محو الأمية التربوية

محمد إسماعيل المقدم

محو الأمية التربوية

محو الأمية التربوية قد يفهم كثير من الناس بكافة مستوياتهم الثقافية معنى الأمية التعليمية، لكن الخطأ المشترك بين كل هؤلاء، والذي يقع فيه حتى عِلية القوم من المثقفين، هو جهلهم بمعنى الأمية التربوية، ولذلك يمارسون مع أبنائهم أساليب تربوية خاطئة، سواء كانت تنتهج القسوة أو التدليل، وسواء كانت موروثة أم مستوردة، ولهذا فالواجب على كل أب أن يتعلم أسس التربية، ويلتزم الطريقة الصحيحة في ذلك.

اهتمام الإسلام بتربية النشء

اهتمام الإسلام بتربية النشء الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، لاسيما عبده المصطفى، وآله المستكملين الشرفا، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد: فإن الإسلام كالبناء الجميل، من أي النواحي أتيته أعجبت بجماله وبهائه وروعته؛ فسواء نظرت إليه من جهة عقيدة التوحيد التي تميز بها، أو كمال التشريعات التي شرعها، أو النظام الاقتصادي في الإسلام، أو النظام السياسي، أو الإعجاز العلمي، أو بلاغة وآداب القرآن وهكذا. ومن الجهات التي إذا طرقناها بالنظر والتأمل نجد أن هذه الجهة وهذا الموضوع هو موضوع التربية والاهتمام بتنشئة الأطفال والأجيال التي تشكل الحاضر والمستقبل، ويتميز المنهج التربوي الإسلامي بوسائل معينة توصل إلى أهداف محددة. أما الهدف فهو إنقاذ هذه الذرية من النار، وأن يشبوا أبناء صالحين يعملون لدينهم ودنياهم، ويسعدون في الدارين بالصلاح والتقوى والإيمان والتوحيد. وقد وضح الله سبحانه وتعالى ذلك حينما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]، قال علي بن أبي طالب: علموهم وأدبوهم. والمعنى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6]، بالتربية والتعليم والتأديب والتهذيب، فيكفي في بيان خطر هذه المسئولية: أن الخلل فيها يؤدي إلى عقوبة النار. وحينما كانت امرأة من الأسرى تجد في البحث عن ولدها، فحينما رأته بعد بحث وعناء ألصقته ببطنها في حنان شديد، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قالوا: لا، قال: لله عز وجل أرحم بعباده من هذه بولدها)، فالله سبحانه وتعالى وضع الرحمة في قلوب الآباء الأسوياء، ومن ثم لم تكثر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي توصي الآباء بالأبناء، وإنما رأينا العكس، فكثير من النصوص توصي الأبناء بالآباء؛ لأن الله عز وجل تكفل بوضع هذه الرحمة الذي تضمن لهم هذا المعين الذي ينبض بالحب والحنان والعطف. وقد جعل الله سبحانه وتعالى من دعاء الصالحين وعباد الرحمن: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]، فحينما يراهم صالحين أتقياء فلا شك أنهم يكونون قرة أعين للعبد الصالح. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أن يجني الأب على ولده، فقال عليه الصلاة والسلام: (ألا لا يجن والد على ولده)، رواه الدارقطني. وهناك كثير من النصوص فيما يتعلق بإعطاء الإسلام أهمية كبرى لموضوع التربية، فتربية الإسلام للطفل ليست كأي تربية أخرى، إنما هي تربية لغاية ولمقصد ولمستقبل في الدارين، فيقول النبي عليه الصلاة والسلام للأطفال: (ارموا فإن الرمي أنكأ للعدو)، فمن أول طفولتهم يخاطبهم بهذا الخطاب. فحينما رأينا الإسلام العظيم ربط الهدف التربوي بهذه الغاية العظمى، وهي سعادة الدارين، في نفس الوقت وجدنا جميع تعريفات التربية في المفهوم الغربي الذي يلهج به كثير من المسلمين تركز على إعداد الطفل ليكون قادراً على تحقيق رغباته الدنيوية، بغض النظر عن كون التعريف بالتربية علمانياً ينفصل تماماً عن التربية الإسلامية. وقد اهتم المسلمون اهتماماً شديداً بموضوع تربية الطفل، والحفاظ على نفسيته من التشويه والإعاقة النفسية، أذكر مثالاً عارضاً لذلك: كان المسلمون الأوائل يوقفون الأموال على الأطفال أو العبيد الذين إذا أرسلهم آباؤهم لشراء شيء معين وضاعت منهم الأموال، فمن أجل حماية هؤلاء الأولاد من العقوبة أو القتل التي قد يتعرضون لها أوقفوا أموالاً ليعوض هؤلاء الأطفال من هذه الأموال، حماية لهم من قسوة الآباء الذين قد يعاقبونهم بشدة بسبب ضياع المال منهم.

مفهوم الأمية التربوية الضائع

مفهوم الأمية التربوية الضائع لا نتصور أن مثل هذه القضية التي هي غاية في الخطورة يمكن أن تناقش وتعطى حقها في هذا الزمن القليل، فليكن كلامنا مجرد مدخل ومقدمة لسلسلة تستمر -إن شاء الله تعالى- فيما بعد عن هذا الموضوع. بالنسبة لمفهوم الأمية التربوية لابد أن يتداعى الناس بين وقت وآخر للحديث عنها، والإعلان عن مراكز محو الأمية وأهمية محو الأمية، بمعنى الجهل بالقراءة والكتابة، لكننا قل أن نجد من يلتفت إلى نوع آخر من الأمية، وهي الأمية في مجال التربية، فضلاً عن أن يفكر في محوها، وسلوك منهج علمي دقيق في محو هذه الأمية.

الفرق بين الأمية التربوية والأمية بالقراءة والكتابة

الفرق بين الأمية التربوية والأمية بالقراءة والكتابة هناك فرق شديد بين أمية القراءة والكتابة وبين أمية التربية؛ إذ أمية القراءة والكتابة من حيث آثارها أخف بكثير جداً من أمية التربية، أما أمية التربية فقد تخرج أجيالاً مشوهة نفسياً تعاني وتتعذب وتنحرف في كل مظاهر الحياة. الأمية في القراءة والكتابة قد نجدها تتفشى في طائفة معينة من الناس، ولكن الأمية التربوية لا ترحم، فإنها قد تتفشى كالداء الوبيل، وقد نجدها في أعلى الناس من حيث المستوى العلمي، كأستاذ الجامعة، أو حتى خواص الناس وليس عوامهم، فهؤلاء بلا شك أعلى الناس من حيث تنزههم عن أمية القراءة والكتابة، ولكن مما يؤسف له: أن الأمية التربوية متفشية فيهم بصورة مؤلمة جداً على أعلى المستويات، بل على مستوى الوزراء وغيرهم من علية القوم، وهذه الظاهرة نلمسها في مناهج التعليم، أو وسائل الإعلام كل هذه تعكس وتشير إلى مدى الأمية التربوية؛ هذا مع حسن الظن بهم! الأمية بالقراءة والكتابة قد تكون ظاهرة، أما الأخرى فهي تتخفى، ثم تظهر لنا فيما بعد آثارها الخطيرة على الأبناء والأولاد، أي: يمكن أن يكون الرجل خبيراً وقائداً في التربية وهو رجل فقير لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك تجد سلوكه مع أولاده سلوكاً راقياً مهذباً مستنيراً يخرج الأولاد الأصحاء، وقد يكون رجلاً على النقيض من ذلك، ومع ذلك يكون غارقاً في الأمية التربوية. إذاً: ليس المقصود من محاضرتنا هذه محو الأمية التربوية كما هو العنوان، ولكنه تحت عنوان مضمر: أهمية محو الأموية التربوية؛ فإن المحو لهذه الأمية يحتاج زمناً طويلاً وجهوداً مكثفة، والمقصود هو أن ننقل هذه القضية إلى دائرة الاهتمام ليسلط الضوء عليها، ونعطيها القدر الذي تستحقه.

عوائق معالجة الأمية التربوية

عوائق معالجة الأمية التربوية كان ينبغي معالجة هذه القضايا منذ زمن بعيد، لكن هناك عوائق وعقبات أمام ذلك، وأكبر عقبة أنه كان يفترض في هذه القضايا التربوية أن يقسم الناس فيها إلى شرائح عمرية، ويوجه لكل طائفة كلام غير الكلام الذي يوجه للطائفة الأخرى، إلا أن مشكلاتنا في مجتمع المسجد أنه تتواجد فيه جميع الفئات العمرية من الجنسين، ولا شك أن هذا توجد معه بعض الصعوبة من حيث اختلاف مستويات الناس في فهم الأشياء. أيضاً الكلام الذي يقال للأطفال غير الذي يقال للشباب المراهقين، وهو غير الذي يقال للناضجين، وهو غير الذي يقال للشيوخ، كذلك ما يقال للبنات غير ما يقال للبنين؛ علاوة على أن هناك قضايا لابد من طرقها لكن لا يناسب طرحها بصورة مكشوفة أمام كل هذه المجموعات العمرية، لأنها تناسب طائفة معينة؛ فهناك من الشباب مثلاً من له بعض المشكلات الخاصة جداً التي لا يناسب أن تذكر أمام الجميع، أو تناقش بانفتاح أمام هذه المجموعات كلها. أيضاً: يحتاج هذا الموضوع لتوعية نفسية وصحية، ونحن وإن كنا قد أغنانا الله سبحانه وتعالى بنور القرآن ونور السنة وهدي السلف الصالح، لكننا في نفس الوقت نحتاج لتوعية نفسية وصحية في قضايا لا تكون كالقضايا التي نعتاد على دراستها في المسجد، لكننا نرجع فنذكر أنفسنا بأن المسجد طالما كان له دور شامل لجميع مقاصد الحياة، ويشمل كل مجالات الحياة، فلا حرج على الإطلاق إن شاء الله تعالى من تناول هذه الأشياء، من باب تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك)، كما أن هذه الأمور النافعة تفيدنا ديناً ودنيا، فلا حرج إن شاء الله تعالى من ذكرها. أيضاً مما يتخوف منه الإنسان: أن بعض الناس يسيء أحياناً فهم الكلام، وبالتالي تطبيق الإرشادات، لكن مع التفصيل والإيضاح نأمل تجاوز هذه المخاطر. ما دمنا نتكلم عن التربية فمحور هذه القضية هو أهم شريحتين في الأمة: الأطفال والشباب؛ لأنهما الطائفتان القابلتان للتربية والتوجيه، وكلما تقدم السن كلما كان الأمر أصعب.

بعض مظاهر الخلل في التربية

بعض مظاهر الخلل في التربية من المناسب أن نبدأ بإظهار بعض مظاهر الخلل، وموقفنا نحن من موضوع التربية.

إهمال التربية أو تبني التربية المخالفة للإسلام

إهمال التربية أو تبني التربية المخالفة للإسلام إذا قلت لشخص: ما هذا؟ فقال: لا أدري، فهذا جهل، لكن لو قلت لآخر عن كوب: ما هذا؟ فقال: هذا كتاب، فقد أخطأ، فهو لا يعرف الكتاب من الكوب، فالخطأ في العلم نوع من الجهل، وقد يكون أخطر من الجهل العادي الذي يعني انعدام العلم. أقصد بذلك أن عندنا بعض الناس لا يخطر الموضوع لهم على بال، والبعض الآخر يتبنى مناهج تربوية خاطئة؛ لأنها مصادمة للمنهج الإسلامي الصحيح والسوي، فهذا أيضاً نوع من المرض والانحراف ينبغي أن يعالج، وأن تقتلع المفاهيم المنحرفة؛ لأنها لا تخرج عن حيز الجهل؛ لأنها مناهج خاطئة تصادم المنهج الصحيح. نحن أقسام: إما أن بعضنا غافل تماماً عن شيء يسمى تربية، فيمارس نوعاً من اللامبالاة، والموضوع لا يخطر له على بال، وكل نظره يتجه إلى نمو الطفل: أنه الآن يحبو الآن بدأ يتكلم الآن كذا وكذا مضغة لحم تنمو وتكبر ويتلهى بها، ويغفل أنواعاً أخرى من النمو ينبغي أن يعتنى بها، وأن يعطى الطفل احتياجاته فيها. فالوعي التربوي لدى أغلب الناس وعي منخفض جداً حتى عند المثقفين منهم، فالتربية لا تأخذ عندهم مأخذاً جاداً كعلم يكتسب، ومهارة تحتاج إلى تدريس، وإنما ينظر إليها أغلب الناس على أنها شيء تلقائي يدركه الفرد بإحساسه العفوي، فإن أراد الاجتهاد فإنه يضيف شيئاً من خبراته المكتسبة وراثياً عن طريق ما تعلمه من الآباء. وغالبية الناس يجهلون كيف يتعاملون بالأسلوب السليم مع أولادهم في هذا العصر الذي صعبت فيه التربية جداً؛ لأنه عصر يكتظ بالمتناقضات، وتتزاحم فيه الأضداد، وأصبح الإنسان تتنازعه جوانب عدة واتجاهات مختلفة؛ فلا يجد الفتى أو الفتاة سوى التخبط والضياع عندما لا يكون هناك من هو كفؤ لقيادته إلى الطريق الصحيح في هذا الخضم المتلاطم من الأفكار والنزعات.

الحديث عن التربية من أبراج عالية لا تناسب بسطاء العقول

الحديث عن التربية من أبراج عالية لا تناسب بسطاء العقول بعض الناس يتكلمون كثيراً عن التربية لكنهم يتكلمون من برج عاجي، أو دراسات أكاديمية معقدة لا يفقهها إلا من كان على هذا المستوى الأكاديمي، وكما نلاحظ في الدراسات المتخصصة فإنها لا تعطينا وجبة سهلة قابلة للتطبيق، لأن كل الكلام على مستوى أكاديمي يناسب المتخصصين ويستغلق على الإنسان العادي، وربما عقدت بعض المؤتمرات لمناقشة بعض المشكلات، وقد حضرت مرة مؤتمراً يناقش مشاكل المراهقين، وتطرق أساتذة كبار في كلية الطب إلى هذه المشاكل؛ فوجدت أن الكلام كله يدور في إطار مشاكل طبقة المترفين، وفيه تفاصيل لا تمت للأغلبية من الناس بصلة. أيضاً بعض الناس افتتن بالمنهج التربوي الغربي وأراد إسقاطه عشوائياً على بيئتنا، وهذا كقصة المثل الذي يحكي أنه كان هناك سمكة جرفها السيل، وأخذ يدفعها أمامه، وهناك قرد أراد أن ينقذ هذه السمكة، فأخرجها من الماء حتى ينقذها، نحن إذا تم التعامل معنا على أساس ثقافة غير ثقافتنا ومذهب غير ديننا فإن هذا لا يناسبنا؛ لأن صلاحنا لا يكون إلا بما صلح به أمر أول هذه الأمة. وبعض الناس يرون التربية الحسنة، في أن يوفر الأب لأولاده أحسن ملبس وأحسن مأكل، ووسائل الترفيه، والبعض يسلك مسلك التربية القاسية المتسلطة، حتى إن منا من يستحسن ذلك حين يحكي عن شخص أنه حين ينظر لابنه بعينيه فإن الولد يرتجف، فينظر إلى هذا الأب على أنه مرب جيد، وأن هذا الولد متربٍ، وعلى الجهة الأخرى نجد التدليل المفرط الذي يدمر الأطفال ويسيء إليهم.

تطبيق طريقة الآباء الخاطئة في التربية أو إيكالها إلى الخادمات

تطبيق طريقة الآباء الخاطئة في التربية أو إيكالها إلى الخادمات من مظاهر الخلل في هذه التربية أيضاً: اعتزاز بعض الناس -إلى حد التقديس- بالطريقة التي ربي هو بها منذ صغره ويعتبرها جزءاًً من كيانه لا يستطيع أن يتخلص عنه، وبالتالي يريد أن يحاكي هذه الطريقة ولا يخضعها أبداً للنقد أو التمحيص أو النقاش أو إعادة النظر فيها. أما مشاكل المترفين: فهم يتركون زمام التربية لغيرهم، كحال الخادمات، فقد أصبحن في هذا الوقت ظاهرة جديدة، حيث يستقدمن من شرق آسيا كافرات لا يعرفن العربية، ويسلطن على الأطفال لتربيتهم، وهذه مصيبة ما بعدها مصيبة؛ لأن لهؤلاء الخادمات دوراً مدمراً لهوية الأطفال الإسلامية.

ندرة وجود المعلم التربوي

ندرة وجود المعلم التربوي من هذا أيضاً: تسليم زمام التربية لمعلمات غير تربويات، ولا حظ لهن على الإطلاق في التربية، فنجد بعض المسالك من المعلمة التي لا تعرف شيئاً في التربية؛ لأن هناك فرقاً بين التربية وبين التعليم، فالتعليم جزء من التربية، كما يقول المثل الصيني: إذا أتاك مسكين من أجل أن تتصدق عليه فأن تعطيه شبكة وتعلمه كيف يصطاد السمك أفضل من أن تتصدق عليه بسمكة. فالمدرس الذي يدرس الرياضيات قد يحل لهم المسألة بسهولة، وهو في هذه الحالة ليس معلماً فقط لكنه يكون مربياً إذا علم التلميذ أو الطالب كيف يفكر ويحلها، وكيف يستقل بالإبداع في هذه المجالات؛ فالتربية أعم من التعليم، فقد يوجد معلم لكنه لا يكون مربياً كما لاحظنا، والأمثلة مؤلمة جداً.

تسليم زمام التربية لوسائل الإعلام المفسدة

تسليم زمام التربية لوسائل الإعلام المفسدة الآن ينتزع زمام التربية ويعطى لوسائل الإعلام التي تدمر الأبناء تدميراً، وفي مقدمتها التلفاز بسلوكه الخطير على نفسية الأطفال بإجماع جميع العقلاء في كل العالم، وفي أمريكا يوجد اقتراح لمنع الفساد عبر أجهزة التلفزيون والفيديو وغيرها، فانضم لهذه الحملة رئيس أمريكا وطالب الناس أن ينضموا ليطالبوا الوسائل التلفزيونية بالحد من النشاط الإجرامي الذي يفسد الأطفال. هذا وهم كفار غير مسلمين، فما بالك بالمسلمين، فلا نشك أن التربية الموازية والمضادة للتربية الإسلامية التي تسلط على الأطفال صباح مساء تصعب المهمة جداً في واقعنا الذي نعيشه.

أهمية التربية المبكرة

أهمية التربية المبكرة من المناسب أن نبدأ بإظهار بعض مظاهر الخلل، وموقفنا نحن من موضوع التربية.

تحذير الشريعة من إهمال التربية

تحذير الشريعة من إهمال التربية إن العملية التربوية عملية في غاية الخطورة، ويكفي أن الخلل فيها يؤدي بنا وبأهلينا وأولادنا إلى النار، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] إلى آخر الآية. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته)، أي أنه واقف أمام الله، وسوف يسأله الله، فاسم مسئول من سأل، فسوف يسأل ويحاسب ويعاقب إن قصر، ويثاب إن أحسن. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حتى ليسأل الرجل عن أهل بيته). فلا تظنوا أن عملية التربية نوع من الكماليات أو الرفاهية، أو نوع من الترف العلمي أو الثقافي بل هي مسئولية في غاية الخطورة، (إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حتى ليسأل الرجل عن أهله بيته) فسوف تسأل وتحاسب بين يدي الله سبحانه وتعالى عن سلوكك مع أولادك وتربيتك إياهم. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول)، يعني: لا إثم أعظم من ذلك. فمن القصور أن نتصور أن التضييع إنما يكون بالنفقة، لأن التضييع يكون بأمور هي أخطر من النفقة؛ سواء تركه مع صحبة سيئة، أو توفير أجهزة الفساد له بسهولة، أو سلوك مسالك مدمرة لنفسيته. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، فلابد من إتقان التربية وإحسانها، والاستعانة في ذلك بالله عز وجل، يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69].

كلام الغزالي على أهمية التربية المبكرة

كلام الغزالي على أهمية التربية المبكرة يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش؛ أي أنه مثل العجينة الطرية يمكنك أن تشكله كما تشاء بإذن الله، فإذا أحسنت تشكيله خرج لك قرة عين، وخرجت لك ذرية صالحة، أما إذا أهملتها فهذا ما يبينه الغزالي فيقول: الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعُلِّمَه نشأ عليه؛ فسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم؛ شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، فالشر طارئ لكن الفطرة البشرية سليمة وقابلة للخير، وإلى هذا أشار أبو العلاء بقوله: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه وما دان الفتى بحجىً ولكن يعلمه التدين أقربوه فالنبي صلى الله عليه وسلم حمل الوالدين مسئولية تربية الأبناء؛ لأن بعض الآباء قد تحصل ظروف معينة في أسرته تجعله يقرر أن يهرب من هذه المسئولية، فيكون مثله كمثل ربان السفينة في وسط البحر إذا غضب من بعض البحارة فترك لهم المركب، وأخذ قارباً ولن يستطيع القيادة إلا هو، وقد يكون الأمر أخطر لو تخيلنا أنه قائد الطائرة وينزل بالمظلة، فهل يخلو مثل هذا من المسئولية بضياع هذه الأسرة وهؤلاء الأولاد؟ لا. بل سوف يحاسبه الله عز وجل، ويكون حسابه أشد إذا كان سلبياً أو فرر من مواجهة هذه المسئولية.

حث الشريعة على حقوق الأبناء والاهتمام بتربيتهم

حث الشريعة على حقوق الأبناء والاهتمام بتربيتهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)، إلى آخر الحديث. ويروى في بعض الآثار: أن داود عليه السلام قال: إلهي كن لبني كما كنت لي، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود! قل لابنك يكن لي كما كنت لي، أكن له كما كنت لك. يقول الغزالي في رسالته: أيها الوالد! إن معنى التربية يلزم عمل الفلاح الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحصل نباته ويكمل ريعه. ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه وتعالى يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده. أي: فكما أن للأب على ابنه حق فللابن على أبيه حقاً، كما قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت:8]. وقال تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]. وقال علي بن أبي طالب في تفسيرها: علموهم وأدبوهم. وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء:36]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أولادكم). وقال الله عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء:11]. فإذاً وصية الله سبحانه وتعالى للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، والدليل من القرآن الكريم قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء:31]، فهنا وصية لاحترام هذه الروح، وهذه النفس، وهي نفس الأولاد قبل أن يصبح هذا الطفل مكلفاً ببر والديه، ومنذ أن كان جنيناً نفحت فيه الروح والله سبحانه وتعالى يشرع له من الحقوق ما يحمي له حياته ويصونها، ويجعل لها حرمة، والأحكام في ذلك كثيرة كما سنشير إن شاء الله تعالى. يقول ابن القيم: فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى؛ فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه؛ فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت! إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً. ويقول سعيد بن العاص: إذا علمت ولدي القرآن وحججته وزوجته فقد قضيت حقه، وبقي حقي عليه.

غفلة الآباء عن التربية المبكرة للأبناء

غفلة الآباء عن التربية المبكرة للأبناء تربية الأولاد تبدأ مبكرة جداً عما نتخيل؛ لأن أغلب الناس تنظر إلى الطفل من ناحية نموه الجسدي، وكثير من الناس يستصحب موقفه هذا مع الطفل الصغير منذ أن يحبو حتى يكبر وهو ما زال ينظر إليه بهذه النظرة. والإسلام في الحقيقة نبه إلى موضوع التربية، وبعض الناس لا يلتفت لها إلا بعدما يكبر الولد ويتعدى الثانية عشرة من عمره، وهذه خسارة ما بعدها خسارة؛ لأن نفسية الطفل وشخصيته تتشكل وتوضع البذرة الأولى لها في الخمس السنوات الأولى، فهذه أخطر مرحلة تشكل كل مستقبل الطفل فيما بعد ذلك، والله تعالى أعلم. وهذه المرحلة حقها أن تحظى بأكبر قدر من العناية، لكنها تحظى بأكبر قدر من اللامبالاة، واللامبالاة لا تساوي عدم التربية، بل تساوي تربية خاطئة، فاللامبالاة في حد ذاتها إساءة.

بداية التربية من اختيار الأم الصالحة

بداية التربية من اختيار الأم الصالحة لا ينظر للتربية على أنها تبدأ عندما يكلف الطفل، فهذا غير صحيح، ولن أقول: إنها تبدأ من ساعة خروجه من بطن أمه، لكنها تبدأ من حين اختيار الأب لزوجته؛ هذه هي البداية الصحيحة، أي: أن حق الأولاد يتقرر في عنقك منذ اختيار أمهم؛ لأن هذا الاختيار يكون له أعظم الأثر فيما بعد على الأولاد، وهذا موضوع في غاية الأهمية، لكننا سنختزله ونذكر أهم ما فيه، فأقول: إن من المهم اختيار الأبوين؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نبهنا إلى كلا الأمرين حينما قال في الرجل: (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، وقال في المرأة: (فاظفر بذات الدين تربت يداك). فإذاً من حق الولد إحسان اختيار أمه حينما يريد أباه أن يتزوج، ولا خير ولا أحسن من المرأة الصالحة كما بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم. يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى: إن البيت قلعة من قلاع هذه العقيدة، ولابد أن تكون قلعته متماسكة من داخلها، حصينة في ذاتها، كل فرد منها يقف على ثغرة لا ينفذ إليها، وإلا تكن كذلك سهل اقتحام العسكر من داخل قلاعه؛ فلا يصعب على طارق، ولا يستعصي على مهاجم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تخيروا لنطفكم؛ فانكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم).

أهمية حنان الأم في تربية الطفل وتميز نساء قريش بذلك

أهمية حنان الأم في تربية الطفل وتميز نساء قريش بذلك حينما امتدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم نساء قريش قال: (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش) يعني: الصالحات المتدينات من نساء قريش، ثم ذكر المؤهلات اللاتي استحققن بها هذا الثناء من النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش؛ أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده)، فهن أكثر الناس حناناً على أولادهن، وهذا أمر في غاية الأهمية؛ لأن الطفل يحتاج إلى الحنان حاجة ماسة، ومع كل وجبة إرضاع ينبغي أن تقدم الأم للطفل وجبة حنان وحب وعطف، وكل هذه الأمور من الاحتياجات الأساسية للطفل. الطفل ينمو، وكما ينمو في جسمه تنمو روحه وعاطفته وإدراكاته، فمما يحتاج إليه الطفل باستمرار: وجبة الحنان، وإلا سهل جداً الإرضاع. فقد تقوم به الزجاجة، أو الخادمة، لكن المرأة التي ترضع ولدها يشتد الالتصاق بينها وبينه، ووجودها أساسي جداً في الإشباع العاطفي والوجداني الذي ينعكس انعكاساً كبيراً عليه، لذا فإن أخطر السنوات في تشكيل شخصية الطفل هي السنوات الخمس الأولى، ثم يليها الثلاث السنوات التالية، فينبغي أن يهتم بتربيته وقتها أشد الاهتمام. إن الأم التي إذا أرادت أن ترضع ولدها تصرخ فيه، وترضعه بطريقة ميكانيكية آلية قد حرمته من وجبة الحنان، وهي تظن أنه قطعة لحم لا يحس بشيء، ونحن نقول: إن الطفل يحس بكل شيء، يحس بأمه وهو في بطنها، فيحس بها إذا كانت سعيدة أو كئيبة، ولذلك فإن الأم أثناء فترة الحمل محتاجة إلى توجيهات كثيرة جداً؛ لأنها تختزل فترة من فترات تربية الطفل عن طريق أنها تكلمه وتقوم بعمل حركات معينة على بطنها بحيث يألفها ويحفظ صوتها، وربما سمعتم أن بعض الأمهات الفاضلات كانت دائماً تسمع القرآن الكريم، والطفل في بطنها، فسرعان ما حفظ القرآن مبكراً جداً؛ وذلك لأن الطفل ليس في غفلة، بل يحس بأشياء كثيرة نتغافل عنها، ونحقر من إمكاناته، والحقيقة غير ذلك تماماً. الشاهد: أن هذا وسام وشرف وضعه النبي عليه الصلاة والسلام على نساء قريش، وكافأهن بهذا المديح العظيم على لسانه صلى الله عليه وسلم وذلك لسببين. أحدهما: (أحناه على ولد في صغره)، وهذا فيه لفت نظر إلى أهمية الحنان، والأطباء أو الأخصائيون النفسيون حينما يدرسون حالة من حالات الانحراف عند المريض يكون هناك سؤال أساسي جداً: هل الرضاعة تمت في صغرك بطريقة طبيعية أم بطريقة صناعية؟ لأنه لو حرم من الرضاع فسوف ينعكس هذا على نفسه، وهذا نوع من الحرمان. ثم الفطام: كيف فطمت من الرضاع؟ وأغلب الناس لا يتذكر؛ لكن لو أمكن اجترار هذه المعلومات من الأقارب أو الأم فإنها تكون مفيدة. فالأزمات النفسية توضع جذورها في السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل، ثم بعد ذلك تليها في الأهمية مرحلة أخرى تستمر إلى ثمان سنين، ثم تنتهي تقريباً عند سن الثامنة عشرة، إلى هنا تكون كل مقومات الشخصية قد تكونت لديه، وما يستقبل فهو انعكاس لما مضى في خلال هذه الفترة، والتجارب التي مر بها، والأسلوب الذي ربي به. هذه لفتة عابرة لخطورة العملية التربوية.

تربية الطفل النفسية من وجهة نظر إسلامية

تربية الطفل النفسية من وجهة نظر إسلامية بعض الباحثين وهو طبيب نفسي له كتاب اسمه (تربية الطفل رؤية نفسية إسلامية) كتب كلاماً جيداً في موضوع الأولاد، يقول فيه: من أجل ذرية صالحة لابد للزوج من زوجة صالحة، ولابد للزوجة من زوج صالح، هو يظفر بذات الدين، وهي تتزوج ممن ترضى دينه وخلقه، لكن بعد هذه المرحلة تأتي أهمية وضوح الغاية من أن يكون عندنا أولاد، وبصورة أخرى: ما هي النية من وراء إنجاب الأولاد؟ هل ننجب الأولاد ونتعب في تربيتهم السنين الطويلة حتى يكونوا لنا عوناً عندما نبلغ الشيخوخة؟ ربما كنا مرحومين فكان أولادنا بارين بنا، وعوناً لنا عندما نحتاج إليهم، لكن قد لا يكونون كذلك؛ فيذهب جهد السنين في العناية بهم بلا مقابل. وقد نربي الولد السنين الطويلة، ثم يموت أو يبتلى بعاهة وإعاقة دائمة، وقد وقد كل ذلك يجعل الإنجاب والتربية كوسيلة تأمين ضد الشيخوخة مشروعاً أقرب إلى الخسارة منه إلى الربح، وقد ينجب الأولاد لأنهم مثل الأموال زينة في هذه الحياة الدنيا، كما قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46]، والنفس البشرية تحب امتلاك الزينة، لكن العاقل الذي يدرك مدى المسئولية في ذلك، ومدى العبء الذي يحمله الأبوان في تربية أولادهما، فقد لا تعجبه هذه الزينة؛ لأنها باهظة التكاليف. وقد ننجب لنجبر كسر زواج على حافة الطلاق، ولكن زواجاً محطماً لا يستحق العناء الذي يتطلبه الأولاد، والأولاد قد يزيدون الأمور سوءاً، وقد يعجل ذلك بالطلاق ولا يؤجل. بقي أن ننظر إلى أولادنا على أنهم مشروع رابح، يقول: إن تربية الأولاد ينبغي أن تكون النية والهدف من وراء تربية الأولاد لله، فيقول: إن ما كان لغير الله ينقطع وينفصل، وما كان لله فإنه يدوم ويتصل، فإن أردت بالأولاد مالاً ربما خانوك وضيعوك، وإن أردت زينة فهي مكلفة، وإن أردت كذا إلى آخر هذه الاحتمالات. ثم قال: بقي أن ننظر إلى الأولاد على أنهم تجارة لن تبور، وذلك إذا اتبعنا فيها شرع الله سبحانه وتعالى، يقول: بقي أن ننظر إلى أولادنا على أنهم مشروع رابح لكسب الأجر والثواب، وارتفاع الدرجات عند الله، ولحفظ جهدنا من الضياع؛ لأن الجهد الذي نضيعه على أولادنا قاصدين بذلك تنشئتهم على الإيمان بالله وتوحيده وطاعته جهد باق لا يزول عندما تزول الجبال، ولا يختفي عندما تكور الشمس، أو تكشط السماء، أو تسجر البحار، إنه جهد أودع في إنسان، والإنسان ضمن الله له الخلود بعد أن يبعثه يوم القيامة إلى حياة لا موت بعدها، بينما تزول كل المعاني المادية العظيمة من حولنا، إلا تربية الأولاد. بهذه النية يكون لدينا مشروع لا احتمال للخسارة فيه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك). وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: (قلت: يا رسول الله! هل لي أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بني؟ فقال: نعم. لك أجر ما أنفقت عليهم). أي أن هذا عن المال الذي تنفقه في تربية الأولاد لن يضيع سدى، بل تثاب عليه أعظم الثواب، فما بالنا بالجهد الدءوب والتعب وسهر الليالي بعد الحمل وهناً على وهن، أيعقل أن يكون أجر ذلك كله دون أجر المال الذي ينفقه الأب؟ هل ثواب الأم التي تعاني ما تعاني في تربية الطفل يكون دون ذلك؟ يقول تبارك وتعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195]. وعندما يكبر أولادنا صالحين مؤمنين فيكون لنا -بإذن الله- من الأجر مثلما يكون لهم كلما صلوا صلاة أو صاموا صياماً، أو عملوا عملاً صالحاً ما عاشوا، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، والولد من سعي أبيه، أي: أنك إذا ربيته على الطاعة فكل عمل صالح يفعله يكون لك مثل ثوابه، فإذا ذكر الله سبحانه وتعالى وأثيب على ذلك فأنت أيضاً لا تَقِلُّ عنه في شيء، وهكذا إذا صلى أو صام أو فعل أي شيء؛ لأنك أنت الذي تسببت فيه وجوده؛ فإنه لا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39]؛ لأن من سعيه إنجاب وتربية هذا الولد. يقول: هذه الطمأنينة على أعمالنا أنها لن تضيع سواء أحسن إلينا أولادنا أو لم يحسنوا عندما يكبرون؛ تجعلنا نبذل ونربي بحماسة ورضا، وعندما نشعر أن أولادنا نعمة من الله لأنهم وسيلتنا إلى زيادة حسناتنا؛ فكم منا من له الجلد والمثابرة على الصلوات الكثيرة في جوف الليل، وكم منا من إذا صلى كانت صلاته كلها خشوع، وكم منا من له الصبر على صوم أكثر الأيام، إن أولادنا وسيلتنا لكسب الأجر العظيم الذي نعجز عن كسبه عن طريق النوافل الكثيرة صلاة وصوماً وصدقة وحجاً وذكراً، فبإخلاص النية لله يصبح سهر الأم على رعاية رضيعها عبادة، ويصبح عمل الأب في مصنعه أو متجره عبادة، والولد الذي يحفظه الله لنا فيعيش يكون مستودعاً يحفظ الله لنا فيه أعمالنا ليكافئنا عليها يوم القيامة، أما الذي يميته الله طفلاً فنصبر فإنه يقف على باب الجنة لا يدخلها حتى يدخل أبويه. أوليس تربية أولادنا على الإسلام تجارة لن تبور إن شاء الله؟ لابد من استغلال الفرص لتحقيق أكبر الأرباح. ثم يلفت النظر إلى أمر في غاية الأهمية، وهو: الدعاء بالصلاح للذرية، يقول الله سبحانه وتعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38]. وقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء:89 - 90]، إلى آخر الآية. يقول: نحن في حياتنا اليومية إذا أردنا شراء قطعة أثاث أو سيارة أو غير ذلك ذهبنا إلى السوق، وحصلنا على ما تمكننا نقودنا القليلة من شرائه، لكن الثري فينا لا يفعل ذلك، فممكن أن يتصل بشركة مرسيدس في ألمانيا ويطلب سيارة فيها كذا وكذا وكذا، ويدفع فيها الملايين؛ لأنه ثري يمكنه أن يبذل هذا المال ليحصل على سيارة حسب مواصفات معينة يرغب فيها، ثم ترسل إليه خصيصاً مقابل ثمنها. أما إذا أردنا ولداً بمواصفات معينة: أن يكون مقيماً للصلاة، صالحاً، قانتاً، خاشعاً، حتى لو أردنا شيئاً من الدنيا أيضاً، فما علينا إلا أن نرفع أيدينا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا ذلك، وأن نكثر من الدعاء سائلين الله أن يرزقنا ولداً صالحاً ذكياً سوياً جميلاً، والولد قد يكون صبياً وقد يكون بنتاً فندعوه عز وجل ويكون دعاؤنا من هذه الأسباب، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (أعجز الناس من عجز عن الدعاء)، فالدعاء يمكن أن تحصل به أغلى وأثمن الأشياء سواء في الدنيا أو الآخرة، ولا يكلفك سوى أن تخلص النية لله سبحانه وتعالى، ثم ترفع يديك متذللاً سائلاً، فهذا باب سهل جداً للمؤمن، ولذلك ذم النبي عليه الصلاة والسلام من يزهد في الدعاء بقوله: (أعجز الناس من عجز عن الدعاء) وقال صلى الله عليه وسلم: (ما يمنع أحدكم أن يقول حين يجامع أهله: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا)، فهذا كله من الإحسان إلى الأطفال، فليس الدعاء وسيلة العاجز، إنما هو سبب من الأسباب التي يحب الله سبحانه وتعالى أن نأخذ بها، فنؤجر على الدعاء نفسه، ثم يتقبل الله سبحانه وتعالى منا هذا الدعاء. بعث بعض الخلفاء إلى بعض الناس ممن كانوا محبوسين في السجن وطال بهم المقام فيه، فأرسل إليهم وسألهم: ما أشد ما مر عليكم في هذا الحبس؟ قالوا: ما فقدنا من تربية أولادنا، وكان السلف يهتمون جداً بموضوع التربية حتى وجدت وظيفة اسمها: المؤدب، وكان الإمام ابن أبي الدنيا يلقب بـ: مؤدب أولاد الخلفاء.

حضانة الأم التربوية

حضانة الأم التربوية مما يجسد خطورة التربية في المراحل الأولى: أن الله سبحانه وتعالى جعل الحضانة حقاً للأم، ورتب على الإرضاع أن جعل الأم من الرضاع تماماً كالأم الحقيقية: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23]، وقال عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). فموضوع مراعاة حق الطفل في رعاية أمه أمر في غاية الأهمية، وانفصال الطفل عن أمه، أو تقصيرها في هذا الأمر يجرنا إلى اليتيم، هل اليتيم هو من كان فقيراً أو من ليس معه مال؟ لا. اليتيم يمكن أن يكون غنياً لكنه يتيم؛ لأنه حرم من أبيه أو من أمه؛ فقد ييتم الآباء أبناءهم وهم على قيد الحياة، كما قال الشاعر: ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولاً ولا يمكن أن يقوم بديل عن الأم في هذه الوظيفة الخطيرة، فالشارع لما جعل حق الحضانة للأم ما قال: يمكن أن تقوم بها دور الحضانة أو الخادمة أو غير ذلك، فعملية هروب المرأة من وظيفتها المقدسة -تربية الأولاد- إلى العمل مصيبة، وأصل هذه العملية إقحامها في حياة المسلمين بطريقة متكلفة، وأصبحت تسمى المرأة: امرأة عاطلة وامرأة عاملة، فالعاطلة ربة بيت، والأخرى عاملة منتجة، أو نصف المجتمع إلى آخره، هذه هي المرأة العاملة التي تمارس هذه الوظيفة المقدسة وهي العاملة بالفعل لأشرف عمل، أما الأخرى فهي هاربة من الوظيفة، وهاربة من العمل إلى الشوارع والمصانع والمحلات إلى آخره. طبيب أمريكي كان كلما جاءته أم بطفل مريض يشتكي، يكتب في كل الإرشادات الخاصة به: العلاج هو العودة إلى الأم الحقيقية، وهذا كاف، فقد كان يرى أن المرض هو نتيجة عن هذا الخروج. وكما أشرت فإن الأم الحقيقية ليست عاطلة، ووظيفتها أصعب من أي موظف في العالم؛ لأن أي موظف يشتغل ثمان أو عشر أو خمس عشرة ساعة في اليوم أو فترة معينة ثم يستريح بعد ذلك، لكن الأم التي تحضن الأطفال وتراعيهم والزوج والأولاد والصغار والكبار، تشتغل أربعاً وعشرين ساعة، وممكن أن تستدعى بصراخ الرضيع في أي وقت، وقد تسهر معه إلى نصف الليل أو معظم الليل كي ترعاه وتحرسه، فهل هذه تسمى عاطلة؟! فموضوع إقحام قضية المرأة العاملة كان لغرض يراد بالمسلمين على يد اشتراكية عبد الناصر، وكان الكلام فيه متكلفاً، وضربوا له مثلاً فقالوا: مثل ذلك كمثل عامل يأتي في الليل بأنقاض بناية متهدمة ويضعها في الشارع فيسد الميدان بالأنقاض، ويرفع عليها مصباحاً، فيأتي من يسأله: لماذا أتيت بهذه الأنقاض؟ فيقول: لأرفع عليها المصباح، فيقال: ولماذا أتيت بالمصباح؟ فيقول: حتى لا يصطدم الناس بالأنقاض، وهذا مثل قضية عمل المرأة، فهي قضية متكلفة زرعت زرعاً وأقحمت إقحاماً لكي يتم إخراج المرأة من قلعتها الحصينة، ولشلها عن هذه الوظيفة المقدسة. قد يقول بعض الناس: نحن نكثر الكلام عن التربية وأهميتها، فهل درس السلف هذه العلوم؟ فنقول: السلف حققوا النموذج العملي الراقي في كل مجالات الحياة، وليس فقط في مجال التربية، لكن الأمر كما في علم النحو والصرف واللغة والبيان والبديع وغيرها، فهل السلف درسوا النحو والصرف وغيره؟ فنقول: لا، ومع ذلك كانوا أفصح الناس؛ لأن ذلك كان عندهم بالسليقة وبالاستعدادات الفطرية بجانب تهذيب الوحي الشريف لهم، كذلك التربية هم مارسوها بالفعل؛ لكن ضبط هذه الأشياء وتبسيطها وتقنينها لا يمكن أن يتصادم مع هذا.

مشاكل تواجه استمرار العملية التربوية للطفل

مشاكل تواجه استمرار العملية التربوية للطفل هذا مهم جداً ومما ينبغي أن نلتفت إليه، وهو: أن العملية التربوية هي عملية مستمرة ومتجددة، فلا يوجد وقت معين للتربية بل كل حياتك مع أولادك تربية كل سلوك وكلمة وحركة وسكنة وتعليق وإيماء وتصرف هو تربية، والطفل يقتبس منك ويتمثل كل ما يراه. فإذاً التربية هي علم له قواعد وأصول وله سنن تحكمه، فكل ما يحصل منك هو نموذج عملي يحتذيه الطفل، ويتأثر به طوال حياته، ولا يوجد وقت معين يقول الأب للأولاد: سنعطيكم حصة تربية أربيكم فيها، لا يحصل هذا، فكل تصرف منك هو تربية، فالتربية عملية تستمر آناء الليل وأطراف النهار، التربية عملية تفاعل وتأثر بالبيئة المحيطة، وسنذكر أمثلة لمدى خطورة التصرفات التي لا نتفطن إليها على الإطلاق.

نشوء الطفل على سلوك خاطئ

نشوء الطفل على سلوك خاطئ الطفل إذا نشأ في بيئة تحتقر المرأة وتزدريها وتستخف بها؛ فيرى أباه يضرب أمه ويشتمها ويسبها ويفعل بها كذا وكذا؛ فإن هذا يزرع في قلبه أن هذا هو الوضع الطبيعي للمرأة، ثم بعد ذلك يتقمص هذا السلوك حينما يصير زوجاً، ويكرر ما تشربه منذ الطفولة. طفل أمه تضربه بالحذاء، مؤكد أنه سيعيش إنساناً مهدر الكرامة، فكيف يكون عنده كرامة حينما يكبر؟ وكما قلنا: أخطر مرحلة هي السنوات الثمان الأولى، وبخاصة الخمس الأولى منها، ومع ذلك أغلبنا لا يلتفت إليها، ولا ينتبه لها. الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله تعالى أتاه رجل فقال له: قد رزقت بنتاً، وأريد أن تعلمني كيف أربيها، قال له: كم عمرها؟ قال: سنة، قال: فاتك الخطاب، هو في الحقيقة ما فاته، ولكن هذا تجسيد من رجل بصير بفن التربية؛ لخطورة إهمال التربية التي يجب أن تبذل للطفل في وقت مبكر.

إهمال الاضطرابات النفسية للطفل

إهمال الاضطرابات النفسية للطفل الوقاية من الاضطرابات النفسية أفضل من العلاج؛ لأن العلاج إما ميئوس منه، وإما نسبة النجاح فيه قليلة، وبالتالي فالوقاية تكون بأن ينشأ الطفل سوياً نفسياً من الصغر، وهذا أعظم أسلوب للتعامل مع الاضطرابات النفسية التي قد تحصل إذا حصل خلل في هذا الأمر. فنحن بدلاً من البحث عن حل للمشاكل عند الأطفال نفر من مواجهة ذلك، فمرة نقول: محسود، ومرة: مصروع عليه جن، أو مسحور؛ وهذا كله هروب. فنحن بجانب الأذكار الشرعية والرقية، نراجع أنفسنا ونقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في تربيته ومعاملته للأطفال؛ فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي أشار إليه الله سبحانه وتعالى في قوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]، أي في كل مجال من مجالات الحياة فهو أب وابن وقائد وزعيم. وفي قصة الصحابي الذي أدبه النبي عليه الصلاة والسلام في أحد المواقف، فقال: (فوالله ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو المعلم الأول، والنموذج الأكمل لكل البشرية. أكرر: أخطر مراحل التربية هي التي تحظى عندنا بأكبر قدر من اللامبالاة التربوية، وأكرر أيضاً: إن اللامبالاة لا تعني عدم التربية، لأنه لا يمكن أن تتوقف التربية، وسلبيتك في حد ذاتها أو هروبك هو نوع من التربية التي سوف تنعكس على هذا الطفل.

إخراج العلاج النفسي كعامل في العلاج التربوي

إخراج العلاج النفسي كعامل في العلاج التربوي إذاً: اللامبالاة لا تعني عدم تربية، أو توقفاً عن التربية، وإنما تساوي تربية سيئة مدمرة لهذا الطفل. تألمت جداً حينما كنت أقرأ بعض الأوراق في مقالة بالإنجليزية، وكان يتكلم هذا الرجل التربوي الأمريكي عن معالجة موقف معين من المواقف، فيقول: في هذه الحالة لا يوجد لهذا حل، فقد عملت خطأ جسيماً لا يكفي لحله أن نكتب كلمتين في ورقة، فإما أن تذهب إلى الأخصائي الاجتماعي في المدرسة، وإما إلى رجل من رجال الكنيسة. انظر كيف ساوى رجل الكنيسة بالأخصائي النفسي؛ لأن هؤلاء يهتمون جداً بدراسة النواحي النفسية، والثقافة التربوية، ولذلك ساوى بين رجل الدين وبين الأخصائي النفسي؛ لأنه يدرس هذه الأشياء. ولذلك أقول: إن كل من ينتمي إلى الدعوة بل كل أب، يحتاج إلى أن يفقه في الجانب النفسي في التربية أعظم الفقه، ونحن أولى من الكفار بأن نهتم بهذه الأشياء، بل أحياناً تحدث بعض التصرفات التي تلفت النظر في الأطفال، وكلما انتبهنا إليها مبكراً سهل علاجها. نحن ننكر الحقيقة كي لا نواجهها، كشخص عنده أعراض مرض السكر، والدكتور يقول له: أنا أشعر أن عندك سكراً، فعليك بإجراء تحليل للدم، فلم يجر التحليل، ويقول: أنا خائف أن يكون عندي سكر، وهل هذا سيقطع عنك البلاء؟ لماذا لا تأخذ بالأسباب، وتحرص على ما ينفعك؟ ومفهومه: اجتنب ما يضرك. فالشاهد أنا عندنا مفهوماً في غاية الخطورة، وهو النظر إلى الطب النفسي على أنه وصمة عار، فمن ذهب للأخصائي النفسي لابد أن يختفي عن الأنظار، ويظن من يراه هناك بأنه مجنون. ومن علامات تخلف المجتمعات في هذا العصر، ينظر أن الإنسان هذه النظرة لأناس أفنوا أعمارهم في دراسة هذه الأشياء، والتعامل معها بأساليب علمية لا تتصادم مع ديننا على الإطلاق. لكن ينبغي أن يذهب الإنسان إلى من هو متدين من هؤلاء الأخصائيين لأننا نظل نتهرب ونتهرب، ونضطر بعد ذلك مرغمين إلى اللجوء للطبيب النفسي بعد استفحال الاضطراب في الأطفال، فأي شيء يلفت النظر، ونحن لسنا بغنى عن الاسترشاد بكلام الأخصائيين في هذه الأبواب. في الحقيقة إذا كان هذا الكلام يعم جميع الناس، فإن المسئولية على الملتزمين مضاعفة، فموضوع التكيف مع الواقع أو مع البيئة من حولنا مهم جداً، والناس الذين لا تهمهم معاناة أبنائهم لا يعانون كثيراً، ولكن الإخوة الذين يريدون أن يحافظوا على دينهم وعلى ذريتهم في عصر الغربة الثانية تتضاعف عليهم المسئولية؛ لأنك ستحارب بمجرد خروجك من البيت إلى الشارع، وفي كل مكان تذهب إليه، فما بالك بالطفل أو الصبي أو الشاب الغض الطري الذي يواجه المتناقضات حيثما حل، ويواجه الغربة، فأنت مع الوقت أصبح عندك مناعة من التأثر بالنقد والألفاظ المؤثرة كالمتطرفين والإرهابيين وكذا وكذا، أما هذا الطفل فيحتاج بلا شك إلى عناية خاصة كي يمر بسلام إلى شاطئ الالتزام الحقيقي بالدين، فنحن نواجه كما قلت: صعوبات كثيرة في الواقع، أما الدارسات التربوية والمنهج التربوي فإن الكلام كله أكاديمي لأناس متخصصين، فلا نستطيع أن نتعامل معه.

انشغال الآباء بالكسب عن التربية

انشغال الآباء بالكسب عن التربية هذه مشكلة أخرى، وهي أن الآباء يشتغلون بالكسب الحلال للقمة العيش، وبالتالي لا يؤدون أي واجب تربوي، والأم قد تعمل وتهمل أولادها، وكلا الأبوين أو أحدهما جاهل تماماً بأصول التربية، وفاقد الشيء لا يعطيه. وأخطر هذه العقبات وجود اتجاهات شتى تتنازع تربية الطفل وتربيه تربية مباينة، وكل ما تبنيه أنت يهدمه الآلاف، ثم نعاتب أنفسنا حينما يشب الأولاد غير ملتزمين، ونريد أن نقهرهم قهراً على الالتزام، ونحن لم نلتفت للخطورة من البداية. ولو أنك بدأت بداية صحيحة، وكنت يقظاً وراعياً، فإن هذا إن شاء الله تعالى يكون سبباً لسلامة ابنك من الافتتان بهذه الفتن من حوله، لكن أنت لا تؤدي أي دور، بل ربما تحطم هذا الولد بمسالك خاطئة، ثم بعد ذلك تريد منه أن يصمد! كيف يصمد وأنت لم تبذل له ما يقيه ويحميه من هذه التربية الموازية التي هي أشد تأثيراً فيه من تأثيرك أنت؟ سواء الإعلام الفاسد، أو الأقارب وغير ذلك مما يوجد تعارضاً بين تربية الأبوين وتربية الإعلام مثلاً.

الرسائل المتضادة من البيئة المحيطة

الرسائل المتضادة من البيئة المحيطة الصراع الذي يحس به هذا الإنسان؛ صراع في البيت، مع أن المفروض أن جميع المؤسسات التربوية في الدول المحترمة تكون وحدة متكاملة، كالمدرسة مع البيت، وفي البيت نفسه لابد من سياسة تربوية موحدة بين الأبوين، فلا يظهران الخلاف أمام الأولاد، ولا التناقض في التربية. فالواقع أننا نرى كل محضن يسير في طريق معاكس للآخر؛ فالمدرسة بمناهجها الفاسدة المدمرة في طريق، والعلوم الإسلامية في طريق، والإعلام في طريق الشهوات، والتعليم في طريق الشبهات، والأبوان لا توجد عندهما سياسة تربوية متفق عليها، بل قد نجد أن الأب يتعارض مع الأم، الأم تقول: افعل، والأب يقول: لا تفعل، ويتشاجران أمام الولد، ويصير محتاراً في هذه الرسائل المزدوجة، ثم إن الأم نفسها قد تقول له عن شيء: هذا غلط، ثم في وقت آخر تمارسه هي، فأصبح نفس المربي يعطي رسائل متضادة وقدوة متناقضة تحير هذا الابن. في المدرسة أيضاً ما بين المناهج المدمرة والفاسدة، وما بين هيئة التدريس؛ فيوجد تقصير شديد عند كثير من المدرسين من ناحية الاهتمام بالنواحي التربوية، ويكفي أن أذكر مثلاً عابراً لذلك: مراقب في لجنة امتحان الثانوية العامة يغشش الأولاد ويقول لهم: أنا سأقفل لكم الباب، لتتعاونوا مع بعض، وسوف أنبهكم عند حضور أحد، فهذا في حد ذاته نموذج مدمر للسلوك. ثم أيضاً التناقض بين ما توجهه أنت إن كنت توجهه وبين الأصدقاء في الشارع أو النادي أو المدرسة، وهؤلاء يكونون أشد تأثيراً عليه منك، ويتلقن منهم أكثر مما يتلقن منك أنت والمجتمع ككل، فلا شك أن الصراع الذي نعيش فيه يولد كثيراً من الإحباط إذا لم نتخذ معه نوعاً من التوعية والفهم، وكيف نتكيف تكيفاً صحيحاً يحفظ لنا ديننا، ويجعل الأولاد يقتنعون بالرسالة التي نحملها كي يحملوها هم من بعدنا؟ إن لم ندرس هذا الأمر ونتعامل معه بطريقة علمية، فبلا شك أن هذا الصبي أو هذا الشاب يكون أضعف بكثير من أن يصمد أمام هذه التيارات كلها.

أمثلة تطبيقية لسوء معاملة الطفل تربويا

أمثلة تطبيقية لسوء معاملة الطفل تربوياً البيت هو أخطر مؤسسة تربوية على الإطلاق، صحيح أن الكل يدمر، لكن تربية البيت هي أخطر ما تكون؛ للأسباب التي أشرنا إليها من قبل. أكبر الأخطاء التي نرتكبها مع أولادنا وأطفالنا تنشأ عن شيء مهم جداً، وهو أننا ننظر إلى الأولاد ونعاملهم ونحاكمهم بعقليتنا نحن. وهذا التصور ينتج عنه كثير من الأخطار، منها أننا نكلفه بشيء فوق طاقته، والصواب أن نعامل ونحاسب هذا الطفل على تصرفاته بعقليته هو، ونراعي أنه ينمو كما كنت أنت تماماً في سنه. مثلاً: الولد في سن معينة يكون له خيال واسع جداً، فيقول لك: أخي رقبته طارت، وطلعت الرأس ونزلت، والتحمت ثانية في الجسم. هذه عبارة عن خيال واسع وليست كذباً، فلا تقل: إنه يكذب، وهو لا يتعمد هذا؛ بل هو نوع من الخيال الواسع، كما سنفصل إن شاء الله تعالى فيما بعد. مثلاً: طفل نشاطه زائد عن المعتاد بصورة ملفتة للنظر، لا تقل: هذا الطفل قليل الأدب، أو أهله لم يربوه، بل عليك أن تعلم أن هذا يلفت النظر إلى أنه يحتاج إلى إرشاد وتوجيه للأبوين للبحث وراء أسباب هذه الظاهرة، أما الولد فليس له ذنب، وإنما هو ضحية لمسالك غير صحيحة من الأبوين، فلا تعاتب الأبوين ولا تعاتب الطفل، واحمد الله على أن عافاك، لأن هذا البلاء قد يأتيك أنت، ففي هذه الحالة لا تقل: هذا قليل أدب بل هو يتفاعل مع ظروف معينة تواجد فيها بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب. من هذه الأشياء: كل كلمة تتكلم بها مع الطفل، فأنت تطبع فيه انطباعاً معيناً، سواء شعرت أم لم تشعر، فأحياناً نكون نحن من نمسك الفئوس ونحطم بها أولادنا، وكما قلت: السنوات الأولى بالذات يكتسب فيها الانطباع الذي يبقى معه -والله تعالى أعلم- إلى ما شاء الله، وإلى أن يكبر ويصير رجلاً.

أمثلة على غرس العجز والخذلان والسلبية في نفس الطفل

أمثلة على غرس العجز والخذلان والسلبية في نفس الطفل ذكر بعض الباحثين في هذا المجال مثالاً فقال: ولد تصطحبه أمه في سوبر ماركت أو محل البقالة، ويسلك سلوكاً غير صحيح بطريقة معينة، أو يصرخ أو يعمل أي نوع من السلوك الغير مرضي، فتقول له أمه: إذا لم تتوقف عن ذلك سوف أتركك. وفي موقف آخر: ولد أمه عملت له شيئاً أعجبه (كيكة)، ثم أكلها كلها، فتقول له: من المفروض أن تخجل من نفسك لهذه الفعلة! في الحالة الأولى أو الثانية كلاهما تريد السيطرة على سلوك الولد وتقويمه وتهذيبه، وهي تظن أنها تؤدي رسالة التوجيه والتربية، لكنهما قد أحدثا جرحاً نفسياً لم تكن آلته السكين ولا الموس، وإنما كانت الكلمات. الكلمات التي نتواصل ونتعامل بها مع الأولاد حرجة إلى أقصى حد، وذات تأثير بالغ على نظرته إلى نفسه وثقته بها، وعلى صحته العاطفية، وقوته الشخصية، فهناك رابطة لا يمكن أن ننكرها بين الكلمات التي نستعملها مع الأولاد وبين المواقف والنواتج التي تحدثها تلك الكلمات في حياتهم، فالكلمة قد تدعمه وتقويه، وقد تحطمه وتجرحه قد تربيه، وقد تشعره بالعار قد تشجعه، وقد تثبطه قد ترفعه، وقد تضعه فلا يوجد أب على الإطلاق يستيقظ الصباح، ثم يفكر كيف يتآمر على أولاده: كيف أستطيع أن أحطم نفسية ابني، وأطيح بثقته أرضاً، وأجعله يشعر بالتبعية لي والاعتماد علي، وأفقده القدرة على ضبط نفسه. لا يمكن أن يقصد ذلك أب أو يسعى له مسبقاً، وإنما يفعله بعض الآباء غالباً وبدون قصد؛ لأنهم لا يفهمون الانطباع الكلي الذي تطبعه كلماتهم في أبنائهم.

المثال الأول على معاملة الطفل بما يؤثر على سلوكه سلبيا

المثال الأول على معاملة الطفل بما يؤثر على سلوكه سلبياً المثال الأول: إذا لم تتوقف عن هذا الضجيج سوف أمضي وأتركك هنا. هذه كلمة عابرة جداً. أما التخويف بالغيلان والجن فهذا كلام الآباء الإرهابيين. والطفل الصغير أخوف ما يخافه، وأسوأ شيء يؤثر على نفسيته: أن يترك وحيداً غير آمن، وإحساس الطفل بالأمان ليس محل نقاش، فالمصيبة التي يفعلها بعض الآباء الجهلة: أنه يطرد الولد من البيت، وهذا شيء عجيب جداً، والمصيبة الأكبر: أنه لم يطرده بسبب سرقة أو كذا أو كذا، وإنما يهدد ابنه بالطرد من البيت، أو بأنه سوف يطلق أمه أو غير هذه المسالك المدمرة؛ من أجل أن يفرض رأيه عليه، ولما كان فاسداً وغير ملتزم ما كان يبالي بما يفعل من صلاح أو فساد، لكن لما التزم بدين الله سبحانه وتعالى إذا به تأتيه هذه الأشياء. الشاهد: أن تهديد الطفل بالعزف على وتر: سوف أتركك وأذهب، يعتبر وسيلة للتلاعب بهذا الطفل، ودفعه إلى السلوك الذي نحن نريده بهذه الطريقة نية حسنة، لكن الوسيلة التي وصلنا إليها تدل على أن هذا الأب في غاية الجهل والأذية لابنه. ما البديل؟ نحن نريد أن يقوم سلوكه، لا تقل له: يا فلان إذا أصررت على هذا السلوك فسأتركك، ولكن قل له: إذا أصررت فسوف نعود إلى البيت، لكن إذا اخترت أنك تتكلم بصورة سليمة وطبيعية سنبقى هنا، ونكمل الشراء، وأنت الذي تقرر! هذا هو المسلك الصحيح. والفرق بينهما: أن الطريقة الأولى تدمره؛ لأنها تشعره بعدم الأمان، لكن السلوك الصحيح هو أن تناديه باسمه: يا فلان! إذا أصررت على هذا التصرف سنرجع إلى البيت كلنا، ولكن إن تراجعت عن هذا فلن نرجع، وسنكمل شراء الحاجيات. فبهذه الطريقة أنت تقوده إلى الاختيار، ولأنه يريد الشوكلاته واللعبة سوف ينصاع لكلامك. بديل آخر: أن تتوقف وتستريح؛ لأن ربما كل واحد منكم يحتاج إلى هذه الراحة.

المثال الثاني على معاملة الطفل بما يؤثر على سلوكه سلبيا

المثال الثاني على معاملة الطفل بما يؤثر على سلوكه سلبياً المثال الثاني: الولد أخطأ وأتى ليعترف، فتقول له: أنت المفروض تخجل من نفسك، وأيضاً أتيت لتخبرني. فهذه النوعية من الكلام تخلق فيه الشعور بالذنب؛ لأنك تظن أنه لم يشعر بالذنب وسيخجل ويتوقف عن هذا السلوك. صحيح هذا المسلك قد ينفذ لنا الغاية التي نريدها، وهي إشعاره بالذنب حتى لا يكرر هذا السلوك، ولكن الذي يدفع الثمن هو أنه تترسخ فيه اعتقادات جوهرية تزرع في نفسه عن طريق هذه الكلمة: (المفروض تخجل من نفسك!) فأنت تزرع فيه أن يقول: أنا مخطئ، وغير كفؤ، وعاجز، ولا أقدر أن أقوم بأي شيء بنجاح، وكل من تربى بهذه الطريقة يقول لك: لا أقدر أن أعمل، ودائماً يهرب من أن يتحمل المسئولية، ويحكم على نفسه مسبقاً بالفشل؛ لأنه تعود على أن يعامل بأنه غير كفؤ، وأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً؛ لأننا عاملناه بالسلوك الذي يشعره بالذنب؛ فإذا شعر بالخجل فسوف يجلب له ذلك مزيداً من الخجل، فإذا حصل له مزيد من الخجل فمعناه أنه فاشل أكثر، ويعجز عن أداء المهام، فيظل في دائرة مضطربة لا تتوقف.

المثال الثالث على معاملة الطفل بما يؤثر على سلوكه سلبيا

المثال الثالث على معاملة الطفل بما يؤثر على سلوكه سلبياً المثال الثالث: كلمة عادية جداً ممكن أن تقولها الأم الجاهلة أمام الصديقات أو القريبات في المجالس النسائية المعروفة: هذا الولد حاولت جهدي أن لا يأتي ولكن قدر الله له أن يولد! هي تتلكم بهذا في مجلس دردشة، ولا تدري مدى خطر هذه الكلمة على نفسية طفلها؛ فهو يظن أنه زيادة غير مرغوبة، وأن أمه حاولت بكل وسيلة أن تتخلص من إنجابه، ولكن فشلت كل المحاولات في التخلص منه. الأم لا تعلم أنها تزرع فيه مفاهيم خطيرة، مثلاً: أنت بالذات كنا غير راغبين فيك على الإطلاق، ما كنا نريدك بصورة أو بأخرى، وكأنها تقول لهذا الولد: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما أنجبتك! هذه الجمل لا يمكن أن تغتفر في العملية التربوية، حتى لو كان الطفل ما عمل أي شيء، أو رفع صوته، أو تكلم بطريقة غير صحيحة؛ فإن هذه ردود الأفعال الأبوية غير مناسبة بالكلية؛ لأن من المهم جداً بالنسبة للطفل أن نتقبله كما هو، لا تقل له: كنا نريد بنتاً بدلاً عنك، معنى هذا: أن مجيئه كان ضد رغبتكم، وأنكم كارهون لوجوده. وهذا التصرف في غاية الخطورة على نفسية الطفل، ولابد من الرضا بقضاء الله، والرضا باختيار الله سبحانه وتعالى، ولا يخفى ما بين الاثنين من البعد. عبارة أخرى من ضمن هذه العبارات: أن تخاطب الأم الولد: إننا سوف ننفصل وأنت السبب في ذلك! أي: إن أباه سوف يطلق أمه بسببه، وفي الواقع أن الطفل لن يكون هو السبب، ولا يمكن أن نتوقع أن الطفل يتحمل مثل هذه الكلمة، وحتى لو نفينا عنه تماماً أنه السبب فإنه قد يشك في ذلك!

المثال الرابع على معاملة الطفل بما يؤثر على سلوكه سلبيا

المثال الرابع على معاملة الطفل بما يؤثر على سلوكه سلبياً المثال الرابع: المقارنة بين الأطفال: يا ابني أخوك جيد، وأنت لا تريد أن تكون مثله، لم لا تعمل مثل أخوك، أو مثل أختك؟ فعملية: (لماذا لا تكون مثل أخيك؟ لماذا لا تكوني مثل أختك؟) هذه المقارنة خطيرة جداً، فحينما يعقد الوالدان مقارنة لفظية بين الأشقاء معنى ذلك أن هناك أفعال تفضيل، وأنه يوجد مفضل ومفضل عليه، فالمفضل عليه لا شك أنه سيبدو أنه ناقص، وأنه دون أخيه! فهذه كلمات نقولها لكنها رسالة تترسخ في أعماقه، رسالة ترسلها إليه مضمونها: أنت مهمل. وذلك إن كنت تمدح الثاني بأنه منظم. أخوك ذكي وأنت غبي. أخوك أدق منك أو غير ذلك من الصفات، فهذه الرسائل تستقر داخل نفسه كعقيدة أساسية، وتساهم في إنشاء سلوك غير مرغوب به في المستقبل. وبعض الناس الجهلة يعقدون مقارنة بين الأخوة مواجهة: أنت ما لك شكلك هكذا وأختك هكذا، أوليست أمكم واحدة؟ وأنا أعتذر من النساء الجاهلات؛ لأن هذه الكلمة ستسمعها الطفلة أو سيسمعها الولد عشرات المرات ما دام الجاهلات كثيرات، والأطفال سوف يشعرون بعدها بالضعف والنقص. فإذاً: ينبغي أن يكون عندنا وعي، وألا نقع في هذه المقارنات، خاصة وأن الأطفال يكون بينهم تنافس، فلا شك أن هذا الكلام سوف يزيد روح التنافس والخصام بين الأشقاء، وسيزيد نسبة التشاحن بالنسبة للوالدين، فالمقارنة تدمر العلاقة بين الأشقاء عن طريق تغذية مشاعر الانتقام بين هؤلاء الأولاد، وهذه فيما بعد قد تولد قطيعة الرحم وغير ذلك من هذه الأشياء. إذاً: ما البديل؟ البديل أن تقبل كل واحد بشخصيته، والله سبحانه وتعالى يميزه بميزة غير موجودة في الثاني، فأنت تسلط الضوء على الميزة التي أعطاه الله إياها: فلان صوته جميل في القرآن، فلان خطه حسن، فلان شكله كذا. وهكذا، فتركز على الصفة الإيجابية في هذا الابن وتقبل شخصيته كما هي، فإن كل شخص له مواضع قوة خاصة به، وله إمكانات واحتياجات، فلابد أن نساعد الأبناء على أن يشاهدوا جمال تلك الصفات التي ميزهم الله سبحانه وتعالى بها، عن طريق التركيز على كل واحدة على حدة بدون عقد مقارنات بينهم.

المثال الخامس على معاملة الطفل بما يؤثر على سلوكه سلبيا

المثال الخامس على معاملة الطفل بما يؤثر على سلوكه سلبياً المثال الخامس: الأهل سيذهبون في نزهة، والولد يلبس حذاءه ويتعارك هو والرباط، ويقعد في الأرض، ويأخذ وقتاً كبيراً وهم مستعجلون، فيقول له أحد الأبوين: تعال أنا سأربطها لك هذه المرة. هذه عبارات نقولها دون أن نشعر بأنها تزرع العجز في نفسية الأولاد، فلا تحاول ذلك في شيء يستطيع الطفل فعله، ستأتي فترة من الفترات يزرع الله سبحانه وتعالى فيها في هذا الطفل محاولة أن يستقل بعمله، وذلك يبدأ في أواخر السنة الثانية، فهو يحاول أن ينمو، ولابد أن يتمرن ويخطئ، فمثلاً يريد أن يأكل بالملعقة بنفسه، أو يشرب من الكوب بنفسه، وأنت تقول له: ستتسخ ثيابك، أو سيقع الكوب على الأرض. وهذا إحباط له؛ لأن الفطرة تكلفه أن يتمرن على الاعتماد على نفسه في أداء بعض الوظائف، فيتحمل الخسارة بأن تتقذر ثيابه، أو يقع على الأرض بعض الرز أو العصير؛ لأن هذا له فائدة كبيرة ستحصل بأن ينمو، ولابد له لكي ينجز هذه المهام أن يتمرن عليها بنفسه في الأول بالمساعدة، ثم بعد ذلك يستقل بها، فتنمي فيه هذه النزعة الاستقلالية ولا تشعره بالعجز، واتركه ما دام يحرص على هذه الاستقلالية، ولا تعطه ما يكون سبباً في تخاذله، وفي أن ينظر إلى نفسه دائماً على أنه عاجز وغير قادر وضعيف. فإذا قلت: بأنك سوف تعمل له الوظيفة التي من المفروض أن يعملها هو مثل لبس الحذاء مرة أو مرتين، فقد اتبعت نموذج التعجيز، ولو ساعدته مرة ثالثة فقد أوجبت هذه الكوابيس الجديدة؛ لأنه سيتعود الاعتماد عليك في هذا الموضوع إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى. من هذه العبارات الخطيرة: أنه عندما يتناقش مع أمه أو أبيه، قد يسأل عن السبب فيكون الرد: لأن هذا ما قلته لك! فهذه ألفاظ تقال ببساطة لكنها رسالة للطفل، مضمونها: أنا كبير وأنت صغير، أنا ذكي وأنت بليد، أنا قوي وأنت عاجز، وظيفتي أن آمرك ووظيفتك أن تطيع وتنفذ، وهذا ينشئ عند الطفل استياء وصراعاً داخلياً. وبدلاً عن هذا عامله بطريقة فيها نوع احترام لشخصيته؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما كان جالساً وبجواره طفل صغير، فشرب وكان الطفل على يمينه، وكان في المجلس أشياخ كبار من أصحابه، فاحترم الرسول صلى الله عليه وسلم حق هذا الطفل وعامله باحترام، وقال: (لو تأذن لي أن أعطي الكبار؟ فقال له: لا أوثر بحظي منك أحداً)؛ لأن الصحابة كانوا يتبركون بشرب سؤر النبي عليه الصلاة والسلام. وكذلك كانت معاملته بالاحترام عندما كان يقابل الأطفال ويسلم عليهم، وكان الطفل يأخذه ويمشي به حتى يقضي حاجته. فالشاهد: عامل طفلك باحترام، ولا تعوده على أن يهان، وأن تهدر كرامته. خلاصة الكلام: أن اللغة لها تأثير كبير جداً، والكلمات التي ننتقيها في التعامل مع الابن لابد أن تكون بناءة لا هدامة، مثلاً: موضوع ثقته بنفسه لا تقل له: طول عمرك خائف. أنت لا فائدة منك. ولن تتغير. لأن هذا كله تحطيم، وليست هذه وظيفة الأب؛ لأن هذا يدمر ابنه ويفقده ثقته بنفسه، ويزرع فيه الفشل والعجز والهوان.

بعض الأخطاء الشائعة في التعامل مع الأطفال

بعض الأخطاء الشائعة في التعامل مع الأطفال نمر مروراً سريعاً على بعض الأخطاء التي تشيع لنختم بها الكلام. الإرضاع: الأم التي تتعامل بآلية وميكانيكية مع عملية الإرضاع، فلا تضم الطفل إليها ولا تربت عليه ولا كذا وكذا، والله سبحانه وتعالى قد فطر الأم على أن تعطي وجبة الحب والحنان مع وجبة الطعام للطفل.

الكذب على الطفل

الكذب على الطفل من هذه الأخطاء: الكذب على الطفل: الطفل لا ينساها، ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام ما فاته هذا التنبيه، لما كانت المرأة تقول للطفل: (تعال أعطيك فاكهة، فقال: ماذا ستعطيه؟ قالت: أعطيه تمراً، قال: أما إنك لو لم تعطه لكتبت عليك كذبة)، فهي كذبة حتى مع الطفل الصغير، فينبغي الاحتراز من الكذب؛ لأن هذا له تأثير في فقد الثقة، كما أنك تعطيه نموذجاً يقتدي به في سلوكياته. لما يطرق الباب طارق فيقول له الأب: قل له: أبي غير موجود، فالولد يقول له: أبي يقول لك: هو غير موجود! فهذا أنموذج للتحطيم، حتى حال استعمال التعريض قد يدمر الولد؛ لأنه لن ينتبه أن هذا تعريض، فلا تدفع الثمن بأن يتعلم ابنك الكذب؛ لأن أهم صفة على الإطلاق، لو أردنا اختصار كل هذه المحاضرة في كلمة واحدة هي: علمه الصدق، والدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً). فهذه عملية تدريب، أنت تقدم له النموذج وسوف يحتذي بك، وأنت أول واحد سيكذب عليه إذا أنت علمته هذا الكذب. مثلاً: الأم تقول له: اشرب الدواء، وتصفه بأنه حلو، فيجده مراً! فمن ثم سيفقد الثقة في أمه، ولن يصدقها بعد ذلك. مُدرِّسة تقول للأولاد: ذاكروا، عندكم امتحان في يوم كذا، ثم يأتي هذا اليوم، فتقول: أنا كنت أضحك عليكم، وكنت أريد أن تذاكروا فقط. وهي لا تدرك أن هذا أنموذج مدمر لسلوكهم، والكذب شيء ينبغي أن يكون أمامه حاجز قوي جداً. أيضاً أخصائي اجتماعي يدخل إلى الصف فيقول: من آخر واحد على الفصل؟ من آخر واحد في الترتيب؟ وهذه المسالك كثيرة أيضاً.

التهديد بالطرد أو البغض له

التهديد بالطرد أو البغض له أمر مهم جداً ينبغي الحذر منه في التعامل مع الأطفال، يقول: لو عملت كذا لن أحبك. وهذا أخطر ما يكون، لأن موضوع الحب مما ينبغي أن يكون فيه تأمين؛ لأن الطفل يصبح عنده شعور بالأمان عندما يشعر أن أباه وأمه يحبانه لا لشيء إلا لأنه ابنهما، فلابد من تأمين الشعور بالحب، ولا تستعمل الحب أبداً للتهديد. لذلك نجد أن الطفل يخاف جداً على موضوع الحب، فإذا وجدك غضبان -حتى ولو من أمر آخر- يقول لك: هل تحبني؟ لأنه ينزعج عندما يرى غضبك ويخاف ويشفق أن يؤثر ذلك على حبك له؛ لأن الحب كالأمان بالضبط، والإحساس بالأمان شيء أساسي في الأسرة. ومن ذلك طرد الولد من البيت، أو تهديده بالطرد من البيت، طفل صغير يبلغ من العمر سنوات معدودات يطرد من البيت، فيلتقطه في الشارع أصحاب المخدرات، أو يتعرض لحادثة مثلاً. فهذا أمر في غاية الخطورة، والطرد غير وارد على الإطلاق، ولا ينبغي أن يذكر أبداً. كذلك موضوع الحب يقول عنه الدكتور محمد كمال الشريف: لاحظ العلماء أن بعض الأطفال يعيشون في قلق دائم، نتيجة إحساسهم أن والديهم لا يحبونهم إلا إذا كانوا متفوقين في دراستهم ومطيعين ومهذبين، فصار الطفل يحرص على المثابرة في المدرسة، وعلى تنفيذ أوامر والديه، خشية أن يفقد حبهما، وهما بالنسبة له كل شيء، وكيف له أن يعيش دون حبهما؟ الوضع الصحيح المتوازن هو: أن نفصل بين الحب وبين التأديب للأطفال، فلا نعاقبهم إن أخطئوا بتهديدهم بأننا لن نحبهم بعد الآن، أو بسحب حبنا لهم فعلاً، بل نعاقبهم إن هم أخطئوا، ونطمئنهم في الوقت نفسه إلى أننا ما زلنا نحبهم، وإن كنا سنحبهم أكثر لو كانوا مستقيمين مهذبين، وأننا لا نكرههم الآن إنما نحن غير راضين عما فعلوا. فلابد أن نشعر الأطفال أن التأديب هو مظهر من مظاهر الاهتمام بهم، وليس مظهراً للكراهية، أو لأنهم خيبوا آمالنا، وتسببوا لنا في الإحباط. فهذا أيضاً أمر مهم جداً، وهو عدم استعمال سلاح الحب لتهديد الأطفال، يعني: لا تقل له: أنا لن أحبك إذا عملت كذا، لكن قل: أنا أحبك لكن لا أحب هذا التصرف.

التخويف بالغيلان والوحوش

التخويف بالغيلان والوحوش من هذه المظاهر والسلوكيات التي نعملها ولا نلتفت إلى أنها تصنع المشاكل: موضوع الخوف أو الرعب: فالأم مثلاً رأت صرصوراً فقامت تصرخ وتصعد فوق السرير أو فوق الكراسي وتجمع الناس؛ لأنها رأته! هذا نموذج عملي، والطفل إنما يتعلم منها الخوف مما تخاف هي منه. مثلاً أول ما يقترب من النار ننادي عليه بسرعة: انتبه سوف تحرقك، فإذاً: يتعلم أن يخاف من النار، لكن أن يرى الحشرة ويرى أمه تفزع منها هذا الفزع، فهذه حالة غير مرضية -والله المستعان- فموضوع الخوف من الحشرات بهذه الطريقة الفظيعة ستنتقل تلقائياً إلى الطفل، ويقلد نفس هذا المسلك، فالمفروض أن هذه الأم تحتاج إلى علاج. ومن الخوف المبالغ فيه: الظلام، أو التخويف من الظلمة، سوف أتركك في الغرفة، سأحبسك في الغرفة المظلمة التي فيها الفئران، والتي فيها كذا، كما يصنع في بعض المدارس أحياناً للأسف، أو الغول، أو أن الأم تحكي للطفل قبل النوم قصة مرعبة لكي تخوفه وينام، أو تهدده بالوحوش أو الغول، فهذا أمر مهم جداً، موضوع الخوف يجب أن تعالج الأم منه لكي لا ينعكس على الأطفال.

الفطام الرضاعي والفطام النفسي

الفطام الرضاعي والفطام النفسي أيضاً هذه مشكلة شائعة، وعندما تبدأ تدرس حالة نفسية لرجل كبير تقول له: كيف تم الفطام؟ لأن موضوع الفطام الشائع الآن في مجتمعنا للأسف الشديد يجري بطريقة مؤلمة. الفطام باختصار شديد لا يبدأ بعد سنة أو سنتين، لكن يبدأ منذ الشهور الأولى من الإرضاع، بمعنى أنه لابد أن يكون بطريقة متدرجة، فتبدأ الأم تعطيه بجانب الرضاع الطبيعي وجبات معينة معروفة بطريقة معينة تدريجية، بحيث إنه وقت الفطام يكون قد قل عدد مرات الرضاع، وفي نفس الوقت يستغني عن الرضاع الطبيعي، ولا تشكل له مشكلة حياته، لكن المصيبة كلها في الفطام المفاجئ، وهذه تسبب أزمة نفسية حادة بالنسبة للطفل، وتعتبر إساءة بالغة للطفل، والأشد إساءة من ذلك: الطريقة الوحشية التي يستعملها البعض حينما يضعون نبات الصبار البالغ المرارة في الموضع الذي يرضع منه، لكي يصطدم الصبي صدمة نفسية قاسية تمنعه من أن يرضع لأنه سيكره هذا الفعل، وهذا تصرف بدائي ومتخلف وفي غاية الأذية للطفل، يسبب له صدمة شديدة، والطفل ينفعل بهذه الأشياء، ولا أريد أن أطيل في هذه القضية حتى لا نخرج عن الموضوع. الفطام النفسي من المفروض أن يحصل للكبار؛ وهذه أيضاً من المشاكل، فالأب والأم لابد أن يحذرا من النظرة الدائمة إلى الطفل على أنه صغير، وهذه نظرة خطيرة كنا نستخدمها في المجتمع من غير أن نلتفت إلى ضررها؛ فمن رأى طفلاً في الابتدائي أو قبل الابتدائي تظل تلك الصورة مرتسمة في ذهنه فلا يريد أن يعترف بأنه الآن قد صار رجلاً، ودائماً يصطحب هذه الصورة ولا يريد أن يلغيها من مخيلته، فلابد من الحذر من هذا الطفل، كان رضيعاً ثم ها هو شاب قوي يافع، فلا ينبغي أن تعامله على أنه طفل، وهذه مشكلة توجد في كثير من التعاملات الخاصة بين الوالدين، وبالتالي هذه أذية له؛ لأنهم لا يساعدونه على النمو الطبيعي حيث الشعور بالمسئولية والاستقلال. فالفطام النفسي بمعنى: أنه لا يحصل له الاستقلال الوجداني عن الآخرين، ويشعر أنه أسير لإرادة الأبوين، فلا يستطيع أن يوجه عواطفه، أو يأخذ قراراته، أو يستقل عن الآخرين، وهذه قد تكون أكثر ظهوراً مع الأم، حيث تحدث عملية اندماج وجداني وعاطفي يؤثر على الأولاد. فعملية التعلق الشديد بالأولاد خاصة من جهة الأمهات، وكأنهم في سنة أولى في المدرسة، فتذهب معهم إلى لجنة الثانوية العامة، وتتابع الخطوات معهم، وتصحبهم من البيت إلى باب المدرسة، وتقف أمام باب المدرسة تبكي وكأن ابنها مازال طفلاً لا يمكنه أن يذهب بنفسه إلى الامتحان ويصمد في اللجنة. ما هذه الطفولة؟ ما هذه الحماية الزائدة؟ أصبح رجلاً ويدرس في الجامعة ولا زالت تمشي معه لكي توصله إلى اللجنة، ثم تقف حتى ينتهي. هذا سيؤثر على نفسية الشاب الذي دخل الامتحان. أو مثلاً يريد أن يعبر الشارع فيأخذ بيده لكي يعبره، ويكون ابنه قد بلغ عشرين سنة أو أكثر. هذه حماية زائدة، وهذا خطأ في التربية، وهذا مما يعكس عدم الثقة به، ويمدد فترة الطفولة بالنسبة لهذا الشاب. فالأم تظل علاقتها بالابن أو البنت وكأنه يرضع، هذا معنى الفطام النفسي، لا تريد أن تنفطم عنه وتعترف بأنه قد أصبح له كيان مستقل، وهذه تأخذ تفاصيل كثيرة، بالذات بعد ما يتزوج الابن وتحصل بعدها عملية الفطام النفسي، وتسبب له مشاكل كثيرة، مثلاً: التدخل في تفاصيل الحياة، وطلب تقرير مفصل عن كل تصرفات هذا الرضيع الذي لم يفطم حتى الآن فطاماً نفسياً، فالتدخل في أخص الخصوصيات، والتقارير مستمرة عن كل تصرفاته، ولا يزال التصرف هو نفسه جارياً وحتى الآن منذ كان طفلاً رضيعاً. صورة أخرى من مظاهر انعدام الفطام النفسي: الإغداق على الابن بالأموال الطائلة في سبيل أن يرضيه، فهذا أيضاً من مظاهر التعلق المرضي. ومن مظاهر عدم التمتع بالفطام النفسي عند الوالدين: أن هذا الحب الشديد لو انقلب لكراهية يأتي بأمور لا تحمد عقباها. عدم الفطام النفسي بالنسبة للوالدين أو بالنسبة للولد نفسه يجعله يمشي بشخصية اعتمادية على الآخرين، ودائماً لا يقدر أن يتحمل مسئولية نفسه، وهذا غالباً ينتج عنه الفشل في الزواج؛ لأنه لم يصعد إلى مستوى الفطام النفسي، فهو لا يشعر أنه انفصل عن البيت الذي خرج منه، ويولد أيضاً مشاكل أخرى في العلاقة الزوجية تحصل نتيجة عدم الفطام النفسي. ومن المظاهر: التوقف عن اتخاذ أي قرار لانعدامية الاستقلال الذهني أو الوجداني، لابد أن تكون نتيجة هذه التربية الخاطئة هكذا. أيضاً: سهل جداً عليه أن ينخدع بالكبار؛ لأنه دائماً تعود الاعتماد عليهم، وألا يأخذ القرارات بدونهم؛ فالبتالي ممكن أن يسرق بسهولة من قبل النصابين والمحتالين وغيرهم. خلاصة الكلام: أنه حتى يحرز الوالدان الفطام النفسي لابد أن يقفا على الفروق لمراحل العمر المختلفة، وكل مرحلة لها خصائصها، فينبغي أن يخف هذا التعلق كلما تقدم الابن في النمو، ويبدأ الأب والأم بنفسيهما فإذا انفطموا هم عن هذا الولد، فلابد أن يفهم هو أيضاً أن الحب الحقيقي للولد هو أن يصنع منه رجلاً يستطيع أن يأخذ قراراته ويتمتع بحرية الاختيار.

بعض مظاهر الخلل في التربية العملية

بعض مظاهر الخلل في التربية العملية هناك العديد من مظاهر الخلل في التربية لذا سنذكر بعضها فيما يتعلق بمعاملة الآباء للأبناء.

التفرقة بين الأولاد

التفرقة بين الأولاد خاصة بين البنات والذكور، وهذا موجود للأسف الشديد، قال الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (اعدلوا بين أولادكم، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء).

حرمان الطفل من الترفيه واللعب

حرمان الطفل من الترفيه واللعب اللعب بالنسبة لك أنت لعب، لكنه بالنسبة للطفل عمل، وهو أمر مهم جداً، وقد أصبح الآن علماً وفناً ووسيلة علاجية وتشخيصية. فاللعب بالنسبة للطفل أمر مهم جداً، ويجب أن يتم بطريقة علمية مدروسة، إذ كل سن له أشياء تعلمه خبرات في الحياة والفكر والتفكير، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يأتي إلى عائشة وهي تلعب بالعرائس فيتركها تلعب بها؛ لأن هذه تربية مبكرة على فطرة الأمومة، ومن أجل ذلك رخص لهن في لعب البنات، وهذا موضوع سنفصله إن شاء الله فيما بعد.

الإلحاح على الترهيب

الإلحاح على الترهيب من الخلل أن تكلم الطفل الصغير، ويدور كل الكلام على أن الله إن عصيته سينتقم منك، ويقطع يديك، ويدخلك النار، والنار فيها ملائكة تعذب بكذا، وفيها كذا إلخ. فهذا هو الإلحاح على الترهيب: أنت إذا كذبت ستدخل النار. وهذا غير صحيح؛ لأنه غير مكلف أصلاً: (رفع القلم عن ثلاثة -وذكر منهم-: وعن الصبي حتى يحتلم). إذاً: أنت تكذب عليه؛ فلا داعي للإلحاح على موضوع الترهيب بهذه الطريقة، وهو سيستوعبها بطرق أخرى، فإذا حضر معك في مجلس العلم أو الدرس أو قراءة كتاب، فسيعرف أن الذي يكذب عاقبته كذا وكذا، فلا تقل له: أنت ستدخل النار أو ربنا سيعذبك، بل اجعل التركيز على حب الله سبحانه وتعالى، وأن الله سبحانه وتعالى جدير بأن يحب لاتصافه بصفات الكمال والجلال والجمال ولما يغدقه علينا من النعم، وهكذا؛ لأن الطفل لو عمل عملاً صالحاً بنية فإنه يثاب عليه، لكن إذا عمل المخالفات لا يعاقب عليها.

القسوة الصارمة

القسوة الصارمة يقسو بعض الآباء قسوة صارمة وشديدة، ومن الأمهات من تسخن ملعقة وتعاقب الطفل بالإحراق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أو يضرب الأب مثلاً ابنه حتى يصيبه العمى، فيكون هذا الطفل حاقداً عنيداً طول عمره، لأنه تسبب في عماه، أو يضرب ابنه حتى يبتر يديه بعد أن يربطهما بحبل شديد. كل مشاكلنا تبدأ حينما نجعل عقولنا مثل عقول الأطفال. عليك أن تعلم أنه طفل وأنت رجل عاقل، وما أحسن العبارة التي عنون بها أحد الأخصائيين الصينيين في كتاب اسمه: (طفلك ليس أنت)، فلابد أن تراعي التفاوت في العقل بينك وبين هذا الطفل. والراجح أن الضرب عقوبة للتأديب؛ فهو دواء، ولهذا الدواء شروط؛ إذ معنى الدواء: ما كان سيأتي بالنتيجة المطلوبة. وأكثر الآباء ينظر للضرب على أنه وسيلة لتفريغ شحنة الغضب المتراكمة في قلبه، فيستمر في الضرب حتى يخرج كل ما بداخله من شحنة الغضب، وهذا عدوان صارخ على حرمة الطفل. إن قيام الأب القوي المتين بأن يضرب طفلاً غضاً طرياً حتى يكسر عظمه، ثم يذهب به إلى المستشفى للعلاج، يعد من الوحشية؟ ثم يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اضربوهم لكذا وكذا. والضرب حتى وإن كان مشروعاً؛ لكن لابد أن نفهم أن الضرب ليس مقصوداً به الانتقام من الطفل، بل تأديبه والإحسان إليه، وليس المقصود منه تفريغ شحنة الغضب حتى لا يتوقف الضرب إلا بعد فراغها، فالأب الذي يفعل هذا ظالم معتدٍ، مخالف للشرع الشريف. فالضرب وسيلة تأديبية بشروطها.

الدعاء على الأولاد

الدعاء على الأولاد فالأم تدعو: الله يبتليك بسيارة تصدمك ونحوها من هذه الدعوات التي تدعو بها بعض النساء على الأولاد! وهذا فيه مخالفة صريحة لنهي النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، لعلها أن تصيب ساعة إجابة فيستجاب لكم) أي: فيندم الإنسان بعد ذلك: {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا} [الإسراء:11] وبعض الآباء عندما يختلف مع طفله يتمنى أنه يموت، وكأنه ليس له حق في الحياة، أليست هذه روحاً محترمة لها حرمة ولها حق في الحياة؟ هل ترضى أنت لنفسك أن يدعو عليك أحد بحرمان هذا الحق، أو يقتلك كي يحرمك منه؟ فهذا الطفل له حق في الحياة مثلك تماماً، بل هو أحوج إلى الحياة منك؛ لأنك أخذت فرصة، أما هو فمقبل على الحياة، فكيف تدعو عليه بالموت؟ جاء رجل إلى ابن المبارك يشكو إليه عقوق ولده، فقال له: هل دعوت عليه أم لا؟ فأجاب بأنه قد دعا عليه، فقال: أنت أفسدته بالدعاء عليه.

التربية بالثواب والعقاب

التربية بالثواب والعقاب هناك التربية بالثواب والتربية بالعقاب، أو التأديب بالعقاب، ولكي نختصر ذلك نقول: إن الإنسان عندما يكافئ الولد على شيء حسن لابد أن تكون المكافأة في الحال وليست مؤجلة. كذلك العقوبة: إذا أخطأ فلابد أن تكون هناك عقوبة فورية ولا تكون مؤجلة.

ضرورة توحيد السياسة التربوية

ضرورة توحيد السياسة التربوية أمر آخر من الأمور التي نريد أن نلفت النظر إليها: تشاجر الوالدين أمام الأطفال، لا يجوز أبداً ولا ينبغي أن يختصم الأب والأم أمام الأولاد مهما كان الداعي، فلا من التوفيق وتوحيد السياسة التربوية بين الأب والأم، لأن الأطفال قد يفسدون بسبب التصادم التربوي. بعض الآباء يحزبون الأولاد في البيت، فهذا تبع الأم وهذا تبع الأب، والولد يلعب على الحبلين. هذا تدمير للأولاد، ولو أن هذين الأبوين عاقلان لما أظهرا أي اختلاف أمام الأبناء، فعلى الأم أن تعطي الأب مكانة لها احترام، وتحافظ على هيبة الأب، ولا تعمل أي تصرف فيه خدش لهذه الهيبة، وتخوفهم بأبيهم: إذا فعلت كذا سأخبر أباك بما صنعت. والكثير من المشكلات والأمراض النفسية تنشأ بسبب الأم المسترجلة التي تريد أن تفرض كلمتها، ولا تريد أن تخضع لزوجها أبداً، فهذه الأم المسترجلة تشقى ويشقى أولادها. ويعتبر الغرب تشاجر الأبوين أمام الطفل نوعاً من الإساءة تستدعي القبض عليهما، وإيداعهما في المصحة النفسية للتأديب والتهذيب والإصلاح الحقيقي، وإذا تكرر هذا السلوك أخذ منهما الطفل ليربى في مؤسسة تابعة للدولة ليصبح ابن الدولة. انظر كيف انتبهوا إلى هذا الموضوع، حتى وصل بهم الأمر إلى اعتبار أن رفع صوت الأبوين أمام الطفل يعتبر انتهاكاً لحق الطفل في الاستقرار النفسي. الصراع بين الأبوين في غاية الخطورة على الطفل، وإياكم أن تظنوا أن الطفل لا يدرك، بل هو يدرك جيداً كل ما يحصل ويترجمه ويختزنه، ويهدد شعوره بالاستقرار، ولذلك يقول علماء النفس: إن الطفل الذي تطلق أمه وتنفصل عن أبيه حالته أقل تعرضاً للخطر من الطفل الذي يعيش مع الأبوين وهما في حالة شجار دائم؛ لأنه في حالة الطلاق سيصطدم مرة واحدة، ويتكيف بعد ذلك مع الحياة الجديدة، لكنه في الحالة الأخرى لن يشعر بوجود الاستقرار ولا بسلام نفسي. يقول الدكتور محمد خليل موضحاً لهذه الجزئية: والطفل يترجم ما يدور حوله ترجمة صادقة دون تحريف أو تزييف، وقد يخطئ الآباء والأمهات في تقدير سلوكيات الطفل لصغر سنه، فلا يتورعون عن النقاش الحاد والجدل ورفع الصوت أثناء مناقشة مشاكلهم، وغاب عنهم أن هذا كله يصل إلى الطفل بمفهوم عاطفي، ويترجم النقاش والجدل والحدة عندما تصل إلى سمعه على أنها رياح قطيعة أو بذور خلاف، ويتأكد ذلك لو أحس ببرود العلاقة بين أبيه وأمه. أي أن هذه المشاعر تصل إلى الطفل بشفرتها العاطفية النفسية، خصوصاً إذا صاحب ذلك اختلاف واضح في معاملة الأم، أو قلة اهتمامها بالأب، أو انصرافها عنه، حتى لو كان ذلك بتغير في نبرات صوتها أو في حرارة حديثها، فهذه التغيرات قد لا تشعر بها الأم، ولكن الطفل يقيسها بترمومتر عاطفي حساس لا يخطئ، فيطوي نفسه على الألم والحسرة، وتقل اهتماماته، ويفقد شهيته، وقد يلفظ ما في جوفه تعبيراً عن رفضه لما حدث. فإذا تكررت المواقف فإن الأعراض تنتهي إلى الأسوأ، فربما تصل إلى الانطواء والخجل والتردد والتلعثم أو التبول اللاإداري؛ إنها رموز مرضية توضح تأثر الطفل بالخلافات لو استمرت بين الأزواج، وكأن الطفل بما يحدث له من أعراض يقول بمفهومه العاطفي النفسي: لا للخصام بين الأزواج لا للقطيعة بينهم. فإذاً لابد أن يكون هناك اتفاق على سياسية تربوية بين الأبوين، فإن كانوا سيختلفون فبصوت منخفض لا يسمعه الأطفال، أو في مكان منعزل، ولا يوجد تعارض في الأوامر بين الأب والأم. وكما أشرت إلى موضوع تحزيب الأولاد إذا كبروا قليلاً، حيث تبدأ الأم بذلك، فهذا لا ينبغي حتى لو انفصل الأبوان، لأن من المفروض ألا تحدث إثارة حقد في نفس الطفل على أبيه، ولا ينبغي إدخال الطفل في صراعات بين الأبوين، ولا أن تتعمد الأم هدم احترام الأب أمام الأولاد، ففي غيابه مثلاً تسخر منه، أو تجرئهم عليه. هذا كله تحطيم للأولاد أنفسهم قبل أن يكون تحطيماً لغيرهم.

موضوع الجهل بصحة الطفل

موضوع الجهل بصحة الطفل الجهل بصحة الطفل، والمحافظة عليه من الأخطار التي تنشأ نتيجة الجهل، وقد تمس العقيدة أحياناً. أعني أن الطفل عندما يصاب بالتهاب الغدد يأتون بصليب، ويضعون عليه الرماد الأسود حتى يشفى والعياذ بالله. وهذا التصرف في غاية الخطورة، وهي مسألة تمس العقيدة، فهم يظنون أن الكفر يكون شفاء، وليس مناسباً نحن نخوض في مثل هذا. كما أن الأم بعدما تلد تفرز من صدرها شيئاً يسمى في العربية: اللبأ، وهو سائل شفاف، وهو هدية من الله سبحانه وتعالى إلى هذا الطفل يحتوي على كمية من المضادات الحيوية وأجسام المناعة وفيتمينات وبروتينات عالية جداً لحماية الطفل، فالأم الجاهلة تهدره أو ترميه، وهذا حرمان للطفل من سلاح طبيعي يعطيه الله إياه وقد منَّ الله علينا الآن بالعلوم الحديثة والتطعيمات واللقاح لحماية الطفل، والأم الجاهلة تغير تاريخ الميلاد أسبوعين أو ثلاثة خوفاً من أن يشرحوا جلده بالحقن أو نحو هذا، فشفقة عليه تمنع التطعيم، والتطعيم من مصلحته، وممكن أن يحصل له مرض شديد في هذه الفترة نتيجة عدم المناعة، أي: نتيجة الجهل. فهو الوالد يفهم أحسن من الأطباء، وسيمنعه من الأطباء الوحوش حتى لا يوخز من قبلهم بالمشرط والإبرة. ومن ذلك: إذا أصيب الطفل بالتهاب في اللوز، يقال له: ابلع بيضة مسلوقة! وكأنه ثعبان سيبلع بيضة! ومنذ مدة قريبة وجد شاب صغير كان عنده التهاب في اللوز، فقال له جاهل من أمثال هؤلاء الأمهات الجاهلات: ابلع بيضة مسلوقة فبلعها، فوقفت في صدره حتى اختنق ومات! وهذه جريمة قتل بسبب الجهل. هذه الأشياء ليس هذا وقت الكلام عنها، لكن الموضوع صعب، ونحن نتناوله بصورة شاملة، وحتى لم ندخل بصورة منهجية في قضية واحدة، فكل قضية مما ذكرنا تحتاج لتأصيل علمي في ضوء علوم الشرع الشريف، وسنة النبي عليه الصلاة والسلام الذي هو خير معلم وخير مرب على الإطلاق، وفي ضوء العلوم الحديثة التي هي مبنية على ملاحظات حسية ودراسات علمية، لا شك أنها في كثير من الأحيان تكون مصيبة. أرجو أن أكون قد أفلحت في إيصال رسالتي إليكم، وهي: أن نلتفت إلى أهمية محو الأمية التربوية، هذا هو كل ما أريد أن أوصله بهذا الحديث الطويل، فهناك تربية، وهناك منهجية في التربية، وهناك أمية نعاني منها كلنا، وندفع ثمنها باهظاً.

الأسئلة

الأسئلة

علاج تدهور العلاقات بين الزوجين

علاج تدهور العلاقات بين الزوجين Q لي زوج يضايقني ويعتدي على حقوقي إلخ، فأرجو أن تجد لي حلاً لذلك؟ A يبدو أنها صرخة استغاثة من إحدى الأخوات، خلاصتها: يظهر أنها في مشكلة مع زوجها الذي يضايقها، ويجازي الحسنة بالقهر والإذلال وبالقوة والإجبار. وهذه من المشاكل الاجتماعية؛ لأنها أمور واقعية كلها، وتحتاج إلى توجيه، وأنا لا أحب أن أتناول هذه المشاكل بصورة جزئية؛ لأنها تحتاج إلى شيء من التفصيل، لكن عليها بدعاء الله سبحانه وتعالى أن يصلح حاله. وأيضاً: هذه الشكوى من هذه الزوجة التي تعاني من زوجها، لابد أن يعترف الزوج رغماً عنه بها؛ لأنها ليست أمة عنده، بل هي آدمي له حقوقه وله حرمته، فإذا كان الزوج يقوم بحق الزوجة، صائناً لها، مراعياً لواجباته نحوها، فليس للأب أو للولي أن يتدخل، لكن إذا حصل خلل ولم يفلح الزوج في حل مشاكله، فمن حقها أن تشتكي إلى ولي أمرها ليتدخل في رفع عنها الظلم. وبعض الناس يتعامل مع الزوجة على أنها أمة، وبعض الناس يتصور أنه بالزواج أصبحت المرأة شجرة يقتلعها من جذرها من بيت أهلها، ولابد أن تقطع الصلة تماماً بأهلها. بعض الإخوة عندهم قابلية للتطرف، ولديهم غلو شديد في التعامل، وأنا تكلمت مراراً وتكراراً أن العلاقة بين الزوجين لا تحكمها المعادلات الرياضية؛ إذ ليس الموضوع أن هذه حقوقي وواجباتي وتلك حقوقك وواجباتك، بل التعامل أساساً يبنى على التراحم: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]، فمن المعروف الإحسان، ومن أفضل نساء العالمين فاطمة عليها السلام، فلما تزوجت قسمت الأعمال بينها وبين أم علي رضي الله تعالى عنه، فكان عليها وظائف البيت، وأمه لها وظائف خارج البيت، وهي بنت أشرف خلق الله عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك هل قالت: أنا بنت الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يليق بي هذا؟ فالمفروض أن الأساس في التعامل بين الزوجين هو التسامح والتراحم والتغافر والإحسان. والرسول الذي هو أشرف خلق الله كان في خدمة أهله، وكان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدمهم في البيت، فإذا جاءت الصلاة كأنه لا يعرفهم ولا يعرفونه، تعظيماً لأمر الله! البيت ليس محكمة، ولا قسم شرطة، ولا ثكنة عسكرية يجتمع فيها جندي وضابط وعسكري، بل التراحم والتسامح والتساهل في التعامل، هو الأصل عند التنازع في الحقوق والواجبات. فنوصي الإخوة بأن يرحموا الأخوات، ويتقوا الله سبحانه وتعالى فيهن، ويراعوا أن المرأة لها تركيباتها العاطفية والنفسية والعقلية المخالفة للرجل، ولها خصائص ينبغي أن تراعى، وأن يرحمها حتى تكون العاقبة إن شاء الله أن يرى ذلك في أولاده فيما بعد.

طبيعة الطفل ومراحل نموه

طبيعة الطفل ومراحل نموه Q كيف يمكن معاملة الأطفال وهم صغار، وفي المراحل المختلفة من أعمارهم، ونأمرهم بالصلاة؟ A إذا فهمنا طبيعة كل مرحلة من مراحل نمو الطفل نستطيع أن نفهم كيف نوصل له الرسالة التي نريد أن نوصلها إليه بما يطيقه، فالطفل في السنوات الأولى يكون تفكيره متحجراً، فهو تفكير مادي حسي لا يدرك إلا الأمور المحسوسة، وإذا نظرنا إلى الدراسات التربوية الحديثة ونتائجها التي يفرح بها الغرب جداً، ثم تأملنا في هدي النبي عليه الصلاة السلام، فإننا سنجد مظهراً جديداً من مظاهر الإعجاز وصدق النبوة. فالطفل في المراحل الأولى إلى سن سبع سنين أو قبل ذلك يدرك الأمور بالطريقة الحسية، ولو حدثته عن الجمال والعدل والنزاهة وغيرها من المعاني المجردة التي لم يدركها، لكن يدرك الأمور التي يراها بعينه، يراك تصلي فتجده راكعاً أو ساجداً على الأرض يعمل مثلك من غير أن تكلمه، فهو يتقمص شخصية الأب ويقلده؛ لأنه يتأثر بالأمور الحسية، البنت ترى أمها تستتر من الرجال فتعمل مثلها تماماً، ثم حينما تصلي تضع الحجاب وهكذا. فالأمور الحسية التي يراها أو يسمعها يدركها، لكن أمور المعاني لا يدركها، فلذلك الصلاة في المراحل الأولى ستلاحظ الطفل إذا كنت تحافظ على الصلاة أمامه سيحاول يقلدك، وبعد سبع سنين يبدأ الإنسان في أمره بالصلاة، حتى يتعود عليها، وبعد ذلك تتابع عليه الأوامر، لكن يربطه بالمسجد من غير قهر أو عقاب، بل نجعل له الصلاة مكافأة، فنقول له: إذا عملت الشيء الفلاني فسوف آخذك معي إلى المسجد، أعني: أن تحببه إلى المسجد. موضوع الضرب أيضاً يفهمه الناس خطأ: (واضربوهم عليها لعشر) فلنفرض أنه أمره إلى العاشرة، فهل يبدأ بالضرب؟ لا يبدأ بالضرب، وكما قلت: الضرب له شروط سنناقشها بالتفصيل إن شاء الله.

كيفية التعامل مع أب يطرد أبناءه

كيفية التعامل مع أب يطرد أبناءه Q أب غير ملتزم يصل به العنف إلى حد الطرد من المنزل بالأسابيع، وعدم قبوله في المنزل مع عدم الكلام، ولا يأكل معه، ويصرح له دائماً بأنه يكرهه، والابن أحياناً يحاول التقرب إلى أبيه فيزيد ذلك من حدة المعاملة، ولسوء معاملته فالابن يفر دائماً من الالتزام؟ A المفروض أن يذهب هذا الأب لأخصائي نفسي ويأخذ استشارة منه، ولا أريد أن أقول: علاجاً؛ لأن ليس معنى الذهاب والتعامل مع أخصائي نفسي أنه سيعمل لك العلاج مباشرة، وليس معناه أنك مجنون، فهذا من الفهم المتخلف لموضوع الخبرة النفسية. والمفروض أن أولى من يمارس العلاج النفسي هم الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم أكفأ الناس وأقدرهم عليه، خاصة أنهم يعملون في ضوء الوحي الإلهي بجانب هذه العلوم المرتبة والمنسقة، لكن الواقع أن معظمنا عنده تقصير في هذا الجانب. أو يذهب إلى طبيب نفسي ملتزم ومتدين، وأضع عشرة خطوط تحت متدين أو ملتزم؛ لأنه يكون ذا خبرة حقيقية في هذه المجالات. المشكلة في هذا الأب وليس أولاده، فهو محتاج إلى استشارة نفسية، وإلى أن يعترف بأخطائه؛ لأن أول علاج أن نعترف بالخطأ، ومشكلتنا أننا ننكر ذلك دائماً، يظل الأب يضرب ويطرد ثم يتصور أن هذه هي التربية، وأن التربية أن يضرب وتهدر كرامته، وتحطم نفسيته حتى يكون رجلاً. وهذا تفكير عجيب جداً، فمثل هذه المشاكل الأب محتاج فيها إلى العلاج، ويحتاج إلى أن يذهب إلى أخصائي نفسي للاستشارة النفسية، ويعترف بكل سلوكياته مع أولاده. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

القسم الأول

[القسم الأول] الطفل العنيد فطر الله عز وجل الخلق على أمور عدة هم متفقون فيها، ومن تلك الفطر العناد، وهي مرحلة يمر بها كل الأطفال في مراحل عمرهم الأولى، وهي ناشئة عن حب الاستطلاع والمعرفة وأمور أخرى، ومع كونها فطرة إلا أنها إذا رشدت ووجهت أثمرت، والعكس بالعكس.

علاقة العناد بفطرة الأطفال

علاقة العناد بفطرة الأطفال إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: فشكوى ذكرت من بعض إخواننا الأفاضل سواء الآباء أو الأمهات تتعلق بمشكلة من مشاكل الأطفال، وهي العناد، وسوف نتكلم في شيء من هذا، وأرجو من الله تعالى أن يكون في الحديث عنها فائدة سواء لمن كان يعاني من هذه المشكلة، أو لمن يمكن أن تكون عنده فيما بعد. فالشكوى هي من الطفل العنيد، وكيف نتصرف مع الطفل العنيد؟ الإنسان إذا لم يفهم لماذا يعاند الطفل فسوف يؤدي به ذلك إلى أن يسلك مسالك تزيد من هذا العناد، وتشوه صحة الطفل النفسية، فالطفل الذي لا يسمع الكلام، أو الذي لا يطيع، أو العنيد إذا لم يتحقق له طلبه فإنه يرمي بنفسه على الأرض ويصرخ ويضرب رأسه بالحائط، ويفعل مثل هذه الأشياء المعروفة عنه؛ حتى إنه قد يرفض الدخول للامتحان، وإن دخل فإنه يترك الورقة فارغة مع أنه مذاكر ويعلم الحل الصحيح، وكل ذلك عناداً! فما تفسير هذا السلوك؟ وكيف نتعامل مع الطفل العنيد؟ نقول: إن عدم الطاعة من الطفل، أو العناد في السنوات الأولى من العمر -قبل سن الخامسة- يعتبر سلوكاً طبيعياً؛ لأن الطفل في هذه المرحلة مدفوعاً بغريزة أو فطرة حب الاستطلاع واكتشاف البيئة من حوله، فقد لا يستمع لأوامرك أو نواهيك ويتمادى فيما يريد هو أن يفعله، فهنا لا ينبغي أن نفسر هذا على أنه عناد بمعنى العناد كما يكون من الكبير؛ لأن الطفل في هذه المرحلة يكون مدفوعاً دائماً في تصرفاته بحب الاستطلاع، وهذه من فطرة الله سبحانه وتعالى، فالطفل مغروس فيه حب الاستطلاع، وهي فترة حساب المعلومات، وفهم البيئة من حوله، واكتشاف نفسه والآخرين من حوله. وربما كان الأبوان هما السبب في استخراج العناد من الطفل؛ لأن القاعدة تقول: (إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع) فلابد أن يحصل اعتدال من الأبوين حينما يأمران الطفل بأمر معين؛ لأنهما ربما يضطرانه إلى التمرد والعصيان إذا كانت أوامرهما غير معقولة. كذلك لابد أن يتسم سلوك الأبوين بالحزم المرن، لابد أن يكون هناك حزم لكنه حزم فيه نوع من المرونة، ومقترن بالحب والحنان.

معنى حرية الطفل

معنى حرية الطفل حرية الطفل أمر مهم جداً، فلابد أن تترك مساحة حرية للطفل، وبعض الناس يكون عنده نوع من الهوس في التربية بطريقة جاهلة؛ فنجد الأم بحجة أنها تريد أن تربي الطفل أو الطفلة ليس عندها هّمٌّ غير إحصاء الأخطاء، والتعليق على كل صغيرة وكبيرة تصدر من الطفل، ومتابعته في كل تصرف، فينشأ بعد ذلك اضطرابات في هذا الطفل؛ لأنه شيء فوق طاقته، ولأنها أم غير خبيرة بالتربية، فتحمل الطفل عبئاً شديداً، وتزن عقلها بعقل الولد. ولذا دائماً أكرر بأن هناك مشاكل في التربية، ونحن ننسى القاعدة المهمة جداً في عملية التربية التي أرساها بعض المؤلفين في كتاب بعنوان: طفلك ليس أنت، أي: من يضرب الطفل الضرب المبرح ولا يتوقف عن الضرب حتى يشفي غليله فإن هذا لا يربيه، كما أن الشرع لا يجيز مثل هذا السلوك؛ لأن الضرب إنما يجوز بشروط كثيرة جداً.

شروط ضرب الأولاد

شروط ضرب الأولاد ضرب الأولاد الذي أجازه الشرع يكون دواء؛ لكن إذا كان الضرب نفسه داءً وضرراً ومشكلة، فلا، فبعض الناس كأنه يشعر بالإثم إذا لم يضرب ولده، وكذلك بعض الناس حاله هكذا مع النساء، كلا، الضرب إنما أبيح لضرورة تربوية، إذا أتت بعاقبة حسنة، ولم توجد وسيلة لتقويم هذا الطفل إلا هي. ثم متى يكون الضرب؟ بعد عشر سنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واضربوهم عليها لعشر سنين). فنجد بعض الذين يتمسكون بالسنة من الآباء والأمهات يتركون الاهتداء بهدي الشرع في التربية، فيضربون من كان عمره خمس أو أربع سنين أو سبع أو ثمان سنين! كما أننا نجد غلواً في بعض الآباء عندما يضرب الطفل بعد البلوغ، فالمكلف لا يضرب، وإلا فما معنى التكليف؟ أنت تنمي فيه شعور المسئولية، فقل له: الملائكة تكتب عليك الآن كل تصرفاتك، فبالتالي أنت مسئول أمام الله سبحانه وتعالى عن تصرفاتك فعليك أن تنصحه وتوجهه وتجتهد في نصحه، لكن الضرب مع شخص طويل عريض ربما لا يجدي، وكيف تضرب من أصبح رجلاً؟! إن الذي قادنا لهذا الكلام هو: موضوع مساحة الحرية التي تعطى للطفل، فموضوع الغلو في الاهتمام بالتربية قد يوصل إلى مستوى الوسوسة من بعض الآباء، ويجعل كل همه طوال النهار هذا الطفل؛ بحجة أنه يريد أن يحسن تربيته، وإذا تكلم فإنه يعلق عليه ويوبخه، وإذا تصرف كان وراءه مثل الظل، فهذا كيف يتحمله ولده؟! فالشاهد أنه لابد من وجود مساحة حرية للطفل، وأحياناً كثيراً نتغاضى عن الأخطاء، بدون التعليق على كل خطأ والنقد لكل شيء؛ لأنك بهذا تفقده الثقة بنفسه، فلابد من مساحة حرية للطفل تتيح لشخصيته أن تتبلور وتتكون. فالكبت والقهر الدائم له آثاره كما قال الشاعر: وإذا ملكت نفوساً تبغي رضاها فلها ثورة وفيها مضاء يسكن الوحش في الوثوب من الأسر فكيف الخلائق العقلاء ومن شروط ضرب الأولاد أن الإنسان لا يضرب ولده وهو غضبان، ولا يجوز للمربي أن يضرب وهو غضبان أبداً. ويكون الهدف من الضرب التأديب، لا كما يحصل من الذين يدعون أنهم يتبعون السنة في الضرب، وعندما يضرب وهو غضبان يفرغ شحنة الانفعال التي أوجدها تصرف الطفل في قلبه، فهو من غيظه وشدة غضبه وانفعاله من تصرف الطفل يلجأ للضرب، فعليه أن يعالج نفسه لا الطفل، فهو يدمر الطفل؛ لأنه إذا ابتدأ بالضرب لا يرفع يديه حتى تنتهي الشحنة كلها! وهذا انحراف في الهدف التربوي؛ فلا يضرب الإنسان وهو غضبان. من آداب الضرب أن الطفل إذا ذكر الله تتوقف عن ضربه؛ حتى تغرس فيه أنك تخضع لاسم الله سبحانه وتعالى وتعظمه. أذكر مرة أني كنت في أحد الدروس، وكنت أتحدث عن موضوع الضرب وضوابطه، ولما انتهيت من الحديث أتاني طفل صغير وصافحني، وقال لي: جزاك الله خيراً يا شيخ! ثم قال لأبيه بلغته: شايف الشيخ بيقول إيه؟! فالشاهد: أن اتباع السنة والاقتداء بهدي الشرع الشريف لا يتجزأ، لا نأخذ البعض ونهمل البعض، ونخالف ونتعلل بالسنة، فالضرب شيء له قواعده عند الضرورة، وبعد سن معينة، وإذا كان لا يضرب على الصلاة، فهل هناك أهم من الصلاة؟! كيف تضربه لأنه كسر كوباً، أو سكب اللبن، أو ضرب أخاه؟ هذه لا تصل لمستوى ترك الصلاة، وإذا كانت الصلاة لا يضرب عليها قبل العاشرة، فكيف يضرب على ما سواها قبل العاشرة؟! بعض الناس بتربيته السيئة فتح الباب لبعض العلمانيين والملاحدة من أعداء الإسلام فشنعوا على المسلمين عملية ضرب الأطفال. الشاهد: لابد أن تعلم أن طفلك ليس أنت، وكل الخطورة أنك تقيس تصرفاته بعقلك أنت، فأنت وأنت صغير كنت ترتكب نفس الأخطاء، وهنا قاعدة مهمة: وهي أن الابن الذي يُضرب لابد أن يضرب أولاده حتى لو كان ساخطاً على سلوك أبيه، ويحصل هناك نوع من التقمص والتوحد مع المعتدي، فيسلك نفس السلوك فيما بعد لأن هذا شيء مضطرد بالاستقراء، فغالباً يصدر منه نفس الشيء، ويجني على أولاده بنفس هذا السلوك.

كيفية التعامل مع تعبيرات الطفل السلوكية الغاضبة

كيفية التعامل مع تعبيرات الطفل السلوكية الغاضبة إن سلوك الوالدين مع الطفل العنيد لابد أن يتسم بالحزم المرن المغلف بالحنان والحب والعاطفة، مع ترك مساحة حرية للطفل حتى تتكون شخصيته وينمو كما هي سنة الحياة. ضابط آخر عند غضب الوالدين من سلوك معين من الطفل كالعناد أو التحدي أو نحو ذلك: لا ينفع أن تظهر غضبك للطفل دون أن تشرح له الأسباب التي أدت إلى غضبك، أو تشيح عنه بوجهك، وتعرض عنه، أو تعاقبه وهو يقول لك: ماذا عملت؟ فتقول له: هكذا فقط! لا، الصواب أنك عندما تغضب من فعل أنك تعْلِمه بسبب هذا الغضب؛ لأنه لا يستطيع أن يقرأ أفكارك، ولم يصل بعد لمرحلة من النضج تؤهله لأن يفهم ما الخطأ الذي صدر منه؛ ففي هذه الحالة يجب أن يتفهم الطفل الأسباب التي أدت إلى غضب الوالدين. هناك نقطة مهمة وهي: أن الغضب أو العناد في السنوات الأولى من سنتين إلى خمس سنوات مثلاً يعتبر سلوكاً عادياً؛ لأن الطفل كلما وقع في مشكلة حاول أن يحلها أو يتفاعل معها بطريقة بدائية تتناسب مع عقله وإمكاناته، وما هذه الطريقة البدائية؟ إنها البكاء والصراخ، هذه هي اللغة التي يستطيع أن يعبر بها؛ لأنه توجد لغات معقدة ولغات بسيطة تعتبر طريقة للتواصل مع الذين يحيطون بك، مثلاً: إشارات الكهرباء في السيارات (اللمبات) لغة سهلة جداً، ولغة بسيطة، إذا كنت ستنحرف يميناً تعطي الضوء لليمين، أو شمالاً تعطي الضوء للشمال، أو سوف تنتظر تعطي ضوءاً معيناً، وهكذا. الشاهد: أنها لغة سهلة للتواصل، والطفل عنده أيضاً لغة بدائية هي البكاء، وهو إعلان عن العجز عن حل المشكلة؛ فيطالب بالمعونة عن طريق البكاء، كأنه يقول: تعالوا ساعدوني في هذه المهمة التي أنا عاجز عن حلها، فالغضب في هذا العمر -من سنتين إلى خمس سنوات- يعتبر شيئاً عادياً؛ لأن الطفل يحاول حل مشاكله بالبكاء ليعلن أنه غير قادر على حل مشكلته بنفسه فيطلب المعونة بالبكاء. بعد الخمس السنوات إذا وجد الغضب، والعناد، والتمرد، والتحدي من الطفل فهو يعكس أحد أمرين: إما أنه غير متكيف مع الأسرة في جو البيئة الأسرية، وبالتالي فإن هذا يعتبر النواة لحصول اضطرابات نفسية بعد ذلك، والله أعلم. وإما أنه يعكس شعوره أحياناً بالقهر أو الظلم أو العدوان. وبالنسبة لعدم التكيف مع الأسرة والبيئة، فهناك نوعان من التكيف: عدم تكيف، وسوء تكيف. أما عدم التكيف فبسبب صدمة نفسية، مثلاً: وجود طفل آخر، ولد له أخ أو أخت فجأة، والاهتمام تحول للثاني، فهذه تعتبر صدمة له، فلا يتكيف مع هذه الحالة، أو تكون هناك مؤشرات على أمور غير سليمة مر بها في الأسرة أو المدرسة أو البيئة. أما سوء التكيف فينتج عن استمرار الرفض والغضب والعناد والمشاجرة، ويظهر دائماً أن ردود أفعاله انفعالية، ويتفاعل مع الأحداث. لابد أن نفهم أن غضب الطفل بعد سن الخامسة يأخذ صورتين: الصورة الأولى: إما أن يستخدم المخزون اللفظي، ويعبر بالكلام عن الغضب أحياناً؛ لأنه في الخامسة من عمره أصبحت لديه مفردات لغوية كثيرة يستطيع أن يعبر من خلالها عن مشاعره أو احتياجاته، فيعبر عن الغضب بالألفاظ: يشتم، يهدد، يتوعد، يخرب، يتلف حاجات معينة، يكسر، والتربيون ينظرون إلى هذا على أنه أسلوب سليم، أي: بالنسبة لسلوك آخر في غاية الخطورة، فالطفل الذي يعبر عن مشاعره فهذه ظاهرة شبه صحية وسليمة، لماذا؟ لأنها دليل على وجود طاقة فاعلية بداخل الطفل يفرغها من خلال السب أو الشتم أو الانفعال، والمراد بالشتم بغير الألفاظ البذيئة غير المقبولة منه مع الكبار مثلاً، فاتركه يطلق طاقة الغضب، وحذره من الشعور بالقهر أو الكبت. فإذا كان الطفل يعبر عن غضبه بأن يكسر شيئاً أو يتكلم بألفاظ معينة لكي يعبر بها عن الغضب، فهذه تعتبر فرصة جيدة كي يقيم المربي جسوراً من التفاهم والتواصل مع هذا الطفل، ويعلمه أن هذه ليست الطريقة السوية التي تعبر بها عن غضبك، وأن هناك طرق أخرى كالتفاهم والشرح ونحو هذه الأمور. الصورة الثانية: وتكون بعد العاشرة، فإذا استمرت هذه الصفة بعد هذا السن فهذه مشكلة، وصار لا يعبر بالألفاظ عن الغضب والتذمر، بل يقاوم مقاومة سلبية، وهذا في غاية الضرر؛ لأن الطفل يغضب وينفعل لكن تظهر عليه الكآبة السلبية، والانطواء، والانعزالية، وهذا خطر جداً؛ لأنه بعد ذلك لما يكبر يركز على ذاته ويرفض الحياة، ويصبح العناد وسيلة لإثبات الذات إذا لم يستطع إثباتها في هذا السن، فيتخذ وسيلة يحقق بها ذاته من باب: خالف تعرف، وهؤلاء معرضون للأمراض العصبية، وهو سلوك يقوم على الكبت الذي لم يخرج ولم يتحرر، فيهرب دائماً من الحقيقة، أو يهرب من مواجهة الواقع ويتقوقع، وربما هرب إلى أحلام اليقظة ويعيش في الخيالات، ويبتعد دائماً عن الحقيقة، ولا يستطيع أن يواجهها ويتمحور حول نفسه. فلابد أن يعبر الطفل عن انفعاله بالغضب بوضوح أو بالكلام أو بالأفعال، ويهذب هذا السلوك ويقوم، ونعدل له وسائله في التعبير عما في داخله، فأنت عندما تكون لك حاجة تتكلم عنها بصراحة، ونحن ندرس الموضوع، وما نقدر أن نعمله لك نعمله إلى آخره. فلابد من وجود نوع من التواصل مع الطفل بحيث يعبر عن انفعالاته ولا يكبتها، ولا يحس بالقهر والكبت والظلم، وفي نفس الوقت نعدل له طريقة التعبير، فنقول: هذه طريقة غير لائقة وغير مهذبة للتعبير عن الغضب الذي في داخلك.

علاج العناد الزائد وكبح جماح الطلبات

علاج العناد الزائد وكبح جماح الطلبات أحياناً يحدث التدليل الزائد للطفل، فالأم تريد أن تبين له أنها حنونة وعطوفة، وهي كذلك حقيقة، لكن ليس عندها فقه التربية، فكل ما يطلبه ينفذ له مهما كان، وبغض النظر عن أي اعتبار! فالطفل الذي يدلل هذا التدليل الزائد يظهر عنده أيضاً العناد والغضب ونحو هذه الأشياء، لماذا؟ لأنه تعود على أن طلباته تلبى ولا ترفض أبداً، ولم يوجد عنده شعور بضرورة ضبط النزعات، وتعود أن كل ما يشتهيه يناله بسبب التدليل الزائد عن الحد، وبالتالي إذا حصل له حرمان -حتى لما يكبر- من شيء معين، فإنه تظهر منه أفعال بدائية طفلية؛ لأنه إذا ظل طوال ثمان سنوات يغرس فيه التدليل الزائد، وكل ما يشتهيه يشتريه ويناله، ولا يعرف الرفض على الإطلاق، فكيف يتعود على مقاومة رغباته حينما يكبر؟! ومن الأمور المهمة في حل هذه المشكلة: المناخ الأسري داخل البيت؛ لأنه توجد أشياء كثيراً ما تؤثر على الطفل وتصنعه، والتربية العملية لا تتوقف، فهي تحدث ليلاً ونهاراً، وكل سلوك من الأب أو الأم وتعامل من قبل الأب أو الأم مع الأولاد في طريقة الأكل والنوم وغير ذلك من التصرفات فهي تربية، ولذلك لابد أن يقدم الأبوان قدوة حسنة للأطفال؛ لأن هذه هي التربية الحقيقية الفعالة المعايشة؛ فيتشربان القيم والمعايير والسلوكيات من الأبوين. وأخطر شيء ينعكس على نفسية الأطفال: هو علاقة الأب والأم، وهذا أمر مهم جداً، إذ لابد من حصول توافق بين الأب والأم، لابد أن يوجد الاحترام المتبادل، فلا يرى أباه يضرب أمه أو يشتمها أو يهينها، وإذا ما وجد هذا النموذج فإنه ينعكس انعكاساً سيئاً جداً على سلوك الطفل، وعلى طريقته في التفكير، وعلى علاقته بزوجته بعد ذلك في الحياة، ولابد أن يصنع نفس ما رأى من والده، فبالتالي لابد من حصول الانضباط في سلوك الكبار. نحن نشتكي من تصرفات الصغار، وأنتم -أيها الكبار- هلا قدرتم على ضبط سلوككم أمامهم على الأقل، وإن كان ولابد من المشاكل والشجار فيكون في غرفة مغلقة بصوت خفيف لا يسمعه الأطفال، أو في مكان خارج البيت، لكن إذا عاين الأطفال القلاقل والمشاكل والإهانة والاحتقار ونحو ذلك؛ فإن هذا بلا شك سوف ينعكس انعكاساً سلبياً على سلوكهم وتفكيرهم. الطفل يشعر بالأمان بين أب وأم متوافقين، بينهما احترام ودفء عاطفي، ولا شك أن هذا يهيئ مناخاً يساعد على الصحة النفسية للطفل. أحياناً يحدث نتيجة لعدم توحيد السياسة التربوية، من كون أحد الأبوين يحب هذا الابن أو يميل إليه أكثر من إخوته الآخرين مثلاً، فنجد طفلاً رغم أنه صغير لكنه ماكر، فيعمل عملية استفزاز، أو سوء استغلال لهذا الميل، فلو كان الأب هو الذي يدلله، ويحقق له كل رغباته، ويبالغ في إظهار المحبة له، فالطفل قد يستعمل سلاح أبيه ضد أمه أو إخوته. مثلاً: إذا طلب من الأب شيئاً فرفض، فرمى بنفسه في الأرض، وصرخ وضرب رأسه بالحائط إلى آخره، فجاءت الأم لما رأته غضباناً وقالت: يا حبيبي! تعال، وتحقق له طلبه، فهذا السلوك والتناقض في الموقف الواحد يوصل رسالة للطفل مضمونها: إن هذه الطريقة هي الطريقة السليمة لتلبية رغباتي، فيغضب ويعاند ويرمي بنفسه في الأرض، فالأم تخضع بعاطفة الأمومة، رغم أن أباه قد رفض أن يعطيه ما يريد، فهو يستغل عدم توحيد السياسة التربوية. قلت لكم: الطفل مكار ولئيم، وقد يستعمل سلاح الغضب والعناد والتحدي والصراخ والبكاء مع من أثبتت تجاربه السابقة نجاحها معه، وبعضهم فهم أنه لا أمل، ورأى أن أباه حازم وصارم ولا فائدة منه، إلا أنه يستعملها مع أمه؛ لأنه يعلم النتيجة، فهذا يدل على أنه يفهم الطفل عن طريق التجارب، وينبغي للأبوين أن يوحدا السياسة التربوية، ويعلما الطفل أن البكاء والصراخ والعناد والتكسير ليست طريقة يمكنه من خلالها الحصول على رغباته، وأنه لابد أن يتعلم الطفل التحكم في رغباته، ويتعود أنها قد لا تحقق، ومن فترة لأخرى يوجد إحباط صغير محدود، فتقول له: أنا الآن لا أقدر أن أشتريها لك، لكن في أول الشهر سأشتريها لك، وهذا فيه تدريب له على ضبط نزعاته، حتى لو كان درساً مؤقتاً لكنه مفيد. وأحياناً تحرمه نهائياً، وتأتي له بسبب معقول، وتدربه على أن يحد من مطالبه، ويقف من المطالبة إلا إذا حصلت القدرة على ذلك. خلاصة الحديث: أن التضارب في الموقف التربوي الواحد بين الأب والأم خطأ؛ فالأب يبيح، والأم تحرم، الأب يقول: نعم، والأم تقول: لا، الأم قد تظن أنها سوف تكسب ابنها عندما تدلله تدليلاً زائداً، ولا تعلم أنها تخسره وتفسده، وتوجد قاعدة في سلوكياته: أنه يلجأ إلى الطرف الآخر من أجل حمايته واستجابته تحت تهديد سلاح الغضب والعناد، طبقاً للوقت الملائم ومع الشخص المناسب؛ لخبرته السابقة. وليست هذه هي المشكلة، إنما المشكلة أنه عندما يخرج إلى المجتمع الخارجي سيعمم نفس سلوكياته، والمجتمع الواسع في المدرسة أو البيئة لن يرحمه بالطريقة التي كانت أمه تدلله بها، فيأتي ليحقق رغباته فيصدم بحقيقة المجتمع؛ فيحصل له إحباط، وينزوي في نفسه، وتحصل له مشاكل. على أي الأحوال الحق دائماً وسط بين طرفين: الغلو والجفاء، أو الإفراط والتفريط.

وسطية التربية بين التدليل والقسوة

وسطية التربية بين التدليل والقسوة الإفراط في التدليل خطر، والإفراط في القسوة والحرمان أيضاً خطير على الطفل، الإفراط في التدليل يصنع من الطفل طاغية صغيراً، فالتعود على أن تشبع حاجاته حتى الحاجات الثانوية والتافهة خطأ، نعم هو طفل، وله احتياجاته الأساسية ولابد من شيء من التدليل والحنان وتحقيق رغباته؛ لكن بقدر متوسط، فتشبع احتياجاته الأساسية: الأكل والشرب والملابس إلى آخره، تشبع حاجاته الأساسية دون تدليل، وإلا فالطفل سوف تحوله أنت إلى طاغية صغير، ويصبح ملكاً غير متوج، والتاج ليس على رأسه إنما على رأس الأب، لكن في الحقيقة هو الآمر الناهي المتحكم في الآخرين. في الجانب الآخر: هناك إفراط في القسوة والحرمان أيضاً، وهذه في غاية الخطورة، الأب يريد أن يحول البيت إلى ثكنة عسكرية، أوامر ونواهٍ، ضابط وجندي، وكأنه في الجيش أو في الشرطة! لا يوجد تراحم أو مرونة، فموضوع الثكنة العسكرية والرقابة المستمرة لا تنتهي، يحرص على التعليق على كل تصرف، والتوبيخ على كل سلوك، وهذا يؤدي إلى أنه يحرم من فرصته في إثبات ذاته؛ لأن الإنسان في النظام العسكري ليس له إرادة، ولابد أن تسلب منه الإرادة حتى تسير الأمور في الحرب وفي غيرها، والأمور الإدارية والروتينية تحتم وجود ضابط وجندي، هذا يقرر والثاني ينفذ، لكن هذا الوضع في البيت سيحرم الطفل من فرصته في إثبات ذاته؛ لأنه يرى أنه يخنق نفسه ولا يحقق ذاته. الشاهد: أن تحويل البيت إلى مناخ ضابط وجندي يحرم فيه الطفل من إثبات ذاته، وتسد الطرق السوية التي يجب أن يسلكها لكي ينمو نمواً طبيعياً، فحينها ليس أمامه إلا المقاومة عن طريق المقاومة السلبية بالعناد أو التحدي، فلابد من ترك الطفل على تهيئته، وإعطاؤه مساحة من الحرية ومرونة وتدريب على التعاون؛ ليوجد تواصل، ويحصل التعاون بين الطرفين، ونستجيب أيضاً لطلباته المعقولة، ليس الحرمان لأجل الحرمان لا، لا بد من الطلبات المعقولة التي تجاب حتى لا يشعر بالقهر والظلم. ومهم جداً في التعامل معه: إشعاره بالأمان والدفء العاطفي والتقدير والاحترام، ونحذر كثيراً من عملية التحقير الذاتي؛ فعندما تنتقد من تربيه سواء كان طفلاً أو شاباً مراهقاً فتجنب عملية التحقير الذاتي؛ لأنك تنتقد السلوك فقط، فتقول: أنت طفل مؤدب، ومثلك لا يليق به أن يعمل هذا، أو لا يليق به، وبتربيته على أنه لا يقول ألفاظاً سيئة، لكن لا تقل له: أنت سيئ الأدب، سيئ الخلق، أنت ميئوس منك طول عمري وأنا أقول: لا فائدة منك إلى آخر هذه الألفاظ التي هي عبارة عن تحطيم له في الحقيقة، هذا ليس بناءً، بل هذا هدم، ولن يعالج الأخطاء بل بالعكس سيزيد احتقاره لذاته، ويشعره بعدم الكفاءة وعدم القدرة على إنجاز أي شيء، وتنهدم الشخصية، فلا بد من الاحترام بحسب الطفل. مثلاً: جاء طفلك بشهادة رسوبه، فلا تجعله محل سخرية وتحقير، فتقول له: فاشل، ليست فيك فائدة، والمال الذي نصرفه عليك لا تستحقه إلى آخر هذا الكلام، لكن تقول له: أنا حزين من هذه النتيجة، لكن عندي أمل إن شاء الله أنك تعوضها في المرة القادمة، وتكون النتيجة أحسن، فأنت أظهرت الغضب من هذه النتيجة وعدم الموافقة عليها، وفتحت له باب الأمل؛ لأن الطفل لا ينفع أبداً أننا نعلق عليه دائماً أو أن نختم على جبهته: فاشل، ميئوس منه إلى آخر هذه التعبيرات المعروفة. عندما ينتقد المربي الطفل الذي يربيه ينتقد الأسلوب، ولا يعطيه ختماً يختم به على شخصيته؛ لأنه ما زال ينمو، والمفروض أنه قابل للتعديل، انتقد الفعل والسلوك وليس الشخصية نفسها. أيضاً: لا بد أن يغرس فيه الشعور بالمسئولية، دائماً يفهم الطفل أن كل حق مقابله واجب، وأن الحياة ليست فقط أخذ وأخذ وأخذ، لا، الحياة أخذ وعطاء، تريد شيئاً معيناً، ساعد والدتك في ترتيب غرفتك، لابد أن نفهمه دائماً أن الحياة أخذ وعطاء، نشاوره مثلا على رجل المرور في الشارع، نقول: انظر إلى رجل المرور هذا، يقف في الحر، والشتاء، ويتعب، لو لم يعمل ذلك لم يأخذ مالاً يعيش به أو يصرف به على أولاده، فتعطيه نماذج حية على أن كل شيء دائماً مقابل شيء، وأن الحياة أخذ وعطاء، وليست فقط أخذ ثم أخذ ثم أخذ، فهناك واجبات تجاه نفسه وتجاه والديه، وإخوته، والمجتمع إلى آخره، فكل حق لابد أن يقابله واجب. أيضاً لا بد من ترسيخ مبدأ الثواب والعقاب، فإذا اخطأ لابد أن يعتذر وإذا أحسن لابد أن يشجع، ويكافأ على الإحسان.

انعكاس سلوك الآباء على الأبناء

انعكاس سلوك الآباء على الأبناء إن سلوك الأب ينعكس على الأطفال، وكلمة الأب أعني بها: الأب أو الأم، إن الذي يحصل من الأطفال إنما هو تقمص لشخصية الأب أو الأم، والتقمص أعني به التوحد، وهي أعلى درجات التقليد والمحاكاة، هذا هو ما يسمى بالتقمص، فالطفل يرى أن أباه أو أمه أكمل الناس في العالم؛ لأن هذه هي البيئة التي يراها حالياً، فدائماً -كما هو المفروض- هم المثل الأعلى له، وكل ما يعملانه صحيح، وطريقتهما هي الطريقة السوية في التفاعل مع البيئة من حوله. مثلاً: لو أن أباه إذا تأخر الأكل عن وقته، أقام عاصفة في البيت هوجاء لا تتناسب مع الخطأ أو التقصير، فهذا مؤثر ضعيف جداً وتافه لكن رد فعله مبالغ فيه جداً، صراخ وعراك ومشاكل؛ فسوف يتعلم الطفل أنه يغضب أيضاً لأتفه الأسباب، ويعبر عن غضبه بهذا السلوك وأمثاله مقابل أتفه الأسباب؛ فيتقمص نفس السلوك، وممكن أن يقلده مع أفراد آخرين في المدرسة أو إخوته أو أصحابه، فيفهم من سلوك الأب العصبي أو الأم: أنه عندما لا يحقق طلبي أثور وأغضب وأنفعل، فنقطة هدوء الأب واتزانه -وكذلك الأم- أمام الطفل أمر مهم جداً. الطفل أحياناً يسرق سلوك الأب، مثال: وجود طفل آخر يعني بقاء العناد كوسيلة لإثبات الذات لجذب الأنظار إليه، ويريد أن يبقى محطاً للاهتمام بين الأسرة وإخوته أو أقاربه؛ فيرى أن العناد وسيلة لإثبات الذات وتحدي البيئة. عندما يكون العناد وسيلة لأن يثبت الطفل وجوده وذاته، فهذا يعتبر الوجه الحسن للعناد؛ لأن العناد له وجه قبيح ووجه حسن، فالوجه القبيح تكلمنا عنه. أما الوجه الحسن من العناد فإنه يعتبر دلالة على أن الطفل هذا يكتشف نفسه، وأنه له كيان مستقل عن الكبار، وهذا يشجع فيه الفردية والشجاعة والاستقلالية، فهذا الوجه الحسن من عناده، لأنه يقول: هأنذا، أنا موجود، أنا مشتكي إلى ربي، وهذا نمو طبيعي؛ فيبدأ يشعر بذاته وباستقلاليته وبشخصيته، فهو يعبر بطريقة غير سليمة عن معنى صحيح وهو الذاتية، لكن طريقة التعبير بالتحدي والعناد لابد أن نعدلها، فإن العناد والتحدي والغضب ليست هي الطريقة السوية لتحقيق المطالب؛ لأن الحياة أخذ وعطاء، فالإنسان إذا تعود الأخذ والعطاء يرضى عن ذاته, ويرضى عنه الآخرون المحيطون به، ويتعود على التعاون والتفاهم مع الآخرين. قد ينشأ العناد أو الشجار أو الغضب بسبب الشعور بالنقص أو الغيرة أو الشعور بالاضطهاد سواء من أحد إخوته الكبار أو من الولدين، فالعناد والشجار والغضب في هذه الحالة هو تعبير عن عدم النضج، أي: أن الطفل يواجه هذه المواقف بالعناد والتحدي والصراخ وغير هذه الأشياء، فيقول بطريقة غير مباشرة: أنا ما زلت متأخراً في النضج الاجتماعي، وما زلت بحاجة إلى التعلم والأخذ والعطاء والنمو الاجتماعي؛ لأنه يتعامل بطريقة بدائية، ولا يواجه المشكلة المواجهة السلمية. من أسباب العناد أيضاً: الأم العصبية؛ فهي قد تنتج طفلاً عنيداً، ربما يكون في حياتها أي سبب من أسباب المعاناة مع زوجها أو أسرتها أو نحو ذلك، فتنتج طفلاً عنيداً؛ لأنها تخرج معاناتها بمن صادفها، وأولهم الطفل، بالصراخ أو العويل أو الضرب؛ فتنتج معركة غير متكافئة بين طرفين: الأم العصبية؛ لأن لديها معاناة من شيء آخر، لكنها تنفذ في الطفل العقوبة كمن أغضبه مدير عمله، فهو يضطهده أو يؤذيه، فيفرغ غضبه في الموظف الذي تحت يديه، ويجعل هذا إزاحة للمعاناة التي يعانيها، لديه مشاكل تضيق نفسه بها فيجد في هذا فرصة للتنفيس. فالأم العصبية تجد المتنفس مع هذا الولد المسكين، فتحصل معركة غير متكافئة؛ لأن الأم أقوى، وأسلحتها أقوى، فلو ضربته ستغلبه، ولو صرخت فصوتها أعلى منه إلى آخره، والثاني ضعيف، لكن الضعيف له أسلحة كما أن للقوي أسلحة، وكل منهما يتعامل بالأسلحة التي يقدر عليها، والطفل في هذه الحالة سلاحه يختاره هو، فهو يضايقها في الشيء الذي يستفزها، أو عن طريق العناد والتحدي والصراخ والبكاء إلى آخره، فيعاندها كي يضايقها، فعندما يضايقها يكون قد أخذ بثأره، ولا يهمه بعد ذلك انضرب أم لم ينضرب، ولا يهمه ما سيحصل له، هذه تكون النتيجة. الخلاصة: أن الأم تنزع فتيل هذه المشكلة إذا تخلت عن العصبية.

توجيهات مباشرة للوالدين في التعامل مع الأطفال المعاندين

توجيهات مباشرة للوالدين في التعامل مع الأطفال المعاندين أول الأمور التي ننصح بها الوالدين في التعامل مع الطفل العنيد: الهدوء والاتزان ما أمكن أثناء عناده أو غضبه، فمن الخطأ الشديد جداً الغضب على الطفل حينما تأتيه نوبات الغضب، ويرمي بنفسه إلى الأرض، ويضرب رأسه بالحائط، وهي نوبة لابد أن تأخذ وقتها، وكأنه يقول لك: أنا أريد أن أوقف البكاء لكن لا أستطيع، هي نوبة مثل نوبة الصرع تماماً تنتهي بمرور زمن معين، فعندما تأتيه نوبة الغضب بهذه الطريقة اتركه تماماً، ويفضل أن تعزله في مكان بعيد أو غرفة بعيدة، وتتركه حتى تذهب النوبة. فمواجهة الغضب بغضب يولد مشكلة كبيرة جداً فضلاً عن الضرب والإهانة إلى آخره، وفي هذه الحالة لا يحاول الأب أن يتفاهم معه أثناء الغضب، والتكلم معه لابد أن يكون بمنتهى الهدوء والاتزان أثناء العناد والغضب. أيضاً تفهمه أن هذا أسلوب غير سليم للتعبير عما في داخله؛ لأنه لم يعدل طريقة التعبير عما يضايقه، وهذا يكون بلغة مناسبة، كذلك عندما تقول له: هذا ليس الأسلوب الصحيح، وتطرح عليه الأسلوب البديل، والإصرار عليه أن هذه هي الطريقة الصحيحة، فتجعله يعبر بحرية عما بداخله، وتبين له أنه ليس هناك مكافئة له إلا بعدما يظهر السلوك الحسن المطلوب. أيضاً: يجب أن يتخلى الوالدان عن العصبية والقلق والعناد على الأقل أمام الأولاد لئلا يقلدوهما. أمر آخر مهم جداً: علاقة الأب أو الأم بالطفل وتدخله في حياته، لابد من التدخل، لكن يكون تدخلاً مرناً. أيضاً: المشاكل الزوجية أثرها سيء على نفسية الأطفال، خصوصاً حين الكلام على الانفصال أو الطلاق مما يهدد إحساسه بالأمان والاستقرار. أيضاً: التدخل المبالغ فيه في حياة الطفل خطأ شديد جداً، بالأوامر الصارمة، وبالنقد والتوبيخ المستمر، والتحقير، والتدخل كالكابوس في كل تصرف للطفل، وانعدام مساحة للحرية. لابد من التدخل المرن، والمرونة والحوار والتفاهم والتوجيه والنصح، أنت تريد منه طاعة عمياء، والطاعة العمياء تخرج شخصية غير سوية، وتخرج إنساناً لا شخصية له، يحتاج الطفل أن يربى على هذا المنهج حتى ينمو بطريقة سليمة، فحتى يكون طفلاً مؤدباً لا يلزم بطاعة عمياء؛ لأن هذا تكليف بما لا يطاق، ويلغي شخصيته ويشوها بعد ذلك. أيضاً من وقت لآخر نحقق رغباته المشروعة بطريقة مناسبة، وتشجيعه على الاختلاط بأقرانه المناسبين. نقطة مهمة أخرى: عدم التشهير بالطفل أمام الآخرين: أحياناً يظل الطفل حديث العائلة والتلفونات والزيارات، وإذا جاء الضيوف اشتكى الوالدان من الطفل أمامهم، مثل أنه يبلل الفراش أو شيئاً من هذا القبيل، ويذكرا أشياء تجرحه جداً، وتقال على الملأ، وتصبح حديثاً مشاعاً أمام الضيوف أو الأقارب أو الأصدقاء، ويناقشا بعض أخطائه أمام هؤلاء الآخرين. لابد أيضاً من تدريبه على حل مشاكله بنفسه، ولابد أن يوجد في البيت نوع من التسامح والتعاون. توحيد السياسة التربوية للوالدين؛ فلا يوجد تعارض منهم في الناحية التربوية، بل المعاملة من الأب والأم معاملة ثابتة وفق معايير مقننة متفق عليها مسبقاً، فلا يأتي واحد يمنح والثاني يمنع، لا يثيب الأول والثاني يعاقب على نفس الفعل؛ لأنه يسبب الارتباك للطفل، فاختلاف أسلوب التربية يلجئ الطفل إلى الغضب كوسيلة ليخضع بها الآخرين لنزواته، ثم إنه يحول بينه وبين الاتزان النفسي؛ لأن الطفل لابد أن يتعود على قبول المعايير الاجتماعية، وقبول النظام، ليس كل ما يريده يأخذه أو يغضب، فلازم أن يعلم أن هناك معايير تحكمنا في سلوكياتنا، فالتدليل المستمر يعلمه فقط الاستجابة الطفلية البدائية للرغبات، فيفهم أن الحياة أخذ وأخذ، فيعيش دائماً معتمداً على الآخرين؛ فهم الذي يقومون بكل شيء، وهم الذين ينفذون له رغباته، ويقولون: سمعنا وأطعنا. أيضاً تعدد سلطات الضبط والتوجيه، كما لو كان يعيش ضمن أسرة كبيرة، فالأم تمنع، والجدة تمنح، والأم تعاقب، والجدة تحتضنه إلى آخره، فمثل هذه الأشياء مع تعددها تسبب له الارتباك والغضب والعناد، الأب يمنع والأم تدلله، تقول: تعال يا حبيبي أنا أحضره لك إلى آخره، فهذا في الظاهر حسن، والحقيقة أنه ارتباك في السلطات التربوية المتعددة المتناقضة، فيحاول الطفل أن يسيطر على هذه البيئة عن طريق نوبات الغضب والعناد. والتدليل المستمر هو عبارة عن إجابة لكل طلباته المهمة أو غير المهمة، فينشأ أنانياً، لا يرى إلا نفسه فقط، ثم يتوقع نفس المعاملة من البيئة لما يخرج إلى المدرسة مثلاً أو نحو هذا، فإذا منع تحصل له صدمة قاسية ويزيد في العناد والتوتر. الخلاصة: أن التدليل المستمر والمبالغ فيه يعيق الأطفال عن التأهل لمواجهة الحياة ومصاعبها، ويحرمه من فرصة أن يتعلم كيف يكبح رغباته، من ثم نقول: من وقت إلى آخر لا بد من الإحباط المحدود، وليس الإحباط الجامد حتى لا نظلمه، فهذا يفيد أنك تتعمد تأجيل إشباع بعض رغباته إلى الوقت المناسب، فتقول: أنا حالياً مشغول، فإذا فرغت منه مثلاً أصحبك إلى المحل، أو أول الشهر سأحضر لك اللعبة، لماذا؟ لكي تعوده التأجيل من تنفيذ رغباته؛ لأن التأجيل بحد ذاته نوع من الكبح، والصرامة تكون قوية، فيتكيف تكيفاً سليماً مع البيئة لما يجد أن البيئة الخارجية كلها لا تحقق طلباته؛ نتيجة المعايير الاجتماعية، فعندها يستطيع أن يتحكم في رغباته. فإذا تكرر الفشل في الحصول على كل هذه الرغبات فإن هذا يقوي فيه جهاز المناعة النفسية، أو يكون سبباً في نجاحه وتكيفه مع ذاته. وأنا في الحقيقة أتحرج من الكلام في الحاجات الطبية أو النفسية في المسجد، وقد تعودنا أننا نتكلم عن الآيات والأحاديث، لكن يبدو أن القضايا الحياتية أحياناً نحتاجها، ونشعر من خلال بعض الأمثلة والمشاكل أن بعض الناس محتاجين إلى هذا، فأرجو من كان مقتنعاً بهذا الكلام أن يسامحنا في إهلاك الوقت، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

تشاجر الأشقاء

تشاجر الأشقاء كثيرة هي مشاكل الأبناء أمام الآباء، خصوصاً في مقتبل العمر، ورغم أن كثيراً منها بسيطة إلا أن كثرتها تجعلها مقلقة، ومن تلك المشاكل تشاجر الأشقاء من البنين والبنات، ولكل مشكلة أسباب وحلول وإيجابيات وسلبيات، وبحسب موقف الوالدين وسلوكهما تترتب الحلول. ومما يلاحظ أن هذه المشاجرات تقل كلما تقدم الأولاد في العمر إلى سن الخامسة عشرة حتى تنتهي، إلا أن الأخذ بأسباب تخفيفها هو المطلوب، وأما القضاء عليها فهو من غير الممكن.

مرحلة تشاجر الأشقاء في النمو

مرحلة تشاجر الأشقاء في النمو الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم! صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: فقد قالت فتاة في السادسة من عمرها لجدتها: من حسن حظي أني وحيدة لا إخوة لي ولا أخوات. فأجابت الجدة: ولم يا عزيزتي؟ ألا تظنين أن من الأمور الحسنة أن يكون للإنسان إخوة وأخوات؟! وكان A نعم. قد يكون الأمر حسناً، ولكن معنى وجود الإخوة والأخوات هو تشاجرهم وعراكهم ومقاتلتهم طوال الوقت. إن الشجار بين الإخوة هو أحد أشكال الإزعاج الأكثر شيوعاً في الأسرة، إلا أن التشاحن يمثل في الواقع مرحلة طبيعية من النمو، فأطفال السنتين يضربون ويدفعون ويخطفون الأشياء، بينما يستعمل الأطفال الكبار أسلوب الإغاظة، فهم يسيئون لبعضهم من وقت لآخر عن طريق اللغة. إن الولد -كغيره من الأطفال- لا يستطيع أن يحتفظ بيديه ساكنتين إذا ما كانت أخته قريبة منه، وأخته بالرغم من تفوقه عليها في الحزم والقوة لديها طرائقها الخاصة للانتقام منه، إن كل واحد منهما يبدو كأنه قدير بما يضايق الآخر، ويسر باللجوء إليه، ويدرك حرصه على أشيائه الخاصة، وحرصه على احتلال المكان المعين في المائدة أو السيارة، فيعرف كيف يغيظ الطرف الآخر ويستفزه. والآباء يضجون من مشاجرات الأبناء لما يحدثونه من ضوضاء وجلبة في المنزل، ولأنهم يشغلون الآباء عن أداء ما يقومون به، أو يمنعونهم عن الراحة أو الاسترخاء، فيثورون على الأبناء، وقد يلجئون إلى أسلوب عنيف في وضع حد لمشاجرات الأطفال، بل قد يدمغون طفلاً منهم بأنه حقود أو أناني، وأنه سيفشل في حياته لأنه لا يتعاون، بل قد يعيره الآباء بسلوكه هذا في غير أوقات الشجار حاسبين بذلك أن شجار الأطفال أمر غير طبيعي، وأن الأولاد يميلون عادة إلى الشجار أكثر من البنات، وأنهم يتشاجرون مع أقرانهم مهما كانت أواصل الصداقة تربطهم. نقول للمربي: لا تنزعج؛ إنها مرحلة طبيعية، إن أي أسرة لديها طفلان أو ثلاثة نجدهم دائماً في مناوشات وخلافات، يتألم الأب وتتألم الأم؛ لأن الأبناء ليسوا أصدقاء وليست علاقاتهم طيبة. و Q هل ظاهرة اختلاف الأطفال مع بعضهم ظاهرة طبيعية، بمعنى: أيُّ الأوضاع يعتبر الوضع الطبيعي: أن يتعاونوا مع بعضهم وأن لا يختلفوا؟ أم أن الوضع الطبيعي هو أن يتشاجروا وللإجابة عن هذا السؤال نجري تجربة صغيرة، وهي أننا نجمع ثلاثة أو أربعة أولاد معاً في حجرة واسعة مجهزة بكل ألوان اللعب والتسلية، ونغلقها لفترة، ترى ماذا ستكون النتيجة؟ بكل تأكيد سيتشاجرون، سواء أكانوا إخوة أم غير إخوة. إذاً المسألة ظاهرة طبيعية وعادية، ويجب أن لا يقلق الآباء والأمهات، ويجب أن تراعى برفق ووعي؛ لأنها لا تكون في فترة الطفولة فقط، إنما تمتد للصبا والشباب. إن أول ما تنصح به الأم أن تتخلى عن تصورها المثالي بأن يكون أطفالها على أتم وفاق ولا يتخاصمون أبداً، إن الأم إن واجهت الحقيقة الواقعية فإن قلقها بخصوص خصام الأطفال وتشاجرهم سوف يتضاءل. إن الطفل ذا الست إلى عشر سنوات الذي يصر على الخصام مع إخوته وعلى عدم التحسن في هذا الشأن لا يزال إنساناً عادياً، فكل الإخوة -لاسيما المتقاربين منهم في العمر- لابد أن يتشاجروا، وتقل عادة هذه المشاجرات كلما تقدم الأطفال في السن.

الجوانب السلبية والإيجابية لتشاجر الأشقاء

الجوانب السلبية والإيجابية لتشاجر الأشقاء قد يكون للمشاحنات البسيطة بين الإخوة جوانب إيجابية، خاصة إذا قام الوالدان بدور التوجيه في تعليمهم كيف يدافعون عن أنفسهم وعن حقوقهم، وكيف يعبرون عن مشاعرهم ويحلون صراعاتهم ويحترمون حقوق الغير، ومعنى الصدق والكذب، وأهمية الأخذ والعطاء بأسلوب يحقق لهم المحافظة على حقوقهم وعلى حقوق الغير. إن شجار الأطفال إحدى الوسائل لإثبات الذات والسيطرة، وكلتاهما من الصفات اللازمة لنجاح الإنسان في الحياة، بل الشجار فرصة يتعلم فيها الطفل كثيراً من الخبرات، منها وجوب احترام حقوق الغير، والعدل والحق والواجب، ومعنى الصدق والكذب، وأهمية الأخذ والعطاء بأسلوب يحقق له المحافظة على حقوقه وحقوق الآخرين. هذا إذا عمد الآباء والمربون إلى انتهاز مناسبات شجار الأطفال في توجيههم الوجهة التربوية السليمة، وتعريفهم بالحق والواجب، والشجار في الواقع دليل على أن الطفل لم ينضج اجتماعياً، ولم يتعلم بعد أساليب الأخذ والعطاء الاجتماعية. إن من الجوانب الإيجابية لهذه المشاحنات والخلافات أنها تكون في واقع الأمر نوعاً من التنفيس، وتحل دون أن ندري بالكثير منها، وأحياناً يكون الشجار نوعاً من المنافسة. إذاً هل المنافسة بين الإخوة ضارة، إن المنافسة الشريفة باستمرار فائدتها أكثر من ضررها، وبين الإخوة ينمو الحب ويتطور ويكبر معهم ويظهر، وينضج حينما يتجاوزون سن الطفولة والمراهقة، وكثيراً ما نسمع هذه العبارة: (إنه أخي على كل حال). إذاً المنافسة بين الإخوة والخلاف لا يستمر، بل ينتهي ويتطور إلى علاقة حب تنضج تحت نار هادئة، والأيام تزيد من الروابط والود، ومع ذلك فهناك حالات يكون الشجار فيها خطراً إذا اقترن بها عنف أو أذية بدنية، أو أن تتطور لدى بعض الأطفال مشاعر العداء أو اللامبالاة نحو بعضهم بصورة تستمر طوال حياتهم، فالوضع المعتاد هو أن يظهر الإخوة ارتباطاً وإخلاصاً لبعضهم على نحو لا تؤثر فيه المضايقات الجانبية. وهكذا فإن التنافس يمكن أن يعتبر عادياً إذا تبادل الإخوة مشاعر مشتركة بالرضا والإحباط، وإذا لم يكونوا مشحونين بشحنات العنف، ولم ينخرطوا في صراعات تهدد الحياة ضد بعضهم، وإذا لم يحملوا أحقاداً ولم يستجيبوا لكل إساءة كما لو أنها مصيبة. وتظهر الدراسات أن الأطفال أكثر تنافساً وتناحراً مع زيادة العمر، ولذا توقع أن أطفال ثمان سنوات أكثر تناحراً من أطفال أربع سنوات، ومن هم في عمر اثنتي عشرة سنة أكثر تنافساً ممن هم في عمر ثمان سنوات، والتنافس أكثر شيوعاً في العالم لدى الإخوة الأكبر سناً عندما يكونون متقاربين في العمر بفارق سنة أو اثنتين، وعندما يكونون في مرحلة الطفولة المتوسطة ما بين ثمان إلى اثنتي عشرة سنة، كما يزيد احتمال التنافس عندما يكون الطفلان من نفس الجنس، فالطفل الأكبر غالباً ما يشعر بأن الطفل الأصغر قد حل محله، وإذا كان الطفل الأكبر شخصاً جدياً يهتم بالعمل والتحصيل فمن المحتمل أن يبحث الطفل الأصغر عن هوية متصلة بأن يصبح مرحاً اجتماعياً غير تقليدي.

أسباب التشاجر

أسباب التشاجر فلننظر الآن في أسباب هذا التشاجر بين الأشقاء، وأشرنا آنفاً أن التقارب في السن ربما يكون من هذه الأسباب، والطفل الأكبر كثيراً ما يحاول السيطرة على إخوته فيتشاجرون، كما أن الأطفال الأولاد عادة ما يحاولون السيطرة على البنات، والطفل الناجح يلجأ عادة إلى تعيير الطفل غير الناجح في دراسته، فيتشاجروا، أو قد يعير الأطفال بعضهم بعضاً بلون الشعر، أو شكل الجسم، أو بما يملكه طفل ولا يملكه قرين له، وكثيراً ما يتحد بعض الإخوة ويكونون عصبة ضد أخ آخر خصوصاً لو كان مدللاً مقرباً من الوالدين لصغره، أو لوسامته، أو لمرضه، أو لشدة ذكائه، أو لرقته، إلى غير ذلك من الأسباب، فيتشاجرون. وكثيراً ما يتشاجر الأطفال للامتلاك أو للاستحواذ على بعض اللعب أو الأشياء في المنزل، أو لو اعتدى طفل على ملكية الآخر أو لعب بكتبه أو أدواته أو ملابسه أو غير ذلك، لكن نستطيع أن نجمل الأسباب التي تؤدي إلى التشاجر، والتي تنبع عن الغيرة وتنتج العدوان نحو بعضهم فيما يلي: بداية يعتمد الأطفال على والديهم اعتماداً كبيراً للحصول على المحبة والانتباه وإشباع الحاجات، بحيث لا يحبون أن يشاركهم في ذلك أي بشر، وقد يؤدي تفضيل أحد الأبوين طفلاً على غيره إلى إيقاد شعلة الغيرة لدى الأطفال الآخرين، ويذكر في هذا المجال أن مقتل هابيل من قبل أخيه قابيل كان بسبب الغيرة الناجمة عن التفضيل الصادر من الأبوين، والغيرة عبارة عن شعور غير ناضج يتعرض له الطفل، وينتج عادة من خيبته في الحصول على أمر محبب له، ونجاح شخص آخر في الحصول عليه، ولهذا نجد أن انفعال الغيرة انفعال مركب من حب تملك وشعور بالغضب؛ لأن عائقاً ما حال دون تحقيق غاية هامة. والحقيقة أن الغيرة وما يترتب عليها من الشعور بالنقص أو بالقلق أو باضطهاد الكبار كلها يتسبب فيها الآباء، وتؤدي إلى نشوب المعارك بينهم، ويحصل استنفاذ الطاقات في محاولة حل هذه المشاكل ليعود الهدوء إلى البيت. قد تأخذ أم لعبة طفلها الأول وتعطيها لطفلها الثاني على أساس أنه كبر عن اللعب بهذه اللعبة، لكن الطفل الأول لا ينظر إلى هذا التصرف على أنه أمر طبيعي، ولكنه ينظر إليه من زاوية أخرى، فلقد استولت أمه على شيء عزيز على نفسه لتعطيه لأخيه، فينتهز أقرب مناسبة لاستثارة غضب هذا الأخ، وتبدأ المعركة. إحدى الأمهات اكتشفت خطأها عندما فعلت ذلك، وأعادت اللعبة إلى طفلها الأول مع رسالة تضمنت عبارات تعترف من خلالها بشعوره، قالت: ابني العزيز علي! لقد أدركت عندما أخذت لعبتك وأعطيتها لأخيك أني قد أخطأت في حقك؛ لأني لم أستأذنك في ذلك، ولم أكن أعلم أنها تعني الكثير بالنسبة لك، أنا آسفة، سأعيد إليك لعبتك. احتضن الابن أمه في اليوم الثاني قائلاً في سرور: أشكرك يا أمي لأنك أعدت لي لعبتي. أحياناً يحصل الشجار بين الأشقاء على أنه حيلة دفاعية نفسية، وهي ما تسمى بالإزاحة، حيث يتم تحويل مشاعر العدوان نحو الأبوين إلى الإخوة الصغار، فالطفل يشعر بمشاعر عدوانية تجاه الأبوين أو أحدهما، ولا يستطيع أن يخرج ذلك بصورة صريحة في مواجهة الأبوين، فيزيح هذه المشاعر العدوانية إلى إخوته الصغار. قد تتضمن تصرفات الإخوة تعبيراً عن نبذ الأبوين غير الشعوري، أو عدم محبتهما للطفل الأصغر، وحينما يكون أحد الإخوة متدني الإمكانيات في أحد المجالات بالنسبة لأخ آخر قريب منه في العمر ومن نفس الجنس فإن الطفل الأقل في إمكانياته يميل إلى إظهار عدوان أكثر تجاه الآخر من بين الأشقاء؛ لأنه يعيش في ظل إنجازات آخر موهوب، وعندها فإنه يشعر بأنه قد فقد فرضيته، ويحس بأن كل أعماله ومنجزاته تقارن مع أعمال ومنجزات أخيه. إن المطلوب منا أن لا نركز على المنافسة بين الإخوة بشكل ملح ودائم، ولا داعي لأن نقول في كل دقيقة: انظر كيف أن أخاك مجتهد فعل كذا. أو: اعمل كأختك المهذبة. فهذا النصائح التي هي من هذا اللون ليست هي الأمر المطلوب؛ لأن التركيز هنا لا يكون في الواقع على الاجتهاد أو الأدب الذي يتحلى به الأخ أو الأخت، إنما يكون على التفوق، وهذا يبعث على عدم الرضا في نفس الشخص الذي توجه إليه النصيحة، وعدم الارتياح تجاه أخيه، ويجعله ينسى موضوع النصيحة، ويمكن أيضاً أن يظن أننا منحازون إلى الأخ أو الأخت فيزيد ضيقه، وأحياناً يتخيل أن كلامنا هو لون من المعايرة له بتخلفه في الدارسة، أو التصرف غير الصحيح منه؛ لأن المقارنة يمكن أن تذكي نار المنافسة في كل مجال؛ لأن كل همنا ليس إيجاد اثنين متصارعين وأيهما يغلب الآخر، فنقول: انظر! إن أخاك أقوى منك. وانظر! إن أختك مؤدبة أكثر منك. ألا تكون كأخيك الذي يفعل كذا وكذا. ليس الهدف هو إيجاد شخصين متصارعين، وإنما إيجاد أخوين تجمعهما الأخوة بكل ما تعنيه الكلمة. وينبغي أن يراعى أن التغيرات العمرية لها أثر في حصول الانسجام، فقبل سن الخامسة عشرة سنة لا يحصل الانسجام بين الإخوة والأشقاء بالقدر الذي يرغب فيه الأهل، فينبغي الانتظار حتى بلوغ هذا السن، وكما ذكرنا تنمو الروح الأخوية والحب المتبادل بينهما وتنضج على نار هادئة.

موقف الآباء من تشاجر الأبناء

موقف الآباء من تشاجر الأبناء ما الذي ينبغي أن يفعله الأبوان في موقف التشاجر بين الأشقاء؟ نقول أولاً لكل أم: عفواً أيتها الأم، نحن نقدر أن ما يهمك كأم هو ما يجب أن تفعليه في هذا الصدد -أعني صدد حل مشكلة الشجار بين الأبناء- فمعذرة إذا كان الجواب هو أن ما تستطيعين فعله قليل جداً، إن الخصام والجدال والصراع أمور قد تستمر إلى أن تحلها الأيام وحدها، بجانب أن لكل أسرة وضعها الخاص المختلف عن أوضاع غيرها من الأسر، مما يجعل من الصعب إعطاء نصائح عامة، لكن يمكن تقديم بعض الاقتراحات القليلة: أولاً: بعض الآباء في بيوتنا يقومون بدور الحكم بين أولادهم كآباء، ويتحول البيت إلى حلبة ملاكمة، والواقع أنه لابد أن يبقى هناك بعض الصراع والخلاف بين الأبناء، ولا بد أن يدرب الآباء أنفسهم على أن يكونوا أحياناً متفرجين وأن لا يتدخلوا كحكام، والمثل العامي يقول: إن قاضي الأولاد شنق نفسه. ثانياً: من غير المعقول أن يظل الآباء باستمرار في موقف المتفرج، لابد في لحظة معينة أن يتدخلوا حتى يوقفوا المعارك التي تنشب بين أولادهم، ومن الطبيعي أن لا يستطيعون دائماً الغوص إلى أعماق كل مشكلة وكل خلاف، وأن يحلوا تلك الخلافات بميزان العدالة الدقيق، إنما المسألة تحتاج من الآباء إلى شيء كبير من التعقل في مواجهة الأمر، وتحتاج أيضاً إلى أن يدركوا بعض الأمور في مجال الخلافات بين الأبناء. بداية يجب أن لا يكونوا مراقبين لكل صغيرة وكبيرة تصدر عن الأبناء، ويكفي أن يكونوا ملاحظين بشكل غير مباشر دون التعليق أو التدخل في اللعب، إلا إذا وجدوا الأبناء قد خرجوا عن القواعد، وحينئذ يمكن للآباء أن يقترحوا شيئاً بناءً بديلاً للشيء المختلف عليه أو أكثر إثارة منه، وأن لا يتعجل الأب أو الأم فيبادر بالانحياز لصف المعتدى عليه؛ لأنه يحتمل أن يكون هو البادئ في الحقيقة، وعلى الرغم من أن هناك دائماً سبباً وراء أي عدوان مثل الحسد أو عدم الاطمئنان أو الضيق النفسي فلا داعي لأن نبحث في أثناء الصراع عن حقيقة السبب. ولكي تحل المشكلة فعلينا أولاً أن نقضي على الخلاف، ثم نبعد الأبناء بعضهم عن بعض دون أن نشعر أياً منهم بأنه مخطئ ومتهم، بعدها نستطيع أن نعمل تحقيقاتنا ونعمل كوكيل النيابة، ولابد أن نتذكر أنه ليس أسهل على الطفل من أن يلصق بصديقه أو أخيه أشنع التهم، ويتفوه بأبذأ الألفاظ لأي سبب ولأي مناسبة. المهم أن لا تظل هذه الألفاظ عالقة بأحد؛ لأنها من الممكن أن تلصق به، ويصبح من الصعب التخلص منها، وربما لو تكررت حاول صاحبها تأكيدها، فحينما يقال له -مثلاً-: أنت كاذب. يكذب ما دام باستمرار يتهم بالكذب سواء صدق أو كذب، فيرى في نفسه أنه لماذا يصدق. ومن المهم جداً أن ننبه الكبار من الأبناء أن لا يؤذي الصغار، وأن ننبه الأبناء أن لا يضايقوا البنات، وفي نفس الوقت لابد أن ننبه على عدم إثارة الصغار للكبار، وأن لا نجعل البنات يغضبن الأولاد حتى يسود الاحترام بين الجميع. ولابد أن يتوقع الآباء أن يظل الأبناء حريصين على اللعب مع بعضهم على طول الخط، وعلى قدر المساحة المتاحة لهم في البيت، بل لابد أن يبتعدوا عن بعضهم قليلاً، وأن نجعل الأولاد سعداء لأنهم أولاد، والبنات فخورات لأنهن بنات، وكل له مميزاته، وفي نفس الوقت لابد من أن يكون عندنا مقترحات لهم لتستنفد طاقاتهم الزائدة، ويشعر الأولاد أنهم محبوبون بنفس القدر، لكن بشكل مختلف، بهذه الطريقة يسود التفاهم جو الأسرة، ولا يكون الأبناء مصدر مشاكل مستمرة في البيت. أيضاً ينبغي أن يحرص الوالدان على التدخل بأقل ما يمكن في المشاجرات بين الإخوة التي لا تتعدى كونها أمراً طبيعياً إذا كانت مقرونة من ناحية أخرى بمظاهر الود والتعاون فيما بينهم.

أخطاء الآباء في حسم مشاجرات الأبناء

أخطاء الآباء في حسم مشاجرات الأبناء مما يجب أن يزيدنا تحفظاً حيال التدخل في هذه المشاجرات الأخوية إلى حد ما ما يستخدمه الأولاد لاستدراج الأب والأم إلى إبداء انحياز لطرف على الطرف الآخر، وكأن الوالدين يوضعان عند ذاك على المحك لينكشف ما يضمرانه من تفضيل، فإذا ناصرا واحداً على الآخر اعتبر الثاني نفسه مغبوناً، مما يؤجج غيرته ويدفعه إلى تكرار المشاجرة انتقاماً مما حظي به خصمه من مساندة. أما الأول فهو منقاد من جهته إلى إعادة الكرة من جديد بمناصرة والديه، لذا فتكثر هذه المشاجرات بحضور الأهل ويغذيها تدخلهم. ولهذا السبب أيضاً تلاحظ هذه الظاهرة التي قد تبدوا غريبة لأول وهلة، ألا وهي تحرش الأضعف بالأقوى، واستدراجه إلى العراك، وأن الغاية المنشودة ليست عند المتحرش الانتصار على خصمه، وإنما كسب مؤازرة الأهل بحجة أن هذا الصراع غير متكافئ. من هنا يقع ما يجده الأهل من صعوبة في حسم هذه المشاجرات بعدل، أياً كانت رغبتهم في ذلك صادقة، ولهذا يقول المثل الشعبي: (إن قاضي الأولاد شنق نفسه)، لذا فالأفضل أن نحد قدر الإمكان من تدخلنا في المشاجرات الأخوية مكتفين بالحرص على أن لا يلحق أحد المتخاصمين أذى بالآخر، أو أن يتسلط عليه بشكل دائم، وكما أشرنا فإن لهذه المشاجرات حسناتها على كل حال؛ إذ من شأنها أن تدرب أولادنا على الصراع الذي لابد من أن يواجهوه في المجتمع، فيتعلم كل واحد منهم من خلالها أن يؤكد ذاته مع مراعاة وجود الآخر ومصلحة الآخر ووجهة نظر الآخر وواقع ميزان القوى، فيتخطى هكذا تحكم محورية الذات به، وينمو في النضج النفسي والقدرة على مواجهة الواقع والتكيف مع متطلبات الحياة الاجتماعية، أما إذا اضطررنا إلى التدخل لوضع حد للغلو في العنف فليكن تدخلنا بحزم مقرون بالصفاء والتفهم، فلا يشعر المذنب بأننا ننبذه أو نحرمه من حبنا وتقديرنا، ويحتار الآباء ويتضايقون عندما يتشاجر أبناؤهم، هل الأفضل أن يتدخلوا بينهم ليحلوا مشاكلهم أم يدعوهم وشأنهم يحلونها بأنفسهم؟ وينصح خبراء تربية الطفل الآباء بعدم التدخل في هذه المشاجرات، وإذا استدعى الأمر تدخلهم فإن عليهم عدم إصدار الأحكام على أبنائهم؛ لأن ذلك يشعل الشجار أكثر بينهم، فالأم التي تلوم ابنها لأنه تشاجر مع أخته قائلة: عليك أن تحبها لأنها أختك. أو تقول له: أختك الصغيرة طيبة معك، لماذا أنت شرس دائماً معها فالأم جعلت من نفسها حكماً؛ لأنها لامت ابنها ووقفت إلى جانب ابنتها، وساهمت بذلك في إشعال المشاجرة بين الأخوين. وإليك المثال الآتي الذي نبين من خلاله خطأ تدخل الوالدين في مشاجرات الأطفال والانحياز لأحدهما: ركض أحمد البالغ من العمر تسع سنوات إلى أمه شاكياً اعتداء أخيه عليه قائلاً: أمي! ضربني عبد الرحمن في بطني. قالت الأم: لا أترككما دقيقتين وحدكما حتى تبدأا في الشجار! من الذي بدأ الشجار هذه المرة؟ أجاب أحمد: هو الذي جاء إلى غرفتي. قالت الأم لعبد الرحمن: لماذا لا تترك أخاك وشأنه حتى لا تسبب لنفسك المتاعب؟ قال عبد الرحمن لأخيه: ما أكثر ما تأتي! أنا أكرهك. رد أحمد غاضباً: أنت الذي بدأت. وتدخلت الأم مرة أخرى قائلة: ابتعدا عن بعضكما إذا كنتما لا تستطيعان البقاء معاً دونما شجار. قال عبد الرحمن: أنا لم أفعل أي شيء، أنت دائماً تلومينني أنا. أجابت الأم: عبد الرحمن! أنا أعرفك جيداً، ألا تقوم بأي عمل مفيد تشغل به وقتك بدل أن تتشاجر مع أخيك، لا أريدكما أن تلمسا بعضاً بعد اليوم. إذا عدنا إلى استعراض الموقف لوجدنا أن الأم أخطأت خطأين، أخطأت عندما سألت طفليها قائلة: من بدأ هذه المرة؟ لأنها عندما تسأل مثل هذا السؤال كأنها تتطلع إلى معرفة الغالب والمغلوب؟ أي: لا بد أن يكون أحدهما على خطأ والثاني على صواب، وعندما تحدد الأم موقفها من شجار أطفالها بهذه الطريقة فإنها تبدو وكأنها تدعو أبناءها أيضاً إلى الاستمرار في الشجار، ومن سيكون مغلوباً هذه المرة ومن سيغلب في المرة القادمة. أخطأت الأم أيضاً عندما هاجمت ابنها عبد الرحمن قائلة: ألا تستطيع أن تقوم بأي عمل مفيد بدل أن تتشاجر مع أخيك. لأنها أثارت غضبه أكثر بسبب لومها له وعدم لومها لأحمد، ثم أشعلت ثورته أيضاً على أخيه لأنه اشتكى إلى أمهما، وهذا الشعور لا يجعله راغباً في تطوير سلوكه، ولماذا يفعل ذلك إذا كانت أمه ستلومه دائماً ولن تلوم أخاه، لذا كان على هذه الأم أن لا تتدخل في مشاجرة ولديها ولا تحكم على سلوكهما. ولكي تتضح لنا مدى إيجابية تصرفات الوالدين عندما يبتعدان عن إصدار الحكم على سلوك أبنائهم نذكر هذا المثال: وقفت الأم في المطبخ تعد فطيرة للعائلة، وأقبل ولداها: كمال البالغ من العمر خمس سنوات، وحسام الذي لا يتجاوز الثالثة من عمره، قال كمال: أنا الذي طلبت أولاً أن أضع الدقيق. قال حسام: لا. أنا الأول. علقت الأم قائلة: حسناً سنقوم معا بعمل الفطيرة. قال حسام: أنا أريد أن أكسر البيض. رد كمال: لا. أنا أريد أن أكسر البيض. وكانت الأم ماهرة في تعليقها عندما قالت: إن كنتما غير قادرين على تقرير من سيكسر البيض سأقوم أنا بذلك. احتج الطفلان على والدتهما، قالت الأم: إذاً دعونا ننظر إلى ما بقي لنا من الفطيرة لم نقم به، سنحتاج لشخص يقيس الماء ويصبه، اختار كمال قياس الماء، وأراد حسام أن يكسر البيض، وحل الطفلان المشكلة بينهما دون أن تتدخل الأم كحكم بينهما. إن أغلب الشجار بين الأبناء سببه شد انتباه هؤلاء الأبناء لآبائهم ليدركوا من خلال تدخلهم أيهما أقرب إلى نفس والديه، فليحذر الآباء من السقوط في هذه المصيدة، وليجعلوا تدخلهم في حدود المعقول، وبدون إصدار أحكام مسبقة على أحد الطفلين حتى لا يشعر بالظلم, بالتالي لا يرغب في تطوير سلوكه. حينما يعرف الأطفال أن عليهم أن يحلوا مشكلاتهم بأنفسهم فإنهم كثيراً ما سيتوقفون عن الذهاب لوالديهم بشكاواهم ضد إخوتهم، فكثيراً ما يكون الأطفال قادرين على إيجاد حلول عملية لمشكلاتهم إذا تركوا لأنفسهم. مثال آخر: أم تحاول العزل دائماً، ومع ذلك يتشاجر الولد والبنت دائماً بحجة أنها أعطته أكثر منها. الحل المحتمل: الطريقة الأولى: يمكن أن تتجاهل الأم مطالبتهما بالعدل وتؤدي الأمر بالطريقة التي تراها مناسبة. الطريقة الثانية: أن تبذل جهدها في تحري العدل والمساواة، وتفهم الطفل أن الحياة ليست دائماً عادلة، وأن الأشياء لا تكون متساوية دوماً. الطريقة الثالثة: أن تصر الأم على التدقيق الشديد في العدل، وبصورة فيها سخرية منهما وبيان لسخافتهما في التنطع في مسألة العدل، فإذا أتى بقطعة حلوى مثلاً فإنها تقيسها لهم بالمسطرة، أو تزنها بالميزان، مع المبالغة في ذلك، ومعظم الأطفال إذا رأوا ذلك يكتشفون فوراً موضع السخرية، ويتلقنون الدرس، ويعرفون أن العدل المطلق أمر صعب. الطريقة الرابعة: أن تطلب الأم من أحد الطفلين أن يقسم الشيء المختلف عليه، ثم تطلب من الآخر أن يختار، وهذه أيضاً طريقة ناجحة، لكن من أفضل طرق التعامل مع هذه المشاكل -كما نفهم مما تقدم من الكلام- أن نقوم بنقل المسئولية إلى الأطفال، أو نجعل الكرة في ملعبهم كما يقولون، فالمربي إما أن يتبع أسلوب المسئولية الفردية أو يتبع طريقة تحميل الطفل نفي المسئولية، فإذا سلكنا أسلوب المسئولية الفردية حينما يقوم المربي بإسناد حل المشكلة إلى الابن فيسلك أحد الاتجاهين: الاتجاه الأول: يخشى المربي أن تؤثر هذه المشاكل على حياة ابنه، فيتدخل في حمايته فيحرمه التدريب على الأساليب الملائمة لحلها ومواجهتها. هذا الاتجاه -أن الأب هو الذي يحل المشكلة- تكمن سلبياته في أنه يجعل الابن يعتمد على والديه دون أن يتحمل المسئولية بنفسه في سبيل إيجاد حلول مناسبة، كما أنه يحرم من تحمل المسئولية والصعوبات التي تواجهه؛ لأنه تعود أن تصله الحلول جاهزة دون معاناة، ويحرم من النجاح والخبرة في التجارب الواقعية. الاتجاه الثاني: أن يحرص الوالدان على تحميله المسئولية ويراقبانه من بعيد. مثال: حينما يقصر هذا الابن في التعامل مع إخوانه في المنزل، ويتعدى عليهم بالشتم أو الخشونة والضرب نستعمل مهارات التواصل، أولاً: بالتعبير عن المشاعر، ثم بنقل المسئولية، ثم بزرع الثقة. فنعبر عن المشاعر بأن تقول له: لقد قلت مراراً: إن علاقتك بإخوانك سلبية، ودائماً نحثك على معاملتهم جيداً لكنك تضربهم. فأنت هنا عبرت عن مشاعرك، ثم تنقل إليه المسئولية فتقول: سأعتبر أن هذا من مسئولياتك. وأنظر في هذه اللحظة. ثم تقوم بزرع الثقة وتقول له: عندي قناعة أن لديك قدرة على التعامل مع إخوتك باحترام، ومعرفة السلوك الصحيح في هذا الأمر.

أساليب الوقاية من تشاجر الأشقاء وتنافسهم

أساليب الوقاية من تشاجر الأشقاء وتنافسهم خير وقت للتدخل في خصام الأطفال هو قبل وقوع الخصام، فعلى الأم أن تكتشف الحدود العادية لقدرتهم في بقاء بعضهم مع بعض في سلام، ثم تحاول أن تفصل بينهم وتبعدهم عن بعضهم قبل أن يصلوا إلى هذه الحدود، ولو أن الأب كان معهم في هذا، وتخصص لهم -أيضاً- الأم أعمالاً منفردة ينشغل بها كل على حدة، بل ربما يصل الأمر أحياناً إلى أن يكون أحدهم خارج المنزل، أو عند أحد الأقارب، أو ربما يصل الأمر أحياناً إلى الفصل بينهم في مواعيد الطعام كنوع من التحكم في زمان ومكان الاجتماع، بأن نخصص لكل واحد منهما مكاناً خاصاً به لا يسمح للآخرين بغزوه. إذاً هناك مبدءان متداخلان: الأول هو التفريق بين الأطفال بقدر الإمكان. الثاني: استحضار أن الخصام أمر فطري، وأننا ننتظر بصبر إلى أن يكبروا ويتجاوزوا هذه المرحلة؛ لأن الإخوة يزيد تساهمهم كلما كبروا في السن. تقول أم: كنت فيما مضى أحاول إيقاف الشجار، ولكني أقلعت الآن عن هذه المحاولات، إن إيقاف خصامهما يشبه إيقاف تنافسهما، ومع ذلك فإني أعتقد أن الزمان كفيل بتخفيف خصامهما والتوفيق بينهما، إنهما الآن وقد بلغ أكبرهما العاشرة يتخاصمان بالكلام أكثر من خصامهما بالأيدي، وإني أنتظر اليوم الذي سيكفان فيه عن الخصام نهائياً. إذاً الخصام يخف مع التقدم في العمر ويتغير نوعه. والأساليب التالية يمكن أن تساعد في الوقاية من بعض أشكال التنافس بين الإخوة: - اجعل كل طفل يشعر بأنه محبوب وذو قيمة بذاته. - عامل جميع الأطفال بعدالة، وتجنب الانسجام والتفضيل الواضح لبعض أطفالك على بعضهم الآخر. - يجب إشباع الحاجات النفسية للأبناء، كالحب والأمن والطمأنينة والتقدير والمركز والثقة في النفس، مع معاملة الإخوة جميعاً على أنهم متساوون بأسلوب عادل يتسم بالحزم المشبع بالمحبة والعطف والدفء والمرونة. - هيئ الأطفال لاستقبال المولود الجديد، وذلك عن طريق إخبارهم في وقت مبكر عن توقع ولادة أخ جديد لهم. - راع الفروق الفردية في جميع مجالات التعامل مع الأطفال. - اجعل لكل طفل وقتاً خاصاً تقضيه معه بحيث يكون مركز انتباهك. - زود الطفل بأكبر قدر من الخصوصية. - علم الطفل احترام الملكية الخاصة في وقت مبكر. - اعمل على ترتيب نشاطات جماعية متكررة في الأسرة ذات طبيعة مرحة، مثل النزهات والحفلات والألعاب. - ضع نظاماً واضحاً بحيث تحدد المسئوليات وتوزع الأعمال البيتية بوضوح، من يفعل كذا، ومتى، ووزع المسئوليات بطريقة لا يصطدم الأطفال معها ببعضهم، واعمل على توزيع المهمات بحيث لا يأخذ أحد الأطفال الأعمال الجيدة باستمرار ويأخذ غيره الأعمال القذرة مثلاً دائماً. - شكل مجلساً للأسرة، وحدد أوقاتاً معينة يلتقي خلالها جميع أفرادها للمناقشة وتبادل الآراء والاستماع للشكاوى والتخطيط، ويمكن للأطفال أن يعبروا عن مشاعرهم في هذه الأوقات، وأن يكونوا على ثقة بأنهم سوف يعاملون بعدالة. - تجنب الحماية الزائدة للطفل الأصغر في الأسرة. - لا تجعل أحد الأطفال أباً بديلا يقوم على رعاية الأصغر. - أكد على أطفالك أن يكونوا متعاطفين مع بعضهم، وأن يهتم كل منهم بما يتركه سلوكه من أثر في مشاعر الآخرين. إعادة كلام الطفل، فإعادة كلام الطفل وهو يتشاجر مع أخيه وسيلة أخرى يستطيع بها الآباء معالجة المشاجرات التي تشب بين الأبناء، وهاك المثال العملي: فكر أب في طريقة يعالج من خلالها مشاجرة بين ولديه، فوجد أنه عندما أخذ يعيد كلام ابنه الآخر دون أن يصدر حكماً على أحدهما جاء بنتيجة إيجابية، اشتكى حسام البالغ من العمر ثلاث سنوات لوالده ضرب أخيه الأكبر عادل له قائلاً: أبي! عادل ضربني. قال الأب: عادل! تعال هنا. حسام يقول: إنك ضربته. قال: عادل: لا. حسام يكذب، أنا لم أضربه! قال الأب لحسام: عادل يقول: إنه لم يضربك. رد حسام: لا. هو الذي يكذب، أحلف أنه ضربني. أجاب الأب بحزم وهو يضع قاعدة على أبنائه الالتزام بها: حسناً الضرب أمر غير مسموح به في هذا البيت، هل سمعتما؟ عاد حسام يشد لعبة عادل ليأخذها، قال عادل لأخيه: لا تلمس لعبتي. أجاب حسام متحدياً: بل سألمسها وآخذها منك. قال عادل: هذه اللعبة ملكي ولن تستطيع أن تأخذها. تدخل الأب قائلا: عادل! حسام يريد أن يمسك لعبتك. قال الأب: حسام! عادل يقول: إنك لن تستطيع أن تأخذ لعبته. هل يمكنكما أن تحلا مشكلتكما معاً؟ واندهش الأب عندما رأى أن ابنه حسام يحاول أن يحل المشكلة قائلاً: عادل! هل أستطيع أن آخذ لعبتك لدقيقة واحدة. رد عادل: لا. هذه اللعبة ملكي. كرر الأب رد عادل قائلاً: حسام! يبدوا أن عادلاً غير مستعد لإعطائك اللعبة، إذا استعد سيعطيك إياها. نظر عادل إلى والده من رد فعله، وبعد لحظات قدم اللعبة إلى حسام. إذاً إعادة الأب لحديث أبنائه جعله يقف موقفا محايداً، وشجع الأبناء على أن يحلوا مشكلتهم دون أن يتطلعوا إلى أبيهم لفك مشاجرتهم.

إرشادات مفيدة لتقليل المشاجرات بين الإخوة

إرشادات مفيدة لتقليل المشاجرات بين الإخوة هذه -أيضاً- جملة من الإرشادات والأساليب المفيدة لتقليل المجادلات والمشاجرات بين الإخوة في جميع الأعمال: - تجاهل منازعات الأطفال البسيطة حتى يكون تدخلك فيما بعد أكثر فعالية. - قم بدور الحكم غير المتحيز، ودون إصدار أحكام مسبقة على أحد الطفلين. - أصدر حكماً عندما يكون لديك سبب للاعتقاد بوضوح أن أحد الأطفال هو الملوم، أو أن الأطفال غير قادرين على حل مشكلتهم بأنفسهم، فقد يكون عليك أن تقوم بدور القاضي. - كافئ الأطفال كلما استمروا في اللعب دون شجار، وأكد لهم بأنك سوف تستمر في مكافأتهم كلما ابتعدوا عن الشجار فيما بينهم. - اعزل الأطفال عن بعضهم كلما تشاجروا، خاصة إذا كانوا في حالة تشاحن دائماً ولم تصلح معهم الطرق الأخرى، وقم باستبعاد ما تشاجروا عليه عنهم. - اجعل من الواضح لأطفالك -باستخدام عبارات مؤكدة- بأنك لن تسمح لهم بإيذاء بعضهم بعضا جسمياً بالضرب، أو بالكلمات كالسخرية والألقاب، وأنك لن تتسامح تحت أي ظرف تجاه استخدام العنف المادي بين أطفالك أو أي شكل من أشكال الإغاظة الهدامة. - ابذل جهداً جاداً لفهم الأسباب الكامنة وراء الإغاظة الهدامة، واعمل على إنهاء الأسباب الواقعية التي تجعل أحد الأطفال يشعر بالغيرة من طفل آخر. - اغرس السلوك الديني وآدابه في نفوس الأطفال، وأشبع حاجاتهم النفسية من مشاعر الأمن والطمأنينة في جو من الحب والاحترام. - حقق العدالة في معاملة الأطفال، فالتفضيل في المعاملة هو من أهم أسباب غرس بذور الغيرة والحقد بين الإخوة وتنشئة بعض الأطفال على النقمة على الوالدين وبعض أفراد الأسرة، والتي قد تنتقل إلى النقمة على المجتمع عموماً. - تجنب الاهتمام بإبراز الفروق بين الأطفال عن طريق عقد المقارنة؛ لكون الطفل يقارن نفسه عادة بغيره من إخوته من حيث الجنس ذكراً أو أنثى، أو من حيث السن صغيراً أو كبيراً، أو من حيث القدرات العقلية والبدنية، أو من حيث الجمال الطبيعي وغير ذلك. ولذا فمن الخطأ اهتمام الآباء بالمقارنة بإبراز هذه الفروق، وإن كان لا بد من وضع أفضلية للخلق والتدين والجد في الدراسة.

نصائح تربوية عامة

نصائح تربوية عامة نختم هذا الحديث بنصائح تربوية عامة للآباء تفيد في قضية تشاجر الأشقاء وأيضاً في غيرها إنه من الخطأ أن يتوقع الآباء أن يتصرف الأبناء بعقلية الآباء، فعقلية الآباء هي خلاصة خبراتهم وتجاربهم لسنوات طويلة، وإن نفسية الأطفال تختلف عن نفسية الكبار، ولذلك يجب على الآباء مراعاة ما يلي: - أن تحافظ الأم على هدوئها بقدر الإمكان أثناء ثورة الغضب التي يجتازها ابنها، وأن تشعره بأنها تعلم أنه غاضب، وأن من حقه أن يغضب، ولكن من الخطأ أن يعبر عن الغضب بهذا الأسلوب، وأنه يجب أن يعدل سلوكه ويصبح كالآخرين، أي: يغضب ولكن دون أن ينفعل وينفجر بالبكاء ويلجأ إلى الرفس والضرب، كما عليها أن تؤكد له دائماً أن ما فعله لن يؤثر على علاقتها به، وأنه لا يزال ابنها المحبوب لتعلمه التسامح. - أن يكون الآباء قدوة حسنة للأطفال، فيقلعون عن عصبيتهم وثورتهم لأتفه الأمور أمام الأبناء، ويعملون جهدهم لضبط النفس قدر الإمكان حتى لا يقلدهم الأطفال، بل ينبغي عليهم استعمال الأساليب التي تلتزم جانب الهدوء والصبر والفهم في مواجهة الأمور وحلها حلاً معقولاً بالطرق السلمية، حتى يتعلم الأطفال مواجهة الحياة بأسلوب مرن حكيم غير انفعالي. - على الآباء أن لا يذيقوا الطفل حلاوة الانتصار بتحقيق الرغبة التي انفجر الطفل باكياً من أجلها وغضب، ذلك لأن ذلك يشجعه على أن تصبح هذه طريقته، أو وسيلته المفضلة في الحصول على ما يريد. - يجب أن يكون الآباء حذرين للغاية من ربط بين مصلحة نفعية يكسب منها الطفل امتيازاً عن طريق لجوئه إلى حدة الطبع والغضب السريع، فلا مكافأة إلا عندما يظهر سلوكاً وخلقا هادئاً وطبعاً رقيقاً. - عدم التدخل المبالغ فيه في حياة الأبناء، وإن من الواجب اهتمام الآباء بهم ورعايتهم الرعاية اللازمة، بشرط عدم التدخل المبالغ فيه في شئونهم الخاصة، فعلى الآباء عدم التدخل المبالغ فيه في حياة الأبناء، كأن يرسموا لهم كيف ينفقون مصروف اليد وينتقوا لهم لون ملابسهم. - إن تدخل الآباء يجب أن يكون تدخلاً مرناً بأسلوب التوجيه وليس بأسلوب الأمر الذي لابد أن يطاع، إن الطاعة العمياء بمجرد الطاعة تخلق من الطفل فرداً لا شخصية له، وعلى هذا الأساس يجب على الآباء الإقلال كلما أمكن من التدخل في أعمال الأطفال وحركاتهم، حتى لا يشعروا بكابوس الكبار، ويثوروا غضباً، أو يلجئوا إلى العناد، وحتى لا يلجئوا إلى استعمال نفس أساليب الآباء مع إخوتهم وأقرانهم من الأطفال فيتشاجرون، ولكن ليس معنى ذلك أبداً أن نترك الحبل على الغارب، خاصة فيما يتعلق بصحة الطفل أو المحافظة على حياته. - أيضاً مساعدة الطفل قدر الإمكان في تحقيق رغباته المشروعة، والتنفيس عن مشاريعه المكبوته بمنجزات ابتكارية، وذلك بتحويل نشاط الطفل إلى بعض الهوايات، أو الأشغال اليدوية، أو التلوين، أو اللعب بالطين والصلصال والنجارة وغيرها، واللعب مع رفاق من سنه. إن الطفل الغضوب هو في الواقع طفل عذبه الشعور بالإحباط والكبت، ومثل هذه الأنشطة تجعله ينفس عن هذا الإحباط، وإن كان قليل من الشعور بالإحباط مفيداً لبناء الشخصية السوية، وكثير منه يؤدي إلى المرض النفسي، لذلك كلما أمكننا مساعدة الطفل على اكتساب الخبرات دون إحباطه كلما أمكنه مواجهة مشاكل الحياة بأسلوب سوي. - وكذلك عدم التوبيخ، خصوصاً أمام طفل آخر، أو أمام الضيوف، بل لا تجوز مناقشة الطفل أو مشاكله مع غيره على مسمع منه، كما لا يجوز استعمال النقد أو العنف أو الشدة كوسيلة لإرغام الطفل على طاعتنا. - أيضاً لا يجوز أن نعبث بممتلكات الطفل أو نسمح لغيره من الأطفال بذلك، كما لا يجوز أن نحرمه منها لمجرد غضبنا منه لسبب ما، وفي الوقت نفسه لا نظهر أمامه الضعف أو التراخي أو الإهمال أو الشدة من أحد الأبوين والليونة أو التدليل من الآخر، فكلما كانت سياستنا مع الأطفال ثابتة ومرنة وبدون قلق كلما منعنا نوبات الغضب والعناد والتشاجر عند الأطفال. - يجب أن يسود الأسرة روح التعاون والود والتسامح، فكلما شعر الطفل بالاستقرار والهدوء النفسي، وكلما وجه نشاطه وطاقته وحيويته وجهة اجتماعية تساعده على تعلم أساليب الأخذ والعطاء وتجعله ينمو نمواً سوياً، كلما كف عن أساليب الطفولة الأولى التي تتميز بالغضب والعناد والتشاجر أحياناً، وعند تشاجر الأطفال من سن متقاربة يحسن -ما أمكن- تركهم ليحلوا مشاكلهم بأنفسهم، وإذا كانت هناك ضرورة لتدخل من الكبار فيجب أن تكون للتوجيه والصلح الهادئ دون تحيز لطفل. - في الواقع أن الدراسات العلمية أثبت أن كثيراً من حالات الغضب والعناد وكثرة التشاجر عند الأطفال مرجعها في الغالب الآباء أنفسهم، أي أن الآباء كثيراً ما يكونون مصدر هذه المشاكل بسلوكهم الذي يتسم بالحزم المبالغ فيه، والسيطرة الكاملة على الطفل، ورغبتهم في طاعة أوامرهم طاعة عمياء، وبثورة الآباء وشجارهم في المنزل لأتفه الأسباب. مثل هؤلاء الآباء يجب أن يدركوا أنه من الواجب إصلاح أنفسهم حتى يمكن إصلاح أبنائهم وعلاجهم من مشاكلهم النفسية أو السلوكية كالغضب والعناد والتشاجر، بعبارة أخرى: ينبغي الاهتمام بتربية الآباء قبل الاهتمام بتربية الأبناء. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك -اللهم- ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

مشاكل الأطفال النفسية

مشاكل الأطفال النفسية مشاكل الأطفال النفسية كثيرة جداً، ومنها: السرقة، وظاهرة السرقة لدى الأطفال تنشأ عن دوافع عديدة، وهناك عوامل تساعد على ظهورها واستمرارها. فينبغي للوالدين -إذا رأيا هذه الظاهرة متفشية في أحد أولادهما- أن يسعيا في معالجتها بالوسائل النافعة؛ حتى لا تشب معه فيصعب بعد ذلك انفكاكه عنها!

السرقة عند الأطفال

السرقة عند الأطفال إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أما بعد: فقد وردت عدة أسئلة من بعض الإخوة، وفيها شكوى في انتشار صورة من صور خيانة الأمانة بالنسبة لبعض الأطفال، وهي: ظاهرة السرقة عندهم، فرأينا أن نلقي الدرس حول هذه الظاهرة؛ لأن معرفتها مهمة للجميع في الحقيقة، سواء من كان عنده أطفال يعانون من هذا الوصف -السرقة- أو من عنده أطفال عوفوا من ذلك أو لما يكبروا، حتى يفهم كيف يمكنه وقاية أطفاله من تلبسهم بهذه الصفة. فالسرقة بالنسبة للأطفال هي: امتلاك الطفل شيئاً ليس من حقه بعيداً عن عيون أصحاب هذا الشيء وبدون إذنهم، لكن أهم شيء ولا بد أن نلتفت إليه في هذا الموضوع منذ البداية: أن السرقة صفة مكتسبة، فليس هناك طفل يولد مائلاً إلى السرقة، لكن البيئة التي يتربى فيها ويتفاعل معها هي التي تُرسِّخ فيه هذا النوع من الخيانة أو هذا النوع من تضييع الأمانة عن طريق السرقة، فلا بد أن ننظر في الأسباب والدوافع التي تؤدي بالأطفال إلى التلطخ بظاهرة السرقة.

أسباب وجود ظاهرة السرقة عند الأطفال

أسباب وجود ظاهرة السرقة عند الأطفال

الأسباب المباشرة للسرقة لدى الأطفال

الأسباب المباشرة للسرقة لدى الأطفال هناك أحياناً أسباب مباشرة تدفع الطفل إلى السرقة، فيمكن أن يكون الطفل فقيراً، وتنقصه الاحتياجات الأساسية جائع عطشان يحتاج إلى شيء من هذه الاحتياجات، فهو يسرق ليأكل، بالذات إذا كان هذا الطفل الفقير يخالط أطفالاً من أبناء الأثرياء، فيشعر بالحرمان إذا قرن حاله بحالهم، وهو لا يجد الأكل أو الشراب أو الأشياء الأساسية، فيرى أن السرقة في هذه الحالة تشبع احتياجاً أساسياً، إذاً: السرقة هنا لسبب مباشر كما ذكرنا. قد يكون من دوافع السرقة إشباع رغبة أو عاطفة أو هواية عند الطفل، فمثلاً: يريد أن يلعب وليس عنده لعبة، أو عنده رغبة في اللعبة التي في يد الطفل الفلاني فيسرقها ليشبع رغبة اللعب، أو يكون الدافع عاطفياً كأن يكون ارتكب خطأً تافهاً فعاقبه أحد الوالدين عقوبة شديدة لا تتناسب مع حجم هذا الخطأ، فيبدأ يسرق كوسيلة من وسائل الانتقام من الوالدين، أو الانتقام من المدرس إن كان هو الذي عاقبه بأكثر مما يستحق. ومن الدوافع: فقدان حب الأسرة؛ لأن الأسرة قد تخل في إشباع هذا الطفل من الناحية العاطفية بالحب والحنان ونحو ذلك، كأن تكون الأسرة لا تتمنى وجود هذا الطفل في الحياة لسبب أو لآخر، فإذا كان الطفل غير مرغوب فيه فهذا ينعكس على سلوكيات الآباء نحو هذا الطفل بالذات، وبالتالي لا يبذلون له الحب أو الحنان أو العاطفة التي هي من حقه، فيشعر الطفل بأنه منبوذ. قد يكون من الدوافع: شعوره بأنه قادر على النيل من أعدائه، أو الأولاد الذين يغيظونه أو يعادونه، فعندما يسرقهم يشعر بالانتصار؛ لأنه استطاع أن ينال منهم، ويدعِّم توكيد ذاته، وخاصة إذا كان غير محبوب من زملائه. كذلك عندما يكون زملاؤه لا يحبونه ويؤذونه وهو مستضعف بينهم، فربما يسرق ليهدي إليهم الهدايا، فيحصل على حبهم أو على عطفهم، فيمكن أن يكون الدافع: أن يرغب في كسب زملائه، فيسرق كي يعطيهم الهدايا. ويمكن أن يكون هذا الطفل فاشلاً من الناحية الدراسية، فيبدأ يسرق كنوع من التعويض عن هذا الفشل. قد يكون هناك نوع من سوء التوافق الاجتماعي؛ لأن سلوك (الشلة) المحيطة به من أصدقائه منحرف، فيأخذ منهم هذه الأخلاق.

العوامل المساعدة على تفشي السرقة لدى الأطفال

العوامل المساعدة على تفشي السرقة لدى الأطفال هناك عوامل مساعدة على تفشي السرقة إلى جانب هذه العوامل التي أشرنا إليها، ومنها: نقص شعور الطفل بالأمن والاستقرار، وهذا طبعاً يكون بسبب وجود تغير في معاملة الوالدين أو تفكك الروابط الأسرية، كأن يولد أخ أو أخت لهذا الطفل، فيرى أن الاهتمام كله انتقل منه إلى هذا الأخ الجديد المولود حديثاً؛ فيبدأ يغار منه بسبب ما يلحظه من التغير في معاملة الوالدين مما يؤثر في شعوره بالأمن والاستقرار. كذلك أيضاً: تفكك روابط الأسرة التي تجعل الطفل يبدأ يشك في حب الوالدين له، وبالتالي تحصل السرقة كرد فعل لهذا الحرمان، أو يفعل ذلك محاولاً استعادة الشعور بالأمان الذي فقده في هذه الأم أو هذا الأب. كذلك من العوامل المساعدة على سلوك السرقة: التدليل الزائد، كأن يكون الطفل الأول أو يكون هو الطفل الوحيد فيتعود بسبب التدليل الزائد على أن كل طلباته تجاب، فيصبح الطفل الصغير هذا ملكاً غير متوج، فيبقى هو الآمر الناهي، وكأن من علامات الحب له أن تكون كل طلباته مجابة، والتدليل لا بد منه لكننا نتكلم عن الغلو فيه أو الإفراط فيه، طبعاً الطفل في هذه الحالة يصل إلى مفهوم معين فيفهم أن كل شيء يطلبه يناله، ففي هذه الحالة يفهم أن الحياة والتعامل مع الناس قائم على الأخذ فقط، فإذا كبر يصطدم بأن الحياة هي في الحقيقة أخذ وعطاء، وربما كان العطاء أكثر من الأخذ. ونلفت النظر إلى شيء مهم جداً، بالذات حينما توجد المشاكل بين الزوجين، وتكون العلاقات متوترة، والنزاعات مستمرة، ولا يوجد تفاهم بين الزوجين، وبالذات عندما تظهر هذه الأشياء أمام الأطفال، ويدفع الجميع الثمن، وأولهم الطفل الذي هو ضحية النزاعات بين الأبوين، أو التضارب في القيادة التربوية، الأب يقول له: اعمل كذا، والأم -لكي تعاند الأب- تقول: لا تعمل، فيحصل الخلاف ويشعر الطفل بهذه الأوضاع، فنقول: إن هؤلاء الآباء أحياناً إذا طلب من أحدهم أن يضحي بأي شيء مادي في سبيل إسعاد هذا الطفل البائس فهو يقول: أنا مستعد أن أدفع أموال الدنيا! فنقول له: حتى لا يشقى ابنك ويصبح ضحية لن يكلفك الأمر أموال الدنيا، ولن يكلفك أموالاً على الإطلاق، وإنما يكلفك أن تتغلب على المشاكل التي بينك وبين زوجتك لمصلحة هؤلاء الأولاد، قد يصل العناد أحياناً ببعض الآباء إلى أنه لا يكون مستعداً لفعل مثل هذه الخطوة، ولا يدرك خطورة الثمن الفادح الذي سوف يدفعه هؤلاء الأولاد. إذا كان الأبوان مستعدين للتضحية بأي شيء في سبيل إسعاد الابن والابنة، فالأولى لهما أن يضحيا بعلاج هذه المشاكل بسلوك مسلك سليم في التعامل أمام الأولاد، وإصلاح ما بينهما من التفكك حتى لا ينعكس على نفسية هؤلاء الأولاد، فهذا هو لب العلاج، بالذات في الأسرة التي توجد فيها مشاكل بين الأبوين، وبالتالي يكون الأولاد هم الضحية!

أنواع السرقة

أنواع السرقة عند الكلام عن السرقة من المهم أن نتكلم عن أنواعها؛ لأن السرقة لها أنواع كثيرة، فهناك سرقة ذكية، وهناك سرقة غبية، فالذكية يصعب كشفها، لكن السرقة الغبية: تكون نتيجة عن كون الطفل مبتدئاً في هذا الموضوع وصغيراً، فيبدأ السرق بطريقة غبية بحيث تكتشف السرقة بسهولة. كذلك يجب أن نفرق بين السرقة العارضة والسرقة المعتادة، فالسرقة العارضة: تنشأ نتيجة التحريض على السرقة أو قليل من الإغراء، فيقدم على هذا السلوك ثم يرجع عنه؛ لأن هذا نتيجة شيء عارض، لكن السرقة المعتادة: أن تصبح السرقة لديه عادة متكررة لا يرجع عنها. فإذاً: نحتاج إلى أن نعرف نوع السرقة، هل يسرق الطفل لإشباع حاجة أساسية كأن يكون جائعاً وليس معه مال ليأتي بطعامه، فيدخل محلاً -مثلاً- ويسرق شيئاً يأكله؟ فهل السرقة للحاجة أم أنها للمباهاة؟ فعندما نعرف السبب فإن ذلك يساعدنا على علاج هذه الظاهرة، فإذا كانت السرقة نتيجة أنه لا يعطى المصروف مثلاً أو لا يأخذ طعاماً فلابد إذاً أن توفر له الاحتياجات الأساسية؛ حتى لا يسلك هذا المسلك، فهناك سرقة للحاجة، وهناك سرقة للمباهاة، أي: أنه يريد أن يفتخر أمام أصدقائه فقط، فهذا نوع من حب الظهور عند الطفل في أن يظهر عند زملائه أنه استطاع أن يفعل هذه السرقة. وهناك سرقة فردية وسرقة جماعية، فالجماعية: أن يشترك مجموعة في السرقة، والفردية: أن يسرق بمفرده، لكن السرقة الجماعية هي جزء من عصابة من الأطفال السراق، فهذا معه عصابة وعمل جماعي، وكل واحد له دور محدد يؤديه. أيضاً: هناك فرق بين السارق المحترف والسارق الماهر، فالسارق الماهر يتميز بالذكاء والمهارة واللباقة وسرعة البديهة، أما السارق المحترف فهو يكون عنده مهارات مميزة جداً في الناحية العقلية والجسمية والحركية، كخفة اليد والأصابع وسرعة حركتها إلى آخره. كذلك يكون عنده هدوء أعصاب، وهذه الحالة تكشف أنه محترف ومتمكن جداً في السرقة، بل ربما يتظاهر بالأدب والتأنق والمودة والاحتشام ومساعدة الغير؛ حتى يسهل وقوع الفريسة في الفخ!

أسباب نشوء ظاهرة السرقة عند الطفل

أسباب نشوء ظاهرة السرقة عند الطفل السرقة كسلوك منحرف تبدأ في سنوات الطفولة المبكرة، لكن ذروتها تكون في سن خمس إلى ثمان سنوات، ففي الخمس السنوات الأولى من الخطأ الشديد أن تعامل الطفل بعقليتك أنت؛ لأنه في البداية لا يدرك أنها سرقة، وأيضاً من الخطر الشديد أن تدعو الطفل بلقب أو تعلق له شارة: حرامي، لص، وتناديه: يا حرامي! يا لص! فإن إخوانه سيعيرونه به، وهذا الأمر له أضرار في غاية الشدة.

عدم فهم الطفل في سنه المبكرة لمفهوم الملكية الخاصة

عدم فهم الطفل في سنه المبكرة لمفهوم الملكية الخاصة وننبه هنا على نقطة مهمة جداً، وهي: أن طفلك ليس مثلك، عقلك ليس كعقله، أي: أن المفاهيم التي عندك ليست نفس المفاهيم التي عنده، ففي الخمس السنوات الأولى من عمر الطفل تسمى السرقة سرقة بريئة فهو يستحوذ على الأشياء التي لا تخصه بصورة تلقائية، يرى اللعبة في يد واحد آخر، أو يعجبه شيء فيريد أن يكون بحوزته، وهذا نوع من التلقائية في التصرف، هو ليس قاصداً السرقة، ولا يعرف أن هذه سرقة ولا شيء من ذلك فهو يستحوذ على ما لا يخصه تلقائياً؛ بسبب أنه لم يحقق النضج العقلي والاجتماعي الذي وصله إلى عملية التمييز بين ملكيته الخاصة وبين ملكية غيره، ففي الخمس السنوات الأولى أصلاً لم يقف على هذا المفهوم، وهو: معرفة حدود الملكية، وأن هناك شيئاً يخصني وشيئاً يخص غيري، وعليّ أن أحترم ملكيته بحيث لا آخذه قسراً، وإن كان لابد أن آخذه فأستأذن صاحبه. المشكلة تكمن فيما لو بدأ بالسرقة بعد سن خمس سنوات؛ لأن هذا يعد سلوكاً مرضياً ولا بد من مواجهته. إذا استمرت بعد خمس سنوات حتى امتدت إلى سن العاشرة فغالباً يكون هناك اضطراب انفعالي، ولا بد أن يعالج هذا الطفل.

جهل الطفل بمعنى الملكية الخاصة

جهل الطفل بمعنى الملكية الخاصة من أسباب السرقة: هو جهل الطفل بمعنى الملكية الخاصة، وبالتالي أنه ما دام ليس عنده مفهوم الملكية الخاصة، فإنه لن يستطيع أن يميز بين ما يملكه وبين ما لا يملكه.

عدم اهتمام الطفل في سنه المبكرة بنظرة المجتمع إليه

عدم اهتمام الطفل في سنه المبكرة بنظرة المجتمع إليه كذلك هو لا يدرك أن هذا أمر سوف يحاسب عليه. كذلك لا يكون عنده نضج بحيث لا يهتم بنظرة المجتمع لسلوكه، وهذا السبب حينما نفهمه نستطيع أن نعالجه بطريقة صحيحة؛ لأننا ننمي فيه أنه سيحاسب على السرقة، وأنه آثم، والأمانة فضيلتها كذا وكذا، فنبدأ بالعلاج فنغرس فيه خلق الأمانة، والترغيب فيها، والترهيب من الخيانة والسرقة، وإيقاظ الشعور بأن الإنسان محاسب على تصرفاته. كذلك نغرس فيه العناية بنظرة المجتمع إليه؛ حتى ينمو اجتماعياً بطريقة سليمة، ويضع في اعتباره أيضاً رد فعل الناس من هذا السلوك، بحيث لا يتبجح بالخروج على المعايير الصحيحة في المجتمع. أحياناً تكون السرقة عملية رمزية يعوض فيها عن حرمانه من الحب أو الحنان الأبوي؛ لأنه لا يحس أن أحداً يهتم به أو يحترمه أو يوده.

أثر الوالدين وعلاقتهما بالطفل على نشوء ظاهرة السرقة عنده

أثر الوالدين وعلاقتهما بالطفل على نشوء ظاهرة السرقة عنده قد يكون أحد الأسباب التي تدفع الطفل إلى عملية تعويض الحرمان غياب أحد الأبوين؛ كأن يسافر مثلاً فترة طويلة أو يُسجن، أو يتوفى أحد الوالدين أو نحو ذلك. أيضاً: قد يكون السبب الحاجة أو الفقر أو الحرمان، فيسرق ليسد رمقه، وفي هذه الحالة الدافع يكون قوياً بحيث لا يدعه يفكر في عاقبة السرقة، فهو يريد أن يأكل فقط؛ لأنه جائع وليس مستعداً لأن يفكر في العاقبة. أحياناً تكون السرقة علامة تكشف عن وجود توتر داخلي في هذا الطفل، غالباً يكون اكتئاباً من شيء معين، كأن يكون ناتجاً عن كثرة الصراع بين الأبوين، واستمرار المشاكل بينهما، واطلاع الطفل على هذه الأشياء، وهو لو لم يطّلع فإنه يُحس بها على الأقل.

الجو الأسري المتقلب والمضطرب

الجو الأسري المتقلب والمضطرب أيضاً من هذه الأسباب: الجو الأسري المتقلب والمضطرب؛ لأن جو الأسرة حين يكون متقلباً ومضطرباً نتيجة العلاقة السيئة بين الوالدين؛ فمن المتوقع أن الرقابة الأسرية تنعدم، ويحصل فيه تساهل من النواحي التربوية، وبالتالي فلا يستطيع الطفل في ظل هذه البيئة المريضة أن يتعلم التحكم في رغباته، وبالتالي يفقد الأمن والحنان.

سلبية الأبوين وأثرها في تكريس ظاهرة السرقة عند الطفل

سلبية الأبوين وأثرها في تكريس ظاهرة السرقة عند الطفل أحياناً يكون هناك إقرار من الوالدين أو أحدهما على سلوك السرقة، كأن تعرف الأم أن الولد سرق شيئاً فلا تبالي -علماً بأن سلوك السرقة عند الطفل يبدأ من داخل البيت، قبل أن يخرج للمجتمع- وتقول: ما دام أنه يسرق في البيت فليست مشكلة، المهم ألا يفضحنا أمام الناس، ولا يشوه سمعة الأسرة، فعدم المبالاة هذه تدعم فيه هذا السلوك المنحرف. أحياناً يأتي الطفل وقد سرق شيئاً من زميله: كقلم، أو مسطرة، أو كراسة، فيقابل في البيت بنوع من الدعابة والمزاح والاستحسان أحياناً، فهذا الفعل سيدعم فيه هذا السلوك، فهو في أول الأمر يؤخذ بصورة الدعابة ثم ينتهي بأنه يصبح عادة متأصِّلة في هذا الطفل.

أثر الممارسات الخاطئة عند الأبوين على نمو ظاهرة السرقة عند الطفل

أثر الممارسات الخاطئة عند الأبوين على نمو ظاهرة السرقة عند الطفل من هذه الأسباب: البيئة المتصدعة، فبعض الأسر يكون فيها نوع من التصدع واهتزاز القيم، فالأب مدمن منحرف السلوك، أو محترف للسرقة، فهذه البيئة يتشرب منها استحسان هذا الفعل، وأنه إذا نجح في السرقة سيشعر بلذة القوة ونشوة الانتصار.

المبالغة في الاحتياطات الأمنية لحفظ الأشياء مما يثير حب الاستطلاع لدى الطفل

المبالغة في الاحتياطات الأمنية لحفظ الأشياء مما يثير حب الاستطلاع لدى الطفل من الأسباب أيضاً: سلوك الوالدين -وكلمة الوالد تطلق على الأب وعلى الأم على حد سواء- فإذا بالغ الوالد في الاحتياطات الأمنية لحفظ الأشياء سواء كانت غالية أو رخيصة، فإن ذلك سيثير عند الطفل حب الاستطلاع والحرص على اكتشاف السر، فالتكتم الشديد أو الاحتياط الشديد حتى في الأشياء التافهة يعطي الطفل دافعاً على أنه استطاع أن يصل إلى الشيء المخبأ سواء كان طعاماً أو غيره، ويجد في ذلك نوعاً من اللذة الكبيرة، وبالتالي تزرع فيه نواة (أيدلوجية) السرقة بدون قصد، لأنه إذا حرص على حب الاستطلاع والاستكشاف والاجتهاد في كشف هذا السر وإذا استطاع أن يسرق هذا الشيء سيعاقب، فإذا عوقب يعود من جديد للسرقة، لكن هذه المرة بدافع الانتقام والتشفِّي، ولسان حاله يقول: سأثبت لكم أني أستطيع أن أسرق مرة ثانية.

القدوة السيئة وأثرها في ممارسة الطفل للسرقة

القدوة السيئة وأثرها في ممارسة الطفل للسرقة كذلك القدوة السيئة كالأب أو الأصدقاء أو الإخوة كأنموذج مستحسن، ويكون أحدهم سارقاً، ثم يجيء فيحكي أمام الأولاد كيف أنه خدع صاحبه، أو كيف أنه أخذ منه شيئاً من غير أن يحس، ففي هذه الحالة سيقدِّم أنموذجاً يحتذى به، كذلك رد فعل الأسرة حينما يسرق الطفل شيئاً من أحد زملائه في المدرسة فمن المفترض أن يقوم الوالدان بالتحري عن هذا الأمر، واغتنام تلك الفرصة لتفهيمه حدود ملكيته وملكية غيره، وتحريضه على إعادة هذا الشيء إلى صاحبه. قد يكون أحياناً من أسباب السرقة الابتزاز، خاصة إذا كان للطفل قدرات عقلية فوق المتوسط، فبعض الناس قد يبتزونه حتى يقوم بالسرقة ويؤدي إليهم ما يسرقه.

إسراف الوالدين في العقوبة دون النظر إلى دافع السرقة

إسراف الوالدين في العقوبة دون النظر إلى دافع السرقة كذلك إسراف المربي في العقوبة دون النظر إلى الدوافع التي دفعت هذا الطفل إلى السرقة، وفضيحته أمام الناس وأمام الآخرين: هذا حرامي هذا لص هذا سارق فإذا كان هذا الطفل عنيداً سيستمر في التحدي، ويتمادى في هذا السلوك. إذاً: السرقة أو خيانة الأمانة هي في الحقيقة سلوك اجتماعي مكتسب لا يمكن أبداً أن يظهر بدون سبب! هذه فطرة سليمة، صعب جداً أن يصدر منها شيء تلقائي مثل هذا، لكن هي ستكتسب من الجو المحيط بهذا الطفل والذي ينشأ فيه.

وسائل علاج ظاهرة السرقة عند الأطفال

وسائل علاج ظاهرة السرقة عند الأطفال

ترسيخ مفهوم الملكية الخاصة والعامة في محيط الطفل

ترسيخ مفهوم الملكية الخاصة والعامة في محيط الطفل من أهم العلاجات في هذه الحالة: تكوين اتجاه إيجابي واتجاه سلبي، اتجاه إيجابي من ناحية الأمانة، فنرسخ فيه مفهوم الأمانة وندعمه، وفي نفس الوقت ننشئ عنده اتجاهاً سلبياً من ناحية السرقة، وذلك يكون باحترام حقوق الطفل فيما يملكه من لعب ومن أدوات خاصة. ومن الخطأ التربوي أن تكون الأشياء مشاعة للجميع في البيت، فلا نقول للطفل: العب أنت وإخوانك، وهذه اللعبة لكم كلكم، بل يجب أن نخصه بلعبة حتى ننمي فيه احترام الملكية الخاصة وملكية الآخرين، وبالمقابل يمكن أن تكون هناك أشياء مشتركة لا يستطيع أن يلعبها إلا بمشاركة الآخرين، فمثلاً: الأرجوحة التي يلعب فيها اثنان لن يقدر أن يلعب بها إذا كانت بمشاركة آخرين، وهذه اللعبة تعتبر تربوية؛ لأنها تنمي الروح الجماعية عند الطفل. فمن الأمور المهمة جداً: أن نحترم حقوقه فيما يملكه، سواء كانت لعباً أو أدوات خاصة، أو فرشاة أسنان أو ملابس خاصة به. كذلك عندما يأتي الأب ويفتح حصّالة ابنه، ويأخذ منها المال بدون إذنه، وبدون أن يردها إليه، ففي هذه الحالة هذا الطفل أتوقع أنه سيكره الأمانة، ويمكن أن يفهم أن السرقة شيء مشروع إذا كان أبوه أخذ منه ماله، ففي هذه الحالة إن كان ولا بد فعلى الوالد أن يستأذن الولد أولاً كنوع من التدريب، ويعده أنه سوف يرد إليه هذا المال، ثم يرده بالفعل؛ حتى يشعره أن هذه ملكيته الخاصة، وأنه ليس هناك مَنْ سيعتدي عليه.

وجود القدوة الحسنة في حياة الطفل والمتمثلة في الوالدين

وجود القدوة الحسنة في حياة الطفل والمتمثلة في الوالدين كما أشرنا إلى أن الوالدين هما قدوة حسنة وأسوة يحتذي بها الطفل، فهو يمتص من الوالدين مواقفهما، إذ ليس هناك شيء اسمه حصة التربية، ولن يحضر الوالد في وقت معين ويقول لولده: تعال لكي أربيك، فهو في الليل والنهار يتربى بسلوكيات الأب وسلوكيات الأصدقاء، وسلوكيات الإخوة، والإعلام فهذه كلها تصنع الطفل، فالتربية ليست وظيفة لها وقت دون وقت آخر، وإنما في كل السلوكيات هو يتربى؛ لذلك ينبغي للأب والمربي أن يكون في غاية الحذر من تصرفاته أمام الأطفال؛ لأنهم يتلقنون منه سلوكياتِهِ شاء أم أبى، فعندما يأتي شخص يتصل بالهاتف يسأل عن الأب فيقول الوالد لابنه: قل له: إنه ليس هنا، فيقول: إنه ليس هنا، فنكون حذرين جداً من هذا السلوك!! إن الطفل يمتص من خلال السلوكيات التي يراها أمامه أسوة، فيرى موقف الأب والأم من احترام حقوق الآخرين ويقلد ذلك السلوك، فلو سمع مثلاً أن أباه استولى على أموال إخوانه الصغار بعدما مات جده مثلاً، وأنه تمكن من نهب هذه الأموال، ويحكيها كذكاء أو مكسب، فهذا يعتبر درساً، والوالد هنا قدوة، فلا يعاتبه بعد ذلك إذا فعل نفس الشيء.

إشاعة روح التعاون والتضحية في حياة الطفل

إشاعة روح التعاون والتضحية في حياة الطفل كذلك إلى جانب تنمية الشعور بالملكية الخاصة لا بد أن ينمى في الطفل روح التعاون، والأخذ والعطاء مع الآخرين، صحيح أن تقول له: هذه الأشياء ملكك أنت، هذه لعبك هذه ملابسك هذه أدواتك، لكن في نفس الوقت تقول له: عندما يحتاج أخوك منك شيئاً ويستأذنك عليك أن تعطيه، أو تقول له: حين تجد صاحبك محتاجاً إلى شيء كطعام مثلاً أو أدوات فعليك أن تعطيه. كل هذا الفعل حتى ننمي فيه روح التعاون مع الآخرين، بحيث لا يتطور موضوع الملكية الخاصة إلى درجة من درجات الأنانية، فلابد أن يتدرب على التمييز بين الشيء الذي يملكه، والشيء الذي يملكه غيره، ونحن نعرف أن هناك غريزة حب التملك، وهي غريزة من غرائز البشر، فهذه الغريزة قوية في كثير من الأطفال، بل لديهم ميل إلى ادعاء ملكية أي شيء يحبونه، يقول: هذا لي، بالرغم من أنه ليس ملكه، لكن لأنه أحبه فهو يريد أن يستحوذ عليه، لكن يجب أن نضع له الحدود ونقول له: ليس كل ما تحبه يكون ملكك، بل لا بد أن تنظر هو ملك من؟ وكيف يمكنك امتلاك هذا الشيء؟ وهذا مثال في إشاعة روح التعاون بدلاً من الأنانية: إذا أراد الطفل أن يلعب بلعب أخيه، نقول: استأذن أخاك أولاً؛ لأنها ملكه هو، فإن أذن لك العب معه، وبالمقابل شجع أخاه وقل له: أعطه اللعبة؛ لأنكم إخوة وأنت كذا إلى آخره، فهو لن يتنازل عن ملكيته الخاصة قهراً، وإنما سيتعود على الأخذ والعطاء بالتراضي بين الاثنين، لكن لو أن كل الأشياء ملكيتها مشاعة بين الأولاد كلهم فسيحصل اختلاط الأدنى والأقصى، وسيختلط عليه الأصل، وبالتالي السلوك الذي تعلَّمه داخل البيت: أنه ليس هناك شيء اسمه ملكية خاصة، سينقله إلى خارج المنزل في المجتمع، فيكون كلما أراد شيئاً يأخذه، حتى لو لم يكن ملكاً له؛ لأنه لم يتعود في البيت على احترام الحدود بين ما يملكه هو وما يملكه الآخرون.

عدم التعجل في اتهام الطفل بالسرقة وتقصي ملابسات قيامه بهذا الفعل

عدم التعجل في اتهام الطفل بالسرقة وتقصي ملابسات قيامه بهذا الفعل الأمر المهم ألا نتعجل في وصم طفل بالسرقة، ولا ينفع أن تعلق عليه وتصفه بالكذب، وتقول: تعال يا كذاب، اذهب يا كذاب! فأنت بهذا تحطمه، فكل طفل يخطئ، أنت عندما كنت في نفس سنه أكيد أنك كنت ترتكب نفس الأخطاء، فكوننا نصم الطفل بالسرقة وهو في مرحلة التكوين هذا فيه نوع من الظلم، وزيادة المشكلة وليس حلها، فالسرقة عندما تحصل من الأطفال قبل سن الخامسة لا تكون سرقة بالمعنى المفهوم عندنا، فإذا حصل عندنا شك في أن هذا الطفل يسرق فلا بد أولاً: أن يحصل نوع من المراقبة لسلوكه لبضعة أيام؛ حتى نحدد متى يسرق؟ وماذا يسرق؟ وهل يأخذ الشيء معه عندما يسرق أم يتركه؟ هل يحتفظ به أم يجلس بجانبه؟ عندما يسرق هل ينظر إن كان أحد يراه أم لا؟ هل يضع الشيء المسروق في جيبه أم يمسكه في يده؟ هل يخفي الشيء المسروق في مكان معين؟ هل يعترف بالسرقة عندما يستجوب أم أنه ينزعج؟ هل يقول: هذا ملكي يخصني، أم أنه يقول: إنما أخذته بالصدفة؟ وهل عندما يأخذ شيئاً يعيده إلى صاحبه أم أنه يرفض؟ وهل يسرق أشياء صغيرة تدخل في الجيب أم أشياء كبيرة، أم يسرق أجزاء من أشياء كبيرة؟ هل يسرق ممتلكات زملائه أم أدواتهم المدرسية أم يسرق طعاماً أم نقوداً؟! وكما أشرنا لا بد أن نعرف هل السرقة عارضة أم أنها متكررة؟ لأنها لو كانت متكررة فستكون بداية احتراف، ويكون هذا مشروع مجرم في المستقبل. هل هو في سلوك السرقة يقلد أشخاصاً آخرين أم لا يقلد؟ هل السرقة تؤدي وظيفة نفسية معينة أم تسد بعض احتياجاته التي أشرنا إليها من قبل؟

عدم المبالغة في ترك المال في متناول الطفل

عدم المبالغة في ترك المال في متناول الطفل بعض الناس يجعل المال متاحاً للطفل ليسهل عليه الوصول إليه، حتى إن بعض الآباء -جهلاً منهم- يقول: أنا أرمي المال تحت قدميه؛ كي يتحصن من السرقة ولا يفكر فيها. طبعاً هذا خطأ، والمثل العامي يقول: (المال السائب يعلم السرقة) فالمال المتاح يكون فيه نوع من الإغراء، والطفل ليس عنده النضج الكافي ليقاوم إغراء المال خاصة إذا كان محتاجاً إليه، ففي هذه الحالة المال يوضع في مكان محفوظ. وهذا لا يتعارض مع ما قررناه سابقاً من خطأ بعض الآباء عندما يبالغون في حفظ كل شيء حتى الأشياء التافهة؛ لأن ذلك يغرس فيه حب الاستطلاع ليستكشف هذا الشيء، لكن كلامنا هنا على أن المال يكون متاحاً بصورة سهلة جداً، والذي يقول: أنا أرمي المال تحت رجليه؛ حتى يتحصن من السرقة، فهذا سوف يؤدي إلى انعدام الدافعية لتحصيل المال عندما يكبر؛ لأن المال تحت رجليه طوال العمر، فإذا كبر سينعدم الدافع لكي يجتهد في تحصيل المال، ويؤدي أيضاً إلى أنه يستهين بصرف المال في الأوجه المفيدة، والطفل إذا رأى المال أمامه طوال الوقت فإنه في هذه الحالة ستدخل عليه الوسوسة ليقدم على السرقة بطريقة تدريجية. في بعض الأحيان يحصل نوع من التدعيم للسلوكيات المنحرفة، فمثلاً: يعود الطفل على الغش في حياته اليومية، كما حصل من بعض المدرسين: حيث قام الأولاد يغشون في الامتحان، ويتناقلون الأوراق مع بعضهم البعض، والمراقب يقول لهم: لا بأس! لا بأس! فنحن كنا نعمل مثلكم، فطبعاً هذا تدعيم للسلوك المنحرف، فالولد يرجع إلى البيت ويقول: كان هناك غش في اللجنة، فيستحسن الوالدان ذلك باعتبار أنه فك الأزمة التي هو فيها عن طريق الغش، فهذا تحطيم للطفل، بل بالعكس! يجب أن تقول له: إذا سقطت في الامتحان أهون عندي من أن تغش؛ لأنك ستحترم نفسك وأنت كذا وكذا!! فمن وسائل تدعيم سلوك التعود على الغش في الحياة اليومية أن يقوم الأب بمدح ابنه لمهارته في الغش في الامتحان أو ما شابه ذلك. فتكوين صفة الأمانة يتم في السنوات الأولى من حياة الطفل، فنستغل دائماً أي فرصة يعتدي فيها الطفل على ملكيات الآخرين ونوجهه إلى ما يجب عمله في مثل هذه المناسبات: هذه ليست ملكك، هذا ملكه هو، ولا بد أن تذهب إلى زميلك وترجع إليه المسطرة أو ترجع إليه القلم إلى آخره.

معرفة أسباب نشوء ظاهرة السرقة عند الطفل تساعد على منع تفاقمها

معرفة أسباب نشوء ظاهرة السرقة عند الطفل تساعد على منع تفاقمها بالنسبة لعلاج السرقة إذا كان السبب واضحاً فعلاجه يكون سهلاً جداً، كأن تكون السرقة ناشئة عن وجود خلاف بين الأبوين، فيحصل عند الطفل اكتئاب، وكثير من الآباء يظنون أن هذا الطفل لا يفهم شيئاً، بل بالعكس فإن الطفل يدرك وجود خلاف بين الوالدين، وكذلك فإن وجود الخلاف بين الوالدين وبين الطفل وسوء معاملته يعد من الأسباب، فإذا حددنا السبب سهل العلاج عن طريق علاج السبب نفسه. طبعاً إذا استمرت السرقة بعد سن العاشرة فهذه مصيبة كبيرة؛ لأن هذا سلوك مرضي منحرف، فالطفل بعد سن العاشرة المفروض أنه يبدأ عنده نمو الوازع الخلقي، أما قبل ذلك فإن موضوع الوازع لا يكون قوياً عنده، وفي نفس الوقت الطفل يبدأ بالابتعاد عن أن يتمركز حول نفسه، ويبدأ يمتنع عن الإشباع الفوري للدوافع إذا وصل إلى مرحلة النضج، وبالتالي: فيفترض أن تقل السرقة بعد سن العاشرة أو تنعدم، لكن إذا استمرت السرقة مع نمو الوازع في نفسه ومع القدرة على الامتناع عن الإشباع الفوري للدوافع، وعدم التمركز حول الذات، فهذا مؤشر في غاية الخطورة كما ذكرنا سابقاً. فمن الأمور المهمة جداً غرس القيم الإسلامية والخلقية والتفريق بين الحلال والحرام وتنمية هذا الوازع.

ملخص لوسائل علاج ظاهرة السرقة عند الأطفال

ملخص لوسائل علاج ظاهرة السرقة عند الأطفال نلخص باختصار شديد العلاجات المفروضة لمن لاحظ موضوع السرقة في الطفل:

معالجة الحرمان المادي وترسيخ مفهوم الملكية الخاصة والعامة

معالجة الحرمان المادي وترسيخ مفهوم الملكية الخاصة والعامة معالجة الحرمان المادي بتوفير الضروريات اللازمة لهذا الطفل؛ كالأكل والشرب والملابس، وغيرها من الاحتياجات الأساسية التي لابد من توفيرها له. أيضاً: إشباع ميله إلى التملك والاستحواذ، وهذه يسمونها: (غريزة حب التملك) وهي فطرة في الإنسان، فيجب أن تشبع عنده غريزة حب التملك، بأن تبين له أن هذا الشيء ملكه، وأنه ليس مشاعاً بينه وبين إخوانه، فكما أنه يوجد أشياء مشاعة فأيضاً لابد أن يكون له أشياء خاصة به، فلا بد من علاج الحرمان المادي بتوفير الضروريات اللازمة للطفل وإشباع ميله إلى التملك والاستحواذ. أيضاً: احترام ملكية الطفل، وتعليمه احترام ملكية الغير، فإذا ظهرت ظاهرة السرقة لا بد من التعامل الحازم والمباشر والسريع معها، فإذا أحضر شيئاً من صاحبه ليس ملكه، أو أحضر معه شيئاً من المحل رغم أنه ليس معه مال، فلا بد من تنبيهه إلى الخطأ الذي عمله، فنقول له: هذا خطأ، ولا بد أن تعيد هذا الشيء إلى صاحبه، وإن أخذ شيئاً من المحل وأكله مثلاً، فلا بد أن يأخذ المال بنفسه ويعطيه لصاحب المحل. أيضاً: يمكن أن نعلمه الاحترام لملكية الآخرين بأن نأخذ شيئاً من خصوصياته -لعبة مثلاً- ونعطيها لطفل آخر، طبعاً هو سيثور، فعندها نفهمه ذلك قائلين: إنك غضبت لأننا أعطينا غيرك ما هو ملكك من غير أن نستأذنك، فنفس الشيء بالنسبة لك: إذا أخذت من أحد من الناس أو من أحد أصحابك أو من أحد إخوانك شيئاً يملكه هو فتكون بذلك أخذت ما لا تملكه، لكن هناك طريقة للحصول على الأشياء: إما أن يعمل الإنسان عندما يكبر ويحصل على المال، ويبدأ يشتري الذي يريده، أو أنه يستأذن صاحب هذا الشيء في استعماله. في نفس الوقت يمكن أن تكافئه إذا أنجز عملاً ما، كأن تقول: أنت عملت الشيء الفلاني، أنا أكافئك بأن أشتري لك هذه اللعبة؛ حتى تحسسه أن هناك مقابلاً، ليس مجرد أخذ وأخذ وأخذ، بل هناك أخذ وعطاء، فيمكن أن تطلب منه فعل شيء كأن تقول له: ساعد والدتك في الشيء الفلاني، أو اقض الأعمال الفلانية، وتذكر له مهمة بسيطة لمجرد أن تفهمه أن هناك مقابلاً، يعني: الإنسان عندما يحب أن يحصل على شيء فليس بمجرد أنه يتمناه يحصل عليه، أو يستولي عليه، لابد أن يتعب للحصول عليه. أيضاً: لا بد من ممارسته للملكية الفردية والعطاء لأقربائه، فمثلاً: نقول له: (السندويتش) ملكك، لكن إذا وجدت صديقك جائعاً، أو يريد أن يأكل معك أعطه منها، أو أعطه شيئاً من الحلوى، وتقول: هذه لأجل أن تعطي صديقك، وهذا الفعل من الوالد يعود الطفل على العطاء، فلا بد من أن يمارس الطفل الخصوصية في الأكل، والملابس، واللعب، لكن لا تصل الخصوصية إلى حد الأنانية والجشع. كذلك نعوده أنه إذا أراد شيئاً من خصوصيات الآخرين أنه يستأذن صاحبه، فهناك طفل أحياناً تكون الأنانية متمكنة منه بحيث إنه يأخذ أشياء الآخرين، فتقول: لا بد أن ترجعها لصاحبها، فيغضب وينفعل ويبكي فلا تبال، وإنما تصر على موقفك وتقول: هذه ملكه هو، وليست ملكك، وأنت أخذتها، كنت معتدياً وظالماً في هذا، فالمفروض أن تستأذنه، فيذهب يستأذنه، وهو عندما يستأذن فإنما يريد من صاحب الشيء أن يوافق، وإذا لم يوافق يعمل نفس المشكلة، فنفهمه أن الاستئذان ليس من شرطه أن يقول صاحب الحق: نعم، أو أن يقول: لا، وكذلك هو أيضاً إذا استؤذن إن شاء يمكن أن يقول: نعم، أو يقول: لا.

الجمع بين الحب والحزم في التعامل مع الطفل وتنمية مفهوم الأمانة عنده

الجمع بين الحب والحزم في التعامل مع الطفل وتنمية مفهوم الأمانة عنده عموماً التعامل مع الطفل لا بد فيه من أمرين: الحب والحزم، لابد في هذه القضية أن يكون هناك اتصاف بالحزم الممزوج بالعاطفة والتفهم. أيضاً: عندما تكلم الطفل لابد أن تكون هادئاً، ويكون كلامك واضحاً جداً، ولا يكون فيه نوع من الغموض، ودون عنف وإثارة، ودون تردد وضعف أمام بكائه أو دموعه؛ لأنه سيفهم أنه لو صرخ ورمى بنفسه على الأرض فستكون هذه وسيلة للحصول على ما يطلبه. أيضاً: من المهم تنمية سلوك الأمانة عند الطفل، فيمكن أن تعلق له في حجرته حديث: (لا دين لمن لا أمانة له) أو تشرح له حديثاً في الأمانة، كذلك تمارس أنت الأمانة أمامه قولاً وفعلاً، أو تحكي له حكايات عن أناس أنت لا تكذب عليه، هذه قصص أناس كانوا عندهم أمانات فردوها طواعية، ولم يخضعوا لإغراء الأشياء التي وجدوها، ولا رقيب عليهم إلا الله سبحانه وتعالى، فلا بد من ممارسة الأمانة أمام الطفل قولاً وفعلاً، وكلما كان كلامنا غير مباشر كان أفضل، وله تأثيره في الطفل، فمثلاً في الجلسة العائلية العادية ينتهز الأب أي فرصة ويحكي قصة واحد أمين على سبيل الاستحسان: ما أجمل هذا! انظر كيف الالتزام! انظر مراقبة الله سبحانه وتعالى! فقد حصل كذا وكذا وكذا، فالطريقة غير المباشرة تكون أوقع مع الأطفال.

تفعيل مبدأ الثواب والعقاب في التعامل مع الطفل

تفعيل مبدأ الثواب والعقاب في التعامل مع الطفل كذلك ممارسة مبدأ الثواب والعقاب، فإذا عمل عملاً يدل على الأمانة تثيبه عليه، وإذا ارتكب خيانة يعاقبه عليها، ولا بد أن يكون الثواب والعقاب فورياً، فإذا رأت الأم من طفلها عملاً جيداً فلا تقول: حين يأتي والدك بالليل سأجعله يشتري لك كذا. وإنما لابد أن تكون المكافأة فورية؛ حتى يربط الطفل بين إتيانه السلوك الجيد، وأخذه للمقابل الجيد، لكن عندما تؤجلها تفقد معناها، فيجب أن يكون الربط مباشراً بين العمل وبين الثواب أو العقاب. الكلام عن السرقة، وبيان أنه لا يليق بالمسلم أن يسرق، وأضرار السرقة على المجتمع، ولو أبيح لكل الناس أخذ ممتلكات الآخرين فكيف يعيش الناس؟! وكيف تستقيم أمورهم؟! فنبين له أن هذا السلوك مرفوض من الناحية الدينية الإسلامية والأخلاقية والاجتماعية، ونفهمه أن المجتمع يرفض هذا السلوك، وهذا شيء مهم.

توفير الجو الأسري الملائم للطفل وعدم التمييز بين الإخوة

توفير الجو الأسري الملائم للطفل وعدم التمييز بين الإخوة كذلك من العلاجات: الدفء العاطفي بين الآباء والأبناء، وذلك بأن تشعر الطفل بأنك تحبه، إذ لابد أن يشعر بالأمن والطمأنينة والاحترام؛ لأن الطفل إذا أحب شخصاً فإنه غالباً لا يسرق منه، خاصة إذا فهم أن هذه سرقة. لابد أن نزرع الثقة في نفس الطفل ولا نشعره بالنقص، لا نقول له في لحظة الانفعال: يا حرامي! أتجرؤ على الكلام بعد فعلتك التي فعلت؟! هذا أسلوب يحطم الطفل، فالوالد يتصور أنه بهذا يؤدبه، لكن في الحقيقة هذا يفقده الثقة بالنفس ويشعره بالنقص والدونية، وأنه غير قادر على التماسك، وأنه غير أهل للاحترام أو الحب أو نحو ذلك. أيضاً: عدم التمييز بين الإخوة، بحيث يميز ابناً على أبنائه الآخرين؛ فيحس الآخر أنه محروم؛ لأن هذا يمكن أن يشجع على سلوك الانحراف. أيضاً: يفضل أن يندمج الطفل في جماعات سوية من الأطفال المهذبين الأمناء؛ ليتعلم من خلال الجماعة نفس القيم. من الأمور المهمة جداً: عدم الضعف أمام رغباته الأنانية، بألا يجاب إلى كل ما يطلبه، فنزيل الأنانية بعدم الاستجابة لكل طلباته.

التصرف بحكمة عند اكتشاف سرقة الطفل أول مرة

التصرف بحكمة عند اكتشاف سرقة الطفل أول مرة إذا حصل شك في أن الطفل يسرق لا بد أن نتجنب الإلحاح عليه؛ كي يعترف بالسرقة، لأنك إذا ألححت عليه فإنك ستفتح له باب الكذب، فإذا كذب ونجا من العقاب فإنه سيظن أنه نجح في تضليلك، ونجّى نفسه من العقاب، وبالتالي فسيتمرن على السرقة والكذب معاً، فكلما سرق سيكذب. كذلك أيضاً: لو أن الاعتراف استخدم معه العنف فهذا سيؤدي به إلى التمادي في السرقة، بالإضافة إلى أنه كل مرة خبرته ستزيد، وسيبدأ يأخذ خبرات، ويعرف ما هي نقاط الضعف التي كشفتها في المرة التي فاتت، وسيحكم الخطة كي لا يكتشف في المرة التالية. كذلك من الأمور المهمة: عدم تأنيبه على السرقة أمام الآخرين، فلا ينبغي أن تفضح الطفل وتصفه بأنه حرامي ولص أمام الآخرين، وإلا سيشعره ذلك بالنقص، وشعوره بالنقص سيؤدي إلى الانزواء من البيئة الاجتماعية، وليس هذا فحسب، بل قد يتعود على هذا اللقب، ولسان حاله: ما دام أن الجميع يصفني بأني حرامي ولص فليكن ذلك، وربما أنه يرى هذا اللقب رمز للانتصار على الآخرين، وعلى الكبار خاصة، لكن الصحيح أن نعامله بحب وصداقة مع حزم، أي: بحزم فيه نوع من المرونة، وإذا لم نعامل هذه المشكلة بهدوء واتزان فنحن نصنع منه فعلاً لصاً حقيقياً. أيضاً: نجتنب العبارات التي تضر بالطفل، كأن نقول له: أنت ألحقت بنا العار لوَّثت سمعة الأسرة أو العائلة إن كان ولا بد فاسرق من البيت، وليس من بيوت الآخرين، فمثل هذه العبارات تضر بالطفل! أيضاً: توافر القدوة الحسنة أمامه في سلوك الراشدين نحو الأمانة. أيضاً: نختار له ما يقرؤه وما يشاهده، والإعلام الذي يمكن أن يتعرض له، والكتب التي يمكن أن يقرأها بحيث تغذي فيه هذه المفاهيم.

مراقبة مصروف الطفل والمسارعة في معالجة ظاهرة السرقة في بداية ظهورها عنده

مراقبة مصروف الطفل والمسارعة في معالجة ظاهرة السرقة في بداية ظهورها عنده ولو أنه يأخذ مصروفاً فإنه في هذه الحالة لا بد أن يكون هناك نوع من المراقبة على المصروف، ولابد أن يتناسب مع سنه، والوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، ومع البيئة المدرسية، وتكون هذه المراقبة عفوية، يعني: تكون المراقبة دون التسلط عليه، ودون أن يشعر. ولابد أن تعالج هذه الظاهرة في سن مبكرة قبل أن تتفاقم؛ لأن محترفي الإجرام والسرقة بالإكراه و (البلطجة) والتزييف والنشل وكل هذه الأشياء غالبهم بدأ في هذا السلوك منذ طفولته، فلا يجوز أبداً تجاهل المشكلة، لا بد من التشديد من الناحية التربوية، بحيث تكون هناك خطوات حاسمة لعلاج هذه الظاهرة؛ لأن القاعدة تقول: الذي يسرق البيضة سيسرق بعد ذلك الجمل، ومن سرق مال أخيه بعد ذلك سوف يسرق مال الناس أجمعين. أما التساهل في هذا الموضوع فإنه يؤدي إلى التشجيع على امتداد السرقة إلى خارج الأسرة، لا بد من إجراءات فورية لعلاج السرقة إذا حصلت، وأول خطوة هي: أن يفهم الأبوان هذا السلوك، وأن يواجهاه مواجهة صحيحة، لا بد من إشباع احتياجات الطفل المتعددة عن طريق مصروف منتظم يعطى له مع الإشراف المباشر عليه دون تسلط.

حماية الطفل من وسائل الإعلام التي تفيض في وصف حوادث السرقة

حماية الطفل من وسائل الإعلام التي تفيض في وصف حوادث السرقة وسائل الإعلام لها دور كبير في توجيه سلوك الطفل، فيجب حجبه عن الوسائل الإعلامية التي تفيض في وصف حوادث السرقة والنصب والاحتيال، وقد قرأت في بعض الكتب أن التلفاز أتى بإعلان مفاده: أن رجلاً أعطى الطفل زجاجة شراب ليحافظ عليها، فالتفت الرجل فرأى الزجاجة فارغة، فقال: أين الشراب؟ قال الطفل: تبخرت، بينما في الحقيقة أنه قد شربها، فهذا الإعلان يلقن مبدأً هداماً، وهو أن السرقة حل، والكذب حل سهل جداً، وحل ظريف، ومقابل هذا كان المتفرجون يشاهدون هذا المشهد ويضحكون، وكأنهم يستحسنون هذا السلوك، وجاء هذا التصرف بعفوية وتلقائية من قبلهم، فعندما يجد الطفل أن ذلك الولد ظريف، والناس يستحسنون سلوكه، فإن ذلك يمثل بالنسبة له نوعاً من القدوة!! فلنحذر من وسائل الإعلام التي تفيض في وصف السرقة سواء من خلال المجلات والكتب والأفلام والتلفزيونات إلى آخر هذه الأشياء التي قد تبرز البطل في صورة نصَّاب ومحتال وتاجر مخدرات إلى آخر هذه الأشياء. إن هذه أشياء لا تستنكر اجتماعياً، فبالتالي: لماذا هو لا يسرق؟ الذي ينصب على الناس ويسرق ويكون مجرماً هو الذي يصبح غنياً ويحقق أغراضه إلى آخر هذه الأشياء.

الحديث عن الأمانة وذكر القصص المتعلقة بها أمام الطفل

الحديث عن الأمانة وذكر القصص المتعلقة بها أمام الطفل علينا أن نربط الطفل دائماً بالقصص التي فيها تعظيم للأمانة, وتنمية الوازع الديني في قلبه، والترهيب من السرقة من جهة أخرى، بأن نبين له عقوبة السارق في القرآن الكريم، وأن الله سبحانه وتعالى يبغض هذا الخلق وأهله؛ ولذلك قال في القرآن الكريم: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة:38] ونقص عليه قصة المرأة المخزومية التي قطعت يدها، ونفهمه أن الناس كلهم أمام الله سواء، وكلهم لهم حرمة في أموالهم وممتلكاتهم فلا نعتدي عليها، وأن الناس لو لم يلتزموا بهذا الأمر ولم تقم حدود الله على السارق فهذا سيؤدي إلى الخيانة في ممتلكات الآخرين. فالكلام عن الأمانة -كما أشرنا من قبل- من الوسائل الرائعة جداً في التأثير على الأطفال؛ لأن الطفل في مرحلة معينة مفهومه مادي، تلقيه للمفاهيم يكون من الناحية المادية، فلو جئت إلى طفل عمره أربع سنين وكلَّمته عن النزاهة والعدالة والأمانة والتسامح وغير ذلك من المعاني المجردة فإنه لن يستوعبها، فلو قلت له: الصلاة ركن الدين وكذا وكذا، فلن يستوعب، لكن صلِّ أمامه فإنه عندئذ سيستوعب ذلك؛ لأنه إنما يستوعب الأمور التي يدركها بالحواس -المشاهدة والسماع- وهي تؤثر فيه جداً، إذا رآك تصلي يقلدك تماماً في الصلاة، هو لا يعرف ما هي الصلاة، لكن هو يمتص منك السلوكيات عن طريق المحاكاة. فهذه هي الوسيلة البدائية الأولى عن طريق المحاكاة الحسية والتفكير المادي، فإذا رأى منك سلوكاً فيه أمانة، أو حكيت أمامه قصصاً عن الأمانة فلا شك أنه سوف يتقمص هذه الأشياء، ويمتص هذه المسائل. فإذاً: القدوة من أهم وأخطر وسائل التربية وتنمية الطفل، وكذلك التخويف من مراقبة الله سبحانه وتعالى وأنه مطلع علينا في كل مكان. كذلك سرد القصص التي تجسد مبدأ الأمانة، كقصة الرجل الذي استدان من رجل ديناً، ووضع المال في لوح خشب، واستودعه الله؛ لأنه لم يستطع أن يسافر، وهي قصة موجودة في القصص النبوي، فهذه من أفضل الوسائل؛ لأنك تعطيه أنموذجاً حياً أمامه. وعامة الناس والحمد لله يستطيعون أن يدركوا بعض السلوكيات التي بتفاديها يكتسب الأطفال نوعاً من الوقاية من الوقوع في السرقة.

الأسئلة

الأسئلة

الكلام على كتاب تربية الأولاد في الإسلام لعبد الله ناصح علوان

الكلام على كتاب تربية الأولاد في الإسلام لعبد الله ناصح علوان Q هل تنصحنا باقتناء كتاب: تربية الأولاد، للدكتور عبد الله بن ناصح علوان رحمه الله؟ A بعض الإخوة قدح فيه وخاصة في باب العقيدة، فأقول: قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82] أي كتاب غير الوحي الشريف لابد أن يكون عليه مؤاخذات، فلا عصمة إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أريد أن أنبه إلى أن كتاب: (تربية الأولاد في الإسلام) هو في مجلدين، والدكتور عبد الله بن ناصح علوان من الأفاضل، وله إسهامات كبيرة جداً في الدعوة، ولا نجحد أبداً أن هذا الرجل له دور ريادي في هذا المجال، فهو تقريباً من أوائل الكتب المنهجية التي صدرت في موضوع تربية الأولاد، فريادته في هذا المجال لا يجوز أبداً أن نجحدها؛ لأن هذا الكتاب في وقته كان هو الشيء المتاح، فلا نأتي الآن وقد أنعم الله علينا بكتب أحسن منه وأكثر تخصصاً وأكثر تنقيحاً ونقول: إن هذا كتاب سيئ ويشطب عليه، مثل ما حصل مع كتاب (فقه السنة) -للأسف الشديد- الذي كان في وقت من الأوقات أفضل كتاب يدرس في فنه، إذ لم يكن هناك غيره، وأثر في أجيال كثيرة جداً، ثم إذا بنا لما تعاملنا مع الكتاب بطريقة فيها نوع من الجور والجحود لفضل هذه الريادة بدأنا نقارن بينه وبين غيره من الكتب. فالشاهد: يجب أن نتعامل بإنصاف، بحيث نعترف أن الجهد البشري لا بد فيه من القصور ثم ننتفع بما فيه من الخير، وإذا كان عند بعض الناس انتقادات فعليهم طرحها بطريقة مهذبة، مع التحذير من الخطأ بأدب وبإنصاف مع الاعتراف لصاحبه بموضوع الريادة، فالشيخ عبد الله بن ناصح علوان رحمه الله هو أول من كتب دراسة علمية حول موضوع تربية الأطفال فيما نعلم، ثم بعد ذلك جاءت كتب أخرى مثل: (المنهج النبوي لتربية الطفل) لـ محمد نور سويد، وهذا الكتاب أيضاً أشبع نقداً، وكان الناقد محقاً؛ لأن الكتاب حافل بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، ثم بعد ذلك استفاد المؤلف من هذا النقد وصدرت طبعة في مجلدين أفضل من السابقة، فالذي أريد أن أقوله: لا ينبغي انتقاص العالم لمجرد وجود بعض الأخطاء في كتاب له، هذا من الغلو في التعامل مع العلماء، والخطأ ينبه عليه، وينصح باجتنابه، وإن وجد بديل صاف 100% فأهلاً وسهلاً، أما إن لم يوجد بديل فلا ينبغي أن نهدم ونحطم بدون أن نوجد البديل فهذا ليس من الإنصاف.

عادة مص الأصابع عند الأطفال

عادة مص الأصابع عند الأطفال Q كيف يمكن منع الطفل من إدمان عادة مص الأصابع؟ A المشكلة في الحقيقة تكثر عند بعض الأسر في بعض أطفالهم، فنلقي الضوء عليها في دقائق معدودة. أولا: ً بالنسبة لعادة مص الأصابع عند الأطفال تكون في فترة معينة سلوكاً عادياً ينبغي تقبله، لكن هذه العادة تنتهي ما بين 18 - 24 شهراً في الوضع الطبيعي العادي، أي: إلى سنة ونصف أو إلى سنتين، وقد لا تختفي تماماً إلا عند ثلاث سنوات. وإذا استمر الطفل في مص إصبعه بعد السنة الرابعة ولكن عند اقتراب وقت النوم فهذه ليست مشكلة ولا تستدعي القلق على الإطلاق. مما ينبغي أن ندركه أن موضوع مص الأصابع بالنسبة للأطفال علاجه ينبني على معرفة السبب؛ لأن بعض الأطفال يمص أصابعه بطريقة تنتهي بتشويه الإصبع، فالعلاج أساسه هو معرفة سبب هذه العادة، وبالتالي إذا عرفنا السبب نزيله دون اضطراب أو قلق. أحد الأسباب لوجود هذه الظاهرة عند الطفل هو سلوك الوالدين، وظروف البيئة المحيطة بالطفل، وسلوك الوالدين يشمل سلوكهما مع أشقائه، وسلوكهما مع الطفل نفسه، كأن يحصل تمييز بين الأولاد والبنات، بحيث يفضل الولد على البنت، فتبدأ البنت تبالغ في مص الإصبع نتيجة التوتر الذي تعانيه، فسلوك الأبوين أو ظروف البيئة تكون هي السبب في هذا الأمر. لكن لا بد أن نفهم أن مص الطفل لأصابعه هي وسيلة لتخفيف حالة توتر يعيشه، فقد يكون عنده نوع من التوتر والقلق، ولجوءه لمص الأصابع هو وسيلة ليخفف حالة التوتر التي يعيشها إما مؤقتاً أو دائماً. ويوجد شيء يشبهه عند الكبار وهو السجائر، فبعض الناس إذا تضايق فزع إلى السجائر حتى يذهب التوتر الذي عنده، أو يكون لتخفيف حالة إحباط، يعني: هذا الطفل يشعر أنه لا يستطيع أن يحقق ما يريده، فيمكن أن يحصل له إحباط، فيبدأ يفزع إلى هذه العادة، أو يكون بسبب الغيرة؛ كأن يكون له أخ جديد أو أخت جديدة فينصرف عنه الاهتمام، ويصير الطفل المولود الجديد هو بؤرة الاهتمام، فيبدأ يفزع إلى هذه العادة، أو يمكن أن يكون بسبب التعب أو شعور الطفل بالوحدة فيلجئه إلى هذا الشيء. كيف نتعامل مع هذه الحالة؟ أهم شيء أن نتجنب مسالك معينة يسلكها الآباء أو المربون، أولها: التوبيخ، فيجب أن يتجنب توبيخه بكثرة على هذه العادة؛ لأن ذلك غير مجدٍ، بل يزيد الحالة سوءاً. كذلك من الخطأ أننا كلما رأيناه يضع إصبعه في فمه نشد يده، ونبعد إصبعه عن فمه، هذا علاج غير صحيح، أو بعض الناس يلفون يدي الطفل بشاش، أو يلبسونه قفازاً، أو يربطون يديه، وللأسف هناك سلوكيات أخرى وحشية، فبعض الناس يضعون على إصبعه مادة مقززة كالفلفل أو الشطة أو الصَّبِر المر جداً، وهذا سلوك غير صحيح، فعملية التوبيخ أو إبعاد الإصبع عن الفم أو ربطها أو وضع قفاز أو مادة منفرة عليها؛ كل هذه الأشياء تدفعه إلى الاستمرار، وتزيد شعوره بالإحباط. كذلك من الوسائل التي ينبغي سلوكها في هذه الحالة: أن يوفَّر لهذا الطفل نشاط حر محبب إلى نفسه، يعني: اشغله بنشاط حر هو يحبه، كنوع معين من الألعاب أو الترفيه؛ لأن هذا النشاط الحر سوف يمتص طاقته، أو تمكنه من مخالطة أطفال آخرين مثله حتى تنمو شخصيته. كذلك ينبغي ألا يظهر المربي القلق الشديد أمام الطفل بسبب هذا الموضوع، وكلما حضر عنده ضيف حكى قصته، فيقوم هذا الضيف بالتعليق، فالطفل يشعر عندها بأنه ينظر إليه نظرة توبيخية، فالإنسان لا يظهر القلق الشديد بسبب هذا الموضوع أمام الطفل؛ لأنك إذا أشعرته بالقلق والتوتر فسوف يزيد من هذه العادة ولن يتوقف! والطفل عامة كلما زادت ثقته بنفسه وشعر بالاطمئنان قل عدد مرات مص الأصابع. ومن السلوكيات الخاطئة مقارنته بغيره: سواء أكان هذا الغير أصدقاءه أو زملاءه أو إخوانه كأن يقال له: كل إخوانك جيدون، ولا أحد منهم يعمل هذا العمل، لماذا أنت فقط تمص أصابعك؟! إلى آخره، فهذه المقارنة سلوك غير صحيح؛ لأنها تسبب إحباطاً، بينما أنت قصدك الخير عندما تقول له: إخوانك جيدون فكن جيداً مثلهم، لكن هذا يسبب له إحباطاً، فالصحيح أن يبرز للطفل الجوانب المشرقة في شخصيته، يعني: كل واحد يختصه الله بشيء دون الآخر، ففلان اختصه الله بكذا، فتأتي للصفة الجيدة، وتدعم هذا الطفل وتشيد بها؛ حتى تدعم ثقته بنفسه. كذلك النقد المستمر والمتواصل -وبالذات إذا اقترن بعبارات التحقير- هذا سلوك خطير، يعني: أنت عندما تتعامل مع الطفل فإنك لا تتعامل مع ندٍّ لك، وذكرت من قبل أن رجلاً ألف كتاباً مفيداً جداً اسمه: (طفلك ليس أنت)، مع العلم أن هذا الرجل ليس مسلماً، فمشكلة كثير من الآباء أنه عندما يتعامل مع الطفل يتصور أنه عنده نفس العقل والتجارب والخبرات والمقاييس، فعندما يأتي يضربه يضربه بعنف شديد، وكأنه أمام شخص مكافئ له، وحتى الضرب تكلمنا بالتفصيل عنه قبل هذا، وبينا أنه لا يكون إلا بشروط منها: ألا تضرب الطفل وأنت تريد أن تتشفى منه؛ لأن هذا من الظلم، أن تأتي إلى طفل صغير فتضربه هذا الضرب الوحشي، كما يحصل أحياناً من بعض الناس، فهذا الفعل يدل على وجود خلل في تفكير هذا الرجل الذي يتشفى، فهو يخرج شحنة الغضب عن طريق الضرب، ولا يهدأ حتى يشفي صدره تماماً من غلِّه من هذا الطفل، طبعاً هذا السلوك من الجاهلية -في الحقيقة- وليس من الإسلام. الشاهد: لا تتعامل معه كأنه مثلك تماماً، بل انظر إليه كما كان ينظر إليك أبوك أو أمك وأنت في تلك السن، فأنت في تلك السن لم تكن تفهم أن هذا الشيء غلط. إذاً: لا بد من تجنب النقد المستمر والتحقير، وكل العبارات العامة التي فيها حكم بالإعدام للشخصية، كأن تقول: أنت لست نافعاً لا أمل فيك ستظل طوال عمرك غبياً إلى آخر هذه العبارات، أو كما نسمع أشياء عجيبة عن بعض المدرسين الذين ليس لهم مكان في التربية على الإطلاق، فيقول بعضهم لبعض تلاميذه: (لما تفلح تعال قابلني) إلى آخر هذه العبارات الفظيعة. فكونك تصدر حكماً عاماً على الطفل هذه إساءة شديدة له، وتُوجد عنده شعوراً بالمرارة والعجز وعدم الكفاءة. وكذلك ينبغي أن تحمي الطفل من سخرية أقرانه الآخرين، بحيث لا يهزءون به بسبب هذه العادة، لأن هذه السخرية سوف تعمِّق العادة عنده أكثر فأكثر. يمكن كذلك أن تطلب من الطفل أن يساعدك في عمل شيء معين، ويكون هذا الشيء محتاجاً إلى أن يستعمل يديه كلتيهما، فتحاول أن تلهيه عن عادة المص بأن تشغل يديه، أو تحضر له ألعاباً معينة لا تعمل إلا باليدين. كذلك يفضل أن يهمل هذا الموضوع، ولا يتكلم فيه أمامه، ولا ينبه إلى شيء يذكره بإصعبه، ومع ذلك فيمكن للإنسان -بصورة عرضية عابرة- أن يذكره بلطف: أنه سوف يكبر، ويُقلع عن هذه العادة، ولا يلفت نظره إليها ليزيد من انتباهه نحوها. من أهم الأسباب التي تلجئ الطفل إلى مص الأصابع بعد السن المذكورة -التي تصل إلى خمس أو ست سنوات- شعوره بالحرمان العاطفي، فيحتاج عندها إلى جرعة زائدة من حب وحنان الأبوين، والطفل بطبيعته يكتشف إذا كان محبوباً أم لا، أو كان مرغوباً فيه أم لا، ويعرف من يحبه ومن يتظاهر أنه يحبه، فلا بد أن يؤمن شعور الطفل بالحب والأمان، وقد ذكرنا من قبل أنه ليس من الحكمة أبداً أن تقول له: إذا فعلت الشيء الفلاني أنا لن أحبك، لكن قل: لن أعطيك المصروف، هذا عقاب لكن لا تهدده بالحب، ولا تجعل الحب موضوع تهديد، بل لا بد أن تقول: أنا أحبك، لكن لا أحب التصرفات الفلانية، أو لو عمل الشيء الفلاني فلا تهدده بأنك لن تحبه إذا فعل كذا، لا بد أن يؤمن له الشعور بالحب والشعور بالأمان، بعض الناس طفله لا يريد أن يصعد في (المصعد الكهربائي) فيقول له: هل ستأتي أم أذهب وأقفل عليك الباب؟ هذا خطر، فهذا يفقده الشعور بالأمان، أو إذا أخذه معه إلى السوق أو إلى محل معين فقام الطفل بتصرف غير مرغوب، فيقول: إذا لم تسمع كلامي سأتركك هنا وأذهب، وهذا خطأ كبير؛ لأنك هكذا ستهدد شعوره بالأمان، فهو سيتسائل: لو تركني وحدي ماذا أفعل؟ لكن ممكن تقول له: إذا لم تترك هذا السلوك سنلغي هذه الفسحة ونعود إلى البيت، فهكذا لم تهدد شعوره بالأمان، وفي نفس الوقت تزجره عن التمادي في هذا السلوك. أحياناً يقوم الأب أو الأم بالحديث عن الأزمة المادية والفقر والديون والهموم أمام الطفل، بينما ينبغي أن يعزل الطفل عن الشعور بالهم مبكراً بقدر المستطاع؛ لأن هذا يمثل عبئاً عليه، وكذلك معايشة المشاكل والصراعات بين الأبوين والتي تهدد بقاءه في الأسرة إلى آخر هذه الأشياء، إذا شهد الطفل مثل هذه الصراعات فإن ذلك يهدد شعوره بالأمان، وهذه طبعاً لها عواقبها الوخيمة فيما بعد. فلا بد أن يشعر الطفل أنه محبوب ومرغوب فيه، وأن الذين حوله يحبونه، هذا أمر مهم جداً، وسبق أن قلت من قبل: إن الرضاعة ليس المقصود منها أن يغذى بدن الطفل فقط، لكن حكمة الله سبحانه وتعالى اقتضت أن الرضاعة الطبيعية تتم بطريقة فيها جرعة من الحنان بجانب جرعة الطعام الذي ينشأ عليه، فنفسه تحتاج إلى الحنان، والمفروض على الأم أن تضمه إليها عند الرضاعة، ولا تأتي إليه وهو يبكي وتعطيه ثديها فقط؛ لأنه حينها سيشعر بأنه قد أخطأ عندما بكى، وهذا نوع من الحرمان من وجبة الحنان التي كان يأخذها كل فترة أو كل مرة يرضع فيها. الطفل لا بد أن يشعر أن الذين حوله يرغبون فيه ويحبونه، فلا تأتي الأم -كما يحصل من بعض الأمهات الجاهلات- وتقول: حاولت بكل الطرق والوسائل إجهاض هذا الطفل والتخلص منه، لكن جاء غصباً عني، فماذا يكون شعور الطفل إذا علم أنه غير مرغوب فيه؟! هل يكون عنده إدراك ويعرف أن هؤلاء الأبناء رزق من عند الله، وأنه هو الذي خلقهم؟ لن يفهم ذلك، بل سيفهم أنه فرض عليهم فرضاً، وأنهم غير راغبين فيه، حتى لو جدلاً وجد هذا الشعور السيئ فلا ينبغي إظهاره أبداً، بل بالعكس يجب أن يؤمن الطفل، فإذا وفرت جرعة الحنان الكافية طبعاً هذا سيؤثر في استقراره فيما بعد، وفي عافيته من الآفات النفسية والسلوكية، ويوفر كثيراً من العناء.

كيفية التعامل مع نوبات الغضب عند الطفل في سنواته الأولى

كيفية التعامل مع نوبات الغضب عند الطفل في سنواته الأولى Q ما هي أسباب حصول نوبات من الغضب عند الطفل؟ وكيف يتم التعامل معها؟ A الموضوع الذي نتكلم عنه، وهو: ما يسمى بنوبات الغضب، وبالذات في السن التي هي بين سنة إلى سنة ونصف تقريباً، هذه النوبات تكون ناتجة عن أن الطفل يريد شيئاً معيناً، فإذا لم يحقق له هذا الشيء يصرخ ويرمي بنفسه على الأرض، ويغضب وتستمر هذه النوبة مدة معينة، فمن المظاهر الشائعة عند الأطفال في هذه السن -ما بين سنة إلى سنة ونصف أو ما بعد ذلك- نوبات الغضب، وهذه النوبات ليس شرطاً أن الطفل الصغير يستطيع أن يتحكم بها، حتى إن طفلاً يقول لأمه: يا أمي! أنا حينما أظل أبكي وأصرخ، أريد أن أوقف بكائي لكن لا أستطيع، فهذه النوبات شيء طبيعي وعام عند جميع الأطفال في هذه السن، ولا تعتبر ذات صفة مرضية إلا إذا كانت عنيفة متكررة بشكل زائد، يعني: معدلها كبير وشديد، وتمتد فترة طويلة نسبياً، في هذه الحالة فقط تعتبر غير طبيعية، لكن في فترة السنة والسنة ونصف يمكن أن تكون نوبات الغضب شيئاً طبيعياً في بداية هذه المرحلة؛ بسبب ظروف تتعلق بشخصية الطفل من ناحية، وتتعلق بعلاقته بالأبوين من ناحية أخرى، فأما ما يتعلق بالطفل فإن هناك ظروفاً تدفعه إلى هذا السلوك الذي نعده في الأصل طبيعياً، حيث تدفع الطفل في هذه المرحلة دوافع بدائية قوية، وأقول: بدائية لأنه لم يتعلم بعد كيف يتحكم بهذه الدوافع، وبالتالي تزداد حساسيته لأي شيء يعوقه عن إشباع حاجاته ورغباته التي يرغب فيها، فنجد أبسط المواقف يمكن أن تثير لدى الطفل نوبات الغضب، فطفل السنتين -مثلاً- الذي يعجز عن الوصول إلى رف مرتفع قليلاً، والذي يوجد عليه الحلوى أو الأشياء التي يحبها، وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يعبر عن احتياجاته في كلمات، أو أمه لا تدرك بالضبط ماذا يريد، فمثل هذا الطفل يواجه موقفاً لا قِبَلَ له بتحمله، فهو كل شيء يريده لابد أن يتحقق، وهو لا يستطيع أن يعبر عن حاجته بالكلام، أو الذين حوله لا يفهمون ماذا يريد، لكن أحسَّ بالعجز عن إشباع إحدى هذه الحاجات. فمثل هذا الطفل لا يكون قادراً على ضبط انفعالاته، فلذلك تجد الاستجابة المباشرة لمثل هذا الموقف هي نوبة من الغضب الشديد، والأمثلة كثيرة ومتكررة بين الأطفال في هذه السن، وقد يكون هذا الشيء تافهاً بالنسبة للكبير وعقليته ونضجه، لكن الطفل لا ينظر له على أنه تافه، فمثلاً: الأكل الذي يقدم له هو يريد أن يكون أول واحد يوضع له الأكل، فلابد أن يكون هو أول واحد يأكل هذا الطعام، فإذا وضع الطعام لشخص آخر يرمي بنفسه على الأرض ويصرخ ويبكي إلى آخره، أو مثلاً: يريد هو أن يتناول الطعام بنفسه ولا يريد أن يساعده أحد، أو يريد أن يفتح الباب بنفسه، فالوالدان إذا لم يتفهما حقيقة مشاعر الطفل في هذه المواقف فقد يزيدان الطين بلة، يعني: يساعدان في تدعيم هذه المشكلة إذا لم يتفهما الأسباب التي تدفع الطفل إلى هذه الأفعال. وفي الحقيقة مهما حاول الأبوان أن يتفهما الظروف التي تعرض الطفل للضيق، ومهما حاولا أن يساعداه على الاستقلال، أو القيام بأعمال جديدة، ومهما ساعداه على أن يعبر عن رغباته، لكن في الواقع يصعب عليهما أن يتقبلا منه الغضب والعدوانية، حينئذ يواجهان بواجب تربوي هام، وهو كيف يمكن تحويل هذه المشاعر العدوانية من الطفل إلى قنوات أكثر تقبلاً؟ وكيف يساعدانه على ضبط نفسه؟ هنا أمور لا بد من الانتباه الشديد إليها: أولها: أن العقاب قد يؤدي إلى عكس المطلوب، وبالذات العقاب البدني في مثل هذه الحالة قد يزيد المشكلة، ولا يحلها، فمحاولات إسكات الطفل في أثناء النوبة لا جدوى منها؛ لأنها عبارة عن نوبة مثل نوبة المصدوع، فتستمر هذه الثورة إلى أن تأخذ وقتها، فلابد لك أيها الوالد أن تستسلم له، فالشدة والعنف لا يفيدان على الإطلاق في مثل هذه الحالة، بل يؤديان إلى عكس المطلوب، والشدة معه في أثناء النوبة تجعل مدتها تطول أكثر؛ لأن الطفل أثناء هذه النوبة ليس عنده أي استعداد للاقتناع، بل ليس عنده استعداد للاستماع لوجهة نظر أو نصيحة أو تهديد، فلا يمكن أن يفيد العقاب أو التهديد أو العنف في أثناء النوبة!! أيضاً إذا صرخت في وجه الطفل أو ضربته لإسكاته، فإن العنف والضرب يزيد من سوء الحالة، وستطول مدة النوبة، ويكون الطفل غير مستعد لأن يسمع نصائح ولا نقداً ولا أي شيء، هو دخل فيها فلابد أن يكملها. بعض الناس قد يصرخ في الطفل، أو يشتد عليه لغرض أن يسكت، وهذا ليس فقط لا يفيد، لكنه يأتي بضرر إضافي، حيث إنه يجعل من الوالدين قدوة سيئة سيتعلم منهما الطفل عكس المطلوب، فالشدة والعنف مع الطفل تأتي بعكس المطلوب؛ لأننا قلنا: ليس هناك حصة اسمها التربية، فالطفل يتعلم الذي يراه طريقة الكلام طريقة الأكل طريقة التعامل مع الآخرين طريقة الرد على الهاتف طريقة التفاعل مع الأحداث، فهو ينظر إلى فعلك ويفعل مثلك، حتى الصلاة يتعلمها بالتقليد والمحاكاة، فالأب والأم هما أسوة وقدوة، وأي خلل في سلوكهما ينغرس في الطفل! وأذكر طفلاً كان في أثناء النوم يصرخ ويبكي ويقول: رأيت أسداً ضخماً جداً مثل الذي رأيته في حديقة الحيوانات، والأسد هذا فتح فمه وأسنانه ظاهرة ويريد أن يأكلني!! فقال له والده: كيف عرفت أن صوته مثل صوت الأسد الحقيقي؟ قال: لأن صوته مثل صوتك يا بابا لما تصرخ، فانظر كيف ترجم عملية الانفعال أمامه، فأنت تعطيه القدوة في كيفية التصرف إذا غضب، فهو يعلم أن الحل أنه يصرخ ويشتد ويغلط؛ لأنه يتعلم نفس السلوك من القدوة. فإذاً: مواجهة نوبة الغضب بنفس الأسلوب من العنف والشتيمة والتهديد هذا لن يأتي بفائدة تذكر، فالطفل يكون غير مستعد لأن يسمع أي شيء يحجزه عن هذا السلوك، وفي نفس الوقت يعطيه نموذجاً للقدوة السيئة التي يتطبع بها ويتقمصها. كذلك: لا يجب فرض القيود الكثيرة على حركة الطفل وتصرفاته وانفعالاته، يعني: أعطه شيئاً من الحرية والانطلاق، بعيداً عن الكبت والتقييد والتعليمات المشددة في كل شيء. كذلك: وجود التنافس بين الإخوة، وتفضيل بعض الأولاد على بعض، فهذه الظروف المنزلية تتسبب في أن يعاق الطفل عن إشباع احتياجاته الأساسية، وعدم إشباع هذه الأساسيات يؤدي إلى حالة توتر، وحالة التوتر تؤدي إلى وقوع نوبات الغضب التي تحدثنا عنها. إذاً: كيف يكون التصرف دون ضرب ولا شتم ولا كذا وكذا؟ في هذه الحالة الكبار لا بد أن يواجهوا نوبات الغضب، بأن يظلوا هادئين بقدر الإمكان، لا تغضب أنت أيضاً وتزيد المشكلة، الأب لابد أن يكون هادئاً جداً بقدر ما يستطيع، ويقترب من الطفل ويتحدث إليه بصوت رقيق هادئ جداً -لأن هذا الصوت يمكن أن يكون له أثر في تهدئة هذا الطفل- ثم يحمل الطفل بحزم وحنان معاً حتى لو كان يقاوم ويرفس بيديه ورجليه، فيمكن أن يحمل بحزم، بحيث تقيد حركة يديه، وفي نفس الوقت يمكن أن ينقل إلى حجرة أخرى ويوضع فيها، يبقى هناك حتى تنتهي نوبة الغضب؛ لأنه قد تكون نظرات من هم السبب في أن يتمادى؛ لأنه يريد أن يثبت الاحتجاج، لكن لو أنهم تظاهروا بأنهم لم يلاحظوا أنه وقع فإنه سيسكت، أما إذا لاحظ اهتمامهم فإنه يتمادى في البكاء. يمكن أن ينقل إلى حجرة أخرى ويبقى فيها حتى تنتهي هذه النوبة، لكن لا بد أن يفهم أن هذا الإجراء ليس عقاباً، لا تقل له: سأحبسك في الغرفة، بل خذه -بعدما تكلمه بهدوء- إلى غرفة أخرى، لكن ليس على سبيل العقاب. ولو تساءلت: لماذا يجب علي أن أتبع معه هذا الإجراء؟ فأجيبك ببساطة: لأنه لا يوجد شيء آخر تقدر على فعله، ولا يوجد حل آخر غير أنك تأخذه إلى حجرة أخرى يبقى فيها حتى تنتهي هذه النوبة. فإذاً: نوبات الغضب لا يصح أن تواجه بغضب مماثل ولا تواجه بعقاب. أيضاً: هناك أمر مهم جداً، وهو: أنه لا يسمح للطفل أبداً بأن يحصل على أي مطلب عن طريق نوبات الغضب، لابد أن يفهم أن هذه النوبات لا تكون إنجازاً، وليست ميزة له، يعني: حين بكى وعمل ضجة، وحصل على ما يريد، فإن ذلك سيجعله يتمادى في هذه الأشياء، فلابد أن نحسسه أن هذا الفعل لا يؤدي إلى حصوله على ما يريد، وأنه لو أراد شيئاً فإن عليه أن يطلبه بهدوء وأدب، وعندها يمكن أن يحصل على ذلك الشيء، فضروري جداً ألا يحصل على أي مطالب عن طريق نوبات الغضب، فالنوبات التي تكون قابلة للعلاج بسرعة هي النوبات التي تمر دون مكافأة إلى أن تزول تدريجياً. فالمهم أن يطيل الآباء صبرهم، وإن شاء الله يصلون في النهاية إلى نتيجة محققة وكما قلنا: هذه فترة وستمر بسلام. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

أطفالنا والصلاة

أطفالنا والصلاة لما كانت الصلاة عماد الدين حث الشرع على أن يتعلمها الأطفال منذ صغرهم، بل يضربوا عليها وهم لم يبلغوا بعد سن التكليف، وهو آخر أسلوب يستخدم معهم كي يصلوا، وإنما يستخدم للتوجيه والتربية لا من أجل الانتقام والعقاب. ولكن قبل العقاب هناك التعليم عن طريق التوجيه بالقدوة الحسنة من الوالدين، والترغيب في الصلاة بالثواب عليها والتشجيع، فيتحرى الأب أن يغرس في الطفل معانيها الجميلة، ويربط المسجد والصلاة بكل ما يحبه الطفل ويهواه.

طرق وأساليب تربية الأطفال على الصلاة

طرق وأساليب تربية الأطفال على الصلاة

برمجة حياة الطفل ومواعيده بأوقات الصلاة وربطها بما يحبه

برمجة حياة الطفل ومواعيده بأوقات الصلاة وربطها بما يحبه كذلك على الأب أن يقرن الأمور المحببة بالصلاة حتى يتعود الطفل ويبرمج حياته على مواعيد الصلاة، مثلاً: بعد صلاة العصر نزهة، أو يشتري له هدية أو لعبة يحبها، فلا تقول له مثلا: ً الساعة السادسة سآخذك وسأعمل كذا، إنما تقول له: بعدما نصلي العصر أو بعدما نصلي المغرب سنعمل كذا، اربط -دائماً- وحدد المواعيد، واضبطها بالصلاة لكي تكون جزءاً أساسياً في الجدول اليومي بالنسبة إليه؛ لأنه إذا عرف أنه بعد الصلاة سيخرج يتنزه فسيتحفز لذلك ويستعد للصلاة في وقتها لاقترانها بأمر محبوب لديه. كذلك يرتب جميع مواعيده مع أولاده بأوقات الصلاة؛ فيتعلمون تنظيم الوقت بناء على أوقات الصلاة. كذلك يذكرهم بين الحين والحين بفضائل الصلاة من القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ حتى يكتمل تصورهم الفكري عن الصلاة ومنزلتها في الدين. يعود الصبي خاصة بعد سن العاشرة على أداء السنن الرواتب مع الصلوات المفروضة، ويحرص على قيام الليل ولو جزءاً يسيراً، فيعلن الأب لأولاده أنه سيقوم ليصلي في الليل وقت كذا وكذا، ثم يتركهم يتنافسون في الاستيقاظ في ذلك الوقت، دون أن يوقظهم الأب لتقوى إرادتهم ويعتادوا من قبل أنفسهم، ويخفف بهم في الصلاة، ومن نعس منهم أمره بالنوم رفقاً به.

متابعة انتظام الطفل في الصلاة وتشجيعه

متابعة انتظام الطفل في الصلاة وتشجيعه كذلك ينبغي متابعته في مدى انتظامه للصلاة، وتكرار الأمر بها دون ملل، فإذا شغل الأب أو غاب وكّل من يقوم بمتابعته. مثاله: لو أن الطفل له لعبة محببة إليه جداً وتريد أن تأمره بالصلاة، فكيف تأمره؟! قل له: صل لكي تلعب. وعلى كل حال: في هذه الحالة لو شددته من اللعب إلى الصلاة فقد يشعر أنه حرم مما كان يفضله، أو ربما يعاندك، وهو لا يعاندك لأنه لا يريد أن يصلي، لكن لأنه يتمتع باللعب، فالحل في هذه الحالة أن تعمل حسابك قبل موعد الصلاة بعشر دقائق، وتخبره بأن الصلاة ما بقي على وقتها إلا عشر دقائق. فأنت لا تحرمه من اللعب أو تقطعه عن اللعب إلى الصلاة، لكن تأتي إليه قبل موعد الصلاة، وتقول له: بقي على الأذان ربع ساعة أو عشر دقائق؛ أي: فاللعب في هذه الفترة حتى إذا سمعنا الأذان فعليك أن تقوم وتتوضأ وتصلي، فنراعي مثل هذه الأمور. فإذا شغل الأب أو غاب لأي سبب من الأسباب فإنه يوكل من يقوم بمتابعته من الذين في المنزل ويأمرون الطفل بالصلاة خلال فترة غيابه أو شغله، روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (حافظوا على أبنائكم في الصلاة، وعودوهم الخير، فإن الخير عادة)، الحل هو التربية بالعادة، ولا نبخل بمكافئته أحياناً لانتظامه في الصلاة، لكن لا يواظب على ذلك حتى لا نعلمه على أن التعامل تعامل مادي حتى في العبادة، بل نربطه بالثواب له من عند الله سبحانه وتعالى. وأيضاً المديح له والثناء والتشجيع من الأبوين مثلاً، فلا بأس بمكافئته أحياناً لانتظامه في الصلاة، وإذا حصل منه خطأ فقل له: كنت سوف أحاسبك على هذا الخطأ، لكن لأنك تحافظ على الصلاة فسوف أعفو عنك هذه المرة. هذا نوع أيضاً من المكافئة. على كل الأحوال بالنسبة للمكافئات المادية لا يواظب المربي على ذلك، وفي نفس الوقت إذا أعطى هدية مادية من وقت إلى آخر ينوعها.

التساهل مع الطفل في شروط الصلاة

التساهل مع الطفل في شروط الصلاة كذلك لا يشتد الأب مع الطفل قبل سن التمييز في أمر الطهارة للصلاة وستر العورة، بمعنى: ممكن أن الطفل يأتي إلى الصلاة حتى في سن السابعة أو فما فوق وهو مقصر في بعض أركان وشروط الصلاة خصوصاً في ستر العورة؛ لأن صلاته تصح، ومعلوم حديث الصبي الذي كان يصلي بالناس، فاشتكى النساء وقلن: استروا عنا عورة صاحبكم. فقد كان أثناء الصلاة ينكشف منه شيء، فالشاهد أن صلاته كانت صحيحة. فإذاً: لا بأس بالتساهل في تحصيل شروط الصلاة في مراحل التدريب الأولى، كأن يسجد في أي الأحوال أو في أي الأوضاع، فهذا فيه نوع من التدريب، يعني: لا تتشدد معه قبل سن التمييز في أمر الطهارة للصلاة وستر العورة، بل اتركه يقلدك كيفما كان، ولا تكفه عن التقليد؛ لأن زجره في هذه السن وهو غير مكلف ينفره من الصلاة.

عدم تصيد الأخطاء للطفل الذي يواظب على الصلاة

عدم تصيد الأخطاء للطفل الذي يواظب على الصلاة الأمر الآخر: الطفل الذي يصلي لا نتصيد له الأخطاء، وكلما غلط غلطاً تقول له: أنت تصلي وتعمل كذا، أو: أنت تصلي ولا تسمع كلام أمك إلى آخره. هذا سوف يكرهه في الصلاة، وسيحتسب الصلاة عبئاً شديداً عليه فينفر منها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن منكم لمنفرين، بشروا ولا تنفروا). فبالعكس نتغاضى عن أخطائه؛ لأنه من حقه أن يخطئ في هذا السن، ويتعلم من التجربة والخطأ، ويمكن تحويل العبارة بطريقة أكثر إيجابية، واستبدال هذا التوبيخ المباشر الذي قد يشعره بأن الصلاة عبء عليه، وأنه إذا تخلص من الصلاة سوف يتخلص من كل هذا التوبيخ؛ لأن الذي لا يصلي لا يعاتب. وهذا يحدث أيضاً مع البنات في موضوع الحجاب فيقولون لها: أنت محجبة وتفعلين كذا. والصحيح أن يقال لها: أنت محجبة ومؤدبة ومهذبة، والذي يليق بك أن تفعلي كذا وكذا، بدون إظهار النقد الهدام.

تهيئة الطفل لاستقبال الصلاة بعد سن السابعة

تهيئة الطفل لاستقبال الصلاة بعد سن السابعة هناك مناسبة: وهي بلوغ الطفل سن السابعة من العمر في التقويم الهجري، وهنا يجب على الأب أن يأمره بالصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين)، وأيضاً يأمره بتحصيل شروطها كالطهارة وستر العورة. مع العلم أن التدريب المبكر على الصلاة بلطف وبرفق مع الاستمرار يجعل الصلاة في حياة هذا الطفل جزءاً من كيانه لا يمكن أن ينفصل عنه أبداً، فإذا أحكمنا غرس الشعور بأن الصلاة جزء من شخصيته وهويته وكيانه؛ كان هذا أدعى إلى أن يتمسك بها حينما تجب عليه ولا يضيعها. وعند إكمال سن السابعة لا ينبغي أن يمر هذا التاريخ مروراً عابراً، ونحن وإن كنا ضد الاحتفال بعيد الميلاد؛ لأن هذه بدعة ليس لها علاقة بالإسلام، لكن سن السابعة نحن لا نسميه عيد ميلاد، لأن سن السابعة له مناسبة شرعية مهمة جداً، وهي أنه سوف يبدأ بأمره بالصلاة، فيجب على الأب أن يأمره بالصلاة، وهي غير واجبة على الطفل، فبالتالي يجب أن يسلط الضوء على هذا التاريخ، ويعد للطفل مقدمات؛ كأن يقول له: بقي لك أربعة أشهر وتبدأ تصلي مثل الكبار، فتضع له في الكلام شيئاً مغرياً، وأن أملاً كبيراً سيتحقق، وأن فلاناً إذا أكمل السابعة سيحافظ على الصلاة باستمرار ويواظب عليها. فالمطلوب تعميق هذا الحدث الهام، لأننا نريده أن يعلم أن ما قبله مفصول عما بعده، وأنه الآن يستقبل مرحلة جديدة؛ فلابد أن يهيئ نفسه لها مسبقاً، ولكن ليس على أنها مسئولية ستلقى على كتفه وعبء عليه، ولكن لأنه سيكبر، فتقول له: كم سنك الآن؟ فيقول لك: ست سنوات! فتقول: عندما تبلغ سبعاً ستصبح رجلاً إن شاء الله، فنربطها بشيء يكون له أمل وطموح هو متطلع إليه بلهف. فإذاً: لا ينبغي أن يمر تاريخ إتمامه سن السابعة مروراً عابراً، بل لابد أن يعمق هذا الحدث الهام من خلال إعلامه قبلها بأنه مقبل على أمر عظيم، وهو اقتراب نوعي لأمره بالصلاة، فإذا بلغ السابعة فصلى أول فرض جمع له أبوه بعض أصدقائه وإخوته في حفل صغير ابتهاجاً بهذه المناسبة الطيبة، وكذلك يأتي له والده بمنبه لمواعيد الصلاة، أو تقويم حتى يعرف مواعيد الأذان، أو يأتي بأي نوع من أنواع الهدايا لمثل هذه المناسبة، أو حلوى يحبها، وكل صديق يحضر له هدية بسيطة، فيحس أن المناسبة عظيمة جداً، لا احتفال بعيد ميلاد، لأن هذا تضخيم للأمر العظيم، والمهم الذي هو مقبل عليه، وهو بداية التحول إلى أداء الصلاة، أو مثلاً يقدم له ساعة لكي يعلم بها مواعيد الصلاة.

أسلوب التعليم النظري والعملي للصلاة

أسلوب التعليم النظري والعملي للصلاة على الأب أن يعلم ولده الوضوء والطهارة بالشرح النظري، ثم بالتدريب العملي المتكرر، مع تبسيط الأمر بقدر المستطاع، فلا تكثر عليه من الأدعية أو السنن في المراحل الأولى، ولكن بنوع من التبسيط الشديد في العبارة، فيعلمه الوضوء والطهارة بالشرح النظري، ثم بعد ذلك بالتدريب العملي المتكرر، فيمثل نموذجاً للوضوء أمامه ويجعله يكرر ذلك خطوة خطوة كما يفعل هو في الوضوء، ويسمح له بالتطبيق أمامه، فإن أخطأ في عمله علمه ووجهه بلطف وبدون تعنيف، فإذا أتقن الوضوء مدحه واحتضنه وقبله مشعراً إياه برضاه عنه، وهذا نوع من المثوبة المعنوية (المدح بالثناء عليه)، ولا يشترط أن يكون الثواب دائماً بالحلوى والنقود، لكن ممكن بأن يظهر الرضا عنه وتقديره لما صنع بغيرها. كذلك يعلمه فضائل الوضوء ويحفزه على الحرص على تحصيل ثوابه. ويلاحظ أننا نهتم كثيراً بأمور الترهيب مع الطفل، وإن كان ولا بد من الترهيب فيكون الترهيب بصورة عامة دون أن تقول له مثلا: ً إذا لم تصل فسوف تدخل النار، وسوف يعذبك الله بكذا وكذا، لكن قل: من لا يصلي يعاقبه الله؛ لأن الأول كذب، والطفل إذا لم يصل فلن يدخل النار، لأنه غير مكلف، فلينتبه إلى مثل هذا.

أسلوب التربية بالعادة

أسلوب التربية بالعادة كذلك يتم تعليمه الصلاة منذ السن الباكرة دون توجيه مباشر، بل يكرر الأب صلاة النوافل في المنزل على مشهد من أولاده، وهم سوف يتأثرون بما يرونه أعمق الأثر، إذا رأوا أباهم يمرغ وجهه لله عز وجل ساجداً، قائماً خاشعاً، قد استغرقته الصلاة وصرفته تماماً عما حوله؛ لأن الطفل مع الوقت يلاحظ ويستنتج أن الذي يدخل في الصلاة لا يجوز أن يكلمه أحد، ولا أن يأكل أو يشرب؛ لأن الصلاة قد استحوذت على كل كيانه. الشاهد: أن الطفل سوف يعلم من هذا المشهد أن أباه متى ما دخل في الصلاة فإنه لن يستجيب له، وكذلك أمه. وكذلك صلاة الأب خاشعاً لله سبحانه وتعالى وهذا مما يؤثر فيه أعمق الأثر, ومن شأنه أن يغرس في نفوس الأطفال عظمة الله سبحانه وتعالى. وهذه هي التربية بالعادة، فهم يتعرفون على أعمال الصلاة ويحبونها بالعادة. مثلاً: حينما ينام تلقنه بعض أذكار المساء، وحينما يأتي الصباح تلقنه بعض أذكار الصباح، ومن ثمَّ تتحول إلى عادة يواظب عليها، وهذا مما يعينه فيما بعد على الاستقامة على هذه الأمور الشرعية.

الدعاء من وسائل التربية على الصلاة

الدعاء من وسائل التربية على الصلاة كذلك من الأسباب التي ينبغي أن لا نغفل عنها عند تربية الأطفال على المحافظة على الصلاة: أن يستعين الإنسان بدعاء الله عز وجل، وأن يتأسى بإبراهيم عليه السلام لما كان يقول في دعائه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم:40]، ينبغي للإنسان أن يلهج بهذا الدعاء في كل مناسبة، ويتحرى أوقات الإجابة؛ لأن الدعاء بلا شك من أنجح وأقوى أسباب حصول المقاصد.

استخدام العقاب في الحث على الصلاة

استخدام العقاب في الحث على الصلاة على الأب أو المربي أن يعلم أن العقاب البدني بشروطه هو الوسيلة الأخيرة للتربية، كي لا يتعود عليه الطفل، وبالتالي لا يجدي استعماله فيما بعد، فمسألة العقاب البدني بالنسبة للطفل موضوع شائك للغاية، ويساء فهمه، وبالتالي تطبيقه عند كثير من الناس، وله ضوابط إن شاء الله سنتكلم عنها فيما بعد، وأرجو أن يكون ذلك في أقرب وقت ممكن، ونحاول أن نفرده من بعد ضمن الموضوعات التربوية المهمة؛ لأن دفع المضار مقدم على جلب المنافع، فموضوع الضرب يحصل نتيجة الجهل الواقع في الناس بموضوع التربية، ومن الناس من يتصور أنه إذا لم يضرب أنه من الممكن أن يضيع سُنة ويقع منه تقصير، حيث لم يضرب الأطفال؟! نعم. ليس هناك نزاع على الإطلاق في أهمية وضرورة مبدأ الثواب والعقاب في التربية، أي أن مبدأ الثواب والعقاب مبدأ أساسي مهم، لكن أنواع الثواب أو أنواع العقاب تعتبر مسألة أخرى؛ إذ ليس من شرط العقاب أن يكون بالضرب. والضرب له شروط كثيرة، لكن متى شرع الضرب؟ قال عليه الصلاة والسلام: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين)، فإذا كانت الصلاة التي مقامها في الإسلام عالٍ, وشأنها هذا الشأن العظيم، لا يضرب عليها الطفل إلا بعد بلوغ العاشرة، فكيف بغيرها؟ وهل هناك شيء أهم من الصلاة؟ سنرى بعض الآباء القساة الغلاظ القلوب يضربون الأطفال ضرباً مبرحاً على أتفه الأشياء، والشيء الغريب والخطيئة المتكررة في التربية أن كثيراً من المربين لا يتفطن إلى حقيقة هي: أن طفلك ليس أنت، فلا يجعل الإنسان عقله بعقل الطفل، وإلا فإنه إنما يضرب بعنف لأنه خرج الضرب عن كونه نوعاً من أنواع العلاج الضرب شرع بشروط كعلاج، لكن إذا كان سيتحول إلى داء لا دواء فلا داعي له، لأنه له هدف تربوي؛ ولذلك لا يجوز للإنسان أن يضرب وهو غضبان، والشرع الشريف والآداب الشرعية لا تبيح لك ضرب الطفل وأنت غضبان، بل عليك أن تتريث حتى تذهب سورة غضبك, وتقرر الضرب وأنت هادئ؛ لأنك عند الهدوء سيكون الهدف من الضرب هو التقويم والعلاج، لكن في حالة الغضب سيكون الهدف هو إفراغ شحنة الغضب في ضرب الطفل، ولن يتوقف الضرب حتى تهدأ النفس وتخرج شحنة الغضب، فبالتالي ليس هذا هو الضرب المشروع أو المقصود بتربية الطفل. إذاً: فقد خرج إلى كونه وسيلة عقاب وانتقام للنفس وإخراج شحنة الغضب، وليس هناك تكافؤ بين الطفل الصغير والإنسان الضخم كبير العضلات والقوة، لذلك فإن الضرب لابد أن يصدر من الإنسان وهو في غاية الهدوء والاتزان، ثم يقرر أن الضرب في مصلحة، وبالتالي سيكون ضرباً رفيقاً لا كضرب العبيد، كما يحصل من بعض الجفاة. فعلى كل الأحوال قضية الثواب والعقاب لا مناص منها في العملية التربوية؛ لأنها وسيلة من وسائل التربية، لكن معنى العقاب أشمل من أن يكون بالضرب، ووسائل العقاب كثيرة متعددة، كما أن العقاب لابد وأن يكون متناسباً مع حجم الخطأ، فلا يكون عقاباً شديداً على خطأ تافه. كما أنه لابد أن يعرف المربي أن العقاب البدني إنما هو الوسيلة الأخيرة للعقاب، وآخر مرحلة من مراحل العقاب؛ لأن الطفل إذا ما اعتاد أن الأب دائماً يستعمل ضده سلاح الضرب فسوف يفقد هذا السلاح تأثيره، ويفقد الطفل الإحساس بالضرب، ويشعر أن كرامته قد أهدرت منذ زمن، ومن المؤكد أن الضرب عند الناس المتهورين يرتبط بالتحقير والشتم والسب ونحو هذه الألفاظ، والطفل إذا ما تأثر بهذه الأشياء فلن يفيد حينها استعمال الضرب معه فيما بعد وسيفقد تأثيره معه، لكن كلما كان نادراً ومنضبطاً كلما أتى بالتأثير.

تعليم الأطفال الصلاة عن طريق القدوة الحسنة

تعليم الأطفال الصلاة عن طريق القدوة الحسنة الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على محمد رسوله وعبده، وعلى آله وصحبه من بعده. ثم أما بعد: فمن أنواع البناء التربوي للأطفال: البناء العبادي، أي: بناؤهم في ناحية العبادة، وأهم العبادة بلا شك هو ركن الصلاة، فالأطفال يعتقدون أن كل ما يفعله الكبار صحيح، ويرون آباءهم أكمل الناس وأفضلهم، ولذلك يحاكونهم ويقتدون بهم، ففي السن المبكرة لا يكتفي الأطفال بمجرد تلقين معلومات لا يكون لها أثر مثلما يكون الأثر عن طريق القدوة العملية؛ لأن الفترات الأولى للطفل يتأثر فيها بالتفكير المادي أو الحسي، فهو يتأثر بالأمور المحسوسة ويعيها جيداً. مثال: إذا حدثت طفلاً عمره ثلاث سنين لا تستطيع أن تكلمه عن المعاني المجردة: الجمال والعدل والسماحة والكرم وهكذا؛ لأن هذه لا يدركها الطفل لأنها معانٍ مجردة، لكنه يدرك الأمور المحسوسة ويتأثر بها جداً. فموضوع القدوة في حياة الطفل يعتبر من أخطر وسائل التربية وأشدها أثراً على الإطلاق؛ ففي السن المبكرة لا يتأثر الأطفال بالتلقين -الكلام الشفوي- إذا لم توجد أمامهم القدوة الصالحة التي تترجم بصورة عملية المعاني المجربة، ولذلك فإن أفضل وأعمق طريقة تؤثر في حفر قيمة الصلاة في نفوس الأبناء، هي أن يروا أبويهم يحافظان على الصلاة أمامهم باستمرار، أما الأب فبصلاة النافلة في البيت، وأما الأم فالفريضة، وإذا صلى الوالد دون أن يأمر الأطفال الصغار -ممن دون السابعة بالتحديد- فسوف يجد الأب أن الطفلة تذهب بجوار الذي يصلي وتقوم بتقليده، وتقلده في الحركات بطريقة سائدة معروفة، تنظر إليه وهو يسجد وتنظر كيف يصلي حتى تقلده في الحركات، فهو لم يدعوها أصلاً للصلاة لكن الطفل يتقمص فعل الأب، والتقمص يعتبر من أعلى مراتب التقليد، بل أعمق وأقوى صور التقليد والمحاكاة هي التقمص، فهو يتوحد مع أبيه أو يتقمصه ويفعل ما يراه بطريقة عملية. وكما تكلمنا من قبل مراراً أن موضوع التربية لا يكون بأن يقول الأب لأولاده: تعالوا معنا الآن إلى حصة تربية، ثم يعطيهم محاضرات! لأن التربية عملية مستمرة خلال الأربع والعشرين ساعة في كل سلوك يفعله الآباء بالذات، فعندما يقول الأب مثلاً لابنه: إذا اتصل أحد يريدني فقل: أبي غير موجود. فهذه تربية على الكذب واستباحة له، وأن الكذب يعتبر طريقة مقبولة للتخلص من الحرج، أو واحد يطرق الباب فتقول: قل له أبي غير موجود، فيقول: أبي يقول لك إنه غير موجود، فالطفل بهذه الطريقة يتشرب الكذب، وأنت بهذا تعلمه كيف يستطيع التخلص من المواقف بالكذب، أو إذا كان الأب يخون الأمانة، أو يكيد لزملائه ثم يحكي ذلك في البيت والطفل يسمعه كل هذه وسائل تربية تترك بصمات عميقة الأثر مدى الحياة في ذلك الطفل. فإذاً: مجرد التلقين بالكلام والوعظ الشفهي بالنسبة للأطفال لا يؤثر فيهم ما لم توجد أمامهم صورة عملية، يسمونها: (كونتريك سنجل)، أي: تفكير متحجر، ليس هو تفكير المعاني المجردة، وإنما هو التفكير الحسي، ولابد من وجود شيء حسي وليس شيئاً معنوياً فقط مثل قيم الجمال، والتسامح والعدالة والنزاهة، لأن الطفل في غفلة عن مثل هذه المعاني، لكنه لا بد أن يوجه بشيء حسي، فإنه يجسد الصورة التي يتوحد معها هذا الطفل. إذاً: محافظة الأب أو الأم على الصلاة تؤثر في الأطفال أعمق الأثر، وتحفر الصلاة في وجدانهم حفراً.

علاج تقصير الطفل في الصلاة

علاج تقصير الطفل في الصلاة إذا قصر الولد في الصلاة بعد العاشرة وجب على الأب وعظه وتذكيره بالنصوص الشرعية في الصلاة، فإذا استمر في تهاونه أغلظ له في القول وعنفه، ولا يكلمه ولا يخالطه ولا يمازحه، ويحرمه من بعض الأشياء المحببة لديه؛ فإذا فشل العقاب النفسي يلجأ الأب إلى العقاب البدني بشروطه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين). فالمربي يقدم أسلوب الترغيب والإثابة والتشجيع، ويتجاهل تقصير الطفل في بعض الأوقات، مع حسن الإشارة والتلميح دون التصريح، فإن أصر عاتبه سراً، ويعبس في وجهه، فإن أصر عاتبه جهراً أمام أسرته أو رفاقه بدون شتم أو سب أو تحقير، وهذا شيء غير مسموح به على الإطلاق، فإذا انتقدت فانتقد الموقف أو التصرف، لكن لا تختم على الطفل بأنه فاشل مثلاً ولا أمل فيه، فهذا تحقير للذات، وتحطيم لقدرات الطفل، لكن تنتقد التصرف فقط لا أن تنتقد ذاته هو، أو تحقرها وتوبخها بصورة عامة. فإن تمادى رغم ذلك يهدده بالضرب ويعلق عصاً صغيرة بحيث يراها، فإن لم تنفع هذه الوسائل يلجأ إلى الضرب لكن بالشروط الآتية: أولاً: لا يضرب بأي حال قبل سن العاشرة. ثانياً: أن يعلم المربي أن الضرب وسيلة علاج وإصلاح، وليست لإهانته وتحقيره وتشويه نفسيته، وليس الضرب وسيلة انتقامية يقصد بها تفريغ شحنة غضب المربي وإراحة نفسه، ولكنه ضرورة تربوية استثنائية لمصلحة الطفل، وعليه فلا يقدم المربي على عقوبة الضرب وهو غضبان ثائر. ثالثاً: أن لا يكون الضرب شديداً مبرحاً، ويستعمل فيه عصا معتدلة الحجم والرطوبة، ولا يزيد على ثلاث ضربات، وللوالد أن يزيد إلى عشر كحد أقصى، وأن يتوقى ضرب الوجه والمواضع الحساسة من البدن, ولا يكرره في الموضع الواحد بل يفرقه، ويترك بين الضربتين زمناً يذهب فيه ألم الأولى. كذلك يكون الضرب على تقصير حقيقي لا على شبهة أو سوء ظن، وأن يتناسب العقاب مع حجم الخطأ ونوعه، وأن يتوقف عن الضرب إذا ذكر الغلام الله عز وجل واستغاث به. أحد الإخوة أراه اليوم شاباً يافعاً، لما كان صغيراً جداً في بداية نطقه حصل أن ضربه والده، وكنت ذكرت في محاضرة حضرها هذا الأب مع ابنه: أن الطفل لا يضرب إذا ذكر الله، فأتاني الوالد بعد المحاضرة وقال لي: جزاك الله خيراً يا شيخ، فسمع هذا الأمر الأولاد معه، وهو يظن أنهم لا يفهمون وهم يفهمون جيداً، فكان كلما ضربه أبوه يذكر الله أثناء الضرب، فكان يستغل هذه الأشياء، فجاء أبوه يشتكي إليّ أنه من حين سمع قولي: إذا ذكر الله يوقف الضرب فيذكر الله ويستغيث بالله أثناء الضرب لكي أتوقف. وهنا لابد أن نزرع في الطفل تعظيم اسم الله سبحانه وتعالى، فمن تعظيم اسم الله أنه إذا ذكر اسم الله يتوقف الأب عن الضرب؛ فيرتبط ذكر اسم الله بالرحمة، والعفو وتوقف الأذية؛ فهذا شيء سيحبب إليه ذكر الله سبحانه وتعالى. كذلك لا يكرر العقاب؛ لأن العقاب الذي يتكرر سيفقد فاعليته كسلاح، فلا يكرر العقاب بقدر الإمكان حتى لا تفقد العقوبة قيمتها فلا يبالي بها الطفل، لكن القاعدة: أن الإنسان متى استطاع أن ينجز ما يريد بالرفق فلا يعدل عن الرفق تماماً. وهذا شيء مطلوب، فإن الطفل الراقي المحافظ على كرامته يكون الكلام أشد عليه من الضرب، فنتركه يحافظ على كرامته ولا نهدرها، فالضرب شيء استثنائي، وبشروط كثيرة سنفصل فيها إن شاء الله فيما بعد. لنفترض أيضاً أن الأب قصر في أمره بالصلاة في سن السابعة وتجاوز السابعة والثامنة والتاسعة وجاءت العاشرة؛ فإذا بلغ عشر سنين ولم يكن قد أمره بالصلاة هل يبدأ بالضرب؟ لا يبدأ بالضرب، فإذا كان قد قصر في أمره بالصلاة بعد السابعة، فلا يستعمل معه العقاب البدني مباشرة بعد العاشرة وقد قصر في تعويده بل يتدرج معه ويمرنه ويعوده عليها من جديد.

آداب إدخال الأطفال المساجد وتحبيبها إليهم

آداب إدخال الأطفال المساجد وتحبيبها إليهم لابد من تعويد الطفل على صلاة الجماعة منذ الصغر لكي يتعلق قلبه بالمساجد، وهناك يتعرف على العلماء ويمارس عملياً آداب الإصغاء في مجالس العلم. هذا وإن الحرص على مشاركة الكبار في أفعالهم ميل طبيعي عند الطفل؛ فليستثمر في هذا الموضع، لكن ينبغي أن يكون الطفل عارفاً بآداب المسجد، ويحافظ على المسجد من التلويث أو النجاسة أو اللغو والتراب ونحو هذه الأشياء. نعم هناك أحاديث تدل على أن الأطفال كانوا يتواجدون في المسجد، لكن أطفال الصحابة ما أظن أنهم كانوا مثل أطفالنا، فالذي يعرف آداب المسجد هو الذي يأتي إلا لضرورة استثنائية، لكن لا يجوز أن نحول المسجد إلى دار حضانة، نسمع فيه الصراخ والصياح وصور لا تنتهي من القذارة وتلويث المسجد، وهذا نوع من التعسف في استعمال حق إدخال الأطفال في المساجد، فنكون بهذا قد بدأنا من حيث انتهى الشرع. أعني أن الرخصة تتوقف عند حد معين، ونحن نأتي عند الحد الأقصى ونجعلها نقطة انطلاق إلى الإفراط في استعمال هذا الحق، فالأطفال يجب أن يكونوا معروفين بعدم اللعب أو من النوع الذي يسبب ضوضاء وأذية للمصلين، أو يعبث في أجهزة المسجد أو نحو ذلك، فلا بد أن يلقن أولاً آداب المسجد؛ فإن اطمأن إلى ذلك أحضره إلى المسجد. كذلك قبل أن يحضره إلى المسجد يهيئه؛ لأن الطفل يظل عنده نوع من الخوف الاجتماعي، ويخاف أن يلاقي الناس بمكان واسع مثل المسجد، فربما يحصل له نوع من الخوف ويبكي ويصرخ، فلابد أن يحصل نوع من التهيئة قبل أن نذهب به إلى المسجد، ويوصف له المسجد على أنه بيت الله سبحانه وتعالى، ومكان واسع وجميل، ونظيف وله رائحة طيبة، وفيه كذا وكذا تصف له المسجد، وتقرن لون المسجد بكل شيء جميل، وبأشياء محببة إليه، مثلاً: اشتر حلوى من جنب المسجد، فأدخل كلمة المسجد واقرنها بالحاجات التي يحبها. مثلاً: وأنت تمشي تقول له: انظر إلى هذا المبنى الجميل، هذا هو المسجد، وأنا قريباً سوف آخذك معي لتصلي فيه، هذا نوع من التدرج قبل أن يأتي إلى المسجد. كذلك يمكن تهيئة جو المسجد قبل اصطحابه، فلا مانع أبداً أن يتفق مع الإمام والمؤذن وبعض المصلين من الجيران لترتيب الوضع؛ لأنهم أطفال اليوم ورجال الغد، ويبدأ التربية من هذه السن الباكرة؛ فهي أعمق أنواع التربية، فما دمنا محتاجين إليهم فنتذلل إليهم ونتحايل عليهم ونحاول أن نكسبهم، لأنهم هم المستقبل، فصغار اليوم سيصبحون كبار الغد؛ لأن الأمة محتاجة إلى هؤلاء الأطفال، لأنهم هم المستقبل حقيقة، فبالتالي ما المانع أن يحصل هذا التواطؤ بين الأب والإمام والمؤذنين وبعض المصلين أنه إذا حضر معي هذا الطفل فإنهم يحتفون به، ويلاطفوه، وكذا بعض الناس من كبار السن نلاحظ أن عندهم ذوقاً، فدائماً يكون معهم (شكولاته أو حلويات) للأطفال، فعندما يرى أحدهم الطفل في المسجد يعطيه حلوى، فهذا نوع من التلطف المراد في أهل المسجد، فيتواصوا أنه إذا حضر الطفل لاطفوه ليحس بالأنس فيطمئن إلى أهل المسجد ورواده؛ لأن الاهتمام به في أول مرة يدخل فيها المسجد سوف يوقع في نفسه شأن تعظيم الصلاة. كذلك إذا كان الإمام ممن يطيل الصلاة إطالة تخالف السنة ينبه على عدم الإطالة. كذلك يربط الطفل في المسجد بحلق تحفيظ القرآن الكريم، وتجويده بالتعاون مع إمام المسجد؛ لأن المساجد الآن هي الحصن الأخير الذي حفظه الله من كل سوء، والذي يمكن أن نصحح فيه الأخطاء التربوية في السهام الموجهة للأطفال والأبناء في المدارس والإعلام والمجتمع إلى آخره. كذلك يهتم بترسيخ ارتباطه بالمسجد وأهله عن طريق ممارسة أنشطة نافعة ومسلية للأطفال. كذلك يعظم دائماً أمامه صلاة الجمعة ويحدثه عن آدابها، وأحكامها، وضرورة احترامها وتوقيرها، لكن لا يحمله ما لا يطيق من أمر صلاة الجمعة؛ لأن صلاة الجمعة تطول فيها الخطبة والصلاة؛ فممكن مع الوقت أن يمل الطفل، وقد يصعب عليه أن يحافظ على الطهارة فهو يريد أن يلعب. وللأسف الشديد في هذا الزمان يندر جداً أن نرى من يتمسك بالسنة، حتى الذين ينتمون إلى السنة والسلفية فالسنة ينبغي احترامها، ومن السنة تقصير الخطبة وإطالة الصلاة، والذي يحصل الآن للأسف الشديد أن تتحول الخطبة وكأنها محاضرة طويلة فيها مشقة فعلاً على الناس، فخطبة الجمعة لابد أن يشتهر ويتميز الخطيب بأنه يقصر الخطبة ويطيل الصلاة، فإذا فعل ذلك عرف الناس أن هذه هي السنة، وليست السنة أن تطيل الخطبة كما يحصل ويشق على المصلين. روي أن أبا هريرة رضي الله عنه دخل مرة المسجد يوم الجمعة فوجد غلاماً، فقال له: يا غلام! اذهب للعب، قال: إنما جئت إلى المسجد، قال: يا غلام اذهب للعب! قال: إنما جئت إلى المسجد، قال: فتقعد حتى يخرج الإمام قال: نعم، يعني: بدأ بالتخفيف لكيلا يكلفه بصلاة الجمعة دون سن العاشرة بل يرغبه ولا يرهبه، فإن أقبل عليها وإلا تركه وشأنه مرفهاً حتى يبلغ العاشرة أو ما قبلها بقليل فيبدأ معه بالإلزام. كذلك يتحرى الأب اختيار الخطيب؛ لأنه بخطبته ومسلكه عميق التأثير في أخلاق الأولاد خاصة إذا فهموا الخطبة وعقلوها، ولا بأس أن يسألهم بعد الخطبة عن موضوع الخطبة، وما استخلصوه من الفوائد، ويحثهم قبل الدخول على حسن الإنصات، ويبين لهم أنه سوف يسألهم عن مضمون الخطبة بعد الصلاة؛ لاستدعاء تركيزهم أثناء الخطبة. إذاً: هذا فيما يتعلق بتنبيهات بشأن تربية الأبناء على المحافظة على الصلاة؛ لأن الأطفال كما ذكرنا هم مستقبل الأمة المتمثل في هؤلاء الأبناء وأفلاذ الأكباد. يقول الشاعر: لا بد من صنع الرجال ومثله صنع السلاح وصناعة الأطفال علم قد تكفله أولو الصلاح من لم يلقن أصله من أهله فقد النجاح لا يصنع الأطفال إلا في مساجدنا الفساح في روضة القرآن في ظل الأحاديث الصحاح شعب بغير عقيدة ورق يذريه الرياح من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية الصلح بين الزوجين ونصحهما

كيفية الصلح بين الزوجين ونصحهما Q شخص يعيش مع زوجته وهو في حالة خصام معها أكثر من عام، فماذا نقدم لهما من نصح، وهل هناك آثار تترتب على هذا الخصام؟ A لا شك أن هذا وضع لا يرضاه شرعنا الشريف بحال من الأحوال، وهذا نوع من الطلاق يسمى الطلاق النفسي، وهذا ليس تعبيراً شرعياً لكنه تعبير طبي، فالطلاق النفسي بين الزوجين يحصل أحياناً بأن تبقى المرأة على ذمته وبينهما هذا الانفصام. الشرع الشريف لا يمكن أن يقر هذا الحال؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227] فهذه الآية الكريمة في حق من يولي أي: يحلف أنه لا يقرب امرأته أبداً، ويهجرها. فالشرع الشريف حكم في مثل هذا: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)، فليس في الشريعة ما يخول لك أن تترك المرأة معلقة بهذه الطريقة، وإنما ينظر أربعة أشهر من حين حلفه، فإن رجع وفاء وكفرَّ عن يمينه انتهى الأمر، لكن إن أصر على التمادي لا يسمح له، ولكن: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227]. لكن الإنسان في مثل هذه الحالات لا يبادر بالكلام، لأنه لا يجوز لإنسان أن يعطي نصيحة في خصومة بين طرفين دون أن يسمع حقيقة الأمور؛ لأن البيوت أسرار، فمهما بذل الناس فهم لا يعرفون الغيب، أو لا يطلعون على أسرار البيت، فالإنسان إذا تعجل وانتقد موقف أحد الطرفين دون أن يسمع التفاصيل؛ فربما يفاجأ بأشياء لم تكن في الحسبان، فمثل هذه الأحوال الخاصة التي تخص الأسر ينبغي أن تكتم أسرارها وتلعق جراحها، فلا يتكلم أحد بما لا يعنيه ولا يخوض في حقوق الناس، ولا يظلم هذا ولا ذاك حتى يسمع كل الحقيقة، ثم يتحدث إن كان أهلاً لذلك أو إذا طلب منه أن يحكم، لكن خلاف ذلك لا يجوز للإنسان، لأنه يخوض فيما لا يعنيه، وحل هذه المسألة هو الحكم فيها أمام القاضي الشرعي أو من يصلح بين الناس، والله أعلم.

كيفية حماية الزوجين من السحر

كيفية حماية الزوجين من السحر Q سؤال عن حماية الزوجين من السحر؛ خصوصاً في أول ليلة زواج؟ A الإنسان عموماً يواجه أمثال هذه الأمور بالأذكار والمعوذات والأدعية والرقى الشرعية المعروفة، وأذكار الصباح والمساء أيضاً، وأيضاً التصبح بأكل سبع تمرات، ويفضل أن تكون من عجو المدينة. والحقيقة أن الكثير من الحالات المشار إليها هي في الحقيقة ليست عن سحر، ونحن نستسهل جداً اتهام الناس بالسحر، وكل شيء نرجعه إلى السحر، وهذا نوع من الغلو موجود في كثير من الإخوة. المقصود من أي مشكلة تعرض أن نتعامل معها بالأسباب العادية؛ فأحياناً يكون الداء هو الوهم والشك، أو عوامل نفسية أخرى، فينبغي الأخذ بالأسباب الطبيعة في جانب، والمضي في الرقى الشرعية؛ لأنه لا سبيل إلى التعاون مع السحر فهو كفر وضلال مبين، فلا يواجه السحر إلا بالأذكار والأدعية الشرعية، وبجانب ذلك الأخذ بالأسباب: بأن يتوجه إلى الطبيب النفسي، والغالب أنها تحل إن شاء الله تعالى بالأسباب العادية، والذي يحصل هو غلو وتنطع كبير في اتهام الناس بأنهم صنعوا سحراً ونحو ذلك. ومن ذلك أنه كلما خطبت فتاة تفشل الخطبة، ثم يقال: هذا سحر لكي تفشل الخطبة، فنسبوا المشكلة إلى فعل الآخرين، وهذا يجعل الإنسان لا يمشي في الطريق الصحيح للعلاج، فلابد أن يفتش الإنسان في نفسه لينظر ما الذي يجعل الخطبة تنفسخ، أو ربما هي تقوم بأفعال معينة كي لا يتم الزواج، وهناك قصص كثيرة في مثل هذا، فقد يكون هناك شيء من صنعها هي، أو ربما هي تخرج في كل شخص علة معينة، أو أهلها يتصرفون تصرفات معينة فبالتالي ينفر عنهم الناس، وكلما أخطأنا في التشخيص فإننا نمضي بعيداً جداً عن طريق العلاج الحقيقي، لكن عندما نواجه المشاكل بطريقة موضوعية نستطيع أن نختصر الطريق، ونحل المشكلة بالفعل، والله تعالى أعلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سن الزواج للذكر والأنثى

سن الزواج للذكر والأنثى Q هل لا بد من بلوغ سن معين للشاب والفتاة كي يتم الزواج، أم يكفي بلوغهما؟ A لا يكفي البلوغ، وإنما لابد معه من النضج؛ لأن في الزواج تحمل مسئولية كبيرة بالنسبة للطرفين، وفي نفس الوقت موضوع النضج الاجتماعي يتفاوت أحياناً من مجتمع إلى مجتمع، من ثقافة إلى ثقافة، ومن شرط إلى شرط، فمن الناس من يتسم بنضج اجتماعي مبكر جداً فهذا لا بأس بزواجه، وفي بعض المجتمعات يربى الأولاد من الطفولة الباكرة على تحمل المسئولية في الصحارى والمزارع ونحو ذلك، ويكون منتجاً من صغره بحيث إنه لا توجد عنده فترة الطفولة الاقتصادية الموجودة في المدن حيث تطول فترة التعليم في الطفولة الاقتصادية، ويظل عبئاً من الناحية المادية، والبنت تؤخر الزواج. والثقافة لها أثر على النضج والاستقلالية فهذه مسألة نسبية، لكن على أي الأحوال ما قلته ليس من عندي ولكن من القرآن الكريم: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6] فتأمل كلمة: (بَلَغُوا النِّكَاحَ) والتي تعبر عن القدرة على الإنجاب، (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) ثم قال: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا)، فهذا يدل على أن ليس كل من بلغ ونما جسده يكون قد تم عقله وشخصيته ونضجه الاجتماعي؛ بحيث يتحمل مسئولية خطيرة مثل مسألة الزواج، فالقدرة على الإنجاب والنضج الانفعالي والعاطفي والعقلي والشخصية شيء آخر، إذ لابد من التأكد منه كما قال الله سبحانه وتعالى: ((فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)) لكن قد يبلغ النكاح ولكنه ما زال متأخراً في النضج، وبالتالي لا يزوج حتى لا يسفه إذا مكن من هذا المال. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج) ولم يقل: من احتاج إلى الزواج فليتزوج؛ لأن كل الناس محتاجون إليه، لكنه قال: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج)، فالزواج لا ينظر إليه على أنه حل لمشكلة. إذاً: لابد أن يكون قادراً ومستطيعاً لكل أنواع الاستطاعة، فهو دلالة على الاستطاعة كما قلت من قبل: مثل رسالة (الدكتوراه) لا تعطى لمن يرغب فيها؛ لأن كل الناس ترغب فيها، لكن تعطى لمن يستحقها، فالزواج له ارتباط شديد بكل أنواع الاستطاعة.

وجوب بر الوالدين

وجوب بر الوالدين Q شخص ملتزم ومتعبد ويفعل الخير، لكنه يكره أبويه ويحب موتهما، ولا يعرف هل يدعو عليهما أم لا، ويذكر بعض الأخطاء التربوية التي ارتكبها الأبوان في الصغر من تمييز إخوته عليه إلى آخره، وأن أباه وأمه لم يربوهم كما ينبغي؟ A هذا نوع من العقوق؛ لأن بر الوالدين واجب بالعقل، ثم جاءت الشريعة بنصوص قاطعة في وجوب بر الوالدين، وأجل ما يؤكد ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان:14] إلى قوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15]. فقوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) وارد مع هذين الأبوين اللذين يدعوانه إلى الشرك، بل يجاهدانه على أن يشرك بالله، ومع ذلك قال: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله، لكن مع ذلك أمر بمصاحبة أمثال هذين الوالدين بالمعروف؛ فهل ما فعله أبواك يصل إلى حد أن يجاهداك على الشرك، حتى تصل إلى هذه الدرجة من العقوق؟ هذا أولاً. ثانياً: صحيح أنك تتحدث على النواحي التربوية كثيراً لأهميتها وفائدتها، فحتى لو كان قد أخطأ الأب أو الأم في أسلوب تربية الطفل فإنه لا يسقط حقه في البر؛ لأنه أحسن إليك الإحسان الذي لا يمكن أن تجازيه عليه، وهو أنه تسبب في وجودك في هذه الحياة، فهذه نعمة وإحسان لا تقدر على الوفاء به مع ما فعل. ثالثاً: الإنسان لا يعيش تأثير الماضي دائماً، وهناك من يحصر نفسه في الماضي، ويحب تحويل مآسي الماضي إلى حاضر يؤرقه ليل نهار، وأنه ضحية الماضي، فنقول له: دعنا في الحاضر وفي المكان الذي نحن فيه، لا ترجع إلى الوراء، وما مضى فات ومات، واندفن واندثر، فلا تتفرج إلى الماضي وأن أباك فعل كذا، وأمك فعلت كذا، وأنت ناقم عليهما، ففي الغالب أن الأب والأم اللذين يسيئان إلى طفلهما لا يقصدان أي نوع من أنواع الإساءة فعلاً، وهو صادر عن جهل، ولعل جهلهما يشفع لهما، لذا لا تتسرع بالانتقام ممن أحسن إليك أعظم الإحسان وهو أنه كان سبباً في وجودك، فهذا شعور غير سوي، فالأب والأم لا يأخذ الإنسان حقه منهما، أو يرفع قضية على أبيه ويقاضيه. وهناك حدود للتعامل مع الأبوين؛ إذ ينبغي مراعاتهما، ولا داعي أن ينجر الإنسان وراء الماضي ويعيش أسيراً لأخطاء الماضي، بحيث يعجز عن أن يواجه مسئوليات الحياة الآن. ويبدوا أن هذا السائل خائف من شؤم عقوق الوالدين، فإنه يقول في سؤاله: إنه يتمنى أن لا ينجب أطفالاً. وسأل أكثر من مرة عن حكم منع الحمل نهائياً، لماذا؟ لأنك خائف أن هذا السلوك يتكرر منه بعد ذلك، إذاً: فأحسن إلى والديك تجد عاقبة ذلك في ذريتك، والله تعالى أعلم.

أحلام اليقظة

أحلام اليقظة Q شخص يسأل عن موضوع أحلام اليقظة؟ A أحلام اليقظة ظاهرة وواضحة جداً في سن المراهقة، وأحلام اليقظة في حد ذاتها ليست ضارة، لكن الغلو فيها هو الضار؛ لأنه يستهلك الوقت، وسن المراهقة من الثانية عشرة وحتى الثامنة عشرة أو العشرين، وذلك شيء طبيعي، لأن الإنسان مقبل على الحياة وفي شبابه، وجسمه وعقله ينمو، وإمكانياته تنمو، ويتطلع دائماً للمستقبل، فهو دائماً يخطط للمستقبل، يقول: سوف أفعل كذا ثم بعد كذا أفعل كذا إلى آخره. فكون الإنسان يحلم أحلام يقظة ويؤمل في المستقبل في أمور حسنة لكي يفعلها في أمر دين أو دنيا، لا بأس بذلك، وهذا شيء طبيعي، وشيء مستحسن لو أن هذه الآمال تحفزك على الإنتاج، وتعطيك طاقة على أن تنجح وتتخرج وتدخل كلية كذا. لكن إن كانت الأحلام هروباً من تحمل المسئولية، والغرق في الأوهام، ففي هذه الحالة تكون القصة قريبة من قصة ذلك الرجل الذي أتى بجرة العسل وعلقها على الحائط وهو ممسك بالعصا ويقول: أبيع هذا العسل وأكسب منه كذا، ثم آتي بالمال وأشتري منه كذا وكذا إلى مشروعات متسلسلة يلد بعضها بعضاً، إلى أن قال: ثم أتزوج، ويرزقني الله ولداً، ثم هذا الولد آخذه بالأدب وأكون حازماً في تربيته، فإذا عصاني قلت له كذا، وأضربه بهذه العصا، ورفع العصا فكسر جرة العسل وسال العسل على الأرض. فالاستغراق في أحلام اليقظة صفة غير حميدة أو وضع غير حسن؛ لأنه استهلاك للوقت بصورة غير سوية، لكن إذا كان المستقبل يحفزك على العمل، وبالمعدل المعقول فلا بأس، أما إضاعة ساعات أو ساعة في أحلام يقظة. فهذا هروب من الواقع فليراجع نفسه.

التشجيع وأثره في التربية

التشجيع وأثره في التربية التشجيع سبب في نمو وازدهار الدول؛ إذ به تبرز المواهب، وهو أمر مندوب في الشرع استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضوان الله عليهم، وآثاره ملموسة مشاهدة أمام كل من يستخدمه، ونتائجه أكثر من العمل بدون تشجيع، فكيف بالتثبيط الذي هو على العكس تماماً؟!

أثر البيئة المشجعة على الشخص

أثر البيئة المشجعة على الشخص الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فقد روى البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: (كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت غلاماً شاباً، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذا بي فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر، فقال لي: لم ترع، وقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: نِعْم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً). الشاهد هنا من رواية هذا الحديث: ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الغلام ابن عمر، وتشجعيه عن طريق هذا الثناء، وهذا التشجيع أثمر استقامته على قيام الليل بعد ذلك، فيقول: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل) فرغبه في قيام الليل، وأنه يكون سبباً للنجاة من عذاب النار الذي أريه في منامه، فكان عبد الله بن عمر منذ أن قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة لا ينام من الليل إلا قليلاً.

التشجيع في طلب العلم

التشجيع في طلب العلم من أسوأ الأشياء أن يصاحب الطالب شخص دائماً يأخذه إلى أسفل إما من أصحاب السوء الكسالى، أو من المثبطين الذين يحاولون تحطيم طاقاته وتحقيره وتعجيزه، يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: قد قبض الرسول عليه الصلاة والسلام، فهيا نذهب إلى مجالس علماء الصحابة وفقهائهم كي نستفيد ونتعلم؛ لأن هذا هو المتاح الآن بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له صاحبه هذا: واعجباً لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم، يعني: أنت غلام صبي صغير تذهب تتعلم لكي تحمل العلم للناس، هل الناس يحتاجون إلى مثلك، وأنت صبي صغير، وأنت ترى في القوم عمر وأبا بكر ومعاذاً وغيرهم من الصحابة. فقال له صاحبه: واعجباً لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم، قال: فتركت ذاك، أي: أهملت هذا الكلام ولم أرعه، ولم يبال بهذه الكلمة المثبطة، انظر كيف التعامل مع التثبيط، قال: فتركت ذاك وأقبلت على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه، وهو قائل -نائم في وقت القيلولة- فأتوسد ردائي على بابه يسف الريح عليّ من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك؟! هلا أرسلت إليّ فآتيك، فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني! صاحبه الأول الذي كان يثبطه رآه قد صار إماماً، والناس ملتفون حوله يتعلمون منه، قال: فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني، يقول الشاعر: فحي هلا إن كنت ذا همة فقد حدا بك حادي الشوق تطوي المراحلا ولا تنتظر في السير رفقة قاعد ودعه فإن العزم يكفيك حاملا وهذا ابن شهاب رحمه الله تعالى كان يشجع الأولاد الصغار فيقول: لا تحتقروا أنفسكم لحداثة سنكم؛ فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم. وكان الخليفة هارون الرشيد رحمه الله يغدق العطايا والصلات لطلبة العلم والعلماء حتى قال ابن المبارك: فما رأيت عالماً، ولا قارئاً للقرآن، ولا سابقاً للخيرات، ولا حافظاً للمحرمات في أيام بعد أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيام الخلفاء والصحابة أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه، لقد كان الغلام يجمع القرآن وهو ابن ثمان سنين، ولقد كان الغلام يستبحر في الفقه والعلم، ويروي الحديث، ويجمع الدواوين، ويناظر المعلمين وهو ابن إحدى عشرة سنة، كل هذا بسبب تشجيع الخليفة هارون الرشيد للعلم ولطلبة العلم. وبلغ حب بعض الأمراء للعلم والعلماء إلى الحد الذي جعله يعتبر العلماء في رعايته الخاصة، ومن هؤلاء الأمراء: المعز بن باديس، أحد أمراء دولة الصنهاجيين في المغرب الإسلامي، كان لا يسمع بعالم جليل إلا أحضره إلى حضرته وجعله من خاصته، وبالغ في إكرامه، وعول على آرائه، ومنحه أسمى الرواتب. كذلك فعل الخليفة الموحدي الثالث المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الذي أنشأ بيت الطلبة، وأشرف عليه بنفسه، وعندما بلغه حسد بعض حاشيته على موضع الطلبة النابغين منهم، أي: سمع أن بعض الناس في الحاشية يتداولون كلاماً بينهم مفاده: كيف يغدق هذا الإغداق والعطاء على طلبة العلم النابغين؟ ففزع منهم وخاطبهم قائلاً: يا معشر الموحدين! أنتم قبائل، فمن نابه منكم أمر فزع إلى قبيلته -أي: من احتاج منكم رجع إلى قبيلته- وهؤلاء الطلبة لا قبيلة لهم إلا أنا، فمهما نابهم من أمر فأنا ملجؤهم، إليّ فزعهم وإليّ ينسبون. وبلغت عناية المنصور بالطبيب أبي بكر بن زهر حداً عجيباً، فقد كان أبو بكر يقيم عند الخليفة مدداً طويلة، ولا يرخص له بالسفر إلى أهله، حتى قال شعراً في شوقه إلى ولده الصغير، فلما سمع المنصور هذا الشعر أرسل المهندسين إلى إشبيلية وأمرهم بدراسة بيت أبي بكر وحارته، وتشييد مثله في مراكش، ففعلوا ما أمرهم به، وبنى له شارعاً، وفيه بيوت مشابهة للشارع الذي كان هو ساكن فيه، وبنى له بيتاً مثل بيته تماماً، فنقلوا عيال أبي بكر إليه، فلما رآه ابن زهر اندهش وحصل عنده من السرور ما لا مزيد عليه، ولا يستطاع التعبير عنه! فهل سمع بمثل هذا في إكرام العلم والعلماء؟! فالإسلام حليف العلم في كل العصور، ليس فقط علوم الشرع الشريف لكن حتى العلوم الحديثة، فإن العلم -بالذات في هذا العصر- أقوى مؤيد لدين الإسلام؛ لأن العلم منحاز بكل قوته إلى الإسلام، وقد تكلمنا مراراً على كتاب موريس بوكاي الذي فصل فيه الكلام على هذه الحقيقة. في القرن السادس عشر قامت محاولة ناجحة في عهد الخلافة العثمانية لتجميع النابغين من جميع الأمصار والقرى، وتوفير الرعاية التي جعلت كل نابغة يعطي ما عنده من فن وعلم، مما ساعد على ازدهار الدولة العثمانية حضارياً وعسكرياً حتى صارت تهدد بغزو أوروبا. يحكي الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى قصة يقول: قرأت مرة أن مجلة إنكليزية كبيرة سألت الأدباء عن الأمر الذي يتوقف عليه نمو العلوم وازدهار الآداب؟ وجعلت لمن يحسن الجواب جائزة قيمة، فكانت الجائزة لكاتبة مشهورة قالت: إنه التشجيع، وقالت: إنها في تلك السن -بعد تلك الشهرة والمكانة- تدفعها كلمة التشجيع لتمضي إلى الأمام، وتقعد بها كلمة التثبيط عن المسير، أي: مهما بلغ الإنسان من مكانة في علم أو عمل أو نحو ذلك، فإن كلمة التشجيع لها أثر طيب جداً، فليس التشجيع فقط مع الصغار، ولذلك كان من الذوق إذا أحسن إليك شخص لابد أن تعبر عن شكرك له، وقد وصل الأمر إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله)، ومن لم يشكر الله فقد كفر بالنعمة. فالإنسان يشكر لمن يعلم أنه أحسن إليه، نجد بعض الناس عنده هواية إذا قرأ كتاباً، وكان الكتاب حافلاً بالفوائد، وربما تكون فيه غلطة أو خطأ أو تقصير أو مسألة فيها نظر في أثناء الكتاب قام يشنع عليه، وهذه مدرسة قد ابتلينا بها في هذا العصر، أصحابها كالذباب لا يقع إلا على تلك الأشياء، فهو يترك كل الأشياء النظيفة وكل الفوائد ويركز اهتمامه فقط على الأخطاء، وكأن هذا الشخص لا يساوي إلا هذا الخطأ. هذا من الجحود، وهذا ليس من الإنصاف، كيف والله سبحانه وتعالى حتى مع أهل الكتاب يقول: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران:75] فحتى مع هؤلاء لابد من الإنصاف. الشاهد: أن هذا الجحود صار الآن ظاهراً في مدارس معينة أو مدرسة محددة كل وظيفتها النظر فقط إلى القمامة، والبحث فقط في القمامة، لكن كل الحدائق الخضراء والبساتين والزهور والرياحين والأشياء الجميلة يتركونها، لا يعمدون إلا إلى القمامة، يتقصدون أخطاء الناس ويتصيدون الزلات، قال السلف قديماً: (إن المنافق يطلب الزلات، والمؤمن يطلب المعاذير)، لن أفصل في هذا حتى لا نخرج عن موضوعنا، لكن لعلها عبرة لهواة التفتيش في القمامة. إذا وجدت هفوة في كتاب فينبغي أن تقول: لقد استفدت من كتابك في كذا وكذا، لكن هناك نظر في المسألة الفلانية حبذا لو راجعتها، ربما يكون فاتك تحقيقها، أو نحو هذا الكلام اللطيف، لكن، الغلظة والشدة منهج وأسلوب حياة طغى -للأسف الشديد- على كثير من هؤلاء الناس.

التشجيع في الإسلام

التشجيع في الإسلام إن التشجيع رفع الإسلام شأنه إلى حد أنه جعله فريضة على غير القادر على إقامة فروض الكفاية، مثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الجهاد، طلب العلم، الولاية، الإمامة، فأمثال هذه الفروض من فروض الكفاية يقول فيها العلماء: إنها واجبة على الكفاية، إن قام بها البعض سقط الوجوب عن الآخرين، وإن لم يقم بها أحد أثموا جميعاً، يأثم القادر لأنه قصر، ويأثم غير القادر لأنه قصر فيما يستطيعه، وغير القادر على أداء هذه الفروض الكفائية يأثم أيضاً، لماذا؟ لأنه قصر فيما يستطيعه، وما الذي يستطيعه؟! يستطيع التفتيش عن القادر، وحمله على العمل، وحثه وتشجيعه وإعانته على القيام به، بل إجباره على ذلك. فإذا: ً إذا لم يقم الفرض الكفائي يأثم القادر وغير القادر؛ يأثم القادر لأنه قادر ولم يفعل، وغير القادر لأنه لم يشجع القادر، قال الله: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:84]، والتحريض هو نوع من الأنواع وأسلوب من الأساليب. حتى عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى كان يعطي بعض الموظفين أموالاً ويعطيهم أشياء من الدنيا كي ينصاعوا للإصلاحات التي كان عزم عليها في ذلك الوقت. وسأذكر أسلوب التربية عند عمرو بن العاص الذي كل أهل الأرض في كفة، وأهل مصر في موقفهم مع عمرو بن العاص في كفة أخرى، لماذا؟ لأن لـ عمرو بن العاص دين في أعناق مصر لا يستطيعون سداده، ولو عملوا عليه ليلاً ونهاراً؛ فـ عمرو بن العاص هو الذي بسببه أشرق نور الإسلام في مصر بعد الوثنية والنصرانية والفساد كله، أشرقت هذه البلاد بنور الإسلام، ومنها انطلق غرباً وجنوباً ببركة جهاد عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه ومن معه من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. ولما فتحت مصر كانت العاصمة الإسكندرية، ولا تزال آثار سور عمرو بن العاص موجودة، حتى السور الذي كان بناه للإحاطة بالإسكندرية ما زال موجوداً. الشاهد: أن عمرو بن العاص له منة أخرى علينا فوق أنه كان سبباً في دخول أهل مصر إلى الإسلام؛ فقد صبغ لساننا باللسان العربي ولله الحمد، وفتح الله على يديه على أهل مصر بلغة القرآن الكريم، لكن عمرو بن العاص كان عالماً بشخصية الموظفين المصريين، فمنع تعيين أي موظف في الدولة الإسلامية لما فتحها -حتى من الأقباط- إلا إذا كان يتقن اللغة العربية، فبالتالي في سنوات معدودات تم -ولله الحمد- تعليم أهل مصر لغة القرآن الكريم، بينما نرى تقصير الدولة العثمانية عندما حكمت العالم الإسلامي قرابة سبعة قرون، وما عربت نفسها وللأسف الشديد، بل كانت الكتب تترجم بلغة تركيا. فالشاهد: أسلوب التربية الذي سلكه عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه. وقد سلك المسلمون في شتى العصور أسلوب تشجيع الموهوبين وكبيري الهمة بكافة صور التشجيع، وكانوا ينفقون الأموال الجزيلة لنفقة النابغين من طلاب العلم الذين أوقفوا أنفسهم على طلب العلم؛ كي يغنوهم عن سؤال الناس أو الاشتغال عن العلم بطلب المعاش. الإمام أبو حيان محمد بن يوسف الغرناطي يقول فيه الصفدي: لم أره قط إلا يصنع أو يكتب أو ينظر في كتاب، ولم أره على غير ذلك، وكان له إقبال على أذكياء الطلبة يعظمهم وينوه بقدرهم، وكان المعلمون في الكتاتيب والمساجد وفي الأزهر الشريف إذا لمسوا في طفل النجابة وسرعة التعلم احتضنوه، وساعدوه على طلب العلم، وزودوه بالمال من مالهم الخاص أو من أموال الأوقاف. وفي طليعة المشجعين لطلبة العلم الخلفاء والأمراء، روى البخاري في صحيحه أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدخل ابن عباس رضي الله عنهما وهو غلام حدث مع أشياخ بدر، قال ابن عباس: فكأن بعضهم وجد في نفسه، وقالوا: لم لا نأت بأولادنا الصغار ونجلسهم معك؟ فلماذا تدخل ابن عباس وهو صغير في مجلس الكبار من الأشياخ الذين حضروا غزوة بدر؟ فقال بعضهم: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حيث علمتم، أي: أنه من أهل البيت، وابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وهو الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، يقول ابن عباس: فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم، فهم ابن عباس وتفطن إلى أنه هذه المرة استدعاه خصيصاً كي يري هؤلاء القوم منزلة ابن عباس، فقال: ما تقولون في قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، أي: هذه السورة فيها نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذاته الشريفة، قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] وذلك علامة أجلك، فقد أديت الرسالة، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:3] أي: تأهب للقاء الله عز وجل، واختم حياتك بالتسبيح بحمد الله والاستغفار، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول. فانظروا عمر رضي الله عنهما كيف أراد أن يقوي ثقته، وينمي همته، ويربأ فيها عن احتقار الذّات، أو الشعور بالدونية والنقص. وروى البخاري في الصحيح أيضاً أن عمر رضي الله تعالى عنه سأل بعض الصحابة عن آية في القرآن الكريم، فلم يعرفوا الإجابة، وكان بينهم عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو صغير السن، فقال ابن عباس في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين! هذا وهو صبي صغير، والكبار لم يعرفوا، قال عمر: يا ابن أخي! قل، ولا تحقر نفسك، فأجابه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فانظر عبارة: (يا ابن أخي قل، ولا تحقر نفسك). هذه من الأسس التربوية المهمة جداً، فبعض الناس يتصور أن عمر بن الخطاب بالقوة والشدة في الدين والبأس سوف يتعامل مع الطفل بما يرعبه، لكن لا، انظر كيف كانوا كلهم أساتذة في التربية رضي الله تعالى عنهم؟! قال عمر: يا ابن أخي! قل، ولا تحقر نفسك، فمن ثم سار ابن عباس على هذه السنن منذ طفولته غير مبال بتثبيط من هو أقصر منه همة.

تشجيع النفس عند تثبيط الآخرين

تشجيع النفس عند تثبيط الآخرين الناس يختلفون في التأثير بالتشجيع والتثبيط والتخذيل، فأحياناً يتعرض الإنسان لتخذيل أو تثبيط ربما يتفاعل معه بطريقة سلبية أو يتفاعل معه بطريقة إيجابية، قد يكون الشخص ضعيف الشخصية جداً بحيث إنه ينهار تماماً، وربما غير مسار حياته كله؛ بسبب عبارة تخذيل، أو مدرس حط من قدره أو احتقره، وهذه طريقة سلبية في التفاعل مع التخذيل، وهناك طريقة إيجابية يكون فيها ارتقاء الإنسان بسبب التخذيل، ويتفاعل معه بالعكس بتحدي. أذكر أن مدرسة كانت تنتقد إحدى الطالبات في الثانوية، وكلما تقابلها تقول لها العبارة المعروفة: قابليني لو أفلحت بنفس هذه الأساليب الشيطانية المدمرة، حتى أنها كانت متربصة بها وهي داخلة الامتحان، وتتوعدها وتقول لها: تعالي قابليني لو نجحت حتى من الثانوية العامة، فكيف تفاعلت تلك الطالبة مع هذا التخذيل والتحطيم من المدرسة الجاهلة التي تحتاج إلى تربية؟ أخذت الموضوع بتحدي، فاجتهدت جداً في الدراسة، ودخلت نفس الكلية ونفس التخصص والمادة التي كانت المدرسة تتحداها فيها، وتفوقت إلى أعلى ما يمكن من المراتب في هذا العلم، وكان السبب التفاعل الإيجابي مع التثبيط، بتحدي وليس بخضوع واستسلام وتخاذل، فالإنسان يحاول دائماً أنه يحول الظروف إلى صالحه، هذا هو الإنسان العاقل؛ لأن الظروف لا تستطيع أنت تغييرها، فحاول أن تحولها إلى صالحك. كان بعض الأكابر له مملوك سيئ الخلق فض غليظ لا يناسبه طبعه، فقيل له: لم لا تتخلص منه فإنه مؤذ وسيئ الطبع، وفيه نفور شديد؟ لماذا أنت متمسك به، ويمكن أن تبيعه وتتخلص من هذا العبد الغليظ؟ فقال: إني أدرس عليه مكارم الأخلاق؛ فأنا أروض أخلاقي وأتدرب على الصبر والتحمل، وكيف أحسن خلقي حتى مع من يؤذونني أو أبغضهم أو يبغضونني؛ فانظر كيف حول الظروف إلى صالحه! وهذا شيء حقيقي فعلاً؛ فإن الإنسان لولا المخالطة لن يتعلم ولن يستفيد، والإنسان المعزول تماماً عن الناس لا يكون عنده كفاءة في التعامل مع المسئوليات أو إدارة الأمور أو التكيف مع المحيطين به، فالاختلاط بالناس فيه فوائد مع ما فيهم من الأذى؛ فلا بد أن يعود الاختلاط بهم على الإنسان بفائدة؛ لأنه يرى الأخلاق السيئة في صورتها السيئة، فحينما يتمرن على مصاحبة مثل هذا المملوك السيئ الخلق، ومعاشرته والصبر عليه والتحمل، لا شك أن هذا سوف يقوي من إمكاناته الشخصية. يقول الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى: ولكل شيء فائدة، ولقد انتفعت بمحك أهل الجهل منفعة عظيمة، يقول: احتكاكي بالجهال استفدت منه، وتعرفون أنه عانى من هؤلاء الناس معاناة شديدة حتى أحرقوا كتبه، وآذوه أذى شديداً، يقول: احتكاكي بالجهال والباغين نفعني منفعة عظيمة، ولقد انتفعت بمحك أهل الجهل منفعة عظيمة، وهي أنه توقد طبعي، واحتدم خاطري، وحمي فطري، وتهيج نشاطي؛ فكان ذلك سبباً إلى تواليف لي عظيمة، ولولا استثارتهم نشاطي واقتداحهم كامني ما انبعثت لتلك التواليف، يعني: الصراعات الفكرية، وصراعه مع المقلدين وغيرهم جعله يقرأ ويصنف مما أنتج هذه التصانيف الرائعة التي صنفها، ودائماً الحسود أو المؤذي إذا تفاعل معه الشخص المبغي عليه أو المجني عليه بالحسد أو الأذى تفاعلاً إيجابياً تحصل له الثمرة الإيجابية، فهناك بعض الأشعار في شأن الحسد لها نفس هذا المعنى، يقول بعضهم: يقابلني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا يزيد سفاهة وأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا عود البخور كلما ازداد إحراقه كلما شاعت رائحته أكثر وأكثر، فكذلك الإنسان عليه أن يحول التخذيل أو التثبيط أو العوامل البيئية من حوله إلى عوامل إيجابية. أذكر قصة للأديب المعروف عباس محمود العقاد، وكلما ذكرت اسم العقاد أتحسر في الحقيقة على العقاد، فقد كان من الأذكياء، ولكنه للأسف الشديد ضيع عمره في أنواع من المعارف والعلوم غير المثمرة إلا قليلاً مما خدم به المصنفات الإسلامية كالعبقريات ونحوها. لكن على أي الأحوال هو أنموذج من نماذج التعامل مع التثبيط بطريقة إيجابية، فالذي يثبطك ادخل معه في التحدي، وتحداه وحول النتيجة التي يريدها منك إلى نتيجة إيجابية. يقول العقاد: استفدت في مرحلة التعليم الابتدائي من أستاذين اثنين على اختلاف بينهما في طريق الإفادة؛ فإن الأستاذ الأول كان يقصد أن يفيدني لأنه كان يشجعني، والآخر أفادني على غير قصد منه، فحمدت العاقبة على الحالين، وكان أحد الأستاذين هو الشيخ فخر الدين محمد التشناوي، وكان يميل إلى التجديد والابتكار في التعبير، ويمنح أحسن الدرجات للتلميذ المتصرف في مناحي الكلام، وأقلها للتعبير الذي يؤخذ من نماذج الكتب، والذي يكتب موضوع إنشاء يعطيه أقل، والذي يبتكر من عنده تعبيرات وإنشاءات فهذا يعطيه درجة أعلى، وكانت دروسه تلتهب حماسة ووطنية، ولها تأثيرها البليغ في نفوس التلاميذ خصوصاً في زمن كانت تئن فيها البلاد من وطأة الاحتلال. أما الأستاذ الثاني فمدرس الحساب، فقد كان يؤمن بالخرافات وشفاعات الأولياء، وكان محدود الفهم في دروسه، ولاسيما المسائل العقلية في دروس الحساب، وبعد أن ذكر بعض المواقف مع ذلك الأستاذ قال: ولكن الدرس الأكبر الذي أحسبه أكبر ما استفدته من جميع الدروس في صباي كان بسبب مسألة حسابية من تلك المسائل العقلية، كنت شديد الولع بهذه المسائل، لا أدع مسألة منها دون حل مهما يبلغ إعضالها، وكان الأستاذ يحفظ منها عدداً كبيراً محلولاً في دفتره، يعيده على التلاميذ في كل سنة، والمدرس كان يحفظ المسائل مثل اسمه، وقلما يزيد عليها شيئاً من عنده، وعرضت في بعض الحصص مسألة ليست موجودة في دفتر المدرس، فعانينا حلها في الحصة على غير جدوى، ووجب في هذه الحالة أن يحلها الأستاذ لتلاميذه فلم يفعل، وقال على سبيل التخلص: إنما عرضتها عليكم امتحاناً لكم؛ لتعرفوا الفرق بين مسائل الحساب ومسائل الجبر؛ لأنها تشتمل على مجهولين، لم أصدق صاحبنا، ولم أكف عن المحاولة في بيتي، فقضيت ليلة ليلاء حتى الفجر، وأنا أقوم وأقعد عند اللوحة السوداء حتى امتلأت من الجانبين بالأرقام، وجاء الفرج قبل مطلع النهار، فإذا بالمسألة محلولة، وإذا بالمراجعة تثبت لي صحة الحل، فأحفظ سلسلة النتائج وأعيدها لأستطيع بيانها في المدرسة دون ارتباك أو نسيان، فقلت: لقد حللت المسألة، قال الأستاذ: أية مسألة؟ قلت: المسألة التي عجزنا عن حلها في الحصة الماضية، قال: أو صحيح؟! تفضل أرنا همتك يا شاطر، وحاول أن يقاطعني مرة بعد مرة، ولكن سلسلة النتائج قد انطبعت في ذهني لشدة ما شغلتني، ومن طول ما راجعتها، وكررت مراجعتها وانتظرت ما يقول، فإذا الأستاذ ينظر إليّ شزراً وهو يقول: لقد أضعت وقتك على غير طائل؛ لأنها مسألة لن تعرض لكم في امتحان، وإذا بالتلاميذ على نفحة الأستاذ قائلين: ضيعت وقتنا، ما الفائدة من كل هذا العناء؟ ثم عقب العقاد على هذا الحدث بقوله: كانت هذه الصدمة خليقة بأن تكسرني كسراً لو أن اجتهادي كان محل شك عندي، أو عند الأستاذ أو عند الزملاء، أما وهو حقيقة لا شك فيها، فإن الصدمة لم تكسرني، بل نفعتني أكبر نفع حمدته في حياتي، وصح قول القائل: كل ما لم يقتلني يزيدني قوة؛ لأني لم أحفل بعدها بإنكار زميل ولا رئيس، وعلمت أن الفضل قيمته فيه لا فيما يقال عنه أياً كان القائلون. فلا شك أن هذا درس وعبرة فيها فوائد جمة، فهو نموذج من نماذج التعامل مع التثبيط بطريقة إيجابية؛ لأنه واثق من موقفه، ولا يشك في أنه اجتهد وأنجز إنجازاً له قيمة، وأن زملاءه كانوا منافقين يداهنون المدرس، وأن المدرس لم يكن منصفاً في رده وما قصده، لكن مع ذلك انظر كيف تفاعل مع هذه المسألة؟! يحضرني أيضاً قصة العلامة الألباني رحمه الله تعالى، وهي: أنه لما كان في مقتبل صباه نشط لتحقيق مسألة حكم بناء المساجد على القبور، وحكم الصلاة في المساجد المبنية على القبور، خاصة أضرحة الأولياء، فالعلامة الألباني رحمه الله تعالى جمع الأقوال من مكتبة أبيه في البيت، وأبوه كان حنفياً، فرجع إلى كثير من مراجع الأحناف وعمل بحثاً قيماً انتهى به إلى أن الصلاة في هذه الأماكن مكروهة كراهة تحريمية، ثم ذهب وكله نشاط وهمة وأمل في سماع كلمة ثناء من شيخه الشيخ البرهاني، فعرض عليه البحث، وكان ذلك في الأيام الأخيرة من رمضان في تلك السنة، فقال له: بعد العيد إن شاء الله نتقابل وأكون قد قرأت البحث فلما قابله بعد العيد سأله عن البحث، فقال: لقد أضعت وقتك في غير فائدة، فإنك ما رجعت للمراجع المعتبرة عند أهل العلم، فيقول الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: فاستنكرت هذا التعليق، وأيقنت أن هذا الشيخ لم يقرأ البحث أصلاً؛ لأنه سرد أسماء كثيرة من المراجع أكثر بكثير مما ذكره شيخه، قال: فدفعني هذا إلى المزيد من البحث، ومن التحري في المسألة إلى أن خرج الكتاب المشهور المبارك: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، فالشاهد: أن الموقف كان تفاعلاً مع المثبط بطريقة إيجابية، فالذي يثبطك تحداه؛ لأن المثبط واحد من اثنين: إما أنه جاهل في التربية، وإما أنه حاقد يريد أن يحطم نفسية هذا الطالب، ويسيء إليه، وللأسف الشديد، ففي الحالتين لا يمكن أن يكون مستحقاً بأن يتأثر من كلامه؛ لأنه لا يقبل موقف الحاسد أو الحاقد أو الذي يريد به سوء، وأيضاً الجاهل لا يؤخذ منه ولا يبنى على موقفه.

أثر ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على ابن عمر

أثر ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على ابن عمر

عامة الخلق جبلوا على حب التشجيع

عامة الخلق جبلوا على حب التشجيع حديثنا اليوم عن التشجيع والثناء والتحفيز بالنسبة للأطفال أو طلبة العلم أو الناس عموماً، فللمدح والثناء أثر فعال في استنهاض الهمم والإنجاز العظيم، فكلمات الثناء والامتنان، والتعبير عن الشكر تقوم بالإشعاع بالطاقة وإطلاقها، بوسعك أن تمدح جسداً ضعيفاً ليتحول بمديحك أو ثنائك أو تشجيعك إلى قوة، وأن تمدح قلباً يملؤه الخوف ليتحول إلى السكينة والاطمئنان والثقة، وتتحول الأعصاب المحطمة إلى ثبات وقوة، والمشروع الفاشل إلى نجاح وازدهار. إن عامة الخلق جبلوا على حب الثناء والتأثر والسعادة به، حتى إن مدربي الحيوانات يقومون بتدليل ومكافئة الحيوانات التي يرعونها بتقديم الحلوى أو أي شيء تحبه اعترافاً وثناء على طاعتها لهم، كذلك الأطفال يشعرون بالمرح والسرور عندما يثنى عليهم ويمدحون، حتى يقال: إن القدرة نفسها تنمو بصورة أفضل لأولئك الذين يعشقونها، فالثناء والتشجيع يعطي المرء طاقة وحيوية، خاصة إذا تلقى هذا الثناء من إنسان يعرفه أو يعبر له عن شكره بما قام به من عمل؛ فيشعر بالرضا والانبساط. نحن الآن على مشارف العام الدراسي الجديد، وتنبيهنا للمدرسين على وجه الخصوص، ثم للمربين عموماً وفي مقدمتهم الآباء والأمهات، فينبغي أن نتعامل مع أطفالنا من منطلق هذا التحفيز والتشجيع والمديح والثناء الصادق الذي يرفع معنوياتهم، ويشحن الطاقة الجسمية والمعنوية لديهم كي تتحول إلى سلوك وعمل، وتنمي فيهم القدرة على تحمل المسئوليات. شخص يدعى الدكتور هنري بوذرد كان يعمل مدرساً في إحدى المدارس في (نيوجرسي)، فاخترع جهازاً لقياس الإعياء والتعب، وكان الأطفال هم موضع الاختبار، وعندما كانوا يتلقون كلمات الثناء والإعجاب والتشجيع كان يظهر الجهاز ارتفاعاً مفاجئاً يعبر عنه بوجود طاقة إضافية، وكانت طاقتهم تزداد بمجرد أن يسمعوا هذه الكلمات، وعندما كانوا يتعرضون للنقد واللوم والتوبيخ كانت تندفع طاقتهم الجسمانية إلى الهبوط بصورة مفاجئة، ورغم عجز العلم عن تفسير قوة الثناء بدليل مادي أو حسي إلا أنه استطاع أن يقوم بقياس أثر الثناء والتشجيع على طاقة الإنتاج. بعض الأطفال كان يوماً يقول وهو محبط وحزين: إنني إذا ارتكبت أخطاء أرى الجميع ينتقدونني، وإذا أنجزت إنجازاً قيماً لا أسمع كلمة ثناء من أحد! فكان هذا سبباً من أسباب إحباطه، وكثير من الناس يتعمد هذه الطريقة ويقول: لكي نربيه ويصير رجلاً يتحمل المسئولية؛ لا نمدحه، لكن فقط نوبخه ونعنفه، فبعض الناس يركزون فقط على السلبيات والنقد، ويطلقون على الأطفال أحياناً وابلاً من السباب والشتائم، وينبغي أن نشبع جوع هؤلاء الأطفال إلى المديح وإلى الثناء، وأن نحفظ لهم كرامتهم، ونعطيهم المزيد من الاحترام والثقة، والفرصة للعطاء والإنتاج لما يناط بهم من مسئوليات؛ فيصبحون بذلك أكثر إيجابية وتعاوناً مع الآخرين.

شروط التشجيع

شروط التشجيع أهم شرط في المديح: أن يكون صادقاً بدون مداهنة أو كذب، وهذا هو الذي يترك أثراً إيجابياً في نفس الطفل، وإذا مدح الطفل بمجازفة وبكذب فإنه يكتشف ذلك، ويعرف أن هذا كذب، فالثناء ينبغي أن ينصب على الفعل، لا أن تمدح الطفل نفسه كما سنبين إن شاء الله تعالى، لا تقل له مثلاً: أنت أبرع طفل في العالم، أنت أجمل طفلة في العالم أو نحو هذه الأشياء، وإنما تقول له: أداؤك في هذا الامتحان كان أداء جيداً وموفقاً، وتحسنت كثيراً، فتمدح السلوك وليس الشخص نفسه، حتى يحصل الربط الإيجابي، ويكون أقوى وأقدر على التغيير في سلوكه، وقد رأينا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كيف مدحه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة الرائعة: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)، فتأثر ابن عمر بهذه العبارة جداً إلى حد أنه كان بعدها لا ينام من الليل إلا قليلاً ينبغي أن ينصب الثناء على الفعل، وعلى السلوك الحسن الإيجابي، وليس على الشخص نفسه، فمثلاً بدل أن تقول له: أنت طالب مجتهد يا فلان، قل له: الامتحان الأخير الذي حصلت فيه على هذه الدرجة في اللغة العربية كان ممتازاً، أو النتيجة كانت ممتازة، أو أداؤك كان ممتازاً، ولا تقل له: أنت ممتاز؛ لماذا؟ حتى نلفت نظره دائماً إلى السلوك نفسه، وليس إلى شخصه. مثلاً: بنت ساعدت أمها في ترتيب غرفة من غرف البيت، فالصواب أن يقال لها: كان عملك في إنجاز هذا الأمر رائعاً، ويشجعها بكلام ينصب على مدح السلوك، لكن لا نقول لها: أنت أفضل البنات يا فلانة، أو أنت أفضل بنت في العالم إلى آخر هذا، فنركز على السلوك نفسه لنلفت نظره، وليربط بين المديح والثناء، وبين السلوك الإيجابي كي يحدث تغييراً في سلوكه؛ لأن الثناء المطلق لا يؤثر نفس التأثير، فينبغي أن يكون محدداً لكي يعرف أنه لما عمل الشيء الفلاني مدح، وشيء محدد هو الذي استجلب له المدح والثناء؛ ولذلك ينبغي أن تكون المكافئة أو التشجيع عقب الفعل مباشرة، فعندما يحفظ السورة ويسمعها تسميعاً جيداً؛ فوراً يعطى الجائزة، والجائزة لا يشترط أن تكون مادية بل يمكن أن تكون مدحاً وثناء أو أن يحتضنه، أو يلعب معه، أو أي شيء آخر. ولا يشترط أن الجائزة دائماً تكون جزاءً مادياً، كذلك العقاب يكون عقب الفعل مباشرة، ولا يؤجل ولا يسوف؛ لأنه إذا عوقب بعد فترة، أو بعد مضي يوم أو يومين مثلاً، أو إذا جوزي بعد مضي يوم سيختلط الأمر، والمفروض أن يعاقب عليه مباشرة، وهو في أثناء أو هذه المهلة يمكن يكون قد ارتكب سلوكيات خاطئة أخرى، فهو لا يعرف على ماذا يعاتب؟ إذاً: العقوبة لابد أن تكون عقب الفعل مباشرة، وكذلك الجزاء والثواب والتشجيع، وعندها سنجد أن الطفل سوف يحاول الإكثار من هذا السلوك الذي جلب له المديح أو الثناء والإعجاب والتقدير، ولو أننا ركزنا على مدح ذاته هو وليس إنجازاته أو سلوكياته فهذا سوف يزيد من أنانيته، ويزيد من حبه لنفسه، وربما أشعره بالغرور والتعالي؛ ولذلك نرى كثيراً من المتفوقين يتراجعون في مستواهم الدراسي، أو ينحرفون عن السلوك القويم بسبب المبالغة في مدحهم بمدح عام مطلق يملؤهم غروراً وكبراً، فلابد أن يتسم الثناء والمدح بالموضوعية، ولا يبالغ المربي فيه، حتى لا يفقد قيمته؛ لأنه إذا كان مبالغاً فيه، أو فيه كذب، فإن الطفل سوف يدرك جيداً هل كان المدح صادقاً ومعقولاً وموضوعياً أم فيه مجازفة وغلو ومبالغة، فيستخدم المربي الاعتدال وفي ظروف ملائمة، تشجعه على الأداء وتنمي لديه الحافز الداخلي، وتساهم في بناء شخصيته وتطويرها نحو الأفضل. نذكر كلاماً متعلقاً بنفس هذا الموضوع من كتاب: (مبدأ الرفق في التعامل مع المتعلمين) لمؤلفه صالح بن سليمان البقعاوي يقول: إن من الأسس النافعة في التعليم والتربية: الثناء على الطالب ومدحه ليزداد اهتماماً ونشاطاً في الخير والإقبال على العلم والتزود منه، والمدح والثناء الحسن لا يكلف المعلم شيئاً، ولا يحقر بسببه شيئاً، بل الفائدة متحققة من استعماله، وحينما نقرأ سير علماء الأمة وصلحائها نجد المدح والثناء والتشجيع للطلبة على كسب العلم وتحصيله.

أمثلة من التشجيع الفعال

أمثلة من التشجيع الفعال كان الإمام أحمد دائماً يمدح بقي بن مخلد أمام باقي الحاضرين، ويقول: هذا يقع عليه اسم طالب العلم، أي أنه يستحق أن يتشرف بلقب طالب علم؛ لأن قصة بقي بن مخلد في غاية الروعة، رحل من الأندلس إلى بغداد ليسمع مباشرة من الإمام أحمد رحمه الله، وكان الإمام أحمد محددة إقامته في تلك الفترة، وممنوع من مخالطة الناس، فاحتال بعد الاتفاق مع الإمام أحمد على أن يرتدي ملابس المتسولين، ويأتي كل ليلة ليسأل الصدقة، ثم يدخل في الممر كأنه ينتظر أن يؤتى له بالطعام أو الصدقة، ففي أثناء تلك الفترة يخرج إليه الإمام أحمد ويحدثه كل يوم بحديث، فلما انقشعت المحنة كان الإمام أحمد يعظمه جداً، وكان يقول في مجلسه: هذا يقع عليه اسم طالب العلم. وكان الإمام البخاري رحمه الله تعالى يفعل ذلك -أي: التشجيع- مع الوراق، فقد كان يملي عليه الإمام الأحاديث وهو يكتب في الورق، فكان يكثر جداً من الإملاء، فيخشى أن يمل الرجل رغم أنه كان يأخذ أجراً على هذا، فكان يلاطفه ويواسيه ويشجعه بالاستمرار كي لا يمل، يقول الوراق: (فأملى عليّ يوماً -أي: الإمام البخاري - أحاديث كثيرة فخاف مللي، فقال: طب نفساً فإن أهل الملاهي مع ملاهيهم، وأهل الصناعات في صناعاتهم، والتجار في تجاراتهم، وأنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه)، يقول له: طب نفساً، وهذا تشجيع وثناء عليه، وتسلية له ومواساة على هذه المشقة التي يتحملها، طب نفساً، فإن أهل الملاهي مع ملاهيهم، ذهب كل مع من يحب، أهل الملاهي يجلسون مع الملاهي، وأهل الصناعات في صناعاتهم في طلب الدنيا، والتجار في تجاراتهم، وأنت لست مع الملاهي ولا مع الصناع ولا مع التجار، وإنما أنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا فـ البخاري علم أن التشجيع والثناء والمواساة والمدح يجعل هذا الرجل ينجو من الملل أو الضجر، ويتلقى هذه التكاليف بصدر رحب. الإمام مالك رحمه الله تعالى كتب رسالة إلى إمام مصر الليث بن سعد، فيها الثناء والمدح له، ومما قال فيها: وأنت في إمامتك، وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك، وحاجة من قبلك إليك، واعتمادهم على ما جاءهم منك. فالإمام مالك يهيئ الليث بالثناء عليه ومدحه قبل أن ينصحه؛ لأنه نصحه بعد ذلك، وبقصد النصيحة دخل من هذا المدخل. الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى دخل في يوم مطير على تلاميذه، وكان يخشى عليهم من خوف الملل أو الضجر من طول الوقت، فأقبل أبو حنيفة رحمه الله تعالى عليهم بوجه بشوش وقال لهم: أنتم مسار قلبي وجلاء حزني. ودخل الإمام الشافعي يوماً على الإمام أحمد بن حنبل فقال: يا أبا عبد الله! كنت اليوم مع أهل العراق في مسألة كذا وكذا، كنت أناقشهم أو أناظرهم في مسألة فقهية فلو كان معي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفع إليه أحمد ثلاثة أحاديث، فقال: جزاك الله خيراً، مع أن الشافعي شيخ الإمام أحمد، لكنه مع ذلك أتاه وطلب منه هذه الأحاديث، وأظهر الافتقار لما معه من العلم والحديث. حتى أهل الخير من أهل الهمة مهما بلغ أحدهم من المنزلة يحتاجون إلى التشجيع ليفعل فيهم أثره. مر رجل مع صاحب له بجوار بيت أبي حنيفة ليلاً، فسمع أحدهما يقول لصاحبه: هذا أبو حنيفة لا يكاد ينام من الليل، يعني: يقوم الليل كله، فقال أبو حنيفة لنفسه: والله لا يُتحدث عني بما لا أفعل، فمن ساعتها بدأ يواظب على قيام معظم الليل رضي الله تعالى عنه. كان رجل من أهل الأذى للناس، وكان له منصب معين يتمكن منه من أذية الناس، فقابله شخص بالثناء عليه، وبأنه سمع شكره مستفيضاً، ووصفه بالجميل، ومدحه بالرفق؛ فكان ذلك سبباً إلى أن منع ذلك الفاسق عن كثير من شره وأذاه للناس، فممكن أن تمدح الظالم للحد من شره، لكن تمدحه بصدق دون أن تغره بما هو فيه من ظلم فيتمادى في ظلم الناس، ودون أن تداهنه وتكذب في مدحه، لكن ممكن أن تأتي بشيء من الخير الذي تراه فيه، كأن تقول له: أنت من أسرة طيبة، وأناس أفاضل معروفون بحب الخير، فهذا ليس كذباً، إن كان هو بالفعل هكذا، لكن هو الفرع الخبيث في هذه الشجرة، فالشر ينقمع في نفسه، ويكف عن أذية الناس. فالبيئة المشجعة حول الإنسان دائماً ما تحفزه على المزيد من الإنتاج.

أثر التثبيط في خنق المواهب

أثر التثبيط في خنق المواهب تكلم الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى عن أثر التثبيط في خنق المواهب، وحرمان الأمة من عبقرية أصحابها وإبداعهم، وهو يقصد بالمثبطين هنا بعض أبناء العائلات التي احتكرت الوظائف العلمية، فكانوا يخشون أن تتحول عنهم إلى غيرهم، فكلما رأوا طالب علم مجد ونابغة من غير هذه العائلات يخذلونه ويثبطونه إلى أن يترك طلب العلم، لكي يبقى العلم حكراً على هذه العائلات وهذه الأسر. يقول الشيخ: إن الشيخ محمد أمين بن عابدين لما نشأ، وآنس المثبطون منه الميل إلى العلم، وعرفوا فيه الذكاء المتوقد، والعقل الراجح؛ خافوا منه، فذهبوا يقنعون أباه -وكان أبوه تاجراً- ليسلك به سبيل التجارة، ويتنكب به طريق العلم، وجعلوا يكلمونه ويرسلون إليه الرسل، ويكتبون إليه الكتب، ويستعينون عليه بأصحابه وخلطائه، ولكن الله أراد بالمسلمين خيراً، فثبت الوالد، فكان من هذا الولد المبارك ابن عابدين صاحب الحاشية، وهو أوسع كتاب في فروع الفقه الحنفي. يقول الشيخ: بل أرادوا أن يصرفوا عن العلم أستاذنا العلامة محمد بن كرد علي -وهذا إمام من أئمة السلفية الكبار- فبعثوا إليه بشقيقين من آل فلان، شقيقان قد ماتا فلست أسميهما، على رغم أنهما قطعا عن العلم أكثر من أربعين طالباً، صرفوهم عن العلم إلى الاشتغال بالدنيا لهذا السبب، فما زالا بأبيه ينصحانه أن يقطعه عن العلم، ويعلمه مهنة يتكسب منها، فما في العلم نفع ولا منه فائدة، يلحان عليه ويلازمانه حتى ضجر فصرفهما، فننبغ ولده هذا الأستاذ كرد علي حتى صار صاحب النهضة الفكرية في الشام، وقائدها، ووزير معارف سوريا الأسبق، ومفخرتها، والذي من مصنفاته: خطب الشام، وغرائب الغرب، والقديم والحديث، والمحاضرات، وغابر الأندلس وحاضرها، والإدارة الإسلامية، والإسلام والحضارة العربية، والمقتبس، ومن مصنفاته: المجمع العلمي العربي بدمشق، ومن مصنفاته: هؤلاء الشعراء والكتاب من الشباب. ولعل في الناس كثير كانوا -لولا الاحتقار والتثبيط- كـ ابن عابدين وكـ كرد علي. وها هو العلامة الشيخ سليم البخاري رحمه الله تعالى مات وما له مصنف على جلالة قدره، وكثرة علمه، وقوة قلمه، وشدة بيانه، وسبب ذلك: أنه صنف لأول عهده بالطلب رسالة صغيرة في المنطق، كتبها بلغة سهلة عذبة، تنفي عن هذا العلم تعقيد العبارة، وصعوبة الفهم، وعرضها على شيخه؛ فسخر منه، وأنبه، وقال له: أيها المغرور! أبلغ من قدرك أن تصنف؟ وأنت وأنت -يعيره- ثم أخذ الرسالة فسجر بها المدفئة، فكانت هي أول مصنفات العلامة سليم البخاري وآخرها! يقول: وأول من سن سنة التشجيع في بلدنا هو العلامة مربي الجيل الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله، نسبة إلى الجزائر في العراق، الفيلسوف المؤرخ الجدلي الذي من آثاره المدارس الابتدائية النظامية في الشام، والمكتبة الظاهرية، والأستاذ محمد كردي علي بيك كان من تلامذته، وخالي الأستاذ محب الدين الخطيب - محب الدين الخطيب خال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله- ومما كتب الشيخ طاهر الجزائري في ذم التثبيط رحمه الله يقول: وقد عجبت من أولئك الذين يسعون في تثبيط الهمم في هذا الوقت الذي يتنبه فيه الغافل، وكان الأجدر بهم أن يشفقوا على أنفسهم، ويشتغلوا بما يعود عليهم وعلى غيرهم بالنفع، ولم ير أحداً من المثبطين قديماً أو حديثاً أتى بأمر مهم، فينبغي للجرائد الكبيرة أن تكثر من التنبيه على ضرر هذه العادة، والتحذير منها؛ ليخلص منها من لم تستحكم فيه، وينتبه الناس لأربابها ليخلصوا من ضررهم. وكان الشيخ في حياته يشجع كل عامل، وهذا من السنة، فالرسول عليه الصلاة والسلام لما رآهم عند بئر زمزم يصبون الماء قال لهم: (هكذا فاعملوا بارك الله لكم، وجزاكم الله خيراً) أو كما قال، والشاهد التشجيع والثناء على من يفعل خيراً بالخير، وكان الشيخ لا يثني أحداً عن غاية صالحة؛ حتى لقد أخبرني أحد المقربين منه أنه قال له: إذا جاءك من يريد تعلم النحو في ثلاثة أيام فلا تقل له: إن هذا غير ممكن -انظر إلى هذا الأسلوب التربوي- لا تقل له: هذا غير ممكن؛ فتفل عزيمته، وتكسر همته، ولكن أقرئه، وحبب إليه النحو، فلعله إذا أنس به واظب على قراءته.

أثر التشجيع في ولادة المواهب والعبقريات

أثر التشجيع في ولادة المواهب والعبقريات إن التشجيع يفتح الطريق للعبقريات المخبوءة حتى تظهر وتثمر ثمارها، وتؤتي أكلها، ورب ولد من أولاد الصناع أو التجار يكون إذا شجع وأخذ بيده عالماً من أكابر العلماء، أو أديباً من أعاظم الأدباء، وفي علماء القرن الماضي في الشام من ارتقى بالجد والدأب والتشجيع من منوال الحياكة إلى منصب الإفتاء وكرسي التدريس تحت القبة. نشأ الشيخ محمد بن إسماعيل الحائك خياطاً عامياً، ولكنه كان محباً للعلم وللعلماء، فكان يحضر مجالسهم، ويجلس في حلقهم للتبرك والسماع، وكان يواظب على الدرس، ولا يفوته الجلوس في الصف الأول، فجعل الشيخ يؤنسه ويلطف به لما يرى من دوامه وتبكيره، ويسأل عنه إذا غاب، فشد ذلك من عزمه، فالشيخ يؤنسه لأنه يأتي مبكراً، ويجلس في أول الصف، حتى إذا غاب يسأل عنه الشيخ، فهذا أثر فيه تأثيراً شديداً؛ لأنه صار محل اهتمام هذا الشيخ، فاشترى الكتب وصار يحيي ليله في مطالعة الدرس، ويستعين على ذلك بالنابهين من الطلبة، واستمر على ذلك دهراً حتى أتقن علوم الآلة، وصار واحد زمانه في الفقه والأصول، وهو عاكف على مهنته لم يتركها، وصار الناس يأتونه في محله يسألونه عن مشكلات المسائل والوقائع فيجيبهم بما يعجز عنه فحول العلماء، فانقطع الناس عن المفتي من آل العمادي، فساء ذلك العماديين وآلمهم، فتربصوا بالشيخ وأضمروا له الشر، ولكنهم لم يجدوا إليه سبيلاً، فقد كان يحيى من عمله، ويحيى الناس بعلمه، كان يشتغل بالخياطة وفي نفس الوقت يفيد الناس، وكان يمر كل يوم في دار العماديين الذين كانوا محتكرين الفتوى في القيمرية وهو على أتان -وهي الحمارة- له بيضاء، فيسلم فيردون عليه السلام، فمر يوماً كما كان يمر فوجد على الباب أخاً للمفتي فرد عليه السلام، وقال له ساخراً: إلى أين يا شيخ؟ أذاهب أنت إلى اسطنبول لتأتي بولاية الإفتاء؟! يسخر منه، لأنه في السابق كان يعين المفتي بمرسوم من اسطنبول، وضحك من حوله، أما الشيخ فلم يزد على أن قال: إن شاء الله، وسار في طريقه حتى إذا ابتعد عنه سار في الأزقة، حتى عاد إلى داره فودع أهله وأعطاهم نفقتهم، وسافر إلى مكان مجهول، وما زال يفارق بلداً ويستقبل بلداً، حتى دخل القسطنطينية، فنزل في خان قريب من دار المشيخة، وكان يجلس على الباب يطالع في كتاب أو يكتب في صحيفة، فيعرف الناس من زيه أنه عربي، فيحترمونه ويجلونه، ولم يكن الترك قد جنَّوا الجنة الكبرى بعد، فكانوا يعظمون العربي؛ لأنه من أمة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم الذي اهتدوا به، وصاروا به وبقومه ناساً، واتصلت أسباب الشيخ بأسباب طائفة منهم، فكانوا يجلسون إليه يحدثونه، فقال له يوماً رجل منهم: إن السلطان سأل دار المشيخة عن قضية حيرت علماءها ولم يدروا لها جواباً، والسلطان يستحثهم وهم حائرون، فهل لك في أن تراها لعل الله يفتح عليك بالجواب، قال: نعم، قال: سر معي إلى المشيخة، قال: باسم الله، ودخلوا على ناموس المشيخة -الذي يسمى الآن السكرتير- فسأله الشيخ إسماعيل عن المسألة، فرفع رأسه فقلب بصره فيه بازدراء؛ لأنه يلبس ملابس رثة، وكأنه يقول: هذا الفقير جاء يريد الجواب عن السؤال الذي عجز عنه شيوخ الإسلام في دار الخلافة! ولم تكن هيئة الشيخ بالتي ترضي، ثم ألقاها إليه الموظف وانصرف إلى عمله، فأخرج الشيخ نظارته، فوضعها على عينه، فقرأ المسألة، ثم أخرج من منطقته الدواة النحاسية الطويلة التي كان يستعملها العلماء وطلبة العلم للكتابة، والدفاع عن النفس -القلم كان كبيراً قوياً يستعمل في الكتابة وفي الدفاع عن النفس- فاستخرج منها قصبة فبراها، وأخذ المقطع فقطعها، وجلس يكتب الجواب بخط نسخي جميل، حتى سود عشر صفحات ما رجع في كلمة منها إلى كتاب، بل من ذاكرته، ودفعها إلى الناموس، ودفع إليه عنوان منزله وذهب، فلما حملها الناموس إلى شيخ الإسلام وقرأها كاد يقضي دهشة وسروراً، وقال له: ويحك! من كتب هذا الجواب؟ قال: شيخ شامي من صفته كيت وكيت، قال: علي به، فدعوه وجعلوا يعلمونه كيف يسلم على شيخ الإسلام، وأن عليه أن يشير بالتحية واضعاً يده على صدره منحنياً، ثم يمشي متباطئاً حتى يقوم بين يديه، إلى غير ذلك من هذه الأعمال الطويلة التي نسيها الشيخ ولم يحفظ منها شيئاً، ودخل على شيخ الإسلام فقال له: السلام عليكم ورحمة الله، وذهب فجلس في أقرب المجالس إليه، وعجب الحاضرون من عمله! ولكن شيخ الإسلام سر بهذه التحية الإسلامية، وأقبل عليه يسأله، حتى قال له: سلني حاجتك؟ قال: إفتاء الشام وتدريس القبة، قال: هما لك، فاغد علي غداً، فلما كان من الغد ذهب إليه وأعطاه فرمان التولية، ومعه ألف دينار، وعاد الشيخ إلى دمشق، فركب أتانة وسار حتى مر بدار العماديين، فإذا بأخي المفتي الذي كان يسخر منه على الباب فسخر منه كما سخر، وقال: من أين يا شيخ؟ فقال الشيخ: من اسطنبول، أتيت بتولية الإفتاء كما أمرتني، ثم ذهب إلى القصر فقابل الوالي بالفرمان، وسلم الشيخ عمله في حفلة حافلة. همم الرجال إذا مضت لم يثنها خدع الثناء ولا عواد الذام أي: أن الهمم العالية لا يثنيها ولا يثبطها ولا يحبطها خدع الثناء، فالمدح لا يغرها، حتى تصل مرحلة الانتفاع، (ولا عواد الذام)، يعني: ولا نوائب الذي يعيب ويحتقر. ومن هذا الباب: قصة الشيخ علي كزبر! وقد كان خياطاً في سوق المسكية على باب الجامع الأموي، فكان إذا فرغ من عمله ذهب فجلس في الحلقة التي تحت القبة فاستمع إلى الشيخ حتى يقوم فيلحق به ويخدمه، وكان الشيخ يعطف عليه لما يرى من خدمته إياه، فيشجعه ويحثه على القراءة، فقرأ ودأب على المطالعة حتى صار يقرأ بين يدي الشيخ في الحلقة، ولبث على ذلك أمداً وهو لا يفارق دكانه ولا يدع عمله، حتى صار مقدماً في كافة العلوم، فلما مات الشيخ حضر في الحلقة الوالي والأعيان والكبراء ليحضروا أول درس للمدرس الجديد؛ فافتقدوا المعيد فلم يجدوه، ففتشوا عليه فإذا هو في دكانه يخيط، فجاءوا به فقرأ الدرس وشرحه شرحاً أعجب الحاضرون وطربوا له، فعين مدرساً، ولبث خمسة عشر عاماً يدرس تحت قبة النسر، وبقيت الخطبة في أحفاده إلى اليوم. وكان هذا مروراً عابراً مختصراً؛ لأن الكلام في هذا الموضوع أوسع من هذا بكثير، لكن أردت أن أعجل بهذه الوصية قبل أن يبدأ العام الدراسي؛ لأننا نسمع بمذابح ومجازر لهمة الأطفال، وبالتحقير والتشنيع، وإن شاء الله عما قريب أرجو أن نصل بهذه النصيحة إلى المدرسين حتى يتقوا الله في مستقبل المسلمين المتمثل في أبنائهم وطلابهم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

الدرس الأول: طفلك ليس ملكك

الدرس الأول «طفلك ليس ملكك»

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذرياته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد،، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد،، نعود لمدارسة مفصلة إن شاء الله وتكون هذه المرة مستوعبة كل جوانبها يمكن كانت أول محاضرة من حوالي اثنتي عشرة سنة؛ فللأسف الشديد ما أخذت حقها، وإن كان أحد الإخوة أرسل لي سؤالاً مرعبًا يقول لي فيه إيه موضوع ضرب الأطفال هذا الذي تريد أن تتكلم فيه؟ هناك حاجات أهم بكثير. موضوع ضرب الأطفال ليس القضية الأساسية بل هو موضوع من ضمن قضايا كثيرة في التربية لكن كان هذا الكلام يشير بفظاعة وهول ما نحن فيه من عدم إدراك خطورة قضية التربية. حينما عثرت تلك المرأة الأسيرة على ولدها الذي كان قد ضل عنها فلما وجدته ألصقته بها وأخذت تحتضنه وتقبله فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموقف بالذات وفي تلك اللحظة قال - صلى الله عليه وسلم -: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ للهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» (¬1) فبين لهم أن الله - سبحانه وتعالى - أرحم بعباده من هذه الأم بولدها. ¬

_ (¬1) متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

الشاهد هنا في قوله: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ»؛ لا يوجد أب يريد أن يطرح أبناءه في النار لكن في الواقع هناك من يلقي أولاده ليس في نار الدنيا، وإنما في نار جهنم بأن يفرط في تربيتهم لإنقاذهم من النار وفي ذلك يقول الله - سبحانه وتعالى - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (¬1). فهدف التربية الإسلامية يختلف تمامًا عن جميع أنواع التربية الأخرى؛ فجميع تعريفات التربية في المفهوم الغربي تلتقي حول إعداد الطفل ليكون قادرًا على تحقيق رغباته الدنيوية أن يعيش متكيفًا مع المجتمع من حوله وأن يحقق ما يصبوا إليه لا تُذكر فيها الآخرة على الإطلاق السلام النفسي الاستقرار التكيف إلى آخره لكن في دائرة الحياة الدنيا، الأمر الذي يختلف تمامًا مع الهدف الإسلامي من التربية؛ فالهدف الإسلامي من التربية أن يكون الأبناء عبيدًا لله - سبحانه وتعالى - متحررين من عبودية غيره لأن هذا هو الغاية من الخلق {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)} (¬2). وأول أمر في القرآن الكريم {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)} (¬3) ويقول الله - سبحانه وتعالى -: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} (¬4). ¬

_ (¬1) التحريم: 6. (¬2) الذاريات: 56 - 57. (¬3) البقرة: 21. (¬4) الأنعام: 162 - 163.

قضية التربية قضية هي أخطر القضايا على الإطلاق في المنظور الإسلامي هي قضية القضايا إن جاز لنا التعبير. جاء في الحديث قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «أَلاَ لاَ يَجْنِى وَالِدٌ عَلَى وَلَدٍ» (¬1) كما رواه الدارقطني؛ فالإرشاد إن الأب لا يجني على ولده قوله مثلاً - صلى الله عليه وسلم - «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُوْلُ» (¬2) التضييع ليس فقط بالقوت والأموال والتقصير في هذه الناحية لكن أيضًا التضييع أعم و «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُوْلُ» كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -. صورت آيات كثيرة من القرآن الكريم خطورة موضوع التربية وإن الأطفال هم في الحقيقة هم مستقبل الأمة حينما يقول عباد الرحمن في دعائهم {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)} (¬3). المسلمون اهتموا بذلك، فالتراث الإسلامي حافل بقضايا تربوية في غاية الأهمية يكفي أنك حينما تَدْرُس أي قضية من القضايا التربوية ثم تقف على آثار علمائنا من السلف والخلف ونصوصهم فيها تجدها أروع بكثير جدًا مما يدندن حوله الباحثون العصريون سواء من الغربيين أو غيرهم ليصلوا في النهاية إلى ما لخصه العالم المسلم في جمل يسيرة جدًا، لكنها في غاية القوة؛ لأن التربية كانت شيء ممارس بطريقة عملية بعد ما رباهم الكتاب والسنة والصحابة - رضي الله عنهم -. وصل الأمر إلى أن بعض من المحسنين المسلمين كان يبذل أموالاً وقفًا على الأطفال الذين تضيع نقودهم مثلاً الأطفال الذين راحوا يشتروا حاجة أو العبيد أو الخدم راح يشتري حاجة ووقعت منه ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني من حديث طارق بن عبد الله المحاربي - رضي الله عنه - (صححه الألباني). (¬2) السنن الكبرى للنسائي، المستدرك على الصحيحين للحاكم وصححه من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، وقال الألباني (حسن لغيره). (¬3) الفرقان: 74.

الفلوس أو ضاعت أو سرقت حتى يجبروا كسره ومصيبته ويؤمنه من العقوبة الشديدة في مثل هذا فأوقفوا الأموال إن الأطفال الذين يضيع منهم شيء فهذه الأموال وقف على هؤلاء الأطفال. الاهتمام بالتربية اهتمام للجيل القادم وبالأطفال في الإسلام لا نظير له على الإطلاق يبدأ مبكرًا جدًا يبدأ أساسًا من اختيار الزوجة التي ستكون أمًا لهؤلاء الأولاد هذه الدلالة الحقيقية، يبدأ حتى عند التقاء الزوجين باحتياط حتى لا يضر الشيطان هذا المولود أو هذا الجنين إذا خُلِّقَ. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَقُولَ حِينَ يُجَامِعُ أَهْلَهُ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا» (¬1). فهذا إجراء تربوي، إجراء وقائي يبدأ مبكرًا جدًا «اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا». ولقد تكلمنا من قبل ومنذ زمن على خريطة الأمية التربوية وذكرنا أن الناس يتداعون وكل مكان لمحو الأمية أمية القراءة والكتابة، لكن أقل الناس هم الذين يعترفون بوجود أمية تربوية فضلاً عن أن يفكروا في محو هذه الأمية التربوية، مع أن الفارق خطير جدًا بين أمية القراءة والكتابة وبين الأمية التربوية؛ فأمية القراءة والكتابة تتفشى في طبقات خاصة من الناس -طبقات معينة من الناس أو أنواع معينة من الناس-، أما الأمية التربوية فلا يسلم منها تقريبًا كل فئات المجتمع؛ فتجد الأمية التربوية في ساسة وأساتذة جامعة ومعلمين وآباء وأمهات فيه أشياء كثيرة جدًا تجد تَفَشِّي ظاهرة الأمية التربوية. ولو ذهبنا نعدد أخطاء المعلمين مثلاً أو غيرهم في هذه الناحية وما يترتب عليه من مشاكل نفسية في غاية الخطورة؛ فإننا عندنا رصيد كبير في مثل هذا الأمر. ¬

_ (¬1) رواه الدارمي بهذا اللفظ. ورواه البخاري ومسلم بلفظ «مَا مِنْ أَحَدٍ لَوْ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَه قَالَ ...... » كلهم من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.

أمية القراءة والكتابة شيء ظاهر يسهل التعامل معه ولكن الأمية التربوية مختفية؛ لأن المحضن الأساسي للتربية هو البيت وما أحد يتدخل في البيت ممكن يكون رجلاً فقيرًا بسيطًا تربويًا، وممكن يكون لا يقرأ ولا يكتب لكنه يتعامل مع أولاده بطريقة سوية تخرجهم أصحاء نفسيين، لكن واحد ممكن يكون في أعلى درجات التعليم ويكون أيضًا أميًا في التربية فأيضًا يحصل الخلل في حياة أولاده. أنا لست أدعي أننا نمحو الأمية التربوية لكن الهدف من العنوان «محو الأمية التربوية» هو تسليط الضوء على هذه القضية والتداعي من أجل محاربتها ومحوها ومثل هذه القضية قضية «محو الأمية التربوية» قضية ليست محاضرة ولا اثنين ولا مائة حتى تعالجها لكنها تحتاج زمنًا طويلاً وجهودًا مكثفة. المقصود بمحو الأمية التربوية بيان أهمية وضرورة محو الأمية التربوية حتى تنتقل القضية إلى دائرة الاهتمام فيسلط الضوء عليها وتُعطى القدر الذي تستحقه. توجد عقبات في تناول هذه القضية في الحقيقة بالذات في المساجد لأن المساجد تتواجد فيها جميع المراحل العمرية من الرجال والنساء فطبعًا هذا يؤدي إلى أنه لا يتناسب مع تنوع مستويات الحديث وتعدد الآراء إن فيه كلام يقال مثلاً للمراهقين فقط وفيه كلام يقال للآباء وفيه كلام يقال للأطفال وهكذا كل فئة لها ما يناسبها لكن هذه أحد العوائق نجتهد في محاولة التغلب عليها وإن كان العالم الآن أصبح مفتوحًا وكل أحد يطّلع على كل شيء كما تعلمون. والمحور الأساسي المطلوب هنا في هذه القضية هو أهم شريحتين في الأمة الأطفال والشباب لماذا؟ لأن الأطفال بصفة أساسية ثم يليهم الشباب هم الطائفتان القابلان للتوجيه؛ لأن الأطفال عجينة فيمكن تشكيلها، ممكن مبكرًا جدًا أن نقيهما الكثير من الأخطار والأمراض والاضطرابات وهذه الأشياء؛ فلأنه عجينه كل ما يكون الإنسان ينتبه إليهم مبكرًا كلما يوفر المشاكل فيما بعد لكن الشباب بعد 18 سنة لا نسميها تربية لكن نسميها علاج أو تكوين، لكن التربية تكون في الفترة أساسًا الست سنوات

الأولى على إحدى نظريات التربية ويتم فيها حوالي 95% من العملية التربوية من صناعة هذه العجينة وتشكيلها ست سنوات الأولى التي تحظى لدينا بأكبر قدر من الإهمال؛ حيث ننظر للطفل بأنه لعبة نلهو بها نتسلى بها ونغفل القضايا التربوية في أخطر المراحل التي يتشكل فيها شخصيته في المستقبل، وحينما نتكلم عن مظاهر الخلل في قضية التربية إساءة للأطفال أو إيذاؤهم فالثقافة الغربية الحديثة أو الدراسات النفسية الحديثة أوجدت مصطلحًا أحيانًا سنضطر نستعمل بعض المصطلحات باللغة الانجليزية في مجال استعمال مصطلح هذا ما في حرج فيه كاصطلاح بجانب إن بعض الناس ممكن يكون عنده همه فيبحث مثلاً في النت أو غيره عن مزيد من الاطلاع مصطلح نستعمله يقوله child abuse and neglect في قضية الإساءة للأطفال فيستعملوها بوجهين: وجه إيجابي ووجه سلبي يعتبروا الإساءة للأطفال أو الاعتداء عليهم يسموه تحت كلمة الإساءة أو الانتهاك. الوجه الآخر من هذه الإساءة هذا الوجه الإيجابي سواء إيذاء بالضرب بالعدوان بالتحرش إلى آخر هذه الأشياء. وهناك إساءة بالوجه الثاني والمفاهيم هذه تلتقي طبعًا مع الإسلام بل هي أوضح في الإسلام. الإهمال: هذا نوع من الإساءة بعدم أداء بما يجب عليك أن تؤديه؛ سواء الإهمال العاطفي الحرمان العاطفي للأطفال من العواطف التي يحتاجونها الإهمال في التغذية الإهمال في الترفيه، الإهمال في النفقة أي شيء، الإهمال الصحي، عدم تعليمهم، عدم إعطاؤه التطعيمات ... الخ، كل هذه مظاهر الإساءة للطفل ليس بطريقة فعلية لكن بطريقة سلبية لا يفعل ما يجب أن يؤديه فطبعًا هذا مفهوم جيد جدًا وشامل ويوضح القضية. كما نقول دائمًا إن عدم العلم جهل، والخطأ في العلم جهل؛ إذا قلت مثلاً ما هذه (واحد قال لي هذه دبابة مثلاً أو هذه طائرة فمعناها لا أنه فاهم الساعة ولا فاهم الطائرة) فإذن عدم العلم جهل لما

يقول لا أدري هذا جهل لكن لما يسميها باسم آخر فلا هو عارف هذه ولا عارف هذه فأيضًا الخطأ في العلم جهل. تقول الدكتورة/ عزيزة المانع في قضية الوعي التربوي تقول: الوعي التربوي لدى أغلبنا منخفض جدًا، حتى عند المثقفين التربية لا تؤخذ مأخذًا جادًا كعلم يكتسب ومهارة تحتاج إلى تدريب. التربية العملية ليست سهلة نريد في البداية نعترف أنها علم وفن؛ الفطرة وحدها لا تكفي. الفطرة تقوم بدور مهم جدًا لكن لا تكفي كل شيء الآن في هذا العالم أصبح علمًا وفنًا في نفس الوقت يحتاج مهارة وتدريب واكتساب خبرات التربية لسنا نحن فقط الذين نربي أولادنا، سنكتشف من الدراسات إن الأولاد يربونا لأننا نستفيد منهم وهناك خبرات لا تستطيع أن تحصل عليها إلا من خلال أن يكون عندك أولاد وتقوم بتربيتهم ومعايشتهم. تقول: «الوعي التربوي لدى أغلبنا منخفض جدًا حتى عند المثقفين التربية لا تؤخذ مأخذًا جادًا كعلم يكتسب ومهارة تحتاج إلى تدريب، وإنما ينظر إليها أغلب الناس على أنها شيء تلقائي يدركه الفرد بإحساسه العفوي فإن أراد الاجتهاد أضاف شيئًا من خبراته المكتسبة وراثيًا عن طريق ما تعلمه من آبائه؛ ولافتقاد الخبرة المطلوبة والثقافة التربوية الصحيحة فإن الأغلبية يجهلون كيف يتعاملون بالأسلوب السليم مع أولادهم في هذا العصر الذي اكتظ بالمتناقضات وتزاحمت فيه الأضداد وأصبحت تتنازع الإنسان جوانب عدة واتجاهات مختلفة؛ فلا يجد الفتى أو الفتاة سوى التخبط أو الضياع عندما لا يكون هناك من هو كفء لقيادته إلى الطريق الصحيح عبر هذا الخضم المتلاطم من الأفكار والنزعات». لو أردنا أن نرصد الخلل الذي ينشأ نتيجة إهمال قضية التربية نجد أنواعًا كثيرًا جدًا من الناس عند تناول هذه القضية ففيه ناس لا مبالاة مطلقًا بأي نوع من الواجبات تجاه أولادهم، من الناس من يهتموا جدًا بالدراسات التربوية لكن دراساتهم كلها دراسات أكاديمية تستغلق على فهم الشخص العادي -الناس المستهدفة أساسًا بالتربية الجماهير العادية- فتجد كتب كثيرة في التربية تخاطب فقط

المختصين؛ لأنهم جالسون في برج عالي ولهذا يوجد في قضية تناول هذه القضايا على مستوى المجتمع فئة مهم جدًا أن نحاول تسليط الضوء عليها المهمشون «التهميش» وهذه قضية وحدها ممكن بعد ذلك نتناولها وحدها. مثلاً: كبار السن مهمشون، أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة إلى حد ما وإن كان الآن يحصل فيه اهتمام كبير جدًا بهم، لكن أيضًا اعتبروه من الطوائف المهمشة، بعض الأزواج ممكن يكونوا مهمشين في بيوتهم، وكذلك بعض الزوجات قد تكون مهمشة وهكذا فالناس المركونة على الهامش بعيدًا عن صلب الحياة مع أن لهم حقوقًا كما ذكرنا من قبل يعني لا يوجد واحد عديم التربية ممكن نقول «عديم التربية الحسنة» لكن كل واحد يُربى لكن إما أن يربى بطريقة صحيحة وإما أن يربى بطريقة ضارة تسيء إليه. كذلك من الناس من يحصل عنده افتتان نتيجة إنه أصلاً ليس عنده حصانة إسلامية ولا خبرة ثقافة إسلامية؛ فبالتالي ينبهر بالمعطيات الغربية أو المنهج التربوي الغربي ويطبقونه بطريقة عشوائية في بيئتنا وهذا بالضبط مثل المثل الذي ضربوه بتاع القرد حينما حصل سيل فالمياه فاضت وسمكة بدأت الأمواج تتقاذفها بعيدًا عن مجرى النهر أو المياه فالقرد رآها وهي تحركها الأمواج فأخرجها من أجل أن يحسن إليها وينقذها وفصلها عن بيئتها المائية فماتت. فنفس الشيء؛ الجماعة القردة الذين يقلدون ما عند الغرب ويظنون أن ما يصلح الغربيين يصلحنا، مع أن الهدف الأساسي في التربية به اختلاف بيننا وبينهم تمامًا؛ فأكيد الأساليب أيضًا ستختلف لأننا مختلفون. هم هدفهم كله مثل ما تكلمه عن موضوع الحضارة، ما هي الحضارة عندهم، كل حاجة عندهم الدنيا، كل الكلام يتركز على المباني والأجهزة وعلى الدنيا، ويهمل تمامًا الكلام على الآخرة وهذا يتفق مع المنحى العالماني الذي لا يتصرف على أساس وجود دار آخرة، المسألة كلها أنه لا يوجد غير هذه الفرصة الوحيدة للحياة لا جنة ولا نار ولا بعث ولا نشور ولا إله ولا شيء من هذا؛ فهذه نظرة العالمانية

ما الذي نريده من أولادنا؟!

للحياة فمن ثم لا شك أن يحدث تفاوت بين المنهج التربوي الإسلامي في أهدافه أولاً ثم في وسائله فليس كل ما يصلح للغرب يصلح في المجتمعات الإسلامية. من مظاهر الخلل أن بعض الناس ينظرون للتربية على أنها توفير الطعام والملابس، يقول: أنا أطعم أولادي أحسن الطعام وألبسهم أحسن الملابس إلى آخره، فهذه تربية الدواجن والبهائم، العلف فقط هذه تربية البهائم كأنك بتربي قط مثلاً، لكن تربية إنسان مكرم يكون عبدًا لله - سبحانه وتعالى - لا تقتصر على أن توفر الطعام والمؤن والعلف؛ لأنه ليس دابة، هذا إنسان مكرم بل هو المستقبل بعينه. هناك التربية القاسية المتسلطة: فيها نوع من العنف والجفاء والشدة يقول: من أجل أن يطلع راجل إنه ينظر لابنه بعينيه فالولد يرتجف فالناس تحسن أن هذا ولد مؤدب أبوه ينظر إليه بعينيه هكذا على طول يضع وجهه في الأرض إلى آخره. ما الذي نريده من أولادنا؟! هذا شيء مهم جدًا ينبغي أن نلتفت إليه فيه على الجهة الأخرى التدليل المفرط هذا أيضًا إفساد للأولاد التدليل الزائد عن الحد الحماية الزائدة هذا أيضًا يتناقض مع الهدف من المنهج التربوي. هناك من مظاهر الاعتزاز {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} الزخرف: 23 [الزخرف:23] يعتبر جزء من هويته التراث الذي خلفه آبائه بما أن أبي رباني بطريقة معينة فحتمًا لا بد أن تكون هذه الطريقة هي الصحيحة، وإن هذه الطريقة يضفى عليها نوع من القداسة وأنها غير قابلة للنقاش مع أن الحقيقة خلاف ذلك. من الخلل الموجود يسلم زمام التربية للأميين. والأميون ممكن أن يكونوا خادمات معلمات غير تربويات.

أذكر وأنا الصغير كان أحد المدرسين قال لنا مرة «أخلاقك هذه لك أنت ما يهمني هو مستواك في مادتي، إنما الأخلاق هذه تخصك أنت» تسمع مدرسين آخرين طبعًا كلامًا متناقضًا تمامًا مع هذا؛ فنفس المعلمين يحتاجون لتعليم وفاقد الشيء لا يعطيه ولذلك يقعون في مشاكل وخيمة. الإعلام يعتبر من العوامل التي تؤثر على موضوع أو مسار قضية التربية. إنسانية الطفل حين يولد طفل هذا ككائن إنساني كان متميز جدًا؛ ولذلك نجد فترة الحضانة بالنسبة للطفل البشري هي أعلى فترة حضانة في الوجود -سنتين- التي هي الرضاعة بخلاف أي كائن آخر معظم الكائنات الأخرى الموضوع ينتهي بسرعة وينتهي في الآخر بالاستقلال يعني الطائر حتى فترة معينة يلقنه أبوه في فمه بالطعام -العصفور أو شيء كهذا- ثم يعلمه الطيران ثم يبقى «لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» (¬1)؛ ففترة الحضانة البشرية لخطورة هذا الكائن تحتاج تهيئة أكثر وعناية أكثر. فالإنسان حينما يولد {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} (¬2) والإنسان لا يعلم شيئًا لكن هو مزود بالاستعدادات. الاستعداد، الذكاء، السمع، البصر، التفكير، وهكذا؛ فهو حينما يولد لا يوجد لديه أكثر من استعدادات والتربية هي التي تمنحها مقومات الإنسانية من الفكر واللغة والمشاعر ومعايير الخطأ والصواب. والولد البشري لا يصبح إنسانًا إلا إذا رباه إنسان مثله {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} (¬3) فالوضع الطبيعي إن ابن الإنسان لا يصبح إنسانًا إلا إذا رباه إنسان طبعًا سنضطر نستعمل مثال مشهور جدًا في عالم الأطفال وهو «طرزان» أليس كذلك! إنه لما تربى في وسط الحيوانات ¬

_ (¬1) سنن الترمذي من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (صححه الألباني). (¬2) النحل: 78. (¬3) الإسراء: 24.

هل خرج إنسانًا عنده الاستعداد لكن صار يصرخ كالحيوانات مجرد تقريب للفكرة؛ فهو لا يكون إنسانًا إلا إذا رباه إنسان. وكما قلنا إن الخطوط العريضة في شخصية الطفل تُرسم في السنوات الست الأولى من عمره وهو يولد لكن أول ثلاث سنوات هذه مرحلة ولادة ثانية لهذا الإنسان الفترة التي نغفل عنها تمامًا ولا نعطيها أي قدر من الاهتمام، لا شك أن مهمة الأسرة التربوية في ظروفنا الراهنة تقابلها تحديات جسام بالذات الآن في عصر العولمة؛ لأن العولمة أصبحت تهمش سلطان كثير من المؤسسات التربوية، همشت الأسرة، المدرسة، المجتمع؛ لأن العولمة بتشجع على التمرد على الأعراف وتوسع جدًا دائرة الخيارات الشخصية ودائرة الحرية الفردية باعتبارها وليدة العالم الرأسمالي الذي يقوم على الفَرْدَانية المحور الفرد نفسه أن يستوفي احتياجاته واختياراته. وإذا نظرنا للأمة الإسلامية فالثروة العظمى التي تملكها الأمة الإسلامية لا تتمثل للأسف طبعًا في التقدم العلمي التقني ولا في الثروات المادية في المقام الأول، بل هي أعظم ثروة تملكها الأمة الإسلامية هي في أمرين أولاً: المنهج الرباني الذي كرمها الله - سبحانه وتعالى - به. ثانيًا: العنصر البشري المتعاظم؛ فالمسلمون كموارد بشرية يملكون أو يمثلون تقريبًا خمس أو ربع سكان العالم كموارد بشرية هذه جناحًا آخر من الثروة الإسلامية التي يعمل لها أعدائها ألف حساب، ومع وجود هذه التحديات إلا أن الأسرة تعتبر أهم مؤسسة تربوية على الإطلاق رغم المزاحمة والمنافسة لكن لا تزال الأسرة المحضن الأول التي تحضن الطفل في المرحلة الأولى هي مرحلة الطفولة الباكرة التي هي أخطر سنوات عمره. الأسرة هي الحصن الأخير الذي لا يزال لأهله نوع من السيطرة عليه وإذا كانت البشرية تتقدم في التقنية لكن تقدم الأخلاقيات والسلوكيات إما أنه بطيء وإما أنه معدوم.

فالتقدم التقني المدهش خاصة في مجال الاتصالات أصبحت بيئة مفتوحة لكنها بيئة ملوثة، هذا ترك أثرًا سلبيًا على البيئات التربوية التقليدية. حينما نتناول قضية التربية بالنسبة للمنهج الإسلامي هناك محور في غاية الأهمية في قضية التربية والإسلام يعطيه مقامًا عظيمًا جدًا حتى إذا كان الهدف من الخلق هو العبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} (¬1)، فهذه العبادة لخصها النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» (¬2) {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} (¬3)؛ فأي هدف تريد أن تحققه فالدعاء يحتل أقوى أسلحة المؤمن. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «أَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخَلَ بِالْسَلاَمِ وَأَعْجَزُ الْنَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الدُّعاَءِ» (¬4) أبخل الناس من بخل بالسلام يعني إلقاء السلام فيه ثواب عظيم جدًا بل إن إلقاء السلام سنة والإجابة واجبة لكن هذه من الاستثناءات التي يكون فيها ثواب السنة أعظم من ثواب الواجب أن تبدأ بالسلام فيكون لك الثواب العظيم ومع ذلك واحد يبخل بالسلام فهو أبخل لأنه لا يكلفه شيئًا مع أنه سينال به ثوابًا عظيمًا. كذلك أعجز الناس من عجز عن الدعاء، الدعاء عبادة من أسهل العبادات قلب يدعو موافقًا باللسان بصدق وإخلاص والله سبحانه وتعالى تكفل بإجابة هذا الدعاء هو سبب من أهم الأسباب الارتباط بالله سبحانه وتعالى والاتصال بالله عن طريق الدعاء من أعظم أسباب تحقيق الآمال ولذلك نجد أن الأنبياء مع أن الأنبياء حُمِّلوا المنهج التربوي وإنما رباهم الله سبحانه وتعالى بالوحي وحسن التنشئة ¬

_ (¬1) الذاريات: 56. (¬2) سنن أبي داود من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - (صححه الألباني). (¬3) غافر: 60. (¬4) رواه ابن حبان موقوفًا على أبي هريرة - رضي الله عنه - (صححه الألباني).

والإنبات الحسن لكن مع ذلك نفس الأنبياء كانوا يستعينون بسلاح الدعاء {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} (¬1) {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} (¬2) {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} (¬3). مريم لما مدحها الله، مدحها بماذا {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} (¬4) هذا ثناء على التربية الباكرة الحسنة فمن الأسلحة المهمة جدًا في قضية التربية الاستعانة بالدعاء وبالذات الدعاء المذكور في القرآن الكريم أو في السنة النبوية؛ لأن هذا السلاح من أقوى الأسلحة التي اختص بها المسلمون فهذا مجال واسع إذا أردنا أن نستقصي أنواع الأدعية في القرآن والسنة المتعلقة بالذرية وصلاح الذرية نجد من ذلك كثرة كاثرة. هذا الإنسان كائن متميز هو عبارة عن روح وإرادة حرة كما أنه يحمل خصائص وراثية ذهنية ونفسية يرثها عن أبويه يعيش في بيئة ذات معطيات محددة تؤثر فيه ويمر بأحداث حياتية خاصة به. المقصود من هذا كله خصائص الإنسان في هذه الصورة نريد أن نصل إلى إن كل واحد من الناشئة أشبه بحالة خاصة أو بمخطوطة فريدة متميزة عن غيرها وهذه نقطة مهمة جدًا في التربية إن كل إنسان له كيانه القائم به، صحيح هو مكون من روح من إرادة مكون من جينات تحمل خصائص وراثية يرثها عن أسلافه إلا أنه أيضًا يوجد في بيئة تتفاعل تؤثر فيها وتؤثر فيه فيكتسب من خلال الاحتكاك بهذه البيئة المعيشة فيها أشياء بجانب التجارب الشخصية التي يمر بها هو نفسيًا تشكله؛ فمن ثم مثل ما الإنسان له بصمة في الإبهام وبصمة الصوت وبصمة العين التي تميزه عن غيره فكل إنسان نفسيًا أيضًا له ¬

_ (¬1) آل عمران: 38. (¬2) الأحقاف: 15. (¬3) الفرقان: 74. (¬4) آل عمران: 37.

نوع من التفرد بصمة الشخصية يقول أنا مستعد للموافقة على ذلك والقاعدة في الآباء أنهم يحبون أولادهم ويضحون من أجلهم. لكنني أضيف لا يكفي أن نحب إنما ينبغي أن نتساءل كيف نحب، وفيما بعد إن شاء الله سنقف وقفة عن التربية بالحب يقول لا يكفي أن نحب إنما ينبغي أن نتسائل كيف نحب لا يكفي أن نضحي إنما ينبغي أن نتسائل كيف نضحي ولماذا في النهاية نضحي؟ بعبارة أخرى يجب أن نتسائل عن نوعية حبنا فهناك «حب يُحيي وحب يميت». هناك مثل يقول «ومن الحب ما قتل» هناك حب يحيي وهناك حب يميت يقتل، هناك حب يحرر ويطلق وحب يكبل ويخنق، فما هو نوع حبنا كلنا ولا شك نود أن نحب أولادنا الحب الصحيح الحب الذي يحييهم وينميهم ويحررهم ويسعدهم، لكن علم النفس الحديث كشف لنا أن هناك دوافع لا شعورية إلى حد نابعة من كوامن أنفسنا متأصلة أحيانًا في رواسب طفولتنا وآثار تربيتنا كثيرًا ما تختلط بالحب الوالدي لتحوله لدرجات متفاوتة عن غايته الأصيلة. يمهد هنا لقضية أن هذه الرواسب الكامنة فينا تأثير التربية وغيرها ورواسب الطفولة الجذور التي تكون في الطفولة هي التي تجعل الواحد أحيانًا يحول الطفل بدل أن يكون غاية يستعمله كوسيلة، هذا الذي يمهد إليه يقول نحن نعلم أن أولادنا مجموعة متناقضات تحيرنا أحيانًا خاصة في مرحلة المراهقة، ولكننا من جهتنا لا نخلو من هذا التناقض الذي نشكو منه عند أولادنا وقد نعي أحيانًا بعض مظاهره فمن منا لم يختبر مثلاً أنه يود أحيانًا لو يهب أولاده حياته وأغلى ما لديه. الحالة الثانية لما يغضب يضيق بهم ويتبرم لأقل إزعاج يلحقه منهم أو لأية هفوة ارتكبوها تارة يمنحهم بسخاء ولهفة وقته وجهوده وما ملكت يداه ونفس الأب في مرحلة أخرى في ظروف أخرى يمن عليهم ما ضحى من أجلهم وما صنعه من أجلهم في سياق المنّ، أليس هناك تناقض؟!

فنفس التناقض يشتكي منهم فيه نقع نحن في هذا التناقض تارة يعتبرهم قرة عينيه وفورًا يعتبرهم عبئًا عليه تارة يتلقى برحابة صدر ما يصدر عنهم من مشاغبة وطيش وفورًا يحاسبهم بلا رحمة على كل شارة وواردة. هذه كلها ليست سوى مظهر لتناقض أعمق كامن في صميم حبنا لوالدينا تناقض لا نعيه في كثير من الأحوال، ولكنه يحدد سلوكنا وتصرفاتنا وإذا شئنا أن نحدده قلنا إنه تناقض بين موقفين أحدهما يعتبر أولادنا وسيلة والآخر يعتبرهم غاية. هذان الموقفان سوف أتوسع الآن في وصفهما، وقبل الشروع بذلك أود أن أوضح أن التناقض بينهما قائم لا محالة في كل حب والدي، إلا أن حدته تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال؛ ولذا فالفئات التي سوف أصفها كنماذج عن المواقف الوالدية ليست تصنيفًا للوالدين بقدر ما هي تمييز للنزعات المختلفة المتضاربة التي تتنازع قلب كل والد وكل والدة. لا جدوى من الارتياع أمام هذا التناقض يعني لا يفاجأ أحد حينما ينتبه لأن فعلاً فيه تناقض في تصرفاته أحيانًا كموقف والدي من الأبناء المهم هو أن ننتبه إلى قدر الإمكان إلى وجوده فينا أول شيء يكون عندنا بصيرة جذور هذه المواقف ومن أين أتت، فعندما يكون عندنا بصيرة فإن هذا سيساعدنا إلى إيجاد النزعة السليمة والموقف الوالدي السليم ألا وهي -أي النزعة السليمة- تلك التي تعتبر الولد غاية بحد ذاته على التغلب على النزعة المنحرفة التي تعتبره وسيلة. يبدأ يفصل في الناس الذين يتصرفون على أنه وسيلة: كثيرًا ما نحن مجربون بأن نعتبر أولادنا بصورة لا شعورية إلى حد ما وسائل لتتميم مقاصدنا وتحقيق ما نصبو إليه ذاتيًا -يعني يسحق شخصية الولد وهو الذي يفرض عليه مواقفه واختياراته-. هذا الكلام قد يبدو غريبًا لأن الحب الوالدي هو تحديدًا حب شريف متفان، لكن علم النفس الحديث علمنا أن ندقق في أصالة حبنا وتفانينا التي كثيرًا ما تشوبها نزعات أنانية قد لا نفطن تمامًا إليها

لكنها تئول إلى تجريد الولد من فرادته كشخص إنساني؛ لأنه يتصور أنه ملكه وينسى أن له بصمته وشخصيته وكيانه وأن وظيفة التربية أن تساعده على الاستقلال على حد قول الأب المربي الفاهم لما يقول لابنه المراهق «كن رجلاً ولا تتبع خطواتي» خليك راجل لا تمشي ورائي ووراء خطوات رجلي تقلدني، كن رجلاً هذه هي الرجولة ولا تتبع خطواتي. يقول هذه النزعات الأنانية قد لا نفطن تمامًا إليها لكنها تئول إلى تجريد الولد من فرادته؛ -فرادته أي التفرد- وتفرده، كشخص إنساني وتحويله إلى شيء ندعي امتلاكه -شيء نملكه-. هذا ما قاله نيتشه حينما كتب بشيء من التشاؤم إن الوالدين يجعلون لا إراديًا من أولادهم شيئًا على شاكلتهم ثم يسمونه تربية؛ فليس من والدة تشك في قرارة نفسها أن الولد الذي أنجبته هو ملك لها. ساعات الأم تغذي فيه الجوانب الطفولية بحيث يُفطم من الرضاعة، لكنه لا يفطم فطامًا نفسيًا فهي تستمتع بارتباطه بها ثم لما يتزوج تحصل مشاكل؛ لأنه لم يفطم. الحبل السري الحسي انقطع بمجرد ما ولد لكن الحبل السري النفسي امتد إلى العشرينات والثلاثينيات ويمكن أكثر من هكذا. أحد الإسلاميين مؤلف كتاب عجيب جدًا عنوانه موجع يقول: «الرجل يبقى طفلاً إلى حين تموت أمه» -كارثة- هذا العنوان يقول الإنسان يبقى طفلاً إلى أن تموت أمه يعني لو أمه ماتت وعنده 60 سنة وما زال طفلاً أيضًا أو أربعين مثلاً حتى أقل من ذلك؛ فعملية التثبيت ساعات الأم تدعم الطفولة من أجل أنها تريد ابنها محتاج لها دائمًا؛ لأنها أنانية، هذا شعور أناني ومهمة التربية الصحيحة إنك تخرج منه شخصًا متميزًا قادرًا على أن يواجه الحياة بنفسه، لا يكون شخصية اعتمادية ونحن عندنا الاعتمادية في مجتمعنا سيئة للغاية، مع أن هذا ضد مفاهيم الإسلام الطفولة الاقتصادية عندنا تطول جدًا من أجل أن يخلص الكلية وممكن أكثر من هذا، وبالتالي تؤثر في النمو النفسي بلا شك.

يقول «فليس من والدة تشك في قرارة نفسها أن الولد الذي أنجبته هو ملك لها وليس من والد يحرم نفسه من حق فرض مفاهيمه وأحكامه المعيارية على ولده حتى إنهم كانوا فيما مضى يعتبرون مشروعًا أن يتحكم الآباء على هواهم بحياة أو موت الطفل المولود حديثًا». عند القدماء الألمان عندهم حق إنهم يقتلوا الولد هذا أوه يتركوه حي. شوف التحكم في الملكية إلى أي مدى طبعًا موجود كان في الجاهلية في قضية الوأد أيضًا. «وقد أثبتت آلاف الحالات المرضية التي يعالجها الأخصائيون في العلاج النفسي عند الأولاد المراهقين أو الراشدين أن هؤلاء كثيرًا ما تأذوا من حب والدي» ساعات الذي يقتل الحب الذي يقتل كما قلنا فيه حب يحيي وفيه حب يميت يقتل؛ «فكثير من الناس الذين كان عندهم مشاكل نفسية نشأت من أن حب الوالدين لم يكن خالصًا، وأن التفاني لم يكن أصيلاً؛ لأن هذا وذاك كانا يتخذان الولد وسيلة لقضاء حاجة عند الوالدين وسد فراغ ما في وجودهم بحيث لم يتح للولد أن ينمو وفق طبيعة خاصة وأن ينطلق كشخصية مستقلة، بل اعتبر مجرد صورة للوالدين وامتدادًا لهما فضربت بحاجاته ورغباته وخصائصه عرض الحائط، كل ذلك دون أن يشعر والداه بما في موقفهما هذا من أنانية مستترة؛ لأنهما كانا يجدان له أفضل المبررات ويعتقدان عن حسن نية أنهما إنما يعملان لصالح ولدهما وخيره وبناءه». ثم يدلل على هذا الحب الذي يقتل أو يشل أو يقيد بمظاهر متنوعة. «مثلاً قد نرى في أولادنا فرصة للشعور بأننا مهمون وضروريون لأن هناك من هو بحاجة ماسة إلينا فما أحوج الطفل إلى والديه؛ إذ بدونهما ليس بوسعه أن يحيا وينمو إنه منهما يستمد ما لا غنى له عنه من غذاء وحماية ودفء عاطفي وأسس المعرفة وأساليب العيش وشروط نشوء العقل ودعائم بناء الشخصية».

ما الدور الطبيعي للأبوين؟

«تبعية الطفل هذه التي تدوم رغم تناقصها التدريجي سنين طوال ترضي لا شك في الوالدين حاجتهما إلى الشعور بأنهما مهمان، وبأن وجودهما له وزنه وتبريره. هذا أمر طبيعي -إن الطفل محتاج إلى أبويه-؛ فهذا أمر طبيعي ومشروع شرط ألا تتضخم هذه الحالة إلى حد اتخاذ الطفل مجرد مبرر لها عوضًا أن تسخر لخدمة نموه فهذه الحاجة المفروض أن تكون أنت مهم في حياة الطفل؟ نعم. لكن أنت مسخر لأن تنميه لا أن ينزلق الأهل إلى استغلال تبعية الولد لتأكيد ذواتهما على حسابه بحيث يسعيان بصورة لا شعورية إلى تخليد هذه التبعية يرغبون أن هذه التبعية تكون خالدة لآخر لحظة في الحياة (التبعية) إلى تخليد هذه التبعية عوض أن يقوم بدورهما الطبيعي. ما الدور الطبيعي للأبوين؟ مساعدة الولد على تجاوز فترة الالتصاق بهما والاحتياج إليهما تدريجيًا للتوصل في النهاية إلى الاستغناء عنهما يبقى مهمة الأبوين أن ينموه من أجل أن يصل في النهاية إلى الانفصال أو تعبير أدق الاستقلال ولا يصير تابعًا؛ فمشكلة أنانية الأبوين أو الحب الذي يقتل أنه يستغل هذه الحاجة في تخليد التبعية، هو يريد منه تابعًا إلى الأبد؛ فقد يراود الوالدين شعور غامض بأن ولدهما كلما نما وازداد طاقته على تدبير أمور نفسه وقوي شعوره باستقلاله الشخصي إنما يفلت من أيديهما وقد يعتريهما من جراء ذلك جزع نابع من إحساس بفقدان أهميتهما، وقد يئول ذلك إلى الحيلولة دون قبول الوالدين في قرارة نفسيهما بنمو الولد. الولد لما يكبر وينمو سينمو غصبًا عنهم مثل ما جسمه لا تستطيع توقف نموه، كذلك عقله وشخصيته ونفسيته ونموه الاجتماعي والنفسي كله ينمو. فهل يصلح واحد يضغط على ابنه من أجل أن يوقف طوله يكبسه هكذا ولا غصب عنه سينمو؟

فما يحصل إنه يتجه للنمو فالأب غير السوي صاحب الحب الأناني القاتل يريد أن يجعل التبعية يجزع أحيانًا ممكن في قرارة نفسه من نمو الولد بحيث يتمنيان لا شعوريًا لو يبقى طفلاً عاجزًا إلى الأبد ليبقى في كنفهما مشمولاً برعايتهما. وقد يستجيب الولد لهذه الرغبة العميقة التي يلتقطها لا شعوريًا في أعماق نفس والديه؛ إذ تتجلى في سلوكهما تجاهه من حيث لا يدريان. فما يحصل أنه يتوقف عن النمو في هذا المجال أو في ذاك من عالمه النفسي يبقى جسمه جسم رجل لكن نفسه نفس طفل ما زال يرضع من أمه رضاعًا نفسيًا لم يفطم والمشاكل لو تزوج. فقد يبقى مثلاً حتى بعد بلوغه المراهقة طفلاً بعاطفته تابعًا للوالدين لا يجرؤ على القيام بأية مبادرة ولا يجسر على التطلع خارج دائرة العائلة قد يُسَرّ الأهل بوضع كهذا ويتباهون بأن ولدهم عاقل، يعتقدون أنهم نجحوا في تربيتهم له كل النجاح، معتبرين تبعيته طاعة -هذا ولد مطيع هذا ولد مؤدب-؛ لأنه مسحوق تمامًا في شخصيتهما ولا يعطي فرصة إنه ينمو ككائن متفرد متميز له خصائصه فيعتبرون تبعيته طاعة وخجله تأدبًا وبلادته هدوءًا، غير مدركين أنهم بالعكس فشلوا في مهمتهم التربوية؛ لأنهم جعلوا من ولدهم كائنًا لم تكتمل إنسانيته لم يتركوه ينمو نفسيًا وشخصيًا واجتماعيًا إلى آخره، فجعلوا من ولده كائنًا لم تكتمل إنسانيته غير قادر على شق طريقه في عالم الراشدين ومجابهة صعاب الحياة. وقد يتأخر الولد الخاضع لمثل هذا التأثير الوالدي في دروسه لأن ذلك يعيق نموه ويرضي بالتالي رغبة والديه العميقة. في تلك الحال يفضل الولد لا شعوريًا أن يتخلى عن نموه كي لا يفقد عطف الوالدين، لكنه في الوقت نفسه ينتقم بصورة لا واعية من الاستلام اللاحق به من جرائمهما؛ إذ يذلهما بعجزه وتقصيره، ويقلقهما بتخلفه المدرسي. كل ذلك من شأنه أن ينبهنا إلى أن الحماية المفرطة للولد وهي شائعة في عائلتنا يبقى واحد عنده 12 سنة ولا يتركه أبوه يعبر الطريق إلا لازم يمسكه في يديه خائف عليه لا السيارات تصدمه يعني 12 سنة أو 16 سنة، ولا يزال يمسكه من يديه ويجري به، أو الذي يحصل في الامتحانات الأم التي تذهب

تقف تطلع معه في الثانوية العامة أو حتى في امتحان النقل وتقف أمام باب المدرسة منتظرة حتى يخرج إلى آخره وتجد جمهرة من الأمهات. هذا هو الخلل في الحماية الزائدة تربي فيه الاعتمادية وتبقيه طفلاً الحماية المفرطة للولد وهي شائعة في عائلتنا وإن كانت تتخذ لنفسها شتى المبررات، إنما ترضي عادة رغبة خفية عند الوالدين لامتلاك أولادهم وقد تلحق ضررًا بالغًا بهؤلاء؛ إذ تحول دون انطلاقهم في خط النمو وتحكم عليهم بالاتكالية وعدم الثقة بالنفس. وتنقلب في النهاية على هدف التربية البعيد. لأن هدف التربية أساسًا مثل ما واحد يتخرج من أي جامعة في الآخر يبقى تخرج ينفصل، نفس الشيء الهدف إنك تربيه تربية سليمة ليهيئ بعد ذلك لأن يستقل في حياة الراشدين فالحماية الزائدة أنه يريد أن يظل محتفظًا به بالحماية الزائدة والتدليل الزائد عن الحد من أجل أن يفضل طفل والأم والأب يستمتعوا بهذه الملكية تحول دون انطلاقهم في خط النمو وتحكم عليهم بالاتكالية وعدم الثقة بالنفس وتنقلب في النهاية على هدف التربية البعيد، ألا وهو تمكين المُربَّى من الاستغناء تدريجيًا عن مربيه والوقوف على رجليه في معترك الحياة ومواجهة مسئولياتها. صورة أخرى من هذه الصور التي تعتبر الولد وسيلة وليس غاية -وسيلة- قد يرى الوالدون في الولد واسطة لممارسة سطوتهم على من هو أضعف منهم، حيلة نفسية اسمها «الضابط يقهر العسكري» يقوم العسكري يروح البيت يعمل إيه مع زوجته يزيحها. يقول: قد يرى الوالدون في الولد واسطة لممارسة سطوتهم على من هو أضعف منهم، وطبعًا الطفل فعلاً ضعيف؛ لأنه محتاج للوالدين في كل شيء، بحيث يعوضون عن شعوره بالنقص قد يكون تأصل فيهم بفعل ظروف طفولتهم وتغذية أوضاعهم الحالية من مهنية واجتماعية وغيرها. قد يرى الوالد في سطوته على أولاده تنفيسًا عن الضيق الذي يشعر به من جراء مضايقة رب العمل له في عمله أو بسبب عجزه عن تحقيق طموحاته أو معاناته من الظلم الاجتماعي، وقد ترى الوالدة في تسلطها على أولادها تعويضًا عن التبعية التي تعيشها؛ فمن ثم أحيانًا الأب يتشبث بشراسة بتنفيذ إرادته مهما كلف الثمن وكأن القضية ليست قضية توعية الولد إلى ما فيه خير وتوجيه إرادته إلى ما يلاءم

مصلحته الحقيقية ويساعده على تحقيق ملء إنسانيته إنما القضية تحطيم إرادة الولد لتثبيت إرادة الوالدين -يلغيه تمامًا- تحطيم إرادة الولد مثل أنا قلت هكذا ولازم تبقى هكذا، طيب الموضوع الفلاني ليه؟ لأن أنا قلت هكذا؛ فالقضية أصبحت مجرد أنه يشبع حاجة في نفسه كأنها قضية صراع لا بد أن يخرج الوالدون منه منتصرين ولو لم يكونوا على حق مبررين سلطويتهم بشتى الذرائع التربوية معتبرين كل الأساليب مشروعة في سبيل تثبيتها من الضرب الموجع إلى تحقير الولد وإذلاله ومحاولة إقناعه بأنه لا يفهم شيئًا ولا ينفع شيئًا. نتيجة موقف كهذا الخطر الكبير بأن يقود إلى أحد احتمالين: فإما أن تتحطم شخصية الولد وقد يصبح طيلة العمر كائنًا تخيفه الحياة غير واثق من نفسه، تنقصه الشجاعة والإقدام، لا يجرؤ على تأكيد ذاته بشكل طبيعي في العلاقات البشرية، واحتلال مكانه المشروع بين الناس؛ لأنه لم يتح له أن يؤكد ذاته تجاه والديه مما يقوده إلى الفشل في كثير مما يحاول تحقيقه وإما أن يحدث تسلط الوالدين يحدث في نفس الولد فعل ثأر عنيف الولد يصبح بركان يغلي فيتستر وراء احترام ظاهري للأهل ممكن ينفس عن طريق إنه ينفس في أعمال قسوة إما مع أصدقائه أو مع الحيوانات. هذا الذي يقدر عليهم لكن لن يقدر أن يرد على أبيه فيعمل أيضًا إزاحة للأضعف منه يضربون الحيوانات ويعذبوهم يتلذذون بتعذيبهم أو يضرب أصدقاءه لكن من داخله شعور بالقهر فيتستر الشعور بالثأر العنيف وراء احترام ظاهري للأهل إلى أن ينفجر عند المراهقة نقمة عارمة مدمرة قد تشمل ليس الأهل فحسب، بل كل رمز للسلطة أي رمز سلطة عليه يتذكر مكانه من أبيه سواء في المدرسة في شغل في أي شيء من هذا. الحقيقة كنا نود أن نكمل هذا الموضوع بالذات لكن لا يزال هناك بقية. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. * * *

الدرس الثاني: احتياجات الطفل النفسية

الدرس الثاني «احتياجات الطفل النفسية»

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى لاسيما عبده المصطفى وآله المستكملين الشرف أما بعد،، فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ثم أما بعد، فكما ذكرنا من قبل إن التربية علم وفن والمربي الناجح هو الذي يفقه هذا العلم ويتقن مهاراته ويبدع في فنونه. بعض الناس يعتقدون خطأ أن التعامل مع الأطفال وتربيتهم من أسهل الأمور وفي الحقيقة كما ذكرنا هي علم له قواعد وله أصول وله فن ونحن الآن في عصر كل شيء أصبح علمًا وفنًا فالعجب من أمة تأبى أن تضع قطعة من حديد وهي السيارة بيد من لا يملكون علمًا ولا خبرة ولا مهارة حينما تريد أن تصلح السيارة فإنك تعمد إلى المختص في الإصلاح في حين أنك تتساهل في أن تضع أبنائك بيد من لا يفقه في التربية حرفًا. وقد رأينا في الواقع العملي كيف أن بعض المدارس في وقت من الأوقات كان أهم شيء ليكون المدرسة مثلاً أو المدرس ملتزمًا بالمعنى المفهوم لدينا وإن لم يكن خبيرًا في التربية فمجرد أنه جامعي فيصدرونه في تربية الأطفال وتعليمهم فبالتالي ينتج هذا مشاكل كبيرة جدًا بالنسبة لهؤلاء الأطفال مما قد يبغضهم أحيانًا في الالتزام ممكن مُدرِّسة متبرجة تربوية لا تضر الطفل مثلما تضره مدرسة ملتزمة لكن لا تفقه التربية. مثل ما نحرص في أي مشكلة إن نذهب لأهل الاختصاص وأن لا ننازع الأمر أهله كذلك في التربية لا بد أن نهتم جدًا بالمحاضن التربوية وأولها وأهمها على الإطلاق البيت الأسرة ثم الحضانة ثم المدرسة لأن هذا كله يشارك في صناعة الأبناء.

الناس الآن يبذلون جهدًا كبيرًا ليتعلموا فنون التعامل مع الأجهزة الإلكترونية الحديثة ومع ذلك لا يتهم إلا القليل النادر بتعلم فنون التعامل مع فلذات الأكباد ومع مستقبل الأمة لا بد أن تعطى تربية الأطفال أهمية شديدة جدًا لماذا؟ لأن هذا هو المستقبل بالفعل ليس كلام موضوعات الإنشاء لأن الأطفال هم المستقبل هذه حقيقة كبار اليوم كانوا أطفالا بالأمس وتأثروا بلا شك سواء سلبًا أو إيجابًا بكلمة من مدرس بموقف تربوي من مرب أو أب أو أم. الكلام على قضية التأديب تأديب الأطفال أو عقوبة الأطفال أو إثابتهم في الحقيقة هي قضية تأتي في ترتيب معين ترتيب معين ليس هو ما ينبغي أن نبدأ به لكن رأيت أن من الإنصاف ومن الترقي الطبيعي في معالجة هذا الموضوع أن نتفاهم أولاً نفسية الأطفال أهم شيء نحتاجه في التعامل مع الأطفال أن نفهم ما الذي يحتاجه الأطفال ما هي الحاجات النفسية الأساسية بالنسبة للأطفال؟ لا شك أن الإسلام اهتم ببناء الإنسان بناء متكامل ومتوازن وجعل هذا البناء بأسلوب متكامل لا يضغط فيه جانب على آخر بل فيه نوع من التكامل والانسجام لأن الهدف في النهاية هو إخراج الإنسان الصالح الذي جاء فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» (¬1) فالإنسان الصالح هو الهدف الذي نصبوا إليه ولن يكون هكذا إلا إذا كان إنسانًا سويًا سليم العقل سليم الجسم سليم البنيان سليم النفس. والقرآن الكريم اهتم بالنفس اهتمامًا عظيمًا جدًا يقول الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)} (¬2) هنا يقسم بهذه النفس التي هي آية من آيات الله تبارك وتعالى، ويقول سدد خطاكم: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} (¬3) لذلك فالمنهج التربوي في ¬

_ (¬1) رواه الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال: هذا حديث حسن صحيح، (صححه الألباني). (¬2) الشمس: 7 - 8. (¬3) الشمس: 9 - 10.

الإسلام يهتم اهتمامًا شديدًا بالشخصية السوية نفسيًا تمامًا بموازاة باقي الاهتمامات سواء البدنية أو غيرها فهي كلها وحدة متكاملة مترابطة لا سبيل لإهمال جزء من أجزائها فالبناء النفسي أحد أهم المقاومات الذاتية للشخصية السوية المنشودة. اهتمام المربي بالتربية النفسية للطفل المسلم خلال مرحلة طفولته (مرحلة التكوين والنمو وتحديد معالم الشخصية) أمر ذو أهمية لا يمكن إغفاله باعتباره أحد أهم العوامل في نمو شخصية الطفل وتقويتها. الصحة النفسية اختلفوا في تعريفها. بعضهم يقول هي السلامة من الأمراض وهذا تعبير غير إيجابي تعبير سلبي إن الإنسان أي نعم تعريف ليس معناها واحد سوي نفسيًا أنه لا يعاني اكتئاب ولا قلق ولا انفصام ولا وسوسة، لا ليست هذه الصحة النفسية. الصحة النفسية لها جانب آخر بناء بحيث يعيش الإنسان بصورة تحقق له السعادة ويعيش منتجًا يعني له دور إيجابي في الحياة يؤدي دوره في هذه الحياة في حدود إمكاناته البدنية دون أن يكون مصدر إزعاج للآخرين هذا التعريف العادي المشهور. لا شك من أهم دلالات الصحة النفسية الصحة الإيمانية لأن الإيمان من أهم الاحتياجات التي يحتاجها كل إنسان ونركز الآن على الحاجات البشرية هذه كلها الإنسان له احتياجات معينة طبعًا معروف إن فيه هرم اسمه هرم فاسلون بتاع الاحتياجات: الاحتياجات الفسيولوجية وتترقى الاحتياجات في الهرم بشكل معين معروف لكن نركز فقط الآن على الاحتياجات النفسية ما هي الاحتياجات النفسية للإنسان عمومًا وللطفل خصوصًا؟

فالمربي إذا كان يبني فطبعًا البناء يهتم بالأساس لازم من الأول قواعد البناء قبل أن يبني لا بد أن يكون هناك أسس والتربية النفسية تقوم على مراعاة الاحتياجات الإنسانية واعتبارها في نفس الوقت نقطة انطلاق نحو البناء الأسلم فالبناء القوي لا بد أن يتم على أساس قوي ومتين. أما احتياجات الإنسان عمومًا: أولاً: الحاجة إلى الأمان الإحساس بالأمان الاطمئنان والطمأنينة. ثانيًا: الحاجة إلى الحب المتبادل بأن يحب وأن يحب حب متبادل. ثالثًا: الحاجة إلى الانتماء الحاجة إلى الحياة الاجتماعية والاختلاط بالآخرين سواء ذلك في الحياة الاجتماعية في المجتمع أو عن طريق العشرة والروابط الأسرية عن طريق الزواج ونحو ذلك. رابعًا: الحاجة إلى تقدير المحيط الذي يحيطه الحاجة إلى التقدير. خامسًا: الحاجة إلى الحرية. سادسًا: الحاجة إلى اعتراف الآخرين به. سابعًا: الحاجة إلى سلطة ضابطة تحدد له مجال الانطلاق. ثامنًا: الحاجة إلى النجاح. هذه الاحتياجات ضرورة إنسانية من أجل أن ينشأ الإنسان نشأة اجتماعية سوية ويندمج اندماجًا سويًا بالمجتمع ويتكيف بحيث يحقق أو تحقق فيه شخصية سوية غير مضطربة فلا بد للمربي أن يعرف هذه الاحتياجات يعرف الطفل محتاج إلى إيه بالضبط. مثال عابر: الطفل مثلاً مع أبيه أو أمه في السوق يشتروا شيء معين فالولد عمل بعض الإزعاج في الطريق عاند أو عمل أي تصرف غير صحيح ممكن الأم تقول له لو لم تسكت سأتركك هنا وامشي إيه رأيكم في التصرف هذا؟ أكيد خطأ يبقى هنا ليست فاهمة أنه محتاج ألا يخدش أحد شعوره بالأمان أو يقول له سأتركك في الأسانسير لوحدك وامشي وهكذا فالطفل من ضمن احتياجات أو الطفل الذي

يرى الأب والأم دائمًا في نزاع الأم تقول له طلقني والثاني يهدد بالطلاق معناها يهدد إحساسه بالأمان والاستقرار فإذا فهمنا أنه إلى أي شيء يحتاج؛ فلا نمارس السلوكيات التي تهدد هذه الاحتياجات الأساسية التي لا بد منها لينمو نموًا نفسيًا سويًا هذا مثال أنك ليس مقدِّر إن الطفل محتاج إلى الاطمئنان محتاج الشعور بالأمان وسيأتي من خلال تفاصيل أكثر توضح هذه الأشياء. مثلاً من ضمن احتياجات الطفل كما ذكرنا الحاجة إلى سلطة ضابطة أي يحتاج إلى سلطة تحكمه وتوجهه لأنه لا يستطيع أن ينمو نموًا سويًا نفسيًا لا بد من سلطة ضابطة فالسلطة الضابطة التي تضبط سلوكه وتقومه هذا أيضًا من ضمن الاحتياجات إذا حصل توازن بين كل هذه الاحتياجات وإشباع لها وفق ضوابط ومعايير تحقق التوافق والتكامل لدى الطفل فهذا يترك جانب يبني في الجانب الإيجابي بدون أي أثر سلبي سنناقش أولاً الحاجة إلى الاطمئنان أو الطمأنينة أو الحاجة إلى الأمان الشعور بالأمن. وطبعًا هذه الحاجة الله - سبحانه وتعالى - بينها لنا في قوله - عز وجل - {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)} (¬1). الأمن {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)} (¬2) {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)} (¬3). ¬

_ (¬1) قريش: 3 - 4. (¬2) الأنعام: 81. (¬3) النحل: 112.

أولا الحاجة إلى الأمن الطمأنينة

أولاً: الحاجة إلى الأمن الطمأنينة: فمن أهم الاحتياجات المرتبطة بالتنمية السوية للطفل نفسيًا بحاجة إلى الاطمئنان والحاجة إلى الاطمئنان تشكل العاطفة والاتجاهات التي تتحكم في مواقفه واختياراته والأبوان لهما دور أساسي جدًا في تشكيل هذه العاطفة وتحقيق الطمأنينة لدى الأبناء. ما هي الوسائل التي يتحقق بها الطمأنينة بالنسبة للأطفال نفسيًا؟ باعتبار أن الطمأنينة أو الأمان أهم الاحتياجات النفسية. أولاً: أولى هذه الوسائل الرفق واللين، فالرفق والليونة في التعامل مع الأبناء يحقق لديهم ثقة متبادلة واطمئنان نفسيًا وعواطف مشتركة؛ لأن اللين والرفق هو التعبير الحقيقي والأمثل على محبة الوالدين لأبنائهما، والرفق عبارة عن رسالة ترسلها أنت إلى الطفل ليستوعب من خلالها أنك تحبه وتريد به الخير. على اعتبار أن الرفق هو الأصل في العملية التربوية يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا زَانَهُ وَلَا عُزِلَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (¬1) حينما قدم رجلٌ من الأعراب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال «تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ» فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ» (¬2) فهذا الرفق وهذا التودد رسالة تبلغ بها الطفل أنك تحبه وفي نفس الوقت تعطيه الأمان أنك أيضًا تحبه فأول شيء الالتزام بأسلوب الرفق واللين وأن هذا هو الأصل فالأصل في التعامل هو الرفق واللين. وعلى الجهة الأخرى الأسلوب الثاني: اجتناب الشدة والقسوة وكثرة المحاسبة فالطفل ما زال لم يكتمل نموه نفسيًا فاستعمال القسوة والشدة مع طفل لم يكتمل قد يصيبه باضطرابات سلوكية الخوف الخوف المرضي طبعًا الخجل فقدان الثقة بالنفس أو التقدير للذات ممكن يظهر أيضًا في موضوع التبول ¬

_ (¬1) مسند أحمد من حديث عائشة - رضي الله عنها - (صححه الألباني). (¬2) صحيح البخاري من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

اللاإرادي والحقيقة أن الشدة والقسوة أو البداءة بالشدة والقسوة هي عبارة عن إعلان إفلاس تربوي معناها أن هذا المربي عاجز فاشل لا يستطيع أن يوجه الكلمة الطيبة وبالحوار وبالرحمة فبالتالي يلجأ إلى أسلوب الشدة والقسوة يقول الإمام ابن خلدون - صلى الله عليه وسلم - وهو يتكلم عن إرهاق المتعلم بالشدة والقسوة خاصة آثار الأولاد يقول إن هذا من سوء الملكة، ومن كان مرباه بالقهر من المتعلمين قضى به القهر وضيق على النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل، وحمله على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليهم، وهذا إن شاء الله سنناقشه بالتفصيل حينما نتكلم عن الآثار الضارة في نفسية الطفل من مسألة الضرب غير المنضبط. ثالثًا: من وسائل إشباع الحاجة إلى الطمأنينة عند الأطفال الاجتهاد والبحث عن وسائل لإدخال البهجة والسرور على الطفل، وهذه إما أن تكون مادية أو معنوية. معنوية مثلاً كالقبلة أو المداعبة أو الضم أو السلام أو الابتسام في وجهه هذه كلها مما يدخل البهجة والسرور على الطفل. رابعًا: هناك وسائل مادية كشراء الهدايا واللعب وما يدخل الفرحة على الأبناء ويشتهونه دون إسراف فهذه الوسائل التي تدخل عليه الفرحة والبهجة، أيضًا هي صورة من صور التعبير عن الحب الحقيقي مهم جدًا أن يشعر الطفل بأنه محبوب، ولذلك من الخطأ الشديد تربويًا أنك تهدد الطفل بأنه إذا لم يفعل كذا فلن تحبه خطر شديد جدًا؛ لأن موضوع الحب غير قابل للمساومة أو استعماله كسلاح لاجتذاب الطفل فلا بد أن الطفل يشعر أنك تحبه في كل الأحوال وأنك تتقبله في كل الأحوال، وإن كان هذا لا يعني أنك لا تنكر عليه سلوكه الشيء بصورة مناسبة؛ فشعور الطفل بأنه مرغوب ومحبوب عنصر مهم في اكتمال نموه السوي حتى تتشكل شخصيته المستقرة وتنمو لديه القدرات الإبداعية وتشع منه معاني التفاؤل والنجاح.

عن عبد الله بن الحارث - رضي الله عنهم - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصف عبد الله وعبيد الله وكثير من بني العباس -يوقفهم في الصف- ثم يقول «مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا» (¬1) (من يصل في مسابقة قبل الآخر له مكافئة كذا وكذا) قال فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم وهذا رواه الإمام أحمد في مسنده. فانظر إلى خير من وطئ الحصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف يتواضع مع الأطفال وكيف يتودد إليهم بهذه الطريق وروى مسلم عن جابر بن سمرة وكان من أطفال الصحابة قال صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان (أطفال صغار) فجعل - صلى الله عليه وسلم - يمسح خدي أحدهم واحدًا واحدًا وهذه التلامس الجسدي لأن هذا التلامس له أثر مهم جدًا في الطفل فأخذ يمسح خدي كل واحد من الأطفال واحدًا واحدًا. قال جابر: وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردًا وريحًا كأنما أخرجهم من جونة عطار، من طيب عطره - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان يهتم جدًا بالتعطر؛ فلذلك لما مسح خده كأنه أخرجه من جونة عطار أي فيهما رائحة المسك أو الرائحة الطيبة النفاذة. خامسًا: من هذه الوسائل التي تشبع احتياجه إلى الأمان وإلى الاطمئنان، وإلى الطمأنينة سؤال الطفل عن أحواله، والاهتمام بشئونه، ومتابعة أخباره، ومشاركته أفراحه وأحزانه. هذا كله يشكل قاعدة يعتمد عليها الطفل في مواجهة صدامات الحياة، وهذا يحدث تقاربًا بين القلوب، ويدمي الثقة بين الولد وأبويه. ¬

_ (¬1) مسند أحمد من حديث عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه -. الحكم: إسناده حسن (من موقع الدرر السنية).

هذا الاهتمام يجعل الوالدين على علم ودراية بأحوال ابنهما يومًا بعد يوم وبالتالي تعرف الأحوال ينبئ الوالدين إلى تنمية الأمور الصالحة ومعالجة ما يمكن أن يفسد من أخلاق أو سلوكيات قبل استرحالها هذا كله يفرض بصماته على شخصية الطفل. سادسًا: أيضًا من وسائل بناء الطمأنينة إزالة الهواجس لدى الطفل تجاه الوالدين؛ فالأطفال أذكى مما نتصور ومما نعتقد وهم كثيرو الملاحظة والاستنتاج وكثيرًا ما تختلج ركونهم هواجس تضايقهم وتزعزع استقرارهم النفسي أكثر الأسباب الموجبة لذلك شعور الطفل بأن والديه لا يعدلان ولا يساويان في المعاملة بين أبنائهم تفضيل بعض الأولاد على بعض والعدالة ليس المقصود بها فقط العدل في توزيع الأموال والنواحي المادية لكن لا شك أنه يدخل فيها أيضًا العدالة في العواطف وإظهار المحبة والتودد فإذا شعر الطفل بعدم العدالة في هذه الناحية فإنه يتولد لديه مشاعر القلق والتوتر وهذه بتكون السبب وراء بعض الظواهر مثل العناد المفرط أو الاستسلام تمامًا الموضح للشخصية ينطوي وينذوي وينحسر مشاعر أن به دونية ويعامل بدونية ليس كباقي إخوته بجانب إن عدم وقوع العدالة لا شك أن يكون السبب من أسباب وقوع الضغائن والعداوة والكراهية والحقد والحسد. سابعًا: أيضًا من أسباب تحقيق أو إشباع الحاجة إلى الطمأنينة العناية الخاصة لـ «الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة» إذا كان هناك طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة وهذا تعبير مهذب شائع إلى الآن بدل التعبير القديم «الطفل المعوق» سواء إعاقة ذهنية أو عقلية أو إعاقة بدنية. سُئلت امرأة؛ أي أبنائك أحب إليك؟ قالت صغيرهم حتى يكبر ومريضهم حتى يُشفى وغائبهم حتى يعود أيضًا يدخل في هذا الطفل اليتيم والطفل صاحب الإعاقة الدائمة. من فنون التعامل مع الطفل فهم نفسيته ودوافع سلوكه وحالياته النفسية فالتعامل السطحي مع الطفل دون أن تنفد إلى أعماقه ونعرف ماذا يحتاجه بالضبط طبعًا يحدث أو يكون سبب وراء بعض المشاكل السلوكية سواء في الطفولة أو فيما بعد فالإنسان كان يربي وهو لا يعرف احتياجات الطفل

الأساسية النفسية بالذات فهذا يترتب عليه واحد من أمرين الذي هو عدم إشباع الاحتياجات النفسية للطفل: حسب طبيعة الطفل إما أن ينطوي على ذاته ويهرب وينكمش ويشعر بالإحباط فبالتالي ينشأ ضعيف الشخصية أو أنه يتعامل مع هذه المشاعر هذا الإهمال أو هذا الافتقار للاحتياجات الأساسية ليتعامل بعدوانية وبعنف حتى يلبي هذه الاحتياجات فيحصل رد فعل هجومية على المحيط الأسري وعلى الآباء تتخذ صورًا انتقامية فإما إن الطفل الذي لم تشبع احتياجاته الأساسية إما أنه يتعامل بالطريقة السلبية بالانطواء والانكماش والإحباط وإما بالعكس العدوانية وممارسة العنف بصور انتقامية التي منها مثلاً التبول اللاإرادي هو يعرف ما الذي يغيظ الأب أو الأم ما الذي يجعله يشتعل غضبًا فيعمله من أجل أن صورة من صور الانتقام أحيانًا يكون هذا هو السبب وراء التبول اللاإرادي أو الألفاظ البذيئة التي تستعملها تشيط الأم غضبًا فممكن يستعملها لما عرف إن هذه حاجة تغضبها كسلاح ليواجه به هذا النوع من القهر العناد والعدوانية هذه بتكون صورة من صور التعامل مع الحرمان من الاحتياجات النفسية. الاحتياجات النفسية بالنسبة للإنسان عمومًا أي إنسان إما أنها الحاجات المادية الاحتياجات الفسيولوجية التي يحتاجها الإنسان للبقاء الحاجة إلى الطعام والمأوى إلى آخره الحاجة إلى الأمن حتى يحمي نفسه من المخاطر والمخاوف الحاجة الاجتماعية الانتماء والشعور بأنه داخل جماعة أيضًا هذا شيء مهم فاحترام الذات أو تقدير الذات حيث يشعر الإنسان أنه يؤدي عملاً ذا قيمة أو ذا فائدة وأنه قادر على تحمل المسئوليات وإنجاز المهام أيضًا له علاقة بالشعور بالاستقلال والنمو الحاجة إلى تحقيق الذات تحقيق الذات أن يحقق طموحاته من خلال الإنجاز واستغلال الطاقات والقدرات. هناك احتياجات كثيرة لكن ينبغي أن يأتي الإيمان ويهذب هذه الحاجيات ويوجهها التوجيه السليم عن طريق الحراف والإقناع والتزام مكارم الأخلاق والقيم.

الطريقة الناجحة في التربية

ورغم إن سلوك الطفل يتأثر بالبيت أو بالمحيط الذي يحتضن نموه لكن كثير من سلوكيات الطفل تحبب من داخله بسبب الاحتياجات التي في داخله هو فهناك عوامل داخلية لإشباع الحاجات بجانب عوامل البيئية من حوله. الطريقة الناجحة في التربية: كلما زادت معرفة الوالدين بخصائص نمو الطفل زاد نجاحهما في توجيهه توجيهًا سليمًا ضروري أن نعرف مراحل النمو بالنسبة للطفل وخصائص كل مرحلة فلأن خصائص كل مرحلة تجعلنا نفهم اللغة التي يتكلم بها الطفل فالطفل يتواصل مع المحيطين به لكن ساعات اللغة بتكون لفظية وساعات لغة بالجسد التواصل ليس فقط بالكلام لكن فيه تواصل غير لفظي غير كلامي بحركات الجسم ونحوه وذلك بشرط اللغة التي يتواصل بها الإنسان مع من حوله تكون لغة راقية اللغة الفصحى وكذا وكذا ممكن تكون اللغة بدائية يعني الهنود الحمر لما كانوا يتفاهموا مع بعض من خلال الجبال البعيدة يعملوا إليه بالدخان ويولعوا نار ويكون في انطلاقات وانبعاثات من الدخان يكون لها دلالة لما عملوا اللاسلكي مثلاً الإشارات الكهربائية في السيارة هذه لغة بتحصل عن طريق الضوء تتكلم مع كل الذي في الشارع بتعرفه أنت رايح يمين أو شمال أو هتعمل فرامل إلى آخره فهذه لغة بدائية فتتواصل تتكلم مع كل الذي من حوله لكن بلغة غير لفظة كذلك حتى البدن البكاء لغة ولغة يعبر بها الطفل عن كثير من الاحتياجات أو النواقص لذلك الأم أو المربية الخبيرة تدهش الأمهات حينما تقوم بتأثير البكاء البكاء ممكن يكون نتيجة مغص جوع استيحاش من الوحدة محتاج حد يأتي معه أو يريد حد يحمله وهكذا يعني البكاء في الطفل ممكن يكون له 20 سببًا تقريبًا فمع الخبرة يستطيع الإنسان أن يتواصل معه من خلال هذه الأشياء.

من لوازم الطمأنينة

من لوازم الطمأنينة: إذا تكلمنا عن الحاجة إلى الطمأنينة نتكلم الآن عن الحاجة إلى الاعتبار فمن احتياجات الطفل أيضًا عملية الاعتبار وهو يجتاز مراحل نموه النفسي والجسمي أو هي أول نتيجة لنزوع الطفل نحو الاستقلالية والاعتماد على نفسه والشعور بقدراته الذاتية فيلجأ الطفل سلوكيات عديدة تكون أحيانًا مزعجة للأسرة ولسان حاله ودافعه الأساس أن يلاحظه المحيطون به وأن يعترفوا به بكونه شخصًا مستقلاً له كيانه وقيمته الخاصين به فالشعور بالقيمة تقدير للذات أو الثقة أمران أساسيان حتى تكتمل أو يكتمل النمو النفسي لا يمكن أن يحصل الشعور بالقيمة الذاتية إذا كان ينتابه شعور بالقلة قلة القيمة أو الضآلة أو أنه نكرة لا ينجز شيئًا يذكر أو أيضًا مركب النقص وانعدام الثقة بالنفس قد يصيبان الطفل مبكرًا إذا لم يجد من يشبع حاجته إلى الاعتبار ومن يقدره ويحبه ويعترف بإنجازاته وقدرته فهو يريد حد يعترف به ككيان مستقل إحنا من أجل أن لا نفهم هذه الحاجات فلا نساعد على تنمية هذا الجانب الإيجابي مثلاً الطفل الذي يأتي يأكل فيه مرحلة معينة يوصل لها الطفل يبقى يريد هو الذي يأكل بنفسه هو الذي يلبس نفسه تأتي الأم الجاهلة لأنها ليست متفهمة لاحتياج الطفل، أو احتياجه إلى الاستقلالية هذه المفروض علامة صحية لما يبدأ يريد هو يستقل بالأكل فالأم حريصة جدًا من أجل أن ملابسه تكون نظيفة والأرض ستتقذر وهكذا فيه تصر على أن تقمعه وهي التي تطعمه بطريق أو أخرى بالعكس لو الأم هذه بتفهم الاحتياجات؛ لأن هذه علامة نمو تنمي فيه الاستقلالية وتنمي فيه النزوع الإنجاز وفي نفس الوقت تنمي فيه إنه قادر على أن يثبت نفسه إن احنا نعتبره ككيان ونحترمه ككيان فبالتالي المفروض إن يكون الطفل وصل لهذه المرحلة تلاحظ إن موضوع الملابس هذا يعمل مشاكل كثيرة ليس هناك داعي لها أصلاً النظافة والتأنق ويحافظ على نظافته لأ إيه المشكلة إن يبهدل الهدوم ويبهدل الأرض ليست هناك مشكلة أبدًا لأن فيه إنجاز كبير لما يأكل بنفسه هكذا تنميه فيتركه ينمو حتى لو قذر ملابسه والأرض ليس هناك مشكلة.

المشاكل النفسية الخاصة بالأطفال وكيفية علاجها

هناك وسائل كثيرة جدًا قد يلجأ إليها الطفل لينتزع الاعتراف من الوالدين يحاول أن ينتزع الاعتراف به ككيان وإنه إنسان جدير بالاعتبار وبالتالي إذا لم تشبع هذه الحاجة يحصل إنه يسلك مسالك مزعجة فمن أجل هذا لا بد أن نفهم هذه السلوكيات ونعرف الدوافع النفسية من ورائها عايزين نتعامل مع المرض ليس مع العرض ننظر ما هو السبب العميق وراء أصول هذه السلوكيات مثلاً العناد هو وسيلة هو يقول لك نحن هنا أنا بني آدم مستقل لازم تحترموني أو تعتبروني أو تعترفوا بي ككيان فعملية العناد هو وسيلة من وسائل إثبات الذات لأن أنت قصرت في توفير الاحتياج للاعتبار فالعناد طبعًا له نوعان فيه عناد إيجابي وعناد سلبي فتجد الطفل يحصل معارضة دائمًا مع رغبات الوالدين أو معارضة بصورة متخفية إنه مثلاً ظهر إن هو نسي أو لا يسمع الكلام أو يظهر عملية التمرد. المشاكل النفسية الخاصة بالأطفال وكيفية علاجها: ومن ضمن الأساليب التخريبية إنه يخرب في الأشياء المحيطة به وهدفه إثارة الانتباه إليه يعني لا يوجد من يحس به ولا مهتم به فبالتالي هدفه إنه يصرف الانتباه عن طريق التخريب لأنه يلاحظ أن هذه الحاجات هي التي تجعلهم يهتموا به ويلتفتوا إليه ولا ينشغلوا عنه ممكن لما يلاقي إن الوالدين يغتاظوا جدًا لما يمتنع عن الأكل سيبدأ يقلل الأكل ويترك الطعام لأنه يلاقي إن هذا يثير اهتمامهما ويقلقهم فأيضًا يريد يسرق الاهتمام بأن يفعل الأشياء التي ينتزع بها هذا الاهتمام ممكن الصراخ والبكاء أيضًا لأن الهدف يكون مثل أن يقول لهم اعتبروني كيان موجود فاهتموا بي أو يمكن يتم عن طريق إزعاج الضيوف أو الناس الأجانب في البيت لأنه يرى هذه أعظم حاجة تزعج الأسرة أن يلجأ إلى أساليب مزعجة أمام الضيوف أو في الأماكن العامة أمام الناس أحيانًا حتى يشبع الحاجة إلى الاعتراف والاعتراف به ككيان يبدأ يكذب لكن كذب خيالي فيدعي بأنه حقق أشياء كثيرة ليحصل على هذا الاعتبار أو التقدير ممن حوله.

فهذه السلوكيات ينبغي أن نتعاون معها على ظاهرها لأن ممكن مشاكل نفسية كثير جدًا تكون لأنه يلفت الانتباه إليه تأتأة في الكلام تبول لا إرادي حاجات كثير يعملها لأنه يريد الاهتمام يلاقي أن هذه الأشياء تجعله محط الاهتمام وهم مقصرين أساسًا في الاهتمام به واعتباره فبالتالي يعمل أساليب دفاعية من أجل أن يسرق هذا الاهتمام وهو محور الاهتمام حتى ولو بالأشياء المزعجة للمربين فهذه الأشياء لا ينبغي أن تواجه بالتجاهل ولا بالضرب ولا بالعقاب لأن بهذه الأساليب تستفحل وتتطور أكثر لكن في نفس الوقت الاعتدال مطلوب في كل شيء صحيح مطلوب إن يكون فيه اهتمام ولا بد إشباع الحاجات إلى الاعتبار التقدير والاحترام به ككيان لكن الخطأ أن نبالغ في هذا حتى يصبح الطفل محور الاهتمام داخل الأسرة إذا زدنا في عملية الاعتبار بطريقة مبالغ فيها فهذا يجعله ينشأ على الدلال الزائد وينمي فيه الأنانية وهذا أيضًا يؤثر على الآباء. أيضًا بعض الآباء من أجل إشباع الرغبة في الاعتبار التي يحتاجها الطفل يطلبون منه أداء أدوار الذين هم أكبر منه سنًا من أجل أن يمدحوه ويحس إنه أنجز حاجة كبيرة جدًا فممكن يكلفوه بأشياء أو وظائف هي وظيفة من هو أكبر منه سنًا أو ألعاب لا تناسب قدرته فطبعًا هذه الأشياء التي تكون فوق طاقته فلا يقدر أن ينجزها لأنها فوق طاقته وبالتالي يصاب بخيبة الأمل والإحباط وقلة الثقة بالنفس فلن يقدر أن ينجز أشياء فلا بد أن تراعى قدراته العقلية لا أن تحفظه كلام فوق قدراته العقلية يبقى مجرد ببغاء أو جهاز تسجيل يتكلم لكن هو كلام كبير جدًا عليه وأنا عاقل وأتكلم أنا بالتفصيل في حاجة ولكن لن ينفع أن أتكلم فيها بصورة جزئية أكيد لما تأتي الفرصة بعد هكذا من أجل أن تفهموني صح لما يجيبوا الطفل ويحفظوه خطبة تُقال في ساعة، هذا تكليف له بما فوق طاقته. خطأ أن تمدح الطفل الرزين بعض الشيء ويظلوا يمدحوه أمام الذاهب والآتي أنه عاقل وأنه راجل وكذا بمعنى أنه يحاولوا يحملوه فوق طاقته ويمدحوه بأنه عاقل، هو عاقل هل المهم بالنسبة لسنه فبالنسبة لسنه دعه يعش سنه طفولته لا تفرض عليه أسلوب الكبار.

أكثر ناس تدفع الثمن في هذه الحكاية هم أولاد الشيوخ؛ لأنه نتيجة عدم احترام حدود الطفل كطفل يحرم من طفولته. يقولون: أنت ابن الشيخ فلان وتعمل كذا أنت ابن الشيخ فلان وتلعب فطبعًا عبء شديد جدًا ولا يوجد رحمة عند الإخوة الذين يعملوا هكذا. مثال: كانت ابنتي كانت عندها خمس سنوات تقريبًا في رمضان كانت تصر تريد أن تأتي تصلي القيام معانا قبل الفجر فكنت أشفق عليها طبعًا الصلاة طويلة إما أني أقصر الصلاة وإما هي تتكلف فوق طاقتها، وفي النهاية بعد إلحاح شديد قلت لها إني موافق تصلي في المسجد بس بشرط لما تتعبي تجلسي فاتفقنا هذا الاتفاق إن أول ما تتعب تجلس في الصلاة فذهبت إلى المسجد وما شاء الله أخوات كبار جدًا الأخوات من بداية الصلاة جلسن من أول الصلاة ولم يستفتحوا حتى بركعتين من بداية الصلاة وهي ظلت قائمة فمرت الصلاة فبدأت تتعب فجلست احترامًا للاتفاق الذي أبرمناه فجلست في الصلاة طفلة صغيرة مجرد ما سلمت من الصلاة ثارت عليها الأخوات تقريبًا كلهن أنت بنت فلان وتجلسين في الصلاة؟ فما أريد أن أقوله: هذا مثال حي أن ما أقصده ما لا تفرحوا بالطفل الذي تكلفه فوق طاقته لازم يأخذ حقه في الطفولة ويعيشها كطفولة لأنك تقول له هذا عاقل هذا عاقل فيريد أن يعيش دور العاقل وهو في قرارة نفسه ليس بعاقل ما زال بداخله طفل ينمو. فبالتالي سيقمع نفسه في أشياء كثيرة جدًا يفعلها ويرى أنها سيقولون أنها تتعارض مع العقل سيتكلف دورًا ليس متوائمًا أو متناسقًا مع طبيعته كطفل وبالتالي يحرم من حقه في أن يعيش طفولة عادية يلعب ويمرح ويلهو هذه كلها حقوق للطفل أن يعيش فلا تفرح أنك تقعد تكتم نفسه وتقنعه وتقول له أنت عاقل عاقل فيخاف أنه يخالف هذا الأمر ويسلك سلوكه الطفولي الطبيعي فلا يقولون عليه عاقل.

المقارنة بين الطفل وغيره

الذي حصل حقيقة من بعض الشيوخ أنه يفرح جدًا من الطفل يكبس عليه مثلاً مثل ما قلت لكم الخطبة المشهورة للأخ مسلم بن سعيد هو بالنسبة لنا ككبار شيء جميل ومسلي ومفرح، لكن بالنسبة له فهذا عبء شديد جدًا عليه. المقارنة بين الطفل وغيره: من الأخطاء الكبيرة جدًا في هذا المجال أيضًا المقارنة بين الطفل وغيره والمقارنة دائمًا. لم أنت لست مثل أخوك؟ هذا أخوك هادئ لم أنت لست مثل أخوك هذا أخوك يحصل على درجات كذا في الامتحان وهكذا فلا تمدح طفلاً آخر أمام ابنك حتى لو كان أخاه بطريقة فيها مبالغة في الثناء وتقعد تقارنه بالآخرين طبعًا هذا يعمل أحقاد بين الأطفال ويزرع في نفسية الطفل إحساس بعدم الكفاءة وأنه فاشل لا يستطيع أن ينجز شيئًا لكن الصحيح أن تمتدح كل طفل بالصفة التي ميز بها على غيره فواحد من الأولاد مثلاً يكون صوته في القرآن جميلاً نديًا فتمدحه لصوته والثاني تمدحه بأنه بارع في كذا والثالث تمدحه بأنه بارع في شيء آخر فكل واحد من المؤكد أن الله - سبحانه وتعالى - يميز كل إنسان في جانب معين يتميز فيه فامدحه بما هو متميز فيه ليس الذي أنت تقرره دائمًا بغيره حتى تشبع هذه الحاجة النفسية وهي الشعور بالاعتبار إن أنت مقدره ومعتبره أول شيء لا بد أن تمنح ابنك وقتًا يعني تخصص وقتًا للطفل حتى تشبع حاجته بلا الاعتبار. الاعتبار يتحقق إنه لما يكلمك مثلاً تصغي إليه إصغاء جيدًا تعطيه كل اهتمامك تنظر إليه التواصل عن طريق النظر عينيك بأن تمسك يده تقترب منه تسمعه وهو يتكلم وتظهر له التقدير والاعتبار إذا كان في يدك شيء ممكن تسيبه تسيب الشيء هذا وتقبل على الطفل فلا بد من وجود نوع من التواصل عن طريق مجالسته وسماعه والتحاور معه إذا تأملنا هذه القصة حد بعت لنا رسالة مهمة جدًا في هذا الأمر إن الطفل يبقى طفل لكن واعي جدًا ويدرك إذا كانت أنت تقدره أو تهمله طفل رأى مرة أباه يلمع سيارته ويهتم جدًا ببريق السيارة فالطفل قال لأبيه يا أبتي لا بد أن سيارتك هذه تساوي الكثير

لا بد أن هذه السيارة ثمينة جدًا قال له بلى إنها تساوي الكثير لكنها يا بني تساوي أكثر إذا اعتنينا بها فإذا احتجنا أن نبيعها في وقت من الأوقات فإذا كنا نعتني بها فسوف تحرز ثمنًا أعلى فأطرق الصغير لحظة ثم قال أبي أعتقد أني لا أساوي كثيرًا شوف ترجم الطفل بذكائه الفطري ترجم الموقف بماذا؟ شايفه مهتم قوي بالسيارة في حين هو مهمله فأب غير متاح أو غير موجود بالخدمة مع طفله لكن مع السيارة الجماد يلمعها بنفسه فقال له أكيد السيارة هذه غالية قوي عندك قال له طبعًا أكيد بس لو اعتنينا بها ستساوي أكثر فشوف الطفل رد عليه ردًا بليغًا قال له أعتقد أنني ليس لي قيمة لأنك لا تهتم بي على الإطلاق كما تهتم بهذا الحديد أو الجماد. فهذه رسالة أيضًا إن أنت تهتم بالشيء الذي له قيمة فمجالسة الطفل والاهتمام به تعطي له إيحاء أن له قيمة مهم جدًا موضوع الاعتبار يعني الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو خير من وطئ الحصى خير البشر على الإطلاق سيد الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم - «كان إذا مر بالصبيان سلم عليهم» هذه تعطيه الإحساس بالاعتبار إن له قيمة مثل الكبار الذين يسلم بعضهم على بعض فالسلام على الأطفال أو على الصبيان فيه نوع من الاحترام له إشعاره بأن له قيمة أيضًا لا بد المربي نفسه أن يكون شاعرًا بقيمته الذاتية لأن الذي يستعملوه دائمًا كلمة الثقة بالنفس ونحن عندنا إشكال لأن كلمة الثقة هي التوكل وكذا وهذا لا يكون إلا على الله - سبحانه وتعالى - لكن هو الحقيقة كواقع استعمال شائع يمكن ترجمته هي التي عملت مشكلة تقدير الذات يعبروا عنها Self esteem وتقدير الذات هذا شيء مهم جدًا الإنسان يبقى عارف قدر نفسه يدي نفسه حجمها بالضبط فينظر لنفسه ويتعامل مع الآخرين بناء على معرفته قدر نفسه بعض الناس تحسب إن هذه حاجة فيها غرور أو كبر لا هذه عادة صحية مهمة جدًا أن تعلم قدر نفسك لكن بدقة بغير إفراط أو تفريط الإفراط يبقى شيء مرضي النرجسية وتضخم الذات و «التطوس» على الفاضي لأن الطاووس نفسه المفتخر بريشه اللمعان الألوان الجميلة في ريش الطاووس ناشئة عن فقاعات هوائية ليس حقيقية قوي فالشاهد إن تضخم الذات حالة مرضية من حالات الزهو الناس الذي النجم بتاعها يبقى عالي

خالص في الحالة المرضية هذه يبقى شايف نفسه ليس أحد فهذا انحراف في تقدير الذات الذي هو النفخ الذاتي. في الجهة الأخرى الذي يبقى المكتئب بيجي له ضعف تقدير لكن الثاني السوي يقدر نفسه ويضعها في موضعها اللائق وأيضًا في تعامله مع الآخرين لا بد إننا نجيب مثال الإمام مالك لما دخل على الخليفة حضر المجلس متأخرًا فمكانه الخاص به بجانب الخليفة شغل فأتى متأخرًا فوقف عند باب المكان هل الإمام مالك جلس على الباب فهو يعرف قدر نفسه فرفع صوته مخاطبًا الخليفة قال يا أمير المؤمنين أين يجلس شيخك مالك؟ قال هنا يا أبا عبد الله وأفتح له وأجلسه بجانبه هنا هذه دخلة تقدير الذات السوي تقدير الذات من طريقة سوية. على أي الأحوال لا بد المربي نفسه يكون عنده شعور بتقدير ذاته لأن هذا سينتقل بالعدوى إلى ابنه فاحترام الإنسان لنفسه وإشعار الطفل بقيمة الأب أو المربي ينقل الاعتبار ينقل نفس هذا الشعور إلى ابنه لأن الوسائل التي تبني وتغذي الشعور بالاعتبار عند الطفل أن تمنحه الحرية لأن هذا في التربية كما ذكرنا في المرة السابقة إن الطفل ليس ملكًا لك الذي حكينا عليها بالتفصيل الأسبوع الذي فات وفيه ناس لم تتحمل الكلام وهذا شيء عادي لو قلت لكم إن لو واحد في الشارع رأيته يضرب ابنه ضربًا عنيفًا وتدخلت أنت رحمة بهذا الطفل وقلت له حرام عليك ما تكون التربية هكذا وارفق بهذا الطفل في الثقافة الخاصة بالمصريين الرد الطبيعي سيكون ابني وأنا حر فيه أو مَا لَكَ دعوة ابني وانا حر فيه يترجم عبارة ملكي هذا شيء أنا أملكه وأنا حر فيه في الحقيقة هذه النظرة خطيرة جدًا ابنك ليس ملكًا لك ليس عبدًا تشتريه بالفلوس ليس كرسيًا أو سيارة لكن الابن أمانة ائتمنك الله عليها لتقوم بتربيته تربية سوية وتهيئه لأن يواجه الحياة بطريقة ناضجة عملية ابني وأنا حر فيه؟ لا ابنك لكن لست حرًا فيه هذه أمانة وضعها الله في يدك «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ» (¬1) بالضبط هكذا من أجل أن نفهم الموضوع صح نلخصه في كلمتين: ¬

_ (¬1) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -.

دور الأب مع الابن بالضبط مثل دور السهم مع القوس مهمة الأب أن يمهد الطفل بأن القوس المستقبل الطويل الأب في الغالب عمره ينحسر من أجل أن هكذا فيه نوع من الثبات مثل القوس ثابت في المكان لكن دائمًا الحياة تنحاز للي قدامه مستقبل فالطفل أو الشاب ما زال قدامه هاينطلق في فضاء الحياة فدور الأب إنه يعده أن يتحرر منه وهو الذي يعطي له الطاقة حتى يستطيع أن ينطلق بأسرع ما يكون في خضم الحياة ويتحمل مسئوليتها بنضج ليس كل شيء يعتمد فيه على الأب وهذا النمو الطبيعي في سنن الحياة كل كائن لو درسنا نبضات الحياة نجد بيوصل لمرحلة لازم يستقل. فنفس الشيء الهدف من التربية أن تعينه على الاستقلال إنه لما يستقل يستطيع أن يواجه الحياة بدون اعتمادية على الأبوين فهذا هو التطور الصحيح إن أنت تهيئه كي يستقل عنك ليس بتربيه من أجل أن يفضل تابع لك ونسخة مكررة منك تقيده وتقهره بما تهوى لكن لازم تنمية العملية الاستقلالية فالطفل المبدع هو الطفل الحر ليس معنى حر أن نتركه ونترك الحبل على الغارب لأننا قلنا أن الطفل من ضمن احتياجاته الحاجة إلى سلطة ضابطة احتياج أساسي لا بد فيه سلطة تحكمه وتوجهه طبعًا، لكن ما معنى إننا نريد الطفل الحر الطفل الحر يعني المعنى إنك لا تتصرف عوضًا عن ابنك واحد يسأله اسمك إيه؟ لا تقول أنت اسمه كذا اتركه هو يرد يقول أنا اسمي فلان لا تتصرف عوضًا عنه. لا تقم بالأعمال بدلاً عنه بحجة انك يريد تريحه أو بحجة أنه ليس كفأً لأن يفعلها ما دام يستطيع أن يفعل الأعمال التي تخصه كالطعام أو الملابس دعه يفعلها لا تتكلم عن لسانه دعه يتكلم ويعبر عما عنده يتصرف في أموره بكامل حريته لكن ضمن رقابة ورعاية والديه حينما تتصرف بدلاً عن الطفل تقول له نحن مستعجلون البس ملابسك وهو بيلبس النعل الخاص به فقد يتأخر في ذلك فيذهب الأب أو الأم إليه وتقول له تعالى لأنك ستأخرنا وهذا معناه أن هذا قدح فيه أو حرمان له من إشباع الاعتبار أو الكيان المستقل بالتالي كأنك تقول إنك قليل القدر قليل القدرة ونحن لا ندع لقدرتك أي اعتبار فمعناه انك فاشل لا تستطيع أن تفعل شيء رغم أنه تصرف بسيط وسازج لكن ورائه المعاني السابقة وأنك لا تستطيع

ضرورة إتاحة الاختيار

أن تعتمد على نفسك في شيء لا تقدر أنت أكل أو تلبس ملابسك لكن المفروض متى ما نزع إلى الاستقلالية يجب أن نعذي هذه الاستقلالية حتى أن نحتمل بعض الأضرار كاتساخ الملابس والأمهات تبالغ جدًا في موضوع الملابس وكثير جدًا الاهتمام بهذا الأمر يخنق الأطفال فاتركه حر يبهدل هدومه يلعب براحته وليس هناك داعي للخنق حتى يتأنق في الظاهر وتكبته أنت. ضرورة إتاحة الاختيار: أعطه دائمًا فرصة للاختيار لأنك حينما تعطيه فرصة الاختيار تشعره بأنه مهم وتشبع الحاجة إلى الاعتبار وإلى التقدير وتحسسه بالمسئولية فمثلاً مجموعة ملابس يختار منها شيء معين يلبسه الأكل مثلاً دعه يأكل ما يشتهي لا تجبره على طعام معين أخ عزيز جدًا عليا كان بيتكلم معي قريبًا في مشكلة معينة تخصه فالمهم في وسط الكلام وجدته بيكره اللحم جدًا لماذا؟ لأنه كان هناك سبب مفرط به منذ طفولته المبكرة بأنه لازم يأكل لحمًا لقولهم اللحمة مهمة علشان البروتين وعلشان كذا وكذا بالعافية كانوا يفرضوا عليه أكل اللحم الاختيار فنشأ يبغض اللحم فعملية احترام الاختيار كذلك الألعاب اتركه يختار الألعاب التي يحتاج إليها. ضرورة الاستماع إليه: أحيانًا الطفل يدلي برأيه في موضوع معين ويتدخل حتى ولو كان رأيه في ضرر لا بد أن تنصت إليه يعني باختصار شديد يعني تحترموه يعني لا ترفع له تعظيم سلام ولكن أشعره بالأهمية اشعره بأنه كيان وإنك تعطيه هذا الاهتمام لأنه يحتاج هذا الأمر وهو فطري وسوى له فاشبع فيه هذا ألا يحتاج يتكلم حتى لو لم تأخذ رأيه استمع إليه يعني أعطيه فرصة أن يعبر عن رأيه بحرية ناقشه أقنعه ومهما كان نوع الكلام الذي يقوله لا تسفه الكلام ولا تحقره ولا تستهزء به ولا تسخر من آرائه حتى لا تصيبه بالخيبة والإحباط والطفل يجب أن تغذي فيه الحاجة إلى الاعتبار أن تكلفة أحيانًا ببعض المسئوليات إذا كلفته ببعض المسئوليات خاصة إذا كانت محببة إليه وفيها مراعاة لقدرته يشعر بأهميته ويشعر أن الأسرة محتاجة

تكليف الطفل ببعض المسئوليات للتقدير والإعجاب

إليها أن يأتي ليلم الأوراق ويضعها في سلة المهملات كلفه بمهام في مقدوره وفي نفس الوقت يحس فيها بالإنجاز وممكن بعد كده تشكره أو أمام الأسرة تعبر أنك سعيد لما فعله من عمل طيب وساعدني وعمل أعمال طيبة فالطفل يكون سعيد إذا كلفته ولكن بما يلائم طاقته وهذه تغذي فيه أنه إنسان مهم فأنت في هذه الحالة تشبع الحاجة إلى الاعتبار والتقدير. وانظر حينما تهمل واحد يقول عنك أنك لا تعيره اهتمام ونحن نريدك أن تهتم به، وهذا هو الاعتبار أنك تحسسه أنه إنسان له قيمة وأنك تحترمه وأنك تصغي إليه باهتمام وتهتم به فهذا ينقل له أنه إنسان مهم أنه إنسان عنده قدرات وعنده إمكانات وأنه يستطيع أن ينجز أشياء مهمة يُعجب بها من حوله. تكليف الطفل ببعض المسئوليات للتقدير والإعجاب: أيضًا ممكن من أساليب الاعتبار أنك تمدحه كلما قام بإنجاز لأن هذا يثبت عنده حب الإنجاز والخير وأيضًا يغذي فيه الإحساس بالأهمية. وطبعًا الطفل قد يكون مكار جدًا بعض الناس تكذب في المدح بيكون بلا زمام ولا خطاب لكن عليك أن تمدح وأنت صادق لأنه بيكتشف أنك متى تمدحه وأنت كذاب المجاذفة المدح المبالغ فيه هو يحسها بسهولة جدًا لأنه أذكى مما تتخيل لأنه يعرف متى تمدحه بصدق ومتى تمدحه بكذب ومجازفة وغلو فينبغي الصدق في عملية المدح حتى يكون لها تأثير ولا يظن أنك جاهل من الأشياء الجميلة التي تشبع فيه الحاجة إلى الاعتبار أنك تفتخر به أمام الناس سواء الضيوف أو التجمع من الناس فتتحدث عنه أمامهم بالخير تعرفهم عليه وعلى إنجازاته فكلما شجعته أكثر هذا يثبت عنده شعورًا قويًا بالاعتبار فهذه بعض الوسائل التي تغذي إشباع الحاجة من احتياجات الطفل تكلمنا عن الطمأنينة ثم أيضًا عن الاعتبار وأنا لخصتها في الكلمة التي نقولها بالعافية ماعبرتهوش فلا معبرنيش هذا هو المقصود بالحاجة إلى الاعتبار إنك تقدره وتهتم به بهذه الوسائل التي ذكرناها فيه شيء مهم جدًا جدًا من الاحتياجات التي يحتاجها

الحاجة إلى الاعتبار

الطفل الحاجة إلى المحبة فهذا شعور أساسي جدًا عند المحبة المتبادلة يعني لست فقط أنت تحبه لا بد أن يحب أيضًا من حوله هذه الحاجة حاجة نفسية أساسية تحقق الأمن والطمأنينة للطفل وتشبع غرائزه الذاتية التي فطره الله - سبحانه وتعالى - عليها. الحاجة إلى الاعتبار: ينبغي أن يدرك الأب المربي تمامًا أن الطفل محتاج للمحبة تمامًا كما يحتاج إلى الطعام والشراب ولذلك الإنسان عبر مراحل عمره يبحث عن بناء علاقات إنسانية توفر له هذه الحاجة كاحتياج طبيعة الإنسان أن يحب وأن يحب فالشعور بالانتماء لدى الطفل منذ بداية إدراكه لا يتحقق إلا بإبداء المحبة له وتوفير الإحساس بالأمن والطمأنينة داخل الأسرة باعتبار الأسرة هي أول خلية إنسانية تعطي الطفل وتشبع عنده حق الانتماء الحاجة إلى الانتماء فإذا أظهرت له الحب فإنك تغذي أيضًا إلى الاحتياج إلى الانتماء إلى هذه الأسرة لأنه جزء من الأسرة لأنه ينتمي إليها لن نسأل سؤال هل نحن نحب أبنائنا الجواب الطبيعي نعم. ولكن السؤال الأهم هو هل تعبر لأبنائك عن هذه المحبة أم لا؟ كثير من الآباء عندهم عاطفة لكن بعضهم بيشعر أنه ضعف منه أن يظهر العاطفة تجاه أولاده ينظر أن هذا ضعف وأنه من المفروض أن يكون مكشر وجد ولا يحاول يظهر هذا الضعف وطبعًا غصب عنه بيظهر في مواقف والأزمات كابن مريض أو حادثة أو كذا أو كذا بيظهر الحقيقة لكن في الحقيقة هذا تصرف حينما يتكرر غير سديد. والسؤال الذي سألناه: 1 - هل تحب أبنائك أم لا؟ 2 - هل تعبر عن هذا الحب أم لا؟ 3 - كيف تعبر عن هذا الحب؟

إعطاء الطفل احتياج العاطفة منذ الولادة إلى السنوات الخمس الأولى

4 - هل ابنك يعلم أنك تحبه أم لا؟ هذه هي الأسئلة المهمة فالطفل يكتسب المحبة من خلال العاطفة والدفء الأسري من حوله فأنت حينما تحبه تعلمه أيضًا كيف يحب وأنت تغذي نموه العاطفي السليم. إعطاء الطفل احتياج العاطفة منذ الولادة إلى السنوات الخمس الأولى: خطر حرمان الطفل من العاطفة وخاصة عند الرضاعة: حرمان الطفل من عاطفة المحبة منذ صغره يؤدي إلى انعكاسات خطيرة على شخصيته فتحدث فيه انحرافات أو يحدث تقوقع وانطواء على الذات وقد تنتهي إلى موت هذا الطفل فلذلك نجد الشريعة الشريفة لما نتأمل النصوص القرآنية التي تهتم بموضوع الرضاعة الطبيعية سواء من أم أو مرضعة إنسانة فالحرص على موضوع الرضاعة الطبيعية من القصور أن ننظر إليه فقط من جانب أن هذا الحرص هو من أَجَلّ المزايا التي يتمتع بها لبن الأم لأنه ليس له مثيل فينظرون فقط إلى الجانب المادي في عملية الرضاعة هناك جانب لا يقل أهمية عن الرضاعة أن الرضاع يقترن بجرعة محبة وعطف وحنان لا بد أن الرضاع يتم بطريقة معينة شاء الله - سبحانه وتعالى - حتى تغذي الاحتياج إلى الحب عند هذا الطفل من المناحي الحديثة الآن في موضوع الرضاع كانوا زمان الطفل أول ما يولد ينقلوه في غرفة معينة حفاظًا على الأم في المجال الحديث لمجرد الولادة لا بد أن الأم تحتضنه، ويمس الجلد الجلد بطريقة مباشرة؛ لأن الطفل تعود على سماع صوت دقات القلب فهي تضمه بعد الولادة مباشرة إلى صدرها لتقلل عند الإحساس بالوحشة، وأيضًا لإعطاء جرعة الحب لأقصى لحظة حينما يخرج من عالم الرحم إلى العالم الخارجي طبعًا هذه صدمة كبيرة جدًا بالنسبة للجنين فهذا هو المنحى العلمي الأدق. الآن نفس الشيء في عملية الرضاعة لا بد أن تقترن بعاطفة قوية تنقلها الأم إلى الطفل وتعبر بها عن محبة من خلال ضمه واحتضانه والتريبط عليه لذلك الأم الجاهلة حينما يكون الطفل يبكي تنظر فقط أنه يبكي من أجل الحاجة إلى الطعام فقط فبالتالي تأخذه بشدة وعنف وتقول له تعالى بعنف وتبدأ تسممه

أول خطوة لإشباع العاطفة هي التعبير عنها

بالرضاعة فهذا جهل لأنه ليس محتاج فقط للوجبة بل يحتاج لما يقترن بها من جرعة الحب والحنان التي تُعطى للطفل من أجل ذلك الرضاع لا يجب أن ننظر إليه على أنه عملية ميكانيكية بحتة لأنه لا يرضع من جاموسة وبقرة بل يرضع من إنسان فيه عواطف لا بد أن ينقلها في هذا الحال فكلما أشبع الشعور بالحب عند الطفل كلما تعلم هو أيضًا كيف يحب من حوله وتظل استجابته تتناقص مع نموه فقوة المربي ليست في قساوته وإنما قوة المربي في عواطفه نحو ابنه ليست القوة أو الرجولة أو الشجاعة يكون قاسي أو صارمًا من أجل أن يخرج رجلاً لكن بقوة العاطفة لأن بعض الآباء حتى لو عنده عاطفة يحرص على أن لا يظهرها ويعمل مشاكل كثيرة جدًا للأبناء فيجب أن يظهر العاطفة ولا يكتبها ولا يقمعها لأن الطفل محتاج إلى أن تظهر له أنك تحبه فأول خطوة لإشباع الحاجة إلى الحب عند الأبناء أول خطوة أن تعبر لابنك عن هذه المحبة. أول خطوة لإشباع العاطفة هي التعبير عنها: المحبة إحساس وشعور وهذا الإحساس حقيقة ينبع من القدرة على أن تنقلها لمن تحبه هذه هي البراعة لكن لا ترضي ضميرك وتقول أنا أحب أولادي وفي نفس الوقت لا يعبر عن ذك يرى أحيانًا مع الأسف الشديد بعض الآباء يرى أنها ضعف تتنافى مع الرجولة مع الأب المربي الصارم فبالتالي يرى أن المحبة ضعف والتربية تطير بجناحين جناح الحب وجناح الحزم لازم الاثنين مع بعض لا يكفي أن يحب الوالد أبناءه. 1 - لا بد أن يفصح لهم عن هذه المحبة. 2 - ينقلها لهم عملية من خلال التصريح أن يصرح بذلك. 3 - يكلم ابنه ونجده أنه يحبه أو من خلال اللغة الغير اللفظية وهي التعبير الغير مباشر بأن يعانقه ويلاعبه ويمسك يده وأن يربت على كتفه ويلمسه بحنان ويبتسم ابتسامة هادئة وينظر إليه نظرًا مباشرًا في عينه.

وهو مهم جدًا لأنه يغذي أيضًا عملية الاعتبار والتقدير من أجل ذلك هناك بعض الشعوب التي عندها نوع من الجلافة لما تأتي لتتعامل مع الناس فيها لا أحد ينظر إليك في عينيك أبدًا على طول كده بإعراض وأهمال ومن يتعامل معه. بعض المحلات في أمريكا لما يحب الموظفين أن يعاقبوا ويحدثوا إضراب من أجل أن يطالبوا ببعض المزايا يعملوا إضراب عن الابتسام في وجوه العملاء ويحققوا لصاحب المصنع أو المحل خسارات فادحة إضراب عن الابتسام فالابتسامة تنقل رسالة غير لفظية مهمة جدًا وتنعكس على نفسية من تتعامل معه ويسموها الإستروبس يعني التربيط على الكتف والطفل إذا حرم منها وهو صغير يظل يبحث طول عمره عنها لأنه حرم منها وهو طفل فأشبع حاجة الطفل من الصغر وعبر عن المحبة قد يحصل جهل من الآباء لأنه قد يعبر عنها بالعكس مثلاً يقول له أنه مريض فيرد عليه يعني لا نجد مكان ندفنك فيه ومثال هذه العبارات الغريبة المحبطة وممكن يفلسفوها أنه يريد أن يطلع كذا وكذا حتى لو كان الطفل بيتظاهر بالمرض لا بد أن ننظر إلى هذا السلوك على أنه وراءه دافع هناك حرمان حتى المتمارض ينظر أنه مريض وليس متمارض لأنه ما الذي جعله يسلك سلوك التحايل؟ لأن هناك احتياج لم يشبع. إذًا المحبة تصل رسالة الحب إلى الأبناء من خلال قناة التلفظ وقناة الحركة أو التواصل غير اللفظي ممكن تأخذ صورة عادات عادات تكرس من خلالها ترسل هذه الرسالة العاطفية إلى الأبناء مثلاً أن نقبله أول الصباح أو قبل أن ينام أو عند العودة من المدرسة فقبله ويمسح على رأسه أو كتفه ويدعو له بالتوفيق والدعاء شيء جميع أيضًا بخلاف الذي يدعو على الأولاد وهذه الأشياء وهذا نوع من أنواع العدوان بل من أقصى أنواع العدوان على الأولاد. لذلك الإسلام حرص على موضوع التعبير عن هذه المحبة حتى في العلاقات بين الناس ولذلك علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الإنسان إذا أحب أخًا له في الله فيخبره بذلك؛ فالتعبير عن العواطف ينتج عواطف متبادلة.

من أهم وسائل التعبير عن حب الطفل أن تبدي اهتمامك به أن تصغي باهتمام إلى كلامه فلا بد: أولاً: أن تعطيه فرصة للكلام. ثانيًا: أن تحسن الإصغاء إليه الاستماع فن أن تسمع للشخص الذي يكلمك هذا فن وبالنسبة للأطفال الاستماع والإنصات قناة تنقل شعور المحبة بين الوالد وبين ابنه وتعبر للطفل عن أن أباه مهتمٌ به ومنتبهٌ إليه كما أن الإصغاء يجعلك قادرٌ على أن تفهم طبيعة ابنك في كل مرحلة من مراحل نموه وتصل الأمور إلى أقصى درجات الأهمية والحساسية عند سن المراهقة ولو الطفل متعود أنك تعمل معه حوار باستمرار وتصغي إليه فأحوج سن الذي تصغي إليه وتشعر بمشاعره وتشاركه في حلها هو سن المراهقة وهي مرحلة من مراحل الحرجة وهي حالة طوارئ في نمو الإنسان، والجزاء من جنس العمل إذا أنت استمعت إلى الأولاد وهم في سن الصغر فإنه يستمع إليك في سن الكبر. لا بد أن ندرك أن الطفل حاجته إلى المحبة والحنان أكثر بكثير جدًا من الهدايا والمشتريات التي يمكن أن تهديها إليه؛ فالمحبة تزرع الطمأنينة وتوطد العلاقة وتزيل عنه هواجس الشعور بالكراهية. المحبة هي أثمن وأعظم وأهم قيمة من الهدايا، وتشبع احتياج الطفل هي أن تخصص له وقتك هناك وقت خاص به هو أن تتحدث معه أن ترافقه خارج البيت، أن تشاركه اللعب أحيانًا أن تشركه أحيانًا في بعض القضايا الأسرية ممكن أن تسأله مثلاً نريد أن نتنزه في حديقة فتسأله أين نذهب غدًا فهذه تشعره بالمحبة والانتماء. وحاجة الطفل إلى أن يحب لا توجد هدية يمكن أن تعوضها: وبعض الآباء خاصة في حالات الانفصال بين الأبوين بيتعامل مثلما قلنا من قبل money giver يعطي أموال فقط وهو يحس أنه عمل الذي عليه.

ما هي العلامات التي تدل على أن ابنك الآن يحبك لو نجحت في إشباع الحاجة إلى الحب؟

تخيل أنه يهمل الأطفال ويعتقد أنه يقوم بواجبه، وأنه لا يوجد أي احتياجات نفسية لا بد أن تؤدى، وكلما زادت ثقتك في ابنك وفي قدراته وأخلاقه، كلما استشعر حقيقة محبتك له. حينما يشعر الطفل أنك تثق به وتحترمه يجتهد ليصل لمستوى هذه الثقة بالفعل ويحافظ على ذلك لكن الأب الذي يتعامل بالشك مع الأولاد وعدم الثقة هذا يغزي عنده إتقان الحيل والخداع حتى يظهر عنده بصورتين فيتظاهر أمام الوالد بالسلوك الذي يرضيه لكن هذا السلوك غير نابع من داخله فعملية الثقة المحبة فهي الثقة بين الأب وأبيه روى الإمام أحمد والنسائي عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابنٌ له فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - «أَتُحِبُّهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَبَّكَ اللَّهُ كَمَا أُحِبُّهُ فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي مَا فَعَلَ ابْنُ فُلَانٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاتَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَبِيهِ أَمَا تُحِبُّ أَنْ لَا تَأْتِيَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ يَنْتَظِرُكَ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِكُلِّنَا قَالَ بَلْ لِكُلِّكُمْ» (¬1). ما هي العلامات التي تدل على أن ابنك الآن يحبك لو نجحت في إشباع الحاجة إلى الحب؟ هناك علامات معينة تدل على أنه الآن يحبك: 1 - إذا كان يتخذك مثله الأعلى هذا لأنه يحبك علامة على الحب. 2 - إذا كان يعتبرك صديقه الحميم. 3 - إذا كان يهمه رأيك في أعماله وسلوكه. 4 - إذا كان يفرح لقدومك ويتلهف لغيابك. 5 - إذا ساءه ما يسيئك. الشيء الذي يحزنك يحزنه. 6 - حرصه على أن يكون بجانبك دومًا. 7 - إذا وصلت له رسالة أنك أكثر شخص يحبه وهو طبعًا الأب والأم. 8 - إذا كان يسعد باللعب معك ومداعبتك. ¬

_ (¬1) مسند أحمد من حديث معاوية بن قرة عن أبيه - رضي الله عنه - (صححه الألباني).

الحاجة إلى الطمأنينة

9 - إذا كان يحرص على أن يكلمك ويعطيك رأيه إذا كان يفرح يعانقك كل هذه علامات تدل على أنه يحبك وأنه يعرف أنك تحبه. الحاجة إلى الطمأنينة: يأتي بعد ذلك الحاجة إلى الطمأنينة والحاجة إلى الطمأنينة لها ارتباط بموضوع الأمان الذي تكلمنا عن في بداية الكلام. الطمأنينة حاجة نفسية أساسية لا تستقيم حياة الإنسان بدونها؛ فإذا افتقدها الإنسان ظهرت عليه العلامات السلبية؛ مثل: السرقة، المخاوف، والالتصاق الشديد بأحد الأبوين، وظهرت سلبيته أكبر كلما افتقد المألوف من حيائه ضعفًا وانطواءًا على الذات، وتهربًا من مواجهة الواقع. ويحصل فيها حاجة أسسها القلق الانفصامي لا بد أن ندرك أن الطمأنينة حاجة من الاحتياجات الأساسية للطفل. أعداء الطمأنينة في حياة الطفل: لا بد أن نعرف ما هي أعداء الطمأنينة في حياة الطفل فانعدام الطمأنينة له أسباب: أولاً: وهو أول شيء يهدد الشعور بالأمان والطمأنينة الخلافات والنزاعات بين الأب والأم. فالجو المشحون بالخصام وكثرة النزاعات والتوتر الدائم يحول بين الطفل وتحقيق الطمأنينة في حياته فأهم أسباب الانحراف لدى الكبار وهو أنه لم يكن يشعر بالطمأنينة في طفولته بسبب الخصام الدائم بين الأم والأب؛ فالطفل حتى يحقق الطمأنينة يعتمد أساسًا على الوئام بين الأب والأم، فكلما أحس أنهما غير مطمأنين افتقد الثقة بنفسه وابتعد عن إشباع حاجات الطمأنينة. النزاعات الزوجية جزءٌ من طبيعة البشر وليس العيبُ فيها، إنما العيبُ ألا يعرف الزوجان كيف يختلفان اختلافًا صحيحًا يعني يتعاركان مع بعضهما بطريقة صحيحة، وأهم شيء حتى يكون صحيحًا أن الأولاد يشعران بهذه الخلافات بقدر ما استطاعا، فضلاً عن استعمال الأطفال كسلاح في هذا الصراع بين الطرفين، وهذا يدمر الأطفال المقصود أن يتعلم الزوجان فن إدارة الخلاف، وممكن في هذه الحالة في فن

إدارة الخلاف، حتى لو اطلع الأطفال على هذا الخلاف ما دام بأصول فنية وعلمية هذا سوف يفيدهم في التعامل ومواجهة النزاعات. ويقول بعض علماء النفس: أن الانفصال يكون في بعض الأحيان أسلم للطفل من الحياة بين والدين متنازعين ومتشاجرين، والأم التي دائمًا تطلب الطلاق، والطفل يحس بعدم الاستقرار وعدم الأمان، أو الأب الذي يهدد بالطلاق، وكل المشاكل ما تكثر فهذا يحرم الطفل بالأمان وحق الطمأنينة. ثانيًا: من أسباب عدم وجود الطمأنينة وقلة الحدود، وعدم وجود ضوابط وقواعد وحدود فيحصل التفاهم بين الوالدين مع أبناءهما، وليس هناك حدود بين الشيء اللائق والغير اللائق في السلوكيات تجد الطفل في عالم لا يعرف الحدود ولا المعايير وفي ضياع ينتج عنه فقدان للأمن والطمأنينة. وكما قلنا من قبل من ضمن احتياجات الطفل أنه محتاج إلى سلطة ضابطة تضبط سلوكه. الالتزام بالقوانين والقواعد المتفق عليها دينيًا واجتماعيًا وأسريًا يشبع عنده الشعور بالطمأنينة، وأكثر الشباب قلقًا هم الذين ترعرعوا في بيوت لا تعرف الحدود ولا الضوابط والقواعد؛ لأن الحدود والضوابط كيف تعطي الإحساس بالطمأنينة؛ لأنها تعطي أنه هناك اهتمام من الأب بأبنائه لأنه يضع هذه الحدود لحمايتهم ومصلحتهم أيضًا الاستقالة الوالدية، مثلما يفعل الموظف الذي يقدم استقالته من العمل نفس الشيء الأب يستقيل من وظيفته الوالدية مثلما قلنا من قبل غير موجود بالخدمة غير متاح استقالة استقال من العملية التربوية فينشغل عن الأبناء بظروف الحياة؛ فهذا طبعًا يعطي الأبناء الشعور بقلة الأمن والطمأنينة. والاستقالة تأخذ صورًا مقنعة لأنه لا يقدمه استقالة ليستقيل لكنها تأخذ صورة مقنعة ويوهم نفسه أنه قائم بالواجب، فلما يقوم بعمل عملية التفويض مثلما تخلّى هو عن عملية التربية، يفوض المسئولية أي الخادمة تقوم هي برعاية الأبناء، أو إما يفوض التليفزيون أنه يعلم الأولاد، أو الكمبيوتر لكي يلهيهم باللعب وكذا وكذا، وكذلك الواجبات السريعة موجود حتى دور الأم لكي تقوم بالاعتناء

بالطعام وكذا وكذا ليس متوفر كأن دور الآباء ينحسر في دفع المصاريف، وتوفير الأموال فقط. أما الاحتياجات الأخرى فلا تراعى. ممكن الاستقالة تكون بطريقة خطيرة أن الأب يتنازل للأبن الأكبر الأب يفوض في التربية الابن الأكبر، فالابن الأكبر يتعامل معاهم أنه يمارس دور الأب وتحدث مشاكل لا تنتهي بالذات بعد وفاة الأب. ثالثًا: من أسباب انعدام الطمأنينة غياب المشاعر الإنسانية؛ فالطفل يحتاج للشعور بالطمأنينة، والدفء الأسري، وشحنات العاطفة من الأب والأم، وتبادل المشاعر والمشاركة الوجدانية في الفرح والحزن من ضمن الأشياء التي تؤثر في إحساس الطفل بالطمأنينة أو إشباع الطمأنينة، فيحصل برمجة الطفل من الوالدين؛ لأن الشعور الداخلي عن الآباء ينتقل إلى الأبناء سبب الاحتكار المستمر، لما يسمعوا الأولاد من الأب والأم دائمًا أنهما خائفين من المستقبل، خائفين من الفقر خائفين من الميزانية لا تكفي، كثرة الكلام عن هذه الأشياء يحصل أه ينتقل إليهم ويؤثر في شعورهم بالطمأنينة، الكلام الكثير على الفقر، الكلام الكثير على الخوف، الخوف على المستقبل، والخوف على الحياة والكوارث وغيرها والزلازل والفيضانات. وطبعًا الإعلام يؤدي دور خطير جدًا في زلزلة الشعور بالطمأنينة وبالذات لما الأطفال يروا الحوادث التي حدثت في بعض البلدان وفي غزة وما يحدث بالذات للأطفال فيظلوا دائمًا خائفين، وفي طفل في مرة وهو ساكن قريب من البحر فيقول في مرة لأنه دائمًا لم يكن يعرف ينام بالليل كان يعاني معاناة شديدة جدًا لأنه خائف ليأتي اليهود بمركب ويضربوا صواريخ من البحر وتأتي على السرير الخاص به مثلاً فاللأسف في بعض الأحيان بنعرضهم لمساحة من الإرهاب أو التخويف هو لا يحتملها ولا يستطيع أن يتكيف معها فهذا يؤثر على عدم إشباع الحاجة إلى الطمأنينة.

رابعًا: من الأشياء التي تؤثر على الإحساس بالطمأنينة التغيير المستمر في الأساليب الوالدية والتعامل معها، فهم لا يستطيعون أن يعبروا سلوك الأبناء كيف يكون فليس هناك سياسة تربوية بينهما موحدة وصارمة ومحددة؛ فالولد عبارة عن فأر تجارب كل واحدًا وتعطي الأم نصيحة تذهب لتطبقها معها بغض النظر هل النصيحة علمية أو غير علمية أو خرافة وغير ذلك؛ فيجعلوه فأر تجارب فيتعلم فيه كل ما يجمعه أو يرصده من الأساليب التربوية فأي أسلوب تربوي حتى يؤتى ثماره يحتاج إلى وقت ليس بالقصير وكل فترة الأساليب تتغير هذا يؤدي لإرباك الطفل، والتأثير على شعوره بالطمأنينة. ونختم الكلام بالوسائل التي تحقق الطمأنينة. 1 - الرفق والليونة: أول الوسائل التي تشبع الطمأنينة الرفق والليونة في التعامل مع الأبناء. 2 - اجتناب الشدة والقسوة وكثرة المحاسبة: الذي يجلس ليرصد كل تصرف وينتقد كل كلمة ولا يريد أن يتركه في حاله ليس هناك أي حرية فبالتالي هذا أيضًا يفقد من الطفل الشعور بالحرية والطمأنينة لأن كل شيء متوقع رد فعله على الفور وبعض الآباء يظن أن هذه الوسوسة اهتمام وتربية وهذا خطأ فليس كل شيء تنتقده وتضغط عليه فيه. 3 - البحث المستمر عن وسائل إدخال البهجة والسرور على الطفل: سواء كانت وسائل معنوية كالمداعبة والملاطفة والابتسام والسلام والضم أو وسائل مادية كالهدايا واللعب وما يشتهونه دون إسراف هذا كله تعبير عن الحب أيضًا. 4 - الاهتمام المستمر بالطفل وتفقده دائمًا: عن طريق متابعة أخباره والاهتمام بشئونه ومشاركة أفراحه وأحزانه.

خطوات لبناء الطمأنينة لدى الطفل

5 - إزالة الهواجس لدى الطفل تجاه الوالدين: بالذات موضوع العدل لدى الأولاد لأنه يعمل شكوك أنه يفضلوا شخصًا على آخر طبعًا العدالة ليس فقط النواحي المادية لكن أيضًا في المعاملة والمحبة والعطف. 6 - العناية الخاصة بلأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة: فهم يحتاجون إلى نوع خاص من المعاملة بسبب ظروفهم كالطفل اليتيم أو المعاق أو نحو ذلك. خطوات لبناء الطمأنينة لدى الطفل: أولاً: لا بد أن تسود الطمأنينة بين الأب والأم: لأن هذا: 1 - يبرك المشاعر لدى الطفل وتنتقل المشاعر إلى الطفل يقول بعضهم سوف يبتسم طفلكما لكما ثم للعالم من بعد إن كنتما لا تكفان عن الابتسام أحدكما للآخر فهذا يشع في كل حياته بعد ذلك. 2 - لا بد أن يشعر الطفل بمحبة الوالدين: كل أب بيحب أولاده لكن المهم أن يعبروا عن هذه المحبة وكيف يعبر عن هذه المحبة سواء بطريقة صريحة أو بطريقة غير لفظية ولد صغير استقبل مديحًا شديدًا من المحيطين به لأنه احتمل الآلام في المستشفى بل شجاعة آلام المرض فرد الطفل على الإعجاب به وشجاعته قال عندما تعرف أن أهلك يحبونك تستطيع أن تتحمل كل شيء فالسبب في تحمله الآلام أنه شاعر بالمشاركة والمحبة من والديه. 3 - من هذه الوسائل من اللقاءات العائلية المستمرة: فليس فقط على مائدة الطعام الأب من شغل خارج البيت في العمل والأم منشغلة أمام وسال الإعلام أو بالثرثرة الهاتفية والأطفال يتركون للخدم أو للأجهزة الترفيهية فلا بد من وجود لقاءات عائلية تجمع الآباء مع الأبناء بعض الأطفال في سن روضة الأطفال حضانة يسألوهم لماذا تعتبر أمك أعظم أم في العالم؟ بعضهم قال أمي تلعب معي كثيرًا هذا هو الدليل لأنها تلعب معي كثيرًا.

والثاني قال: أمي تغسل ثيابي وتقبلني مودعة عند ذهابي للمدرسة. والثالث قال: لأنها تقبلني بذراعيها وتعانقني. الرابع قال: أنها تقبلني وتعانقني وتعتني بي. الخامس قال: أنها أمهر طاهية وتعد لنا الشوربة. السادس قال: لأنها تعطيني الدواء الذي أحتاج إليه وتعتني بي. السابع قال: لأنني أحبها وأبي يحبها كثيرًا. الثامن قال: لأنها تنظف البيت وترتب الأسرة وتجلي الصحون لنأكل دائمًا. يعني عقليًا الطفل يكون فاهم أشياء كثيرة انتهينا إلى الكلام عن أساليب أخرى عن القواعد والضوابط والوضوح في معالم التربية وثباتها والاحتكاك واللمس.

الدرس الثالث: حاجة الطفل إلى الطمأنينة والمدح والقبول»

الدرس الثالث «حاجة الطفل إلى الطمأنينة والمدح والقبول»

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين اللهم صلي على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذرياته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. أما بعد كنا شرعنا في مدارسة الوالدية الإيجابية أو التربية الإيجابية من خلال إشباع الحاجات النفسية للطفل وهي الاعتبار والمحبة والطمأنينة والمدح والقبول والتأديب والإيمان كنا انتهينا إلى كلام حول حاجة الطفل إلى الطمأنينة وطبعا هذا من كتاب الوالدية الإيجابية د/ مصطفى أبو سعد بدأ يذكر إعداد الطمأنينة في حياة الطفل. ومن أهم الأسباب التي تسبب انعدام الطمأنينة: 1 - الخلافات والنزاعات بين الأب والأم. 2 - قلة الحدود والقواعد والضوابط. 3 - غياب واستقالة الوالدين، أحيانا الأب يقدم استقالة والديه ليس شرط يكون شيء ملفوظ لكن واقعه أنه غير متاح أو غير موجود بالخدمة كما ذكرنا من قبل، الأب الحاضر الغائب حاضر فقط بجسده يأتي في البيت مثل الفندق أو المطعم فقط، أما الأولاد فهو يظن أنه مادام يوفر لهم الطعام، وهكذا والملابس والمصروفات هكذا هو أب مقاتل ومناضل في حين أنه يقصر فيما هو أهم من ذلك من أعداء الطمأنينة. 4 - غياب المشاعر الإنسانية. 5 - منها أيضًا خلق الوالدين وشرحنا ذلك من قبل قلق الوالدين يعبر الأطفال ويذبح في قضية الطمأنينة لأن الوالدين لما يشتكيا باستمرار خايفين من الفقر من الغلاء من الأسعار الكوارث كل هذه الأشياء تنتقل للأطفال وتؤثر في الشعور بالطمأنينة.

الوسائل التربوية التي تحقق الطمأنينة

6 - هناك أشياء كثيرة تعتبر أعداء الطمأنينة مثل مثلاً الإحساس بالأمان الاطمئنان الأب الذي يطرد الطفل من البيت فهذه كارثة لأنها تقدح في احتياجي للانتماء لأنه يصبح شخص لا ينتمي في هذه الأسرة لا شك هذا يزعزع شعوره بالأمان والطمأنينة. 7 - ومن ذلك أيضًا تغيير أساليب الوالدية ليس هناك ثبات في الأساليب التربوية كل ما حد يقول لهم نصيحة أو ينقلوا كلمة من هنا وكلمة من هناك ويقلد بطريقة عمياء وبالتالي يصبح الطفل كأنه فأر تجارب ويظهر أيضًا ينزع منه الشعور بالطمأنينة التناقض والاختلاف وعدم الاستقرار في أساليب الوالدين. الوسائل التربوية التي تحقق الطمأنينة: أولها: أسلوب الرفق واللين. ثانيًا: اجتناب الشدة والقسوة وكثرة المحاسبة. ثالثًا: البحث عن وسائل إدخال البهجة والسرور على الطفل. رابعًا: الاهتمام المستمر بالطفل وتفقده الدائم. خامسًا: إزالة كل الهواجس لدى الطفل تجاه الوالدين مثل عدم شعور ان الأب أو الوالدين يسويان بين إخوته أو يحبان هذا أكثر من هذا الخ أيضًا العناية الخاصة لذوي الاحتياجات وذكرنا أنه سئلت امرأة أي أولادك أحب إليك قالت صغيرهم حتى يكبر ومريضهم حتى يشفى وغائبهم حتى يعود يدخل في هذا أيضًا إعلام الطفل اليتيم المعوق إعاقة دائمة. ثم ذكر بعد ذلك سبع خطوات لبناء الطمأنينة لدى الطفل: أولها: الطمأنينة السائدة بين الأب والأم لا بد أن يكون هناك استقرار وطمأنينة بين الأب والأم فأكدت الدراسات التربوية والنفسية أن أكبر مصدر لبرمجة المشاعر لدى الطفل هي الأجواء السائدة في العلاقة بين الأب والأم العلاقة هي العلاقة الوالدية وأن نفس المشاعر تنتقل للطفل فكلما سادت

الطمأنينة بين الزوجين كلما ترسخت ي نفوس أبناءهما يقول بعضهم سوف يبتسم طفلكما لكما ثم للعالم من بعد إن كنتما لا تكفان عن الابتسام أحدكما للآخر. ثانيًا: محبة الوالدين لابنهما فكلما شعر الطفل بمحبة والديه كلما زادت طمأنينته، والمهم ليس أن تحب أبنائك. لكن المهم أن تعبر عن هذا الحب لا بد من التعبير اللفظي وغير اللفظي عن أنك تحبه ولا بد أن تشعره بأنك تحبه؛ ولذلك تتحقق الطمأنينة لدى الطفل حينما يشعر أنه مرغوب فيه وحين يحمل ويضم ويقال له أنه محبوب. وذكرنا قصة الطفل الصغير الذي تلقى مدحا كثيرا؛ لأنه احتمل الآلام في المستشفى بكل شجاعة، فكان جواب هذا الطفل عندما تعرف أن أهلك يحبونك تستطيع أن تحتمل أي شيء؛ ولذلك تجي تدرس أي حالة نفسية مرضية للأسباب (تاريخ الطفولة). أهم سؤال نسأله هل كان هذا الطفل مرغوبا فيه أم غير مرغوبا فيه؟ لأن لو الآباء تعاملوا مع الطفل على أنه محبوب ومرغوب فيه هذا ينشأ نشأة سوية وإن كان شعر إنه غير مرغوب فيه وأتى بالغلط وانه كانوا يتمنوا انه هذا الولد لم يولد أو هذه البنت ينعكس في تربيته لا شك أن الرغبة فيه والحرص عليه وحبه تختلف عن عكس ذلك؛ ولذلك أي حالة نفسية مرضية ندرسها من الجذور نستتبع في الطفولة نسأل إذا كان مرغوب فيه أم أنه ليس مرغوب فيه، بمعنى أنه من الممكن ألا يكون السؤال صريحًا ولكن نسأل أنهم لما وُلِد عملوا له سبوع ولا لأ. الملتزمين طبعا يقولوا عقيقة لكن أنت تكلم الناس بلغتهم. فوجود الاحتفال بالمولود يعكس الرغبة فيه وحبه الإهمال وعدم الرغبة فيه بينعكس وممكن ما يعملوش حاجة مثل هكذا وترى الظروف الاقتصادية للأسرة في ذلك الوقت لأنهم ربما لو كانوا فقراء وظروفهم ضيقة والمسكن كذا وكذا فمن الممكن أن يريدوا أن يُرزقوا بأولاد تاني لكن هذا جاء وأصبح غصب عنهم فممكن يبقى غير مرغوب فيه ممكن النوع الأولاني ممكن مثلاً شخص رزق ببنات كثيرات

وجت البنت هذه الخامسة أو السادسة مثلاً كمان بنت فبيقبى في في الأسف في الثقافة الجاهلية التي لا تزال عند بعض الناس عدم الرغبة فيما كان يودون أن يكون ولدًا مثلاً؛ فينعكس هذا في تربية الطفل. وهكذا فمسألة أن الطفل يكون مرغوبا فيه مهمة جدا لأن لو رغبت فيه سترحب به ستستبشر به ستعامله معاملة غير ما يكون مهملاً أو غير مرغوب فيه وتجلي عدم الرغبة في الطفل في أسوء صورها لما الأم الجاهلة تحكي أمام الناس انها حاولت إجهاض هذا الطفل وهو جنين بكل الوسائل ولكنه تشبث بالحياة وأتى إلى الدنيا رغما عنها تخيل لما إنسان يشعر أنه أتى في الحياة غلط لا أحد يأتي خطأ ولكن أقصد أن هذه هي الرسالة التي توصلها الأم الجاهلة، وطبعا الإسلام في هذا المجال نظرته للذرية نظرة رحمة ونظرة عظيمة جدا على أنها نعمة من نعم الله - سبحانه وتعالى - وليست عبأ كما يتصرف بعض الناس من أسباب الطمأنينة اللقاءات العائلية جلسات عائلية تجمع الأسرة بالتفاهم أو بمناقشة بعض الأمور ولا يقتصرون على الاستماع فقط مثلاً لأجل يعني الطعام في عصرنا انشغل الآباء وأعمالهم خارج البيت وانشغلت الأمهات بوسائل الإعلام المختلفة أو الثرثرة عبر المكالمات الهاتفية والمحمول في يد الجميع فطبعا أصبح كمان ثرثرة التليفونات عند النساء الآن موضوع التليفون رغبته لا تقاوم عند النساء مثل وقفة السلم مثل ما يكونوا بيودعوا بعض على السلم فتجد الكلام الكثير والمكالمات وفي قضايا ممكن تكون في غاية التفاهة شائع جدا التليفون المحمول هذا يعني هو معمول من أجل أن الحاجة لكن أصبح بقى أيه إعلانه بالصورة المعروف فغابت الاهتمامات بالأبناء الذين تُركوا للخدم أو للصحبة السيئة بقى في الشارع والألعاب الإلكترونية وغيرها فالجلسات العائلية تشعر الطفل باستمرار في أنه في جو متحد ومترابط تغشاه الطمأنينة والمحبة والتآلف ذكرنا استفتاء حصل مع معرض الأطفال في الروضة أو الحضانة وسألوا الأطفال لماذا تعتبر أمك أعظم أم في العالم فكانت الإجابة كما ذكرنا الأسبوع الماضي. الأول: طفل قال أمي تلعب معي كثيرًا.

أهمية وجود ضوابط وحدود

الثاني: أمي تغسل ثيابي وتقبلني مودعة عند ذهابي للمدرسة. الثالث: لأنها تقبلني بذراعيها وتعانقني. الرابع: أنها تقبلني وتعانقني وتعتني بي. الخامس: أنها أمهر طاهية وتعد لنا الشوربة. السادس: لأنها تعطيني الدواء الذي احتاج إليه وتعتني بي. السابع: لأني أحبها وأبي يحبها كثيرًا. الثامن: تنظف البيت وترتب الأسرة وتجلي الصحون لنأكل دائمًا. وهذه النقطة التي توقفنا عليها في آخر درس أيضًا من خطوات بناء الطمأنينة لدى الطفل وجود قواعد وضوابط فوجود ضوابط وقواعد داخل الأسرة تمنح الجميع نظاما وبرنامجا يوميًا ومعايير للسلوكيات وتحدد ما ينبغي فعله وما يلزم اجتنابه وما هو حق وما هو باطل فكلما كان هناك نظام سائدا وضوابط محددة كلما شعر الطفل بالطمأنينة أكثر. أهمية وجود ضوابط وحدود: يبدأ نظام الأسرة القائم على قواعد وضوابط وبرنامج محدد من التربية الإيجابية وتنتهي ببرنامج معتاد تكون في أوقات الطعام، الشراب، النوم، الجلسة العائلية، المطالعة، الوقت الحر. هذه تكون أوقات ثابتة محددة هذا النظام يوطد علاقات الأسرة ويزرع الطمأنينة الداخلية لدى الجميع ولا يعني هذا أن نكون صارمين حرفيين في تطبيق البرنامج اليومي بل المرونة مطلوبة هنا يضرب مثالا ليتأكد الإنسان من أهمية وجود ضوابط وحدود للتعاملات (قواعد). يعني مثل أي مؤسسة فيه قواعد وروابط وسلوكيات للموظفين في ساعة الحضور ساعة الانصراف لا تعرف الراحة متى وهناك قواعد تحكم السلوك في أي مؤسسة.

فلو نشأ الطفل على احترام هذه القواعد هذا بيوفر الطمأنينة وله أثر كبير بالذات في مرحلة المراهقة لأن المراهق يبقى يريد دائمًا يخرج من الإيه يتمرد على النظام دائمًا ليحقق ذاته فيحتاج ألا يسأله أحد أين كنت أو أين تذهب أو لما أتيت متأخر ليه بالليل أو كذا فهذه أشياء متوقعة في سن المراهقة لكن يكون دائمًا العلاج في هذه الحالات أنك تفهمه أن هذا البيت مثل مؤسسة كل مؤسسة لها مدير مسئول عنها وأنا كأب أنا المسئول عن كذا .. فالنظام مثل أي مؤسسة مثلاً الابن لا يتأخر عن العاشرة مساء خارج البيت وهكذا يعني كل الضوابط في وقت الطعام وقت للنوم وقت لكذا فكل أما ربي على هذه الضوابط والقواعد كلما كان يشيع أشع هذا الطمأنينة في داخل إيه يعني أفراد الأسرة وبيتكلم هنا عن مثل الضوابط يعني ضع سمكا في حوض زجاجي حوض زجاجي ضع فيه السمك بدون أرضية ولا رمال يعني مجرد زجاج وماء فقط وأكسجين طبعًا فيقول لك لاحظ الحركة في حركة السمك ثم ضع حدودا بالرمال والحجارة ولاحظ الفرق في حركة السمك متى يكون أكثر حرية واطمئنانا وحركة؟ في أي الحالتين؛ الحالة الثانية لأن فيه حدود فيه ضوابط تجد بيبدأ يتحرك ويكون نشيطا وكذا وكذا في حالة الوضع السايب خالص هذا يحيره لكن وجود الحواجز والأعشاب وهذه الأشياء بيدي نوع من السرعة أو الكثرة في الحركة والاطمئنان، الخطوة الخامسة: وضوح معالم التربية وثباتها إما يطمأن الطفل وضوح التوجيهات التربوية وثبات المعايير بمعنى أوضح أن التذبذب في التوجيهات والتناقضات والاختلافات الجوهرية بين ما يريده الأب وما تريده الأم يحرمان الطفل الناشئ المتعلم من الطمأنينة فلا بد من الثبات على مبدأ والحفاظ على مواطن الاقتداء في سلوك الوالدين واتفاق عام بين الوالد والوالدة فلا يبقى تحدي بين اثنين تناقض في وسائل التربية فالطفل يدفع هو يعني الثمن أيضًا لا بد من الابتعاد عن الأوامر والنواهي الكيفية التي لا تبرر ولا تقنع الطفل مما يزيد الطفل اطمئنان أسلوب الإقناع والتبرير لأوامرنا ونواهينا

أساليب غرس الطمأنينة لدى الطفل

حتى تصل رسائلنا واضحة للطفل وتبعد عنه وساوس هو في غنىً عنها مثل أن الأب لا يحبني أو يحب أخي الأصغر أكثر التربية المعيارية المبنية على أسلوب الإقناع: 1 - تطمئن الطفل. 2 - وتبني لديه المعايير الواضحة. 3 - وتنمي مداركه وقدراته العقلية. 4 - وتعلمه التفكير والربط والعلل وغيرها من أنماط التفكير الإنساني. وهي مهارات ينبغي أن ينشأ الطفل عليها منذ نعومة أظفاره مثلاً: 1 - تأمره أن يأكل التفاحة مثلاً فتقول له كل التفاحة لأنها تحتوي على فيتامين (دال) وهذا الفيتامين يقوي عظامك. 2 - مثلاً لا تلعب بعود الكبريت وبس ولكن لا تلعب بعود الكبريت، حتى لا تحترق؛ فيبقى فيه الأمر أو النهي ولكن معه التعليل أحيانًا قليلة جدا بيكون المطلوب ان يكون الجواب ساعات أن إيه لأن أنا قلت هذا. أحيانا قليلة لكن القاعدة: لا يوجد اسمع كلامي لأن أنا بأمرك تسمع هكذا القاعدة انك دائمًا تجيب له الأمر أو النهي مرتبطا بالعلة. أساليب غرس الطمأنينة لدى الطفل: من أساليب غرس الطمأنينة لدى الطفل التلامس الجسدي يحتاج الطفل لمسه باليد والمداعبة والضم؛ لأن هذا يعطيه شعورا بالطمأنينة ويستشعر من خلالها دفء الحنان والمودة والروابط التي تجمعه بالوالدين وتكون لديه شعورًا بالقبول؛ فالطفل في مراحل طفولته الأولى تشتد حاجته إلى اللمس والتربيت والملاعبة والمداعبة فمهم جدا التربيت على الكتف مسح رأسه ونحو ذلك هذا وكلها وسائل ممتعة تجسد الأمن والطمأنينة في النفس، ممكن نذكر حديث ابن عباس لما صلى خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ووقف عن يساره فحوله إلى يمين وأخذ وهو في الصلاة يلمس أذنه هذا نوع من التواصل الجسدي الذي يعطيه

اطمئنانا وفيه نوع من التودد لهذا الطفل وفي الحديث أيضًا «إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ» (¬1) فمسح رأس اليتيم هذا أيضًا من التواصل يعني الجاذبية إن ميزة الرضاعة الطبيعية لا تكمن فقط في مميزات حليب الأم ولكن الأهم فيه ملامسة جسد الأم للابن والضم التي تتم خلال عملية الرضاعة كما أن لمس الطفل أثناء الحديث معه يفتح لتقبل الكلام والتوجيهات، وتعلم النطق والكلمات الجديدة، كما أن لمس الطفل يقوي لديه الخصائص الاجتماعية، الذي تجعله أكثر انسجامًا، وقدرة على التعامل مع الناس في المستقبل، وفي الوقت نفسه إن حرمان الطفل من لمسات الحنان في طفولته يجعله أكثر انطوائية وانعزالاً عن المجتمع، وأقل قدرة على التفاعل مع الناس مستقبلاً ينشأ منطويا منعزلا خجولا. من مظاهر الاحتكاك الإيجابية أو التواصل الجسدي التي تشبع الطمأنينة في نفس الطفل عناق الطفل وضع اليد على كتفه أو التربيت على كتفه تقبيل الطفل ضم الطفل إلى جانبك الأيمن وضع اليد في يد الطفل أثناء السير أو الحديث حمل الطفل والمشي به دون مبالغة ضم الطفل إلى صدرك تنويم الطفل بين الفينة والأخرى على صدر والده؛ فهذه كله عبارة عن تواصل غير لفظي التواصل يتم ليس فقط بالكلام فيه تواصل لفظي بالكلام وفيه تواصل جسدي أو تواصل غير لفظي وهذه يعني نماذج لبعض وسائل التواصل فأنت ترسل له رسالة مثل هذه الأشياء. من الوسائل تربية الشعور بالطمأنينة عند الطفل تنمية الانتماء فالحاجة إلى الانتماء حاجة إنسانية منذ السنوات الأولى من حياة الطفل، وهو بحاجة إلى استشعار عضويته في العائلة طبعا هذه بتكون أسوء ما تكون من الحرمان من الانتماء في الأطفال الذين يتربون في الملاجئ، مثلاً كالأيتام أو اللقطاء أو نحو ذلك طبعا بيحرم من مسألة الانتماء هذه طبعًا هذه مؤسسة وموظفين معروف الأشياء التي تحصل معهم فعشان تقارن بين أهمية الانتماء. ¬

_ (¬1) مسند أحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (حسنه الألباني).

قارن بين طفل بينشأ في أسرة ينتمي إليها وتنتمي إليه وبين هذا الذي يتربى في هذه الأماكن وتشوف الفرق بين الاثنين؛ ولذلك يخرج منه أحيانا شخصيات معادية للمجتمع وترتكب جرائم وإدمان وكذا وكذا نتيجة عدم وجود هذه الطمأنينة التي تنشأ من الشعور بالانتماء لأسرة أنه منتم إلى أسرة؛ ذلك ابتعاد هؤلاء الأولاد أو إيوائهم إلى أسر بالوضع الشرعي الصريح طبعا ليس بنظام التبني المخالف للشريعة هذا من أعظم الأعمال الصالحة إنقاذ نفس بعض الناس بتفهم ان من أجل أن التبني حرام في الإسلام يبقى لأ محدش يجيب حد من هؤلاء الأطفال ويربيها لأ ممكن تتعمل ضوابط معينة ميحصلش مخالفة شرعية كأن مثلاً زوجته ترضع مثلاً هذا الطفل فبالتالي تصبح هي أمه والزوج يصبح أباه ويصبح أولاده أخوات في الرضاعة وماتحصلش مشاكل بعد هكذا في كبر السن. حتى لو رباه لحد ما خرج العاشرة أو الثانية عشر مثلاً قبل البلوغ ثم فصل عن أولاده أحسن من ما حدش يرعاه خالص، لكن للأسف الشديد قوانين التبني قوانين معاندة للقواعد الإسلامية الشريفة وذلك يوقعون الناس في حرج لأنهم يجبرونه على تسجيله بإسمه فمن ثم هذا الموضوع محتاج لإعادة نظر لفتح باب الرحمة لهؤلاء الأطفال وضمان مستقبل أفضل لهم كلما شعر الطفل بالانتماء كلما زادت طمأنينته وتشكلت أواصل الولاء لديه، الولاء من عقيدته الولاء لوطنه الولاء للقيم التي يتلقاها من العائلة من ضمن احتياجات الطفل انه يتلقى منظومة القيم، كل أسرة لها منظومة قيم فهو بيتشربها من وجوده من خلال وجوده في هذه الأسرة بالطريقة التلقائية تتولد مشاعر انتماء الإنسان للأشياء من حوله مع لحظة ميلاده، كما تنمو هذه المشاعر وتتعزز وتتسع لنمو مدارك هذا الإنسان؛ ولذلك كان الشعور بالانتماء راسخا في التكوين الإنساني. مرحلة الانتماء تعد نتاجا طبيعيا لإشباع يتلقاه الطفل من الوالدين فيتسع هذا الانتماء بعد ذلك ليشمل الأصدقاء وزملاء الدراسة أو الجيران أو الأندية ونحو هذا، ويتوسع أكثر فيشمل الانتماء لمجتمع ويبدأ الحس بضرورة التعاطف والتعاون مع الآخرين، الأطفال الذين لا يتلقون الرعاية العائلية الكافية

حاجة الطفل إلى المدح

والإحساس بالانتماء تتزعزع علاقاتهم الاجتماعية، والعلاقات التي تنشر بينهم وبين غيرهم مستقبلاً، ستكون مغلفة بالشك وعدم الثقة والحذر الزائد، وإشباع هذه الحاجة من شأنه أن يجذر علاقات الطفل الاجتماعية مستقبلا، يعد الوجود المستمر لحياة الأبناء احد أساليب بناء الطمأنينة ومستمر دائمًا مرتبط بالأسرة عن طريق الحوار الودود المستمر بين كل أفراد الأسرة عن طريق اجتماع يومي لمناقشة أحداث اليوم، إن دور الأسرة لا يقتصر على توفير المأوي ولا على نظافة الطفل وتوفير احتياجاته المادية ولكن أنشأت الأبناء تحتاج قبل كل شيء إلى الحب والانتماء، وليس مجرد ظروف جيدة مناسبة للمعيشة كما أن قيمة الطفل وتقديره لذاته تنشأ بشكل كبير من خلال إشباع حاجته إلى الانتماء وشعوره بالاعتبار. ما هي الأشياء أو الوسائل التي تقوي الشعور بالانتماء وتغذي الحاجة النفسية إلى الانتماء مما يساهم في طمأنة الطفل وتمتين روابط الأبوة والأمومة؟ 1 - الحوار الدائم. 2 - استشارة الطفل في بعض القضايا الأسرية. 3 - فتح المجال لديه للاختيار. 4 - تكليفه بعض المسئوليات التي تراعي قدرته. 5 - اللعب الجماعي والألعاب العائلية. 6 - تشجيعه على الاختلاط بالأطفال؛ فالطفل مهما توفرت لديه الأمور المادية قد يكون أكثر جوعًا إذا حرم الأمان النفسي والطمأنينة. حاجة الطفل إلى المدح: ننتقل بعد ذلك إلى نوع آخر من الاحتياجات النفسية وهي الحاجة إلى المدح طبعا الكلام ليس بيتم في احتياجات الطفل كثيرة في احتياجات مادية كثيرة جدا مثل الحاجة إلى الطعام والشراب والملابس وكذا وكذا من الأمور المادية لكن في أغلب الناس لا يقصرون في النواحي المادية لكن الخطر هو أن

اعتقادهم أن المطلوب فقط هو إشباع الاحتياجات المادية ان حد ينظف له حد يأكله ويهتم به لكن كثير من الناس يغفلون عن فهم ما الذي يحتاجه الطفل. ليس هذا فقط هناك أناس تظل تقول هذا لما يكبر شوية نبقى نهتم بالتربية وبالتالي تفوت أخطر مرحلة في وضع حجر الأساس أو أساس بناء شخصية الطفل وهي الخمس سنوات الأول وهي أخطر حاجة وبتتم فيها على بعض الآراء 95% من تربية الطفل أو صناعة نموذج شخصيته 95%. الخمسة في المائة هذه تتعامل لحد سنة 18 بس طبعا بيكون صعب التغيير فيها فخسارة أن نضيع الفرصة الذهبية لافتراض صحة هذه النظرية ان الـ 95% بيتم في الخمس سنين الأولى عندنا احنا أكبر فترة تحظى بأكبر قدر من الإهمال هي هذه الفترة انظر إليه إنه قطعة لحم أو لعبة نتلهى بها نتسلى بيه بدون أن نفهم كيف يفكر أو ما الذي يحتاجه خاصة الاحتياجات النفسية وهي لا تقل أهميتها عن الاحتياجات المادية التي لا يقصر فيها غالبا أحد من الآباء. هناك نوع آخر من الاحتياج عند الطفل الحاجة إلى المدح هي قريبة أيضًا إلى الحاجة إلى التقدير فالمدح يعتبر داخل تحت عنوان كبير عملية التأديب تشمل مبدأ الثواب والعقاب الثواب. الثواب نوعان: ثواب مادي وثواب معنوي أو نفسي فمن الثواب المعنوي مدح الطفل (مدح) الثناء عليه لكن بضوابط طبعا فالمدح طبعا هذا أسلوب إسلامي وثبت كثير من الأدلة في الشريعة الشريفة تدل على أهمية حتى بالنسبة للكبار - المدح الذي يراد به التشجيع. لما مر - صلى الله عليه وسلم - على بعض الصحابة يحفرون بئر زمزم ويعملون فيه قال: «اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ» (¬1) ومناسبة أخرى قال: «هَكَذَا فَاصْنَعُوا» قال لحسان «اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ ¬

_ (¬1) صحيح البخاري من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.

كيفية المدح

مَعَكَ» (¬1) فهذا كله تشجيع ففيه مدح غير مذموم فيه مدح تربوي بس فيه ضوابط لأن احنا أيضًا إذا تمادينا في المدح بدون ضوابط هنرتكب أخطاء مضرة. فالمدح رفع للمعنويات وتثبيت للإيجابيات وترسيخ للقيم المحمودة والمحبوبة ولذلك كان مدح الطفل وسيلة تربوية تشبع حاجة كاملة بداخل الإنسان عموما والطفل خصوصا وهو منهج تربوي اتبعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع صحابته - رضي الله عنهم - صغارا كانوا أم كبارا ومن كمال مدحه لصحابته - صلى الله عليه وسلم - إطلاق أفضل الألقاب عليهم يعني فيه ألقاب في الإسلام لكن لا بلفظ باشا وغيره والكلام الذي لا يعطي ثمنه لأ الألقاب في الإسلام حسب خدمة الدين الألقاب في الإسلام ليست عنصرية ولا قبلية وإنما هي خدمة الدين فجد الرسول عليه الصلاة والسلام سمى خالدا - رضي الله عنه - سيف الله المسلول قال إن خالدا سيف الله سله الله على المشركين - رضي الله عنه - لقب خالد بسيف الله حمزة أسد الله أو سيد الشهداء - رضي الله عنه - أمين الأمة الفاروق عمر الصديق أبو بكر - رضي الله عنه - أكثر أمتي حياء عثمان - رضي الله عنه - جعفر الطيار فهذه ألقاب يعني من أعلى درجات المدح إنه بيلصق به لقبا فيه ثناء على إنجازاته أو خدمته للإسلام. كيفية المدح: المدح لا يكون فقط فيما يراه الطفل بل كذلك فيما يحب أن يتصف به من صفات وخلق ومدح الطفل بما يمكنه أن يفعل أو يكون هو دفع وتشجيع له نحو الخير فالمدح له علاقة بقضية التقدير احنا هنا بنتكلم عن المدح التربوي لأن المدح له فقه مفصل شوية ليس هذا وقته لآن حتى في حق الكبار لكن نتكلم على نوع معين من المدح وهو المدح التربوي الذي يشبع في الإنسان الحاجة المتجزرة في أعماقه إلى التقدير ورغبته في إشباعها يعني من أسدى لكم معروفا فاكفئوا فإن لم تكافئوه فقولوا له جزاك الله خيرا فا هذا نوع من المدح والاعتراف بالجميل ومقابلة الإحسان بالإحسان لأن الله تعالى قال: {هَلْ جَزَاءُ ¬

_ (¬1) متفق عليه من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -.

المدح يشبع الرغبة إلى التقدير

الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)} (¬1) [الرحمن: 60] {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] فإذا الإنسان يحتاج إلى التقدير بل وصل الأمر إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ» (¬2) فجعل الاعتراف بالجميل أو الثناء على الإحسان الذي يحسنه الإنسان إليك هذا من حق المسلم أن يسدي إليك معروفا أن تكافئه على الأقل بالدعاء فإذن كل إنسان يحتاج إلى التقدير وعنده رغبة في إشباع الحاجة إلى التقدير. المدح يشبع الرغبة إلى التقدير: مما يشبع هذه الرغبة إلى التقدير تأتي مثلاً مدرسة طفلة رسمت لها شجر وحاجات طبعا طفلة ترسم والرسم هذا شيء مهم جدا بالنسبة للأطفال فتذهب وهي تعبت في اللوحة لذلك لا يصلح أبدا إن المدرس يعيب أبدا على الرسم أبدا لأنه نوع من التنفيس هو بيسقطها على الورق يلون لك السما بلون اسود لا تنتقضه هذه عبارة عن انطباعات داخلية هو بينفسها ويطلعها فهي صورة من صور التنفيس والتعبير عما بداخله. تأتي المدرسة مثلاً وهذا حصل يعني طفلة مثلاً جايه للمدرسة والبنت فعلا بترسم كويس جدا، لكن المدرسة قاعدة شغالة في التريكوا والحاجات التي يعملونها هذه فقالت لها إيه القرف هذا وراحت رمت لها الكراسة مثلاً فا هذا أسلوب ما تنفعش تكون مربية إطلاقا فالشاهد إن لا بد أن لكل حاجة لين في التعامل مع الأطفال وإن نشبع الاحتياج إلى المدح لكن بصدق ليس مبالغة فإنك لو قلت لابنك أحسنت يتشجع وصار يبحث عن الأحسن هايترقى أيضًا أحسنت لهذه التصرف وهذا الإنجاز طبيعي إنه يبقى سعيد جدا وعايز بقى الحاجة التي تأتي له بالثناء هذا تاني وأكثر فيبدأ بإنه يجتهد لفعل الأحسن فيما بعد. ¬

_ (¬1) البلد الأربعون، إسناده متصل ورجاله ثقات (المصدر: الشبكة الإسلامية). (¬2) سنن الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال «حسن صحيح» وحسنه الألباني مقدمة.

سلبيات الآباء في السخرية والتحقير بدلا من المدح

سلبيات الآباء في السخرية والتحقير بدلاً من المدح: كثير من الآباء والأمهات يبخلون على أبنائهم بالمدح لكن في حالة التوبيخ ما شاء الله في التوبيخ واللوم والعتاب والتهزيء والسخرية والتهكم والتحقير لا حد بيقصر يعني قارن بين كمية المدح وبين كمية التوبيخ والعتاب والإهانة والاحتقار للأسف الشديد تجد الفرق شاسعا بينهم فتجد السابقين إلى التوبيخ واللوم لو رأوا ما لا يرضيهم من أبنائهم وترى تركيزهم على أخطاء الأبناء وسوء تصرفاتهم ما بيشوفش غير الأخطاء بس بدل التركيز على الإيجابيات والأعمال الحسنة التي تصدر منهم وبالتالي تكفل الانتقاضات وتغيب كلمات التشجيع من قاموس كلمات الأبوين، والعائلة النقادة هذه تعمل مشاكل نفسية من ضمنها فيما بعد ممكن بترشح الطفل وتعمل له انفصام العائلة النقادة التي كل حاجة ينتقضها نقض في كل شيء في كل تصرف بينتقضه يقولوا وقد لا نكون مغالين لو أكدنا أن درهما من المدح أفضل من قنطار من الذم. علاج المشاكل بكلمة مدح: يحكي هنا ويقول اعتادت بنت صغيرة أن تذهب إلى المدرسة كل صباح ويداها متسختان، وخيل لمدرستها أن نوع الوسخ القذارة هو هو كل يوم، ولم ترد المدرسة اللطيفة ان تجرح شعور البنت وقد أحست أنها في بيتها لا تحظى في بيتها بالعناية اللازمة فأبواها لا يهتمان بها وهذا ما حاولت المدرسة أن تتداركه ويومها قالت لها ما أجمل يديك لماذا لا تذهبين وتغسلينهما لكي يرى الجميع جمالهما فذهبت الصغيرة مبتهجة وغسلت يديها وعادت مشرقة الوجه ثم مدت يديها أمام المدرسة مفاخرة بتفتخر إن لأنها قالت لها إيديكي جميلة فينبغي تبين بقى من أجل أن تفتخر بهذا ضمتها المعلمة بذراعيها وقالت صحيح ما أجملهما أرأيتي الفرق الذي نتج باستعمال قليل من الماء والصابون، وبعد ذلك صارت الفتاة تأتي إلى المدرسة كل يوم أنظف مما قبله حتى أصبحت من أكثر التلميذات نظافة وترتيبا.

أيضًا في هذه الحالة الذي عالج المشكلة عند البنت كلمة مدح ولباقة في استعمال العبارة فتغيرت الفتاة تغييرا إيجابيا بكلمة مدح وتحسنت حالته. يعني أحيانا ممكن الدواء كلمة لن تكلف شيئًا؛ لذلك فالإسلام يرفع جدا شأن الكلمة الطيبة ويجعلها عبادة الكلمة صدقة. إن الطفل كلما سمع المدح والثناء، لفت انتباهه هذا المديح، وبعث في نفسه الفخر والاعتزاز والدافعية للعمل والإنجاز، والقوة لبذل مزيد في كل ما يحقق له مدحا ورضا من الآخرين، والمدح قد يتخذ شكل التلميح والتصريح بشكل مباشر وغير مباشر، كأن تمدحه مباشرة تصريحا أو تمدحه في معرض حديثك مع صديق سواء بالهاتف أو مباشرة وكلها واسئل ناجحة في تحقيق السلوك الإيجابي لديه طب ماذا عن الخطوات أو المعايير التي تجعلنا نمدح الطفل مدحا إيجابيا قد يستحق الطفل المدح لشخصه وبنوته وقد يستحقه لإنجازاته وحسن ما يصدر منه، في الحالتين هو محتاج إلى إشباع هذه الحالة النفسية، وهي فطرة إنسانية، وحاجة بشرية، تبدأ مع الإنسان منذ طفولته، وترافقه إلى مهده، وإذا كان الطفل في أحيان كثيرة يسعى للتفوق والإنجاز، والانقياد بدافع إرضاء الوالدين؛ فلأنه محتاج إلى المدح لتعزيز هذه السلوكيات الإيجابية لديه، وبناء الثقة في قدراته وسلوكياته. وهذا الطريق لتقوية الصفات الإيجابية لديه من شجاعة وكرم وحب للعمل وطاعة وللوالدين كذلك وسيلة لبناء الصفات الذاتية الإيجابية: 1 - الطموح. 2 - الشجاعة. 3 - التفاني في العمل. 4 - الحرص على النجاح بصفة عامة.

خطوات عملية في قضية المدح الإيجابي

خطوات عملية في قضية المدح الإيجابي: ثم يذكر ست خطوات عملية في قضية المدح الإيجابي المدح البناء أول هذه الخطوات يقول: 1 - ركز أكثر على الإنجاز لا على الشخص ذاته يعني ممكن هو نفسه يمدح وممكن إنجازاته تمدح أول قاعدة للمدح الإيجابي البناء إنك تركز على الإنجاز نفسه ليس على الشخص لا أن تقول له أنت أحسن طفل في الدنيا وانتي أجمل بنت في العالم يعني الكلام منصب على ذاته امدح السلوك هذا هو المدح الإيجابي امتدح السلوك فركز أكثر على الإنجاز شيء كويس الذي هو عمله لا على الشخص لذاته فينبغي الحرص أكثر على مدح كل ما يصدر عن الطفل من إنجازات مهما كانت ضئيلة في نظرنا فهي فيما يتعلق بطفل كبيرة قياسا مع قدراته الذاتية والإنجاز هو كل سلوك يصدر عنه أو خلق يتصف به. أمثلة: مثلاً هذه أمثلة مثلاً ما أروعك لأنك: 1 - هادئ فهنا المدح جاء معللاً بالسلوك فهو يعرف ان الهدوء لما يكون مثلاً في ضيافة ناس أو نحو ذلك يتحلى بالهدوء ما أروعك لأنك هادئ. 2 - مثلاً كم أحبك لكلامك الطيب فهنا أيضًا مدح للسلوك. 3 - كم تستحق الامتياز لأنك مجد مدح للجدية. 4 - ابني رائع لأنه يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مدح للإنجاز وليس للشخص. ملاحظة: ينبغي الابتعاد قدر المستطاع عن التعميم لأن التعميم لن يقدم الطفل خطوة نحو الإنجاز لازم تحدد له حاجة محددة من أجل أن تلفت نظره لأهمية هذه الصفة أو لأهمية هذا الخلق أو لأهمية هذا الإنجاز لكن أنت أجمل طفل في العالم أنت أشطر طفل في العالم انتي أجمل بنت إلى آخره كلام عام أو

الخطوة الثانية امتدح المحاولات ولم لم تكن إنجازات

أحسن طفل إلى آخره كلام عام لن يفعل شيء في السلوك لكن أترك التعميم امتدح شيء خليك نوعي خصص المدح بصفة أو بخلق، هذا هو الذي يدفعه إلى الأمام مدح في الإنجاز وليس في الشخص ذاته. الخطوة الثانية امتدح المحاولات ولم لم تكن إنجازات: وطبعا احنا بنستحضر بنتكلم دائمًا قاعدة مهمة جدا «طفلك ليس أنت» لا تحاسبه بعقليتك أنت لكن حاسبه بعقليتك حينما كنت طفلا مثله لا خبرة في الحياة ولا معرفة وما زال بينضج وبينمو فإذا لازم التعامل نرى الطفل كيف يفكر كيف نحاول نقترب منه ونبث له هذه المفاهيم فهنا ما دام بيحاول امتدح المحاولات حتى ولو كانت المحاولات لا تأتي بنتيجة مطلوبة. الفشل خطوة في طريق الإنجاز: فالطفل في بدايات نموه يحاول فينجح أحيانا ولا ينجز أحيانا أخرى وهذه سنة الله في خلقه فينبغي أن نشجع كل المحاولات وأن نعد كل فشل خطوة نحو النجاح، والإنجاز والعكس الفشل يكون هو في الآخر أول خطوات النجاح. كما يقول بعضهم لقد فشلت وفشلت وفشلت ولذلك نجحت أخيرا؛ فالفشل هو خطوة في طريق الإنجاز. مثلاً تخيلوا لما هأقول يمشي وهو يحبوا على الأرض ثم يحاول أن يستند لمقعد ويمشي خطوتين وبعدين يقع على الأرض إلى آخره؛ فهذه كلها محاولات للتقدم إلى الأمام فينبغي أن نشجع كل المحاولات وأن نعد كل فشل خطوة نحو النجاح والإنجاز واللحظة من تحبيط الطفل أثناء محاولته، لا لا هات أنا أعمل لك الموضوع فأنت لا تحبه، لأنك تبعت له رسالة انه عاجز وفاشل ولا يوجد فائدة انه يقدر يعمل حاجة لكن سيبه يحاول اليوم. أنا رأيت طفلة صغيرة جالسة على مقعد ولابسة سويتر وبعدين عايزة تخلع السويتر فقاعدة تشد الكم من هنا ومن هنا تحاول كل محاولات انها تخلعه فمن بعيد أنا قلت لها فكي السستة فهيه نزلت

الحذر من تحبيط الطفل أثناء محاولاته لكي لا يصاب بخيبة الأمل

السستة لقيتها ماشية امسكي بإيد واعملي بالإيد التانية لحد ما فكيتها خالص وراحت وخلعت الإيه بخلاف ما لو جيت أنت رحت قايل طب هات وانا اعمل لك المهمة هذه فلما يحاول شجعه على المحاولة لأن هذه علامة على النمو يحاول يأكل سيبه يأكل، هو بيأكل نفسه لا هابهدل الهدوم إيه حكاية الهدوم إيه مشكلة الهدوم وان الأرض تتسخ هو ينمو كيف تعطل نموه سيبه ينمو هذه حاجه كويسة انه بيحاول يستقل يعني معناه نمو نفسي وبدني كويس جدا احنا بنشجعه على هذا فالمحاولات لا بد أن نمتدحها أنه يعني شيء كويس بيحاول يرسم بيحاول يمشي بيحاول يركب دراجة بيحاول يعمل أي شيء جديد فالمفروض ان احنا نمتدح المحاولة حتى ينجح في الإنجاز. الحذر من تحبيط الطفل أثناء محاولاته لكي لا يصاب بخيبة الأمل: فلنحذر من تحبيط الطفل أثناء محاولاته لكي لا يصاب بخيبة الأمل وتضعف ثقاته في قدراته النبي عليه الصلاة والسلام وهو في أحلك الظروف وهو في حصار الأحزاب يعد أصحابه في النصر والتمكين ويزرع إليهم الثقة في نصر الله ثم في قدرتهم على الصبر والثبات والنجاح وطبعا عندنا أمثلة كثيرة جدا في السنة يعني خباب ابن الأرت - رضي الله عنه - يقول أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة المرحلة المكية حيث كان التعذيب والاضطهاد ملأ المشركين فقلن يا رسول الله ألا تدعوا لنا ألا تستنصر لنا فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ» (¬1) ففي أشد اللحظات اضطهادا كان يفتح أمامهم باب الأمل في إن فيه فرج بعد هذا الكرب» هناك فرج {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} [الشرح: 6]. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري من حديث خباب بن الأَرَتّ - رضي الله عنه -.

من الفشل يتعلم الإنسان

من الفشل يتعلم الإنسان: فدائمًا نزرع الأمل حتى لو بيحاول بيفشل لأ هيجي وقت ويكون أحسن من هكذا جايب نتيجة مثلاً الامتحانات كعك بقى وحاجات مثل هكذا فيقولوا لأ إن شاء الله أنا واثق المرة الجاية سيكون أحسن لا يقعد يضربه ويكتفه فدائمًا تفتح له أمل انه دائمًا هايتصلح لأنه ينمو فإذن الفشل خطوة نحو النجاح ومن الفشل يتعلم الإنسان بيشوف أخطاؤه إيه ويبدأ يستدركها. التركيز على خطوات الإنجاز والنجاح فقط: 1 - الخطوة الأولى: ركز أكثر على الإنجاز لا على الشخص ذاته. 2 - الخطوة الثانية: امتدح المحاولات ولو لم تكن إنجازات. 3 - الخطوة الثالثة: مدح ابنك يدل على رغبتك، فيه فمدحك لابنك يزرع لديه الشعور بأنه مرغوب فيه ويوهمه مدح الوالدين بالدرجة الأولى لتحقيق الطمأنينة لديه إنه مصدر فخر لهم وهم فرحان به كما أن غياب مدحك لأبنائك يوحي إليهم أنك لا تحبهم أو لا يهمك أمرهم، أو أنك لا تعترف بقدراتهم واستقلاليتهم، ومن هنا تنشأ الشخصيات الضعيفة المنطوية غير القادرة على تحقيق النجاح والتفوق، ومواجهة الظروف الاجتماعية والنفسية. 4 - الخطوة الرابعة: امدح وأنت مقتنع ولا تجامل وهذه مهمة جدا يعني أنت لا تمدح وتقول كلام رياء لكن امدح وأنت مقتنع أن هو فعلاً فعل إنجاز يستحق المدح ولا تجامل لأن الطفل بيكون عنده وعي كبير جدا فوق ما نتصور فالطفل لو مدح بالكذب يعرف انه ممدوح بالكذب فعشان هكذا لا نبالغ في المدح ونمدح شيء حقيقي هو فعله فالطفل يعرف بإحساسه وذكائه متى تكون صادقا في مدحك ومتى تكون مبالغا ومجاملا لذلك إحرص على مدح كل ما تراه صالحا فيه ولو صغر وكل محاولة صالحة لديه ولو لم تتم وابتعد عن أسلوب المدح للمدح أو التفاخر أو المبالغة المضرة هو يكتشف بسهولة جدا

انت بتكذب عليه لو بتبالغ في المدح فامدح فقط ما أنجزه أو ما يحاول إنجازه وبالمبالغة هايفقد الثقة فيك ان أنت بتقول أي كلام. 5 - الخطوة الخامسة: اتبع أسلوب التشجيع في مواقف التشجيع فمن حاول ولم ينجح يحتاج إلى تشجيع وبناء طموح نحو النجاح لازم يتعلم الطفل أن هذه فرص الفشل هذه فرص بيتعلم فيها السقوط ليس نهاية المطاف وأن من يسقط إما أن يقوم ليتدارك وإما أن تدوسه الأقدام يعني هكذا فقط ينهض من جديد ويحاول ويستمر وإن مكث في الحفرة واستوطنها ستطأه الأقدام وأن حالات العسر طبيعية وتحتاج إلى مواجهة يعني ضروري جدا الإحباط مهم جدا الطفل يتعرض أحيانا لإحباط بس إحباط محكوم يعني الطفل لازم بيستأذن عليك السلام عليكم أدخل تقول له أدخل لأنه بدء يطبق أحكام الاستئذان وآدابه لكن لازم مرة بعد أربع خمس مرات يقولك السلام عليكم أدخل لازم مرة بعد هكذا مرة تقول له ارجعوا حتى لو كان ممكن يدخل لأن المقصود هنا تعمل له إحباط من أجل أن يتحمل الإحباط، يتدرب على أن الحياة دائمًا ليس أخذ فقط هذا أخذ وعطاء وإن ممن يفشل أحيانا هذا شيء عادي فلما بتقول له ارجعوا وهو بيحبط أول مرة بيتصدم جدا لا بد من إحباط محكوم بين وقت لآخر ليتعود ويعرف ان كل حاجة في الحياة لا ينالها بسهولة وأحيانا ممكن يتدرب على مواجهة الإحباط لأنه ليس كل شيء سيقدر على أن يحصل عليه في الحياة الدنيا ففي حالات العسر التي تأتي بما لا تشتهي السفن لازم يفهم ان هذا شيء طبيعي ووارد في الحياة انه أحيانا ممكن يحاول وما يقدرش يوصل لما يريد مستقبلاً حاول خلاص يكفي شرف المحاولة كما يقولون: وأبلغ نفس عذرها مثل أنجح ويقول الآخر: علي أن أسعى وليس علي إدراك النجاح.

الخطوة السادسة: كن جاهزا للمدح ولا تتأخر وهذه قاعدة مهمة جدا جدا في قاعدة الثواب والعقاب كما سنفصلها إن شاء الله فيما بعد، إن الثواب والعقاب لا بد أن يأتيهما شركا بعد الفعل الذي يستحق يعني الولد عمل تصرف كويس بالنهار ماينفعش الأم تقول له هذا لما يجي والدك بالليل هاخليه يجيب لك مكافئة أو لعبة أو حلوى بالليل. لا ينبغي يكون دائمًا الواحد جاهز ولذلك تجد ناس كثير من الذين يفهمون في التربية دائمًا يكون في جيبه شيكولاته يعني حاجات من الحلويات التي يحبها الأطفال لازم تكون جاهز معاك الأسلحة بتاعتك من أجل أن لو حصل تصرف جيد تكافأه في الحالة. فينبغي من أجل أن يحصل ربط شرطي بين الفعل وبين الثواب أو العقاب على طول من أجل أن يربط يعرف أن السلوك هذا هو الذي أتى يالهدية أو الذي أتى لي بالثناء أو خلاه هايمسح رأس أو يثني عليا أو يمدحني لأن المدح كما قلنا نوع من أنواع الثواب غير المادي علشان تغرس فيه ان الفعل هذا صح الذي عمله لا بد أن يكون الثواب مباشرة بعد الفعل كذلك العقاب إذا أخطأ في شيء معين ويستحق العقاب. فلا بد أن يعاقب مباشرة بعد الفعل فالإنجاز يتعزز لو أسرعت بالمدح ساعة تحقيقه وهو أحسن المدح وأكثره نجاعة وإيجابية. كما أن لحظة الإنجاز عادة ما ترافقها مشاعر السعادة والفرح، وهي لحظات مهمة لربط الطفل بكلمات إيجابية تصبح جزءا من دوافعه الإيجابية على مر الزمان، أحد العلماء المحدثين الكبار كان إيه الذي وجهه إلى الحديث وهو صغير واحد من الأمة رأى خطك قال خطك يشبه خط المحدثين بس قال الكلمة هذه ورأى شاف خطه قال خطك يشبه خط المحدثين فوقع في قلبه حب علم الحديث وصار إمامًا في الحديث لأن المدح جاء في وقته.

لو سمع ابنك منك ما شاء الله ما أروعك في لحظة سعادته بإنجاز ما ارتبطت هذه الكلمات وترسخت في ذهنه بكل المشاعر الإيجابية وشكلت حافزًا نحو العمل والإنجاز. ويمكنك استعمالها كوسائل ربط لتوجيهه وتعليمه إن المسلمين ارتبطت مشاعر القوة والاطمئنان لديهم بعبارة الله أكبر، أصبح فيه ربط لكلمة الله أكبر وبين مشاعر القوة والاطمئنان وهم يكررونها في الصلاة باستمرار، وبالتالي تحولت هذه الكلمة إلى ربط إيجابي يرفع المعنويات ويزرع الحماس والجرأة بها، وبها يتغلبون على مشاعر الخوف وهم يرددونها في الجهاد ومواجهة الصعاب والمحن. طبعا الله أكبر هذه في الجهاد فتحت بلادًا والقسطنطينية وفي آخر الزمان ستفتح بالتكبير، بالتكبير يعني هذا الرسوخ، في الحرائق أيضًا تواجه الحريق بكلمة الله أكبر فهي لها تأثير عجيب جدا في قلوب المسلمين ونحن صغار الحقيقة تربينا على نشيد في طابور المدرسة اسمه: الله أكبر إلى آخره الله أكبر فوق كيد المعتدي ... والله للمظلوم خير مؤيد ... شعر كان راقي جدا الآن أخذته ليبيا عملته هو ظل النشيد الوطني ونحن بقى عملنا حاجات تانية. انظر كلمة الله أكبر التي تربينا عليها من صغرنا بمشاعر العزة والقوة وتحدي الباطل والصبر والثبات خاصة في الجهاد، وهي في الصلاة وفي خارج الصلاة كلمة مرتبطة حينما يقولها المسلم لها ارتباط عميق جدا بهذه المشاعر هذا بيتعلق بالحاجة إلى المديح والثناء. الخطوات العملية التي تشبع هذه الحاجة وتحققها: 1 - ركز أكثر على الإنجاز لا على الشخص لذاته. 2 - امتدح المحاولات ولو لم تكن إنجازا. 3 - مدح ابنك يدل على رغبتك فيه. 4 - امدح وأنت مقتنع ولا تجامل. 5 - اتبع أسلوب التشجيع في مواقف التشجيع.

6 - كن جاهزا للمدح ولا تتأخر لأن ممكن لا يصير معاك حلويات في جيبك لكن معاك لسانك معاك كلمة طيبة فهذه طبعا أيضًا هذا تشجيع. بعد ذلك ينتقل إلى الكلام على الحاجة إلى القبول والحاجة إلى القبول يقول أن يستشعر الطفل أنه مقبول لدى والديه فتلك حالة نفسية توفر للطفل نموا متوازنا وتربية صالحة لبناء الثقة بالنفس والقبول، يصدر حقيقة في صورة طبيعية من الوالدين السويين الأب والأم السويين بيقبل ابنه لأنه جزء منه أو بنته حتى لو كان فيه من العيوب ما فيه، لو كان مثلاً معوقا لو كان دميما لو كان كذا أو كذا هو الأب السوي يبقى فيه قبول لأن هذا ابنه وامتداده. فمن ثم مهم جدا ان الطفل يحس ان من حوله يقبلونه ويحبونه ويفخرون به هذه حاجة نفسية توفر للطفل نموا متوازنا وتربية صالحة لبناء الثقة بالنفس وتمنحه طمأنينة وتدفعه إلى الأمام لبناء معالم شخصيته، وتشكل في الوقت نفسه حصانة ضد الاضطرابات النفسية، والسلوكيات لديه بنديله مناعة من الاضطرابات النفسية بعد ذلك لو حس انه مرفوض فا طبعا بيؤثر عليه تأثيرا سيئا قبول الابن ينبغي أن يكون مرتبطا بإنجازات معينة وفي الوقت نفسه نظهر للولد عدم قبوله لو أخطأ أو فشل فنحن نقبله لأنه ابننا ولأنه ولد صغير. ومن ثم ينبغي أن يحترم وتصان كرامته بعيد عن أي ظروف أخرى، سواءً أكانت إنجازات أم إخفاقات. لو علمنا الولد أننا نقبله إذا أحسن ونرفضه إذا أخطأ فإنا نشكل لديه حيرة وتذبذبا بين احترام واحتقار وقبول ورفض، ونتيجة هذا التذبذب ضعف في مكونات شخصياته وسرعة استجابته للمؤثرات الخارجية وانقياده للآخرين بلا حدود ولا مقاييس، وينتج عنه ذلك انهيار حاجات الطفل الأخرى لحاجته إلى المحبة فيرسخ في ذهنه أن رفضه يعني كراهيته وبغضه ولا يتعلم الفصل بين السلوك والذات، إن الإنسان الذي يحترم نفسه هو الذي يحسن السلوك والتصرف، والذي يفتقد احترام ذاته لا يمكن إلا أن يفسد مع نفسه ومع غيره، ولذلك كان من أهداف الإسلام في بداية انتشاله بدء معاني العزة

سلوكيات تربوية غير صحيحة

والعلو لدى المسلمين العزة الإيمانية يقول تعالى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] ويقول تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)} [آل عمران: 139]. إن قبول الولد يعني تهيئته للانخراط في حياة إنسانية واجتماعية يتعلم منذ نعومة أظافره، كيف يقبل هو نفسه التعامل مع غيره، والبيت مرآة حقيقية تنعكس على الطفل سلوكا وشعورا ومفاهيم يبنى عليها معالم شخصيته، حين يسود الاطمئنان والقبول ينتشر الاحترام والتقدير والسكن والمودة والحب والمحبة، وكل ما انعدم القبول بين أفراد الأسرة الواحدة كلما زاد التباعد والتوتر والشحناء فيما بينهم وانتشرت سلوكيات الأنانية وحب الذات مقابل سلوكيات التعاون والإخاء. ولذلك كان لزاما على الآباء والأمهات والمربين: 1 - الحرص على ما يلي الابتعاد عن السلوكيات الأبوية التي تشعر الولد بالافتقار إلى القبول. 2 - الحرص على ما يشجع إشباع حاجة القبول لديهم. 3 - سلوكيات الوالدين تعكس بشكل كبير تصور الطفل عن ذاته وموقعه لدى الآخرين، ليس المهم أن يكون ابني مقبولا لي ولكن الأهم أن يشعر ابني أنه مقبول غير مرفوض، ثم يذكر أربع سلوكيات تربوية غير صحيحة تحرم الطفل من القبول تحرمه الشعور بأنه مقبول: سلوكيات تربوية غير صحيحة: أولاً: النقد المستمر لذلك يذكر في أول هذه النصائح لا تنتقد الطفل باستمرار اتنقاد الطفل بصورة دائمة ومستمرة، والتربص له أثناء كل حركة تصدر منه أو كلمة يتفوه بها تولد لديه إحساسا بأنه مرفوض وتصيبه بالإحباط وخيبة الأمل وتنزع منه الثقة بقدراته وإمكاناته وقد ينتج عن هذا الوضع خوف دائم من القيام بأي عمل أمام الآخرين وقتل لروح المبادرة التلقائية ولذلك ليكن حوارنا إيجابيا مع الأبناء، وليتخذ الانتقاد طابع التوجيه الطيب بالتي هي أحسن، وليكن في حالة الضرورة، ومتى وما رأينا تكرارا وإصرارا من الطفل النقد المستمر والتربص يعني طبعا له تأثير سيء جدا على نفسية هذا الطفل

ويشعره في الآخر ان كل حاجة يعملها وحشة كل حاجة فيه سيئة هذا يتنافى مع حقه في إشباع حاجاته للقبول. إذًا هذه النصيحة نقول لا تنتقد الطفل باستمرار، يعني فيه آباء بقى قاعد بالواحدة لا يترك الطفل يتنفس بحجة انه يريد يربيه لدرجة مثلاً ان الطفل مثلاً معه جهاز تسجيل في غاية الدقة يسمع لفظة مثلاً من الشارع جهاز التسجيل بيسجلها في الذاكرة ويجي في البيت يروح يقول لها تصرخ الأم وهذا قلة أدب والولد جاب الكلام هذا من أين وتضربه طبعا الطفل هايعمل إيه لأن شيء عابر لو هي تجاهلت خلاص سينتظر الكلمة لكن هذه الوقفة الجامدة مع عبارة أو لفظة سيئة مثلاً سمعها من الشارع وهو ماشي أو حتى الصوت جاله وهو قاعد في البيت. فالانتباه الشديد لها هايخليه يسلط الضوء أكثر وبالتالي ممكن نفس الطفل يستخدمها كسلاح عرف أن هذه تغضب الأم وساعات يبقى يريد ينتقم منها فيقول الحاجة التي يعرف أنها بتضايقها فتتحفر في ذاكرته أكثر فينبغي الإنسان يفوت يعني ليس كل حاجة في الآباء عندهم وسوسة في التربية ويتصور أن هذه إتقان لعملية التربية إن هو واضع الطفل أمام على طول في موضع الاتهام النقد التوبيخ يحصي عليه أنفاسه وحركاته وسكناته وكلامه وتصرفاته الإنسان يفوت قدر المستطاع ليس كل حاجة إلا الشيء الذي يتكرر ويستحق انك تنتقده بطريقة إيجابية بناءة ليست طريقة تبعث على الإحباط. من ضمن هذه النصائح أيضًا يقول لا تلزم الطفل أكثر مما يستطيع فجميل أن يكون الآباء طموحين، ويعملوا على بث الطموح لدى أبنائهم ويشجعوا الخطوات المؤدية لتحقيق ما لم يحققه الآباء، ولكن لا ينبغي أن يمارس you must please others syndrome يعني متلازمة أو مجموعة أعراض أو مرض يعني يجب عليك أن تسر الآخرين فهو يعيش من أجل أن يكف شر من حوله ويسكتوا يسكتهم بيسموه الطفل المتكيف ووالدتي محتاجة أكون هكذا فهو جالس هادئ أحافظ على هدومي من القذارة خلاص احافظ على هدومي المدرس يريد اكون عامل له الواجب هاعمل الواجب يعني هدفه

إرضاء الآخرين التكيف بيمشي حاله بيسكت من حوله من أجل أن يسلم من النقد والتوبيخ لأنهم لا يقبلونه، إلا إذا كنت أنجز هذه الأشياء، فأنا سأسكتهم فيبقى كل همه انه يرضي هذا ويرضي هذا وينسى نفسه لا يستطيع أن يحيا حياته كطفل. وبالتالي المطلوب ليس الطفل المتكيف لأ الطفل حتى يكون مبدعا لا بد أن يكون طفلا حرا وحر معناه ان يكون له مساحة من الأخطاء، لا نمسك عليه كل حاجة وننتقده فيها ونوجهه ونكتم على نفسه بحجة أننا نربيه فمن احتياجاته أنه يعيش المرحلة السنية الخاصة به بنوع من الحرية يقرر ملابسه ويتشاكس أحيانا مع زملائه الأطفال. إذًا لا يوجد مشكلة؛ فلا تلزم بالطفل أكثر مما يستطيع لأنه بالتالي لن يقدر على أن ينجز فيحبط وتوبخه فيشعر بعدم القبول لأنه ليس هذا الشخص الذي يريداه، هذا غير بقى في الدراسة ساعات الطفل بيكلفوا الطفل فوق طاقاته كل إنسان له معدل ذكاء وله قدرات هناك واحد يحفظ حفظًا جيدًا وهناك واحد يعني المواهب تختلف. فدائمًا يكون تكلفة الطفل فوق طاقته في موضوع التعليم وهذا سنفصل الكلام فيه فيما بعد إن شاء الله تعالى أيضًا من ضمن هذه التوجيهات لا تقارن الطفل بغيره؛ فالمقارنة بين شخصين علميا ومنطقيا سلوك غير صحيح وغير صحيح وغير مقبول لأنهما عالمان مختلفان ولذلك المقارنة تتم عادة بين سلوكين وليس بين شخصين في المجال التربوي المقارنة بين طفلين لها من السلبيات أكثر من الإيجابيات حيث تصيب المقارن الضعيف بالإحباط وتولد لديه شعورا بالمرفوضية أنه إنسان مرفوض وهذا يتنافى مع إشباع حاجته إلى القبول بالعكس بدل ما تقابل الطفل بغيره ممكن تقارن السلوك أو ممكن تمتدحه بما اختصه الله به دون أخيه لأن كل طفل يبقى له شيء يتميز به فتمتدحه بالمجال الذي انجز فيه لا تمتدحه يعني لم انت لست مثل أخوك؟ ليه أخوك ما عملش هكذا أو زميلك؟ لماذا هو حصل على هذه الدرجات في الامتحان ونحو هذا؟.

رابعا لا تفرط في الحماية والدلال

رابعا: لا تفرط في الحماية والدلال: الحماية الزائدة فإحاطة الطفل بحماية الزائدة تشل قدرته ولا تسمح له بتنميتها ولا باكتساب مهارات جديدة في الحياة؛ ولذلك لا نبالغ في موافقتنا على أن الإقلال من حماية الولد أقل خطرا من الإفراط فيها؛ يعني الحماية الزائدة أخطر من الحماية الناقصة فالإقلال من الحماية أقل خطرا من الإفراط فيها هايطلعه اعتمادي على الآخرين؛ يعني فالإفراط في الحماية بتقضي على روح المبادرة، وعلى حب المغامرة لدى الطفل، وقد تصيبه بالاتكالية القصوى والاعتماد الدائم على الغير. والطفل يفهم الحماية الزائدة بأنها انعدام ثقة الوالدين في إمكاناته وقدراته. وبالمقابل يرى أنه مرفوض من والدين يمنعانه من تحقيق استقلاليته وذاته والتعبير عن نجاحه في مراحل نموه المتعددة. اختصار التربية الناجحة: قبل أن نختصر التربية الناجحة نختصرها في كلمتين بدون إفراط ولا تفريط الحب مع الحزم كالطائر يطير بجناحية حب من جهة وحزم من جهة أخرى يقول كيف تنمي حاجة القبول لدى ابنك، يقول القبول حاجة نفسية لدى الطفل وإشباعها ينمي الصفات الإيجابية لديه، ويبعده عن الكثير من السلوكيات السلبية التي يمكن أن تتولد من افتقار الطفل من الشعور بالقبول، وإذا كانت الوقاية من هذه السلوكيات السلبية تقتضي ابتعاد الآباء والأمهات عن مجموعة من التصرفات سبق بيانها، فإن بناء القبول لدى الطفل وإشباع هذه الحاجة بنفسه تتطلب من الوالدين مواقف تربوية معينة، يبقى الأشياء التي فاتت هي حاجات مطلوب عدم وجودها التي هي: 1 - النقض المستمر إلزامه بأكثر ما يستطيع مقارنة بغيره. 2 - الإفراط في الحماية. 3 - التدليل.

كيف نحقق الإيجابيات؟

طيب هذه السواكب يعني لا تفعل الأمور الإيجابية يعني ماذا يفعل كي ينمي عنده الشعور بالقبول: كيف نحقق الإيجابيات؟ بالنسبة لقبول الطفل: أولاً: امنح الطفل استقلاليته فبعد تجاوز سنتين يبدأ الطفل بالنمو نحو الاستقلالية والاعتماد على الذات ويسلك في سبيل ذلك طرقا متعددة بيثبت ذاته. ومنها مثلاً أشهر شيء: 1 - العناد: انه يبقى عنيد فالعناد بكل أشكاله هو أيضًا نمو يحاول انه يثبت ان له رأي واستقلالية أيضًا. 2 - الإيجابية والسلبية: طبعا أشكال العناد الإيجابية والسلبية وكلما شعر الطفل باستقلاليته ورأى تشجيع محيطه كلما شعر بالقبول. ثانيًا: اعترف بالطفل بوصفه فردا مستقلاً وهذه ناقشتها في أول محاضرة حينما نختار للطفل اسما فإننا نقوم بعملية التمييز لأن اختيار اسم يتضمن اعتراف بأنه كيان مستقل واعطيناه الاسم من أجل أن يتميز عن غيره فالاسم يدل على التمييز والاعتراف به كيانا مستقلا وليس رقما داخل الأسرة بإعطاءه رقم لكن بإعطاءه اسم، اسم معناه من أجل أن يبقى كيان مستقل ومتميز عن غيره ولذلك ينبغي تحديد المخاطب دائما بين الأطفال والتمييز بينهم اعترافا باستقلاليهم؛ فليس هنالك طفلان متطابقان أو متماثلان شخصية وكيانا. ومن الخطأ معاملة الأطفال جميعا بالأسلوب نفسه ومخاطبتهم بالكلام نفسه وإخضاعهم للتربية نفسها فلكل كيانه الخاص طبعا من عنده أطفال بيشعر بالتميز كل واحد عنده الكود به له شفرة هكذا أو له تكوين فلكل كيانه الخاص ولكل شعوره وموقعه الذي يختلف عن غيره ولذلك ينبغي أن ينشأ

الأطفال على هذا الشعور وهذا النمط التربوي لكل كيانه المستقل ولكل ظروفه وخصائصه المختلفة فلو أنجز أحد الأبناء إنجازا هائلا احتاج منا إلى تقدير واحتفال وتخصيص هدية له على ذلك؛ فهل ينبغي أن نهدي الجميع ونقدر الجميع وكأنهم كيان واحد، لا .. طبعًا تخص الذي أنجز إنجازا كبيرا. ثالثا: امدح إنجازاته قدرات الطفل مهما صغرت تجعله يحقق إنجازات تتناسب وإمكاناته الذاتية، ومراحل نموه فما نراه نحن الكبار صغيرًا هو في عرف الطفل إنجاز. وكلما اعترفنا للطفل بإنجازاته كلما شعر بالرضا عن نفسه، واكتسب ثقة في قدراته، واستشعر فعلاً أنه مقبول، فامنح ابنك فرصا لينجز، ولا تحطه بسياج من الحماية الزائدة، والتدليل الإنجازات تقوي الطفل، وتهئيه لمواجهة صعاب الحياة وتحديات المستقبل. رابعًا: عبر له عن المحبة ليس المهم أن نحب أبنائنا ولكن المهم أن نعبر لهم عن هذه المحبة بالكلمة والسلوك وشعور الطفل بأنه محبوب يشبع لديه الحاجة إلى القبول. خامسًا: استمتع بتربية ابنك التربية متعة، وتعامل مع زينة الحياة الدنيا فاجعلها متعة، وبرمج نفسك على الاستمتاع للتعامل مع أبنائك. وكلما استشعرت هذا الشعور كلما أبديت امتعاضا منه، وكلما عبرت عن عبء التربية كلما شعر الطفل بعدم قبوله. سادسًا: تقبل اقتراحات الولد فالابن يحاول الإدلاء برأيه اختبارا لقدرته ودفاعا عن استقلاليته فاسمع رأيه واهتم باقتراحاته مهما كانت في نظرك تافهة؛ فإن الإنصاف والاهتمام بما يقوله يشعره بقبولك له، وينمي لديه مهارات كثيرة، ويقوي اعتزازه بنفسه. سابعًا: تقبل صداقات الولد بناء علاقات مع أقرانه حاجة اجتماعية، وهي الحاجة إلى الانتماء لا يمكن الاستغناء عنه؛ فابحث له عن الصحبة الصالحة، وأبدي ارتياحك وقبولك بأصدقائه، وافتح بيتك لزيارتهم.

إن في هذا السلوك الأبوي تشجيعا للطفل على بناء علاقات سليمة تحت متابعة الأسرة، وفي الوقت نفسه تقوية لقدرته على توطيد العلاقات واكتساب مهارات التعامل مع الآخرين. إن انتقاد الوالد أو الوالدة لأصدقاء الطفل باستمرار دون مبررات مقنعة لديه تسبب للطفل أذى نفسيا وإحباطا، والتعبير عن تقدير أصدقائه يعزز لديه شعورا ذاتيا بالقبول. ثامنًا: شجعه ولا تحبطه، الطفل يتعثر أحيانا وهذه سنة الله في خلقه، حين يسقط الطفل يحتاج لمن يساعده على النهوض، لا لمن يعنفه ويحبطه بالتعليق السلبي والتعنيف والتنقيص، لا تظهر نفسك وكأنك كامل؛ فإن كان الطفل يجد صعوبة في مادة ما، فلا تحبطه بأنك لما كنت في سني كنت متفوقا، بل قل له أنا أيضًا أجد صعوبة، لكنني تقاويت وتجاوزتها بالمثابرة والجد، أو كان ولدك يخاف من حيوان أو من الظلام فهدئ من روعه وأخبره أنك أنت أيضًا كنت كذلك، وقد بددت الخوف وتغلبت على المخاوف بدلاً من أن تنعته بصفات سلبية تحبطه، ولا تقدمه خطوة واحدة إلى الأمام. تاسعًا: تعلم فن الإصغاء للولد يقول الإصغاء والإنصات للولد تعبير منك على قبولك له واهتمامك به والتواصل الذي يتم عبر الحوار والإنصات يحقق شعورا لدى الطفل بقدرته على إثارة انتباهك وشعوره بأنه مقبول لديك؛ ولذلك خصص وقتا يوميا للإنصات للطفل ولو لبعض دقائق، وسوف يتعلم الابن الكثير ويبني الكثير من المهارات لديه وسوف يتعلم الآباء الكثير كذلك من الطفل، ويفهمانه أكثر ويكونان أقدر الناس على توجيهه وتعميم سلوكه. عاشرًا: عامل ولدك كما تحب أن تعامل، كم يرتاح الكبار لو سمعوا كلمات الشكر والاعتذار ومجاملات الحديث من مثل عفوا لو سمحت شكرا لو تكرمت وما أجمل أن يتعلم الآباء أن يحاوروا أبنائهم بمثل هذه العبارات الودية الجميلة سوف تجعل منهم بحق آباء إيجابيين، وسوف ينشئون بإذن الله أبناء أكثر إيجابية.

إن الأطفال أكثر حاجة من الكبار إلى معاملة الود ولطف الخطاب، وهي من أفضل الطرق للتعبير لهم عن القبول، وتعني كذلك كيف يحترمون غيرهم. يختم الحقيقة هذا الفصل بوقفة عبارة عن رسالة من طفل إلى أبيه الحاضر الغائب الذي هو خارج نطاق الخدمة أو غير متاح طبعًا هي رسالة تربوية بتتضمن توبيخ لنا نحن الكبار يقول فيها «إن الذي يعاتبك عليه يا أبي هو بعض نسيانك لي في زحمة أشغالك واهتماماتك، وإغفالك لإدراج اسمي في مواعيد مذكراتك، لست أذكر كم من مرة رأيت أمي وقد أرخى الليل سدوله وغارت نزوله وهدئت حركة الناس فيه رأيتها بعد أن رميتها يا أبي بسهم غيابك، وحرمتها أنثى مواصلتك، حاولت أن تروم الصبر فلم تدركه، وبحثت عن السلو؛ فلم تملكه طاردت الزفرات فلم تقلع، وكفكفت دمعا حارا فلم يرجع أبي العزيز الغائب. إني اشتقت إليك، قد تتعجب من مراسلتي إياك وأنت أبي، ومكاتبتك وأنت معي، فلا أنت بالأب الغائب المهاجر إلى ديار الغربة بعيدا عن العين والأهل والأقارب والأحبة، ولا أنت بالأب المقيم في أسرته وبين أبناءه، يهنئون بصحبته ويسعدون بوجوده، فحسُّك بيننا صباح مساء، وطيف حاضر المعنى متى نشاء. لكن يا أبي كثرت أشغالك، وطال غيابك، وكدنا نفتقد أثرك، انتظرت طويلا رجوعك إلى ما عهدت فيه، وطال انتظاري حتى فقدت الأمل في عودتك. شملتني بعطفك ورعايتك وأنا صغير، وكلما كبر السن إلا وكبرت معها رقعة بعدك وغيابك عني، وكل ما اشتد عودي وأحسست بالحاجة إليك، إلا واشتدت مشاغلك وتخطفتك برامج أنشطتك. فلما عرفت السبب غيبتك، تأسفت على ما عدمته من مرافقتك ومصاحبتك، وما أبديت شوقا إلا بعد ما أبديت بعدا وهجرا؛ فأنا يا أبي لم أحظى بالكثير منك فيمتعني، ولا أرضى بالقليل منك

فيقنعني، فشوقي إليك غالب لصبري، وشغفي بك غامر لصدري، وودي إليك مشتمل على قلبي، وإحساسي بك نابع من طفولتي. وكيف لا أكون كذلك وقد أريتني منك ما أقر عيني وطيب خاطري فأنت مثلي، وقدوتي وأنت نفسي التي يحويها جانبي، ويدي المحامية عني وقوتي التي تنهض بها همتي؛ فلا تعجب يا أبي إن كان شوقي إليك زائدا على قدرتي؛ فصبري عن غيابك قاعد عن نصرتي، وصبابتي نحوك غالبة على نفسي. ألست أنت يا أبي من علمني كيف ارتبط نبي الله نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بابنه الذي امتنع عن الاستجابة بدعوته، فلما أنزل الله غضبه نادى نوح ربه فقال لله تعالى {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} (¬1)؛ فتحركت عاطفته الأبوية علها تكون شافعة لابنه من العقاب ومنجية فلم ينسى الأب ابنه في أحلك الأوقات رغم اختلاف المعتقدات، ولم يغفل عنه رغم تمسكه بالمعصية وتعرضه للبوار والآثام. ألست أنت يا أبي من علمني كيف تأثر نبي الله يعقوب لغياب ابنه نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وتأسف على ذلك كثيرا حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم؛ فلم تغن عنه كثرة أبنائه على أن يتولى عنهم جميعا، ويبث حزنه وشكواه لخالقه ومولاه، فهو الوحيد جلت قدرته العالم بالفاجعة التي ألمت به في فقدانه قرة عينه ونور بصره، وإذا كان هذا حال الآباء مع أبنائهم في العصور الخوالي؛ فإن عصرنا هذا شاهد على حال الأبناء مع آبائهم في الشهور والأيام والليالي ولقد اعتصمت يا أبي بالصبر فلم يمنع، ولجأت إليه فلم ينفع. غير أننا نحفظ لكم أيها الآباء في صدورنا وهذا حفيا، وعهدا وفيا، وحبا خفيا، فهل أنتم لما نحس به مدركون؟ وهل أنتم لما نشعر به تجاهكم عارفون؟ أبي العزيز الغائب! إني أعاتبك. ¬

_ (¬1) هود: 45.

قد تتعجب مرة أخرى وتتسائل هل الابن يعاتب أباه؟ أقول لك نعم إذا كان الأب غير الأب والابن غير الإبن، وكيف لا يعاتب الابن أباه وهو لا ينظر إلى العلاقة التي بينهما على أنها علاقة دم وقرابة ونفقة وحالة مدنية فقط. بل ينظر إلى هذه العلاقة نظرة أبعد من هذا بكثير؛ فهما صديقان وحبيبان وأخوان ورفيقان، وهما أب وابن حاصل الجمع بينهما اثنان لا يعرف نوعية العلاقة بينهما إلا الله، والراسخون في معرفتهما إني أعاتبك يا أبي لأنك في نظري أب متميز فأنا أعلم أن غيابك عني في كثير من الأحيان أمرا فوق إرادتك، وأعلم أن خروجك من بيتك لا يكون إلا في معروف أمرك به دينك، وهذا لن يقلل أبدا من شأنك في نظري، بل زانك رفعة وسموا وقدرا وعلوا، وضربت بذلك أروع الأمثلة لبعض الآباء الحيارى التائهين العاجزين الذين أخلدوا إلى الأرض كسالى نائمين، وفرطوا فيما أمر به رب العالمين. بيد أن الذي يعاتبك عليه يا أبي هو بعض نسيانك لي في زحمة أشغالك واهتماماتك، وإغفالك لإدراك اسمي بإدراج اسمي في مواعيد مذكرتك، ولولا حسن ظني بك وما لك في نفسي من أثر حسن خفي وجلي ولي فيك من أمل وفي، لما عانيت فيك ما أعاني ولما قاسيت فيك ما أقاسي ولاقيت في الصبر عليك ما ألاقي؛ فإنك حرمتني عطفك وحنانك، ومنعتني أبوتك وصداقتك، وبخلت عليا بِبِرِّكَ ووقتك، كم من ليلة انتظرتك فيها يا أبي على فراش نومك حتى تقرُّ عينيّ بك، وأظفر بصحبتك، لكن تأخرك في الحضور حرمني من معانقتك والسلام عليك؛ حتى إذا صحوت من كابوس مزعج رأيت بصيصا من النور في غرفة نومك؛ فطرت فرحًا للقياك وشوقا لتقبيلك فارتد إلي بصري خائبا ولم يكن إحساسي صائبا إذ لم أجد سوى أمي الحبيبة التي تهدهد أخي الصغير فلما أحست بمقدمي رفعت رأسها ونظرت إلي مرة عرفت من خلالها أنها تعاني ما أعانيه، وتكابد ما أكابده، وتغالب ما أغالبه. فالمسكينة وإن كانت تلجم لسانها عن الشكوى، فإني قرأت في عينيها وتقاسيم وجهها حزنا دفينا وألمًا كبيرًا، كأن أمر غيابك عنها يا أبي ليس لها فيه حيلة نافذة ولا غلبة يد ناصرة ولا لها منه منعة

عاصمة، ولست أذكر كم من مرة رأيتها وقد أرخى الليل سدوله، وغابت نجومه وهدئت حركة الناس فيه. أبي العزيز! إننا في انتظارك إذا كنت قد عجبت مني في المرتين السابقتين فقد جاء دوري لأعجب منك ومن تصرفات كثير من الآباء أمثالك أعجب العجب انتباهكم إلى أن الأمر الذي كنتم إليه وأبعدكم عن أسركم وأبنائكم، ليس أفضل مما قمتم عنه في بيوتكم ومنازلكم، أتعجب من أمركم أيها الآباء؛ فطالما دعوتم الله سبحانه أن يهب لكم من أزواجكم وذرياتكم ما تقر به أعينكم، ويبهج نفوسكم، ويروي بالفرحة صدوركم، فلما استجيبت دعوتكم حبستموها بعد حين من الدهر في بيوتاتكم، وتركتم مهجة أفئدتكم لعواج الزمن تنخرها نخرا، ولوسائل الإعلام تهدمها هدما، ولآداب رخيصة في شوارعنا وحاراتنا تعصف بها، عصفا ولوسواس الجنة والناس والأنفس تكيد لها كيدا. حتى إذا انقضت السنون والأعوام وألقت بكم الأيام للأيام، جنيتم ثمار غفلتكم وغيابكم مرة كالعلقم، وعضتم أناملكم من الأسف والندم، وتمنيتم لو أنكم استقبلتم من أيامكم ولياليكم ما استدبرتم، ولشكرتم ربكم على ما أنعم به عليكم، ولرعيتم حق الرعاية نعمته التي أسبغها عليكم. لكن هيهات هيهات هل يعيد الندم والأسف ما عفى عنه الدهر والزمن، ومرت عليه الآفات والمحن، لقد آن الأوان يا أبي كي أعلن الحقيقة أمامك وأصارحك بها، إنني أحتاجك اليوم قبل الغد، إنني أحتاجك قبل فوات الأوان، أحتاج عطفك وبرك، أحتاج حنانتك وأبوتك، أحتاج مساعدتك ومشورتك، أحتاج آرائك ونصائحك، أحتاج ضحكتك وابتسامتك، أحتاج جدك ولعبك، أحتاج أكلة خاصة من صنع يديك، أحتاج أن أتقاسم معك فراشك ومكان نومك، أحتاج أن أسابقك وألاعبك، أحتاج قصصك وحكايتك، أحتاج أمنك وحمايتك، أحتاج مثلك وسيرتك وقدوتك، أحتاج أن أتقاسم معك أفراحك وأحزانك، أحتاج طيفك وخيالك.

أحتاج وأحتاج وسأظل أحتاج ما دمت أنت أبي وأنا ابنك وهذا قدري وقدرك فهلا منحتني بعضا من وقتك يا أبي، وهلا وهبتني جزءا من اهتمامك يا أبي، وهلا أولتني بعض عطفك يا أبي، وهلا جعلتني من أولوياتك يا أبي، وهلا أحسستني بك يا أبي، وهلا شعرت بأحاسيسي الطفولية تجاهك يا أبي، وهلا تذكرت أن لك أسرة تحبك يا أبي، وهلا خففت من خروجك وغيابك يا أبي، وهلا عدت باكرا حتى تقر عيني بك يا أبي، يا أبي العزيز إنا اشتقنا إليك فعدنا إلينا كما كنت قبل أن تغيب عنا، عد إلينا قبل أن تفتقدنا فلا تجدنا؛ إننا جميعا في انتظارك فعد يا أبي وصدق الشاعر: ليس اليتيم من انتهى أبواه من ... هم الحياة وخلفاه دليلا إن اليتيم لمن تلقى له أمًا ... تخلت أو أبًا مشغولا أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وسبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت

الدرس الرابع: حاجة الطفل إلى التأديب

الدرس الرابع «حاجة الطفل إلى التأديب»

الحب وحده لا يكفي

الحمد الله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما عبده المصطفى وآله المستكملين الشرف أما بعد،،، الحب وحده لا يكفي: فقد انتهينا في الكلام حول الحاجات النفسية للأطفال إلى الكلام على الحاجة إلى التأديب تناولنا فيما سبق الحاجات النفسية التي يحتاجها الطفل، والتي ينبغي أن ندركها ونتفهمها، كي نشبع هذه الاحتياجات عند الطفل بالشكل السليم يضمن له تنشئة سوية متكاملة، وحينما تكلمنا من قبل حول الحاجة إلى المحبة، فالحاجة إلى المحبة أيضا من الاحتياجات الأساسية لدى الطفل، لكن من الخطأ أن نفهم أن كلامنا عن المحبة أو تربية الطفل عن طريق الحب هو الطريق الأوحد لتنشئة هؤلاء الأبناء، إذا ما أضيفت له باقي الحاجات، لأن المحبة تدور في فلك التعامل الهادئ اللين مع الطفل، وكل التوجيهات التربوية يمكن إجمالها في كلمتين فقط كالطائر الذي يطير بجناحيه. الحب والحزم ضرورة قصوى: الحب والحزم الحب من جهة والحزم من جهة أخرى، لا يصلح واحد منهما لا يصلح الحب وحده والعاطفة وحدها والتبديل ولا يصلح أيضا الحزم وحده بل لا بد من التوازن بين الأمرين، ووضع كل منهما في موضع بصورة معتدلة بلا إفراط ولا تفريط، فكما تكلمنا على أنه محتاج إلى المحبة هو محتاج أيضا إلى الحزم أو بصورة أخرى محتاج إلى التأديب، والتأديب حينما يذكر لا ينبغي أيضا أن يقفز إلى أذهاننا أن التأديب هو بالضرب من أكثر الانحرافات الفكرية في مفاهيم بعض الناس شيوعا انه إذا سمع التأديب فليس للتأديب عنده صورة سوى الضرب، بل هناك حقيقة مبدأ أوسع من الضرب، هو مبدأ الثواب والعقاب التربية بالثواب والتربية أيضا بالعقاب، ولكل منهما ضوابط في غاية الدقة سوف إن شاء الله نتناولها فيما بعد بالتفصيل.

احتياج الطفل إلى العوامل النفسية والتربوية

احتياج الطفل إلى العوامل النفسية والتربوية: الطفل بقدر ما هو محتاج إلى المحبة وإلى الاعتبار والتقدير وإلى المدح والقبول والطمأنينة وهذا كله ناقشناه فيما مضى، فهو أيضا بحاجة إلى من يؤدبه هذا احتياج ايضا لأنه لا يستطيع أن يستقل بنفسه في تقويم سلوكه، فلا بد من التأديب لأن التأديب احتياج، ولابد من وضع الضوابط والقواعد عبر مراحل نموه العمرية، يخطأ من يظن وهو يمارس أبوته أن الحب وحده قادر على تنشئة الأطفال خير تنشئة، كما أن سياسة دع ابنك يفعل ما يشاء أو لا تقل أبدًا كلمة لا لابنك تنشأ غالبًا أبناء لا ينضبطون بضابط ولا يحترمون أحدًا، ولا يلتزمون بدين، ولا خلق ولا عرف ولا أي شيء، لا يضبطهم ضابط لماذا لأنه يترك له الحبل على الغارب، ويتجنبون أن يقولوا له لا، فيصبح الطفل سلطانا متوجًا، ويصبح الأب أو المربي عبارة عن منفذ لرغبات الأطفال، هذا كل دوره في هذا النمط الناقص من التربية. نتائج سوء تربية الطفل لدي أسرته: الطفل الذي لا يؤدب بالضوابط والقوانين والقواعد وحضور توجيهات الوالد قد ينشأ معتقدا أنه غير محبوب، وغير مقبول لدى أسرته، لأن الإنسان لا يمكن أن ينعم بالحرية إلا إذا عرف حدود حريته، يعني الناس في تعاملهم دائما هناك خطوط حمر، خط أحمر ينبغي لكل إنسان يعرف حدوده تجاوز هذا الخط، هو الذي يأتي بالمشاكل في كل العلاقات تقريبًا، فالحاجة إلى الحرية أو التمتع بالحرية لا يمكن أن يتم إلا إذا عرف الإنسان أين تنتهي حدود حريته، وقد قال أحد المختصين التربويين إن المشكلات النفسية بين الناشئ لا يسببها التشدد في التأديب، بل انعدامه صحيح أن التشدد له سلبيات ويسوء أحيانا نفسية الطفل، لكن أعظم منه خطرًا انعدام التأديب، يبقى التشدد في التأديب قد يأتي بسلبيات لكن انعدام التأديب يأتي بسلبيات أكثر وأشد، ولذلك قال هارون الرشيد لمؤدب ولده الأمين ولا تمعن في مسامحته لا تتمادى في التسيب معه والتسامح وترك الحبل على الغارب، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ، ويألف وقومَه ما استطعت في القرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة، يقول أيضًا

مؤلف كتاب التربية الإيجابية من خلال الحاجات النفسية للطفل، إن ابنك إنسان وأنت تبتغي سعادته، وسعادته لن تأتي بحصاره في نمط معين من الحياة تفرضه، وإلى هذا فإن سعادة الابن لن تأتي بإطلاق العنان ليفعل كل ما يريد فالسعادة لن تأتيه لا بالحصار ولا بالتسيب المطلق بحيث يفعل ما يريده كله، إن إحساسك الداخلي يقول لك إنك أيضا تحتاج إلى رعاية ابنك، كما يحتاج ابنك لرعايتك، وإنك ستؤدب ابنك التأديب اللازم عندما تراه خرج عن الحدود، وإنك لن تعاقب نفسك بالإحساس بالذنب، لأنك فعلت ذلك لا بد من التوازن والحزم، بجانب الحب بعض الآباء ينهزم أمام الدموع إذا عاقب ابنه وبدأ الابن يبكي فينهار ويعود لنفس الموقف، يحتضنه ويربط عليه لأنه انهار أمام دموعا طبعًا هذا الأب هو من محتاج إلى لا أقول تربية، لأن التربية هذه للصغار لكن محتاج تقويم لأنه بيهدم ما بناه وهكذا بنخلط الطفل الصح فين والغلط فين، إذا كان أنا بأثيب وأعاقب في نفس الوقت على نفس الفعل لما لأن هو لما رأى بكائه أيقظ فيه الإحساس بالذنب إنه أساء إلى هذا الطفل الذي ينبغي أنه يعني أن يرحمه وبعض الأحيان الأطفال يحصل نوع من الابتذاذ بطريقة فنية ويكون عنده خبرة يتلاعب بالكبار بهذه الطريقة، وبعض الأحيان بيكون الأب حازم وبيأخذ موقف الشدة وتأتى الأم محتاجة تتقرب إلى الطفل فتذهب إليه إيه تعالى يا حبيبي وتحضنه وتربط عليه فهكذا التعارض هذا أيضا هيلخبط الأمر عند الطفل ولا يفيد إطلاقا هيضره من الناحية التربوية لأنه هكذا ها يتلخبط إيه في التصرفين الصح واحد بيعاقبني والتاني يثيبني فإذا الإنسان يؤدب ابنه التأديب اللازم هنا نراه خرج عن الحدود تجاوز الحدود والضوابط والقواعد في نفس الوقت إذا أدبه أو عاقبه بصورة من صور العقاب التي سنناقشها في التفصيل فيما بعد ينبغي أن يكون حذرًا من ضعفه وعليه أن يتجنب الإحساس بالذنب لأنه فعل ذلك إذا أدبت فأدب وأنت مقتنع أن هذا لمصلحة الطفل والعقاب هنا هو الذي يصلحه ويربيه وبالتالي إذا ألغيت العقاب انهزامًا أمام دموع الطفل وبكائه وندمت على ذلك وشعرت بالذنب معناه ان أنت نفسك متناقض أنت لا تعرف ما تعمل، وعندما تنظر إلى غيرك من الآباء عليك أن تتعلم من تجاربهم إذا نظرت إلى أب يكثر من

أهمية رعاية أسئلة الأطفال لخطورة الأمر

الصراخ في وجه ابنه عند أدنى بادرة للخروج عن السلوك المفروض يعني أول تجاوز للحدود أو الأشياء المطلوبة فالأب يصرخ ويصيح ويثور ويفعل هذا فماذا سيكون موقف الابن ستجد أن هذا الابن يكرر للمرة المئة الخروج عن ذاك السلوك المطلوب لماذا؟ هنا يمكنك أن تسأل نفسك لماذا لم يتمثل الابن لطاعة أبيه الجواب: هو أن كثرة التوبيخ وكثرة الإهانة للطفل وكثرة الصراخ في وجهه تجعله يسيء الظن بنفسه وبقدراته ولذلك فإن الطفل يكرر الخطأ قد تنتقل أهمية رعاية أسئلة الأطفال لخطورة الأمر: رؤية آخر تزوره في منزله وهو يرى ابنه الصغير يحاول أن يضع الشريط في الجهاز مثلاً، شريط كاسيت بطريقة غير صحيحة فيقوم الأب بهدوء لابنه ويقول أنت تريد أن تشاهد هذا الشريط وأنت تتعجل في وضع الشريط، لذلك فإنك تضعه بطريقة غير صحيحة، دعني أضع لك الشريط في الجهاز وراقبني، يعمل له نمذجة أو نموذج يحتذيه وبعد ذلك أخرج أنا هذا الشريط من مكانه لتضعه أنت. هو ارتكب خطأ سواء بيدخل السي دي هذه في الكمبيوتر أو جهاز تسجيل أو نحو ذلك، فممكن الأب يصيح أو يعاقبه وممكن بمنتهى الهدوء أن يعرض له الأمر بهذه الطريقة، أنت تريد أن تشاهد هذا الشريط وأنت متعجل في وضع هذا الشريط، وذلك بسبب التعجل تضعه بطريقة غير صحيحة، دعني أضع لك الشريط في الجهاز وراقبني وبعد ذلك، وأخرج أنا هذا الشريط من مكانه لتضعه أنت، إن الابن في هذه الحالة يراقب ما يحدث وهو يؤدي عملية إدخال الشريط بشكل صحيح في الجهاز وبعد ذلك يقلد الابن أباه في كل حركة من الحركات الصحيحة، وهنا يثني الأب على ابنه، إذًا هنا حصل عملية نقل للخبرة عن طريق التفاهم والنمذجة حصل إن الأب عنده خبرة في هذا الموضوع فهو نقل الخبرة إلى الابن بمنتهى الهدوء وراقب ابنه أيضًا، وهو يكرر هذه الخبرة أيضا بمنتهى التشجيع، وقد تنتقل إلى رؤية أب ثالث يأتي ابنه ليسأله عن كيفية خلق الله لهذا العالم في الحقيقة إن موضوع أسئلة الأطفال فكيف ينبغي الإجابة عليها هذا موضوع دسم، لأن هذا علم أصبح علم الإجابة على أسئلة

نعم للتأديب لا للقسوة

الأطفال، علم مستقل فرع مستقل في التربية إليك عندي في حوالي ما يقارب عشر كتب فقط في أسئلة الأطفال، وكيف تجيب عليها ولو فتشنا أكثر أكيد سنجد أكثر لماذا؟، لأن هذا أصبح علما فالموضوع بلا بد إن الإنسان يفهمه، ويعيه لذلك إن شاء الله سناقشه بالتفصيل فيما بعد، يقول هنا وهو يعرض صورة أب ثالث، يأتي ابنه ليسأله عن كيفية خلق الله لهذا العالم والأب مشغول بمشاهدة مثلاً برنامج في الكمبيوتر، إن هذا الأب قد يقول لابنه بعصبية ليس هذا هو الوقت المناسب للرد على هذا السؤال، وقد يتصرف الأب بلون آخر من السلوك يعني فيه واحد لا يبالي بسؤال الطفل مع إن أسئلة الطفل هذه علامة على حدوث نمو في عقليته وإدراكه لأنه بيبدأ يتفتح على العالم، ويتفاعل معه، ويفكر من أين جاء كذا ومن أين ولد هو ومن أين جاءت السموات والأرض إلى آخره، فهذه مرحلة جديدة من النمو فالمفروض ان يحصل ترحاب بأسئلة الطفل، لأن عنده قدرة مدهشة على الاستيعاب، وسنناقش ذلك فيما بعد حينما يأتي الوقت إن شاء الله تعالى بالتفصيل، فواحد يقول له هذا وقت غير مناسب لأنه منشغل بشيء آخر هناك أب يتصرف أمام نفس الموقف بصورة أخرى حينما يقوم من أمام الجهاز ويفتح دائرة معارف مبسطة ويبدأ في الإجابة رابطًا بذكاء بين تفاصيل العلم المبسطة وبين آيات القرآن الكريم حول خلق هذا العالم. ننتقل بعد ذلك إلى نقطة مهمة جدًا وهي أن مفهوم التأديب لا يناقض الاحترام بعض الناس قد تستغرب أن المفروض إن الأب يحترم ابنه نعم احنا خدنا فيها كلام كثير لأن الاحترام هنا مقصود بيه الاعتبار الاعتبار تقرير والاهتمام به فاحترام الآباء للأبناء أمر أساس ومهم هذه هي الحقيقة النهائية التي يمكن أن نستخرجها من كل القواعد والنظريات الحديثة في التربية. نعم للتأديب لا للقسوة: أنه لابد أن نتعامل معه باحترام ولكن الاحترام لا يجوز له أن يتحول إلى ستار نخفي ورائه ضعفنا، أو نهرب خلفه من ممارسة مسئوليتنا نحو الأبناء، وليس جائزًا لنا أن نكبت رهبنا بدعوى أننا نخشى على الأبناء من الكد فنعيش في حالة غيظ، ويعيش الأبناء في حالة الاستهتار.

من سلبيات التأديب تحطيم نفسية الأطفال

من سلبيات التأديب تحطيم نفسية الأطفال: كما أنه ليس جائزًا لنا أن نحول غضبنا إلى قسوة مبالغ فيها لإهدار إنسانية الأبناء، إن هذا الإهدار يجعل الأبناء في حالة من الرعب المستمر من الحياة، ويزرع في نفوسهم التشاؤم، ويلقيهم في أحضان الإحساس بفقدان القيمة والاعتبار، يبقى مثل ما قلنا إن التأديب لا يناقض الاحترام، فيمكن أن تحترم وتقدره وفي نفس الوقت تأدبه لا يوجد تعارض كما سيأتي في التفاصيل إن شاء الله أيضًا، نفس المبدأ ما دمنا نقول نعم للتأديب لكن أيضا لا للقسوة، القسوة التي تهدر كرامته وتهدر إنسانيته وهذا شيء مهم جدًا، مثال يقفز إلى ذهننا وهو موجود في المجتمع ليس نادر الأب أو الأم الذي يضرب ابنه ضرب غرائب الإبل وبهذا بالحذاء يعني إهانة تحطم إحساسه بالكرامة الآدمية، إن كمان يضرب بما فيه أشد الإهانة لهذا الإنسان فهذا يؤثر تأثيرًا سيئًا، لأن القواعد العقاب والتأديب ألا ترتبط بتحقير الذات، فيجب أن نتجنب أي تعامل فيه احتقار للذات، لكن ممكن ندين التصرف لكن ما لا تعطية. أخطاء الآباء في التربية: أنت فاشل أنت لص أنت حرامي أنت كذاب، فمن القواعد إن لا يصبح إطلاقا أن احنا نعلق لافته على الطفل لأن هذا ظلم له، لأنه ينمو ما زال بيتكون فبالتالي لا يصلح تصدر عليه حكم نهائي، هيفضل ينمو لغاية 18 سنة تقريبًا واضح مينفعش أن تقول عليه كذاب، لأنه ممكن يكون بيكذب، لكن هو مفهومه للكذب ليس المفهوم الذي عندك أنت ساعات الطفل خياله بيكون واسع، بيقعد يتخيل أشياء ويتعامل معها على إنها حقائق، هي كذب لكن هو لا يقصد الكذب يقول إنني لا أنسى على الإطلاق وجه ذاك الشاب الذي كان والده يجلده، كلما أخفق في سنته الدراسية يجلده جلدًا وبعض الأحيان يستعملوا الكابلات الكهربائية الآباء المفتريين يأتى كابلات كهربائية ويعقدها في بعضها ويضرب ابنه يرى أنه بذلك يؤدبه وكأن طريقة الجلد مستوردة من العصور الوسطى، إذ يرقد الابن على ظهره ويمسك الأب بساقي ابنه بين فخذيه ويبدأ الضرب العنيف على بطن القدمين.

سلوك أبوي خاطئ في التربية

والغريب أن هذا الابن كان يحفظ الكتب الدراسية عن ظهر قلب ولكن ما إن يدخل الامتحان ويمسك بورقة الإجابة حتى ينسى كل شيء تمامًا plain memory يعني ذاكره ممسوحة، لا يوجد شيء مطلقًا، رغم أنه حافظ الكتب لكن أول ما يدخل اللجنة ينسى كل شيء. وعندما صحبه والده مرة لاستشارة أحد الأخصائيين، سأله ألا تعلم أن الدين الإسلامي يوجب عليك أن تلاعب ابنك سبعًا وتؤدبه سبعًا وتصاحبه سبعًا، وتترك له الحبل على الغارب مع التوجيه من بعد ذلك نحن سنتجاوز عن نسبة هذا للدين الإسلامي لأن هذا ليس فيه حديث، لكن ممكن أجزاء من الكلام هذا تتوافق مع التربية الصحيحية، لكن ليس بهذه الدقة، وتسائل الرجل بدهشة كيف نسي ذلك رغم أنه يحاول أن يطبق كل فروضه الدينية، وحاول رجل أن يصاحب الابن وأن يتخلى عن عادة تحفيظ ابنه للكتب الدراسية، وهنا اجتاز الابن بالنجاح امتحاناته كلها حتى صار مدرسًا. إن القسوة الزائدة عن الحدود تظهر في أشكال التخلف الدراسي، أو في قسوة الأبناء على زملائهم، وإخوتهم أثناء اللعب لأنه يعمل إزاحة لأنه ليس قادرًا على أن ينتقم من أبيه ليس قادر يعامله بالمثل لأنه أقوى منه يضربه لكن يحاول يعمل إيه بقى ينفس الألم الذي عنده على الأضعف منه أحيانا يبقى على اللعب بيكسر اللعب ويخربها أي سلوك عدواني في البيت العند أو ممكن يستعمل العنف مع زملائه وأقرانه في المدرسة. سلوك أبوي خاطئ في التربية: هناك نوع آخر من السلوك الأبوي البالغ القسوة وهي أن يحاول الأب أن يترصد ابنه في أمور حياته كلها، ويحاول أن يسيطر على الابن في كل لحظة من لحظات حياته، وهذا معناه أن الأب يرتدي جلد ابنه، وفي هذا تفريض للابن من شخصيته الأمر الذي يجعله إنسانًا غير مميز، فهذا نوع من السيطرة الزائدة عن الحد الأب أو المربي الذي يحصي أنفاس المربى، ويريد أن يسيطر عليه سيطرة كاملة بحيث واقف له بالمرصاد في كل لحظة وفي كل حركة وفي كل سكنة وفي كل كلمة، كأنه يلبس جلد ابنه كأن هو

نفس هذا الكيان فطبعا هذا فيه إلغاء لشخصية الابن إلغاء له تمامًا وسوف يعوق نموه على الاستقلالية، وقلنا من قبل أن هدف التربية أن الأب يربي ابنه كي يشب سويًا ليعينه على الاستقلال الكامل ومواجهة الحياة بنفسه بعد ذلك، كما قال أحد الآباء لابنه المراهق قال له كن رجلاً ولا تتبع خطواتي، كن رجلاً مستقلاً بنفسه ولا يكن دورك معي مجرد التقليد والتبعية، كأنك زيد تتبع أخك ولكن كن رجلاً ولا تتبع خطواتي، وشبهنا من قبل عملية التربية وأنها مثل الرامي الذي يرمي السهم، فدور الأب مع الابن أن يساعده على الاستقلال وليس على التبعية. التربية الناجحة أنه يستطيع أن يواجه الحياة بنفس لأن هذه سنة النمو الطبيعي في كل الكائنات، بيبدأ بفترة حضانة وكذا وكذا ثم ينفصل، وبيتزوج مثلاً، أو ينفصل بصورة أو بأخرى، فهذا الهدف ليس الهدف إن احنا نتعامل على أنهم ملكية شيء بنملكه، ونستحوذ عليه ونعيق نموه واستقلاليته. الهدف في التربية مثل السهم الرامي بيرميه بشدة لماذا؟ ليحرره من قبضته لكنه بيعطيه طاقة، فهو الذي يشجعه على الانطلاق في المستقبل، ودائمًا الآباء بيكونوا كبار في السن بيكون في حياته نوع من الثبات كما هو حال الرامي. أما السهم فيكون فيه أمامه مستقبل بعيد، وهو بيهيئه لصناعة هذا المستقبل لانطلاق بحرية بدون تبعية، للأب مع إن الأب هو الذي يعطيه القوة والدفعة كي يستقل، كون الابن يكون خاضع للسيطرة أيضًا هذا أمر ضروري، لا جدال فيه، لأنه كما قلنا أنه محتاج إلى تأديب ومحتاج إلى ضوابط وإلى قواعد تحكم سلوكه. لكن ليس شرط أن تترك للابن فرصة جيدة لتكون له شخصيته الخاصة به، لأن ناقشت من قبل في أول محاضرة موضوع التميز لا بد أن تنظر لكل طفل على أنه متفرد، فيه نوع من التفرد والتميز، ولا تطلب منه أن يكون نسخة كربونية منك، لأن الابن الذي سيعاني من سيطرة أبيه في الغالب يحصل له بعد هكذا أنه لما ما يبقى عنده أولاد مع إنه يشتكي يشوف مثلا واحد مراهق وبيصرخ من تصرفات أبيه معه،

وشدته عليه وضربه وكذا وكذا ثم تدور الأيام، وتجد نفس هذا الابن إذا كبر المفروض يكون قد أخذ عبرة ويعدل يحصل حاجة اسمها التوحد مع المعتدي، Identification with the Aggressor يعني المعتدي هذا الولد بيتقمص شخصية أبيه يتوحد معه أو يتماهى وهو نفسه يعني قاعدة في الطب إن بعض المصطلحات سنقولها باللغة الثانية the abused will be abuser يعني الذي يبقى أسيء إليه في الصغر بعد هكذا لما يبقى في نفس الدور بيمارس نفس الدور الذي مورس عليه من قبل حتى في الاعتداءات الجنسية، ونحو ذلك الذي يتعرض لهذا بعد ذلك يتحول إلى معتدي على الآخرين. نفس الشيء العقاب الجسدي أو الشدة والقسوة بيدور الزمن ويكون هو توحد مع المعتدي فيؤدي نفس دوره فيما بعد، فالتسلط هينشئه أيضًا متسلطًا مع أبنائه هو فيما بعد، يقول إن مساحة السيطرة الأبوية يجب أن تكون ضيقة، ومتميزة، فيه سيطرة لا بد إن هو محتاج كما قلنا إلى التأديب لكن السيطرة تكون حدودها ضيقة وفي نفس الوقت نوعية متميزة حتى تتيح للأبناء فرصة تكوين الشخصية الخاصة، وذوق راق، وإبداع فعال. فالمربون سواء من المسلمين أو من غيرهم يتفقون على ضرورة الحسم الحازم الواضح والدقيق مع الأبناء، يعني فيه حب لكن كمان فيه حزم من الناحية الثانية طائر يطير بجناحين، حب وحزم، الحزم يكون في حسم موضوع ودقة مع الأبناء، هذا ينتج أطفالاً أسوياء سعداء. فالأب المحب الحازم الحاسم المتسامح من دون مبالغة، هو الأب الذي يعرف أن إحساسه يتجه إلى إنضاج ابنه بالتفاعل لا بالقهر، ولهذا فإن ينضج هذا الابن، لكن ينضج بالقهر ولا ينضج بالتفاعل وبالتفاهم، لا بالقصر وبالحنان لا بعدم المبالاة. موضوع تأديب الطفل متشعب ودقيق ينبغي الوقوف على معالمه، لأن التأديب علم ومهارة، ومن لا يجمع بينهما يفسد من حيث يريد الإصلاح، ويخطئ من يظن أن التأديب يعني اللجوء إلى العقاب لتعديل السلوك لدى الطفل أو إلزامه بأمر ما، يعني التأديب كلمة واسعة جدًا تشبه معنى الضيق الذي

يتصور بعض الناس أن التأديب يساوي العقاب أو أن العقاب يساوي الضرب لأ خطأ خطأ فادح، لكن التأديب يشمل الترغيب والترهيب، يشمل التعليم والتهذيب، يشمل التدريب يشمل التشجيع والتفسير، والتبرير، إلى آخره. فالتأديب هو إدماج الطفل في مواصفات شخصية تتسم بالسلوك الحسن وتقوم سلوكه غير السوي، أما العقاب فيعد جزءًا هامشيًا في عملية التأديب، وعابرًا لدى الآباء والأمهات، ولا يلجأ إليه إلا في الحالات النادرة، وعند الحاجة، وفي سن محددة فقط، التأديب يشمل عنصرين هم التربية والإصلاح، المهمة الرئيسية للوالدين تربية أبنائهما تربية سليمة، وفق أسس علمية، ومتابعة نتائج هذه التربية بالرعاية والإصلاح، وتثبيت أصول الخير، ونوازعه، وإبعاد الشر وعواقبه، يعني مثل الزرع هو ليس الذي يزرع هذا بيمشي في خطواته في متابعة وإصلاح، هذا نفس الشيء كما يفعل الزارع مع الأرض التي راعيها ولا يتوقف عن رعايتها وتهذيبها وإصلاحها. ورد في كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي في التأديب قول حكيم وشامل لمفهوم التأديب وماهيته حيث يقول مقدمة - اعلم أن النفس مجبولة على شيم مهملة، وأخلاق مرسلة، لا يستغني محمودها عن التأديب، ولا يكتفى بالمرضي منها عن التهذيب، لأن لمحمودها أضدادا، مقابلة، يسعدها هوى مطاع وشهوة غالبة، فإن أغفل تأديبها تفويضًا إلى العقل أو توكلاً على أن تنقاد إلى الأحسن بالطبع أعدمه التفويض، درك المجتهدين، وأعقبه التوكل ندم الخائبين، فصار من الأدب عاطلاً، وفي صورة الجهل داخلاً، لأن الأدب مكتسب بالتجربة، أو مستحسن بالعادة، ولكل قوم مواضعة، وكل ذلك لا ينال بتوقيف العقل، ولا بالانقياد بالطبع، حتى يكتسب بالتجربة والمعاناة ويستفاد بالدربة والمعاطاة ثم يكون العقل عليه قيما ولو كان العقل مستغنيًا عن الأدب، لكان أنبياء الله تعالى عن أدابه مستغنين، وبعقولهم

مكتفيين، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ -أو- مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ» (¬1). وقيل لعيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام من أدبك قال رأيت جهد الجاهل، فجالبته. وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلاً بينه وبينكم فحسب الرجل أن يقتصر من الله تعالى بخلق منها، التأديب والتهذيب يلزم من وجهين أحدهما ما لزم الوالد لولده في صغره، والثاني ما لزم الإنسان في نفسه عند نشأته وكبره، يعني فيه تأديب يتلقاه في الصغر ممن يربيه، ثم بعد ذلك هو يؤدب نفسه إذا كبر بالتعلم والعبادة والمجاهدة ونحو ذلك، فأما التأديب اللازم للأب فهو أن يأخذ ولده بمبادئ الآداب، ليأنس بها وينشأ عليها فيسهل عليه قبولها عند الكبر، لاستئناسه بمبادئها في الصغر، لأن نشأة الصغير على الشيء، تجعله متطبعًا به، ومن أغفل في الصغر كان تأديبه في الكبر عسيرًا، وقد روي في بعض الآثار ما نحل والد ولده نحلة أفضل من أدب حسن يفيده إياه، أو جهل قبيح يكفه عنه، ويمنعه منه، وقال بعض الحكماء بادروا بتأديب الأطفال قبل تراكم الأشغال وتفرق البال وقال بعض الشعراء: إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ... ولا يلين إذا قومته الخشب قد ينفع الأدب الأحداث في صغر ... وليس ينفع عند الشيبة الأدب وقال آخر: ينشأ الصغير على ما كان والده ... إن الأصول عليها ينبت الشجر إذًا التأديب شامل لكل الأساليب التربوية التي يفعلها ويمارسها المربون، التدريب الترغيب الترهيب، التحذير، التشجيع، تقويم، تعليم التربية، كل هذا داخل كلمة التأديب، وليس من الأدب ¬

_ (¬1) السنن الكبرى للبيهقي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وصححه الألباني مقدمة.

أهداف التأديب

وليس ما يقفز لذهن الناس إن التأديب هو الضرب، أو ان التأديب هو العقاب فقط، والعقاب هو الضرب. أهداف التأديب: ماذا عن أهداف التأديب؟ وهذا شيء مهم جدًا جدًا من أهم الأشياء في عملية التأديب إيه الهدف لماذا أنا أمارس هذا النوع من التأديب، لا بد أن يكون الجواب عن هذا السؤال حاضرًا عند كل مهتم بالتأديب والتربية لماذا،؟ لأن حضور الهدف الواضح لدى المربين يبعدهم عن الدوافع الانتقامية النفسية. الهدف من الضرب هو التأديب وليس الانتقام: هو ليس محدد هدف هو يحصل أنه يؤدب خاصة عن طريق الضرب، انتقامًا من الطفل، والطفل لا يصلح أن تنتقم منه لماذا،؟ لأنه طفل ومحتاج إلى التأديب محتاج إلى التربية محتاج إلى التقويم، أما إن واحد ضخم الجثة ورجل كبير وقوي ومفتول العضلات، ويستعرض عضلاته أمام طفل عنده 7 سنين أو 5 سنين، هذه ليست مروءة أقل شيء نقول إنها ليست مروءة، ليس هناك تكافؤ يعني يستعرض عضلاته مع واحد في حلبة مصارعة، أو ملاكمة، ماشي لكن جاي أمام طفل ويخرج أقصى طاقته للانتقام من الطفل، بحجة أنه يربيه لا هو يعالج نفسه هو بتعبير أدق بينفس عن شحنة الغضب التي بداخله، وكثير من الناس بتتستر وراء قول النبي - صلى الله عليه وسلم - واضربوهم عليها لعشر، سنتكلم وسنشبع إن شاء الله كلامًا بالتفصيل فيها لكن، ما أريد أن أقوله أنهم يستعملون الأحاديث النبوية والمفاهيم الإسلامية مثل مصبة الريح، بيحمي نفسه بس بيها بيستخبى وراها نوع من الاستغلال السيء للنصوص الشرعية. فالضرب المشروع في الإسلام، أو التأديب عمومًا الهدف هو أن هذا السلوك فيه مصلحة للطفل، أم ليس فيه فإذا كان فيه مصلحة فأنا حتى لما أستعمل أساليب شديدة أو عقابية ليس الهدف الانتقام، الهدف هو التقويم تربية تعليم إلى آخره ليس الهدف الانتقام، لأن الطفل غير مكلف، هو غير

يعني الأمر متوقف هل الضرب داء أم دواء؟

مكلف حتى يعاقب حتى من أجل أن هكذا الطفل ما يعتبرش ما يدخلش حتى في التعذير، لأن الطفل لا يعذر لا يكلف فهذا في الكبار، على الظروف التي هي دون الحدود، أما الطفل فهو يعذر تأديبًا أو إذا استعمل معه أسلوب معين من الشدة فهو لهدف إصلاحه، ولا يمكن أن يقول مربي أو فقيه في الشريعة الإسلامية أن الهدف هو الانتقام. إن الطفل ليس مجالاً للانتقام، لكن أنت بتستعمل الأسلوب الذي يفيد الطفل، فالنظر أساسا هو في مصلحة من مصلحة الطفل، ولذلك من قواعد التربية أو العقاب أنه لا يجوز أبدًا للمربي أن يعاقب وهو غضبان لماذا، لأنه لو عاقب وهو غضبان فهو يريد أن يشفي غضب نفسه الانفعال في داخله، ولذلك لا يتوقف عن الضرب إلا بعد ما يستريح، ممكن يكون عمل له عاهة أو أذاه أذية شديدة جدًا، كما سنبين إن شاء الله تعالى. إذًا حضور الهدف السامي، والتركيز على الهدف هو مصلحة الطفل، وهذا أسلوب مثل الدواء المر، هكذا لما تعطيه لإنسان لمصلحته، فإذا كان ما تعطيه هو نفسه داء فما فيش داعي، يعني واحد مؤلف كتاب بيدافع عن الضرب بطريقة مستميتة، وكأن الذي لا يضرب إنسان مؤثر في اتباع السنة، لا فاهم هو الحديث هنا ليس على سبيل وجوب، واضربوه عليها لعشر هذا للإرشاد. يعني الأمر متوقف هل الضرب داء أم دواء؟ إذا ثبت إلينا أنه دواء طبعًا بشروط دقيقة جدًا في غاية الدقة، يجوز بشروط دقيقة وتقريبًا معظم الضرب الذي يحصل ضرب غير تربوي، مثل المدرس الذي قتل الطفل فهذا أهم شيء لا بد أن يكون الهدف تربوي وليس هدف انتقاميا فأحيانا المربي وراء لافتة التأديب ليفرز توتره في الحياة وينفس عن مكبوت غضبه، وممكن أن يكون كمان لأنه في الصغر ذاق هذا الشيء فحصل توحد مع المعتدي، وهو لما جاه عليه الدور وبقى أب أو مدرس بينفس عن الذي حصل معه مع الآخرين، في تجارب ذاتية في الماضي اضطهاد طفولي، وبالتالي فإنه يمارس نفس السلوك، هذه كلها دوافع سلبية، يعاني منها الأطفال، فالهدف

أفضل وسائل التأديب

من التأديب هو أن يحصل تفاعل بين الأبناء مع توجيهات الآباء ولذلك طريقة التوجيه لا بد أن تكون واضحة، وحاضرة كما سيأتي فيما يلي إن شاء الله تعالى، يذكر هنا ستة عشرة خطوة لممارسة عملية التأديب يقول. أفضل وسائل التأديب: 1 - استعمل التوجيه الإيجابي المرتبط بما تريده من الطفل أكثر من استعمال التحذيرات السلبية يعني دائمًا ما تقولهوش ما تعملش كذا يكون الغالب على كلامك افعل كذا افعل كذا توجيه إيجابي، شيء وراه التزام يكون التوجيه الإيجابي أكثر من التحذير السلبي إياك وكذا لا تفعل، فالفعل الإيجابي يحدث أثرًا إيجابيًا أكثر من الفعل السلبي. 2 - أشبع حاجات الطفل للمدح والقبول والمحبة والطمأنينة، لأن هذه كلها أفضل وسائل التأديب إن كلمة التأديب يشملها إشباع هذه الحاجات التى هي عن طريق المدح، وناقشناه في الأسبوع الماضي القبول المحبة الطمأنينة فهي أفضل وسائل التأديب. 3 - هييء نفسك للتوقعات وكن مستعدًا للتعامل مع المشاكل المحتملة والسلوكيات التي قد تظهر، لأنك إذا هيئت نفسك ذلك تحاول أن تحيط ابنك بسياج وحصانة وحماية من هذه الأشياء قبل استفحالها. 4 - كن مبتسمًا مشجعًا ملاحظًا للإيجابيات وابتعد عن الاستياء والتذمر والنقض الدائم النقض الذي لا يتوقف. 5 - لا تعطي تفسيرات سطحية جاهزة للسلوكيات التي تراها عند ابنك، حاول التعمق لفهمها من خلال فهم دوافعها وطبيعتها والرسالة الخفية من ورائها. 6 - كن حازمًا دون عنف ولطيفًا دون تساهل لا تصرخ ولا تسخر ولا تتهكم على ابنك يعني الطفل الذي دائمًا يشوف أبوه بيصرخ في أمه هو بعد هكذا بيجي يتعامل حتى مع الوالدين بنفس

الأسلوب، يتقمص نفس الإسلوب، فكثرة الصراخ لأنه ضعف الصراخ ضعف ليس قوة لا تصرخ ولا تسخر ولا تتهكم على ابنك، فتلك من أسوء الأساليب التربوية المدمرة لشخصية الطفل. 7 - لا تكن آلة لإصدار الأوامر على طول أوامر أوامر أوامر كأنها مكنة بتنتج أوامر لكن استعمل لغة الإقناع واشرح ما تريده من ابنك توقع. 8 - الاستجابة الفعلية والطاعة لابنك بعد فترة ليست بالقصيرة يعني الاستجابة ليس شرط تكون فورية ممكن مع التكرار لأن الاستجابة السلوكية تحتاج لوقت وبرمجة متكررة، حتى تصبح سلوكًا وعادة لدى الطفل بخاصة والإنسان عامة لا تتخذ قرارات سريعة، بل تمعن وادرس وكن هادئًا وأنت تفكر في الحلول والأساليب التربوية. 9 - لا تمارس الأساليب نفسها مع كل الأبناء، فلكل طفل خصوصياته وظروفه، إذ الطفل الأول يختلف عن الأوسط وكلاهما يختلفان عن خصوصيات الأصغر، ولذلك مراعاة الفروق الفردية ضرورة تربوية لتعامل أفضل مع الأبناء، لأن الأولاد بيكونوا في أعمار مختلفة، كل واحد له معاملة تناسبه لا ينبغي أن تتبع أسلوبًا واحدًا مع الجميع، لكن تراعي الفروق الفردية وخصوصيات كل نوع من الأطفال. ضع قوانين ونظامًا وحدودًا لكل التصرفات، وكن أنت أول المحافظين عليها، تذكر أنه بإمكانك تعديل الكثير من السلوكيات المزعجة والتصرفات الطائشة، بالتدخل الهادئ والحوار البناء، والملاحظات التذكيرية المثمرة، بدل العقاب واللجوء للعنف والقسوة والحرمان. لا تؤدب أمام الجماعة وأمام الآخرين، فإن الآثار السلبية لذلك على شخصية كثيرة، لا تؤدب أبدًا وأنت متوتر وفي حالة غضب وانفعال.

الأسس الثلاثة للتأديب

تدخل فقط وأنت هادئ، فالتدخل العصبي والقرارات الآنية أثناء التوتر غالبًا ما تعقبها حالة ندم وردود أفعال غير مرغوبة، لا تؤدب بإرغام الولد على فعل أشياء إيجابية، كإرغامه على قراءة القرآن أو حفظ الأحاديث، لئلا نربطه سلبيًا بالأشياء المحبوبة، فيتخذ منها موقفًا سلبيًا كذلك. يعني لا يكون بالإرغام وبالقهر، وإنما بالترغيب والتحبيب والتشجيع، يقول إذاعة إحدى محطات التلفاز الأمريكية منذ سنوات سلسلة حول مفهوم الصغار إذاء كثير من موضوعات الحياة وعلائق الأسرة، وموقف الصغير من الطريقة التي يتبعها أبواه في تأديبه، وما إلى ذلك من شئون وكانت المحطة تستضيف كل أسبوع بعض الأطفال الأذكياء، القادرين على الإفصاح عن آرائهم بوضوح وقوة، وتوجه إليهم طائفة من الأسئلة. قد كان موضوع التأديب هو موضوع إحدى الحلقات، واستمعت إحدى الأمهات إلى طفله على شاشة التلفاز وهو يبدي آرائه وملاحظاته، ويدلي بأقواله، وجزعت الأم أي ما جزع لدى سماعها أقوال ابنها، فلما عاد إلى المنزل بادرته قائلة هل قطعت يومًا شيئًا من مصروفك اليومي عقابًا لك، هو بقى بيتهم أمه وبيقول هذه بتقطع عني المصروف وبتعمل كذا وكذا وكذا، فهي أول ما رجع، فابتقول له هل قطعت يومًا شيئًا من مصروفك اليومي عقابًا لك، وأجاب الصغير: كلا، هل احتجزتك في غفرتك يومًا بطوله؟ كلا، هل قلت لك مرة إنني سأحرمك من كذا وكذا لأنك طفل شرير أجاب الولد كلا، إذًا ما سبب ادعائك بأنني فعلت هذه الأمور كلها معك على شاشة التلفاز، فكان جواب الصغير كان لا بد لي أن أقول هذه الأمور كلها، وإلا كان علي أن أقول إنك كثيرة الصراخ في وجهي، ثم يذكر بعد ذلك الأسس الثلاثة للتأديب تقوم عملية التأديب على أسس ثلاثة لتصبح إيجابية. الأسس الثلاثة للتأديب: أولاً: التنظيم. ثانيًا: التقليد أو القدوة. ثالثًا: البرمجة أو الإيحاء.

أما التنظيم: فالأطفال يحبون دومًا أن تكون لهم حدود وضوابط في كل شيء، ويشعرون بالمخافة والريبة والتردد إذا غابت الحدود، واختفت الضوابط في حياته، يقفز إلى ثانيًا مثال الذي ضربناه في آخر مرة، الذي هو موضوع السمك لو وضعت السمك في حوض ماء ليس فيه إلا الماء فقط وتشوف حركته كيف، تكون ثم ضع الرمال والحواجز والأعشاب وهذه الأشياء التي توضع في الأحواض الزجاجية وضع نفس السمك، ستجد إنه الحركة زادت الحركة الهادفة والنشاط وكذا. لماذا؟ لأن وجود الحدود يخرج الإنسان من الشعور بالمخافة والتردد والريبة، والتنظيم ضروري في حياة الطفل لا سيما في سنواته الأولى، وأولى خطوات التنظيم تحديد مفهومه للطفل بشكل عملي تطبيقي، وبيان المطالب بالضبط ما الذي تريده من الطفل أن يلتزم به بوضوح. فالطفل يحترم ويقدر والديه اللذين يرسمان الحدود ويصيغان الضوابط، والاحترام هو الطريق للدعامة الثانية التي هي القدوة والتقليد، كما أن الطفل نفسيًا يرفض ويكره ولا يحترم من يتركه دون حدود وضوابط، وهو يحترم كذلك تأديب والديه وتدخلهما وتعبيرهما عن عدم رضاهما عن سلوك معين، أكثر من احترامه التوبيخ والصراخ والتهديد. فالتنظيم يشبع حاجة الطفل إلى سلطة ضابطة، توجه سلوكه، وتضبط تصرفاته من خلال توازن ووسطية، أحد أطفال بيتكلم عن أهمية الحدود فقال جاءتنا اليوم معلمة مناوبة، سمحت لنا أن نفعل أي شيء نريده، فلم نحبها، خلي بالك ما فيش حدود هو بيحتاج الحدود الضوابط. إن الأطفال يرتبكون، حينما يسمح لهم أن يفعلوا ما يعرفون أنه خطأ، فالتنظيم يعني تحديد قوانين ينبغي اتباعها، وهو يفترض أيضًا تدخلاً حازمًا وصارمًا من خلال بعض الوسائل التأديبية الرادعة من غير عنف أو إضرار، فالتنظيم ضرورة نفسية تربوية للطفل، لكن بشرط ألا يتحول هذا التنظيم والقواعد والضوابط إلى عوامل تخنق الطفل، الخنق وتسجنه وتحد من قدراته ويجعل منه شخصًا

اتكاليًا اعتماديًا على الغير، نريد ضوابط تعين على الانطلاق وتنمي جوانب الذكاء، والإبداع، وتكشف المواهب وتعمل على تنميتها. يقول اشترى أحد المعلمين حوض سمك كبير، وملئه ماء، وبعد تعديل حرارته لتناسب السمك البيتي، وضع فيه بعض الأسماك، فإذا بها تتصرف تصرفًا غريبًا، ثم تتجمع في وسط الحوض الشفاف، وهي لا تكاد تتحرك، وبعد بضعة أيام وضع أحجارًا ملونة في قعر الحوض، وإذا الأسماك تعود إلى التحرك بحرية، فالأحجار في قعر الحوض أوضحت عمق الماء، وجود أحجار بيشوف الأحجار أو الرملة فبيقدر يعرف الأبعاد، وبالتالي عرف السمك حده فاستراح، في حركته فوجود الحدود بيعطي نوع من الاستقرار، ويخرج الإنسان من الارتباك، ليس كما يتصور بعض الناس أن التربية ليس بها حدود. الركن الثاني هو التقليد والقدوة: فالتقليد طبعًا خاصية من خصائص الطفولة كما هو معلوم التقليد أساسًا هو الطفل لا يدرك المعاني المجردة، لا يصلح طفل عنده 4 أو 5 سنين تقعد تقول له النزاهة والجمال والقيم والزهد والعدالة والتسامح هذه المعاني المجردة هو لا يستطيع أنه يتصورها بصورة كاملة، أو صعب عليه، لأن تفكيره متحجر، concrete إن هو يستطيع أن يتصور فقط الحاجة الحسية شيء بيراه. لكن نفس هذا الطفل الذي ما يقدرش يفهم العدالة والنزاهة والزهد وكذا وكذا، هو نفسه تلاقيه بجانبه أبيه وهو يصلي من غير ما يأمره ويفضل يركع ويسجد، ويبص له من تحت هكذا من أجل أن يشوفه يعمل إيه ويقلده بإتقان، حتى حركة التشهد ونحو ذلك ليه، لأن هنا يتعلم لأنه يستطيع أن يدرك الأشياء الحسية، أما المعاني المجردة فليس بعد، ليس في السن، هذا بعد هكذا يقدر يستوعبها لكن الصغير يتأثر أكثر بما يراه أو بما يسمعه أو بما يراه أمامه، متجسدًا في صورة حسية واقعية. فالتقليد هو أحد خصائص الطفولة الأساسية، حيث إن الطفل يأخذ الكثير من السلوكيات، والقيم والمبادئ، من خلال محاولة تقليده للآخرين، فالطفل مثل الإسفنج يمتص ما حوله ويتفاعل مع

المحيطين به من خلال تقليد سلوكهم، وحركاتهم، فالطفل يبرمج سلوكه ويبني اتجاهاته بنسبة 70% عندما يصل إلى السنة السابعة من عمره، فهو يمتص من المحنكين المحيطين به. وهذا ما أشار إليه حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» (¬1). فإذا كان الطفل من خصائصه التقليد، لكن لازم نفهم أيضًا أن الإنسان لا يقلد إلا من يحبه ويحترمه، ويقدره، نحن نراه حتى في الكبار في الشباب يقلد لاعبي الكرة، أو كذا أو كذا من المشاهير من شدة الحب، والإعجاب به، فنفس الشيء الطفل لا يقلد ولا يقتدي إلا بمن يعجب به، أو يحبه، فلذلك ينبغي أن يهتم الآباء بتحسين سلوكهم أمام أعين الأبناء، حتى يكون الأب مصدر قدوة لابنه، خاصة في المراحل العمرية المتقدمة بعد سن الخامسة فما فوق. فالإنسان جبل على تقليد من يحب ومن يكسب إعجابه، إن الأب القاسي المتسلط لا ينقل لأبنائه غير الاضطهاد، وإن قلده الأبناء لاحقًا فمن باب إفراز الاضطهاد الطفولي، ليس إلا ولذلك كان لزامًا على الآباء والأمهات أن يكتسبوا ثقة أبنائهم، ومحبتهم، لينالوا فيما بعد إعجاب أبنائهم، ولا شك أن كل مسلم يعد قدوته العظيمة وأسوته رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتبعه ويقتدي به لأنه يحبه ويقدره ويجد حلاوة في اتباعه ومحبته كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا» (¬2). فالمحبة مرتبطة بالاتباع والاقتداء، أيضًا كلما كانت علاقة الطفل بوالديه طيبة كلما نزع للاقتداء بهما وتقليد سلوكهما وعد ذلك عين الصواب، كلما فسدت العلاقة بين الطفل والوالدين كلما نزع لمعاندة سلوكهما ومعارضته، وهو يرى أن ذلك عين الصواب، وبالتالي يبدأ يحصل عنده انحراف وحيرة، كذلك ¬

_ (¬1) متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) متفق عليه من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

مما ينبغي أن يهتم به المربي أن يعطي الأولوية أو يعطي القدوة بالأعمال قبل أن يعطيها بالأقوال، فدرهم أفعال أفضل من قنطار أقوال. إن القدوة تنصب بالدرجة الأولى حول ما يفعله الوالدان، وما يصدر عنهما من سلوكيات، ويراقب الأطفال سلوك الآباء باستمرار، حال فرحهم وحال غضبهم، مثل ما قلنا قبل هكذا إن التربية ما فيش حصة اسمها حصة تربية تعالوا يوم الجمعة بعد العصر نعمل حصة تربية، إطلاقًا، التربية هذه عملية مستمرة ليل نهار، في كل موقف بيتربي ليس شيء إحنا بنفتعله. لأ هذا هو بيشوف كيف يتعامل الأب مع الزوجة، بيشوف كيف بيرد على التليفون، أو كيف يستقبل ضيوفه، أو ماذا يقول إذا عطس، أو كيف يخشع في الصلاة أو، حين يسمعه يقرأ القرآن كثيرًا، فهو يتعلم كما قلنا بالقدوة أهم من أي شيء آخر، فدائمًا الأطفال يأخذون سلوك الآباء في كل الأحوال، بيشوفك بتصرف كيف عند الفرح، كيف تتصرف عند الغضب، وبيسجل الكلام هذا ويتطبع به إيه رأيك ماذا يحدث عندما تختلف الأم مع الأب السلوك بتاعه أدى إلى الاختلاف صراخ بقى وكذا وكذا، هيبدأ هو نفسه يفعل نفس الشيء. لذلك كان مهمًا الحرص على السلوك الحسن الدائم، فرب لحظة غضب تهدم كل ما بناه الإنسان، هايشوف وهو بيقود السيارة إيه الألفاظ التي يقولها، بقى لو حصل أي شيء مع الناس الذيت تسوق الاختلافات مع السائقين، الألفاظ التي يخرجها بعض الناس والانفعال والعراك وكذا. فكل هذا تعليم كل هذه دروس في التربية يعني أنت لا تقول له تعالى اتربى، لكن هو لازم هايلتقط منك كل السلوك ألفاظك التي بتقولها، إيه تنتقل ألفاظ أن تقول ألفاظ سوقية أو بذيئة أو كذا فيفعل نفس الشيء، فالتربية عملية مستمرة في كل السلوك يسلكه المربون، كثير من الأطفال الذين يصابون بالانتكاسات الخلقية في لحظة واحدة، من خلال سلوك واحد غير مدروس من طرف مربٍ، ممكن تكون أذية شديدة جدًا من مدرس أو أب أو من أم.

فكل طفل يحتاج لينمو ويتعلم يحتاج إلى القدوة، وهو يتخذ القدوة أساسًا من أحد والديه أو من كليهما، فللأطفال حالة نفسية أن يتشبهوا بشخصيات من يحبونهم ومن يتقمصوا هذه الشخصية، ولذلك كان ضروريًا أن نحبب لأبنائنا سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه حين أراد يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فتقول - صلى الله عليه وسلم - أكيد مع الوقت هو يبدأ يقتدي بك في ذلك ويقرن ذكر اسمه الشريف - صلى الله عليه وسلم - وبين الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - كذلك سيرة الصحابة - رضي الله عنهم - وقصص الأنبياء والنماذج الناجحة في التاريخ الإسلامي فهذا كله مما يترك أثره أيضًا في شخصيتهم، حرص علماء التربية المسلمون على أن يكون المعلم مثلاً يحتذى، وأسوة صالحة يتأسى الأبناء بها، مما ذكر الأصمعي من أبيات أبي الأسود الدؤلي في هذا الصدد قال: يا أيها الرجل والمعلم وغيرهَ ... هلا بنفسِك كان ذا التعليمُ تصف الدواءَ لذي السقام والضنا ... كيلا يصحَ لي وأنت سقيم ... ا وأراك تصلحُ بالرشاد عقولَنا ... أبدًا وأنت من الرشاد عديمُ ابدأ بنفسِك فانهها عن غيِها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ بعد التنظيم ثم التقييد أو القدوة، يأتي البرمجة والإيحاء، والإيحاء هو كل ما يدور في الحياة الأسرية من عمليات سلوكية، ومشاعر نفسية تنتقل تلقائيًا للطفل، الأسر السعيدة تضفي سعادتها على الأبناء، تنتقل المشاعر بالعدوى لأن النفوس فيه منها اتصال الإنسان يتأثر يمكن تبان أوي في الأطباء النفسيين، أحد الأساتذة الكبار يقول إن الواحد لما يجيله واحد عنده (الهوس) الذي هو (الزهو) الذي هو مزاجه يبقى عالي جدًا مفرفش خالص، عكس لما يجيله مكتئبين كثير يبقى منتظر واحد من النوع التاني يكون فرح شوية فايصلح الأمور شوية فالحالة النفسية الخاصة بالإنسان لما تقعد مع واحد كئيب بيصيبك بعدوى الكآبة لو واحد سعيد وبشوش ومرح بتشعر بتجد تشعر نفس الشيء تنتقل لك هذه العدوى لو واحد عنده تفاؤل تلاقيك أنت كمان تتفائل ليس هناك أسلاك بتوصل بينكم لكن فيه نفوس بتؤثر في

نفوس مثل ما تؤثر النفس في النفس بالحسد مثلاً كذلك أيضًا تؤثر النفس بالشخص الذي تجالسه وما هو عليه. فالأسرة السعيدة تنعكس السعادة على أبنائها، الأب الإيجابي هو من يدفن الرسائل الإيحائية غير المباشرة، أعطى له رسائل إيحاية لكن بطريقة غير مباشرة والتي تتأصل في شخصية الطفل وتنمو مع التربية والإيحاء المستمر، الإيحاء يعني زرع الطموح، وحب النجاح والقوة في اتخاذ القرار، وحرية الاختيار المنضبط، والدفاع عن النفس وعن القناعات الذاتية، ويعني الإيحاء كذلك إقناع الطفل وبث المعاني الجميلة، والصفات الإيجابية من خلال فن ممارسة الإيحاء الذكي. يعني القصة التي رويت عن أق شمس الدين الشيخ أق شمس الدين وهو مؤدِّب ومربي السلطان العثماني محمد الفاتح - صلى الله عليه وسلم - فكان دائمًا بيغزو وهو صبي صغير عند الساحل عند البسفور ويشاور له على ان الطرف الآخر بتظهر مدينة القسطنطينية فيقول له أترى هذه الأسوار التي هناك هذه مدينة القسطنطينية. وهذه المدينة قد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان يعتقد صحة هذا الحديث الحديث قال فيها - صلى الله عليه وسلم -: «لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ» (¬1) بس إيحاء بطريقة غير مباشرة ما ما قال له أنت لأ هو ظل يفعل بعد ذلك حتى نشأ عند الطفل الأمل والطموح أن يكون هو الشخص الذي يفتح القسطنطينية. فهنا يذكر أمثلة من الإيحاء الإيجابي، الطفل مثلاً يريد منك أدوات التلوين كي يلون أو يرسم، أو يحل مسألة حساب، يقول له تفضل يا ذكي، يا ذكي فهنا فيه إيحاء بتشجعه على مدحه بالذكاء، أو أحسنت يا شاطر، طبعا شاطر هذه عامية لأن الشاطر في اللغة العربية هو قاطع طريق، اللص مثلاً جايب لك أي حاجة هو عاملة، تقول له ما شاء الله يا مبدع، بتكلمه باللغة التي يفهمها، ليس شرط يكون الولد ¬

_ (¬1) مسند أحمد من حديث بشر الخثعمي - رضي الله عنه -، وضعفه الألباني مقدمة.

فصيح للدرجة هذه، مثلاً ما أروعك وما أروع هدوئك، مثلاً أنت متميز في دراستك يتكلم أمام الضيوف يقول ابني بيفهم بشكل ممتاز، ابني يسمع نصائح والدي باستمرار، ابني مطيع لربه ولد صالح، ابني نظيف ومرتب، ابني يتصرف تصرف المتميزين. وهكذا يحصل إيحاء قبل هكذا كما قلنا أحد العلماء الكبار أعتقد الإمام الذهبي، لما رأه خطه أحد الأئمة قال له خطك يشبه خط المحدثين، فهذه شرارة أوقدت في نفسه همة النبوغ في علم الحديث كلمة عابرة، لكن ممكن تغير مسار إنسان، هذا إيحاء إيجابي أيضًا الإيحاء يتم من خلال لغة الجسم لدى الوالدين، لأن التواصل لا يتم فقط عبر الألفاظ، التواصل اللفظي في ساعات التواصل غير اللفظي بتعبيرات الوجه بحالة الجسم، لغة الجسم نفسه يعني. أنا لي أستاذ كبير جدًا في الطب النفسي، وعنده ظروف لا يستطيع أن يتكلم في صعوبة الكلام، لكنه عنده قدرة بارعة على الغاية في التواصل مع الحضور، أو مع المتكلم بالتواصل غير اللفظي التواصل الجسدي، نظرات عينيه كل جزء في وجهه يعطيك تعبير كأنه يتكلم بأفصح لغة، لأنه طبعًا بارع جدًا من رواد العلاج النفسي في مصر. لماذا؟ لأنه عنده قدرة على التواصل غير اللفظي، بعض الأحيان أنت بتدي لغة يعني الواحد قاعد منكمش وواضع رأسه في الأرض وسط الناس ومقفول، هكذا قافل نفسه فا يقول إيه للآخرين بيدي لغة ما حدش يكلمني يقول لهم بس من غير ما يتكلم، غير القاعد بانفتاح مبتسم بشوش متجاوب مع الناس، فا بيعطي انطباع على العكس، فاللغة لا تتم فقط عن طريق الكلام. لكن هناك وسائل أخرى للتفاهم والتواصل غير اللفظ وأحيانًا بتكون أوقع، فايقول هنا الإيحاء يتم كذلك من خلال لغة الجسم لدى الوالدين، فالابتسامة الدائمة تضفي إيحاءًا قويا بالهدوء والطمأنينة لدى الابن، وتحقق لديه الطمأنينة وسعادة ذاتية.

الإيحاء قد يكون سلبيًا سواء من خلال اللغة اللفظية، أو لغة الجسم، يعني مثل مثلاً الطفل جايب رسم رسمه أو حاجة وواحد راح، هو ما اتكلمش بس رسالة مدمرة فضلاً عن المدرس الذي يقول له إيه الكذا هذا؟ يروح راميها له فهذه كلها إيحاءات، قد يكون الإيحاء بالكلام أو بلغة الجسم، مثلاً اللفظ مثلاً: انت غبي، أنت عنيد، فهوه هايعيش بقى بتوجهه أنه يصبح غبيًا، أو يسير يعني عنيد لأن بتديله إيحاء، إنه يعيش بقى دور الغباء، وإن هو غبي خلاص، أو نحو ذلك. خطأ كبير جدًا إنك مثل ما قلت تدي ختم للطفل، أبدًا ما تعلقش عليه يافطة أبدًا، خطأ تربوي فادح لكن تذم السلوك هذا التصرف لا يعجبني التصرف، هذا خطأ أنا لا أحب منك هذا التصرف، لكن ما تقوللهوش أنت غبي، أنت فاشل، أنت ما فيش فيك أمل، إلى آخر هذا الكلام، لأن هذا ظلم في الحقيقة لأنه ينمو فالا يصلح تصدر عليه حكمًا نهائيًا أبدًا، فتكرار الإيحاء في حياة الطفل يبرمجه لأنه بيقتنع إنه غبي في الآخر أو مثلاً أنت سارق أو حرامي وتتكرر خلاص حرامي، بقى ويتمادى ممكن يكون هذا أحد الأسباب التي تشجعه على التمادي في السرقة. كثرة التوبيخ والصراخ في وجه الطفل توحي له بالاضطراب، وتسحب منه الطمأنينة والاستقرار، النفسي، البرمجة هي إعداد الطفل للمستقبل، وفي السنوات الخمس الأولى تتم برمجة 70% من سلوك الطفل بعضهم يقول 95% من الكود أو الشفرة بتاعة شخصية الطفل كلها بتتكون في خمس سنين الأولى من، خمس سنين أو ست سنين لحد 18 الـ 5% الباقية، بعد 18 يقولوا من المستحيل أو صعب جدًا إحداث تغيير في معالم الشخصية فبناء الأساس بيتم في الخمس سنوات يعني الأولى، لذلك كانت مرحلة الطفولة الأولى من أهم المراحل العمرية التي ينبغي الاهتمام بها. كيف تتم البرمجة؟ كما قلنا اللغة فاللغة التي تستعمل تساهم في برمجة نفسية وعقل وشخصية الطفل، ولذلك ينبغي استعمال لغة إيجابية، باستمرار ما تكونش لغة هدامة أو سلبية، أيضًا برمجة تتم من خلال تكرار المراد بالكلام المباشر وغير المباشر، وبالسلوك وبالتدريب، والتشجيع، يثبت الشيء لديه

ويبرمجه بشكل أقوى، هو طبيعي لما بيتكرر موقف العطاس كلما عطس أبوه أو أمه أو أحد من الموجودين يقول الحمد لله يرد يرحمكم الله الحوار السني الأذكار الثابتة في العطاس مع الوقت أكيد بيحفظها، فالتكرار يثبتها في ذهنه، مثلاً لما تعودوا إنه لو واحد عطس وقال الحمد لله بيقى يقول له يرحمكم الله ويقول له هذا يستحق. لكن لما واحد يعطس وما يقولش الحمد لله فا يعلمه يقول له ما تستحقش، فا لما نقول تستحق وما تستحقش فها هايربطها ببساطة بأن الذي يعطس يقول الحمد لله، فنعلمه ممكن الأب يعني أمامه يتعاطس وما يقولش الحمد لله، ويكون بيدربه قبل هكذا أن يرد عليه يقول له إيه ماتستحقش، من أجل أن يبقى الموقف موجود قدامه ويتعلم منه، ليه ما يستحقش لأنك ما قلتش الحمد لله وهكذا. آداب الاستئذان لو هي تمارس بطريقة عملية داخل البيت، طبيعي جدًا ها يكون شيء عادي تماما يستأذن قبل ما يفتح أي مكان مقفول، السلام عليكم وأدخل في داخل الغرف حتى في البيت الواحد، كذلك البرمجة تتم من خلال الحس والعاطفة. فتكثيف الناحية العاطفية لدى الطفل تساهم بشكل كبير في تحقيق البرمجة بمعنى تحبيب الشيء الإيجابي للطفل، وبناء نوع من الرفض النفسي للأشياء السلبية، أيضًا من ذلك الممارسة والتدريب، فتدريب الطفل وإتاحة الفرصة وتهيئة الأجواء ليمارس حياته الطفولية، تتيح له أن يتعلم الكثير من السلوكيات الإيجابية، وجدت هنا نموذج من نماذج التربية الإيجابية (الصلاة)، حتى نبرمج الطفل على الصلاة ينبغي أن نبدأ باللغة المحببة في الصلاة، الحديث عن الصلاة وتكراره، وتحبيب الطفل في الصلاة وتدريبه وممارسته لها وتشجيعه. هذه العملية قد تستغرق ما بين ثلاث إلى أربع سنوات لتتم عملية البرمجة، يعني هو لو شاف الأب أو الأم بمجرد ما بيسمع الآذان يترك أي شيء في يديه ويسارع إلى الوضوء أو ترديد الآذان ويتوضأ

ويذهب الأب إلى المسجد تجد طفل طبيعي بدون أي تعليم مباشر بيفهم مع الوقت إن النساء يصلون في البيوت وإن الرجال يصلون في المساجد شيء تلقائي جدًا. ليس شرطًا أن تعطية كدروس لكن هو بيراقب مع التكرار المستمر بيربط الآذان بالصلاة، فعملية البرمجة ممكن تاخذ من ثلاثة إلى أربع سنوات حتى تتم. وهذا ما نتعلمه من مربي البشرية كلها وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما يوصي بتعليم الأطفال الصلاة لسبع سنين، ويبشرهم ليبني الكثافة العاطفية. أولاً: من خلال بناء الحب والعاطفة نرى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أولاً نستدل الحقيقة بحديث رواه الطبراني لا أظنه صحيحًا «أَيُّمَا نَاشِئٍ نَشَأَ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ حَتَّى يَمُوتَ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ صِدِّيقًا» (¬1) لكن يغني عن ذلك «وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ» (¬2) فمما يسهل على الشاب إذا كلف العبادة أن يكون قد حبب إليه العبادة وبرمج عليها منذ الطفولة، أيضًا اللغة استعمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - اللغة حينما قال «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ» (¬3). فيدخل في اللغة تعليم الطفل وتلقينه ما يخص الصلاة من آذان وأدعية وقرآن أيضًا التكرار يقول ابن مسعود - رضي الله عنه - حافظوا على أبنائكم في الصلاة وعودوهم الخير، فإن الخير عادة، ولذلك هناك نوع من التربية اسمه التربية بالعادة، بحيث يبقى شيء عادي جدًا في حياته، مستمر بطريقة تلقائية المحافظة على الصلاة بطريقة كأنها صارت عادة راسخة لديه، وهذا يسهل عليه العبادة، أيضًا التدريب والممارسة بأن الأب يصطحب ابنه إلى المسجد ليرى كيفية الصلاة، وبالتالي يبرمج على عملية الصلاة. فالبرمجة الإيجابية للطفل تحتاج لوقت لا يقل عن ثلاث سنوات من التعليم والتدريب والتشجيع والممارسة والمتابعة، يعني هذا درس رائع يبين أن التربية الذي هو حديث الصلاة التربية تحتاج لوقت ومتابعة دقيقة وبرمجة مدروسة حتى يأتي وقت حساب الطفل بعد ذلك، لكن بيجي يسبو لحد عشر سنين ¬

_ (¬1) المعجم الكبير للطبراني من حديث أبا أمامة - رضي الله عنه - (ضعفه الألباني). (¬2) متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬3) سنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه -، صححه الألباني مقدمة.

مبادئ عامة للتأديب الإيجابي

لا يأمره بالصلاة ولا أي نوع من الاهتمام ثم بعد ذلك يريد يضربه على الصلاة فهذا قفز على التدرب، لأنه لا يحتاج إلى الضرب إطلاقًا إذا راعى هذا التوجيه. ثم نختم هذا الكلام بذكر مبادئ عامة للتأديب الإيجابي أول هذه القواعد: مبادئ عامة للتأديب الإيجابي: أولاً: الخط الوسط في التربية التوسط يعني التوسط في التربية بين الحب والحزم، كما ذكرنا بدون إفراط ولا تفريط، فيكون دائمًا الاختيار السلوك الوالدي بعيدًا عن الصرامة والقسوة والإرغام من جهة بعيدًا عن التساهل والتسامح المفرط من جهة ثانية، الصرامة في التربية تنشأ أطفالاً يعانون من المعوقات النفسية والاضطرابات السلوكية كالانطواء والخجل، والرهاب الاجتماعي يجد ورائه كل ترسبات الاضطهاد الطفولي للعيادة النفسية، والتساهل المفرط أترك ابنك يفعل ما يشاء يؤدي إلى تجرد الطفل من كل الضوابط والحدود والقيم وينشأ عاجزًا عن وضع آلية للتكيف مع المجتمع. ثانيًا: إشراك الطفل في حل المشكلات وإبداء الرأي، فالدوافع التي تبني السلوك لدى الطفل تحركها طرق التعامل معه، والمساحة الإيجابية المخصصة له، والقيمة الذاتية التي ننشأها بداخله، من أفضل طرق التأديب، وضع الهدف على مكمن الإحساس بقيمته إشراكه في المناقشات وإشراكه في كيفية حل مشكلة معينة، لأن مجرد إنك تعطيه فرصة أن يعبر عن رأيه ويساهم في حل المشكلة أو الموقف، يشعره بالقيمة بقدر ذاته إن هو له قيمة ويؤخذ رأيه هو أن الكبار يثقون به، من خلال هذه المشاركة الطفل بحاجة إلى أن يتعلم كيف يتخذ قراراته الشخصية، ويحل مشاكله، ويواجه الأحداث، والمستجدات، مهتديًا بما تعلمه من توجيهات نصائح الوالدين، دون أن يكون معتمدًا كلية على الكبر. ثالثًا: التهذيب تدريب على حسن التصرف فالتهذيب هو تدريب الطفل على السلوك الحسن والسيطرة على النفس، وعلى الدوافع السلبية. رابعًا: قلل من الكلام وأكثر من العمل، لأن الكلام الكثير الطويل والمتشعب يحدث عند الطفل نوع من الملل، ثم يبدأ يتهرب منك، حافظ كل الذي أنت ستقوله فلا يظلي ويتهرب من سماع الكلام، ويشعر بالملل من أحاديث الوالدين، لذلك ينبغي استبدال الكلام أحيانًا بمواقف عملية، تخيل نفسك أخذت ابنك إلى حديقة ألعاب ورأيت إصرار ابنك على عمل غير مقبول قم بتنبيهه مرتين فإن لم ينصع

لك أنه الزيارة واترك الحديقة تعبيرًا منك عن عدم قبول سلوكه، فإذا ندم الطفل وأبدى استعداده وندبه على السلوك المرفوض، امنحه فرصة للتغيير، وخذ منه وعدًا بذلك، وهذا هو فن تأديب الطفل بالعمل لا بالصراخ والقسوة. خامسًا: تنمية الاحترام والتقدير اتجاه الوالدين، فطبعًا هو الأصل إن الطفل يحترم والديه، وإذا حصل احترام يؤدي إلى الإعجاب ثم إلى الإقتداء. يقول أحد علماء النفس إذا أردت لولدك أن يقبل قيمك عندما يبلغ سن المراهقة كان عليك أن تحظى باحترامه لك وهو في سن أصغر إن سن المراهقة هو الفيصل لأنه ما بيبقاش تابع، ينمو عنده الاستقلالية، وممكن تفاجئ بقى ثورات ثورة وتمرد على كل ما مضى، إذا أسأت في التمهيد والبرمجة، من قبل لأنه لن يبقى ذلك الطفل بقى الذي هو أنت إيه ظل مقهورًا أمامك بحكم صغره، لكن متى دخل في منعقب بيبان بقى الثمرة الحقيقية للجهد السابق، فإذا افتقد الوالدان احترام الأبناء فكل المبادئ والقيم والمفاهيم التي يريده الآباء من الأبناء تصبح غير أهمية، ما ينصاعون لها. سادسًا: هي السيطرة الإيجابية على الأبناء، فالأطفال بحاجة إلى والد يمارس أبوته، وأم تمارس أمومتها. ليس فقط من خلال العاطفة والمحبة وتوفير الاحتياجات، ولكن أيضًا من خلال إظهار فرض نوع من السيطرة التي تعلم الابن قواعد النظام والحياة، ومعايير المحبوب والمكروه الحق والباطل الخطأ والصواب، وهي سيطرة قيادة ونظام هذه سيطرة نظام، مثل أي مؤسسة إدارية لا بد فيها من لوائح ونظام وقواعد، فليست سيطرة هيمنة وتسلط وقسوة، وإنما سيطرة نظام هذه السيطرة تمنح الطفل التوازن، والطمأنينة، وتضع له الحدود والقواعد، لممارسة حياته بكل اطمئنان فمهم جدًا أن تكون السيطرة دون قسوة، وعنف، وصراخ. سابعًا: لا للتطرف في السيطرة أو المحبة، يعني إن السيطرة تكون إيجابية، غير متطرفة، لأن التطرف والمبالغة في السيطرة يكرث إذلال الطفل وتحطيم معنوياته، وكبت قدراته، ويصيبه برهاب، وخوف دائم ويقتل عنده روح المبادرة، ويجعله عاجزًا عن اتخاذ المبادرة، والقرارات المهمة، والأساسية في حياته، فينشأ مترددًا ومنطويًا على ذاته، خاضعًا غير قائد، مستسلمًا للغة القوة والسيطرة، هذه المبالغة في

السيطرة تمارس على شكل استبداد يضعف الأطفال، في الجهة المقابلة المبالغة في المحبة والتساهل المفرط، وترك الطفل يفعل ما يريد دون رقيب ولا محاسبة يفسد سلوك الطفل، ويفقده توازنه وأصول الآداب والمعاملة مع الناس. ثامنًا: تحاشي الإغراق المادي المفرط، فيعتقد بعض الآباء أن إغراق الأطفال بالوسائل المادية من هدايا وألعاب وغير ذلك، يساعد على تنشئة الطفل على أحسن وجه، وينسون أن إغراق الطفل بالماديات يبعده عن تذوق حلاوة العلاقات الإنسانية التي يمكن أن تنشأ بين الولد والأبوين، ويعوض الطفل على حياة الترف والرخو، وتحرم الطفل من تعلم أمور كثيرة، مثل الاعتماد على النفس والإبداع والتفكير السليم، فإغراق الطفل بالماديات يحرمه من تذوق الكثير من النعم الأخرى. تاسعًا: تعليل التوجيهات والنصائح، فلا يكفي أن الكبار يقتنعون بالسلوك الحسن والتصرف الجميل، لكن الصغار هم أيضًا بحاجة إلى فهم الحسن والجميل، ومعرفة الحسن والجمال والاقتناع بما نريده منهم، فمن حسن التأديب أن تبين له هذا الشيء صالح لماذا وهذا طالح لماذا، وتبرمجهم بالحوار على ما ينفع والابتعاد عما يضر، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ» (¬1) فيقول تعالى {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} (¬2). عاشرًا: بناء المعايير والقيم، فالطفل قد يستجيب لطلبات الكبار من خلال توجيهات جاهزة وأوامر كيفية لا تمنحه معيارًا ولا قيمة، يعني هي أوامر مطلوب منه يسمع ويخضع للكبير وحسب، وهذا يجعله شخصية مستسلمة، لكن التأديب البديل بطريقة إيجابية أن نمنح أبنائنا معايير ذاتية نابعة من قناعاتهم تكون دافعة للسلوك مهما كان. ¬

_ (¬1) سنن أبي داود من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، صححه الألباني مقدمة. (¬2) الأعراف: 31 - 32.

التأديب الإيجابي

الحادية عشر: قاعدة واضحة بدل التوقيعات الغامضة، يقول لكل إنسان خريطته الذهنية التي من خلالها يفسر ما يسمعه، الطفل يختلف في فهم الكلام كثيرًا عن الكبار، وغالبًا ما يعاند الطفل ويرفض الأوامر، لأنه لم يفهم معناها، أو لأنه بدأ تنفيذ ما فهمه من خلال التوجيهات بأسلوبه هو لا بأسلوب صاحب التوجيهات. التأديب الإيجابي: 1 - يبدأ بالوضوح 2 - التركيز البؤري 3 - التحديد 4 - الشرح مع الطفل حين تطلب من طفل أن يرتب غرفته هذا أم مبهر غامض رتب غرفتك الطفل، لا يصلح تقول له كلام عام هكذا لازم توصل للبؤرة حدد له بالضبط إيه المطلوب بوضوح، فلا يصلح توقيع غامض رتب غرفتك يقول حين تطلب من طفل أن يرتب غرفته فقد تعني أن يضع كل شيء مكانه بالترتيب الذي تتصوره أنت وليس كما، يتصوره الطفل، قد يفهم الطفل أن عليه أن يضع كل الألعاب والأغراض تحت السرير أو في الخزانة، إن التوجيه الواضح والمحدد هو الذي يحدث التواصل مع الطفل، فبدل التوجيهات العامة الفضفافضة تستعمل التوجيهات المحددة، بدل رتب غرفتك تقول له ضع ألعاب، في المكان الفلاني، وضع أقلامك فوق المكتب، وضع ملابسك في الدولاب، إلى آخره .. لا يصلح أمر عام ومجمل غامض لا بد من شدة التحديد. أيضًا الثانية عشرة: توجيهات محددة بدل توجيهات عامة يذكر أمثلة التوجيهات الغامضة كن هادئًا هذا توجيه غامض، يعني إيه كن هادئًا، لكن توجيه محدد اجلس في مكانك بهدوء أكثر تحديدًا. الأولى ليست واضحة لكن لما تقول له اجلس في مكانك بهدوء، مثلاً حان وقت الخروج ممكن هذه توجيه غامض، لو يريد تحدده أكثر تقول له إيه البس حذائك، صفف شعرك، توجه للسيارة، مثلاً بدل ما تقول له كن مجتهدًا، تقول له أكثر تحديدًا راجع درسك اليومي، مثلاً استعد للصلاة، فتقول له مثلاً توضأ والبس واستعد للصلاة، مثلاً عبد الله توجيه غامض، لكن ممكن يكون محدد تعال يا بني إلى

هنا، وعبد الله يريد يناديه باسمه من أجل أن يجيله لكن الأمر غامض لن يفهم عبد الله يناديني ليه أنت يريد تقول له يجي فتقول له إيه تعالى يا بني إلى هنا لازم يكون الكلام واضح ومحدد، مثلاً أحمد غامض لكن مثلاً أمك تريدك، وهكذا أنت قلت إيه لأ ممكن تقول له قل من فضلك مثلاً كذا أو كذا. الثالثة عشرة والأخيرة: هي ألا تجعل العقاب نهاية المطاف، فالتأديب السلبي يرسخ في أذهان الأطفال أن السلوك السييء نهايته عقاب الوالدين، وهذا خطأ عام لا يتماشى مع ما نريده من أبناء إيجابيين، فالطفل الذي يلعب بعود الكبريت لا ينبغي أن يحس بأن ابتلاع أحد الوالدين عليه يعني عقابه، طول ما والديه لا يرونه يلعب بالكبريت مثل ما هو يريد لأن هو أكثر حاجة يخاف منها إنه لو شافوني وأنا باعمل هكذا سوف أعاقب، لكن الرسالة الصحيحة إنك تقنعه أن اللعب بالكبريت قد يعني احتراق جسمه وتشويهه، يعني ما نخليش الهدف إن آخر ما عندنا هو العقاب، لأ آخر نهاية المطاف هي حصول أذية له بهذا السلوك السيء، ومن ينشأ على اعتبار العقاب نهاية المطاف إذا تهور وهو يقود سيارة والده بسرعة بيسوق بتهور واندفاع طبعًا هو الهاجس الذي سيكون في داخله إيه وهو بيسوق بسرعة هاجسه سيكون مرتكزًا على اطلاع والده ومعاينته وهو مسرع بالسيارة، هذا مكمن الخطأ، يبقى كل تركيزه أن أقصى حاجة يخاف منها إن أبوه يشوفه وهو بيسوق هذه السواقة، لكن الذي ينبغي أن يرسخه التأديب الإيجابي أن يفهم، ويقتنع، بأن التهور في القيادة يعني وضع حياة الإنسان في خطر، وتعريض حياته وحياة الناس للخطر، أيضًا فإذًا ليس مسألة إن العقاب هو نهاية المطاف ينظر إلى ما هو أبعد من العقاب، كما في الأمثلة التي ذكرناها نكتفي بهذا القدر. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

الدرس الخامس: الطفل في الحضارة الإسلامية

الدرس الخامس «الطفل في الحضارة الإسلامية»

مقارنة بين كل الأطفال عند كل الأمم وعند أمة الإسلام

الحمد الله نحمده على نعماه ونصلي على عبده ورسوله محمد الذي اختاره واجتنباه وأحبه وارتضاه وعظمه وكرمه ورفعه على من سواه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه أما بعد،،، فلم يحدثنا التاريخ الحضاري للإنسانية عبر أدواره وحقبه المتعاقبة، أن طفلاً كان أسعد من الطفل المسلم في ظل الحضارة الإسلامية تلك الحضارة التي جعلت من أولى أولوياتها رعاية الإنسان في مراحل عمره المختلفة، وبشكل خاص في طفولته إدراكًا منها لخطورة هذه المرحلة في تشكيل مستقبل الأمة؛ فالازدهار ورسم معالم الغد المشرق يبدأ من تربية ورعاية الطفولة وتنمية قدراتها واستثمار طاقاتها وفق خطة محددة المعالم لتوفير بيئة مناسبة يترعرع فيها الأطفال، بعيدًا عن الكبت والإحباط والضغوط النفسية والممارسات غير السوية. مقارنة بين كل الأطفال عند كل الأمم وعند أمة الإسلام: لقد أشرقت الحضارة الإسلامية بأنوارها بعد ليل طويل حالك الظلمة كان الأطفال فيه سلعة رخيصة مهدورة الكرامة، مسلوبة الحقوق في ظل قيم وعادات وأعراف وتشريعات وقوانين ظالمة، منحت الأب أو الأخ الكبير حق التصرف بأطفال الأسرة في البيع أو الهبة لأحد المعابد، أو تقديمهم كرهائن للأعداء كما كان الحال عند الآشوريين والبابليين والرومان، أو دفنهم أحياء خوفًا من العال أو الفقر كما كان الحال عند بعض القبائل العربية، طبعا ليس كل القبائل العربية كانت تمارس الوأد، وإنما بعض القبائل العربية، أو تقديمهم قرابين للآلهة عند البعض الآخر. الأطفال عند المشركين: طبعًا القرآن الكريم أشار إلى ظاهرة الوأد هذه في أكثر من موضع حيث قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)} (¬1). ¬

_ (¬1) الإسراء: 31.

الأطفال عند الفراعنة

وقال سدد خطاكم: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} (¬1) فبعض القبائل العربية كانت تمارس الوأد أو دفن الأولاد البنات أحياء خوف من العالة أو الفقر، والبعض الآخر ممكن أن تقدم الأطفال قرابين للآلهة كما في القصة المشهورة في نذر عبد المطلب تقديم ولده عبد الله والد النبي - صلى الله عليه وسلم - قربانًا لهبل، أيضًا عادة التقرب بالأولاد للآلهة كانت شائعة عند المناذرة وملوك الحيرة وغيرهم من الأمم القديمة، أو قذفهم في الأنهار من أجل إرضاء الرب ليجود عليهم النهر بفيضانه ليتمكنوا من ري زروعهم. الأطفال عند الفراعنة: وهذه العادة كانت معروفة عند القدماء المصريين تقديم عروس النيل قربانًا للآلهة المزعومة حتى يحصل فيضان وهذه العادة الجاهلية عند الفراعنة أبطلها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعد الفتح من خلال الرسالة المشهورة وجهها إلى واليه على مصر عمر بن العاص - رضي الله عنه - أو، من خلال استعباد الأطفال وتشغيلهم في الأعمال الشاقة لتوفير الراحة للسادة، فضلاً عن عادة التخلص من الأطفال الضعفاء والمرضى عن طريق إلقائهم من فوق رؤوس الجبال كما كان الحال في اسبرطة القديمة، أما في مصر القديمة فقد حفل تاريخها بالعديد من القرارات الظالمة ضد الأطفال والتي من أشهرها وأوثقها من حيث الثبوت ذلك القرار الذي أصدره فرعون موسى بقتل كل مولود يولد في مصر وذلك تحت تأثير نبوءات الكهان الذين أخبروه بأن حياته سوف تنتهي على يد مولود سيولد من بني إسرائيل وهذا ما أشار إليه الله سبحانه تعالى بقوله: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)} (¬2) كما ذكرنا إن الإسلام بنيان مدهش في روعته وعظمته وإذا نظرت إليه من أي زاوية، ستجد دليلاً على أنه لا يمكن أن يكون إلا من عند الله تبارك وتعالى من أي ¬

_ (¬1) التكوير: 8 - 9. (¬2) البقرة: 49.

زاوية الذي يدخل الإسلام ينظر من جهة العقيدة التوحيد ونظافة القلب وتزكيته بالتوحيد الذي يدخل في الشريعة سواء بقى الشريعة عبادات معاملات قوانين دولية أو نحو ذلك، من الشرائع الإسلامية تجدها تنطق وتشهد بأن هذا لا يمكن أن يكون إلا دين الله تبارك وتعالى، أخلاقيات الإسلام نظافة الإسلام عبد الإسلام تكريم الإسلام للإنسان وضعية المرأة في الإسلام وهكذا، كل زاوية في زاويا الإسلام هي دليل مشرق على أن هذا الدين من عند الله تبارك وتعالى ولا يمكن يكون غير ذلك. يكفي أننا في هذا العصر وتتكالب قوى الكفر في كل العالم من الداخل والخارج على تشويه الإسلام والصد عن سبيله بكل وسيلة، ورغم الضعف الذي عليه المسلمون لكن مع ذلك يبقى الإسلام أسرع الأديان انتشارًا في العالم كله فما بالك لو لم يكن يحارب، ولو لم يكن يشوه، كل هذه التصرفات العصبية أو التعصبية التي تحصل في الغرب، كل شوية خبر عن الحجاب البلد الفلانية منعت النقاب، البلد الفلانية تدرس منع الحجاب، إيه السر في هذا الغليان الذي يجري في صدورهم هم لا يعرفون ما عليهم فعله، ظاهرة اختراق نور الإسلام لكل آفاق الدنيا وكل بلد في العالم يغزوها الإسلام. رغم كل هذه الحرب فعلى أي شيء كل هذا فهذا دليل واضح جدًا على أنه دين الحق من عند الله تبارك وتعالى، حتى في هذه الزاوية التي نحن نتدارسها في هذا الدرس وهو زاوية وضعية الأطفال في الإسلام، أو حقوق الأطفال في الإسلام يعتاد الناس من وقت وآخر أن يفخروا بما توصلت إليه هيئات الأمم المتحدة، والميثاق العالمي لحقوق الطفل الكلام. هذا ما تكشفوه في العشر سنوات الأخيرة أو العشرين مثلاً فما بالك بشريعة زاد عمرها على أربعة عشر قرنًا، ونحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري إذا اعتاد الناس أن يقولوا حقوق للإنسان حقوق للطفل، وبيحاول الغرب أن يجمل صورته القبيحة الإجرامية الظالمة متعصبًا للمسلمين بإنه يحط شوية مبادئ يعني بقى، هكذا ما تبقاش حياة مادية وقهر للشعوب فحسب لكن بيكون فيه شوية ديكور يجملوا به وجههم القبيح، حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل البيئة أي كلام فيه مبادئ كأن حضارته فيها مبادئ تذكر.

لكن في الحقيقة هذا الغرب الجاهل الظالم المشرك الذي يتكلم في كل حين عن حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة ويعجب كثير من الببغاوات في بلادنا بهذه الشعارات الجوفاء الكاذبة يتناسون جميعًا أهم حق في الوجود حق الله على العباد كما جاءت في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما سأل الصحابي - رضي الله عنه - أتدري ما حق الله على العباد وحق العباد على الله فحق الله على العباد أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئًا. من يذكر حق الله على العباد إلا أمة الإسلام حتى الأديان الباطلة أو الأديان المحرفة، هي لا تعبد الله في الحقيقة وإنما هي تعبد أرباب من دون الله تبارك وتعالى، فالدين الوحيد الذي يذكر حق الله على العباد، وهو أقدس حق في الوجود، لأنه الذي خلقنا وهو الذي يرزقنا، مع ذلك نجد إنكار وتجاهل كامل لحق الله على العباد، بل محاربة للأمة التي تدعو إلى إقامة حق الله على العباد الذي هو أقدس الحقوق وأوجبها على هذه البشرية التائهة. الحقيقة هنا دراسة مختصرة جدًا للدكتور/ سلامة محمد الهارفي البلوي أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة الشارقة رسالة جيدة اسمها «الطفولة في ظل الحضارة الإسلامية» تناول هذه الزاوية كأنموذج من محاسن الشريعة الإسلامية، ومحاسن الدين الإسلامي حتى في التعامل مع الأطفال، الرسالة وجيزة لكن من أراد أن يتوسع سيجد فعلاً أنها عبارة عن مفاتيح لبحث أوسع وأعمق لتتبع إحسان الشريعة الإسلامية حتى للأطفال حتى قبل أن يولدوا وهم أجنة، هناك تشريعات وحقوق ونحو ذلك يقول في الوقت الحاضر رغم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصدور ميثاق حقوق الطفل الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم كذا سنة 1959، كما صدر قرار هذه الجمعية في سنة 76 باعتباره عامًا دوليًا للطفل.

الأطفال في العصر الحديث عند العالم الكافر

الأطفال في العصر الحديث عند العالم الكافر: فضلاً عن اعتماد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في جلستها العامة رقم 61 بتاريخ 20 نوفمبر سنة 1989 الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، إلى جانب جهود العشرات من المؤسسات والمنظمات في حركة التنوير بحقوق الطفل، يقول رغم كل هذا إلا أننا رغم كل هذه الجهود نجد هناك ما لا يقل عن ستمائة وخمسين مليون طفل يعيشون تحت خط الفقر العالمي، إلى جانب أكثر من مائتين وخمسين مليونًا يعملون في أوضاع خطرة، وظروف صعبة، ناهيك عن مئات الملايين من الأطفال الذين يتعرضون للاغتصاب. ففي الهند على سبيل المثال يتعرض عشرين بالمائة من الأطفال لهذا الإنتهاك، كشف تقرير أعد حول تجارة الأطفال أنه تم بيع ألف ستمائة واثنا عشر طفلاً سريلانكيًا سنة 1986 باعهم هؤلاء السريلانكيين إلى مشترين أوروبيين يشير التقرير أيضًا إلى أنه يوجد خمسين مركزًا لبيع الأطفال تعرف بمزارع الأطفال سمعت عن مزارع الأطفال، هؤلاء ينشئون مزارع أطفال من أجل أن يبيعوا الأطفال ويتاجروا فيه ثم يأتون تطاولاً على الدين الإسلامي، وفي بعض المذابح أيضًا التي حصلت في بعض بلاد المسلمين يتسابقون يظهروا أن هم هيئات إنسانية وحصل لهم محاكمات في فرنسا وغيره يهرعون إلى البلد التي يحصل فيها حروب وضحايا الأطفال المشردون وكذا، بحجة إنها هيئات إنسانية تدخل من أجل أن تأخد هؤلاء الأطفال وهم يأخذوهم من أجل أن يتاجروا فيهم، أو يسرقوا أعضائهم البشرية. ففي سريلانكا موجود خمسون مركزًا لبيع الأطفال الذي عايش يشتري أطفال، وبيسموها مزارع الأطفال، تخيل لأي مدى يحصل هذا الظلم. أما في الصين وأمريكا الجنوبية والقارة الأفريقية فالمتاجرة بالأطفال تشهد ازدهارًا مضطردًا ولعل المتابع لوسائل الإعلام وتقارير المنظمات الإنسانية يقدر حجم المأساة التي يعيشها أطفال الثورة، الصناعية، وحرب اللجوء، وغزو الفضاء، وثورة المعلومات.

فقد استغلت الدول الصناعية المتقدمة الأطفال أبشع استغلال، عندما شغلتهم في المصانع طمعًا في مضاعفة الأرباح دون الشعور بوخز من ضمير وعرض اليونيسيف تقريرًا مفاده أن الحروب أدت إلى مقتل أكثر من مليوني طفل في العقد الماضي. كما أجبرت خمس عشرة مليونًا آخرين على هجر منازلهم، إلى جانب وفاة عشرة بالمئة من حالات الولادة في العراق نتيجة الفقر وصعوبة الوصول إلى مياه نقية وجرائم الغرب في العراق أيام محاصرة العراق وهلاك ملايين الأطفال من الجوع وانعدام الغذاء والأدوية إلى نحو ذلك مما شهد العالم كلهم، أن هؤلاء مسلمون لا يأبه لمثل هذا، إلى جانب القتل اليومين المنظم لأطفال فلسطين على يد اليهود الصهاينة المعتدين، القتل المنظم الذي يحصل بطريقة إيجابية أو بالطريقة السلبية وهي الحصار، محاصرة هؤلاء المساكين سمعتم عن خبر التوأم السيام الذي ليسوا قادرين على أن يسفروا ولا أن يعالجوا، حتى الحديثي الولادة يعانوا من هذه المعاناة، في ظل هذه الأجواء الملبدة بغيوم الظلم والاستبداد، نجد الدستور الحضاري الإسلامي الخالد القرآن الكريم والسنة المطهرة يقدم أسمى وأنبل المبادئ التي تحفظ للإنسان كرامته، وحقوقه، منذ أن كان نطفة إلى أن يبلغ أرذل العمر، وذلك قبل حضارة النظام العالمي الجديد وقبل صدور مواثيق حقوق الإنسان والطفل بأربعة عشر قرنًا. الحقيقة إن هذا السياق شائع في كثير من الكتابات المخلصين إن شاء الله من الكتاب الإسلاميين، إن الإسلام قبل كذا وكذا من أربعة عشر قرنًا لفت الأنظار إلى حقوق المرأة إلى حقوق الطفل إلى حقوق الإنسان إلى آخره، لكن في الحقيقة لا ينبغي أن يمر علينا هذا الأسلوب بدون نوع من التعليق والتحفظ، لأنه أصلاً مبدأ المقارنة إننا احنا نقول إن شريعة الإسلام سبقت الشرائع الوضعية، كأن الشرائع الوضعية فعلاً وصلت لشيء له قيمة، أكيد فيه أشياء لها قيمة في هذه الإجراءات التي يفعلونها لكن روح الحضارة الغربية تفتقر أهم شيء وهو التعبد بأداء هذه الحقوق.

هذا جهد إنساني محض ليس تعبد في الإسلام، سنرى أشياء عجيبة جدًا ينظر إليها أنها عبادة، يعني رضاعة الأم للطفل سنبين أنها عبادة لا ينبغي للأم أن تنظر إليها حتى مجرد دافع فطري لتربية المولود هذه عبادة، بمعنى كلمة عبادة يعني تحتسب فيها الأجر وغير ذلك. فشتان بين شريعة الخالق وشريعة المخلوق، مقارنة لا ينبغي إن احنا نبتلع هذا النوع من السياق الذي فيه الإشارة إن الإسلام سبق في كذا وكذا، كأنهم وصلوا لخير عظيم جدًا بس الإسلام سبقهم إليه لا ينبغي التساهل مع هذه المقارنات على حد قول الشاعر: ألم تر أن السيف ينقص قدره ... إذا قيل إن السيف أمضى من العصى هل هذه مقارنة تنفع يوضع شريعة الخالق تقارن مع شريعة المخلوقين شريعة الإله مع شريعة عباده، بجانب أن ما العورات والمآخذ التي تؤخذ على هذه الإجراءات وكيف أنها تتخذ سبيلاً لفرض ثقافة مخالفة على الأمة الإسلامية وهذا ليس موضوع حديثنا حتى لا نخرج عن الموضوع الأساسي. جاء هذا الدستور العظيم ليعلن أن الإنسان هو أكرم مخلوق على وجه الأرض يقول تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} (¬1) فعلا أي إنسان عاقل وجهاز الاستقبال في قلبه يعني يستقبل الموج بطريقة صحيحة فعلاً إذا قرأ هذا السياق لا يمكن يتصور أن يتكلم بهذا مخلوق، يمكن تكلمنا قبل هكذا تقريبًا عن الروح الربانية المبثوثة داخل القرآن الكريم، يعني لا يمكن أبدًا أن يكون هذا من كلام البشر {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} كرمنا بني آدم يعني الحضارة الغربية في هذا الوقت بم تفرح؟ وما تلك النظريات التي تفرح بها؟. ¬

_ (¬1) الإسراء: 70.

الأطفال عند الفلاسفة وعند الحضارة الغربية

الأطفال عند الفلاسفة وعند الحضارة الغربية: وبانية عليها فلسفتها كلها إهانة للإنسان أبلغ إهانة نيجي مثلاً على نظرية داروين التي يروج لها وتدرس للشباب في أحرج سن سن المراهقة أثناء الثانوية العامة يحفظوها مثل أساميهم ويدرسوا أدلات بدون نقد، بدون تعرض لنقدها، في ضوء العقيدة أو حتى في ضوء حقائق العلم، التي أثبت أنها خرافة ونظرية فاشلة تمامًا، ومع ذلك استغلت في نشر الإلحاد والظلم، كما ناقشت من قبل في التاريخ الدموي للشيوعية، فنظرية داروين بتتعامل مع الإنسان على إنه حيوان، وإن أصل الإنسان المفروض إن هو آدم، إن آدم هذا كان أقرب ما يكون من القرد، ويجيبوا لك الصور بقى المزعومة لترقي الإنسان التطور الـ Evolution قرد - وبعدين بيبدأ يرتفع قامته شوية - الجمجمة تتغير لحد ما وصل لإنسان، أيضًا أشبه ما يكون بالكائن المتوحش. فنظرية داروين إهانة عظيمة جدًا للبشرية قارن بين هذه النظرية الإجرامية الكاذبة على الله، وبين تكريم الإسلام لهذا الآدمي، صحيح آدم خلق من الطين من التراب والماء الطين، ولكنه شرف بماذا شرف بهذه النفخة الإلهية ثم سواه ونفخ فيه من روحه، فالإنسان كرمه الله - سبحانه وتعالى - القامة يقف ماشي على قدمين ليس على أربع، كرمه بأعظم نعمة وهي العقل الذي هو مناط التكليف، وميزه به عن سائر الحيوانات، لأ هم ينظروا للإنسان إنه حيوان وهذه لا بيعتبروها شتيمة، يعني في حوار من مدة بعيدة كنت أتناقش مع أحد الناس الكفرة دول الغربيين بيتكلم بطريقة معينة فبأقوله هذا هكذا بقى مثل الحيوانات، فاهوه ايستغرب جدًا كلامكي بقول طب ما احنا حيوانات، فهوه بيعتبرها شيء لا ينكر ما احنا حيوانات. نأتي لنظرية أخرى مدمرة وتمثل أبلغ إهانة وجهت للجنس البشري، وهي نظرية فرويد وكثر من الناس بتتصور إن فرويد يهودي هو فرويد ملحد من أصل يهودي، لكن فرويد ينكر الأديان تمامًا ينكر جميع الأديان ويقول إن الدين مرض نفسي عالمي ألمَّ بالبشرية، اضطراب نفسي، مثل الهلوسة والزهال والحاجات مثل هكذا فهذه نظرته للأديان كلها والنظرية مبنية على الخرافات ليس هناك أي أدلة علمية

ولذلك علم النفس زمان كان يحتكره الفلاسفة مكانش علم مستقل مثل الوقتي، لكن كان يحتكره الفلاسفة، من أجل أن هكذا كثيرًا من هذه النظريات مؤسسة على نظرية فرويد، ومش وقته أيضًا نفصل فيها بس هي كلمة كرمنا بني آدم هي التي أثارت هذه الشجون. ففرويد يضع الإنسان في مرتبة أحط من الحيوان لأن الحيوان الاهتمامات أو الدوافع التي تحركه الطاقة الحيوان الذي تحركه: (1) أعلى نسبة بتكون الدافع الوالدية الحنان على المولودين الصغار. (2) الطعام. (3) الشهوة. أما هو فيضع الإنسان في مرتبة أحط من الحيوان، يقول إن الدافع الوحيد الذي يدفع الإنسان هو دافع الشهوة، «شهوة النكاح» وكل النظريات مبنية عليها طيب وعقدة أوديب وعقدة أوليكترا والكلام هذا كله جايبه منين هذه أساطير يونانية يعني خرافات، كله كلام تشمئز منه النفوس. الإنسان يستصعب حتى أن يذكره في داخل المسجد من بشاعته وشناعته، ليس هكذا فقط شوف فرويد واحتقاره للمرأة من أشد الناس احتقارًا للمرأة، يدرج في ضمن الناس الذين يمارسون التمييز ضد المرأة الذي يزعمونه في حق الإسلام أن نظرته للمرأة في غاية الاحتقار والدونية، وأيضًا لن أقدر أفصل الكلام دلوقتي، يعني ينظر للإنسان إنه أحط من الحيوان، وهذه روح الحياة الغربية النظرة للإنسان على إنه حيوان. حتى علم النفس بتاعهم هذا من أكبر دلائل فشله أنه فصل بين هذه النفس وبين خالقها، مشكلة فيه اسمه علم النفس وهو لا يفقه شيئًا على الإطلاق عن حقيقة علم النفس البشرية، كيف يكون علم النفس هذا على صواب وهو ينكر الغيبيات، ينكر الخلق ينكر، الروح ينكر كل ما وراء الحس، والمادة، وكأن حقائق الوجود تنحصر فيما هو محسوس فقط، وما غاب عن الحس ينبغي أن ننكره، أو ما

الأطفال في النصرانية

كما يسميه زكي نجيب محمود إيه: خرافة الميتافيزيقا، الغيب يعني خرافة الميتافيزيقا وبيقعدوا يجيبوا المصطلحات المكعبلة التي يرهبون بها الناس، يعني هم الناس بتوع العلم والناس المثقفين، أما الإسلاميين فدول بتوع الظلام والرجعية والتخلف والقهر والمرأة ومش عارف إيه إلى آخره، فهذا نوع من البلطجة الفكرية التي تمارس بالذات مع الإسلام، فيرمونها دائمًا بما هم أولى بها من غيرهم، فالتكريم الحقيقي لم يجده الإنسان إلا في ظل شريعة الإسلام {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} عندنا في الإسلام الإنسان لما يعمل عمل صالح مثلاً مثل الحج «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» (¬1). لما واحد بيحب بقى أعرف أمنية يعرف ربنا هكذا - سبحانه وتعالى - يعيده من ذنوبه كيوم ولدته أمه هذه أعظم حاجة صفحة بيضاء نقية، لا يوجد فيها أي بقعة سوداء، فمن ثواب بعض الأعمال الصالحة إن من فعلها رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، لماذا لأن النقاء والطهارة والصفاء والخلق على أحسن تقويم، أحسن صورة، وأحسن فطرة هي فطرة الإسلام {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (¬2). الأطفال في النصرانية: نرجع للنصرانية مثلاً أسود يوم في حياة الإنسان هو اليوم الذي ولد فيه، لأن في زعم هؤلاء أنه يولد وارثًا الخطيئة الأصلية Original sin التى هى والعياذ بالله يزعمون أنها خطيئة آدم - صلى الله عليه وسلم -، فهذه بتتورث وكل ذرية آدم بتولد ملطخة بخطيئة آدم في زعمهم وعشان هكذا بيحتاج الاعتقاد والعياذ بالله في صلب المسيح باعتبار المزعوم طبعا باعتبار إن هذا الفداء الذي قدم حتى يطهر البشر من خطيئة آدم ¬

_ (¬1) صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) الروم: 3.

الموروثة هذا ربنا يقول: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)} (¬1). يعني كلمة {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)} هذه نزلت فين في صحف موسى وإبراهيم الذي وفَّى هذه بالضبط موجودة في كتب الأنبياء السابقين يعني ليس فقط خصيصة الإسلام لكن هم الذين حرفوا {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} (¬2) كلام فعلاً لا يقوله إلا إله الخالق، وعشان هكذا أيضًا بيحتاج للتغطيس والتعميد، من أجل أن التعميد يمسح هذه الخطيئة، وطبعا فيه تناقض منين بتقولوا إن الصلب كفر الخطيئة عن البشر ومنين ما زال ملوث أيضًا ومحتاج تعميد من أجل أن ينفع يدخل الجنة يكون على دينهم. يعني فالشاهد هذا ينافي التكريم، ولذلك الناس في كل الدنيا الآن بتنفر من هذا الدين نتيجة شيء لافت ولا عقل ولا علم، كيف يكون الطفل المسكين يولد وهو محمل بأوزار وخطيئة مزعومة، وأصلاً ليست خطيئة أصلية لأن آدم - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يهبط إلى الأرض طهره الله من هذه المخالفة ثم تاب عليه فالله - سبحانه وتعالى - تاب على آدم وعلمه كيف يتوب. فآدم نزل إلى الأرض وهو مطهر تمامًا من هذه الخطيئة، لكن نزوله إلى الأرض كان قدرًا مقدورًا كما هو معلوم، فالشاهد هذا أيضًا من مظاهر التكريم فمن الذي يكرم ومن الذي يهين، يقول جاء هذا الدستور العظيم ليعلن أن الإنسان هو أكرم مخلوق على وجه الأرض يقول تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} (¬3) ¬

_ (¬1) النجم: 36 - 38. (¬2) النجم: 36 - 41. (¬3) الإسراء: 70.

طبعًا الأطفال داخلين في بني آدم المكرمين فضلاً عن اعتبار الأطفال أغلى وأثمن هدية يهبها الله للإنسان يقول تعالى {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)} (¬1) إن المتأمل للتوجيهات الواردة في هذا الدستور الرباني المعجز المتعلقة بالطفولة يجدها تتصف بالشمولية الممتزجة بمراعاة الحاجات المادية والروحية للطفل مع التحديد الواضح للمسئوليات الدينية والدنيوية المرتبطة بها. كما أن إعادة النظر مرتين في تلك النصوص والتوجيهات تكشف لنا عمق اهتمام هذا الدستور بالطفل سواء كان سويًا أم معاقًا يعيش في أحضان أسرته أو كان يتيمًا أو لطيمًا فقد حنان الأبوين معًا أو كان لقيطًا لا نعرف له أبًا ولا أما وإذا زدنا من عمليات التحليل المنهجي لبنود هذا الدستور الخالد، سوف نلاحظ أن ضمانات حقوق هذا الطفل تنوعت بتنوع حالته وبحسب تدرج نموه الجسمي والعقلي والاجتماعي والنفسي، لا بل تعدى الأمر أبعد من ذلك حين جاءت بعض بنود هذا الدستور ذات صبغة وقائية يعني فيه تشريعات في الإسلام تاخد كمان الإجراء الوقائي حتى قبل حدوث الحمل أو أثناء حدوث الحمل، فالإسلام تعامل مع الأطفال بطريقة فيها حصانة وفيها إجراءات وقائية حتى قبل ما يحصل حمل أو أثناء الحمل فضلاً عما حقوق الجنين أو الطفل بعد الميلاد. انتبهوا هنا يقول لذلك فليس مستغربًا أن تعتبر هيئة الأمم المتحدة نظام الطفولة في الإسلام نظامًا مثاليًا لرعاية الطفولة، نفس الأمم المتحدة اعترفت في بعض إصداراتها أن نظام الطفولة في الإسلام نظام مثالي لرعاية الطفولة خاصة المحرومة منها، الطفولة المحرومة. وأفردت البند العشرين من بنودها الذي أكد أهمية تطبيق نظام الكفالة في الشريعة الإسلامية، طبعًا لو هنفصل بقى إن هم كفار أو هيئة عالمية وأصدرت هذا البيان والحقيقة إن الإسلام بيفرض نفسه بيفرض نفسه بطريقة عجيبة جدًا على كل الأصعدة، يعني في مكتبة الكنوجرس في سقف المكتبة عاملين سبع موارد للحضارة البشرية الحضارة البشرية استمدت روافد من سبع حضارات الحضارة الصينية، ¬

_ (¬1) الشورى: 49.

القدماء المصريين، الحضارة الرومانية، إلى آخره، لكن جم عند الإسلام عملوا شيء غريب جدًا ما قالوش الحضارة الإسلامية قالوا الإسلام، هذا في سقف مكتبة الكونجرس، فكاتبين الحضارة الصينية، الحضارة الفرعونية، القديمة حضارة، كذا. لكن عند الأمة الإسلامية ما قالوش الحضارة الإسلامية قالوا الإسلام، بمعنى إنه كدين متميز وطبع آثاره الإلهية على حضارة البشر والإنسان، ولو حاولنا إن احنا نبرز مفاخر الحضارة الإسلامية في كل مجال الحديث يطول جدًا، يعني لما نلاقي في ألمانيا معهد مخصوص لمحمد بن حسن الشيباني من شدة إعجاب علماء الألمان بهذا الأمر أقاموا معهد مخصوص باسم محمد بن حسن الشيباني اعترافًا بريادته في مناقشة قضايا القانون الدولي هو مؤسس القانون الدولي في نظر الغربيين، ويحتفلون به وفيه معهد باسمه في ألمانيا فنجد أننا لسنا نعرف نفسنا مثل ما أعدائنا بيكونوا عارفينا. في الحقيقة أذكر في يوم من الأيام ريجن وأيام ما كان رئيس أمريكا قال واعترف تخرج من أسنانهم بالعافية، لأن هذا واقع ما يقدرش ينكره، قال إن أمريكا مدينة للإسلام في إحداث إصلاح اجتماعي في المجتمع الأمريكي. طبعًا هو يشير للمسلمين الأفارقة الأمريكان السود الذين هم بالطبع وجهوا توجيه معين لنشر المخدرات والجهل فيهم وتصعيد التعليم عليهم، بحيث أصبحوا فئات ضد المجتمع في كثير من الأحوال نسبة الإجرام عالية والقتل والمخدرات إلى آخره، فلاحظوا سواء داخل السجون الأمريكية أو في المجتمع ككل إن الشيء الوحيد الذي يعالج هؤلاء الإجراميين هو اعتناق الإسلام، وأنه الواحد المجرم الذي شخصية مضادة للمجتمع أو العدوانى بمجرد ما يدخل في الإسلام بيتحول لشخص مختلف تمامًا في كل صفاته وسلوكياته ويصبح نافعًا للآخرين، وتنخفض الجريمة، وهذه الأشياء. فهذا رئيس أمريكا رسميًا اعترف مثل هذا فالشاهد إن هذا أيضًا يعتبر اعتراف له قيمة حقيقة إن هيئة الأمم المتحدة نفسها بتعتبر رسميًا أن نظام الطفولة في الإسلام لم يأتوا أي دين تاني، هم لا يجاملونا،

لأنهم أبعد الناس إن هم يجاملونا أو يظهرونا في صورة حسنة، لكن أن هذا واقع ضاغط وفارض نفسه هيئة الأمة تعتبر نظام طفولة الإسلام نظامًا مثاليًا لرعاية الطفولة خاصة المحرومة منها. وأفردت البند العشرين من بنودها والذي أكد أهمية تطبيق نظام الكفالة في الشريعة الإسلامية، فمن أبرز مفاخر الحضارة الإسلامية في حقل العناية بالطفل لو بصينا نظرنا لكم الكتب التي صنفت في التاريخ الإسلامي للعناية بالدراسات التربوية والطبية التي خصصت للأطفال طبعًا لو هانقعد نتكلم فعلاً مئات من الكتب والبحوث في كل العصور الإسلامية تتكلم عن حقوق الطفل تربية الطفل تأديبه، ونحو ذلك مثلاً الرازي له كتاب «تدبير الصبيان»، غريب بن سعيد الكاتب القرطبي له كتاب «خلق الجنين، وتدبير الحمالى والمولودين» ابن الجزار القيرواني له، «سياسة الصبيان وتدبيرهم» أحمد بن محمد الألبلدي له كتاب «تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم الإمام ابن قيم الجوزيه له كتابه المشهور «تحفة المودود بأحكام المولود» الإمام ابن الجوزي له كتاب «لفتة الكبد في نصيحة الولد، محمد بن محمود ابن الحسين الأستروشني متوفي سنة 652 هـ له كتاب «جامع أحكام الصغار، تحدث فيه عن جميع الأحكام المتعلقة بأفعال غير المكلفين، نلاحظ أيضًا علماء أصول الفقه يناقشون موضوع الأهلية وأقسامها ويبينون فيه أحكام الجنين والطفولة والبلوغ والرشد وأحكام الصغير. كما أن الفقهاء في العادة يفردون بابًا خاصًا في كتب الأشباه والنظائر لأحكام الصبيان المختلفة وغيرها، ابن العزيز الحلبي توفي سنة 660 هـ له كتاب «الدراري في ذكر الذراي، ابن قتيبة الدينواري له أيضًا وصية لابنه مخطوطة، الإمام السبكي كثير جدًا من العلماء لهم وصايا لأن للأبناء فالقائمة تطول جدًا وسنخرج عن سياق إذا استطردنا هذا شيء معروف، هناك مئات من الكتب والأبواب تناقش حقوق الأطفال.

يقول هنا إن الأمر خطورة مسألة الاهتمام بالأطفال، يعني هو وراء هذا البحث يعني المختصر ليريد أن يبين كيف تمكنت الحضارة الإسلامية عن طريق برامجها الناضجة، ومثلها السامية، التي أخذت بأيدي الأطفال الذين حملوا قناديل الخير إلى كافة أرجاء المعمورة، عندما تكامل نموهم وثقلت شخصيتهم، في ظل رعاية شمولية وازنت بين حاجات الجسد والروح، يقول إن هذه الدراسة لا تتبع جميع الجوانب المتعلقة بالطفل، لكنها تنصب على تتبع اللمسات الحانية التي قدمتها الحضارة الإسلامية للطفولة، على مستوى القول والممارسة مع التركيز على حقوق الطفل وثمار اللمسات الحانية على عطاء وإبداع الأطفال. لعلنا نستطيع أن نصل من قطع من هذا التراث الخالد ونبتغي سبيله، هذا ما يساعدنا على نهضتنا من خلال الارتكاز على أن أصالة هذا التراث مع الاستفادة من كل ما يجد لا يتصادم مع ثوابتنا الحضارية، في صدر الفصل الأول هو حقوق الطفل في الحضارة الإسلامية، العبارة تروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول فيها من حقوق الولد على أبيه أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب، يذكر أن أول حق من حقوق الطفل في الإسلام هو اختيار الأم الصالحة. هذا إجراء وقائي عجيب جدًا لأن ليس طفل أصلاً، هذا ما زال واحد بيخطب يريد أن يتزوج وهايخطب مشروع زواج فقط، ومع ذلك بيفكر في أولاده منذ هذه اللحظة، وهذا طبعًا مما تنفرد به تمامًا الشريعة الإسلامية. لم يوجد إطلاقًا أحد يهتم بهذه القضية كما يهتم بها الإسلام، فالإسلام يؤكد على أن الأم هي حجر الزاوية الذي ترتكز عليه كل البرامج الخاصة، برعاية الطفولة، فالأم الصالحة المؤمنة تعني طفولة راشدة، وسوية، والأم الفاسقة المتمردة تعني طفولة مشوشة ومضطربة، لذا جاءت التوجيهات النبوية الخالدة لتؤكد على ضرورة التحري والتروي عند اختيار الزوجة هنا يستدل ببعض الأحاديث لم تصح، لكن في الجملة هي مقبولة حتى من الناحية العلمية التي هي تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وأنكحوا

إليهم، لكن هذا الحديث هو أشار إلى الشيخ الألباني - صلى الله عليه وسلم - صححه في سلسلة الأحاديث الصحيحة «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ» (¬1) فهذا حديث صحيح يؤكد هذا المعنى يروى أيضًا «تَخَيَّرُوْا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ العِرْقَ دَسَّاسْ» (¬2). وهذه إشارة إلى أثر الناحية الجينية، إن الوراثة تتدخل في صفات المخلوق سواء كانت الصفات الجسدية أو الصفات النفسية، كما حذر نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - في أكثر مناسبة من النظر إلى الشكل دون الجوهر لما في ذلك من نتائج سيئة على التربية، لأن الإنسان ابن البيئة، فإذا كانت المرأة في منبت سيء فينعكس ذلك على أخلاقها، وأسلوب تربيتها لأبنائها، ويستدل هنا بالحديث الضعيف المشهور «إِيَّاكُمْ وَخَضْرَاءُ الدِّمَنْ» قيل يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: «الحَسْنَاءُ فِيْ المَنْبَتِ السُّوْءِ» (¬3) الحديث ضعيف لكن يندرج تحت المعاني العامة التي أشرنا إليها. وكان حكماء العرب يخشون الجمال الفائق إذا لم يكن مصونًا بخلق قويم، وهذا الذي أشار إليه القرآن من طرف خفي حينما تحدث عن الحور العين فإن الله - سبحانه وتعالى - ما وصفهن بالجمال إلا وقرن بصفة الجمال ما يدل على العفاف العفة {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} (¬4) حور واسعات الأعين وهي إشارة إلى الجمال ثم قال {مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)} يعني أن نظرهن مقصور على أزواجهن وهذه إشارة إلى العفة، روي إلى أكثم ابن صيفي أحد حكماء العرب المشهورين قال لولده يا بني لا يحملنكم جمال النساء على صراحة النسب، يعني لا تقدموا البحث عن الجمال في مقابلة على حساب النسب. ¬

_ (¬1) سنن ابن ماجه من حديث عائشة - رضي الله عنها -، صححه الألباني مقدمة. (¬2) وَفِي الزَّوَائِد فِي إِسْنَاده الْحَارِث بْن عِمْرَان الْمَدِينِيّ قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَالْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ لَا أَصْل لَهُ يَعْنِي هَذَا الْحَدِيث عَنْ الثِّقَات وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوك وَاَللَّه أَعْلَم. نقلاً عن منتدى أهل الحديث على شبكة الإنترنت. (¬3) رواه الشهاب القضاعي في مسنده، وقال الألباني مقدمة (ضعيف جدًا). (¬4) الرحمن: 72.

في مناسبات أخرى نجده - صلى الله عليه وسلم - يشجع على اختيار المرأة المتدينة الصالحة، وترجيحها على المرأة الحسناء إذا كانت تفتقد ميزة الصلاح والتدين يقول - صلى الله عليه وسلم - «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» (¬1) أيضًا اعتبرها النبي - صلى الله عليه وسلم - خير متاع الدنيا فقال - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» (¬2). كيف ولا وهي الوعاء الذي ينضم بين جوانبه حصيلة العطف الأبوي، فهي إذًا كالأرض المرأة مثل الأرض جودة الناتج، تابعة لجودة التربة، أرض ستوضع فيها البذور فالمرأة مثل الأرض ولذلك قال تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (¬3). فشبه الزواج بأنه بتزرع في أرض أو ترعى فيها البذور فهل يختلف اثنان في أن نوع التربة له تأثير في نوعية الحصاد أو الثمار التي تخرج، طبعًا أكيد الذين يفهمون في الزراعة يفقهون هذا المعنى جيدًا اختر الأرض التي تبذر فيها حتى لا تخيب أملك بعد ذلك، أو تنتج لك يعني زرعًا رديئًا فالمرأة كالأرض جودة الناتج تابعة لجودة التربة، وقد سئل فاروق الأمة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن حق الولد على أبيه فقال «أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه القرآن» «أن ينتقي أمه إشارة لنفس هذا المعنى اختيار الأم لا يوجد إجرائي وقائي إطلاقًا في العالم سيكون أجمل من الاهتمام بالطفل قبل أن يولد من ساعة اختيار الأم التي تكون حرثًا لهذا الزرع. يؤكد هذه الحقوق الفقيه الشافعي الماوردي - صلى الله عليه وسلم - المتوفي سنة 450 في كتابه نصيحة الملوك يقول: «فمن أول حق الولد أن ينتقي أمه ويتخير منهن الشريفة الدينة العفيفة العاقلة لأمورها المرضية في أخلاقها المواتية لزوجها في أحوالها، وجاء في الوصية عثمان بن ابي العاص الثقفي أحد صلحاء عصره لأولاده «يا بني النكاح مغتُرث يعني موضع غرس فلينظر امرئ حيث يضع غرسه والعرق السوء قلما ينجب فتخيروا ولو بعد حين». ¬

_ (¬1) متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) سنن النسائي، مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، (صححه الألباني). (¬3) البقرة: 223.

ويروى أن أبا الأسود الدؤلي امتن على بنيه باختياره أمهم ذات خلق وعفة فقال لهم «لقد أحسنت إليكم صغارًا وكبارًا وقبل أن تولدوا» فقالوا وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد قال أخذت لكم من الأمهات من لا تسبون بها. يقول الرياشي «فأول إحساني إليكم تخيلي لماجدة الأعراف بادٍ عفافها» أيضًا يفاخر الأبناء أنه اختار لهم أمًا لا يعيرون بها، فأول إحسان إليكم تخيلي لماجدة الأعراف باد عفافها، لذا قيل إن الأمة الصالحة التي تهز سرير وليدها بيمينها تهز العالم بيسارها، وأنه بصلاحها تصلح الأمة كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم: الأم مدرسة إذا أعددتها ... أعددت شعبًا طيب الأعراق الأم روض إذا تعهده الحيا بالري ... أورق أيما إيراق إيراق الأم أستاذ الأساتذة الأولى ... شغلت مآثرهم مدى الآفاق هذا الفاروق عمر - رضي الله عنه - يروى عنه أنه أنب أحد الآباء على تفصيله في اختيار الزوجة المناسبة فتفصيل ذلك أن رجلاً جاء يشكو حقوق ولده فأحضر عمر - رضي الله عنه - الولد وأنبه على عقوقه لأبيه فقال الولد يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه قال عمر بلى أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب قال الولد يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئًا من ذلك أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي وقد سماني جعلا جعل وهو الخنفساء ولم يعلمني من الكتاب حرفًا واحدًا فالتفت عمر - رضي الله عنه - إلى الرجل وقال له جئت إلي تشكوا عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك وأسئت أليه قبل أن يسيئ إليك. رغم أن هذه القصة مشهورة هو لم يسنده في الحقيقة هي قصة مشهورة لكن احنا عايزين ننمى الحاسة النقدية ليس كل شيء حتى لو عجبنا أو يخدم موضوع نتكلم فيه نسلم له في لكوا رأي في القصة هذه؟ جاء لى خاطر أننا نسمي السلسلة لأني معترض بعض الشيء على كلمة الأمية التربوية الإخوة حرفوها وخلوها محو الأمية التربوية وأنا مسميها في الأول «ضرورة محو الأمية التربوية» لأن فيها نوع من الاستعلاء إحنا بقى المتعلمين وهانمحو الأمية بتاعة التربية بتاعة الناس، طبعًا هذا كلام ليس بصحيح،

لكن هذا كانت فقط في مقدمة البحث من زمان قوي لكن فكرت إن احنا نسمي السلسلة «بر الأبناء» أو «بر الأولاد». لكن في الحقيقة احنا لما نروح للشريعة الإسلامية نلاحظ هكذا الموضوع على بعضه هكذا نلاحظ إن الشريعة الإسلامية لم تأتي نصوص صريحة وقوية ومحررة على أن يبر الآباء الأبناء، وإنما جاء العكس يعني يمكن من أجل أن نستدل على مسألة بر الآباء للأبناء هنتعب شوية من أجل أن نجيب دليل يعني مثل إيه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (¬1) هنلاحظ هنا الآية برضوا عامة يعني شاملة شاملة النفس والآباء والزوجان إلى آخره لكن بالعكس صريح وصارخ في النصوص الإسلامية القرآن الكريم الكلام على بر الوالدين، إنه دائمًا يأتي عقب الأمر بالتوحيد {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (¬2) إلى نحو ذلك. فنلاحظ إن مكانة بر الوالدين في الإسلام مكانة عظيمة جدًا وهي من الميزات الرائعة في الشريعة الإسلامية، فلم تكفل الوصية بالأبناء في النصوص، فإذا تأملنا ما وراء هذا المسلك، يعني ليه الشريعة ما سوتش في هذه المسألة؟ إحنا فاكرين لما كنا بنتكلم أو يمكن هانتكلم إن شاء الله بكرة في الكلام على الأطعمة أحكام الأطعمة هتجد إن فيه أشياء لأن الفطرة بتأباها تجد الشريعة لم تتعرض لها كثيرًا يعني ليس شريعة مثلاً عفوًا تنهي إنسان أن يأكل الغائط والنجاسات، لأن الوازع الفطري في الإنسان يتأفف، من هذا الإنسان السوي يتأفف من هذا هل الإنسان ممكن أن يتصور لهذا، بالعكس تبشعه جدًا فاكتفي بالدافع الطبعي ولم يحتج إلى زاجر شرعي فالزاجر النفور الإنسان اكتفي به في مثل هذا {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (¬3) حتى بين الوحوش هي فطرة الرحمة والإحسان إلى هذه المخلوقات الضعيفة. أولاً: الله - سبحانه وتعالى - ليس معناه إنه أهمل معاذ الله توصية الآباء على الأبناء لأ لأن الله الذي خلق الآباء خلق فيهم الرحمة طبعًا الآباء الأسوياء كل قاعدة لها استثناء، لكن الأب السوي والأم السوية يبقى فيه ¬

_ (¬1) التحريم: 6. (¬2) النساء: 36. (¬3) الروم: 30.

رحمة تجاه هؤلاء الأطفال، نتيجة هذا الدافع الفطري دافع أو غريزة الأبوة والأمومة محصلش تركيز كثير في النصوص اكتفاءًا بالدافع الفطري بجانب الدافع الإيماني طبعًا النصوص التي تحرض على ذلك كثيرة، مثل ما احنا شفنا اللى جه لما تأتي تفتش بقى في الشريعة تلاقي حق الحضانة، وحق النفقة، وحق النسب، وحق كذا فيه حقوق، وهي ثابتة في الشريعة الطفل له حقوق ما ينكر ذلك أحد، لكن مجتش بالوصاية، وصاية الآباء بالأبناء بنفس النمط الذي جه بالعكس لأن دائمًا الابن هو دائمًا الذي يقصر هو الأب. غالبًا لا يقصر الأب غالبًا يبقى ماشي في اتجاه واحد اتجاه العطاء لا ينتظر مقابل كما جاء في بعض الآثار إن الفرق بين الذي يخدم أباه أو أمه عند الكبر وهذه بنشوفها الحقيقة الفرق بين الرعاية بتاعة الأب أو الأم والطفل وهو صغير والفرق بين ما يحاول يرد الجميل وهم كبار يرد إلى أرذل العمر قال كانت تخدمك وتتمنى بقائك تتمنى لك الحياة أما أنت لما بتيجي تكبر تقول إمتا بقى ربنا يكرمها للأسف الشديد بنسمع الكلمة هذه يكرمها يعني يريحنا بقى وتموت، هذا الذي نراه للأسف الشديد، ونماذج مؤلمة جدًا بتحصل، فهي أمامك العمر الطويل ومستعدة للتحمل لأقصى مدى، أما أنت فمع إن خلاص يعني طال عليك عمرها وهو قصير مهما طال هايطول قد إيه وبتنتهي في الآخر ففعلاً حتى الواقع يؤكد إن حكمة الشريعة الإسلامية إنها ما ركزتش بالطريقة الصريحة في موضوع إن الأبناء لهم حقوق على الآباء هي حقوق موجودة وثابتة شرعًا كما سنفصلها إن شاء الله لكن ليس بنفس قوة أمر الآباء ببر الوالدين. أيضًا هناك معنى آخر والله تعالى أعلم وهو أن دين الأبوين على الإنسان دين غير قابل للسداد، مهما عملت لن تقدر توفيه، الدين الذي أسداه إليك أبواك غير قابل للسداد لو عملت أي شيء فلن تسده لا فلوس هتقدر تسده مهما فعلت، سواء تعب الأم في الحمل والمعاناة التي تعانيها، فترات الحمل، ثم في الولادة، ثم في الرضاعة، والتنظيف، والتربية وكذا وكذا كله عطاء في اتجاه واحد، لم ولن ينتظروا منه شيء كذلك الأب كل يقوم بدوره المناسب، يعني في تنشئة هؤلاء الأبناء، يكفي أن أباك وأمك أسديا إليك أعظم نعمة، وهي نعمة الحياة.

ألم يقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ» (¬1) ليس هكذا ليست هذه من الإسلام والإسلام قال «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ فَقَدْ كَفَرَ» الذي يجحد الإحسان الذي يحسن إليه ويقول: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)} (¬2) «الجزاء من جنس العمل» أبوك أسدى إليك شيء أنت لا يمكن تستطيع أن ترده، وهو أنه سبب في وجودك سبب في نعمة الحياة التي أكرمك الله بها، هو كان سبب ليس هو الذي يحييك لكن سبب، ونحن مع أنه مجرد سبب والخالق الحقيقي هو الله، لكن كما هو الشأن في الصور الأخرى من الإحسان التي يحسن فيها الإنسان إلى آخر فيقول له جزاء الله خيرًا أو يعترف بفضله ولا يجحده. فنفس الشيء أبوك أو أمك هو السبب في وجودك للحياة، فكيف سترد هذا الجميل، ولذلك سنلاحظ في الشريعة الإسلامية الأبوان لهم مكانه هكذا يعني شبه مقدسة، الأبوان بالذات فحتى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الأبوين مينفعش استعمال الزجر، ممكن مع شخص آخر تقول يا يفاسق، يا عدو الله، يا عدو نفسي، تفعل كذا وكذا. لكن مع الأب حتى لو يعمل نفس الشيء الذي هو فسق لا يصلح تكلمه بالعنف أو بالقسوة، وإنما فقط نمارس معه مرتبة التعريف والوعظ والنصح بالكلام اللطيف دون خشونة فضلاً، عن التغيير باليد عن طريق الضرب ونحو ذلك {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (¬3) مجردة كلمة {أُفٍّ} التي هي تعبير عن الضجر والتأفف {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (¬4) والله يكره للمسلم الذل، لكن الذل هنا النابع نابع من الشعور بالرحمة تجاه والديه فهذا يحبه الله التذلل للوالدين رحمة به من الرحمة {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} فتذكر كلمة {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}. ¬

_ (¬1) سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - (صححه الألباني). (¬2) الرحمن: 60. (¬3) الإسراء: 23. (¬4) الإسراء: 23 - 24.

إنت كنت ضعيف ولا ينتظرون منك أي شيء يعني حتى كلمة الشكر، لأنك في عالم آخر، لا تحس بما يدور حولك، لذلك في الشريعة الإسلامية تجد الأب له استثناءات والأم لهم أوضاع استثنائية لأن الأب لا يعامل بالمثل، ومينفعش مع أبيك إنك تاخد حقك، فحتى لو وقع من الأب ظلم أو تقصير لا يسقط حقه بالمثل أبدًا حتى ولو كان الأب مخلوق موجود على ظهر الأرض، وهو الشخص الذي هو الكافر ليس بس كافر هذا داعية إلى الكفر، ومش بس داعية إلى الكفر هذا بيجاهد لدعوة ابنه إلى الكفر {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (¬1). تأمل إيه معنى الآية الكريمة {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} مع مين مع واحد مشرك وداعية إلى الكفر، وكمان لا يدعو فقط بل إنه بيجاهد إلى الكفر ليدخل ابنه في هذا الكفر قال الله - سبحانه وتعالى -: فلا تطعهما في الكفر ومع ذلك يبقى حقهما حتى ولو كانا كافرين، لاحظت كثير جدًا الإخوة الذين يدخلون في الإسلام بالذات اعرف ناس كثير طبعًا فا يحصل عند كثير جدًا من الآباء والأمهات بيبالغ من الدخول في دين الإسلام لأنه هذا الأخ الذي أسلم هذا قبل إسلامه شخصية خطيرة جدًا في غاية السوء، ولمجرد الإسلام بيتحول لأحسن واحد في أولادها، أو أولاد الأب. وبالتالي بيعرفوا الإسلام هو الذي غيره والغربيين بيحسدوننا جدًا على مكانة الأبوين، بس الغربيين الكبار في السن، يعني واحد مرة أمريكي كان محبوس في المستشفى وأحد الأخوة من البلاد العربية كان جاي بيمارس الدور العادي الذي أي ابن مسلم بيفعله مع أبويه في حالة المرض، هم موجودين يظهر في عنبر واحد كان سان استيفانوا أو لوس انجلوس لا أتذكر ولكن هو الأخ الذي يحكي لي بنفسه المهم الأمريكان بقوا قاعدين مبهورين جدًا ما الذي يحصل هذا، حاجة طبعًا عمرهم ما شافوها كيف يسهر الابن على بر أمه ورعايتها، والإحسان إليها، والتلطف معها، طبعًا أشياء كأنهم بيشوفوا حاجات، وهذه التي جعلت الناس في شرق آسيا تدخل في الإسلام بدون أن تراق قطرة دم. أكبر دولة إسلامية هي أندونيسيا ما حصل جهاد إطلاقًا فتحت بأخلاق التجار المسلمين، هؤلاء التجار الذين كانوا دعاة في مثل تجار المتنكرين في مثل تجار، لكن في الحقيقة كانوا دعاة بسلوكهم ¬

_ (¬1) لقمان: 15.

وأخلاقهم، فنفس الشيء يحصل لما بيتطلعوا على وبالذات الآباء الذين يعانوا عقوق الأبناء، وهذ هو الأصل في التعامل في الغرب، من أجل أن هكذا احتاجوا يعملوا يوم في السنة يفتكروا فيه الأم، يعمل لها كارت يديها واحد مكالمة في السنة، العقوق هناك هو الأصل لأن نفس الجيل ده الذين هم الكبار في هذا الوقت قبل هكذا عقوا لأنهم محرومون من نعمة الإسلام التي تهذب العلاقة بين الآباء والأبناء. ففي الشريعة الإسلامية لما بيجيلي إخوة أحيانًا يشتكون من تقصير الآباء فبأقوله بتجيب له الصورة المذكورة في القرآن الكريم {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} قول له قارن والدك بين هذا الأب أو هذه الأم قطعًا سيكون والدك أحسن لأنه مسلم حتى لو كان عاصيًا أو كذا أو كذا من الأشياء الرديئة لكن مع ذلك فهو أولى بأن تصاحبه في الدنيا معروفًا، لا يصلح إن الأب تعامله بالمثل مثل ما بتعامل واحد صاحبك أو بتعامل واحد غريب ظلمك، لأ، الأب له استثناءات والعلاقة مع الأبوين علاقة في غاية الحساسية في الشريعة الإسلامية، وهذه من أعظم محاسن هذه الشريعة الإسلامية، فمينفعش إن أباك تأخذ منه حقك تقول بقى القصاص السن بالسن، ولا بتخضع وتذل لأن الله أمرك بالذل وطبعًا التربية الحديثة للأسف بتنفخ الأولاد نفخ شيطاني، بحيث إنه بيتعامل مع الآباء بعدم رحمة وبنوع من الندية وسوء الأدب وهذا للأسف كثير جدًا الناس بدأت تتأثر بالثقافة الغربية. قصة عمر لا أعرف ممكن لو احنا لا نعرف سببها إيه بالضبط لم أتفرغ للبحث عن سندها لكن لم لن تأتي بجديد؟ لأن كل الحقوق هذه وأضعاف أضعاف مثبتة من نصوص القرآن الكتب وفي السنة وسيرة السلف الصالح، الطفل له حقوق لكن ليس هناك تماثل بين صرامة الشريعة في الأمر ببر الوالدين وبين آداء حقوق الأبناء على الآباء ما فيش أب بيبر الأبناء، لكن فيه أمور كثيرة تفسر هذا النوع من البر، ففيه بر للأبناء لكن أولاً: الفطرة تتكفل غالبًا بهذه العملية. ثانيًا: الشريعة في أبواب الفقه وغيرها تضمن أيضًا هذه الحقوق والشريعة الشريعة تلزم الأب المقصر بالحقوق. أليس هكذا الحضانة والنفقة وكذا كذا كل هذه الأشياء بتلزمه فهو فيه حقوق، لكن أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه المراد يبقى صعب الحقيقة،

أتخيل ولا أعرف أنا شاعر كلمة عمر يقول له «جئت إلي تشكوا عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن يسيئ إليك» في النفس منها شيء لأن أصلاً معندناش سند، فيه سند نحاول نتقبلها أولاً، هذه تحصل أمام الأب أيضًا هذه كناحية تربوية ما بيحصلش، المفروض لما بتيجي توبخ الأب ما تكلموش قدام الابن فتجرئه على العقوق، لكن عايزين ننمي النزعة النقدية ما دام الموضوع من حيث السند لم يثبت. يقول وقد أثبت علم الوراثة بأن الطفل يكتسب صفات أبويه الخلقية والجسمية والعقلية منذ الولادة لذلك روي في الحديث «تَخَيَّرُوْا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ النِّسَاءَ يَلِدْنَ أَشْبَاهَ إِخْوَانَهُنَّ وَأَخَوَاتَهُنَّ» (¬1) وفي رواية: «اطْلُبُوْا مَوَاضِعَ الأَكْفَاءِ لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا أَشْبَهَ أَخْوَالَهُ» طبعًا هذا سبب حديث صحيح وذكرناه من قبل هكذا كان هذا الإجراء الوقائي لحقوق الطفل، يبدأ في حضانة الإسلام من اختيار الأم وهي لافتة حضارية سامية لم ينتبه لها العالم إلا في عصوره المتأخرة هذا أول حق من حقوق الأبناء اختيار الأم الصالحة. ثانيًا: حق الحياة لقد كانت التشريعات والقوانين في العالم القديم كما تقدم تعطي للأب أو الأخ الأكبر الحق المطلق في منح أو منع حق الحياة للأبناء فجاء الإسلام ونزع حق تصرف الآباء لأولاده لأن الإسلام لا ينظر للطفل على إنه شيء أنت تملك كما تملك الكرسي والسيارة والدابة وكذا، لأ الطفل شيء أنت مؤتمن على تربيته، وتجتهد في تربيته، كي ينشأ بعد هكذا ليستقل منك ويواجه الحياة بصورة سوية، فجاء الإسلام ونزع حق تصرف الآباء بأولادهم. واعتبر قتل الأبناء لأي سبب من الأسباب من الجرائم الكبرى والذنوب العظيمة يقول الله - سبحانه وتعالى - {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)} (¬2) كما نصت الأحاديث النبوية الشريفة على أن من السبع الموبقات المهلكات ذكر فيها: [الشرك بالله ثم ذكر فيها أيضًا وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق]، نص الفقهاء على أن حق الحياة مكفول للطفل، وأنه يتمتع بحق ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي وقال الألباني: موضوع. (¬2) الإسراء: 31.

الحماية الجنائية منذ لحظة الإخصاب، وأن الاعتداء عليه يشكل جناية على مخلوق لم يرى نور الحياة، حتى لو جاء هذا الطفل أو الجنين من طريق غير مشروع حتى لو كان تخلق أو وجود هذا الجنين ناشئ عن فاحشة ما دامت دبت فيه الحياة فله حرمة ويعتبر جناية ويحاسب عليها ويحاكم إسلامية، أو وجد ملقى على قارعة الطريق أيضًا يكون له حرمة. ويجب على المسلمين وجوبًا كفائيًا إنقاذه من الضياع، أو من الموت، فالأمة مكلفة برعايته والإنفاق عليه حتى يبلغ رشده، ويكسب قوته، بنفسه، فإذا زنى الأبوان فما هو ذنب الطفل، ألا تزر وازرة وزر أخرى، وناقشنا هذا من قبل بالتفصيل في باب «الفقه شرح منا السبيل» (إمامة ابن الزنا) لو فاكرين اتكلمنا أحكام الإمامة زمان بالتفصيل فتكلمنا على حكم إمامة ابن الزنا، إذا كان أهلاً للإمامة يصح إمامته، لأنه لا ذنب له ولا يد له فيما فعل أبواه، كما نصوا على أنه لا يجوز إقامة الحد على الحبلى حتى طبع حملها إحترامًا لحق الحياة لما في بطنها، فقد جاءت الغامدية وهي حبلى من الزنا إلى نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - تطلب منه أن يطهرها من الجريمة التي اقترفتها، بإقامة حد الرجم عليها لأنها كانت متزوجة فقال لها - صلى الله عليه وسلم - إذهبي حتى تلدي فإن كان لنا سبيل عليك فليس لنا سبيل على ما في بطنك، ثم جاءت مرة أخرى بعد أن ولدت فقال لها اذهبي حتى تفطميه، فالولد بحاجة إلى لبن أمه، ثم جاءت بعد أن فطمته وبيده كسرة خبز فأخذه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودفعه إلى إحدى نساء المسلمين للعناية به وأقام الحد عليها. رتب الشارع عقوبات بدنية ومالية تلزم من يعتدي على الجنين، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: اختلفت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها كانت حاملاً فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن دية جنينها غره عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وتقدر دية الجنين بعشر الدية. قدم الفقهاء الحرص على حياة الجنين في بطن أمه على بعض العبادات، فقد شرع الإسلام للمرأة الحامل أن تفطر إذا خافت على حملها وهذا في الصيام فريضة، وهو ركن من أركان الإسلام الخمس فريضة الصيام في شهر رمضان، لكن إذا كان الصيام يضر الطفل فليس لها أن تصوم شرع الإسلام للمرأة الحامل أن تفطر إذا خافت على حملها بل يجب عليها ذلك إذا تأكدت أن الجنين سيتضرر بالصيام يقول - صلى الله عليه وسلم - إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحبلى والمرضع الصيام اتفق الفقهاء كذلك على

ثبوت الحق للجنين في الوصية متى خرج حيًا، وقد تحقق وجوده حيًا في بطن أمه عند الوصية، حيث يحفظ له المال الموصى به إلى حين ولادته حيًا حيث يقول وليه بحفظه حتى بلوغ الطفل سن الرشد. لقد قلبت الشريعة الإسلامية المفاهيم الجاهلية رأسًا على عقب فحلت الرحمة مكان القسوة، والعداله محل الظلم ونفضت الغبار الذي تراكم على فترة الجاهلي فجعلته يبصر طريقه بكل جلاء ووضوح فحلت الرابطة الروحية بين الآباء والأبناء محل الرابطة النفعية المادية التي كانت سائدة عند الأمم القديمة، والتي عبر عنها أحد الأعراب الجاهليين أبلغ تعبير عندما زفت إليه البشرى لميلاد بنت له فقال ما هي بنعمة الولد نصرها بكاء، وبرها سرقة. وهذا من خصائص الجاهلية بغض ولادتة البنات، هذه من خصائص أهل الجاهلية فكان لما بشر بأنثى، قال ما هي بنعمى الولد نصرها بكاء يعني إذا أرادت أن تنصرني فإنها لا تستطيع حمل السلاح وإنما سلاحها أن تبكي، وتنتحب وبرها سرقة يعني إذا أرادت أن تبر أباها وتصله بالمال فإنها تسرق من مال زوجها يقول الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)} (¬1). بل إن العربي في الجاهلية كان يرى من كمال رجولته إطالة العبوس تكشير، مع حدة في الطبع عند تعامله مع أولاده، حتى أنه كان يرى أن تقبيل الأولاد مؤشرٌ على ضعفه خاصة إذا كان يحتل مكانة قيادية بين قومه. فهذا أحد زعماء قبيلة تميم الأقرع بن حابس الذي وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد فتح مكة وحنين والطائف وهو من المؤلفة قلوبهم لكن قد حسن إسلامه، فالأقرع بن حابس دخل على نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - فاستنكر عليه تقبيله حفيده الحسن بن علي - رضي الله عنهما - لأنه كان يرى أن هذا التصرف لا يليق بعظمة بقائد الدولة الإسلامية، فقال الأقرع مخاطبًا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قال: أتقبلون صبيانكم إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدًا منهم، كأنه نوع من الكبرياء ولا يليق بقائد وزعيم أن يفعل هذا فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ ¬

_ (¬1) النحل: 58 - 59.

اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ» (¬1).نجح الإسلام في تغيير هذه الصورة وحصل تغيير في المشاعر وفي الأحاسيس من ناحية الآباء تجاه الأطفال في المجتمع المسلم. إن المتأمل لكتب التراث الإسلامي المنثور منها والمنظوم يجدها تذخر بعشرات الشواهد التي ترصد التغيير الجذري الذي أحدثها الإسلام في نفسية العربي، وكيف حولها من نفسية تؤمن بجفاء الطبع والتباهي بالقسوة، إلى نفسية شفافة مرهفة الحس تتدفق بالحنان والشفقة والعطف والرحمة على كل من يتصل بها، وبشكل خاص الأبناء التي غدت سعادتهم من أسمى الأهداف عند الآباء، هذا الإمام محمد بن الشهاب الزهري - صلى الله عليه وسلم - يرى ابنًا له يمشي بين يديه فيقول معبرًا عن حبه له أكبادنا تمشي على الأرض أكد هذا المعنى أحد الشعراء بقوله: وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا تمشي على الأرض لو هبت الريح على بعضهم ... لامتنعت عيني من الغمض لقد اعتبر الإسلام الأطفال هبة ثمينة من الله، وزينة في الحياة الدنيا، دون تفريق بين ذكر وأنثى، وجعل محبتهم والعطف عليهم وإدخال السرور إلى قلوبهم عبادة يتقرب بها إلى الله، ومعلمًا من معالم الإيمان فالقلوب القاسية والطباع الجافية أبعد ما تكون عن روح الشريعة الإسلامية، لأن هذه السجايا والأخلاق تتعارض مع مقاصد هذا الدين التي جعلت من الرحمة نبراسًا وهاديًا للبشرية يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} (¬2). نكتفي بهذا القدر أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ¬

_ (¬1) صحيح ابن حبان من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وصححه الألباني. (¬2) الأنبياء: 107.

الدرس السادس: «حقوق الطفل»

الدرس السادس «حقوق الطفل»

الحمد الله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسول اللهم صلي على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذرياته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد أما بعد،،، فلا يخفى ما لوجود نوعية معينة من الإخوة هنا من دلالة صحية، لأن يلاحظ كثير من الإخوة الحضور لما يتزوجوا فضلاً عن أن يكون لهم أولاد، ومع ذلك حريصون على الحضور وهذا مؤشر صحي إن فيه إدراك لأهمية موضوع التوعية الوقائية، بحيث إن شاء الله حينما يكون لهم أولاد يكونون على وعي بالقضية التي نتناولها فشكر الله للآباء ولغير المتزوجين، حتى الآن تناولنا قضية حقوق الطفل في الأسبوع الماضي وناقشنا أن أول حقوق الطفل اختيار الأم الصالحة، وثانيها: حق الطفل في الحياة، إن هذا حق محترم، ومقدس، والتعدي عليه جناية وجريمة تستوجب عواقبها. أما الحق الثالث: فهو حق النسب والاسم؛ فحق النسب في الشريعة الإسلامية من الحقوق الأساسية للطفل، التي تترتب على عقد الزواج، لأن في وجود نسب الطفل إلى أبيه يترتب عليه ثبوت الولاية على هذا الطفل، ويترتب عليه حق الإنفاق، وحق الإرث، لذلك منع الإسلام ما كان سائدًا في الجاهلية من أن الأب له حق نفي نسب الطفل متى عنَّ له ذلك، في أي وقت يستطيع أن ينفي الأب نسب الطفل، فالإسلام نزع من الأب هذا الحق أو هذا الباطل بتعبير أدق وهو حق نفي نسب أو نسبة ولده له متى شاء، وهذا كان سائدًا في المجتمعات الجاهلية. لكن الإسلام جعل حق النسب حقًا أصيلاً لا يمكن التصرف به، فقد روي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ لِيَفْضَحَهُ فِي الدُّنْيَا فَضَحَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ قِصَاصٌ بِقِصَاصٍ» (¬1) الحضارة الإسلامية الرائعة الراقية انطلاقًا من مبدأ الحفاظ على الأنساب جعلت من مهام المحتسب والحسبة في الدولة الإسلامية ووظيفة أو وزارة الأمر بالمعروف ¬

_ (¬1) مسند أحمد من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، وصححه الألباني.

من حقوق الطفل

والنهي عن المنكر، هيئة تؤهل الناس لممارسة هذا الموضوع بفقه وبكل المجندين فيها حق ممارسة الإنكار بمراتبه المختلفة حسبما يقتضيه الحال. فالحسبة هيئة إسلامية لا بد من وجودها في الدولة الإسلامية وزارة الحسبة أو هيئة الأمر بالمعروف إلى آخره، فجعلت من مهام المحتسب معاقبة الآباء الذين ينكرون نسبة أولادهم لهم بعد ثبوتها، ذكر الإمام الماوردي - صلى الله عليه وسلم - أنه من نفى ولدًا قد ثبت فراش أمه ولحوق نسبه أخذه المحتسب بأحكام الآباء جبرًا، وعزره، لو أن أبًا مارس ذلك الحق الذي كان من شأن الجاهلية إن بعد ما يثبت نسب الطفل لهذا الأب يحدث أي نوع من المشاكل أو كذا فيريد أن يعاقب الأب أو الأم أو يتنصل من التزامات التي تلزمه بها الشريعة فيقول هذا ليس ابني، وينفي نسبه، فإذا وقع أب في هذه الجريمة وهي نفي نسب الولد الذي ثبت فراش أمه وثبت لحوق نسبه به فالمحتسب من ضمن وظائفه أن له حق أن يأخذه بأحكام الآباء، جبرًا يجبره على تطبيق أحكام الآباء والحقوق التي تترتب على ثبوت هذا النسب، ليس هذا فحسب يجبر ثم إنه يعاقب بالتعذير لارتكاب هذا الجرم الجاهلي. من حقوق الطفل: حسن اختيار الاسم: الدستور الحضاري الإسلامي نص على أن من حقوق الطفل على والديه أو وليه أن يختار له اسمًا مناسبًا لأن الاسم له أهمية في حياته وفي علاقاته بالآخرين الاسم، إذا كان مما تستريح له النفس، وهو مقبول اجتماعيًا، فإنه يكون عاملا ًمساعدًا لهذا الطفل على التكيف الاجتماعي، وحسن تقديره لذاته. أما الاسم الذي يعرضه للنفور وسخرية الناس منه، هذا الشاعر للأسف الشديد في مجتمعاتنا نتيجة قيم تنافي الإسلام، بعض الناس من أجل أن الطفل لا يحسد، فيسموه اسم منفر حتى لا يحسد وتسمع أسماء غريبة جدًا يمكن بالذات في الجيل الماضي، يرجى أن يكون الأمر تحسن وبعدين هو الطفل

واحد، لكن بيقابل في حياته كام واحد في اليوم الواحد بيروح المدرسة بيتعامل مع أصدقائه مع أقاربه مع الناس في الشارع. فكل الذي سيسمع اسم بيعلق عليه، هو واحد فقط لكن بيسمع النقد من كام شخص، على طول كل الذي يسمع يبدي استغراب أو يسخر منه أو يضحك عليه، فهذه أذية من الأذايا الشديدة ولذلك من حق الأولاد في الشريعة الإسلامية أن تحسن اختيار اسمه، لأن مثل ما قلنا الاسم لو ما كانش الاسم له أهمية كان ممكن الأولاد يتعرفوا بالأرقام، مثل ما ولاد الملوك يقول لك فلان الخامس، فلان السادس، ما اعرفش جايبينها منين، هذا عنده كذا واحد اسمه محمد فهو محمد الأول، ومحمد الثاني، ومحمد الثالث، دعك من هذا ليست هذه القضية، لكن الذي أقوله إن قضية الاسم لولا أهميتها. كان من السهل إن الأولاد يتعرفوا بالأرقام، واحد اثنين ثلاثة إلى آخره، لكن اختيار اسم هو يثبت له الهوية المتميزة أنه كيان متفرد ليس من المطلوب يكون نسخة من آخرين، لكن هو بيكون اعتراف بكيانه المتميز، ولا شك أن لكل إنسان حظًا من اسمه حسب ما بتسمي الطفل هو بيتقمص ما يرمز إليه هذا، الاسم حينما لو واحد سماه ابنه اسمه كريمًا، فأكيد هذا هايحبب إليه صفة الكرم، لأن كل إنسان بقدر الله يكون له نصيبًا من اسمه ينعكس على سلوكه وعلى حياته. فقضية الاختيار الاسم هذه من حقوق الطفل، صحيح هو لا يملك أن يعترض والاسم غالبًا بيلصق بيه وهذه المشكلة، ويكون صعب جدًا تغييره بعد ذلك، حينما يدرك خطورة هذا الاسم وآثاره السلبية عليه، يعني المختصين بالعلوم النفسية يعرفوا أهمية الاسم أكثر من غيرهم، لأن الاسم هذا مجرد ان الواحد بيدخل يقول اسمه يبقى لها دلالات كثير جدًا، يعني لو واحد دخل وقلنا له اسمك إيه قال معرفش يبقى هنا نقول هذا فاقد الذاكرة ممكن، لو دخل واحد وقال اسمين هو عنده في مناسبتين قال كل مرة اسم ممكن يكون ازدواجية الشخصية مرض آخر من أمراض الشقاقية وهكذا، اسمه هو ولد واسمه

اسم بنت أو اسم محايد ليس محدد للهوية بتاعته التي ينتمي إليها، طبعًا له أثر أيضًا على هذا الطفل، فاسمه لا بد أن يدل على عقيدته، هذا ساعات الاسم بيعكس البيئة الذي الواد تربى فيها. لما يجيلك ولد واسمه معاوية مثلاً، هل ممكن يكون شيعي لا بل سني ملتزم جدًا، لأن الناس العادية لا تلتفت لمثل هذا الاسم، هذا الذي سماه قاصد إنه يسميه معاوية من أجل أن يفتخر بخال المؤمنين وكاتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمير المؤمنين وأفضل ملوك الإسلام على الإطلاق، معاوية - رضي الله عنه - لأنه من الصحابة وبيرد على من يطعنون في أمير المؤمنين معاوية أو يتطاولون عليه، هذا موقف يعني اسم ساعات بينبين موقف ليس مجرد اسم عادي فدا اسم يدل على موقف، وهكذا قضية الاسم الحقيقة تستحق كثيرًا من الكلام، لكن لا نريد أن نطيل فيها لكن يكفي مثل هذه الإشارة. فكان من أولويات النبي - صلى الله عليه وسلم - في إعادة بناء المجتمع الإسلامي الأول، تغيير الأسماء النشاز، لأن هناك إشاعة في الجاهلية اسمها نشاز تعبر عن قسوة وغلاظة وفظاظة هذه البيئة الجاهلية، فالبيئة الصحراوية بيئة قاسية، وكادت تنعكس على أهلها، ولذلك كان العربي يتناغم وينسجم مع هذه البيئة، ويتبادل معها القسوة والجفاء، فكانت القسوة تتجلى في مظاهر شتى بتأثير هذه البيئة القاسية الصحراوية، فتجلت في وأد البنات مثلاً، تجلت في تقديم الأطفال أو فلذات كبدهم قرابين للآلهة، تارة باشتعال الحروب لأتفه الأسباب مما تجلى فيه قسوة هذه البيئة وتأثير البيئة القاسية الفظة الغليظة على أهلها أنهم كانوا يرون أن من العيب تسمية الأبناء بالأسماء الحسنة، كانوا يعتقدون الأسماء الحسنة لا تليق إلا بالخدم والعبيد أما الفرسان وأبناء البيوتات والأشراف فيجب أن يختار لهم أسماء تثير الهلع والفزع والرعب في قلب من يسمعها. فكانوا يقولون أسماء أولادنا لأعدائنا، والأسماء اللطيفة لعبيدنا أسماء أولادنا لأعدائنا يعني يختاروا الاسم من أجل أن لما الولد يواجه عدوه اسمه يلقي الرعب (حرب) (صخر) (مرة) وهكذا

(حنش) (جعل) (غراب) (عاصية) ونحو ذلك من هذه الأسماء التي كانوا يختاروها من أجل أن تؤثر على العدو. نفس الشيء كان موجودًا وسائدًا بالذات في الأرياف عملية إن تلاقي أسماء غريبة جدًا ليه بيكونوا سموه من أجل أن الأم جابت قبل هكذا كام ولد وكانوا بيموتوا وتقول دول بيتحسدوا فينبغي تسمي اسم يؤثر في من يراه بحيث لا يقع في الحسد أو تهمل الطفل وتخليه قذر ومشوش إلى آخره من أجل أن لا يحسد إلى آخره، فكان من اللمسات الحضارية الإسلامية هدم هذه الأعراف، وهذه القيم وتصدى لذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، فصار التقيد باختيار اسم حسن شكلاً من أشكال العبادات والطاعات التي يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى. روي عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» (¬1) لم يكتف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسنة القولية في هذا الأمر، لكنه أتبعها بالسنة الفعلية من خلال تغييره لعشرات الأسماء القبيحة إلى أسماء جميلة، حتى إن الإمام البخاري - صلى الله عليه وسلم - في جامعه الصحيح عنون بأحد الأبواب بباب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه غير النبي - صلى الله عليه وسلم - اسم العاص ابن عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب، فيه فرق بين العاص وبين عبد الله اسم أجمل بكثير. ومن أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن فغير اسم العاص ابن عمر بن الخطاب إلى عبد الله العجيب سمعت من أيام قليلة فقط من شخص يقول إن فيه واحد كان اسمه محمد وسمى نفسه عاصي، يظهر أن هو مغني أو حاجة مثل هكذا إنما اسمه الأصلي محمد فراح مغير اسمه لعاصي .. الله المستعان، فمثلاً زحم سماه (بشيرًا) شخص اسمه حرب سماه (سلمًا) المضجع سماه (المنبعث) شيطان بن قرض سماه (عبد الله بن قرض) شخص اسمه غراب فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - (مسلمًا) طبعًا تعرفون من ضمن ¬

_ (¬1) سنن أبي داود من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه -، (ضعفه الألباني).

أحكام الأسماء يكره اختيار اسم يوهم نفيه نقصًا يعني مينفعش مثلاً تسمي ابنك إسلام أو إيمان لأن لما يجي واحد يقول عندكم إيمان يقول له لأ عندكم إسلام لأ. فالنفي يوحي بإن ما عندناش إسلام صحيح الأعمال بالنيات، لكن يوهم نقصًا مثل ما تقول مثلاً واحد سمى المولود أو الطفل حياء، فتقول عندكم حياء لأ ما تلاقيش، مثلاً فنفس الشيء فالمفروض إن اختيار الاسم ينتقى بحيث لا يوهم نفيه نقصًا، فالمسلمون ما سموا لو تلاحظ بأسامي الأجيال الماضية، واللي كان فيها العلم والفهم وكذا لا أحد يسمي إسلام، ما تلاقيش إسلام أبدًا في كتب الرجال لكن مسلم من أجل أن إذا وقع ذم يقع الذم على الشخص ليس على دين الإسلام، فينبغي الالتفات لهذا، بعض الناس بحسن نية بيسموا إسلام كنوع من الفخر، لكن قول مسلم كذلك غير عاصية ابنة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وسماها (جميلة) (برة) لأن فيها تزكية من البر سماها (جويرية) حرب ابن علي بن أبي طالب غير اسمه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. طبعًا ما يسمى بهيئة الأمم المتحدة خيال المآتة، لم تستيقظ ولم يستيقظ كل البشر لأهمية أو الاعتراف بحق النسب، وحق الاسم، إلا بعد مضي أكثر من أربعة عشر قرنًا حيث قرر هذا الحق في الشريعة الإسلامية فمؤخرًا ضمنوا حق ميثاق أو ميثاق حقوق الطفل إنه من حقوق ضمان هذا الحق الذي هو حق النسب، والاسم يقول الإمام ابن القيم - صلى الله عليه وسلم - إن الأسماء قوالب المعاني ودالة عليها ولها تأثير في المسميات وللمسميات تأثير على أسمائهن في الحسن والقبح والخفة والثقل واللطافة والكثافة ولهذا أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتحسين الأسماء فقال: «حَسِّنُوْا أَسْمَائَكُمْ فَإِنَّ صَاحِبَ الاِسْمَ الْحَسَنِ قَدْ يُسْتَحْيَى مِنْ اسْمِهِ وَقَدْ يَحْمِلُهُ اسْمُهُ عَلَى فِعْلِ مَا يُنَاسِبَهُ وَعَلَى تَرْكِ مَا يُضَادَّهُ» مثلاً سمي شجاعًا مثلاً فيستحي أن يكون جبانًا كيف هو اسمه شجاع أو كريم كيف يكون بخيل وهكذا.

حق الرضاعة

حق الرضاعة: حق الرضاعة، فالرضاعة من الأم تعد حقًا مقدسًا في نظر الشريعة الإسلامية السمحاء، لما لحليب الأم الممزوج بدفق العواطف والشفقة والرحمة والأمن إلى جانب ما يقدمه من مناعة صحية، فضلاً عن أثاره في تحديد معالم شخصيته في المستقبل، لقد أكد العلماء قديمًا وحديثًا على أهمية الرضاعة في حياة الطفل، يقول ابن سينا إنه «يجب أن يرضع ما أمكن من لبن أمه فإن في إلقامه ثدي أمه عظيم النفع في دفع ما يؤذيه، وبالذات أول ما يفرز فور الولادة شيء يسمى اللبا هو سائل مختلف في شكله عن اللبن، وبعض الأمهات الجاهلات تتخلص منه، وهذا جهل فاحش لأن هذا هو أول ما يناله الطفل من الأم وبيكون محتوي على أشياء عجيبة جدًا، يعني أجسام مناعية في غاية الكثافة مضادات حيوية، وأجسام مناعية، وبروتين عالي جدًا، ومحتوي على أشياء مدهشة، ليه لأن ما زال الطفل نازل ومتعرض لبيئة جديدة فمحتاج لنوع من المناعة فشوف ابن سينا يقول له فإن في إلقامه ذلك عظيم النفع في دفع ما يؤذيه إشارة إلى هذه المناعة. أيضًا الطبيب البلدي في كتابه «تدبير الحبالى والأطفال والصبيان» قال: «الأخلق بلبن الأم أن يكون أوفق الألبان كلها لسائر الأطفال إن لم يكن لها علة أو لسبب يفسد اللبن»، كشفت الدراسات الحديثة عن أهمية الرضاعة في بلورة ذهن الطفل التأثير مناغاة الأم الطفل وابتسامتها في وجهه في ترسيخ أسس الصحة العقلية للطفل في مرحلة الطفولة المبكرة لأن هذه الرضاعة تنمي الحنان وتقوي الرابطة العاطفية بين الأم ووليدها لتتطور وتؤثر في نموه النفسي. ويلاحظ طبعًا هذه دراسات مؤكدة أن نسبة حدوث مشاكل واضطرابات نفسية أقل بين الأطفال الذين يرضعون طبيعيًا بالمقارنة بمن يرضعون صناعيًا، وحتى الآن لم يكتشف على الإطلاق أي شيء يضاهي لبن الأم هذه حقيقة علمية مؤكدة، مهما حاولوا لم يستطيعوا أن يصلوا إلى مضاهاته، لهذا تجد الشريعة الإسلامية نصت على أن حق الطفل في الرضاعة يثبت بمجرد ولادته، ولذلك كان هذا من

أوجب الواجبات على الأم، بحيث إنها تأثم بترك القيام بها من غير عذر مشروع خاصة إذا لم يقبل الطفل غير أمه يقول تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (¬1) صيغة يرضعن هنا تدل على الوجوب، إحدى صيغ الوجوب هذه الصيغة {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] صحيح هي واخدة صورة الخبر لكن يراد بها الأمر والتكليف {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)} (¬2). تلاحظون في الشريعة الإسلامية أنه كلما كان الإنسان ضعيفًا كلما كانت العناية به أوجب، لأن هذا الطفل لا يستطيع أن يعبر عن احتياجاته ولا عن حقوقه ولا أن يطالب به، فتجد الشريعة تهتم جدًا والوحي الشريف مليء بالنصوص في ضمان هذه الحقوق التي نتناولها للطفل، لأن هو في عالم آخر هو لا يدري بما يدور حوله فكيف ولا يستطيع أن يطالب، فالشريعة توجب وتلزم الآباء والأمهات بمراعاة هذه الحقوق هذه الدراسات والبحوث الحديثة أثبتت أن فترة عامين فترة ضرورية لنمو الطفل نموًا سليمًا، من الناحية الصحية والنفسية لكن نعمة الله - سبحانه وتعالى - على هذه الأمة الإسلامية لم تنتظر هذه الأمة حتى تتعلم من تجارب البشرية على حساب مصلحة الطفل طوال هذا الأمد البعيد، إن فيه جانب من العلوم البشرية الوحي لم يتعرض لها اعتمادًا على الخبرة البشرية المتراكمة تستطيع أن تكتشف هذه الأشياء في كل مجالات الحياة أو العلمية، بالذات فتعطيه خبرة تراكمية لكن عناية الله - سبحانه وتعالى - بالأمة الإسلامية لن تنتظر حتى تتراكم الخبرة البشرية وتصل إلى ما وصلنا إليه. ¬

_ (¬1) البقرة: 233. (¬2) البقرة: 233.

مثلا ًمن ناحية أهمية الرضاعة أو حق الطفل في الرضاعة أو كذا أو كذا بل نصت على هذه الحقوق حتى لا تنتظر الأمة إلى أن تصحى الأمم المتحدة من النوم وتقول حق الطفل في النسب، أو حق الطفل في الرضاعة، أو الوصاية بحليب الأم إلى آخره، فنص الله - سبحانه وتعالى - على هذه الحقوق وأمر بها ويقول هنا ولكن نعمة الله تعالى على الأمة الإسلامية لم تنتظر بهم حتى يعلموا من تجاربهم على حساب مصلحة الطفل طوال هذا الأمد البعيد، فالله رحيم بعباده وخاصة هؤلاء الصغار المحتاجين للعطف والرعاية، فلبن الأم هو منحة السماء لزائر جديد أطل على وجه الأرض. الرازي المفسر الشهير وكان طبيبًا معروفًا علق على هذه العناية الكبيرة بهذا الطفل إلى الله تبارك وتعالى، قال إن هذه العناية تدل على أن الإنسان كلما كان ضعيفًا كانت العناية به أوجب، طبعًا هذا قبل منظمة اليونيسيف، والمنظمات الدولية ما تنتبه لهذه الأشياء فمبدأ الصحة العالمية فيما يتعلق بتغذية الطفل بالرضاعة، نص في المادة السابعة على أن الرضاعة من ثدي الأم جزء لا يتجزأ من عملية الإنجاب، وهي الوسيلة الطبيعية والمثلى لإطعام الرضيع والأساس البيولوجي والعاطفي الوحيد لنمو الطفل، حتى هم خصصوا يومًا عالميًا للرضاعة الطبيعية. فننظر لهذه أحد المظاهر التي تبين سبق الإسلام في الرحمة بهؤلاء الأطفال، ويمكن كلمة الكلمة الشائعة التي يقولوها دائمًا الإسلام صالح لكل زمان ومكان، هذه كلمة فيها قصور، فنحن لا نأخذ الإسلام من أجل أنه صالح لكن نقول «إن الزمان والمكان لا يصلحان إلا بالإسلام»، نظر المسلمون بعد أن نور الله قلوبهم بنور الإيمان إلى الرضاعة. وهذا شيء عجيب مما تتفرد به الشريعة الإسلامية، فالمسلمون لم ينظروا لهذا الأمر على أنه مجرد التوفير للغذاء للطفل، بل تسامى بهذا الأمر حتى اعتبرها الإسلام خدمة روحية، فيها من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا الله.

لذلك قال عمرو بن عبد الله لامرأته وكانت ترضع ابنًا لها التسامي في الرضاعة لأنها عبادة تحتسب فيها النية ويرجى منها الثواب من الله في الآخرة، وهذا شيء لا يمكن أن تقترب منه أبدًا أي شريعة أخرى على وجه الأرض إطلاقًا مهما ادعوا، وهذه خصيصة الإسلام، فيقول عمرو بن عبد الله لامرأته حينما كانت ترضع ابنًا لها قال لها لا يكون ارضاعك لولدك كرضاع البهيمة ولدها قد عطفت عليه من الرحمة بالرحم ولكن أرضعيه فتوخين ابتغاء ثواب الله، وأن يحيا برضاعك خلق عسى أن يوحد الله، ويعبده. فانظر إلى النظر للمستقبل والاحتساب، إن هذا تعبد عبادة ولما نقول إنها عبادة ليس مسلم يستطيع إن هو يناقش في هذا أو يستغرب، لأننا متعودين إن الإسلام نظام يحكم الإنسان في كل حياته، ليس داخل المسجد فقط، لكن هو نظام حياة ولذلك يحظى الإسلام بقدر عنيف من العدوان من العلمانيين والليبراليين، وهؤلاء القوم والأديان والأخرى، والمذاهب الأخرى لأن هو متميز الوحيد في هذه الأشياء نظام حياة متكامل. ليس هذا فحسب بل هو نظام حياة يستعصي على التحريف والتطويع، واللي بيحاول أن يطوع هو الذي يسقط في النهاية، أي واحد حتى لو ممن ائتمن على حراسة هذه الشريعة لو هو نفسه انحرف وحاد عن وظيفة حراسة الدين فهو الذي تطئه الأقدام، ويمحى، وينسى، ويبقى الإسلام حجة الله على العالمين. هذا السر الحقيقة في الحرب الغريبة وبنشكر طبعًا مجلة المصور، على الدعاية الهائلة التي نفعلها للدعوة السلفية أخ جاب لي امبارح مجلة لا أانصحكم أن تشتروها، لأن طبعًا هم بيلاحظوا إن هذه الحملات تنشط بيعها، فبتنتعش فأهملوا فا عاملين ملفات توصل حوالي عشرين صفحة، وكلها كذب كذب على السلفيين، لكن الأمر اختلف الآن هل التشنيع الآن هيبقى مثل ما كان قبل هكذا، لأ لأن ولله الحمد فيه الآن منافذ للدفاع أو لبيان الحق، والناس بتحتك بالشيوخ السلفيين مباشرة، فيعرفون أنهم

ليسوا متخلفين بهذه الصورة يقول له ثلاثمائة شيئ أباحه الصحابه والرسول يعني حتى ليس متأدب في الترتيب حاطط الصحابة قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثلاثمائة شئ أباحه الصحابة والرسول يحرمها السلفيون، عدادها ثلاثمائة حاجة السلفيون يحرمون كذا كذبًا على الله وافتراء عليه لأجل هذه الخصائص يحارب الإسلام ليتعصي على التحريف سيبقى حجة على خلق الله إلى أن يأتي أمر الله تبارك وتعالى. فهذه من خصائص الشريعة الإسلامية السامية أشياء ليس ممكن الناس متخيلها عبادة مثل الرياضة البدنية، فيه حد يتخيل إنها عبادة لا يوجد في أي حضارة من الحضارات لكن في الإسلام عبادة من أرقى أنواع العبادات، ولذلك لو تتذكرون الكلام الذي تلوناه منذ زمن عن ابن القيم وهو يتكلم عن آداب المرتاض الشخص الذي يمارس الرياضة البدنية، تعلم الرماية، أو غيرها إيه الآداب، يقولها وهو رايح خارج من بيته، ورايح يتدرب، وإيه الآداب في داخل المكان لما يدخلوا يقول إيه وكيف يتعامل مع من يدربه مع زملائه، في هذا النشاط بيتكلم عنها عبادة قطعًا، عبادة بيتكلم على النية بيتكلم على الأذكار التي يقولها فهذه نوع من أنواع العبادة. نعم هي في الإسلام عبادة هذا هو الإسلام، لأن دين حياة لا يمكن أن يعيش أبدًا منفصلا ًعن الحياة، أتى ليقود الإسلام لا يمكن أن ينقاد لذلك، هم لا يجدوا سلاح غير الكذب حتى الغربيين الإسلام يغزوهم في عقر دارهم، وينتشر انتشارًا مدهشًا، فمش عارفين يعملوا أي مقاومة غير إن هم يشنعوا هم كمان دخلوا في أسلوب التشنيع والتعصب والحقد، فشوية يتكلموا عن الحجاب، كل شوية دولة تقول لك إجراء بمنع النقاب، هذا له دلالة هم لا يعرفون يتصرفوا كيف ليسوا قادرين يواجهوا الإسلام، مواجهة منصفة لأن الإسلام يستحيل أن يهزم في مواجهة علمية، فيها إنصاف يستحيل سواء بقى مع الليبراليين أو العلمانيين، أو غيرهم في الشرق، أو في الغرب، في الداخل أو في الخارج كلهم لا يستطيعون لكن لا يجرؤ أحد، أن يتناقش مناقشة حرة لكن ممكن يستغل منبر إسلامي مشهور ومنفتح على العالم إنه يكذب ويكذب يمكن الناس تصدق مع الإلحاح في الكذب.

لكن يبقى نور الله مرارًا نور الإسلام مثل الشمس يستحيل إن واحد يقول سأحجب نور الشمس عن الناس بإنه يمسكه هكذا في يديه هل يمكن واحد يقعد ينفخ من أجل أن يطفئ الشمس، وهذا هو المعنى {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) (¬1)} فاللي احنا بنشوفه هذا هو كراهية الكافرين للإسلام هذه مظاهر الكراهية لهذا الدين الحق {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} (¬2). فالذي نراه هو مظاهر الكراهية، التي أخبرنا الله بها مسبقًا ليس شيء جديد فماذا تفعل الكراهية وهذا الحقد، وهذا التحامل، وهذا الكذب، يعني ناس سلاحهم هو الكذب، أو القهر، لكن في نقاش علمي في أي قضية من القضايا، لا يستطيعون ولا يسمحون بذلك، وإنما هو مجرد التشنيع والتشهير والصد عن سبيل الله تبارك وتعالى. فهذه الحقيقة من الوقفات المهمة جدًا إن الإسلام ينظر للرضاعة ليس بقى حق والكلام الذي يقال هذا لأ هذه عبادة، شيء أرقى بكثير جدًا يعني الأم وهي ترضع ولدها تحتسب النية، في ذلك فيما هو أكثر من ذلك هو أعجب، كما في الحديث الشريف وفي بضع أحدكم صدقة حتى أن الرجل إذا أتى أهله فهذه عبادة يثاب عليها كما شرح ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -. فهذا عمر بن عبد الله عبر عن هذا المعنى أعظم تعبير حين قال لامرأته وهي ترضع ابنه لا يكونن رضاعك لولدك كرضاع البهيمة ولدها يمكن اتكلمنا الأسبوع الماضي في موضوع فرويد عليه من الله ما ¬

_ (¬1) التوبة: 32. (¬2) التوبة: 32 - 33.

يستحق حينما جعل إن الشهوة «شهوة النكاح»، هي المحرك الأساسي والوحيد، وراء كل حياة البشر كلها. يمكن داروين خلى الإنسان حيوان، مثل أي حيوان لكن ترقى في سلم التطور المزعوم، فرويد جعله أحط من الحيوان لأن الحيوان، الدوافع التي تحركه يعتبر دافع الشهوة رقم (3)، لكن أولاً أول دافع وأقوى دافع عند الحيوانات هو الأمومة غريزة الأمومة والأبوة والعواطف ناحية أولادها لكن، رقم (3) هي هذا الجانب أو هذه الغريزة، هو خلى الإنسان أحط من الحيوان، حيث جعل الدافع الأول: هو هذه الشهوة فقط. فيعني من تكريم الإسلام لهذا الإنسان أيضًا أنه يرفع شأنه إلى هذا الحد الذي ذكرناه، هنا يقول لها لا يكونن رضاعك لولدك كرضاع البهيمة ولدها، طبيعي أن الإنسان أرقى من الحيوان والإنسان ميزته إنه يستطيع أن يحتسب، الحيوان لا يصلح يتعبد من أجل أن هكذا بنتكلم عن موضوع القبول والرضا، الناس تقول لك القبول تقبل ابنك تقبل مش عارف إيه. نحن عندنا مصطلح أقوى بكثير تقبل نعبر عنه في الإسلام بالرضا، الرضا عن الله الرضا بقضاء الله لأن لازم معاها حسبة فتبقى عباده، لكن القبول إذا حصلت حادثة يبقى تتقبل الأمر الواقع إلى آخر، هذا الكلام الذي يقولون. التقبل هذا مثلا إنسان حصل عنده كارثة مصيبة موت شيء، من هذا فالتقبل هو بالضبط يساوي سلو البهائم، يعني الدابة إذا ضربتها بالسياط بتقدر تعترض تصبر أم لا تصبر. طيب الإنسان إذا حصل له ابتلاء يصبر، لكن الفرق بين صبر المؤمن وبين البهيمة، الحسبة، الإنسان عنده قلب وعنده عقل يحتسب لوجه الله {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)} [البقرة: 155 - 156].

فاحتساب الأجر عند الله على هذا الصبر هذا الفرق بين البهيمة، وبين الحيوان، وبين الإنسان، الحيوان ما يعرفش يتحسب فالتقبل، الذين هم ينادون الناس به هذا إحنا بنعبر عنه بكلمة أرقى بكثير جدًا التي هي كلمة إيه «الرضا» .. الرضا بقضاء الله - سبحانه وتعالى - واحتساب الأجر فيما تصبر عليه، فهنا نقول لا يكونن رضاعك لولدك كرضاع البهيمة ولدها، يعني أنها ترحمه بالفطرة لأن هذه جزء من الرحمة، التي جعلها الله بين خلقه حتى إن الوحش أو الحيوان يرفع رجله عن الطفل بتاعه الصغير إيه من أجل أن يرحمه نوع من مظاهر الرحمة عند الوحوش، المسلمة لا تستوي مع البهيمة في عملية الإرضاع الدافع فقط الفطري، لأ فيه ما هو أعظم وأرقى وهو التسامي بعملية الإرضاع هذه إلى حد كونها عبادة يحتسب فيها الثواب والأجر من الله - سبحانه وتعالى -، لا يكونن رضاعك لولدك كرضاع البهيمة ولدها قد عطفت عليه من الرحمة بالرحم، ولكن أرضعيه تتوخين ابتغاء ثواب الله وأن يحيا برضاعك خلق عسى أن يوحد الله ويعبده. من منطلق حرص الأمة الإسلامية على تجسيد هذه التوجيهات القرآنية والنبوية بشأن الطفولة تسابق الأفراد والجماعات والحكام على توفير حق الرضاعة للأطفال، ومساعدة أمهاتهم من خلال توفير التغذية المناسبة لهن، فكثر في المجتمعات الإسلامية إبان ازدهار الحضارة الإسلامية، كثرة العطايا والأوقاف المتعلقة بهذا الشأن منذ فترة مبكرة من تاريخنا، من أوائل الإشارات التي أوردتها مصادرنا عن عناية الدولة الإسلامية بالمواليد عند ولادتهم تعود بنا إلى العصر الراشدي، بمناسبة. أيضًا العودة إلى العصر الراشدي، سفهاء من أعداء هذا الدين كثير في هذا الوقت يتجرأوا أوي ويبدأوا يتكلموا وبعضهم يكون منافقًا تعرفه في لحن القول، قد يكون جبانًا لا يستطيع أن يذكر كلمة الإسلام، لكن يختبئ وراء بعض العبارات يعني بعضهم بيجهر بلا استحياء ويقول عايزين يحكمونا بقوانين نزلت من أربعة عشر قرن، هذا كفر صراح كفر بواح وصف الشريعة الإسلامية بأنها شيء متخلف يلمز ويلحن في القول، يقصد في ذلك شريعة الإسلام، إيه الشريعة التي نزلت من أربعة عشر قرن فنحن عندنا خصيصة أيضًا من خصائص هذه الأمة، إن غيرنا إذا تخلى عن عقيدته وعن ماضيه

يترقى وهذا الذي حصل مع اليابان مع الغرب يعني الغرب لما تخلى عن النصرانية وفصل الدين عن الحياة، ترقى لأن عقيدته كانت تشله وتجذبه للقهقرة. فاليابان نهضت لما ودعت عبادة الإمبراطور إلى آخره الغرب كله اقترن النهضة الصناعية الثورة الصناعية بالفصل بين الدين والحياة العلمانية، لكن المسلمين يعاملون من الله - سبحانه وتعالى - معاملة خاصة معاملة استثنائية لماذا لأن الله - سبحانه وتعالى - قال {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)} (¬1)، فيه رفعتكم، ومجدكم، وعلو شأنكم، ما دامت الأمة امتن الله عليها بالقرآن الكريم وبسنة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - فهذه نعمة هي أعظم نعمة على الإطلاق فإذا كفرت بهذه النعمة وأعرضت عنها فلا بد أن تعاقب بأن تكون في ذيل الأمم. فعندنا الموضوع بالعكس إذا نتمسك بديننا نكون أعلى أرقى الأمم، حينما نتخلى عنه ونكفر بهذه النعمة ونجحدها نرجع إلى الوضع الطبيعي الوضع الذي كان فيه العرب كانوا في مؤخرة الأمم في ذيل الأمم، وهذا ما صرح به أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - حينما قال «أنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين فمهما ومهما صيغة شرط وهي صيغة عموم، فمهما نبتغي العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله». هذا الواقع هذا قانون، والواقع يلمس ذلك الواقع احنا عددنا كبير جدًا الآن غثاء كغثاء السيل، مليار وربع تقريبًا لكن مع ذلك لسنا قادرين على أن نحرر المسجد الأقصى، ونخرجه من أيدي هؤلاء الأنجاس اليهود لماذا، لأننا تخلينا عن الإسلام ونبحث ما زال في جحر الضب عن مخرج لهذا الذل الذي نحن فيه فالقانون والقاعدة ما زالت تعمل لأن هذا قانون سنن لا تتخلف أبدًا لماذا، لأننا تخلينا عن ديننا وبحثنا في غير الإسلام وحاولنا مرارًا وتكرارًا ولا نبوء إلا بالخيبة، والفشل، جربنا الاشتراكية، وجربنا القومية، وجربنا كل هذه الأشياء، ولا جدوى، «أنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين» {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ¬

_ (¬1) الأنبياء: 10.

وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (¬1) فلا يمكن أن تكون لنا عزة إلا في الإسلام إطلاقًا، وما تبقى لنا من الإسلام على المستويات الفردية هو هذا الذي جعل للأمة كيان ووزن الآن فقط، دون المستويات الأخرى، مع ضعف هذا الوضع لكن مع ذلك هو الذي يجعل العالم كله يخاف، ويرتعد من المسلمين رغم الهوان الذي هم فيه، فكيف لو فعلاً تمسكوا بدينهم. الأمم الأخرى ترتقي لما تتخلى عن عقيدتهم، لكن المسلمون لما يتخلوا عنها يرجعون إلى حيث كانوا، تأثير البيئة البيئة العربية الجهل التخلف التقهقر فلم يخرجوا من ذلك إلا بالرجوع إلى عقيدتهم. هذه دلالة الواقع التاريخي، فهذا بالنسبة لكثير من الناس يتجرأون ممن يسمون أنفسهم بالليبراليين والناس ليست فاهمة يعني إيه بيحسبوا كلمة هكذا منورة الليبرالية ليبراليزم التي هي الحرية، التحرر بس تحرر من نوع خاص التحرر من جميع القيود، وبالذات قيد الدين. الليبرالية تعني التحرر من القيود وخاصة في مقدمة القيود الدين، هذا معنى الليبرالية، هم معذورين في الغرب لما طلعوا الليبرالية من أجل أن عقيدة فاسدة، تفليس وشرك ووثنية وصكوك غفران وكراسي اعتراف إلى آخره، وتخلف ورفض للعلم، ومعاندة للعلم، فبالتالي صحيح إن هم رفضوا الدين الباطل، ولم يبحثوا عن دين الحق، هذه قصة الغرب، رفض الدين الباطل فكان المفروض يبحث عن الدين الحق، لأ هم عمموا أحكامهم على كل الأديان بما فيه دين الإسلام. وهذا أشد الظلم الذي وقع لأنهم لو درسوا الإسلام وعرفوا الإسلام ما كان والله أعلم يحصل ما حصل، فا بيحاولوا يفرضوا نفس النظم عندنا، فصل الدين عن الحياة لأن الدين يعادي العلم، الدين يصادم الحقائق العلمية، الدين يؤخر، الدين يفرق الناس، إلى آخره فالببغاوات عندنا يكرروا نفس الكلام، ويفخروا يقولوا أنا ليبرالي، أنا علماني، ويتصور إن علماني معناها علم، ولا علاقة إطلاقة بكلمة العلمانية بالعلم إطلاقًا، ليس هناك أي علاقة بينهم لكن لأن الكلمة كلمة مستوردة أما ترجموها حصل ¬

_ (¬1) المنافقون: 8.

خلط كبير، فبعضهم هي أدق كلمة أن يقول اللادينية secularism يعني العالمانية، بمعنى وأدق إن احنا نقول العالمانية أفضل نسبة إلى العالم العالمانية يعني نسبة إلى هذا العالم الدنيوي، بغض النظر عن الآخرة والغيبيات كل هذا ما لناش دعوة به. فالعالمانية يعني النظام الذي يسود الحياة مع فصل الدين، فالدين هذا يبقى مثل الذي يحب فاكهة، هذا ما بيحبش الثانية الألوان، الأزواق الخاصة فالدين هذا شيء شخصي، فا هذا ينفع مع النصرانية، مع البوذية، لكن في الإسلام لا يمكن أبدًا أن يعد الإسلام قضية شخصية بين العبد وربه، فالليبراليين الببغاوات يكررون نفس الكلام في موضوع فصل الدين عن الحياة، لا يريد أخوض كثير في الموضوع لكن الحقيقة الكلام له شجونه وبتحصل استفزاز كثيرة في الإعلام مثل ما واحد يقول لك عايزين يرجعونا يحكمونا بقوانين من أربعة عشر قرنًا هذه خيبة إن يقول هكذا هذا إنسان كالعيس في البيداء يقتلها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول يعني ربنا أكرمك بالإسلام وبالقرآن وتكفر بهذه النعمة وتطعن في شريعة الله وتطعن في شريعة الله، فهذا بمناسبة إن احنا لما نرجع للعصور الأولى إحنا رجوعنا للعصور إنها ليست رجعية، بالعكس كلما اقتربنا من العصور التالية كلما تسامينا، هذا نحن ليس رجوع للوراء هي ارتقاء وارتفاع وسمو إلى منزلة السلف الصالح والصحابة والتابعين وتابعيهم من القرون الخيرية. فهذا ارتقاء ليس رجوعًا للوراء فهما عندهم أي حاجة يأخذها من الرجوع للوراء هذا ممكن لكن في الشرائع الوضعية، الناس بتترقى لكن تقول هكذا مع شريعة إلهية فمادمت تعتقد أنها شريعة الله كيف تصفها بالتخلف أو الجمود إلى آخره، وهو السائد في الساحة الثقافية هو البلطجة، هذا التعبير اللائق بالوضع الذي يحصل واحد بيحتكر أجهزة الإعلام أو الصحافة أو كذا وعنده قدرة جيش مجند للكذب والافتراء فما يضيع الفرصة.

لكن يستحيل هؤلاء الناس يتعاملوا بإنصاف مصفحين ضد الإنصاف، وبيحاولوا دائمًا يقول لك السلفية الوهابيين السلفية دول يظهر أن حاجة هكذا طالعة، هكذا نبات غريب طالع في حين أن السلفية، لا يهمنا الاسم لا يهمنا أبدًا التمسك باسم السلفية لسنا كغيرنا تتعبدنا الألقاب واللافتات ليست لنا أي شأن بالأسماء، لكن الجوهر المضمون إيه هل السلفية تفرق الأمة لو بتفرق يبقى لا نريد كلمة سلفية، بس إيه الجوهر الجوهر للدائرة العظمى هي دائرة الإسلام الدائرة الكبيرة في داخل هذه الدائرة الواقع يقول ومن قبل ذلك «النَّاسُ تَخْتَلِفُ إِلَى َثلَاٍث وَسَبْعُوْنَ فِرْقَةٍ كُلُّهَا فِيْ النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةٍ» (¬1). فكما تقول أنا مصري وسكندري أقول لك أنت بتفرق المصريين هكذا أنت بتفرق الأمة، هذا ما فيش تناقض لأن أنا فعلاً سكندري هذه الصفة الخاصة، لكن الصفة الأعم هي الإسلام، فكانت كلمة مسلم كفاية أوي أوي في القرون الأولى أو في القرن الأول في عهد الصحابة قبل ظهور الفرق، فمسلم خلاص كفاية {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} (¬2). لكن بعد ما وجد الفرق التي أخبر بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحصل تفرق في أصول الدين شيعة، وجبرية، وقدرية وجهمية إلى آخره فهنا لم تعد كلمة إسلام كواقع كافية في الدلالة على المنهج بتاع الإسلام، لكن بنقول مسلم من أهل السنة والجماعة، ليس هناك تعارض إطلاقًا ليس تفرقة، وإن كان لابد فهي تفرقة مطلوبة، لأن محمدًا فرق بين الناس جاي يفرق بين الناس على أساس الحق، فلما يبقى هو مسلم ومتبع لمنهج أهل السنة والجماعة لو هو على طريقة الصحابة - رضي الله عنهما -، يبقى لا تفرق هذا من أجل أن يميز إن كان من الفرق الضالة أو من الفرقة الناجية التي هي أهل السنة والجماعة بنص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل أن ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه من حديث أنس - رضي الله عنه - (صححه الألباني). (¬2) الحج: 78.

هكذا أهل السنة والجماعة لا يصلح توجه لهم سؤال متى نشأت هذه الفرقة مستحيل، ليه لأن هو هذا المجرى الرئيسي الذي يكون فيه نهر كبير، وفيه روافد. فالمجرى الرئيسي هو الإسلام وأهل السنة والجماعة كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية هم نقاوة أهل الإسلام، فهم مسلمون بل هم في قمة المسلمين علمًا وعملاً إلى آخره، فلذلك ليس تعارض بين كلمة سلفي أو سميها ما شئت ليس مهم الاسم المهم المحتوى، إنه على طريقة الصحابة والتابعين في فهم الكتاب والسنة والعمل بهم، فهذه معنى السلفية سميها بقى سلفية أهل السن والجماعة أهل الحديث سمي ما شئت ليس مشكلة الأسماء المهم المحتوى، ولذلك الفرق الضالة لا تجرؤ على المناقشة المنصفة أيضًا ليه لأن الميزة الأولى والعظمى للسلفية هي منهج له نسب، له نسب له سند كل عقائد أهل السنة والجماعة مدونة في كتب الأحاديث والكتب التي صنفت في مسائل العقائد، فلذلك بنتحدى بهذه الأسانيد أي فرقة ضلت وانحرفت عن منهج أهل السنة والجماعة. لما أحد العلماء المعاصرين - صلى الله عليه وسلم - إمام جليل من أئمة الفقه في مصر طبعًا الشيخ محمد أبو زهرة - صلى الله عليه وسلم - تكلم كلام يعني كان شديدًا في حق السلفية، فيه ملاحظات شديدة عليه لكن هو في كتابه «تاريخ المذاهب الإسلامية» الجزء الثاني المذاهب العقائدية والسياسية لما تكلم عن السلفيين، يقول إيه «يريد هؤلاء السلفيين أن يعودوا بنا في فهم أدلة الكتاب والسنة إلى فهم السلف الصالح وأن نترك علم الكلام والفلسفة ... الخ»، فهذه ما فيش شهادة في تزكية هذا المنهج أعظم من هذه الشهادة مع احترامي للشيخ وبندعوه إن ربنا يغفر له لأن هو كان إنسانًا مخلصًا إن شاء الله نحسبه كذلك في الدفاع عن الإسلام وبذل الكثير، وإمام من أئمة الفقه والأصول إمام كبير الشيخ أبو زهرة - صلى الله عليه وسلم - لكن مع ذلك هو مخطئ في هذا فهذا مدح ليس ذم: فبرائه الحسناء قلنا لوجهها ... كذبا وزورا إنه لدميم

فليس بالدعاوى لكن لا يناقشنا أحد، على فكرة نحن على ما عليه السلف لأن معانا الأسانيد، لكن هم أضافوا للدين حينما تأثروا فلاسفة اليونان، بهذه الأفكار الوافدة، فدعوتنا ليست جديدة، يعني السلفيين يقولون نحن متمسكين بالكتاب والسنة بفهم السلف، التانيين يقولوا لا لازم ننفتح على الثقافات الأخرى ووصل بهم الأمر كما تعرفون عند الصوفية إلى اختراع أصول غريبة تمامًا عن منهج الإسلام، هذا بقى غير الشيعة والضلال المبين الذي وقعوا فيه يقولوا لعل من أوائل الإشارات التي أوردتها مصادرنا عن عناية الدولة الإسلامية بالمواليد عند ولادتهم تعود بنا إلى العصر الراشدي وبالتحديد إلى عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، الذي كان يفرض لكل طفل فطيم، يفرض العطاء يعني مرتب مرتب، كل سنة لأي طفل بيولد بس يكون طفل الذي يولد ويفطم بدأت بكدا الأول يعني الطفل أول ما ينفطم يحتاج أكل ونفقة وكدا إنه كبر، ففرض له من بيت المال مرتب سنوي، فرض لكل طفل فطيم. لكنه عندما تبين له أن هذا الإجراء أضر بالأطفال من جراء تعجيل الأمهات لفطام أطفالهن طمعًا في تعجيل العطاء، يعني عرف إن الأمهات بدأت تفطم الطفل بدري من أجل أن تلحق تاخد المرتب هذا فلما علم ذلك أن هذا الإجراء الذي أراد به الإحسان إلى الأطفال تحول إلى إضرار بالأطفال لأنه يحرم الأطفال من حقهم في الرضاعة، هنا عدل أمير المؤمنين - رضي الله عنه - عن قراره وأخذ يفرض العطاء لكل مولود يولد في الإسلام. طبعًا موجود الآن في البلاد الأوروبية أعرف إنه في ألمانيا الطفل بيتولد طبعًا يا فرحة الأسرة لأن الدولة الشعب عاد ينقرض يكرهون الزواج، يحبوا أولاد الآخرين لكن هم لا يريدون مسئوليات خالص، وبالتالي ففيه انقراض للجنس الآري الألماني، فالدولة بتشجعه تشجيع غريب جدًا على كثرة النسل، الطفل بيصرفوا عليه لما كانت في ألمانيا كنت أسمع من الأخوة عن هذه الأشياء، دخل عجيب مرة قابلت أخ مسلم لبناني عايش في المدينة اسمها (زل) الأخ هذا عنده أولاد كثير جدًا، لا يعرف إذا كان

واصل مثل 30 ابن أو حاجة مثل هكذا وعايش في رغد من العيش مستوى مادي عالي جدًا ليه، لأن هو يظهر كان واخد الجنسية فبالتالي كل ما يجيب طفل .. فالمسلمين أكثر ما يستفيدون في هذا، لأن الدخل بيرتفع جدًا لأن الطفل لا يستهلك لكن هو مصدر رزق وفير لهم، فالشاهد إن هذا كان موجود في الدولة الإسلامية في العصر القديم فنحن نترقى لما بنرجع لهم ولا لما بنرجع لوراء رجعيين مثل ما كان عبد الناصر كان بيسمي الإسلام رجعية، الرجعية يعني الإسلام أيامها هذا ليس رجوع هذا أو التقهقر هذا دفاع عن مستوى السلف الصالح - صلى الله عليه وسلم -. تفصيل خلفيات هذا القرار الذي ترويه لنا المراجع الإسلامية، أنه في ذات ليلة هو كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - برفقة الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - كانا يحرسان تجارًا قدموا المدينة النبوية، فاستمع عمر - رضي الله عنه - بكاء صبي فتوجه نحو الصبي فقال لأمه اتقي الله وأحسني إلى صبيك، ثم عاد إلى مكانه لكن الطفل لم يتوقف عن البكاء، فعاد إلى أمه ثلاث مرات ومنها علم أن سبب البكاء هو تعجيل الأم فطامه لتأخذ العطاء، قالت له إن عمر يعمل عطاء لما الطفل ينفطم من أجل أن هكذا هي عجلت بالفطام فقال عمر - رضي الله عنه - متأسفًا على قراره السابق، «يا ويل عمر كم حمل من وزر وهو لا يعلم» ثم أمر مناديه فنادى لا تعجلوا أولادكم بالفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، وكتب إلى الآفاق بذلك، أما عن مقدار العطاء الذي فرضه أمير المؤمنين - رضي الله عنه - للمواليد الجدد طبعًا لا تتوفر إحصائيات أو معايير لكن كان العطاء عمومًا يتناسب طرديًا مع الغلاء والرخص في الأقاليم المختلفة، كان عطاء الطفل في العراق مثلاً مائة درهم وجريبان، في كل شهر عبارة عن مكيال قدر أربعة أقفزة جمع قفيز والقفيز: القفيز في مصر يعادل 16 كيلو جرام، فيبقى الجريب الواحد يساوي: 64 كيلو هذا الجريب الواحد فكان بيعطي الطفل مائة درهم وجريبين يعني 128 كيلو جرام للطفل هذا في العراق. سأل الفاروق - رضي الله عنه - خالد بن عرفطة العذري عما ورائه في العراق، وقال خالد تركتهم يسألون الله أن يزيد في عمرك من أعمارهم من شدة حبهم لأمير المؤمنين - رضي الله عنه - ما وطئ أحد القادسية إلا وعطاؤه الفاني

أو خمس عشرة مئة، وما من مولود ذكرًا كان أو أنثى إلا ألحق في مئة وجريبين في كل شهر مائة درهم وجريبان. حصل تطور في عطاء الأطفال، في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إذ أخذ هذا العطاء ينمو مع نمو الطفل يعني العطاء، الذي فضل لعمر كان كل سنة أو كل شهر بالصورة هذه ثابت. كان عثمان بن عفان كلما نمى الطفل زاد هذا العطاء فعند ولادته يكون له عطاء حتى إذا بلغ سنة تضاعف هذا العطاء، فيروى أن امرأة كانت تتردد على منزل عثمان - رضي الله عنه - فافتقدها ذات يوم فسئل أهله عنها فأجابوه بأنها ولد الليلة غلامًا فأرسل إليها خمسين درهمًا وثوبًا فضفاضًا، وقال لها هذا عطاء ابنك وهذه كسوتك فإذا مرت به سنة رفعناه إلى مئة. وكان أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - يفرض للمولود بمجرد ميلاده مئة درهم أو عشرة دنانير أيضًا، أمير المؤمنين معاوية - رضي الله عنه - كان يطلب من رؤساء وأشراف القبائل بأن يبلغوه بالمواليد ليفرض لهم، ليس هذا فحسب بل كان يرسل مناديًا هل من مولود ليفرض له، يمشي في الشوارع ينادي هل فيه ولد في هذا الشارع أو الحي مولود حتى يفرض له العطاء. وقال أدهم ابن محرز إني أول مولود في الإسلام بحمص وأول مولود فرض له بها، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ضمن الدستور الحضاري الإسلامي الإنفاق على الطفل قبل أن يولد يعني وهو جنين من خلال الإنفاق على أمه، وهذه موجودة في القرآن الكريم إن الأم الحامل يكون لها حق في النفقة، ولذلك الذي يوضح لنا المسألة لو أم ناشز هي ناشز على زوجها، ولكنها حامل تسقط نفقتها، إحنا معروف النشوز يسقط النفقة، لكن لو كانت حاملاً لا لا تسقط النفقة مع أنها ناشز، لكن يجب أن ينفق عليها زوجها لأنها حامل. من واجب الرجل الذي طلق زوجته الحامل الإنفاق عليها أثناء الحمل وتستمر عملية الإنفاق ما لم تتزوج يقول تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬1) وقال تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ ¬

_ (¬1) البقرة: 233.

حق الحضانة

فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬1) وذلك ضمانًا لحياة الجنين والطفل، فالنفقة واجبة على الأب فإن كان الأب ميتًا فعلى الورثة الأقرب فالأقرب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (¬2) يعني لو الطفل أبوه مات لن يضيع لأ الغنم بالغرم مثل ما أقاربه يرثون منه إذا مات كذلك يقومون مقامه إذا وجبت عليه حقوق فلذلك الورثة يقومون مقام الأب عند افتقاده ولذلك قال تعالى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (¬3). لن هيضيع الطفل تنقل بالغنم بالغرم، فالنفقة واجبة على الأب فإذا كان ميتًا فعلى الورثة الأقرب فالأقرب، يجب انتقاؤها بعناية يجب إن تنتقي الأم الثانية لولدك لأنها أم الثانية زوجها سيكون أبًا لابنك الذي سترضعه أبًا من الرضاعة، وهكذا، أحكام في غاية الدقة كما تعلمون، فمن ثم اهتمت الشريعة الإسلامية جدًا بانتقاء الأم التي ترضع. الأم الثانية التي هي أم من الرضاعة لأن للبن تأثيرًا في الطباع، جاءت في بعض الآثار لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء فإن اللبن يعبر كأنه يتسبب في انتقال صفات إرثيه إلى هذا الطفل، لهذا يرى الطوسي المشهري تفضيل المرضع الحرة والمسلمة ذات العفة والعقل والوضاءة، وزاد بعض الأطباء المسلمين صفات أخرى غير الدين والأخلاق مثل صغر السن سلامة الصحة الحليب الجيد، وأن يكون للمرضع ما لا يقل عن ولدين هذا فيما يتعلق بهذا الحق وهو حق الرضاعة. حق الحضانة: كانت الأعراف الجاهلية تعطي للأب وعصبته حق الحضانة، فجاء الإسلام يرجع الأمر إلى أصله ويرجع الحضانة من حق الأم لأنها منبع الحنان والعواطف يعني في الشريعة الإسلامية نلاحظ أيضًا الانحياز العجيب لمصلحة الطفل. من أجل أن هكذا الناس الذين لا يفهمون قضية التربية بالذات عملية التأديب، أو العقوبة يقع منهم فساد كبير جدًا، يعني هو بيتصور إنه مطلق الحرية في التصرف كما يشاء لا يحاسبه أحد، يقول لك ¬

_ (¬1) الطلاق: 6. (¬2) البقرة: 233. (¬3) البقرة: 233.

ابنه وأنا حر فيه يضربه يعذبه يعمل له عاهة إلى آخره، ليه لأنه لا يفهم أن هناك سلطة أعلى منه سلطة الشريعة تهذب سلوكه وتجعل العقوبة ليست انتقامًا من الطفل. لكن الموضوع كله بيدور حول أين تكون مصلحة الطفل ففي حالة معينة قد يكون هناك طفل لا يصلحه إلا نوع من الشدة، طبعًا بشروط ليس الهدف الانتقام الطفل غير مكلف، فاحنا كل الموضوع ما الذي يحسب القرارات أن يصب في مصلحة الطفل، فكل القاعدة تدور حول مصلحته فالشريعة منحازة تمامًا إلى مصلحة الطفل، منحازة لمصلحة الطفل تمامًا لأنه لا يضمن التعبير عن نفسه، ولا يطالب بحق. ولذلك جائت هذه الإجراءات، فالشريعة عطلت ما كان عليه الجاهلية من أن حق الحضانة يرجع للعصبة أو الأب والعصبة بتاعة الأب، فجاء الإسلام فعدل هذا الأمر وأصلحه وجعل الحضانة من حق الأم في غاية الواقعية، فينظر أين المصلحة. فالأصل في فترة الصغر التي فيها الرضاع والعناية بنظافته وكذا وكذا بتكون الأم، فيبقى انتهاء سن الحضانة مع الأم، فإذا كبر واحتاج إلى عناية الأب به فتنتقل الحضانة إلى الأب شيء منطقي جدًا، يقول وجعلها من حق الأم لأنها منبع الحنان والعواطف فقرابتها والتصاقها بالإبن أكثر من الأب. بل جعل الإسلام الأولية بالحضانة بعد الأم لمن له صلة أقرب للأم فمثلاً، جدته لأمه أولى بالحضانة من جدته لأبيه، وخالته أولى من عمته لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» (¬1) عبرت إحدى الصحابيات أجمل تعبير عن حقها في الحضانة بعدما طلقها زوجها وأراد أن ينزع وليدها منها فقالت «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» (¬2) يعني ما لم تتزوجي، لأن الأم في هذه الحالة ستنشغل بواجبات الزوج فيكون على حساب الطفل. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -. (¬2) سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - (حسنه الألباني).

كأن الشريعة تكافئها ما دامت تحبس نفسها على رعاية هذا الطفل، فأثبت لها حق الحضانة وأثبت لها كذا وكذا من هذه الحقوق، لكن إذا نازع حق الطفل حق آخر تلتقي الحضانة إلى من يتفرغ للعناية بالطفل. هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يسير في المدينة بقامته المديدة وهيبته الظاهرة، يرى في ناحية من الطريق ابنه عاصمًا الذي أنجبه من امرأة أنصارية كان قد طلقها رآه يسير مع جدته لأمه فانتزعه منها بقوة بدنه وقوة شخصيته هذا ابنه، وكان مع جدته لأمه لكن العجوز التي كانت تدرك أنها تعيش في دولة لا يظلم فيها أحد، وأن الحق أكبر من عمر - رضي الله عنه -، لن تتركه بل أخذت تنازعه الولد وخاصمته بين يدي خليفة المسلمين أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، فانتزع الصديق الطفل من يده بقوة الحق، وقال له عبارته المشهورة الخالدة المعبرة عن روح الحضارة الإسلامية ورسالة الإسلام التي جاءت رحمة للعالمين، انتزعه الصديق من عمر وأعاده إلى جدته أمه وقال له «ريحها ومسها ومسحها وريقها خير له من الشهد عندك» بهذه العبارات العاطفية الكاشفة بين الصديق - رضي الله عنه - العواطف الإنسانية التي يضمها قلب الأم الرؤوم، فإذا كانت الأم تغدي وليدها بما يدره جسدها من غذاء صالح لنموه، فهي بنظراتها وبشاشتها وحنانها وهزها له في المهد، وابتسامتها له في الحجر، ومناغاتها له، تقدم له غذاءًا عاطفيًا يتعاون مع الغذاء المادي في تنميته وقوته، وإن كان هذا الغذاء المادي بسيطًا فهو أفضل من الشهد عند أبيه في غياب أمه. أيضًا كفلت الشريعة الإسلامية حق الطفل في كف الأذى عنه وتمثل ذلك في الختام وحلق الرأس وغير ذلك فمن مظاهر الاهتمام بنظافته إلى جانب حقه في التربية والتعليم والتأديب. نكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك * * *

الدرس السابع: ثمار رعاية الطفولة في الحضارة الإسلامية

الدرس السابع ثمار رعاية الطفولة في الحضارة الإسلامية

تأديب الأطفال

الحمد لله رب العالمين .. الرحمن الرحيم .. مالك يوم الدين .. والعاقبة للمتقين .. ولا عدوان إلا على الظالمين .. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .. أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .. ثم أما بعد .. فنعود إلى السلسلة التربوية، والمفترض أن نشرع في مدارسة مبدأ التأديب. تأديب الأطفال: كثير من الناس يقفز إلى أذهانهم إذا ذكرت كلمة التأديب، التأديب بالضرب. لكن التأديب يطير بجناحين؛ جناح الثواب وجناح العقاب. قبل أن نناقش ضوابط الثواب والعقاب في العملية التربوية نعود إلى مبدأ إسلامي أصيل لا يختص فقط بالأطفال أو تربية الأطفال، ولكنه مبدأ إسلامي أرساه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنته، ألا وهو مبدأ الترغيب والترهيب وهذا أسلوب تعليمي وتربوي من أنجح الأساليب ويراد به تصحيح سلوك الإنسان، فهذا المبدأ أكد عليه العلماء والمربون المسلمون نتيجة لما يرمي إليه من النتائج الإيجابية سواء على الناحية التعليمية أو الناحية التربوية. الثواب والعقاب مبدأ تربوي أصيل أكد عليه الإسلام في حياة الإنسان، لأن الثواب والعقاب معناه اثبات المسئولية الفردية. أن الإنسان مسئول ومحاسب وأنه سيجازى على عمله وأن الجزاء من جنس العمل. - لأن بعض الناس تتخيل الترغيب والترهيب، إنه مجرد تخويف.

مجرد تخويف فقط ولا حقيقة وراءه، وهذا انطباع موجود عند بعض الناس حينما يذكر بمبدأ الترغيب والترهيب، لا، فالترغيب والترهيب مبدأ مؤسس في حياة كل إنسان، وهو أنه يتحمل نتائج وتبعات سلوكه الخيرة منها والشريرة. يقول الله تبارك وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)} (¬1)، ويقول تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)} (¬2) وقال عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} (¬3). فإذًا المقصود من هذا المبدأ الإسلامي الأصيل تصحيح السلوك الإنساني والرجوع به إلى الحق والصواب، والبعد به عن السيئات وعن ما يغضب الله تعالى. أيضا العقاب في الإسلام مبني على الشفقة والرحمة بالإنسان، يقول الشاعر: قسى لي الزجر .. لكن طبعا هذا في حق المربين من البشر، ولكن مثل هذا اللفظ لا يقال في حق الله تبارك وتعالى. قسى لي الزجر ومن يكن راحم افليقسو أحيانا على من يرحم فالعقاب في الإسلام ليس المقصود به إيذاء الإنسان في نفسه، وإنما المقصود الشفقة والرحمة بهذا الإنسان. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ما معناه: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي» (¬4). الفراش ينجذب لضوء النار ولا يعقل أن فيه هلاكه، فهكذا الإنسان حينما تجذبه الشهوات. ¬

_ (¬1) المدثر: 38. (¬2) الإسراء: 13. (¬3) الزلزلة: 7. (¬4) صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -.

كيف يكون القتل فيه حياة؟

«مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي» (¬1) فهذه هي رحمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله الله رحمة للعالمين. فالإنسان معرض لأن يرتكب الخطأ من جراء جهله ونسيانه. {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)} (¬2) يقول الله تبارك وتعالى في دعاء المؤمنين: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (¬3) ويقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (¬4). الحياة الإنسانية في مختلف صورها تحتاج إلى أن تحاط بسياج من الضبط كي تستقيم، فمثلا أنزل الله سبحانه وتعالى القصاص. القصاص المقصود منه أساسا هو حماية الروح الإنسانية، فالمقصود من القصاص هو رحمة البشر وحفظ حياتهم. يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}. {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ} المعاملة بالمثل، من قتل يقتل {حَيَاةٌ}. كيف يكون القتل فيه حياة؟ نعم القتل فيه حياة لأن الله سبحانه وتعالى ذكر تعليل ذلك الحكم ب {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} تتقون ماذا؟ -القتل. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -. (¬2) الأحزاب: 72. (¬3) البقرة: 286. (¬4) سنن ابن ماجه من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -، قال الألباني: (صحيح).

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} (¬1) أي القتل، لأنه إذا علم أنه سوف يجازى بالقتل قصاصا فإنه سوف يمتنع من الاعتداء على أرواح الناس. تتعدد آيات القرآن الكريم التي تضمن التشريع بالقصاص والعقاب الدنيوي كوسيلة من وسائل الضبط العقائدي والاجتماعي في صلاح الفرد والمجتمع. أيضا تجد الشارع الخبير بطبائع النفوس، يسد الطريق أمام كل الاستثارات الدافعة إلى العدوان أو إلى التقصير. فلا ريب أن الأسلوب الإسلامي الذي هو أسلوب الترغيب والترهيب أو الثواب والعقاب، بني على الفطرة التي فطر الله الناس عليها. لأن الكائن الحي سواء أكان إنسانا أو حيوانا يميل بفطرته إلى اللذة والنعيم وحب البقاء، ويهاب كل ما يؤلمه ويكون سببا في شقائه. -حتى الحيوانات، تتحرى أن تجلب ما ينفعها وتدفع ما يضرها، يعني أي حيوان، إذا أردت أن تقتل نملة أو صرصورا أو نحو ذلك فإنه يقاوم ويسلك أساليب معينة ليحمي نفسه ويدفع عنها الضر ويجلب لها النفع. فالإنسان يميل إلى حب اللذة والنعيم والبقاء، ويهاب كل ما يؤلمه ويكون سببا في شقائه. فالنفس البشرية أولى بالابتعاد عما يؤذيها والميل إلى ما لذ وطاب من العيش وإلى ما يحقق لها استمرار الحياة. كما أن ضرورة الاجتماع –أي ضرورة وجود أناس يعيشون مع بعض في اجتماعات لأن الإنسان مدني بطبعه- تقتضي أن يثاب المحسن على إحسانه وأن يعاقب المسيء على ما اقترف من المعاصي والذنوب. ¬

_ (¬1) البقرة: 179.

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} (¬1) لكل عمل جزاؤه إن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر، وهذا نتيجة طبيعية ليست متكلفة ولا مصطنعة، ولولاها لعم الظلم وساد الاضطراب بين الناس. والإنسان في مراحل عمره المختلفة عرضة للوقوع في الذنب قل ذلك أو كثر وعرضة للانزلاق في الخطأ. فالكمال لله وحده. -فهنا لابد من العقاب حسب الموقف والذنب المقترف، حتى لا يقع الإنسان في الذنب يأتي الترغيب والترهيب كنوع من الردع حتى لا يقع فيها الإنسان والاستمرار عليها حتى لا تصبح عادة وصفة لازمة من صفاته. وما الحياة إلا صراع مستمر بين عنصري الخير والشر والعاقل من أحسن الاختيار. إذا أسلوب الترغيب والترهيب له أهمية بالغة في التربية الإسلامية وفي تربية النشء وتعويدهم فعل الخير منذ نعومة أظفارهم. فالترغيب أسلوب لابد أن يلجأ إليه المربي مقابل أسلوب الترهيب. فمرة يهدد المتربي بعدم رضا الله إذا فعل منكرا أو ارتكب محرما، مبينا له مقابل ذلك ما أعد الله من النعيم المقيم لمن أطاع أوامره واجتنب نواهيه. فالناشئ ولا ريب يحاول جاهدا الابتعاد عن اتباع الهوى، فالتربية كما قلنا من قبل كالطائر الذي يطير بجناحين وهما الحب والحزم. الحب وما يتطلبه من الرفق والإثابة والترغيب واللين. والحزم وما يتطلبه من الترهيب والعقاب والانضباط. فأسلوب التوجيه اللفظي والوعظ والإرشاد يجدي مع بعض الناس. ¬

_ (¬1) الزلزلة: 7 - 8.

كل أنواع التربية

لكن توجد مجموعة أخرى -والناس طبائع، والشخصيات مختلفة في طبائعها- لا يجدي معها هذا الأسلوب، فمن ثم هناك فروق فردية بين البشر، ليس كل الناس يجدي معهم الوعظ ولا الترغيب ولا اللين، ولكن هناك من لا يقومه إلا العقوبة والتهديد والترهيب. لم يسلك أسلوبا من أساليب التربية إلا طرقه للنفاذ إلى نفس الإنسان والتأثير عليها، فهو يستخدم الموعظة والترغيب والترهيب والعقوبة. كل أنواع التربية: يقول الله سبحانه وتعالى مخوفا عباده بعقاب الآخرة، وهذا كثير جدا في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)} (¬1). فالمربي لا يستطيع أن يسلك الطريق الطويل في حقل التربية، ما لم يعرف الطفل والإنسان عموما أن هناك مكافأة وعقوبة إزاء عمله وسلوكه فالجزاء من جنس العمل، سواء عند الله أم عند الناس. والإنسان منذ نعومة أظفاره على فعل الخيرات، فلن يختار غيرها إذا شب وصلب عوده، لذا لابد من الاهتمام بدراسة ضوابط مبدأ الترغيب والترهيب إذا أردنا أن نعرس مبدأ خلقيا أو تربويا في نفس المربي، لأن هذا مبني على إثارة الانفعالات، وتربية العواطف الربانية، تربية عاطفة الخوف من الله سبحانه وتعالى والرهبة، وحب الله عز وجل وحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبهذا الأسلوب الأساسي (الترغيب والترهيب) نستطيع أن نغرس القيم ونعين الأطفال على الالتزام بالعبادات والتدرب عليها كما هو في حالة الصلاة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى فيما بعد بالتفصيل. ¬

_ (¬1) الفرقان: 68 - 70.

الترغيب والترهيب

الآن نأتي إلى نماذج مباشرة من القرآن والسنة في بيان ملامح هذا المنهج العام الذي أرساه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، من حيث استعمال اسلوبين متضادين يختلف إحداهما عن الآخر ألا وهما أسلوب الترغيب والترهيب. الترغيب والترهيب: أما الترغيب: فهو وعد يصاحبه تحبيب الإنسان وإغراؤه بإنجاز عمل ما يجني من ورائه مصلحة كبيرة أو خيرا كثيرا يصب في ميزان أعماله وهذا مؤكد وحاصل لكن الغالب في الخطاب بين المؤمنين الوعد الأخوي، لو تأملتم في قصة ذي القرنين لما قال لهؤلاء القوم: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)} (¬1). تلاحظ أنه مع المؤمنين قدم الثواب الأهم بالنسبة للمؤمن وهو ثواب الآخرة، لأن المؤمن عنده يقين بديمومة وخلود هذا الثواب وأيضا بقدره بالنسبة لثواب الدنيا الفانية، ولذلك لما تكلم عن الكافرين قال: {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ} في الدنيا، {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} رغم أنفه، {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا}. {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} انظر ماذا قدم؟ {فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} (¬2) لأن هذا هو المقصد الأساسي للمؤمن طلب الثواب هناك في الآخرة. {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ} هناك، {جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}. هذا في الدنيا. ¬

_ (¬1) الكهف: 87 - 88. (¬2) الكهف: 88

فلذلك ينبغي أن يربى المسلم على العمل ابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى. لأهمية هذا الأسلوب الرفيع الذي يمثل دافعا للإنسان نحو الأعمال الصالحة التي ترضي الله تبارك وتعالى شاع جدا في القرآن الكريم وفي سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. مثلا قال الله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)} (¬1). ويقول تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} (¬2). ويقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} (¬3). ويقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} (¬4) ¬

_ (¬1) آل عمران: 15. (¬2) الأعراف: 42 - 43. (¬3) الزمر: 17 - 18. (¬4) فصلت: 30 - 32.

ويقول عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)} (¬1). ويقول عز وجل: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} (¬2). استعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسلوب الترغيب في تربية أصحابه رضي الله تعالى عنهم فحثهم على فضائل الأعمال عن طريق الترغيب والترهيب كما ورد في فضل مثلا صلاة الضحى أو صلاة الليل أو صيام التطوع وغير ذلك من هذه الأعمال الصالحة. فكان من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحبيب عباد الله في طاعة الله تبارك وتعالى، كان يشجعهم على إنجازها. -لما رأى قوما يعملون في بئر زمزم ويحفرون، قال: «اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ» (¬3) وحسان بن ثابت لما كان يهجوا المشركين، كان يقول: «اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» (¬4) وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ ¬

_ (¬1) الدخان: 51 - 57. (¬2) نوح: 10 - 12. (¬3) صحيح البخاري من حديث جابر - رضي الله عنهما -. (¬4) متفق عليه من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -.

الترغيب أو التشجيع المادي

أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (¬1). -فهذا هو مبدأ الجزاء من جنس العمل. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» (¬2). وأسلوب الترغيب أو التشجيع ينقسم إلى قسمين: الترغيب أو التشجيع المادي: أما التشجيع المادي: مثلا إذا طلبت من الطفل أن يحفظ سورة من القرآن الكريم فأنجزها، فهنا يمكن أن تمنحه جائزة أو هدية مكافأة له على حفظه. قد تكون هدية مادية. -طبعا موضوع الثواب والعقاب له ضوابط في غاية الدقة سنناقشها بإذن الله تعالى فيما بعد بالتفصيل، ولكننا هنا نركز على مبدأ الترغيب والترهيب كمبدأ تربوي عام حتى في حق الكبار، وليس فقط في حق الأطفال. القسم الثاني من صور الترغيب، وهو: التشجيع المعنوي: مثل مجرد أن تشكر للطفل أو تمدحه وتثني عليه وتشيد بإنجازه أمام الناس، هذه الإشادة تعطي الطفل الثقة بالنفس وتشجعه على فعل المزيد من الأعمال الجيدة الأخرى. -وسبق أن أشرنا من قبل إلى مبدأ المدح التربوي. ¬

_ (¬1) متفق عليه من حديث ابن عُمر - رضي الله عنهما -. (¬2) سنن الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال الألباني (صحيح).

الحاجة إلى التقدير

هناك مقصد تربوي، له أهمية في حث الإنسان على مزيد من الإنجاز فهذا المدح المعنوي يشبع حاجة عند كل إنسان. حاجة نفسية، وهي الحاجة إلى التقدير. الحاجة إلى التقدير: وهذا مبدأ إسلامي أصيل، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» (¬1) «وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ فَقَدْ كَفَرَ»، يعني كفر نعمة إنعام وإحسان هؤلاء الناس عليه، فمن شكر الله أن تشكر من أسدى إليك معروفا، فهذا إشباع للحاجة النفسية عند أي إنسان وهي الحاجة إلى التقدير، فإنسان أدى إليك معروفا أو خدمة، فينبغي ألا تكون ناكرا للجميل وأن تعبر عن شكره بالثناء أو بالدعاء أو غير ذلك. فالتشجيع من الممكن أن يكون ماديا ومن الممكن أن يكون معنويا والمربي هو الذي يحدد هذا حسب الموقف الذي يعيشه الطفل. والأساليب التربوية ليست قوالب جامدة تتطبق بطريقة عمياء على كل الناس، فلابد من مراعاة الفروق الفردية فما يصلح هذا قد يفسد ذاك، فخبرة المربي هي التي تجعله يحدد الأسلوب المناسب في الترغيب أو في الترهيب. لكن المطلوب دائما تنويع الأساليب التربوية في التربية ممكن يجمع أحيانا بين الأسلوب المادي أو التشجيع المعنوي. فالمربون ينادون باستخدام أساليب التشجيع المادي مع الأطفال في بداية الأمر إلى أن يكسب الطفل إدراك المعنى، فيصبح للمديح والشكر أثر يفوق الهدايا والجوائز. ¬

_ (¬1) رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ورواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال الألباني: صحيح.

-الطفل في البداية يكون كما قلنا، ماديا متحجرا، يعني لا يتأثر إلا بالأشياء المحسوسة، تعطيه حلوى، تعطيه مالا، تعطيه كذا .. فهذه الأشياء المحسوسة أو الثواب المحسوس يدركه أكثر، فإذا نضج أكثر وفهم المعاني المجردة فحينئذ سيدرك أنه ربما يكون المديح والثناء وكلمة الشكر أعظم عنده من الجائزة المادية. على أي الأحوال الجمع بين الأسلوبين (التشجيع المادي والمعنوي) مفيد ومطلوب. ومن ثم ينبغي على المربي أو الأب إذا وعد الطفل بجائزة معينة أو بوعد معين فلابد أن يفي بوعده، لأنه إذا أخل بوعده فإن الابن يفقد الثقة في هذا الوالد أو هذا المعلم. ما دام الطفل أكمل العمل الذي طلبته منه على وجه صحيح، فلابد أن تفي. إذا لم تف فهذا يشوه الصورة الحسنة التي يرسمها كل طفل عن أبيه. عن عبد الله بن عامر قال: «دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا فَقَالَتْ هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ قَالَتْ أُعْطِيهِ تَمْرًا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ» (¬1). هذا فيما يتعلق بأسلوب الترغيب أو أسلوب التشجيع بقسميه. أما أسلوب الترهيب: فهو وعد يصاحبه تهديد الإنسان بالعقوبة، وتحذيره من الأعمال التي تؤدي إلى الوقوع في المعاصي التي تغضب الله تبارك وتعالى. فأسلوب الترهيب أيضا أسلوب تربوي جيد لا يمكن الاستغناء عنه خاصة في مجال التربية. ولأهميته ورد ذكره في كثير من المواضع في القرآن وفي السنة النبوية. يقول الله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ} هذا هو الإنذار، هذا هو الترهيب. ¬

_ (¬1) سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عامر - رضي الله عنه -، قال الألباني: حسن لغيره.

أقوى سلاح

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)} (¬1) فالإنذار هنا كما تلاحظون هو إنذار في القرآن الكريم. لأن هناك فكرة مضطر إلى أن أصفها بالفكرة الشيطانية، فكرة شيطانية تتسرب إلى بعض الدعاة للأسف الشديد، وهي إن الشيطان يقول له: إن هؤلاء القرآن لا يؤمنون بالقرآن فكيف تحتج به، فأنت اهجر آيات القرآن وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام لأنهم لا يؤمنون بالقرآن ولا بالرسول عليه الصلاة والسلام، فأنت تقنعهم بالأدلة العقلية والمناقشات الجدلية وتأتي لهم بنصوص من كتبهم إلى آخر هذه الأساليب الغريبة هي أساليب، لكن الأسلوب الأساسي، والإنذار الأساسي للبشرية إنما يتم بالقرآن الكريم، فهذا تعطيل أقوى سلاح من أسلحة المؤمنين في دعوتهم الكفار إلى الدخول في الإسلام. أقوى سلاح: القرآن الكريم سلاح حتى مع الكافر، لأنه كما ذكرنا من قبل، القرآن الكريم يتميز بالإعجاز التأثيري، فالقرآن له تأثير حتى على قلب من لا يؤمن به، وهذه هي سنة الأنبياء والرسل، هذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)} (¬2) هذا في التذكير، ولكن أيضا في الإنذار وفي الوعيد، كما نرى في هذه الآية الكريمة، {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)} (¬3) فالرسول عليه الصلاة والسلام كما أنه هو البشير هو أيضا النذير. فالبشارة والنذارة إنما تحصل بتبليغ آيات الله، فالقرآن نزل من أجل هذا: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (¬4) فكيف تعطل أقوى سلاح في دعوة الناس إلى القرآن الكريم. فانتبه إلى هذا. ¬

_ (¬1) فصلت: 13. (¬2) ق: 45. (¬3) فصلت: 13. (¬4) فاطر: 24.

يقول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)} (¬1) ويقول سبحانه وتعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)} (¬2). وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} (¬3) ويقول تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)} (¬4) ويقول تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)} (¬5). أيضا لأهمية أسلوب الترهيب استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المواقف التي تحتاج إلى بيان الوعيد أو التهديد بالعقوبة لمن يرتكب مخالفة لأوامر الله تبارك وتعالى. فمن ذلك مثلا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ». ¬

_ (¬1) مريم: 71 - 72. (¬2) الزمر: 15 - 16. (¬3) التحريم: 6. (¬4) الأحقاف: 18 - 20. (¬5) طه: 124 - 127.

يعني عاهد بالله، وباسم الله ثم غدر. «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ» (¬1) وقال - صلى الله عليه وسلم -: «وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» (¬2)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» (¬3). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثُمَّ قَالَ اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلَاثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ» (¬4). فالتربية كالعملة لها وجهان وجه الترغيب أو الثواب، ووجه الترهيب أو العقاب. فيتحتم على المربي استخدام أسلوب الترهيب في بعض المواقف لكن ينبغي ألا يبقى هذا هو الأسلوب الوحيد أو الأكثر استخداما في التربية. -لأن كثرة الترهيب أو العقاب لها تأثيرات سلبية في نفسية وفي شخصية الطفل، كما سنناقش إن شاء الله تبارك وتعالى ذلك .. ¬

_ (¬1) رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. (¬3) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -. (¬4) متفق عليه من حديث عَدي بن حاتم - رضي الله عنه -.

هناك خصائص وفروق بين أسلوبي الترغيب والترهيب، فمثلا يقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)} (¬1) فتلاحظ هنا أن في الآية وعدا يصاحبه تحبيب وترغيب بمصلحة أو متعة آجلة تعود على صاحبها بخيرات مقابل الابتعاد عن لذة ضارة أو عمل سيء ابتغاء مرضاة الله تعالى وإطاعة أوامره واجتناب نواهيه. أما الترهيب فهو عكس الترغيب –كما ذكرنا- لأنه وعيد وتهديد بعقوبة إزاء ارتكاب المرء معصية منهي عنها. فدائما يأتي الترهيب تهديدا من الله سبحانه وتعالى مصحوبا بإظهار صفة العزة والجبروت الإلهي ليكون المرء دائما على حذر مما تقترف يداه من ارتكاب الهفوات والمعاصي. {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (¬2) انظر ختام الآية {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} ولذلك لما أخطأ أحدهم في قراءتها فقال: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أحد المستمعين العرب، قال: لا، لابد أنك أخطأت في الآية، لأنه لو رحم وغفر لما قطع، فلما قطع فذلك لأنه عز وحكم {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} المائدة: 38. فالإسلام يتبع جميع وسائل التربية ولا يترك منفذا في النفس لا يصل إليه. ¬

_ (¬1) آل عمران: 15. (¬2) المائدة: 38.

التربية لا تقتصر على مبدأ الترغيب والترهيب، وإنما هناك أنواع كثيرة جدا من مسالك تربية وتهذيب هذه النفس البشرية، هناك أسلوب القدوة، وهناك أسلوب الموعظة، وهناك أسلوب الترغيب والترهيب كما ذكرنا. والترهيب والتهديد يستخدم بجميع درجاته ابتداء من التهديد إلى التنفير، مثلا: مرة يهدد بعدم رضاء الله تبارك وتعالى، يقول الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)} (¬1). مرة يهدد بغضب الله تبارك وتعالى صراحة كما حدث في حادثة الإفك، فهذه أشد من الدرجة التي جاءت في الآية في سورة الحديد يقول الله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17)} (¬2).مرة أخرى يهدد بحرب من الله ورسوله، يقول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا} (¬3) - إعلان حرب. {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} (¬4). ¬

_ (¬1) الحديد: 16. (¬2) النور: 15 - 17. (¬3) البقرة: 278 - 279. (¬4) البقرة: 279.

ومرة أخرى يهدد بالعقاب في الآخرة: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)} (¬1). أيضا يهدد أحيانا بالعقاب في الدنيا: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} (¬2)، ويقول: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)} (¬3) ويقول - عز وجل -: {وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)} (¬4). ثم أيضا يوقع العقاب، وهذه درجة أخرى أبعد من مجرد التهديد. {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬5) و {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} (¬6). هذا التنوع سواء من حيث أساليب التربوية، ثم من حيث أساليب الترغيب وتنوع أساليب الترهيب أيضا وتفاوت درجاتها، يفيد أن هذه عقوبات أو ترغيب أو ترهيب لأنواع مختلفة ومتفاوتة من الناس، ماذا يقول الشاعر؟ العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة يعني: من الناس من تكفيه الإشارة البعيدة فيرتجف قلبه ويهتز وجدانه. ويعدل عما هو مقدم عليه من انحراف، ومنهم من لا يردعه إلا الغضب الصريح. ¬

_ (¬1) الفرقان: 68 - 69. (¬2) التوبة: 39. (¬3) الفتح: 16. (¬4) التوبة: 74. (¬5) النور: 2. (¬6) المائدة: 38.

ومنهم من يكفيه التهديد بعذاب مؤجل التنفيذ، ومنهم من لابد من تقريب العصا منه حتى يراها على مقربة منه، ومنهم بعد ذلك فريق لابد أن يحس لذع العقوبة على جسمه كي يستقيم. -فأساليب التربية الإسلامية كما أشرنا متنوعة جدا كما سنفصل بعد ذلك إن شاء الله تعالى .. هناك التربية بالقدوة، وهناك التربية بالعادة، وهناك التربية بالموعظة، وهناك التربية بالملاحظة، وهناك التربية أيضا بالعقوبة وبالإفادة كما ذكرنا. فالتربية بالقدوة ميزتها أنها تكسب الولد أفضل الصفات وأكمل الأخلاق ويترقى نحو الفضائل والمكرمات وبدون القدوة لا ينفع مع الولد تأديب ولا يؤثر فيه موعظة. وهناك التربية بالعادة، وهذه تصل بالإنسان أيضا أو بالطفل إلى أفضل وأطيب الثمرات لأنها تغرس الأعمال الصالحة في هذا الطفل. -بدون التربية بالعادة وهي الاستمرار، الاستمرار في الشيء حتى يصبح عادة، وبدون ذلك يكون المربي مثل الذي يكتب على صفحة ماء أو يصرخ في واد أو ينفخ في رماد بلا فائدة ولا جدوى. -يعني لو طبقناها في الصلاة، فيكون الطفل تعود حتى قبل أن يصل إلى السابعة هو تعود أن يرى أمه تصلي وأباه يصلي، فبسبب وجود هذه القدوة الحسية أمامه فيحاول حتى وهو ابن الثلاث أو الأربع سنوات يقلد أو يقتدي بأبيه في مسألة الصلاة. شيء طبيعي بدون أن يكلمه أحد، لماذا؟ لأنه عنده أن هذا الأب أو الأم أفضل وأحسن ناس في الدنيا كلها، ومن ثم يتقمص ما يمارسه الأبوان أمامه من أساليب. فإذا جاءت السابعة وحان وقت تدريبه على الصلاة، تبدأ بأمره بالصلاة. هو لا يؤمر بالصلاة قبل السابعة وهذا رعاية لمراحل نموه المختلفة، ولكن مجرد أن يرى القدوة فهذا يغرس في نفسه أن هذا شيء حسن وينبغي الاقتداء به.

بعد ذلك يؤمر بالصلاة، فالأمر بالصلاة إعانة له على التعود على المحافظة على الصلاة. إذا الإنسان تدرج وراعى هذا التدرج، التربية بالقدوة والتربية بالعادة ونحو ذلك، هل يتصور لهذا الطفل إذا بلغ العاشرة، يقترب من النضج ويكون أكمل من المرحلة السابقة، هل مثل هذا يحتاج لأن يضرب على الصلاة؟ في الغالب، لكن لا يجئ أحدهم ويتجاوز كل المراحل السابقة ويظل مقصرا حتى يصبح ابنه في سن العاشرة ويبدأ معه بالضرب، فأنت الذي قصرت في المراحل السابقة، أو يضرب بعد التكليف، وبعد التكليف خلاص هو أصبح مسئولا ومكلفا، فإذا لابد من الانتباه من هذه المراحل المبكرة وإعطاء كل مرحلة حقها. ولكن التربية بالموعظة الكلمة الهادئة والنصيحة الراشدة، والتربية بالموعظة من أنواعها أيضا التربية بالعبرة، لأن العظة تصل بطريقة غير مباشرة عن طريق القصص أو الحوار أو الأسلوب الرشيد الحكيم والتوجيه المؤثر هناك التربية بالملاحظة، وهناك التربية بالعقوبة كما ذكرنا حتى لا يسترسل في المخالفات. يقول الأستاذ محمد قطب في كتابه عن التربية، حينما لا تفلح القدوة ولا تفلح الموعظة، فلابد أيضا من علاج حاسم يضع الأمور في وضعها الصحيح، والعلاج الحاسم هو العقوبة، وبعض اتجاهات التربية الحديثة تنفر من العقوبة وتكره ذكرها على اللسان، ولكن الجيل الذي أريد له أن يتربى بلا عقوبة في أمريكا جيل منحل متميع مفكك الكيان، إن العقوبة ليست ضرورة لكل شخص فقد يستغني شخص بالقدوة وبالموعظة، فلا يحتاج في حياته كلها إلى عقاب، ولكن الناس ليسوا كلهم كذلك بلا ريب، ففيهم من يحتاج إلى الشدة مرة أو مرات.

طبعا العقوبة أيضا حينما نذكر هذا في العقوبة، حذار أن يقفز إلى أذهاننا إن العقوبة تساوي الضرب، بالعكس العقوبة مراحل متعددة آخرها ما هو آخر الدواء، آخر الدواء الكي، فهي عقوبة اضطرارية في النهاية، آخر مرتبة يستعملها المربي. يقول الأستاذ محمد قطب: وليست العقوبة أول خاطر يخطر على قلب المربي ولا أقرب سبيل، فالموعظة هي المقدمة، والدعوة إلى عمل الخير والصبر الطويل على انحراف النفوس لعلها تستجيب. يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} (¬1) وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (¬2) هذا ليس فقط مع الكافر، وإنما مع أي أحد تدعوة بما في ذلك الأولاد. يقول تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} (¬3). والموعظة وسائل مختلفة لا وسيلة واحدة، والقرآن مليء باللمسات الدقيقة اللطيفة الموحية المؤثرة التي تهز الوجدان وتؤثر فيه بكل وسائل التأثير. ولكن الواقع المشهود يؤكد أن هناك أناس لا يصلح معهم ذلك كله أو يزدادون انحرافا كلما زيد لهم في الوعظ والإرشاد وليس من الحكمة أن نتجاهل وجود هؤلاء أو نتصنع الرقة الزائدة فنستنكر الشدة عليهم، إنهم مرضى، نعم. ومنحرفون، والعيادات السيكولوجية قد تصلحهم، ولا أحد يمنع عنهم العلاج النفسي أو أي نوع من أنواع العلاج. ¬

_ (¬1) فصلت: 33 - 34. (¬2) النحل: 125. (¬3) المزمل: 10.

ولكن فلنحذر أن نجعل وسيلتنا في تربية النفوس أن نجاريها في انحرافاتها ونتلمس لها الأعذار فإن ذلك يبعث على الانحراف ويزيد عدد المنحرفين. إن التربية الرقيقة اللطيفة الحانية كثيرا ما تفلح في تربية الأطفال على استقامة ونظافة واستواء. ولكن التربية التي تزيد من الرقة واللطف والحنو -التي بها حماية زائدة وتدليل زائد- تضر ضررا بالغا لأنها تنشئ كيانا ليس له قوام. والنفس في ذلك كالجسم إذا رفقت بنفسك رفقا زائدا فلم تحمله جهدا خشية التعب، ولا مشقة خشية الإنهاك فالنتيجة أنه لا يقوى أبدا ولا يستقيم له عود -يعني الشخص الذي يتجنب حمل أشياء ثقيلة أو عمل مهام فيها مشقة خشية أن يرهق. ما الذي يحصل؟ يحصل ما يسمونه في الطب الضمور الناتج عن الإهمال أو عدم الاستعمال ( use it or loose it)، يعني استعمل الحاسة وإلا سوف تفقدها ويحصل لها ضمور. فالشخص الذي يريد أن يبني العضلة ماذا يعمل؟ لابد أن يحمل أثقالا متدرجة في الازدياد حتى يعود ذلك عليه بالقوة والنماء، ولكن الذي يهمل ذلك ويعطل عضلاته، فما الذي يحصل؟ الرخاوة والليونة والضعف. يقول: فالنفس في ذلك كالجسم إذا رفقت بنفسك رفقا زائدا هو مطلوب الرفق بالنفس لكن في حدود. فالشخص الذي يرفق بنفسه رفقا زائدا فلم تحمله جهدا خشية التعب، ولا مشقة خشية الإنهاك فالنتيجة أنه لا يقوى أبدا ولا يستقيم له عود

وإذا رفقت بنفسك رفقا زائدا فلم تحملها أبدا على ما تكره، فالنتيجة أنها تتميع، وتنحرف ولا تستقيم. -فالنفس أيضا لابد فيها من مكابدة جهد ومشقة حتى تستقيم. ولذلك من حكمة الله سبحانه وتعالى، أن الإنسان مثلا في مرحلة المراهقة تنشط الغدد والهرمونات وكذا، بحيث أنه يكون عنده رغبة وشهوة شديدة مثلا، وإن لم يكن حتى نضج من الناحية العقلية أو لم تنضج شخصيته بعد. يعني عدم تيسر الزواج في هذا السن المبكر مع وجود هذا الدافع يقويه أم يضعفه؟ يقويه؛ لأنه يربيه على تأجيل الرغبات، تأجيلها وعدم استيفائها كلما سنحت له، وإنما هذا تدريب يقويه وليس يضعفه، يقويه على ماذا؟ على أنه ليس كلما اشتهى نال في الحال، فهذا يدربه على كبح جماح هذه النفس والتدرب على تأجيلها حتى يفرغ من تعليمه أو يشتغل أو يأتي بكذا أو كذا من متطلبات الزواج. فمثل هذا لوضع فيه جهد ومشقة للنفس ولكنه يضعفه أم يقويه؟ يقويه، لأن مثل هذه المصلحة لا يمكن أن تتحقق لو أن الأمور فيها رخاوة وسعة، وإنما تأجيل استيفاء الشهوات يقويه ويعينه على كبحها إلى أن يأتي الوقت المناسب. يقول: والنفس في ذلك كالجسم إذ رفقت بجسمك رفقا زائدا فلم تحمله جهدا خشية التعب، ولا مشقة خشية الإنهاك فالنتيجة أنه لا يقوى أبدا ولا يستقيم له عود. وإذا رفقت بنفسك رفقا زائدا فلم تحملها أبدا على ما تكره، فالنتيجة أنها تتميع وتنحرف ولا تستقيم.

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (¬1) وأنت مطالب بفعل ما فيه كره ومشقة لأن هذا هو الذي يربي هذه النفس. يقول: وفضلا عن ذلك –يعني نتيجة أن النفس إذ تُركت تتميع وتنحرف ولا تستقيم- بالإضافة إلى ذلك فإنها تشقي صاحبها، لأنها لا تدع له فرصة يتعود فيها على ضبط مشاعره وشهواته فيصطدم بالواقع الأرضي الذي لا يعطي الناس قط كل ما يشتهون. ومن هنا كان لابد من شيء من الحزم في تربية الأطفال. -ومن أجل ذلك في تربية الأطفال، نحتاج أحيانا أن نعمل لهم نوع من الإحباط، تحتاج إن تربيه على تحمل الإحباط، وليس كل شيئا يريده لابد أن ينفذ فيصبح سلطانا بلا تاج، يأمر وينهى ويتحكم في كل من في البيت، والآباء يعتبر أن الإحسان للطفل أن يلبي له كل ما يطلب لكن الطفل أحيانا يحتاج أن تحبطه ويتعود على تحمل الإحباط ويتعود أن في الحياة ليس كل ما يشتهيه يشتريه وليس كل ما يطلبه يناله، وإنما الواقع في واقع الحياة أنه سيعجز عن تحصيل بعض الأهداف أحيانا. فإذا أردت أن تعود ابنك مثلا على الاستئذان، وأن لا يدخل بابا مغلقا إلا بعد أن يستأذن. فبداية تفهمه طبعا تفاصيل الاستئذان، وأن من بداخل الغرفة قد يقول لك: ادخل، وقد يقول لك: ارجعوا، أو ارجع. فالمرة الثانية والثالثة تبدأ تقول له ماذا؟ ادخل. لكن لابد من مرة تعمل تصدمه وتسبب له احباط لكن احباط محكوم، تعمل له صدمة بالإحباط، بإنك تقول له: ارجعوا. ¬

_ (¬1) البقرة: 216.

وليس هناك داع لأن يرجع، ولكن من أجل أن تدربه على تحمل الإحباط، مع أنه من الممكن أن يدخل لا مشكلة، ولكن تتعمد إنك أحيانا تحبطه احباطا خفيفا، لأنه في أول مرة سيصطدم صدمة شديدة: كيف أبي يقول لي: ارجعوا يعني صدمة وإحباط فقد تعود على أن يلبى طلبه. لكنها مفيدة له، لأنه في أول مرة سيصدم ويحبط، لكن بعد ذلك مع تكرر الاحباط يتعود عليه، ويكون متوقعا حين يستأذن عليك أو على غيرك: إن من حق من في داخل البيت أن يقول نعم أو لا، ادخل أو ارجع، هذا حقه. بدون ما تحصل مشكلة فلابد من شيء من الحزم في تربية الأطفال وتربية الكبار لصالحهم هم قبل صالح الآخرين. فمن ملامح هذا الحزم استخدام الحد أو العقوبة أو التهديد باستخدامها في بعض الأحيان. فإذًا أسلوب التربية بالترغيب والترهيب هو أسلوب مبني على قوله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} (¬1). ولذلك بسبب علم الله بطبائع خلقه، سواء خلق الإنسان الرجل أو المرأة، والطفل أو الكبير أو الشيطان، لأنه ممن خلقه الله. {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} فالله يعلم سبحانه وتعالى هذه النفوس وطبائعها، وهو الذي فطرها على هذه الفطرة، ولذلك جاء الأسلوب التربوي الإسلامي موافقا ومبنيا على ما فطر الله عليه الإنسان من الرغبة في اللذة والنعيم والرفاهية وغريزة حب البقاء، وفي نفس الوقت الرهبة من الألم والشقاء وسوء المصير. ¬

_ (¬1) الملك: 14.

وكما ذكرنا من قبل إن جميع الكائنات الحية تقريبا تبتعد عما يؤذيها حال شعورها به وتقبل على ما يلذها ويحقق لها استمرار الحياة أو جنسها. وهذا هو المقصود بقوله تعالى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} (¬1) فهذه أولى مراتب الهداية الأربع: أول مراتب الهداية، الهداية العامة لجميع المخلوقات، هداية إلى ما يصلحها، والقصص في ذلك فيها من الأعاجيب الشيء الكثير جدا، أعاجيب الحشرات والحيوانات والوحوش وكل ما خلق الله من الكائنات حتى غير عاقلة، مثلا بعض الحشرات التي تغير لون جلدها بحيث يتوافق مع البيئة، ويسهل الاختباء عليها. لو درستم سلوك الوحوش والحيوانات والطيور والنحل والنمل وكل هذه الأشياء، أنت لو حاولت تطارد صرصور يهرب أم يستسلم، لأن ليس عنده عقل؟ لا هو ليس عنده عقل لكن الله سبحانه وتعالى فطره على حب البقاء وحب التناسل، وبقاء هذا النسل، وفعلا هناك أشياء جميلة جدا ورائعة تشرح هذه الآية الكريمة، لكن ليس هذا هو أوان الكلام فيها. فالله سبحانه وتعالى ميز الإنسان عن الحيوانات بقدرته على التعلم والاعتبار والتفكير لما بعد هذه الحياة. هذا من خواص الإنسان. وأيضا ميز الإنسان بأنه يعمل ويحضر للمستقبل ويميز بين النافع والدار ويختار بينهما سواء في العاجل او الآجل. ¬

_ (¬1) طه: 50.

ميزات الترغيب والترهيب القرآني والترغيب والترهيب النبوي

من أوضح الأمثلة على ذلك أن الفتى تستيقظ عنده الرغبة الجامحة في الزواج منذ بلوغه الحلم، لكنه يؤجل ذلك إذ يجد نفسه عاجزا عن نفقات الحياة الزوجية فيفضل لذة ومتعة مؤجلة ولو كان التأجيل مديدا، ولكنها مكفولة الاستقرار بحسب ما يبدو له، على لذة عاجلة ينغصها الحرمان والنكد أو خراب البيوت او سوء السمعة أو نقمة المجتمع .. الخ هكذا يرغبه مجتمعه بزواج هانئ مستقر إن هو صبر ونال الشهادات أو الخبرات أو القدرات على الكسب وإعالة الزوجة وتأمين المسكن كما يرهبه المجتمع –مجتمع الأبوين أو الأصدقاء أو الأقارب- من النتائج الوخيمة إن هو اقترف لذة غير مشروعة أو تسرع في زواج غير مناسب ولا ملائم. ميزات الترغيب والترهيب القرآني والترغيب والترهيب النبوي إذا ما هي ميزات الترغيب والترهيب القرآني والترغيب والترهيب النبوي؟ وهذه الميزة، ما هي الميزات التي يمتاز بها الترغيب والترهيب الإسلامي عن الأسلوب الغربي في التربية؟ لا شك بما أن المنهج الإسلامي طبيعته أنه منهج رباني موات وموافق ونسجم مع فطرة الإنسان، فمن ثم لابد أن يمتاز عن المناهج الغربية في أشياء كثيرة. الترغيب والترهيب القرآني يعتمد على الإقناع والبرهان، فليس من آية فيها ترغيب أو ترهيب بأمر من أمور الآخرة إلا ولها علاقة أو فيها إشارة من قريب أو بعيد إلى الإيمان بالله واليوم الآخر على الغالب. أو فيها توجيه الخطاب إلى المؤمنين: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} (¬1) فالكذب صفة من صفات الذين يجحدون الآخرة. فنجد الآيات التي فيها ترغيب وترهيب، إما أنها دائما أو في الغالب تشير من قريب أو بعيد إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، أو فيها خطاب للمؤمنين، تخصيص المؤمنين بالخطاب. ¬

_ (¬1) النحل: 105.

ربط المسألة بالإيمان، يعني حتى الحجاب لما ربنا أمر به أو غض البصر {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (¬1). فضيلة الشيخ: ما إعراب {يَغُضُّوا}؟ طالب علم: فعل مضارع مجزوم بشرط مقدر، تقديره: إن تقل لهم غضوا ... وعلامة جزمه حذف النون؛ لأن أصله: (يغضون) فضيلة الشيخ: نعم .. أحسنت، أصل الكلام: قل للمؤمنين غضوا أبصاركم يغضوا. فهنا إشارة إلى أن المؤمنين لابد أن يمتثلوا هذا الأمر وبالفعل سوف يغضون هذا الأمر. {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} (¬2) {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (¬3) الآية أيضا في سورة الأحزاب: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬4) فهنا الخطاب خاص بمن؟ بالمؤمنات. فهنا كثير من الأحكام تأت مرتبة على توجيه الخطاب على المؤمنين والمؤمنات، ولا شك أن لهذا معنى تربويا وهو أن البداية الصحيحة في التربية، هي البداءة بغرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الناشئين، لأنه إذا آمن فسيتسنى لنا بعد ذلك أن نرغبهم في ثواب الجنة، أو نرهبهم من عذاب الله. ويكون للترغيب والترهيب ثمرة عملية سلوكية. أيضا يكون الترغيب أو الاقناع عن طريق أخذ العبرة من القصة القرآنية ثم يعقبها التهديد أو الترغيب. ¬

_ (¬1) النور: 30. (¬2) النور: 30. (¬3) النور: 31. (¬4) الأحزاب: 59.

أيضا من مميزات الترغيب أو الترهيب الإسلامي أنه يأت مصحوبا بتصوير فني رائع لنعيم الجنة أو لعذاب جهنم بأسلوب واضح يفهمه جميع الناس، لذلك يجب على المربي أن يستخدم الصور والمعاني القرآنية والنبوية في عرضه لعقاب الله وثوابه كتصوير مواقف القيامة بالصور القرآنية مدعومة بالتفاصيل النبوية، كقصة الشفاعة مثلا التي يطلبها الناس في موقف الحشر من جميع الأنبياء لشدة الهول فيعتذرون إلا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقصة آخر رجل يدخل الجنة، ونحو ذلك من القصص النبوي الذي يخبر عن مواقف يوم القيامة. أيضا من هذه الميزات أن أسلوب الترغيب والترهيب القرآني والنبوي يعتمد على إثارة الانفعالات وتربية العواطف الربانية. فهذه تتضمن تربية وجدانية كعاطفة الخوف من الله سبحانه وتعالى، فيقول الله تعالى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬1) ومدح عباده الذين يخافونه ووعدهم الثواب العظيم، وقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} (¬2) بل أمرنا أن ندعوه خوفا وطمعا: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} (¬3). {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} (¬4) على أساس من هذه العاطفة الجياشة والتربية الوجدانية العاطفية بنيت بعض العبادات، قال تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} (¬5). ¬

_ (¬1) آل عمران: 175. (¬2) الرحمن: 46. (¬3) الأعراف: 55. (¬4) الأعراف: 56. (¬5) البينة: 8.

وقال سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)} (¬1) نفس هذه العاطفة، وهي الخوف من الله سبحانه وتعالى بنيت علها معاملات إسلامية كثيرة كالنصح في البيع والشراء ورعاية اليتيم: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)} (¬2) كحسن معاملة الزوجة والعدل بين الأولاد فكل من خاف ربه كان انسانا فاضلا عادلا في سلوكه ومعاملاته، ومن لم يستح من ربه يفعل ما يشاء بلا ضابط ولا وازع له قلب كالحجارة أو أشد قسوة. من ذلك أيضا عاطفة الخشوع ومعناه التذلل والخضوع، والشعور بالانقياد والعبودية لله سبحانه وتعالى، والخشوع هو ثمرة الخوف من الله. فنحن نرى في الدنيا أن الناس إذا خافوا من بعض الطواغيت الباطشين فإنهم يسارعون إلى الانقياد إلى أوامرهم والخضوع لها ولو ظاهريا ولكن الخشوع لله يمتاز عن الخضوع الظاهري بأنه مصحوب بشعور حقيقي بالتبعية لله تعالى وبطاعته والإذعان لعظمته إذعانا ناتجا عن الأعجاب بآثار إبداعه وتدبيره في هذا الكون وفي أنفسنا، يقول الله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} (¬3) .. إلى آخر الآية. بل هذا الخشوع له علامات جسدية تظهر على بدن هذا الإنسان، يقول تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (¬4). ¬

_ (¬1) المائدة: 94. (¬2) النساء: 9. (¬3) الحديد: 16. (¬4) الزمر: 23.

مما ينبغي أن يراعى أيضا عند التربية بالترغيب والترهيب أن يكون المربي صادقا في انفعالاته بنصوص الترغيب والترهيب، لأنه إذا كان صادقا في مشاعره فإن هذه المشاعر تنتقل بالعدوى تتعدى إلى هؤلاء المربين حيث ينقادون له ويحبونه ويقلدونه. وإذا كان صادقا أيضا ستتخذ ملامح وجهه ولهجة كلامه الهيئة التي تثير هذه الانفعالات كلما اقتضى الأمر، كذلك ينبغي الاعتماد على الاقناع والتكرار لتربية العواطف الربانية، فتكرار الانفعالات المتشابهة مرة بعد مرة حول موضوع معين وبمناسبات مختلفة كالقصة والوصف والحوار والاستفهام واستجواب الطلاب، فهذا يربي في النفس الاستعداد الدائم لثورة انفعالية وجدانية، كلما وجد الإنسان نفسه في موقف مشابه. فالعواطف دافع مهم من دوافع السلوك، تحرض الإنسان على الصبر: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)} (¬1) فهذه المشاعر والعواطف والأمور الوجدانية تحرض الإنسان على الصبر وتغذي طاقته وهي لا تقل أهمية عن الدوافع الغريزية بل هذه تهيمن عليها وتوجهها وتنظمها وتسمو بها، وبها يمتاز الإنسان على الحيوان. فكما أن بالنفس عواطف سلبية توافق التربية بالترهيب كالخوف والخشوع، كذلك في النفس عواطف إيجابية توافق التربية بالترغيب كالمحبة، كل إنسان منذ الطفولة يميل إلى أنه يحِب ويحَب. والحب: هو تعلق المحب بالمحبوب وتتبع آثاره ودوام ذكره وحضور القلب معه، وعمل ما يرضيه ويحقق سروره. يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} (¬2) يعني من أهل الأنداد في محبتهم أصنامهم أو أندادهم. يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: ولحبهم لله وتمام معرفتهم به وتوقيرهم وتوحيدهم له لا يشركون به شيئا، بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه ويلجئون إليه في جميع أمورهم. ¬

_ (¬1) البقرة: 155 - 156. (¬2) البقرة: 165.

الجمع بين الخوف والرجاء

فهذه العواطف التي تأتي عن طريق الترغيب والترهيب هي من أركان وركائز التربية الإسلامية والتزكية الإسلامية للنفوس البشرية. يقول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} (¬1). فجعل اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يبلغ أوامر الله من شروط محبته تبارك وتعالى. أيضا يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (¬2) كما في الآية الكريمة. على أي الأحوال ينبغي التوازن بين مسألة الترغيب والترهيب لا نتمادى في الترغيب بحيث يصل بالناس إلى الاغترار بالله تبارك وتعالى، ولا نتمادى في الترهيب بحيث يصلون إلى القنوط واليأس من رحمة الله تبارك وتعالى، فكل ذلك مذموم. يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)} (¬3) فالفرح بزوال الشدة قد ينسي الإنسان عقاب الله وقدرته ويجعله فخور بنفسه معتدا بحوله وقوته وبالتالي يعود إلى المعاصي. الجمع بين الخوف والرجاء: فيجب أن يجمع الإنسان بين الخوف والرجاء. الخوف من عقاب الله والخوف من عظمة الله ومقامه تبارك وتعالى، فلا يطغى ولا يتملكه الغرور، والرجاء في رحمة الله فلا ييأس من عفوه. ¬

_ (¬1) آل عمران: 31. (¬2) المائدة: 54. (¬3) هود: 9 - 11.

يقول الله تعالى: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)} (¬1) ويقول أيضا {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)} (¬2). فنحن في مجال الترغيب والترهيب لابد أن نستجمع في قلوبنا وأذهاننا صفات الكمال الإلهي مع ما يقابلها أيضامن تلك الصفات، فاستشعار غضب الله يجب ألا ينسينا رحمته، وإرادته المطلقة لا ينبغي أن تنسينا حكمته، يقول الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)} (¬3). ويقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ» (¬4)، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ» (¬5) إذ ينبغي أن تربى العواطف الإيمانية عند الناشئين باعتدال واتزان فلا يتمادون في المعاصي مغترين برحمة الله ومغفرته مسوفين ومؤجلين توبتهم إلى الله. ولا ييأسوا من نصر الله ورحمته بدعوى أن الناس كلهم منغمسون في المعاصي منحرفون عن الإسلام، يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} (¬6). نكتفي بهذا القدر أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .. ¬

_ (¬1) الأعراف: 99. (¬2) يوسف: 87. (¬3) الأعراف: 167. (¬4) صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬5) صحيح البخاري من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. (¬6) العنكبوت: 69.

الدرس الثامن: فقه إثابة الطفل

الدرس الثامن فقه إثابة الطفل

فقه الترغيب

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى .. والشكر له على ما أنعم من نعم سابغة وأسدى .. أحمده سبحانه وهو الولي الحميد .. وأتوب إليه جل شأنه وهو التواب الرشيد .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نستجلب بها نعمه ونستدفع بها نقمه، وندخرها عدة لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله نجوم المهتدين ورجوم المعتدين .. ورضي الله عن صحابته الأبرار الذين قاموا بحق صحبته وحفظ شريعته وتبليغ دينه إلى سائر أمته، فكانوا خير أمة أخرجت للناس. أما بعد .. فقد شرعنا في الأسبوع الماضي في مدارسة قضية من القضايا التربوية المهمة، بل هي من أهم هذه القضايا، وتناولنا الأسبوع الماضي مبدأ الترغيب والترهيب كأسلوب تربوي إسلامي متميز. فنشرع هذه الليلة بإذن الله تعالى في مناقشة أو في مدارسة فقه الترغيب، أو فقه مكافأة وإثابة الأطفال. فقه الترغيب: والسؤال الذي يقفز إلى أذهاننا: لماذا نبدأ بفقه الترغيب والإثابة دون فقه التأديب بالعقوبة بأنواعها؟ والجواب: لأن الرفق هو الأصل الذي حثنا عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فعلى المربي أن يكون معلما أساسا ولا يكون معنفا. في الحديث: «عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ» (¬1) وأيضا في الحديث: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ» (¬2). ¬

_ (¬1) مسند أحمد من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. (¬2) سنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال الألباني: حسن صحيح.

يقول الإمام النووي: ينبغي أن يحنو عليه ويجريه مجرى ولده –أي المعلم- في الشفقة عليه والاهتمام بمصالحه والصبر على جفائه وسوء أدبه ويعذره على جفوة وسوء أدب تعرض منه في بعض الأحيان، فإن الإنسان معرض للنقائص. فإذا نبدأ بفقه المكافأة أو فقه الإثابة بالنسبة للأطفال، أولا: لأنه هو الأصل. «مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا زَانَهُ وَلَا عُزِلَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (¬1) والأحاديث معروف في الحث على الرفق وناقشناها من قبل في محاضرة بالتفصيل. والإثابة: أمر ملائم لفطرة الإنسان في اكتساب السلوك والثبات عليه. فالنفس مهيأة بالترغيب، إذا رغبت فإن هذا يشجعها ويدفعها إلى الفعل الحسن والابتعاد عن الفعل السيء. ولولا قيمة الترغيب لما رغبنا الله سبحانه وتعالى في الجنة، وحثنا على التسابق عليها، وجعل التسابق في اكتساب الخيرات هو طريق الوصول إلى الجنة. ليس هذا فحسب، بل حثنا على التضحية حتى بالروح والنفس والمال، في سبيل تلك الغاية العظمى والمثوبة الجزيلة ألا وهي الجنة. والمكافأة لا يتوقف أثرها فقط في اكتساب السلوك الحسن وزيادته بالنسبة للأطفال، ولكنها ايضا لها دورها المؤثر في تقليل السلوك السيء، وهي أيضا تزيد من احترام الطفل لنفسه. -بعض المربين يعتبر أنه لا يلتفت للطفل ولا يربيه ولا يهتم به إلا إذا كان يتصيد له الأخطاء فقط. ¬

_ (¬1) مسند أحمد من حديث عائشة - رضي الله عنها -، قال الألباني: صحيح.

فتجده بارعا ومتفرغا لإحصاء الأنفاس وتعداد الأخطاء ويعاقب على هذا في حين أنه يهمل الجانب الآخر ألا وهو النظر إلى السلوكيات الحسنة وتدعيمها والإثابة عليها. فيصبح الأب مثل رجل البوليس السيء فقط يعاقب، كذلك الأم تعزز هذه الصورة، بأن أباك لما يجيء ليلا من العمل أنا سأقول له ماذا فعلت، وسترى كيف سيتصرف معك؟ مثلا. فمعناها أن الأب دائما يرتبط بصورة سيئة وهي صورة الشرطي السيء الذي يجيء فقط ليضرب أو ليؤذي أو نحو ذلك. فهذا أيضا مما ينبغي أن نلتفت إليه. كما سنناقشها بالتفصيل إن شاء الله تعالى، لابد أن نلتفت أيضا إلى الأفعال .. وأن نثيبه عليها لأن هذا أهم من العقاب لأن هذا طريق مختصر ولا ضرر فيه، وهو التربية بالثواب والمكافأة، لأن الثواب والمكافأة يعمل على تثبيت السلوك السوي وكثير من نظريات علم النفس أكدت في مجال التعليم على دور الإثابة والتشجيع في تعزيز السلوك الإيجابي، فمكافأة الأبناء على تصرفاتهم الجيدة تثبت في نفوسهم الثقة. هذا يزيد من احترامه لنفسه، وهذا المبدأ مهم جدا، عمليه احترام الذات والثقة في الذات. والثقة في الذات اصطلاح نتجاوز عنه، فإننا لانقصد به التوكل على النفس طبعا معاذ الله، وإنما هو حسن تقدير الذات، فهذا المكافأة تشجعهم على المداومة والتعود على السلوك الحسن. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستخدم المكافأة والثواب في إثارة نشاط الأطفال لكي يدعم ممارستهم لهذا النشاط، وكان يقول مثلا: «مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا» (¬1). من سبق: يعني من يأتيني أولا في الجري له كذا. فكانوا يتسابقون إليه - صلى الله عليه وسلم - ويقعون على صدره فيقبلهم ويفي لهم بما وعدهم. ¬

_ (¬1) مسند أحمد من حديث عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه -، إسناد ضعيف فيه يزيد بن أبي زياد الهاشمي وهو ضعيف الحديث (المصدر: الشبكة الإسلامية).

أنواع الإثابة

أولا هذه التنبيهات فيما يتعلق بفقه الإثابة، فقه إثابة الأطفال ومكافأتهم. وكلمة إثابة أدق، لأن المكافأة ممكن تكون كافئه بأن تعامله في مقابل فعل حسن بالإثابة، وممكن المكافأة بالعقوبة أيضا. فالمكافأة بالمثل يعني. فالإثابة أدق. أنواع الإثابة: فالإثابة نوعان: هناك إثابة ايجابية، فعل إيجابي تعطيه شيئا أو تبذل له شيئا أو إثابة سلبية. كيف تكون الإثابة سلبية؟ مثال. طيب يعني الإثابة السلبية هل تكون مذمومة أم حسن. حسن طالما تحت عنوان الإثابة فتكون حسنة، وهذا سوف نشرحه إن شاء الله تعالى أنواع الإثابة الإيجابية: فالإثابة الإيجابية أنواع: يعني الثواب أيضا عندنا في ثقافتنا في الغالب أن الثواب تعطيه فلوس أو تأت له بلعبة أو هكذا فالإثابة لا تنحصر في المكافآت المادية، لكن من ضمن أنواع الإثابة والمكافأة المكافأة المادية بالمال أو الحلوى أو الطعام أو اهداءه لعبة معينة أو تحكي هل قصة أو تزيد مصروفه اليومي ونحو ذلك. يوجد إثابة بها نوع معين من النشاط، بأن تثيبه عن طريق نزهة ستصطحبه إلى حديقة الحيوانات أو إلى حديقة ما.

ممكن مشاهدة الكمبيوتر مثلا في الأمور النافعة يعني، ممكن التنزه في اللعب ونحو ذلك. هناك إثابة اجتماعية، وهذا من أهم أنواع الإثابة وهي الإثابة الاجتماعية. منها مثلا: إظهار الاهتمام بالطفل والانتباه إلى ما يفعله من أمور حسنة. فالإثابة ممكن بنظرة، التواصل بالعين، التواصل بالعين هذه لغة مهمة جدا، أنك تنظر عليه على سبيل التقدير وتظهر بملامح وجهك السرور بما فعله من سلوك حسن. فهذا نوع من التواصل .. وهو تواصل مؤثر أن تظهر له الإعجاب بالشيء الذي فعله، فقط بعينك حتى ممكن بالإيماءة بالرأس أنك تستحسن هذا الفعل، ممكن بالتبسم، ممكن بأي مظهر من مظاهر أنك تحبه بسبب هذا الفعل كالعناق أو التربيت على كتفله أو تقبيله أو المسح على رأسه. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ» (¬1) فهذا أيضا تواصل جسدي بالمسح على رأس الطفل. وهذا نوع من الإثابة أن تربت على كتفه. كل هذا يعتبر من الإثابات الاجتماعية. من أنواع الإثابة الاجتماعية أي شيء يعبر عن الاستحسان، كأن تقول له: جزاك الله خيرا، تعلق لوحة الشرف ويوضع اسمه فيها سواء في البيت أو في المدرس أن تحييه مع من حوله ولكن تخصه هو بنوع معين من التحية بعد أن تلقي له التحية تقول له: كيف حالك يا فلان؟ ممكن مع المدرس أن يتصل بالتلميذ هاتفيا، يعني هذا نوع من التقدير والاهتمام أيضا أن يتصل به، لو كان لديه موبايل مثلا ويكلمه تكون حاجة عظيمة جدا، فهذا أيضا نوع من التشجيع الاجتماعي. فعندنا أنواع أخرى من العملة غير العملة المعدنية او الورقية نستطيع بها أن نثيب الطفل. ¬

_ (¬1) مسند أحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال الألباني: حسن.

الإثابة السلبية

الكلمات المشجعة مثل: جزاك الله خيرا، وبارك الله فيك، أحسنت. ونحو ذلك .. هذا فيما يتعلق بأنواع مختصرة للإثابة الإيجابية. الإثابة السلبية: هناك إثابة سلبية، يعني تكافئه ولكن ليس عن طريق فعل شيء إيجابي وإنما عن طريق أن ترفع عنه عقابا مستحقا. -كان مستحقا للعقاب على شيء معينا، ثم فعل شيئا جيدا، فتقول: إنني قد عفوت عنك بسبب مثلا إنك حصلت على درجات عالية في المادة الفلانية، أو بسبب أنك حفظت السورة الفلانية. فهنا هو مستحق للعقوبة، لكن رفع العقوبة نوع من الإثابة، فهذا هو المقصود بالمكافأة السلبية، فتعفو عنه عندما يخطئ وتبين له أن هذا العفو نتيجة أنك فعلت شيئا حسنا. مثلا لو طفل أهمل في ملابسه حتى اتسخت أو مزقها أو نحو ذلك، تقول له أمه مثلا: هذا الذي فعلته خطأ لكن سأعفو عنك لأنك حصلت مثلا على درجات مرتفعة في المدرسة ولأن المُدرسة مسرورة منك لكن لا تهمل في ملابسك مرة أخرى. أحيانا أقرأ في بعض كتب التربية فأقع على أخطاء من الذين يكتبون في التربية أحيانا، يعني في مثل هذا الموضع أحدهم كتب يقول: قل للطفل: إنني سأعفو عنك لأنك حصلت على درجات عالية. والولد في أولى حضانة مثلا، لأن درجات عالية هذه، عذاب الدرجات هذا في المستقبل قليلا، لكن مسألة طحن الأطفال المساكين الذي يحرم من أمه في سن مبكر أربع سنوات أو شيء، ويذهب إلى الحضانة وأيضا يعطونه واجبات، والمدرسين غير التربويين يتصورون أن مهمتهم أن الولد يرجع إلى الأب والأم ينطق الحروف ويكتب بعض كلمات وينطق وكذا وكذا.

هذا عبء كبير ولذلك الحضانة التربوية لا تعطي اهتماما كبيرا بموضوع المبادرة بتعليمه حروف الكتابة. ولكن اتركه يعيش الطفولة لا زال هم المذاكرة والامتحانات والدرجات مبكرا عليه، وإنما من أجل أن يسكتوا الآباء. يعرفون أن ثقافة الآباء للأسف في مجتمعنا إن الولد لما يرجع ينطق حروف وبدأ يكتب وأخذ الأرقام وكذا إن هذا تقدم. لا، هذا شيء مبكر عن وقته. ولذلك الحضانة التربوية نجده بالعكس الأساس هو الترفيه، أو بتعبير أدق التربية عن طريق اللعب، لأن اللعب بالنسبة للطفل شيء مهم جدا، وأصبح اللعب الآن في المناهج التربوية الحديثة لا ينظر إليه كما كان في الماضي، وإنما اللعب كمنهج تربوي في غاية الدقة، ولكل سن ما يناسبه وهدف محدد من وراء الألعاب سواء ألعاب جماعية أو فردية. فالحضانة التربوية لا تهتم كثيرا بموضوع الحروف والكتابة وهذه الأشياء، ممكن في مرحلة متأخرة، مثلا ثانية حضانة وهكذا، لكن حديث الالتحاق بها المفروض أساسا إن يكون التربية والتعليم عن طريق الترفيه. نعم. أيضا مما ينبغي أن يراعى في قضية المكافأة أن المكافأة تتنوع بحسب حال الطفل والفعل الذي فعله يعني ليست قوالب جامدة وإنما هناك نوع من المرونة في اختيار المكافأة نوعا وكيفا وكما حسب مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال. فكل طفل له احتياجاته الخاصة وله مدخل خاصا به يختلف عن غيره. أيضا الجائزة التي تعطى في العمل الفلاني لا تصلح أن تعطى في عمل آخر.

ونراعي مبدأ إن المكافأة لن تظل مكافأة لو أصبحت عادة مستمرة، فيصبح شيئا معتادا، بل يفقد قيمته، ولكن يجب أن تكون المكافأة شيء يحصل بين وقت وآخر. ويحصل فيها نوع من التنويع لإثارة التشويق عند الطفل لأن هذا سيساعده ويحثه على إنجاز السلوكيات الحسنة. تكرار نفس المكافأة يجعلها شيئا عاديا، وبالتالي يقل أثرها التربوي المقصود. من ضمن الاختيارات التي يراعيها المربي أحيانا أيضا، أن تمنح الطفل حق اختيار المكافأة، ممكن في بعض الأوقات إذا كان ذلك مناسبا ممكن طفل يحب أشياء كثيرة وليس شيئا واحدا، لعبة معينة لكنه عنده اختيارات كثيرة، فممكن في هذه الحالة أن تمنحه حق اختيار الهدية. لو فعلت كذا، بما أكافئك؟ تختار كذا أو كذا أو كذا .. هذا طبعا يعطيه ثقة بنفسه أكثر ويعزز السلوك الإيجابي لديه إذا تم الوفاء بهذه الجائزة أو هذه المكافأة. قبل أن نستطرد بهذا. نسأل سؤالا يتعلق بالمكافأة المادية الحسية رغم أن الاحصاءات تدل على أن الإثابة الاجتماعية تأتي في المرتبة الأولى في تعزيز السلوك المرغوب. الإثابة الاجتماعية أكثر من الناحية المادية. فمن حيث قوة التأثير الثواب الاجتماعي وسنذكر بعضه بالتفصيل يأتي مقدما على المكافأة المادية من حيث القدرة على إحداث التغيير إلى الأحسن في سلوك الطفل. لكن لا شك أن هناك أطفالا يفضلون المكافأة المادية. كما قلنا: أنواع المكافأة المادية أن تعطيه بعض قطع الحلويات، مع شيء من الفقه في الصحة الغذائية.

إن هذه الحلويات مع كثرتها والإسراف فيها ممكن تؤدي إلى السمنة وإلى تسويس الأسنان ونحو ذلك. وبالذات الشوكولاتة أو الكاكاو وهذه الأشياء فيها مادة الكافين، فكثرة الشوكولاتة مع الطفل تحدث له إدمان، فيكون مدمن كافين وهي المادة المنبهة الموجودة في الكوكاكولا والشاي والقهوة والكاكاو، فالكوكا عموما تحدث إدمان لهذه المنبهات. فيكون هناك نوع من الثقافة الصحية في الإسراف الذي يؤدي لبعض الأضرار، لكن المهم هو إعطاؤه شيئا يحبه من طعام معين أن تشتري له لعبة أو تعطيه نقودا، أو الأم تكافئ البنت مثلا بأن تجعلها تشترك معها في صنع طعام معين أو حلويات معينة. اللعب مع الطفل بالكرة مثلا أو اصطحابه في رحلة ترفيهية، سواء مدينة ألعاب طبعا أو حديقة حيوانات أو نحو ذلك. هذه من ضمن المكافآت المادية. ويراعى هذا يعني ممكن تلميذ في المدرسة تهدى له علبة ألوان أقلام. ممكن أيضا من بعض المكافآت الاجتماعية، يعني بالمرة أيضا أن نقدر نوصل مفهوم جيد للطفل، إنك أنت مثلا لو طفل السابعة الذي بدأ يتدرب على الصلاة، تكافئه مثلا، لو عمل الشيء الفلاني، أو لم يفعل السلوك السيء الفلاني، سآخذك معي في صلاة الجماعة، فلابد أن نعطيه إحساسا بأن صلاة الجماعة هذا شيء جيد وليس عقاب واجب وإلزام محتم عليه، فلا تقل له: هيا بالعافية تعالى لتصلي الجماعة، وإنما نفهمه إن صلاة الجماعة هذه نزهة، فنجعلها مكافأة، وليس لأنها واجب وإلزام وإلا سيحصل كذا وكذا. ولكن ممكن أن تقول له: سأكافئك بأن تأتي معي صلاة الجماعة، فهذا مع الوقت نكون فعلا نكافئه بأن يخرج وفي نفس الوقت نحثه على السلوك الحسن.

طبعا في قضية المكافأة عموما أي نوع من الإثابة يجب أن ينفذ عاجلا بدون تردد ولا تأخير، لأننا هنا نستعمل أسلوب التعليم الشرطي. الطفل يرتبط في داخله إن العمل الحسن الذي فعله السلوك الحسن أو الانضباط الذي انضبطه ارتبط مباشرة بالإثابة فلابد أن يكون الثواب فورا عقب العمل فلابد أن تكون الأم جاهزة بالحلويات أو الفلوس أو الشيء الذي ستكافئه به، ويكون فورا لا ينفع أن تقول له: لما يأت أبوك ليلا سأجعله يحضر لك كذا. أو يكافئك كذا، لا ينفع. ولكن يجب أن يكون فور العمل الحسن الذي فعله الطفل حتى يحصل الربط بين السلوك الحسن وبين الإثابة والمكافأة. التعجيل بالمكافأة مطلب شائع في السلوك الإنساني، وطبعا هي تفرق في المعاملة بين الكبار عن الصغار. فالمكافأة بالنسبة للكبير لأن عنده إيمان ونضج، فبالنسبة للمؤمن يكون دائما الأفضل له أن يكافأ في الآخرة، يتوقع الجزاء أين؟ في الآخرة. أما بالنسبة للطفل فهو في الغالب يتأثر أكثر بالأمور الحسية، المكافأة الحسية، لازال مبكرا أن ينتظر الثواب في الآخرة، لازال مفاهيمه لم تصل لأن يفعل ابتغاء الثواب في الآخرة. وذكرت لكم في الأسبوع الماضي قصة ذي القرنين قال: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)} (¬1) ¬

_ (¬1) الكهف: 87 - 88.

{أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} –في الدنيا- {ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ} –رغما عنه- {فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} –في الآخرة في الجنة، حقيقة لأن عنده يقين بالجنة- {وَسَنَقُولُ لَهُ} –في الدنيا- {مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}. فبالنسبة للصغار لأن تفكيره متحجر تفكير مادي يتأثر أكثر بالحاجة الحسية التي يراها أو يأكلها أو يلمسها ... الخ. أيضا من الأمور المهمة جدا الامتناع عن اعطاء المكافأة لسلوك مشروط من قبل الطفل. ما معنى ذلك؟ يعني إن الطفل قبل أن ينفذ السلوك هو الذي يشترط يعمل صفقة معك، يعني لو عملت كذا، تأتي لي كذا .. هو الذي يشترط، يعني المكافأة تكون بعد العمل وليست مشروطة من الطفل قبله. فيجب أن تكون المكافأة بعد تنفيذ السلوك المطلوب وليس قبله. يعني قبله: بأن الطفل هو الذي يشترط، هات لي أولا كذا وسأفعل كذا. هذا لا ينفع. وإنما تقول له: إذا فعلت كذا سأكافئك بكذا. لكن أن يشترط أولا فهو يتسلم أولا، يتسلم المكافأة أولا ثم يفعل. لا المفروض إن إعطاء المكافأة يكون بعد الفعل المرغوب مباشرة. هناك أحيانا أنواع من المكافأة على السلوك السيء، تأتي أحيانا بصورة غير مباشرة. فأي سلوك سيء يكافئ حتى لو بصورة عارضة ممكن يحصل تدعيم وتعزيز وتكرر لهذا السلوك من الطفل. مثلا أم تساهلت مع الطفل في إرجاء موعد نومه، فقالت له: الآن حان موعد النوم.

فالطفل مثلا لا يرغب في النوم وبكى بشدة، بكى بصورة شديدة، فالأم قالت: خلاص لأنني غير مستحملة هذه الضوضاء، فالطفل سهران أمام الكمبيوتر أو غيره. فهي تركته لما بكى بشدة على أساس أنها تركته لعدم تحملها البكاء. فهنا حصلت مكافأة، حصلت مكافأة لسلوك غير مرغوب. ما هي المكافأة، أنها تنازلت عن موعد النوم بسبب أنه استعمل سلاح البكاء، فهنا هذه هي المكافأة فكان المفروض أن يلتزم البكاء. طبعا في الحالة التي كهذه يكون لو الطفل يلعب، يفضل لو أنه سينام موعد نومه الساعة عشرة مثلا ويلعب فأنت تقول له: بقي لك ربع ساعة وتنهي اللعب حتى تدخل تنام، وبعد قليل تقول له: بقي عشرة دقائق، ثم خمس دقائق. فلا تقطعه من اللعب فورا وتنقله إلى شيء آخر، ولكن تعطه خبرا حتى يتهيأ فإذا أتى الموعد يلتزم بالنظام. فطبعا في الموقف الذي ذكرنا يتعلم الطفل أنه في المستقبل يمكنه أن يستعمل هذا السلاح وهو سلاح البكاء أو الصراخ لإجبار الأم أو الأب على الرضوخ لطلباته. كنت أناقش البعض في موضوع المكافأة المادية بالنقود مثلا أو نحو ذلك خوفا من أن الأبناء يصيرون بعد ذلك نفعيين أو ماديين، هذا الخطأ هو أن الطفل يشترط أن يأخذ الجائزة مقدما ثم يعمل العمل، ممكن هذه تدعم مسألة النفعية والمادية، وبصورة مستمرة، فهذه هي الخطأ. لكن .. أو المكافأة المادية لا يشترط أنها تؤدي إلى إنسان نفي أو مادي لأننا لا نواظب عليها باستمرار، ولا نقبلها في حالة أن يشترط الطفل أن يحصل عليها قبل السلوك، لا، بل يجب أن تكون المكافأة أيا كان نوعها بعد السلوك

لا تعد بما لا تقدر على الوفاء به

لا تعد بما لا تقدر على الوفاء به: *من المبادئ المهمة جدا في موضوع المكافأة أن لا تعد إلا على ما تقدر على الوفاء به. فلا تعد الطفل بالمكافأة إلا إذا كنت تستطيع أن .. لأن هذا يؤدي إلى أنه يفقد الثقة فيك .. وفي نفس الوقت هذا يشجعه على الكذب لأنك وعدت وأخلفت فهو أيضا يكذب، وأيضا ممكن أن يحبطه ويجعله يبخل بأن يبذل مزيدا من الجهد في تحسين سلوكه، فإذا وعدته بشيء في مقابل سلوك حسن، يجب أن تكون مستعدا للوفاء بهذا الوعد مهما كلفك ذلك. يعني لا تتورط بالوعد إلا إذا كنت قادرا فعلا على الوفاء به. لأن هذا درس للأطفال في أن يتعلم الثقة، إنك إذا وعدت بشيء لابد أن توفيه. وكلمة وعد ممكن نزرعها في الأطفال أيضا بطريقة حسنة جدا، عندما يجيء ليطلب منك شيء، فتقول له: هذا وعد. فمهما كانت الظروف، حتى تربط كلمة الوعد بأنه شيء محتم التنفيذ، لكن ممكن يطلب منك شيء وتتعمد أن تقول له: هذا ليس وعدا. يعني ممكن تنفذه وممكن لا تنفذه. فممكن يفهم مع تكرر هذا الأمر، فتجده يسألك: وعد أم ليس وعد. لأن وعد معناه أنك حتما ستفي به وأنت عودته على ذلك، لكن لما تقول له: ليس وعدا، وأنا لا أدري ظروفي سيكون معي نقود أما لا، ففي هذه الحالة أنت تدربه على أنه ليس وعدا، وأنت بينت له أن هذا ليس وعدا، فهذا يهيئه أن تتقبل وفي نفس الوقت تعظم فإذا لم يحصل الطفل على المكافأة التي وعد بها، فإنك تخيب ظنه وبالتالي ممكن أن تتكرر منه السلوكيات غير المرغوبة.

فالمكافأة لابد أن تكون واضحة ومتاحة حتى يكون لديهم حافزا حقيقي يشجعهم على القيام بما ترغب فيه. وتعرفون كيف أن الشريعة حرضت تحريضا أكيدا على موضوع الوفاء بالوعد، إذا وعدت بشيء لابد أن توفي به. والأدبيات الإسلامية وبالذات الشعر حافل بذم إخلاف الوعد أو المماطلة فيه. فالوعد تنفذه في موعده تماما كما ذكرنا ونحن قلنا أن أنسب موعد للمكافأة هو فور العم الحسن الذي يفعله الطفل. يقول الشاعر: تعجيل وعد المرء أكرومة ... تنشر عنه أطيب الذكر والحر لا يمطل معه فهو ... ولا يليق المطل بالحر وقال آخر: ولقد وعدت وأنت أكرم واعد ... لا خير في وعد بغير تمام أنعم علي بما وعدت تكرما ... فالمطل يذهب بهجة الإنعام ويقول آخر: وميعاد الكريم عليه دين ... فلا تزد الكريم على السلام يذكره سلامك ما عليه ... ويغنيك السلام عن الكلام ويقول الآخر: إذا قلت في شيء: نعم، فأتمه ... فإن نعم دين على الحر واجب وإلا فقل: لا تسترح وترح بها ... لألا يقول الناس إنك كاذب

معايير الثواب أو الجائزة

ويقول آخر: لا كلف الله نفسا فوق طاقتها ... ولا تجود يد إلا بما تجد فلا تعد عدة إلا وفيت بها ... واحذر خلاف مقال للذي تعد ويقول الآخر: اشدد يديك بمن بلوت وفاءه ... إن الوفاء من الرجال عزيز على أي الأحوال الأدبيات الإسلامية حفلت بالكلام على أو بالحث على قضية الإيفاء بالوعود {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} (¬1) في حق إسماعيل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. معايير الثواب أو الجائزة: *هناك معايير للثواب أو للجائزة، فلابد أولا أن تكون شيئا محبوبا. لابد أن تكون المكافأة شيئا محبوبا ومرغوبا فيها من الطفل حتى يبذل جهدا من أجل الوصول إليها، لأن هذا هو معنى الترغيب، الترغيب في حصول شيء محبوب إذا فعل هذا الشيء. أيضا لابد من مراعاة طبيعة الطفل وما يلائمه هل هو يفضل أكثر الإثابة الاجتماعية أم المكافأة المادية ونحو ذلك. هناك نماذج الحقيقة تستخدم في عملية الإثابة فهي لا تنحصر في شيء معين. هناك أناس تعتقد .. نقودا، لا هي النقود شيء من الأشياء وكما اشرنا لابد أن يكون هناك نوع من التنويع. فلاحظنا إن بعض المدرسين يلصقون للأولاد نجوم، وحتى لو المدرسة ترسم للطفل نجمة في الكراسة أو شيء يرجع البيت وهو في منتهى السعادة أنه أخذ نجمة أو نجمتين أو كتبت له كذا، فهذه ¬

_ (¬1) مريم: 54.

الأشياء لا تكلف ونحن بأنفسنا نلمس مدى السعادة التي يكون عليها حين يميز على أقرانه إذا تمير عليهم بشيء معين مما يفيد في ذلك. ممكن تعمل بعض القواعد الأسرية بالذات مع الأطفال الذين يعرفون القراءة جيدا، تعمل قواعد بالسلوك الذي تحتاج أن يتغير أو السلوك الحسن المفروض أن يكتسبه. تعمل قائمة متعلقة مثلا بالنظام أو النظافة أو نحو ذلك، وتكتب فيها مثلا وكأنه يتعهد، مثلا: سوف أنظف أسناني بالفرشاة بعد الإفطار مثلا. سوف أتعامل مع أختي بشكل جيد، سوف أؤدي واجبي بعد الرجوع من المدرسة مباشرة. سوف أتناول العشاء بدون جلبة ولا ضوضاء فكلما نجح تلصق لها بجانبها نجمة، ولما تتفق معه بشكل مسبق أنه كلما تحصل على خمس نجوم مثلا فلك مكافأة مثلا كذا أو كذا أو نزهة أو تشاهد الكمبيوتر أو نحو ذلك. فكلما ازداد عدد النجوم تزداد المكافآت. وطبعا موضوع النجوم هذه تنفع مع المشكلات قصيرة الأجل، فلما السلوك يصبح عادة فارفع هذه المادة من لائحة القواعد، ارفعها لأنها أصبحت عادة، هو اكتسبها بالعادة، والعادة. هناك تربية بالعادة، فكلما يأكل يغسل أسنانه بالفرشاة مثلا، فمتى ما اكتسب العادة وانت شجعته .. بالنجوم وكذا. ففي هذه الحالة ترفعها وتضع شيئا جديدا يحتاجه الطفل، فلابد من .. فالاقتصار على الجوائز المادية يجعله ينشأ نفعيا يطلب بمقابل لكل ما يفعله، لكن هناك مكافآت معنوية كما ذكرنا كالمدح والثناء أمام الآخرين. فهذه لها أثر كبير في تشجيع الطفل وتحفيزه. تكلمنا عن المكافأة المادية.

المكافئة المعنوية

المكافئة المعنوية: نفصل الآن إن شاء الله تعالى في الإثابة المعنوية. أي كلمة، يعني الثواب ممكن يكون عبارة عن كلمة تحفيز أو استحسان أو تشجيع، أن تشكره أن تقول له: جزاك الله خيرا. بارك الله فيك، أحسنت ... الخ. ومن ذلك أنت تناديه بأحب الأسماء إليه، الاسم الذي يحبه، النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينادي السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها ولم يكن قد تعدت سنها اثنتي عشرة سنة فكان يرخم اسمها كنوع من التدليل أو التلطف فيقول لها: يا عائش أو يا عييش، فترخيم الاسم يجلب نوع من المودة والألفة مع الطفل، فاختصار الاسم أو تصغيره، يعني بعض الناس كتب أمثلة، خليها لخبراتكم يعني يمكن لن يناسب أن نقولها، أو نقولها لا أدري .. يقول لك: يا أبو حميد لأحمد يا خلود: لخالد يا عمورة: لعمرو يا عبده: لعبد الله .. يعني هذه ترجع لاجتهادكم حسب الاسم التصغير على سبيل التمليح، لأن التصغير ممكن للتحقير وإما للتلميح فهذه ترجع للأعراف المختلفة، ولكن لا يكون اسما يلتصق به ويكون لقبا له وهو مثير للسخرية مثلا. أيضا من المكافآت المعنوية أن تكافئه بأن تحكي له قصة. وهناك نوع خاص من التربية اسمه التربية بالقصة، وهذا منهج قرآني متميز، التربية بالقصة، والقرآن الكريم كم ربى المؤمنين عن طريق القصص.

بل عن طريق أحسن القصص {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} (¬1) هناك مكافأة بأن تقول له: سأحكي لك قصة إن فعلت كذا. فإن فعل تكافئه بحكاية القصة، فالقصص والحكايات تساعد في تشجيع الأطفال. كذلك الحرمان منها عقوبة رادعة. لا أعتقد أبدا أبدا أن هناك طفل يشذ عن هذه القاعدة ولا يحب القصص والحكايات، الغالب يعني القاعدة العامة أن كل الأطفال يحبون القصص. لكن يجب أن تكون القصة هادفة تجنى منها ثمرة خاصة لأن القصة تزرع القيم والمعاني بصورة غير مباشرة يعني التوجيه المباشر ممكن الطفل يعاند فيه، افعل كذا ولا تفعل كذا أطع والديك، وهذه الأوامر المباشرة. لكن الكلام الذي يجيء بطريق غير مباشر عن طريق العبرة والمواقف المؤثرة، يكون أعمق تأثيرا في نفوس الأطفال والمواقف التربوية الموجودة في القصص طبعا الآن موجودة متاحة كثير جدا سواء في الكتب أو المجلات أو المواد التي تعمل على الكمبيوتر القصص تغرس فيه الأمانة الصدق القوة حسن الخلق النظافة عدم الأنانية وغير ذلك، ممكن القصة تكون غير متسلسلة ممكن في موقف معين ويكون هناك نوع من التشويق إن الطفل سيكمل معاني القصة بعد ذلك. الأستاذ محمد قطب حفظه الله تعالى له كلام في موضوع التربية بالقصة نذكره. يقول حفظه الله: في القصة سحر يسحر النفوس، أي سحر هو وكيف يؤثر على النفوس، لا يدري أحد على التحديد؟ ¬

_ (¬1) يوسف: 3.

أهو انبعاث الخيال يتابع مشاهد القصة ويتعقبها من موقف إلى موقف ومن تصرف إلى شعور، أهو المشاركة الوجدانية .. -طبعا هناك حاجة مهمة جدا أن واضع القصة لابد أن يكون تربويا، الإنسان الذي يصوغ القصة يكون تربويا وطبعا تحري الصدق قدر المستطاع، تحري الصدق رأيت من مدة كارتون لا أذكر ربما اسمه نارا، قصة طفلة من أيام البوسنة والهرسك أو الشيشان أو شيء كهذا، تعجبت جدا. من عمل القصة لا يفهم إطلاقا بالتربية، إطلاقا .. وللأسف الشديد لما تقارن بين الأشياء التي توضع باللغة الانجليزية للأطفال فرق شاسع للوصول إلى هدف تربوي راقي جدا للأسف. فالقصة كلها موت ودماء إن هذه الطفلة ترى أهلها يموتون وجيرانها مذبوحين والدم يجري، وكل القصة رعب في رعب، وتهديد شعور الأمان عند الطفل. فالقصة تكون عقاب وليس ثواب .. ثم يحصل البلل في السرير وهو نائم ليلا، سيحصل بلل الفراش لأن هذا الرعب سيختزل في داخله، يعني عدم الشعور بالأمان، وخطر جدا أن نهز شعور الطفل بالأمان. أنا تعجبت كيف يعني؟ نحن عندنا هكذا إذا كان أخ ملتزم من فعل الشيء الفلاني فيكون أكيد مائة في المائة، ما دام المدرس أخ فيكون شيء مائة في المائة، وهو ربما ليس تربويا، فممكن واحد تربوي غير ملتزم يكون خطره أقل من ملتزم وغير تربوي لأن سيشوه أشياء كثيرة جدا ويعمل عاهات نفسية في الأطفال، نتيجة عدم خبرته في التربية. أنا قلت لأحد الإخوة لا تعرضها خالص للناس لأن هذه خطر على الأطفال ..

حادثة أخرى .. جريمة من جرائم أعداء البشرية كلها اليهود لعنهم الله، قصة أسطول الحرية، تعجبت جدا من التبجح الذي يظهر من هؤلاء الأشرار الشياطين اليهود، واحد مسئول رسمي يتكلم ويدافع عن موقف اليهود وجريمتهم التي فعلوها، فماذا يقول؟ طبعا هم كتموا على الموضوع ولم يظهروا بيانات رسمية فيها الأعداد، سواء أعداد القتلى أو ماذا .. الإخوة من الأتراك .. المهم لفت نظري جدا إن واحد يهودي خبيث يتكلم فيقول: أنتم كتمتم خالص على البيانات ولا بيانات رسمية ولا نشرتم صور الناس ولا. فقال: لأننا نلتزم بالأخلاق اليهودية التي لا تبيح نشر صور القتلى. فأنا تألمت في الحقيقة لأننا في الإسلام أيضا عندنا هذا المفهوم ولكننا نهمله في سبيل الوصول إلى هدف إعلامي ننتهك حرمة الموتى أو المقتولين، لو تأملتم في القرآن الكريم: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي} (¬1) ماذا؟ أخاه؟ لا، {يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ} (¬2). فجثة الميت سوءة. الإنسان بمجرد أن يموت يصبح عورة، ولذلك ما ينبغي في التغسيل وكذا أن الحكاية تكون موضوع مجاملة والناس تدخل على الميت وهو ميت ويغسل كنوع من المجاملة وهاتوا فلان وأحضروا فلان، لا. يحضر فقط من يحتاج إليه في الغسل فقط، وهذا يكون في أضيق الحدود، من يغسل ومن يساعده. ¬

_ (¬1) المائدة: 31. (¬2) المائدة: 31.

ولكن تصبح الحكاية دعوة عامة، مفتوحة ويجاملون فلان بأن أدخلوه ساعة الغسل، لا فهذا انتهاك للميت. فطبعا يهودي مجرم يدافع عن .. طبعا هو يحاول أن يعمل نوع من استثمار الموقف أن يقول إن هناك شيء اسمه الأخلاق اليهودية .. الأخلاق اليهودية التي نعرفها كلنا، لكنه يتوارى وراء أن هذه هي الأخلاق اليهودية أنهم يحترمون الموتى ولا يصورون الموتى، هم يقتلون وحسب. لكنهم لا يصورون، طيب أنت قتلت، أنت الذي قتلت، يعني أنت الذي قتلت الأطفال وقتلت الشباب وقتلت الأبرياء. فالأخلاق اليهودية حتى يقولون: نحن لدينا أخلاق يهودية، ولدينا في شريعتنا أننا اليهود لا ننشر صور الموتى .. الله المستعان .. الشاهد يعني من الكلام: إن ترك الأطفال يطلعون على الوسائل الإعلامية التي بها الحروب والذبح والمجازر وهذه الأشياء خطر شديد على الأطفال، الشعور بالأمان. يعني أن أعرف طفلة مع أن بيتها بعيد عن البحر، لكن يظهر البحر في الأفق، كان يجيئها رعب شديد جدا عندما تتابع أخبار اليهود والمذابح وما أكثرها. فلا تستطيع أن تنام بالليل من الرعب لأنها تقول: ممكن اليهود يجيئون ويضربوننا من البحر بهذا المركب، لماذا؟ من كثرة ما تسمع أشياء هي فوق عقلها وفوق طاقتها.

فموضوع أن نتساهل في تعريض الأطفال لهذه المحن، لن يتفهموها ولا يتحملوها مثل ما يحصل، بالعكس تهدد الشعور بالأمان. فنفس الشيء ممكن أيضا الأشياء الفظيعة للقتل مثل نارة هذه، شيء غير ممكن، كيف تقدم لأطفال أبرياء، الكل يموت، أبواها ماتوا والأطفال ماتوا والجيران ماتوا، كل حاجة دماء دماء والبنت تبكي، كل الموضوع يدور حول هذا. فطبعا لابد أن نراعي براءة الطفل وقدرته على الاحتمال والخطر الممكن أن يترتب نتيجة انتزاع الشعور بالإيمان .. يقول الأستاذ محمد قطب حفظه الله: في القصة سحر يسحر النفوس، أي سحر وكيف يؤثر على النفوس، لا يدري أحد على وجه التحديد. أهو انبعاث للخيال يتابع مشاهد القصة ويتعقبها من موقف إلى موقف، ومن تصرف إلى شعور؟ أهو المشاركة الوجدانية لأشخاص القصة وما تثيره في النفس من مشاعر تتفجر وتفيض؟ أهو انفعال النفس بالمواقف حينما يتخيل الإنسان نفسه في داخل الحوادث، ومع ذلك فهو ناج منها متفرج من بعيد؟ أيا كان الأمر فسحر القصة قديم قدم البشرية وسيظل معها حياتها كلها على الأرض لا يزول، وأيا كان الأمر فلا شك أن قارئ القصة وسامعها لا يملك أن يقف موقفا سلبيا من شخوصها وحوادثها. فهو على وعي منه أو غير وعي يدس نفسه على مسرح الحوادث ويتخيل أنه كان في هذا الموقف أو ذاك، ويروح يوازن بين نفسه وبين أبطال القصة فيوافق أو يستنكر أو يملكه الإعجاب.

والإسلام يدرك هذا الميل الفطري إلى القصة، ويدرك ما لها من تأثير ساحر على القلوب، فيستغلها لتكون وسيلة من وسائل التربية والتقويم. وهو يستخدم كل أنواع القصة، القصة التاريخية الواقعية المقصودة بأماكنها وأشخاصها وحوادثها والقصة الواقعية التي تعرض نموذجا لحالة بشرية، فيستوي أن تكون بأشخاصها الواقعيين أو بأي شخص يتمثل فيه ذلك النموذج، والقصة التمثيلية التي لا تمثل واقعة بذاتها ولكنها يمكن أن تقع في أية لحظة من اللحظات وفي أي عصر من العصور. من النوع الأول: كل قصص الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقصص المكذبين بالرسالات وما أصابهم من جراء هذا التكذيب وهي قصص تذكر بأسماء أشخاصها وأماكنها وأحداثها على وجه التحديد والحصر: موسى وفرعون، عيسى وبني إسرائيل، صالح وثمود، هود وعاد، شعيب ومدين، لوط وقريته، نوح وقومه، إبراهيم وإسماعيل .. إلى آخره، إلى آخره. ومن النوع الثاني: قصة ابني آدم: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} (¬1) إلى آخر القصة المعروفة في سورة المائدة. -فالقصص القرآني هو أفضل ما يقدم لأنه يبني عقيدة ويوصل مفاهيم مهمة جدا. القصص القرآني ممكن إنك تذاكر القصة من كتب التفاسير أو الكتب التي تناولت قصص الأنبياء ثم تلخصها بصياغة سهلة بالنسبة للأطفال. ¬

_ (¬1) المائدة: 27 - 30.

لن تقرأها مباشرة من الكتب، ولكن تبسطها .. والآن توجد مطبوعات كثيرة جدا تتناول هذه الأشياء .. فقصص الأنبياء ثم السيرة أيضا .. ممكن السيرة النبوية تعطيها لهم هكذا بالتدريج، فيعود الطفل مثلا أو الأطفال قبل النوم، إن الأب أو الأم تحكي لهم موقف معين من السيرة ولو بتدرج واحدة واحدة حتى يدرسون السيرة بصورة مسلية. لكن لو خرجت بطريقة مباشرة بدون قراءة في كتاب يكون أفضل وأوقع، يكون الإنسان قد حضرها وذاكرها، الأب أو المربي، ويقولها للطفل قبل أن ينام ويستمر ويواظب على هذا الأمر، فـ «أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» (¬1) ويهتم بإيصال العبرة والدروس، وفي نفس الوقت هناك معلومات يستفيدها، لأن نستثمر حب الأطفال وشغفهم بموضوع القصص. يعني أحد الإخوة أبلغني إن الرافضة قاتلهم الله، عملوا شيء معين في موضوع القصص، .. في إنها قصص أيضا في قصة يوسف عليه السلام، فالأخ لفت نظري أنه من خلال القصة، فبرغم إن القصة مخرجة بطريقة متقنة جدا، لكن طبعا الرافضة سيعملون هذه من أجل ماذا؟ إنه في الوسط لابد أن يرسخ عقيدته، ولابد أن يربطها بالإمامة والعقائد الفاسدة للرافضة. فالقصص أحيانا يستعمل لتمرير مفاهيم مدمرة ومخربة كما أكيد الرافضة سيكونون فعلوا هذا في قصة يوسف عليه السلام. الشاهد أن استعمال القصة، نحن أولى في استعمالها لتمرير مفاهيم بناءة ومفيدة بالنسبة للأطفال. نعود إلى صور المكافآت المعنوية، غير المادية .. من هذه الصور مدح الطفل والثناء عليه أمام الآخرين. ¬

_ (¬1) متفق عليه من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

التقدير

هذه مكافأة هذه نوع من المكافأة، أمام زملائه أما أصدقائه، أمام الأقارب أمام المدرسين، أمام الناس الذين يحبهم. الثناء عليه بموقف معين عمله، أو بإنجاز أنجزه، فهذا نوع من أنواع المثوبة. ونحن أشرنا كثيرا إلى موضوع المدح التربوي، المدح ليس مذموما في كل الأحوال وإنما هناك مدح وهو المدح التربوي، فهذا مهم جدا في إكساب .. وإكسابه مزيدا من السلوك الحسن. وناقشنا من قبل بالتفصيل أيضا موضوع بحث التشجيع وأثره في التربية. التشجيع .. وتكلمنا أيضا من قبل في موضوع إن الاحتياجات النفسية للطفل، فمن ضمن الاحتياجات النفسية للطفل أو لأي إنسان هي الحاجة إلى ماذا؟ التقدير: الحاجة إلى التقدير .. كما تحتاج إلى الأكل والشرب والهواء وكذا وكذا .. من ضمن الاحتياجات الفطرية في أي إنسان الحاجة إلى التقدير. ليس التقدير الجزافي وهي إن الإنسان يمدح هكذا بلا حساب أو بطريقة كاذبة، وإنما تقدير إنك تعترف له بإنجاز معين أنجزه. فالحاجة إلى التقدير ليست من المدح .. أو إشباع هذه الحاجة شيء طبيعي جدا في أي إنسان. حتى ولو أن تقول له: "جزاك الله خيرا" فهذا من آداب الإسلام ..

من صور المكافأة أو الإثابة

من صور المكافأة أو الإثابة: * مداعبة الطفل وممازحته والتصابي له: فقد علمنا ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما كان يلاعب أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها مع أنها كانت لا تتخطى الاثنتي عشرة سنة من عمرها، فكان يسابقها فتسبقه، ثم بعد ذلك لما كبرت عائشة رضي الله تعالى عنها، وكرر المسابقة، انظر بعد كم سنة؟ فهي غلبته في المرة الأولى لما كانت هي خفيفة وشابة صغيرة، لكن بعد ذلك بمدة حملت هي الشحم فسابقها فسبقها فقال لها: هذه بتلك. تعادل عليه الصلاة والسلام .. «هَذِهِ بِتِلْكَ» (¬1) .. يعني انظر أيضا هو يذكرها من أيامها، فهذا نوع من الاهتمام وإثارة الذكريات الحسنة أو الجميلة .. كذلك كان - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ما يداعب ويلاعب ويمازح الحسن والحسين ويتصابى لهما .. روى الطبراني عن جابر رضي الله عنه قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يمشي على أربع –يعني على يديه ورجليه- وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول: «نِعْمَ الْجَمَلُ جَمَلُكُمَا، وَنِعْمَ الْعِدْلانِ أَنْتُمَا» (¬2). وأخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله تعالى عنه قال: «مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا» يقفون في صف واحد ويبعد عنهم ويقول: من يجيئني أولا .. «مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَيَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ فَيَقَعُونَ عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ فَيُقَبِّلُهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ» (¬3). صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ¬

_ (¬1) رواه أبي داود من حديث عائشة - رضي الله عنها -، قال الألباني: صحيح. (¬2) معجم الطبراني من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، قال الألباني: منكر. (¬3) مسند أحمد من حديث عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه -، إسناده ضعيف فيه يزيد بن أبي زياد الهاشمي وهو ضعيف الحديث (المصدر: الشبكة الإسلامية).

فلابد أن تعامل الأطفال بعقلهم هم، لكن أن يكون الواحد دائما في صورة جادة وصارمة مع الأطفال؟ لا، فلابد من التصابي كأنك صبي مثلهم، فتداعبهم وتلاعبهم ولا تتعالى عليهم ولا تستصغرهم. فهذا لا ينافي الوقار والهيبة والإجلال بل يزيد المودة بينك وبين هؤلاء الأطفال. من المكافأة أيضا أن تقبله فقد روى البخاري أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا فَقَالَ الْأَقْرَعُ». -استغرب يعني: كيف يقبل الحسن حفيده. «إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ» (¬1). وروى البخاري قال: عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ» (¬2). فهذه أيضا من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي مما يزيد الحب والتودد ويكون سببا في تشجيع الطفل وتحفيزه على ما يطلب منه. فقبلة على جبين أولادك عند ملاعبتهم وعن الذهاب إلى المدرسة وحين تعود إلى المنزل وعند استقبالهم، .. لا شك ترسل رسالة معينة أن هذا الطفل ماذا؟ محبوب، أنك تحبه. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) صحيح البخاري من حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -.

فاحتضان الطفل أو تقبيله أو المسح على رأسه أو التربيت على كتفه، كل هذا يمكن أن يستعمل كنوع من المكافأة عقب السلوك الحسن مباشرة. تبين له أنك فخور به وأنك تحبه لأجل هذا العمل. وإن كان كما ذكرنا إن الحاجة إلى الحب حاجة أساسية جدا أيضا من احتياجات الطفل، لابد أن يغرس في الطفل أنه محبوب. لأننا ناقشنا من قبل فكرة إن الطفل هل هو مطلوب ومرغوب أم غير مرغوب؟ لو الطفل غير مرغوب والأهل لم يكونوا راغبين فيه فطبعا يسلكون معه مسالك توجد بعض العاهات النفسية فيه. لذلك كانت إحدى الجدات وكانت جدة حكيمة، ماذا كانت تفعل؟ مجرد الطفل أن يمر أمامها فتناديه تقول له: تعالى، فيأتي. فيفاجأ الطفل أنها فقط تحتضنه وتقبله وتمسح رأسه وتربت عليه وحسب، بدون أن تتكلم. هذه في غاية الفقه في التربية، غاية الفقه. لأنها نادته لا من أجل شيء وإنما من أجل أن تبلغه رسالة أنها تحبه. فيكون ماشيا فتوقفه تقول له: تعالى أريدك .. فهي تريده من أجل ذلك، فهي رسالة في غاية العمق والتأثير في استقراره النفسي وإشباع حاجته إلى أن يحب. أيضا من المشاعر المهمة جدا كما أشرنا مرارا رحمة الطفل والرأفة به والعطف عليه والتعبير عن ذلك وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا» (¬1). ليس منا، ليس من المسلمين .. طبعا هذه صيغة شديدة جدا في الترهيب. ¬

_ (¬1) سنن الترمذي من حديث أنس - رضي الله عنه -، قال الألباني: صحيح.

ليس منا .. يعني ليس على طريقتنا ولا على هدينا الذي هو خير الهدي، هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -. فانتبهوا لهذه الصياغة خطيرة جدا: «لَيْسَ مِنَّا» .. كأنه يتبرأ منه: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا». طبعا الحديث طويل: «وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا ويَعْرِفُ حقَّ عالمِنَا». لكن تأمل هذا المعنى العظيم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا». فالتعامل برحمة هو الأساس، حتى لما تعاقبه أنت ترحمه. قسى ليزدجر ومن يك راحما فليقس أحيانا على من يرحمه. لأن في هذا مصلحته وإصلاحه. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ وَمَعَهُ صَبِيٌّ، فَجَعَلَ يَضُمُّهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَتَرْحَمُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاللَّهُ أَرْحَمُ بِكَ مِنْكَ بِهِ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» (¬1). وعن أنس بن مالك رضي عنه: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، فَأَعْطَتْهَا عَائِشَةُ ثَلاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ صَبِيٍّ لَهَا تَمْرَةً» يعني هي معها ولدين وهي فيكونون ثلاثة .. فعائشة أعطتها ثلاث تمرات، فالمراة الأم أعطت كل صبي لها تمرة وأمسكت لنفسها تمرة. «فَأَكَلَ الصِّبْيَانُ التَّمْرَتَيْنِ وَنَظَرَا إِلَى أُمِّهِمَا، فَعَمَدَتْ إِلَى التَّمْرَةِ فَشَقَّتْهَا، فَأَعْطَتْ كُلَّ صَبِيٍّ نِصْفَ تَمْرَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، فَقَالَ: وَمَا يُعْجِبُكَ مِنْ ذَلِكَ؟» يعني لماذا تتعجبين؟ «لَقَدْ رَحِمَهَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهَا صَبِيَّيْهَا» (¬2) أو كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - إسناده حسن رجاله ثقات عدا يزيد بن كيسان اليشكري وهو صدوق حسن الحديث (المصدر: الشبكة الإسلامية). (¬2) رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد عن عائشة - رضي الله عنها -، وهو حديث موقوف (المصدر: الشبكة الإسلامية).

فالإسلام دين الرحمة. يقول الله تعالى، أسلوب حصر: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا} يعني كأنه ما أرسل إلا فقط ليرحم العالمين، وليس فقط البشر. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} (¬1). صلى الله عليه وعلى آله وسلم لو تتذكرون لما كنا نتكلم في تفسير سورة الرحمن، حتى الآيات التي فيها وصف جهنم، ووصف عذاب جهنم بالتفصيل. كان يعقبها الله سبحانه وتعالى بقوله ماذا؟ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} (¬2) .. فكيف أن العذاب يكون نعمة ورحمة لأنه إنذار .. أن الله سبحانه وتعالى. هذا من مظاهر رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبشرية كلها .. {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} (¬3)، فحتى ذكر العذاب رحمة، لأن الإنذار بالعذاب ووصفه قبل يوم الحساب يجعل الإنسان يرهب ويخاف هذا العذاب فيأخذ بأسباب اتقاء هذا العذاب، فهذا مظهر أيضا من مظاهر رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعالمين. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» (¬4). فالرحمة هي أيضا صورة من صور الرفق بالذات مع الأطفال. ليس من الرحمة إطلاقا ما يحصل من بعض الآباء من القسوة الشديدة في تربية الأطفال بطريقة لا يمكن أن تجيزها الشريعة إطلاقا. ¬

_ (¬1) الأنبياء: 107. (¬2) الرحمن: 13. (¬3) الرحمن: 13. (¬4) رواه أبي داود والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، وقال الألباني: حديث صحيح.

الناس فقط تسيء استعمال الحديث شماعة. «وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ» (¬1). إن الشرع أجاز الضرب، لكن لو تجيء لتبحث عن السلوكيات التي يسلكونها لا علاقة لها بالشرع على الإطلاق، بل هي مضادة للشريعة، ومظاهر كثيرة كما سنفصل لا توافق الشريعة. كالضرب، إن هدف الضرب يكون التشفي وليس الإصلاح. المربي متى ما غضب يضرب، حتى وصل إلى أن مدرس من سنة تقريبا وللأسف هنا في اسكندرية وكل نشرات الأخبار في العالم كانت تتكلم عن المدرس لما ضرب الطفل حتى مات. سنشبع إن شاء الله تعالى هذا الكلام في البحث بالتفصيل فيما بعد. يعني هذا كله، استعمال المعلقة المحماة بالنار أو شك الطفل بالدبابيس، ونحو ذلك، هذا لا يمكن أن يمت إلى الشريعة بصلة، فكل هذا مما يتصادم مع الشعور برحمة الطفل. حسن استقبال الطفل، ممكن يكون لما الأب سمع أنه مثلا أنجز شيئا حسنا، فأول مايقابله يقابله بنوع من الحفاوة والترحيب والابتسامة والتلطف ونحو ذلك مما يفيد جدا. أحيانا تكون المكافأة نظرة فيها تقدير أو الابتسامة كما ذكرنا. إظهار الاهتمام به إن كان مثلا مريضا أو به شيئا معينا، فإظهار الاهتمام به هذا أيضا مما يكون له تأثير حسن. الهدايا، كما ذكرنا. يقول - صلى الله عليه وسلم -: «تَهَادُوْا تَحَابُّوْا» (¬2) فهذا أيضا مما يدعم المحبة بين الأب وأولاده .. وممكن الهدية أو المكافأة تكون كارت، أو بطاقة تهنئة مثلا، بطاقة فقط ولن تكلفه كثيرا .. وممكن البطاقة التي مع بعض الأطفال التي فيها اهتمام به وتكتب له رسالة فيها، شكر مثلا أو تهنئة أو نحو ذلك. ¬

_ (¬1) رواه أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدة، وقال الألباني ~: صحيح. (¬2) رواه الطبراني في المعجم الأوسط من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وقال الألباني ~: ضعيف جدًا.

لوحة الشرف

ممكن تكون عند بعض الأطفال أن تجيء له بدراجة أو أكثر. من أجل يعني أن نستحضر، قيمة موضوع المدح والثناء والتشجيع والمكافآت أيا كانت صورتها، تستحضر هكذا وأنت في الابتدائي مثلا أو في الحضانة أو كذا .. مدرس شجعك أمام زملائك أو أثنى عليك أو والدك فعل أي نوع من أنواع المكافأة، كم كان هذا دافعا لك على تحسين السلوك والاستمرار عليه والتحفيز على المزيد من الإنجاز؟! يعني هذه الحاجات تحفظ ولا تنسى، فيهيأ لي أكيد كل واحد فينا لو رجع بالذاكرة إلى الوراء .. واطمئنوا فكبر السن لا يؤثر كثيرا على الذاكرة البعيدة، فالمشكلة كلها في الأحداث القريبة جدا، الذاكرة الحديثة جدا، فالكبار في السن يجيئون بالقديم جيدا جدا .. وفي المقابل أيضا كم واحد ممكن يكون تأثر بمدرس أساء إليه أو أهانه أو حقره، وترك فيه جرحا لا يكاد ينسى. حتى نعرف تأثير العقاب الغير تربوي ونعرف أيضا تأثير الإثابة التربوية الملتزمة بمثل هذه القواعد كيف أنها تبقى مع الإنسان طوال عمره. أيضا مما يدعم موضوع الإثابة قبول آراء الطفل أو اقتراحاته ومناقشته بموضوعية. يعني يعتبر هناك في سؤال لو سئله الطفل وأجاب إجابة معينة، يكون فمؤشرا عظيم جدا على نجاح الأب تربويا، إذا سئل الطفل: من أحب وأقرب أصدقائك إليك؟ لو أجاب فقال: هو أبي. فهذه أقوى مؤشر على نجاح الأب في العملية التربوية. لإن أول من قفز إلى ذهنه إذا سئل من أحب صديق إليك يقول: هو أبي. فهذا مؤشر نجاح قوي جدا بالنسبة للأب، إذا نجح أن يشغل هذا المنصب الفخم في قلب طفله. لوحة الشرف: أشرنا أيضا إلى موضوع لوحة الشرف:

ممكن تعمل سواء في المدارس أو في البيت، ممكن تعمل لوحة الشرف تكون مزينة هكذا، ويوضع فيها اسم: من الذي سيوضع اسمه هذا الأسبوع في لوحة الشرف، أنجز كذا وكذا فيكافأ بوضع اسمه، وتغير بين وقت وآخر. يعني أحد المدرسين يحكي أنه كان عقاب التلميذ عندي في الفصل، أن أهدده بحرمانه من وضع اسمه في لوحة الشرف، فيبكي ويعاهدني على الاستقامة. لو قصر في شيء معين فيهدده بأنه سيرفع اسمه من لوحة الشرف. فكان كأنه يعاقبه عقابا شديدا. لماذا؟ لأن يكون لها تأثير على نفسية التلميذ. من ضمن الأساليب المادية في الثواب كما قلنا أن نكافئه بعلاوة في مصروفه، وترفع له المصروف لمدة أسبوع مثلا، لأن ممكن أنك لا تستطيع أن تتحمل أن ترفعه دائما. ولكن تقول له: لمدة أسبوع سأرفع لك المصروف إلى كذا .. كما ذكرنا الاتصال تليفونيا. وهذه ممكن تكون مع الأجداد لأن الأب يعيش معه دائما، أو إذا كان هو في الشغل، فممكن يتصل به يسأل عليه في التليفون فيكون لها شيء مؤثر جدا ومثمر معه يعني، فهذه نوع من المكافأة ممكن تحصل. يقول أحد المدرسين: جربت موضوع الاتصال تليفونيا بتلميذ له، فجاء أحدهم في اليوم التالي يتباهى أمام زملائه بذلك، ويصر على أخذ تليفوني كي يتصل بي. -يتباهى أمام زملائه أن المدرس اتصل به يشكره على إنجاز معين. فهذه فيها نوع من التقدير، تشبع عنده الحاجة إلى التقدير وتشجعه على الأعمال الجيدة يعني، ممكن كما قلنا أن هناك مكافآت سلبية: إعفاءه من بعض التكاليف فتكلف أحدهم ببعض الأشياء فتجيء لتقول له: فلان، مكافأتك لأنك فعلت كذا وكذا وتعبت كثير فأنت معفي من هذه المهمة.

ذكريات مؤلمة (سلوك اليهود)

قرأت في بعض الكتب واحد من الناس يقول كلاما صعب قليلا أن نقبله، يجب أن يكون لدينا نوع من الفلترة للكلام وليس كل الكلام نقبله لأنه أحيانا يكتب أناس غير متخصصين. فمن ضمن المكافآت أن نضع الطالب مثلا في موضع المدرس بأن يكون مراقبا أثناء غياب المدرس، فالمدرس سيخرج من الفصل ولا يريد ضوضاء، فيوقف على التلاميذ أحدهم ليكون مراقبا عليهم، حتى إذا ما جاء يقول له: فلان وفلان وفلان عملوا الخطأ الفلاني مثلا. هذه ممكن تكون مقبولة باعتبار أنه شيء في العلن واضحة جدا والتكليف واضح ويكون مقدمًا كما أن الألف مقدمة على باقي الحروف. ذكريات مؤلمة (سلوك اليهود): تذكرني بحاجة صعبة جدا أتذكر جيدا وأنا طالب في المدرسة سواء ابتدائي اعدادي ثانوي، شيء كان يتكرر تماما بنفس الصورة النمطية ولا أدري إن كان لازال يتكرر الآن أم لا، وأرجو ألا يكون. ما الذي يحصل؟ أثناء الفصل يكون أحد التلاميذ عمل خطأ معين، أصدر صوتا، وهذه الأشياء تتكرر كثيرا، فيجيء المدرس فيقول: قولوا لي: من الذي عمل كذا. فالأولاد لو كان فيهم شهامة وهكذا، يرفضون أن ينموا ويخبروا بزميلهم. ما الذي كان يحصل؟ سلوك اليهود: العقاب الجماعي. عقاب جماعي كل الفصل يقوم ويتذنب أو يضرب بالعصي أو نحو ذلك. ما رأيكم أولا في الموقف؟ هل هؤلاء الأولاد مخطئين أم غير مخطئين؟ مخطئين لماذا؟ المفروض أن يقولوا حتى لا تعمم العقوبة. هل هناك أي قول آخر؟

حتى يحاسب المخطئ. على أي الأحوال أعتقد إن التصرف غير سليم، من المدرس أن يعمل عقاب جماعي على أنهم لم ينموا. في خطبة باللغة الانجليزية رأيتها على اليوتيوب كان هناك موقف بالضبط مثل هذا الموقف، كان موقفا مؤثرا جدا من الناحية التربوية وكان أحدهم يدافع عن طالب ورفض أن ينم على زملائه، وكان سيعاقب بالحرمان من المنحة الدراسية بصورة معينة، فوقف شخص يدافع عنه دفاعا رائعا بصراحة. وأخذ يقول: هل تريدون أن تخربوا هؤلاء الأطفال ويصبحوا نمامين، فهذا نوع من الرجولة أن يرفض أن ينم. فهو المفروض أن يبحث عن المخطئ. لكن لا يجوز له أن يعاقب عقابا جماعيا ولا أن يعاقب من عرف فلم يخطئ. فهذا تدريب على النميمة. فليبحث عن وسيلة أخرى للبحث عن الجاني، وأما أن يعمل عقاب جماعي فهذا ظلم، وأما أن يشجع التلاميذ إن لم تفتنوا على زملائكم تعاقبوا جميعا، فلا ليس هذا أسلوبا تربويا. فبالعكس إذا كان هو شخص واحد كان المفروض أن يخبر ولم يخبر فهذا سلوك جيد أن يرفض أن ينم على زملائه أو على .. الحقيقة هذه بعض الملاحظات فيما يتعلق على موضوع فقه إثابة الأطفال. كان تبقى لنا الكلام في جزئية مهمة جدا وهي موضوع التشجيع التربوي. قيمة التشجيع في تغيير مسار حياة الطفل. التشجيع التربوي الإيجابي. موضوع مهم جدا إن شاء الله تعالى نحاول أن نتناوله بالتفصيل فيما بعد. نكتفي بهذا القدر أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك ..

الدرس التاسع: احذروا أعداء النجاح

الدرس التاسع احذروا أعداء النجاح

التثبيط

إن الحمد لله .. نحمده ونستعينه ونستغفره .. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .. من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم .. أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله .. وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .. ثم أما بعد .. فقد تناولنا الأسبوع الماضي فقه إثابة الأطفال ومكافأتهم. وبينا دور هذه الإثابة في تحفيز الأطفال إلى تحسين سلوكياتهم. ذكرنا أنواعا كثيرة من الإثابة وقواعد أو ضوابط هذه الإثابة، وكان من ضمن ما ذكرناه: أن الإثابة المعنوية من أهم صورها المدح أو التشجيع .. التشجيع الذي هو أقوى سلاح يمكن أن يستعمل، بالذات مع نوعية معينة من الأطفال النوابغ والأذكياء أو الذين يفعل فيهم التشجيع مفعول السحر، بحيث إنه يغير مستقبل حياته كله. التثبيط: والعكس طبعا، التثبيط الذي يصدر من أعداء النجاح، لأن النجاح له أعداء، لا يتحملون أن ينجح غيرهم، ولذلك يحصل التثبيط، فإذا صادف التثبيط نفسا ضعيفة فإن هذا الشخص ينهار ويوأد ويخنق في مهده، بحيث إنه لا يكمل مسيرة النجاح. التفاعل الفطري مع قضية التثبيط، في التشجيع في الغالب ينجح جدا معه. لكن التثبيط يختلف بحسب نفسية هذا الطفل، ممكن تثبيط هناك طفل يأخذه بصورة فيها تحد .. ليس طفلا طبعا ممكن حتى الكبار طبعا، حتى الكبار.

فإذا ثبط من أب أو مرب أو معلم أو صديق، فإن هذا التثبيط هو يتفاعل معه بطريقة إيجابية جدا، ويبدأ يأخذه بنوع من التحدي بحيث إن هذا التثبيط يكون سببا في إنجازه العظيم، وأن لا يكون شيئا مهما بعد ذلك. وهناك من يتفاعل بطريقة سلبية جدا مع التثبيط وتحط همته وينسحب ويفشل. والنماذج كثيرة ولا شك أن كلا منا يتذكر أو يقرأ أو يسمع كثيرا من هذه الحوادث وإن ممكن كلمة تشجيع تصنع في الإنسان صنع السحر. وكذلك كلمة التثبيط قد يتفاعل معها بطريقة سلبية وتكون هي السبب في نهضته بنفسه. نسلط الضوء في هذه الليلة على مبدأ التشجيع وأهميته سواء كان بالنسبة للصغار أو بالنسبة للكبار. فموضوع التشجيع، موضوع رفع الإسلام قدره إلى حد عظيم جدا، إلى حد أن الشريعة الإسلامية جعلت التشجيع في بعض الظروف أخذ حكم الفريضة، فريضة التشجيع. جعل الإسلام التشجيع في بعض الأحوال فريضة على الأشخاص غير القادرين على إقامة فروض الكفايات مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، طلب العلم، الولاية والإمامة. وعبارة الفقهاء في مثل هذه الفروض، يقولون: إنها واجب على الكفاية. فإن قام بها البعض سقط عن الآخرين، وإن لم يقم بها أحد أثموا جميعا. يعني يأثم القادر ويأثم غير القادر. يأثم القادر لأنه قصر. طيب لماذا ياثم غير القادر؟ هل يأثم لأنه عاجز، أم يأثم لماذا؟ لأنه لم يشجع القادر.

لأن الناس واحد من اثنين بالنسبة لفروض الكفايات. إما قادر فيأثم إذا قصر، وإما غير قادر، فبما أنه غير قادر والواجبات منوطة بالاستطاعة فهو غير آثم لأنه عاجز، لكنه يأثم لأنه لم يشجع القادر. فانظر إلى الأهمية العظمى للتشجيع في الإسلام بحيث أنه يصل لحد أن يكون من الفروض. يقول الإمام الشاطبي في الاعتصام: إن هذه الواجبات واجب على الكفاية، فإن قام بها البعض سقط الوجوب عن الآخرين، وإن لم يقم بها أحد أثموا جميعا، القادر لأنه قصر، وغير القادر لأنه قصر فيما يستطيعه، وهو التفتيش عن القادر وحثه على العمل. وحثه وتشجيعه وإعانته على القيام به، بل إجباره على ذلك. بل إجباره على ذلك. والله سبحانه وتعالى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا التشجيع كما قال ماذا؟ {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}. {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬1)، الذي هو هذا التشجيع. تسابق المسلمون في شتى العصور على تشجيع الموهوبين وكبيري الهمة بكافة صور التشجيع، فكانوا ينفقون الأموال الجزيلة لنفقة النابغين من طلاب العلم. الذين حبسوا أنفسهم على طلبه كي يغنوهم عن سؤال الناس، أو الاشتغال عن العلم بطلب المعاش. هذا هو الإمام أبو حيان محمد بن يوسف الغلماطي، رحمه الله تعالى، قال فيه الصفني: لم أره قط إلا يسمع أو يكتب أو ينظر في كتاب. ولم أره على غير ذلك. وكان له إقبال على أذكياء الطلبة يعظمهم وينوه بقدرهم. ¬

_ (¬1) النساء: 84.

عبد الله بن عباس وأشياخ بدر - رضي الله عنهم -

فكان له خصيصة وهي أنه كان يفتش باستمرار على الطلبة الأذكياء فيعظمهم وينوه بقدرهم، يعني هذا نوع من التشجيع يفعل مفعوله في نفسية هؤلاء الطلبة، وبالتالي يشجعهم على التقدم والمزيد من الانتاج يعني .. فانظر إلى قوله هنا وكان له إقبال على أذكياء الطلبة. كما ذكرنا من قبل: من ضمن الاحتياجات النفسية لأي إنسان الحاجة إلى التقدير، وكلمة الشكر أو المديح هي تشبع هذه الحاجة الطبيعية، التي هي من حق كل إنسان، بل من احتياجاته الأساسية كما يحتاج إلى الطعام والشراب يحتاج إلى التقدير، أنه إذا أنجز شيئا فتبذل له كلمة طيبة، أو يدعى له بأن يجزيه الله خيرا ونحو ذلك. كل هذا يشبع هذه الحاجة النفسية وهذا التشجيع لا علاقة له بالمديح المذموم كما سنتكلم إن شاء الله تعالى عن فقه المدح. وكان المعلمون في الكتاتيب والمساجد وفي الأزهر الشريف إذا لمسوا في طفل النجابة والتعلم احتضنوه وساعدوه على طلب العلم، وزودوه بالمال من مالهم الخاص أو من الأوقاف. كذا في طليعة المشجعين في العصور الإسلامية الزاهية الخلفاء والأمراء. عبد الله بن عباس وأشياخ بدر - رضي الله عنهم - روى البخاري في صحيحه: «أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدخل عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - وهو غلام حدث، كان يدخله مع أشياخ بدر .. ». كبار أشياخ بدر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. قال ابن عباس «فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ». كل منا عنده أطفال فلماذا عمر بن الخطاب يحضر هذا الغلام الصغير في مجلس الكبار؟

وليس أي أشياخ، إنهم أشياخ بدر، الذين حضروا بدرا، لا شك أن هؤلاء لهم فضيلة ومنقبة عظمى بحضورهم موقعة بدر. قال بعضهم: «لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ أمير المؤمنين: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ». يعني هذا ابن عباس من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وابن عمه. «دَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ». الناس المحيطون شعروا أن هذه المرة بالذات عمر رضي الله عنه استدعى عبد الله بن عباس، حتى يريهم من هو عبد الله بن عباس الذي يستصغرونه لصغر سنه. يقول: " فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ، قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} (¬1)؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ لِي أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَا" طبعا انظر هنا إلى الشجاعة الأدبية: " فَقُلْتُ لَا " يخالف كل أشياخ بدر، يقول: لا ليس هذا هو تفسير الآية أو السورة. «قُلْتُ لَا قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمَهُ لَهُ» يعني أن هذا نعي. الله سبحانه وتعالى في هذه السورة الشريفة ينعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه. «قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمَهُ لَهُ». يعني يخبره أنه قد حان أجلك. قال: «{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)}، وذلك علامة أجلك أنك» أديت الأمانة وبلغت الرسالة وحان الآن وقت انتقالك إلى الرفيق الأعلى. ¬

_ (¬1) النصر: 1.

لا تحقر نفسك

{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)}، وذلك علامة أجلك، فاستعد للقاء الله بأن «{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)}» فقال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: «مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ» (¬1). «مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ» يعني: أيده في هذا التفسير. هكذا كان أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه يقوي ثقته بنفسه ويغذي همته ويربأ به عن احتقار الذات أو الشعور بالدونية والنقص. لا تحقر نفسك: وقد روى البخاري في صحيحه أيضا: أنه رضي الله عنه سأل بعض الصحابة عن آية في القرآن الكريم، فلم يعرفوا الإجابة وكان بينهم عبد الله بن عباس وهو صغير السن، فقال: «فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ عُمَرُ يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ» (¬2) .. انظر إلى هذه العبارة. يعني: لا تستصغر نفسك وتستحي أن تتكلم في وجود هؤلاء الأكابر من الأشياخ ولكن لا تحقر نفسك. فانتبه إلى كلمة: لا تحقر نفسك. فعملية غرس موضوع احترام النفس أو معرفة قدر النفس هذه علامة صحية جدا. وكما قلت مرارا قضية تقدر الذات، لها طرفان، ووسط. ¬

_ (¬1) رواه البخاري ~ من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. (¬2) صحيح البخاري من حديث عبيد بن عمير.

تقدير الذات

تقدير الذات: طرف الغلو: وهو انتفاخ الذات. أو التطوس. الإنسان الذي يرى نفسه أنه لا أحد مثله، الغرور وجنون العظمة، الذي يرى أنه هو في القمة وكل الناس تحت رجليه، فهذا الانتفاخ انتفاخ وهمي لأنه هنا يبالغ في تقدير ذاته، وهذا دائما مرتبط بأمراض، أو اضطرابات في الشخصية، كاضطراب الشخصية البارانوية أو التي هي جنون العظمة أو النرجسية. تعرفون قصة النرجسية هذه، أسطورة يونانية، توجد أسطورة يونانية منها اشتقوا اسم مرض النرجسية. كان هناك شاب أو فتى جميل الصورة جدا، فاضطلع على سطح البئر فرأى صورة جميلة لفتى مثله. وكأنه يعني لم ير نفسه في المرآة أبدا من قبل. فافتتن بهذه الصورة وأخذ يقترب منها حتى غاص في البئر وغرق، ثم نبتت من مياه هذا البئر زهرة النرجس، ومن أجل ذلك يسمونه نار سيسزم، أو ( narcissism) أو ( Narcissistic personality disorder) اضطراب الشخصية النرجسية. وهذه الشخصية نراها كثيرا في المجتمع، وهي التي يقول: عند أول مشكلة مع أحد يقول له: (ألا تعرف مع من تتكلم؟) فهو يفترض في الناس الذي يتعاملون معه حتى ممن لا يعرفونه أنهم يجب أن يعظمونه. ودائما ينفخ في نفسه وفوق طاقته.

العجب (نفخ الذات)

والمشكلة في هذا الإنسان صاحب هذا الاضطراب أنه لا يشعر ولا يعترف بأن لديه مشكلة، فليس كأصحاب الأمراض الأخرى الذي يجري من أجل أن يبحث عن العلاج، بل هو يرى نفسه بأنه لا يوجد فيه أي عيب. فهذا نموذج من تضخيم الذات، وكما الطاووس عندما ينتفخ ويغتر بنفسه، وهذا الجمال الذي في ريش الطاووس ناشء عن فقاعات غازية في ريشه، فمن أجل ذلك تعطيه الصورة التي نراها. العُجب (نفخ الذات): على الجهة الأخرى .. فإذاً عملية نفخ الذات تكون أحيانا كثيرة مظهر من مظاهر المرض، اضطراب نفسي عدم استقرار أو خلل معين. في الجهة الأخرى، هناك ضعف تقدير الذات، هذا إفراط وهذا تفريط. فهو إنسان لا يرى في نفسه شيئا حسنا أبدا، عنده احتقار ذاتي، ويقدر نفسه بأقل مما تستحق، الثاني .. هذا الذي يقول لك: أنا لا أنفع، والدنيا مظلمة والمستقبل مظلم وكل العالم سيء وأنا سيء ولن أنفع في حاجة ولا عندي كفاءة في شيء .. وهذه المنظومة للمكتئب في الغالب. أما استوائي القطبين، تجيئه أحيانا نوبات زهو وهوس فيرى نفسه نابليون وبونابرت وهتلر والمهدي .. إلى آخره. وممكن نوبة تجيئة تحت خالص فيرى نفسه تحت خالص. فالشاهد إنني أذكر هذه الأمثلة من أجل أن نعرف أن هناك طرفان ووسط. الوسط شيء صحي جدا، وهو الإنسان الذي يعرف قدر نفسه.

يعرف قدر نفسه، يعني يعطي نفسه تقديرها الحقيقي لا يبالغ ولا يحط من قدرها. وسبق أيضا أن تكلمنا في شيء من هذا، ممكن أن نراجع شيئا منه، لأن هذا الموضوع من الموضوعات المهمة جدا. مثلا هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان وأم معاوية رضي الله عنهم أجمعين. حين أتاها نعي يزيد بن أبي سفيان فأتى بعض المعزين يعزونها، فقالوا: إنا لنرجو أن يكون في معاوية خلف لليزيد، فغضبت هند أم معاوية، وقالت: أو مثل معاوية .. وهو لا زال طفل صغير صبي. وقالت: أو مثل معاوية يكون خلف لأحد، والله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمي به فيها، لخرج من أي أعرابها شاه. وقيل لها ومعاوية رضيع بيديها، قيل: إن عاش معاوية ساد قومه، فردت وقالت: ثكلته إن لم يسد إلا قومه. يموت أحسن إذا كان سيكون سيدا على قومه فقط. فتخيلوا هذه الأم بهذه النفسية وهذا التخطيط البعيد، كيف ستربي ابنها، وقد نجحت بالفعل لأن معاوية كان من أسود الناس، وقطعا معاوية أعدل ملوك الإسلام على الإطلاق. صحيح كل من كانوا قبله كانوا أفضل منه، لأنهم من كبار أئمة الإسلام أبي بكر وعمر والخلفاء الراشدون، ولكن هو أفضل من كل من جاء بعده، فأمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه كان مشهورا بالسيادة، ولذلك لما حكم فترة طويلة جدا في أهل الشام وكانوا يحبونه حبا جما، لأنه كان عنده عنصر السيادة كان رجلا سيدا يعني يعدل بين الناس، وكان مشهورا بالحلم والسيادة ونحو ذلك. فلما قالوا لها: إن عاش معاوية -وهو وليد- ساد قومه، قالت: ثكلته إن لم يسد إلا قومه.

أفخر بيت في الشعر

قبل أن تكون ثقتها في مستقبل ابنها بهذه الصورة، هي كانت في ثقة وحسن تقدير لحسن تربيتها، لم تكن تحلم، بل كانت تعلم كيف تربيه وتنشؤه على هذا الأمر. وكان أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه يقول: «إني لآنف أن يكون في الأرض جهل لا يسعه حلمي وذنبٌ لا يسعه عفوي وحاجة لا يسعها جودي». أفخر بيت في الشعر: وقال الأخمص في الفخر: مَا مِنْ مُصِيْبَةٍ نَكْبَةٍ أُرْمَى بِهَا ... إَلاّ تُشَرِّفُنِيْ وَتَرْفَعُ شَانِي وإَذَا سَأَلْتَ عَنِ الكِرَامِ وَجَدْتَنِيْ ... كَالشَّمْسِ لاَ تَخْفَى بِكُلِّ مَكَان فبعض المؤلفين، صاحب العقد الفريد، ادعى أن هذا أفخر بيت قالته العرب. أعظم بيت في الفخر. مَا مِنْ مُصِيْبَةٍ نَكْبَةٍ أُرْمَى بِهَا ... إَلاّ تُشَرِّفُنِيْ وَتَرْفَعُ شَانِي وإَذَا سَأَلْتَ عَنِ الكِرَامِ وَجَدْتَنِيْ ... كَالشَّمْسِ لاَ تَخْفَى بِكُلِّ مَكَان ما رأيكم؟ هل هذا أفخر بيت قالته العرب .. أحسنت، أحسنت .. بالعكس .. الصحيح: يوجد بيت فيه من الفخر ما لا يمكن أن يصل إليه إنسان على الإطلاق. وهو بيت حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه، في قوله وهو يفتخر بانتمائه إلى الأنصار، فماذا يقول؟ وَيَوْمَ بَدْرٍ إِذْ يَرُدُّ وُجُوْهَهُمْ جِبْرِيْلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمَّدُ .. - صلى الله عليه وسلم -.

هل هناك فخر أكثر من هذا .. وَيَوْمَ بَدْرٍ إِذْ يَرُدُّ وُجُوْهَهُمْ جِبْرِيْلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمَّدُ .. - صلى الله عليه وسلم -. فهذا هو أفخر بيت قالته العرب. هذا أعرابي يسكن البادية، وكان أعرابي معتزا بانتسابه للعروبة، وكان يصهر إليه الخلفاء، وخطب إليه عبد الملك بن مروان لأحد أولاده. وطبعا كان الخلفاء بدأوا يتزوجون من نساء غير عربيات، فهذا الرجل الأعرابي لما خطب إليه أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ابنته لأحد أولاده قال له: جنبني هجناء ولدك يعني الذين أمهم غير عربية. فعال نفسه في غير كبر ولا عجب ولا غرور. وإذا عرف المرء قدر نفسه صانها عن الرذائل وحفظها من أن تهان، ونزهها عن دنايا الأمور وسفاسفها في السر والعلن، وجنبها مواطن الذل بأن يحملها ما لا تطيق أو يضعها فيما لا يليق بقدرها فتبقى نفسه في حصن حصين وعز منيع، لا تعط الدنية ولا ترضى بالنقص ولا تقنع بالدون. ألم تر إلى شرف نفس الكريم ابن الكريم ابن الكريم، ابن الكريم، نبي الله يوسف بن يعقوب بن اسحاق ابن إبراهيم، عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. حين دعا ربه فقال: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} (¬1) فهذا هو شرف النفس، ومعرفة قدر النفس. وذلك حينما قال: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}. ¬

_ (¬1) يوسف: 33.

حتى حينما جاءه رسول الملك فرد عليه وقال: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)} (¬1) يوسف: 50. ولا عجب فإن من لا يصبر فيما له ألا يصبر فيه. وهو الخروج من السجن. مع توفر الدواعي على الخروج منه، فأولى به أن يصبر فيما يجب عليه أن يصبر فيه من الهم بامرأة العزيز. قيل لرجل: لي حويجة. تصغير حاجة، حاجة بسيطة. كما أن كثيرا من الناس يأتي بدون فقه وبدون أدب مع العلماء الأفاضل الكبار، فيقول له: عند سؤال صغير. ليس من الأدب أن تقول له هذا، يعني أنا انتقيت لك الحاجة التافهة لاسألك فيها. قال له: لي حويجة. فقال له: اطلب لها رجيلا. على مقاسها. وقيل لآخر: جئناك في حاجة لا ترزؤك. يعني لن تصيبك في مالك ولا بشيء كثير يعني. فقال لهم: هلا طلبتم لها سفاسف الناس. وقيل لبعض العلماء: لي سؤال صغير. فقال: اطلب له رجلا صغيرا. ¬

_ (¬1) يوسف: 50.

ومن علو الهمة وشرف النفس ما روي عن قطب السخاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فقد سألته امرأة فأعطاها مالا عظيما، فقيل له: إنها لا تعرفك، وكان يرضيها اليسير، فقال: إن كان يرضيها اليسير، فأنا لا ارضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي. وسأله سائل بينا يهم لركوب ناقته، فنزل له عنها وعما فوقها، وكان عليها أربعة آلاف درهم وسيف من سيوف علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. وعن سعيد بن عبد العزيز أن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، سمع رجلا إلى جنبه يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف فبعث بها إليه .. وعن أبي سعيد عن شيخ له قال: رأيت ابن المبارك يعض يد خادم له. -الإمام الكبير عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى، يحكي هذا الشيخ أنه رآه يعاقب هذا الخادم ويعض يديه. فقلت له: تعض يد خادمك؟! قال: كم آمره ألا يعد الدراهم على السؤَّال؟ أقول له: احث لهم حثوا. -كثير جدا ما أمرته ألا يعد الدراهم لهم واحد اثنين ثلاثة .. وهكذا .. ولكن احث لهم حثوا. بيديه الاثنين يجمع المال ويعطي. فهو يعاتبه على ذلك، أو يعاقبه على ذلك بالعض يعني. يقول: رأيت ابن المبارك يعض يد خادم له. فقلت له: تعض يد خادمك؟! قال: كم آمره ألا يعد الدراهم على السؤَّال؟ -طالبي الصدقة- أقول له: احث لهم حثوا. من شرف النفس ومعرفة قدرها قول الأبي وردي:

رأت أميمة أقماري وناظرها يعوم في الدمع منهلا نوادره وما درت أن في أثنائها رجل ترخى على الأسد الضاري غدائره في ملتقى أولاده صيد حمر مناصله بيض عشائره إن رق بردي فليس السيف محت .. ابالغمد وهو موا .. الغرب ماكره وهمتي في ضمير الدهر كاملة وسوف يظهر ما تخفي ضمائره يقول الشافعي: علَيَّ ثياب لو يُباع جميعها ... بِفَلْسٍ لكان الفَلْس منهن أكثرا وفيهن نَفْسٌ لو يُقاس بمثلها ... نفوس الوَرَى كانت أجَلّ وأخطرا وما ضَرّ نَصْل السّيف إخلاق غِمده ... إذا كان عَضْبا حيث أنفذته بَرى يعني لو سيف حاد القطع، لكن موجود في غمد خلق قديم وبال، هل هذا يضر السيف؟ فنفس الشيء بالنسبة لملابس الإنسان، فالمهم ما هو بداخلها. هكذا يقول الشافعي .. هذا من الشافعي قطعا هو معرفة قدر النفس. ولذلك الشافعي له تعبيرات عجيبة جدا في هذه النواحي. مرة قال للشافعي: «ما رفعت أحد فوق قدره إلا نقص من قدري بمقدار ما رفعت من قدره». -الإنسان لابد أن يراعي منزلة كل إنسان وينزل كل إنسان منزلته. ما رفعت أحد فوق قدره إلا نقص من قدري بمقدار ما رفعت من قدره. يقول الشافعي رحمه الله: إذا المشكلات تصدين لي ... كشفت حقائقها بالنظر لسان كشقشقة الأرحمي ... أو كالحسام اليماني الذكر

ولست بإمعة في الرجال ... أسائل هذا وذا ما الخبر ولكنن مدره الأصغرين ... جلاب خير وفراج شر وقال رحمه الله تعالى: وفضيلة البنان يظهر سرها من حكه لا من ملاحة نقشه، ومن الغباوة أن تعظم جاهل لثقال ملبسه ورونق رقشه، أو أن تهين مهذبا في نفسه لدروس بذته ورثة فرشه. وقال أبو هلال العسكري رحمه الله: جلوسي في سوق أبيع وأشتري ... دليل على أن الأنام رقود ولا خير في قوم تذل كرامهم ... ويعظم فيهم نذلهم ويسود ويهجوهم عني رثاثة كسوتي ... هجاء قبيحا ما عليه مزيد مثلا بعض العلماء كره أن يتحول عن بلده مع إنه لا يحب الشهرة، كان يؤثر الخمول والانقباض عن الناس، لكن خشي أن يتحول عن بلده خشية أن يعامله من لا يعرف قدره بما لا يليق به. كان الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى شديد التواضع. يعني حتى إنه كان يقول –وقد كثر الناس حوله في مكة- فقال مرة: ضاعت الأمة حين احتيج إلي. -من شدة تواضعه- كان يقول أيضا: لو لم يأتني أصحاب الحديث لأتيتهم في بيوتهم. وكان يقول: لو أني أعلم أن أحدا يطلب الحديث بنية لأتيته في بيته حتى أحدثه. وكان لا يتصدر المجالس ولكنه كان يجلس بين عامة الناس، حتى قال علي بن ثابت: ما رأيت سفيان في صدر مجلس قط. كان يقعد من الحائط إلى جنب الحائط ويجمع بين ركبتيه. -فهذا الشخص الذي هو قمة في التواضع، يعني الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى، فكان شديد التواضع لكن في غير ذل، ولا استصغار.

كان يقول رحمه الله: أحب أن أكون في موضع لا أعرف ولا أستذل. يعني هم لأنهم بسبب أنهم لا يعرفونه ممكن أن يعامل بما لا يليق بقدره. وقال ابن مهدي: سمعت سفيان الثوري يقول: وددت أني أخذت نعلي هذه ثم جلست حيث شئت لا يعرفني أحد، ثم قال: بعد أن لا أستذل. يعني بشرط: ألا أستذل ولشدة حذره من الذلة كان يسكن بين معارفه من الناس الذين يعرفون قدره، قال رحمه الله: لولا أن أستذل لسكنت بين قوم لا يعرفونني. ولما قدم المدينة الخليفة المهدي أقبل الناس عليه مسلمين، فلما أخذوا مجالسهم جاء مالك –بعدما جلس الناس في المقاعد أو في الأماكن- فقالوا: اليوم يجلس مالك آخر الناس-الإمام مالك جاء متأخرا عن باقي الناس- فلما دنا ورأى زحام الناس وقف. فأبى الإمام مالك أن يجلس فيما لا يليق بقدره. فهذا ليس غرورا معرفة قدر النفس. فلما رأى ازدحام الناس وقف وقال: يا أمير المؤمنين، أين يجلس شيخك مالك؟ فناداه المهدي: عندي يا أبا عبد الله. فتخطى الناس حتى وصل إليه، فرفع المهدي ركبته اليمنى وأجلسه بجانبه. بهذه العزة أجاب العالم الضرير المحدث معاوية محمد بن هارون الرشيد لما صب الماء على يديه. -يعني الخليفة هارون الرشيد صب الماء على يدي معاوية. وبعدما فرغ أخبره بأنه هو الذي صب الماء على يديه، فبماذا رد هذا الإمام؟ قال: إنما أكرمت العلم يا أمير المؤمنين.

الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى عزل نفسه عن القضاء بعض المرات ثم طلب ليولى، وقام السلطان الملك المنصور .. له واقفا لم أقبل. فيترك لهم القضاء ويعتزل، فكان السلطان يترجاه أن يعود ثانية للقضاء. فكان قادما ليولى من جديد فالسلطان بمجرد أن رآه من بعيد قام واقفا احتراما للإمام .. السلطان المنصور .. وقف لما أقبل فصار يمشي قليلا قليلا -تعمد ابن دقيق العيد أن يمشي بماذا؟ ببطء حتى يطيل وقوف الملك. فصار يمشي قليلا قليلا .. وهم يقولون له: السلطان واقف. وهو يقول: أديني بمشي. لأنه مصري، الإمام .. مصري، فكان يقول: أديني بمشي. وجلس معه على الجوخ حتى لا يجلس دونه، يعني جلس بجواره حتى لا يجلس دونه، وقبل السلطان يده فقال: ابن دقيق العيد: تنتفع بهذا. أيضا من أعظم ما يحمد لمكارم الأخلاق، يعني يقول ابن حزم: التي لم نسمع لها أختا. أن أبي غالب تمام ابن غالب التيمي، ألف كتابا في اللغة يسمى تلقيح العين فوجه إليه أبو الجيش .. صاحب .. أندلسية ومركوبا وأكسية، على أن يزيد في ترجمة الكتاب. يعني يكتب اسم الكتاب وهو (تنقيح العين) ويضيف هكذا على الغلاف أنه مما ألفه أبو غالب لأبي الجيش مجاهد.

مما ألفه المؤلف نفسه لأبي الجيش مجاهد. فرد الدنانير وغيرها .. رجع له كل الهدايا التي أرسلها، وقال: كتاب ألفته لينتفع به الناس وأخلد فيه همتي أجعل في صدره اسم غيري وأصرف الفخر له، والله لو بذل لي الدنيا على ذلك ما فعلت ولا استجزت الكذب. لأني لم أجمعه له خاصة بل لكل طالب. يقول ابن حزم: فاعجب لهمة هذا الرئيس وعلوها واعجب لنفس هذا العالم ونزاهتها. الحقيقة النماذج كثيرة جدا، من هذه النماذج مثلا: الإمام البخاري رحمه الله تعالى لما ترك البلد وكان سر ذلك أن خالد بن أحمد خليفة ابن طاهر سأله أن يحضر منزله فيقرأ التاريخ والجامع على أولاده، فامتنع الإمام البخاري من ذلك، وقال: لا يسعني أن أخص بالسماع قوما دون قوم آخرين. فاستعان خالد بحريث بن أبي الورقاء وغيره من أهل بخارى، حتى تكلموا في مذهبه فنفاه عن البلد فدعا عليه. من ذلك أيضا ما جاء في ترجمة الخطيب البغدادي: أنه دخل علي بعض العلوية، وفي كمي الدنانير –في جيبه دنانير- وقال للخطيب: فلان يسلم عليك ويقول لك: اصرف هذا في بعض مهماتك، فقال الخطيب: لا حاجة لي فيه وقطب وجهه، فقال العلوي: كأنك تستقله؟ ونفض الجيب أو الكم. ونفض كمه على سجادة الخطيب، وطرح وكأنه يقول له: أتحسب أن ما أعطيه لك قليل. وأخرج له الدنانير الذهبية على الحصيرة التي يجلس عليها، وقال له: هذه ثلاثمائة دينار. فقام الخطيب محمرا وجهه وأخذ السجادة وصب الدنانير على الأرض وخرج من المسجد. فقال أحد تلامذة الخطيب: ما أنسى عز خروج الخطيب وذل ذلك العلوي. وهو قاعد على الأرض يلتقط الدنانير من شقوق الحصير ويجمعها.

يقول القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجورجاني: يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا رجلا عن موقف الذل أحجم أرى الناس من داماهمو هان عندهم ومن أكرمته عزة النفس أكرم، ولم أقض حق العلم إن كان كلما بدا طمع، صيرته لي سلما، وما زلت منحازا بعرضي جانبا من الذل أعتد الصيانة مغنما وما كل برق لاح لي يستفزني ولا كل من في الأرض أرباب منعم. إذا قيلَ: هذا مَنهلٌ قلتُ: قد أَرى ... ولكنَّ نَفْسَ الحُرِّ تحتملُ الظَّما ولم أبتذِل في خدمةِ العلم مُهجَتي ... لأَخدِمَ من لاقيتُ لكن لأُخدما أَأَشقى به غَرْساً وأجنيهِ ذِلَّة؟! ... إذاً فاتِّباعُ الجهلِ قد كان أحزَما ولو أنَّ أهلَ العِلمِ صانوه صانَهم ... ولو عظَّموهُ في النُّفوسِ تَعَظَّما ولكن أذلوه فهانَ ودنّسوا ... مُحيّاهُ بالأطماعِ حتى تَجهَّما وكان عطاء بن أبي رباح عبدا أسودا لامرأة من أهل مكة، وكان أنفه كأنه باقلاء. -نبات كالبازلاء أو شيء كهذا. وجاء سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وابناه، فجلسوا إليه وهو يصلي، فلما صلى انفتل إليهم فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج، وقد حول قفاه إليهم. -هم يسألون وهو يجيبهم وقد أعطاهم يعني ظهره. ثم قال سليمان لابنيه بعدما أخذا الفتاوى: قوما، فقاما. فقال: يا ابني لا تنيا –لا تكسلا- بالعلم فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود. الإمام العز الدين بن عبد السلام كان إذ قرأ القارئ عليه كتاب وانتهى إلى آخر باب من أبوابه لا يقف عليه، بل يأمره أن يقرأ من الباب الذي بعده، ولو سطرا. ويقول: لا أشتهي أن أكون ممن يقف على الأبواب.

عالم آخر يشمت على الفقر والسؤال حتى لو فيه نيل العمياء، فينهى عن السؤال ومد اليد ولو للعمياء. فمد اليد من العالم ذلة وانكسار نفس. والعالم داعية الحق، فكسر نفسه بالسؤال إضعاف للحق الذي يدعو إليه. يقول ذلك الفقير الشامخ الأبي: لا تمدن للعلياء منك يدا، حتى تقول لك العلياء: هات يدك. وأنفذ الخليفة بمائة دينار إلى عالم، وقال لغلامه: إن قبل منك ذلك فأنت حر. فحمل إليه فلم يقبل، فقال: اقبل ففيه عتقي. فقال: إن كان فيه عتقك ففيه رقي. تلا الشيخ سعيد الحلبي عالم الشام في عصره، كان في درسه مادا رجليه، فدخل عليه .. الشام إبراهيم باشا بن محمد علي صاحب مصر فلم يتحرك له ولم يقبض رجليه ولم يبدل قعدته فتألم الباشا، ولكنه كتم ألمه ولما خرج بعث إليه بصرة فيها ألف ليرة، فردها الشيخ وقال للرسول الذي جاءه بها: قل للباشا: إن الذي يمد رجليه لا يمد يده. أما في الصغار: علامات شرف النفس ومعرفة قدرها، حتى في الصغار. فقال وهو يجود بنفسه لابنه عبيد الله: ألا أوصي بك الأمير زيادا؟ يقول لابنه وهو يموت، وابنه صغير، يقول له: ألا أوصي بك الأمير زيادا؟ فقال: يا أبت إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت. إذا كان الحي من غير الميت ليس له أي قيمة فكأنه ميت هو أيضا. إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت فالحي هو الميت. وقال الشاعر في نحوه: إذا ما الحي عاش بعظم ميت فذاك العظم حي وهو ميت

وقال معاوية لعمرو بن سعيد وهو صبي: إلى من أوصى بك أبوك؟ -يعني قبل أن يموت. قال: إن أبي أوصى إلي ولم يوص بي. قال: وبما أوصى إليك؟ قال: ألا يفقد إخوانه منه إلا وجهه. -يعني يحسن إلى إخوان أبيه كما كان أبوه يحسن إليهم. وكان الشيخ عبد الوهاب الفارسي رحمه الله يسير يوما برفقة صديقه الشيخ محمد الجراح فصدمتهما سيارة، فسقط في حفرة وجرح. ولما علم أن السائق كان سكرانا صفح عنه وامتنع من مقاضاته. أنفة من أن يقف في موقف واحد مع سكران. لأنه لو قاضوه سيقتضي الأمر أن يقف في صف واحد مع هذا الرجل، فأنفة من أن يستوي في مثل هذا الموقف مع واحد سكران، تنازل عن حقه. إذاً هذه إشارة لنجدد العهد بهذا المعنى، معرفة قدر النفس. الشاهد هنا من قول أمير المؤمنين لابن عباس: .. لما قال: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين. قال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك. فأجابه. على هذا السنن صار ابن عباس منذ طفولته غير مبال بتثبيط من هو أقصر منه همة. قال رضي الله عنه: لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت لرجل من الأنصار: .. -يعني هو صبي وهذا رجل كبير. فقال: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم اليوم كثير.

-إن سكتنا كما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالصحابة أيضا سيموتون أو يتفرقون في البلاد، فيقول له: تعالى نلحق الصحابة موجودين كثير .. هيا نسألهم ونتعلم منهم الحديث أو العلم. فقال: واعجبا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس أصحاب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فيهم. -الناس تنتظرك أنت من أجل أن تتعلم؟! فتركت ذاك. -أعرض عن هذا المثبط. قال: فتركت ذاك وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل –وقت القيلولة نائم- فأتوسد ردائي على بابه، يسف الريح علي من التراب. فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك. فأسأله عن الحديث. فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني. فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني. فحيا هلا إن كنت ذا همة فقد حذا بك حاذ الشوق فاطو المراحل. ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ودعه فإن العزم يكفيك حاملا

كان ابن شهاب رحمه الله تعالى يشجع الأولاد الصغار، ويقول لهم: لا تحتقروا أنفسكم لحداثة سنكم. فإن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان إذا بدا به الأمر دعا الفتيان –الشباب- فاستشارهم يتبع حدة عقلهم. من أسباب معالجة الهمة، دائما من يكبر في السن تضعف همته. فهو كان يعلي هذا بأن يكثر الجلوس إلى الشباب واستشارتهم حتى تنتقل العدوى، ينتقل حماس الشباب إلى الشيوخ بالعدوى. هناك عدوى نفسية. كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان يتبع حدة عقولهم. - ليعالج الهدوء الذي يحصل عند الشيوخ. وكان الخليفة هارون الرشيد رحمه الله تعالى، يغدق العطايا والصلات لطلبة العلم والعلماء حتى قال ابن المبارك: فما رأيت عالما ولا قارئا للقرآن ولا سابقا للخيرات ولا حافظا للمحرمات في أيام بعد أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأيام الخلفاء والصحابة أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه. -بسبب تشجيعه لأهل العلم. لقد كان الغلام يجمع القرآن وهو ابن ثمان سنين .. –يحفظ القرآن كله وابن ثمان سنين. ولقد كان الغلام يستبحر العلم والفقه ويروي الحديث ويجمع الدواوين ويناظر المعلمين وهو ابن إحدى عشر سنة. ولقد بلغ حب بعض الأمراء للعلم والعلماء إلى الحد الذي جعله يعتبر العلماء في رعايته الخاصة. من هؤلاء الأمراء المعز بن .. أحد أمراء دولة الصنهجيين في المغرب الإسلامي.

كان لا يسمع بعالم جليل، إلا أحضره إلى حضرته. وجعله من خاصته وبالغ في إكرامه وعول على أعرائه ومنحه أسمى الرواتب. كذلك فعل الخليفة الموحلي الثالث .. المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الذي أنشأ بيت الطلبة وأشرف عليه بنفسه. وعندما بلغه حسد بعض حاشيته على موضع الطلبة النابغين عنده، فزع منهم وخاطبهم قائلا: يا معشر الموحدين أنتم قبائل فمن نابه منكم أمر فزع إلى قبيلته وهؤلاء الطلبة لا قبيلة لهم إلا أنا فمهما نابهم من أمر فأنا ملجأهم إلي فزعهم وإلي ينسبون. بلغت عناية المنصور بالطبيب أبي بكر بن زهر، حدا عجيبا، فقد كان أبو بكر يقيم عند الخليفة مددا طويلة، ولا يرخص له بالسفر إلى أهله. حتى قال شعرا في شوقه إلى ولده الصغير. فلما سمع المنصور هذا الشعر. أرسل المهندسين إلى أشبيلية -في الأندلس- وأمرهم .. - هذا الأمير كان في مراقش، فأرسل المهندسين إلى وطن هذا الطبيب العالم أبي بكر بدون أن يشعر، بعث المهندسين إلى أشبيلية. وأمرهم بدراسة بيت أبي بكر وحارته وتشييد مثله في مراكش، ففعلوا ما أمرهم. -بنوا له المكان مثل المكان بالضبط ويبدو أنهم بنوا له أيضا الحارة على نفس النمط. ونقلوا عيال أبي بكر إليه. -فكانت نفس الحارة، المهندسين عملوا مثلها، والبيت الذي يسكن فيه بالضبط مثله، وأحضروا أهله وأولاده ووضعوهم في البيت. فلما رآها أبو زهر اندهش وحصل عنده من السرور ما لا مزيد عنه ولا يستطيع التعبير عنه.

فهل سمع بمثل هذا في إكرام العلم والعلماء؟ وفي القرن، قامت محاولة ناجحة في عهد الخلافة العثمانية لتشجيع النابغين من جميع الأمصار والقرى وتوفير الرعاية التي جعلت كل نابغة يعطي ما عنده من علم وفن. مما ساعد على ازدهار الدولة العثمانية حضاريا وعسكريا حتى باتت تهدد بغزو أوروبا. -فعملية .. بالذات النابهين الذين هم المتفوقين والنوابغ والعباقرة. هذا كانت في القرن السادس عشر الدولة العثمانية. رعاية النابغين أهملت في أوروبا وأمريكا حتى بداية القرن العشرين. لأن هذه المجتمعات في الغرب كانت تسيء فهم النابغين، لأن كان هناك كتاب لواحد اسمه نمروزوا، ألف كتابا اسمه ( Genius men) يعني الرجل العبقري. فكان يتكلم عن العباقرة الذين هم مجانين. وهناك كتاب ثاني اسمه ( Mad genius) يعني جنون العبقرية، لواحد اسمه ليسوار. نشر الكتابان في لندن ونيويورك في أواخر القرن التاسع عشر، وأثبتا فيهم العلاقة الوثيقة بين العبقرية والجنون، وقدما البراهين على أن النابغين مجانين. -هم العباقرة لهم بعض المشاكل النفسية، يكون لهم حاجات غريبة هكذا .. لكن التعميم هنا خطأ، ليس كل عبقري، هناك ملامح هكذا يعني .. ثم بدأت الفكرة العامة للنابغين تتحسن بعدما نُشر كتاب ( instructs the child genius) يعني الطفل النابغة يرشد، سنة 1947. أراد أن يمحو الفكرة القديمة على جنون العبقرية وقدم البرهين على أن الأطفال الأذكياء أصحاء نفسيا وجسميا واجتماعيا. فبدأ يتكون رأي عام يحترم النابغين، ولا يصفهم بالجنون.

حتى منتصف القرن العشرين، كان الأمريكيون يعتبرون رعاية النابغين ترفا تربويا ولم يبذلوا جهودا جادة في الكشف عنهم إلا بعد أن أطلق الروس أول مركبة فضائية سنة 1957م. فطبعا الأمريكان ذهلوا من هذه المفاجأة وشعروا بتخلفهم بالنسبة للروس في هذا الموضوع، فشعروا بالخطر من تفوق الروس عليهم، فاتجهوا إلى رعاية النابغين واعتبروها مسألة حياة أو موت، وجندوا علماء التربية وعلم النفس والاجتماع وعقدوا المؤتمرات والندوات لتخطيط وتنظيم رعاية فئات النابغين وتشجيعها على إظهار نبوغها في جميع المجالات وأنشأت كل ولاية العديد من المعاهد والفصول المتخصصة في رعاية النابغين في جميع المجالات، حتى بلغ عدد المعاهد حوالي سبعمائة معهد تشرف عليها حوالي ثلاثمائة جامعة في أمريكا. كما أسهمت المؤسسات التجارية والصناعية والعلمية في تمويل برامج الكشف عن النابغين ورعايتهم. -طبعا الآن موضوع النابغين ورعاية النابغين علم مستقل وفيه مؤلفات مصنفة فقط لرعاية النابغين، لأنهم أيضا يكون لهم معاناة اجتماعية من نوع خاص، يشعرون بالإحباط دائما لأن البعد شاسع بينهم وبين الناس دونهم. يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى: قرأت مرة أن مجلة انكليزية كبيرة سألت الأدباء على الأمر الذي يتوقف عليه نمو العلوم وازدهار الآداب. وجعلت لمن يحسن الجواب جائزة قيمة، فكانت الجائزة لكاتبة مشهورة، قالت: إنه التشجيع. -التشجيع، السؤال كان ماذا؟ ما هو الأمر الذي يتوقف عليه نمو العلوم وازدهار الآداب؟ فكانت أحسن إجابة قالتها هذه الأديبة، قالت: إنها التشجيع.

وقالت: إنها في تلك السن بعد تلك الشهرة والمكانة تدفعها كلمة التشجيع حتى تمضي إلى الأمام وتقعد بها كلمة التثبيط عن المسير. ذكر الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى أثر التثبيط في خنق المواهب وحرمان الأمة من عبقرية أصحابها وإبداعهم. -طبعا قبل أن نبعد عن موضوع أمريكا، طبعا الذهاب إلى أمريكا التي تعتبر أصعب بلد أو من البلاد التي يصعب جدا الحصول على تأشيرة دخول فيها، لكن إذا كان القادمين إليها نوابغ فالأمريكان هم الذين يلحون عليهم ويسهلون لهم جميع الأمور، خاصة لو واحد متخصص في العلوم النووية أو الطبية أو أي نوع من العلوم الحديثة المؤثرة فطبعا يهتمون جدا بالنوابغ. وهناك لو واحد مثلا أنهى دراسته ويريد أن يرجع، يظلوا يغرونه إغراءات شديدة جدا حتى يبقى، كل أنواع الامتيازات ببذخ شديد ينفقون عليهم حتى يرضوا بالبقاء هناك. فهي قائمة على استنزاف أو سرقة العقول المهاجرة وبالذات من العالم الإسلامي. لماذا؟ لأنهم قدروا قيمة هذا الأمر، وهو التشجيع ورعاية هؤلاء المتميزين. الشيخ علي الطنطاوي يقول .. هو كان هناك عائلات معينة في الشام تحتكر الوظائف العلمية. وكان أعضاء هذه العائلات يخافون جدا من أن يتفوق أي أحد في العلوم الشرعية فيتحول احتكار المناصب العلمية إلى غيرهم. فيقول الشيخ: إن الشيخ محمد أمين بن عابدين، لما نشأ وعجز المثبطون منه الميل إلى العلم. -المثبطون الذين ينتمون لهذه العائلات التي تحتكر المناصب العلمية، فشعروا أن هذا الفتى نابغة ويحب العلم جدا ومتفوق.

أعداء النجاح. وعرفوا فيه الذكاء المتوقد والعقل الراجح، خافوا منه. -خافوا منه في المستقبل أنه هو الذي ينبغ يعني. فذهبوا يقنعون أباه وكان أبوه امرء تاجرا .. - فقالوا له: ابنك هذا سيضيع مستقبله في العلم، فليكن امتدادا لك في التجارة ويكسب أموالا وهكذا .. حتى يبعدونه عن طريق المزاحمة في العلم. فكان أبوه امرء تاجرا ليسلك به طريق التجارة، .. في العلم. فجعلوا يراسلونه ويرسلون إليه الرسل ويكتبون إليه الكتب. ويستعينون عليه بأصحابه وخلصائه، ولكن الله أراد بالمسلمين خيرا، فثبت الوالد فكان من هذا، الولد المبارك ابن عابدين صاحب الحاشية. -أوسع كتاب في فروع الفقه الحنفي. يقول: بل أرادوا أن يصرفوا أستاذنا العلامة محمد بن كرد علي .. -العلامة الكبير رحمه الله تعالى. عن العلم فبعثوا إليه بشقيقين من آل ( .. ) .. -والشيخ يضع نقاط حتى لا يسمهم. يقول: .. بشقيقين قد ماتا، فلست أسميهما على الرغم من أنهما قطعا عن العلم أكثر من أربعين طالبا. -نجحوا في تثبيط أكثر من أربعين طالبا من طلاب العلم حتى ينصرفوا عن طلب العلم حتى لا يزاحموهم في المناصب العلمية.

فما زالا بأبيه -والد محمد كرد علي- ولم يكن أبوه من أهل العلم، فلم يزالا بأبيه ينصحانه أن يقطعه عن العلم ويعلمه مهنة يتكسب بها، فما في العلم نفع ولا منه فائدة. ويلحان عليه و .. حتى ضجر فصرفهما، فكان من ولده هذا الأستاذ كرد علي أبو النهضة الفكرية في الشام وقائده ووزير معارف سورية الأسبق ومفخرتها، والذي من مصنفاته خطط الشام وغرائب الغرب والقديم والحديث والمحاضرات وغائب الأندلس وحاضرها والإدارة الإسلامية والإسلام والحضارة العربية والمقتبس. ومن مصنفاته المجمع العلمي العربي بدمشق، ومن مصنفاته الشعراء والكتاب من الشباب. ولعل في الناس كثيرين كانوا لولا الإحتكار والتثبيط كابن عابدين وكردي علي، وهذا هو العلامة الشيخ سليم البخاري رحمه الله تعالى فما له مصنف رسالة فما فوقها، على جلالة قدره وكثرة علمه وقوة قلمه وشدة بيانه. -لم يترك رسالة واحدة ولا أي مؤلف. وسبب ذلك أنه صنف لأول عهده بالطلب رسالة صغيرة في المنطق كتبها بلغة سهلة عذبة، تنفي عن هذا العلم تعقيد العبارة وصعوبة الفهم وعرضها على شيخه فسخر منه وأنبه، وقال له: أيها المغرور، أبلغ من قدرك أن تصنف وأنت .. وأنت .. وأنت .. ثم أخذ الرسالة فسجر بها المدفأة. -حرقها في المدفأة. فكانت هي أول مصنفات العلامة البخاري وآخرها. -وقصة الشيخ الألباني معروفة جدا في سبب تأليف كتاب (تحذير الساجد) لما الشيخ احتقره جدا، ولكن الشيخ تفاعل بطريقة إيجابية جدا وتحدى، وظل يضيف إلى الكتاب حتى خرج كتابه الرائع: (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد).

يقول العلامة علي الطنطاوي، العلامة الأديب رحمه الله: وأول من سن سنة التشجيع في بلدنا هو العلامة مرب الجيل الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله تعالى، الفيلسوف المؤرخ الجدلي الذي من آثاره: (المدارس الابتدائية النظامية في الشام). -طالب كان له شخصية مميزة جدا، تكلمنا عنه من قبل؟، جئنا بسيرته في أثناء دروس (رجل لكل العصور). فما كانت علاقته بابن تميمة؟ ماذا فعل مع شيخ الإسلام؟ ماذا كان يفعل من أجل أن ينشر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية؟ يشتريها غالية جدا، ثم يعطيها لمحلات الكتب بسعر رخيص جدا حتى يسهل انتشارها بين الناس. فكان له دورا كبيرا جدا في نشر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. يقول: كان هذا أول من سن سنة التشجيع في بلدنا. -وهو العلامة طاهر الجزائري رحمه الله. ما هي آثار طاهر الجزائري؟ هو الذي عمل المدارس الابتدائية النظامية في الشام، والمكتبة الظاهرية. والأستاذ محمد علي كرد علي بك من تلامذته، وخالي الشيخ محب الدين الخطيب -خال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله-. هذا أيضا من آثار وبركات الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله. مما كتب في ذم التثبيط .. -طاهر الجزائري يذم عملية التثبيط أعداء النجاح.

يقول: وقد عجبت من أولئك الذين يسعون في تثبيط الهمم في هذا الوقت الذي يتنبه فيه الغافل. وكان الأجدر بهم أن يشفقوا على أنفسهم ويشتغلوا بما يعود عليهم وعلى غيرهم بالنفع، ولا يرى أحد من المثبطين قديما أو حديثا أتى بأمر مهم، فينبغي للجرائد الكبيرة أن تكثر من التنبيه على خطر هذه العادة والتحذير منها ليخلص منها من لم .. وينتبه الناس لأربابها، ليخلصوا من ضررهم. كان الشيخ في حياته يشجع كل عامل ولا يثني أحد عن غاية صالحة، حتى لقد أخبرني أحد المقربين منه أنه قال له .. -الشيخ طاهر الجزائري قال له: إذا جاءك من يريد تعلم النحو في ثلاثة أيام فلا تقل له أن هذا غير ممكن، فتفل عزيمته وتكسر همته، ولكن أقبله وحبب إليه النحو فلعله إذا أنس به واظب على قراءته. فهنا نرى يعني هذا النموذج الرائع من الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله تعالى. يقول للمربي أو للمعلم: إذا جاءك من يريد تعلم النحو في ثلاثة أيام .. فلو واحد لا يفهم في التربية ماذا سيقول له؟ أي ثلاثة ايام، إن أقل شيء ثلاث سنوات. إلى آخره. هو يقول: لا، بمجرد أن لديه روح المبادرة والحرص على التعلم فلا تقل له: لا، لا يكفي، ولكن ابتدأ في تعليمه. إذا جاءك من يريد تعلم النحو في ثلاثة أيام فلا تقل له أن هذا غير ممكن، فتفل عزيمته وتكسر همته، ولكن أقبله وحبب إليه النحو فلعله إذا أنس به واظب على قراءته.

-هكذا يكون التشجيع، بخلاف طبعا سلوك بعض المربين أو المدرسين، مثلا: إن الطفل يأتي للمدرس وقد رسم شيئا معينا أو كتب شيئا معينا، أحدهم يفعل أي شيء ويقول: شعر. فإذا به يرمي له به، ويقول له: ما هذا الكذا الذي عملته؟ ويرمي الكراسة أو يمزقها أو يسخر منه. فطبعا هذا يدرج في أعداء النجاح، لكن الصحيح إننا لابد من التشجيع والتقبل على ما في انجازه من عيوب، لأن البدايات دائما تكون ضعيفة لكنه ينمو مع الوقت. يقول: أيضا التشجيع هو كما لو أنك تمشي في طريق مظلم أو في مكان مظلم وتريد أن تكتشف معالمه، فالتشجيع مثل الضوء أو المصباح الذي نستعمله لتكتشف المواهب المخبوءة. المواهب المكنوزة المخبوءة. فالتشجيع يفتح الطريق للعبقرية المخبوءة حتى تظهر وتثمر ثمرها وتؤتي أكلها. ورب ولد من أولاد الصناع أو التجار يكون إذا شجع وأخذ بيده عالما من أساتذة العلماء أو أديبا من أعاظم الأدباء. في علماء القرن الماضي في الشام، من ارتقى بالجد والدأب والتشجيع من منوال الحياكة إلى منصب الأستاذ وكرسي التدريس تحت القبة .. هذا يذكرنا باثنين من الأقباط في مصر، كانا في تاريخ الحملة الفرنسية تقريبا، الاثنين أسلما وأحدهما صار مفتيا ثم شيخا للأزهر، والآخر صار شيخا للأزهر. اثنان من الأقباط. -والشيخ محمد نجيب المطيعي رحمه الله تعالى العلامة الفقيه الكبير المحدث الشافعي، صاحب تكملة المجموع، أيضا رأس .. كان قبطيا وأسلم، وسبب هدايته للإسلام مكتبة أبيه، لأن أباه كان عنده

مكتبة ضخمة جدا، وكان مما تحتويه الكتب الإسلامية، فهو اهتدى على يد هذه الكتب التي كانت في بيت أبيه. ورغم أن أباه كان من أهل الثراء والجاه من أهل الصعيد، لكنه ووجه بحرب شديدة جدا لما أسلم وطرد من البيت، ورجل عصامي بمعنى الكلمة. ومن يذكر الشيخ المطيعي رحمه الله تعالى كان مميزا جدا .. أولا كان في لغته قمة في الفصاحة، قمة في الفصاحة، وكان له دروس كثيرة وله تلامذة كثر يعني في العالم كله، رحمه الله تعالى. فالشاهد إن الإسلام المفروض أنه يعطي كل الناس الفرصة، فتخيل اثنان من الأقباط يرتقيان في العلم بالإسلام إلى الحد الذي يجعل كلا منهما شيخا للأزهر في الوقعت الذي كانت مشيخة الأزهر هذه، يعني حاجة، قمة القمم في العلم. رحم الله هذه الأيام. يحكي هنا عن واحد كان خياطا، اسمه محمد إسماعيل. يقول: نشأ هذا الشيخ الحائك عاميا لكنه محب للعلم .. محب للعلماء فكان يحضر مجالسهم ويجلس في حلقهم للتبرك والسماع، وكان يواظب على الدرس، لا يفوته الجلوس في الصف الأول. فجعل الشيخ يؤنسه .. -العالم الكبير الذي كان يعطي الدرس كان يتلطف به ويؤنسه. يؤنسه ويلطف به، لمايرى من دوامه وتبكيره ويسأل عنه إذا غاب، فشد ذلك من عزمه، واشترى الكتب يحيي ليله باستعادة الدرس واستعان على ذلك بالنابهين من الطلبة، واستمر على ذلك دهرا حتى أتقن علوم الآلة ..

- (اللغة والنحو الصرف والبيان وأصول الفقه ومصطلح الحديث .. إلى غير ذلك، كل علوم الآلة). وصار واحد زمنه في الفقه والأصول، وهو عاكف على مهنته لم يتركها وصار الناس يأتونه في محله يسألونه عن مشكلات المسائل وعويصات الوقائع، فيجيبهم بما يعجز عنه فحولة العلماء، وانقطع الناس عن المفتي من آل العمادي. -الناس بدأت تترك المفتي الرسمي وتذهب لهذا الشيخ، فساء ذلك العماديين وآلمهم فتربصوا بالشيخ وأضمروا له الشر، ولكنهم لم يجدوا له سبيلا، فقد كان يحيا من عمله ويحيا الناس من علمه. كان يمر كل يوم بدار العماديين بقيمورية، وهو على إتان -حمارة- له بيضاء. فيسلم .. السلام .. فمر يوما كما كان يمر، فوجد على الباب أخا للمفتي فرد عليه السلام، وقال له ساخرا: إلى أين يا شيخ، أذاهب أن إلى استانبول لتأتي بولاية الإفتاء، وضحك وضحك من حوله. -يسخرون منه، أين تذهب يا شيخ؟ أتذهب إلى استانبول عاصمة الخلافة، أتذهب لتجيء من هناك منشورا بأن تكون أنت المفتي في البلد، وهذا كان أخو المفتي العمادي. يقول: إلى أين يا شيخ؟ أذاهب أنت إلى استانبول لتجيء أما الشيخ فلم يزد على أن قال له: إن شاء الله. وصار في طريقه، حتى إذا ابتعد عنهم دار في الأزقة حتى عاد إلى داره، فودع أهله وأعطاهم نفقاتهم، وسافر، وما زال يفارق بلدا ويستقبل بلدا حتى دخل القسطنطينية فنزل في دار قريب من دار المشيخة -وهو شيخ الإسلام العثماني- وكان يجلس على الباب يطالع في كتاب أو يكتب في صحيفة، فيعرف الناس من زيه أنه عربي فيحترمونه ويجلونه ولم يكن الترك قد جنوا الجنة الكبرى بعد. -القوميات، وهذا الكلام الذي يضيع كثيرا.

فكانوا يعظمون العربي لأنه من أمة الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - الذي اهتدوا به وصاروا به وبقومه ناسا. واتصلت أسباب الشيخ بأسباب طائفة منهم، فكانوا يجلسون معه يحدثونه، فقال رجل منهم: إن السلطان سأل المشيخة عن قضية حيرت علماءها ولم يجدوا لها جوابا، والسلطان يستحثهم وهم حائرون، فهل لك في أن تراها لعل الله يفتح عليك بالجواب؟ فقال: نعم. فقال: سر معي إلى المشيخة. قال: باسم الله ودخلوا على ناموس المشيخة (السكرتير). فسأله الشيخ اسماعيل عن المسألة، فرفع بصره فقلب بصره فيه بازدراء، ولم تكن هيئة الشيخ بالتي ترضي، ثم ألقاها إليه وانصرف إلى عمله، فأخذ الشيخ نظارته فوضعها على عينه فقرأ المسألة، ثم أخرج من منطقته -هذه الدواة النحاسية الطويلة التي كان يستعملها العلماء وطلبة العلم للكتابة وللدفاع عن النفس- فاستخرج منها قصبة فبراها، وأخذ المقطع فقطعها، وجلس يكتب الجواب بخط نسخي جميل. حتى سود عشر صفحات ما رجع في كلمة منها إلى كتاب. ودفعها إلى الناموس ودفع إليه عنوان منزله وذهب، فلما حملها الناموس إلى شيخ الإسلام وقرأها، كاد يقضي أن يموت دهشة وسرورا، وقال له: ويحك، من كتب هذا الجواب؟ قال: شيخ شامي من صفته كيت وكيت. قال: علي به. فدعوه، وجعلوا يعلمونه كيف يسلم على شيخ الإسلام.

-الأتراك إذاً في الاهتمام بهذه المظاهر وإقامة الرسول والصور وكيف يسلم وينحني ويعمل، يعني كانوا يشغلون أنفسهم جدا بهذه الأشياء. فدعوه وجعلوا يعلمونه كيف يسلم على شيخ الإسلام، وأن عليه أن يشير بالتحية واضعا يده على صدره منحنيا ثم يمشي متباطئا حتى يقوم بين يديه إلى غير ذلك من هذه الأعمال الطويلة، التي نسيها الشيخ ولم يحفظ منها شيئا. ودخل على شيخ الإسلام فقال له: السلام عليكم ورحمة الله، وذهب فجلس في أقرب المجالس إليه، وعجب الحاضرون من عمله، لكن شيخ الإسلام سر بهذه التحية الإسلامية، وأقبل عليه يسأله: حتى قال له: سلني حاجتك؟ فقال: إفتاء الشام وتدريس القبة. -أي يدرس في مسجد القبة ويكون مفتيا للشام. وهو الشيء الذي كان العماديين يسخرون منه. قال: إفتاء الشام وتدريس القبة. قال: هما لك، فاغد علي غدا. فلما كان من الغد ذهب إليه فأعطاه فرمان التولية وكيسا فيه ألف دينار. وعاد الشيخ إلى دمشق فركب أتانه ودار حتى مر بدار العماديين .. -وهو راجع بالحمارة البيضاء -الإتان- فمر على نفس مكان العماديين .. فإذا صاحبنا على الباب فسخر منه كما سخر، وقال: من أين يا شيخ؟ فقال الشيخ: من هنا، من استانبول، أتيت بتولية الافتاء كما أمرتني. ثم ذهب إلى القصر الوالي بالفرمان وسلم الشيخ عمله في حفلة حافلة. همم الرجال إذا مضت لم يثنها خ ..

من .. الشيخ علي كسبر، وقد كان خياطا في سوق الاسكية على باب الجامع الأموي، فكان إذا فرغ من عمله ذهب فجلس في الحلقة التي تحت القبة فاستمع إلى الشيخ حتى يقوم فيلحق به فيخدمه، وكان الشيخ يعطف عليه لما يرى من خدمته إياه فيشجعه ويحثه على القراءة. فقرأ ودأب على المطالعة حتى صار يقرأ بين يدي الشيخ في الحلقة، ولبث على ذلك أمدا، وهو لا يفارق دكانه ولا يدع عمله حتى صار مقدما في كافة العلوم فلما مات الشيخ حضر في الحلقة الوالي والأعيان والكبراء ليحضروا أول درس للمدرس الجديد، فافتقدوا المع .. فلم يجدوه، ففتشوا عليه فإذا هو في دكانه يخيط، فجاءوا به، فقرأ الدرس وشرحه شرحا أعجب به الحاضرون وطربوا له، فعين مدرسا ولبث خمسة عشر عاما يدرس تحت قبة ال .. وبقيت الخطبة في أحفاده إلى اليوم. -من العلماء في الحقيقة من كان يحرص حرصا شديدا على التفتيش عن النابغين ورعايتهم ولعل أشهر شخص .. تعرفون من؟ -أحد الطلبة: .. -فضيلة الشيخ: الإمام أبو حنيفة أحسنت. المتنبي شاعر العرب الفحل الذي نشأ في أسرة فقيرة غير متعلمة، لكن الله عز وجل قيض له فرصة التعليم المجاني في كتاب خاص بأبناء أشراف الكوفة، وشجعه أصحاب المكتبات على قراءة الكتب دون مقابل. يروى أن وراقا كان يلازمه، قال: كان اليوم عندي -يعني المتنبي- وقد أحضر رجلا كتابا في ثلاثين ورقة لبيعه فنظر أبو الطيب فيه طويلا، فقلت له: ما هذا؟ أريد بيعه وقد قطعتني عن ذلك. -يعني هو ماذا فعل؟

الرجل جاء بكتاب من ثلاثين ورقة وسيبيعه لصاحب المكتبة، فهو داخل فأخذ المتنبي منه الكتاب من الشغف يعني، وهو كان جالسا فأخذ منه الكتاب الذي يريد بيعه وأخذ يتصفحه، فالرجل الذي جاء بالكتاب قال له: عطلتني أنا جئت بالكتاب لأبيعه، أنت أخذته مني هذه المدة وعطلتني. فقال له: ما هذا؟ أريد بيعه وقد قطعتني عن ذلك، فإن كنت تريد حفظه فهذا يكون في شهر إن شاء الله. -تريد أن تحفظه، فتحتاج إلى شهر إن شاء الله، أستقعدني شهر أنتظرك؟ فقال المتنبي: إن كنت حفظته. -هذه الدقائق التي نظر فيها في الكتاب يتصفحه. قال الرجل: أهب لك الكتاب. قال: اسمعها مني. يقول: فأخذت الدفتر من يده وأقبل يتلوه حتى انتهى إلى آخره. -سمع له الكتاب كله. من أشهر من كان يعنى بالتفتيش عن النابهين ويستن .. من ظروفهم القاسية، ويأخذ بأيديهم في طلب العلم الإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى، وقد حرص الإمام أبو حنيفة عندما تولى حلقة الدرس بعد شيخه حماد على رعاية تلاميذه النابغين، فقد كان يواسيهم من ماله الخاص ويعينهم على نوائب الدهر. حتى أنه كان يزوج من كان في حاجة إلى الزواج وليس عنده مؤنته. ويرسل لكل تلميذ حاجته، فقال شريك لأحد تلامذته: كان يغني من يعلمه وينفق عليه وعلى عياله، فإذا تعلم قال له: لقد وصلت إلى الغنى الأكبر، بمعرفة الحلال من الحرام.

وكان ينظر إلى نفوس تلاميذه ويتعاهدها بالرعاية والنصحية، فإذا وجد من أحدهم إحساسا بالعلم يمازجه الغرور أزال عنه الغرور ببعض الاختبارات التي تثبت له أنه ما زال في حاجة إلى مزيد من العلم. ذكر الكرداني في مناقبه بسنده إلى أبي يوسف رحمه الله تعالى قال: كنت أطلب الحديث وأنا مقل المال. -الإمام الكبير صاحب أبي حنيفة، أبو يوسف. يقول: كنت أطلب الحديث وأنا مقل المال، فجاء إلي أبي وأنا عند الإمام. فقال لي: يا بني لا تمدن رجلك معه. -سيضيعك أبو حنيفة فلا تجلس هنا معه، سيضيع مستقبلك، باللغة الحديثة يعني. فقال له: يا بني لا تمدن رجلك معه فإن خبزه مشوي، وأنت محتاج. فقعدت عن كثير من الطلب .. - فأبوه تسبب في أن أخل بطلب العلم وكسبه. يقول: واخترت طاعة والدي، فسأل عني الإمام وتفقدني وقال حين رآني: ما خلفك عنا؟ قلت: طلب المعاش. فلما رجع الناس وأردت الإنصراف دفع لي صرة فيها مائة درهم. فقال: فقال أنفق هذا، فإذا تم فأعلمني. -بعدما تستنفد هذه النفقة. فأعلمني والزم الحلقة. فلما مضت مدة دفع إلي مائة أخرى، وكلما تنفد كان يعطيني بلا إعلام كأنه كان يخبر بنفادها، حتى بلغت حاجتي من العلم، أحسن الله مكافأته وغفر له. -انتهى كلام الإمام أبي يوسف رحمه الله تعالى.

وذكر الكردني أيضا أن الحسن بن زياد كان فقيرا، وكان يلازم الإمام أبا حنيفة، وكان أبوه يقول له: لنا بنات وليس لنا ابن غيرك فاشتغل بهن. فلما بلغ الخبر الإمام أجرى عليه رزقا، وقال: الزم الفقه، فإني ما رأيت فقيها معسرا قط. وربما لمح أبو حنيفة شخصا عال الهمة تلوح من محياه النبوغ، فضن بموهبته أن تنفق في طلب الدنيا وشجعه على طلب العلم. قال أبو حنيفة رحمه الله: مررت يوما على الشعبي وهو جالس فدعاني، فقال: إلام تختلف؟ فقلت: أختلف إلى فلان. -يقصد واحدا تاجرا في السوق أو شيئا من هذا. فقال: لم أعن من السوق، عنيت الاختلاف إلى العلماء؟ -لمن تحضر من العلماء؟ فقلت له: أنا قليل الاختلاف إليهم. فقال: لا تفعل وعليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء فإني أرى فيك يقظة وحركة. قال: فوقع في قلبي من قوله، فتركت الاختلاف .. -يعني إلى السوق. وأخذت من العلم، فنفعني الله تعالى بقوله. -فهذا موقف الإمام أبي حنيفة نفسه، انظر إلى هذه النصحية كيف أثرت فيه. وعن .. أحد شيوخ الإمام البخاري رحمه الله. قال: كنت أتجر فقدمت على أبي حنيفة، فقال: يا مكي، أراك تتجر، التجارة إذا كانت بغير علم دخل فيها فساد كثير، فلما لا تتعلم العلم ولما لا تكتب؟ فلم يزل بي حتى أخذت في العلم وكتابته وتعلمه.

فرزقني الله منه شيئا كثيرا. فلا أزال أدعو لأبي حنيفة في دبر كل صلاة وعندما ذكرته، لأن الله ببركته فتح لي باب العلم. ربما كان لتجربة الإمام أبي حنيفة مع شيخه الإمام حماد أثر عظيم في مسلكه هذا. لأن الإمام حمادا اكتشف نبوغ أبي حنيفة وعلو همته فخصه برعايته، وقربه من مجلسه مؤملا أن يكون حسنة من حسناته يهديها إلى الأمة. انخرط أبو حنيفة النعمان في التعليم على يد شيخه حماد بالمسجد الجامع بالكوفة، وعندما لمس فيه النجابة وسرعة الحفظ وسلامة التفكير أجلسه بإزائه، واحترم رأيه، وشجعه على الاستقلال بالرأي والاجتهاد ولم يتبرم من كثرة أسئلته واستفساراته، لما فيها من عمق ودقة. فمما يروى أن أبا حنيفة انصرف من مجلس حماد، بعد أن سأله عدة أسئلة، وألح في الجدل حتى احمر وجه حماد. -احمر وجه الشيخ الذي قال لجاره واصفا صلاح تلميذه: هذا على ما ترى منه .. -انظر إلى كثرة الأسئلة التي يسألها. هذا على ما ترى منه -من كثرة انشغاله بالعلم- يقوم الليل كله ويحيه. واستمر أبو حنيفة مع أستاذه ثمانية عشر سنة ولم يستقل بالدرس والتمحيص إلا بعد وفاة حماد. ربما كانت نصيحة عابرة فيها تشجيع من عالم مخلص بداية نقطة تحول في حياة أحد النابغين إلى انتفاع عموم الأمة به. فذلك الإمام الذي لقي نابغة كبير الهمة وقد جاور في الحرم المكي الشريف وخلى مكانه في التعليم والدعوة في بلده، فأرشده إلى تصحيح مساره بقوله: ليس هذا مكانك. -لأن الذي يجاور في الحرم الشريف هذا يكون نفعه لازما، أما إذا كان شخص ينتفع به كل الناس، فهذا يجب أن يكون نفعه متعديا يعود إلى بلده ويشتغل بالتعليم والدعوة أولى.

فقال له: ليس هذا مكانك. وكان سبب أخذ الإمام الشافعي في العلم، ما حكاه مصعب بن عبد الله الزبيري، قال: كان الشافعي رحمه الله تعالى في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب، ثم أخذ في الفقه بعده، وكان سبب أخذه في العلم: أنه كان يوما يسير على دابة له، وخلفه كاتب لأبي .. تمثل الشافعي .. -وهو أبوه الذي هو عبد الله بن الزبيري. تمثل الشافعي ببيت شعر فقرعه كاتب أبي بصوته ثم قال له: مثلك يذهب بمروءته في مثل هذا، أين أنت من الفقه؟ -يعني أتضيع عمرك في الشعر وأنت رجل شريف من قريش؟ لأن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يعتبر ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - الأعلى وهو طالبي من قريش، شريف من قريش. فقرعه بالصوت، فقال: مثلك يذهب بمروءته في مثل هذا؟ مع كون الشافعي كان حجة في اللغة العربية رحمه الله، وهو القائل: ولولا أن الشعر بالفضلاء يزري به لقال الناس أشعر من لبيب يعني الشافعي لو استمر في الشعر لكان تفوق جدا على أصحاب المعلقات السبع، لكنه ترك الإكثار من الشعر مروءة. قال له: مثلك يذهب بمروءته في مثل هذا؟! أين أنت من الفقه؟ فهزه ذلك. اهتز لذلك. اهتز الشافعي بهذا الموقف.

فقصد مجالسة الزنجي مسلم بن خالد، وكان مفتي مكة، ثم قدم علينا فلزم مالك بن أنس. -رحمه الله. وقال الشافعي: كنت أنظر في الشعر، فارتقيت عقبة بمنة، فإذا صوت من خلفي: عليك بالفقه. -لا يبعد أن يكون هذا من التحديث أو الإلهام يعني. قال الشافعي: خرجت أطلب النحو والأدب، فلقيني مسلم بن خالد الزنجي فقال: يا فتى من أين أنت؟ قلت: من أهل مكة. قال: من أين. قلت: شعب بالخيف قال: من أي قبيلة أنت؟ قلت: من عبد مناف. قال: بخ بخ، لقد شرفك الدنيا والآخرة. ألا فعلت فهمك في هذا الفقه، فكان أحسن بك؟ ثم رحل الشافعي من مكة إلى المدينة قاصدا الأخذ عن أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله تعالى. وفي رحلته مصنف مشهور مسموع. -ما هو؟ ما اسمه؟ رحلة الشافعي. فلما قدم عليه قرأ عليه الموطأ حفظا، فأعجبته قراءته ولازمه، وقال له مالك: اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن.

وفي رواية أخرى أنه قال له: إن الله عز وجل قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفه بالمعاصي. وكان للشافعي رحمه الله حين أتى مالكا ثلاث عشرة سنة، ثم ولي باليمن. وقد أمره بالإفتاء شيخه أبو خالد مسلم بن خالد الزنجي إمام أهل مكة ومفتيها، وقال له: أفتِ. -كم كان عمر الشافعي. خمس عشرة سنة. قال له مسلم بن خالد شيخه: أفت يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك أن تفتي. وكان للشافعي إذاك خمس عشرة سنة. وأقاويل أهل عصره في هذا كثيرة مشهورة، وأخذ عن الشافعي العلم في سن الحداثة مع توفر العلماء في ذلك العصر، وهذا من الدلائل الصريحة لعظم .. وعلو مكانته، وهذا كله من المشهور المعروف في كتب مناقبه وغيرها. فحكى ابن العلامة القرآني الإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: أن أمارات النبوغ وعلو الهمة، لما لاحت على والده في طفولته قال له شيخه: يا بني إن العلماء يقولون: إن من وجد من نفسه استعدادا وموهبة تؤهله للإمامة تعين عليه طلبها. -تصير واجبا في حقه، وتعين عليه. وإن طلب الإمامة في الدين متعين عليك، فلا تضيع نفسك. *ومن عجيب النماذج الناجحة لزراعة النجم عن طريق التشجيع، أن هناك كلمة مشهورة عن نيلسون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا المعروف، كان يتكلم عن كلمة التشجيع كيف يكون لها مفعول السحر في نفس الإنسان، وكان يقول: إن أفضل طريقة لإحداث الشخص الذي تريد أن تزرع فيه الثقة أن تقول له: إن المهمة الفلانية أنت أهل لها، وأنا واثق من إنك قادر على إنجازها. فهذه صورة للتشجيع، يعني لا تجعله يستصعب شيئا ..

وسوف ينجح. طيب إذا فشل، قل له: إن الفشل خطوة في طريق النجاح. اي استمر. مثل ما واحد يقطع مثلا مسافة جري حول مكان معين مسافة مستديرة، وبدأ الجري. هو أخذ التراك، كما يقولون. لكن لو تعثر في الطريق، بعدما قطع مثلا نصف كيلو أو شيئا من هذا، أخلاص هكذا، كل حاجة أحبطت؟ أم يكمل؟ فالتعثر خطوة في طريق النجاح. لابد إن .. مرة واحد قال ماذا؟ من الناس الناجحين جدا. قال: لقد فشلت وفشلت وفشلت، ولذلك نجحت أخيرا، لأن الفشل يعطي الناس دروسا وعبرا. من الفشل فيما يأتي. وليس الناس الذين يبحثون عن شيء يتكئ عليه ليبرر الفشل والاستسلام. فلابد عند التعامل مع .. والذين يربيهم الإنسان أن يزرع فيه الثقة أنه سيكون منه شيئا كبيرا، بدون أن يصيبه الغرور يعني، لكن الشرارة التي يحتاجها في البداية حتى ينطلق. -من أعظم الأمثلة على ذلك بجانب ما ذكرنا من قبل، الشيخ: آق شمس الدين. آق شمس الدين، أيعرفه أحد؟ هذا مرب السلطان محمد الفاتح العثماني رحمه الله تعالى.

هذا الشيخ نفسه، .. قبل أن يولد تشرشل يعني، لكن نفس الوصية. هذا ابن السلطان، وفي يوم من الأيام سيكون السلطان، فماذا فعل كي يحدث تغييرا كبيرا في الأمة، ركز على هذا الطفل، وكان هو الذي يربيه، فكان بين وقت وآخر يأخذ هذا الطفل ويمشي به، يمر به على الساحل، الذي هو جزء من استانبول الذي يقع في قارة آسيا، ويشير إلى الجهة الأخرى من القسطنطينية. يشير إلى أسواره، وكانت القسطنطينية طبعا محصنة تحصينا شديدا جدا، فيشير إلى أسوار القسطنطينية التي تلوح من بعد شامخة .. ثم يقول له: أترى إلى هذه المدينة التي تلوح في الأفق؟ إنها القسطنطينية. وقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن رجلا من أمتي سيفتحها بجيشه. ويضمها إلى أمة التوحيد، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ» (¬1) .. ومازال يكرر هذه الإشارة على مسمع الأمير الصبي إلى أن نبت شجرة الهمة في نفسه، وترعرعت في قلبه، فعقد العزم على أن يجتهد ليكون هو ذلك الفاتح الذي يبشر به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -. فقد كان والده السلطان مراد الثاني العثماني منذ صغره يستصحبه معه، بين حين وآخر إلى بعض المعارك، ليعتاد مشاهدة الحرب والطعان ومناظر الجنود في تحركاتهم واستعداداتهم ونزالهم، وليتعلم قيادة الجيش وفنون القتال عمليا، حتى إذا ما ولي السلطنة وخاض غمار المعارك خاضها عن دراية وخبرة. ولما جاء اليوم الموعود شرع السلطان محمد الفاتح في مفاوضة .. القسطنطين ليسلمه القسطنطينية فلما بلغه رفض الامبراطور تسليم المدينة، قال رحمه الله: «حسنا عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون لي فيها قبر». -انظر إلى الهمة. ¬

_ (¬1) مسند أحمد من حديث بشر الخثعمي عن أبيه، قال الألباني: ضعيف.

مثل الملك عبد العزيز رحمه الله لما بعث ابنه فيصل لفتح منطقة عسير في الجنوب، قال له: اذهب إلى عسير فإما أن تعود منتصرا وإما ألا تعود. انظر إلى الخيارات. وهذا له نظائر كثيرة في التاريخ يكون لها أثر على نفوس الناس. الإمبراطور رفض أن يسلم المدينة، قال: «حسنا عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون لي فيها قبر». وقد كان له الإثنان، أولا العرش لما فتحها، ثم إن قبره موجود للأسف الشديد في مسجد محمد الفاتح لما حصلت الصلاة على الشهداء في داخل مسجد السلطان محمد. لأن هؤلاء الأتراك والصوفية فيهم منتشرة، ونحن نأخذ القصة هكذا على بعضها يعني بدون تشريح، حتى تحصل العبرة. حاصر السلطان محمد الفاتح أنعم به من فاتح القسطنطينية واحد وخمسين يوما تعددت خلالها المعارك العنيفة، وبعدها سقطت المدينة الحصينة التي استعصت على الفاتحين قبله على يد بطل شاب له من العمر ثلاث وعشرون سنة. -حينما فتح القسطنطينية كان له ثلاثة وعشرين سنة، وحقق هذا الفاتح البطل للمسلمين أملا غاليا ظل يراودهم ثمانية قرون حاولوا تحقيقه مرارا فلم يفلحوا وكأن القدر كان قد ادخر هذا الشرف لهذا البطل المغوار. على أي الأحوال هذه كانت بعض النبذ تتعلق بالتشجيع وأثره في التربية أو في تغيير السلوك إلى أحسن، وكذلك أثر التثبيط في خنق المواهب. فلنكن جميعا من أهل التشجيع لهؤلاء البراعم، ولنحذر أن نكون من أعداء النجاح .. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ..

§1/1