3/355، إرشاد الفحول ص 208، مختصر البعلي ص 145". 6 في ض: انه. 7 في ش: العلة حكماً. 8 صحيح مسلم 3/1214. 9 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/252، شرح العضد 2/229، الآيات البينات 4/60، إرشاد الفحول ص 208، نهاية السول 3/117، تيسير التحرير 4/33، فواتح الرحموت 2/290".

فَلْيَتَوَضَّأْ" 1 وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ ضَعِيفًا، لَكِنْ يُذْكَرُ لِلتَّمْثِيلِ. فَلَوْ قِيلَ فِي الْقَيْءِ: خَارِجٌ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ، فَيَنْقُضُ كَالْخَارِجِ مِنْهُمَا. ثُمَّ اُسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُمَا يُنْقَضُ بِهَذَا الْحَدِيثِ: لَمْ يَصِحَّ؛ لأَنَّهُ تَطْوِيلٌ بِلا فَائِدَةٍ، بَلْ فِي الثَّانِي - مَعَ كَوْنِهِ تَطْوِيلاً - رُجُوعٌ عَنْ الْقِيَاسِ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ2 بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ، لا بِنَفْسِ الْعِلَّةِ، فَلَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ بِالْقِيَاسِ. قَالَ الْعَضُدُ: لَنَا3 أَنَّهُ يُمْكِنُ4 إثْبَاتُ الْفَرْعِ بِالنَّصِّ، كَمَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الأَصْلِ بِهِ. فَالْعُدُولُ عَنْهُ إلَى إثْبَاتِ الأَصْلِ، ثُمَّ الْعِلَّةِ، ثُمَّ بَيَانِ وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ، ثُمَّ بَيَانِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهَا: تَطْوِيلٌ بِلا فَائِدَةٍ. وَأَيْضًا 5فَإِنَّهُ رُجُوعٌ مِنْ الْقِيَاسِ إلَى

_ 1 أخرجه البيهقي والدارقطني وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً، كما أخرجه البيهقي والدارقطني عن ابن جريج عن أبيه مرسلاً، وفي إسناده في الروايتين إسماعيل بن عياش. قال الحافظ بن حجر: وروايته عن غير الشاميين ضعيفة، وهذا منها. وقال أيضاً: وفي الباب عن أبي سعيد الخدري عند الدارقطني وإسناده أضعف من الأول، وأخرجه أيضاً ابن عباس نحوه، وفي إسناده سليمان بن أرقم. "انظر سنن البيهقي 1/142 وما بعدها، سنن الدارقطني 1/153 وما بعدها، سنن ابن ماجة 1/386، الدراية في تخريح أحاديث الهداية 1/30 وما بعدها". 2 في ز: ثبت. 3 ساقطة من د ض. 4 في ش: ممكن. 5 في ش: أن تكون فائدة.

النَّصِّ1. "وَأَنْ تَتَعَيَّنَ" يَعْنِي أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا: أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً لا مُبْهَمَةً2، بِمَعْنَى شَائِعَةٍ، خِلافًا لِمَنْ اكْتَفَى بِذَلِكَ، مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " اعْرِفْ الأَشْبَاهَ وَالنَّظَائِرَ، وَقِسْ الأُمُورَ3 بِرَأْيِك "4 فَيَكْفِي عِنْدَهُمْ كَوْنُ الشَّيْءِ مُشْبَهًا لِلشَّيْءِ شَبَهًا مَا. قَالَ الْهِنْدِيُّ: لَكِنْ أَطْبَقَ الْجَمَاهِيرُ عَلَى فَسَادِهِ؛ لأَنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ وَالْمُجْتَهِدَ سَوَاءٌ فِي إثْبَاتِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْحَوَادِثِ، إذْ مَا مِنْ عَامِّيٍّ إلاَّ وَعِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ أَصْلٌ مِنْ الأُصُولِ عَامٌّ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ.

_ 1 شرح المعضد على مختصر ابن الحاجب 2/230. 2 انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/251، التبصرة للشيرازي ص 458، اللمع ص 59، تيسير التحرير 4/53، فواتح الرحموت 2/301، الآيات البينات 4/57، إرشاد الفحول ص 208، نشر البنود 2/150، إعلام الموقعين 1/148، المسودة ص 389، الوصول إلى مسائل الأصول 2/252، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 15". 3 ساقطة من ض. 4 هذا جزء من كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري في أصول القضاء، وقد أخرجه الدارقطني والبيهقي وغيرهم. قال العلامة ابن القيم: "هذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه". "انظر إعلام الموقعين 1/86، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/200، سنن الدارقطني 4/206 وما بعدها، إرواء الغليل 8/241" وقد حاول ابن حزم الطعن في صحته وسعى في إبطاله سنداً ومتناً في كتابه الإحكام في أصول الأحكام 7/1003 وما بعدها، فتأمل!

وَأَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّهُ لا بُدَّ فِي الإِلْحَاقِ مِنْ الاشْتِرَاكِ بِوَصْفٍ خَاصٍّ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَقَّفُونَ فِي الْحَوَادِثِ1 لا يُلْحِقُونَهَا بِأَيِّ وَصْفٍ كَانَ بَعْدَ عَجْزِهِمْ عَنْ إلْحَاقِهَا بِمَا يُشَارِكُهَا فِي وَصْفٍ خَاصٍّ. أَمَّا التَّعْلِيلُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَحْصُورِ: فَلا يَمْتَنِعُ كَمَا لَوْ مَسَّ الرَّجُلُ مِنْ الْخُنْثَى فَرْجَ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْخُنْثَى فَرْجَ النِّسَاءِ بِشَهْوَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَاسِّينَ؛ لأَنَّهُ إمَّا مَسُّ فَرْجٍ أَوْ مَسٌّ لِشَهْوَةٍ. "وَ" مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَيْضًا "أَنْ لا تَكُونَ وَصْفًا مُقَدَّرًا2" غَيْرَ حَقِيقِيٍّ، أَيْ مَفْرُوضًا لا حَقِيقَةَ لَهُ3، كَتَعْلِيلِ جَوَازِ التَّصَرُّفِ4

_ 1 في ز: الحادث. 2 المراد بالتقدير في هذا المقام: إعطاء المعدوم حكم الموجود. "قواعد الأحكام 2/112" وللتقدير معانٍ أخرى عند الفقهاء والأصوليين، منها: إعطاء الموجود حكم المعدوم. ومنها: إعطاء المتأخر حكم المتقدم. ومنها: إعطاء الآثار والصفات حكم الأعيان والموجودات. "انظر هذه الإطلاقات وأمثلتها بصورة مفصلة في قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2/112-117". 3 انظر تحقيق المسألة في "المستصفى 2/336، نشر البنود 2/151، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/251، شرح تنقيح الفصول ص 410، الآيات البينات 4/59، إرشاد الفحول ص 208". 4 في ش: الصرف.

بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْمِلْكِ1. قَالَ الرَّازِيّ2: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالصِّفَاتِ الْمُقَدَّرَةِ، خِلافًا 3 لِلْفُقَهَاءِ الْبَصْرِيِّينَ. قَالَ صَاحِبُ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ: أَنْكَرَ الإِمَامُ وَجَمْعٌ تَصْوِيرَ التَّقْدِيرِ فِي الشَّرْعِ، فَضْلاً عَنْ التَّعْلِيلِ بِهِ4. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ5: قُلْت: الْفُرُوعُ الْفِقْهِيَّةُ كَثِيرَةٌ بِالتَّعْلِيلِ6 بِالأُمُورِ التَّقْدِيرِيَّةِ، لا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ خِلافٌ، وَكَأَنَّهَا7 عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ التَّحْقِيقِيَّاتِ. أَلا تَرَى أَنَّ الْحَدَثَ عِنْدَهُمْ وَصْفٌ وُجُودِيٌّ مُقَدَّرٌ قِيَامُهُ8 9بِالأَعْضَاءِ يَرْفَعُهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ، وَلا يَرْفَعُهُ التَّيَمُّمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ9!!

_ 1 باعتبار أن الملك عند الفقهاء هو معنى شرعي مقدر في المحل، أثره إطلاق التصرفات. "انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/252، نشر البنود 2/151". 2 المحصول 2/2/431. 3 كذا في سائر الأصول الخطية. وفي المحصول: لبعض الفقهاء المعاصرين. 4 شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 410، 411. غير أن الإمام القرافي بعد أن حكى رأي الإمام الرازي في إنكار المقدرات وعدم صحة التعليل بها ناقشه وردّه، ثم قال: "فإنكار الإمام منكر، والحق التعليل بالمقدرات". 5 ساقطة من ض. 6 في ش: التعليل. 7 في ع: فكأنها. 8 في ش ض: قياسه. 9 ساقطة من ع.

1"وَقَدْ تَكُونُ" الْعِلَّةُ "حُكْمًا شَرْعِيًّا" عِنْدَ الأَكْثَرِ2. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ3 أَصْحَابِنَا، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَمَارَةٌ. وَالْعِلَّةُ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا فِي الأَصْلِ الْمُتَعَدِّيَةُ إلَى الْفَرْعِ. وَأَيْضًا قَدْ يَدُورُ حُكْمٌ مَعَ حُكْمٍ، وَالدَّوَرَانُ عِلَّةٌ كَمَا يَأْتِي. وَمَنَعَهُ آخَرُونَ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: اخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، كَقَوْلِنَا: مَنْ صَحَّ طَلاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: الْجَوَازُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَطَائِفَةٌ مِنْ الأُصُولِيِّينَ. وَقِيلَ: لا يَجُوزُ، وَ4يُعْزَى إلَى بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْمُنَى.

_ 1 ساقطة من ع. 2 انظر "حاشية البناني 2/234، شرح تنقيح الأصول ص 408، شرح العضد 2/230، المسودة ص 411، 466، روضة الناظر ص 319، اللمع ص 59، المعتمد 2/805، الآيات البينات 4/38، الإحكام للآمدي 3/301، إرشاد الفحول ص 209، مختصر البعلي ص 145، نهاية السول 3/109، شرح البدخشي 3/108، الإبهاج 3/92، تيسير التحرير 4/34، المستصفى 2/335، فواتح الرحموت 2/290، فتح الغفار 3/20، كشف الأسرار 3/347، الوصول إلى مسائل الأصول 2/277". 3 في ز: من. وفي ض: عند. 4 ساقطة من ش.

وَقِيلَ: يَجُوزُ كَوْنُهُ عِلَّةً، بِمَعْنَى الأَمَارَةِ، لا فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ تَكُونُ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ، لا بِمَعْنَى الأَمَارَةِ. اهـ "وَتَكُونُ1 صِفَةُ الاتِّفَاقِ" فِي مَسْأَلَةٍ "وَ" صِفَةُ "الاخْتِلافِ" فِي أُخْرَى "عِلَّةً" لِلْحُكْمِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ2، كَالإِجْمَاعِ حَادِثٌ، وَهُوَ دَلِيلٌ، وَالاخْتِلافُ يَتَضَمَّنُ خِفَّةَ حُكْمِهِ، وَعَكْسُهُ الاتِّفَاقُ، كَقَوْلِنَا فِي3 الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الظِّبَاءِ وَالْغَنَمِ: مُتَوَلِّدٌ مِنْ4 أَصْلَيْنِ يُزَكَّى أَحَدُهُمَا إجْمَاعًا، فَوَجَبَ فِيهِ، كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ سَائِمَةٍ وَمَعْلُوفَةٍ. وَقَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْكَلْبِ: مُخْتَلَفٌ فِي حِلِّ لَحْمِهِ، فَلَمْ يَجِبْ فِي وُلُوغِهِ عَدَدٌ كَالسَّبُعِ. وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ لِحُدُوثِهَا بَعْدَ الأَحْكَامِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ ضِمْنَ مَسْأَلَةِ النَّبِيذِ لَنَا "وَيَتَعَدَّدُ الْوَصْفُ وَيَقَعُ" يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْمُتَعَدِّدِ 5عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ6، وَيُسَمَّى الْوَصْفَ الْمُرَكَّبَ؛ لأَنَّ

_ 1 في ع ض ب: وقد يكون حكماً شرعياً وتكون. 2 انظر المسودة ص 409، 410. 3 ساقطة من ع. 4 في ش: بين. 5 في ع: للتعدد. 6 انظر "حاشية البناني 3/234، فواتح الرحموت 2/291، كشف الأسرار 3/348، شرح تنقيح الفصول ص 409، شرح العضد 2/230، المحصول 2/2/413، روضة الناظر ص 319، اللمع ص 60، المعتمد 2/789، الآيات البينات 4/38، الإحكام للآمدي 3/306، نشر البنود 2/134، =

الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُفْرَدَةِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْعِلَّةِ1 الْمُرَكَّبَةِ، فَهُمَا سَوَاءٌ. وَذَلِكَ كَمَا نَقُولُ2 فِي قِصَاصِ النَّفْسِ: قَتْلٌ مَحْضٌ عُدْوَانٌ. وَقِيلَ: لا؛ لأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمُرَكَّبِ يُؤَدِّي إلَى مُحَالٍ. فَإِنَّهُ بِانْتِفَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ تَنْتَفِي عِلِّيَّتُهُ، فَبِانْتِفَاءِ3 آخَرَ يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لأَنَّ انْتِفَاءَ الْجُزْءِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْعِلِّيَّةِ4. رُدَّ لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عِلَّةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَدَمُ شَرْطٍ، فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ شَرْطٌ لِلْعِلِّيَّةِ5. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ عِلَّةٌ، فَحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ إلَى انْتِفَاءِ 6جُزْءٍ آخَرَ، كَمَا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ7. "وَمَا حَكَمَ بِهِ الشَّارِعُ مُطْلَقًا، أَوْ فِي عَيْنٍ، أَوْ فَعَلَهُ" الشَّارِعُ "أَوْ أَقَرَّهُ" أَيْ أَقَرَّ الشَّارِعُ غَيْرَهُ عَلَى فِعْلِهِ "لا يُعَلَّلُ بِمُخْتَصَّةٍ" أَيْ

_ = مختصر البعلي ص 145، نهاية السول 3/112، مناهج العقول 3/112، الإبهاج 3/96، تيسير التحرير 4/34، المستصفى 2/336". 1 ساقطة من ش. وفي ض: المنفردة يستدل به على العلة. 2 في ش: تقول. 3 في ع: فانتفاء. 4 في ع ض: العلة. 5 في ع: للعلة. 6 في ش: أجزاء أخر. 7 انظر: المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/235، الآيات البينات 4/39.

بِعِلَّةٍ مُخْتَصَّةٍ "بِذَلِكَ الْوَقْتِ؛ بِحَيْثُ يَزُولُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا" بِزَوَالِهَا1. "وَقَدْ تَزُولُ الْعِلَّةُ وَيَبْقَى الْحُكْمُ كَالرَّمَلِ"2 قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - وَعَنَى بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - مَا حَكَمَ بِهِ الشَّارِعُ مُطْلَقًا، أَوْ فِي عَيْنٍ، أَوْ فَعَلَهُ، أَوْ أَقَرَّهُ: هَلْ يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ مُخْتَصَّةٍ بِذَلِكَ الْوَقْتِ، بِحَيْثُ يَزُولُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا؟ جَوَّزَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ. ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْلِيلِ، وَذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي حُكْمِهِ بِتَضْعِيفِ الْغُرْمِ عَلَى سَارِقِ الثَّمَرِ3 الْمُعَلَّقِ، وَالضَّالَّةِ الْمَكْتُومَةِ4، وَمَانِعِ الزَّكَاةِ، وَتَحْرِيقِ مَتَاعِ الْغَالِّ وَهُوَ شُبْهَتُهُمْ أَنَّ5 حُكْمَ الْمُؤَلَّفَةِ انْقَطَعَ. وَمَنَعَهُ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيَّةُ.

_ 1 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 18. 2 الرَّمَل: هو الإسراع في المشي وهزّ المنكب. وقد شرع رَمَل الطواف في عمرة القضاء ليرى المشركون قوة المسلمين حيث قالوا: وهنتهم حمى يثرب. وقيل: الرمَل إسراع المشي مع تقارب الخطى، وهو الخبب. "مجمع بحار الأنوار 2/380 وما بعدها". 3 ساقطة من ض. 4 في ش: المكتوبة. 5 في ش: في أن.

ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ - يَعْنِي بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ أَيْضًا - قَدْ تَزُولُ الْعِلَّةُ وَيَبْقَى الْحُكْمُ، كَالرَّمَلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النُّطْقُ حُكْمٌ مُطْلَقٌ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ خَاصًّا1 فَقَدْ2 ثَبَتَتْ3 الْعِلَّةُ مُطْلَقًا. وَهَذَانِ جَوَابَانِ لا حَاجَةَ إلَيْهِمَا. وَاحْتُجَّ بِأَنَّ هَذَا رَأْيٌ مُجَرَّدٌ، وَبِتَمَسُّكِ الصَّحَابَةِ بِـ"نَهْيِهِ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ " فِي الْعَامِ الْقَابِلِ4. وَمُرَادُهُ: أَنَّهُ صَحَّ5 عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَقَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ6، وَقَوْلِ جَابِرٍ "كُنَّا لا نَأْكُلُ، فَرَخَّصَ

_ 1 في ش: خاص. 2 ساقطة من د. 3 في ع: تثبت، وفي ش: أثبتت. 4 حيث روى البخاري ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ضحّى منكم فلا يُصبِحَنَّ بعد ثالثة وفي بيته منه شي"، فلما كان العام المقبل، قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: "كلوا وأطعموا وادّخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تُعينوا فيها". "رواه البخاري 6/239، صحيح مسلم 3/1563". 5 أي صحّ عنهم جواز ادّخارها. 6 هو الصحابي الجليل قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الظَّفَري الأنصاري الأوسي، أبو عبد الله، من فضلاء الصحابة، شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم العقبة وأحُداً وبدراً والخندق وسائر المشاهد، وقلعت عينه يوم أحد، فردّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أحسن عينيه. توفي بالمدينة سنة 23 هـ وهو ابن خمس وستين سنة. "انظر ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد =

لَنَا"1. "وَتَعْلِيلُهُ" أَيْ الْحُكْمِ "بِعِلَّةٍ زَالَتْ. وَإِذَا عَادَتْ" الْعِلَّةُ عَادَ الْحُكْمُ "فِيهِ نَظَرٌ" "وَعَكْسُهُ" أَيْ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ تَعْلِيلُ حُكْمٍ نَاسِخٍ بِمُخْتَصَّةٍ أَيْ بِعِلَّةٍ مُخْتَصَّةٍ بِذَلِكَ الزَّمَنِ، بِحَيْثُ إذَا زَالَتْ 2تِلْكَ الْعِلَّةُ "زَالَ" الْحُكْمُ. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَالْحُكْمُ هُنَا أَقْسَامٌ: أَعْلاهَا: أَنْ يَكُونَ3 بِخِطَابٍ مُطْلَقٍ4. الثَّانِي: أَنْ يَثْبُتُ فِي أَعْيَانٍ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِعْلاً أَوْ إقْرَارًا.

_ = 2/3/25، الاستيعاب 3/1274، أسد الغابة 4/195، الإصابة 3/225، الكامل لابن الأثير 3/40، تهذيب الأسماء واللغات 2/58، مشاهير علماء الأمصار ص 27، سير أعلام النبلاء 2/331، شذرات الذهب 1/34". وحديث قتادة بن النعمان في جواز أكل الأضاحي وادخارها أخرجه الحاكم في المستدرك 4/232 وقال عنه: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. 1 أخرجه البخاري ومسلم والنسائي ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده، ولفظ الشيخين "كنا لا نأكل من لحوم بُدننا فوق ثلاث منى، فرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كلوا وتزوَّدوا". "صحيح البخاري 2/178، صحيح مسلم 3/1562، سنن النسائي 7/206، الموطأ 2/484، مسند أحمد 3/317" وأخرج نحوه ابن ماجة عن نُبَيْشة مرفوعاً "سنن ابن ماجة 2/1055". 2 ساقطة من ش ز. 3 في ع ض ب: تكون. 4 في ع ب: مطلقاً.

فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ1 مُطْلَقًا، فَهَلْ يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ قَدْ زَالَتْ؟ لَكِنْ إذَا عَادَتْ يَعُودُ. فَهَذَا أَخَفُّ2 مِنْ الأَوَّلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. قُلْت: نَظِيرُهُ3 قَوْلُ مَنْ قَالَ4 بِانْقِطَاعِ نَصِيبِ الْمُؤَلَّفَةِ عِنْدَ عَدَمِ الاحْتِيَاجِ إلَيْهِ. فَإِنْ وُجِدَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّأْلِيفِ عَادَ جَوَازُ الدَّفْعِ لِعَوْدِ الْعِلَّةِ. اهـ. أَمَّا تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ زَالَتْ، لَكِنْ إذَا عَادَتْ فَفِيهِ نَظَرٌ! وَعَكْسُهُ: تَعْلِيلُ النَّاسِخِ بِعِلَّةٍ مُخْتَصَّةٍ بِذَلِكَ الزَّمَنِ، بِحَيْثُ إذَا زَالَتْ زَالَ، وَيَقَعُ الْفُقَهَاءُ فِيهِ كَثِيرًا. "وَوُقُوعُهُ" أَيْ وُقُوعُ هَذَا التَّعْلِيلِ "فِي خِطَابٍ عَامٍّ فِيهِ نَظَرٌ"! وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: أَلْحَقَ الْحَنَفِيَّةُ النَّسْخَ بِزَوَالِ الْعِلَّةِ، كَالْخَمْرِ حُرِّمَتْ أَوَّلاً وَأَلِفُوا5 شُرْبَهَا، فَنُهِيَ عَنْ تَخْلِيلِهَا6 تَغْلِيظًا، وَزَالَتْ بِاعْتِيَادِ التَّرْكِ، فَزَالَ الْحُكْمُ، ثُمَّ أَبْطَلَهُ بِأَنَّهُ7 نَسْخٌ بِالاحْتِمَالِ كَمَنْعِهِ فِي حَدٍّ وَفِسْقٍ وَنَجَاسَتِهَا.

_ 1 في ش: الفعل. 2 في د ض: أحق. 3 في ش: نظره. 4 في ش ز: يقول. 5 في ش ض: وألغوا. 6 في ش: تحليلها. 7 في ش: بأن.

فصل لا يشترط القطع بحكم الأصل

"فَصْلٌ" "لا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِحُكْمِ الأَصْلِ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الْعِلَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً: أَنْ تَكُونَ مِنْ أَصْلٍ مَقْطُوعٍ بِحُكْمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، إذْ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَى مَا ثَبَتَ حُكْمُهُ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْعُمُومِ وَالْمَفْهُومِ وَغَيْرِهَا؛ لأَنَّهُ غَايَةُ الاجْتِهَادِ فِيمَا يُقْصَدُ بِهِ الْعَمَلُ1. وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ: أَنْ تَكُونَ مِنْ أَصْلٍ مَقْطُوعٍ بِحُكْمِهِ. "وَلا" يُشْتَرَطُ أَيْضًا الْقَطْعُ "بِوُجُودِهَا" أَيْ وُجُودِ الْعِلَّةِ "فِي الْفَرْعِ" عَلَى الصَّحِيحِ2؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ إذَا كَانَ ظَنِّيًّا، فَلا يَضُرُّ كَوْنُ مُقَدِّمَاتِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا ظَنِّيًّا.

_ 1 انظر "شرح العضد 2/232، تيسير التحرير 3/294، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/253، الآيات البينات 4/61، الإحكام للآمدي 3/355، مناهج العقول 3/115". 2 انظر "الإبهاج 3/106، المستصفى 2/330، فواتح الرحموت 2/260، الإحكام للآمدي 3/355، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/253، الآيات البينات 4/62، مناهج العقول 3/123، نهاية السول 3/124، شرح العضد 2/232، روضة الناظر ص 319، مختصر الطوفي ص 152، المحصول 2/2/497، تيسير التحرير 3/302".

وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ. "وَلا" يُشْتَرَطُ فِيهَا أَيْضًا "انْتِفَاءُ مُخَالَفَةِ مَذْهَبِ صَحَابِيٍّ إنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً" عَلَى الصَّحِيحِ1. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ حُجَّةٌ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ. وَاشْتَرَطَهُ بَعْضُهُمْ. "وَلا" يُشْتَرَطُ أَيْضًا لِصِحَّةِ الْعِلَّةِ "النَّصُّ عَلَيْهَا أَوْ الإِجْمَاعُ عَلَى تَعْلِيلِهِ" أَيْ تَعْلِيلِ حُكْمِ الأَصْلِ. الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ أَنْ يَرِدَ نَصٌّ دَالٌّ عَلَى عَيْنِ2 تِلْكَ الْعِلَّةِ، وَلا الاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الأَصْلِ مُعَلَّلٌ3. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ4، فَاشْتَرَطَ أَحَدَهُمَا. عَلَى

_ 1 انظر "المستصفى 2/349، فواتح الرحموت 2/290، تيسير التحرير 4/9، شرح العضد 2/232، حاشية البناني 2/253، الآيات البينات 4/62، مناهج العقول 3/115". 2 في د ض: معنى. 3 انظر "المسودة ص 401، الجدل لابن عقيل ص 16، إرشاد الفحول ص 206، نشر البنود 2/116، المحصول 2/2/494، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/213، 222، الآيات البينات 4/11، 19، نهاية السول 3/123، مناهج العقول 3/122، الإبهاج 3/105، فواتح الرحموت 2/256". 4 هو بشر بن غياث بن أبي كريمة المريسي، أبو عبد الرحمن، مولى زيد بن الخطاب، =

ظَاهِرِ كَلامِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ1. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ بِشْرٍ: اشْتِرَاطُ الأَمْرَيْنِ مَعًا2. "وَإِذَا كَانَتْ عِلَّةُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ وُجُودَ مَانِعٍ" كَالأُبُوَّةِ فِي الْقِصَاصِ "أَوْ عَدَمَ شَرْطٍ" كَعَدَمِ الرَّجْمِ بِعَدَمِ3 الإِحْصَانِ "لَزِمَ وُجُودُ الْمُقْتَضِي" مِثْلُ بَيْعِ مَنْ أَهْلُهُ فِي مَحَلِّهِ عِنْدَ الأَكْثَرِ4. قَالَ الآمِدِيُّ: لأَنَّ5 الْحُكْمَ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْخَلْقِ، فَمَا6

_ = مبتدع ضال، تفقه على أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ثم اشتغل بعلم الكلام، وأصبح داعية للقول بخلق القرآن، وهو من رؤوس المرجئة أيضاً، وإليه تنسب طائفة المريسية منهم. توفي سنة 218 هـ وقيل 219 هـ. "انظر ترجمته في الفرق بين الفرق للبغدادي ص 204، تاريخ بغداد للخطيب 7/56، الفوائد البهية للكنوي ص 54، شذرات الذهب 2/44، حاشية البناني على جمع الجوامع 2/213، الفتح المبين 1/136". 1 ليس في ظاهر كلام صاحب جمع الجوامع ما يفيد أن بِشراً اشترط أحدهما. وعبارة السبكي فيه: "ولا يشترط دالّ على جواز القياس عليه بنوعه أو شخصه ولا اتفاق على وجود العلة فيه خلافاً لزاعميهما". "انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/213، الآيات البينات 4/19". 2 عزو المصنف إلى الرازي –في حكاية قول بشر- غير سديد، حيث إن الرازي نقل عن بشر اشتراط أحدهما لا كليهما، وعبارته في المحصول 2/2/494: "زعم بشر المريسي أن شرط الأصل انعقاد الإجماع على كون حكمه معللاً أو ثبوت النص على عين تلك العلة. وعندنا أن هذا الشرط غير معتبر". فتأمل!! 3 في ش ع: بعد. 4 انظر: نشر البنود 2/135. 5 في ش: وخالف في ذلك الرازي وأتباعه لأن. 6 في ش: وأن ما.

لا فَائِدَةَ فِيهِ لَمْ يُشْرَعْ، فَانْتَفَى لِنَفْيِ فَائِدَتِهِ1. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الرَّازِيّ2 وَأَتْبَاعُهُ3 "وَيَصِحُّ كَوْنُ الْعِلَّةِ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ" نَحْوَ: يَصِحُّ رَهْنُ4 مُشَاعٍ5، كَرَهْنِهِ مِنْ شَرِيكِهِ. وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ. حَكَى ابْنُ عَقِيلٍ الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ عَنْ الأَوَّلِ: إنَّهُ أَصَحُّ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ صَحَّحَهُ أَيْضًا. "وَحُكْمُ الأَصْلِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ لا بِهَا" أَيْ لا6 بِالْعِلَّةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ7.

_ 1 الإحكام في أصول الأحكام 3/350. 2 المحصول 2/2/438 وما بعدها. 3 والحنفية أيضاً. "انظر: شرح العضد 2/232، شرح تنقيح الفصول ص 411، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/261، الآيات البينات 4/75، مناهج العقول 3/114، نهاية السول 3/116، تيسير التحرير 4/37، فواتح الرحموت 2/292". 4 في ض: رهناً. 5 في ض: مشاعاً. 6 ساقطة من ش. 7 انظر تحقيق المسألة في "شرح العضد 2/232، الإحكام للآمدي 3/357، تيسير التحرير 3/294، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/231، الآيات البينات 4/33، نشر البنود 2/130، التلويح على التوضيح 2/55هـ، كشف الأسرار 3/316".

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لأَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ1 تَعَبُّدًا. فَلَوْ ثَبَتَ بِالْعِلَّةِ لَمْ يَثْبُتْ مَعَ عَدَمِهَا؛ وَلأَنَّهَا مَظْنُونَةٌ2، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ، وَمُرَادُهُمْ3: أَنَّهُ مُعَرِّفٌ لَهُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: بِالْعِلَّةِ. وَمُرَادُهُمْ الْبَاعِثَةُ عَلَيْه. فَالْخِلافُ لَفْظِيٌّ4 اهـ.

_ 1 في ز: ثبت. 2 في ش: معلولة مظنونة. 3 ساقطة من ش ز. 4 انظر توضيح حل النزاع في القضية في شرح العضد 2/232.

فصل شروط الفرع

فصل شروط الفرع ... "فصل" لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْرِيفِ حُكْمِ الأَصْلِ وَشُرُوطِهِ، وَتَعْرِيفِ الْعِلَّةِ وَشُرُوطِهَا، وَتَعْرِيفِ الْفَرْعِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ شُرُوطِهِ، فَقَالَ: "شَرْطُ فَرْعٍ: أَنْ تُوجَدَ" الْعِلَّةُ "فِيهِ" أَيْ فِي الْفَرْعِ "بِتَمَامِهَا" أَيْ الْعِلَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ ذَاتَ أَجْزَاءٍ، فَلا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكُلِّ فِي الْفَرْعِ "فِيمَا يُقْصَدُ مِنْ عَيْنِهَا" أَيْ عَيْنِ الْعِلَّةِ "أَوْ جِنْسِهَا"1. "فَإِنْ كَانَتْ" الْعِلَّةُ "قَطْعِيَّةً" كَقِيَاسِ الضَّرْبِ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى قَوْلِ أُفٍّ، بِجَامِعِ أَنَّهُ إيذَاءٌ "فَ" الْقِيَاسُ "قَطْعِيٌّ، وَهُوَ" أَيْ هَذَا الْقِيَاسُ يُسَمَّى "قِيَاسَ الأَوْلَى"2؛ لأَنَّ الإِيذَاءَ بِالضَّرْبِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ

_ 1 انظر "المسودة ص 377، 389، المحصول 2/2/497، الإحكام للآمدي 3/359، تيسير التحرير 3/295، شرح العضد 2/233، مختصر البعلي ص 145، شفاء الغليل ص 673، روضة الناظر ص 318، حاشية البناني 2/222، الآيات البينات 4/20، أصول السرخسي 2/149، الجدل لابن عقيل ص 15، فتح الغفار 3/16، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/123. مناهج العقول 3/123، نهاية السول 3/124، الإبهاج 3/106، كشف الأسرار 3/326، المستصفى 2/330، فواتح الرحموت 2/257، مفتاح الوصول ص 151، التلويح على التوضيح 2/562". 2 انظر: نشر البنود 2/124، الآيات البينات 4/24، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/224.

مِنْ الإِيذَاءِ بِقَوْلِ "أُفٍّ". وَإِنْ1 كَانَتْ الْعِلَّةُ قَطْعِيَّةً، وَلَكِنْ2 لَيْسَتْ بِأَوْلَى، كَالنَّبِيذِ يُقَاسُ عَلَى الْخَمْرِ بِجَامِعِ الإِسْكَارِ. فَالْقِيَاسُ أَيْضًا قَطْعِيٌّ "وَ" يُسَمَّى قِيَاسَ "الْمُسَاوَاةِ"3. "أَوْ" كَانَتْ الْعِلَّةُ "ظَنِّيَّةً" كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ فِي أَنَّهُ لا يُبَاعُ إلاَّ يَدًا بِيَدٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ بِجَامِعِ الطُّعْمِ، فَالْمَعْنَى الْمُعْتَبَرُ - وَهُوَ الطُّعْمِ - مَوْجُودٌ فِي الْفَرْعِ بِتَمَامِهِ "فَ" الْقِيَاسُ "ظَنِّيٌّ وَهُوَ" أَيْ هَذَا الْقِيَاسُ يُسَمَّى "قِيَاسَ الأَدْوَنِ"4؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مُلْحَقًا بِالأَصْلِ إلاَّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ الطُّعْمُ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ تُرَكَّبُ5 مِنْ الطُّعْمِ مَعَ التَّقْدِيرِ بِالْكَيْلِ، أَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْقُوتَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ التُّفَّاحُ. وَظَهَرَ بِذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالأَدْوَنِ أَنْ لا يُوجَدَ فِيهِ الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ، بَلْ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الأَصْلِ ظَنِّيَّةً. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ تَبَعًا لابْنِ الْحَاجِبِ6: مِنْ شُرُوطِ

_ 1 في ع ض: فإن. 2 ساقطة من ش. 3 انظر: حاشية البناني 2/224، الآيات البينات 4/24، نشر البنود 2/124. 4 انظر المراجع السابقة. 5 في ش: تركبت. 6 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/232 وما بعدها.

الْفَرْعِ مُسَاوَاةُ عِلَّتِهِ1 عِلَّةَ الأَصْلِ فِيمَا يُقْصَدُ مِنْ عَيْنِ الْعِلَّةِ2 أَوْ جِنْسِهَا، كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ فِي النَّبِيذِ، وَكَالْجِنَايَةِ فِي قِيَاسِ قِصَاصِ طَرْفٍ عَلَى نَفْسٍ. أَمَّا الْعَيْنُ3: فَقِيَاسُ4 النَّبِيذِعَلَى الْخَمْرِ، بِجَامِعِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، وَهِيَ بِعَيْنِهَا مَوْجُودَةٌ فِي النَّبِيذِ. وَأَمَّا الْجِنْسُ: فَقِيَاسُ الأَطْرَافِ عَلَى الْقَتْلِ فِي الْقِصَاصِ، بِجَامِعِ الْجِنَايَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ جِنْسَ الْجِنَايَةِ هُوَ جِنْسٌ لإِتْلافِ النَّفْسِ وَالأَطْرَافِ5، وَهُوَ الَّذِي قُصِدَ6 الاتِّحَادُ7 فِيهِ. وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ: يَكْفِي مُجَرَّدُ الشَّبَهِ8. لَنَا اعْتِبَارُ الصَّحَابَةِ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرَ فِي الْحُكْمِ، وَلاشْتِرَاكِ9 الْعَامِّيِّ وَالْعَالِمِ فِيهِ10؛ وَلأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا الشَّبَهُ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ.

_ 1 في ش: لعلته. 2 في ش: الأصل. 3 في ض ب د ع: المعنى. 4 في ع: فقاس. 5 في ش: الأطراف والنفس. 6 ساقطة من ع. 7 في ش: الإيجاد. 8 انظر تيسير التحرير 4/53. 9 في ع: الاشتراك. 10 في ع ب: فيه وهو الذي قصد الإيجاد فيه.

وَكَالْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ. قَالُوا: لَمْ تَعْتَبِرْ الصَّحَابَةُ سِوَى مُجَرَّدِ الشَّبَهِ. رُدَّ1 بِالْمَنْعِ اهـ. "وَ" يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ "أَنْ تُؤَثِّرَ" الْعِلَّةُ "فِي أَصْلِهَا الْمَقِيسِ عَلَيْهِ"2 عِنْدَ أَصْحَابِنَا3 وَالْحَنَفِيَّةِ4 وَالشَّافِعِيَّةِ5. وَاكْتَفَى الْحَلْوَانِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ بِتَأْثِيرِهَا فِي أَصْلٍ، أَيَّ أَصْلٍ كَانَ6. "وَ" مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَيْضًا "أَنْ يُسَاوِيَ حُكْمُهُ حُكْمَ الأَصْلِ فِيمَا يُقْصَدُ كَوْنُهُ وَسِيلَةً لِلْحِكْمَةِ مِنْ عَيْنِ الْحُكْمِ" كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِالْمُثْقَلِ عَلَى الْمُحَدَّدِ "أَوْ جِنْسِهِ" أَيْ جِنْسِ الْحُكْمِ7، كَالْوِلايَةِ فِي نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الْوِلايَةِ فِي مَالِهَا، فَإِنَّ

_ 1 في ع: ورد. 2 في ش: عليها. 3 انظر المسودة ص 421، 422، 428. 4 انظر: التلويح على التوضيح 2/560، كشف الأسرار 3/352، 353. 5 في ش: الشافعية والقاضي. انظر تحقيق المسألة في "اللمع ص 64، التبصرة ص 465". 6 انظر الجدل لابن عقيل ص 52، المعتمد 2/772، اللمع ص 64، التبصرة ص 464. 7 انظر "شرح العضد 2/233، مختصر البعلي ص 145، روضة الناظر ص 317، مختصر الطوفي ص 152، الإحكام للآمدي 3/359، تيسير التحرير 3/295، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/125، التلويح على =

وِلايَةَ النِّكَاحِ مُسَاوِيَةٌ لِوِلايَةِ الْمَالِ فِي جِنْسِ الْوِلايَةِ لا فِي عَيْنِ تِلْكَ الْوِلايَةِ؛ فَإِنَّهَا سَبَبٌ لِنَفَاذِ1 التَّصَرُّفِ، وَلَيْسَتْ عَيْنَهَا، لاخْتِلافِ التَّصَرُّفَيْنِ2. وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ لَمْ يَصِحَّ، كَقَوْلِ الْحَنْبَلِيِّ: يُوجِبُ الظِّهَارُ الْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ كَالْمُسْلِمِ. قَالَ3 الْحَنَفِيَّةُ: الْحُرْمَةُ فِي الْمُسْلِمِ مُتَنَاهِيَةٌ بِالْكَفَّارَةِ، وَالْحُرْمَةُ فِي الذِّمِّيِّ مُؤَبَّدَةٌ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، فَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِمَا4. وَجَوَابُهُ: أَنْ يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ5 الاتِّحَادَ، فَيَمْنَعُ كَوْنَ الذِّمِّيِّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، بَلْ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِأَنْ يُسْلِمَ وَيَأْتِيَ بِهِ، وَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ وَإِطْعَامُهُ مَعَ الْكُفْرِ اتِّفَاقًا، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، فَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ، وَالْقِيَاسُ صَحِيحٌ.

_ = التوضيح وحاشية الجرجاني عليه 2/542، الإبهاج 3/106، كشف الأسرار 3/318، المستصفى 2/330، 348، فواتح الرحموت 2/257، مفتاح الوصول ص 152". 1 في ش: لنفاذ ولاية. 2 في ش: النص فيه. 3 في ش ز: قالت. 4 في ش: فيتخلف. 5 في ع: للمستدل.

"وَ" مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَيْضًا "أَنْ لا يَكُونَ مَنْصُوصًا عَلَى حُكْمِهِ بِمُوَافِقٍ"1. قَالَ الْكُورَانِيُّ: مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ: أَنْ لا يَكُونَ حُكْمُهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِنَصٍّ مُوَافِقٍ؛ لأَنَّ وُجُودَ النَّصِّ يُغْنِي عَنْ الْقِيَاسِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، خِلافًا لِمَنْ يُجَوِّزُ قِيَامَ دَلِيلَيْنِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ النَّصُّ وَالْقِيَاسُ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ. فَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهُ إنْ أَرَادَ طَائِفَةً جَوَّزَتْ قِيَامَ دَلِيلَيْنِ، بِمَعْنَى أَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْمَدْلُولِ: فَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ؛ لأَنَّهُ تَحْصِيلُ

_ 1 ولا مخالف. قال صاحب "عمدة الحواشي": "لأن التعدية إن كانت على وفاق النص الذي في الفرع فلا فائدة فيه، لأن النص يغني عنه. وإن كانت على خالفه فهو باطل، لمناقضة حكم النص. وهذا مختار عامة المشايخ. وأما مختار مشايخ سمرقند: أنه يجوز التعليل على موافقة النص، وهو الأشبه؛ لأن فيه تأكيد النص على معنى أنه لولا النص لكان الحكم ثابتاً بالتعليل، ولا مانع في الشرع والعقل من تعاضد الأدلة، وتأكد بعضها ببعض. فإن الشرع قد ورد بآيات كثيرة وأحاديث متعددة في حكم واحد، وملأ السلفُ كتبهم بالتمسك بالنص والمعقول في حكم، ولم ينقل عن أحد نكير، فكاناً إجماعاً على جوازه". انظر تحقيق المسألة في "أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 314، 315، كشف الأسرار 3/329، فواتح الرحموت 2/260، شرح العضد 2/233، مختصر البعلي ص 145، شفاء الغليل ص 675، المحصول 2/2/499، الإحكام للآمدي 3/363، تيسير التحرير 3/300، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/228، 230، الآيات البينات 4/29، 32، فتح الغفار 3/16، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/128، التلويح على التوضيح وحاشية الجرجاني عليه 2/542، 544، نهاية السول 3/124، المستصفى 2/331، مفتاح الوصول ص 152".

الْحَاصِلِ. وَإِنْ أَرَادَ إيضَاحًا وَاسْتِظْهَارًا: فَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ. أَلا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ: الدَّلِيلُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ1 الإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ وَالْقِيَاسُ؟! وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّصُّ مُخَالِفًا: فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ. قَالَ الْحَنَفِيَّةُ2 وَالآمِدِيُّ3 وَابْنُ الْحَاجِبِ4 وَابْنُ حَمْدَانَ: "وَلا مُتَقَدِّمًا عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ"5 زَادَ الآمِدِيُّ: إلاَّ أَنْ يَذْكُرَهُ إلْزَامًا لِلْخَصْمِ6. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ7 وَالْمَجْدُ8 وَالطُّوفِيُّ9: يُشْتَرَطُ لِقِيَاسِ الْعِلَّةِ، لا لِقِيَاسِ الدَّلالَةِ.

_ 1 في ع: مسألة. 2 انظر تيسير التحرير 3/299. 3 الإحكام في أصول الأحكام 3/299. 4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/233. 5 انظر "شفاء الغليل ص 673، المحصول 2/2/486، حاشية البناني 2/229، الآيات البينات 4/30، مختصر البعلي ص 145، إرشاد الفحول ص 206، 209، نشر البنود 2/129، مناهج العقول 3/118، نهاية السول 3/120، المستصفى 2/330، فواتح الرحموت 2/259، المعتمد 2/806، مفتاح الوصول ص 152". 6 أي بطريق الإلزام للخصم، لا بطريق مأخذ القياس. "الإحكام للآمدي 3/363". 7 روضة الناظر ص 319. 8 المسودة ص 387. 9 مختصر الطوفي ص 152.

قَالَ الْكُورَانِيُّ: وَمِنْ شُرُوطِهِ: أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ، كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ، فَلَوْ ثَبَتَ بِهِ ثَبَتَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِلا دَلِيلٍ، إذْ الْفَرْضُ1 أَنَّهُ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ سِوَى الْقِيَاسِ. نَعَمْ لَوْ قِيلَ ذَلِكَ إلْزَامًا صَحَّ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ2 لِلْحَنَفِيَّةِ: طَهَارَتَانِ، أَنَّى يَفْتَرِقَانِ3؟ هَكَذَا قِيلَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ قِيَاسٌ حَتَّى يُلْزَمُوا، وَلا الشَّافِعِيُّ قَائِلٌ بِالْقِيَاسِ، بَلْ وُجُوبُ النِّيَّةِ فِيهِمَا إنَّمَا4 ثَبَتَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" 5. "وَلا" يُشْتَرَطُ فِي الْفَرْعِ "ثُبُوتُ حُكْمِهِ بِنَصٍّ جُمْلَةً" أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، خِلافًا لأَبِي هَاشِمٍ وَأَبِي زَيْدٍ6.

_ 1 في د ض: الغرض، وفي ع ب: الفرق 2 في ض ب: الشافعية. 3 أي طهارتان من حدث، لأنهما إذا كانا من جنس واحدٍ ومعناهما واحد من حيث إن كل واحد منهما طهارة حكمية، ويجبان بسبب واحد وهو الحدث، دل على أن طريقهما واحد. "الوصول إلى مسائل الأصول للشيرازي 2/251". 4 ساقطة من ش. 5 سبق تخريجه في ج 1 ص: 491. 6 انظر "شرح العضد 2/233، المسودة ص 411، شفاء الغليل ص 675، اللمع ص 54، التبصرة ص 443، المعتمد 2/809، المحصول 2/2/ 498، الإحكام للآمدي 3/363، تيسير التحرير 3/301، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/230، الآيات البينات 4/31، الجدل لابن عقيل ص 16، مناهج العقول 3/123، نهاية السول 3/124، الإبهاج 3/106، المستصفى 2/330، فواتح الرحموت 2/260".

مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا قُلْنَا فِي اجْتِمَاعِ الْجَدِّ مَعَ الإِخْوَةِ: يَرِثُ مَعَهُمْ، قِيَاسًا عَلَى أَحَدِهِمْ؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْ الْجَدِّ وَالأَخِ يُدْلِي بِالأَبِ، فَلَوْلا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إرْثِ الْجَدِّ فِي الْجُمْلَةِ لَمَا سَاغَ الْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. رُدَّ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ قَاسُوا أَنْتِ عَلَيَّ1 حَرَامٌ: إمَّا عَلَى الطَّلاقِ، لا فِي تَحْرِيمِهَا، أَوْ2 عَلَى الظِّهَارِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، أَوْ عَلَى الْيَمِينِ فِي كَوْنِهِ إيلاءً. وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ لا جُمْلَةً وَلا تَفْصِيلاً.

_ 1 في ش: بعليّ. 2 في ش: وإما.

مسالك العلة

"مَسَالِكُ الْعِلَّةِ1" لَمَّا فَرَغَ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ شَرَعَ2 فِي بَيَانِ الطُّرُقِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِمَسَالِكِ الْعِلَّةِ. الْمَسْلَكُ الأَوَّلُ "الإِجْمَاعُ"3. وَقُدِّمَ لِقُوَّتِهِ. سَوَاءٌ كَانَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا، وَأُخِّرَ النَّصُّ لِطُولِ الْكَلامِ عَلَى تَفَاصِيلِهِ4.

_ 1 في د ض: العلة ستة. 2 في ز: وشرع. 3 انظر كلام الأصوليين على هذا المسلك في "التلويح على التوضيح 2/565، مفتاح الأصول ص 148، شفاء الغليل ص 110، مختصر البعلي ص 145، مختصر الطوفي ص 159، روضة الناظر ص 301، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 333، الإحكام للآمدي 3/364، تيسير التحرير 4/39، الوصول إلى مسائل الأصول 2/283، اللمع ص 62، شرح العضد 2/233، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/262، المستصفى 2/293، فواتح الرحموت 2/295، نشر البنود 2/154، إرشاد الفحول ص 210، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/49، الإبهاج 3/38، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/213". 4 في ض: تفصيله.

وَالْمُرَادُ بِثُبُوتِ1 الْعِلَّةِ بِالإِجْمَاعِ: أَنْ تُجْمِعَ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عِلَّتُهُ كَذَا. كَإِجْمَاعِهِمْ2 فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" عَلَى أَنَّ عِلَّتَهُ شَغْلُ الْقَلْبِ، وَكَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَعْلِيلِ تَقْدِيمِ الأَخِ مِنْ الأَبَوَيْنِ فِي الإِرْثِ عَلَى الأَخِ لِلأَبِ بِامْتِزَاجِ النَّسَبَيْنِ، أَيْ وُجُودِهِمَا فِيهِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهُ فِي وِلايَةِ النِّكَاحِ، وَصَلاةِ الْجِنَازَةِ، وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ، وَالْوَصِيَّةِ لأَقْرَبِ الأَقَارِبِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ3. فَإِنْ قُلْت: إذَا أَجْمَعُوا عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ فَكَيْفَ يَتَّجِهُ4 الْخِلافُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؟ قُلْت: لَعَلَّ مَنْشَأَ الْخِلافِ التَّنَازُعُ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ أَوْ فِي حُصُولِ شَرْطِهَا أَوْ مَانِعِهَا، لا فِي كَوْنِهَا عِلَّةً. قَالَهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَغَيْرُهُ. وَكَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَعْلِيلِ الْوِلايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ بِكَوْنِهِ5 صَغِيرًا، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْوِلايَةُ عَلَيْهِ6 فِي النِّكَاحِ.

_ 1 في ض: ثبوت. 2 في ع ز ب: فاجماعهم. 3 ساقطة من ش. 4 في ز: يتوجه. 5 في ع ز ض ب: كونه. 6 ساقطة من ش.

الْمَسْلَكُ "الثَّانِي" مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ "النَّصُّ" مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1. "وَمِنْهُ" أَيْ مِنْ النَّصِّ مَا هُوَ "صَرِيحٌ" وَهُوَ مَا وُضِعَ لإِفَادَةِ التَّعْلِيلِ، بِحَيْثُ لا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلَّةِ2. "كَ" أَنْ يُقَالَ "لِعِلَّةِ"3 كَذَا "أَوْ سَبَبِ" كَذَا "أَوْ أَجْلِ" كَذَا "أَوْ مِنْ أَجْلِ كَذَا"4 نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ} 5 وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 6 "إنَّمَا جُعِلَ6

_ 1 انظر "الوصول إلى مسائل الأصول 2/280، المحصول 2/2/ 193، ارشاد الفحول ص 210، البرهان 2/806، اللمع ص 61، المسودة ص 438، المنخول ص 343، الفقيه والمتفقه 1/210، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 325 وما بعدها". 2 انظر: الإحكام للآمدي 3/364، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه 1/210، المعتمد 2/775، مختصر البعلي ص 145، روضة الناظر ص 295، التلويح على التوضيح 2/563، مختصر الطوفي ص 157، مفتاح الوصول ص 145، شفاء الغليل ص 23، تيسير التحرير 4/39، الوصول إلى مسائل الأصول 2/281، شرح العضد 2/234، إرشاد الفحول ص 211، نشر البنود 2/155، نهاية السول 3/41، مناهج العقول 3/39، الابهاج 3/30، المستصفى 2/288، فواتح الرحموت 2/295، حاشية البناني 2/263. 3 في ع: العلة، وفي ش: لعلية. 4 في ع ب: ونحوه نحو. 5 الآية 32 من المائدة. 6 ساقطة من ش.

1الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْه2ِ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ - يَعْنِي3 عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ - مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا4" رَوَاهُ مُسْلِمٌ5. أَيْ 6لأَجْلِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الطَّائِفَةِ الَّتِي قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. وَالدَّافَّةُ: الْقَافِلَةُ السَّائِرَةُ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الدَّفِيفِ، وَهُوَ السَّيْرُ اللَّيِّنُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: دَفَّتْ عَلَيْنَا مِنْ بَنِي فُلانٍ دَافَّةٌ7. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ8. "أَوْ" يُقَالَ "كَيْ" يَكُونَ كَذَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَرَّدَةً مِنْ "لا" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} 9 أَوْ مَقْرُونَةً بِهَا نَحْوَ {لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} 10 {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} 11 فَلا يَحْصُلُ لِلْفُقَرَاءِ شَيْءٌ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 صحيح البخاري 7/130، صحيح مسلم 3/1698. 3 ساقطة من ع. 4 في ش: واخزنوا. 5 صحيح مسلم 3/1561. 6 ساقطة من ش. 7 ساقطة من ش. 8 الصحاح للجوهري ط/1360. 9 الآية 40 من طه و13 من القصص. 10 الآية 23 من الحديد. 11 الآية 7 من الحشر

"أَوْ" يُقَالَ "إذًا"، نَحْوَ1 قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَقَدْ قَالَ لَهُ: أَجْعَلُ لَك صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إذًا يَغْفِرُ اللَّهُ2 لَك ذَنْبَك كُلَّهُ" وَفِي رِوَايَةٍ "إذًا يَكْفِيَك اللَّهُ هَمَّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ 3". "وَكَذَا" يَكُونُ مِنْ الصَّرِيحِ "إنَّ" الْمَكْسُورَةُ الْهَمْزَةِ الْمُشَدَّدَةُ النُّونِ4 عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالآمِدِيِّ5 وَابْنِ

_ 1 في ش: يكون من الصريح نحو. 2 ساقطة في ش. 3 أخرجه الترمذي وأحمد في مسنده والطبراني والحاكم في المستدرك وصححه، ووافقه الذهبي على تصحيحه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الهيثمي عن رواية أحمد: وإسناده جيد، وعن رواية الطبراني: واسناده حسن. "انظر عارضة الأحوذي 9/281، مسند أحمد 5/136، مجمع الزوائد 10/160، جلاء الأفهام لابن القيم ص 34، المستدرك 2/421". قال ابن القيم: وسئل شيخنا أبو العباس ابن تيمية عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "إن زدت فهو خير لك. فقال له: النصف؟ فقال: إن زدت فهو خير لك.. إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ أي أجعل دعائي كله صلاة عليك قال: إذاً تكفى همك، ويغفر لك ذنبك"، لأن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ومن صلى الله عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه ". "جلاء الأفهام ص 35". 4 في ش: عن. 5 الإحكام في أصول الأحكام 3/365.

الْحَاجِبِ1 وَغَيْرِهِمْ2، نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَلْقَى الرَّوْثَةَ أَمَا3 "إنَّهَا رِجْسٌ4" وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِرَّةِ "إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ" مُعَلِّلاً طَهَارَتَهَا بِذَلِكَ5. "وَهِيَ" يَعْنِي "إنَّ" الْمُشَدَّدَةَ النُّونِ حَالَ كَوْنِهَا "مُلْحَقَةً بِالْفَاءِ آكَدُ" نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ6 " فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا7" وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشُّهَدَاءِ "زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ يَوْمَ

_ 1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه العضد 2/234. 2 انظر روضة الناظر ص 297، تيسير التحرير 4/39. 3 ساقطة من ش. 4 أخرجه البخاري "1/47" والترمذي "عارضة الأحوذي 1/43" والنسائي "1/37" وابن ماجه "1/114" وأحمد في مسنده "1/388" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا ركس، واللفظ للبخاري. ولفظ الترمذي وأحمد: إنها ركس، ولفظ ابن ماجة: هي ركس، ولفظ النسائي: هذه ركس. 5 انظر المعتمد 2/777. 6 في ش: ناقته. 7 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى والشافعي في مسنده والدارقطني من حديث ابن عباس مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 275، صحيح مسلم 2/865، عارضة الأحوذي 4/175، بذل المجهود 14/207، سنن النسائي 5/154، مسند أحمد 1/215، سنن البيهقي 3/390، سنن ابن ماجة 2/1030، مسند الشافعي 1/205، سنن الدارقطني 2/296".

الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا1". وَوَجْهُ كَوْنِهَا مُلْحَقَةً بِالْفَاءِ آكَدَ2 لِدَلالَتِهَا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا سَبَبٌ لِلْحُكْمِ قَبْلَهَا. وَعِنْدَ الْبَيْضَاوِيِّ3 وَابْنِ السُّبْكِيّ4 وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ التَّعْلِيلَ بِـ "إنَّ" مِنْ قِسْمِ5 الظَّاهِرِ. وَعِنْدَ ابْنِ الْبَنَّاءِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِسْمِ6 الإِيمَاءِ. "وَزِيدَ" أَيْ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي قِسْمِ الصَّرِيحِ "الْمَفْعُولَ لَهُ" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} 7 لأَنَّ {حَذَرَ الْمَوْتِ} عِلَّةٌ لِلْفِعْلِ. "وَ" مِنْ النَّصِّ أَيْضًا8 مَا هُوَ "ظَاهِرٌ" وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ9 احْتِمَالاً مَرْجُوحًا "كَاللاَّمِ".

_ 1 أخرجه النسائي "4/65" من حديث عبد الله بن ثعلبة مرفوعاً وأحمد في مسنده "5/431" من حديث جابر بن عبد الله مرفوعاً، وروى بعضه الشافعي في مسنده "1/205" عن عبد الله بن ثعلبة مرفوعاً، وانظر ارواء الغليل 3/168. 2 ساقطة من ش. 3 منهاج الوصول مع شرحه للأسنوي 3/40. 4 الابهاج 3/31، جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/265. 5 في ع ز ب: قسيم. 6 في ع ز: قسيم. 7 الآية 19 من البقرة. 8 ساقطة من ز. 9 في ز ب ش: العلية.

ثُمَّ تَارَةً تَكُونُ "ظَاهِرَةً"، أَيْ مَلْفُوظًا بِهَا، نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْك لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ} 1 {أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 2 {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} 3 وَهُوَ كَثِيرٌ. "وَ" تَارَةً تَكُونُ "مُقَدَّرَةً" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ، أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} 4 أَيْ: لأَنْ كَانَ. وَمِنْهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ5 فِي قِصَّةِ الزُّبَيْرِ مِنْ قَوْلِ الأَنْصَارِيِّ6 لَمَّا خَاصَمَهُ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ7 " أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك!

_ 1 الآية الأولى من سورة إبراهيم. 2 الآية 78 من الإسراء. 3 الآية 95 من المائدة. 4 الآيتان 13، 14 من القلم. 5 صحيح البخاري 3/76، صحيح مسلم 4/1830،. وفي ش: الصحيح. 6 اختلف العلماء في الأنصاري الذي نازع الزبير في شراج الحرة فقال الداودي: كان من الأنصار نسباً لا ديناً، لأنه كان منافقاً. وقال القرطبي: ويحتمل أن لا يكون منافقاً، لكنها بادرة وزلة من الشيطان. "إكمال إكمال المعلم 6/146" وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات "2/312": "قال ابن باطيش: هو حاطب بن أبي بلتعة. وقيل: ثعلبة بن حاطب. وقيل: حميد. وقوله في حاطب لا يصح، فإنه ليس أنصارياً، وقد ثبت في صحيح البخاري أن هذا الأنصاري القائل كان بدرياً". 7 جاء في شرح الأبي على صحيح مسلم نقلاً عن القرطبي: "الشِراج: جمع شرجة، وهو مسيل الماء إلى الشجر. والحرّة حرة المدينة، موضع معروف بها، وأضاف الشِرَاج إليها، لأن منها جاء السيل، والمخاصمة في الماء الذي كان يسيل منها". "إكمال إكمال المعلم 6/146".

وَكَمَا يُقَالُ فِي الْكَلامِ: أَنْ كَانَ كَذَا. فَالتَّعْلِيلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللاَّمِ الْمُقَدَّرَةِ لا مِنْ " أَنْ". وَيَدْخُلُ فِي هَذَا " إذَا كَانَ " الْوَاقِعُ بَعْدَ1 " أَنْ ": " كَانَ " وَحُذِفَتْ وَاسْمُهَا وَبَقِيَ خَبَرُهَا، وَعُوِّضَ عَنْ ذَلِكَ " مَا " كَقَوْلِهِ2: أَبَا خُرَاشَةَ، أَمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ ... فَإِنَّ قَوْمِي لَمْ تَأْكُلْهُمْ الضَّبُعُ3 أَيْ لأَنْ كُنْت ذَا نَفَرٍ؟ وَإِنَّمَا لَمْ تُجْعَلْ اللاَّمُ وَمَا سَيَأْتِي4 بَعْدَهَا مِنْ الصَّرِيحِ؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْهَا5 لَهُ6 مَعَانٍ غَيْرُ التَّعْلِيلِ.

_ 1 في ش: بعده. 2 في ض: كقول الشاعر. 3 البيت لعباس بن مرداس السلمي الصحابي، نسبه له ابن مالك في شرح الكافية الشافية والسيوطي في شرح شواهد المغني والبغدادي في الخزانة، وهو من شواهد سيبويه والجوهري في الصحاح. وقد قاله الشاعر مع أبيات يخاطب بها خفاف بن ندبة، أبا خراشة في ملاحاة وقعت بينهما، ومعناه: يا أبا خراشة إن كنت كثير القوم، وكنت معتزاً بجماعتك، فإن قومي موفورون كثير العدد، لم تأكلهم السنة الشديدة، ولم يضعفهم الجدب، ولم تنل منهم الأزمات. "انظر خزانة الأدب 2/81، شرح شواهد المغني للسيوطي 1/116، شرح الكافية الشافية 1/418، الكتاب لسيبويه 1/148، أوضح المسالك 1/188، الصحاح 3/1004". 4 في ع: يأتي. 5 في ش ب ع: منهما. 6 ساقطة من ض.

"وَالْبَاءِ" عَطْفٌ عَلَى " كَاللاَّمِ1 " نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} 2 أَيْ بِسَبَبِ الرَّحْمَةِ وقَوْله تَعَالَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 3. فَهِيَ - وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَعْنَاهَا الإِلْصَاقَ وَلَهَا مَعَانٍ غَيْرُهُ - فَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِي التَّعْلِيلِ. وَ4عِنْدَ الأَصْحَابِ5 وَغَيْرِهِمْ6 "إنْ قَامَ دَلِيلٌ أَنَّهُ" أَيْ إنَّ7 الْمُتَكَلِّمَ "لَمْ يَقْصِدْ" بِكَلامِهِ "التَّعْلِيلَ" فَاسْتِعْمَالُ أَدَاةِ التَّعْلِيلِ فِيمَا لا يَصْلُحُ عِلَّةً "مَجَازٌ"8. وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ صَلاحِيَّتِهِ عِلَّةً "كَ" أَنْ يُقَالَ لِفَاعِلِ شَيْءٍ9 "لِمَ فَعَلْت؟ فَيَقُولُ: لأَنِّي أَرَدْت" فَإِنَّ هَذَا لا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الاصْطِلاحِ: هُوَ10 الْمُقْتَضِي

_ 1 في ز: اللام. 2 الآية 159 من آل عمران. 3 الآية 82 من التوبة و95 من التوبة. 4 ساقطة من ض. 5 انظر: روضة الناظر ص 296، مختصر البعلي ص 146، مختصر الطوفي ص 157. 6 انظر: الإحكام للآمدي 3/366، المستصفى 2/288. 7 ساقطة من ش. 8 أي تكون مجازاً فيما قصد بها. "الإحكام للآمدي". 9 في ش: شيء. 10 في ش: هي.

الْخَارِجِيُّ لِلْفِعْلِ، أَيْ الْمُقْتَضِي لَهُ مِنْ خَارِجٍ. وَالإِرَادَةُ إمَّا1 مُوجِبَةٌ لِلْفِعْلِ أَوْ مُصَحِّحَةٌ لَهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ "لأَنِّي أَرَدْت" اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ2 فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَيَكُونُ مَجَازًا. "وَ" مِنْ النَّصِّ أَيْضًا "إيمَاءٌ وَتَنْبِيهٌ" يَعْنِي أَنَّ النَّصَّ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: الأَوَّلُ: الصَّرِيحُ، وَالثَّانِي: الظَّاهِرُ، وَالثَّالِثُ: الإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ. وَالإِيمَاءُ: هُوَ اقْتِرَانُ الْوَصْفِ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَصْفُ - أَوْ نَظِيرُهُ - لِلتَّعْلِيلِ لَكَانَ ذَلِكَ الاقْتِرَانُ بَعِيدًا مِنْ فَصَاحَةِ كَلامِ الشَّارِعِ، وَكَانَ إتْيَانُهُ3 بِالأَلْفَاظِ4 فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، مَعَ كَوْنِ كَلامِ الشَّارِعِ مُنَزَّهًا5 عَنْ6 الْحَشْوِ الَّذِي لا فَائِدَةَ فِيهِ7. وَيَتَنَوَّعُ الإِيمَاءُ إلَى أَنْوَاعٍ أُشِيرَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: "وَمِنْ أَنْوَاعِهِ: تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَقِبَ وَصْفٍ بِالْفَاءِ، مِنْ كَلامِ الشَّارِعِ وَغَيْرِهِ"8.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ض: للفظ. 3 في ش: اثباته. 4 في ش: الألفاظ. 5 في ش ض ب: منزه. 6 في ع: من. 7 في ز: منه. 8 انظر "مناهج العقول 3/42، نهاية السول 3/44، الابهاج 3/22، المستصفى =

"فَإِنَّهَا" أَيْ الْفَاءَ "لِلتَّعْقِيبِ ظَاهِرًا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ السَّبَبِيَّةُ" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا} 1 وقَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} 2 وقَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} 3 وَنَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ4. فَالْفَاءُ فِي الآيَاتِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْحُكْمِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْعِلَّةِ، وَالْحُكْمُ مُتَقَدِّمٌ، وَتَقَدُّمُ الْعِلَّةِ ثُمَّ مَجِيءُ الْحُكْمِ بِالْفَاءِ أَقْوَى5 مِنْ عَكْسِهِ. وَتَارَةً تَأْتِي "الْفَاءُ" فِي غَيْرِ كَلامِ الشَّارِعِ، كَقَوْلِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ6 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ = 2/292، فواتح الرحموت 2/296، الإحكام للآمدي 3/367، المعتمد 2/776، التمهيد للآسنوي ص 456، اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ص 56، مختصر البعلي ص 146، روضة الناظر ص 297، المنخول ص 343، التلويح على التوضيح 2/563، مختصر الطوفي ص 157، مفتاح الوصول ص 148، شفاء الغليل ص 27، تيسير التحرير 4/39، اللمع ص 62، الوصول إلى مسائل الأصول 2/283، المحصول 2/2/197، شرح العضد 2/234، ارشاد الفحول ص 212، نشر البنود 2/156". 1 الآية 222 من البقرة. 2 الآية 38 من المائدة. 3 الآية 2 من النور. 4 في ش: ناقته. 5 في ض: أولى. 6 هو الصحابي الجليل عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي، أبو =

فَسَجَدَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَغَيْرُهُ2. زَنَى مَاعِزٌ3 فَرُجِمَ4. وَلا فَرْقَ فِي الْعَمَلِ بِذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الرَّاوِي صَحَابِيًّا أَوْ فَقِيهًا أَوْ غَيْرَهُمَا؛ لَكِنْ إذَا كَانَ صَحَابِيًّا5 فَقِيهًا كَانَ أَقْوَى. فَإِنْ قِيلَ: إذَا قَالَ الرَّاوِي: هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ! أَوْ حَمَلَ

_ = نُجيد، أسلم عام خيبر سنة سبع من الهجرة، وكان من فضلاء الصحابة، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزواته، وبعثه عمر بن الخطاب إلى البصرة ليفقه أهلها، ثم استقضاء عليها عبد الله بن عامر، فقضى أياماً ثم استعفى، وكان مجاب الدعوة، توفي في البصرة سنة 52هـ. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/36، طرح التثريب 1/90، مشاهير علماء الأمصار ص 37، المطلع للبعلي ص 448، العقد الثمين 6/420، الاستيعاب 3/1208، أسد الغابة 4/137، الكامل لابن الأثير 3/244، سير أعلام النبلاء 2/508، شذرات الذهب 1/58". 1 سنن أبي داود مع شرحه بذل المجهود 5/424. 2 أخرجه أيضاً ابن خزيمة "2/134" والبيهقي "2/355" والترمذي "عارضة الأحوذي 2/186" والنسائي "3/22". 3 هو ماعز بن مالك الأسلمي الذي اعترف بالزنا فرجم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تائباً. قال ابن عبد البر: هو معدود في المدنيين. كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بإسلام قومه. "تهذيب الأسماء واللغات 2/75". 4 أخرجه البخاري "8/22" ومسلم "3/1319" وابو داود "بذل المجهود 17/381" عن جابر بن سمرة، وأخرجه ابن ماجة "2/854" وأبو داود "بذل المجهود 17/385" والترمذي "عارضة الأحوذي 6/202" عن أبي هريرة، وقد روي أيضاً عن بريدة الأسلمي وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله ونعيم بن هزال. "انظر المراجع السابقة والمستدرك 4/362، 363، سنن البيهقي 6/83، مسند أحمد 5/217، 1/270". 5 في ش: صحابياً أو.

حَدِيثًا رَوَاهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، لا يُعْمَلُ بِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ. فَكَيْفَ إذَا قَالَ لِلرَّاوِي سَهَا فَسَجَدَ وَنَحْوُهُ يُعْمَلُ بِهِ، مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ1؟! فَالْجَوَابُ2: أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ فَهْمِ الأَلْفَاظِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، لا أَنَّهُ3 يَرْجِعُ لِلاجْتِهَادِ، بِخِلافِ قَوْلِهِ: هَذَا مَنْسُوخٌ وَنَحْوُهُ. وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا، أَوْ نَهَى عَنْ كَذَا: يُعْمَلُ بِهِ، حَمْلاً عَلَى الرَّفْعِ، لا عَلَى الاجْتِهَادِ. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَإِذَا رَتَّبَ الشَّارِعُ حُكْمًا عَقِبَ وَصْفٍ بِالْفَاءِ، إذْ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، فَتُفِيدُ تَعْقِيبَ4 حُكْمِ5 الْوَصْفِ، وَأَنَّهُ سَبَبُهُ، إذْ السَّبَبُ مَا ثَبَتَ الْحُكْمُ عَقِبَهُ. وَلِهَذَا تُفْهَمُ السَّبَبِيَّةُ - مَعَ عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ كَ "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ". وَالصَّحِيحُ: أَنَّ هَذَا نَوْعٌ6 مِنْ الإِيمَاءِ. وَقِيلَ: مِنْ أَقْسَامِ الصَّرِيحِ. وَقِيلَ: مِنْ أَقْسَامِ الظَّاهِرِ.

_ 1 في ش: اجتهاده. 2 في ش: والجواب. 3 في ش: لأنه. 4 في ز: تعقب. 5 في ش: الحكم. 6 في ش: النوع نوع.

"وَ" مِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَلَى وَصْفٍ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ". نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} 1 وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} 2 وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} 3 أَيْ لِتَقْوَاهُ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4 "مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا - إلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ - نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ5" وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ. فَإِنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَقَّبُ شَرْطَهُ وَيُلازِمُهُ، وَلا مَعْنَى لِلسَّبَبِ إلاَّ مَا يَسْتَعْقِبُ الْحُكْمَ وَيُوجَدُ بِوُجُودِهِ6. "وَ" مِنْ أَنْوَاعِهِ أَيْضًا "ذِكْرُ حُكْمٍ جَوَابًا لِسُؤَالٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ"

_ 1 الآية 30 من الأحزاب. 2 الآية 31 من الأحزاب. 3 الآية 2 من الطلاق. 4 أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وعبد الرزاق في مصنفه وغيرهم "انظر صحيح مسلم 3/1202، بذل المجهود 13/91، عارضة الأحوذي 6/284، سنن النسائي 7/165، سنن ابن ماجة 2/1069، مصنف عبد الرزاق 10/432" 5 في ض: قيراط. 6 انظر: المستصفى 2/290، المعتمد 2/778، مختصر البعلي ص 146، روضة الناظر ص 298، مختصر الطوفي ص 158، ارشاد الفحول ص 213.

السُّؤَالُ "عِلَّتَهُ1" أَيْ عِلَّةَ الْحُكْمِ2 لَ "كَانَ اقْتِرَانُهُ" أَيْ السُّؤَالِ "بِهِ" أَيْ بِالْحُكْمِ "بَعِيدًا شَرْعًا وَلُغَةً" أَيْ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ "وَلَتَأَخَّرَ الْبَيَانُ" أَيْ وَلَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَأْخِيرُ3 الْبَيَانِ "عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ"4. "كَقَوْلِ الأَعْرَابِيِّ "وَاقَعْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً" أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ5. وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ6. فَكَأَنَّهُ قِيلَ: كَفِّرْ؛ لِكَوْنِك وَاقَعْت فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَكَانَ الْحَذْفُ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ7 الْحُكْمُ لَفْظًا مَوْجُودًا هُنَا. فَيَكُونُ

_ 1 في ض: علة. 2 ساقطة من ش ز. 3 في ش: تأخر. 4 انظر: "الإحكام للآمدي 3/368، المعتمد 2/777، التمهيد للأسنوي ص 458، مختصر البعلي ص 146، روضة الناظر ص 299، التلويح على التوضيح 2/563، مختصر الطوفي ص 158، مفتاح الوصول ص 147، شفاء الغليل ص 32، تيسير التحرير 4/41، المحصول 2/2/204، شرح العضد 2/234، ارشاد الفحول ص 212، نشر البنود 2/160، نهاية السول 3/48، مناهج العقول 3/46، الابهاج 3/35، حاشية البناني 2/266، فواتح الرحموت 2/296". 5 انظر صحيح البخاري 2/236، صحيح مسلم 2/782، سنن أبي داود مع شرحه بذل المجهود 11/222، سنن الترمذي مع عارضة الأحوذي 3/250، سنن الدارمي 2/11، وانظر سنن البيهقي 4/221، مسند أحمد 2/241، 516، سنن الدارقطني 2/190، الموطأ 1/296. 6 سنن ابن ماجة 1/534. 7 في ش ز ع: به. وفي ب: عنه.

مَوْجُودًا تَقْدِيرًا. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُ خُلُوُّ السُّؤَالِ عَنْ الْجَوَابِ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ. "وَيُسَمَّى" هَذَا النَّوْعُ "إنْ حُذِفَ" مِنْهُ "بَعْضُ الأَوْصَافِ" الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الْجَوَابُ؛ لِكَوْنِهِ لا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلَّةِ، كَكَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا أَوْ زَيْدًا، وَكَوْنِ الْمُجَامَعَةِ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً، أَوْ فِي قُبُلِهَا، وَكَوْنِهِ1 شَهْرَ تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا "تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ". فَالتَّنْقِيحُ2 لُغَةً: التَّخْلِيصُ3 وَالتَّهْذِيبُ. يُقَالُ: نَقَحْت الْعَظْمَ إذَا اسْتَخْرَجْت مُخَّهُ4. وَالْمَنَاطُ: مَفْعَلٌ مِنْ نَاطَ نِيَاطًا5 أَيْ عَلَّقَ6. 7وَالْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ. فَمَعْنَى تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ: الاجْتِهَادُ7 فِي تَحْصِيلِ الْمَنَاطِ الَّذِي رَبَطَ بِهِ الشَّارِعُ الْحُكْمَ، فَيَبْقَى مِنْ الأَوْصَافِ مَا يَصْلُحُ وَيُلْغَى مَا لا

_ 1 في ش: وكونها. 2 في ع: والتنقيح. 3 في ب د ض: التلخيص. 4 أنظر المصباح المنير 2/760، لسان العرب 2/624، الصحاح 1/413. 5 أنظر الصحاح 3/1165، لسان العرب 7/418، المصباح المنير 2/774. 6 ساقطة من ش. 7 ساقطة من ش.

يَصْلُحُ1. وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ أَكْثَرُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ. وَأَجْرَاهُ2 أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْكَفَّارَاتِ، مَعَ مَنْعِهِ الْقِيَاسَ فِيهَا. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ - كَالتَّاجِ3 السُّبْكِيّ وَالْبِرْمَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا - أَنَّهُ أَجْوَدُ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ بِأَنْ يُبَيِّنَ إلْغَاءَ4 الْفَارِقِ. "وَمِنْهَا" أَيْ وَ5مِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ "تَقْدِيرُ الشَّارِعِ وَصْفًا لَوْ لَمْ يَكُنْ" ذَلِكَ الْوَصْفُ "لِلتَّعْلِيلِ كَانَ" تَقْدِيرُهُ "بَعِيدًا" إذْ "لا فَائِدَةَ فِيهِ" أَيْ فِي التَّقْدِيرِ حِينَئِذٍ6.

_ 1 أنظر معنى تنقيح المناط عند الأصوليين في "المسودة ص 387، مفتاح الوصول ص 147، تيسير التحرير 4/42، ارشاد الفحول ص 221، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/292، الابهاج 3/56، فواتح الرحموت 2/298، المحصول 2/2/315، التلويح على التوضيح 2/580، شفاء الغليل ص 411، روضة الناظر ص 277، نشر البنود 2/204، نهاية السول 3/74، مناهج العقول 3/73". 2 في ش: وقد أجره. 3 أنظر الابهاج للتاج السبكي 3/56. 4 ساقطة من ش. 5 شاقطة من ع. 6 أنظر "الإحكام للآمدي 3/370، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/211، المعتمد 2/776، 778، مختصر البعلي ص 147، روضة الناظر ص 299، التلويح على التوضيح 2/564، مختصر الطوفي ص 158، مفتاح الوصول ص 146، شفاء الغليل ص 39 وما بعدها، المحصول 2/2/206، شرح العضد 2/235، البرهان 2/807، نشر البنود 2/161، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/46، الابهاج 3/36، المستصفى 2/289، فواتح الرحموت 2/298".

وَيَكُونُ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ: "إمَّا فِي السُّؤَالِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ – "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ " قَالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْهُ" بِأَنْ قَالَ: "فَلا إذًا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ2 وَالنَّسَائِيُّ3 وَابْنُ مَاجَهْ4 وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ5. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَقْدِيرُ نُقْصَانِ الرُّطَبِ بِالْجَفَافِ لأَجْلِ التَّعْلِيلِ، لَكَانَ تَقْدِيرُهُ بَعِيدًا، إذْ لا فَائِدَةَ فِيهِ، لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ. "أَوْ" إمَّا "فِي نَظِيرِ مَحَلِّهِ" أَيْ مَحَلِّ السُّؤَالِ6. "كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّائِلَةِ" وَهُوَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

_ 1 سنن أبي داود مع شرحه بذل المجهود 15/17. 2 سنن الترمذي مع شرحه عارضة ألأحوذي 5/233. 3 سنن النسائي 7/236. 4 سنن ابن ماجة 2/761. 5 المستدرك 2/38. * والحديث رواه أيضاً مالك في الموطأ "2/624" وأحمد في مسنده "1/175" والبيهقي في السنن الكبرى "5/294" والشافعي في مسنده "2/159" والرسالة ص 332، وابن حزم في الإحكام "7/1008"، والخطيب في الفقيه والمتفقه "1/211" والدارقطني "3/49" وعبد الرزاق في مصنفه "8/32" وغيرهم، أنظر تخريج أحاديث المنهاج للعراقي ص 305. 6 أنظر: المستصفى 2/290، شرح العضد 2/235، شفاء الغليل ص 45، روضة الناظر ص 300.

إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ. فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: " حُجِّي1 عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "اقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ3: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَتْهُ الْمَرْأَةُ الْخَثْعَمِيَّةُ:

_ 1 في د ز ب: فحجي. 2 أخرجه البخاري "2/218" وابن خزيمة "4/343" عن ابن عباس رضي الله عنه، وهو غير موجود في صحيح مسلم، وقد روى نحوه أحمد في مسنده "1/345" والنسائي "5/87" وابن خزيمة أيضاً "4/346" عن ابن عباس رضي الله عنه أن امرأة نذرت أن تحج، فماتت، فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال: "أرأيت لو كان على أختك دين، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال: "فاقضوا الله، فهو أحق بالوفاء". 3 حديث المرأة الخثعمية رواه أصحاب الكتب الستة بغير هذا السياق الذي ذكره المصنف، ورواياتهم له لا تصلح شاهداً لما ضربه المصنف من مثال "أنظر صحيح البخاري 2/218، صحيح مسلم 3/973، عارضة الأحوذي 4/157، بذل المجهود 9/20، سنن ابن ماجة 2/971" ويؤكد ذلك قول الحافظ ابن كثير في كتابه تحفة الطالب بمعرفة أحاديث ابن الحاجب ص 384 بعد أن ساق الحديث بنفس ألفاظ المصنف: "حديث الخثعمية رواه أهل الكتب الستة ولم أره في شيء منها بهذا السياق". غير أن النسائي في المجتبى روى نحوه أحاديث تصلح أمثلة وشواهد لما ذكره المؤلف: منها حديث عبد الله بن عباس أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي أدركه الحج وهو شيخ كبير لا يثبت على راحلته، فإن شددته خشيت أن يموت! أفأحج عنه؟ قال: "أفرأيت لو كان عليه دين فقضيته أكان مجزئاً؟ " قال: نعم، قال: "فحج عن أبيك". "سنن النسائي 5/89، 8/202" وأخرج نحوه البيهقي في سننه الكبرى "4/329" والنسائي أيضاً "5/89" عن عبد الله بن الزبير. =

إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ وَعَلَيْهِ فَرِيضَةُ الْحَجِّ، أَيَنْفَعُهُ1 إنْ حَجَجْت عَنْهُ؟ قَالَ: "أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ2، أَكَانَ يَنْفَعُهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. فَنَظِيرُهُ فِي الْمَسْئُولِ عَنْهُ كَذَلِكَ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الأَصْلِ الَّذِي هُوَ دَيْنُ الآدَمِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْفَرْعِ وَهُوَ الْحَجُّ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَالْعِلَّةِ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ، فَقَدْ جَمَعَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْكَانَ الْقِيَاسِ كُلَّهَا. "وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "تَفْرِيقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حُكْمَيْنِ بِصِفَةٍ مَعَ ذِكْرِهِمَا" أَيْ ذِكْرِ الْحُكْمَيْنِ3.

_ = ومنها حديث الفضل بن العباس أنّ رجلاً قال: يا رسول الله أمّي عجوز كبيرة، إن حملتها لم تستمسك، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها. فقال صلى الله عليه وسلم: " أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال: "فحج عن أمك". "سنن النسائي 5/91، 8/202". ومنها حديث عبد الله بن عباس قال قال رجل: يا رسول الله، إنّ أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال: " أرأيت لو كان على أبيك دين، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال: "فدين الله أحق". "سنن النسائي 5/89". 1 في ش: أفينفعه. 2 في ش: فقضيته. 3 أنظر "الإحكام للآمدي 3/374، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/212، المعتمد 2/778، التلويح على التوضيح 2/564، شفاء الغليل ص 46، تيسير التحرير 4/45، المحصول 2/2/210، شرح العضد 2/235، ارشاد الفحول ص 212، نشر البنود 2/161، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/47، الابهاج 3/36، حاشية البناني 2/267، المستصفى 2/290، فواتح الرحموت 2/297".

"كَـ: "لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ1". "أَوْ" مَعَ "ذِكْرِ أَحَدِهِمَا" أَيْ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ "كَ" حَدِيثِ "الْقَاتِلُ لا يَرِثُ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2. "أَوْ" تَفْرِيقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِشَرْطٍ وَجَزَاءٍ3، نَحْوَ" قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَوْصَافُ4، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَدًا

_ 1 أخرجه أبو داود "بذل المجهود 12/340" من حديث مجمع بن جارية الأنصاري وضعّفه، وهو يفيد أن للفارس سهمين، أحدهما لفرسه والثاني له، وهو مخالف لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن للفارس ثلاثة أسهم، إذ روى البخاري في صحيحه "5/79" عن نافع عن ابن عمر قال "قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهماً". قال نافع: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، وإن لم يكن له فرس فله سهم، وأخرج مسلم في صحيحه "3/1383" والدارقطني "4/102" وأحمد في مسنده "2/2" عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل للفرس سهمين وللرجل سهماً. وقد بينت روايات البيهقي "6/325" والدارقطني "4/102" وأحمد "2/41" وأبي داود "بذل المجهود 12/333" وابن ماجة "2/952" ذلك المراد إذ جاء فيها عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم، للفرس سهمان وللرجل سهم". وانظر "إرواء الغليل 5/60". 2 سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 8/259، وقد أخرجه أيضاً ابن ماجة "2/883" والبيهقي "6/220" والدارقطني "4/96" عن أبي هريرة مرفوعاً. 3 أنظر "المعتمد 2/778، الإحكام للآمدي 3/374، التلويح على التوضيح 2/564، تيسير التحرير 4/45، المحصول 2/2/211، شرح العضد 2/235، نشر البنود 2/162، نهاية السول 3/49، الابهاج 3/36، حاشية البناني 2/367، فواتح الرحموت 2/297". 4 كذا في جميع النسخ. وهو تصحيف، والصواب ما جاء في رواية مسلم والدارقطني والبيهقي: الأصناف.

بِيَدٍ1". "أَوْ" تَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِغَايَةٍ2 نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ3} ". "أَوْ" تَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِاسْتِثْنَاءٍ4 نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {إلاَّ أَنْ يَعْفُونَ5} ". "أَوْ" تَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِاسْتِدْرَاكٍ6 نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ 7} ".

_ 1 أخرجه بهذا اللفظ مسلم والدارقطني والبيهقي عن عبادة بن الصامت مرفوعاً. "صحيح مسلم 3/1211، سنن البيهقي 5/282، سنن الدارقطني 3/24". 2 انظر "نشر البنود 2/162، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/36، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/267، فواتح الرحموت 2/297، المعتمد 2/779، الإحكام للآمدي 3/374، التلويح على التوضيح 2/564، شفاء الغليل ص 48، المحصول 2/2/211، شرح العضد 2/235". 3 الآية 222 من البقرة. 4 انظر "الإحكام للآمدي 3/374، فواتح الرحموت 2/297، المعتمد 2/779، التلويح على التوضيح 2/564، شفاء الغليلص 48، تيسير التحرير 4/45، المحصول 2/2/211، شرح العضد 2/235، نشر البنود 2/163، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/36، حاشية البناني 2/267". 5 الآية 237 من البقرة. 6 انظر "المعتمد 2/779، المحصول 2/2/212، شرح العضد 2/236، الإحكام للآمدي 3/374، نشر البنود 2/163، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/36، نهاية السول 3/49، فواتح الرحموت 2/297، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/267". 7 الآية 89 من المائدة.

وَوَجْهُ اسْتِفَادَةِ الْعِلَّةِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ التَّفْرِقَةَ لا بُدَّ لَهَا مِنْ فَائِدَةٍ، وَالأَصْلُ عَدَمُ غَيْرِ الْمُدَّعَى، وَهُوَ إفَادَةُ كَوْنِ ذَلِكَ عِلَّةً. "وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "تَعْقِيبُ1 الْكَلامِ" أَيْ تَعْقِيبُ الشَّارِعِ2 الْكَلامَ3 الَّذِي أَنْشَأَهُ لِبَيَانِ حُكْمٍ "أَوْ تَضْمِينُهُ" لَهُ بِ "مَا لَوْ4 لَمْ يُعَلَّلْ بِهِ" الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ "لَمْ يَنْتَظِمْ" الْكَلامُ، وَلَمْ5 يَكُنْ لَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ6. فَالْمُتَعَقِّبُ لِلْكَلامِ "نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ "فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} 7". وَاَلَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكَلامُ نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

_ 1 في ض: تعقب. 2 في ش: الكلام لشارع. 3 في د ز: للكلام. 4 ساقطة من ش. 5 في ع ب: ولو لم. 6 انظر "الإحكام للآمدي 3/375، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه 1/213، المعتمد 2/779، مختصر البعلي ص 147، روضة الناظر ص 300، ارشاد الفحول ص 212، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/37، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/267 وما بعدها، فواح الرحموت 2/296، المستصفى 2/289". 7 الآية 9 من الجمعة.

"لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ1 بِلَفْظِ "لا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ، أَوْ لا يَقْضِي [الْقَاضِي2] بَيْنَ اثْنَيْنِ ... " وَرَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ3 بِلَفْظِ "لا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ". فَالآيَةُ إنَّمَا سِيقَتْ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ، لا لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ، فَلَوْ لَمْ يُعَلَّلْ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ بِكَوْنِهِ شَاغِلاً عَنْ السَّعْيِ لَكَانَ ذِكْرُهُ لاغِيًا، لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُرْتَبِطٍ بِأَحْكَامِ الْجُمُعَةِ. وَلَوْ لَمْ يُعَلَّلْ النَّهْيُ عَنْ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْغَضَبِ بِكَوْنِهِ يَتَضَمَّنُ اضْطِرَابَ الْمِزَاجِ4 الْمُقْتَضِي تَشْوِيشَ الْفِكْرِ، الْمُفْضِيَ إلَى الْخَطَإِ فِي الْحُكْمِ غَالِبًا: لَكَانَ5 ذِكْرُهُ لاغِيًا، إذْ الْبَيْعُ وَالْقَضَاءُ لا يُمْنَعَانِ مُطْلَقًا؛ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي غَيْرِ وَقْتِ النِّدَاءِ، وَالْقَضَاءِ مَعَ عَدَمِ الْغَضَبِ أَوْ مَعَ يَسِيرِهِ، فَلا بُدَّ إذًا مِنْ مَانِعٍ، وَلَيْسَ إلاَّ مَا فُهِمَ مِنْ

_ 1 ترتيب مسند الشافعي 2/177. 2 زيادة من مسند الشافعي. 3 لفظ البخاري والبيهقي: لا يقضينّ حكمُ. ولفظ مسلم والنسائي: لا يحكم أحد. ولفظ الترمذي: لا يحكم الحاكم، ولفظ الدارقطني: لا يقضين القاضي، ولفظ أبي داود: لا يقضي الحكم، ولفظ ابن ماجة ورواية للبيهقي: لا يقضي القاضي. "انظر صحيح البخاري 8/109، صحيح مسلم 3/1343، سنن ابن ماجة 2/776، سنن الدارقطني 4/206، سنن النسائي 8/209، بذل المجهود 15/266، عارضة الأحوذي 6/77، سنن البيهقي 10/105". 4 في ع: المجاز. 5 في ش: كان.

سِيَاقِ النَّصِّ وَمَضْمُونِهِ، مِنْ شَغْلِ الْبَيْعِ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ فَتَفُوتُ وَاضْطِرَابِ الْفِكْرِ1 لأَجْلِ الْغَضَبِ فَيَقَعُ الْخَطَأُ، فَوَجَبَ إضَافَةُ النَّهْيِ إلَيْهِ. "وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "اقْتِرَانُ الْحُكْمِ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ2" "كَـ "أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ، وَأَهِنْ الْجُهَّالَ" فَإِنَّ الإِكْرَامَ مُنَاسِبٌ لِلْعِلْمِ، وَالإِهَانَةَ مُنَاسِبَةٌ لِلْجَهْلِ؛ لأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلاءِ: تَرْتِيبُ الأَحْكَامِ عَلَى الأُمُورِ الْمُنَاسِبَةِ، وَالشَّرْعُ لا يَخْرُجُ عَنْ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلاءِ، وَلأَنَّهُ قَدْ أُلِفَ مِنْ الشَّارِعِ اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَاتِ دُونَ إلْغَائِهَا. فَإِذَا قَرَنَ بِالْحُكْمِ فِي لَفْظِهِ وَصْفًا مُنَاسِبًا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اعْتِبَارُهُ. "فَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَصْفِ وَالْحُكْمُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ، كَـ {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ3} صِحَّتَهُ4" 5أَيْ الْبَيْعِ وَهِيَ6 "مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ

_ 1 في ع ز ض ب: الفكرة. 2 انظر "الإحكام للآمدي 3/375، التمهيد للأسنوي ص 455، مختصر البعلي ص 147، روضة الناظر ص 300، مختصر الطوفي ص 158، شرح العضد 2/236، نهاية السول 3/46، مناهج العقول 3/45". 3 الآية 275 من البقرة. 4 في ع ز ب: أي صحته. 5 ساقطة من ع ب. 6 ساقطة من ش ز.

حِلِّهِ1"؛ لأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حِلِّهِ صِحَّتُهُ "فَ" هُوَ "مُومًى إلَيْهِ"؛ لأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالْوَصْفِ إيمَاءٌ إلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْمُصَرَّحِ بِهِ. "وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ" وَهُوَ كَوْنُ الْحُكْمِ مَذْكُورًا، وَالْوَصْفِ مُسْتَنْبَطًا، وَهَذَا جَارٍ فِي أَكْثَرِ الْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ "كَحُرِّمَتْ2 الْخَمْرُ" فَ "الْوَصْفُ" هُنَا - وَهُوَ3 الإِسْكَارُ - "مُسْتَنْبَطٌ مِنْ التَّحْرِيمِ"، وَهُوَ الْحُكْمُ، وَكَعِلَّةِ الرِّبَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِهِ. "وَلا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ الْمُومَى إلَيْهِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ4، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُعَرِّفُ5. وَقِيلَ: بَلَى، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَاعِثِ. وَاسْتُدِلَّ لِعَدَمِ الاشْتِرَاطِ6: أَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ لَمْ يُفْهَمْ التَّعْلِيلُ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَصْفٍ غَيْرِ مُنَاسِبٍ، ك " أَهِنْ الْعَالِمَ، وَأَكْرِمْ

_ 1 في ش: حكمه. 2 في ع: كحرمة. 3 ساقطة من د. 4 انظر "الإحكام للآمدي 3/377، شرح تنقيح الفصول ص 390، مختصر البعلي ص 147، مختصر الطوفي ص 157، شفاء الغليل ص 47، تيسير التحرير 4/41، المحصول 2/2/200، شرح العضد 2/236، ارشاد الفحول ص 213، البرهان 2/810، نشر البنود 2/163، نهاية السول 3/45، مناهج العقول 3/43، الإبهاج 3/34، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/270، فواتح الرحموت 2/298". 5 في ع: العرف، وفي ز: المعرفه. 6 في ش: بأنه.

الْجَاهِلَ "، وَلَمْ يُلَمْ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْمَسْلَكُ "الثَّالِثُ" مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ1 وَهِيَ2 الطُّرُقُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعِلِّيَّةِ "السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ". وَهُوَ: حَصْرُ الأَوْصَافِ" فِي الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ "وَإِبْطَالُ مَا لا يَصْلُحُ" بِدَلِيلٍ "فَيَتَعَيَّنُ" أَنْ يَكُونَ "الْبَاقِي عِلَّةً"3. وَالسَّبْرُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الاخْتِبَارُ4، فَالتَّسْمِيَةُ بِمَجْمُوعِ الاسْمَيْنِ وَاضِحَةٌ. وَقَدْ يُقْتَصَرُ عَلَى " السَّبْرِ " فَقَطْ. وَالتَّقْسِيمُ مُقَدَّمٌ فِي الْوُجُودِ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ تَعْدَادُ الأَوْصَافِ الَّتِي يُتَوَهَّمُ صَلاحِيَّتُهَا لِلتَّعْلِيلِ ثُمَّ يَسْبُرُهَا5، أَيْ يَخْتَبِرُهَا6 لِيُمَيِّزَ7

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ش. 3 انظر كلام الأصوليين على السبر والتقسيم في "التلويح على التوضيح 2/579، البرهان 2/815، الإحكام للآمدي 3/380، مختصر البعلي ص 148، مختصر الطوفي ص 161، المنخول ص 350، شرح العضد 2/236، الوصول إلى مسائل الأصول 2/286، المحصول 2/2/299، شرح تنقيح الفصول ص 397، تيسير التحرير 4/46، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/270، المستصفى 2/295، فواتح الرحموت 2/299، نشر البنود 2/164، إرشاد الفحول ص 213، نهاية السول 3/71، مناهج العقول 3/70، الابهاج 3/54". 4 انظر المصباح المنير 1/312، معجم مقاييس اللغة 3/127، الصحاح 2/675. 5 في ش: تسبرها. 6 في ش: تختبرها. 7 في ش: لتميز.

الصَّالِحَ لِلتَّعْلِيلِ مِنْ غَيْرِهِ، فَكَانَ الأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: التَّقْسِيمُ وَالسَّبْرُ؛ لأَنَّ الْوَاوَ - وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى التَّرْتِيبِ - لَكِنَّ الْبُدَاءَةَ1 بِالْمُقَدَّمِ أَجْوَدُ. وَأُجِيبُ عَنْهُ: بِأَنَّ السَّبْرَ - وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ التَّقْسِيمِ - فَهُوَ مُتَقَدِّمٌ2 عَلَيْهِ3 أَيْضًا؛ لأَنَّهُ أَوَّلاً يَسْبُرُ الْمَحَلَّ، هَلْ فِيهِ أَوْصَافٌ أَمْ لا؟ ثُمَّ يُقَسِّمُ، ثُمَّ يَسْبُرُ ثَانِيًا، فَقُدِّمَ " السَّبْرُ " فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ السَّبْرِ الأَوَّلِ. وَأُجِيبُ أَيْضًا: بِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي مَعْرِفَةِ الْعِلِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ السَّبْرُ، وَأَمَّا التَّقْسِيمُ: فَإِنَّمَا هُوَ لاحْتِيَاجِ السَّبْرِ إلَى شَيْءٍ يُسْبَرُ. وَرُبَّمَا سُمِّيَ بِ "التَّقْسِيمِ الْحَاصِرِ4" "وَيَكْفِي الْمُنَاظِرَ" فِي بَيَانِ الْحَصْرِ إذَا مُنِعَ أَنْ يَقُولَ "بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ" أَيْ غَيْرَ هَذَا الْوَصْفِ "أَوْ" أَنْ يَقُولَ "الأَصْلُ عَدَمُهُ" أَيْ عَدَمُ غَيْرِ هَذَا الْوَصْفِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لأَنَّهُ ثِقَةٌ5 أَهْلٌ لِلنَّظَرِ6؛ وَلأَنَّ الأَوْصَافَ الْعَقْلِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ لَوْ كَانَتْ لَمَا خَفِيَتْ

_ 1 في ش: البدء. 2 في ض: مقدم. 3 في ز: على. 4 في ش: الخاص. 5 في ش: ثقة من. 6 في ش: النظر.

عَلَى الْبَاحِثِ عَنْهَا1. مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ فِي قِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ فِي الرِّبَوِيَّةِ: بَحَثْت عَنْ أَوْصَافِ الْبُرِّ، فَمَا وَجَدْت مَا يَصْلُحُ عِلَّةً2 لِلرِّبَوِيَّةِ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ، إلاَّ الطُّعْمَ أَوْ3 الْقُوتَ أَوْ الْكَيْلَ، لَكِنَّ الطُّعْمَ وَالْقُوتَ لا يَصْلُحُ لِذَلِكَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، فَيَتَعَيَّنُ الْكَيْلُ4. أَوْ يَقُولَ: الأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَاهَا. فَإِنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ الظَّنُّ الْمَقْصُودُ5. "فَإِنْ بَيَّنَ الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ" غَيْرَ مَا ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ "لَزِمَ" الْمُسْتَدِلَّ "إبْطَالُهُ" إذْ لا يَثْبُتُ الْحَصْرُ الَّذِي قَدْ ادَّعَاهُ بِدُونِهِ6. "وَلا يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ" بِإِبْدَاءِ وَصْفٍ زَائِدٍ عَلَى الأَوْصَافِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَدِلُّ "بَيَانُ صَلاحِيَّتِهِ" أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ "لِلتَّعْلِيلِ"

_ 1 انظر: المسودة ص 426، مختصر البعلي ص 148، روضة الناظر ص 307، شرح العضد 2/236، تيسير التحرير 4/46، المحلي على جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/271، المستصفى 2/296، نشر البنود 2/166، ارشاد الفحول ص 214، مناهج العقول 3/71. 2 ساقطة من ش ع ز ب. 3 في ض: و. 4 شرح العضد 2/236. 5 شرح العضد 2/236. 6 أنظر: تيسير التحرير 4/46، فواتح الرحموت 2/299، شرح العضد 2/236، نشر البنود 2/168.

وَعَلَى الْمُسْتَدِلِّ إبْطَالُ صَلاحِيَّتِهِ لِلتَّعْلِيلِ؛ لأَنَّ دَلِيلَهُ لا يَتِمُّ إلاَّ بِذَلِكَ1. "وَلا يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ إلاَّ بِعَجْزِهِ عَنْ إبْطَالِهِ" أَيْ إبْطَالِ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الْوَصْفِ، لا بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُعْتَرِضِ الْوَصْفَ، وَإِلاَّ كَانَ كُلُّ مَنْعٍ قَطْعًا، وَالاتِّفَاقُ عَلَى خِلافِهِ2. فَإِذَا3 أَبْطَلَ الْمُسْتَدِلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الْوَصْفِ بَطَلَ. قَالَهُ4 الْعَضُدُ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ إذَا أَبْطَلَهُ فَقَدْ سَلِمَ حَصْرُهُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مِمَّا عَلِمْت أَنَّهُ لا يَصْلُحُ، فَلَمْ أُدْخِلْهُ فِي حَصْرِي. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْحَصْرَ قَطْعًا. بَلْ قَالَ: إنِّي مَا5 وَجَدْت، أَوْ6 أَظُنُّ الْعَدَمَ، وَهُوَ فِيهِ صَادِقٌ، فَيَكُونُ كَالْمُجْتَهِدِ7 إذَا ظَهَرَ لَهُ مَا كَانَ خَافِيًا [عَلَيْهِ] 8، وَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ9 اهـ.

_ 1 أنظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/271. 2 أنظر: شرح العضد 2/237، تيسير التحرير 4/46، نشر البنود 2/168، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/271، فواتح الرحموت 2/299. 3 في ض: فإذ. 4 في ش: قاله. 5 ساقطة من ع. 6 في ش: بل. 7 في ش: المجتهد. 8 زيادة من شرح العضد. 9 شرح العضد 2/237.

"وَالْمُجْتَهِدُ يَعْمَلُ بِظَنِّهِ" يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِظَنِّهِ، فَيَرْجِعُ إلَيْهِ، وَيَكُونُ1 مُؤَاخَذًا بِمَا اقْتَضَاهُ ظَنُّهُ فَيَلْزَمُهُ الأَخْذُ بِهِ، وَلا يُكَابِرُ نَفْسَهُ. "وَمَتَى كَانَ الْحَصْرُ"2 أَيْ حَصْرُ الأَوْصَافِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَدِلِّ "وَالإِبْطَالُ" مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَرِضِ "قَطْعِيًّا فَالتَّعْلِيلُ" بِذَلِكَ "قَطْعِيٌّ" بِلا خِلافٍ، وَلَكِنَّ هَذَا قَلِيلٌ فِي الشَّرْعِيَّاتِ. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَصْرُ وَالإِبْطَالُ قَطْعِيًّا، بَلْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَنِّيًّا، أَوْ كِلاهُمَا وَهُوَ الأَغْلَبُ "فَ" التَّعْلِيلُ "ظَنِّيٌّ" أَيْ لا يُفِيدُ إلاَّ الظَّنَّ، وَيُعْمَلُ بِهِ فِيمَا لا يُتَعَبَّدُ فِيهِ بِالْقَطْعِ مِنْ الْعَقَائِدِ وَنَحْوِهَا3. "وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ" يَعْنِي أَنَّ مِنْ طُرُقِ4 إبْطَالِ الْمُسْتَدِلِّ لِمَا5 يَدَّعِيهِ الْمُعْتَرِضُ مِنْ دَعْوَى وَصْفٍ يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ: بِحَذْفِهِ عَنْهُ "الإِلْغَاءُ"6.

_ 1 في ض: فيكون. 2 في ض: للأوصاف. 3 أنظر: فواتح الرحموت 2/300، نشر البنود 2/166، إرشاد الفحول ص 213، نهاية السول 3/71، الإبهاج 3/54. 4 في ز ض: طرق الحذف. 5 في ش: بما. 6 في ش: وإلغاء.

"وَهُوَ" أَيْ الإِلْغَاءُ "إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِ" الْوَصْفِ "الْبَاقِي فَقَطْ فِي صُورَةٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ دُونَهُ، فَيَظْهَرُ اسْتِقْلالُهُ" وَحْدَهُ. وَيُعْلَمُ أَنَّ الْمَحْذُوفَ لا أَثَرَ لَهُ1. وَقَالَ الآمِدِيُّ: لا يَكْفِي ذَلِكَ فِي اسْتِقْلالِهِ بِدُونِ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ، وَإِلاَّ لَكَفَى فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ، فَإِنْ ثَبَتَ فِي صُورَةِ الإِلْغَاءِ بِالسَّبْرِ فَالأَصْلُ الأَوَّلُ تَطْوِيلٌ بِلا فَائِدَةٍ. وَإِنْ بَيَّنَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ، لَزِمَ2 مَحْذُورٌ آخَرُ، وَهُوَ الانْتِقَالُ3.

_ 1 أنظر: شرح العضد 2/237، فواتح الرحموت 2/299، نشر البنود 2/169. 2 في ع: لزمه. 3 الإحكام في أصول الأحكام 3/385 باختصار وتصرف. وتمام عبارة الآمدي فيه: "لكن لقائل أن يقول: دعوى استقلال الوصف المستبقى في صورة الإلغاء بالتعليل من مجرد إثبات الحكم مع وجوده وانتفاء الوصف المحذوف غير صحيحه. فإنه لو كان مجرد ثبوت الحكم مع الوصف في صورة الإلغاء كافياً في التعليل بدون ضميمة ما يدل على استقلاله بطريق من طرق إثبات العلة لكان ذلك كافياً في أصل القياس، ولم يكن إلى البحث والسبر حاجة، وكذا غيره من الطرق. فإذاً لا بد من بيان الاستقلال ببعض طرق إثبات العلة. وعند ذلك إن شرع المستدل في بيان الاستقلال بالاستدلال ببعض طرق إثبات العلة.، فإن بيّن الاستقلال في صورة الإلغاء بالاعتبار، وأمكن أن تكون أصلاً لعلته، وتبينا أنّ الأصل الأول لا حاجة إليه، فإن المصير إلى أصل لا يمكن التمسك به في الاعتبار إلاّ بذكر صورة أخرى مستقلة بالاعتبار يكون تطويلاً بلا فائدة. وإن بين الاستقلال بطريق آخر فيلزمه مع هذا المحذور محذور آخر، وهو الانتقال في إثبات كون الوصف علة من طريقٍ إلى طريق آخر، وهو شنيع في مقام النظر". اهـ.

"وَنَفْيُ الْعَكْسِ كَالإِلْغَاءِ لا عَيْنِهِ" يَعْنِي: أَنَّ نَفْيَ الْعَكْسِ يُشْبِهُ الإِلْغَاءَ. وَلَيْسَ بِإِلْغَاءٍ1؛ لأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ فِي الإِلْغَاءِ لَوْ2 كَانَ الْمَخْذُوفُ عِلَّةً لانْتَفَى عِنْدَ انْتِفَائِهِ، بَلْ قَصَدَ: لَوْ3 أَنَّ الْبَاقِيَ جُزْءُ عِلَّةٍ لَمَا اسْتَقَلَّ4. "وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ "طَرْدُ الْمَحْذُوفِ مُطْلَقًا" أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ "كَطُولٍ وَقِصَرٍ" فَإِنَّهُمَا لَمْ يُعْتَبَرَا فِي الْقِصَاصِ، وَلا الْكَفَّارَةِ، وَلا الإِرْثِ، وَلا الْعِتْقِ، وَلا التَّقْدِيمِ فِي الصَّلاةِ وَلا غَيْرِهَا، فَلا يُعَلَّلُ بِهِمَا حُكْمٌ أَصْلاً. "أَوْ" لَيْسَ مُطْلَقًا، وَلَكِنْ "بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ" وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي غَيْرِهِ "كَالذُّكُورِيَّةِ فِي" أَحْكَامِ "الْعِتْقِ" إذْ هِيَ مُلْغَاةٌ فِيهِ، مَعَ كَوْنِهَا5 مُعْتَبَرَةً فِي الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَوِلايَةِ النِّكَاحِ وَالإِرْثِ، فَلا يُعَلَّلُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ6. "وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ "عَدَمُ ظُهُورِ مُنَاسَبَةٍ" بِأَنْ لا

_ 1 في ش ز: بالإلغاء. 2 في ع ض ب: ولو. 3 في ع ز ض ب: ولو. 4 أنظر شرح العضد 2/237، فواتح الرحموت 2/299. 5 في ض: بكونها. 6 أنظر: شرح العضد 2/238، تيسير التحرير 4/47، فواتح الرحموت 2/300، نشر البنود 2/168، حاشية البناني 2/272.

يَظْهَرَ لِلْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ وَجْهُ مُنَاسَبَةٍ1 "وَيَكْفِي الْمُنَاظِرَ" أَنْ يَقُولَ "بَحَثْت" فَلَمْ أَجِدْ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ مُنَاسَبَةً. "فَلَوْ قَالَ الْمُعْتَرِضُ: الْبَاقِي كَذَلِكَ" يَعْنِي أَنَّ الْوَصْفَ الْبَاقِيَ أَيْضًا2 لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ مُنَاسَبَةٌ. "فَإِنْ كَانَ" قَوْلُهُ3 ذَلِكَ "بَعْدَ تَسْلِيمِ مُنَاسَبَتِهِ" أَيْ تَسْلِيمِ مُنَاسَبَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ4 "لَمْ يُقْبَلْ" مِنْهُ ذَلِكَ. "وَقَبْلَهُ" أَيْ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ قَبْلَ تَسْلِيمِ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ، فَ "سَبْرُ الْمُسْتَدِلِّ أَرْجَحُ" مِنْ سَبْرِ الْمُعْتَرِضِ؛ لأَنَّ سَبْرَ الْمُسْتَدِلِّ مُوَافِقٌ لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ، وَسَبْرُ الْمُعْتَرِضِ، 5وَهُوَ قَوْلُهُ: إنِّي بَحَثْت فِي الْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مُنَاسَبَةً قَاصِرٌ6. وَالْعِلَّةُ الْمُتَعَدِّيَةُ أَرْجَحُ مِنْ الْقَاصِرَةِ. "وَلَيْسَ لَهُ" أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ "بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ" بَيْنَ الْوَصْفِ الْبَاقِي وَالْحُكْمِ؛ لأَنَّهُ حِينَئِذٍ انْتِقَالٌ مِنْ السَّبْرِ إلَى الْمُنَاسَبَةِ7.

_ 1 أنظر: نشر البنود 2/169، فواتح الرحموت 2/300، حاشية البناني 2/272، شرح العضد 2/238. 2 ساقطة من ز. 3 في ش: قولك. 4 في ش: المستدل وهو قوله إني بحثت في الوصف المستبقى فلم أجد فيه مناسبة. 5 ساقطة من ش. 6 ساقطة من ع. وفي ض: قاصرة. 7 أنظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/272.

"وَالسَّبْرُ الظَّنِّيُّ حُجَّةٌ مُطْلَقًا1 2أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَاظِرٍ أَوْ مُنَاظَرٍ2. "وَلَوْ أَفْسَدَ حَنْبَلِيٌّ عِلَّةَ شَافِعِيٍّ" فِي الرِّبَا أَوْ غَيْرِهِ "لَمْ يَدُلَّ عَلَى صِحَّةِ عِلَّتِهِ" أَيْ عِلَّةِ الْحَنْبَلِيِّ، كَتَعْلِيلِ3 بَعْضِ الْفُقَهَاءِ بِغَيْرِ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَ بِهَا الشَّافِعِيُّ وَالْحَنْبَلِيُّ. وَلَيْسَ إجْمَاعُهُمَا دَلِيلاً عَلَى مَنْ خَالَفَهُمَا4 "لَكِنَّهُ" أَيْ لَكِنَّ إفْسَادَ عِلَّةِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي هُوَ الْخَصْمُ "طَرِيقٌ لإِبْطَالِ مَذْهَبِ خَصْمِهِ، وَإِلْزَامٌ5 لَهُ" أَيْ لِلشَّافِعِيِّ "صِحَّةَ عِلَّتِهِ" أَيْ عِلَّةَ6 الْحَنْبَلِيِّ. "وَلِكُلِّ حُكْمٍ عِلَّةٌ تَفَضُّلاً" عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَوُجُوبًا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالسَّبْرِ وَتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ

_ 1 أنظر كلام الأصوليين وخلافهم في حجية السبر والتقسيم الطني في "ارشاد الفحول ص 214، التلويح على التوضيح 2/579، مختصر البعلي ص 148، اللمع ص 62، الوصول إلى مسائل الأصول 2/286، شرح تنقيح الفصول ص 398، تيسير التحرير 4/48، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/271، المستصفى 2/295، فواتح الرحموت 2/300، نشر البنود 2/167 وما بعدها". 2 ساقطة من ش. وفي ع ض: أي سواء كان. وفي ز: أي سواء كان من المستدل أو المعترض. 3 كذا في جميع النسخ. ولعل الصواب: لتعليل. 4 أنظر روضة الناظر ص 307 وما بعدها. 5 في ع: والزمه. 6 ساقطة من ش.

وَغَيْرِهِمَا كَوْنُ1 الْحُكْمِ لا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ2 لِقَوْلِهِ3 تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 4 وَالظَّاهِرُ مِنْهُ: تَعْمِيمُ الرَّحْمَةِ فِي جَمِيعِ5 مَا جَاءَ بِهِ، وَحِينَئِذٍ لَمْ تَخْلُ الأَحْكَامُ عَنْ فَائِدَةٍ، وَهِيَ الْعِلَّةُ6. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: كُلُّهَا مُعَلَّلَةٌ وَتَخْفَى7 نَادِرًا8.

_ 1 في ش: لكون. 2 قال ابن السبكي: "إنا استقرينا أحكام الشرع فوجدناها على وفق مصالح العباد، وذلك من فضل الله تعالى وإحسانه، لا بطريق الوجوب عليه، خلافاً للمعتزلة. فحيث ثبت حكم، وهناك وصف صالح لعليّة ذلك الحكم، ولم يوجد غيره، يحصل ظن أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم، والعمل بالظن واجب. وقد ادّعى بعضهم الإجماع على أن الأحكام مشروعة لمصالح العباد. قال: وذلك إما بطريق الوجوب عند المعتزلة أو الإحسان عند الفقهاء من أهل السنة. وهذه الدعوى باطلة، لأن المتكلمين لم يقولوا بتعليل الأحكام بالمصالح، لا بطريق الوجوب ولا الجواز، وهو اللائق بأصولهم. وكيف ينعقد الإجماع مع مخالفة جماهير المتكلمين، والمسألة من مسائل علمهم، وقد قالوا: لا يجوز أن تعلل أفعال الله تعالى، لأنّ من فعل فعلاً لغرضٍ، كان حصوله بالنسبة إليه أولى، سواء كان ذلك الغرض يعود إليه أم إلى الغير، وإذا كان كذلك يكون ناقصاً في نفسه، مستكملاً في غيره، ويتعالى الله سبحانه عن ذلك. "الإبهاج 3/43". 3 في ع ب: كقوله. 4 الآية 107 من الأنبياء. 5 في ش ض: كل. 6 قال العضد "2/238": "وظاهر الآية التعميم، أي يفهم منه مراعاة مصالحهم فيما شرع لهم من الأحكام كلها، إذ لو أرسل بحكم لا مصلحة لهم فيه لكان إرسالاً لغير الرحمة، لأنّه تكليف بلا فائدة، مخالف ظاهر العموم". 7 في ش: وتختفي. 8 أي تخفى علينا العلة في النادر منها "المسودة ص 398".

قَالَ الْقَاضِي: التَّعْلِيلُ الأَصْلُ، وَ1تُرِكَ2 نَادِرًا؛ لأَنَّ تَعَقُّلَ الْعِلَّةِ أَقْرَبُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ التَّعَبُّدِ؛ وَلأَنَّهُ3 الْمَأْلُوفُ عُرْفًا. وَالأَصْلُ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ لَهُ، فَيُحْمَلُ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى الْغَالِبِ4. "وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ فِيهَا" أَيْ فِي عِلَلِ الأَحْكَامِ "إجْمَاعًا"5. وَقِيلَ: الأَصْلُ عَدَمُ التَّعْلِيلِ؛ لأَنَّ الْمُوجِبَ الصِّيغَةُ، وَبِالتَّعْلِيلِ يَنْتَقِلُ حُكْمُهُ إلَى مَعْنَاهُ، فَهُوَ كَالْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ. " الرَّابِعُ " مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ "الْمُنَاسَبَةُ، وَ" يُقَالُ "الإِخَالَةُ"6. "وَاسْتِخْرَاجُهَا" أَيْ اسْتِخْرَاجُ الْعِلَّةِ بِذَلِكَ "يُسَمَّى تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ" لِمَا فِيهِ مِنْ ابْتِدَاءِ مَا نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ، أَيْ عُلِّقَ عَلَيْهِ. "وَهُوَ" أَيْ تَخْرِيجُ7 الْمَنَاطِ "تَعْيِينُ8 عِلَّةِ الأَصْلِ بِإِبْدَاءِ

_ 1 ساقطة من ب ع ز. 2 في د ض: تركه. 3 في ز: ولأن. 4 انظر المسودة ص 398. 5 انظر شرح العضد 2/238، تيسير التحرير 4/49، الإبهاج 3/43. 6 من خالَ بمعنى ظنّ، وقد سميت مناسبة الوصف بالإخالة، لأنه بالنظر إلى ذاتها يُخال، أي يُظَنُّ عليّة الوصف للحكم. "نشر البنود 2/170". 7 في ع: تعيين تخريج. 8 في ع ض: تعليل.

الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِ الْوَصْفِ"1 يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الأَصْلُ مُشْتَمِلاً عَلَى وَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِلْحُكْمِ، فَيَحْكُمُ الْعَقْلُ بِوُجُودِ تِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ: أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ كَالإِسْكَارِ لِلتَّحْرِيمِ، وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِلْقِصَاصِ. "وَالْمُنَاسَبَةُ" هُنَا "لُغَوِيَّةٌ" بِخِلافِ الْمُعَرَّفِ2، وَهُوَ الْمُنَاسَبَةُ، فَإِنَّهَا بِالْمَعْنَى الاصْطِلاحِيِّ، حَتَّى لا يَكُونَ تَعْرِيفًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. "وَالْمُنَاسِبُ: مَا تَقَعُ الْمَصْلَحَةُ عَقِبَهُ"3. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَمَعْنَى الْمُنَاسِبِ أَنْ يَكُونَ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ عَقِبَهُ4 مَصْلَحَةٌ5.

_ 1 انظر تعريفات الأصوليين لتخريج المناط في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/273، روضة الناظر ص 278، نشر البنود 2/170، تيسير التحرير 4/43، الابهاج 3/58، مختصر الطوفي ص 146، مناهج العقول 3/50، شرح العضد 2/239". 2 في ع ز: العرف. 3 انظر تعريف المناسب في "المحصول 2/2/218، نهاية السول 3/52، مناهج العقول 2/50، مختصر البعلي ص 148، الإبهاج 3/38، مفتاح الوصول ص 149، الإحكام للآمدي 3/388، شرح العضد 2/239، إرشاد الفحول ص 214، شرح تنقيح الفصول ص 391، نشر البنود 2/173، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/274، التلويح على التوضيح 2/553، 565، فواتح الرحموت 2/301، كشف الأسرار 3/352". 4 في الروضة: عقبيه. 5 روضة النظر ص 302.

"وَزِيدَ لِرَابِطٍ مَا عَقْلِيٍّ". قَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: الْمُنَاسِبُ: هُوَ مَا تُتَوَقَّعُ1 الْمَصْلَحَةُ عَقِبَهُ2 لِرَابِطٍ مَا3 عَقْلِيٍّ4. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: اُخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِ الْمُنَاسِبِ، وَاسْتِقْصَاءُ الْقَوْلِ فِيهِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ؛ لأَنَّ عَلَيْهِ مَدَارَ5 الشَّرِيعَةِ، بَلْ مَدَارَ الْوُجُودِ، إذْ لا وُجُودَ إلاَّ وَهُوَ6 عَلَى وَفْقِ الْمُنَاسَبَةِ الْعَقْلِيَّةِ، لَكِنَّ أَنْوَاعَ الْمُنَاسَبَةِ تَتَفَاوَتُ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَالْخَفَاءِ7، وَالظُّهُورِ، فَمَا خَفِيَتْ عَنَّا مُنَاسَبَتُهُ سُمِّيَ تَعَبُّدًا، وَمَا ظَهَرَتْ مُنَاسَبَتُهُ سُمِّيَ مُعَلَّلاً. فَقَوْلُنَا: الْمُنَاسِبُ8 مَا تُتَوَقَّعُ الْمَصْلَحَةُ عَقِبَهُ، أَيْ إذَا وُجِدَ أَوْ إذَا سُمِعَ: أَدْرَكَ الْعَقْلُ السَّلِيمُ كَوْنَ ذَلِكَ الْوَصْفِ سَبَبًا مُفْضِيًا إلَى مَصْلَحَةٍ مِنْ الْمَصَالِحِ لِرَابِطٍ9 مَا مِنْ الرَّوَابِطِ الْعَقْلِيَّةِ10 بَيْنَ تِلْكَ

_ 1 في ش ز ع ب: يتوقع. 2 في مختصر الطوفي: عقبيه. 3 ساقطة من ش. 4 مختصر الطوفي ص 159. 5 ساقطة من ض. 6 في ع: فهو. وفي ز: هو. 7 ساقطة من ض. 8 في ز: المناسبة. 9 ساقطة من ش ز. 10 ساقطة من ض.

الْمَصْلَحَةِ وَذَلِكَ الْوَصْفِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِي " لِرَابِطٍ مَا عَقْلِيٍّ ". مِثَالُهُ: إذَا قِيلَ: الْمُسْكِرُ حَرَامٌ، أَدْرَكَ الْعَقْلُ أَنَّ تَحْرِيمَ السُّكْرِ1 مُفْضٍ إلَى مَصْلَحَةٍ2، وَهِيَ حِفْظُ الْعَقْلِ مِنْ الاضْطِرَابِ. وَإِذَا قِيلَ: الْقِصَاصُ مَشْرُوعٌ، أَدْرَكَ الْعَقْلُ 3أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْقِصَاصِ سَبَبٌ4 مُفْضٍ5 إلَى مَصْلَحَةٍ، وَهِيَ حِفْظُ النُّفُوسِ. ثُمَّ قَالَ قُلْت: لِرَابِطٍ6 عَقْلِيٍّ، أَخْذًا مِنْ النَّسَبِ الَّذِي هُوَ الْقَرَابَةُ، فَإِنَّ الْمُنَاسِبَ هُنَا7 مُسْتَعَارٌ وَمُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ، وَلا شَكَّ أَنَّ الْمُتَنَاسِبَيْنِ فِي بَابِ النَّسَبِ، كَالأَخَوَيْنِ وَابْنَيْ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ، إنَّمَا8 كَانَا مُتَنَاسِبَيْنِ9 لِمَعْنًى رَابِطٍ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْقَرَابَةُ. فَكَذَلِكَ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ هُنَا لا بُدَّ أَنْ10 يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ

_ 1 في ش: المسكر. 2 في ض ب: المصلحة. 3 ساقطة من ض. 4 في ض: سبباً. 5 في ض: مفضياً. 6 في ش: الرابط. 7 ساقطة من ش. وفي ض: هو. 8 في ش: وانما. 9 في ش: مناسبين. 10 في ش ز ب: وأن.

الْمَصْلَحَةِ رَابِطٌ عَقْلِيٌّ وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ صَالِحًا لِلإِفْضَاءِ إلَى تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ اهـ. "وَيَتَحَقَّقُ الاسْتِقْلالُ" عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي أَبْدَاهُ هُوَ الْعِلَّةُ "بِعَدَمِ مَا سِوَاهُ بِ" طَرِيقِ "السَّبْرِ" وَلا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ، وَإِلاَّ يَلْزَمْ الاكْتِفَاءُ بِهِ ابْتِدَاءً، وَلا قَائِلَ بِهِ، بِخِلافِ مَا سَبَقَ فِي طَرِيقِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِذَلِكَ؛ لأَنَّ الْمَدَارَ1 هُنَاكَ عَلَى الْحَصْرِ، فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ. وَهُنَا عَلَى أَنَّهُ ظَفِرَ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ، فَافْتَرَقَا2. "وَ" الْمَعْنَى "الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ"3: "قَدْ يُعْلَمُ حُصُولُهُ" يَقِينًا "كَبَيْعٍ" فَإِنَّهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا حَصَلَ مِنْهُ الْمِلْكُ4 الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ. "أَوْ" قَدْ "يُظَنُّ، كَقِصَاصٍ" فَإِنَّ حُصُولَ الانْزِجَارِ5 عَنْ الْقَتْلِ لَيْسَ قَطْعِيًّا، بِدَلِيلِ وُجُودِ الإِقْدَامِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ

_ 1 في ض: الدار. 2 انظر نشر البنود 2/172، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/274. 3 انظر مراتب إفضاء الحكم إلى المقصود من شرع الحكم واختلافها في "الإحكام للآمدي 3/391، شرح العضد 2/240، ارشاد الفحول ص 215، نشر البنود 2/174، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/276". 4 في ش: البيع الملك. 5 في ش: الارجاء.

الْقِصَاصَ مَشْرُوعٌ. "أَوْ" قَدْ "يُشَكُّ فِيهِ" بِأَنْ يَتَسَاوَى حُصُولُ الْمَقْصُودِ وَعَدَمُ حُصُولِهِ، فَلا يُوجَدُ يَقِينٌ وَلا ظَنٌّ، بَلْ يَكُونَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ. قَالَ صَاحِبُ1 الْبَدِيعِ: وَلا مِثَالَ لَهُ عَلَى التَّحْقِيقِ2. وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا مَثَّلَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ3 مِنْ حَدِّ شَارِبِ الْمُسْكِرِ لِحِفْظِ الْعَقْلِ؛ فَإِنَّ الْمُقْدِمِينَ4 كَثِيرٌ، وَالْمُجْتَنَبِينَ كَثِيرٌ، فَتَسَاوَى الْمَقْصُودُ وَعَدَمُهُ فِيهِ. وَلِهَذَا مَثَّلَهُ فِي الأَصْلِ بِقَوْلِهِ "كَحَدِّ خَمْرٍ".

_ 1 هو أحمد بن علي بن تغلب بن أبي الضياء البعلبكي البغدادي، مظفر الدين، أبو العباس، المعروف بابن الساعاتي لكون أبيه عمل الساعات المشهورة على باب المستنصرية، من كبار فقهاء الحنفية، وأحد مدرسي المستنصرية ببغداد. قال ابن الفوطي: "كان عالماً بالفقه والأصول، عارفاً بالمنقول والمعقول". من مؤلفاته "بديع النظام الجامع بين كتابي البزدوي والإحكام" وهو كتاب مشترك بين أصول الحنفية وأصول المتكلمين، و"مجمع البحرين ولتقى النهرين" في الفروع و"شرحه" و "نهاية الوصول إلى علم الأصول" وغيرها. توفي سنة 694هـ "انظر ترجمته في الفوائد البهية للكنوي ص 26، الجواهر المضية 1/80، كشف الظنون 1/235، هدية العارفين 1/100، الفتح المبين 2/94، تاريخ علماء المستنصرية 1/91، الطبقات السنية 1/462". 2 وقال الآمدي عنه: "فقلما يتفق له في الشرع مثال على التحقيق، بل على طريق التقريب، وذلك كشرع الحدّ على شرب الخمر لحفظ العقل، فإنّ إفضاءه إلى ذلك متردد، حيث انّا نجد كثرة الممتنعين عنه مقاومة لكثرة المقدمين عليه، لا على وجه الترجيح والغلبة لأحد الفريقين على الآخر في العادة". "الإحكام 3/391". 3 مخصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/240. 4 في ض: المتقدمين.

"أَوْ" قَدْ "يُتَوَهَّمُ" حُصُولُهُ، بِأَنْ يَكُونَ عَدَمُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ أَرْجَحَ مِنْ حُصُولِهِ "كَنِكَاحِ آيِسَةٍ" مِنْ الْحَيْضِ "لِلتَّوَالُدِ"؛ لأَنَّهُ مَعَ إمْكَانِهِ عَقْلاً بَعِيدٌ عَادَةً. وَقِيلَ: لا يُعَلَّلُ بِمَا قَدْ يُشَكُّ فِيهِ أَوْ يُتَوَهَّمُ. وَالأَظْهَرُ: بَلَى، اتِّفَاقًا1 إنْ ظَهَرَ الْمَقْصُودُ2. فِي غَالِبِ صُوَرِ الْجِنْسِ، وَإِلاَّ فَلا. لاحْتِمَالِ3 التَّرَتُّبِ وَعَدَمِهِ سَوَاءً، أَوْ عَدَمُهُ أَرْجَحُ. وَفِي الْفُنُونِ وَغَيْرِهِ: السَّفَرُ مَشَقَّةٌ عَامَّةٌ، وَيَخْتَلِفُ قَدْرُهَا. وَلِذَا4 تَحْسُنُ التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ لِلْجَمِيعِ5، كَالْمَرْضَى6 بِالسَّلامَةِ. "وَلَوْ فَاتَ" الْمَقْصُودُ "يَقِينًا، كَلُحُوقِ نَسَبِ مَشْرِقِيٍّ بِمَغْرِبِيَّةٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُعَلَّلْ بِهِ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ7.

_ 1 انظر الإحكام للآمدي 3/392. 2 ساقطة من ش. 3 في ع: لاحتماله. 4 في ش: وكذا. 5 في ش: بالجميع لقدوم الجميع. 6 في ش: كالرضى. 7 قال الآمدي: "لأنّ المقصود من شرع الأحكام الحِكَم، فشرع الأحكام مع انتفاء الحكمة يقيناً لا يكون مفيداً، فلا يرد به الشرع، خلافاً لأصحاب أبي حنيفة" "الإحكام في أصول الأحكام 3/393" وانظر: شرح العضد 2/240، ارشاد الفحول ص 215، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/278.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، فَيَلْحَقُ عِنْدَهُمْ النَّسَبُ لَوْ تَزَوَّجَ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ مَشْرِقِيٌّ بِمَغْرِبِيَّةٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، مَعَ الْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ اجْتِمَاعِهِمَا؛ لاقْتِضَاءِ الزَّوَاجِ ذَلِكَ فِي الأَغْلَبِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ1. "وَالْمُنَاسِبُ" ثَلاثَةُ أَضْرُبٍ: الضَّرْبُ الأَوَّلُ "دُنْيَوِيٌّ" وَيَنْقَسِمُ إلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: الأَوَّلُ2: "ضَرُورِيٌّ أَصْلاً، وَهُوَ أَعْلَى رُتَبِ الْمُنَاسَبَاتِ" وَهُوَ مَا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ3. وَيَتَنَوَّعُ إلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ4 الَّتِي رُوعِيَتْ5 فِي كُلِّ مِلَّةٍ، وَهِيَ "حِفْظُ الدِّينِ، فَ" حِفْظُ "النَّفْسِ، فَـ6" حِفْظُ

_ 1 أقول: إن مذهب الحنفية إلحاق سنب الولد بوالده في حالة تزوج مشرقي بمغربية اكتفاء بقيام الفراش دون تحقق الدخول مبني عندهم على اجتماع أصلين في المسألة "أحدهما" أن الولد لصاحب الفراش للنص. "والثاني" إمكان لقائهما واحتماله بناءً على جواز وقوع خوارق العادات على سبيل الكرامات ونحوها، لا مع القطع بانتفاء اجتماع الزوجين كما عزا المصنف للحنفية! "انظر رد المحتار 2/630، البناية على الهداية 4/818". 2 في ش ز: القسم الأول. 3 أي أنّه لا بد منه في قيام مصالح الدين والدني، بحيث اذا فقد لم تجز مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين. قاله الشاطبي "انظر الموافقات 2/8". 4 في ش ز: وهي الخمسة. 5 في ب: وعيت. 6 في ش: و.

"الْعَقْلِ1، فَـ" حِفْظُ "النَّسْلِ2، فَـ" حِفْظُ "الْمَالِ، وَ3" حِفْظُ "الْعِرْضِ"4. فَأَمَّا حِفْظُ الدِّينِ: فَبِقِتَالِ الْكُفَّارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ} 5 الآيَةَ " وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ" وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ".

_ 1 في ع: النسل. 2 في ع: العقل. * وهذا المقصد الضروري الرابع اختلف الأصوليون في تسميته، فسماه الغزالي في المستصفى والآمدي في الإحكام والشاطبي في الموافقات وابن الحاجب في المنتهى ومختصره والشوكاني في إرشاد الفحول: حفظ النسل. وتبعهم المصنف في تلك التسمية.. بينما سماه ابن السبكي في جمع الجوامع وابن قدامة في الروضة والطوفي في مختصره والرازي في المحصول والقرافي في تنقيح الفصول وصاحب نشر البنود والبيضاوي في المنهاج وكذا شراحه الأسنوي والبدخشي وابن السبكي: حفظ النسب. 3 في ش ب: ف. 4 انظر كلام الأصوليين على الضروريات الخمس ومكملاتها في " المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/280، ارشاد الفحول ص 216، شرح العضد 2/240، الموافقات 2/8، روضة الناظر ص 170، مختصر الطوفي ص 144، المستصفى 1/287، مناهج العقول 3/51، الإبهاج 3/38، شفاء الغليل ص 160 وما بعدها، الإحكام للآمدي 3/394، المحصول 2/2/220، شرح تنقيح الفصول ص 391، نشر البنود 2/177 وما بعدها، نهاية السول 3/53، مختصر البعلي ص 163". 5 الآية 29 من التوبة

وَأَمَّا حِفْظُ النَّفْسِ: فَبِمَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} 1 وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ" 2. وَأَمَّا حِفْظُ الْعَقْلِ: فَبِتَحْرِيمِ الْمُسْكِرَاتِ وَنَحْوِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} 3 وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" 4. وَأَمَّا حِفْظُ النَّسْلِ: فَبِوُجُوبِ حَدِّ الزَّانِي5. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى

_ 1 الآية 179 من البقرة. 2 أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه. "انظر صحيح البخاري 3/169، صحيح مسلم 3/1302، سنن النسائي 8/24، سنن ابن ماجة 2/884، مسند أحمد 3/128، 167". 3 الآية 91 من المائدة. 4 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك في الموطأ في مسنده عن عائشة رضي الله عنها، وفي الباب عن ابن مسعود ومعاوية وأبي موسى الأشعري وابن عمر وجابر وأبي هريرة وابن عباس وعمر رضي الله عنهم. "انظر صحيح البخاري 6/242، صحيح مسلم 3/1585 وما بعدها، بذل المجهود 16/14 وما بعدها، عارضة الأحوذي 8/57 وما بعدها، سنن النسائي 8/263 وما بعدها، سنن ابن ماجة 2/1123 وما بعدها، الموطأ 2/845، مسند أحمد 1/274، 289، 2/16، 29، 31، 91، 3/66، 112، 4/410، 417، 5/356". 5 في ش ع: الزنا.

{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 1 وَقَدْ جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمَ. وَأَمَّا حِفْظُ الْمَالِ: فَبِقَطْعِ السَّارِقِ وَتَضْمِينِهِ وَتَضْمِينِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} 2 وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "3إنَّ أَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" 4 وَقَالَ تَعَالَى: 5 {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} . 6وَأَمَّا حِفْظُ الْعِرْضِ7: فَبِحَدِّ الْقَذْفِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ

_ 1 الآية 2 من النور. 2 الآية 38 من المائدة. 3 ساقطة من ز. 4 أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة وأحمد في مسنده بلفظ "إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام" وقد رواه من الصحابة أبو بكر وأبو سعيد الخدري وابن مسعود وجابر بن عبد الله والحارث بن عمرو وأبو الغادية وغيرهم. "انظر صحيح البخاري 1/35، 2/191، صحيح مسلم 2/889، سنن ابن ماجة 2/1297، 1016، 1025، مسند أحمد 2/313، 371، 485، 4/76، 306، 5/30، 49، 68، 411، 412". 5 الآية 188 من البقرة. 6 ساقطة من ز. 7 ذكر في نشر البنود "2/178" أن العِرْضَ –بكسر العين- النفس، وجانب الرجل الذي يصونه من نفسه وحَسَبه أن ينتقص ويثلب، وسواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره مما هو موضع المدح والذّم أو ما يفتخر به من حسب وشرف، وقد يراد به الآباء والأجداد والخليقة المحمودة إلى غير ذلك.

حَرَامٌ" 1 وَجَعَلَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ2 وَمَنْظُومَةِ الْبِرْمَاوِيِّ فِي رُتْبَةِ الْمَالِ، لِعَطْفِهِ3 بِالْوَاوِ. وَتَابَعْنَاهُ، فَيَكُونُ مِنْ أَدْنَى الْكُلِّيَّاتِ4. "وَ" يَلْحَقُ بِالضَّرُورِيِّ مَا هُوَ "مُكَمِّلٌ لَهُ، كَحِفْظِ الْعَقْلِ بِالْحَدِّ بِقَلِيلٍ مُسْكِرٍ". وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُكَمِّلاً5 لَهُ: أَنَّهُ6 لا يَسْتَقِلُّ ضَرُورِيًّا7 بِنَفْسِهِ، بَلْ بِطَرِيقِ الانْضِمَامِ، فَلَهُ8 تَأْثِيرٌ فِيهِ، لَكِنْ لا بِنَفْسِهِ؛ فَيَكُونُ فِي

_ 1 أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد في مسنده، وقد رواه من الصحابة أبو بكرة وعمرو بن الأحوص وابن عمر وابن عباس وغيرهم "انظر صحيح البخاري 1/24، 2/191، صحيح مسلم 3/1306، عارضة الأحوذي 9/4، 11/228، سنن ابن ماجة 2/1015، 1016، مسند أحمد 1/230، 4/337، 5/37، 39، 40، 72". 2 جمع الجوامع بحاشية البناني 2/280. 3 في ش: بعطفه. 4 قال في نشر البنود "2/178": وتسوية العرض والمال مذهب السبكي، لكن الظاهر أنّ يفصّل فيقال: من فوائد حفظ الأعراض صيانة الأنساب عن تطرّق الشك إليها بالقذف، فيلحق بحفظ النسب، فيكون بهذا الاعتبار أرفع من المال، فإنذ حفظهما بتحريم الزنا تارة وبتحريم القذف المفضي إلى الشك في الأنساب أخرى، وحفظ الأنساب مقدم على الأموال. ومن الأعراض ما هو دون جمع الضروريات، وهو دون الأموال لا في رتبتها". 5 في ض: مكمل. 6 في ش: ان. 7 في ش: ضروري. 8 في ع: وله.

حُكْمِ الضَّرُورَةِ مُبَالَغَةً فِي1 مُرَاعَاتِهِ. فَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ الْعَقْلِ: بِالْحَدِّ بِشُرْبِ قَلِيلِ الْمُسْكِرِ، وَتَقَدَّمَ. وَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ الدِّينِ: بِتَحْرِيمِ الْبِدْعَةِ2 وَعُقُوبَةِ الْمُبْتَدِعِ الدَّاعِي إلَيْهَا. وَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ النَّفْسِ: بِإِجْرَاءِ الْقِصَاصِ فِي الْجِرَاحَاتِ. وَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ النَّسَبِ3: 4ِبتحْرِيمِ النَّظَرِ وَاللَّمْسِ5 وَالْخَلْوَةِ، وَالتَّعْزِيرِ عَلَيْهِ. وَالْمُبَالَغَةِ فِي حِفْظِ الْمَالِ بِتَعْزِيرِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ. وَالْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ الْعِرْضِ6: بِتَعْزِيرِ السَّابِّ بِغَيْرِ الْقَذْفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الأَقْسَامِ الثَّلاثَةِ: الْحَاجِيُّ7 وَهُوَ الَّذِي

_ 1 في ض: و. 2 في ض: البدع. 3 في ش: النسل. 4 ساقطة من ش. 5 في ع ز ض: المس. 6 في ش: النسب. 7 وقد سمّاه البيضاوي في المنهاج بالمصلحي، وتبعه في ذلك شراحه؛ الإسنوي في نهاية السول والبدخشي في مناهج العقول والتاج السبكي في الابهاج.

لا يَكُونُ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ، بَلْ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ1، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَحَاجِيٌّ". "كَبَيْعٍ وَنَحْوِهِ" كَإِجَارَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَمُسَاقَاةٍ؛ لأَنَّ مَالِكَ الشَّيْءِ قَدْ لا يَهَبُهُ، فَيَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهِ، وَلا يُعِيرُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْجَارِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ ذِي مَالٍ يُحْسِنُ التِّجَارَةَ، فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَعْمَلُ لَهُ فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَالِكِ شَجَرٍ يُحْسِنُ الْقِيَامَ عَلَى شَجَرِهِ، فَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يُسَاقِيهِ عَلَيْهَا2. فَهَذِهِ3 الأَشْيَاءُ وَمَا أَشْبَهَهَا لا يَلْزَمُ مِنْ فَوَاتِهَا فَوَاتُ شَيْءٍ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ. "وَبَعْضُهَا" أَيْ وَبَعْضُ صُوَرِ الْحَاجِيِّ "أَبْلَغُ" مِنْ بَعْضٍ. "وَقَدْ يَكُونُ" الْحَاجِيُّ "ضَرُورِيًّا" فِي بَعْضِ الصُّوَرِ "كَشِرَاءِ

_ 1 أي أنه يُفتقَر إليه من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم يراغ دَخَل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد الواقع أو المتوقع من فوت الضروريات "انظر الموافقات 2/10". 2 انظر كلام الأصوليين على الحاجيات ومكملاتها في "ارشاد الفحول ص 216، شرح العضد 2/241، الموافقات 2/10، مختصر الطوفي ص 144، روضة الناظر ص 169، المستصفى 1/289، مناهج العقول 3/52، نهاية السول 3/54، الابهاج 3/39، شفاء الغليل ص 161، الإحكام للآمدي 3/394، المحصول 2/2/222، شرح تنقيح الفصول ص 391، نشر البنود 2/181، حاشية البناني 2/281، مختصر البعلي ص 163". 3 في ش: هذه.

وَلِيِّ" طِفْلٍ "مَا يَحْتَاجُهُ طِفْلٌ" مِنْ مَطْعُومٍ وَمَلْبُوسٍ، حَيْثُ كَانَ فِي مَعْرِضٍ مِنْ الْجُوعِ وَالْبَرْدِ "وَنَحْوِهِ" أَيْ وَنَحْوِ مَا ذُكِرَ، كَاسْتِئْجَارِ الْوَلِيِّ لِحِفْظِ الطِّفْلِ مَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، مَعَ اشْتِغَالِ الْوَلِيِّ عَنْ تَرْبِيَةِ الطِّفْلِ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا1. "وَمُكَمِّلٍ لَهُ" أَيْ لِلْحَاجِيِّ "كَرِعَايَةِ كَفَاءَةٍ، وَ" كَرِعَايَةِ "مَهْرِ، مِثْلٍ فِي2 تَزْوِيجِ صَغِيرَةٍ" وَكَإِثْبَاتِ خِيَارٍ فِي بَيْعٍ بِأَنْوَاعِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَوِّي، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْحَاجَةِ حَاصِلاً بِدُونِهِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الأَقْسَامِ الثَّلاثَةِ: التَّحْسِينِيُّ3، وَهُوَ مَا لَيْسَ ضَرُورِيًّا وَلا حَاجِيًّا، وَلَكِنَّهُ فِي مَحَلِّ التَّحْسِينِ4، وَهُوَ مَا أُشِيرَ

_ 1 انظر شرح العضد 2/241. 2 ساقطة من ش. 3 في ض ز: التحسين. 4 وهو كما قال الشاطبي في الموافقات: "الأخذ بما يليق من محاسن العبادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق". وقال الغزالي في شفاء الغليل: هو "ما لا يرجع إلى ضرورة ولا إلى حاجة، ولكن يقع موقع التحسين والتزيين والتوسعة والتيسير للمزايا والمراتب ورعاية أحسن المناهج في العبادات والمعاملات والحمل على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات". وقد سماه القرافي في تنقيح الفصول ب" ما هو في محلّ التتمات" وسماه صاحب نشر البنود من المالكيّة ب"التتمة" لأنه تتمة للمصالح، وذكر أنهيقال له تحسيني لأنه مستحسن عادة. انظر كلام الأصوليين على التحسينيات في "الموافقات 2/11، ارشاد الفحول ص 216، شرح العضد 2/241، مختصر الطوفي ص 144، روضة الناظر ص 169، المستصفى 1/290، مناهج العقول 3/52، نهاية السول 3/54، شفاء الغليل ص 169، الإحكام للآمدي 3/396، المحصول 2/2/222، شرح تنقيح =

إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَتَحْسِينِيٌّ"1. وَهُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: "غَيْرُ مُعَارِضٍ لِلْقَوَاعِدِ" أَيْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ. "كَتَحْرِيمِ النَّجَاسَةِ2" فَإِنَّ نَفْرَةَ3 الطِّبَاعِ مَعْنًى 4يُنَاسِبُ تَحْرِيمَهَا حَتَّى5 أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّضَمُّخُ6 بِالنَّجَاسَةِ بِلا عُذْرٍ7. "وَ" كَـ "سَلْبِ الْمَرْأَةِ8 عِبَارَةَ عَقْدِ النِّكَاحِ" لاسْتِحْيَاءِ النِّسَاءِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعُقُودِ عَلَى فُرُوجِهِنَّ، لإِشْعَارِهِ بِتَوَقَانِ نُفُوسِهِنَّ إلَى

_ = الفصول ص 391، نشر البنود 2/177 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/281". 1 في ض: وتحسين. 2 أي تحريم تناولها. 3 في ض: تفرق. 4 في ع ب ض: مناسب لتحريمها. * وفي هذا المقام يقول السيوطي في كتابه "إتمام الدراية" ص 203: "من وقاعد الشرع أنّ الوازع الطبيعي يغني عن الوازع الشرعي. مثاله: شرب البول حرام، وكذا الخمر، ورتب الحدّ على الثاني دون الأول لنفرة النفوس منه، فوكلت إلى طباعها. والوالد والولد مشتركان في الحقّ، وبالغ الله تعالى في كتابه العزيز في الوصية بالوالدين في مواضع دون الولد، وكولاً إلى الطبع، لأنّه يقضي بالشفقة عليه ضرورة". 5 ساقطة من ش. 6 في ش: الطبخ. وهو تصحيف. والتضمّخ بالشيء في اللغة معناه التلطخ به "الصحاح 1/426". 7 انظر الابهاج شرح المنهاج 3/39. 8 في ش: المادة.

الرِّجَالِ، وَهُوَ غَيْرُ لائِقٍ بِالْمُرُوءَةِ. وَكَذَا اعْتِبَارُ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ لِتَعْظِيمِ شَأْنِهِ وَتَمْيِيزِهِ1 عَنْ السِّفَاحِ بِالإِعْلامِ2 وَالإِظْهَارِ. "لا" سَلْبِ "الْعَبْدِ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ3 عَلَى أَصْلِنَا" لِقَبُولِهَا عِنْدَنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى الْمَذْهَبِ4. الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ التَّحْسِينِيِّ5: الْمُعَارِضُ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ. وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُعَارِضٍ".

_ 1 في ع: وتميزه. 2 في ش: بالإعلان. 3 خلافاً لما ذهب إليه كثيرٌ من الأصوليين حيث قالوا بسلب العبد أهلية الشهادة، وعدوّها من قبيل التحسيني غير المعارض للقواعد، معللين ذلك بأنّها منصب شريف والعبد نازل القدر، والجمع بينهما غير ملائم. قال الشوكاني في ارشاد الفحول ص 217: "وقد استشكل هذا ابن دقيق العيد، لأنّ الحكم بالحقّ بعد ظهور الشاهد وايصالهُ إلى مستحقه ودفع اليد الظالمة عنه من مراتب التحسين، وترك مرتبة الضروة لمرتبة التحسين بعيد جداً. نعم لو وجد لفظ يستند إليه في ردّ شهادته، ويعلل بهذا التعليل لكان له وجه، فأما مع الاستقلال بهذا التعليل ففيه هذا الإشكال، وقد ذكر بعض أصحاب الشافعي انه لا يعلم لمن ردّ شهادة العبد مستنداً أو وجهاً". "وانظر الإحكام للآمدي 3/396، المحصول 2/2/222، نشر البنود 2/182، المستصفى 1/291، شرح العضد 2/241، نهاية السول 3/54، الابهاج 3/40، شفاء الغليل ص 169، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/282". 4 انظر كشاف القناع 6/420، شرح منتهى الإرادات 3/550. 5 في ض: التحسين.

"كَالْكِتَابَةِ" وَهِيَ بَيْعُ سَيِّدٍ رَقِيقَهُ نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ: مُبَاحٍ مَعْلُومٍ مُنَجَّمٍ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا1، أَوْ مَنْفَعَةٍ مُؤَجَّلَةٍ. فَإِنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَكْرُمَةً فِي الْقَاعِدَةِ2 مُسْتَحْسَنَةً3 احْتَمَلَ الشَّرْعُ فِيهَا جَزْمَ4 قَاعِدَةٍ مُمَهِّدَةٍ، وَهِيَ امْتِنَاعُ بَيْعِ الإِنْسَانِ مَالَ نَفْسِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ وَمُعَامَلَةِ عَبْدِهِ. "وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ بِحُجَّةٍ" عِنْدَ الأَكْثَرِ5، خِلافًا لِمَالِكٍ6 وَبَعْضِ7 الشَّافِعِيَّةِ، وَتُسَمَّى8 الْمَصْلَحَةَ الْمُرْسَلَةَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ9 اهـ.

_ 1 في ش: فأكثر. 2 كذا في جميع النسخ. والأولى أن تكون: في العادة "انظر الابهاج 3/40". 3 في ض: متحسنة. 4 في ش ض: جزم. 5 انظر "المسودة ص 450، الإحكام للآمدي 4/216، مختصر الطوفي ص 144، مختصر البعلي ص 163، المنخول ص 363، فواتح الرّحموت 2/301، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/284، إرشاد الفحول ص 218، التلويح على التوضيح 2/568، نهاية السول 3/136، مناهج العقول 3/135، الابهاج 3/117". 6 انظر شرح تنقيح الفصول ص 393، نشر البنود 2/189 وما بعدها. 7 ساقطة من ع. 8 في ش: ويسمى. 9 روضة الناظر ص 170.

وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ: بِأَنَّا لا نَعْلَمُ مُحَافَظَةَ الشَّرْعِ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ فِي زَوَاجِرِهَا أَبْلَغُ مِمَّا شُرِعَ، كَالْمُثْلَةِ فِي الْقِصَاصِ، فَإِنَّهَا أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ عَنْ الْقَتْلِ، وَكَذَا الْقَتْلُ فِي السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ عَنْهُمَا، وَلَمْ يُشْرَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ حُجَّةً لَحَافَظَ الشَّرْعُ عَلَى تَحْصِيلِهَا بِأَبْلَغِ الطُّرُقِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ بِفِعْلٍ، فَلا تَكُونُ حُجَّةً، فَإِذًا إثْبَاتُهَا حُجَّةٌ مِنْ بَابِ وَضْعِ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ1. وَاحْتَجَّ مَنْ اعْتَبَرَهَا بِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهَا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ، لا حَصْرَ2 لَهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَرَائِنِ الأَحْوَالِ وَالأَمَارَاتِ. وَسَمَّوْهَا مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً، وَلَمْ يُسَمُّوهَا قِيَاسًا؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ مُعَيَّنٍ، بِخِلافِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ، فَإِنَّهَا لا تَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ رَأَيْنَا الشَّارِعَ اعْتَبَرَهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ الشَّرِيعَةِ، فَاعْتَبَرْنَاهَا حَيْثُ وُجِدَتْ؛ لِعِلْمِنَا أَنَّ جِنْسَهَا مَقْصُودٌ لَهُ3، وَبِأَنَّ الرُّسُلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ - بُعِثُوا4 لِتَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ،

_ 1 روضة الناظر ص 170 2 في ش: حصولها. 3 ساقطة من ز. 4. ساقطة من ض.

فَيُعْلَمُ1 ذَلِكَ بِالاسْتِقْرَاءِ، فَمَهْمَا وَجَدْنَا مَصْلَحَةً غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ لِلشَّرْعِ فَنَعْتَبِرُهَا؛ لأَنَّ الظَّنَّ مَنَاطُ الْعَمَلِ. "وَ" الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ أَضْرُبِ الْمُنَاسِبِ "أُخْرَوِيٌّ". وَذَلِكَ "كَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ" عَنْ الرَّذَائِلِ "وَرِيَاضَتِهَا" وَتَهْذِيبِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّ تَأْثِيرَ2 مَنْفَعَةِ ذَلِكَ فِي3 سَعَادَةِ الآخِرَةِ4. "وَقَدْ يَتَعَلَّقُ" الْمُنَاسِبُ "بِهِمَا" أَيْ بِالدُّنْيَوِيِّ وَالأُخْرَوِيِّ5 "كَإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ" بِالْمَالِ فَتَعَلُّقُهُ الدُّنْيَوِيُّ6: مَا يَعُودُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ بِانْتِفَاعِهِمْ بِالْمَالِ، وَتَعَلُّقُهُ بِالأُخْرَوِيِّ7: مَا يَحْصُلُ لِلْمُكَفِّرِ مِنْ الثَّوَابِ8. "وَ" الضَّرْبُ الثَّالِثُ مِنْ أَضْرُبِ الْمُنَاسِبِ "إقْنَاعِيٌّ". وَهُوَ مَا "يَنْتَفِي ظَنُّ مُنَاسَبَتِهِ9 بِتَأَمُّلِهِ" وَذَلِكَ بِأَنْ يُظَنَّ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّهُ مُنَاسِبٌ، ثُمَّ يَزُولُ ذَلِكَ الظَّنُّ بِالتَّأَمُّلِ وَإِمْعَانِ

_ 1 في ش: فعلم. 2 ساقطة من ض. 3 في ع: من. 4 انظر الابهاج 3/41. 5 انظر الابهاج 3/41. 6 في ش: بالدنيوي. 7 في ش: بالأخروي. 8 في ز: بالثواب. 9 في ز ب: مناسبة.

النَّظَرِ فِيهِ، كَتَعْلِيلِ الشَّافِعِيَّةِ تَحْرِيمَ بَيْعِ الْمَيْتَةِ بِنَجَاسَتِهَا، وَقِيَاسِ الْكَلْبِ عَلَيْهِ1. "وَإِذَا اشْتَمَلَ وَصْفٌ عَلَى مَصْلَحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ لَمْ تَنْجَرَّ2 مُنَاسَبَتُهُ" عَلَى الأَرْجَحِ3 "وَلِلْمُعَلِّلِ تَرْجِيحُ وَصْفِهِ بِطَرِيقٍ تَفْصِيلِيٍّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الْمَسَائِلِ، وَإِجْمَالِيٍّ، وَهُوَ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ رُجْحَانُ الْمَصْلَحَةِ ثَبَتَ الْحُكْمُ تَعَبُّدًا" وَهُوَ عَلَى4 خِلافِ الأَصْلِ؛ لأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الأَحْكَامِ التَّعَقُّلُ5 دُونَ التَّعَبُّدِ؛ وَلأَنَّهُ إذَا كَانَ

_ 1 قال الغزالي في شفاء الغليل ص 174: "ووجه المناسبة في النجاسة أنّ حكم الشرع بنجاسته –أي الكلب- أمرٌ باجتنابه وإشارة إلى استقذاره والتجنب في مخالطته، ففي الإقدام على بيعه ومقابلته بالمال وإيجاب الضمان على متلفه إقامة وزن له يناقض ما علم من خسّته بتنجيس الشرع إيّاه ... إلى أن قال: إنّ الحاذق يسلط البحث على هذا الكلام فيقول: هذه ألفاظ جميلة ركبت، وخيّل في مجموعها مناسبة، وإذ جرد النظر إلى المعنى في حقيقته وإلى الحكم انتفت المناسبة، إذ معنى نجاسته أنّ الصلاة لا تصحّ معه، لا المنع من استعماله لنجاسته والكف عن مخامرته، فالانتفاع بالنجاسات جائز بالاتفاق، ومعنى البيع نقل الاختصاص ببدل، ولا مناسبة بين بطلان الصلاة باستصحابه وبين المنع من بيعه، فبهذا ينكشف الغطاء وتنقطع المناسبة، ولا تزال تزداد المناسبة خفاءً واندراساً بالبحث". وانظر الابهاج 3/41، نهاية السول 3/54. 2 في ش: تنجز. 3 انظر خلاف الأصوليين في هذه القضية في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/286، مختصر البعلي ص 149، شرح العضد 2/241، ارشاد الفحول ص 218 وما بعدها، المحصول 2/2/232 وما بعدها، الابهاج 3/45، نهاية السول 3/61، مناهج العقول 3/59، الإحكام للآمدي 3/396، نشر البنود 2/191". 4 ساقطة من ض. 5 في ض: التعلل.

الْحُكْمُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى كَانَ أَقْرَبَ وَأَدْعَى إلَى الْقَبُولِ وَالانْقِيَادِ لَهُ. "وَالْمُنَاسِبُ" هُوَ الْوَصْفُ الْمُعَلَّلُ بِهِ، وَلا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ مِنْ الشَّارِعِ الْتِفَاتٌ إلَيْهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِتَقْسِيمِ الْمُنَاسِبِ. وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مُؤَثِّرٌ. وَمُلائِمٌ. وَغَرِيبٌ. وَمُرْسَلٌ. وَهُوَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ: مُرْسَلٌ مُلائِمٌ، وَمُرْسَلٌ غَرِيبٌ، وَمُرْسَلٌ ثَبَتَ إلْغَاؤُهُ؛ لأَنَّ الْوَصْفَ الْمُنَاسِبَ إمَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَهُ، أَوْ يُعْلَمَ أَنَّهُ أَلْغَاهُ، أَوْ لا يُعْلَمَ أَنَّهُ اعْتَبَرَهُ وَلا أَلْغَاهُ. وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا: مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْيَقِينِ وَالظَّنِّ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَالْقِسْمُ الأَوَّلُ: "مُؤَثِّرٌ إنْ اُعْتُبِرَ" مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ "بِنَصٍّ" كَتَعْلِيلِ الْحَدَثِ بِمَسِّ الذَّكَرِ "أَوْ" اُعْتُبِرَ بِ "إجْمَاعٍ" كَتَعْلِيلِ وِلايَةِ الْمَالِ بِالصِّغَرِ. فَالأَوَّلُ: اُعْتُبِرَ عَيْنُهُ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْحَدَثُ، لِحَدِيثِ1 "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ".

_ 1 في ش: كحديث.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنَّهُ اُعْتُبِرَ عَيْنُ الصِّغَرِ فِي عَيْنِ الْوِلايَةِ فِي الْمَالِ بِالإِجْمَاعِ. وَسُمِّيَ1 هَذَا الْقِسْمُ مُؤَثِّرًا؛ لِحُصُولِ التَّأْثِيرِ فِيهِ عَيْنًا وَجِنْسًا، فَظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي الْحُكْمِ. "وَ" الْقِسْمُ الثَّانِي: "مُلائِمٌ إنْ اُعْتُبِرَ بِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ فَقَطْ، إنْ ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ". وَسُمِّيَ مُلائِمًا لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا لِمَا اعْتَبَرَهُ2 الشَّارِعُ، وَهُوَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ. مِثَالُ مَا اعْتَبَرَ3 الشَّارِعُ عَيْنَ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ مِنْ الْمُلائِمِ: امْتِزَاجُ النَّسَبَيْنِ فِي الأَخِ مِنْ الأَبَوَيْنِ، اعْتَبَرَ تَقْدِيمَهُ عَلَى الأَخِ مِنْ الأَبِ فِي الإِرْثِ، وَقِسْنَا عَلَيْهِ تَقْدِيمَهُ فِي وِلايَةِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا مِنْ الأَحْكَامِ الَّتِي4 قُدِّمَ عَلَيْهِ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ - وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّارِعُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الأَحْكَامِ - لَكِنْ اعْتَبَرَهُ فِي جِنْسِهَا، وَهُوَ التَّقَدُّمُ فِي الْجُمْلَةِ.

_ 1 في ض: ويسمى. 2 في ع ب: الشرع. 3 في ع: ما اعتبره. 4 في ز: الذي.

وَمِثَالُ مَا اعْتَبَرَ فِيهِ جِنْسَ الْوَصْفِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ: مِنْهُ1 الْمَشَقَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْمُسَافِرِ فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهَا فِي عَيْنِ سُقُوطِ الْقَضَاءِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ، فَسَقَطَ بِهَا الْقَضَاءُ فِي صَلاةِ الْحَائِضِ قِيَاسًا. وَإِنَّمَا جُعِلَ الْوَصْفُ هُنَا جِنْسًا، وَالإِسْقَاطُ نَوْعًا؛ لأَنَّ مَشَقَّةَ السَّفَرِ نَوْعٌ مُخَالِفٌ لِمَشَقَّةِ الْحَيْضِ. وَأَمَّا السُّقُوطُ: فَأَمْرٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ2 مَحَالُّهُ3. وَمِثَالُ مَا اُعْتُبِرَ جِنْسُ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ مِنْهُ: مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، فَيَكُونُ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُفْتَرِي4 أَيْ الْقَاذِفَ.

_ 1 أي من الملائم. وفي ع ب: من. وفي ش: صفة. 2 في ز ع ب ض: اختلف. 3 في ز: محله. 4 أخرجه الدارقطني في سننه والشافعي في مسنده ومالك في الموطأ، وفيها أن عمر بن الخطاب استشاره في الخمر يشربها الرجل، فقال علي بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى. "انزر سنن الدارقطني 3/157، الموطأ 2/842، مسند الشافعي 2/90، التلخيص الحبير 4/75". وقد روى ابن حزم هذا الأثر م نطرق مختلفة وبألفاظ متقاربة ع نعلي رضي الله عنه لا عن عمر، وناقش تلك المرويات بتوسع وردّها وقال: "كل ما ورد في ذلك قد تقصيناه، وكله ساقط لا حجة فيه، مضطرب ينقض بعضه بعضاً" "انظر الإحكام لابن حزم 7/1011 وما بعدها".

وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ، فَأَوْجَبُوا حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الشَّارِبِ، لا لِكَوْنِهِ شَرِبَ1، بَلْ لِكَوْنِ الشُّرْبِ مَظِنَّةَ الْقَذْفِ، فَأَقَامُوهُ مَقَامَ الْقَذْفِ قِيَاسًا عَلَى إقَامَةِ الْخَلْوَةِ بِالأَجْنَبِيَّةِ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي التَّحْرِيمِ، لِكَوْنِ الْخَلْوَةِ مَظِنَّةً لَهُ، فَظَهَرَ أَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْمَظِنَّةَ الَّتِي هِيَ جِنْسٌ لِمَظِنَّةِ الْوَطْءِ، وَمَظِنَّةِ الْقَذْفِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ جِنْسٌ لإِيجَابِ حَدِّ الْقَذْفِ وَحُرْمَةِ الْوَطْءِ. وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: الأَوَّلُ كَالتَّعْلِيلِ بِالصِّغَرِ فِي قِيَاسِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَالِ فِي الْوِلايَةِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ عَيْنَ الصِّغَرِ فِي عَيْنِ وِلايَةِ الْمَالِ بِهِ، مُنَبِّهًا عَلَى الصِّغَرِ، وَثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِ الصِّغَرِ فِي جِنْسِ حُكْمِ الْوِلايَةِ إجْمَاعًا. وَالثَّانِي: كَالتَّعْلِيلِ بِعُذْرِ الْحَرَجِ فِي قِيَاسِ الْحَضَرِ2 بِعُذْرِ3 الْمَطَرِ عَلَى السَّفَرِ فِي الْجَمْعِ. فَجِنْسُ الْحَرَجِ مُعْتَبَرٌ فِي عَيْنِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ إجْمَاعًا. وَالثَّالِثُ: كَالتَّعْلِيلِ بِجِنَايَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي قِيَاسِ الْمُثْقَلِ4 عَلَى الْمُحَدَّدِ فِي الْقِصَاصِ، فَجِنْسُ الْجِنَايَةِ مُعْتَبَرٌ5 فِي

_ 1 في ش: شرباً. 2 في ع ب: الحظر. 3 في ب: بعد. 4 في ز: كالمحدد. 5 في ع ز ب ض: معتبرة.

جِنْسِ قِصَاصِ النَّفْسِ؛ لاشْتِمَالِهِ عَلَى قِصَاصِ النَّفْسِ وَغَيْرِهَا كَالأَطْرَافِ اهـ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْغَرِيبُ، وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِلاَّ فَغَرِيبٌ" يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، فَيُسَمَّى غَرِيبًا. مِثَالُ ذَلِكَ: التَّعْلِيلُ بِالإِسْكَارِ فِي قِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ نَصٍّ بِعِلِّيَّةِ الإِسْكَارِ، فَعَيْنُ الإِسْكَارِ مُعْتَبَرٌ فِي عَيْنِ التَّحْرِيمِ بِتَرْتِيبِ1 الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَقَطْ، كَاعْتِبَارِ جِنْسِ الْمَشَقَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْمُسَافِرِ فِي جِنْسِ التَّخْفِيفِ. وَهَذَا الْمِثَالُ دُونَ مَا قَبْلَهُ؛ لِرُجْحَانِ النَّظَرِ بِاعْتِبَارِ الْخُصُوصِ، لِكَثْرَةِ مَا بِهِ الاخْتِصَاصُ. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَالأَصْفَهَانِيّ. وَسُمِّيَ غَرِيبًا؛ لأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ غَيْرُ أَصْلِهِ بِالاعْتِبَارِ، كَالطُّعْمِ فِي الرِّبَا، فَإِنَّ نَوْعَ الطُّعْمِ مُؤَثِّرٌ فِي حُرْمَةِ الرِّبَا، وَلَيْسَ جِنْسُهُ مُؤَثِّرًا فِي جِنْسِهِ. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَهَذَا التَّشْبِيهُ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوَاعِدِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ عِلَّةَ الرِّبَا الطُّعْمُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ 1 في ز ض: بترتب.

"وَكُلُّ" قِسْمٍ "مِنْ1" هَؤُلاءِ الأَقْسَامِ "الثَّلاثَةِ2 حُجَّةٌ"3. وَمَنَعَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَنَفِيَّةُ4 كَوْنَ الْغَرِيبِ حُجَّةً. "وَإِنْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ جِنْسَهُ" أَيْ جِنْسَ الْوَصْفِ "الْبَعِيدَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَ "مُرْسَلٌ مُلائِمٌ". مِثَالُ ذَلِكَ: تَعْلِيلُ تَحْرِيمِ قَلِيلِ الْخَمْرِ بِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهَا. فَجِنْسُهُ الْبَعِيدُ مُعْتَبَرٌ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، كَتَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا. "وَلَيْسَ" الْمُرْسَلُ الْمُلائِمُ "بِحُجَّةٍ"5. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ6 جِنْسَ الْوَصْفِ الْبَعِيدِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَنَوْعَانِ:

_ 1 في ش: قسم. 2 في ش: من الثلاثة. 3 انظر "الإحكام للآمدي 3/407، نشر البنود 2/184، مختصر الطوفي ص 160، مفتاح الوصول ص 149، روضة الناظر ص 302، شفاء الغليل ص 144-158، المستصفى 2/297 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/282، شرح العضد 2/242، ارشاد الفحول ص 217، التلويح على التوضيح 2/575، شرح تنقيح الفصول ص 393، المحصول 2/2/226، الابهاج 3/45، نهاية السول 3/57". 4 انظر: المغني للخبازي ص 306، كشف الأسرار 3/353، فتح الغفار 3/21، تيسير التحرير 4/55. 5 في ش: حجة. 6 في ع ز ب: الشارع جنسه البعيد.

أَحَدُهُمَا: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "فَمُرْسَلٌ غَرِيبٌ". مِثَالُ ذَلِكَ: التَّعْلِيلُ بِالْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فِي قِيَاسِ بَاتِّ الطَّلاقِ فِي مَرَضِهِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ، فَصَارَ1 تَوْرِيثُ الْمَبْتُوتَةِ كَحِرْمَانِ2 الْقَاتِلِ. وَإِنَّمَا كَانَ "غَرِيبًا مُرْسَلاً"؛ لأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ عَيْنَ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ فِي عَيْنِ الْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ3، 4بِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي جِنْسِ الْمُعَارَضَةِ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ وَلا جِنْسِهِ فِي عَيْنِهَا، وَلا جِنْسِهِ فِي جِنْسِهَا. وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِهِ5. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُرْسَلٌ ثَبَتَ إلْغَاؤُهُ" وَهُوَ الَّذِي عُلِمَ مِنْ الشَّارِعِ إلْغَاؤُهُ، مَعَ أَنَّهُ مُسْتَحِيلُ الْمُنَاسَبَةِ. وَلا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ6 بِهِ7.

_ 1 كذا في د. وفي ع ز ض ب: وصار. وهي ساقطة من ش. 2 في ش: لحرمان. 3 في ز: مقصوده. 4 ساقطة من ش. 5 انظر: مفتاح الوصول للتلمساني ص 150، شفاء الغليل ص 188، شرح العضد 2/242، ارشاد الفحول ص 218، التلويح على الوضيح 2/569. 6 في ع: التعديل. 7 انظر ردّ الأصوليين للعمل بالمرسل الملغي في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية =

وَذَلِكَ كَإِيجَابِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ ابْتِدَاءً فِي الظِّهَارِ، أَوْ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ عَلَى مَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ اللَّيْثِيُّ1 صَاحِبُ الإِمَامِ مَالِكٍ إمَامُ أَهْلِ الأَنْدَلُسِ2 الأَمِيرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ الأُمَوِيَّ، الْمَعْرُوفَ بِالْمُرْتَضَى صَاحِبَ الأَنْدَلُسِ3.

_ = البناني عليه 2/284، شرح العضد 2/242، ارشاد الفحول ص 218، التلويح على التوضيح 2/569، المحصول 2/2/229، الابهاج 3/44، نهاية السول 3/56، مناهج العقول 3/56، الإحكام للآمدي 3/410، نشر البنود 2/188، مختصر الطوفي ص 144، مفتاح الوصول ص 150، روضة الناظر ص 169، مختصر البعلي ص 162". 1 في ع: الليث. 2 هو يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس الليثي مولاهم، البربري المصمودي الأندلسي القرطبي المالكي، أبو محمد، الإمام الحجة الثبت عالم الأندلس وفقيهها. قال ابن الفرضي: كان إمام وقته وواحد بلده، توفي سنة 234هـ، "انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 10/519، تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي 2/179، وفيات الأعيان 6/143، الفكر السامي 2/96، شرف الطالب لابن منقذ ص 42، شذرات الذهب 2/82، تهذيب التهذيب 11/300، طرح التثريب 1/127، شجرة النور الزكيّة ص 63، الديباج المذهب 2/352، ترتيب المدارك 2/534". 3 إذ روي أن عبد الرحمن بن الحكم صاحب الأندلس نظر إلى جارية له في رمضان نهاراً، فلم يملك نفسه أن واقعها، ثم ندم وطلب الفقهاء، وسألهم عن توبته، فقال يحيى بن يحيى: صم شهرين متتابعين. فسكت العلماء. فلمّا خرجوا قالوا ليحيى: مالك لم تفته بمذهبنا عن مالك أنّه مخيّر بين العتق والصوم والإطعام؟ قال: لو فتحنا له هذا الباب لسهل عليه أن كلّ يومٍ ويعتق رقبة. فحملته على أصعب الأمور لئلا يعود. والأمير عبد الرحمن بن الحكم ولد بطليطلة سنة 176هـ وتوفي بقرطبة سنة 238هـ. "انظر ترجمته وقصته مع يحيى بن يحيى في سير أعلام النبلاء 8/260، =

"وَهُمَا" أَيْ الْمُرْسَلُ الْغَرِيبُ1، وَالْمُرْسَلُ الَّذِي ثَبَتَ إلْغَاؤُهُ "مَرْدُودَانِ" أَمَّا الأَوَّلُ: فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَبِالاتِّفَاقِ.

_ = 10/521، ترتيب المدارك 2/542، وفيات الأعيان 6/145، العقد الفريد 4/493، نهاية السول 3/57، جذوة المقتبس ص 10، نفح الطيب 1/344، حاشية البناني 2/284، نشر البنود 2/188". 1 في ع: والغريب.

فائدة: أعم الجنسية في الوصف

"فَائِدَةٌ" "أَعَمُّ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْوَصْفِ: كَوْنُهُ وَصْفًا، فَمَنَاطًا، فَمَصْلَحَةً خَاصَّةً". وَ" أَعَمُّ الْجِنْسِيَّةِ "فِي الْحُكْمِ1: كَوْنُهُ حُكْمًا، فَوَاجِبًا، وَنَحْوَهُ" كَحَرَامٍ وَمَنْدُوبٍ وَمَكْرُوهٍ "فَعِبَادَةً فَصَلاةً، فَظُهْرًا" وَنَحْوَهُ كَعَصْرٍ وَمَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ وَفَجْرٍ2. "وَتَأْثِيرُ الأَخَصِّ فِي الأَخَصِّ أَقْوَى". "وَ" تَأْثِيرُ "الأَعَمِّ فِي الأَعَمِّ يُقَابِلُهُ" فِي كَوْنِهِ أَضْعَفَ مِنْ جِهَةِ التَّأْثِيرِ. "وَ" تَأْثِيرُ "الأَخَصِّ فِي الأَعَمِّ وَعَكْسُهُ" وَهُوَ تَأْثِيرُ الأَعَمِّ فِي الأَخَصِّ "وَاسِطَتَانِ" بَيْنَ الأَقْوَى وَالأَضْعَفِ. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ: لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَصْفَ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ ثَابِتٌ بِالْوَصْفِ، وَمُسَمَّى3 الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ جِنْسٌ

_ 1 في ش: الحكم. 2 انظر: الابهاج 3/42، المستصفى 2/320، روضة الناظر ص 304، نهاية السول 3/58، المحصول 2/2/228، شرح تنقيح الفصول ص 393". 3 في ع ب: ويسمى. وفي ز: وسمي.

تَخْتَلِفُ1 أَنْوَاعُ مَدْلُولِهِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، كَاخْتِلافِ أَنْوَاعِ مَدْلُولِ الْجِسْمِ وَالْحَيَوَانِ؛ وَلِهَذَا2 اخْتَلَفَ تَأْثِيرُ الْوَصْفِ فِي الْحُكْمِ تَارَةً بِالْجِنْسِ، وَتَارَةً بِالنَّوْعِ: احْتَجْنَا إلَى بَيَانِ مَرَاتِبِ جِنْسِ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ، وَمَعْرِفَةِ الأَخَصِّ مِنْهُمَا3 مِنْ الأَعَمِّ؛ لِيَتَحَقَّقَ لَنَا مَعْرِفَةُ أَنْوَاعِ تَأْثِيرِ الأَوْصَافِ فِي الأَحْكَامِ. فَأَعَمُّ مَرَاتِبِ الْوَصْفِ: كَوْنُهُ وَصْفًا؛ لأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنَاطًا لِلْحُكْمِ أَوْ لا يَكُونَ، إذْ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ طَرْدِيًّا غَيْرَ مُنَاسِبٍ لا يَصْلُحُ أَنْ يُنَاطَ بِهِ حُكْمٌ، فَكُلُّ مَنَاطٍ وَصْفٌ، وَلَيْسَ كُلُّ وَصْفٍ مَنَاطًا4، ثُمَّ كَوْنُهُ مَنَاطًا: أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَصْلَحَةً أَوْ لا. فَكُلُّ مَصْلَحَةٍ مَنَاطُ الْحُكْمِ5، وَلَيْسَ كُلُّ مَنَاطٍ مَصْلَحَةً، لِجَوَازِ أَنْ يُنَاطَ الْحُكْمُ بِوَصْفٍ تَعَبُّدِيٍّ، لا يَظْهَرُ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، ثُمَّ كَوْنُ الْوَصْفِ مَصْلَحَةً: لأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عَامَّةً، بِمَعْنَى أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِمُطْلَقِ النَّفْعِ. وَقَدْ تَكُونُ خَاصَّةً، بِمَعْنَى كَوْنِهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَاتِ6 وَالْحَاجَاتِ وَالتَّكَمُّلاتِ7. وَأَمَّا الْحُكْمُ: فَأَعَمُّ مَرَاتِبِهِ كَوْنُهُ حُكْمًا؛ لأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ

_ 1 في ع ب: يختلف. وفي ش: يختلف باختلاف. 2 في ع: فلهذا. 3 في ش ز: منها. 4 في ش: مناط. 5 في ض: للحكم 6 في ض: الضروريات. 7 في ش: التكميلات

وُجُوبًا، أَوْ تَحْرِيمًا، أَوْ صِحَّةً، أَوْ فَسَادًا، ثُمَّ كَوْنُهُ وَاجِبًا وَنَحْوَهُ - أَيْ مِنْ الأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ - وَهِيَ الْوَاجِبُ، وَالْحَرَامُ، وَالْمَنْدُوبُ، وَالْمَكْرُوهُ، وَالْمُبَاحُ، وَمَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ مِنْ الأَحْكَامِ الْوَضْعِيَّةِ1، إذْ الْوَاجِبُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً اصْطِلاحِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، ثُمَّ كَوْنُهُ عِبَادَةً؛ لأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، ثُمَّ كَوْنُهَا صَلاةً، إذْ كُلُّ صَلاةٍ عِبَادَةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ عِبَادَةٍ صَلاةً، ثُمَّ كَوْنُهَا ظُهْرًا؛ لأَنَّ الصَّلاةَ أَعَمُّ مِنْ الظُّهْرِ، إذْ كُلُّ ظُهْرٍ صَلاةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ صَلاةٍ ظُهْرًا. إذَا عُلِمَ ذَلِكَ - أَعْنِي الأَعَمَّ وَالأَخَصَّ مِنْ الأَوْصَافِ وَالأَحْكَامِ - فَلْيُعْلَمْ أَنَّ تَأْثِيرَ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ يَتَفَاوَتُ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، فَتَأْثِيرُ الأَخَصِّ فِي الأَخَصِّ أَقْوَى أَنْوَاعِ التَّأْثِيرِ، 2كَمَشَقَّةِ التَّكْرَارِ فِي سُقُوطِ الصَّلاةِ3، وَالصِّغَرِ فِي وِلايَةِ النِّكَاحِ4.

_ 1 في ش: الوصفية. 2 في ش: بكشفه ذلك فهو أضعف أنواع التأثير كالتكرار. وفي ع ز ب: بكشفه التكرار. 3 إذ ظهر أثر المشقة والحرج في اسقاط الصلاة عن الحائض واسقاط قضائها عنها، كتأثير مشقة السفر في إسقاط قضاء الركعتين الساقطتين بالقصر. "المستصفى 2/319، روضة الناظر ص 304". قال الإسنوي في نهاية السول 3/57: كالمشقة المشتركة بين الحائض والمسافر في سقوط القضاء، فإنّ الشارع اعتبر جنس المشقة في نوع سقوط قضاء الركعتين. وإنّما جعلنا الأول جنسا ً والثاني نوعاً، لأنّ مشقّة السفر نوع مخالف لمشقة الحيض. وأمّا سقوط قضاء الرّكعتين بالنسبة إلى المسافر والحائض فهو نوع واحد. أهـ وانظر الابهاج 3/42. 4 قال الغزالي: فإنّ قياس الثيب الصغيرة على البكر الصغيرة في ولاية التزويج ربما =

وَتَأْثِيرُ الأَعَمِّ فِي الأَعَمِّ يُقَابِلُ ذَلِكَ فَهُوَ أَضْعَفُ أَنْوَاعِ التَّأْثِيرِ. وَتَأْثِيرُ الأَخَصِّ فِي الأَعَمِّ، وَعَكْسُهُ -وَهُوَ تَأْثِيرُ الأَعَمِّ فِي الأَخَصِّ- بَيْنَ ذَيْنِك الطَّرَفَيْنِ، إذْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُوَّةٌ مِنْ جِهَةِ الأَخَصِّيَّةِ، وَضَعْفٌ مِنْ جِهَةِ الأَعَمِّيَّةِ، بِخِلافِ الطَّرَفَيْنِ إذْ الأَوَّلُ تَمَحَّضَتْ فِيهِ الأَخَصِّيَّةُ فَتَمَحَّضَتْ لَهُ الْقُوَّةُ. وَالثَّانِي تَمَحَّضَتْ فِيهِ الأَعَمِّيَّةُ، فَتَمَحَّضَ لَهُ الضَّعْفُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَمَا1 ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ2 فِي الصَّلاةِ الْوَاجِبَةِ أَخَصُّ مِمَّا ظَهَرَ فِي الْعِبَادَةِ. وَمَا ظَهَرَ فِي الْعِبَادَةِ أَخَصُّ مِمَّا ظَهَرَ فِي الْوَاجِبِ، وَمَا ظَهَرَ فِي الْوَاجِبِ أَخَصُّ مِمَّا ظَهَرَ فِي الأَحْكَامِ3. ثُمَّ قَالَ: فَلأَجَلْ تَفَاوُتِ دَرَجَاتِ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ تَتَفَاوَتُ4 دَرَجَاتُ الظَّنِّ. وَالأَعْلَى مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دُونَهُ5 اهـ.

_ = كان أقرب من بعض الوجوه من قياسه على ولاية المال، فإنّ الصغر إن أثّر في ولاية المال، فولاية البضع جنس آخر. فإذا ظهر أثره في حقّ الابن الصغير في نفس ولاية النكاح ربما كان أقرب من بعض الوجوه من قياسه على ولاية المال. "المستصفى 2/321". 1 في ز: فيما. 2 في ش: تأثير. 3 روضة الناظر ص 304. 4 في د ع ض: تفاوتت. وفي ش: بتفاوت. 5 روضة الناظر ص 304.

" الْخَامِسُ " مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ "إثْبَاتُهَا بِالشَّبَهِ" بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. يُقَالُ: هَذَا شَبَهُ هَذَا وَشَبِيهُهُ، كَمَا يُقَالُ: مَثَلُهُ وَمَثِيلُهُ. وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ قِيَاسٍ؛ لأَنَّ الْفَرْعَ لا بُدَّ أَنْ يُشْبِهَ الأَصْلَ، لَكِنْ غَلَبَ1 إطْلاقُهُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ الْخَامِسِ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ. "وَهُوَ" أَيْ قِيَاسُ الشَّبَهِ فِي الاصْطِلاحِ "تَرَدُّدُ فَرْعٍ2 بَيْنَ أَصْلَيْنِ شَبَهُهُ" أَيْ الْفَرْعِ "بِأَحَدِهِمَا" أَيْ بِأَحَدِ الأَصْلَيْنِ "فِي الأَوْصَافِ" الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّرْعِ "أَكْثَرُ" مِنْ الآخَرِ. فَإِلْحَاقُ الْفَرْعِ بِأَحَدِ الأَصْلَيْنِ الَّذِي شَبَهُهُ بِهِ أَكْثَرُ: هُوَ قِيَاسُ الشَّبَهِ3. وَلا يَكُونَانِ أَصْلَيْنِ لِهَذَا الْفَرْعِ، حَتَّى يَكُونَ فِيهِ مَنَاطُ كُلٍّ

_ 1 في ز: غلبه. وفي ض: الأغلب. 2 في ش: نوع. 3 انظر تعريف قياس الشبه في "الجدل لابن عقيل ص 12، مختصر البعلي ص 149، روضة الناظر ص 312، اللمع ص 56، الوصول إلى مسائل الأصول 2/250 وما بعدها، أدب القاضي للماوردي 1/600، المعتمد 2/842، المحصول 2/2/277 وما بعدها، مفتاح الوصول ص 151، الإحكام للآمدي 3/423 وما بعدها، تيسير التحرير 4/53، البرهان 2/860 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 163، المستصفى 2/310 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص 394، نهاية السول 3/63، ارشاد الفحول ص 219، الابهاج 3/49، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/286، شرح العضد 2/244".

مِنْهُمَا1. مِثَالُ ذَلِكَ: الْعَبْدُ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْبَهِيمَةِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي التَّمْلِيكِ لَهُ. فَمَنْ قَالَ: يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، قَالَ: هُوَ إنْسَانٌ يُثَابُ وَيُعَاقَبُ، وَيَنْكِحُ وَيُطَلِّقُ، وَيُكَلَّفُ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَيَفْهَمُ وَيَعْقِلُ، وَ2هُوَ ذُو نَفْسٍ نَاطِقَةٍ3، فَأَشْبَهَ الْحُرَّ. وَمَنْ قَالَ: لا يَمْلِكُ4، قَالَ: هُوَ حَيَوَانٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ وَإِجَارَتُهُ وَإِرْثُهُ وَنَحْوُهَا، أَشْبَهَ الدَّابَّةَ. وَكَذَا الْمَذْيُ، فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ5 بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ، فَمَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ قَالَ: هُوَ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ لا يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَلا 6يَجِبُ بِهِ الْغُسْلُ، أَشْبَهَ الْبَوْلَ. وَمَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ قَالَ: هُوَ خَارِجٌ تُحَلِّلُهُ الشَّهْوَةُ وَيَخْرُجُ أَمَامَهَا، أَشْبَهَ الْمَنِيَّ. "وَيُعْتَبَرُ الشَّبَهُ حُكْمًا لا حَقِيقَةً" أَيْ فِي الْحُكْمِ لا فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا7 وَالشَّافِعِيَّةِ8، وَلِهَذَا أَلْحَقُوا الْعَبْدَ

_ 1 في ش: منها. 2 ساقطة من ش. 3 المراد بالنفس الناطقة: المحصلة للعلوم بقوة الفكر "انظر شرح تنقيح الفصول ص 13". 4 في ض: انه لا يملك 5 في ع: تردد. 6 في ع: يوجب. 7 انظر مختصر البعلي ص 149، مختصر الطوفي ص 164. 8 انظر اللمع ص 56، الوصول إلى مسائل الأصول 2/252.

الْمَقْتُولَ بِسَائِرِ الأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ فِي لُزُومِ قِيمَتِهِ عَلَى الْقَاتِلِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا1 يُبَاعُ وَيُشْتَرَى. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يُقَالَ فِي التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ: عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ. فَكَانَ التَّرْتِيبُ فِيهَا مُسْتَحَبًّا، أَصْلُهُ الصَّلاةُ. فَالْمُشَابَهَةُ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْبُطْلانُ بِالْحَدَثِ، وَلا تَعَلُّقَ لَهُ بِالتَّرْتِيبِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ شَبَهٍ2. وَاعْتَبَرَ أَبُو بِشْرٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ابْنِ عُلَيَّةَ الْمُشَابَهَةَ فِي الصُّورَةِ دُونَ الْحُكْمِ، كَقِيَاسِ الْخَيْلِ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي سُقُوطِ3 الزَّكَاةِ وَقِيَاسِ الْحَنَفِيَّةِ فِي حُرْمَةِ اللَّحْمِ - أَيْ لَحْمِ الْخَيْلِ - عَلَى لَحْمِ الْحَمِيرِ، وَكَرَدِّ وَطْءِ الشُّبْهَةِ إلَى النِّكَاحِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ، وَوُجُوبِ الْمَهْرِ لِشَبَهِهِ4 فِي الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ فِي الأَحْكَامِ. وَمُقْتَضَى ذَلِكَ: قَتْلُ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَلِهَذَا5 نَقَلَ عَنْهُ6 أَبُو7 الْمَعَالِي فِي الْبُرْهَانِ، كَابْنِ عُلَيَّةَ وَقَالَ: إنَّهُ أَلْحَقَ التَّشَهُّدَ الثَّانِيَ بِالأَوَّلِ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ. فَقَالَ:

_ 1 في ع ز ب: منهما 2 الوصول إلى مسائل الأصول للشيرازي 2/251. 3 ساقطة من ش. 4 في ش ض: بشبهه. 5 في ش: وهذا. 6 في ش: عن. 7. في ش: أبي.

تَشَهُّدٌ فَلا يَجِبُ، كَالتَّشَهُّدِ الأَوَّلِ1. وَنَحْوُ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ، إذْ قَالَ بِوُجُوبِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ؛ لأَنَّهُ أَحَدُ الْجُلُوسَيْنِ فِي تَشَهُّدِ الصَّلاةِ، فَوَجَبَ كَالتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ. "وَلا يُصَارُ إلَيْهِ" أَيْ إلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ "مَعَ" إمْكَانِ "قِيَاسِ الْعِلَّةِ" حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ فِي التَّقْرِيبِ إجْمَاعًا. "فَإِنْ عُدِمَ" إمْكَانُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ "فَحُجَّةٌ" أَيْ فَقِيَاسُ الشَّبَهِ حُجَّةٌ2 عِنْدَنَا3 وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ4، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لا عِبْرَةَ بِالْمُخَالِفِ لِمَا سَبَقَ فِي السَّبْرِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَالتَّعْلِيلُ بِهِ فَاسِدٌ5. اخْتَارَهُ الْقَاضِي

_ 1 البرهان 2/861. 2 ساقطة من ض. 3 انظر الجدل لابن عقيل ص 12، مختصر البعلي ص 149، روضة الناظر ص 314، المسودة ص 374 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 164. 4 انظر "المحصول 2/2/279 وما بعدها، أدب القاضي للماوردي 1/605 وما بعدها، المنخول ص 378، الإحكام للآمدي 3/427، البرهان 2/876، شرح تنقيح الفصول ص 395 وما بعدها، نهاية السول 3/65، مناهج العقول 3/63، نشر البنود 2/196، الإبهاج 3/50، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/287، شرح العضد 2/245، المنهاج للباجي ص 205". 5 انظر: المسودة ص 374 وما بعدها، ارشاد الفحول ص 220. وقد ساق العلامة ابن القيم الحجج والأدلة على ردّة وإبطاله في اعلام الموقعين 1/148 وما بعدها.

مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ1 وَالصَّيْرَفِيِّ وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ2 لَكِنَّهُ عِنْدَ الْبَاقِلاَّنِيِّ صَالِحٌ؛ لأَنْ3 يُرَجَّحَ بِهِ. وَقِيلَ: إنَّمَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي التَّعْلِيلِ إذَا كَانَ فِي قِيَاسِ فَرْعٍ قَدْ اجْتَذَبَهُ أَصْلانِ، فَيَلْحَقُ4 بِأَحَدِهِمَا بِغَلَبَةِ5 الاشْتِبَاهِ، وَيُسَمُّونَهُ قِيَاسَ غَلَبَةِ 6الاشْتِبَاهِ7. " السَّادِسُ " مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ "الدَّوَرَانُ". وَسَمَّاهُ الآمِدِيُّ8 وَابْنُ الْحَاجِبِ9: الطَّرْدُ10 وَالْعَكْسُ لِكَوْنِهِ بِمَعْنَاهُ.

_ 1 انظر فواتح الرحموت 2/302، تيسير التحرير 4/54. 2 اللمع ص 56، الوصول إلى مسائل الأصول 2/252، التبصرة ص 458. 3 في ز ب: لأنّه. 4 في ع: فيلتحق. 5 في جميع النسخ: بعلة. 6 في جميع النسخ: علة. 7 انظر "المحصول 2/2/279، المسودة ص 376، أدب القاضي للماوردي 1/605، المعتمد 2/843، التمهيد للإسنوي ص 465، نشر البنود 2/197، الابهاج 3/50، فتح الغفار 3/56، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/287". 8 الإحكام في اصول الأحكام 3/430. 9 مختصر ابن الحاجب وع شرحه للعضد 2/245. 10 ساقطة من ض.

"وَهُوَ تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَلَى وَصْفٍ وُجُودًا وَعَدَمًا1". ثُمَّ الدَّوَرَانُ: إمَّا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، كَالإِسْكَارِ فِي الْعَصِيرِ. فَإِنَّ الْعَصِيرَ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ الإِسْكَارُ كَانَ حَلالاً، فَلَمَّا حَدَثَ الإِسْكَارُ حَرُمَ، فَلَمَّا زَالَ الإِسْكَارُ وَصَارَ خَلاًّ صَارَ حَلالاً، فَدَارَ التَّحْرِيمُ مَعَ الإِسْكَارِ وُجُودًا وَعَدَمًا. وَإِمَّا فِي مَحَلَّيْنِ، كَالطُّعْمِ مَعَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فَإِنَّهُ لَمَّا وُجِدَ الطُّعْمُ فِي التُّفَّاحِ كَانَ رِبَوِيًّا، وَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ 2فِي الْحَرِيرِ مَثَلاً لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا، فَدَارَ جَرَيَانُ الرِّبَا مَعَ الطُّعْمِ، وَهَذَا الْمِثَالُ: إنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ عِلَّةَ الرِّبَا الطُّعْمُ. قَالَ الطُّوفِيُّ: لَكِنَّ الدَّوَرَانَ فِي صُورَةٍ أَقْوَى مِنْهُ فِي صُورَتَيْنِ، عَلَى مَا هُوَ مُدْرَكٌ ضَرُورَةً، أَوْ نَظَرًا ظَاهِرًا.

_ 1 انظر تعريفات الأصوليين للدوران "الطرد والعكس" في "نهاية السول 3/68، الابهاج 3/50، شرح العضد 2/246، روضة الناظر ص 308، مختصر البعلي ص 149، شفاء الغليل ص 266، التعريفات للجرجاني ص 56، فواتح الرحموت 2/302، مختصر الطوفي ص 162، مفتاح الوصول ص150، التلويح على التوضيح 2/580، شرح تنقيح الفصول ص 396، المحصول 2/2/285، نشر البنود 2/200، ارشاد الفحول ص 221، تيسير التحرير 4/49، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/288". 2 ساقطة من ش.

"وَيُفِيدُ" الدَّوَرَانُ "الْعِلَّةَ ظَنًّا" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا1، وَالْمَالِكِيَّةِ2 وَالشَّافِعِيَّةِ3 وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: إنَّهُ يُفِيدُ الْعِلَّةَ قَطْعًا وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ4. وَقِيلَ: وَلَعَلَّ مَنْ يَدَّعِي الْقَطْعَ إنَّمَا هُوَ مَنْ يَشْتَرِطُ ظُهُورَ الْمُنَاسَبَةِ فِي قِيَاسِ الْعِلَلِ مُطْلَقًا. وَلا يَكْتَفِي بِالسَّبْرِ وَلا بِالدَّوَرَانِ بِمُجَرَّدِهِ5، فَإِذَا6 انْضَمَّ7 الدَّوَرَانُ إلَى الْمُنَاسَبَةِ ارْتَقَى بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إلَى الْيَقِينِ. . وَقِيلَ: إنَّهُ لا يُفِيدُ بِمُجَرَّدِهِ الْعِلَّةَ8 قَطْعًا وَلا ظَنًّا.

_ 1 انظر روضة الناظر ص 309، مختصر البعلي ص 149، المسودة ص 406، 427، مختصر الطوفي ص 162. 2 انظر مفتاح الوصول للتلمساني ص 150، شرح تنقيح الفصول ص 396، نشر البنود 2/201. 3 انظر تحقيق مذهب أكثر الشافعيّة في اعتباره وخلاف بعض محققيهم في ذلك في "شفاء الغليل ص 267، المنخول ص 348، اللمع ص 62، الوصول إلى مسائل الأصول 2/284، المحصول 2/2/285، الابهاج 3/51، نهاية السول 3/68، مناهج العقول 3/65، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/289، ارشاد الفحول ص 221، تيسير التحرير 4/49، فواتح الرحموت 2/302، التلويح على التوضيح 2/580، البرهان 2/835، شرح العضد 2/246، الإحكام للآمدي 3/430". 4 انظر المعتمد 2/784. 5 في ع: بمجرد ظهوره. 6 في ز: فإن. 7 في ع:: انظم. 8 في ض: العلة مطلقاً.

وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ - الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ، بِأَنَّهُ لَوْ دُعِيَ رَجُلٌ بِاسْمٍ فَغَضِبَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ1 يَغْضَبْ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلا مَانِعَ: دَلَّ2 أَنَّهُ سَبَبُ الْغَضَبِ. "وَ" حَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ الدَّوَرَانَ يُفِيدُ الْعِلَّةَ ظَنًّا "لا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ نَفْيُ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ" أَيْ مِمَّا أَبْدَأَهُ عِلَّةً؛ لأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ3 ذَلِكَ لَلَزِمَ4 نَفْيُ سَائِرِ الْقَوَادِحِ، وَيَنْتَشِرُ5 الْبَحْثُ، وَيَخْرُجُ الْكَلامُ عَنْ الضَّبْطِ6. وَمَنْ ادَّعَى وَصْفًا آخَرَ لَزِمَهُ إبْدَاؤُهُ. أَطْبَقَ7 عَلَى ذَلِكَ الْجَدَلِيُّونَ. وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَى أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ فِي حَقِّ الْمُنَاظِرِ، مُتَّجَهٌ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ تَمَامَ النَّظَرِ؛ لِتَحِلَّ لَهُ8 الْفَتْوَى9.

_ 1 في ش: فلم. 2 في ش: دل على. 3 في ش: لزم. 4 ساقطة من ع ب. 5 في ض: ويستنثر. 6 انظر شفاء الغليل ص 294. 7 في ع ب: وأطبق. 8 في ش: به. 9 شفاء الغليل للغزالي ص 294.

"فَإِنْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ" أَيْ غَيْرَ مَا أَبْدَاهُ الْمُسْتَدِلُّ، فَإِنْ كَانَ مَا أَبْدَاهُ الْمُعْتَرِضُ قَاصِرًا "تَرَجَّحَ جَانِبُ الْمُسْتَدِلِّ بِالتَّعْدِيَةِ" أَيْ بِكَوْنِ1 وَصْفِهِ مُتَعَدِّيًا. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى تَرْجِيحِ الْمُتَعَدِّيَةِ2 عَلَى3 الْقَاصِرَةِ. "فَإِنْ تَعَدَّى إلَى الْفَرْعِ" الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بُنِيَ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ، وَ "لَمْ يَضُرَّ" إلاَّ عِنْدَ مَانِعِ عِلَّتَيْنِ. "وَإِنْ تَعَدَّى" مَا أَبْدَاهُ الْمُعْتَرِضُ "إلَى فَرْعٍ آخَرَ" أَيْ4 غَيْرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ "طُلِبَ التَّرْجِيحُ" أَيْ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ عَلَى الآخَرِ، بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، فَلَوْ كَانَ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ غَيْرَ مُنَاسِبٍ، وَوَصْفُ الْمُعْتَرِضِ مُنَاسِبًا5: قُدِّمَ قَطْعًا. "وَالطَّرْدُ: مُقَارَنَةُ الْحُكْمِ لِلْوَصْفِ بِلا مُنَاسَبَةٍ" لا بِالذَّاتِ وَلا بِالتَّبَعِ6.

_ 1 في ض: بكونه. وفي ع ب ز: يكون. 2 في ش: التعدية. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: أي فرع. 5 في ع: مناسب. 6 انظر تعريف الطرد في "نشر البنود 2/202، ارشاد الفحول ص 220، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/291، نهاية السول 3/73، مناهج العقول 3/72، الإبهاج 3/55، التعريفات للجرجاني ص 74، الحدود للباجي ص 74، الكافية للجويني ص 65".

مِثَالُهُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِالْخَلِّ وَنَحْوِهِ: الْخَلُّ مَائِعٌ لا يُبْنَى عَلَى جِنْسِهِ الْقَنَاطِرُ، وَلا يُصَادُ مِنْهُ السَّمَكُ، وَلا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، أَوْ1 لا يَنْبُتُ فِيهِ الْقَصَبُ، أَوْ2 لا تَعُومُ3 فِيهِ الْجَوَامِيسُ، أَوْ4 لا يُزْرَعُ عَلَيْهِ الزَّرْعُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلا تُزَالُ5 بِهِ النَّجَاسَةُ. كَالدُّهْنِ. وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي6 مَسِّ الذَّكَرِ طَوِيلٌ مَمْشُوقٌ. فَلا يَجِبُ بِمَسِّهِ الْوُضُوءُ كَالْبُوقِ. وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ: حَيَوَانٌ مَأْلُوفٌ لَهُ شَعْرٌ كَالصُّوفِ، فَكَانَ طَاهِرًا كَالْخَرُوفِ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمُقَارَنَةِ ثَلاثَةَ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَعَلَيْهِ جَرَى جَمْعٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ7 فِيهِ، وَيُشْعِرُ بِهِ كَلامُ جَمَاعَةٍ أَيْضًا، حَيْثُ قَالُوا: إنَّهُ وُجُودُ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ.

_ 1 في ع: و. 2 في ع: و. 3 في ع ز ض ب: لا تقوم. 4. في ع: و. 5 في ع ز ب: فلا يزال 6 في ش: في طهارة الكلب حيوان مألوف. 7 انظر حاشية البناني 2/291.

الثَّانِيَةُ: الْمُقَارَنَةُ1 فِيمَا سِوَى صُورَةِ النِّزَاعِ، وَهُوَ الَّذِي عَزَاهُ فِي الْمَحْصُولِ2 لِلأَكْثَرِينَ. وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ3، فَيَثْبُتُ حِينَئِذٍ الْحُكْمُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ إلْحَاقًا لِلْفَرْدِ4 بِالأَعَمِّ الأَغْلَبِ. فَإِنَّ الاسْتِقْرَاءَ5 يَدُلُّ عَلَى إلْحَاقِ النَّادِرِ بِالْغَالِبِ. وَهَذَا6 ضَعِيفٌ؛ لأَنَّهُ7 لَيْسَ كُلُّ نَادِرٍ يُلْحَقُ بِالْغَالِبِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ 8مِنْ النُّقُوضِ. وَأَيْضًا فَلا يَلْزَمُ مِنْ عِلِّيَّةِ الاقْتِرَانِ كَوْنُهُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ. الثَّالِثَةُ: الْمُقَارَنَةُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. لأَنَّ9 مُسْتَنَدَ الْقَائِلِ بِالطَّرْدِ: غَلَبَةُ الظَّنِّ عِنْدَ التَّكَرُّرِ10، وَالْفَرْضُ عَدَمُهُ.

_ 1 في ض: هو المقارنة. 2 المحصول 2/2/305. 3 المنهاج مع شرحه نهاية السول 3/72. 4 في ض: للمفرد. 5 في ش: الاستقرار. 6 في ع: وهو. 7 في ز: لأن. 8 ساقطة من ش. 9 ساقطة من ش. 10 في ع ض: التكرار.

"وَلَيْسَ" الطَّرْدُ "دَلِيلاً وَحْدَهُ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ لأَنَّهُ لا يُفِيدُ عِلْمًا وَلا ظَنًّا فَهُوَ تَحَكُّمٌ1. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ: قِيَاسُ2 الْمَعْنَى تَحْقِيقٌ وَالشَّبَهُ: تَقْرِيبٌ، وَالطَّرْدُ: تَحَكُّمٌ. وَبَالَغَ الْبَاقِلاَّنِيُّ فَقَالَ: مَنْ طَرَدَ عَنْ3 غَرَرٍ فَجَاهِلٌ. وَمَنْ مَارَسَ الشَّرِيعَةَ وَاسْتَجَازَهُ فَهَازِئٌ بِالشَّرِيعَةِ. وَقِيلَ: إنَّهُ حُجَّةٌ مُطْلَقًا، وَتَكْفِي الْمُقَارَنَةُ وَلَوْ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ 4وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. "وَتَنْقَسِمُ الْعِلَّةُ" سَوَاءٌ كَانَتْ "عَقْلِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً إلَى مَا تُؤَثِّرُ فِي مَعْلُولِهَا كَوُجُودِ عِلَّةِ الأَصْلِ فِي الْفَرْعِ" مُؤَثِّرٌ فِي نَقْلِ حُكْمِهِ "وَإِلَى مَا يُؤَثِّرُ فِيهَا مَعْلُولُهَا كَالدَّوَرَانِ" الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ.

_ 1 انظر "المسودة ص 427، المستصفى 2/309، مختصر الطوفي ص 162، الوصول إلى مسائل الأصول 2/288، اللمع ص 63، التبصرة ص 460، المعتمد 2/786، المحصول 2/2/305 وما بعدها، نشر البنود 2/203، ارشاد الفحول ص 221، تيسير التحرير 4/52، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/292، الابهاج 3/55، نهاية السول 3/73، مناهج العقول 3/73، المنخول ص 340". 2 ساقطة من ض. 3 في ش: من. 4 ساقطة من ش. وفي ض: لأنّه ضعيف جداً.

فوائد تتعلق بتفسير بعض ألفاظ اصطلح عليها أهل الأصول والجدل

"فَوَائِدُ" تَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ اصْطَلَحَ عَلَيْهَا أَهْلُ الأُصُولِ وَالْجَدَلِ الأُولَى "الْمَنَاطُ": وَهُوَ مَفْعَلٌ مِنْ نَاطَ نِيَاطًا1، أَيْ عَلَّقَ، فَهُوَ2 مَا نِيطَ3 بِهِ الْحُكْمُ4، أَيْ عُلِّقَ بِهِ، وَهُوَ5 الْعِلَّةُ الَّتِي رُتِّبَ6 عَلَيْهَا الْحُكْمُ فِي الأَصْلِ. يُقَالُ: نُطْت الْحَبْلَ بِالْوَتَدِ أَنُوطُهُ نَوْطًا: إذَا عَلَّقْته7، وَمِنْهُ: " ذَاتُ أَنْوَاطٍ "، شَجَرَةٌ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَلِّقُونَ8 فِيهَا سِلاحَهُمْ وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ9.

_ 1 في ش: نوطاً. وفي ب: يناط. 2 ساقطة من ع. 3 في ش: منوط، وفي ع: ما ينوط. 4 في ع: فهو الحكم. 5 في ش: وهي. 6 في ش ض: ترتب. 7 انظر الصحاح للجوهري 3/1165، لسان العرب 7/418. 8 في ش: يعقلون. 9 حيث روى الترمذي في سننه وأحمد في مسنده عن أبي واقد الليثي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى خيبر مرّ بشجرة للمشركين يقال لها "ذات أنواط" يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. "انظر عارضة الأحوذي 9/27، مسند أحمد 5/218".

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَالْمَنَاطُ "مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ"1. وَتَنْقِيحُهُ: تَخْلِيصُهُ وَتَهْذِيبُهُ، يُقَالُ: نَقَّحْت الْعَظْمَ: إذَا اسْتَخْرَجْت مُخَّهُ2. وَتَخْرِيجُهُ: اسْتِنْبَاطُهُ، أَيْ اسْتِخْرَاجُ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ. وَهُوَ إضَافَةُ حُكْمٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّرْعُ لِعِلَّتِهِ إلَى وَصْفٍ مُنَاسِبٍ3 فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ4 بِالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ. "وَتَحْقِيقُهُ": أَيْ تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ "إثْبَاتُ الْعِلَّةِ فِي آحَادِ صُوَرِهَا" بِالنَّظَرِ وَالاجْتِهَادِ فِي مَعْرِفَةِ وُجُودِهَا فِي آحَادِ الصُّوَرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا فِي نَفْسِهَا. "فَإِنْ عُلِمَتْ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ" كَجِهَةِ الْقِبْلَةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ وُجُوبِ اسْتِقْبَالِهَا الْمُشَارِ إلَيْهِ. بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ

_ 1 قال الشوكاني في ارشاد الفحول ص 221: "المناط: هو العلة. قال ابن دقيق العيد: وتعبيرهم عن العلة بالمناط من باب المجاز اللغوي، لأنّ الحكم لمّا علِّق بها كان كالشيء المحسوس الذي تعلّق بغيره، فهو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، وصار ذلك في اصطلاح الفقهاء بحيث لا يفهم عند الإطلاق غيره" أهـ. وانظر معنى المناط في نشر البنود 2/171، المستصفى 2/230، شرح تنقيح الفصول ص 388. 2 انظر الصحاح 1/413، لسان العرب 2/624. 3 في ش: يناسب. 4 في ض: مجتهد.

شَطْرَهُ} 1 وَكَالإِشْهَادِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 2 "أَوْ" عُلِمَتْ الْعِلَّةُ بِـ "إجْمَاعٍ" كَتَحْقِيقِ الْمِثْلِ3 فِي قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ4 النَّعَمِ} 5 فَجِهَةُ الْقِبْلَةِ: مَنَاطُ وُجُوبِ اسْتِقْبَالِهَا وَمَعْرِفَتُهَا عِنْدَ الاشْتِبَاهِ: مَظْنُونٌ، وَالْعَدَالَةُ: مَنَاطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَمَعْرِفَتُهَا فِي الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ: مَظْنُونَةٌ، وَكَالْمِثْلِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، أَوْ اسْتِنْبَاطٍ كَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ تَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ "اُحْتُجَّ بِهِ". قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ: وَلا نَعْرِفُ خِلافًا فِي صِحَّةِ الاحْتِجَاجِ بِهِ، إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَعْلُومَةً بِالنَّصِّ أَوْ الإِجْمَاعِ، إنَّمَا الْخِلافُ فِيمَا إذَا كَانَ مَدْرَكُ6 مَعْرِفَتِهَا الاسْتِنْبَاطَ7. وَذَكَرَ الْمُوَفَّقُ وَالْفَخْرُ وَالطُّوفِيُّ مِنْ جُمْلَةِ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ: اعْتِبَارَ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي أَمَاكِنِهَا، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ" فَيُعْتَبَرُ الأَمْرُ فِي كُلِّ طَائِفٍ8.

_ 1 الآية 144 من البقرة. 2 الآية 2 من الطلاق. 3 في ز: المثله. 4 في ش: عن. 5 الآية 95 من المائدة. 6 في ض: مركز. 7 انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/435 وما بعدها. 8 انظر روضة الناظر ص 277، مختصر الطوفي ص 145.

قَالَ الْمُوَفَّقُ1: وَهُوَ قِيَاسٌ جَلِيٌّ، أَقَرَّ بِهِ جَمَاعَةٌ [مِمَّنْ يُنْكِرُ الْقِيَاسَ2] . قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَلَيْسَ ذَلِكَ قِيَاسًا لِلاتِّفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ3. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: نَعَمْ، هَلْ يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِتَحْقِيقِ الْمَنَاطِ. أَمْ يُكْتَفَى بِالظَّنِّ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ. ثَالِثُهَا: الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ وَصْفًا شَرْعِيًّا، فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالظَّنِّ. أَوْ حَقِيقِيًّا أَوْ4 عُرْفِيًّا فَيُشْتَرَطَ الْقَطْعُ بِوُجُودِهِ. قَالَ: وَهَذَا أَعْدَلُ الأَقْوَالِ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَتَخْرِيجُ5 الْمَنَاطِ: اسْتِخْرَاجُ وَصْفٍ مُنَاسِبٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عِلَّةُ ذَلِكَ الْحُكْمِ6.

_ 1 روضة الناظر ص 277. 2 زيادة من كلام الموفق في الروضة يقتضيها السياق. 3 ساقطة من ض. 4 ساقطة من ع. 5 في ش: فتحرير. 6 انظر تعريفات الأصوليين لتخريج المناط في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/273، روضة الناظر ص 278، نشر البنود 2/170، تيسير التحرير 4/43، الابهاج 3/58، مختصر الطوفي ص 146، مناهج العقول 3/50، شرح العضد 2/239، نهاية السول 3/74، الإحكام للآمدي =

وَتَنْقِيحُهُ: أَنْ يَبْقَى مِنْ الأَوْصَافِ1 مَا يَصْلُحُ، وَيُلْغَى بِالدَّلِيلِ2 مَا لا يَصْلُحُ3. وَتَحْقِيقُهُ: أَنْ يَجِيءَ إلَى وَصْفٍ دَلَّ عَلَى عِلِّيَّتِهِ4 نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ الطُّرُقِ، وَلَكِنْ يَقَعُ الاخْتِلافُ فِي وُجُودِهِ فِي صُورَةِ5 النِّزَاعِ فَيُحَقَّقُ6 وُجُودُهَا فِيهِ7. وَمُنَاسَبَةُ التَّسْمِيَةِ فِي الثَّلاثَةِ ظَاهِرَةٌ؛ لأَنَّهُ أَوَّلاً اسْتَخْرَجَهَا مِنْ

_ = 3/436، شرح تنقيح الفصول ص 389، الموافقات 4/96، المستصفى 2/233". 1 في ش: الأحكام. 2 في ض ب: من الدليل. 3 انظر تعريفات الأصوليين لتنقيح المناط في "روضة الناظر ص277، مختصر الطوفي ص 146، المحصوص 2/2/315، التلويح على التوضيح 2/580، مفتاح الوصول ص 147، المسودة ص 387، تيسير التحرير 4/42، مناهج العقول 3/73، نهاية السول 3/74، الابهاج 3/56، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/292، شفاء الغليل ص 412، الإحكام للآمدي 3/436، نشر البنود 2/204، ارشاد الفحول ص 221، شرح تنقيح الفصول ص 389، 398، الموافقات 4/95، المستصفى 2/231". 4 في ض: علية. 5 في ض: صور. 6 في ش ض: فيتحقق. 7 انظر تعريفات الأصوليين لتحقيق المناط في "نهاية السول 3/74، الابهاج 3/57، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/293، روضة الناظر ص 277، الموافقات 4/90، شرح تنقيح الفصول ص 389، مختصر الطوفي ص 145، الإحكام للآمدي 3/435، نشر البنود 2/207 وما بعدها، ارشاد الفحول ص 222".

مَنْصُوصٍ فِي حُكْمٍ مِنْ غَيْرِ نَصٍّ عَلَى عِلَّتِهِ، ثُمَّ1 جَاءَ فِي أَوْصَافٍ قَدْ ذُكِرَتْ فِي التَّعْلِيلِ فَنَقَّحَ النَّصَّ، وَنَحْوَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَخَذَ مِنْهُ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً، وَأَلْغَى غَيْرَهُ. ثُمَّ لَمَّا نُوزِعَ فِي كَوْنِ الْعِلَّةِ لَيْسَتْ فِي الْمَحَلِّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بَيَّنَ أَنَّهَا فِيهِ، وَحَقَّقَ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. "وَمَدَارُ الْحُكْمِ: مُوجِبُهُ، أَوْ مُتَعَلِّقُهُ2" "وَلازِمُهُ": أَيْ لازِمُ الْحُكْمِ "مَا لا يَثْبُتُ الْحُكْمُ مَعَ عَدَمِهِ"3. فَيَكُونُ لازِمُ الْحُكْمِ أَعَمَّ مِنْ الشَّرْطِ؛ لِدُخُولِ4 الشَّرْطِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 من الدوران، وهو لغة: الطواف حول الشيء. واصطلاحاً: هو ترتب الشيء على الشيء الذي له صلوح العليّة. كترتب الاسهال على شرب السقمونيا. ويسمى الشيء الأول المترتب: دائراً. والثاني المترتب عليه: مداراً، وهو على ثلاثة أقسام "الأول" أن يكون المدار مداراً للدائر وجوداً لا عدماً، كشرب السقمونيا للإسهال. فإنه إذا وجِد وجد الإسهال، وأما إذا عدم فلا يلزم عدم الإسهال، لجواز حصوله بأمر آخر، "والثاني" أن يكون المدار مداراً للدائر عدماً لا وجوداً، كالحياة للعلم في أنها إذا لم توجد لم يوجد العلم، وأما إذا وجدت فلا يلزم أن يوجد العلم. "والثالث" أن يكون المدار مداراً للدائر وجوداً وعدماً كالزنا الصادر عن المحصن لوجوب الرجم عليه، فإنه كلما وجد وجب الرجم، وكلما لم يوجد لم يجب. قاله الجرجاني في التعريفات ص 56 وأبو البقاء الكفوي في الكليات 2/336. 3 قال أبو البقاء الكفوي: "وفرق بين اللازم من الشيء ولازم الشيء بأنّ أحدهما علة الآخر في الأول بخلاف الثاني". "الكليات 4/168". وانظر تفصيل الكلام على الملازمة وأقسامها في التعريفات للجرجاني ص 120، وعلى اللزوم وأنواعه واللازم وأقسامه في الكليات 4/169. 4 في ش: فدخول.

وَالْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ وَجُزْئِهِ وَمَحَلِّ الْحُكْمِ فِيهِ. "وَمَلْزُومُهُ" أَيْ مَلْزُومُ1 الْحُكْمِ "مَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ" أَيْ وُجُودُ الْمَلْزُومِ "وُجُودَ الْحُكْمِ"2. قَالَهُ3 أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الإِيضَاحِ فِي الْجَدَلِ. وَيُقَالُ: "مَدَارُ الْحُكْمِ عَلَى كَذَا"، أَيْ يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَى وُجُودِ كَذَا.

_ 1 في ع ض ب: ما يلزم 2 من الاستلزام الذي هو عبارة عن امتناع الانفكاك، حيث يمتنع فيه وجود الملزوم بدون اللازم. " الكليات 1/258". 3. في ش ز ب: قاله

فصل: تقسيم القياس ياعتبار قوته وضعفه

فصل: تقسيم القياس ياعتبار قوته وضعفه ... "فصل" يَنْقَسِمُ الْقِيَاسُ بِاعْتِبَارِ قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ إلَى جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ1. فَـ "مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ" كَقِيَاسِ الأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي السِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ2 يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ ... " الْحَدِيثَ3 "فَإِنَّا نَقْطَعُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ الذُّكُورَةَ وَالأُنُوثَةَ فِيهِ.

_ 1 انظر كلام الأصوليين على تقسيم القياس بهذا الاعتبار في "أدب القاضي للماوردي 1/586-600، الإحكام للآمدي 4/3، المنهاج للباجي ص 26، الجدل لابن عقيل ص 11، التلويح على التوضيح 2/589، اللمع ص 55، الوصول إلى مسائل الأصول 2/244 وما بعدها، المنخول ص 334، مختصر البعلي ص 150، المحصول 2/2/170، شرح العضد 2/247، نشر البنود 2/249، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/339، إرشاد الفحول ص 222، نهاية السول 3/29، تيسير التحرير 4/76". 2 في ز: ما. 3 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنه. وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه. "انظر صحيح البخاري 3/111، صحيح مسلم 3/1286، سنن النسائي 7/281، بذل الجهود 16/276، عارضة الأحوذي 6/92، سنن ابن ماجة 2/844، مسند أحمد 1/56".

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ" نَقْطَعُ1 أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي مَعْنَاهُ. وَمِثْلُهُ قِيَاسُ الصَّبِيَّةِ عَلَى الصَّبِيِّ فِي حَدِيثِ "مُرُوهُمْ بِالصَّلاةِ2 لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ" فَإِنَّا نَقْطَعُ أَيْضًا بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ الذُّكُورَةَ وَالأُنُوثَةَ. "أَوْ نُصَّ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَلَى عِلَّتِهِ "أَوْ أُجْمِعَ عَلَى عِلَّتِهِ" وَتَقَدَّمَتْ أَمْثِلَتُهُمَا. "فَـ" هُوَ3 فِي4 الصُّوَرِ الثَّلاثِ "قِيَاسٌ جَلِيٌّ". "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ وَلَمْ تَكُنْ عِلَّتُهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا، 5أَوْ لَمْ تَكُنْ6 مُجْمَعًا عَلَيْهَا "فَخَفِيٌّ"؛ لأَنَّ احْتِمَالَ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ فِيهِ قَوِيٌّ. وَذَلِكَ كَقِيَاسِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ فِي وُجُوبِ

_ 1 في ض ب: يقطع. وفي ش: فإنا نقطع. 2 ساقطة من ع. 3 في ش: كل. 4 في ش: من. 5 ساقطة من ض. 6 في ش ز: يكن.

الْقِصَاصِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ فِي الْمُثْقَلِ1. "وَ" يَنْقَسِمُ الْقِيَاسُ أَيْضًا "بِاعْتِبَارِ عِلَّتِهِ" إلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: قِيَاسُ عِلَّةٍ، وَقِيَاسُ دَلالَةٍ، وَقِيَاسٌ فِي مَعْنَى الأَصْلِ2. ثُمَّ "إنْ صُرِّحَ فِيهِ3" أَيْ فِي الْقِيَاسِ "بِهَا" أَيْ بِالْعِلَّةِ، بِأَنْ كَانَ الْقِيَاسُ بِذِكْرِ الْجَامِعِ4 وَكَانَ الْجَامِعُ هُوَ الْعِلَّةَ "فَ" هُوَ "قِيَاسُ عِلَّةٍ" كَقَوْلِنَا فِي الْمُثَقَّلِ: قَتْلٌ عَمْدٌ عُدْوَانٌ، فَيَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْجَارِحِ. وَإِنْ كَانَ الْجَامِعُ وَصْفًا لازِمًا مِنْ لَوَازِمِ الْعِلَّةِ وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِنْ جُمِعَ فِيهِ" أَيْ فِي الْقِيَاسِ "بِمَا يُلازِمُهَا" أَيْ الْعِلَّةِ كَقِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ بِجَامِعِ الرَّائِحَةِ الْفَائِحَةِ الْمُلازِمَةِ لِلشِّدَّةِ

_ 1 وخالفه في ذلك صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن وقالا بوجوب القصاص في القتل بالمثقّل. انظر دليل الإمام على قوله ووجهة نظر الصاحبين في "بدائع الصنائع 10/4618، رد المحتار 5/349، تبيين الحقائق 6/100، البناية على الهداية 10/5". 2 انظر كلام الأصوليين في تقسيم القياس بهذا الاعتبار في "إعلام الموقعين 1/133 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/4، المنهاج للباجي ص 26 وما بعدها، مفتاح الوصول ص 155، الجدل لابن عقيل ص 13، اللمع ص 55 وما بعدها، الوصول إلى مسائل الأصول 2/243 وما بعدها، مختصر البعلي ص 150، شرح العضد 2/247، إرشاد الفحول ص 222، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/341". 3 في ض: به. 4 في ش: الجامع وصفاً لازماً من لوازم.

الْمُطْرِبَةِ؛ لأَنَّ الرَّائِحَةَ لَيْسَتْ نَفْسَ الْعِلَّةِ. أَوْ جُمِعَ فِي الْقِيَاسِ بِأَثَرٍ مِنْ آثَارِ الْعِلَّةِ، كَقَوْلِنَا1 فِي الْمُثْقَلِ: قَتْلٌ أَثِمَ بِهِ فَاعِلُهُ، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَتْلٌ فَوَجَبَ2 فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْجَارِحِ، فَالإِثْمُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْعِلَّةِ3 لا نَفْسُهَا. أَوْ جُمِعَ فِي الْقِيَاسِ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْعِلَّةِ، كَقَوْلِنَا فِي قَطْعِ الأَيْدِي بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ: قَطْعٌ يَقْتَضِي وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ. فَيَكُونُ وُجُوبُهُ كَوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ، فَوُجُوبُ الدِّيَةِ لَيْسَ عَيْنَ عِلَّةِ الْقِصَاصِ، بَلْ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهَا. وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ "أَوْ4 بِأَحَدِ مُوجِبِهَا5" يَعْنِي: أَوْ جُمِعَ فِي الْقِيَاسِ6 بِأَحَدِ مُوجِبَيْ الْعِلَّةِ "فِي الأَصْلِ" الْمَقِيسِ عَلَيْهِ "لِمُلازَمَةِ الآخَرِ، فَـ" هُوَ "قِيَاسُ دَلالَةٍ". وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَمَا جُمِعَ بِنَفْيِ الْفَارِقِ" كَإِلْحَاقِ الْبَوْلِ فِي إنَاءٍ، ثُمَّ يَصُبُّهُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ بِالْبَوْلِ فِيهِ7 "فَ" هُوَ "قِيَاسٌ فِي مَعْنَى الأَصْلِ".

_ 1 في ض: بالمثفل. 2 في ض: وجب. 3 في ش: العلة كقولنا في قطع الأيدي باليد. 4 ساقطة من ع. 5 في ش: موجبيها. 6 في ش: القصاص. 7 ساقطة من ش.

وَمَثَّلَ ابْنُ الْحَاجِبِ1 مَا يَكُونُ الْجَامِعُ فِيهِ بِلازِمِ الْعِلَّةِ: بِقِيَاسِ قَطْعِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ2 عَلَى قَتْلِهِمْ بِالْوَاحِدِ، بِوَاسِطَةِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمِيعِ. فَإِنَّ الْجَامِعَ - الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ - لازِمُ3 الْعِلَّةِ فِي الأَصْلِ، وَهِيَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ، وَوُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ إنَّمَا هُوَ أَحَدُ مُوجِبَيْ الْعِلَّةِ، الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ، لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مُوجِبِهَا الآخَرِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ. "ويجوز التعبد بالقياس" في الشرعيات "عقلا" عند الأئمة الأربعة4 وغيرهم، خلافا للشيعة، وجماعة من معتزلة بغداد. قال البرماوي: ومنهم من منعه عقلا. فقيل: لأنه قبيح في نفسه فيحرم. وقيل: لأنه يجب على الشارع أن يستنصح لعباده

_ 1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/247. 2 أي إذا اشتركوا في قطع يده. "شرح العضد 2/248". 3 في ش ز: بلازم. وفي ض: لازمة. وفي د: ملازمة. 4 انظر "فواتح الرحموت 2/310، المستصفى 2/239، إرشاد الفحول ص 199، نهاية السول 3/10، مناهج العقول 3/8، الإبهاج 3/5، التبصرة ص 419، الوصول لابن برهان 2/232، منتهى السول والأمل ص 186، الإحكام للآمدي 4/5، اللمع ص 54، شرح العضد 2/248، مختصر البعلي ص 150، الجدل لابن عقيل ص 13، مختصر الطوفي ص 146، المعتمد 2/706، المسودة ص 367، فتح الغفار 3/10، البرهان 2/753، روضة الناظر ص 279، تيسير التحرير 4/104".

وينص لهم على الأحكام كلها، وهذا على رأي المعتزلة المعلوم فساده. وأوجب التعبد به القاضي و1أبو الخطاب والقفال وأبو الحسين2 3البصري. ومعنى التعبد به4 عقلا: أنه يجوز أن يقول الشارع: إذا ثبت حكم في صورة، 5ووجد في صورة5 أخرى مشاركة للصورة الأولى 6في وصف6، وغلب على ظنكم أن هذا الحكم في الصورة الأولى معلل بذلك الوصف، فقيسوا الصورة الثانية على الأولى. استدل للمذهب الأول الصحيح بأنه7 لا يمتنع8 عقلا أن يقول الشارع: حرمت الخمر لإسكارها، فقيسوا عليها ما في معناها؛ لأن هذا يتضمن دفع9 ضرر مظنون، وهو واجب

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ع ض ب: الحسن. وفي ز: حسين. انظر المعتمد 2/725. 3 ساقطة من ش. 4 ساقطة من ض. 5 ساقطة من ش. 6 ساقطة من ض. 7 في ش: أنه. 8 في ش: يمنع. 9 في ش: رفع.

عقلا، فالقياس واجب عقلا، والوجوب1، يستلزم الجواز. وقال المخالف: العقل يمنع من وقوع ما فيه2 خطأ؛ لأنه3 محذور. رد4: منع احتياطا لا إحالة5، ثم لا منع6 مع ظن الصواب، بدليل العموم وخبر7 الواحد والشهادة. "و" على القول بالجواز "وقع شرعا" عند المعظم8 من أصحابنا8 وغيرهم9. ومنعه داود وابنه والقاشاني10

_ 1 في ش: فالوجوب. 2 ساقطة من ض. 3 في ض: لأنه فيه. 4 في ع: ورد. 5 في ز: إخالة. 6 في ع: لا يمنع. 7 في ش: خير. 8 ساقطة من ش. 9 انظر روضة الناظر ص 279، مختصر البعلي ص 150، المعتمد 2/724، البرهان 2/764، تيسير التحرير 4/108، الوصول لابن برهان 2/243، منتهى السول والأمل ص 188، الإحكام للآمدي 4/31، شرح العضد 2/251، فواتح الرحموت 2/311، المستصفى 2/234". 10 كذا في ش ز ب ض، وفي ع: الفاشاني. والصواب: القاساني. بالقاف والسين المهملة، نسبة إلى قاسان، بلدة =

والنهرواني1 وبعض أصحابنا وجمع، وهو رواية عن أحمد رحمه الله. وحملها القاضي وابن عقيل على قياس خالف نصا. وابن رجب على2 من لم يبحث عن الدليل، أو لم يحصل شروطه.

_ = قرب "قم" كما قال الحافظ ابن حجر في تبصير المنتبه 3/1146 وكذا ضبطه السعد التفتازاني في حاشيته على شرح العضد 2/58، والزركشي عند التعريف بالرجال المذكورين في مختصر ابن الحاجب ومنهاج البيضاوي من كتابه "المعتبر" ص 278، وابن النديم في الفهرست ص 267، والشيرازي في التبصرة ص 419، والجويني في البرهان 2/774، والماوردي في أدب القاضي 1/559، وصاحب تيسير التحرير 4/106، والشوكاني في إرشاد الفحول ص 200 وغيرهم. والقاساني: هو محمد بن إسحاق، أبو بكر. قال الشيرازي: "حمل العلم عن داود، إلا أنه خالفه في مسائل كثيرة في الأصول والفروع". وقال الزركشي: "كان القاساني من أصحاب داود ينفي القول بالقياس، وكان يدعي نقض الرسالة على الشافعي". "انظر ترجمته في طبقات الفقهاء للشيرازي ص 176، المعتبر للزركشي ص 279، اللباب لابن الأثير 3/7، تبصير المنتبه 3/1147، الفهرست لابن النديم ص 267". 1 قال الزركشي في قسم التعريف برجال المنهاج والمختصر من كتابه "المعتبر" ص 278 وما بعدها: "القاساني والنهرواني ذكرهما في المختصر في القياس. قال بعضهم: لا يعرف لهما ترجمة. وسألت الحافظين أبا الحسن السبكي وأبا عبد الله الذهبي فقالا: لا نعلم لأحد منهما ترجمة ... ثم قال: وأما النهرواني فالظاهر أنه محرّف، وأصله الياء لا الواو، فإن الشيخ أبا إسحاق –يعني الشيرازي- ذكر الحسن بن عبيد النهرياني. وذكر السمعاني "نَهْرُيين" من قرى بغداد". اهـ "وانظر طبقات الفقهاء للشيرازي ص 176، الفهرست لابن النديم ص 273، الأنساب للسمعاني 13/218". 2 في ز: عن.

"و" على الأول "وقوعه بدليل السمع قطعي" عند القاضي وأبي الخطاب وابن عقيل، وعليه الأكثر. وفي كلامهم أيضا: أنه ظني. "وهو" أي القياس "حجة"1 عند الأكثر من أصحابنا2 وغيرهم3. وقد احتج القاضي وغيره على العمل بالقياس بقول أحمد رحمه الله: لا يستغني أحد عن القياس، وقوله في رواية الميموني4: سألت الشافعي عنه، فقال: ضرورة، وأعجبه ذلك. وذكر ابن حامد عن بعض أصحابنا: أنه5 ليس بحجة،

_ 1 في ش: عن. 2 انظر الجدل لابن عقيل ص 14، المسودة ص 367، 372، مختصر الطوفي ص 146. 3 انظر "أصول الشاشي وعمدة الحواشي ص 308، الإشارات للباجي ص 95، أدب القاضي للماوردي 1/557، فتح الغفار 3/10، تيسير التحرير 4/106، أصول السرخسي 2/118، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/178، التبصرة ص 424، شرح تنقيح الفصول ص 385، اللمع ص 54، الوصول إلى مسائل الأصول 2/215، المحصول 2/2/36، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/208، فواتح الرحموت 2/249، كشف الأسرار 3/270، إرشاد الفحول ص 199، نهاية السول 3/11، الإبهاج 3/6". 4 هو عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميموني الرقي، أبو الحسن، من جلة أصحاب الإمام أحمد. قال ابن العماد: كان أحمد يكرمه ويجله ويفعل معه ما لا يفعل مع أحد غيره. توفي سنة 274 هـ "انظر ترجمته في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/212، شذرات الذهب 2/165، المنهج الأحمد للعليمي 1/249، مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص 616". 5 ساقطة من ش ز.

لقول أحمد في رواية الميموني: يجتنب المتكلم هذين1 الأصلين: المجمل، والقياس. وحمله القاضي وابن عقيل على قياس عارضه2 سنة. قال ابن رجب: فتنازع أصحابنا في معناه. فقال بعض المتقدمين والمتأخرين: هذا يدل على المنع من3 استعمال القياس في الأحكام الشرعية بالكلية. وأكثر أصحابنا لم يثبتوا عن أحمد في العمل بالقياس خلافا، كابن4 أبي موسى، والقاضي، وابن عقيل، وغيرهم، وهو الصواب. انتهى. واستدل لكونه حجة - وهو الصحيح - بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} 5. والاعتبار: اختبار شيء بغيره وانتقال من شيء إلى غيره والنظر في شيء ليعرف به آخر من جنسه. فإن قيل: هو الاتعاظ6 لسياق الآية. رد: بأنه مطلق.

_ 1 في ش: هذين الوجهين. 2 في ش: عارض. 3 في ع ز ب: في. وفي ض: و. 4 في ع: لابن. 5 الآية 2 من الحشر. 6 في ض: الاتعاض.

فإن قيل: الدال على الكلي لا يدل على الجزئي. رد: بلى. ثم مراد الشارع: القياس الشرعي؛ لأن خطابه غالبا بالأمر الشرعي. وفي كلام أصحابنا وغيرهم: عام لجواز الاستثناء، ثم متحقق فيه؛ لأن المتعظ بغيره منتقل من العلم بغيره إلى نفسه. فالمراد قدر مشترك، وسبق في الأمر ظهور صيغة " افعل " في الطلب. واحتج القاضي وأبو الخطاب وغيرهما بقوله صلى الله عليه وسلم "إذا اجتهد الحاكم فأصاب1 فله أجران. وإن أخطأ فله أجر" رواه مسلم2. واحتج أصحابنا أيضا وغيرهم3 بإجماع الصحابة. قال بعض أصحابنا والآمدي4 وغيرهم: هو أقوى الحجج.

_ 1 ساقطة من ض. 2 صحيح مسلم 3/1342 والحديث رواه أيضاً البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده عن أبي هريرة وعمرو بن العاص "انظر صحيح البخاري 8/157، بذل المجهود 15/254، عارضة الأحوذي 6/67، سنن النسائي 8/197، سنن ابن ماجة 2/776، مسند أحمد 4/198، 204". 3 ساقطة من ض. 4 الإحكام في أصول الأحكام 4/52.

فمنه اختلافهم الكثير الشائع1 المتباين في ميراث الجد مع الإخوة2، وفي الأكدرية3 والخرقاء4، ولا نص عندهم. إذا تقرر هذا فيكون القياس حجة "في الأمور الدنيوية" غير الشرعية اتفاقا، كمداواة الأمراض والأغذية والأسفار والمتاجر ونحو ذلك5. "و" يكون القياس حجة في "غيرها" أي غير الأمور الدنيوية، من الأمور الشرعية عند الأكثر6 من القائلين بالقياس للأدلة

_ 1 في ش: المتتابع. 2 قال الفخر الرازي: "إنهم اختلفوا في الجد مع الإخوة، فبعضهم ورث الجد من الإخوة، وبعضهم أنكر ذلك. والأولون اختلفوا: فمنهم من قال: إنه يقاسم الإخوة ما كانت المقاسمة خيراً له من الثلث. فأجراه مجرى الأم، ولم ينقص حقه عن حقها، لأن له مع الولادة تعصيباً. ومنهم من قال: إنه يقاسم الإخوة ما كانت المقاسمة خيراً له من السدس. وأجراه مجرى الجدة في أن لا ينقص حقها من السدس". "المحصول 2/2/79". 3 الأكدرية: مسألة في الفريضة أركانها: زوج وأم وجد وأخت شقيقة أو لأب. "انظر بيانها في العذب الفائض 1/119، المغني 6/223، رد المحتار 5/501، التلخيص الحبير 3/88". 4 الخرقاء: مسألة في الفريضة وأركانها: أم وجد وأخت شقيقة أو لأب. وفيها للصحابة ستة أقوال. "انظر العذب الفائض 1/118، المغني 6/226، التخليص الحبير 3/88". 5 انظر "نشر البنود 2/113، شرح تنقيح الأصول ص 387، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/203، إرشاد الفحول ص 199، نهاية السول 3/10". 6 في ع ب: الأكثرين.

المتقدمة1. ومنع القاضي أبو بكر الباقلاني، ومن تبعه كونه حجة في قياس العكس. قال ابن مفلح: فإن قيل: ما حكم قياس العكس2؟ قيل: حجة. ذكره القاضي وغيره من أصحابنا والمالكية، وهو المشهور عن الشافعية والحنفية، كالدلالة لطهارة دم السمك بأكله به3؛ لأنه لو كان نجسا لما أكل به. كالحيوانات النجسة الدم، ونحو لو سنت السورة في الأخريين لسن الجهر فيهما كالأوليين. وفي مسلم4 من حديث أبي ذر " في بضع أحدكم صدقة". قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان5 عليه [فيها] 6 وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".

_ 1 انظر شرح تنقيح الفصول ص 387، نشر البنود 2/113. 2 انظر تعريف قياس العكس وكلام الأصوليين عليه في "الإحكام للآمدي 3/262، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/343، الآيات البينات 4/175، فواتح الرحموت 2/247، تيسير التحرير 3/271، المعتمد 2/699، المسودة ص 425، مفتاح الوصول للتلمساني ص 159". 3 ساقطة من ش. 4 صحيح مسلم 2/698 وقد سبق تخريجه في ص 10 من هذا المجلد. 5 في ض: كان. 6 زيادة من صحيح مسلم.

ومنع قوم القياس في إثبات أصول العبادات، فنفوا جواز الصلاة بالإيماء المقيسة على صلاة القاعد بجامع العجز1. ومنعه أبو حنيفة وأصحابه في حد وكفارة وبدل2 ورخص ومقدر3. لنا 4عموم دليل4 كون القياس حجة، و5قول الصحابي "إذا سكر هذى وإذا هذى افترى" وكبقية6 الأحكام. ومنعه جمع في سبب وشرط ومانع، كجعل الزنا سببا لإيجاب الحد. فلا يقاس عليه اللواط7. وصححه

_ 1 انظر شرح تنقيح الأصول ص 415، الإبهاج 3/22، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/206. 2 في ش: وبذل. 3 انظر تحقيق المسألة في "الجدل لابن عقيل ص 15، المسودة ص 398، تيسير التحرير 4/103، فواتح الرحموت 2/317، منتهى السول والأمل ص 191، المستصفى 2/334، إرشاد الفحول ص 223، التمهيد للأسنوي ص 449، المنخول ص 385، الإشارات للباجي ص 110، أدب القاضي للماوردي 1/610، روضة الناظر ص 338، مختصر البعلي ص 151، الإحكام للآمدي 2/249، شرح تنقيح الفصول ص 415، اللمع ص 54، الوصول إلى مسائل الأصول 2/236، نشر البنود 2/110، المحصول 2/2/471، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/204". 4 ساقطة من ض. 5 ساقطة من ع ض. 6 في ش: وكيفية. 7 انظر "الوصول لابن برهان 2/256، المسودة ص 399، نشر البنود 2/11، =

الآمدي1، وابن الحاجب2. وجزم به البيضاوي3. لكن نقل الآمدي4 عن أكثر الشافعية جريانه فيها. ومشى5 عليه في جمع الجوامع6. "والنص على علة حكم الأصل يكفي في التعبد" عند أصحابنا7 والأكثر8. واحتج الإمام أحمد رحمه الله لعدم جواز بيع رطب بيابس بنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر.

_ = المحصول 2/2/465، روضة الناظر ص 335، المستصفى 2/332، نهاية السول 3/36، مناهج العقول 3/33، إرشاد الفحول ص 222، شرح تنقيح الفصول ص 414، منتهى السول والأمل ص 191، فواتح الرحموت 2/319". 1 الإحكام في أصول الأحكام 4/86. 2 منتهى السول والأمل ص 191، مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/255. 3 المنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول 3/31. 4 الإحكام في أصول الأحكام 4/86. 5 في ش: وبنى. 6 جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/205، ورجحه أيضاً التاج السبكي في الإبهاج شرح المنهاج 3/26. 7 انظر الجدل لابن عقيل ص 14. 8 انظر تيسير التحرير 4/111، التبصرة ص 436، الوصول لابن برهان 2/230، الوصول إلى مسائل الأصول 2/234، فواتح الرحموت 2/316.

و1قال: أبو الخطاب والموفق2 وأكثر الشافعية3: إن ورد التعبد بالقياس كفى4، وإلا فلا5. والبصري6: يكفي في علة التحريم لا غيرها7. قال الشيخ تقي الدين: هو قياس مذهبنا8.

_ 1 ساقطة من ز. 2 روضة الناظر ص 293. 3 انظر الإحكام للآمدي 4/72، المحصول 2/2/164، شرح العضد 2/253، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/210، الإبهاج 3/15، المستصفى 2/272. 4 ساقطة من ش. 5 أي وإن لم يرد التعبد بالقياس فالعلة صحيحة وإن لم تتعد إلى سائر الفروع. انظر المسودة ص 390. 6 المراد بالبصري ههنا: أبو عبد الله البصري، الحسين بن علي الحنفي المعتزلي المتوفى سنة 369 هـ. وقد سبقت ترجمته في ج 2 ص 258. انظر عزو القول المذكور إليه في المعتمد 2/753، المسودة ص 390، المحصول 2/2/164، الإحكام للآمدي 4/72، التبصرة ص 437، شرح العضد 2/253، تيسير التحرير 4/111 وغيرها. 7 أي إن كانت العلة المنصوصة علة في التحريم كان النص عليها تعبداً بالقياس بها، وإن كانت علة في إيجاب الفعل أو كونه ندباً لم يكن النص عليها تعبداً بالقياس بها. "انظر المعتمد 2/753". 8 ونص كلامه في المسودة ص 391، بعد ذكر رأي أبي عبد الله البصري: "قلت الفرق بين التحريم والإيجاب في العلة المنصوصة قياس مذهبنا في الأيمان وغيرها، لأن المفاسد يجب تركها كلها، بخلاف المصالح فإنما يجب تحصيل ما يحتاج إليه. فإذا أوجب تحصيل مصلحة لم يجب تحصيل كل ما كان مثلها للاستغناء عنه بالأول. ولهذا نقول بالعموم في باب الإيمان إذا كان المحلوف عليه تركاً، بخلاف ما إذا كان المحلوف عليه فعلاً".

وسمى1 ابن عقيل المنصوص استدلالا. وقال: مذهبنا ليس بقياس. وقاله أيضا بعض الفقهاء. "والحكم المتعدي إلى فرع بعلة منصوصة مراد بالنص، كعلة مجتهد فيها فرعها مراد بالاجتهاد" قاله2 ابن مفلح وغيره؛ لأن الأصل مستتبع لفرعه، خلافا لبعضهم. ذكره أبو الخطاب. قال المجد: كلام أبي الخطاب يقتضي أنها مستقلة. قال: وعندي أنها مبنية على المسألة قبلها3. قال الشيخ تقي الدين: وذكر القاضي [ما هو] 4 أعم من ذلك، فقال: 5الحكم بالقياس5 على أصل منصوص عليه مراد بالنص الذي في الأصل، خلافا لبعض المتكلمين6. "وَيَجُوزُ ثُبُوتُ كُلِّ الأَحْكَامِ بِنَصٍّ7 مِنْ الشَّارِعِ" عِنْدَ

_ 1 في ش: ويسمي. 2 في ض: قال. 3 المسودة ص 386 بتصرف. وعبارة المجد في المسودة: "وذكرها أبو الخطاب بعد مسألة كون التعليل إذناً في القياس وهي عندي مبنية على تلك المسألة، وكلامه يقتضي أنها مستقلة". 4 زيادة من كلام الشيخ تقي الدين في المسودة. 5 كذا في جميع النسخ. وفي المسودة: جميع ما يحكم به من جهة القياس. 6 المسودة ص 386. 7 في ع ض ب: من الأحكام.

أَصْحَابِنَا1 وَالأَكْثَرِ2. وَقِيلَ: لا يَجُوزُ؛ لأَنَّ الْحَوَادِثَ لا تَتَنَاهَى فَكَيْفَ يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا نُصُوصٌ مُتَنَاهِيَةٌ؟! وَ3رُدَّ: بِأَنَّهَا تَتَنَاهَى لِتَنَاهِي التَّكْلِيفِ بِالْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ تَحْدُثَ نُصُوصٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ. وَ "لا" يَجُوزُ ثُبُوتُ كُلِّ الأَحْكَامِ "بِالْقِيَاسِ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ4؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ لا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلٍ؛ وَلأَنَّ فِي الأَحْكَامِ - مَا لا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، كَضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ. فَإِجْرَاءُ الْقِيَاسِ فِي مِثْلِهِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْقِيَاسَ فَرْعُ تَعَقُّلِ5 الْمَعْنَى الْمُعَلَّلِ بِهِ الْحُكْمُ فِي الأَصْلِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ فِيهَا مَا تَخْتَلِفُ6 أَحْكَامُهُ فَلا يَجْرِي فِيهِ. وَقِيلَ: بَلَى7. كَمَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا كُلُّهَا بِالنَّصِّ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا كُلُّهَا8 بِالْقِيَاسِ.

_ 1 انظر المسودة ص 374، مختصر البعلي ص 151. 2 انظر المعتمد 2/723، المحصول 2/2/478. 3 الواو ساقطة من ش. 4 انظر "المعتمد 2/723، المسودة ص 374، تيسير التحرير 4/113، الوصول لابن برهان 2/223، منتهى السول والأمل ص 191، الإحكام للآمدي 4/89، المحصول 2/2/479، شرح العضد 2/256، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/209، الإبهاج 3/22". 5 في ع ز ب: يعقل. 6 في ع: يختلف. 7 في ش ز ب: بلى. قالوا. 8 ساقطة من ز.

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ -وَتَبِعَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ- أَنَّهُ1 لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَمَا لا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَبَيَّنَّا ذَلِكَ بِمَا لا مَزِيدَ عَلَيْهِ2. "وَمَعْرِفَتُهُ" أَيْ مَعْرِفَةُ الْقِيَاسِ "فَرْضُ كِفَايَةٍ" عِنْدَ تَعَدُّدِ الْمُجْتَهِدِينَ "وَيَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ" فِي صُورَةٍ، وَهِيَ3 مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلاَّ مُجْتَهِدٌ وَاحِدٌ وَاحْتَاجَ إلَى الْقِيَاسِ لِنُزُولِ حَادِثَةٍ، وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ فِي حَقِّهِ فَرْضَ عَيْنٍ4. وَغَايَرَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي مُقْنِعِهِ 5بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَقَالَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ: فَرْضُ عَيْنٍ. وَالصَّوَابُ الأَوَّلُ. "وَهُوَ" أَيْ الْقِيَاسُ "مِنْ الدِّينِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ6؛ لأَنَّهُ مِمَّا7

_ 1 في ش: بأنه. 2 ذكر ذلك العلامة ابن تيمية في رسالته "القياس" "التي نشرها محب الدين الخطيب بصورة مستقلة في المطبعة السلفية بالقاهرة، كما نشرت ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية ج 20 ص 504-584" وتبعه في ذلك الإمام ابن القيم، فشرح كلامه وزاد عليه في كتابه "إعلام الموقعين" ج 2 ص 1-175. 3 في ش: وهو. 4 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/339، الإحكام للآمدي 4/91، نشر البنود 2/245. 5 ساقطة من ض. 6 انظر المعتمد 2/776، نشر البنود 2/247. 7 في ع ض: ما.

تَعَبَّدَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَكُلُّ مَا تَعَبَّدَنَا اللَّهُ بِهِ فَهُوَ دِينٌ1. وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ2 بِصِيغَةِ " افْعَلْ "3 دَلِيلُهُ4: قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} 5. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: الْقِيَاسُ دِينٌ، وَعِنْدَ6 أَبِي7 الْهُذَيْلِ: لا يُطْلَقُ عَلَيْهِ8 اسْمُ دِينٍ، وَهُوَ فِي بَعْضِ كَلامِ الْقَاضِي. وَعِنْدَ الْجُبَّائِيِّ: الْوَاجِبُ مِنْهُ دِينٌ اهـ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: الْقِيَاسُ عِنْدَنَا دِينُ اللَّهِ وَحُجَّتُهُ وَشَرْعُهُ9 اهـ. "وَالنَّفْيُ" ضَرْبَانِ:

_ 1 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/337. 2 في ض: الشرع. 3 انظر الإحكام للآمدي 4/90. 4 في ش: ودليله. 5 الآية 2 من الحشر. 6 في ش: وعن. 7 في ش: ابن. 8 في ز: على. 9 قال الآمدي: "والمختار أن يقال: إن عُني بالدين ما كان من الأحكام المقصودة بحكم الأصالة، كوجوب الفعل وحرمته ونحوه، فالقياس واعتباره ليس بدين، فإنه غير مقصود لنفسه، بل لغيره. وإن عُني بالدين ما تُعُبدنا به، كان مقصوداً أصلياً أو تابعاً، فالقياس من الدين لأنا متعبدون به على ما سبق. وبالجملة فالمسألة لفظية". "الإحكام في أصول الأحكام 4/91".

أَحَدُهُمَا نَفْيٌ1 "أَصْلِيٌّ" وَهُوَ الْبَقَاءُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، 2كَانْتِفَاءِ صَلاةٍ سَادِسَةٍ، فَهُوَ مُبْقًى3 بِاسْتِصْحَابِ مُوجَبِ الْعَقْلِ، فَلا يَجْرِي فِيهِ قِيَاسُ الْعِلَّةِ، لأَنَّهُ لا مُوجِبَ لَهُ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، حَتَّى يُطْلَبَ لَهُ عِلَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، بَلْ هُوَ نَفْيُ حُكْمِ الشَّرْعِ. وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ لِمَا يَتَجَدَّدُ، لَكِنْ4 "يَجْرِي فِيهِ قِيَاسُ الدَّلالَةِ" وَهُوَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِانْتِفَاءِ حُكْمِ شَيْءٍ عَلَى انْتِفَائِهِ عَنْ مِثْلِهِ. وَيَكُونُ ذَلِكَ ضَمَّ دَلِيلٍ إلَى دَلِيلٍ "فَيُؤَكَّدُ بِهِ الاسْتِصْحَابُ" أَيْ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ5. وَهَذَا: و6َهُوَ كَوْنُهُ: لا يَجْرِي فِيهِ قِيَاسُ الْعِلَّةِ، وَيَجْرِي فِيهِ قِيَاسُ الدَّلالَةِ، هُوَ الصَّحِيحُ. اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ7 وَالرَّازِيُّ8، وَعَزَاهُ الْهِنْدِيُّ لِلْمُحَقِّقِينَ9.

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: يبقى. وفي روضة الناظر: منفي. 4 في ش: لكن حتى يطلب له علة شيء. 5 قاله ابن قدامة في الروضة ص 339، وانظر شرح تنقيح الفصول ص 414، مختصر البعلي ص 151، مختصر الطوفي ص 165. 6 الواو ساقطة من ش. 7 المستصفى 2/332. 8 المحصول 2/2/467. 9 في ع ض ب: إلى المحققين

"وَ" الضَّرْبُ الثَّانِي: نَفْيٌ "طَارِئٌ، كَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ" مِنْ الدَّيْنِ، وَنَحْوُهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ "يَجْرِي فِيهِ هُوَ" أَيْ قِيَاسُ الدَّلالَةِ وَقِيَاسُ الْعِلَّةِ؛ لأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ حَادِثٌ. فَهُوَ كَسَائِرِ الأَحْكَامِ الْوُجُودِيَّةِ1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ عَقِبَ الْمَسْأَلَةِ: وَيُسْتَعْمَلُ الْقِيَاسُ عَلَى وَجْهِ التَّلازُمِ، فَيُجْعَلُ حُكْمُ الأَصْلِ فِي الثُّبُوتِ مَلْزُومًا. وَفِي النَّفْيِ نَقِيضَهُ لازِمًا، نَحْوَ لَمَّا وَجَبَتْ زَكَاةُ مَالِ الْبَالِغِ الْمُشْتَرَكِ2 بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِ3 الصَّبِيِّ: وَجَبَتْ فِيهِ، وَلَوْ وَجَبَتْ فِي حُلِيٍّ وَجَبَتْ فِي جَوْهَرٍ قِيَاسًا، وَاللاَّزِمُ مُنْتَفٍ4، فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُ5 اهـ.

_ 1 انظر روضة الناظر ص 338، مختصر الطوفي في ص 165. 2 أي للعلة المشتركة "نهاية السول 3/125". وفي ش ز: المشترك. 3 ساقطة من ش. 4 في ض: مشتق. 5 انظر الإبهاج 3/107، مناهج العقول 3/125، نهاية السول 3/12.

فصل: قوادح العلة

فصل: قوادح العلة ... "فصل" لَمَّا فَرَغْنَا مِنْ الْكَلامِ عَلَى الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلَّةِ1 شَرَعْنَا فِي ذِكْرِ مَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ مُبْطِلاتِهَا، أَوْ2 مُبْطِلاتِ غَيْرِهَا مِنْ الأَدِلَّةِ، وَيُعَبَّرُ3 عَنْ ذَلِكَ تَارَةً بِالاعْتِرَاضَاتِ وَتَارَةً بِالْقَوَادِحِ. وَ "الْقَوَادِحُ تَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، أَوْ الْمُعَارَضَاتِ فِي الْحُكْمِ". قَالَ أَهْلُ الْجَدَلِ: الاعْتِرَاضَاتُ رَاجِعَةٌ إمَّا إلَى مَنْعٍ فِي مُقَدِّمَةٍ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ، أَوْ مُعَارَضَةٍ فِي الْحُكْمِ. فَمَتَى حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْهَا فَقَدْ تَمَّ الدَّلِيلُ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُعْتَرِضِ مَجَالٌ، فَيَكُونُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الأَسْئِلَةِ4 بَاطِلاً فَلا يُسْمَعُ. وَقَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ5 مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ6: إنَّهَا كُلَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ؛ لأَنَّ الْكَلامَ إذَا كَانَ مُجْمَلاً لا يَحْصُلُ

_ 1 في ش ز: العلة. 2 في ع: و. 3 في ع: ونعبر. 4 في ش: الأدلة. 5 ساقطة من ض. 6 جمع الجوامع بحاشية البناني 2/330.

غَرَضُ الْمُسْتَدِلِّ بِتَفْسِيرِهِ. فَالْمُطَالَبَةُ بِتَفْسِيرِهِ تَسْتَلْزِمُ مَنْعَ تَحَقُّقِ الْوَصْفِ، وَمَنْعَ لُزُومِ الْحُكْمِ عَنْهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى شَيْئًا1 مِنْ الْقَوَادِحِ، وَقَالَ: إنَّ مَوْضِعَ2 ذِكْرِهَا عِلْمُ الْجَدَلِ3. وَالذَّاكِرُونَ لَهَا يَقُولُونَ: إنَّهَا مِنْ مُكَمِّلاتِ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَمُكَمِّلُ الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ. وَعِدَّةُ الْقَوَادِحِ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ4 وَابْنِ مُفْلِحٍ وَالأَكْثَرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ قَادِحًا، وَقِيلَ: اثْنَا5 عَشَرَ. "وَمُقَدَّمُهَا" أَيْ الْقَوَادِحِ "الاسْتِفْسَارُ"6 أَيْ هُوَ طَلِيعَةٌ لَهَا كَطَلِيعَةِ الْجَيْشِ؛ لأَنَّهُ الْمُقَدَّمُ7 عَلَى كُلِّ اعْتِرَاضٍ، وَإِنَّمَا كَانَ

_ 1 في ض: شيء. 2 في ز: مواضع. 3 غير أن الغزالي تناول القوادح وعقد لها باباً مستقلاً في كتابه "المنخول" ص 401 وما بعدها. 4 منتهى السول والأمل ص192 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/257. 5 في ض: اثني. 6 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "إرشاد الفحول ص 229، الإحكام للآمدي 4/92، مختصر الطوفي ص 166، تيسير التحرير 4/114، روضة الناظر ص 339، مختصر البعلي ص 152، منتهى السول والأمل ص 192، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/331". 7 في ز: المتقدم

مُقَدَّمًا؛ لأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَدْلُولُ اللَّفْظِ اسْتَحَالَ تَوَجُّهُ الْمَنْعِ أَوْ1 الْمُعَارَضَةِ، وَهُمَا مُرَادُ الاعْتِرَاضَاتِ2 كُلِّهَا. وَقِيلَ: فِي كَوْنِهِ3 مِنْهَا نَظَرٌ؛ لأَنَّ الاعْتِرَاضَاتِ خَدْشُ كَلامِ الْمُسْتَدِلِّ. وَالاسْتِفْسَارُ لَيْسَ فِيهِ خَدْشٌ، بَلْ غَايَتُهُ: أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ لِلْمُرَادِ4 مِنْ الْكَلامِ، لأَنَّهُ5 اسْتِفْعَالٌ مِنْ" الْفَسْرِ "6 وَهُوَ لُغَةً طَلَبُ الْكَشْفِ وَالإِظْهَارِ، وَمِنْهُ التَّفْسِيرُ7. وَلِهَذَا عَرَّفُوهُ بِقَوْلِهِمْ"وَهُوَ طَلَبُ مَعْنَى لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ لإِجْمَالِهِ أَوْ غَرَابَتِهِ" وَإِنَّمَا يُسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَرِضِ إذَا كَانَ فِي اللَّفْظِ إجْمَالٌ أَوْ غَرَابَةٌ، وَإِلاَّ فَهُوَ تَعَنُّتٌ مُفَوِّتٌ لِفَائِدَةِ الْمُنَاظَرَةِ، إذْ يَأْتِي فِي كُلِّ لَفْظٍ يُفَسَّرُ بِهِ لَفْظٌ ... وَيَتَسَلْسَلُ. "وَعَلَى الْمُعْتَرِضِ بَيَانُ احْتِمَالِهِ" أَيْ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِمَعْنَيَيْنِ فَأَكْثَرَ، حَتَّى8 يَكُونَ9 مُجْمَلاً، كَمَا لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ: الْمُطَلَّقَةُ تَعْتَدُّ

_ 1 في ض: و. 2 ساقطة من ش. 3 في ع ز ب: كونها. 4 في ز: المراد. 5 في ش: لا أنه. 6 في ز: السفر. 7 انظر معاني الفَسْر والتفسير في "مقدمة جامع التفاسير للراغب الأصبهاني ص 47، المفردات في غريب القرآن للراغب ص 380، المعتبر للزركشي ص 304، الإتقان للسيوطي 4/192، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي لأستاذنا الدكتور محمد أديب صالح ص 59". 8 في ش: حتى لو. 9 في ش: كان.

بِالأَقْرَاءِ، فَلَفْظُ "الأَقْرَاءِ" مُجْمَلٌ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: مَا مُرَادُك بِالأَقْرَاءِ؟ فَإِذَا قَالَ: الْحَيْضُ أَوْ الأَطْهَارُ1، أَجَابَ بِحَسَبِ ذَلِكَ مِنْ تَسْلِيمٍ أَوْ مَنْعٍ. "أَوْ" بَيَانُ "جِهَةِ الْغَرَابَةِ بِطَرِيقَةٍ" إمَّا مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ2، كَقَوْلِهِ: لا يَحِلُّ السِّبْدُ3، أَيْ الذِّئْبُ. وَكَمَا لَوْ قَالَ فِي الْكَلْبِ الَّذِي لَمْ يُعَلَّمْ: خِرَاشٌ لَمْ يُبْلَ، فَلا يُطْلِقُ فَرِيسَتَهُ كَالسِّبْدِ4. وَمَعْنَى "لَمْ يُبْلَ": لَمْ يُخْتَبَرْ وَالْفَرِيسَةُ: الصَّيْدُ، مِنْ فَرَسَ الأَسَدُ فَرِيسَةً5 إذَا دَقَّ عُنُقَهَا، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ قَتِيلٍ فَرِيساً6. وَالسِّبْدُ الذِّئْبُ7 - وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ8

_ 1 في ش: الطهر. 2 في ش: المنع. 3 كذا في ض. وفي ش ع ب ز: السبد. 4 كذا في جميع النسخ. وهو تصحيف، والصواب: كالسيد. 5 في ش ع: فريسته. 6 في ش: فريسة. 7 ساقطة من ع ض ب. 8 كذا في جميع النسخ وهو تصحيف. والصواب كما في اللسان والصحاح ومقاييس اللغة وغيرها: السيد. بكسر السين المهملة، وسكون الياء المثناة التحتية، وهو الذئب. وفي لغة هذيل: الأسد. "انظر اللسان 3/231، الصحاح 2/492، معجم مقاييس اللغة 3/120".

وَالْخِرَاشُ: الْكَلْبُ. وَهُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَقَبْلَ الأَلِفِ رَاءٌ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ. وَأَمَّا بَيَانُ جِهَةِ الْغَرَابَةِ مِنْ حَيْثُ الاصْطِلاحِ: كَمَا1 يُقَالُ فِي الْقِيَاسَاتِ الْفِقْهِيَّةِ: لَفْظُ الدَّوْرِ أَوْ التَّسَلْسُلِ أَوْ الْهَيُولَى، أَوْ الْمَادَّةُ أَوْ الْمَبْدَأُ2 أَوْ الْغَايَةُ، نَحْوَ أَنْ يُقَالَ فِي شُهُودِ الْقَتْلِ إذَا رَجَعُوا: لا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لأَنَّ وُجُوبَ3 الْقِصَاصِ تَجَرُّدٌ4 مَبْدَؤُهُ5 عَنْ غَايَةِ مَقْصُودِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لا يَثْبُتَ6. وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ اصْطِلاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ. إلاَّ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ حَالِ خَصْمِهِ أَنَّهُ يَعْرِفُ ذَلِكَ، فَلا غَرَابَةَ حِينَئِذٍ. وَ "لا" يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ إذَا بَيَّنَ كَوْنَ اللَّفْظِ مُحْتَمِلاً "بَيَانُ تَسَاوِي الاحْتِمَالاتِ" لِعُسْرِهِ. "وَلَوْ قَالَ" الْمُعْتَرِضُ "الأَصْلُ عَدَمُ مُرَجِّحٍ: صَحَّ" يَعْنِي أَنَّهُ7 قَالَ: الأَصْلُ عَدَمُ رُجْحَانِ بَعْضِ8 الاحْتِمَالاتِ عَنْ

_ 1 في ش: فكما في. 2 في ع: البدا. والمبدأ في اصطلاح الفلاسفة معناه: السبب. "شرح العضد 2/259". 3 في ش: وجود. 4 في ز: يجرد. 5 في ش: مبدؤه. 6 في ش: تثبت. 7 في ش: أنه إن. 8 في ع: بعد.

بَعْضٍ، كَانَ قَوْلُهُ1 ذَلِكَ صَحِيحًا. وَيَكُونُ ذَلِكَ تَبَرُّعًا مِنْ الْمُعْتَرِضِ. "وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ الاسْتِفْسَارِ، إمَّا "بِمَنْعِ احْتِمَالِهِ2" أَيْ بِمَنْعِ إجْمَالِهِ "أَوْ" بِ "بَيَانِ ظُهُورِهِ" أَيْ ظُهُورِ اللَّفْظِ "فِي مَقْصُودِهِ" أَيْ فِيمَا قَصَدَهُ الْمُسْتَدِلُّ، بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا ظَاهِرٌ فِي مَقْصُودِي، وَيُبَيِّنَ ذَلِكَ: "إمَّا بِنَقْلٍ مِنْ اللُّغَةِ" كَمَا لَوْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: الْوُضُوءُ قُرْبَةٌ، فَتَجِبُ لَهُ النِّيَّةُ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: الْوُضُوءُ يُطْلَقُ عَلَى النَّظَافَةِ، وَعَلَى الأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ. فَمَا الَّذِي تُرِيدُ بِاَلَّذِي تَجِبُ لَهُ النِّيَّةُ؟ فَيَقُولُ: حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ، وَهِيَ الأَفْعَالُ الْمَخْصُوصَةُ. "أَوْ عُرْفٍ" يَعْنِي3 أَوْ يُبَيِّنَ كَوْنَ لَفْظِهِ ظَاهِرًا4 فِي مَقْصُودِهِ بِالْعُرْفِ، كَإِطْلاقِ الدَّابَّةِ عَلَى ذَوَاتِ الأَرْبَعِ. "أَوْ" يُبَيِّنَ كَوْنَ اللَّفْظِ ظَاهِرًا فِي مَقْصُودِهِ بِمَا مَعَهُ مِنْ "قَرِينَةٍ" نَحْوَ قَوْلِهِ: قُرْءٌ5 تَحْرُمُ فِيهِ الصَّلاةُ، فَيَحْرُمُ فِيهِ الصَّوْمُ، فَإِنَّ قَرِينَةَ تَحْرِيمِ الصَّلاةِ فِيهِ تَدُلُّ عَلَى6 أَنَّ7 الْمُرَادَ بِهِ الْحَيْضُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: إجماله. 3 ساقطة من ز. 4 في ش ز: ظاهر. 5 في ع: قروء. 6 ساقطة من ش. 7 في ش: بأن.

اللَّفْظُ غَرِيبًا وَدَلَّتْ قَرِينَةٌ مَعَهُ عَلَى الْمُرَادِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: طَلَّةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَلا يَصِحُّ. فَالطَّلَّةُ: الْمَرْأَةُ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، لا صِفَةُ الْخَمْرِ. "أَوْ" بِ1 "تَفْسِيرِهِ" يَعْنِي: أَوْ2 يَكُونُ جَوَابُ الْمُعْتَرِضِ بِكَوْنِ اللَّفْظِ غَرِيبًا: تَفْسِيرَ الْمُسْتَدِلِّ لِلَفْظِهِ "إنْ تَعَذَّرَ" عَلَيْهِ "إبْطَالُ غَرَابَتِهِ" بِأَنْ يَقُولَ: مُرَادِي الْمَعْنَى الْفُلانِيُّ لَكِنْ لا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ وَإِنْ بَعُدَ، كَمَا يَقُولُ3: يُخْرِجُ فِي الْفِطْرَةِ4 الْبُرَّ5، وَيُفَسِّرُهُ بِالْقِطْعَةِ مِنْ الأَقِطِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ6 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَتَابَعَهُمَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ "وَلَوْ قَالَ" أَيْ الْمُسْتَدِلُّ "يَلْزَمُ ظُهُورُهُ 7" أَيْ8 ظُهُورُ اللَّفْظِ فِي أَحَدِ9 الْمَعْنَيَيْنِ "دَفْعًا لِلإِجْمَالِ، وَفِيمَا قَصَدْتُهُ لِعَدَمِ10 ظُهُورِهِ فِي

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ع ب. 3 في ش ع: تقول. 4 في ز: الفطر. 5 في ش: الثور. وفي ب: النذر. 6 منتهى السول والأمل ص 192، مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/258. 7 في ب: من ظهوره. 8 في ع: أي من. 9 في ع ب: أحدهما أي. 10 في ش: بعدم.

الآخَرِ" أَيْ فِي الْمَعْنَى الآخَرِ الَّذِي لَمْ أَقْصِدْهُ "اتِّفَاقًا" أَيْ بِاتِّفَاقٍ مِنِّي وَمِنْك، فَيَكُونُ ظَاهِرًا1 فِي مُرَادِي "كَفَى" ذَلِكَ بِنَاءً2 عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى. وَلا يُعْتَدُّ بِتَفْسِيرِ الْمُسْتَدِلِّ بِشَيْءٍ لا تَحْتَمِلُهُ اللُّغَةُ؛ لأَنَّ ذَلِكَ لَعِبٌ. لَكِنْ3 هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ الَّذِي يَطْلُبُ الْمُعْتَرِضُ تَفْسِيرَهُ ظَاهِرًا فِي مَعْنَاهُ. فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا: فَالْحَزْمُ تَبْكِيتُ الْمُعْتَرِضِ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: امْضِ فَتَعَلَّمْ 4ثُمَّ ارْجِعْ فَتَكَلَّمْ. الثَّانِي: مِنْ الْقَوَادِحِ "فَسَادُ الاعْتِبَارِ"5. وَهُوَ "مُخَالَفَةُ" الْقِيَاسِ "نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا"6 بِأَنْ يَعْتَرِضَ بِكَوْنِ الْقِيَاسِ فَاسِدًا بِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِنَصٍّ، أَوْ مُخَالِفًا لِلإِجْمَاعِ:

_ 1 في ش: مني ومنك. 2 ساقطة من ش. 3 في ع ب: لأن. 4 ساقطة من ش. 5 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "إرشاد الفحول ص 230، المنهاج للباجي ص 179، نشر البنود 2/236، شرح العضد 2/259، الإحكام للآمدي 4/95، مختصر الطوفي ص 166، روضة الناظر ص 339، مختصر البعلي ص 152، فواتح الرحموت 2/330، الجدل لابن عقيل ص 64، اللمع ص 65، 66، الوصول إلى مسائل الأصول 2/338، منتهى السول والأمل ص 192، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/324". 6 في ع: أي بأن.

- سَوَاءٌ كَانَ النَّصُّ الْقُرْآنَ، كَمَا يُقَالُ فِي تَبْيِيتِ1 الصَّوْمِ: صَوْمٌ مَفْرُوضٌ، فَلا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ كَالْقَضَاءِ، فَيُقَالُ: هَذَا فَاسِدُ الاعْتِبَار2ِ لِمُخَالَفَةِ3 قَوْله تَعَالَى: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} 4 فَإِنَّهُ يَدُلُّ5 عَلَى6 أَنَّ كُلَّ صَائِمٍ يَحْصُلُ لَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الصِّحَّةَ. - أَوْ كَانَ النَّصُّ نَصَّ سُنَّةٍ، كَمَا يُقَالُ: لا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ؛ لأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى غَرَرٍ، فَلا يَصِحُّ كَالسَّلَمِ فِي الْمُخْتَلِطِ. فَيُقَالُ: هَذَا فَاسِدُ الاعْتِبَارِ لِمُخَالَفَةِ 7مَا فِي السُّنَّةِ8 "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي السَّلَمِ"7. 9وَأَمَّا مِثَالُ مُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ، فَكَقَوْلِ حَنَفِيٍّ: "لا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغَسِّلَ امْرَأَتَهُ إذَا مَاتَتْ؛ لأَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا كَالأَجْنَبِيَّةِ". فَيُقَالُ: هَذَا فَاسِدُ الاعْتِبَارِ لِمُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ

_ 1 في ش: تبييت نية. 2 في ش: لاعتبار. 3 في ع: لمخالفته. وفي ش: مخالفة. 4 الآية 35 من الأحزاب. 5 في ب: فدل. 6 ساقطة من ز. 7 ساقطة من ش. 8 قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: "هذا لم يرو في الحديث، وإنما هو من كلام بعض الفقهاء". "القياس لابن تيمية ص 21، مجموع فتاوى ابن تيمية 20/ 529". 9 ساقطة من ش.

السُّكُوتِيِّ، وَهُوَ أَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا1، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكَرْ. وَفِي حُكْمِ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ لِلنَّصِّ أَوْ2 الإِجْمَاعِ: أَنْ تَكُونَ إحْدَى مُقَدِّمَاتِهِ هِيَ الْمُخَالِفَةُ لِلنَّصِّ أَوْ الإِجْمَاعِ، وَيَدَّعِي دُخُولَهُ3 فِي إطْلاقِ مُخَالَفَةِ النَّصِّ أَوْ الإِجْمَاعِ. وَفِي4 مَعْنَى ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مِمَّا لا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ، كَإِلْحَاقِ الْمُصَرَّاةِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْمَعِيبِ5 فِي حُكْمِ الرَّدِّ وَعَدَمِهِ، وَوُجُوبِ بَدَلِ لَبَنِهَا الْمَوْجُودِ فِي الضَّرْعِ؛ لأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ النَّصِّ الْوَارِدِ فِيهَا، أَوْ كَانَ تَرْكِيبُهُ مُشْعِرًا بِنَقِيضِ الْمَطْلُوبِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ بِذَلِكَ؛ لأَنَّ اعْتِبَارَ الْقِيَاسِ مَعَ النَّصِّ

_ 1 حيث روي عن أسماء بنت عميس قالت "غسّلت أنا وعلي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم". أخرجه الشافعي في مسنده والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن وعبد الرزاق في مصنفه والدارقطني وغيرهم. قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" بعد ما عزاه للبيهقي: "وإسناده حسن". "انظر التلخيص الحبير 2/143، المستدرك 3/164، سنن البيهقي 3/396، 397، مصنف عبد الرزاق 3/410، ترتيب مسند الشافعي 1/206، إرواء الغليل 3/162، سير أعلام النبلاء 2/128، سنن الدارقطني 2/79". 2 في ع: و. 3 في ع: على دخوله. 4 ساقطة من ش. 5 في ع ب: العيب.

و1َالإِجْمَاعِ اعْتِبَارٌ لَهُ مَعَ دَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ اعْتِبَارٌ فَاسِدٌ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ2 فَإِنَّهُ أَخَّرَ الاجْتِهَادَ عَنْ النَّصِّ. "وَجَوَابُهُ" أَيْ وَجَوَابُ الْقَدْحِ بِفَسَادِ الاعْتِبَارِ: إمَّا "بِضَعْفِهِ" بِأَنْ يَمْنَعَ صِحَّةَ النَّصِّ بِالطَّعْنِ فِي سَنَدِهِ، بِأَنْ يَقُولَ: لا نُسَلِّمُ صِحَّةَ تَغْسِيلِ عَلِيٍّ لِفَاطِمَةَ. وَإِنْ سَلِمَ فَلا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ اُشْتُهِرَ، وَإِنْ سَلِمَ فَلا نُسَلِّمُ أَنَّ الإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ حُجَّةٌ، وَإِنْ سَلِمَ3. فَالْفَرْقُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ: أَنَّ فَاطِمَةَ زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4، فَالْمَوْتُ لا5 يَقْطَعُ

_ 1 في ع: أو. 2 وذلك عندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعثه إلى اليمن قاضياً، فسأله: "كيف تقضي إذا عرض عليك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله". أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد والطيالسي والدارمي والطبراني والخطيب في الفقيه والمتفقه وابن حزم في الإحكام وابن سعد في الطبقات وابن عدي والعقيلي وغيرهم. "انظر تخريجه في المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر للزركشي وتعليقات الأستاذ حمدي السلفي عليه ص 63-71، سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني 2/273-286". 3 في ش: سلم فلا نسلمه. 4 لم نعثر على هذا الخبر في مدونات السنة بعد البحث والتنقيب. وإن كان المعنى وارداً في حق السيدة عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث روى الترمذي في المناقب عن عمّار بن ياسر أنه قال: "هي زوجته في الدنيا والآخرة" قال الترمذي: يعني عائشة رضي الله عنها. ثم قال: هذا حديث حسن. "عارضة الأحوذي 13/259". 5 في ش: لم.

النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا، بِخِلافِ غَيْرِهِمَا. أَوْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ: لا نُسَلِّمُ صِحَّةَ التَّرْخِيصِ فِي السَّلَمِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَلا نُسَلِّمُ أَنَّ اللاَّمَ فِيهِ لِلاسْتِغْرَاقِ. فَلا يَتَنَاوَلُ الْحَيَوَانَ، وَإِنْ صَحَّ السَّلَمُ فِي غَيْرِهِ. "أَوْ" بِ "مَنْعِ ظُهُورِهِ" أَيْ ظُهُورِ النَّصِّ، بِأَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الآيَةَ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصَّوْمِ بِدُونِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ؛ لأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ، وَقَيَّدْنَاهَا بِحَدِيثِ " لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ". "أَوْ" بِـ "تَأْوِيلِهِ" أَيْ تَأْوِيلِ النَّصِّ، بِأَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ: إنَّ الآيَةَ دَلَّتْ عَلَى ثَوَابِ الصَّائِمِ، وَإِنَّا لا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُمْسِكَ بِدُونِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ صَائِمٌ، أَوْ يَقُولَ1: إنَّ النَّصَّ الْمُعَارِضَ لِلْقِيَاسِ مُؤَوَّلٌ بِدَلِيلٍ يُرَجِّحُهُ عَلَى الظَّاهِرِ. "أَوْ" بِـ "الْقَوْلِ بِمُوجَبِهِ" بِأَنْ يَقُولَ: أَنَا أَقُولُ بِمُوجَبِ النَّصِّ، إلاَّ أَنَّ مَدْلُولَهُ لا يُنَافِي قِيَاسِي، كَأَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ: إنَّ الآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الصَّائِمَ يُثَابُ وَأَنَا أَقُولُ بِمُوجَبِهِ. لَكِنَّهَا2 لا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ3 الْقَضَاءُ وَالنِّزَاعُ فِيهِ!

_ 1 في ش: نقول. 2 في ش: و. 3 في ز: لا يلزم.

- "أَوْ" بِـ "مُعَارَضَتِهِ" أَيْ مُعَارَضَةِ النَّصِّ "بِمِثْلِهِ" أَيْ بِنَصٍّ مِثْلِهِ. فَيَسْلَمُ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ لاعْتِضَادِهِ1 بِالنَّصِّ2 الْمُوَافِقِ لَهُ. الثَّالِثُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "فَسَادُ الْوَضْعِ"3. "وَهُوَ أَخَصُّ مِمَّا تَلاهُ" أَيْ مِنْ فَسَادِ الاعْتِبَارِ. قَالَ الْجَدَلِيُّونَ فِي تَرْتِيبِ الأَسْئِلَةِ: إنَّ4 فَسَادَ الاعْتِبَارِ مُقَدَّمٌ عَلَى فَسَادِ الْوَضْعِ؛ لأَنَّ فَسَادَ الاعْتِبَارِ نَظَرٌ فِي فَسَادِ الْقِيَاسِ5 مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَفَسَادُ الْوَضْعِ أَخَصُّ6 لأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِ الْقِيَاسِ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ.

_ 1 في ش: باعتضاده. 2 في ع: بأن النص. 3 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "المنهاج للباجي ص 178، إرشاد الفحول ص 230، شرح العضد 2/260، الإحكام للآمدي 4/96، كشف الأسرار 4/118، الكافية للجويني ص 148، المغني للخبازي ص 317، المنخول ص 415، فتح الغفار 3/42، مختصر الطوفي ص 166، أصول السرخسي 2/233، تيسير التحرير 4/145، روضة الناظر ص 340، التلويح على التوضيح 2/626، البرهان2/1028، مختصر البعلي ص 153، فواتح الرحموت 2/346، الوصول إلى مسائل الأصول 2/342، منتهى السول والأمل ص 192، نشر البنود 2/233، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/321". 4 في ع: فإن. 5 ساقطة من ش. 6 في ع ز: أخص باعتبار.

وَمِمَّنْ قَالَ إنَّ فَسَادَ الاعْتِبَارِ أَعَمُّ: الْهِنْدِيُّ وَالتَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ1 وَجَمَاعَةٌ. قَالَ الْعَسْقَلانِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ فَسَادَ الْوَضْعِ أَعَمُّ مِنْ فَسَادِ الاعْتِبَارِ؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يَكُونُ صَحِيحَ الْوَضْعِ، وَإِنْ كَانَ اعْتِبَارُهُ فَاسِدًا بِالنَّظَرِ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ، فَكُلُّ2 فَسَادِ الْوَضْعِ3 فَسَادُ الاعْتِبَارِ وَلا عَكْسَ. وَهُوَ "كَوْنُ الْجَامِعِ" بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ "ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ. كَقَوْلِ شَافِعِيٍّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ: مَسْحٌ فَسُنَّ تَكْرَارُهُ كَاسْتِجْمَارٍ. فَيُعْتَرَضُ" عَلَى الشَّافِعِيِّ "بِكَرَاهَةِ تَكْرَارِ مَسْحِ الْخُفِّ". قَالَ الطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّمَا سُمِّيَ هَذَا فَسَادَ الْوَضْعِ؛ لأَنَّ وَضْعَ الشَّيْءِ جَعْلُهُ فِي مَحَلِّهِ عَلَى هَيْئَةٍ أَوْ كَيْفِيَّةٍ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ أَوْ تِلْكَ الْهَيْئَةُ لا تُنَاسِبُهُ كَانَ وَضْعُهُ عَلَى خِلافِ الْحِكْمَةِ فَاسِدًا. فَإِذَا اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ نَقِيضَ الْحُكْمِ الْمُدَّعَى أَوْ خِلافَهُ: كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْحِكْمَةِ، إذْ مِنْ شَأْنِ الْعِلَّةِ أَنْ تُنَاسِبَ مَعْلُولَهَا لا أَنَّهَا تُخَالِفُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ فَاسِدَ الْوَضْعِ بِهَذَا الاعْتِبَارِ.

_ 1 جمع الجوامع بحاشية البناني 2/342. 2 في ش: فكان. 3 في ب: وضع.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ1 ذِي النَّصِّ: قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ: الْهِرَّةُ سَبُعٌ ذُو نَابٍ، فَيَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا كَالْكَلْبِ. فَيُقَالُ: السَّبُعِيَّةُ2 اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ عِلَّةً لِلطَّهَارَةِ، حَيْثُ دُعِيَ إلَى دَارٍ فِيهَا كَلْبٌ فَامْتَنَعَ. وَدُعِيَ إلَى أُخْرَى3 فِيهَا سِنَّوْرٌ، فَأَجَابَ. فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: "السِّنَّوْرُ سَبُعٌ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ4. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذِي الإِجْمَاعِ: قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ: مَا فِي الْمَتْنِ ... 5وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ عَنْهُ بِبَيَانِ6 الْمَانِعِ لِتَعَرُّضِ7 الْمَسْحِ لِتَلَفِ8 الْخُفِّ. وَسُؤَالُ فَسَادِ الْوَضْعِ نَقْضٌ خَاصٌّ لإِثْبَاتِهِ نَقِيضَ الْحُكْمِ فَإِنْ9 ذَكَرَ الْمُعْتَرِضُ نَقِيضَ الْحُكْمِ مَعَ أَصْلِهِ، فَقَالَ: لا يُسَنُّ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ كَالْخُفِّ فَهُوَ الْقَلْبُ. لَكِنْ اخْتَلَفَ أَصْلُهُمَا.

_ 1 في ش: ذلك. 2 في ش: إن السبعية. 3 في ض: دار. 4 مسند الإمام أحمد 2/327، سنن البيهقي 1/249. 5 ساقطة من ع. 6 في ض: بيان. 7 في ز: لتعرضه. 8 في ب: بتلف. 9 في ش: فإذا.

"وَمِنْهُ" أَيْ وَمِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ "كَوْنُ الدَّلِيلِ عَلَى هَيْئَةٍ غَيْرِ صَالِحَةٍ لاعْتِبَارِهِ" أَيْ غَيْرَ صَالِحَةٍ؛ لأَنْ يُعْتَبَرَ بِهَا الدَّلِيلُ "فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ". وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِضِدِّ ذَلِكَ الْحُكْمِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِنَقِيضِ ذَلِكَ الْحُكْمِ. فَالأَوَّلُ "كَتَلَقِّي تَخْفِيفٍ مِنْ تَغْلِيظٍ كَقَوْلِ حَنَفِيٍّ: الْقَتْلُ جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ، فَلا يَجِبُ فِيهَا كَفَّارَةٌ كَبَقِيَّةِ الْكَبَائِرِ، فَجِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ" فِي قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ1 "تُنَاسِبُ التَّغْلِيظَ". "أَوْ2" كَتَلَقِّي "تَوْسِيعٍ مِنْ تَضْيِيقٍ3، كَ" قَوْلِ4 الْمُسْتَدِلِّ "الزَّكَاةُ مَالٌ وَاجِبٌ إرْفَاقًا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ، فَكَانَ عَلَى التَّرَاخِي كَالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَدَفْعُ الْحَاجَةِ" فِي قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "يَقْتَضِي الْفَوْرَ". وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ إثْبَاتٍ" أَيْ أَنْ يُتَلَقَّى إثْبَاتٌ "مِنْ نَفْيٍ، كَ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْمُعَاطَاةُ فِي الْيَسِيرِ بَيْعٌ5 لَمْ

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ع. 3 في ض: تغليظ. 4 في ش: مقول. 5 في ش: في المعاطاة بيع يسير.

يُوجَدْ فِيهِ سِوَى الرِّضَا، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ كَغَيْرِهِ. "فَالرِّضَا" فِي قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "يُنَاسِبُ الانْعِقَادَ". وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا فَسَادَ الْوَضْعِ؛ لأَنَّ وَضْعَ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَيْئَةٍ صَالِحَةٍ؛ لأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ إثْبَاتُهُ. فَمَتَى خَلا عَنْ1 ذَلِكَ فَسَدَ وَضْعُهُ. "وَجَوَابُهُمَا" أَيْ جَوَابُ النَّوْعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ "بِتَقْرِيرِ2 كَوْنِهِمَا كَذَلِكَ" أَيْ بِتَقْرِيرِ3 كَوْنِ الدَّلِيلِ صَالِحًا لاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، كَأَنْ يَكُونَ لِلدَّلِيلِ4 جِهَتَانِ، يَنْظُرُ الْمُسْتَدِلُّ فِيهِ مِنْ إحْدَاهُمَا5، وَالْمُعْتَرِضُ مِنْ الأُخْرَى، كَالارْتِفَاقِ وَدَفْعِ الْحَاجَةِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ. وَيُجَابُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ: بِأَنْ غُلِّظَ فِيهِ بِالْقِصَاصِ6 فَلا يُغَلَّظُ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ. وَيُجَابُ عَنْ الْمُعَاطَاةِ بِأَنَّ عَدَمَ الانْعِقَادِ بِهَا مُرَتَّبٌ عَلَى عَدَمِ الصِّيغَةِ، لا عَلَى الرِّضَى.

_ 1 في ش: من. 2 في ش: بتقدير. 3 في ش: بتقدير. 4 في ع ب: للدليل عليه. 5 في ع ب: أحدهما. 6 في ز ض: القصاص.

الرَّابِعُ: مِنْ الْقَوَادِحِ: "مَنْعُ حُكْمِ الأَصْلِ"1. أَيْ مَنْعُ الْمُعْتَرِضِ حُكْمَ أَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ. كَأَنْ يَقُولَ حَنْبَلِيٌّ: الْخَلُّ مَائِعٌ لا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَلا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ كَالدُّهْنِ. فَيَقُولَ حَنَفِيٌّ: لا أُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِي الأَصْلِ، فَإِنَّ الدُّهْنَ عِنْدِي يُزِيلُ النَّجَاسَةَ، فَهَلْ يُسْمَعُ مِنْهُ مَنْعُ حُكْمِ الأَصْلِ أَمْ لا؟ فَالْجُمْهُورُ قَالُوا "يُسْمَعُ". وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: لا يُسْمَعُ أَصْلاً2. "وَ3" عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ "لا ي4َنْقَطِعُ" الْمُسْتَدِلُّ "بِمُجَرَّدِهِ"

_ 1 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الجدل لابن عقيل ص 47، المنهاج للباجي ص 163، منتهى السول والأمل ص 193، إرشاد الفحول ص 230، كشف الأسرار 4/112، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 343، المغني للخبازي ص 316، مفتاح الوصول ص 156، المنخول ص 401، فتح الغفار 3/41، المسودة ص 401، مختصر الطوفي ص 166، تيسير التحرير 4/127، روضة الناظر ص 340، البرهان 2/968، مختصر البعلي ص 153، فواتح الرحموت 2/332، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/326، شرح العضد 2/261، الإحكام للآمدي 4/98". 2 حكاية المصنف القول عن أبي إسحاق الشيرازي بأنه لا يسمع هذا المنع من المعترض أصلاً فيها نظر، إذ المسطور في كتابي الشيرازي الذين أفاض فيهما الكلام عن القوادح "الملخص في الجدل" ومختصره "المعونة" في مثل هذه الحالة هو السماع. فتأمل! "انظر الملخص في الجدل ق 54/ب وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/327". 3 ساقطة من ش. 4 في ش: ولا.

أَيْ بِمُجَرَّدِ مَنْعِ حُكْمِ الأَصْلِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ؛ لأَنَّهُ مَنْعُ1 مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْقِيَاسِ. "فَيَدُلُّ عَلَيْهِ" يَعْنِي أَنَّ لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَدُلَّ عَلَى إثْبَاتِ أَصْلٍ يَقِيسُ2 عَلَيْهِ"كَمَنْعِ الْعِلَّةِ، أَوْ وُجُودِهَا" يَعْنِي كَمَا لَوْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِمَنْعِ الْعِلَّةِ أَوْ وُجُودِهَا، فَإِنَّهُ3 لا يَنْقَطِعُ بِذَلِكَ. وَلَهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ. وَقِيلَ: لا يَنْقَطِعُ، إلاَّ إذَا كَانَ الْمَنْعُ ظَاهِرًا يَعْرِفُهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. "فَـ" عَلَى الأَوَّلِ "إنْ دَلَّ" الْمُسْتَدِلُّ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِ الأَصْلِ "لَمْ يَنْقَطِعْ الْمُعْتَرِضُ" عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ "فَلَهُ" أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ "الاعْتِرَاضُ" عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ الَّذِي دَلَّ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِ الأَصْلِ بِطَرِيقِهِ، إذْ لا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ صُورَةِ دَلِيلٍ4 صِحَّتُهُ. "وَلَيْسَ" اعْتِرَاضُهُ5 عَلَى دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ "بِخَارِجٍ عَنْ الْمَقْصُودِ، فَيَتَوَجَّهُ لَهُ" أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ6 "سَبْعُ مَنُوعٍ مُرَتَّبَةٍ7"

_ 1 في ز: يمنع. 2 في ع ز: مقيس. 3 في ع: فله أن. 4 في ش: دليله. 5 في ع: اعتراضهم. 6 ساقطة من ض ب. 7 أي كل منها مرتب على تسليم ما قبله. "حاشية البناني 2/327".

ثَلاثَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالأَصْلِ، وَثَلاثَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ، وَوَاحِدٌ يَتَعَلَّقُ بِالْفَرْعِ. فَيُقَالُ فِي الإِثْبَاتِ بِمَنُوعٍ مُرَتَّبَةٍ: لا نُسَلِّمُ حُكْمَ الأَصْلِ. سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِمَّا يُقَاسُ فِيهِ. لِمَ لا يَكُونُ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْقِيَاسِ فِيهِ؟ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ؛ لِمَ لا يُقَالُ: إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ؟. سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ عِلَّتُهُ1؛ لِمَ لا يُقَالُ: إنَّ الْعِلَّةَ غَيْرُهُ؟ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْوَصْفِ فِي الأَصْلِ. سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّ2 هَذَا الْوَصْفَ مُتَعَدٍّ؛ لِمَ لا يُقَالُ: إنَّهُ قَاصِرٌ؟. سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلا نُسَلِّمُ وُجُودَهُ فِي3 الْفَرْعِ. وَظَاهِرُ إيرَادِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وُجُوبُهُ، لِمُنَاسَبَةِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ4 الطَّبِيعِيِّ. فَيُقَدَّمُ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَصْلِ مِنْ مَنْعِ حُكْمِهِ، أَوْ كَوْنِهِ مِمَّا لا يُقَاسُ عَلَيْهِ، أَوْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَلَّلٍ، ثُمَّ مَا

_ 1 في ش ع: علة. 2 في ش: أن هذا. 3 في ع: وجود. 4 في ض: للترتيب.

يَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ؛ لأَنَّهَا فَرْعُهُ، لاسْتِنْبَاطِهَا مِنْهُ مِنْ مَنْعِ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَصْفِ عِلَّةً، أَوْ مَنْعِ وُجُودِهِ فِي الأَصْلِ، أَوْ مَنْعِ كَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا، ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَرْعِ لابْتِنَائِهِ عَلَيْهِمَا1. كَمَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتُهُ2 فِي الْفَرْعِ. وَجَوَابُ هَذِهِ الاعْتِرَاضَاتِ بِدَفْعِ مَا يُرَادُ دَفْعُهُ مِنْهَا بِطَرِيقِهِ الْمَفْهُومَةِ3. "وَإِنْ اعْتَرَضَ" الْمُعْتَرِضُ "عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ بِ" قَوْلِهِ "إنِّي لا أَعْرِفُ مَذْهَبِي فِيهِ" أَيْ فِي الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ "فَإِنْ أَمْكَنَ الْمُسْتَدِلَّ بَيَانُهُ" بَيَّنَهُ "وَإِلاَّ 4" أَيْ5 وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بَيَانُهُ "دَلَّ" أَيْ أَقَامَ الدَّلِيلَ "عَلَى إثْبَاتِهِ" قَالَهُ6 ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ. "وَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِدَلِيلٍ عِنْدَهُ فَقَطْ" أَيْ دُونَ الْمُعْتَرِضِ "كَمَفْهُومٍ وَقِيَاسٍ فَإِنْ اعْتَرَضَ" بِأَنْ7 مَنَعَهُ خَصْمُهُ "دَلَّ عَلَيْهِ" الْمُسْتَدِلُّ "وَلَمْ يَنْقَطِعْ" بِذَلِكَ.

_ 1 في ش: عليها. 2 في ش: عليه. 3 في ع: بطريق. وفي ض: بطريقته. 4 في ش: دالاً. 5 ساقطة من ش. 6 في ش: قال. 7 في ع: أي بأن.

"وَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يُلْزِمَهُ" أَيْ يُلْزِمَ الْمُسْتَدِلَّ "مَا يَعْتَقِدُهُ هُوَ" أَيْ الْمُعْتَرِضُ "وَلا أَنْ يَقُولَ" الْمُعْتَرِضُ لِلْمُسْتَدِلِّ "إنْ سَلَّمْت" مَا أَعْتَقِدُهُ "وَإِلاَّ دَلَّلْت عَلَيْهِ". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ: لِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَحْتَجَّ بِدَلِيلٍ عِنْدَهُ فَقَطْ، كَمَفْهُومٍ وَقِيَاسٍ. فَإِنْ مَنَعَهُ خَصْمُهُ دَلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ1 خِلافًا لأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ الشَّافِعِيِّ، إنْ كَانَ الأَصْلُ خَفِيًّا2. وَأَطْلَقَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ الْمَنْعَ عَنْ قَوْمٍ. وَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يُلْزِمَهُ مَا يَعْتَقِدُهُ هُوَ فَقَطْ، وَلا أَنْ يَقُولَ: إنْ سَلَّمْته وَإِلاَّ دَلَّلْت عَلَيْهِ، خِلافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. قَالَ: لأَنَّهُ بِالْمُعَارَضَةِ كَالْمُسْتَدِلِّ. وَعَنَى بِهِ إلْكِيَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - وَعَنَى بِهِ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ - لا يَنْقَطِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. فَيَكُونُ الاسْتِدْلال فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ فِي الْمُعَارِضِ3 اهـ. الْخَامِسُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "التَّقْسِيمُ"4.

_ 1 ساقطة من ض. 2 في ع: خفي. 3 في ز: التعارض. 4 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "المسودة ص 426، مختصر الطوفي =

وَهُوَ "احْتِمَالُ لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ لأَمْرَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ بَعْضُهَا" أَيْ بَعْضُ الاحْتِمَالاتِ، أَوْ الاحْتِمَالَيْنِ "مَمْنُوعٌ" وَذَلِكَ الْمَمْنُوعُ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْسِيمِ مَعْنًى. "وَهُوَ" أَيْ الْقَدَحُ بِذَلِكَ "وَارِدٌ" عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ. "وَبَيَانُهُ" أَيْ بَيَانُ1 كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مَمْنُوعًا "عَلَى الْمُعْتَرِضِ" وَذَلِكَ "كَ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الصَّحِيحُ فِي الْحَضَرِ وَجَدَ2 السَّبَبَ3 بِتَعَذُّرِ الْمَاءِ" عَلَيْهِ4 "فَجَازَ" لَهُ "أَنْ يَتَيَمَّمَ". "فَيَقُولَ" الْمُعْتَرِضُ "السَّبَبُ" الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ "تَعَذُّرُهُ5" أَيْ تَعَذُّرُ الْمَاءِ "مُطْلَقًا، أَوْ" تَعَذُّرُهُ "فِي سَفَرٍ، أَوْ" تَعَذُّرُهُ فِي "مَرَضٍ". "فَالأَوَّلُ6" الَّذِي هُوَ تَعَذُّرُهُ مُطْلَقًا "مَمْنُوعٌ، فَهُوَ مَنْعٌ بَعْدَ تَقْسِيمٍ" وَجَوَابُهُ كَالاسْتِفْسَارِ7.

_ = ص 167، الكافية للجويني ص 394، المنهاج للباجي ص 210، روضة الناظر ص 341، الإحكام للآمدي 4/102، مختصرالبعلي ص 153، إرشاد الفحول ص 231، نشر البنود 2/241، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/333، منتهى السول والأمل ص 193، شرح العضد 2/262". 1 في ز: وبيان. 2 في ش: وحدّ. 3 في ش: السفر. 4 في ش: علة. 5 في ع: بتعذره. 6 في ش: الأول. 7 ساقطة من ش. وفي ض: وجوابه كاستفسار.

قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: وَقَوْلُنَا " عَلَى السَّوَاءِ "؛ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَحَدِهِمَا لَوَجَبَ تَنْزِيلُهُ عَلَيْهِ. وَمِثَالُهُ فِي أَكْثَرِ مِنْ اثْنَيْنِ لَوْ قِيلَ: امْرَأَةٌ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ يَصِحُّ1 مِنْهَا النِّكَاحُ كَالرَّجُلِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إمَّا بِمَعْنَى أَنَّ لَهَا تَجْرِبَةً، أَوْ أَنَّ لَهَا حُسْنَ رَأْيٍ وَتَدْبِيرٍ، أَوْ أَنَّ لَهَا عَقْلاً غَرِيزِيًّا. فَالأَوَّلُ وَالثَّانِي: مَمْنُوعَانِ. وَالثَّالِثُ: مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لا يَكْفِي؛ لأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَهَا عَقْلٌ غَرِيزِيٌّ2، وَلا يَصِحُّ مِنْهَا النِّكَاحُ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَبُولِ هَذَا السُّؤَالِ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُقْبَلُ3، لَكِنْ بَعْدَ مَا يُبَيِّنُ4 الْمُعْتَرِضُ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ سُؤَالَ الاسْتِفْسَارِ يُغْنِي عَنْهُ، فَلا حَاجَةَ إلَيْهِ. "وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ5 هَذَا الاعْتِرَاضِ "كَالاسْتِفْسَارِ" أَنْ6 يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ7: لَفْظِي الَّذِي ذَكَرْته مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي

_ 1 في ض: صح. 2 في ش: غريزة. 3 في ز: قبل. 4 في ز: بين. 5 في ز ب: وجواب. 6 في ش ض: بأن. 7 في ز ب: للمستدل.

يُؤَدِّي لِلدَّلالَةِ1، وَالدَّالُّ2 عَلَى حَمْلِهِ عَلَى ذَلِكَ3: اللُّغَةُ أَوْ الْعُرْفُ الشَّرْعِيُّ، أَوْ الْعُرْفُ الْعَامُّ، أَوْ كَوْنُهُ مَجَازًا رَاجِحًا بِعُرْفِ الاسْتِعْمَالِ، أَوْ بِكَوْنِ4 أَحَدِ الاحْتِمَالاتِ ظَاهِرًا5 بِسَبَبِ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ الْقَرِينَةِ مِنْ لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ، إنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ، أَوْ حَالِيَّةٌ أَوْ عَقْلِيَّةٌ بِحَيْثُ لا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ لُغَةً وَلا عُرْفًا. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَوْ ذَكَرَ الْمُعْتَرِضُ احْتِمَالَيْنِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِمَا لَفْظُ الْمُسْتَدِلِّ، كَقَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: وُجِدَ سَبَبُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَيَجِبُ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ6: مَتَى مَنَعَ7 مَانِعُ الالْتِجَاءِ إلَى الْحَرَمِ8، أَوْ عَدَمُهُ؟، الأَوَّلُ مَمْنُوعٌ. فَإِنْ أَوْرَدَهُ عَلَى9 لَفْظِ الْمُسْتَدِلِّ لَمْ يُقْبَلْ لِعَدَمِ تَرَدُّدِ لَفْظِ السَّبَبِ بَيْنَ الاحْتِمَالَيْنِ10. وَإِنْ أَوْرَدَهُ عَلَى دَعْوَاهُ الْمُلازَمَةَ11 بَيْنَ

_ 1 في ش: الدلالة. 2 في ع: أو الدال. وفي ش: والدال علي. 3 في ع: تلك. 4 في ع: بكونه. وفي ش ب: يكون. 5 في ش ز: ظاهر. 6 ساقطة من ش ع ز ض ب. 7 في ش: مع. 8 في ض: الحرام. 9 في ش: على علتي. 10 في ز: احتمالين. 11 في ش: اللازمة.

الْحُكْمِ وَدَلِيلِهِ فَهُوَ مُطَالَبَةٌ بِنَفْيِ الْمَانِعِ، وَلا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ. فَإِنْ اسْتَدَلَّ الْمُعْتَرِضُ مَعَ1 ذَلِكَ عَلَى وُجُودِ الْمُعَارِضِ فَيُعَارِضُهُ. السَّادِسُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "مَنْعُ وُجُودِ الْمُدَّعَى عِلَّةً فِي الأَصْلِ"2. وَذَلِكَ "كَ" قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ "الْكَلْبُ حَيَوَانٌ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا فَلا يَطْهُرُ" جِلْدُهُ "بِدَبْغٍ كَ" جِلْدِ "خِنْزِيرٍ فَيُمْنَعُ3" بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الْخِنْزِيرَ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا. "وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الاعْتِرَاضِ "بِبَيَانِهِ4" أَيْ بِبَيَانِ5 وُجُودِ الْوَصْفِ فِي الأَصْلِ بِأَحَدِ مَسَالِكِهَا6 "بِدَلِيلٍ" أَيْ بِمَا هُوَ طَرِيقُ ثُبُوتِ7 مِثْلِهِ "مِنْ عَقْلٍ" إنْ كَانَ عَقْلِيًّا "أَوْ حِسٍّ" إنْ كَانَ حِسِّيًّا "أَوْ شَرْعٍ" إنْ كَانَ شَرْعِيًّا "بِحَسَبِ حَالِ الْوَصْفِ".

_ 1 في ع: منع. 2 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "المنخول ص 401، فتح الغفار 3/41، المعتمد 2/771، مفتاح الوصول للتلمساني ص 156، المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 166، البرهان 2/968، روضة الناظر ص 340، الإحكام للآمدي 4/107، فواتح الرحموت 2/334، مختصر البعلي ص 153، الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 49، إرشاد الفحول ص 231، منتهى السول والأمل ص 194، شرح العضد 2/263". 3 في ع: فيمتنع. 4 في ع: بيانه. 5 في ش: ببيان. 6 ساقطة من ش ز. 7 في ش: ثبوت طريق.

مِثَالٌ يَجْمَعُ1 الثَّلاثَةَ، إذَا قَالَ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ: قَتْلٌ عَمْدٌ عُدْوَانٌ، فَلَوْ قَالَ: لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَتْلٌ. قَالَ: بِالْحِسِّ، وَلَوْ قِيلَ2: لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عَمْدٌ. قَالَ: مَعْلُومٌ عَقْلاً بِأَمَارَتِهِ، وَلَوْ قِيلَ3: لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عُدْوَانٌ. قَالَ: لأَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَهُ. "وَلَهُ" أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ "تَفْسِيرُ لَفْظِهِ بِمُحْتَمَلٍ" أَيْ بِمَعْنًى مُحْتَمَلٍ. السَّابِعُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "مَنْعُ كَوْنِهِ" أَيْ كَوْنِ الْوَصْفِ "عِلَّةً" وَالْمُطَالَبَةُ بِتَصْحِيحِ ذَلِكَ4. قَالَ الآمِدِيُّ5 وَمَنْ تَبِعَهُ6: هُوَ "أَعْظَمُ الأَسْئِلَةِ" لِعُمُومِ وُرُودِهِ وَتَشَعُّبِ مَسَالِكِهِ. "وَيُقْبَلُ" لِئَلاَّ يَحْتَجَّ الْمُسْتَدِلُّ بِكُلِّ طَرْدٍ، وَهُوَ لَعِبٌ؛ وَلأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ دَلِيلِ الْقِيَاسِ.

_ 1 في ش: جمع. 2 في ع ب: قال. وفي ش: لم يقل. 3 في ش: لم يقل. 4 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "المنخول ص 401، فتح الغفار 3/41، مفتاح الوصول ص 157، المنهاج للباجي ص 168، البرهان 2/970، روضة الناظر ص 340، فواتح الرحموت 2/334، إرشاد الفحول ص 231، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/325، منتهى السول والأمل ص 194، شرح العضد 2/263". 5 الإحكام في أصول الأحكام 4/109. 6 انظر شرح العضد 2/263، منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص 194.

خُولِفَ فِي مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ1، أَوْ أَفَادَ الظَّنَّ. وَلَيْسَ الْقِيَاسُ رَدَّ فَرْعٍ إلَى أَصْلٍ بِأَيِّ2 جَامِعٍ كَانَ، بَلْ بِجَامِعٍ مَظْنُونٍ، وَلَيْسَ عَجْزُ الْمُعَارِضِ عَنْ إبْطَالِهَا دَلِيلَ صِحَّتِهَا لِلُزُومِ صِحَّةِ كُلِّ صُورَةِ دَلِيلٍ لِعَجْزِهِ. فَهَذَا السُّؤَالُ يَعُمُّ كُلَّ مَا يُدَّعَى أَنَّهُ عِلَّةٌ. وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ: سُؤَالُ الْمُطَالَبَةِ3، وَحَيْثُ أُطْلِقَتْ الْمُطَالَبَةُ4 فَلا يُقْصَدُ5 فِي الْعُرْفِ سِوَى ذَلِكَ، وَمَتَى أُرِيدَ غَيْرُهُ ذُكِرَ مُقَيَّدًا، فَيُقَالُ: الْمُطَالَبَةُ بِكَذَا. وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ لأَدَّى الْحَالُ إلَى اللَّعِبِ فِي التَّمَسُّكِ بِكُلِّ طَرْدٍ مِنْ الأَوْصَافِ، كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ. فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ يَأْمَنُ الْمَنْعَ، وَيَتَعَلَّقُ بِمَا شَاءَ مِنْ الأَوْصَافِ6. وَقِيلَ: لا يُقْبَلُ؛ لأَنَّ الْقِيَاسَ رَدُّ فَرْعٍ إلَى أَصْلٍ بِجَامِعٍ. وَقَدْ وُجِدَ. فَفِيمَ7 الْمَنْعُ؟

_ 1 في ز: أصحابه. 2 في ش: بأي صحة كل صورة. 3 انظر المسودة ص 429، مختصر الطوفي ص 167، روضة الناظر ص 342، مختصر البعلي ص 154. 4 ساقطة من ض. 5 في ز: يصدق. 6 في ش: الأصاف. 7 في ض: تقسيم.

وَرَدُّهُ: أَنَّ ذَلِكَ مَظْنُونُ الصِّحَّةِ، وَالْوَصْفُ الطَّرْدِيُّ مَظْنُونُ الْفَسَادِ. "وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ مَنْعِ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً "بِبَيَانِهِ1 بِأَحَدِ مَسَالِكِهَا" أَيْ بِأَنْ2 يُثْبِتَ الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّةَ3 الْوَصْفِ بِأَحَدِ الطُّرُقِ الْمُفِيدَةِ لِلْعِلَّةِ، مِنْ إجْمَاعٍ أَوْ نَصٍّ أَوْ مُنَاسَبَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ. قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: وَكُلُّ4 مَسْلَكٍ تَمَسَّكَ بِهَا5 فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا هُوَ شَرْطُهُ، أَيْ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الأَسْئِلَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِهِ. وَقَدْ نَبَّهَ - أَيْ6 ابْنُ الْحَاجِبِ - هَاهُنَا7 عَلَى اعْتِرَاضَاتِ الأَدِلَّةِ الأُخْرَى بِتَبَعِيَّةِ8 اعْتِرَاضَاتِ الْقِيَاسِ عَلَى سَبِيلِ الإِيجَازِ، وَلا بَأْسَ أَنْ9 نَبْسُطَ فِيهِ الْكَلامَ بَعْضَ الْبَسْطِ10؛ لأَنَّ الْبَحْثَ كَمَا يَقَعُ فِي11

_ 1 في ش: باثباته. 2 في ض: بما. 3 في ض: علة. 4 في شرح العضد: فكل. 5 في ش: به. 6 ساقطة من ع ز ض ب. 7 في ض: هنا. 8 كذا في شرح العضد. وفي ع ز: تبعه. وفي ب: متبعه. وفي ش: نتبعه. 9 في ش: بأن. 10 ساقطة من ع ض. 11 في ض: فيه.

الْقِيَاسِ يَقَعُ فِي سَائِرِ الأَدِلَّةِ. وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَافِعَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. فَنَقُولُ: الأَسْئِلَةُ بِحَسَبِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الإِجْمَاعِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَتَخْرِيجُ الْمَنَاطِ: أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: الصِّنْفُ الأَوَّلُ: عَلَى الإِجْمَاعِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِقِلَّتِهِ. وَمِثَالُهُ: مَا قَالَتْ1 الْحَنَفِيَّةُ فِي وَطْءِ الثَّيِّبِ: الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ الرَّدُّ مَجَّانًا. فَإِنَّ عُمَرَ وَزَيْدًا أَوْجَبَا نِصْفَ عُشْرِ الْقِيمَةِ، وَفِي الْبِكْرِ عُشْرَهَا، وَعَلِيُّ مَنَعَ الرَّدَّ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَهُوَ ظَنِّيٌّ فِي دَلالَتِهِ وَفِي نَقْلِهِ، وَلَوْلا أَحَدُهُمَا لَمَا تُصَوِّرَ فِي مَحَلِّ2 الْخِلافِ. وَالاعْتِرَاضُ عَلَى3 وُجُوهٍ: الأَوَّلُ: مَنْعُ وُجُودِ الإِجْمَاعِ لِصَرِيحِ الْمُخَالَفَةِ، أَوْ مَنْعُ دَلالَةِ السُّكُوتِ عَلَى الْمُوَافَقَةِ. الثَّانِي: الطَّعْنُ فِي السَّنَدِ، بِأَنْ نَقَلَهُ فُلانٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ إنْ أَمْكَنَهُ. الثَّالِثُ: الْمُعَارَضَةُ، وَلا تَجُوزُ4 بِالْقِيَاسِ، مِثْلَ: الْعَيْبُ

_ 1 في ز وشرح العضد: قال. 2 في ش: نقل. 3 في شرح العضد: عليه من. 4 كذا في شرح العضد. وفي جميع النسخ: يجوز.

1يُثْبِتُ الرَّدَّ، وَتَثْبُتُ2 عِلِّيَّةُ الْعَيْبِ لِلرَّدِّ بِالْمُنَاسَبَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلا بِخَبَرٍ3 وَاحِدٍ4، إلاَّ إذَا كَانَتْ دَلالَتُهُ5 قَاطِعَةً6، وَلَكِنْ7 بِإِجْمَاعٍ آخَرَ أَوْ بِمُتَوَاتِرٍ. الصِّنْفُ الثَّانِي: عَلَى ظَاهِرِ الْكِتَابِ. كَمَا إذَا اُسْتُدِلَّ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْغَائِبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ8} وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ كُلِّ بَيْعٍ. وَالاعْتِرَاضُ عَلَى وُجُوهٍ9: الأَوَّلُ: الاسْتِفْسَارُ. وَقَدْ عَرَّفْتَهُ. الثَّانِي: مَنْعُ ظُهُورِهِ فِي الدَّلالَةِ، فَإِنَّهُ خَرَجَ صُوَرٌ10 لا تُحْصَى11، أَوْ12 لا نُسَلِّمُ أَنَّ اللاَّمَ لِلْعُمُومِ، فَإِنَّهُ يَجِيءُ

_ 1 في شرح العضد: يثبته ويثبته. 2 في ب ش ع: ويثبت. 3 في ض: يجبر. 4 في ش: الواحد. 5 في ض: ولايته. 6 في شرح العضد: قطعية. 7 ساقطة من ز. 8 الآية 275 من البقرة. 9 في شرح العضد: عليه بوجوه. 10 في ش: صوراً. 11 في د ع: لا تحصر. وفي ض: لا يحصر. 12 في د ض: ولا.

لِلْعُمُومِ1 وَالْخُصُوصِ2. الثَّالِثُ: التَّأْوِيلُ، وَهُوَ أَنَّهُ - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِيمَا ذَكَرْت - لَكِنْ يَجِبُ صَرْفُهُ عَنْهُ إلَى مَحْمَلٍ مَرْجُوحٍ، بِدَلِيلٍ يُصَيِّرُهُ3 رَاجِحًا. نَحْوَ قَوْلِهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَهَذَا أَقْوَى؛ لأَنَّهُ عَامٌّ4 لَمْ5 يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ تَخْصِيصٌ، أَوْ التَّخْصِيصُ فِيمَا قَلَّ6. الرَّابِعُ: الإِجْمَالُ فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وَجْهِ التَّرْجِيحِ وَإِنْ لَمْ7 يُصَيِّرْهُ رَاجِحًا فَإِنَّهُ يُعَارِضُ الظُّهُورَ، فَيَبْقَى مُجْمَلاً. الْخَامِسُ: الْمُعَارَضَةُ بِآيَةٍ أُخْرَى، نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ8} وَهَذَا [مَا9] لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ الرِّضَى، فَيَكُونُ بَاطِلاً، أَوْ بِحَدِيثٍ10 مُتَوَاتِرٍ كَمَا ذَكَرْنَا.

_ 1 في ع: إلى العموم. 2 في شرح العضد: وللخصوص. 3 في ش: تصييره. وفي ز: تصوره. وفي د: تصيره. 4 في ز: تمام. 5 في ب: لا. 6 في شرح العضد: فيه أقل. 7 ساقطة من ش. 8 الآية 188 من البقرة. 9 زيادة من شرح العضد. 10 كذا في شرح العضد وش. وفي ع ز ض ب: لحديث.

السَّادِسُ: مَنْعُ1 الْقَوْلِ بِمُوجِبِهِ، وَهُوَ تَسْلِيمُ مُقْتَضَى النَّصِّ مَعَ بَقَاءِ الْخِلافِ. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْنَا حِلَّ الْبَيْعِ، وَالْخِلافُ فِي صِحَّتِهِ بَاقٍ. فَإِنَّهُ مَا أُثْبِتُهُ. الصِّنْفُ2 الثَّالِثُ3: مَا يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ السُّنَّةِ، كَمَا إذَا اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ4 "أَمْسِكْ أَرْبَعًا، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ" عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لا يَنْفَسِخُ. وَالاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِالْوُجُوهِ5 السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ. الأَوَّلُ: الاسْتِفْسَارُ. الثَّانِي: مَنْعُ الظُّهُورِ إذْ لَيْسَ فِيمَا ذَكَرْت مِنْ الْخَبَرِ صِيغَةُ6 عُمُومٍ، أَوْ؛ لأَنَّهُ7 خِطَابٌ لِخَاصٍّ8، أَوْ؛ لأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ. الثَّالِثُ: التَّأْوِيلُ بِأَنَّ9 الْمُرَادَ: تَزَوَّجْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا بِعَقْدٍ

_ 1 ساقطة من د وشرح العضد. 2 في ش: المصنف. 3 في ش: الثاني. 4 في ض: بقولك. وفي ش: بقوله صلى الله عليه وسلم. 5 في شرح العضد: بوجوه. 6 في ش: صيفة. 7 في ع: ولأنه. وفي ز: أو أنه. 8 في ش: خاص. وفي شرح العضد: بخاص. 9 في شرح العضد: فإن.

جَدِيدٍ. فَإِنَّ الطَّارِئَ كَالْمُبْتَدَإِ فِي إفْسَادِ النِّكَاحِ كَالرَّضَاعِ. الرَّابِعُ: الإِجْمَالُ كَمَا ذَكَرْنَا. الْخَامِسُ: الْمُعَارَضَةُ بِنَصٍّ آخَرَ. السَّادِسُ: الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ. وَهَاهُنَا1 أَسْئِلَةٌ تَخْتَصُّ بِأَخْبَارِ الآحَادِ، وَهُوَ الطَّعْنُ فِي السَّنَدِ، بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا الْخَبَرُ مُرْسَلٌ، أَوْ ضَعِيفٌ2، أَوْ فِي رَاوِيَتِهِ3 قَدْحٌ. فَإِنَّ رَاوِيَهُ ضَعِيفٌ لِخَلَلٍ4 فِي عَدَالَتِهِ أَوْ ضَبْطِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ5 كَذَّبَهُ الشَّيْخُ، فَقَالَ: لَمْ يَرْوِ عَنِّي. مِثَالُهُ: إذَا قَالَ الأَصْحَابُ "الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا6" قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لا يَصِحُّ؛ لأَنَّ رَاوِيَهُ مَالِكٌ. وَقَدْ خَالَفَهُ. وَإِذَا قُلْنَا "أَيُّمَا امْرَأَةٍ7 نَكَحَتْ8 نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا،

_ 1 في ض: وهنا. 2 في شرح العضد: موقوف. 3 كذا في د وشرح العضد. وفي: راويته. وفي ع ز ب: راويه. وفي ض: رواته. 4 في ش: يجرح. 5 في ض: أنه. 6 في ش: يفترقا. 7 في ش: مرأة. 8 في ض: أنكحت.

فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" قَالُوا1: لا يَصِحُّ؛ لأَنَّهُ يَرْوِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الدِّمَشْقِيُّ2 عَنْ الزُّهْرِيِّ. فَسُئِلَ الزُّهْرِيُّ؟ فَقَالَ: لا أَعْرِفُهُ. الصِّنْفُ الرَّابِعُ: مَا يَرِدُ عَلَى تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ. وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ3 مِنْ عَدَمِ الإِفْضَاءِ، أَوْ الْمُعَارَضَةِ، أَوْ عَدَمِ الظُّهُورِ4 أَوْ عَدَمِ الانْضِبَاطِ5، وَمَا6 تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مُرْسَلٌ أَوْ غَرِيبٌ أَوْ7 شَبَهٌ8، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْعَضُدُ بِعَيْنِهِ فِي الإِيضَاحِ لأَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ.

_ 1 في ض: قلنا. 2 هو سليمان بن موسى الأشدق الأموي، أبو أيوب. قال ابن حبان: من فقهاء أهل الشام ومتورعي الدمشقيين وجلة أتباع التابعين. وقال سعيد: كان أعلم أهل الشام بعد مكحول، وقد وثقه ابن معين ودحيم. وقال البخاري: عنده مناكير. وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق. اختلف في وفاته فقال دحيم وابن حبان سنة 115 هـ، وقال البخاري وابن سعد وآخرون سنة 119هـ. "انظر ترجمته في طرح التثريب 1/59، مشاهير علماء الأمصار ص 179، تاريخ يحيى بن معين 2/236، تهذيب التهذيب 4/226، خلاصة تذهيب الكمال 1/420، ميزان الاعتدال 2/225". 3 في شرح العضد: ما سيأتي. 4 ساقطة من ش. 5 كذا في ع وشرح العضد. وفي ش ز ض ب: الانضباط له. 6 في شرح العضد: أو بما. 7 ساقطة من ع ض. وفي ش: شبه ذلك. 8 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/264، 265.

الثَّامِنُ: مِنْ الْقَوَادِحِ "عَدَمُ التَّأْثِيرِ"1 وَهُوَ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ "بِأَنَّ الْوَصْفَ لا مُنَاسَبَةَ لَهُ" وَ "لا يَرِدُ" هَذَا "عَلَى قِيَاسِ الدَّلالَةِ" قَالَهُ2 الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ3 وَابْنُ عَقِيلٍ4؛ لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمَدْلُولِ. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَالنِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ. "وَ" قَالَ أَيْضًا "لا" يَرِدُ عَلَى "قِيَاسٍ نَافٍ لِلْحُكْمِ" لِتَعَدُّدِ سَبَبِ انْتِفَائِهِ؛ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ أَوْ جُزْئِهَا أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ، أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ

_ 1 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "شرح العضد 2/265، منتهى السول والأمل ص 194، المعتمد 2/789، المسودة ص 421، المنخول ص 411، شرح تنقيح الفصول ص 401، روضة الناظر ص 394، الجدل لابن عقيل ص 54، البرهان 2/1007، مختصر الطوفي ص 171، المنهاج للباجي ص 195، الوصول إلى مسائل الأصول 2/298، اللمع ص 64، نشر البنود 2/217، المحصول 2/2/355، إرشاد الفحول ص 227، نهاية السول 3/88، مناهج العقول 3/86، الإبهاج 3/73، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/307، الإحكام للآمدي 4/113، مختصر البعلي ص 158، فواتح الرحموت 2/338، القياس الشرعي لأبي الحسين البصري 2/1040". 2 في ش ض: قال. 3 المسودة ص 422. 4 الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 56.

بِخِلافِ سَبَبِ ثُبُوتِهِ؛ لأَنَّ عَدَمَ التَّأْثِيرِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ تَخْلُفْ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ أُخْرَى، وَلأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قِيَاسِ الدَّلالَةِ. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: مِنْ الْقَوَادِحِ فِي الْعِلَّةِ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ، كَأَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا1 الَّذِي عَلَّلَ بِهِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِلتَّعْلِيلِ، لِكَوْنِهِ طَرْدِيًّا، أَوْ لاخْتِلالِ2 شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ فِيهِ. فَلا يُكْتَفَى بِهِ فِي التَّعْلِيلِ. وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْثِيرِ هُنَا اقْتِضَاؤُهُ، إمَّا بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ3 أَوْ الْمُؤَثِّرِ، عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلافِ. فَإِذَا لَمْ يُفِدْ4 أَثَرًا فَلا تَأْثِيرَ لَهُ. "وَأَقْسَامُهُ" أَيْ أَقْسَامُ عَدَمِ التَّأْثِيرِ "أَرْبَعَةٌ": الأَوَّلُ "عَدَمُهُ" أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ "فِي الْوَصْفِ" أَيْ لا تَأْثِيرَ لَهُ أَصْلاً؛ لِكَوْنِ الْوَصْفِ طَرْدِيًّا. "كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: صَلاةُ الصُّبْحِ "صَلاةٌ لا تُقْصَرُ، فَلا يُقَدَّمُ أَذَانُهَا عَلَى وَقْتِهَا كَالْمَغْرِبِ، فَعَدَمُ الْقَصْرِ هُنَا" بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ تَقْدِيمِ5 الأَذَانِ "طَرْدِيٌّ" فَكَأَنَّهُ قَالَ: لا يُقَدَّمُ أَذَانُ الْفَجْرِ عَلَيْهَا؛

_ 1 في ز: حتى هذا. 2 في ض: لاختلاف. 3 في جميع النسخ: العرف. وهو تصحيف. 4 في ش: يفده. 5 في ض: تأثير.

لأَنَّهَا لا تُقْصَرُ، وَاطَّرَدَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنْعَكِسْ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ إذْ مُقْتَضَى هَذَا الْقِيَاسِ: أَنَّ مَا يُقْصَرُ مِنْ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ تَقْدِيمُ أَذَانِهِ عَلَى وَقْتِهِ مِنْ حَيْثُ انْعِكَاسُ الْعِلَّةِ "فَيَرْجِعُ" حَاصِلُهُ "إلَى سُؤَالِ الْمُطَالَبَةِ1" بِصَلاحِيَّةِ2 كَوْنِهِ عِلَّةً كَمَا سَبَقَ. "وَ" الْقَسَمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ "عَدَمُهُ فِي الأَصْلِ" بِأَنْ يُسْتَغْنَى3 عَنْهُ بِوَصْفٍ آخَرَ لِثُبُوتِ حُكْمِهِ بِدُونِهِ. "كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ "مَبِيعٌ4 غَيْرُ مَرْئِيٍّ، فَبَطَلَ5 كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ". فَيُعْتَرَضُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْبُطْلانِ. وَعَدَمُ التَّأْثِيرِ هُنَا: جِهَةُ الْعَكْسِ؛ لأَنَّ تَعْلِيلَ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ؛ بِكَوْنِهِ6 غَيْرَ مَرْئِيٍّ يَقْتَضِي7 أَنَّ كُلَّ مَرْئِيٍّ يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَقَدْ

_ 1 في ش: المطابقة. 2 في ش: لصلاحية. وفي ض: بصلحية. 3 في ع: يستعني. 4 في ع: بيع. 5 في ش: فيبطل. 6 في ش: لكونه. 7 في ع ب: تقتضي

بَطَلَ بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ1 "فَالْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ" وَصْفٌ2 "مُسْتَقِلٌّ"، يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ عِلَّةً؛ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ. "وَيُقْبَلُ" الْقَدْحُ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ فِي الأَصْلِ "فِي وَجْهٍ". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: وَقَبُولُهُ وَرَدُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ. وَلَمْ يَقْبَلْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ، بِنَاءً عَلَى هَذَا3. وَقَبِلَهُ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ4 وَغَيْرُهُ. "وَهُوَ مُعَارَضٌ5 فِي الأَصْلِ". "وَ"6 الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ "عَدَمُهُ7" أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ8 "فِي الْحُكْمِ" فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ مَا عُلِّلَ بِهِ قَيْدٌ لا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حُكْمِ الأَصْلِ الَّذِي قَدْ عُلِّلَ لَهُ9.

_ 1 أي ولو كان مرئياً. فذكر عدم الرؤية ضائع، فإن الحكم يثبت في الأصل بدونه، فعلم أن العلة فيه غير ما يذكره المستدل. "روضة الناظر ص 349". 2 ساقطة من ش. 3 ساقطة من ض. 4 روضة الناظر ص 349. 5 في ش: معارضة. 6 ساقطة من ع ب. 7 في ع ب: وعدمه. 8 ساقطة من ع ب ض. 9 في ش ض: به.

وَهُوَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهُمَا: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَهُوَ مَا لا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ". "كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْمُرْتَدُّ مُشْرِكٌ أَتْلَفَ مَالاً1 فِي دَارِ الْحَرْبِ2. فَلا ضَمَانَ" عَلَيْهِ "كَحَرْبِيٍّ". "فَـ 3" قَوْلُهُ "دَارُ الْحَرْبِ: طَرْدِيٌّ" لا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ "إذْ مَنْ أَوْجَبَهُ" أَيْ أَوْجَبَ الضَّمَانَ "أَوْ نَفَاهُ: أَطْلَقَ" الْقَوْلَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِدَارِ الْحَرْبِ4. فَيَرْجِعُ إلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ الْقِسْمُ الأَوَّلُ، وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِتَأْثِيرِ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَمَثَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِنَا فِي تَخْلِيلِ5 الْخَمْرِ: مَائِعٌ لا يَطْهُرُ بِالْكَثْرَةِ، فَلا يَطْهُرُ بِالصَّنْعَةِ6 كَالدُّهْنِ وَاللَّبَنِ. فَقِيلَ7 لِلْقَاضِي8 فَقَوْلُك9 "لا يَطْهُرُ بِالصَّنْعَةِ10" لا أَثَرَ

_ 1 في ز: مالاً محترماً. 2 في ز ب: حرب. 3 في ع ب: و. 4 في ش: الحرب. 5 في ع: تحليل. 6 في ض ب: بالصفة. 7 في ع: فقول. 8 في ع: القاضي. 9 ساقطة من ض ب ع. وفي ش: قولك. 10 في ض ب: بالصفة.

لَهُ فِي الأَصْلِ. فَقَالَ1: هَذَا حُكْمُ الْعِلَّةِ، وَالتَّأْثِيرُ يُعْتَبَرُ فِي الْعِلَّةِ دُونَ الْحُكْمِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا ضَعِيفٌ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ مَذْهَبَيْنِ. النَّوْعُ الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ لَهُ فَائِدَةٌ ضَرُورِيَّةٌ". "كَقَوْلِ مُعْتَبِرِ" أَيْ مُشْتَرِطِ2 "عَدَدَ الأَحْجَارِ" أَيْ عَدَدَ الْمَسَحَاتِ3 "فِي الاسْتِجْمَارِ" أَنَّهَا "عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالأَحْجَارِ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَعْصِيَةٌ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْعَدَدُ كَالْجِمَارِ" أَيْ كَرَمْيِ الْجِمَارِ4 فِي الْحَجِّ. "فَقَوْلُهُ" أَيْ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ "لَمْ يَتَقَدَّمْهَا5 مَعْصِيَةٌ لا أَثَرَ لَهُ" فِي الاسْتِدْلالِ "لَكِنَّهُ" أَيْ الْمُسْتَدِلَّ "مُضْطَرٌّ إلَى ذِكْرِهِ لِئَلاَّ يَنْتَقِضَ" عَلَيْهِ الاسْتِدْلال "بِـ" حَدِّ "الرَّجْمِ"؛ لأَنَّهُ أَيْضًا عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالأَحْجَارِ، لَكِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا عَدَدٌ. وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ حُكْمُ الَّذِي قَبْلَهُ.

_ 1 في ع ب: فقيل. 2 في ش: مستدل. 3 في ز: المسحات عدد. 4 في ش: الحجار. 5 في ش: تتقدمها.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ غَيْرُ ضَرُورَةٍ1". يَعْنِي أَنْ يَكُونَ لِذِكْرِ مَا لا أَثَرَ لَهُ فِي الْقِيَاسِ فَائِدَةٌ، لَكِنَّ الْمُعَلِّلَ لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْقِيَاسِ "كَـ" قَوْلِهِ "الْجُمُعَةُ صَلاةٌ مَفْرُوضَةٌ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى إذْنِ" 2الإِمَامِ فِي إقَامَتِهَا "كَغَيْرِهَا" مِنْ الصَّلَوَاتِ. "فَـ" قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ "مَفْرُوضَةٌ: حَشْوٌ" وَلِهَذَا يُسَمَّى3 هَذَا النَّوْعُ بِالْحَشْوِ "إذْ لَوْ حُذِفَتْ" "مَفْرُوضَةٌ" "لَمْ يَنْتَقِضْ" قِيَاسُهُ؛ لأَنَّ النَّفَلَ4 كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِتَقْرِيبِ الْفَرْعِ مِنْ الأَصْلِ، وَتَقْوِيَةِ الشَّبَهِ5 بَيْنَهُمَا إذْ الْفَرْضُ بِالْفَرْضِ أَشْبَهُ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: فَمَفْرُوضَةٌ، قِيلَ: يَضُرُّ6 دُخُولُهُ؛ لأَنَّهُ بَعْضُ الْعِلَّةِ، وَقِيلَ: لا. فَإِنَّ فِيهِ7 تَنْبِيهًا8 عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْفَرْضِ9 أَوْلَى أَنْ لا يَفْتَقِرَ؛ وَلأَنَّهُ يُزِيدُ تَقْرِيبَهُ10 مِنْ الأَصْلِ.

_ 1 في ش: ضرورة. 2 ساقطة من ش ز. 3 في ض: سمي. 4 في ع ز ب: النقل. 5 في ز: الشبهة. 6 في ش: بغير. 7 في ش: فيها. 8 في ش: تنبيهاً. 9 في ز: هذا الفرض. 10 في ش: تفويته.

فَالأَوْلَى ذِكْرُهُ. اهـ. "وَ" الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ عَدَمِ التَّأْثِيرِ "عَدَمُهُ" أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ "فِي الْفَرْعِ" وَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ لا يَطَّرِدُ التَّأْثِيرُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ وَنَحْوِهِ مِنْ مَحَالِّ النِّزَاعِ1. مِثَالُ ذَلِكَ فِي وِلايَةِ الْمَرْأَةِ "كَ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: امْرَأَةٌ "زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَلا يَصِحُّ" تَزْوِيجُهَا "كَمَا لَوْ زُوِّجَتْ" أَيْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا "بِغَيْرِ كُفْءٍ". فَالتَّزْوِيجُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَإِنْ نَاسَبَ الْبُطْلانَ، إلاَّ أَنَّهُ لا اطِّرَادَ لَهُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ الَّتِي هِيَ تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا مُطْلَقًا. فَبَانَ أَنَّ الْوَصْفَ لا أَثَرَ لَهُ فِي الْفَرْعِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ2. "وَهُوَ" أَيْ3 وَهَذَا الْقِسْمُ "كَالثَّانِي" أَيْ كَالْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ إنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ هُنَا4 مُضَافٌ إلَى غَيْرِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ5 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَالتَّاجُ السُّبْكِيُّ6.

_ 1 ساقطة من ع. 2 في ض: المشار إليه. 3 ساقطة من ع. 4 ساقطة من ض. 5 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/265، منتهى السول والأمل ص 195. 6 جمع الجوامع للتاج السبكي مع حاشية البناني 2/310.

وَقِيلَ: إنَّهُ كَالْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ الآمِدِيُّ: عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ رَدَّهُ قَوْمٌ لِمَنْعِهِمْ جَوَازَ الْفَرْضِ فِي الدَّلِيلِ. وَقَبِلَهُ مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ1. "وَيَجُوزُ الْفَرْضُ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ" عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ2، وَبِهِ قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ وَالْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ. قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ: لَهُ أَنْ يَخُصَّ الدَّلِيلَ فَيُفِيدُ3 لِغَرَضِ الْفَرْضِ بِبَعْضِ صُوَرِ الْخِلافِ، إلاَّ أَنْ يَعُمَّ4 الْفُتْيَا، فَلا5. وَقَالَ الْمَجْدُ: يَجُوزُ الْفَرْضُ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا6 عِنْدَ عَامَّةِ الأُصُولِيِّينَ7. وَقَالَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ: وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ8،

_ 1 الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/114 بتصرف. 2 انظر إرشاد الفحول ص 235، البرهان 2/1008، الوصول لابن برهان 2/266. 3 في ش ز ض ب: فيقيد. 4 في ش: تعم. 5 روضة الناظر ص 349 بتصرف. ونص كلام الموفّق فيها: لو كان الوصف المذكور يشير إلى اختصاص الدليل ببعض صور الخلاف، فيكون مفيد الغرض في بعض الصور، فيكون مقبولاً إذا لم تكن الفتيا عامة، وإن عم الفتيا فليس له أن يخصّ الدليل ببعض الصور، لأنه لا يفي بالدليل على ما أفتى به". 6 في ض: فيها. 7 المسودة ص 425. 8 في ش: تناه.

وَعَلَيْهِ الاصْطِلاحُ لإِرْفَاقِ1 الْمُسْتَدِلِّ، وَتَقْرِيبِ الْفَائِدَةِ. وَاسْتُدِلَّ لِلْجَوَازِ بِأَنَّهُ قَدْ لا يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ عَلَى الْكُلِّ، أَوْ يُسَاعِدُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يُعَلَّلُ2 عَلَى دَفْعِ كَلامِ الْخَصْمِ، بِأَنْ يَكُونَ كَلامُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ أَشْكَلَ. فَيَسْتَفِيدُ بِالْفَرْضِ غَرَضًا صَحِيحًا، وَلا يَفْسُدُ بِذَلِكَ جَوَابُهُ؛ لأَنَّ مَنْ سَأَلَ3 عَنْ الْكُلِّ فَقَدْ سَأَلَ4 عَنْ الْبَعْضِ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الأَوَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ. مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ5 عَنْ نُفُوذِ عِتْقِ الرَّاهِنِ: أَفْرُضُ الْكَلامَ فِي الْمُعْسِرِ، أَوْ عَنْ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، أَوْ6 أَفْرُضُهُ7 فِي مَنْ زُوِّجَتْ8 بِغَيْرِ كُفْءٍ. فَإِذَا خَصَّ الْمُسْتَدِلُّ تَزْوِيجَهَا9 نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ بِالدَّلِيلِ فَقَدْ فَرَضَ دَلِيلَهُ فِي بَعْضِ صُورَةِ النِّزَاعِ. الْمَذْهَبُ الثَّانِي: الْجَوَازُ بِشَرْطِ بِنَاءِ مَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ

_ 1 في ش: لإرقاق. 2 في ش: لا يعين. 3 في ض: سئل. 4 في ض: سئل. 5 في ش ب: المسئول. 6 ساقطة من ش. 7 في ع: أفرضت. 8 في ض: تزوجت. 9 في ض: تزوجها.

إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ، أَيْ يَنْبَنِي1 غَيْرُ مَا فَرَضَهُ وَأَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ عَلَى مَا2 فَرَضَهُ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: الْمَنْعُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ فُورَكٍ، فَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ عَامًّا لِجَمِيعِ مَوَاقِعِ النِّزَاعِ؛ لِيَكُونَ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ، وَدَافِعًا3 لاعْتِرَاضِ الْخَصْمِ. الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ4 الْمَنْعُ إنْ كَانَ الْوَصْفُ الْمَجْعُولُ فِي الْفَرْضِ طَرْدًا، وَإِلاَّ قُبِلَ. وَعَلَى الْجَوَازِ وَهُوَ الصَّحِيحُ "يَكْفِي قَوْلُهُ" أَيْ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ "ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَلَزِمَ ثُبُوتُهُ فِي الْبَاقِي" ضَرُورَةً إذْ5 لا قَائِلَ بِالْفَرْقِ. وَقِيلَ: لا يَكْفِيهِ ذَلِكَ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى رَدِّ مَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ بِجَامِعٍ صَحِيحٍ، كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْقِيَاسِ.

_ 1 في ش ز: يبني. وفي ض د: أن ينبني. 2 في ع: على. وفي ض: عليه على غير ما. 3 في ع: ودفعاً. 4 منتهى السول والأمل ص 195، متخصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/265. 5 في ض ش ب: ان.

وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْفَرْضُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَلا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ، وَإِنْ عَدَلَ1 عَنْ الْفَرْضِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ السُّؤَالِ، فَلا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ بِنَاءِ السُّؤَالِ عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ. "وَإِنْ أَتَى" الْمُسْتَدِلُّ "بِمَا لا أَثَرَ لَهُ فِي الأَصْلِ لِدَفْعِ2 النَّقْضِ، لَمْ3 يَجُزْ" عِنْدَنَا وَعِنْدَ الأَكْثَرِ. وَفِي4 مُقَدِّمَةِ "الْمُجَرِّدِ5"، وَيُحْتَمَلُ6 أَنْ لا يَجُوزَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ؛ لأَنَّهُ يُحْتَاجُ7 إلَيْهِ لِتَعْلِيقِ8 الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْمُؤَثِّرِ. وَكَلامُ ابْنِ عَقِيلٍ: يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ ذِكْرَهُ تَأْكِيدًا، أَوْ لِتَأْكِيدِ الْعِلَّةِ، فَيَتَأَكَّدُ الْحُكْمُ، وَلِلْبَيَانِ9 وَلِتَقْرِيبِهِ مِنْ الأَصْلِ10. وَقَالَ: إنْ جَعَلَ الْوَصْفَ مُخَصِّصًا لِحُكْمِ الْعِلَّةِ، كَتَخْلِيلِ11 الْخَمْرِ "مَائِعٌ لا يَطْهُرُ بِكَثْرَةٍ. فَكَذَا بِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ؛ كَخَلٍّ نَجِسٍ، فَلا يَطْهُرُ

_ 1 في ش: والعدول. وفي ض: وإن. 2 في ش: لوقع. 3 في ش: ولم. 4 في ش: من. 5 في ش: المجوز. 6 في ش: ويحتمل. 7 في ز ب ش: محتاج. 8 في ز: فتعلق. 9 في ض د ز: والبيان. 10 انظر المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 200. 11 في ع: كتحليل

الأَصْلُ مُطْلَقًا"1. التَّاسِعُ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْقَدْحُ فِي مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ" لِلْحُكْمِ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ "بِمَا يَلْزَمُ" فِيهِ "مِنْ مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ" عَلَى الْمَصْلَحَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمُنَاسَبَةِ2 "أَوْ مُسَاوِيَةٍ3" لَهَا4. وَذَلِكَ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ تَنْخَرِمُ بِالْمُعَارَضَةِ. "وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الْقَدْحِ "بِالتَّرْجِيحِ" أَيْ بِبَيَانِ تَرْجِيحِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي هِيَ فِي الْعِلَّةِ عَلَى تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي يُعْتَرَضُ بِهَا تَفْصِيلاً أَوْ5 إجْمَالاً.

_ 1 الجدل على طريقة الفقهاء ص 55 بتصرف. ونص كلام ابن عقيل فيه: "الوصف إذا جُعل تخصيصاً لحكم العلة، مثل أن يقول المستدل في تخليل الخمر بأنه مائع لا يطهر بالكثرة، فلا يطهر بصنعة آدمي، كالخل النجس، فيقال: لا تأثير لقولك "بصنعة آدمي" في الأصل، لأنه لا يطهر بصنعة آدمي ولا بصنعة غيره، فقد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال بعضهم: لا يلزم. لأن التأثير لا يتوجه على الحكم، وإنما يطلب في علة الحكم. ومنهم من يقول: يجوز. لأنه أدرج في الحكم وصفاً، فالتأثير لزم على الوصف المدرج فيه، لأنه من تمام العلة، فيجب على المعلل بيان تأثيره. وهذا الثاني هو مذهبنا". 2 في ب: بمناسبة. 3 في ع مساواته. 4 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الإحكام للآمدي 4/115، فواتح الرحموت 2/340، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/318، منتهى السول والأمل ص 195، شرح العضد 2/267، تيسير التحرير 4/136". 5 في ع ز ض ب: و.

أَمَّا تَفْصِيلاً: فَبِخُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ هَذَا ضَرُورِيٌّ، وَذَاكَ حَاجِيٌّ، أَوْ بِأَنَّ هَذَا إفْضَاءٌ1 قَطْعِيٌّ أَوْ أَكْثَرِيٌّ، وَذَاكَ ظَنِّيٌّ أَوْ أَقَلِّيٌّ2، أَوْ أَنَّ هَذَا اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ. وَذَاكَ اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا إجْمَالاً: فَبِلُزُومِ3 التَّعَبُّدِ لَوْلا اعْتِبَارُ الْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ. مِثَالُهُ أَنْ يُقَالَ فِي الْفَسْخِ فِي الْمَجْلِسِ: وُجِدَ سَبَبُ الْفَسْخِ فَيُوجَدُ4 الْفَسْخُ. وَذَاكَ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. فَيُقَالَ: مُعَارَضٌ بِضَرَرِ5 الآخَرِ. فَيُقَالُ6: الآخَرُ يَجْلِبُ نَفْعًا وَهَذَا يَدْفَعُ ضَرَرًا، وَدَفْعُ الضَّرَرِ أَهَمُّ عِنْدَ الْعُقَلاءِ، وَلِذَلِكَ يُدْفَعُ كُلُّ ضَرَرٍ. وَلا يُجْلَبُ7 كُلُّ نَفْعٍ. مِثَالٌ آخَرُ: إذَا قُلْنَا: التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ. فَيُقَالُ: لَكِنَّهُ8 يُفَوِّتُ أَضْعَافَ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ. مِنْهَا:

_ 1 في ش ض: قضاء. وفي ز: فضا. 2 في ع: أقل. 3 في ع ب: فيلزم. 4 في ض: فيتوجه مع. 5 في ض: بضر. 6 في ش ز: فيقول. 7 في ش: يسعى لجلب. 8 في ش: لكونه.

إيجَادُ الْوَلَدِ، وَكَفُّ النَّظَرِ، وَكَسْرُ الشَّهْوَةِ، وَهَذِهِ أَرْجَحُ مِنْ مَصَالِحِ1 الْعِبَادَةِ. فَيُقَالُ: بَلْ مَصْلَحَةُ الْعِبَادَةِ أَرْجَحُ؛ لأَنَّهَا لِحِفْظِ الدِّينِ، وَمَا ذَكَرْتُمْ2 لِحِفْظِ النَّسْلِ. الْعَاشِرُ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْقَدْحُ فِي إفْضَاءِ الْحُكْمِ" أَيْ فِي صَلاحِيَّةِ3 إفْضَائِهِ "إلَى الْمَقْصُودِ" وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَة مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ4. "كَتَعْلِيلِ" أَيْ كَأَنْ يُعَلِّلَ الْمُسْتَدِلُّ5 "حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَبَدًا" أَيْ عَلَى التَّأْبِيدِ6 فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ "بِالْحَاجَةِ إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ" بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْمُؤَدِّي إلَى الْفُجُورِ "فَإِذَا تَأَبَّدَ7" التَّحْرِيمُ انْسَدَّ بَابُ الطَّمَعِ الْمُفْضِي إلَى مُقَدِّمَاتِ الْهَمِّ وَالنَّظَرِ الْمُفْضِي إلَى الْفُجُورِ.

_ 1 في ض: مصلحة. 2 في ب: وما ذكرته. 3 في ع: صلاحة. 4 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الإحكام للآمدي 4/116، فواتح الرحموت 2/341، إرشاد الفحول ص 231، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/318، منتهى السول والأمل ص 195. شرح العضد 2/267، تيسير التحرير 4/136". 5 في ش: الحكم في. 6 في ش: التأييد. 7 في ش: تأيد.

"فَيَعْتَرِضُ" الْمُعْتَرِضُ "بِأَنَّ سَدَّهُ" أَيْ سَدَّ بَابِ النِّكَاحِ بِالتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ "يُفْضِي إلَى الْفُجُورِ" بَلْ هُوَ أَشَدُّ إفْضَاءً؛ لأَنَّ النَّفْسَ تَمِيلُ إلَى الْمَمْنُوعِ، كَمَا1 قَالَ الشَّاعِرُ: وَالْقَلْبُ يَطْلُبُ مَنْ2 يَجُورُ وَيَعْتَدِي وَالنَّفْسُ مَائِلَةٌ إلَى الْمَمْنُوعِ3. "وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الْقَدْحِ "أَنَّ التَّأْبِيدَ يَمْنَعُ عَادَةً" مِنْ ذَلِكَ بِانْسِدَادِ بَابِ الطَّمَعِ "فَيَصِيرُ" ذَلِكَ بِتَمَادِي الأَيَّامِ وَتَطَاوُلِ الأَمْرِ "طَبْعًا" أَيْ كَالطَّبِيعِيِّ4 بِحَيْثُ لا يَبْقَى الْمَحَلُّ مُشْتَهًى، وَيَصِيرُ بِانْقِطَاعِ الطَّمَعِ فِيهِ "كَرَحِمِ مَحْرَمٍ". الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "كَوْنُ الْوَصْفِ" الْمُعَلَّلِ بِهِ "خَفِيًّا5.

_ 1 ساقطة من ز. 2 في ض: أن. 3 لم أعثر على قائل هذا البيت، وقد ذكره الشربيني في حاشيته على شرح المحلي على جمع الجوامع 2/319 نقلاً عن شرح التاج السبكي على مختصر ابن الحاجب الموسوم برفع الحاجب، ولم ينسبه لأحد، ثم أردفه بالبيت التالي لقائله: وبكل شيءٍ تشتهيه طلاوةً مدفوعةً إلا عن المدفوع. 4 في ع: كالطبيعة. 5 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الإحكام للآمدي 4/117، فواتح الرحموت 2/341، إرشاد الفحول ص 231، منتهى السول والأمل ص 195، شرح العضد 2/267، تيسير التحرير 4/137".

كَتَعْلِيلِهِ" أَيْ تَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ "صِحَّةَ النِّكَاحِ بِالرِّضَى" وَتَعْلِيلِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِالْقَصْدِ1 فِي2 الأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى إزْهَاقِ النَّفْسِ. "فَيُعْتَرَضُ" عَلَى الْمُسْتَدِلِّ "بِأَنَّهُ" أَيْ الرِّضَى "خَفِيٌّ" وَالْحُكْمُ3 الشَّرْعِيُّ خَفِيٌّ لاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّعْرِيفِ بِالدَّلِيلِ "وَالْخَفِيُّ لا يُعَرِّفُ الْخَفِيَّ". "وَجَوَابُهُ" بِأَنْ يُبَيِّنَ4 ظُهُورَهُ بِصِفَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَهُوَ "ضَبْطُهُ" أَيْ ضَبْطُ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الرِّضَى "بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ صِيغَةٍ، كَإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، أَوْ" ضَبْطِ الْقَصْدِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَادَةً مِنْ "فِعْلٍ" كَاسْتِعْمَالِ الْجَارِحِ أَوْ غَيْرِهِ فِي إزْهَاقِ النَّفْسِ. الثَّانِي عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "كَوْنُهُ" أَيْ كَوْنُ الْوَصْفِ "غَيْرَ مُنْضَبِطٍ" بِأَنْ كَانَ مُضْطَرِبًا5.

_ 1 ساقطة من ع ض. 2 في ش: إلى. 3 في ز: فالحكم. 4 ساقطة من ش. 5 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "الإحكام للآمدي 4/117، فواتح الرحموت 2/341، إرشاد الفحول ص 232، منتهى السول والأمل ص 195، شرح العضد 2/268، تيسير التحرير 4/137".

"كَتَعْلِيلِهِ" أَيْ تَعْلِيلِ1 الْمُسْتَدِلِّ "بِالْحِكَمِ" جَمْعُ حِكْمَةٍ "وَالْمَقَاصِدِ" جَمْعُ مَقْصِدٍ "كَ" تَعْلِيلِ "رُخَصِ السَّفَرِ" وَهِيَ إبَاحَةُ الْفِطْرِ فِيهِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا "بِالْمَشَقَّةِ". "فَيُعْتَرَضُ" عَلَيْهِ "بِاخْتِلافِهَا" أَيْ اخْتِلافِ2 الْمَشَقَّةِ "بِالأَشْخَاصِ وَالأَزْمَانِ وَالأَحْوَالِ" فَلا يُمْكِنُ تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا. "وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الاعْتِرَاضِ "بِأَنَّهُ" أَيْ الْوَصْفَ "مُنْضَبِطٌ بِنَفْسِهِ" كَمَا تَقُولُ فِي الْمَشَقَّةِ وَالْمَضَرَّةِ: إنَّ ذَلِكَ مُنْضَبِطٌ عُرْفًا، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ إذَا انْضَبَطَتْ "أَوْ" مُنْضَبِطٌ3 "بِضَابِطٍ لِلْحِكْمَةِ" بِأَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ4 الْوَصْفُ الْمُنْضَبِطُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْحِكْمَةِ، كَالْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ وَالزَّجْرِ بِالْحَدِّ. الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "النَّقْضُ5.

_ 1 في ز: كتعليل. 2 في ض ز: باختلاف. 3 في ع: منضبطاً. 4 في ش: من. 5 انظر كلام الأصوليين على النقض في "الإحكام للآمدي 4/118، شرح العضد 2/268، الجدل لابن عقيل ص 56، تيسير التحرير 4/138، المنخول ص 404، القياس الشرعي لأبي الحسين البصري 2/1041، المغني للخبازي ص 318، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 352، البرهان 2/977، فتح الغفار 3/42، التلويح على التوضيح 2/599، أصول السرخسي =

كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْحُلِيُّ مَالٌ غَيْرُ نَامٍ فَلا زَكَاةَ فِيهِ، كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ. فَيُعْتَرَضُ" عَلَيْهِ "بِالْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ". "وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ هَذَا الاعْتِرَاضِ: إمَّا "بِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ" لأَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا1 يَتَحَقَّقُ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا. فَإِذَا مُنِعَ وُجُودُ الْعِلَّةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ النَّقْضُ. وَإِنَّمَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ عِلَّتِهِ عَكْسًا2، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لانْتِفَائِهَا، كَقَوْلِهِ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُلِيَّ كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ. وَيُبَرْهِنُ عَلَى ذَلِكَ. "أَوْ" يَكُونَ جَوَابُهُ "بِمَنْعِ وُجُودِ الْحُكْمِ فِيهَا" أَيْ فِي صُورَةِ النَّقْضِ. فَيَقُولُ: حُكْمُ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْحُلِيِّ، وَيُبَيِّنُ

_ = 2/233، اللمع ص 64، الوصول إلى مسائل الأصول 2/302، فواتح الرحموت 2/341، منتهى السول والأمل ص 196، المنهاج للباجي ص 185، شرح تنقيح الفصول ص 399، المحصول 2/2/323، نهاية السول 3/78، مناهج العقول 3/76، الإبهاج 3/59، إرشاد الفحول ص 224، نشر البنود 2/210، المحلي علي جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/295، مختصر الطوفي ص 167، روضة الناظر ص 342، مختصر البعلي ص 154". 1 ساقطة من ش. 2 في ز ش ب ع: علتي.

الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا. "وَ" إذَا مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، فَ1 "لَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ الدَّلالَةُ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهَا" أَيْ فِي صُورَةِ النَّقْضِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ2. وَذَلِكَ؛ لأَنَّهَا انْتِقَالٌ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلاًّ، فَهُوَ قَلْبٌ لِقَاعِدَةِ الْمُصْطَلَحِ؛ لِكَوْنِهِ يَبْقَى مُسْتَدِلاًّ وَالْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ: إلاَّ أَنْ يُبَيِّنَ3 مَذْهَبَ الْمَانِعِ. وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ؛ لأَنَّ فِيهِ تَحْقِيقًا لاعْتِرَاضِهِ بِالنَّقْضِ. وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ4 إنْ تَعَذَّرَ الاعْتِرَاضُ بِغَيْرِهِ. وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ5 طَرِيقٌ أَوْلَى بِالْقَدْحِ6 مِنْ النَّقْضِ، تَحْقِيقًا لِفَائِدَةِ الْمُنَاظَرَةِ.

_ 1 في ش: و. 2 انظر مختصر البعلي ص 154، مختصر الطوفي ص 167، روضة الناظر ص 342. 3 في ش ع ب: تبين. 4 الإحكام في أصول الأحكام 4/119. 5 في ض: يمكن. وفي ب: لم يمكن. 6 في ع: بالقدح به.

"وَ" قَالَ أَهْلُ الْجَدَلِ1 وَجَمْعٌ مِنْهُمْ الآمِدِيُّ2 "لَوْ دَلَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى وُجُودِهَا" أَيْ وُجُودِ الْعِلَّةِ "بِدَلِيلٍ مَوْجُودٍ فِي صُورَةِ النَّقْضِ" فَنَقَضَ الْمُعْتَرِضُ الْعِلَّةَ، فَمَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَ3 الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ "فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ دَلِيلُك" حِينَئِذٍ؛ لأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، وَالْعِلَّةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِيهِ عَلَى زَعْمِك "فَقَدْ انْتَقَلَ" الْمُعْتَرِضُ "مِنْ نَقْضِهَا" أَيْ نَقْضِ الْعِلَّةِ "إلَى نَقْضِ دَلِيلِهَا فَلا يُقْبَلُ". "وَيَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ دَلِيلٌ يَلِيقُ بِأَصْلِهِ" وَمَثَّلُوا لِذَلِكَ4 بِقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي مَسْأَلَةِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ: أَتَى بِمُسَمَّى5 الصَّوْمِ. فَيَصِحُّ كَمَا فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ. وَاسْتُدِلَّ عَلَى وُجُودِ الصَّوْمِ بِأَنَّهُ إمْسَاكٌ مَعَ النِّيَّةِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: تَنْتَقِضُ الْعِلَّةُ بِمَا إذَا نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ، فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: لا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِيمَا إذَا نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ دَلِيلُك الَّذِي اسْتَدْلَلْت بِهِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ.

_ 1 في ع ب: المجادلة. 2 الإحكام في أصول الأحكام 4/119. 3 في ع: وجوه. 4 في ش: ذلك. 5 في ع: يمسي. وفي ض: يتسمى.

قَالَ1 ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ2؛ لأَنَّ الْمُعْتَرِضَ فِي مَعْرِضِ الْقَدْحِ فِي الْعِلَّةِ، فَتَارَةً يَقْدَحُ فِيهَا، وَتَارَةً يَقْدَحُ فِي دَلِيلِهَا، وَالانْتِقَالُ مِنْ الْقَدْحِ فِي الْعِلَّةِ إلَى الْقَدْحِ فِي دَلِيلِهَا جَائِزٌ، وَالانْتِقَالُ الَّذِي لا يَكُونُ جَائِزًا: هُوَ الانْتِقَالُ مِنْ الاعْتِرَاضِ إلَى الاسْتِدْلالِ. "وَلَوْ قَالَ" الْمُعْتَرِضُ "ابْتِدَاءً: يَلْزَمُك انْتِقَاضُ عِلَّتِك، أَوْ" انْتِقَاضُ "دَلِيلِهَا: قُبِلَ" مِنْهُ ذَلِكَ. لأَنَّ هَذَا3 دَعْوَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ فَكَأَنَّهُ4 قَالَ5: يَلْزَمُك أَحَدُ أَمْرَيْنِ6: إمَّا انْتِقَاضُ عِلَّتِك، وَإِمَّا انْتِقَاضُ دَلِيلِهَا. وَكَيْفَ7 كَانَ فَلا تَثْبُتُ الْعِلَّةُ كَانَ8 مَسْمُوعًا بِاتِّفَاقٍ9. قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ: أَمَّا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً: يَلْزَمُك إمَّا انْتِقَاضُ عِلَّتِك، أَوْ انْتِقَاضُ دَلِيلِ عِلَّتِك؛ لأَنَّك إنْ10 اعْتَقَدْت وُجُودَ

_ 1 في ع: قاله. 2 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/268، منتهى السول والأمل ص 196. 3 في ش: هذه. 4 في ش: مكانه. وهي ساقطة من ع ز. 5 ساقطة من ع ز. 6 في ش: يلزمك انتقاض. 7 في ش: وكيفما. 8 في ش: ولا يكون. 9 في ش: بالاتفاق. 10 في ش: إذا.

الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ1 انْتَقَضَتْ عِلَّتُك2. وَإِنْ اعْتَقَدْت عَدَمَ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ: انْتَقَضَ دَلِيلُك. كَانَ مُتَّجَهًا مَسْمُوعًا. "وَلَوْ مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ" فَعَلَى الأَصَحِّ "لَمْ يُمْكِنْ الْمُعْتَرِضُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى تَخَلُّفِ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ. وَقِيلَ: يُمْكِنُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يُمْكِنُ3 مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ أَوْلَى بِالْقَدْحِ مِنْ النَّقْضِ. مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ: ثَيِّبٌ فَلا تُجْبَرُ، كَالثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ بِالثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ. فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: لا نُسَلِّمُ جَوَازَ4 إجْبَارِ الثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ. وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: إنْ مَنَعَ الْحُكْمَ انْقَطَعَ النَّاقِضُ، وَإِنْ مَنَعَ الْوَصْفَ فَلا يَنْقَطِعُ5 فَيَدُلُّ6 عَلَيْهِ. وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا7

_ 1 ساقطة من ع. 2 في ع: عليتك. 3 ساقطة من ع. 4 ساقطة من ش. 5 ساقطة من ش ز ع ب. 6 في ع: يدل. 7 المسودة ص 431.

عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ. وَعَلَّلَهُ فِي التَّمْهِيدِ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِلنَّقْضِ لا مِنْ جِهَةِ الدَّلالَةِ عَلَيْهِ، فَجَازَ. "وَيَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ" فِي دَفْعِ النَّقْضِ أَنْ يَقُولَ "لا أَعْرِفُ الرِّوَايَةَ فِيهَا" ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا1، لِلشَّكِّ فِي كَوْنِهَا مِنْ مَذْهَبِهِ؛ إذْ دَلِيلُهُ صَحِيحٌ. فَلا يَبْطُلُ بِمَشْكُوكٍ فِيهِ. "وَإِنْ قَالَ" الْمُسْتَدِلُّ: "أَنَا أَحْمِلُهَا عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ، وَأَقُولُ فِيهَا كَمَسْأَلَةِ الْخِلافِ. مُنِعَ2"؛ لأَنَّهُ إثْبَاتُ مَذْهَبٍ بِالْقِيَاسِ "إلاَّ إنْ نَقَلَ عَنْ إمَامِهِ" أَيْ إمَامِ الْمُسْتَدِلِّ "أَنَّهُ عَلَّلَ بِهَا3، فَيُجْرِيهَا" عَلَى حُكْمِ تَعْلِيلِ إمَامِهِ4. "وَإِنْ فَسَّرَ الْمُسْتَدِلُّ لَفْظَهُ بِدَافِعٍ" أَيْ بِمَعْنًى دَافِعٍ "لِلنَّقْضِ غَيْرِ ظَاهِرِهِ" أَيْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ "كَـ" تَفْسِيرِ لَفْظٍ "عَامٍّ بِـ" مَعْنًى "خَاصٍّ لَمْ يُقْبَلْ" ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ5 وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ6؛ لأَنَّهُ يُزِيدُ وَصَفًّا لَمْ

_ 1 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 58، المسودة ص 435. 2 ساقطة من ع. 3 في ش: عللها به. 4 انظر المسودة ص 436. 5 الجدل على طريقة الفقهاء ص 58. 6 ساقطة من ش. انظر المسودة ص 436.

يَكُنْ، وَذِكْرُهُ لِلْعِلَّةِ وَقْتَ حَاجَتِهِ، فَلا يُؤَخَّرُ عَنْهُ، بِخِلافِ تَأْخِيرِ الشَّارِعِ الْبَيَانَ عَنْ وَقْتِ خِطَابِهِ1. وَظَاهِرُ كَلامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: يُقْبَلُ. "وَلَوْ أَجَابَ" الْمُسْتَدِلُّ "بِتَسْوِيَةٍ بَيْنَ أَصْلٍ وَفَرْعٍ لِدَفْعِهِ" أَيْ لأَجْلِ دَفْعِ2 النَّقْضِ3 "قُبِلَ" عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا4 وَالْحَنَفِيَّةِ. وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَابْنُ عَقِيلٍ. وَذَكَرَهُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ5. وَأَجَازَهُ أَبُو الْخَطَّابِ إنْ جَازَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ؛ لأَنَّ الطَّرْدَ لَيْسَ شَرْطًا لْعِلَّةِ إذًا. فَإِنْ قِيلَ: مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ لا يَسْتَوِيَ الأَصْلُ وَالْفَرْعُ، رُدَّ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ. مِثَالُهُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ: عُضْوٌ يَسْقُطُ فِي التَّيَمُّمِ، فَمَسَحَ حَائِلَهُ كَالْقَدَمِ، فَيَنْتَقِضُ6 بِالرَّأْسِ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، فَيُجِيبُهُ7: يَسْتَوِي فِيهَا الأَصْلُ وَالْفَرْعُ.

_ 1 في ش: حاجته. 2 في ش: دفعه. 3 ساقطة من ش. 4 انظر المسودة ص 431. 5 في ش: المحققون. 6 في ض ب: فينقض. 7 في ع: فيجيب.

وَمِثْلُ ذَلِكَ: بَائِنٌ مُعْتَدَّةٌ فَلَزِمَهَا الإِحْدَادُ، كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَيَنْتَقِضُ بِالذِّمِّيَّةِ وَالصَّغِيرَةِ، فَيُجِيبُهُ بِالتَّسْوِيَةِ. "وَلا يُلْزِمُ" الْمُسْتَدِلَّ "بِمَا لا يَقُولُ بِهِ" أَيْ بِشَيْءٍ لا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهُ "الْمُعْتَرِضُ كَمَفْهُومٍ، وَقِيَاسٍ، وَقَوْلِ" أَيْ مَذْهَبِ "صَحَابِيٍّ"؛ لأَنَّهُ احْتَجَّ وَأَثْبَتَ الْحُكْمَ بِلا دَلِيلٍ، وَلاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَرْكِهِ؛ لأَنَّ أَحَدَهُمَا لا يَرَاهُ دَلِيلاً. وَالآخَرُ لَمَّا خَالَفَهُ دَلَّ عَلَى دَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ "إلاَّ النَّقْضَ وَالْكَسْرَ عَلَى قَوْلِ مَنْ الْتَزَمَهُمَا1"؛ لأَنَّ النَّاقِضَ لَمْ يَحْتَجَّ بِالنَّقْضِ، وَلا أَثْبَتَ الْحُكْمَ بِهِ، وَلاتِّفَاقِهِمَا عَلَى فَسَادِ الْعِلَّةِ2 عَلَى أَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ بِصُورَةِ الإِلْزَامِ، وَعَلَى أَصْلِ الْمُعْتَرِضِ بِمَحَلِّ النِّزَاعِ. ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا3 وَالشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ. وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ مُعَارَضَتَهُ بِعِلَّةٍ مُنْتَقَضَةٍ عَلَى أَصْلِ الْمُعْتَرِضِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ احْتَجَّ بِمَا لا يَرَاهُ، كَحَنَفِيٍّ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى. فَقَالَ: أَنْتَ لا تَقُولُ بِهِ، فَأَجَابَ: أَنْتَ تَقُولُ بِهِ، فَيَلْزَمُك. فَهَذَا4 قَدْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَعِنْدِي لا يَحْسُنُ مِثْلُ هَذَا؛ لأَنَّهُ إذًا إنَّمَا هُوَ مُسْتَدِلٌّ صُورَةً.

_ 1 في ع: الزمهما. 2 ساقطة من ض. 3 انظر المسودة ص 432، 440. 4 في ش: هذا.

قَالَ: وَمَنْ نَصَرَ الأَوَّلَ قَالَ: عَلَى هَذَا لا يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَحْتَجَّ عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ الْمُبَدَّلَيْنِ، لَكِنْ نَحْتَجُّ بِهِ1 عَلَى2 أَهْلِ الْكِتَابِ لِتَصْدِيقِهِمْ بِهِ3 اهـ. "وَإِنْ نَقَضَ أَحَدُهُمَا" أَيْ الْمُسْتَدِلُّ وَالْمُعْتَرِضُ "عِلَّةَ الآخَرِ بِأَصْلِ نَفْسِهِ" لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَصْحَابِنَا4 وَالشَّافِعِيَّةِ. "أَوْ زَادَ الْمُسْتَدِلُّ وَصْفًا مَعْهُودًا مَعْرُوفًا فِي الْعِلَّةِ لَمْ يَجُزْ" ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ5. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، وِفَاقًا لِبَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.

_ 1 في ش: بهما. 2 في ش: عل. 3 في ش: بهما. 4 انظر المسودة ص 432. 5 وقال ابن عقيل في "الجدل" ص 59: "إذا انتقضت علة المستدل، فزاد فيها وصفاً فقد انقطعت حجته التي ابتدأ بها، وكان تفريطاً منه وانتقالاً عما احتج به. ومن الناس من قال: إن كان الوصف معهوداً في العلة وأخل به سهواً، جاز أن يستدركه، وإن كان غير معروف لم يجز. وهذا ذكره بعض أصحاب الشافعي، وليس بصحيح، لأنه لو كان كون الوصف معهوداً عذراً له في نسيانه والإتيان بعلة منتقضة، لكان كون الدليل معروفاً معهوداً علةً في إقامة عذره والإتيان بما ليس بدليل سهواً. فلما لم يك ترك الدليل المعهود عذراً، كذلك الوصف المعهود". وانظر المسودة ص 431.

"وَإِنْ نَقَضَ" الْمُعْتَرِضُ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ "بِ" نَاقِضٍ "مَنْسُوخٍ، أَوْ بِ" حُكْمٍ "خَاصٍّ بِهِ" أَيْ بِالنَّبِيِّ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ" نَقَضَهُ "بِرُخْصَةٍ ثَابِتَةٍ عَلَى خِلافِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، أَوْ" نَقَضَهُ "بِمَوْضِعِ اسْتِحْسَانٍ رُدَّ" نَقْضُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا1 وَالشَّافِعِيَّةِ. إلاَّ أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ قَالَ فِي نَقْضِ الْعِلَّةِ بِمَوْضِعِ الاسْتِحْسَانِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَمَثَّلَهُ بِمَا إذَا سَوَّى بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ فِيمَا يُبْطِلُ الْعِبَادَةَ، فَيَنْتَقِضُ2 بِأَكْلِ الصَّائِمِ سَهْوًا. وَفِي الْوَاضِحِ لابْنِ عَقِيلٍ عَنْ3 أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ لا نَقْضَ بِمَوْضِعِ اسْتِحْسَانٍ4. وَمَثَّلَ5 بِهَذَا ثُمَّ قَالَ: يَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: النَّصُّ دَلَّ عَلَى انْتِقَاضِهِ، فَيَكُونُ آكَدَ لِلنَّقْضِ. وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ6: تَنْتَقِضُ الْمُسْتَنْبَطَةُ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَانِعًا، كَالنَّقْضِ بِالْعَرَايَا فِي الرِّبَا، وَإِيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لاقْتِضَاءِ الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ ذَلِكَ7، أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ آكَدَ، كَحِلِّ

_ 1 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 60، المسودة ص 436، 437. 2 في ع ز ب: فينقض. 3 في ض: من. 4 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 60. 5 في ض د: ومثله. 6 المسودة ص: 414، 437. 7 في ش ز: لذلك.

الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ إذَا نَقَضَ بِهَا عِلَّةَ تَحْرِيمِ النَّجَاسَةِ. "وَيَجِبُ أَنْ يَحْتَرِزَ الْمُسْتَدِلُّ فِي دَلِيلِهِ عَنْ النَّقْضِ"1 اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ، وَالْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ2، وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ3 وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، وَذَكَرَهُ عَنْ مُعْظَمِ الْجَدَلِيِّينَ، لِقُرْبِهِ مِنْ الضَّبْطِ، وَدَفْعِ انْتِشَارِ الْكَلامِ وَسَدِّ بَابِهِ فَكَانَ وَاجِبًا لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الْكَلامِ عَنْ التَّبْدِيلِ. وَقِيلَ: لا يَجِبُ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يَجِبُ إلاَّ فِي نَقْضٍ وَطَرْدٍ بِطَرِيقِ الاسْتِثْنَاءِ، وَهِيَ مَا يَرِدُ عَلَى كُلِّ عِلَّةً. "وَإِنْ احْتَرَزَ عَنْهُ" أَيْ عَنْ النَّقْضِ "بِشَرْطٍ ذَكَرَهُ فِي الْحُكْمِ" نَحْوُ: حُرَّانِ مُكَلَّفَانِ مَحْقُونَا الدَّمِ، فَيَجِبُ الْقَوَدُ بَيْنَهُمَا كَالْمُسْلِمِينَ "صَحَّ" ذَلِكَ فِي الأَصَحِّ4؛ لأَنَّ الشَّرْطَ الْمُتَأَخِّرَ مُتَقَدِّمٌ فِي الْمَعْنَى كَتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفَاعِلِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَقِيلَ: لا يَصِحُّ؛ لاعْتِرَافِهِ بِالنَّقْضِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَتَخَلَّفُ عَنْ الأَوْصَافِ فِي الْخَطَأ.

_ 1 انظر مختصر البعلي ص 154، المسودة ص 430. 2 روضة الناظر ص 342. 3 مختصر الطوفي ص 167. 4 انظر روضة الناظر ص 344.

"وَإِنْ احْتَرَزَ" الْمُسْتَدِلُّ "بِحَذْفِ الْحُكْمِ لَمْ يَصِحَّ" قَالَهُ1 أَبُو الْخَطَّابِ. كَقَوْلِ حَنَفِيٍّ فِي الإِحْدَادِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ: بَائِنٌ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. فَيَنْتَقِضُ2 بِصَغِيرَةٍ وَذِمِّيَّةٍ. فَيَقُولُ: قَصَدْتُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا. فَيُقَالُ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا حُكْمٌ، فَيَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ يُقَاسُ عَلَيْهِ. الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْكَسْرُ"3. وَهُوَ "كَالنَّقْضِ". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: الْكَسْرُ: نَقْضُ الْمَعْنَى. وَالْكَلامُ فِيهِ كَالنَّقْضِ، وَقَدْ سَبَقَ. قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: يُشْبِهُ الْكَسْرُ مِنْ الأَسْئِلَةِ الْفَاسِدَةِ قَوْلَهُمْ: لَوْ كَانَ هَذَا عِلَّةً فِي كَذَا لَكَانَ عِلَّةً فِي كَذَا، نَحْوَ: لَوْ مَنَعَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ صِحَّةَ الْبَيْعِ مَنَعَ النِّكَاحَ.

_ 1 في ض: قال. 2 في ع ز ب: فيقض. 3 انظر كلام الأصوليين على الكسر في [المنهاج للباجي ص 191، المحصول 2/2 /353، شرح العضد 2/269، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/303، المنخول ص 410، المعتمد 2/921، المسودة ص 429، تيسير التحرير 4/146، مختصر الطوفي ص 168، الوصول إلى مسائل الأصول 2/312، اللمع ص 64، الجدل لابن عقيل ص 65، مختصر البعلي ص 155، منتهى السول والأمل ص 196، نشر البنود 2/215، إرشاد الفحول ص 226، الإحكام للآمدي 4/123، نهاية السول 3/91ن مناهج العقول 3/91، روضة الناظر ص 343، الإبهاج 3/81، القياس الشرعي لأبي الحسين البصري 2/1043] .

وَيُشْبِهُ ذَلِكَ قَوْلَهُمْ1 أَخَذْت النَّفْيَ مِنْ الإِثْبَاتِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَلَمْ يَجُزْ كَالْقَوْلِ فِي الْمَوْطُوءَةِ مَغْلُوبَةٌ مَا فَطَّرَهَا مَعَ الْعَمْدِ؟ لَمْ يُفْطِرْهَا مَغْلُوبَةً كَالْقَيْءِ2. وَجَوَابُهُ: يَجُوزُ لِتَضَادِّ حُكْمِهِمَا3 لِلاخْتِيَارِ وَعَدَمِهِ. وَلِهَذَا4 لِلشَّارِعِ تَفْرِيقُ الْحُكْمِ بِهِمَا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: هَذَا اسْتِدْلالٌ بِالتَّابِعِ عَلَى الْمَتْبُوعِ، فَلَمْ يَجُزْ بِخِلافِ الْعَكْسِ. كَقَوْلِنَا فِي نِكَاحٍ5 مَوْقُوفٍ: نِكَاحٌ لا تَتَعَلَّقُ6 بِهِ أَحْكَامُهُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ كَالْمُتْعَةِ. فَيُقَالُ: الأَحْكَامُ تَابِعَةٌ وَالْعَقْدُ مَتْبُوعٌ، فَهَذَا فَاسِدٌ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ الأَنْكِحَةِ. وَتَنَاقَضُوا فَأَبْطَلُوا ظِهَارَ الذِّمِّيِّ وَيَمِينَهُ لا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُهُ الْمُخْتَصَّةُ7؛ لِبُطْلانِ تَكْفِيرِهِ، وَهُوَ فَرْعُ يَمِينِهِ. الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْمُعَارَضَةُ فِي الأَصْلِ" 8.

_ 1 في ض ب: قوله. 2 في ش: كالناسي. 3 في ض: لحكمها. 4 في ش: وهذا. 5 في ب: النكاح. 6 في ش: لا تتعلق. 7 ساقطة من ش ز. 8 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "شرح العضد 2/270، روضة الناظر ص 345، المسودة ص 441، مفتاح الوصول ص 157، منتهى السول والأمل ص 196، مختصر الطوفي 169، الجدل لابن عقيل ص 73، فواتح الرحموت 2/347، مختصر البعلي ص 157، إرشاد الفحول 232، الإحكام للآمدي 4/123".

وَهُوَ1 أَنْ يُبْدِيَ الْمُعْتَرِضُ مَعْنًى آخَرَ يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ غَيْرَ مَا عَلَّلَ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ. وَهُوَ2 إمَّا أَنْ يَكُونَ3 "بِمَعْنًى آخَرَ مُسْتَقِلٍّ" بِالتَّعْلِيلِ. كَمَا لَوْ عَلَّلَ الشَّافِعِيُّ تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ فِي الْبُرِّ بِالطُّعْمِ، فَعَارَضَهُ الْحَنَفِيُّ بِتَعْلِيلِ تَحْرِيمِهِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْجِنْسِ أَوْ الْقُوتِ. "أَوْ" تَكُونُ الْمُعَارَضَةُ بِمَعْنًى آخَرَ "غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ" بِالتَّعْلِيلِ. وَلَكِنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ وَصَالِحٌ لَهُ كَمَا لَوْ عَلَّلَ الشَّافِعِيُّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ. فَعَارَضَهُ الْحَنَفِيُّ بِتَعْلِيلِ وُجُوبِهِ بِالْجَارِحِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْجَدَلِيُّونَ فِي قَبُولِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ. "وَالثَّانِي" وَهُوَ كَوْنُ الْمُعَارَضَةِ بِمَعْنًى غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ بِالتَّعْلِيلِ "مَقْبُولٌ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِئَلاَّ يَلْزَمَ التَّحَكُّمُ؛ لأَنَّ وَصْفَ4 الْمُسْتَدِلِّ5 لَيْسَ بِأَوْلَى بِكَوْنِهِ جُزْءًا أَوْ مُسْتَقِلاًّ.

_ 1 في ش: وهي. وفي ز: و. 2 في ش: وهي. 3 في ش: تكون. 4 في ش: الوصف. 5 ساقطة من ض. وفي ش: المستدل به.

فَإِنْ رَجَحَ اسْتِقْلالُهُ بِتَوْسِعَةِ الْحُكْمِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ. فَلِلْمُعْتَرِضِ مَنْعُ دَلالَةِ الاسْتِقْلالِ عَلَيْهَا، ثُمَّ لَهُ مُعَارَضَتُهُ بِأَنَّ الأَصْلَ انْتِفَاءُ الأَحْكَامِ1، وَبِاعْتِبَارِهِمَا مَعًا فَهُوَ أَوْلَى. قَالُوا: يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِقْلالُهُمَا بِالْعِلِّيَّةِ فَيَلْزَمُ تَعَدُّدُ الْعِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ2. رُدَّ بِالْمَنْعِ لِجَوَازِ اعْتِبَارِهِمَا مَعًا3، كَمَا لَوْ أَعْطَى قَرِيبًا عَالِمًا. "وَلا يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ بَيَانُ نَفْيِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ عَنْ4 الْفَرْعِ". هَذَا بَحْثٌ يَتَفَرَّعُ5 عَلَى قَبُولِ الْمُعَارَضَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ بَيَانُ أَنَّ6 الْوَصْفَ الَّذِي أَبْدَيْته مُنْتَفٍ فِي الْفَرْعِ أَوْ لا؟ فَاَلَّذِي قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَتَبِعَهُ فِي التَّحْرِيرِ: أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ؛ لأَنَّ غَرَضَهُ عَدَمُ اسْتِقْلالِ مَا ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ إبْدَائِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ؛ لأَنَّهُ قَصَدَ الْفَرْقَ، وَلا يَتِمُّ إلاَّ بِهِ.

_ 1 في ض: الحكم. 2 في ع: بالمستقلة. 3 ساقطة من ض. 4 في ش: على. 5 في ض: يتعرض. 6 ساقطة من ض.

قَالَ الْعَضُدُ: وَقِيلَ: إنْ تَعَرَّضَ لِعَدَمِهِ فِي الْفَرْعِ صَرِيحًا لَزِمَهُ بَيَانُهُ وَإِلاَّ فَلا، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ. أَمَّا إنَّهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ [بِهِ] 1 فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيَانُهُ: فَلأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا لا يَتِمُّ الدَّلِيلُ مَعَهُ، وَهَذَا غَرَضُهُ، لا بَيَانُ عَدَمِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ، حَتَّى لَوْ ثَبَتَ2 بِدَلِيلٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ إلْزَامًا لَهُ، وَرُبَّمَا سَلَّمَهُ. وَأَمَّا أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِهِ [لَزِمَهُ] 3: فَلأَنَّهُ الْتَزَمَ أَمْرًا وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، فَيَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ4، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَهُ5 6 "وَلا يَحْتَاجُ وَصْفُهَا" أَيْ الْمُعَارَضَةَ "إلَى أَصْلٍ". هَذَا بَحْثٌ آخَرُ يَتَفَرَّعُ7 عَلَى قَبُولِ الْمُعَارَضَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ: هَلْ يَحْتَاجُ الْمُعَارِضُ إلَى أَصْلٍ يُبَيِّنُ تَأْثِيرَ وَصْفِهِ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي8 ذَلِكَ الأَصْلِ، حَتَّى يُقْبَلَ مِنْهُ، بِأَنْ يَقُولَ: الْعِلَّةُ الطُّعْمُ دُونَ الْقُوتِ - كَمَا فِي الْمِلْحِ - أَمْ9 لا؟.

_ 1 زيادة من شرح العضد. 2 في ش: ثبتت. 3 زيادة من شرح العضد. 4 في ش: التزامه. 5 في ز: بالتزامه. 6 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/272. 7 في ض: يتعرض. 8 في ض: من. 9 في ش: أو.

وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ لا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لأَنَّ حَاصِلَ1 هَذَا الاعْتِرَاضِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا نَفْيُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِعِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ، وَيَكْفِيهِ أَنَّهُ2 لا يُثْبِتُ عِلِّيَّتَهَا بِالاسْتِقْلالِ3، وَلا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى4 أَنْ يُثْبِتَ عِلِّيَّةَ مَا أَبْدَاهُ بِالاسْتِقْلالِ. فَإِنَّ كَوْنَهُ جُزْءَ الْعِلَّةِ يُحَصِّلُ مَقْصُودَهُ فَقَدْ لا يَكُونُ عِلَّةً فَلا يُؤَثِّرُ فِي أَصْلٍ أَصْلاً. وَإِمَّا صَدُّ5 الْمُسْتَدِلِّ عَنْ التَّعْلِيلِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ لِجَوَازِ أَنَّ تَأْثِيرَ هَذَا و6َالاحْتِمَالِ كَافٍ، فَهُوَ لا يَدَّعِي عِلِّيَّتَهُ7، حَتَّى يَحْتَاجَ شَهَادَةَ أَصْلٍ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ أَصْلَ الْمُسْتَدِلِّ أَصْلُهُ؛ لأَنَّهُ كَمَا يَشْهَدُ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِالاعْتِبَارِ؛ كَذَلِكَ يَشْهَدُ لِوَصْفِ الْمُعْتَرِضِ بِالاعْتِبَارِ8؛ لأَنَّ الْوَصْفَيْنِ مَوْجُودَانِ9 فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ مَوْجُودٌ، بِأَنْ

_ 1 في ش: ظاهر. 2 في ش: أنه. 3 في ز: باستقلال. وفي ض: بالاستدلال 4 ساقطة من ش. 5 في ش: رد 6 ساقطة من ش. 7 في ب ش ع: علية. 8 في ش: بالأمثال. 9 في ع: مرجوان.

يَقُولَ: الْعِلَّةُ الطُّعْمُ أَوْ الْكَيْلُ أَوْ كِلاهُمَا. كَمَا فِي الْبُرِّ بِعَيْنِهِ، فَإِذًا مُطَالَبَتُهُ بِأَصْلٍ مُطَالَبَةٌ1 لَهُ2 بِمَا قَدْ تَحَقَّقَ حُصُولُهُ فَلا فَائِدَةَ فِيهِ. "وَجَوَابُهَا3" أَيْ جَوَابُ الْمُعَارَضَةِ4 لَهُ وُجُوهٌ: الأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ "بِمَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ" مِثْلَ أَنْ يُعَارِضَ الْقُوتَ بِالْكَيْلِ. فَيَقُولَ5: لا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَكِيلٌ؛ لأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَادَةِ زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ حِينَئِذٍ مَوْزُونًا. " وَالثَّانِي " مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ الْمُطَالَبَةُ" أَيْ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَدِلِّ الْمُعَارِضَ "بِتَأْثِيرِهِ" أَيْ يَكُونُ6 وَصْفُ الْمُعَارِضِ7 مُؤَثِّرًا. وَمَحَلُّهُ8 "إنْ أَثْبَتَ" الْمُسْتَدِلُّ الْوَصْفَ "بِمُنَاسَبَةٍ أَوْ بِشَبَهٍ9" حَتَّى يَحْتَاجَ الْمُعَارِضُ فِي مُعَارَضَتِهِ إلَى بَيَانِ 10مُنَاسَبَةٍ أَوْ شَبَهٍ "لا" إنْ أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ11 الْوَصْفَ "بِسَبْرٍ" فَإِنَّ الْوَصْفَ يَدْخُلُ فِي السَّبْرِ بِدُونِ ثُبُوتِ الْمُنَاسَبَةِ بِمُجَرَّدِ

_ 1 في ش ز: مطالبته. 2 ساقطة من ض. 3 في ش: الأول. 4 في ش: المعارض. 5 في ض: فتقول. وفي ب: فنقول. 6 في ش ع: يكون. 7 في ش: المستدل. 8 في ش: بمحله. 9 في ض: شبه. 10 ساقطة من ش. 11 ساقطة من ز.

الاحْتِمَالِ. وَالثَّالِثُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ بِخَفَائِهِ" أَيْ خَفَاءِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ. وَالرَّابِعُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ لَيْسَ مُنْضَبِطًا" أَيْ كَوْنُ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ لَيْسَ مُنْضَبِطًا. وَالْخَامِسُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ مَنْعِ ظُهُورِهِ" بِأَنْ1 يَمْنَعَ2 الْمُسْتَدِلُّ ظُهُورَ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ. وَالسَّادِسُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ انْضِبَاطِهِ" بِأَنْ يَمْنَعَ3 الْمُسْتَدِلُّ انْضِبَاطَ4 وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ. فَإِنَّ وَصْفَ5 الْمُعَارِضِ إذَا كَانَ خَفِيًّا أَوْ ظَاهِرًا غَيْرَ مُنْضَبِطٍ، أَوْ مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ ظُهُورَهُ6 أَوْ مَنَعَ انْضِبَاطَهُ لا7 يُثْبِتُ8 عِلِّيَّةَ وَصْفِ الْمُعَارِضِ لِوُجُوبِ ظُهُورِ الْوَصْفِ وَانْضِبَاطِهِ.

_ 1 في ز: أي بأن. 2 في ش: منع. 3 في ش: منع. 4 في ش: انضباطه. 5 في ع: المعارضة. 6 في ش: لظهوره. وفي ض د: ظهور معارض في الفرع. 7 في ع ب: ولا. 8 في ض: تثبت.

وَالسَّابِعُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ بَيَانُ" أَيْ أَنْ1 يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ "أَنَّهُ2" أَيْ أَنَّ وَصْفَ الْمُعَارِضِ "غَيْرُ مَانِعٍ" عَنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ. كَمَا لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ: يُقْتَلُ3 الْقَاتِلُ الْمُكْرَهُ: قِيَاسًا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ. فَيَعْتَرِضُ الْمُعْتَرِضُ بِالاخْتِيَارِ، أَيْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الأَصْلِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ بِالاخْتِيَارِ، وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْفَرْعِ. فَيُجِيبُ الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ وَصْفَ الْمُعَارِضِ غَيْرُ مَانِعٍ عَنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ؛ لأَنَّ الاخْتِيَارَ عَدَمُ الإِكْرَاهِ الْمُنَاسِبِ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ، وَ45عَدَمِ الإِكْرَاهِ طَرْدٌ لا يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ6، فَالإِكْرَاهُ مُنَاسِبٌ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ وَهُوَ عَدَمُ الاقْتِصَاصِ، لَكِنَّ عَدَمَ الإِكْرَاهِ طَرْدِيٌّ لا يَصْلُحُ لِلْعِلِّيَّةِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَاعِثِ فِي شَيْءٍ. وَالثَّامِنُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُلْغًى، أَوْ أَنَّ مَا عَدَاهُ مُسْتَقِلٌّ"

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 في ش ز ع: أنه عدم معارض في الفرع. 3 في ش: بقتل. 4 ساقطة من ش. وفي ض ب: وهو. 5 ساقطة من ش. 6 في ض: للعلة.

بِالْعِلِّيَّةِ1 "فِي صُورَةٍ مَا2 بِظَاهِرِ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ" يَعْنِي أَنْ يُبَيِّنَ3 الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْوَصْفِ الَّذِي عَارَضَ بِهِ الْمُعَارِضُ مُلْغًى. فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْمُسْتَدِلُّ: فَقَدْ تَبَيَّنَ اسْتِقْلالُ الْبَاقِي بِالْعِلِّيَّةِ فِي صُورَةٍ مَا بِظَاهِرِ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ. مِثَالُهُ: إذَا عَارَضَ فِي الرِّبَا الطُّعْمَ بِالْكَيْلِ. فَيُجِيبُ بِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الطُّعْمِ فِي صُورَةٍ مَا، وَهُوَ قَوْلُهُ "لا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ". وَمِثَالٌ آخَرُ: أَنْ يَقُولَ فِي يَهُودِيٍّ صَارَ نَصْرَانِيًّا أَوْ بِالْعَكْسِ: بَدَّلَ دِينَهُ. فَيُقْتَلُ4 كَالْمُرْتَدِّ، فَيُعَارِضُ5 بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِيمَانِ. فَيُجِيبُ بِأَنَّ التَّبْدِيلَ مُعْتَبَرٌ فِي صُورَةٍ مَا، كَقَوْلِهِ "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ". وَهَذَا إذَا6 لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْمِيمِ، فَلَوْ عَمَّمَ وَقَالَ: فَثَبَتَ7 رِبَوِيَّةُ كُلِّ مَطْعُومٍ أَوْ اعْتِبَارُ كُلِّ تَبْدِيلٍ8؛ لِلْحَدِيثِ. لَمْ

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ش. 3 في ش ز: بين. 4 في ب: فاقتلوه. 5 في ش ز: فيعارضه. 6 في ض ب: إن. 7 في ض ب: ثبت. وفي ش: تثبت. 8 ساقطة من ع.

يُسْمَعْ؛ لأَنَّ ذَلِكَ إثْبَاتٌ لِلْحُكْمِ1 بِالنَّصِّ دُونَ الْقِيَاسِ، وَلا تَعْمِيمَ2 لِلْقِيَاسِ3 بِالإِلْغَاءِ، وَالْمَقْصُودُ ذَلِكَ، وَلأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْعُمُومُ لَكَانَ الْقِيَاسُ ضَائِعًا. وَلا يَضُرُّ كَوْنُهُ عَامًّا إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعُمُومِ وَلَمْ يَسْتَدِلُّ بِهِ. "وَيَكْفِي فِي اسْتِقْلالِهِ" أَيْ اسْتِقْلالِ الْوَصْفِ "إثْبَاتُ" الْمُسْتَدِلِّ "الْحُكْمَ فِي صُورَةٍ دُونَهُ" أَيْ: دُونَ الْوَصْفِ؛ لأَنَّ الأَصْلَ4 عَدَمُ غَيْرِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عَجَزُ5 الْمُعَارِضِ عَنْهُ. ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ6. وَقِيلَ: لا؛ لِجَوَازِ عِلَّةٍ أُخْرَى قَطَعَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ7. 8وَالْقَادِحُ السَّادِسَ عَشَرَ: هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ8 "وَلَوْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ" وَصْفًا "آخَرَ يَقُومُ مَقَامَ" الْوَصْفِ "الْمُلْغَى" أَيْ الَّذِي

_ 1 في ض: الحكم. 2 في جميع النسخ: ولا تتميم. وهو تصحيف. 3 في ع: بالقياس. 4 في ش: الوصف. 5 في ش: عدم. 6 روضة الناظر ص 347. 7 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/273، منتهى السول والأمل ص 197. 8 ساقطة من ش ز ب.

أَلْغَاهُ1 الْمُسْتَدِلّ2ُ "بِثُبُوتِ3 الْحُكْمِ دُونَهُ" أَيْ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمُلْغَى "فَسَدَ الإِلْغَاءُ. وَيُسَمَّى" هَذَا "تَعَدُّدُ4 الْوَضْعِ، لِتَعَدُّدِ أَصْلَيْهِمَا" أَيْ أَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ وَأَصْلِ الْمُعْتَرِضِ5. "وَجَوَابُ فَسَادِ الإِلْغَاءِ: الإِلْغَاءُ6، إلَى أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا". قَالَ الْعَضُدُ: وَرُبَّمَا يُظَنُّ7 أَنَّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ فِي صُورَةٍ دُونَ وَصْفِ الْمُعَارِضِ كَافٍ فِي إلْغَائِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَافٍ، لِجَوَازِ وُجُودِ عِلَّةٍ أُخْرَى 8لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ9 تَعَدُّدِ الْعِلَّةِ، وَعَدَمِ وُجُوبِ الْعَكْسِ. وَلأَجْلِ ذَلِكَ لَوْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ10 فِي صُورَةٍ عَدَمَ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ11 وَصْفًا آخَرَ يَقُومُ مَقَامَ مَا أَلْغَاهُ الْمُسْتَدِلُّ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ دُونَهُ12،

_ 1 في ش: يجوز إلغاء. وفي ع: أنهاه. 2 في ش: المستدل له. 3 في ش: لثبوت. 4 في ش: العدد. 5 انظر شرح العضد 2/273، الإحكام للآمدي 4/128. 6 في ض ب: بالإلغاء. 7 في ش: ظن. 8 ساقطة من ع. 9 في ش: جواز و. 10 ساقطة من شرح العضد. 11 في ش: المعارض. 12 في شرح العضد: يخلفه لئلا يكون الباقي مستقلاً.

فَسَدَ الإِلْغَاءُ؛ لابْتِنَائِهِ عَلَى اسْتِقْلالِ الْبَاقِي فِي تِلْكَ الصُّورَةِ. وَقَدْ بَطَلَ1. وَتُسَمَّى هَذِهِ الْحَالَةُ تَعَدُّدَ الْوَضْعِ لِتَعَدُّدِ أَصْلَيْهِمَا2، وَالتَّعْلِيلُ فِي أَحَدِهِمَا بِالْبَاقِي عَلَى وَضْعٍ، أَيْ مَعَ قَيْدٍ، وَفِي الآخَرِ3 عَلَى وَضْعٍ آخَرَ، أَيْ4 مَعَ قَيْدٍ آخَرَ. مِثَالُهُ: أَنْ يُقَالَ فِي مَسْأَلَةِ أَمَانِ الْعَبْدِ لِلْحَرْبِيِّ أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ، فَيُقْبَلُ كَالْحُرِّ؛ لأَنَّ5 الإِسْلامَ وَالْعَقْلَ مَظِنَّتَانِ لإِظْهَارِ مَصْلَحَةِ الإِيمَانِ أَيْ بَذْلِ6 الأَمَانِ7 وَجَعْلِهِ آمِنًا. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هُوَ مُعَارَضٌ بِكَوْنِهِ حُرًّا، أَيْ الْعِلَّةُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَاقِلاً حُرًّا. فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ مَظِنَّةُ فَرَاغِ قَلْبِهِ لِلنَّظَرِ لِعَدَمِ8 اشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ فَيَكُونُ إظْهَارُ مَصَالِحِ الإِيمَانِ مَعَهُ أَكْمَلَ. فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: الْحُرِّيَّةُ مُلْغَاةٌ لاسْتِقْلالِ الإِسْلامِ وَالْعَقْلِ بِهِ9 فِي صُورَةِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ مِنْ قِبَلِ سَيِّدِهِ فِي أَنْ يُقَاتِلَ.

_ 1 ساقطة من ع. 2 في شرح العضد: أصلهما. 3 في ع ض: الأخرى. 4 ساقطة من ض. 5 في شرح العضد: لأنهما أعني. 6 في ش: بدل. 7 في ب: الايمان. 8 في ع: بعدم. 9 ساقطة من شرح العضد.

فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إذْنُ السَّيِّدِ لَهُ خَلَفٌ1 عَنْ الْحُرِّيَّةِ2. فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِبَذْلِ الْوُسْعِ فِيمَا تَصَدَّى لَهُ مِنْ مَصَالِحِ3 الْقِتَالِ، أَوْ لِعِلْمِ4 السَّيِّدِ صَلاحَهُ5 لإِظْهَارِ مَصَالِحِ الإِيمَانِ. وَجَوَابُ6 تَعَدُّدِ الْوَضْعِ: أَنْ يُلْغِيَ7 الْمُسْتَدِلُّ ذَلِكَ الْخَلَفَ8 بِإِبْدَاءِ صُورَةٍ لا يُوجَدُ فِيهَا الْخَلَفُ. فَإِنْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ خَلَفًا آخَرَ9 فَجَوَابُهُ إلْغَاؤُهُ. وَعَلَى هَذَا، إلَى أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا. فَتَكُونُ10 الدَّبْرَةُ11 عَلَيْهِ. فَإِنْ ظَهَرَ12 صُورَةٌ لا خَلَفَ فِيهَا13 تَمَّ الإِلْغَاءُ، وَبَطَلَ الاعْتِرَاضُ، وَإِلاَّ ظَهَرَ عَجْزُ14 الْمُسْتَدِلِّ15.

_ 1 في ش: خلف له. 2 في شرح العضد: من. 3 في ش: مسائل. 4 في ز: ليعلم. 5 في شرح العضد: بصلاحيته. 6 في ز: وجوابه. 7 في ش ض ب: يكفي. 8 في شرح العضد: الخلف أيضاً. 9 ساقطة من ز. 10 في شرح العضد: فيكون. 11 في ش: الدائرة. وهو غلط. ومعنى تكون الدَّبْرة عليه: أي الهزيمة. "انظر الصحاح 2/653، المعجم الوسيط 1/269". 12 في ش: ظهر له. 13 في ز ض ب: فيه. 14 كذا في شرح العضد. وفي جميع النسخ: المعترض. 15 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/273، 274.

"وَلا يُفِيدُ الإِلْغَاءَ لِضَعْفِ الْمَظِنَّةِ" الْمُتَضَمِّنَةِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى "بَعْدَ تَسْلِيمِهَا". مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ1 الْمُسْتَدِلُّ: الرِّدَّةُ عِلَّةُ الْقَتْلِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: بَلْ مَعَ الرُّجُولِيَّةِ؛ لأَنَّهُ مَظِنَّةُ الإِقْدَامِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، إذْ يُعْتَادُ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. فَيُجِيبُ الْمُسْتَدِلُّ: بِأَنَّ الرُّجُولِيَّةَ وَكَوْنَهَا2 مَظِنَّةَ الإِقْدَامِ لا تُعْتَبَرُ3، وَإِلاَّ لَمْ يُقْتَلْ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ؛ لأَنَّ احْتِمَالَ الإِقْدَامِ فِيهِ ضَعِيفٌ، بَلْ أَضْعَفُ مِنْ احْتِمَالِهِ فِي النِّسَاءِ. 4 وَهَذَا لا 5 يُقْبَلُ مِنْهُ، حَيْثُ سَلَّمَ أَنَّ الرُّجُولِيَّةَ مَظِنَّةٌ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ6. وَذَلِكَ كَتَرَفُّهِ الْمَلِكِ فِي السَّفَرِ لا يَمْنَعُ رُخَصَ السَّفَرِ فِي حَقِّهِ لِعِلَّةِ الْمَشَقَّةِ، إذْ الْمُعْتَبَرُ الْمَظِنَّةُ7 وَقَدْ وُجِدَتْ، لا مِقْدَارُ

_ 1 في ض ب: كقول. 2 في ز: وإن كانت. 3 في ز ب: لا يعتبر. 4 ساقطة من ز. 5 في ب: لم. 6 في شرح العضد: لقلّة. 7 وهي السفر. قال العلامة ابن القيم: فإن السفر في نفسه قطعة من العذاب، وهو في نفسه مشقة وجهد، ولو كان المسافر من أرفهِ الناس، فإنه في مشقة وجهد بحسبه. "إعلام الموقعين 2/130" وقال الشاطبي: فالملك المترفه قد يقال إن المشقة تلحقه، لكنا لا نحكم عليه بذلك لخفائها. "الموافقات 2/54".

الْحِكْمَةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا1. "وَلا يَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ رُجْحَانُ وَصْفِهِ" قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لا يَكْفِي الْمُسْتَدِلَّ رُجْحَانُ وَصْفِهِ خِلافًا لِلآمِدِيِّ2؛ لِقُوَّةِ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ3، كَالْقَتْلِ عَلَى الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ. "أَمَّا إنْ اتَّفَقَا عَلَى كَوْنِ الْحُكْمِ مُعَلَّلاً بِأَحَدِهِمَا" أَيْ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ "قُدِّمَ الرَّاجِحُ وَلا يَكْفِي كَوْنُهُ مُتَعَدِّيًا" لاحْتِمَالِ تَرْجِيحِ4 الْقَاصِرِ. قَالَ الْعَضُدُ: هَذَانِ وَجْهَانِ تُوُهِّمَا جَوَابًا لِلْمُعَارَضَةِ وَلا يَكْفِيَانِ. الأَوَّلُ: رُجْحَانُ الْمُعَيَّنِ5 وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي جَوَابِ الْمُعَارَضَةِ: مَا عَيَّنْته6 مِنْ الْوَصْفِ رَاجِحٌ7 عَلَى مَا عَارَضْت بِهِ، ثُمَّ يُظْهِرُ وَجْهًا مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ. وَهَذَا الْقَدْرُ غَيْرُ كَافٍ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا

_ 1 قاله العضد في شرحه لمختصر ابن الحاجب 2/274. 2 انظر الإحكام في أصول الأحكام 4/128. 3 ساقطة من ز. 4 في ش ز: ترجح. 5 في ز: العين. 6 في ز ب: عنيته. 7 في ض: راجحاً.

يَدُلُّ عَلَى1 أَنَّ اسْتِقْلالَ وَصْفِهِ2 أَوْلَى مِنْ اسْتِقْلالِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ؛ إذْ لا يُعَلَّلُ بِالْمَرْجُوحِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ، لَكِنَّ احْتِمَالَ الْجُزْئِيَّةِ بَاقٍ، وَلا بُعْدَ3 فِي تَرْجِيحِ4 بَعْضِ الأَجْزَاءِ عَلَى بَعْضٍ فَيَجِيءُ التَّحَكُّمُ. الثَّانِي: كَوْنُ مَا عَيَّنَهُ الْمُسْتَدِلُّ مُتَعَدِّيًا وَالآخَرُ قَاصِرًا غَيْرُ كَافٍ فِي جَوَابِ الْمُعَارَضَةِ، إذْ5 مَرْجِعُهُ التَّرْجِيحُ بِذَلِكَ، فَيَجِيءُ التَّحَكُّمُ. هَذَا وَالشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ6 فَإِنَّهُ إنْ رُجِّحَتْ الْمُتَعَدِّيَةُ7 بِأَنَّ اعْتِبَارَهُ يُوجِبُ الاتِّسَاعَ فِي الأَحْكَامِ، وَبِأَنَّهَا مُتَّفَقٌ عَلَى اعْتِبَارِهَا بِخِلافِ الْقَاصِرَةِ رُجِّحَتْ الْقَاصِرَةُ بِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ8 لِلأَصْلِ. إذْ الأَصْلُ عَدَمُ الأَحْكَامِ، وَبِأَنَّ اعْتِبَارَهَا إعْمَالٌ9 لِلدَّلِيلَيْنِ مَعًا10-

_ 1 ساقطة من ز. 2 في ز: وصف. 3 في ش: ولا يعد. 4 في شرح العضد: ترجح. 5 ساقطة من ش. 6 ساقطة من ش. 7 في ض: التعدية. 8 في ب: موقفه. وفي ض: موقوفة 9 في ز ب: اعلام. 10 ساقطة من ز.

دَلِيلِ الْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ وَدَلِيلِ الْقَاصِرَةِ، بِخِلافِ إلْغَائِهَا1. "وَيَجُوزُ تَعَدُّدُ أُصُولِ الْمُسْتَدِلِّ2" عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَنَّ الظَّنَّ يَقْوَى بِالتَّعَدُّدِ، وَكَمَا أَنَّ أَصْلَ الظَّنِّ مَقْصُودٌ، فَقُوَّتُهُ أَيْضًا مَقْصُودَةٌ. "وَ" عَلَى هَذَا يَجُوزُ "اقْتِصَارٌ عَلَى" أَصْلٍ "وَاحِدٍ فِي مُعَارَضَةٍ، وَ" فِي "جَوَابٍ" مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِبَقِيَّةِ الأُصُولِ فِيهِ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: لا يَجُوزُ فِيهِمَا.

_ 1 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/274. 2 في ش: مستدل.

"فَوَائِدُ": تَدُلُّ عَلَى مَعَانِي أَلْفَاظٍ مُتَدَاوَلَةٍ1 بَيْنَ الْجَدَلِيِّينَ. نَبَّهَ عَلَيْهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي كِتَابِهِ الإِيضَاحِ2. الأُولَى "الْفَرْضُ" وَهُوَ "أَنْ يُسْأَلَ عَامًّا، فَيُجِيبَ خَاصًّا أَوْ يُفْتِيَ عَامًّا وَيَدُلَّ خَاصًّا3". وَقَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ4: الْفَرْضُ: وَ5هُوَ تَخْصِيصُ بَعْضِ صُوَرِ النِّزَاعِ بِالْحِجَاجِ6، وَإِقَامَةُ7 الدَّلِيلِ عَلَيْهِ.

_ 1 في ض ب: الألفاظ المتداولة. 2 في ض: وقال وعلى هذا لو قال. وفي ب: في كتابه الإيضاح وقال: وعلى هذا لو قال. 3 انظر المسودة ص 425، إرشاد الفحول ص 235، الوصول لابن برهان 2/266. 4 جمع الجوامع بحاشية البناني 2/310. 5 ساقطة من ش. 6 قال البناني: أي بأن يكون النزاع في كلي تندرج فيه جزئيات، فيفرض النزاع في جزئي خاص من تلك الجزئيات، ويقع الحجاج فيه من الجانبين. "حاشية البناني 2/310". 7 في ش: أي وإقامة.

"وَ" الثَّانِيَةُ "التَّقْدِيرُ" وَهُوَ "إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ، وَعَكْسُهُ" وَهُوَ إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ1. وَهُوَ مُقَارِنُ الْفَرْضِ2، فَإِنَّهُ يُقَالُ3: يُقَدَّرُ الْفَرْضُ فِي كَذَا4، وَالْفَرْضُ مُقَدَّرٌ فِي كَذَا ... مِثَالُ إعْطَاءِ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ: الْمَاءُ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ، فَيَتَيَمَّمُ5 وَيَتْرُكُهُ مَعَ وُجُودِهِ حِسًّا. وَمِثَالُ6 إعْطَاءِ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ: الْمَقْتُولُ تُورَثُ7 عَنْهُ الدِّيَةُ وَإِنَّمَا8 تَجِبُ بِمَوْتِهِ وَلا تُورَثُ عَنْهُ، إلاَّ إذَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ. فَيُقَدَّرُ دُخُولُهَا قَبْلَ مَوْتِهِ. "وَ" الثَّالِثَةُ "مَحَلُّ النِّزَاعِ" وَهُوَ "الْحُكْمُ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا".

_ 1 انظر البيان المفصل والبحث المطول عن حقيقة التقدير وأمثلته وتطبيقاته الفقهية في "الأمنية في إدراك النية للقرافي ص 55-63، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 2/95-100". 2 في ش: للفرض. 3 ساقطة من ز. 4 في ز: هذا. 5 في ش: فيتيم. 6 في ش: ومثاله مع. 7 في ز: يورث. 8 في ش: وإلا.

وَهُوَ أَيْضًا كَالْمُقَارِنِ لِلْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ. فَمَحَلُّ النِّزَاعِ: هُوَ الْمُتَكَلَّمُ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ. "وَ" الرَّابِعَةُ "الإِلْغَاءُ" وَهُوَ "إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ". السَّابِعَ1 عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "التَّرْكِيبُ"2. أَيْ سُؤَالُ التَّرْكِيبِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُرُودِهِ عَلَى الْقِيَاسِ الْمُرَكَّبِ مِنْ اخْتِلافِ مَذْهَبِ الْخَصْمِ "كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْبَالِغَةُ أُنْثَى، فَلا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا كَبِنْتِ خَمْسَ عَشْرَةَ3، فَالْخَصْمُ يَعْتَقِدُ لِصِغَرِهَا". وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فَاسِدٌ. قِيلَ: لِرَدِّ الْكَلامِ إلَى سِنِّ الْبُلُوغِ، وَلَيْسَ4 بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ.

_ 1 في ش ز ب: السادس. 2 انظر كلام الأصوليين على التركيب في "البرهان 2/1099، مختصر الطوفي ص 171، روضة الناظر ص 349، مختصر البعلي ص 159، الإحكام للآمدي 4/135، إرشاد الفحول ص 233، شرح العضد 2/274". 3 في ز: خمسة عشر. 4 في ض: وليست.

وَقِيلَ: لأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَنْعِ الْحُكْمِ فِي الأَصْلِ أَوْ الْعِلَّةِ. ثُمَّ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لاشْتِمَالِهِ عَلَى مَنْعِ حُكْمٍ عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ نَصُّهُ بِخِلافِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ "صَحِيحٌ" وَهُوَ الأَصَحُّ؛ لأَنَّ حَاصِلَهُ مُنَازَعَةٌ فِي الأَصْلِ1، فَيُبْطِلُ الْمُسْتَدِلُّ مَا يَدَّعِي الْمُعْتَرِضُ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ بِهِ، لِيَسْلَمَ مَا يَدَّعِيهِ جَامِعًا فِي الأَصْلِ2. الثَّامِنَ3 عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "التَّعْدِيَةُ"4. وَهِيَ "مُعَارَضَةُ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِوَصْفٍ آخَرَ مُتَعَدٍّ". "كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "فِي بِكْرٍ بَالِغٍ" هِيَ "بِكْرٌ فَأُجْبِرَتْ كَبِكْرٍ صَغِيرَةٍ". "فَيَعْتَرِضُ" الْمُعْتَرِضُ "بِتَعَدِّي الصِّغَرِ إلَى ثَيِّبٍ صَغِيرَةٍ، وَيَرْجِعُ" ذَلِكَ "إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ". قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: عَنْ5 التَّرْكِيبِ وَالتَّعْدِيَةِ: هَذَانِ اعْتِرَاضَانِ يَعُدُّهُمَا الْجَدَلِيُّونَ فِي عِدَادِ6 الاعْتِرَاضَاتِ وَهُمَا

_ 1 في ض ب: الأصل أو العلة، ثم هو غير صحيح لاشتماله على منع حكم. 2 ساقطة من ش. 3 في ش ب ز: السابع. 4 انظر كلام الأصوليين على التعدية في "منتهى السول والأمل ص 198، إرشاد الفحول ص 233، البرهان 2/1106، الإحكام للآمدي 4/136". 5 في ش: عند. 6 في ض: عدد.

رَاجِعَانِ إلَى بَعْضٍ مِنْ سَائِرِ الاعْتِرَاضَاتِ. وَنَوْعٌ1 مِنْهُ خُصَّ بِاسْمٍ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا2 سُؤَالاً بِرَأْسِهِ. فَالأَوَّلُ: سُؤَالُ التَّرْكِيبِ، وَهُوَ مَا عَرَفْته حَيْثُ قُلْنَا3: شَرْطُ حُكْمِ الأَصْلِ أَنْ لا يَكُونَ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ. وَأَنَّهُ4 قِسْمَانِ: مُرَكَّبُ الأَصْلِ، وَمُرَكَّبُ الْوَصْفِ وَأَنَّ5 مَرْجِعِ أَحَدِهِمَا: مَنْعُ حُكْمِ الأَصْلِ، أَوْ مَنْعُ الْعِلِّيَّةِ6. وَمَرْجِعُ الآخَرِ: مَنْعُ الْحُكْمِ، أَوْ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ. فَلَيْسَ7 بِالْحَقِيقَةِ سُؤَالاً8 بِرَأْسِهِ، وَقَدْ عَرَفْتَ الأَمْثِلَةَ فَلا مَعْنَى لِلإِعَادَةِ. وَالثَّانِي9: سُؤَالُ التَّعْدِيَةِ، وَذَكَرُوا فِي مِثَالِهِ أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي الْبِكْرِ الْبَالِغِ: بِكْرٌ فَتُجْبَرُ كَالصَّغِيرَةِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا مُعَارَضٌ بِالصِّغَرِ.

_ 1 قال السعد التفتازاني: قوله: "ونوع" "عطف على راجعان، أي كل منهما نوع من سائر الاعتراضات خُصَّ باسم خاص". "حاشية السعد على شرح العضد 2/275". 2 كذا في شرح العضد. وفي جميع النسخ: منها. 3 في ش: قلت. 4 في د ض: فانه. 5 في ز ض: فان. 6 كذا في شرح العضد. وفي جميع النسخ: العلة. 7 في ش: فليسا. 8 في ش: سواء. 9 ساقطة من ز ض ب.

وَمَا ذَكَرْته، وَإِنْ تَعَدَّى بِهِ الْحُكْمُ إلَى الْبِكْرِ الْبَالِغِ، فَقَدْ تَعَدَّى بِهِ الْحُكْمُ إلَى الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ، وَهَذَا التَّمْثِيلُ يَجْعَلُ هَذَا1 السُّؤَالَ رَاجِعًا إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ بِوَصْفٍ آخَرَ، وَهُوَ الْبَكَارَةُ بِالصِّغَرِ، مَعَ زِيَادَةِ تَعَرُّضٍ لِلتَّسَاوِي2 فِي التَّعْدِيَةِ. [دَفْعًا لِتَرْجِيحِ الْمُعَيَّنِ بِالتَّعْدِيَةِ] 3 فَلا يَكُونُ سُؤَالاً [آخَرَ] 4 5". وَلا أَثَرَ لِزِيَادَةِ التَّسْوِيَةِ فِي التَّعْدِيَةِ"6 قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ خِلافًا لِلدَّارِكِيِّ7. التَّاسِعَ8 عَشَرَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "مَنْعُ وُجُودِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ

_ 1 ساقطة من شرح العضد. 2 كذا في شرح العضد، وفي ز: المساوي. وفي ش ض ب: التساو. 3 زيادة من شرح العضد يقتضيها السياق. 4 زيادة من شرح العضد يقتضيها السياق. 5 شرح العضد 2/275. 6 في ض: التعدية في التسوية. 7 هو عبد العزيز بن عبد الله بن محمد الدَّارَكي الشافعي، أبو القاسم، الإمام الفقيه: قال ابن قاضي شهبة: "درّس بنيسابور مدة، ثم سكن بغداد، وكانت له حلقة للفتوى، وانتهت إليه رياسة المذهب ببغداد، توفي سنة 375هـ. والدَّاركي: نسبة إلى دارَك –بفتح الراء- من قرى أصبهان. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/263، تاريخ بغداد 10/463، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/118، شذرات الذهب 3/85، النجوم الزاهرة 4/148، طبقات الشافعية للأسنوي 1/508، طبقات الشافعية لابن السبكي 3/330، الكامل لابن الأثير 7/128، الفكر السامي 2/132". 8 في ش ب ز: الثامن.

فِي الْفَرْعِ"1. كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ فِي "أَمَانِ عَبْدٍ" هُوَ "أَمَانٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ كَالْمَأْذُونِ" أَيْ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ. "فَيَمْنَعُ" الْمُعْتَرِضُ "الأَهْلِيَّةَ" بِأَنْ يَقُولَ: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلأَمَانِ. "فَيُجِيبُهُ" الْمُسْتَدِلُّ "بِوُجُودِ مَا عَنَاهُ بِالأَهْلِيَّةِ فِي الْفَرْعِ" ثُمَّ بِبَيَانِ2 وُجُودِهِ بِحِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ شَرْعٍ "كَجَوَابِ مَنْعِهِ فِي الأَصْلِ" فَيَقُولُ: أُرِيدُ بِالأَهْلِيَّةِ كَوْنَهُ مَظِنَّةً لِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الأَمَانِ، وَهُوَ بِإِسْلامِهِ وَبُلُوغِهِ كَذَلِكَ عَقْلاً. "وَيُمْنَعُ الْمُعْتَرِضُ مِنْ تَقْرِيرِ3 نَفْيِ الْوَصْفِ عَنْ الْفَرْعِ"؛ لأَنَّ تَفْسِيرَهَا وَظِيفَةُ4 مَنْ تَلَفَّظَ بِهَا؛ لأَنَّهُ الْعَالِمُ بِمُرَادِهِ وَإِثْبَاتِهَا وَظِيفَةُ5 مَنْ ادَّعَاهَا. فَيَتَوَلَّى تَعْيِينَ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ6 ذَلِكَ؛ لِئَلاَّ

_ 1 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "روضة الناظر ص 340، مختصر البعلي ص 153، مختصر الطوفي ص 166، إرشاد الفحول ص 233، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/327، شرح العضد 2/275، منتهى السول والأمل ص 198، الإحكام للآمدي 4/136، المنهاج للباجي ص 166، مفتاح الوصول للتلمساني ص 158، فواتح الرحموت 2/350، نشر البنود 2/240". 2 في ض: بيان. 3 في ش: تقدير. 4 في ش: وخليفة. 5 في ش: وخليفة. 6 في ش: على.

يَنْتَشِرَ الْجَدَلُ. الْعِشْرُونَ1 مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ"2. بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ: مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ الْوَصْفِ، وَإِنْ3 اقْتَضَى ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَعِنْدِي وَصْفٌ آخَرُ يَقْتَضِي نَقِيضَهُ، فَيَتَوَقَّفُ دَلِيلُك وَهُوَ الْمَعْنَى بِالْمُعَارَضَةِ إذَا أَطُلِقَتْ. وَلا بُدَّ مِنْ بِنَائِهِ4 عَلَى5 أَصْلٍ [بِـ] 6 جَامِعِ بِأَنْ يُثْبِتَ الْمُعْتَرِضُ عِلِّيَّتِهِ7 "بِأَحَدِ طُرُقِ الْعِلَّةِ" فَيَصِيرُ الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلاًّ، وَالْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا فَتَنْقَلِبُ الْوَظِيفَتَانِ.

_ 1 في ب ز ش: التاسع عشر. 2 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "مفتاح الوصول ص 159، روضة الناظر ص 348، مختصر الطوفي ص 170، المنهاج للباجي ص 201، المسودة ص 441، المغني للخبازي ص 324، الكافية للجويني ص 418، تيسير التحرير 4/158، فواتح الرحموت 2/351، إرشاد الفحول ص 233، شرح العضد 2/275، منتهى السول والأمل ص 198، الإحكام للآمدي 4/137". 3 في ز: فإن. 4 في ز ب ض: بيانه. 5 في ش: على أنه. 6 زيادة يقتضيها السياق. انظر شرح العضد 2/275. 7 في ش: عليه.

وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ هَذَا الْقَادِحِ وَالصَّحِيحُ "يُقْبَلُ" وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا1 وَالأَكْثَرِ2؛ لِئَلاَّ تَخْتَلَّ فَائِدَةُ الْمُنَاظَرَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ3 الْحُكْمِ؛ لأَنَّهُ لا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ4 الدَّلِيلِ مَا لَمْ يُعْلَمْ عَدَمُ الْمُعَارِضِ. وَقِيلَ: لا؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَلْبِ التَّنَاظُرِ. "وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ الْقَدْحِ بِالْمُعَارَضَةِ "بِمَا يَعْتَرِضُ بِهِ الْمُعْتَرِضُ ابْتِدَاءً" وَالْجَوَابُ هُوَ5 الْجَوَابُ. "وَيُقْبَلُ تَرْجِيحُ" أَحَدِهِمَا "بِوَجْهٍ مَا" أَيْ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَجَمْعٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الآمِدِيُّ6 وَابْنُ الْحَاجِبِ7؛ لأَنَّهُ إذَا تَرَجَّحَ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ. وَقِيلَ: لا يُقْبَلُ التَّرْجِيحُ؛ لأَنَّ تَسَاوِيَ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِهِمَا غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَإِلاَّ لَمْ تَحْصُلْ الْمُعَارَضَةُ لامْتِنَاعِ الْعِلْمِ

_ 1 انظر روضة الناظر ص 349، المسودة ص 440، شرح العضد 2/275. 2 انظر البرهان 2/1050، فواتح الرحموت 2/351. 3 في ش: لثبوت. 4 في ش: بوجود. 5 ساقطة من ش. 6 الإحكام في أصول الأحكام 4/138. 7 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/276، منتهى السول والأمل ص 199.

بِذَلِكَ، فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ1. "وَلا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ الإِيمَاءُ إلَيْهِ" أَيْ إلَى التَّرْجِيحِ "فِي" مَتْنِ "دَلِيلِهِ" بِأَنْ يَقُولَ فِي أَمَانِ الْعَبْدِ: أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ مُوَافِقًا2 لِلْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَالصَّحِيحُ: لا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لأَنَّ التَّرْجِيحَ عَلَى مَا يُعَارِضُهُ خَارِجٌ عَنْ الدَّلِيلِ. وَتَوَقُّفُ الْعَمَلِ عَلَى التَّرْجِيحِ لَيْسَ جُزْءًا لِلدَّلِيلِ، بَلْ شَرْطٌ لَهُ لا مُطْلَقًا، بَلْ إذَا حَصَلَ الْمُعَارِضُ وَاحْتِيجَ إلَى دَفْعِهِ. وَالْحَادِي3 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْفَرْقُ"4. وَهُوَ إبْدَاءُ الْمُعْتَرِضِ مَعْنًى يَحْصُلُ بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ حَتَّى لا يَلْحَقُ بِهِ فِي حُكْمِهِ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ض: موافق. 3 ساقطة من ش ز ب. 4 انظر كلام الأصوليين على الفرق في "شرح تنقيح الأصول ص 403، المحصول 2/2/367، المنهاج للباجي ص 201، المسودة ص 441، البرهان 2/1060، الكافية للجويني ص 298، الوصول لابن برهان 2/327، المنخول ص 417، نشر البنود 2/229، إرشاد الفحول ص 229، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/319، نهاية السول 3/100، مناهج العقول 3/100، الإبهاج 3/86، شرح العضد 2/276، منتهى السول والأمل ص 199، الإحكام للآمدي 4/138".

وَهُوَ "رَاجِعٌ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي أَصْلٍ أَوْ1 فَرْعٍ" فَيُقْبَلُ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَعًا فَلا يُقْبَلُ. "وَيَحْتَاجُ الْقَادِحُ فِي الْجَمْعِ إلَى دَلالَةٍ وَأَصْلٍ كَالْجَمْعِ". وَهُوَ نَوْعَانِ: الأَوَّلُ: أَنْ يَجْعَلَ الْمُعْتَرِضُ تَعَيُّنَ2 صُورَةِ الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا هُوَ الْعِلَّةَ فِي الْحُكْمِ. كَقَوْلِ حَنْبَلِيٍّ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ طَهَارَةٌ3 عَنْ حَدَثٍ. فَوَجَبَ لَهَا النِّيَّةُ كَالتَّيَمُّمِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ بِالْفَرْقِ: الْعِلَّةُ فِي4 الأَصْلِ كَوْنُ الطَّهَارَةِ بِتُرَابٍ لا مُطْلَقُ الطَّهَارَةِ. فَذَكَرَ لَهُ خُصُوصِيَّةً لا تَعْدُوهُ5. وَكَقَوْلِ حَنَفِيٍّ فِي التَّبْيِيتِ: صَوْمٌ عُيِّنَ، فَيَتَأَدَّى بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ كَالنَّفْلِ. فَيُقَالُ: صَوْمُ نَفْلٍ فَيَنْبَنِي6 عَلَى السُّهُولَةِ، فَجَازَ بِنِيَّةٍ7 مُتَأَخِّرَةٍ، بِخِلافِ الْفَرْضِ.

_ 1 في ض: و. 2 في ش ض: تعيين. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: بـ. 5 ساقطة من ز. وفي ش: لا بقدره. 6 في ض: ينبني. وفي ب: فيبنى. 7 في ض: نيته.

وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا النَّوْعُ رَاجِعٌ إلَى مُعَارَضَةٍ1 فِي2 الأَصْلِ، أَيْ3 مُعَارَضَةِ عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ فِيهِ لِعِلَّةٍ4 أُخْرَى، وَلِهَذَا5 بَنَاهُ الْبَيْضَاوِيُّ6 وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ7 عَلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا8. وَوَجْهُ الْبِنَاءِ: أَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَارَضَ عِلَّةَ الْمُسْتَدِلِّ بِعِلَّةٍ أُخْرَى. فَمَنْ مَنَعَ9 التَّعْلِيلَ بِعِلَّتَيْنِ10 رَآهُ اعْتِرَاضًا يَلْزَمُ مِنْهُ تَعَدُّدُ الْمُعَلَّلِ11. وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَهُ، وَمَنْ لَمْ يَمْنَعْ لَمْ يَرَهُ سُؤَالاً قَادِحًا لِجَوَازِ كَوْنِ الْحُكْمِ لَهُ عِلَّتَانِ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى عَدَمِ الْبِنَاءِ.

_ 1 في ز: معارضته. 2 ساقطة من ب. 3 في ز ض: أو. 4 في ش: بعلة. 5 في ز: وبهذا. 6 المنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول 3/100. 7 انظر شرح تنقيح الفصول ص 403، المحصول 2/2/367، المسودة ص 442، نشر البنود 2/229. 8 ساقطة من ش. 9 في ض: فمنع من. 10 ساقطة من ض. 11 في ش: العلل. وفي ض: المعترض.

النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَجْعَلَ تَعَيُّنَ الْفَرْعِ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الأَصْلِ فِيهِ. كَقَوْلِهِمْ: يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِ، بِجَامِعِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ1. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: تَعَيُّنُ الْفَرْعِ - وَهُوَ الإِسْلامُ - مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ. وَلَعَلَّهُ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْقَاصِرَةِ2. لَكِنْ بَنَاهُ الْبَيْضَاوِيُّ 3 وَغَيْرُهُ عَلَى الْخِلافِ فِي النَّقْضِ إذَا كَانَ لِمَانِعٍ4: هَلْ يَقْدَحُ فِي الْعِلِّيَّةِ5 أَوْ لا؟ فَإِنْ قُلْنَا: لا يَقْدَحُ، فَهَذَا كَذَلِكَ؛ لأَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّتَهُ لَمَّا وُجِدَ فِي الْفَرْعِ، وَتَخَلَّفَ فِيهِ الْحُكْمُ لِمَانِعٍ قَامَ بِهِ. فَهَذَا نَقْضٌ لِمَانِعٍ، فَيَقْدَحُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالْقَدْحِ بِالنَّقْضِ لِمَانِعٍ، وَإِلاَّ فَلا6. فَيَكُونُ مُخْتَارُ الْبَيْضَاوِيِّ قَدْحَ النَّوْعِ الأَوَّلِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ، وَعَدَمَ قَدْحِ النَّوْعِ الثَّانِي مُطْلَقًا؛ لاخْتِيَارِ جَوَازِ

_ 1 ساقطة من ض. 2 في ض: أيضاً على جواز التعليل. 3 المنهاج للبيضاوي مع شرحه نهاية السول 3/100. 4 في ش: المانع. 5 في ش ض: العلة. 6 ساقطة من ش.

التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ، وَأَنَّ1 النَّقْضَ لِمَانِعٍ غَيْرُ قَادِحٍ. وَمَتَى قِيلَ: إنَّ الْقَادِحَ فِي الْجَمْعِ لا يَحْتَاجُ إلَى دَلالَةٍ و2َأَصْلٍ كَالْجَمْعِ، كَانَتْ دَعْوَاهُ بِلا دَلِيلٍ. "وَإِنْ أَحَبَّ" الْمُعْتَرِضُ "إسْقَاطَهُ" أَيْ إسْقَاطَ ذَلِكَ "عَنْهُ3 طَالَبَ الْمُسْتَدِلَّ بِصِحَّةِ الْجَمْعِ". وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: صَبِيٌّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلا يُزَكِّي، كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَيَنْتَقِضُ4 بِعُشْرِ5 زَرْعِهِ وَالْفِطْرَةِ، فَسُؤَالٌ صَحِيحٌ. بِخِلافِ التَّفْرِقَةِ بِالْفِسْقِ بَيْنَ النَّبِيذِ وَالْخَمْرِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْعِلَّةِ. وَالثَّانِي6 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "اخْتِلافُ الضَّابِطِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ7".

_ 1 في ش: وعدم قدح النوع وأن. 2 ساقطة من ش. 3 في ز: منه. 4 في ب: فينقض. 5 في ش: بتعشير. 6 في ب ش ز: الحادي. 7 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "إرشاد الفحول ص 231، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/329، شرح العضد 2/276، منتهى السول والأمل ص 199، الإحكام للآمدي 4/139".

بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْتَرِضُ لِلْمُسْتَدِلِّ: فِي قِيَاسِكَ اخْتِلافُ1 الضَّابِطِ بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ. "كَ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "تَسَبَّبُوا بِالشَّهَادَةِ" إلَى الْقَتْلِ عَمْدًا "فَقِيدُوا" أَيْ فَلَزِمَهُمْ الْقَوَدُ "كَمُكْرَهٍ" عَلَى الْقَتْلِ. "فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ "ضَابِطُ الْفَرْعِ الشَّهَادَةُ، وَ" ضَابِطُ "الأَصْلِ الإِكْرَاهُ. فَلَمْ يَتَحَقَّقْ تَسَاوٍ" بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ. وَحَاصِلُ هَذَا السُّؤَالِ يَرْجِعُ إلَى مَنْعِ وُجُودِ الأَصْلِ فِي الْفَرْعِ. وَفِي شَرْحِ2 الْمُقْتَرَحِ3 لأَبِي الْعِزِّ4: حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ فِي قَبُولِهِ.

_ 1 في ز: اختلاف في. 2 في ش: الشرح. 3 في ض: المقترض. 4 في ش: المعز. وهو تصحيف. وأبو العز: هو تقي الدين مظفر بن عبد الله بن علي المصري الشافعي. قال السيوطي: "كان إماماً كبيراً، له التصانيف في الفقه والأصول والخلاف، ديّناً ورعاً، كثير الإفادة". وقد شرح كتاب "المقترح في المصطلح" للبروي شرحاً نفيساً، عُرف واشتهر به حتى صار يلقب بالتقي المقترح. ومن كتبه "الأسرار العقلية في الكلمات النبوية" و"شرح الإرشاد في أصول الدين للجويني". توفي سنة 612 هـ. وقد جاء في كشف الظنون وهدية العارفين أن كنيته أبو الفتح، والصواب أنها "أبو العز" كما قال المصنف وكما ذكر العلامة أبو علي عمر السكوني المتوفي سنة 717 هـ في كتابه "عيون المناظرات" ص 287 وغيره "انظر حسن المحاضرة للسيوطي 1/409، طبقات الشافعية للأسنوي 2/444، طبقات الشافعية لابن السبكي 8/372، كشف الظنون 2/1793، هدية العارفين 2/463، الوافي بالوفيات للصفدي 1/279، معجم المؤلفين 12/299".

قَالَ: وَمَدَارُ الْكَلامِ فِيهِ يَنْبَنِي عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِيَاسِ الْقَطْعُ1 بِالْجَامِعِ أَوْ ظَنُّ وُجُودِ الْجَامِعِ كَافٍ. وَيَنْبَنِي 2عَلَى ذَلِكَ2 الْقِيَاسُ فِي الأَسْبَابِ. فَمَنْ اعْتَبَرَ الْقَطْعَ مَنَعَ الْقِيَاسَ فِيهَا، إذْ3 لا يُتَصَوَّرُ عَادَةً الْقَطْعُ4 بِتَسَاوِي الْمَصْلَحَتَيْنِ. فَلا يَتَحَقَّقُ جَامِعٌ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ بِاعْتِبَارٍ يُثْبِتُ حُكْمَ السَّبَبِيَّةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَمَنْ اكْتَفَى5 بِالظَّنِّ صَحَّحَ6 ذَلِكَ إذْ7 يَجُوزُ تَسَاوِي الْمَصْلَحَتَيْنِ فَيَتَحَقَّقُ الْجَامِعُ، وَلا يَمْنَعُ8 الْقِيَاسَ. "وَجَوَابُهُ" أَيْ جَوَابُ الاعْتِرَاضِ بِاخْتِلافِ الضَّابِطِ "بَيَانُ أَنَّ الْجَامِعَ" بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ "التَّسَبُّبُ9 الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا" أَيْ بَيْنَ الأَصْلِ، وَهُوَ الإِكْرَاهُ وَالْفَرْعِ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَتْلِ "وَهُوَ" أَيْ التَّسَبُّبُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا "مَضْبُوطٌ عُرْفًا".

_ 1 في ش: من القطع. 2 في ض ب: ذلك على. 3 في ش ب ز: أو. 4 في ش: القدح. 5 في ش: النفى. 6 في ض: يصحح. 7 في ش: أن. 8 في ش: ولا يمتنع. 9 في ش: والتسبب.

"أَوْ" يُجِيبُ "بِأَنَّ إفْضَاءَهُ" أَيْ إفْضَاءَ الْمَقْصُودِ "فِي الْفَرْعِ مِثْلُهُ" فِي الأَصْلِ "أَوْ أَرْجَحُ" كَمَا لَوْ كَانَ أَصْلُ الْفَرْعِ الْمُغْرِي1 لِلْحَيَوَانِ بِجَامِعِ التَّسَبُّبِ فَإِنَّ2 انْبِعَاثَ الْوَلِيِّ عَلَى الْقَتْلِ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ التَّشَفِّي أَكْثَرُ مِنْ انْبِعَاثِ الْحَيَوَانِ بِالإِغْرَاءِ لِنُفْرَتِهِ مِنْ الإِنْسَانِ، وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِجَوَازِ الْقَتْلِ وَعَدَمِهِ. فَاخْتِلافُ أَصْلِ التَّسَبُّبِ لا يَضُرُّ، فَإِنَّهُ اخْتِلافُ أَصْلٍ وَفَرْعٍ. وَلا يُفِيدُ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ فِي جَوَابِهِ التَّفَاوُتَ فِي الضَّابِطِ مُلْغًى لِحِفْظِ النَّفْسِ، كَمَا أُلْغِيَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قَطْعِ الأُنْمُلَةِ وَقَطْعِ3 الرَّقَبَةِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ؛ لأَنَّ إلْغَاءَ4 التَّفَاوُتِ5 فِي صُورَةٍ لا يُوجِبُ6 عُمُومَهُ، كَإِلْغَاءِ الشَّرَفِ وَغَيْرِهِ دُونَ الإِسْلامِ وَالْحُرِّيَّةِ. "وَمِنْهُ" أَيْ وَمِنْ صُوَرِ الْقَدْحِ بِاخْتِلافِ الضَّابِطِ: قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ لِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى اللاَّئِطِ "أَوْلَجَ فِي فَرْجٍ مُشْتَهًى طَبْعًا مُحَرَّمٍ شَرْعًا7 فَحُدَّ كَزَانٍ".

_ 1 في ض ش: المعزى. 2 في ش: بجامع. 3 ساقطة من ض. 4 في ب ز: الإلغاء. 5 في ض: المتفاوت. وفي ب: للتفاوت. 6 في ض ب ز: لا توجب. 7 في ش: مشرعا.

"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ "حِكْمَةُ الْفَرْعِ: الصِّيَانَةُ عَنْ رَذِيلَةِ اللِّوَاطِ، وَ" حِكْمَةُ "الأَصْلِ: دَفْعُ مَحْذُورِ اشْتِبَاهِ الأَنْسَابِ. وَقَدْ يَتَفَاوَتَانِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ". "وَحَاصِلُهُ مُعَارَضَةٌ فِي الأَصْلِ، وَجَوَابُهُ بِحَذْفِهِ عَنْ الاعْتِبَارِ". الثَّالِثُ1 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "مُخَالَفَةُ حُكْمِ الْفَرْعِ لِحُكْمِ الأَصْلِ" بَعْدَ تَسْلِيمِ عِلَّةِ الأَصْلِ فِي الْفَرْعِ2. مِثَالُهُ: أَنْ يَقِيسَ الْمُسْتَدِلُّ النِّكَاحَ عَلَى الْبَيْعِ، أَوْ الْبَيْعَ عَلَى النِّكَاحِ فِي عَدَمِ3 الصِّحَّةِ بِجَامِعٍ4 فِي صُورَةٍ5، فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ، فَإِنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي الْبَيْعِ حُرْمَةُ الانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ، وَفِي النِّكَاحِ حُرْمَةُ الْمُبَاشَرَةِ. "وَجَوَابُهُ بِبَيَانِ اتِّحَادِ الْحُكْمِ عَيْنًا، كَصِحَّةِ الْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ، وَالاخْتِلافُ عَائِدٌ إلَى الْمَحَلِّ" يَعْنِي أَنَّ الْبُطْلانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. وَهُوَ

_ 1 في ب ز ش: الثاني 2 انظر كلام الأصوليين على هذا القادح في "إرشاد الفحول ص 231، شرح العضد 2/278، منتهى السول والأمل ص 199، الإحكام للآمدي 4/142". 3 ساقطة من ش. 4 في ز: لجامع. 5في ش: الصورة.

عَدَمُ تَرَتُّبِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا1 اخْتَلَفَ الْمَحَلُّ بِكَوْنِهِ بَيْعًا وَنِكَاحًا. وَاخْتِلافُ الْمَحَلِّ لا يُوجِبُ اخْتِلافَ مَا حَلَّ فِيهِ. "وَاخْتِلافُهُ" أَيْ اخْتِلافُ2 الْمَحَلِّ "شَرْطٌ فِيهِ" يَعْنِي أَنَّ اخْتِلافَ الْمَحَلِّ شَرْطٌ فِي الْقِيَاسِ ضَرُورَةً. فَكَيْفَ يُجْعَلُ شَرْطُهُ مَانِعًا مِنْهُ؟!. "أَوْ" يُجِيبُهُ بِبَيَانِ3 اتِّحَادِ الْحُكْمِ "جِنْسًا، كَقَطْعِ الأَيْدِي بِالْيَدِ، كَ" قَتْلِ "الأَنْفُسِ بِالنَّفْسِ" يَعْنِي أَنَّ قَطْعَ الأَيْدِي بِالْيَدِ مُقَاسٌ4 عَلَى قَتْلِ الأَنْفُسِ بِالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ. "وَتُعْتَبَرُ مُمَاثَلَةُ التَّعْدِيَةِ". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَتُعْتَبَرُ مُمَاثَلَةُ التَّعْدِيَةِ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ5 وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي ضَمِّ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ: كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ. فَالضَّمُّ فِي الأَصْلِ بِالأَجْزَاءِ، وَفِي الْفَرْعِ بِالْقِيمَةِ عِنْدَهُمْ6.

_ 1 في ش: وإن. 2 ساقطة من ض ب. 3 في ز: بيان. 4 في ز: يقاس. 5 انظر روضة الناظر ص 327. 6 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 48.

ثُمَّ لَمَّا نَصَرَ1 الْقَاضِي جَوَازَ قَلْبِ التَّسْوِيَةِ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ التَّسْوِيَةُ فَقَطْ، كَقِيَاسِ2 الْحَنَفِيَّةِ طَلاقَ الْمُكْرَهِ عَلَى الْمُخْتَارِ. فَيُقَالُ: فَيَجِبُ اسْتِوَاءُ حُكْمِ إيقَاعِهِ وَإِقْرَارِهِ، كَالْمُخْتَارِ. قَالَ3 فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ قِيَاسُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَذْكُورُ، وَمَنْ مَنَعَ هَذَا الْقَلْبَ لِتَضَادِّ حُكْمِ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ لَمْ يُجِزْهُ لاخْتِلافِهِمَا. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَصَارَ لَهُ قَوْلانِ: "وَإِنْ اخْتَلَفَ" الْحُكْمُ "جِنْسًا وَنَوْعًا كَ" قِيَاسِ "وُجُوبٍ عَلَى تَحْرِيمٍ، وَ" كَقِيَاسِ4 "نَفْيٍ عَلَى إثْبَاتٍ" أَيْ5 بِالْعَكْسِ. "فَ" قِيَاسٌ "بَاطِلٌ" وَذَلِكَ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا شُرِعَ لإِفْضَائِهِ إلَى مَقْصُودِ الْعَبْدِ، وَاخْتِلافُهُ مُوجِبٌ لِلْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا فِي الإِفْضَاءِ إلَى الْحِكْمَةِ. فَإِنْ كَانَ بِزِيَادَةٍ فِي إفْضَاءِ حُكْمِ الأَصْلِ إلَيْهَا: لَمْ يَلْزَمْ مِنْ شَرْعِهِ شَرْعُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ؛ لأَنَّ زِيَادَةَ6 الإِفْضَاءِ7 مَقْصُودَةٌ، وَيَمْتَنِعُ كَوْنُ حُكْمِ الْفَرْعِ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ، وَإِلاَّ كَانَ تَنْصِيصُ

_ 1 في ز: فسر. 2 في ش: لقياس. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: قياس. 5 في ش: أي. 6 في ش: الزيادة. 7 في ش: للإفضاء.

الشَّارِعِ عَلَيْهِ أَوْلَى. الرَّابِعُ1 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْقَلْبُ"2. وَهُوَ "تَعْلِيقُ نَقِيضِ الْحُكْمِ أَوْ لازِمِهِ" أَيْ لازِمِ نَقِيضِ الْحُكْمِ "عَلَى الْعِلَّةِ" الَّتِي يُبْدِيهَا الْمُسْتَدِلُّ لِيُثْبِتَ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْحُكْمَ "إلْحَاقًا بِالأَصْلِ" الْمَقِيسِ عَلَيْهِ. وَيُسَمَّى هَذَا الضَّرْبُ: قَلْبَ الْعِلَّةِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: يُسَمَّى قَلْبَ الدَّلِيلِ. وَسَيَأْتِي. فَقَلْبُ الْعِلَّةِ: بِأَنْ3 يُبَيِّنَ الْمُعْتَرِضُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ4 الْمُسْتَدِلُّ مِنْ الدَّلِيلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ لا لَهُ.

_ 1 في ب زش: الثالث. 2 انظر كلام الأصوليين على القلب في "المغني للخبازي ص 322، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 346، الكافية للجويني ص 217 وما بعدها، المعتمد 2/819، تيسير التحرير 4/160، المنخول ص 414، أصول السرخسي 2/238، التبصرة ص 475، اللمع ص 65، الوصول إلى مسائل الأصول 2/329، المسودة ص 445، المنهاج للباجي ص 174، مختصر الطوفي ص 169، الجدل لابن عقيل ص 62، روضة الناظر ص 344، فتح الغفار 3/45، المحصول 2/2/357، شرح تنقيح الفصول ص 401، مختصر البعلي ص 156، نشر البنود 2/220، الإحكام للآمدي 4/143، إرشاد الفحول ص 227، فواتح الرحموت 2/351، الإبهاج 3/82، نهاية السول 3/95، مناهج العقول 3/92، منتهى السول والأمل ص 200، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/311، شرح العضد 2/278، القياس الشرعي لأبي الحسين البصري 2/1040". 3 في ز: أن. 4 في ش: العلة ما ذكره.

"فَهُوَ نَوْعُ مُعَارَضَةٍ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا1، وَحُكِيَ عَنْ الأَكْثَرِ. وَقِيلَ: إفْسَادٌ. وَقِيلَ: تَسْلِيمٌ لِلصِّحَّةِ. "ثُمَّ" هُوَ أَنْوَاعٌ: نَوْعٌ "مِنْهُ قَلْبٌ لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ" أَيْ مَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ "مَعَ إبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ صَرِيحًا، كَ" قَوْلِهِ فِي "بَيْعِ فُضُولِيٍّ: عَقْدٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلا وِلايَةٍ2، فَلا يَصِحُّ كَالشِّرَاءِ" لَهُ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ، فَيَصِحُّ كَالشِّرَاءِ لِلْغَيْرِ. فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لِمَنْ اشْتَرَى لَهُ. وَنَوْعٌ مِنْهُ يَكُونُ قَلْبًا لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ مَعَ إبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِإِبْطَالِهِ. وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ غَيْرِهِ، كَ" قَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الصَّوْمِ فِي الاعْتِكَافِ "الاعْتِكَافُ لَبْثٌ مَحْضٌ" فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ. "فَلا يَكُونُ قُرْبَةً بِنَفْسِهِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ" وَغَرَضُهُ التَّعَرُّضُ لاشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِيهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ؛ لأَنَّهُ لا أَصْلَ لَهُ3 يَقِيسُهُ عَلَيْهِ.

_ 1 انظر المسودة ص 441، مختصر الطوفي ص 169، الجدل لابن عقيل ص 62، روضة الناظر ص 345، مختصر البعلي ص 157. 2 ساقطة من ش. 3 ساقطة من ش.

"فَيُقَالُ" أَيْ1 فَيَقُولُ الْحَنْبَلِيُّ2 أَوْ الشَّافِعِيُّ مُعْتَرِضًا: لَبْثٌ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ "فَلا يُعْتَبَرُ فِيهِ الصَّوْمُ، كَالْوُقُوفِ" بِعَرَفَةَ. وَنَوْعٌ مِنْهُ أَيْضًا، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَقَلْبٌ لإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ فَقَطْ" أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ، سَوَاءٌ كَانَ الإِبْطَالُ "صَرِيحًا كَ" قَوْلِهِ "الرَّأْسُ مَمْسُوحٌ3، فَلا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ كَالْخُفِّ". "فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ "فَلا يَتَقَدَّرُ" مَسْحُ الرَّأْسِ "بِالرُّبْعِ كَالْخُفِّ" فَفِي هَذَا الاعْتِرَاضِ نَفَى مَذْهَبَ الْمُسْتَدِلِّ صَرِيحًا، وَلَمْ يَثْبُتْ مَذْهَبُهُ لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ الاسْتِيعَابُ. كَمَا هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا4. "أَوْ" كَانَ الإِبْطَالُ "لُزُومًا، كَ" قَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي "بَيْعِ غَائِبٍ" مَجْهُولٍ "عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَيَصِحُّ مَعَ جَهْلِ الْمُعَوَّضِ5 كَالنِّكَاحِ".

_ 1 في ز: أو. 2 في ش: الحنفي. 3 في ش: ممسوحاً. 4 انظر الإفصاح لابن هبيرة 1/72، القوانين الفقهية لابن جزئ ص 35، بداية المجتهد 1/11، المغني لابن قدامة 1/125، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1/8. 5 في ش: العوض.

"فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: إنْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا ذَكَرْت "فَلا يُعْتَبَرُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَالنِّكَاحِ" فَثُبُوتُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لازِمٌ لِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ عِنْدَهُمْ. وَحَيْثُ كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ "فَإِذَا انْتَفَى اللاَّزِمُ انْتَفَى الْمَلْزُومُ. وَ" مِنْ أَنْوَاعِ الْقَلْبِ "قَلْبُ الْمُسَاوَاةِ" خِلافًا لِلْبَاقِلاَّنِيِّ وَالسَّمْعَانِيِّ "كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ "الْخَلُّ مَائِعٌ طَاهِرٌ مُزِيلٌ" أَيْ1 لِلْخَبَثِ "كَالْمَاءِ". "فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ لَهُ الْمُعْتَرِضُ: حَيْثُ كَانَ كَالْمَاءِ فَـ "يَسْتَوِي فِيهِ الْحَدَثُ وَالْخَبَثُ كَالْمَاءِ". وَمِنْ ذَلِكَ قِيَاسُ الْحَنَفِيَّةِ طَلاقَ2 الْمُكْرَهِ عَلَى طَلاقِ الْمُخْتَارِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: فَيَجِبُ اسْتِوَاءُ حُكْمِ إيقَاعِهِ وَإِقْرَارِهِ. كَالْمُخْتَارِ3.

_ 1 ساقطة من ز. 2 في ش: الطلاق. 3 مع أن الإقرار منه غير معتبر اتفاقاً، وقد أثبت القالب الملازمة بينهما. قال صاحب فواتح الرحموت بعد ذكر الأمثلة المفترضة من الحنفية في بيع الغائب وطلاق المكره والصوم في الاعتكاف 2/353: "واعلم أنه قال صاحب الكشف –أي عبد العزيز البخاري- هذه الأمثلة أوردها الشافعية فرْضاً لتمثيل الأقسام، لا أنها واقعية صدرت لإثبات المذهب. كيف لا، والأوصاف المذكورة فيها طردية غير مقبولة عندهم لقولهم بالتأثير، فافهم".

- "وَمِنْهُ" أَيْ وَ1مِنْ الْقَلْبِ نَوْعٌ آخَرُ، وَهُوَ "جَعْلُ مَعْلُولٍ عِلَّةً وَعَكْسُهُ 2" وَهُوَ جَعْلُ عِلَّةٍ مَعْلُولاً. قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: الْقَلْبُ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ: الأَوَّلُ3: الْحُكْمُ بِحُكْمٍ مَقْصُودٍ غَيْرِ4 حُكْمِ الْمُعَلِّلِ. وَالثَّانِي: قَلْبُ التَّسْوِيَةِ. وَالثَّالِثُ: يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ الْمَعْلُولَ عِلَّةً، وَالْعِلَّةَ مَعْلُولاً. "وَلا يُفْسِدُهَا" يَعْنِي أَنَّ5 جَعْلَ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَالْعِلَّةِ مَعْلُولاً لا يُفْسِدُ الْعِلَّةَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لا يَمْنَعُ الاحْتِجَاجَ بِهَا6، وَذَلِكَ "كَ" قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي ظِهَارِ الذِّمِّيِّ "مَنْ صَحَّ طَلاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ" كَالْمُسْلِمِ "وَعَكْسُهُ" أَيْ، وَمَنْ صَحَّ ظِهَارُهُ صَحَّ طَلاقُهُ "فَالسَّابِقُ" مِنْهُمَا "عِلَّةٌ لِلتَّالِي7". فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ8: أَجَعَلَ الْمَعْلُولَ عِلَّةً، وَالْعِلَّةَ مَعْلُولاً. وَأَقُولُ: الْمُسْلِمُ إنَّمَا صَحَّ طَلاقُهُ؛ لأَنَّهُ صَحَّ ظِهَارُهُ. وَمَتَى كَانَ

_ 1 ساقطة من ز. 2 في ش: وعكسه. 3 ساقطة من ز ب. 4 في ز: وغير. 5 ساقطة من ش. 6 انظر البرهان 2/1095، المسودة ص 446، المنهاج للباجي ص 177، الجدل لابن عقيل ص 63. 7 في ز: للثاني. 8 في ز: الحنفي المعترض.

الظِّهَارُ عِلَّةً لِلطَّلاقِ لَمْ يَثْبُتْ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ بِثُبُوتِ طَلاقِهِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ1 وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: إنَّ جَعْلَ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَعَكْسَهُ: مُفْسِدٌ لِلْعِلَّةِ. وَاسْتُدِلَّ لِعَدَمِ الإِفْسَادِ: بِأَنَّ2 عِلَلَ الشَّرْعِ أَمَارَاتٌ عَلَى الأَحْكَامِ بِجَعْلِ جَاعِلٍ وَنَصْبِ نَاصِبٍ، وَهُوَ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الشَّرْعِ: مَنْ صَحَّ طَلاقُهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ يَصِحُّ ظِهَارُهُ وَمَنْ صَحَّ ظِهَارُهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ يَصِحُّ طَلاقُهُ3، فَأَيُّهُمَا ثَبَتَ عَنْهُ صِحَّةُ4 أَحَدِهِمَا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الآخَرِ مِنْهُ. وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِأَنَّ جَعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا عِلَّةً لِلآخَرِ: يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ دُونَ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِجَوَازِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِعِلَلٍ مُتَعَدِّدَةٍ. "وَزِيدَ" أَيْ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي صُورَةِ الْقَلْبِ "قَلْبُ الدَّعْوَى، مَعَ إضْمَارِ الدَّلِيلِ فِيهَا" أَيْ فِي الدَّعْوَى "كَكُلِّ مَوْجُودٍ مَرْئِيٌّ".

_ 1 انظر أصول الشاشي في عمدة الحواشي ص349، فتح الغفار 3/45، فواتح الرحموت 2/351. 2 في ز: أن. وفي ب: وأن. 3 ساقطة من ش. 4 في ز ب: منه.

"فَيُقَالُ: كُلُّ مَا لَيْسَ فِي جِهَةٍ لَيْسَ مَرْئِيًّا، وَكَوْنُهُ لا فِي جِهَةٍ دَلِيلُ مَنْعِهَا". "أَوْ مَعَ عَدَمِهِ" أَيْ عَدَمِ إضْمَارِ الدَّلِيلِ "كَشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ فَيَقْلِبُهُ". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: أَمَّا قَلْبُ الدَّعْوَى مَعَ إضْمَارِ الدَّلِيلِ فِيهَا، فَمِثْلُ " كُلُّ مَوْجُودٍ مَرْئِيٌّ ". فَيُقَالُ: كُلُّ مَا لَيْسَ فِي جِهَةٍ لَيْسَ مَرْئِيًّا فَدَلِيلُ الرُّؤْيَةِ الْوُجُودُ، وَكَوْنُهُ لا فِي جِهَةٍ دَلِيلُ مَنْعِهَا وَمَعَ عَدَمِ إضْمَارِهِ، مِثْلُ: شُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ فَيَقْلِبُهُ. فَيُقَالُ: شُكْرُ الْمُنْعِمِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِذَاتِهِ اهـ. "وَ" زِيدَ أَيْضًا "قَلْبُ الاسْتِبْعَادِ كَالإِلْحَاقِ" أَيْ إلْحَاقِ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ. وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ: لَوْ ادَّعَى اللَّقِيطَ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ بِلا بَيِّنَةٍ، وَلَمْ تُوجَدْ قَافَةٌ1. وَقُلْنَا: إنَّهُ يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إلَى مَنْ شَاءَ مِمَّنْ ادَّعَاهُ. فَيُعْتَرَضُ بِأَنْ يُقَالَ "تَحْكِيمُ الْوَلَدِ فِيهِ" أَيْ فِي النَّسَبِ "تَحَكُّمٌ2 بِلا دَلِيلٍ".

_ 1 في ز: يوجد. 2 في ش: تحكيم.

"فَيُقَالُ" جَوَابًا لِذَلِكَ "تَحْكِيمُ الْقَائِفِ" أَيْضًا "تَحَكُّمٌ1 بِلا دَلِيلٍ". وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِنْ الْقَلْبِ هُوَ "قَلْبُ الدَّلِيلِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ2 لا لَهُ" وَقَلَّ أَنْ يَتَّفِقَ لِهَذَا مِثَالٌ فِي الأَقْيِسَةِ. وَأَمَّا مِثَالُهُ مِنْ الْمَنْصُوصِ3 فَـ "كَـ" قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ لِتَوْرِيثِ ذَوِي الأَرْحَامِ فِي تَوْرِيثِ الْخَالِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ" 4 فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَيْك لا لَك. فَإِنَّهُ "يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَرِثُ بِطَرِيقٍ أَبْلَغَ؛ لأَنَّهُ نَفْيٌ عَامٌّ، كَ" مَا يُقَالُ "الْجُوعُ زَادُ مَنْ لا زَادَ لَهُ" وَالصَّبْرُ حِيلَةُ مَنْ لا حِيلَةَ لَهُ، وَلَيْسَ الْجُوعُ زَادًا، وَلا الصَّبْرُ حِيلَةً. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ: وَقَوْلُهُ "وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ5" -

_ 1 في ش: تحكيم. 2 في ز: على. 3 في: المنصوص. 4 الحديث أخرجه أبو داود عن المقدام بن معد يكرب والترمذي وابن ماجة عن عمر بن الخطاب. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقد صححه الحاكم وابن حبان. "انظر بذل المجهود 13/173، عارضة الأحوذي 8/255، سنن ابن ماجة 2/914، كشف الخفا 1/447". 5 ساقطة من ض.

يَنْفِي إرْثَهُ1. فَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ كُلِّ وَارِثٍ سِوَى الْخَالِ: بَطَلَ بِإِرْثِ2 الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ كُلِّ وَارِثٍ عَصَبَةً: فَلا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِ الْخَالِ بِالذِّكْرِ، دُونَ بَقِيَّةِ ذَوِي الأَرْحَامِ وَيُشْبِهُ فَسَادَ الْوَضْعِ اهـ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَيْسَ بِمِثَالٍ جَيِّدٍ. الْخَامِسُ3 وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْقَوَادِحِ: "الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ4" أَيْ بِمَا أَوْجَبَهُ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ وَاقْتَضَاهُ. وَهُوَ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبِالْكَسْرِ: نَفْسُ الدَّلِيلِ؛ لأَنَّهُ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ

_ 1 ساقطة من ز. 2 في ض: بالارث. 3 في ب ش ز: الرابع. 4 انظر كلام الأصوليين على القول بالموجب في "شرح العضد 2/279، منتهى السول والأمل ص 200، البرهان 2/973، الكافية للجويني ص 161 وما بعدها، المنهاج للباجي 173، الجدل لابن عقيل ص 60 وما بعدها، روضة الناظر ص 350، مختصر الطوفي ص 172، مختصر البعلي ص 159، الإحكام للآمدي 4/151، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 346، الإبهاج 3/85، المغني للخبازي ص 351، المعتمد 2/821، شرح تنقيح الفصول ص 402، تيسير التحرير 4/124، فتح الغفار 3/41، المنخول ص 402، التلويح على التوضيح 2/622، كشف الأسرار 4/103، فواتح الرحموت 2/356، إرشاد الفحول ص 228، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/316، نهاية السول 3/98، مناهج العقول 3/97، نشر البنود 2/225، المحصول 2/2/365".

وَالْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ هُوَ "تَسْلِيمُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ" فِي الْحُكْمِ. وَشَاهِدُ ذَلِكَ مِنْ1 الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} 2 جَوَابًا لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ3 أَوْ غَيْرِهِ {لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} 4 فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ صِفَةً - وَهِيَ الْعِزَّةُ - وَأَثْبَتَ بِهَا حُكْمًا - وَهُوَ الإِخْرَاجُ مِنْ الْمَدِينَةِ - رُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ5 ثَابِتَةٌ، لَكِنْ لا6 لِمَنْ أَرَادَ ثُبُوتَهَا7 لَهُ، فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ لِغَيْرِهِ، بَاقِيَةٌ عَلَى اقْتِضَائِهَا لِلْحُكْمِ، وَهُوَ الإِخْرَاجُ. فَالْعِزَّةُ مَوْجُودَةٌ، لَكِنْ لا لَهُ، بَلْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.

_ 1 في ش: في. 2 الآية 8 من المنافقون. انظر روايات أسباب نزولها في جامع البيان للطبري 28/72 وما بعدها. 3 هو عبد الله بن أُبيّ بن مالك بن الحارث الخزرجي، وسلول أمه، كان رأس المنافقين في الإسلام من أهل المدينة، أظهر إسلامه بعد وقعة بدر تقيّة، وكان كلما حلّت بالمسلمين نازلة شمت بهم، وكلما سمع بسيئة نشرها، نزل في ذمّه آيات كثيرة، توفي سنة تسع من الهجرة، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكفّنه في قميصه قبل النهي عن الصلاة على المنافقين. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/360، طرح التثريب1/63، المحبر لابن حبيب ص 233، الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ق 2 ص 60". 4 الآية 8 من المنافقون. 5 ساقطة من ض. 6 ساقطة من ش ض ب. 7 في ش ض: غير ثبوتها.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا1: شِعْرًا2: وَإِخْوَانٍ حَسِبْتُهُمْ دُرُوعًا ... فَكَانُوهَا وَلَكِنْ لِلأَعَادِي وَخِلْتُهُمْ سِهَامًا صَائِبَاتٍ ... فَكَانُوهَا وَلَكِنْ فِي فُؤَادِي وَقَالُوا قَدْ صَفَتْ مِنَّا قُلُوبٌ ... لَقَدْ صَدَقُوا وَلَكِنْ مِنْ وِدَادِي وَقَوْلُ الآخَرِ3: قُلْت ثَقَّلْتُ إذْ4 أَتَيْتُ مِرَارًا ... قَالَ ثَقَّلْتَ كَاهِلِي بِالأَيَادِي وَالْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ نَوْعٌ مِنْ بَدِيعِ الْكَلامِ5 "وَأَنْوَاعُ ثَلاثَةٌ": الأَوَّلُ: "أَنْ يَسْتَنْتِجَ مُسْتَدِلٌّ" مِنْ الدَّلِيلِ "مَا يَتَوَهَّمُهُ مَحَلَّ

_ 1 الأبيات لعلي بن فضّال بن علي المُجاشعي القيرواني، إمام اللغة والنحو والتفسير والسير، المتوفى سنة 479 هـ، نسبها له ياقوت في معجم الأدباء 14/94 والحافظ ابن حجر في لسان الميزان 4/249، والسيوطي في بغية الوعاة 2/183، وطبقات المفسرين ص 25، وهي من شواهد القزويني في الإيضاح ص 534. وتتمة الأبيات: وقالوا قدْ سعَينا كل سعيٍ لقد صدَقوا، ولكن في فسَادِي. انظر معاهد التنصيص 3/186. 2 ساقطة من ش. وفي ب: قول الشاع. 3 ذكر العباسي في معاهد التنصيص 3/180 أن هذا البيت منسوب لابن الحجاح، غير أنه لم يره في ديوانه ثم حكى أن ابن الجوزي صاحب مرآة الزمان نسبة لمحمد بن إبراهيم الأسدي. وهو من شواهد القزويني في الإيضاح ص 533. 4 في ز ض: إذا. 5 انظر معاهد التنصيص 3/181، الإيضاح للقزويني ص 532-535.

النِّزَاعِ أَوْ لازِمَهُ" أَيْ لازِمَ مَحَلِّ النِّزَاعِ "كَ1" قَوْلِهِ "الْقَتْلُ بِمُثَقَّلٍ قَتْلٌ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَلا يُنَافِي الْقَوَدَ كَمُحَدَّدٍ" وَكَالْقَتْلِ بِالإِحْرَاقِ. "فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ "عَدَمُ الْمُنَافَاةِ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ، وَلا لازِمَهُ" أَيْ لازِمَ مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَأَنَا أَقُولُ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَلا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَيَّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ. النَّوْعُ الثَّانِي: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ إبْطَالَ مَا يَتَوَهَّمُهُ" يَعْنِي: أَنْ يَسْتَنْتِجَ إبْطَالَ مَا يَتَوَهَّمُهُ "مَأْخَذَ الْخَصْمِ، كَ" قَوْلِهِ أَيْضًا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ "التَّفَاوُتُ فِي الْوَسِيلَةِ لا يَمْنَعُ الْقَوَدَ، كَ" التَّفَاوُتِ فِي "مُتَوَسَّلٍ2 إلَيْهِ3". "فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْخَصْمُ: أَنَا أَقُولُ بِمُوجَبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ "لا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِ مَانِعٍ4" وَهُوَ كَوْنُ التَّفَاوُتِ فِي الْوَسِيلَةِ غَيْرَ مَانِعٍ "عَدَمُ كُلِّ مَانِعٍ" فَيَجُوزُ أَنْ لا يَجِبَ الْقَوَدُ لِمَانِعٍ آخَرَ "وَ" لا يَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا "وُجُودُ5 الشَّرْطِ" لِلْقَوَدِ "وَ" لا وُجُودُ "الْمُقْتَضِي" لَهُ. "وَيُصَدَّقُ مُعْتَرِضٌ إنْ قَالَ: لَيْسَ ذَا" أَيْ مَا تَذْهَبُ إلَيْهِ

_ 1 في ز: لـ. 2 في ز: توسل. وفي ش: المتوسل. 3 كأنواع الجراحات القاتلة، فإنه لا يمنعه وفاقاً. "مناهج العقول 3/98". 4 في ز: المانع. 5 في ش: جود.

"مَأْخَذِي" أَيْ مَأْخَذَ إمَامِي عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ إمَامِهِ. ثُمَّ لَوْ لَزِمَهُ إبْدَاءُ الْمَأْخَذِ: فَإِنْ مُكِّنَ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ إبْطَالِهِ صَارَ1 مُعْتَرِضًا، وَإِلاَّ فَلا فَائِدَةَ. وَقِيلَ: لا يُصَدَّقُ مُعْتَرِضٌ فِي قَوْلِهِ " لَيْسَ ذَا مَأْخَذِي " إلاَّ بِبَيَانِ مَأْخَذٍ آخَرَ. وَقِيلَ: يُمَكَّنُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ إبْطَالِهِ، فَإِنْ أَبْطَلَهُ الْمُسْتَدِلُّ، وَإِلاَّ انْقَطَعَ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَأَكْثَرُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ2 هَذَا الْقِسْمِ3، أَيْ4 الَّذِي يُسْتَنْتَجُ فِيهِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَأْخَذُ الْخَصْمِ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ5، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَكْثَرَ لِخَفَاءِ الْمَآخِذِ، وَقِلَّةِ الْعَارِفِينَ بِهَذَا6، وَ7الْمُطَّلِعِينَ عَلَى أَسْرَارِهَا، بِخِلافِ مَحَالِّ الْخِلافِ، فَإِنَّ

_ 1 في ض: كان. 2 في ش: بموجب. 3 منتهى السول والأمل ص 201، مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/279. 4 ساقطة من ب. 5 في ز: ذلك. 6 كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب بها. 7 في ش ب: أو.

ذَلِكَ مَشْهُورٌ فَكَمْ مَنْ يَعْرِفُ مَحَلَّ الْخِلافِ، وَلَكِنْ لا يَعْرِفُ الْمَأْخَذَ. النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ1 أَنْ يَسْكُتَ" الْمُسْتَدِلُّ "فِي دَلِيلِهِ عَنْ صُغْرَى قِيَاسِهِ. وَلَيْسَتْ" صُغْرَى قِيَاسِهِ "مَشْهُورَةً، كَ" قَوْلِ الْحَنْبَلِيِّ أَوْ الشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ "كُلُّ قُرْبَةٍ شَرْطُهَا النِّيَّةُ، وَيَسْكُتُ" عَنْ أَنْ يَقُولَ "وَالْوُضُوءُ قُرْبَةٌ". "فَيُقَالُ" أَيْ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا مُسَلَّمٌ "أَقُولُ بِمُوجَبِهِ2، وَلا يُنْتِجُ" ذَلِكَ مَا أَرَادَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ كَوْنِ الْوُضُوءِ3 قُرْبَةً. "وَلَوْ4 ذَكَرَهَا" أَيْ ذَكَرَ الْمُسْتَدِلُّ صُغْرَى قِيَاسِهِ5 "لَمْ يُرِدْ" الْمُعْتَرِضُ "إلاَّ مَنْعَهَا" بِأَنْ يَقُولَ: لا أُسَلِّمُ أَنَّ الْوُضُوءَ6 قُرْبَةٌ7. وَيُشْتَرَطُ فِي صُغْرَى الْقِيَاسِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا: أَنْ تَكُونَ غَيْرَ

_ 1 في ض ش: و. 2 أي أن القربة يشترط فيها النية، ولا يلزم اشتراطها في الوضوء، لأن المقدمة الواحدة لا تنتج. "نشر البنود 2/228". 3 في ض: الوصف. 4 ساقطة من ش. 5 في ش: قياسه "ولم أذكرها" بأن يقول: لا أسلم. أي ذكر المستدل صغرى قياسه. 6 في ض: الوصف. 7 بل هو للنظافة ولا قربة فيه. وهذا الإيراد خارج عن القول بالموجَب، لأن القول بالموجَب تسليم للدليل، وهذا منع له. "حاشية البناني 2/318".

مَشْهُورَةٍ1، أَمَّا لَوْ كَانَتْ مَشْهُورَةً2: فَإِنَّهَا تَكُونُ كَالْمَذْكُورَةِ، فَيُمْنَعُ3 وَلا يَأْتِي4 بِالْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ5. "وَجَوَابُ" النَّوْعِ "الأَوَّلِ: بِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ أَوْ لازِمُهُ" أَيْ لازِمُ مَحَلِّ النِّزَاعِ. كَمَا لَوْ قَالَ حَنْبَلِيٌّ أَوْ شَافِعِيٌّ: لا يَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ6 قِيَاسًا عَلَى الْحَرْبِيِّ. فَيُقَالُ: بِالْمُوجَبِ؛ لأَنَّهُ يَجِبُ قَتْلُهُ بِهِ، وَقَوْلُكُمْ " لا يَجُوزُ " نَفْيٌ لِلإِبَاحَةِ الَّتِي مَعْنَاهَا اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ، وَنَفْيُهَا لَيْسَ نَفْيًا لِلْوُجُوبِ وَلا مُسْتَلْزِمًا لَهُ. فَيَقُولُ الْحَنْبَلِيُّ7: الْمَعْنِيُّ بِ8 " لا يَجُوزُ " تَحْرِيمُهُ، وَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ نَفْيُ الْوُجُوبِ لاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ. "وَجَوَابُ" النَّوْعِ "الثَّانِي: بِأَنْ يُبَيِّنَ"فِي الْمُسْتَنْتَجِ"أَنَّهُ

_ 1 في ز: مشهودة. وهو تصحيف. 2 قال في نشر البنود 2/228: "والمشهورة: ما كانت ضرورية أو متفقاً عليها بين الخصمين". 3 أي فيكون له حينئذ منع الصغرى فقط، ولا يتأتى فيها القول بالموجَب. 4 في ش ز: ولا يؤتى. 5 في ش: الموجب. 6 في ش: بالذمي كالحربي. 7 في ش: الحنفي. 8 ساقطة من ز.

الْمَأْخَذُ لِشُهْرَتِهِ" بِالنَّقْلِ عَنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ. "وَجَوَابُ" النَّوْعِ "الثَّالِثِ: بِجَوَازِ الْحَذْفِ" لإِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْمَحْذُوفِ، وَالْمَحْذُوفُ مُرَادٌ وَمَعْلُومٌ فَلا يَضُرُّ حَذْفُهُ، وَالدَّلِيلُ هُوَ الْمَجْمُوعُ لا الْمَذْكُورُ وَحْدَهُ. وَكُتُبُ الْفِقْهِ مَشْحُونَةٌ بِذَلِكَ. "وَيُجَابُ فِي الْكُلِّ" أَيْ فِي الأَنْوَاعِ الثَّلاثَةِ "بِقَرِينَةٍ أَوْ عَهْدٍ وَنَحْوِهِ".

"فَائِدَةٌ" كَوْنُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ قَادِحًا فِي الْعِلَّةِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الآمِدِيُّ1 وَالْهِنْدِيُّ، وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ تَسْلِيمُ مُوجَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ الدَّلِيلِ، وَأَنَّهُ لا يَرْفَعُ الْخِلافَ عَلِمْنَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِدَلِيلِ الْحُكْمِ. وَنَازَعَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا2 يُخْرِجُ لَفْظَ3 الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ عَنْ4 إجْرَائِهِ عَلَى قَضِيَّتِهِ، بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ5 تَسْلِيمٌ لَهُ، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلامُ الْجَدَلِيِّينَ، وَإِلَيْهِمْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ لا يَتَّجِهُ عَدُّهُ مِنْ مُبْطِلاتِ الْعِلَّةِ6. اهـ.

_ 1 الإحكام في أصول الأحكام 4/151. 2 في الإبهاج: هذا التقرير. 3 ساقطة من ش. 4 في ز: عند. 5 في الإبهاج: بموجب الدليل. 6 الإبهاج شرح المنهاج 3/85.

وَنُقِلَ عَنْ الْجَدَلِيِّينَ أَنَّ1 فِي الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ انْقِطَاعًا لأَحَدِ الْمُتَنَاظِرَيْنِ؛ لأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ إنْ أَثْبَتَ مَا ادَّعَاهُ انْقَطَعَ الْمُعْتَرِضُ، وَمَا قَالُوهُ صَحِيحٌ فِي الْقِسْمَيْنِ الأَوَّلَيْنِ2، وَهُوَ بَعِيدٌ فِي الْقِسْمِ3 الثَّالِثِ؛ لاخْتِلافِ الْمُرَادَيْنِ؛ لأَنَّ مُرَادَ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ الصُّغْرَى - وَإِنْ كَانَتْ مَحْذُوفَةً لَفْظًا - فَإِنَّهَا مَذْكُورَةٌ تَقْدِيرًا وَالْمَجْمُوعُ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ4. وَمُرَادُ الْمُعْتَرِضِ: أَنَّ الْمَذْكُورَ لَمَّا كَانَتْ الْكُبْرَى وَحْدَهَا، وَهِيَ لا تُفِيدُ الْمَطْلُوبَ تَوَجَّهَ الاعْتِرَاضُ. "وَ" مِثَالُ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ "فِي الإِثْبَاتِ كَ " الْخَيْلُ حَيَوَانٌ يُسَابَقُ عَلَيْهِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَإِبِلٍ ". فَيُقَالُ بِمُوجَبِهِ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ" أَيْ بِمُوجَبِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَيْلِ إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ. وَالنِّزَاعُ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ وَدَلِيلُكُمْ إنَّمَا أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْجُمْلَةِ5، فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ زَكَاةَ الْعَيْنِ فَلَيْسَ هَذَا قَوْلاً6 بِالْمُوجَبِ.

_ 1 في ز: بأن. 2 في ض: الأوليين. 3 ساقطة من ض ب. 4 انظر "تيسير التحرير 4/126، شرح العضد 2/278، منتهى السول والأمل ص 201، فواتح الرحموت 2/357، مناهج العقول 3/99". 5 أي إن السائل يقول: أقول بموجب هذه العلة. فإن الزكاة واجبة عندي في الخيل إذا كانت للتحارة. فإيجاب الزكاة من حيث الجملة أقول به، إنما النزاع في إيجاب الزكاة في رقابها من حيث هي خيل، فيسلِّم ما اقتضته العلة دون أن يضره ذلك في صورة النزاع. "شرح تنقيح الفصول ص 402". 6 في ض: قول.

"فَيُجَابُ فَاللاَّمُ الْعَهْدِ1"؛ لأَنَّ الْعَهْدَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجِنْسِ وَالْعُمُومِ "وَالسُّؤَالُ عَنْ زَكَاةِ السَّوْمِ" فَالْعِلَّةُ لَيْسَتْ مُنَاسِبَةً لِزَكَاةِ التِّجَارَةِ إنَّمَا الْمُنَاسِبُ الْمُقْتَضِي هُوَ النَّمَاءُ الْحَاصِلُ2. "وَيَصِحُّ" هَذَا الْمِثَالُ "فِي قَوْلٍ" جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ3 وَغَيْرِهَا. "وَلا يَصِحُّ فِي آخَرَ"، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَاضِحِ لِوُجُودِ4 اسْتِقْلالِ الْعِلَّةِ بِلَفْظِهَا. "خَاتِمَةٌ": فِي تَعَدُّدِ الاعْتِرَاضَاتِ وَتَرْتِيبِهَا وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ "تَرِدُ الأَسْئِلَةُ5 عَلَى قِيَاسِ الدَّلالَةِ إلاَّ مَا تَعَلَّقَ بِمُنَاسَبَةِ الْجَامِعِ"؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ فِيهِ "وَكَذَا قِيَاسٌ فِي مَعْنَى الأَصْلِ". "وَلا يَرِدُ عَلَيْهِ" أَيْضًا6 "مَا تَعَلَّقَ بِنَفْسِ الْجَامِعِ" لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِيهِ. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَتَبِعَهُ فِي التَّحْرِير.

_ 1 أي طريق المستدل في الدفع أن يقول: النزاع في زكاة العين، وقد عرفنا الزكاة بالألف واللام في سياق الكلام، فينصرف الكلام إلى موضع الخلاف ومحل الفتيا. "روضة الناظر ص 351". 2 انظر الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل ص 61. 3 روضة الناظر ص 351. 4 في ش ز: لوجوب. 5 في ش: وكذا قياس. 6 ساقطة من ض ب.

"وَمُنِعَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عِنْدَ الأَكْثَرِ "تَعَدُّدُ اعْتِرَاضَاتٍ" عَلَى الْمُسْتَدِلِّ "مُرَتَّبَةٍ"؛ لأَنَّ فِي تَعَدُّدِهَا1 تَسْلِيمًا لِلْمُقَدَّمِ؛ لأَنَّ الْمُعْتَرِضَ إذَا طَالَبَهُ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ بَعْدَ أَنْ مَنَعَ وُجُودَ الْوَصْفِ فَقَدْ نَزَلَ عَنْ الْمَنْعِ وَسَلَّمَ وُجُودَ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْمُقَدَّمُ؛ لأَنَّهُ لَوْ أَصَرَّ عَلَى مَنْعِ وُجُودِ2 الْوَصْفِ لَمَّا طَالَبَهُ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ؛ لأَنَّ تَأْثِيرَ مَا لا وُجُودَ لَهُ مُحَالٌ، فَلا يَسْتَحِقُّ الْمُعْتَرِضُ غَيْرَ جَوَابِ3 الأَخِيرِ، فَيَتَعَيَّنُ الأَخِيرُ لِلْوُرُودِ4 فَقَطْ. وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ5: لَوْ أَوْرَدَ النَّقْضَ6 ثُمَّ مَنَعَ وُجُودَ الْعِلَّةِ: لَمْ يُقْبَلْ، لِتَسْلِيمِهِ لِلْمُتَقَدِّمِ. وَعِنْدَ الأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ وَالْفَخْرِ إسْمَاعِيلَ وَالآمِدِيِّ7 وَابْنِ الْحَاجِبِ8 وَمَنْ وَافَقَهُمْ9: لا يُمْنَعُ التَّعَدُّدُ فِي

_ 1 في ش: ترتبها. 2 ساقطة من ض. 3 في ض: وجوب. 4 في ز: المورود. 5 ساقطة من ض د. 6 في ض: النص. وفي ب: بالنقض. 7 الإحكام في أصول الأحكام 4/159. 8 منتهى السول والأمل ص 202، مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/280. 9 انظر فواتح الرحموت 2/358، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/329.

الْمُرَتَّبَةِ؛ لأَنَّ تَسْلِيمَ الْمُتَقَدِّمِ تَسْلِيمٌ تَقْدِيرِيٌّ، إذْ مَعْنَاهُ: لَوْ سُلِّمَ وُجُودُ الْوَصْفِ فَلا نُسَلِّمُ تَأْثِيرَهُ. وَالتَّسْلِيمُ التَّقْدِيرِيُّ: لا يُنَافِي الْمَنْعَ، بِخِلافِ التَّسْلِيمِ تَحْقِيقًا. قَالَ الْهِنْدِيُّ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ: وَهُوَ الْحَقُّ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْمُصَنَّفَاتِ1. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَتَرَتَّبُ الأَسْئِلَةُ، فَيُقَدَّمُ الاسْتِفْسَارُ ثُمَّ فَسَادُ الاعْتِبَارِ، ثُمَّ الْوَضْعُ، ثُمَّ مَا تَعَلَّقَ بِالأَصْلِ، ثُمَّ الْعِلَّةُ، ثُمَّ الْفَرْعُ. وَيُقَدَّمُ النَّقْضُ عَلَى الْمُعَارَضَةِ2. وَأَوْجَبَ ابْنُ الْمَنِيّ تَرْتِيبَ الأَسْئِلَةِ، فَاخْتَارَ فَسَادَ الْوَضْعِ، ثُمَّ الاعْتِبَارَ، ثُمَّ الاسْتِفْسَارَ، ثُمَّ الْمَنْعَ، ثُمَّ الْمُطَالَبَةَ، وَهُوَ مَنْعُ الْعِلَّةِ فِي الأَصْلِ، ثُمَّ الْفَرْقَ، ثُمَّ النَّقْضَ، ثُمَّ الْقَوْلَ بِالْمُوجَبِ، ثُمَّ الْقَلْبَ، ثُمَّ رَدَّ التَّقْسِيمَ إلَى الاسْتِفْسَارِ، أَوْ الْفَرْقِ3. وَإِنَّمَا قَدَّمَ الاسْتِفْسَارَ، لأَنَّ مَنْ لا يَعْرِفُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ لا يَعْرِفُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ. ثُمَّ فَسَادُ الاعْتِبَارِ؛ لأَنَّهُ نَظَرٌ فِي فَسَادِ الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَهُوَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي تَفْصِيلِهِ. ثُمَّ فَسَادُ

_ 1 ساقطة من د ض. 2 انظر إرشاد الفحول ص 234، نشر البنود 2/243. 3 ساقطة من ض.

الْوَضْعِ1؛ لأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ فَسَادِ الاعْتِبَارِ، وَالنَّظَرُ فِي الأَعَمِّ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّظَرِ فِي الأَخَصِّ. ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَصْلِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الأَصْلِ، ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَرْعِ؛ لأَنَّ الْفَرْعَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلَّةِ، وَيُقَدَّمُ2 النَّقْضُ عَلَى الْمُعَارَضَةِ؛ لأَنَّ النَّقْضَ يُورَدُ لإِبْطَالِ الْعِلَّةِ، وَالْمُعَارَضَةُ تُورَدُ لاسْتِقْلالِهَا، وَالْعِلَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى اسْتِقْلالِهَا3. "وَ" لا يُمْنَعُ تَعَدُّدُ اعْتِرَاضَاتٍ "غَيْرِ مُرَتَّبَةٍ، وَلَوْ" كَانَتْ "مِنْ أَجْنَاسٍ"4. قَالَ الطُّوفِيُّ: وَتَرْتِيبُ الأَسْئِلَةِ -وَهُوَ جَعْلُ كُلِّ سُؤَالٍ فِي رُتْبَتِهِ عَلَى وَجْهٍ لا يُفْضِي بِالتَّعَرُّضِ إلَى الْمَنْعِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ- أَوْلَى اتِّفَاقًا؛ لأَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ قَبِيحٌ، فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ: أَنْ يَكُونَ التَّحَرُّزُ5 مِنْهُ6 أَوْلَى. فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ نَفْيًا لِلْقُبْحِ الْمَذْكُورِ، وَنَفْيُ الْقُبْحِ وَاجِبٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ، نَظَرًا إلَى أَنَّ كُلَّ سُؤَالٍ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، وَجَوَابُهُ مُرْتَبِطٌ بِهِ. فَلا فَرْقَ إذَا7 بَيَّنَ تَقَدُّمَهُ

_ 1 في ض: الوضع لأنه نظر في فساد الوضع. 2 في ش: ويقوم. 3 في ز: متقدمة. 4 انظر فواتح الرحموت 2/357، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/329. 5 في ش: التجوز. 6 في ش: عنه. 7 ساقطة من ض.

وَتَأَخُّرَهُ. اهـ. "وَ" حَيْثُ جَازَ التَّعَدُّدُ فَإِنَّهُ "يَكْفِي جَوَابُ آخِرِهَا". قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْمُنَى وَجُمْهُورُ الْجَدَلِيِّينَ: إنَّهُ لا يُطَالِبُهُ بِطَرْدِ دَلِيلٍ1 إلاَّ بَعْدَ تَسْلِيمِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ دَلالَتِهِ فَلا يَنْقُضُهُ مَنْ سَلَّمَهُ2 فَلا يُقْبَلُ الْمَنْعُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. اهـ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَسْئِلَةِ الْجَدَلِ وَأَسْئِلَةِ الاسْتِرْشَادِ، لا الْغَلَبَةِ وَالاسْتِزْلالِ3، وَالْوَاجِبُ رَدُّ الْجَمِيعِ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ4 كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ؛ وَإِلاَّ فَلَهُمْ مِنْ الْحِيَلِ وَالاصْطِلاحِ الْفَاسِدِ أَوْضَاعٌ، كَمَا لِلْفُقَهَاءِ وَالْحُكَّامِ فِي الْجَدَلِ الْحُكْمِيِّ أَوْضَاعٌ. وَضَابِطُ الْمَنْعِ فِي الدَّلِيلِ عِنْدَ أَهْلِ الْجَدَلِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِمُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ قَبْلَ التَّمَامِ أَوْ بَعْدَهُ. و5َالأَوَّلُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدًا عَنْ الْمُسْتَنَدِ6، أَوْ مَعَ الْمُسْتَنَدِ7، وَهُوَ الْمُنَاقَضَةُ8، فَهِيَ مَنْعُ مُقَدِّمَةٍ مِنْ الدَّلِيلِ،

_ 1 في ض ب: لا يطالبه أي غصب منصب التعليل بطرد ذلك. 2 في ش ض ب: حتى يسلمه. 3 في ش: الاستذلال. 4 في ز: على. 5 ساقطة من ش. 6 في ش: السند. 7 في ش: السند. 8 انظر معنى المناقضة اصطلاحاً في "الكليات للكفوي 4/264، التعريفات للجرجاني ص 121، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/335، حاشية الصبان على شرح آداب البحث ص 13".

سَوَاءٌ ذُكِرَ مَعَهَا مُسْتَنَدٌ1، أَوْ لا. قَالَ الْجَدَلِيُّونَ: وَمُسْتَنَدُ الْمَنْعِ هُوَ مَا يَكُونُ الْمَنْعُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ2، نَحْوَ: لا نُسَلِّمُ كَذَا، أَوْ لِمَ3 لا يَكُونُ كَذَا، أَوْ لا نُسَلِّمُ لُزُومَ كَذَا؟ و4َإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا أَنْ لَوْ كَانَ كَذَا ... ثُمَّ إنْ احْتَجَّ لانْتِفَاءِ الْمُقَدِّمَةِ، فَيُسَمَّى عِنْدَهُمْ الْغَصْبَ5، أَيْ غَصْبَ مَنْصِبِ التَّعْلِيلِ6، وَهُوَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ عِنْدَ النُّظَّارِ، لاسْتِلْزَامِهِ الْخَبْطَ فِي الْبَحْثِ. نَعَمْ يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَرِضِ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُسْتَدِلِّ الدَّلِيلَ، عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْمَنْعُ بَعْدَ تَمَامِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ مَنْعِ الدَّلِيلِ بِنَاءً عَلَى تَخَلُّفِ حُكْمِهِ7، فَيُسَمَّى النَّقْضَ الإِجْمَالِيَّ8؛

_ 1 في ش: سند. 2 ساقطة من ض. 3 ساقطة من ض. 4 في ز: أو. 5 انظر معنى الغصب في الجدل في "الكليات 4/264، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/335". 6 ساقطة من ض. 7 أي في صورة ما، بأن يقال: ما ذكر من الدليل غير صحيح لتخلف حكمه في كذا. "الكليات 4/264". 8 انظر معنى النقض الإجمالي في "الكليات 4/264، التعريفات ص 116، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/335".

لأَنَّ النَّقْضَ التَّفْصِيلِيَّ1: هُوَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الدَّلِيلِ لِلْقَدْحِ فِي مُقَدِّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ، بِخِلافِ الإِجْمَالِيِّ، فَإِنَّهُ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الدَّلِيلِ بِالْقَدْحِ2 فِي مُقَدِّمَةٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ لا عَلَى التَّعْيِينِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ تَسْلِيمِ الدَّلِيلِ وَالاسْتِدْلالِ بِمَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْمَدْلُولِ فَهُوَ الْمُعَارَضَةُ3 فَهِيَ تَسْلِيمٌ لِلدَّلِيلِ فَلا يُسْمَعُ مِنْهُ بَعْدَهَا مَنْعٌ، فَضْلاً عَنْ سُؤَالِ الاسْتِفْسَارِ4. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ5: مَا ذَكَرْت مِنْ الدَّلِيلِ - وَإِنْ دَلَّ عَلَى مَا تَدَّعِيهِ - فَعِنْدِي مَا يَنْفِيهِ، أَوْ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ. وَيُبَيِّنُهُ بِطَرِيقِهِ. فَهُوَ يَنْقَلِبُ مُسْتَدِلاًّ. فَلِهَذَا لَمْ يَقْبَلْهُ بَعْضُهُمْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ انْقِلابِ دَسْتِ الْمُنَاظَرَةِ6،

_ 1 انظر معنى النقض التفصيلي في "الكليات 4/264، التعريفات ص 115، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/336". 2 ساقطة من ش. 3 انظر معنى المعارضة اصطلاحاً في "الكليات للكفوي 4/265، التعريفات للجرجاني ص 115، الكافية للجويني ص 69، الحدود للباجي ص 79، الجدل لابن عقيل ص 70، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/336، حاشية الصبان على شرح آداب المحدث ص 13". 4 في ش: السؤال للاستفسار. 5 أي للمستدل في صورة المعارضة. 6 في ش: المعارضة.

إذْ يَصِيرُ الْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا؛ وَالْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلاًّ، لَكِنَّ1 الصَّحِيحَ الْقَبُولُ: لأَنَّ ذَلِكَ بِنَاءٌ بِالْعَرْضِ2، هَدْمٌ بِالذَّاتِ، فَالْمُسْتَدِلُّ مُدَّعٍ بِالذَّاتِ، مُعْتَرِضٌ بِالْعَرْضِ3، وَالْمُعْتَرِضُ بِالْعَكْسِ، فَصَارَا كَالْمُتَخَالَفِينَ. مِثَالُهُ: الْمَسْحُ رُكْنٌ فِي4 الْوُضُوءِ، فَيُسَنُّ5 تَثْلِيثُهُ كَالْوَجْهِ. فَيُعَارِضُهُ بِأَنَّهُ مَسْحٌ، فَلا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ، كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. نَعَمْ عَلَى الْمُعَلِّلِ دَفْعُ الاعْتِرَاضِ عَنْهُ بِدَلِيلٍ، وَلا يَكْفِيهِ الْمَنْعُ الْمُجَرَّدُ، فَإِنْ ذَكَرَ دَلِيلَهُ وَمَنَعَ ثَانِيًا، فَكَمَا سَبَقَ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ الأَمْرُ: إمَّا إلَى الإِفْحَامِ، أَوْ الإِلْزَامِ. فَالإِفْحَامُ عِنْدَهُمْ: انْقِطَاعُ الْمُسْتَدِلِّ بِالْمَنْعِ أَوْ بِالْمُعَارَضَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي بِمَاذَا يَحْصُلُ الانْقِطَاعُ. وَالإِلْزَامُ6: انْتِهَاءُ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ إلَى مُقَدِّمَاتٍ ضَرُورِيَّةٍ أَوْ يَقِينِيَّةٍ مَشْهُورَةٍ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ الاعْتِرَافُ7 بِهَا، وَلا يُمْكِنُهُ الْجَحْدُ،

_ 1 في ش: لكن الدليل. 2 في ب ض ز: بالفرض. 3 في ض ب ز: بالفرض. 4 ساقطة من ش. 5 في ش: فليس. 6 انظر معنى الإلزام اصطلاحاً في الكافية للجويني ص 70. 7 في ش: الاعتراض.

فَيَنْقَطِعُ بِذَلِكَ1. فَإِذًا الإِلْزَامُ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ لِلْمُعْتَرِضِ، وَالإِفْحَامُ مِنْ الْمُعْتَرِضِ لِلْمُسْتَدِلِّ.

_ 1 فمثال ما ينتهي إلى ضروري أن يقول المستدل: العالم حادث، وكل حادث له صانع. فيقول المعترض: لا أسلم الصغرى. فيدفع المستدل ذلك المنع بالدليل على حدوث العالم. فيقول: العالم متغير، وكل متغير حادث. فيقول المعترض: لا أسلم الصغرى. فيقول له المستدل: ثبت بالضرورة تغير العالم، وذلك لأن العالم قسمان: أعراض وأجرام. أما الأعراض فتغيرها مشاهد، كالتغير بالسكون والحركة وغيرهما، فلزم كونها حادثة. وأما الأجرام، فإنها ملازمة لها، وملازم الحادث حادث، فثبت حدوث العالم. ومثال ما ينتهي إلى المشهورة، وهي قضية يحكم العقل بها بواسطة اعتراف جميع الناس لمصلحة عامة أو غير ذلك، كأن يقال: هذا ضعيف، والضعيف ينبغي الإعطاء إليه. فيقول له المعترض: لا أسلم الكبرى. فيقول له المستدل: مراعاة الضعيف تحصل بالإعطاء إليه، والإعطاء إليه محمود عند جميع الناس، فمراعاة الضعيف محمودة عند جميع الناس، فينبغي حينئذ الإعطاء إليه. "حاشية البناني 2/337".

فصل فيما يشتمل على أحكام الجدل وآدابه وحده وصفته

"فصل": فِيمَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامِ الْجَدَلِ، وَآدَابِهِ، وَحَدِّهِ، وَصِفَتِهِ. ثُمَّ "الْجَدَلُ" فِي اللُّغَةِ: اللَّدَدُ فِي الْخُصُومَةِ وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهَا - جَادَلَهُ، فَهُوَ جَدِلٌ - كَكَتِفٍ - وَمِجْدَلٌ - كَمِنْبَرٍ - وَمِجْدَالٌ - كَمِحْرَابٍ وَجَدَلْتُ الْحَبْلَ - أَجْدِلُهُ جَدْلاً: كَفَتَلْتُهُ1 أَفْتِلُهُ2 فَتْلاً، أَيْ فَتَلْتُهُ فَتْلاً3 مُحْكَمًا، وَالْجَدَالَةُ الأَرْضُ. يُقَالُ: طَعَنَهُ فَجَدَّلَهُ: أَيْ رَمَاهُ فِي الأَرْضِ4. "وَهُوَ" أَيْ الْجَدَلُ فِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ "فَتْلُ الْخَصْمِ" أَيْ رَدُّهُ بِالْكَلامِ "عَنْ قَصْدِهِ" أَيْ مَا يَقْصِدُهُ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ مِنْ

_ 1 في ش: فتلته. 2 في ش: أفلته. 3 ساقطة من ز. 4 قال الفيروز آبادي: "مِن جَدَلَه يَجْدُلُه ويَجْدِلُه: أحكم فتله، والمِجْدَل: القصر". انظر القاموس المحيط 3/346، المصباح المنير 1/128، مختار الصحاح ص 96، مقاييس اللغة 1/433، أساس البلاغة ص 111.

غَيْرِهِ"1. "مَأْمُورٌ بِهِ" خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَإِ الَّذِي هُوَ الْجَدَلُ "عَلَى وَجْهِ الإِنْصَافِ، وَإِظْهَارِ الْحَقِّ"2. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الإِيضَاحِ: اعْلَمْ - وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا الْعِلْمِ لا يَسْتَغْنِي عَنْهَا نَاظِرٌ3، وَلا يَتَمَشَّى بِدُونِهَا كَلامُ مُنَاظِرٍ؛ لأَنَّ بِهِ تَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الدَّلِيلِ مِنْ فَسَادِهِ، تَحْرِيرًا وَتَقْرِيرًا. وَتَتَّضِحُ4 الأَسْئِلَةُ الْوَارِدَةُ مِنْ الْمَرْدُودَةِ إجْمَالاً وَتَفْصِيلاً، وَلَوْلاهُ لاشْتَبَهَ التَّحْقِيقُ فِي5 الْمُنَاظَرَةِ6 بِالْمُكَابَرَةِ، وَلَوْ خُلِّيَ كُلُّ

_ 1 انظر تعريف الجدل في "العِدة 1/184، دستور العلماء 1/385، كشاف اصطلاحات الفنون 1/242، المصباح المنير 1/128، الكليات 2/172، التعريفات للجرجاني ص 41، الكافية في الجدل ص 20، الإحكام لابن حزم 1/41، الفقيه والمتفقه 1/229"، الجدل لابن عقيل ص 1، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 11". 2 وهذا مأمور به لأنه من الجدال المحمود، وهو كل ما أيد الحق، أو أفضى إليه بنية خالصة وطريق صحيح. انظر: مناهج الجدل ص 45، الكافية في الجدل ص 23، الفقيه والمتفقه 1/232، 2/25 وما بعدها، المنهاج في ترتيب الححاج للباجي ص 8. 3 ساقطة من ض. 4 في ش: وتصح. 5 في ض: من. 6 المناظرة والمجادلة والمحاورة والمناقشة والمباحثة ألفاظ مترادفة، وقد توجد بعض الفروق بينهما عند علماء البحث، فيرى بعضهم أن الجدل يراد منه إلزام الخصم ومغالبته، والمناظرة تردد الكلام بين شخصين، ويقصد كل منهما تصحيح =

مُدَّعٍ وَمُدَّعَى مَا يَرُومُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَخْتَارُ، وَلَوْ مُكِّنَ كُلُّ مَانِعٍ مِنْ مُمَانَعَةِ مَا يَسْمَعُهُ مَتَى شَاءَ: لأَدَّى إلَى الْخَبْطِ وَعَدَمِ الضَّبْطِ. وَإِنَّمَا الْمَرَاسِمُ الْجَدَلِيَّةُ تَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَتُبَيِّنُ1 الْمُسْتَقِيمَ مِنْ السَّقِيمِ فَمَنْ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا كَانَ فِي مُنَاظَرَاتِهِ كَحَاطِبِ لَيْلٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الاشْتِقَاقُ. فَإِنَّ الْجَدَلَ مِنْ قَوْلِك: جَدَلْتُ الْحَبْلَ أَجْدِلُهُ جَدْلاً إذَا فَتَلْته فَتْلاً مُحْكَمًا. وَقَالَ أَيْضًا: أَوَّلُ مَا تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِهِ2: حُسْنُ الْقَصْدِ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ طَلَبًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ آنَسَ مِنْ نَفْسِهِ الْحَيْدَ عَنْ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ فَلْيَكُفَّهَا بِجَهْدِهِ، فَإِنْ مَلَكَهَا، وَإِلاَّ فَلْيَتْرُكْ الْمُنَاظَرَةَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَلْيَتَّقِ السِّبَابَ وَالْمُنَافَرَةَ فَإِنَّهُمَا يَضَعَانِ الْقَدْرَ، وَيُكْسِبَانِ الْوِزْرَ، وَإِنْ زَلَّ خَصْمُهُ فَلْيُوقِفْهُ عَلَى زَلَلِهِ، غَيْرَ مُخْجِلٍ لَهُ بِالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِ. فَإِنْ أَصَرَّ أَمْسَكَ، إلاَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الزَّلَلُ مِمَّا يُحَاذِرُ اسْتِقْرَارَهُ عِنْدَ السَّامِعِينَ، فَيُنَبِّهُهُمْ3 عَلَى الصَّوَابِ فِيهِ بِأَلْطَفِ الْوُجُوهِ جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ. انتهى.

_ = قوله. وإبطال قول صاحبه، مع رغبة كل منهما في ظهور الحق، والمحاورة هي المراجعة في الكلام، ومنه التحاور. انظر: مناهج الجدل ص 25، الكافية في الجدل ص 19، مفتاح السعادة 1/304، 2/599، فواتح الرحموت 2/330. 1 في ب ز: وبين. 2 في ز: به البداءة 3 في ش: فينبه

وَيَدُلُّ عَلَى الأَمْرِ بِهِ الْقُرْآنُ قَالَ1 اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 2 وَقَالَ تَعَالَى3 {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلاَّ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 4 وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 5 "وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ" رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، كَابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا جَادَلَ الْخَوَارِجَ وَالْحَرُورِيَّةَ، وَرَجَعَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ6 "وَ" فَعَلَهُ "السَّلَفُ" أَيْضًا كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ7 رَضِيَ اللَّهُ

_ 1 في ب ض: قول. 2 الآية 125 من النحل. 3 ساقطة من ش ب ز. 4 الآية 46 من العنكبوت. 5 الآية 111 من البقرة. 6 روى عبد الرزاق والحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "لما اعتزلت الحرورية وكانوا في دارٍ على حدتهم، قلت لعلي: يا أمير المؤمنين، أبرِد عن الصلاة لعَلِّي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم ... ورجع منهم عشرون ألفاً، وبقي أربعة آلاف، فقاتلوا وقُتِلوا" وروى النسائي وغيره أن علياً بعث ابن عباس لمناظرة أهل النبي صلى الله عليه وسلم من الخوارج، وروى الإمام أحمد والخطيب البغدادي مناظرة عبد الله بن عباس للحرورية. انظ: مسند أحمد 1/342، الفقيه والمتفقه 1/235، تيسير التحرير 4/219، فواتح الرحموت 2/388. 7 هو الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز بن مروان، أبو حفص، خامس الخلفاء الراشدين، القرشي التابعي، ولي الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك سنة 99 هـ، وكان خليفة عدلاً صالحاً عالماً زاهداً، أحد فقهاء المدينة، ولد سنة ستين من الهجرة، وأمه أم عاصم حفصة بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولد بحلوان مصر أيام كان أبوه والياً عليها، وهو الذي بدأ بعمارة حلوان، سمع عمر من أنس بن مالك وغيره من الصحابة وجماعات من التابعين، وروى عنه =

تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّهُ جَادَلَ الْخَوَارِجَ أَيْضًا. ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ1 فِي تَارِيخِهِ2.

_ = خلائق كثيرة، وأجمعوا على جلالته وفضله، ووفور علمه وصلاحه، وزهده وورعه، وعدله، وشفقته، وروى عنه الجماعة من علماء الحديث، وكان منعماً قبل الخلافة، ثم زهد في المال، وأبطل البدع، ورد المظالم، ومناقبه كثيرة، توفي سنة 101هـ، ودفن بدير سمعان، وهي قرية قريبة من المعرة بين حماة وحلب. 1 انظر ترجمته في "فوات الوفيات 2/206، تاريخ الخلفاء، السيوطي ص 228، البداية والنهاية 9/192، طبقات الفقهاء ص 64، تهذيب الأسماء 2/17، تذكرة الحفاظ 1/118، المعارف ص 362، الخلاصة 2/274، غاية النهاية 1/593". هو إسماعيل بن عمر بن كثير، القرشي، عماد الدين، الحافظ، أبو الفداء، أصله من بصرى الشام، ثم انتقل إلى دمشق، ونشأ بها، وأخذ عن علمائها كابن عساكر والمزي وابن تيمية، وبرع في الفقه والتفسير والنحو والتاريخ والحديث والرجال، وصنف في هذه العلوم جيداً ومفيداً، وانتفع الناس بها، وانتشرت وشاعت، منها: كتاب "التفسير" و"البداية والنهاية" و"الباعث الحثيث إلى معرفة علوم الحديث" و"طبقات الشافعية"، وخرّج أحاديث "مختصر ابن الحاجب" في الأصول، وغيرها، وأضرّ في آخر عمره، وتوفي سنة 774هـ. انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 1/399، البدر الطالع 1/153، ذيل تذكرة الحفاظ ص 57، 361، الأعلام 1/317، شذرات الذهب 6/231، الرسالة المستطرفة ص 175". 2 البداية والنهاية 9/187. وهذا هو الجدل المحمود الذي عرفه الخطيب البغدادي بقوله: "هو طلب الحق ونصره، وإظهار الباطل، وبيان فساده" ثم قال: "وإن الخصام بالباطل هو اللدد ... " "الفقيه والمتفقه 1/235". انظر مزيداً من أدلة جواز الجدال الممدوح، ومناقشة أدلة مانعي الجدل في "مناهج الجدل ص 45 وما بعدها، الفقيه والمتفقه 1/232 وما بعدها، الكافية في الجدل ص 23 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/19 وما بعدها".

"فَأَمَّا" إذَا كَانَ1 الْجَدَلُ "عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ وَالْخُصُومَةِ وَالْغَضَبِ وَ" وَجْهِ "الْمِرَاءِ2 وَهُوَ" أَيْ الْمِرَاءُ "اسْتِخْرَاجُ غَضَبِ الْمُجَادَلِ: فَمُزِيلٌ عَنْ طَرِيقِ3 الْحَقِّ، وَإِلَيْهِ انْصَرَفَ النَّهْيُ عَنْ قِيلَ وَقَالَ4 وَفِيهِ" أَيْ فِي الْمِرَاءِ "غَلْقُ بَابِ الْفَائِدَةِ، وَفِي الْمُجَالَسَةِ5 لِلْمُنَاصَحَةِ فَتْحُهُ" أَيْ فَتْحُ بَابِ الْفَائِدَةِ. قَالَ الْبَرْبَهَارِيُّ وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ6 - فِي كِتَابِ شَرْحِ السُّنَّةِ لَهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي

_ 1 في ض: فأما. 2 المراء واللدد وغيرهما من الجدل المذموم، وهو كل ما ناصر الباطل أو أفضى إلى باطل، وهذا هو الجدل المنهي عنه. انظر: مناهج الجدل ص 54، 57، إحياء علوم الدين 9/1553 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/19، 26، الكافية في الجدل ص 22، الفقيه والمتفقه 1/233. 3 في ض: في. 4 روى البخاري ومسلم ومالك وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" ورواه أحمد والدارمي عن المغيرة مرفوعاً، وسوف يذكر المصنف نصه فيما بعد ص 373، 421. انظر: صحيح البخاري مع حاشية السندي 2/40، 4/175، صحيح مسلم بشرح النووي 12/10، الموطأ ص 612، مسند أحمد 2/326، 4/264، 249، 250، 255، سنن الدارمي 2/310. 5 في ش: المجادلة. 6 سبقت ترجمته 1/81.

السُّنَّةِ قِيَاسٌ وَلا يُضْرَبُ1 لَهَا2 الأَمْثَالُ، وَلا يُتَّبَعُ3 فِيهَا الأَهْوَاءُ4، بَلْ هُوَ التَّصْدِيقُ بِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلا كَيْفَ وَلا شَرْحٍ، وَلا يُقَالُ: لِمَ؟ وَلا5 كَيْفَ؟ فَالْكَلامُ6 وَالْخُصُومَةُ وَالْجِدَالُ وَالْمِرَاءُ مُحْدَثٌ، يَقْدَحُ الشَّكَّ فِي الْقَلْبِ، وَإِنْ أَصَابَ صَاحِبُهُ السُّنَّةَ وَالْحَقَّ - إلَى أَنْ قَالَ - وَإِذَا سَأَلَك رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ7 مُسْتَرْشِدٌ، فَكَلِّمْهُ وَأَرْشِدْهُ، وَإِنْ جَاءَك يُنَاظِرُك فَاحْذَرْهُ فَإِنَّ فِي8 الْمُنَاظَرَةِ الْمِرَاءَ وَالْجِدَالَ وَالْمُغَالَبَةَ9 وَالْخُصُومَةَ وَالْغَضَبَ، وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ جَمِيعِ هَذَا10، وَهُوَ يُزِيلُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ فُقَهَائِنَا وَعُلَمَائِنَا أَنَّهُ جَادَلَ أَوْ نَاظَرَ أَوْ خَاصَمَ. وَقَالَ أَيْضًا: الْمُجَالَسَةُ11 لِلْمُنَاصَحَةِ فَتْحُ بَابِ الْفَائِدَةِ،

_ 1 في ش: تضرب. 2 في ب ض ز: له. 3 في ش: تتبع. 4 في ب ض: فيه. 5 ساقطة من ب ض ز. 6 في ب ز: الكلام. 7 في ض: وهو من. 8 ساقطة من ض. 9 ساقطة من ض. 10 في ز: ذلك. 11 في ش: المجادلة.

وَالْمُجَالَسَةُ1 لِلْمُنَاظَرَةِ غَلْقُ بَابِ الْفَائِدَةِ. انْتَهَى2. "وَمَا يَقَعُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ: أَوْفَقُ مَا يُحْمَلُ الأَمْرُ فِيهِ: بِأَنْ يَخْرُجَ مَخْرَجَ الإِعَادَةِ وَالدَّرْسِ" "وَأَمَّا اجْتِمَاعُ مُتَجَادِلَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمْ لا يَطْمَعُ أَنْ يَرْجِعَ إنْ ظَهَرَتْ حُجَّةٌ وَلا فِيهِ مُؤَانَسَةٌ، وَ" لا فِيهِ "مَوَدَّةُ وَتَوْطِئَةُ الْقُلُوبِ لِوَعْيِ حَقٍّ3: فَمُحْدَثٌ4 مَذْمُومٌ5". قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: الْجَدَلُ الَّذِي يَقَعُ بَيْنَ أَرْبَابِ6 الْمَذَاهِبِ أَوْفَقُ مَا يُحْمَلُ الأَمْرُ فِيهِ: بِأَنْ يَخْرُجَ مَخْرَجَ الإِعَادَةِ وَالدَّرْسِ، فَأَمَّا اجْتِمَاعُ جَمْعٍ مُتَجَاذِبِينَ7 فِي مَسْأَلَةٍ، مَعَ أَنَّ كُلاًّ مِنْهُمْ لا يَطْمَعُ أَنْ يَرْجِعَ إنْ ظَهَرَتْ حُجَّةٌ، وَلا فِيهِ مُؤَانَسَةٌ وَمَوَدَّةٌ، وَتَوْطِئَةُ الْقُلُوبِ لِوَعْيِ حَقٍّ، بَلْ هُوَ8 عَلَى الضِّدِّ، فَتَكَلَّمَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ - كَابْنِ بَطَّةَ - وَهُوَ مُحْدَثٌ.

_ 1 في ش: المجادلة. 2 ساقطة من ض. 3 في ش: حق. 4 في ش: فحدث. 5 انظر تفصيبل الكلام عن الجدال الممدوح والجدال المذموم، والفرق بينهما في "مناهج الجدل ص 44، إحياء علوم الدين 9/1552، الكافي في الجدل ص 22، الإحكام لابن حزم 1/19، 23، الفقيه والمتفقه /230، 232 وما بعدها، 235". 6 ساقطة من ض ز. 7 في ش: متجادلين. 8 في ش ض: هي.

قَالَ1 ابْنُ مُفْلِحٍ: وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ، وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ2 عَنْ أَبِي غَالِبٍ3 -وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا "مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ" ثُمَّ تَلا: {مَا ضَرَبُوهُ لَك إلاَّ جَدَلاً} 4. وَلأَحْمَدَ عَنْ مَكْحُولٍ5 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ مَرْفُوعًا- "لا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ الإِيمَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْمِرَاءَ، وَإِنْ كَانَ

_ 1 في ش: وقال. 2 رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد والخطيب البغدادي عن أبي أمامة مرفوعاً، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. انظر: جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 9/130، سنن ابن ماجة 1/19، مسند أحمد 5/252، 256، الفقيه والمتفقه 2/230. 3 اسمه حَزَوَّر، أبو غالب، صاحب أبي أمامة، وقيل: اسمه سعيد بن حَزَوَّر، وقيل: نافع، روى عن أنس بن مالك، وروى عنه مالك بن دينار وحماد بن سلمة وابن عيينة، وأخرج له أبو داود والترمذي. واختلف في روايته، فصححها الترمذي، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن حبان: لا يحتج به. انظر: ميزان الاعتدال 1/477، 4/560، المغني في الضعفاء 1/155، الخلاصة 3/237. 4 الآية 58 من الزخرف. 5 هو مكحول بن زيد، ويقال ابن أبي مسلم بن شاذل، التابعي، أبو عبد الله، الدمشقي، كان من سبي كابل فأعتق بمصر، ثم تحول إلى دمشق فسكنها إلى أن مات بها، وهو من فقهاء أهل الشام وصالحيهم، وجماعيهم للعلم، سمع عدداً من الصحابة والتابعين، وروى عنه الزهري والأوزاعي وخلائق لا يحصون، قال أبو حاتم: ما أعلم بالشام أفقه من مكحول، وكان يكثر من الأحاديث المرسلة، =

مُحِقًّا" 1. وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا "لا تُمَارِ أَخَاك" 2. وَلأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا" 3. وَلابْنِ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ - وَحَسَّنَهُ - عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ4

_ = واتفقوا على توثيقه، وكان به عجمة في لسانه، توفي بالشام سنة 118 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 2/113، وفيات الأعيان 4/368، تذكرة الحفاظ 1/107، الخالصة 3/54، طبقات الحفاظ ص 43، شذرات الذهب 1/146، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/584، مشاهير علماء الأمصار ص 114، المعارف ص 452". 1 جاء لفظ هذا الحديث عند أحمد عن مكحول عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب من المزاحة، ويترك المراء، وإن كان صادقاً" وفي رواية أخرى عن مكحول عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح والمراء وإن كان صادقاً". انظر مسند أحمد 2/352، 364. 2 هذا طرف من حديث غريب، قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وروى الدارمي عن مسلم بن يسار قال: "إياكم والمراء". انظر جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 6/131، سنن الدارمي 1/109. 3 رَبَض الجنة: ما حولها خارجاً عنها. وانظر: سنن أبي داود 2/553، النهاية في غريب الحديث 2/185. 4 هو سلمة بن وردان، الليثي مولاهم، أبو يعلى، المدني، التابعي، روى عن أنس ومالك بن أوس، ورأى جابراً، وروى عن ابن المبارك وأبو نُعيم وابن وهب =

-وَهُوَ ضَعِيفٌ- عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا "مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ1 فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ"2. "وَلَوْلا مَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ الْبَاطِلِ وَاسْتِنْقَاذِ الْهَالِكِ بِالاجْتِهَادِ3 فِي رَدِّهِ عَنْ ضَلالَتِهِ لَمَا حَسُنَ" أَيْ الْجِدَالُ4 "لِلإِيحَاشِ غَالِبًا، لَكِنْ فِيهِ أَعْظَمُ الْمَنْفَعَةِ مَعَ قَصْدِ نُصْرَةِ الْحَقِّ، أَوْ" قَصْدِ "التَّقَوِّي عَلَى الاجْتِهَادِ لا الْمُغَالَبَةِ، وَبَيَانِ الْفَرَاهَةِ5" نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُمَا6.

_ = والقعنبي وغيرهم، ضعفه أحمد وأبو داود وابن معين والدارقطني، وأخرج له الترمذي وابن ماجة، مات في خلافة المنصور. انظر: ميزان الاعتدال 2/193، الخلاصة 1/405، المغني في الضعفاء 1/276، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/227. 1 ساقطة من ب ز. 2 قال الترمذي: هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث مسلمة بن وردان عن أنس. انظر: جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 6/126 وما بعدها، سنن ابن ماجة 1/19. 3 في ض: باجتهاد. 4 في ز: الجدل. 5 الفراهة: من فرِه من باب طرِب: أشِر وبطِِر، والفراهة والفراهية والفروهة: الحذق بالشيء والملاحة والحسن والصباحة، وجارية فرهاء أي حسناء، والفاره الحاذق بالشيء، وفارهين حاذقين، وفرهين أي أشرين بطرين. انظر: المصباح المنير 2/664، المفردات في غريب القرآن ص 378، القاموس المحيط 4/289. 6 في ش ب: منها.

"فَإِنَّ طَلَبَ الرِّيَاسَةِ1 وَ" طَلَبَ "التَّقَدُّمِ بِالْعِلْمِ يُهْلِكُ. وَالْمُعَوَّلُ فِيهِ: عَلَى إظْهَارِ الْحُجَّةِ، وَإِبْطَالِ الشُّبْهَةِ، فَيُرْشِدُ الْمُسْتَرْشِدَ، وَيُحَذِّرُ الْمَنَاظِرَ"2. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: وَكُلُّ جَدَلٍ لَمْ يَكُنْ الْغَرَضُ فِيهِ نُصْرَةَ الْحَقِّ فَإِنَّهُ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالْمَضَرَّةُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ؛ لأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تُوحِشُ، وَلَوْلا مَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ الْبَاطِلِ، وَاسْتِنْقَاذِ الْهَالِكِ بِالاجْتِهَادِ فِي رَدِّهِ عَنْ ضَلالَتِهِ، لَمَا حَسُنَتْ الْمُجَادَلَةُ لِلإِيحَاشِ فِيهَا غَالِبًا، وَلَكِنْ فِيهَا أَعْظَمُ الْمَنْفَعَةِ إذَا قَصَدَ بِهَا نُصْرَةَ الْحَقِّ، وَالتَّقَوِّي عَلَى الاجْتِهَادِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ قَصْدِ الْمُغَالَبَةِ، وَبَيَانِ الْفَرَاهَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَهُمَا3. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: طَلَبُ الرِّيَاسَةِ وَالتَّقَدُّمِ بِالْعِلْمِ يُهْلِكُ، ثُمَّ ذَكَرَ اشْتِغَالَ أَكْثَرِهِمْ فِي الْجَدَلِ، وَرَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ فِي الْمَسَاجِدِ، وَإِنَّمَا4 الْمَقْصُودُ الْغَلَبَةُ وَالرِّفْعَةُ، وَإِفْتَاءُ مَنْ لَيْسَ أَهْلاً وَقَالَ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلا يُنَازِعُنَّك فِي الأَمْرِ5} :

_ 1 في ز: في. 2 انظر: الفقيه والمتفقه 2/25 وما بعدها. 3 في ش: يجتنبه. 4 في ض: فإنما. 5 الآية 67 من الحج.

أَيْ فِي الذَّبَائِحِ. وَالْمَعْنَى: فَلا تُنَازِعُهُمْ1، وَلِهَذَا قَالَ: {وَإِنْ جَادَلُوك فَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} 2 قَالَ3: وَهَذَا أَدَبٌ حَسَنٌ، عَلَّمَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- عِبَادَهُ لِيَرُدُّوا بِهِ4 مَنْ جَادَلَهُمْ بِهِ5 تَعَنُّتًا وَلا يُجِيبُوهُ6. "فَلَوْ" "بَانَ لَهُ سُوءُ قَصْدِ خَصْمِهِ" "تَوَجَّهَ تَحْرِيمُ مُجَادَلَتِهِ". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: تَوَجَّهَ فِي تَحْرِيمِ مُجَادَلَتِهِ خِلافٌ، كَدُخُولِ مَنْ لا جُمُعَةَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ مَعَ مَنْ تَلْزَمُهُ لَنَا فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: قُلْت: وَ7الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ التَّحْرِيمُ. "وَيَبْدَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْمُتَجَادِلَيْنِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْجِدَالِ "بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى8. قَالَ فِي الْوَاضِحِ: وَمِنْ أَدَبِ الْجِدَالِ9: أَنْ يَجْعَلَ السَّائِلُ

_ 1 زاد المسير 5/448-449. 2 الآية 68 من الحج. 3 ساقطة م ض، وفي ب: قالوا. 4 ساقطة من ش. 5 في ب ض ز: جادل. 6 زاد المسير 5/450. 7 ساقطة من ض ز. 8 انظر: الكافية في الجدل ص 529، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 9. 9 في ب ز: الجدل.

وَالْمَسْئُولُ مَبْدَأَ كَلامِهِمَا1 حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ "كُلَّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ، فَهُوَ أَبْتَرُ" 2، وَيَجْعَلا3 قَصْدَهُمَا أَحَدَ أَمْرَيْنِ، وَيَجْتَهِدَا4 فِي اجْتِنَابِ الثَّالِثِ فَأَعْلَى الثَّلاثَةِ مِنْ الْمَقَاصِدِ: نُصْرَةُ الْحَقِّ5 بِبَيَانِ الْحُجَّةِ، وَدَحْضُ الْبَاطِلِ بِإِبْطَالِ الشُّبْهَةِ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَالثَّانِي: الإِدْمَانُ لِلتَّقَوِّي عَلَى الاجْتِهَادِ مِنْ مَرَاتِبِ الدِّينِ الْمَحْمُودَةِ فَالأُولَى: كَالْجِهَادِ6، وَالثَّانِيَةُ: كَالْمُنَاضَلَةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا التَّقَوِّي عَلَى الْجِهَادِ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ الْمُغَالَبَةُ وَبَيَانُ الْفَرَاهَةِ عَلَى الْخَصْمِ، وَالتَّرْجِيحُ7 عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقَةِ. انْتَهَى. "وَلِلسَّائِلِ" وَهُوَ الْقَائِلُ: مَا حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ؟ "إلْجَاءُ مَسْئُولٍ" وَهُوَ الْمُتَصَدِّي لِلاسْتِدْلالِ "إلَى الْجَوَابِ، فَيُجِيبُ، أَوْ يُبَيِّنُ عَجْزَهُ وَلا يُجِيبُ" مَنْ سَأَلَهُ "مُنْصِحًا" بِالسُّؤَالِ "تَعْرِيضًا" بِالْجَوَابِ8.

_ 1 في ب ض ز: كلامه. 2 هذا الحديث سبق تخريجه 1/22 ورواه أحمد عن أبي هريرة، "انظر: مسند أحمد 2/359". 3 في ش: ويجعلان. 4 في ش: ويجتهد. 5 في ب ض ز: الله تعالى. 6 في ض: كالاجتهاد. 7 في ش ز: والترجح. 8 قال الجويني عن الجدل: "وهو ينقسم إلى سؤال وجواب، ومنهم من قال: إلى =

"وَعَلَيْهِ" أَيْ وَ1عَلَى الْمُجِيبِ "أَنْ يُجِيبَهُ فِيمَا فِيهِ خِلافٌ بَيْنَهُمَا لِتَظْهَرَ حُجَّتُهُ". وَالْكَلامُ فِي هَذَا الشَّأْنِ إنَّمَا يُعَوَّلُ فِيهِ عَلَى الْحُجَّةِ لِتَظْهَرَ، وَالشُّبْهَةِ لِتَبْطُلَ، وَإِلاَّ فَهَذْرٌ، وَهُوَ الَّذِي رُفِعَتْ لِشُؤْمِهِ2 لَيْلَةُ الْقَدْرِ3، وَإِلَيْهِ انْصَرَفَ النَّهْيُ عَنْ قِيلَ وَقَالَ. وَمِنْ كَلامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: يَنْبَغِي لِلسَّائِلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ فِي السُّؤَالِ، فَإِنْ عَدَلَ الْمُجِيبُ لَمْ يَرْضَ مِنْهُ إلاَّ بِالرُّجُوعِ إلَى جَوَابِ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ. مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ السَّائِلُ: هَلْ يَحْرُمُ النَّبِيذُ؟ فَيَقُولَ الْمُجِيبُ: قَدْ حَرَّمَهُ قَوْمٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْجَدَلِ لَيْسَ بِجَوَابٍ، وَلِلسَّائِلِ أَنْ يُضَايِقَهُ فِي ذَلِكَ، بِأَنْ يَقُولَ4: لَمْ أَسْأَلْك عَنْ هَذَا، وَلا بَانَ مِنْ سُؤَالِي إيَّاكَ جَهْلِي

_ = ثلاثة، فزاد الإلزام، وهو داخل في السؤال، لأنه طلب الانفصال" "الكافية في الجدل ص 72". وانظر العدة 1/184. 1 ساقطة من ض ز. 2 في ب ش: بشؤمه. 3 روى الإمام البخاري عن أنس عن عبادة بن الصامت "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: "إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وأنه تلاحى فلان وفلان فرُفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس"، ورواه أحمد عن أنس عن عبادة، ورواه الدارمي عن أنس عن عبادة. انظر صحيح البخاري بحاشية السندي 1/235، مسند أحمد 5/319، سنن الدارمي 1/27. 4 في ض: فيقول.

بِأَنَّ قَوْمًا حَرَّمُوهُ، وَلا سَأَلْتُك عَنْ مَذْهَبِ النَّاسِ فِيهِ، بَلْ سَأَلْتُكَ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَجَوَابِي أَنْ تَقُولَ: حَرَامٌ1، أَوْ لَيْسَ بِحَرَامٍ، أَوْ لا2 أَعْلَمُ فَإِذَا ضَايَقَهُ أَلْجَأَهُ إلَى الْجَوَابِ، أَوْ بَانَ جَهْلُهُ بِتَحْقِيقِ الْجَوَابِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيبَ بِالتَّعْرِيضِ لِمَنْ سَأَلَهُ بِالإِفْصَاحِ، فَإِذَا سَأَلَهُ السَّائِلُ بِالإِفْصَاحِ لَمْ يَقْنَعْ3 بِالْجَوَابِ4 إلاَّ بِالإِفْصَاحِ5. انْتَهَى. وَقَالَ أَيْضًا: وَلا يَصِحُّ الْجَدَلُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ فِي الْمَذْهَبِ، إلاَّ أَنْ يَتَكَلَّمَا عَلَى طَرِيقِ الْمُبَاحَثَةِ، فَيَتَقَدَّرُونَ6 الْخِلافَ لِتَصِحَّ الْمُطَالَبَةُ، وَيَتَمَكَّنَ مِنْ الزِّيَادَةِ وَلَيْسَ عَلَى الْمَسْئُولِ أَنْ يُجِيبَ السَّائِلَ عَنْ كُلِّ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِيهِ خِلافٌ، لِتَظْهَرَ حُجَّتُهُ فِيهِ وَسَلامَتُهُ عَنْ الْمَطَاعِنِ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ خَرَجَ7 عَنْ حَدِّ السُّؤَالِ الْجَدَلِيِّ. انْتَهَى. "وَلِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَ" لِلْمُجِيبِ إذَا أَجَابَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ حِكْمَتُهُ "لِمَ ذَاكَ؟ فَإِنْ قَالَ" الْمُجِيبُ "لأَنَّهُ لا فَرْقَ قَالَ" السَّائِلُ:

_ 1 في ش: حرام هو. 2 في ب ض ز: لم. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: الجواب. 5 انظر ما يجب على المسؤول في الجدال في "الكافية في الجدل ص 99". 6 في ش: فيتقدرون. 7 في ب: والإخراج.

"دَعْوَاك لِعَدَمِ الْفَرْقِ كَدَعْوَاك لِلْجَمْعِ1، وَنُخَالِفُك فِيهِمَا، فَإِنْ قَالَ" الْمُجِيبُ "لا أَجِدُ فَرْقًا، قَالَ" السَّائِلُ "لَيْسَ كُلُّ مَا لَمْ تَجِدْهُ يَكُونُ بَاطِلاً" وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُجِيبُ: لَوْ جَازَ كَذَا لَجَازَ كَذَا2، فَهُوَ كَقَوْلِ السَّائِلِ: إذَا كَانَ كَذَا، فَلِمَ لا يَجُوزُ كَذَا؟ إلاَّ أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعِلَّةِ الْمُوَافِقَةِ بَيْنَهُمَا؛ لأَنَّهُ مِنْ فَرْضِ الْمُجِيبِ، وَيَلْزَمُ الْمُجِيبَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ، فَلَوْ كَانَ لِلْمُجِيبِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: وَمَنْ أَثْبَتَهَا؟ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَصِيرَ سَائِلاً، وَكَانَ عَلَى السَّائِلِ أَنْ يَصِيرَ مُجِيبًا، وَكَانَ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ: وَلِمَ تُنْكِرُ3 تَشَابُهَهُمَا، وَالْمُجِيبُ مُدَّعِيهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ سُؤَالَ الْجَدَلِ4 عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: سُؤَالٌ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَسُؤَالٌ عَنْ الدَّلِيلِ، وَسُؤَالٌ عَنْ وَجْهِ الدَّلِيلِ، وَسُؤَالٌ عَنْ تَصْحِيحِ الدَّعْوَى فِي الدَّلِيلِ، وَسُؤَالٌ عَنْ الإِلْزَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ5.

_ 1 في ش: للجميع. 2 ساقطة من ش. 3 في ش ب ض: ينكر. 4 في ش ز: الجدل. 5 قال الجويني: "والحروف التي يقع بها السؤال تسمى أدوات السؤال ... ، فالذي عليه جمهور أهل النحو أنها عشرة: هل، والألف، وأم، وما، ومن، وأي، ومتى، وكيف، وأين، وكم، وبعض الفقهاء زاد عليها ثلاثة: لم، وعمَّ، وبم، ومنهم من زاد اثنتين: أما، وألا، حتى صارت خمسة عشر" "الكافية في الجدل ص 73". =

وَتَحْسِينُ الْجَوَابِ وَتَحْرِيرُهُ1 يَقْوَى بِهِ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ2، فَأَوَّلُ ضُرُوبِ الْجَوَابِ: الإِخْبَارُ عَنْ مَاهِيَّةِ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ الإِخْبَارُ عَنْ مَاهِيَّةِ بُرْهَانِهِ، ثُمَّ وَجْهُ دَلالَةِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ، ثُمَّ إجْرَاءُ الْعِلَّةِ فِي الْمَعْلُولِ، وَحِيَاطَتُهُ مِنْ3 الزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنُّقْصَانِ مِنْهُ، لِئَلاَّ يَلْحَقَ بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَيَخْرُجَ عَنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ. وَالْحُجَّةُ فِي تَرْتِيبِ الْجَوَابِ كَالْحُجَّةِ فِي تَرْتِيبِ السُّؤَالِ؛ لأَنَّ كُلَّ ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِ الْجَوَابِ مُقَابَلٌ بِضَرْبٍ4 مِنْ ضُرُوبِ السُّؤَالِ5. "وَيُشْتَرَطُ انْتِمَاءُ سَائِلٍ إلَى مَذْهَبِ ذِي مَذْهَبٍ لِلضَّبْطِ" قَالَهُ الْجَوْزِيُّ وَالْفَخْرُ، وَزَادَ: وَإِنْ كَانَ الأَلْيَقُ بِحَالِهِ التَّجَرُّدَ عَنْ الْمَذَاهِبِ "وَأَنْ لا6 يَسْأَلَ عَنْ أَمْرٍ جَلِيٍّ، فَيَكُونَ7 مُعَانِدًا".

_ = وانظر: الفقيه والمتفقه 2/40 وما بعدها، الجدل لابن عقيل ص 42، المنهاد في ترتيب الحجاج ص 34. 1 في ش ز: وتحديده. 2 في ب ض: العمل بالعلم. 3 في ش: في. 4 في ز: لضرب. 5 انظر أقسام السؤال الجدلي والجواب عنه في "الكافية في الجدل ص 77، فواتح الرحموت 2/331، الفقيه والمتفقه 2/40 وما بعدها، المسودة ص 552، الجدل لابن عقيل ص 42، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 34". 6 ساقطة من ش. 7 في ش: وإلا فيكون.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ فِي الإِيضَاحِ: وَيَلْزَمُهُ الانْتِمَاءُ إلَى مَذْهَبِ ذِي مَذْهَبٍ صِيَانَةً لِلْكَلامِ عَنْ النَّشْرِ الَّذِي لا يُجْدِي، فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ إذَا ذَكَرَ مَثَلاً الإِجْمَاعَ دَلِيلاً فَلا فَائِدَةَ مِنْ1 تَمْكِينِ السَّائِلِ مِنْ مُمَانَعَةِ كَوْنِهِ حُجَّةً، بَعْدَمَا اتَّفَقَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ، وَيَتَعَيَّنُ قَصْدُ الاسْتِفْهَامِ وَتَرْكُ التَّعَنُّتِ2، وَلا يُمَكَّنُ الْمُدَاخِلُ مِنْ إيرَادِ3 أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ الدَّلِيلِ، بِمَا النَّظَرُ فِيهِ4 يُفْسِدُ الدَّلِيلَ، كَالْقَلْبِ وَالْمُعَارَضَةِ؛ لأَنَّ ذَلِكَ وَظِيفَةُ الْمُعْتَرِضِ. "وَيُكْرَهُ اصْطِلاحًا تَأْخِيرُ الْجَوَابِ" وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُفْتَى بِهِ، تَأْخِيرًا "كَثِيرًا". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الدَّلِيلِ عَقِبَ السُّؤَالِ عَنْهُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ لَمْ يَكُنْ مُنْقَطِعًا إلاَّ إنْ عَجَزَ عَنْهُ مُطْلَقًا. "وَلا يَكْفِي عَزْوُ حَدِيثٍ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ" أَيْ أَهْلِ الْحَدِيثِ؛ لأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ مَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ الأَحَادِيثِ، بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ صَحَّحَهُ أَوْ حَسَّنَهُ.

_ 1 في ز: في. 2 في ب ز: العنت. 3 ساقطة من ش. 4 في: ما النظر فيه، وفي ب ض ز: بالنظر إليه.

"وَيَنْقَطِعُ السَّائِلُ بِعَجْزِهِ عَنْ بَيَانِ السُّؤَالِ، وَ" بَيَانِ "طَلَبِ الدَّلِيلِ، وَ" طَلَبِ "وَجْهِهِ" أَيْ وَجْهِ الدَّلِيلِ "وَطَعْنِهِ فِي دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ وَمُعَارَضَتِهِ" لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ "وَانْتِقَالِ" السَّائِلِ "إلَى دَلِيلٍ آخَرَ، أَوْ" إلَى "مَسْأَلَةٍ أُخْرَى قَبْلَ تَمَامِ" الْمَسْأَلَةِ "الأُولَى"1. قَالَ فِي الْوَاضِحِ: اعْلَمْ أَنَّ الانْقِطَاعَ هُوَ الْعَجْزُ عَنْ إقَامَةِ الْحُجَّةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ2 الْمَقَالَةَ. وَالانْقِطَاعُ فِي الأَصْلِ: هُوَ الانْتِفَاءُ لِلشَّيْءِ عَنْ الشَّيْءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ3 لا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ. أَحَدُهُمَا: تَبَاعُدُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ، كَانْقِطَاعِ طَرَفِ الْحَبْلِ عَنْ جُمْلَتِهِ، وَانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْ مَجْرَاهُ، وَالآخَرُ: عَدَمُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ كَانْقِطَاعِ ثَانِي الْكَلامِ عَنْ مَاضِيهِ، وَتَقْدِيرُ الانْقِطَاعِ فِي الْجَدَلِ عَلَى أَنَّهُ انْقِطَاعُ الْقُوَّةِ4 عَنْ النُّصْرَةِ لِلْمَذْهَبِ الَّذِي شَرَعَ فِي نُصْرَتِهِ5.

_ 1 انظر أوجه العجز والانقطاع عند السائل والمسؤول في "الكافية في الجدل ص 90 وما بعدها، 551 وما بعدها556، الفقيه والمتفقه 2/57، الجدل لابن عقيل ص 71". 2 ساقطة من ب ض ز. 3 في ض: لأنه 4 ساقطة من ش. 5 انظر معنى الانقطاع في الجدل في "الكافية في الجدل ص 556، كشاف اصطلاحات الفنون 5/1202".

قَالَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ أَيْضًا: "وَمِنْ الانْتِقَالِ مَا لَيْسَ انْقِطَاعًا، كَمَنْ سُئِلَ عَنْ رَدِّ الْيَمِينِ فَبَنَاهُ عَلَى الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ1، أَوْ" سُئِلَ عَنْ "قَضَاءِ صَوْمِ نَفْلٍ فَبَنَاهُ عَلَى لُزُومِ إتْمَامِهِ"2. "وَإِنْ طَالَبَهُ السَّائِلُ بِدَلِيلٍ عَلَى مَا سَأَلَهُ فَانْقِطَاعٌ مِنْهُ" أَيْ مِنْ السَّائِلِ "لِبِنَاءِ بَعْضِ الأُصُولِ عَلَى بَعْضٍ". "وَلَيْسَ لِكُلِّهَا" أَيْ كُلِّ3 الأُصُولِ "دَلِيلٌ يَخُصُّهُ". "وَ" يَنْقَطِعُ "الْمَسْئُولُ4 بِعَجْزِهِ عَنْ الْجَوَابِ، وَ" عَنْ "إقَامَةِ الدَّلِيلِ5، وَ" عَنْ "تَقْوِيَةِ وَجْهِهِ" أَيْ وَجْهِ الدَّلِيلِ "وَ" عَنْ "دَفْعِ6 الاعْتِرَاضِ" الْوَارِدِ عَلَيْهِ. "وَكِلاهُمَا" أَيْ وَيَنْقَطِعُ كُلٌّ مِنْ السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ "بِجَحْدِ" أَيْ إنْكَارِ "مَا عُرِفَ مِنْ7 مَذْهَبِهِ أَوْ ثَبَتَ بِنَصٍّ وَ" الْحَالُ أَنْ "لَيْسَ مَذْهَبُهُ خِلافَهُ أَوْ" ثَبَتَ "بِإِجْمَاعٍ".

_ 1 في ض: المشكوك. 2 انظر صور الانتقال وأنواعه في "الجدل لابن عقيل ص 72، الكافية في الجدل ص 551، فواتح الرحموت 2/336، المسودة ص 443". 3 في ض: لكل. 4 في ض: السؤال. 5 ساقطة من ض. 6 في ش: وجه. 7 في ش: بـ.

"وَ" يَنْقَطِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْضًا "بِعَجْزِهِ عَنْ إتْمَامِ مَا شَرَعَ فِيهِ، وَخَلْطِ كَلامِهِ عَلَى وَجْهٍ لا يُفْهَمُ، وَسُكُوتِهِ" حَالَ كَوْنِ سُكُوتِهِ "حِيرَةً بِلا عُذْرٍ، وَتَشَاغُلِهِ بِمَا لا يَتَعَلَّقُ بِالنَّظَرِ" أَيْ بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا هُمْ فِيهِ "وَغَضَبِهِ أَوْ قِيَامِهِ عَنْ1 مَكَانِهِ" الأَوَّلِ "وَسَفَهِهِ عَلَى خَصْمِهِ" ذَكَرَ ذَلِكَ الأَصْحَابُ2. قَالَ صَاحِبُ3 الْوَاضِحِ: وَذَلِكَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَكُونُ مَرَاتِبُهَا خَمْسَةً. فَيَكُونُ مَعَ الْمُجَادِلِ4 قُوَّةٌ عَلَى الْمَرْتَبَةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ، ثُمَّ يَنْقَطِعُ، فَلا تَكُونُ5 لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الْمَرَاتِبِ، وَانْقِطَاعُ الْقُوَّةِ عَنْ الثَّالِثَةِ عَجْزٌ عَنْ الثَّانِيَةِ. فَلِذَلِكَ قُلْنَا: الانْقِطَاعُ فِي الْجَدَلِ عَجْزٌ عَنْهُ، وَكُلُّ انْقِطَاعٍ فِي الْجَدَلِ عَجْزٌ عَنْهُ. وَلَيْسَ كُلُّ عَجْزٍ6 عَنْهُ انْقِطَاعًا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ جِدًّا. ثُمَّ ذَكَرَ الانْقِطَاعَ بِالْمُكَابَرَةِ، ثُمَّ بِالْمُنَاقَضَةِ، ثُمَّ بِالانْتِقَالِ، ثُمَّ بِالْمُشَاغَبَةِ، ثُمَّ بِالاسْتِفْسَارِ، ثُمَّ بِالرُّجُوعِ إلَى التَّسْلِيمِ، ثُمَّ بِجَحْدِ

_ 1 في ب ض ز: في غير. 2 انظر: كشاف اصطلاحات الفنون 5/1095 وما بعدها. 3 في ب ض ز: في. 4 في ض: الجدل. 5 في ض ز: يكون. 6 ساقطة من ش.

الْمَذْهَبِ، ثُمَّ بِالْمُسَابَّةِ1. "وَ" يَنْقَطِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْضًا "بِالشَّغَبِ2 بِالإِبْهَامِ3 بِلا شُبْهَةٍ". قَالَ فِي الْوَاضِحِ: اعْلَمْ أَنَّ الانْقِطَاعَ بِالْمُشَاغَبَةِ عَجْزٌ عَنْ الاسْتِفْهَامِ4 لِمَا تَضَمَّنَ مِنْ نُصْرَةِ الْمَقَالِ5 إلَى الْمُمَانَعَةِ بِالإِبْهَامِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ وَلا شُبْهَةٍ. وَحَقُّ مِثْلِ هَذَا إذَا وَقَعَ: أَنْ يُفْصِحَ فِيهِ بِأَنَّهُ شَغَبٌ6، وَأَنَّ الْمِشْغَبَ7 لا يَسْتَحِقُّ زِيَادَة. فَإِنْ كَانَ الْمِشْغَبُ مَسْئُولاً قِيلَ لَهُ: إنْ أَجَبْت عَنْ الْمَسْأَلَةِ وَإِلاَّ زِدْنَا عَلَيْك، وَإِنْ لَمْ تُجِبْ عَنْهَا8 أَمْسَكْنَا عَنْك.

_ 1 انظر: الكافية في الجدل ص 551 وما بعدها، 556 وما بعدها. 2 في ب: بالشغب ثم. 3 في المختصر: بالايهام. 4 في ش: الاستتمام. 5 في ز: المقالة. 6 في ض: مشغب. والشعب هو المغالطة في الجدل بترك المشبهات بالمشهورات، وقال ابن حزم: "الشغب تمويه بحجة باطل بقضية أو قضايا فاسدة تقود إلى الباطل، وهي السفسطة" "الإحكام لابن حزم 1/37". وانظر: كشاف اصطلاحات الفنون 5/1097. 7 المِشغَب لغة من شَغَب وشَغِب شَغْباً وشَغَباً القوم: هيج الشر عليهم، فهو شَغِبُ، وشِغَب وشغَّاب، ومِشْغَب كمنبر، ومُشاغب، وذو مَشاغب. "انظر: القاموس المحيط 1/89، المصباح المنير 1/430". 8 في ض: فيها، وفي ز: عنها وإلا.

وَإِنْ كَانَ سَائِلاً قِيلَ لَهُ: إنْ حَصَّلْتَ1 سُؤَالاً سَمِعْتَ جَوَابًا وَإِلاَّ فَلا2 فَإِنَّ الْمِشْغَبَ لا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا. فَإِنْ لَجَّ وَتَمَادَى فِي غَيِّهِ أَعْرَضَ عَنْهُ؛ لأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ عَلَى مَا فِيهِ حُجَّةٌ أَوْ شُبْهَةٌ فَإِذَا عَرِيَ الْجَدَلُ3 عَنْ الأَمْرَيْنِ إلَى الشَّغَبِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ، وَكَانَ الأَوْلَى بِذِي الرَّأْيِ الأَصِيلِ وَالْعَقْلِ الرَّصِينِ: أَنْ يَصُونَ نَفْسَهُ، وَيَرْغَبَ بِوَقْتِهِ عَنْ التَّضْيِيعِ مَعَهُ، وَلا سِيَّمَا إذَا كَانَ الاشْتِغَالُ بِهِ مِمَّا يُوهِمُ الْحَاضِرِينَ أَنَّ صَاحِبَهُ سَالِكٌ لِطَرِيقِ الْحُجَّةِ، فَإِنَّهُ4 رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ5 بِمَا يُرَى6 مِنْهُ مِنْ حُسْنِ الْعِبَارَةِ. وَالاغْتِرَارِ7 بِإِقْبَالِ8 خَصْمِهِ عَلَيْهِ بِالْمُنَاظَرَةِ فَحَقُّ مِثْلِ هَذَا: أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ9: أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ الْمُشَاغَبَةِ دُونَ10 طَرِيقِ الْحُجَّةِ أَوْ الشُّبْهَةِ11.

_ 1 في ب: جعلت. 2 ساقطة من ب ض ز. 3 في ض: الجدال. 4 في ش: و. 5 في ب ض ز: في ذلك. 6 في ض: رأي. 7 في ض ز: واغترار. 8 في ش: باتكال. 9 ساقطة من ب ض ز. 10 في ش: على. 11 انظر: الكافية في الجدل ص 557 وما بعدها.

"وَلا يَنْقَطِعُ مَسْئُولٌ بِتَرْكِ الدَّلِيلِ لِعَجْزِ فَهْمِ السَّامِعِ" الَّذِي هُوَ السَّائِلُ "أَوْ1 انْتِقَالِهِ" أَيْ الْمَسْئُولِ "إلَى" دَلِيلٍ "أَوْضَحَ مِنْهُ" أَيْ مِنْ الدَّلِيلِ الأَوَّلِ "لِقِصَّةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ" مَعَ نُمْرُوذَ2. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ3: لَمَّا قَابَلَ نُمْرُوذُ4 قَوْلَ إبْرَاهِيمَ5 فِي الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِالْحَيَاةِ الْمَجَازِيَّةِ، انْتَقَلَ الْخَلِيلُ6 إلَى دَلِيلٍ لا يُمْكِنُهُ مُقَابَلَةُ7 الْحَقِيقَةِ فِيهِ بِالْمَجَازِ. وَمَنْ انْتَقَلَ مِنْ دَلِيلٍ غَامِضٍ إلَى دَلِيلٍ وَاضِحٍ: فَذَلِكَ طَلَبٌ لِلْبَيَانِ، وَلَيْسَ انْقِطَاعًا. قَالَ فِي الْوَاضِحِ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ8 انْتَقَلَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى غَيْرِهَا، وَكَانَ فِي مَقَامِ الْمُحَاجَّةِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَنْهُ9،

_ 1 في ش: و. 2 انظر: الكافية في الجدل ص 551، فواتح الرحموت 2/336. 3 ساقطة من ض. 4 ساقطة من ش. 5 في ب ض ز: الخليل. 6 ساقطة من ب ض ز. 7 في ض ز: تقابل. 8 في ز: قد. 9 وذلك في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ، أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ، إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، قَالَ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} البقرة/258.

وَبِهَذَا تَعَلَّقَ مَنْ رَأَى أَنَّ1 الانْتِقَالَ مِنْ دَلِيلٍ إلَى غَيْرِهِ لَيْسَ بِانْقِطَاعٍ، وَلا خُرُوجٍ عَنْ مُقْتَضَى الْجِدَالِ وَالْحِجَاجِ2. قِيلَ: لَمْ يَكُنْ انْتِقَالُهُ لِلْعَجْزِ؛ لأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَقْدِرُ3 أَنْ يُحَقِّقَ مَعَ نُمْرُوذَ حَقِيقَةَ الإِحْيَاءِ الَّذِي أَرَادَهُ، وَهُوَ إعَادَةُ الرُّوحِ إلَى جَسَدِ4 الْمَيِّتِ، أَوْ إنْشَاءُ حَيٍّ مِنْ الأَمْوَاتِ وَأَنَّ5 الإِمَاتَةَ الَّتِي أَرَادَهَا: هِيَ إزْهَاقُ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ مُمَارَسَةٍ6 بِآلَةٍ وَلا مُبَاشَرَةٍ. وَيُقَالُ7 لَهُ: إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ كُنْتَ مُحْيِيًا مُمِيتًا8، أَوْ فَافْعَلْ ذَلِكَ إنْ كُنْتَ صَادِقًا. وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَظُنَّ ذَلِكَ بِذَلِكَ النَّبِيِّ9 الْكَرِيمِ. وَمَا عَدَلَ عَمَّا ابْتَدَأَ بِهِ إلَى غَيْرِهِ عَجْزًا عَنْ اسْتِتْمَامِ النُّصْرَةِ، لَكِنَّهُ لَمَّا رَأَى نُمْرُوذَ غَبِيًّا أَوْ10 مُتَغَابِيًا بِمَا كَشَفَهُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ دَعْوَى11

_ 1 ساقطة من ب ض ز. 2 ساقطة من ض. 3 في ش: كان ينتقل مقدراً. 4 في ز: الجسد. 5 في ب: أو أن. 6 في ش: مماسة. 7 في ش: وقال. 8 في ز: ومميتاً. 9 ساقطة من ب ض ز. 10 ساقطة من ض. 11 ساقطة من ب ض ز.

الإِحْيَاءِ، وَهُوَ الْعَفْوُ عَنْ مُسْتَحِقِّ الْقَتْلِ، وَالإِمَاتَةِ، وَهِيَ الْقَتْلُ الَّذِي يُسَاوِي بِهِ1 كُلَّ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ وَأَصَاغِرِ رَعِيَّتِهِ انْتَقَلَ إلَى الدَّلِيلِ الأَوْضَحِ فِي بَابِ تَعْجِيزِهِ عَنْ دَعْوَاهُ فِيهِ الْمُشَارَكَةَ2 لِبَارِئِهِ سُبْحَانَهُ3، بِحُكْمِ مَا رَأَى مِنْ الْحَالِ فَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ الْعَجْزُ عَنْ إتْمَامِ مَا بَدَأَ بِهِ، بِخِلافِ مَا نَحْنُ فِيهِ4 اهـ. "وَمِنْ أَدَبِهِ" أَيْ أَدَبِ الْجَدَلِ "وَتَرْكُهُ" أَيْ تَرْكُ أَدَبِ الْجَدَلِ "شَيْنٌ5 إجْمَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْمُتَجَادِلَيْنِ6 "خِطَابَهُ مَعَ الآخَرِ وَإِقْبَالُهُ عَلَيْهِ، وَتَأَمُّلُهُ لِمَا يَأْتِي بِهِ7، وَتَرْكُ قَطْعِ كَلامِهِ، وَالصِّيَاحِ فِي وَجْهِهِ وَالْحِدَّةِ" عَلَيْهِ8 "وَالْفَخْرُ9 عَلَيْهِ وَالإِخْرَاجُ لَهُ عَمَّا عَلَيْهِ، وَاسْتِصْغَارُهُ. وَمَقَامُ التَّعْلِيمِ10 تَارَةً بِالْعُنْفِ وَتَارَةً بِاللُّطْفِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لا يَغْتَرَّ بِخَطَإِ الْخَصْمِ، وَأَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ

_ 1 في ش: فيه. 2 في ش: المشاركة فيه. 3 ساقطة من ب ض ز. 4 انظر: الكافية في الجدل ص 552. 5 في د ب ض: شيئين. 6 في ش: المتجادلين "وتأمله لما يأتي به". 7 في د: به خطابه. 8 ساقطة من د. 9 في ش: والضجر. 10 في ب ض: التعليم.

حِيلَتِهِ1، وَأَنْ لا يَعْتَادَ الْخَوْضَ فِي الشَّغَبِ فَيُحْرَمَ الإِصَابَةَ، وَيَسْتَرْوِحُ إلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ لا يَسْلَمُ مِنْ الانْقِطَاعِ إلاَّ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَيْسَ حَدُّ الْعَالِمِ كَوْنَهُ حَاذِقًا فِي الْجَدَلِ، فَإِنَّهُ صِنَاعَةٌ، وَالْعِلْمُ مَادَّتُهُ2 فَالْمُجَادِلُ يَحْتَاجُ إلَى الْعَالِمِ، وَلا عَكْسَ" أَيْ3 لا4 يَحْتَاجُ الْعَالِمُ إلَى الْمُجَادِلِ5. "وَ" يَنْبَغِي "أَنْ لا يَتَكَلَّمَ فِي الْمَجَالِسِ الَّتِي لا إنْصَافَ فِيهَا"6. قَالَ فِي الْوَاضِحِ:

_ 1 انظر بيان الحيل بين المتجادلين، وكيفية ردها في "الكافية في الجدل ص 542". 2 في ش: مأدبة، وفي ض: ما دونه. 3 في ش: و، وساقطة من ز. 4 في ب ض ز: ولا. 5 انظر في آداب الجدل "الكافية في الجدل ص 529 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/330، الفقيه والمتفقه 2/25، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 9". 6 انظر: الفقيه والمتفقه 2/27 وما بعدها، الجدل لابن عقيل ص 2.

فصل في عدم الكلام في مجالس الخوف ونحوه

فصل في عدم الكلام في مجالس الخوف ونحوه ... "فَصْلٌ" قَالَ الْعُلَمَاءُ: احْذَرْ الْكَلامَ فِي مَجَالِسِ الْخَوْفِ، فَإِنَّ الْخَوْفَ يُذْهِلُ1 الْعَقْلَ الَّذِي مِنْهُ يَسْتَمِدُّ2 الْمُنَاظِرُ حُجَّتَهُ، وَيَسْتَقِي مِنْهُ الرَّأْيَ فِي دَفْعِ شُبُهَاتِ الْخَصْمِ، وَإِنَّمَا يُذْهِلُهُ وَيَشْغَلُهُ بِطَلَبِهِ حِرَاسَةَ نَفْسِهِ، الَّتِي هِيَ3 أَهَمُّ مِنْ مَذْهَبِهِ وَدَلِيلِ مَذْهَبِهِ، فَاجْتَنِبْ مُكَالَمَةَ مَنْ تَخَافُ، فَإِنَّهَا مُمِيتَةٌ لِلْخَوَاطِرِ، مَانِعَةٌ مِنْ التَّثَبُّتِ4. وَاحْذَرْ مُكَالَمَةَ5 مَنْ اشْتَدَّ بُغْضُك إيَّاهُ، فَإِنَّهَا6 دَاعِيَةٌ إلَى الضَّجَرِ وَالْغَضَبِ، مِنْ قِلَّةِ مَا يَكُونُ مِنْهُ و7َالضَّجَرُ، وَالْغَضَبُ مُضَيِّقٌ لِلصَّدْرِ، وَمُضْعِفٌ لِقُوَى الْعَقْلِ8.

_ 1 في ض: يذهب. 2 في ض: يستمد منه. 3 ساقطة من ز. 4 في ش: التثبيت. 5 في ب ض ز: كلام. 6 في ب ض ز: فإنه. 7 ساقطة من ش. 8 في ز: العقول.

وَاحْذَرْ الْمَحَافِلَ الَّتِي لا إنْصَافَ فِيهَا فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَك وَبَيْنَ خَصْمِك فِي الإِقْبَالِ وَالاسْتِمَاعِ، وَلا أَدَبَ لَهُمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ الشَّرْعِ إلَى الْحُكْمِ عَلَيْك، وَمِنْ إظْهَارِ الْعَصَبِيَّةِ لِخَصْمِك. وَالاعْتِرَاضُ يَخْلُقُ الْكَلامَ، وَيُذْهِبُ بَهْجَةَ الْمَعَانِي بِمَا يُلْجَأُ إلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ التَّرْدَادِ. وَمَنْ تَرَكَ التَّرْدَادَ مَعَ الاعْتِرَاضِ: انْقَطَعَ كَلامُهُ وَبَطَلَتْ مَعَانِيهِ. وَاحْذَرْ اسْتِصْغَارَ خَصْمِك، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ التَّحَفُّظِ، وَيُثَبِّطُ عَنْ الْمُغَالَبَةِ1، وَلَعَلَّ الْكَلامَ يُحْكَى فَيُعْتَدُّ عَلَيْك بِالتَّقْصِيرِ. وَاحْذَرْ كَلامَ مَنْ لا يَفْهَمُ عَنْكَ، فَإِنَّهُ يُضْجِرُكَ وَيُغْضِبُكَ إلاَّ أَنْ يَكُونَ2 لَهُ3 غَرِيزَةٌ صَحِيحَةٌ، وَيَكُونَ الَّذِي بَطَّأَ بِهِ عَنْ الْفَهْمِ فَقْدُ الاعْتِيَادِ، فَهَذَا خَلِيلٌ4 مُسْتَرْشِدٌ فَعَلِّمْهُ، وَلَيْسَ بِخَصْمٍ فَتُجَادِلُهُ وَتُنَازِعُهُ. وَقَدِّرْ فِي نَفْسِك الصَّبْرَ وَالْحِلْمَ5 لِئَلاَّ تَسْتَفِزّكَ6 بَغَتَاتُ7

_ 1 في ب ز: المبالغة. 2 في ض ز: تكون. 3 في ش: لك. 4 في ض: جليل. 5 في ش: والحكم. 6 في ض: يستفزك. 7 في ش: لفتات.

الإِغْضَابِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحِلْمِ خَاصَّةٌ1 تُجْتَلَبُ، لَكَانَتْ مَعُونَةً عَلَى الْمُنَاظَرَةِ تُوجِبُ إضَافَتَهُ إلَيْهَا. وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ الانْقِطَاعِ إلاَّ مَنْ قَرَنَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالْعِصْمَةِ مِنْ الزَّلَلِ، وَلَيْسَ حَدُّ الْعَالِمِ: أَنْ يَكُونَ حَاذِقًا بِالْجَدَلِ، فَالْعِلْمُ2 بِضَاعَةٌ3، وَالْجَدَلُ صِنَاعَةٌ، إلاَّ أَنَّ مَادَّةَ الْجَدَلِ وَالْمُجَادِلِ تَحْتَاجُ4 إلَى5 الْعَالِمِ، وَالْعَالِمُ لا يَحْتَاجُ فِي عِلْمِهِ إلَى الْمُجَادِلِ، كَمَا يَحْتَاجُ الْمُجَادِلُ فِي جَدَلِهِ إلَى الْعَالِمِ. وَلَيْسَ حَدُّ الْجَدَلِ بِالْمُجَادَلَةِ: أَنْ لا6 يَنْقَطِعَ الْمُجَادِلُ أَبَدًا، أَوْ7 لا يَكُونَ مِنْهُ انْقِطَاعٌ كَثِيرٌ إذَا كَثُرَتْ مُجَادَلَتُهُ. وَلَكِنَّ الْمُجَادِلَ: مَنْ كَانَ طَرِيقُهُ فِي الْجَدَلِ مَحْمُودًا، وَإِنْ نَالَهُ الانْقِطَاعُ لِبَعْضِ8 الآفَاتِ9 الَّتِي تُعْرَفُ10. ثُمَّ قَالَ:

_ 1 في ب ز: خاصة لها. 2 في ض: والعلم. 3 في ب ض ز: صناعة. 4 في ض: يحتاج. 5 في ض: إليه. 6 ساقطة من ض. 7 في ب ض ز: و. 8 في ش: في بعض. 9 في ش: الأوقات. 10 انظر: الكافية في الجدل ص 530 وما بعدها، الجدل لابن عقيل ص 2، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 10.

فصل فيما يجب على الخصمين في الجدل

فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ فِي الْجَدَلِ1. اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلُ الَّذِي يَجِبُ لِلآخَرِ عَلَيْهِ مِنْ الإِجْمَالِ فِي خِطَابِهِ، وَتَرْكِ2 التَّقْطِيعِ3 لِكَلامِهِ، وَالإِقْبَالِ عَلَيْهِ، وَتَرْكِ الصِّيَاحِ فِي وَجْهِهِ، وَالتَّأَمُّلِ لِمَا يَأْتِي بِهِ، وَالتَّجَنُّبِ لِلْحِدَّةِ وَالضَّجَرِ عَلَيْهِ، وَتَرْكِ الْحَمْلِ لَهُ عَلَى جَحْدِ الضَّرُورَةِ، إلاَّ مِنْ حَيْثُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِمَذْهَبِهِ، وَتَرْكِ الإِخْرَاجِ لَهُ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي السُّؤَالِ أَوْ الْجَوَابِ4، وَتَرْكِ الاسْتِصْغَارِ لَهُ، وَالاحْتِقَارِ لِمَا يَأْتِي بِهِ، إلاَّ مِنْ حَيْثُ تَلْزَمُهُ الْحُجَّةُ إيَّاهُ، وَالتَّنَبُّهُ5 لَهُ عَلَى6 ذَلِكَ إنْ بَدَرَ مِنْهُ، أَوْ مُنَاقَضَتِهِ7 إنْ

_ 1 ساقطة من ض، وفي ب: في الجدال. 2 في د: وتركه. 3 في ش: التفظيع. 4 ساقطة من ض. 5 في ش: والتنبيه. 6 في ب ض ز: عن. 7 في ز: مناقضة.

ظَهَرَتْ فِي1 كَلامِهِ، وَأَنْ لا يُمَانِعَهُ2 الْعِبَارَةَ إذَا أَدَّتْ3 الْمَعْنَى. وَكَانَ الْغَرَضُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى دُونَ الْعِبَارَةِ، وَأَنْ لا يَخْرُجَ4 فِي عِبَارَتِهِ عَنْ الْعَادَةِ، وَأَنْ لا يُدْخِلَ فِي كَلامِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَلا يَسْتَعْمِلُ مَا يَقْتَضِي التَّعَدِّيَ عَلَى خَصْمِهِ، وَالتَّعَدِّي خُرُوجُهُ عَمَّا يَقْتَضِيهِ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ وَلا يَمْنَعُهُ5 الْبِنَاءَ عَلَى أَمْثِلَةٍ، وَلا يُشَنِّعُ مَا لَيْسَ بِشَنِيعٍ فِي مَذْهَبِهِ، أَوْ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْ الشَّنَاعَةِ مِثْلُهُ، وَلا يَأْخُذ عَلَيْهِ شَرَفَ الْمَجْلِسِ لِلاسْتِظْهَارِ عَلَيْهِ وَلا يَسْتَعْمِلُ الإِبْهَامَ بِمَا يُخْرِجُ عَنْ حَدِّ الْكَلامِ6. ثُمَّ قَالَ:

_ 1 في ض: من. 2 في ش: تمانعه. 3 في ض: أردت. 4 في ش: تخرج. 5 في ض: يمكنه. 6 انظر: الكافية في الجدل ص 531 وما بعدها، الفقيه والمتفقه 2/27 وما بعدها، 35 وما بعدها.

فصل في ترتيب الخصوم في الجدل

فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْخُصُومِ فِي الْجَدَلِ. اعْلَمْ أَنَّهُ لا يَخْلُو الْخَصْمُ فِي الْجَدَلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي طَبَقَةِ خَصْمِهِ، أَوْ أَعْلَى أَوْ أَدْوَنَ1. فَإِنْ كَانَ فِي طَبَقَتِهِ: كَانَ قَوْلُهُ لَهُ: الْحَقُّ فِي هَذَا كَذَا دُونَ كَذَا مِنْ قِبَلِ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَلأَجْلِ كَذَا وَعَلَى الآخَرِ: أَنْ يَتَحَرَّى لَهُ الْمُوَازَنَةَ فِي الْخِطَابِ. فَذَلِكَ أَسْلَمُ لِلْقُلُوبِ، وَأَبْقَى لِشَغْلِهَا عَنْ تَرْتِيبِ النَّظَرِ فَإِنَّ التَّطْفِيفَ فِي الْخِطَابِ يُعْمِي الْقَلْبَ عَنْ فَهْمِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ. وَإِنْ كَانَ أَعْلَى فَلْيَتَحَرَّ، وَيَجْتَنِبَ2 الْقَوْلَ لَهُ: هَذَا خَطَأٌ، أَوْ3 غَلَطٌ، أَوْ4 لَيْسَ كَمَا تَقُولُ، بَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ لَهُ: أَرَأَيْت إنْ

_ 1 في ش: دون. وانظر طبقات أهل الجدل والنظر في "الكافية في الجدل ص 559". 2 في ض: تجنب. 3 في ض: و. 4 في ب ض ز: و.

قَالَ قَائِلٌ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْت1 كَذَا؟ و2َإِنْ اعْتَرَضَ عَلَى مَا ذَكَرْت مُعْتَرِضٌ بِكَذَا. فَإِنَّ نُفُوسَ الْكِرَامِ الرُّؤَسَاءِ الْمُقَدَّمِينَ3 تَأْبَى خُشُونَةَ الْكَلامِ؛ إذْ لا عَادَةَ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَإِذَا4 نَفَرَتْ النُّفُوسُ5 عَمِيَتْ الْقُلُوبُ، وَجَمَدَتْ الْخَوَاطِرُ وَانْسَدَّتْ أَبْوَابُ الْفَوَائِدِ، فَحَرُمَتْ كُلُّ6 الْفَوَائِدِ، بِسَفَهِ السَّفِيهِ، وَتَقْصِيرِ الْجَاهِلِ فِي حُقُوقِ الصُّدُورِ، وَقَدْ أَدَّبَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْبِيَاءَهُ فِي خِطَابِهِمْ7 لِلرُّؤَسَاءِ مِنْ أَعْدَائِهِ، فَقَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي حَقِّ فِرْعَوْنَ {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا} 8. سَمِعْت بَعْضَ الْمَشَايِخِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: صِفَةُ هَذَا الْقَوْلِ اللَّيِّنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَلْ لَك إلَى أَنْ تَزَكَّى} 9 وَمَا ذَاكَ إلاَّ مُرَاعَاةً لِقَلْبِهِ، حَتَّى لا يَنْصَرِفَ10 بِالْقَوْلِ الْخَشِنِ عَنْ فَهْمِ11

_ 1 في ب ض: ذكرته. 2 ساقطة من ب ض ز. 3 في ب ض: المتقدمين. 4 في ب ض: فإذا. 5 ساقطة من ش. 6 في ز: الكل. 7 ساقطة من ض ز. 8 الآية 44 من طه. 9 الآيتان 17-18. 10 في ض: ينظر، وفي ز: ينضر. 11 في ش: عرفهم.

الْخِطَابِ1، فَكَيْفَ بِرَئِيسٍ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ تَطْلُبُ2 فَوَائِدَهُ، وَتَرْجُو3 الْخَيْرَ فِي إيرَادِهِ، وَمَا تَسْنَحُ لَهُ خَوَاطِرُهُ؟ فَأَحْرَى بِنَا أَنْ نُذَلِّلَ لَهُ الْعِبَارَةَ، وَنُوَطِّئَ4 لَهُ جَانِبَ الْجَدَلِ، لِتَنْهَالَ فَوَائِدُهُ انْهِيَالاً. وَفِي الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ: الأَدَبُ مِعْيَارُ الْعُقُولِ وَمُعَامَلَةُ5 الْكِرَامِ، وَسُوءُ الأَدَبِ مَقْطَعَةٌ لِلْخَيْرِ وَمَدْمَغَةٌ لِلْجَاهِلِ، فَلا تَتَأَخَّرُ إهَانَتُهُ6، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ هِجْرَانُهُ وَحِرْمَانُهُ. وَأَمَّا الأَدْوَنُ7 فَيُكَلَّمُ بِكَلامٍ لَطِيفٍ، إلاَّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ، إذَا أَتَى بِالْخَطَإِ: هَذَا خَطَأٌ. وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ قِبَلِ كَذَا لِيَذُوقَ مَرَارَةَ سُلُوكِ الْخَطَإِ فَيَجْتَنِبَهُ8، وَحَلاوَةَ الصَّوَابِ فَيَتْبَعَهُ. وَرِيَاضَةُ هَذَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَتَرْكُهُ سُدًى9 مَضَرَّةٌ لَهُ، فَإِنْ عُوِّدَ الإِكْرَامَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الأَعْلَى طَبَقَةً: أَخْلَدَ إلَى خَطَئِهِ، وَلَمْ

_ 1 قال القاسمي: "فإن تليين القول مما يكسر سورة عناد العتاة، ويلين عريكة الطغاة" "محاسن التأويل 11/4181". وانظر تفسير القرطبي 11/200، تفسير ابن كثير 3/153. 2 في ز: يطلب. 3 في ز: ويرجو. 4 في ض: ونطوي. 5 في ش: ومعالم. 6 في شك تتحر. 7 في ش: وإلا. 8 في ض: فيتجنبه. 9 في ض: نبذاً.

يُزِغْهُ1 عَنْ الْغَلَطِ وَازِعٌ2، وَمَقَامُ التَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ تَارَةً بِالْعُنْفِ، وَتَارَةً بِاللُّطْفِ، وَسُلُوكُ أَحَدِهِمَا يُفَوِّتُ فَائِدَةَ الآخَرِ، قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} 3 وَقِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: إنَّهُ السَّائِلُ فِي الْعُلُومِ دُونَ سُؤَالِ الْمَالِ، وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ فِيهِمَا4، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ5.

_ 1 في ش: يزعه. 2 في ش: نزع، وفي ض ز: وازغ. 3 الآية 10 من الضحى. 4 قال القرطبي: "وقيل المراد بالسائل هنا: الذي يسأل عن الدين، أي فلا تنهره بالغلظة والجفوة، وأجبه برفق ولين، قاله سفيان، قال ابن العربي: وأما السائل عن الدين فجوابه فرض على العالم على الكفاية، كإعطاء سائل البرسواء" "تفسير القرطبي 20/101". وانظر: محاسن التأويل 17/6185، أحكام القرآن للجصاص 3/582، أحكام القرآن لابن العربي 4/1935، تفسير ابن كثير 4/523. 5 ساقطة من ض، وفي ز: والله سبحانه أعلم.

باب: الاستدلال

"بَابُ الاسْتِدْلالِ" مِنْ جُمْلَةِ الطُّرُقِ الْمُفِيدَةِ لِلأَحْكَامِ، وَلِهَذَا ذُكِرَ عَقِبَ الأَدِلَّةِ الأَرْبَعَةِ، وَهِيَ: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالإِجْمَاعُ، وَالْقِيَاسُ. وَهُوَ "لُغَةً: طَلَبُ الدَّلِيلِ، وَاصْطِلاحًا" أَيْ فِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ "هُنَا إقَامَةُ دَلِيلٍ لَيْسَ بِنَصٍّ وَلا إجْمَاعٍ وَلا قِيَاسٍ شَرْعِيٍّ1. "فَدَخَلَ" الْقِيَاسُ "الاقْتِرَانِيُّ، وَهُوَ" قِيَاسٌ "مُؤَلَّفٌ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ مَتَى سَلِمَتَا" أَيْ الْقَضِيَّتَيْنِ مِنْ مُعَارِضٍ "لَزِمَ عَنْهُمَا لِذَاتِهِمَا

_ 1 انظر تعريف الاستدلال في "الإحكام لابن حزم 1/37، 2/676، العدة 1/132، المسودة ص 451، الكافية في الجدل ص 47، شرح تنقيح الفصول ص 450، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/342، البرهان 2/1130، الإحكام للآمدي 4/118، العضد على ابن الحاجب 2/280، تيسير التحرير 4/172، الحدود للباجي ص 41، التعريفات للجرجاني ص 12، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 11.

قَوْلٌ آخَرُ" أَيْ قَضِيَّةٌ أُخْرَى نَتِيجَةٌ1 لَهُمَا، كَقَوْلِنَا: الْعَالَمُ مُتَغَيِّرٌ، وَكُلُّ مُتَغَيِّرٍ حَادِثٌ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ، وَكَمَا2 يُقَالُ: هَذَا حُكْمٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ، وَكُلُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ فَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَهَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ. وَكَمَا يُقَالُ: مَا ذَكَرْته مُعَارَضٌ بِالإِجْمَاعِ وَكُلُّ مُعَارَضٌ بِالإِجْمَاعِ بَاطِلٌ، فَمَا ذَكَرْته بَاطِلٌ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ3. "وَ" دَخَلَ فِيهِ أَيْضًا الْقِيَاسُ "الاسْتِثْنَائِيُّ" وَيَكُونُ فِي الشَّرْطِيَّاتِ "وَهُوَ مَا4 تُذْكَرُ5 فِيهِ النَّتِيجَةُ أَوْ نَقِيضُهَا" أَيْ نَقِيضُ النَّتِيجَةِ6.

_ 1 في ض: يتجه. وفي ش: تنتجه. 2 في ب: كأن. 3 سمي هذا القياس بالقياس الاقتراني لاقتران أجزائه، وهي حدوده، من الأصغر والأكبر والوسط. انظر: المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/343، الإحكام للآمدي 4/119، تيسير التحرير 4/172، إرشاد الفحول ص 236. 4 في ش: له مدخل في. 5 في ض ز: يذكر. 6 وسمي هذا الفياس بالقياس الاستثنائي لاشتماله على معنى الاستثناء بكلمة "لكن"، والقياس الاقتراني والاستثنائي نوعان للقياس المنطقي، وهو قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنه لذاته قول آخر، فإن كان اللازم، وهو النتيجة أو نقيضها، مذكوراً فيه بالفعل فهو الاستثنائي، وإن كان مذكوراً فيه بالقوة، بأن لم يتصل فيه طرفاه، فهو الاقتراني. انظر: المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/342، الإحكام للآمدي 4/125، نهاية السول 3/150، مناهج العقول 3/150، تيسير التحرير 4/172.

فَفِي الْمُتَّصِلاتِ كَمَا يُقَالُ: إنْ كَانَ هَذَا إنْسَانًا1 فَهُوَ حَيَوَانٌ، لَكِنَّهُ2 لَيْسَ بِحَيَوَانٍ يَنْتِجُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ، أَوْ أَنَّهُ إنْسَانٌ، يَنْتِجُ أَنَّهُ حَيَوَانٌ، فَاسْتِثْنَاءُ عَيْنِ الأَوَّلِ يُنْتِجُ عَيْنَ الثَّانِي3، وَاسْتِثْنَاءُ نَقِيضِ الثَّانِي4 يُنْتِجُ نَقِيضَ الْمُقَدَّمِ، وَعَيْنُ الثَّانِي5 لا يُنْتِجُ عَيْنَ الأَوَّلِ، لاحْتِمَالِ كَوْنِهِ عَامًّا، وَلا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ الْعَامِّ إثْبَاتُ الْخَاصِّ، كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ. فَإِنَّ الْحَيَوَانَ6 لا يَسْتَلْزِمُ وُجُودُ الإِنْسَانِ، وَكَذَا نَقِيضُ الإِنْسَانِ لا يَسْتَلْزِمُ نَقِيضَ الْحَيَوَانِ؛ لِوُجُودِهِ فِي الْفَرَسِ. وَفِي الْمُنْفَصِلاتِ، كَمَا يُقَالُ: الْعَدَدُ7 إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ، لَكِنَّهُ زَوْجٌ يَنْتِجُ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْدٍ، أَوْ فَرْدٌ، يَنْتِجُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ. مِثَالُهُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ: الضَّبُّ إمَّا حَلالٌ أَوْ8 حَرَامٌ، لَكِنَّهُ حَلالٌ؛ لأَنَّهُ أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ9 فَلَيْسَ بِحَرَامٍ،

_ 1 في ش ض: إنسان. 2 في ش ض: لكن. 3 في ش: التالي. 4 في ش: التالي. 5 في ش: التالي. 6 ساقطة من ش. 7 في ش ض: المعدود. 8 في ش: وإما. 9 هذا حديث صحيح، رواه الجماعة إلا الترمذي، وسبق تخريجه 2/165.

مِثَالٌ آخَرُ: صَيْدُ الْمُحْرِمِ إمَّا حَلالٌ أَوْ حَرَامٌ1، لَكِنَّهُ حَرَامٌ2؛ لأَنَّهُ3 نُهِيَ عَنْهُ، فَلَيْسَ بِحَلالٍ. "وَ" دَخَلَ فِيهِ أَيْضًا "قِيَاسُ الْعَكْسِ وَهُوَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى نَقِيضِ الْمَطْلُوبِ، ثُمَّ يَبْطُلُ، فَيَصِحُّ الْمَطْلُوبُ" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} 4 فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى حَقِيقَةِ الْقُرْآنِ بِإِبْطَالِ نَقِيضِهِ. وَهُوَ وُجْدَانُ الاخْتِلافِ فِيهِ5. قَالَ الْمَحَلِّيُّ: يَدْخُلُ فِيهِ قِيَاسُ الْعَكْسِ، وَهُوَ إثْبَاتُ6 عَكْسِ حُكْمِ شَيْءٍ لِمِثْلِهِ7 لِتَعَاكُسِهِمَا فِي الْعِلَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ8 "أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ ". انْتَهَى9.

_ 1 في ش: حرام أو حلال، وفي ن: حلال وإما حرام. 2 ساقطة من ن. 3 ساقطة من ض ز. 4 الآية 82 من النساء. 5 ساقطة من ض. 6 ساقطة من ض. 7 اللفظة من المحلي، وفي ش ض بز: بمثله. 8 صحيح مسلم بشرح النووي 7/92 9 المحلي على جمع الجوامع 2/342. وانظر قياس العكس في "تيسير التحرير 4/173، 174، جمع الجوامع 2/343".

"وَنَحْوَ: وُجِدَ1 السَّبَبُ فَثَبَتَ2 الْحُكْمُ وَ" نَحْوُهُ "وُجِدَ الْمَانِعُ" فَانْتَفَى الْحُكْمُ "أَوْ فَاتَ الشَّرْطُ فَانْتَفَى" الْحُكْمُ3 "دَعْوَى دَلِيلٍ لا نَفْسِهِ" أَيْ لا نَفْسِ الدَّلِيلِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى إحْدَى الْمُقَدَّمَتَيْنِ، اعْتِمَادًا عَلَى شُهْرَةِ الأُخْرَى4، كَقَوْلِنَا " وُجِدَ السَّبَبُ فَثَبَتَ الْحُكْمُ "فَإِنَّهُ يَنْتُجُ مَعَ مُقَدِّمَةٍ أُخْرَى مُقَدَّرَةٍ وَهِيَ قَوْلُنَا: وَكُلُّ سَبَبٍ إذَا وُجِدَ وُجِدَ الْحُكْمُ، فَلَمْ تُذْكَرْ لِظُهُورِهَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 5 فَإِنَّ حُصُولَ النَّتِيجَةِ مِنْهُ يَتَوَقَّفُ6 عَلَى مُقَدِّمَةٍ أُخْرَى ظَاهِرَةٍ تَقْدِيرُهَا: وَمَا فَسَدَتَا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا، فَالأَكْثَرُ: عَلَى أَنَّهُ دَعْوَى دَلِيلٍ، وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا: وُجِدَ السَّبَبُ، أَوْ قُلْنَا: وُجِدَ الْمُقْتَضِي، مَعْنَاهُ الدَّلِيلُ. وَلَمْ يَقُمْ عَلَى وُجُودِهِ دَلِيلٌ. وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ وَجَمْعٌ: أَنَّهُ دَلِيلٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهِ ثُبُوتُ الْمَطْلُوبِ7.

_ 1 في ب: وجدان. 2 في المختصر: فوجد. 3 ساقطة من ش. 4 في ش ض ب: أخرى. 5 الآية 22 من الأنبياء. 6 في ب ز: تتوقف. 7 وهذا ما أيده الآمدي ونص عليه أنه دليل، لأن الدليل ما يلزم من ثبوته لزوم =

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قِيلَ: إنَّهُ اسْتِدْلالٌ مُطْلَقٌ؛ لانْطِبَاقِ الْحَدِّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إنْ ثَبَتَ وُجُودُ السَّبَبِ أَوْ الْمَانِعِ، أَوْ فُقِدَ الشَّرْطُ، يَعْنِي النَّصَّ وَالإِجْمَاعَ وَالْقِيَاسَ. وَإِلاَّ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا ثَبَتَ بِهِ. قَالَ الْكُورَانِيُّ: هَذَا مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ؛ لأَنَّهُ يُقَالُ1: هَذَا حُكْمٌ وُجِدَ سَبَبُهُ. وَكُلُّ مَا وُجِدَ سَبَبُهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ فَكُبْرَى الْقِيَاسِ -وَهِيَ قَوْلُنَا: كُلُّ مَا وُجِدَ سَبَبُهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ- قَطْعِيَّةٌ، لا يُخَالِفُ فِيهَا أَحَدٌ.

_ = المطلوب قطعاً أو ظاهراً، وهو ما اختاره ابن رجب ووافقه العضد عليه، وأيده الشوكاني. 1 انظر: الإحكام للآمدي 4/118، ابن الحاجب والعضد عليه 2/281، إرشاد الفحول ص 237. في ش ب ز: يقول.

فصل الاستصحاب

"فَصْلٌ1" "الاسْتِصْحَابُ2" مُبْتَدَأٌ "وَهُوَ" أَيْ الاسْتِصْحَابُ "التَّمَسُّكُ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ، أَوْ" بِدَلِيلٍ3 "شَرْعِيٍّ لَمْ يَظْهَرْ عَنْهُ نَاقِلٌ مُطْلَقًا4: دَلِيلٌ" خَبَرُ الاسْتِصْحَابِ. وَكَوْنُ الاسْتِصْحَابِ دَلِيلاً: هُوَ الصَّحِيحُ5.

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 في ش ز: والاستصحاب. 3 في ش: دليل. 4 انظر في تعريف الاستصحاب "التعريفات للجرجاني ص 14، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/350، ترجيح الفروع على الأصول ص 172، العضد على ابن الحاجب 2/284، المستصفى 1/218، البرهان 2/1135، نهاية السول 3/157، مختصر الطوفي ص 138، أصول مذهب أحمد ص 373، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133، إرشاد الفحول ص 237، الجدل لابن عقيل ص 9". 5 انظر حجية القول باستصحاب الحال وأنواعه وأدلته عند الحنابلة والشافعية والمالكية وطائفة من الحنفية في "الإحكام لابن حزم 2/590، مجموع الفتاوى 11/342، الإحكام للآمدي 4/111، شرح تنقيح الفصول ص 447، المستصفى 1/218، الروضة ص 155، المحلي على جمع الجوامع 2/347، المحصول 2/3/148، 163 وما بعدها، المنخول ص 373، مناهج العقول 3/155، العضد على ابن الحاجب 2/284، تيسير التحرير 4/177، أصول مذهب أحمد ص 373 وما بعدها، مختصر البعلي ص 160 مختصر الطوفي ص 138، المدخل إلى مذهب أحمد ص 133، أثر الأدلة المختلف فيها ص 186، أثر الاختلاف ص 540، تأسيس النظر ص 18، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 31".

وَحَقِيقَةُ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ: التَّمَسُّكُ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ تَارَةً يَكُونُ بِحُكْمِ دَلِيلِ الْعَقْلِ1، كَاسْتِصْحَابِ حَالِ الْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ، فَإِنَّ الْعَقْلَ دَلِيلٌ عَلَى بَرَاءَتِهَا وَعَدَمِ تَوَجُّهِ الْحُكْمِ إلَى الْمُكَلَّفِ. وَتَارَةً يَكُونُ الاسْتِصْحَابُ بِحُكْمِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، كَاسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْعُمُومِ وَالإِجْمَاعِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ دَلِيلٌ نَاقِلٌ عَنْ حُكْمِ الدَّلِيلِ الْمُسْتَصْحَبِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَالْبَيِّنَةِ الدَّالَّةِ عَلَى شَغْلِ الذِّمَّةِ، وَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالْمَعْنَى: إذَا كَانَ حُكْمًا مَوْجُودًا وَهُوَ يَحْتَمِلُ2 أَنْ3 يَتَغَيَّرَ، فَالأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَنَفْيُ مَا يُغَيِّرُهُ4. وَمِنْهُ اسْتِصْحَابُ الْعَدَمِ الأَصْلِيِّ، وَهُوَ الَّذِي عُرِفَ بِالْعَقْلِ انْتِفَاؤُهُ، وَأَنَّ الْعَدَمَ الأَصْلِيَّ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ كَالأَصْلِ: عَدَمُ وُجُوبِ صَلاةٍ سَادِسَةٍ، وَصَوْمِ شَهْرٍ غَيْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا لَمْ يَرِدْ السَّمْعُ

_ 1 في ش: الفقهاء. 2 في ش: محتمل. 3 في ب: لأن. 4 في ش: يغايره.

بِذَلِكَ حَكَمَ الْعَقْلُ بِانْتِفَائِهِ لِعَدَمِ الْمُثْبِتِ لَهُ1. وَمِنْهُ اسْتِصْحَابُ2 حُكْمٍ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَدَوَامِهِ، لِوُجُودِ سَبَبِهِ3، كَالْمِلْكِ عِنْدَ حُصُولِ السَّبَبِ وَشَغْلِ الذِّمَّةِ عَنْ قَرْضٍ أَوْ إتْلافٍ. فَهَذَا - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا أَصْلِيًّا - فَهُوَ حُكْمٌ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَدَوَامِهِ، جَمِيعًا4، وَلَوْلا أَنَّ الشَّرْعَ دَلَّ عَلَى دَوَامِهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ السَّبَبُ الْمُزِيلُ وَالْمُبَرِّئُ لَمَا زَالَ اسْتِصْحَابُهُ5.

_ 1 ويسمى هذا النوع استصحاب العدم الأصلي، وإليه ينصرف اسم الاستصحاب، ويعرف بالبراءة الأصلية، وهذا النوع حجة باتفاق خلافاً للمعتزلة وبعض المالكية. انظر: المستصفى 1/222، الإحكام للآمدي 4/129، العدة 1/73، تخريج الفروع على الأصول ص 348، المسودة ص 448، القواعد والفوائد الأصولية ص 108، مجموع الفتاوى 11/34، 23/15، 29/166، شرح تنقيح الفصول ص 447، الروضة ص 155، الفقيه والمتفقه 1/216، العبادي على الورقات ص 218، المحصول 2/3/225 وما بعدها، 238، إعلام الموقعين 1/378، اللمع ص 69، أصول مذهب أحمد ص 373. 2 في ش: انتقاء استصحاب. 3 في ش: سببه المثبت له. 4 في ش: لوجود سببه جميعاً. 5 انظر مزيداً من أمثلة الاستصحاب لكل نوع منه في "الإحكام لابن حزم 1/386 وما بعدها، 2/950، إعلام الموقعين 1/378 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع 2/348، المحصول 2/3/148، المستصفى 1/219، التمهيد للأسنوي ص 149، تيسير التحرير 4م177، المعتمد 2/884، تخريج الفروع على الأصول ص 172، أثر الأدلة المختلف فيها ص 187، 200، أثر الاختلاف 543 وما بعدها".

وَقِيلَ: لَيْسَ الاسْتِصْحَابُ بِدَلِيلٍ1. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ دَلِيلاً أَنْ لا يُعَارِضَهُ ظَاهِرٌ، لَكِنْ مَتَى قُدِّمَ الظَّاهِرُ عَلَى الأَصْلِ كَانَ تَقْدِيمُهُ لِمُرَجِّحٍ مِنْ خَارِجٍ يَنْضَمُّ إلَيْهِ2. "وَلَيْسَ اسْتِصْحَابُ حُكْمِ الإِجْمَاعِ فِي مَحَلِّ الْخِلافِ حُجَّةٌ" عِنْدَ الأَكْثَرِ. وَخَالَفَ جَمْعٌ3 فِي ذَلِكَ4.

_ 1 في ض ن: دليلاً. 2 انظر القول بعدم حجية الاستصحاب، والتفصيل في حجيتها حالة الدفع دون الإثبات، وغيره في "حاشية البناني على جمع الجوامع 2/349، العضد على ابن الحاجب 2/285، تيسير التحرير 4/177، أصول السرخسي 2/147، 223، شرح تنقيح الفصول ص 447، كشف الأسرار 3/377 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/129، 131، الفقيه المتفقه 1/216، أصول مذهب أحمد ص 376، أثر الاختلاف ص 542، أثر الأدلة ص 195، المعتمد 2/885". 3 ساقطة من ش. 4 قال بحجية استصحاب حكم الإجماع الإمام الشافعي وأيده الآمدي، وتبعه ابن شاملا وابن حامد من الحنابلة، وقال بعدم حجيته الحنفية والحنابلة والمالكية وبعض الشافعية كالمزني والصيرفي وابن سريج والغزالي والمحلي، انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "العدة 1/73، إعلام الموقعين 1/381، التمهيد للأسنوي ص 139، المستصفى 1/223 وما بعدها، حاشية البناني والمحلي على جمع الجوامع 2/350، روضة الناظر مع نزهة الخاطر 1/392، التبصرة ص 526، الإحكام للآمدي 4/127 وما بعدها، 136، اللمع ص 69، تيسير التحرير 4/177، أثر الأدلة المختلف فيها ص 190، الفقيه والمتفقه 1/216، تخريج الفروع على الأصول ص 73، أصول مذهب أحمد ص 378، إرشاد الفحول ص 238، مختصر البعلي ص 160، مختصر الطوفي ص 138، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 31".

وَوَجْهُ اخْتِيَارِ الأَكْثَرِ: أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّكَافُؤِ فِي الأَدِلَّةِ1؛ لأَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ يَسْتَصْحِبُ حَالَةَ2 الإِجْمَاعِ فِي مَوْضِعِ الْخِلافِ إلاَّ وَلِخَصْمِهِ أَنْ يَسْتَصْحِبَ حَالَةَ الإِجْمَاعِ فِي مُقَابِلِهِ. مِثَالُهُ: لَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ فِي مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ قِيلَ: أَجْمَعُوا عَلَى3 أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلاةِ تُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ، فَكَذَا4 فِي الصَّلاةِ قِيلَ: أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ تَحْرِيمَتِهِ5 فَمَنْ أَبْطَلَهُ لَزِمَهُ الدَّلِيلُ6. وَ7جَوَابُهُ: بِمَنْعِ التَّكَافُؤِ، وَإِنْ تَعَارَضَا. وَاحْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِ الشَّارِعِ. وَأَجَابَ بِمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِ الدَّلِيلِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، إلاَّ أَنْ يَتَنَاوَلَهَا الدَّلِيلُ.

_ 1 في ض: الدلالة. 2 في ض ب ز: حال. 3 ساقطة من ز. 4 في ض: وكذا. 5 في ش: تحريمه. 6 انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص 31. 7 ساقطة من ش.

"وَيَجُوزُ تَعَبُّدُ نَبِيٍّ بِشَرِيعَةِ نَبِيٍّ قَبْلَهُ عَقْلاً"؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ، وَلا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ1، وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ2. وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. وَرُدَّ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ إحْيَاؤُهَا وَلَعَلَّ فِيهِ مَصْلَحَةً3 "وَلَمْ يَكُنْ نَبِيُّنَا" مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قَبْلَ الْبَعْثَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَوْمُهُ" عِنْدَ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ. كَمَا تَوَاتَرَ عَنْهُ4. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: مَنْ زَعَمَهُ فَقَوْلُ سُوءٍ5. انْتَهَى. قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ6: وَلَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ قَبْلَ

_ 1 في ش: المحال. 2 انظر: العدة 3/751، المسودة ص 182، المستصفى 1/246، كشف الأسرار 3/212، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134 3 انظر مناقشة القول بمنع تبعد نبي بشريعة بني قبلة في "العدة 3/751، 761 وما بعدها، المسودة ص 183، المستصفى 1/246، كشف الأسرار 3/213، المعتمد 2/899". 4 من ذلك حديث بدء الوحي الذي جاء فيه: "ثم حبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه، وهو التعبد، الليالي ذوات العدد ... حتى جاءه الحق" وهذا حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم عن عائشة، وسوف يذكره المصنف فيما بعد ص 384. 5 انظر: العدة 3/766، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134. 6 في ض ب: المبتدئ.

الْبَعْثَةِ1، بَلْ وُلِدَ مُسْلِمًا مُؤْمِنًا. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ2. وَقِيلَ: بَلْ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، حَكَاهُ ابْنُ حَامِدٍ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ3. انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: قُلْت الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ4: أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ عَلَى دِينٍ سِوَى الإِسْلامِ، وَلا كَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ قَطُّ. بَلْ وُلِدَ مُؤْمِنًا نَبِيًّا صَالِحًا عَلَى مَا كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلِمَهُ مِنْ حَالِهِ وَخَاتِمَتِهِ لا بِدَايَتِهِ. "بَلْ كَانَ مُتَعَبِّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرْعِ مَنْ كَانَ5 قَبْلَهُ مُطْلَقًا" أَيْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الأَكْثَرُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ الشَّافِعِيَّةِ6؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النَّبِيِّينَ قَبْلَهُ دَعَا إلَى

_ 1 ساقطة من ض. 2 انظر المسودة ص 182، الإحكام للآمدي 4/148، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134. 3 ساقطة من ش. 4 ساقطة من ض. 5 ساقطة من ش ز. 6 المختار عند الشافعية الوقف كما جاء في "جمع الجوامع 2/352"، وصرح به الغزالي والآمدي والقاضي عبد الجبار من المعتزلة، وأبو الخطاب من الحنابلة. انظر: المحصول 1/3/397، المستصفى 1/246، الإحكام للآمدي 4/137، المسودة ص 183، البرهان 1/503، 509، المنخول ص 232، فواتح الرحموت 2/184، تخريج الفروع على الأصول ص 369، العدة 3/766.

شَرْعِهِ كُلَّ الْمُكَلَّفِينَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَتَنَاوَلَهُ1 عُمُومُ الدَّعْوَةِ. وَقِيلَ: بَلْ2 بِشَرْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ فَقِيلَ: آدَم أَوْ نُوحٌ أَوْ إبْرَاهِيمُ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْمَجْدُ3 وَالْبَغَوِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ وَجَمْعٌ، أَوْ مُوسَى أَوْ عِيسَى4. وَمَنَعَهُ5 الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْبَاقِلاَّنِيّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ6، وَذَكَرَ7 بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ الأَكْثَرِ: كَوْنَهُ مُتَعَبِّدًا قَبْلَ

_ 1 في ش: فيتناوله. 2 ساقطة من ز. 3 انظر: المسودة ص 182. 4 انظر: العدة 3/757، المسودة ص 193، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/352، البرهان 1/507 وما بعدها، المستصفى 1/246، الإحكام للآمدي 4/137، العضد على ابن الحاجب 2/286، المحصول 1/3/401، المعتمد 2/900، كشف الأسرار 2/212، تيسير التحرير 3/129، فواتح الرحموت 2/182، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134، مختصر البعلي ص 161، إرشاد الفحول ص 239. 5 في ش: ومنعه. 6 في ض: أبو الحسن، ولعله أبو الحسن الأشعري، فهذا قول الأشعرية، ولعله أبو الحسين القاضي ابن أبي يعلى الحنبلي، صاحب طبقات الحنابلة، والراجح أنه أبو الحسين البصري المعتزلي، فهذا قوله، وصرح به في كتابه "المعتمد 2/899". 7 في ز: وذكره.

الْبَعْثَةِ بِشَرْعٍ مُطْلَقًا؛ لاسْتِحَالَتِهِ عَقْلاً عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَشَرْعًا عِنْدَ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالآمِدِيِّ إذْ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ، وَلَتَدَاوَلَتْهُ الأَلْسِنَةُ1. وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ: بِمَا فِي مُسْلِمٍ2 عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَتَحَنَّثُ -أَيْ يَتَعَبَّدُ- فِي غَارِ حِرَاءٍ. وَفِي الْبُخَارِيِّ3 أَيْضًا كَانَ يَتَحَنَّثُ بِغَارِ حِرَاءٍ. رُدَّ4 بِأَنَّ مَعْنَاهُ: التَّفَكُّرُ وَالاعْتِبَارُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ عِبَادَةُ

_ 1 إن النقل عن الحنفية في هذه المسألة غير دقيق، لما ذكره ابن عبد الشكور في كتابه "مسلم الثبوت" والكمال ابن الهمام في كتابه "التحرير" وغيرهما من الحنفية أن: "المختار أنه صلى الله عليه وسلم متعبد بشرع قبل بعثته" فإنهم يقولون كالحنابلة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متعبداً بشرع قبل البعثة، وهذا ما اختاره أيضاً ابن الحاجب من المالكية، فقال: "المختار أنه كان متعبداً به". انظر تحقيق المسألة مع بيان الأقوال والأدلة والمناقشة في "فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/183، تيسير التحرير 3/129 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/286، المعتمد 2/899، 900، المسودة ص 182، 183، المحصول 2/3/397 وما بعدها، البرهان 1/508، المستصفى 1/246، الإحكام للآمدي 4/138، كشف الأسرار 3/212، المنخول ص 231 وما بعدها، العدة 3/756، 766، إرشاد الفحول ص 239". 2 صحيح مسلم بشرح النووي 2/198. وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها، "مسند أحمد 6/232". 3 صحيح البخاري بحاشية السندي 1/3. 4 ساقطة من ش.

صَوْمٍ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ فَعَلَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ تَشَبُّهًا1 بِالأَنْبِيَاءِ. رُدَّ بِالْمَنْعِ. "وَتَعَبُّدُهُ2" أَيْ3 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَيْضًا بِهِ" أَيْ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ "بَعْدَهَا" أَيْ بَعْدَ الْبَعْثَةِ عَلَى الصَّحِيحِ4. "فَ" عَلَى هَذَا "هُوَ" أَيْ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا "شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُنْسَخْ" عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ5.

_ 1 في ض ب: تشبيها. 2 في ب ز: وتعبد. 3 ساقطة من ب ز. 4 وهذا قول الحنفية والمالكية والحنابلة، خلافاً للشافعية، انظر بيان هذه المسألة مع الأدلة في "العدة 3/753، 757، نزهة الخاطر 1/400، المسودة ص 184، 193، مجموع الفتاوى 19/7، جمع الجوامع 2/352، الإحكام للآمدي 4/140، المحصول 1/3/401، 406 وما بعدها، تيسير التحرير 3/131، فواتح الرحموت 2/184، مختصر البعلي ص 161، المدخل إلى مذهب أحمد ص 134، إرشاد الفحول ص 240". 5 قال الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية إن شرع من قبلنا شرع لنا، وقال أكثر الشافعية والأشاعرة والمعتزلة وأحمد في رواية: إن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، ولكل قول دليله، فانظر الأقوال والأدلة والمناقشة في "الروضة ص 160 وما بعدها، المستصفى 1/251، 255، العضد على ابن الحاجب 2/287، الإحكام للآمدي 4/140، كشف الأسرار 3/213، تيسير التحرير 3/131، أصول السرخسي 2/99، فتح الغفار 2/139، المنخول ص 333، مختصر البعلي ص 161، أصول مذهب أحمد ص 485، 491، أثر الأدلة المختلف فيها ص 534، التوضيح على التنقيح 2/276، مختصر الطوفي ص 140، إرشاد الفحول ص 240، تخريج الفروع على الأصول ص 369، العدة 3/756".

"وَمَعْنَاهُ فِي قَوْلٍ: أَنَّهُ مُوَافِقٌ، لا مُتَابِعٌ" قَالَ الْقَاضِي: مِنْ حَيْثُ صَارَ شَرْعًا لِنَبِيِّنَا1، لا مِنْ حَيْثُ صَارَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَهُ2. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لا مُتَابِعٌ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ: أَنَّهُ شَرْعٌ لَمْ يُنْسَخْ، فَيَعُمُّنَا لَفْظًا3. 4وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَقْلاً، لِتَسَاوِي الأَحْكَامِ، وَهُوَ الاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ فِي قَصَصِهِمْ فَيَعُمُّنَا حُكْمًا4. "وَيُعْتَبَرُ فِي قَوْلٍ" لِلْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ5 وَغَيْرِهِمَا "ثُبُوتُهُ قَطْعًا". قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ شَرْعًا لَهُمْ [بِدَلِيلٍ] 6 مَقْطُوعٍ7 بِهِ: إمَّا بِكِتَابٍ، أَوْ بِخَبَرِ الصَّادِقِ، أَوْ بِنَقْلٍ

_ 1 في ض ب: لنبيه. 2 عبارة القاضي: "فقد صار شريعة لنبينا، ويلزمنا أحكامه من حيث صار شريعة له، لا من حيث كان شريعة لمن قبله" "العدة 3/753" وانظر: المسودة ص 185. 3 انظر: العدة 3/753، المسودة ص 185. 4 ساقطة من ض. انظر المسودة ص 185. 5 في ش: وابن عقيلي. 6 زيادة من العدة وساقطة من جميع النسخ. 7 ساقطة من ض.

مُتَوَاتِرٍ1. فَأَمَّا الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ، أَوْ إلَى كُتُبِهِمْ: فَلا، وَقَدْ أَوْمَأَ أَحْمَدُ إلَى هَذَا2، وَمَعْنَاهُ لابْنِ حَمْدَانَ. فَقَالَ: كَانَ هُوَ وَأُمَّتُهُ مُتَعَبَّدِينَ بِشَرْعِ مَنْ تَقَدَّمَ بِالْوَحْيِ إلَيْهِ فِي الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ، لا مِنْ كُتُبِهِمْ الْمُبَدَّلَةِ، وَنَقْلِ أَرْبَابِهَا، مَا لَمْ يُنْسَخْ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: وَيَثْبُتُ3 أَيْضًا بِأَخْبَارِ الآحَادِ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4. وَقِيلَ: نُقِلَ5 عَنْ أَحْمَدَ نَفْيُ التَّعَبُّدِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَكَوْنُ6 شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعًا لَنَا7.

_ 1 عبارة القاضي: "وإنما نرجع إلى ما ثبت بدليل مقطوع عليه من قرآن أو خبر متواتر أو سنة متواترة أو وحي نزل به" "العدة 3/757"، وانظر: المسودة ص 183-184. 2 انظر المسودة ص 184، كشف الأسرار 3/213، أصول السرخسي 2/99، تيسير التحرير 3/131، المدخل إلى مذهب أحمد ص 135. 3 في ش: وثبت. 4 انظر: المسودة ص 186. 5 في ض: ونقل. 6 في ض: وكونه. ومعناه: نفي كون شرع من قبلنا شرعاً لنا. 7 انظر العدة 3/756، 761، الروضة ص 162، المسودة ص 193، مختصر البعلي ص 161، الإحكام للآمدي 4/140 وما بعدها، المستصفى 1/251 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/287، المحصول 1/3/401 وما بعدها، تخريج الفروع على الأصول ص 369، كشف الأسرار 3/214، أصول البزدوي ص 234، إرشاد الفحول ص 240.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الأَوَّلِ: قَوْله تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} 1. رُدَّ، أَرَادَ الْهُدَى الْمُشْتَرَكُ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ لاخْتِلافِ شَرَائِعِهِمْ، وَالْعَقْلُ هَادٍ إلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ بِأَمْرٍ مُجَدَّدٍ لا بِالاقْتِدَاءِ. أُجِيبَ: الشَّرِيعَةُ مِنْ الْهُدَى، وَقَدْ أُمِرَ بِالاقْتِدَاءِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِالنَّاسِخِ، كَشَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ2. قَالَ مُجَاهِدٌ لابْنِ عَبَّاسٍ " أَأَسْجَدُ فِي ص3؟ فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ4، وَقَالَ5: نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ6.

_ 1 الآية 90 من الأنعام. 2 انظر العدة 3/757، نزهة الخاطر 1/401، زاد المسير 3/81. 3 وهي قوله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} سورة ص/25. 4 ذكر الإمام البخاري الآية، وهي: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ... أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} الأنعام/84، 90. 5 في ض ب: فقال. 6 روى البخاري عن مجاهد قال: سألت ابن عباس: من أين سجدت؟ فقال: أوما تقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ... أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} فكان داود ممن أُمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدى به، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم "صحيح البخاري 3/118". والحديث رواه الترمذي والنسائي وأحمد =

وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْك أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ} 1. رُدَّ، أَرَادَ التَّوْحِيدَ؛ لأَنَّ الْفُرُوعَ لَيْسَتْ مِلَّةً وَلِهَذَا لَمْ يَبْحَثْ عَنْهَا. أُجِيبَ: الْفُرُوعُ مِنْ الْمِلَّةِ تَبَعًا، كَمِلَّةِ نَبِيِّنَا؛ لأَنَّهَا دِينُهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ2. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ الظَّاهِرُ. وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الأُصُولِيِّينَ. وَقَدْ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهَا مُطْلَقًا3. وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} 4. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ5 مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا "مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ

_ = انظر صحيح البخاري 1/130، 3/118، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/176، سنن النسائي 2/123، مسند أحمد 1/279. 1 الآية 123 من النحل. 2 في ش: الموحدين المعتبرين. وانظر العدة 3/759، زاد المسير 4/504. 3 انظر زاد المسير 4/504، 7/276. 4 الآية 13 من الشورى. 5 صحيح مسلم بشرح النووي 5/193.

تَعَالَى قَالَ: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} 1"، وَهُوَ خِطَابٌ لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ. وَسِيَاقُهُ2 وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ احْتَجَّ بِهِ؛ لأَنَّ أُمَّتَهُ أُمِرَتْ مُوسَى. وَاسْتَدَلَّ بِتَعَبُّدِهِ بِهِ قَبْلَ بَعْثَتِهِ3، وَالأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَبِالاتِّفَاقِ عَلَى الاسْتِدْلالِ4 بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 5 وَبِرُجُوعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى التَّوْرَاةِ فِي الرَّجْمِ6. "وَالاسْتِقْرَاءُ7 بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ" الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَصْنَافِ

_ 1 الآية 14 من طه. 2 ساقطة من ض. 3 في ض ب: البعثة. 4 في ض: استدلال. 5 الآية 45 من المائدة. 6 روى البخاري ومسلم وأبو داود ومالك وأحمد –وهذا نصه- عن ابن عمر أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال: "ما تجدون في كتابكم؟ " فقالوا: نُسَخِّم وجوههما ويخزيان، فقال "كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ... "، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما ... "، ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجة عن البراء. انظر: صحيح البخاري بشرح السندي 2/185، صحيح مسلم بشرح النووي 11/208، 209، سنن أبي داود 2/463، 464، الموطأ ص 512، مسند أحمد 2/5، نيل الأوطار 7/97، صحيح البخاري بشرح الكرماني 14/191. 7 عرف القرافي الاستقراء بأنه: "تتبع الحكم في جزئياته" "شرح تنقيح الفصول ص 448"، وهو عكس القياس عند المناطقة.

الاسْتِدْلالِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: اسْتِقْرَاءٌ1 تَامٌّ2. وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "إنْ3 كَانَ" أَيْ4 الاسْتِقْرَاءُ "تَامًّا" أَيْ بِالْكُلِّيِّ5 "إلاَّ صُورَةَ النِّزَاعِ، فَ" هُوَ "قَطْعِيٌّ" عِنْدَ الأَكْثَرِ6. وَحُدَّ هَذَا: بِأَنَّهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ فِي جُزْئِيٍّ لِثُبُوتِهِ فِي الْكُلِّيِّ7 نَحْوُ: كُلُّ جِسْمٍ مُتَحَيِّزٌ. فَإِنَّا اسْتَقْرَأْنَا جَمِيعَ8 جُزْئِيَّاتِ الْجِسْمِ فَوَجَدْنَاهَا مُنْحَصِرَةً فِي الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، وَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ مُتَحَيِّزٌ فَقَدْ أَفَادَ هَذَا الاسْتِقْرَاءُ الْحُكْمَ9 يَقِينًا فِي كُلِّيٍّ، وَهُوَ

_ 1 وانظر تعريف الاستقراء في "المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/345، مناهج العقول 3/159، نهاية السول 1/188، 3/160، أثر الأدلة المختلف فيها ص 648". 2 ساقطة من ض. 3 الاستقراء التام هو ما يكون فيه حصر الكلي في جزئياته، ويكون بتصفح جميع الجزئيات. انظر تعريف الاستقراء التام في "مناهج العقول 3/159، أثر الأدلة المختلف فيها ص 648". 4 في ش: وإن 5. ساقطة من ش ض في ش: بالكل.. 6 انظر: المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/245، 246. 7 في ش: بالكل، وفي ز: الكل. 8 في ض: استقرأ بجميع. 9 في ب: بالحكم.

الْجِسْمُ الَّذِي هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْجُزْئِيَّاتِ. فَكُلُّ جُزْئِيٍّ مِنْ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا حُكِمَ بِهِ عَلَى الْكُلِّيِّ1، إلاَّ صُورَةَ النِّزَاعِ. فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى صُورَةِ النِّزَاعِ، وَهُوَ مُفِيدٌ لِلْقَطْعِ، فَإِنَّ2 الْقِيَاسَ الْمَنْطِقِيَّ مُفِيدٌ لِلْقَطْعِ عِنْدَ الأَكْثَرِ. النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِقْرَاءٌ نَاقِصٌ، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ"3 إنْ كَانَ "نَاقِصًا" أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الاسْتِقْرَاءُ "بِأَكْثَرِ الْجُزْئِيَّاتِ 4" لإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْكُلِّيِّ5 الْمُشْتَرِكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ، بِشَرْطِ أَنْ لا تَتَبَيَّنَ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي الْحُكْمِ "وَيُسَمَّى" هَذَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ "إلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالأَعَمِّ الأَغْلَبِ، فَ" هُوَ "ظَنِّيٌّ" وَيَخْتَلِفُ فِيهِ الظَّنُّ بِاخْتِلافِ الْجُزْئِيَّاتِ. فَكُلَّمَا6 كَانَ الاسْتِقْرَاءُ فِي أَكْثَرَ كَانَ أَقْوَى ظَنًّا7.

_ 1 في ش: الأول الكلي، وفي ز: الكل. 2 في ش ز: فإنه القياس، فإن. 3 ساقطة من ض. 4 الاستقراء الناقص هو ما لا يكون فيه حصر الكلي في جزئياته، بأن لا يكون فيه تتبع لجميع جزئيات الكلي وهو المراد عند الأصوليين، والأول هو المراد عند المناطقة، وعرف الإمام الرازي الاستقراء الناقص فقال: "الاستقراء المظنون هو إثبات حكم في كلي، لثبوته في بعض جزئياته" "المحصول 2/3/217". وانظر: تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/345، مناهج العقول 3/160، أثر الأدلة المختلف فيها ص 648. 5 في ش: الكلي، وفي ز: للكل. 6 في ض: فلما. 7 انظر المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/346، المحصول 2/3/218، نهاية السول 3/160، مناهج العقول 3/160.

"وَكُلٌّ" مِنْ النَّوْعَيْنِ "حُجَّةٌ" أَمَّا الأَوَّلُ: فَبِالاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَعِنْدَ صَاحِبِ الْحَاصِلِ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَالْهِنْدِيِّ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ1. كَقَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ: الْوِتْرُ يُفْعَلُ رَاكِبًا فَلَيْسَ وَاجِبًا2، لاسْتِقْرَاءِ الْوَاجِبَاتِ: الأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَلَمْ نَرَ شَيْئًا مِنْهَا3 يُفْعَلُ رَاكِبًا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ الظَّنَّ: أَنَّا إذَا وَجَدْنَا صُوَرًا كَثِيرَةً دَاخِلَةً تَحْتَ نَوْعٍ، وَاشْتَرَكَتْ فِي حُكْمٍ، وَلَمْ نَرَ شَيْئًا مِمَّا4 يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْهَا5: خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ، أَفَادَتْنَا تِلْكَ الْكَثْرَةُ قَطْعًا عَنْ ظَنِّ6 الْحُكْمِ7 بِعَدَمِ أَدَاءِ الْفَرْضِ رَاكِبًا فِي مِثَالِنَا هَذَا مِنْ صِفَاتِ ذَلِكَ النَّوْعِ، وَهُوَ الصَّلاةُ الْوَاجِبَةُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُفِيدًا لِلظَّنِّ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِ وَاجِبًا. وَمِنْ شَوَاهِدِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ: مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ

_ 1 احتج بهذا النوع المالكية والشافعية والحنابلة، ورجع إليه الحنفية أيضاً. انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/345، نهاية السول 1/188، 3/160، المستصفى 1/51، المحصول 2/3/218، الموافقات 3/5، مختصر البعلي ص 161، شرح تنقيح الفصول ص 448. 2 في ض: بواجب. 3 في ز: منها شيئاً. 4 في ز: منها. 5 في ب ض: منها أنه. 6 في ش: عن ظن. 7 ساقطة من ش.

حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا "إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ1 بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسَبُ أَنَّهُ صَدَقَ فَأَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا" 2. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ3 الاسْتِدْلالَ إمَّا بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ، وَهُوَ الاسْتِقْرَاءُ، أَوْ بِالْكُلِّيِّ عَلَى الْجُزْئِيِّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، أَوْ بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْجُزْئِيِّ، وَهُوَ4 التَّمْثِيلُ، أَوْ بِالْكُلِّيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ، وَهُوَ5 قِيَاسٌ6 أَوْ7 تَمْثِيلٌ8.

_ 1 في ب ض ز: وإنه يأتيني الخصم، فلعل. 2 هذا حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك والشافعي وأحمد والبيهقي وغيرهم عن أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً. انظر صحيح البخاري بحاشية السندي 4/163، صحيح مسلم بشرح النووي 12/4، سنن أبي داود 2/370، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/568، سنن النسائي 8/205، سنن ابن ماجة 2/777، الموطأ ص 448، بدائع المنن 2/233، السنن الكبرى للبيهقي 10/144، مسند أحمد 6/203، 290، مجمع الزوائد 4/198، اللؤلؤ والمرجان 2/192، إحكام الأحكام 2/291، نيل الاوطار 2/288. 3 ساقطة من ش، وفي د ز: اعلم بأن. 4 في ض: فهو. 5 في ز ض: أو. 6 في ش: قياس التمثيل. 7 في ش ز: و. 8 التمثيل، أو الاستدلال بالجزئي على الجزئي، هو القياس الأصولي. "انظر: تقريرات الشربيني على جمع الجوامع 2/345".

"وَقَوْلُ صَحَابِيٍّ عَلَى" صَحَابِيٍّ "مِثْلِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ" عَلَيْهِ اتِّفَاقًا. وَنَقَلَ ابْنُ عَقِيلٍ: الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَزَادَ1: وَلَوْ كَانَ أَعْلَمَ أَوْ إمَامًا، أَوْ حَاكِمًا2. "وَ" قَوْلُ صَحَابِيٍّ "عَلَى غَيْرِهِ" تَارَةً يَنْتَشِرُ وَتَارَةً لا يَنْتَشِرُ. "فَإِنْ انْتَشَرَ وَلَمْ يُنْكَرْ: فَسَبَقَ" فِي الإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ3. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ "فَ" هُوَ "حُجَّةٌ مُقَدَّمًا4 عَلَى الْقِيَاسِ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا5.

_ 1 ساقطة من ض. 2 انظر: جمع الجوامع 2/354، الإحكام للآمدي 4/149، العضد على ابن الحاجب 2/287، نهاية السول 3/172، كشف الأسرار 3/217، أصول السرخسي 2/109، تيسير التحرير 3/132، فواتح الرحموت 2/186، فتح الغفار 2/139 وما بعدها، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، إرشاد الفحول ص 243، أصول مذهب أحمد ص 391. 3 في المجلد الثاني ص 212. وانظر: المسودة ص 335، إعلام الموقعين 1/31، الروضة ص 165، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، مختصر البعلي ص 161، جمع الجوامع 2/354، المحصول 2/3/178، 182، المستصفى 1/271، التبصرة ص 391، المنخول ص 318، التمهيد للأسنوي ص 153، نهاية السول 3/173، مناهج العقول 3/171، التوضيح على التنقيح 2/277، تيسير التحرير 3/133، فواتح الرحموت 2/186. 4 في ش: مقدماً. 5 وهذا قول المالكية وأكثر الحنابلة وبعض الحنفية والشافعي في القديم، ولهم أدلة كثيرة، ويذكرون أمثلة وأحكاماً متعددة. انظر: المسودة ص 276، 336، 470، الإحكام لابن حزم 2/817، الروضة ص 165، شرح تنقيح الفصول ص 445، التبصرة ص 395، =

وَقِيلَ: لا يَكُونُ حُجَّةً مُقَدَّمًا1 عَلَى الْقِيَاسِ إلاَّ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ قِيَاسُ تَقْرِيبٍ2. فَعَلَى الأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ "إنْ3 اخْتَلَفَ صَحَابِيَّانِ فَكَدَلِيلَيْنِ" تَعَارَضَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ التَّعَارُضِ4.

_ = البرهان 2/1358، الإحكام للآمدي 4/149، المحصول 2/3/178، نهاية السول 3/173، تيسير التحرير 3/132، العضد على ابن الحاجب 2/287، التمهيد للأسنوي ص 153، أصول السرخسي 2/105، كشف الأسرار 3/217، 219، تأسيس النظر ص 105، مختصر البعلي ص 161، مختصر الطوفي ص 142، إعلام الموقعين 2/255، 256، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، أخبار أبي حنيفة ص 10، أصول مذهب أحمد ص 394، 395، المدخل إلى مذهب أحمد ص 135، فواتح الرحموت 2/186، المعتمد 2/539، أثر الأدلة المختلف فيها ص 338، 340، تخريج الفروع على الأصول ص 179، الجدل لابن عقيل ص 8. 1 في ش: مقدم. 2 القول بإنكار حجية قول الصحابي ينسب إلى جمهور الأصوليين، وهو قول الشافعي في الجديد والرواية الثانية لأحمد، ورجحه الغزالي والآمدي وابن الحاجب المالكي والكرخي الحنفي والشوكاني وغيرهم، ولهم أدلة كثيرة، ويناقشون أدلة القول الأول. انظر: المسودة ص 337، المستصفى 1/261، العضد على ابن الحاجب 2/287، التمهيد للأسنوي ص 153، الروضة ص 165، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/354، الإحكام للآمدي 4/149، البرهان 2/1359، كشف الأسرار 3/217، المحصول 2/3/174، التبصرة 2/395، التوضيح على التنقيح 2/277، أصول السرخسي 2/105، 106، تخريج الفروع على الأصول ص 179، أصول مذهب أحمد ص 394، 398، أثر الأدلة المختلف فيها ص 340، إرشاد الفحول ص 243. 3 في ض ز: إذا. 4 انظر جمع الجوامع 2/354، تيسير التحرير 3/133، فواتح الرحموت 2/186 وسيذكر المصنف باب التعارض فيما بعد ص 424، 425 وما بعدها.

"هَذَا إنْ وَافَقَ" قَوْلُ الصَّحَابِيِّ1 "الْقِيَاسَ، وَإِلاَّ2" أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ3 الْقِيَاسَ "حُمِلَ عَلَى التَّوْقِيفِ" ظَاهِرًا4 عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَالشَّافِعِيِّ5 وَالْحَنَفِيَّةِ، وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرَّازِيِّ6. قَالَ7 الْبِرْمَاوِيُّ: وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ8 الصَّحَابِيَّ إذَا قَالَ مَا لا9 يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، بَلْ عَنْ تَوْقِيفٍ: أَنَّهُ يَكُونُ مَرْفُوعًا، صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ وَالأُصُولِ. انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَبَنَيْنَا عَلَيْهِ مَسَائِلَ كَتَغْلِيظِ10 الدِّيَةِ

_ 1 في ض: صحابي. 2 ساقطة من ض. 3 في ض: صحابي. 4 ساقطة من ض. 5 في ز: والشافعية. 6 انظر: المسودة ص 336، 338، المحصول 2/1/643، 2/3/178، 182، البرهان 2/1361، الإحكام للآمدي 4/149، التمهيد للأسنوي ص 153، الكفاية للرازي ص 593، التوضيح على التنقيح 2/277، كشف الأسرار 3/217، 218، فواتح الرحموت 2/187، فتح الغفار 2/140، أصول السرخسي 2/110، شرح تنقيح الفصول ص 445، القواعد والفوائد الأصولية ص 295، التبصرة ص 399، مختصر البعلي ص 161، إعلام الموقعين 4/202، أصول مذهب أحمد ص 392، 393، إرشاد الفحول ص 243، أثر الأدلة المختلف فيها ص 341، تأسيس النظر 103 ص. 7 في ب: و. 8 ساقطة من ب. 9 في ب: لم. 10 في ش: لتغليظ.

بِالْحُرُمَاتِ1 الثَّلاثِ2. وَخَالَفَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ3. "فَـ" ـعَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ "يَكُونُ" قَوْلُ الصَّحَابِيِّ الْمَحْمُولُ عَلَى التَّوْقِيفِ "حُجَّةً حَتَّى عَلَى صَحَابِيٍّ" عِنْدَنَا وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ4 كَانَ حَدِيثًا لَرَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلاَّ يَكُونَ كَاتِمًا لِلْعِلْمِ! قِيلَ: لا يَلْزَمُ إذَا رَوَى ذَلِكَ وَكَانَ تَوْقِيفًا: أَنْ يُصَرِّحَ بِرَفْعِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَقَلَهُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا، أَوْ ظَنَّ نَقْلَ غَيْرِهِ لَهُ5 فَاكْتَفَى بِذَلِكَ. "وَيُعْمَلُ بِهِ" أَيْ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ الْمَحْمُولِ عَلَى التَّوْقِيفِ "وَإِنْ" أَيْ وَلَوْ "عَارَضَ خَبَرًا مُتَّصِلاً" مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ؛ لأَنَّ6

_ 1 في ض: بالمحرمات. 2 قال أبو المعالي الجويني عن الشافعي رضي الله عنه: "والظن أنه رجع عن الاحتجاج بقولهم فيما يوافق القياس، دون ما يخالف القياس، إذ لم يختلف قوله جديداً وقديماً في تغليظ الدية بالحرمة والأشهر الحرم، ولا مستند له إلا أقوال الصحابة" "البرهان 2/1362". 3 انظر المسودة ص 328، القواعد والفوائد الأصولية ص 296، مختصر البعلي ص 161، الإحكام للآمدي 4/149، العضد على ابن الحاجب 2/288، نهاية السول 3/173، إعلام الموقعين 4/202. 4 في ض ب: فلو. 5 ساقطة من ض ب. 6 في ض: ولأن.

الْمَحْمُولَ عَلَى التَّوْقِيفِ لا تَجْرِي1 عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْقِيَاسِ2. "وَمَذْهَبُ التَّابِعِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ" لِلتَّسَلْسُلِ "مُطْلَقًا" أَيْ سَوَاءٌ وَافَقَ الْقِيَاسَ3 أَوْ خَالَفَهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مَحَلَّ وِفَاقٍ وَقَالَ: لا يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ وَلا يُفَسَّرُ بِهِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ4. قَالَ: وَعَنْهُ جَوَازُ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ "لا يَكَادُ يَجِيءُ شَيْءٌ عَنْ التَّابِعِينَ إلاَّ يُوجَدُ عَنْ الصَّحَابَةِ"5.

_ 1 في ض ز: يجري. 2 انظر حجية قول الصحابي الذي يخالف القياس، وهو قول الحنفية والشافعية ورواية عن أحمد، وأنكر لمن ابن بدران ذلك، وقال: إنه ليس بحجة، وهو رواية ثانية عن أحمد. انظر: المسودة ص 338، المدخل إلى مذهب أحمد ص 394، نزهة الخاطر 1/403، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/354، 355، التمهيد للأسنوي ص 153، نهاية السول 3/173، إعلام الموقعين 4/201، أثر الأدلة المختلف فيها ص 341. 3 في ب: محل القياس. 4 انظر: المسودة ص 339، القواعد والفوائد الأصولية ص 299، مختصر البعلي ص 162، إعلام الموقعين 4/201. قال بعض العلماء: إن التابعي إذا ظهرت فتواه في زمن الصحابة فهو كالصحابي، لأنه بتسليمهم إياه دخل في جملتهم، وخالف الأكثرون ذلك. 5 انظر: المسودة ص 339، القواعد والفوائد الأصولية ص 229، التوضيح على التنقيح 2/277، فتح الغفار 2/140.

فصل: الإستحسان

"فَصْلٌ الاسْتِحْسَانُ" "قِيلَ" بِالْعَمَلِ "بِهِ فِي مَوَاضِعَ". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: أَطْلَقَ أَحْمَدُ الْقَوْلَ بِهِ فِي مَوَاضِعَ. انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: قُلْت قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَتَيَمَّمَ1 لِكُلِّ صَلاةٍ. وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ2 بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ حَتَّى يُحْدِثَ أَوْ يَجِدَ الْمَاءَ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ3، فِيمَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا، الزَّرْعُ لِرَبِّ الأَرْضِ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ يُوَافِقُ الْقِيَاسَ4، وَلَكِنْ أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَدْفَعَ

_ 1 في ش: يقيم. 2 ساقطة من ض. 3 هو بكر بن محمد، أبو أحمد، النسائي الأصل، البغدادي المنشأ، صحب الإمام أحمد، وأخذ عنه، وروى مسائل كثيرة سمعها من الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وكان الإمام أحمد يقدِّمه ويكرمه، ولم تؤرخ وفاته في طبقات الحنابلة. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/119، المنهج الأحمد 1/278". 4 العبارة في "المسودة ص 452": "وهذا شيء لا يوافق القياس".

إلَيْهِ النَّفَقَةَ. انْتَهَى1. وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ2. قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ: لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَكُتُبُ أَصْحَابِنَا مَمْلُوءَةٌ مِنْهُ كَابْنِ الْقَاسِمِ3، وَأَشْهَبَ4

_ 1 انظر أمثلة من المسائل التي أطلق فيها الإمام أحمد الاستحسان في "المسودة ص 451 وما بعدها، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 136". 2 انظر: التوضيح على التنقيح 3/2، تيسير التحرير 4/78، فواتح الرحموت 2/320، كشف الأسرار 4/3، فتح الغفار 3/30، أصول السرخسي 2/204. 3 هو عبد الرحمن بن القاسم بن خالد المصري، أبو عبد الله، الحافظ، رواية الإمام مالك، وأثبت الناس به، وأعلمهم بأقواله، صحبه عشرين سنة، روى عنه الموطأ بأصح الأسانيد، وهو صاحب المدونة، وأخرج له البخاري والنسائي وروى عنه كثيرون، وكان ثقة صالحاً، زاهداً ورعاً فقيهاً، قال عنه ابن حبان: كان حبراً فاضلاً، مات بمصر سنة 191 هـ. انظر ترجمته في "الديباج المذهب ص 147، ترتيب المدارك 1/433، الخلاصة 2/148، طبقات الفقهاء ص 150، حسن المحاضرة 1/303، وفيات الأعيان 2/311، شجرة النور الزكية ص 58". 4 هو أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم، القيسي العامري المصري، أبو عمرو، الفقيه، صاحب الإمام مالك، وانتهت إليه الرئاسة بمصر بعد موت ابن القاسم، روى عن الليث والفضيل ومالك، وتفقه به، كان ثقة، وأخذ عنه جماعة، وروى له أبو داود والنسائي، قال ابن عبد البر: كان فقيهاً، حسن الرأي والنظر. ويقال اسمه: مسكين، وأشهب لقب له، قال ابن خلكان: والأول أصح، توفي بمصر سنة 204هـ. انظر ترجمته في "الديباج المذهب ص 98، شجرة النور الزكية ص 59، حسن المحاضرة 1/305، وفيات الأعيان 1/215، طبقات الفقهاء ص 150، ترتيب المدارك 1/447".

وَغَيْرِهِمَا1. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَسْتَحْسِنُ الْمُتْعَةَ ثَلاثِينَ دِرْهَمًا2، وَثُبُوتَ الشُّفْعَةِ إلَى ثَلاثَةٍ3، وَتَرْكَ شَيْءٍ مِنْ الْكِتَابَةِ4، وَأَنْ لا تُقْطَعَ يُمْنَى5 سَارِقٍ أَخْرَجَ يَدَهُ الْيُسْرَى فَقُطِعَتْ6، وَالتَّحْلِيفَ عَلَى الْمُصْحَفِ7. وَالأَشْهَرُ عَنْهُ: إنْكَارُ اسْتِحْسَانٍ وَقَالَهُ8 أَصْحَابُهُ. وَقَالَ: مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ9 - بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ - أَيْ10

_ 1 انظر: المسودة ص 451، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/288، إرشاد الفحول ص 280. 2 المراد متعة الطلاق التي وردت في القرآن الكريم في عدة آيات، منها قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} البقرة/241. 3 انظر: أحكام القرآن للشافعي 1/201، الأم 5/62، 7/235، مغني المحتاج 3/242، الإحكام للآمدي 4/157. انظر: الأم 3/231، مختصر المزني واختلاف الحديث على هامش الأم 3/47. 4 وهي مكاتبة العبد بأن يتفق معه السيد على دفع مقدار معين له على أقساط ليصبح بعدها حراً، لقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} النور/33، "انظر: الأم 7/362، 364، مختصر المزني على هامش الأم 5/275". 5 في ض: يمين. 6 انظر: الأم 6/133- 139، مختصر المزني 5/169. 7 انظر: وسائل الإثبات ص 364. 8 في ش: وقال. 9 الرسالة ص 507، الأم 7/270. 10 ساقطة من ش.

نَصَبَ شَرْعًا عَلَى خِلافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَأَنْكَرَهُ1 عَلَى الْحَنَفِيَّةِ2. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا: إنْكَارُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْحَنَفِيَّةُ تَقُولُ3: نَسْتَحْسِنُ هَذَا وَنَدَعُ الْقِيَاسَ، فَنَدَعُ مَا نَزْعُمُهُ4 الْحَقَّ بِالاسْتِحْسَانِ، وَأَنَا أَذْهَبُ إلَى كُلِّ حَدِيثٍ جَاءَ، وَلا5 أَقِيسُ عَلَيْهِ6. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِهِ7، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنْكَرَ مَا لا دَلِيلَ لَهُ، قَالَ: وَمَعْنَى " أَذْهَبُ إلَى مَا جَاءَ وَلا أَقِيسُ " أَيْ أَتْرُكُ الْقِيَاسَ بِالْخَبَرِ، وَهُوَ الاسْتِحْسَانُ بِالدَّلِيلِ8. وَأَوَّلَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ كَلامَ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ

_ 1 في ش: وأنكر. 2 انظر الرسالة ص 25، 505، 507، الأم 7/270 وما بعدها، المستصفى 1/274، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/353، المنخول ص 374، التبصرة ص 492، الإحكام للآمدي 4/156. 3 في ض: يقول. 4 في "المسودة ص 452": فيدعون ما يزعمون أنه. 5 ساقطة من ش. 6 انظر: المسودة ص 452، 454. 7 انظر: أصول مذهب أحمد ص 510، الروضة ص 168. 8 وهذا ما يراه المجد ابن تيمية عند تعريفه الاستحسان، فقال: هو "ترك القياس الجلي وغيره لدليل نص من خبر واحد أو غيره، أو ترك القياس لقول الصحابي فيما لا يجري فيه القياس" "المسودة ص 451، 452".

بِدَلِيلٍ، لَكِنَّهُ سَمَّاهُ اسْتِحْسَانًا؛ لأَنَّهُ عَدَّهُ حَسَنًا1. "وَهُوَ لُغَةً" أَيْ فِي عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ "اعْتِقَادُ الشَّيْءِ حَسَنًا"2. "وَ" الاسْتِحْسَانُ "عُرْفًا" أَيْ فِي عُرْفِ الأُصُولِيِّينَ "الْعُدُولُ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ نَظَائِرِهَا لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ" خَاصٍّ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ3.

_ 1 انظر: جمع الجوامع والمحلي والبناني عليه 2/354، المنخول ص 374، شرح تنقيح الفصول ص 451. 2 انظر: القاموس المحيط 4/214، المصباح المنير 1/187، مختار الصحاح ص 137، أساس البلاغة ص 174. 3 هذا تعريف الكرخي للاستحسان، وهناك تعريفات أخرى، فانظر تعريف الاستحسان في اصطلاح علماء الأصول، والمعاني التي يتفرع إليها، مع الأمثلة والأدلة، وتحقيق القول فيه في "المسودة ص 451، 452، 453، 454، المستصفى 1/275 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/156، العضد على ابن الحاجب 2/288، المعتمد 3/838، شرح تنقيح الفصول ص 451، المحصول 2/3/166، 171، المحلي والبناني على جمع الجوامع 2/353، كشف الأسرار 4/3، التوضيح على التنقيح 3/4، أصول السرخسي 2/204، التبصرة ص 494، اللمع ص 68، الاعتصام 2/112، نهاية السول 3/168، مناهج العقول 3/166، تيسير التحرير 4/78، فواتح الرحموت 2/320، الروضة ص 167، إرشاد الفحول ص 241، التعريفات للجرجاني ص 12، الحدود للباجي ص 65، المدخل إلى مذهب أحمد ص 135، أصول مذهب أحمد ص 501 وما بعدها، مختصر البعلي ص 162، مختصر الطوفي ص 143، أثر الأدلة المختلفة فيها ص 122".

قَالَ الطُّوفِيُّ: مِثَالُهُ قَوْلُ أَبِي1 الْخَطَّابِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ: وَإِذَا اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ الأَوَّلِ: لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا وَجَازَ2 قِيَاسًا، فَالْحُكْمُ فِي نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ: الْجَوَازُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، لَكِنْ عَدَلَ بِهَا عَنْ نَظَائِرِهَا بِطَرِيقِ الاسْتِحْسَانِ، فَمُنِعَتْ. وَحَاصِلُ3 هَذَا يَرْجِعُ إلَى تَخْصِيصِ الدَّلِيلِ بِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ4. وَحَّدَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ يَعْجِزُ عَنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: مَا لا يُعَبَّرُ عَنْهُ لا يُدْرَى: أَوَهْمٌ5 أَوْ تَحْقِيقٌ6؟. "وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ: إثْبَاتُ الْعِلَّةِ بِالْمُنَاسَبَةِ7 وَسَبَقَ" ذَلِكَ

_ 1 في ض: ابن. 2 ساقطة من ش. 3 ساقطة من ش. 4 ذهب بعض الحنابلة إلى حصر الاستحسان بالتخصيص، وأنكر عليهم آخرون ذلك. انظر: المسودة ص 453، 454، أصول مذهب أحمد ص 509، مجموع الفتاوى 31/339، نزهة الخاطر 1/407. 5 في الروضة: أهو وهم. 6 الروضة ص 169، وانظر: نزهة الخاطر 1/408. 7 انظر تعريف المصالح المرسلة، واختلاف العلماء في أسمائها في "مجموع الفتاوى 11/342، مناهج العقول 3/163، شرح تتنقيح الفصول ص 445، الروضة ص 169، المحصول 2/3/219، المستصفى 1/284، الاعتصام 2/113، الإحكام للآمدي 4/160، نهاية السول 3/164، ضوابط المصلحة ص 329، أصول مذهب أحمد ص 413، أثر الأدلة المختلف فيها ص 28".

فِي الْمَسْلَكِ الرَّابِعِ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ1 وَذَلِكَ إنْ شَهِدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهَا، كَاقْتِبَاسِ الْحُكْمِ مِنْ مَعْقُولِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، فَقِيَاسٌ، أَوْ بُطْلانِهَا2 كَتَعْيِينِ الصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ وَطْءِ رَمَضَانَ عَلَى الْمُوسِرِ كَالْمِلْكِ وَنَحْوِهِ فَلَغْوٌ3. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنْكَرَهَا مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الأُصُولِ وَالْجَدَلِ، وَابْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ4. وَقَالَ بِهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي

_ 1 صفحة 152 من هذا المجلد. 2 في ش: بطلان، وفي ب ز: ببطلانها. 3 إشارة إلى قصة الفقيه يحيى بن يحيى الليثي المالكي، تلميذ الإمام مالك الذي أفتى الملك عبد الرحمن بن الحكم بصوم ستين يوماً كفارة الوطء في رمضان، ظناً منه أن تكليف الملك بعتق رقبة، كما هو وراد في القرآن، لا يردعه. نظر: المستصفى 1/285، الاعتصام 3/97، مختصر البعلي ص 162، علم أصول الفقه خلاف ص 97. 4 قال المجد: "المصالح المرسلة لا يجوز بناء الأحكام عليها، وهو قول متأخري أصحابنا، أهل الأصول والجدل" "المسودة ص 450". وانظر مجموع الفتاوى 11/344، نزهة الخاطر 2/412، المستصفى 1/320، الإحكام للآمدي 4/160، العضد على ابن الحاجب 2/289، تخريج الفروع على الأصول ص 320، إرشاد الفحول ص 241، مختصر البعلي ص 162، مختصر الطوفي ص 144، المدخل إلى مذهب أحمد ص 138، أصول مذهب أحمد ص 424، البرهان 2/1113، 1120.

حَنِيفَةَ1. "وَتُسَدُّ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "الذَّرَائِعُ" جَمْعُ ذَرِيعَةٍ "وَهِيَ" أَيْ الذَّرِيعَةُ "مَا" أَيُّ شَيْءٍ مِنْ الأَفْعَالِ، أَوْ2 الأَقْوَالِ "ظَاهِرُهُ مُبَاحٌ، وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مُحَرَّمٍ". وَمَعْنَى سَدِّهَا: الْمَنْعُ مِنْ فِعْلِهَا لِتَحْرِيمِهِ3. وَأَبَاحَهُ4 أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ5. قَالَ6 فِي الْمُغْنِي وَالْحِيَلُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ لا تَجُوزُ فِي شَيْءٍ

_ 1 انظر القول بحجية المصالح المرسلة وآراء العلماء فيها في "المسودة ص 451، الروضة ص 170، المحصول 2/30/220، 224، المستصفى 1/184، شفاء الغليل ص 211، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/289، نهاية السول 3/164، الاعتصام 2/111، الإحكام للآمدي 4/160، تيسير التحرير 4/171، شرح تنقيح الفصول ص 446، ضوابط المصلحة ص 370، إرشاد الفحول ص 241، أثر الأدلة المختلف فيها ص 41". 2 في ب: و. 3 في ب: التحريمة. 4 في ش: الشافعي والمغني. 5 انظر معنى الذرائع والحيل، وأقوال العلماء فيها، وأدلتهم في "إعلام الموقعين 3/205 وما بعدها، 4/282 وما بعدها، صفة الفتوى ص 32، الحدود للباجي ص 68، الفروق 3/266، الموافقات 2/285، شرح تنقيح الفصول ص 448، الإحكام لابن حزم 2/745، الاعتصام 1/344، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 406، المدخل إلى مذهب أحمد ص 138، أصول مذهب أحمد ص 447، أثر الأدلة المختلف فيها ص 563، 573، إرشاد الفحول 246". 6 في ب: وقال.

مِنْ الدِّينِ، وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَا1 عَقْدًا مُبَاحًا يُرِيدَانِ2 بِهِ مُحَرَّمًا، مُخَادَعَةً3 وَتَوَسُّلاً إلَى فِعْلِ4 مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاسْتِبَاحَةَ مَحْظُورَاتِهِ، أَوْ إسْقَاطَ وَاجِبٍ، أَوْ دَفْعَ حَقٍّ5، وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "إنَّهُمْ لَيُخَادِعُونَ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا يُخَادِعُونَ صَبِيًّا لَوْ كَانُوا يَأْتُونَ الأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ كَانَ أَسْهَلَ عَلَيَّ6". "فَمِنْ ذَلِكَ مَا7 لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَشَرَةٌ8 صِحَاحًا، وَمَعَ آخَرَ خَمْسَ عَشْرَةَ مُكَسَّرَةً، فَاقْتَرَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا مَعَ صَاحِبِهِ، ثُمَّ تَبَارَيَا9 تَوَصُّلاً10 إلَى بَيْعِ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرَةِ11 مُتَفَاضِلاً، أَوْ بَاعَهُ الصِّحَاحَ بِمِثْلِهَا مِنْ الْمُكَسَّرَةِ، 12ثُمَّ وَهَبَهُ13 الْخَمْسَةَ12

_ 1 في ش ض: يظهر. 2 في ض: يراد، وفي ش ز يريد. 3 في ض: مخادعاً. 4 ساقطة من ز. 5 في ب: حقه. 6 انظر: إعلام الموقعين 3/208. 7 ساقطة من ب. 8 في ش: دنانير. 9 في ش ض: تبارآ. 10 في ش ض: توسلاً. 11 ساقطة من ش. 12 ساقطة من ش. 13 في ض ب: وهب.

الزَّائِدَةَ، أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ بِهَا أُوقِيَّةَ صَابُونَ، وَنَحْوَهَا مِمَّا يَأْخُذُهُ بِأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ بِعَشَرَةٍ إلاَّ حَبَّةً مِنْ الصَّحِيحِ بِمِثْلِهَا مِنْ الْمُكَسَّرَةِ1 أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ2 بِالْحَبَّةِ الْبَاقِيَةِ ثَوْبًا قِيمَتُهُ خَمْسَةُ3 دَنَانِيرَ، وَهَكَذَا4 لَوْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا وَ5بَاعَهُ سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، أَوْ اشْتَرَى6 مِنْهُ سِلْعَةً بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا تَوَصُّلاً7 إلَى أَخْذِ عِوَضٍ عَنْ الْقَرْضِ8، فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا9 عَلَى وَجْهِ الْحِيلَةِ: فَهُوَ خَبِيثٌ مُحَرَّمٌ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: هَذَا كُلُّهُ وَأَشْبَاهُهُ10 جَائِزٌ، إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ11.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ش: منها. 3 في ش: خمس. 4 في ش: وكذا. 5 في "المغني": أو. 6 في ش: اكترى. 7 اللفظة من المغني، وفي ش ض ب ز: توسلاً. 8 في ش: العرض. 9 ساقطة من ض. 10 ساقطة من ض. 11 انظر أقوال المجيزين للحيل وأدلتهم، وأقوال منع الحيل وأدلتهم، ومناقشتها في "إعلام الموقعين 3/206 وما بعدها، 220، 243، الموافقات 2/281، صفة الفتوى ص 32، أصول مذهب أحمد ص 460، القواعد النورانية ص 130".

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ1: يُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلا فِي الْبَيْعِ عَلَى ذَلِكَ؛ لأَنَّ كُلَّ مَا لا2 يَجُوزُ شَرْطُهُ فِي الْعَقْدِ يُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلا عَلَيْهِ3. ثُمَّ قَالَ الْمُوَفَّقُ، وَلَنَا: أَنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَذَّبَ أُمَّةً بِحِيلَةٍ احْتَالُوهَا فَمَسَخَهُمْ قِرَدَةً وَسَمَّاهُمْ مُعْتَدِينَ4، وَجَعَلَ ذَلِكَ نَكَالاً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ لِيَتَّعِظُوا بِهِمْ، وَيَمْتَنِعُوا مِنْ مِثْلِ أَفْعَالِهِمْ5.

_ 1 ساقطة من ب. 2 ساقطة من ض. 3 المغني 4/43. 4 انظر الآيتين 65-66 من سورة البقرة. 5 المغني 4/43.

فوائد في قواعد اللغة

فوائد في قواعد اللغة ... "فَوَائِد" 1تَشْتَمِلُ عَلَى جُمْلَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ تُشْبِهُ الأَدِلَّةَ وَلَيْسَتْ بِأَدِلَّةٍ، لَكِنْ ثَبَتَ مَضْمُونُهَا بِالدَّلِيلِ، وَصَارَتْ يُقْضَى بِهَا فِي جُزْئِيَّاتِهَا، كَأَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ الْجُزْئِيِّ، فَلَمَّا كَانَتْ كَذَلِكَ نَاسَبَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ الاسْتِدْلالِ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ1 "مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ: أَنْ لا يُرْفَعَ يَقِينٌ بِشَكٍّ2". وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ الإِنْسَانَ مَتَى3 تَحَقَّقَ شَيْئًا، ثُمَّ شَكَّ: هَلْ زَالَ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمُتَحَقِّقُ4 أَمْ لا؟ الأَصْلُ بَقَاءُ5 الْمُتَحَقِّقِ6،

_ 1 ساقطة من ض. 2 نصت المادة 4 من مجلة الأحكام العدلية: "اليقين لا يزول بالشك". وانظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 50، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 56، المدخل الفقهي العام 2/961، المدخل إلى مذهب أحمد ص 139، جمع الجوامع 2/356، أصول السرخسي 2/116، 117، تأسيس النظر ص 145. 3 في ش ز: إذا. 4 في ض ب ز: المحقق. 5 في ب: بقي. 6 في ز: المحقق.

فَيَبْقَى الأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ مُتَحَقِّقًا؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِنِيِّ1 "شُكِيَ2 إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ: أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ؟ قَالَ3: "لا يَنْصَرِفُ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ4. وَلِمُسْلِمٍ "إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ: أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لا؟ فَلا يَخْرُجَنَّ5 مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا" 6.

_ 1 في ض ب ز: عبد الله بن زيد المازني. وهو الصحابي عبد الله بن بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه، الأنصاري الخزرجي الحارثي، أبو محمد، وقيل ليس في آبائه ثعلبة، شهد العقبة وبدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أري الأذان في النوم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يؤذن على ما رآه عبد الله، وذلك سنة إحدى بعد الهجرة، له عدة أحاديث، روى عنه ابن المسيب وغيره، توفي سنة 32 هـ وصلى عليه عثمان رضي الله عنهما. انظر ترجمته في "الإصابة 4/72، أسد الغابة 3/247، الخلاصة 2/58، مشاهير علماء الأمصار ص 19". 2 في ب: يشكى. 3 في ض: وكذلك. 4 هذا لفظ مسلم، والحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد عن عبد الله بن زيد مرفوعاً. انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/27، صحيح مسلم بشرح النووي 4/49، اللؤلؤ والمرجان 1/74، سنن أبي داود 1/40، سنن النسائي 1/83، سنن ابن ماجة 1/171، مسند أحمد 4/39، 40. 5 في ش: يخرج. 6 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد عن أبي هريرة مرفوعاً. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 4/51، مختصر صحيح مسلم 1/48، سنن أبي داود 1/39، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/284، مسند أحمد 2/330، 414.

فَلَوْ شَكَّ فِي امْرَأَةٍ هَلْ تَزَوَّجَهَا أَمْ لا؟ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطْؤُهَا، اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ التَّحْرِيمِ إلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ تَزَوُّجَهُ1 بِهَا اتِّفَاقًا. وَكَذَا لَوْ2 شَكَّ: هَلْ3 طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَمْ لا؟ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ4 وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا5 حَتَّى يَتَحَقَّقَ الطَّلاقَ اسْتِصْحَابًا لِلنِّكَاحِ. وَكَذَا لَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَمْ6 ثَلاثًا؟ الأَصْلُ الْحِلُّ. وَكَذَا لَوْ تَحَقَّقَ الطَّهَارَةَ، ثُمَّ شَكَّ فِي زَوَالِهَا أَوْ عَكْسُهُ، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الشَّكِّ فِيهِمَا، وَفَعَلَ فِيهِمَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا. وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ أَوْ نَجَاسَتِهِ، أَوْ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ أَوْ مُحْدِثٌ، أَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ أَوْ الطَّوَافِ أَوْ7 غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يُحْصَرُ.

_ 1 في ض: تزويجه. 2 في ض: وكذلك. 3 ساقطة من ض. 4 ساقطة من ض. 5 في ض ب: يطأ. 6 في ش: أو. 7 في ض ب ز: و.

وَلا تَخْتَصُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِالْفِقْهِ، بَلْ الأَصْلُ فِي كُلِّ حَادِثٍ عَدَمُهُ، حَتَّى يَتَحَقَّقَ كَمَا نَقُولُ1: الأَصْلُ انْتِفَاءُ الأَحْكَامِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ، حَتَّى يَأْتِيَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلافِ ذَلِكَ، وَالأَصْلُ فِي الأَلْفَاظِ: أَنَّهَا لِلْحَقِيقَةِ وَفِي الأَوَامِرِ: أَنَّهَا لِلْوُجُوبِ وَفِي النَّوَاهِي: أَنَّهَا لِلتَّحْرِيمِ، وَالأَصْلُ: بَقَاءُ الْعُمُومِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ وُرُودُ الْمُخَصِّصِ. وَالأَصْلُ: بَقَاءُ حُكْمِ النَّصِّ حَتَّى يَرِدَ النَّاسِخُ. وَلأَجْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: كَانَ الاسْتِصْحَابُ حُجَّةً. وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: أَنْ2 لا يُطَالَبَ بِالدَّلِيلِ؛ لأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ عَلَى الاسْتِصْحَابِ3، كَمَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي بَابِ الدَّعَاوَى لا4 يُطَالَبُ بِحُجَّةٍ عَلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، بَلْ الْقَوْلُ فِي الإِنْكَارِ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ5. "وَ" مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ أَيْضًا "زَوَالُ الضَّرَرِ بِلا ضَرَرٍ6" يَعْنِي

_ 1 في ض: تقول. 2 ساقطة من ب ز. 3 في: الأصحاب، وفي ب ض: للاستصحاب، وفي ز: إلى الاستصحاب. 4 في ب: ولم. 5 يعبر بعض علماء الأصول عن ذلك بقولهم: "نافي الحكم عليه الدليل"، وفي قول: "النافي لا يطالب بالدليل"، ويعتبرونه من أوجه الاستدلال، وفصل فريق ثالث بين العقليات والشرعيات، كما سيبينه المصنف فيما بعد صفحة 408. 6 انظر المادة 4 من المجلة، ونصها: "الضرر يزال" ويتفرع عنها المادة 19 من المجلة، ونصها: "لا ضرر ولا ضرار" والمادة 25 من المجلة ونصها: "الضرر =

أَنَّهُ1 يَجِبُ2 إزَالَةُ الضَّرَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَقَ بِإِزَالَتِهِ ضَرَرٌ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ3 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ" 4 وَفِي رِوَايَةٍ "وَلا إضْرَارٍ" 5 بِزِيَادَةِ هَمْزَةٍ فِي أَوَّلِهِ، وَأَلِفٍ بَيْنَ الرَّاءَيْنِ6. وَقَدْ عَلَّلَ أَصْحَابُنَا بِذَلِكَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ. وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِيهَا مِنْ الْفِقْهِ مَا لا حَصْرَ لَهُ وَلَعَلَّهَا تَتَضَمَّنُ

_ = لا يزال بمثله" والمادة 31 من المجلة ونصها: "الضرر يدفع بقدر الإمكان". وانظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص 84، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 85، المدخل الفقهي العام 2/971، جمع الجوامع 2/356، المحصول 2/3/146، 242. 1 ساقطة من ض. 2 في ش ض ز: تجب. 3 في ز: قوله. 4 هذا الحديث رواه ابن ماجة عن ابن عباس وعبادة بن الصامت، ورواه أحمد عن عبادة، ورواه الحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري، وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم، ورواه الدارقطني عن عائشة وابن عباس، ورواه أبو داود في المراسيل عن واسع بن حبان بزيادة "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" ووصله الطبراني في "الأوسط" عن جابر، ورواه الإمام مالك في الموطأ مرسلاً، وقال النووي: حديث حسن، وله طرق يقوى بعضها ببعض. انظر: سنن ابن ماجة 2/784، الموطأ ص 464، مسند أحمد 5/327، سنن الدارقطني 4/227-228، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 305، شرح الأربعين النووية ص 74، جامع العلوم والحكم ص 265. 5 هذه الرواية عند أحمد عن ابن عباس مرفوعاً. "انظر: مسند أحمد 1/313". 6 في ض: راءتين.

نِصْفَهُ. فَإِنَّ الأَحْكَامَ إمَّا لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ، أَوْ لِدَفْعِ الْمَضَارِّ، فَيَدْخُلُ فِيهَا دَفْعُ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الدِّينِ، وَالنَّفْسِ وَالنَّسَبِ، وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ. وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَرْجِعُ إلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ وَتَقْرِيرِهَا1 بِدَفْعِ الْمَفَاسِدِ أَوْ تَخْفِيفِهَا2. وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ " الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ3 " وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَإِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ" يَعْنِي أَنَّ وُجُودَ الضَّرَرِ يُبِيحُ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورِ، أَيْ الْمُحَرَّمِ، بِشَرْطِ كَوْنِ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ أَخَفَّ مِنْ وُجُودِ الضَّرَرِ، وَمِنْ ثَمَّ جَازَ - بَلْ وَجَبَ - أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ وَكَذَلِكَ إسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ وَبِالْبَوْلِ4. وَقَتْلُ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ إذَا صَالَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لا يَضْمَنُ. وَمِنْهَا5 الْعَفْوُ عَنْ أَثَرِ الاسْتِجْمَارِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لا حَصْرَ لَهُ.

_ 1 في ش: وتقديرها. 2 انظر بحثاً مستفيضاً عن تحقيق مقاصد الشريعة في جلب المنافع ودفع المضار في "المحصول 2/3/133، نهاية السول 3/152، الموافقات للشاطبي 2/3، قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 1/5، ضوابط المصلحة ص 73 وما بعدها 77". في ب: تحقيقها. 3 المادة 21 من المجلة، وانظر: نظرية الضرورة الشرعية ص 65. 4 في ض: والبول. 5 في ض: ومنه.

"وَ" مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ أَيْضًا: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ "الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ1" وَدَلِيلُ ذَلِكَ: قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ 2} إشَارَةً إلَى مَا خَفَّفَ3 عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ التَّشْدِيدِ عَلَى غَيْرِهِمْ، مِنْ الإِصْرِ وَنَحْوِهِ، وَمَا لَهُمْ مِنْ تَخْفِيفَاتٍ أُخَرَ، دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} 4 وَكَذَا تَخْفِيفُ الْخَمْسِينَ صَلاةً فِي لَيْلَةِ5 الإِسْرَاءِ إلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ6 وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَ7قَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ} 8 {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ

_ 1 المادة 18 من المجلة. وانظر: "جمع الجوامع 2/356، مرآة المجلة 1/15، المدخل الفقهي العام 2/988، أصول الفقه الإسلامي ص 363، 373. 2 الآية 78 من الحج. 3 في ش: رفع. 4 الآية 66 من الأنفال. 5 ساقطة من ب ض ز. 6 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد عن أنس بن مالك، ورواه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي مرفوعاً. انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/391، صحيح مسلم بشرح النووي 2/222، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/626، سنن النسائي 1/1880 وما بعدها، سنن ابن ماجة 1/448، مسند أحمد 3/149، 5/144، تخريج أحاديث البزدوي ص 221. 7 في ب: إلى. 8 الآية 185 من البقرة، وفي ز تكملة الآية: {وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} .

يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} 1 وَقَالَ فِي صِفَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ2 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} 3 وَقَالَ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا} 4 وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ5 السَّمْحَةِ6". وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: أَنْوَاعٌ مِنْ الْفِقْهِ مِنْهَا فِي الْعِبَادَاتِ: التَّيَمُّمُ عِنْدَ مَشَقَّةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عَلَى حَسَبِ تَفَاصِيلِهِ

_ 1 الآية 28 من النساء. 2 غير موجودة في ب ز. 3 الآية 157 من الأعراف. 4 الآية 286 من البقرة. 5 في ض ب: الحنفية. 6 هذا جزء من حديث رواه أحمد عن أبي أمامة مرفوعاً، وأوله: "إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة ... " "مسند أحمد 5/266"، ورواه أحمد عن عائشة مرفوعاً بلفظ: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة" "مسند أحمد 6/116، 233"، ورواه الخطيب في "التاريخ" بسند ضعيف عن جابر، وتتمته: "ومن خالف سنتي فليس مني"، ورواه البخاري في "صحيحه" معلقاً، وفي "الأدب المفرد" موصولاً، ورواه أحمد عن ابن عباس بلفظ: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة". والمراد بالحنيفية: دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالتوحيد، قال ابن القيم: وجمع بين كونها حنيفية، وكونها سمحاء، فهي حنيفية في التوحيد، سمحة في العمل، وضد الأمرين الشرك وتحريم الحلال". انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري 1/86، 87، مسند أحمد 1/236، فيض القدير 3/203، كشف الخفا 1/251، 340.

فِي الْفِقْهِ، وَالْقُعُودُ فِي الصَّلاةِ عِنْدَ مَشَقَّةِ الْقِيَامِ، وَفِي النَّافِلَةِ مُطْلَقًا، وَقَصْرُ الصَّلاةِ فِي السَّفَرِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَمِنْ ذَلِكَ: رُخَصُ السَّفَرِ وَغَيْرُهَا. وَمِنْ التَّخْفِيفَاتِ أَيْضًا: أَعْذَارُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَتَعْجِيلُ الزَّكَاةِ، وَالتَّخْفِيفَاتُ1 فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاتِ وَالْمُنَاكَحَاتِ وَالْجِنَايَاتِ. وَمِنْ التَّخْفِيفَاتِ الْمُطْلَقَةِ: فُرُوضُ الْكِفَايَةِ2 وَسُنَنُهَا، وَالْعَمَلُ بِالظُّنُونِ لِمَشَقَّةِ الاطِّلاعِ عَلَى الْيَقِينِ. "وَ" مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ أَيْضًا: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ "دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ3، وَدَفْعُ أَعْلاهَا" أَيْ أَعْلَى الْمَفَاسِدِ "بِأَدْنَاهَا4" يَعْنِي أَنَّ الأَمْرَ إذَا دَارَ بَيْنَ دَرْءِ مَفْسَدَةٍ وَجَلْبِ مَصْلَحَةٍ، كَانَ دَرْءُ الْمَفْسَدَةِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ، وَإِذَا دَارَ الأَمْرُ أَيْضًا5 بَيْنَ دَرْءِ إحْدَى مَفْسَدَتَيْنِ، وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ

_ 1 في ز: والتخفيف. 2 في ب ز: الكفايات. 3 المادة 30 من المجلة. 4 انظر: المادة 28 من المجلة، ونصها: "إذا تعارض مفسدتان، روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما". 5 ساقطة من ض، وفي ز: سقطت: أيضاً.

فَسَادًا مِنْ الأُخْرَى، فَدَرْءُ الْعُلْيَا مِنْهُمَا أَوْلَى مِنْ دَرْءِ1 غَيْرِهَا، وَهَذَا وَاضِحٌ2 يَقْبَلُهُ كُلُّ عَاقِلٍ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أُولُو الْعِلْمِ. "وَ" مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ أَيْضًا "تَحْكِيمُ الْعَادَةِ" وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ "إنَّ الْعَادَةَ مُحَكَّمَةٌ"3 أَيْ مَعْمُولٌ بِهَا شَرْعًا؛ لِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، مَوْقُوفًا عَلَيْهِ4 وَهُوَ "مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ"5 وَلِقَوْلِ6 ابْنِ عَطِيَّةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} 7: إنَّ مَعْنَى الْعُرْفِ: كُلُّ مَا عَرَفَتْهُ النُّفُوسُ مِمَّا لا تَرُدُّهُ الشَّرِيعَةُ8.

_ 1 ساقطة من ض. 2 في ب: أوضح. 3 المادة 36 من المجلة. وانظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 93، جمع الجوامع 2/356، رسائل ابن عابدين 1/44، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 89. 4 ساقطة من ش ض. 5 حديث ابن مسعود سبق تخريجه "2/223". 6 في ش: وقول. 7 الآية 199 من الأعراف. 8 انظر تعريف العرف وأقوال العلماء فيه مع الأدلة والأمثلة في "رسائل ابن عابدين 2/114، الموافقات 2/220، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 93، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 89، البناني على جمع الجوامع 2/353، إعلام الموقعين 2/448، المسودة ص 123 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص 448، المدخل الفقهي العام 2/838، أصول مذهب أحمد ص 523، العرف والعادة ص 10 وما بعدها، أثر الأدلة المختلف فيها ص 242".

قَالَ ابْنُ ظَفَرٍ1 فِي الْيَنْبُوعِ " الْعُرْفُ " مَا عَرِفَهُ الْعُقَلاءُ2 بِأَنَّهُ حَسَنٌ، وَأَقَرَّهُمْ الشَّارِعُ عَلَيْهِ. وَكُلُّ مَا تَكَرَّرَ مِنْ لَفْظِ "الْمَعْرُوفِ" فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 3 فَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ4 مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الأَمْرِ وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 5} 6،

_ 1 هو محمد بن أبي محمد بن محمد بن ظفر، الصقلي، أبو عبد الله، الملقب بالحجة أو حجة الدين، مكي الأصل، مغربي المنشأ، دخل صقلية وألف فيها كتابه "سُلوان المطاع في عدوان الأتباع" ثم سكن بالشام في آخر عمره، وأقام بحماة، وأمَّه الطلاب، وصنف التصانيف الجميلة في الآداب، وفسر القرآن الكريم تفسيراً جميلاً، وكان شاعراً أديباً عالماً بالنحو واللغة، وكان فقيراً، مات بحماة سنة 565 هـ، وقيل سنة 567 هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 4/29، إنباء الرواة 3/74، معجم الأدباء 19/48". 2 في ش: العلماء. 3 الآية 19 من النساء. 4 ساقطة من ش ب ز. 5 في ض ب ز: الآية. 6 الآية 58 من النور.

فَأَمَرَ1 بِالاسْتِئْذَانِ فِي الأَوْقَاتِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهَا بِالابْتِذَالِ2 وَوَضْعِ الثِّيَابِ3، فَابْتَنَى الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ عَلَى4 مَا كَانُوا يَعْتَادُونَهُ. وَمِنْهَا5 قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ6 "خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدِك بِالْمَعْرُوفِ" 7 وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ

_ 1 في ش: فالأمر. 2 في ض: بالاستئذان. 3 ساقطة من ب. 4 ساقطة من ض. 5 في ض: ومنه. 6 هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، القرشية العبشمية، الصحابية، أم معاوية بن أبي سفيان، أسلمت في الفتح بعد إسلام زوجها أبي سفيان، وكانت ذات عقل ورأي وأنفة، شهدت أحداً مع الكفار، وفعلت الأعاجيب، وحرضت المشركين على محاربة الإسلام والمسلمين والرسول، ثم حسن إسلامها، وناقشت رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة، وشهدت اليرموك مع زوجها، وتوفيت في اليوم الذي مات فيه والد أبي بكر الصديق في أول خلافة عمر رضي الله عنهم. انظر ترجمتها في "الإصابة 8/206، أسد الغابة 7/292، وتهذيب الأسماء 2/357". 7 هذا جزء من حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عائشة مرفوعاً، والأعلى لفظ النسائي. انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 4/160، صحيح مسلم بشرح النووي 12/7، سنن أبي داود 2/260، سنن النسائي 8/216، سنن ابن ماجة 2/769، السنن الكبرى للبيهقي 10/142.

جَحْشٍ1 "تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى سِتًّا أَوْ سَبْعًا، كَمَا تَحِيضُ2 النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ3 وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ4، وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا ذَلِكَ فَلْتَتْرُكْ الصَّلاةَ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا5.

_ 1 هي حمنة بنت جحش الأسدية، أخت أم المؤمنين زينب، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت حمنة زوجة مصعب بن عمير رضي الله عنه، فقتل عنها يوم أحد، فتزوجها طلحة بن عبيد الله، فولدت له محمداً وعمران ابني طلحة، وكانت حمنة من المهاجرات والمبايعات، وشهدت أحداً، وكانت تسقي العطشى، وتحمل الجرحى وتداويهم، روت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنها عمران، وأخرج عنها البخاري في "الأدب" وأبو داود والترمذي وابن ماجة. انظر ترجمتها في "الإصابة 8/53، أسد الغابة 7/69، تهذيب الأسماء 2/339، الخلاصة 3/379". 2 في ش: يحيض. 3 قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، "جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 395، 399". 4 المستدرك 1/172. 5 وهذا جزء من حديث طويل، رواه أيضاً أبو داود والدارقطني، وسبق تخريجه "1/166". انظر سنن أبي داود 1/62، سنن النسائي 1/99.

وَمِنْ ذَلِكَ: حَدِيثُ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ الأَنْصَارِيِّ1، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ نَاقَةَ الْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْحِيطَانِ2 حِفْظُهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظُهَا بِاللَّيْلِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ3. وَهُوَ أَدَلُّ شَيْءٍ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَادَةِ فِي الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ إذْ بَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّضْمِينَ4 عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. وَضَابِطُهُ5 كُلُّ فِعْلٍ6 رُتِّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَلا ضَابِطَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلا فِي اللُّغَةِ، كَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ، وَالأَكْلِ

_ 1 هو حرام بن سعد بن مُحيِّصة بن مسعود، الأنصاري الحارثي المدني التابعي، أبو سعد، وقيل أبو سعيد، ويقال حرام بن ساعدة، وحرام بن مُحيِّصة ينسب إلى جده، كان ثقة من المتقنين، وكان قليل الحديث، روى عنه الزهري، وأخرج له أصحاب السنن الأربعة، مات سنة 113هـ. انظر ترجمته في "الخلاصة 1/202، تهذيب الأسماء 1/155، مشاهير علماء الأمصار ص 77". 2 في ش ض ب ز: الحائط. 3 رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد وآخرين عن حرام عن البراء متصلاً، ورواه الإمام مالك مرسلاً. انظر: سنن أبي داود 2/267، سنن ابن ماجة 2/781، مسند أحمد 5/435، الموطأ ص 466، تهذيب الأسماء 1/155. 4 ساقطة من ب. 5 في ش ب ز: وضابط. 6 في ش: حكم.

مِنْ بَيْتِ الصَّدِيقِ. وَمَا يُعَدُّ قَبْضًا وَإِيدَاعًا وَإِعْطَاءً وَهَدِيَّةً وَغَصْبًا، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمُعَاشَرَةِ وَانْتِفَاعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. وَ1أَمْثَالُ هَذِهِ كَثِيرَةٌ لا تَنْحَصِرُ2. وَمَأْخَذُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمَوْضِعُهَا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ فِي3 قَوْلِهِمْ "الْوَصْفُ الْمُعَلَّلُ بِهِ4 قَدْ يَكُونُ عُرْفِيًّا" أَيْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعُرْفِ5 وَفِي بَابِ التَّخْصِيصِ فِي6 تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْعَادَةِ7. "وَ" مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ أَيْضًا8 "جَعْلُ الْمَعْدُومِ كَالْمَوْجُودِ احْتِيَاطًا" كَالْمَقْتُولِ تُورَثُ عَنْهُ الدِّيَةُ. وَإِنَّمَا تَجِبُ بِمَوْتِهِ وَلا تُورَثُ عَنْهُ9 إلاَّ إذَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ، فَيُقَدَّرُ دُخُولُهَا قَبْلَ مَوْتِهِ.

_ 1 في ب: في. 2 في ض: تحصر. 3 في ش: من. 4 ساقطة من ض. 5 مر سابقاً "القسم الأول ج 4". 6 في ش: وفي. 7 قال الحنابلة والشافعية العادة تخصص العموم خلافاً للحنفية والمالكية، وسبق تفصيل ذلك في المجلد الثالث ص 387 وما بعدها. وانظر: أصول مذهب أحمد ص 537. 8 ساقطة من ش. 9 ساقطة من ش.

وَيَلْتَحِقُ بِمَا تَقَدَّمَ: قَاعِدَةٌ نَقَلَهَا1 الْعَلائِيُّ2 عَنْ بَعْضِ الْفُضَلاءِ. وَهِيَ أَنَّ "إدَارَةَ3 الأُمُورِ فِي الأَحْكَامِ عَلَى قَصْدِهَا4" وَدَلِيلُهَا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" وَرُبَّمَا أُخِذَتْ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ5} ؛ لأَنَّ أَفْعَالَ الْعُقَلاءِ إذَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً، فَإِنَّمَا تَكُونُ عَنْ قَصْدٍ. وَأَيْضًا: فَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ أَوَّلَ الْوَاجِبَاتِ عَلَى

_ 1 في ب: نقله. 2 هو خليل بن كيكلدي بن عبد الله، الحافظ العلائي، أبو سعيد، صلاح الدين الدمشقي، قال ابن السبكي: "كان حافظاً ثبتاً ثقةً، عارفاً بأسماء الرجال والعلل والمتون، فقيهاً متكلماً، أديباً شاعراً، ناظماً ناثراً ... ، درس بدمشق، ثم ولي تدريس المدرسة الصلاحية بالقدس، فأقام بها إلى أن توفي، يصنف ويفيد وينشر العلم ويحيي السنة"، له مصنفات كثيرة، منها كتاب في الأشباه والنظائر في الفقه، وكتاب في المراسيل، وكتاب في المدلسين، وله كتاب: "تحقيق المراد بأن النهي يقتضي الفساد" في الأصول، توفي بالقدس سنة 761 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 10/35، الدرر الكامنة 2/179، ذيل تذكرة الحفاظ ص 43، البدر الطالع 1/245، البداية والنهاية 14/267، شذرات الذهب 6/190، الفتح المبين 2/175، طبقات الشافعية للأسنوي 2/239". 3 في ش ع: إرادة. 4 انظر: المادة 2 من المجلة ونصها: "الأمور بمقاصدها"، وانظر: الأشباه والنظائر، لابن نجيم ص 37، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 8، المدخل الفقهي العام 2/959. 5 الآية 5 من البينة.

الْمُكَلَّفِ: الْقَصْدُ إلَى النَّظَرِ الْمُوصِلِ إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فَالْقَصْدُ سَابِقٌ دَائِمًا1. وَسَوَاءٌ فِي اعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ2 فِي الأَفْعَالِ: الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، إلاَّ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَخْتَصُّ3 بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ4 إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلا تَصِحُّ هَذِهِ النِّيَّةُ مِنْ كَافِرٍ، بِخِلافِ نِيَّةِ الاسْتِثْنَاءِ، وَالنِّيَّةِ فِي الْكِنَايَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَدْ تَكَلَّمَ الْحَافِظُ الْعَلاَّمَةُ ابْنُ رَجَبٍ وَغَيْرُهُ عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ كَلامًا شَافِيًا5 مِنْهُ: أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ6 اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ7 مَعْنَاهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مِنْ دَلالَةِ الْمُقْتَضَى، وَأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ لِصِحَّةِ هَذَا الْكَلامِ، وَأَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ اخْتَلَفُوا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَدَّرُ "صِحَّةُ" الأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ أَوْ "اعْتِبَارُهَا" أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَقِيلَ: يُقَدَّرُ "كَمَالُ" الأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ8: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ دَلالَةِ الْمُقْتَضَى، وَإِنَّهُ لا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ شَيْءٍ أَصْلاً؛ لأَنَّ

_ 1 سبق هذا مع مراجعه في المجلد الأول ص 308. 2 في ش ض ز: القصد. 3 في ب: لا يختص. 4 ساقطة من ب. 5 انظر: جامع العلوم والحكم ص 5 وما بعدها، شرح النووي على صحيح مسلم 13/53. 6 ساقطة من ش ز، وفي ب: إن. 7 في ض: تقرير. 8 في ش ز: كثير من.

الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ رُكْنِهَا أَوْ شَرْطِهَا. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ بِنِيَّةٍ فَهُوَ صُورَةُ عَمَلٍ لا عَمَلٌ شَرْعِيٌّ. فَصَحَّ النَّفْيُ، فَلا حَاجَةَ لِتَقْدِيرٍ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَمِمَّا1 تَدْخُلُ فِيهِ النِّيَّةُ الْعِبَادَاتُ جَمِيعُهَا. وَمِنْهَا: الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ وَالْغُسْلُ عِنْدَنَا وَالصَّلاةُ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا، عَيْنُهَا وَكِفَايَتُهَا، وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ2 وَالاعْتِكَافُ، وَالْحَجُّ فَرْضُ الْكُلِّ وَنَفْلُهُ وَالأُضْحِيَّةُ وَالْهَدْيُ، وَالنُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ، وَالْجِهَادُ وَالْعِتْقُ، وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ، بِمَعْنَى أَنَّ حُصُولَ الثَّوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ3 الأَرْبَعَةِ: يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَيُقَالُ4 بَلْ يَسْرِي هَذَا إلَى سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ إذَا قُصِدَ بِهَا التَّقَوِّي5 عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ التَّوَصُّلِ إلَيْهَا كَالأَكْلِ وَالنَّوْمِ، وَاكْتِسَابِ الْمَالِ، وَالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ فِيهِ، وَفِي الأَمَةِ إذَا قَصَدَ بِهَا الإِعْفَافَ، أَوْ تَحْصِيلَ الْوَلَدِ الصَّالِحِ، أَوْ تَكْثِيرَ الأُمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

_ 1 في ب: فما. 2 في ض: والصوم. 3 ساقطة من ض ب ز. 4 ساقطة من ش ب ز. 5 في ش: التقوى.

باب في بيان أحكام المستدل وما يتعلق به

"بَابٌ" فِي1 بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُسْتَدِلِّ 2، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ بَيَانِ الاجْتِهَادِ وَالْمُجْتَهِدِ وَالتَّقْلِيدِ، وَالْمُقَلِّدِ، وَمَسَائِلِ ذَلِكَ فَنَقُولُ "الاجْتِهَادُ" افْتِعَالٌ3 مِنْ الْجُهْدِ -بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ- وَهُوَ الطَّاقَةُ وَالاجْتِهَادُ "لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ "اسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ" أَيْ غَايَةُ مَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِفْرَاغِهِ "لِتَحْصِيلِ أَمْرٍ شَاقٍّ"4.

_ 1 في ب: الاجتهاد في. 2 عرف القاضي أبو يعلى المستدل بأنه: "هو الطالب للدليل" ثم قال: "فإذا طالب السائل المسؤول بالدليل فهو مستدل لأن السائل يطلبه من المسؤول، والمسؤول يطلبه من الأصول" "العدة 1/132". وقال الباجي: "وقد سمى الفقهاء المحتج بالدليل مستدلاً، ولعلهم أرادوا بذلك أنه محتج به الآن، وقد تقد استدلاله به على الحكم الذي توصل إليه، ويحتج الآن به على ثبوته" "الحدود ص 40". 3 في ب: انفعال. 4 انظر: المصباح المنير 1/155، القاموس المحيط 1/286، أساس البلاغة ص 144، معجم مقاييس اللغة 1/487.

"وَ" مَعْنَاهُ "اصْطِلاحًا: اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ" أَيْ ذُو الْفِقْهِ وَتَقَدَّمَ حَدُّ1 الْفَقِيهِ2، وَهُوَ قَيْدٌ مُخْرِجٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأَنَّهُ لا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ فَقِيهًا، وَلِلْمُقَلِّدِ "وُسْعَهُ" بِحَيْثُ تَحُسُّ النَّفْسُ بِالْعَجْزِ عَنْ زِيَادَةِ اسْتِفْرَاغِهِ "لِدَرْكِ حُكْمٍ" يَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ وَهُوَ الظَّنِّيُّ "شَرْعِيٍّ" لِيَخْرُجَ الْعَقْلِيُّ وَالْحِسِّيُّ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ جَمَاعَةٌ بِذَلِكَ لِلاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِذِكْرِ الْفَقِيهِ؛ لأَنَّ الْفَقِيهَ لا يَتَكَلَّمُ إلاَّ فِي الشَّرْعِيِّ3.

_ 1 ساقطة من ض. 2 المجلد الأول ص 42. والمراد بالفقيه عند الأصوليين: المجتهد، وإما إطلاقه على من يحفظ الفروع الفقهية فهو اصطلاح عند غيرهم. انظر: مناهج العقول 3/233، جمع الجوامع 2/382، تيسير التحرير 4/179، فواتح الرحموت 2/362، صفة الفتوى ص 14، إرشاد الفحول ص 250، أصول مذهب أحمد ص 626. 3 انظر تعريف الاجتهاد عند الأصوليين مع اختلاف العبارات فيه، وما يدخل فيه وما يخرج منه في "المستصفى 2/350، الإحكام للآمدي 4/62، 1/164، جمع الجوامع 2/289، المحصول 2/3/7، 39، الحدود للباجي ص 64، التعريفات ص 8، شرح تنقيح الفصول ص 429، مجموع الفتاوى 20/202، الروضة ص 352، فتح الغفار 3/34، مختصر البعلي ص 163، مختصر الطوفي ص 173، كشف الأسرار 4/14، نهاية السول 3/233، التلويح على التوضيح 3/62، فواتح الرحموت 2/362، مختصر ابن الحاجب 2/289، إرشاد الفحول ص 250، تيسير التحرير 4/179، الإحكام لابن حزم 1/41، 2/1155، أصول مذهب أحمد ص 625، المدخل إلى مذهب أحمد ص 179.

وَقَالَ الآمِدِيُّ: هُوَ اسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ الظَّنِّ بِشَيْءٍ مِنْ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ يُحَسُّ مِنْ النَّفْسِ بِالْعَجْزِ1 عَنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ2 3. "وَشَرْطُ مُجْتَهِدٍ: كَوْنُهُ فَقِيهًا4، وَهُوَ" أَيْ الْفَقِيهُ فِي الاصْطِلاحِ "الْعَالِمُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ" أَيْ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى اسْتِخْرَاجِ أَحْكَامِ الْفِقْهِ مِنْ أَدِلَّتِهَا "وَمَا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ" أَيْ5 مِنْ6 أُصُولِ الْفِقْهِ7.

_ 1 في ض والآمدي: العجز. 2 في الآمدي: فيه 3 الإحكام للآمدي 4/162. 4 انظر في شروط المجتهد "الروضة ص 352، الرسالة ص 509 وما بعدها، حاشية السعد على ابن الحاجب 2/290، جمع الجوامع 2/382، الإحكام للآمدي 4/162، المستصفى 2/250 وما بعدها، المحصول 2/3/30، شرح تنقيح الفصول ص 437، نهاية السول 3/244، فتح الغفار 3/34، كشف الأسرار 4/15، تيسير التحرير 4/180، فواتح الرحموت 2/363، الموافقات 4/67، الرد إلى من أخلد إلى الأرض ص 113، المقنع 4/247، مختصر مذهب أحمد ص 180، إرشاد الفحول ص 250، الوسيط ص 486". 5 ساقطة من ض ب ز. 6 ساقطة من ز. 7 يقول الإمام الغزالي عن العلوم التي يستفاد منها منصب الاجتهاد بأنه: "يشتمل عليه ثلاثة فنون: علم الحديث وعلم اللغة وعلم أصول الفقه" المستصفى 2/353". وانظر: الفروع لابن مفلح 6/425، صفة الفتوى ص 14، البرهان 2/1332.

وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ سَجِيَّةٌ وَقُوَّةٌ يَقْتَدِرُ1 بِهَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ وَالتَّرْتِيبِ، وَالتَّصْحِيحِ وَالإِفْسَادِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِلاكُ صِنَاعَةِ الْفِقْهِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ الْفَقِيهُ فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يَسْمَعْهَا، كَكَلامِهِ فِي مَسْأَلَةٍ سَمِعَهَا، فَلَيْسَ بِفَقِيهٍ. وَاَلَّذِي يُسْتَمَدُّ مِنْهُ أُصُولُ الْفِقْهِ: هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَا تَفَرَّعَ عَنْهُمَا2. "وَ" أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِ "الأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ مُفَصَّلَةً، وَاخْتِلافِ مَرَاتِبِهَا" وَلَيْسَ الْمُرَادُ: أَنْ يَعْرِفَ سَائِرَ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَجَمِيعَ أَحَادِيثِ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ: مَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ. "فَمِنْ الْكِتَابِ3 وَ4السُّنَّةِ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَحْكَامِ" وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الآيَاتِ خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا مَا هُوَ مَقْصُودٌ بِهِ5 الأَحْكَامُ بِدَلالَةِ الْمُطَابَقَةِ أَمَّا بِدَلالَةِ الالْتِزَامِ: فَغَالِبُ الْقُرْآنِ، بَلْ كُلُّهُ؛ لأَنَّهُ لا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ حُكْمٍ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ.

_ 1 في ض: يقدر. 2 في ض: منهما. 3 ساقطة من ض. 4 ساقطة من ض. 5 ساقطة من ب.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعِلْمِهِ بِذَلِكَ حِفْظَهُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ "بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ اسْتِحْضَارُهُ لِلاحْتِجَاجِ بِهِ، لا حِفْظُهُ" يَعْنِي أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ حِفْظُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ، حَيْثُ أَمْكَنَهُ اسْتِحْضَارُ ذَلِكَ عِنْدَ إرَادَةِ الاحْتِجَاجِ بِهِ1. "وَ" يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِ "النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِمَّا2 يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تِلْكَ الْوَاقِعَةِ الَّتِي يُفْتِي فِيهَا مِنْ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ، حَتَّى لا يَسْتَدِلَّ بِهِ إنْ كَانَ مَنْسُوخًا، وَلا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ جَمِيعَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ3. "وَ" يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِ "صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَضَعْفِهِ" سَنَدًا وَمَتْنًا، لِيَطْرَحَ الضَّعِيفَ حَيْثُ لا يَكُونُ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ، وَيَطْرَحَ الْمَوْضُوعَ مُطْلَقًا، وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا

_ 1 انظر: الروضة ص 352، مختصر البعلي ص 163، مختصر الطوفي ص 174، نزهة الخاطر 2/402، الإحكام للآمدي 2/163، المستصفى 2/351، المحصول 2/3/33، شرح تنقيح الفصول ص 437، مناهج العقول 3/243، التلويح على التوضيح 3/62، كشف الأسرار 4/15، تيسير التحرير 4/181، إرشاد الفحول ص 250، المدخل إلى مذهب أحمد ص 180. 2 في ز: مما كان. 3 انظر: جمع الجوامع 2/384، الإحكام للآمدي 4/163، المستصفى 2/352، المحصول 2/3/35، نهاية السول 3/245، نزهة الخاطر 2/403، تيسير التحرير 4/182، إرشاد الفحول ص 252، المدخل إلى مذهب أحمد ص 181.

بِحَالِ الرُّوَاةِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ1، لِيَعْلَمَ مَا يَنْجَبِرُ مِنْ الضَّعْفِ2 بِطَرِيقٍ آخَرَ "وَلَوْ" كَانَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ "تَقْلِيدًا كَنَقْلِهِ" ذَلِكَ3 "مِنْ كِتَابٍ صَحِيحٍ" مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَنْسُوبَةِ لأَئِمَّتِهِ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ4؛ لأَنَّهُمْ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ، فَجَازَ الأَخْذُ بِقَوْلِهِمْ، كَمَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْمُقَوِّمِينَ فِي الْقِيَمِ5. "وَ" يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ فِي عِلْمِهِ "مِنْ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ مَا يَكْفِيهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا" أَيْ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم6َ "مِنْ نَصٍّ، وَ" مِنْ

_ 1 في ب: والضعيف. 2 في ز: الضعيف. 3 في ض: لذلك. 4 في ش ب: ونحوهم. 5 انظر: مختصر البعلي ص 163، مختصر الطوفي ص 174، نزهة الخاطر 2/404، جمع الجوامع 2/384، الإحكام للآمدي 4/163، المستصفى 2/351، 35 وما بعدها، المحصول 2/3/33، 35، شرح تنقيح الفصول ص 437، 438، نهاية السول 3/244، 245، التلويح على التوضيح 3/63، كشف الأسرار 4/15، تيسير التحرير 4/182، إرشاد الفحول ص 251، المدخل إلى مذهب أحمد ص 180، 181. 6 انظر: نزهة الخاطر 2/405، مختصر البعلي ص 164، مختصر الطوفي ص 174، الإحكام للآمدي 4/163، المستصفى 2/352، المحصول 2/3/35، شرح تنقيح الفصول ص 437، نهاية السول 3/245، إرشاد الفحول ص 251.

"ظَاهِرٍ، وَ" مِنْ "مُجْمَلٍ، وَمُبَيِّنٍ، وَ" مِنْ "حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ، وَ" مِنْ "أَمْرٍ، وَنَهْيٍ، وَ" مِنْ "عَامٍّ، وَخَاصٍّ، وَ" مِنْ "مُسْتَثْنًى وَمُسْتَثْنًى مِنْهُ، وَ" مِنْ "مُطْلَقٍ، وَمُقَيَّدٍ1، وَ" مِنْ "دَلِيلِ الْخِطَابِ وَنَحْوِهِ" كَفَحْوَى الْخِطَابِ وَلَحْنِهِ وَمَفْهُومِهِ؛ لأَنَّ بَعْضَ الأَحْكَامِ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، وَوَقَفَ عَلَيْهِ تَوَقُّفًا ضَرُورِيًّا، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} 2؛ لأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بِرَفْعِ " الْجُرُوحِ " وَنَصْبِهَا3، وَلأَنَّ مَنْ لا4 يَعْرِفُ ذَلِكَ لا5 يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لأَنَّهُمَا فِي الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا مِنْ مَرَاتِبِ الإِعْجَازِ. فَلا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِه6ِ أَوْضَاعَ الْعَرَبِ، بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ

_ 1 ساقطة من ب. 2 الآية 45 من المائدة. 3 قرأ نافع وعاصم والأعمش وحمزة بالنصب "والجروحَ قصاص"، وقرأها ابن كثير وعامر وأبو عمرو وأبو جعفر بالرفع، استئنافاً عما قبلها، كما قرأها الكسائي وأبو عبيد بالرفع وعطف الجمل في الآية: "وكتبنا عليهم فيها: أن النفسُ بالنفس، وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ، والْأَنْفُ بِالْأَنْفِ، والأُذنُ بِالأُذنِ، والسنُ بالسن، والجَرُوْحُ قصاص"، ويختلف المعنى بحسب كل قراءة، قال ابن المنذر: "ومن قرأ بالرفع جعل ذلك ابتداء كلام يتضمن بيان الحكم للمسلمين" أي وليس مكتوباً في التوراة، ويلتزم به المسلمون جميعاً، ويكون أول الآية من شرع من قبلنا، وفيه اختلاف بين الأئمة والعلماء. انظر: فتح القدير للشوكاني 2/46، تفسير القرطبي 6/193، أحكام القرآن لابن العربي 2/624، زاد المسير 2/367. 4 في ش: لم 5 في ب ز: لم. 6 في ض: معرفة

حَمْلِ كِتَابِ1 اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَلامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ أَسَالِيبِ الْعَرَبِ وَمَوَاقِعِ كَلامِهَا، وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَرْجُوحِ جَائِزًا فِي كَلامِهِمْ. "وَ" يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِ "الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ" حَتَّى لا يُفْتِيَ بِخِلافِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ قَدْ خَرَقَ الإِجْمَاعَ2. "وَ" بِ "أَسْبَابِ النُّزُولِ" قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي الآيَاتِ، وَأَسْبَابِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَحَادِيثِ؛ لِيَعْرِفَ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ تَخْصِيصٍ أَوْ تَعْمِيمٍ3. "وَ" أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِ "مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ الْوَاجِبَةِ وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "وَ" مَا "يَمْتَنِعُ" عَلَيْهِ4 بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ

_ 1 في ز: كلام. 2 انظر: المحصول 2/3/34، جمع الجوامع 2/384، نهاية السول 3/244، ص 182، مختصر الطوفي ص 174، نزهة الخاطر 2/405، إرشاد الفحول ص 251. 3 انظر: جمع الجوامع 2/384، الإحكام للآمدي 4/164، نهاية السول 3/245. 4 في ش: عنه

اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - حَكِيمٌ، عَلِيمٌ1، غَنِيٌّ2 قَادِرٌ، وَأَنَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ عَنْ الْخَطَإِ فِيمَا شَرَعَهُ، وَأَنَّ إجْمَاعَ الأُمَّةِ مَعْصُومٌ. وَلا تَصِحُّ مَعْرِفَتُهُ بِذَلِكَ مِنْ حَالِ الْبَارِي - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إلاَّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ. وَلا تَصِحُّ مَعْرِفَتُهُ بِعِصْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِكَوْنِهِ نَبِيًّا. وَلا تَصِحُّ مَعْرِفَتُهُ بِعِصْمَةِ الأُمَّةِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ3 اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى خَطَإٍ4. قَالَ فِي الْوَاضِحِ فِي صِفَةِ الْمُفْتِي: وَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُ بِالأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ النَّظَرِيَّةِ حُدُوثَ5 الْعَالَمِ، وَأَنَّ لَهُ صَانِعًا6، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُ عَلَى صِفَاتٍ وَاجِبَةٍ لَهُ، وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثِينَ7، وَأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ إرْسَالُ الرُّسُلِ، وَأَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَ رُسُلاً بِأَحْكَامٍ

_ 1 في ش ب ز: عالم. 2 في ش: حي. 3 في ض ز: مستحيل. 4 انظر: الإحكام للآمدي 4/162، المستصفى 2/352، مناهج العقول 3/244، إرشاد الفحول ص 252. 5 في ض ب ز: حدث. 6 في ش: إلهاً. 7 في ز: المخلوقين.

شَرَعَهَا، وَأَنَّ1 صِدْقَهُمْ بِمَا2 جَاءُوا بِهِ ثَبَتَ بِمَا أَظْهَرَهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ. انْتَهَى. "وَ" لا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِ "تَفَارِيعِ3 الْفِقْهِ"؛ لأَنَّ الْمُجْتَهِدَ هُوَ الَّذِي يُوَلِّدُهَا وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا فِيهَا4 لَلَزِمَ الدَّوْرُ؛ لأَنَّهَا نَتِيجَةُ الاجْتِهَادِ فَلا يَكُونُ الاجْتِهَادُ نَتِيجَتَهَا. "وَ" لا "عِلْمُ الْكَلامِ" أَيْ عِلْمُ أُصُولِ الدِّينِ، قَالَهُ الأُصُولِيُّونَ5، لَكِنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ: إنَّ الأَصْحَابَ عَدُّوا مِنْ شُرُوطِ الاجْتِهَادِ مَعْرِفَةَ أُصُولِ الْعَقَائِدِ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلامَيْنِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ

_ 1 في ض: وأنه. 2 في ز: فيما. 3 التفاريع جمع تفريع، من فرّع يفرّع تفريعاً، أما فرَع يَفْرَع فالمصدر فرعاً، والجمع فروع، والفرع ما بني على غيره، وقيس عليه، ويقابل الأصل، يقال فرّع المسائل من هذا الأصل جعلها فروعَه واستخرجها منه، وفرّعت من هذا الأصل مسائل فتفرعت أي استخرجتها فخرجت، قال الزمخشري: "وهو حسن التفريع للمسائل". انظر: أساس البلاغة ص 711، المصباح المنير 2/642، القاموس المحيط 3/61". 4 في ش ض: فيها. 5 اتفق العلماء على أنه لا يشترط في المجتهد أن يكون عالماً بفروع الفقه، ولا بعلم الكلام، لكن قال الغزالي: "إنما يحصل منصب الاجتهاد في زمانه بممارسته فهو طريق تحصيل الدربة في هذا الزمان" "المستصفى 2/353". وانظر: الإحكام للآمدي 2/163، المستصفى 2/352، المحصول =

حَيْثُ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَكْفِي اعْتِقَادٌ جَازِمٌ، وَلا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِأَدِلَّتِهِمْ1 الَّتِي يُحَرِّرُونَهَا2. انْتَهَى. "وَلا" يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا3 "مَعْرِفَةُ أَكْثَرِ الْفِقْهِ". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَاعْتَبَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: مَعْرِفَةَ أَكْثَرِ الْفِقْهِ وَالأَشْهَرُ: لا؛ لأَنَّهُ نَتِيجَتُهُ. انْتَهَى. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَمَا4 سَبَقَ مِنْ الشُّرُوطِ: فَفِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ5 الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الشَّرْعِ6 بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ. "وَ" أَمَّا "الْمُجْتَهِدُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ" فَهُوَ "الْعَارِفُ بِمَدَارِكِهِ" أَيْ مَدَارِكِ مَذْهَبِ إمَامِهِ 7"الْقَادِرُ عَلَى تَقْرِيرِ قَوَاعِدِهِ، وَ" عَلَى "الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ" بَيْنَ مَسَائِلِهِ8. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ7:

_ = 2/3/36، نهاية السول 3/245، صفة الفتوى ص 16، الروضة ص 353، جمع الجوامع 2/384، 385، التلويح على التوضيح 3/63، كشف الأسرار ص 174، إرشاد الفحول ص 252، المدخل إلى مذهب أحمد ص 182. 1 في ض: بأداتهم. 2 انظر المستصفى 2/352 مع التصرف بالعبارة. 3 في ش ض: أيضاً فيه. 4 في ض: فيما. 5 في ش: المفتي. 6 ساقطة من ب. 7 ساقطة من ب. 8 في ض: المسائل.

فَنَظَرُهُ1 فِي بَعْضِ نُصُوصِ إمَامِهِ وَتَقْرِيرِهَا، وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، كَاجْتِهَادِ إمَامِهِ فِي نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ2. انْتَهَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لَهُ أَرْبَعَ حَالاتٍ3: الأُولَى: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُقَلِّدٍ لإِمَامِهِ فِي الْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ، لَكِنْ4 سَلَكَ طَرِيقَهُ5 فِي الاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى. وَدَعَا إلَى مَذْهَبِهِ6، وَقَرَأَ كَثِيرًا7 مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ، فَوَجَدَهُ صَوَابًا، وَأَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَأَشَدَّ مُوَافَقَةً فِيهِ وَفِي طَرِيقِهِ8. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، مُسْتَقِلاًّ بِتَقْرِيرِهِ

_ 1 في ب: فتنظره. 2 وهذا ما قاله أبو عمرو ابن الصلاح وغيره، "انظر: صفة الفتوى ص 20، المسودة 544". 3 انظر أصناف المجتهدين في المذهب وحالاتهم في "المجموع للنووي 1/71 وما بعدها، الأنوار 2/395، روضة الطالبين 11/101، المسودة ص 547 وما بعدها، رسائل ابن عابدين 1/11، صفة الفتوى ص 17 وما بعدها، جمع الجوامع 2/385، مناهج العقول 3/245، إعلام الموقعين 4/270 وما بعدها، الرد على من أخلد إلى الأرض ص 113 وما بعدها، الوسيط ص 522، المدخل إلى مذهب أحمد ص 184. 4 في ز: ولكن. 5 في ض: طريقته. 6 في ض ب ز: مذهب. 7 في ض: أكثر. 8 صفة الفتوى ص 17، وانظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 184.

بِالدَّلِيلِ، لَكِنْ لا يَتَعَدَّى أُصُولَهُ وَقَوَاعِدَهُ مَعَ إتْقَانِهِ لِلْفِقْهِ وَأُصُولِهِ، وَأَدِلَّةِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ، عَارِفًا بِالْقِيَاسِ وَنَحْوِهِ، تَامَّ الرِّيَاضَةِ، قَادِرًا عَلَى التَّخْرِيجِ وَالاسْتِنْبَاطِ، وَإِلْحَاقِ الْفُرُوعِ وَالأُصُولِ1 وَالْقَوَاعِدِ2 الَّتِي لإِمَامِهِ3. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لا يَبْلُغَ رُتْبَةَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ4 أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ، غَيْرَ أَنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ، حَافِظٌ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ، عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهِ5، قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهِ وَنُصْرَتِهِ، يُصَوِّرُ وَيُحَرِّرُ6 وَيُمَهِّدُ وَيُقَرِّرُ، وَيُزَيِّفُ وَيُرَجِّحُ لَكِنَّهُ قَصُرَ عَنْ دَرَجَةِ أُولَئِكَ، إمَّا لِكَوْنِهِ لا7 يَبْلُغُ فِي حِفْظِ8 الْمَذْهَبِ مَبْلَغَهُمْ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَبَحِّرٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَخْلُو9 مِثْلُهُ10 فِي ضِمْنِ مَا يَحْفَظُهُ11 مِنْ الْفِقْهِ وَيَعْرِفُهُ12 مِنْ أَدِلَّتِهِ13 عَنْ أَطْرَافٍ مِنْ

_ 1 في ش: والأصول. 2 ساقطة من ش. 3 صفة الفتوى ص 18، وانظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 185. 4 اللفظة من صفة الفتوى، وفي جميع النسخ: المذهب. 5 في ز: لأدلته. 6 في صفة الفتوى: يجوز، وكذا في ز. 7 في ش ب ض: لا. 8 ساقطة من ز. 9 في ش: تخلو. 10 في ش: مسألة، وفي ض أمثلة. 11 في ز ض ش: يحفظ. 12 في ض: يعرف. 13 في ب: أدلة.

قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَنَحْوِهِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مُقَصِّرًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ أَدَوَاتُ الاجْتِهَادِ، الْحَاصِلِ1 لأَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ2. الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقُومَ بِحِفْظِ الْمَذْهَبِ وَنَقْلِهِ وَفَهْمِهِ، فَهَذَا يُعْتَمَدُ نَقْلُهُ وَفَتْوَاهُ بِهِ فِيمَا يَحْكِيهِ مِنْ مَسْطُورَاتِ مَذْهَبِهِ وَ3مِنْ مَنْصُوصَاتِ إمَامِهِ4، أَوْ تَفْرِيعَاتِ أَصْحَابِهِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي مَذْهَبِهِ وَتَخْرِيجَاتِهِمْ5. وَمَا6 لَمْ7 يَجِدْهُ مَنْقُولاً فِي مَذْهَبِهِ: فَإِنْ وَجَدَ فِي الْمَنْقُولِ مَا هُوَ8 فِي مَعْنَاهُ، بِحَيْثُ يُدْرَكُ مِنْ غَيْرِ9 فَضْلِ فِكْرٍ وَتَأَمُّلٍ: أَنَّهُ لا فَارِقَ بَيْنَهُمَا، كَمَا فِي الأَمَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي إعْتَاقِ الشَّرِيكِ: جَازَ لَهُ إلْحَاقُهُ بِهِ وَالْفَتْوَى بِهِ، وَكَذَا مَا يُعْلَمُ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ ضَابِطٍ مَنْقُولٍ10 مُمَهَّدٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ

_ 1 في ب ش: والحاصل. 2 انظر: صفة الفتوى ص 22، المدخل إلى مذهب أحمد ص 185. 3 ساقطة من ب ز. 4 ساقطة من ب. 5 صفة الفتوى ص 23، وانظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 185. 6 في ش ض ز: وأما، وساقطة من ب. 7 في ش ض ز: ما. 8 في ب ز وصفة الفتوى: هذا. 9 في ش: حيث. 10 في ش ض ب ز وصفة الفتوى: ومنقول.

كَذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الإِمْسَاكُ عَنْ الْفُتْيَا بِهِ، وَيَكْفِي أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَكْثَرَ الْمَذْهَبِ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مُطَالَعَةِ1 بَقِيَّتِهِ. انْتَهَتْ الْحَالاتُ مُلَخَّصَةً، مِنْ كِتَابِ " آدَابِ2 الْمُفْتِي " لابْنِ حَمْدَانَ3.

_ 1 في ش: مطالبة. 2 في ز: أدب. 3 طبع هذا الكتاب باسم: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 16-23.

فصل: تجزؤ الإجتهاد وخلاف العلماء فيه

فصل: تجزؤ الإجتهاد وخلاف العلماء فيه ... "فَصْلٌ" "الاجْتِهَادُ يَتَجَزَّأُ1" عِنْدَ أَصْحَابِنَا2 وَالأَكْثَرِ، إذْ3 لَوْ لَمْ يَتَجَزَّأْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهِدُ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ، وَهُوَ مُحَالٌ إذْ جَمِيعُهَا لا يُحِيطُ بِهِ بَشَرٌ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ بِجَمِيعِ الْمَآخِذِ: الْعِلْمُ4 بِجَمِيعِ الأَحْكَامِ5؛ لأَنَّ بَعْضَ الأَحْكَامِ قَدْ يُجْهَلُ بِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ فِيهِ، أَوْ بِالْعَجْزِ عَنْ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَرِ، إمَّا6 لِمَانِعٍ

_ 1 إن معنى تجزئة الاجتهاد هو جريانه في بعض المسائل دون بعض، بأن يحصل للمجتهد ما هو مناط الاجتهاد من الأدلة في بعض المسائل دون غيرها، وفيه عدة مذاهب كما سيذكرها المصنف. انظر: إرشاد الفحول ص 254، الوسيط ص 518، أصول مذهب أحمد ص 629. 2 في ز: أكثر أصحابنا. 3 في ض: إذا. 4 ساقطة من ب. 5 يعني أنه يكفي أن يعرف المجتهد جميع مآخذ المسألة الواحدة من الكتاب والسنة ليجتهد بها، وهذا الاشتراط بالعلم بجميع المآخذ لا يلزم منه أن يعلم جميع الأحكام، لأن العلم بالأحكام يتوقف على الاجتهاد، ويكون بعده، وقد يصل إليها المجتهد، وقد لا يصل لتعارض الأدلة، أو عجز المجتهد، أو لمانع آخر، أو عذر معين، وفي هذه الحالة يتجزأ الاجتهاد عليه حكماً وبالقوة. انظر: فواتح الرحموت 2/364، العضد على ابن الحاجب 2/290، تيسير التحرير 4/183. 6 في ش: أو.

مِنْ تَشْوِيشِ فِكْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ1. وَقِيلَ2: لا يَتَجَزَّأُ وَقِيلَ3: يَتَجَزَّأُ فِي بَابٍ لا فِي مَسْأَلَةٍ4 وَقِيلَ: فِي الْفَرَائِضِ لا فِي غَيْرِهَا5. "وَيَجُوزُ اجْتِهَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَوَقَعَ" قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ إجْمَاعًا6.

_ 1 القول بتجزأ الاجتهاد هو لأكثر المتكلمين المعتزلة وأكثر الفقهاء، وقال به الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وأيده الآمدي وابن الحاجب وابن دقيق العيد وابن السبكي والغزالي والكمال بن الهمام وغيرهم. انظر: شرح تنقيح الفصول ص 438، فتح الغفار 3/37، كشف الأسرار 4/17، تيسير التحرير 4/182، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/290، الموافقات 4/68، إعلام الموقعين 4/275، مجموع الفتاوى 20/204، 212، مختصر البعلي ص 164، مختصر الطوفي ص 174، المحصول 2/3/37، المعتمد 2/932، الإحكام للآمدي 4/164، المستصفى 2/353، جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/386، الروضة ص 353، نزهة الخاطر 2/406، المدخل إلى مذهب أحمد ص 183، إرشاد الفحول ص 254. 2 ساقطة من ض ب. 3 وهو قول طائفة من العلماء، وهو منقول عن الإمام أبي حنيفة، واختاره الشوكاني. انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/290، المحلي على جمع الجوامع 2/386، المحصول 2/3/37، تيسير التحرير 4/182، فواتح الرحموت 2/364، إرشاد الفحول ص 255، شرح تنقيح الفصول ص 438. 4 انظر مختصر البعلي ص 164، والمراجع السابقة. 5 انظر: صفة الفتوى ص 24، إعلام الموقعين 4/275، الوسيط ص 518، والمراجع السابقة. 6 حكى هذا الإجماع سُليم الرازي وابن حزم وغيرهما. انظر: الإحكام لابن حزم 2/703، إرشاد الفحول ص 255.

"وَ" يَجُوزُ اجْتِهَادُهُ أَيْضًا "فِي أَمْرِ الشَّرْعِ عَقْلاً وَشَرْعًا" عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ1، وَعَزَاهُ الْوَاحِدِيُّ إلَى سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ. قَالَ: وَلا حُجَّةَ لِلْمَانِعِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إلَيَّ} 2 فَإِنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الْمَنْصُوصِ بِالْوَحْيِ: اتِّبَاعٌ لِلْوَحْيِ3. وَمَنَعَهُ الأَكْثَرُ مِنْ الأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ4، وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّهُ

_ 1 وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري، واختاره الغزالي والآمدي والرازي والبيضاوي وابن الحاجب، وابن السبكي، وهو مذهب الحنفية بشرط أن يكون الاجتهاد بعد انتظار الوحي واليأس من نزوله. انظر: نهاية السول 3/237، البرهان 2/1356، المعتمد 2/762، التبصرة ص 521، المنخول ص 468، مناهج العقول 3/23، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/291، جمع الجوامع 2/386، الإحكام للآمدي 4/165، المستصفى 2/355، 366، المحصول 2/3/9، 18، الروضة ص 356، 357، المسودة ص 506، 507، 508، 510، مختصر البعلي ص 164، مختصر الطوفي ص 175، المدخل إلى مذهب أحمد ص 186، شرح تنقيح الفصول ص 63، أصول السرخسي 2/91، تيسير التحري 4/183، 18، فواتح الرحموت 2/366، إرشاد الفحول ص 256، التمهيد للأسنوي ص 159، الوسيط ص 500. 2 الآية 50 من الأنعام. 3 ساقطة من ض. 4 وهو قول أبي علي الجبائي وأبي هاشم الجبائي، وابن حزم، وكل من منع القياس أصلاً منع الاجتهاد على الرسول صلى الله عليه وسلم عقلاً وشرعاً. انظر أدلتهم مع مناقشتها في "نزهة الخاطر 2/409، العضد على ابن الحاجب 2/291، التمهيد ص 159، الإحكام للآمدي 4/165، تيسير =

ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ1 عَبْدِ اللَّهِ. "وَوَقَعَ" عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا. قَالَ الْقَاضِي: أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ قَالَ ابْنُ بَطَّةَ: وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ. وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ فِي الاسْتِدْلالِ2 بِالْوَقَائِعِ وَغَيْرِهِمْ3. وَقِيلَ: لَمْ يَقَعْ4. وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ، لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ5.

_ = التحرير 4/185، 188، الإحكام لابن حزم 2/699، البرهان 2/1356، المعتمد 2/761، المنخول ص 468، التبصرة ص 521، شرح تنقيح الفصول ص 436، المحصول 2/3/9، 19، المستصفى 2/356، مختصر الطوفي ص 175، نهاية السول 3/237، إرشاد الفحول ص 255". 1 ساقطة من ض ب ز. 2 في ش: المستدل. 3 انظر: الإحكام للآمدي 4/165، مختصر ابن الحاجب 2/291، المحصول 2/3/9، اللمع ص 76، التبصرة ص 521، نهاية السول 3/237، نزهة الخاطر 2/411، مختصر الطوفي ص 175، جمع الجوامع 2/386، إرشاد الفحول ص 256، المسودة ص 506 وما بعدها، الروضة ص 357، تيسير التحرير 4/186، الوسيط ص 500. 4 قال بعدم وقوع الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم شرعاً أكثر المتكلمين وبعض الشافعية، انظر هذا القول مع أدلته ومناقشتها في الروضة ص 357، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/292، المحلي على جمع الجوامع 2/387، الإحكام للآمدي 4/165، 168، المحصول 2/3/9/14، اللمع ص 76، شرح تنقيح الفصول ص 436، نهاية السول 3/237". 5 وهناك قول رابع بالجواز والوقوع في الآراء والحروب، والمنع في غيرها جمعاً بين =

وَاسْتُدِلَّ لِلصَّحِيحِ -الَّذِي هُوَ الْجَوَازُ وَالْوُقُوعُ- بِأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ، وَبِأَنَّ الأَصْلَ مُشَارَكَتُهُ لأُمَّتِهِ، وَبِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} 1 وقَوْله سبحانه وتَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} 2 وَطَرِيقُ الْمُشَاوَرَةِ3: الاجْتِهَادُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ نَّهُ اسْتَشَارَ فِي أَسْرَى4 بَدْرٍ فَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ بِالْفِدَاءِ وَعُمَرُ بِالْقَتْلِ، فَجَاءَ عُمَرُ مِنْ الْغَدِ، وَهُمَا يَبْكِيَانِ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُك مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ5 " وَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ6 وَتَعَالَى: {مَا كَانَ

_ = الأدلة، وقال الرازي:"وتوقف أكثر المحققين في ذلك" "المحصول 2/3/9، 14"، وهو ما صححه الغزالي في "المستصفى 2/355". وانظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/387، شرح تنقيح الفصول ص 436، نهاية السول 3/237، تيسير التحرير 4/185، إرشاد الفحول ص 256. 1 الآية 2 من الحشر. 2 الآية 159 من آل عمران. 3 في ض: المشاركة. 4 في ب: أمر. 5 هذا جزء من حديث –مع الاختصار- رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه، ورواه أحمد عن أنس، ورواه أبو داود مختصراً، كما رواه الترمذي، وذكرته كتب التفسير والسيرة. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 12/86، تخريج أحاديث البزدوي ص 231، مسند أحمد 3/219، سنن أبي داود 2/56، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 5/372. 6 في ض: وأنزل الله، وفي ش: وقوله.

لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} 1 وَأَيْضًا {عَفَا اللَّهُ عَنْك لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} 2. قَالَ فِي الْفُنُونِ: هُوَ مِنْ أَعْظَمِ دَلِيلِ الرِّسَالَةِ3، إذْ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِهِ لَسَتَرَ4 عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ صَوَّبَهُ5 لِمَصْلَحَةٍ يَدَّعِيهَا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ "لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ" 6 وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ7 فِيمَا لَمْ يُوحَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ8 فِيهِ، وَبِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ بِبَدْرٍ دُونَ الْمَاءِ، قَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ9 " إنْ كَانَ هَذَا بِوَحْيٍ فَنَعَمْ، وَإِنْ كَانَ

_ 1 الآية 67 من الأنفال. وانظر: تفسير الطبري 10/43، تفسير القرطبي 8/46، تفسير ابن كثير 2/325، فتح القدير 2/326. 2 الآية 43 من التوبة. وانظر تفسير الطبري 10/142، تفسير القرطبي 8/154، تفسير ابن كثير 2/360، فتح القدير 2/365. 3 في ش ب: لرسالته. 4 في ش: لستره، وفي ز: ستر. 5 في د ض: صوبها. 6 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم والشافعي عن جابر مرفوعاً، ورواه أبو داود عن عائشة مرفوعاًن ورواه أحمد عن ابن عباس مرفوعاً. انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/188، صحيح مسلم بشرح النووي 8/155، سنن أبي داود 1/414، بدائع المنن 1/310، مسند أحمد 1/259، التلخيص الحبير 2/231. 7 ساقطة من ض. 8 في ز: شيء. 9 هو الحباب بن المنذر بن الجموح، أبو عمر، الأنصاري الخزرجي الصحابي، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً والمشاهد كلها، وكان يقال له: =

الرَّأْيُ وَالْمَكِيدَةُ، فَانْزِلْ بِالنَّاسِ عَلَى الْمَاءِ لِتَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ فَقَالَ: لَيْسَ بِوَحْيٍ، إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ1 وَاجْتِهَادٌ رَأَيْتُهُ، وَرَجَعَ إلَى قَوْلِهِ"2 وَكَذَا إلَى قَوْلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ3، وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَمَّا أَرَادَ صُلْحَ الأَحْزَابِ عَلَى4 شَطْرِ نَخْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ كَتَبَ بَعْضَ الْكِتَابِ بِذَلِكَ، وَقَالا لَهُ" إنْ كَانَ بِوَحْيٍ: فَسَمْعًا وَطَاعَةً، وَإِنْ كَانَ بِاجْتِهَادٍ: فَلَيْسَ هَذَا هُوَ الرَّأْيُ"5 وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِغَيْرِ مَا

_ = ذا الرأي، وحضر يوم سقيفة بني ساعدة عند بيعة أبي بكر، وكان خطيب الأنصار، توفي بالمدينة في خلافة عمر رضي الله عنه، وقد زاد عمره عن الخمسين. انظر ترجمته في "الإصابة 1/316، أسد الغابة 1/436، مشاهير علماء الأمصار ص 25". 1 ساقطة من ز. 2 هذا الحديث رواه الحاكم في "المستدرك"، وقال الذهبي عنه: حديث منكر، وذكره ابن كثير في "البداية"، كما ذكره كتاب السيرة. انظر: المستدرك 3/427، البداية والنهاية 3/167، زاد المعاد 3/175، السيرة النبوية لابن هشام 1/620. 3 هو سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأشهلي، الصحابي، سيد الأوس، أسلم على يد مصعب بن عمير قبل الهجرة، وأسلم معه جميع بني الأشهل، وشهد بدراً وأحداً والخندق وقريظة، ونزلوا على حكمه فيهم، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى، وتوفي شهيداً من جرح أصابه من قتال الخندق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ"، ومناقبه كثيرة ومشهورة، ومنها كلامه وتأييده قبل معركة بدر. انظر ترجمته في "الإصابة 3/87، أسد الغابة 2/373، تهذيب الأسماء 1/215، الخلاصة 1/371". 4 في ض: بـ. 5 هذا جزء من حديث طويل رواه البزار والطبراني في "الكبير" وذكرته كتب السيرة. انظر: زاد المعاد 3/273، السيرة النبوية لابن هشام 2/223، تخريج أحاديث البزدوي ص 232، مجمع الزوائد 6/132.

ذُكِرَ، فَدَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى1 أَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِالاجْتِهَادِ. "وَ" عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ2 اجْتِهَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُقُوعِهِ مِنْهُ "لا يُقَرُّ عَلَى خَطَإٍ" إجْمَاعًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْخَطَإِ3، إلاَّ أَنَّهُ لا يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَ هَذَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَالآمِدِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَابِلَةِ. وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ4. وَمَنَعَ قَوْمٌ جَوَازَ الْخَطَإِ عَلَيْهِ5، لِعِصْمَةِ مَنْصِبِ النُّبُوَّةِ عَنْ الْخَطَإِ فِي الاجْتِهَادِ6.

_ 1 ساقطة من ض. 2 في ز: يجوز. 3 في ش ب ز: الخطأ عليه. 4 انظر هذا القول مع أدلته في "الإحكام للآمدي 4/216، 217، المسودة ص 509، مختصر ابن الحاجب 2/303، المستصفى 2/355، المحصول 2/3/22، اللمع ص 76، التبصرة ص 524، نهاية السول 3/239، مناهج العقول 3/237، أصول السرخسي 2/91، 95، تيسير التحرير 4/190، الإحكام لابن حزم 2/705، فواتح الرحموت 2/373". 5 ساقطة من ز. 6 انظر القول بعدم وقوع الخطأ من الرسول صلى الله عليه وسلم في الاجتهاد لعِصمته، وهو اختيار السبكي والحليمي والرازي والبيضاوي والشيعة، وانظر أدلة هذا القول ومناقشتها في "المسودة ص 510، اللمع ص 76، مختصر =

"وَ" يَجُوزُ "اجْتِهَادُ مَنْ عَاصَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلاً" عِنْدَ الأَكْثَرِ "وَشَرْعًا وَوَقَعَ1". ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْعُدَّةِ2 وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرُهُمَا. وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالرَّازِيُّ وَأَتْبَاعُهُ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ3. وَقِيلَ: لا يَجُوزُ مُطْلَقًا4.

_ = ابن الحاجب والعضد عليه 2/303، جمع الجوامع 2/387، الإحكام للآمدي 4/216، تيسير التحرير 4/190، فواتح الرحموت 2/372، المستصفى 2/355، المحصول 2/3/22، التبصرة ص 524، نهاية السول مع منهاج الوصول 3/239، مناهج العقول 3/236، مختصر البعلي ص 164، الوسيط ص 505". 1 ساقطة من ض. 2 ساقطة من ب. 3 انظر القول بجواز اجتهاد من عاصره صلى الله عليه وسلم عقلاً وشرعاً ووقوعه مع أدلته في "المسودة ص 511، الروضة ص 354، مختصر ابن الحاجب 2/292، الإحكام لابن حزم 2/698، جمع الجوامع 2/387، المستصفى 2/354، المحصول 2/3/25، 27، اللمع ص 75، شرح تنقيح الفصول ص 436، التبصرة ص 519، مناهج العقول 3/239، البرهان 2/1355، المعتمد 2/765، الإحكام للآمدي 4/175، التمهيد للأسنوي ص 158، مختصر البعلي ص 164، مختصر الطوفي ص 175، فواتح الرحموت 2/374، تيسير التحرير 4/193، إرشاد الفحول ص 256، المدخل إلى مذهب أحمد ص 186، نهاية السول 3/240". 4 قال بمنع اجتهاد من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم أبو الخطاب وأبو علي الجبائي وأبو هاشم وبعض الشافعية. انظر: المسودة ص 511، الروضة ص 354، العضد على ابن الحاجب =

وَقِيلَ: إنْ وَرَدَ الإِذْنُ بِذَلِكَ مِنْ الشَّارِعِ جَازَ وَإِلاَّ فَلا. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْغَائِبِينَ عَنْهُ دُونَ الْحَاضِرِينَ، لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الْوُقُوفِ عَلَى النَّصِّ1. وَقَدْ حَكَى الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: الإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الاجْتِهَادِ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَائِبِ عَنْهُ. وَاسْتَدَلَّ لِلْجَوَازِ وَالْوُقُوعِ بِنُزُولِ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

_ = 2/293، التمهيد ص 158، المحلي على جمع الجوامع 2/387، الإحكام للآمدي 4/175، 177، المستصفى 2/354، المحصول2/ 3/26، 27، اللمع ص 75، التبصرة ص 519، نهاية السول 3/240، البرهان 2/1356، المعتمد 2/765، تيسير التحرير 4/193، فواتح الرحموت 2/374، مختصر البعلي ص 164، مختصر الطوفي ص 175، إرشاد الفحول ص 256. 1 أيد هذا القول الغزالي في "المنخول ص 468" والجويني، وهناك قول رابع ذكره الرازي بقوله: "وتوقف فيه الأكثرون"، وهناك قول خامس بعد اشتراط الإذن، ويكفي السكوت من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد علمه بوقوعه، ولك قول دليله. انظر: المسودة ص 511، الروضة ص 354، ابن الحاجب والعضد عليه 2/293، التمهيد ص 158، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/387، الإحكام للآمدي 4/175، مختصر الطوفي ص 175، المستصفى 2/354، المحصول 2/3/26، التبصرة ص 519، نهاية السول 3/240، البرهان 2/1356، المعتمد 2/765، تيسير التحرير 4/193، فواتح الرحموت 2/374، إرشاد الفحول ص 256.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ1، فَجَاءَ2 فَقَالَ: "نَزَلَ هَؤُلاءِ عَلَى حُكْمِك قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ بِقَتْلِ مُقَاتِلَتِهِمْ3 وَسَبْيِ4 ذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ: قَضَيْتَ فِيهِمْ5 بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ6. وَجَاءَهُ7 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلانِ فَقَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ8: "اقْضِ بَيْنَهُمَا" فَقَالَ: وَأَنْتَ هُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:

_ 1 في ش: للغائب عنه فجاء إليه. 2 ساقطة من ش 3 في ب ز: مقاتلهم. 4 في ب: وبسبي. 5 ساقطة من ض ب ز. 6 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأحمد والطبراني عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً، وذكرته كتب التفسير عند قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ ... } الآية الأحزاب/26. انظر: صحيح البخاري مع حاشية السندي 3/23، صحيح مسلم بشرح النووي 12/93، مجمع الزوائد 6/137، تفسير الطبري 21/152، تفسير ابن كثير 3/478، تفسير القرطبي 14/139، فتح القدير 4/274. 7 في ب: وجاء. 8 هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم، القرشي السهمي، الصحابي أبو عبد الله، وقيل أبو محمد، أسلم عام خيبر سنة سبع للهجرة مع خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات السلاسل، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على عُمان، ثم أرسله أبو بكر أميراً على الشام، فشهد فتوحها، وولي فلسطين لعمر بن الخطاب، ثم أرسله عمر في جيش إلى مصر ففتحها، ولم يزل والياً عليها، وأقره عثمان ثم عزله واستعمله معاوية على مصر، فبقي عليها حتى توفي، ودفن بها سنة 43هـ، وقيل غير ذلك، وكان من أبطال العرب ودهاتهم، وروى له عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله مناقب كثيرة انظر ترجمته في "الإصابة 5/2، أسد الغابة 4/244، تهذيب الأسماء 2/30، مشاهير علماء الأمصار ص 55، الخلاصة 2/288، حسن المحاضرة 1/244، 578".

"نَعَمْ" 1 وَعَنْ عُقْبَةَ2 بْنِ عَامِرٍ3 مَرْفُوعًا بِمِثْلِهِ4 رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ5 وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ [فَرَجِ 6] بْنِ فَضَالَةَ، وَضَعَّفَهُ الأَكْثَرُ7.

_ 1 هذا الحديث رواه الحاكم عن عبد الله بن عمرو أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لعمرو: "اقضِ بينهما، فقال: أقضي بينهما وأنت حاضر يا رسول الله؟ قال نعم على أنك إن أصبت فلك عشرة أجور، وإن اجتهدت فأخطأت فلك أجر" ورواه أحمد والدارقطني كذلك. انظر: المستدرك 4/88، مسند أحمد 4/205، سنن الدارقطني 4/203، مجمع الزوائد 4/195. 2 في ب: عفينة. 3 ساقطة من ض ب. 4 رواه الإمام أحمد والدارقطني وغيرهما. انظر: مسند أحمد 4/205، تخريج أحاديث البزدوي ص 279، ميزان الاعتدال 3/354، مجمع الزوائد 4/195، التلخيص الحبير 4/180. 5 سنن الدارقطني 4/203. 6 اللفظة من سنن الدارقطني، وفي جميع النسخ: نوح، وهو تصحيف. 7 هو فَرَج بن فضالة بن النعمان القضاعي، التنوخي، أبو فضالة الشامي الحمصي، كان على بيت مال بغداد، وتوفي بها سنة 176هـ في خلافة هارون الرشيد. وثقة أحمد في الشاميين، وضعفه النسائي والدارقطني، وقال أبو حاتم: صدوق لا يحتج به، وقال ابن معين: صالح الحديث، وقال ابن سعد: كان ضعيفاً، وأخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجه. انظر ترجمته في "الخلاصة 2/333، ميزان الاعتدال 3/343، المغني في الضعفاء ص 509، طبقات ابن سعد 4/469، الوزراء والكتاب ص 112".

وَلأَحْمَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ1 أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ قَوْمٍ2. وَلأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ بَعَثَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَاضِيًا3. "وَمَنْ جَهِلَ وُجُودَهُ تَعَالَى" جَلَّ وَعَزَّ "أَوْ عَلِمَهُ، وَفَعَلَ" مَا لا يَصْدُرُ إلاَّ مِنْ كَافِرٍ "أَوْ قَالَ مَا لا يَصْدُرُ إلاَّ مِنْ كَافِرٍ إجْمَاعًا فَـ" ـهُوَ

_ 1 هو معقل بن يسار بن مُعَبَّر بن حُراق، أبو عبد الله، ويقال: أبو يسار وأبو علي، المزني البصري، الصحابي المشهور، شهد بيعة العقبة الرضوان، وقال –كما روى مسلم-: "لقد رأيتني يوم الشجرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشر مائة، ولم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على أن لا نفر"، ثم نزل بالبصرة، وله الخطة المعروفة به، وإليه ينسب نهر معقل بها، روى عدة أحاديث في الكتب الستة، توفي بالبصرة في آخر خلافة معاوية. انظر ترجمته في "الإصابة 6/126، أسد الغابة 5/232، تهذيب الأسماء 2/106، الخلاصة 3/45، مشاهير علماء الأمصار ص 38". 2 قال معقل بن يسار رضي الله عنه: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقضي بين قوم، فقلتُ: ما أحسنُ ما أقضيَ يا رسول الله؟ قال: " اللهُ مع القاضي ما لم يَحِف عمْداً". انظر مسند أحمد 5/26. 3 رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم عن علي رضي الله عنه وأوله: "في سنن أبي داود": "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً". انظر: سنن أبي داود 2/270، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/561، سنن ابن ماجه 2/774، مسند أحمد 1/149، تخريج أحاديث البزدوي ص 155، المستدرك 4/88.

"كَافِرٌ" وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا بِالإِسْلامِ1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: تَبَعًا لِ " مُسْوَدَّةِ " بَنِي تَيْمِيَّةَ: مَنْ جَهِلَ وُجُودَ الرَّبِّ، أَوْ عَلِمَهُ وَفَعَلَ أَوْ قَالَ مَا أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ أَنَّهُ لا يَصْدُرُ إلاَّ مِنْ كَافِرٍ2 فَكَافِرٌ. انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي آخِرِ " الشِّفَاءِ ": وَكَذَا يَكْفُرُ3 بِكُلِّ فِعْلٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لا يَصْدُرُ إلاَّ مِنْ كَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُصَرِّحًا بِالإِسْلامِ، مَعَ فِعْلِهِ ذَلِكَ الْفِعْلَ، كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوْ4 لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالصَّلِيبِ وَالنَّارِ وَالسَّعْيِ إلَى الْكَنَائِسِ، وَالْبِيَعِ مَعَ أَهْلِهَا، [وَالتَّزَيِّي] 5 بِزِيِّهِمْ مِنْ شَدِّ6 الزُّنَّارِ وَنَحْوِهِ7 - فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ هَذَا لا يُوجَدُ إلاَّ مِنْ كَافِرٍ وَأَنَّ هَذِهِ الأَفْعَالَ عَلامَةٌ عَلَى8 الْكُفْرِ، وَإِنْ صَرَّحَ فَاعِلُهَا بِالإِسْلامِ9. انْتَهَى.

_ 1 انظر تيسير التحرير 4/195 وما بعدها، 212، فواتح الرحموت 2/377، 387، إرشاد الفحول ص 260، رسائل ابن عابدين 1/316. 2 ساقطة من ض. 3 في الشفاء: نكفر. 4 في الشفاء: و. 5 اللفظة من الشفاء. 6 في ب: مثل. 7 في الشفاء: الزنانير وفحص الرؤوس، أي حلق أوساطها وتركها كمفاحص القطا. 8 في ض: لـ. 9 الشفاء 2/611.

"وَلا يُكَفِّرُ مُبْتَدِعٌ غَيْرَهُ" أَيْ غَيْرَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالْمُوَفَّقُ، وِفَاقًا لِلأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَكَمُقَلِّدٍ فِي الأَصَحِّ فِيهِ عِنْدَ أَحْمَدَ 1وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ2، وَهَلْ يَفْسُقُ أَمْ3 لا؟. وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الدَّاعِيَةِ وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ: أَنَّهُ يَكْفُرُ وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "إلاَّ الدَّاعِيَةَ فِي رِوَايَةٍ" وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لا يَكْفُرُ الدَّاعِيَةُ وَلا غَيْرُهُ وَعَنْهُ يَكْفُرَانِ. "وَيَفْسُقُ مُقَلِّدٌ" فِي الْبِدَعِ "لا مُجْتَهِدٌ" فِيهَا، وَيَكُونُ فِسْقُ الْمُقَلِّدِ "بِمَا كَفَرَ بِهِ الدَّاعِيَةُ". قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ كَفَّرْنَا4 فِيهَا5 الدَّاعِيَةَ، فَإِنَّا6 نُفَسِّقُ الْمُقَلِّدَ فِيهَا. قَالَ الْمَجْدُ: الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ لا تُوجِبُ الْكُفْرَ: لا يَفْسُقُ الْمُقَلِّدُ فِيهَا لِخِفَّتِهَا.

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر: تيسير التحرير 4/218، فواتح الرحموت 2/387. 3 في ض ب ز: أو. 4 في ب: كفرناها. 5 ساقطة من ب. 6 في ض: فإنها.

"وَلا يَفْسُقُ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ كَفَّرْنَاهُ" قَالَهُ الْمَجْدُ. "وَ" الْمُجْتَهِدُ "الْمُصِيبُ فِي" الأُمُورِ "الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ" إجْمَاعًا؛ لأَنَّهُ لا سَبِيلَ إلَى أَنَّ كُلاًّ1 مِنْ النَّقِيضَيْنِ أَوْ الضِّدَّيْنِ حَقٌّ، بَلْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، وَالآخَرُ بَاطِلٌ، وَمَنْ لا يُصَادِفُ ذَلِكَ الْوَاحِدَ فِي الْوَاقِعِ: فَهُوَ ضَالٌّ آثِمٌ، وَإِنْ بَالَغَ فِي النَّظَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَدْرَكٌ ذَلِكَ عَقْلِيًّا2 مَحْضًا. كَحُدُوثِ3 الْعَالَمِ أَوْ4 وُجُودِ الصَّانِعِ أَوْ شَرْعِيًّا مُسْتَنِدًا إلَى ثُبُوتِ أَمْرٍ عَقْلِيٍّ، كَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ5. "وَنَافِي الإِسْلام مُخْطِئٌ آثِمٌ كَافِرٌ مُطْلَقًا" يَعْنِي سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ اجْتِهَادًا أَوْ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ عِنْدَ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ، وَقَدْ ذُكِرَتْ هُنَا

_ 1 في ش: كل. 2 في ض: عقلاً. 3 في ز: كحدث. 4 في ض ز: و. 5 انظر: المسودة ص 495، الروضة ص 395، مختصر ابن الحاجب 2/293، التمهيد ص 163، جمع الجوامع 2/388، الإحكام للآمدي 4/178، المستصفى 2/354، المحصول 2/3/41، اللمع ص 73، شرح تنقيح الفصول ص 438، 439، التبصرة ص 496، المنخول ص 451، نهاية السول 3/249، البرهان 2/1316، المعتمد 2/988، تيسير التحرير 4/195، فواتح الرحموت 2/376، إرشاد الفحول ص 259، مختصر البعلي ص 164، مختصر الطوفي ص 176، المدخل إلى مذهب أحمد ص 186، الوسيط ص 533، الملك والنحل 1/201، الشفاء 2/601.

أَقْوَالٌ تَنْفِرُ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَتَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ أَضْرَبْنَا عَنْهَا1. "وَالْمَسْأَلَةُ الظَّنِّيَّةُ، الْحَقُّ فِيهَا: وَاحِدٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَلَيْهِ دَلِيلٌ وَعَلَى الْمُجْتَهِدِ طَلَبُهُ، حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ وَصَلَهُ، فَمَنْ أَصَابَهُ فَمُصِيبٌ، وَإِلاَّ فَمُخْطِئٌ مُثَابٌ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ. وَقَالَهُ الأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالْمُحَاسِبِيُّ وَابْنُ كُلاَّبٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ مُعْظَمِ الْفُقَهَاءِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ الأَشْعَرِيِّ نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ مُفْلِحٍ2.

_ 1 انظر تفصيل ذلك في "الشفاء 2/473 وما بعدها، 601، الملل والنحل 1/203، مختصر البعلي ص 164، كشف الأسرار 4/17، الروضة ص 362، المنخول ص 451، المسودة ص 446، 457، 495، 503، جمع الجوامع 2/388، إرشاد الفحول ص 259، مختصر ابن الحاجب 2/293، الإحكام للآمدي 4/178، المستصفى 2/354، 357، المحصول 2/3/42، اللمع ص 73، شرح تنقيح الفصول ص 439، فتح الغفار 3/31، فواتح الرحموت 2/376". 2 قال جمهور العلماء: المصيب في الفروع والظنيات واحد، وهو قول مالك وأبي حنيفة في قول والشافعية والحنابلة، وهو قول الأشعري والباقلاني والغزالي والمعتزلة، وقال الحنفية في القول الآخر: كل مجتهد مصيب، وهناك أقوال أخرى، ولكل قول دليله، وتسمى هذه المسألة: مسألة تصويب المجتهد، وذكرها العلماء بتوسع وأدلة ومناقشة. انظر: مجموع الفتاوى 19/204، 20/19، المسودة ص 497، 501 وما بعدها، مختصر البعلي ص 165، مختصر الطوفي ص 176، الرسالة ص 489، 496 وما بعدها، نزهة الخاطر 2/414، 415، الروضة ص 360، 363، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/293، 194 وما بعدها، التمهيد ص 163، جمع الجوامع 2/389، الإحكام للآمدي 4/183 وما بعدها، =

قَالَ "وَثَوَابُهُ عَلَى قَصْدِهِ وَاجْتِهَادِهِ لا عَلَى الْخَطَإِ1" وَقَالَهُ2 ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَبَعْضُهُمْ عَلَى قَصْدِهِ3. وَفِي الْعُدَّةِ وَغَيْرِهَا: مُخْطِئٌ عِنْدَ اللَّهِ وَحُكْمًا4. "وَ" الْقَضِيَّةُ "الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي فِيهَا نَصٌّ قَاطِعٌ: الْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ بِالاتِّفَاقِ5" وَإِنْ دَقَّ مَسْلَكُ ذَلِكَ الْقَاطِعِ6.

_ = المستصفى 2/357، 363 وما بعدها، المحصول 2/3/47 وما بعدها، 88 وما بعدها، اللمع ص 73. شرح تنقيح الفصول ص 438، 439، التبصرة ص 496 وما بعدها، المنخول ص 453، نهاية السول 3/246، مناهج العقول 3/250 وما بعدها، البرهان 2/1319، المعتمد 2/949، 956، 964، التوضيح على التنقيح 3/64، 66، 68، فتح الغفار 3/35، كشف الأسرار 4/16، 18 25، تيسير التحرير 4/202، فواتح الرحموت 2/380، المدخل إلى مذهب أحمد ص 186. 1 ساقطة من ش. 2 في ش: وقال. 3 انظر: مختصر الطوفي ص 177، الإحكام لابن حزم 2/648، تيسير التحرير 4/202، شرح الورقات ص 281، 282، فواتح الرحموت 2/381. 4 انظر المسودة ص 498، 501. 5 في ض: باتفاق. 6 انظر: مجموع الفتاوى 19/205، الروضة ص 359، مختصر ابن الحاجب 2/294، جمع الجوامع 2/390، المستصفى 2/354، 375، مختصر الطوفي ص 176، 177، المدخل إلى مذهب أحمد ص 186، إرشاد الفحول ص 260، الوسيط ص 536.

"وَلا يَأْثَمُ مُجْتَهِدٌ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ اجْتِهَادِيٍّ، وَيُثَابُ" عِنْدَ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَخَالَفَ الظَّاهِرِيَّةُ وَجَمْعٌ1. وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ وَتَكَرَّرَ وَشَاعَ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلا تَأْثِيمٍ، مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَوْ خَالَفَ أَحَدٌ فِي أَحَدِ أَرْكَانِ

_ 1 قال بعض المتكلمين وبشر المريسي وأبو بكر الأصم وابن عُليّة: إن المصيب واحد، والحق في جهة واحدة، والمخطئ آثم مطلقاً، سواء بذل جهده في الاجتهاد أم لا، وقالت الظاهرية: إن المصيب واحد، ولا إثم على المخطئ المعذور الذي بذل جهده، وقال عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة والجاحظ: لا يأثم المجتهد المخطئ سواء كان في أصول الدين والعقيدة أم في الفروع متى جد في طلبه، حتى ولو وصل إلى ما يخالف الإسلام، وقيل إن العنبري رجع عن هذا الرأي. انظر هذه الآراء مع أدلتها ومناقشتها في "مجموع الفتاوى 19/124، 203 وما بعدها، 206، القواعد النورانية ص 128، المسودة ص 495، 497، 503، الروضة ص 362، 368 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب 2/294 وما بعدها، التمهيد للأسنوي ص 164، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/388، 389، الإحكام للآمدي 4/178، 182، 183، المستصفى 2/354، 360 وما بعدها، المحصول 2/3/41، 46، 50 وما بعدها، الاعتصام 1/167، اللمع ص 73، شرح تنقيح الفصول ص 438 وما بعدها، التبصرة ص 496، المنخول ص 454، الإحكام لابن حزم 2/647، 658، 1159، البرهان 2/1316، 1320، المعتمد 2/949، 988، كشف الأسرار 4/17، تيسير التحرير 4/197 وما بعدها، فواتح 2/377، إرشاد الفحول ص 259، 261، الفقيه والمتفقه 2/60 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 177، 178، 184".

الإِسْلامِ الْخَمْسِ لأَنْكَرُوا1 كَمَانِعِي2 الزَّكَاةِ وَالْخَوَارِجِ. "وَلا" يَأْثَمُ أَيْضًا "مَنْ بَذَلَ وُسْعَهُ، وَ3لَوْ خَالَفَ" دَلِيلاً "قَاطِعًا وَإِلاَّ أَثِمَ لِتَقْصِيرِهِ". أَمَّا عَدَمُ إثْمِهِ إذَا بَذَلَ وُسْعَهُ: فَلأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا، وَقَدْ أَتَى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْذُلْ وُسْعَهُ: فَإِنَّهُ يَأْثَمُ؛ لِكَوْنِهِ قَصَّرَ فِي بَذْلِ الْوُسْعِ4. وَلِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ "فِي وَقْتَيْنِ لا" فِي وَقْتٍ "وَاحِدٍ قَوْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ". أَمَّا كَوْنُ الْمُجْتَهِدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَوْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ: فَلأَنَّ اعْتِقَادَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ مُحَالٌ، وَلأَنَّهُ لا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَا5 فَاسِدَيْنِ وَعُلِمَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ بِهِمَا

_ 1 في ض ب: أنكروا. 2 في ض: كمانع. 3 ساقطة من ب. 4 انظر: المسودة 498، 501، 360، الروضة ص 375 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/394، 395 وما بعدها، جمع الجوامع 2/390، 391، الإحكام للآمدي 4/184، المستصفى 2/364، المحصول 2/3/51، التلويح على التوضيح 3/69، تيسير التحرير 4/232، المدخل إلى مذهب أحمد ص 187. 5 في ب: يكون.

حَرَامٌ فَلا قَوْلَ أَصْلاً، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فَاسِدًا، فَكَذَلِكَ فَلا وُجُودَ لِلْقَوْلَيْنِ، أَوْ يَكُونَا صَحِيحَيْنِ فَإِذًا الْقَوْلُ بِهِمَا مُحَالٌ، لاسْتِلْزَامِهِمَا التَّضَادَّ1 الْكُلِّيَّ و2َالْجُزْئِيَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْفَاسِدَ مِنْهُمَا: فَلَيْسَ عَالِمًا بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ فَلا قَوْلَ لَهُ3 فِيهَا فَيَلْزَمُهُ التَّوَقُّفُ أَوْ التَّخْيِيرُ، وَهُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ لا قَوْلانِ4. وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ: لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ إلاَّ فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا: سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ شَأْنِهِ. وَفَائِدَةُ ذِكْرِ5 الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ: التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا سِوَاهُمَا لا يُؤْخَذُ بِهِ، وَأَنَّ الْجَوَابَ مُنْحَصِرٌ فِيمَا ذُكِرَ فَيُطْلَبُ التَّرْجِيحُ فِيهِ6.

_ 1 في ش: الجزئي والكلي، وفي ز: كالكلي والجزئي 2 في ب ز: أو. 3 في ض: فليس له قول. 4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد 2/299، الإحكام للآمدي 4/201، فتح الغفار 3/37، نهاية السول 3/184، المعتمد 2/860، شرح تنقيح الفصول ص 419، رسائل ابن عابدين 1/23، تيسير التحرير 4/232، المعتمد 2/860، مختصر البعلي ص 165، مختصر الطوفي 179، المدخل إلى مذهب أحمد ص 187، فتح الغفار 3/37، القواعد النورانية ص 127، 129. 5 في ض: ذلك. 6انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/359، المحصول 2/3/523 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/201 وما بعدها، اللمع ص 74، 75، التبصرة ص 511 =

قَالَ الطُّوفِيُّ: وَأَحْسَنُ مَا يُعْتَذَرُ بِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الدَّلِيلانِ فَقَالَ بِمُقْتَضَاهُمَا عَلَى شَرِيطَةِ التَّرْجِيحِ1 انْتَهَى. وَأَمَّا كَوْنُ الْمُجْتَهِدِ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ فِي وَقْتَيْنِ: فَلأَنَّ اعْتِقَادَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتَيْنِ لَيْسَ بِمُحَالٍ. ثُمَّ لا يَخْلُو: إمَّا2 أَنْ يُعْلَمَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا، أَوْ لا "فَإِنْ عُلِمَ أَسْبَقُهُمَا" أَيْ أَسْبَقُ الْقَوْلَيْنِ "فَالثَّانِي مَذْهَبُهُ" أَيْ مَذْهَبُ3 الْمُجْتَهِدِ الْقَائِلِ بِالْقَوْلَيْنِ "وَهُوَ نَاسِخٌ" لِقَوْلِهِ الأَوَّلِ عِنْدَ الأَكْثَرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الرُّجُوعِ عَنْهُ4.

_ = وما بعدها، نهاية السول 3/185، البرهان 2/1363، تيسير التحرير 4/233، فواتح الرحموت 2/395، الوسيط ص 553، المعتمد 2/861، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/299، 300، الروضة ص 376، مختصر البعلي ص 165، مختصر الطوفي ص 179، المدخل إلى مذهب أحمد ص 187. 1 مختصر الطوفي ص 180. 2 ساقطة من ض ب ز. 3 ساقطة من ش. 4 انظر المسودة ص 526، 527، الروضة ص 376، 380، مختصر البعلي ص 165، مختصر الطوفي ص 182، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/299، الإحكام للآمدي 4/201، اللمع ص 75، التبصرة ص 514، فتح الغفار 3/37، تيسير التحرير 4/232، نهاية السول 3/185 وما بعدها، المحصول 2/3/522، الفروع 1/64، صفة الفتوى ص 33، 39، المدخل إلى مذهب أحمد ص 187، 190، إرشاد الفحول ص 263.

قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إذَا رَأَيْتُ مَا هُوَ أَقْوَى أَخَذْتُ بِهِ، وَتَرَكْتُ الْقَوْلَ الأَوَّلَ1. وَقِيلَ: يَكُونُ الأَوَّلُ مَذْهَبَهُ أَيْضًا مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الأَوَّلِ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ، كَمَنْ صَلَّى صَلاتَيْنِ بِاجْتِهَادَيْنِ إلَى جِهَتَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَخْطَأَ؛ وَلأَنَّ الاجْتِهَادَ لا يُنْقَضُ بِالاجْتِهَادِ2. "وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الأَسْبَقُ مِنْهُمَا "فَمَذْهَبُهُ" أَيْ فَمَذْهَبُ3 ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ "أَقْرَبُهُمَا" أَيْ أَقْرَبُ الْقَوْلَيْنِ "مِنْ الأَدِلَّةِ، أَوْ" مِنْ "قَوَاعِدِهِ" أَيْ قَوَاعِدِ مَذْهَبِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ4. قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ وَغَيْرِهِ5. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرُهُ: يُجْتَهَدُ فِي الأَشْبَهِ بِأُصُولِهِ، الأَقْوَى فِي الْحُجَّةِ: فَيَجْعَلَهُ مَذْهَبَهُ.

_ 1 في ش: الآخر. 2 انظر: المسودة ص 527ن الروضة ص 380 وما بعدها، مختصر البعلي ص 165، مختصر الطوفي ص 182، الفروع وتصحيحه 1/64، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190. 3 في ض ب ز: مذهب. 4 انظر: المسودة ص 526، 528، الروضة ص 380، التبصرة ص 514، تيسير التحرير 4/232، روضة الطالبين 11/111، مختصر البعلي ص 165، مختصر الطوفي ص 182، المدخل إلى مذهب أحمد ص 187، 190. 5 الفروع لابن مفلح 1/65، صفة الفتوى ص 40، 87، 89، الروضة ص 380.

"وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وَنَحْوِهِ" مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى الإِطْلاقِ الَّذِينَ لَمْ يُؤَلِّفُوا كُتُبًا مُسْتَقِلَّةً فِي الْفِقْهِ - كَاللَّيْثِ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَنَحْوِهِمْ - فَإِنَّمَا1 أَخَذَ أَصْحَابُهُ مَذْهَبَهُ مِنْ بَعْضِ تَآلِيفِهِ غَيْرِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِالْفِقْهِ، وَمِنْ أَقْوَالِهِ فِي فَتَاوِيهِ، وَغَيْرِهَا. وَ2مِنْ أَفْعَالِهِ "مَا قَالَهُ" صَرِيحًا فِي الْحُكْمِ بِلَفْظٍ لا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، أَوْ بِلَفْظٍ ظَاهِرٍ فِي الْحُكْمِ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ "أَوْ جَرَى مَجْرَاهُ" أَيْ جَرَى3 مَجْرَى مَا قَالَهُ "مِنْ تَنْبِيهٍ وَغَيْرِهِ" كَقَوْلِهِمْ: أَوْمَأَ إلَيْهِ، أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ، أَوْ دَلَّ كَلامُهُ عَلَيْهِ4، أَوْ تَوَقَّفَ فِيهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ قَسَّمَ أَصْحَابُهُ دَلالَةَ أَلْفَاظِهِ إلَى أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ5 "وَكَذَا فِعْلُهُ" يَعْنِي أَنَّهُ6 إذَا فَعَلَ فِعْلاً قُلْنَا: مَذْهَبُهُ جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ، وَإِلاَّ لَمَا كَانَ الإِمَامُ7 فَعَلَهُ8.

_ 1 في ض ب: وإنما. 2 ساقطة من ب. 3 ساقطة من ض. 4 في ض: لكلامه. 5 انظر: مجموع الفتاوى 19/152، 20/217، مختصر البعلي ص 166، مختصر الطوفي ص 181، المسودة ص 524، 529 وما بعدها، 532، 533، نزهة الخاطر 2/364، التبصرة ص 515 وما بعدها، صفة الفتوى ص 85، 113. 6 ساقطة من ض. 7 ساقطة من ش ز. 8 اختلف العلماء في أخذ مذهب الإمام من فعله على قولين، فمنهم من أجازه وهو الراجح، ومنهم من منعه. انظر: مجموع الفتاوى 19/152 وما بعدها، صفة الفتوى ص 103.

"وَ" كَذَا "مَفْهُومُ كَلامِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِكَلامِهِ مَفْهُومٌ، فَإِنَّا نَحْكُمُ عَلَى ذَلِكَ الْمَفْهُومِ بِمَا يُخَالِفُ الْمَنْطُوقَ، إنْ كَانَ مَفْهُومَ مُخَالَفَةٍ، أَوْ بِمَا يُوَافِقُهُ، إنْ كَانَ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ. وَفِي1 فِعْلِهِ. وَ2مَفْهُومُ كَلامِهِ وَجْهَانِ لِلأَصْحَابِ3 أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلاًّ مِنْ فِعْلِهِ وَمَفْهُومِ كَلامِهِ: مَذْهَبٌ لَهُ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ فِي تَهْذِيبِ الأَجْوِبَةِ: عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ: إنَّ فِعْلَهُ مَذْهَبٌ لَهُ وَقَدَّمَهُ، وَرَدَّ4 غَيْرُهُ. وَقَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: اخْتَارَ الْخِرَقِيُّ5 وَابْنُ حَامِدٍ

_ 1 في ش: وقد. 2 في ش: وفي. 3 ساقطة من ب. 4 في ش: وردَّه. 5 هو عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد، أبو القاسم الخرقي، أخذ العلم عن أصحاب الإمام أحمد، كان عالماً بارعاً في مذهب الإمام أحمد، وأحد أئمة المذهب، وكان ذا ورع ودين، كثيرة العبادة والفضائل، وله مصنفات كثيرة، وتخريجات على المذهب لم ينتشر منها إلا "المختصر في الفقه" الذي شرحه الموفق ابن قدامة في "المغني"، كان الخرقي في بغداد فخرج منها، وتوفي بدمشق سنة 334هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/75، المنهج الأحمد 2/51، المنتظم 6/346، شذرات الذهب 2/336، البداية والنهاية 11/214، وفيات الأعيان 3/115، طبقات الفقهاء ص 172، المدخل إلى مذهب أحمد ص 209".

وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: أَنَّ مَفْهُومَ كَلامِهِ مَذْهَبُهُ وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ1: أَنَّهُ لا يَكُونُ مَذْهَبًا لَهُ2. انْتَهَى3. وَإِذَا صَحَّ كَوْنُ مَفْهُومِ كَلامِهِ مَذْهَبًا لَهُ "فَلَوْ قَالَ فِي مَسْأَلَةٍ بِخِلافِهِ" أَيْ بِخِلافِ مَفْهُومِ كَلامِهِ "بَطَلَ" كَوْنُ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ الَّذِي صَرَّحَ بِخِلافِهِ مَذْهَبًا لَهُ4. "فَإِنْ5 عَلَّلَهُ6" أَيْ عَلَّلَ مَا ذُكِرَ مِنْ حُكْمٍ "بِعِلَّةٍ؛ فَقَوْلُهُ" هُوَ7 "مَا وُجِدَتْ فِيهِ" تِلْكَ الْعِلَّةُ "وَلَوْ قُلْنَا: بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ" عَلَى الأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: سَوَاءٌ قُلْنَا: بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ أَوْ لا. وَقَطَعَ بِذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ8 وَمُخْتَصَرِ الطُّوفِيِّ9 وَغَيْرِهِمَا؛ إذْ الْحُكْمُ

_ 1 هو عبد العزيز بن جعفر بن أحمد، أبو بكر غلام الخلال، كما نص عليه ابن حمدان يف "صفة الفتوى ص 103، وهو المقصود في المذهب إذا أطلق، وسبقت ترجمته "1/192". 2 ساقطة من ض. 3 صفة الفتوى ص 102 مع التصرف، وانظر: المسودة ص 532. 4 انظر: المسودة ص 532، صفة الفتوى ص 103. 5 في ش: فلو. 6 في ش: علل. 7 ساقطة من ض ب ز. 8 الروضة ص 379، وانظر: الفروع 1/70، المسودة ص 525. 9 مختصر الطوفي ص 181.

يَتْبَعُ الْعِلَّةَ1. وَقِيلَ: لا يَكُونُ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ2. "وَكَذَا الْمَقِيسُ عَلَى كَلامِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ مَذْهَبُهُ عَلَى الأَصَحِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَذْهَبُهُ فِي الأَشْهَرِ3 وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا4، وَهُوَ مَذْهَبُ الأَثْرَمِ وَالْخِرَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ5 فِي تَهْذِيبِ الأَجْوِبَةِ. وَقِيلَ: لا يَكُونُ مَذْهَبَهُ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ6. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَالأَجْوَدُ أَنْ يُفَصَّلَ فَمَا كَانَ مِنْ جَوَابٍ لَهُ مِنْ7 أَصْلٍ 8يَحْتَوِي عَلَى9 مَسَائِلَ خَرَجَ جَوَابُهُ عَلَى بَعْضِهَا، فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ بَقِيَّةُ مَسَائِلِ ذَلِكَ الأَصْلِ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ10.

_ 1 انظر: المسودة ص 525، المدخل إلى مذهب أحمد ص 189. 2 انظر: المسودة ص 525. 3 الفروع 1/65، وانظر: صفة الفتوى ص 88. 4 في ب ز: وغيرهم. 5 في ش: أبو حامد، وفي ض: ابن حمدان. 6 وقال بهذا الشيرازي الشافعي في "اللمع ص 75"، وانظر: تصحيح الفروع 1/66. 7 في ض ب ز: في. 8 ساقطة من ض. 9 ساقطة من ب ز. 10 انظر: المسودة ص 532، اللمع ص 75.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا1 "فَلَوْ أَفْتَى فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فِي وَقْتٍ لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ" أَيْ نَقْلُ الْحُكْمِ "مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا" أَيْ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ "إلَى الأُخْرَى عَلَى الأَصَحِّ" كَقَوْلِ الشَّارِعِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمَجْدُ2 وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ3، كَمَا لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، أَوْ مَنَعَ النَّقْلَ وَالتَّخْرِيجَ4. قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَآدَابِ5 الْمُفْتِي: أَوْ قَرُبَ6 الزَّمَنُ بِحَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ ذَاكِرٌ حُكْمَ7 الأَدِلَّةِ حِينَ أَفْتَى بِالثَّانِيَةِ8.

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر: المسودة ص 525، 532، 533، 534. 3 انظر: الروضة ص 380. 4 قال ابن بدران: "النقل يكون من نص الإمام بأن ينقل عن محلٍ إلى غيره بالجامع المشترك، والتخريج يكون من قواعده الكلية، فهو أعم من النقل ... ، وأما النقل والتخريج معاً فهو مختص بنصوص الإمام" "المدخل إلى مذهب أحمد ص 190". وانظر: صفة الفتوى ص 20 وما بعدها، القواعد النورانية ص 258 نزهة الخاطر 2/445، اللمع ص 75، التبصرة ص 517، المعتمد 2/866. 5 في ض: أدب. 6 في ش: أقرب. 7 في ش: حكماً. 8 قال ابن بدران: "والأولى جواز ذلك بعد الجد والبحث فيه من أهله، إذ خفاء الفرق مع ذلك، وإن دق، ممتنع، وقد وقع النقل والتخريج في مذهبنا" وذكر أمثلة عن "المحرر" "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 189".

"وَلَوْ نَصَّ" الإِمَامُ "عَلَى حُكْمِ مَسْأَلَةٍ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ بِكَذَا، أَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَيْهِ". لَكَانَ1 مَذْهَبًا لَهُ2: "لَمْ يَكُنْ" ذَلِكَ "مَذْهَبًا لَهُ" أَيْ لِلإِمَامِ كَمَا لَوْ قَالَ: وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى كَذَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَمَنْ بَعْدَهُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَآدَابِ الْمُفْتِي وَغَيْرِهِمْ3. "وَالْوَقْفُ مَذْهَبٌ" يَعْنِي أَنَّ الإِمَامَ إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَتَوَقَّفَ فِيهَا، فَيَكُونُ مَذْهَبُهُ فِيهَا الْوَقْفَ4، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ5.

_ = ونقل ابن مفلح وجهين في ذلك، ونقل النووي عن الشيرازي عدم جواز النقل أيضاً. انظر المسودة ص 525 وما بعدها، 527، 548، صفة الفتوى ص 21، 88، الروضة ص 380، الفروع 1/65، الإحكام للآمدي 4/202، روضة الطالبين 11/102، التبصرة ص 516 وما بعدها، نزهة الخاطر 2/443، مختصر الطوفي ص 181، اللمع ص 75، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/360. 1 في ش: كان. 2 ساقطة من ش ز. 3 انظر: صفة الفتوى ص 102، الفروع 1/70، المسودة ص 524، اللمع ص 75، التبصرة ص 518. 4 خالف في ذلك ابن حمدان وابن مفلح، فقال ابن حمدان: "فإن توقف في مسألة، جاز إلحاقها بما يشبهها، إن كان حكمه أرجح من غيره، وإن أشبهت مسألتين أو أكثر، أحكامها مختلفة بالخفة والثقل، فهل يلحق بالأخف، أو الأثقل، أو يخير المقلد بينهماِ؟ يحتمل أوجهاً، الأظهر عنه التخيير" "صفة الفتوى ص 102" وقال ابن مفلح مثل ذلك في الفروع 1/7". 5 ساقطة من ض ب ز.

فصل: لا ينقض حكم الحاكم في مسألة إجتهادية

فصل: لا ينقض حكم الحاكم في مسألة إجتهادية ... "فَصْلٌ" "لا يُنْقَضُ حُكْمُ" حَاكِمٍ "فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ؛ لِلتَّسَاوِي فِي الْحُكْمِ بِالظَّنِّ1. وَإِلاَّ2 نُقِضَ3 بِمُخَالَفَةِ قَاطِعٍ فِي مَذْهَبِ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ، إلاَّ مَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ: أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ4 وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ اتِّفَاقًا5؛ لأَنَّهُ عَمَلُ الصَّحَابَةِ، وَلِلتَّسَلْسُلِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ نَصْبِ الْحَاكِمِ؛ إذْ6 لَوْ جَازَ النَّقْضُ لَجَازَ نَقْضُ7 النَّقْضِ وَهَكَذَا، فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ8 حِينَئِذٍ بِالْحُكْمِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ فِي الْفُرُوعِ9:

_ 1 في ض: بالنطق. 2 في د ض: ولا. 3 في ض: نطق. 4 ساقطة من ز. 5 الإحكام للآمدي 4/203. 6 في ش: إذا. 7 في ش: نقض بعض. 8 في ش: الوقوف. 9 ساقطة من ب.

لا يُنْقَضُ الاجْتِهَادُ بِالاجْتِهَادِ1. "إلاَّ" الْحُكْمَ "بِقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ، وَ" إلاَّ الْحُكْمَ "بِجَعْلِ مَنْ2 وَجَدَ3 عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ" لِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ لِنَصِّ آحَادِ السُّنَّةِ4، وَسَيَأْتِي أَنَّ مَا خَالَفَ نَصَّ سُنَّةٍ وَلَوْ آحَادًا يُنْقَضُ.

_ 1 قال أبو بكر الأصم: ينقض، وقال الغزالي: "وهذه مسائل فقهية، أعني نقض الحكم في هذه الصور، وليست من الأصول في شيء" "المستصفى 2/384". وانظر: جمع الجوامع 2/391، المحصول 2/3/50، 91، شرح تنقيح الفصول ص 439 وما بعدها، الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام ص 20 وما بعدها، مختصر البعلي ص 166، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/300، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190، فواتح الرحموت 2/395، فتح الغفار 3/37، تيسير التحرير 2/234، تأسيس النظر وأصول الكرخي ص 154، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 85، الفروق للقرافي 2/103، روضة الطالبين 11/150، المغني 10/50، المحرر 2/210، أدب القضاء لابن أبي الدم ص 164، الوسيط ص 555، إرشاد الفحول ص 263. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: واحد. 4 قال الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد: لا يقتل المسلم بالكافر، وقال الحنفية يقتل به، لقوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} المائدة/45، واستدل الجمهور بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي والدارمي بألفاظ مختلفة عن عائشة وعلي وابن عباس مرفوعاً: "لا يقتل مسلم بكافر". ومر تخريجه في المجلد الأول ص 332، والمجلد الثالث ص 263، وانظر: المغني 8/273، الفروع 6/456 وأما من وجد عين ماله عند من حُجر عليه فقال الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد: إنه أحق بماله لما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد ومالك عن أبي هريرة رضي الله عنه =

"وَيُنْقَضُ" الْحُكْمُ وُجُوبًا "بِمُخَالَفَةِ نَصِّ الْكِتَابِ" أَيْ كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "أَوْ" نَصِّ "سُنَّةٍ1، وَلَوْ" كَانَتْ السُّنَّةُ "آحَادًا" خِلافًا لِقَوْلِ الْقَاضِي2 "أَوْ" مُخَالَفَةٍ لِ "إجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ لا ظَنِّيٍّ" فِي الأَصَحِّ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ3 وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمَا4. "وَلا" يُنْقَضُ بِمُخَالَفَةِ "قِيَاسٍ وَلَوْ جَلِيًّا" عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ

_ = أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره" وهذا لفظ مسلم، وفي رواية: "أيما امرئ أفلس" وقال أبو حنيفة: هو أسوة غرماء لأنه أسقط حقه من الإمساك، وأنه ساوى الغرماء في سبب الاستحقاق، فقال الإمام أحمد لو حكم حاكم بأنه أسوة غرماء جاز نقض حكمه. انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 2/39، صحيح مسلم بحاشية النووي 10/221، سنن أبي داود 2/256، سنن النسائي 7/274، الموطأ ص 420، سنن ابن ماجه 2/790، مسند أحمد 2/347، 410، المغني 4/307، الفروع 6/497. 1 في ض ز: السنة. 2 وهذا ما بينه الإمام الغزالي، فانظر "المستصفى 2/383". 3 الفروع 1/497. 4 في ض: وغيرها. وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/300، جمع الجوامع 2/391، الإحكام للآمدي 4/203، المستصفى 2/382، المحصول 2/3/91، شرح تنقيح الفصول ص 441، البرهان 2/1328، تيسير التحرير 2/234، فواتح الرحموت 2/395، أدب القضاء لابن أبي الدم ص 164، المغني 10/50، 51، روضة الطالبين 11/150، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190.

الْمَذْهَبِ، وَقَطَعَ بِهِ الأَكْثَرُ1. وَقِيلَ: يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ قِيَاسًا جَلِيًّا، وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَزَادَ مَالِكٌ2: يُنْقَضُ بِمُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ3. "وَلا يُعْتَبَرُ لِنَقْضِهِ طَلَبُ رَبِّ الْحَقِّ" عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ4. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي5، وَالشَّارِحُ6 وَابْنُ رَزِينٍ: لا يُنْقَضُ7 إلاَّ بِمُطَالَبَةِ صَاحِبِهِ8. "وَحُكْمُهُ" أَيْ حُكْمُ الْحَاكِمِ "بِخِلافِ اجْتِهَادِهِ9 بَاطِلٌ، وَلَوْ

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 4/203، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190. 2 ساقطة من ض. 3 صرح الغزالي وابن السبكي والآمدي والقرافي وغيرهم بنقض الحكم بمخالفته القياس الجلي. انظر: المستصفى 2/382، جمع الجوامع 2/391، شرح تنقيح الفصول ص 432، 442، أدب القضاء لابن أبي الدم ص 164، الإحكام للآمدي 4/203، غاية الوصول ص 149، الفروع 6/456، المغني 10/50، روضة الطالبين 11/150، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190. 4 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 190. 5 المغني 10/53. 6 انظر: الشرح الكبير 11/412. 7 في ض: ينقضه. 8 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 190، الشرح الكبير 11/412. 9 في ش: اجتهاد.

قَلَّدَ غَيْرَهُ" فِي الْحُكْمِ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ اتِّفَاقًا1. وَفِي إرْشَادِ ابْنِ أَبِي مُوسَى: لا؛ لِلْخِلافِ فِي الْمَدْلُولِ وَيَأْثَمُ2. "وَمَنْ قَضَى بِرَأْيٍ يُخَالِفُ3 رَأْيَهُ نَاسِيًا لَهُ: نَفَذَ وَلا إثْمَ" وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ4. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ عَنْهُ وَيَنْقُضُهُ، كَقَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ5.

_ 1 الإحكام للآمدي 4/203. وانظر: مختصر البعلي ص 166، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/300، جمع الجوامع 2/391، المستصفى 2/383، تيسير التحرير 4/234، غاية الوصول ص 149، فواتح الرحموت 2/395، شرح تنقيح الفصول ص 432، إرشاد الفحول ص 263، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190. 2 وقال الإمام أبو حنيفة: يجوز قضاء المجتهد على خلاف اجتهاده، وإن القول بعدم حل التقليد في إحدى روايتي أبي حنيفة لا يستلزم عدم النفاذ، وهو قول عند الحنابلة. انظر: تيسير التحرير 4/234، فواتح الرحموت 2/393، 395، مختصر البعلي ص 166، المدخل إلى مذهب أحمد ص 190، الفروع 6/475. 3 في ب: بخلاف. 4 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 190. 5 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 190.

وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ1 عَنْ أَحْمَدَ: إذَا أَخْطَأَ بِلا تَأْوِيلٍ فَلْيَرُدَّهُ، وَلْيَطْلُبْ2 صَاحِبَهُ فَيَقْضِي بِحَقٍّ3. "وَيَصِحُّ فِي قَوْلٍ: حُكْمُ مُقَلِّدٍ، وَيُنْقَضُ فِي قَوْلٍ: مَا خَالَفَ فِيهِ مَذْهَبَ إمَامِهِ"4. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَإِنْ حَكَمَ مُقَلِّدٌ بِخِلافِ مَذْهَبِ5 إمَامِهِ، فَإِنْ صَحَّ حُكْمُ الْمُقَلِّدِ انْبَنَى نَقْضُهُ6 عَلَى مَنْعِ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ. ذَكَرَهُ7 الآمِدِيُّ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَمَعْنَاهُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا،

_ 1 هو أحمد بن حميد، أبو طالب، المشكاتي، المتخصص بصحبة الإمام أحمد، وروى عنه مسائل كثيرة، وكان أحمد يكرمه ويعظمه، ذكره أبو بكر الخلال فقال: "صحب أحمد قديماً إلى أن مات ... ، وكان رجلاً صالحاً فقيراً صبوراً قنوعاً، توفي سنة 244هـ، والغالب أنه المقصود عند إطلاق: أبي طالب. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/39، المنهج الأحمد 1/110". وهناك عصمة بن أبي عصمة، أبو طالب العكبري، روى عن الإمام أحمد أشياء، وذكره أبو بكر الخلال وقال: كان صالحا، صحب أبا عبد الله قديما إلى أن مات، وروى عنه مسائل كثيرة جيادا، وأول مسائل سمعت بعد موت أبي عبد الله: مسائله، مات سنة 344هـ. انظر: ترجمته في "الطبقات الحنابلة 1/246، المنهج الأحمد 1/112". 2 في ش ض: ويطلب. 3 انظر: الفروع 6/457، المدخل إلى مذهب أحمد ص190. 4 وهذا ما نقله النووي عن ابن الصلاح. انظر: روضة الطالبين 11/107، المجموع 1/16. 5 في ض ب: رأي. 6 ساقطة من ض. 7 في ز: وذكره.

وَمُرَادُهُ ابْنُ حَمْدَانَ1. "وَفِي قَوْلٍ" لابْنِ حَمْدَانَ "مُخَالَفَةُ الْمُفْتِي نَصَّ إمَامِهِ: كَمُخَالَفَةِ نَصِّ2 الشَّارِعِ"3. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: عَمَلُهُ بِقَوْلِ الأَكْثَرِ أَوْلَى4. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّا إذَا مَنَعْنَا مَنْ قَلَّدَ إمَامًا أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ وَفَعَلَ، وَحَكَمَ بِقَوْلِهِ: فَيَنْبَغِي أَنْ لا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ؛ لأَنَّهُ فِي ظَنِّهِ أَنَّ إمَامَهُ أَرْجَحُ5. "وَمَنْ اجْتَهَدَ فَتَزَوَّجَ بِلا وَلِيٍّ6، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ: حَرُمَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ حَكَمَ7 بِهِ". اعْلَمْ أَنَّا إذَا قُلْنَا: يُنْقَضُ8 الاجْتِهَادُ، فَالنَّظَرُ فِيهِ حِينَئِذٍ فِي أَمْرَيْنِ:

_ 1 انظر: جمع الجوامع 2/391، المدخل إلى مذهب أحمد ص 191. 2 ساقطة من ش. 3 صفة الفتوى ص 31. وانظر: روضة الطالبين 11/107، مجموع الفتاوى 20/220، إعلام الموقعين 4/299، المنخول ص 481. 4 انظر: إعلام الموقعين 4/284، المدخل إلى مذهب أحمد ص 191، المسودة ص 538. 5 ساقطة من ش. 6 في ب: بالأولى. 7 ساقطة من ش. 8 في ض: بنقض.

أَحَدُهُمَا: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ، وَمِثَالُهُ مَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِي: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَلا يَحْرُمُ عَلَى مُقَلِّدٍ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِ إمَامِهِ". أَمَّا الأَوَّلُ: وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ. فَإِذَا أَدَّاهُ1 اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ وَجْهُ2 اجْتِهَادِهِ، كَمَا إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ بِلا وَلِيٍّ3، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، فَرَأَى أَنَّهُ بَاطِلٌ، فَالأَصَحُّ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ4، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ5 عَنْ الْغَزَالِيِّ، وَلَمْ يَنْقُلْ غَيْرَهُ6. وَقِيلَ: لا تَحْرِيمَ مُطْلَقًا7 حَكَاهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ8. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنْ حَكَمَ بِهِ لَمْ تَحْرُمْ. وَإِلاَّ حَرُمَتْ وَهُوَ

_ 1 في ش: أراد، وفي د: أدى. 2 ساقطة من ش ز. 3 في ب: بالأولى. 4 مختصر ابن الحاجب 2/300. 5 في ض: الرازي. 6 انظر: المستصفى 2/382، نهاية السول 3/255، تيسير التحرير 2/234. 7 ساقطة من ش. 8 انظر الفروع 6/491.

الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى1 وَالْمُوَفَّقُ2 وَابْنُ حَمْدَانَ3 وَالطُّوفِيُّ4 وَالآمِدِيُّ5 وَجَزَمَ بِهِ الْبَيْضَاوِيُّ6 وَالْهِنْدِيُّ. وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ؛ لأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْحَاكِمُ: رَافِعٌ لِلْخِلافِ، وَلِئَلاَّ7 يَلْزَمُ نَقْضُ الْحُكْمِ بِتَغَيُّرِ الاجْتِهَادِ8. وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ: فَكَمَا9 إذَا10 أَفْتَى مُجْتَهِدٌ عَامِّيًّا بِاجْتِهَادٍ11، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ: لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ عَلَى الأَصَحِّ،

_ 1 ساقطة من ض. 2 انظر: الروضة ص 381، المغني 10/52. 3 صفة الفتوى ص 30. 4 مختصر الطوفي ص 182. 5 الإحكام للآمدي 4/203. 6 منهاج الوصول بشرح نهاية السول 3/253. 7 في ش: فلا، وفي ز: لئلا. 8 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/300، جمع الجوامع 2/391، غاية الوصول ص 150، المستصفى 2/382، المحصول 2/3/91، شرح تنقيح الفصول ص 441، تسيسر التحرير 4/235، فواتح الرحموت 2/396، أدب القضاء لابن أبي الدّم ص 173، الفروق 3/103، روضة الطالبين 11/106، المدخل إلى مذهب أحمد ص 191. 9 ساقطة من ض ب ز. 10 في ض ب ز: فإذا. 11 في ب: باجتهاده

قَالَهُ1 أَبُو الْخَطَّابِ وَالْمُوَفَّقُ2 وَالطُّوفِيُّ3، وَظَاهِرُ4 كَلامِ ابْنِ مُفْلِحٍ؛ لأَنَّ5 عَمَلَهُ بِفَتْوَاهُ كَالْحُكْمِ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ إذَا اجْتَهَدَ وَحَكَمَ فِي وَاقِعَةٍ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَالْحُكْمُ بِالأَوَّلِ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَكَذَا إذَا أَفْتَاهُ أَوْ قَلَّدَهُ6. "وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ" الْعَامِّيُّ "بِفَتْوَاهُ" حَتَّى تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ مُفْتِيهِ "لَزِمَ الْمُفْتِيَ إعْلامُهُ" أَيْ إعْلامُ الْمُفْتِي الْعَامِّيَّ بِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ فِيمَا أَفْتَاهُ بِهِ7.

_ 1 في ض ز ب: وقاله. 2 ساقطة من ب. وانظر: الروضة ص 381، المغني 10/50. 3 مختصر الطوفي ص182 4 في ض: وهو ظاهر. 5 في د ز: إن. 6 وفي قول تحرم عليه كحكمه لنفسه، واختاره الآمدي والغلزالي والرازي والقرافي وابن حمدان والكمال بن الهمام وغيرهم، وعرض ابن القيم بحثاً موسعاً عن تغير الفتوى بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال في "إعلام الموقعين 3/5 وما بعدها، 100وما بعدها". وانظر: الإحكام للآمدي 4/203، المستصفى 2/382، المحصول 2/3/91، شرح تنقيح الفصول ص 441، صفة الفتوى ص 30، تيسير التحرير 4/236، فواتح الرحموت 3/396، روضة الطالبين 11/106 وما بعدها، المجموع 1/75، غاية الوصول ص 150، مختصر البعلي ص 166، المسودة ص 472، 543، المدخل إلى مذهب أحمد ص 191، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/391. 7 انظر: جمع الجوامع 2/391، روضة الطالبين 11/107، المجموع 1/75، 76، إعلام الموقعين 4/285، صفة الفتوى ص30، شرح تنقيح الفصول ص 442، المحصول 2/3/95، غاية الوصول ص 150، المعتمد 2/933.

1"فَلَوْ مَاتَ" الْمُفْتِي "قَبْلَهُ" أَيْ قَبْلَ إعْلامِهِ الْعَامِيَّ بِتَغَيُّرِ2 اجْتِهَادِهِ فَقَالَ3 ابْنُ مُفْلِحٍ فِي " فُرُوعِهِ ": "اسْتَمَرَّ" فِي الأَصَحِّ، قَالَ فِي " شَرْحِ التَّحْرِيرِ ": وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ4. وَقِيلَ: يَمْتَنِعُ. "وَلَهُ" أَيْ وَلِلْعَامِّيِّ "تَقْلِيدُ" مُجْتَهِدٍ "مَيِّتٍ" كَتَقْلِيدِ حَيٍّ؛ لأَنَّ قَوْلَهُ بَاقٍ فِي الإِجْمَاعِ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَفِيهِ يَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: الْمَذَاهِبُ لا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا. انْتَهَى. "كَحَاكِمٍ" فَإِنَّ الْحُكْمَ لا يَمُوتُ بِمَوْتِ حَاكِمِهِ "وَشَاهِدٍ" فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لا تَبْطُلُ بِمَوْتِ مَنْ شَهِدَ بِهَا5. وَقِيلَ: لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ إنْ وَجَدَ مُجْتَهِدًا حَيًّا، وَإِلاَّ جَازَ.

_ 1 ساقطة من ش. 2 في د: بتغيير. 3 في ض د: قال. 4 انظر: المسودة ص 521،522، 543، جمع الجوامع 2/391، إعلام الموقعين 4/283، صفة الفتوى ص 30. 5 وخالف في ذلك الرازي وأبو الحسن البصري، وكما نقله ابن السبكي، وأيّدهما الشوكاني. انظر: المسودة ص 521، 522، صفة الفتوى ص 70، جمع الجوامع 2/396، المجموع 1/90، الإحكام لابن حزم 2/838، إعلام الموقعين 4/274، نهاية السول 3/257، تيسير التحرير 4/250، البرهان 2/1352، فواتح الرحموت 2/407، الأنوار 2/395، المدخل إلى مذهب أحمد ص 91، الوسيط ص 600،المحصول 2/3/97، إرشاد الفحول ص 269.

وَقِيلَ: لا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ مُطْلَقًا. وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ1. فَعَلَى2 الأَوَّلِ - وَهُوَ جَوَازُ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ لَوْ وَجَدَ مُجْتَهِدًا حَيًّا وَلَكِنْ دُونَ الْمَيِّتِ - احْتَمَلَ أَنْ يُقَلِّدَ 3الْمَيِّتَ لأَرْجَحِيَّتِهِ4، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَلِّدَ الْحَيَّ لِحَيَاتِهِ وَاحْتَمَلَ التَّسَاوِيَ. وَحَكَى الْهِنْدِيُّ قَوْلاً رَابِعًا فِي الْمَسْأَلَةِ: وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِي عَنْ الْمَيِّتِ أَهْلاً لِلْمُنَاظَرَةِ، وَهُوَ مُجْتَهِدٌ فِي مَذْهَبِ الْمَيِّتِ، فَيَجُوزُ، وَإِلاَّ5 فَلا6. "وَإِنْ عَمِلَ" الْمُسْتَفْتِي "بِفُتْيَاهُ" أَيْ بِفُتْيَا7 الْمُفْتِي "فِي إتْلافِ" نَفْسٍ أَوْ مَالٍ "فَبَانَ خَطَؤُهُ" أَيْ خَطَأُ الْمُفْتِي فِي فُتْيَاهُ "قَطْعًا" أَيْ بِمُقْتَضَى مُخَالَفَتِهِ8 دَلِيلاً9 قَاطِعًا10 "ضَمِنَهُ" أَيْ ضَمِنَ الْمُفْتِي مَا

_ 1 انظر: صفة الفتوى ص 70، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/396، المسودة ص 466، إعلام الموقعين 4/274، 329، المنخول ص 480، نهاية السول 3/257، البرهان 2/1352، المحصول 2/3/97، إرشاد الفحول ص 269، المدخل إلى مذهب أحمد ص 191. 2 في ض: وعلى. 3 ساقطة من ش. 4 في د: لرجحانه. 5 في ض ب: أو لا. 6 انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/396. 7 في ض ب ز: فتيا. 8 في ش: مخالفة. 9 في ش: دليل. 10 في ش: قاطع.

أَتْلَفَهُ الْمُسْتَفْتِي بِمُقْتَضَى فُتْيَاهُ1. "وَكَذَا" يَضْمَنُ "إنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً" لِلْفُتْيَا عَلَى الصَّحِيحِ، خِلافًا لأَبِي إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ2 وَجَمْعٍ3، بَلْ أَوْلَى بِالضَّمَانِ مِمَّنْ4 هُوَ أَهْلٌ لِلْفُتْيَا5. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ، وَغَيْرُهُ: لَوْ6 عَمِلَ بِفَتْوَاهُ فِي إتْلافٍ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ أَخْطَأَ. فَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ الْقَاطِعَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَإِنْ خَالَفَ الْقَاطِعَ ضَمِنَ. "وَيَحْرُمُ تَقْلِيدٌ عَلَى مُجْتَهِدٍ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ" اتِّفَاقًا7.

_ 1 انظر: الأنوار 2/396، صفة الفتوى ص 31، جمع الجوامع 2/391، روضة الطالبين 11/107، المجموع 1/76، إعلام الموقعين 4/287، غاية الوصول ص 150. 2 ساقطة من ش، وفي د: الشيرازي. 3 انظر صفة الفتوى ص 31، المجموع 1/76، إعلام الموقعين 4/286. 4 في ض: من. 5 انظر: جمع الجوامع 2/391، روضة الطالبين 11/107، إعلام الموقعين 4/286، الأنوار 2/397، المجموع للنووي 1/76. 6 في ب: ولو. 7 قال الأردبيلي: ولا يجوز لمجتهدتقليد مجتهد آخر، لا ليعمل ولا ليقضي، ولا ليفتي به، سواء خاف الفوت لضيق الوقت أو لا " "الأنوار 2/395". وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/300، الإحكام للأمدي 4/204، 222،نهاية السول 3/261، الرد على من أخلد إلى الأرض ص 117 وما بعدها، المستصفى 2/384، المعتمد 2/945، جمع الجوامع =

وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يَجْتَهِدَ، وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "أَوْ1 لَمْ يَجْتَهِدْ" فَكَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَهُ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَلأَبِي حَنِيفَةَ2 رِوَايَتَانِ3. وَقِيلَ: يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ إنْ لَمْ يَجْتَهِدْ مُطْلَقًا، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ4.

_ = 2/393، المحصول 2/3/115، التمهيد ص 160، فتح الغفار 3/37، تيسير التحرير 4/227، فواتح الرحموت 2/392، شرح تنقيح الفصول ص 443، مختصر البعلي ص 167، مختصر الطوفي ص180، إرشاد الفحول ص 264، الملل والنّحل 1/205، المدخل إلى مذهب أحمد ص 189، 191. 1 في ب: و. 2 في ش: أبي أحمد. 3 في هذه المسألة عدّة أقوال بين مجيز ومانع ومفصّل، قال الإسنوي: "" وفيما قبله ثمانية مذاهب"" "نهاية السول 3/261" ولكل قول دليله. انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "الروضة ص 377، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/300، التمهيد ص 300، المحرر 2/205، الإحكام للآمدي 4/204، وما بعدها، المستصفى 2/384، المحصول 2/3/115، 116، الرسالة ص 115 هامش، البرهان 2/1339 وما بعدها، المعتمد 2/942، 948، فتح الغفار 3/37، كشف الأسرار 4/14، تيسير التحرير 4/227، 228، 246، شرح الورقات ص 246، المنخول ص 477، شرح تنقيح الفصول ص 443، جمع الجوامع 2/394، غاية الوصول ص 150، المعتمد 2/942، القواعد للعز بن عبد السلام 2/160، مختصر البعلي ص 167، مختصر الطوفي ص 180، المدخل إلى مذهب أحمد ص 189، 191، المسودّة ص 468، 470، اللمع ص 71، الفقيه والمتفقه 2/69، إرشاد الفحول ص 264". 4 انظر: المحصول 2/3/115.

وَقِيلَ: فِيمَا يَخُصُّهُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّقْلِيدُ لِحَاكِمٍ فَقَطْ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِعُذْرٍ، وَابْنُ سُرَيْجٍ لِضِيقِ الْوَقْتِ، وَمُحَمَّدٌ لأَعْلَمَ مِنْهُ، وَجَمْعٌ لِصَحَابِيٍّ أَرْجَحُ، وَلا إنْكَارَ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: و1َتَابِعِيٍّ2. "وَلَهُ" أَيْ لِلْمُجْتَهِدِ "أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَدَعَ غَيْرَهُ" إجْمَاعًا. "وَالْمُتَوَقِّفُ" مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ "فِي مَسْأَلَةٍ نَحْوِيَّةٍ أَوْ" فِي "حَدِيثٍ عَلَى أَهْلِهِ: عَامِّيٌّ فِيهِ" أَيْ فِيمَا تَوَقَّفَ3 فِيهِ مِنْ النَّحْوِ أَوْ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْمُوَفَّقِ وَالآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَالْعَامِّيُّ يَلْزَمُهُ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا4.

_ 1 ساقطة من ض. 2 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "" والصحيح أنه يجوز حيث عجز عن الاجتهاد، إما لتكافؤ الأدلة، وإمّا لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليل له، فإنّه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه، وانتقل إلى بدله، وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة بالماء "" "مجموعة الفتاوى20/204". وقال إمام الحرمين الجويني مثل ذلك، كما قاله غيره. "انظر: البرهان 2/1339، والمراجع السابقة". 3 في ض: يتوقف. 4 انظر: الروضة ص 337، المستصفى 2/384، مختصر الطوفي ص 180، المدخل إلى مذهب أحمد ص 189، 191.

فصل: التفويض لنبي أو مجتهد بالحكم

فصل: التفويض لنبي أو مجتهد بالحكم ... "فَصْلٌ" يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِنَبِيٍّ أَوْ مُجْتَهِدٍ: اُحْكُمْ بِمَا شِئْت فَهُوَ صَوَابٌ وَيَكُونُ" ذَلِكَ "مَدْرَكًا شَرْعِيًّا وَيُسَمَّى: التَّفْوِيضَ" عِنْدَ الأَكْثَرِ؛ لأَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ: إمَّا التَّبْلِيغُ عَنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِإِخْبَارِ رُسُلِهِ عَنْهُ بِهَا، وَهُوَ مَا سَبَقَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَثَبَتَ1 بِسُنَّةِ2 رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا تَفَرَّعَ عَنْ ذَلِكَ، مِنْ إجْمَاعٍ وَقِيَاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الاسْتِدْلالاتِ، وَطُرُقِهَا بِالاجْتِهَادِ، وَلَوْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ: التَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ نَبِيٍّ أَوْ عَالِمٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِنَبِيٍّ أَوْ لِمُجْتَهِدٍ غَيْرِ نَبِيٍّ: اُحْكُمْ بِمَا شِئْت فَهُوَ صَوَابٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَيُؤْخَذُ3 ذَلِكَ مِنْ كَلامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ، وَصَرَّحَا بِجَوَازِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ

_ 1 ساقطة من ش ز. 2 في ش ز: وسنة. 3 في ش: ويؤيد.

مِنْ جُمْلَةِ الْمَدَارِكِ الشَّرْعِيَّةِ1. فَإِذَا قَالَ " هَذَا حَلالٌ " عَرَفْنَا أَنَّ اللَّهَ2 سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الأَزَلِ 3حَكَمَ بِحِلِّهِ، وَكَذَا " هَذَا حَرَامٌ " وَ4نَحْوُ ذَلِكَ، لا أَنَّهُ يُنْشِئُ الْحُكْمَ؛ لأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ، قَالَهُ5 ابْنُ الْحَاجِبِ6 وَتَبِعَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ، وَتَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ، أَيْ7 فِي جَوَازِهِ8، كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ9.

_ 1 هذه المسألة من مسائل علم الكلام التي تتعلق بالبحث عن حكم صفة من صفات الله تعالى الفعلية المتصلة بالتشريع، وبالقدر توقيفاً وتسديداً، وأجاز فريق من العلماء جواز التفويض للنبي أو المجتهد، ومنعه أكثر القدرية والمعتزلة، وتوقف فيه الشافعي واختار التوقف الرازي، وصحح أبو بكر الرازي الحنفي رأي المعتزلة بالمنع، وفصّل الأكثرون بين الجواز للنبي صلى الله عليه وسلم، والمنع لغيره. انظر: المسودة ص 510 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/301، 302، جمع الجوامع 2/391، الإحكام للآمدي 4/170، 209، مناهج العقول 3/175، اللمع ص 76، المعتمد 2/889، المحصول 2/3/185، نهاية السول 3/176، تيسير التحرير 4/236، فواتح الرحموت 2/297، غاية الوصول ص 150، إرشاد الفحول ص 264. 2 في ش: لله. 3 ساقطة في ش، وفي د: حكم بحله، وهكذا. 4 في ب ز: قال. 5 في ض ب ز: قال. 6 مختصر ابن الحاجب 2/301. 7 ساقطة من ب. 8 قال الرازي: وتوقف الشافعي رضي الله عنه في امتناعه وجوازه، وهوالمختار" "المحصول 2/3/185". 9 انظر: جمع الجوامع 2/392، الإحكام للآمدي 4/209، نهاية السول 3/177.

وَقَالَ: الْجُمْهُورُ1 فِي وُقُوعِهِ، وَلَكِنَّهُ قَاطِعٌ بِجَوَازِهِ، وَالْمَنْعُ: إنَّمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ جُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ، قَالَهُ2 ابْنُ مُفْلِحٍ. وَمَنَعَهُ3 السَّرَخْسِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ؛ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَذَكَرَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَأَنَّهُ أَشْبَهُ4 بِمَذْهَبِنَا؛ لأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ أَمَارَةٌ، فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِغَيْرِ طَلَبِهَا؟. وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ فِي النَّبِيِّ دُونَ غَيْرِهِ5 "وَ" عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ "لَمْ يَقَعْ" فِي الأَصَحِّ6.

_ 1 في ش: على. 2 في ب ز: قال. 3 في ش ز: وتبعه. 4 في ش: اشتبه. 5 وهذا قول أبي علي الجبائي في أحد قوليه، وارتضاه الشوكاني. انظر: الإحكام للآمدي 4/209، نهاية السول 3/177، 180، المعتمد 2/890، تيسير التحرير 4/236، فواتح الرحموت 2/397، إرشاد الفحول ص 264. 6 جزم بوقوعه موسى بن عمران من المعتزلة، ونقل معظم القائلين بجوازه أمثلةً على وقوعه، وعرضها الرازي في "المحصول 2/3/189وما بعدها" منها قصة الإذخر وقتل النضر بن الحارث وحديث الأقرع بن حابس عن الحج، وغيرها، وهناكقول آخر بالتوقف في الوقوع واختاره الإسنوي. انظر جمع الجوامع والمحلي عليه2/392، فواتح الرحموت 2/397، غاية الوصول ص 150، المحصول 2/3/184، 188، مناهج العقول 3/176، الإحكام للآمدي 4/209، تيسير التحرير 2/237، نهاية السول 3/177

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ1. وَاحْتَجَّ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ: بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إلاَّ مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} 2 لأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ إلاَّ بِتَفْوِيضِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الأَمْرَ إلَيْهِ، لا أَنَّهُ بِإِبْلاغِهِ ذَلِكَ الْحُكْمَ لِتَخْصِيصِ هَذَا التَّحْرِيمِ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ، وَإِلاَّ فَكُلُّ مُحَرَّمٍ فَهُوَ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إمَّا بِالتَّبْلِيغِ أَوْ بِالتَّفْوِيضِ3. وَاسْتَدَلَّ لَهُ4 أَيْضًا بِمَا فِي مُسْلِمٍ5 فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ، فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ؟ فَقَالَ: "لَوْ قُلْت: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ" 6.

_ 1 مختصر ابن الحاجب 2/301. قال ابن السمعاني: "" هذه المسألة، وإن أوردها متكلمو الأصوليين فليست بمعروفة بين الفقهاء، وليس فيها كثير فائدة، لأنها في غير الأنبياء لم توجد، ولا يتوهم وجوده في المستقبل "" "انظر: تيسير التحرير 4/24"، ويخالف في ذلك ما يدّعيه الشيعة والفرق الضالة من تفويض الأمر لإمام أو غيره، ويدعون عصمته، وأنكر ذلك الشوكاني بشدة، وقال: "" إنه مجرد جهل بحت ومجازفة ظاهرة "" "انظر: إرشاد الفحول ص 64، الوسيط ص 472". 2 الآية 93 من آل عمران. 3 في ش: التفويض. 4 ساقطة من ش. 5 هذا طرف من حديث عند مسلم، "انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 9/100". 6 هذا الحديث رواه مسلم والنسائي وأحمد عن أبي هريرة، ولم يسم فيه =

"وَ" يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ "لِعَامِّيٍّ عَقْلاً" أَيْ جَوَازًا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ1؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ، لا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ إجْمَاعًا2. "وَ" يَجُوزُ "فِي قَوْلٍ" لِلْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ: أَنْ يُقَالَ لَهُ "وَأَخْبِرْ فَإِنَّك لا تُخْبِرُ إلاَّ بِصَوَابٍ". وَمَنَعَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: لَوْ جَازَ، خَرَجَ3 كَوْنُ الإِخْبَارِ عَنْ الْغُيُوبِ دَالَّةً عَلَى ثُبُوتِ الأَنْبِيَاءِ وَكُلِّفَ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ4 بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا5 قَالَ.

_ = الأقرع، ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم والدارمي عن ابن عباس مرفوعاً مع بيان السائل أنه الأقرع بن حابس، وروى معناه الترمذي وابن ماجة عن علي مرفوعاً، وروى مثله ابن ماجة عن أنس مرفوعاً. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 9/100، سنن أبي داود 1/400، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 8/420، سنن النسائي 5/83، سنن ابن ماجه 2/963، مسند أحمد 1/255، 291، 2/508، سنن الدارمي 2/29، المستدرك 1/441، تخريج أحاديث البزدوي ص 23، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 307. 1 في ب: العقلاء. 2 انظر: الإحكام للآمدي 4/214، تيسير التحرير 4/236. 3 في ز: خرج عن. 4 في ش ز: علم. 5 في ش: وكذا.

فصل: نافي الحكم عليه الدليل

"فَصْلٌ" "نَافِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ "كَمُثْبِتِهِ" أَيْ: كَمَا أَنَّ مُثْبِتَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَقِيلَ: لَيْسَ عَلَى نَافِي الْحُكْمِ دَلِيلٌ مُطْلَقًا1. وَقَالَ قَوْمٌ: عَلَيْهِ الدَّلِيلُ2 فِي حُكْمٍ عَقْلِيٍّ لا شَرْعِيٍّ3، وَعَكْسُهُ عَنْهُمْ فِي الرَّوْضَةِ4. وَلَنَا: أَنَّهُ أَثْبَتَ بِنَفْيِهِ يَقِينًا أَوْ ظَنَّا. فَلَزِمَهُ الدَّلِيلُ كَمُثْبِتٍ، وَاحْتَجَّ فِي التَّمْهِيدِ5: بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ6 قِدَمِ

_ 1 وهذا قول الظاهرية، "انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص 32". 2 في ز: التمهيد. 3 يعتبر بعض الأصوليين هذا الموضوع من بحث الأدلّة ويذكرونه في أوجه الاستدلال أو في استصحاب الحال، أو في تخصيص العلة وعدمها ن ولهم ثلاثة أقوال في وجوب الدليل على نافي الحكم وعدمه، ولكل قول دليله. انظر: جمع الجوامع 2/351، المحصول 2/3/165، المستصفى 1/132، أصول السرخسي 2/117، الروضة ص 158، المسودّة ص 494، مختصر ابن الحاجب 2/304، الإحكام للآمدي 4/219، اللمع ص 70، التبصرة ص 530، إرشاد الفحول ص 245، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 32. 4 انظر: الروضة ص 158. 5 في ش: الدليل. 6 في ش: النفي.

الأَجْسَامِ1 بِلا خِلافٍ فَكَذَا غَيْرُهُ. "وَإِذَا حَدَثَتْ مَسْأَلَةٌ لا قَوْلَ فِيهَا، سَاغَ الاجْتِهَادُ فِيهَا" وَهُوَ أَفْضَلُ2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ إذَا3 حَدَثَتْ مَسْأَلَةٌ لا قَوْلَ فِيهَا: فَلِلْمُجْتَهِدِ الاجْتِهَادُ فِيهَا وَالْفَتْوَى وَالْحُكْمُ4، وَهَلْ هَذَا أَفْضَلُ، أَمْ التَّوَقُّفُ، أَمْ تَوَقُّفُهُ فِي الأُصُولِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ لَنَا، ذَكَرَهَا ابْنُ حَامِدٍ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الأَوْجُهَ فِي الْجَوَازِ، وَذَكَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ5: مَنْ قَالَ: الإِيمَانُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ: مُبْتَدِعٌ6 وَيُهْجَرُ. وَقَدَّمَ ابْنُ مُفْلِحٍ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلافِ فِي الأَفْضَلِيَّةِ، لا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ7 فِي إعْلامِ الْمُوَقِّعِينَ - بَعْدَ أَنْ حَكَى

_ 1 في ش: الإحسان. 2 انظر المدخل إلى مذهب أحمد ص 187، المسودة ص 543، مختصر البعلي ص 166. 3 في ش: بلا خلاف، فكذا غيره، إذا. 4 انظر: الفروع 6/433. 5 ساقطة من ش. 6 في ض ب ز: ابتدع. 7 ساقطة من ض ب ز.

الأَقْوَالَ-: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ بَلْ يُسْتَحَبُّ، أَوْ1 يَجِبُ2 عِنْدَ الْحَاجَةِ، 3وَأَهْلِيَّةُ4 الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ، فَإِنْ عُدِمَ الأَمْرَانِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدَهُمَا [دُونَ الآخَرِ] 5: احْتَمَلَ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ، [وَالتَّفْصِيلُ] 6، فَيَجُوزُ7 عِنْدَ الْحَاجَةِ دُونَ عَدَمِهَا8. انْتَهَى.

_ 1 في ش ب ض ز: و. 2 في ز: تجب. 3 ساقطة من ب. 4 في ش ب: وأهله. 5 من إعلام الموقعين. 6 من إعلام الموقعين. 7 في ش ز ض: والجواز. 8 إعلام الموقعين 4/336.

باب التقليد

باب التقليد ... "بَابٌ" لَمَّا كَانَ التَّقْلِيدُ مُقَابِلاً لِلاجْتِهَادِ، وَانْتَهَى الْكَلامُ عَلَى أَحْكَامِ الاجْتِهَادِ شَرَعْنَا1 فِي الْكَلامِ عَلَى أَحْكَامِ التَّقْلِيدِ. ثُمَّ "التَّقْلِيدُ لُغَةً: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي2 الْعُنُقِ" حَالَةَ3 كَوْنِهِ "مُحِيطًا بِهِ" أَيْ4: بِالْعُنُقِ، وَذَلِكَ الشَّيْءُ يُسَمَّى قِلادَةً. وَجَمْعُهَا قَلائِدُ5. "وَ" التَّقْلِيدُ "عُرْفًا" أَيْ: فِي عُرْفِ الأُصُولِيِّينَ "أَخْذُ مَذْهَبِ الْغَيْرِ" أَيْ: اعْتِقَادُ صِحَّتِهِ وَاتِّبَاعُهُ عَلَيْهِ "بِلا" أَيْ: مِنْ غَيْرِ "مَعْرِفَةِ

_ 1 في ض: شرع. 2 في ش: على. 3 في ش حالة. 4 ساقطة من ض. 5 وقال ابن فارس: ""قلّد: يدل على تعليق شيءعلى شيء وليّله به، والآخر على خطٍ ونصيب"" "معجم مقاييس اللغة 5/19". وانظر المصباح المنير 2/704، القاموس المحيط 1/329، مختار الصحاح ص 548، أساس البلاغة ص 785.

دَلِيلِهِ" أَيْ: دَلِيلِ مَذْهَبِ الْغَيْرِ الَّذِي اقْتَضَاهُ، وَأَوْجَبَ الْقَوْلَ بِهِ. فَقَوْلُهُ: " أَخْذُ " جِنْسٌ. وَالْمُرَادُ بِهِ: اعْتِقَادُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ لِفِسْقٍ أَوْ غَيْرِ فِسْقٍ. وَقَوْلُهُ " مَذْهَبِ " يَشْمَلُ1 مَا كَانَ قَوْلاً لَهُ أَوْ فِعْلاً. وَنِسْبَةُ الْمَذْهَبِ إلَى الْغَيْرِ يَخْرُجُ بِهِ مَا كَانَ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ، وَلا يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ الْغَيْرُ إذَا كَانَ2 مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ الَّتِي لَيْسَ3 لَهُ4 فِيهَا اجْتِهَادٌ، فَإِنَّهَا لا تُسَمَّى مَذْهَبَهُ. وَقَوْلُهُ " بِلا مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ " يَشْمَلُ5 الْمُجْتَهِدَ إذَا لَمْ يَجْتَهِدْ وَلا6 عَرَفَ الدَّلِيلَ، وَجَوَّزْنَا لَهُ التَّقْلِيدَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْعَامِّيِّ فِي أَخْذِهِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ7. فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْمُجْتَهِدُ إذَا عَرَفَ الدَّلِيلَ، وَوَافَقَ اجْتِهَادُهُ اجْتِهَادَ مُجْتَهِدٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ لا يُسَمَّى تَقْلِيدًا. كَمَا يُقَالُ: أَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي كَذَا. وَأَخَذَ أَحْمَدُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي كَذَا.

_ 1 في ض: ليشمل. 2 في ب: إذ كانت. 3 في ب: ليست. 4 ساقطة من ض. 5 في ش ز: ليشمل. 6 في ش: ولو. 7 مر الكلام على هذه المسألة قبل قليل ص 406.

وَإِنَّمَا خَرَجَ1 ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ - وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخَذَ بِقَوْلِ الْغَيْرِ - لَكِنَّهُ مَعَ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ فَمَا أُخِذَ حَقِيقَةً إلاَّ مِنْ الدَّلِيلِ2 لا مِنْ الْمُجْتَهِدِ، فَيَكُونُ إطْلاقُ الأَخْذِ بِمَذْهَبِهِ فِيهِ تَجَوُّزٌ. وَعَبَّرَ الآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِمَا " بِغَيْرِ حُجَّةٍ "3 وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ أَخْذَ الْقَوْلِ مِمَّنْ قَوْلُهُ حُجَّةٌ لا يُسَمَّى تَقْلِيدًا وَمَثَّلا ذَلِكَ بِأَخْذِ الْعَامِّيِّ بِقَوْلِ مِثْلِهِ، وَأَخْذِ الْمُجْتَهِدِ بِقَوْلِ مِثْلِهِ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ4 وَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّ التَّقْلِيدَ أَخْذُ مَذْهَبِ الْغَيْرِ بِلا مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ "فَالرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِ5 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى الْمُفْتِي، وَ" إلَى "الإِجْمَاعِ، وَ" رُجُوعُ "الْقَاضِي إلَى الْعُدُولِ: لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ،

_ 1 في ش: أخرج. 2 في ض: دليل. 3 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 305، الإحكام للآمدي 4/221. 4 انظر تعريف التقليد في "التعريفات للجرجاني ص 34، الحدود للباجي ص 64، الإحكام لابن حزم 1/37، المجموع للنووي 1/89، مختصر البعلي ص 166، المستصفى 2/387، الروضة ص 382، مختصر الطوفي ص 183، المسودة ص 553، صفة الفتوى ص 51، المنخول ص 472، جمع الجوامع 2/392، اللمع ص 70، تيسير التحرير 4/241، البرهان 2/1357، فواتح الرّحموت 2/400، الرد على من أخلد إلى الأرض ص 120 وما بعدها، الفقيه والمتفقه 2/66، المدخل إلى مذهب أحمد ص 193، إرشاد الفحول ص 265، أصول مذهب أحمد ص 673" 5 في ز: قول النبي.

وَلَوْ سُمِّيَ تَقْلِيدًا لَسَاغَ1" ذَلِكَ2. وَفِي الْمُقْنِعِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ أَخْذَهُ بِقَوْلِ الْمُفْتِي تَقْلِيدٌ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي3 فِي4 الإِجْمَاعِ أَيْضًا، وَقِيلَ: وَالْقَاضِي. 5وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَالتَّقْلِيدُ قَبُولُ الْقَوْلِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَلَيْسَ الْمَصِيرُ إلَى الإِجْمَاعِ تَقْلِيدًا؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ دَلِيلٌ وَكَذَلِكَ6 يُقْبَلُ7 قَوْلُ الرَّسُولِ8 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

_ 1 في ش: ساغ. 2 وسماه الجويني في ""الورقات"" تقليداً، بينما قال في ""البرهان"":لا يسمى تقليداً، وجاء القولان عن غيره أيضاً، ولذلك قال الآمدي: "" وإن سمي ذلك تقليداً بعرف الاستعمال فلا مشاحة في اللفظ ""، وقال ابن الحاجب "" ولا مشاحة في التسمية "". انظر: الورقات ص 250، البرهان 2/1357، 1358، الإحكام للآمدي 4/221، مختصر ابن الحاجب 2/305، المسودّة ص 553، الإحكام لابن حزم 1/37، 2/835، صفة الفتوى ص 51، 54، المنخول ص 472، تيسير التحرير 4/242، فواتح الرحموت 2/ 400، مجموع الفتاوى 20/17، إرشاد الفحول ص 265، مختصر الطوفي ص 183، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194. 3 صفة الفتوى ص 54. 4 في ش: وفي. 5 ساقطة من ش ب ز. 6 من المسودة، وفي ش ب ض ز: ولذلك. 7 في ش: تقبل. 8 من المسودة، وفي ش ب ض ز: النبي.

وَلا يُقَالُ: تَقْلِيدًا1، بِخِلافِ فَتْوَى2 الْفَقِيهِ، وَذَكَرَ فِي ضِمْنِ مَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ: أَنَّ الرُّجُوعَ إلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ؛ لأَنَّهُ حُجَّةٌ، وَقَالَ فِيهَا: لَمَّا جَازَ تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ3 لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ4 لَهُ مُخَالَفَتُهُ، بِخِلافِ الأَعْلَمِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ5 " مَنْ قَلَّدَ فِي6 الْخَبَرِ: رَجَوْت أَنْ يَسْلَمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " فَقَدْ أَطْلَقَ اسْمَ التَّقْلِيدِ عَلَى مَنْ صَارَ إلَى الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً فِي نَفْسِهِ7. انْتَهَى. "وَيَحْرُمُ" التَّقْلِيدُ "فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَ" فِي "التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَالأَكْثَرِ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ8 أَنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ9.

_ 1 في ش ض والمسودة: تقليد. 2 من المسودة، وفي ش ب ض ز: فتيا. 3 في د ض: الصحابي. 4 من المسودة، وفي ش ض: نجز، وفي ب ز: تجز. 5 وهو أحمد بن محمد، أبو الحارث الصائغ، وذكره أبو بكر الخلال فقال: كان أبو عبد الله يأنس به، وكان يقدمه ويكرمه، وكان عنده بموضع جليل، وروى عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، وذكره العليمي فيمن لم تؤرخ وفاته. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/74، المنهج الأحمد 1/263، الإنصاف للمرداوي 12/280". 6 ساقطة من ب ز والمسودة. 7 المسودة ص 462. 8 في ش: أصحابه. 9 انظر: الروضة ص 382، المسودة ص 457، 460 وما بعدها، صفة الفتوى =

وَأَجَازَهُ جَمْعٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ بِطَرِيقٍ فَاسِدٍ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَأَجَازَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَتَيْنِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلِهِمَا: هَلْ نَظَرْت؟ وَسَمِعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ1 التَّبَّانِ2 الْمُعْتَزِلِيِّ، وَأَنَّهُ يَكْفِي بِطَرِيقٍ فَاسِدٍ. قَالَ هَذَا الْمُعْتَزِلِيُّ: إذَا عَرَفَ اللَّهَ وَصَدَّقَ رُسُلَهُ3، وَسَكَنَ قَلْبُهُ إلَى ذَلِكَ وَاطْمَأَنَّ بِهِ: فَلا عَلَيْنَا مِنْ الطَّرِيقِ: تَقْلِيدًا كَانَ، أَوْ نَظَرًا، أَوْ اسْتِدْلالاً4.

_ = ص 51، شرح تنقيح الفصول 430، 444، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/305، المحلي على جمع الجوامع 2/402، الإحكام للآمدي 4/223، نهاية السول 3/264، غاية الوصول ص 152، المحصول 2/3/125، الفقيه والمتفقه 2/66، اللمع ص 70، الإحكام لابن حزم 2/861، مختصر البعلي ص 166، مختصر الطوفي ص 183، إرشاد الفحول ص 266، المدخل إلى مذهب أحمد ص 193، الوسيط ص 563، المعتمد 2/941، تيسير التحرير 4/243، فواتح الرحموت 2/401. 1 ساقطة من ض. 2 في ب: التيان، وفي المسودة: البقال. 3 في ب: رسولَه. 4 جاء في "فواتح الرحموت2/401" فيما يستفتى فيه، وهو: "" المسائل الشرعية والعقلية على المذهب الصحيح لصّحة إيمان المقلد عند الأئمة الأربعة ... وكثير من المتكلمين، خلافاً للأشعري، وإن كان آثماً في ترك النظر والاستدلال"" وهذا ما أيده الشوكاني مبيناً صحة إيمان العوام مطلقاً، وقال عبيد الله بن الحسن العنبري وبعض الشافعيّة: يجوز التقليد في العقيدة وأصول الدّين، وهذا ما أيّده الطوفي الحنبلي فقال: "" وفي هذه المسألة إشكال، إذ العامي لا يستقل بدرك =

وَأَطْلَقَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ - يَعْنِي مِنْ أَصْحَابِنَا - مَنْعَ التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَقَالَهُ الْبَصْرِيُّ وَالْقَرَافِيُّ: فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَيْضًا1. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ فِي أُصُولِهِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْقِيَاسُ النَّقْلِيُّ حُجَّةٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَيَجِبُ النَّظَرُ وَالاسْتِدْلالُ بِهِ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ. وَلا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ2 أَحْمَدَ الاحْتِجَاجُ بِدَلائِلِ الْعُقُولِ، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ3 الْفُقَهَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الإِثْبَاتِ، وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى وُجُوبِ النَّظَرِ، وَالاسْتِدْلالِ قَبْلَ الشَّرْعِ وَلَمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ كَانَ تَوْكِيدًا4. وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَأَهْلِ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّ حُجَجَ

_ = الدليل العقلي ... " ثم قال: "بل نحارير المتكلمين لا يستقلون بذلك، فإذا منع التقليد لزم أن لا يعتقد شيئاً" "مختصر الطوفي ص 184". وانظر: المسودة ص 457، شرح تنقيح الفصول ص 420، مختصر ابن الحاجب 2/305ن المحلي على جمع الجوامع 2/402،نهاية السول 3/264، الفقيه والمتفقه 2/66، شرح الورقات ص 243، المحصول 2/3/125، الإحكام للآمدي 4/223، اللمع ص 70، تيسير التحرير 4/243، فواتح الرحموت 2/401، المعتمد 2/402، إرشاد الفحول ص 266، الوسيط ص 564. 1 انظر: مختصر البعلي ص 167. 2 ساقطة من ض. 3 ساقطة من ش ب ز. 4 انظر المعتمد 2/935.

الْعُقُولِ بَاطِلَةٌ، وَالنَّظَرُ حَرَامٌ، وَالتَّقْلِيدُ وَاجِبٌ1. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْقِيَاسُ الْعَقْلِيُّ وَالاسْتِدْلالُ: طَرِيقٌ لإِثْبَاتِ الأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ. نَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ. قُلْت: كَلامُ أَحْمَدَ فِي الاحْتِجَاجِ بِأَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ كَثِيرٌ، وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرًا فِي كِتَابِهِ " الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ "2 فَمَذْهَبُ أَحْمَدَ: الْقَوْلُ3 بِالْقِيَاسِ4 الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ. انْتَهَى كَلامُ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ. وَاسْتَدَلَّ لِتَحْرِيمِ التَّقْلِيدِ - الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ بِأَمْرِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ وَالنَّظَرِ وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ لَمَّا نَزَلَ فِي آلِ عِمْرَانَ: {إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ 5

_ 1 قال فريق من العلماء: إن النظرقد يؤدي إلى باطل في أمور العقيدة فيحرم، ويجب فيها التقليد، وهذا قول ضعيف ذكره علماء الأصول. انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/400، الإحكام للآمدي 4/223، نهاية السول 3/284، مختصر ابن الحاجب 2/305، تيسير التحرير 4/243، 245، فواتح الرحموت 2/401، إرشاد الفحول ص 266. 2 انظر: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد بن حنبل ص 102، 105، 138، 148 وغيرها. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: القياس. 5 في ز: والأرض. الآيات

وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} - الآيَاتُ1 قَالَ2: "وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهُنَّ وَلَمْ يَتَدَبَّرْهُنَّ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ"3 وَبِالإِجْمَاعِ4 عَلَى وُجُوبِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلا تَحْصُلُ بِتَقْلِيدٍ، لِجَوَازِ كَذِبِ الْمُخْبِرِ، وَاسْتِحَالَةِ حُصُولِهِ. كَمَنْ قَلَّدَ فِي حُدُوثِ5 الْعَالَمِ، وَكَمَنْ قَلَّدَ فِي قِدَمِهِ؛ وَلأَنَّ التَّقْلِيدَ لَوْ أَفَادَ عِلْمًا6: فَإِمَّا بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَإِمَّا بِالنَّظَرِ فَيَسْتَلْزِمُ الدَّلِيلُ وَالأَصْلُ عَدَمَهُ7، وَالْعِلْمُ يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ، وَاحْتِمَالُ الْخَطَإِ لِعَدَمِ تَمَامِ مُرَاعَاةِ الْقَانُونِ الصَّحِيحِ، وَ8لأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَمَّ التَّقْلِيدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} 9 وَهِيَ فِيمَا يُطْلَبُ الْعِلْمُ بِهِ فَلا يَلْزَمُ الْفُرُوعَ، وَلأَنَّهُ10 يَلْزَمُ الشَّارِعَ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ} 11 فَيَلْزَمُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

_ 1 الآيات 190-196 من آل عمران. 2 ساقطة من ض. 3 هذا الحديث رواه عبد بن حميد في "تفسيره"أحمد ورواه الطبراني وابن مردويه، وتذكره كتب التفسير. انظر: تفسير ابن كثير 4/440، الكشاف 1/487. 4 في ب ز: والإجماع. 5 في ب: حديث 6 في ب: عالما. 7 ساقطة من ش. 8 ساقطة من ب. 9 الآية 22، والآية23 من الزخرف. 10 في ش: ولا. 11 الآية 19 من سورة محمد.

{وَاتَّبِعُوهُ} 1. "وَ" يَحْرُمُ التَّقْلِيدُ أَيْضًا2 فِي "أَرْكَانِ الإِسْلامِ الْخَمْسِ، وَنَحْوِهَا مِمَّا تَوَاتَرَ وَاشْتَهَرَ"3. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ التَّقْلِيدُ فِي أَرْكَانِ الإِسْلامِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَوَاتَرَ وَاشْتَهَرَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعًا؛ لِتَسَاوِي النَّاسِ فِي طَرِيقِهَا، وَإِلاَّ لَزِمَهُ مَا4 سَاغَ فِيهِ اجْتِهَادٌ أَوْ لا، عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالأَكْثَرِ. وَمَنَعَهُ قَوْمٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ5، مَا لَمْ تَتَبَيَّنْ لَهُ صِحَّةُ اجْتِهَادِهِ بِدَلِيلِهِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ الْجُبَّائِيِّ وَعَنْهُ كَقَوْلِنَا. وَمَنَعَهُ أَبُو عَلِيٍّ الشَّافِعِيُّ6 فِيمَا لا يَسُوغُ فِيهِ اجْتِهَادٌ وَبَعْضُهُمْ فِي الْمَسَائِلِ الظَّاهِرَةِ.

_ 1 الآية 158من الأعراف. 2 في ز: أيضاً التقليد. 3 انظر: المسودة ص 458، 459، 460، وما بعدها، صفة الفتوى ص 53، الإحكام لابن حزم 2/861، شرح تنقيح الفصول ص 442، 443، اللمع ص 71، مختصر البعلي ص 166، مختصر الطوفي ص 183، المدخل إلى مذهب أحمد ص 193. 4 ساقطة من ش ز. 5 ساقطة من ض. 6 هذا القول نقله الشيرازي عن أبي علي الجبائي المعتزلي. "انظر: اللمع ص 71" ومرت ترجمته "1/219"، وإذا أطلق أبو علي الشافعي، فهو أبو علي السنجي، =

وَاخْتَارَ الآمِدِيُّ لُزُومَهُ فِي الْجَمِيعِ، وَذَكَرَهُ عَنْ مُحَقِّقِي الأُصُولِيِّينَ1. انْتَهَى2. "وَيَلْزَمُ" التَّقْلِيدُ "غَيْرَ3 مُجْتَهِدٍ4 فِي غَيْرِ ذَلِكَ" أَيْ: غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ: وَأَمَّا التَّقْلِيدُ فِي الْفُرُوعِ: فَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا، وَذَهَبَ بَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ إلَى أَنَّ الْعَامَّةَ يَلْزَمُهُمْ النَّظَرُ فِي الدَّلِيلِ5. وَاسْتَدَلَّ لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ: بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:

_ = وهو الحسين بن شعيب بن محمد، الشيخ أبو علي السنجي، الإمام الجليل، الفقيه الكبير، أول من جمع بين طريقتي العراق وخراسان، بعد أن تفقه على شيخي الطريقتين الإمام أبي حامد الإسفراييني شيخ العراقيين، وأبي بكر القفال المرزوي شيخ خراسان، فجمع الشيخ أبو علي بين الطريقتين بالنظر الدّقيق، والتحقيق الأنيق، وصنف عدة كتب، منها: "شرح المختصر" الذي يسميه إمام الحرمين بالمذهب الكبير، وشرح "تلخيص ابن القاص"، وشرح "فروع ابن الحداد" توفي سنة 430هـ بمرو. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 4/344، تهيب الأسماء 2/261، وفيات الأعيان 1/401، طبقات الفقهاء ص 132، البداية والنهاية 12/57". 1 في ب ز: الأصول. 2 الإحكام للآمدي 4/223، 228، وانظر: المسودة ص 459-460. 3 في ب ز: في غير ذلك. 4 في ز: المجتهد. 5 الروضة ص 383.

{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 1 وَهُوَ عَامٌّ؛ لِتَكَرُّرِهِ بِتَكَرُّرِ2 الشَّرْطِ، وَعِلَّةُ الأَمْرِ بِالسُّؤَالِ: الْجَهْلُ وَأَيْضًا الإِجْمَاعُ، فَإِنَّ الْعَوَامَّ يُقَلِّدُونَ الْعُلَمَاءَ مِنْ غَيْرِ إبْدَاءِ مُسْتَنَدٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَأَيْضًا يُؤَدِّي إلَى خَرَابِ الدُّنْيَا بِتَرْكِ الْمَعَائِشِ وَالصَّنَائِعِ. وَلا يَلْزَمُ فِي3 التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ لِيُسْرِهِ4 وَقِلَّتِهِ، وَدَلِيلُهُ الْعَقْلُ. قَالَ الْمُخَالِفُ: وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" 5. رُدَّ لَمْ يَصِحَّ6، ثُمَّ الْمُرَادُ طَلَبُهُ الشَّرْعِيُّ، فَتَقْلِيدُ الْعَامِّيِّ الْمُفْتِيَ

_ 1 الآية 7 من الأنبياء. 2 في ب: بتكرار. 3 ساقطة من ب ز. 4 في ض: لتيسره. 5 رواه ابن عدي في "الكامل"، والبيهقي ف "شعب الإيمان" عن أنس بن مالك، ورواه الطبراني في "الصغير"، والخطيب في "التاريخ" عن الحسين بن علي، ورواه الطبراني في "الأوسط" أيضاً عن ابن عباس، ورواه تمام في "فوائده" عن ابن عمر، والطبراني في " الكبير" عن ابن مسعود، والخطيب في "التاريخ" عن علي، والطرباني في "الأوسط" والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي سعيد، وهو طرف من حديث رواه ابن ماجه عن أنس مرفوعاً. انظر: فيض القدير 4/267، سنن ابن ماجة 1/81، راموز الأحاديث ص 312، مجمع الزوائد 1/119، كشف الخفا 2/56. 6 اختلف العلماء في درجة هذا الحديث، فقال النووي: ضعيف وإن كان معناه صحيحاً، وقال ابن القطان: لا يصح فيه شيء، وأحسن ما فيه ضعيف، وسكت عنه مغلطاي، وقال السيوطي: جمعت له خمسين طريقاً، وحكمت بصحته لغيره، ولم أصحح حديثاً لم أسبق لتصحيحه سواه، وقال السخاوي: له شاهد عند ابن شاهين بسند رجاله ثقات عن أنس، ورواه عنه نحو عشرين تابعياً، وجاء في زوائد ابن ماجه؛ إسناده ضعيف. انظر: فيض القدير 4/267، سنن ابن ماجه 1/81.

مِنْهُ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَمْ1 يَجِبْ عِنْدَ أَحَدٍ، بَلْ النَّظَرُ2. "وَلَهُ" أَيْ: لِلْعَامِّيِّ "اسْتِفْتَاءُ مَنْ عَرَفَهُ عَالِمًا عَدْلاً، وَلَوْ" كَانَ الَّذِي عَرَفَهُ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ "عَبْدًا، وَأُنْثَى، وَأَخْرَسَ" وَتُعْلَمُ فُتْيَاهُ "بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ وَكِتَابَةٍ"؛ لأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الاسْتِفْتَاءِ: سُؤَالُ الْعَالِمِ الْعَدْلِ. وَهَذَا كَذَلِكَ3.

_ 1 في ز: لا. 2 ذكر جماهير علماء الأصول لزوم التقليد على العامي في الفروع، ونقل الشوكاني عن جمهور علماء الأصول عدم جواز التقليد مطلقاً، ونقل كلام ابن حزم في ذلك. فانظر حكم التقليد وآراء العلماء فيه مع أدلتهم ومناقشتها في "مجموع الفتاوى 20/15، 203، المحصول 2/3/101، الإحكام للآمدي 4/229، جامع بيان العلم وفضله 2/133، أعلام الموقعين 2/268، 178، جمع الجوامع 2/393، التمهيد ص 161، نهاية السول 3/264، مختصر ابن الحاجب 2/306، المستصفى 2/389، تيسير التحرير 4/246، مختصر البعلي ص 166، المعتمد 2/934، الفقيه والمتفقه 2/68، الإحكام لابن حزم 2/393، 838، المسودة ص 431، اللمع ص 71، شرح الورقات ص 241، القواعد للعز بن عبد السلام 2/158، مختصر الطوفي ص 180، 183، إرشاد الفحول ص 267، المدخل إلى مذهب أحمد ص 193، أصول مذهب أحمد ص 675". 3 انظر: روضة الطالبين 11/109، المجموع للنووي 1/69، الفروع 6/428، المستصفى 2/390، مختصر ابن الحاجب 2/307، صفة الفتوى ص 13، 69، الإحكام للآمدي 4/232، مجموع الفتاوى 20/208، مختصر البعلي =

"أَوْ رَآهُ" يَعْنِي أَنَّ1 لِلْعَامِّيِّ أَيْضًا: اسْتِفْتَاءَ مَنْ رَآهُ "مُنْتَصِبًا" لِلإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ "مُعَظَّمًا" عِنْدَ النَّاسِ، فَإِنَّ كَوْنَهُ كَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ، وَأَنَّهُ أَهْلٌ2 لِلإِفْتَاءِ3، وَلا يَجُوزُ الاسْتِفْتَاءُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، 4وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ اتِّفَاقًا5، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الإِخْبَارِ: فَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَيَكْفِيهِ قَوْلُ عَدْلٍ خَبِيرٍ" عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقِ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ

_ = ص 167، الروضة ص 384، مختصر الطوفي ص 185، عرف البشام فيمن ولي فتوى دمشق الشام ص 13 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 2/689 وما بعدها، المسودة ص 464، 472، 555، أعلام الموقعين 4/280، شرح تنقيح الفصول ص 442، التمهيد ص 163، جمع الجوامع 2/397، اللمع ص 72، المحصول 2/3/112، نهاية السول 3/265/الفقيه والمتفقه 2/177، تيسير التحرير 4/248، البرهان 2/1333، المعتمد 2/929، فواتح الرحموت 2/403، أصول مذهب أحمد ص 690، إرشاد الفحول ص 271. 1 في ش: و، في ز: أي. 2 ساقطة من ب. 3 في ض ب ز: للاستفتاء. 4 ساقطة من ز. 5 الإحكام للآمدي 4/232. وانظر: المجموع 1/89، البرهان 1/1341، المعتمد 2/939، فتح الغفار 3/37، تيسير التحرير 4/248، فواتح الرحموت 2/403، مختصر ابن الحاجب 2/307، جمع الجوامع 2/297، المحصول 2/3/112، إرشاد الفحول ص 271، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194.

وَجَمْعٍ1. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ2 مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ يُمَيِّزُ بِهَا التَّلْبِيسَ3 مِنْ غَيْرِهِ4. وَعِنْدَ الْبَاقِلاَّنِيِّ: لا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ5. وَاعْتَبَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الصَّلاحِ: الاسْتِفَاضَةَ بِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْفُتْيَا6. وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ7، وَنَقَلَهُ عَنْ أَصْحَابِهِمْ8. فَعَلَيْهِ لا يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ، وَلا بِاثْنَيْنِ، وَلا مُجَرَّدِ اعْتِزَائِهِ إلَى الْعِلْمِ، وَلَوْ بِمَنْصِبِ9 تَدْرِيسٍ أَوْ غَيْرِهِ.

_ 1 انظر: اللمع ص 72، الروضة 384، المسودة ص 464، 472، المنخول ص 478، جمع الجوامع 2/397، إرشاد الفحول ص 271، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194. 2 في روضة الطالبين: وهذا. 3 في روضة الطالبين: الملتبس. 4 روضة الطالبين للنووي 11/104، وانظر: المجموع للنووي 1/90. 5 وهو قول إمام الحرمين الجويني فقال " ولا بد أن يخبره عدلان بأنه مجتهد" "البرهان 2/1341". 6 قال الشيخ تقي الدين: "ولا يجوز له استفتاء من اعتزى إلى العلم، وإن انتصب في مصب التدريس أو غيره، ويجوز استفتاء من تواتر بين الناس، أو استفاض فيهم، كونه أهلاً للفتوى" "المسودة ص 464". 7 روضة الطالبين 11/103. 8 انظر: التمهيد ص 163، البرهان 2/1341. 9 في ض: بنصب.

"وَيَلْزَمُ وَلِيَّ الأَمْرِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ "مَنْعُ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِعِلْمٍ، أَوْ جُهِلَ حَالُهُ" مِنْ الْفُتْيَا1. قَالَ رَبِيعَةُ: بَعْضُ مَنْ يُفْتِي أَحَقُّ بِالسِّجْنِ مِنْ السُّرَّاقِ2. انْتَهَى. وَلأَنَّ الأَصْلَ، وَالظَّاهِرَ الْجَهْلُ، فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مِنْهُ وَلا يَلْزَمُ الْجَهْلُ بِالْعَدَالَةِ؛ لأَنَّا نَمْنَعُهُ، وَنَقُولُ: لا يُقْبَلُ مَنْ جُهِلَتْ عَدَالَتُهُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: إنَّ مَنْ شَهِدَ مَعَ ظُهُورِ فِسْقِهِ لَمْ يُعَزَّرْ؛ لأَنَّهُ لا يُمْنَعُ صِدْقُهُ3، وَكَلامُهُ هُوَ، وَغَيْرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يَحْرُمُ أَدَاءُ فَاسِقٍ مُطْلَقًا. "وَلا تَصِحُّ" الْفُتْيَا "مِنْ مَسْتُورِ الْحَالِ". قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: صِفَةُ مَنْ تَسُوغُ فَتْوَاهُ الْعَدَالَةُ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَكَذَا أَطْلَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَغَيْرُهُمْ4.

_ 1 انظر: الأنوار 2/398، الفروع 6/425، روضة الطالبين 11/108، المجموع للنووي 1/69، 70، إعلام الموقعين 4/203، 276، صفة الفتوى ص 6، 24. 2 انظر: صفة الفتوى ص 11، المدخل إلى مذهب أحمد ص 195. 3 المغني 10/233. 4 اختلف العلماء في استفتاء مستور الحال على قولين: بالجواز والمنع. انظر: المجموع للنووي 1/70، إعلام الموقعين 4/220، المسودة ص 555، الفروع 6/428، صفة الفتوى ص 29، الروضة ص 384، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194، مختصر الطوفي ص 185، مختصر البعلي ص 167، أصول مذهب أحمد ص 704.

"وَيُفْتِي فَاسِقٌ نَفْسَهُ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَالشَّافِعِيَّةِ وَجَمْعٍ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِأَمِينٍ عَلَى مَا يَقُولُ1. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إعْلامِ الْمُوَقِّعِينَ: قُلْت الصَّوَابُ جَوَازُ اسْتِفْتَاءِ الْفَاسِقِ، إلاَّ أَنْ يَكُونَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ، دَاعِيًا إلَى بِدْعَتِهِ. فَحُكْمُ اسْتِفْتَائِهِ حُكْمُ إمَامَتِهِ وَشَهَادَتِهِ2. انْتَهَى. وَقَالَ3 الطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلا يُشْتَرَطُ4 عَدَالَتُهُ فِي اجْتِهَادِهِ، بَلْ فِي قَبُولِ فُتْيَاهُ وَخَبَرِهِ، وَهُوَ5 مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الأَصْحَابِ. "وَتَصِحُّ" الْفُتْيَا "مِنْ حَاكِمٍ 6" عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَكُونُ كَغَيْرِهِ فِيهَا7. وَقِيلَ: لا يُفْتَى الْحَاكِمُ قَالَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ: أَنَا8 أَقْضِي

_ 1 انظر: المجموع للنووي 1/70، إعلام الموقعين 4/280، المسودة ص 555، الفروع 6/428، صفة الفتوى ص 29، أصول مذهب أحمد ص 703. 2 إعلام الموقعين 4/280. 3 في ش: "وتصح من حاكم"، وقال. 4 في ض: تشترط. 5 في ب ز: وهذا. 6 ساقطة من ش. 7 انظر: المجموع 1/70، روضة الطالبين 11/109، المسودة ص 555، إعلام الموقعين 4/281، صفة الفتوى ص 29، جمع الجوامع 2/397. 8 ساقطة من ب.

لَكُمْ وَلا أُفْتِي. وَقِيلَ: يُفْتِي فِيمَا لا1 يَتَعَلَّقُ بِالأَحْكَامِ، كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلاةِ وَنَحْوِهِمَا. وَلَيْسَتْ فُتْيَا الْحَاكِمِ بِحُكْمٍ عَلَى الصَّحِيحِ2. قَالَ فِي إعْلامِ الْمُوَقِّعِينَ: فُتْيَا الْحَاكِمِ لَيْسَتْ حُكْمًا مِنْهُ، وَلَوْ3 حَكَمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ مَا أَفْتَى بِهِ4: لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِحُكْمِهِ. وَلا هِيَ كَالْحُكْمِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَمَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ، وَمَنْ لا يَجُوزُ5. انتهى. "وَ" عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَمَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ، وَمَنْ لا يَجُوزُ أَنَّ6 لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ "عَلَى عَدُوٍّ" لَهُ7.

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر: المجموع 1/70، المسودة ص 555، صفة الفتوى ص 29، جمع الجوامع 2/397. 3 من إعلام الموقعين، وفي سائر النسخ: فلو. 4 ساقطة من ش. 5 إعلام الموقعين 4/281. 6 في ش: ويجوز. 7 ذكر الأردبيلي الشافعي أن الفتوى تصح على العدو إذا لم تتحكم العداوة بينهما، ثم قال: "وفي قول لا تصح الفتوى مع العداوة كالحاكم والشاهد " "الأنوار 2/398". وانظر: روضة الطالبين 11/109، المجموع 1/70، المسودة ص 555، صفة الفتوى ص 29.

قَالَ1 الْمَاوَرْدِيُّ: لا يُفْتِي عَلَى عَدُوِّهِ، كَالْحُكْمِ عَلَيْهِ2. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ3، وَمَنْ تَبِعَهُمْ: فِعْلُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ إنْ حَكَمَ بِهِ أَوْ غَيْرُهُ وِفَاقًا، كَفُتْيَاهُ، فَجَعَلَ الْفُتْيَا حُكْمًا إنْ حَكَمَ بِهِ هُوَ4 أَوْ غَيْرُهُ. "وَهِيَ" أَيْ: الْفُتْيَا "فِي حَالَةِ غَضَبٍ وَنَحْوِهِ" كَشِدَّةِ جُوعٍ، وَشِدَّةِ عَطَشٍ، وَهَمٍّ5، وَوَجَعٍ، وَبَرْدٍ مُؤْلِمٍ، وَحَرٍّ مُزْعِجٍ، وَمَعَ كَوْنِهِ حَاقِنًا، أَوْ حَاقِبًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ "كَقَضَاءٍ" فَتَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ، كَالصَّحِيحِ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ6. 7وَيُعْمَلُ بِفُتْيَاهُ إنْ أَصَابَ الْحَقَّ، كَمَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إنْ أَصَابَ الْحَقَّ7. "وَلَهُ أَخْذُ رِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ"؛ لأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا عَلَى الْفُتْيَا8،

_ 1 في ش ب: وقال. 2 انظر: المجموع للنووي 1/69. 3 المحرر 2/211. 4 ساقطة من ز. 5 في ب: وكتم. 6 انظر: روضة الطالبين 11/110، المجموع 1/77، المسودة ص 545، أعلام الموقعين 4/289، صفة الفتوى ص 34، الفقثيه والمتفقه 2/180. 7 ساقطة من ش. 8 ساقطة من ش.

فَجَازَ لَهُ أَخْذُ حَقِّهِ1 "فَإِنْ تَعَذَّرَ" أَخْذُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَرَادَ الأَخْذَ عَنْ أُجْرَةِ خَطِّهِ2 "أَخَذَ أُجْرَةَ خَطِّهِ" قَدَّمَهُ فِي التَّحْرِيرِ، تَبَعًا لابْنِ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ3. وَقِيلَ: لا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ4. "وَلِمُتَعَيِّنٍ لَهَا" أَيْ: لِلْفُتْيَا مَعَ كَوْنِهِ "لا كِفَايَةَ لَهُ: أَخْذُ رِزْقٍ مِنْ مُسْتَفْتٍ" عَلَى الصَّحِيحِ5؛ لأَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْخُذْ أَفْضَى إلَى ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِي عَائِلَتِهِ6 - إنْ كَانُوا - وَحَرَجٍ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا، وَإِنْ لَمْ يُفْتِ حَصَلَ أَيْضًا7 لِلْمُسْتَفْتِي ضَرَرٌ. فَتَعَيَّنَ الْجَوَازُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ8. "وَإِنْ جَعَلَ لَهُ" أَيْ: لِلْمُفْتِي "أَهْلُ بَلَدٍ رِزْقًا لِيَتَفَرَّغَ لَهُمْ جَازَ"

_ 1 انظر: روضة الطالبين 11/110، المجموع 1/77، المسودة ص 545، أعلام الموقعين 4/261، 294، الفقيه والمتفقه 2/164، صفة الفتوى ص 35. 2 ساقطة من ش. 3 انظر: روضة الطالبين 11/110، إعلام الموقعين 4/294، الفروع 6/440، صفة الفتوى ص 35. 4 قال بعض العلماء لا يجوز للمفتي أخذ الأجرة مطلقاً، لا على لفظه، ولا على خطه. انظر: إعلام الموقعين 4/294، المسودة ص 545، الفروع 6/440. 5 انظر: المجموع 1/77، المسودة ص 454، الفروع 6/440. 6 في ض: عياله. 7 ساقطة من ز. 8 الفروع 6/439.

ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ1. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ2: لَكِنَّ ظَاهِرَ هَذَا: وَلَوْ كَانَ لَهُ كِفَايَةٌ، وَمَا يَقُومُ بِهِ، فَيُشْكِلُ، أَوْ يُقَالُ: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ " لِيَتَفَرَّغَ لَهُمْ " أَنَّهُ إنْ3 كَانَ مَشْغُولاً بِمَا يَقُومُ بِالْعِيَالِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقِيلَ: لا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَمَالَ إلَيْهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ فِي آدَابِ الْمُفْتِي4. "وَلَهُ" أَيْ: لِلْمُفْتِي "قَبُولُ هَدِيَّةٍ". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: وَالْمُرَادُ لا لِيُفْتِيَهُ5 بِمَا يُرِيدُهُ، وَإِلاَّ حَرُمَتْ زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ لِيَنْفَعَهُ6 بِجَاهِهِ أَوْ مَالِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى. فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُ مِنْ الأَصْحَابِ: جَوَازُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ لِلْمُفْتِي7.

_ 1 انظر روضة الطالبين 11/111، المجموع 1/77، المسودة ص 546، صفة الفتوى ص 35، الفقيه والمتفقه 2/164. 2 ساقطة من ض. 3 ساقطة من ض ز. 4 انظر: صفة الفتوى ص 35. 5 في ض: يفتيه. 6 في ض ب ز: لنفعه. 7 انظر روضة الطالبين 11/111، المجموع 1/77، المسودة ص 546، إعلام الموقعين 4/294، صفة الفتوى ص 35.

وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ1: لا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلاَّ أَنْ يُكَافِئَ. قَالَ أَحْمَدُ " الدُّنْيَا دَاءٌ، وَالسُّلْطَانُ دَاءٌ2، وَالْعَالِمُ طَبِيبٌ. فَإِذَا رَأَيْت الطَّبِيبَ يَجُرُّ الدَّاءَ إلَى نَفْسِهِ فَاحْذَرْهُ. "قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ اسْتِفْتَاءِ مَنْ يَرْغَبُ فِي مَالٍ وَشَرَفٍ بِلا حَاجَةٍ3. "وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتِيَ حَتَّى تَكُونَ4 لَهُ نِيَّةٌ، وَكِفَايَةٌ، وَوَقَارٌ، وَسَكِينَةٌ، وَقُوَّةٌ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ، وَمَعْرِفَةٌ بِهِ وَبِالنَّاسِ"5. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " لا يَنْبَغِي لَهُ6 أَنْ يُفْتِيَ إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ7 لَمْ يَكُنْ لَهُ8 نُورٌ، وَلا عَلَى كَلامِهِ نُورٌ وَحِلْمٌ9، وَوَقَارٌ وَسَكِينَةٌ، قَوِيًّا عَلَى مَا هُوَ فِيهِ،

_ 1 في ش ب: المرزوي. 2 في ز: دواء. 3 انظر: المسودة ص 550، صفة الفتوى ص 12. 4 في ب ز: يكون. 5 انظر: المجموع للنووي 1/69، 77، عرف البشام ص 23، المسودة ص 545، إعلام الموقعين 4/261، صفة الفتوى ص 34. 6 ساقطة من ش ب. 7 ساقطة من ض. 8 في ض ز: عليه. 9 في ش: وحكم.

وَعَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَالْكِفَايَةُ، وَإِلاَّ مَضَغَهُ النَّاسُ، وَمَعْرِفَةُ النَّاسِ "1. انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذِهِ الْخِصَالُ مُسْتَحَبَّةٌ فَيَقْصِدُ الإِرْشَادَ، وَإِظْهَارَ أَحْكَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لا رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَالتَّنْوِيهُ بِاسْمِهِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ: تُرَغِّبُ الْمُسْتَفْتِيَ، وَهُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَخَلَّقُوا بِأَخْلاقِهِمْ، وَالْكِفَايَةُ لِئَلاَّ يَنْسُبَهُ النَّاسُ إلَى التَّكَسُّبِ بِالْعِلْمِ، وَأَخْذِ الْعِوَضِ عَلَيْهِ. فَيَسْقُطُ قَوْلُهُ، وَمَعْرِفَةُ2 النَّاسِ: تَحْتَمِلُ3 حَالَ الرِّوَايَةِ4، وَتَحْتَمِلُ5 حَالَ الْمُسْتَفْتِينَ، فَالْفَاسِقُ6 لا يَسْتَحِقُّ الرُّخَصَ فَلا يُفْتِيهِ بِالْخَلْوَةِ بِالْمَحَارِمِ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَسْكَرُ، وَلا يُرَخِّصُ فِي7 السَّفَرِ لِجُنْدِ8 وَقْتِنَا؛ لِمَعْرِفَتِنَا بِسَفَرِهِمْ، وَالتَّسْهِيلِ عَلَى مُعْتَدَّاتٍ عَلَى صِفَاتِ وَقْتِنَا؛ لِئَلاَّ يَضَعَ9 الْفُتْيَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا.

_ 1 انظر شرح هذه الكلمات والأوصاف للإمام أحمد بإسهاب وتفصيل في "إعلام الموقعين 4/254 وما بعدها" وانظر: أصول مذهب أحمد ص 656. 2 ساقطة من ض. 3 في ش: يحتمل، وفي ب: بحمل. 4 في ش: الراواة. 5 في ش ض ز: ويحتمل. 6 في ش: فالفاجرُ. 7 ساقطة من ب ز. 8 في ش: لجيل. 9 في ش: يضيع.

قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: كَذَا قَالَ. وَالْخَصْلَةُ الأُولَى وَاجِبَةٌ، وَعَنْ عُمَرَ1 مَرْفُوعًا: "إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي: كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمُ اللِّسَانِ" حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ2، وَقَالَ: مَوْقُوفًا أَشْبَهُ، وَعَنْ عُمَرَ قَالَ "كُنَّا نَتَحَدَّثُ: إنَّمَا يُهْلِكُ هَذِهِ الأُمَّةَ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ" رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى3، وَفِيهِ مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ4 وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَالَ مُعَاذٌ: "احْذَرْ زَلَّةَ الْعَالِمِ5، وَجِدَالَ الْمُنَافِقِ"6.

_ 1 في ش ز: عمران. 2 انظر: مسند أحمد 1/22، 44. 3 رواه البزار وأحمد وأبو يعلى، وقال ابن حجر الهيثمي: "ورجاله موثقون". انظر: مجمع الزوائد 1/187. 4 هو مؤمل بن إسماعيل، أبو عبد الرحمن البصري، مولى آل عمر بن الخطاب العدوي، روى عن شعبة والثوري وجماعة، وروى عنه أحمد وإسحاق وابن المديني وطائفة، توفي بمكة سنة 206هـ. واختلف العلماء في روايته، فقال الذهبي في الميزان: "حافظ عالم يخطئ"، وقال الذهبي في المغني: " صدوق مشهور"، وثقه أحمد وابن معين، وذكره أبو داود فعظمه ورفع من شأنه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: صدوق كثير الخطأ، وقال أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير، روى له الترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود وغيرهم. انظر: ميزان الاعتدال 4/228، الخلاصة 2/72، المغني في الضعفاء 2/689، يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/591. 5 في ش: عالم. 6 روى أبو داود معناه بتفصيل عن معاذ رضي الله عنه، وروى ابن حزم والطبراني في "الأوسط" مثله عن معاذ، وروى الدارمي أن عمر بن الخطاب قال: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ ثم قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، =

"وَمَنْ عَدِمَ مُفْتِيًا" "فَلَهُ حُكْمُ مَا قَبْلَ الشَّرْعِ" مِنْ إبَاحَةٍ أَوْ حَظْرٍ أَوْ وَقْفٍ. قَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي1: فَإِنْ2 لَمْ يَجِدْ الْعَامِّيُّ مَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهَا فِي بَلَدِهِ وَلا غَيْرِهِ. فَقِيلَ: لَهُ حُكْمُ مَا قَبْلَ الشَّرْعِ عَلَى الْخِلافِ فِي الْحَظْرِ وَالإِبَاحَةِ وَالْوَقْفِ، وَهُوَ أَقْيَسُ3 انْتَهَى. وَقَطَعَ بِهِ4 ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ. "وَيَلْزَمُ الْمُفْتِيَ تَكْرِيرُ النَّظَرِ" عِنْدَ تَكْرَارِ الْوَاقِعَةِ عِنْدَ الأَكْثَرِ.

_ = وحكم الأئمة المضلين، ورواه الخطيب البغدادي أيضاً، وروى الطبراني والخطيب البغدادي بسنده عن ابن عمر مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشد ما أتخوف على أمتي ثلاثة: زلة عالم وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تقطع رقابكم، فاتهموها على أنفسكم". انظر: سنن أبي داود 2/507، سنن الدارمي 1/71، الإحكام لابن حزم 2/802، الفقيه والمتفقه 1/13، مجمع الزوائد 1/186، 187. 1 صفة الفتوى ص 27. 2 في ض: وإن. 3 ذكر ابن القيم القول الثاني بأنه يخرج على الخلاف في مسألة تعارض الأدلة عند المجتهد، "كما سيأتي ص 427"، فيعمل بالأخف أو الأشد أو يتخير، ثم قال: "والصواب أنه يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع". "إعلام الموقعين 4/279". وانظر: المسودة ص 550، الفروع 6/428، المجموع 1/94، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196. 4 ساقطة من ض.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ1 النَّظَرَ كَانَ مُقَلِّدًا لِنَفْسِهِ2 لاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ إذَا تَكَرَّرَ3 النَّظَرُ، قَالَ: وَكَالْقِبْلَةِ يُجْتَهَدُ لَهَا ثَانِيًا وَاعْتُرِضَ فَيَجِبُ تَكْرِيرُهُ4 أَبَدًا رُدَّ: نَعَمْ وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فِيهِ5. وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لا يَلْزَمُ؛ لأَنَّ الأَصْلَ6 بَقَاءُ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَعَدَمُ غَيْرِهِ وَلُزُومُ السُّؤَالِ ثَانِيًا فِيهِ الْخِلافُ فَلا يَكْتَفِي السَّائِلُ بِالْجَوَابِ الأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا قُلْنَا فِي تَكَرُّرِ النَّظَرِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَالآمِدِيِّ7: إنْ ذَكَرَ الْمُفْتِي طَرِيقَ الاجْتِهَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِلاَّ لَزِمَهُ8، وَهُوَ ظَاهِرٌ9.

_ 1 في ض: يتكرر. 2 في ش: لينظر لنفسه. 3 في ض ز: كرر. 4 في ش: تكرره. 5 ساقطة من ش. 6 ساقطة من ب. 7 الإحكام للآمدي 4/233. 8 في باب: لزم. 9 جزم الباقلاني وابن عقيل وأكثر علماء الأصول بلزوم تكرير النظر، وصحح ابن الحاجب وغيره عدم تجديد النظر، وذهب الرازي والنووي وابن السبكي وأبو الحسين البصري إلى التفصيل كالآمدي، ولكن أدلتهم تؤول إلى عدم التجديد. انظر هذه الأقوال الثلاثة مع أدلتها ومناقشتها في "المسودة ص 467، 522، 542، المجموع 1/78، إعلام الموقعين 4/295، صفة الفتوى ص 37، شرح تنقيح الفصول ص 442، التمهيد ص 162، مختصر ابن الحاجب 2/307، جمع الجوامع 2/394، المحصول 2/3/95، الإحكام للآمدي=

"وَ" يَلْزَمُ "الْمُسْتَفْتِيَ" أَيْضًا "تَكْرِيرُ السُّؤَالِ عِنْدَ تَكْرَارِ1 الْوَاقِعَةِ"؛ لأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ نَظَرُ الْمُفْتِي2 وَهَذَا الصَّحِيحُ3؛ لَكِنَّ مَحَلَّ الْخِلافِ إذَا عَرَفَ الْمُسْتَفْتِي أَنَّ جَوَابَ الْمُفْتِي مُسْتَنِدٌ4 إلَى الرَّأْيِ5. كَالْقِيَاسِ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَالْغَرَضُ: أَنَّ الْمُقَلَّدَ حَيٌّ، فَإِنْ عُرِفَ اسْتِنَادُ الْجَوَابِ إلَى نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، فَلا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ السُّؤَالِ ثَانِيًا قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُقَلَّدُ مَيِّتًا6.

_ =4/233، نهاية السول 3/265، غاية الوصول ص 150، تيسير التحرير 4/231، المعتمد 2/932، فواتح الرحموت 2/394، مختصر البعلي ص 167، اللمع ص 72. 1 في ب: تكرر. 2 في ش: المفتي مستندا إلى الرأي. 3 أيد الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي هذا الرأي، وخالفه النووي، وقال: "ولا يلزمه، وهو الأصح"، وهذا رأي أبي عمرو ابن الصلاح أيضاً. انظر: روضة الطالبين 11/105، المجموع 1/93، المسودة ص 467، 468، 522، البرهان 2/1343، المنخول ص 482، أعلام الموقعين 4/330، صفة الفتوى ص 82، غاية الوصول ص 151، فواتح الرحموت 2/394، تيسير التحرير 2/232، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/395، شرح تنقيح الفصول ص 432. 4 في ب: مستنداً. 5 في ض: رأي. 6 انظر: روضة الطالبين 11/104.

فصل: لا يفتي إلا مجتهد

"فَصْلٌ" "لا يُفْتِي إلاَّ مُجْتَهِدٌ". عِنْدَ أَكْثَرِ الأَصْحَابِ، وَمَعْنَاهُ عَنْ1 أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَ2يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِقَوْلِ مَنْ تَقَدَّمَ، وَقَالَ أَيْضًا3: يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقُرْآنِ، وَالأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ وَالسُّنَنِ. وَقَالَ أَيْضًا: لا يَجُوزُ الاخْتِيَارُ إلاَّ لِعَالِمٍ بِكِتَابٍ وَسُنَّةٍ4. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الاخْتِيَارُ5 تَرْجِيحُ قَوْلٍ، وَقَدْ يُفْتِي

_ 1 في ض: عند. 2 ساقطة من ب ز. 3 ساقطة من ش ب. 4 انظر تعريف المفتي، وشروطه، وخاصة اشتراط الاجتهاد وعدمه في "المسودة ص544، 545، إعلام الموقعين 1/46، 47، وما بعدها، 4/254، 262، الأنوار 2/395، روضة الطالبين 11/109، المجموع 1/69، البرهان 2/1330، الفقيه والمتفقه 2/152، 156، شرح الورقات ص 230، تيسير التحرير 4/242، فواتح الرحموت 2/401، صفة الفتوى ص 4، 13، 25، عرف البشام ص 12 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 2/690 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/305، اللمع ص71، الإحكام للآمدي 4/222، نهاية السول 3/256، المعتمد 2/929، الفروق 2/107، مختصر البعلي ص 167، المدخل إلى مذهب أحمد ص 195، أصول مذهب أحمد ص 654". 5 في ز: والاختيار.

بِالتَّقْلِيدِ. انتهى. وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالتَّرْغِيبِ: يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، لأَجْلِ الضَّرُورَةِ1. وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يُفْتِيَ، إنْ2 كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى الْمَأْخَذِ، أَهْلاً لِلنَّظَرِ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ3 مَنْ عَرَفَ مَذْهَبَهُ، وَقَامَ بِتَفْرِيعِ الْفِقْهِ عَلَى أُصُولِهِ، وَقَدَرَ عَلَى التَّرْجِيحِ فِي مَذْهَبِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ كَإِفْتَاءِ الْمُجْتَهِدِ بِنَفْسِهِ. فَالْمُجْتَهِدُ الْمُقَدَّمُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، وَهُوَ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِتَقْرِيرِ مَذْهَبِهِ، وَيَعْرِفُ مَأْخَذَهُ مِنْ أَدِلَّتِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ، بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ لَقَرَّرَهُ كَذَلِكَ، فَهَذَا يُفْتِي بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِالْمَأْخَذِ، وَهَؤُلاءِ أَصْحَابُ4 الْوُجُوهِ. وَدُونَهُمْ فِي الرُّتْبَةِ: أَنْ يَكُونَ فَقِيهَ النَّفْسِ، حَافِظًا لِلْمَذْهَبِ، قَادِرًا عَلَى التَّفْرِيعِ وَالتَّرْجِيحِ، فَهَلْ لَهُ الإِفْتَاءُ5 بِذَلِكَ؟ أَقْوَالٌ: أَصَحُّهَا يَجُوزُ6. انتهى.

_ 1 انظر: الفروع 6/422. 2 في ض ز: إذا. 3 في ب: المجتهدين. 4 في ب: وهو لأصحاب. 5 في ب: المفتي. 6 ذكر ابن حاجب أربعة أقوال، وهي: الأول: يجوز، وهو قول الجماهير، والثاني: لا يجوز مطلقاً، وهو مذهب أبي الحسين البصري، والثالث: يجوز عند=

وَقَالَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ1 مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ حَفِظَ مَذْهَبَ إمَامٍ أَفْتَى بِهِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: يُفْتِي الْمُتَبَحِّرُ فِيهِ. وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي عَامِّيٍّ عَرَفَ حُكْمَ حَادِثَةٍ بِدَلِيلِهَا2: يُفْتِي، أَوْ إنْ كَانَ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ الْمَنْعُ3 مُطْلَقًا، وَهُوَ أَصَحُّ،

_ =عدم المجتهد، وهو قول جماعة، والرابع: يجوز إن كان مطلعاً على المأخذ، أهلاً للنظر، واختاره ابن الحاجب، ولكل قول دليله. انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/308، جمع الجوامع 2/397، وما بعدها، المعتمد 2/932، فواتح الرحموت 2/404، تيسير التحرير 4/249، فتح الغفار 3/37، الفروق 2/107 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/236، نهاية السول 3/256، صفة الفتوى ص 18 وما بعدها، 24، إرشاد الفحول ص 269، الوسيط ص 598. 1 هو أبو بكر بن أحمد بن عبد الله، أبو بكر، المعروف بالقفال المرزوي، والقفال الصغير، الفقيه الشافعي، شيخ طريقة الخرسانيين أو المراوزة، وكان معتمد المذهب في بلاده، وله مؤلفات كثيرة، وتخاريجه جيدة، وإذا أطلق القفال في كتب الفقه فهو المقصود، والقفال الشاشي أو الكبير أكثر ذكراً في الأصول والتفسير، قال ابن السبكي عن القفال المرزوي: "كان إماماً كبيراً، وبحراً عميقاً، غواصاً على المعاني الدّقيقة"، تفقه به جماعة كثيرة، ومات سنة 417هـ، ودفن بسجستان. انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 5/53، وفيات الأعيان 2/250، شذرات الذهب 3/207، البداية والنهاية 12/21، تهذيب الأسماء 2/282، مفتاح السعادة 2/324، طبقات الشافعية للإسنوي 2/298". 2 في ش: بدليل. 3 في ب: لمنع.

وَ1فِيهِ أَوْجُهٌ2. انتهى3. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: فَمَنْ أَفْتَى وَلَيْسَ عَلَى4 صِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ: فَهُوَ عَاصٍ آثِمٌ5. وَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ تَقْلِيدُ أَهْلِ الْحَدِيثِ. قَالَ: سَأَلَ عَبْدُ اللَّهِ الإِمَامَ أَحْمَدَ فِيمَنْ أَهْلُ مِصْرِهِ6 أَصْحَابُ رَأْيٍ، وَأَصْحَابُ حَدِيثٍ لا يَعْرِفُونَ الصَّحِيحَ: لِمَنْ يَسْأَلُ؟ قَالَ: أَصْحَابَ الْحَدِيثِ7. قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُهُ تَقْلِيدُهُمْ8. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: ظَاهِرُ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ صَاحِبَ

_ 1 ساقطة من ب. 2 في ب: أو جهل. 3 انظر: المسودة ص 545، إعلام الموقعين 4/228، 249، صفة الفتوى ص 25، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/308، الإحكام للآمدي 4/236، شرح الورقات ص 243، تيسير التحرير 4/249، فتح الغفار 3/37، إرشاد الفحول ص 269. 4 من صفة الفتوى، وفي ش ز: له، وفي ب: معه. 5 صفة الفتوى ص 24. 6 في ض: مصر، وفي ب: نصره، وفي ز: مصره. 7 انظر: إعلام الموقعين 1/49. 8 في ب: تقليده.

الْحَدِيثِ أَحَقُّ بِالْفُتْيَا، وَحَمَلَهَا عَلَى أَنَّهُمْ1 فُقَهَاءُ، أَوْ2 أَنَّ السُّؤَالَ يَرْجِعُ إلَى الرِّوَايَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْقَاضِي قَوْلَ أَحْمَدَ: "لا يَكُونُ فَقِيهًا حَتَّى يَحْفَظَ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ3 حَدِيثٍ" وَحَمَلَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالاحْتِيَاطِ4، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ "الأُصُولُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَلْفًا، أَوْ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ"5. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ ابْنَ شَاقِلا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِهِ6، فَقَالَ: إنْ كُنْت لا أَحْفَظُ فَإِنِّي أُفْتِي بِقَوْلِ مَنْ يَحْفَظُ7 أَكْثَرَ مِنْهُ. قَالَ الْقَاضِي: لا يَقْتَضِي هَذَا: أَنَّهُ8 كَانَ يُقَلِّدُ أَحْمَدَ، لِمَنْعِهِ الْفُتْيَا بِلا عِلْمٍ9.

_ 1 في ب: أنه. 2 في ض ز: و. 3 في ض: أربعة آلاف. 4 انظر: المسودة ص 513 وما بعدها، صفة الفتوى ص 20، إعلام الموقعين 1/47، 4/262، الرد على من اخلد إلى الأرض ص 151، المدخل إلى مذهب أحمد ص 181. 5 انظر: المسودة ص 516. 6 ساقطة من ش. 7 في ض: يحفظه. 8 في ض: أن. 9 انظر: المسودة ص 516، إعلام الموقعين 1/47.

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: ظَاهِرُهُ تَقْلِيدُهُ، إلاَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَخْذِ1 طُرُقِ الْعِلْمِ مِنْهُ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ بَطَّةَ: لا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا يَسْمَعُ2 مِنْ3 مُفْتٍ. وَرُوِيَ4 عَنْ ابْنِ بَشَّارٍ5: مَا أَعِيبُ عَلَى رَجُلٍ حَفِظَ لأَحْمَدَ خَمْسَ مَسَائِلَ اسْتَنَدَ6 إلَى سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ يُفْتِي بِهَا7. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي فَضْلِهِ8. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَذَا9 صَرِيحٌ فِي10 الإِفْتَاءِ بِتَقْلِيدِ أَحْمَدَ.

_ 1 في ض ز: أخذه. 2 في ش ب: سمع. 3 في ش: عن. 4 في ز: ورُوي. 5 هو علي بن محمد بن بشار، أو الحسن، الزاهد العارف، حدث عن أبي بكر المروذي، وصالح وعبد الله ابني الإمام أحمد، وغيرهم وسمع جميع مسائل صالح لأبيه أحمد من صالح، وحدث بها، وسمعها منه جماعة، وكان شيوخ الحنابلة في زمانه يقصدونه ويعظمونه، توفي سنة 313هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/57، المنهج لأحمد 2/7، شذرات الذهب 2/267". وهناك الحسين بن بشار ممن أخذ عن أحمد، "انظر: طبقات الحنابلة 1/142". 6 في ش: أن يستند. 7 انظر: طبقات الحنابلة 2/63، 142، المنهج لأحمد 2/11، إعلام الموقعين 4/253، الفروع 6/422. 8 انظر: إعلام الموقعين 4/253، أصول مذهب أحمد ص 656. 9 في ش: هو. 10 في ض ز: ب.

وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ إلاَّ تَوْلِيَةَ1 قَاضٍ مُجْتَهِدٍ: إنَّمَا عَنَى قَبْلَ اسْتِقْرَارِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ وَانْحِصَارِ2 الْحَقِّ فِيهَا3. وَقَالَ الآمِدِيُّ: بِجَوَازِ4 بَعْضِ الإِفْتَاءِ بِالتَّقْلِيدِ5. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ ابْنِ بَشَّارٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي الإِيضَاحِ6، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا. كَالْحَنَفِيَّةِ؛ لأَنَّهُ نَاقِلٌ كَالرَّاوِي. رُدَّ، لَيْسَ إذًا مُفْتِيًا7، بَلْ مُخْبِرٌ. ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقُ، وَزَادَ8: فَيَحْتَاجُ9 مُخْبِرٌ10 عَنْ مُعَيَّنٍ مُجْتَهِدٍ11، فَيُعْمَلُ بِخَبَرِهِ لا بِفُتْيَاهُ12.

_ 1 في ب: التولية. في 2 ض ب ز: وانحصر. وانظر المسودة ص 539. 3 في ب: فيه، وانظر المسودة ص 538. 4 في ض ب ز: جوز. 5 انظر: الإحكام للآمدي 4/236 بالمعنى. 6 في ش: الافصاح. والايضاح لأبي الفرج المقدسي الشيرازي. 7 في ش: بفتيا. 8 ساقطة من ب. 9 في ب: فيحتاجه. 10 في ض ب: يخبر. 11 ساقطة من ب. 12 انظر: الفروع 6/422، 428، والمراجع السابقة التي ذكرناها عند بيان الأقوال الأربعة في فتوى غير المجتهد.

"وَلا يَجُوزُ خُلُوٌّ عَنْهُ" أَيْ: عَنْ1 مُجْتَهِدٍ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لا يَجُوزُ خُلُوُّ الْعَصْرِ عَنْ مُجْتَهِدٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَطَوَائِفَ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا2: ذَكَرَهُ أَكْثَرُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الأُصُولِ فِي مَسَائِلِ الإِجْمَاعِ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَقِيلٍ خِلافَهُ، إلاَّ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ وَجَمْعٌ مِنْهُمْ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ3.

_ 1 ساقطة من ض. 2 ساقطة من ب. 3 اختلفت أراء العلماء في مألة جواز خلو العصر من مجتهدن فقال الجمهور بجواز ذلك، واختاره الآمدي وابن الحاجب والغزالي والقفال وغيرهم، وقال طائفة بعدم جوازه، وأن الاجتهاد فرض في كل عصر، وهو قول الحنابلة وبعض الشافعية كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني وغيره، وأيده الشوكاني والشهرستاني، وتحمس له السيوطي رحمه الله، وألف فيه كتاباً، وذكر اتفاق العلماء من جميع المذاهب عليه، ونقل نصوصهم في مختلف العصور، وأجاز ابن دقيق العيد ذلك عند أشراط الساعة فقط، وكان الأجدر أن تذكر هذه المسألة في فصل الاجتهاد. انظر: مجموع الفتاوى 20/204، إعلام الموقعين 2/270، 275، الإحكام للآمدي 4/233، المسودة ص472، مختصر البعلي ص167، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/398، فتح الغفار 3/37، فواتح الرحموت 2/399، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/307، تيسير التحرير 4/240، إرشاد الفحول ص 253، أصول مذهب أحمد ص 638، المدخل إلى مذهب أحمد ص 191، الرد عل من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض، للسيوطي ص 67، 97 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص 435، الملل والنحل 1/205، الوسيط ص 513.

قَالَ الْكَرْمَانِيُّ1 فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ" إلَى آخِرِهِ2 قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ3؛ لأَنَّ أُمَّتَهُ آخِرُ الأُمَمِ. وَعَلَيْهَا تَقُومُ السَّاعَةُ، وَإِنْ ظَهَرَتْ أَشْرَاطُهَا، وَضَعُفَ الدِّينُ، فَلا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ أُمَّتِهِ مَنْ

_ 1 هو محمد بن يوسف بن علي، شمس الدين الكرماني، أصله من كرمان، ثم اشتهر في بغداد، لأنه تصدى لنشر العلم فيها ثلاثين سنة، وأقام مدة بمكة، ودخل مصر والشام، وكان عالما في الفقه والحديث والتفسير والتوحيد وأصول الفقه والمعاني والعربية، وكان فيه بشاشة وتواضع للفقراء والعلماء، ألف كتباً كثيرة منها "شرح البخاري" وسماه "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" وشرح "مختصر ابن الحاجب" في الأصول مع مختصرات أخرى، وسمى شرحه: "السبعة السيارة"، وتوفي أثناء رجوعه من الحج عام 786هـ، وحمل إلى بغداد، ودفن فيها. انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 5/77، الأعلام 8/27، الفتح المبين 2/202، مفتاح السعادة 1/212". 2 رواه البخاري وغيره، وسبق تخريجه "1/324هـ،2/221" وانظر: صحيح البخاري مع حاشية السندي 2/126، 185، 4/178، 196، صحيح البخاري بشرح الكرماني 2/38، 4/194، 13/92. 3 هو علي بن خلف بن عبد الملك، الإمام أبو الحسن، الحافظ، الفقيه، الشهير بابن بطال المالكي، من أهل قرطبة، كان من أهل الفهم والعلم والمعرفة، عني بالحديث العناية التامة، وأتقنه، وحدث عنه جماعة من العلماء، وشرح "صحيح البخاري" قال القاضي عياض عنه: "يتنافس فيه، كثير الفائدة"،وله كتاب في الزهد والرقائق، وخرج إلى بلنسية، وتوفي سنة 449هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الديباج المذهب ص 203، شجرة النور الزكية ص 115، ترتيب المدرك 2/827، شذرات الذهب 3/283، تذكرة الحفاظ 3/1127".

يَقُومُ بِهِ1. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يَقُولَ أَحَدٌ: اللَّهُ اللَّهُ"2 وَقَالَ أَيْضًا "لا تَقُومُ السَّاعَةُ إلاَّ عَلَى شِرَارِ النَّاسِ" 3. قُلْنَا: هَذِهِ الأَحَادِيثُ لَفْظُهَا عَلَى الْعُمُومِ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْخُصُوصُ. فَمَعْنَاهُ: لا تَقُومُ عَلَى أَحَدٍ يُوَحِّدُ اللَّهَ تَعَالَى إلاَّ بِمَوْضِعِ كَذَا، 4إذْ لا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ الْقَائِمَةُ بِالْحَقِّ الَّتِي تُوَحِّدُ اللَّهَ

_ 1 هذا من كلام الكرماني، ولم ينسبه إلى ابن بطال، "انظر: صحيح البخاري بشرح الكرماني 2/38-39". 2 هذا الحديث رواه مسلم والترمذي وأحمد عن أنس مرفوعاً. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 2/170، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 6/451، مسند أحمد 3/107، 201، 259. 3 هذا الحديث رواه أحمد عن ابن مسعود، ورواه ابن ماجه عن أنس، والحاكم عن أبي أمامة، ورواه مسلم موقوفاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ورد عليه عقبة بن عامر بالحديث المرفوع: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين ... "، قال عبد الله: أجل ثم يبعث الله ريحا كريح المسك، مسها مس الحرير، فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس، عليهم تقوم الساعة". انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 13/67،68، سنن ابن ماجه 2/1341، مسند أحمد 1/394، المستدرك 4/440، الفقيه والمتفقه 1/5، الرد على من أخلد إلى الأرض ص 111، الفتح الكبير 3/334. 4 في ش ب تكرار وزيادة مشوشة: "إذ لا يجوز أن تكون الطائفة القائمة بالحق التي توحد الله تعالى إلا بموضع كذا، فإن به طائفة قائمة على الحق، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس بموضع كذا، إذ لا يجوز أن تكون الطائفة القائمة بالحق التي توحد الله تعالى هي شرار الخلق".

تَعَالَى هِيَ1 شِرَارُ الْخَلْقِ. وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ2. قِيلَ: وَأَيْنَ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَوْ أَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" 3 انتهى4. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَاخْتَارَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُنْوَانِ مَذْهَبَ الْحَنَابِلَةِ، وَكَذَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ5 الإِلْمَامِ6، بَلْ7 أَشَارَ8 إلَى ذَلِكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ9، وَكَذَا ابْنُ بُرْهَانٍ فِي الأَوْسَطِ، لَكِنَّ كَلامَهُمْ مُحْتَمِلٌ الْحَمْلَ عَلَى عِمَارَةِ الْوُجُودِ

_ 1 في ش ب: هم. 2 ساقطة من ض ب ز. 3 حديث أبي أمامة رواه الإمام أحمد مرفوعاً، وروى البخاري قريباً منه عن معاوية ومعاذ، "انظر: مسند أحمد 5/269، صحيح البخاري بشرح الكرماني 4/194". وسبق تخريج الحديث كاملاً "2/221". 4 انتهى كلام الكرماني عن نفسه، ولم ينقل النص السابق عن ابن بطال، وإنما ذكر بعد ذلك كلاماً للنووي، وبعده نقل كلام ابن بطال، وهو: "وفي الحديث فضل العلماء على سائر الناس ... " "انظر: صحيح البخار بشرح الكرماني 2/38-39". 5 ساقطة من ز. 6 في ض: الإمام. 7 ساقطة من ز. 8 في ب: إشارة. 9 البرهان 2/1346.

بِالْعُلَمَاءِ، لا عَلَى خُصُوصِ الْمُجْتَهِدِينَ. انتهى. وَاخْتَارَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ: جَوَازَ ذَلِكَ، إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ1. وَقِيلَ: إنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ عُدِمَ مِنْ زَمَنٍ طَوِيلٍ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: وَمِنْ زَمَنٍ طَوِيلٍ عُدِمَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ2، مَعَ أَنَّهُ3 الآنَ أَيْسَرُ مِنْهُ فِي الزَّمَنِ الأَوَّلِ؛ لأَنَّ الْحَدِيثَ، وَالْفِقْهَ قَدْ دُوِّنَا، وَكَذَا4 مَا يَتَعَلَّقُ بِالاجْتِهَادِ مِنْ الآيَاتِ وَالآثَارِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنَّ الْهِمَمَ قَاصِرَةٌ، وَالرَّغَبَاتِ فَاتِرَةٌ، وَنَارَ الْجِدِّ وَالْحَذَرِ5 خَامِدَةٌ، 6وَعَيْنَ الْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ7 جَامِدَةٌ، اكْتِفَاءً8 بِالتَّقْلِيدِ، وَاسْتِغْنَاءً9 عَنْ10

_ 1 جمع الجوامع 2/398. 2 ساقطة من ض. 3 ساقطة من ض. 4 في ض: كذا وكذا. 5 في ش: والحزر. 6 ساقطة من صفة الفتوى. 7 في ش ب: الخشية والخوف. 8 في ض: اكتفى 9 في ض: واستغنى. 10 في ب: من.

التَّعَبِ الْوَكِيدِ1، وَهَرَبًا مِنْ2 الأَثْقَالِ، وَأَرَبًا فِي تَمْشِيَةِ الْحَالِ، وَبُلُوغِ الآمَالِ، وَلَوْ بِأَقَلِّ الأَعْمَالِ3. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فُقِدَ الآنَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ، وَمِنْ دَهْرٍ طَوِيلٍ4، نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ5 فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ لِجَمْعِ6 الْجَوَامِعِ7. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: لأَنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ كَالْمُجْمِعِينَ أَنْ لا مُجْتَهِدَ الْيَوْمَ. نَقَلَهُ الأَرْدَبِيلِيُّ8

_ 1 في ش: الوليد وفي "مختار الصحاح ص 734": "التوكيد لغة في التأكيد، وقد وكّد الشيء وأوكدهبمعنى، والواو أفصح". 2 في ضض: عن. 3 صفة الفتوى ص 17. 4 المجموع بشرح المهذب 1/71، وانظر: المسودة ص 547. 5 في ب: الأسيوطي. 6 في ز: منظومة جمع. 7 نقل السيوطي عبارة الفقهاء بأن المجتهد المطلق فقد من قديم في كتابه "الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض ص 112 وما بعدها" وانتقدها وعقب عليها بكلام طويل، وبين الفرق بين المجتهد المستقل الذي استقل بقواعد لنفسه، فإنه فقد من دهر، وبين المجتهد المطلق غير المستقل الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد التي اتصف بها المجتهد المستقل ثم لم يبتكر قواعد، وهذا متوفر، وهو فرض كفاية على الأمة في كل عصر وزمان. 8 هو يوسف بن إبراهيم، الأردبيلي، جمال الدين، الشافعي، الفقيه من أهل أردبيل في بلاد أذربيجان، كان كبير القدر، غزير العلم، وله كتاب: "الأنوار لعمل الأبرار" في الفقه الشافعي، جمع فيه ما تعم به البلوى من المسائل المهمة التي لا تذكر في الكتب المعتمدة، وعليه تعليقات، وله شرح مختصر، بقي جمال الدين في أردبيل، ومات فيها سنة 799هـ، وقيل غير ذلك. 1 انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 5/259، كشف الظنون 1/167، الأعلام للزركلي 9/282".

فِي الأَنْوَارِ1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لَمَّا نَقَلَ كَلامَهُمَا: وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ بَعْدَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ2 ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ3 وَالْبُلْقِينِيُّ4. "وَمَا يُجِيبُ بِهِ الْمُقَلِّدُ عَنْ حُكْمٍ فَإِخْبَارٌ5 عَنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ، لا فُتْيَا" قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْمُوَفَّقُ. وَتَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ6. "وَيُعْمَلُ بِخَبَرِهِ" أَيْ: بِخَبَرِ الْمُخْبِرِ "إنْ كَانَ عَدْلاً" لأَنَّهُ نَاقِلٌ. كَالرَّاوِي.

_ = الدين في أردبيل، ومات فيها سنة 799هـ، وقيل غير ذلك. 1 انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 5/259، كشف الظنون 1/167، الأعلام للزركلي 9/282". الأنوار 2/395. 2 في ش: قاله. 3 في ض ع ب: وابن السبكي. 4 انظر: الرد على من أخلد إلى الأرض ص 117 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 253-254. 5 في ض فأخبر. 6 صفحة 415-416، وانظر: المراجع المشار إليها هناك، إعلام الموقعين 4/253، 273.

"وَلِعَامِّيٍّ تَقْلِيدُ مَفْضُولٍ" مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ: الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ1، وَقَالَهُ2 الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ3. وَقِيلَ: يَصِحُّ إنْ اعْتَقَدَهُ فَاضِلاً أَوْ مُسَاوِيًا، لا4 إنْ اعْتَقَدَهُ مَفْضُولاً5؛ لأَنَّهُ6 لَيْسَ مِنْ الْقَوَاعِدِ: أَنْ يُعْدَلَ7 عَنْ الرَّاجِحِ إلَى الْمَرْجُوحِ8.

_ 1 الروضة ص 385. 2 في ض: وقال. 3 قال بجواز تقليد المفضول أكثر العلماء، ورجحه ابن الحاجب وغيره، لكن ابن بدران قال: "الأظهر وجوب متابعة الأفضل". انظر: نزهة الخاطر 2/454، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194، مختصر البعلي ص 167، مختصر الطوفي ص 185، المسودة ص 462، 464، إعلام الموقعين 4/330، صفة الفتوى ص 56، المستصفى 2/390، المنخول ص 479، شرح تنقيح الفصول ص 432، التمهيد ص 163، مختصر ابن الحاجب 2/309، جمع الجوامع 2/395، غاية الوصول ص 151، تيسير التحرير 4/251، فتح الغفار 3/37، البرهان 2/1342، فواتح الرحموت 2/404، القواعد للعز بن عبد السلام 2/159، الرد على من أخلد إلى الأرض ص154، 156، إرشاد الفحول ص 271. 4 في ب: لأن. 5 في ض: مفضول. 6 في ض: ولأنه. 7 في ب: تعدل. 8 نقل ابن الحاجب عن أحمد وابن سريج وجوب تقديم الأرجح، واختار ابن السبكي جواز تقليد المفضول إن اعتقده فاضلاً. انظر: مختصر ابن الحاجب 2/309، جمع الجوامع 2/395، الروضة ص 385، إرشاد الفحول ص 272.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ وَالسَّمْعَانِيُّ: يَلْزَمُهُ الاجْتِهَادُ. فَيُقَدَّمُ الأَرْجَحُ. وَمَعْنَاهُ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَالْمُوَفَّقِ فِي الْمُقْنِعِ1. وَلأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ2. وَاسْتَدَلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ كَانَ يُفْتِي مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ، مَعَ الاشْتِهَارِ وَالتَّكْرَارِ3، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى جَوَازِ اسْتِفْتَائِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِفْتَاءِ4 الْفَاضِلِ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 5 وَأَيْضًا: فَالْعَامِّيُّ6 لا يُمْكِنُهُ التَّرْجِيحُ لِقُصُورِهِ. وَلَوْ كُلِّفَ بِذَلِكَ لَكَانَ تَكْلِيفًا بِضَرْبٍ مِنْ الاجْتِهَادِ. لَكِنْ زَيَّفَ ابْنُ الْحَاجِبِ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَظْهَرُ بِالتَّسَامُعِ، وَرُجُوعِ الْعُلَمَاءِ إلَيْهِ، وَإِلَى7 غَيْرِهِ لِكَثْرَةِ الْمُسْتَفْتِينَ، وَتَقْدِيمِ

_ 1 انظر: المقنع 4/245. 2 أيد ابن القيم قول ابن عقيل في الاجتهاد وتقديم الأرجح. انظر: إعلام الموقعين 4/330، صفة الفتوى ص69، 82، المسودة ص 462، 463، 464، 471، المعتمد 2/939، فواتح الرحموت 2/404، تيسير التحرير 4/251 وما بعدها. 3 ساقطة من ب. 4 ساقطة من ب. 5 الآية 7 من الأنبياء 6 في ض: العامي. 7 في ع ب ز: و.

الْعُلَمَاءِ لَهُ1. "وَيَلْزَمُهُ" أَيْ2: وَيَلْزَمُ الْعَامِّيَّ "إنْ بَانَ لَهُ الأَرْجَحُ" مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ "تَقْلِيدُهُ" فِي الأَصَحِّ. زَادَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: فِي الأَظْهَرِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: لا يَجُوزُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَفِيهِ نَظَرٌ3، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ سُؤَالِ آحَادِ الصَّحَابَةِ مَعَ وُجُودِ أَفَاضِلِهِمْ4. "وَيُقَدَّمُ الأَعْلَمُ" مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ "عَلَى الأَوْرَعِ" فِي الأَصَحِّ؛ لأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِالأَعْلَمِ؛ وَلأَنَّهُ لا تَعَلُّقَ لِمَسَائِلِ الاجْتِهَادِ بِالْوَرَعِ5. "وَيُخَيَّرُ" الْعَامِّيُّ "فِي" تَقْلِيدِ أَحَدِ "مُسْتَوَيَيْنِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ

_ 1 مختصر ابن الحاجب 2/309. 2 ساقطة من ش ب. 3 في ش: نظراً. 4 انظر: المجموع 1/90، روضة الطالبين 11/104، المستصفى 2/390، الإحكام للآمدي 4/237، مختصر ابن الحاجب 2/309، صفة الفتوى ص 56، المسودة ص 464، 537 وما بعدها، نزهة الخاطر 2/454، إعلام الموقعين 4/331، اللمع ص 22، المحصول 2/3/113. 5 انظر: روضة الطالبين 11/104، 112، المسودة ص 463، 538، صفة الفتوى ص 82، المنخول ص 483، التمهيد ص 163، جمع الجوامع 2/396، المحصول 2/3/113، البرهان 2/1344، المعتمد 2/947.

أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ1. قَالَ2 فِي الرِّعَايَةِ: وَلا يَكْفِيهِ مَنْ لَمْ تَسْكُنْ نَفْسُهُ إلَيْهِ فَلا بُدَّ مِنْ سُكُونِ النَّفْسِ وَالطُّمَأْنِينَةِ بِهِ. وَقِيلَ لأَحْمَدَ: مَنْ نَسْأَلُ بَعْدَك؟ قَالَ: عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ3، فَإِنَّهُ صَالِحٌ، مِثْلُهُ يُوَفَّقُ لِلْحَقِّ4. "وَلا يَلْزَمُهُ" أَيْ: لا يَلْزَمُ5 الْعَامِّيَّ "التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ يَأْخُذُ بِرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ" فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ6.

_ 1 وهذا ما نص عليه الغزالي والآمدي وابن الحاجب والمجد وغيرهم. انظر: المسودة ص 466، صفة الفتوى ص 69، المحصول 2/3/113، الإحكام للآمدي 4/237، مختصر ابن الحاجب 2/309، مختصر البعلي ص 169، البرهان 2/1344، المعتمد 2/940، المستصفى 2/390، أصول مذهب أحمد ص 663. 2 في ش ب ز: وقال. 3 هو عبد الوهاب بن عبد الحكم، ويقال: ابن الحكم بن نافع، أبو الحسن البغدادي، الوراق، النسائي الأصل، صحب الإمام أحمد، وأثنى عليه، وسمع منه، ومن أناس كثيرين، وكان صالحاً ورعاً زاهداً عاقلاً، عاش في بغداد، وقال عنه الإمام أحمد: قلّ من يرى مثله، وكان ثقة في الحديث، روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي، تفي سنة 251هـ وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/209، المنهج لأحمد 1/123، الخلاصة 2/186". 4 انظر: المنهج لأحمد 1/125، طبقات الحنابلة 1/211. 5 ساقطة من ب ش. 6 وهذا ما رجحه ابن القيم وقال: "وهو الصواب المقطوع به " ورجحه النووي وابن برهان وغيرهما، وقال ابن السبكي وزكريا الأنصاري والكيا الهراسي: =

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الأَخْذِ بِرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ1 " طَاعَةُ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ: وَ2هُوَ خِلافُ الإِجْمَاعِ، وَتَوَقَّفَ أَيْضًا فِي جَوَازِهِ3، وَقَالَ أَيْضًا: إنْ خَالَفَهُ لِقُوَّةِ دَلِيلٍ4، أَوْ زِيَادَةِ عِلْمٍ، أَوْ تَقْوَى، فَقَدْ5 أَحْسَنَ، وَلَمْ يَقْدَحْ فِي عَدَالَتِهِ بِلا نِزَاعٍ. وَقَالَ أَيْضًا: بَلْ يَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَأَنَّهُ نَصُّ أَحْمَدَ. وَكَذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ الْحَنَفِيُّ6: مَا ظَنَّهُ أَقْوَى،

_ = والأصح أنه يجب التزام مذهب معين. انظر: المجموع 1/90-91، روضة الطالبين 11/117، مختصر البعلي ص 168، المسودة ص 465، إعلام الموقعين 4/331، صفة الفتوى ص 71، شرح تنقيح الفصول ص 432، جمع الجوامع 2/400، الوسيط ص 578، غاية الوصول ص 152، تيسير التحرير 4/253، إرشاد الفحول ص 252. 1 في ش: وعن أئمة. 2 ساقطة من ش. 3 انظر: المسودة ص 512. 4 في ش: دين. 5 في ش: فهو. 6 هو أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أبو الحسين القدوري الحنفي صاحب المختصر المشهور في الفقه، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق، وكان حسن العبارة، وروى الحديث، وكان صدوقا، صنف "المختصر" المعروف باسمه، وهو من أشهر المختصرات عند الحنفية، وعليه شروح كثيرة، كما صنف "التجريد" في الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة، و"التقريب" في الخلاف بين أبي حنيفة وأصحابه، وكان يناظر أبا حامد الإسفراييني الشافعي، وروى عنه الخطيب البغدادي الحديث، وكان مديماً لقراءة القرآن، مات ببغداد سنة 428هـ. انظر ترجمته "الفوائد البهية ص 30، تج التراجم ص7، وفيات الأعيان 1/60، البداية والنهاية 12/24، الأعلام 1/206، مفتاح السعادة 2/280"

فَعَلَيْهِ1 تَقْلِيدُهُ فِيهِ، وَلَهُ الإِفْتَاءُ بِهِ حَاكِيًا مَذْهَبَ مَنْ قَلَّدَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّ مِنْ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ: أَنْ يُقِيمَ أَوْثَانًا فِي الْمَعْنَى تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، مِثْلَ: أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَقُّ، فَيَقُولَ2: هَذَا لَيْسَ3 مَذْهَبُنَا، تَقْلِيدًا لِمُعَظَّمٍ عِنْدَهُ، قَدْ قَدَّمَهُ عَلَى الْحَقِّ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا يَحِلُّ لِحَاكِمٍ وَلا لِمُفْتٍ تَقْلِيدُ رَجُلٍ، فَلا يَحْكُمُ، وَلا يُفْتِي إلاَّ بِقَوْلِهِ4. وَقِيلَ: بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَذَا الأَشْهَرُ، فَلا يُقَلِّدُ غَيْرَ أَهْلِهِ5، وَقَالَ فِي مُصَنَّفِهِ آدَابِ الْمُفْتِي: يَجْتَهِدُ فِي أَصَحِّ الْمَذَاهِبِ فَيَتَّبِعُهُ6 وَقَطَعَ إلْكِيَا مِنْ

_ 1 في ش: عليه. 2 في ش: فيقول مثلاً. 3 في ش: هذ، وفي ب: ليس هذا. 4 الإحكام لابن حزم 2/793، 844، 861. 5 يرى كثير من العلماء أن المقلد لا يجوز له أن يحكم بخلاف رأي إمامه، ولو كان معتقداً ترجيح ذلك. انظر: شرح منتهى الإرادات 4/262، الإحكام للآمدي 203. 6 صفة الفتوى ص 72، 82، وانظر: إعلام الموقعين 4/331، جمع الجوامع 2/400، البرهان 2/1353، شرح منتهى الإرادات 4/262، إرشاد الفحول ص 272.

الشَّافِعِيَّةِ بِلُزُومِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا كَلامُ الأَصْحَابِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ: أَنَّهُ لا يَلْزَمُهُ. "وَلا" يَلْزَمُهُ1 أَيْضًا "أَنْ لا يَنْتَقِلَ مِنْ2 مَذْهَبٍ عُمِلَ بِهِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ "فَيَتَخَيَّرُ فِي الصُّورَتَيْنِ" وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي كَلامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَغَيْرِهِ3. "وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ" أَيْ: عَلَى الْعَامِّيِّ "تَتَبُّعُ الرُّخَصِ" وَهُوَ أَنَّهُ كُلَّمَا وَجَدَ رُخْصَةً فِي مَذْهَبٍ عَمِلَ بِهَا، وَلا يَعْمَلُ بِغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ. "وَيَفْسُقُ بِهِ" أَيْ: بِتَتَبُّعِ الرُّخَصِ. لأَنَّهُ لا يَقُولُ بِإِبَاحَةِ جَمِيعِ الرُّخَصِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ: فَإِنَّ4 الْقَائِلَ5 بِالرُّخْصَةِ فِي

_ 1 روضة الطالبين 1/111، 117، وانظر: المجموع 1/91، المسودة ص 465، 472، القواعد للعز بن عبد السلام 2/159. 2 في ض ع ز: عن. 3 ذكر ابن الحاجب وغيره ثلاثة أقوال في حكم الانتقال من مذهب إلى مذهب آخر، بالمنع والجواز والتفضيل. انظر: روضة الطالبين 11/108، شرح تنقيح الفصول ص 432، التمهيد ص 162، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/209، جمع الجوامع 2/400، الإحكام للآمدي 4/238، تيسير التحرير 4/253، فتح الغفار 3/37، فواتح الرحموت 2/406، القواعد للعز بن عبد السلام 2/158، إرشاد الفحول ص 272. 4 ساقطة من ش. 5 في ش: فالقائل.

هَذَا الْمَذْهَبِ لا يَقُولُ بِالرُّخْصَةِ1 الأُخْرَى الَّتِي2 فِي غَيْرِهِ3. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ إجْمَاعًا4. وَمِمَّا يُحْكَى: أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ تَتَبَّعَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ. وَجَمَعَهَا فِي كِتَابٍ، وَذَهَبَ بِهِ5 إلَى بَعْضِ الْخُلَفَاءِ، فَعَرَضَهُ عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الأَعْيَانِ، فَلَمَّا رَآهَا قَالَ " يَا6 أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذِهِ زَنْدَقَةٌ فِي الدِّينِ، وَلا يَقُولُ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ"7. وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ، فِي فِسْقِ مَنْ8 أَخَذَ بِالرُّخَصِ رِوَايَتَيْنِ، وَحَمَلَ الْقَاضِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مُتَأَوِّلٍ أَوْ مُقَلِّدٍ.

_ 1 في ض: الرخص. 2 ساقطة من ش. 3 انظر: روضة الطالبين 11/108، مختصر البعلي ص 168، المسودة ص 218وما بعدها، إعلام الموقعين 4/283، المستصفى 2/391، جمع الجوامع 2/400، تيسير التحرير 4/254، فواتح الرحموت 2/406، الموافقات 4/93، 96، إرشاد الفحول ص 272، الوسيط ص 583. 4 انظر: فواتح الرحموت 2/406. 5 ساقطة من ب. 6 ساقطة من ض. 7 هذه الحكاية ذكرها البيهقي عن القاضي إسماعيل، قال دخلت على المعتضد فرفع إليّ كتاباً ... " وتتمته: "وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد بإحراق الكتاب" "انظر: إرشاد الفحول ص 272". 8 ساقطة من ض.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَرُوِيَ عَدَمُ فِسْقِهِ عَنْ ابْنِ1 أَبِي هُرَيْرَةَ2. "وَيَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ مُجْتَهِدٌ بِمُوجَبِ اعْتِقَادِهِ فِيمَا لَهُ، وَ" فِيمَا "عَلَيْهِ" حَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إجْمَاعًا، وَهُوَ وَاضِحٌ3. "وَإِنْ عَمِلَ عَامِّيٌّ" فِي حَادِثَةٍ "بِمَا4 أَفْتَاهُ مُجْتَهِدٌ لَزِمَهُ" الْبَقَاءُ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَى فَتْوَى غَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا إجْمَاعًا. نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ5 وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا6. "وَإِلاَّ" أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا أَفْتَاهُ الْمُجْتَهِدُ "فَلا" يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر: روضة الطالبين 11/108، جمع الجوامع 2/400، إرشاد الفحول ص 272. 3 انظر الفروع 6/423، إعلام الموقعين 4/228، 334، مختصر البعلي ص 168. 4 في ض: فيما. 5 مختصر ابن الحاجب 2/309. 6 نقل الآمدي وابن الحاجب الإجماع على عدم جواز رجوع المقلد فيما عمل به من الفتوى، وقال الزركشي بوجود الخلاف في المسألة، وقال الشيخ زكريا الأنصاري: "يجوز له الرجوع فيها". انظر: الإحكام للآمدي 4/238، مختصر ابن الحاجب 2/309، جمع الجوامع 2/399، غاية الوصول شرح لب الأصول ص 152، تيسير التحرير 4/253، فتح الغفار 3/37، التمهيد ص 161، 162، إرشاد الفحول ص 272، فواتح الرحموت 2/405.

"إلاَّ بِالْتِزَامِهِ" ذَلِكَ1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ: هَذَا الأَشْهَرُ. وَقِيلَ: مَعَ ظَنِّهِ أَنَّهُ حَقٌّ، فَعَلَى هَذَا لا بُدَّ مِنْ شَيْئَيْنِ: الْتِزَامُهُ، وَظَنُّهُ أَنَّهُ حَقٌّ، اخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ بِظَنِّهِ2 أَنَّهُ حَقٌّ فَقَطْ3. "وَإِنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ" أَيْ: عَلَى الْعَامِّيِّ "مُجْتَهِدَانِ" بِأَنْ أَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِحُكْمٍ، وَالآخَرُ بِغَيْرِهِ "تَخَيَّرَ4" فِي الأَخْذِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمَجْدُ5، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ6 ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ7، فَإِنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الطَّلاقِ؟ فَقَالَ: إنْ فَعَلَ حَنِثَ، فَقَالَ السَّائِلُ: إنْ أَفْتَانِي

_ 1 انظر روضة الطالبين 11/117، المجموع 1/93، مختصر البعلي ص 168، المسودة ص 524، إعلام الموقعين 4/283، 334، صفة الفتوى ص 81، مختصر ابن الحاجب 2/309، جمع الجوامع 2/399 وما بعدها. 2 في ز: لظنه. 3 انظر: روضة الطالبين 11/118، المسودة ص 524، صفة الفتوى ص 81. 4 في ب: يخير. 5 المسودة ص 519. 6 في ض ب ع: وذكره. 7 انظر: صفة الفتوى ص 81، المجموع 1/92، المسودة ص 463، 467، 519، 538 وما بعدها، المستصفى 2/391، شرح تنقيح الفصول ص 442، المحصول 2/3/112، اللمع ص 72، الروضة ص 385، مختصر البعلي ص 167، أصول مذهب أحمد ص 700، إرشاد الفحول ص 271.

إنْسَانٌ أَنْ1 لا أَحْنَثَ. قَالَ: تَعْرِفُ2 حَلْقَةَ الْمَدَنِيِّينَ3؟ قُلْت: فَإِنْ أَفْتَوْنِي حَلَّ. قَالَ: نَعَمْ4. وَقِيلَ. يَأْخُذُ بِقَوْلِ الأَفْضَلِ5 عِلْمًا وَدِينًا. فَإِنْ اسْتَوَيَا تَخَيَّرَ6، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُوَفَّقِ فِي الرَّوْضَةِ7. وَقِيلَ: يَأْخُذُ بِالأَغْلَظِ وَالأَثْقَلِ مِنْ قَوْلَيْهِمَا. وَقِيلَ: بِالأَخَفِّ. وَقِيلَ: بِالأَرْجَحِ دَلِيلاً. وَقِيلَ: يَسْأَلُ ثَالِثًا8.

_ 1 ساقطة من ش، وفي ض: في أن. 2 في ع: أتعرف. 3 في "المسودة ص 463" حلقة المدنيين –حلقة بالرصافة-. 4 انظر: المسودة ص 463،صفة الفتوى ص 82، الروضة 386. 5 في ش: الأفضل منهم. 6 في ب: يخير. 7 الروضة ص 385. وهذا اختيار الغزالي "المستصفى 2/391، المنخول ص 483" وصححه النووي في "روضة الطالبين 11/105" وانظر: صفة الفتوى ص 80. 8 في المسألة سبعة أقوال، فانظر هذه الأقوال مع تعليلها في "صفة الفتوى ص 80-81، روضة الطالبين 11/105، المجموع 1/92، تيسير التحرير 4/255، اللمع ص 72، الروضة ص 386، المسودة ص 463، إعلام الموقعين 4/333، المستصفى 2/391، المنخول ص 483، شرح تنقيح الفصول ص 442، المحصول 2/2/541، 2/3/112، البرهان 2/1344، المعتمد 2/939، إرشاد الفحول ص 271، المدخل إلى مذهب أحمد ص 194، أصول مذهب أحمد ص 700، مختصر الطوفي ص 186.

فصل: للمفتي رد الفتوى

فصل: للمفتي رد الفتوى ... "فَصْلٌ" "لِمُفْتٍ رَدُّهَا" أَيْ: رَدُّ1 الْفُتْيَا "وَ" مَحَلُّهُ إذَا كَانَ "فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ" أَيْ: الرَّادِّ. وَهُوَ "أَهْلٌ لَهَا" أَيْ: لِلْفُتْيَا2 "شَرْعًا" وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ؛ لأَنَّ الْفُتْيَا - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - فِي حَقِّهِ سُنَّةٌ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ الشَّافِعِيُّ3: لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا، وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ. لأَنَّهُ بِالسُّؤَالِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ4. "وَإِلاَّ" أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ غَيْرُهُ "لَزِمَهُ الْجَوَابُ" قَطْعًا،

_ 1 ساقطة من ب. 2 في ض: الفتيا. 3 هو الحسين بن محمد بن حليم، أبو عبد الله الحليمي، الشيخ الإمام القاضي، أحد أئمة الدهر، وشيخ الشافعية فيما وراء النهر، وله وجوهٌ حسنة في المذهب، وهو شيخ المحدثين في عصره، ولي القضاء ببخارى، وصنف كتاب "المنهج في شعب الإيمان" وحدث بنيسابور، وأخذ عند الحافظ أبو عبد الله الحاكم وغيره، توفي سنة 403هـ. انظرترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 4/333، البداية والنهاية 11/349، التاج المكلل ص 41، وفيات الأعيان 1/403، طبقات الشافعيّة للإسنوي 1/404". 4 انظر: المسودة ص 512، تيسير التحرير 4/242.

ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا1. "إلاَّ عَمَّا2 لَمْ يَقَعْ" فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُهُ3 الْجَوَابُ عَنْهُ4 "وَ" إلاَّ "مَا لا5 يَحْتَمِلُهُ سَائِلٌ6" فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ7 "وَ" إلاَّ "مَا لا يَنْفَعُهُ" أَيْ: يَنْفَعُ السَّائِلَ مِنْ الْجَوَابِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيبَهُ8، وَقَدْ سُئِلَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ. أَمُسْلِمُونَ هُمْ؟ فَقَالَ لِلسَّائِلِ: أَحْكَمْتَ الْعِلْمَ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْ ذَا؟ وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي اللِّعَانِ؟ فَقَالَ: سَلْ -رَحِمَك اللَّهُ- عَمَّا اُبْتُلِيتَ بِهِ، وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَنْ مَسْأَلَةٍ؟ فَغَضِبَ وَقَالَ: خُذْ -وَيْحَكَ- فِيمَا تَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِيَّاكَ وَ9هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْمُحْدَثَةَ10، وَخُذْ

_ 1 انظر: المجموع 1/75، المسودة ص 512، صفة الفتوى ص 6، الفقيه والمتفقه 2/182، تيسير التحرير 4/242، اللمع ص 72، مختصر البعلي ص 168، الفروع 6/433. 2 في ش: ما. 3 في ض: يلزم. 4 انظر: روضة الطالبين 11/110، المجموع 1/75، مختصر البعلي ص 168، إعلام الموقعين 1/75، 4/203، 282، صفة الفتوى ص 30، سنن الدارمي 1/50، 56، الفقيه والمتفقه 2/7 وما بعدها. 5 في ض ش: لم. 6 في ش ع ب: السؤال. 7 في ب: إجابته له. 8 في ش: يجيب. 9 ساقطة من ب. 10 في ض: الأسئلة.

مَا1 فِيهِ حَدِيثٌ. وَسُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ؟ فَقَالَ: لَيْتَ إنَّا2 نُحْسِنُ مَا جَاءَ فِيهِ الأَثَرُ. وَلأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "لا تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ3 "4 وَلَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ عَنْ الصَّحَابَةِ: مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إلاَّ عَمَّا يَنْفَعُهُمْ5. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ السُّؤَالِ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ6 بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ7 إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاَللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} 8 وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَفِي لَفْظٍ "إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ذَلِكَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا9. وَفِي حَدِيثِ اللِّعَانِ فَكَرِهَ صَلَّى اللَّهُ

_ 1 في ش ب: فيما. 2 في ش: لنا. 3 ساقطة من ع ب ز. 4 رواه الدارمي في باب "كراهة الفتيا"، ورواه الخطيب البغدادي. انظر سنن الدارمي 1/50، الفقيه والمتفقه 2/7 وما بعدها. 5 هذا جزء من حديث رواه الدارمي عن ابن عباس موقوفاً. انظر: سنن الدارمي 1/51 إعلام الموقعين 1/75. 6 انظر: الأم 5/113، الرسالة ص 151 هامش. 7 في ع ب ض ز: أشياء، الآية. 8 الآية 101 من المائدة. 9 صحيح البخاري بحاشية السندي 2/40، صحيح مسلم بشرح النووي 12/10، وسبق تخريجه كاملاً ص 371.

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا1 قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كُرِهَ السُّؤَالُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ كَوْنِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ؛ لأَنَّ الاجْتِهَادَ إنَّمَا يُبَاحُ ضَرُورَةً، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ: "أَيُّهَا النَّاسُ: لا تُعَجِّلُوا بِالْبَلاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ"2 وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُرْسَلاً: مَعْنَاهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعِكْرِمَةَ "مَنْ سَأَلَك عَمَّا لا يَعْنِيهِ3 فَلا تُفْتِهِ" وَسَأَلَ الْمَرْوَزِيُّ4 أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْعَدْلِ5. فَقَالَ: لا تَسْأَلْ عَنْ هَذَا، فَإِنَّك لا تُدْرِكُهُ6، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ:

_ 1 حديث اللعان صحيح، وسبق تخريجه "3/179، 182"، وهذا الجزء من الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة ومالك وأحمد عن سهل بن سعد الساعدي في قصة عويمر العجلاني. انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 3/183، صحيح مسلم بشرح النووي 10/130، سنن أبي داود 1/520، سنن النسائي 6/140، سنن ابن ماجه 1/667، مسند أحمد 334، الموطأ ص 350، الفقيه والمتفقه 2/7. 2 هذا جزء من حديث رواه الدارمي والخطيب البغدادي عن معاذ رضي الله عنه موقوفاً. انظر: سنن الدارمي 1/56، الفقيه والمتفقه 2/12. 3 في ب: يعني. 4 هو هيدام بن قتيبة، المعروف بالمروزي، روى عن أحمد وجماعة، وكان ثقة عابداً، وروى عنه جماعة، مات سنة 174هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/395، المنهج لأحمد 1/169، تاريخ بغداد 14/96". وفي ع ز: المروذي. 5 في ش: العدد. 6 في ش: تتركه.

أَنَّهُ يَحْرُمُ إلْقَاءُ عِلْمٍ لا يَحْتَمِلُهُ السَّامِعُ1، لاحْتِمَالِ أَنْ يَفْتِنَهُ وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَنَّهُ لا يَنْبَغِي إلْقَاءُ عِلْمٍ لا يَحْتَمِلُهُ السَّامِعُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ2 عَلِيٌّ3 " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ "4. وَفِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إلاَّ كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ"5. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْغُلُوطَاتِ 6 رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد7. قِيلَ8 -بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاحِدُهَا غَلُوطَةٌ- وَهِيَ الْمَسَائِلُ الَّتِي

_ 1 ساقطة من ض ع ب ز. 2 في ع ز: وقال. 3 ساقطة من ز. 4 صحيح البخاري مع حاشية السندي 1/26. 5 صحيح مسلم بشرح النووي 1/76. 6 في ع: الأغلوطات. 7 هذا الحديث رواه أحمد وأبو داود والخطيب البغدادي عن معاوية مرفوعاً. انظر: مسند أحمد 5/435، سنن أبي داود 2/288، الفقيه والمتفقه 2/11. 8 في ض ز: وقيل.

يُغَالَطُ بِهَا، وَقِيلَ: بِضَمِّهَا، وَأَصْلُهَا الأُغْلُوطَاتُ1. "وَكَانَ السَّلَفُ يَهَابُونَهَا وَيُشَدِّدُونَ فِيهَا2، وَيَتَدَافَعُونَهَا" وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ تَهَجَّمَ3 فِي الْجَوَابِ، وَقَالَ: لا يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ مَا يُسْتَفْتَى فِيهِ4. "وَيَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِيهَا وَتَقْلِيدُ مَعْرُوفٍ بِهِ" أَيْ: بِالتَّسَاهُلِ؛ لأَنَّ أَمْرَ الْفُتْيَا خَطَرٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتْبَعَ السَّلَفَ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ كَانُوا يَهَابُونَ الْفُتْيَا كَثِيرًا5، وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا لا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنْ يَقُولَهُ6. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ اكْتَفَى فِي فُتْيَاهُ بِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ7

_ 1 قال الأوزاعي: الغلوطات شداد المسائل وصعابها، وقال آخرون: أراد بذلك المسائل التي يغالط بها العلماء ليزِلّوا فيها، فيهيج بذلك شر وفتنة، وذكر الخطيب البغدادي معاني أخرى كثيرة. انظر سنن أبي داود 2/288 هامش، مسند أحمد 5/435، الفقيه والمتفقه 2/11، إعلام الموقعين 1/73، النهاية في غريب الحديث 3/378. 2 ساقطة من ب. 3 في ب: يتهجم. 4 انظر: صفة الفتوى ص 7، الفقيه والمتفقه 2/12، 15، 155، صحيح البخاري بحاشية السندي 4/175، سنن الدارمي 1/52 وما بعدها، 75، تيسير التحرير 4/242. 5 انظر: صفة الفتوى 31، روضة الطالبين 11/110، المجموع 1/76، عرف البشام ص 26، إعلام الموقعين 4/282، الفروع 6/428، سنن الدارمي 1/57، 60. 6 في ب ز: يقول. 7 في ش: وجهه.

فِي الْمَسْأَلَةِ، مِنْ1 غَيْرِ نَظَرٍ فِي تَرْجِيحٍ وَلا تَقَيُّدٍ2 بِهِ: فَقَدْ جَهِلَ وَخَرَقَ الإِجْمَاعَ3. وَذُكِرَ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ: أَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الَّذِي لِصَدِيقِي عَلَيَّ: أَنْ أُفْتِيَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ. قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا لا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الإِجْمَاعِ. "وَلا بَأْسَ" لِمَنْ سُئِلَ "أَنْ يَدُلَّ" مَنْ سَأَلَهُ "عَلَى" رَجُلٍ "مُتَّبَعٍ" أَيْ: يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ4. قِيلَ لِلإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الرَّجُلُ يَسْأَلُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ5، فَأَدُلُّهُ عَلَى إنْسَانٍ. هَلْ عَلَيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: إنْ6 كَانَ رَجُلاً مُتَّبَعًا فَلا بَأْسَ، وَلا يُعْجِبُنِي رَأْيُ أَحَدٍ7. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي وَاضِحِهِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إعْلامُ الْمُسْتَفْتِي بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ إنْ كَانَ أَهْلاً لِلرُّخْصَةِ. كَطَالِبِ التَّخَلُّصِ مِنْ الرِّبَا، فَيَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَرَى التَّحَيُّلَ لِلْخَلاصِ مِنْهُ، وَالْخُلْعِ بِعَدَمِ وُقُوعِ

_ 1 في ب: ب. 2 في ض ع: تقليد. 3 انظر: إعلام الموقعين 4/269. 4 انظر: المسودة ص 513، إعلام الموقعين 4/264، الفقيه والمتفقه 2/194 وما بعدها. 5 في ز: مسألة. 6 في ع: لا إن. 7 انظر: المسودة ص 513.

الطَّلاقِ1. انْتَهَى. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ فِي فُرُوعِهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُمْ جَاءُوهُ بِفَتْوَى، فَلَمْ تَكُنْ عَلَى مَذْهَبِهِ. فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِحَلْقَةِ الْمَدَنِيِّينَ. فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا جَاءَهُ الْمُسْتَفْتِي، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ رُخْصَةٌ لَهُ2: أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَهُ فِيهِ رُخْصَةٌ. انْتَهَى. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَلا يَسَعُ النَّاسَ فِي هَذِهِ الأَزْمِنَةِ غَيْرُ هَذَا. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ3: عَجَبًا لِقَوْمٍ عَرَفُوا الإِسْنَادَ وَصِحَّتَهُ، يَدَعُونَهُ وَيَذْهَبُونَ إلَى رَأْيِ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ4 أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ5 أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 6 الْفِتْنَةُ: الْكُفْرُ. وَقَالَ رَجُلٌ لأَحْمَدَ: إنَّ7 ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ كَذَا وَكَذَا8.

_ 1 انظر: إعلام الموقعين 4/264، الفقيه والمتفقه 2/194. 2 ساقطة من ض ع ب ز. 3 ساقطة من ض ع ب ز. 4 في ب ض ز: أمره، الآية. 5 في ع: فتنة، الآية. 6 الآية 63 من النور. 7 ساقطة من ض. 8 ساقطة من ش ض ب ز.

قَالَ: ابْنُ الْمُبَارَكِ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ السَّمَاءِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مِنْ ضِيقِ عِلْمِ الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: التَّقْلِيدُ لِلأَكَابِرِ أَفْسَدُ الْعَقَائِدِ، وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُنَاظِرَ بِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ، إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْبَعَ الدَّلِيلَ، فَإِنَّ أَحْمَدَ أَخَذَ فِي الْجَدِّ بِقَوْلِ زَيْدٍ، وَخَالَفَ أَبَا بَكْرٍ1 الصِّدِّيقَ2. وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: مِنْ أَكْبَرِ الآفَاتِ: الإِلْفُ لِمَقَالَةِ مَنْ سَلَفَ، أَوْ السُّكُونُ3 إلَى قَوْلِ مُعَظَّمٍ فِي النَّفْسِ لا بِدَلِيلٍ، فَهُوَ أَعْظَمُ حَائِلٍ عَنْ الْحَقِّ، وَبَلْوَى تَجِبُ مُعَالَجَتُهَا. وَقَالَ فِي الْفُنُونِ: مَنْ قَالَ فِي مُفْرَدَاتِ أَحْمَدَ: الانْفِرَادُ لَيْسَ بِمَحْمُودٍ، قَالَ: الرَّجُلُ مِمَّنْ يُؤْثِرُ الْوَحْدَةَ. ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ عَلِيٍّ " اعْرَفْ الْحَقَّ تَعْرِفْ أَهْلَهُ "4 وَانْفِرَادُ الشَّافِعِيِّ، وَصَوَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَمَنْ يُعَيَّرُ5 بَعْدَ هَذَا بِالْوَحْدَةِ.

_ 1 ساقطة من ض ب ع ز. 2 انظر: الفروع 6/432. 3 في ع: و. 4 انظر: الفروع 6/432. 5 في ش: يعبر.

فصل في مسائل تتعلق بآداب المستفتي والمفتي

"فَصْلٌ" فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِآدَابِ1 الْمُسْتَفْتِي وَالْمُفْتِي2. مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي كِتَابِهِ3 آدَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي4. فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ "يَنْبَغِي حِفْظُ الأَدَبِ5 مَعَ مُفْتٍ وَإِجْلالُهُ" إيَّاهُ "فَلا يَفْعَلُ مَعَهُ مَا جَرَتْ عَادَةُ الْعَوَامّ بِهِ، كَإِيمَاءٍ بِيَدِهِ فِي وَجْهِهِ، وَلا" يَقُولُ6 لَهُ مَا لا يَنْبَغِي7، وَلا "يُطَالِبُهُ بِالْحُجَّةِ" عَلَى مَا يُفْتِي بِهِ8 "وَلا يُقَالُ لَهُ: إنْ كَانَ جَوَابُك9 مُوَافِقًا10 فَاكْتُبْ، وَإِلاَّ فَلا" تَكْتُبْ "وَنَحْوَهُ" كَقَوْلِهِ11: مَا مَذْهَبُ إمَامِك

_ 1 في ش: بأدب. 2 انظر آدادب المفتي والمستفتي في "الأنوار 2/398، المجموع 1/93 وما بعدها، عرف البشام ص 5، 9، الفقيه والمتفقه 2/98، 110، 177، الفروع 6/428". 3 في ض: كتاب. 4 صفة الفتوى ص 29 وما بعدها، 57 وما بعدها، 68 وما بعدها. 5 في ب: الآداب. 6 في ب: بقوله. 7 انظر: صفة الفتوى ص 83 بتصرف. 8 انظر: صفة الفتوى ص 84، روضة الطالبين 11/106، المسودة ص 554، الفقيه والمتفقه 2/180. 9 في ع: جوابا. 10 في "صفة الفتوى ص 83": موافقاً لمن أجاب فيها. 11 في ز: وهو كقوله.

فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ أَوْ مَا تَحْفَظُ فِي كَذَا؟ أَوْ أَفْتَانِي غَيْرُك بِكَذَا، أَوْ أَفْتَانِي فُلانٌ بِكَذَا1، أَوْ قُلْت أَنَا كَذَا، أَوْ وَقَعَ لِي كَذَا2. "لَكِنْ إنْ عَلِمَ" الْمُفْتِي "غَرَضَ السَّائِلِ" فِي شَيْءٍ "لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكْتُبَ غَيْرَهُ". وَلا يَسْأَلُهُ3 فِي حَالَةِ ضَجَرٍ، أَوْ هَمٍّ، أَوْ غَضَبٍ، أَوْ4 نَحْوِ ذَلِكَ5. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ: لِلْعَامِّيِّ سُؤَالُ الْمُفْتِي عَنْ مَأْخَذِهِ اسْتِرْشَادًا، وَيَلْزَمُ الْعَالِمَ حِينَئِذٍ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ الدَّلِيلَ، إنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ، لا الظَّنِّيَّ؛ لافْتِقَارِهِ إلَى مَا يَقْصُرْ فَهْمُ الْعَامِّيِّ عَنْهُ6. "وَلا يَجُوزُ" لِلْمُفْتِي "إطْلاقُ الْفُتْيَا فِي اسْمٍ مُشْتَرَكٍ"7.

_ 1 ساقطة من ب. 2 انظر: صفة الفتوى ص 83. 3 ساقطة من ض ب ع ز. 4 في ع: و. 5 انظر: روضة الطالبين 11/106، عرف البشام ص 23. 6 انظر صفة الفتوى ص 66، 84، المسودة ص 554، إعلام الموقعين 4/208، 240، 328، جمع الجوامع 2/397، المجموع 1/86، تيسير التحرير 4/247. 7 انظر: المجموع 1/79، الفقيه والمتفقه 2/190، الفروع 6/435، مختصر البعلي ص 168.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فَنُونِهِ: إجْمَاعًا. قَالَ: وَمِنْ هُنَا إرْسَالُ أَبِي1 حَنِيفَةَ: مَنْ سَأَلَ أَبَا يُوسُفَ عَمَّنْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ، فَقَصَرَهُ وَجَحَدَهُ: هَلْ لَهُ أُجْرَةٌ2 إنْ عَادَ فَسَلَّمَهُ3 لِرَبِّهِ؟ وَقَالَ4: إنْ قَالَ نَعَمْ أَوْ لا، فَقَدْ أَخْطَأَ. فَجَاءَ إلَيْهِ5، فَقَالَ: إنْ كَانَ قَصَرَهُ قَبْلَ جُحُودِهِ: فَلَهُ الأُجْرَةُ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ جُحُودِهِ فَلا أُجْرَةَ لَهُ6؛ لأَنَّهُ قَصَرَهُ لِنَفْسِهِ7. وَاخْتَبَرَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ أَصْحَابًا لَهُ فِي بَيْعِ رِطْلِ تَمْرٍ، بِرِطْلِ تَمْرٍ8، فَأَجَازُوا فَخَطَّأَهُمْ، فَمَنَعُوا فَخَطَّأَهُمْ، فَخَجِلُوا، فَقَالَ: إنْ تَسَاوَيَا كَيْلاً تَجُوزُ9، فَهَذَا يُوَضِّحُ10 خَطَأَ الْمُطْلَقِ فِي كُلِّ مَا احْتَمَلَ التَّفْصِيلَ.

_ 1 في ش: وقد أرسل أبو. 2 في ض ع ز: فهل. 3 في ض ع ب ز: سلمه. 4 في ع: قال. 5 في "الفروع 6/ 435": إليه، ففطن أبو يوسف. 6 ساقطة من ع. 7 انظر تفصيل الفقصة في "الفقيه والمتفقه 2/41، الفروع 6/435". 8 ساقطة من ش. 9 في ش: تجوز. وانظر: الفروع 6/435". 10 في ش: لو صح.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ1، وَيُتَوَجَّهُ عَمَلُ2 بَعْضِ3 أَصْحَابِنَا بِظَاهِرِهِ4. "وَلا" يَجُوزُ لِلْمُفْتِي "أَنْ يُكَبِّرَ خَطَّهُ، أَوْ يُوَسِّعَ الأَسْطُرَ" لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ5 غَيْرِهِ بِلا إذْنِهِ وَلا حَاجَةَ، كَمَا لَوْ أَبَاحَهُ قَمِيصَهُ، فَاسْتَعْمَلَهُ فِيمَا يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ6 بِلا حَاجَةٍ7. "أَوْ يُكْثِرَ" مِنْ الأَلْفَاظِ8 "إنْ أَمْكَنَهُ اخْتِصَارٌ فِيهَا"9 أَيْ: فِي10 فُتْيَا "وَلا فِي شَهَادَةٍ بِلا إذْنِ مَالِكٍ" قَالَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. قَالَ11 فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ. لا سِيَّمَا فِي الْفَتَاوَى، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا إذَا كَتَبُوا عَلَيْهَا أَطْنَبُوا، وَزَادُوا عَلَى

_ 1 في ش: قال، لتصرفه في ملك غيره بلا إذنه، ولا حاجة، كما لو أباحه قميصه. 2 في ش: عن. 3 ساقطة من ع. 4 في ش ب ز: بظاهر. 5 في ش ز: ملك. 6 في ش: ليس بالعادة. 7 انظر الفروع 6/425، المجموع 1/80، صفة الفتوى ص 59، مختصر البعلي ص 168. 8 في ع: الألفاظ أو يكثر. 9 انظر: صفة الفتوى ص 60. 10 ساقطة من ع. 11 في ش: قاله.

الْمُرَادِ، بَلْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُسْأَلُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، فَيُجِيبُ فِيهَا بِمُجَلَّدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا كَثِيرًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُتَوَجَّهُ مَعَ قَرِينَةٍ: خِلافٌ لَنَا1، يَعْنِي عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ2.

_ 1 في ز: خلافاً. 2 ساقطة من ع ز.

باب ترتيب الأدلة والتعادل والتعارض والترجيح

"بَابُ تَرْتِيبِ الأَدِلَّةِ، وَالتَّعَادُلِ، وَالتَّعَارُضِ، وَالتَّرْجِيحِ" اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى الْكَلامُ فِي مَبَاحِثِ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَكَانَتْ الأَدِلَّةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا رُبَّمَا تَعَارَضَ مِنْهَا1 دَلِيلانِ بِاقْتِضَاءِ حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، وَكَانَ مِنْ مَوْضُوعِ2 نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَضَرُورَاتِهِ: تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا، اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ التَّرْتِيبِ وَالتَّعَادُلِ وَالتَّعَارُضِ، 3وَالتَّرْجِيحِ، وَحُكْمُ كُلٍّ مِنْهَا4. وَذَلِكَ إنَّمَا يَقُومُ بِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ، فَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْمُوَفَّقُ وَالآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ5 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُمْ بَابَ

_ 1 في ش: فيها. 2 في ب: موضع. 3 في ش: فقد، وسقط الباقي. 4 في ش ع ض: منهما. 5 انظر: الروضة ص 352، 372، 386، الإحكام للآمدي 4/162، 239، مختصر ابن الحاجب 2/289، 309.

الاجْتِهَادِ عَلَى هَذَا الْبَابِ1. وَإِنَّمَا جَازَ دُخُولُ التَّعَارُضِ فِي أَدِلَّةِ الْفِقْهِ لِكَوْنِهَا ظَنِّيَّةً. إذَا2 تَقَرَّرَ هَذَا فَ "التَّرْتِيبُ" هُوَ "جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي رُتْبَتِهِ3 الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا" أَيْ يَسْتَحِقُّ جَعْلَهُ4 فِيهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ5. وَأَدِلَّةُ الشَّرْعِ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ وَنَحْوُهُ. "فَيُقَدَّمُ" مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ "إجْمَاعٌ" عَلَى بَاقِي الأَدِلَّةِ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: كَوْنُهُ قَاطِعًا مَعْصُومًا6 مِنْ الْخَطَإِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: كَوْنُهُ

_ 1 قال ابن بدران: "اعلم أن هذا الباب من موضوع نظر المجتهد وضروراته" ثم قال: "فهذا الباب مما يتوقف عليه الاجتهاد توقف الشيء على جزئه وشرطه" نزهة الخاطر 2/456. وإن عرض مباحث الترتيب والتعارض والترجيح بعد مبحث الاجتهاد هو مسلك جمهور الأصوليين من الشافعية والمالكية والحنابلة، لأنها من عمل المجتهد، بينما ذهب المؤلف وبعض الحنابلة والبيضاوي من الشافعية وجمهور الحنفية إلى عرضها بعد الأدلة لصلتها الوثقى بها. "انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 196، مجموع الفتاوى 20/9، اللمع ص 70، تيسير التحرير 3/161، الوسيط ص 610". 2 في ض ع ز: فإذا. 3 في ض: مرتبته. 4 في ض: جعلها. 5 انظر تعريف الترتيب ومشروعيته في "التعريفات ص 30، مختصر الطوفي ص 186، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196، الإحكام للآمدي 4/240". 6 في ب: مقطوعاً.

آمِنًا مِنْ النَّسْخِ وَالتَّأْوِيلِ، بِخِلافِ بَاقِي الأَدِلَّةِ1. وَهُوَ أَنْوَاعٌ. أَحَدُهَا: الإِجْمَاعُ النُّطْقِيُّ2 الْمُتَوَاتِرُ، وَهُوَ أَعْلاهَا، ثُمَّ يَلِيهِ الإِجْمَاعُ النُّطْقِيُّ الثَّابِتُ بِالآحَادِ، ثُمَّ يَلِيهِ الإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ الْمُتَوَاتِرُ، ثُمَّ يَلِيهِ الإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ الثَّابِتُ بِالآحَادِ، فَهَذِهِ الأَنْوَاعُ الأَرْبَعَةُ كُلُّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَاقِي الأَدِلَّةِ3. ثُمَّ "سَابِقٌ" يَعْنِي أَنَّهُ4 إذَا نُقِلَ إجْمَاعَانِ مُتَضَادَّانِ، فَالْمَعْمُولُ بِهِ مِنْهُمَا: هُوَ السَّابِقُ مِنْ الإِجْمَاعَيْنِ. فَيُقَدَّمُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى إجْمَاعِ التَّابِعِينَ، وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ5، وَهَلُمَّ جَرَّا6؛ لأَنَّ السَّابِقَ دَائِمًا أَقْرَبُ إلَى

_ 1 انظر: الروضة ص 386، مجموع الفتاوى 19/201، 267، 22/368، مختصر ابن الحاجب والتفتازاني عليه 2/312، 314، جمع الجوامع 2/372، الإحكام للآمدي 4/257، المستصفى 2/392، البرهان 2/1169، فواتح الرحموت 2/191، تيسير التحرير 3/161، اللمع ص 70، مختصر البعلي ص 186، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196، الفقيه والمتفقه 1/219. 2 في ض: القطعي النطعي، وفي ز: القطعي. 3 سبق بيان أنواع الإجماع في المجلد الثاني ص 210 وما بعدها، وانظر: مجموع الفتاوى 19/267، المحصول 2/2/602، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196. 4 ساقطة من ض. 5 انظر: جمع الجوامع 2/372، العضد والتفتازاتي على ابن الحاجب 2/314، الإحكام للآمدي 4/258. 6 قال ابن الأنباري: "معنى هلم جراً سيروا وتمهلوا في سيركم، مأخوذ من الجر، وهو ترك النعم في سيرها، ثم استعمل فيها حصل الدوام عليه من الأعمال" ثم قال: "فانتصب جراً على المصدر، أي جروا جراً، أو على الحال، أو على التمييز"=

زَمَنِ1 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَشْهُودِ لَهُ2 بِالْخَيْرِيَّةِ فِي قَوْلِهِ "خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ3، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" 4 فَإِنْ فُرِضَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ إجْمَاعَانِ، فَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لأَنَّ كُلَّ مَنْ اجْتَهَدَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ5 فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ الإِجْمَاعَ السَّابِقَ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الإِجْمَاعَيْنِ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَالآخَرُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ الْخِلافُ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا أَضْعَفَ. فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى مَا كَانَ الْخِلافُ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا أَقْوَى، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ6 بِقَوْلِهِ "وَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَوْ7 أَقْوَى". قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَوْ ضَعُفَ الْخِلافُ فِيهِ أَوْلَى8. انْتَهَى.

_ = والمقصود أن يطلب الإنسان بقية الصور فننجر إليه جراً، مجازاً عن ورود أمثال المذكور، وكلمة "هلمّ" بمعنى الدّعاء إلى الشيء. "انظر: نهاية السول 2/274، المصباح المنير 2/880". 1 ساقطة من ع ز. 2 في ش ز: لهم. 3 ساقطة من ض ع ب ز. 4 هذا طرف من حديث صحيح، وسبق تخريجه 2/475. 5 في ش: عن المتأخر. 6 في ض ع: أشير إليه. 7 ساقطة من ب. 8 ساقطة من ش. وانظر: جمع الجوامع 2/372، المحصول 2/2/603.

وَكَذَلِكَ إجْمَاعٌ لَمْ يَسْبِقْهُ اخْتِلافٌ مُقَدَّمٌ عَلَى إجْمَاعٍ سَبَقَ فِيهِ اخْتِلافٌ ثُمَّ وَقَعَ الإِجْمَاعُ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ1. "وَأَعْلاهُ" أَيْ2 الإِجْمَاعِ: إجْمَاعٌ "مُتَوَاتِرٌ نُطْقِيٌّ3، فَآحَادٌ" أَيْ فَالنُّطْقِيُّ4 الثَّابِتُ بِالآحَادِ "فَسُكُوتِيٌّ كَذَلِكَ" أَيْ: فَإِجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ مُتَوَاتِرٌ، فَسُكُوتِيٌّ ثَابِتٌ بِالآحَادِ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى ذَلِكَ قَرِيبًا فِي الشَّرْحِ. "فَالْكِتَابُ وَمُتَوَاتِرُ السُّنَّةِ" يَعْنِي أَنَّهُ يَلِي الإِجْمَاعَ مِنْ حَيْثُ التَّقْدِيمُ5: الْقُرْآنُ وَمُتَوَاتِرُ السُّنَّةِ لِقَطْعِيَّتِهِمَا6، فَيُقَدَّمَانِ عَلَى بَاقِي الأَدِلَّةِ؛ لأَنَّهُمَا قَاطِعَانِ مِنْ جِهَةِ الْمَتْنِ، وَلِهَذَا جَازَ نَسْخُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالآخَرِ7 عَلَى الأَصَحِّ؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ افْتَرَقَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ لِلإِعْجَازِ، فَفِي الْحَقِيقَةِ هُمَا سَوَاءٌ 8.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 4/258، جمع الجوامع 2/372، المجلد الثاني من هذا الكتاب ص 272. 2 في ب: أي أعلى. 3 في ع ب ز: قطعي. 4 في ع: والقطعي. 5 في ش: التقدم. 6 في ض: كقطعيتهما. 7 في ض: الآخر. 8 وهذا ما صححه إمام الحرمين الجويني في "البرهان 2/1185". وانظر: جمع الجوامع 2/372، المستصفى 2/392، المنخول ص 466، فواتح الرحموت 2/191، الروضة ص 387، مختصر الطوفي ص 186، الرد على من أخلد إلى الأرض ص 162، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196.

وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْكِتَابُ؛ لأَنَّهُ أَشْرَفُ1. وَقِيلَ: السُّنَّةُ2 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} 3. أَمَّا الْمُتَوَاتِرَانِ مِنْ السُّنَّةِ: فَمُتَسَاوِيَانِ قَطْعًا4. ثُمَّ يَلِي ذَلِكَ فِي التَّقْدِيمِ5 مِنْ بَاقِي الأَدِلَّةِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ6 بِقَوْلِهِ "فَآحَادُهَا" أَيْ: آحَادِ السُّنَّةِ "عَلَى مَرَاتِبِهَا"7 أَيْ: مَرَاتِبِ الآحَادِ8، وَأَعْلاهَا: الصَّحِيحُ، فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ الْحَسَنُ، فَيُقَدَّمُ9 عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ الضَّعِيفُ. وَهُوَ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ. وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُ كُلٍّ مِنْ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ، وَالضَّعِيفِ، فَيُقَدَّمُ مِنْ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ أَقْوَى.

_ 1 انظر: جمع الجوامع 2/373، تيسير التحرير 3/162، البرهان 2/1185. 2 انظر: جمع الجوامع 2/373، البرهان 2/1185. 3 الآية 44 من النّحل. 4 انظر: المحلى على جمع الجوامع 2/373. 5 في ش: التقدم. 6 ساقطة من ش. 7 ساقطة من ش. 8 انظر: تيسير التحرير 3/162، مختصر الطوفي ص 186، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196. 9 في ب: ويقدم.

"فَقَوْلُ صَحَابِيٍّ" يَعْنِي أَنَّهُ يَلِي ضَعِيفَ1 آحَادِ السُّنَّةِ فِي التَّقْدِيمِ: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ2. "فَقِيَاسٌ" بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ3. "وَ" أَمَّا "التَّعَارُضُ" فَهُوَ "تَقَابُلُ دَلِيلَيْنِ وَلَوْ عَامَّيْنِ" فِي4 الأَصَحِّ "عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ" وَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ: يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَالدَّلِيلُ الآخَرُ: يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ. فَدَلِيلُ الْجَوَازِ: يَمْنَعُ التَّحْرِيمَ، وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ: يَمْنَعُ الْجَوَازَ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُقَابِلٌ لِلآخَرِ، وَمُعَارِضٌ لَهُ5، وَمَانِعٌ لَهُ6. وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ قَوْمٍ: مَنْعَ تَعَارُضِ عُمُومَيْنِ بِلا مُرَجِّحٍ. وَقَدْ خَصَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَهْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 قال ابن بدران في تقديم قول الصحابي على القياس: "وهو الحقّ" "المدخل إلى مذهب أحمد ص 196". وانظر: الروضة ص 248، تيسير التحرير 3/137. 3 انظر: المستصفى 2/392، مختصر الطوفي ص 186، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196، تيسير التحرير 3/137. 4 في ش: على. 5 ساقطة من ش. 6 انظر: المستصفى 2/395، الروضة ص 387، فواتح الرحموت 2/189، التلويح على التوضيح 2/38، الوسيط ص 612، أصول الفقه للخضري ص 394.

وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ1 وَالْعَصْرِ2 بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا". وَذَكَرَ3 الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَالْمُوَفَّقُ وَالشَّافِعِيَّةُ تَعَارُضَهُمَا؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا عَامٌّ مِنْ وَجْهٍ وَخَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ4. "وَ" أَمَّا "التَّعَادُلُ" فَهُوَ "التَّسَاوِي5".

_ 1 في ش: الفجر. 2 روى البخاري ومسلم وأحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس" وروى البخاريومسلم عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب" وروى مثل ذلك أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. "انظر: صحيح البخاري مع حاشية السندي 1/76، صحيح مسلم بشرح النووي 6/110 وما بعدها، مسند أحمد 1/18، 3/7، سنن أبي داود 2/294، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/540، سنن النسائي 1/222، سنن ابن ماجه 1/395، نيل الأوطار 3/99". 3 في ب: ذكر. 4 انظر: العدة 2/536، الروضة ص 251، المحصول 2/2/549، المستصفى 2/148. 5 فرق المؤلف هنا بين التعادل والتعارض جرياً على التفريق بينما في اللغة، فالتعادل لغة التساوي، وعِدْلُ الشيء – بالكسر- مثله من جنسه أو مقداره، ومنه قسمة التعديل في الفقه، وهي قسمة الشيء باعتبار القيمة والمنفعة لا المقدار، أمّا التعارض لغة فهو التمانع، ومنه تعارض البينات، لأن كل واحدة تعترض الأخرى وتمنع نفوذها. "انظر: المصباح المنير 2/542، 551، القاموس المحيط 2/334، 4/14، معجم مقاييس اللغة 4/247، 272". =

"لَكِنْ تَعَادُلُ" دَلِيلَيْنِ "قَطْعِيَّيْنِ مُحَالٌ" اتِّفَاقًا. سَوَاءٌ كَانَا1 عَقْلِيَّيْنِ أَوْ نَقْلِيَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا عَقْلِيًّا2، وَالآخَرُ نَقْلِيًّا. إذْ لَوْ فُرِضَ ذَلِكَ لَزِمَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ أَوْ ارْتِفَاعُهُمَا. وَتَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ مُحَالٌ، فَلا مَدْخَلَ لِلتَّرْجِيحِ فِي الأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ؛ لأَنَّ التَّرْجِيحَ فَرْعُ التَّعَارُضِ، وَلا تَعَارُضَ فِيهَا3، فَلا تَرْجِيحَ4. "وَالْمُتَأَخِّرُ" مِنْهُمَا "نَاسِخٌ" لِلْمُتَقَدِّمِ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ5 بِالْقَطْعِ "وَلَوْ" كَانَ الدَّلِيلانِ "آحَادًا" عَلَى الأَصَحِّ؛ لأَنَّهُ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ:

_ = بينما ذهب جماهير علماء الأصول إلى استعمال التعادل في معنى التعارض، لأنه لا تعارض إلى بعد التعادل، وإذا تعارضت الأدلة، ولم يظهر –مبدئيا- لأحدها مزية على الآخر فقد حصل التعادل بينهما، أي التكافؤ والتساوي. "انظر: المحصول 2/2/505، جمع الجوامع 2/357، نهاية السول 3/183، فواتح الرحموت 2/189، التلويح على التوضيح 3/38". 1 في ب: كان. 2 في ض: عقلا. 3 في ش: فيهما. 4 انظر: المسودة ص 448، الروضة ص 387، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197، المستصفى 2/137، 393، جمع الجوامع 2/357، 361، المنخول ص 427، الإحكام للآمدي 4/241، المحصول 2/2/532، 602، البرهان 2/1143، ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، شرح تنقيح الفصول ص 420، فواتح الرحموت 2/189، تيسير التحرير 3/136، فتح الغفار 3/52، كشف الأسرار 4/77، التلويح على التوضيح 3/39، إرشاد الفحول ص 274، اللمع ص 66، الفقيه والمتفقه 1/215، الكفاية ص 608. 5 في ض: التاخير.

أَنَّ الأَصْلَ فِيهِ الدَّوَامُ وَالاسْتِمْرَارُ1. "وَمِثْلُهُ" أَيْ وَمِثْلُ الْقَطْعِيَّيْنِ فِي عَدَمِ التَّعَارُضِ "قَطْعِيٌّ، وَظَنِّيٌّ" لأَنَّهُ لا تَعَادُلَ بَيْنَهُمَا وَلا تَعَارُضَ، لانْتِفَاءِ الظَّنِّ؛ لأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ ظَنٍّ فِي مُقَابَلَةِ يَقِينٍ، فَالْقَطْعِيُّ2 هُوَ3 الْمَعْمُولُ بِهِ، وَالظَّنُّ لَغْوٌ، وَلِذَلِكَ4 لا يَتَعَارَضُ حُكْمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَعَ حُكْمٍ آخَرَ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. "وَيُعْمَلُ بِالْقَطْعِيِّ" دُونَ الظَّنِّيِّ5. "وَكَذَا" دَلِيلانِ "ظَنِّيَّانِ" فِي عَدَمِ التَّعَارُضِ6 عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْكَرْخِيِّ وَالسَّرْخَسِيِّ وَحَكَاهُ الإسْفَرايِينِيّ عَنْ أَصْحَابِهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْفُقَهَاءِ7.

_ 1 انظر: العدة 3/1040، جمع الجوامع 2/361، 362، المستصفى 2/393، المنخول ص 429، البرهان 2/1158، التوضيح على التنقيح 3/46، كشف الأسرار 4/77، فتح الغفار 3/52، فواتح الرحموت 2/189، تيسير التحرير 3/137، شرح تنقيح الفصول ص 421، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197. 2 في ش: فالقاطع. 3 ساقطة من ض. 4 في ش: وكذلك. 5 انظر: الروضة ص 387، ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، المحلي على جمع الجوامع 2/359، اللمع ص 66، المحصول 2/2/602، كشف الأسرار 4/77، إرشاد الفحول ص 275، الفقيه والمتفقه 1/215. 6 في ع ب ز: التعادل. 7 اتفق علماء الأصول على وقوع التعادل بين الظنين في نفس المجتهد، لكنهم اختلفوا في وقوعه بين الأمارتين أي الظنين في الواقع ونفس الأمر، فذهب فريق =

"فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا" إنْ أَمْكَنَ بِأَنْ عُلِمَ التَّارِيخُ، وَ1كَانَ أَحَدُهُمَا عَامًّا، وَالآخَرُ خَاصًّا. أَوْ أَحَدُهُمَا مُطْلَقًا، وَالآخَرُ مُقَيَّدًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ2 كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ مِنْ السُّنَّةِ وَالآخَرُ مِنْ الْكِتَابِ عَلَى أَصَحِّ الأَقْوَالِ3.

_ = إلى امتناع ذلك، كما ذكره المؤلف، وصححه ابن السبكي، وذهب الجمهور إلى جواز التعادل بينهما كما حكاه الإمام الرازي والآمدي وابن الحاجب والبزدوي واختاروه، وفصل فريق ثالث. انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "المسودة ص 448، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/359، مناهج العقول 3/181، مختصر ابن الحاجب 2/310، المستصفى 2/393، المحصول 2/2/506 وما بعدها، نهاية السول 3/183، تيسير التحرير 3/136، كشف الأسرار 4/77، فواتح الرحموت 2/189، التمهيد ص 154، إرشاد الفحول ص 275". 1 في ش: أو. 2 في ع ب ز: ولو. 3 اختلف علماء الفقه والأصول في حكم التعارض إذا تعادلت النصوص، فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى الجمع بينهما، فغن لم يمكن فالترجيح لأحدهما، وإلاّ سقط الدليلان، وبحث العالم عن دليل آخر، وقال الحنفية نبدأ بالترجيح، فإن لم يمكن فالجمع بينهما، وإلا تساقط الدليلان المتعارضان، وقال فريق ثالث بالتوقف أو التخيير. انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها في "العدة 3/1047، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/310، 361 وما بعدها، نهاية السول 3/191، المحصول 2/2/506، 542، المستصفى 2/395، مناهج العقول 3/190، شرح تنقيح الفصول ص 421، التلويحعلى التوضيح 2/40، 44، فواتح الرحموت 2/189، كشف الأسرار 4/76، الكفاية ص 608، تيسير التحرير 3/136، 137، التمهيد ص 155، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197، إرشاد الفحول ص 273، الوسيط ص 615".

وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْكِتَابُ عَلَى السُّنَّةِ؛ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَأَقَرَّهُ1 عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ2. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ السُّنَّةُ عَلَى الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} 3. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ4، مَعَ قَوْله تَعَالَى وَتَقَدَّسَ {قُلْ لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا 5عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ6 إلاَّ أَنْ

_ 1 في ع: فأقره. 2 روى حديث معاذ رضي الله عنه في القضاء أبو داود والترمذي وأحمد والدارمي، ويشهد له ما أخرجه النسائي والدارمي بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "فإن سئل أحدكم عن شيء فلينظر في كتاب الله، فإن لم يجده في كتاب الله فلينظر في سنة رسول الله ... " وروى الدارمي مثله من رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شريح. انظر: سنن أبي داود 2/272، جامع الترمذي مع حفة الأحوذي 4/556، مسند أحمد 5/236، 242، سنن النسائي 8/203، سنن الدارمي 1/60، نصب الراية 4/63، تلخيص الحبير 4/182، تخريج أحاديث البزدوي ص 155،251، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 301. 3 الآية 44 من النحل. 4 انظر سنن أبي داود 1/19، والحديث رواه مالك والشافعي وأحمد وأصحاب السنن وغيرهم، وسبق تخريجه "3/175". 5 في ض ب ز: إلى قوله. 6 في ع: يطعمه، الآية.

يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} 1 فَكُلٌّ مِنْ الآيَةِ وَالْحَدِيثِ: يَتَنَاوَلُ خِنْزِيرَ الْبَحْرِ، فَيَتَعَارَضُ2 عُمُومُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةُ فِي خِنْزِيرِ الْبَحْرِ فَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ الْكِتَابَ فَحَرَّمَهُ، وَقَالَ بِهِ3 مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادِ4. وَبَعْضُهُمْ قَدَّمَ السُّنَّةَ فَأَحَلَّهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ5. "فَإِنْ تَعَذَّرَ" الْجَمْعُ6 بَيْنَهُمَا "وَعُلِمَ التَّارِيخُ" بِأَنْ عُلِمَ السَّابِقُ

_ 1 الآية 145 من الأنعام. 2 في ض: فيعارض. 3 في ع ب ز: وقاله. 4 في ض: النجار. انظر دليل هذا الرأي بتقديم الكتاب على السنة، مع مناقشته والرد عليه في "العدة 3/1041، المسودة ص311، مجموع الفتاوى 19/201، 202، المحلي على جمع الجوامع 2/362، البرهان 2/1185، إرشاد الفحول ص 273". وسوف يعود المصنف إلى هذه المسألة وبيان الأقوال فيها ص 446. 5 ذكر إمام الحرمين الجويني قولاً ثالثاً ورجحه، وهو التعارض بين الكتاب والسنة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئاً من تلقاء نفسه، وكل ما كان يقوله فمستنده أمر الله تعالى، وأن حديث معاذ بتقديم الكتاب إنما هو فيما لا يخالفه خبر، وأن كون السنة مبينة فتكون مفسرة لما في الكتاب، ولا خلاف في قبوله. انظر هذه الأقوال مع أدلتها ومناقشتها والرد عليها في "البرهان 2/1185،العدة 3/1041، 1048، المسودة ص 311، المحلي على جمع الجوامع 2/362، إرشاد الفحول ص 273". 6 في ش: الجميع.

مِنْهُمَا "فَالثَّانِي نَاسِخٌ" لِلأَوَّلِ "إنْ قَبِلَهُ" أَيْ قَبِلَ النَّسْخَ1. "وَإِنْ اقْتَرَنَا خُيِّرَ" الْمُجْتَهِدُ فِي الْعَمَلِ، وَالإِفْتَاءِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ2. "وَإِنْ جَهِلَ" التَّارِيخَ "وَقَبِلَهُ" أَيْ: قَبِلَ الدَّلِيلُ النَّسْخَ "رَجَعَ إلَى غَيْرِهِمَا" أَيْ: إلَى الْعَمَلِ بِغَيْرِهِمَا إنْ أَمْكَنَ3. "وَإِلاَّ" أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ "اجْتَهَدَ فِي التَّرْجِيحِ". "وَ" مَتَى لَمْ يُمْكِنْهُ، بِأَنْ اجْتَهَدَ فِي التَّرْجِيحِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ4 فِيهَا5 شَيْءٌ، فَإِنَّهُ "يَقِفُ" عَنْ الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا "إلَى أَنْ يَعْلَمَهُ"6.

_ 1 انظر: المحصول 2/2/545، شرح تنقيح الفصول ص 421، نهاية السول 3/194، جمع الجوامع 2/362. 2 خالف الحنفية في ذلك، وقال بوجوب التحري والاجتهاد. انظر: فواتح الرحموت 2/193، تيسير التحرير 3/137، المعتمد 2/853، التمهيد ص 154، شرح تنقيح الفصول ص 453، المحصول 2/2/507، 517، 546، جمع الجوامع 2/359، 362، الروضة ص 372. انظر: جمع الجوامع والمحلي عليه 2/362، المحصول 2/2/547. 3 ساقطة من ش. 4 ساقطة من ش ض. 5 قال ابن قدامة عن الوقف: "وبه قال أكثر الحنفية وأكثر الشافعية" "الروضة ص 372"، وأضاف الحنفية لذلك أنه يتحرى ويجتهد، وقال بعض الحنفية وبعض الشافعية يخير المجتهد في الأخذ بأيهما شاء، وقال بعض الفقهاء: يتساقطان، ويرجع المجتهد إلى البراءة الأصلية. 6 انظر هذه الآراء مع أدلتها ومناقشتها في "البرهان 2/1183، المسودة =

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ عَجَزَ عَنْ التَّرْجِيحِ، أَوْ تَعَذَّرَ: قَلَّدَ عَالِمًا1. وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى عَدَمِ التَّعَادُلِ فِي الظَّنِّيَّيْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ جَوَازُ تَعَادُلِهَا. وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالأَكْثَرُ مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِنَا: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخَيَّرُ فِي الْعَمَلِ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا2، كَتَخَيُّرِ3 أَحَدَ أَصْنَافِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الإِخْرَاجِ4، وَمِنْ هُنَا جَازَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُفْتِينَ5، وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِ. وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ -عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَادُلِ أَوْ بِعَدَمِهِ- فَلا يُعْمَلُ وَلا يُفْتَى إلاَّ بِوَاحِدٍ فِي الأَصَحِّ 6.

_ = ص449، جمع الجوامع 2/359، نهاية السول 3/183، 194، المستصفى 2/393، فواتح الرحموت 2/189، 193، 195، تيسير التحرير 3/137، كشف الأسرار 4/76، شرح تنقيح الفصول ص 417، قواعد الأحكام 2/52، إرشاد الفحول ص 275". 1 انظر: المسودة ص 449. 2 انظر: الروضة ص 372 وما بعدها، المحصول 2/2/517، شرح تنقيح الفصول ص 417، 453، التمهيد ص 154، وسبقت الإشارة إلى التخيير ومراجعه قبل قليل. 3 في ش: كتخيره. 4 التخيير في كفارة اليمين ثابت بقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} المائدة/89. 5 في ض ب: المفيتين. 6 انظر: نهاية السول 3/184، المحصول 2/2/520، التمهيد ص 154.

قَالَ الْبَاقِلاَّنِيُّ: وَلَيْسَ لَهُ تَخْيِيرُ الْمُسْتَفْتِي وَالْخُصُومِ، وَلا الْحُكْمُ فِي وَقْتٍ بِحُكْمٍ، وَفِي وَقْتٍ بِحُكْمٍ آخَرَ، بَلْ يَلْزَمُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ1. قَالَ: وَهَلْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الأَقْوَالِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ كَالْكَفَّارَةِ، أَوْ بِالْتِزَامِهِ كَالنَّذْرِ؟ لَهُمْ فِيهِ قَوْلانِ. انْتَهَى. وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ التَّعَادُلَ فِي الأَمَارَتَيْنِ فِي نَفْسِ الأَمْرِ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ، فَإِمَّا أَنْ يَعْمَلَ بِهِمَا، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ، أَوْ لا يُعْمَلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ وَضْعُهُمَا عَبَثًا، وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ2 يُعْمَلُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى التَّعْيِينِ3، وَهُوَ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، أَوْ لا عَلَى التَّعْيِينِ، بَلْ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَغَيْرِهِ: يَقْتَضِي تَرْجِيحَ أَمَارَةِ الإِبَاحَةِ بِعَيْنِهَا، لأَنَّهُ4 لَمَّا جَازَ لَهُ5 الْفِعْلُ، وَالتَّرْكُ

_ 1 قال الرازي لا يجوز للمجتهد أن يعمل إلا بأحد القولين في حق نفسه ويتخير منهما، كما قال الباقلاني، ثم خالف الرازي الباقلاني في المفتي، فقال: "وإن وقع للمفتي كان حكمه أن يخير المستفتي في العمل بأيهما شاء، كما يلزمه ذلك في أمر نفسه" "المحصول 2/2/520". أما الحاكم فقد اختلف علماء الفقه والأصول فيما إذا حكم الحاكم بإحدى الأمارتين، فهل يجوز له الحكم بلأمارة الأخرى؟ فقال الرازي والبيضاوي والإسنوي كالباقلاني: لا يجوز له ذلك، وقال الأكثرون يجوز ذلك لقضاء عمر رضي الله عنه في المسألة المشتركة. انظر: المحصول 2/2/520، نهاية السول 3/184، التمهيد ص 154. 2 في ع: و. 3 في ب: التعين. 4 في ش: لا. 5 في ش: به.

كَانَ1 هَذَا مَعْنَى الإِبَاحَةِ، فَيَكُونُ تَرْجِيحًا لإِحْدَى2 الأَمَارَتَيْنِ بِعَيْنِهَا3. وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ تَعَادُلَ الأَمَارَتَيْنِ فِي نَفْسِ الأَمْرِ بِالْقِيَاسِ عَلَى جَوَازِ تَعَادُلِهِمَا فِي الذِّهْنِ، وَبِأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِهِ مُحَالٌ4. وَقَالَ الْعِزُّ5 بْنُ عَبْدِ السَّلامِ فِي قَوَاعِدِهِ: لا يُتَصَوَّرُ فِي الظُّنُونِ تَعَارُضٌ، كَمَا لا يُتَصَوَّرُ فِي الْعُلُومِ. إنَّمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَ أَسْبَابِ الظُّنُونِ، فَإِذَا تَعَارَضَتْ: فَإِنْ حَصَلَ الشَّكُّ لَمْ يُحْكَمْ بِشَيْءٍ، وَإِنْ وُجِدَ ظَنٌّ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ حَكَمْنَا بِهِ؛ لأَنَّ ذَهَابَ مُقَابِلِهِ6 يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ. وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُكَذِّبًا لِلآخَرِ تَسَاقَطَا7، وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْ كُلُّ وَاحِدٍ8 مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عُمِلَ بِهِ حَسَبَ الإِمْكَانِ، كَدَابَّةٍ9 عَلَيْهَا رَاكِبَانِ: يُحْكَمُ لَهُمَا بِهَا10؛ لأَنَّ

_ 1 في ش: فإن. 2 في ض: لأحد. 3 انظر: التمهيد ص 154، إرشاد الفحول ص 275، وسبقت الإشارة إلى المراجع الأخرى عند ذكر الأقوال في المسألة. 4 انظر: التمهيد ص 154، ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، والمراجع السابقة عند عرض الأقوال. 5 ساقطة من ض ع ب ز. 6 في ض: ما قابله. 7 في ش: لتساقطا. 8 ساقطة من ش. 9 في ب: كالدابة. 10 ساقطة من ش.

كُلاًّ مِنْ الْيَدَيْنِ لا تُكَذِّبُ الأُخْرَى1. انْتَهَى. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَهُوَ نَفِيسٌ2؛ لأَنَّ الظَّنَّ هُوَ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ، وَلَوْ عُورِضَ بِطَرَفٍ3 آخَرَ رَاجِحٍ4: لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَاجِحًا مَرْجُوحًا وَهُوَ مُحَالٌ. "وَ" أَمَّا "التَّرْجِيحُ" فَهُوَ "تَقْوِيَةُ إحْدَى الأَمَارَتَيْنِ عَلَى الأُخْرَى لِدَلِيلٍ" وَلا يَكُونُ إلاَّ مَعَ وُجُودِ التَّعَارُضِ. فَحَيْثُ انْتَفَى التَّعَارُضُ انْتَفَى التَّرْجِيحُ؛ لأَنَّهُ فَرْعُهُ5، لا يَقَعُ إلاَّ مُرَتَّبًا عَلَى وُجُودِهِ. وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: التَّرْجِيحُ هُوَ اقْتِرَانُ الأَمَارَةِ بِمَا تَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارِضِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِوَصْفٍ، فَلا يُرَجَّحُ نَصٌّ، وَلا قِيَاسٌ بِمِثْلِهِ6. انْتَهَى.

_ 1 قواعد الأحكام 2/52، بتصرف واختصار. 2 في ش: مقيس. 3 في ض ع: بطريق. 4 ساقطة من ش ض. 5 في ع: فرع. 6 الترجيح في اللغة جعل الشيء راجحاً، ويقال مجازاً لاعتقاد الرجحان، وفي الاصطلاح تعددت عبارات الفقهاء والأصوليين لتعريف الترجيح، وبعضها يعتمد على فعل المرجح الناظر في الأدلة، وبعضها يظهر معنى الرجحان الذي هو وصف قائم بالدليل أو مضاف إليه، فيكون الظن المستفاد منه أقوى من غيره، فانظر تعريفات الترجيح المختلفة في: "التعريفات للجرجاني ص 31، نهاية السول 3/189، جمع الجوامع =

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لا تَعَارُضَ بِالْحَقِيقَةِ1 فِي حُجَجِ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا2 أَخَّرَ مَا أَمْكَنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلاَّلُ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ: لا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ فِي الشَّرْعِ خَبَرَانِ مُتَعَارِضَانِ لَيْسَ مَعَ أَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ يُقَدَّمُ بِهِ، فَأَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ بَاطِلٌ: إمَّا لِكَذِبِ النَّاقِلِ أَوْ خَطَئِهِ3 بِوَجْهٍ مَا4 مِنْ النَّقْلِيَّاتِ، أَوْ خَطَإِ النَّاظِرِ5 فِي النَّظَرِيَّاتِ، أَوْ لِبُطْلانِ حُكْمِهِ بِالنَّسْخِ6. انْتَهَى.

_ = والمحلي عليه 2/361، ابن الحاجب والعضد عليه 2/309، مختصر الطوفي ص 186، مختصر البعلي ص 168، المعتمد 2/844، البرهان 2/1142، الإحكام للآمدي 4/239، المحصول 2/2/529، فتح الغفار 3/52، تيسير التحرير 3/153، أصول السرخسي 2/249، كشف الأسرار 4/77 وما بعدها، التلويح على التوضيح 3/38، فواتح الرحموت 2/204، المنخول ص 426، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196، إرشاد الفحول ص 273، الوسيط ص 624". 1 في ش بالحقيقة ... ، ثم تكررت ثلاثة أسطر من نص العز بن عبد السلام في "قواعده". 2 في ش: وهذا. 3 في ع: لخطئه. 4 في ع: إما. 5 في ش: النظر. 6 انظر: مختصر البعلي ص 169، مختصر الطوفي ص 187، المسودة ص 306، الروضة ص 387، الموافقات 4/201، نهاية السول 3/189، فواتح الرحموت 2/189، المعتمد 2/845، الإحكام لابن حزم 1/151، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197، الفقيه والمتفقه 1/221ومابعدها، الكفاية للخطيب ص 607.

وَقَالَ إمَامُ الأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لا أَعْرِفُ1 حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ. فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْهُ2 فَلْيَأْتِنِي بِهِ لأُؤَلِّفَ بَيْنَهُمَا3، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ كَلامًا فِي ذَلِكَ. نَقَلَهُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ الأَلْفِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ4. فَالتَّرْجِيحُ: فِعْلُ الْمُرَجِّحِ النَّاظِرِ فِي الدَّلِيلِ، وَهُوَ تَقْدِيمُ إحْدَى5 الأَمَارَتَيْنِ الصَّالِحَتَيْنِ لِلإِفْضَاءِ إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ، لاخْتِصَاصِ تِلْكَ الأَمَارَةِ بِقُوَّةٍ فِي الدَّلالَةِ، كَمَا لَوْ تَعَارَضَ الْكِتَابُ6 وَالإِجْمَاعُ فِي حُكْمٍ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا طَرِيقٌ يَصْلُحُ؛ لأَنْ يُعْرَفَ بِهِ الْحُكْمُ، لَكِنْ الإِجْمَاعُ اخْتَصَّ بِقُوَّةٍ عَلَى الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ الدَّلالَةُ. وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ قَوْمٍ: مَنْعَ التَّرْجِيحِ مُطْلَقًا. قَالَ الطُّوفِيُّ: الْتِزَامُهُ7 فِي الشَّهَادَةِ مُتَّجَهٌ ثُمَّ هِيَ آكَدُ8.

_ 1 في ع: أعلم. 2 في ش: شيء من ذلك، وفي ض ع ز: منه شيء. 3 انظر: الكفاية للخطيب ص 606. 4 في ش: شرح ألفية الحديث. 5 في ب: أحد. 6 في ع: نص الكتاب. 7 في ع: إلزامه، وفي ب: في التزامه. 8 مختصر الطوفي ص 187 مع التصرف.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَمَلَ1 بِالرَّاجِحِ فِيمَا لَهُ مُرَجِّحٌ: هُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ2 سَوَاءٌ كَانَ الْمُرَجِّحُ مَعْلُومًا أَوْ مَظْنُونًا، حَتَّى إنَّ الْمُنْكِرِينَ لِلْقِيَاسِ عَمِلُوا بِالتَّرْجِيحِ فِي ظَوَاهِرِ الأَخْبَارِ3. وَخَالَفَ أَبُو بَكْرِ بْنُ4 الْبَاقِلاَّنِيِّ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْمُرَجَّحِ5 الْمَظْنُونِ6. وَقَالَ: إنَّمَا أَقْبَلُ التَّرْجِيحَ بِالْمَقْطُوعِ بِهِ. كَتَقْدِيمِ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ، لا بِالأَوْصَافِ، وَلا الأَحْوَالِ، وَلا كَثْرَةِ الأَدِلَّةِ وَنَحْوِهَا، فَلا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، فَإِنَّ الأَصْلَ امْتِنَاعُ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ7.

_ 1 في ع: العلم. 2 صرح البيضاوي في تعريف الترجيح بهذا الهدف، وهو وجوب العمل بالراجح، فقال: "الترجيح تقوية إحدى الأمارتين على ألأخرى ليعمل بها" "منهاج الوصول مع شرحه نهاية السول 3/187". 3 انظر: الكافية في الجدل ص 443، العدة 3/1019، المسودة ص 309، العضد على ابن الحاجب 2/309، جمع الجوامع 2/361، نهاية السول 3/189، الإحكام للآمدي 4/239، المحصول 2/2/529، المستصفى 2/394، المنخول ص 426، فواتح الرحموت 2/204، تيسير التحرير 2/153، فتح الغفار 3/51، البرهان 2/1142، شرح تنقيح الفصول ص 420، كشف الأسرار 4/76، مختصر الطوفي ص 186، إرشاد الفحول ص 273، 276، الوسيط ص 625. 4 ساقطة من ض ب ع. 5 في ض: بمرجح، وفي د: بمجرد. 6 في ب د: بالمظنون. 7 وقال أبو عبد الله البصري قولاً ثالثاً، وهو ثبوت التخيير في العمل عند الترجيح بالمظنون =

خَالَفْنَاهُ فِي1 الظُّنُونِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِنَفْسِهَا2؛ لإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. فَيَبْقَى التَّرْجِيحُ عَلَى أَصْلِ الامْتِنَاعِ، لأَنَّهُ عَمَلٌ بِظَنٍّ لا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، وَرُدَّ قَوْلُهُ بِالإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ3 الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْتَقِلِّ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ رَجَّحَتْ4 الصَّحَابَةُ قَوْلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5 عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ" 6 لِكَوْنِهَا أَعْرَفَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ7.

_ =انظر قوله، وقول الباقلاني بإنكار الترجيح بالمرجح بالمظنون ووجب التوقف فيه، مع الأدلة والمناقشة والرد في " المحصول 2/2/531، نهاية السول 3/189، جمع الجوامع 2/361، المنخول ص 426، شرح تنقيح الفصول ص 420، مختصر البعلي ص 169، مختصر الطوفي ص 186، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197". 1 في ض د: بـ. 2 في ش ض: بأنفسها. 3 في ب: قدم. 4 في ش: رجح. 5 هذا الحديث رواه مالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها وسبق تخريجه في المجلد الثالث ص 221. 6 سبق تخريج هذا الحديث في المجلد الثالث ص 579 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً. 7 نقل المؤلف سابقاً "المجلد الثالث ص 578" قول الصحابة بأن الحديث الثاني منسوخ بالحديث الأول، وانظر أقوال العلماء في "نيل الأوطار 1/259، صحيح البخاري 1/43، الإحكام لابن حزم 1/177".

قَالَ الطُّوفِيُّ: وَلَيْسَ قَوْلُهُ بِشَيْءٍ؛ لأَنَّ الْعَمَلَ بِالأَرْجَحِ مُتَعَيِّنٌ عَقْلاً وَشَرْعًا، وَقَدْ عَمِلَتْ1 الصَّحَابَةُ بِالتَّرْجِيحِ مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ، وَالتَّرْجِيحُ دَأْبُ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ. حَيْثُ احْتَاجَا2 إلَيْهِ3. "وَلا تَرْجِيحَ فِي الشَّهَادَةِ" لأَنَّ بَانَ الشَّهَادَةِ مَشُوبٌ بِالتَّعَبُّدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّاهِدَ لَوْ أَبْدَلَ لَفْظَةَ " أَشْهَدُ " بِأَعْلَمُ، أَوْ أَتَيَقَّنُ، أَوْ أُخْبِرُ، أَوْ أُحَقِّقُ4: لَمْ يُقْبَلْ، وَلا تُقْبَلُ شَهَادَةُ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى يَسِيرٍ مِنْ الْمَالِ، حَتَّى يَكُونَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ، مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ النِّسَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ5 بِهِ الْعِلْمُ التَّوَاتُرِيُّ6، وَمَا ذَاكَ إلاَّ لِثُبُوتِ التَّعَبُّدِ7.

_ 1 في ش: عمل. 2 في ع ب ز: احتاج. 3 مختصر الطوفي ص 186 مع الاختصار والتصرف. وانظر: الإحكام للآمدي 4/239، المستصفى 2/394، كشف الأسرار 4/76، فواتح الرحموت 2/204، الوسيط ص 626. 4 في ع ز: أحقّ. 5 في ش: إن حصل. 6 في ش: المتواتر. 7 يشترط في الإثبات بالشهادة أن يكون بلفظة "أشهد" عند الأئمة الثلاثة خلافاً للمالكيّة، فلا يشترطون ذلك، وتصح الشهادة عندهم بكل صيغة تؤدي معناها. انظر: العضد على ابن الحاجب 2/310، المستصفى 2/394، تيسير التحرير 3/153، وسائل الإثبات ص 107، 132 والمراجع المشار إليها.

"وَلا" تَرْجِيحَ1 أَيْضًا "فِي الْمَذَاهِبِ الْخَالِيَةِ عَنْ دَلِيلٍ"؛ لأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا هُوَ فِي الأَلْفَاظِ الْمَسْمُوعَةِ وَالْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ2. وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْجَبَّارِ قَالَ: إنَّ التَّرْجِيحَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْمَذَاهِبِ بِحَيْثُ يُقَالُ مَثَلاً: مَذْهَبُ3 الشَّافِعِيِّ أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَقَدْ خَالَفَ عَبْدُ الْجَبَّارِ غَيْرَهُ. وَحُجَّةُ عَبْدِ الْجَبَّارِ: أَنَّ الْمَذَاهِبَ آرَاءٌ، وَاعْتِقَادَاتٌ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الأَدِلَّةِ، وَهِيَ تَتَفَاوَتُ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، فَجَازَ دُخُولُ التَّرْجِيحِ فِيهَا كَالأَدِلَّةِ4. وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ لِمَا قَالَهُ5 بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَذَاهِبَ لِتَوَفُّرِ انْهِرَاعِ النَّاسِ إلَيْهَا6، وَتَعْوِيلِهِمْ عَلَيْهَا. صَارَتْ7 كَالشَّرَائِعِ وَالْمِلَلِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلا

_ 1 في ش: بنحو ترجيح. 2 انظر: المسودة ص 309، المنخول ص 427، البرهان 2/1145، مختصر الطوفي ص 187، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197. 3 في ض ع: في مذهب. 4 انظر آداب الترجيح بين المذاهب، والمحاذير التي يجب تجنبها، مع بيان قول القاضي عبد الجبار في "الموافقات 4/176 وما بعدها، البرهان 2/1156، والمراجع السابقة في الهامش 2". 5 في ش ز: قالوه. 6 ساقطة من ض ع ب ز. 7 ساقطة من ض.

تَرْجِيحَ فِي الشَّرَائِعِ. وَقَدْ ضَعُفَ هَذَا الْوَجْهُ بِأَنَّ انْهِرَاعَ1 النَّاسِ إلَيْهَا لا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا ظَنِّيَّةً تَقْبَلُ التَّرْجِيحَ، وَلا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تُشْبِهُ الشَّرَائِعَ، وَإِنْ سَلَّمْنَا2، فَلا3 نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرَائِعَ لا تَقْبَلُ التَّرْجِيحَ، بِاعْتِبَارِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمَحَاسِنِ، وَإِنْ كَانَ طَرِيقُ جَمِيعِهَا قَاطِعًا. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلتَّرْجِيحِ مَدْخَلٌ فِي الْمَذَاهِبِ لاضْطَرَبَ4 النَّاسُ، وَلَمْ5 يَسْتَقِرَّ أَحَدٌ عَلَى مَذْهَبٍ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّرْجِيحِ فِيهِ6 مَدْخَلٌ كَالْبَيِّنَاتِ. وَهَذَا الْوَجْهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَاللاَّزِمُ مِنْهُ مُسْتَلْزَمٌ7، وَكُلُّ مَنْ ظَهَرَ8 لَهُ رُجْحَانُ مَذْهَبٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِيهِ. كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الأَخْذُ بِأَرْجَحِ9 الدَّلِيلَيْنِ10.

_ 1 في ض: بانهراع. 2 في ض: سلم. 3 فيب ع ش: لكن لا. 4 في ض: لا ضطراب. 5 في ع: فلم. 6 ساقطة من ش. 7 في ب ع ش ز: ملتزم. 8 ساقطة من ش. 9 ساقطة من ش، وفي ز: بالأرجح من. 10 في ش: بالدليلين.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ1 كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ لَيْسَ مُتَمَحِّضًا فِي الْخَطَإِ وَلا فِي الصَّوَابِ، بَلْ هُوَ مُصِيبٌ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، مُخْطِئٌ فِي بَعْضِهَا، وَعَلَى هَذَا: فَالْمَذْهَبَانِ لا يَقْبَلانِ التَّرْجِيحَ، لإِفْضَاءِ ذَلِكَ إلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْخَطَإِ وَالصَّوَابِ2 فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، أَوْ بَيْنَ خَطَأَيْنِ أَوْ3 صَوَابَيْنِ، وَالْخَطَأُ لا مَدْخَلَ لِلتَّرْجِيحِ فِيهِ4 اتِّفَاقًا. وَهَذَا الْوَجْهُ يُشِيرُ قَائِلُهُ فِيهِ إلَى أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ، وَهُوَ أَنَّ5 مَنْ نَفَى التَّرْجِيحَ فَإِنَّمَا أَرَادَ: لا يَصِحُّ تَرْجِيحُ مَجْمُوعِ6 مَذْهَبٍ عَلَى مَجْمُوعِ مَذْهَبٍ آخَرَ. لِمَا ذُكِرَ، وَمَنْ أَثْبَتَ7 التَّرْجِيحَ بَيْنَهُمَا8: أَثْبَتَهُ بِاعْتِبَارِ مَسَائِلِهِمَا9 الْجُزْئِيَّةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ طَهُورٌ أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ، وَكَذَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ10.

_ 1 في ش: من المذاهب أن. 2 في ض ش: خطأ وصواب. 3 في ش ب ز: و. 4 في ش: له في الترجيح. 5 في ض: فهو. 6 ساقطة من ض. 7 في ض: أثبته. 8 في ع ز: بينها. 9 في ض ع: مسائله، وفي ب ز: مسائلها. 10 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 197.

"وَلا" تَرْجِيحَ أَيْضًا "بَيْنَ عِلَّتَيْنِ"، "إلاَّ أَنْ تَكُونَ كُلُّ" وَاحِدَةٍ "مِنْهُمَا طَرِيقًا لِلْحُكْمِ1 مُنْفَرِدَةٍ" قَالَهُ2 فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ: وَذَلِكَ لأَنَّهُ لا يَصِحُّ تَرْجِيحُ طَرِيقٍ عَلَى مَا لَيْسَ بِطَرِيقٍ3. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَقَعُ4 التَّرْجِيحُ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ طَرِيقًا قَبْلَ ثُبُوتِهِ5. "وَرُجْحَانُ الدَّلِيلِ: كَوْنُ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْهُ أَقْوَى" مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ غَيْرِهِ6. وَقَدْ7 تَقَدَّمَ أَنَّ التَّرْجِيحَ: فِعْلُ الْمُرَجَّحِ، وَأَمَّا رُجْحَانُ الدَّلِيلِ: فَهُوَ صِفَةٌ8 قَائِمَةٌ بِهِ9، أَوْ مُضَافَةٌ إلَيْهِ، وَيَظْهَرُ هَذَا فِي التَّصْرِيفِ، تَقُولُ: رَجَّحْت الدَّلِيلَ تَرْجِيحًا،

_ 1 في ش ض: لحكم. 2 في ش: قال. 3 وهو قول أبي الخطاب وغيره "انظر: المسودة 383". 4 في ض: يتبع. 5 المسودة ص 383. 6 قال الطوفي: "والرجحان حقيقته في الأعيان الجوهرية، وهو في المعاني مستعار" "مختصر الطوفي ص 186". وانظر: نزهة الخاطر 2/458ظن تيسير التحرير 3/137، أصول السرخسي 2/249، المدخل إلى مذهب أحمد ص 196. 7 في ب ش: قد، وفي د: و. 8 في ز: فصفة. 9 ساقطة من ع ب.

فَأَنَا مُرَجِّحٌ، وَالدَّلِيلُ مُرَجَّحٌ، وَتَقُولُ: رَجَحَ الدَّلِيلُ رُجْحَانًا، فَهُوَ رَاجِحٌ. فَأَسْنَدْت التَّرْجِيحَ إلَى نَفْسِك إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى الْفَاعِلِ، وَأَسْنَدْت الرُّجْحَانَ1 إلَى الدَّلِيلِ، فَلِذَلِكَ كَانَ التَّرْجِيحُ وَصْفَ الْمُسْتَدِلِّ. وَالرُّجْحَانُ وَصْفَ الدَّلِيلِ2. وَلَمَّا أَهْمَلَ -أَوْ سَهَا- عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهِمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ دَلالَةِ اللَّفْظِ وَالدَّلالَةِ بِاللَّفْظِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ دَلالَةَ اللَّفْظِ صِفَةٌ لَهُ. وَهِيَ3 كَوْنُهُ بِحَيْثُ يُفِيدُ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ، أَوْ4 إفَادَتُهُ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ5. كَأَنْ تَقُولَ6: عَجِبْت مِنْ دَلالَةِ اللَّفْظِ، أَوْ7 مِنْ أَنْ دَلَّ اللَّفْظُ. فَإِذَا فَسَّرْتهَا بِأَنْ8 وَالْفِعْلِ الَّذِي يَنْحَلُّ إلَيْهِمَا: الْمَصْدَرُ. كَانَ الْفِعْلُ مُسْنَدًا إلَى اللَّفْظِ إسْنَادَ9 الْفَاعِلِيَّةِ. وَالدَّلالَةُ10 بِاللَّفْظِ صِفَةُ الْمُتَكَلِّمِ وَفِعْلُهُ، وَهِيَ إفَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ اللَّفْظِ مَا أَرَادَ مِنْهُ؛ لأَنَّك تَقُولُ: عَجِبْت مِنْ دَلالَةِ فُلانٍ بِلَفْظِهِ،

_ 1 في ش: الترجيح. 2 انظر الفرق بين الترجيح والرجحان في "نزهة الخاطر 2/457 وما بعدها، كشف الأسرار 4/77، معجم مقاييس اللغة 2/489". 3 في ض: وهو. 4 في ع: و. 5 في ش: المتكلم به. 6 في ض ب: يقول. 7 في ع: و. 8 في ض: فإن فسرتها بإذا. 9 في ش: إسناداً. 10 في ع: فالدلالة.

وَمِنْ أَنْ دَلَّ فُلانٌ بِلَفْظَةِ كَذَا، فَتَسْنُدُ ذَلِكَ إلَى فُلانٍ، وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ1، لا إلَى اللَّفْظِ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ2: الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ، فَإِنَّهُ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ3 مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ. "وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الرَّاجِحِ" مِنْ الأَدِلَّةِ عَلَى الْمَرْجُوحِ مِنْهَا. "وَيَكُونُ" التَّرْجِيحُ "بَيْنَ" دَلِيلَيْنِ "مَنْقُولَيْنِ" كَنَصَّيْنِ "وَ" بَيْنَ "مَعْقُولَيْنِ" كَقِيَاسَيْنِ "وَ" بَيْنَ "مَنْقُولٍ وَمَعْقُولٍ" كَنَصٍّ، وَقِيَاسٍ، فَهَذِهِ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ: عِنْدَ مَشْرُوعِيَّةِ الاجْتِهَادِ فِي التَّرْجِيحِ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الدَّلِيلانِ ظَنِّيَّيْنِ، وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا، وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِمَا. لأَنَّ تَرْجِيحَاتِ الأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ مُوصِلَةٌ إلَى التَّصْدِيقَاتِ الشَّرْعِيَّةِ. أَمَّا4 الْقِسْمُ "الأَوَّلُ" وَهُوَ الَّذِي بَيْنَ مَنْقُولَيْنِ، فَيَكُونُ "فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ، وَمَدْلُولِ اللَّفْظِ وَأَمْرٍ خَارِجٍ" عَمَّا ذُكِرَ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ.

_ 1 في ش: فلان المتكلم. 2 ساقطة من ع، وفي ض: غير. 3 ساقطة من ش. 4 في ش: فأما.

أَمَّا وُقُوعُهُ فِي السَّنَدِ: فَلِكَوْنِهِ طَرِيقَ ثُبُوتِهِ، وَأَمَّا وُقُوعُهُ فِي الْمَتْنِ: فَبِاعْتِبَارِ مَرْتَبَةِ دَلالَتِهِ، وَأَمَّا وُقُوعُهُ فِي1 مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَأَمْرٍ خَارِجٍ فَلِمَا2 يَتَرَتَّبُ عَلَى اللَّفْظِ، وَمَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ الأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِهِ. "فَالسَّنَدُ" وَهُوَ النَّوْعُ الأَوَّلُ، وَيَقَعُ التَّرْجِيحُ بِحَسَبِهِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الشَّيْءُ الأَوَّلُ: الرَّاوِي، وَيَكُونُ فِي نَفْسِهِ وَفِي3 تَزْكِيَتِهِ. فَبَدَأْنَا4 بِمَا فِي نَفْسِهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الأَرْبَعَةُ وَالأَكْثَرُ: أَنَّ السَّنَدَ "يُرَجَّحُ بِالأَكْثَرِ رُوَاةً" وَهُوَ بِأَنْ تَكُونَ5 رُوَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ رُوَاةِ غَيْرِهِ؛ لأَنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ أَبْعَدُ عَنْ6 الْخَطَإِ مِنْ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَثِيرِ يُفِيدُ ظَنًّا. فَإِذَا انْضَمَّ إلَى غَيْرِهِ قَوِيَ، فَيَكُونُ مُقَدَّمًا لِقُوَّةِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ع: فيما. 3 في: ساقطة من ز. 4 في ش: فيبدأ. 5 في ض: يكون. 6 في ب ض: من.

الظَّنِّ1، وَقَدْ رَجَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ ذِي الْيَدَيْنِ بِمُوَافَقَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لِمَا قَالَهُ2، وَعَمِلَ بِذَلِكَ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: مَسْأَلَةُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ عِنْدَ3 رُكُوعٍ وَرَفْعٍ مِنْهُ، فَرَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ4 عَنْ ابْنِ

_ 1 خالف في الترجيح بالأكثر رواة الإمام أبو حنيفة أبو يوسف وبعض المعتزلة، وقال الإمام محمد صاحب أبي حنيفة بقول الجمهور. انظر: المسودة 305، الروضة ص 387، مختصر البعلي ص 169، العدة 3/1019، المستصفى 2/397، جمع الجوامع 2/361، ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، الإحكام للآمدي 4/242، المنخول ص 430، نهاية السول 3/202، المحصول 2/2/535، 553، البرهان 2/1162، 1184، مختصر الطوفي ص 187، إرشاد الفحول ص 276، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197، فواتح الرحموت 2/210، الكفاية ص 610، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 223. 2 حديث ذي اليدين صحيح، وسبق تخريجه "2/193". 3 في ع ب ز: من. 4 هو علقمة بن قيس بن عبد الله بن علقمة، أبو شبل النخعي، الكوفي، التابعي، أحد الأعلام، فقيه العراق، قال النووي: "أجمعوا على جلالته، وعظم محله، ووفور علمه، وجميل طريقته" وكان من أكبر أصحاب ابن مسعود، وأشبههم هدياً ودلالة، سمع عمر بن الخطاب وعثمان وعلياً وابن مسعود وسلمان وخباباً وحذيفة وأبا موسى الأشعري وعائشة وغيرهم، وأخذ عنه غبراهيم النخعي والشعبي وابن سيرين وغيرهم، وأخرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة، توفي سنة 62هـ. انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 2/342، الخلاصة 2/241، طبقات الفقهاء ص 79، تذكرة الحفاظ 1/48، شذرات الذهب 1/70، غاية النهاية 1/516، مشاهير علماء الأمصار ص 100".

مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ 1عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ ثُمَّ لا يَعُودُ2، وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ3 وَرَوَاهُ4 ابْنُ5 عُمَرَ وَوَائِلُ6

_ 1 ساقطة من ش ض. 2 هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد وأبو يعلى عن ابن مسعود مرفوعاً، وقال الترمذي: "حديث حسن"، ورواه أبو داود والدارقطني عن البراء بن عازب مرفوعاً، وقال أبو داود عن حديث البراء: "هذا حديث ليس بصحيح". وقال سفيان بن عيينة كان زياد بن أبي زياد يروي هذا الحديث، ولا يذكر: "ثم لا يعود"، ثم دخلت البصرة فرأيت يزيد بن أبي زياد يرويه، وقد زاد فيه: "ثم لا يعود" وكان قد لقن فتلقن، وقد ضعفه أكثر علماء الرجال. انظر: سنن أبي داود 1/173، تحفة الأحوذي 2/102، 104، سنن النسائي 2/142، مسند أحمد 1/388، 442، مجمع الزوائد 2/101، سنن الدارقطني 1/293، نصب الراية 1/394، المغني في الضعفاء 2/749، ميزان الاعتدال 4/423. 3 هذا حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والدارقطني ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم عن ابن عمر وغيره. انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/93، صحيح مسلم بشرح النووي 4/93 وما بعدها، سنن أبي داود 1/166، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 2/99، سنن النسائي 1/142، سنن ابن ماجه 1/279، سنن الدارمي 1/285، سنن الدارقطني 1/287، بدائع المنن 1/70، الموطأ ص 69، مسند أحمد 2/8. 4 في ع ب ز: وروى. 5 في ش: ابن. 6 في ش: ووائل.

ابْنُ حُجْرٍ1 وَأَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ2 فِي عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ: أَبُو قَتَادَةَ وَأَبُو أُسَيْدٍ3، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَأَنَسٌ، وَجَابِرٌ، وَابْنُ

_ 1 هو وائل بن حجر بن ربيعة بن يعمر الحضرمي، أبو هنيد، كان من ملوك حمير، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشر أصحابه بقدومه قبل أن يصل بأيام، وعند وصوله رحب به وقربه ودعا له، وأقطعه أرضاً، ثم نزل الكوفة، وشهد صفين مع علي رضي الله عنه، وكان على راية حضرموت، ثم قدم على معاوية في خلافته، فتلقاه وأكرمه، وروى عدة أحاديث في مسلم والسنن الأربعة، مات في آخر خلافة معاوية. انظر ترجمته ي "الإصابة 6/312، أسد الغابة 5/435، تهذيب الأسماء 2/143، مشاهير علماء الأمصار ص 44، الخلاصة 3/127". 2 هو عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك، أبو حميد الساعدي، الأنصاري الصحابي، وقيل في اسمه واسم أبيه غير ذلك، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث، أخرجها عنه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، وروى عنه بعض الصحابة، قيل: إنه شهد أحداً وما بعدها، توفي في آخر خلافة معاوية، أو أول خلافة يزيد. انظر ترجمته في "الإصابة 7/46، أسد الغابة 6/78، تهذيب الأسماء 2/216، الخلاصة 3/213". 3 هو مالك بن ربيعة بن البَدَن، الخزرجي، أبو أسيد الساعدي، الأنصاري، الصحابي، مشهور بكنيته، شهد بدراً وأحداً وما بعدها، وكان معه راية بني ساعدة يوم الفتح، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وروى عنه أولاده وبعض الصحابة، وأخرج أحاديثه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، وأضر في آخر عمره، مات بالمدينة سنة 60 هـ، وهو آخر البدريين موتاً، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 6/23، أسد الغابة 5/23، الخلاصة 3/4، المعارف ص 272، نكت الهميان ص 233".

الزُّبَيْرِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ1 وَجَمْعٌ غَيْرُهُمْ، بَلَغُوا ثَلاثَةً وَثَلاثِينَ صَحَابِيًّا2. وَقَدَّمَ ابْنُ بُرْهَانٍ الأَوْثَقَ عَلَى الأَكْثَرِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ قِيَاسُ مَذْهَبِنَا3. وَخَالَفَ الْكَرْخِيُّ وَغَيْرُهُ، فَقَالَ: لا يُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ4.

_ 1 ساقطة من ض، وذكر السيوطي أن الحديث مروي عن أبي هريرة. 2 حديث رفع اليدين قبل الركوع وبعده، رواه الترمذي عن عشرة من الصحابة، وقال: "هذا حديث حسن صحيح"، ونقل ابن حجر عن شيخه العراقي أنه تتبع رواة هذا الحديث من الصحابة فبلغوا خمسين رجلا، وقال السيوطي: "ربما تبلغ حدّ التواتر" وكتبت فيه رسائل، إحداها للإمام البخاري. انظر: فتح الباري 1/182، 183، نصب الراية 1/392، التلخيص الحبير 1/218 وما بعدها، نيل الأوطار 2/197وما بعدها، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 2/100 وما بعدها، تخريج أحاديث البزدوي ص 194، الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة ص 16، تحفة الفقهاء 1/312 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/207، مجمع الزوائد 2/101. 3 المسودة ص 305، وهذا ما اختاره الغزالي في "المنخول ص 430"، وانظر: العدة 3/1023، 1029، إرشاد الفحول ص 276. 4 وهو مذهب أبو حنيفة وأبي يوسف وبعض المعتزلة في عدم الترجيح بالكثرة في الرواية والشهادة والفتوى، لكن عبيد الله بن مسعود وابن عبد الشكور والكمال والنسفي وابن جيم وغيرهم ذكروا ان الحنفية ترجح بالكثرة في بعض المواضع، كالترجيح بكثرة الأصول، ولا ترجح بالكثرة في مواضع أخرى كالأدلة، وبينوا المعيار في ذلك بأن الكثرة إن أدت إلى حصول هيئة اجتماعية هي وصف واحد قوي الأثر حصلت بالكثرة، كما في حمل الأثقال، بخلاف كثرة جزئيات، كما في المصارعة، إذ المقاوم واحد. =

وَذَكَرَهُ1 ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ2 مِنْ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ3 كَالشَّهَادَةِ وَالْفَتْوَى. وَرُدَّ قِيَاسُهُمْ عَلَى الشَّهَادَةِ بِأَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ: الْكَثْرَةُ فِي الشُّهُودِ تُقَدَّمُ، وَهُوَ قَوْلٌ لَنَا، ثُمَّ الشَّهَادَةُ تَعَبُّدٌ، وَحُجَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَمُقَدَّرَةٌ شَرْعًا بِعَدَدٍ، وَلَمْ تُرَجَّحْ4 الصَّحَابَةُ فِيهَا بِمِثْلِهِ5.

_ = انظر: فواتح الرحموت 2/210، فتح الغفار بشرح المنار 3/53، تيسير التحرير 3/169، التلويح على التوضيح 3/61، كشف الأسرار 4/79، مختصر البعلي ص 169، مختصر الطوفي ص 187، المحلي عل جمع الجوامع 2/361، نزهة الخاطر 2/458، الإحكام للآمدي 4/242، وسائل الإثبات ص 811. 1 في ض ش: وذكر. 2 الغالب أن محمد بن أحمد بن أبي أحمد، أبو بكر، وقيل أبو منصور، علاء الدين السمرقندي الحنفي، صاحب كتاب "تحفة الفقهاء"، وله كتاب "الميزان"، قال اللكنوي عنه: "شيخ كبير فاضل، جليل القدر، وكانت ابنته فقيهة علامة، وتزوجت علاء الدين أبي بكر الكاساني صاحب "البدائع" شرح "تحفة الفقهاء" في الفقه الحنفي، توفي السمرقندي حوالي 575هـ وقيل 540هـ. انظر ترجمته في " الفوائد البهية ص 158، تاج التراجم ص 60، كشف الظنون 2/578، الأعلام 6/212، الجواهر المضيئة 2/6". ولفظة "الميزان" ساقطة من ض. 3 ساقطة من ض ب ع ز. 4 في ش: يرجح. 5 يرد على قياس الرواية على الشهادة في عدم الترجيح بكثرة العدد أنه قياس مع الفارق، لأن جمهور الفقهاء لم يرجحوا الشهادة بكثرة عدد الشهود، لأنها مبنية على التعبد "كما سبق ص 429"، وبتحديد نصاب الشهادة بالنص، مع تحديد =

و1َقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: وَلَمْ يُرَجَّحْ فِيهَا بِالأَتْقَنِ الأَعْلَمِ. وَرُدَّ قِيَاسُهُمْ عَلَى الْفَتْوَى: بِأَنَّهُ لا يَقَعُ الْعِلْمُ بِهَا فَلَيْسَ طَرِيقُهَا الْخَبَرَ. إنَّمَا نَقِفُ عَلَى عِلْمِ الْمُفْتِي2، وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ أَعْلَمَ3. 4وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ "أَوْ أَكْثَرَ أَدِلَّةً" فَإِنَّ كَثْرَةَ الأَدِلَّةِ تُفِيدُ تَقْوِيَةِ الظَّنِّ؛ لأَنَّ الظَّنَّيْنِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْوَاحِدِ، لِكَوْنِ5 الأَكْثَرِ أَدِلَّةً أَقْرَبَ إلَى الْقَطْعِ، فَيُرَجَّحُ بِذَلِكَ6،

_ = مراتبها، وإن ذهب المالكية بترجيح الشهادة بكثرة عدد الشهود، خلافاً لما جاء في "المدونة 5/188" عن الإمام مالك بعدم الترجيح بكثرة العدد في الشهادة، وقال بالترجيح بكثرة عدد الشهود الحنابلة في قول والحنفية في قول والشافعية في قول. "انظر: العضد على ابن الحاجب 2/310، كشف الأسرار 4/79، شرح تنقيح الفصول ص 420، تيسير التحرير 3/153 وما بعدها، نهاية السول 3/199، المستصفى 2/394، مناهج العقول 3/200، المحصول 2/2/540، الإحكام للآمدي 4/241، البرهان 2/1143، 1162، الروضة ص 813، تخريج الفروع على الأصول ص 376، وسائل الإثبات ص 813 والمراجع الفقهية فيها". 1 ساقطة من ض ب ع ز. 2 ساقطة من ع. 3 انظر: العدة 3/1023. 4 ساقطة من ع. 5 في ع: ولكون. 6 ساقطة من ع، وفي ض ب: فترجح بذلك.

خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ1. "وَ" الثَّانِي مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ رَاجِحًا عَلَى الآخَرِ فِي وَصْفٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فَيُرَجَّحُ "بِالأَزْيَدِ ثِقَةً. وَبِفَطِنَةٍ، وَوَرَعٍ، وَعِلْمٍ، وَضَبْطٍ، وَلُغَةٍ، وَنَحْوٍ" فَكُلُّ وَصْفٍ مِنْ هَذِهِ الأَوْصَافِ يُرَجَّحُ بِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ2. "وَ" يُرَجَّحُ أَيْضًا "بِالأَشْهَرِ بِأَحَدِ" الأَوْصَافِ "السَّبْعَةِ" الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ3 رُجْحَانُهُ4 فِيهَا، فَإِنَّ كَوْنَهُ أَشْهَرَ إنَّمَا

_ 1 يقول القرافي: "فالترجيح بكثرة الأدلة كالترجيح بالعدالة، لا كالترجيح بالعدد" "شرح تنقيح الفصولص 421". وانظر: كشف الأسرار 4/78، 79، تخريج الفروع على الأصول ص 376، تيسير التحرير 3/154، 169، فتح الغفار 3/53، فواتح الرحموت 2/204، 210، 328، التوضيح على التنقيح 3/59، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/361، نهاية السول 3/198، المحصول 2/2/534، 591، شرح تنقيح الفصول ص 420، مختصر الطوفي ص 187، الوسيط ص 625. 2 انظر: المسودة ص 307، 308، الروضة ص 389، ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، المنخول ص 430، جمع الجوامع 2/363، المحصول 2/2/554 وما بعدها، 558 وما بعدها، الإحكام للآمدي 4/243، نهاية السول 3/202، 205، المستصفى 2/395، 396، البرهان 2/1166، 1184، شرح تنقيح الفصول ص 422، 423، أصول السرخسي 2/251، 253، التلويح على التوضيح 3/50، فواتح الرحموت 2/206، 207، تيسير التحرير 3/163، مختصر البعلي ص 169، مختصر الطوفي ص 188، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198، إرشاد الفحول ص 277، الكفاية ص 609، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 222. 3 في ش: ويكون. 4 ساقطة من ض.

يَكُونُ فِي الْغَالِبِ لِرُجْحَانِهِ1. "وَ" يَكُونُ التَّرْجِيحُ أَيْضًا "بِالأَحْسَنِ سِيَاقًا" لأَنَّ حُسْنَ السِّيَاقِ دَلِيلٌ عَلَى رُجْحَانِهِ2. "وَ" يَكُونُ التَّرْجِيحُ أَيْضًا "بِاعْتِمَادِ" الرَّاوِي "عَلَى حِفْظِهِ" لِلْحَدِيثِ "أَوْ ذِكْرِهِ" لَهُ؛ لأَنَّ الْحِفْظَ، وَالذِّكْرَ لا يَحْتَمِلُ الاشْتِبَاهَ. بِخِلافِ اعْتِمَادِهِ عَلَى الْخَطِّ وَالنُّسْخَةِ، فَإِنَّهُمَا يَحْتَمِلانِ3 الاشْتِبَاهَ4. "وَ" يُرَجَّحُ أَيْضًا "بِعَمَلِهِ بِرِوَايَتِهِ" أَيْ بِكَوْنِ5 الرَّاوِي عَلِمَ أَنَّهُ عَمِلَ بِرِوَايَةِ نَفْسِهِ؛ لأَنَّ مَنْ عَمِلَ بِمَا رَوَاهُ يَكُونُ6 أَبْعَدَ مِنْ الْكَذِبِ مِنْ خَبَرِ مَنْ لَمْ يُوَافِقْ عَمَلُهُ7 خَبَرَهُ8.

_ 1 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، نهاية السول 3/205، الإحكام للآمدي 4/243، مختصر البعلي ص 169. 2 انظر: مختصر البعلي ص 169، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198. 3 في ض: لا يحتملان. 4 انظر: الإحكام للآمدي 4/243، 244، المحصول 2/2/560، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/362، نهاية السول 3/204 وما بعدها، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، مختصر البعلي ص 169، فواتح الرحموت 2/207، تيسير التحرير 3/163. 5 في ب: أن يكون. 6 ساقطة من ض ع ب ز. 7 ساقطة من ش، وفي ض: علمه. 8 انظر: ألإحكام للآمدي 4/243، مختصر انب الحاجب والعضد عليه =

وَمَتَى وُجِدَ حَدِيثَانِ مُرْسَلانِ - وَكَانَ الرَّاوِي لأَحَدِهِمَا يُرْسِلُ عَنْ الْعَدْلِ وَعَنْ غَيْرِهِ، وَالرَّاوِي الآخَرُ لا يُرْسِلُ إلاَّ عَنْ عَدْلٍ - رُجِّحَ الَّذِي رَاوِيهِ لا يُرْسِلُ إلاَّ عَنْ عَدْلٍ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ لا يُرْسِلُ إلاَّ عَنْ عَدْلٍ 1". وَكَذَا يُرَجَّحُ الْمُبَاشِرُ لِمَا رَوَاهُ مِنْ فِعْلٍ2، وَصَاحِبُ الْقِصَّةِ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُبَاشِرٍ أَوْ صَاحِبِ الْقِصَّةِ3".

_ = 2/310، المحصول 2/2/559، المستصفى 2/398، مختصرالبعلي ص 169، تيسير التحرير 3/163. انظر: الإحكام للآمدي 4/243، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، مختصر البعلي ص 169، تيسير التحرير 3/163. 1 في ش: نقل. 2 ومنع الجرجاني الحنفي من الترجيح بكون أحد الراويين صاحب القصة، خلافاً لجمهور العلماء. 3 انظر: الروضة ص 389، العدة 3/1024، المسودة ص 306، نهاية السول 3/203، الإحكام للآمدي 4/243، المحصول 2/2/556، المستصفى 2/396، 397، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/365، الإحكام لابن حزم 1/170، شرح تنقيح الفصول ص 423، فواتح الرحموت 3/208، 209، مختصر البعلي ص 169، مختصر الطوفي ص 188، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198، إرشاد الفحول ص 277، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/310، الكفاية ص 610، الجدل لابن عقيل ص 24، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 227.

فَمِثَالُ الْمُبَاشِرِ: رِوَايَةُ أَبِي رَافِعٍ1 تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ حَلالٌ، وَكُنْت السَّفِيرَ بَيْنَهُمَا2 فَإِنَّهَا رُجِّحَتْ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ3. وَمِثَالُ رِوَايَةِ صَاحِبِ الْقِصَّةِ: رِوَايَةُ مَيْمُونَةَ نَفْسِهَا أَنَّهَا قَالَتْ تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ

_ 1 ايمه أسلم، وقيل إبراهيم، وقيل غير ذلك، كان مولى للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقه عليه الصلاة والسلام لما بشره بإسلام العباس، وأسلم أبو رافع قبل بدر، ولم يشهدها، ثم شهد أحد والخندق، والمشاهد بعدها، وشهد فتح مصر، وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاته سلمى، فولدت له عبيد الله، وروى عنه أولاده وغيرهم، توفي أبو رافع بالمدينة قبل قتل عثمان، وقيل بعده في أول خلافة علي رضي الله عنهم. انظر ترجمته في "الإصابة 7/65، أسد الغابة 1/52، 93، 6/106، تهذيب الأسماء 2/230، مشاهير علماء الأمصار ص 29، تحفة الأحوذي 3/580". 2 هذا الحديث أخرجه الترمذي ومالك وأحمد وابن حبان والدارمي عن أبي رافعٍ مرفوعاً، ورواه أحمد عن ميمونة. انظر: جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/580، المنتقى شرح الموطأ 2/238، مسند أحمد 6/323، 393، موارد الظمئان ص 310، سنن الدارمي 2/38، نصب الراية 3/172. 3 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والشافعي والطحاوي عن ابن عباس مرفوعاً. انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/216، صحيح مسلم بشرح النووي 9/196، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/581، سنن النسائي 5/150، سنن ابن ماجه 1/632، سنن الدارمي 2/37، بدائع المنن 2/19، شرح معاني الآثار 2/292. 4 في ض: رسول الله.

حَلالانِ1، فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَيْضًا2. وَتُرَجَّحُ الرِّوَايَةُ أَيْضًا: بِكَوْنِ الرَّاوِي مُشَافِهًا3 بِالرِّوَايَةِ، وَبِكَوْنِهِ أَقْرَبَ عِنْدَ سَمَاعِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُشَافِهًا، أَوْ أَقْرَبَ عِنْدَ سَمَاعِهَا4". فَمِثَالُ الْمُشَافَهَةِ: رِوَايَةُ الْقَاسِمِ5 عَنْ عَائِشَةَ

_ 1 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن ميمونة. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 9/197، سنن أبي داود 1/427، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/581، سنن ابن ماجه 1/632، مسند أحمد 6/332، سنن الدارمي 2/38. 2 ساقطة من ش. وقارن في ذلك رأي الحنفية في تقديم رواية ابن عباس في "فواتح الرحموت 2/201، تيسير التحرير 3/145، 167، التوضيح على التنقيح 3/50". 3 في ع: ساقها. 4 في ع ز: سماعه. 5 هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، أبو محمد، التابعي الجليل، أحد فقهاء المدينة السبعة، روى عن الصحابة، قال ابن سعد: كان ثقة عالما فقيها إماماً كثير الحديث، وقال عنه الإمام مالك: القاسم من فقهاء الأمة، وكان كثير الورع والنسك والمواظبة على الفقه والأدب، صموتاً لا يتكلم إلا قليلاً، روى له أصحاب الكتب الستة، ومات بقديد بين مكة والمدينة سنة 102هـ وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 2/55، وفيات الأعيان 2/224، تذكرة الحفاظ 1/96، الخلاصة 2/346، مشاهير علماء الأمصار ص 63، طبقات =

1رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -وَهِيَ1 عَمَّتُهُ- أَنَّ بَرِيرَةَ2 عَتَقَتْ وَزَوْجُهَا3 عَبْدٌ4.

_ = الفقهاء ص 59، المعارف ص 175، 588،نكت الهميان ص 230، حلية الأولياء 2/183". 1 ساقطة من ض ع، وفي ب ز: وهي. 2 هي بريرة بنت صفوان، مولاة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، صحابية، ولها أحاديث، روى لها النسائي، وكانت تخدم عائشة قبل أن تشتريها، ثم اشترتها وأعتقتها، وكان زوجها مولى، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت فراقه، وكان يحبها، ويمشي في المدينة يبكي عليها، قال ابن الأثير: الصحيح أنه كان عبداً. انظر ترجمتها في "الإصابة 8/29، أسد الغابة 7/39، تهذيب الأسماء 2/332، الخلاصة 3/376". 3 زوج بريرة وهو مغيث، مولى أبي أحمد بن جحش، قال النووي: "والصحيح المشهور أن مغيث كان عبداً حال عتق بريرة، وثبت ذلك في الصحيح عن عائشة، وقيل: كان حراً، وجاء ذلك في رواية لمسلم، وروى البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبداً، يقال له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تعجبون من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثاً"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو راجعتيه؟ " قالت: يا رسول الله، أتأمرني؟ قال: "إنما أنا أشفع"، قالت: "لا حاجة لي فيه". انظر: الإصابة 6/130، أسد الغابة 5/243، تهذيب الأسماء 2/109. 4 هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والدارمي والدارقطني وأحمد عن القاسم عن عائشة، كما رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارقطني عن عروة بن الزبير عن خالته عائشة. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 10/144، 146، سنن أبي داود 1/517، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/317، سنن النسائي 5/132، 134، سنن ابن ماجه 1/671، سنن الدارمي 1/169، سنن الدارقطني 3/289، 291، مسند أحمد 6/46، 269، تخريج أحاديث البزدوي ص 206.

فَإِنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ الأَسْوَدِ1 عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ حُرًّا2 لأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ3. وَمِثَالُ رِوَايَةِ الأَقْرَبِ عِنْدَ سَمَاعِهَا4: رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ

_ 1 هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الرحمن، فقيه مخضرم، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً ولم يره، روى عن عمر وابن مسعود وعائشة وأبي موسى وغيرهم من كبار الصحابة، كان عابداً تقياً زاهداً، وهو من فقهاء الكوفة وأعيانهم، وروى له أصحاب الكتب الستة، توفي سنة 75هـ. انظر ترجمته في "الإصابة 1/108، أسد الغابة 1/107، مشاهير علماء الأمصار ص 100، تذكرة الحفاظ 1/50، شذرات الذهب 1/62، غاية النهاية 1/171". 2 هذا الحديث رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والدارقطني وأحمد عن الأسود عن عائشة. انظر: صحيح البخاري بشرح السندي 4/114، سنن أبي داود 1/518، تحفة الأحوذي 4/317 وما بعدها، سنن النسائي 5/133، سنن ابن ماجه 1/670، سنن الدارمي 2/169، سنن الدارقطني 3/290، مسند أحمد 6/42، تخريج أحاديث البزدوي ص 206. 3 قال ابن عيينة: كان أعلم الناس بحديث عائشة القاسم وعروة وعمرة، وقل القاسم عن عائشة: كنت ملازماً لها، لأنه نشأ في حجر عمته عائشة، وقال ابن معين: عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة مسبك الذّهب، ورجح البخاري وغيره رواية ابن عباس رضي الله عنه. انظر: صحيح البخاري 4/114، تهذيب الأسماء 2/55، نكت الهميان ص 230، الإحكام لابن حزم 1/171، 182، تيسير التحرير 2/145، فواتح الرحموت 2/201، التوضيح على التنقيح 3/51. 4 في ض ع: سماعه.

اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ التَّلْبِيَةَ1 فَإِنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ ثَنَّى2 لأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ تَحْتَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ لَبَّى3. وَتُرَجَّحُ رِوَايَةُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ - وَهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ - عَلَى غَيْرِهَا

_ 1 هذا الحديث رواه مسلم وأحمد والترمذي والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنه، ولفظه في مسلم: "أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفرداً" وفي رواية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالحج مفرداً" وروى مسلم وأبو داود وابن ماجه عن جابر رضي الله عنه مثله، وروى الترمذي وابن ماجه والدارقطني مثله عن عائشة رضي الله عنها، وأن أبا بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وغيرهم أفردوا بالحج. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 8/174، 216، مسند أحمد 2/97، سنن أبي داود 1/414، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/552، سنن ابن ماجه 2/988، 989، سنن الدارقطني 2/238، التلخيص الحبير 2/231. 2 حديث التثنية، وهو القران بالجمع بين الحج والعمرة، رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن أنس رضي الله عنه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً" وفي رواية: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لبيك عمرة وحجاً" وفي رواية: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما بين الحج والعمرة". انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 8/216، سنن أبي داود 1/417، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 3/554، سنن ابن ماجه 2/989، مسند أحمد 3/99. 3 روى ذلك ابن عوانه، وذكر العلماء اختلاف الروايات في الإفراد والقرآن، وبينوا الجمع بينهما أو الترجيح لإحداها. "انظر: نيل الأوطار 4/346، التلخيص الحبير 2/231، نصب الراية 3/599، زاد المعاد 2/107، المنتقى 2/211، بدائع المنن 1/302، تيسير التحرير 3/164".

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ1، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، فَيُقَدَّمُ الْخُلَفَاءُ الأَرْبَعَةُ" أَيْ رِوَايَتُهُمْ عَلَى غَيْرِهَا2، وَذَلِكَ3 لِقُرْبِهِمْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ مِنْهُ4؛ لأَنَّ مَنْ قَرُبَ مِنْ إنْسَانٍ كَانَ أَعْلَمَ5 بِحَالِهِ مِنْ الْبَعِيدِ6؛ وَلأَنَّ الرَّئِيسَ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ أَشَدُّ تَصَوُّنًا وَصَوْنًا لِمَنْصِبِهِ مِنْ غَيْرِهِ.

_ 1 ساقطة من ض د. 2 قال بتقديم رواية الخلفاء الأربعة وأكابر الصحابة وجمهور العلماء منهم الحنفية خلافاً للشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند الحنابلة روايتان، والرجحة التقديم. انظر: العدة 3/1026، المسودة ص 307، مختصر الطوفي ص 188، مختصر البعلي ص 169، ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، جمع الجوامع 2/364، الإحكام للآمدي 4/244، المحصول 2/2/561، فواتح الرحموت 2/207، تيسير التحرير 3/163، شرح تنقيح الفصول ص 198. 3 ساقطة من ض. 4 وذلك أن كبار الصحابة كانوا أقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". انظر صحيح مسلم بشرح النووي 4/154، سنن أبي داود 1/156، سنن النسائي 2/68، سنن ابن ماجة 1/312، سنن الدارمي 1/233، مسند أحمد 1/457. 5 في ض ب ع ز: أعرف. 6 في ع: من البعيد بحاله.

وَعِنْدَ1 ابْنِ الْحَاجِبِ2 وَابْنِ مُفْلِحٍ وَالْهِنْدِيِّ وَجَمْعٍ: تُقَدَّمُ رِوَايَةُ مُتَقَدِّمِ الإِسْلامِ عَلَى مُتَأَخِّرِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ مُتَقَدِّمِ الإِسْلامِ"3. وَعِنْدَ الْقَاضِي وَالْمَجْدِ وَالطُّوفِيِّ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اخْتَصَّ بِصِفَةٍ. فَمُتَقَدِّمُ الإِسْلامِ: اخْتَصَّ4 بِأَصَالَتِهِ فِي الإِسْلامِ، وَمُتَأَخِّرُهُ: اخْتَصَّ بِأَنَّهُ5 لا يَرْوِي إلاَّ آخِرَ الأَمْرَيْنِ، فَكَانَا6 سَوَاءً7. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالأَكْثَرُ: تُرَجَّحُ8 رِوَايَةُ مُتَأَخِّرِ الإِسْلامِ عَلَى مُتَقَدِّمِهِ؛ لأَنَّهُ يَحْفَظُ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

_ 1 في ع: وعن. 2 في ض: حمدان. 3 انظر: الإحكام للآمدي 4/244، المحلي على جمع الجوامع 2/364، مختصر ابن الحاجب 2/310، المسودة ص 311، تيسير التحرير 3/164، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198، إرشاد الفحول ص 277. 4 في ض: اختص متقدم الإسلام. 5 في ض ع: أنه. 6 في ع: فكانوا. 7 قال البعلي: "سيان عند الأكثر" "مختصر البعلي ص 169". وانظر: مختصر الطوفي ص 188، المسودة ص 311، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198، الفقيه والمتفقه 2/47. 8 في ض: ترجيح.

وَسَلَّمَ1 وَلِهَذَا لَمَّا رَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ2: رَأَيْت3 رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ؛ لأَنَّ

_ 1 فال بتقديم رواية المتأخر بعض الشافعية كأبي إسحاق الشيرازي، وابن برهان، والبيضاوي، وصوبه ابن بدران وابن الحاجب والقرافي، لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "كنا نأخذ من أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم بالأحدث فالأحدث" ونص الإمام أحمد على هذا في رواية عبد الله، وأخذ به القاضي أبو يعلى. انظر: العدة 3/1040، المسودة ص 311، نهاية السول 3/206، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، جمع الجوامع 2/364، الإحكام للآمدي 4/267، 4/267، شرح تنقيح الفصول ص 423، تيسير التحرير 3/164، فواتح الرحموت 2/208، المحصول 2/2/568، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198، إرشاد الفحول ص 277. 2 هو الصحابي جرير بن عبد الله بن جابر البجلي، أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الله، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة في رمضان، فأسلم وبايعه، وكان طويلاً يصل غلأى سنام البعير، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: جرير يوسف هذه الأمة، لحسنه، وفي صحيح البخاري ومسلم قال جرير: "ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي" وقدمه عمر رضي الله عنه في حروب العراق على جميع بجيله، وكان لهم أمر عظيم في فتح القادسية، ثم سكن الكوفة، وروى مائة حديث، وله مناقب كثيرة، وعتزل علياً ومعاوية، وأقام بالجزيرة ونواحيها حتى توفي سنة 54هـ، وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في "الإصابة 1/242، أسد الغابة 1/333، تهذيب الأسماء 1/147، الخلاصة 1/163، مشاهير علماء الأمصار ص 44". 3 في ب: رواية.

إسْلامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ"1 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2. وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا مَا عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنْ وَافَقَهُ، مَعَ كَوْنِهِ خِلافَ رَأْيِ الْجُمْهُورِ: تَبَعًا لِتَقْدِيمِهِ لَهُ فِي التَّحْرِيرِ. وَيُقَدَّمُ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي3 الْخَطَّابِ: رِوَايَةُ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ

_ 1 المقصود من سورة المائدة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} المائدة:6. والحكمة من هذا التعليل أنه لو كان إسلام جرير متقدما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخاً بآية المائدة في الوضوء، وبما أن إسلامه متأخر فهذا يدلّ على العمل بحديث المسح على الخفين، وأن المراد بالآية غير صاحب الخف، فتكون السنة مخصصة للآية، كما قال النووي رحمه الله. انظر: تحفة الأحوذي 1/314، سنن النسائي مع زهر الربى 1/69، المجموع للنووي 1/514، نيل الأوطار 1/210. 2 حديث جرير رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، ورواه البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن المغيرة بن شعبة مرفوعاً بروايات كثيرة، وأنه بعد غزوة تبوك، كما روي ذلك عن أنس وبلال وسعد بن أبي وقاص وغيرهم مرفوعاً حتى وصل حديث المسح على الخفين إلى سبعين صحابياً. انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/34، 55، صحيح مسلم بشرح النووي 3/164، 168، سنن أبي داود 1/33، 34، سنن النسائي 1/69، 70، سنن ابن ماجه 1/181، الأزهار المتناثرة ص 9، المجموع للنووي 1/513، نيل الأوطار 1/209، مسند أحمد 4/358، نصب الراية 1/162. 3 في ع: وابن.

صُحْبَةً عَلَى غَيْرِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ أَكْثَرَ صُحْبَةً" زَادَ أَبُو الْخَطَّابِ "أَوْ قَدُمَتْ هِجْرَتُهُ"1. وَ2قَالَ الآمِدِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ "أَوْ مَشْهُورِ النَّسَبِ"3. زَادَ الآمِدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ: أَوْ غَيْرِ مُلْتَبِسٍ4 بِضَعِيفٍ5. وَرُدَّ ذَلِكَ. وَوَجْهُ التَّرْجِيحِ بِشُهْرَةِ النَّسَبِ: لِكَثْرَةِ تَحَرُّزِهِ عَمَّا يُنْقِصُ رُتْبَتَهُ. وَيُقَدَّمُ مَنْ سَمِعَ بَالِغًا عَلَى مَنْ سَمِعَ صَغِيرًا، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "أَوْ سَمِعَ بَالِغًا" وَذَلِكَ لِقُوَّةِ ضَبْطِهِ، وَكَثْرَةِ احْتِيَاطِهِ. وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلافِ، فَيَكُونُ الظَّنُّ بِهِ أَقْوَى6.

_ 1 انظر: المسودة ص 308، 311، مختصر البعلي ص 170. 2 ساقطة من ض ع. 3 انظر: جمع الجوامع 2/363، الإحكام للآمدي 4/244، المحصول 2/2/561، تيسير التحرير 2/165، مختصر البعلي ص 170. 4 في ش: متلبس. 5 اللفظة في "مختصر ابن الحاجب": بمضعف، وفي "الإحكام " للآمدي: بضعيف. انظر: الإحكام للآمدي 4/244، مختصر ابن الحاجب 2/310، المحصول 2/2/562، مختصر البعلي ص 170. 6 انظر: جمع الجوامع 2/364، نهاية السول 3/206، الإحكام للآمدي 4/245، المحصول 2/2/562، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، فواتح الرحموت 2/208، تيسير التحرير 3/164، مختصر البعلي ص 170.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَرْجِيحَ الرَّاوِي يَكُونُ1 بِمَا فِي نَفْسِهِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَيْهِ2. "وَ" يَكُونُ بِتَزْكِيَتِهِ، فَيُرَجَّحُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى بَعْضٍ "بِكَثْرَةِ مُزَكِّينَ3 وَ" إنْ اسْتَوَوْا فِي الْكَثْرَةِ رُجِّحَ "بأَعْدَلِيَّتِهمْ4" "وَ" إنْ اسْتَوَوْا فِي الأَعْدَلِيَّةِ رُجِّحَ "بأوْثَقِيَّتِهمْ5. وَ" الشَّيْءُ الثَّانِي فِي الرِّوَايَةِ6: فَيُقَدَّمُ7 حَدِيثٌ "مُسْنَدٌ عَلَى" حَدِيثٍ "مُرْسَلٍ" عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ؛ لأَنَّ فِيهِ مَزِيَّةَ الإِسْنَادِ، فَيُقَدَّمُ بِهَا، وَ8لأَنَّ الْمُرْسَلَ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْهُولٌ، وَلأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ

_ 1 في ض: بكون. 2 صفحة 431 وما بعدها. 3 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، جمع الجوامع 2/363، الإحكام للآمدي 4/245، المحصول 2/2/558، نهاية السول 3/203 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص 423، تيسير التحرير 3/166، إرشاد الفحول ص 277. 4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، الإحكام للآمدي 4/245، المحصول 2/2/558. 5 انظر: مختصر ابن الحاجب، الصفحة السابقة، الإحكام للآمدي، الصفحة السابقة، نهاية السول 3/219، تيسير التحرير 3/166، إرشاد الفحول ص 277. 6 ساقطة من ش ع. 7 في ش ع ب ز: يقدم. 8 في ب: أو.

فِي كَوْنِهِ حُجَّةً1، وَالْمُسْنَدُ مُتَّفَقٌ عَلَى حُجِّيَّتِهِ2، وَكَذَا كُلُّ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ مَعَ كُلِّ3 مُخْتَلَفٍ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ. "وَ" يُقَدَّمُ4 "مُرْسَلُ تَابِعِيٍّ عَلَى" مُرْسَلِ "غَيْرِهِ" لأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ صَحَابِيٍّ5. "وَ" يُرَجَّحُ أَحَدُ الْمُسْنَدَيْنِ6 "بِالأَعْلَى إسْنَادًا" مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ بِهِ: قِلَّةُ عَدَدِ الطَّبَقَاتِ إلَى مُنْتَهَاهُ. فَيُرَجَّحُ عَلَى مَا كَانَ أَكْثَرَ؛ لِقِلَّةِ احْتِمَالِ7 الْخَطَإِ بِقِلَّةِ8 الْوَسَائِطِ، وَلِهَذَا رَغَّبَ الْحُفَّاظُ فِي

_ 1 تقدم الكلام على الاختلاف في حجية الحديث المرسل "2/574 وما بعدها". 2 قال الجرجاني الحنفي وعيسى بن أبان وبقية الحنفية وأبو الخطاب من الحنابلة: المرسل أولى، وقال القاضي عبد الجبار يستويان، وفي ض ب: حجته. انظر: العدة 3/1032، المسودة ص 310، الروضة 390، مجموع الفتاوى 13/116، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، نهاية السول 3/218، الإحكام للآمدي 4/245 وما بعدها، المحصول 2/2/564 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/208، إرشاد الفحول ص 278، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197، الوسيط ص 629، مختصر الطوفي ص 187، مختصر البعلي ص 170. 3 ساقطة من ش. 4 في ش ب ع ز: والشيء الثاني في الرواية فيقدم. 5 انظر: الإحكام للآمدي 4/246، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، مختصر البعلي ص 170. 6 في ش: المرسلين. 7 ساقطة من ش. 8 في ب: لقلة.

عُلُوِّ السَّنَدِ. فَلَمْ يَزَالُوا يَتَفَاخَرُونَ بِهِ1. "وَ" يُرَجَّحُ حَدِيثٌ "مُعَنْعَنٌ" أَيْ: مُتَّصِلٌ بِقَوْلِ الرَّاوِي " حَدَّثَنِي فُلانٌ عَنْ فُلانٍ عَنْ فُلانٍ2 " إلَى أَنْ يَبْلُغَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عَلَى مَا" أَيْ: عَلَى حَدِيثٍ "أُسْنِدَ" بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ "إلَى كِتَابِ مُحَدِّثٍ" مِنْ كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ3 "وَكِتَابِهِ4" أَيْ وَيُرَجَّحُ مَا بِكِتَابِ مُحَدِّثٍ مُسْنَدٍ "عَلَى" كِتَابٍ "مَشْهُورٍ بِلا نَكِيرٍ5" لَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْنَدٍ6. "وَ" يُرَجِّحُ "الشَّيْخَانِ" أَيْ: مَا اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى رِوَايَتِهِ فِي كِتَابَيْهِمَا7 "عَلَى" مَا فِي كُتُبِ8 "غَيْرِهِمَا" مِنْ

_ 1 قال ابن عبد الشكور في "مسلم الثبوت" والكمال بن الهمام في "التحرير": خلافاً للحنفية، لكن شارح "مسلم الثبوت" قال عن الترجيح بعلو الإسناد: "وهو المذهب المنصور عندنا" "فواتح الرحموت 2/207". وانظر: تيسير التحرير 3/163، نهاية السول 3/202، الإحكام للآمدي 4/248، جمع الجوامع 2/363، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، المحصول 2/2/553، إرشاد الفحول ص 276. 2 ساقطة من ب، وفي ع ز: عن فلان. 3 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/247. 4 في ش ع: وكتاب. 5 في ع: بالنكير. 6 انظر: الإحكام للآمدي 4/247. 7 في ب: كتابهما. 8 ساقطة من ض.

الْمُحَدِّثِينَ؛ لأَنَّهُمَا أَصَحُّ الْكُتُبِ بَعْدَ الْقُرْآنِ، لاتِّفَاقِ الأُمَّةِ عَلَى تَلَقِّيهِمَا بِالْقَبُولِ حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الصَّلاحِ، وَالأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: إنَّ مَا فِيهِمَا مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ1. وَخَالَفَ النَّوَوِيُّ؛ لِقَوْلِ الأَكْثَرِ: إنَّ خَبَرَ الآحَادِ لا يُفِيدُ إلاَّ الظَّنَّ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ اتِّفَاقِ الأُمَّةِ عَلَى الْعَمَلِ بِهِمَا: إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ مَا فِيهِمَا مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2. "فَالْبُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ" يَعْنِي ثُمَّ3 يُرَجَّحُ مَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى مَا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ. "فَمَا صُحِّحَ" ثُمَّ يُرَجَّحُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا صُحِّحَ مِنْ الأَحَادِيثِ عَلَى مَا لَمْ يُصَحَّحْ، وَتَخْتَلِفُ مَرَاتِبُ ذَلِكَ. فَيُرَجَّحُ مَا كَانَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ثُمَّ مَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، ثُمَّ مَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. كَمَا

_ 1 انظر: المسودة ص 310، مجموع الفتاوى 18/74، 20/320، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/365، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/247، فواتح الرحموت 2/209، تيسير التحرير 3/166، إرشاد الفحول ص 278، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199، مقدمة ابن الصلاح ص 14. 2 أيد الكمال ابن الهمام وابن عبد الشكور وصاحب "فواتح الرحموت" ما جاء عن النووي، وردوا كلام ابن الصلاح ومن معه. انظر: فواتح الرحموت 2/209، تيسير التحرير 3/166، شرح النووي على صحيح مسلم 1/20 مع الاختصار والتصرف. 3 في ض: و.

فَصَّلَ ذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ1، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَا صُحِّحَ وَلَيْسَ عَلَى شَرْطٍ وَاحِدٍ مِنْ الشَّيْخَيْنِ. "فَمَرْفُوعٌ، وَمُتَّصِلٌ عَلَى مَوْقُوفٍ، وَمُنْقَطِعٍ" يَعْنِي ثُمَّ يُقَدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ؛ لِمَزِيَّتِهِ بِرَفْعِهِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَوْقُوفِ، وَيُقَدَّمُ الْحَدِيثُ الْمُتَّصِلُ لِمَزِيَّتِهِ2 بِالاتِّصَالِ3 عَلَى الْحَدِيثِ الْمُنْقَطِعِ4. "وَ" حَدِيثٌ "مُتَّفَقٌ عَلَى رَفْعِهِ، أَوْ" عَلَى "وَصْلِهِ: عَلَى" حَدِيثٍ "مُخْتَلَفٍ فِيهِ" أَيْ فِي رَفْعِهِ أَوْ فِي وَصْلِهِ5؛ لأَنَّ لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مَزِيَّةً عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ6. "وَ" تُقَدَّمُ7 "رِوَايَةٌ مُتَّفِقَةٌ" أَيْ8 لَمْ يَخْتَلِفْ لَفْظُهَا

_ 1 المستدرك 1/3. 2 ساقطة من ش. 3 ساقطة من ش ض. 4 انظر: مختصر الطوفي ص 188، المدخل إلى مذهب أحمد ص 197، الكفاية ص 610. 5 انظر: المسودة ص 310، مختصر البعلي ص 170، مختصر الطوفي ص 188، الروضة ص 390، نهاية السول 3/208، الإحكام للآمدي 4/248، المحصول 2/2/563، المستصفى 2/396، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، شرح تنقيح الفصول ص 422، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198، فواتح الرحموت 2/208. 6 ساقطة من ض. 7 في ب: ويقدم. 8 في ع ب: إذا.

وَلا مَعْنَاهَا وَلا مُضْطَرِبَةٌ "عَلَى" رِوَايَةٍ1 "مُخْتَلِفَةٍ أَوْ2 مُضْطَرِبَةٍ" مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ3. "وَ" الشَّيْءُ الثَّالِثُ: فِي الْمَرْوِيِّ. فَيُقَدَّمُ "مَا" أَيْ حَدِيثٌ "سُمِعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُحْتَمَلٍ" أَيْ عَلَى مَا اُحْتُمِلَ سَمَاعُهُ وَعَدَمُ سَمَاعِهِ "وَ" كَذَا "عَلَى كِتَابِهِ" عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْمَجْدِ وَالآمِدِيِّ4. وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: كِتَابُهُ وَمَا سُمِعَ مِنْهُ سَوَاءٌ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فِي الْحُجَّةِ5 بِهَذَا وَبِهَذَا، وَيُحْتَمَلُ

_ 1 في ب تكرار للسطرين السابقين "مختلف فيه ... رواية". 2 ساقطة من ش ض. 3 انظر: المسودة ص 206، 308، جمع الجوامع 2/365، نهاية السول 3/208، 218، الإحكام للآمدي 4/248، المحصول 2/2/564، المستصفى 2/395، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/166، الإحكام لابن حزم 1/173، مختصر الطوفي ص 188، الكفاية ص 609، الجدل لابن عقيل ص 25، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 224. 4 انظر: العدة 3/1029، المسودة ص 309، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، الإحكام للآمدي 4/248، المستصفى 2/395، شرح تنقيح الفصول ص 422، تيسير التحرير 3/165، التلويح على التوضيح 3/52، إرشاد الفحول ص 277، الوسيط ص 630، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 224. 5 في ب: الحجية.

أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّهُ لا تَرْجِيحَ بَيْنَهُمَا1. وَقَالَ الْقَاضِي، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ: إنَّهُمَا سَوَاءٌ2، وَتَعَلَّقَ الْقَاضِي بِخَبَرِ ابْنِ عُكَيْمٍ3 فِي الدَّبَّاغِ4، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: عَمِلَ بِهِ أَحْمَدُ5

_ 1 انظر: العدة 3/1029، إرشاد الفحول ص 277. ونقل الشوكاني قولاً بترجيح رواية من اعتمد على الكتابة على رواية من اعتمد الحفظ. "انظر: إرشاد الفحول ص 277". 2 العدة 3/1028، وانظر: المسودة ص 309. 3 في ض ب: حكيم. وهو عبد الله بن عكيم، أبو معبد الكوفي الجهني، مخضرم، قال البخاري: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف له سماع صحيح، روى عن أبي بكر وعمر، وكان ثقة، وروى عنه ابن أبي ليلى وغيره، مات في إمارة الحج. انظر: الإصابة 4/106، أسد الغابة 3/339، الخلاصة 2/80. 4 حديث عبد الله بن عكيم هو أنه قال: قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن بأرض جهينة "أن لا تستمتعوا من الميتة بشيء من إهاب ولا عصب"، وفي رواية: "جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر: "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"، وسبق ذكره في الهامش "2/510" فيما يبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم بالكتابة إلى الغائب، وذه االحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والقاضي عياض والرامهرمزي. انظر: مسند أحمد 4/310، سنن أبي داود 2/387، تحفة الأحوذي 5/402، سنن النسائي 7/155، سنن ابن ماجه 2/1194، المحدث الفاصل ص 453، الإلماع ص 88، نصب الراية 1/120، التلخيص الحبير 1/46، تخريج أحاديث البزدوي ص 183. 5 في ع ز: أحمد بن حنبل.

لِتَأَخُّرِهِ، فَلا مُعَارَضَةَ1. "وَ" يُقَدَّمُ مَا سُمِعَ2 مِنْهُ أَيْضًا "عَلَى مَا سَكَتَ عَنْهُ مَعَ3 حُضُورِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ حَدِيثٌ سُمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَدِيثٍ ذُكِرَ أَنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ مَعَ حُضُورِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ؛ لأَنَّ الْمَسْمُوعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى مِمَّا اُسْتُفِيدَ حُكْمُهُ مِنْ تَقْرِيرِهِ لِغَيْرِهِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ4. "ثُمَّ ذَا" أَيْ: ثُمَّ يُقَدَّمُ ذَا وَهُوَ مَا سَكَتَ عَنْهُ "مَعَ حُضُورِهِ عَلَى" مَا سَكَتَ عَنْهُ "مَعَ غَيْبَتِهِ" وَعَلِمَ بِهِ5 "إلاَّ مَا" أَيْ إلاَّ شَيْئًا وَقَعَ فِي غَيْبَتِهِ وَعَلِمَ بِهِ، وَكَانَ "خَطَرُ السُّكُوتِ عَنْهُ أَعْظَمَ". قَالَ الْقُطْبُ الشِّيرَازِيُّ6:

_ 1 انظر: المسودة ص 309. 2 في ض: سمعه. 3 في ش: على "10/2" في ز: من. 4 انظر: الإحكام للآمدي 4/248، المحصول 2/2/563، المستصفى 2/396، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311. 5 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/311، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/160. 6 هو محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي، قطب الدين الشيرازي، الشافعي، كان أبوه طبيباً بشيراز، وقرأ الطب والعقليات، ودرس الفقه والتفسير والنحو وغيرها، وزار الشام، ثم سكن تبريز، وتولى قضاء سيواس وملطية، وكان بحراً في العلوم، طريفاً في التدريس، ذا مروءة وأخلاق، كثير التأليف في العقليات والتفسير والطب، منها "فتح المنان في تفسير القرآن" و "حكمة الإشراق" و "شرح كليات القانون في الطب لابن سينا" و "مفتاح المفتاح" في =

يُرَجَّحُ بِسُكُوتِهِ1 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا جَرَى فِي مَجْلِسِهِ عَلَى سُكُوتِهِ عَمَّا جَرَى فِي غَيْبَتِهِ، وَسَمِعَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ. اللَّهُمَّ إلاَّ إذَا كَانَ خَطَرُ مَا جَرَى فِي غَيْبَتِهِ2 آكَدَ وَآثَمَ مِنْ خَطَرِ مَا جَرَى فِي مَجْلِسِهِ، بِحَيْثُ تَكُونُ الْغَفْلَةُ عَنْهُ لِشِدَّةِ خَطَرِهِ أَبْعَدَ. فَإِنَّهُ يَكُونُ أَوْلَى. انْتَهَى. "وَ" يُقَدَّمُ "قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِعْلِهِ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ لِصَرَاحَةِ الْقَوْلِ: وَلِهَذَا3 اتَّفَقَ عَلَى دَلالَةِ الْقَوْلِ، بِخِلافِ دَلالَةِ الْفِعْلِ؛ لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُخْتَصًّا بِهِ، وَلأَنَّ لِلْقَوْلِ صِيغَةَ دَلالَةٍ، بِخِلافِ الْفِعْلِ4. وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ5، وَقِيلَ: الْفِعْلُ أَوْلَى. "وَهُوَ" أَيْ و6َفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمٌ "عَلَى تَقْرِيرِهِ"

_ = البلاغة، وغيرها، توفي بتبريز سنة 710 هـ. انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 5/108، الأعلام 6/46، مفتاح السعادة 1/164، الفتح المبين 2/109". 1 في ز: سكوته. 2 في ض ع ب ز: زمانه. 3 في ش: ولهذا القول. 4 انظر: جمع الجوامع 2/365، نهاية السول 3/218، الإحكام للآمدي 4/256، إرشاد الفحول ص 279، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199، فواتح الرحموت 2/202، تيسير التحرير 3/148، المعتمد 1/390. 5 وهو رأي ابن حزم الظاهري، "انظر: الإحكام، له 1/171، 432". 6 ساقطة من ض.

يَعْنِي أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمٌ عَلَى تَقْرِيرِهِ1، وَهُوَ مَا رَآهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَكَتَ عَنْهُ؛ لأَنَّ التَّقْرِيرَ يَطْرُقُهُ2 مِنْ الاحْتِمَالِ مَا لَيْسَ فِي الْفِعْلِ الْوُجُودِيِّ. وَلِذَلِكَ كَانَ فِي دَلالَةِ التَّقْرِيرِ عَلَى التَّشْرِيعِ اخْتِلافٌ. "وَ" يُقَدَّمُ "مَا لا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فِي الآحَادِ" يَعْنِي أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا انْفَرَدَ بِحَدِيثٍ لا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَانْفَرَدَ آخَرُ بِحَدِيثٍ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى؛ لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَإِنَّ مَا لا3 تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى يُقَدَّمُ "عَلَى مَا تَعُمُّ بِهِ" الْبَلْوَى4؛ لأَنَّ مَا لَمْ5 تَعُمَّ بِهِ الْبَلْوَى أَبْعَدُ مِنْ الْكَذِبِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى؛ لأَنَّ تَفَرُّدَ الْوَاحِدِ بِنَقْلِ مَا تَتَوَفَّرُ6 الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ يُوهِمُ الْكَذِبَ7. "وَ" الشَّيْءُ الرَّابِعُ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْهُ. فَيُقَدَّمُ "مَا" أَيْ حَدِيثٌ "لَمْ يُنْكِرْهُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ" عَلَى مَا أَنْكَرَهُ

_ 1 انظر: جمع الجوامع 2/365. 2 في ش: يتطرق إليه. 3 ساقطة من ض. 4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/312، الإحكام للآمدي 4/249، 264، المحصول 2/2/592، شرح تنقيح الفصول ص 425، إرشاد الفحول ص 279، فواتح الرحموت 2/206. 5 في ض: لا. 6 في ب: يتوفر. 7 ساقطة من ض.

مُطْلَقًا1. "وَ" يُقَدَّمُ "مَا أَنْكَرَهُ" الْمَرْوِيُّ عَنْهُ2 حَالَ كَوْنِ إنْكَارِهِ "نِسْيَانًا" عَلَى مَا قَالَ عَنْهُ: إنَّهُ مُتَحَقِّقٌ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ3، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "عَلَى ضِدِّهِمَا". قَالَ الْعَضُدُ: التَّرْجِيحُ بِحَسَبِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ: هُوَ أَنْ لا يَثْبُتَ إنْكَارُهُ4 لِرِوَايَتِهِ5، 6عَلَى مَا ثَبَتَ إنْكَارُهُ7 لِرِوَايَتِهِ وَهَذَا8 يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ مَا لَمْ يَقَعْ لِرَاوِيهِ9 إنْكَارٌ لَهُ، وَمَا لَمْ يَقَعْ لِلنَّاسِي10 إنْكَارٌ لِرِوَايَتِهِ11، وَاللَّفْظُ مُحْتَمَلٌ. وَالْوَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، لَكِنْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى هُوَ

_ 1 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/312، جمع الجوامع 2/365، الإحكام للآمدي 4/249، المحصول 2/2/564، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/161، 165، التلويح على التوضيح 3/53، إرشاد الفحول ص 278، الوسيط ص 631. 2 ساقطة من ض. 3 انظر: الإحكام للآمدي 4/249. 4 في ش ض ب: انكاراً. 5 في مختصر ابن الحاجب: لرواته. 6 ساقطة من ش. 7 في ز: إنكار. 8 في ش: وهو. 9 في ز والعضد على ابن الحاجب: لرواته، وفي ض: لرواية. 10 في ش: للناسي، وفي ع: إنكار للناس. 11 في ع والعضد عل ابن الحاجب: لرواته.

الأَوَّلُ1. انْتَهَى. النَّوْعُ الثَّانِي مِمَّا يَقَعُ فِيهِ التَّرْجِيحُ بَيْنَ مَنْقُولَيْنِ "الْمَتْنُ". وَ "يُرَجَّحُ" مِنْهُ "نَهْيٌ" عَلَى "أَمْرٍ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ النَّهْيُ2 عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ الأَمْرُ لِشِدَّةِ الطَّلَبِ فِيهِ؛ لاقْتِضَائِهِ لِلدَّوَامِ3، حَتَّى قَالَ كَثِيرٌ مِمَّنْ4 قَالَ: الأَمْرُ لا يُفِيدُ التَّكْرَارَ، قَالَ5: النَّهْيُ يُفِيدُ التَّكْرَارَ؛ وَلأَنَّ دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ أَهَمُّ مِنْ جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ. "وَأَمْرٌ عَلَى مُبِيحٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ خَبَرٌ فِيهِ أَمْرٌ عَلَى خَبَرٍ فِيهِ مُبِيحٌ، لاحْتِمَالِ الضَّرَرِ بِتَقْدِيمِ الْمُبِيحِ بِلا عَكْسٍ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الأَكْثَرِ6. وَقَالَ الآمِدِيُّ وَابْنُ حَمْدَانَ وَالْهِنْدِيُّ: يُرَجَّحُ الْمُبِيحُ عَلَى الأَمْرِ؛

_ 1 العضد على ابن الحاجب 2/312. 2 في ب: المنهي. 3 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/312، جمع الجوامع 2/368، الإحكام للآمدي 4/250. 4 ساقطة من ش. 5 في ش: وقال. 6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/312، جمع الجوامع 2/368، الإحكام للآمدي 4/250، مختصر البعلي ص 170.

لاتِّحَادِ مَدْلُولِهِ وَلِعَدَمِ1 تَعْطِيلِهِ، وَإِمْكَانِ تَأْوِيلِ الأَمْرِ2. فَعَلَى الأَوَّلِ -وَهُوَ تَقْدِيمُ3 الأَمْرِ عَلَى الْمُبِيحِ- يُقَدَّمُ النَّهْيُ عَلَى الْمُبِيحِ، وَعَلَى قَوْلِ الآمِدِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ: عَكْسُهُ، وَهُوَ تَرْجِيحُ4 الْمُبِيحِ عَلَى النَّهْيِ5. "وَ" يُرَجَّحُ "خَبَرٌ" مَحْضٌ "عَلَى الثَّلاثَةِ" أَيْ عَلَى النَّهْيِ، وَالأَمْرِ، وَالإِبَاحَةِ؛ لأَنَّ دَلالَةَ الْخَبَرِ عَلَى الثُّبُوتِ أَقْوَى مِنْ دَلالَةِ غَيْرِهِ مِنْ الثَّلاثَةِ عَلَيْهِ؛ وَلأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ بِهِ لَزِمَ الْخُلْفُ فِي خَبَرِ الصَّادِقِ6. "وَ" يُرَجَّحُ لَفْظٌ "مُتَوَاطِئٌ عَلَى" لَفْظٍ "مُشْتَرَكٍ" قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرِهِمَا7. "وَ" يُرَجَّحُ "مُشْتَرَكٌ قَلَّ مَدْلُولُهُ عَلَى مَا" أَيْ عَلَى مُشْتَرَكٍ "كَثُرَ" مَدْلُولُهُ، فَيَرْجِعُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ عَلَى مُشْتَرَكٍ بَيْنَ ثَلاثِ مَعَانٍ8.

_ 1 في ش: وانعدام. 2 الإحكام للآمدي 4/250، وانظر: حاشية التفتازاني والعضد على ابن الحاجب 2/312. 3 في ض ب: تقدم. 4 في ب: يرجح. 5 انظر: الإحكام للآمدي 4/251. 6 انظر: جمع الجوامع 2/368، الإحكام للآمدي 4/250، 251. 7 انظر: الإحكام للآمدي 4/251. 8 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/313، الإحكام للآمدي 4/251، تيسير التحرير 3/157.

"وَ" يُرَجَّحُ مَا1 فِيهِ "مَعْنًى ظَهَرَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى عَكْسِهِ" أَيْ عَلَى2 مَا فِيهِ مَعْنًى لَمْ يَظْهَرْ اسْتِعْمَالُهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ وَابْنُ الْبَنَّاءِ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ أَظْهَرَ فِي الاسْتِعْمَالِ، كَمَا ذَكَرْنَا3 فِي " الْحُمْرَةِ " وَأَنَّهَا أَظْهَرُ فِي الشَّفَقِ. انْتَهَى. "وَ" يُرَجَّحُ مَا4 فِيهِ "اشْتِرَاكٌ بَيْنَ عَلَمَيْنِ عَلَى" مَا فِيهِ اشْتِرَاكٌ بَيْنَ "عَلَمٍ وَمَعْنًى، وَ" مَا فِيهِ اشْتِرَاكٌ "بَيْنَ عَلَمٍ وَمَعْنًى عَلَى5" مَا فِيهِ اشْتِرَاكٌ بَيْنَ "مَعْنَيَيْنِ". قَالَ الإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْبَيْضَاوِيِّ: الاشْتِرَاكُ بَيْنَ عَلَمَيْنِ خَيْرٌ مِنْ الاشْتِرَاكِ بَيْنَ عَلَمٍ وَمَعْنَى، لأَنَّ الْعَلَمَ يُطْلَقُ عَلَى شَخْصٍ مَخْصُوصٍ. فَإِنَّ الْمُرَادَ عَلَمُ الشَّخْصِ لا عَلَمُ الْجِنْسِ6، وَالْمَعْنَى يَصْدُقُ عَلَى أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ، فَكَانَ اخْتِلالُ الْفَهْمِ بِجَعْلِهِ

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ب. 3 في ض: ذكر. 4 ساقطة من ب. 5 ساقطة من ب. 6 عبارة الإسنوي: فإن المراد إنما هو العلم الشخصي لا الجنس.

مُشْتَرَكًا بَيْنَ عَلَمَيْنِ أَقَلَّ1، فَكَانَ أَوْلَى. مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ [شَخْصٌ] 2: رَأَيْت أَسْوَدَيْنِ3، فَحَمَلَهُ عَلَى شَخْصَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [اسْمُهُ] 4 أَسْوَدُ5: أَوْلَى مِنْ [حَمْلِهِ عَلَى] 6 شَخْصٍ اسْمُهُ أَسْوَدُ7، وَالآخَرُ8 لَوْنُهُ أَسْوَدُ، وَالاشْتِرَاكُ بَيْنَ9 عَلَمٍ، وَمَعْنَى خَيْرٌ مِنْ الاشْتِرَاكِ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ لِقِلَّةِ الإِخْلالِ10 فِيهِ. مِثَالُهُ11: رَأَيْت12 الأَسْوَدَيْنِ أَيْضًا، فَحَمْلُهُ عَلَى الْعَلَمِ وَالْمَعْنَى: أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى شَخْصَيْنِ لَوْنُهُمَا أَسْوَدُ 13. "وَ" يُرَجَّحُ "مَجَازٌ عَلَى مَجَازٍ" آخَرَ بِأَسْبَابٍ:

_ 1 في ض د: خير من الاشتراك بين علم ومعنى، لأن العلم يطلق على شخص مخصوص. 2 زيادة من الإسنوي. 3 في الإسنوي: الأسودين. 4 زيادة من الإسنوي. 5 في الإسنوي: الأسود. 6 زيادة من الإسنوي. 7 في الإسنوي: الأسود. 8 في الإسنوي: وآخر. 9 في ب: من. 10 في ض: الاختلال، وفي الإسنوي: الاشتراك. 11 في الإسنوي: ومثاله. 12 ساقطة من ض. 13 نهاية السول للإسنوي، شرح منهاج الوصول للبيضاوي 1/369.

مِنْهَا: التَّرْجِيحُ "بِشُهْرَةِ عَلاقَتِهِ" وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ الْعَلاقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ أَشْهَر مِنْ الْعَلاقَةِ بَيْنَ الْمَجَازِ الآخَرِ وَالْحَقِيقَةِ1. مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ بَابِ الْمُشَابَهَةِ، وَالآخَرُ مِنْ بَابِ2 اسْمِ الْمُتَعَلِّقِ. "وَ" مِنْهَا التَّرْجِيحُ "بِقُوَّتِهَا" أَيْ قُوَّةِ الْعَلاقَةِ، بِأَنْ يَكُونَ مُصَحِّحُ أَحَدِ الْمَجَازَيْنِ أَقْوَى مِنْ مُصَحِّحِ الآخَرِ3. كَإِطْلاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، وَبِالْعَكْسِ، فَإِنَّ الْعَلاقَةَ الْمُصَحَّحَةَ فِي الأَوَّلِ: أَقْوَى مِنْ الْعَلاقَةِ الْمُصَحَّحَةِ فِي الثَّانِي. 4"وَ" مِنْهَا التَّرْجِيحُ "بِقُرْبِ جِهَتِهِ" أَيْ جِهَةِ أَحَدِ الْمَجَازَيْنِ إلَى الْحَقِيقَةِ. كَحَمْلِ نَفْيِ الذَّاتِ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ. فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ5. "وَ" مِنْهَا التَّرْجِيحُ "بِرُجْحَانٍ عَلَى دَلِيلِهِ6" أَيْ بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلُ أَحَدِ الْمَجَازَيْنِ رَاجِحًا عَلَى دَلِيلِ الْمَجَازِ الآخَرِ. وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ

_ 1 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/313، المحصول 2/2/575، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/157. 2 ساقطة من ض. 3 انظر: الإحكام للآمدي 4/251، فواتح الرحموت 2/205. 4 ساقطة من ب. 5 انظر: فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/157. 6 في ش: على دليله.

الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ1 فِي أَحَدِهِمَا قَطْعِيَّةً، وَفِي الآخَرِ غَيْرَ قَطْعِيَّةٍ2. "وَ" مِنْهَا التَّرْجِيحُ "بِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ" وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمَجَازَيْنِ مَشْهُورَ الاسْتِعْمَالِ3، فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَشْهُورِ الاسْتِعْمَالِ4. "وَ" يُرَجَّحُ "مَجَازٌ عَلَى مُشْتَرَكٌ" يَعْنِي أَنَّهُ إذَا وَرَدَ اسْمٌ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ وَ5عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ: كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَرْجَحَ6، صَحَّحَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ؛ لأَنَّ الاشْتِرَاكَ يُخِلُّ بِالتَّفَاهُمِ، وَلِحَاجَةِ الْمُشْتَرَكِ إلَى قَرِينَتَيْنِ بِحَسَبِ مَعْنَيَيْهِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ مُخَصِّصَةٍ لَهُ7، إذْ لا تَرْجِيحَ لِوَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ عَلَى الآخَرِ حِينَئِذٍ8، كَالْعَيْنِ، فَإِنَّهَا9 تَحْتَاجُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْبَاصِرَةِ إلَى قَرِينَةٍ

_ 1 في ب ز: الصادقة. 2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/313. 3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/313، الإحكام للآمدي 4/251، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/157. 4 ساقطة من ض. 5 ساقطة من ش. 6 انظر: جمع الجوامع 2/379، العضد على ابن الحاجب 2/313، الإحكام للآمدي 4/251. 7 ساقطة من ض. 8 ساقطة من ش. 9 في ض ع: فإنها حينئذ.

تُخَصِّصُهَا، وَكَذَلِكَ1 اسْتِعْمَالُهَا فِي الْجَارِيَةِ، بِخِلافِ الْمَجَازِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ، وَلا يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ كَالأَسَدِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَرِينَةِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ، وَلا يَحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ2، وَالْمَجَازُ أَغْلَبُ وُقُوعًا. قَالَ3 ابْنُ جِنِّي: أَكْثَرُ اللُّغَةِ مَجَازٌ، وَأَيْضًا: فَهُوَ مِنْ حَيْثِيَّةِ الْبَلاغَةِ4 وَمَا يَتْبَعُهَا أَبْلَغُ5، نَحْوَ زَيْدٌ أَسَدٌ6، زَيْدٌ بَحْرٌ، وَأَوْفَقُ7 حِينَئِذٍ8 لِلطِّبَاعِ9 وَأَوْجَزُ إذْ ذَاكَ10. "وَ" يُرَجَّحُ "تَخْصِيصٌ عَلَى مَجَازٍ" يَعْنِي أَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ الْكَلامُ أَنْ11 يَكُونَ فِيهِ12 تَخْصِيصٌ وَمَجَازٌ، فَحَمْلُهُ عَلَى التَّخْصِيصِ أَرْجَحُ. قَطَعَ بِهِ ابْنُ مُفْلِحٍ؛ لِتَعَيُّنِ الْبَاقِي مِنْ الْعَامِّ بَعْدَ

_ 1 في ش: وكذا، وفي ز: ولذلك. 2 في ع: الفريس. 3 في ز: وقال. 4 في ع ب ز: فن البلاغة. 5 في ض ش: أغلب. 6 ساقطة من ب. 7 في ع: ووافق. 8 ساقطة من ب ش ز. 9 في ع: الطباع. 10 ساقطة من ب ش ز. 11 في ع: بأن. 12 ساقطة من ب.

التَّخْصِيصِ، بِخِلافِ الْمَجَازِ. فَإِنَّهُ قَدْ لا يَتَعَيَّنُ، بِأَنْ يَتَعَدَّدَ وَلا قَرِينَةَ تُعَيِّنُهُ1. مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} 2 فَقَالَ الْحَنَفِيُّ: أَيْ مِمَّا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ ذَبْحِهِ، وَخُصَّ مِنْهُ النَّاسِي لَهَا، فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ3: أَيْ مِمَّا لَمْ يُذْبَحْ، تَعْبِيرًا عَنْ الذَّبْحِ بِمَا يُقَارِنُهُ غَالِبًا مِنْ التَّسْمِيَةِ، فَلا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُتَعَمِّدِ تَرْكُهَا عَلَى الأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. قَالَهُ الْمَحَلِّيُّ انْتَهَى4. "وَهُمَا" أَيْ وَيُرَجَّحُ5 التَّخْصِيصُ وَالْمَجَازُ "عَلَى إضْمَارٍ" لِقِلَّةِ الإِضْمَارِ6. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الإِضْمَارُ عَلَيْهِمَا7، وَقِيلَ: الْمَجَازُ وَالإِضْمَارُ8 سَوَاءٌ.

_ 1 في ض ب: تعين، وفي ع: تعين ذاك. 2 الآية 121 من الأنعام. 3 ساقطة من ب. 4 ساقطة من ش ب. 5 في ض: وترجيح. 6 انظر: المحصول 2/2/574، إرشاد الفحول ص 278. 7 في ض: عليه. 8 في ض ع ز: الاضمار والمجاز.

"وَالثَّلاثَةُ" أَيْ: وَتُرَجَّحُ1 الثَّلاثَةُ، وَهِيَ2 التَّخْصِيصُ وَالْمَجَازُ وَالإِضْمَارُ "عَلَى نَقْلٍ" لأَنَّهُ إبْطَالٌ كَالنَّسْخِ. وَالْمُرَادُ بِالنَّقْلِ: الْمَنْقُولُ مِنْ اللُّغَةِ إلَى الشَّرْعِ، وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الْمَنْقُولِ إلَيْهِ، مَعَ مُنَاسَبَتِهِ3 بَيْنَ الْمَعْنَى الْمَنْقُولِ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى الْمَنْقُولِ إلَيْهِ. "وَهُوَ عَلَى مُشْتَرَكٍ" يَعْنِي أَنَّ النَّقْلَ الْمَذْكُورَ يُقَدَّمُ عَلَى الاسْمِ الْمُشْتَرَكِ؛ لإِفْرَادِهِ فِي الْحَالَيْنِ كَزَكَاةٍ. "وَ" تُرَجَّحُ4 "حَقِيقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَالأَشْهَرُ مِنْهَا وَمِنْ مَجَازٍ، عَلَى عَكْسِهِنَّ" يَعْنِي أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا تُقَدَّمُ عَلَى عَكْسِهَا، وَهِيَ الْحَقِيقَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا، وَالأَشْهَرُ مِنْ الْحَقِيقَةِ يُقَدَّمُ عَلَى عَكْسِهِ5، وَهُوَ غَيْرُ الأَشْهَرِ مِنْهَا6، وَالأَشْهَرُ مِنْ الْمَجَازِ يُقَدَّمُ عَلَى عَكْسِهِ7، وَهُوَ غَيْرُ الأَشْهَرِ مِنْهُ8 سَوَاءٌ كَانَتْ الشُّهْرَةُ فِي اللُّغَةِ أَوْ الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ.

_ 1 في ب: وترجيح. 2 في ش: وهو. 3 في ش ض ع: مناسبة. 4 في ب: ويرجح. 5 انظر: الإحكام للآمدي 4/251، المحصول 2/2/373. 6 في ب: منه. 7 ساقطة من ش. 8 ساقطة من ش ب ض.

"وَ" يُرَجَّحُ اسْمٌ "لُغَوِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ شَرْعًا فِي" مَعْنًى "لُغَوِيٍّ عَلَى مَنْقُولٍ شَرْعِيٍّ" يَعْنِي أَنَّ اللَّفْظَ اللُّغَوِيَّ الْمُسْتَعْمَلَ شَرْعًا فِي مَعْنَاه اللُّغَوِيِّ يُرَجَّحُ1 عَلَى الْمَنْقُولِ الشَّرْعِيِّ؛ لأَنَّ الأَصْلَ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ لِلُّغَةِ 2. "وَيُرَجَّحُ مُنْفَرِدًا3" يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَ الشَّارِعُ لَفْظًا لُغَوِيًّا فِي مَعْنًى شَرْعِيٍّ4 فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى5. قَالَ6 فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: وَيُرَجَّحُ مُنْفَرِدًا7، فَإِنَّ الْمَعْهُودَ مِنْ الشَّارِعِ: إطْلاقُ اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ، وَلِذَلِكَ قُدِّمَ.

_ 1 في ش ز: مرجح. 2 في ع ب ز: اللغة. وانظر: العدة 1/189، العضد على ابن الحاجب 2/313، الإحكام للآمدي 4/252، المحصول 2/2/574، تيسير التحرير 3/157، إرشاد الفحول ص 178. 3 في ش ض ز: منفرد. 4 في ش ض ع: معناه الشرعي. 5 انظر: نهاية السول 3/213، الإحكام للآمدي 4/252، المحصول 2/2/574. 6 في ض: وقال. 7 في ش ض ز: منفرد.

"وَ" يُرَجَّحُ "مَا قَلَّ مَجَازُهُ" عَلَى مَا كَثُرَ مَجَازُهُ، لأَنَّهُ بِكَثْرَةِ1 الْمَجَازِ يَضْعُفُ، فَلِذَلِكَ قُدِّمَ مَا قَلَّ مَجَازُهُ2، وَهَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرَهَا ابْنُ مُفْلِحٍ. "أَوْ" عُطِفَ عَلَى " مَا " 3يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ مَا "تَعَدَّدَتْ جِهَةُ دَلالَتِهِ، أَوْ تَأَكَّدَتْ" بِأَنْ كَانَتْ4 أَقْوَى عَلَى مَا اتَّحَدَتْ جِهَةُ5 دَلالَتِهِ، أَوْ كَانَتْ أَضْعَفَ6. "أَوْ كَانَتْ" دَلالَتُهُ "مُطَابِقَةً" عَلَى مَا كَانَتْ دَلالَتُهُ دَلالَةَ الْتِزَامٍ7. قَالَهُ الْعَضُدُ8. قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: وَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْمُتَعَارِضَيْنِ خَاصًّا عُطِفَ عَلَى عَامٍّ تَنَاوَلَهُ، وَالْمُعَارِضُ9 الآخَرُ

_ 1 في ع: الكثرة. 2 انظر: الإحكام للآمدي 4/252. 3 في ب: معنى. 4 في ش: كان. 5 في ب: جهته. 6 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/313، الإحكام للآمدي 4/252، إرشاد الفحول ص 278. 7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، الإحكام للآمدي 4/252، تيسير التحرير 3/158. 8 في ش: قال. 9 في ع: فالمعارض من.

خَاصًّا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ1 الْخَاصَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْعَامِّ آكَدُ لِدَلالَتِهِ2 بِدَلالَةِ الْعَامِّ عَلَيْهِ، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} 3. انْتَهَى. "وَ" يُرَجَّحُ "فِي اقْتِضَاءٍ بِضَرُورَةِ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ضَرُورَةُ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ. مِثْلَ "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ "4 "عَلَى" مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ 5وُقُوعُهُ الشَّرْعِيُّ وَالْعَقْلِيُّ، نَظَرًا إلَى بُعْدِ6 الْكَذِبِ فِي كَلامِ الشَّارِعِ7. وَيُرَجَّحُ فِي اقْتِضَاءِ "ضَرُورَةُ وُقُوعِهِ" شَرْعًا أَوْ عَقْلاً. مِثْلَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، أَوْ مِثْلَ: صَعِدْت السَّطْحَ؛ لأَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِدْقُ الْمُتَكَلِّمِ أَوْلَى مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُقُوعُهُ الشَّرْعِيُّ وَالْعَقْلِيُّ، نَظَرًا

_ 1 في ب: قال. 2 في ش ب: دلالة، وفي ض ع ز: دلالته. 3 الآية 238 من البقرةن وفي ش تتمة الآية: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} . 4 سبق تخريج هذا الحديث "1/436هـ، 512، 2/31هـ، 60، 3/198، 202، 424". 5 ساقطة من ش ب ز، وفي د ض: وقوع الشرع والعقل.... 6 في ع ب: أبعد. 7 عبر العضد عن ذلك فقال: "إذا تعارض نصاص يدلان بالاقتضاء، فأحدهما لضرورة الصدق، والآخر لضرورة وقوعه شرعياً، قدم الأول، لأن الصدق أتم من وقوعه شرعاً" "العضد على ابن الحاجب 2/314". وانظر: الإحكام للآمدي 4/252، فواتح الرحموت 2/205.

إلَى بُعْدِ1 الْكَذِبِ فِي كَلامِ الشَّرْعِ2. "وَ" يُرَجَّحُ فِي اقْتِضَاءٍ "بِضَرُورَةِ وُقُوعِهِ عَقْلاً عَلَيْهَا" أَيْ عَلَى ضَرُورَةِ وُقُوعِهِ "شَرْعًا" قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ. "وَ" يُرَجَّحُ "فِي إيمَاءٍ بِمَا" أَيْ بِلَفْظٍ "لَوْلاهُ لَكَانَ فِي الْكَلامِ عَبَثٌ أَوْ حَشْوٌ عَلَى غَيْرِهِ" مِنْ أَقْسَامِ الإِيمَاءِ3. مِثْلُ: أَنْ يَذْكُرَ الشَّارِعُ مَعَ الْحُكْمِ4 وَصْفًا، لَوْ5 لَمْ يُعَلِّلْ الْحُكْمَ6 بِهِ لَكَانَ ذِكْرُهُ عَبَثًا أَوْ حَشْوًا، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الإِيمَاءِ بِمَا رُتِّبَ فِيهِ الْحُكْمُ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ؛ لأَنَّ نَفْيَ الْعَبَثِ و7َالْحَشْوِ مِنْ كَلامِ الشَّارِعِ أَوْلَى8. "وَ" يُرَجَّحُ "مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ عَلَى" مَفْهُومِ "مُخَالَفَةٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُقَدَّمُ مَا دَلَّ بِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى مَا دَلَّ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ9؛ لأَنَّ

_ 1 في ع ب ز: أبعد. 2 في ض ز: الشارع، وانظر: الإحكام للآمدي 4/253. 3 انظر: الإحكام للآمدي 4/253. 4 في ش: وصف الحكم. 5 في ع ب: ولو. 6 ساقطة من ش. 7 في ز: أو. 8 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/314. 9 انظر: جمع الجوامع 2/368، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/253، تيسير التحرير 3/156، العضد على ابن الحاجب 2/314، إرشاد الفحول ص 279.

الْمُوَافَقَةَ بِاتِّفَاقٍ فِي دَلالَتِهَا عَلَى الْمَسْكُوتِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي جِهَتِهِ1: هَلْ هُوَ بِالْمَفْهُومِ، أَوْ بِالْقِيَاسِ، أَوْ مَجَازٌ بِالْقَرِينَةِ، أَوْ مَنْقُولٌ عُرْفِيٌّ؟. وَقَالَ الآمِدِيُّ: وَقَدْ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ الْمُخَالَفَةِ لِفَائِدَةِ التَّأْسِيسِ2. وَاخْتَارَهُ الْهِنْدِيُّ3. "وَ" يُرَجَّحُ "اقْتِضَاءٌ عَلَى إشَارَةٍ وَإِيمَاءٍ وَمَفْهُومٍ"4. "وَ" يُرَجَّحُ "إيمَاءٌ عَلَى مَفْهُومٍ". قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ: أَمَّا تَقْدِيمُهُ - أَيْ: الاقْتِضَاءِ - عَلَى الإِشَارَةِ؛ فَلأَنَّ الاقْتِضَاءَ مَقْصُودٌ بِإِيرَادِ اللَّفْظِ صِدْقًا أَوْ حُصُولاً5. وَيَتَوَقَّفُ الأَصْلُ عَلَيْهِ، بِخِلافِ الإِشَارَةِ، فَإِنَّهَا لَمْ6 تُقْصَدْ بِإِيرَادِ اللَّفْظِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ الأَصْلُ عَلَيْهَا. وَأَمَّا تَرْجِيحُهُ عَلَى الإِيمَاءِ: فَلأَنَّ الإِيمَاءَ،

_ 1 في ض: جهة. 2 الإحكام للآمدي 4/253 مع الاختصار. 3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، جمع الجوامع 2/368، نهاية السول 3/219، إرشاد الفحول ص 279. 4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، جمع الجوامع 2/367، الإحكام للآمدي 4/254. 5 في ش: عموماً أو حصولاً. 6 ساقطة من ش.

وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا بِإِفْرَادِ اللَّفْظِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَوَقَّفْ الأَصْلُ عَلَيْهِ، 1وَأَمَّا تَرْجِيحُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ: فَلأَنَّ الاقْتِضَاءَ مَقْطُوعٌ بِثُبُوتِهِ، وَالْمَفْهُومُ مَظْنُونٌ ثُبُوتُهُ2، وَلِذَلِكَ3 لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِالاقْتِضَاءِ، انْتَهَى. وَأَمَّا كَوْنُ الإِيمَاءِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَفْهُومِ فَلِقِلَّةِ مُبْطِلاتِهِ. قَالَهُ الآمِدِيُّ4. "وَتَنْبِيهٌ كَنَصٍّ" أَوْ أَقْوَى "فِي قَوْلِ" الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّهُ قَالَ عَنْ تَقْدِيمِ أَبِي الْخَطَّابِ النَّصَّ عَلَى التَّنْبِيهِ: لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لأَنَّهُ مِثْلُهُ أَوْ أَقْوَى5. وَقَالَ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ مَسْأَلَةٍ فِي الْوَقْفِ: فَإِنْ نَقَلَ نَصِيبَ الْمَيِّتِ إلَى ذَوِي طَبَقَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ6 دُونَ سَائِرِ أَهْلِ الْوَقْفِ: تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يُنْقَلُ7 إلَى وَلَدِهِ إنْ كَانَ حِينَئِذٍ8 لَهُ وَلَدٌ، فَالتَّنْبِيهُ9 حِينَئِذٍ10: دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْ

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ز: بثبوته. 3 في ب: وكذلك. 4 أنظر: الإحكام للآمدي 4/254، جمع الجوامع 2/268. 5 المسودة ص 383. 6 في ش: والد. 7 في ز: بنقله. 8 ساقطة من ش ب ز، ومشطوب عليها في ع. 9 في ب ز: والتنبيه، وفي ش: التنبيه. 10 ساقطة من ش.

النَّصِّ، حَتَّى فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ انْتَهَى1. "وَ" يُرَجَّحُ "تَخْصِيصُ عَامٍّ عَلَى تَأْوِيلِ خَاصٍّ، وَخَاصٍّ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ عَلَى عَامٍّ، وَعَامٍّ لَمْ يُخَصَّصْ أَوْ قَلَّ تَخْصِيصُهُ عَلَى عَكْسِهِ". أَمَّا2 تَرْجِيحُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَاصِّ3: فَلأَنَّ4 تَخْصِيصَ الْعَامِّ كَثِيرٌ5، وَتَأْوِيل الْخَاصِّ لَيْسَ بِكَثِيرٍ. وَلأَنَّ الدَّلِيلَ لَمَّا دَلَّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْبَعْضِ تَعَيَّنَ كَوْنُ الْبَاقِي مُرَادًا، وَإِذَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ الْخَاصَّ أَقْوَى غَيْرُ مُرَادٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِهَذَا6 التَّأْوِيلِ7. وَأَمَّا كَوْنُ الْخَاصِّ - وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ - يُقَدَّمُ8 عَلَى الْعَامِّ مُطْلَقًا؛ فَلأَنَّ9 الْخَاصَّ أَقْوَى دَلالَةً مِنْ الْعَامِّ10. وَكَذَا11 كُلُّ

_ 1 ساقطة من ش ض. 2 في ض: فأما. 3 في ب: التأويل. 4 في ض ع ب ز: لأن. 5 في ش: كثيراً. 6 في ع ب ز: هذا. 7 أنظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، نهاية السول 3/219، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/159، إرشاد الفحول ص 279. 8 في ض: يقوم. 9 في ض ع ب ز: لأن. 10 في ش: العام مطلقاً. 11 في ش ز: فكذا، وفي ع: وكذلك

مَا هُوَ أَقْرَبُ1. وَأَمَّا كَوْنُ الْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّصْ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ الَّذِي خُصِّصَ: فَلأَنَّ الْعَامَّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً، بِخِلافِ الْعَامِّ الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ2. "وَمُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ: كَعَامٍّ وَخَاصٍّ" يَعْنِي: أَنَّ حُكْمَ الْمُطْلَقِ مَعَ الْمُقَيَّدِ فِي التَّرْجِيحِ: كَحُكْمِ الْعَامِّ مَعَ الْخَاصِّ، فَيُقَدَّمُ الْمُقَيَّدُ -وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ- عَلَى الْمُطْلَقِ. وَيُقَدَّمُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ

_ 1 إن تقديم الخاص على العام هو من باب الجمع بينهما، المعروف بالتخصيص، وهو بأن يعمل بالخاص فيما تناوله، ويعمل بالعام فيما بقي، ومع ذلك تناول كثير من علماء الأصول هذا الموضوع في باب الترجيح، وقالوا بترجيح الخاص على العام. أنظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، نهاية السول 3/212، الإحكام للآمدي 4/254. المحصول 2/2/551، 572، المستصفى 2/296، البرهان 2/1190، شرح تنقيح الفصول ص 421، تيسير التحرير 3/158، 159، إرشاد الفحول ص 278. 2 نقل إمام الحرمين الجويني ترجيح العام الذي لم يخصص على العام الذي خصص عن المحققين، وجزم به سليم الرازي، وهو قول جمهور العلماء، لكن ابن السبكي قال: "وعندي عكسه" أي بترجيح العام اذلي خصص، وهو قول الهندي أيضاً. أنظر: العدة 3/1035، العضد على ابن الحاجب 2/314، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/367، نهاية السول 3/212، الإحكام للآمدي 4/255، المحصول 2/2/575، فواتح الرحموت 2/204، تيسير التحرير 3/159، البرهان 2/1198، إرشاد الفحول ص 278.

مُقَيَّدٌ عَلَى مَا خَرَجَ1 مِنْهُ. قَالَهُ الْعَضُدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى2. "وَ" يُرَجَّحُ أَيْضًا3 "عَامٌّ شَرْطِيٌّ كَمَنْ وَمَا" الشَّرْطِيَّتَيْنِ "وَأَيُّ4 عَلَى غَيْرِهِ" مِنْ الْعَامِّ غَيْرِ الشَّرْطِيِّ5. يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ صِيَغُ الْعُمُومِ فَصِيغَةُ الشَّرْطِ الصَّرِيحِ -كَمَنْ، وَمَا، وَأَيُّ- تَقَدَّمَ6 عَلَى صِيغَةِ النَّكِرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَغَيْرِهَا. كَالْجَمْعِ الْمُحَلَّى بِالأَلِفِ وَاللاَّمِ7 وَالْمُضَافِ وَنَحْوِهِمَا، لِدَلالَةِ الأَوْلَى8 عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ9 أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِمَّا10 لا عِلَّةَ فِيهِ. إذْ لَوْ أَلْغَيْنَا11 الْعَامَّ الشَّرْطِيَّ كَانَ إلْغَاءً لِلْعِلَّةِ، بِخِلافِ الْعَامِّ غَيْرِ12 الشَّرْطِيِّ، فَإِنَّهُ لا

_ 1 في ض ش: أخرج. 2 العضد على ابن الحاجب 2/314. 3 ساقطة من ش ب ز. 4 ساقطة من ض ب ع ز. 5 أنظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، جمع الجوامع 2/367، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/255، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/158، إرشاد الفحول ص 279. وفي ع: بالشرط. 6 في ب: يقدم. 7 في ز: المعرف. 8 في ع ز: الأول. 9 ساقطة من ش ب ز. 10 في ز: فيما. 11 في ض ع: قلنا بإلغاء. 12 في ض: على غير.

يَلْزَمُ مِنْهُ إلْغَاءُ الْعِلَّةِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمَحْصُولِ مِنْ أَنَّ عُمُومَ الأَوَّلِ بِالْوَضْعِ، وَالثَّانِي بِالْقَرِينَةِ1. "وَ" يُرَجَّحُ أَيْضًا2 "جَمْعٌ وَاسْمُهُ" أَيْ: اسْمُ3 الْجَمْعِ حَالَ كَوْنِهِمَا "مُعَرَّفَيْنِ بِاللاَّمِ، وَمَنْ وَمَا عَلَى الْجِنْسِ بِاللاَّمِ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْجَمْعُ وَاسْمُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفَانِ بِاللاَّمِ وَمَنْ وَمَا عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ الْمُعَرَّفِ بِاللاَّمِ4؛ لأَنَّ الْجِنْسَ الْمُحَلَّى بِاللاَّمِ اخْتَلَفَ الْمُحَقِّقُونَ فِي عُمُومِهِ، بِخِلافِ الْجَمْعِ، وَاسْمِهِ الْمُعَرَّفِ5 بِاللاَّمِ وَمَنْ وَمَا؛ وَلأَنَّ الْجَمْعَ، وَاسْمَهُ لا يَحْتَمِلُ الْعَهْدَ، أَوْ يَحْتَمِلُهُ عَلَى بُعْدٍ، بِخِلافِ اسْمِ الْجِنْسِ الْمُحَلَّى بِاللاَّمِ، فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ6 لِلْعَهْدِ احْتِمَالاً قَرِيبًا. "وَ" يُرَجَّحُ مَتْنُ7 "فَصِيحٌ عَلَى غَيْرِهِ" أَيْ: عَلَى مَتْنٍ لَمْ

_ 1 أنظر: المحصول 1/2/525 وما بعدها. وهنا قول ثان بترجيح العام بصيغة النكرة النفية على العام الشرطي، لبعد التخصيص في الأول بقوة عمومها دون الثاني. أنظر: المحلي على جمع الجوامع 2/366، الإحكام للآمدي 4/255. 2 ساقطة من ب ش ز. 3 في ع ب ز: واسم. 4 أنظر: العضد على ابن الحاجب 2/314، الإحكام للآمدي 4/256، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/158، إرشاد الفحول ص 279. 5 في ز: المعرفان. 6 في ض ز: يحتمل. 7 ساقطة من ش.

يَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ الْفَصَاحَةِ1، وَهِيَ - كَمَا ذَكَرَ الْبَيَانِيُّونَ -: سَلامَةُ الْمُفْرَدِ مِنْ تَنَافُرِ الْحُرُوفِ، وَالْغَرَابَةِ، وَمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ. وَفِي الْمُرَكَّبِ: سَلامَتُهُ مِنْ ضَعْفِ التَّأْلِيفِ، وَتَنَافُرِ الْكَلِمَاتِ، وَالتَّعْقِيدِ، مَعَ فَصَاحَتِهَا. وَمَحَلُّ ذَلِكَ عِلْمُ الْبَيَانِ انْتَهَى2. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا كَانَ فِي اللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ رَكَاكَةٌ لا يُقْبَلُ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ إذَا صَحَّ السَّنَدُ. وَيُحْمَلُ3 عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ رَوَاهُ بِلَفْظِ نَفْسِهِ4. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ لا يُرَجَّحُ الأَفْصَحُ عَلَى الْفَصِيحِ، وَذَلِكَ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْطِقُ بِالأَفْصَحِ وَبِالْفَصِيحِ، فَلا فَرْقَ بَيْنَ ثُبُوتِهِمَا5 عَنْهُ. وَالْكَلامُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، لا سِيَّمَا إذَا خَاطَبَ مَنْ لا يَعْرِفُ تِلْكَ اللُّغَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَفْصَحَ لِقَصْدِ إفْهَامِهِ6.

_ 1 أنظر: جمع الجوامع 2/366، نهاية السول 3/212، المحصول 2/2/572، شرح تنقيح الفصول ص 424. 2 ساقطة من ش ب ز. 3 في ز: يحتمل. 4 أنظر: نهاية السول 3/212. 5 في ض: ثبوتها. 6 قال الإسنوي: "خلافاً لبعضهم" وأيد الشوكاني الترجيح بالأفصح على الفصيح. أنظر: نهاية السول 3/212، إرشاد الفحول ص 278، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/366، المحصول 2/2/572.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: مِمَّا يَقَعُ فِيهِ التَّرْجِيحُ بَيْنَ مَنْقُولَيْنِ "الْمَدْلُولُ" أَيْ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مِنْ الأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ: الإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ، وَالْحَظْرُ وَالنَّدْبُ وَالْوُجُوبُ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ. فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ1 "يُرَجَّحُ عَلَى إبَاحَةٍ وَكَرَاهَةٍ وَنَدْبٍ: حَظْرٌ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ مَا مَدْلُولُهُ الْحَظْرُ عَلَى مَا مَدْلُولُهُ 2 الإِبَاحَةُ؛ لأَنَّ فِعْلَ الْحَظْرِ يَسْتَلْزِمُ مَفْسَدَةً، بِخِلافِ الإِبَاحَةِ، لأَنَّهُ لا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهَا، وَلا تَرْكِهَا مَصْلَحَةٌ، وَلا مَفْسَدَةٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ وَالْكَرْخِيُّ وَالرَّازِيُّ3، وَذَكَرَهُ4 الآمِدِيُّ عَنْ5 الأَكْثَرِ: لأَنَّهُ6 أَحْوَطُ7، وَاسْتَدَلَّ بِتَحْرِيمِ مُتَوَلِّدٍ

_ 1 ساقطة من ش ب. 2 ساقطة من ش. 3 أنظر: الكافية في الجدل ص 442، العدة 3/1041، المسودة ص 312، الروضة ص 391، مجموع الفتاوى 20/262، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/315، المعتمد 2/848، نهاية السول 3/216، الإحكام للآمدي 4/259، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 234، المحصول 2/2/587، جمع الجوامع 2/367، 369، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 106، التلويح على التوضيح 3/46، 52، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/144، 159، مختصر البعلي ص 170، مختصر الطوفي ص 188، إرشاد الفحول ص 279، 283، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199، شرح تنقيح الفصول ص 418. 4 في ش: وذكر. 5 في ض: عند. 6 في ش ض: أنه. 7 في ع: الأحوط.

بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ1. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ وَجَمْعٌ2: تُرَجَّحُ الإِبَاحَةُ عَلَى الْحَظْرِ3. وَقِيلَ: يَسْتَوِيَانِ. وَيَسْقُطَانِ4. وَيُرَجَّحُ5 أَيْضًا6 مَا مَدْلُولُهُ الْحَظْرُ عَلَى مَا مَدْلُولُهُ الْكَرَاهَةُ7؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا اجْتَمَعَ الْحَلالُ وَالْحَرَامُ إلاَّ غَلَبَ الْحَرَامُ" 8 لأَنَّهُ أَحْوَطُ.

_ 1 أنظر: الإحكام للآمدي 4/259. 2 في ع: وغيره. 3 حكى هذا القول ابن الحاجب، ونسبه في "فواتح الرحموت" للشيخ محيي الدين بن عربي. أنظر: العضد على ابن الحاجب 2/315، المحلي على جمع الجوامع 2/369، نهاية السول 3/216، الإحكام للآمدي 4/259، فواتح الرحموت 2/206، شرح تنقيح الفصول ص 417، 418. 4 ساقطة من ش. وهذا قول عيسى بن أبان الحنفي وأبي هاشم المعتزلي وبعض الشافعية كالغزالي والشيرازي وبعض المالكية. أنظر: العدة 3/1042، المسودة ص 312، نزهة الخاطر 2/463، مختصر البعلي ص 170، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/369، نهاية السول 3/216، الإحكام للآمدي 4/259، المحصول 2/2/587، فواتح الرحموت 2/206، المستصفى 2/398، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 234. 5 في ش: ويقدمان. 6 ساقطة من ش. 7 أنظر: العضد عل ابن الحاجب 2/315، الإحكام للآمدي 4/260، تيسير التحرير 3/159. 8 قال الحافظ الزين العراقي عن هذا الحديث: "لم أجد له أصلاً" ونقل ابن =

وَيُرَجَّحُ أَيْضًا مَا مَدْلُولُهُ الْحَظْرُ عَلَى مَا مَدْلُولُهُ النَّدْبُ؛ لأَنَّ النَّدْبَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ1 وَالْحَظْرَ2 لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ، وَدَفْعُ الْمَفْسَدَةِ أَهَمُّ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ فِي نَظَرِ الْعُقَلاءِ3. وَيُرَجَّحُ أَيْضًا: الْحَظْرُ عَلَى الْوُجُوبِ4. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ لأَنَّ إفْضَاءَ، الْحُرْمَةِ إلَى مَقْصُودِهَا أَتَمُّ، لِحُصُولِهِ بِالتَّرْكِ. فَصَدُّهُ5 أَوْلَى6، بِخِلافِ الْوَاجِبِ. "وَعَلَى إبَاحَةِ7 نَدْبٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ مَا مَدْلُولُهُ النَّدْبُ عَلَى

_ = السبكي عن البيهقي أنه قال: رواه جابر الجعفي عن ابن مسعود، وفيه ضعف وانقطاع " وذكره الأكثرون مما لا أصل له. أنظر: تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 307، كشف الخفا 2/254، أسنى المطالب ص 189. 1 في ش: المصلحة في نظر العقلاء، ويرجح أيضاً. 2 في ش: الخطر. 3 أنظر: مختصر البعلي ص 171، العضد على ابن الحاجب 2/315، الإحكام للآمدي 4/260، تيسير التحرير 3/159. 4 قال الرازي والإسنوي يتعارض الحظر والوجوب، ولا يعمل بأحدهما إلا بمرجح، وجزم الآمدي وابن الحاجب بترجيح الحظر للاعتناء بدفع المفاسد. أنظر: التمهيد للإسنوي ص 156، الإحكام للآمدي 4/260، العضد على ابن الحاجب 2/315، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/159، إرشاد الفحول ص 279. 5 في ش ب ع ض: قصده. 6 في ش ع ب: أولا. 7 في ش: الإباحة.

مَا مَدْلُولُهُ الإِبَاحَةُ عِنْدَ الأَكْثَرِ1. "وَعَلَيْهِ وُجُوبٌ، وَكَرَاهَةٌ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ مَا مَدْلُولُهُ وُجُوبٌ أَوْ كَرَاهَةٌ عَلَى مَا مَدْلُولُهُ النَّدْبُ؛ لأَنَّ تَرْجِيحَهُمَا عَلَيْهِ أَحْوَطُ فِي الْعَمَلِ2. "وَعَلَى نَفْيٍ: إثْبَاتٌ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُقَدَّمُ مَا مَدْلُولُهُ الإِثْبَاتُ عَلَى مَا مَدْلُولُهُ النَّفْيُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا3. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: يُرَجَّحُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. كَدُخُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

_ 1 وهناك قول آخر بتقديم الإباحة على الندب، لموافقة المباح للأصل. أنظر: المسودة ص 384، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/369، تيسير التحرير 3/159. 2 أنظر: مختصر البعلي ص 171، المسودة ص 384، العضد على ابن الحاجب 2/315، جمع الجوامع 2/369، تيسير التحرير 3/159. 3 إذا تعارض النفي مع الإثبات ففيه أربعة أقوال، الأول: ترجيح الإثبات على النفي، والثاني: عكسه، وهو تقديم النفي على الإثبات لاعتضاد النفي بالأصل، وأيده الآمدي، والثالث: أنهما سواء، التساوي مرجحيهما، وهو قول القاضي عبد الجبار وعيسى بن أبان والغزالي في "المستصفى" والرابع: التفصيل، وهو ترجيح المثبت إلا في الطلاق والعتاق، فيرجح النفي، كما سيذكره المصنف. أنظر: العدة 3/1036، المسودة ص 310، الروضة ص 390، نزهة الخاطر 2/362، العضد على ابن الحاجب 2/315، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/368، المستصفى 2/398، المنخول ص 434، المعتمد 2/848، الإحكام للآمدي 4/261، المحصول 2/2/583، وما بعدها، البرهان 2/1200، فواتح الرحموت 2/200، 206، تيسير التحرير 3/144، 161، التوضيح على التنقيح 3/50، إرشاد الفحول ص 279، مختصر البعلي ص 171، مختصر الطوفي ص 188، المدخل إلى مذهب أحمد ص 198.

وَسَلَّمَ الْبَيْتَ1. قَالَ بِلالٌ2 " صَلَّى فِيهِ "3 وَقَالَ أُسَامَةُ " لَمْ يُصَلِّ "4 وَكَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ5، فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلالٍ،

_ 1 في ش: البيت الحرام. 2 هو بلال بن رباح الحبشي، مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ومؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو عبد الله وقيل غير ذلك، أسلم في أول الدّعوة، وأظهر إسلامه، وكان سيده أمية بن خلف يعذبه كثيراً على إسلامه، فيصبر على العذاب، فاشتراه منه أبو بكر، وأعتقه في سبيل الله، وهاجر إلى المدينة وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة، شهد بدراً والمشاهد كلّها، وهو أول من أذّن في الإسلام، وكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً وحضراً، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الشام للجهاد، فأقام بها إلى أن توفي بها سنة 20هـ، وقيل غير ذلك، روى عنه جماعات من الصحابة والتابعين، وفضائله كثيرة مشهورة، وأخرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة. أنظر ترجمته في "الإصابة 1/170، أسد الغابة 1/243، تهذيب الأسماء 1/136، الخلاصة 1/140، مشاهير علماء الأمصار ص 50، حلية الأولياء 1/147". 3 حديث بلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة رواه مفصلاً البخاري ومسلم ومالك والنسائي وابن ماجه والبغوي والدارمي وابن حبان والبيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه سأل بلالاً.. وسبق تخريجه "3/213". وانظر: سنن أبي داود 1/467، موارد الظمئان ص 252، سنن الدارمي 2/53، السنن الكبرى للبيهقي 2/326، نصب الراية 2/319. 4 حديث أسامة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصل فيه حتى خرج، فلما خرج ركع في قبل البيت ركعتين"، رواه مسلم بهذا اللفظ، وروى الإمام أحمد عن أسامة "أنه صلى فيه". أنظر: صحيح مسلم بشرح النووي 9/87، مسند أحمد 5/204، 207، نصب الراية 2/320. 5 حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل =

وَتُسَنُّ1 الصَّلاةُ فِي الْبَيْتِ الْمُشَرَّفِ. "وَإِنْ اسْتَنَدَ النَّفْيُ إلَى عَلَمٍ بِالْعَدَمِ" لِعِلْمِهِ بِجِهَاتِ إثْبَاتِهِ "فَسَوَاءٌ" أَيْ: فَيَكُونُ الإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ2 فِي هَذِهِ الصُّورَةِ سَوَاءً. قَالَهُ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ، وَتَبِعَهُ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: إنَّهُ الْمُرَادُ3. وَمَعْنَى اسْتِنَادِ4 النَّفْيِ إلَى عَلَمٍ بِالْعَدَمِ5 أَنْ يَقُولَ6 الرَّاوِي " أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْبَيْتِ، لأَنِّي كُنْت مَعَهُ فِيهِ. وَلَمْ يَغِبْ عَنْ نَظَرِي طَرْفَةَ عَيْنٍ فِيهِ. وَلَمْ أَرَهُ صَلَّى فِيهِ " انْتَهَى7 أَوْ قَالَ " أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ " أَوْ قَالَ إنْسَانٌ: أَعْلَمُ أَنَّ فُلانًا لَمْ

_ = البيت ولم يصل" رواه البخاي ومسلم وأبو داود والبيهقي. أنظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 1/54، صحيح مسلم بشرح النووي 9/87، سنن أبي داود 1/466، سنن البيهقي 2/320، نصب الراية 2/320، فتح الباري 1/420. 1 في ب ض ز غ: سن. 2 في ض ع: النفي والإثبات. 3 أنظر: مختصر الطوفي ص 188، المسودة ص 311، مختصر البعلي ص 171، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199. 4 في ش ض ز: اسناد. 5 في ض: بالعدل. 6 في ش: بقول. 7 ساقطة من ش ض ب ز.

يَقْتُلْ زَيْدًا؛ لأَنِّي رَأَيْت زَيْدًا1 حَيًّا بَعْدَ مَوْتِ فُلانٍ، فَمِثْلُ هَذَا يُقْبَلُ فِيهِ النَّفْيُ، لاسْتِنَادِهِ2 إلَى مَدْرَكٍ عَلَمِي، فَيَسْتَوِي هُوَ، وَإِثْبَاتُ الْمُثْبِتِ، فَيَتَعَارَضَانِ وَيُطْلَبُ الْمُرَجِّحُ مِنْ خَارِجٍ. وَكَذَا حُكْمُ3: كُلِّ شَهَادَةٍ نَافِيَةٍ اسْتَنَدَتْ4 إلَى عَلَمٍ بِالنَّفْيِ، فَإِنَّهَا تُعَارِضُ الْمُثْبَتَةَ. لأَنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ مُثْبِتَتَانِ5؛ لأَنَّ إحْدَاهُمَا تُثْبِتُ الْمَشْهُودَ بِهِ وَالأُخْرَى: تُثْبِتُ الْعِلْمَ بِعَدَمِهِ. وَكَذَا كُلُّ6 حُكْمٍ لِلشَّهَادَةِ7 مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ: تُقْبَلُ فِي النَّفْيِ إذَا كَانَ النَّفْيُ مَحْصُورًا. فَقَوْلُهُمْ: لا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالنَّفْيِ مُرَادُهُمْ: إذَا لَمْ تَكُنْ مَحْصُورَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَحْصُورَةً قُبِلَتْ، قَالَهُ الأَصْحَابُ8 وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الأَصْحَابُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الإِعْسَارِ، وَفِي حَصْرِ9 الإِرْثِ فِي فُلانٍ.

_ 1 في ض: فلأنا. 2 في ش: لإسناده. 3 في ش: قول حكم. 4 في ض: أسندت. 5 في ض: مثبتان. 6 ساقطة من ش ب. 7 في ش ب: الشهادة. 8 ساقطة من ش، وفي ع: قاله الآمدي. 9 في ع: حصول.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلافِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الانْتِصَارِ، فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْلَةَ الْجِنِّ1: النَّفْيُ أَوْلَى، وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ2. "وَكَذَا" أَيْ: وَ3كَالنَّفْيِ مَعَ الإِثْبَاتِ فِي الْمَدْلُولَيْنِ "الْعِلَّتَانِ"4 يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ مُثْبِتَةً. وَالأُخْرَى نَافِيَةً: قُدِّمَتْ الْمُثْبِتَةُ5.

_ 1 المقصود هو حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي شهد فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، والاجتماع بهم، وتبليغهم الإسلام، وتلاوة القرآن عليهم، والحديث رواه مسلم بطوله، ورواه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد مختصراً. أنظر: صحيح مسلم بشرح النووي 4/169، صحيح البخاري بحاشية السندي 2/209، سنن أبي داود 1/20، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/91، سنن ابن ماجه 1/135، مسند أحمد 1/398، 402. 2 أنظر: الإحكام للآمدي 4/262. وانظر حكم الشهادة بالنفي، والضوابط في قبولها أو رفضها وأقوال العلماء فيها وأدلتهم في "وسائل الإثبات ص 78". 3 في ش: أو. 4 في ض ع: لعلتين. 5 وهناك قول ثان بعدم تقديم العلة المثبتة على النافية، وسوف يذكرها المصنف مرة ثانية "ص454". أنظر: الروضة ص 393، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/318، البرهان 2/1289، اللمع ص 67، إرشاد الفحول ص 283، الجدل لابن عقيل ص 22.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلافِ عَنْ1 نَفْيِ صَلاتِهِ عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ2: الزِّيَادَةُ مَعَهُ3 هُنَا؛ لأَنَّ الأَصْلَ غُسْلُ الْمَيِّتِ وَالصَّلاةُ عَلَيْهِ، ثَمَّ سَوَاءٌ. "وَ" يُرَجَّحُ "عَلَى مُقَرِّرٍ" لِلْحُكْمِ الأَصْلِيِّ4 "نَاقِلٌ"5 عَنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لأَنَّهُ يُفِيدُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَيْسَ مَوْجُودًا فِي الآخَرِ6؛

_ 1 في ش: في. 2 روى البخاري عن جابر بن عبد الله قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد..، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم " ورواه الترمذي عن جابر، وقال: "حديث حسن صحيح"، ورواه النسائي وابن ماجه، وروى الترمذي وأحمد وأبو داود عن أنس أن شهداء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصل عليهم" وروى مالك بلاغاً "أن الشهداء في سبيل الله لا يغسلون ولا يصلى على أحد منهم". أنظر: صحيح البخاري 1/160،جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/126-127، سنن أبي داود 2/174، سنن النسائي 4/50، سنن ابن ماجه 1/485، مسند أحمد 3/128، الموطأ ص 287. 3 في ض ع: وضعفه. 4 في ش: لحكم الأصل. 5 في د: نافل. 6 أنظر: العدة 3/1033، المسودة ص 314، 384، الروضة ص 390، نزهة الخاطر 2/461، جمع الجوامع 2/368، التبصرة ص 483، المنخول ص 448، اللمع ص 67، نهاية السول 3/216،المحصول 2/2/579، البرهان 2/1289، شرح تنقيح الفصول ص 425، مختصر البعلي ص 171، مختصر الطوفي ص 189، إرشاد الفحول ص 279، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199.

كَحَدِيثِ1 " مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ" 2 مَعَ حَدِيثِ "هَلْ هُوَ3 إلاَّ بُضْعَةٌ مِنْك؟ " 4. وَقَالَ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَالطُّوفِيُّ5: يُرَجَّحُ الْمُقَرِّرُ؛ لأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى مَا لا يُسْتَفَادُ إلاَّ مِنْ الشَّرْعِ، أَوْلَى مِمَّا يُسْتَفَادُ6 مِنْ الْعَقْلِ، وَلأَنَّ الْمُقَرِّرَ مُعْتَضِدٌ بِدَلِيلِ الأَصْلِ7.

_ 1 في ب ز ش ع: لحديث. 2 هذا الحديث رواه أصحاب السنن ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم عن أبي هريرة وجابر وأبي أيوب وأم حبيبة وبسرة، وسبق تخريجه "2/367". 3 ساقطة من ض. 4 هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والبيهقي والطحاوي والدارقطني وابن حبان عن طلق بن علي مرفوعاً، واختلف العلماء في سنده. أنظر: سنن أبي داود 1/41، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/274، سنن النسائي 1/84، سنن ابن ماجه 1/163، مسند أحمد 4/22، 23، السنن الكبرى للبيهقي 1/134، شرح معاني الآثار 1/75، سنن الدارقطني 1/149، موارد الظمئان ص 77، نصب الراية 1/60 وما بعدها، التلخيص الحبير 1/125 وما بعدها، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 41، الفقيه والمتفقه 2/47. 5 ذكر الطوفي في "مختصره" الترجيح بالناقل عن حكم الأصلى على غيره، ثماقتصر على قوله: "وفيهما خلاف" ولعل ذكر ذلك في "شرح المختصر". أنظر: مختصر الطوفي ص 189، المحصول للرازي 2/2/279، منهاج الوصول مع شرحه نهاية السول 3/216. 6 ساقطة من ش. 7 وهذا قول أبي الحسن بن القصار المالكي وأبي إسحاق الشيرازي، وقال الباقلاني والقاضي أبو جعفر السمناني: هما سواء. أنظر: التبصرة ص 483، المنخول 448، نهاية السول 3/216، =

قِيلَ1: وَالتَّحْقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنْ يُرَجَّحَ الْمُقَرِّرُ فِيمَا إذَا تَقَرَّرَ حُكْمُ النَّاقِلِ مُدَّةً فِي الشَّرْعِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ، وَعُمِلَ بِمُوجِبِهِ. ثُمَّ نُقِلَ لَهُ2 الْمُقَرِّرُ وَجُهِلَ التَّارِيخُ؛ لأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَمِلَ بِالْخَبَرَيْنِ3، النَّاقِلُ فِي زَمَانٍ وَالْمُقَرِّرُ بَعْدَهُ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الثَّابِتُ بِمُقْتَضَى الْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ وَنُقِلَ الْخَبَرَانِ. فَإِنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ هُنَا، وَيَرْجِعُ إلَى الْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ4. "وَ" يُرَجَّحُ "عَلَى مُثْبِتِ حَدٍّ: دَارِئُهُ" عِنْدَ الأَكْثَرِ؛ لأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَفِيهِ أَخْبَارٌ ضَعِيفَةٌ5،

_ = المحصول 2/2/279، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/367، إرشاد الفحول ص 279، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 232. 1 في ش: قبل، وفي د ض: قبيل. 2 في ش: نقله. 3 في ب: بالخبر من. 4 ساقطة من ش. 5 روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادروُوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة" أخرجه الترمذي موصولاً ورواه موقوفاً، وقال: "الموقوف أصح". "جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/688 وما بعدها ". وهذا الحديث رواه الحاكم، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي فقال: قال النسائي: يزيد بن زياد شامي متروك، وقال الترمذي: يزيد بن زياد الدمشقي ضعيف الحديث. ورواه البيهقي والدارقطني عن عائشة، وعن علي، ورواه الإمام أبو حنيفة عن ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه ابن ماجه وأبو يعلى من حديث أبي هريرة، =

وَلِقِلَّةِ مُبْطِلاتِ نَفْيِهِ؛ وَلأَنَّ إثْبَاتَهُ خِلافُ دَلِيلِ نَفْيِهِ1. قَالَ الآمِدِيُّ: وَلأَنَّ الْخَطَأَ فِي نَفْيِ الْعُقُوبَةِ أَوْلَى مِنْ الْخَطَإِ فِي تَحْقِيقِهَا2، عَلَى مَا قَالَهُ3 عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "لأَنْ تُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ" 4. وَقِيلَ5 وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَالْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَالْمُوَفَّقُ وَالْغَزَالِيُّ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لأَنَّ الشُّبْهَةَ لا تُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ

_ وروى الدارقطني معناه عن عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وعقبة بن عامر الجهني. انظر: المستدرك 4/384، السنن الكبرى 8/238، سنن الدارقطني 3/84، 4/56، نصب الراية 3/309، ميزان الاعتدال 4/325، سنن ابن ماجه 2/850، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 308. 1 إذا تعارض دليلان أحدهما يوجب الحد، والثاني يسقطه فقد اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال، الأول: ترجيح إسقاط الحد، وجزم به البيضاوي وابن الحاجب والآمدي وغيرهم، والثاني: ترجيح إثبات الحد، والثالث: أنهما سواء، كما سيذكره المصنف. انظر: المسودة ص 378، اللمع ص 67، الروضة ص 391، جمع الجوامع 2/369، الإحكام للآمدي 4/263، التبصرة ص 485، نهاية السول 3/217، المحصول 2/2/590، 621، المستصفى 2/398، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/161، مخصر البعلي ص 171، إرشاد الفحول ص 279، 283. 2 الإحكام للآمدي: قال. 3 في ألإحكام للآمدي: قال. 4 هذا جزء من الحديث السابق الذي رواه الترمذي موصولاً وموقوفاً. 5 ساقطة من ش.

مَشْرُوعِيَّتِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ1 بِخَبَرِ الْوَاحِدِ2. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَمَوْضُوعُ3 هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ شَرْعِيَّيْنِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ النَّفْيُ بِاعْتِبَارِ الأَصْلِ، فَهُوَ مَسْأَلَةُ النَّاقِلِ وَالْمُقَرِّرُ السَّابِقَةُ. "وَ" يُرَجَّحُ "عَلَى 4نَافِي عِتْقٍ وَ" عَلَى5 نَافِي "طَلاقٍ: مُوجِبُهُمَا" أَيْ: مَا يُوجِبُهُمَا6. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ نَافِيهُمَا7، وَظَاهِرُ الرَّوْضَةِ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ كَعَبْدِ

_ 1 في ع: ثبت. 2 انظر: العدة 3/1044، المسودة ص 312، الروضة ص 391، ابن الحاجب والعضد عليه 2/315، التبصرة ص 485، المستصفى 2/398، فواتح الرحموت 2/206. 3 في ش ع: وموضع. 4 ساقطة من ض. 5 ساقطة من ع. 6 وهذا ما أكده ابن الحاجب والبيضاوي وغيرهما، خلافاً لابن السبكي. انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/315، اللمع ص 68، منهاج الوصول مع شرحه نهاية السول 3/217، جمع الجوامع 2/368، الإحكام للآمدي 4/263، المحصول 2/2/589، تيسير التحرير 3/161، المعتمد 2/848. 7 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/368، نهاة السول 3/217، الإحكام للآمدي 4/263، تيسير التحرير 3/161. وسوف يكرر المصنف هذه المسألة: في العلة الموجبة للحرية ص 455.

الْجَبَّارِ، لأَنَّهُمَا حُكْمَانِ1. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّ تَقْدِيمَ2 مُوجَبِ الْعِتْقِ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ غَيْرِ عَبْدِ الْجَبَّارِ3، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْكَرْخِيُّ مِنْهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، 4لِقِلَّةِ سَبَبِ مُبْطِلِ5 الْحُرِّيَّةِ، وَلا تَبْطُلُ بَعْدَ ثُبُوتِهَا، وَلِمُوَافَقَةِ النَّفْيِ الأَصْلِيِّ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَمِثْلُهُ الطَّلاقُ. "وَ" يُرَجَّحُ "عَلَى أَثْقَلَ: أَخَفُّ" يَعْنِي أَنَّ التَّكْلِيفَ الأَخَفَّ يُرَجَّحُ عَلَى الأَثْقَلِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ6 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} 7 وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ فِي الإِسْلامِ". وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الأَثْقَلُ، لأَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا8.

_ 1 انظر: المسودة ص 314، الروضة ص 391، المحصول 2/2/589، المستصفى 2/398. 2 في ش: دليل. 3 انظر: المسودة ص 314. 4 ساقطة من ض. 5 في ع: يبطل. 6 انظر: الروضة ص 386، 392، العضد على ابن الحاجب 2/316، نهاية السول 3/210، 219، الإحكام للآمدي 4/263، المحصول 2/2/571، المستصفى 2/406، إرشاد الفحول ص 279. 7 الآية 185 من البقرة. 8 جزم بهذا الرأي الآمدي وتبعه ابن الحاجب، وسوف يذكر المصنف الترجيح =

"وَ" حُكْمٌ "تَكْلِيفِيٌّ وَ" حُكْمٌ "وَضْعِيٌّ: سَوَاءٌ فِي ظَاهِرِ كَلامِهِمْ" أَيْ: كَلامِ أَصْحَابِنَا1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَمْ يَذْكُرْ2 أَصْحَابُنَا تَرْجِيحَ حُكْمٍ تَكْلِيفِيٍّ عَلَى وَضْعِيٍّ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ3، فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ. انتهى. وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ4 غَيْرُ الأَصْحَابِ5، وَذَكَرُوا فِيهَا6 خِلافًا وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ7: تَقْدِيمُ الْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ، كَالاقْتِضَاءِ وَنَحْوِهِ عَلَى الْوَضْعِيِّ8، كَالصِّحَّةِ وَنَحْوِهَا؛ لأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِلثَّوَابِ؛ لأَنَّهُ مَقْصُودٌ9 بِالذَّاتِ وَأَكْثَرُ فِي الأَحْكَامِ،

_ = بالتشديد ص 449. وأنظر: الروضة ص 389، 392، العضد على ابن الحاجب 2/316، نهاية السول 3/210، الإحكام للآمدي 4/263، 268، المحصول 2/2/571، المستصفى 2/406. 1 في ض ع: الأصحاب. 2 في ش: وقدّم. 3 مختصر ابن الحاجب 2/315. 4 في ز: في المسألة. 5 في ش: الأصحاب، ونحوه كالوضعي. 6 في ش: فيه. 7 في ض: عنهم. 8 في ب: الوضع. 9 في ض: معقود.

فَكَانَ أَوْلَى1. وَقِيلَ: بَلْ2 يُقَدَّمُ الْوَضْعِيُّ3. لأَنَّهُ لا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ الْمُكَلَّفِ لِلْخِطَابِ، وَلا عَلَى4 تَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ، بِخِلافِ التَّكْلِيفِيِّ. فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا الَّذِي قَدَّمَهُ الْبِرْمَاوِيُّ5، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى التَّرْجِيحِ فِي الأَنْوَاعِ الأَرْبَعَةِ شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى التَّرْجِيحِ بِمَا يَنْضَمُّ إلَى اللَّفْظِ مِنْ أَمْرٍ خَارِجٍ عَمَّا تَقَدَّمَ. فَقَالَ: "الْخَارِجُ" يَعْنِي: الَّذِي6 يُرَجَّحُ بِهِ غَيْرُهُ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ "يُرَجَّحُ" الدَّلِيلُ "بِمُوَافَقَةِ دَلِيلٍ آخَرَ" لَهُ عَلَى دَلِيلٍ لَمْ يُوَافِقْهُ دَلِيلٌ آخَرُ؛ لأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ

_ 1 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/315، المحلي على جمع الجوامع 2/370، الإحكام للآمدي 4/263، نهاية السول 3/219، فواتح الرحموت 2/205، تيسير التحرير 3/161، إرشاد الفحول ص 279، الوسيط ص 637. 2 ساقطة من ض. 3 في ض ب: الوضع. 4 ساقطة من ض ع ب ز. 5 قال ابن السبكي بتقديم الحكم الوضعي على الحكم التكليفي في الأصح، وهو ما رجحه الآمدي والشوكاني وغيرهما. أنظر: العضد على ابن الحاجب 2/315، جمع الجوامع2/369، الإحكام للآمدي 4/263، تيسير التحرير 3/161، إرشاد الفحول ص 279. 6 في ض: أي الذي.

مِنْ دَلِيلٍ وَاحِدٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّلِيلُ الْمُوَافِقُ لِسُنَّةٍ1 مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ2، لأَنَّ تَقْدِيمَ3 مَا لَمْ يُوَافِقْ تَرْكٌ لِشَيْئَيْنِ4، وَهُمَا الدَّلِيلُ مَا عَضَّدَهُ، وَتَقْدِيمُ الْمُوَافِقِ5 تَرْكٌ لِشَيْءٍ6 وَاحِدٍ7، وَلِهَذَا قَدَّمْنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي صَلاةِ الْفَجْرِ بِغَلَسٍ8 عَلَى حَدِيثِ

_ 1 ساقطة من ش ع ب ز. 2 في ض نقص وتقديم وتأخير: أو قياس أو إجماع. 3 في ض ع: تقدم. 4 في ع: السببين. 5 في ض: الموافقة. 6 في ع: لشيئين أو لشيء. 7 أنظر: العدة 3/1046، المسودة ص 311، الروضة ص 390، البرهان 2/1178 وما بعدها، جمع الجوامع 2/370، المنخول ص 431 وما بعدها، 448، المستصفى 2/396، الإحكام للآمدي 4/264، ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، نهاية السول 3/212، تيسير التحرير 3/166، فتح الغفار 3/52، أصول السرخسي 2/250، مختصر البعلي ص 171، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199، إرشاد الفحول ص 279 الوسيط ص 633. 8 حديث عائشة في "صلاة الفجر بغلس" رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والشافعي والدارمي والطحاوي عن عائشة ولفظه في البخاري: "كان نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس " والغلس ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح، وهذا يعني التبكير بصلاة الصبح. انظر: صحيح البخاري 1/75، سنن أبي داود 1/100، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/473، سنن النسائي 1/217، سنن ابن ماجه 1/220، بدائع المنن 1/50، سنن الدارمي 1/277، شرح معاني الآثار 1/176، النهاية 3/377.

رَافِعٍ1 فِي " الإِسْفَارِ "2 لِمُوَافَقَتِهِ قَوْله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} 3 لأَنَّ مِنْ الْمُحَافَظَةِ الإِتْيَانَ بِالْمُحَافَظِ عَلَيْهِ الْمُؤَقَّتِ أَوَّلَ وَقْتِهِ4. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ، وَوَافَقَهُ قِيَاسٌ آخَرُ، وَعَارَضَهُمَا خَبَرٌ. فَإِنَّ مَا ثَبَتَ بِالْخَبَرِ مُقَدَّمٌ. وَإِلَى5 ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "إلاَّ فِي أَقْيِسَةٍ تَعَدَّدَ أَصْلُهَا مَعَ خَبَرٍ، فَيُقَدَّمُ" الْخَبَرُ "عَلَيْهَا" أَيْ: عَلَى الأَقْيِسَةِ الْمُتَعَدِّدِ أَصْلُهَا.

_ 1 في ش ز: نافع، وهو تصحيف عن رافع، وهو رافع بن خديج، وسبقت ترجمته "2/374". 2 حديث "الإسفار بصلاة الفجر" رواه أبو داود والترمذي والنسائي والشافعي والدارمي والطحاوي، ومعناه عند ابن ماجه وأحمد، عن رافع بن خديج مرفوعاً، ولفظه عند الترمذي: "أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للآجر" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وذكره السيوطي في الأحاديث المتواترة، والإسفار أن ينكشف النهار ويضيء. أنظر: سنن أبي داود 1/100، جامع الترمذي 1/478، سنن النسائي 1/218، سنن ابن ماجه 1/221، شرح معاني الآثار 1/178، بدائع المنن 1/51، سنن الدارمي 1/277، مسند أحمد 3/465، نيل الأوطار 2/22، الأزهار المتناثرة ص 14، النهاية 2/372. 3 الآية 238 من البقرة، وفي ض ع تتمة: {وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} . 4 انظر: الروضة ص 390، العدة 3/1046. 5 في ز: فإلى.

1وَقِيلَ: الأَقْيِسَةُ الْمُتَعَدِّدُ أَصْلُهَا1. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: قِيلَ: يُقَدَّمُ الْخَبَرُ عَلَى الأَقْيِسَةِ2، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ إنْ تَعَدَّدَ أَصْلُهَا3. "فَإِنْ تَعَارَضَ ظَاهِرُ قُرْآنٍ وَسُنَّةٍ وَأَمْكَنَ بِنَاءُ كُلٍّ وَاحِدٍ4 مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ، أَوْ خَبَرَانِ، مَعَ5 أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ قُرْآنٍ، وَ" مَعَ "الآخَرَ ظَاهِرُ سُنَّةٍ: قُدِّمَ ظَاهِرُهَا" أَيْ: ظَاهِرُ السُّنَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ6. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: فَإِنْ تَعَارَضَ قُرْآنٌ وَسُنَّةٌ، وَأَمْكَنَ بِنَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ، كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ. فَقَالَ7 الْقَاضِي: ظَاهِرُ8 كَلامِ أَحْمَدَ: يُقَدَّمُ ظَاهِرُ السُّنَّةِ؛ لِقَوْلِهِ: "السُّنَّةُ تُفَسِّرُ9 الْقُرْآنَ، وَتُبَيِّنُهُ10" قَالَ: وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ لِلْقَطْعِ بِهِ11.

_ 1 ساقطة من ب. 2 ساقطة من ز. 3 انظر: مناهج العقول 3/198، المحصول 2/2/541، أصول السرخسي 2/264، نهاية السول 3/199. 4 ساقطة من ش ع ب والمختصر. 5 في ش: مع أن. 6 انظر: العدة 3/1048، المسودة ص 311. 7 في ض ع ب: قال. 8 في ع: وظاهر. 9 في ض: تفسير. 10 في ض: وتبيينه. 11 انظر: العدة 3/1041، 1048.

وَذَكَرَ أَبُو الطَّيِّبِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَيْنِ، وَبَنَى1 الْقَاضِي عَلَيْهِمَا2 خَبَرَيْنِ3 مَعَ أَحَدِهِمَا ظَاهِرُ قُرْآنٍ، وَمَعَ4 الآخَرِ ظَاهِرُ سُنَّةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّ أَحْمَدَ تَقْدِيمَ الْخَبَرَيْنِ5. وَذَكَرَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ: أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ6 عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَكَذَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَبَنَى الأُولَى عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ: إذَا كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ سُنَّةً، وَالآخَرُ كِتَابًا، فَإِنْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا عُمِلَ، وَإِلاَّ قِيلَ: يُقَدَّمُ الْكِتَابُ، لأَنَّهُ7 أَرْجَحُ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ السُّنَّةُ؛ لأَنَّهَا بَيَانٌ لَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ كَمَا تَقَدَّمَ. مِثَالُهُ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ " الْحِلُّ مَيْتَتُهُ" 8 فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي مَيْتَةِ الْبَحْرِ حَتَّى خِنْزِيرِهِ، مَعَ قَوْله سبحانه

_ 1 في ض ز: وبين. 2 في ع: عليها. 3 في ش: خبران. 4 في ض ع ب: و. 5 انظر: العدة 3/1041، 1048، المسودة ص 311. 6 في ش ز: فإنه. 7 هذا جزء من حديث صحيح، رواه الإمام مالك والشافعي وأحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن الجارود والبيهقي وابن أبي شيبة والدارقطني وابن حبان والحاكم والدارمي، قال البغوي: وهذا الحديث صحيح متفق على صحته " وسبق تخريجه "3/175". 8 وفي ع: "هو الطهور مأوه، الحلل ميتته".

وتَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} 1 فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ خِنْزِيرَ الْبَحْرِ فَيَتَعَارَضُ عُمُومُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي خِنْزِيرِ الْبَحْرِ، فَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ الْكِتَابَ فَحَرَّمَهُ، وَقَالَ بِهِ2 مِنْ أَصْحَابِنَا: أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ3، وَبَعْضُهُمْ: السُّنَّةَ فَأَحَلَّهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِهِ4. "وَ" يُرَجِّحُ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ "بِعَمَلٍ5" أَيْ: بِمُوَافَقَةِ عَمَلِ "أَهْلِ الْمَدِينَةِ" وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً، لَكِنَّهُ يَقْوَى بِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالشَّافِعِيَّةِ6.

_ 1 الآية 145 من الأنعام. 2 في ب ع ز: وقاله. 3 في ش ض: ابن النجاد. وأبو علي النجاد هو الحسين بن عبد الله، أخذ العلم عن شيوخ المذهب الحنبلي كأبي الحسن بن بشار، وأبي محمد البربهاري، وصحب جماعة من الحنابلة، وجاء في "طبقات الحنابلة": "كان فقيها معظماً، إماماً في أصول الدين وفروعه" توفي سنة 360 هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/140، المنهج لأحمد 2/55، شذرات الذهب 3/36". 4 تقدمت هذه المسألة ص 426، 427. 5 في ش: عمل. 6 انظر: مختصر البعلي ص 171، المسودة ص 313، مجموع الفتاوى 19/269، ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، جمع الجوامع 2/370، المنخول ص 341، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/264، المستصفى 2/396، فواتح الرحموت 2/206، إرشاد الفحول ص 280، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 266.

قَالَ أَحْمَدُ: مَا رَوَوْهُ1 وَعَمِلُوا بِهِ أَصَحُّ مَا يَكُونُ2؛ وَلأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُمْ عَلَى مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ نَاسِخٌ، لِمَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ3. وَخَالَفَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ وَالطُّوفِيُّ4. وَرَجَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ إلَى زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ5. "أَوْ" بِعَمَلِ "الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ وَجَمْعٍ، لِوُرُودِ النَّصِّ بِاتِّبَاعِهِمْ6 حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

_ 1 في ش: رأوه. 2 في ع: يكون وظاهر. 3 في ض ع: بينهم صلى الله عليه وسلم. 4 وأيد ذلك المجد ابن تيمية وابن حزم الظاهري. أنظر: المسودة ص 313، الإحكام لابن حزم 1/175، 214، العدة 3/1052، مختصر البعلي ص 171، مختصر الطوفي ص 189 5 انظر: العدة 3/1053، مختصر البعلي ص 171، المسودة ص 313، مختصر الطوفي ص 189. 6 وفي رواية ثانية عن أحمد بعدم الترجيح بعمل الخلفاء الراشدين. أنظر: القولين مع الأدلة والمناقشة في "العدة 3/1050، المسودة ص 314، الروضة ص 390، ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/264، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/162، البرهان 2/1176، مختصر البعلي ص 171، مختصر الطوفي ص 189، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199، إرشاد الفحول ص 280".

وَسَلَّمَ: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ1" وَلأَنَّ الظَّاهِرَ: أَنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا النَّصَّ الآخَرَ إلاَّ لِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ، فَلِذَلِكَ قُدِّمَ. قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ2. وَقِيلَ: يُرَجَّحُ أَيْضًا بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ3؛ 4لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5 "اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ".

_ 1 هذا جزء من حديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان والدارمي والحاكم عن العرباض بن سارية مرفوعاً. انظر: مسند أحمد 4/126، سنن أبي داود 2/506، جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 7/439، سنن ابن ماجه 1/15، سنن الدارمي 1/44، المستدرك 1/95، موارد الظمآن ص 56، جامع الأصول 1/188، تخريج أحاديث البزدوي ص 238، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 299. 2 العدة 3/1050. 3 انظر: العدة 3/1052، المسودة ص 384، جمع الجوامع 2/270، البرهان 2/1176. 4 ساقطة من ع. 5 هذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وابن حبان والحاكم عن حذيفة مرفوعاً، وقال الترمذي حسن صحيح، ورواه الترمذي أيضاً عن ابن مسعود مرفوعاً. انظر: جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 10/147، 149، سنن ابن ماجه 1/37، مسند أحمد 5/382، موارد الظمآن ص 539 تخريج أحاديث البزدوي ص 237، المستدرك 3/75، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 299، جامع الأصول 9/420.

قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: "إذَا بَلَغَك اخْتِلافٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1 فَوَجَدْت فِي ذَلِكَ2 أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَشُدَّ يَدَك3، فَإِنَّهُ الْحَقُّ وَهُوَ السُّنَّةُ "4. انْتَهَى5. "أَوْ" بِعَمَلِ "أَعْلَمَ" قَطَعَ بِهِ الأَكْثَرُ6؛ لأَنَّ7 لَهُ مَزِيَّةً لِكَوْنِهِ أَحْفَظَ لِمَوَاقِعِ الْخَلَلِ، وَأَعْرَفَ بِدَقَائِقِ الأَدِلَّةِ8. "أَوْ" بِعَمَلِ9 "أَكْثَرِ" الأُمَّةِ10، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لا يَكُونَ الْمُعَارِضُ لَهُ يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَيْهِمْ. وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْمُوَافِقُ لِلأَكْثَرِ: لأَنَّ الأَكْثَرَ مُوَافِقٌ لِلصَّوَابِ الَّذِي لَمْ يُوَفَّقْ11 لَهُ الأَقَلُّ12، هَذَا13 قَوْلُ الأَكْثَرِينَ14.

_ 1 ساقطة من ض. 2 في المسودة: ذلك الاختلاف. 3 في المسودة: يدك به. 4 انظر: المسودة ص 314. 5 ساقطة من ع. 6 في ب: الأكثرون، وفي ز: عند الأكثر. 7 في ب: لأنه. 8 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316. 9 في ز: لعمل. 10 في ش: الأدلة. 11 في ش: يوافق. 12 في ش: الأول. 13 في ش: هو، وفي ب: من، وفي ز: هذا هو. 14 ذكر الغزالي أن الترجيح يكون بعمل جميع الأمة، لا بعضها، قال ابن حزم: =

وَمَنَعَ جَمْعٌ التَّرْجِيحَ بِذَلِكَ. قَالَ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ1 فِي قَوْلِ الأَكْثَرِ، وَلَوْ سَاغَ التَّرْجِيحُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ لانْسَدَّ بَابُ الاجْتِهَادِ عَلَى الْبَعْضِ الآخَرِ2. "وَيُقَدَّمُ" مِنْ حُكْمَيْنِ فَأَكْثَرَ "مَا عِلَلَ" أَيْ: مَا تَعَرَّضَ الشَّارِعُ لِعِلَّتِهِ عَلَى مَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِعِلَّتِهِ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي تَعَرَّضَ الشَّارِعُ3 لِعِلَّتِهِ4: أَفْضَى إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ؛ لأَنَّ النَّفْسَ لَهُ أَقْبَلُ بِسَبَبِ تَعَقُّلِ الْمَعْنَى5. "أَوْ رُجِّحَتْ عِلَّتُهُ" يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ عُلِّلَ حُكْمَانِ، وَكَانَتْ عِلَّةُ أَحَدِهِمَا أَرْجَحَ، رُجِّحَ بِأَرْجَحِيَّةِ6 عِلَّتِهِ7.

_ = هذا لا معنى له، وذكر الآمدي الترجيح بعمل بعض الأمة، وقال الشوكاني عن الترجيح بعمل أكثر الأمة: وفيه نظر. انظر: المستصفى 2/396، 398، الإحكام لابن حزم 1/179، الإحكام للآمدي 4/264، جمع الجوامع 2/370، المحصول 2/2/592، إرشاد الفحول ص 279، نهاية السول 3/218، الكفاية ص 610. 1 في ش ع ب ز: الحجية. 2 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/370، نهاية السول 3/218، المحصول 2/2/592، الإحكام لابن حزم 1/179. 3 ساقطة من ض ع: وسقط من ز: الشارع. 4 ساقطة من ض، وفي ز: لعليته. 5 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، جمع الجوامع 2/366، الإحكام للآمدي 4/265، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/162، البرهان 2/1195. 6 في ض: أرجحية. 7 انظر: الإحكام للآمدي 4/265.

"وَ" يُرَجَّحُ مِنْ دَلِيلَيْنِ "مُؤَوَّلَيْنِ1 مَا دَلِيلُ تَأْوِيلِهِ أَرْجَحُ" مِنْ دَلِيلِ تَأْوِيلِ الآخَرِ؛ لأَنَّ لَهُ مَزِيَّةً بِذَلِكَ2. "وَ" يُقَدَّمُ "عَامٌّ وَرَدَ مُشَافَهَةً، أَوْ" وَرَدَ "عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ فِي مُشَافَهَةٍ بِهِ، وَسَبَبٍ" عَلَى عَامٍّ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْمُشَافَهَةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ3. قَالَ الْعَضُدُ: إذَا4 وَرَدَ عَامٌّ هُوَ خِطَابُ شِفَاهٍ لِبَعْضِ مَنْ تَنَاوَلَهُ، وَعَامٌّ آخَرُ لَيْسَ هُوَ5 كَذَلِكَ، فَهُوَ كَالْعَامَّيْنِ وَرَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى سَبَبٍ دُونَ الآخَر، فَيُقَدَّمُ عَامُّ الْمُشَافَهَةِ فِيمَنْ شُوفِهُوا بِهِ، وَفِي غَيْرِهِمْ الآخَرُ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ6. انْتَهَى. "وَ" يُرَجَّحُ الْعَامُّ "الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ" أَيْ: عَلَى الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ 7.

_ 1 ساقطة من ش. 2 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، الإحكام للآمدي 4/265. 3 انظر: المنهاج في ترتيب الحجاج ص 230. 4 في ش: أو. 5 زيادة على نص العضد. 6 العضد على ابن الحاجب 2/316. وانظر: نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/266. 7 يرى ابن الحاجب وابن السبكي وغيرهما أنّ العام الوارد على سبب يقدم على العام المطلق في موضوع السبب، ولكل قوله دليله. انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، جمع الجوامع 2/367، =

"وَ1فِي غَيْرِهِ" أَيْ: فِي حُكْمِ2 غَيْرِ السَّبَبِ؛ لأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي عُمُومِ الْعَامِّ3 الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي عُمُومِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ4. "وَ" يُرَجَّحُ "عَامٌّ عُمِلَ بِهِ" وَلَوْ فِي صُورَةٍ5 عَلَى عَامٍّ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَمْعٌ6. وَعَكَسَ الآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَجَمْعٌ، فَقَالُوا7: يُقَدَّمُ مَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ لِيُعْمَلَ بِهِ، فَيَكُونُ قَدْ عُمِلَ بِهِمَا8. وَوَجْهُ الأَوَّلِ: أَنَّ الْعَامَّ9 لِمَا10 عُمِلَ بِهِ مُشَاهِدٌ لَهُ11 بِالاعْتِبَارِ لِقُوَّتِهِ12 بِالْعَمَلِ.

_ = العدة 3/1035، المسودة ص 313، المنخول ص 435، الإحكام للآمدي 4/265، المحصول 2/2/571، البرهان 2/1194، شرح تنقيح الفصول ص 424، المدخل إلى مذهب أحمد ص 199، إرشاد الفحول ص 278. 1 ساقطة من ع ب، وفي ش: ولم يختلف في عموم المطلق. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: السبب العام. 4 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/316، جمع الجوامع 2/367، الإحكام للآمدي 4/265. 5 في ز: صورته. 6 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/316، جمع الجوامع 2/367، الإحكام للآمدي 4/266. 7 في ش ع ض: فقال. 8 مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316. 9 في ش ع ب ز: العمل. 10 في ش: بما. 11 ساقطة من ش. 12 في ب: لقوله.

"أَوْ أَمَسَّ بِمَقْصُودٍ1" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ عَامٌّ أَمَسَّ بِمَقْصُودٍ2 أَوْ3 أَقْرَبُ إلَيْهِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ أَمَسَّ بِالْمَقْصُودِ4. مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} 5 فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَطْءِ النِّكَاحِ عَلَى قَوْلِهِ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 6 فَإِنَّهُ أَمَسُّ بِمَسْأَلَةِ الْجَمْعِ، لأَنَّ الآيَةَ الأُولَى قُصِدَ بِهَا بَيَانُ7 تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ فِي الْوَطْءِ بِنِكَاحٍ، وَمِلْكِ يَمِينٍ. وَالثَّانِيَةُ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا بَيَانُ حُرْمَةِ الْجَمْعِ8. "وَ" يُرَجَّحُ "مَا لا يَقْبَلُ نَسْخًا" لأَنَّهُ أَقْوَى عَلَى مَا يَقْبَلُهُ. "أَوْ أَقْرَبُ إلَى احْتِيَاطٍ9" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ

_ 1 في ز: بمقصوده. 2 في ز: بمقصوده. 3 في ش ض ز: و. 4 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/316. نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/266، المحصول 2/2/576، الإحكام لابن حزم 1/176. 5 الآية 23 من النساء. 6 الآية 3 من النساء. 7 ساقطة من ش. 8 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/316. 9 في ز: الاحتياط.

1مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى2 الاحْتِيَاطِ عَلَى3 غَيْرِهِ4. ذَكَرَهُ وَاَلَّذِي قَبِلَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ. "أَوْ لا يَسْتَلْزِمُ نَقْضَ5 صَحَابِيٍّ خَبَرًا" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ مِنْ حَدِيثَيْنِ: الَّذِي لا6 يَسْتَلْزِمُ نَقْضَ صَحَابِيٍّ خَبَرًا - كَقَهْقَهَةٍ فِي صَلاةٍ7 - عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ8. "أَوْ تَضَمَّنَ إصَابَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا" يَعْنِي: أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنْ حَدِيثَيْنِ مَا تَضَمَّنَ إصَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عَلَى مَا تَضَمَّنَ9 إصَابَتَهُ ظَاهِرًا فَقَطْ10. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْبَنَّاءِ وَغَيْرُهُمَا: يُقَدَّمُ مَا لا يُوجِبُ تَخْطِئَةَ

_ 1 ساقطة من ض. 2 في ش: على. 3 في ش: إلى. 4 انظر: العدة 3/1040، المسودة ص 383، المنخول ص 434، 448، اللمع ص 67، الإحكام للآمدي 4/267، البرهان 2/1199، إرشاد الفحول ص 279. 5 في الإحكام للآمدي: نقص، وفي العدة: نقض الصحاح. 6 ساقطة من ش ب. 7 حديث القهقهة في الصلاة ونقض الوضوء منها رواه الطبراني عن أبي موسى الأشعري، ورواه ابن أبي شيبة عن حميد بن هلال، وأخرجه الدارقطني عن عددٍ من الصحابة، وفي جميع طرقه مقال يقدح في صحته. انظر: سنن الدارقطني 1/160 وما بعدها، نصب الراية 1/47 وما بعدها، مجمع الزوائد 1/246، تخريج أحاديث البزدوي ص 197، تحفة الفقهاء 1/36. 8 انظر: العدة 3/1045، الإحكام للآمدي 4/267، المستصفى 2/397، المنهاج في ترتيب الحجاج ص 232. 9 في ض: يتضمن. 10 انظر: العدة 1/142، 3/1036.

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ عَلَى مَا يَتَضَمَّنُ1 إصَابَتَهُ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ، فَالأَوَّلُ مُقَدَّمٌ وَمُرَجَّحٌ؛ لأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ الْخَطَإِ حِينَئِذٍ2، وَهُوَ الأَلْيَقُ بِهِ وَبِحَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا وَرَدَ فِي ضَمَانِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: دَيْنَ الْمَيِّتِ وَقَالَ عَلِيٌّ3 " هُمَا عَلَيَّ "4 وَأَنَّهُ ابْتِدَاءُ ضَمَانٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْتَنَعَ مِنْ الصَّلاةِ5 عَلَى الْمَيِّتِ6، وَكَانَ وَقْتَ الصَّلاةِ7 مُصِيبًا فِي امْتِنَاعِهِ، وَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَمْلِهِ8 عَلَى9 الإِخْبَارِ عَنْ ضَمَانٍ سَابِقٍ، يَكْشِفُ عَنْ أَنَّهُ كَانَ10 امْتَنَعَ عَنْ11 الصَّلاةِ فِي غَيْرِ

_ 1 في ز: تضمن. 2 ساقطة من ش ب ز. 3 في ض: وقال، وفي ش: وقوله، وفي ب: وقول علي. 4 ساقطة من ب. 5 هذا الحديث رواه البيهقي والدارقطني عن أبي سعيد الخدري، وله أسانيد كثيرة، قال ابن حجر عنها: كلها ضعيفة. انظر: التلخيص الحبير 3/47. وروى البخاري عن سلمة بن الأكوع حديث امتناع الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على الميت إذا كان عليه دين، ولم يترك شيئاً، وأن أبا قتادة ضمن الدين على ميت، فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 2/26. 6 ساقطة من ض ع ب ز. 7 في ش: الامتناع. 8 في ش: حملها. 9 ساقطة من ز. 10 في ش: إن. 11 في ض ب ز: من.

مَوْضِعِهِ بَاطِنًا، هَذَا لَفْظُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ. "أَوْ فَسَّرَهُ رَاوٍ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ1" يَعْنِي2: أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ وَفَسَّرَ أَحَدَهُمَا رَاوِيه3ِ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ: قُدِّمَ عَلَى مَا لَمْ يُفَسِّرْهُ رَاوِيهِ4؛ لأَنَّ مَا فَسَّرَهُ رَاوِيهِ يَكُونُ الظَّنُّ بِهِ أَوْثَقَ5؛ لأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَا رَوَاهُ، كَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ6، وَأَنَّ الْمُرَادَ7 بِالتَّفَرُّقِ8 " تَفَرُّقُ9 الأَبْدَانِ10؛ لأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ، لأَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ.

_ 1 في ز: بقولٍ أو فعلٍ. 2 في ض: أي. 3 في ض: رواته. 4 انظر: العدة 3/1053، المسودة ص 307، ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، نهاية السول 3/219، الإحكام للآمدي 4/267، إرشاد الفحول ص 280. 5 في ش: وثق. 6 هذا معنى حديث صحيحي، ولفظه: "المتبايعان بالخيار مالم يتفرقا" وسبق تخريجه "2/558". 7 ساقطة من ش ع ب. 8 في ش ع ب: التفرق. 9 ساقطة من ب. 10 قال الترمذي: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق ... ، وقد قال بعض أهل العلم....: الفرقة بالكلام، والقول الأول أصح، لأنّ ابن عمر وهو الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أعلم بمعنى ما روى، وروي عنه أنه كان إذا أراد أن يوجب البيع مشى ليجب له، وهكذا روي عن أبي برزة"، "جامع الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/450".

"أَوْ1 ذَكَرَ سَبَبَهُ" يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ، وَذَكَرَ رَاوِي أَحَدِهِمَا سَبَبَ الْخَبَرِ2، دُونَ رَاوِي الآخَرِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ مَا ذَكَرَ رَاوِيهِ سَبَبَهُ عَلَى مَا لَمْ يَذْكُرْ رَاوِيهِ سَبَبَهُ؛ لأَنَّ مَا ذَكَرَ رَاوِيهِ سَبَبُهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ اهْتِمَامِ الرَّاوِي بِرِوَايَتِهِ3. "أَوْ سِيَاقُهُ أَحْسَنُ4" يَعْنِي أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنْ خَبَرَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ: مَا كَانَ سِيَاقُهُ أَحْسَنَ؛ لأَنَّ مَزِيَّتَهُ بِحُسْنِ السِّيَاقِ: تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ5. "أَوْ مُؤَرَّخٌ بِ" تَارِيخٍ "مُضَيَّقٍ" كَأَوَّلِ شَهْرِ كَذَا مِنْ6 سَنَةِ كَذَا. يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا مُؤَرَّخٌ بِتَارِيخٍ مُضَيَّقٍ - كَمَا ذَكَرَ -، وَالآخَرُ مُؤَرَّخٌ بِتَارِيخٍ مُوَسَّعٍ. كَقَوْلِهِ: فِي سَنَةِ كَذَا؛ لأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ قَبْلَ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُضَيَّقِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ

_ 1 في ش: و. 2 في ش: الآخر، وفي ب: خبر. 3 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، جمع الجوامع 2/363، نهاية السول 3/208، الإحكام للآمدي 4/267، المحصول 2/2/563، فواتح الرحموت 2/206، تيسير التحرير 3/160، إرشاد الفحول ص 278. 4 ساقطة من ش. 5 انظر: المسودة ص 308، مختصر البعلي ص 169. 6 في ش: في.

ذُو التَّارِيخِ الْمُضَيَّقِ؛ لأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ اهْتِمَامِ رَاوِيهِ1 بِهِ2. "أَوْ دَلَّ عَلَى تَأَخُّرِهِ قَرِينَةٌ" يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ وَدَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى تَأَخُّرِ أَحَدِهِمَا: تَرَجَّحَ3 بِذَلِكَ4. وَكَذَا إذَا5 كَانَ فِي أَحَدِهِمَا تَشْدِيدٌ دُونَ الآخَرِ. فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ بِذَلِكَ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ لِقَوْلِهِ "أَوْ6 بِتَشْدِيدِهِ" لأَنَّ التَّشْدِيدَاتِ إنَّمَا جَاءَتْ حِينَ ظَهَرَ الإِسْلامُ وَكَثُرَ وَعَلَتْ شَوْكَتُهُ. وَالتَّخْفِيفُ كَانَ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ، وَكَذَا حُكْمُ7 كُلُّ مَا يُشْعِرُ بِشَوْكَةِ الإِسْلامِ. قَالَهُ الْعَضُدُ وَغَيْرُهُ8. وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى تَرْجِيحِ الدَّلِيلَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ شَرَعَ فِي

_ 1 ساقطة من ش. 2 ساقطة من ش د. وقال الآمدي والرازي وغيرهما تقدم على المؤرخة بتاريخ مضيق عليها. انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، نهاية السول 3/211، الإحكام للآمدي 4/268، المحصول 2/2/569 وما بعدها. 3 في ز: يرجح. 4 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/316، الإحكام للآمدي 4/267، المحصول 2/2/568. 5 في ب ز: إن. 6 في ش ز: و. 7 ساقطة من ش، وفي ز: في حكم. 8 انظر: العضد عل ابن الحاجب 2/316، نهاية السول 3/210، الإحكام للآمدي 4/263، 268، المحصول 2/2/568، سبق تقديم الأخف ص 445.

تَرْجِيحِ الدَّلِيلَيْنِ الْمَعْقُولَيْنِ بِأَنْوَاعِهِ1، وَهُوَ الْغَرَضُ الأَعْظَمُ مِنْ بَابِ التَّرَاجِيحِ2، وَفِيهِ اتِّسَاعُ مَجَالِ الاجْتِهَادِ، وَبَدَأَ بِتَعْرِيفِهِمَا3، فَقَالَ: "الْمَعْقُولانِ" أَيْ: الدَّلِيلانِ الْمَعْقُولانِ "قِيَاسَانِ، أَوْ اسْتِدْلالانِ. فَالأَوَّلُ4" الَّذِي هُوَ الْقِيَاسَانِ5 "يَعُودُ" التَّرْجِيحُ فِيهِ "إلَى أَصْلِهِ" أَيْ: الأَصْلِ6 الْمَقِيسِ عَلَيْهِ "وَفَرْعِهِ" أَيْ: الْفَرْعِ الْمَقِيسِ "وَ7" يَكُونُ فِي8 "مَدْلُولِهِ9 وَأَمْرٍ خَارِجٍ" كَمَا تَقَدَّمَ10 فِي الْمَنْقُولَيْنِ. "فَيُرَجَّحُ الأَصْلُ" فِي صُوَرٍ:

_ 1 في ش: بأنواعهما. 2 في ض ز: الترجيح، والتراجيح جمع الترجيح، لأنه يشتمل على أنواع. "انظر: البناني على جمع الجوامع 2/386". 3 في ش: ترجيحهما بتعريفهما، وانظر: البرهان 2/1202. 4 في ض: فمن الأول، وفي ز: الأول. 5 في ش: القياس. 6 في ش: أصل. 7 ساقطة من ش. 8 في ش: فيه. 9 في ش: ومدلوله. 10 ساقطة من ش.

الأُولَى: أَنْ يُرَجَّحَ "بِقَطْعِ حُكْمِهِ" أَيْ1: بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُ الأَصْلِ قَطْعِيًّا، فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا كَانَ دَلِيلُ أَصْلِهِ ظَنِّيًّا2، كَقَوْلِنَا فِي لِعَانِ الأَخْرَسِ: أَنَّ3 مَا صَحَّ مِنْ النَّاطِقِ صَحَّ مِنْ الأَخْرَسِ كَالْيَمِينِ، فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى شَهَادَتِهِ، تَعْلِيلاً4 بِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ5؛ لأَنَّ الْيَمِينَ تَصِحُّ مِنْ الأَخْرَسِ بِالإِجْمَاعِ، وَالإِجْمَاعُ قَطْعِيٌّ، وَأَمَّا جَوَازُ شَهَادَتِهِ: فَفِيهِ خِلافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ6. "وَ" الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُرَجَّحَ "بِقُوَّةِ دَلِيلِهِ" أَيْ7: بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلُ أَحَدِ الأَصْلَيْنِ أَقْوَى، فَتَكُونُ صِحَّتُهُ أَغْلَبَ فِي الظَّنِّ8.

_ 1 ساقطة من ض. 2 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/373، الإحكام للآمدي 4/268، المحصول 2/2/617، المستصفى 2/399، المعتمد 2/847، تيسير التحرير 4/90، مختصر البعلي ص 172، مختصر الطوفي ص 189، المدخل إلى مذهب أحمد ص 200، إرشاد الفحول ص 282، الوسيط ص 640، المنخول ص 442. 3 ساقطة من ش. 4 ساقطة من ض. 5 في ش: الشهادة، ففيه خلاف بين. 6 انظر حكم شهادة الأخرس، وأنها جائزة عند المالكية، وممنوعة عند الجمهور، في "المغني 10/171، وسائل الإثبات ص 130". 7 ساقطة من ع. 8 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، الإحكام للآمدي 4/268، تيسير التحرير 4/90، إرشاد الفحول ص 282.

"وَ" الثَّالِثَةُ: التَّرْجِيحُ1 "بِأَنَّهُ" أَيْ: بِأَنْ2 يَكُونَ دَلِيلُ3 أَصْلِهِ "لَمْ يُنْسَخْ" بِالاتِّفَاقِ4 فَإِنَّ مَا قِيلَ بِأَنَّهُ5 مَنْسُوخٌ - وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِهِ ضَعِيفًا - لَيْسَ كَالْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ6. "وَ" الرَّابِعَةُ: التَّرْجِيحُ بِكَوْنِ حُكْمِ أَصْلِهِ جَارِيًا7 "عَلَى سُنَنِ الْقِيَاسِ" بِالاتِّفَاقِ، فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مِمَّا كَانَ عَلَى سُنَنِ الْقِيَاسِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ؛ لأَنَّ مَا كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الْخَلَلِ8. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ هُنَا أَنْ يَكُونَ فَرْعُهُ9 مِنْ جِنْسِ أَصْلِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمْ، وَذَلِكَ كَقِيَاسِ مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ إيَّاهُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمْ ذَلِكَ عَلَى غَرَامَاتِ الأَمْوَالِ فِي أُصُولِ10 إسْقَاطِ التَّحَمُّلِ11؛ لأَنَّ

_ 1 في ش: أن يكون أحد الأصلين الترجيح. 2 ساقطة من ش ب ز. 3 في ب ز: بكون. 4 في ض ب ع ز: باتفاق. 5 في سن: على أن ما قيل دليل إنه. 6 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، الإحكام للآمدي 4/268، المستصفى 2/399، إرشاد الفحول ص 282. 7 في ش: خارجاً. 8 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/372، الإحكام للآمدي 4/268، إرشاد الفحول ص 282، الوسيط ص 640. 9 في ش: أصله. 10 ساقطة من ش ع ب ز. 11 في ش: الحمل.

الْمُوضِحَةَ مِنْ جِنْسِ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَكَانَ عَلَى سُنَنِهِ، إذْ1 الْجِنْسُ بِالْجِنْسِ أَشْبَهُ2. كَمَا يُقَالُ: قِيَاسُ الطَّهَارَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ. "وَ" الْخَامِسَةُ: التَّرْجِيحُ "بِدَلِيلٍ خَاصٍّ بِتَعْلِيلِهِ" أَيْ: بِقِيَامِ3 دَلِيلٍ خَاصٍّ عَلَى تَعْلِيلِهِ، وَجَوَازِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ التَّعَبُّدِ4 وَالْقُصُورِ وَالْخِلافِ5. وَيُرَجَّحُ مَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ6 بِالنَّصِّ عَلَى مَا ثَبَتَتْ عِلَّتُهُ7 بِالإِجْمَاعِ8. قَدَّمَهُ الأُرْمَوِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ9، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "وَفِي قَوْلٍ: نَصٌّ، فَإِجْمَاعٌ10".

_ 1 في ب: الذي. 2 انظر جمع الجوامع 2/372. 3 في ش: بالقياس. 4 في ض ع: البعيد، وفي ب: التبعد. 5 انظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، الإحكام للآمدي 4/269، المحصول 2/2/575. 6 في ض: علته. 7 ساقطة من ش ب ز. 8 في ع ب ز: فالإجماع. 9 انظر: نهاية السول 3/230، الإحكام للآمدي 4/271، جمع الجوامع 2/375، البرهان 2/1285. 10 في ب: في إجماع.

وَقَالَ فِي الْمَحْصُولِ: وَيُرَجَّحُ مَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ بِالإِجْمَاعِ عَلَى مَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ بِالنَّصِّ؛ لِقَبُولِ النَّصِّ لِلتَّأْوِيلِ، بِخِلافِ الإِجْمَاعِ، ثُمَّ قَالَ: وَيُمْكِنُ تَقْدِيمُ النَّصِّ؛ لأَنَّ الإِجْمَاعَ فَرْعُهُ1. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: نَعَمْ إذَا اسْتَوَى2 النَّصُّ وَالإِجْمَاعُ فِي الْقَطْعِ مَتْنًا وَدَلالَةً: كَانَ مَا دَلِيلُهُ الإِجْمَاعُ رَاجِحًا و3َدُونَهُمَا، إذَا كَانَا ظَنِّيَّيْنِ. بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا نَصًّا4 ظَنِّيًّا، وَالآخَرُ إجْمَاعًا ظَنِّيًّا5 رُجِّحَ أَيْضًا مَا كَانَ دَلِيلُهُ الإِجْمَاعَ، لِمَا سَبَقَ مِنْ قَبُولِ النَّصِّ النَّسْخَ وَالتَّخْصِيصَ. قَالَ الْهِنْدِيُّ: هَذَا صَحِيحٌ بِشَرْطِ التَّسَاوِي فِي الدَّلالَةِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْحَقُّ أَنَّهُ6 يُتْبَعُ فِيهِ الاجْتِهَادُ فَمَا تَكُونُ فَائِدَتُهُ لِلظَّنِّ أَكْثَرَ: فَهُوَ أَوْلَى فَإِنَّ الإِجْمَاعَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ النَّسْخَ وَالتَّخْصِيصَ، لَكِنْ قَدْ تَضْعُفُ7 دَلالَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّلالَةِ الْقَطْعِيَّةِ، فَقَدْ يَنْجَبِرُ

_ 1 المحصول 2/2/617-618 بتصرف. وانظر: المحصول 2/2/193، مختصر البعلي ص 171، مختصر الطوفي ص 189، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/375، تيسير التحرير 4/87، إرشاد الفحول ص 282، البرهان 2/1285. 2 في ش: إذ استوى، وفي ض: إذا اجتمع. 3 ساقطة من ش. 4 ساقطة من ب. 5 ساقطة من ز. 6 ساقطة من ش. 7 في ش: ذلك يضعف.

النَّقْصُ1 بِالزِّيَادَةِ، وَقَدْ لا يَنْجَبِرُ، فَيَقَعُ فِيهِ الاجْتِهَادُ. انْتَهَى. "وَ" يُرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الآخَرِ "بِقَطْعٍ عِلَّتِهِ" لأَنَّ الْمَقْطُوعَ بِعِلَّتِهِ رَاجِحٌ2 عَلَى مَا عِلَّتُهُ مَظْنُونَةٌ. "أَوْ" الْقَطْعُ "بِدَلِيلِهَا أَوْ ظَنٍّ3 غَالِبٍ فِيهِمَا" أَيْ: فِي الْعِلَّةِ، أَوْ فِي الدَّلِيلِ، فَشَمِلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ صُوَرٍ: الأُولَى: الْقَطْعُ بِالْعِلَّةِ يُرَجَّحُ عَلَى الظَّنِّ بِهَا4. الثَّانِيَةُ: الظَّنُّ الْغَالِبُ فِي الْعِلَّةِ يُرَجَّحُ عَلَى الظَّنِّ غَيْرِ الْغَالِبِ5. الثَّالِثَةُ: الْقَطْعُ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ6.

_ 1 في ش ب: النص 2 في ز: أرجح. 3 في ب ز: بظن. 4 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/373، نهاية السول 3/226، الإحكام للآمدي 4/280، المستصفى 2/400، شرح تنقيح الفصول ص 425، اللمع ص 67 فواتح الرحموت 2/324، تيسير التحرير 4/87، فتح الغفار 3/54، مختصر البعلي ص 172، مختصر الطوفي 190، إرشاد الفحول ص 282، المدخل إلى مذهب أحمد ص 200، الفقيه والمتفقه 1/215. 5 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/373،نهاية السول 3/227، المعتمد 2/845، تيسير التحرير 4/87. 6انظر: الإحكام للآمدي 4/271، ابن الحاجب والعضد عليه 2/317.

الرَّابِعَةُ: الظَّنُّ الْغَالِبُ فِي دَلِيلِ الْعِلَّةِ1. فَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ2 مَسْلَكُ عِلَّتِهِ قَطْعِيًّا عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي لا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَيُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ مَسْلَكُ عِلَّتِهِ مَظْنُونًا بِالظَّنِّ الأَغْلَبِ عَلَى مَا لا3 يَكُونُ كَذَلِكَ4. "وَ" يُرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ بِ "سَبْرٍ5، فَمُنَاسَبَةٌ6" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ عِلَّةُ7 وَصْفِهِ8 بِالسَّبْرِ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي اُسْتُنْبِطَتْ عِلَّةُ وَصْفِهِ9 بِالْمُنَاسَبَةِ لِتَضَمُّنِ السَّبْرِ انْتِفَاءَ الْمُعَارِضِ فِي الأَصْلِ، بِخِلافِ الْمُنَاسَبَةِ 10"فَشَبَهٌ" يَعْنِي أَنَّهُ

_ 1 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317. 2 في ش: قد يكون. 3 ساقطة من ز. 4 انظر: جمع الجوامع 2/373. 5 في ب ز: بسبره. 6 في ب: فبمناسبته. 7 في ع: علته. 8 ساقطة من ع. 9 ساقطة من ش. 10 ذكر الشوكاني قولاً آخر بترجيح العلة الثابتة بالمناسبة على العلة الثابتة بالسبر، ورجح هذا القول ثم ذكر قولاًُ بالتفصيل بأن يقدم السبر المقطوع به، ثم المناسبة، ثم السبر المظنون. انظر: إشاد الفحول ص 282، ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/375، الإحكام للآمدي 4/272، المحصول 2/2/610، تيسير التحرير 4/88.

يُرَجَّحُ قِيَاسٌ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ1 بِالْمُنَاسَبَةِ عَلَى قِيَاسٍ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ2 بِالشَّبَهِ، لِزِيَادَةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ3 بِغَلَبَةِ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ4. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَأَدْنَى5 الْمَعَانِي فِي الْمُنَاسَبَةِ يُرَجَّحُ عَلَى أَعْلَى الأَشْبَاهِ6. "فَدَوَرَانٌ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ قِيَاسٌ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ7 بِالشَّبَهِ، عَلَى قِيَاسٍ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ8 بِالدَّوَرَانِ. قَطَعَ بِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ9 وَغَيْرِهِ.

_ 1 في ض: علته. 2 في ض: علته. 3 ساقطة من ب. 4 انظر: المسودة ص 378، ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/375، المحصول 2/2/607، 611، فواتح الرحموت 2/325، تيسير التحرير 4/88، شرح تنقيح الفصول ص 427، مختصر البعلي ص 172، مختصر الطوفي ص 190، إرشاد الفحول ص 282، المدخل إلى مذهب أحمد ص 200-201. 5 في ش: وبأدنى، وفي البرهان: وأدنى مأخذ. 6 في ض ش: الاشتباه، والأعلى موافق لنص إمام الحرمين. "انظر: البرهان 2/1259، 1264". 7 في ض: علته. 8 في ض علته. 9 انظر جمع الجوامع 2/275، 288، نهاية السول 3/227. وقال الشوكاني: "تقدم العلة الثابتة عليتها بالدوران على الثابتة عليها بالسبره وما بعده، وقيل بالعكس". "إرشاد الفحول ص 282".

وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: مَا ثَبَتَ1 بِالطَّرْدِ، وَالْعَكْسِ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الأَشْبَاهِ، لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى الأَلْفَاظِ2. انتهى. وَقِيلَ: غَيْرُ مَا فِي الْمَتْنِ3. "وَ4" يُرَجَّحُ قِيَاسٌ5 "بِقَطْعٍ" فِيهِ "بِنَفْيِ الْفَارِقِ" بَيْنَ الأَصْلِ وَالْفَرْعِ عَلَى قِيَاسٍ يَكُونُ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ مَظْنُونًا "أَوْ ظَنٍّ غَالِبٍ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ قِيَاسُ نَفْيِ الْفَارِقِ فِيهِ بَيْنَ الأَصْلِ، وَالْفَرْعِ مَظْنُونٌ بِالظَّنِّ الأَغْلَبِ عَلَى قِيَاسٍ يَكُونُ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ6 بِالظَّنِّ غَيْرِ الأَغْلَبِ7. "وَوَصْفٍ حَقِيقِيٍّ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ قِيَاسٌ ذُو وَصْفٍ حَقِيقِيٍّ عَلَى ذِي وَصْفٍ غَيْرِ حَقِيقِيٍّ8. قَالَ الْعَضُدُ: يُقَدَّمُ مَا الْعِلَّةُ فِيهِ وَصْفٌ حَقِيقِيٌّ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا

_ 1 في ض ع: ثبتت. 2 انظر: البرهان 2/1261، 840. 3 انظر: جمع الجوامع 2/375، شرح تنقيح الفصول ص 427. 4 في ض: فدوران و. 5 في ش: قياس نفي الفارق فيه بين الأصل قياس. 6 في ش: فيه الفارق. 7 ساقطة من ش، وانظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317. 8 انظر: الروضة ص 392، ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/374، 376، نهاية السول 3/221 المحصول 2/2/495، شرح تنقيح الفصول ص 426، إرشاد الفحول ص 281.

الْعِلَّةُ فِيهِ وَصْفٌ اعْتِبَارِيٌّ، أَوْ حِكْمَةٌ مُجَرَّدَةٌ1. انْتَهَى. "وَ" وَصْفٍ "ثُبُوتِيٍّ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ قِيَاسٌ الْعِلَّةُ فِيهِ وَصْفٌ ثُبُوتِيٌّ عَلَى قِيَاسٍ الْعِلَّةُ فِيهِ وَصْفٌ عَدَمِيٌّ2. "وَبَاعِثٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ قِيَاسٌ الْعِلَّةُ فِيهِ وَصْفٌ بَاعِثٌ عَلَى قِيَاسٍ الْعِلَّةُ فِيهِ مُجَرَّدُ أَمَارَةٍ3، لِظُهُورِ مُنَاسَبَةِ الْبَاعِثِ4. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُرَجَّحُ بِالْقَطْعِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ، أَوْ ظَنٍّ غَالِبٍ، وَالْوَصْفُ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الثُّبُوتِيُّ أَوْ الْبَاعِثُ عَلَى غَيْرِهَا5، لِلاتِّفَاقِ6 عَلَيْهَا؛ وَلأَنَّ الْحِسِّيَّةَ كَالْعَقْلِيَّةِ وَهِيَ مُوجَبَةٌ، وَلا تَفْتَقِرُ فِي ثُبُوتِهَا إلَى غَيْرِهَا. انْتَهَى. "وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "ظَاهِرَةٌ" عَلَى الْعِلَّةِ الْخَفِيَّةِ7.

_ 1 العضد على ابن الحاجب 2/317. وانظر: الإحكام للآمدي 4/273. 2 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع، نهاية السول 3/221، الإحكام للآمدي 4/273، المحصول 2/2/595، فواتح الرحموت 2/325، شرح تنقيح الفصول ص 426، تيسير التحرير 4/88، إرشاد الفحول ص 281. 3 في ع: أما. 4 أنظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع 2/376، الإحكام للآمدي 4/273. 5 في ز: غيرهما. في ض ب: الباعثة. 6 في ع: لاتفاق. 7 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، الإحكام للآمدي 4/273.

"وَ" عِلَّةٌ "مُنْضَبِطَةٌ" عَلَى الْعِلَّةِ الْمُضْطَرِبَةِ؛ لأَجْلِ الْخِلافِ فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْمُنْضَبِطَةِ1. "وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "مُطَّرِدَةٌ" عَلَى الْعِلَّةِ الْمَنْقُوضَةِ؛ 2لأَنَّ شَرْطَ الْعِلَّةِ اطِّرَادُهَا3؛ وَلأَنَّ الْمُطَّرِدَةَ أَغْلَبُ4 عَلَى الظَّنِّ؛ وَلِضَعْفِ الْمَنْقُوضَةِ بِالْخِلافِ فِيهَا5. "وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "مُنْعَكِسَةٌ" عَلَى الْعِلَّةِ6 غَيْرِ الْمُنْعَكِسَةِ؛ لأَنَّ الانْعِكَاسَ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْغَلَبَةَ7، لَكِنَّهُ8 يُقَوِّيهَا9.

_ 1 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، الإحكام للآمدي 4/273. 2 ساقطة من ش. 3 في ع: اضطرادها. 4 في ض: ما غلب. 5 وهذا على القول بصحة غير المطردة، وهي المنتقضة بصورة فأكثر، فإن قيل بعدم صحتها فلا تعارض أصلاً. أنظر: المسودة ص 378، جمع الجوامع 2/376، نهاية السول 3/231، الإحكام للآمدي 4/274، فتح الغفار 3/55، ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، مختصر البعلي ص 172، مختصر الطوفي ص 190، المدخل إلى مذهب أحمد ص 201، نزهة الخاطر 2/468. 6 ساقطة من ض. 7 في ض ع ز: العلة. 8 في ض: لكن. 9 انظر: المسودة ص 378، 384، الروضة ص 392، المنخول ص 445، الإحكام للآمدي 4/274، المستصفى 2/402، البرهان 2/1260، مختصر البعلي ص 172، مختصر الطوفي ص 190، أصول السرخسي 2/261، المدخل إلى مذهب أحمد ص 201.

"وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "مُتَعَدِّيَةٌ" عَلَى الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ عَلَى الأَصَحِّ. لِكَثْرَةِ فَوَائِدِ الْمُتَعَدِّيَةِ1. كَالتَّعْلِيلِ فِي2 الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْوَزْنِ، فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى3 كُلِّ مَوْزُونٍ، كَالْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَالصُّفْرِ وَنَحْوِهَا، بِخِلافِ التَّعْلِيلِ بِالثَّمَنِيَّةِ أَوْ النَّقْدِيَّةِ، فَإِنَّهُ لا يَتَعَدَّاهُمَا، فَكَانَ التَّعْلِيلُ بِالْوَزْنِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ مُتَعَدٍّ لِمَحَلِّ النَّقْدَيْنِ إلَى غَيْرِهِمَا أَكْثَرَ فَائِدَةً مِنْ " الثَّمَنِيَّةِ " الْقَاصِرَةِ عَلَيْهِمَا. "وَ" عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ هَذَا: فَتَكُونُ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ4 "أَكْثَرُ

_ 1 في ز: التعدية. اختلف علماء الأصول في تقديم العلة المتعدية على القاصرة على ثلاثة أقوال، الأول: تقديم المتعدية، وهو قول القاضي أبي يعلى وأبي الخطاب وغيرهما، لأنها أفيد بالإلحاق بها، والثاني: تقديم القاصرة، عند القائلين بأنها علة صحيحة، كما هو مقرر في القياس، فتقدم القاصرة على المتعدية، لأنها أوفق للنص، والخطأ فيها قليل، وهو قول الأستاذ أبي إسحاق الاسفراييني وغيره من الشافعية ورجحه الغزالي في "المستصفى"، والثالث: التسوية بينهما، وهو اختيار الفخر إسماعيل والغزالي في "المنخول" وغيرهما، لتساويهما فيما ينفردان به. انظر: المسودة ص 378، الروضة ص 392، نزهة الخاطر 2/468، ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/377، المنخول ص 445، شفاء الغليل ص 537، المستصفى 2/403، 404، البرهان 2/1265 وما بعدها، اللمع ص 67، نهاية السول 3/231، المحصول 2/2/625، أصول السرخسي 2/265، شرح تنقيح الفصول ص 426، كشف الأسرار 4/102، إرشاد الفحول ص 281. 2 في ض: بـ. 3 في ز: على. 4 في ع: هي من ذلك.

تَعْدِيَةً وَأَعَمُّ" مُقَدَّمَةً "عَلَى غَيْرِهَا" مِمَّا هُوَ أَقَلُّ تَعْدِيَةً وَأَخَصُّ1. مِثَالُهُ: لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ أَكْثَرَ عِلَلَنَا فِي الرِّبَا "الْكَيْلُ" لأَنَّ2 عِلَّةَ الْكَيْلِ حِينَئِذٍ تَكُونُ أَكْثَرَ فُرُوعًا، وَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ الْمَطْعُومَاتِ أَكْثَرُ عِلَلِنَا فِيهِ بِالطُّعْمِ؛ لأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَكْثَرَ فُرُوعًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ3 الأَقَلُّ فُرُوعًا بِإِضَافَتِهِ إلَى الأَكْثَرِ فُرُوعًا كَالْقَاصِرَةِ بِالنِّسْبَةِ4 إلَى الْمُتَعَدِّيَةِ. "وَإِنْ تَقَابَلَتْ عِلَّتَانِ فِي أَصْلٍ فَقَلِيلَةُ أَوْصَافٍ أَوْلَى". قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: إذَا كَانَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ أَكْثَرَ أَوْصَافًا مِنْ الأُخْرَى، فَالْقَلِيلَةُ الأَوْصَافِ أَوْلَى5. انْتَهَى. وَإِنَّمَا كَانَتْ أَوْلَى: لأَنَّ الْوَصْفَ الزَّائِدَ، لا أَثَرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ، وَصَحَّ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِهِ؛ وَلأَنَّ الْكَثِيرَةَ الأَوْصَافِ يَقِلُّ فِيهَا إلْحَاقُ الْفَرْعِ6. فَكَانَ كَاجْتِمَاعِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْقَاصِرَةِ 7.

_ 1 انظر: جمع الجوامع 2/375، الإحكام للآمدي 4/273، فواتح الرحموت 2/329، فتح الغفار 3/57، كشف الأسرار 4/102، شرح تنقيح الفصول ص 426. 2 في ش: لأنه. 3 ساقطة من ب. 4 في ع ب ض ش: بالاضافة. 5 المسودة ص 378، 379. 6 في ش ع ب ز: الفروع. 7 وقال الحنفية هما سواء. انظر: الروضة ص 392، جمع الجوامع 2/374، التبصرة ص 489، اللمع ص 67، المستصفى 2/402، كشف الأسرار 4/102، 103، أصول السرخسي 2/265، شرح تنقيح الفصول ص 426، إرشاد الفحول ص 281، الجدل لابن عقيل ص 24.

قَالَ الْمَجْدُ: وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْفَخْرُ1 إسْمَاعِيلُ: هُمَا سَوَاءٌ. هَذَا نَقْلُ2 الْحَلْوَانِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ3. انْتَهَى. وَإِنَّمَا قُلْت " فِي أَصْلٍ " لِمَا سَيَأْتِي مِنْ نَصِّهِ عَلَى مَا إذَا كَانَتَا4 مِنْ أَصْلَيْنِ فَأَكْثَرَ. "وَ" إنْ كَانَتْ الْعِلَّتَانِ "مِنْ أَصْلَيْنِ" فَأَكْثَرَ "فَكَثِيرَتُهَا5" أَيْ: كَثِيرَةُ6 الأَوْصَافِ "أَوْلَى إذَا كَانَتْ أَوْصَافُ كُلٍّ مِنْهُمَا" أَيْ: مِنْ7 الْعِلَّتَيْنِ "مَوْجُودَةً فِي الْفَرْعِ"8.

_ 1 ساقطة من ب ش ز والمسودة. 2 في ش: نقل هذا. 3 المسودة ص 378، 379. وهناك قول ثالث، وهو ترجيح العلة الأكثر أوصافاً، لأنها أكثر مشابهة للأصل، وأشار إليه المجد فيما بعد. انظر: التبصرة ص 489، اللمع ص 67، نهاية السول 3/222، المستصفى 2/200، البرهان 2/1286، المسودة 381. 4 في ش ض: كانت. 5 في ض: فكثرتها. 6 في ض: فكثرة. 7 ساقطة من ش. 8 انظر مختصر البعلي ص 172، المسودة ص 379، 381، مختصر الطوفي ص 190.

قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَإِنْ كَانَتَا1 مِنْ أَصْلَيْنِ فَأَكْثَرُهُمَا أَوْصَافًا أَوْلَى، إذَا كَانَتْ أَوْصَافُ كُلِّ وَاحِدَةٍ2 مِنْهُمَا مَوْجُودَةً فِي الْفَرْعِ لِقُوَّةِ شَبَهِهِ بِالأَكْثَرِ. قَالَ: وَفَارِقُ قِيَاسِ عِلَّةِ3 الشَّبَهِ4 فِي رِوَايَةٍ؛ لأَنَّ أَوْصَافَ الأَصْلِ هُنَاكَ5 لَمْ تُوجَدْ بِكَمَالِهَا فِي الْفَرْعِ. قَالَ6 ابْنُ بُرْهَانٍ: تُقَدَّمُ7 الْعِلَّةُ ذَاتُ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ عَلَى ذَاتِ الأَوْصَافِ. وَلَمْ يُفَصِّلْ، وَضَرَبَ لَهُ مِثَالاً بِالْعِلَّتَيْنِ مِنْ أَصْلَيْنِ8. انْتَهَى9. "وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "مُطَّرِدَةٌ فَقَطْ عَلَى" عِلَّةٍ "مُنْعَكِسَةٍ فَقَطْ"؛ لأَنَّ اعْتِبَارَ الاطِّرَادِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَضَعْفُ الثَّانِيَةِ بِعَدَمِ الاطِّرَادِ أَشَدُّ مِنْ ضَعْفِ10 الأُولَى بِعَدَمِ11 الانْعِكَاسِ12.

_ 1 في ش: كانت. 2 في ب ز: واحد. 3 في ع: علته، وفي ب ز: علية. 4 في ش: الشبهة. 5 في ض ع: الأوصاف للأصل. 6 في المسودة: وقال. 7 في ع: فقدم. 8 ساقطة من ض. 9 المسودة ص 381. 10 ساقطة من ض ع. 11 في ب: بعد. 12 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، فتح الغفار 3/55.

"وَ" تُقَدَّمُ "الْمَقَاصِدُ الضَّرُورِيَّةُ" الْخَمْسَةُ "عَلَى غَيْرِهَا" مِنْ الْمَقَاصِدِ1. "وَمُكَمِّلُهَا" أَيْ مُكَمِّلُ الْخَمْسَةِ الضَّرُورِيَّةِ "عَلَى الْحَاجِيَّةِ2". "وَهِيَ" أَيْ: وَتُقَدَّمُ الْمَصْلَحَةُ3 الْحَاجِيَّةُ "عَلَى التَّحْسِينِيَّةِ4. وَ" يُقَدَّمُ "حِفْظُ الدِّينِ عَلَى بَاقِي الضَّرُورِيَّةِ5". قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَإِذَا تَعَارَضَتْ بَعْضُ الْخَمْسِ الضَّرُورِيَّةِ: قُدِّمَتْ الدِّينِيَّةُ عَلَى الأَرْبَعِ الأُخَرِ، لأَنَّهَا الْمَقْصُودُ الأَعْظَمُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى6: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ

_ 1 ساقطة من ب. وانظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، نهاية السول 3/227، الإحكام للآمدي 4/274، فواتح الرحموت 2/326، تيسير التحرير 4/89، المحصول 2/2/626. 2 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، نهاية السول 3/227، الإحكام للآمدي 4/275، فواتح الرحموت 2/326. 3 في ش: تقدم والمصلحة. 4 انظر: الإحكام للآمدي 4/274، المحصول 2/2/612، فواتح الرحموت 2/326. 5 في ش: الضرورات، وفي د: الضروريات. وانظر: مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، التمهيد ص 158، نهاية السول 3/227، الإحكام للآمدي 4/275، فواتح الرحموت 2/326، تيسير التحرير 4/88، إرشاد الفحول ص 282. 6 في ز ض: تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} يوسف/53.

إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} 1 وَلأَنَّ ثَمَرَتَهُ نَيْلُ السَّعَادَةِ الأُخْرَوِيَّةِ؛ لأَنَّهَا أَكْمَلُ2 الثَّمَرَاتِ. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الأَرْبَعُ الأُخَرُ عَلَى الدِّينِيَّةِ؛ لأَنَّهَا حَقٌّ آدَمِيٌّ، وَهُوَ يَتَضَرَّرُ. وَالدِّينِيَّةُ حَقٌّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ لا يَتَضَرَّرُ بِهِ3، وَلِذَلِكَ قُدِّمَ قَتْلُ الْقِصَاصِ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ عِنْدَ الاجْتِمَاعِ، وَمَصْلَحَةُ النَّفْسِ فِي تَخْفِيفِ الصَّلاةِ عَنْ مَرِيضٍ، وَمُسَافِرٍ، وَأَدَاءِ صَوْمٍ4، وَإِنْجَاءِ غَرِيقٍ، وَحِفْظِ الْمَالِ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ، وَبَقَاءِ الذِّمِّيِّ مَعَ كُفْرِهِ5. وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا قُدِّمَ: لأَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ. وَلا يَفُوتُ حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْعُقُوبَةِ الْبَدَنِيَّةِ فِي الآخِرَةِ، وَفِي6 التَّخْفِيفِ عَنْهُمَا، تَقْدِيمٌ7 عَلَى فُرُوعِ الدِّينِ8 لا أُصُولِهِ، ثُمَّ هُوَ قَائِمٌ

_ 1 الآية 56 من الذاريات. 2 في ز: آكد. 3 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، التمهيد ص 158، نهاية السول 3/227، الإحكام للآمدي 4/275، فواتح الرحموت 2/326. 4 في ض: الصوم. 5 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/317، التمهيد 158، الإحكام للآمدي 4/275، فواتح الرحموت 2/326، تيسير التحرير 4/89. 6 في ب: في، وفي ش: وهو. 7 في ش: فقدم. 8 في ش: فروعه.

مَقَامَهُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَقْصُودُ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا. وَبَقَاءُ الذِّمِّيِّ مِنْ مَصْلَحَةِ الدِّينِ لاطِّلاعِهِ عَلَى مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ. فَيَسْهُلُ انْقِيَادُهُ. كَمَا فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَتَسْمِيَتِهِ فَتْحًا مُبِينًا1. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ قُلْت: وَنَظِيرُ الْقَتْلِ بِالْقَوَدِ أَوْ2 الرِّدَّةِ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَدَيْنٌ لآدَمِيٍّ، فَقِيلَ: تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ؛ لأَنَّهَا3 حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى اخْتَارَهُ4 الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ يُقَدَّمُ5 دَيْنُ الآدَمِيِّ. وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ بِالْحِصَصِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ حَجٌّ، وَدَيْنٌ، وَضَاقَ مَالُهُ عَنْهُمَا. أُخِذَ لِلدَّيْنِ بِحِصَّتِهِ وَحَجُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ6، وَعَلَيْهِ الأَصْحَابُ، وَعَنْهُ7 يُقَدَّمُ الدَّيْنُ لِتَأَكُّدِهِ، وَلَمْ يَحْكُوا هُنَا فِي الأُصُولِ: الْقَوْلَ8 بِالتَّسَاوِي، وَلَعَلَّهُمْ حَكَوْهُ وَلَمْ نَرَهُ. انْتَهَى.

_ 1 وذلك في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} الفتح:1. وانظر: الإحكام للآمدي 4/275 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/326، تيسير التحرير 4/90. 2 ساقطة من ش. 3 في ش ع ب: لأنه. 4 في ش: واختاره. 5 في ع: وتقدم. 6 ساقطة من ض. 7 في ش: وقد. 8 ساقطة من ب.

"وَ" يُقَدَّمُ مِنْ قِيَاسٍ "مَا مُوجِبُ1 نَقْضِ عِلَّتِهِ مَانِعٌ، أَوْ فَوَاتُ شَرْطٍ، أَوْ مُحَقَّقٌ2 عَلَى مَا3" أَيْ عَلَى قِيَاسِ "مُوجِبِهِ ضَعِيفٌ، أَوْ مُحْتَمَلٌ"4. أَمَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ الَّذِي مُوجِبُ نَقْضِ عِلَّتِهِ قَوِيٌّ5، كَالْمَانِعِ وَفَوَاتِ الشَّرْطِ، مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي مُوجِبُ نَقْضِ عِلَّتِهِ ضَعِيفٌ: فَلأَنَّ قُوَّةَ مُوجِبِ النَّقْضِ دَلِيلٌ عَلَى قُوَّةِ الْعِلَّةِ الْمَنْقُوضَةِ6. قَالَ الْعَضُدُ: إذَا انْتَقَضَ الْعِلَّتَانِ، وَ7كَانَ مُوجِبُ التَّخَلُّفِ فِي إحْدَاهُمَا8 فِي صُورَةِ النَّقْضِ قَوِيًّا9، وَفِي الآخَرِ10 ضَعِيفًا11: قُدِّمَ الأَوَّلُ12. انْتَهَى.

_ 1 في ب: يوجب. 2 في ز: متحقق. 3 ساقطة من ع. 4 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/318. 5 في ض د: قوياً. 6 في ش: الناقصة. 7 في ش: أو. 8 في ع ب ز: أحدهما. 9 في ش ع ب ز: قوي. 10 في ز: الأخرى. 11 في ش ع ب ز: ضعيف، وفي العضد: ضعيفاً أو محتملاً. 12 العضد على ابن الحاجب 2/318.

وَأَمَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ الَّذِي مُوجِبُ نَقْضِ عِلَّتِهِ مُحَقَّقًا1 مُقَدَّمًا2 عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي مُوجِبُ نَقْضِ عِلَّتِهِ مُحْتَمِلاً: فَلأَنَّ الْمُحَقَّقَ أَقْوَى مِنْ الْمُحْتَمَلِ3. "وَبِانْتِفَاءِ مُزَاحِمِهَا فِي4 أَصْلِهَا" يَعْنِي: أَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي قَدْ انْتَفَى مُزَاحِمُ عِلَّتِهِ فِي الأَصْلِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا لَمْ يَنْتِفْ مُزَاحِمُ عِلَّتِهِ فِي الأَصْلِ5؛ لأَنَّ انْتِفَاءَ6 مُزَاحِمِ الْعِلَّةِ7 يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالْعِلَّةِ8. قَالَ الْعَضُدُ: تُرَجَّحُ الْعِلَّةُ بِانْتِفَاءِ الْمُزَاحِمِ لَهَا فِي الأَصْلِ، بِأَنْ لا تَكُونَ مُعَارَضَةً، وَالأُخْرَى مُعَارَضَةً9. انْتَهَى. "وَبِرُجْحَانِهَا10 عَلَيْهِ" أَيْ: بِرُجْحَانِ11 الْعِلَّةِ عَلَى مُزَاحِمِهَا،

_ 1 في ز: محقق. 2 في ز: متقدماً. 3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/318. 4 ساقطة من ب. 5 في ش ز: أصلها. 6 ساقطة من ض. 7 في ع: علة الأصل. 8 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/318، نهاية السول 3/232، الإحكام للآمدي 4/277. 9 العضد على ابن الحاجب 2/318. 10 في ش: ويرجحانها. 11 في ش: يرجحان، وفي ع ز: رجحان.

يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي تَكُونُ عِلَّتُهُ رَاجِحَةً عَلَى مُزَاحِمِهَا فِي الأَصْلِ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي لا تَكُونُ عِلَّتُهُ رَاجِحَةً عَلَى مُزَاحِمِهَا؛ لِقُوَّتِهِ بِرُجْحَانِ عِلَّتِهِ1. "وَبِقُوَّةِ مُنَاسَبَةٍ" يَعْنِي: أَنَّ أَحَدَ الْقِيَاسَيْنِ يُرَجَّحُ عَلَى الآخَرِ بِقُوَّةِ مُنَاسَبَةِ عِلَّتِهِ؛ لأَنَّ قُوَّةَ الْمُنَاسَبَةِ تُفِيدُ قُوَّةَ ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَبِقُوَّةِ3 الْمُنَاسَبَةِ، بِأَنْ تَكُونَ4 أَفْضَى إلَى مَقْصُودِهَا، أَوْ لا تُنَاسِبُ5 نَقِيضَهُ6. "وَمُقْتَضِيَةٍ لِثُبُوتٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الآخَرِ لِكَوْنِ عِلَّتِهِ مُقْتَضِيَةً لِلثُّبُوتِ7 عِنْدَ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ وَالْمُوَفَّقِ وَجَمْعٍ8، لأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلثُّبُوتِ تُفِيدُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ9 يُعْلَمْ بِالْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ بِخِلافِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلنَّفْيِ، فَإِنَّهَا تُفِيدُ مَا عُلِمَ

_ 1 انظر: نهاية السول 3/232. 2 انظر: المسودة ص 378، المدخل إلى مذهب أحمد ص 200. 3 في د ع ض: وتقوية. 4 في ب: يكون. 5 في ض: يناسب، وفي ب: مناسبة. 6 في ش: نقيضاً. 7 في ب: المثبوت. 8 قال الغزالي: وهو غير صحيح، وتقدمت هذه المسألة ص 444. وانظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/318، الروضة ص 393، المستصفى 2/415، المنخول ص 449، الإحكام للآمدي 4/278. 9 في ش: لما لم.

بِالْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ، وَمَا فَائِدَتُهُ شَرْعِيَّةٌ رَاجِحٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَاسَهُ أَبُو الْخَطَّابِ عَلَى الْخَبَرَيْنِ. وَعِنْدَ الآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَجَمْعٍ: تُرَجَّحُ1 النَّافِيَةُ؛ لأَنَّ الْمُقْتَضِيَةَ لِلنَّفْيِ مُتَأَيِّدَةٌ بِالنَّفْيِ2. "وعَامَّةٌ لِلْمُكَلَّفِينَ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي تَكُونُ3 عِلَّتُهُ عَامَّةً فِي الْمُكَلَّفِينَ -أَيْ: مُتَضَمِّنَةً لِمَصْلَحَةِ عُمُومِ الْمُكَلَّفِينَ- عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي تَكُونُ عِلَّتُهُ خَاصَّةً4 لِبَعْضِ5 الْمُكَلَّفِينَ، لأَنَّ مَا تَكُونُ6 فَائِدَتُهُ أَكْثَرَ: أَوْلَى7. وَقَدَّمَ الْكَرْخِيُّ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ الْخَاصَّةَ لِتَصْرِيحِهَا بِالْحُكْمِ. وَكَذَا مَا أَصْلُهَا8 مِنْ جِنْسِ فَرْعِهَا، كَإِلْحَاقِ بَيْعِ الْغَائِبِ9 بِالسَّلَمِ بِلا صِفَةٍ، وَبِقَوْلِهِ: بِعْتُك عَبْدًا.

_ 1 في ز: يرجح. 2 انظر: الإحكام للآمدي 4/278، ابن الحاجب والعضد عليه 2/318، المنخول ص 449، المتصفى 2/405، نهاية السول 3/232، البرهان 2/1289. 3 في ض: يكون. 4 في ض ع ب: جامعة. 5 في ش: بعض. 6 في ض: يكون. 7 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/318. 8 في ش: أصله. 9 في ش: المكاتب.

"وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "مُوجِبَةٌ لِحُرِّيَّةٍ" عَلَى عِلَّةٍ مُقْتَضِيَةٍ لِرِقٍّ1. قَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ، وَقَالَ:2 قَالَهُ الْقَاضِي وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلرِّقِّ. وَاخْتَارَهُ3 أَبُو الْخَطَّابِ4 5وَاخْتَارَ أَيْضًا أَنَّهُمَا6 سَوَاءٌ. "وَ" تُقَدَّمُ عِلَّةٌ "حَاظِرَةٌ7" - أَيْ8: مُوجِبَةٌ لِلْحَظْرِ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْكَرْخِيِّ9 عَلَى عِلَّةٍ مُوجِبَةٍ لِلإِبَاحَةِ؛ لأَنَّ تَقْدِيمَ الْحَاظِرَةِ أَوْلَى، وَأَحْوَطُ10.

_ 1 انظر: المسودة ص 377، التبصرة 487، اللمع ص 68، المحصول 2/2/620، مختصر البعلي ص 172. وتقدمت هذه المسألة ص 444. 2 ساقطة من ز. 3 في ب: واختار. 4 في ش: أبو الخطاب وابن عقيل والكرخي. 5 ساقطة من ش، وفي ب: أنهما سواء. واختار ابن عقيل أنهما سواء. وانظر: المسودة ص 377، الروضة ص 391، التبصرة ص 487، اللمع ص 68، الجدل لابن عقيل ص 26. 6 في ع: أنها. 7 في ش: موجبة للحظر، وفي د: حاضرة. 8 في ش: يعني وتقدم علة. 9 ساقطة من ش. 10 انظر: المسودة ص 378، الروضة ص 391، التبصرة ص 484، اللمع ص 68، البرهان 2/1290، مختصر البعلي ص 172، الجدل لابن عقيل ص 26.

وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ احْتِمَالاً بِأَنَّهُمَا1 سَوَاءٌ2. "وَ" تُقَدَّمُ "عِلَّةٌ لَمْ يُخَصَّ3 أَصْلُهَا" وَهِيَ عَامَّةُ الأَصْلِ، بِأَنْ تُوجَدَ فِي جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ، كَالطُّعْمِ عَلَى الْكَيْلِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ التَّفَاضُلَ فِي الْقَلِيلِ4؛ لأَنَّهَا أَكْثَرُ فَائِدَةً مِمَّا لا يَعُمُّ؛ كَالطُّعْمِ فِيمَنْ يُعَلِّلُ بِهِ فِي بَابِ الرِّبَا، فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْبُرِّ مَثَلاً: قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، بِخِلافِ " الْقُوتِ " الْعِلَّةُ5 عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلا يُوجَدُ6 فِي قَلِيلِهِ، فَجَوَّزُوا بَيْعَ الْحَفْنَةِ مِنْهُ7 بِالْحَفْنَتَيْنِ. "أَوْ لَمْ يَسْبِقْهَا حُكْمُهَا" يَعْنِي: أَنَّهُ تُقَدَّمُ8 عِلَّةٌ وُجِدَ حُكْمُهَا مَعَهَا عَلَى عِلَّةٍ9 حُكْمُهَا مَوْجُودٌ قَبْلَهَا؛ لأَنَّ الْمَوْجُودَ حُكْمُهَا مَعَهَا

_ 1 في ع ب: أنهما. 2 وهو قول بعض الشافعية بأن العلة الحاظرة والعلة المبيحة سواء، وتقدم ترجيح الحظر على الإباحة والأقوال فيها ص 442. وانظر: المسودة ص 378، الروضة ص 392، التبصرة ص 484، اللمع ص 67. 3 في ض: يخصص. 4 ساقطة من ض د. 5 في ز: للعلة. 6 في ش: توجد. 7 ساقطة من ض ز. 8 في ب: يقدم. 9 في ض ب ز: من، وفي ع: ما.

يَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرِهَا فِي الْحُكْمِ. كَتَعْلِيلِ1 أَصْحَابِنَا فِي الْبَائِنِ: أَنَّهَا لا نَفَقَةَ لَهَا وَلا سُكْنَى: بِأَنَّهَا2 أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ، فَأَشْبَهَتْ الْمُنْقَضِيَةَ3 الْعِدَّةِ. وَتَعْلِيلُ الْخَصْمِ: بِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلاقٍ4، أَشْبَهَتْ الرَّجْعِيَّةَ، فَعِلَّتُنَا أَوْلَى؛ لأَنَّ الْحُكْمَ - وَهُوَ سُقُوطُ النَّفَقَةِ - وُجِدَ بِوُجُودِهَا، وَقَبْلَ أَنْ تَصِيرَ أَجْنَبِيَّةً كَانَتْ النَّفَقَةُ وَاجِبَةً، وَعِلَّتُهُمْ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ؛ لأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى تَجِبُ5 لِلزَّوْجَةِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ مُعْتَدَّةً مِنْ6 طَلاقٍ فَوَجَبَ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى. "أَوْ وُصِفَتْ بِمَوْجُودٍ فِي الْحَالِ" يَعْنِي: أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَوْصُوفَةَ فِي الْحَالِ، أَيْ7 بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ تُقَدَّمُ عَلَى الْعِلَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِمَا يَجُوزُ8 وُجُودُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ9؛ كَتَعْلِيلِ10 أَصْحَابِنَا فِي رَهْنِ الْمُشَاعِ11: أَنَّهُ عَيْنٌ يَصِحُّ بَيْعُهَا، فَصَحَّ رَهْنُهَا كَالْمُفْرَدِ، وَتَعْلِيلُ

_ 1 في ب: لتعليل. 2 في ض ب ع ز: لأنها. 3 في ض: المقتضية. 4 في ز: طلاقٍ بائن. 5 في ش: يجب. 6 في ض ع ب ز: عن. 7 ساقطة من ش ز. 8 ساقطة من ش. 9 انظر: المسودة ص 382. 10 في ش: لتعليل. 11 في ش: المتاع.

الْخَصْمِ بِأَنَّهُ قَارَنَ الْعَقْدَ: مَعْنًى يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ رَفْعِ يَدِهِ فِي الثَّانِي. فَعِلَّتُنَا مُحَقَّقَةُ الْوُجُودِ، وَمَا ذَكَرُوهُ1 يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ، وَيَجُوزُ أَنْ لا يُوجَدَ فَكَانَتْ عِلَّتُنَا أَوْلَى2. "أَوْ عَمَّتْ مَعْلُولَهَا" يَعْنِي: أَنَّهُ تُقَدَّمُ الْعِلَّةُ الَّتِي تَسْتَوْعِبُ مَعْلُولَهَا عَلَى مَا لَمْ تَسْتَوْعِبْهُ3، كَقِيَاسِنَا فِي جَرَيَانِ الْقِيَاسِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الأَطْرَافِ بِأَنَّ مَنْ أَجْرَى الْقِيَاسَ بَيْنَهُمَا4 فِي النَّفْسِ5 أَجْرَاهُ بَيْنَهُمَا فِي الأَطْرَافِ كَالْحُرَّيْنِ. فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمْ بِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي بَدَلِ النَّفْسِ، فَلا يَجْرِي الْقِيَاسُ بَيْنَهُمَا فِي الأَطْرَافِ. كَالْمُسْلِمِ مَعَ الْمُسْتَأْمَنِ؛ لأَنَّهُ لا تَأْثِيرَ لِقَوْلِهِمْ. فَإِنَّ الْعَبْدَيْنِ وَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْقِيمَةِ لا يَجْرِي الْقِيَاسُ بَيْنَهُمَا فِي الأَطْرَافِ عِنْدَهُمْ. "وَمُفَسَّرَةٌ" يَعْنِي: أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُفَسَّرَةَ -بِفَتْحِ السِّينِ- وَمَا قَبْلَهَا مِمَّا ذُكِرَ يُقَدَّمْنَ "عَلَى ضِدِّهِنَّ". فَإِذَا وُجِدَتْ عِلَّةٌ مُفَسَّرَةٌ، وَعِلَّةٌ مُجْمَلَةٌ قُدِّمَتْ الْمُفَسَّرَةُ6. قَالَ7 فِي التَّمْهِيدِ: وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ8 إحْدَاهُمَا مُفَسَّرَةً،

_ 1 في ش: ذكره. 2 انظر: المسودة ص 382. 3 انظر: المسودة ص 379، 380. 4 في ض: عنهما، وفي ع: فيهما. 5 في ب: النفس أو. 6 انظر: المسودة ص 382. 7 في ب: وقال. 8 في ع: يكون، وفي ز: لا تكون.

وَالأُخْرَى مُجْمَلَةً، كَقِيَاسِنَا فِي الأَكْلِ فِي رَمَضَانَ، أَنَّهُ لا كَفَّارَةَ فِيهِ؛ لأَنَّهُ إفْطَارٌ1 بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ 2، فَأَشْبَهَ مَا3 لَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً: أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمْ أَفْطَرَ بِمُسَوَّغِ جِنْسِهِ؛ لأَنَّ الْمُفَسَّرَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُقَدَّمٌ4 عَلَى الْمُجْمَلِ. وَكَذَا فِي الْمُسْتَنْبَطِ. انْتَهَى. وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى تَرْجِيحِ الأَصْلِ5 فِي الدَّلِيلَيْنِ الْمَعْقُولَيْنِ شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى تَرْجِيحِ الْفَرْعِ6. فَقَالَ: "الْفَرْعُ" يَعْنِي: أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ التَّرْجِيحُ وَيُرَجَّحُ7 بِمَا يَقْوَى بِهِ الظَّنُّ. "وَيَقْوَى ظَنٌّ بِمُشَارَكَةِ" الْفَرْعِ الأَصْلَ "فِي أَخَصَّ" وَيُرَجَّحُ عَلَى مَا هُوَ مُشَارِكٌ فِي أَعَمَّ8 مِنْ ذَلِكَ الأَخَصِّ. "وَ" يُرَجَّحُ أَيْضًا الْفَرْعُ بِ9 "بُعْدِهِ عَنْ الْخِلافِ". إذَا عَلِمْت10 ذَلِكَ "فَيُقَدَّمُ" فَرْعٌ "مُشَارِكٌ" لِلأَصْلِ "فِي عَيْنِ

_ 1 في ض: أفطر. 2 في ع: المباشرة. 3 ساقطة من ض ب ع ز. 4 في ش: يقدم. 5 ساقطة من ع د ض. 6 في ش: بالفرع. 7 في ش: فيرجح. 8 ساقطة من ش. 9 في ب ز: به. 10 في ض ع: علمنا.

الْحُكْمِ وَ" عَيْنِ "الْعِلَّةِ" عَلَى فَرْعٍ مُشَارِكٍ لأَصْلِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، وَجِنْسِ الْعِلَّةِ، وَعَلَى مُشَارِكٍ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، وَعَيْنِ الْعِلَّةِ، وَعَلَى مُشَارِكٍ فِي عَيْنِ1 الْحُكْمِ، وَجِنْسِ الْعِلَّةِ2. وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لأَنَّ التَّعَدِّيَةَ بِاعْتِبَارِ الاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى الأَخَصِّ تَكُونُ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْ الاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى الأَعَمِّ. "فَفِي عَيْنِهَا وَجِنْسِهِ" يَعْنِي ثُمَّ يَلِي مَا تَقَدَّمَ، الْفَرْعُ الْمُشَارِكُ لِلأَصْلِ فِي عَيْنِ الْعِلَّةِ وَجِنْسِ الْحُكْمِ3؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ أَصْلُ الْحُكْمِ الْمُتَعَدِّي، بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي خُصُوصِ الْعِلَّةِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي خُصُوصِ الْحُكْمِ. "فَفِي عَيْنِهِ وَجِنْسِهَا" يَعْنِي: ثُمَّ يَلِي مَا تَقَدَّمَ: الْفَرْعُ الْمُشَارِكُ لِلأَصْلِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ، وَجِنْسِ الْعِلَّةِ؛ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ4 عَلَى الْفَرْعِ الْمُشَارِكِ فِي جِنْسِ الْعِلَّةِ، وَجِنْسِ الْحُكْمِ5؛ لأَنَّ الْمُشَارِكَ فِي عَيْنِ

_ 1 في ش: جنس. 2 انظر العضد على ابن الحاجب 2/318، الإحكام للآمدي 4/279، المحصول 2/2/613، فواتح الرحموت 2/325، تيسير التحرير 4/87، فتح الغفار 3/54، التلويح على التوضيح 3/17، إرشاد الفحول ص 283، الوسيط ص 641. 3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/318، الإحكام للآمدي 4/279، تيسير التحرير 4/87، إرشاد الفحول ص 283. 4 في ب: مقدم. 5 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/318، الإحكام للآمدي 4/279، فواتح الرحموت 2/325، تيسير التحرير 4/87، إرشاد الفحول ص 283.

أَحَدِهِمَا أَوْلَى؛ لأَنَّهُ أَخَصُّ1. "فَفِي جِنْسِهِمَا". يَعْنِي2 ثُمَّ يَلِي مَا تَقَدَّمَ: الْفَرْعُ الْمُشَارِكُ لِلأَصْلِ فِي جِنْسِ الْعِلَّةِ وَجِنْسِ الْحُكْمِ. "وَبِقَطْعِ عِلَّةٍ فِي3 فَرْعٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ4 الْقِيَاسُ الَّذِي الْعِلَّةُ فِي فَرْعِهِ مَقْطُوعٌ بِهَا، عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي الْعِلَّةُ فِي فَرْعِهِ5 مَظْنُونَةٌ6. "وَبِتَأَخُّرِهِ"7 أَيْ: تَأَخُّرِ الْفَرْعِ، يَعْنِي أَنَّ الْفَرْعَ يُرَجَّحُ بِتَأَخُّرِهِ عَنْ الأَصْلِ فِي الرُّتْبَةِ، عَلَى فَرْعٍ يُسَاوِي8 الأَصْلَ فِي الرُّتْبَةِ9؛ لأَنَّ الْفَرْعَ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ زَمَنِ الأَصْلِ لا تَمْتَنِعُ مُسَاوَاتُهُ لَهُ فِي الرُّتْبَةِ، وَالْوَاجِبُ بِفَرْعِيَّةِ الْفَرْعِ إنَّمَا هُوَ التَّأَخُّرُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ الرُّتْبَةِ،

_ 1 في ش: أخص في جنس العلة. 2 ساقطة من ش. 3 في ش: في علة. 4 ساقطة من ب. 5 ساقطة من ش ض. 6 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/381، الإحكام للآمدي 4/280، إرشاد الفحول ص 283. 7 ساقطة من ش، وفي هامشها: "بياض بالأصل هكذا قدر خمس كلمات"، وفي ب: أي تأخر الفرع، وسقط الباقي. 8 في ض: ليساوي. 9 انظر: الإحكام للآمدي 4/279.

لا مُطْلَقًا، بَلْ بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي أُرِيدَ تَعْدِيَتُهُ إلَيْهِ. "وَبِثُبُوتِهِ بِنَصٍّ" يَعْنِي أَنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي ثَبَتَ1 حُكْمُ الْفَرْعِ2 فِيهِ بِالنَّصِّ يُرَجَّحُ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ الْفَرْعِ فِيهِ بِالنَّصِّ3. وَقَوْلُنَا "جُمْلَةً" لأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ بِالنَّصِّ4 عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ: لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ، وَحِينَئِذٍ5 لَمْ يَكُنْ فَرْعًا، لأَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ6 عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ لا يُقَاسُ حِينَئِذٍ7 عَلَى شَيْءٍ8. وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى مَا يَتَرَجَّحُ بِهِ الْفَرْعُ شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى التَّرْجِيحِ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالأَمْرُ الْخَارِجُ فَقَالَ: "الْمَدْلُولُ وَأَمْرٌ خَارِجٌ9" يَعْنِي أَنَّهُ10 يَكُونُ التَّرْجِيحُ فِيهِمَا

_ 1 ساقطة من ش. 2 في ع: السماع. 3 انظر: الإحكام للآمدي 4/280. 4 في ش: بالأصل. 5 ساقطة من ش ب. 6 في ع: بالنص حينئذ. 7 ساقطة من ش. 8 انظر: ابن الحاجب والعضد عليه 2/318. 9 في ش: خارجي. 10 في ش: أن.

"كَمَا مَرَّ فِي" الدَّلِيلَيْنِ "الْمَنْقُولَيْنِ" عَلَى حُكْمِ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِيهِمَا1. "وَتُرَجَّحُ عِلَّةٌ وَافَقَهَا خَبَرٌ ضَعِيفٌ، أَوْ" وَافَقَهَا "قَوْلُ صَحَابِيٍّ2، أَوْ" وَافَقَهَا "مُرْسَلُ3 غَيْرِهِ" أَيْ: غَيْرِ صَحَابِيٍّ4. نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ الضَّعِيفِ، كَابْنِ لَهِيعَةَ، وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ5 أَبِي مَرْيَمَ، فَيُقَالُ6 لَهُ فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُ7: أَعْرِفُهُ أَعْتَبِرُ بِهِ، كَأَنِّي أَسْتَدِلُّ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ، وَيَقُولُ8: يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا9.

_ 1 ذكر العضد أن ترجيح القياس بحسب الخارج لم يتعرض له ابن الحاجب، لأنه يعلم مما ذكر، كما لم يتعرض ابن الحاجب للصنف الثاني من الدليلين المعقولين، وهو "الاستدلالان" للسبب السابق. انظر: العضد على ابن الحاجب 2/318-319، الإحكام للآمدي 4/280. 2 انظر: نهاية السول 3/231، المنخول ص 450، اللمع ص 68، المستصفى 2/400، الوسيط ص 646، الفقيه والمتفقه 2/216. 3 ساقطة من ب. 4 انظر: المستصفى 2/400، الفقيه والمتفقه 2/216. 5 في ض: وابن. 6 في ش: فقيل. 7 في ش: فقال. 8 في ز: فيقول. 9 سبق للمؤلف نقل هذا القول عن الإمام أحمد مع توجيهه، والاستدلال به على العمل بالحديث الضعيف في الفضل "2/571 وما بعدها".

قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: قَوْلُ1 أَحْمَدَ " أَسْتَدِلُّ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ " يَعْنِي يَصِيرُ حُجَّةً بِالانْضِمَامِ لا مُفْرَدًا، وَكَذَا حُكْمُ الْمُرْسَلِ، وَكَذَا حُكْمُ قَوْلِ2 الصَّحَابِيِّ، كَالْخَبَرِ الضَّعِيفِ يَقْوَى بِهِ، وَيُرَجَّحُ بِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ أَيْضًا: الصَّحِيحُ أَنَّ الْعِلَّةَ تُرَجَّحُ إذَا وَافَقَهَا قَوْلُ صَحَابِيٍّ، وَإِنْ لَمْ تَجْعَلْهُ3 حُجَّةً. وَالصَّحِيحُ أَيْضًا: أَنَّ الْمُرْسَلَ يُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ فَكَذَلِكَ فِي الْعِلَّةِ. وَعِنْدَ الْقَاضِي فِي الْعُدَّةِ: لا يُرَجَّحُ بِمَا لا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ، فَلا يُرَجَّحُ بِمُرْسَلٍ4، وَلا بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ، إذَا لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ حُكْمٌ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَقَالَ أَيْضًا: وَأَطْلَقَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ التَّرْجِيحَ بِهِ.

_ 1 في ع ز: وقول. 2 في ض ب ع ز: وقول. 3 في ش ض ز: يجعله. 4 ذكر القاضي أبو يعلى في كتابه "العدة 3/1050" الترجيح بالمرسل فقال: "الرابع: أن يكون مع أحدهما حديث مرسل، لأنّ مجيئه من طريق مسند ومرسل أقوى له".

وَحَيْثُ انْتَهَى الْكَلامُ عَلَى الدَّلِيلَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ وَالْمَعْقُولَيْنِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ التَّرْجِيحِ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ مَنْقُولاً وَالآخَرُ مَعْقُولاً، فَقَالَ "الْمَنْقُولُ وَالْقِيَاسُ". فَإِذَا وُجِدَ تَعَارُضٌ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْقِيَاسِ1 - وَالْمُرَادُ بِالْمَنْقُولِ: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ. فَإِنَّهُ "يُرَجَّحُ" مَنْقُولٌ "خَاصٌّ دَلَّ" عَلَى الْمَطْلُوبِ "بِنُطْقِهِ" لأَنَّ الْمَنْقُولَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِيَاسِ؛ وَلأَنَّ مُقَدَّمَاتِهِ أَقَلُّ مِنْ مُقَدَّمَاتِ الْقِيَاسِ. فَيَكُونُ أَقَلَّ خَلَلاً2. "وَإِلاَّ" أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِنُطْقِهِ، مَعَ كَوْنِ الْمَنْقُولِ خَاصًّا، فَلَهُ دَرَجَاتٌ، لأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ مِنْ الْمَنْقُولِ الَّذِي دَلَّ عَلَى3 الْمَطْلُوبِ لا بِمَنْطُوقِهِ: قَدْ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ مِنْ الْقِيَاسِ، وَقَدْ يَكُونُ مُسَاوِيًا لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْهُ، وَإِلَى ذَلِكَ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ "فَمِنْهُ ضَعِيفٌ، وَقَوِيٌّ، وَمُتَوَسِّطٌ، فَ4" يَكُونُ "التَّرْجِيحُ فِيهِ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ لِلنَّاظِرِ" فَيُعْتَبَرُ الظَّنُّ الْحَاصِلُ مِنْ الْمَنْقُولِ، وَالظَّنُّ الْحَاصِلُ مِنْ الْقِيَاسِ، وَيُؤْخَذُ بِأَقْوَى الظَّنَّيْنِ5.

_ 1 في ض: بالقياس. 2 انظر: الإحكام للآمدي 4/280. 3 في ش: عليه. 4 في ش: و. 5 انظر: الإحكام للآمدي 4/280.

خاتمة

"خَاتِمَةٌ" يَقَعُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ حُدُودٍ سَمْعِيَّةٍ ظَنِّيَّةٍ1 مُفِيدَةٍ لِمَعَانٍ مُفْرَدَةٍ 2تَصَوُّرِيَّةٍ3. وَهِيَ حُدُودُ الأَحْكَامِ الظَّنِّيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِمَعَانٍ مُفْرَدَةٍ تَصَوُّرِيَّةٍ4، وَذَلِكَ: لأَنَّ الأَمَارَاتِ الْمُفْضِيَةَ إلَى التَّصْدِيقَاتِ كَمَا يَقَعُ التَّعَارُضُ فِيهَا، وَيُرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، كَذَلِكَ5 الْحُدُودُ6 السَّمْعِيَّةُ7 يَقَعُ8 التَّعَارُضُ9 فِيهَا. وَيُرَجَّحُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ.

_ 1 في ش: ظنية سمعية. 2 ساقطة من ب. 3 في ض: تصويرية. 4 في ض: تصويرية. 5 ساقطة من ش. 6 في ش: فالحدود. 7 في ب: والسمعية. 8 في ش: تقع. 9 في ش: الحدود.

وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " السَّمْعِيَّةَ " الْعَقْلِيَّةُ، الَّتِي هِيَ1 تَعْرِيفُ الْمَاهِيَّاتِ، فَإِنَّهَا2 لَيْسَتْ مَقْصُودَةً هُنَا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا. فَإِنَّهُ "يُرَجَّحُ مِنْ حُدُودٍ سَمْعِيَّةٍ: ظَنِّيَّةٍ مُفِيدٍ لِمَعَانٍ مُفْرَدَةٍ تَصَوُّرِيَّةٍ3 صَرِيحٌ4" لأَنَّ التَّرْجِيحَ فِي الْحُدُودِ السَّمْعِيَّةِ تَارَةً يَكُونُ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ، وَتَارَةً يَكُونُ5 بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى. وَتَارَةً يَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ6 خَارِجٍ. فَمِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الأَلْفَاظِ: الصَّرَاحَةُ7، فَيُرَجَّحُ الْحَدُّ الَّذِي بِلَفْظٍ صَرِيحٍ عَلَى حَدٍّ فِيهِ تَجَوُّزٌ، أَوْ اسْتِعَارَةٌ، أَوْ اشْتِرَاكٌ، أَوْ غَرَابَةٌ، أَوْ اضْطِرَابٌ8. وَمَحَلُّ هَذَا: إنْ قُلْنَا: إنَّ التَّجَوُّزَ وَالاسْتِعَارَةَ وَالاشْتِرَاكَ تَكُونُ فِي الْحُدُودِ، وَالصَّحِيحُ: الْمَنْعُ.

_ 1 في ش: وهي. 2 في ش: وهي. 3 في ض: تصويرية. 4 في ع: صريحة. 5 في ب: تكون. 6 في ع: لأمر. 7 في د ز: الصراحة لغة. 8 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/379، الإحكام للآمدي 4/282، إرشاد الفحول ص 284.

قَالَ الْكُورَانِيُّ: إلاَّ إذَا اشْتَهَرَ الْمَجَازُ، حَيْثُ1 لا يَتَبَادَرُ غَيْرُهُ. "وَ" مِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى "أَعْرَفُ" يَعْنِي بِأَنْ يَكُونَ الْمُعَرَّفُ2 مِنْ أَحَدِهِمَا أَعْرَفَ مِنْ الآخَرِ3. "وَ" مِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى أَيْضًا "أَعَمُّ" يَعْنِي بِأَنْ4 يَكُونَ مَدْلُولُ أَحَدِهِمَا أَعَمَّ مِنْ مَدْلُولِ الآخَرِ، فَيُرَجَّحُ الأَعَمُّ لِيَتَنَاوَلَ الأَخَصَّ 5وَغَيْرَهُ فَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ6. وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الأَخَصُّ لِلاتِّفَاقِ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الأَخَصُّ؛ لِتَنَاوُلِ الْحَدَّيْنِ لَهُ وَالاخْتِلافُ فِيمَا زَادَ عَلَى مَدْلُولِ الأَخَصِّ. وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْلَى7.

_ 1 في ش: وحيث. 2 في ش: العرف. 3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/377، الإحكام للآمدي 4/282، إرشاد الفحول ص 284. في ز ع ب: المعرف الآخر. 4 ساقطة من ض. 5 ساقطة من ب. 6 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/379، الإحكام للآمدي 4/284، إرشاد الفحول ص 284. 7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، الإحكام للآمدي 4/282، إرشاد الفحول ص 284.

"وَ" مِنْ التَّرْجِيحِ1 بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى أَيْضًا2 "ذَاتِيٌّ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ التَّعْرِيفُ بِكَوْنِهِ ذَاتِيًّا عَلَى كَوْنِهِ عَرَضِيًّا؛ لأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالذَّاتِيِّ يُفِيدُ كُنْهَ الْحَقِيقَةِ، بِخِلافِ الْعَرَضِيِّ3. "مِنْ ذَا" أَيْ: يُقَدَّمُ4 مِنْ هَذَا5 التَّعْرِيفِ الذَّاتِيِّ مَا هُوَ "حَقِيقِيٌّ تَامٌّ، فَ" مَا هُوَ حَقِيقِيٌّ "نَاقِصٌ" فَمَا هُوَ6 "رَسْمِيٌّ كَذَلِكَ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُقَدَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّعْرِيفُ الرَّسْمِيُّ التَّامُّ. فَالتَّعْرِيفُ7 الرَّسْمِيُّ النَّاقِصُ "فَلَفْظِيٌّ" يَعْنِي: أَنَّهُ يَلِي الرَّسْمِيَّ النَّاقِصَ: التَّعْرِيفُ اللَّفْظِيُّ. "وَ" يَكُونُ التَّرْجِيحُ فِي الْحُدُودِ السَّمْعِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ أَيْضًا فَيُرَجَّحُ أَحَدُ الْحَدَّيْنِ8 "بِمُوَافَقَةِ" نَقْلٍ شَرْعِيٍّ9، أَوْ لُغَوِيٍّ10 "أَوْ" بِ "مُقَارَنَةِ نَقْلٍ سَمْعِيٍّ، أَوْ لُغَوِيٍّ" عَلَى مَا لا

_ 1 في ز: الترجيح أيضاً. 2 ساقطة من ز. 3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/379، الإحكام للآمدي 4/284، إرشاد الفحول ص 284. 4 في ض ب: ويقدم. 5 ساقطة من ب. 6 ساقطة من ش. 7 في ض: في التعريف. 8 في ش: الأمرين، وفي د: الخبرين. 9 في ش: الشارع. 10 في ش: نقل لغوي.

يَكُونُ كَذَلِكَ1 "أَوْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ" عَمَلِ "الْخُلَفَاءِ" الرَّاشِدِينَ - "أَوْ" عَمَلِ "عَالِمٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ بِمُوَافَقَةِ عَمَلِ2 أَهْلِ الْمَدِينَةِ. أَوْ بِمُوَافَقَةِ عَمَلِ3 الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ، 4أَوْ بِمُوَافَقَةِ5 الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ، أَوْ بِمُوَافَقَةِ عَمَلِ عَالِمٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا لا يَكُونُ كَذَلِكَ؛ لِحُصُولِ الْقُوَّةِ بِذَلِكَ6. "وَ" يُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ أَيْضًا "بِكَوْنِ طَرِيقِ تَحْصِيلِهِ أَسْهَلَ" مِنْ طَرِيقِ الآخَرِ "أَوْ أَظْهَرَ" مِنْ طَرِيقِ الآخَرِ7. يَعْنِي: أَنَّ أَحَدَ التَّعْرِيفَيْنِ يُرَجَّحُ عَلَى الآخَرِ بِرُجْحَانِ طَرِيقِ اكْتِسَابِهِ، بِأَنْ يَكُونَ طَرِيقُ اكْتِسَابِهِ أَيْ8 اكْتِسَابِ أَحَدِهِمَا قَطْعِيًّا، وَطَرِيقُ اكْتِسَابِ الآخَرِ ظَنِّيًّا، أَوْ اكْتِسَابِ أَحَدِهِمَا أَرْجَحَ مِنْ طَرِيقِ اكْتِسَابِ الآخَرِ، بِكَوْنِ طَرِيقِهِ أَسْهَلَ أَوْ9 أَظْهَرَ، فَيُقَدَّمُ الأَسْهَلُ

_ 1 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/379، الإحكام للآمدي 4/283، إرشاد الفحول ص 284. 2 ساقطة من ز. 3 ساقطة من ض ع ب. 4 ساقطة من ع ب ض ز. 5 ساقطة من د. 6 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، المنخول ص 431، الإحكام للآمدي 4/283، إرشاد الفحول ص 283. 7 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/379، الإحكام للآمدي 4/283. 8 ساقطة من ش ز. 9 في ش: و.

أَوْ الأَظْهَرُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ، وَأَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ. "وَ" يُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ أَيْضًا "بِتَقْرِيرِ حُكْمِ حَظْرٍ" عَلَى تَعْرِيفٍ مُقَرِّرٍ لِحُكْمِ إبَاحَةٍ1. "أَوْ نَفْيٍ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ تَعْرِيفٌ مُقَرِّرٌ لِنَفْيِ حُكْمٍ2 عَلَى تَعْرِيفٍ مُقَرِّرٍ لِلإِثْبَاتِ3. "أَوْ دَرْءِ حَدٍّ" يَعْنِي: أَنَّهُ يُرَجَّحُ تَعْرِيفٌ مُقَرِّرٌ لِدَرْءِ حَدٍّ، بِأَنْ يَلْزَمَ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ دَرْءُ الْحَدِّ، عَلَى مَا لا يَكُونُ كَذَلِكَ4. "أَوْ ثُبُوتِ5 عِتْقٍ، أَوْ" ثُبُوتِ6 "طَلاقٍ وَنَحْوِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ أَحَدُ التَّعْرِيفَيْنِ بِكَوْنِهِ يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ ثُبُوتُ عِتْقٍ أَوْ طَلاقٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ عَلَى مَا لا يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِذَلِكَ7 قَالَهُ

_ 1 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، الإحكام للآمدي 4/283، إرشاد الفحول ص 284. 2 في ض: مفرد لحكم نفي، وفي ب ع ز: لحكم نفي. 3 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/319، الإحكام للآمدي 4/283، إرشاد الفحول ص 284. 4 انظر: الإحكام للآمدي 4/284، العضد على ابن الحاجب 2/319، إرشاد الفحول ص 284. 5 في ض: بثبوت. 6 في ض: بثبوت. 7 ساقطة من ش.

ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ1. ثُمَّ قَالَ: فَالتَّرْجِيحُ2 بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحُجَجِ. "وَضَابِطُ التَّرْجِيحِ" يَعْنِي الْقَاعِدَةَ الْكُلِّيَّةَ فِي التَّرْجِيحِ "أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِأَحَدِ" دَلِيلَيْنِ "مُتَعَارِضَيْنِ أَمْرٌ نَقْلِيٌّ" كَآيَةٍ أَوْ خَبَرٍ "أَوْ" أَمْرٍ "اصْطِلاحِيٍّ" كَعُرْفٍ أَوْ عَادَةٍ "عَامٌّ" ذَلِكَ الأَمْرُ3 "أَوْ خَاصٌّ، أَوْ" اقْتَرَنَ بِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ "قَرِينَةٌ عَقْلِيَّةٌ، أَوْ" قَرِينَةٌ4 "لَفْظِيَّةٌ، أَوْ" قَرِينَةٌ "حَالِيَّةٌ، وَأَفَادَ" ذَلِكَ الاقْتِرَانُ "زِيَادَةَ ظَنٍّ: رُجِّحَ بِهِ" لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ رُجْحَانَ الدَّلِيلِ هُوَ بِالزِّيَادَةِ5 فِي قُوَّتِهِ أَوْ6 ظَنِّ إفَادَتِهِ7 الْمَدْلُولَ، وَذَلِكَ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لا يَخْتَلِفُ فِي نَفْسِهِ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ8 مَدَارِكُهُ9.

_ 1 انظر: الإحكام للآمدي 4/284، إرشاد الفحول ص 284. 2 في ض: في الترجيح. 3 ساقطة من ض. 4 ساقطة من ض ب د ز. 5 في ض ب ع ز: الزيادة. 6 في ش ز: و. 7 في ع: إفادة 8 في ض: اختلف. 9 انظر: مختصر البعلي ص 172، العضد على ابن الحاجب 2/319، جمع الجوامع 2/379، الإحكام للآمدي 4/284، مختصر الطوفي ص 191، إرشاد الفحول ص 284، المدخل إلى مذهب أحمد ص 201.

"وَتَفَاصِيلُهُ" أَيْ: تَفَاصِيلُ التَّرْجِيحِ "لا تَنْحَصِرُ" وَذَلِكَ: لأَنَّ مُثَارَاتِ الظُّنُونِ الَّتِي بِهَا الرُّجْحَانُ وَالتَّرْجِيحُ كَثِيرَةٌ جِدًّا. فَحَصْرُهَا بَعِيدٌ1؛ لأَنَّك2 إذَا اعْتَبَرْت التَّرْجِيحَاتِ فِي الدَّلائِلِ مِنْ جِهَةِ مَا يَقَعُ فِي الْمُرَكَّبَاتِ مِنْ نَفْسِ الدَّلائِلِ وَمُقَدَّمَاتِهَا، وَفِي الْحُدُودِ مِنْ جِهَةِ مَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الْحُدُودِ مِنْ مُفْرَدَاتِهَا، ثُمَّ رَكَّبْت بَعْضَهَا مَعَ بَعْضٍ حَصَلَ أُمُورٌ لا تَكَادُ تَنْحَصِرُ3. وهذا آخر ما يسرّ4 الله سبحانه وتعالى باختصاره5 من "التحرير" مع ما ضم إليه، وهو شيء يسير، ولم يعر بحمد الله من أثواب الفائدة بتعريته6 عن الإطالة والإعادة، ومع اعترافي

_ 1 في ش ع ب ز: يبعد. 2 في ز: ولأنك. 3 قال البعلي: "وتفاصيل الترجيح كثيرة، فالضابط فيه: أنه متى اقترن بأحد الطرفين أمر نقلي أو اصطلاحي، عام أو خاص، أو قرينة عقلية أو لفظية أو حالية، وأفاد ذلك زيادة ظن، رجح به " "مختصر البعلي ص 172". انتهت هنا المقابلة في نسخة ب، ولم تصور الورقة الأخيرة التي تتضمن الخاتمة، وقد تم نسخها في يوم الأحد في 6 شوال سنة 1137 هى على يد إبراهيم بن يحيى النابلسي الحنبلي. 4 "وجاء في النسخة المصورة الموجودة عندنا ثلاث ورقات تحمل الأرقام 263، 264، 265، وهي من كتاب آخر، وتتضمن تعريفات وحدود واصطلاحات كمثل: الغضب، السبب، الحيوان، الفاسد، الباطل، الصحيح، الحسن، القبح، الهزل، الدليل، المنطوق ... ". 5 في ش: اختصاره. 6 في ع: لتعريته.

بالعجز، جعلني الله ومن نظر إليه بعين التغاضي1 – إذ ما من أحد غير من عصمه الله يسلم - من صالحي2 أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى المسوؤل أن3 يوفقنا لكل عمل4 جميل، وهو حسبنا، ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم5.

_ 1 في د: التقاضي. 2 في د: صالح. 3 ساقطة من ع. 4 في ض ع: فعل. 5 ساقطة من ش. وجاء في آخر ش: "تم الكتاب بحمد الله وعونه، وحسن توفيقه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم. كما جاء في آخر د: "وفي النسخة المصحح عليها ما نصه: تم شرح الكوكب المنير، المسمى بمختصر التحرير، بخط عبد الحي بن عبد الرحيم الحنبلي الكرمي، فرغ منها يوم الأحد 15 ربيع الثاني 1137 هجرية. وفيها أيضاً: قال المرحوم الشيخ عبد الله الخلف الدحيان: وجدت على ظهر الكتاب ما صورته: ابتدئ في مقابلته مرة ثانية على نسخة مصححة على خط المصنف سنة 1286هـ. "ثم خاتمة من كلام عبد الرحمن بن الدوسري". وفي نسخة ض: "تم شرح الكوكب المنير، المسمى بمختصر التحرير، وكان الفراغ من هذه النسخة المباركة عشية الأربعاء، ليلة السادس عشر من شهر ربيع الآخر الذي هو من شهور ألف ومائتين وتسع وسبعين سنة 1279، على يد أفقر العباد إلى رحمة ربه الكريم المنان عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن فوزان، عفا الله عنه وجميع المسلمين، إنه غفور رحيم. =

..................................................................................................

_ = وعليها توشيح: خط عبد الحي بن عبد الرحيم الحنبلي ... كتبها 1137 "مع عدم الوضوح". وفي نسخة ع: "تم شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير، والله أعلم، غفر لكاتبه ووالديه، ومشايخه وإخوانه المسلمين، اللهم صل على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم وتسليماً، بقلم الفقير إلى سبحانه عبد الله الرشيد الفرج، بلغ مقابلةوتصحيحاً على حسب الطاقة، وصلى الله وسلم على محمد، حرر سنة 1346. 3ش. وفي نسخة ز: هذا آخر الكتاب ولله الحمد. وهو من كتابة القاضي برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن مفلح تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته. "ثم كتاب شرح الكوكب المنير" "لابن النجار الفتوحي" "والحمد لله أولاً وآخراً".

§1/1