محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه

مسعود الندوي

مقدمة

محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه تأليف:الأستاذ مسعود الندوي مقدمة بقلم معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي مدير الجامعة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد: فلم تحظ دعوة من الدعوات الإصلاحية، وخاصة في الوقت القريب بما حظيت به دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- السلفية الإصلاحية التي أشرقت شمسها في سماء الجزيرة فجلت كل ما هو موجود بأرضها من الضلالات والبدع، وأخلصت الدعوة للواحد الأحد، وأخذت تنتشر في بقاع العالم، ويرحب بها ويسير على نهجها كثير من علماء المسلمين ودعاتهم في أماكن مختلفة من البلاد الإسلامية. وقد كانت الدولة السعودية- منذ حكمها الميمون لهذه الجزيرة ولا تزال- السند الأهم، والأقوى لهذه الدعوة السلفية المباركة، حيث الحكم المطلق لشرع الله المطهر، وتطبيقه في جميع شؤون الدولة والرعية، فكانت بحق دولة الإسلام وتطبيق شريعته. وقد تناول هذه الدعوة المؤرخون والمفكرون والباحثون والكتاب في جميع أنحاء العالم على تعدد لغاتهم، واختلاف ميولهم ومذاهبهم بالتحقيق والتحليل والتمحيص والنقد، فمنهم من وفقه الله لقول الحق دون تحيز أو تعصب، ومنهم من اتبع هواه فألصق بالدعوة والقائمين عليها التهم الباطلة، ونسبوا إلى الشيخ الكثير من الأقوال التي لم تصدر عنه.. وعلى الرغم من كثرة الافتراءات التي وجهت إلى الشيخ وإلى دعوته من أعداء الإسلام حينا، ومن أهل الإسلام الذين استمرءوا البدع والخرافات أحيانا أخرى، فقد قيض الله من يتصدى لهذه الافتراءات والأكاذيب ويكشف زيفها وضلالها بالحجة الدامغة والقول الفصل.. ولعل من أهم الكتب التي تصدت لهذه المزاعم، وكشفت كل الدعاوى والأكاذيب، الموجهة إليها كتاب الأستاذ الفاضل الشيخ/ مسعود عالم الندوي- رحمه الله - والذي ألفه باللغة الأردية، وجمع فيه الكثير من المسائل التي أثيرت حول الشيخ ودعوته في الكثير من الكتب وبلغات مختلفة، وقد ناقشها مناقشة العالم المنصف من غير تحيز ولا تعصب، واستطاع بما حباه الله به

من العلم وسعة الاطلاع أن يفند الافتراءات الموجهة لها والأكاذيب المختلفة حولها مدعما نفيه بالبراهين القاطعة، وبشهادات شهود العيان من المسلمين وغير المسلمين. ولأهمية اطلاع قراء اللغة العربية وغيرهم على هذا السفر العظيم، فقد قام الشيخ/ عبد العليم بن عبد العظيم البستوي ببذل الجهود الكبيرة لترجمته إلى اللغة العربية؛ لتعم فائدته جميع طلاب العلم والباحثين عن الحق والحقيقة، وليعرف دعاة اليوم أن طريق الهدى والحق طريق واحد يتحمس في الدفاع عنه كل مخلص لدينه من أبناء الإسلام في كل زمان ومكان، وبكل لسان دون النظر إلى رابطة غير رابطة العقيدة والدين، ودون انتظار أجر أو مكافأة، وإنما نصرا للحق، وأداء للواجب، وانتظارا للجزاء من الله سبحانه وتعالى. وقد راجع الكتاب وقدم له عند صدوره عام 1397 هـ فضيلة الدكتور/ محمد تقي الدين الهلالي جزاه الله خير الجزاء. وبعد أن مضت مدة طويلة على صدور الكتاب بطبعته الأولى رأت الجامعة أن مثل هذا الكتاب جدير بالاهتمام، وإعادة النشر بعد أن يتم تصويب بعض الملاحظات التي فاتت على المؤلف والمترجم. فأحيل الكتاب إلى كل من فضيلة الشيخ/ إسماعيل الأنصاري- وفضيلة الشيخ عبد العزيز الرومي، وقاما مشكورين بمراجعته، والتنبيه على بعض الهفوات التي ظهرت في الطبعة الأولى. أثابهما الله على ما بذلاه من جهود؛ ليخرج الكتاب بصورة تناسب أهميته العلمية الكبيرة. والجامعة إذ تقدم الكتاب في طبعته الجديدة وفاء لصاحب الدعوة، وإسهاما في القيام بالواجب المناط بها باعتبار أنها مؤسسة علمية كبرى تعنى بالدعوة الإسلامية، وتعمل لإعداد الدعاة إلى الله تعالى ترجو من الله العلي القدير أن يجعل عملها خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به عموم المسلمين إنه سميع مجيب. والله ولينا ونعم المولى ونعم النصير. مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية د. عبد الله بن عبد المحسن التركي

مقدمة بقلم العلامة الأديب الدكتور محمد تقي الدين الهلالي الحمد لله الذي نصر نبيه، وخليله محمدا صلى الله عليه وسلم بالرعب مسيرة شهر، وجعل النصر حليف من اتبعه إلى آخر الدهر. وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم صلاة وسلاما بلا حصر. أما بعد: فيقول العبد الفقير إلى رحمة ربه المتعالي محمد تقي الدين الهلالي: لا يخفى أن الإمام الرباني الأواب محمد بن عبد الوهاب، قام بدعوة حنيفية جددت عهد الرسول الكريم والأصحاب. وأسس دولة ذكرت الناس بدولة الخلفاء الراشدين وقهرت الشياطين. وأحيت ما اندثر من علوم كتاب الله وسنة النبي الكريم. ولا شك أن معرفة أخبار هذه الدعوة وصاحبها تهم كل طالب علم من الموافقين والمخالفين، بل من المسلمين والكافرين وكذلك وقع، فإن المؤلفين في تاريخ هذه الدعوة المباركة لا يحصون كثرة من جميع أجناس بني آدم على اختلاف لغاتهم وميولهم وأذواقهم ما بين قادح ومادح ومتوقف محايد. ومع كثرة التآليف التي صنفت في هذا الباب منها المطول الذي يستغرق مجلدات، ومنها المتوسط، ومنها المختصر، لا تكاد تجد من بينها كتابا جامعا لأشتات المباحث مع المقابلة والنقد والتحقيق والتمحيص. ويصعب على طالب العلم أن يقرأ كل ما ألف في ذلك، وأن يحيط بما هنالك، ولو فرضنا أنه استطاع قراءة ذلك لشقت عليه المقابلة، واستخراج الحقيقة من بين تلك الآراء المتضاربة. فبقي طلاب الحقيقة والتلخيص في حاجة إلى من يستخلص لهم زبدة أخبار هذه الدعوة وخلاصتها بدون تحيز ولا تعصب. وهذا نادر ولا نقول إنه معدوم. وقد وفق الله تلميذي البر الأستاذ الأديب مسعود عالم الندوي إلى القيام بهذا العمل الشاق، فبلغ فيه ذروة النجاح، وأفلح فيه غاية الفلاح بعد ما طالع بإمعان وتحقيق

أكثر من سبعين كتابا بلغات مختلفة، واستخرج منها المسائل المهمة في العقيدة، والتاريخ تاريخ الدعوة، وتاريخ ملوك آل سعود من أولهم إلى يومنا هذا، وما جرى بينهم وبين خصومهم من حروب ومهادنات باختصار غير مخل، وأسلوب غير ممل. فوضع بين أيدينا تاريخ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وما نتج عنها من فتوح دينية ودنيوية، ووضع المسائل التي اختلف فيها المؤرخون في ميزان الذهب حتى حققها غاية التحقيق، ونفي افتراء الأعداء، وأكاذيبهم بالبراهين القاطعة، وبشهادات شهود العيان من المسلمين وغير المسلمين. ... ومليحة شهدت لها ضراتها ... ... والفضل ما شهدت به الأعداء ... وكنت عالما أن تلميذي الأستاذ مسعود عالم الندوي ألف هذا الكتاب، وسماه "محمد بن عبد الوهاب" المصلح المفتري عليه، ولكن لما كان بلغة اردو لم أقرأه. وما كنت أظن أنه بلغ في العلم والتحقيق وسعة الاطلاع إلى هذا الحد الذي رأيته فبهرني "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". وقد أتحف مسعود عالم بهذه التحفة قراء لغة "أردو" منذ زمان، وحرم منها غيرهم مع أن جميع طلاب الحقيقة في أشد الحاجة إلى هذا الكتاب. إذ يصعب بل يستحيل أن يجدوا هذه المسائل محققة كما هي، مجتمعة في كتاب واحد لا تزيد صفحاته على مائتين. فالفضل لله سبحانه وتعالى في إخراج هذا الكتاب، ثم لمسعود عالم الندوي، وقد كان أفضل تلامذتي في كلية ندوة العلماء التي دعاني إلى التدريس فيها بل إلى رئاسة أساتذة الأدب العربي فيها، الأستاذان الجليلان: السيد سليمان الندوي، والدكتور عبد العلي - رحمة الله - عليهما. فأقمت فيها من أول سنة 1349 هـ إلى شعبان من سنة 1352 هـ، وما رأيت في الاجتهاد والتحصيل مثل مسعود عالم. وكان كذلك مخلصا أيضا في دينه، وذا أخلاق كريمة وشجاعة لا يخاف في الحق لومة لائم. ولم يقتصر على ما حصله على يدي في تلك المدة، بل سافر من الهند إلى بغداد، وأقام عندي سنة وبصحبة الأستاذ عاصم الحداد. فلازم دروسي في المسجد والبيت، ولم أر فيه نقصا إلا التعصب للمذهب الحنفي. فقد كان يخالفني في هذا الباب مع شدة احترامه لي.

ولما ورد بغداد قال له أحد كبار علماء الحنفية كيف تصاحب هذا الرجل وهو يطعن في مذهب أبى حنيفة - رحمه الله -، وقد انتقده أستاذنا الكوثري؟ فقال له مسعود عالم رحمه الله! إليك عنى أنا أعلم به منك ومن الكوثري. ولكن هذا النقص أبى الله إلا أن يرفعه عنه قبل وفاته، فإنه كان - رحمه الله - أحد رؤوساء الجماعة الإسلامية التي يرأسها الأستاذ الزعيم المودودي. فلما قبضت الحكومة الباكستانية على المودودي قبضت عليه، وبقي سنين في السجن، فلم يجد سبيلا إلى التأليف، فعكف على نيل الأوطار للشوكاني، فتبين له أن التعصب للمذهب لا يرضاه الله تعالى، ولا يرضاه السلف الصالح، ومنهم الإمام أبو حنيفة نفسه، فرجع عن التعصب واتبع الكتاب والسنة ومات على ذلك. رحمة الله عليه. وأما قول ذلك العالم الحنفي: أنني أطعن في مذهب أبي حنيفة فهو فرية بلا مرية. فإنني لا اختلف مع أبي حنيفة - رحمه الله - حتى أطعن فيه؛ لأن الاختلاف الذي يوجب العداوة إنما يكون في العقائد لا في الفروع، وأبو حنيفة رحمه الله لا يخالف عقيدة السلف من الصحابة والتابعين، وسائر الأئمة المجتهدين مثقال ذرة. فأنا لا أطعن في مذهبه أبدا. أما مخالفته في الفروع فإن كانت تعد طعنا فأول طاعن في مذهبه محمد وأبو يوسف، فقد خالفاه في ثلث المذهب، وقيل: في ثلثي المذهب. وإذا كان الفضل في إخراج هذه الدرة الثمينة يرجع إلى تلميذي مسعود عالم الندوي، فإن الفضل في إخراجها من عالم العجمية إلى عالم العربية يرجع إلى تلميذي عبد العليم بن عبد العظيم المتخرج في الجامعة الإسلامية في السنة الماضية. وهو الأول من بين تلامذة الجامعة كلهم، وهو الآن من طلاب الدراسات العليا في جامعة الملك عبد العزيز بمكة. فقد ترجم ترجمة فصيحة طيبة، وأطلعني عليها، وقرأها من أولها إلى آخرها، فأشرت عليه بتحسين بعض الألفاظ، فجاء هذا الكتاب جوهرة نفيسة، وتحفة لا تقدر بثمن، خصوصا وقد زينه المترجم بحواشي عديدة، تكملة لبحث ناقص، وإيضاحا لشيء غامض، وأنا أقترح على سماحة رئيسنا الجليل الأستاذ عبد العزيز بن باز أطال الله بقاءه، وأدام في سماء المعالي ارتقاءه أن يقرأ هذا الكتاب، وأن يأمر بطبعه ونشره لتعم فائدته جميع طلاب العلم من المسلمين وغيرهم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. أملاه ضحوة يوم الجمعة الحادي والعشرين من صفر سنة 1394 هـ.

3. إنه اطلع على كثير مما كتبه السائحون والمؤرخون الأوربيون في هذه الدعوة وصاحبها، وعرف موقفهم منها حسب مصالحهم المادية والسياسية، ففتح بابا جديدا للبحث والتحقيق، ودخل فيه، فأتى بمعلومات لا تكاد توجد لدى غيره. وكانت هذه هي المميزات- وكثير غيرها- التي دعتني إلى أن أقدم هذا السفر القيم إلى القارئ العربي. فاستعنت بالله العلي العظيم، وبدأت أترجم الكتاب بالعربية رويدا رويدا حتى أكملته بفضل الله وكرمه. وسيجد القارئ الكريم في هذا الكتاب سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته، وأنها سيرة إسلامية مثالية، ودعوة إسلامية خالصة. إنها دعوة تحاول أن تعود بالمسلمين إلى الرقي والمجد والازدهار، كما كانوا في القرون الأولى. إنها دعوة دعا إليها جميع الأنبياء والمرسلين وإن محمد بن عبد الوهاب لم يبتدع شيئا من عنده، ولا خرج عن عقيدة المسلمين، التي اتفق عليها أئمة الإسلام كلهم. نعم- قد كانت هناك شبهات أثيرت حول الدعوة والداعية في أيامها الأولى من قبل ذوي الأهواء والمضلين. وكانت هذه الشبهات والافتراءات قد أضلت كثيرا من المسلمين في البلدان الإسلامية، فوقعوا في شك وارتياب من هذه الدعوة الكريمة. لكن- والحمد لله- سحب الافتراءات قد تقشعت والظلمات قد تبددت. وقد وضحت الدعوة جلية نقية لكل ذي عينين، وانتشرت رسائلها وكتبها في جميع أنحاء العالم. فما بال بعض الناس لا يزالون يرددون ما ورثوا عن آبائهم ومشايخهم، وقد تبين زيفه وخطؤه. وأنا أدعو كل من يحمل في قلبه غيرة على الإسلام والمسلمين أن يدرس هذه الدعوة الكريمة التي أيقظت المسلمين، وأن يدفع كل الشوائب العالقة بأفكاره عن هذه الحركة الإسلامية الخالصة. فإن الجهل والضلال لا زالا فاشيين في كثير من طوائف المسلمين. ولا يخفى أن الأمة الإسلامية تمر الآن بمرحلة خطيرة جدا في تاريخها، ونحن بجهلنا وانحرافنا واختلاف كلمتنا نساعد الأعداء أكثر من مكايدهم ومكرهم عرفنا أم لم نعرف. فلنستيقظ من سباتنا ولنراجع أفكارنا ونصححها مستنيرين بنور الكتاب الكريم

والسنة النبوية، ثم ندعو إليها سائر الناس. ولا نجاة للمسلمين إلا بهذا. ولا وحدة للمسلمين إلا بهذا. فلنتمسك بكتاب الله، ولنسر على السنة النبوية، ونسأل الله التوفيق والسداد. تنبيهات: 1. إن المؤلف - رحمه الله - نقل كثيرا من النصوص والاقتباسات من المراجع العربية والإنجليزية. أما النصوص العربية فقد رجعت إلى مصادرها في الغالب، وأثبتها بحروفها في الترجمة. ولكن النصوص الإنجليزية لم أظفر بمصادرها إلا قليلا ولذلك اضطررت إلى أن أترجم المعاني التي أوردها المؤلف في الأصل. 2. للمؤلف تعليقات كثيرة، وقد ترجمتها كما كانت، وقد أضفت بعض التعليقات من عندي حينما اقتضى الأمر. وكتبت كلمة "المترجم" في نهايتها وبهذا يمكن التفريق بين تعليقاتي وتعليقات المؤلف رحمه الله. 3. لقد أثبتّ أرقام الصفحات والسنين كما وجدتها مكتوبة في الأصل إلا ما تبين لي أنه تصحيف في الطبع- وهو نادر جدا-؛ وذلك لأنه من المستحيل تقريبا أن يعود المترجم إلى كل المصادر التي ذكرها المؤلف، وفي الطبعات نفسها، ويقابل عدد الصفحات والسنين، ولكن أرجو من القارئ الكريم أن ينبهني إذا عثر على خطأ من هذا القبيل وله جزيل الشكر. وختاما- أشكر جميع أساتذتي ورفقائي الذين ساعدوني في إنجاز هذا العمل المتواضع، وأخص بالذكر منهم أستاذي العلامة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي الذي قد أنفق كثيرا من أوقاته الثمينة، واستمع إلى الترجمة من أولها إلى آخرها، وأفادني بكثير من الفوائد المهمة التي لا تكاد توجد عند غيره. فجزاه الله عني وعن المسلمين كل خير. قسم الدراسات العليا الشرعية عبد العليم البستوي جامعة الملك عبد العزيز بمكة25 -صفر سنة 1394 هـ

كلمة المترجم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله المرتضى، ونبيه المجتبى محمد وآله وأصحابه الطاهرين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:- فإن من نعم الله على الناس أنه لم يتركهم بعد ما خلقهم حيارى يتيهون في ظلمات البر والبحر بدون هدي ولا كتاب منير، بل أرسل إليهم من أنفسهم رسلا ليرشدوهم إلى الحق، وينقذوهم من الضلال. وكان آخرهم رسولنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أكمل الله به الدين ورضي الإسلام دينا إلى يوم القيامة، وانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى بعد ما تركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وضمن الله تعالى حفظ الإسلام ورعايته إلى يوم القيامة، فخلق علماء جهابذة في كل عصر يتبعون سنة النبي الكريم، ويحيون ما اندرس منها، ويبينون للناس معالم الهدى والرشد، ويردونهم إلى السنة النبوية بعد ما غفلوا وجهلوا، فقد قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" 23. ومازال علماء الحق ودعاة الرشد يبذلون جهودهم لحماية عقيدة الإسلام وشريعته إلى يومنا هذا، فيردون كيد الكائدين وانحراف الزائغين، ويذكرون الغافلين. وكان من هؤلاء المجددين المجاهدين الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب التميمي - رحمه الله - فقد ولد في عصر انتشرت فيه الضلالات، ونسيت العقيدة الإسلامية الصحيحة. ولما رأى محمد بن عبد الوهاب أن الشر قد اشتدت شوكته، وضعف أهل الحق وجبنوا، قام بتوفيق من الله - سبحانه وتعالى - يرد على الضلالات، وينير مصابيح الهدى

_ 1 سورة الحجر آية: 9. 2 أبو داود: الملاحم (4291) . 3 سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 11 / 385.

في دياجير الظلمات. ولكن الأمة الإسلامية التي كانت قد خرجت ترفع لواء التوحيد في يوم من الأيام، قد نسيت رسالته الخالدة فحاربته وقاومته عن جهل وضلال. ولقد أوذي محمد بن عبد الوهاب أشد الإيذاء، وعانى أشد المصائب والمحن، ولكن مازال يستمر قدما في طريقه غير مبال بمخالفة ذوي الأهواء، واستفزازات أهل المطامع حتى تبين الحق وتجلى. ورجع عدد كبير من الناس إلى تلك المحجة البيضاء التي تركهم عليها الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وعم في العالم الإسلامي نور الهدى والرشد، واستيقظ المسلمون من سباتهم. حتى بدت تباشير النهضة الإسلامية الشاملة التي نشاهدها في العالم الإسلامي، وحتى قامت تلك الدولة الإسلامية التي طبقت الشريعة الإسلامية في هذا العصر، وأصبحت نموذجا للآخرين، وردت عمليا على كثير من الأوهام والشبهات التي كانت تثار الفينة بعد الفينة من أعداء الإسلام. ولما كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هكذا. ولما كانت نتائج هذه الحركة الإسلامية تبلغ هذا المدى، كان حقا على المسلمين عامة، وعلى طلبة العلم خاصة أن يعرفوها ويقدروها حق قدرها، ويقدموها لسائر الناس، ويدفعوا عنها التهم والافتراءات التي مازالت تثار من جهة بعض الطامعين في الجاه والمال من العلماء والجهال. وكانت هذه هي العوامل التي حفزتني إلى دراسة سيرة هذا الداعية المجاهد، وحركتني إلى معرفة رسالته وطريقته في الدعوة والإصلاح. ولقد درست الكثير من الكتب التي ألفت للبحث في سيرته ودعوته، فرأيت أن كتاب الأستاذ مسعود عالم الندوي رحمه الله يمتاز من بين هذه الكتب بعدة مزايا:- 1. إن المؤلف لا تربطه بالدعوة وأصحابها أي رابطة وطن أو نسب، فقد ألفه نصرا للحق وأداء للواجب بعيدا عن مركز الدعوة ونائيا عن أصحابها، ملتزما التجرد والإنصاف في كل القضايا التي ناقشها وبحثها. 2. إنه اطلع على كثير من الكتب التي ألفت في الرد على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والطعن في سيرته ودعوته، وكذلك درس الكثير مما كتب في الرد على الكتب المذكورة وفي الدفاع عن الدعوة وصاحبها. وهكذا تمكن من تكوين آراء صائبة وسديدة، وقلما يتسنى ذلك لغيره.

محمد بن عبد الوهاب بمصلح مظلوم ومُفترى عليه بسم الله الرحمن الرحيم (1) ما أعجب صنع الله في هذا الكون. لقد أراد الكاتب أن يكتب في حركة التجديد والإمامة التي قام بها السيد أحمد الشهيد - رحمه الله - وأحوال المتبعين لخطواته ولكن ظهرت سيرة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. وبيان هذا الحادث العجيب أن طالبين من دار العلوم لندوة العلماء أرادا (سنة 1935) أن يرتبا تاريخ حركة التجديد والإمامة التي قام بها الشهيدان أحمد البريلوي وإسماعيل الدهلوي - رحمهما الله - تعالى رحمة الأبرار الصالحين المجاهدين من عباده- فتصدى أحدهما لسيرة السيد أحمد، وأراد الآخر أن يبدأ عمله من مشهد بالاكوت. لقد بدأ كل منهما في عمله. فأما المجتهد الجريء والمخلص المجاهد فقد ألف سيرة الشهيد البريلوي (سنة 1939 م) ، وأعنى بهذا صديقي المخلص الأستاذ السيد أبا الحسن على الحسني الندوي- أستاذ التفسير والأدب في دار العلوم ندوة العلماء، وقد وصل كتابه إلى أيدي أولي الفضل، وصدرت له طبعتان في مدة قصيرة1. وأما الثاني (المؤلف) فقد وجد عقبات في كل خطوة. فقد كانت المعالم قد اختفت.. والذين رأوا أو عرفوا كانوا قد ناموا نومة سرمدية. والذين سمعوا مازالوا يهابون حتى الآن. لكن القلم المسافر لم ينس منزله، فقد ظهرت نماذج البحث الأولية في مجلة "الضياء" (شعبان سنة 54 هـ) بعنوان "الحركة الوهابية السياسية"2 وفي مجلة "الهلال"

_ 1 وهو في لغة أردو. (المترجم) . 2 يقصد السياسة الشرعية الإسلامية كما كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، والحمد لله فإن الدولة السعودية منذ عصر الشيخ - رحمه الله - وحتى يومنا هذا ما زالت تحكم بشريعة الله، دستورها هو كتاب الله وسنة رسوله، وستظل على هذا المنهج بإذن الله تعالى، ونسأل الله أن يمدها بالتوفيق والتأييد. (المترجم) .

الصادرة في بتنة بعنوان "الوهابية: حركة دينية وسياسية"، وحظيت بالقبول والرضا في المحافل المختصة. وفي خلال البحث مر ذكر الحركة الوهابية- كما يقال في الغالب- في نجد أكثر من مرة. وعثرت على افتراءات واتهامات لم أستطع أن أصبر عليها. وأكبر خطأ وقع فيه الصديق والعدو هو الزعم بأن حركة التجديد والإمامة للشهيد أحمد إنما هي فرع للحركة الوهابية في نجد. لا شك أن مأخذ الحركتين واحد، وهدفهما واحد، والذين قاموا بهما كانوا من رافعي لواء الكتاب والسنة. وكل منهما كان مجاهدا متحمسا، ولكن هذه حقيقة لا تجحد أن أحدهما ليست له أي علاقة- بعيدة أو قريبة بالآخر أعني أن أحدهما لم يستفد من آراء الآخر. فقد كانت تلكما الدعوتان كل منهما بعيدة عن الأخرى، وفي أحوال خاصة نشأت وترعرعت. ومع اتحادهما في الأصل- أي دعوة الرجوع إلى الكتاب والسنة- تظهر انطباعات محلية خاصة في كل من الدعوتين، وتختلف كل منهما عن الأخرى في كثير من الأمور الفرعية. وقد قلت آنفا إني قد مررت على افتراءات حول دعوة التجديد النجدية فلم استطع أن أصبر. وهكذا اضطر هذا العاجز أن يرتب الكتاب على قسمين. وأن هذه الصفحات في سيرة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب النجدي، ودعوته هي المجلد الأول لذلك الكتاب المقترح. والمجلد الثاني سيكون في حركة التجديد والإمامة في الهند من استشهاد السيد أحمد (1831 م- 1246 هـ) إلى سنة 1871 م، واستعرض فيه الأعمال والجهود والخدمات استعراضا دقيقا. (2) وهنا أريد أن أوضح أمرا وهو أنني لا أقصد حينما أدون تاريخ الوهابية النجدية أو الوهابية الهندية أن أشعر الناس أن الحق قد انحصر في اتباع أحد هاتين الجماعتين، أو أني أرى هاتين الجماعتين مدرسة خاصة، أو مذهبا خاصا كالمدارس الفكرية الأخرى - دينية كانت أو أدبية - يمكن أن يزعم هذا بعض الدعاة الخاملين أو الأتباع المتشددين، ولكنني أرى أن التحزب يلحق بالإسلام والمسلمين أشد الضرر، والحق عندي هو

اتباع الكتاب والسنة فقط. فلا أرى الرشد والهداية ملكا لجماعة فقهية أو مدرسية1 أو وطنية. إن الحق ليس ملك يمين نجد ولا الهند اشترته، فإن تعاليم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم واضحة جلية، والذي يتبعها اتباعا صحيحا يفوز بالرشد والفلاح.. وإني حينما أرتب تاريخ هذه الجماعات في نجد أو في الهند، وأبرز معالمهما الدارسة أقصد فقط أن أقدم سيرة مصلحين شهيرين في القرن الثاني عشر والثالث عشر وأتباعهما، ولا أرى أيضا أن هناك مصلحين فقط في هذه القرون. ففي الهند الشاه ولي الله الدهلوي (1114- 1176هـ) ، وفي طرابلس محمد بن على السنوسي (1202هـ - 1787 م) لهما شأن عظيم في التجديد والإصلاح. قد يقول قائل: أن حركة السيد أحمد كانت صدى لدعوة الشاه ولى الله، ولكن حتى بعد تسليم هذه الفكرة، فإن الطابع الخاص والتفردات الخاصة للسيد أحمد لا تزال باقية. وكذلك جمال الدين الأفغاني، والأمير عبد القادر الجزائري هما موضع حب لجماعة كبيرة- وبحق- في لون آخر من الإصلاح والتجديد. وكذلك لا أرى أن هاتين الجماعتين في نجد أو في الهند معصومتان عن كل خطأ أو زلل. أما الغلو والتشدد في أهل نجد فحتى الأصدقاء يشكون منهما2، وكل ما أقول إنهما كانتا جماعتين مخلصتين قامتا لله، ولم تألوا جهدا في سبيل إعلاء كلمة الله في حدود المساعي البشرية، فعلينا أن ندرس أعمالهما، أما مجرد الاقتناع بما يسمع، أو بدعاية الأعداء والمشايخ الجهال والمتصوفة، فإنه ليس من شيمة طلاب الحق. وإني قد اجتنبت- قدر الإمكان- إبداء رأي في الكتاب. وقد حاولت أن أرتب الأحوال والأفكار على أساس من المراجع المعتمدة بما يمكن من البحث والتحقيق. فإن نجحت فبتوفيق من الله، وإلا فلا يستبعد من طالب حقير أن يقع في بعض

_ 1 أي أنني لا أرى الحق محصورا في تقليد الأئمة الأربعة، ولا في اتباع شيوخ ديوبند أو الأزهر أو الندوة، ولا أرى القيادة وراثة لبيت أو بلد. 2 قصده بالتشدد والغلو تشددهم في التوحيد، وهم في ذلك على حق؛ لأن الإسلام الذي بعث الله به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هو أشد الأديان في العقيدة، وأسهلها وأيسرها في الشرائع. ولا يحسن أن يسمى ذلك غلوا وتشددا. (المترجم) .

الأخطاء والأوهام. وفي الأخير ابتهل إلى الله أن يرزقني الإخلاص في النية والعمل ويشرفني بقبول هذا العمل المتواضع1. (3) لقد بدأت في ترتيب الكتاب الذي بين يديك في شوال سنة 1359 هـ (نوفمبر سنة 1940 م) إلا أن الأشغال لم تسمح لي أن أخصص له وقتا كثيرا، ولكن العمل مازال مستمرا رويدا، وتم مخطط الكتاب في نوفمبر سنة 1941 م. ولكن لم اجترئ على أن أكمل المسودة بسبب القلة في المراجع، وكلما كتبت شيئا ثم اطلعت على مصادر أخرى اضطررت إلى كثير من الإصلاح والتغيير، ولكن مع ذلك، ومع كثير من البحث والتحقيق لم أعثر على بعض الكتب المهمة واللازمة من المراجع وسأذكرها في باب المصادر. وأقدم جزيل الشكر من أعماق قلبي إلى أولئك الأصدقاء والأكابر الذين ساعدوني بالأخبار عن المراجع، أو تهيئتها، وأخص بالذكر منهم، الدكتور عظيم الدين ببتنه، والبروفسور حسن عسكري ببتنه، والأستاذ عبد الرحمن الكاشغري بكلكتا، والأستاذ محمد داود الغزنوي بلاهور، والدكتور الشيخ محمد عناية الله بلاهور، والدكتور محمد حميد الله بحيدر آباد، والأستاذ شرف الدين وأولاده ببومباي، والأستاذ عبد المجيد الحريري ببنارس، والبروفسور محمد أكبر الندوي بجامعة كلكتا. والحكيم الحافظ يوسف حسن خان ببتنه، اشكرهم جزيل الشكر، وأراه واجبا علي، فلولا مساعدة هؤلاء الأكابر كان من الصعب علي الحصول على كثير من الكتب النادرة أو المفقودة. ومن الضروري أن أذكر هنا عالما نجديا قد أرسل إليّ سلام المحبة حينما سمع عن هذا الكتاب في بومباي، ثم تجشم السفر إلى بتنه بطريق بنارس وشرف بيتي بنزوله

_ 1 انتهت هنا مقدمة المؤلف، وما بعده كان في صورة تنبيهات زائدة على المقدمة، ولكنني جعلته مع المقدمة لعلاقته بها (المترجم) .

مدة يومين، وهو الشيخ محمد عمران بن محمد عمران من سكان الرياض بنجد، وكان رجلا متعلما من المتوسطين، إلا أنه من الذين تربوا بتعاليم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومن نجد فنفس الاتباع للسنة والتقوى والحماس والعمل الذي كنا نسمع أنه من مميزات هذه الجماعة. وعلى أقل تقدير ففي الهند نادرا ما رأيت مثله.. وقد استفدت منه كثيرا، وخاصة في تعيين سني وفاة علماء نجد المتأخرين عن ذاكرته وبجزم تام، إلا أنني قد بينت ما اعتمدت فيه على روايته في مواضعه. وأرجو من القارئ الكريم أن تكون الأمور التالية على بال منه أثناء مطالعة الكتاب وسأكون شاكرا: 1. قد اكتفيت بذكر اسم المصنف أحيانا، وذلك اجتنابا من التطويل بذكر المصادر، ويمكن تعيين الكتب في باب المراجع. 2. قد حاولت قدر الإمكان التوفيق بين التواريخ الهجرية والميلادية، ولكن اكتفيت بذكر السنة الميلادية مع السنة الهجرية حينما رأيت صعوبة في تعيين اليوم والشهر. 3. حينما أذكر كلمة "شيخ الإسلام" أو "الشيخ" بدون اسم خاص فالمراد منه هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكذلك من آل الشيخ أولاده وأحفاده مع أن كتب الجماعة تستعمل لقب شيخ الإسلام للإمام ابن تيمية رحمه الله. 4. لم ألتزم الحرفية في الترجمة من العربية أو الإنجليزية، إلا أنني حاولت أن أعبر عن المفهوم صحيحا كاملا عن الأصل. 5. من الممكن الوهم أو الخطأ في نطق الأعلام الإنجليزية، فإن وجد خطأ من هذا القبيل فأرجو التنبيه، وإن أي تصحيح من أي نوع كان أقبله بشكر. مسعود عالم الندوي بتنه: 8 جمادى الأولى 1361 هـ

الداعية: حياته وخدماته

الداعية: حياته وخدماته الجزيرة العربية أيام ازدهاد المسلين ... الجزيرة العربية أيام ازدهار المسلمين "لقد شاهدت الصحراء العربية آلافا من تقلبات الليل والنهار، ولكن لم تكن هناك حادثة أهم من هذه الحادثة، حيث بهرت هذه الرمال المظلمة عيون العالم بأجمعه بعدما استنارت بنور شمس ساطعة (أي البعثة النبوية) ، وأقامت معالم النور في جميع أنحاء الدنيا، ولكن بمجرد ما فرغت من تنوير الجبال والصحاري، وإضاءة البر والبحر، اختفت من عيون الناس وذهب وارءها، لماذا؟ لأن الأمم التي اقتبست من هذه الأنوار زعمت أن بريقها ولألاءها لا يمكن أن يبهر عيون العالم أمام لمع هذه الرمال الصحراوية، فخير لها أن تبقى مظلمة خامدة"1 كان الحجاز قد فقد مكانته القيادية في عصر بني أمية، فقد جعله ساسة دمشق زاوية للسدنة، وأبناء المشايخ، وعلى أثر ذلك قضى سيف أبي مسلم الخراساني على نصيب العرب السياسي (132 هـ) والحكومة العباسية التي قامت على هذا الأساس تحولت إلى ملكية عجمية درجة بعد درجة. ظهرت قوة الأتراك في عصر المعتصم (218-227 هـ/ 833- 882 م) حتى اعتلوا على العرش وامتلكوا الدولة. سادت عشرات من الدويلات بعيدا وقريبا ثم بادت. ولكن الرجل العربي المسكين لم يكن له أي نصيب في هذه التقلبات. وفي عصر ازدهار المسلمين هذا أسست مدارس العلم في بغداد وقرطبة، نبعت ينابيع الرشد والهدى في جوامع الأزهر والزيتونة والقرويين، فتح الأتراك قسطنطينية، وزلزل سليمان الأعظم (926- 974 هـ/ 1520- 1566 م) أسوازفينا، دوخ المغول أرض الهند، ولكن الجمال العربي مازال يتنعم بنوم لذيذ في صحرائه.

_ 1 السيد سليمان الندوي, مجلة معارف عدد نوفمبر سنة 1924 م.

حكم. الأتراك العثمانيون قرونا على الحجاز، وقدموا قرابين تبلغ الآلاف والملايين، وخصص القسم الأكبر من محاصيل مصر لخدمة الحرمين، عينت رواتب كبيرة للسدنة، ولكن لم يفض أي نبع للعلم في وادي العرب الذي هو غير ذي زرع، وراجت اللغة التركية في المكاتب. الله أكبر! حكومة خليفة المسلمين، وتسيطر في مهبط الوحي لغة لا تمت إلى لغة القرآن بصلة، إن في ذلك لعبرة. وما أكثر أعاجيب هذه الدنيا، وما أكثر ألاعيب الملك والسيادة، نعم! بقيت اللغة التركية هي اللغة الرسمية والضباط هم أتراك. أما العرب فلم يبق لهم شغل إلا سدانة القبور والاستجداء، أو قطع الطرق على غرار أيام الجاهلية الأولى. محمد بن عبد الوهاب: وأخيرا لما غشي الظلام العالم مرة أخرى، ترك المسلمون كتاب الله وسنة رسوله، واتخذوا مئات من الآلهة دون الله الواحد، وصاروا ينادون ويدعون البدوي والرفاعي في مصر، وعبد القادر الجيلاني في العراق والهند، وابن عباس في مكة والطائف، وابن علوان في اليمن1، وأصبحوا يخضعون ويتذللون أمام الأشجار والأحجار. عندما وصل الأمر إلى هذا الحد طلعت شمس الهدى والرشد من واد غير ذي زرع، ورمال الأرض العربية التي كانت قد اشتهرت بطيب العرار والخزامي2، قد فاح فيها طيب التوحيد، وكلمة الحق حتى عطرت العالم بأسره. وأريد بهذا شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب- رحمه الله ونور ضريحه- الذي أعاد إلى الأذهان دروس التوحيد- التي

_ 1 تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد للصنعاني ص: 2- 5. 2 ورد ذكر العرار والخزامي, بكثرة في الكلام العربي. وقد ذكر محمود شكري الألوسي (م 1342 هـ) عدة أبيات من هذا القبيل في تاريخ نجد ص: 8- 9.

كانت قد نسيت- بجهده المتواصل وعمله الدائم، وبلغ رسالة الحق والصدق إلى حيث وصل صوت هذا الرجل المجاهد. العالم الإسلامي عند ولادة ابن عبد الوهاب بلغ العالم الإسلامي إلى دركه الأخير في الانحطاط الفكري عند نهاية القرن الثامن الهجري، فقد كانت أبواب الاجتهاد والفكر قد أغلقت منذ زمان، وكان العلماء يتدارسون متون المتأخرين وحواشيهم وكانت الحالة في الناحية العملية أسوأ وأسوأ، ولكن بلغ هذا الانحطاط في بداية القرن الثاني عشر الهجري إلى حد يتأسف منه الكفار، ويتحيرون حينما يقارنون بين حالتهم وحالة المسلمين في عصر الصحابة. قال الكاتب الأمريكي استودارد (lothrop Stoddard) :- "أما الدين فقد غشيته غاشية سوداء. فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة سجفا من الخرافات وقشورا من الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عدد الأدعياء الجهلاء، وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات، ويوهمون الناس بالباطل والشبهات، ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور، وغابت عن الناس فضائل القرآن، فصار يشرب الخمر والأفيون في كل مكان، وانتشرت الرذائل، وهتك ستر المحرمات على غير خشية ولا استحياء. ونال مكة المكرمة والمدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام، فصار الحج المقدس الذي فرضه الله على من استطاعه ضربا من المستهزءات. وعلى الجملة، فقد بدل المسلمون غير المسلمين، وهبطوا مهبطا بعيد القرار، فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر، ورأى ما كان يدهى الإسلام لغضب، وأطلق اللعنة على من استحقها من المسلمين كما يلعن المرتدون وعبدة الأوثان1.

_ 1 حاضر العالم الإسلامي (ترجمة عجاج نويهض) ص: 34.

هذه صورة صورها معلق كافر، ولكن الخطوط والآثار التي تظهر في هذه الصورة للمسلمين أليست صحيحة اليوم إلى حد كبير؟ وكما يرى الأمير شكيب أرسلان "لو أن فيلسوفا نقريسيا من فلاسفة الإسلام، أو مؤرخا عبقريا بصيرا بجميع أمراضه الاجتماعية، أراد تشخيص حالته في هذه القرون الأخيرة ما أمكنه أن يصيب المحز، وأن يطبق المفصل تطبيق هذا الكاتب الأمريكي استودارد"1. وإن لم يثقل عليك طول الكلام فاسمع حكاية أخرى لشقاءك بلسان معلق غربي آخر: "قد بردت عواطف المسلمين في القرن الثامن عشر، وما يسمى بالخليفة كان قد فقد قوته، حتى إن أهل النواحي الجنوبية ما كانوا يعترفون بسيادته، وأهل اليمن كانوا قد خلعوا نيره منذ قرون. وأشراف مكة كانوا متحمسين لمخالفة رئيسهم أكثر من النصارى. أما وحدة الاتجاه التي ترى الآن ما كانت يشعر بها في تلك الأيام إلا قليلا. المركز الروحي في مكة كان واقعا في حبل التنعم والتلذذ المادي، وتستطيع أن تجد عطفا وشفقة على كل شيء إلا على الزهد والورع، مع أنهم كانوا يشاهدون فتح النصارى للهند بأعينهم، وكانت الجيوش الكافرة تطوي فراش الأتراك، ولكن العرب قليلا ما يشعرون بهذه الحوادث. أما الغضب والنقمة الموجودان اليوم على فرنسا وبريطانية وروسيا، فقد كانا مفقودين بتاتا في تلك الأيام، وإذا عدم الغضب انعدم الحماس فكيف بالدعوة إلى الإسلام. وخلاصة القول أن الإسلام كان متجها إلى الانحطاط. أما النهضة التي وصلت تياراتها إلى أفريقيا والصين في القرن التاسع عشر المسيحي، فقد كان من المستحيل أن يتوقعها أحد في ذلك الوقت2. نَجْد قبل ابن عبد الوهاب: لقد رأيت لمحة قصيرة لحالة العالم الإسلامي، والديار المقدسة بالحكايات التي

_ 1 أيضا. 2 هوغارث penetration of arabia وقد ألف الكتاب في سنة 1904 م.

سبقت، ولكن حالة نجد- قلب الجزيرة العربية- كانت أسوأ وأسوأ. وأقل ما يمكن أن يقال إن أهل نجد كانوا قد جاوزوا الحد في الانحطاط الخلقي، فلم يكن عندهم أي اعتبار للخير والشر في مجتمعهم، وكانت العقائد الوثنية قد تمكنت في القلوب بمر القرون، حتى أن كثيرا من الناس كانوا يظنون هذه الخرافات نموذجا صحيحا للدين، وما كان عندهم أي استعداد للتزحزح عما وجدوا عليه آباءهم خطأ أو صوابا. وفي الجبيلة (وادي حنيفة) ، كان يعبد قبر زيد بن الخطاب، وفي الدرعية كانت توجد بعض القبور والقباب، وتنسب إلى بعض الصحابة، وكانت مراكز للتعبد الجاهلي من الدهماء، وفي وادي غبيرة كانت قبة ضرار بن الأزور سوقا للبدع والأوهام. والقلم قاصر عن بيان ما كان يعمل الشباب والفتيات مع شجرة قديمة في بليدة الفداء، فقد كانت النساء العاقرات يباشرن هذه الشجرة لطلب الأولاد، وكان غار على مقربة من الدرعية ترتكب عنده أكبر الفواحش المخزية وهلم جرا1. كل هذا كان باسم الدين، والأشخاص المعدودون الذين كانوا يملكون بعض النصيب من الفقه والحديث، ما كانوا يجدون في أنفسهم قوة تحدوهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهل كانت أغلبية علماء نجد خارجة عن عداد علماء العالم الآخرين-!! أما الحالة السياسية فقد كانت أفسد وأسوأ. كانت نار الحرب الأهلية متأججة في جميع أنحاء نجد. كان بنو خالد مسيطرين على شمالي نجد (جبل شمر) في قبيلة طي

_ 1 ورد ذكر البدع السائدة في نجد في جميع الكتب التي ألفت في تاريخه، ومن أراد التوسع فليراجع الكتب التالية:- 1- روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعدد غزوات ذوي الإسلام تأليف الشيخ حسين بن غنام (م 1225 هـ) ص: 7-16. 2- عنوان المجد في تاريخ نجد تأليف عثمان بن بشر النجدي (م 1288 هـ) ص: 6 وهذان الكتابان هما الأم والأصل في تاريخ نجد. 3- الهدية السنية والتحفة الوهابية النجدية لسليمان بن سحمان ص: 9- 47 وأيضا تبرئه الشيخين الإمامين له ص 161- 163. 4- arabia لفلبي ص: 4- 5. ومرجع فلبي وابن سحمان هو كتاب ابن غنام.

والحسا والذي يظهر أن إمارة العيينة كانت تعترف بسلطان بني خالد. وفي الدرعية كانت قبيلة عنزة ترسخ أقدامها، وفي منفوحة على قرب من الدرعية قامت أمارة دواس. ونجد مع صغره وضيق أطرافه كان مفرقا بين دويلات وإمارات صغيرة عديدة1. ولادة محمد بن عبد الوهاب: في هذه الأيام المظلمة والأحوال السيئة فتح محمد بن عبد الوهاب عينيه، وولد في بيت معروف بالعلم في مدينة العيينة2. وذلك في سنة 1115 هـ (1703 م) 3 فكان جده سليمان بن على بن مشرف من أشهر العلماء في عصره، وكان مركزا ومرجعا للعلماء

_ 1 فلبي ص: 4- 6. وليس من السهل فهم جغرافية العرب، وخاصة نجد؛ لأنه لا يوجد هناك تقسيم بالولايات والمديريات كما يوجد في بلادنا، وحتى قبل هذا العصر ما كانت توجد هناك وحدة سياسية تذكر، وبالإجمال فإن بلاد نجد منقسمة إلى ثلاث نواح كبيرة. 1- الناحية الشمالية الغربية وتسمى شمر ومن مدنها الشهيرة حائل والقصر. 2- الناحية الشمالية الشرقية وتسمى القصيم، ومن مدنها الشهيرة عنيزة وبريدة. 3- الناحية الجنوبية وتسمى العارض، ومن أشهر بلادها الرياض. وهي الآن عاصمة المملكة العربية السعودية، وتسمى ناحية العارض "بجبل اليمامة" أيضا. وهذا في الأصل اسم الجبل والناحية التي تقع حولها تسمى "وادي حنيفة" أو "اليمامة"، وتقع مدينة العيينة مسقط رأس شيخ الإسلام "والدرعية" مركز دعوته في هذا الوادي، وهما كالقلب في نجد. وللتوسع براجع دائرة المعارف الإسلامية كلمة "arabia" (المجلد الأول ص: 371) أو "نجد nejd" (المجلد الثالث ص: 893- 896) . (*) لا تعرف مدينة تسمى "القصر" وأما القصيم فيقع في الناحية الشمالية الغربية (المترجم) . 2 العيينة بضم العين وهو تصغير للعين ويقال لها الآن أيضا "بار الشيخ". 3 ابن غنام 1 / 30 وابن بشر 1 / 138 , ومن الكتاب المتأخرين ذكر أحمد زيني دحلان تاريخ الولادة سنة 1111 هـ (الدرر السنية ص: 138) خلاصة الكلام ص: 229) وذكر الأمير شكيب أرسلان (حاضر العالم الإسلامي 4 / 161) 1116 هـ وكلاهما خطأ وهكذا هيوجس (huges في كتابه "dictionary of islam" (ص: 659) وولفر ولفرد في "a piligrimage to najd" (ملحق ص: 125) وزويمر في كتابه "thecradlo of islam arabia" وغيرهم قد ذكروا ولادته في سنة 1691 م وهو غلط فاحش. وقد أخطأ هوغارث أيضا إذ ذكرها في سنة 1696 م. وإتباعا لهذه المراجع قد يخطئ أصحابنا أيضا.

وله كتاب مشهور في المناسك، وذكر صاحب السحب الوابلة أن الحنابلة في الغالب يعتمدون على هذا الكتاب في باب المناسك1. وكان عمه إبراهيم بن سليمان عالما جليلا أيضا، وابنه عبد الرحمن (م 1256 هـ) كان فقيها وأديبا، ووالد الشيخ وهو عبد الوهاب بن سليمان (م 1153 هـ) ، كان ذا باع طويل في الفقه، وبقي قاضيا مدة طويلة في العيينة وحريملاء. وسليمان بن عبد الوهاب (م 1208 هـ) ، كان صاحب علم عظيم وكذلك كان ولده عبد العزيز (م 1263 هـ) وكان موجودا في حريملاء عند الغارة المصرية في سنة 1236 هـ، وحبس وذاق أنواعا من المصائب، وأحرقت مكتبته ونهبت أمواله2. نشأته: كان محمد بن عبد الوهاب منذ نعومة أظفاره بارزا متفوقا في الذكاء وقوة الحفظ، وقد حفظ القرآن الكريم وعمره أقل من عشر سنين. ثم درس كتب الفقه الحنبلي على والده، وطالع كتب الحديث والتفسير بكثرة في صغره. وقد أعجب والده عبد الوهاب بذكاء هذا الولد الطامح ومواهبه، ويقول: إنه قد استفاد من ذكاء ابنه البارع، وسعة اطلاعه أيام تدريسه. وكان الشيخ عبد الوهاب متأثرا جدا بولده حتى أنه كان يقدمه

_ 1 ونسبه الكامل هكذا: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن مشرف إلخ وتوجد تراجم عدة أشخاص من هذا البيت في كتاب "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة "مخطوط في المكتبة الشرقية ببتنه" وهم: 1- سليمان بن علي بن مشرف ص: 103. 2- إبراهيم بن سليمان بن علي ص: 8 , 9. 3- عبد الوهاب بن سليمان بن علي وسليمان بن عبد الوهاب وعبد العزيز بن سليمان (م 1263 هـ) ص: 171 , 172. 4- عبد الوهاب بن عبد الله بن عبد الوهاب بن مشرف (م 1125 هـ) ص: 172. 2 عنوان المجد 1 / 236.

للإمامة مع صغره. تزوج وهو صغير السن، ثم أدى فريضة الحج، وأقام شهرين في المدينة المنورة، ثم رجع إلى العيينة، واشتغل في طلب العلم من والده، ونسخ المذكرات والكتب العلمية حتى إنه كان يكتب عشرين صفحة في جلسة واحدة1. في سبيل العلم: كانت القدرة الإلهية قد وهبت ابن عبد الوهاب قلبا مرهف الحس شديد التأثر، وكان يتألم أشد الألم لما يرى حوله من الحالة البائسة للقرى والمدن في نجد، وكان العلماء في حالة سيئة فضلا عن العوام. وقد أخذ محمد عن والده عبد الوهاب كل ما كان يستطيع، وكان والده من كبار علماء نجد، ولم يأل جهدا في تعليم ولده، ولكن كيف يمكن لمجدد المستقبل ومصلحه أن يرتوي غرفتين من الماء. وكان قد تشرف بحج بيت الله الحرام، وكانت مركزية الحجاز قد أثرت في نفسه، وحينما فكر في طلب العلم قصد الحجاز، وحينما كان الشاب الطامح في العشرين من عمره خرج يجول ويصول في الفيافي طلبا لليلى العلم وتوجه إلى الحجاز2. حج بيت الله وزار المسجد النبوي مرة ثانية، ثم حضر مجالس العلماء، وانقطع لطلب العلم واستفاد بالخصوص بصحبة الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف، أحد العلماء المشهورين من المجمعة في بلاد نجد، وكان قد سكن في جوار الرسول عليه الصلاة والسلام3. وتستطيع أن تعرف جلالة قدر الشيخ عبد الله بن إبراهيم النجدي ثم المدني وإخلاصه من هذه الرواية التي رواها الشيخ محمد بن عبد الوهاب. قال:

_ 1 ابن غنام: 1 / 30. 2 هذه قصة سنة 1135 هـ تقريبا. 3 كان الشيخ عبد الله بن إبراهيم من الفقهاء المشهورين في زمانه. سافر إلى الشام واستفاد بعالمه الحنبلي الشهير الشيخ أبو المواهب الحنبلي (م 1126 هـ) ، وكان ابنه إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم (م 1185 هـ) من العلماء المعروفين أيضا وكتابه "العذب الفائض في شرح ألفية الفرائض" من الكتب المشهورة. (السحب الوابلة- ص 11 , 12) .

"كنت عنده يوما فقال لي: تريد أن أريك سلاحا أعددته للمجمعة؟ قلت: نعم. فأدخلني منزلا عنده فيه كتب كثيرة وقال: هذا الذي أعددنا لها1. وتعرف بالشيخ محمد حياة السندي (م 1165 هـ) بوساطة الشيخ عبد الله بن إبراهيم نفسه، وكان من أساتذة الحديث المعتمدين في المدينة، وصار ابن عبد الوهاب من تلامذته الخواص، ومكث عنده زمنا طويلا2. ويذكر في هذا الصدد تتلمذ ابن عبد الوهاب على العالم الشامي الشهير الشيخ علي الداغستاني (م 1199 هـ) ولكن العقل يستبعده3 وكذلك ورد في بعض الكتب ذكر استفادته من المحدث الكبير محمد بن سليمان الكردي المدني (م 1194 هـ) إلا أن السنين والأحوال تشهد بعكس هذا بالإضافة إلى سكوت التواريخ المعتمدة المعاصرة4. وقد ذكر الأستاذ المحترم السيد سليمان الندوي أن الشاه ولي الله الدهلوي (م 1176 هـ) وشيخ الإسلام - رحمهما الله - قد استفادا من منبع واحد أي: المسجد النبوي5.

_ 1 عنوان المجد 1 / 7. 2 عنوان المجد 1 / 25 وسلك الدرر 4 / 34. 3 كان الشيخ علي الداغستاني يحتل مكانا عاليا في علماء دمشق. أقام مدة في المدينة وروى عن الشيخ محمد حياة السندي، واستفاد منه عشرات من الناس. ولد في سنة 1125 هـ، ورحل إلى المدينة النبوية، وطلب العلم ومكث مدة ثم رجع سنة 1150 هـ (سلك الدرر 3 / 215) ، وعلى هذا فيكون صغيرا جدا أثناء إقامة الشيخ في المدينة، ولذلك استبعد استفادة الشيخ منه. وقد ذكر هذا من المعاصرين محب الدين الخطيب (الزهراء رجب 45 هـ) ومحمد حامد الفقي (أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني ص: 47) . 4 لم يذكر ابن غنام ولا ابن بشر تتلمذه على الشيخ سليمان الكردي، وتفرد بذكره أحمد زيني دحلان فقط. (الدرر السنية ص: 35- 42) وبكل قوة. ولكن كتابه هذا -وكذلك كتابه خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام- مليء بالأخطاء، بل الافتراءات حتى أن القلب لا يرضى أن يقبل هذه الرواية التي لا تضر شيئا، ثم إن السنين تشهد بخلافه. فمحمد بن سليمان الكردي توفي سنة 1194 هـ عن عمر سبع وستين سنة (سلك الدرر 4 / 111 , 112) ، وهكذا تكون ولادته في سنة 1127 هـ تقريبا، ويكون صغير السن أيام طلب الشيخ وتتلمذه عليه بعيد. 5 مذهب سلاطين نجد معارف نوفمبر سنة 24.

ولا شك في وحدة المدرسة (المسجد النبوي) مع وحدة المصدر الحقيق أي: الكتاب والسنة إلا أننا لا نعلم وحدة الأساتذة. ذكر لبيب البتنوني طلبه العلم في مكة المكرمة لكن لا تؤيده أي رواية صحيحة معتمدة. توجه الشيخ من المدينة النبوية إلى البصرة، ودرس على الشيخ محمد المجموعي الحديث واللغة ولازم صحبته. ويروي ابن بشر عن أستاذه عثمان بن منصور الناصري أن أولاد الشيخ محمد المجموعي أيضا كانوا ذوي باع طويل في العلم1. وكان يريد الشام أيضا2، لكن قلة الزاد حالت دون همه هذا فرجع إلى حريملاء (نجد) بطريق الأحساء حيث انتقل والده في سنة 1139 هـ/ 1726 م من العيينة. في ميدان الدعوة: كان ابن عبد الوهاب مولعا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منذ صغر سنه، وصارت البدع تقلق باله منذ دراسته الابتدائية في الفقه والحديث في العيينة. وكلما وجد عملا يخالف أصول الدين حاول أداء فريضة النهي عن المنكر. توجه إلى الحديث بعد ما استفاد في المدينة النبوية من محمد حياة السندي، وعبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي، ثم رفع بصره ونظر حواليه، فرأى العالم مغطى في رداء أسود من الضلال، وحسبما عرفنا أن الشيخ أول ما رفع صوته بإنكار الاستغاثة كان في تلك الأيام وعيل صبره حينما رأى أعمال الجهلة عند قبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. وذات

_ 1 عنوان المجد ص 1 / 8. 2 أما مرغليوث فقد تجاوز الحد (دائرة المعارف الإسلامية 4: 1086 , 1089) في الافتراءات والأكاذيب, حيث يقول: تزوج في بغداد وقد ماتت وتركت ألفين.. زار كردستان وهمذان, وقم, وأصفهان وأقام هناك. كذلك برائجس abrief history of wahhaby p.7) وهيوجز (ص: 659) وزويمر (ص: 192) وبالغريف (4: 363) ذكر بعضهم أنه سافر إلى بغداد، وبعضهم ذكر سفره إلى دمشق، وبعضهم جمع بينهما. ولكن الحقيقة أن شيخ الإسلام لم يجد فرصة التجاوز عن البصرة، ولا نجد دليلا على سفره إلى بغداد أو الشام أو مصر.

مرة كان واقفا عند الحجرة النبوية، وكانت سوق البدع نافقة أمامه إذ مر عليه أستاذه الشيخ محمد حياة السندي، فسأله الشيخ: ماذا تقول في هؤلاء؟ فأجاب الأستاذ: ((إنّ هؤلاء متبّر مّا هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون)) 1. وازداد هذا الشعور في البصرة فصار ينهى عن المنكر بلا خوف، ونتيجة لذلك عانى أنواعا من المشقات، وفي الأخير اضطر إلى أن يترك البصرة. وزيادة على ذلك عذب الشيخ محمد المجموعي أيضا لأجل صلته به وعطفه عليه. طرده الأشقياء في وقت الظهيرة، وكان يتقدم في هذه الحالة النكدة إلى الزبير2 حتى جف حلقه من شدة العطش إلى أن جاءه رجل صالح (وكان يملك حميرا يكريها) يسمى أبا حميدان، فساعده وسقاه وأركبه على حماره حتى أوصله إلى الزبير3. وكانت هذه مراحل أولية وأعمالا تمهيدية للدعوة الأساسية. فلما رجع إلى حريملاء صمم على استئصال البدع، ونشر التوحيد والأخلاق، وأسس دعوته على تحقيق التوحيد، وركز على إخلاص العبودية لله تعالى فقط أيا كان نوعها. وكان شعاره إعلاء كلمة الله. وليس من لعب الأطفال التصدي لإصلاح أخلاق فسدت من القرون الطويلة، وكان يريد أن يوجد عواطف الصلاح والشفقة في البدو بدلا من عادات السرقة وقطع الطرق والخداع والنهب.. كانت غايته إصلاح عقيدة الجهال، وإقامتهم بباب الإله الحقيقي بدلا من الآلهة الباطلة والقبور والقباب. ولا يتجرأ على هذا كل من هب ودب. هذا عمل يقتضي الإيمان الخالص والعزيمة الصادقة، ويظهر من خلال تلك المصائب الشديدة التي عاناها الشيخ في هذا السبيل، والمشقات التي استقبلها صابرا ضاحكا مبتسما إنه كان متحليا بهذه الأوصاف حق التحلي.

_ 1 عنوان المجد 1: 7. 2 الزبير: قرية كبيرة قرب البصرة عمرت باسم الزبير بن العوام رضي الله عنه. وأهل هذه القرية معروفون باتباع السنه حتي الآن. 3 عنوان المجد 1: 8.

دعا إلى التوحيد وحاول النهي عن الخضوع لغير الله والاستغاثة بالقبور والأولياء، واتخاذ عباد الله الصالحين آلهة يعبدون. واتخذ خطوات عملية للقضاء على البدع التي دخلت في الطريقة المسنونة في زيارة القبور- ولا تسأل بعد هذا-، فقد تدفقت سيول المخالفات وبدأ الأعزاء والأقرباء يؤذونه حتى إن الوالد نفسه ما أعجبه هذا الصنيع. وكان الشيخ يراعي كل المراعاة أدب الوالد واحترام الأستاذ ولكن الخطوات المتقدمة لم تتراجع. تجاوز الإيذاء كل الحدود ولكن جبل الصبر والعزيمة لم يتزحزح عن مكانه. ومع كل العقبات والموانع مازال يستمر في دعوته، واشتهر أمره في جميع مدن العارض وحريملاء والعيينة والدرعية والرياض وغيرها، وبدأت تعاليمه تنتشر. كانت الدعوة مستمرة- ولكن سيرها كان بطيئا - بسبب برودة الوالد1 وتوفي الوالد في سنة 1153 هـ/ 1740 م فاشتدت الدعوة. وبدأ يدعو الناس إلى اتباع السنة ونبذ البدع جهرا على رؤوس الأشهاد، وتأثر به بعض أهل حريملاء، فصاروا من أشد مناصريه ومساعديه، وبدءوا يحضرون دروس الشيخ ويستفيدون من مواعظه، وألف الشيخ "كتاب التوحيد" في هذه المدة2. في العيينة سنة 1157 هـ/ 1744 م خطت الدعوة خطواتها الأولى وحينذاك أحس الشيخ أنه من الصعب نجاح الدعوة في حالة الفوضى هذه. ففي كل ناحية أمير3 حتى في حريملاء نفسها قبيلتان تتناحران للرئاسة4، وفي مثل هذه الأحوال كان من الصعب اتخاذ أي خطوة مؤثرة.

_ 1 ذكر محمد حامد الفقي (ص: 51) أن الشيخ عبد الوهاب كان محايدا. 2 روضة الأفكار: 1 / 36. 3 نظرا للسهولة في الأمور الإدارية كانت البلاد تقسم في أربعة أقسام في العصر العثماني ولاية ولواء وقضاء وناحية. وكانت العارض من النواحي ذكرها الآلوسي باسم "ناحية العارض". 4 ذكرت في عنوان المجد (1: 9) فتنة بعض العبيد الذين كانوا يريدون قتل الشيخ. والكتب الأخرى التي ذكرت هذه القصة مأخذها في الغالب هو هذا.

فصمم العزم على توحيد بلاد نجد كلها تحت راية واحدة، وكان يعرف كل المعرفة أنه ليس من السهل نشر الدعوة في البلاد القاصية والدانية في مدة قصيرة إلا بحماية أمير ذي قوى ونفوذ1، وهذه هي الأفكار التي دعته إلى مكاتبة أمير العيينة عثمان بن معمر. ولما وجد الأمير مستعدا لقبول الحق انتقل بنفسه إلى العيينة، فأكرمه الأمير كل الإكرام وعظمه كل التعظيم، وتزوج الشيخ بجوهرة بنت عبد الله بن معمر فتوطدت العلاقات أكثر في الظاهر، ولكن الشيخ كان يحمل غاية وهدفا معينا ومحددا، فالعلاقات الشخصية والقبلية قد تكون وسيلة للوصول إلى ذلك الهدف والغاية، ولكنها ليست غاية. عرض الشيخ دعوته على أمير العيينة، وفسر له معنى التوحيد وطلب منه العون والمساعدة في هذه المهمة الجليلة. وكلمات الشيخ هذه جديرة بأن تحفظ وتذكر: "إني لأرجو إن أنت قمت بنصر لا إله إلا الله أن يظهرك الله تعالى، وتملك نجدا وأعرابها." 2 قدم هذا العرض إلى عثمان بكل صدق وإخلاص، ولكن مع الأسف لم يستطع أن يثبت على هذا فذاق عاقبته الوخيمة، وأخيرا انتقلت هذه النعمة من العيينة إلى الدرعية. وعلى كل حال فقد وعد عثمان بن معمر بالمساعدة والنصر، واعتمادا على نصرته بدأ

_ 1 ولا يخفى على العاقل البصير أن القوة المادية لها أهمية عظيمة في نشر الدعوات والأفكار مع القوة المعنوية والحجج والبراهين. فإن أي دعوة إذا لم تكن لديها من القوة ما يحميها، ويذود عنها سرعان ما تتكالب عليها قوى الشر والطغيان حتى تستأصل خضراءها، وتظهر هذه الأهمية من قوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز.} سورة الحديد: 25. وكذلك قوله تعالى: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} . (الإسراء: 81) قال قتادة: فيها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله ولحدود الله، ولفرائض الله، ولإقامة دين الله، فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، فأكل شديدهم ضعيفهم, قال ابن كثير: وهو الأرجح، لأنه لا بد مع الحق من قهر من عاداه وناوأه.. وفي الحديث: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" (تفسير ابن كثير 2: 64) "مترجم".

الشيخ يصدع بدعوته والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وآن لأهل العيينة أن تخشع قلوبهم لقبول الحق رويدا رويدا. وفي هذه المدة تصدى الشيخ للقضاء على بعض مراكز البدع، ونجح في مهمته هذه، فقد كانت هناك بعض الأشجار تعظم في هذه الناحية فقلعها من أساسها1. وكان يوجد قبر باسم زيد بن الخطاب رضي الله عنه2 كان استشهد يوم اليمامة كان هذا القبر في الجبيلة، وعليه قبة فهدمها ولم يكن هذا أمرا هينا حينذاك. ويذكر ابن بشر قصة هدم القبة فيقول: "فقال لعثمان: دعنا نهدم هذه القبة التي وضعت على الباطل، وضل بها الناس عن الهدى. فقال: دونكها فاهدمها. فقال الشيخ: أخاف من أهل الجبيلة أن يوقعوا بنا، ولا أستطيع هدمها إلا وأنت معي.

_ 1 كانت في بلاد نجد عدة أشجار تعبد من دون الله. وذكر الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار نقلا عن ابن غنام: كان في بليدة القداء ذكر النخل المعروف بالفحال يقصده الرجال والنساء، ويفعلون عنده من المنكر ما يأباه الدين والذوق والعقل، ويعملون بين يديه من أعمال العبادة ما لا يصلح عمله إلا لله وحده. فالرجل المضيق عليه في الرزق والمكروب والمريض يطلبون إلى الفحال أن يوسع الرزق ويفرج الكرب ويشفي المرض. والمرأة التي لم يتقدم إليها خاطب تتوسل إليه في خضوع وتقول له: "يا فحل الفحول ارزقني زوجا قبل الحول" فإذا أتمت ابتهالها إليه انصرفت إلى الشبان تغريهم، فإذا تزوجت أحدهم خيل إليها أن ذلك من عمل فحل الفحول. وكذلك قدسوا "شجرة الطرفية" تقديسا كبيرا، فإذا ولدت المرأة ذكرا علقت عليها حبلا أو قطعة من نسيج رجاء أن تطيل الطرفية عمره، فكان الرائي إذا أبصرها لا يكاد يبصر الأغصان والأوراق والساق، بل يظن الرائي أول وهلة أن ما يرى ليس إلا كومة من الحبال وقطع النسيج لكثرتها. (محمد بن عبد الوهاب لأحمد عبد الغفور عطار ص: 20- 21 الطبعة الثانية) "المترجم". 2 زيد بن الخطاب هذا هو أخو عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وكان من جملة الشهداء الذين استشهدوا في معركة اليمامة في قتال مسيلمة الكذاب سنة 12 هـ. وكانت هذه القبة إحدى مراكز البدع والوثنية تشد إليها الرحال للاستغاثة والنذر والذبح وغير ذلك "المترجم".

فساعده عثمان بنحو ستمائة رجل، فلما قربوا منها ظهر عليهم أهل الجبيلة يريدون أن يمنعوهم، فلما رآهم عثمان علم ما هموا به فتأهب لحربهم، وأمر جموعه أن تتعزل للحرب، فلما رأوا ذلك كفوا عن الحرب وخلوا بينهم وبينها. ذكر لي أن عثمان لما أتاها قال للشيخ: نحن لا نتعرضها. فقال: أعطوني الفأس فهدمها الشيخ بيده حتى ساواها، ثم رجعوا فانتظر تلك الليلة جهال البدو وسفهاءهم ما يحدث بسبب هدمها فأصبح في أحسن حال1. هذا بيان حادثة واحدة، ولكن كانت هناك عقبات على كل خطوة فالجهال والعلماء والمشايخ كلهم كانوا منغمسين في ظلمات البدع. كان صوت محمد بن عبد الوهاب وجهده هو الذي رفع لواء الحق بعد ظلمات وضلالات دامت قرونا طويلة، وعرفت البشرية تعاليم الإسلام الصحيحة. أمر الشيخ عثمان بن معمر بإحياء الصلوات مع الجماعة، وعينت عقوبات للمتخلفين، وكان الأمراء يأخذون أنواعا من الضرائب والرسوم، فرفعها الشيخ ونفذ الزكاة فقط، وكان هذان عملين جيدين عملهما عثمان بن معمر وتسبب فيهما الشيخ، إلا أن الأعداء يطعنون فيهما أيضا ويبغونهما عوجا. وفي العيينة بدأ الشيخ يؤلف رسائل الدعوة المتسلسلة التي استمرت إلى وفاته، وصار له بعض الأنصار في الدرعية، فكان يرشدهم ويوجههم من العيينة2. الدعوة تنفى من العيينة: كادت الدعوة أن تتكلل بالنجاح في العيينة وكادت مهمة الإصلاح أن تكتمل، ولكن ظهرت بادرة شر- وما قدر كان- إلا أن آلافا من الخيرات كانت مختفية وراءها. "أتت امرأة إلى الشيخ واعترفت عنده بالزنا والإحصان، وتكرر منها الإقرار فسأل عن عقلها فإذا هي صحيحة العقل وقال: لعلك مغصوبة. فأقرت واعترفت بما

_ 1 عنوان المجد 1: 9 , 10. 2 روضة الأفكار 1: 200.

يوجب الرجم فأمر بها فرجمت-، وأول من تقدمت يده إلى الحجر كان عثمان1 ".أثارت هذه الحادثة المفاجئة بلبلة في الأطراف والنواحي، وخاصة في محافل المتعودين بالجرائم، فامتعضوا أشد الامتعاض، وبلغ الوشاة والنمامون ذلك إلى سليمان بن عريعر الحميدي أمير الأحساء والقطيف، وحرضوه على معاداة الشيخ، وكان هذا الرجل منحرف المزاج خليعا متهتكا، وكان من المتوقع تماما عن أمثال هؤلاء أن يغضبوا ويثوروا على حادثة الرجم، وقال له القائلون: إن هذا الرجل ابن عبد الوهاب يريد أن يسلب عنك حريتك، وكان الكلام مؤثرا فوقع في قلبه، فكتب إلى أمير العيينة عثمان بن معمر مهددا: "إن هذا المطوع2 الذي عندك قد فعل وفعل ... وقال اقتله، فإن لم تفعل قطعنا خراجك الذي عندنا في الأحساء3 ". وكان المبلغ كبيرا أي ألفا ومائتي دينار سنويا عدا الأمتعة والأموال، فوقع عثمان في حيرة وغلب طمع الدنيا على حماية دعوة التوحيد، ولعل الدعوة لم تكن قد رسخت في قلبه بعد، ولعله ما كان يعرف تلك النعم التي تنزل على من يقوم بنصرة الحق. وفي هذه الحيرة والاضطراب أخبر الشيخ برسالة أمير الأحساء. فأراد الشيخ أن يطمئنه وحاول تفهيمه بيقين الواثق، وإليك كلمات الشيخ هذه كما أوردها ابن بشر: "إن هذا الذي أنا قمت به، ودعوت إليه كلمة لا اله إلا الله، وأركان الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أنت تمسكت به ونصرته، فإن الله سبحانه يظهرك على أعدائك، فلا يزعجك سليمان ولا يفزعك4.بذل الشيخ كل جهوده في إقناعه، ولكن إذا سيطر على القلوب خوف زوال الدنيا فلا تؤثر حينذاك أي موعظة ولا تنجح أي نصيحة، خجل عثمان أول الأمر بنصيحة

_ 1 روضة الأفكار 2: 23. عنوان المجد 1: 10. 2 المطوع: هو الفقيه أو العالم في لغة أهل نجد وجمعه مطاوعة وفي جماعة الإخوان الجديدة أيضا تسمى جماعة الدعاة بالمطاوعة. 3 عنوان المجد 1: 10. 4 عنوان المجد 1: 10.

الشيخ الموقرة المبشرة فأحجم، ولكنه لم يستطع أن يصبر فأرسل إلى الشيخ مرة أخرى قائلا: "إن سليمان أمرنا بقتلك، ولا نقدر على غضبه ولا مخالفة أمره؛ لأنه لا طاقة لنا بحربه، وليس من الشيم والمروءة أن نقتلك في بلادنا، فشأنك ونفسك وخل بلادنا1. أرسل إليه هذه الرسالة وأخرجه من العيينة مع جندي يسمى فريدا الظفيري، وقصة هذا النفي محزنة مليئة بالعبر. حر صحراء العرب والشيخ يمشي أمامه راجلا ليس في يده إلا مروحة، ووراءه فريد راكبا على الفرس، وحسبما يروي ابن بشر كان ابن معمر أوعز إليه أن يقتله. الشيخ يمشي ويردد قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} ولم يخاطب الجندي طول الطريق، ولما بسط يده ليقتله أمسكته قوة غيبية كما حدث هو بنفسه، وغلب عليه الفزع والهلع، وفر راجعا على أعقابه إلى العيينة. لقد أدهشته قوة الصدق ورأى حياته في خطر فعلا2. في الدرعية سنة 58- 1157 هـ توجه الشيخ إلى الدرعية بعد ما جاوز حدود ابن معمر، ووصل هناك وقت العصر، فنزل أولا في بيت عبد الله بن عبد الرحمن بن سويلم العريني، ثم انتقل إلى بيت أحد

_ 1 عنوان المجد 1: 10. 2 يظهر من هذه الرواية أن عثمان بن معمر قد تنكر للشيخ ودعوته، أو أنه لم يكن مخلصا في نصرة الدعوة، بل كان يرجو عرض الدنيا، ولكن هذه رواية تفرد بها ابن بشر، وسكت عنها الآخرون، ويقول الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار: إن ابن بشر أيضا قد رجع عن روايتها في المبيضة وأبطلها. "ففي كتاب (عنوان المجد) لابن بشرج 1 ص: 15 طبعة مطبعة الشبندر ببغداد سنة 1328 هـ التي أشرف على تصحيحها العلامة الشيخ محمد بن مانع ما نصه: (واعلم - رحمك الله - إني قد ذكرت في المبيضة الأولى أشياء نقلت لي عن عثمان بن معمر وفرسانه، وأنه أمر بقتل الشيخ في الطريق وغير ذلك، ثم تحقق عندي أن ليس لها أصل بالكلية فطرحتها من المبيضة) "محمد بن عبد الوهاب لأحمد عبد الغفور عطار- الطبعة الرابعة سنة 1392 هـ / 1972 م ص: 58" وبعد ما ثبت أن ابن بشر رجع عن رواية هذه القصة، فالظاهر أن ابن معمر لم ير في نفسه قدوة على الدفاع عن الشيخ ودعوته، فأحب أن ينتقل الشيخ إلى بلد آمن، ولما كانت القدرة الإلهية قد سجلت هذه المناقب للأمير محمد بن سعود وأولاده، اختار الشيخ الدرعية ونزل فيها. والله أعلم (المترجم) .

تلامذته أحمد بن سويلم، ولما بلغ الخبر إلى أمير الدرعية محمد بن سعود حضر إليه مع إخوته مشاري وثنيان، وكلهم عاهد الشيخ على الطاعة والنصر1. هذه الرواية الموجزة مأخوذة من ابن غنام، أما ابن بشر فقد فصل هذه الحادثة التي لها أهمية خاصة في سيرة الشيخ التبليغية، وبعد رواية ابن غنام نذكر رواية ابن بشر أيضا: "وأما الشيخ فإنه سافر إلى الدرعية، فوصل إلى أعلاها وقت العصر، فقصد إلى بيت محمد بن سويلم العريني، فلما دخل عليه ضاقت عليه داره، وخاف على نفسه من محمد بن سعود، فوعظه الشيخ وأسكن جأشه وقال: سيجعل الله لنا ولك فرجا ومخرجا2. مساعدة الأمير محمد بن سعود: نزل الشيخ في بيت ابن سويلم، فصار مركزا لدعوة التوحيد، وبدأ الناس يؤمونه متسترين، واستفاد أهل العلم بالخصوص ولكن هذه الحالة ما كانت مرضية فأراد الشيخ أن يتصل بالأمير فكلم إخوته مشاري وثنيان، فكلما أولا زوجة الأمير موضى بنت أبي وهطان، وكانت امرأة ذكية متدينة، فأثنوا على الشيخ وذكروا علمه وفضله، وحثوها على الاتصال بالأمير، وشاء الله أن يتأثر قلب موضى بعلم الشيخ وفضله فقالت للأمير: "إن هذا الرجل أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله لك فأكرمه وعظمه، واغتنم نصرته3 ". كان الأمير محمد بن سعود معروفا بأخلاقه النبيلة من قبل دعوة الشيخ، فقد تأثر بكلام زوجته، واستقر في قلبه حب الشيخ وسارع إلى لقائه بعد ما ذكر له، فاستقبله بكل محبة وتعظيم، فعرض عليه الشيخ أهم أصول دعوته (معنى لا إله إلا الله، الأمر

_ 1 روضة الأفكار 2: 4. 2 عنوان المجد 1: 11. 3 عنوان المجد 1: 11.

بالمعروف والنهى عن المنكر، والجهاد) ، وألقى خطبة موجزة ذكر فيها المساوئ الموجودة في أهل نجد، ولفت نظره إلى إصلاحها فتأثر الأمير ونطق قائلا: "يا شيخ! إن هذا دين الله ورسوله، الذي لا شك فيه، وأبشر بالنصرة لك، ولما أمرت به، والجهاد ممن خالف التوحيد، ولكن أريد أن اشترط عليك اثنين: 1. نحن إذا قمنا في نصرتك والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان أخاف أن ترتحل عنا وتستبدل بنا غيرنا. 2. إن لي على الدرعية قانونا آخذه منهم في وقت الثمار أخاف أن تقول لا تأخذ منهم شيئا. قال الشيخ: أما الأولى: فأبسط يدك. الدم بالدم والهدم بالهدم. وأما الثانية: فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات، فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منها. فبايع الأمير على يد الشيخ، وعهد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأظهر الاستعداد للعمل بالكتاب والسنة، وجرى هذا في سنة 1157 هـ أو سنة 1158?1. وما أن بايعه الأمير حتى بدأ الناس يأتون إليه زرافات ووحدانا، يستفيدون من علمه ويجددون إيمانهم، وانتقل من العيينة إلى الدرعية أصحابه وتلاميذه الأقدمون، وكان منهم بعض أقرباء الأمير عثمان بن معمر نفسه. الجيل الأول: كان الناس ينجذبون إلى الشيخ من أيام قيامه في العيينة، إلا أنهم كانوا قد قضوا مدة طويلة تحت ظلمات البدع، فكانوا يتلكئون في الإذعان للحق، ولكن إقامته في

_ 1 يذكر ابن غنام موجز هذه الأمور في حدود سنة 1157 هـ حيث يقول: "كانت هذه الأمور في حدود سنة سبع وخمسين بعد المائة والألف من الهجرة (2: 4) ، وأما ابن بشر فيذكر تاريخ انتقاله إلى الدرعية سنة 1158 هـ (1: 15) وبقية التفاصيل مأخوذة من عنوان المجد (1: 11 , 12) .

الدرعية وسمعة الأمير محمد بن سعود الطيبة قد هيأتا للدعوة أرضا صالحة، وقد وصلت إلينا بفضل ابن غنام بعض أسماء أولئك السعداء الذين لبوا هذه الدعوة بكل حماسة في بدايتها، وابتلوا في سبيل ذلك بالمحن والبلايا. وأول من يذكر من الوجهاء والأعيان هم أخوة محمد بن سعود الثلاثة: مشاري، وثنيان، وفرحان1.وامتاز من أهل العلم أحمد بن سويلم وعيسى بن قاسم. ومن ناحية الوجاهة والتأثير العام يذكر محمد الحزيمي، وعبد الله بن دغيثر وسليمان الوشيقيري، ومحمد بن حسين. وكما يقول فلبي: "هؤلاء هم فرسان الوهابية البواسل، وتذكر أسماءهم باحترام حتى الآن وأولادهم يعتبرون جديرين بكل تكريم واحترام في القصر الملكي" (ص: 12، 13) ابن معمر وندامته علي صنيعه لقد اضطرب ابن معمر حينما بلغت إليه أخبار انتشار الدعوة، وقبولها المتزايد يوما بعد يوم، فندم على فعلته الأولى، وحضر إلى الشيخ واعتذر إليه، وطلب منه العودة إلى العيينة فأجابه الشيخ بصراحة. "ليس هذا إليّ. إنما هو إلى محمد بن سعود، فإن أراد أن اذهب معك ذهبت، وإن أراد أن أقيم عنده أقمت. ولا استبدل برجل تلقاني بالقبول غيره إلا أن يأذن لي" 2.

_ 1 إن بيت الأمير محمد بن سعود وأهله كلهم قد أبلوا بلاء حسنا في سبيل الدعوة والجهاد فيما بعد، ولكننا نتكلم الآن في الدعوة في حياة الشيخ. وقد امتاز في هذا الصدد ثنيان بن سعود (م سنة 1186 هـ) ومشارى بن سعود "م سنة 1189 هـ" أما مشارى فقد قدم مساعدات ضخمة لأخيه، وقد أظهر ابنه حسن بن مشارى براعة سيفه في الحروب. وأما ثنيان بن سعود فكان زاهدا عفيف النفس، وهو وإن كان قد حرم من بصره، ولكن بصيرته كانت نافذة. والحقيقة أن محمد بن سعود قد استعد لمساعدة الشيخ بإشارة منه. "روضة الأفكار 1: 94 , 105 , وعنوان المجد 2: 10". 2 عنوان المجد 1: 13.

ولما سمع منه هذا الجواب الصريح ذهب إلى مضيفه محمد بن سعود واستأذنه، ولكنه لم يكن راضيا بأن يبعد عن بيته هذه النعمة بأي ثمن. في ميدان العمل: كانت الدرعية قرية صغيرة قبل أن يأتي إليها الشيخ، وكانت سوق الجهل نافقة فيها، فأقام الشيخ حلقات للوعظ والدرس وبدأ يعلم القادمين إليه علم الكتاب والسنة من الصباح إلى المساء، وكان يجعل جل اهتمامه الأمور اللازمة المهمة في دعوته- دعوة التوحيد وإخلاص العبادة لله- ويرسخها في قرارة النفوس. وقد أظهر شخصه الجذاب ودعوته الصادقة أثرهما العاجل، وكان من فوائد مجالس الوعظ والتذكير أن تقشعت سحائب "ما ألفوا عليه آباءهم". وصار الناس ينظرون إلى خرافات التقاليد والعادات بمنظار الكتاب والسنة فقط. وإن جاذبية هذه المجالس بدأت تجذب العطاش إلى العلم من البلدان النائية إلى الدرعية، وكانت الأرزاق قليلة، ولذلك كان هؤلاء الطلبة يعملون أو يحترفون بحرفة في الليل لكي يحصلوا على قوتهم الذي يقيم أودهم، أما النهار فقد كانوا وقفوه لسماع آيات الله وأحاديث رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبسبب كثرة التلاميذ وضيافتهم كان الشيخ مدينا دائما، ولكن الدعوة كانت تزداد توسعا وانتشارا يوما بعد يوم، وأن سلسلة القادمين ما كانت تكاد تنقطع1. اتساع الدعوة: كان أهل الدرعية من أنصار الدعوة منذ أن دخلها الشيخ، ولكنهم ما كانوا ليكتفوا بهذا فقط، بل كانوا يدعون أمراء نجد وأهل نواحيه إليها، ويخبرونهم بدعوتهم ويرغبونهم فيها، وقد واجهوا مخالفات واتهموا باتهامات وافتريت عليهم افتراءات، ولكن الحق

_ 1 عنوان المجد 1: 13 , 15.

مازال يرتفع ويدوي، وبدأت ثمراته تظهر بعد حي، ن فقد بايع أمير العيينة في السنة الثانية من قيام الشيخ (سنة 1158 هـ أو 1159 هـ) وعاهد على إقامة الحدود الشرعية، وجاء أهل حريملاء أيضا بعد أيام قلائل وبايعوا أيضا. ومن ناحية أخرى كانت مساعدات الأمير محمد بن سعود تنهال عليه انهيالا، فقد كان يأتي بجميع أموال الزكاة والخمس ويلقيها بين يدي الشيخ، يتصرف فيها كيفما يشاء، وكان الشيخ ينفقها في سبيل الله بلا تردد ولا إقتار، والأمير محمد بن سعود، وكذلك وفي عهده عبد العزيز بن محمد بن سعود (م سنة 1179 هـ/ 1865 م الذي تولى الإمارة بعد وفاة والده في سنة 1179 هـ) ما كانا يحركان ساكنا إلا بعد استشارة من الشيخ وإذن منه، ولكن الشيخ كان ورعا زاهدا، فلم يكن يدخر حبة واحدة من هذه الأموال، بل كل ما يجئ إليه ينفقه في سبيل الله. قال ابن بشر: "وكان الشيخ - رحمه الله - لما هاجر إليه المهاجرون تحمل الدين الكثير في ذمته لمؤنتهم وما يحتاجون إليه، وفي حوائج الناس، وجوائز الوفد إليه من أهل البلدان والبوادي، وذكر له أنه حين فتح الرياض كان في ذمته أربعون ألف نجدية فقضاها من غنائمها1. واستمرت سلسلة الديون والإنفاق في سبيل الله إلى فتح الرياض، وأما بعد فتح الرياض2 فقد اطمأن الشيخ بنجاح دعوته إلى حد ما، ففوض الأمور كلها إلى الأمير عبد العزيز، وتخلى من أمور بيت المال ووجه كل عنايته وجهوده إلى التعليم والتدريس، ولكن عبد العزيز ما كان يتصرف إلا بإذن من الشيخ وإشارة منه. الدعوة خارج حدود نجد: كانت دعوة الشيخ محصورة في نواحي نجد حتى الآن، ولكنها كانت دعوة عامة، فما كان نجد وحده يحتاج إلى إصلاح، بل العالم الإسلامي كله كان في غاية الانحطاط، ولكن بداية الإصلاح تكون من البيت، فلذلك كان من الطبيعي أن تكون العيينة

_ 1 عنوان المجد 1: 15. 2 فتح الرياض في ربيع الآخر سنة 1187 هـ أو بعده (يونيو سنة 1773 م) عنوان المجد.

وحريملاء والدرعية والعارض المراكز الأولية لدعوة الشيخ. ولكن من حين أن ظهرت بوادر الحياة في هذه النواحي، وسع الشيخ نطاق دعوته، وكتب رسائل تبليغية إلى علماء البلاد النائية وأمرائها وقضاتها، وحرضهم على قبول دعوته، ولكن قليل من لبى هذه الدعوة في بدايتها، وأما الأكثرون فقد استهزءوا وسخروا فمنهم من رماه بالجهل، ومنهم من زعم أنه ساحر واتهموه باتهامات وافتروا عليه افتراءات، كان الشيخ منزها عنها. ومن أبرز الملبين للدعوة والمؤيدين لها عالم صنعاء المجتهد الأمير محمد بن إسماعيل (م سنة 1182 هـ) ، ولما بلغته دعوة الشيخ أنشأ قصيدة بليغة تلقاها العلماء بالقبول ومطلعها: سلامي على نجد ومن حل في نجد ... وإن كان تسليمي من البعد لا يجدي وفي هذه القصيدة مدح للشيخ وثناء عليه، وذم للبدع ورد شديد على عقيدة وحدة الوجود، وأمور أخرى نافعة جدا1

_ 1 لقد نالت هذه القصيدة رواجا عظيما بين دعاة التوحيد من العلماء والطلاب وضاق بها ذرعا أعداء التوحيد في كل مكان وزمان حتى إن أحدهم تصدى للرد عليها فقال قصيدة مطلعها: سلام بكسر السين لا فتحها نهدي ... لمن حل في صنعا ومن حل في نجد ولما سمع بها أستاذنا العلامة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي- ولم يسمع إلا مطلعها- رد عليها بقصيدة رائعة تحتوي على تسعة وأربعين بيتا. وهذه بعض أبياتها: سلام بكسر السين في قصفة الرعد ... إلى عابد الأوثان في السهل والنجد تعمهم طرا وتختص مارقا ... تصدى بلا علم لهجو أولى المجد وأعني بذا "البيتي" من حل طيبة ... كما درج الشيطان في جنة الخلد إلى أن وصل إلى ذكر الشيخ محمد عبد الوهاب فقال: وثانيهما الشيخ الإمام محمد ... بدا في ربى نجد ضياء لمستهد فجدد دين الله بعد دثوره ... فزال ظلام الشرك والفتنة المردي بدعوته عادت شريعة أحمد ... إلى عهدها الماضي فيا لك من عهد وحطم أوثانا وأوجد دولة ... من العرب بعد الضيم والأسر والجهد فأكرم بها من دعوة أحمدية ... فضائلها جلت من الحصر والعد قلاها عداة الحق من كل أمة ... وكادوا لها كيدا عظيما بلا حد وحاربها منهم جيوش كثيرة ... وأبدت من العدوان ما لم تكن تبدي فأكرم رب الناس بالنصر حزبه ... فولت جيوش البغي بالخزي والطرد وذى سنة الجبار في كل من بغوا ... على حزبه يمنون بالقصم والرد (المترجم)

وكان من أعظم أسباب فرح الأمير محمد بن إسماعيل1 أنه كان يظن نفسه منفردا في هذا الميدان. كما يظهر من شعره هذا: لقد سرني ما جاءني من طريقه ... وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي وقد فرح الشيخ بقصيدة الأمير اليمني وتشجع بها، وأشار إليها في بعض رسائله2. وقد خالف الشيخ أخوه سليمان بن عبد الوهاب (م سنة 1258 هـ) ، وكان قاضيا في حريملاء وخلفا عن أبيه، فألف رسائل في الرد عليه مملوءة بالأكاذيب وكما يقول

_ 1 كان الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني مجتهدا مطلقا إماما في عصره، ولد في ليلة الجمعة 15 جمادى الآخرة سنة 1099 هـ / 1687 م في كحلان، وتوفي في ليلة الثلاثاء 3 من شعبان سنة 1182 هـ / 1769 م. وقد تقدم ذكر رسالته الموجزة في التوحيد "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد" وسنذكرها فيما بعد أيضا. ولمؤلفاته يراجع بروكلمان, ملحق 2: 556 ولترجمته يراجع البدر الطالع 2: 133- 139 وعنوان المجد 1: 53- 56. 2 ابن غنام 2: 4 , 1: 56 , 58. هذا وقد أجاد الإمام الصنعاني في قصيدته وأحسن في عرض العقيدة الإسلامية الصحيحة والدفاع عنها ومدح دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مدحا عظيما. وما أجمل هذه الأبيات: قفي واسألي عن عالم حل سوحها ... به يهتدي من ضل عن منهج الرشد محمد الهادي لسنة أحمد ... فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي لقد أنكرت كل الطوائف قوله ... بلا صدر في الحق منهم ولا ورد وما كل قول بالقبول مقابل ... ولا كل قول واجب الطرد والرد سوى ما أتى عن ربنا ورسوله ... فذلك قول جل يا ذا عن الرد وأما أقاويل الرجال فإنها ... تدور على قدر الأدلة في النقد وقد جاءت الأخبار عنه بأنه ... يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي وينشر جهرا ما طوى كل جاهل ... ومبتدع منه فوافق ما عندي لقد سرني ما جاءني عن طريقه ... وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي قد افترى بعض أعداء التوحيد قصيدة على لسان الإمام الصنعاني وأدخلها في ديوانه، وزعم أنه رجع عن هذه القصيدة. وقد احتوت هذه القصيدة المزورة وشرحها على أمور لا يتصور صدورها عن أي طالب علم فضلا عن إمام عظيم كالصنعاني. وذلك ككلامه عن أهل الردة مانعي الزكاة في عصر أبي بكر - رضي الله عنه - والمختار ابن أبي عبيد الثقفي والجعد بن درهم وإنكاره للإجماع. وزعم هذا المفتري أنه أكثر النقل عن الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم مع أن كلامه في النظم وشرحه مناقض تماما لما ذكره ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله. وأما كلامه عن الوثنيات المنتشرة في بعض طوائف المسلمين فهو مخالف تماما لما ذكره الصنعاني نفسه في كتابه "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد"، وهو الذي يجعل الباحث المنصف يحكم بأن هذه القصيدة المزورة وشرحها لا تصح نسبتها إلى الإمام الصنعاني رحمه الله. فإن كان الصنعاني رجع عن القصيدة النجدية، فهل رجع عن دعوته ورسالته أيضا، وقد ناضل من أجلها طوال حياته؟. ولو سلمنا أن الصنعاني رجع عن القصيدة النجدية وتأثر بتلك الشائعات والافتراءات التي كانت تذاع وتشاع عن دعوة التوحيد تنفيرا للناس، فهذا لا يضر شيئا الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا دعوته، وذلك لأن دعوته مدعمة بالكتاب والسنة، وهي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين الذين بعثوا للناس وإذا كانت الدعوة مستنبطة من الكتاب والسنة النبوية، فهي ليست في حاجة إلى تأييد العلماء، بل إن العلماء هم أنفسهم في حاجة إلى تأييدها ونصرتها، وهذا واجب يحتمه عليهم الإسلام. وللتفصيل في هذا الموضوع يرجع إلى كتاب "تبرئة الشيخين الإمامين من تزوير أهل الكذب والمين" سليمان بن سحمان رحمه الله. هذا, وقد قام الأستاذ الفاضل أبو بكر زهير الشاويش صاحب المكتب الإسلامي في بيروت بتحقيق القصيدة النجدية للإمام الصنعاني، وطبعها في صورة رسالة طبعة أنيقة جذابة فجزاه الله خير الجزاء. ولو أضيفت إليها قصيدة الدكتور الهلالي لصار النفع أعم وأتم. (المترجم)

ابن غنام إنما خالفه "حسدا وغيرة"، وألف الشيخ أيضا رسائل في الرد على ما كتبه إلا

أن الله تعالى قد هداه في آخر الأمر فرجع إلى أخيه تائبا1. "رجع إلى أخيه بالدرعية تائبا سنة 1195 هـ فأحسن إليه الشيخ وأكرم مثواه" وتوجد رسالة سليمان بن عبد الوهاب مطبوعة باسم "الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية"، وأعداء التوحيد يتشدقون بذكر هذه الرسالة، ولكنهم يذوبون خجلا وحياء عند ذكر رجوع سليمان وتوبته. لقد بلغت مخالفة سليمان بن عبد الوهاب أشدها، وفي تلك السنة جمع الشيخ المسلمين من الأطراف والنواحي، وألقي عليهم خطبة شرح فيها دعوته بصورة واضحة صريحة. وسنذكر مبادئ الدعوة والموافقة عليها أو المخالفة مفصلة فيما بعد، والغرض هنا ذكر عموم الدعوة وشمولها، فالمتعطشون للعلم يرحلون إلى الدرعية أفواجا، ورسائل الشيخ في الدعوة والتوجيهات كانت تنتشر في كل ناحية. ابن دواس وأعداء آخرون: لقد كان دهام بن دواس2 أمير الرياض يبتلي الموحدين في الرياض ومنفوحة بأنواع المصائب والمحن، وما كان لهم أي ذنب سوى أنهم انخرطوا في سلك دعوة التوحيد، واتبعوا الشيخ في دعوته. ولفتت اعتداءاته انتباه الشيخ والأمير محمد بن سعود منذ السنة الثالثة من إقامته في الدرعية (سنة 1159 هـ) ، فاضطر الشيخ إلى أن يأذن

_ 1 ابن غنام 2: 108. 2 لقد كان دهام دنيء الطبع, قاسي القلب, متوحش الخلق غضب مرة على امرأة فأمر أن يخاط فمها، وغضب على رجل ذات مرة فأحضر بين يديه فقطع قطعة من فخذه وأمره أن يزدردها نيئة، ولما لم يستطع ضربه ضربا مبرحا حتى طلب أن تشوى له فشويت فابتلعها، وهو يكاد يلفظ نفسه الأخير وبينما كان يشرب قهوة الصباح في بيته إذ سمع رجلا يدعو إلى الله، فأرسل زبانيته ليأتوا به فقطع لسانه بيده. وكان دهام هذا عبدا لأحد عبيد أمير الرياض الأسبق، ولكنه تسلط على الإمارة بحيلة ومكر وخبث وللتوسع في معرفة هذا يرجع إلى روضة الأفكار ص: 89 , 90 تحقيق الدكتور ناصر الدين الأسد. (المترجم) .

لاتباعه في المقاومة والدفاع، وحينذاك قام الأمير محمد بن سعود وإخوانه وأبناؤه ونكلوا بالمعاندين، واستمرت الحروب مدة طويلة. واستمرت المناوشات مع أمير الرياض دهام بن دواس إحدى وثلاثين سنة تقريبا. وما زالت القوتان تتحاربان من سنة 1159 هـ إلى 1187. وفي أواخر سنة 1187 هـ بلغ الخبر إلى ابن دواس أن عبد العزيز بن محمد بن سعود قد هجم على المدينة فترك البلد وولى هاربا واستولى الأمير عبد العزيز على الرياض قلب نجد استيلاء كاملا1. وفي هذه المدة خرجت جيوش أخرى مجاورة إلى ميدان المبارزة، وشنت هجوما على مراكز أهل التوحيد، وغدر عثمان بن معمر حاكم العيينة مرارا2. ولما رأى الأعداء أن قوة الشيخ وأتباعه من أهل نجد لا تزال تزداد وتنموا يوما فيوما، التجئوا إلى استعمال الأساليب الدنيئة فاتهم سليمان بن محمد بن سحيم الشيخ بتهم، وافترى عليه مساوئ عديدة، وأرسل إلى مدن الخليج والأحساء وغيرها، وقد رد الشيخ على رسالة من هذه الرسائل ردا مفصلا، وسنتكلم فيما بعد في أنواع الافتراءات وأجوبتها. واشترك مع أدعياء العلم والعمل في هذه الافتراءات أصحاب العروش

_ 1 فلبي arabia ص: 13- 25. 2 وكان من هؤلاء الهاجمين عريعر بن دجين أمير الأحساء، وكان من ألد أعداء التوحيد، فكان يقتل كل من ظفر به من الموحدين، ويغير على مدنهم وقراهم كلما سنحت الفرصة. ولكن كل هذا لم يثلج صدره ولم يقر عينه، وكانت شعلة العداوة متأججة في قلبه، فرأى أن يهجم على الدرعية نفسها، ويتخلص من هذا الخطر الذي أقضّ مضجعه. خرج عريعر بن دجين في سنة 1178 هـ، وقد جمع كيده من كل ناحية واستنفر كثيرا من أهل القرى والمدن، وتوجه نحو مركز الدرعية في جيش ضخم، وكلما مر على قرية أو قبيلة قدموا له ولاءهم، وخرج كثير من أهل القلوب المريضة عن اتباع الشيخ والأمير محمد بن سعود لما رأوا هذه الجيوش الجرارة وعدتهم وعتادهم ظنوا أن الدرعية سوف تنقلب إلى أساطير بين عشية وضحاها. وصل عريعر إلى الدرعية وحاصر المدينة حصارا كاملا. وطال الحصار، ولكن المدينة كانت محصنة ماديا ومعنويا. فالذين كانوا يدافعون عنها ما كانوا يدافعون عن مدينة واحدة، ولكنهم كانوا يدافعون عن العقيدة التي هي قوام حياتهم ومفتاح نجاحهم، وكانوا يستميتون في سبيل الله. فكانت الجنود المرابطة في أبراج السور تقضي على كل من تجرأ على التقدم نح المدينة، واستمر هذا الحصار عشرين يوما أو أكثر، وأنزل الله الرعب والفزع في قلب العدو فجزع وجبن وولى خائبا خاسرا، ونجت الدرعية ونجا أهلها من شرهم والحمد لله أولا وآخرا (المترجم) .

والقصور من الأمراء والحكام على النواحي، وذلك للحفاظ على مراكزهم وعروشهم1. ولكن مع كل هذه العقبات والموانع مازال نطاق الدعوة يتوسع أكثر فأكثر، وخرج المطاوعة من الدرعية وانتشروا في بلاد نجد كلها، حتى تجلت سنة محمد بن عبد الله (فداه أبى وأمي صلى الله عليه وسلم) في قلب الجزيرة على الأقل في صورتها الحقيقية. الوفاة: توفى الشيخ في شوال أو ذي القعدة سنة 1206 هـ (يونيو أو يوليو سنة 1792 م) بعد ما اشتغل في الدعوة والإرشاد مدة خمسين سنة متوالية. وكان رجلا عجيبا زاهدا

_ 1 ابن غنام 1: 27 , 28 , 142 , 167. وكان أعداء الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوة التوحيد على ثلاثة أنواع: 1- قسم من أدعياء العلم الذين نسوا عهد الله، وتركوا تلك المحجة البيضاء التي تركهم عليها رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -، فرأوا الحق باطلا والباطل حقا، وغيروا عقائد الإسلام الصافية بالبدع والوثنيات، فرأى هؤلاء عارا عليهم أن يفوز محمد بن عبد الوهاب بهذا الإقبال، وتظهر للناس أباطيلهم. كيف وكان فيه قضاء على مراكزهم وأرزاقهم، وعلى أكاذيبهم التي طالما تبجحوا بها عند العامة والدهماء، وأعلنوا بغير خجل ولا حياء أنهم هم القائمون بأمر الله والمحافظون على دين الله. 2- وقسم آخر من العلماء الذين كانوا أحسن حالا من الذين تقدم ذكرهم، ولكنهم اغتروا بسيل تلك الاتهامات والافتراءات، وتأثروا بما افترى عليه أهل الأطماع والأهواء من الأكاذيب، فلم يتثبتوا في الأمر ولم يحققوا في المسألة، وردوا على الشيخ محمد بن عبد الوهاب واتهموه بكل تلك التهم التي كانت تذاع من قبل المبطلين بدون علم ولا تحقيق. 3- والقسم الثالث هم أولئك الأمراء والحكام الذين كانوا يسيطرون على قريات وبليدات في بلاد نجد وغيرها، فكانوا يتنعمون برغد العيش على حساب الأرامل واليتامى، والملهوفين والضعفاء من رعيتهم، ويعيثون في الأرض فسادا. فرأى هؤلاء أن الدعوة الإسلامية الصحيحة إن بقيت في سيرها فسيأتي يوم من الأيام حتما تطأ فيه خيل محمد بن سعود عروشهم وقصورهم. وهكذا اتفق الأعداء فاستل أدعياء العلم سيوف التكفير والتفسيق والإخراج عن الملة، وجلب أصحاب الدويلات خيلهم ورجلهم، وجرّب كل طاقته وسعى قدر استطاعته في القضاء على دعوة التوحيد، ولكن الله كان بالمرصاد فانتصر الحق وزهق الباطل- ألا إن حزب الله هم الغالبون -. (المترجم) .

في الدنيا وما فيها، وقليل من الناس من حظي بمثل هذا القبول في حياته1. وقال تلميذه ابن غنام مرثية مطلعها2

_ 1 ابن غنام 2: 74 وابن بشر 1: 95. وقد أخطأ المؤرخون الآخرون الغربيون منهم والشرقيون في تاريخ الوفاة أيضا. وعلى سبيل المثال يراجع بروكلمان (ملحق 2: 530) ومرغليوث (دائرة المعارف الإسلامية 4: 1086) ولبيب البتنوني (الرحلة الحجازية ص: 86) . 2 روضة الأفكار: 175. ومن أبيات هذه القصيدة المبكية: لقد كسفت شمس المعارف والهدى ... فسالت دماء في الخدود وأدمع إمام أصيب الناس طرا بفقده ... وطاف بهم خطب من البين موجع وأظلم أرجاء البلاد لموته ... وحل بهم كرب من الحزن مفظع شهاب هوى من أفقه وسمائه ... ونجم ثوى في الترب واراه بلقع وكوكب سعد مستنير سناؤه ... وبدر له في منزل اليمن مطلع وصبح تبدى للأنام ضياؤه ... فداجى الدياجي بعده متقشع إلى أن قال: لقد وجد الإسلام يوم فراقه ... مصابا خشينا بعده يتصدع وطاش ذووا الإسلام والفضل والنهى ... وكادت له الأرواح تترى وتتبع وطارت قلوب المسلمين بموته ... فضجوا جميعا بالبكاء تأسفا وظنوا به أن القيامة تقرع ... وفاضت عيون واستهلت مدامع وكادت قلوب بعده تفجع ... يخالطها مزج من الدم مهيع بكته ذوو الحاجات يوم فراقه ... وأهل الهدى والحق والدين أجمع (المترجم) .

إلى الله في كشف الشدائد نفزع ... وليس إلى غير المهيمن مفزع وذكر محمد حامد الفقي مرثية للقاضي محمد بن علي الشوكاني1 (م سنة 1250 هـ) مطلعها2: مصاب دها قلبي فأذكى غلائلي ... وأصمى بسهم الافتجاع مقاتلي مزية عظيمة: لقد حدث في التاريخ الإسلامي أكثر من مرة أن برز رجال ولكنهم سرعان ما

_ 1 هو الإمام العلامة المجتهد القاضي محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، ولد في نهار الاثنين الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1174 هـ وتوفي في ليلة الأربعاء 27 من شهر جمادى الآخرة سنة 1250 هـ. نشأ وترعرع في أحضان والده ودرس على كثيرين من جهابذة العلم في عصره، وتفقه على مذهب الإمام زيد وبرع فيه، ثم اشتغل بعلم الحديث وذاق حلاوته، وتألم بما رأى حوله من التفرق والانتشار في صفوف المسلمين مع أن كتاب ربهم واحد ونبيهم واحد، فسرعان ما خلع ربقة التعصب المذهبي، وصار يأخذ بالدليل حيثما وجد وعمل به وأفتى، فغضب عليه قصار النظر من المتعصبين وتحاملوا، ولكنه ما زال يسعى ويدعو إلى توحيد صفوف المسلمين، ونبذ التفرقات المذهبية والبدع والخرافات التي غزت المسلمين، فألهتهم عن سبيل الرشاد، وله من المؤلفات ما يقارب مائة وأربعة وستين كتابا. وقد أحصاها الأستاذ إبراهيم هلال في كتابه "ولاية الله والطريق إليها"، ومن هذه الكتب: تفسير فتح القدير, ونيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار, والقول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد, والتحف في عقائد السلف, وشرح الصدور في تحريم رفع القبور وغيرها. "المترجم". 2 ومن أبيات هذه القصيدة: مصاب به الدنيا قد أغبر وجهها ... وقد شمخت أعلام قوم أسافل لقد مات طود العلم قطب رحى العلا ... ومركز أدراك الفعول الأفاضل إمام الهدى ماحي الردى قامع العدى ... ومروى الصدى من فيض علم ونائل محمد ذو المجد الذي عز دركه ... وجل مقامًا عن طوال المطاول لقد أشرقت نجد بنور ضيائه ... وقام مقامات الهدى بالدلائل أثر الدعوة الوهابية في جزيرة العرب ص: 79 , 80 "المترجم".

ارتدوا رداء دعاوى باطلة كالمهدوية أو المسيحية. وكانت نتيجة لازمة لهذا أنهم ألحقوا أضرارا جسيمة بالإسلام بدلا من أن يفيدوه. ولكن تعليمات شيخ الإسلام وأتباعه بعيدة كل البعد من هذه التوهمات المردية والأخطار المهلكة، وإني أعتبر هذا نجاحا باهرا لهذه الدعوة، وقد حاول بعض أدعياء العلم1 نسبة بعض التهم من هذا القبيل إليهم، ولكن أتباعه وخلفاءه كانوا معلنين ومخلصين في عقيدتهم، ولذلك لم تضرهم هذه الافتراءات شيئا. ومع أن الأعداء بذلوا جهودا عظيمة ولكن كل جهودهم ذهبت أدراج الرياح، ولم ينجحوا في إخراج أي تهمة من مؤلفات داعية التوحيد في البلاد النجدية ورسائله. فكتبه واضحة كما أن الواحد مع الواحد يساوي اثنين، وهي تشهد على جرأة مؤلفها وصدقه. وعلى سبيل المثال اقرأ كتاب التوحيد كاملا من أوله إلى آخره لا تجد فيه أي غموض، ولا تجد أدني شائبة من التصوف والتوهمات والأبحاث البعيدة التي لا طائل تحتها، ولا ترى فيه أي أثر للاستدلال الفلسفي ولا السفسطة اليونانية، فهو بعيد كل البعد من كل هذه الترهات. مزية أخرى: كان محمد بن عبد الوهاب عالما محضا، ولكن كان ذا نظر ثاقب بعيد المدى، لقد شاهد ثمرات2 دعوته في حياته ثمرات دنيوية وثمرات دينية. فقد فتحت بلاد نجد

_ 1 تراجع "الدرر السنية" ص: 46 لأحمد زيني دحلان. 2 لقد ذكر ابن بشر أن الشيخ كان يحمد الله حمدا كثيرا، ويشكره على تلك النعم العظيمة التي أسداها إليه ربه من العلم والفضل والورع، والقيام بتصحيح عقائد المسلمين، والنجاح في هذه المهمة العظيمة، وكان كثيرا، ما كان يلهج بقوله تعالى: "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين" ويتمثل بهذه الأبيات: بأي لسان أشكر الله إنه ... لذو نعمة قد أعجزت كل شاعر حباني بالإسلام فضلا ونعمة ... علي وبالقرآن نور البصائر وبالنعمة العظمى اعتقاد ابن حنبل ... عليها اعتقادي يوم كشف السرائر وليس معنى هذا أنه كان يأخذ عقيدته من تقليد ابن حنبل - رحمه الله - ولكن الإمام ابن حنبل صار رمزا وعلامة لعقيدة أهل السنة والجماعة بسبب تلك المواقف العظيمة التي وقفها عند الفتن والانحرافات، حينما زلت أقدام كثير من أهل العلم والفضل، فعقيدة أحمد بن حنبل هي عقيدة جميع الأئمة والعلماء من الأولين والآخرين- والحمد لله - فإن الأئمة - رحمهم الله - لم يختلفوا في شيء من أمور العقيدة, فهم كلهم على عقيدة الصحابة والتابعين التي تعلموها من رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وإنما اختلاف الأئمة في الأمور الفرعية. وكان من أهم أسباب اختلافهم أن بعضهم لم تبلغه بعض الأدلة مع أنها قد وصلت إلى غيره؛ ولذلك أكدوا كلهم أشد التأكيد على تلامذتهم على أن يكون همهم اتباع الدليل من الكتاب والسنة، ويضربوا بقولهم عرض الحائط إذا وجدوه خلافا لما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم. فقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: "إذا صح الحديث فهو مذهبي". وقال: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه. وقال: ((حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي؛ فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا)) . وكذلك قال: ((إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول فاتركوا قولي)) . وقال الإمام مالك رحمه الله: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه". وكذلك قال: "ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم". وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد". وقال الإمام أحمد رحمه الله: "لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا" (راجع كتاب "صفة صلاة النبي" للمحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني) . ولكن الأسف كل الأسف على المتأخرين من الاتباع والذين انحرفوا عن طريقة الأئمة، وأعرضوا عن أقوالهم هذه، وصاروا يتبعون أهواءهم ويتسترون بالأئمة، فقالوا أقوالا وعملوا أعمالا نسبوها إلى الأئمة مع أنهم برآء منها، فإلى الكتاب والسنة أيها المسلمون! - فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا. (المترجم) .

كلها في حياته، وأمير نجد وأهله كلهم كانوا مستعدين للجهاد بأرواحهم وحياتهم على إقدامه في كل لحظة. وكانت كل عظمتهم التي اكتسبوها إنما جاءت من قبل استجابتهم لدعوة الشيخ. فالمجاهدون وعامة الناس ما كانوا يعرفون أحدا غيره، وكانوا مولعين به فلو أراد أن يأخذ لأولاده نصيبا في الحكومة لأخذ، ولو أراد أن يملك

زمام الحكم في يده لملك، ولكنه مازال متنحيا عن هذه المسئوليات كلها. والأمير محمد بن سعود وخلفه الأمير عبد العزيز ما كانا يحركان ساكنا إلا برأي من الشيخ وإشارة، ولا يريدان هذا. وكل أموال الغنائم كانت تلقى تحت أقدام الشيخ، ولكن هذا الرجل الصالح لم ينشغل بها عن مهمته الأصلية. فلم يزل يعمل عمله، وكان يتدخل في أمور الدولة عندما كانت الحاجة تقتضي ذلك، ومن حين أحس أن الدعوة قد قويت وتأصلت أبعد نفسه عن إدارة الحكومة وأموال الغنائم، وكان من نتائج هذا الزهد أن أولاده أيضا مازالوا يشتغلون بخدمة الدين بعيدين عن الجاه الدنيوي إلى يومنا هذا. وقد مرت مائة وخمسون عاما ولكن لم يحدث أن خاصم أولاده آل سعود في التاج والعرش في يوم من الأيام. أولاده وأحفاده: لقد جاوز تلامذة الشيخ المستفيدون من دروسه ووعظه كل حد وحصر، حيث إنه لا يمكن لنا إحصاؤهم. وماذا ترى في كثرة وعموم تلك الأثمار اليانعة التي اجتنتها قوافل الناس المتتابعة طوال خمسين عاما أو أكثر!! وإذا حاولنا أن نقتصر على ذكر تلامذته فقط تعوقنا قلة التراجم والسير، ولذلك نكتفي من تلامذته بذكر أولاده وأحفاده فقط الذين يلقبون الآن- بحق- بآل الشيخ وهذا هو نسبهم. لقد كان الشيخ سعيدا حظيظا حيث ترك وراءه خلفاء يتبعون سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويشتغلون في تدريسها والدعوة إليها حسب منهجه، وأروع من هذا وأسر أن هذه السلسلة لم تنقطع إلى يومنا هذا، ففي هذه الآونة أيضا يفوق أولاده في العلم والعمل في جميع بلاد نجد. كان الشيخ كثير العيال، وتوفى بعض أولاده في حياته ولكنه ترك عند فاته أربعة أولاد: حسين، عبد الله، علي، إبراهيم1.

_ 1 ذكر الأستاذ أمين سعيد من أولاده (ص: 182) أسماء عبد العزيز وحسن. أما حسن, فهو والد الشيخ العلامة والحبر الفهامة عبد الرحمن بن حسن صاحب كتاب "فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد" وكتاب "قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين" وغيرهما وقد خلف عبد الرحمن بن حسن ذرية كثيرة. ومن أولاده سماحة المغفور له مفتي المملكة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف وابنه الشيخ إبراهيم بن محمد وزير العدل حاليا. وأما عبد العزيز: فلم أجد له ترجمة، ولكني رجعت إلى سماحة الشيخ إبراهيم بن محمد رئيس إدارات البحوث العلمية والدعوة والإرشاد بالرياض فأحال إلى الشيخ إسماعيل الأنصاري وإليكم ما أفادني به الشيخ: أما الشيخ عبد العزيز بن مجدد القرن الثاني عشر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، فلم أقف من أخباره إلا على ما وجدته في جواب العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن لجمعان بن ناصر حول روايته عن مشايخه، ونصه: (وحضرت عليه أي على شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -عدة مجالس كثيرة في البخاري وقراءة ابنه الشيخ عبد العزيز رحمه الله في سورة البقرة من كتاب ابن كثير (ج 2 من مجموعة الرسائل النجدية ص 20 طبعة المنار، وكتاب عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر وأول الرابع عشر للشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى النجدي الحنبلي ص: 46) ، وهذا الوصف من الشيخ عبد الرحمن لعبد العزيز بأنه شيخ دلالة واضحة على أنه من كبار العلماء.

يقول ابن بشر: "لقد رأيت لهؤلاء الأربعة العلماء الأجلاء مجالس ومحافل في التدريس في الدرعية، عندهم من طلبة العلم من أهل الدرعية وأهل الآفاق الغرباء ما يفضي لمن حكاه إلى التكذيب. ولهؤلاء الأربعة المذكورين من المعرفة ما فاقوا به أقرانهم، وكل واحد منهم قرب بيته مدرسة فيها طلبة العلم من الغرباء ونفقتهم من بيت المال، يأخذون عنهم في العلم كل وقت1 " 1- حسين: وهو أكبرهم وخليفة الشيخ في الحقيقة، وكان قاضيا في الدرعية وإماما في جامع الدرعية، توفي سنة 1224 هـ2. وله عدة أولاد نبغوا في العلم والعمل والذين سماهم ابن بشر منهم هم: علي، حمد، حسن، عبد الرحمن، وعبد الملك.

_ 1 عنوان المجد 1: 92. 2 عنوان المجد 1: 143.

كان علي أكبرهم وأعلمهم، ولذلك فوض القضاء في حياة أعمامه، ومازال يتولى القضاء في عهود عدة من الأمراء، وهم سعود بن عبد العزيز (1218 هـ - 1229 هـ/ 1803م- 1814 م) ، وعبد الله بن سعود (صلب سنة 1234 هـ/ 1818 م) ، وتركي (قتل سنة 1229هـ/ 1834 م) ، وفيصل بن تركي (م سنة 1288 هـ/ 1865 م) وأما حمد فتوفي في أيام طلبه. والحسن كان قاضيا في الرياض أيام تركي بن عبد الله وكان حاذقا في الفقه، توفى في حداثة سنه ولم يعمر طويلا، فلبى داعي الأجل سنة 1245 هـ. وأما عبد الرحمن فتولى القضاء في عهد كل من تركي وفيصل، وكان ذا باع طويل في الفقه والتفسير والنحو. وأما عبد الملك بن حسين فكان قاضيا في الحوطة أيام الفيصل. وقد استفاد عبد الرحمن، وحسن، وعبد الملك أبناء حسين كلهم من الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (سيأتي ذكره فيما بعد) . ومن الذين تتلمذوا على الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام من أحفاد حسين بن شيخ الإسلام هم: حسين بن حمد بن حسين بن شيخ الإسلام (قاضي حريق في عهد الفيصل) ، وحسين بن علي (بن حسين) بن شيخ الإسلام (قاضي الرياض في عهد الفيصل) ، وعبد الله بن حسن بن حسين بن شيخ الإسلام. 2- عبد الله: أما الولد الثاني للشيخ فهو عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب كان من العلماء الأجلاء المنصفين، وكان خليفة شيخ الإسلام بعد وفاة حسين بن محمد، وكان قد اعترف بمكانته العلمية في حياة حسين بن محمد. وكان مع الأمير سعود بن عبد العزيز حينما دخل مكة في سنة 1218 هـ/ 1803 م. والرسالة التي نشرها الأمير سعود عن عقائد جماعته كانت بقلم عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هذا. وكان موجودا في الدرعية أثناء غارة إبراهيم باشا سنة 1232 هـ، ولما شاهد همجية الجيوش المصرية وتدميرها لم يستطع أن يصبر، فاستل السيف وبرز إلى ميدان القتال.

يقول ابن بشر: "فشهر سيفه عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وانتدب واجتمعوا عليه ... الخ1 " ثم قاتل ببسالة نادرة وجرأة عظيمة، والغالب أنه اعتقل وأرسل إلى مصر وتوفى هناك2. وقتل اثنان من أولاده عند الاستيلاء على الدرعية، وهما: سليمان بن عبد الله، وعلي بن عبد الله. وكان سليمان عالما جليلا، وكان قاضيا في الدرعية في حياة والده وكذلك تولى إمارة مكة أيضا في عصر الأمير سعود مدة. وكان قد عهد إليه تدريس البخاري في مجلس الأمير سعود بن عبد العزيز، وكان هذا منزلة علمية عظيمة. وعبد الله بن شيخ الإسلام نفسه كان يلقي الدروس من تفسير الطبري وابن كثير، وقد حضر ابن بشر هذه الدروس3. وتظهر من وصفه أهمية هذه الدروس والمجالس العلمية، فقد ذكر طريقته في التعليم والتحديث بكلمات طيبة جدا. كان آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر الأمر الذي جعل دحلان يصفه بأنه كان أشد تعصبا من والده4.

_ 1 عنوان المجد 1: 206. وتمام هذه القصة البطولية كالتالي بلسان ابن بشر:- "واجتمعوا عليه أهل البجيري، ونهضوا على الترك من كل جانب كأنهم الأسود، وقاتلوا قتالا يشيب من هوله المولود، فأظلمت البجيرة كأنها الليل. وصريخ السيوف في الرءوس كأنه صهيل الخيل، فأخرجوهم منها صاغرين وقتلوا من الترك عدة مئات, حتى قال لي بعض من حضر ذلك: لو حلفت بالطلاق أني من الموضع الفلاني إلى الموضع الفلاني لم أطأ إلا على رجل مقتول لم أحنث، فدخل الترك بعد هذا الفشل، وصار في قلوبهم منهم وجل، ثم أرسلوا إلى الباشا وطلبوا الصلح فأجابهم إليه بعد ما كان آبيا- ولان لهم بعد ما كان قاسيا. (المترجم) . 2 يذكر ابن بشر جرأة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ص: 229) إلا أنه ساكت عن عبد الله. وقول آخر لابن بشر يدل على أنه لم يستشهد يقول: "وكان من أولاد عبد الله المذكور ابن يسمى عبد الرحمن، ونفي إلى مصر معه في صغره، وقد بلغني أنه يقيم الآن في رواق الحنابلة في الأزهر، والطلبة يترددون إليه وفيه فوق علمي" 1: 93. 3 عنوان المجد 1: 170 , 176 , 209 , 210. 4 خلاصة الكلام ص: 229. التعبير بالتعصب عما عليه الإمام عبد الله ووالده شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب مجانب للصواب؛ فإنهما بريئان من التعصب، وإنما هما متبعان للكتاب والسنة داعيان إليهما، يشهد بذلك كل من وفقه الله، وإيراد المؤلف لكلام دحلان من باب بيان الأشياء بأضدادها، فحقد الأعداء على رجل من أجل دعوته وجهاده يدل على منزلته وفضله "الناشر"

وكان قد ألف شرحا لكتاب التوحيد إلا أنه لم يتمه كما ذكر ابن بشر1. وقد تتلمذ على والده وعلى الشيخ أحمد بن ناصر بن معمر (م سنة 1325 هـ) ، والشيخ حسين بن غنام (م سنة 1225 هـ) ، وقد قتل في أواخر سنة 1233 هـ بطريقة مؤلمة وحشية وسنفصل الكلام في ذلك فيما بعد. وله كتاب غير هذا وهو"كتاب التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق"، وهو مطبوع طبع في سنة 1319 هـ، وهو الآن بين يدي، وخير شاهد على سعة علم مؤلفه وطول باعه. وذكر بروكلمان كتابين آخرين له (ملحق 2: 532) . وهما: 1. أوثق عرى الإيمان 2. المسائل. ولم أطلع عليهما، ولكن توجد رسالة في مجموعة التوحيد المكية (ط سنة 1243) بقلم الشيخ سليمان بن عبد الله في جواب مسائل مهمة، ولعلها هي ما ذكره بروكلمان من رسالة "المسائل". واستشهد علي بن عبد الله بن شيخ الإسلام في سنة 1234 هـ في مكان قرب الدرعية، وكانت له يد طولى في الحديث والتفسير، وقد ألف أيضا شرحا لكتاب التوحيد2. والولد الثالث لعبد الله بن شيخ الإسلام هو عبد الرحمن بن عبد الله، وكان عالما معروفا. وتوجد بعض الرسائل الصغيرة لحسين بن شيخ الإسلام، وكذلك بعض الفتاوى في المكتبة الشرقية في بتنة3.

_ 1 وقد أكمله الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام كما صرح بذلك في مقدمة فتح المجيد (مؤلف) ، وطبع شرحه هذا عدة طبعات بعد ما أكمل الناقص منه وهو قريب جدا من كتاب فتح المجيد المذكور، ويسمى "تيسير العزيز الحميد". أما فتح المجيد فهو تهذيب له واختصار مع زيادات أخرى هامة، وإكمال لما فاته، وهكذا صار فتح المجيد كتابا مستقلا بذاته. (المترجم) . 2 عنوان المجد 1: 93 , 205. 3 يراجع handlist رقم: 2625 (مؤلف) . وكان الأولى أن يذكر هذا في ترجمة الشيخ حسين بن شيخ الإسلام ولكن هكذا وجدت الأصل (المترجم) .

3- علي ابن شيخ الإسلام: كان عالما جيدا نابغة يضرب به المثل في الزهد والورع، وكان ذا ملكة عظيمة في الفقه والتفسير. عرض عليه القضاء لكنه أبى من شدة زهده وورعه، وتوفى أولاده كلهم في صغرهم إلا محمد بن علي بن شيخ الإسلام، فقد نشا وترعرع وصار عالما نحريرا. 4- إبراهيم ابن شيخ الإسلام: والولد الرابع لشيخ الإسلام هو إبراهيم اشتهر في التدريس، ودرس عليه ابن بشر كتاب التوحيد في صغره (سنة 1224 هـ) ، ولم يتول القضاء. ومن أجل تلامذة الشيخ حفيده عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام، وهو من علماء نجد الفائقين، توفى والده في حياة الشيخ تتلمذ على جده في صغره ودرس على أجل تلامذة الشيخ أمثال أحمد بن ناصر بن عثمان بن معمر (سنة 1225 هـ) ، وعبد العزيز بن عبد الله الحصين الناصري (م سنة 1237 هـ) ، والشيخ عبد الرحمن بن حسن هو مجدد علمي لآل الشيخ، وقد اعترف بمكانته في العلم منذ البداية. كان قاضيا في الدرعية أيام الأمير سعود بن عبد العزيز (م سنة 1229 هـ) والأمير عبد الله بن سعود (صلب سنة 1234 هـ) ، وهو من أولئك العلماء الأربعة الذين كان يحتج بعلمهم في آل الشيخ بعد وفاة الشيخ حسين بن شيخ الإسلام في سنة 1225 هـ، وكانوا يتولون القضاء في العاصمة الدرعية1. كان قد سافر بل نفي إلى مصر (سنة 1233 هـ) عند الاستيلاء على الدرعية، ولما استقرت الأحوال وعادت الأمور إلى نصابها رجع إلى نجد سنة 1241 هـ، وبذلك نفقت سوق العلم مرة أخرى، لقد فاز واستفاد من دروسه مئات من الناس منهم عشرات من بيت شيخ الإسلام نفسه2. تولى القضاء في عهد تركي بن عبد الله (م

_ 1 عنوان المجد 1: 93. والأساطين الأربعة الذين سبق ذكرهم يعتبرون مستحقين للتعظيم والاحترام بالترتيب التالي: عبد الله ابن الشيخ, علي بن حسين ابن الشيخ, عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ, سليمان بن عبد الله ابن الشيخ. 2 عنوان المجد 2: 20 , 25 , 26.

سنة 1249 هـ/ 1834 م) وفيصل بن تركي (م سنة 1283 هـ/ 1865 م) . وكان مرجعا للخاصة والعامة عهدت إليه مسئولية التدريس في المجالس الخاصة للأمير تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود (م سنة 1249 هـ) ، وكان يدرس في الغالب من تفسير ابن جرير. وتولى التدريس والإرشاد في عهد فيصل بن تركي أيضا، ولقد كان صيت الأساطين الأربعة ذائعا قبل الاستيلاء على الدرعية، ولكن بعد استقرار الأحوال من جديد لم يبق إلا عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ، وعلي بن حسين بن الشيخ، وذلك في عهد الأمير تركي بن عبد الله. ونرى أسماء عبد الرحمن بن حسين بن الشيخ، وعبد الملك بن حسين تردد كثيرا مع عبد الرحمن بن حسن، وعلي بن حسين في عهد الأمير تركى وفيصل1. إلا أننا نرى ذكر عبد الرحمن بن حسن بالخصوص فقط في أواخر أيام فيصل بن تركي (بعد سنة 1256 هـ) . وفي نهاية أيام فيصل نجد ابنه عبد اللطيف بن عبد الرحمن يتولى القضاء والتدريس، وقد عمر علي بن حسين بن الشيخ طويلا، والغالب أنه توفي في أواسط عهد فيصل سنة 1260 هـ. وعلى كل حال فقد كان الشيخ عبد الرحمن بن حسن من أحق الناس احتراما وتعظيما في أواخر أيام فيصل بن تركي، فقد ألف ابن بشر كتابه في سنة 1270 هـ، وأنهاه بذكر حوادث سنة 1267 هـ، وكان حيا إذ ذاك. وقد لقيه2 بالجريف (W. GIFFORD PALGRAVE) أثناء رحلته في سنة 1279 هـ/ 1862 م في الرياض مع ابنه عبد اللطيف، لكنه وهم إذ ظن أنه عبد الله بن الشيخ. توفي (الشيخ عبد الرحمن بن حسن) سنة 1285 هـ بعد ما عمر طويلا. لقد ذكر ابن بشر عدة من مصنفاته ورسائله، وقد أكمل شرح كتاب التوحيد الذي تركه سليمان بن عبد الله بن الشيخ (م سنة 1232 هـ) ناقصا، وقد طبع مرارا باسم "فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد" 3. وله كتاب آخر غير فتح المجيد، وهو باسم "قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين" وهو مطبوع، وهو حواش على كتاب التوحيد، ولقد أكثر الأستاذ محمد حامد الفقي الذي أشرف على الطبعة الجديدة لفتح المجيد من النقل في حواشي

_ 1 عنوان المجد 2: 65 , 73 , 88. 2 narrative of a years journey through central and eastern arabia 1- 379. 3 وعندي الآن طبعته الجديدة وقد طبعت في مصر بدقة في التصحيح واهتمام بالغ.

فتح المجيد من قرة عيون الموحدين. له رسالة مختصرة منقولة في عنوان المجد1 وكذلك نقل ابن بشر عدة من مكاتيبه. وتوجد له ثلاث رسائل في مجموعة التوحيد المكية: 1. رسالة في جواب الجهميه "من ص: 32 إلى 169 " 2. رسالة في حكم موالاة أهل الإشراك "من 157 إلى 169" 3. بيان الحجة في الرد على صاحب اللجة "من 205 إلى 252" وقد قتل من أبنائه محمد بن عبد الرحمن بن حسن عند الاستيلاء على الدرعية مثل بقية أهل بيته2. وخلفه عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، وكان قد سافر إلى مصر في صغره عند الاستيلاء على الدرعية. تتلمذ على والده وغيره من أهل العلم، ورجع إلى نجد سنة 1264هـ، وجاء بعدد كبير من الكتب، وصار يساعد والده منذ قدومه فشاركه في الأمور العلمية وفي أعمال الدعوة. ونرى عبد الرحمن بن حسن مدرسا وواعظا في مجالس فيصل بن تركي (م سنة 1280 هـ) إلى سنة 1262 هـ، ثم برز ابنه عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، فهو المقدم في كل ناحية من قضاء وتدريس وإمامة. وابن بشر معجب بدروس تفسيره ويمدحها أشد المدح3، وقابله بالجريف سنة 1279 هـ/ 1862 م، وسنه إذ ذاك كان حوالي أربعين. وكان قاضيا في العاصمة الرياض4. وله رسالة سماها "منهاج التقديس والتأسيس في الرد على المبطل داؤد بن سليمان بن جرجيس"، وسيأتي الكلام على هذه الرسالة فيما بعد. ورسالة أخرى موجزة مطبوعة في مجموعة الهدية السنية "28- 40" ذكر فيها ترجمة موجزة لشيخ الإسلام. لم نعرف سنة وفاته بالتحقيق ولكن روى عالم سائح نجدي أنه توفي سنة 1304 هـ5. والولد الآخر للشيخ عبد الرحمن بن حسن هو إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن ولم

_ 1 عنوان المجد 2: 23 , 26. 2 عنوان المجد 2: 208. 3 عنوان المجد 2: 121- 122. 4 بالجريف 1: 279. 5 وهو الشيخ عمران بن محمد بن عمران من سكان الرياض بنجد.

أجد له ذكرا في كتب التراجم ولكنني عرفته بطريقة عجيبة، وهي أنني ذهبت إلى وطني في شوال سنة 59 "اوجاوان- بتنة" وبدأت أستعرض بعض الكتب البالية في مكتبة بيتي، فعثرت على نسخة من كتاب "صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان"، وكان مكتوبا في الصفحة الأولى من الكتاب بخط عربي خالص: "في ملك الحقير الفقير إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد النجدي الحنبلي عفا الله عنهم". ولا تسأل عن فرحي واغتباطي حينذاك-! وبعد تصفح بعض الأوراق وجدت ملاحظة طويلة مكتوبة بنفس الخط تدل على غزارة علمه وتوجد ملاحظة أخري موجزة في وسط الكتاب أيضا، ويوجد ختم في بداية الكتاب تحت الاسم وتقرأ منه فقط كلمة "إسحاق " بوضوح. ولا أدري كيف وصل هذا الكتاب إلى بيتي؟ والغالب أن جدي "من الأم" الشيخ عبد الصمد (م سنة 1318 هـ) كانت له علاقة به، لأن الشيخ عبد الصمد كان من علماء أهل الحديث الأفاضل، وكانت له علاقات وطيدة أخوية مع أشهر علماء أهل الحديث في زمانه، وبعد البحث والتنقيب تبين لي أن الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن كان قد سكن في الهند، واستفاد من الشيخ السيد نذير حسين الدهلوي1 (م سنة 1320 هـ) .

_ 1 هو العلم الشامخ والحبر الكامل مجدد السنة النبوية في القارة الهندية السيد نذير حسين بن جواد علي بن السيد أحمد شاه الدهلوي، ويصل نسبه إلى علي ابن أبي طالب رضي الله عنه بعد أربعة وثلاثين جيلا، ولد في قرية "بلتهوا" من ولاية بيهار في الهند سنة 1220 هـ، ونشأ في صغره على حب الفروسية والسباحة، ثم تعلم شيئا من الأمور الابتدائية على والده، ثم انتقل إلى "بتنة" عاصمة العلم في ولاية بيهار، والتقى هناك بزعماء حركة التجديد والإصلاح الإمامين الشهيدين أحمد بن عرفان، والعلامة محمد إسماعيل - رحمهما الله -، فازداد شوفا إلى العلم وحماسا للدفاع عن الإسلام، فأراد أن يسافر إلى دلهي عاصمة الحكومة والعلم في ذلك الزمان، فخرج من بتنة سنة 1337 هـ، وسنه إذ ذاك سبع عشرة سنة مع رفيق له، فكانوا يمشون على أرجلهم بسبب قلة الزاد وعدم المركب، فاضطروا على الوقوف والمكوث في المدن في الطريق عدة مرات، فمكث مدة في بناس وكذلك في الله آباد وغيرهما، حتى وردوا مدينة دهلي بعد ست سنوات، وذلك في سنة 1243 هـ, فدرس أولا على عدة أساتذة، ثم انتقل إلى حلقة الشيخ إسحاق الدهلوي خليفة الشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي, ولازمه مدة ثلاثة عشر عاما. وكان مع ملازمته لأستاذه كثير المطالعة واسع المعلومات، ولما سافر شيخه إلى مكة سنة 1258 هـ خلفه في التدريس، ودرس العلوم المختلفة إلى سنة 1270? ثم تخصص لتدريس علوم القرآن والسنة فقط، فلم يزل يدرس العلوم الشرعية قرابة خمسين عاما ولقب بشيخ الكل. درس عليه آلاف من جهابذة العلم وزعماء الدعوة الإسلامية، أمثال العلامة المحدث عبد الرحمن المباركفوري صاحب تحفة الأحوذي، والشيخ شمس الحق العظيم آبادي صاحب عون المعبود، والشيخ محمد بشير السهسواني صاحب صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان، والشيخ ثناء الله الأمر تسري فاتح قاديان، وغيرهم خلق كثير. ولقد انتشرت أنواره العلمية فعمت بلاد الشرق كلها، ودرس عليه من نجد الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن، والشيخ علي بن القاضي، والشيخ عبد الله بن سعد بن عبد العزيز مد يهش، والشيخ سعد بن عتيق وغيرهم. ومن السودان الشيخ عبد الله بن إدريس الحسيني، وعدد كبير من أبناء كابل وياغستان وبخارى وسمرقند وغزنة وقندهار وخوقند والحبشة وغيرها. ولا شك أن الشيخ نذير حسين الدهلوي - رحمه الله - هو مجدد السنة النبوية في القارة الهندية وغيرها، فانتشر تلامذته في جميع البقاع حاملين لواء التوحيد والسنة، وعددهم لا يحصى، وعدد مؤلفاتهم لا يحصر, وفتحوا مئات المدارس، وقاموا بحركة إسلامية صحيحة لا يوجد لها نظير إلا نادرا، وإن آثار التوحيد واتباع السنة النبوية التي نراها في القارة الهندية في هذه الأيام في كل ذلك يرجع الفضل إلى هذا الإمام العظيم. وقد عذب كثيرا في سبيل نشر التوحيد والدعوة إلى السنة النبوية، فسجن في راولبندي سنة 1864 م بتهمة الوهابية وبقي في السجن مدة سنة كاملة، وسافر إلى الحج سنة 1300 هـ، فسعى النمامون إلى الباشا في مكة المكرمة، فاتهمه أعداء التوحيد بأنه وهابي ومعتزلي، ويبيح شحم الخنزير ونكاح العمة والخالة، وقدموا إليه رسالة باسم "جامع الشواهد في إخراج الوهابيين من المساجد"، ولكن الباشا لما علم بحقيقة الحال أكرمه أيما تكريم ورجع الأعداء خائبين. توفي الشيخ نذير حسين الدهلوي - رحمه الله - في يوم الاثنين شهر رجب سنة 1320 ـ / أكتوبر 1902 م بعد ما عمر مائة سنة. لم يشتغل الشيخ في تأليف الكتب؛ لأنه كان مهتما بتأليف الرجال، فخرج الفطاحل الذين لا تعد ولا تحصى مؤلفاتهم، وقد ألف كتابا واحدا وهو "معيار الحق" بين فيه أهمية السنة النبوية، ودعا إلى اتباع القرآن والسنة، وترك الخلافات والتعصبات التى أنهكت المسلمين, وله بعض الفتاوى في ثلاثة مجلدات وهي مطبوعة متداولة "يرجع إلى تراجم علماء حديث هند ص: 136 , وهندوستان مين أهل حديث كي علمي خدمات ص: 21 للنوشهروي, وتاريخ أهل حديث ص: 417 للشيخ محمد إبراهيم مير سيالكوتي" (المترجم) .

والنواب صديق حسن خان (م سنة 1307 هـ) 1 والشيخ محمد بشير السهسواني (م

_ 1 هو ملك العلماء وعالم الملوك الحجة المحقق، والعلامة النحرير محيي السنة النبوية وناشرها في بلاد العرب والعجم، السيد صديق حسن القنوجي البخاري. ويصل نسبه أيضا إلى حسين السبط ابن فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - بعد اثنين وثلاثين جيلا كما ذكر في كتابه "إبقاء المنن بإلقاء المحن". وكان والده تلميذا للشيخ عبد العزيز المحدث الدهلوي - "رحمه الله" - ومن اتباع السيد أحمد بن عرفان الشهيد - "رحمه الله" - زعيم حركة التجديد والإصلاح في القارة الهندية. ولد في سنة 1248 هـ في مدينة "قنوج"، ولما بلغ الخامسة من عمره توفي والده، فرباه عدة من أصدقاء والده. تعلم العلم من المدن، وعلى عدة من الأساتذة في بلده، وفي كانفور وفرخ آباد، وفي الأخير ورد دهلي ودرس على المفتي صدر الدين الدهلوي، وأخذ إجازة في علم الحديث من عدة من فطاحل العلماء منهم: الشيخ زين العابدين بن محسن بن محمد السبعي الأنصاري، والشيخ عبد الحق البنارسي تلميذ الإمام الشوكاني، والشيخ يحيى بن أحمد بن حسن الحازمي، والشيخ حسين عرب وغيرهم. لقد جال في عدة من المدن، وعمل عدة أعمال، ثم استقر في الأخير في مدينة "بوفال" سنة 1276 هـ، وتزوج بملكة بوفال "شاهجهان بيكم"، وهكذا فتح الله عليه سبيل الخير، فخدم العلم وخاصة السنة النبوية خدمة لا يكاد يوجد لما نظير, فاشترى عددا كبيرا من الكتب النادرة بأثمان باهظة جدا، وطبعها ووزعها في العالم الإسلامي كله، وأنفق على ها مئات الآلاف من الروبيات، ومن هذه الكتب: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، وتفسير ابن كثير ونيل الأوطار وغيرها، وطبعت لأول مرة في الهند. وكان له مندوبون في بلدان العالم الإسلامي لتوزيع ما يقوم بطبعه من الكتب من مؤلفاته ومطبوعاته، ففي مصر كان مندوبه أحمد أفندي العشي، والشيخ أحمد البابي الحلبي، وفي الإسكندرية حبيب أفندي عزروزي. وفي بيروت "بشارت أفندي الشداق"، وفي جدة "طاهر أفندي مشاط"، وفي القسطنطينية "سيد أحمد بن ناصر"، وفي عدن "عبد الله حسن علي رجب بك"، وفي البصرة "عيسى بن قرطاس"، وفي بغداد "عبد القادر بك حشمت"، وفي تونس "سيد محمد العربي" وغيرهم. وهكذا نشر أنوار العلوم وأهمها في القارة الهندية وفي سائر العالم الإسلامي، وبقي في الحكومة أربع عشرة سنة ملأها عدلا ونورا وعلما، ثم عزل عنها بسبب الوشاة والنمامين من أعداء السنة والتوحيد، واتهم لدى الحكومة الإنجليزية المستعمرة بأنه يحرض الناس على الجهاد، وينشر المذهب الوهابي. وتوفي - رحمه الله - في 29 جمادى الآخرة سنة 1307 هـ وترك وراءه عددا حافلا من المؤلفات يتجاوز عددها على مائتين وعشرين كتابا, وفي سائر العلوم الإسلامية وأكثرها في علم التفسير والحديث والتوحيد والفقه, ومن أهمها: "فتح البيان في مقاصد القرآن, عون الباري في حل أدلة البخاري, والسراج الوهاج في شرح مختصر مسلم بن الحجاج للمنذري, ونيل المرام في شرح آيات الأحكام, والروضة الندية, والتاج المكلل, وأبجد العلوم, والدين الخالص وغيرها. "يرجع إلى تراجم علماء حديث هند ص: 240 , وهندوستان مين أهلحديث كي علمي خدمات ص 26 لأبي يحيى إمام خان نوشهروي" (المزجم) .

سنة 1336 هـ) 1.

_ 1 هو العلامة الكبير المحدث الفقيه النحرير الشيخ محمد بشير الفاروقي- نسبته إلى الفاروق عمر رضي الله عنه -. ولد في حوالي سنة 1250 هـ، وتعلم على عدة أساتذة أفضلهم شيخ الكل الإمام نذير حسين الدهلوي - رحمه الله -، ثم عين مدرسا للغة العربية والفارسية في كلية "سينت جونس" بأكره. وفي سنة 1295 هـ استدعاه الملك العلامة النواب صديق حسن خان - رحمه الله - وفوض إليه برئاسة المدارس الدينية في إمارة بوفال، فبقي هناك مدة طويلة، ولما توفي النواب صديق حسن - رحمه الله - أراد مغادرة الإمارة ولكن الملكة أبت عليه إلا أن يبقى هناك، فكان يلقى درسا كل أسبوع في قصر الملكة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بكل جرأة وصراحة، ولما توفيت الملكة في سنة 1319 هـ رجع إلى دهلي فأحله شيخه الإمام نذير حسين محله ليكون خلفا له، توفي - رحمه الله - في دهلي، سنة 1326 هـ. كان - رحمه الله - آية في العلم والورع، وكثرة المطالعة وسعة المعلومات، وكان محققا متبعا للكتاب والسنة، يفتي ويعمل بما يراه حقا وصوابا حسب الأدلة. وله عدة مؤلفات, منها: القول المحقق المحكم في حكم زيارة الحبيب الأكرم، وكذلك "القول المنصور"، و (إتمام الحجة على من أوجب الزيارة كالحجة) ، وهي مناقشات جرت بينه وبين الشيخ أبي الحسنات عبد الحي اللكنوي. ولما جاء للحج ناقش المفتي أحمد زيني دحلان في آرائه البدعية، ووساوسه نحو دعوة التوحيد، وتصحيح العقيدة الإسلامية التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، ولما رجع من الحج ألف كتابه الشهير (صيانة الإسان عن وسوسة الشيخ دحلان) ، وله كتب أخرى مطبوعة وغير مطبوعة. (المترجم) (يراجع: تراجم علماء حديث هند للنوشهروي ص: 219 ومقدمة صيانة الإنسان ص 13) .

وفي هذه الأيام امتاز من علماء هذا السليل المبارك الشيخ محمد1 بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن. وله رسالة ألفها في سنة 1339 هـ توجد في مجموعة الدرر السنية، وسنه الآن يقارب الثمانين حسب رواية الشيخ عمران بن محمد. وقد ذكر محمد حامد الفقي أسماء عالمين معاصرين من هذا البيت في ومقدمته على كتاب فتح المجيد، وهما عبد الله بن حسن آل الشيخ رئيس القضاة في المملكة العربية

_ 1 هو العالم الجليل الشيخ محمد ابن الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ولد بمدينة الرياض سنة 1282 هـ ونشأ بها، قرأ القرآن في حياة والده، ثم درس على أخيه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، والشيخ محمد بن محمد وغيرهما من علماء وقته، ولقد فوضت إليه عدة مناصب دينية، فتولى قضاء مدينة شقرا، وبعثه الملك عبد العزيز سنة 1339 هـ إلى عسير وغامد وزهران للدعوة إلى الله في هذه البلاد، وتولى القضاء في الرياض، توفي - رحمه الله - يوم الأحد ثاني جمادى الآخرة سنة 1367 هـ، في الرياض. (المترجم) (مشاهير علماء نجد ص: 117 للشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ) .

السعودية والشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف1.

_ 1 هما عالمان جليلان من ذرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. أما الأول فكما يقول صاحب كتاب "مشاهير علماء نجد وغيرهم ص: 121- 131 هو صاحب السماحة العلامة الفاضل الجليل الشيخ عبد الله ابن الشيخ حسن ابن الشيخ حسين ابن الشيخ علي بن حسين ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ولد هذا العالم الشهير ببلدة الرياض في اليوم الثاني عشر من شهر محرم الحرام سنة 1287 هـ. فنشأ وترعرع في أحضان والده، وحفظ القرآن وعمره عشر سنوات، وأخذ العلم عن جهابذة عصره، ولما طال باعه في العلم وبلغ المنزلة العليا من المعرفة عين إماما لمسجد الإمام عبد الرحمن الفيصل، ثم أرسل للتعليم إلى هجرة الأرطاوية، ورافق جلالة الملك فيصل - رحمه الله - في حرب عسير وكان قاضيا للجيش مع الملك عبد العزيز - رحمه الله - حينما دخل مكة المكرمة وعين إماما وخطيبا بالمسجد الحرام، ثم رئيسا للقضاة بالحجاز، توفي رحمه الله يوم السبت 7 رجب 1378 هـ، ورثاه عدد كبير من العلماء والفضلاء. وأما الثاني فهو العلامة الجليل المحدث الأصولي الفقيه الشيخ محمد ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب مفتي الديار السعودية، ورئيس قضاتها في حياته رحمه الله، ولد في مدينة الرياض 17 محرم سنة 1311 هـ، ودرس على كبار العلماء أمثال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ حمد بن فارس وغيرهم، وتخرج على يديه أفواج من العلماء وعلى رأسهم الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله، والشيخ عبد العزيز بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. انتقل - رحمه الله - إلى دار الآخرة وهو يتحمل مسئوليات تنوء بها العصبة من أولي القوة ومن أهمها رئاسة الإفتاء والإشراف على الشئون الدينية، ورئاسة الجامعة الإسلامية، ورئاسة رابطة العالم الاسلامي وغيرها. توفي يوم الأربعاء 24 رمضان 1389 هـ. (مشاهير علماء نجد ص: 134- 146) "المترجم"

في ميزان الحكم

الباب الثاني في ميزان الحكم كل ما حدث في نجد وأرجائها من الإصلاحات الطيبة في حياة شيخ الإسلام أو بعد وفاته، إنما كان نتيجة لدعوته وإخلاصه. والحقيقة أنه لم يقم فقط بانقلاب في أهل نجد وعقائدهم وأخلاقهم، بل لقد غيرها من العقب إلى الرأس، ومن حسن حظه قد وجد أمراء مجاهدين أمثال محمد بن سعود (م سنة 1179 هـ/ 1765 م) ، وعبد العزيز بن محمد بن سعود (1179 هـ/ 1765 م إلى 1218 هـ/ 1803 م) ، وسعود بن عبد العزيز (1218 هـ/ 1803 م إلى 1229 هـ/ 1814 م) ، الذين لم يألوا جهدا في إنجاز مهمته. ولقد التصق اسم آل سعود بدعوة الشيخ، ولذلك نحب أن نقدم من تاريخ آل سعود باختصار تلك الأجزاء التي ترتبط ارتباطا خاصا ومباشرا بالدعوة. محمد بن سعود1: من حين نشأت الدعوة وترعرعت أرسل الأمير محمد بن سعود (م 1791 هـ/ 1765م) وفدا إلى الحرمين، وقد طلب هذا الوفد من الشريف سعود بن سعيد (1146 هـ/ 1733م) إلى (1165 هـ/ 1752 م) إذنا عاما للحج وتكلم مع علماء

_ 1 التاريخ السياسي لنجد خارج عن نطاق بحثنا، ولكننا نبرز تلك النواحي التي تتعلق علاقة مباشرة بدعوة الشيخ. وللاطلاع على تاريخ نجد أو تاريخ آل سعود بتفصيل يرجع إلى الكتب التالية:- 1- عنوان المجد لابن بشر. 2- عجائب الآثار للجبرتي ج 3 , 4 3- تاريخ نجد للألوسي ص: 90 , 104. 4- حاضر العالم الإسلامي (مع تعليقات شكيب أرسلان) 4: 161 , 172 5- دائرة المعارف الإسلامية (مقالة ابن سعود) 6- العربية (arabia) فلبي. وهو مفصل جدا. وكتب أمين الريحاني أيضا معروفة ومتداولة بالعربية والإنجليزية. وسنذكر كتبا أخرى في باب المراجع إن شاء الله.

الحرمين في المسائل المختلف فيها، ولكن "فقهاء الحرم" عاملوه معاملة مؤلمة جدا فقد اعتقل رجال الوفد وتمكن بعضهم أن ينجو بنفسه بعد صعوبات. منع أهل نجد من الحج: هذه رواية دحلان الذي لا توجد في أي من كتابيه1. تواريخ صحيحة ولا دونه الحوادث والوقائع بصدق وأمانة ولم تعين السنوات أيضا، وعلى كل حال فأقل ما يعرف من هذا أن أهل نجد كانوا قد منعوا من الحج من قبل هذا. وابن بشر لم يذكر في حوادث سنة 1162 هـ سوى قوله: "في سنة 1162 هـ اعتقل شريف مكة سعود بن سعيد الحجاج النجديين ومات بعضهم" 2. لقد ظهرت دعوة شيخ الإسلام بعد سنة 1157 هـ، واشتهرت بعد سنه 1160 هـ، ولذلك فليس من المعقول أن حجاج نجد قد منعوا قبل سنة 1162 هـ من زيارة البيت الحرام. ويظهر لنا من هذه القرائن أن حادث المنع عن الحج قد أتى بعد قصة اعتقال الحجاج هذه، ولم يزل مستمرا سوى فترات معينة خاصة فقد تشرف عدد كبير من علماء نجد وعوامهم بزيارة بيت الله في سنى 1183 هـ، 1185 هـ، 1197 هـ، ولكن الإذن في كل مرة كان مؤقتا، ولم يجد أهل نجد فرصة للحج والزيارة "بحرية" إلا بعد استيلاء عبد العزيز على الحرمين3 وهذه هي التفاصيل: عبد العزيز بن محمد بن سعود: لقد توفي الأمير محمد بن سعود أيام كانت الدعوة في شبابها، وخلفه ابنه عبد العزيز

_ 1 الدرر السنية ص: 44 وكتابه الآخر هو خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام. 2 عنوان المجد 1: 23. 3 دخل عبد العزيز بن محمد بن سعود فاتحا مكة المكرمة سنة 1218 هـ / 1803 م.

بن محمد بن سعود1 وكما يقول مرغليوث لقد أرسل وفدا إلى مكة في سنة 1179 هـ "1766 م" واستقبل الوفد بحفاوة وأضافه الشريف2، وأكد الوفد لعلماء مكة أن عقائدهم ليست منفصلة عن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل.

_ 1 لقد زعم بعض الكتاب أن عبد العزيز بن محمد بن سعود كان ابن بنت شيخ الإسلام (فلبي ص 41 , 43 وقاموس الإسلام ص: 66) ولكن هذا ليس بصحيح. ويقول عامة المؤرخين إن بنتا لشيخ الإسلام كانت تحت الأمير محمد بن سعود، ولكن شيخ الإسلام استوطن الدرعية في سنة 1157 هـ فلا بد أن يكون هذا الزواج بعده, مع أننا نعرف من جهة أخرى بطرق موثوق بها أن الأمير عبد العزيز كان قد بلغ الرشد في سنة 1160 هـ، فقد ذكر الشوكاني (البدر الطالع ص: 263) إن ابنه سعود بن عبد العزيز كان قد ولد في سنة 1160 هـ أو 1163 هـ، ولذلك فلو سلمت المصاهرة بين شيخ الإسلام والأمير محمد بن سعود مع سكوت ابن بشر وابن غنام عن هذه القرابة فعبد العزيز بن محمد بن سعود لا يمكن أن يكون ابن بنته. وبالعكس من ذلك يزعم براتجس (bridges) أن عبد الوهاب (؟ ابن عبد الوهاب) نفسه كان قد تزوج بنت محمد بن سعود "ص: 107"، ويكتب أيضا أن عبد العزيز بن محمد بن سعود تزوج بنت عبد الوهاب (؟ ابن) وقد ولد من بطنها سعود بن عبد العزيز فالله أعلم بما هو الصحيح. 2 الإنجليز والمؤرخون الأوروبيون كلهم يسمون حاكم مكة (arifgrand sh) شريف الكبير ويسمون أفراد البيت الأخرين "شريف" فقط. أما في العربية فتستعمل كلمة "شريف" للمنتسبين إلى الحسنين - رضي الله عنهما - عامة. إلا أن "شريف مكة" لا يطلق إلا على حاكم مكة، ولمعرفة تاريخ الأشراف يمكن مراجعة كتاب دحلان وخلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام" مع أنه لا يوثق به كثيرا. وقد ذكر لبيب البتنوني أيضا موجزا لتاريخ أشراف مكة في كتابه "الرحلة الحجازية" (ص: 81 , 83) ، وهناك باب يحتوي على معلومات عن حكومة مكة في كتاب (arabia in travel) الذي ألفه برك هارت (1: 405 , 444) ، وكذلك باب موجز في كتاب (histery of arabia) لهوغارث. وإليك أسماء الأشراف الذين يتعلقون بهذه الحركة مع سني ولايتهم: 1 مسعود بن سعيد سنة 1146 هـ ... 7- عبد الله بن حسن سنة 1184 هـ 2- مساعد بن سعيد سنة 1165 هـ ... 8- أحمد بن سعيد سنة 1184 هـ 3- جعفر بن سعيد سنة 1172 هـ ... 9- سرور بن مساعد سنة 1186 هـ 4- مساعد بن سعيد سنة 1173 هـ ... 10- عبد المعين بن مساعد سنة 1202 هـ 5- عبد الله بن سعيد سنة 1184 هـ ... 11- غالب بن مساعد سنة 1202 هـ 6- أحمد بن سعيد سنة 1184 هـ ... 12- يحيى بن سرور سنة 1228 هـ.

هذه رواية مرغليوث. أما ابن غنام وابن بشر وفلبى فلم يذكروا وفدا في سنة 1179 هـ، ولا ندري من أين أخذه مرغليوث، وبعد سكوت ابن غنام وابن بشر فلا يمكن الاعتماد على ما ذكره مرغليوث، وروايات أحمد زيني دحلان (الدرر السنية ص: 44) أيضا متعارضة جدا في هذا الباب ولا يمكن الوثوق بها. أول حج بعد المنع: وفي سنة 1183 هـ وقعت مناوشة بين الموحدين وفرقة من قبل أشراف الحجاز، واعتقل رئيس الفرقة الشريف منصور فأطلق الأمير عبد العزيز سراحه بدون فدية، ولقد ترك صنيعه هذا أثرا طيبا، وفي مقابل ذلك أذن لهم شريف مكة بالحج، وانتهز الفرصة عدد كبير من الموحدين. قال ابن غنام: "فاغتنم لذلك من المسلمين طائفة وسارت للحج آمنة"1. ومع أن قرار الإذن لم يمتد إلى سنين أخرى إلا أنه قد انفتح باب المحادثات والمفاوضات بسبب ذلك. أول وفد نجدي: قال ابن غنام: وفيها (أي في سنة 1185 هـ 1779 م) أرسل الشيخ وعبد العزيز إلى والي مكة أحمد بن سعيد الشريف هدايا، وكان قد كاتبهم وراسلهم وطلب منهم أن يرسلوا فقيها وعالما من جماعتهم يبين لهم حقيقة ما يدعون إليه من الدين ويحضر عند علماء مكة، فأرسل إليه الشيخ عبد العزيز الحصين وكتب معه إلى شريف مكة رسالة. واجتمع هو وبعض علماء مكة عنده وهم يحيى بن صالح الحنفي، وعبد الوهاب ابن

_ 1 روضة الأفكار 2: 91.

حسن التركي مفتى السلطان، وعبد الغني بن هلال وتفاوضوا في ثلاث مسائل وقعت المناظرة فيها. "الأولى: ما نسب إلينا من التكفير بالعموم. والثانية: هدم القباب التي على القبور. والثالثة: إنكار دعوة الصالحين للشفاعة ... فصار لهم بتلك العبارة اقتناع ولهم إلى الإقرار إسراع، وتفوّهوا بأن هذا دين الله، وقالوا هذا مذهب الإمام المعظم، وانصرف عنهم عبد العزيز مبجلا مكرماً" 1. وابن بشر أيضا يذكر قصة هذا الوفد2 ولكن بإيجاز، ولقد فصل الكلام فيه فلبي ولكن مصدره على الغالب هو روضة الأفكار لابن غنام، وأنه خلط بين حج سنة 1183هـ "1769 م " ووفد سنة 1185 هـ (1771 م" مع أن ابن غنام ذكر كلا منهما منفصلا عن الآخر. وكان رئيس هذا الوفد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين، وهو من خواص تلامذة شيخ الإسلام وكان موضع ثقة كاملة له، وقد أرسله رئيسا على الوفد إلى مكة مرتين، وكان يتولى منصب القضاء في عهود الأمير عبد العزيز "م 1218 هـ/ 1803" وسعود بن عبد العزيز (م 1229 هـ/ 1814م) ، وعبد الله بن سعود (صلب 1234 هـ/ 1819 م) بعد وفاة الشيخ. ولقد عامله إبراهيم معاملة سيئة جدا عند الاستيلاء على الدرعية سنة 1234 هـ، وشدد عليه في الكلام3 وكان إذ ذاك قد ضعف جدا. وهكذا تكون نشوة الفتح والاستعلاء الدنيوي، ولكنه والحمد لله لم يقتل مثل الآخرين، وتوفي في 12 رجب سنة 1237 هـ (ط إبريل سنة 1822 م)

_ 1 روضة الأفكار 2: 91 , 92: وزاد الأستاذ محمد حامد الفقي على ذلك (ص: 75) "فما كاد هذا الشيخ يبلغ مكة ... حتى ثار آل مساعد على عمهم أحمد الشريف، وانتزعوا من يده ولاية مكة بالقوة، وأخرجوه منها جزاء استقدامه هذا العالم النجدي ووضعوا مكانه على مكة شريفا آخر. والذي يغلب على الظن كثيرا أن ليد علماء السوء أثرا في هذا الثورة على الشريف أحمد." ولا أدري ما هو مأخذه؟. 2 1: 59. 3 عنوان المجد 1: 191. 4 ولمعرفة المزيد من الأحوال وتفصيل التلامذة يراجع عنوان المجد 1: 91 , 94 , 232 , 233.

الجدب والإذن العام للحج: قال ابن غنام: "وفيها (سنة 1197 هـ/ 1785 م) أهدى عبد العزيز - حرسه الله تعالى - علي سرور والي مكة المشرفة خيلا وركابا، وكرمه بذلك وشرفه، وقصده بذلك التشريف والإكرام وإهدائه ذلك النفيس الذي هو أجل الحطام الرخصة لأهل الدين والإسلام في أداء واجب الافتراض والالتزام خامس أركان هذا الدين على التحقيق والجزم واليقين الذي منعوه من سنين، وكانوا على قضائه متوجدين، فجاء الأمر منه في ذلك بالرخصة، فشمر المسلمون وانتهزوا الفرصة فحجوا ذلك العام وكانوا نحو ثلاثمائة من الأنام1. وابن بشر سكت عن هذه القصة تماما. أما فلبي فقد فصل الكلام في الاستئذان ونتائجه، وقال في الجدب الذي عم في سنة 1197 هـ/ 1785م. "ولكن مع ذلك (يشير إلى تلك الجهود التي بذلها الأمير عبد العزيز) قد منى العرب كلهم بمصائب عظيمة بسبب هذا الجدب الذي استمر طوال سنتين ولكن الجدير بالذكر أن الشريف لما أبلغ الأمير الوهابي برفع الحظر المفروض على النجديين، وأخلى سبيلهم إلى الحج لم يستفد منه سوى ثلاثمائة رجل2 وذلك بسبب القحط. وهذا الإذن الثاني ذو أهمية خاصة في تاريخ العرب في تلك الأيام، فقد كان سرور قد انفصل تماما عن حكومة الخليفة المزعومة في قسطنطينية، وكان قد بدأ يشن الغارة على حدود عسير ونجد، وكان يريد من منع النجديين من الحج أن يظهر قوته عليهم، ولكن الوهابيين أبوا أن يذعنوا له. وفي مقابل ذلك بدءوا يتعرضون لقوافل الحجاج العراقية والفارسية التي كانت تمر من بلادهم، ولم يكن في وسع الشريف سرور أن يضمن حمايتهم، وكانت النتيجة أن باشا العراق منع القوافل من الخروج، وذلك لأن حكومة

_ 1 روضة الأفكار 2: 134. 2 يظهر من كلام فلبي أن الشريف سرورا (1186- 1202) قد رفع الحظر عن الحج بنفسه، لكن رواية ابن غنام تثبت أن الأذن كان بناء على طلب من الأمير عبد العزيز. انظر كلامه "وقصد بذلك التشريف والإكرام ... الرخصة لأداء أهل الدين والإسلام في أداء واجب الافتراض" إلخ.

فارس كانت تعتبر الباشا البغدادي مسئولا عن المتاعب التي كان يلقاها الحجاج في الصحراء، وكانت موارد أهل الحجاز تنحصر في تلك الأيام على هذه القوافل التي كانت ترد عليهم من طريق البر. ولما ضاق الشريف ذرعا من تجار مكة والمدينة اضطر إلى تحسين علاقاته مع الحكومة النجدية، ولم يجد مناصا سوى الخضوع، ولما أرسل الحاكم الوهابي هدايا الخيل والإبل إلى الشريف في أيام الجدب ظهر لجميع الناس أن العلاقات قد تحسنت1، إلا أن الإذن أيضا بدا مؤقتا2. وفد نجدي ثان: توفى الشريف سرور في سنة 1202 هـ، وتولى الأمر بعد ذلك عبد المعين بن مساعد، وخلفه غالب بن مساعد، وهو الشريف غالب الذي وقعت في عهده المعارك بين أهل نجد والحجازيين والمصريين، وحسبما يرويه المؤرخون فقد كان ينوي اجتناب هذا الصراع إلا أن العلماء حالوا دون كل هدنة. ومهما كان الأمر فإن أقوى دليل على تفهمه للأمور أن الشريف غالبا (1202 - 1228 هـ) بعد مدة سنتين فقط من توليه للإمارة طلب من الأمير عبد العزيز عالما يستطيع أن يتكلم في دعوة شيخ الإسلام. وقد لبى الأمير عبد العزيز هذه الدعوة فرحا مسرورا، واختار الشيخ عبد العزيز الحصين لهذه المهمة (وهو الذي كان رئيس الوفد الأول) ، وكتب شيخ الإسلام رسالة بيده ذكر فيها الأدلة بكل تفصيل مع الإشارة إلى الوفد الأول، وأن علماء مكة قد اطمأنوا إليهم في ذلك الوقت. واستقبل الشريف غالب الشيخ عبد العزيز الحصين استقبالا طيبا وكلمه طويلا، واعترف بأهميته وصدق أدلته، إلا أنه تراجع عن رأيه بعد ما أغواه العلماء المحليون، وحذره "فقهاء الحرم" بأنه إن أطاع

_ 1 arabia: 38 , 39. 2 ذكر ماردتمان "ابن سعود: دائرة المعارف الإسلامية" أن غالبا كان قد سحب هذا الأذن في سنة 1202 هـ. وعامة المؤرخين يذكرون أن الأذن في كل مرة كان مؤقتا، ولم تزل أحكام منع النجديين من الحج مستمرة حتى بدأت الحرب سنة 1205 هـ. (الرحلة الحجازية: 68) .

ابن سعود فسوف يفقد إمارته ووقع هذا الأمر في قلب الشريف غالب ومنعه الفزع من الإمارة النجدية عن قبول الحق، ولقد ذاق العالم الإسلامي كله مرارته. وألح عليه الشيخ عبد العزيز أن يجتمع مع جماعة من علماء مكة، ويناقشهم في المسائل المختلف فيها بصراحة ووضوح إلا أن العلماء لم يرضوا بهذا وأعلنوا بالحرف الواحد:- "هؤلاء الجماعة ليس عندهم بضاعة إلا إزالة نهج آبائك وأجدادك، ورفع يدك عن معتادك وجوائز بلادك، فطار لبه وارتعش قلبه"1، ولو أن "فقهاء الحرم" أخذوا جانب الحزم والتعقل، وتجنبوا هذه المعاملة المتهورة، وتم التفاهم بين الشريف غالب والأمير عبد العزيز لحقنت دماء المسلمين الغالية. والعجب أن ابن بشر لم يذكر هذا الحادث المهم. وفد نجدي ثالث: وبعد ما خاب الوفد الثاني في مهمته ابتدأت المناوشات بين الجانبين. وبدأ بها غالب بنفسه في سنة 1205 هـ (1791م) ، واستمرت هذه الاشتباكات مدة طويلة تخللتها مهادنات، وفي خلال هذه المدة استمرت الجيوش النجدية في توسيع نفوذها في بقية أنحاء الجزيرة العربية حتى هجموا على جزيرة العمائر قرب الأحساء في سنة 1211 هـ، ورجعوا غانمين2. ولما رأى الشريف غالب هذا الازدياد في القوة النجدية بادر إلى المفاوضات مرة أخرى، وكتب إلى الأمير عبد العزيز كتابا طلب فيه أن يرسل عالما نجديا يستطيع أن يعرض مذهب الموحدين على أهل مكة. وكان الوفدان السابقان قد ذهبا في حياة شيخ الإسلام ومعهما مكتوب من شيخ الإسلام، وجاءت مطالبة الوفد الثالث بعد ما توفي الشيخ "سنة 1206 هـ"، ولكن مع ذلك سارع الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى استجابته، ولم يكن هناك شيء أحب إليه من الدعوة إلى الله، واختار لهذه المهمة أحد تلامذة الشيخ الأجلاء وهو الشيخ حمد بن ناصر بن

_ 1 روضة الافكار 2: 163. 2 عنوان المجد 1: 110.

عثمان بن معمر. ولما فرغ الشيخ حمد بن ناصر ورفقاؤه من الطواف قدموا هدايا الأمير عبد العزيز إلى الشريف، واستقبلوا استقبالا وديا، واستمرت المناقشات عدة أيام مع علماء مكة، وفي الأخير قدمت أسئلة عديدة إلى الشيخ حمد بن ناصر وطلب منه أن يكتب أجوبتها، فأجاب عنها مفصلا ومبرهنا بالأدلة، وقد طبعت هذه الأجوبة في رسالة سميت "الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم السنة والكتاب"1، وتكلم في هذه الرسالة بالخصوص على مسألتين وهما: الشفاعة والاستغاثة وتكفير تاركي الصلاة وقتالهم. وسنتكلم فيما بعد بالتفصيل في هذه المواضيع، ولذلك لا أرى التعرض بموضوع بحث هذه الرسالة. وكانت هذه المناظرة في شهر رجب سنة 1211 هـ في مجلس حافل أمام الشريف غالب. وعلق ابن غنام على هذه المناظرة في حوادث سنة 1211 هـ:- "إنهم اعترفوا باستقامة حججه، ولكن مع ذلك جحدوا- الخ". وقد نقل ابن غنام الرسالة بكاملها2 وذكر فلبي أيضا3 جميع ما جرى في هذا الوفد والمناظرة، والعجب أن ابن بشر سكت أيضا عن ذكر هذا الوفد. ومن المناسب هنا أن اذكر كلمات في شأن رئيس الوفد حمد بن ناصر بن معمر فكان يتشرف بتتلمذه على شيخ الإسلام مثل رئيس الوفد الأول والثاني الشيخ عبد العزيز الحصين (م سنة 1237 هـ) ، وزيادة على ذلك كان قد استفاد من أخيه سليمان بن عبد الوهاب (م سنة 1225 هـ) ، وقد تولى القضاء في الدرعية مدة طويلة، وكان الأمير سعود بن عبد العزيز (1218- 1229 هـ) قد أرسله للتدريس والإفتاء في مكة المكرمة، وتوفي هناك في أواسط ذي الحجة 1225 هـ (بداية كانون الثاني يناير سنة 1811 م4 صلح بعد حرب: لقد زادت فتوحات "الوهابيين" حتى أن الباب العالي اهتم في شأنهم، وسلمت هذه

_ 1 مجموعة الهدية السنية ص: 55 , 90. 2 روضة الأفكار 2: 226. 3 arabia ص: 71 , 72.

المهمة إلى سليمان باشا والي بغداد1، فأرسل جيوشا لكبح جماحهم بقيادة "ثويني" ثم بقيادة "علي باشا"2، ولكنها رجعت خائبة خاسرة، وصارت الجيوش النجدية تشن غارات باستمرار على حدود العراق، وتقدم الأمير عبد العزيز فاستولى على البحرين وسواحل عمان وحكم سيطرته بهجمات على حكام بغداد والبصرة الأتراك. ولم يزل الحظر المفروض على النجديين من الحج مستمرا، وفي مقابل ذلك لم يزل هجومهم على العراق والتعرض لقوافل العراقيين مستمرا. وكان كل هذا مصدر تعب وقلق دائمين لأشراف مكة، فاضطروا لرفع الحظر عن الحج مرارا، وطلبوا الوفود للتفاهم، ولكنهم في الأخير عزموا على شن الغارة. وكانت هذه عادة الشريف غالب فقد قام بشن غارات شاملة بعد استعدادات كاملة في سني 1205 "1790 م" و 1210 هـ "1795 م" و 1212 هـ "1798 م" ولكن في كل مرة كان حظه الهزيمة 3. ووقعت أعنف هذه المعارك4 وآخرها في سنة 1212 هـ في الخرمة (قرية معروفة عند تربة) ، ومنى فيها غالب بهزيمة نكراء، وقتل آلاف من رجاله فلم يجد بدا من المصالحة والإذن للحج، وعينت الحدود بين الطرفين فكانت عتيبة وحرب والناحية الشمالية من عسير في حدود مملكة الشريف. وتم هذا الصلح في آخر جمادى الأولى سنة 1213 هـ (كانون الأول ديسمبر سنة 1798 م5، وعلى أثر ذلك بدأ النجديون وكذلك القوافل العراقية يؤدون فريضة الحج بأمن وسلام من سنة 1213 هـ إلى سنة 1215 هـ.

_ 1 في سنة 1212 وكان الشريف غالب هو الذي لفت أنظار الدولة العثمانية إلى خطر "الوهابيين"، وحثه على كسر شوكتهم إلا أن الدولة لم تعر أي اهتمام، ولكننا نرى أن سليمان باشا حاكم بغداد جهز الجيوش لمحاربة أهل نجد قبل ذلك، وأما بعده في سنة 1213 هـ فكما يقول دحلان نفسه أن نائب سليمان وهو علي باشا قد قام بهجوم عنيف "ولو لم تكن حياتهم باقية لكان من المقطوع به نهاية الوهابيين" خلاصة الكلام ص 266 , 268. 2 أرسلت هذه الجيوش في سنة 1211 هـ (1797 م) وسنة 1213 هـ "1799 م" وللتفصيل يراجع عنوان المجد 1: 107 , 109 , 118. وفلبي ص 68 , 70. 3 عنوان المجد 1: 86 , 87 , 103 , 107 , 112 , وفلبي ص: 51 , 54 , 73 , 74. 4 وهذه المعركة هي التي اشتهرت "بوقعة الخرمة" وقد وقعت في شوال سنة 1212 هـ "مارس وأبريل سنة 1798 م" ورجع غالب إلى مكة منهزما في 3 من ذى القعدة "19 أبريل سنة 1798 م" خلاصة الكلام ص: 267. 5 خلاصة الكلام ص 267.

الحج سنة 1213 هـ: بعد معركة الخرمة أرسل الشريف رسولا إلى عبد العزيز وطلب منه الصلح فقبله الأمير، وأذن الشريف لأهل نجد بالحج، وفي العام نفسه تشرف ركب آخر من نجد بأداء فريضة الحج، وكان فيه نجلان لشيخ الإسلام وهما: علي بن محمد وإبراهيم بن محمد1. ويعلق دحلان على هذا بقوله: "وقد ارتبط بينهم عهود ومواثيق على المسالمة، وأن الحرب بينهم موقوف وأن يحج الوهابيون بيت الله الحرام، ونادى المنادي بالأمن والأمان ومنع الناس عن التعرض لهم باليد واللسان، فأقبلوا على مكة من كل مكان. فسبحانه وتعالى كل يوم هو في شأن 2. ويذكر أحمد دحلان حج حمد بن ناصر أيضا إلا أن ابن بشر لم يذكر اسمه في نطاق ذكره للأعيان الآخرين. ولم يتمكن الأمير عبد العزيز ولا سعود بن عبد العزيز من أداء الحج في ذلك العام؛ وذلك بسبب أن نائب سليمان باشا وهو علي باشا قد أرسل جيشا عظيما لمحاربتهم، فاشتغل الوالد والولد في الاستعداد لهذه المهمة، ووقعت هذه الحادثة ما بين رمضان وذي القعدة سنة 1213 هـ (سنة 1799 م) . الحج سنة 1214 هـ: "وفيها حج سعود بن عبد العزيز حجته الأولى، وأجمل معه غالب أهل نجد والجنوب والأحساء والبوادي غيرهم، وكانت حجة حافلة بالشوكة وجميع الخيل والجيش والأثقال والنساء، واعتمروا وقضوا حجهم على أحسن الأحوال، ولم ينلهم مكروه ورجعوا سالمين ولله الحمد والمنة"3.

_ 1 عنوان المجد: 1: 120. 2 خلاصة الكلام: 268. 3 عنوان المجد 1: 20.

"وفي سنة أربع عشرة حج سعود بن عبد العزيز ومعه قوم كأمثال الرمال، واجتمع بمولانا الشريف في خيمة ضربت لهما بالأبطح، ورجع في الثامن والعشرين من ذي الحجة (مايو سنة 1800 م) .1 الحج سنة 1215 هـ "وفيها حج عبد العزيز بن محمد بن سعود بالناس، واحتفلوا احتفالا أعظم من الأول التي قبلها، وأجمل معه غالب أهل نجد ومن تبعهم من البوادي وغيرهم بالنساء والأطفال، وحج معه ابنه سعود ثم إن عبد العزيز لما سار سبعة أيام أنس من نفسه الملل والثقل، وبالغ معه ابنه سعود..، فرجع عبد العزيز..، ورجع إلى الدرعية وحج سعود بالمسلمين واعتمروا وحجوا على أحسن حال، واجتمع سعود بغالب في مكة وبذل سعود في مكة من الصدقات والعطاء شيئا كثيرا. وهذه حجته الثانية" 2. "وفي هاتين السنتين مرت قوافل الحجاج من أرجاء بلدان نجد آمنة مطمئنة، وكان سعود بن عبد العزيز بنفسه يشرف عليها، وفي السنة الثانية تشرف حاكم عمان أيضا بالحج".3 لقد أخذنا هذا الترتيب بين الوقائع والحجات من مراجع موثوق بها، وقد حصل بعض الغلط في الترتيب عند الأمير شكيب أرسلان، ولعله بسبب اعتماده على بعض المصادر الأوربية4. وكذلك الأمر في مقالة ما ردتمان ومع أن السنين فيها قد كتبت صحيحة إلا أن الترتيب منقلب5. الغارة على كربلاء سنة 1216 هـ/ 1802 م: لقد بولغ كثيرا في رواية قصة غارة النجديين على كربلاء وإهانة النجف وبلد الحسين ولكننا نذكر هنا الوقائع الصحيحة وبإيجاز: "ولقد فشلت تماما تلك الحملات المتكررة التي قام بها ولاة البصرة وبغداد من

_ 1 خلاصة الكلام: 268. 2 عنوان المجد 1: 121. 3 فلبي ص: 81. 4 حاضر العالم الإسلامي 4: 162 , 163. 5 مقالة "ابن سعود" دائرة المعارف الإسلامية.

الترك مع حلفائهم من آل المنتفق عام 1797م، وحملة كخيا علي باشا سنة 1798 م في إجلاء الوهابيين من الحسا. وانتهت هذه الحملات بتهادن عبد العزيز ووالي بغداد لمدة ست سنوات، ولكن صلات الوهابيين الودية مع بغداد والأشراف لم يطل أمدها. فداهم سعود بن عبد العزيز مدينة كربلاء في 18 ذي الحجة عام 1216 هـ (21 إبريل 1802 م) للانتقام من قبيلة خزاعل الشيعية لاعتدائها على قافلة وهابية" 1. "وفيها سار سعود بالجيوش المنصورة والخيل العتاق المشهورة، ومن جميع حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة وغير ذلك، وقصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين، وذلك في ذي القعدة2، فحشد عليها المسلمون وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة، وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت، وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين وأخذوا ما في القبة وما حولها، وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك ما يعجز عنه الحصر، ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال، وقتل من أهلها قريب من ألفي رجل" 3. ومهما فرح أهل نجد بهذه الحادثة وشفي غيظهم إلا أنها أثارت موجة السخط والغضب بين المسلمين عامة والشيعة الإيرانيين خاصة ويقال أن "فتح علي شاه قاجار" (1212 هـ - 1250 هـ/ 1798 م- 1834 م) قد عزم على شن الغارة على نجد بجيش عدته مائة ألف رجل، وكان سليمان باشا حاكم بغداد أيضا يعد جيشا عظيما. إلا أن أهل إيران قد اشتبكوا مع الروس، واشتغل سليمان باشا في إخماد ثورة من قبل الأكراد وهكذا صرفوا عما أرادوا 4. أما غضب "فتح علي شاه قاجار" فمعقول ولكن كتب التاريخ الأخرى لا تثبت

_ 1 فلبي ص: 81 ومقالة ماردتمان "دائرة المعارف الإسلامية "عربي" 1: 191 , 192". 2 ذي القعدة سنة 1216 هـ "مارس سنة 1802 م" ولعله تاريخ الخروج وقد حدد هاردتمان تاريخ الهجوم وهو 18 ذي الحجة سنة 1216 هـ " 5 أبريل سنة 1802 م" ويظهر أنه صحيح. 3 عنوان المجد 1: 121 , 122. 4 حاضر العالم الإسلامي 4: 163.

إرادته غزو نجد. ولقد وجدت مخطوطة في المكتبة الشرقية ببتنة تلقي بعض الضوء على هذه الحادثة، وفيها رسالة من الأمير سعود بن عبد العزيز باللغة الفارسية إلى "فتح علي شاه قاجار" وفيها ذكر لقتل أهل نجف مع ذم أعمالهم الشركية، وكتب فيها أيضا أن "فتح علي شاه" إن لم يحاول استئصال هذه المفاسد فسيضطر أمير نجد أيضا إلى اتخاذ إجراءات صارمة. ومع هذه الرسالة يوجد جواب "فتح علي شاه" وقد حذر فيه أمير نجد، وأكد عليه أن يمتنع عن هذه (المظالم) ، وفي بداية الرسالة توجد بعض التوضيحات والإفادات عن دعوة شيخ الإسلام بكلمات موجزة، وهذه الإفادات من قبل سعود بن عبد العزيز. وأما أصل الرسالة فقد كتب من قبل الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود، وعند الهجوم على كربلاء كان الأمير عبد العزيز حاكما وسعود بن عبد العزيز وليا للعهد وقائد الجيش، فمن المعقول أيضا وجود أسمائهما في الرسالة. كتبت هذه المخطوطة الوجيزة في سنة 1219 هـ/ 1804 م أي بعد ثلاث سنين من الحادث فقط. ولا يوجد تاريخ في الرسائل إلا أنها كتبت في أيام قريبة من الهجوم على كربلاء وليس فيها أي ذكر لغارة "فتح علي شاه" المزعومة. ومن جهة أخرى يتبين لنا من تصريحات فلبي1 أن العلاقات بين "فتح علي شاه" وسعود بن عبد العزيز كانت طيبة وودية في سنة 1808م؛ ولذلك فلا يمكن أن نقطع بشيء في إرادة ملك إيران الغارة على نجد. أما غارة سليمان باشا حاكم العراق فالذي نعرف عنها أنه توفي في سنة 1217 هـ أي بعد مدة قصيرة من حادث كربلاء.2 انتهاء الهدنة سنة 1217 هـ: إن معاهدة الهدنة التي أبرمت بين الجانبين بعد وقعة الخرمة لم يقدر لها البقاء مدة طويلة، واتهم الشريف غالب الجيوش النجدية بخرق المعاهدة والقيام بأعمال عدوانية.

_ 1 arabia ص: 90. 2 عنوان المجد 1: 122.

ولما لم تنحل المسألة بالمكاتبات أرسل الشريف غالب وزيره "عثمان المضايفي" لإجراء مفاوضات، إلا أنه لما وصل هناك انضم إليهم، ولما رجع دعا غالبا إلى المبارزة من قبل حلفائه الجدد. ومن جهة أخرى ساءت العلاقات بين غالب وأخيه عبد المعين، واستنجد عبد المعين بسعود فوقع اشتباك قرب الطائف، وتحصن غالب في قلعة الطائف إلا أنه مني بالهزيمة أخيرا، واستولى الجيش السعودي على الطائف، وعين عثمان المضايفي حاكما للحجاز1، وانتشرت الجيوش النجدية في الأطراف والجوانب، وأخذوا يتوجهون نحو مكة المكرمة. كان الحج قريبا وكان الركب الشامي نازلا على بعد ثلاثة أيام من الحرم بقيادة (عبد الله باشا) ، فتصالح مع سعود على شرط أن يعود الركب إلى بلاده بعد ثلاثة أيام من فراغه من شعائر الحج، وطلب غالب من عبد الله باشا أن يتوسط له لدى سعود إلا أنه رجع إلى بلاده بمجرد فراغه من الحج حسب شروط الاتفاق، وذهب طلب غالب هباء.2 دخول مكة: بعد ما انتهت أعمال الحج لجأ غالب إلى جدة ودخل سعود بن عبد العزيز مكة المكرمة فاتحا وذلك في يوم السبت 8 محرم الحرام سنة 1218 هـ "30 إبريل سنة 1853 م"3، ولم يلق سعود أي معارضة من قبل المواطنين، وعين عبد المعين شقيق غالب أميرا على مكة وتوجه بنفسه إلى الإصلاح. قال ابن بشر: "ودخل سعود مكة واستولى عليها، وأعطى أهلها الأمان وبذل فيها من الصدقات

_ 1 أواخر سنة 1317 هـ (1803 م) . 2 عنوان المجد 1: 122 / وفلبي ص: 83. 3 لقد ذكر صاحب قاموس الإسلام (660) تاريخ دخول مكة 27 أبريل إلا أنه أخطأ، ولعل زويمر أيضا (94) نقل منه هذا الخطأ.

والعطاء لأهلها شيئا كثيرا. فلما فرغ سعود والمسلمون من الطواف والسعي تفرق أهل النواحي يهدمون القباب التي بنيت على القبور والمشاهد الشركية. وكان في مكة من هذا النوع شيء كثير في أسفلها وأعلاها ووسطها وبيوتها فأقام فيها أكثر من عشرين يوما ولبث المسلمون في تلك القباب بضعة عشر يوما يهدمون. يباكرون إلى هدمها كل يوم وللواحد الأحد يتقربون حتى لم يبق في مكة شيء من تلك المشاهد والقباب إلا أعدموها وجعلوها ترابا" 1. "لقد ولى سعود عبد المعين إمارة مكة وتوجه إلى تطهير الحرم من أرجاس الوثنية، ووزع الجواهر والأموال الموجودة في الكعبة وهدمت القباب وقتل بعض السدنة2". ولم يذكر ابن بشر شيئا عن توزيع الجواهر وقتل السدنة. وهذا جانب واحد من دخول سعود مكة، ولعل عامة الناس لا يرضون بهذا فلنلاحظ الجانب الآخر أيضا. يقول الراهب هيوجس (Huges) : "لم يصب المواطنين أي أذى لأجل قداسة الحرم. وبعد أن تولى الإمارة أهل نجد عمرت المساجد حتى أن هذا المنظر من الزهد والطاعة لم ير له مثيل في هذا البلد الأمين بعد عهد النبوة" 3. وكتب معاصر أوروبي آخر وهو برك هارت: "مازال أهل مكة يذكرون اسم سعود بالشكر والرضى حتى الآن، وما زالت معاملة الجنود الطيبة تذكر بثناء ومدح، وبالخصوص معاملتهم في أيام الحج والزيارات. ولم يستطيعوا أن ينسوا تلك المعاملة العادلة التي شاهدوها من جيوشه"4 وزيادة على هذا أجبر الناس كلهم على الصلاة مع الجماعة، ودمرت آلات التنباك والملابس الحريرية، وألغيت المكوس والرسوم التي لا يقرها الشرع الإسلامي5.

_ 1 عنوان المجد 1: 122 / 2 , 3. 2 فلبي ص: 83. 3 قاموس الإسلام (dietionory of islam) ص: 660. 4 برك هارت 2: 149. 5 الهدية السنية: 43.

وقضي على تعدد الجماعات في الصلوات، وبدأ الناس يصلون وراء إمام واحد، وبدأ علماء المذاهب المختلفة يصلون بالناس في أوقات مختلفة 1. ووزعت رسالة ألفها الشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام في توضيح عقائد أهل نجد وطريقتهم، وذكر فيها بكل تصريح هدم القباب والزوايا وبحث في المسائل الأخرى المختلف فيها. وحسبما يروي دحلان أمر بتدريس رسالة "كشف الشبهات" لشيخ الإسلام.2 وقد ذكرنا آنفا أن غالبا قد التجأ إلى جدة فتعقبه سعود بعد ما أقام في مكة المكرمة أربعة عشر يوما وذلك في 22 محرم سنة 1218 هـ. إلا أن المهمة قد باءت بالفشل لأجل تفشي الطاعون في جنوده، واضطر إلى أن يترك فكرة الاستيلاء على الحجاز في ذلك الوقت، وبقي مائتان من جنوده في مكة فذبحوا وراءه بكل قسوة3. استشهاد الأمير عبد العزيز: في 18 رجب سنة 1218 هـ (4 نوفمبر سنة 1803م) حينما كان الأمير عبد العزيز يصلي بالناس صلاة العصر حسب عادته، وبينما كان ساجدا بين يدي ربه إذ هجم عليه ظالم بخنجر وقتله. ويروى أن الذي قتله كان رافضيا إيرانيا أو كرديا4 قتل عدة من أولاده في كربلاء بأيدي النجديين، وكان يقيم بالدرعية يتربص الدوائر لكي يتمكن من أخذ ثأره، وكان الأمير عبد العزيز يكرمه لغربته وظهور صلاحه، ولكنه بقي ينتظر الفرصة مدة سنة كاملة حتى تمكن من إرواء غليله بقتل الأمير عبد العزيز.

_ 1 خلاصة الكلام: 278. 2 خلاصة الكلام: 279. 3 حاضر العالم الإسلامي 4: 162 وفلبي: 83. 4 عامة المؤرخين يذكرون أن القاتل كان رافضيا إيرانيا " فلبي: 84 حاضر 4: 163" إلا أن ابن بشر "1: 123" يقول: إنه كان كرديا ثم يقول: وقيل: إنه كان شيعيا وأتى بصفة التمريض, لأن الأكراد ليسوا بأهل رفض، ولا في قلوبهم غل على المسلمين (1: 124) وابن بشر يسميه بعثمان، وكان من سكان [عمارية] قرب الموصل.

لقد حكم عبد العزيز بن محمد بن سعود من سنة 1179 هـ (سنة 1765 م) إلى سنة 1218 هـ (1803 م) أي مدة تسعة وثلاثين عاما، ومضى أكثر عهد حكمه تحت إشراف مباشر من شيخ الإسلام نفسه، وكان عبد العزيز قد برزت أهميته قبل سنة 1159 هـ/ 1744 م أي قبل وفاة والده، وجميع المعارك العامة التي خاضتها الجيوش النجدية من سنة 1591 هـ إلى 1179 هـ (أي سنة 1744 م إلى 1765 م) كانت تحت قيادته. كما أن جميع المعارك التي وقعت في عهده كانت بقيادة ولي عهده سعود بن عبد العزيز، وكان عبد العزيز قد استفاد بصحبة شيخ الإسلام، ولذلك كانت محبة الدعوة والتبليغ مسيطرة على قلبه، وكلما تم له الاستيلاء على بلد من البلدان كان أول همه تعيين الوعاظ والمصلحين، وكان مطبوعا على الشفقة والرحمة على رعيته. ولسنا الآن في مجال التفصيل والإحاطة فقد ذكر ابن بشر محاسنه وعاداته بكمال، ونحن. نكتفي هنا بذكر شهادة واحدة وهي من القاضي محمد بن علي الشوكاني (سنة 1173 هـ/ 1760 م- سنة 1250 هـ/ 1832 م) ، وكان الشوكاني معاصرا للأمير عبد العزيز، ولا يمكن أن يتهم بأنه كان مواليا لشيخ الإسلام1 قال الشوكاني: "ومن دخل تحت حوزته أقام الصلاة والزكاة والصيام وسائر شعائر الإسلام، ودخل في طاعته من عرب الشام الساكنين ما بين الحجاز، وصعدة غالبهم إما رغبة وإما رهبة، وصاروا مقيمين لفرائض الدين بعد أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئا، ولا يقومون بشيء من واجباته إلا مجرد التكلم بلفظ الشهادتين على ما في لفظهم من عوج، وبالجملة فكانوا في جاهلية جهلاء كما تواترت بذلك الأخبار إلينا، ثم صاروا الآن يصلون الصلوات لأوقاتها، ويأتون بسائر الأركان الإسلامية على أبلغ صفاتها2. وقد امتدح برك هارت أيضا جهوده في الدعوة إلى الله وتعيينه للقضاة وعدل القضاة وغيرها في كلمات رائعة3.

_ 1 يراجع الباب الرابع "الدعوة وحقيقتها" والباب الخامس "افتراءات وأكاذيب". 2 البدر الطالع.

سعود بن عبد العزيز: 1218 هـ/ 1803 م - 1229 هـ/ 1814م بعد شهادة الأمير عبد العزيز تولى الإمارة ابنه سعود، وكانت قد أخذت له البيعة في حياة شيخ الإسلام بإيعاز منه1. وبعد ما تولى سعود زمام الحكم بدأ في توسيع نطاق الدعوة والدولة على منوال أبيه، وسلم قيادة المعارك النائية إلى ابنه عبد الله، ففتح خيبر في الحجاز من جهة، ومن جهة أخرى وصلت فتوحاته إلى البحرين وعمان ورأس الخيمة. وهنا اهتم الباب العالي بشأنهم وصدرت الأوامر إلى علي باشا حاكم العراق وعبد الله باشا حاكم دمشق وشريف باشا حاكم جدة أن يقوموا للقضاء على هذا الخطر. فابتدأ العمل بتجهيز جيش عظيم في العراق من العرب والأكراد، ولكن هذه الاستعدادات لم تتم في وقتها، فانتهز سعود هذه الفرصة وهجم على البصرة، وكان علي باشا متحصنا في "الحلة" فتركته الجيوش النجدية، واتجهت نحو الزبير وهدمت هناك جميع القباب والمشاهد التي لا تتفق والعقيدة الإسلامية، ثم رجعت إلى بلادها.2 وهكذا رجع سعود سالما غانما، أما علي باشا فقد اشتغل في إخماد ثورة الأكراد. وهكذا خابت خطة القضاء على النجديين.3 دخول مكة ثانيا: لقد كان سعود مطمئنا من ناحية عمان والمدن الساحلية، فقد كانت قد اعترفت

_ 1 سنة 1202 هـ "1788 م" روضة الأفكار 2: 154 عنوان المجد 1: 83. 2 ذي الحجة سنة 1218 هـ[مارس وأبريل سنة 1804 م] .

بسيادته وأذعنت له، ولما اطمأن الآن من ناحية العراق عاد يفكر في إخضاع الحجاز من جديد وصمم على ذلك 1. وتقدم عثمان المضايفي فاستولى على الطائف بدون أي معارضة، وخضع له أهل المدينة أيضا في أوائل سنة 1220 هـ (1805 م) وعاهدوا بالسمع والطاعة، وهدمت القباب والمشاهد من القبور العامة كما جرت عادتهم بذلك 2، وفي هذه المدة توجهت الجيوش النجدية الأخرى التي كانت قد أخضعت البلدان المجاورة إلى مكة. وكان موسم الحج قد اقترب فتوقف الركب الشامي لأجل المحاصرة، واضطربت الأحوال داخل مكة، واضطر غالب إلى أن يطلب الأمان، وعاهد بطاعة سعود3 فسمح للقافلة الشامية بالحج، وأرسل غالب هدايا إلى سعود إثباتا بطاعته، وصادق على معاهدة الصلح التي كانت قد أبرمت بين قائده عبد الوهاب أبي نقطة وعثمان المضايفي، "فتغيرت الأحوال وأمنت السبل ومشت السابلة إلى مكة من جميع النواحي، ورخصت الأسعار في الحرمين وغيرهما"4. وهناك محققون أوربيون أمثال هارت وبرائجس الذين يمكننا أن نصفهم بأنهم شهداء عيان تقريبا بهذه الوقعة. وهم قدموا لنا صورة جديدة ومتغيرة: "فتحت المدينة في سنة 1804 م وكان هناك رجل يسمى (حسن قلعي) قد استولى

_ 1 ذي القعدة سنة 1219 هـ[فبراير سنة 1805 م] . 2 لقد ذكر كل من إستودارد [حاضر العالم الإسلامي] و huges [قاموس الإسلام: 660] وغيرهما أنهم هدموا القبة المبنية على قبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أيضا. ولكن هذا خطأ فاحش. وللتفصيل يراجع باب الافتراءات والأكاذيب. 3 أواخر سنة 1220 هـ[يناير أو فبراير سنة 1806 م] . 4 عنوان المجد 1: 132 , 134. كان القحط قد عم جميع نواحي الجزيرة العربية, وقد استمر من ذي الحجة سنة 1219 هـ إلى ذي القعدة سنة 1220 هـ[خلاصة الكلام: 285] وتأثرت به بلاد نجد واليمن أيضا إلا أن الأحوال قد ساءت جدا في مكة؛ لأن السكان كان قد بلغ بهم الجهد لأجل الحروب والحصار، وجاء الجدب فقربهم إلى الهلاك. وزعم فلبي أن حوادث من السلب والنهب قد وقعت بعد فتح مكة ولكنه ليس بصحيح؛ فإن أحمد زيني دحلان الذي يتحف الوهابيين بشتائم لا تعد ولا تحصى لم يذكر شيئا من هذا القبيل، فلو كان له أدنى درجة من الصحة لما سكت دحلان "يراجع خلاصة الكلام: 292"

على المدينة من قبل، فنهب جميع الخزائن الموجودة في الحجرة الشريفة ووزعها بين أصحابه قبل أن يسلم البلد إلى سعود، وبعد مدة يسيرة من الفتح لما دخل سعود المدينة وفتح الحجرة فأخذ ما كان هناك من البقايا 1. الحجة الثالثة لسعود: لقد سبق أن ذكر أن الأمير سعود قد حج مرتين، والآن بعد أن فتحت مكة قد وجد فرصة لزيارة بيت الله كما وجد مجالا لإتمام مساعيه في الدعوة، فخرج بإرادة الحج للمرة الثالثة في 12 ذي القعدة سنة 1221 هـ (يناير سنة 1807 م) من الدرعية، ووزع من الصدقات والعطايا الشيء الكثير بعدما وصل مكة المكرمة، ثم توجه إلى المدينة المنورة في آخر ذي الحجة، وبعدما نظم هناك الأمور الإدارية رجع. وذكر أحمد زيني دحلان أنه أخرج الذهب والجواهر من الحجرة الشريفة2 إلا أن ابن بشر سكت عن هذا، ونرى المؤرخين الأوربيين أمثال بلنت وغيره3 يرددون هذا الخبر ولكننا لا نستطيع أن نجزم به لأجل سكوت ابن بشر، فلو أن سعودا تصرف بأموال الحجرة النبوية كما صنع في النجف أو وزعها بين عساكره لذكره ابن بشر؛ لأنهم لا يعتبرون هذا أمرا مذموما، وقد سبق أن سمعنا كثيرا من مثل هذه الوقائع في النجف وكربلاء بلسان ابن بشر نفسه. نعم الجبرتي ذكر أن عبد الله بن سعود أخذ الأموال من الحجرة الشريفة، ثم رجعها4 فيحتمل أن تكون القصة صحيحة وأعرض عنها ابن بشر 5. ومن الأمور المهمة التي حدثت في هذا السفر أن الركب الشامي اضطر إلى القفول لأجل عدم إيفائه بالشروط، وكان قد اشترط عليهم أن لا يدخلوا بالملاهي والأغاني6.

_ 1 برك هارت 2: 198 , 199 , برائجس: 33 , 34. 2 خلاصة الكلام: 214. 3 رحلة إلى بلاد نجد 2: 256. 4 عجائب الآثار 4: 299. 5 وهذا الاحتمال بعيد جدا ولو كان كذلك لما سكت عنه ابن بشر (المترجم) .

وكذلك أجبر سعود الجنود التركية على أن تترك مكة وبايع غالب سعودا1، وكان في هذا الحج مع سعود جميع أمرائه وعدد كبير من أهل نجد ونواحيها. إصلاحات أخرى: لقد حج سعود للمرة الثالثة في سنة 1221 هـ، ثم استمر يحج بعد ذلك كل سنة إلى سنة 1227 هـ. وكان شغله الشاغل في هذه الأسفار والاجتماعات وتجمعات الحج هو الدعوة إلى الله وإصلاح شئون المسلمين، فمنع المحامل التي كانت ترد من مصر والشام كما منع الملاهي والأغاني التي كانت تصحب القوافل عادة2. قال ابن بشر: "وفشا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة، فلا يشرب التنباك في أسواقها، وأمر سعود أن يجعل في أسواقها من يأمرهم بالصلاة إذا دخل الوقت، فكان إذا أذن دار الرجال في الأسواق: الصلاة، الصلاة" 3. وفي سنة 1225 هـ تشرف ابن بشر بنفسه بزيارة بيت الله الحرام والحج وذكر لنا ما شاهده هناك فقال: "وحججت في تلك السنة، وشهدت سعودا وهو راكب مطية محرما بالحج، ونحن مجتمعون في نمره لصلاة الظهر وخطب فوق ظهرها خطبة بليغة، ووعظ الناس فيها وعلمهم المناسك، وذكر ما أنعم الله عليهم به من الاعتصام بكلمة لا إله إلا الله، وما أعطى الله في ضمنها من الاجتماع بعد التفرق وأمان السبل وكثرة الأموال وانقياد عصاة الرجال، وإن أضعف ضعيف يأخذ حقه كاملا من أكبر كبير من مشايخ البوادي وأعظم عظيم من رؤساء البلدان. ونادى وهو على ظهرها لا يحمل في مكة سلاح، ولا تبرج امرأة بزينة، وتوعد من فعل ذلك من جميع رعيته ... وجعل في الأسواق رجالا وقت الصلاة يحضونهم عليها فلا

_ 1 عنوان المجد 1: 138. 2 خلاصة الكلام: 294. 3 سنة 1222 هـ (سنة 1809 م) عنوان المجد 1: 141.

تجد فيها وقت الصلاة متخلفا إلا نادرا، ولا تجد في الأسواق في جميع هذا الحج من يشرب التنباك ولا غيره من المحظورات إلا ما لا يرى ظاهرا".1 وقال أيضا في أخبار سنة 1226 هـ (1812 م) : "ولا ترى الآن منكرا في مكة المكرمة (شرب التنباك وترك الصلاة والحلف بغير الله" ... الخ. وذكر الجبرتي إصلاحات سعود بن عبد العزيز بتفصيل أكثر فقال في صدد ذكره لمعاهدة الصلح بين الشريف غالب والأمير سعود في حوادث محرم سنة 1221 هـ. "وأمر بمنع المنكرات والتجاهر بها وشرب الأراجيل والتنباك في المسعى وبين الصفا والمروة، وبالملازمة على الصلوات في الجماعة، ودفع الزكاة وترك لبس الحرير والمقصبات، وإبطال المكوس والمظالم، وكانوا خرجوا عن الحدود في ذلك حتى إن الميت يأخذون عليه خمسة فرانسة أو عشرة بحسب حاله. وإن لم يدفع أهله القدر الذي يتقدر عليه فلا يقدرون على رفعه ودفنه، ولا يتقرب إليه الغاسل ليغسله حتى يأتيه الإذن. وغير ذلك من البدع والمكوس والمظالم التي أحدثوها على المبيعات والمشتريات على البائع والمشترى، ومصادرات الناس في أموالهم ودورهم، فيكون الشخص من سائر الناس جالسا بداره فما يشعر على حين غفلة منه إلا والأعوان يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها، ويقولون: إن سيد الجميع محتاج إليها فإما أن يخرج منها جملة وتصير من أملاك الشريف، وإما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها أو أقل أو أكثر. فعاهده على ترك ذلك كله ... واتباع ما أمر الله تعالى به في كتابه العزيز من إخلاص التوحيد لله وحده واتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون إلى آخر القرن الثالث، وترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الأحياء والأموات في الشدائد والمهمات. وما أحدثوه من بناء القباب على القبور والتصاوير والزخارف وتقبيل الأعقاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبح والقربان وعمل الأعياد والمواسم لها، واجتماع أصناف الخلائق واختلاط النساء بالرجال وباقي الأشياء التي فيها شركة المخلوقين مع الخالق

_ 1 عنوان المجد 1: 151.

في توحيد الألوهية التي بعثت الرسل إلى مقاتلة من خالفها؛ ليكون الدين كله لله، فعاهد على منع ذلك كله، وهدم القباب المبنية على القبور والأضرحة؛ لأنها من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهده، بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية وإقامة الحجة عليهم بالأدلة القطعية التي لا تقبل التأويل من الكتاب والسنة وإذعانهم لذلك، فعند ذلك أمنت السبل وسلكت الطريق بين مكة والمدينة، وبين مكة وجدة والطائف، وانحلت الأسعار وكثر وجود المطعومات، وما يجلبه العربان من الشرق إلى الحرمين من الغلال والأغنام والأسماك والأعسال ... " 1. ولقد ذكر برك هارت أيضا شدته على مواظبة الصلوات والعقوبات التي كانت تنزل على المتخلفين وغيرهم2. فتوحات وحروب أخرى: لم تتوقف أعمال سعود العسكرية بعد فتح الحجاز، ففي سنة 1223 هـ (1808 م) هجم على النجف، ولكنه لم ينجح3 كما أغار في طريق عودته على السماوة والزبير أيضا. وفي ربيع الآخر سنة 1225 هـ (يونيو سنة 1810 م) قصد سعود الشام وبعد عدة معارك رجع منتصرا ومعه الأموال والغنائم4. وقال ابن بشر: "وحصل في الشام رجفة ورعب عظيم بهذه الغزوة في دمشق وغيرها من بلدانه وجميع بواديه". وقد وقعت معارك في البصرة ونواحيها عدة مرات، ولكنها ما أثمرت ثمرة مستقرة.

_ 1 عجائب الآثار للجبرتي 4: 5 , 6 "6: 278 , 279. طبعة لجنة البيان العربي". 2 برك هارت: 147. 3 عنوان المجد 1: 135. 4 عنوان المجد 1: 148 , 149.

رأس الخيمة: وزيادة على هذه الحروب حصلت معركة مع الشركة الهندية الشرقية1، وكان سكان الخليج من قبيلة جوازم مصدر قلق دائم للحكومة الإنجليزية في الهند؛ إذ كانوا يشنون غارات متواصلة على السفن المارة من قرب الساحل، ويلحقون بها خسائر فادحة، ويغنمون الكثير، وقد بذلت الحكومة الإنجليزية محاولات عظيمة في بداية القرن التاسع عشر، ولكن الآن منذ عدة سنين كان سعود هو المسيطر على هذه المناطق، وكان هؤلاء المغيرون تحت حكومته. فشنت حكومة بومباي في سنة 1809 م (رمضان سنة 1224 هـ) غارة عنيفة على رأس الخيمة، وألحقت ضربة قاضية بأسطولهم وأحرقت المدينة، فما طلعت الشمس في 12 نوفمبر سنة 1809 م إلا وكانت مدينة رأس الخيمة قد تحولت إلى أكوام من رماد، واضطر أهلها إلى أن ينتقلوا من بلدهم. ولكن هذه الهزيمة لم تؤثر شيئا في قوة أهل نجد، فما زالت أعمالهم العسكرية مستمرة في المدن الداخلية في عمان. ولكن مع ذلك يقول زويمر: "لقد كانت هذه الحملة من قبل البريطانيين أول ضربة شديدة لحقت أهل نجد قبل وصول المصريين، فقد أرسلت فرقة خاصة بعيدة عن مومبائي سنة 1809 م مخصصة للقضاء على مركزهم في رأس الخيمة وسكانها "القراصنة" (Inhabitants Piratic) وأمطرت القنابل على المركز وأحرق حتى صار رمادا" 2. ولقد فصل برائجس تفصيلا كاملا في ذكر "اعتداءات الوهابيين" ثم في قصة الهجوم على رأس الخيمة وتأديبهم، ونقل عن الكولونيل سميث قولته "3 كانت هذه أول ضربة على معنويات قوة الوهابي 4.

_ 1 لقد أسست هذه الشركة في بداية الأمر لأغراض تجارية محضة ولكنها سرعان ما تحولت إلى فرقة مستعمرة إنجليزية، وتمكنت من الاستيلاء على بلاد الهند كلها في سنة 1857 م، وحكمت بلاد الهند إلى سنة 1947 م. (المترجم) . 2 زويمر arabia the cradle islam. 3 برائجس: 35 , 44 وبركهارت: 208. 4 لم أتمكن من معرفة تفاصيل هذه المعركة وأسبابها، ولكن مما لا شك فيه أن الحكومة البريطانية المستعمرة كانت ترى قوة أهل نجد خطرا عظيما على مصالحها وآسيا، فلا بد أنهم كانوا يتحينون الفرص ويدبرون الحيل لشن مثل هذه الغارات. وكل ما ذكره المصنف رحمه الله هنا مأخوذ من مصادر أوروبية، فلا يمكن أن نثق بها كثيرا في هذا الباب. وكل ما يذكر لنا ابن بشر في صدد هذه المعركة كالتالي: "وفيها أقبل مراكب الإنجليز النصارى، مستنجدهم سعيد بن سلطان صاحب مسكة (مسقط) المعروفة في عمان بعد نقض العهد، وقصدوا أهل بلد رأس الخيمة المعروفة في عمان، ورئيسها يومئذ سلطان بن صقر بن راشد أمير القواسم وبندروا فيها وحاربوا أهلها، فلم يحصلوا على طائل فرفعوا على البلد بلورا، وجعلوه في عين الشمس وقابلوا به البلد فاشتعلت النار فيها، وكان أكثر بيوتها صرايف من عسبان النخيل، فدخلوا البلد واستباحوها ونهبوا ما فيها وأشعلوا فيها النيران ودمروها، وهرب سلطان صقر وغالب أهل البلد حتى فرغ العدو منها وانتقل منها. فرجعوا إلى بلادهم فعمروها وأحصنوها" (عنوان المجد: 141- طبعة وزارة المعارف السعودية) . ويظهر من هذا أن الإنجليز إنما أتوا بدعوة من سلطان مسقط، وكانوا يحاولون إعادة تجربتهم التي نجحوا بها في الاستيلاء على الهند، ولكنهم لما جربوا ضراوة الدفاع من أهل البلد عدلوا عن نياتهم واكتفوا برجوعهم من حيث أتوا. والله أعلم (المترجم) .

غارة المصريين: لقد امتد نفوذ الحكومة النجدية في الشمال من حلب1 إلى المحيط الهندي في الجنوب، ومن الخليج في الشرق إلى البحر الأحمر في الغرب، وبغض النظر عن هزيمة رأس الخيمة فلم تصب هذه الحكومة الفتية بأي صدمة حتى الآن. وكان أخبار القوة النجدية تتوارد إلى الآستانة باستمرار، وقد عجز حكام بغداد ودمشق وجدة عن مقاومتهم، وأخيرا بعد ما ضاق الباب العالي ذرعا عين محمد علي خديوي مصر لكسر شوكة أهل نجد2، ويقال: إنه لم يعين حاكما على مصر في سنة 1804 م إلا بهذا الشرط، ولمثل هذه المواقع قد قيل: "اقتل الحية ولا تكسر عصاك"، فكانت قوة محمد علي الخديوي المصري3 المتزايدة يوما فيوما، خطرا على الباب العالي. فالمحاربة بين آل سعود والخديوي المصري ما كانت تخلو من فائدة. لأصحاب العروش في الآستانة.

_ 1 الواقع أن نفوذ الحكومة النجدية لم يصل إلى حلب وإنما وصل إلى جنوب الشام "المترجم". 2 سنة 1226 هـ "1811 م". 3 كان "محمد علي باشا" هو الجد الأعلى للملوك الحاكمين في مصر في الوقت الحاضر "أي وقت تأليف الكتاب: المترجم"، وكان ألباني الأصل وكان خلفه إبراهيم يقول: " إن اللغة العربية والحضارة العربية قد جعلتنا عربا" ولد محمد علي سنة 1182 هـ "1768 م" ومات سنة 1265 هـ "1849 م".

ابتدأت غارات المصريين من أواخر سنة 1226 هـ "1811 م" فنزل طوسون بن محمد علي "المتوفى سنة 1231 هـ/ 1816 م" على الساحل الغربي بجيش قوامه عشرة آلاف جندي واستولى على ينبع بدون مقاومة تذكر1. ثم تقدم نحو المدينة ولكن في الطريق عند مضيق الجديدة تصدى له ابنا سعود عبد الله وفيصل فقاتلاه بضراوة نادرة حتى هزماه. وقتل من المصريين ألفا ومائتان 2. واضطر طوسون أن يعود على أعقابه إلى ينبع 3. طوسون ومعاركه: بقي طوسون في ينبع مدة ثم تقدم نحو المدينة، وفي هذه المرة نجح المصريون في الاستيلاء على المدينة بعد حصار دام شهرين4، ثم توجه طوسون إلى جدة بسرعة واضطر عبد الله بن سعود قائد الجيوش النجدية في الحجاز إلى أن ينتقل من مكة. وهكذا دخل المصريون البلد الحرام بدون معارضة5، وبعد أيام قليلة استولوا على الطائف أيضا وكما يروي دحلان أقيمت حفلات فرح وسرور في كافة الأقطار المصرية وقد استمرت خمسة أيام استبشارا بهذه الفتوح6، ولكن بعد ذلك وقعت معركة عنيفة على مقربة من "تربة" وانهزم فيها المصريون7. وتشجع قائد سعود عثمان المضايفى بعد وقعة تربة فتقدم نحو الطائف مرة ثانية، ولكنه أصيب بأضرار بالغة في هذه المرة فقد قتل كثير من رجاله، وفى نهاية المطاف أسر

_ 1 سنة 1226 هـ "1811 م". 2 بركهارت: 232. 3 أواخر ذي القعدة سنة 1226 هـ "1811 م" وذكر ماردتمان أن هزيمة المصريين كانت في 7 ذي القعدة سنة 1226 هـ "23 نوفمبر سنة 1811 م"، ولكن بركهارت "ص: 229" وبرائجس "ص: 51" يذكر أن تاريخ وصوله يناير سنة 1812 م. 4 ذي القعدة سنة 1227 هـ "نوفمبر سنة 1812 م" عنوان المجد 1: 158. فلبي: 94. 5 وذلك في محرم سنة 1228 هـ "يناير سنة 1813 م" عنوان المجد 1: 160. 6 خلاصة الكلام: 296.

هو بنفسه1. وأرسله غالب إلى محمد علي في مصر، لكن محمد علي كان قد خرج عامدا إلى الحجاز قبل وصوله إلى مصر. وفي غيابه طيف بعثمان المضايفي على بغله في جميع أنحاء القاهرة، ثم أرسل إلى الأستانة حيث كان الموت في انتظاره2. وأحمد زينى دحلان مع أنه لم يترك خفية ولا جلية3 في ذم عثمان المضايفي لم يتمالك من إظهار أسفه على هذا القتل المؤلم فقال: "ولما كان عثمان المضايفي في مصر اجتمع به بعض رجال دولة محمد علي باشا، وحادثوه ساعة فرأوه فصيحا يجيبهم بجنس كلامهم بأحسن خطاب وأوضح جواب، وفيه سكون وتؤدة في الخطاب، وعليه آثار الإمارة والحشمة والنجابة، ومعرفة مواقع الكلام حتى قال بعضهم لبعض يا أسفا على مثل هذا إذا ذهب إلى دار السلطنة يقتلونه 4. واضطرب محمد علي عن سير المعارك وتقدمها فتوجه بنفسه إلى الحجاز، ووصل جدة في أواخر شوال5 وبعد وصوله على الفور خلع الشريف غالبا عن إمارته وألقى القبض عليه، ثم أرسل إلى مصر مسجونا ومن هناك إلى سلانيك ثم انتقل المسكين من هناك إلى دار الآخرة بعد سنتين6.

_ 1 10 رمضان المبارك سنة 1228 هـ " 6 اغسطس 1813 م" عنوان المجد 1: 162، ولقد أخر فلبي "96" حادثة اعتقال عثمان المضايفي وقتله. وذكرها كل من أحمد دحلان "296" وابن بشر "162 " قبل ورود محمد علي إلى الحجاز, وذكر بركهارت "247" وبرائجس "61" أن جائزة قدرها خمسة آلاف دولار كانت قد عينت لمن يعتقل عثمان المضايفي وذكر أن تاريخ اعتقاله سبتمبر سنة 1813 م وبعد معركة بسل التي سنذكرها بعد قليل. 2 أواخر سنة 1228 هـ "ديسمبر سنة 1813 م". 3 يراجع خلاصة الكلام: 271 , 272. 4 خلاصة الكلام: 296 "ملخصا". 5 14 شوال سنة 1228 هـ "10 أكتوبر سنة 1813 م" خلاصة الكلام: 296، ولقد عين فلبي (65) تاريخ وروده جدة 28 أغسطس سنة 1813 م واكتفى ماردتمان بقوله (أواخر أغسطس) وابن بشر (1: 163) ذكر شهر ذي القعدة فقط، وذكر بركهارت "281" وبرائجس "63" بأنه كان في سبتمبر سنة 1813 م. ولقد اعتمدنا هنا على خلاصة الكلام. أما التاريخ الذي ذكره فلبي فلا يتفق مع ترتيب الحوادث. 6 أواخر رمضان سنة 1231 هـ "يوليو سنة 1816 م". عنوان المجد 1: 185 الرحلة الحجازية: 89. وبركهارت: 262.

وعين ابن أخيه يحيى بن سرور أميرا على مكة، ولكن إمارته كانت صورية فقط؛ لأن الحكم الحقيقي كان في يد حاكم الحجاز الجديد "أحمد باشا"، وهكذا أخلى الحجاز من سيطرة "الوهابيين المتهمين"، وأصبح ولاية لحكومة مصر1. وكل ما فعله غالب سعيا وراء هذه الإمارة لم يغنه شيئا:- "فقد كان الشريف غالب يمالئ الوهابيين "اتقاء شرهم" ويتظاهر بما يوافق مذهبهم. فكان أحيانا يأمر بهدم ما بقي من قباب الصالحين بمكة وجدة، وأخرى ينبه باقتصار المؤذنين على الأذان دون السلام وغير ذلك من الأمور التي توافق مذهب الوهابية" 2. كل هذا كان خوفا من أن يخلعه سعود عن الإمارة.3، ولكن سعودا كان طاهر النية مخلصا. فترك غالبا وإمارته، أما محمد علي فكان رجلا ماديا بحتا همه الدنيا فقط، فكان أول عمل عمله بعد تثبيت أقدامه هو القضاء على هذا المسكين. وإن كنت تريد أن تعرف تفاصيل تلك المكيدة التي دبرها محمد علي لإلقاء القبض على غالب فارجع إلى خلاصة الكلام4. وذكر برائجس أيضا تفاصيل قصة أسر غالب5 وهي تشبه ما ورد في خلاصة الكلام، وقد بين أيضا تفصيل منازعات محمد علي6 فيقول في موضوع في ذكرهما: "لم يكن من المتوقع من رجلين مكارين مثل محمد علي وغالب (accomplished in deceit So) أن يثق كل منهما بالآخر" 7.

_ 1 وما زال الحجاز بعد ذلك تابعا لمصر مدة طويلة، وفي هذه المدة توترت العلاقات بين محمد علي والباب العالي ووقعت معارك دامية، واستولى ابن محمد علي على الشام. ولكن لما اعتلى السلطان عبد المجيد على العرش سنة 1255 هـ عاد الحجاز تحت حماية مباشرة من الدولة العلية "خلاصة الكلام 308". 2 الرحلة الحجازية: 89. 3 خلاصة الكلام: 294. 4 وخلاصة هذه المكيدة أن محمد علي دعاه إلى مأدبة في دار الإمارة، وأخفى رجاله هناك، ولما وجدوه أعزل من السلاح، وبعيدا عن أعوانه وأنصاره انقضوا عليه وأسروه. "ولم يجد الحجازيون الجبناء سوى أن يمسكوا رءوسهم". 5 ص: 68 , 69. 6 ص: 61 , 69. 7 ص: 47.

وبركهارت أيضا يشكو أكثر من مرة سوء نية محمد علي وخداعه. إلا أنه يمدح غالبا1، ولقد كان بركهارت موجودا في مصر حينما وصل غالب أسيرا. وذكر انطباعاته بعد ما لقيه 2. ولكن مع هذا لم تكن أوضاع محمد علي والمصريين مستقرة، وإن كانت بلاد الحجاز وعسير وشواطئ اليمن قد وقعت تحت سيطرتهم، ولكن النجديين كانوا يمارسون حكمهم في المدن الداخلية، ولهذا أرسل "مصطفى بك" لمحاربتهم واشتعلت نيران الحرب من جديد في "تربة"، ولكن المصريين لم يستفيدوا منها شيئا سوى هزيمة نكراء3. ومن الغريب أن النجديين قد خاضوا هذه المعركة تحت قيادة امرأة4 شجاعة تسمى "غالية"، ولقد أظهر بركهارت براعة قلمه في وصف جرأة "غالية" وبسالتها. وفي محرم سنة 1229هـ (يناير سنة 1814) وصلت إمدادات مصرية جديدة عن طريق البحر والتقى الفريقان في مقربة من (القنفذة) وانهزم المصريون مرة أخرى.5 وفاة سعود رحمه الله: وبينما كانت المعارك تجتاز هذه المرحلة الحاسمة، وكان النجديون يعدون العدة لخوض معركة شاملة جديدة، وإذا بالبطل يغادر الموكب. توفي الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود في ليلة الاثنين 11 جمادى الأولى سنة 1229هـ (أول مايو سنة 1814 م) 6، وهكذا خلا الجو لمحمد علي ومعاركه. وفقدت الدولة النجدية آمال الرقي والازدهار على الأقل في الوقت الحاضر.

_ 1 بركهارت: 242. 2 أيضا: 259 , 262. 3 أواخر ذي الحجة 1228 هـ "ديسمبر سنة 1813 م" عنوان المجد 1: 163 , 164. 4 بركهارت: 368 , 369 , فلبي: 96 , دحلان: 300. 5 عنوان المجد 1: 194. 6 عنوان المجد 1: 176 ويذكر ماردتمان أنه توفي في 8 جمادى الأولى "27 ابريل سنة 1811 م" ولكننا نشك في صحته.

كيف كان سعود يقضي يومه: وإذا لفتنا الأنظار من هذه الحروب إلى جانب آخر مشرق من حياة سعود فتراه أميرا وحاكما قلما يوجد له مثال. وقد ولد في سنة 1160هـ أو 1163هـ1، ووجد أستاذا ومربيا مثل شيخ الإسلام فتخرج على يده نموذجا رائعا في العلم والعمل، وقد لازم سعود دروس شيخ الإسلام سنين متوالية، وأصبح ذا براعة كاملة في الحديث والفقه، ونجد في خطبه ومكتوباته حلاوة العلم ولذة التعبير. وكان من عادته في أغلب أيام الحروب أنه كان يقف في جنوده بعد صلاة المغرب فيعظهم ويأمرهم بالصبر والطاعة، ويعرض عليهم نماذج من سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه البررة رضي الله عنهم، وهكذا كان يشجعهم ويقودهم إلى رباطة الجأش وإظهار البطولات. وفي غمار المعارك حينما تشتد الحرب ويصل العنف إلى ذروته ما كانت أيدي جنوده تسطو على الأطفال والنساء والشيوخ. نعم إنهم ما كانوا يتساهلون في الغنائم وبمجرد انتهاء الحرب كانت الغنائم تخمس فتوزع أربعة أخماسها على المحاربين، وكانوا يفرقون بين سهمان الركاب والمشاة، فكان الماشي يأخذ نصف نصيب الراكب. والخلاصة أنهم كانوا يحاولون تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية كاملة حتى في حروبهم. هكذا كانت حالته في المعارك والحروب، فأما حالته في النوادي والمجالس فكانت على غير هذه الشاكلة. فكان أهل الدرعية يجتمعون كل يوم بعد صلاة الفجر خارج قصر الأمير، ويجلس معهم في الصدارة سعود وآل السعود وإلى جانبهم آل الشيخ، ويقوم أحد العلماء من آل الشيخ بالوعظ. وكان الشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام هو الذي يتولى التدريس في الغالب. وكان يدرس في الأكثر من تفسير ابن جرير أو ابن كثير، وبعدما ينفض المجلس كان الأمير سعود يجلس في القصر ويقضي حوائج الناس وينظر في شكاويهم. ثم تأتي الظهيرة فيقوم، وبعد صلاة الظهر كانت تعقد مجالس

_ 1 البدر الطالع 1: 263.

الدرس في داخل القصر، ولكن آل الشيخ ما كانوا يحضرون هذه المجالس، فكان كل واحد منهم يشتغل مع تلامذته في مجالسهم الخاصة، وكان الأمير سعود هو الذي يتولى التدريس في هذا الوقت وينشر درر العلم. وكانت القراءة من تفسير ابن كثير أو رياض الصالحين، وكان سعود يشرحها ويوضحها. وبعد ما يقوم من هذا المجلس يشتغل في قضاء حاجات الناس ورفع شكاويهم لمدة ساعتين حتى تحين صلاة العصر. وبعد صلاة العصر كانت تعقد ندوات عامة داخل القصر، ولكن يحضر فيها الأعيان والأكابر وعامة الناس، ويجلس معهم الأمير سعود أيضا، وكان الشيخ سليمان بن عبد الله بن شيخ الإسلام (قتل سنة 1232هـ) يلقي دروسا من صحيح البخاري. وكان ابن بشر صاحب كتاب عنوان المجد يحضر هذه الدروس، وهو يمدح الشيخ سليمان بن عبد الله أشد مدح، ويعجب من دقة نظره وسعة أفقه في العلم. هذه هي سيرة إجمالية للأمير سعود بن عبد العزيز، وللتفصيل يراجع عنوان المجد1 وبرائجس أيضا معجب به أشد الإعجاب، ويخص بالذكر مواهبه الحربية وتدبيره السياسي2. كما أن بركهات يذكر من أوصافه الخاصة: "أنه كان يهتم اهتماما بالغا بالإخفاء والسرية في الحروب، فقد استغرق سفره إلى حوران من بلاد الشام خمسة وثلاثين يوما، ولكن ما وصل إليهم خبر قدومه إلا قبل يومين فقط3. وقال بركهارت في صدد ذكر ما استتب من الأمن والاستقرار في عصر عبد العزيز بن سعود وبالأخص في عصر سعود بن عبد العزيز.

_ 1 عنوان المجد 1: 165- 176. 2 ص: 80. 3 ص: 170.

"ولعل هذا الأمن والأمان قد استتب في البلاد لأول مرة بعد النبي العربي. ووجد البدو لأول مرة فرصة النوم آمنين مطمئنين على أموالهم وأمتعتهم ومواشيهم1، وكان من مظاهر شوكته: "أن عبدا حبشيا وحده يقبض ويأتي بأكبر رئيس من أكبر القبائل ويصل به إلى الدرعية2.

_ 1 ص: 130. 2 ص: 139 هذه هي سيرة إجمالية للأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود. وهكذا كان سلفه وهم تربوا على أيدي شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. ونلاحظ أن هدفهم الوحيد في الحياة كان تطبيق الدين الإسلامي فقط في العقيدة والأعمال والحكومة وفي جميع مجالات الحياة. فكانوا يتبعون خطوات النبي - صلى الله عليه وسلم -وأصحابه في جميع شئونهم, في حلهم وترحالهم وفي سلمهم وحربهم، وفي بيوتهم ومحاكمهم وفي كل مكان. وأن هذا البرنامح لجدير بأن يقرأه جميع زعماء العالم الإسلامي ويتعظوا به. فيا للعجب على أولئك الذين ما زالوا في شك من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مع أنها قد وضحت أمام أعينهم كوضوح النهار. (المترجم) .

عبد الله بن سعود بن عبد العزيز: 1229هـ 14م - 1233هـ - 1818م وخلف سعودا ابنه الأكبر عبد الله ولم يكن أقل من أبيه في الشجاعة والبسالة، ولكنه ما كان يبلغ مبلغه في الحزم والسياسة. ولما وجد نفسه محاطا بالمخاوف أراد أن يتصالح مع العدو. ولكن العدو الذي كان قد آلى على نفسه أن يدمر بلاد نجد كلها أنى له أن يتصالح. وحينما صالح لم يستطع أن يثبت على عهده. وتعالوا هنا نتوجه مرة أخرى إلى ساحة الحرب. فقد كان النجديون قد استردوا القنفذة على ساحل البحر الأحمر من المصريين، ولكن محمد علي أرسل جيشا كبيرا بقيادة "عابدين بك" إلى زهران، وفي طريقهم استولوا على القنفذة مرة أخرى، ولما علم النجديون أعادوها إلى ملكهم من جديد 1. ومني المصريون في معركة زهران أيضا بالهزيمة، وكان فيصل بن سعود صامدا في وجه العدو في مقربة من الطائف. وبعد الانتصار في معركة زهران تشجع فعزم على أن يقوم بهجوم على الطائف. وفي الجانب الآخر كانت حالة طوسون بن محمد علي مضطربة جدا. ولكن محمد علي وصل إليه على الفور بإمدادات جديدة، واضطر فيصل إلى أن يتقهقر. ووقعت معركة عنيفة في "بسل" قرب الطائف وانتصر فيها المصريون 2. قال بركهارت: "قتل من الوهابيين في هذه المعركة أكثر من خمسة آلاف رجل، وكانت قيمة كل رأس

_ 1جمادى الأولى سنة 1229 هـ (مايو سنة 1814 م) . 2شوال سنة 1229 هـ (سبتمبر وأكتوبر سنة 1814 م) .

ستة دولارات، ووقعت أكوام من الجثث أمام محمد علي وضعفت قوة الوهابيين، وكان الخطأ الذي ارتكبوه هو أنهم خرجوا من الجبال إلى ميادين مفتوحة، على حين كان سعود قد أوصاهم أن لا يقاوموا المصريين والأتراك في ميادين منفتحة"1. وارتكب محمد علي بعد معركة بسل مظالم مخزية جدا. وبركهارت الذي كان قد شهد المعركة بعينه يذمها أشد الذم، ومن أهونها أن جثث القتلى الوهابيين كانت قد تركت للكلاب2. وتقدم محمد علي واستولى على تربة أيضا3. ثم وصل إلى عسير وأخضع القبائل المجاورة، ثم رجع إلى مكة مارا بالقنفذة. واضطر إلى أن يسافر إلى مصر لحاجة طارئة4. ولم يكد يبلغ محمد علي في عودته إلى تهامة بعد فراغه من حرب عسير حتى بدأ ابنه يعد العدة في المدينة للهجوم على نجد، وتقدم فاستولى على بعض المدن المشهورة في القصيم كالرس وغيرها، إلا أن الفرق النجدية قد نجحت في قطع مواصلاته من المدينة فلم يبلغ إليه شيء من أخبار أبيه الذي كان قد سافر إلى مصر في ذلك الوقت، ووصل إلى الجيزة في مصر في 15 رجب سنة 1230هـ 23 يونيو 1815م.5 وتقدم عبد الله بن سعود فحاصر المصريين حصارا كاملا وبقوا شهرين في هذا المأزق فاضطروا إلى أن يتفاوضوا للصلح. واليكم قصة هذا الصلح بلسان ابن بشر وغيره من المؤرخين.

_ 1 بركهارت: 317 , 318. 2 بركهارت: 323 وبرائجس: 92. 3 3 صفر سنة, 1230 هـ (15 يناير سنة 1815 م) وهذه رواية ماردتمان، أما ابن بشر فلم يحدد التاريخ. ويذكر الجبرتي (4: 218) أن أخبار فتح تربة وصلت إلى مصر في 9 ربيع الأول 1230 هـ. وذكر بركهارت أن محمد علي قد خرج من مكة في 26 محرم 1230 هـ (7 يناير سنة 1815 م) . 4 عنوان المجد 1: 181. 5 الجبرتي 4: 220 ويذكر بركهارت: 349 أن محمد علي وصل إلى مصر في 25 يونيو سنة 1815 م

صلح وخيانة: قال ابن بشر: "فوقع الصلح بينهم وانعقد بين طوسون وعبد الله على وضع الحرب بين الفئتين، وأن الترك يرفعون أيديهم عن نجد وأعمالها، وأن السابلة تمشي آمنة بين الفريقين من بلد الترك والشام ومصر وجميع ممالكهم إلى نجد والشرق وجميع ممالك عبد الله. وكل منهما يحج آمنا. وكتبوا بذلك سجلا ورحل الترك من الرس أول شعبان متوجهين إلى المدينة، وبعث عبد الله معهم بكتاب الصلح عبد الله بن محمد بن بنيان صاحب الدرعية، والقاضي عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم ليعرضوه على محمد علي صاحب مصر، فوصلوا مصر ورجعوا منه وانتظم الصلح" 1. ويضيف إليه بلنت: "ويقال إنه بموجب هذه الوثيقة كان عبد الله قد اعترف بتبعية السلطان في قسطنطينية، وكان وعد بالحضور إلى الآستانة في موعد قريب2. وفي مقابل ذلك كان طوسون قد وعد بالانتقال من البلاد النجدية، وترك الحرية التامة للحجاج النجديين 3. والحقيقة أن عبد الله كان في مركز القوة في هذا الوقت، وكانت الإمدادات تصل إليه من جميع المدن الجنوبية، فلو نظر إلى أهمية الموقف وأراد لانتهز فرصة ضعف المصريين واستأصل شأفتهم من الجزيرة، ولكنه ضيع هذه الفرصة الثمينة بمهادنتهم، ورجع

_ 1 عنوان المجد 1: 183. 2 لم يذكر المؤرخون الثقات أمثال بركهارت وابن بشر والجبرتي وعد الحضور إلى دار الخلافة، ويذكر ذلك بلنت وفلبي بكل قوة. 3 فلبي: 97 وبلنت 2: 258.

طوسون سالما آمنا إلى المدينة 1. ويظهر من الروايات المذكورة التي ذكرها ابن بشر وفلبي بأن الصلح كان قد تم بين طوسون وعبد الله. ويؤكد ذلك قول ابن بشر أن سفراء عبد الله رجعوا من مصر ناجحين 2. ويزيد فلبي أن محمد علي ما أعجبه هذا الصلح وطلب من عبد الله أن يحضر فورا إلى الأستانة وإلا فستدمر الدرعية عن بكرة أبيها. ولكن ما كان لعبد الله أن يلقي بنفسه على أقدام أرباب الحكومة فتوجه إلى تنظيم القبائل التابعة له واستحكام عاصمته.3 سفراء عبد الله في مصر: ولكن الذي يتبين لنا من أقوال الجبرتي وغيره من المؤرخين سوى ابن بشر وفلبي أن الصلح كان موقوفا على موافقة محمد علي، ولأجل هذا أرسل إليه عبد الله سفيرين بعدما تم الاتفاق بينه وبين طوسون، وقد توجه هذان السفيران إلى مصر من طريق المدينة في أول شعبان سنة 1230هـ (9 يوليو سنة 1815م) ، ووصلا إلى مصر في بداية شوال واجتمعا بالباشا 4. "فكان الباشا لم يعجبه هذا الصلح ولم تظهر عليه علامات الرضى بذلك ولم يحسن نزل الواصلين، ولما اجتمعا به وخاطبهما عاتبهما على المخالفة فاعتذرا" 5. وكما يروي الجبرتي فقد تكلم السفيران النجديان بلين وخضوع، وذكرا أن سعود بن عبد العزيز كان شديدا أما عبد الله فهو لين الطبع.

_ 1 بركهارت: 347 وذلك في أواخر يونيو 1815 م. 2 عنوان المجد 1: 183. 3 فلبي 97. 4 الجبرتي 4: 229. 5 الجبرتي 4: 229.

ويصف الجبرتي في كلمات رائعة محبة هذين السفيرين (وهما عبد الله بن محمد بن بنيان، والقاضي عبد العزيز بن محمد آل إبراهيم) للعلم وأخلاقهما الفاضلة، وبركهارت أيضا يثني على علمهما وفضلهما، ويذكر أن علماء مصر استأنسوا بهما واطمأنوا بعد أن سمعوا كلامهما ومناقشتهما 1. ولمعرفة ما كان يتحلى به النجديون من خلق وعلم نحب أن نورد قولا لمن عاصرهما وشاهدهما بعينه وهو الجبرتي فيقول: "ودخلا الجامع الأزهر في وقت لم يكن به أحد من المتصدرين للأقراء والتدريس، وسألوا عن أهل مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وعن الكتب الفقهية المصنفة في مذهبه، فقيل انقرضوا من أرض مصر بالكلية. واشتريا نسخا من كتب التفسير والحديث مثل الخازن والكشاف والبغوي والكتب الستة المجمع على صحتها وغير ذلك". وقد اجتمعت بهما مرتين فوجدت منهما أنسا وطلاقة لسان واطلاعا وتضلعا ومعرفة بالأخبار والنوادر ولهما من التواضع وتهذيب الأخلاق وحسن الأدب في الخطاب والتفقه في الدين واستحضار الفروع الفقهية واختلاف المذاهب فيها ما يفوق الوصف، واسم أحدهما عبد الله والآخر عبد العزيز وهو الأكبر حسا ومعنى" 2. ولقد عرضنا كيف كانت أحوال هذين السفيرين، وكيف كانت معاملة محمد علي معهما، وكل ذلك بلسان مؤرخ مصري شاهدهما وقابلهما، ولا يتسع لنا المجال لتفصيل أكثر من هذا، ولكن الخلاصة أن محمد علي قد رفض هذا الصلح لأسباب مختلفة 3.

_ 1 بركهارت: 113. 2 الجبرتي 4: 229. 3 خلاصة الكلام: 38.

وقد اختلف المؤرخون في تعيين هذه الأسباب1. وكان طوسون مقيما في الحجاز فاستدعي إلى مصر في ذي القعدة2، ووصل هناك في أواخر ذي الحجة سنة 1230هـ (نوفمبر سنة 1815م) ، وبعد ذلك بسنة فقط توجه إلى دار الآخرة3، وكان قد عزل من القيادة قبل وفاته بسنة. وأما ما يقوله ماردتمان بأن إبراهيم باشا قد فوضت إليه مهمة إخضاع نجد بعد وفاة طوسون فليس بصحيح؛ لأن قرار إرساله إلى نجد كان قد اتخذ في يناير سنة 1816م وقد سافر من القاهرة في أغسطس سنة 1816م أي قبل وفاة طوسون بمدة 4. وذكر ابن بشر أن عبد الله قد أرسل سفيرين آخرين وهما (حسن بن مزروع وعبد الله بن عون) في السنة التالية أيضا، وأرسل معهم الهدايا والتحف5 وهنا اتضح لهؤلاء السذج أنهم قد خدعوا، مع أن محمد علي ما كان وافق على الصلح في يوم من الأيام إلا أنه ما كان يصرح بذلك للسفراء، ومن هنا وهم ابن بشر وأهل نجد بأن الصلح قد انتظم 6. ويعلل ذلك ابن بشر بأن محمد علي باشا قد رفض الصلح بسبب وشاية بعض أهل البادية7، ومن المناسب هنا أن نسمع آراء بعض المعاصرين الأوربيين أيضا إذ يقول: "ويبقى لدينا الآن سؤال واحد فقط، وهو هل كان تمام المعاهدة موقوفا على موافقة

_ 1 يراجع ابن بشر 1: 185 وماردتمان. وفلبي: 97 , وحاضر العالم الإسلامي 4: 166. 2 بلنت 2: 258. 3 7 ذي القعدة سنة 1231 هـ 29 سبتمبر سنة 1816 م (الجبرتي 4: 264) . 4 بركهارت: 104. 5 عنوان المجد 1: 185 وذكر تاريخ وفاته آخر شوال سنة 1231 هـ، ولكن من الواضح بأن رواية الجبرتي هي التي ترجح في حق مصر والمصريين. 6 عنوان المجد 1: 183. 7 عنوان المجد 1: 185.

محمد علي أم أن طوسون الذي ما كان يقل عن أبيه في المرتبة (Rank) أبرمها قطعيا (As a thing done) ومهما كان الأمر فقد أضر (عبد الله بن سعود) بنفسه بهذه المعاهدة، وقد عرضها محمد علي لدى الباب العالي بأنها هدنة طارئة أو مجرد وقف لإطلاق النار (Armisitic) 1. ولقد شاهد بركهارت تلك الرسائل التي كتبها عبد الله بن سعود إلى محمد علي وهو يثني على عبد الله حسن نيته وإخلاصه وطهارة قلبه 2. ويقول هو وبرائجس أيضا: إن محمد علي قد طالب فيما بعد بولاية الأحساء الخصبة ووقف إبرام الصلح على ذلك. إبراهيم باشا: ومهما كانت الحقيقة فمحمد علي لم يطمئن إلى تلك المعاهدة التي تمت بين عبد الله بن سعود وطوسون. ولقد اختار ابنه الآخر إبراهيم باشا3 لمهمة نجد، وكانت الاستعدادات قد بدأت بعد رجوع طوسون فورا ولكنه تأجل خروجه إلى حين. فقد وصل إبراهيم باشا مع جيش عظيم إلى ينبع في 6 ذي القعدة سنة 1231هـ (28 سبتمبر سنة 1816م) ، وتوجه من هناك رأسا إلى المدينة. ووقف على ماء الحناكية فخضعت له القبائل البدوية المجاورة واحتشدت تحت رايته أفواج من قبائل مطير، وعتيبة، وعنزه 4. واستمر مكث إبراهيم باشا في الحناكية إلى أشهر، فظهر له أثر واضح على القبائل البدوية المتجاورة، وبدءوا يتسللون إليه ولما أحس بذلك عبد الله بن سعود تقدم والتقى الفريقان على الماوية، ولكن جيوش عبد الله لم تستطع أن تثبت

_ 1 بركهارت: 252 وبرائجس: 103. 2 بركهارت: 252. 3 ويقال إن إبراهيم باشا لم يكن من ولد محمد علي ولكنه تزوج أم إبراهيم وتبناه (عنوان المجد 1: 185. فلبي: 98. هوغارث: 101.) . 4 أواخر سنة 1231 هـ (نوفمبر سنة 1816 م) .

أمام المدافع المصرية1 فانتقل إلى ناحية القصيم، وتعقبه إبراهيم باشا ووصل إلى الرس فحاصر المدينة2، واستمر الحصار ثلاثة أشهر ثم طلب أهلها الأمان 3. وفي هذا الحصار الطويل الأمد والمناوشات المستمرة قتل من المصريين ستمائة أو سبعمائة رجل على حين قتل من أهل البلد سبعون فقط، وباستسلامهم انفتح الطريق أمام المصريين ولم تبق هناك قوة تمنعهم من التقدم. وبعد هجوم خفيف استولى على عنيزة والخبراء (أواخر سنة 1232هـ) ولم يجد صعوبة في الاستيلاء على بريدة أيضا.4 ولكن في شقراء أظهر النجديون بطولة رائعة، ولكنهم لم يفلحوا أمام تخطيط المهندس الفرنسي (vaissiere) 5 في الجيش المصري فاستسلم أهل شقراء أيضا 6. ووقعت بعد ذلك معركة حاسمة في مقربة من "ضرمى"، وكانت ضرمى أحصن مدينة في المدن النجدية بعد العاصمة الدرعية، وكان قد حارب قبل ذلك أهل الرس وشقراء بشجاعة ولكنهم في الأخير استسلموا. أما أهل "ضرمى" فلم يستسلموا ولم يتمكن إبراهيم من دخول البلد إلا على دماء وأشلاء وجثث وقتل الناس في حوانيتهم

_ 1 أواسط جمادي الآخرة سنة 1232 هـ (2 مايو سنة 1817 م) . 2 أواخر شعبان سنة 1232 هـ (أوائل يوليو سنة 1817 م) . 3 12 ذي الحجة سنة 1232 هـ (23 أكتوير 1817 م) . 4 محرم سنة 1223 هـ (23 أكتوبر سنة 1817 م) . 5 وقد كان مع إبراهيم باشا أربعة من الأطباء الإيطاليين سوى المهندس الفرنسي هذا، وأسماؤهم هي: scots gentill, todeschini, socio. (هوغارث: 101) وكان scots طبيبه الخاص، واشترك ضباط أوروبيون آخرون مع الجيش المصري في معارك عسير واليمن. (هوغارث: 127: 133) وبركهارت يثني على شجاعة ضابط إنجليزي كان في جيش طوسون، وكان قد أسلم وسمي باسم إبراهيم آغا, ويمضي في مدحه حتي يقول بأن عبد الله نفسه كان معترفا بشجاعته. 6 14 ربيع الأول 1233 هـ. (22 يناير سنة 1818 م) "بلنت 2: 26".

وفي بيوتهم ونهب الغزاة أموالهم وأمتعتهم، بل حتى أعراض العفيفات الطاهرات لم تبق مصونة من دنس الجنود الأتراك، كما يقول بلنت 1. ودخل المصريون ضرمى في 17 ربيع الثاني سنة 1233هـ (24 فبراير سنة 1818م) وكان هذا بمثابة إعلان لزوال الدولة النجدية. وتحصن سعود بن عبد الله وبعض المجاهدين الذين كانوا قد أتوا معه من الدرعية في قلعة البلد، وفي الأخير أعطوا الأمان فارتحلوا إلى الدرعية وخرج معهم ثلاثة آلاف أو أكثر من الأطفال والنساء وآواهم كلهم الأمير عبد الله بن سعود في الدرعية 2. الاستيلاء على الدرعية: لقد وصل إبراهيم باشا الآن إلى أبواب الدرعية، وحاصر المدينة وظل محاصرا لها ستة أشهر. وقتل من المصريين عدد كبير ولكن الإمدادات كانت تصل إليهم كل يوم، وكان عدد أهل الدرعية ينقص كل يوم، وزيادة على ذلك كانوا يعانون من قلة الزاد والأسلحة. وقد قاتل الأمير عبد الله بن سعود وجميع أهل بيته وجميع أبناء وأحفاد شيخ الإسلام بلا استثناء ببسالة نادرة وشجاعة لم يعهد لها نظير، ولكن في الأخير طلب أهل البلد الصلح والأمان3. ولكن عبد الله بن سعود كان مترددا في الاستسلام فالتجأ إلى قلعة أسرته "طريف" في داخل البلد وبدأ يقاتل من داخلها، ولكن جدران القلعة كانت قد فقدت صلاحيتها وما كان الدفاع الآن ليجدي نفعا فاستسلم أخيرا إلى إبراهيم 4.

_ 1 بلنت 2: 260. 2 عنوان المجد 1: 193. 3 ذي القعدة سنة 1233 هـ (8 سبتمبر 1818 م) عنوان المجد 1: 206. ويقول ماردتمان: إن سقوط الدرعية كان في 6 سبتمبر 1818 م. 4 9 سبتمبر سنة 1818 م "ماردتمان وفلبي: 103".

وكان هذا إعلانا لنهاية الدولة السعودية الأولى، أو كما يسميها فلبي "الإمبراطورية الوهابية الأولى" التي كان قد عمرها شيخ الإسلام وأصحابه بأيديهم جميعا. مصير عبد الله بن سعود: بعد يومين من الاستسلام أمر عبد الله بن سعود بالسفر وكان معه ثلاثة أو أربعة من أعوانه، ووصلت قافلة أمير نجد إلى مصر في محرم سنة 1234هـ (نوفمبر سنة 1818م) ، واتخذهم المصريون أضحوكة يستهزئون منهم. وإن كل إساءة كان من الممكن تصورها مع أمير دولة منهزمة قد أبيحت معهم ولم يترك منها شيء 1. وقد حضر مجلس محمد علي وجرت محادثات مبدئية. وفي يوم 19 محرم أرسل إلى الإسكندرية ومن هناك إلى الأستانة حيث كان الموت يترقبه. فصلب هناك هو وأصحابه في 17 ديسمبر سنة 1818م2 (18 صفر سنة 1234هـ) في فناء أياصوفيا وعلقوا على المشانق، إنا لله وإنا إليه راجعون. ولقد طيف بهؤلاء المظلومين بكل إهانة حتى في دار الخلافة. ومع عبد الله بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود تنتهي سلسلة الأمراء النجدين الذين تربوا على أيدي شيخ الإسلام مباشرة. فأما عبد العزيز بن محمد بن سعود وسعود بن عبد العزيز فقد كانوا تلامذة لشيخ الإسلام حقا، ولعل عبد الله بن سعود كان صغير السن عند وفاة شيخ الإسلام (سنة 1206هـ) ، ولذلك لم يتمكن من الاستفادة من دروسه وإلا أنه من المقطوع به أنه أدرك زمن شيخ الإسلام. لم يجد عبد الله بن سعود فرصة الحكم باطمئنان واستقرار، ولكن مع ذلك كان يتبع

_ 1 الجبرتي 4: 298 وخلاصة الكلام: 302. 2 وقد ذكر ماردتمان وهيوجس "660" تاريخ إعدامهم 19 ديسمبر ولم يعين ابن بشر والجبرتي تاريخه.

خطوات أبيه وجده في الدروس والدعوة وتدبير الحكومة، وكان ينسج على منوالهم فليس عندنا جديد يذكر في هذا الصدد1. مصير الآخرين: استمرت الحرب داخل الدرعية وخارجها ستة أشهر، وهذا الكتاب الموجز لا يسع تفاصيل تلك المعركة كما أنها لا تدخل في نطاق بحثنا، وقد فصلها ابن بشر الذي شاهد هذه الحوادث وعاصرها حتى إنه في بعض الأحيان يعين ميادين القتال في البلد ومواقعها بتوضيح تام.2 وقد استشهد في هذه المعركة واحد وعشرون رجلا من آل سعود فقط، وإليك أسماء البارزين منهم: فيصل بن سعود، إبراهيم بن سعود، فهد بن عبد الله بن عبد العزيز، فهد بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، محمد بن حسن بن مشاري بن سعود، إبراهيم بن حسن بن مشاري، عبد الله بن حسن بن مشاري، عبد الرحمن بن حسن بن مشاري، إبراهيم بن عبد الله بن فرحان، عبد الله بن إبراهيم بن حسن بن مشاري، عبد الله بن ناصر بن مشاري، محمد بن عبد الله بن محمد بن سعود، سعود بن عبد الله بن محمد بن سعود، محمد بن سعود بن عبد الله بن محمد بن سعود. واستشهد من آل الشيخ: سليمان بن عبد الله بن الشيخ، علي بن عبد الله بن الشيخ، محمد بن عبد الرحمن

_ 1 عنوان المجد 1: 209. 2 عنوان المجد 1: 194- 208.

ابن حسن بن الشيخ، وقد مثل بجثة الشيخ سليمان بن عبد الله فقطعت إربا إربا ومزقت عضوا عضوا، فيا لله من شدة الثأر!! 1. واستشهد من غير آل سعود وآل الشيخ علماء وأعيان كثيرون، فمنهم من استشهد في ساحة المعركة، ومنهم من لقي مصرعه بعدما أذيق أنواعا من الأذى من فوهات البنادق ورؤوس الأسنة وغيرها. ومن جملة هؤلاء: علي بن محمد بن راشد العريني قاضي خرج، وصالح بن رشيد الحربي، عبد الله ابن محمد بن عبد الله بن سويلم، وحمد بن عيسى بن سويلم، ومحمد بن إبراهيم بن سدحان 2. وهناك علماء آخرون غير هؤلاء الشهداء عاملهم إبراهيم باشا معاملة يندى لها الجبين، فقد كان القاضي أحمد بن رشيد الحنبلي عالم المدينة الشهير مقيما عند الأمير عبد الله، وأكرم أولا بالضرب والطعن بالحراب، ثم قلعت جميع أسنانه واحدة واحدة 3. وكان القاضي أحمد بن رشيد (واسمه الكامل أحمد بن حسن بن رشيد) من سكان الأحساء، وكان عالما مشهورا في الفقه الحنبلي، واشتهر بلقب الحنبلي أيضا، وكان في بداية الأمر مخالفا لدعوة شيخ الإسلام، ولكنه أصبح من أنصارها فيما بعد، وأحب الجوار في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فاستوطنها وتوفي هناك بعد عمر طويل 4. ووردت ترجمته بتفصيل في "السحب الوابلة" إلا أن المؤلف يؤول قبوله للدعوة بتأويلات عجيبة وغريبة 5.

_ 1 عنوان المجد 1: 210. 2 عنوان المجد 1: 210. 3 عنوان المجد 1: 210. 4 توفي سنة 1249 هـ. 5 السحب الوابلة: 23- 35.

ومن هؤلاء الذين أهينوا عالم ضعيف ومحترم وهو الشيخ عبد العزيز الحصين الناصري (م سنة 1237هـ) ، فقد كان موجودا في شقراء أيام الاستيلاء عليها، فطلبه إبراهيم باشا في مجلسه وجيء به محمولا؛ لأنه ما كان يستطيع أن يمشي على رجليه من شدة الضعف ولما وصل سلم على طريقة السنة بقوله: سلام عليك يا إبراهيم! "، وهنا تورمت الجبهة المتكبرة للباشا المصري وبدأ يستهزئ بالشيخ عبد العزيز وصار الشيخ ينصحه وقرأ آيات من العفو فحينذاك قال الباشا: "عفونا يا عجوز! عفونا يا عجوز! ". والشيخ عبد العزيز هذا كان من أخص تلامذة شيخ الإسلام وقد أوفد مرتين إلى الحجاز (في سنة 1185هـ و 1204هـ) في حياة الشيخ، وقد مر ذكر الوفود مفصلا في أول الباب فليراجع هناك. ولقد تمكن بعض السعداء من النجاة من براثن الظلم، ومن بينهم تركي بن عبد الله ابن محمد بن سعود وهو الذي جدد الدولة النجدية فيما بعد، والشيخ علي بن حسين ابن شيخ الإسلام، وهناك بعض الأفراد من آل سعود الذين تمكنوا من النجاة في ذلك الحين، ولكنهم لما رجعوا إلى وطنهم فيما بعد أعتقلهم الحاكم المصري وأرسلهم إلى مصر.1 وقد أرسل بقية آل سعود وآل الشيخ مع أهلهم إلى مصر حيث أقاموا في الغربة مدة طويلة، ولقد قضى بعضهم نحبه هناك، إلا أن أكثرهم رجعوا إلى بلادهم بعدما

_ 1 سنة 1236 هـ. خلاصة الكلام: 303.

عادت الأمور إلى مجراها 1. ووصلت قافلة الغرباء هذه إلى مصر في 18 رجب سنة 1234هـ (13 مايو 1819م) وكان عددهم حوالي أربعمائة من بينهم نساء وأطفال 2. تدمير الدرعية: كان الاستيلاء على الدرعية في أوائل ذي القعدة سنة 1233هـ، ولكن استمرت سلسلة تدميرها وإفسادها مدة سنة تقريبا، وأشرف عليها إبراهيم باشا بنفسه فمكث هناك نحو تسعة أشهر، وكان يصدر كل يوم أوامر جديدة ويكره الناس على الامتثال بها. ولما تمت كل هذه المراحل ضربها ضربة لم تسمح لعاصمة آل سعود أن تزدهر مرة أخرى، فقد وصل أمر محمد علي باشا في شعبان سنة 1234هـ (يونيو سنة 1819م) بتدمير الدرعية، ونفذها "أبنه البار" فورا. فماذا كان بعد ذلك. قال ابن بشر: "ثم أمر العساكر أن يهدموا دورها وقصورها، وأن يقطعوا نخلها وأشجارها ولا يرحموا صغيرها وكبيرها، فابتدر العساكر مسرعين وهدموها وبعض أهلها فيها مقيمين، قطعوا الحدائق منها وهدموا الدور والقصور، ونفذ فيها القدر المقدور وأشعلوا في بيوتها النيران، وأخرجوا جميع من كان فيها من السكان، فتركوها خالية المساكن كأن لم يكن بها من قديم ساكن، وتفرق أهلها في النواحي والبلدان، وذلك بتقدير الذي كل يوم هو في شأن" 3.

_ 1 وكان من بين هؤلاء الذين رجعوا إلى بلادهم العالمان النجديان الشهيران: الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام وابنه الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن ابن حسن، وقد مر ذكرهما في الباب الأول من هذا الكتاب. 2 الجبرتي 4: 303. 3 عنوان المجد 1: 213 وتاريخ نجد للألوسي 24- 26.

لقد كان هذا أسوأ مظهر للجنون الانتقامي المصري، وهذه هي الدرعية التي كانت قرية صغيرة قبل دعوة الشيخ، فوهبتها مركزية وانقلبت إلى مدينة عامرة غنية بجهود آل سعود وتشجيعهم. وابن بشر يذكر في كلمات بليغة غنى هذه المدينة وبهاءها ومركزها التجاري ومشاهداته تحمل أهمية خاصة في هذا المجال 1. تهنئة الحكومة البريطانية: وبعدما تم إحراق الدرعية وتدميرها، وكان إبراهيم يعد العدة للرجوع من بلاد نجد إذ خطرت خاطرة غريبة في بال الحكام الإنجليز في بلادنا، فأرسلوا وفدا خاصا بقيادة جورج فارستر سادلير (Gorg Forester Sadleer) لتقديم التهاني إلى إبراهيم باشا، وليس من العسير الوصول إلى تلك العاطفة التي كانت تكمن وراء هذه الفكرة إذا وضعنا أمام أعيننا هذه الحقيقة بأن حكومة الشركة2 كانت تبذل كل جهودها لزيادة نفوذها في ناحية الخليج، ولما قوي سلطان أهل نجد على الساحل3، واشتدت الهجمات البحرية وبدأت بواخرها تتضرر منها، حاولت حكومة بومباي أن تتخلص من هذه المصيبة، فقامت بشن هجوم عنيف على مدينة رأس الخيمة وأحرقته كما مر من قبل. والآن لما علمت حكومة الشركة بالفتوحات المصرية وزوال النجدين، خافت بأن تتضرر مصالحها من الحكومة الجديدة، وقد زاد هذا الخوف بسبب وقوع بعض الحوادث من هذا القبيل بعد الاستيلاء على الدرعية، فقد بدأت الحاميات المصرية الحربية تتجول في النواحي الساحلية من الخليج، ولم تحترم نواحي النفوذ البريطاني، وكان

_ 1 عنوان المجد 1: 214. 2 كانت الحكومة الإنجليزية في الهند قد اشتهرت باسم "حكومة الشركة"، وذلك لأن الإنجليز قد استعمروا بلادالهند تحت شعار شركة تجارية سموها "شركة الهند الشرقية" فاشتهرت الحكومة باسمها. (المترجم) . 3 ومن الجدير بالذكر أن الحكام الإنجليز كانوا قد حاولوا التقرب إلى النجديين أيضا لما توسع نفوذهم إلى الساحل فكان حاكم بصرة البريطاني "مانستي manesty" قد أرسل "ريناند reinand" إلى الدرعية لهذا الغرض فقط, وكان قد حصل له بعض النجاح في ذلك الوقت "هوغارث حاشية: 104".

الحكام الإنجليز مسرورين بهلاك أعدائهم النجديين، ولكنهم أيضا ما كانوا مستعدين لهذه المعاملة السيئة من المصريين 1، ولذلك أرسل الكابتن ج. ف. سادلير إلى الدرعية ليجتمع بإبراهيم باشا. ولكن الحقيقة أن البريطانيين قد أخطئوا في تقدير نيات المصريين، فالمصريون ما كانوا يريدون حكومة دائمة في نجد فضلا عن الخليج، ولكن لعلهم أرسلوا بعض الدوريات إلى البلدان المجاورة إبان نشوة الفتح والاستيلاء على الدرعية. ولكن الحقيقة أنهم ما كانوا يقصدون إقامة حكومة دائمة، ولأجل هذا سافر إبراهيم باشا إلى مصر بعدما دمر الدرعية وترك البلاد على أثره تعاني حال الفوضى والدمار. وعلى كل حال نستمع الآن ما جرى على بعثة سادلير بلسان خبير وهو "هوغارث" وقال: "أرسلت سفينة حربية بريطانية من بومبائي إلى الخليج بدون أي إشارة مباشرة أو غير مباشرة من المصريين في سنة 1819 م (1234هـ) في موسم الصيف، وكان على ظهرها الكابتن ج. ف. سادلير قائد الفرقة السابعة والأربعين، موفدا خاصا إلى إبراهيم، وكانت مهمته تقديم التهاني إليه على فتح الدرعية واتخاذ الخطوات اللازمة للقضاء المبرم على الدولة الوهابية بالاشتراك مع الباشا. ومن التعليمات التي وجهت لذلك الضابط: "فإن كان الباشا يريد الاستفادة من المساعدات البريطانية -كما هو الظن الغالب- ترسل قوة بحرية كاملة وقوية على الفور لتساعد الأتراك (المصريين) في الاستيلاء على رأس الخيمة. الخ

_ 1 فلبي: 103.

ولكن قلما قدرت الخيبة لبعثات سرية في التاريخ كما قدرت لبعثة سادلير". والتفصيل طويل1، ولكن الخلاصة أن سادلير نزل على ساحل العرب حين كان إبراهيم باشا يريد الرجوع إلى وطنه مشبعا من تدمير الدرعية، وأخبر سادلير بأنه لا يعرف أين سيتمكن من الاجتماع به، ولكنه خرج في 28 يونيو سنة 1819م ووصل إلى شقراء ثم الرس مارا بالدرعية، وقد وجد جنود إبراهيم إلا أنه بنفسه كان قد سافر إلى المدينة، وكان خبر قدوم سادلير قد بلغه، ولكنه لم يكن حريصا على لقائه إلى حد أن يجلس لانتظاره، وفي الأخير أدركه سادلير على مقربة من المدينة واجتمع به في 8 و 9 من سبتمبر. وكلمه الباشا كلاما حسنا وبأخلاق، ولكنه لم يعده بشيء، ورجع الوفد البريطاني صفر اليدين إلا أنه قد نال مزية بتجوله في الصحراء لمدة ثلاثة أشهر، فكان أول أوربي عبر الجزيرة العربية من البحر إلى البحر. لقد دمرت الدرعية بأيدي المصريين بحيث لم يتسن لها أن تعمر مرة أخرى، ولم يكن يرى أي أمل في انبعاث النجديين من جديد. وقد أظهر بلنت رأيه بالحرف الواحد في سنة 1880م بقوله: "إن الدولة السعودية في العرب ينبغي أن تعرف الآن كقصة من الماضي".2 وهذا مع أنه خبير واسع الاطلاع بعيد النظر وموال للعرب في الظاهر. وكذلك داوتي (Daughty) في سنة 1875م ينقل عن أهل نجد رأيهم فيقول: "إن الرأي السائد على الأقل في نجد أن الدولة الوهابية لا يمكن أن تنبعث من جديد 3. ويعلق عدو الإسلام زويمر على هذه الحادثة فيقول:

_ 1 ومن أراد التفصيل فليرجع إلى هوغارث في كتابه "fenetration of arabia" 104- 111. 2 بلنت 2: 268. 3 داوتي 2: 425.

"لقد انتهت هذه الحركة بخيبة كاملة، ولقد ثبت الآن أن وجودها السياسي كان مجرد تمثيلية رائعة" 1. يقول عدو الإسلام والعرب هذا في موضع آخر: "ينبغي أن نعرف أن الدولة السعودية في العرب قد أصبحت من عداد الأساطير الماضية" 2. إلا أن الأيام قد أثبتت بأن هذه الآراء كلها كانت كاذبة، فلقد سلمت أمانة الجزيرة العربية إلى أولئك النجديين مرة أخرى وبسعة وقوة أكثر مما كانتا من قبل. نعم إن الدرعية لم يقدر لها أن تزدهر من جديد، والنشأة الجديدة للدولة النجدية كانت من مدينة أخرى في الناحية نفسها وهي "الرياض" وهي عاصمتهم الآن. رثاء الدرعية: لقد تركت مأساة الدرعية أثرا عظيما مؤلما جدا في نفوس أهل نجد ومحبيهم، وهذا لا يحتاج إلى بيان. ولعل البكاة قد بكوا حسب استطاعتهم وأحوالهم وأسبلوا دماء لا دموعا، ونحن نحب أن نشير الآن إلى قصيدة واحدة فقط قيلت في رثاء الدرعية، وهي مما قاله العالم النجدي الشهير الشيخ عبد العزيز نجل الشيخ حمد بن ناصر (م سنة 1225هـ) أحد تلامذة شيخ الإسلام. مع أننا لا نجد فيها تلك القوة التي نراها في رثاء الأندلس3 للشريف الرندي أو مرثية بغداد لسعدي

_ 1 زويمر: 191. 2 نقلا عن فلبي (102) ويتعجب فلبي (160) من أن تعليق زويمر هذا ما زال باقيا في الطبعة التي طبعت من كتابه في سنة 1912 م مع أن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود قد استرد الرياض (في سنة 1902م) ، ومما يجدر بالذكر أن هوغارث (78) كان قد توقع انبعاث هذه الحركة وازدهارها من جديد (في سنة 1904 م) ، ولكن هذا التوقع بعد استرداد الرياض ليس محل إعجاب كبير إلا أن جهل زويمر غريب مدهش. 3 رثاء طليطلة لأبي البقاء صالح بن شريف الرندي ومطلع قصيدته المشهورة: لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان. وكان حادث استيلاء العدو على طليطلة في صفر سنة 478 هـ والمثسهور عند عامة الناس أنها رثاء غرناطة بعد استيلاء العدو عليها في سنة 792 هـ إلا أن الصحيح أنها قيلت قبل الاستيلاء على غرناطة بثلثمائة سنة "نفح الطيب 43: 594".

(الشيرازي) 1. ولكن مع ذلك فيها أنين وألم، وهي مرآة صادقة لشعور الصبر والشكر الذي كانت تتحلى به هذه الأمة المؤمنة. ومطلع القصيدة هو: إليك إله العرش أشكو تضرعا ... وأدعوك في ضراء ربي لتسمعا وعلى سبيل المثال نورد بعض الأبيات: وكم قتلوا من عصبة الحق فتية ... هداة وضاة ساجدين وركعا وكم دمروا من مربع كان آهلا ... فقد تركوا الدار الأنيسة بلقعا مضوا وانقضت أيامهم حين أوردوا ... ثناء وذكرا طيبه قد تضوعا فجازاهم الله الكريم بفضله ... جنانا ورضوانا من الله أرفعا إلى أن قال: ألا أيها الإخوان صبرا فإنني ... أرى الصبر للمقدور خيرا وأنفعا ولا تيئسوا من كشف ما ناب أنه ... إذا شاء ربي كشف ذاك تمزعا2 ومن أيام تدمير الدرعية تنتهي الدولة السياسية التي أسسها ورباها الشيخ بنفسه، أما نشأة نجد من جديد3 وازدهاره فهو خارج عن نطاق بحثنا، فلذلك نترك هنا قصة حكومات نجد ولنتوجه إلى مؤلفات الشيخ وتراثه الفكري.

_ 1 رثاء زوال بغداد. ومطلعها, "والقصيدة باللغة الفارسية. المترجم" "حق للسماء أن تمطر دماء على الأرض على زوال ملك أمير المؤمنين المستعصم". 2 عنوان المجد 2: 34. 3 يمكن أن نقسم تاريخ نجد إلى ثلاثة أدوار: الدور الأول: يبدأ من ازدهار الدرعية إلى سنة 1234 هـ- "1819 م" حينما تشتت شملهم وتمزقت قوتهم بغارة المصريين واستيلائهم على الدرعية. الدور الثاني: يبدأ من عصر حاول فيه تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود [1235- 1249 هـ] الموافق [1820- 1834 م] وفيصل بن تركي [سنة 1249 هـ / 1834 م- سنة 1254 هـ / 1838 م ثم سنة 1259 هـ / 1842 م- سنة 1282 هـ / 1865 م] العودة إلى الحكم إلى أن ضم أمير حائل محمد بن عبد الله آل الرشيد "سنة 1285 هـ / 1769 م- 1325 هـ / 1897 م" ناحية الرياض تحت رايته. والدور الثالث الذهبي "وفي تعبير فلبي: الإمبراطورية الوهابية الثانية" يبدأ من سنة 1320 هـ / 1903 م حينما جاء الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود واسترد الرياض من آل الرشيد.

نعم أرى من المناسب هنا أن أذكر الفروق التي كانت توجد بين الجيش النجدي والجيش المصري، وفي أخلاق وطبائع محمد علي وإبراهيم باشا. الغزاة المصريون: استمرت المعارك بين المصريين والنجديين مدة طويلة وفي البداية لحقت بالمصريين خسائر فادحة، وكان النصر حليف النجديين إلا أنهم لم ينحرفوا قيد أنملة عن القواعد الحربية الإسلامية، ومهما قيل من الشدة والتقشف في جنودهم، ولكن من المستحيل أن يؤتي بمثال واحد من الضعف الخلقي أو الغش والفجور. أما محمد علي وإبراهيم وأصحابهما فيظهر من أعمالهم كأنهم لم يصبهم مس من الإسلام، ويظهر من تصرفاتهم مدى انحطاط المسلمين عامة في بداية القرن الثالث عشر الهجري. وللاطلاع على المميزات والفوارق بين الجيش المصري والجيش النجدي يكفي أن نسمع رواية واحدة رواها لنا المؤرخ المصري المشهور عبد الرحمن الجبرتي. ذكر في حوادث سنة 1227هـ في صدد ذكره لانهزام المصريين ويحدث عن ضابط مصري كبير. "ولقد قال لي بعض أكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع أين لنا بالنصر؟ وأكثر عساكرنا على غير الملة، وفيهم من لا يتدين بدين، ولا ينتحل مذهبا وصحبتنا صناديق المسكرات، ولا يسمع في عرضينا أذان ولا تقام به فريضة، ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين، والقوم إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون

صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع، وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذنون وصلوا صلاة الخوف، فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر الأخرى للصلاة، وعسكرنا يتعجبون من ذلك؛ لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته" 1. ولا نستبيح أن نلوث قلمنا بذكر تلك الفواحش التي ارتكبها الجيش المصري في بدر ونواحيه حسب رواية هذا الضابط المصري، ولكن يكفي للإشارة إليها أن نقول: إن أعراض أهل العلم والشرف لم تبق محفوظة من اعتدائهم 2. وهذه كانت رواية ضابط عسكري مصري، وإليك رواية الجبرتي نفسه فقد قال في حوادث رمضان سنة 1233هـ. "وارتحل جملة من العساكر في دفعات ثلاث برا وبحرا يتلو بعضهم بعضا في شعبان ورمضان، وبرز عرضي خليل باشا إلى خارج باب النصر، وترددوا في الخروج والدخول، واستباحوا الفطر في رمضان بحجة السفر، فيجلس الكثير منهم بالأسواق يأكلون ويشربون ويمرون بالشوارع وبأيديهم أقصاب للدخان والتتن من غير احتشام ولا احترام لشهر الصوم، وفي اعتقادهم الخروج بقصد الجهاد وغزو الكفار المخالفين لدين الإسلام" 3. وإذا كان هذا مبلغ احترامهم وتقديرهم للدين ولنظام الإسلام، فما هو العجب إذا جن جنون إبراهيم باشا بعد تدمير الدرعية والاستيلاء على نجد إذ يشكو الجبرتي من الكبر والأنانية في فاتح نجد فقال:

_ 1 الجبرتي 4: 140. 2 الجبرتي 4: 140. 3 أيضا 4: 289.

"ورجع إبراهيم باشا من هذه الغيبة متعاظما في نفسه جدا، وداخله من الغرور ما لا مزيد عليه حتى إن المشايخ لما ذهبوا للسلام لم يقم لهم، ولم يرد عليهم السلام فجلسوا وجعلوا يهنئونه بالسلامة، فلم يجبهم ولا بالإشارة بل جعل يحادث شخصا سخرية عنده. وقاموا على مثل ذلك منصرفين ومنكسفين ومنكسري الخاطر"1. وهل هذا يحتاج إلى تعليق؟ خيانة محمد علي ومظالمه: لا نريد أن نعيد هنا قصة المظالم التي ارتكبها محمد علي من جديد، ولكن بركهارت الذي زار الحجاز والجزيرة العربية في عهد محمد علي، ولا يمكن أن يتهم بالعطف على الوهابيين، قد ذكر لنا القصة المفصلة لتلك المظالم2 وهو معتمد عليه وموثوق به. ويحمل بعض المعلقين مسئولية الغدر والخيانة والمكر الذي ارتكبه إبراهيم على عاتق محمد علي. يقول هوغارث: "إن الغدر والخيانة اللتين عومل بهما الملك المخلوع وعامة الوهابيين ترجع العهدة فيها إلى محمد على أكثر من إبراهيم" 3. ويذكر بركهارت أكثر من مرة أن محمد علي كان قد نجح في تقديم الرشوة إلى البدو. "وقد كان للرشوة النصيب الأوفر في إمالة البدو إلى المصريين".

_ 1 أيضا 4: 306 ولقد قدم هوغارث أيضا سيرة إبراهيم باشا بوضوح "101". 2 بركهارت: 242 , 317 , 318 , 333 , 352. 3 هوغارث 103.

ويذكر أمثلة كثيرة لمظالم محمد علي وسفكه الدماء. وقال هو نفسه في موضع آخر: "وكان دور الفلوس أكبر من قوة جيوش محمد علي في إرساء دولته على العرب 1. وفي جانب آخر يذكر شاهد عيان آخر حالة النجديين وهو السياح الأسباني المعروف باديا (علي بك عباسي) ، وإليك روايته وكان موجودا في مكة عندما دخلها النجديون فاتحين: "ما كانت أيديهم تصل إلى أي شيء حتى يعرفوا بأنه للعدو أو للمشرك، وما كانوا يحاولون أخذه غصبا، وكانوا يشترون جميع حاجاتهم بالفلوس وهكذا كانوا يدفعون الأجرة على كل خدمة، ولما كانوا يتبعون أوامر رئيسهم اتباعا أعمى كانوا مستعدين لكل بذل في امتثال أوامره" 2. قال بركهارت سائح آخر وهو متثبت أكثر من "علي بك": وكان قد وصل إلى مكة في سنة 1914م أي عند استيلاء محمد علي عليها وكتبه تشهد بصحة روايته ودقة نظره فقال: "ولقد كان الشعور القوي المخلص للقضاء على التقاليد السيئة هو الذي يعمل عمله تحت إجراءات الوهابيين؟ فإنهم لم يخونوا العهد قط مع أغدر عدو، ولو قارنا سلوكهم بسلوك الأتراك (المصريين) فسنضطر إلى أن نذكر جميع تلك المساوئ التي يتلوث بها الأتراك" 3. وكتاب بركهارت مليء بالمدح والثناء على سعود وعبد الله 4.

_ 1 بركهارت: 202- 206. 2 هوغارث: 78. 3 هوغارث: 79. 4 بركهارت 2: 120- 180.

المؤلفات

الباب الثالث المؤلفات لقد كتب المجاهد والسياسي العربي الشهير الأمير شكيب أرسلان في شأن حكيم الشرق والمفكر السياسي الأول في العالم الإسلامي المعاصر السيد جمال الدين الأفغاني، وما أحسن ما كتب. "وبالجملة فإنه لم يكن يحفل بوفرة التصانيف، وإنما كان يؤلف أمما ويصنف ممالك" 1. ومن الممكن أن تعاد هذه الجملة في حق شيخ الإسلام أيضا بتغيير طفيف، ولكن مع ذلك فالذي كتبه الشيخ في الدعوة والتبليغ ليس بقليل، ومرتبته عظيمة من الناحية العلمية أيضا. فلا توجد في هذه المكتوبات تنطعات المتكلمين ولا تكلفات الفقهاء المتأخرين الذين سيطرت عليهم العلوم اليونانية، ولكنها على طريقة المحدثين تماما، فكل ما قاله في كلمات واضحة مستدلا بنصوص من الكتاب والسنة وكفى-!! إن الحق لا يحتاج إلى تجميل ولا تزوير، فإنه يحمل في طياته جاذبية كامنة. ومن أهم مميزات مؤلفاته أنها لم يصبها أدنى كدر من اليونان والعلوم اليونانية في حين نرى في بلادنا الهند أن كبار المجددين لم يستطيعوا أن يتجنبوا التعقيدات اليونانية والإشراقية، ولكن أسلوب الشيخ قرآني محض، وأدلته كلها مأخوذة من القرآن والسنة. ومزية أخرى أنه بعيد كل البعد عن المصطلحات الصوفية، وإن هذا الخليط

_ 1 حاضر العالم الإسلامي 2: 301.

المركب من الفلسفة اليونانية وفيدا1 الذي سماه الناس تصوفا قد نخر أسس الدين الإسلامي2. والمجددون في الهند الإسلامية قد وقعوا في خطأ جسيم إذ ما زالوا يقدمون للناس هذا الأفيون، وإن الأفيون هو أفيون على كل حال مهما قدمت له من عقاقير وجرعات إلا أن آثاره السيئة لا بد وأن تفسد الأعضاء الرئيسية في الجسد.3 ونتيجة لذلك فلم يستطع المسلمون في الهند أن يتخلصوا من هذه الأحاليل إلى يومنا هذا. وإن العلاج الناجح الذي قدمه شيخ الإسلام والحذر الكامل الذي يوجد عنده من هذا المخدر لقد أديا إلى تخليص المسلمين في نجد وأطرافه من هذه الورطة إلى الأبد. أما أسلوب الشيخ فهو واضح لا يوجد فيه أي تعقيد إلا أن اللغة4 ليست عالية جدا كما نشاهدها عند ابن تيمية (م سنة 728هـ) وابن القيم (م سنة 756هـ) والشاه ولي الله (م 1176هـ) رحمهم الله.

_ 1 فيدا: اسم الكتاب المقدس عند الوثنيين في الهند ومنه تؤخذ شرائعهم وتقاليدهم (المترجم) . 2 اقترح علي بعض الأصدقاء أن لا أخالف التصوف بوجه عام، بل استعمل كلمة "صوفية السوء" للمتصوفة المحتالين والمبتدعين كما أن كلمة "علماء السوء" تطلق على العلماء غير العاملين. ولا مانع عندي من قبول هذا الاقتراح لو لم أشاهد تلك المفاسد والويلات التي جرها التصوف، أما الذين يدعون إلى "الإحسان" والتزكية على طريقة الإسلام فمن الذي يخالفهم.؟ ولكن الخلاف إنما هو في هذا الاصطلاح المبتدع "التصوف" الذي راجت تحت ستاره أسواق الخداع والدجل في ضحوة النهار، ولا أرى طريقة للتخلص من هذه الفتنة العمياء سوى أن نخلع ونرمي هذه الجبة بالمرة. 3 ولمعرفة المزيد من هذه المصائب والمفاسد التي دخلت في صفوف المسلمين تحت شعار التصوف يرجع إلى كتاب "التصوف بين الحق والخلق" للأستاذ محمد فهر شفقة، وكتاب "هذه هي الصوفية" للأستاذ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله. (المترجم) . 4 يشعر الناظر في كتب الشيخ - رحمه الله - أنه يحاول أن يعرض دعوته بأوضح أسلوب وأسهل عبارة؛ لكي يفهمها الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية والأدبية، ولذلك فإنه يتجنب استعمال الأساليب التي قد يصعب فهمها على عامة الناس". (المترجم) .

ولكن هناك جوهرة ثمينة أخرى في مكتوباته، ونادرا ما نراها في التراث الإسلامي كله. وقد انعدمت بعد القرن الثامن الهجري. وإن سمحتم نعبر عنها "بالروح" كما يقول إقبال، فإن كل سطر من سطوره مملوء بالتأثير، ولعل سببه كامن في ذلك الشعور الديني الوقاد الذي كان يقض مضجعه طوال حياته. إذن - لابد أنه كان متصفا بشيء ما. حيث استطاع أن يغير أحوال نجد وما حوله رأسا على عقب في لمحة خاطفة. وبالجملة فإن جميع مؤلفاته الصغيرة والكبيرة مليئة من هذا التأثير، ويظهر هذا أشد وأكثر في رسائله. وقد عرفنا من مؤلفات الشيخ الكتب التالية: 1- كتاب التوحيد: وهذه الرسالة هي أشهر مؤلفات الشيخ، وكما أن كتاب "تقوية الإيمان" للشيخ إسماعيل الشهيد (ش سنة 1246هـ) 1 قد أسيئت سمعته في مجالس أصحاب الأفكار الفاسدة في الهند، فكذلك "أدعياء العقيدة الطيبة" في العرب والعجم لا ينظرون إلى كتاب التوحيد نظرة طيبة. والاسم الكامل لهذا الكتاب هو "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد"، وذكر فيه الشيخ حقيقة التوحيد وحدوده،

_ 1 هو المجاهد الشهيد والبطل المغامر محمد إسماعيل بن عبد الغني بن ولي الله الدهلوي جمع بين قوة العلم والورع وشوكة السلاح. رفع لواء الدعوة الإسلامية في القارة الهندية بعدما اندرست معالمه، وطغت عليه قوى الكفر والطغيان، فجاهد مع رفيقه السيد أحمد بن عرفان الشهيد ضد الإنجليز المستعمرين، ووضع حدا لمظالم السيخ الغاشمين وقامت لهما دولة إسلامية في غرب بلاد الهند ولكن لم تعمر طويلا. ولقد اعتنى الشهيد رحمه الله أشد الاعتناء بتطهير عقائد المسلمين وإخراجهم من شوائب الوثنية التي كانت قد دخلت فيهم عن جيرانهم. ولكن للأسف أن العالم العربي لم يزل غافلا عن تاريخ بطولاتهم النادرة فلم يؤلف في اللغة العربية في ذكرهم إلا صفحات أو وريقات. ولعل القارئ يجد نبذة من تضحياتهم وأعمالهم في كتاب "تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند" للاستاذ مسعود الندوي وفي مقدمة كتاب "تقوية الإيمان" للشهيد نفسه. لقد ولد هذا المجاهد في سنة 1193 هـ وخر صريعا في معركة مع السيخ الكفار في سنة 1246 هـ. وترجم كتابه "تقوية الإيمان" لأول مرة إلى اللغة العربية وطبعته دار التأليف والترجمة والنشر بالجامعة السلفية ببنارس في الهند في سنة 1392 هـ. (المترجم) .

والشرك ومفاسده، وفصل القول في جميع تلك الطرق التي تؤدي إليه كالاستعاذة والاستغاثة بغير الله، والتوسل ودعاء غير الله والنذر والذبح لغيره والسحر والكهانة والتطير وغيرها. ولم يأت بأفكاره إلا القليل1، بل اكتفى في كل باب بذكر براهين واضحة وصريحة من الكتاب والسنة. ولقد حظي هذا الكتاب بالقبول العام، وسارعت إليه الأيدي وطبع مرات كل منها عدة آلاف وترجم بلغات عديدة. وترجم بلغة "اردو" عدة تراجم. ولم أعرف هل ترجم بالإنجليزية أولا2؟ وقد ألف علماء نجد شروحا عديدة لهذا الكتاب، وبعضها مفيدة جدا وغزيرة العلم. وذكر بروكلمان شرحين 3: 1. الدر النضيد لأحمد بن حسن النجدي، وقد طبع في دهلي سنة 1311هـ. 2. فتح الله الحميد المجيد لحامد بن محمد بن حسن، وقد طبع في أمر تسر سنة 1897م. أما الأول فلم أطلع عليه وأما الثاني فناقص وغير مهم، ولكن بروكلمان غفل عن ذكر أهم الشروح وهو "فتح المجيد"، وقد بدأ تأليفه الشيخ سليمان بن عبد الله بن شيخ الإسلام (م سنة 1232هـ) إلا أنه لم يتم، فأكمله الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام (م سنة 1285هـ) ، وأضاف إليها زيادات كثيرة، والذي نراه أمامنا هو من

_ 1 مقصود المؤلف الرد على أولئك الذين كانوا يزعمون أو ما زالوا يزعمون أن شيخ الإسلام - رحمه الله - "أتي بمذهب جديد"، أو أنه "دعا إلى ضلال" أو أنه وأتباعه "من الخوارج" كما زعم دحلان والنبهاني وغيرهما، فإن الأسلوب الذي مدح به المؤلف مصنفات شيخ الإسلام - رحمه ال -له يشهد لهذا الايضاح, ولا شك أن تراجم أبواب كتاب التوحيد والمسائل التي يذكرها آخر كل باب من أفكاره واستنباطاته. "الناشر". 2 لقد ورد ذكر ترجمة إنجليزية لكتاب التوحيد في قائمة "إنديا أفس" (القائمة العربية 2: 384 رقم / 2050) general asiatic society. والحق أنها ترجمة لرسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب التي ألفها في سنة 1218? عند فتح مكة. ووقع بروكلمان أيضا في هذا الوهم (2: 39) ولكنه صححه في الذيل إلا أن الخطأ في التاريخ ما زال باقيا حتى بعد التصحيح فقد طبع سنة 1840 هـ بدلا من سنة 1874 هـ. وترجمة رسالة الشيخ عبد الله هذه هي بقلم. "أوكنلي okinely". وقد وقع في أخطاء مدهشة سنذكرها في موضعها. 3 تاريخ الآداب العربية ملحق 2: 531 , 532.

ترتيب الشيخ ابن حسن نفسه، وتوجد في هذا الشرح بحوث مفصلة لكل المسائل ووردت نصوص طويلة عن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم - رحمهما الله -، وهكذا صار هذا الشرح كتابا جامعا مفيدا. وقد طبع للمرة الأولى في المطبع الأنصاري في دهلي سنة 1311هـ. ومرة أخرى في المطبعة السلفية بمصر على نفقة الشيخ عبد الرحمن القصيبي التاجر المعروف في البحرين على ورق عادي سنة 1347هـ ووزع مجانا. وقد طبع الآن للمرة الثالثة في مطبعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة تحت إشراف الشيخ محمد حامد الفقي طبعة أنيقة جدا (سنة 1357هـ) ، وقد ذكر الشيخ محمد حامد الفقي أحوال المصنف في مستهله أخذا من عنوان المجد. وخرج الناشر بعض الأحاديث أيضا، وحاول أن يشير إلى المواضع الصحيحة من كتب الإمام ابن تيمية وابن القيم؛ لأن المؤلف ذكرها بدون إشارة إلى مصادرها. وبذلك سهلت المراجعة. وزيادة على هذا الشرح الطويل المفصل الذي هو إكمال للشرح الذي بدأه الشيخ سليمان بن عبد الله وتركه ناقصا 1. كان الشيخ عبد الرحمن بن حسن علق بعض التعليقات باسم "قرة عيون الموحدين" (طبع مطبعة المنار سنة 1346هـ) ولم أطلع على هذا الكتاب ولكن محمد حامد الفقي ذكر بعض النصوص منه في حواشي فتح المجيد. 2- كشف الشبهات: ونستطيع أن نسميه تكملة لكتاب التوحيد، والحقيقة أن جميع كتب الشيخ تتعلق

_ 1 والحق أن كتاب "فتح المجيد" شرح مستقل من تأليف الشيخ عبد الرحمن بن حسن، وأما كتاب الشيخ سليمان بن عبد الله فهو الآن مطبوع ومتداول باسم "تيسير العزيز الحميد"، وقد ظهرت منه عدة طبعات قام بنشرها وطبعها المكتب الإسلامي في بيروت، وقد أكملت الأجزاء الناقصة منه من "فتح المجيد" للشيخ عبد الرحمن بن حسن وهي قليلة جدا "المترجم".

بالتوحيد، ويمكن أن يقال إنها كلها تكملة لكتاب التوحيد إلا أن كشف الشبهات لا يوجد فيه إلا التوحيد، وقد أزيلت فيه تلك الشبهات التي كانت تعرض للعامة حول التوحيد الخالص. فإن بعضهم ينادي الولي أو الغوث، وبعضهم يضل وينحرف من باب التوسل والاستغاثة، وقد أخطأ بعضهم في فهم الشفاعة. وقد أزيلت كل هذه الشكوك في هذا الكتاب. وطريق الاستدلال قرآني خالص لا يوجد فيه أدنى غموض، ولا نرى أي أثر للطريقة الجدلية التي توجد عند المتأخرين. وهي رسالة صغيرة إلا أنها كنز من المعلومات والفوائد، وقد طبعت مرات وعندنا نسخة طبعت في مجموعة عيسى بن رميح النجدي (56 - 72) . 3- الأصول الثلاثة وأدلتها: معرفة الرب، ومعرفة دين الإسلام، ومعرفة الرسول، هذه هي الأصول الثلاثة التي وضحت في هذه الرسالة في أسلوب جذاب. إنها رسالة صغيرة جدا. 4 - شروط الصلاة وأركانها: وقد شرحت في هذه الرسالة شروط الصلاة: الإسلام، العقل، التميز، رفع الحدث، إزالة النجاسة، ستر العورة، دخول الوقت، استقبال القبلة، والنية، وذكرت أركان الصلاة وواجباتها.

5- القواعد الأربعة: ذكرت في هذه الرسالة بعض نواحي التوحيد على طريقة مؤثرة وسهلة وهذه القواعد الأربعة: أولاها: أن كفار العرب كانوا يؤمنون بأن الله هو الخالق والرازق والمدبر، ولكنهم لم يدخلوا في الإسلام بهذا. وثانيتها: أن كفار العرب أيضا كانوا يدعون أولياء من دون الله للقربة والشفاعة، ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وثالثتها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل عباد الملائكة والأنبياء والصالحين وعباد الأشجار والأحجار والشمس والقمر على حد سواء، ولم يفرق بين أنواع المشركين. ورابعتها: أن مشركي هذا الزمان أحط درجة من مشركي ذلك الزمان؛ لأنهم كانوا يوحدون الله عند الشدائد على الأقل، وأما مشركو هذا الزمان فإنهم يدعون أولياء من دون الله في كل حال. وقد وضحت هذه القواعد الأربع بالآيات القرآنية: وقد طبع هذه الرسائل الثلاث عيسى بن رميح النجدي في مجموعته (1-27) مطبعة المنار القاهرة سنة 1340هـ. وكذلك توجد هذه الرسائل في مجموعة الكتاب المفيد المطبوع في مكة سنة 1343هـ.

6- أصول الإيمان: وقد بينت أبواب مختلفة من الإيمان بالأحاديث، ويظهر من عبارة في البداية أن بعض أولاد الشيخ قد أضاف إليها، ونصها: "وقد زاد فيه بعض أولاده زيادة حسنة". لقد طبع للمرة الأولى في دهلي وطبع في هذه الأيام "في مجموعة الحديث النجدية"- (القاهرة مطبعة المنار سنة 1242هـ) (ص: 209 - 240) . 7- كتاب فضل الإسلام: وقد وضحت فيه مفاسد البدع والشرك كما وضحت شروط الإسلام. مجموعة الحديث النجدية (242 - 255) . 8- كتاب الكبائر: ذكرت فيه جميع أقسام الكبائر واحدة واحدة مفصلة في أبواب، وقد دعمت الأبواب كلها بنصوص الكتاب والسنة، والحق أن المصنف لم يكتب من عنده إلا القليل ولا شك أن جمع نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية بأسلوب لائق هو عمل جليل في نفسه. مجموعة الحديث النجدية (258 - 310) .

9- نصيحة المسلمين1: هذا كتاب مستقل قد جمعت فيه أحاديث تتعلق بجميع نواحي التعليمات الإسلامية، وإن المصنف لم يأت بشيء من عنده إلا القليل بل ما جاء بشيء أصلا. مجموعة الحديث (312 - 444) 10- ستة مواقع من السيرة: رسالة مختصرة توضح ستة أحداث من السيرة النبوية. والمواضع الستة هي: 1. ابتداء نزول الوحي. 2. تعليم التوحيد والرد على الكفار. 3. قصة "تلك الغرانيق العلى" 2. 4. ختام أبي طالب. 5. منافع الهجرة وعظاتها.

_ 1 أفاد فضيلة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري - حفظه الله - بأن مجموعة الأحاديث المعنونة بعنوان "نصيحة المسلمين"، والموجودة في مجموعة الأحاديث النجدية ليست من مؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. بل هي عبارة عن كتاب الأدب والرقاق من مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي، وإنما وضعها بعض تلاميذه في هذه المجموعة بقصد الفائدة فقط، ووافقه على ذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - حفظه الله - في خطاب موجه إليه في 16 / 12 / 1396 هـ (المترجم) . 2 للتفصيل في معرفة هذه القصة وحقيقتها يرجع إلى كتاب "نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق" للشيخ محمد ناصر الدين الألباني (المترجم) .

6. قصة الارتداد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. (مجموعة الكتاب المفيد 19 - 23) 11- تفسير الفاتحة: وهو تفسير موجز جدا لسورة الفاتحة إلا أن حماسة الشيخ للتوحيد تبدو واضحة جلية في كل سطر. (مجموعة الكتاب المفيد 18 - 19) 12- مسائل الجاهلية: ذكر فيها شيخ الإسلام مائة وإحدى وثلاثين مسألة خالف الرسول صلى الله عليه وسلم فيها معتقدات أهل الجاهلية، وقد ألف الأستاذ محمود شكري الألوسي (م سنة 1342هـ) شرحا لهذه الرسالة. (الزهراء 44 - 52) 13- تفسير الشهادة: تفسير لكلمة لا إله إلا الله وقد ذكرت فيها أهمية التوحيد في أسلوب أخاذ وواضح (78 - 80) .

14- تفسير لبعض سور القرآن1: إنها مجموعة لبعض تعليقات الشيخ على آيات وسور مختلفة من القرآن وقد استنبط عشرات من المسائل من آية واحدة وهذه هي أهم مزاياها. 15- كتاب السيرة: ملخص من كتاب السيرة لابن هشام وتوجد نسخة قديمة طيبة لهذا الكتاب في مكتبة بتنة 2. 16- الهدي النبوي: وهو ملخص لزاد المعاد للإمام ابن القيم - رحمه الله -، وقد كتب على عنوان الكتاب "الهدي النبوي" فقط، وتوجد له نسخة خطية في مكتبة بتنة 3. وللشيخ عدة رسائل صغيرة أخرى غير ما ذكرنا ولا أرى حاجة إلى ذكرها. وتوجد بعض هذه الرسائل في روضة الأفكار4 وكذلك أجوبة لبعض الاستفسارات 5.

_ 1 الفهرس المشروح - مكتبة أورينتال (المكتبة الشرقية) لتنة 18 / 2 رقم 1477. 2 الفهرس المشروح ج 15 رقم: 1038 / /. 3 الفهرس المشروح ج 15 رقم: 1038 / 2. 4 المجلد الأول: الفصل الثالث والرابع. 5 هذا وقد اختلف المترجمون للشيخ في ذكر أسماء مؤلفاته وعددها، فذكر بعضهم ما لم يذكره الآخر، ولعل السبب في ذلك هو أن أغلب هذه المؤلفات أشبه بمقالات مختصرة فمنهم من عدها مؤلفات مستقلة، ومنهم من عدها مقالات ورسائل. والقارئ الكريم إذا أجال النظر في مؤلفاته يجدها على نوعين. الأول: ما اختصره الشيخ من مؤلفات العلماء المتقدمين وكتبهم. والثاني: ما ألفه هو بنفسه وأغلب هذا القسم الثاني. موجز جدا. والسبب في هذا أن شيخ الإسلام - رحمه الله - ما كان همه أن يؤلف مؤلفات طويلة وإنما كان يهتم أن يربي جيلا يطبق الإسلام بكامله بعد أن صار في بطون الكتب؛ ولذلك اعتنى باختصار كثير من كتب المتقدمين حسب حاجة الناس وحاول في مؤلفاته ورسائله أن يؤدي مفهومه في أوجز كلام ممكن مع وضوحه وبيانه لكي يسهل على الناس، حفظه وتطبيقه. ولقد جمعت أسماء مؤلفاته من عدة من الكتب التي ألفت في سيرته (كتاب محمد بن عبد الوهاب لأحمد عبد الغفور عطار، وسيرة محمد بن عبد الوهاب لأمين سعيد، ومحمد بن عبد الوهاب للقاضي ابن حجر الشافعي، والجزء الثاني عشر من الدرر السنية في الأجوبة النجدية جمع الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي) ، فبلغت إلى تسعة وعشرين كتابا ذكر المؤلف منها ستة عشر والباقي كما يلي:- 1- مفيد المستفيد 2- أحاديث الفتن 3- آداب المشي إلى الصلاة 4- فضائل القرآن 5- مجموع الحديث على أبواب الفقه 6- مختصر صحيح البخاري 7- مختصر فتح الباري 8- مختصر الإنصاف 9- مختصر الشرح الكبير 10- مختصر العقل والنقل 11- مختصر الصواعق 12- مختصر المنهاج 13- مختصر الإيمان، وإن المشكلة العويصة التي يواجهها الباحث عن تراث هذا الإمام العظيم والمجاهد الكبير أن مؤلفاته مطبوعة ضمن مجموعات طويلة من كتب الآخرين التي تتعلق بالدعوة، وهذه الطريقة لا شك في إفادتها؛ لأنها تجمع عدة مؤلفات في موضوع واحد. ولكنها تأتي بكثير من المتاعب لمن يريد البحث عن سيرة هذا الإمام وخدماته فقط، وزيادة على ذلك أن أغلب هذه المجموعات نادرة لا يعثر عليها إلا القليلون. فلو قامت إدارات البحوث العلمية أو أي مؤسسة أخرى بنشر مجموعة أو سلسلة تحيط بكل ما وجد من آثار هذا الإمام، وحينذاك سيسهل الأمر كثيرا على الباحثين والمستفيدين - والله ولي التوفيق (المترجم) . استدارك: لقد قامت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بجمع ما أمكن من مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وطبعتها مصصحة في اثني عشر مجلدا عدا الكشافات التي وقعت في ثلاثة مجلدات، وذلك بمناسبة الأسبوع الذي عقدته الجامعة عن الشيخ ودعوته في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بالرياض في الفترة من 21 / 4 إلى نهاية 27 / 4 / 1400 هـ.

الدعوة وحقيقتها

الباب الرابع الدعوة وحقيقتها ألاعيب السياسة: كان الشيخ محمد عبده (م سنة 1323هـ) العالم المصلح في مصر الجديدة، والرفيق الخاص للسيد جمال الدين الأفغاني يستعيذ بالله من السياسة ومفاسدها، وقوله معروف "ما دخلت السياسة في شيء إلا أفسدته". وهذا صحيح إلى حد كبير، فإن أهل السياسة لا يفرقون بين الحلال والحرام في سبيل البلوغ إلى غاياتهم؛ ولذلك فهم ينجحون في مسخ الحقائق ولو إلى حين. إن دعوة شيخ الإسلام التي تسمى "الوهابية" ليست شيئا جديدا، فإنه لا يقدم شيئا غير التعليم الصحيح للكتاب والسنة، إلا أن دعوته أسيئت سمعتها بين الناس باسم الوهابية للأغراض السياسية. وكأنها دعوة إلى دين غير الإسلام. ومن سوء الحظ اشتركت ثلاث طوائف في التشنيع على أهل نجد، فنشبت حروب مباشرة مع الحكومة التركية والمصرية، واستمرت سلسلة الحرب مدة طويلة، وحدث قتال مرة أو مرتين مع حكومة الهند أيضا، وهكذا اشتركت الحكومات الثلاث واتباعها بحماس شديد في هذه المهمة. وزيادة على هذا كله اشتد غضب أشراف مكة وأنصارهم بسبب انقطاع مواردهم من الهدايا والنذور1. وكذلك عامة سياح أوربا من الإنجليز وغيرهم ما كان بوسعهم

_ 1 كانت جماعة كبيرة في مكة والمدينة تعيش على محاصيل القبور والقباب. وفي سنة 1218 هـ عند الفتح السعودي انقطعت أرزاقهم فنصبوا العداء للدعوة وبدأوا ينشرون الأكاذيب في كل مكان قال الجبرتي في حوادث صفر سنة 1218 هـ: "حضر في صحبة الحجاج كثير من أهل مكة هروبا من الوهابي ولغط الناس في خبر الوهابي، واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خارجا وكافرا وهم المكيون ومن تابعهم وصدق أقوالهم، ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو غرضه" (2: 558 دار الفارسي- بيروت) .

أن يلقوا نظرة رضي واطمئنان على هذه النهضة الدينية الصحيحة في جزيرة العرب. وملخص القول أن الدول والجماعات المختلفة لم تأل جهدا في التشنيع على دعوة الشيخ وذمها لأغراض مختلفة. وكان من نتيجة ذلك أن الوهابية صارت شيئا مخيفا. وعلى أثر ذلك سميت دعوة التجديد والإمامة التي قام بها السيد أحمد الشهيد البريلوي والشيخ إسماعيل الشهيد الدهلوي بالوهابية، وجعلت كأنها دعوة خارجة عن الإسلام. وكان من الممكن أن نلتمس الأعذار لقبول هذه التهم المفتراة في الماضي، وذلك لأن كتب أهل نجد ما كانت توجد إلا قليلا، وإن علماء نجد أنفسهم ما كانوا يهتمون بنشر الدعوة خارج بلادهم إلا قليلا. ولذلك كان من الممكن جدا لأي شخص أن يحمل آراء كاذبة بصدق نية وإخلاص. ولكن اليوم إذ انتشرت كتب الشيخ وكتب تلامذته وراجت فلا يقبل عذر الجهل وعدم العلم. مذهبه الفقهي: بعبارة موجزة نستطيع أن نقول: إن شيخ الإسلام كان يحب أن يرى الدين في صورته الأصلية، وكان مولعا باتباع السلف الصالح في العقائد والأعمال، وكان يتبع مذهب إمام أهل السنة أحمد بن حنبل (م سنة 241هـ) في الفروع الفقهية. لكنه إذا وجد حديثا يخالف مذهب الحنابلة فلا يمنعه مانع من العمل بذلك الحديث. "وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة في الفروع، ولا ندعي الاجتهاد. وإذا بانت لنا سنة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عملنا بها، ولا نقدم عليها قول أحد كائنا من كان "1. وإنه يستدل في بعض الأحيان بأقوال الإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم إلا أنه لم

_ 1 الهدية السنية: 99.

يعلق ربقة تقليدهما في عنقه. فإنه يقتدي بابن تيمية وابن القيم حيث وافقا الكتاب والسنة حسب علمه، ولكنه يحب ذلك الإمام أو العالم، لأنه يسعى إلى العمل بالكتاب والسنة على وجه تام. "الإمام ابن القيم وشيخه إماما حق من أهل السنة، وكتبهم عندنا من أعز الكتب إلا أنا غير مقلدين لهم في كل مسألة "1. والحقيقة أنه في الفروع الفقهية يتبع المذهب الحنبلي إلا أنه لا يجبر الآخرين على اتباعه، فهو يطلب من الشافعي أن يكون شافعيا، ومن الحنفي أن يكون حنفيا. أن البدع والتقاليد الواهية لم يجزها أي إمام، ومن هو أشد من فقهاء الحنفية في تحريم الأغاني والمزامير؟ ولكن الذين ينتسبون إلى المذهب الحنفي أمام أعيننا هل تركوا شيئا؟ وما الذي لم يرتكبوه؟ ولتوضيح مذهب الشيخ الفقهي نذكر نصا آخر: "ونحن أيضا في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا ننكر على من قلد أحد الأربعة دون الغير لعدم ضبط مذاهب الغير كالرافضة.. الخ. ولا نستحق الاجتهاد المطلق ولا أحد لدينا يدعيه، إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذناه وتركنا المذهب كارث الجد والأخوة فإنا نقدم الجد وإن خالف مذهب الحنابلة2.

_ 1 الهدية السنية: 53. 2 تاريخ نجد للألوسي: 46 , 54 وصيانة الإنسان: 471. وقد ذكر مرغليوث فهرسا للخلاف بين الإمام أحمد بن حنبل والشيخ محمد بن عبد الوهاب وهو مملوء بالجهل. فعلى سبيل المثال يقول: إن الصلاة مع الجماعة فرض عند الشيخ وليس كذلك عند الإمام. وهل هناك دليل أوضح من هذا على الجهل؟.

العقائد: إنه في باب العقائد على مذهب السلف وهو إقرار ما ورد من الصفات الإلهية في القرآن والأحاديث الصحيحة كما ورد والتسليم به، والإيمان بظاهره مع نفي الكيفية. وهذا هو مذهب السلف، فقد كانت مسألة الصفات من المسائل التي اختلف فيها علماء الإسلام، فقد نفت جماعة الصفات كلها حذرا من التشبيه والتجسيم، وهو تعطيل الباري، وجماعة أخرى أثبتت الصفات فوصلت إلى التشبيه والتكييف، وهذا أيضا تعد وتجاوز عن الحد؛ فإن ذات الله سبحانه وتعالى منزهة عن الجسمية. وأما الأشاعرة المتكلمون فبدءوا يؤولون الآيات والأحاديث خوفا من التعطيل والتشبيه، فقالوا إن المراد من الاستواء هو الاستيلاء، وفسروا "يد الله" بالنعمة والقدرة ويزعمون أن المراد بقوله تعالى "فإنك بأعيننا" الحفظ والرعاية.. الخ، ولكن السلف ومن تبعهم لا يرضون بهذه التأويلات. فمن أين علمتم أن ما أردتم من هذه الكلمات هو ما أراده الله تعالى. ثم إن المتأولين قد يضطرون إلى تأويلات بعيدة في بعض الآيات والأحاديث حتى أن القارئ لا يتمالك من الضحك. وإذا راجعت كتاب مشكل الحديث لابن فورك (م سنة 406هـ) تجد أمثلة كثيرة من هذا النوع الذي يتمخض فيه الجبل ثم لا يلد إلا فأرا. وإن مسلك السلف بعيد كل البعد من هذا التكييف والتعطيل والتأويل، ومن الممكن أن يعبر عن مذهب السلف بلسان ابن تيمية - رحمه الله - هكذا: "ومذهب سلف الأمة وأئمتها أن نصف الله تعالى بما وصف به نفسه وبما وصفه رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فلا يجوز نفي صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه ولا يجوز تمثيلها بصفات المخلوقين، بل هو سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. ومذهب السلف مذهب بين مذهبين وهدى بين ضلالتين إثبات الصفات ونفي مماثلة المخلوقات1.

_ 1 الانتقاد الرجيح على حاشية جلاء العينين: 403 (لصديق حسن خان رحمه الله) .

وهكذا فمذهب السلف بين الإثبات والنفي، فهم لا يؤولون اليد والعين وغيرهما من الصفات، بل يؤمنون بظاهرها مع نفي التمثيل. أي أنهم لا يريدون بهذه الصفات ما يراد بها إذا أضيفت إلى الإنسان؛ لأن الله منزه عن الكيفية والجسمية. فالله هو الذي يعلم الكيف والحقيقة، وواجبنا هو الإيمان بدون أخذ ولا رد، وخير ما يعبر به عن مسلك السلف الصالح هو قول الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"1. ومذهب السلف هذا ليست مذهب الحنابلة فقط، أو الإمام ابن تيمية أو الشيخ محمد ابن عبد الوهاب، بل هو مذهب أئمة الإسلام قاطبة. الإمساك عن التأويل مطلقا مع نفي التشبيه والتجسيم. فالأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ومحمد بن حسن وسعد بن معاذ المروزي وعبد الله بن المبارك وسفيان الثوري والبخاري والترمذي وأبو داود السجستاني وغيرهم كلهم كانوا على هذا المسلك2. والإمام أبو الحسن الأشعري نفسه قد ثبت عنه الرجوع، ونقل تأييده عن إمام الحرمين، وكان هذا هو مذهب جميع الصحابة والتابعين، ولقد انفتح باب التأويل بعد أن راجت سوق العقليات. الأشاعرة المتأخرون وعامة علماء المسلمين المتأخرين كان مذهبهم التأويل. وكل ما يدرس الآن باسم العقائد في المدارس هو مذهب أهل التأويل هذا، لكن هذه المعاني هي أحد احتمالات تلك الألفاظ، ويمكن أن تذكر عشرات من التأويلات غير هذه، فمن أين ثبت أن تأويلكم هو نفس المراد الإلهي، فإن كنا لا نجزم -وحقا لا نجزم

_ 1 جلاء العينين: 212. 2 جلاء العينين: 229.

فلماذا نورط أنفسنا في هذا الخطر. فالأسلم أن نعتقد ونؤمن بكل ما ورد في الشرع بلا تعطيل ولا تكييف كطريقة السلف. هذا هو رأي الصالحين الأوائل وهو نفسه طريقة أهل التوحيد والسنة المخلصين وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه أيضا يعتقدون هذا. " ... وبالجملة فعقيدتنا في جميع الصفات الثابتة في الكتاب والسنة عقيدة أهل السنة والجماعة، نؤمن بها ونقرها كما جاءت مع إثبات حقائقها، وما دلت عليه من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تعطيل ولا تبديل ولا تأويل "1. ومذهب السلف في باب الصفات مشهور ومعروف، فحسبنا أن نقول: إن شيخ الإسلام كان يعتقد عقيدة السلف. ولم يبتل أحد في هذا الصدد بعد القرون الأولى مثل الإمام ابن تيمية (م سنة 728هـ) ، فإن أفكار الأشاعرة والمتكلمين كانت قد استولت على الأدمغة، وتأصلت في الأذهان إلى حد أن الناس كانوا ينظرون إلى طريق الحق أنه طريقة الجهال وناقصي العقول. وعلى كل حال فقد كان شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب متمسكا بمذهب السلف بكل قوة، كما كان الإمام ابن تيمية رحمه الله. وللتفصيل في هذه المسألة يرجع إلى كتاب جلاء العينين في محاكمة الأحمدين للألوسي، فقد أتى المصنف الفاضل بخلاصة المسألة كلها. وقد ذكر نصوصا من مؤلفات ابن تيمية وابن الجوزي (م سنة 644هـ) والشيخ عبد القادر الجيلاني (م سنة 565هـ) والإمام أبي الحسن الأشعري (م سنة 334) . التوحيد ومستلزماته: لقد اهتم الشيخ اهتماما بالغا في جميع كتبه ورسائله بالتوحيد، بل الأولى أن يقال إن كتبه كلها ليس فيها إلا التوحيد2، فكانت دعوته دعوة التوحيد وكان شعاره "لا إله إلا

_ 1 الهدية السنية: 99. 2 هذا على سبيل المبالغة, فلا شك أن الشيخ يهتم بتصحيح العقائد أكثر من أي شيء آخر، ولكن مع ذلك فله مؤلفات عظيمة في الفقه والسيرة والحديث وغيرها" (المترجم) .

الله"، وكان يوضح معاني هذه الكلمة لكل واحد، ويسعى إلى ترسيخ حقيقتها في الأذهان، ولذلك كان متبعوه يدعون باسم الموحدين في بعض الأحيان. فما هو التوحيد؟ التوحيد هو إخلاص العبادة لله تعالى فقط، والأمر واضح جدا ولكن حبائل الشيطان واسعة جدا أيضا، فكان يجب لإخلاص التوحيد أن يجتنب الإنسان جميع تلك الأعمال والأقوال التي يوجد فيها أدنى شبهة للشرك. وشيخ الإسلام لم يأل جهدا في توضيح هذه الأعمال والأقوال، فقد بين مضراتها ومفاسدها، وحاول سد جميع الطرق التي تؤدي إلى هذه المفاسد. لكن الأمة التي كانت قد ظهرت برسالة التوحيد إلى جميع أنحاء العالم قد وضعت في شراك عبادة القبور والأضرحة وغيرها حتى إن نداء التوحيد لما قرع مسامعها أنكرته واستغربته، فإذا قدمت إليها نصوص الكتاب والسنة أولتها. حتى إن زعماء التوحيد وحاملي لوائه قد استقبلوا بشتائم "الوهابي" ومشرك وخارجي وغيرها من الشتائم الفقهية والمذهبية، فكانت جريمة شيخ الإسلام هي أنه جهر بدعوة التوحيد، وأكد على الناس اجتناب الشرك وأنجاسه وذم الأوثان من دون الله، ونهى عن الحلف بغير الله والنذر لغيره وعبادة القبور بكل تصريح ووضوح، فإن كان هذا ذنبا فيجب على كل مسلم أن يرتكب هذا الذنب بكل إخلاص. وفيما يلي نذكر بوضوح تلك الأمور الخاصة التي تبعد عن التوحيد وتقرب إلى الشرك في رأي شيخ الإسلام وأهل السنة: 1- دعاء غير الله في المصائب أو دعاء غيره مع الله. فأدعياء "العقيدة" الجهال أو ناقصو الثقافة إذا دعوا غير الله في المصائب مثل: يا رفاعي، يا بدوي، يا عبد القادر، أو كما يقولون عندنا: يا رانا بير بهور، يا مخدوم، يا

"مخدوم منهجن" وغير ذلك. فهذا كله ليس منزها عن شوائب الشرك1.فإن جانب العبادة ظاهر في هذا النداء، وإن كنا لا نبحث عن نية الداعي أو منزلة المدعو، فمن الممكن جدا أن لا يقصد الداعي العبادة أو الإشراك، ولكن العبد إذا نادى مخلوقا آخر في المصيبة، وطلب منه دفعها أو جلب منفعة فهذا يخالف التوحيد تمام المخالفة. وإن دينا كاملا كدين الإسلام لا يوجد فيه أي مجال لمثل هذا. فالذي يذكر غير الله في المصائب لا يخلو من حالتين: 1. إما أنه جاهل لا يعرف التعاليم الصحيحة من الكتاب والسنة، فأتباع شيخ الإسلام يحاولون أن يوضحوا له الطريق الصحيح ويأمرونه بأن يجتنب هذه الأمور في المستقبل. 2. فإن كان أحد يدعو غير الله لدفع الضرر أو جلب الخير بعد ما عرف الأحكام الشرعية، فإنهم يعتبرونه مشركا ولا يرضون بأي مجاملة أو مجاراة مع هؤلاء. ويحتجون بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} 2. 2- الاستغاثة: أي طلب الغوث من غير الله فحكمه حكم دعاء غير الله. يقول أبو يزيد البسطامي": استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون3.،" وروى

_ 1 ليس قصده أن هذا ليس من الشرك الذي وقع فيه من وقع، وإنما مقصوده أن يتنزل مع هؤلاء في اعتقادهم ويدل على هذا آخر كلامه "فهذا يخالف التوحيد تمام المخالفة"، فإذا كان يخالف التوحيد تمام المخالفة فهو شرك صراحة". (المترجم) . 2 سورة فاطر آية: 13-14. 3 جلاء العينين ص: 212.

الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله تعالى "1. وملخص القول أن الاستغاثة بغير الله سواء كان حيا2 أو ميتا حرام قطعا، وينافي عقيدة التوحيد الإسلامي كل المنافاة. 3- التوسل: وكلمة التوسل تستعمل لثلاثة معان: 1. التوسل بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا فرض ولا يكمل الإيمان إلا به. 2. التوسل بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وشفاعته، وهذا كان في حياته صلى الله عليه وسلم، وسيكون يوم القيامة حينما يتوجه الخلق يتوسل بشفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام. 3. التوسل الذي يتوسل فيه إلى الله تعالى بذوات الأنبياء والصالحين فهذا لم يعمل به الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعد وفاته، لا عند الاستسقاء ولا غيره، لا عند القبر ولا بعيدا عن القبر. لم ينقل عن الصحابة أي توسل غير مشروع في أي مناسبة، توسل كأنه يحلف فيه على الله تعالى بذات رسول أو ولي، وإن الأدعية المأثورة لا يوجد فيها أي أثر لهذا التوسل. هذه هي الصور الثلاثة للتوسل فالصورة الأولى منها (أي التوسل بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته) مشروعة دائما. والصورة الثانية أي التوسل بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفاعته (لا ذاته) فهذا كان نافعا ومطلوبا بلا شك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أنكر

_ 1 جلاء العينين ص: 303. 2 الاستغاثة في الشيء المقدور عليه من الحي الحاضر لا مانع فيها، ولكن مقصوده الاستغاثة الواقعة في عباد القبور الذين يستغيثون بالأموات والغائبين. (المترجم) .

التوسل بأحد هاتين الصورتين فهو كافر مرتد كما صرح به الإمام ابن تيمية - رحمه الله - ولكن قد تعذرت الصورة الثانية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نقل السلام على القبور وقول "السلام عليكم" لمخاطبة أهل القبور، ولكن طلب الدعاء من الميت أو الغائب فهذه بدعة.1. ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في جمع حافل من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - بدون إنكار أحد منهم:- " اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا"2.فلأمر ما توسل الصحابة بالعباس رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ولما كان هذا التوسل بطلب الدعاء وهو متعذر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم توسل الفاروق بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طلب منه أن يدعو. أما الثالثة وهي التوسل بذوات الأنبياء والصالحين أي الحلف على الله تعالى باسم الأولياء والصالحين كأن يقول أحد: "أسألك بجاه عبدك أو بحرمته"، فاختلف العلماء فيه. والرواية الصحيحة عند الحنابلة أنه مكروه تحريما، وهو المنقول عن الإمام أبي حنيفة وغيره من فقهاء الحنفية. فالتوسل بالأنبياء أو الأولياء أو الأماكن المقدسة وطلب الدعاء بحقهم مكروه تحريما عند الحنفية، ويستدلون لاحق للمخلوق على الخالق وهذا حق واضح. وهو نفسه مذهب الإمام ابن تيمية - رحمه الله - وعليه عمل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ومتبعيه؛ فإنهم لا يبيحون التوسل بذات نبي أو ولي، وإنهم لم يأتوا في هذا بشيء جديد سوى أنهم طبقوا ما اتفق عليه الحنفية والحنابلة. والشيخ عز الدين بن عبد السلام هو الوحيد من العلماء المتقدمين من يبيح التوسل

_ 1 جلاء العينين: 284. 2 مشكاة المصابيح باب الاستسقاء.

بالذات المقدسة للنبي صلى الله عليه وسلم1 فإن قال أحد: "اللهم إني أتوسل إليك بنبيك وحبيبك محمد" صلى الله عليه وسلم أو: "اللهم إني أسألك بجاه صفيك ونبيك محمد" صلى الله عليه وسلم) فهذا جائز عنده. ولا عجب إن زل عالم مجتهد مثل عز الدين بن عبد السلام أمام الذات المقدسة والمرتبة العليا للنبي صلى الله عليه وسلم. ومن المتأخرين الشوكاني (م سنة 1251هـ) يبيح التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم. أما التوسل بالأولياء والصالحين فلم ينقل عن أحد من الأئمة. فإن حاول بعض المتأخرين تجويزه فهذا ترويج لأمر مشتبه لا أصل له، وفتح لباب البدع بدون فائدة2.وكل ما أقصده هنا هو توضيح مذهب شيخ الإسلام، وليس هذا محل نقاش فقهي، وسنذكر عدة كتب في باب المراجع تتعلق بهذا الموضوع. وكتاب التوسل والوسيلة للإمام ابن تيمية - رحمه الله - وغيره من مؤلفاته وفتاويه مملوءة من هذه المباحث. وعلى سبيل الإجمال يمكن الاستفادة من كتاب جلاء العينين (269 - 315) للأدلة ومناقشات الجانبين. 4- الاستعاذة: من مقتضيات التوحيد أن لا يستعاذ بشيء من المخلوقين دون الله وأسمائه وصفاته. وبناء على هذا الأصل استدل إمام أهل السنة أحمد بن حنبل - رحمه الله - على أن القرآن كلام الله وغير مخلوق بحديث " أعوذ بكلمات الله التامات "3 أي أن كلام الله تعالى إن كان مخلوقا يلزم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استعاذ بمخلوق حينما استعاذ بكلمات الله، ومعنى ذلك أنه كان من المسلم به إلى ذلك الزمان أن الاستعاذة بالمخلوق لا تجوز.

_ 1 وهو أيضا بشرط: إن صح الحديث "الدر النضيد: 6". 2 لقد أجاز الشيخ إسماعيل الشهيد في الهند وأكثر علماء ديوبند التوسل بالأولياء والصالحين إلا أن القلب يأبى ذلك. 3 البخاري: أحاديث الأنبياء (3371) , والترمذي: الطب (2060) , وأبو داود: السنة (4737) , وابن ماجه: الطب (3525) , وأحمد (1/236 ,1/270) .

ولو لم يكن كذلك لرد عليه المخالفون. والقرآن نفسه يذم الكفار بأنهم يستعيذون بغير الله أي الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} 1، ولذلك اعترض شيخ الإسلام على قول صاحب "البردة": يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم ... ولا شك بأن قوله "مالي من ألوذ به سواك" لا يليق إلا بالله تعالى. وحتى الشوكاني مع تساهله في مسألة التوسل قد اعترض على هذا الشعر2. 5- الحلف بغير الله: إن الحلف بغير الله أيضا ينافي التوحيد، وليست هذه المسألة مما اختلف فيه، بل قد اتفق عليها العلماء لكن العوام بل حتى بعض الخواص قد وقعوا في هذه البلية. وجميع بلاد المسلمين قد راج فيها الحلف بالأنبياء والأولياء حتى لو أنكرت على أحد ونهيته عن هذا يتهمك باللادينية أو على الأقل بالوهابية بدلا من أن يمتنع عنه، مع أن الترمذي أخرج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف بغير الله فقد أشرك " 34 فقد سمى الحلف بغير الله شركا. وهل هناك نهي أشد من هذا. ولهذا قال أبو حنيفة: "لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وأكره أن يقول بمعاقد العز من عرشك أو بحق خلقك".

_ 1 سورة الجن آية: 6. 2 الدر النضير: 29. 3 الترمذي: النذور والأيمان (1535) , وأبو داود: الأيمان والنذور (3251) , وأحمد (2/34 ,2/69 ,2/86 ,2/125) . 4 تحفة الأحوذي 5: 135. ونص الحديث هناك هكذا: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" وقال الترمذي: هذا حديث حسن. "المترجم".

فلا يجوز عنده الحلف أو الاستغاثة بغيره أبدا. إلا أن الإمام أبا يوسف يبيح قوله "بمعاقد العز من عرشك"، لأن مالك معاقد العز في العرش هو الله سبحانه وتعالى. ولا يراد من "معقد العز من عرشك" إلا الله تعالى، ولكن الإمام أبا حنيفة يكره ذلك أيضا. أما الدعاء بحق فلان فهو مكروه تحريما عند الجميع كما مر من قبل. فدعاء غير الله والاستغاثة بغير الله والتوسل بالأنبياء والصالحين والاستعاذة بغير الله والحلف بغير الله كل هذه الأشياء من نوع واحد. وكلها تحمل في طياتها جراثيم الشرك وتنافي التوحيد كل المنافاة. ولذلك لا يمكن أن تباح هذه التوهمات والخرافات في الدين الخالص، وكل ما ارتكب محمد بن عبد الوهاب من جريمة هو أنه نهى عن هذه المكروهات نهيا تاما، وقد أنقذ بذلك عامة الناس ولو في ناحية واحدة من الأرض. 6- زيارة القبور: إن زيارة القبور مشروعة ولا شك بشرط أن لا تخرج عن حدود الزيارة. ويجوز للمسلم أن يزور قبور الأنبياء والصالحين وعامة المسلمين، وحتى قبور غير المسلمين لمن أراد العبرة والعظة، وزيارة قبور المسلمين سنة وقد رغب فيه الشرع لمن أراد أن يدعو لأهل القبور. ومحمد بن عبد الوهاب وأتباعه لا ينكرون زيارة القبور إلا أنهم يخالفون مخالفة شديدة تلك البدع التي تفعل عند القبور. فإنهم ينكرون على الذين يستغيثون بالقبور ويطلبون من الموتى دعاء وشفاعة. وزيارة القبور التي نراها في أيامنا ليست زيارة ولكنها ترويج لأسواق البدع والخرافات. فطلب الدعاء من صاحب القبر أو الدعاء بواسطته، أو الدعاء عند القبر نفسه بقصد التقرب إلى الله كل هذه الأمور لا تجوز أبدا، والموحدون ينكرون كل هذا.

إن الأحاديث قد نهت عن بناء المساجد على القبور وهي كثيرة مشهورة وصحيحة في هذا الباب1، ولذلك لم يتردد أتباع محمد بن عبد الوهاب في هدمها؛ لأنها محرمة في الشرع، وقد اتخذت هذه القبور أوثانا بعكس ما أمر به الشارع تماما. وهذا منكر فمن وجد قوة فعليه أن لا يتردد في استئصال هذه البدعة. وأتباع محمد بن عبد الوهاب ليسوا هم الحكام المنفردين الذين اعتنوا بهدم القباب، بل إنه كان من المعمول به من عصر الإمام الشافعي (سنة 150 - 204هـ) أي في أواخر القرن الثاني، وقد ذكر ذلك الإمام الشافعي في كتاب الأم بأن الحكام كانوا يهدمون ما بنى على القبور، والفقهاء لا ينتقدون عليهم وذكر هذا القول النووي في شرح مسلم2. وكذلك نقله ابن حجر الهيتمي في الزواجر، وذكر من أقوال الفقهاء: "وتجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور؛ إذ هي أضر من مسجد الضرار.. الخ "3. وبعد هذا التفصيل كله يتبين لكل بصير بأن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ما كان يدعو إلى دين جديد، ولا أنه أنشأ مذهبا فقهيا جديدا فهو نفسه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (م سنة 241هـ) ، وأن دعوته هي دعوة الكتاب والسنة فقط. فكل ما يريده هو من الأحناف أن يكونوا حنفيين خالصين، ويطالب الشافعيين أيضا بهذا. فالذي يفعل الآن عند قبر الإمام الشافعي (م سنة 204هـ) في مصر هل كان

_ 1 للتفصيل في هذا الموضوع يرجع إلى كتاب تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد" للمحدث العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. فإنه من أنفس ما رأيت في هذا الموضوع. وكذلك "زيارة القبور" لابن تيمية و"شرح الصدور في تحريم رفع القبور" للشوكاني (المترجم) . 2 الهدية السنية: حاشية العلامة السيد رشيد رضا (م سنة 1353 هـ) ص: 49. 3 الزواجر ج 1: 163 مطبعة وهبة بمصر.

من الممكن أن يبيحه هو بأي صورة؟ وهكذا حال جميع الأئمة فإنهم ما كانوا يبيحون البدع ولا يتهاونون فيها ولا يمكن أن يكون هذا. فأتباع محمد بن عبد الوهاب إنما يدعون المسلمين أن ينتهوا من هذه البدع ويتركوها. والذي لا يمتنع بعد تنبيهات متكررة فإنهم يعاملونه بشدة. وشدتهم هذه في العمل توصف بعدة من الشتائم الفقهية، وعلى هذا الأساس افتريت عليهم افتراءات لا أصل لها بمجرد الظن والقياس. ومن الصعب جدا أن نذكر في هذا الكتاب تلك الشتائم والافتراءات التي سودت مئات من الصفحات ولكن مع ذلك فسنقدم في الصفحات الآتية نماذج من تلك الافتراءات الكاذبة.

افتراءات وأكاذيب

الباب الخامس افتراءات وأكاذيب الوهابية: إن من أبرز الأكاذيب على دعوة شيخ الإسلام تسميتها "بالوهابية"، ولكن أصحاب المطامع حاولوا من هذه التسمية أن يثبتوا أنها دين خارج عن الإسلام. واتحد الإنجليز والأتراك والمصريون فجعلوها "شبحا مخيفا" بحيث كلما قامت أي حركة إسلامية في العالم الإسلامي في القرنين الماضيين، ورأى الأوربيون فيها خطرا على مصالحهم ربطوا حبالها بالوهابية النجدية، فالحركة السنوسية في المغرب تناقض الدعوة النجدية في الفروع الفقهية، ولكن مع ذلك يقال إنها نتيجة لدعوة شيخ الإسلام. وهذا بسبب أن الحركة السنوسية ما زالت خطرا على الطليان بسبب أعمالها في سبيل الجهاد مدة طويلة. وكذلك حركة التجديد والإمامة في الهند، قد ألحقت بنجد إلحاقا تاما حتى زعم أهلها فضلا عن الآخرين أنهما واحدة. ولا شك أن المأخذ الأصلي (الكتاب والسنة) واحد، ولكن توجد فروق واضحة في أساليب الدعوة وطرقها مع توافقهما في الأصول. ولكن الحقيقة التي لا تجحد أن حركة تجديد الجهاد التي قام بها السيد أحمد الشهيد (سنة 1246هـ / 1831م) ، والشيخ إسماعيل الشهيد (1246) لم تتأثر أبدا بالدعوة النجدية1. وعلى كل حال فنظرا إلى تلك المحاولات التي بذلت لإظهار الوهابية في صورة مذهب مستقل وطائفة ضالة هذا الاسم منتقد أشد الانتقاد، ولكن بغض النظر عن هذه الأكذوبة والافتراء فلا أرى حرجا في هذه التسمية. فلو كانت النسبة إلى داعي حركة الإصلاح والتجديد محمد بن عبد الوهاب فكان ينبغي أن يقال لأصحابه "محمديون"، ولكن من البديهي أن الأعداء ما كانت تتحقق غاياتهم في تسميتهم بالمحمدي، ولذلك نسبوا هذه الجماعة إلى والده وهو الشيخ عبد الوهاب، وهكذا اشتهر هذا الاسم "الوهابي أو الوهابية"، ثم راجت هذه النسبة حتى إن كثيرا من

_ 1 يوجد تفصيل هذه المسألة في كتابي "الحركة الإسلامية الأولى في الهند" ونظرة على أفكار الشيخ السندي"

المؤرخين والمترجمين نسبوا راية التجديد والإصلاح إلى عبد الوهاب. وعلى سبيل المثال يراجع كتاب برائجس (2: 134) . ولقد بالغ برائجس1 (Rrydges) في زعمه الباطل حتى كتب "إن ولد صاحب الدعوة "محمد" كان ضريرا (ص: 134) وهذا باطل في باطل، مع أن الصواب أن الشيخ حسين2 بن محمد بن عبد الوهاب وهو النجل الأكبر لشيخ الإسلام كان ضريرا. وان "هنتر" أكبر خصوم المجاهدين في الهند أيضا مبتلى بهذا الوهم، فإنه حينما يترجم إحدى رسائل الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب يصف المصنف بأنه حفيد مؤسس الجماعة3. ولم ينفرد هذان بهذا الزعم بل هناك طائفة ابتليت بالوهم نفسه. فقد ذكر "ني بور" أول السياح الأوربيين الذين تجولوا في بادية العرب - أن مؤسس الجماعة هو عبد الوهاب، ويقول: إن ولده "يخلفه الآن4 " ومن الجدير بالذكر أن "ني بور" كان موجودا في البلاد العربية سنة 1764م أي قبل وفاة الشيخ بثمان وعشرين سنة. ومن أغرب الأوهام ما وقع فيه رئيس المبشرين المسيحيين الراهب "زويمر" فقد ظن الوهابية أو الوهابي دينا أو مذهبا مستقلا كما يشاع. ثم رأى أن الإمام ابن القيم (م سنة 751هـ) تشبه أفكاره وآراؤه الوهابيين فقال بدون تردد "إنه وهابي"، ولكن يسمي نفسه حنبليا5. ولكن المسكين لم يعرف أن اصطلاح الوهابية ما راج إلا بعد ابن القيم بأربعة قرون أو أكثر.

_ 1 مرجع برائجس هوبرك هارت وهو أيضا يصف عبد الوهاب بأنه مؤسس الجماعة (2: 96) بل لقد تجاوز إلى حد أنه اخترع فرعا خاصا في قبيلة بني تميم باسم "الوهابي" wahhabia ص: 97. 2 توفي سنة 1224 هـ. 3 1874 p. 68 (bengal) general asiatie saeity. 4 رحلة ني بور: 131 , 133. 5 المقتطف: 27: 295.

ولم نجد حجة قاطعة تدلنا على أول من نادى بهذا الاسم، ولكن الظاهران المخالفين اتهموهم بهذه التسمية في حياة شيخ الإسلام نفسه. وهذا هو رأي مرغليوث1. ومع أنه ليس حجة في هذا الباب إلا أن هناك قرائن أخرى تؤيد هذا2. وقد ورد هذا اللفظ في قصيدة للملا عمران بن رضوان والغالب أنه أحد معاصري شيخ الإسلام3 فقد قال: إن كان تابع أحمد متوهبا ... فأنا المقر بأنني وهابي4 ومعاصر مصري آخر قد ذهب إلى هذا الرأي، وأن الأعداء كانوا قد بدءوا في استعمال هذا اللقب في أيام الحروب الأولى5. ولكن "ني بور" المعاصر الأوروبي لشيخ الإسلام لم يستعمل اصطلاح الوهابية أصلا6. فيظهر من هذا أن اصطلاح الوهابية لم يكن معروفا إلى ذلك الوقت (1764م) . ولكنه يسمي دعوة الشيخ بدين جديد (New Religion) مع أنه في النهاية يعبر عن "مذهب عبد الوهاب الجديد" بالمحمدية7، وبعد مدة قصيرة من وفاة شيخ الإسلام نجد سائحين آخرين يتكلمان في الحركة النجدية ودعوتها وهما: "علي بيك

_ 1 مقالة "الوهابية". 2 وهو الذي استظهره داؤد البغدادي (م سنة 1299 هـ / 1882 م) في كتابه صلح الإخوان. ينظر (ص: 219 notes on mahammedanism) . 3 مع الأسف لم نتمكن من معرفة عصره بالتحديد مع محاولة تامة وبعض القرائن الأخرى تدل أنه لم يكن معاصرا لشيخ الإسلام. 4 الهدية السنية: 110. 5 محمد حامد الفقي: 5 , 6. 6 وهو السائح الأوربي الأول الذي ورد البلاد العربية. يراجع باب المراجع. 7 المجلد الثاني: 133- 135.

عباسي باديا" (سنة 1807م) و "برك هارت" (سنة 1814م) . أما (باديا) فقد وصل إلى الحجاز قبل احتلال المصريين، ومع الأسف لم توجد رحلته الأصلية حتى نعرف هل استعمل هذا الاصطلاح أم لا؟ والمقتطفات التي أتى بها (هوغارث) لا تسفر عن رأي صحيح1. وأما برك هارت فقد جاء إلى الحجاز بعد استيلاء محمد علي المصري في سنة 1229هـ / 1814م، وألف مذكرة في أخبار الوهابيين في سنة 1816م، وقد نشرت هذه المذكرة فيما بعد في مجلدين باسم (مذكرات في البدو والوهابيين) Wahhabys) and The Bedouins on The Notes ((سنة 1831م) وقد أكثر من استعمال كلمة (الوهابي فقلما تجد صفحة من المجلد الثاني تخلو عن هذا اللفظ. وفي أيام قريبة منه رتب عبد الرحمن الجبرتي (م سنة 1238هـ) تاريخه، وهو أيضا يكثر من استعمال هذا الاصطلاح2. فيقول في حوادث سنة 1218هـ: "وحضر صحبة الحاج كثير من أهل مكة هروبا من الوهابي، ولغط الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه3. ويظهر من هذا أن هذا الاصطلاح كان شائعا أيام الغارة المصرية، والكتاب فيما بعد يذكرون هذه الجماعة باسم "الوهابي" دائما. وقد قلنا آنفا: إن مجرد التسمية لا حرج فيه ولكن هذا الاسم قد أشيع وكأنه مذهب خارج عن الإسلام. وهذا ما نشكو منه ولهذا أوليته عناية خاصة في صدد ذكر الافتراءات. أول المفترين: وأول من بدأ نسبة الأكاذيب والافتراءات إلى شيخ الإسلام في حياته هو سليمان

_ 1 ص: 78- 81. 2 يلاحظ: المجلد الثالث: ص: 232: 235: 252. 3 عجائب الآثار 3: 225.

بن محمد بن سحيم1 (م سنة 1181هـ) ، وقد اتهمه بعدة أمور في رسالة متجولة في العالم الإسلامي 2. 1. هدم قبة زيد بن الخطاب في الجبيلة. 2. هدم مسجد عند القبر. 3. إحراق دلائل الخيرات وروض الرياحين. 4. تكفير ابن الفارض وابن عربي. فقبور زيد وأصحابه غير معروفة أصلا. وأما قصة إحراق دلائل الخيرات وروض الرياحين فمن الافتراءات، نعم لقد نهى الشيخ عن قراءة هذه الكتب. أما تكفير ابن عربي وابن الفارض وأمثالهم من المتصوفة فمنقول عن الشيخ، فقد قال ابن غنام: "وقد كفر الشيخ ابن عربي وابن الفارض وأمثالهما 3.

_ 1 اسمه الكامل هو: سليمان بن محمد بن أحمد بن علي بن سحيم، وكان أبوه محمد بن أحمد أيضا من أعداء الدعوة. روضة الأفكار 1: 38 السحب الوابلة ص: 313. 2 وقد ذكرت هذه الرسالة بكاملها في روضة الأفكار 1: 42 , 43 , و 1: 37. 3 روضة الأفكار 1: , 158 , 167 , 198. وليس الشيخ محمد بن عبد الوهاب هو المنفرد في هذا الباب، فقد سبقه جهابذة العلماء ونبغاء الأئمة. ويقول البقاعي في ابن عربي: وقد صرح بكفر هذا الرجل ومن نحا نحوه في مثل هذه الأقوال الظاهرة من الضلال جماعة من العلماء والأعلام ومشايخ الإسلام. ويقول في ابن الفارض: فقد رماه بالزندقة بشهادة الكتب الموثوق بها نحو من أربعين عالما هم دعائم الدين من عصره إلى عصرنا ... إلخ وقد ذكر البقاعي أسماء عشرات منهم، ومن هؤلاء: عز الدين بن عبد السلام، وتقي الدين ابن الصلاح، والقسطلاني، وابن دقيق العيد، وابن جماعة والسبكي، والذهبي وابن حجر، والعيني، وولي الدين العراقي، وعلاء الدين، البخاري وغيرهم. وإذا أراد القارئ الكريم التوسع في معرفة مفاسد هذه الطائفة ومكائدها فليرجع إلى كتاب: مصرع التصوف للبقاعي بتعليق للعلامة الأستاذ عبد الرحمن الوكيل - رحمه الله - وكتاب التصوف بين الخلق والحق للأستاذ محمد فهر شقفة، وكتاب هذه هي الصوفية" للشيخ عبد الرحمن الوكيل. (المترجم) .

معاصرون آخرون وشتائمهم: وهناك معاصرون آخرون لشيخ الإسلام قد شاركوا ابن سحيم وأيدوه. إلا أن كتبهم ليس فيها إلا الشتائم والافتراءات، وقد اشتهر منهم أحمد بن علي البصري (سنة 1150هـ / 1744م1 ومحمد بن عبد الرحمن بن عفالق الإحسائي الحنبلي (سنة 1170? / 1756م) 2 عبد الله بن عيسى مويس (م سنة 1175هـ) ، وابن فيروز (م سنة 1216هـ) . ويأتي بعد هؤلاء في الدرجة الثانية: عفيف الدين عبد الله بن داود الزبيري الحنبلي (م سنة 1225هـ / 1810م) ، وأحمد عبد الله الحداد باعلوى التريمي الشافعي3، وسنذكر كتبهم في باب المراجع. وقد ذكر أكثرهم ابن غنام أيضا4 ورد على قصيدة لابن فيروز أيضا. أما شتائم هؤلاء فلا أجد في نفسي جرأة لذكرها، ولكن مع ذلك أرجو من القارئ الكريم أن يسامحني إن ذكرت مثالا واحدا فقط لإظهار مروءتهم وأخلاقهم كما آمل من أهل العلم أن يعفوني. يوجد تقريظان في كتاب "الصواعق والرعود"5 لعبد الله بن داود الزبيري (م سنة 1225هـ / 1810م) أولهما هو لمحمد بن فيروز الحنبلي (م سنة 1216هـ / 1801م) وقد كتب في 18 صفر سنة 1210هـ. وفي بداية هذا التقريظ يبصر القارئ العبارة التالية ولعله يذوب حياء لمجرد رؤيتها ولكن نقل الكفر ليس بكفر فاضغط على قلبك واقرأ:

_ 1 لم يعرف تاريخ وفاته بالتحديد والسنة المذكورة هي سنة تأليف كتابه وأن وجوده ثابت في هذا الوقت.

".. بل لعل الشيخ (يعني عبد الوهاب) غفل عن مواقعة أمه (يعني محمد بن عبد الوهاب) فسبقه الشيطان إليها فكان أبا هذا المارد.. الخ". إنا لله وإنا إليه راجعون - وهل يستطيع كبار المقذعين أن ينحطوا إلى هذا المستوى من الإقذاع. هذا مكتوب سنة 1210هـ وفي حوادث سنة 1211هـ أيضا ذكر ابن غنام منظومة لابن فيروز هذا فيقول: "وقد وصل إلينا من هاتيك الديار منظومة لابن فيروز متضمنة لأقبح العار.. الخ1 " ويتبين لنا من هذا أن التفحش كان من سجية هذا الرجل. نماذج من الأكاذيب: 1- ادعاء النبوة: إن أعداء دعوة الشيخ إذا لم يجدوا مجالا للطعن فيه يقولون: "لقد كان الرجل في الحقيقة يريد أن يدعي النبوة إلا أنه تستر2 ". ويردد أحمد زيني دحلان هذا الاتهام نفسه بهذه الكلمات: "والظاهر من حال محمد بن عبد الوهاب أنه يدعي النبوة، إلا أنه ما قدر على إظهار التصريح بذلك3 ".

_ 1 روضة الأفكار 2 ص: 214. 2 مصباح الأنام "مخطوط" الورقة: 5 , 6. 3 الدرر السنية 46.

والغريب أن "ني بور" أيضا اعتمد على هذه الشائعات وكتب: "إن محمد بن عبد الوهاب كان يعظم الرسول إلا أنه ما كان يؤمن بالوحي، أو الإلهام بواسطة الملائكة1 ". ونموذج قبيح من هذا القبيل نجده في مذكرات رافنشا (Rawensha) التي كتبها2 أثناء محاكمة الشيخ أحمد الله الصادقبوري3 حينما كان حاكما لمديرية بتنة: "ولقد كان هذا المصلح يرى أنه لم يوجد إلهام لأي إنسان على طريق مباشر من عند الله، ولم يوجد أي كتاب يمكن أن يوصف بأنه إلهامي (Divine) ، ويظهر من هذا أن عبد الوهاب (؟) لم يكن يرى أن ثمة دينا إلهيا. فإنه إذ يسمي الدين المحمدي دينا إلهيا فليس ذلك لأنه منزل من عند الله بل لمجرد كماله وشموله". ويضيف إلى ذلك: "إن المسلمين المثقفين (المحمديين) قد استقبلوا بحرارة في البدو الذين لم يسلموا أبدا بأن محمدا رجل مصطفى (Divine) ولم يؤمنوا بالقرآن بأنه كتاب إلهي". ومذكرة هذا الرجل الذي كان يحكم مديريتنا في سنة 1865م مليئة من مثل هذه الجهالات، وكذلك لقد تفضل "المحسن المعروف" على مجاهدي الهند "سير وليام

_ 1 رحلة ني بور 2: 134. 2 كلكته كزت عدد 20 سبتمبر سنة 1865 ملحق 437 , 445. 3 كان الشيخ أحمد الله الصادقبوري أحد الأفراد البارزين في بيت "صادقبور" وكان هذا البيت ذا صلة وثيقة بجماعة السيد أحمد الشهيد رحمه الله. ولقد حوكم بتهمة مؤامرة سنة 1865 م / 1218 هـ، وعوقب بالنفي والسجن المؤبد من المحكمة العليا، فبقي منفيا في جزر أنديمان سبع عشرة سنة وتوفي هناك في ذي الحجة سنة 1298 هـ. نوفمبر سنة 1881 م". وللتفصيل يراجع كتابي: الحركة الإسلامية الأولى في الهند.

ولسون هنتر" Hunter) W.W.) بمثل هذه الكلمات حيث قال في موضع آخر من كتابه1: "لم يؤمن البدو في يوم من الأيام بأن محمدا رجل إلهي ولا أن القرآن كتاب إلهي" ... الخ2. ولعله استقى هذه الأفكار من مذكرات رافنشا نفسه، ومن الممكن أن يكون كل منهما قد أخذ من رحلة (ني بور) ؛ لأن أوربا أول ما عرفت هذه الجماعة عرفت عن طريقها. 2- إنكار الحديث: إن الزمان لغريب وإن نوادره لعجيبة، فالرجل الذي يقوم ويقعد وينام تحت ظل ظليل من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكأنها هي غطاءه وفراشه يتهم بإنكار الحديث، والفضل في هذا الافتراء يرجع إلى مصنف مصباح الأنام أحمد عبد الله الحداد باعلوي3. وأعجب من ذلك أن هذا الاتهام الذي لا أصل له قد ردده كاتب معروف في بلادنا (وهو عبد الله يوسف علي) في هذا القرن العشرين.

_ 1 the indian muosalmans ص: 55: 56. 2 مصباح الأنام ورقة: 5 , 6. 3 وهذأ أمر لا ينحصر في هذا الرجل فقط، بل عامة المثقفين والعلماء في بلادنا مبتلون بهذا، فلا يزالون يكتبون أمثال هذه الكلمات المكذوبة على هذه الجماعة، وقد سبقهم المولوى فضل رسول بدايوني (م سنة 1298 / 1812) فقد كتب كتابا يسمي "تصحيح المسائل درتردبد فرقة نجدية أراذل" "أي تصحيح المسائل في الرد على الفرقة النجدية الأراذل" ولكنه مجموعة خرافات ليس إلا. وكذلك معاصر آخر في كتابه "آثار جمال الدين" يذكر في حق هذه الجماعة أمورا لا أصل لها. "236 , 337" فبيانه المشتمل على صفحتين مجموعة مؤلمة من الأخطاء والفهم السيء، حتى إنه لا يفرق بين عقيدة السنوسي والوهابية النجديين ص 239.

" ... وكان -كرامت علي- يؤمن بالأحاديث، وقد رفضها الوهابيون، وأنه مؤيد للعقائد الصوفية القديمة1 ". وهذا مبلغ معرفة مترجمنا للقرآن الكريم عن جماعة إسلامية. ولكن تعالوا معنا نقص عليكم بيانا لراهب متعصب للمقارنة والعبرة، فيقول هيوجز (Thomas petric Huges) مقارنا بين الوهابية والبروتستانت: "إن الوهابية قد توصف في بعض الأحيان بأنها فرقة بروتستنتية في الإسلام.. ولكن البون بينهما شاسع، فالبروتستنتية المسيحية ترى من الواجب رفض التعليمات التقليدية مع اعترافها بمرتبة الكتب الإلهامية المقدسة، وعلى عكس من ذلك فإن الوهابية تتمسك بالأحاديث أيضا مع القرآن2 ". تكفير المسلمين وقتالهم ومن الاتهامات التي يتهم بها شيخ الإسلام وأتباعه أنهم يكفرون جميع أهل القبلة، ويستبيحون قتل المسلمين، وقد ردد هذا الاتهام في أوقات مختلفة مرات وكرات حتى أشيع في حياة الشيخ نفسه، وقد أنكر ذلك إنكارا واضحا صريحا: "وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبة عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبهم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله أو لم يهاجر إلينا ولم يكفر ... سبحانك هذا بهتان عظيم3 ". ولكن مع هذا النفي الواضح الصريح، فلا يزال يردد هذا الافتراء بين حين وآن مع زيادات أخرى وإليك بعض الأمثلة:

_ 1 انكريزي عهد مين هندوستان كي تمدن كي تاريخ "تاريخ الحضارة الهندية في عهد الإنجليز" ص: 192. 2 dictienary of islam ص: 661. 3 روضة الأفكار "ص 479 بتحقيق الدكتور ناصر الدين الأسد. "المترجم".

قال ابن عابدين الشامي (م سنة 1258هـ / 1842م) في حاشيته المشهورة رد المحتار:- "كما وقع في زماننا في اتباع عبد الوهاب (؟) الذين خرجوا من نجد، وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون استباحوا قتل أهل السنة وقتل علمائهم ... الخ1 ". أما أحمد زيني دحلان (م سنة 1204هـ / 1886م) فكأنه يتقرب إلى الله بعداء هذه الجماعة، وقد ردد هذا الاتهام مرات عديدة2. والعالم السلفي المشهور في بلادنا النواب صديق حسن خان (م سنة 1307هـ / 1890م) أيضا لم يصل إلى حكم قاطع في هذه الجماعة، ولذلك توجد بيانات معقدة في كتبه المختلفة3 إلا أن كلامه طيب وأقرب إلى الحقيقة في "اتحاف النبلاء" ولكن مع ذلك فتهمة التكفير4 غير المشروط لم تزل باقية فيه5.

_ 1 رد المختار 3: 309. 2 الدرر السنية ص: 45 , 46، وخلاصة الكلام ص: 229 , 230 , 232. 3 ترجمان وهابية, هداية السائل, موائد العوائد, التاج المكلل وغيرها. 4 إتحاف النبلاء ص: 413. 5 لم يفصل المؤلف - رحمه الله - الكلام في موقف صديق حسن خان - رحمه الله - في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، وإذا أردنا أن نفهم ذلك يجب أن تكون المقدمات التالية على بالنا. 1- عاش صديق حسن خان في مدة بين 1248- 1307 هـ. وفي هذه المدة كانت الدول المحاربة قد استولت على نجد وجميع ملحقاتها، وكانت الدعاية والافتراءات قائمة على قدم وساق في جميع العالم الإسلامي على أهل نجد، حتى كان من الصعب جدا أن يتصدى المرء للدفاع عنها جهارا وعيانا، حتى إن كتاب "صيانة الإنسان لما طبع لأول مرة لم ينشر باسم مؤلفه. 2- كانت القوة الحربية للمجاهدين في الهند قد تشتت في سنة 1246 هـ في معركة بالأكوت أي قبل ولادة صديق حسن خان بسنتين، ولكن سلسلة التعذيب والتشريد والنفي والقتل كانت مستمرة وبكل شدة في المدة التي عاشها صديق حسن رحمه الله. حتى إن كل من رفع يديه في الصلاة أو جهر بآمين كان معرضا لأشد أنواع الأذى لأنه وهابي. 3- كان صديق حسن خان - رحمه الله - قد بلغ رتبة عالية في أمور الدنيا مع منزلته العليا في العلم والتقى، وهذا لم يرق الأعداء المخالفين فكانوا يتربصون به الدوائر يتملقون لدى المستعمرين البريطانيين يتمنون إقصاءه من منصبه، وكانت جريمته التي وشوا بها لدى المستعمرين بأنه ينشر المذهب الوهاب، ي وأنه يريد أن ينظم حركة الجهاد الإسلامي. وما أحسنها من جريمة. ومن هنا نعلم أن صديق حسن خان - رحمه الله - لم يكن في موقف يسطيع أن يدافع عن هذه الدعوة كما تمكن من أتى بعده، فكان الشغل الشاغل لدى صديق حسن خان كغيره من زعماء الموحدين في الهند في ذلك الوقت هو الدفاع عن أرواح الموحدين في الهند وأموالهم وأعراضهم، الذين كانوا يؤخذون بجريمة "الوهابية" يقتلون وينقون ويشردون. ولذلك فالأمر الغالب في كتاباته وكثير من علماء أهل الحديث في ذلك الوقت هو بيان أن الموحدين في الهند ليست لهم صلة مع أهل نجد، وهم كانوا على حق في ذلك، فالموحدون في الهند لم يتعلموا عقيدتهم من أهل نجد ولكنهم تعلموها من الكتاب والسنة فالتقوا مع أهل نجد ومع غيرهم على جادة الحق وصراط الهدى. ولكن مع ذلك لم ينحرف - رحمه الله - عن العدل والإنصاف، بل دافع عن دعوة نجد وأبرزها في كل مناسبة، فقد ألف عدة كتب في تراجم النبغاء من المحدثين والفقهاء والدعاة، وأورد ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كل هذه الكتب وبتفصيل. وأسلوبه في كتاباته أنه يأتي بنقول المخالفين ثم يتبع بنقول من المؤيدين، وهكذا يبين الحق للناظر والبصير. وما ذكره المؤلف - رحمه الله - أن اتهام التكفير والتجارى على قتل النفوس ما زال باقيا في كتابه "إتحاف النبلاء" هو من هذا القبيل، فقد أتى ذلك في كلام محمد بن ناصر الحازمي من رسالته "فتح المنان"، ولكنه سرعان ما اتبع ذلك بكلام الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب في الرد على ذلك. وهذا دفاع مجيد وأسلوب حسن في زمن لا يسمع فيه إلا التهم، وإلا فكيف يقال فيمن عين مؤلف "صيانة الإنسان" مشرفا على شئون التعليم في بلاده، وأجاز الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ بأنه لم يعرف الدعوة حق المعرفة. وللدلالة على ما قلنا نورد نماذج من كتابه "إتحاف النبلاء" نفسه مترجما بالعربية. لقد ذكر - رحمه الله - أولا كلاما طويلا من كتاب "فتح المنان"، ثم أتى بعد ذلك فقال: "وكثير من أهل العلم الذين لا يعرفون حاله (يعني الشيخ محمد بن عبد الوهاب) " حق المعرفة، أو يعرفون ولكن غلب عليهم التعصب والهوى يكفرونه ويضللونه بدون حجة أو برهان من كتاب ولا سنة، ويتهمون كل موحد ومتبع بأنه من أتباعه، مع أن الواقع أن دعوته لم تتجاوز حدود اليمن والحجاز، ولا أحدا من علماء الهند من ذلك الوقت إلى هذه الأيام تتلمذ عليهم ولا درس كتبهم، ولا انتشرت مؤلفاته في هذه البلاد. وبعد هذا كله فالزعم بأن الموحدين والمتبعين في هذا البلد من اتباعه أو على عقيدته ظلم واعتداء على الحق والانصاف، وهولاء لا يعرفون أن أحدا من الخلق لم يتعبد بأقواله وأفعاله ولا غيره من العلماء والفقهاء، ولكنهم كلهم متعبدون باتباع القرآن الكريم وسنن الرسول الرحيم سواء خالف أحدا أو وافق." ثم أتي بكلام ابن عابدين الذي مر قريبا في الكتاب وعلق عليه: "وفي هذا الكلام وهم حيث أن اسمه محمد بن عبد الوهاب وليس عبد الوهاب، ومن هنا كان الواجب أن يقال في النسبة إليه "محمدي" لا "وهابي"، وهكذا بين أن كلامه لم يصدر بعد تحري الحقائق وتحقيقها، ثم أورد كلاما طويلا من رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب التي ألفها لأهل مكة، ورد فيها على التهم والأكاذيب، وعقب عليه بقوله: "ومن هنا تبين ضعف تقرير ابن عابدين، حيث إنه قد اتهم في حياته بهذه التهمة فتبرأ منها وأنكرها، فليس من الإنصاف أن يتهم بأنه أحدث دينا جديدا أو مذهبا غير سديد، وكذلك لا يصح زعم أن كل من نهى عن الشرك والبدعة فهو من اتباعه." إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء والمحدثين ص: 413 وما بعدها. المقصد الثاني في ذكر أكابر المحدثين. فأنت ترى أيها القارئ الكريم بأن هذا كلام في غاية الصحة والإنصاف. ولا نطيل الكلام بذكر نصوص أخرى والله أعلم. (المترجم) .

وكذلك العالم اليمني المحقق المعروف القاضي محمد بن علي الشوكاني (م سنة

1250هـ) - فضلا عن الآخرين- لم يتمكن من معرفة صحيحة لمذهب أهل نجد في هذا الباب وهو نفسه يشكو هذا: " ... ولكنهم يرون أن من لم يكن داخلا تحت دولة صاحب نجد وممتثلا لأوامره خارج عن الإسلام، وتبلغ عنهم أشياء الله أعلم بصحتها1 ". ثم بعد قليل خالفه في قتاله لمن يترك صلاة الجماعة إلا أنه يبيح تكفير من يترك الصلاة2.

_ 1 البدر الطالع 2: 5. 2 المرجع السابق. لقد كتب الإمام الشوكاني كتابه البدر الطالع أيام كانت الحروب قائمة على قدم وساق بين الأمير عبد العزيز ابن سعود والشريف غالب، وليس من الغريب في هذه الأحوال أن تشتد الحرب النفسية، وتكثر الدعايات والشائعات، وخاصة على أهل نجد، فقد امتلأت الدنيا بالافتراءات والأكاذيب التي نسبت إليهم، وليس من الغريب أيضا أن تبلغ هذه الشائعات بلاد اليمن المجاورة، ويبلغ إلى الشوكاني ما لم يعلم صحته، ولكن مع ذلك نرى الإمام الشوكاني يتلمس الحقائق ويتنسم عطور العقيدة الإسلامية والتوحيد الخالص، والفضل في ذلك راجع إلى ما أعطاه الله من الحظ الوافر في علوم الكتاب والسنة النبوية. ونرى هذا واضحا في تعليقاته على بعض هذه الأخبار فيقول: "ولقد رأيت كتابا من صاحب نجد الذي هو الآن صاحب تلك الجهات أجاب بعض أهل العلم، وقد كاتبه رسالة في بيان ما يعتقد فرأيت جوابه مشتملا على اعتقاد حسن موافق للكتاب والسنة فالله أعلم بحقيقة الحال" 2 / 7 ثم قال بعد ذلك: "وفي سنة 1215 هـ وصل من صاحب نجد المذكور مجلدان أرسل بها إلى حضرة مولانا الإمام حفظه الله ... وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة". كل هذا التحفظ والتوقف كان في بداية الأمر، ولكن سرعان ما تبددت الظلمات وانقشعت سحب الشائعات والافتراءات، وأدرك الإمام الشوكاني أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - كل همه أن يعلي كلمة الإسلام ويطبقه في المسلمين عقيدة وشريعة وسياسة، ونرى أثر هذا واضحا جليا في تلك القصيدة البليغة التي قالها الشوكاني حينما بلغه خبر وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، وما أحسن ما قال: لقد مات طود العلم قطب رحى العلا ... ومركز أدوار الفحول الأفاضل وماتت علوم الدين طرا بموته ... وغيب وجه الحق تحت الجنادل إمام الهدى ماحي الردى قامع العد ... ومروي الصدى من فيض علم ونائل إمام الورى علامة العصر قد وتى ... وشيخ الشيوخ الجد فرد الفضائل

فإذا اتهم الأعداء أهل نجد بتكفير أهل القبلة فلهم نوع من الشبهة، ويمكن التباس الأمر على من ليس له باع طويل في العلم. ونحن نذكر الآن مذهب أهل نجد بلسانهم وهو ليس بمذهب جديد، ولكنه المذهب المشهور للحنابلة1 والظاهرية. كان الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان المعمر النجدي (م سنة 1225هـ) أحد تلامذة شيخ الإسلام قد عرض ثلاث مسائل على علماء الحرم الشريف في سنة 1211هـ، وإليكم ملخص المسألة الثانية منها بلسانه:

_ 1 الشيخ رحمه الله لم يقل بتكفير من دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله – مثلا - على أساس أنه مذهب لأي طائفة، بل إنما قال به لدلالة النصوص القطعية من الكتاب والسنة عليه. "الناشر".

(أما من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وهو يقيم على شركه يدعو الموتى ويسألهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، فهذا كافر مشرك حلال الدم والمال وإن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وصلى وصام وزعم أنه مسلم) . وفي هذه الرسالة أجاز ابن معمر النجدي قتال من ترك الصلاة كسلا ونقل الإجماع من الأئمة ما عدا الزهري وأبا حنيفة1. ولا يتسع المجال للتفصيل في هذه المسألة إلا أنه هو المذهب المعروف للحنابلة وعليه عمل أهل نجد، فإن كفر تارك الصلاة محقق عندهم2 ومن لا يُصَلِّ فهو لا شك كافر ... كما قاله المعصوم أكمل سيد وتأتي مسألة عباد القبور بعد تاركي الصلاة، وقد سبق الشيخ في تكفيرهم معاصره ومؤيده في رأيه محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني (م سنة 1182) فإنه لا يفرق البتة بين عباد الأصنام وعباد القبور3، وذكر الشوكاني رجوعه وخالف هذا التشديد على عباد القبور4، وقد نفى سليمان بن سحمان هذا الرجوع نفيا قاطعا وهذا هو الأقرب إلى القياس5، فشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يوافق الأمير الصنعاني في رأيه إلا أنه يشترط إتمام الحجة ولذلك لا يكفر جميعهم.

_ (الإجماع على تاركي الصلاة كسلا بخلاف أبي حنيفة والزهري" وللتفصيل يراجع "الهدية السنية: 69 , 86". 2 الهدية السنية: 105. 3 تطهير الاعتقاد: 12. 4 الدر النضيد: 34 , 35. (أ) هذه ترجمة لما وجدته في نص الكتاب المطبوع باللغة الأردية في باكستان عام 1395 هـ، وليس لدي الآن نسخة أخرى منه، ويبدو لي أن هنا شيئا من الاختلال أو التحريف في العبارة. فالشوكاني حينما ذكر الرجوع المنسوب إلى الصنعاني في كتابه الدر النضيد أعقبه برد علمي بليغ مدعم بأدلة صريحة من الكتاب والسنة. والشوكاني أيضا يرى ما رآه شيخ الإسلام - رحمه الله - وهو رأي مبني على أدلة واضحة من الكتاب والسنة كما ذكره المؤلف في باب حقيقة الدعوة، إذن فلا يمكن أن يسمى ذلك تشديدا. والله أعلم (المترجم) . 5 تبرئة الشيخين الإمامين: 82 , 83.

ومن جملة هذه الأكاذيب ... ما ذكره أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - يسفك الدماء وينهب الأموال ويتجارى على قتل النفوس ... وتكفير الأمة المحمدية في جميع الأقطار. وهذا كله كذب1. فأهل نجد ينفون اتهام التكفير العام نفيا قاطعا، وأما بعد إتمام الحجة والتبليغ فيظهر أنهم يقولون بالتكفير والقتال:- {فلم يكفر رحمه الله إلا عباد الأوثان من دعاة الأولياء والصالحين وغيرهم ممن أشرك بالله، وجعل له أندادا بعد إقامة الحجة ووضوح المحجة، وبعد أن بدءوه بالقتال فحينئذ قاتلهم وسفك دماءهم ونهب أموالهم، ومعه الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة2} وهنا عذر آخر زائد على إقامة الحجة، وهو أن الأعداء هم بدءوا القتال. وفي موضع آخر ذكر من أقوال الشيخ:- {فجنس هؤلاء المشركين وأمثالهم ممن يعبد الأولياء والصالحين، نحكم بأنهم مشركون، ونرى كفرهم إذا قامت عليهم الحجة الرسالية3} . ومن هذه المقتطفات تبين لنا أن الشيخ وأتباعه يشترطون الإبلاغ وإقامة الحجة قبل التكفير والقتال، ولذلك نجدهم ينفون اتهام التكفير العام أشد النفي، نعم إنهم لا يرون عبادة القبور والأعمال الشركية الظاهرة كفرا عمليا فقط، كما جرت عادة الناس التفريق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي4. فهؤلاء يرون أن توحيد الربوبية

_ 1 تبرئة الشيخين الإمامين: 85. 2 تبرئة الشيخين الإمامين: 86. 3 الهدية السنية. 4 وذكرت مجلة إشاعة السنة (العدد الخامس من المجلد السادس سنة 1300 هـ / 1882 م) "أهل الحديث في الهند يخالفون وهابية نجد في هذا التكفير والقتال: 217". وقد أكد على هذا السيد صديق حسن خان في موائد العوائد" إلا أن أسلوبه معقد، وسبب اعتماده على كتاب الكولونيل فنديك [المرآة الوضية في الكرة الأرضية] كتب بعض الأشياء خطأ مما لا تصح نسبتها إلى أهل نجد (المؤلف) [راجع التعليق ص: 211 المترجم] .

وحده لا يكفي، بل لا بد من توحيد الألوهية أيضا وهو شرط أساسي ولازم للإسلام، ولا يمكن النجاة بمجرد الإيمان بأن الله هو الخالق والمدبر للكون، فقد كان أهل الجاهلية أيضا يؤمنون بتوحيد الربوبية ولكنهم كانوا يشركون في الألوهية، ولذلك كانوا يسمون كل ما كانوا يعبدونه من الحجر والشجر (إلها) ، أما المشركون والجاهلون في هذا الزمان فإنهم احترزوا من تسمية غير الآلهة إلها، ولكنهم أعطوهم جميع حقوق الألوهية ومستلزماتها كالنذر لهم ودعائهم والطواف حول قبورهم والذبح لهم وغيرها، وسموها باسم التوسل والاستشفاع ولكن الحقائق لا تتغير بتغيير الأسماء1. هذا هو ملخص مذهب الشيخ وكتب الجماعة توضح هذه المسائل أكمل توضيح، فكتاب -تبرئة الشيخين الإمامين- لسليمان بن سحمان خصص لهذا "82 - 125" وسنذكر كتبا أخرى في باب المراجع وللتفصيل ينبغي الرجوع إليها. وينبغي أن نرسخ في أذهاننا أمرا واحدا فقط، وهو أن أهل نجد لا يكفرون مسلمي العالم تكفيرا عاما، بل يكفرون فقط أولئك الذين يرتكبون أعمالا شركية ولا ينتهون عن غيهم حتى بعد

_ 1 لقد كتب المرحوم العلامة السيد رشيد رضا كلاما طيبا في موضع من حواشيه على تبرئة الشيخين الإمامين فقال: [السبب الصحيح لتسمية عرب الجاهلية كل شيء مما ذكر إلها هو أنهم أهل اللغة، وهذا معنى الإله في لغتهم للاشتراط في مفهوم لفظ الإله في اللغة العربية أن يكون هو الخالق والمدبر للخلق، بل هذا يدخل في مفهوم اسم الله ولذلك دعاهم الرسول كما دعا سائر الرسل أقوامهم [أن لا تعبدوا إلا الله ما لكم من إله غيره] . وأما جهلة المسلمين الذين اتخذوا آلهة مع الله تعالى فلم يسموها آلهة لجهلهم باللغة كجهلهم بالشرع، فظنوا أن الإسلام إنما ينهى عن تسمية غير الله إلها، وأما عبادة غيره كدعاء الموتى والنذر لهم وتقريب القرابين والطواف بقبورهم وغير ذلك فلا ينافي التوحيد عندهم إذا سمى توسلا أو استشفاعا مثلا، وقد ينكرون كون أعمالهم هذه تسمى عبادة لجهلهم باللغة والشرع وبالتاريخ أيضا ... ولذلك قلت منذ أكثر من ربع قرن: إن مشركي المسلمين الجغرافيين قد جنوا على الدين واللغة العربية، ومشركي الجاهلية حافظوا على لغتهم فسموا كل شيء باسمه؛ لأنهم أهل اللغة- ص: 14- الطبعة الأولى مطبعة المنار] :.

الدعوة والتبليغ ويبيحون قتال هؤلاء، وقد ردد الشيخ هذه الحقيقة أكثر من مرة في كتبه واستدل على ذلك بقتال أبي بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة1. فالأقوال والمقتطفات التي مرت معنا تنفي التكفير العام إذا نفت، وإذا أثبتت فهو يتعلق بالذين يصرون على الأعمال الشركية بعد إقامة الحجة والتبليغ أيضا. فإذا وجه الاتهام وذكرت غاياته فالإنسان يستطيع أن يفكر في الأمر، ومن الممكن جدا أن تبذل جهود لإزالة سوء التفاهم، ولكن إزاء مجرد الظن السوء بدون مسوغ والافتراء بدون أساس لا نملك سوى أن نظهر أسفنا على هذا. وقد تألمنا ألما عظيما حينما رأينا بعض العلماء المعروفين في بلادنا يحملون أراء عجيبة وغريبة حتى في هذا العصر، فقول عالم مثل الشيخ أنور شاه الكشميري (م سنة 1352هـ / 1933م في الشيخ: "أما محمد بن عبد الوهاب النجدي فإنه كان رجلا بليدا قليل العلم، فكان يتسارع إلى الحكم بالكفر "2. مؤلم ومؤسف إلى أقصى الحد، وإني لأتحير كيف تجرأ الشيخ أنور شاه أن يقول لمؤلف كتاب التوحيد بأنه "بليد وقليل العلم"؟. أكاذيب مختلفة: لقد نسبت أمور لا أساس لها إلى الشيخ وأتباعه من أول يوم، وقد رد الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب على افتراءات كثيرة من هذا النوع في رسالته التي كتبها لأهل مكة في سنة 1218هـ / 1803م 3.

_ 1 القواعد الأربعة. روضة الأفكار 1: 135 , 137 , 2: 32. 2 فيض الباري 1 ص: 171. 3 لقد ذكر هذا الجزء بكامله الآلوسي في تاريخ نجد (45- (49) والسيد صديق حسن خان في إتحاف النبلاء (414- 416) .

"وأما ما يكذب علينا سترا للحق بأنا نفسر القرآن برأينا ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا..... وأنا نضع من رتبة نبينا صلى الله عليه وسلم بقولنا: النبي رمة في قبره، وعصا أحدنا أنفع منه، وليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة.... وأنا مجسمة وأنا نكفر الناس على الإطلاق.... فجميع هذه الخرافات وأشباهها.... كان جوابنا في كل مسألة من ذلك سبحانك هذا بهتان عظيم1. هدم القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم: ومما افتراه الأعداء من التهم المكذوبة أن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود (سنة 1218هـ / سنة 1229هـ / 1814م) كان هدم القبة المبنية على القبر النبوي. والغريب أن المؤرخين الأوربيين يتلذذون بذكر هذه الأسطورة الباطلة. فنرى ستودارد "حاضر 1: 64" وهيوجز "ذكشنري أوف إسلام: 660" وزويمر "ص: 195" وبلنت "مستقبل الإسلام ص: 45" ومرغليوث "دائرة معارف الأديان والأخلاق 2: 661" وجماعة أخرى غيرهم يرددون هذه التهمة المكذوبة بكل مناسبة وبدون مناسبة مع أنها باطلة أصلا ومفتراة قطعا. فأهل نجد مهما كانت آراؤهم في بنائها2 إلا أنهم لم يلقوا نظرة سوء على قبر الرسول في يوم من الأيام، فنجدهم يفرحون بذكر هدم القباب الأخرى وتوزيع الأموال المخصصة لها وهم يعترفون بكل ما ينسب إليهم في هذا. ولكن تهمة هدم القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فرية محضة وأسطورة لا أساس لها، ولم يستطع برائجس الذي كان قد سكن بغداد والبصرة أيام ازدهار أهل نجد أن يصدق هذه الافتراءات إلا أنه لم يمتنع من اتهام أهل نجد في نيتهم فقال: "لقد أراد -يعني سعود بن عبد العزيز- أن يهدم القبة إلا أنه لم يتمكن من ذلك؛

_ 1 الهدية السنية ص: 46. 2 لقد اكتفى برك هارت شيخ برائجس وأستاذه "وأحيانا يأخذ منه برائجس حرفيا" بقوله: "إنه حاول هدم القبة العليا في المقبرة أيضا" (destroy) ج 2 ص: 199، ولعل برائجس أراد التحشية عليه، ولكن هذا الخبر من برك هارت غلط يقينا؛ فإنه بنفسه يقول بعد قليل: "إن القبر لم يصبه سوء" 2/ ص: 109 , 110.

لأن القبة كانت محكمة، أو أن آلات الهدم ما كانت ميسرة له وهكذا بقيت محفوظة". وصاحبنا برائجس هذا سنعرفه وقيمة أقواله في الباب الآتي، ويكفى أن أذكر هنا أنه كان قد وصل إلى البصرة 1784م وقامت له صلات بالعالم العربي في حياة شيخ الإسلام، وبقيت مدة طويلة في صور مختلفة. شهادة إنجليزي خبير: هناك أكوام من الافتراءات والأكاذيب ولا يمكن إزالتها، فلذلك نأتي إلى نهاية هذا الكلام بتقرير من برائجس وقد نفى فيه هذه التهم كلها. "لقد أشاع الباب العالي أنه -أي سعود بن عبد العزيز- نهى الناس عن زيارة المدينة، إلا أن هذا ليس بصحيح فإنه نهي فقط عن ارتكاب الأعمال الشركية عند الروضة المطهرة، كما نهى عنها عند قبور الأولياء الآخرين. بعض الجهال يرونهم كفارا، وقد اعتمد الأتراك على الشائعات وروجها الأشراف إلا أن الحقيقة أنهم متبعون تماما للقرآن والسنة، وكانت حركتهم حركة تطهيرية خالصة (puritanism) في الإسلام 1. لقد كتب فرنسي أحمق في سنة 1808 م بأنه أنشأ مذهبا جديدا ونسخ الحج، ويدعي أنه سمعه من رجل مقرب إلى سعود. وكل هذا كذب؛ فإن الوهابيين يعتقدون أن السنة أمر أساسي مع القرآن (fundameeter) ، ولكنهم يرون الأنبياء والأولياء بشرا. وما أعلنه سعود بعد فتح مكة يسلم الآن بأنه موافق الكتاب والسنة، والتدخين ممنوع عند المالكية وهم أيضا نهوا عنه!.

_ 1 المرجع السابق.

أما خبر تحريم القهوة فغلط محض. والأتراك أشاعوها دعاية، ويجب على هذا الفرنسي الأحمق1 الذي ذكر نسخ الحج أن يعرف أن سعودا نهى عن التقاليد القبيحة في الحج، وأن أول عمل عمله هو بعد دخوله مكة هو الطواف والعمرة2 ". افتراء عجيب: لقد ذكرت قصة خيالية بلسان شيخ بدوي في كتاب الأئمة والسادة في عمان (Emams and Sayads Of Oman) لسليل بن رازق وهي "أن الوهابيين يملكون ذلك الجزء الذي كان عثمان رضي الله عنه حذفه عن مصحفه3 والعجيب أن المترجم نفسه يضعف هذه الرواية4، ولعل هذا هو السبب في أن أحدا لم يرددها. ولكني ذكرت هنا لكشف الستار عن الأعمال التافهة والافتراءات الجنونية من الأعداء. والذين يستطيعون أن ينحطوا إلى هذا المستوى من الكذب والافتراء لا يرجى منهم أي خير) .

_ 1 ألف roussau في سنة 1808 م الكتابين التاليين، وقد اتهم فيهما الوهابيين بأنهم يمنعون من الحج. p asbalike baghded 1- ta memoris in the min de, lorion 2- 2 برائجس س: 106 , 114 وبرك هارت 2 ص 200 , 215. 3 الكتاب المذكور ص: 251 , 253. 4 الكتاب المذكور "حاشية" ص 252 , 253.

نظرة في المراجع

نظرة في المراجع ... الباب السادس: نظرية في المراجع التاريخية ا- روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وغزوات ذوي الإسلام، لحسين بن غنام الأحسائي (م سنة 221 اهـ) . وهو أوثق كتاب في سيرة الشيخ؛ لأن المصنف هو تلميذه وقد شهد جميع الحوادث وعاصرها. والكتاب يقع في مجلدين، ذكر في المجلد الأول سيرة الشيخ ودعوته وكذلك الرسائل التي كتبها في سبيل ذلك، حتى إن بعض الرسائل الطويلة قد ذكرت بكاملها. ويشتمل المجلد الثاني على تاريخ الحروب والحوادث المختلفة، وترتيب الكتاب باعتبار السنين يبتدأ من سنة 160 اهـ وينتهي في سنة 1212 هـ. طبع في المطبعة المصطفوية في بومبائي سنة 1337 هـ، ولكنه الآن معدوم تقريبًا 1 حتى إن بروكلمان أيضا لم يطلع على هذه النسخة المطبوعة. وتوجد نسخة مخطوطة جيدة في مكتبة ندوة العلماء بلكناؤ، وقد تمكنت من الحصول على النسخة المطبوعة من السادة شرف الدين وأولاده في بومباي. وأشكرهم على ذلك جزيل الشكر. 2- عنوان المجد في تاريخ نجد، لعثمان بن بشر النجدي 2 (م سنة 288 اهـ) ، وقد

_ 1 ثم طبع في سنة 368 اهـ على نفقة الشيخ عبد المحسن بن عثمان أبي بطين في مصر، والغريب أنه قد كتب عليه "الطبعة الأولى مع أن الكتاب قد طبع من قبل في الهند، ولكنهم لعلهم لم يطلعوا عليه، ثم طبع طبعة ثالثة أنيقة بتحقيق الدكتور ناصر الدين الأسد. والحقيقة أن علماء أهل الحديث في الهند لهم فضل كبير جدا في طبع ونشر كتب التوحيد من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكذلك كتب ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله، وكل ذلك في أحوال عصيبة وأيام شديدة. جزاهم الله كل خير. . 2 ولقد وهم بروكلمان فخلط بين ابن بشر (المتوفى سنة 1288 هـ) ، وعثمان بن قائد النجدى الحنبلي (المتوفى سنة 1097 هـ" كما ورد في "السحب الوابلة) ورقة 88 ب" وهو صاحب كتاب "نجاة الخلف باعتقاد السلف" وبروكلمان: الملحق 2 ص: 531

أدرك المصنف عصر سعود بن عبد العزيز (سنة 1218 هـ/1803 م- سنة 1229 هـ/ 1814 م) وعصر أولاد الشيخ. والكتاب يبتدئ بسيرة الشيخ وحوادث سنة 1158 هـ وينتهي في المجلد الأول بحوادث سنة 1236، وفي المجلد الثاني بحوادث سنة 1267 هـ، وقد فرغ المصنف من تبييض الكتاب في شعبان سنة 1270 هـ، ويفوق كتابه كتاب ابن غنام في تفصيل الحوادث وتنقيحها. طبع هذا الكتاب للمرة الأولى في بغداد ناقصا وذلك في سنة 1328 هـ، وعندي الآن نسخة كاملة طبعتها المكتبة السلفية في مكة سنة 1349 هـ 1. وقد اعتمدت في الغالب على هذين الكتابين في تدوين الحوادث، وهما الأصل والأساس في تاريخ دعوة الشيخ وآل سعود. 3- وزيادة على هذين الكتابين نسمع ذكر كتاب "مثير الوجد في معرفة أنساب ملوك نجد"، لو عثرت عليه لاستفدت منه كأصل، وقد ذكره ماردتمان 2 وخير الدين الزركلي 3 ومؤلفه هو رشيد بن علي الحنبلي ولعله من معاصري ابن بشر، ولكن من دواعي الأسف أنني لم أتمكن من الحصول على هذا الكتاب. 4- عجائب الآثار في التراجم والأخبار، لعبد الرحمن بن حسن الجبرتي المصري (سنة 1167هـ/ 1754م- 1237 هـ/1822م) وقد رتب هذا الكتاب أيضا بحسب

_ 1 وقد طبع الآن طبعة أنيقة جميلة بإشراف وزارة المعارف في المملكة العربية السعودية، وهذه الطبعة تمتاز بتعليقات مفيدة على حوادث كثيرة، ومن أهم مميزاتها أنها أخرجت "السوابق" التي كان يقحمها المؤلف إقحاما في أثناء الحوادث المستمرة وجعلتها في آخر الكتاب. 2 مقالة ابن سعود في دائرة المعارف الإسلامية. 3 الأعلام 1: 368 و 558.

السنين. فبدأ بحوادث سنة 1100 هـ وانتهى في حوادث سنة 1236 هـ، وشهادته ذات أهمية خاصة في غارات محمد علي باشا والصراع بين مصر وأهل نجد، وقد رجحنا روايات الجبرتي في مصر وما يتعلق بها. طبع في مصر سنة 1297هـ في أربعة مجلدات 1. 5- خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام، لأحمد بن زيني دحلان المكي الشافعي (سنة 1232 هـ- 4 130 هـ/1886 م) وهو تاريخ كامل لأشراف مكة، فلم أجد تاريخا مفصلا مثله فيما يتعلق بحكام مكة في العصور المتأخرة، ولذلك فقد اضطررت إلى الاهتمام برواياته فيما يتعلق بأشراف مكة مع عدم ثقتي به، وقد ألف هذا الكتاب في سنة 1305 هـ. وقال العلامة المرحوم السيد رشيد رضا في تعليقاته على الهدية السنية (ص:2) :- "وهو الذي كان مفتيا في مكة زمن ظهور الدعوة، وكتب ما كلفه كتابته به سادته وموظفوه من الأمراء والحكام من غير تبيين ولا تثبيت فيما جاء به أولئك الفساق العظام ". وسواء كانت افتراءاته بإيعاز من غيره أو مبنية على اقتناعه ويقينه إلا أن القول بأنه كان مفتيا زمن ظهور الدعوة ليس بصحيح، فإن الدرعية كانت قد دمرت في سنة 1233 هـ. (1818م) وكان ظهور الدعوة قد انتهى مؤقتا. وأيام كان المفتي أحمد زيني دحلان شابا كان من المستحيل أن يمر نجدي واحد بمكة. 6- فتاوي وافادات عبد الوهاب ... الخ (مخطوط فارسي) وهي رسالة موجزة مخطوطة يوجد فيها مكتوب وبلاغ عام من الأمير عبد العزيز بن

_ 1ثم طبع طبعة ممتازة باهتمام "لجنة البيان العربي" في سبعة مجلدات (المترجم) .

سعود 1179 هـ/1775م- 1218 هـ/1803 م) إلى فتح على شاه قاجار (سنة 1212هـ/1798م- 1250 هـ/ 1824م) ويوجد في نهاية الرسالة جواب فتح علي شاه وتحذير منه مكتوب في سنة 1219هـ (1804م) . والرسالة مخطوطة توجد في المكتبة الشرقية في بتنة. الفهرس الإنجليزي المشروح رقم: 1337. 7- البدر الطالع في محاسن من بعد القرن السابع، لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني (سنة 1173هـ/ 1760م 1250هـ/ 1832م) . ولا يوجد في كتابه إلا تراجم وجيزة لآل سعود 1، ولكن مع ذلك هي ذات أهمية بالغة؛ لأن المحدث الشوكاني عاش عمرا طويلا وقد شاهد ازدهار آل سعود من عصر شيخ الإسلام كما شاهد انحطاطهم (أي: في الدور الأول عند سقوط الدرعية) . (المترجم) . 8- تاريخ نجد لمحمود شكري الألوسي (سنة 1273هـ/ 1857م سنة 1342 هـ/1923 م) وهو تاريخ موجز لنجد، وقد بحثت فيه دعوة الشيخ وتاريخ آل سعود أيضا، والمعلومات في الغالب صحيحة ومأخوذة من ابن غنام وابن بشر، وله اطلاع على مؤلفات الشيخ وتلامذته. طبع في القاهرة سنة 1343 هـ. 9- الرحلة الحجازية، لمحمد لبيب البتنوني يوجد فيه ذكر موجز ومرتب لحكومة الأشراف في مكة، ولعله اعتمد في الغالب على

_ 1البدر الطالع ا: 363 و2: هـ.

خلاصة الكلام لدحلان، وتعرض للشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته أيضا، إلا أنه لم يلتزم الصحة في الرواية. (93- 94) . طبع للمرة الثانية في مصر سنة 1329 هـ. 10- حاضر العالم الإسلامي (4: 161- 172) وقد كتب الأمير شكيب أرسلان في تعليقاته فصلا خاصا فيما يتعلق بالشيخ وآل سعود بعنوان "تاريخ نجد الحديث" واعتماده في الغالب على مصادر أوربية، ولذلك لم يسلم من الأخطاء، ولكنه مع ذلك محتمل ويجد القارئ صورة مجملة بقراءة هذا الكتاب. الطبعة الثانية في القاهرة سنة 1932م. 11- الزهراء " عدد رجب سنة 45 هـ ص: 3، 7" وفيها مقالة موجزة وجامعة للأستاذ محب الدين الخطيب عن الشيخ وسيرته، وقد أخذ في الغالب عن ابن بشر وابن غنام، ولذلك روايته معتمدة، وقد أحال إلى "مثير الوجد أيضا في بعض المواضع. ولقد استفدت منها كثيرا في الباب الأول من هذا الكتاب مع أن مراجعه الأصلية كانت بين يدي. 12- أثر الدعوة الوهابية في جزيرة العرب، لمحمد حامد الفقي وهي رسالة موجزة ونوقشت فيها دعوة الشيخ بأسلوب مؤيد، والمؤلف له روابط وطيدة مع علماء نجد، ولذلك فالمعلومات كلها موثوقة ورسمية تقريبا. ولكن للأسف أنه لا يشير إلى المراجع أبدا. وقد ألف معاصرون عرب آخرون عدة كتب أخرى إلا أن أحدا منهم لم يؤد حق البحث العلمي والتاريخي، ولا يسع لنا المجال الآن أن نعلق على كل كتاب 1.

_ 1وقد اشتهرت من بين هؤلاء المعاصرين كتب الأستاذ أمين الريحاني وهو نصراني شامي، وتلقت الأيدي طبعات مختلفة من مؤلفاته باللغتين العربية والإنجليزية، وقد رأيت من كتبه "ملوك العرب" ومباحثه أشبه بمراسلات صحفية، فأسلوب الإنشاء جديد ممتع ولكن العمق والبحث العلمي مفقود.

13- جزيرة العرب في القرن العشرين لحافظ وهبة وهو كتاب جامع. ومصنفه موضع ثقة عند الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، والكتاب جيد وفيه معلومات غزيرة، وتوجد فيه ثلاثة فصول في الدعوة " 331- 347" وآل سعود "243- 277 " والإخوان " 221- 0 33" أيضا. والأخطاء قليلة وقد وقعت في الغالب في تطبيق السنين، فقد ذكر تاريخ وفاة محمد بن سعود 1766م وهو 1765م "244"، وذكر وفاة الشيخ في 1791م (338) والصحيح هو 1792م. وتوجد أخطاء أخرى عادية ولكن من حيث العموم فالكتاب طيب. 14- اتحاف النبلاء (فارسية 413-416) للنواب صديق حسن خان (المتوفى سنة 1307 هـ) الطبعة النظامية 1288 هـ. وقد ذكر أحوال الشيخ في هذا الكتاب أيضًا، وبإنصاف إلى حد كبير، وكذلك أورد ذكر الشيخ ودعوته في (التاج المكلل) و (موائد العوائد) وغيرهما من كتبه. 15- ترجمان وهابية (أردو) للسيد صديق حسن خان أيضا. وتوجد فيه أمورمتناقضة وغير متناسقة عن الجماعة، ولعله قد فزع بسبب الأحوال الخاصة التي كان يعيش فيها، غفر الله له 1. طبع في أمر تسر سنة 1930م 16- سلاطين نجد كمذهب: "مجلة- معارف- عدد نوفمبر سنة 24 م "

_ 1يرجع إلى تعليق رقم 3 ص 211- 213 (المترجم) .

وقدم الأستاذ المحترم السيد سليمان الندوي في هذه المقالة صورة جذابة موجزة لدعوة الشيخ وأحوال آل سعود. والفقرة التمهيدية بالخصوص رائعة جدا، وقد أوردتها في صدر هذا الكتاب1. 17- تاريخ نجد (اردو) للحافظ أسلم جيراجبورى كتاب واضح وموجز في سيرة الشيخ ودعوته وأحوال آل سعود، ومرجعه في الغالب هو كتاب ابن غنام وابن بشر، والكتاب من حيث التاريخ لا بأس به، وأسلوبه سهل وواضح مع أنه لم يسلم من الأخطاء. 18- سلطان ابن سعود (اردو) للسردار محمد حسني بي، أي. ألف الكتاب في سيرة الملك ابن سعود (أي المغفور له الملك عبد العزيز: مترجم) وأورد فيه بابا عن دعوة الشيخ " 39: 45 " وتعرض لتاريخ آل سعود وآل الرشيد أيضا "45- 70"، ولكن الظاهر أنه اعتمد على الكتب الإنجليزية فقط، وكأنه لم يصبه أدنى مس من العربية أو الإسلاميات، ومبلغ اطلاعه أنه يقول "مكرن " بدلا من " المقرن و"مشعري " بدل "مشاري" و"طوهتيان" بدل- ثنيان- (8) ، وكذلك- عيونية- بدل- العيينة- و الحصاء- بدل- الحساء- 42. وأما الصحة التاريخية فتظهر من أنه يذكر سنة وفاة محمد بن سعود 1764م وهو 1765 م، وتاريخ شهادة عبد العزيز بن سعود 1802 م وهو سنة 1803 م/ 1218 هـ -43، 44. ومن الطرائف أن المؤلف يفيدنا أن الإمام أحمد بن حنبل قد ألف- موطأ أحمد بن حنبل- 45- وبماذا أعلق على هذا؟

_ 1لقد ترجم الشيخ إسماعيل الغزنوني كتاب الهدية السنية باردو، والترجمة مهما كانت إلا أنه أدرج الفترة التمهيدية للسيد سليمان في مقدمته كأنها من كلامه. سامحه الله.

فإذا كان هذا مبلغ الرجل من العلم فما الذي دعاه إلى أن يؤلف سيرة الملك ابن سعود، وقد ذكرنا كتابه هنا في مبحث المراجع التاريخية للعبرة فقط، ولعلنا لسنا الآن في حاجة إلى ذكر أكاذبيه- 162، 264- على الوهابيين- 19- رحلة ني بور: Travels Throgh Araib And Other Counaries in the East وهو أول سائح أوربي بحث في أحوال نجد ودعوة شيخ الإسلام في رحلته، ومع أن بحثه موجز جدا- ج 2: 131، 136- ولكن مع ذلك فهو ثمين وقيم باعتبار أنه أقدم مرجع أوربي. لقد خرج ني بور ورفقاؤه في سنة 1761م من الدانمارك، ووصل إلى اليمن في سنة 1 1762 م. ولكن خلال أشهر قليلة توفي جميع رفقائه في السفر وني بور 2 هو الوحيد الذي رجع حيا سنة 1765م. ورحلته وثيقة تاريخية وجغرافية هامة في الأحوال الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية لبلاد العرب وخاصة اليمن، وقد أثنى كثير من المؤرخين على دقة نظره وصحة روايته 3.

_ 1كان في صحبة في بور في هذه الرحلة العالم الألماني "رانكن" وذكر الأمير شكيب أرسلان أنه قابل حفيده. "ملحق تاريخ ابن خلدون" ص: 77". 2ذكر الأمير شكيب أرسلان اسمه الكامل هكذا "Caresten Nie Bury" (ملحق تاريخ ابن خلدون ص: 77) . 3هوغارث ص: 67-73. وقد نشرت مجلة (أورينتل كولج لاهور) مقالة موجزة ولكن علمية للدكتور عنايت الله (لاهور) في السياح الأوربيين للبلاد العربية. (أعداد مايو سنة 37 م وأغسطس 37 م) ، والحقيقة أن هذه المقالة هي التي لفتت نظري لأول مرة إلى رحلات السياح الغربيين، ثم وجدت أضواء أخرى من كتاب البروفسور هوغارث. كما سأذكره فيما بعد.

وني بور بنفسه لم يصل إلى نجد، ولكنه اعتمد في كتابته على ما بلغه من الأخبار، ولذلك فلم يسلم من الأخطاء الفاحشة. ولكن تزداد أهمية كتابته بأنه وصل إلى البلاد العربية قبل أن يتسع نطاق الدعوة، فقد فتحت مدينة الرياض في سنة 1773م/1187 هـ-، وكانت دعوة الشيخ محدودة قبل ذلك. وعندي الترجمة الإنجليزية لرحلة -ني بور- والمترجم هو- روبرت هير ون (Robert Heron) طبعة أيدنبرا سنة 1792 م. 20- رحلة باديا (Badia) وهو سائح أوربي. نزل جدة باسم- علي بك عباسي-، ثم زار مكة ومنعه الحكام النجديون من زيارة المدينة. وهو أول سائح أوروبي يقدم لنا بعض المعلومات عن -نجد الوهابي- وعاصمته الدرعية. والقسم التاريخي من هذه الرحلة ذو أهمية خاصة؛ لأن الذي كتبه في حكومة الوهابيين قبل التدخل المصري كله بمرتبة شهادة ممن عاصرها ورآها، ولكن من دواعي الأسف لم أتمكن من الاطلاع على رحلته، وكل ما ذكرته عنه في هذا الكتاب فهو منقول من هوغارث 1. 21- مذكرات في البدو والوهابية: لبرك هارت المجلد الثاني- 349، 395- Notes the Bedouins & the Wahabys. BY Burkhardt وصل هذا السائح الأوربي إلى الحجاز سنة 1814م حينما كان محمد علي قد نجح

_ 1 penetration of arabia 78 – 82.

في إخراج "الوهابيين" من الحجاز، ورجع إلى مصر سنة 1816 م حيث توفي بعد مدة قصيرة، وقد ذكر جغرافية مفصلة ومحققة لنجد والدرعية وبلاد العارض، والتفاصيل التي يقدمها بركهارت في الأجزاء الأولى من رحلته (travels in arabia) في شأن مكة والحج في غاية الصحة. وكلامه في نظام الحكومة في مكة أيضا دقيق وعلمي 1. ويثني (ريتشارد برتن 2) الذي قد سافر إلى مكة والمدينة بعد سنة 1850 م على بركهارت كثيرا. ومع دعاويه الطويلة في البحث والتحقيق لم يستطع أن يضيف قدرا يذكر على ما قاله بركهارت. طبع المجلدان الأولان من رحلته في سنة 1829 م والمجلدان الآخران (notes ... ) في سنة 1831م. وهذه المجلدات الأربعة خزينة للمعلومات في جغرافية البلاد العربية وكل ما يتعلق بها، وكان بحثي يتعلق بالمجلد الأخير فقط، وحكاياته عن غارات محمد علي المصري على الحجاز ومعارك مصر ونجد في غاية الثقة وبمثابة شهادة عينية. 22- تاريخ موجز للوهابيين: لهارفورد جونس برائجس A Brief History of The Wahhabys. BY:- W. Gifford Palgrave. وصل هذا الرجل إلى البصرة سنة 1784م حاكما عليها من قبل بريطانية، وبقي هناك إلى سنة 1794م. وبعد مدة قصيرة عين حاكما على بغداد، واستمر بقاؤه هذه المرة من سنة 1797م إلى سنة 1806 م. وفي كلا الموضعين كان وكيلا سياسيا، وكانت علاقاته حسنة مع سعود بن عبد العزيز.

_ 1 travels ete 1: 404 - 444. 2 لقد سافر الكابتن "ريتشاربرتن" (R.H. Burton) إلى الحجاز بعد أربعين سنة من سفر بركهارت، ولكنه مع ذلك لم يكتسب شيئا جديدا ذا أهمية عن أهل نجد. وقد ظهرت طبعة جديدة ممتازة لكتابه في لندن سنة 1893م.

ومن هذا التفصيل عرفنا أن برائجس كان قد وصل إلى البلاد العربية في حياة شيخ الإسلام نفسه، وأدرك زمن الفتوحات الهامة لسعود بن عبد العزيز، وهكذا كان الواجب أن تكون لكتابه أهمية عظيمة وقيمة تاريخية، ولكن من دواعي الأسف أنه عار تماما عن دقة النظر، وفي كثير من الأحيان ينقل عن بركهارت حرفيا مع أنه ورد الحجاز بعده ومات قبله. طبع هذا الكتاب في لندن سنة 1834م، وكانت مؤلفات بركهارت قد ظهرت في سنة 1829 م و 1831 م. وهو معترف باستفادته من بركهارت وقد زاد عليه أحيانا ولكن الحوادث المهمة بنصها وفصها من بركهارت. 23- رحلة بالغريف Narrative of A Year,s Journy Through, central and Eastran Arabia. BY:- W. Gifford Palgrave. كان نصرانيا كاثوليكيا قد تعود المعيشة المدنية وكان مترفا بالطبع، قام بسياحة للبلاد العربية سنة 1862-1863م، وأثنى كثيرا على العرب المتحضرين سكان الأحساء والقطيف وغيرهما، إلا أنه لا يملك كلمة واحدة يتلطف بها مع أهل البادية، وذم أهل نجد والشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه ذما شديدا. ويرى زويمر -198 هامش- وهيوجس -50 ب- أن كثلكته هي التي تعمل

_ 1تنتهى رحلة بركهارت في أواسط سنة 1816 م وزاد عليها برائجس زيادة مهمة وهى أنه ذكر التفصيل الكامل لحصار الدرعية نقلا عن المؤرخ الفرنسى (M. Mengin) في كتابه "تاريخ مصر في عهد محمد علي". History de l,Egypt sonsle government (de mha mmedaly)

عملها في ذمه للوهابية. وكما يقول زويمر: لا يمكن الاعتماد عليه إلا في حوادث سنة 1860 و 63 م. ولكني أرى أنه لا يمكن البت في أي مسألة اعتمادا على روايته فقط، وكل ما كتب في الشيخ إنما هو مجموعة خرافات - 338، 363-، وكذلك ما كتب في تاريخ آل سعود مملوء من الأغلاط الفاحشة. وما أحسن ما كتب هيوجس: إن رواياته طريفة لكن لا يمكن الوثوق بها 1.ويقول زويمر: لم يكن من المتوقع من كاثوليكي أن يذكر التجديد والسلفية بخير2، وكذلك هذيانه في شأن الإسلام نفسه ركيك وساقط جدا ولا يستحق أي التفات، والحق أنه لم يستطع أن يعين معاصريه على الصحيح، فيسمي الشيخ- عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب- "عبد الرحمن بن عبد الوهاب "، ويصف ابنه عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن أنه ابن عبد الرحمن بن عبد الله- 279- وزيادة على ذلك يقول: إن عبد الله بن عبد الوهاب (؟) قتل في الدرعية بأمر من إبراهيم باشا-. والغريب أنه لقي الشيخ عبد الرحمن شخصيا في الرياض. طبعت رحلة بالغريف في مجلدين سنة 1865م. 24- بعثة سياسية إلى نجد: تأليف: ليوس بلي كان هذا الرجل وكيلا سياسيا لحكومة بريطانية في "بوشهر" وقد ورد الرياض سنة 1865م، وذلك لإجراء محادثات مع فيصل بن تركي (م سنة 1865م/ 1282 هـ) في شأن المدن الساحلية في الخليج، ولم أتمكن من الحصول على كتابه، ولعله يشتمل على بعض الفوائد. وقد ذكره هيوجس ضمن مراجعه، وتكلم هوغارث 3 بكلام مستفيض في بعثة "ليوس بلي "، وأشار إلى أهميته الجغرافية إلا أنه لم يتعرض لبحوثه التاريخية.

_ 1 notes etc 221. 2 هيوجس 98 هاش. 3 هوغارث 308 – 310.

25- الأئمة والسادة في عمان: تأليف: ج. برسي بيدجر I mams and Sayeds of Oman. By – G. Percy Beder وهو في الحقيقة مترجم عن كتاب عربي لسليل بن رزيق، وفيه ذكر كامل ومفصل لأمراء عمان من بداية الإسلام إلى سنة 1856م. وأضاف بيدجر في الترجمة الإنجليزية مقدمة وتعليقات، وناقش فيها جميع مواضيع الكتاب، وأكمل تاريخ عمان أيضا إلى سنة 1870 م. ولما كانت المدن الساحلية في الخليج والجزيرة العربية ترتبط بروابط متينة مع دعوة آل سعود وازدهارهم وانحطاطهم، فلذلك تعرض لتاريخهم أيضا في بعض المواضع، وتعليقاته في الغالب علمية وطيبة ولكنه في أكثر الأحيان يعتمد على بالغريف فيما يتعلق بنجد. ولما كان أغلب كلامه في التاريخ السياسي لآل سعود وتفصيل المعارك لم أستفد من الكتاب المذكور إلا قليلا. طبع في لندن سنة 1871م 26- رحلات في صحراء العرب: داؤتي Travels in Araib deserta By:- CH. M. Doughty وصل "داوتي " إلى نجد بعد ثلاثة عشر عاما من بالغريف أي في سنة 1875م، ومهما كانت أهمية رحلته فيما يتعلق بالأحوال الاجتماعية للبدو والبحوث الجغرافية واللغوية إلا أنه لم يترك شيئا يذكر من تاريخ نجد سوى تكهنه هذا:

"لقد أوشكت الحكومة الوهابية على الهلاك، ولا يمكن أن تعاد إليها الروح من جديد ... هذا هو الرأي السائد في نجد1 ".إلا أن الأيام والوقائع قد كذبت هذا الزعم الفاسد. طبعت رحلته في مجلدين سنة 1886م و 1921م. 27- رحلة إلى نجد: تأليف الليدي آن بلنت A Pligramage to Najd By:- Lady Ann Blunt لقد قام الخبير السياسي والشاعر المعروف "ولفرد سكاون بلنت " Welfeed Scawn Blunt)) وزوجته ألليدي آن بلنت التي هي حفيدة الشاعر المعروف (بايرون) برحلة إلى بلاد نجد في سنة 1879م، ولعل رحلتهما كانت للبحث عن الخيل الجياد. ولا يتعلق موضوعنا برحلة الليدي آن بلنت، ولكن- ولفرد بلنت- قد عرض صورة لجغرافية نجد وازدهاره وانحطاطه فيما كتبه في المقدمة والملحق. (راجع المقدمة ا: 8: 9: 10 والوهابية 2: 251، 271) ومع أن الأخطاء كثيرة إلا أن الكلام محتمل إلى حد ما. وكلما ورد ذكر (بلنت) أثناء الكتاب فالمراد منه هو هذا الملحق. والرحلة الأصلية مطبوعة في مجلدين. لندن سنة 1881م وكذلك تعرض (ولفرد بلنت) المذكور لدعوة الشيخ في كتابه مستقبل الإسلام

_ 1 2: 452.

(fature of islam: 42، 46، 106) ، وكلامه هنا أيضا موجز جدا، ولكنه محشو من الأخطاء والأكاذيب، ولم أتمكن من الإشارة إليها في باب الافتراءات، فإن ورد ذكر هذا الكتاب في موضع ما فقد صرحت هناك باسمه الكامل. وكانت بين يدي النسخة المطبوعة في سنة 1882م 28- قاموس الإسلام: تأليف توماس هيوجس Dictionary of Islam “Wahhabia” By:- Thomas P. Huges. وهذه المقالة بقلم هذا المبشر البروتستانتي أفضل من كثير مما كتبه كثير من علماء المسلمين فيما يتعلق بالدعوة وأهدافها، فإنه لم يخطئ في فهمها وقدم ملخصا جيدا لدعوة الشيخ. نعم توجد بعض الأوهام في التاريخ ولكن المسئولية في ذلك راجعة إلى برائجس وبلنت، وكلما جاء ذكر "هيوجس" أثناء الكتاب فالمراد به هذه المقالة. النسخة المطبوعة في لندن سنة 1885م. 29- مقالة "الوهابي" من كتاب مذكرات في المحمدية (219- 226) لهيوجس المذكور Notes on Mohammadanism (The Wahhaby) By:- T. P. Huges. وقد أورد في هذه المقالة فهرسا لأمراء آل سعود إلى سنة 1874م مع ذكر العقائد والأفكار، وفيها بعض الزيادات أيضا التي لا توجد في المقالة السالفة الذكر (الوهابية-

في كتابه قاموس الإسلام) ، وبالخصوص فيما يتعلق بالمجاهدين في الهند. وكلما ورد ذكر هذه المقالة في الكتاب فهو بتصريح "المذكرات.." طبعت في لندن سنة 1877م. 30- العربية- مهد الإسلام: لزويمر Arabia, the cradle of Islam By:- Zwemer (p. 141 - 201) وقد حاول زويمر مع تعصبه الشديد أن يفهم دعوة الشيخ، واستعرض أحوال العرب استعراضا صحيحا قبل هذه الدعوة (192- 193) . ووقع في ثلاثة أخطاء تاريخية فقط في هذا الباب من كتابه. ا- سنة الولادة سنة 1961م 2- السفر إلى بغداد 3- هدم القبة المبنية على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم. إلا أن تعصبه قد غلب على استنتاجاته. فيقول: " لقد كانت هذه الحركة تجديدا للإسلام، ولكنها قد انتهت بالخيبة، وظهر أنها كانت تمثيلية سياسية فقط (191، 192) الطبعة الثانية سنة 1900م. 31- جولة في بلاد العرب: تأليف: هوغارث The Penetration of Arabia By:- David George

استعرض هوغارث في هذا الكتاب اسثعراضا مفصلا ودقيقا جهود جميع أولئك السياح الأوربيين الذين تجولوا في البلاد العربية خلال القرون الثلاثة الماضية، وتركوا أي وثيقة مكتوبة في جغرافيتها أو تاريخها أو آثارها أو مجتمعاتها أو آدابها أو تقاليدها أو غير ذلك. وعلق أيضا على مكتوبات أولئك الذين زاروا نجدا والحجاز أيام الشيخ أو أيام خلفائه. وقد قارنت أكثر من مرة نُقول هوغارث بالكتب الأصلية، ولكن لم أجد أي خطأ صغير أو كبير لا في النقل ولا في التعليق. ولذلك يمكن الاستفادة من هذا الملخص إذا لم توجد الرحلات الأصلية. وكلما جاء ذكر "هوغارث" فالمراد به هذا الكتاب. طبع في لندن سنة 1904م. ولهوغارث كتاب آخر مختصر يسمى تاريخ العرب A. History of Arabia وفيه بابان يتعلقان بأشراف مكة (82- 93) والوهابيين والمصريين (99- 113) ، ولكن العجب أنه لم يستطع هنا أن يميز بين محمد بن سعود وعبد العزيز بن محمد بن سعود وسعود بن عبد العزيز تمييزا صحيحا (103) . 32- العربية - تأليف: سانت جون فلبي Arabia By:- H. ST. J. Philby. أورد فلبي في هذا الكتاب تاريخا كاملا لنجد من حين دعوة الشيخ إلى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود. وكل ما

يتعلق بسيرة الشيخ ودعوته مأخوذ تماما عن ابن غنام وابن بشر، والكتاب مفيد 1 وثمين من كل ناحية. واستفدت منه كثيرا لكن مع النظر في المراجع الأصلية. وهناك ناحية أخرى لهذا الكتاب، فالمؤلف يقصد أن الحكومة البريطانية تحتاج إلى متكأ في البلاد العربية ويظن أن ملك نجد هو أنسب رجل لهذا الغرض، ولذلك نراه ينتقد البيت الأبيض والحكومة الهندية وحكومة البصرة وبغداد انتقادات شديدة؛ إذ قدموا مساعداتهم إلى الشريف حسين ولم يهتموا بابن سعود. وملخص القول أن هذا الكتاب يلقي ضوءا وافيا على السياسة البريطانية في الجزيرة العربية، ولكن هذا الجانب من هذا الكتاب خارج عن نطاق بحثنا الآن. 33- مقالة "ابن سعود- وابن الرشيد" في دائرة المعارف الإسلامية، لماردتمان (Ibn Saud , Ibn Rashid) incyclopadia of Islam by:- j. H. Mordtmann هذه المقالات لهذا المستشرق الألماني- ماردتمان- جامعة وصحيحة إلى حد كبير، وجهوده في تعيين التواريخ والسنين تستحق الثناء، فلم يلتزم أحد قبله بتعيين التواريخ الصحيحة والتطبيق بين السنين الهجرية والسنين الميلادية، ولكن مع ذلك قد خالفته في بعض المواضع إلا أني قد استفدت كثيرا من مقالته "ابن سعود". 34- موسوعة الأديان والأخلاق: مقالات- الوهابية- و الوهابيون- بقلم مرغليوت ] Wahhabiyah [and] Wahhabies [ by:- d. s. Margoliouth

_ 1 ولقد صرح فلبي بنفسه في المقدمة (ص x أنه أول كتاب في اللغة الإنجليزية "رتب على أساس المراجع الأصلية" وهو محق في قوله هذا. فلعلنا لا نجد معلومات صحيحة فيما يتعلق بالشيخ في أي مصدر غربي كما نجدها في هذا الكتاب.

وكلتا المقالتين مملوءتان من الأخطاء، وكل إنسان يخطئ ولكن صاحبنا هذا لا يعرف له مثيل في هذا المجال، فلا نجد هذا القدر من الأخطاء والجهل المركب في موضع آخر. وكلما جاء ذكر مرغليوث وحده في هذا الكتاب، فالإشارة فيه إلى المقالة الأولى. 35- مذكرات رافنشا Memorandum By: - T. E. Ravenshaw. وهذه المذكرات تتعلق في الحقيقة بمحاكمة الشيخ أحمد الله الصادقبوري وحركة التجديد والجهاد في الهند، ولكن مع ذلك نجد فيها افتراءات وأكاذيب كثيرة على الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته، وقد مر نموذج منها في الباب الخامس من هذا الكتاب، وطبعت هذه المذكرات كلها في ملحق لمجلة -كلكتاكزت- 20 سبتمبر سنة 1865 م. 36- المسلمون في الهند: لوليام ولسون هنتر The Indian Musalmans By:- w. w. Hunte r. وهذا الكتاب أيضا يتعلق بحركات المجاهدين في الهند، ولما كان هؤلاء يزعمون أن حركة التجديد والإمامة في الهند هي نتيجة لحركة شيخ الإسلام ودعوته يضطرون

إلى الكلام في دعوته 1، وقد قدم هنتر- براهين- على جهله وعدم اطلاعه 2 وقد مرت بعض النماذج من هذا القبيل في الصفحات الماضية، ومرجع هذه الأكاذيب هي مذكرات "رافنش " في الغالب إلا أنه لا يشير إليها. طبع في سنة 1871 م 3 37- الإسلام ونفسية المسلمين: أندري سرفير Islam & Psychology of the Musalamans By:- Andre Servier وصاحبنا هذا يهدي كل ما يستطيع من هدايا السب والشتم لمحمد بن عبد الوهاب وجماعته، وحتى الإسلام نفسه عدو لكل رقي للجنس البشري في زعمه " 264 "، والظاهر أن مرجعه هو بالغريف. ومترجم من الأصل الفرنسي. طبع لندن في سنة 1924م 38- انتشار الإسلام: ولسون كاش The Expansion of Islam By:- Wilson Cash

_ 1 وكل الكتب والمقالات التي ذكرتها تشترك في زعم أن حركتي نجد والهند واحدة إلا أن بعضهم يوحد بينهما إلى حد الأصول فقط، والأكثرون يزعمون أن حركة الجهاد والتجديد التي قادها السيد أحمد شهيد - رحمه الله - فرع لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وهذا خطأ فاحش. وللتفصيل يراجع كتابي "الحركة الإسلامية الأولى في الهند". 2يراجع بالخصوص ص: 11 وما بعدها في الطبعة الجديدة. 3ولقد ظهرت الآن الطبعة الثانية من هذا الكتاب، وهي الآن عندي لدى المراجعة طبعت في كلكتا سنة 1945م.

ويرى هذا الرجل أن محمد بن عبد الوهاب كان يسعى "لإسلام عربي"، ومثل هذه الأخطاء والأكاذيب كثيرة عنده، وقد ورد ذكر دعوة الشيخ في هذا الكتاب والذي قبله على سبيل الاستطراد. 39 – The Arab,s Place In Thesun by:- Richard Coke إنه تعليق موجز وحيد على الدعوة، وتوجد عنده بعض الأوهام العادية، وبعضها من قبيل القلب في الأسماء، فينسب أعمال سعود بن عبد العزيز إلى عبد العزيز "163"، ولا يميز بين عبد الله بن سعود وسعود بن عبد العزيز تمييزا صحيحا "162". تنبيه: الكتب المذكورة من رقم 33 إلى 39 ليست من المراجع والمآخذ، ولكنها من كتب المطالعة العامة، ولولا الخوف من التطويل لأوردنا كتبا أخرى في هذا الفهرس ولكننا نكتفي الآن بذكر هذا القدر. وقد وردت أسماء بعض الكتب الأخرى أثناء الكتاب مثل "حاضر العالم الإسلامي " لاستودارد (The New World of Islam) by:- lothrop Stoddard وغيره.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... المراجع الدينية لقد ألفت مئات بل آلاف من الكتب في التوحيد والإنكار على البدع واستقصاء أسمائها من الصعوبة بمكان، وكتب الإمام ابن تيمية (م سنة 728 هـ) ، وتلميذه الرشيد الإمام ابن القيم (م سنة 751 هـ) خصوصا مليئة بهذه المباحث، وأذكر هنا فقط تلك الكتب التي طالعتها في هذه الأيام، واستفدت منها في فهم دعوة الشيخ: 40- الباعث على إنكار البدع والحوادث: لأبى محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي شامة المغربي المتوفى سنة 665. طبعة مصر سنة 1310 هـ. 41- تجريد التوحيد المفيد للشيخ تقي الدين أحمد بن علي المقريزي المتوفى 854 هـ طبعة مصر 1342 هـ. 42- تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد لمحمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني المتوفى 1182 هـ طبعة مصر 1340 هـ. 43- كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- المتوفى 1256 هـ. طبعة 1344 هـ مع تعليقات الأستاذ المحترم الدكتور تقي الدين الهلالي المراكشي، وكتب أخرى للشيخ. 44- الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد لمحمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250هـ طبعة مصر 1343 هـ. وطبعت له ترجمة في لغة اردو أيضا بقلم الشيخ محمد على القصوزي 1924م. 45- التحف في مذاهب السلف للشوكاني أيضا- طبعة مصر 1310 هـ. 46- مجموعة الهدية السنية والتحفة الوهابية النجدية للشيخ سليمان بن سحمان النجدي، ومؤلف هذه المجموعة يعتبر من أشهر علماء نجد، وهو تلميذ الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (1285 هـ) ، وتوفي المؤلف في سنة 1358 هـ عن عمر يناهض 86 عاما حسب رواية الشيخ عمران النجدي.

وتوجد في هذه المجموعة الرسائل التالية: ا- الرسالة الدينية في معنى الإلهية "3- 28 " للأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود"م سنة 1218هـ،. 2- شيء من سيرة الشيخ وتعاليمه 28- 40 للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ "م سنة 1304 ". 3- الرسالة الثالثة 1: " 41- 55" للشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وكتبت هذه الرسالة في سنة 1218 هـ لتعليم أهل مكة حينما دخلها سعود بن عبد العزيز فاتحا في المرة الأولى. 4- الفواكه العذاب في الرد على من لم يحكم بالسنة والكتاب "55-90" للشيخ حمد بن ناصر بن عثمان المعمر النجدي "م سنة 1255هـ. وهذه الرسالة ألفت في سنة 1211 هـ حينما أرسل المؤلف إلى الحجاز موفدا من قبل الأمير عبد العزيز، وناظر علماء الحرم. 5- الرسالة الخامسة (91- 99) للشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ. وألفت هذه الرسالة في سنة 1339 هـ. والمصنف مازال حيا وسنه يناهض الآن الثمانين. (رواية الشيخ عمران النجدي) ، وقد ترجمت هذه الرسائل كلها بأردو بقلم الشيخ محمد إسماعيل الغزنوي (سنة 1927) ، وتوجد بعض القصائد أيضا في آخر المجموعة " 101- 112 ". 47- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ الطبعة الثالثة- القاهرة: سنة 1357 م. 48- جلاء العينين في محاكمة الأحمدين للشيخ نعمان خير الدين الألوسي "م سنة 1317 هـ" طبعة بولاق 1298 هـ.

_ 1طبعت الترجمة الإنجليزية لهذه الرسالة بقلم "أوكنلي" (j. o,kinley) في "جنرل ابشيائك وسائت" عدد ا: 68- 82 0 1874م. ولكن توجد في الترجمة أخطاء مضحكة كترجمة "الأمهات الستة" (أي الكتب المهمة) في الحديث بقوله (six mothers) ص: 47. وغيره.

وقد وجدت هذا الكتاب مفيدا وجامعا جدا، ولذلك قرأته مرارا والمرحوم السيد رشيد رضا "م سنة 1353 هـ " أيضا يثني على هذا الكتاب كثيرا في سيرته التي ألفها بقلمه 1 (يراجع مجلة معارف عدد نوفمبر وديسمبر سنة 1938) . 49- الانتقاد الرجيح في شرح الاعتقاد الصحيح للنواب صديق حسن خان المتوفى سنة 7 130 هـ طبعة بولاق 1398 هـ على هامش جلاء العينين. 50- تنبيه ذوي الألباب السليمة عن الوقوع في الألفاظ المبتدعة الوخيمة لسليمان بن سحمان أيضا (1- 80) . 51- تبرئة الشيخين الإمامين من تزوير أهل الكذب والمين لسليمان بن سحمان أيضا (82- 215) . وطبعت الرسالتان معا في كتاب واحد. مصر سنة 1342هـ. 52- كتاب التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (استشهد سنة 1233هـ) . طبعة مصر 1319هـ. 53- منهاج التقديس والتأسيس في كشف شبهات داؤد بن جرجيس للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.

_ 1ومثله كتاب "غاية الأماني في الرد على النبهاني" للعلامة عمود شكري الألوسي - رحمه الله -، فهو كتاب جامع ومهم جدا. يقول فيه أستاذنا العلامة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي: "وهذا الكتاب من أنفس الكتب السلفية، جادل المبتدعين من المتصوفة وشدد عليهم الخناق بعبارات بليغة كأنها عقود الجمان في أجياد الحسان، فيه من المتعة والفوائد ما يقل نظيره في الكتب، والمثل الإنكليزي يقول ما معناه: ينبغي أن يكون الأصدقاء والكتب قليلين ولكن طيبين. وهذا المثل ينطبق على هذا الكتاب (الهدية الهادية ص: 22) . ولعل المؤلف لم يطلع على هذا الكتاب، ولذلك لم يذكره في فهرس المراجع، ولكنه طبع الآن طبعة ثانية وواضحة بفضل بعض المحسنين جزاهم الله خيرا "المترجم".

وهو رد على كتاب "صلح الإخوان".طبعة بومبائي سنة 1907م. 54- صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان. للشيخ محمد بشير السهسواني المتوفى سنة 1326 هـ. وهذا الكتاب ينسب 1 في الغالب إلى الشيخ محمد بشير السهسواني، ولكن النسخة الموجودة عندي كتب عليها اسم المصنف "عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم السندي، ولعله بسبب بعض المصالح 2. وهذه هي النسخة التي كانت في يد الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ. طبع المطيع الفاروقي في دهلي سنة 1890 م. وقد ظهرت الآن الطبعة الثانية بعناية تامة في مطبعة المنار سنة 1351 هـ. ونسب إلى المصنف الحقيقي، وتوجد أيضا مقدمة وتعريف بقلم العلامة السيد رشيد رضا المتوفى سنة 1353 هـ. 55- البيان المبدي لشناعة القول المجدي، لسليمان بن سحمان النجدى. لقد ألف كتاب (صيانة الإنسان اللرد على كتاب "الدرر السنية" لدحلان، ثم ظهر الرد على "صيانة الإنسان " باسم "القول المجدي! في الرد على عبد الله بن عبد الرحمن السندي. وكتاب " البيان المبدي" هو رد على كتاب " القول المجدي ". طبعة أمر تسر 1897 هـ.

_ 1يراجع: تراجم علماء حديث هند. الجزء الأول، ص: 255. 2ومن الظاهر أنه كان حذرا من تلك العقوبات المؤلمة المنهكة التي كانت تنزل على هؤلاء المجاهدين الأبطال "بتهمة الوهابية" في عصر الاستعمار البريطاني على الهند.. مترجم.

56- الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية: لسليمان بن عبد الوهاب النجدي الحنبلي المتوفى سنة 1208 هـ. وهذه الرسالة هي لسليمان "بن عبد الوهاب شقيق شيخ الإسلام. وكما مر من قبل أنه تاب ورجع في الأخير في سنة 1190 هـ. (ابن غنام 2: 108) إلا أن أعداء الدعوة يتشدقون بذكر هذه الرسالة، ولكنهم يسكتون تماما عن ذكر رجوعه وتوبته. والظاهر أن الكتاب سمي بهذا الاسم في الأيام المتأخرة، لأن سليمان بن عبد الوهاب كان قد أرسلها إلى أهل حريملة في سنة 1167 هـ، وكان الشيخ رد عليه أيضا 1. ولم يكن لقب "الوهابية" معروفا آنذاك. طبع في مصر بدون تاريخ 2وأصل الرسالة موجزة، ولكن ألحقت بها عدة ملحقات مكتوبة بقلم يوسف الدجوي وغيره. وأكثر هذه الملحقات قد ألفت بعد ظهور ابن سعود 3. 57- تهكم المقلدين في مدعي تجديد الدين، لمحمد بن عبد الرحمن بن عفالق الأحسائي المتوفى حوالي سنة 1157 هـ. 58- فصل الخطاب في رد ضلالات ابن عبد الوهاب، لأحمد القباني البصري المتوفى تقريبا 1157?. 59- الصواعق والرعود، لعفيف الدين عبد الله بن داؤد الزبيري الحنبلي المتوفى سنة 1225 هـ. مخطوطة في المكتبة الشرقية ببتنة رقم: 1238.

_ 1روضة الأفكار 2: 32، 52. 2ومن المعلوم قطعا أنه طبع بعد سنة 1128هـ. 3يعنى الملك عبد العزيز رحمه الله (المزجم) .

60- "صلح الإخوان من أهل الإيمان " وبيان الدين القيم في تبرئة ابن تيمية وابن القيم، لداؤد بن سليمان بن جرجيس البغدادي المتوفى سنة 1299 هـ، وللرد على هذا الكتاب ألف الشيخ عبد اللطيف كتابه "منهاج التقديس" (بومبائي سنة 1305 هـ) . وقد أشار الألوسي أيضا إلى أخطاء مصنف صلح الإخوان في كتاب جلاء العينين (315) . 61- الدرر السنية في الرد على الوهابية، لأحمد زيني دحلان المتوفى سنة 1354 هـ. وهي رسالة صغيرة وقد وردت بكاملها في كتاب "خلاصة الكلام " لدحلان نفسه (228- 261) ، وقد ألف الشيخ محمد بشير السهسواني كتابه "صيانة الإنسان " للرد عليه. فرد عليه الحضرمي بكتابه "القول المجدي"، فرد عليه الشيخ سليمان بن سحمان بكتابه "البيان المبدي"، وكان لكتاب دحلان النصيب الأكبر في ترويج الأكاذيب في السنين المتأخرة أي منذ ستين أو سبعين سنة. 62- مصباح الأنام وجلاء الظلام للسيد أحمد عبد الله الحداد باعلوى 1 مخطوط في المكتبة الشرقية رقم: 12058. 63- فتح المنان 2 في ترجيح الراجح وتزييف الزائف من صلح الإخوان لمحمد بن ناصر النجدي المتوفى سنة 1283 هـ 3.

_ 1 وقد ذكر مؤلف مصباح الأنام "وكان من علماء القرن الثالث عشر" في مقدمته أسماء عدة كتب ألفت في الرد على الشيخ، ولكن لم يرد لها ذكر في أي فهرس مثل: (1) الصارم الهندي في عنق النجدي للشيخ عطاء المكي. (2) رسالة للشيخ أحمد المصري الأحسائي. ومصباح الأنام مطبوع أيضا بروكلمان-: 813. 2 اتحاف النبلاء ص: 413. 3 لم أطلع على كتاب فتح المنان وكذلك كتاب صلح الإخوان.

وفيما يبدو من اسم الكتاب والنصوص المقتبسة الواردة في "اتحاف النبلاء" أن الكتاب قد ألف في صورة محاكمة. وقد مر ذكر أكثر هذه الكتب في الصفحات الماضية، فلا أرى حاجة إلى التعليق عليها أكثر من ذلك هنا في باب المراجع، وعند البحث والاستقصاء يمكن أن يطول هذا الفهرس 1 أكثر 2. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

_ 1وزيادة على ما ذكر قد استفدت من الكتب التالية أيضا في أمور فرعية كتعيين الوفيات وتفصيلات أخرى: ا- سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر للمرادي. 2- السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة. مخطوط في المكتبة الشرقية، وفد جاوز مؤلفه الحد في الطعن في الشيخ ودعوته. 3- معجم المطبوعات سركيس. 4- الأعلام للزركلي 3 مجلدات. 5- تاريخ الأدب العربى للمستشرق الألماني بروكلمان. المجلد الأول والثاني ط سنة 1198 هـ مع مجلدين من الملحق طبعة سنة 1938 م، وبالخصوص المجلد الثاني. 6- التقويم الهجري والميلادي انجمن ترقي اردو. 2وهناك كتب عديدة ظهرت في سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ودعوته نذكرها هنا زيادة للفائدة. ا- محمد بن عبد الوهاب للأستاذ أحمد عبد الغفور عطار. 2- محمد بن عبد الوهاب للقاضي أحمد بن حجر قاضي قطر. 3- سيرة الشيخ عمد بن عبد الوهاب للأستاذ أمين سعيد. 4- عمد بن عبد الوهاب- العقل الحر والقلب السليم للأستاذ عبد الكريم الخطيب. 5- الشيخ محمد بن عبد الوهاب- سيرته ودعوته لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة وقد ترجم بلغة اردو أيضا. 6- محمد بن عبد الوهاب للأستاذ حسن بانبيله. 7- عمد بن عبد الوهاب للأستاذ علي الطنطاوي.

§1/1