مختارات من أجمل الشعر في مدح الرسول

رمضان البوطي

مقدمات التحقيق

[مقدمات التحقيق] الإهداء إلى روح شاعر المناضلة والمنافحة، شهيد معركة «مؤتة» «عبد الله بن رواحة» ؛ القائل بالنبي العربي محمد صلّى الله عليه وسلّم: إني تفرست فيك الخير أعرفه ... فراسة خالفتهم في الذي نظروا ولو سألت أو استنصرت بعضهم ... في جل أمرك ما آووا وما نصروا فثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

- تقديم - آفة الشعر عند ما يكون مدحا لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم

- تقديم- آفة الشعر عند ما يكون مدحا لغير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثيرون هم الذين مدحوا قديما على ألسنة الشعراء، من ملوك وخلفاء وأمراء وحكام. حتى غدا المدح موضوعا من أبرز موضوعات الشعر وأهمّ غرض من أغراضه. غير أن فن المديح في الشعر، ظل ملازما لآفتين اثنتين، لم ينفكّ الشعر بسببهما عن اضطراب وضعف. أولى الآفتين: الفجوة التي لا بدّ أن تظل قائمة تفصل بين طبيعة الشعر بحد ذاته، وواقع الممدوح أيا كان شأنه.. ذلك لأن طبيعة الشعر هي الغلوّ والافراط في كل ما يصفه ويعبّر عنه، وواقع الممدوح هو الاصطباغ بالنقص والضعف والأخطاء أيا كان، بحكم كونه إنسانا لا تنفك عنه سمة النقص والضعف. والشأن في ذلك أن يضعف من جدّية الشعر وتأثيره على النفس، ويفرغه من أكثر المضمون الذي يجمّله ويحببه. الآفة الثانية: أنّ الدافع للشعراء إلى المديح، يتمثل في عوامل من الأطماع والآمال الخارجية أكثر من أن يتمثل في مشاعر صادقة من المحبة الداخلية. وإذا فرغ الشعر من صدق الشعور عاد صنعة كلامية وزخرفا لفظي. واقتصر طريقه إلى النفوس من هذه الزاوية وحدها غير أن هاتين الآفتين لا يبدو لهما أي وجود، في الشعر الذي مدح به محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أيا كان الشاعر، وأيا كان واقعه وشأنه. ذلك لأن الشعر الذي يمدح به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يتحرك ويعلو في ساحة الوصف والبيان كما يشاء، دون أي غلوّ أو تكلف. ومهما أوغل الشاعر في الوصف وسما في المديح والاطراء، لا يحسّ أنه اصطدم بحدود، أو تجاوز الحقيقة إلى الخيال، أو بالغ في الثناء. إن الشعر يغدو، إذ يمدح به رسول الله، كالثوب الذي يأتي على قدر لابسه. لا تجد في شيء من ذيوله أو أطرافه أي زيادة أو فضول.

وذلك أيضا، لأن الشاعر إذ يندفع إلى مدح محمد عليه الصلاة والسلام، لا يحمله على ذلك طمع في مغنم أو خوف من مغرم، مما كان يحمل الشعراء على طرق أبواب الأمراء والقيام بين أيديهم مثنين ومادحين.. وإنما يحدوه إلى ذلك شعور داخلي لاهب، وكثيرا ما يكون هذا الشعور نقدا ذاتيا من الشاعر لنفسه وأسى مريرا على العهود الغابرة من عمره، ورغبة ملحّة في الالتجاء الى ساحة النبوة، والانغماس- بعد الرحلة المضنية- في مغتسل طهور من الأنوار والرحمة المحمدية. والنفس الانسانية ذات شأن عجيب! .. إنها قد توغل بصاحبها في أودية التيه او الضياع، ولكنها تظل في حين دائم إلى قمم النور وشطآن النجاة.. لا تعجب إن رأيت صاحب هذه النفس شاردا في سلوكه منحطّا في أفانين غيّه، ثم أصغيت منه مع ذلك إلى أنين يحنّ إلى الطهر، ولوعة تترامى على أعتاب الرحمة الإلهية، وتسفح الدمع سخيا أمام واسطة هذه الرحمة، محمد عليه الصلاة والسلام. فإن أوتي مثل هذا الانسان، مع ذلك، بيانا من الشعر، كان له فيه أروع قيثار يستخرج صدق أحاسيسه النيرانية، بل النورانية اللاهبة، ويصوغها في شجو يأخذ اللب ويأسر النفس. وإذا صحّ أنّ أعذب الشعر أكذبه، فلا ريب أن أحّر الشعر أصدقه! .. وإنما عذوبة الشعر صنعة كلامية وصقل لألفاظ، أما حرارته فهي النبض الذي يبعث فيه الحياة التي تسري بالتأثير في قلوب الآخرين.. وقديما قالت العرب: ليست النائحة كالثكلى. ولا أذكر أني قرأت قصيدة، لشاعر مجيد، يمدح فيها محمدا عليه الصلاة والسلام، إلا وتملّكني منها تأثير كبير، واستبدّت بي رقة تذيب النفس، أيا كان الشاعر ومهما كان شأنه. وإنما مردّ ذلك، إلى ما قلت: الشعر الذي أخذ حظه، إذ تحرك في ميدان فسيح من الوصف والبيان والإطراء، دون أن تشمّ فيه رائحة غلو أو تكلف في القول.. والشاعر الذي أفرغ أحاسيس قلبه، لوعة وحبا وإجلالا، في واحة تلك العبارات والأوزان.

فإن كنت في شك مما أقول، فدونك فاستعرض قصائد هذا الكتاب، وإنما هي قطوف منوعة لشعراء مختلفين في المذهب والسلوك، متدرّجين في العصور والتاريخ، تجد مصداق ما أقول، وتشعرّ بزفرة الصدق في ثنايا كلام كل منهم. ثم انظر إلى شعر البوصيري، على سبيل المثال، وقارن بينه إذ كان يمدح به أمراء عصره، طمعا في مغنم أو انتجاعا لرزق، وبينه إذ اتجه به إلى مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تجد هناك التكلف الممجوج، والمعاني المفتعلة المصنّعة، وتجد هنا الرّفاء والرّصانة العجيبين، حتى لكأنّ شعره ينتشي ويطرب من ذاته، ثم تجد نفسك مأخوذا بمشاعر اللوعة الصادقة تسري في سائر جمله وكلماته! .. اصغ إليه وهو يقول: يا رحيما بالمؤمنين إذا ما ... ذهلت عن أبنائها الرّحماء يا شفيعا في المذنبين إذا أش ... فق من خوف ذنبه البرآء جد لعاص، وما سواي هو العا ... صي، ولكن تنكّري استحياء كلّ يوم ذنوبه صاعدات ... وعليها أنفاسه صعداء أو ثقته من الذنوب ديون ... شدّدت في اقتضائها الغرماء ما له حيلة سوى حيلة المو ... ثق إمّا توسل أو دعاء راجيا أن تعود أعماله السّو ... ء بغفران الله وهي هباء أو ترى سيآته حسنات ... فيقال استحالت الصّهباء ولن أزيد عليك بعد هذه الأبيات وزخم المشاعر التي فيها، أي شيء. بل سأتركك مع واحة الشعر، تتنقّل من قصيد إلى قصيد، لترى مصداق ما أقول. الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

مقدمة

مقدمة (محمد الرسول العربي الكريم مثل الله الأعلى للإنسان الكامل) محمد الإنسان الكبير: لا بد للباحث المنصف من الإعتراف بعظمة النبي العربي محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ الذي حمل وبشّر برسالة الإسلام، وتحمّل ما تحمل في سبيل نشرها من تعذيب ومشقة من قريش وباقي القبائل العربية، التي رأت فيه مزاحما لها بالقيادة والزعامة، فجاهرته العداء وحاربته ولم يكن معه، آنذاك، إلا النذر اليسير من أصحابه وعلى رأسهم عمه أبو طالب الذي شجعه على المضي برسالته بعد أن رأى التصميم والإرادة القوية عند ابن أخيه «محمد» الذي قال له مقولته الخالدة: «يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته» ...

قال محمد هذا قول العظيم الواثق من صدق دعوته، المطمئن إلى بلوغ غايته. فقال عمه: (اذهب يا ابن أخي، وقل ما شئت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا) . ثم تجلت في الرسول العربي محمد صلّى الله عليه وسلّم «مواهب الكمال الإنساني فحشد للخصومة قوى النفس وقوى الحس، فجاهد بالصدق، وجالد بالصبر، وجادل بالمنطق، وصاول بالرأي، وأثر باللسان، فكان رسولا في الدين، وعلما في البلاغة، ودستورا في السياسة، وإماما في التشريع، وقائدا في الحرب، زد على ذلك خلقه الحسن كما وصفة ربه «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» . إذن حامل هذه الرسالة السماوية السمحاء مؤهل لها قادر على تحمل مشاقها من جميع جوانبها المعنوية والجسمية والخلقية فهو المثل الأعلى للإنسان الكامل؛ ولله درّ شاعر الرسول حسان بن ثابت الأنصاري حينما وصف شخصية الرسول العربي محمد صلّى الله عليه وسلّم ببيتين من الشعر يدلان على كمال صاحبها إذ قال مادحا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وأحسن منك لم تر قط عيني ... وأجمل منك لم تلد النساء خلقت مبرّءا من كل عيب ... كأنك قد خلقت كما تشاء إذن فلا عجب وإذا رأينا صاحب هذه الرسالة يقلب المجتمع الجاهلي رأسا على عقب، ليكون منهم مجتمعا آخر يختلف عن المجتمع الأول الذي يقوم على العصبية، والأثرة والأنانية والثأر، إلى مجتمع جديد بفضل الرسول الكريم، الذي بعث رحمة للعالمين، إذ بعث الحرية من قبرها، وأطلق العقول من أسرها، وجعل التنافس في الخير، والتعاون على البر، والتفاضل بالتقوى، ثم وصل بين القلوب بالمؤاخاة، وعدل بين الحقوق بالمساواة، ثم محا الفروق بين أجناس الإنسان، وأزال الحدود بين مختلف الأوطان،

فأصبح العالم كله أسرة متحدة، ليس فيها بين المرء والخليقة حجاب، ولا بين العبد وربه واسطة.. ثم جعل لهم من كتاب الله نورا ... ومن سنته دستورا، ورمى بهم فساد الدنيا، فأصلحوا الأرض ومدنوا العالم، وهذبوا الناس. «هذا ولا تقاس أهمية النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم وعظمته بالانجازات التي تمت في عصره فقط، ولكن بما نتج عن هذه الإنجازات، وما تحقق بعده، بقيام الفتوحات الكبرى، وتأسيس دولة الإسلام العظمى الممتدة من داخل الصين وحتى خليج عمان، ومن شواطىء المتوسط في الشام حتى جنوب فرنسة ومشارف روما» «1» . لكل ذلك أحبه الجميع وقدّر عمله وعظمته المستشرقون، وآمن برسالته الكثير من أبناء الديانات السماوية الأخرى، يقول «توماس كارلايل» مؤلف كتاب الأبطال عن النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم: «لقد كان رجلا عظيما بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، فأدى عمله وحده في أعماق الصحراء» . كما يقول «توماس كارلايل» : إن الرسالة التي أداها الرسول محمد، ما زالت السراج المنير. ثم يأتي الدكتور «مايكل هارت» فيضعه على رأس قائمة بالمائة الأوائل من عظماء العالم، اعترافا بعظمة وعبقرية النبي العربي صلّى الله عليه وسلّم! ما معنى ذلك؟ ان هذا الرسول العربي عظيم «ولا يمكن أن نوفيه حقه من التكريم، ولو جعلنا ماء البحر مدادا لكلماتنا؛ ... هذه الشخصية المعجزة التي استطاعت في سنوات معدودة، أن تتغلب على فوارق اجتماعية، وعصبيات قبلية» ومعتقدات دينية وثنية، واعراف وعادات متوارثة، ضربت جذورها جميعا في أعماق المجتمع القبلي الجاهلي منذ مئات السنين» «2» .

_ (1) د. سهيل زكار، مائة أوائل من تراثنا ص 20. (2) من مقدمة كتاب «رسالة الاسلام» الرسول العربي، العماد مصطفى طلاس ص 13- دار الشورى- بيروت.

محمد والشعر صلى الله عليه وسلم

محمّد والشعر صلّى الله عليه وسلّم وهذه القصائد المختارة لعدد من شعراء الأمة العربية على أختلاف مذاهبهم، ومشاربهم هي نبضات قلوب مفعمة بمحبة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، تدلّ على نبل أصحابها وسموهم ورفعتهم ولا عجب في ذلك فالشعراء كانوا وما زالوا سباقين لتقدير واكتشاف العظمة والعظماء، وذلك بفضل ما رزقهم الله تعالى من فيض الشاعرية التي تشع وتنبىء ومن ثم يأتي الإلهام ... ومن كالنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم أجدر بالمدح والثناء واظهار عظمته وعبقريته؟ إنه مصدر ثرّ للإلهام ... وقد روى عنه محبته للشعر والشعراء، حيث أثر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قوله: إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا» كما ذكر الرواة أن الشاعر «النابغة الجعدي» حين وفد على النبي فأنشده قصيدته الرائية وبلغ منها قوله: ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا طرب النبي لهذا المعنى الكريم واستحسنه وقال للشاعر: «أحسنت يا أبا ليلى! لا يفضض الله فاك» . كذلك روي أن رسول الله قال: «الشعر كلام من كلام العرب جزل تتكلم به في بواديها، وتسل به الضغائن من بينها» كذلك كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعرف قيمة الشعر وخطره وأثره في تأليف القلوب واستلال الأضغان، وإثارة الأشجان، فلقد كان يكثر من استنشاد شعر الخنساء في أخيها صخر، ويستعيدها ويستزيدها ويقول لها: «هيه يا خناس!» وكأنه وجد في صدق العاطفة ومواجد الحزن في شعر الخنساء ما تتمثل فيه مراحم القلوب، ومواجع الأكباد ثم ألم يكن النبي يتأثر لكلمة حق قالها شاعر مخضرم هو «لبيد بن ربيعة العامري، فيقول: «أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل» .

كما روي عن النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم أنه كان كلما ارتاب بخبر تمثل بقول «طرفة بن العبد» : «ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد» . وإذا كان القرآن الكريم قد حكم على الشعراء بقوله: «والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون» ، فإن الحكم هنا لم يكن على عمومه، فقد اتبعه، بالاستثناء بقوله: «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً ... » وهؤلاء الشعراء هم الذين كان يعتمد الرسول عليهم للتصدي للمشركين مثل الشاعر حسان بن ثابت الأنصاري، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك وفيهم نزل الاستثناء المذكور. من هذا المنطلق كانت هذه القصائد الرصينة بمدح الرسول العربي الكريم لبعض الشعراء قمنا بجمعها وانتقائها من بين عدد كبير منها. قيلت في أزمان متباعدة وعصور مختلفة، فمن قصائد الشعراء المخضرمين كالشاعرين الأعش، وكعب بن زهير إلى العصور اللاحقة مثل قصيدتي «البوصيري، وابن الساعاتي» إلى قصائد الشعراء المعاصرين مثل أحمد شوقي وخليل مطران، وبدوي الجبل، وعمر أبو ريشه، والشاعر القروي، ومحمد البزم، وسليم الزركلي، وأنور العطار، وجورج صيدح إلى باقي الشعراء أصحاب القصائد المنتقاة ...

نبي يرى ما لا ترون

نبي يرى ما لا ترون (الأعشى يمدح النبي محمدا صلّى الله عليه وسلّم) ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وعادك ما عاد السليم المسهّدا أجدّت برجليها نجاء وراجعت ... يداها خنافا لينا غير أحردا فآليت لا أرثي لها من كلالة، ... ولا من حفى حتى تزور محمّدا متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ... تريحي وتلقي من فواضله يدا نبي يرى ما لا ترون، وذكره ... أغار، لعمري، في البلاد وأنجدا له صدقات ما تغيب، ونائل ... وليس عطاء اليوم مانعه غدا أجدّك لم تسمع وصاة محمد، ... نبي الإله، حين أوصى وأشهدا إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى، ... ولاقيت بعد الموت من قد تزوّدا ندمت على أن لا تكون كمثله، ... وأنك لم ترصد لما كان أرصدا فإيّاك والميتات، لا تأكلنّها، ... ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا وذا النّصب المنصوب لا تنسكنّه ... ولا تعبد الأوثان، والله فاعبدا وصلّ على حين العشيات والضحى، ... ولا تحمد الشيطان، والله فاحمدا ولا السائل المحروم لا تتركنّه ... لعاقبة، ولا الأسير المقيّدا ولا تسخرن من بائس ذي ضرارة ... ولا تحسبنّ المرء يوما مخلّدا ولا تقربنّ جارة، إنّ سرّها ... عليك حرام، فأنكحنّ، أو تأبّدا

«بانت سعاد»

«بانت سعاد» (كعب بن زهير) (قال كعب بن زهير مادحا الرسول العربي محمد صلّى الله عليه وسلّم:) بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يجز مكبول وما سعاد غداة البين اذ رحلوا ... إلا أغنّ غضيض الطرف مكحول تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول شجّت بذي شيم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول تجلو الرياح القذى عنه وأفرطه ... من صوب سارية بيض يعاليل يا ويحها خلة لو أنها صدقت ... ما وعدت أولو أنّ النصح مقبول لكنّها خلة قد سيط من دمها ... فجع وولع وإخلاف وتبديل فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلوّن في أثوابها الغول وما تمسّك بالوصل الذي زعمت ... الا كما تمسك الماء الغرابيل كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل أرجو وآمل أن يعجلن في أبد ... وما لهنّ طوال الدهر تعجيل فلا يغرنك ما منّت وما وعدت ... إن الأماني والأحلام تضليل أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... الا العتاق النجيبات المراسيل ولن يبلّغها إلا عذافرة ... فيها على الأين إرقال وتبغيل من كلّ نضاخة الذفرى اذا عرفت ... عرضتها طامس الأعلام مجهول ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق ... اذا توقّدت الحزّان والميل ضخم مقلّدها فعم مقيدها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل حرف أخوها أبوها من مهجّنة ... وعمّها خالها قوداء شمليل تمرّ مثل عسيب النّخل ذا خصل ... في غارز لم تخونه الأحاليل

قنواء في حرّتيها للبصير بها ... عتق مبين وفي الخدين تس؟؟؟ تخدي على يسرات وهي لاحقة ... ذوابل وقعهنّ الأرض تحليل سمر العجايات يتركن الحصى زيما ... لم يقهنّ رءوس الأكم تنعيل يوما يظلّ به الحرباء مصطخما ... كأنّ ضاحيه؟؟؟ نار مملول كأن أوب ذراعيها وقد عرقت ... وقد تلفّع بالقو؟؟؟ العساقيل وقال للقوم حاديهم وقد جعلت ... ورق الجنادب يركضن ا؟؟؟ ى قيلوا شدّ النّهار ذراعا عيطل نصف ... قامت فجاوبها نكد م؟؟؟ اكيل نوّاحة رخوة الضّبعين ليس لها ... لما نعى بكرها الناعون معقول تفري اللبان بكفّيها ومدرعها ... مشقّق عن تراقيها رعابيل يسعى الوشاة بجنبيها وقولهم ... انك يا ابن أبي سلمى لمقتول وقال كل خليل كنت آمله ... لا ألفينك أني عنك مشغول فقلت خلّوا طريقي لا أبالكم ... فكل ما قدّر الرحمن مفعول كل ابن انثى وإن طالت سلامته ... يوما على آلة حد باء محمول أنبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال ... قرآن فيها مواعيظ وتفصيل لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم ... أذنب ولو كثرت عني الأوقايل لقد أقوم مقاما لو يقوم به ... أرى واسمع ما لو يسمع الفيل لظلّ يرعد إلّا أن يكون له ... من الرسول بإذن الله تنويل حتى وضعت يميني لا أنازعه ... في كف ذي نقمات قيله القيل لذاك أهيب عندي اذ أكلّمه ... وقيل إنك مسبور ومسئول من ضيغم من ضراء الأسد مخدره ... ببطن عثر غيل دونه غيل يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من القوم معفور خراذيل اذا يساور قرنا لا يحلّ له ... أن يترك القرن إلا وهو مفلول منه تظلّ حمير الوحشي ضامزة ... ولا تمشى بواديه الأراجيل ولا يزال بواديه أخو ثقة ... مطرّح البز والدرسان مأكول

إن الرسول لسيف يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكّة لما أسلموا زولوا زالوا فما زال انكاس ولا كشف ... عند اللقاء ولا ميل معازيل شمّ العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل بيض سوابغ قد شكّت لها حلق ... كأنها حلق القفعاء مجدول يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب اذا عرّد السود التنابيل لا يفرحون اذا نالت رماحهم ... قوما وليسو مجازيعا إذا نيلوا لا يقع الطّعن إلا في نحورهم ... ما إن لهم عن حياض الموت تهليل

أغر عليه خاتم النبوة

أغر عليه خاتم النبوة (حسان ابن ثابت الأنصاري) أغرّ، عليه للنّبوّة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد وضمّ الإله اسم النّبي إلى اسمه، ... إذ قال في الخمس المؤذّن أشهد وشقّ له من اسمه كي يجلّه ... فذو العرش محمود، وهذا محمّد نبي أتانا بعد يأس وفترة ... من الرّسل، والأوثان في الأرض تعبد فأمسى سراجا مستنيرا وهاديا، ... يلوح كما لاح الصّقيل المهنّد وأنذرنا نارا، وبشّر جنة ... وعلّمنا الإسلام، فالله نحمد وأنت إله الخلق ربّي وخالقي ... بذلك ما عمّرت في الناس أشهد تعاليت ربّ الناس عن قول من دعا ... سواك إلها، أنت أعلى وأمجد لك الخلق والنّعماء، والأمر كلّه، ... فإيّاك نستهدي، وإيّاك نعبد

البردة

البردة (شرف الدين محمد البوصيري) أمن تذكر جيران بذي سلم ... مزجت دمعا جرى من مقلة بدم أم هبّت الريح من تلقاء كاظمة ... وأومض البرق في الظلماء من إضم فما لعينيك إن قلت إكففا همتا ... وما لقلبك إن قلت استفق يهم أيحسب الصّبّ أنّ الحبّ منكتم ... ما بين منسجم منه ومضطرم لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل ... ولا أرقت لذكر البان والعلم فكيف تنكر حبّا بعد ما شهدت ... به عليك عدول الدّمع والسّقم وأثبت الوجد خطّى عبرة وضنى ... مثل البهار على خدّيك والعنم نعم سرى طيف من أهوى فأرقّني ... والحب يعترض اللّذات بالألم يا لائمي في الهوى العذريّ معذرة ... منّي إليك ولو أنصفت لم تلم عدتك حالي لاسرّي بمستتر ... عن الوشاة ولا دائي بمنحسم محضتني النّصح لكن لست أسمعه ... إنّ المحبّ عن العذّال في صمم إنّي اتهمت نصيح الشّيب في عذل ... والشّيب أبعد في نصح عن التّهم فإنّ أمّارتي بالسّوء ما اتّعظت ... من جهلها بنذير الشّيب والهرم ولا أعدّت من الفعل الجميل قرى ... ضيف ألّم برأسي غير محتشم لو كنت أعلم أني ما أوقّره ... كتمت سرّا بدا لي منه بالكتم من لي بردّ جماح من غوايتها ... كما يردّ جماح الخيل باللّجم فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها ... إنّ الطّعام يقوّي شهوة النّهم والنّفس كالطّفل إن تهمله شبّ على ... حبّ الرّضاع وإن تفطمه ينفطم فاصرف هواها وحاذر أن تولّيه ... إنّ الهوى ما تولّى يصم أو يصم

وراعها وهي في الأعمال سائمة ... وإن هي استحلت المرعى فلا تسم كم حسّنت لذّة للمرء قاتلة ... من حيث لم يدر أنّ السّمّ في الدّسم واخش الدّسائس من جوع ومن شبع ... فربّ مخمصة شر من التّخم واستفرغ الدّمع من عين قد امتلأت ... من المحارم والزم حمية النّدم وخالف النّفس والشّيطان واعصهما ... وإن هما محضّاك النّصح فاتّهم ولا تطع منهما خصما ولا حكما ... فأنت تعرف كيد الخصم والحكم أستغفر الله من قول بلا عمل ... لقد نسبت به نسلا لذي عقم أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به ... وما استقمت في قولي لك استقم ولا تزوّدت قبل الموت نافلة ... ولم أصلّ سوى فرضي ولم أصم ظلمت سنّة من أحيا الظّلام إلى ... أن اشتكت قدماه الضّرّ من ورم وشدّ من سغب أحشاءه وطوى ... تحت الحجارة كشحا مترف الأدم وراودته الجبال الشّمّ من ذهب ... عن نفسه فأراها أيّما شمم وأكّدت زهده فيها ضرورته ... إنّ الضّرورة لا تعدو على العصم وكيف تدعو إلى الدّنيا ضرورة من ... لولاه لم تخرج الدّنيا من العدم محمّد سيّد الكونين والثّقلين ... والفريقين من عرب ومن عجم هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ... لكلّ هول من الأهوال مقتحم دعا إلى الله فالمستمسكون به ... مستمسكون بحبل غير منفصم فاق النّبيين في خلق وفي خلق ... ولم يدانوه في علم ولا كرم وكلّهم من رسول الله ملتمس ... غرفا من البحر أو رشفا من الدّيم وواقفون لديه عند حذّهم ... من نقطة العلم أو من شكلة الحكم فهو الذي ثمّ معناه وصورته ... ثمّ اصطفاه حبيبا بارىء النّسم منزّه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم دع ما ادّعته النصارى في نبيّهم ... واحكم بما شئت مدحا فيه واجتكم وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ... وانسب إلى قدره ما شئت من عظم

فإنّ فضل رسول الله ليس له ... حد فيعرب عنه ناطق بفم لو ناسبت قدره آياته عظما ... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرّمم لم يمتحنّا بما تعيا العقول به ... حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم أعيا الورى فهم معناه فليس يرى ... في القرب والبعد فيه غير منفحم كالشّمس تظهر للعينين من بعد ... صغيرة وتكلّ الطّرف من أمم وكيف يدرك في الدنيا حقيقته ... قوم نيام تسلّوا عنه بالحلم فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وأنه خير خلق الله كلّهم وكلّ آي أتى الرّسل الكرام بها ... فإنما اتّصلت من نوره بهم فإنه شمس فضل هم كواكبها ... يظهرن أنوارها للناس في الظّلم أكرم بخلق نبيّ زانه خلق ... بالحسن مشتمل بالبشر متّسم كالزّهر في ترف والبدر في شرف ... والبحر في كرم والدّهر في همم كأنه وهو فرد من جلالته ... في عسكر حين تلقاه وفي حشم كأنّما اللّؤلؤ المكنون في صدف ... من معدني منطق منه ومبتسم لا طيب يعدل تربا ضمّ أعظمه ... طوبى لمنتشق منه وملتثم أبان مولده عن طيب عنصره ... يا طيب مبتدا منه ومختتم يوم تفرّس فيه الفرس أنّهم ... قد أنذروا بحلول البؤس والنّقم وبات إيوان كسرى وهو منصدع ... كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم والنار خامدة الأنفاس من أسف ... عليه والنّهر ساهي العين من سدم وساء ساوة أن غاضت بحيرتها ... وردّ واردها بالغيظ حين ظمي كأنّ بالنار ما بالماء من بلل ... حزنا وبالماء ما بالنّار من ضرم والجنّ تهتف والأنوار ساطعة ... والحقّ يظهر من معنى ومن كلم عموا وصمّوا فإعلان البشائر لم ... تسمع وبارقة الإنذار لم تشم من بعد ما أخبر الأقوام كاهنهم ... بأنّ دينهم المعوّج لم يقم وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب ... منقضّة وفق ما في الأرض من صنم

حتى غدا عن طريق الوحي منهزم ... من الشياطين يقفو إثر منهزم كأنّهم هربا أبطال أبرهة ... أو عسكر بالحصى من راحتيه رمي نبذا به بعد تسبيح ببطنهما ... نبذ المسبّح من أحشاء ملتقم جاءت لدعوته الأشجار ساجدة ... تمشي إليه على ساق بلا قدم كأنّما سطرت سطرا لما كتبت ... فروعها من بديع الخطّ، في اللّقم مثل الغمامة أنّى سار سائرة ... تقيه حرّ وطيس الهجير حمي أقسمت بالقمر المنشقّ إنّ له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم وما حوى الغار من خير ومن كرم ... وكلّ طرف من الكفّار عنه عمي فالصّدق في الغار والصّديق لم يرما ... وهم يقولون ما بالغار من أرم ظنّوا الحمام وظنّوا العنكبوت على ... خير البريّة لم تنسج ولم تحم وقاية الله أغنت عن مضاعفة ... من الدّروع وعن عال من الأطم ما سامني الدّهر ضيما واستجرت به ... إلّا ونلت جوارا منه لم يضم ولا التمست غنى الدّارين من يده ... إلّا استلمت النّدى من خير مستلم لا تنكر الوحي من رؤياه إنّ له ... قلبا إذا نامت العينان لم ينم وذاك حين بلوغ من نبوّته ... فليس ينكر فيه حال محتلم تبارك الله ما وحي بمكتسب ... ولا نبي على غيب بمتّهم كم أبرأت وصبا باللّمس راحته ... وأطلقت أربا من ربقه اللّمم وأحيت السّنة الشّهباء دعوته ... حتى حكت غرّة في الأعصر الدّهم بعارض جاد أو خلت البطاح بها ... سيبا من اليمّ أو سيلا من العرم دعني ووصفي آيات له ظهرت ... ظهور نار القرى ليلا على علم فالدّرّ يزداد حسنا وهو منتظم ... وليس ينقص قدرا غير منتظم فما تطاول آمال المديح إلى ... ما فيه من كرم الأخلاق والشيم آيات حق من الرحمن محدثة ... قديمة صفة الموصوف بالقدم لم تقترن بزمان وهي تخبرنا ... عن المعاد وعن عاد وعن إرم دامت لدينا ففاقت كلّ معجزة ... من النّبيّين إذ جاءت ولم تدم

محكّمات فما تبقين من شبه ... لذي شقاق وما تبغين من حكم ما حوربت قطّ إلّا عاد من حرب ... أعدى الأعادي إليها ملقي السّلم ردّت بلاغتها دعوى معارضها ... ردّ الغيور يد الجاني عن الحرم لها معان كموج البحر في مدد ... وفوق جوهره في الحسن والقيم فما تعدّ ولا تحصى عجائبها ... ولا تسام على الإكثار بالسّأم قرّت بها عين قاريها فقلت له ... لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم إن تتلها خيفة من حرّ نار لظى ... أطفأت حرّ لظى من وردها الشّبم كأنها الحوض تبيضّ الوجوه به ... من العصاة وقد جاؤوه كالحمم وكالصّراط وكالميزان معدلة ... فالقسط من غيرها في الناس لم يقم لا تعجبن لحسود راح ينكرها ... تجاهلا وهو عين الحاذق الفهم قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ... وينكر الفم طعم الماء من سقم يا خير من يمّم العافون ساحته ... سعيا وفوق متون الأينق الرّسم ومن هو الآية الكبرى لمعتبر ... ومن هو النّعمة العظمى لمغتنم سريت من حرم ليلا إلى حرم ... كما سرى البدر في داج من الظّلم وبتّ ترقى إلى أن نلت منزلة ... من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم وقدّمتك جميع الأنبياء بها ... والرّسل تقديم مخدوم على خدم وأنت تخترق السّبع الطّباق بهم ... في موكب كنت فيه صاحب العلم حتى إذا لم تدع شأوا لمستبق ... من الدّنوّ ولا عرقى لمستنم خفضت كلّ مقام بالإضافة إذ ... نوديت بالرّفع مثل المفرد العلم كيما تفوز بوصل أيّ مستتر ... عن العيون وسرّ أيّ مكتثم فحزت كلّ فخار غير مشترك ... وجزت كلّ مقام غير مزدحم وجلّ مقدار ما ولّيت من رتب ... وعزّ إدراك ما أوليت من نعم بشرى لنا معشر الإسلام إنّ لنا ... من العناية ركنا غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته ... بأكرم الرّسل كنّا أكرم الأمم

راعت قلوب العدا أنباء بعثته ... كنبأة أجفلت غفلا من الغنم ما زال يلقاهم في كلّ معترك ... حتى حكوا بالقنا لحما على وضم ودّوا الفرار فكادوا يغبطون به ... أشلاء شالت مع العقبان والرّخم تمضي الليالي ولا يدرون عدّتها ... ما لم تكن من ليالي الأشهر الحرم كأنّما الدّين ضيف حلّ ساحتهم ... بكلّ قرم إلى لحم العدى قرم يجرّ بحر خميس فوق سابحة ... يرمي بموج من الأبطال ملتطم من كلّ منتدب لله محتسب ... يسطو بمستأصل للكفر مصطلم حتّى غدت ملّة الإسلام وهي بهم ... من بعد غربتها موصولة الرّحم مكفولة أبدا منهم بخير أب ... وخير بعل فلم تيتم ولم تئم هم الجبال فسل عنهم مصادمهم ... ماذا رأى منهم في كلّ مصطدم وسل حنينا وسل بدرا وسل أحدا ... فصول حتف لهم أدهى من الوخم المصدري البيض حمرا بعد ما وردت ... من العدا كلّ مسودّ من اللّمم والكاتبين بسمر الخطّ ما تركت ... أقلامهم حرف جسم غير منعجم شاكي السلاح لهم سيما تميّزهم ... والورد يمتاز بالسّيما عن السّلم تهدي إليك رياح النّصر نشرهم ... فتحسب الزّهر في الأكمام كلّ كمي كأنّهم في ظهور الخيل نبت ربا ... من شدّة الحزم لا من شدّة الحزم طارت قلوب العدى من بأسهم فرقا ... فما تفرّق بين البهم والبهم ومن تكن برسول الله نصرته ... إن تلقه الأسد في آجامها تجم أحلّ أمّته في حرز ملّته ... كاللّيث حلّ مع الأشبال في أجم كم جدّلت كلمات الله من جدل ... فيه وكم خصم البرهان من خصم كفاك بالعلم في الأميّ معجزة ... في الجاهلية والتأديب في اليتم خدمته بمديح أستقيل به ... ذنوب عمر مضى في الشّعر والخدم اذ قلّداني ما تخشى عواقبه ... كأنني بهما هدي من النّعم أطعت غيّ الصّبا في الحالتين وما ... حصلت إلّا على الآثام والنّدم فيا خسارة نفس في تجارتها ... لم تشتر الدّين بالدّنيا ولم تسم

ومن يبع آجلا منه بعاجله ... يبن له الغبن في بيع وفي سلم إن آت ذنبا فما عهدي بمنتقض ... من النبيّ ولا حبلي بمنصرم فإنّ لي ذمة منه بتسميتي ... محمدا وهو أوفى الخلق بالذّمم إن لم يكن في معادي آخذا بيدي ... فضلا وإلّا فقل يا زلّة القدم حاشاه أن يحرّم الرّاجي مكارمه ... أو يرجع الجار منه غير محترم ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه ... وجدته لخلاصي خير ملتزم ولن يفوت الغنى منه يدا تربت ... إنّ الحيا ينبت الأزهار في الأكم ولم أرد زهرة الدّنيا التي اقتطفت ... يدا زهير بما أثنى على هرم يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم ولن يضيق رسول الله جاهك بي ... إذا الكريم تجلّى باسم منتقم فإنّ من جودك الدّنيا وضرّتها ... ومن علومك علم اللّوح والقلم يا نفس لا تقنطي من زلّة عظمت ... إنّ الكبائر في الغفران كاللّمم لعلّ رحمة ربي حين يقسمها ... تأتي على حسب العصيان في القسم يا ربّ واجعل دعائي غير منعكس ... لديك واجعل حسابي غير منخرم والطف بعبدك في الدارين أنّ له ... صبرا متى تدعه الأهوال ينهزم وائذن لسحب صلاة منك دائمة ... على النبيّ بمنهلّ ومنسجم ما رنّحت عذبات البان ريح صبا ... وأطرب العيس حادي العيس بالنغم

ابن الساعاتي

ابن الساعاتي (مدح ابن الساعاتي الرسول الكريم بقصيدة طويلة، استهلها بوصف الديار فقال: ) وكيف أخمل في دنيا وآخرة ... ومنطقي ورسول الله مأمول هو البشير النذير، العدل شاهده ... وللشهادة تجريح وتعديل لولاه لم تك شمس لا ولا قمر ... ولا الفرات وجاراها ولا النيل ولم يجب آدم في حال دعوته ... نعم، ولم يك قابيل وهابيل مرتّل الوحي يتلوه ويدرسه ... ولم يكن لكلام الله ترتيل فسيّد الرسل حقا لا خفاء به ... وشافع في جميع الناس مقبول نبّت نبوّته الأخبار إذ نطقت ... فحدّثت عنه توراة وانجيل أضاء هديا وجنح الكفر معتكر ... ووجه حق، وستر الشك مسدول لم يثو في أهله أهل العباء ففا ... ت القوم وحي مثواه وتنزيل الخمسة الغرّ لم يقض اجتماعهم ... إلّا وسادسهم في الجمع جبريل فمنهم أخذ التنزيل أجمعه ... في الكافرين وفي الباغين تأويل فضيلتا شرف ما ناله بشر ... أولى وأخرى بهم تردى الأضاليل

الهمزية النبوية

الهمزية النبوية (أحمد شوقي) ولد الهدى، فالكائنات ضياء ... وفم الزّمان تبسّم وثناء الرّوح والملأ الملائك حوله ... للدّين والدنيا به بشراء «1» والعرش يزهو، والحظيرة تزدهى ... والمنتهى، والسّدرة العصماء «2» وحديقة الفرقان ضاحكة الربا ... بالترجمان، شذيّة، غنّاء «3» والوحى يقطر سلسلا من سلسل ... واللوح والقلم البديع رواء «4» نظمت أسامى الرّسل فهي صحيفة ... في اللوح، واسم محمد طغراء «5» اسم الجلالة في بديع حروفه ... ألف هنالك، واسم (طه) الباء يا خير من جاء الوجود، تحية ... من مرسلين إلى الهدى بك جاءوا بيت النبيّين الذي لا يلتقى ... إلا الحنائف فيه والحنفاء «6» خير الأبوة حازهم لك (آدم) ... دون الأنام، وأحرزت حوّاء هم أدركوا عزّ النبوّة وانتهت ... فيها إليك العزّة القعساء «7» خلقت لبيتك، وهو مخلوق لها ... إن العظائم كفؤها العظماء بك بشّر الله السماء فزيّنت ... وتضوّعت مسكا بك الغبراء «8»

_ (1) الروح الأمين: لقب جبريل. الملأ: الأشراف. الملائك: الملائكة. بشراء: جمع بشير- (2) يزهو: يشرق. سدرة المنتهى: يقال أنها شجرة نبق على يمين العرش- (3) الربا: جمع ربوة. وهي ما ارتفع من الأرض- (4) الرواء ماء الوجه وحسن المنظر- (5) الطغراء: ما يسميه العامة «طرة» وأصلها طغرى بالقصر، وهي التي تكتب بالقلم الغليظ في صدر الأوامر- (6) الحنيف: الصحيح الميل الى الاسلام وكل من كان على دين ابراهيم عليه السلام، والجمع حنفاء، والمؤنث حنيفة، وجمعها حنائف- (7) القعساء: المنيعة الثابتة- (8) تضوع المسك: انتشرت رائحته. الغبراء: الأرض.

وبدا محيّاك الذي قسماته ... حق، وغرّته هدى وحياء «1» وعليه من نور النّبوّة رونق ... ومن الخليل وهديه سيماء «2» أثنى (المسيح) عليه خلف سمائه ... وتهلّلت واهتزّت (العذراء) «3» يوم يتيه على الزمان صباحه ... ومساؤه (بمحمد) وضّاء الحقّ عالى الركن فيه، مظفّر ... في الملك، لا يعلو عليه لواء ذعرت عروش الظالمين، فزلزلت ... وعلت على تيجانهم أصداء والنار خاوية الجوانب حولهم ... خمدت ذوائبها، وغاض الماء «4» والآى تترى، والخوارق جمّة ... (جبريل) روّاح بها غدّاء «5» نعم اليتيم بدت مخايل فضله ... واليتيم رزق بعضه وذكاء «6» في المهد يستسقى الحيا برجائه ... وبقصده تستدفع البأساء «7» بسوى الأمانة في الصّبا والصدق لم ... يعرفه أهل الصدق والأمناء يا من له الأخلاق ما تهوى العلا ... منها وما يتعشّق الكبراء لو لم تقم دينا؛ لقامت وحدها ... دينا تضىء بنوره الآناء زانتك في الخلق العظيم شمائل ... يغرى بهنّ ويولع الكرماء أما الجمال؛ فأنت شمس سمائه ... وملاحة (الصّدّيق) منك أياء «8» والحسن من كرم الوجوه، وخيره ... ما أوتى القوّاد والزعماء فإذا سخوت بلغت بالجود المدى ... وفعلت ما لا تفعل الأنواء «9» وإذا عفوت فقادرا، ومقدّرا ... لا يستهين بعفوك الجهلاء وإذا رحمت فأنت أم، أو أب ... هذان في الدنيا هما الرّحماء

_ (1) القسمة ما بين الوجنتين والأنف، وجمعها قسمات- (2) الخليل: ابراهيم عليه السلام- (3) العذراء: السيدة مريم- (4) خمدت النار: سكن لهيبها. الذوائب: جمع ذؤابة، وهي أعلى كل شىء والمراد بالذوائب هنا ألسنة اللهيب- (5) تترى: تتوالى رواح غداء: أي يروح ويغدو- (6) المخيلة: المظنة- (7) استسقى: طلب السقي. الحيا: المطر- (8) أياء الشمس واياتها نورها وحسنها- (9) النوء: المطر.

وإذا غضبت فإنما هي غضبة ... في الحق، لا ضغن ولا بغضاء «1» وإذا رضيت فذاك في مرضاته ... ورضى الكثير تحلّم ورياء «2» وإذا خطبت فللمنابر هزّة ... تعرو النّدىّ، وللقلوب بكاء «3» وإذا قضيت فلا ارتياب، كأنما ... جاء الخصوم من السماء قضاء وإذا حميت الماء لم يورد، ولو ... أن القياصر والملوك ظماء وإذا أجرت فأنت بيت الله، لم ... يدخل عليه المستجير عداء وإذا ملكت النفس قمت ببرّها ... ولو أن ما ملكت يداك الشاء وإذا بنيت فخير زوج عشرة ... وإذا ابتنيت فدونك الآباء «4» وإذا صحبت رأى الوفاء مجسّما ... في بردك الأصحاب والخلطاء وإذا أخذت العهد، أو أعطيته ... فجميع عهدك ذمّة ووفاء وإذا مشيت إلى العدا فغضنفر ... وإذا جريت فإنك النكباء «5» وتمدّ حلمك للسفيه مداريا ... حتى يضيف بعرضك السفهاء في كل نفس من سطاك مهابة ... ولكل نفس في نداك رجاء «6» والرأى لم ينض المهنّد دونه ... كالسيف لم تضرب به الآراء «7» يأيها الأمّى، حسبك رتبة ... في العلم أن دانت بك العلماء «8»

_ (1) الضغن: الحقد- (2) التحلم: تكلف الحلم- (3) الندى: النادي- (4) بنى بأهله: زف اليهم، ابتنى: صار له بنون- (5) غضنفر: أسد والنكباء: ريح بين ريحيت- (6) سطا: جمع سطوة- (7) نضا السيف من غمده: سله. المهند: السيف المطبوع من حديد- (8) دان به: اتخذه دينا.

الذكر آية ربّك الكبرى التي ... فيها لباغى المعجزات غناء «1» صدر البيان له إذا التقت اللّغى ... وتقدّم البلغاء والفصحاء «2» نسخت به التوراة وهي وضيئة ... وتخلّف الإنجيل وهو ذكاء «3» لما تمشّى في (الحجاز) حكيمه ... فضّت (عكاظ) به، وقام حراء «4» أزرى بمنطق أهله وبيانهم ... وحي يقصّر دونه البلغاء «5» حسدوا، فقالوا: شاعر، أو ساحر ... ومن الحسود يكون الاستهزاء قد نال (بالهادى) الكريم و (بالهدى) ... ما لم تنل من سؤدد سيناء أمسى كأنك من جلالك أمّة ... وكأنه من أنسه بيداء يوحى إليك الفوز في ظلماته ... متتابعا، تجلى به الظلماء دين يشيّد آية في آية ... لبناته السّورات والأضواء الحقّ فيه هو الأساس، وكيف لا ... والله جلّ جلاله البنّاء؟ أما حديثك في العقول فمشرع «6» ... والعلم والحكم الغوالى الماء هو صبغة الفرقان، نفحة قدسه ... والسين من سوراته والراء «7» جرت الفصاحة من ينابيع النّهى ... من دوحه، وتفجّر الإنشاء «8» في بحره للسابحين به على ... أدب الحياة وعلمها إرساء أتت الدّهور على سلافته، ولم ... تفن السّلاف، ولا سلا النّدماء «9»

_ (1) الباغي: الطالب الغناء: ما يغنى- (2) اللغى: جمع لغة- (3) ذكاء: من أسماء الشمس- (4) حراء: الغار الذي كان يتعبد فيه النبي ونزل عليه فيه الوحي- (5) ازرى به: عابه- (6) مورد- (7) الصبغة: النوع- (8) الدوح: الشجر العظيم المتسع- (9) السلاف والسلافة: أفضل الخمر.

بك يا ابن عبد الله قامت سمحة ... بالحقّ من ملل الهدى غرّاء «1» بنيت على التوحيد، وهي حقيقة ... نادى بها سقراط والقدماء وجد الزّعاف من السّموم لأجلها ... كالشّهد، ثم تتابع الشّهداء ومشى على وجه الزمان بنورها ... كهّان وادي النيل والعرفاء «2» إيزيس ذات الملك حين توحّدت ... أخذت قوام أمورها الأشياء «3» لما دعوت الناس لبّى عاقل ... وأصمّ منك الجاهلين نداء أبوا الخروج إليك من أوهامهم ... والناس في أوهامهم سجناء ومن العقول جداول وجلامد ... ومن النفوس حرائر وإماء «4» داء الجماعة من أرسطاليس لم ... يوصف له حتى أتيت دواء فرسمت بعدك للعباد حكومة ... لا سوقة فيها ولا أمراء الله فوق الخلق فيها وحده ... والناس تحت لوائها أكفاء والدّين يسر، والخلافة بيعة ... والأمر شورى، والحقوق قضاء الإشتراكيون أنت إمامهم ... لولا دعاوى القوم والغلواء «5» دوايت متّئدا، وداووا ظفرة ... وأخفّ من بعض الدواء الداء «6» الحرب في حقّ لديك شريعة ... ومن السّموم الناقعات دواء «7» والبرّ عندك ذمّة وفريضة ... لا منّة ممنونة وجباء «8» جاءت فوحّدت الزكاة سبيله ... حتى التقى الكرماء والبخلاء

_ (1) السمحة: الملة التي ليس فيها ضيق- (2) العراف: المنجم، والجمع عرفاء- (3) ايزيس: من آلهة المصريين القدماء- (4) الجدول: النهر الصغير، الجلمود: الصخر- (5) الغلواء: الغلو- (6) متئدا: متأنيا. ظفر: ونب- (7) الناقعات: القاتلات- (8) البر: الاحسان- ذمة: عهد. المنة: العطية، والممنونة: المتبوعة بالمن.

أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى ... فالكلّ في حقّ الحياة سواء فلو انّ إنسانا تخيّر ملّة ... ما اختار إلا دينك الفقراء يأيها المسرى به شرفا إلى ... ما لا تنال الشمس والجوزاء «1» يتساءلون- وأنت أطهر هيكل- ... : بالروح أم بالهيكل الإسراء؟ «2» بهما سموت مطهّرين، كلاهما ... نور، وريحانيّة، وبهاء فضل عليك لذى الجلال ومنّة ... والله يفعل ما يرى ويشاء تغشى الغيوب من العوالم، كلّما ... طويت سماء قلّدتك سماء «3» في كل منطقة حواشى نورها ... نون، وأنت النقطة الزهراء أنت الجمال، وأنت المجتلى ... والكفّ، والمرآه، والحسناء الله هيّأ من حظيرة قدسه ... نزلا لذاتك لم يجزه علاء العرش تحتك سدّة وقوائما ... ومناكب الروح الأمين وطاء والرّسل دون العرش لم يؤذن لهم ... حاشا لغيرك موعد ولقاء الخيل تأبى غير (أحمد) حاميا ... وبها إذا ذكر اسمه خيلاء شيخ الفوارس يعلمون مكانه ... إن هيّجت آسادها الهيجاء وإذا تصدّى للظّبى فمهنّد ... أو للرّماح فصعدة سمراء «4» وإذا رمى عن قوسه فيمينه ... قدر، وما ترمى اليمين قضاء

_ (1) الاسراء: السير ليلا- (2) الهيكل: الجسم والصورة والشخص- (3) غشى المكان يغشاه: أتاه- (4) الظبى: جمع ظبية، وهي حد السيف- الصعدة: القناة المستوية.

من كل داعى الحق همّة سيفه ... فلسيفه في الراسيات مضاء «1» ساقى الجريح ومطعم الأسرى. ومن ... أمنت سنابك خيله الأشلاء إن الشجاعة في الرجال غلاظة ... ما لم تزنها رأفة وسخاء والحرب من شرف الشعوب، فإن بغوا ... فالمجد مما يدّعون براء والحرب يبعثها القويّ تجبّرا ... وينوء تحت بلائها الضعفاء كم من غزاة للرسول كريمة ... فيها رضى للحقّ أو إعلاء كانت لجند الله فيها شدّة ... في إثرها للعالمين رخاء ضربوا الضلالة ضربة ذهبت بها ... فعلى الجهالة والضلال عفاء دعموا على الحرب السلام، وطالما ... حقنت دماء في الزمان دماء الحقّ عرض الله، كلّ أبيّة ... بين النفوس حمى له ووقاء هل كان حول محمد من قومه ... إلا صبىّ واحد ونساء؟ فدعا، فلبّى في القبائل عصبة ... مستضعفون، قلائل أنضاء «2» ردّوا ببأس العزم عنه من الأذى ... ما لا تردّ الصخرة الصماء والحقّ والإيمان إن صبّا على ... برد ففيه كتيبة خرساء «3» نسفوا بناء الشّرك، فهو خرائب ... واستأصلوا الأصنام، فهي هباء «4» يمشون تغضى الأرض منهم هيبة ... وبهم حيال نعيمها إعصاء حتى إذا فتحت لهم أطرافها ... لم يطغهم ترف ولا نعماء يا من له عزّ الشفاعة وحده ... وهو المنّزه، ما له شفعاء عرش القيامة أنت تحت لوائه ... والحوض أنت حياله السّقاء

_ (1) مضى السيف مضاء: قطع- (2) النضو: المهزول من الأبل وغيرها- (3) الكتيبة الخرساء: التي لا يسمع فيها صوت- (4) الهباء: الغبار.

تروي وتسقي الصالحين ثوابهم ... والصالحات ذخائر وجزاء ألمثل هذا ذقت في الدنيا الطّوى ... وانشقّ من خلق عليك رداء؟ لي في مديحك يا رسول عرائس ... تيّمن فيك، وشاقهنّ جلاء «1» هنّ الحسان، فإن قبلت تكرّما ... فمهورهن شفاعة حسناء أنت الذي نظم البريّة دينه ... ماذا يقول وينظم الشّعراء؟ المصلحون أصابع جمعت يدا ... هي أنت، بل أنت اليد البيضاء ما جئت بابك مادحا، بل داعيا ... ومن المديح تضرّع ودعاء أدعوك عن قومى الضّعاف لأزمة ... في مثلها يلقى عليك رجاء أدرى رسول الله أنّ نفوسهم ... ركبت هواها، والقلوب هواء؟ متفكّكون، فما تضمّ نفوسهم ... ثقة، ولا جمع القلوب صفاء رقدوا، وغرّهم نعيم باطل ... ونعيم قوم في القيود بلاء ظلموا شريعتك التي نلنا بها ... ما لم ينل في رومة الفقهاء مشت الحضارة في سناها، واهتدى ... في الدّين والدّنيا بها السعداء صلى عليك الله ما صحب الدّجى ... حاد، وحنّت بالفلا وجناء «2» واستقبل الرّضوان في غرفاتهم ... بجنان عدن آلك السّمحاء خير الوسائل، من يقع منهم على ... سبب إليك فحسبى (الزّهراء)

_ (1) شاقه الحب: هاجه- (2) الوجناء: الناقة الشديدة.

رسالة محمد ... رسالة الله

رسالة محمد ... رسالة الله (شاعر القطرين: خليل مطران) رسالة الله لا تنهى بلا خصب ... يشقى الأمين وتغريب وتنكيد رسالة الله لو حلت على جبل ... لاندك منها وأضحى بطن أخدود ولو تحملها بحر لشب لظى ... وجف وانهال فيه كل جلمود فليس بدعا اذا ناء الصفي بها ... وبات في ألم منها وتسهيد ينوى الترحل عن أهل وعن وطن ... وفي جوانجه أحزان مكبود يكاد يمكث لولا أن تداركه ... أمر الإله لأمر منه موعود فإذا غلا القوم في إيذائه خطلا ... وشردوا تابعيه كل تشريد دعا الموالين ازماعا لهجرته ... فلم يجبه سوى الرهط الصناديد مضى هو البدء والصديق يصحبه ... يغامر الحزن في تيهاء صيخود موليا وجهه شطر المدينة في ... ليل أغر على الأدهار مشهود حتى اذا اتخذ الغار الأمين حمى ... ونام بين صفاه نوم مجهود حماه وشى بباب الغار منسدل ... من الالى هددوه شر تهديد يا للعقيدة والصديق في سهر ... تؤذيه أفعى ويبكي غير منجود إن العقيدة إن صحت وزلزلها ... مغنى القرى فهي حصن غير مهدود أما الصحاب الذين استأخروا فتلوا ... سارين في كل مسرى غير مرصود ما جند قيصر أو كسرى اذا افتخروا ... كهؤلاء الأعزاء المطاريد كأنهم في الدجى والنجم شاهدهم ... فرسان رؤيا لشأن غير معهود كأنهم وضياء الصبح كاشفهم ... آمال خير سرت في مهجة البيد

في حيطة الله ماشعّت أسنتهم ... فوق الظلال على المهربة القود عانى محمّد ما عانى بهجرته ... لمأرب في سبيل الله محمود وكم غزاة وكم حرب تجشّمها ... حتى يعود بتمكين وتأييد كذا الحياة جهاد، والجهاد على ... قدر الحياة، ومن فادى بها فودي

ذكرى سيد الوجود محمد صلى الله عليه وسلم

ذكرى سيد الوجود محمّد صلّى الله عليه وسلّم (محمد البزم) نبيّ حبا عدنان فضلا وسؤددا ... فعمّت جميع العالمين مواهبه أخو همم لا يدرك الدهر شأوها ... ويجهلها أعداؤه وأقاربه رأى الكون في تيه من الجهل أسفع ... تشقّ عباب الداجيات مراكبه فأطلع في آفاقه فرقد الهدى ... إلى أن أصاب الحقّ في الليل حاطبه وقيدت له الدنيا مقادة طائع ... ذلول فكانت في سواها مآربه محمّد إني عن مديحك عاجز ... وشأو بباني دون ما أنا طالبه أتيت وقد شاخ الزمان فردّه ... نداك فتيّا بعد ما اربّدّ حالته سطعت وليل الغيّ ملق جرانه ... على الكون تهمى بالرزايا سحائبه يواتيك وحي لا يرام ومنطق ... بوادره محمودة وعواقبه فجئت بقرآن حوى كلّ حكمة ... أنارت دياجي الكائنات كواكبه ينص فتصمى الظالمين حدوده ... ويتلى فتردي المارقين ثواقبه وقوّمت من زيغ الأعاريب فاستووا ... على منهج للعدل يأمن راكبه ورضت جماح المستبدّين راكبا ... من الحقّ متنا يوضح السمت لا حبه تلطفت بالغاوي فطورا تلينه ... وحينا تصاديه وآنا تغالبه جلوت عمايات القلوب فأبصرت ... وزيحت عن اللّبّ السليم غياهبه ودافعت عن ذات الإله بعزمة ... متى رامت الجبّار صاحت نوادبه وأوصيت خيرا بالكنائس مانعا ... ذويها، وجيش الحقّ تمضي قواضبه صقلت حواشي الدهر فانصاع طيّعا ... وأذعن لا تسري بشرّ عقاربه

وقلّمت أظفار الزمان فأعرضت ... عن الضارع المسكين تنأى مصائبه وذي أشر أنعمت بالخير قلبه ... وقد أنعمت بالشّرّ قبلا ترائبه وذي دربة راز الزمان تركته ... كذي الجهل ما أجدت عليه تجاربه وغضبة حقّ في على العرب غادرت ... عدوّ بني عدنان سفلا مراتبه وفيلق ظلم سار كالبحر زاخرا ... يجرّ به ذيل الغواية ساحبه بعثت به جيشا من الرّعب فارعوى ... تضيق به أجواؤه وسباسبه يخفّ إليك الدارعون مخافة ... وقد أمنت أطفاله وكواعبه تحوطك من عليا قريش عصابة ... لها الفلك الدوّار تعنو ذوائبه جررت بهم ما بين شرق ومغرب ... كتائب عزم نائيات رغائبه إذا مرّ منهم موكب لاح موكب ... تمجّ زعاف الموت صرفا مقانبه بكلّ فتى ماضي العزائم لهذم ... إذا اعتزّ شأن العرب يعتزّ جانبه يرومون مجدا لا تنى عزماتهم ... عن المجد حتى يدرك المجد خاطبه دفعت بهم في وجه كلّ عظيمة ... فخاضوا إليها الموت دهما مساربه فأسأرت للأقوام في كل وجهة ... جدا لم تشبه بالأذاة شوائبه وغادرت للإسلام صرحا ممرّدا ... تناطح أعنان السمّاء مناكبه فلا زال من فرقانك البرّ للورى ... مناهل هدي صافيات مشاربه

«المولد»

«المولد» (خليل مردم بك) إن كان باليمين هذا اليوم قد سنحا «1» ... كم يوم شؤم علينا بعده برحا «2» تبسّم الفجر عن ميلاد مؤتمن ... لولاه فجر الهدى في الكون ما وضحا لولا (محمد) ظلّ الناس بعضهم ... ربّا لبعض وما كان الهدى رجحا ساوى بشرعته ما بين أمته ... فأكرم الناس عند الحق من صلحا (محمّد) وهو يدعو الرسل إخوته ... إلى المؤاخاة في الأديان قد طمحا أبكى الطواغيت في ذات الإله وكم ... من مدمع ليتيم بائس مسحا واسى اليتامى وعال المعدمين وكم ... عمّن أساء وآذاه لقد صفحا أدال «3» للشرق ممن كان يرهقه ... ذلا شديدا وظلما بينا فدحا ولو أضاءت بجوّ الغرب دعوته ... لدان بالرفق أو عن غيّه لصحا ما الجاهلية من طبعي ولست كمن ... طرق التعصب في دين النبي نحا «4» لكن أراني الحجي من بعد تبصرة ... بأنه خير هاد صادق نصحا لا فرق عندي في الأديان قاطبة ... لكفّ صدري لدين المصطفى انشرحا إن الأولى كانت (الحبشان) تحكمهم ... وعامل الفرس يمشي بينهم مرحا (هرقل) ذعرا رمى بالصولجان لهم ... وتاج كسرى لديهم بات مطّرحا

_ (1) سنح مر من المياسر الى الميامن. (2) برح مر من الميامن الى المياسر. (3) أدال: يقال أدال الله فلانا من عدوه جعل له الكرة عليه فغلبه بالظفر. (4) نحا: اقتفى.

خطوا على وجه هذا الدهر منقبة ... آلت إلى خلف من بعدهم فمحا أعظم بهم سلفا واعجب له خلفا ... للذل والهون من بعد العلى جنحا أنىّ تسكعت الإسلام في ظلم ... وكان دينهم نورا وما برحا المسلمون وما يحصى لهم عدد ... دارت على جمعهم للنائبات رحى المسلمون وما يحصى لهم عدد ... دارت على جمعهم للنائبات رحى لا سيما العرب منهم إنّ دهرهم ... أشاح عنهم بوجه عابس كلحا مستضعفون عبيد في ديارهم ... يد الشقاق أدارت بينهم قدحا على تقاسمهم من دون غيرهم ... يبيت مختلف الأقوام مصطلحا ما من قبيل ولا شعب له خطر ... إلّا ومن دمهم أو مالهم نضحا وكل شعب شريك في دمائهم ... فمجهز هبّ يعدو إثر من جرحا إذا شكوا ضرّهم كانت شكايتهم ... شكوى الذبيح بعينيه لمن ذبحا أقول والعين لا تنفك دامعة ... والقلب بالهمّ والأحزان قد طفحا يا منقذ العرب والإسلام انهما ... تحت إضطهاد شعوب الأرض قد رزحا «1»

_ (1) رزح: ألقى بنفسه أعياء.

عيد البرية

عيد البرية (للشاعر القروي) عيد البريّة عيد المولد النبوي ... في المشرقين له والمغربين دوي عيد النبي بن عبد الله من طلعت ... شمس الهداية من قرآنه العلوي بدا من القفر نورا للورى وهدى ... يا للتمدّن عمّ الكون من بدوي يا صاحب السيف لم تفلل مضاربه ... اليوم يقطر ذلا سيفك الدموي يا فاتح الأرض ميدانا لقوته ... صارت بلادك ميدانا لكل قوي يا حبذا عهد بغداد وأندلس ... عهد بروحي أفدي عوده وذوي من كان في ريبة من ضخم دولته ... فليتل ما في تواريخ الشعوب روي يا قوم هذا مسيحيّ يذكركم ... لا ينهض الشرق إلّا حبّنا الأخوي فإن ذكرتم رسول الله تكرمة ... فبلغوه سلام الشاعر القروي

ذكرى محمد صلى الله عليه وسلم في عيد ميلاد

ذكرى محمد صلّى الله عليه وسلّم في عيد ميلاد (محمود غنيم) هو عيد ميلاد ابن عبد مناف ... لا عيد مخترع ولا كشاف أكبرت قدرك يا ابن عبد الله عن ... تأليف أوزان ونحت قواف ما أنت إلا عيلم لم يكتشف ... يطغى بلجّته على الوصّاف بحر خضمّ غير أن جمانه ... ما زال سرّا داخل الأصداف لولاك لانقطع الزمان فلم تكن ... حلقاته موصولة الأطراف دجت القرون فقام دينك حارسا ... يحمي ذمار حضارة الأسلاف هزّ الوجود بكفّه في مهده ... طفل يتيم من كنانة عاف جادت به الفلوات أصفى طينة ... وطوية من جوّهنّ الصّافي وأشدّ من هضباتهنّ صلابة ... وأهبّ من إعصارهن السّافي فإذا الأكاسر خاضعون لحكمه ... وإذا القياصر مرغمو الآناف فتحت مبادئه الحصون أمامه ... قبل الصورام والقنا الرعّاف غزت القلوب بسحرها فكأنها ... قد لامست منهنّ كل شغاف أين الذي يغزو القلوب من الذى ... يغزو الرقاب بحدّة الأسياف؟ تلك المبادىء- وهي شتى- جمعت ... في مبدأين: الحقّ والإنصاف آخى ابن عبد الله بين معاشر ... يتناحرون تناحر الأخياف لانت قناتهمو لدعوته وما ... لانت قناتهمو لغمز ثقاف ولقد يروض الأسد رائضها ولا ... يتغيّر الطبع الغليظ الجافى

هذا هو الإعجاز لا بحر ولا ... بدر قد انشقّا إلى أنصاف آي من الذكر الحكيم أتى بها ... فإذا القلوب تلين بعد جفاف ولو أنّ ألفى دوحة سجدا له ... ما كان ذلك بالدليل الكافى عجبا! أجاء محمد بالسحر فى ... آياته أم شابها بسلاف؟ أم كان تنويما خضوعهمو له ... ما ذلك السر العويص الخافي؟ أسرت قريش مسلما في غزوة ... فمضى بلا وجل إلى السياف سألوه هل يرضيك أنك سالم ... ولك النبي فدى من الإتلاف فأجاب كلا لا سلمت من الردى ... ويصاب أنف محمد برعاف أقسمت ما كان النبي محمد ... بمشعوذ كلا ولا عرّاف ليس النبي بساحر يتلو الرّقى ... ويخيف بالأشباح والأطياف لكنه الإيمان من يظفر به ... يلق المفاوز سهلة الأكناف لو آمن الجبل ارتقى فوق السّهى ... بقودام من ريشه وخواف هذا الذي جعل النبيّ ورهطه ... إن حاربوا انتصروا على الأضعاف يزداد في ساح الوغى إيمانهم ... فيقابلون الموت باستخفاف يستضعفون لقلّة لكنهم ... بوثوقهم في الله غير ضعاف فإذا دعوا للحرب هبّوا أودعوا ... للمال عفّوا عنه أىّ عفاف قم سائل الأعراب أية دولة ... نهضوا بها حملا على الأكتاف بزّت أثينا في الحضارة أمة ... لم تأو غير مضارب وفياف شغلوا بفلسفة وعلم بعد ما ... شغلوا بوصف منازل وأثاف تخذو القصور مساكنا وتسر بلوا ... بالخز لا الأوبار والأصواف فإذا الجزيرة بعد جدب جنة ... ميّاسة مهتزّة الأعطاف يا ربّ أسطول بنوه كأنه ... بحر خضمّ فوق آخر طاف السّوقة الأجلاف قد حكموا الورى ... أنعم بحكم السوقة الأجلاف ما شئت من عدل وتسوية ومن ... شورى فيا لثلاثة الأحلاف

يا شرق يا مهد الشرائع رحمة ... لك، ما لأهلك فيك كالأضياف؟ يا شرق أنت لكل شمس مطلع ... ما بال أفقك حالك الأسداف أعزز علينا أن نراك تئنّ من ... تقييد أقدام وشدّ كتاف بدأت من الشرق الحضارة سيرها ... أفما لرحلتها من استئناف؟

نور على الأفق

نور على الأفق (أنور العطار) صفوة الخلق أي نور على الأف ... ق بهى جم التلاميح حائم! سطعت من سناك هذي السموا ... ت ورفت بك الدنا والعوالم أنت نجوى الأرواح في كل جيل ... وشعاع الهدى، وروح النواسم تتناجى بك القلوب الحيارى ... وتغنى بك النفوس الهوائم ياسماء الجلال يا رفرف الخل ... د ويا صورة النعيم الدائم لأصوغن من نداك الأناشي ... د وأفتن في ضروب الملاحم كل بيت يكاد يقطر بالرف ... ق ويخضل بالدموع السواجم يا نداء المعذبين الأسارى ... ودعاء المروعات النوادم! كلهم لا جىء إليك يرجي ... ك، وكل معلق بك هائم ظفروا منك بالسماحات تترى ... وغنوا بالرضا الشهي المناعم دينك السمح شرعة من علاء ... وحنان وطيبة ومراحم الهدايات حانيات عليه ... والعنايات طائفات حوائم سعدت بالهدى رحاب الصحارى ... وتلالت فيها الموامى الطواسم أعشب القفر منه وازدهر الحجر الصل ... د، وفاضت منه العيون النواجم وتندت هذى الرمال العطاشى ... كالآلى فرائدا، وتوائم تتغنى فيهتف الكون جذلا ... ن وتهتز في العلا الغمائم

فهي حلم على الليالي جميل ... وهي ناى على مدى الدهر ناغم يا نبي الهدى لقد ذلت العر ... ب وقيدت الى الردى بالشكائم سلبت حقها وديس حماها ... واستكانت لمستبد هادم يا سماء اهبطي، ويا أرض ميدي ... غصب الألأمون مجد الأكارم

الكعبة الزهراء

الكعبة الزهراء (بدوي الجبل) (مهداة إلى أعتاب أبي الزهراء صلوات الله عليه) بنور على أم القرى وبطيب ... غسلت فؤادي من أسى ولهيب لثمت الثّرى سبعا وكحّلت مقلتي ... بحسن كأسرار السماء مهيب وأمسكت قلبي لا يطير إلى (منى) ... بأعبائه من لهفة ووجيب فيا مهجتي: وادي الأمين محمد ... خصيب الهدى: والزرع غير خصيب هنا الكعبة الزهراء. والوحي والشذا ... هنا النور. فافني في هواه وذوبي ويا مهجتي: بين الحطيم وزمزم ... تركت دموعي شافعا لذنوبي وفي الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي ... وعطّر أبواب السماء نحيبي مواكب كالأمواج، عجّ دعاؤها ... ونار الضحى حمراء ذات شبوب

وردّدت الصحراء شرقا ومغربا ... صدى نغم من لوعة ورتوب تلاقوا عليها، من غني ومعدم ... ومن صبية زغب الجناح وشيب نظائر فيها: بردهم برد محرم ... يضوع شذا: والقلب قلب منيب أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا ... بأفيح- من عفو الإله- رحيب وذلّ لعزّ الله كلّ مسوّد ... ورقّ لخوف الله كل صليب ولو أنّ عندي للشّباب بقيّة ... خففت إليها فوق ظهر نجيب أنام على الكثبان يؤنس وحدتي ... بغام مهاة أو هماهم ذيب ولي غفوة في كل ظلّ لقيته ... ووقفة سقيا عند كل قليب هتكت حجاب الصمت بيني وبينها ... (بشبّابة) سكرى الحنين خلوب حبست بها جنّيّة (معبدية) «1» ... وفرّجت عن غمّائها بثقوب

_ (1) نسبة الى شيخ المغنين معبد قال الشاعر القديم: وما قصبات السبق الا لمعبد.

وركب عليها، وسم أخفاف عيسهم ... وهام تهاوت للكرى وجنوب وألف سراب ما كفرت بحسنها ... وإن فاجأت غدرانها بنضوب وضجّة صمت جلجلت. ثمّ وادعت ... ورقّت، كأخفى همسة ودبيب وأطياف جنّ في بحار رمالها ... تصارع حالي طفوة ورسوب وتعطفني الأرام فيها نوافرا ... إلى رشأ في الغوطتين ربيب يعلّلني- والصدق فيه سجية ... بوعد مطول باللقاء كذوب وبدّلت حسنا ضاحك الدلّ ناعما ... بحسن عنيف في الرمال كئيب ومن صحب الصحراء هام بعالم ... من السحر جنّي الطيوف رهيب وللفلك الأسمى، فضول لسرها ... ففي كلّ نجم منه عين رقيب أرى بخيال السحب- خطو محمد ... على مخصب من بيدها وجديب وسمر خيام مزّق الصمت عندها ... حماحم خيل بشّرت بركوب

ونارا على نجد من الرمل أوقدت ... لنجدة محروم وغوث حريب وتكبيرة في الفجر سالت مع الصّبا ... نعيم فياف واخضلال سهوب أشمّ الرمال السمر: في كل حفنة ... من الرّمل، دنيا من هوى وطيوب على كل نجد منه نفح ملائك ... وفي كل واد منه سرّ غيوب توحّدت بالصحراء. حتّى مغيبها ... ومشهدها من مشهدي ومغيبي ومن هذه الصحراء، أنوار مرسل ... ورايات منصور. وبدع خطيب ومن هذه الصحراء، شعر تبرّجت ... به كل سكرى بالدلال عروب تعطّر في أنغامه ورحيقه ... وريّاه: عطري مبسم وسبيب «1» ترشّ النجوم النور فيها ممسّكا ... فأترع أحلامي وأهرق كوبي وما أكرم الصحراء ... تصدى ... ونمنمت ... لنا برد ظل كالنعيم رطيب ويغفو بها التاريخ، حتى ترجّه ... بداهية صلب القناة أريب شكا الدهر مما أتعبته رمالها ... ولم تشك فيه من وفى ولغوب

_ (1) السبيب- خصلة الشعر.

وصبر من الصحراء، أحكمت نسجه ... سموت به عن محنتي وكروبي ومن هذه الصحراء.. صيغت سجيّتي ... فكل عجيب الدهر غير عجيب يرنّح شعري باللوى كلّ بانة ... ويندى بشعري فيه كل كثيب ولولا الجراح الداميات بمهجتي ... لأسكر نجدا والحجاز نسيبي وهيهات ما لوّم الكريم سجيّتي ... ولا بغضه عند الجفاء نصيبي نقلت إلى قلبي حياء وعفّة ... أسارير وجهي من أسى وقطوب وعرّتني الأيام ممن أحبهم ... كأيك- تحاماه الربيع- سليب وربّ بعيد عنك أحلى من المنى ... وربّ قريب الدار غير قريب وويح الغواني: ما أمنت خطوبها ... وقد أمنت بعد المشيب خطوبي وكيف وثوبي للزّمان وأهله ... وللشيب أصفاد يعقن وثوبي أفي كل يوم لوعة بعد لوعة ... لغربة أهل أو لفقد حبيب ويا رب: في قلبي ندوب جديدة ... تريد القرى من سالفات ندوب

يريد حسابي ظالم بعد ظالم ... وما غير جبّار السماء حسيبي ويا رب: صن بالحب قومي مؤلّفا ... شتات قلوب لا شتات دروب ويا رب: لا تقبل صفاء بشاشة ... إذا لم يصاحبه صفاء قلوب تداووا من الجلى بجلى ... وخلّفوا ... وراءهم الإسلام خير طبيب ويا رب: في الإسلام نور ورحمة ... وشوق نسيب نازح لنسيب فألّف على الإسلام دنيا تمزّقت ... إلى أمم مقهورة وشعوب وكلّ بعيد حجّ للبيت أوهفا ... إليه- وإن شطّ المزار- قريبي سجايا من الإسلام: سمح حنانها ... فلا شعب عن نعمائها بغريب وآمنت أنّ الحب خير ونعمة ... ولا خير عندي في وغى وحروب وكل خضيب الكف فتحا وصولة ... فداء لكف بالعبير خضيب وآمنت أنّ الحب والنور واحد ... ويكفر باللألاء كل مريب

ولو كان في وسعي حنانا ورحمة ... لجنّبت أعدائي لقاء شعوب «1» ويا رب: لم أشرك ولم أعرف الأذى ... وصنت شبابي عنهما ومشيبي وإني- وإن جاوزت هذين سالما ... لأكبر لولا جود عفوك حوبي «2» وأهرب كبرا أو حياء لزلتي ... ومنك، نعم، لكن إليك هروبي وأجلو عيوبي نادمات حواسرا ... وأستر إلّا في حماك عيوبي وأيّ ذنوب ليس تمحى لشاعر ... معنّى بألوان الجمال طروب ولو شهدت حور الجنان مدامعي ... ترشّفن في هول الحساب غروبي «3» وأنزلت أحزاني على قبر أحمد ... ضيوف كريم النبعتين وهوب مدحت رسول الله أرجو ثوابه ... وحاشا الندى أن لا يكون مثيبي

_ (1) شعوب بفتح الشين: الموت. (2) الحوب- الذنب. (3) الغروب- الدموع.

وقفت بباب الله ثمّ ببابه ... وقوف ملحّ بالسؤال دؤوب صفاء على اسم الله غير مكدّر ... وحبّ لذات الله غير مشوب وأزهى بتظليل الغمام لأحمد ... وعذب برود من يديه سروب فإن كان سرّ الله فوق غمامة ... تظل وماء سائغ لشروب «1» ففي معجز القرآن والدولة التي ... بناها عليه مقنع للبيب ويا رب، عند القبر قبر محمد ... دعاء قريح المقلتين سليب بجمر هوى عند الحجيج لمكة ... ودمع على طهر (المقام) سكوب بشوق على نعماه، ضمّ جوانح ... ووجد على ريّاه زرّ جيوب ترفّق بقومي واحمهم من ملمّة ... لقد نشبت أو آذنت بنشوب وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى ... فقد ترجع الأحلام بعد عزوب وردّ القلوب الحاقدات إلى ند ... من الحبّ فوّاح الظلال عشيب

_ (1) شروب بضم الشين والراء (جمع شارب) .

تدفقت الأمواج والليل كافر ... وهبّ جنون الريح كلّ هبوب رمى اليمّ أنضاء السفين بمارد ... من اليمّ تيّاه الحتوف غضوب يزلزلها يمنى ويسرى مزمجرا ... ويضغمها من هوله بنيوب يرقّصها حينا وحينا يرجّها ... ويوجز حالي هدأة ووثوب وترفعها عجلى وعجلى تحطها ... لعوب من الأمواج جدّ لعوب وأيقن أنضاء السفينة بالردى ... يطالعهم في جيئة وذهوب ولما استطال اليأس يكسو وجوههم ... بألوانه من صفرة وشحوب دعوا يا أبا الزهراء والحتف زاحف ... عليهم: لقد وفّقتم بمجيب وأسلست الريح القياد كأنها ... نسيم هفا من شمأل وجنوب وباده لطف الله من يمن أحمد ... ببرد على غري الرجاء- قشيب وأقعدني عنك الضّنى فبعثتها ... شوارد شعر لم ترع بضريب

أقمت وآمالي إليك مجدّة ... تلفّ شروقا معتما بغروب وترشدها أطياب قبرك في الدجى ... فتعصمها من حيرة ونكوب وعند أبي الزهراء حطّت رحالها ... بساح جواد للثناء كسوب جلوت على وادي العقيق فريدتي ... ففاز حسيب منهما بحسيب تتيه حضارات الشعوب بشاعر ... وتكمل أسباب العلى بأديب

يوم أحمد

يوم أحمد (بشائر النعمى) (سليم الزركلي) جلالك وحي الشّعر، إنك مسعدي ... فهب لي سحر القول في يوم «أحمد» صحا الكون من ضلّاته، وغدا به ... يسير على نهج الرشاد المسدّد فأشرق مرجوّ الهدايات، وانبرى ... يوطّىء للسّارين سبل التّجدّد وراحت قريش بالسّماحة والنّدى ... وبالوحي والتّنزيل في ظلّ مرشد أطلّ على الدّنيا كأنّ فتونه ... نواسم تغدو بالرّبيع المنضّد تفتّح آفاق النّفوس وتنثني ... تروض مغاليق الفؤاد المصفّد وتنفح بالهدي الحلوم، فتغتدي ... سوافر عما استودعت من توقّد أطلّ وأجناد الحياة نقائص ... وأبناؤها أسرى الهوى والتّردّد ولا ضير في شين، ولا ضير في أذى ... ولا عار في غدر، ولا في توجّد إذا الشرّ ما استشرى فللشرّ وثبة ... تقطّع أسباب الوفا والتّودّد فأيقظ للخير الفصائل، فاستوت ... تقوّم من شأن الحياة المؤوّد فطافت بها للنعيمات بشائر ... وحلّق في أجوائها كلّ مجهد «فيض النور» فديتك أنشدني على الوجد والأسى ... ملاحم فجر في الزّمان مخلّد وخذ بيدي، والذّكريات تحفّ بي ... نواجي، للماضي الدّفين الموسّد دع اللّيل والأفلاك بين شعابه ... تهدهد أحلام الخليّ المسهّد وعد نجتل الأسحار، والفيض مسعف ... وذو الوجد في السّلوى يروح ويغتدي وللنّسمات الخاطرات نواديا ... خواطر قلب بالضّياء مسرّد

"حلم الصحراء"

شدا الفجر في إرنانها يستحثّها ... تهلّل في إصباحه العاطر النّدي فثمّة إشعاع يكحّل بالنّدى ... عيون رجاء بالضّلال مقيّد تمرّ به الغايات خفق بروقه ... وتقعد من غاياته شرّ مقعد وثمّ تلاحين تعلّ كؤوسها ال ... ملائك في ظلّ ظليل مبرّد تسبّح للرحمن والعرش سجّدا ... وتنسم في ركب الرّجاء المهدهد وثمّ خيالات من البطل تنطوي ... على أنّها جند الهزيم المشرّد وثمّ ضلالات تذوب وتمّحي ... وكلّ عريق في الأثام هو الرّدي وثمّ هدايات ترفّ طيوفها ... على أنّها جند العزيز المؤيّد وثمّ سماء العبقريّات تنتشي ... بريح إمام في العباقر سيّد حفين به، حتى إذا الغيد بشّرت ... بخير وليد في الأنام ومولد تفتّحت الدّنيا، وفاض جلالها ... وسار علاها في ركاب «محمّد» «حلم الصحراء» سجا اللّيل، فالصّحراء حلم منمّق ... وملء إهابيها الأمانيّ في غد تقلّب في دنيا من العطر والشّذا ... وتمرح في دهر من النّور سرمدي وتخطر في وشي الأزاهر، والهوى ... يطوف بها، كالغيد في ظلّ أغيد كأنّ تسابيح الرّمال بحمدها ... مزامير داوود، وألحان معبد تفتّح للأمر الجليل جفونها ... وتغمض في إغفاءة المتلدّد غدا تخطب الأجبال والبيد ودّها ... ونعم الذي تعطيه للمتودّد غدا تخفق الرايات فوق ربوعها ... وتمعن في الفتح المبين الممهّد وللملك الجبّار سجدة طائع ... وبذل نثار من نضار وعسجد وللحقّ دولات، إذا البيد نضّرت ... بهنّ، سما فيها على كلّ فرقد

"صبح الحق"

«صبح الحق» تبلّج صبح الحقّ، فانماث باطل ... وتلك الفيافي، في نعيم وسؤدد إذا ما نسيم الوحي فاح أريجه ... ونادى منادي اللّيل: يا كون فاسعد وراحت بشاشات الرّمال نواجيا ... ورجّعت الأصداء ترجيع منشد زها الملك في أعطافها، فكأنّها ... رءوم زكا في حجرها كلّ أصيد تزجّ بأفلاذ العلى في مهامه ... تصيّد باز الكفر بالقلب واليد وتبعثها كالشّهب تصدع غيهبا ... وتحطم أصنام الهوى والتّعدّد فأصبحت الجنّات طوع يمينها ... ومن يهو جنّات الهدايات يرفد حباها «ابن عبد الله» خير تراثها ... من المجد، والعيش السّعيد المرغّد وألبسها من عزّة الملك ما غدت ... تتيه به عجبا على كلّ فدفد «محمد» صلّى الله عليه وسلّم «محمّد» يا فخر العروبة، قد غدا ... يطيبب بهدي منك كل مهنّد سننت على الأجيال شرعة ماجد ... يرى الهون في ذلّ النّفوس المبدّد مهرت العلى كنز الصّدور إذا ونى ... أخو الهمّ عن بذل الفداء فلم يد ولقّنتنا معنى الإباء مجرّدا ... وكيف يقاد الظّلم في شرّ مقود وعلّمتنا صبر الكريم على الأذى ... إذا ما غدا رهنا بأشراف مقصد وكيف نهوض العبقريّة عن هوى ... إلى المجد تحبوه بأكرم محتد فديتك فاشفع بي إذا الخيل قصّرت ... وعيّ ركوبي في رضاك ومصعدي فإنك كالبحر الذي لا يحدّه ... خيال ولا يحصيه قول معدّد غنيت، ولم أفقر بحبّك مسلما ... وباسمك يحلو يا الأمين تشهّدي تحنّ إلى أرض نزلت، جوارحي ... وتمعن في تحنانها والتّهجّد إذا ما الهوى ألقى إليّ زمامه ... وكان طريفي في هواك ومتلدي سكبت على قبر يضمّك مهجتي ... وصحت: أيا نفسي على الحبّ فاخلدي

"شكوى"

لك المجد، فالأبطال عندك خشّع ... وخير عقول الناس منك بمرفد «شكوى» شكوت لك الجلى، وكم من مدامع ... أذرّفها في إثر عان ومقعد وفوق خدود صيّر الذّلّ وردها ... هشيما، وكانت كالرّجاء المورّد وعند ربوع كم أطافت سعودها ... وكم نفحت من صادح ومغرّد سطا الشّرّ في أرض، تبارك ربّها، ... فأعمل فيها حدّ ناب ومبرد وسيّرها دهماء، لا تعرف الونى، ... تصول على دنيا العلى والتّعبّد فما تركت للآمنين مناعما ... ولا وجلت من هتك غيد وخرّد ولا أجفلت من قتل شيخ، ولا عفت ... عن الرّضّع الأطهار، والناحل الصّدي ونحن على حال من الهمّ مفجع ... نسام فلا نأبى، فنرمى بأنكد شربنا القذى، حتّى استخفّ بنا القذى ... وهان على هاماتنا وطء معتد ولم تتلهّب في الضّمائر نخوة ... لمحو هوان في الرّؤوس معرّد يعزّ على الاسلام يا سيّد الورى ... نفوس تلقّى الذّلّ في خير معبد أدرها على الأكوان صرخة أروع ... أضاع كريم المجد، في الله منجد لعلّ ضمير العرب، في حالك الدّجى ... يثور فيستعلي، ويزهى بأيّد نفخت به سالف الدهر فانبرى ... يشيد ويبني، والممالك تقتدي فأحي به ميت العزائم ينتفض ... لرجع يهزّ الكبرياء وسدّد عليك سلام الله ما ضاء كوكب ... وما لاح نور في خلود مؤبّد

لمحة (عمر أو ريشة) أوقفي الركب يا رمال البيد ... إنه تاه في مداك البعيد ظمئت نوقه وجفّ فم الحا ... دي وغصّت لهاته بالنشيد والأشدّاء يلهثون كخيل ال ... غزو عادت من يومها المشهود عصفت في جفونهم ريحك الهو ... جاء والشمس عربدت في الخدود والصبايا من الهوادج ينظر ... ن الى الأفق نظرة المفؤود ليس يبصرن منك غير هضاب ... في هضاب مبعثرات الحدود! غابت الشمس يا رمال.. وهذا ال ... ركب في قبضة العياء الشديد وحبا الليل يا رمال وهذا ال ... ركب أضنته وطأة التسهيد فهوى فاقد الرجاء يرى المو ... ت مشيحا بمنجل من حديد فتراءت اليه نار على البع ... د فكانت ايماءة للشريد فسرى في سنائها فأطلت ... خلفها مكة الفخار التليد يا عروس الرمال يا قبس التا ... ئه في مهمه الضلال المبيد أمن الركب في حماك فردّيه ... إلى ذكريات تلك العهود يوم أرخى على جوانيك الوحي ... جناحين من سماء الخلود حاملا آية النبوة ما بين ... شفاه علوية التأييد!! صبها قبلة على فم طفل ... قرشي النجار سامي الجدود! وحواليه من حمام الفرادي ... س حسان مرنحات القدود ساحبات بيض البرود كما لو ... جمد النور فوق تلك البرود يتزاحمن واثبات ويلثم ... ن من الشوق مبسم المولود!

فاذا بالسماء تهمي تسابيح ... وتدوي أصداؤها في الوجود وإذا الكون بعد عيسى تعرّى ... نصب عيني محمد من جديد!! درج الطفل والهداية تحبو ... هـ بتاج من السناء فريد «وبحيرا» في الدير يضرب في ال ... ناقوس بشرى بالسيد المنشود والذؤآبات من قريش سكارى ... في هوى الجاهلية العربيد! هتكت كبرياؤهم سنن العق ... ل وصالت بشرعها المردود كم بنات لم تنفطم وأدتها ... كفّ باغ على القضاء عتيد كم وراء الجدران في الكعبة العص ... ماء من عابد ومن معبود جلجلت صرخة النبيّ فردّت ... رجع أصدائها أعالي النجود وأشاحت يسراه بالمعول الصل ... د ويمناه بالكتاب المجيد!! فتهاوت تلك الصفوف من الأص ... نام عن أوج عرشها المعقود وتبارت- الله أكبر تعلو ... من شفاه المؤذن الغريد!! أخذت غضبة البداوة تخبو ... بعد إعنات ضلة وجحود إنها النفس لا تبدل طبعا ... ألفته فكيف نفس الحقود ومن الصعب أن يشاهد أعمى ... قبس الحق في الليالي السود يوم «بدر» فضّ النزاع وبث ال ... رعب في كل أشهب صنديد «فقريش» مغلوبة وأبو سف ... يان في شبه رجفة الرعديد والميامين في المدينة يطوو ... ن سيوف السلام طي الغمود فأتم النبي آيته الكبرى ... على شعبه الكريم الودود وانطوت بعدها الهيولى فثارت ... فتنة في النفوس ذات وقود وتلاشت كأنها حلم الذعر ... بجفن المسهد المكدود!! الفجاءآت كم تزلزل عزما ... وترد الرشيد غير رشيد!!

دفقت موجة الهدى تغسل الشر ... ك وتروي النفوس بالتوحيد وتبث الوئام والحب والرح ... مة ما بين سيد ومسود مذهب ضجت الأعاجم منه ... وتعاموا عن شرعه المحمود ورأوا فيه ما يدكّ عروشا ... شيدوها بالظلم والتهديد فرمت بالكتائب الخرس «روما» ... وبأبطالها الغزاة الصيد وطغى الهول والكتائب ماجت ... في خضم من القنا والبنود فأطلت تلك الفلول من العر ... ب بعزم النبوة المشدود وانحنت فوق ضمّر تعلك اللج ... م وتنزو مجنونة في الصعيد! وأغارت ترمي الفوارس رميا ... وتحز الوريد أثر الوريد كلما انهار حائط من جنود ... اتبعته بحائط من جنود وضفاف «اليرموك» ترسل منها ... زمزمات الحداء لابن الوليد!! جولة ترعف الصورام فيها ... وتصيح الأكف هل من مزيد جولة كفّنت بها الروم حلما ... بين أنقاض صرحها المهدود! وكأن اندحارها لم يرد «ال ... فرس» عن نشر بغيها المعهود سخرّت كلّ فيلق كسروي ... لم يذق قبل نكبة التشريد! مزقته في القادسية تلك ال ... بيض والسمر في أكف الأسود إن طود الرمال تحمله الريح ... وتذريه في الفضاء المديد بسطت كفها الهداية والشر ... ق تفيّا بظلها الممدود رافعا مشعل الحضارة والغر ... ب صريع في غفوة من جمود إن في الشام من معاوية ... السمح بقايا من الدهاء السديد وببغداد مسحة من نعيم ... تتغنى بذكريات «الرشيد» وبغرناطة من الملك النا ... صر آثار روعة «التشييد» أمة يعربية تركت في ... مسمع الدهر آية التمجيد؟

إنما عقبّها البنون فزجوا ... بالمروآت في بطون اللحود أسكرتهم لذائذ الترف الأه ... وج عن يقظة القضاء العنيد وتلوّت ما بينهم تنفث الس ... م أفاعي حفائظ وحقود! وتناسوا ما بثه السيد الأع ... ظم من سنة الوئام الأكيد وخبت نارهم وصبت عليهم ... عاصفات التعذيب والتنكيد فاذا جبهة الشموخ لطيم ... تتنزى بالجرح عند السجود وانتهت سيرة الجدود الينا ... فجررنا القيود أثر القيود! والتفتنا فلم نجد غير ملك ... مزقته أصابع التبديد ونهدنا للذود عنه ولكن ... ما حملنا غير الاباء الحميد! ورجعنا فكم جريح كئيب ... يتلوّى وكم قتيل شهيد!! يا عروس الرمال يا قبس التا ... ئه في مهمه الضلال المبيد نحن في هذه البلاد كذاك ... الركب نمشي في طالع منكود انظري فالجموع شاخصة الأب ... صار ترنو الى ضياك الوحيد فامددي الكف للكرام فغبن ... أن تعيش الكرام عيش العبيد!

الدرارى واللآل لمدح محمد والآل (صالح طه) (مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقصيدة فيها 99 بيتا من النوع المهمل (الكلمات ذات الأحرف غير المنقطة فقط) جاء فيها:) اسر الأسود هلال سلع والحمى ... لمّا رعى آل اللّوى ولهم حمى وسرى هواه الى المعالم كلّها ... ووصاله امر محال واللّمى اسما وسلمى وعدهم وسراهموا ... واللى اعلم ما المراد له! ما عسسّا له ملك الهصور مدرعا ... وهوارم المرأى رموه مكلّما ووسامه ملك الكمال وأهله ... وله سواحر مهمهم سحر الدّمى راح السرور وماله راح الكرو ... م سلامه وأرى اللّواحى حصرما امّا هواه للودود مواصل ... ولكم دعى الى المدائح هوّما ومحمّد لولا الهدى وكلومه ... ما هام صالح لا ولا همل الدما

صحراء يثرب (جورج صيدح) لا يعجز الله الذي ... إن قال كن للشيء كان أمر الرمال فاطلعت ... صحراء يثرب أقحوان للرسل آيات وهذا ال ... طفل آيته البيان الروح يملي ما يتر ... جمه ونعم الترجمان بالضاد آذن ربه ... فتخلدت لغة الأذان يا صاحبي بأي آلا ... ء الرسول تكذبان؟ شرفا حراء الغار هل ... كحراء في الدنيا مكان أخذ الشهادة من شفا ... هـ المصطفىء أخذ البنان في صدره ضم النجى ... وصان معجزة الزمان وتنزلت أم الكتا ... ب على اليتيم مع اللبان فهدى الأعارب ذلك ... الأمي بالسور الحسان أضحوا وفي الدنيا لهم ... شأن وعند الله شان يا صاحبي بأي آلا ... ءالنبي تكذبان؟ يا من سريت على البرا ... ق وجزت أشواط العنان آن الأوان لأن تجد ... د ليلة المعراج.. آن عرج على القدس الشر ... يف ففيه أقداس تهان

ضج الحجيج به ور ... يع ضريحه والمسجدان والقوم ألسنة ... مبللة كأن الحشر حان هذي «سدوم» تصاعد ... النيران منها والدخان والذعر يحدو الشاردين ... كأنهم قطعان ضان ماذا دهاهم هل عصو ... ك فأصبح الغازي جبان أنت الذي علمتهم ... دفع المهانة بالسنان ونذرت للشهداء ... جنات وخيرات حسان يا صاحبي بأي آلا ... ء النبي تكذبان؟

من القلب (صالح جودت) يا حبيبا لست أخشى فيه عين الرقباء ... أتمناه، ولا يمنعني عنه حيائي هو في البأساء عوني، وهو في الليالي ضيائي ... وعليه صلواتي ... ولمغناه دعائي يا حبيب الله والناس ... ويا نور السماء ... يا مجيري من مصيري، يا أمير الأنبياء يا شفيعي، يوم لا يسأل عني شفعائي ... يا ثرائي يوم ألقى عرض الدنيا ورائي أنا غنّيت بذكراك صباحي ومسائي ... وبذكراك انتشت روحي فأبدعت غنائي وبنجواك ازدهت نفسي وتاهت خيلائي ... وعلى بابك يا أحمد ألقيت رجائي كلما عانيت ناديتك فانداح عنائي ... يا بشير المسلمين المؤمنين الأتقياء إن تكن عني رضيا فأنا في السعداء ... يا حبيب الله والناس ... ويا نور السماء

قصيدة إلى محمّد في ذكرى مولد الرّسول العربيّ الكريم مثل الإنسان الأعلى على مرّ العصور (يوسف الخطيب) إني لحاسر رأسي، غير منتعل ... حاد لك التوق، لم أرجع، ولم أصل مسافر فيك، غاد عنك في سفر ... حلّي لديك، على الآفاق، مرتحلي مطيتي خيل أحلامي أسابقها ... وصاحباي زمير الريح في الأسل أدني الى الأرض أذني، أقتفي اثرا ... لو يصهل الرمل بالخيالة الأول لكنني جثّني التاريخ ناحية ... لما عقدت زؤان الصيف في السّبل فها أنا، ميت حي، تنازعني ... يدي اليك، وأيد جمة الغيل

مذ متّ جذري بأسباب الى حجر ... فانبتّ، خذني الى بستانك الخضل إني لحاسر رأسي، غير منتعل ... حاد لك التوق، لم أرجع، ولم أصل آنست نارك في الظلماء آن خبت ... على مدار الدجى كذابة الشعل أهلي على جبل الزيتون مطغاة ... جراحهم، من أضان الكون من جبل زيتونة الله حسبي دون شعلتها ... لو حلم مشكاتها في جفني السّمل آتيك أنت، أنادي خلف أزمنة ... ما بيننا، وسواف وعرة السبل ورائي الشمس ليل في هجيرتها ... وسدت الأرض، من خلفي، ومن قبلي وجزت أهلي بأرض الطور، أعينهم ... مقروحة في دخان الجن والخبل خلّفت جلدة وجهي فوق توسجة ... ورايتي في عجاج الرمل، والرّمل وعارض لي بالأحقاف خاتلني ... عن وابل الأفق، في أفق من الوبل مزقت في اللات صدري أستغيث به ... فما تغيّثت من لات ولا هبل

ولا الغرانيق أغنتها شفاعتها ... في يوم أبرهة، عنها، فتشفع لي صماء، معوجة أنفا، وأعرفها ... واغيرة النّصب الأزلام إن أقل بلى أقول، إله التمر ألعنه ... والنافحين بخور القات والبصل أعلى العليين من فيهم، فأنبئه ... أحقّ والله في جنبيك سيف علي هم أمنع الصخر أن تندى جباههمو ... وأطيع العير متن العار، والذّلل من أعطو الذئب سلطانا ومقدرة ... فانظر قرونهمو في ربقّة الحمل آتيك أنت، وما خليت من افق ... الا استطالت عليه راية الفشل آتيك، أهمز خيلا غير مسرجة ... لما تعليت آلامي إلى أملي كن عودتي في خيام الحزن انشرها ... حمراء الوية خفاقة الجذل كن شعلتي في ضلوع الليل اغمدها ... كن غيمتي فوق قحط الروح وانهمل كن همتي عندهم الحق اطلبه ... كن امتي، بعد، من جلت على الجلل كن في ربيعك عودا خالدا، وعلى ... نقع الميادين، رفد النور والامل

أم اليتيم يتيم الدهر، لا عقب ... رحماك يا أمة وحمى بلا حبل وما أنبيّك، لا الاقصى بذي سبب ... ولا الى الملأ الأعلى بذي رسل تبدلت سحن، أخرى، بساحته ... الا عمائم رمز النسك والوجل الا النقوش على التيجان من ذهب ... حال النهار على الدنيا، ولم تحل حتى الإمام غدا بيّاع احجبة ... ألن يكيل إليّ اللص إن أكل وفي المغارة، طفل الله شاخصة ... عيناه في موعد باك على الطّفل أمّاه، يا أمّة، حبا ومرحمة ... صوغي لفوديه تاج الشمس والقبل واحثي رمادك يا كنعان نازعة ... في الله من جدل أعلى، إلى جدل لكنني عدت، يوحنا بلا وبر ... على الصحارى، قشيب الخفّ والحلل آتيك أنت، بلا درب، يخاتلني ... عنك السراب، وموج الزيغ والزلل ولو تناوبت درب القدس في عمر ... ما كان عبدي قضى نحبا، ولا جملي

لكن، أنخت بوادي الصخر راحلتي ... واد من السلف الأنباط يرجع لي خزائني فيه صوان، وآلهتي ... اهش من رنة الفخار في القلل عدت الشقيّ على رسم اماحكه ... وعاج غيري على زوّادتي بدلي ضيّعت في إرم الفا أضيّعها ... برية السمن، والتاريخ، والعسل ضيّعت، ضيّعت، للأحصي نثار يدي ... طائيّ قفر أداري قيلة البخل ضيّعت، عن غنمي بالأمس، أدعيتي ... وانجمي في بهيم الليل، عن ابلي بي، بعد، ذاك الذي هدّمت خيمته ... الوائد النسوة، الباكي على ظلل الضائع، الأشعث، المغبّر من سفر ... في غير ما سفر يوما، ولا نزل آتيك أنت، وبي غلّ، وأجنحة ... فصام حد الردى، والبعث، في رجل ولو تقرّيتني ألفيت في جسدي ... غيري، وخلت بثغري ذات منتحل ما أعلم النبض في صدري، أدفق دمي ... أم داب ناعورة دوّارة الملل تقطّعت بي عرى، من أين اوصلها ... إن لم أصل بك أشلائي، ولم تصل

بي منك، أعلم، هام غير خافضة ... فلا تقل بك مني لفتة الخجل يتيم مكّة، ما يتمي تراب أب ... يتمي تراب المدى ذي السهل والجبل إخال لي وطن الدنيا وجنّتها ... وليس لي فيه حتى حفرة الأجل وما عدوت بلا وجه على أحد ... حتى عدا قبلي المنحوت في بطل قد جانب السيف لحمي في الوغي ودمي ... وحزني السيف في روحي وفي مثلي قم داوني كرمة علويّة، ورؤى ... إني سئمت حواة السيف والعذل هميّ لديك ثمالات معتقة ... يرعشن في جنان الغائب الثمل أفض خوابي حراء من عرائشها ... وصبّ في الليل، ضوء الله في المقل

مع الهجرة على مشارف القرن الخامس عشر ( «محمد منذر لطفي» ) (مهداة إلى الرسول العربي الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم بمناسبة انقضاء «1400» سنة على هجرته الشريفة من مكة إلى المدينة المنورة.) نجمان من غرر الأصول ... نجم الرسالة.. والرسول هذا شفاء للنفوس.. ... وذاك هدي للعقول قد كان في «أم القرى» ... ليلان.. ظلهما ثقيل شرك وجهل مطبقان.. ... فهل إلى برء سبيل..؟ حتى تجلى النيران.. ... فأزهر الليل الطويل يا موسم الفجر الندي.. ... وموسم الصبح الخضيل ما انتما إلا الشروق، ... أطلّ يجتاح الأفول ما أنتما إلا الخميل ... أظل صحراء الطلول ما أنتما إلا الشباب ... يضوع في كل الفصول ما أنتما في «مكة» ... إلا الرسالة والرسول يا من أضاء دجى الدروب. ... .. فأشرقت كل الدروب الحق شرعك ... فامضي فيه. ... . فأنت رائدنا الحبيب عميت عقول الناس دهرا. ... .. والضمائر والقلوب

فانشر مصابيح الضياء ... على المدائن والشعوب ضاقت «قريش» بنورك ... الوضاء ... بالدوح الرطيب فمضت تدبر في الخفاء ... ... وفي الضحى أمرا عصيب لكنّ من حفظ الإله ... فليس ندركه الخطوب «فاصدع بما تؤمر» وهاجر ... ... إن مولاك «الحسيب» خرج «الرسول» وراح يحس ... والترب في كل العيون ويمر ... فالحراس في سن ... ة عن الكنز الثمين حتى إذا طلع الصباح.. ... . ووشح البيت الحزين دخلت «قريش» فهالها «اللا ... شيء» والصمت المبين لم تلق في البيت الرسول ... ... ولم تجد إلا الخدين حارت ... وحار دليلها الأ ... شقى ... وحاديها اللعين حتى إذا لاحت له ... آثار أقدام «الأمين» ثارت حفيظته.. وراح ... يدق ناقوس المنون قصد الرسول «الغار» و «الصديق» في جنح الظلام ... والقوم ... يا للقوم كانوا غارقين مع النيام ... ! وبنية سمراء يعمر قلبها النور التمام ... راحت تشق نطاقها تخفي عن القوم الطعام تسعى إلى الغار الذي قد ضم آمال الأنام ... نسجت عناكبه الخيوط ... وباض بالباب الحمام حتى إذا وصلت «قريش» الغار.. واحتدم الكلام ... أوحى إليه الله أن القوم قد ضلوا المرام

فرنا إلى «الصديق» في بشر يزف له السلام ... ويقول: إن الله ثالثنا.. فلا تخشى اللئام مرت ثلاث ... ثم لما أعقب الليل.. النهار ... حضر الغلام يقود راحلة.. فضاء الانتظار هيا ... وراحا ينهبان السهل والبيد القفار ... ومضت «قريش» ببحثها المحموم تسأل كل دار هذا الكمي «سراقة» أغرته جائزة الحرار «1» ... لكنّ من حفظ الإله فليس يدركه العشار حتى إذا لاحت لهم واحات «يثرب» والجدار ... راحت مواكبها تموج.. وزين اللقيا انتصار وطلعت بدرا «من ثنيات الوداع» على الديار ... من كل مثلك يا «محمد» لن يضل ولن يخيب ما كان أحوجنا إليك.. وقد تكاثرت الخطوب ... ما كان أحوجنا لمن نشر الأخوة في الشعوب لا فرق في جنس ... وفي لون ... وفي حسب قريب ... الفرق بالأعمال.. فاصنع دولة.. تأبى الغروب إن صوّحت جناتها ... فغدا تماوج بالطيوب ولئن خبت نيرانها ... فغدا يباركنا اللهيب أكبرت شرعك أن يغيبه زمان ... أو يغيب ... أكبرته.. أكبرت مكة، والمدينة، والحبيب أدعو الإله بأن تكون لي الشفيع من الذنوب ... أدعوه ... وهو هو السميع.. هو الغفور.. هو المجيب

_ (1) جمع حرة ... وهي الناقة الكريمة.

صفات الرّسول (إلياس قنصل) (حلم الشاعر أنه في أرض النبوة فكانت هذه القصيدة) حباك رضاء الله ما كنت تطلب ... فهل لك بعد الآن يا قلب ما رب؟ أنا اليوم في أرض النبوة والتقى ... يجللني من هالة الوحي كوكب انطلق عهد الحق من جنباتها ... فضاء الهدى وانجاب للبطل غيهب وعز بما فيه من الخير مشرق ... وأحرز منه رحمة الصفح مغرب وزعزع دنيا بالحقود كئيبة ... وركز دنيا بالتساهل تطرب على صخرة الإيمان قام أساسها ... فعي عن التهديم فيها المخرب ووطد عدلا أفقه ليس ينتهي ... وركن آمنا بدره ليس يحجب وسنرى فما في الناس يشمخ سيد ... تذل كما تهوي الرقاب وتضرب ولا لاتقاء السوط جنس مصفد ... ولا لاحتمال اللطم شعب معذب وليس للون المرء أية قيمة ... إذا لم يميّزه صنيع مطيب ولا فضل للإنسان يغزر كسبه ... إذا لم يكن للفضل ما هو يكسب لمن رام أن يحظى بنعمة ربه ... فما بسوى التقوى إلى الله يقرب وخطط للدارين نهجا مسددا ... أماني من يجري به لا تخيب وفك عن الأفهام أطواق غلها ... وكانت بصحراء الفدامة تغرب نعست كما شاء الخيال طليقة ... طرائفها الغراء تنمو وتثقب وأبعد خوفا لا يبرره غد ... وما الخوف إلا النزاع أو هو أصعب وزلزل عدوان القوي تشده ... وجاهة مال من يد الفقر تسلب وحض على المعروف من غير منة ... يزول بها الأجر الذي كان يرقب وهيأ للأجيال شرعا محددا ... يسدد ما تحتاجه ويدرب

وثبت آلاء الأخوة جاليا ... مآثر يهديها الولا والتحبب وقوم أسباب التعاون فاغتدى ... نظاما على فوضى الجفا يتغلب وقائعها للباحثين خوارق ... وتفسير ما فيها من الفوز أغرب وما انتصر الفولاذ في ساحة الوغى ... رماحا إلى صدر العدو تصوب بل انتصر العزم الذي شد أزره ... وفاء لما أوحاه طبع مهذب وما اندحر الجيش الذي عاش خائفا ... وباغته جيش جريء مدرب بل اندحر العهد الذي كان أمره ... مشيئة من يردي ويطغو ويغصب لئن شاءت الدنيا من العرب همة ... إذا جارت الأرزاء تعلو وتصلب فما نشر الإسلام سيف مجرد ... ولا عمم الإسلام عزم مرتب ولكن كتاب لم ير الناس مثله ... مناهله للخير تنمو وتعذب يشع على هام الدهور بيانه ... ويخلد ملك الضاد منه ويقشب شرائعه في كل عصر وبيئة ... مثال لما يلي الرشاد ويوجب لو اتبعت أهدت إلى العالم المنى ... وبات على زهر الصفا يتقلب وأمسى التراضي سنة مستحبة ... وزال التجافي واضمحل التحزب فلست تلاقي من يجور ويعتدي ... ولست تلاقي من يخاف ويكأب وما نشر الإسلام جيش مرتب ... عليم بأسرار الوقائع محرب ولكن صفات في الرسول كريمة ... ببوتقة، الأحداث تسمو وتنجب تجلى بها «الإنسان» يدنو بخلقه ... إلى قمة فيها الكمال المنصب يقابل بالصبر الجميل ضغائنا ... تمادى بها وغد يسب ويثلب ويعفو عن الأسرى وكان وعيدهم ... بما في نواياهم من الثأر يلهب ويطلب رأي الآخرين ورأيه ... متى بدت الآراء أعلى وأصوب ويوصي بإسعاف الفقير وإن يكن ... عدوا لدودا في الوقيعة يدأب إذا جاءه الملهوف فهو له أخ ... وإن جاءه المحروم فهو له أب وإن عاد ذو إثم عن الإثم نادما ... يغض عن الماضي ولا يتعتب ويحنو على الشيخ الذي جف عزمه ... ويحبو مع الطفل البريء ويلعب

ويرفض إلا الصدق في كل موقف ... ولو كان فيه ما يضر وينكب ويمعن في صوغ المديح لمحسن ... ويحبس عنه عذله حين يذنب تواضعه، والنبل فيه فضيلة ... وليس كلالا خلفه الضعف يسرب صفات نبي أحسن الله خلقه ... نفوس الورى من رفدها تتهذب

هذان أنت (مصطفى عكرمة) ضمنت للحق عمر الدهر ما يجب ... يا من بك الحق يزهى حين ينتسب وعشت للحق لا ترضى به بدلا ... وإن اصابتك في تأييده النوب ما اثاقلت نفسك المثلى بفطرتها ... ولا صبوت لما لم يرتضى الأدب عرفت ربك قبل الوحي في خلد ... ما داخلته، ولا مرت به الريب فكنت أكمل من تمت خلائقه ... وعز في مثلها أن تفخر العرب هذان أنت.. قبيل الوحي خير فتى ... ويوم أرسلت نالت عزها الحقب دعوت قومك للتوحيد يعصمهم ... فما استجابوا. ولكن رأسهم ركبوا أنت الحريص عليهم والرؤوف بهم ... وما يزال رحيما قلبك الحدب يزداد حلمك فيهم عند كل أذى ... فأنت أم لهم، رغم الأذى وأب وأنت وحدك في إنقاذهم سبب ... وكي يزيلوك كل عنده سبب أغروك بالمال. بالدنيا. بما ملكت ... يد الزمان.. وكان الموقف العجب لله كوكبة قد آمنت رغبا ... وياله رغبا ما مثله رغب!! سموا بهديك عما نالهم.. ورأوا ... جنات ربك تدعوهم، وتقترب هم المشوقون.. وهي الشوق برحها ... ما ضر من أجلها لو أنهم صلبوا عذبا رأوا كل تعذيب، وكم صبروا ... وزاد ما عذبوا الإيمان والدأب الصدق إن عاهدوا يزهى وإن بذلوا ... حسبت أن أياديهم هي السحب يستكثر الناس منهم بعض ما وهبوا ... وهم يرون قليلا كل ما وهبوا جيل سيبقى فريدا في عقيدته ... وأعجب الأمر ما في أمرهم كذب هل كان مثل (أبي بكر) أخو ورع ... وأين من بأسه إما دهت نوب!! وأين من (عمر) عدلا؟! وأين ترى ... في الزهد مثل (أبي ذر) إذا نسبوا

وأين مثل (بلال) في الثبات؟! وهل ... (كآل ياسر) صبرا تعرف الكتب!! لله أنت.. ولله الذي فعلت ... آيات ربك فيهم حيثما طلبوا! بوركت قائدهم.. بوركت صاحبهم ... وبوركوا صحبة وفوا لمن صحبوا أدنى الأقارب صار الأبعدون، وما ... أغنى مع الكفر لا قرب ولا نسب يدا (أبي لهب) تبت، وتب بها ... والزوج تبت، وتب المال والحطب ما كان أغناه وهو العم لو لمست ... كف الهدى قلبه.. واستبرد اللهب ضاقت قوى الشر بالحق الذي ظهرت ... آياته.. وتنزى الحقد والغضب وأجمعوا الأمر في سر، وقد جعلوا ... لقاتليك نياقا دونها الذهب في كل نفس أثاروا الحقد فارتفعت ... كل السيوف. وأنت القصد والطلب تجمعوا زمرا بالباب واحتشدوا ... مدججين ... وموج الحقد يصطخب وظل روحك في قدسي رفرفة ... وأنت تبسم لا حقد ولا رهب ما كان همك إلا أن ترد لهم ... ما أمنوك عليه رغم ما ارتكبوا هذا هو الدين.. هذا ما بعثت به ... وتلك اخلاق من عن دينهم رغبوا أوحى لك الله هاجر للأولى صدقوا ... فالمؤمنون هم الأوطان والنسب ولا ترعك حشود الأرض أجمعها ... فانما الأمر بعد الصبر ينقلب خرجت من بعد أن أبقيت مؤتمنا ... على ودائعهم.. تعطى متى طلبوا أقام ربك سدا فوق أعينهم ... وقد أحسوا وكل رأسه ترب شاهت وجوه ولولا ما دعوت لما ... شاهت.. فأحقادهم في وجههم تثب تركت (مكة) خير الأرض قاطبة ... ورحت عنها برب البيت تحتسب وما التفت إلى أهل، ولا نشب ... فدون ما تبتغيه الأهل والنشب صاحبت في الرحلة الكبرى أخا ثقة ... من مثل صاحبك (الصديق) يصطحب أقمت في (الغار) أياما على سغب ... وفي رضى الله كم يحلو لك السغب من قاب قوسين أو أدنى قد اقتربوا ... وما رأوك ومنك النور ينكسب إرادة الله أعمتهم، ونلت بها ... برد اليقين، وعانوا الذل وانسحبوا طلعت من غارك المحروس شمس ضحى ... والكون صعد شكرا قلبه الطرب

من ذا الذي هب مثل الريح يسبقه ... حقد.. ويحمله من قومه الغضب؟! هذا (سراقة) يرجو نيل ما وعدوا ... وكاد يظفر لولا (غارت الركب) وعدته بسوار الملك يلبسه ... أملك كسرى وأنت اللائذ التعب؟! وارتد عنك كمن بالكف يمسكه ... حتى بوعدك هذا دونك الكذب يا شوق (طيبة) والبشرى تظللها ... ما مثل ما ارتقبت في الدهر مرتقب بدر بدا من (ثنيات الوداع) لها ... إلا له لا يليق الشوق والطرب كأن تربتها تبرا قد انقلبت ... كأنما هي ثراها أمست الشهب هي الجنان وأهلوها ملائكة ... لو كان في الأرض أملاك لها انتسبوا المال، والنفس، والأهلون إن طلبت ... فداء دين الذي ما كان منسحب الدين تممت الأنصار نصرته ... ولم يحل دونها بذل ولا تعب وكل شرك تولى. وامحى، وغدت ... رايات جندك تعلو أينما ركبوا وعدت للبيت عودا لا أعز، وها ... أنت القدير عليهم أينما ذهبوا وجاءك القوم في ذل، وقد نكسوا ... رؤوسهم.. وعليهم سيطر الرعب (ماذا تظنون إني فاعل بكم) ... ساءلتهم.. وقلوب القوم تضطرب قالوا: وأدنى أذى منهم أتاك إذا ... عدلت فيهم أبيدوا.. بعد أن غلبوا أخ كريم علينا أنت، وابن أخ ... وران صمت.. وكل قلبه يجب قلت: اذهوا انتم الطّلقاء. فانقلبوا ... لكن على ما مضى منهم قد انقلبوا قلت اذهبوا؟! يا له الرحمن من خلق ... هو الرسالة شقت دونها الحجب!! وجاءك النصر. نصر الله واكتملت ... بك الرسالات وانقادت لك الحقب يا أكمل الناس في قول، وفي عمل ... أمسى لهجرتك التاريخ ينتسب تمضي القرون وتبقى أنت قدوتها ... فأنت من بهداه تمت الكتب

§1/1