مخالفات تقع فيها بعض النساء

محمد حسن عبد الغفار

مكانة المرأة في الإسلام

مخالفات تقع فيها بعض النساء - مكانة المرأة في الإسلام الإسلام لقد كانت المرأة في الجاهلية مهدورة الكرامة، أما الإسلام فقد أعطاها منزلة رفيعة، وأمرها بآداب وأخلاف يكون بها صلاحها وصلاح المجتمع، وإن لم تتحلَّ بها فقد تقع في مخالفات شرعية من أعظمها: التبرج السافر في اللباس والنقاب، وخروجها متعطرة إلى المساجد أو غيرها.

مكانة المرأة في الجاهلية والإسلام

مكانة المرأة في الجاهلية والإسلام إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: مكانة المرأة في الإسلام عظيمة جداً بعدما كانت في الجاهلية مهدورة الكرامة كالزي البالي الخلق، وقد صور الله لنا حالها في الجاهلية تصويراً بديعاً بقوله جل في علاه: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9] فما كان لها كرامة، بل كان الرجل إذا تزوج امرأة في الجاهلية ومات عنها فإنها تصبح ملكاً لأوليائه أو لورثته، فيرثها أخوه أو أبوه، وقد تكون جارية، أو يتزوجها أخوه، ولا يمكن أن تنفك عنهم بحال من الأحوال، ثم جاء الإسلام وعظمَّ مكانة المرأة وقيمتها وكرامتها، وأحيا فيها الأخلاقيات السامية مثل الحياء وغيره فأراد الإسلام أن يجعل المرأة في سياج عظيم، ويوقر مكانتها، ويبين احترامها لنفسها ولغيرها، فوضع لها ضوابط لا بد أن تسير عليها.

الضوابط الإسلامية للمرأة

الضوابط الإسلامية للمرأة من الضوابط التي لا بد للمرأة أن تتحلى بها: أن تقر في بيتها ولا تخرج إلا لحاجة، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33] والنبي صلى الله عليه وسلم يبين أن أفضل العبادات على الإطلاق هي الصلاة التي هي صلة بين العبد وبين ربه جل في علاه، ثم بين مكانة الصلاة في المساجد، وأن المرأة لا تمنع منها إن أتت بالضوابط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ثم بين لهن الخيرية في ذلك وهو صلاتهن في بيوتهن، فقال: (وبيوتهن خير لهن). ولما رأت عائشة في زمن أواخر الصحابة ما تفعله النساء، قالت: لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تفعل النساء ما رخص لهن بالخروج في المساجد، فما منعت نساء بني إسرائيل من المساجد إلا لذلك. فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل للمرأة ضوابط للخروج من البيت إلى المسجد، فلابد للمرأة أن تتحلى بها. والمخالفات التي تقع فيها النساء عظيمة جداً، فالمرأة تأثيرها على الرجل بالبصر وبالشم، وهي لا تتأثر بالرجل إلا باللمس أو بالهمس، فالمرأة من قوة تأثيرها على الرجال أنها تهيج غرائزه، أي: تحركها بمجرد البصر، والمرأة حباها الله جل في علاه مقومات في شخصيتها وفي جسدها يمكن أن يتأثر بها الرجل، وأما المرأة فلا تتأثر إلا باللمس أو بالهمس، أي: بالغزل أو بالكلام الطيب، فخطورة المرأة على الرجل أشد من خطورة الرجل على المرأة، وهذا هو الذي جعل بعض العلماء يقول: إنه يجوز للمرأة أن تنظر للرجال بشرط أن يكون نظراً عاماً، لا نظراً فيه شهوة، ولهم في ذلك أدلة قوية منها: المرأة الخثعمية التي وقفت تسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت تنظر للفضل بن عباس والفضل ينظر لها، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فأدار وجه المرأة الخثعمية بعصاه، وأدار وجه الفضل بيده، ولم ينكر على المرأة، فهذا فيه دلالة على أن المرأة لها أن تنظر إلى الرجل نظراً عاماً لا نظراً خاصاً أو بشهوة. وأيضاً: الحديث الصحيح أن عائشة كانت تحب كثيراً أن تترفع على نساء النبي، وتظهر مكانتها عند النبي صلى الله عليه وسلم. في ذات يوم أرادت إظهار مكانتها إذ دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فسألته: أتحبني؟ (فقال: أحبك، فتقول: وما علامة ذلك؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: خذي هذا الدرهم علامة على حبي لكِ) فكانت تترفع بذلك على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم عادلاً في قسمته، فلما أعطاها الدرهم ذهب إلى كل امرأة من أزواجه فأعطى كل واحدة منهن درهماً، فلما اجتمعن جميعاً في مكان واحد ومعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قامت عائشة فقالت: (يا رسول الله! من أحب النساء إليك؟ قال: التي أعطيتها درهماً). وفي أحد الأعياد والحبشة يلعبون في المسجد بالحراب، فأخذت عائشة تنظر إليهم، فتضع خدها على خد رسول الله، ونساء النبي يشهدن مكانتها وموقعها عند النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول لها: (اكتفيتِ؟ فتقول: لا، ما اكتفيت، وتقول: ليس لي حظ في الرؤية) أي: أنها لا تريد أن ترى الحبشة وهم يلعبون، وإنما تريد أن تري النساء مكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. والشاهد من هذه القصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح لها أن ترى الحبشة وهم يلعبون بالحراب في المسجد، ولم ينكر عليها، فهذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك قال العلماء: يجوز للمرأة؛ أن ترى الرجال أو تنظر إليه نظراً عاماً، وهذا القول من الوجاهة بمكان، والأحوط لها أن لا تنظر. ولما كان الرجل يتأثر سريعاً بالنظر إلى المرأة فقد وضع الله جل في علاه سياجاً على المرأة، بأن لا تخرج من البيت إلا لحاجة، فإذا خرجت فلا بد لها أن تلتزم بآداب معينة، فلا تتبرج قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33].

صور التبرج الذي نهى الله عنه

صور التبرج الذي نهى الله عنه التبرج السافر الذي يراه كل أحد له ألوان متعددة، فمنه: أولاً: التبرج الحضاري العصري، وهو أن تلبس المرأة عباءة تصف أجزاءها وأعضاءها، بأن تكون على الكتف فتحده وتظهر العضو أمام الرجال، فهذا من التبرج بمكان؛ لأنه يصف. أيضاً: إن كان اللباس ضيقاً فإنه يظهر أجزاء المرأة وأعضاءها فهذا تبرج. وأيضاً: النقاب الذي إلى الوجنة؛ ليظهر بياض البشرة مع سواد النقاب، فإنه يفتن الرجال وإن كانوا ملتزمين، فالنقاب لا يجعل للمرأة احترامها وكرامتها، فإنه يجعل الرجال يغازلونها ويعاكسونها، خاصة إذا لم يكن وليها رقيباً عليها، ولم تحترم نفسها، لأن النقاب في حد ذاته فتنة، فلو ألبست بقرة النقاب وأظهرت عينيها فقط، فإن الإنسان سيفتتن بها؛ لأنه شغوف فيما أخفي عنه، فللمرأة أن تتقي الله في زيها وأن تنتقب النقاب الصحيح، بأن ترفعه إلى العين، وإن كانت لا تستطيع الرؤية بذلك فتفعل بما قاله ابن عباس بأن تغطي العين اليمنى وتبقي العين اليسرى فقط؛ لترى بها، ولا تظهر شيئاً من الوجنة أو من الحاجب أو من الجبين؛ حتى لا تفتن ولا تفتن. إذاً: المخالفة الأولى هي في الزي الذي ترتديه المرأة المنتقبة، بأن يكون ضيقاً بحيث يحد أو يصف العضو، أو تلبس العباءة على الكتف فتصف جسدها فيكون هذا من التبرج بمكان، أو تلبس النقاب المشهور الآن مع خلع القفازين، فإن كانت المرأة لا تعتقد وجوب النقاب، فالأفضل لها أن تخلعه وتكون سافرة الوجه؛ لأنَّ هذا النقاب يثير غرائز الرجال. ثانياً: خروج المرأة المنتقبة إلى المساجد، فإنها تقع عند ذلك في مخالفات، أهمها: التطيب أو التعطر، وللمرأة في نساء الأنصار أسوة حسنة، لما أنزل الله جل في علاه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59]، وقال الله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور:31] قالت عائشة: رحم الله نساء الأنصار عمدن إلى مروطهن فتلفعن بها. وفي الرواية في الصحيح قالت: كن يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم الفجر متلفعات بمروطهن -ثم وصفت وصفاً عجيباً لا بد لكل امرأة أن تدقق في هذا الوصف- كأنهن الغرابيب السود. فالغراب الأسود لا يرى منه أي شيء إلا العين، فعلى المرأة أن تتحلى بهذا الزي ويكون لها أسوة بنساء الأنصار وتسارع لأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم. فإذا خرجت المرأة إلى المسجد، فلا بد لها أن تتأدب بآداب الخروج إلى المساجد، بعدم التطيب أو التعطر وللمرأة طيبان: الطيب الأول: لون لا رائحة فيه. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (طيب المرأة لون لا رائحة فيه، وطيب الرجال رائحة ليس فيه لون) إن صح الأثر، لكن الصحيح الراجح أن للمرأة طيبين، الطيب الأول: طيب لا رائحة فيه، أي: له لون دون رائحة. والطيب الثاني: له رائحة، وهذا محظور عليها أن تتطيب به، فإن خرجت متعطرة أتاها الوعيد الشديد، وهذا من الكبائر، فلو وضعت الطيب في إصبعها أو تحت الأذن وخرجت إلى المسجد أو إلى غيره، فقد فعلت كبيرة مثل الزنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك زنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرجت المرأة متعطرة أو قال: إذا تطيبت المرأة وخرجت ليجد القوم ريحها فهي زانية) وهذا تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحتاج إلى أدنى تأويل. فقوله صلى الله عليه وسلم الله: (ليجد القوم ريحها) يعني: أن تكون قاصدة لذلك. والأعجب من ذلك: أن المرأة إذا خرجت متطيبة ودخلت المسجد وصلت صلاة العصر -مثلاً- فصلاتها باطلة، وهذا من العجب بمكان إذ أن الصلاة صحيحة بشروطها وأركانها، ومع ذلك فصلاتها باطلة، وهذا على القول الراجح من أقوال العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تطيبت المرأة فخرجت إلى المسجد لا تقبل صلاتها حتى تغتسل). وهذه الرواية عن أبي هريرة، فالراوي أعلم بما روى، فـ أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه رأى امرأةً خرجت من المسجد فاشتم طيبها، فقال لها: أصليتِ العشاء؟ قالت: نعم. قال: ارجعي فاغتسلي فأعيدي صلاتك، وروى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تطيبت المرأة فخرجت إلى المسجد لا يقبل الله صلاتها حتى تغتسل). إذاً: فالمخالفة الثانية التي تقع فيها النساء: خروجهن متطيبات، فلا يصح لهن الخروج متطيبات حتى يغتسلن، وتضيع هذه الرائحة، حتى ولو كانت الرائحة رائحة الصابون الذي تغتسل به المرأة، فلا يخرجن إلى المساجد إلا تفلات، ومن باب أولى أن لا يخرجن إلى الأسواق إلاّ تفلات؛ لأن هذا المحظور إن كان في المساجد فهو في الأسواق والمجتمعات يكون أشد حظراً.

حكم المتنمصة والواشمة والواصلة

مخالفات تقع فيها بعض النساء - حكم المتنمصة والواشمة والواصلة فتنة النساء فتنة عظيمة على الرجال، ولأجل ذلك فقد حرم الله تعالى على المؤمنين النظر إليهن والخلوة بهن؛ لأن ذلك بريد الزنا، ولكن الشيطان وسوس إلى النساء، ففعلن أفعالاً تغير خلق الله، وتخفي وراءها التسخط من أقدار الله، فنهاهن النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، بل زاد في النهي أن لعن الواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والمتفلجة للحسن المغيرة لخلق الله.

مقدمة في خطر فتنة النساء

مقدمة في خطر فتنة النساء إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة في النار. ثم أما بعد: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النسا)، وإن الشيطان قد أقسم قسماً إلى يوم القيامة، وعزم على نفسه أن يضل القوم، قال تعالى: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء:119]، وقد علم الشيطان بأن النساء يمتكلن التأثير القوي على الرجال، وأنهن الحبائل أو الشراك القوي للشيطان، والسهم القاتل من أسهمه، فلهن تأثير عالٍ على الرجال بما حباهن الله من مقومات. فالمرأة جعل الله لها حدوداً حدها، حتى لا تتعداها في بيتها أو في غيره، فهو يعلم أن المرأة ضعيفة تحب أن يرى الناس جمالها، وقد قال الله جل في علاه مصوراً تصويراً بديعاً هذه المسألة بالذات: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18]، فالمرأة لا تستطيع أن تعرب عما بداخلها، لكنها تستطيع أن تزين نفسها وتظهر مواطن الجمال فيها، ولما علم الله منهن أنهن يسارعن إلى التجمل منعهن من أمور تكون سبباً للمعاصي.

تعريف الوشم

تعريف الوشم إن من الأمور التي منعت منها المرأة الوشم، وسنذكر ما يتعلق بهذه المعصية التي تقع فيها بعض النساء. والوشم: هو رسم في اليد، أو رسم في العضد، أو رسم في الذقن، وتفعله المرأة، كما أنه قد يفعله الرجل تصنعاً والوشم بالنسبة للمرأة: هو غرس الإبرة في الجلد حتى يخرج الدم، فيضع فيه الكحل أو أي لون آخر حتى يظهر ذلك بلون ملفت للنظر.

حكم الوشم

حكم الوشم قد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الوشم، وجاء في البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة)، واللعن يدل دلالة واضحة على أن الوشم من الكبائر؛ لأن العلماء قالوا في ضوابط الكبائر: إن للكبائر ثلاثة أمور تعرف بها: منها: أن يكون فيه حد، كالزنا وشرب الخمر. ومنها: الإخبار بانتفاء الإيمان عن صاحبها، وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وهذا الحديث يدخل في معناه ما تفعله بعض النساء من التعنت مع زوجها، وتمنعه من الزواج بامرأة أخرى، وهو يستطيع بدنياً ومادياً، وعنده عزم في نفسه أن يعدل، وهذا المرأة تدخل تحت الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فإن هذه المرأة لو مات عنها زوجها، أو طلقت فإنها ستشتاق إلى أن تتزوج، فإن كانت تعلم ذلك من نفسها فلتضع نفسها مكان أختها التي طلقت أو التي مات عنها زوجها، ولتتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فعليها أن تنحي هواها جانباً. إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن)، هو نفي للإيمان، ويدل على أن الذي لا يحب لأخيه ما يحبه لنفسه يقع في الكبائر، وذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، ففي هذا دلالة على أن الزنا من الكبائر؛ لأنه نفي الإيمان عن صاحبه. ومما يدل على الكبيرة: لعن صاحبها، ومثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور)، وزوارات القبور: هن اللاتي يكثرن زيارة القبور، فهن ملعونات، وهذا يدل على أن ذلك كبيرة؛ للعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك.

حكم التنمص والتفلج

حكم التنمص والتفلج جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم أنه قال: (لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات)، وفي رواية أخرى قال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة)، وقال في الرواية الأخرى أيضاً: (المتفلجات للحسن، المغيرات لخلق الله). فهنا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم الحكم ويذكر العلة، وذلك إذ أخبر أن فعل هذه الأشياء كبيرة، ملعونة فاعلتها، فلا يجوز للمرأة أن تفعل ذلك، أما لو فعلت المرأة ذلك قبل أن تعلم، فعليها أن تتوب إلى الله توبة نصوحاً، وإن استطاعت أن تضيع ذلك من وجهها أو يديها دون ضرر فعليها أن تفعل ذلك، وإن كان الضرر محققاً فلا شيء عليها، وتكفيها التوبة إلى الله جل في علاه.

معنى النمص والخلاف فيه

معنى النمص والخلاف فيه قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات)، والنمص في اللغة: هو نتف الشعر عموماً، سواء كان من الحاجب أو من الوجه أو من الورك أو من اليد أو من الرجل أو الساق، فاللغة توافق قول من قال: لا يجوز لامرأة بحال من الأحوال أن تأخذ من أي مكان من شعر جسدها، فالنتف أو النمص هو نتف الشعر عموماً، ولا يختص بالحاجب فقط. وجمهور أهل العلم وهو ترجيح النووي أن النمص: هو نتف شعر الحاجب فقط، لا شعر الوجه، وهذا الخلاف مآله إلى اللغة، فالشيخ الألباني يأخذ بقول ابن جرير الطبري ويقول: لو كان للمرأة شارب أو لحية، أو اشتد الشعر على الساق والرجل أو الورك فلا يجوز أن تنزع هذا الشعر؛ لأنها ستصاب بلعنة النبي صلى الله عليه وسلم. والراجح الصحيح هو قول الجمهور؛ لأننا لو قلنا بالقول الأول لشق على النساء ذلك، فيدخل الرجل على امرأته ويجدها ذات لحية فيطلقها، فلو قلنا بقول الألباني ومن معه لطلقت كل النساء، ولتقزز الرجال من النساء، فلا يصح هذا القول بحال من الأحوال، وليس له سلف إلا ابن جرير، وابن جرير قد خالف هنا جماهير أهل العلم. فالنمص المحرم إنما هو في الحاجب، على تفصيل، فهناك رواية عن أحمد أن العبسة التي بين الحاجبين يمكن للمرأة أن تنزعها أو تأخذها بالمقص. قال: ولو كان هناك شعر زائد يمكن أن تأخذه المرأة بالمقص، فليس بنمص، إذ النمص هو النتف، هذا هو قول الحنابلة، ورجحه الشيخ ابن عثيمين، وهذا القول وإن كان وجيهاً، لكنه مخالف لكثير من أهل العلم الذين قالوا: النمص هو نتف الشعر، سواء بالمقص أو بغيره، فهو نمص يدخل تحت عموم لعن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لعن الله النامصات والمتنمصات). ويستثنى من ذلك حالة واحدة يمكن للمرأة أن تأخذ من شعر الحاجب، وذلك إذا نزل الحاجب على العين ولم تستطع الرؤية إلا بقصه، فلها أن تقص هذا القدر الزائد كيما ترى، ولا يجوز أن تقص ما بعده؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات، والضرورات تقدر بقدرها. إذاً: فالوشم والنمص جاء فيهما اللعن، فهما من الكبائر.

تفليج الأسنان

تفليج الأسنان جاء في الحديث: (لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن)، والتفلج: هو برد الأسنان والمباعدة بين السن والأخرى؛ حتى تظهر سنها الصغير، وتظهر مواطن الجمال فيها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة بقوله: (والمتفلجات للحسن)، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يشير بهذا القيد إلى ذم المتفلجات للحسن لا للعلاج، فما كان للعلاج فلا يدخل تحت هذا الوعيد. فالمرأة التي تعمل تقويماً للأسنان، فبردت أسنانها لحشو سن معين فإنه يجوز لها ذلك، والنهي هنا خاص بما كان مخصصاً للحسن، وهذه هي الحكمة من التحريم؛ لأنهن إذا فعلن ذلك غيرن خلق الله جل في علاه، وتسخطن على أقدار الله جل في علاه؛ لأنها إن رضيت بالله رباً أي: خالقاً، وهو قد خلقها على هذه الصورة فلا يصح أن تغيرها؛ لأن تغيير هذه الصورة يدل على أنها لم ترض بالله خالقاً، وأرادت أن تجمل وتحسن من نفسها.

حكم النمص والوشم والتفلج تجملا للزوج

حكم النمص والوشم والتفلج تجملاً للزوج فإن قالت المرأة: أفعل ذلك لزوجي، كما قال ابن عباس: تتزين لي وأتزين لها، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة الصالحة: (التي إذا نظر إليها سرته) فقالت: أريد أن يسر إذا رآني فأتجمل له، وجلعت ذلك حجة لعمل النمص والتفلج. هذا أجازه بعض علماء الأزهر فقال: لو فعلت ذلك تجملاً لزوجها فقد أتت بمقاصد الشريعة، إذ من مقاصدها أن تتجمل المرأة لزوجها، سواء بالنمص، أو بالوصل، أو بالوشم، دون أن يراها الأجنبي. ولكن أين سنذهب بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله النامصات والمتنمصات)، الذي يقيد العموم؟ فسيجيبون بأن هذا العموم مخصوص بالنظر، أي: إلى مقاصد الشريعة، فإن من المقاصد أن تتجمل المرأة لزوجها حتى إذا نظر إليها سرته. فعندنا قولان: القول الأول: لا يجوز النمص بحال من الأحوال في أي مكان من الجسد، وهذا القول ضعيف من حيث الأثر ومن حيث النظر. أما من حيث الأثر فإن علماء الصحابة والتابعين علموا مراد النبي صلى الله عليه وسلم بأن النمص هو نتف شعر الحاجب. وأما اللغة: فالتعريف اللغوي واسع، ولكن يضيقه التعريف الشرعي، وإذا خالف التعريف اللغوي التعريف الشرعي فإننا نقدم تعريف الشرع. القول الثاني: لا يجوز النمص، أي: نتف الحاجب، وهو من الكبائر إلا في حالة واحدة، وهي إذا تزينت المرأة لزوجها؛ لأن من مقاصد الشريعة أن تتزين المرأة لزوجها. وهناك قول شاذ: بأن النمص هو أن تزيل المرأة الحاجب بأسره، ثم ترسم الحاجب رسماً بقلم أو نحوه، أما غير هذا فلا يكون نمصاً، وهذا مخالف لعرف الفقهاء واللغويين والأصوليين، ولا يوجد هذا المعنى في عرف أحد، وهناك نساء يفعلن هذا اغتراراً بهذه الفتوى، وهذا الكلام ساقط لا يسحق أن نرد عليه.

الرد على مجيزي التنمص للزوج

الرد على مجيزي التنمص للزوج إن القول بأنه يجوز النمص للمرأة عند زوجها لابد من الرد عليه فنقول: إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الوشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن) ثم أتى بما يوضح الأمر أكثر فقال: (المغيرات لخلق الله). فالحديث قد ذم التغيير لخلق الله جل في علاه؛ لأنه يتضمن التسخط على أقداره تعالى، فظهر أن مما تمنعه الشريعة التغيير لخلق الله، وذلك حاصل في تنمص المرأة لزوجها، فالنساء إذا فعلن ذلك غيرن من خلق الله فوقعن في المحذور. ونرد عليه كذلك بأننا معك في أن من مقاصد الشريعة التجمل للزوج، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حبب إليك من دنياكم الطيب والنساء)، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها لما جاءتها أم سلمة وتنازلت عن ليلتها قالت: (فأخذت عطري فتطيبت، ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعرض له، فقال: هذه ليست ليلتك، فقالت له: فضل الله يؤتيه من يشاء). ومن مقاصد الشريعة أن تتزين المرأة لزوجها، فلا تدخل عليه عابسة دائماً، أو برائحة تنفره منها، بل لابد أن تدخل عليه برؤية ما هو مباح منها، لا ما هو محرم؛ لكي لا نصادم الشريعة نفسها، فيحل لها أن ترتدي كل الثياب، وأن تتجمل له، ولها أن تجعل تسريحات معينة غير المنهي عنها، أما المحرم فلا يجوز أن تتزين به. نرد عليه كذلك بأن نقول: إن فهم الصحابة مهم في الحكم، والراوي أعلم بما روى، وقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه دخلت عليه امرأة فعلت هذا الوشم، فقال لها: لعن الله الواشمات والمستوشمات أو قال: لعنة الله على الواشمات والمستوشمات، والمتفلجات للحسن، لعنة الله على النامصات والمتنمصات، فرجعت المرأة على استحياء فقرأت كتاب الله ثم جاءت، فقالت: قرأت كتاب الله من أوله إلى آخره، فما وجدت ذلك، قال: لو قرأتيه لوجدتيه، فإن الله يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، ففهم ابن مسعود عموم الآية، والقول بإباحته للتجمل للزوج يخالف العموم. وكذلك فإن النهي النبوي يصدقه الواقع، فقد ظهر بحث طبي يدل على أن النمص يؤذي المرأة، ويلحق الضرر بها، فتكون المتنمصة قد وقعت في محظور، وألحقت بنفسها الضرر، وهذا محظور أيضاً؛ لأن الله يقول: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، وقال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]. فظهر بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك شاردة ولا واردة، ولا شاذة ولا فاذة إلا محص النظر فيها، كما قال أبو ذر لما نظر إلى الطائر يقلب جناحيه في السماء قال: مات الرسول صلى الله عليه وسلم وما من طائر يقلب جناحيه إلا وعلمنا منه علماً. وجاء في الحديث الذي في السنن: أن امرأة جاءت عائشة: (إن امرأة جاءت وقالت: يا رسول الله! زوجت ابنتي فأصيبت بالحصبة فتمزق شعرها) أي: تساقط الشعر، ثم قالت: (أفأصل شعرها؟)، لأن الرجل إذا أراد أن يدخل على امرأته، فيجد الشعر قد تمزق، فإنه لا يرغب فيها، وبعدما بينت له الحاجة الملحة قال لها صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الواصلة والمستوصلة). فما جعل رسول الله هذه الحاجة أو الضرورة معتبرة في الشرع، وبين أن هذا قدر الله، ولا بد على العبد أن يرضى بقدر الله جل في علاه. ونبهت هنا على هذه المخالفة التي تقع فيها كثير من النساء اعتماداً منهن على فتوى معينة ليست صحيحة. فالصحيح أن نقول: إن المرأة ولو كانت الحاجة ملحة، وتجعلها من السوء بمكان، فنقول لها: هذا قدر الله عليك، فلا تفعلي شيئاً، لكيلا يقع السخط عليك من ربك جل في علاه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد لعن النامصة والمتنمصة، ولو كان ذلك تزيناً للزوج. وكذلك لا يجوز التحايل بعمل الصبغ، فهو التغيير لخلق الله جل في علاه، ولا يجوز للمرأة ذلك إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا قال المختص إنه سيستمر يوماً أو يومين فقط، ثم ينتهي، فيكون ذلك قياساً على الشفاه وقلم الحواجب، فيجوز لها أن تفعل ذلك، لكنه إن كان سيستمر أكثر من ذلك فإنه لا يجوز. وأما ما تفعله المرأة من الصباغ الملون، فإنه يجوز، وقال بعضهم: لا يجوز، وقد كنت أقول: إنه لا يجوز ثم رجعت عن هذا القول، فهو وشم بالرسم ولكنه يزول، فيجوز للمرأة أن تستعمل هذا الوشم أو الرسم المؤقت، وهو منتشر عند أهل الخليج، فلهم رسم في الأيدي كالحناء وليس فيه شيء؛ لأنه مؤقت. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

مصاحبة المتبرجات ومخالفة الزوجة للزوج

مخالفات تقع فيها بعض النساء - مصاحبة المتبرجات ومخالفة الزوجة للزوج كثير من النساء قد تقع في مخالفات لا ترضي الله ولا رسوله ولا المؤمنين؛ وذلك بسبب ضعف إيمانها، وعظيم جهلها، ومن هذه المخالفات مصاحبة المرأة الملتزمة للمتبرجات اللائي لا يلتزمن بالشرع، وهذا أمر خطير؛ لأن الصاحب ساحب، والمرء على دين خليله، ومن المخالفات أيضاً عصيان المرأة لزوجها ومخالفتها لأوامره، وهذا أمر يوجب الغضب والسخط من الله سبحانه وتعالى.

مصاحبة المرأة الملتزمة للمتبرجات وما فيها من المآخذ

مصاحبة المرأة الملتزمة للمتبرجات وما فيها من المآخذ إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة في النار. ثم أما بعد: إخوتي الكرام! من المخالفات التي تقع فيها النساء: مصاحبة المتبرجات، وهذا ظاهر جداً بالنسبة للأخوات العفيفات المنتقبات اللاتي التزمن بدين الله جل في علاه، ترى كل واحدة منهن ترتدي النقاب فتراها تسير مع متبرجة، وهذه مآخذ ومخالفات تؤخذ على النساء، فلا ينبغي لأخت منتقبة التزمت بدين الله جل في علاه وتعلم أن النقاب الشرعي عليها واجب ثم تسير مع متبرجة! هذا فيه عدة مآخذ:

المرء على دين خليله

المرء على دين خليله المأخذ الأول: أن المرء على دين خليله، والصاحب ساحب، والإنسان مؤثر متأثر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، وقال: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء) الحديث، فالمرأة التي تسير مع المتبرجة كأنها تماثلها فيما هي فيه من الظاهر والباطن؛ لأن الصاحب ساحب. وقال بعض العرب في مثل عجيب: رأينا الغراب مع الحمامة فاندهشنا وتعجبنا -لأن الغراب لا يمكن أن يصادق حمامة- فتقصينا فوجدنا الغراب يسير مع الحمامة وفيه علة هي موجودة في الحمامة، يعني: الحمامة عندها عرج في رجلها اليمنى، فنظروا في الغراب فوجدوا فيه نفس العلة في رجله اليمنى. فإذاً: المرأة المنتقبة التي تسير مع المتبرجة هذا يدل على أن فيها نفس العيب الذي في المتبرجة. قال الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين للمقارن ينسب هذا أول مأخذ على النساء المنتقبات اللاتي يسرن مع المتبرجات.

ترك إنكار المنكر

ترك إنكار المنكر المأخذ الثاني: مأخذ شرعي قويم، ألا وهو: أن المرأة التي تسير مع المرأة المتبرجة، تعرف أن هذه المرأة المتبرجة قد فعلت أمراً محرماً، فهي على منكر، فوجب على المنتقبة أن تنكر هذا الأمر المنكر على المتبرجة، وإن سارت معها فنقول: إنها رضيت بهذا المنكر، فهي كالمرتكبة لهذا المنكر؛ لأنها رضيت بالتبرج وبالمعصية. فإذا قالت: لا والله ما رضيت بهذه المعصية، قلنا لها: كذب فعلك قولك؛ لأن الله جل في علاه قال: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68]، وقال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء:140]، فأصبحت المثلية بالرضا بالمنكر، ولذلك استنبط العلماء قاعدة مهمة جداً: الرضا بالمنكر كمرتكبه، فإن لم تستطع هذه المرأة أن تنكر على المتبرجة بلسانها فلا بد أن تنكر بالقلب، وعلامة القلب أن تزول من المكان الذي فيه هذه المعصية. فهذا مأخذ وثلمة في ديانة المرأة المنتقبة التي تسير في الطرقات مع المرأة المتبرجة.

ضعف الولاء والبراء

ضعف الولاء والبراء المأخذ الثالث: ضعف الولاء والبراء عندها، وهذا يظهر جداً وجلياً عندما تسير مع المتبرجة، فهذا ليس من كما الإيمان كما قال ابن عباس: كمال الإيمان بالموالاة لله، والمعاداة لله، والإعطاء لله، والمنع لله. فالموالاة لله: أن توالي أولياء الله جل في علاه، وأن تعادي أعداءه، فالمرأة المتبرجة ملعونة بقول النبي صلى الله عليه وسلم عنهن: (العنوهن فإنهن ملعونات). فعلى المرأة المنتقبة أن تتبرأ من فعل المرأة المتبرجة، وهذه ظاهرة أحببت أن ألمح لها؛ لأنها ظاهرة منتشرة جداً في طرقاتنا الآن، فكثير من النساء المنتقبات لا يذهبن إلا مع المتبرجات، والحجة عندهن أن تقول إحداهن: أنا أتألف قلبها حتى أدعوها لأن تنتقب أو ترتدي الحجاب أو الزي الشرعي، فنحن نقول: حتى لو كان هذا الكلام صحيحاً، فالمأخذ عليك أيها المنتقبة أنك لو سرت في الطرقات مع هذه المتبرجة وتجرأ سفيه أو بعض الرعاع عليها فإنه سيتجرأ عليك تبعاً للتجرؤ عليها، ولو سرت وحدك مع أخت مثلك ما تجرأ عليك أحد، لكن تجرؤه على المتبرجة جره أن يتجرأ على الأخت المنتقبة. فهذه مخالفة أيضاً تقع فيها النساء وهي: عدم إنكار المنكر أو الرضا به بالفعل لا بالقول. والأمر الآخر: أن هذا يدل على ضعف الإيمان؛ لأن الإنسان المؤمن هو الذي يحب ما أحبه الله، ويبغض ما كرهه الله جل في علاه، وهذا مناط الإيمان، وقد بينه الله جلياً في سورة الحجرات، فولي الله يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله جل في علاه، فإذا وضع نفسه في مكان يكرهه الله جل في علاه فهذا ليس بمحب لله جل وعلا، وسورة محمد تعطينا دليلاً على هذه القاعدة كما قال الله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [محمد:28]، فهذه آية ظاهرة جداً أنهم اتبعوا ما أسخط الله، والله يسخط التبرج ويغضب على المتبرجات، ولذلك أوحى إلى نبيه أن يقول: (العنوهن فإنهن ملعونات). فمن سارت مع المتبرجة فكأنها أحبت ما هي عليه، فأحبت ما أسخط الله جل في علاه، وهذا فيه دلالة على ضعف إيمانها. فهذه المخالفة أحببت أن أنبه النساء إليها؛ لكيلا يقترفنها.

مخالفة الزوجة لزوجها

مخالفة الزوجة لزوجها المخالفة الأخيرة: مخالفة الزوجة للزوج، إن حق الزوج عظيم، وقد بينا ذلك مراراً وتكراراً، وأنا أكرر فقط حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)، ولذلك من الحقوق المترتبة على الزوجة تجاه زوجها أن لا تكفر العشير، وأن تبادل الإحسان بالإحسان، فإن أحسن معها دهراً ثم وجدت منه خطأً فليس لها أن تقول: ما رأيت منك خيراً قط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر النساء، وبين أنه رآهن أكثر أهل النار، وقال مبيناً علة ذلك: (لأنهن يكفرن فقالوا: يا رسول الله! يكفرن بالله؟ قال: لا، يكفرن العشير، يحسن أحدهم إليها الدهر كله ثم إذا رأت منه شيئاً -أي: خطأً- قالت: ما رأيت منك خيراً قط) وهذا كفران العشير، وهو من المخالفات التي تظهر على النساء، لا سيما وإن كان الخطأ من الرجل متكرراً فترى الكفران من المرأة متكرراً، فإذا أحسنت إلى الزوج أحسن إليها الزوج. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

حكم زيارة القبور للنساء

مخالفات تقع فيها بعض النساء - حكم زيارة القبور للنساء زيارة القبور للنساء واتباعهن للجنائز فيه مفاسد كثيرة، وقد جاءت أدلة كثيرة تدل على تحريم هذا الأمر عليهن، وقد خالف في هذه المسألة بعض أهل العلم، واستدلوا على الجواز أو الإباحة أو الاستحباب بأدلة فيها نظر.

مشروعية زيارة الرجال للقبور

مشروعية زيارة الرجال للقبور إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فكثير من النساء اليوم كأنهن أخذن بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال) فصرن يتبعن الجنائز، ويذهبن إلى المقابر، فهل زيارة المقابر للنساء تجوز أم هي من المخالفات التي لابد أن تعاتب المرأة عليها؟ مع أن الأصل في زيارة المقابر الاستحباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى نهياً عاماً عن زيارة المقابر ثم أباح ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: (إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكر بالآخرة). فبها يرق القلب، وتدمع العين، ويتذكر الإنسان الآخرة، ولذلك كان من الاستحباب بمكان أن الإنسان إذا تحجر قلبه أن يذهب إلى المقابر ويعتبر، ويعلم أنه لابد أن ينزل في هذا الصندوق الذي هو محل العمل، وأنه مجمع الخيرات أو مجمع الشرور، يمر على القبور فيتذكر مكانه وحسابه، ويتذكر الملكين عندما ينزلان له ويسألانه من ربك؟ وما دينك؟ وماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا فزوروها) للاستحباب، وجمهور الأصوليين يرون أن الأمر بعد الحظر للإباحة، لكن الصحيح أنه للاستحباب؛ لأجل الحكمة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث.

حكم زيارة النساء للقبور

حكم زيارة النساء للقبور هل قول النبي: (فزوروها) يعم الرجال والنساء؟ وهل تدخل المرأة في زيارة القبور من باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (النساء شقائق الرجال)؟

أقوال أهل العلم في حكم زيارة النساء للقبور

أقوال أهل العلم في حكم زيارة النساء للقبور اختلف العلماء في حكم زيارة النساء للقبور على أقوال خمسة: أولها: يحرم على المرأة اتباع الجنائز والسير خلفها، ويحرم على من كانت تؤمن بالله واليوم الآخر أن تزور القبور، وهي آثمة إن فعلت ذلك، أو اتبعت الجنازة، ويجوز لها الصلاة على الميت كما فعلت عائشة وغيرها من النساء، والدليل على ذلك ما يلي: الدليل الأول: حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله زائرات القبور)، وهذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه، وفي رواية: (لعن الله زوارات القبور)، قالوا: وهذا اللعن يدل على أن التي تزور القبور قد فعلت كبيرة؛ لأن من ضوابط الكبائر أن الفعل الملعون عليه كبيرة. الدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زائرات القبور) وما أتى بصيغة المبالغة، بل قال: (لعن الله زائرات القبور)، قالوا: واللعن هو الطرد من رحمة الله، وهو يدل على أن زيارة القبور للنساء كبيرة. واستدلوا على حرمة اتباع المرأة للجنائز بالأثر وبالنظر، فأما الأثر فما ورد عن أم عطية رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز)، والنهي الأصل فيه التحريم. وأما النظر: فاتباعها الجنازة وسيلة إلى مقصد محرم وهو الزيارة، والقاعدة عند العلماء: الوسائل لها أحكام المقاصد، فقالوا: يحرم عليها أيضاً اتباع الجنائز، وهذا قول المحققين من الشافعية والحنابلة، وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية، وترجيح ابن القيم. القول الثاني: القول بالكراهة، وهذا ما عليه جمهور الشافعية وجمهور الحنابلة، فقالوا: يجوز للمرأة أن تزور القبر وأن تتبع الجنازة مع الكراهة، ومن الذي يكره هذا الفعل؟ الله هو الذي يكرهه، فكيف يتجرأ عليه المرء؟! لكن لا يأثم عليه، فقالوا يجوز مع الكراهة، لأنه قد جاء ما يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة، وهو حديث أم عطية رضي الله عنها وأرضاها قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) قالوا: فقول أم عطية: (لم يعزم علينا) يعني: ليس فيه التشديد، والنهي: هو طلب الكف على وجه اللزوم، وهنا لم يلزمهن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي قالت: (لم يعزم علينا)، والنهي يفيد التحريم إلا إذا جاء صارف يدل على الكراهة، وهذا قول الجماهير عند الشافعية والحنابلة. القول الثالث: الإباحة، فإن شاءت فعلت وإن شاءت لم تفعل، فهو لا يستحب ولا يكره ولا يحرم، واستدلوا بما في الصحيحين: (مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة عند قبر تبكي على ابنها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اتق الله واصبري. فقالت: إليك عني إنك لم تصب بمصيبتي -ولم تعرف أنه النبي صلى الله عليه وسلم- فقيل لها: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعت إليه فقالت: والله ما كنت أعلم أنك رسول الله، فقال لها: إنما الصبر عند الصدمة الأولى). فقالوا: وجه الدلالة من هذا الحديث إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها وعدم إنكاره عليها، فلم يقل: لم فعلت هذا المحرم؟ أو لم جلست عند المقابر؟ أما علمت أنني قد نهيت وحرمت زيارة المقابر على النساء؟ واستدلوا على الجواز أيضاً بحديث في الصحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى البقيع فرفع يديه يستغفر لأصحابه، ثم رجع فسألته: أين كنت؟ فأخبرها بأنه كان في البقيع يدعو لأهل القبور، فقالت له: يا رسول الله! كيف أقول؟ فقال لها: (قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين أتاكم ما توعدون، وإنا بكم إن شاء الله للاحقون) إلى آخر الدعاء. فقالوا: وجه الدلالة إقرار النبي على أنها تدخل المقابر وتدعو بهذا الدعاء. وهذا القول بالجواز قال به بعض الشافعية وجمهور الأحناف. القول الرابع: استحباب زيارة المرأة للمقابر، وهؤلاء استدلوا من الأثر والنظر: فأما من الأثر فحديث: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) وهذا الأمر يدل على الاستحباب؛ لأن الأمر يدل على الوجوب أو على الاستحباب، ومما يؤكد الاستحباب العلة والحكمة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم. قالوا: وقوله: (فزوروها) يعم الرجال والنساء، فالنساء شقائق الرجال في الأحكام، قالوا: ويعضد هذا الفهم أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها عندما حجت زارت قبر أخيها، فقال لها عبد الله بن أبي مليكة -وهو من أكابر التابعين-: (كيف تزورين قبر أخيك وقد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك؟ فقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نهى عن أباح فردت عليه بأنه أمر بها فقال: (فزوروها)، فردت عليه بأنه أمر بها، وأن هذا الأمر عام، يعم الرجال والنساء. واستدلوا أيضاً على الاستحباب بفعل فاطمة حيث كانت كل جمعة تذهب إلى قبر حمزة رضي الله عنه وأرضاه أسد الله وأسد رسوله. ونحن قلنا: هذه مخالفة من المخالفات التي تقع فيها النساء، ولابد أن تتقي الله المرأة، فلا تخرج من بيتها، بل تقر كما أمرها ربها جل في علاه بقوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33].

الراجح في حكم زيارة النساء للقبور والرد على ما استدل به المخالف

الراجح في حكم زيارة النساء للقبور والرد على ما استدل به المخالف الراجح من هذه الأقوال الأربعة هو القول الأول، وهو التحريم، ومن قال بالكراهة فما أبعد، فالمسألة مترددة بين الكراهة والتحريم، والذي أدين الله به هو أنه يحرم على المرأة أن تزور القبور، ويحرم عليها أن تتبع الجنائز؛ لأن زيارة القبر تابعة لاتباع الجنائز، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الوسيلة، فإذا نهى عن الوسيلة فمن باب أولى أن ينهى عن المقصد، قالت أم عطية: (نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا)، فقولها: ولم يعزم علينا، الإجابة عنه أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى عزم، فنهي النبي صلى الله عليه وسلم الأصل فيه التحريم ولا يحتاج إلى عزم، فيكون قولها: ولم يعزم علينا، هو من فهمها واجتهادها، أما نهي النبي فلا يحتاج إلى عزم، فإذا قال: انتهوا فلابد من الانتهاء، أما رأيتم أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية) لم يقولوا فيه: عزم أو ما عزم؟ بل استجابوا لنهيه فأكفئوا القدور وهي تغلي باللحوم. ولما حرم الله الخمر وأنزل فيها آية: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة:91] قال أنس: فرأيت الكئوس تدور على الرءوس فرموا بها وقالوا: انتهينا ربنا انتهينا ربنا، إذاً: فالنهي لا يحتاج إلى عزم، بل الأصل فيه التحريم. أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زائرات القبور) فصححه الشيخ أحمد شاكر، لكن صراحة فيه مولى أم هانئ وهو ضعيف، لكن نحن نسوقه استئناساً لا احتجاجاً. فهذه أدلة صريحة جداً وواضحة في التحريم. أما من قال بالكراهة فإنه استدل بقول أم عطية: لم يعزم علينا، فنرد عليه بردين: الرد الأول: هذا الحديث الذي استدللت به على أنه على الكراهة هو في الاتباع أو الوسيلة، ودليلنا في المقصد نفسه وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور)، فلا صارف له، واللعن طرد من رحمة الله، فالحديث الذي في النزاع لا صارف له. الرد الثاني: نحن لا نقبل المقدمة التي قدمتموها بأن قولها: لم يعزم علينا صارف؛ لأن هذا فهم من فهمها صادم النص الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم، فنهي النبي لا يحتاج إلى عزم، فإذا قال: لا تفعل كذا فلا تفعل جزماً، قال الشافعي: آمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذين قالوا بالجواز احتجوا بحديثين: الحديث الأول: حديث المرأة التي كانت تبكي عند قبر ابنها، وهذا الحديث من القوة بمكان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال لها: حرام عليك زيارة القبور، بل قال لها: اتق الله واصبري، والرد عليه من وجوه: الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمامه منكران: المنكر الأول: زيارة المرأة للقبر، والثاني: عويل المرأة، ودمع وشق الجيب ولطم الخد، واحتمال وجود التسخط على أقدار الله جل في علاه، والقاعدة: تقديم الأهم على المهم، فهذه المرأة في محل قد تتسخط فيه على القدر، وقد تتكلم بكلام يمكن أن يخرجها من الملة، فهل تحافظ على دينها أم تحافظ على معصية وقعت فيها؟ يعني: هل تنهاها عن أمر قد تخرج به من الملة أم تنهاها عن معصية أخف منها؟ الخروج من الملة هو الأقوى، وتقديم الأهم على المهم واجب؛ ولذلك قدم النبي صلى الله عليه وسلم الأهم فقال لها: (اتق الله واصبري) حتى ترضى بقضاء الله جل في علاه، فيلين قلبها ويمتلئ إيماناً، وبعد ذلك يقول لها: يحرم عليك زيارة القبور، وهذا واضح جداً وجلي. الثاني: يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم سكت عنها في زيارة القبور للنهي المتقدم حيث قال: (لعن الله زائرات القبور)، وقد علم أن الصحابة أو الصحابيات سيعلمونها، فارتكز وركن على النهي الذي تقدم عنه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد نهاها عن زيارة القبر ولم يروه الراوي لكن هذا الاحتمال ضعيف. فإن قيل: المرأة بعد أن سكتت وسكنت وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم لم ينهها عن ذلك؟ ولم لم يقل لها: ارتكبت حرمتين: الحرمة الأولى: التسخط، الثانية: الزيارة، وإنما قال لها: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى)، وهذا إيراد قوي، لكن يمكن الجواب عنه بأن النبي رأى من المرأة أن اللوعة موجودة والحزن العميق ما زال في قلبها، ويمكن أن لا تقبل من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فهي جاءت تعتذر لجناب النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك بين لها أن تتخذ الصبر سلاحاً، وبعد أن تصبر وتهدأ وبعد مرور الوقت يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم أو يأمر من يعلمها لعن النبي صلى الله عليه وسلم لمن زارت القبور. وهذا جواب واه، لكن A هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها، ورضي بما هي فيه من زيارة القبور، وهذه سنة تقريرية، ولعن الله زائرات القبور أو زوارات القبور، وهذه سنة قولية، وإذا ورد حديثان ظاهرهما التعارض، وما استطعنا الجمع بينهما، فنذهب إلى الترجيح، وترجيح الحديث القولي مقدم على التقريري. الحديث الثاني الذي استدل به من قال بالجواز: حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم زار أهل البقيع، فقالت له: يا رسول الله! كيف أقول؟ والجواب عنه: أن قولها: كيف أقول؟ يحتمل أن المعنى: إذا زرت القبور كيف أقول؟ ويحتمل إذا مررت بالمقابر كيف أقول؟ وتوجد سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنك إذا مررت بقبور المشركين أن تبشرهم بالنار، فتقول: أبشروا بما يسوءكم، فيحتمل أن عائشة لما سألت عن الدعاء علم النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستمر وتدعو، لاسيما والبقيع قريب من المسجد، فإذا مرت بقرب البقيع لها أن تقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أتاكم ما توعدون) وتدعو. وإذا ورد الاحتمال في الدليل يسقط الاستدلال به في النزاع، ولا يصح أن يكون هذا الحديث مرجحاً من المرجحات في النزاع. أما الذين قالوا بالاستحباب فعندهم كثير من الأدلة: الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فقال: (فزوروها)، والرد عليهم: بأن هذه اللفظة عند جماهير المحققين من الأصوليين تخص الرجال، وهذا ترجيح ابن تيمية وترجيح النووي قبله، فهذه الصيغة لا تدخل تحتها النساء إلا على التغليب فقط بالقرائن. الدليل الثاني: أثر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهو أنها كانت في سفر الحج فمرت على قبر أخيها فزارته، والرد على هذا من وجوه: الوجه الأول: جاء في بعض الروايات -وفيها ضعف- أنها قالت: لو شهدتك ما زرتك، أي: لو شهدت تغسيلك وتكفينك والصلاة عليك ما زرتك. الوجه الثاني: نقول: هذا اجتهاد من عائشة، بدليل أنها ردت على ابن أبي مليكة فقالت: نهى ثم أباح فقال: (فزوروها)، وهذا الاجتهاد مصادم لصريح قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور)، فلا يقدم قول أحد على قول النبي صلى الله عليه وسلم. الدليل الثالث: أثر فاطمة، والرد عليه من وجوه: الوجه الأول: الأثر ضعيف جداً لا يصح. الوجه الثاني: هناك بعض الروايات الضعيفة أيضاً نذكرها استئناساً، منها: أنه قال لها: (لو بلغت كدى -وهو موضع مقابر أهل مكة- لن تدخلي الجنة حتى يدخلها جد أبيك)، وهذا حديث ضعيف لا يصح، لكن فيه تعنيف على زيارة القبر.

مفاسد زيارة النساء للقبور

مفاسد زيارة النساء للقبور الراجح الصحيح: أنه يحرم على المرأة اتباع الجنائز، ويحرم عليها كذلك زيارة القبور، لاسيما وأن النظر يعضد ذلك، يقول الله جل وعلا: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بيوتهن خير لهن)، وهذا في صلاتهن في المسجد الحرام. ناهيك عن المفاسد من زيارتهن للقبور، ومقاصد الشريعة تعضد هذا القول، فما أكثر المفاسد التي تحدث بخروج المرأة إلى المقابر، فإذا رأت أباها أو أمها أو أختها أو ابنها يدفن ماذا سيحدث لها؟ انهيار تام ثم السقوط على الأرض، ثم كشف العورات، ثم بعد ذلك يأتي الشجعان الفرسان أصحاب الشهامة والمروءة فيحضنونها، ورجل يضرب في وجهها ويكشف النقاب حتى لا يخنقها، فتحدث المفاسد العظيمة، وتتعرض لأن تفتن الرجال وتفتن من الرجال، وأقسم بالله أن الفتنة بالنساء عند المقابر أشد، فترى المرأة جاءت متعطرة وشعرها ظاهر أمامك، وترتدي البنطال الضيق، وهذا أنا رأيته بعيني، ولا أتكلم عن خيال والله المستعان، فالإنسان لا يدري هل ينكر عليها أو ينكر على الواقفين عليها، أو ينكر على أبيها الذي هو من الدياثة بمكان، أو ينظر في الميت!! أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

حكم سفر المرأة بدون محرم

مخالفات تقع فيها بعض النساء - حكم سفر المرأة بدون محرم للمرأة مكانة عظيمة في الإسلام، فهي جوهرة ثمينة، ودرة مصونة، ولذلك حرص على حمايتها، وحفظ كرامتها، فحرم عليها أموراً لأجل ذلك، منها: الخلوة بالرجال الأجانب، والاختلاط بهم، والسفر بدون محرم، ونحو ذلك.

مكانة المرأة في الإسلام

مكانة المرأة في الإسلام إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فالمرأة درة ثمينة، جاء الإسلام بصيانتها ورفعتها، وبيان قدرها وكرامتها، وحفظ حيائها، ففرض عليها فروضاً يحفظ لها كرامتها، وحياءها وقدرها وقد بينا كثيراً بأن الدنيا زينة، وأم الزينة في الدنيا النساء، كما قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران:14] فصدر الباب بالنساء. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدنيا حلوة خضرة، والله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تفعلون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن ول أوأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). والمرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان). فمنعها من أمور معينة، ووقع كثير من النساء في هذه المخالفات، فاستحقت المرأة العقوبة بهذه المخالفات. ونحن الآن على مشارف باب الكلام عن المخالفات، فأصدر الباب بحديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تفعل المرأة الآن - يعني في القرون الخيرية - لمنعن كما منعت نساء بني إسرائيل). ولذلك كان هناك بعض الحق عند بلال بن عبد الله بن عمر عندما قال له ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه حديث: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) يعني يأمره بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: (والذي نفسي بيده لنمنعهن، إذاً لاتخذنه دغلاً) يعني: مكاناً لقضاء الحاجة، فكلما أرادت شيئاً من غيبة أو نميمة أو غير ذلك تذهب إلى المسجد، فضربه بصدره وقال له كلمة شديدة، وهي: لعنة الله عليك، أقول لك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله) وتقول: والله لنمنعهن، فوجهة نظر بلال بن عبد الله كانت صائبة، فكأنه يقول: إنهن إذا خرجن إلى المساجد جعلنهن كالأسواق، ففيها غيبة، ونميمة، وكلاماً لا ينفع في الآخرة، فهذه وجهة نظر صائبة، لكن ابن عمر اشتد عليه لظاهر لفظ النبي صلى الله عليه وسلم. فنقول: المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان كما جاء في الحديث: (المرأة عورة -يعني: كل المرأة عورة- إذا خرجت استشرفها الشيطان). تكلمنا على أمور إذا خرجت المرأة وهي فاعلة لها فقد تعدت الشرع، كأن تخرج متعطرة، وقد أمرها النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرجت حتى للصلاة أن تكون غير المتعطرة، وقد بينا حكماً فقهياً مهماً جداً في صلاة متعطرة، أخذناه من حديث أبي هريرة حيث يقول فيه صلى الله علي وسلم: (لا تقبل صلاة لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة) والراوي أعلم بما روى بل قد طبقه عملياً إذ رأى أبو هريرة امرأة متعطرة تذهب للصلاة فقال لها بعد أن صلت: ارجعي فاغتسلي وأعيدي صلاتك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، وذكر الحديث.

مخالفات النساء

مخالفات النساء

الاختلاط

الاختلاط هناك أمور مهمة بالنسبة للنساء، لابد لها من معرفتها: أولاً: منع الشرع النساء من الاختلاط، والاختلاط هو الذي به تفسد الأمة، وبه ينتشر الفساد، وتنتشر الرذيلة وترفع الفضيلة، ولذلك المستشرقون ما أرادوا الفساد للأمة إلا بالاختلاط، وجعلوا لنا مثلاً في الروضة، إذ لا بد للطفل الصغير أن يأتي بباقة ورد وزهور ويقدمها للطفلة الصغيرة، ويقبل الصغير الصغيرة، أو تجد صورة عريضة جداً في مكان محترم فيها طفل صغير يقبل طفلة صغيرة، وإذا أنكرت ذلك قيل لك: هذا غير مكلف وليس فيها شيء، ففتح الباب لمسألة الاختلاط، ثم بعد ذلك المدارس المختلطة، ثم الجامعات، بل هناك اقتراحات بضرورة الاختلاط؛ حتى لا يكبر الصغير وهو جاهل بكيفية الجماع، أو مجانسة المرأة، وكأن الإنسان إذا كان على ذلك سيصعد إلى مرحلة الجامعة أو الكلية وقد أصبح فحلاً، رجلاً، عظيماً، مفكراً، مدركاً لما هو أمامه، وليس الأمر كذلك، بل إنه أفسد ما يكون في الجامعات، فترى البنت تخرج حبلى وهم يقولون لها: ليس بحرام، بناء على الزواج العرفي المشتهر الآن، فأكثر الجامعات فيها هذا الفساد. وترى الأفسد من ذلك أن الطالبة تكون جالسة مع الطالب في الكرسي نفسه، ووالله! لو كان بينه وبينها مسافة لمات هو قبل أن تموت هي، وتراه يتحرك وتتحرك، وتمس اليد اليد، والبشرة والبشرة، فالاختلاط هو الذي يضيع الأمة بحق؛ لأنه الذي ينشر الرذيلة ويجعل في القلب الزنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كتب على ابن آدم حظه من الزنا مدرك ذلك لا محالة. والقلب يزني وزناه الهوى) أي: يعشق ويرغب في الزنا، فترى قلب الطالب يتحدث بذلك، وقلب الطالبة يتحدث بذلك، ثم يقع المحذور، ولذلك جاء الشرع بالمنع البات من مسألة الاختلاط، وألوان منع الاختلاط جاءت في أكثر من آية وحديث، ونبدأ أولاً بالكتاب ثم بالسنة. أما الكتاب فقال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53] وهنا يبين لنا خطاً عريضاً لمسألة الاختلاط، وأيضاً عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالرجال والنساء فكانت النساء يتأخرن والرجال يتقدمون، قالت أم سلمة: فكان الرجال بأمر رسول الله ينتظرون خروج النساء، فكن يخرجن أولاً ثم بعد ذلك يخرج الرجال؛ منعاً للاختلاط، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أصافح النساء) وذلك لما جئن ليبايعنه، ووجه الدلالة من هذا الحديث أن في ذلك ذريعة؛ لأن المصافحة لا تكون إلا بعد المخالطة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك منع الباب الأصلي ومنع الوسائل، والقاعدة عند العلماء هي: الوسائل لها أحكام المقاصد.

الجلوس مع أقارب الزوج

الجلوس مع أقارب الزوج وألوان الاختلاط في زمننا هذا كثير جداً، منها أولاً: الجلوس مع الحمو وأقرباء الزوج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألوه عن دخول أقرباء الزوج، فقال: (أرأيت الحمو يا رسول الله، فقال: الحمو الموت، الحمو الموت) ومع ذلك تجد بعضاً من الإخوة الملتزمين يجتمع بزوجته مع أخيه ومع زوجة أخيه، وتكون هذه منتقبة وهذه منتقبة، فالعائلة تكون موجودة والمرأة منتقبة بينهم وتتأدب بالآداب، فتأكل بالملعقة من تحت النقاب، ولما تتكلم لا تفتتن كثيراً، بل قد تضحك مرة أو مرتين، وترد على أخي الزوج، وهذا الكلام من الفساد بمكان، وهو داع إلى ميول القلب، فيمكن أن يكون في زوجها عيب وترى هذا العيب منسد عند أخيه فتشتاق لسمات شخصية أخيه وتعير الزوج بذلك، فتقوم بذلك الفتن والمشاكل.

ركوب التاكسي بانفراد مع السائق الأجنبي

ركوب التاكسي بانفراد مع السائق الأجنبي ومن ألوان الاختلاط أيضاً: ركوب التاكسي، مع أني أرى أنه ليس بخلوة، لكن كثيراً من أهل العلم يرون أن التاكسي بالذات إذا انفردت المرأة المنتقبة -أو أي امرأة- مع الرجل أصبحت خلوة فلا يجوز، وضابط الخلوة عندهم: أنه يستطيع أن يميل قلبها بالكلام المعسول منه دون أي تحرج، فلا يخاف من أحد يسمعه؛ لأنها هي التي تسمعه، فقالوا: هذه من دواعي الخلوة، أو من دواعي الخلطة فجعلوها خلطة، فالمرأة لا يجوز لها أن تدخل نفسها في هذه المسائل، فإذا أرادت أن تذهب إلى مكان بعيد لا بد أن يكون معها أخت أو اختان أو ثلاثة، أو معها أخ من إخوانها، فالمهم: أن يكون هناك أكثر من امرأة؛ لقطع الخلوة، أو يوجد محرم.

السفر بدون محرم

السفر بدون محرم ومن المخالفات التي تقع فيها النساء: السفر بدون محارم، وهذه المسألة هي أم المسائل؛ لأن الفتاوى كلها في الفضائيات تبيح ذلك، وهذه المسألة لا بد أن نقف عندها وقفة فقهية.

أقوال العلماء في سفر المرأة بدون محرم

أقوال العلماء في سفر المرأة بدون محرم هذه المسألة مسألة عظيمة جداً، ترددت فيها أربعة أحاديث، هي التي أنشأت خلاف الفقهاء. الحديث الأول: حديث في الصحيح وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم) فهنا أناط النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالسفر مع المحرم. الحديث الثاني: قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم -وهو الذي يحتج به الأحناف-: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام بلياليهن إلا مع ذي محرم). وعندنا حديث يرد على من يخالفنا، وهو حديث متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم). وهذا الحديث مطلق وليس بمقيد. والحديث الرابع: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتمرن الظعينة) والظعينة: المرأة التي على الهودج، (من حضرموت إلى مكة) يعني: تطوف بالبيت. (لتطوفن بالبيت لا تخش إلا الله والذئب على الغنم). فعندنا الآن أربعة أحاديث تتكلم عن سفر المرأة بدون محرم، نظر إليها العلماء نظرات ممحصة فاختلفت الأقوال كالآتي: القول الأول: يحرم على المرأة تحريماً باتاً أن تسافر مع غير ذي محرم على العموم في مسافة القصر. ومسافة القصر: هي أربعة برد على الراجح الصحيح، والأربعة برد تساوي: ثمانين كيلو، أو واحداً وثمانين كيلو، أو بضعاً وسبعين كيلو، ولنجعلها تجوزاً ثمانين كيلو، وقولي على العموم أي: يحرم على المرأة أن تسافر مسيرة يوم وليلة بدون محرم، سواء كان السفر بالطائرة، أو بالسيارة، أو بالجمل أو بالبعير أو بغير ذلك، وسواء سافرت للحج أو للدراسة، أو للطب أو للجراحة أو غير ذلك، وهذا قول الجمهور. القول الثاني: يصح سفر المرأة مع صحبة آمنة في الحج دون غيره، وهذا قول المالكية والشافعية. القول الثالث: إذا سافرت سفراً طويلاً أو قصيراً ولم يبلغ يوماً وليلة مع غير ذي محرم جاز، بمعنى: لو سافرت إلى باريس -والمسافة إلى باريس سبع ساعات بالطائرة- فلها أن تسافر وحدها؛ لأن المحرم سفر يوم وليلة بنص الحديث، وهذا قول نسبوه لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو ما يرجحه الشيخ ابن جبرين. القول الرابع: مدار سفر المرأة على الأمان وهذا الذي رجحه القرضاوي، فإن أمنت على نفسها بالسفر إلى لندن صح أن تسافر، وهذا قال به أيضاً ابن كج من الشافعية.

أدلة أقوال العلماء في سفر المرأة بدون محرم

أدلة أقوال العلماء في سفر المرأة بدون محرم ونأتي الآن إلى الأدلة، أدلة القول الأول وهو قول الجماهير: مفهوم المخالفة، والتصريح في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة) وهذا نهي، والأصل في النهي التحريم. ودليلهم في مسافة القصر: أن مسافة القصر هي التي تسمى سفراً، وهذا مستنبط من اللفظ، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة) يدل على أن التحريم لا يكون إلا فيما يسمى سفراً والعرف الحاكم في هذه المسألة هو عرف الأولين، والسفر كان يحسب سفراً إذا تجاوز مسافة القصر. واستدلوا أيضاً بحديث: (لا تسافر المرأة يوم وليلة إلا مع ذي محرم). وقالوا: اليوم والليلة تمثيل، فعندنا أمران: مسافة، ووقت، فالحكم تذبذب بين علتين فأيهما يغلب يحكم به، فإن اختلف الأمر في السفر على الطول كأن سافرت يوماً وليلة إلى أمريكا فنقول: لا يحل لكِ أن تسافري بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم. فإن سافرت أقل من يوم وليلة لكن المسافة طويلة جداً، كأن تسافر بالطائرة أو بالسيارة فنقول: يصير ننظر هنا للمسافة وليس للوقت فأيهما يغلب يحكم، فإن غلبت المسافة قلنا: يحكم بها؛ لأن الأصل أن المرأة لا يجوز أن تخرج أصالة، فهذا هو الأصل العام في التقعيد الشرعي، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]. القول الثاني: قول الذين قالوا بصحة سفر المرأة إن كان معها صحبة آمنة للحج فقط، وقالوا: عندنا دليل ظاهر، فأدلتكم عامة ودليلنا خاص. قلنا: ما هو الدليل الظاهر؟ قالوا: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لتمرن الظعينة -قال-: ولتطوفن بالبيت لا تخش إلا الله والذئب على الغنم) وهذا تخصيص ولا يعارض خاص بعام، فالخاص قوله: (تطوف بالبيت) فجعلها في الحج، فقلنا بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم) إلا في حالة واحدة وهي الحج، وبشرط وجود الصحبة الآمنة، وهذا الدليل من القوة بمكان، فوجه الشاهد هو قوله: (لا تخاف إلا الله والذئب على الغنم)، أي: لا تخاف وهي وحدها إلا الله والذئب على الغنم. فالمكان آمن بالنسبة لها. القول الثالث: أن العبرة باليوم والليلة، فلو قطعت كل المسافات في أقل من يوم وليلة لصح أن تسافر وحدها، واستدلوا بمفهوم المخالفة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر المرأة يوماً وليلة إلا مع ذي محرم)، فقالوا: مفهوم المخالفة أن لها السفر في أقل من يوم وليلة مع غير ذي محرم. القول الرابع: حجة أصحابه أن مدار المسألة على النظر. وفي هذا أيضاً قوة؛ لأنك تنظر للأثر والنظر، فنظرنا في العلة والحكمة التي من أجلها منعت المرأة من السفر وحدها، فوجدناها الخوف على المرأة من أن يطمع فيها الطامعون، والرعاع السفهاء فيخدشون حيائها، أو يغتصبون كرامتها. إذاً: فالمسألة تدور على الأمان وعدم الخوف، فإذا أمنت المرأة مع صحبة آمنة سواء في سفر حج أو غيره فإننا نقول بسفرها، وهذا نظر دقيق؛ لأن القاعدة عند الفقهاء هي: الحكم يدور مع علته حيث دارت وجوداً وعدماً. وهذه وجهة نظرية محضة، واستقوا هذا النظر من حديث: (لتمرن الظعينة). والقول الصحيح الراجح في ذلك هو قول الجمهور: وهو أنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر غير ذي محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أناط الإيمان بذلك، ومعنى ذلك: أنها لو سافرت مع غير ذي محرم فهي منزوعة الإيمان، ولا يعنى بهذا أنها كافرة، بل المعنى أنها خرجت من دائرة الإيمان إلى دائرة الإسلام. فلما وجدنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجد امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسافة قصر مع غير ذي محرم) ونفي الإيمان يدل على أن الفعل المنهي عنه من الكبائر، فلما أناط النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بعدم السفر، وأناط الكبيرة بالسفر من غير ذي محرم، قلنا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) وقيدناها بمسافة القصر؛ لأن العلماء نظروا في السفر عرفاً فوجدوه لا يسمى سفراً إلا إذا كان مسافة القصر وهي أربعة برد.

رد الجمهور على من خالفهم

رد الجمهور على من خالفهم ويمكن أن يُرد على أدلة الأقوال الأخرى بما يلي: فالقول الثاني الذي قيدها بالحج نقول له: هذا قول وجيه جداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتمرن الظعينة) لكن الرد عليه: هو أننا نقول بالعموم، سواء في الحج أو في غيره، سواء أسافر يوماً وليلة، أم سافر بالطائرة، أم بالسيارة، أم بالبعير، فكله يحرم السفر فيه على المرأة مع ذي محرم، فجاءوا وقالوا: نحن نوافقكم على هذا، لكن في الحج فقط يصح لها أن تسافر لتخصيص الحديث بذلك. والرد عليهم في ذلك من وجهين: الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام في خطبة عن الحج -وقول النبي صلى الله عليه وسلم نص في المسألة- قال: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. فقام رجل فقال: يا رسول الله! اكتتبت في غزوة كذا وامرأتي ذهبت حاجة. قال: ارجع فحج مع امرأتك) فلو كان الحج يغتفر فيه الأمان لاغتفر هنا. ووجه الدلالة يرجع إلى قاعدة مهمة جداً قعدها الشافعي وهي: ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، بمعنى: عندما قام الرجل فقال: (يا رسول الله! إني اكتتبت في غزوة كذا وامرأتي ذهبت حاجة، فهل قال له النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا هذا! أذهبت مع صحبة آمنة؟ فقال الرجل: لا. قال: ارجع فحج مع امرأتك) فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصله أصحبة آمنة كانت معها أم لا؟ فأصبح الحكم عندنا سواء، أي: سواء كانت صحبة آمنة أم غير آمنة، فلا بد أن ترجع وتحج مع امرأتك، ولو كان في الاستفصال تغيير الحكم لقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أذهبت مع بعض النساء اللاتي تأمن على نفسها معهن؟ فلما لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قلنا بعموم الحرمة في الجميع. الوجه الثاني: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتمرن الظعينة) ليس لكم فيه حجة؛ لأن هذا الدليل ليس من باب الإنشاء وإنما من باب الخبر. فالنبي صلى الله عليه وسلم يحكي خبراً سيحدث كما يقول: (بين يدي الساعة سنين خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن الخائن ويخون الأمين) فيخبر عن هذا، ويقول: (وينطق الرويبضة) فهذا خبر لا يحتمل الكذب فقط، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: مري بضعينتكِ إن أمنتِ على نفسكِ وطوفي بالبيت، بل أخبر أن في بعض الأزمنة سيحدث أن المرأة تخرج من حضرموت أو من صنعاء وتذهب إلى البيت لتطوف وحدها، وهذا ليس فيه دلالة على الإقرار ولا الإنكار، بل فيه السكوت، وعندنا القرائن الخارجية التي أثبتت الإنكار وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) ويكون بذلك قد قطعنا دابر هذه الأدلة. أما القول الثالث وهو الذي يقول باليوم والليلة فهو قول ضعيف، فإن الحكمة التي من أجلها منع النبي صلى الله عليه وسلم المرأة من السفر مع غير محرم هي طمع الرجال فيها، والحد من استشراء الفساد، فإن قيل: وإن كانت امرأة عجوزاً، قلنا: لكل ساقطة لاقطة يطمع فيها، لا سيما والرجل يتأثر بالنظر للمرأة، على أن المرأة لا تتأثر إلا باللمس، فإذا كان النظر يؤثر في الرجل ويثير الشهوة عنده، فلا بد أن نحجز المرأة ونمنع سفرها إلا مع ذي محرم. أما إناطة السفر بيوم وليلة فهذا خطأ وليس بصحيح، والقول بتردد الحكم بين اليوم والليلة وبين المسافة فأيهما غلب يحكم به، فإن كانت المسافة قلنا بها وإن كان اليوم والليلة قلنا بهما، خطأ بين، وعندنا الإطلاق الذي يمنع كل هذه التطورات حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر) أي: لا يوم وليلة، ولا مسافة، إلا ما جاءت به القرائن من تحديد الثمانين كيلو كمسافة للقصر. أما الرد على من قال بالقول الرابع -وهو أن مدار المسألة على الأمان، والحكم يدور مع علته حيث دارت، فهذا يسمى قياساً صحيحاً- فهو أن يقال: هذا القياس الرد عليه من وجوه: الوجه الأول: أن هذا قياس فاسد الاعتبار؛ لأنه صادم نصاً. الوجه الثاني: نقول لصاحبه: قد خصصت عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة) بوجهة نظر غير موافق عليها. الوجه الثالث: أن في هذا القياس مخالفة لمقاصد الشريعة؛ إذ من مقاصد الشريعة سد الذرائع، فلو قلنا بجواز السفر دون محرم عند الأمان فجاءت امرأة متلاعبة تقول: أنا آمنة على نفسي مع هؤلاء، وتذهب لتتلاعب معهم، فنكون بهذا قد فتحنا الباب لمن يزعم أن هناك أمان وليس ثمة أمان، فإذا أحكمنا المدة، وأغلقنا الباب كلية، وقلنا: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقد احتطنا لديننا، واستبرأنا ذممنا. أما وهذه الأقوال إن كانت تنبئ عن شبهة فإن الله جل في علاه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم شرع لنا شرعاً قويماً لا بد من الأخذ به ألا وهو قوله: (دع ما يريبك إلا ما لا يريبك). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) فنقول: هذه الأقوال ولو نبع منها الشبهة فإننا نقطعها بقول النبي صلى الله عليه وسلم المتقدم، وتسلم لنا الأدلة. إذاً: فيكون القول الصحيح الراجح: أن المرأة لا يجوز بحال من الأحوال، بأمان أو بغيره أن تسافر بدون محرم. وأشكلوا علينا بالنظر فقالوا: لو أن رجلاً أخذ زوجته إلى المطار وانتظر حتى ركبت الطائرة، فهي في أمان الآن؛ إذ لا يمكن لأي أحد أن يعتدي عليها، وليس هناك خلوة، وعند نزولها من الطائرة إلى المطار فستجد أخاها في انتظارها، فيأخذها ويكون محرماً لها، فهي الآن في أمان تام، وهذا مما يدل على الجواز. وهذا الكلام وإن كان سديداً، فهو عند تدقيق النظر من الضعف بمكان، فهب أن الطائرة انتهى منها الوقود، أو حدثت صاعقة في الجو، أو حدث في الطائرة خلل مما أدى إلى هبوط اضطراري، فهبطت في أدغال أفريقيا، والأشجار كثيرة، وإذا برجل كان بجانبها يتكلم معها بكلام معسول، وينظر إليها، ويرى في عينها الدفء والحنان، ويقول: ما رأيت هذا من زمن بعيد، ويتكلم معها بهذا الكلام الذي يؤثر في قلبها، ثم يستدرجها إلى أن يحدث المحظور، فأين الأمان هنا؟ وعليه لا بد أن تضع ذلك في اعتبارك؛ إذ لا أمان للمرأة إلا مع رجل يعلم أنها عرضه، وأنه يدافع وينافح عن عرضه، آخذاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون عرضه فهو شهيد) فإن قيل: هل الحرمة باقية إن أدى ذلك إلى وفاتها؟ فنقول: تستأجر محرماً وتأخذه معها للسفر، فالمرأة درة ثمينة في هذا الدين الحنيف، فهو يحافظ عليها؛ ولذلك منعها من السفر مع غير ذي محرم، ومنعها النبي صلى الله عليه وسلم أن تخلو بأحد إلا مع المحارم؛ حفظاً لكرامتها، وصيانة لعفتها وشرفها. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

حكم زواج المرأة بدون ولي

مخالفات تقع فيها بعض النساء - حكم زواج المرأة بدون ولي لقد حفظ الإسلام للمرأة مكانتها، وأحاطها بتعاليم تصون كرامتها، ومن ذلك: أنه اشترط في صحة زواجها وجود الولي الذي يستطيع أن يحدد مدى مناسبة المتقدم للزواج أن يكون زوجاً؛ لأن المرأة ليس لديها الخبرة الكاملة في معرفة نوعية معادن الرجال، ومن تزوجت دون إذن وليها فزواجها باطل، ولابد أن يفرق بينهما وتعتد ولها مهر المثل.

اهتمام نساء الرعيل الأول بتربية أبنائهن

اهتمام نساء الرعيل الأول بتربية أبنائهن إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فقد كانت النساء في الرعيل الأول، هنّ اللاتي أخرجن الصناديد، بل وأساطين أهل العلم من المجاهدين والعلماء والمبرزين. فهذه أم الشافعي هي التي أخرجت لنا الشافعي، وسعت عليه، وكان يتيماً. وسفيان الثوري جبل الحفظ، وأمير المؤمنين في الحديث، كانت أمه تقول له: تعلم علم الحديث، وأنا أغزل لك حتى تطلبه فكانت تغزل وتنفق على ابنها حتى بلغ سفيان الثوري ما بلغ، واليوم ما من بيت من بيوت الدنيا يتعلم فيه علم الحديث إلا وللثوري عليه منة، ودائماً يقال: سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث. وأيضاً الإمام مالك إمام دار الهجرة، هذا الإمام الفحل الجبل، الذي درس على يديه الشافعي إمام الدنيا، كانت أمه تعممه، وتقول له: اذهب إلى مجلس ربيعة، فتعلم منه الأدب، قبل أن تتعلم منه العلم.

الأسس التي تختار بها المرأة زوجها

الأسس التي تختار بها المرأة زوجها لابد أن يختار الرجل لابنه امرأة صالحة قانتة تدعو إلى الله، وتسعى مع زوجها في رضا الله جل في علاه، ولابد أن يختار المرأة الصالحة التي تخرج لنا الإمام العالم، أو المجاهد المبرز. وقد جعل الشرع أسساً وأصولاً للمرأة في اختيار زوجها، فجعل لها أمرين اثنين أمام عينها، لابد أن تشترطهما في زوجها، حتى توافق عليه، وهما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه فزوجوه). فهذا الحديث النبوي يبين لنا الأسس التي لا بد للمرأة أن تختار زوجها على أساسها، وهذا الحديث يوافق آية كريمة، أشارت لنا، إشارة عابرة إلى هذه الأصول، والأسس، وهي: قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور:32]. فهذه الآية فيها إشارة، لكن ليست الآية الواضحة في ذلك. وأيضاً: قوله تعالى: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:26]. فجعل القوة، والأمانة أساسين لاختيار الزوج. دخل سعيد بن المسيب على ابنته، فوجدها تقرأ قول الله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]. وقالت: يا أبتِ! أما حسنة الآخرة فقد علمناها وهي الجنة. فما حسنة الدنيا؟ قال: المرأة الصالحة للرجل الصالح. والصلاح يكون بالدين والخلق. ولما سئل وكيع عن اختيار الزوج فقال: زوجها التقي النقي، -دين، وصلاح، وخلق- إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يهنها.

أهمية الولي بالنسبة للمرأة في زواجها

أهمية الولي بالنسبة للمرأة في زواجها إذاً: هناك أسس، وأصول للمرأة لابد أن تختار زوجها على ضوئها ومن هذه الأسس والأصول: أن المرأة البكر العذراء التي في خدرها، ولم تجرب الرجال، لا تستطيع أن تميز بين المخادع، والمنافق، وبين الأصيل والخلوق، ومن الذي توافرت فيه هذه الأصول الخلقية التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، والمرأة ناقصة عقل ودين، فإذا كانت غير مجربة، وغير محترفة، ولم تنزل إلى الأسواق، بل كانت عفيفة مستحية في خدرها، فلا تستطيع أن تميز بين الصالح والمنافق فإن الذي يستطيع أن يميز هو الذي له خبرة في الحياة، وهو الولي، فالولي هو الذي يستطيع أن يميز لها بين الخلوق وبين غيره، وبين المدعي وبين الأصيل، وبين الرجل الذي يصلح أن يكون زوجاً لها، أو لا يصلح. من هنا ننبه إلى مسألة مهمة جداً، ألا وهي: أنه لا يجوز لامرأة بحال من الأحوال خلقها الله جل في علاه تريد الزواج بكراً كانت أم ثيباً أن تتزوج بدون محرم، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة مؤمنة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، باطل، باطل)، فأناط الحكم بالإذن؛ دلالة على أن المرأة التي تتزوج بغير ولي ليست مؤمنة. ولكن ليست كافرة حاشا لله! وإنما نزلت عن مرتبة الإيمان الكامل. وأشد من ذلك قول أبي هريرة راوي الحديث وهو: (كنا نعد -أي: الصحابة- المرأة التي تزوج نفسها أنها زانية). إن رأس المسألة التي نتكلم عنها في المخالفات التي تقع فيها النساء هي هذه المسألة، وهذه المخالفات واقع نعيشه، فنحن لا نتكلم عن خيال، بل عن واقع نعيشه. فإن الزواج العرفي انتشر كثيراً في البلاد، وكذا زواج المسيار انتشر أيضاً. وهو زواج بدون ولي. أما الزواج العرفي فهو معروف وموجود الآن في الجامعات، بل حتى لا يتزوجون زواجاً عرفياً. وإنما تقول المرأة للرجل: وهبت لك نفسي، ويقول لها: وهبت لك نفسي، وانتهى الموضوع! وفض غشاء البكارة على الهبة، فإن كان ينوي خيراً فلا بد أن نلزمه بالزواج منها. وأشد من ذلك: من يأتي إلى المأذون يريد الزواج من امراة بحجة أنه يحبها وهي تحبه، وأن سنها أصبح فوق العشرين سنة، فيأذن له المأذون بحجة أنه يجوز لها أن تزوج نفسها على مذهب أبي حنيفة، وهذا خطأ فادح. والخلاف في هذه المسألة من ثلاثة أوجه، أولاً: زواج المرأة بلا ولي، هل يصح أو لا يصح؟ ثانياً: الخلاف في هذه المسألة، هل هو خلاف مشروع معتبر، -يعني: لا إنكار فيه- أم غير معتبر؟ ثالثاً: من تزوج بغير الولي فما حكمه؟

حكم زواج المرأة بدون ولي

حكم زواج المرأة بدون ولي أما المسألة الأولى: وهي زواج المرأة بغير ولي فهو زواج باطل لا يصح، وأيما امرأة تزوجت بغير ولي فزواجها باطل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل، باطل). والتكرار يدل على التأكيد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له). وأيضاً: جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: كنا نعد المرأة التي تزوج نفسها أنها زانية. وفي كتاب الله إشارات عظيمة جداً إلى لزوم وجود الولي، منها: قول الله جل وعلا: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة:232] أي: الأولياء {أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232] يعني: إذا تراضوا بينهم، فلا بد من أن ترجعوهن. فقوله: ((فَلا تَعْضُلُوهُنَّ))، خطاباً لولي الأمر، فهو إشعار وإشارة إلى أن ولي الأمر هو الذي يتحكم في إنكاح البنت، فهذه إشارة من الكتاب، وتصريح من السنة. فإذاً: وجود الولي، شرط من شروط صحة العقد، فإذا انتفى الشرط، انتفى المشروط. وأيضاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كما في السنن وهو مختلف في إسناده، والراجح الصحة: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل). والأصل أن النفي المطلق يكون على الوجود، فإذا لم يكن الحمل على نفي الوجود، أو نفي الأصل، فيحمل على نفي الصحة، فإن لم يكن الحمل على نفي الصحة يكون الحمل على نفي الكمال. فعندما يقول: لا نكاح إلا بولي، ليس المقصود منه نفي الوجود، وإنما نفي الصحة، وهو مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نكاح المرأة بغير ولي، نكاح باطل). فنفى النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح) فنفي النكاح، ثم اشترط شروطاً، وفيها دلالة على أن الحكم مناط بهذه الشروط، إن تخلف شرط واحد منها فالنكاح باطل. أما حديث: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، فهذه الزيادة -أي: وشاهدي عدل- اختلف في صحة إسنادها، فعند من يقول بالصحة يقول: شهود العدل شرط الصحة، فمثلاً: لو جاء الخاطب فخطب البنت من وليها فوافق ثم قال: نكتب الآن، فكتب المأذون وقال الولي: زوجتك ابنتي، فقال الخاطب: قبلت، ولم نجد الشهود، فالنكاح -أيضاً- باطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله شرطاً من شروط العقد، فكأنه قال: لا نكاح صحيح إلا بشرطين اثنين: الأول: الولي، والثاني: شاهدي عدل. فإذا لم يوجد شهود فالنكاح غير صحيح، كما في مذهب مالك، وقاله شيخ الإسلام ابن تيمية يكفي أحد أمرين: إما الإشهار، وإما الشهود. لكن المالكية أشد قولاً من شيخ الإسلام ابن تيمية، فهم يقولون: الإشهار مقدم على الشهود. وهذا معناه: أنه لو جاء الخاطب فقال للولي: زوجني ابنتك، فقال: زوجتك، فقال الخاطب: قبلت، ثم قال: العرس غداً. فعمل العرس في المسجد، ودعا الناس جميعاً، والشهود لم يشهدوا العقد، فإن العقد صحيح، للإشهار، ويستدلون لذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وضعفه كثير من المحدثين، وصححه بعضهم، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدفوف)، صححه الألباني، فالمقصود بقوله: (أعلنوا النكاح) أي: الإشهار، وهو الإعلام، قالوا: وهذا يدل على أن الإشهار يقوم مقام الشهود. والصحيح الراجح في ذلك وهو قول الجمهور: أن العقد بلا شهود عقد باطل، وليس بصحيح فلابد من الشهود، والإشهار ليس شرطاً. فنقول: إذاً بهذه الأدلة كلها أي: زواج بدون ولي فالنكاح باطل، والمرأة زانية.

الخلاف في صحة الزواج بدون ولي

الخلاف في صحة الزواج بدون ولي المسألة الثانية: الخلاف في المسألة، وهو خلاف بين جمهور أهل العلم والأحناف، فالأحناف قالوا: يجوز لكل امرأة رشيدة بالغة عاقلة أن تزوج نفسها، واستدلوا على ذلك بأدلة، منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والأيم أحق بنفسها). ومنها: قوله: (الثيب أحق بنفسها، والبكر تستأذن، وإذنها سكوتها، والأيم أحق بنفسها). والأيم: هي المرأة التي لا زوج لها، فبعضهم قال: هي أحق بنفسها على الإطلاق، وبعضهم قال: ليست أحق بنفسها على الإطلاق بل في الزواج. وقالوا في حديث: (الثيب أحق بنفسها): إنها أحق بنفسها في كل شيء، فلها أن تزوج نفسها. واستدلوا -أيضاً- بالقياس على الذمة الخاصة للمرأة؛ لأن المرأة أباح لها الشرع أن تشتري وتبيع وتملك وتورث وتعطي وتهب، فقالوا: هذه ذمة خاصة قد أقرها الشرع، فإذا كان يحل لها ذلك فبضعها لا تبذله إلا بمقابل وهو المهر، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4]، ومن السنة حديث المرأة التي وهبت نفسها للنبي فلم يرد عليها، فقام رجل فقال: (زوجنيها يا رسول الله! قال: أمعك شيء؟ قال: لا) وما زوجها إلا بأجرة تعليمه للقرآن. وحديث علي عندما أراد أن يدخل على فاطمة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (صداقها -يعني: أعطها صداقها- فقال: ما معي يا رسول الله! فقال له: امهرها درعك الحطمية، فأتى بالدرع ولم يدخل عليها حتى أعطاها)، لكن هذا يدل على الاستحباب لا الوجوب. أي: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمهرها) ليس بشرط للدخول عليها. فالصحيح: أن الصداق ليس بواجب، ولكنه مستحب، وهو دين في ذمة الإنسان، فلا بد أن يعطي للمرأة صداقها. فهنا قالوا: -أي: الحنفية- تبذل المرأة فرجها بالمهر المقابل لها، ويقولون: الذمة التي تذهب وتشتري وتبيع مثل الذمة التي يقاس عليها العقد، أي: طالما أنها تستطيع أن تعقد بغير ولي عقد بيع وشراء وهو شراء سلعة مقابل مال، فهي كذلك تبذل فرجها مقابل المال، فيكون هذا القياس قياس الشبه. إذاً: فالأحناف هم الذين قالوا بهذا القياس، وقولهم هو الذي فتح باب القول بأن المرأة الرشيدة العاقلة التي جاوزت الواحد والعشرين سنة -كما يقولون- يصح لها أن تتزوج بغير ولي. الراجح في هذه المسألة: عدم الجواز وهو قول جمهور أهل العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قطع النزاع، وقال -بأبي هو وأمي-: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل). فأصل العقد باطل. وقال: (باطل، باطل، باطل)، والراوي الذي روى هذه الرواية هو: أبو هريرة، والقاعدة عند المحدثين: (الراوي أعلم بما روى) وأبو هريرة نفسه قد قال: كنا نعد من تزوج نفسها بغير إذن وليها زانية، والعياذ بالله، إذاً: فالراجح والصحيح قول الجمهور.

الرد على من قال بجواز زواج المرأة بدون ولي

الرد على من قال بجواز زواج المرأة بدون ولي والرد على الأحناف: أولاً: ليس لكم في الأثر حجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (والثيب، -أو الأيم- أحق بنفسها)، كان هذا مطلقاً في مقابل الشطر الأول من الحديث، وهو قوله: (البكر تستأذن)، فيكون معنى هذا: أن البكر لما تستأذن تسكت، وتستحي، فهذا الاستحياء يؤخذ منه إقراراً للتزوج، أما الثيب فلا، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مقابل ذلك، الثيب أحق بنفسها بأن تقول لك: أريد أو لا أريد، أما لو ضحكت أو ابتسمت أو استحيت، فهذا لا يعتبر رضا منها، فلا تزوج حتى تقول: أريد هذا الزوج أو لا أريده؛ لأن الثيب مجربة فلها جرأة وتستطيع أن تقول الرضا أو المنع، فكان السياق في مقابلة البكر للثيب. والحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يبين أن المرأة الثيب لابد أن تنطق فلا يكفي في رضاها أن تضحك، بل تقول: أريد، أو لا أريد، ولزاماً على ولي أمر الثيب أن لا يكتفي منها بالسكوت أو الصمت، أو الإشارة العابرة، بل بد أن يقول لها: لا أقبل منك، إلا أن تصرحي. فهذا الرد على هذا الحديث، والحاصل: أن السياق يخالف ما تبنوه. أما الرد على القياس: فنقول: أولاً: هذا قياس فاسد الاعتبار؛ لأنه خالف نصاً، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل). ثانياً: أن هذا قياس مع الفارق. فإن بذل المال قد يغتفر فيما لو جاء مخادع وخدعها في بيع وشراء سعلة معينة، فإنها تعوض، أما غشاء البكارة فأمره عظيم، والفروج أمرها ليس بالهين، فالقياس هنا مع الفارق، فبطل من وجهين: من أنه صادم نصاً، ومن أنه قياس مع الفارق.

ما يجب فعله في حالة وقوع النكاح بدون ولي

ما يجب فعله في حالة وقوع النكاح بدون ولي المسألة الثالثة: إذا تم الأمر، ووقع النكاح فماذا نفعل؟ إذا هربت العاشقة مع العشيق وتزوجها حتى لا يزنيا فما الحكم؟ نقول: أولاً: هذا النكاح باطل مفسوخ، فلابد أن يفرق بينهما فترجع إلى أهلها، ولا عبرة بهذا العقد. ثانياً: لها مهر المثل بما استحل من فرجها، يعني: ينظر في عائلتها: فأختها مثلاً كم مهرها؟ أو ابنة عمتها أو عمها كم مهرها؟ فلها مهر مثيلتها في أسرتها، بما استحل من فرجها، كل ذلك على القول: بأن هذا ليس بزنا حقيقة ولكن حكماً، فلا يجلد؛ لوجود شبهة وفي الحديث: (ادرءوا الحدود بالشبهات)، والشبهة: أنها فتوى لعالم جليل معتبر في الأمة وهو الإمام أبي حنيفة، فنقول: يبقى لها مهر المثل. ثالثاً: يكون عليها عدة، يعني: إن كان لا يستغني عنها وأبوها رضي به زوجاً فتبقى في عدتها، فهذا الراجح خلافاً لجمهور أهل العلم، فإنهم لا يرون عليها عدة في ذلك؛ لأن الماء واحد، والصحيح: أن عليها عدة تعتدها. وعدتها على أحوال كالآتي. الحالة الأولى: إذا جامعها فحملت، فعدتها حتى تضع حملها، فينتظرها حتى تضع الحمل، وبعدما تضع يتقدم لأبيها ويطلب يدها ويعطي مهراً جديداً ويأتي الولي والشهود ويتزوجها ويستلحق الولد. ولا يجوز أن يتزوجها أو يعقد عليها وهي حامل؛ لأن لها عدة فلا بد أن تنهي عدتها، خلافاً للجمهور. الحالة الثانية: إذا كانت ليست بحامل، فجامعها وفض غشاء البكارة ولم تحمل، فقد اختلف العلماء في ذلك: فقال جمهورهم: تعتد عدة كاملة بثلاث حيض، والقول الثاني: وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو من القوة بمكان وهو أن تعتد بحيضة؛ لأن الأصل براءة الرحم. فتعتد بحيضة واحدة، وهذا القول مخالف لجمهور أهل العلم؛ لأن الجمهور -كما قدمنا- يرون أنه إن أراد الزاني أن يتزوجها فلا عدة عليها، طالما الماء واحد، والصحيح: أنه لا بد من العدة. نخلص في هذه المسائل: أولاً: أن المرأة لا يصح أن تزوج نفسها، ولو زوجت نفسها فهي زانية، والصحيح: أن عقدها باطل، ويفرق بينهما ولها مهر المثل، فإن كانت حاملاً ينتظر هذا الذي تزوجها بغير ولي حتى تلد، فتكون هذه هي العدة، ثم يتقدم لها بمهر جديد، وعقد جديد، مع ولي وشهود. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً.

مكان الزوج عند زوجته

مخالفات تقع فيها بعض النساء - مكان الزوج عند زوجته من حرص الإسلام على تقوية الرابطة الأسرية الأمر بطاعة الزوجة لزوجها والتشديد في ذلك، وقد تقع المرأة في مخالفة شرعية في هذا الأمر، مثل عدم طاعة الزوج إذا دعاها إلى فراشه، فإذا فعلت ذلك استحقت سخط الله ولعنة الملائكة، ومن المخالفات التي تقع فيها المرأة: كفرانها للعشير، وإنكارها إحسان الزوج إليها.

مخالفات تقع فيها المرأة في تعاملها مع زوجها

مخالفات تقع فيها المرأة في تعاملها مع زوجها إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

مكان الزوج من الزوجة

مكان الزوج من الزوجة الزوج له مكانة عظيمة عند زوجته، وكثير من نسائنا الآن لا يحترمن هذا المقام ولا يوقرن هذه المكانة بل يتنطعن ويترفعن على الزوج كما سنبين، ففي حديث معاذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) لعظم حق الزوج على الزوجة. وأيضاً في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن عائشة سألته فقالت: يا رسول الله! من أحق الناس بالزوج؟ قال: أمه) فالأم تقدم على الزوجة، والذي يحدث من الأزواج من الممكن أن يودي بالرجل إلى نار جهنم وهو لا يدري، فالأم تقدم على الزوجة والأولاد، بل وعلى الأب أيضاً، ثم قالت: (يا رسول الله! وأحق الناس بالزوجة؟ قال: زوجها) فما قال: أبوها، ولا أخوها، ولا عمها ولا خالها ولا ابنها، لم يقل ذلك أبداً، بل قال: (زوجها)؛ لعظم حق الزوج على المرأة؛ ولذلك ورد في الأحاديث الصريحة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن منعه صلى الله عليه وسلم المرأة من الصيام وزوجها حاضر وشاهد إلا بإذنه، فلا يجوز لها أن تصوم، مع أن الصيام من أجل العبادات، ومع ذلك منعها النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم في حال حضور زوجها بغير إذنه؛ لعظم مكانته منها. بل عائشة رضي الله عنه وأرضاها كان يكون عليها أيام الحيض في رمضان، فتؤخر القضاء إلى شعبان؛ لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال علماؤنا: إذا صامت وزوجها غير راض أثمت، وبطل الصيام، على خلاف فقهي لا ندخل فيه الآن، لكن المقصود: أن نبين أن هذا من عظم حق الزوج على زوجته. ورد في الآثار -أيضاً- بأسانيد صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مبيناً عظم حق الزوج على الزوجة: (ولأن تلعق صديد جرحه ما وفى) يعني: ما وفت لزوجها حقه حتى وإن لعقت صديد جرحه. وقد ورد أثر عن عائشة يقارب هذا القول، وهو أنها قالت: لو أخذت المرأة التراب الذي تحت قدم الزوج فجعلته على خدها، أو مسحته بخدها ما وفت لزوجها حقه، وهذا لعظم حق الزوج. جاءت امرأة شاكية لرسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها فقال لها: (انظري أين هو منكِ) وهذا من أروع ما يكون حداً للمرأة حتى تعرف قدر زوجها عندها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (انظري أين هو منكِ؟ هو جنتكِ ونارك؟). ومعنى ذلك: أن بوابة النجاة وبوابة الجنة الزوج. والمرأة الفطنة اللبيبة هي التي تسارع فيما يرضي زوجها، فتسارع في طاعته، فلا تعانده، ولا تترفع عليه، ولا تقول: رأسي برأسك، وأنا مثقفة وأنت مثقف، فالمرأة الفطنة الفقيهة الأريبة اللبيبة التي تسارع إلى ربها جل في علاه، وتسارع إلى طاعة زوجها، وإلى توقيره وتعظيمه؛ لأنها لن تنجو إلا به، قال صلى الله عليه وسلم: (هو جنتكِ وناركِ) يعني: أنت إن لم تطيعيه وإن لم تحسني إليه فأنت إلى النار. وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث أن المرأة إذا أدت فرض ربها وأطاعت زوجها أو أحسنت في أداء حقه كانت الجنة من نصيبها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (تدخل من أبواب الجنة الثمانية، من أي الأبواب شاءت) ولا يكون ذلك إلا إذا أطاعت زوجها وأدت فرضها، المهم أن تطيع الزوج، فحق الزوج على الزوجة من أعظم ما يكون.

امتناع الإجابة إلى الفراش

امتناع الإجابة إلى الفراش إن الله تعالى يبين نشوز المرأة، ويبين أنه ما كان للمرأة أن تفعل ذلك وقد علمت حق الزوج العظيم عليها، قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34] إلى آخر الآيتين. وقال النبي صلى الله عليه وسلم -مبيناً حق الزوج على الزوجة-: (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها). وأول لون من النشوز: هو عدم طاعة الزوج في فراشه، فإن أرادها لفراشه تمتنع، إما لإساءة خلقه، أو لأنه لم يقدم خيراً، أو لأنها كانت حزينة، أو مرهقة، أو عندها علل، لكن المرأة إذا طلبها زوجها للفراش وامتنعت فهي ناشز، وحكم الناشز أنها لا ينفق عليها؛ لأنها عصت الله جل في علاه، وفي انتظارها عقوبة وخيمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت باتت والملائكة تلعنها) والعياذ بالله، فهي أدت بنفسها إلى لعنها، أي: طردها من رحمة الله جل في علاه، والذين يلعنونها هم الملائكة، بل هناك رواية تثبت أن اللعن من الرب وأيضاً من الملائكة. ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أراد الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه باتت والذي في السماء عليها ساخط) فهذه الرواية تدل على أن الرب جل في علاه يسخط عليها وأن الملائكة تلعنها، فقوله صلى الله عليه وسلم: (والذي في السماء عليها ساخط) يعني: الملائكة، أما قولك: إن الله في السماء، فلابد من تفصيله وتأويله، فكلمة (في) تؤول بمعنى: فوق؛ لأنه لا يصح أن تقول: الله في السماء بمعنى الظرفية؛ فإن هذا القول كفر؛ لأنه لا يصح أن تقول: الله في السماء والسماء تظله وتقله، أما الملائكة فهي حقيقة في السماء، وليست في الأرض، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى في سورة النجم: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ} [النجم:26] ففي هذه الآية دلالة على أن الملائكة في السماوات. ومن الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع شبر إلا وفيها ملك راكع أو ساجد)، وأيضاً من الأدلة: حديث البيت المعمور. إذاً: فالملائكة في السماء، فقوله صلى الله عليه وسلم: (والذي في السماء عليها ساخط) يحتمل بظاهره الملائكة، أو بتأويل في بمعنى: فوق، أي: الرب، وهذان المعنيان لا منافاة بينهما، فما من رجل أراد امرأته على فراشه فأبت عليه إلا كانت -والعياذ بالله- ملعونة في السماء من الملائكة، أو ملعونة من الله جل وعلا ومطرودة من رحمته، وإن تعللت بعلل. فعلى المرأة اللبيبة الأريبة أن تطيع زوجها وأن تتقي الله فيه، فإن أرادها وإن كانت على تنور -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- فلا بد أن تقول: سمعت وأطعت، وإن كان سيء الخلق، ومقصراً في حقها، فلا بد أن تسمع وتطيع؛ لأنه أمر من الله جل في علاه أن تسمع للزوج وتطيع. والزوج عليه أن يتقي الله فيها، فإن لم يتقِ الله هو فيها، فلا بد أن تتقي الله هي فيه، فلا ترد عليه أمره.

كفران العشير

كفران العشير اللون الثاني من النشوز: هو كفران العشير، قال صلى الله عليه وسلم: (لو أحسنت إلى إحداهن أمد الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ومعنى كفران العشير: أن المرأة يحسن إليها الزوج أمد الدهر، ثم ترى منه غضباً أو نقيصة أو تقصيراً في شيء ما فتقول: ما رأيت منه خيراً قط، وتقول: كنت عزيزة فأذلني، كنت غنية فأفقرني، كنت كريمة فأهانني، وتبدأ تعدد مساوئه وتنشرها بين الناس، وهذا ليس من خلال المرأة الصالحة التي تحافظ على بيتها. فالمخالفة الثانية: هو كفران العشير، فيحسن إليها وهي لا تشكر له، ووردت بعض الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها قوله: (إن الله لا ينظر إلى المرأة لا تشكر زوجها وهي لا تستغني عنه) فهي تشتكي منه، حتى إذا طلقها تقول: من لي غيرك؟ أنت أفضل من أبي وأمي وأخي وأختي، تقول ذلك لأنها لا تستغني عنه، وهذا هو معنى نص الحديث، فاللون الثاني من النشوز: عصيان الزوج في عدم شكر إحسانه، أو فضائله الحسنة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لم ترضي منه بخلق ترضي منه بآخر) أو قال: (إن لم ترض منها بخلق فارضي منها بآخر). أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلِّ اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1