محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
ابن المِبْرَد
المجلد الأول
المجلد الأول مقدمة ... مقدمة إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلّم عليه وعلى صحبه الهداة المهتدين وعلى من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين. أما بعد: فإنّ الله جل ثناؤه وتباركت أسماؤه، قد أرسل محمّداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الكفر والشرك إلى الإيمان والتوحيد فاستجاب له وآمن بدعوته ناس من قومه أشرق نور الإيمان في قلوبهم، فانجلت عنها ظلمة الشرك، فأبصروا الحق الذي دعاهم إليه. فما زال النبي صلى الله عليه وسلم يغذيهم بالقرآن والحكمة، ويزكيهم بالعمل الصالح حتى صار هذا الدين أعظم ما يكون في قلوبهم، وصار الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم وعشيرتهم وأموالهم بل وأنفسهم، فناصروه في دعوته وتحملوا معه سبيل الله أقصى ما يمكن أن يتحمله بشر - غير الأنبياء - من أجل العقيدة، ذلك الجيل الربَّاني الذي آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وآزره ونصره هم صحابته الكرام الذين اختصّهم الله وشرّفهم بصحبة نبيه وإقامة شرعه. كان مجتمعهم طرازاً فريداً، ونسيجاً وحيداً، لم يكن في أتباع الأنبياء مثلهم، لهم القدح المعلى من كل فضيلة، والسهم الأعلى من
كل مكرمة، فهم أهل لكل محبة وتعظيم وإكرام وتقدير، من كل من جاء بعدهم من هذه الأمة، وأهل لأن يقتدى بهم، ويتمسك بطريقتهم وهديهم، فإنّ الدين ما كانوا عليه، ولا شكّ أنّهم أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن معرفة أحوال هؤلاء الصحابة وما اتصفوا به من أخلاقٍ ساميةٍ وصفاتٍ نبيلةٍ، ينير الطريق أمام المؤمن الذي يريد الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه. وأمر آخر يستوجب العناية بسيرهم، وهو أنهم هم الذين نقلوا إلينا الإسلام نقلاً صحيحاً، لذلك وجبت العناية بأخبارهم وأحوالهم وسيرهم، حتى لا يجد أعداء الإسلام سبيلاً إلى الطعن فيه بواسطة الطعن في نقلته. وقد أثنى الله على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم في آيات كثيرة من كتابه، منها: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [سورة الأنفال، الآية: 74] . وقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [سورة الفتح، الآية: 29] . وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنّهم خير القرون حيث قال: "بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى كنت من القرن الذي كنت فيه" 1.
وقد نشأت فرقة في الإسلام لا تقر بهذه الفضائل لهؤلاء الصحابة فكفّروا الصحابةَ إلاّ نفراً يسيراً منهم، وتقربوا إلى الله بسبّهم وشتمهم، وجعلوا ذلك من أقرب القربات، وأحسن الطاعات. ولم تزل هذه الفرقة سادرة في غيها، وماضية في ضلالها، تنمو بالخفاء حتى قامت لهم دولة تحمي مذهبهم، وتدعو إليه، ونشطت جهودهم في ذلك، فصاروا ينشرون الكتب والرسائل التي تتضمن من المخازي سبّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتكفيرهم لجمهورهم، واتخذوا الطعن فيهم وسيلة للطعن في كثير من أحكام الإسلام، وصاروا يُلَبِّسُون بذلك على كثير من المسلمين. وقد تصدى العلماء قديماً وحديثاً للردّ على تلك الافتراءات بنشر فضائل الصحابة وسيرهم وأخبارهم، وممن اعتنى بذلك العلامة ابن عبد الهادي حيث أفرد لكل واحد من العشرة كتاباً مستقلاً، ومنها كتابه: (محض الصّواب في فضائل عمر بن الخطّاب) . وقد رأيت الحاجة ماسّة إلى المشاركة في نشر فضائل الصحابة، وبيان مكانتهم الرفيعة من هذا الدين، دفاعاً عنهم، وحماية لحرمتهم من جهة، وصيانة للدين من التحريف والتغيير من جهة أخرى، وحماية لعقائد المسلمين وحفظاً لقلوبهم من أن يقع فيها غل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وصيانة لألسنتهم من أن يجري عليها ما فيه انتقاص من سبّ وشتم أو ذكر لهم بغير ما هم أهل له.
أسباب اختيار العمل في هذا الكتاب: 1- الرغبة في المشاركة في المسيرة المباركة لإحياء التراث الإسلامي العظيم، وإظهار ما هو حبيس المكتبات حتى يسهل للجميع الاطلاع عليه. 2- مكانة مؤلف الكتاب بين العلماء، وتحصيله في العديد من الفنون، فدراسة كتابه فيها فوائد جمة وفرائد غير خفية على أهل العلم وطلبته. 3- قيمة الكتاب العلمية؛ إذ الكتاب غزير في مادته، فهو يحتوي على كثير من الأحاديث النّبوية والآثار المروية عن عمر رضي الله عنه. 4- المساهمة في إظهار كتب فضائل الصحابة لاسيما الخلفاء الراشدين، وعرضها على الناس في هذا الزمان الذي كثر فيه الطعن في الصحابة من الرافضة وغيرهم. 5- اهتمام المؤلف بانتقاء الأخبار، وعدم الاكتفاء بسرد الروايات حيث يعقب، ويذكر الفوائد، ويورد الصحيح. 6- نقل المؤلف عن أصول ضاعت ولم تصل إلينا. 7- لهذه الأسباب كلّها وقع اختياري على هذا الكتاب لهذا العالم الجهبذ، علماً بأني قد بذلت جهدي في خدمة الكتاب تحقيقاً ودراسةً، وإنني لأرجو أن أكون قد وفيت - أو قاربت - بالصورة التي تخدم الكتاب. ويقتضي هذا البحث بطبيعته أن يتكون من مقدّمة، وقسمين: القسم الأوّل: الدراسة: وتشتمل على: 1- عصر المؤلّف من الناحية السياسية والدينية والعلمية (نظرة إجمالية) .
2- حياة المؤلّف، وضمنته: اسمه، ونسبه، وكنيته، ولقبه، ونسبته، ومولده، وعائلته، ومهنته، ووفاته. 3- السيرة العلمية للمؤلّف وتشتمل على: طلبه للعلم، ورحلاته، ومكانته العلمية، وثناء العلماء عليه، وعقيدته في الأصول، ومذهبه في الفروع، وشيوخه، وتلاميذه، ومؤلّفاته. 4- التعريف بالكتاب وضمنته: أوّلاً: تحقيق اسم الكتاب، وتوثيق نسبته للمؤلّف. ثانياً: موضوع الكتاب ومباحثه. ثالثاً: منهج المؤلّف في الكتاب. رابعاً: موارد المؤلّف في الكتاب. خامساً: المآخذ على الكتاب. سادساً: قيمة الكتاب العلمية. سابعاً: وصف النسخة الخطية، مع نماذج مصورة منها. القسم الثاني: التحقيق. وعملي فيه على النحو الآتي: أ- تحقيق النص وضبطه. ب- أثبت ما في حاشية الأصل في الأصل؛ لأن المؤلّف - رحمه الله - قام بمراجعة النسخة التي كتب بخط يده وأضاف عليها. ج- وضعت ما وقع من زيادة على نص الأصل، بين معقوفتين كبيرتين [] .
د- وضعت أسماء الكتب الواردة في الأًصل بين قوسي تنصيص. هـ- اتبعت الرسم الإملائي الحديث، فقمت بحذف (همزة الوصل) ، في (ابن) إن وقعت بين علمين فبعضهم يكتبها وبعضهم لا يكتبها، وأنا لم أكتبها بين علمين إلاّ إذا كانت في أوّل السطر. وكذلك أثبت (الألف الوسطية) مثل: (خالد) ، و (سفيان) ، والحارث) ، حيث وردت محذوفة في كثير من المواضع وأنا أثبتها، وكذلك راعيت قواعد الهمزة المتوسطة والهمزة المتطرفة. و رسمت الآيات القرآنية بالرسم العثماني، ووضعتها في المتن بين القوسين المزهرين، وعزوتها إلى أماكنها في المصحف الشريف، مع أنها وردت بخط نسخ عادي. ز- خرجت الأحاديث النبوية، فإن كانت في البخاري ومسلم اكتفيت بذلك وإلاّ اجتهدت في البحث عنها في المصادر الحديثية الأخرى، واجتهدت أن أقف عليه، وأوردت كلام العلماء عن الحديث أو الأثر إن وقفت عليه. ح- أجتهد في تخريج النقول والآثار وإرجاعها إلى مظانها في الكتب. ط- إذا وجدت اختلافاً في بعض ألفاظ الحديث أو الأثر بين المخطوطة والأصل الذي نقل منه أشرت إلى ذلك الاختلاف إذا كان له أهمية. ي- عزوت الأشعار إلى قائليها من دواوينهم. ك- ترجمت للأعلام الواردة أسماؤهم في المتن بترجمة موجزة، فإن كان
من أهل الكتب الستة فإني أكتفي بالتهذيب والتقريب أو أحدهما وإن لم يكن رجعت إلى مظان ترجمته في كتب التراجم. ل- شرحت المفردات الغريبة الواردة في النص باقتضاب. م- حددت مواضع البلدان والأماكن باقتضاب. ن- وضعت الجمل الاعتراضية بين شرطتين قصيرتين، كما راعيت علامات الترقيم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. س- وضعت فهارس تفصيلية للآيات والأحاديث، والآثار، والأشعار، والأعلام، والأماكن، والأبواب. وفي ختام هذه المقدمة أحمد الله وأشكره وأثني عليه الخير كله، لا أحصي ثناء عليه، على ما أنعم علي به ووفقني إليه، وأسأله عزوجل أن يعينني على ذكره وشكره وحسن عبادته. واعترافاً بالفضل لأهله أتقدم بخالص شكري وتقديري لأستاذي الفاضل المشرف على الرسالة، الدكتور أكرم بن ضياء العمري - حفظه الله - الذي لم يدخر جهداً في إبداء توجيهاته القيمة، وملحوظاته السديدة، فجزاه الله عني خير الجزاء. كما لا يفوتني بهذه المناسبة أن أشكر جميع من أسهم معي في إخراج هذه الرسالة، بتوجيه أو تشجيع، وأخص بالذكر الدكتور عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي. كما أشكر جميع القائمين على الجامعة الإسلاميّة وعلى رأسهم مدير الجامعة د/ عبد الله بن صالح العبيد؛ على ما يبذلونه من جهد في خدمة العلم وطلابه الذين وفدوا إليها من مشارق الأرض ومغاربها، وأسأل الله جلت قدرته أن يوفقهم لبذل المزيد من الجهد لما فيه رفعة الإسلام وخير المسلمين.
وأشكر أيضاً جميع القائمين على عمادة البحث العلمي على سعيهم في طبع هذا الكتاب ونشره ضمن منشورات العمادة، فجزاهم الله خير الجزاء. وبعد: فقد بذلت في عملي هذا قصارى جهدي، فإن أصبت فهو من فضل الله علي وتوفيقه لي، وأما الخطأ فهو واقع مني، فأسأل الله الرحيم أن يتجاوز عني، ويغفر لي، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ووسيلة لمرضاته. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم المرسلين محمّد وعلى آله أجمعين.
الدراسة
الدراسة ... 1- الحياة السياسية والدينية والعلمية أ- الحياة السياسية: ولد يوسف بن الحسن بن عبد الهادي سنة ثمان مئة وأربعين (840هـ) ، وتوفي سنة تسع ومئة (909هـ) ، وهذه الفترة الزمنية التي عاشها ابن عبد الهادي كانت في عصر دولة المماليك الجراكسة الذين حكموا مصر والشام والحجاز - وهو عصر الدولة الثانية من حكم المماليك -، ومدة هذا العصر ثمان وثلاثون ومئة سنة، من سنة أربع وثمانين وسبع مئة إلى سنة اثنتين وعشرين وتسع مئة (784-922هـ) ، وهؤلاء الجراكسة من بلاد شرق البحر الأسود وبحر الخزر1؛ وكانت تلك المناطق آنذاك مسرحاً للصراع بين قوى متعددة، وهذا الصراع حمل عدداً كبيراً من أبناء الجراكسة على دخول سوق النخاسة2، ونقلوا إلى مصر، فأكثر السلطانُ المنصور قلاوون من شراء هؤلاء المماليك، وأسكنهم إلى جواره في القلعة، وهي مكان معروف في القاهرة، فنسبوا إليها حيث عرفوا بـ: (المماليك البرجية) ، وحرص على تربيتهم تربية دينية وعسكرية، ليضمن الحفاظ على السلطنة له ولأبنائه من بعده؛ وبعد مدة كثر عدد هؤلاء الجراكسة، وأصبح منهم أمراء وقادة، فاستطاعوا أن يتسلموا السلطة وأن يحكموا البلاد. وتعاقب ملوك هذه الدولة حتى بلغوا أكثر من اثنين وعشرين سلطاناً3،
بدأوا بالسلطان سيف الدين برقوق الذي قام بانقلابه على المماليك البحرية واستولى على السلطة، وانتهوا بالسلطان الأشرف طومان بك - أو طومان باي - الذي قتل على أيدي العثمانيين سنة اثنتين وعشرين وتسع مئة (922هـ) ، واختلفت سنوات حكمهم بين الطول والقصر، ولم يتجاوز أحدهم في حكمه خمسة وثلاثين يوماً، وكان أطولهم حكماً هو السلطان برقوق (784-801هـ) 1. وقد عاصر ابن عبد الهادي منهم ثمانية عشر سلطاناً وهم على النحو الآتي: الأشرف برسباي، العزيز يوسف، الظاهر جقمق، المنصور عثمان، الأشرف إينال، المؤيد أحمد، الظاهر خشقدم، الظاهر بلباي، الظاهر تمربغا خير بك، الأشرف قايتباي، الناصر محمّد، قانصوه، الناصر محمّد للمرة الثانية، الظاهر قانصوه، جانبلاط، العادل طومان باي، الأشرف قانصوه. وجميع هؤلاء من الجراكسة ما عدا خشقدم فهو رومي يوناني2. وقد اختلفوا في مقدرتهم على الحكم، وقدراتهم من حيث الشخصية والعلم، أو الجهل والدهاء والسذاجة، والظلم أو العدل، ومما يروى من مظالمهم وطيشهم أن السلطان الناصر محمّد بن الأشرف قايتباي كان شاباً طائشاً متهوراً يتصرف تصرفات قبيحة حمقاء، إذ كان يهجم على نساء الناس لاغتصابهن.
يقول ابن إياس: "وصار ينزل في المراكب ببركة الرطلي ويطوف البركة هو وأولاد عمه، وإن رأى امرأة جميلة في بيتها هجم عليها وطلع لها من الطاق وأخذها غصباً وضرب زوجها بالمقارع في وسط بيته"1. واضطربت الأسواق بشغب المماليك الذين يسمون (الجلبان) ، وقد طم فسادهم وعم في هذا العصر، وصاروا أذى للناس في كل مكان، وغطت مساوئهم أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر حتى سقطت دولتهم على أيدي العثمانيين2. وقد اشتهر عصرهم هذا بأحداث سياسية كثيرة شغلت السلاطين والنواب عن القيام بما يجب عليهم تجاه دينهم وأمتهم، فقد تعرضت دولة المماليك في مصر والشام لكثير من الفتن والثورات الداخلية، ومعظم هذه الفتن من المماليك أنفسهم لوجود تيارات متباينة ينتسب كل تيار إلى أحد السلاطين كالظاهرية، والناصرية، والمؤيدية وغيرها3. كما اشتهر عصرهم هذا بالمؤامرات وكثرة الدسائس التي تحاك في الظلام ضد أعدائهم أو ضد بعضهم، الآباء ضد الأبناء، والأبناء ضد الآباء، والزوجات ضد الأزواج، والأولاد ضد الأمهات، والأمهات ضد فلذات الأكباد، وعرف عهد المؤيد شيخ المحمودي باستخدام السم للتخلص ممن يراد التخلص منه، فقد دس السم لابنه ولخطيب مسجده4.
ويلاحظ أن السلاطين الخمسة الأواخر الذين عاصرهم ابن عبد الهادي كانت نهايتهم هي القتل، فقد خلع الظاهر قانصوه، وقتل جانبلاط، وخنق العادل طومان باي، وقتل الأشرف قانصوه1. ولأجل هذه الفوضى السائدة بين المماليك وما يحصل بينهم من فتن واغتيالات شغلتهم عن رعيتهم، جعل الأعراب يغيرون على البلاد وبخاصة المدن كالقاهرة ودمشق وكانت علاقتهم في الغالب بالسلطان في القاهرة ونائب دمشق علاقة عداء أدت إلى حصول الكوارث والفتن. فقد ثار العرب من بني حرام وبني وائل في الشرقية فسير لهم السلطان تجريدة2. وهجموا على مدينة القاهرة حتى وصلوا إلى حي الحسينية ونهبوا الدكاكين وسلبوا أثواب الناس، واستمر الحال على ذلك من بعد صلاة العصر إلى المغرب فرجعوا من حيث جاءوا3. وفي سنة ست وتسع مئة (906هـ) زاد شرّهم وقطعوا الطريق على الحجاج والتجّار، حتى نودي في دمشق بالجهاد ضدهم، وفي السنة التي بعدها سنة سبع وتسع مئة (907هـ) وصلوا إلى أطراف دمشق ونهبوها، فخرج عليهم نائب دمشق ومعه مقدم البقاع ناصر الدين الحنش، ثم تتالت الهجمات عليهم، وهكذا كانت الحرب سجالاً ولم تحسم بأي حال4. وربما تكون هذه الثورات، والانتفاضات في أطراف القاهرة ودمشق أو في
الصعيد احتجاجاً أو اعتراضاً أو رفضاً لحكم المماليك وأساليبهم في سياسة البلاد1. ولا شكّ أنّ هذا عمل غير مشروع. ومن الأمور الجديرة بالاهتمام فتنة (الدوادار اقبردي) سنة ثلاث وتسع مئة (903هـ) ، وهي من الفتن الكبيرة التي وقعت في دمشق في آخر حياة ابن عبد الهادي، وقد تفاقم شرّه وحاصر الصالحية وتوعدهم بالكبس والقتل والحرق والنهب وهم في أراجيف منه، وكتب لأهلها كتاباً يتوعدهم فيه. وقد وقف ابن عبد الهادي من هذه الفتنة موقف علماء الملة المجاهدين حيث قال بعد أن ذكر رسالة (الدوادار آقبردي) : "فسألني أهل الصالحية في الذهاب إليه فامتنعت"، وكتب له جواباً على رسالته مطولاً توعد فيه كل من أراد الأذى لأهل الصالحية2. وتعد الصالحية البيئة الخاصة التي نشأ فيها ابن عبد الهادي، ولذا يمكن التعريف هنا بهذه المدينة إبّان عصر المؤلّف، فالصالحية تقع في سفح جبل قاسيون، أنشأها بنو قدامة المقادسة سنة أربع وخمسين وخمس مئة، عندما هاجروا من بيت المقدس إلى دمشق3، وقد قام بنو قدامة ببناء دور لهم، وشرعوا في بناء المدرسة العمرية، وهي أوّل مدرسة بنيت في الجبل، وتتابع البناء حولها، وقد ساعد على توسع الصالحية السلطان نور الدين ثم الملوك الأيوبيون، حيث قاموا ببناء عدة مدارس ومساجد4. وأصبحت الصالحية في العصر المملوكي مدينة مستقلة، فابن بطوطة الذي
زارها سنة ست وعشرين وسبع مئة (726هـ) قال عنها: "هي مدينة عظيمة لها سوق لا نظير لحسنه، وفيها مسجد جامع ... "1. ويصفها القلقشندي وصفاً رائعاً فيقول: "مدينة الصالحية ممتدة في سفح الجبل تشرف على دمشق وضواحيها، ذات بيوت ومدارس، وربط، وأسواق، وبيوت جليلة ... "2. وأكثر أهلها حنابلة من بيت المقدس3، وهي الآن حي من أحياء دمشق. ب- الحياة الدينية: لقد عانى المجتمع الإسلامي انقسامات وخلافات مذهبية أدت إلى صور من الصراع السياسي والعسكري بين الدويلات التي اتخذت نحلاً مختلفة، مدعية أنها على الطريق الأقوم وغيرها على طريق الضلال. وكان الصراع الشديد في تاريخ الأمة الإسلامية بين اتجاهين هما: اتجاه الحق، اتجاه أهل السنة الذين هم متمسكون بعلوم القرآن والسنة، ويعدون السنة وعلوم الحديث مكملين للقرآن فلا بد من الاعتناء بهما كالاهتمام بالقرآن الكريم. والاتجاه الثاني: وهو اتجاه الشيعة وهو مبني على الخرافة، وقد غلب على القرن الرابع فقد أيدته دولتان قويتان: دولة البويهيين في المشرق ودولة العبيديين في المغرب ومصر، ولم يلبث أن ضعف هذا الاتجاه بتغلب السلاجقة على المشرق4، وهم من أهل السنة، ثم دولة صلاح الدين الأيوبي فالمماليك في الشام ومصر وهي دول سنية كذلك.
وعليه فقد حافظت دولة المماليك على الاتجاه السني بشكل عام ولم تسمح بظهور أي أثر شيعي في الفكر الإسلامي. فالغالبية العظمى في بلاد الشام هم من أهل السنة والجماعة ومنهم الحكام العسكريون (المماليك) ورجال الدين، بالإضافة إلى من يسمون العامة. وكانوا جميعاً برغم الاختلافات العديدة بينهم وبرغم تضارب مصالحهم يشكلون مجتمعاً إسلاميّاً واحداً، وبالرغم من أنهم لم يكونوا جميعاً يطبقون تعاليم الإسلام بحذافيرها. وكان هناك فئات قليلة لا أثر لها في المجتمع المملوكي إلا في الحالات النادرة، وهم: أوّلاً: الشيعة: انتشر التشيع في بلاد الشام منذ أيام الدولة العبيدية بمصر والشام، ورغم محاربة المماليك لهذه الأفكار إلا أنه بقيت طائفة من الشيعة الإمامية - أو الاثني عشرية -، وكانوا يقيمون في دمشق غربي باب توما، وكان لهم مسجد على يمين الداخل من باب توما1، أظهروا فيه: (البدع) فاستاء الناس منهم، ورفعوا الأمر للسلطان في القاهرة وورد المرسوم في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وثمان مئة (892هـ) بهدم المسجد2. وكانوا يقيمون احتفال الأوّل من محرّم والعاشر منه عند قبر (الست زينب) ، وهناك يختلط الرجال بالنساء وتكون المفاسد3.
وهناك الإسماعيلية ولهم عدة قرى بالشام وهي: الرصافة، والخوابي، والقدموس، والكهف، والمنيقة، والقلعة، وتنتشر هذه بين نيابتي دمشق وطرابلس، وتسمى قراهم بـ: (قلاع الدعوة) 1. الدروز: وكانوا يقيمون فيما يسمى اليوم جبل لبنان. النصيرية: أتباع محمّد بن نصير البصري النميري (ت: 270هـ) ، وهؤلاء يعيشون في منطقة عرفت بهم، وهي منطقة جبال النصيرية في اللاذقية2. ثانياً: أهل الذمة: كان يقيم في قرية جوبر قرب دمشق وفي القسم الجنوبي الشرقي من المدينة طوائف من اليهود، في حين يقيم النصارى في شرقي البلد بالإضافة إلى انتشارهم في العديد من قرى النيابة3. أما النصارى: فقد كانوا في نيابة دمشق يضمون فئتين هما: الملكانية: وهؤلاء يدينون بالولاء للبابا، وهم الذين يعرفون بالكاثوليك. اليعقوبية: وهم الشرقين، ومذهبهم منتشر أيضاً في مصر والحبشة4. وقد ألزم النصارى بوضع العمامة الزرقاء وألزم السامرة5 بوضع العمامة الحمراء، وذلك بإشارة وزير من المغرب قدم إلى مصر فانتقد الحرية الزائدة التي كان يتمتع بها أهل الذمة الذين رآهم يلبسون أفخر الملابس ويستخدمون في أجل
المناصب. وهذا يدل على التساهل من حكام المماليك في تطبيق أحكام أهل الذمة، ويبدو أن كلامه كان له أثر عند بعض حكام المماليك ولاسيما (ركن الدّين الجاشنكير) الذي بادر إلى عزلهم من الوظائف الحكومية، ثم أغلقت كنائسهم، وكتب بذلك إلى جميع نواب السلطة، فجمع النصارى واليهود في دمشق ومنعوا ركوب الخيل والبغال، ونودي بإلزامهم بشعار أهل الذمة1. على أن هذه الإجراءات الشديدة سرعان ما خففت وأعيد استخدام اليهود والنصارى في المناصب الحكومية وبقي الزيّ، بل كان اليهود يتولون المناصب الهامة في مصر والشام، فكان هناك كاتب سامري، أي: جابي ضرائب ويعرف بابن إبليس السامري، وكان يلح في الطلب على المسلمين ومن أراد تأخيره منهم أو مسامحته بجبي المال يقطع عنه الطلب مقابل أخذه نصف المبلغ المستحق له شخصياً، ثم يشطب اسمه من قائمة الطلب، والناس معه في الذل والهوان، ولاسيما متولي الأوقاف، وأكثر الناس يتوددون إليه، وهو لا يزداد إلا طغياناً2. وكان معلم دار الضرب في دمشق يهوديّاً، وكان مع ذلك معززاً ومكرماً، وهو الذي وصفه ابن طولون بأنه: "عدو الله وعدو رسوله وعدو المسلمين الذي أهلك النقدين". بل وصلت الجرأة عندهم في بعض الأحيان إلى إعلان دينهم وإيذاء المسلمين فقد جاء جماعة من نصارى الحبشة وعددهم ثلاثة آلاف نفس ودخلوا القدس لزيارة كنيسة القيامة، وكان رئيسهم يجلس على كرسي من ذهب، وأمر بضرب الناقوس، فوافق وقت الأذان، فلم يسمع الآذان،
ومقصودهم من ذلك إظهار دين النصرانية في تلك الأماكن الشرقية، فأنكر عليهم شخص واستغاث بالمسلمين وأنكر ذلك، فضربه النصارى بالأسلحة. قال ابن طولون: "وأراح الله البلاد والعباد من حكام السوء مما حل بالإسلام والمسلمين"1. إضافة إلى هذه الطوائف والديانات التي تعيش بين المجتمع المملوكي كان المجتمع في ذلك الوقت مليئاً بالبدع والخرافات، فهناك الموالد التي تقام بمناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وما يقع فيها من المفاسد والقبائح ما لا يمكن شرحه حتى أبطلوا قراءة القرآن لأجل التهتيك2. وذكر الحافظ ابن حجر: "أنه وجد في صبيحة يوم المولد مئة وخمسون جرة من جرار الخمر فارغات، هذا إلى ما كان في تلك الليلة من الفساد والزنى ... "3. وانتشرت الصوفية في ذلك الوقت ووقع من أهلها كثير من الأعمال المنافية للإسلام، فهناك من يأكل4 الحشيش، ومنهم من لا يتورع عن فعل الجرائم الأخلاقية والشعوذة5. وكثر الدجالون والمدعون المضللون، فمنهم من زعم أنه النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع عليه العامة، ومنهم من تكلم من وراء حائط ففتن الناس واعتقدوا أن المتكلم من الجن أو الملائكة، ووصفه ابن العطار قائلاً: يا ناطقاً من جدار وهو ليس يُرى ... اظهر وإلا فهذا الفعل فتانُ
لم يسمع الناس للحيطان ألسنةً ... وإنما قيل للحيطانِ آذانُ1 كما كان المجتمع المملوكي يعج بالانحراف الأخلاقي2، وكان القتل هو أعظم الجرائم المؤرقة لكثير من الناس، وقد ذكر ابن عبد الهادي أن الفتوى بجواز قتل العوانية3 قد فتح باباً واسعاً للشر حيث أغرى بعض الفقهاء للذعر4 بأنه يجوز قتل أعوان الظلمة، فصار من في قلبه من أحد شيء إما يقتله أو يغريهم، ويعطيهم دراهم فيقتلونه ويحتجون بأنه عوني، فحصل بذلك فساد كثير. قال الشيخ ابن عبد الهادي: "فسئلت عن هذه المسألة مرتين، فأجبت في الأولى بجواب مختصر نحو الكراسة، وفي الثانية بمطول نحو الثلاثين كراساً وسميته: (الذعر في أحوال الزعر) 5، ومحطهما عدم الجواز، وأنه لا يجوز لأحد إغراؤهم"6. وبين - رحمه الله - أنه لا يجوز قتل هؤلاء الزعران باعتبارهم أعوان الظالمين، لأنه لو جاز ذلك فجواز قتل الظالمين أحق وأولى7.
ج- الحياة العلمية: كان العصر المملوكي من أنشط العصور العلمية وأهمها، فقد ظهر فيه طائفة من علماء الإسلام الذين جمعوا أشتات العلوم ونبغوا في مختلف الفنون، كانوا هم أصحاب الفضل في ضم شتات العلم في أسفار أشبه بدوائر المعارف الحديثة؛ لما اشتملت عليه من مؤلّفات متنوعة لعلوم مختلفة. ولا أدل على ذلك من تلك الكتب التي وصلت إلينا من ذلك العصر، ولا تزال دور الكتب في جميع أنحاء العالم مشحونة بمئات المخطوطات التي ترجع إلى ذلك العصر1. ويعود ذلك النشاط العلمي إلى أسباب منها: 1- المدارس ودور التعليم الأخرى: امتاز عصر السلاطين المماليك بالبلاد الشامية والديار المصرية ببناء المدارس، وتوسع السلاطين في بناء المدارس، فأنشئت العديد من المدارس التي درس فيها كبار العلماء الذين زخر بهم ذلك العصر والذين نبغوا في مختلف الفنون الإسلامية2. وكان عدد مدارس دمشق إحدى وستين ومئة مدرسة، ومن هذه المدارس مدارس فقهية للمذاهب الأربعة، فقد كان للأحناف: اثنتان وخمسون مدرسة، وللمالكية أربع مدارس، وللشافعية ثلاث وستون مدرسة، وللحنابلة إحدى عشرة مدرسة منها المدرسة العمرية المشهورة التي أنشأها أبو عمر بن قدامة المقدسي الحنبلي (ت: 606هـ) ، وهي أكبر المدارس في دمشق؛ لأنها اشتملت على ثلاث مئة وستين خلوة، تخرج فيها عدد كبير من العلماء، ودرس بها أئمة
أعلام منهم يوسف بن عبد الهادي. ولم يقتصر التدريس على المدارس فحسب بل شمل المساجد، والخوانق1، والزوايا2، وغيرها3. 2- كثرة المكتبات في المدارس: كانت مدارس دمشق من القرن السابع إلى الحادي عشر مليئة بخزائن الكتب الوافية بغرض إفادة المدرسين والطلاب4، ومن أعظم تلك المكتبات ما احتوته خزائن المدرسة العمرية، حيث احتوى عدة خزائن للكتب الموقوفة من عدة أناس أعظمها كتب السيد الحسيني، ومنها كتب الشيخ قوام الدين الحنفي، وكتب الشمس البانياسي، وكتب جمال الدين ابن عبد الهادي، وكتب البدري، وفي هذه الكتب مصحف يقال إنه بخط الإمام عليّ رضي الله عنه5.
3- الأوقاف على المدارس ودور التعليم: كانت الأوقاف هي المصدر الرئيسي لتمويل الحركة العلمية، وكان يساهم فيها الأمراء والشعب على حد سواء، وقد توسعت في عصر المماليك حتى شملت قسماً كبيراً من الأراضي والعقارات داخل دمشق وخارجها1. وقد حرص السلاطين المماليك وغيرهم ممن أنشأ المدارس على استمرارها في أداء رسالتها في نشر العلم وتعليم الأمة، واهتموا بنظام الأوقاف، فمن خلاله يتم تأمين الموارد المالية اللازمة، تجبي للنفقة على تلك المدارس وغيرها من دور العلم2. ومن هذه الأوقاف تجبي الأموال الكثيرة وتصرف على المدارس ومن فيها من مدرسين وموظفين وطلاب3. كما ساعد نظام الأوقاف على فتح أبواب العلم للفقراء، إذ تكفلت تلك الأوقاف بتدريسهم وتأمين الطعام والشراب والسكن والعلاج لأولئك الطلاب4. وقد اتسعت أوقاف هذه المدرسة وخيراتها، وقل سنة من السنين تمضي إلا ويصير إليها وقف حتى صار من كل أنواع البر لها"5.
ولا شك أنه متى كان الوقف كبيراً وثابتاً لتلك المدارس فإنه يمكنها من أداء رسالتها على الوجه الأكمل. فما سبق يعطي صورة واضحة للحركة العلمية التي كانت في ذلك العصر مما أدى إلى وجود عدد كبير من العلماء والمؤلفين، وخير دليل على ذلك كتب التراجم لعلماء هذا العصر، كـ: (النجوم الزاهرة) لابن تغري بردي (ت: 874هـ) ويقع في خمسة عشر مجلداً، و (الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع) للسخاوي (ت: 902هـ) ، ويقع في اثني عشر مجلداً. ومع هؤلاء العلماء وفي هذا الجو نشأ ابن الهادي وتلقى عن خيرة علماء ذلك الوقت في الفقه والحديث والتاريخ واللغة، ومما لا شك فيه أن من ينشأ في جو مثل هذا الجو المليء بالعلماء وطلاب العلم المتنافسين في تحصيله بشتى الوسائل، لا بد أن ينال من ذلك حظّاً وافراً، ولذا فإن المؤلف قد تأثر بهذه البيئة العلمية وأصبح من خيرة علماء ذلك العصر.
2- حياة المؤلّف اسمه ونسبه: هو: العلامة يوسف بن الحسن بن أحمد بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمّد بن قدامة بن مِقْدام بن نصر بن فتح1 بن حديثة2 بن محمّد بن يعقوب بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن محمّد بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب3 القرشي العَدويُّ العُمريُّ، دمشقيٌّ صالحيُّ الأصل، حنبليُّ المذهب4. كنيته ولقبه: يكنى: أبا المحاسن، وأبا عمر أيضاً. ويُلَقَّبُ: جمال الدين بن بدر الدين بن شهاب الدين، واشتهر
بـ: (ابن المَبْرِد) ، وهو لقب جدِّه شهاب الدين أحمد، لقبه بذلك عمه، قيلَ: لقوَّته، وقيل: لخُشُونَة يده. وهو بفتح الميم وسكون الباءِ الموحّدة كذا ضبطها ابن الغَزِّي1. وكذا قال ابن طولون: (ابن المَبْرِد) بفتح الميم وسكون الباء الموحدة، كذا أملاني هذا النَّسب من لفظه وأنشدني: من يطلب التعريف عني قد هُدي ... فاسمي يوسفُ وابنُ نجلِ المَبْردِ وأبي يُعرفُ باسمِ سبط المصطفى ... والجدُّ جَدّي قد حَذَاهُ بأحمدِ2 نسبته: ينسب المؤرخون أبا المحاسن إلى عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء وأحد العشرة المبشرين بالجنة. كما يقولون: القرشي العدوي، نسبة إلى قريش أشرف القبائل، وعدي ابن كعب أحد بطونها. ثم يقولون: الدمشقي الصالحي: فالدمشقي نسبة إلى دمشق إحدى المدن الإسلاميّة المشهورة في الإسلام وعاصمة الشام التي أنجبت كثيراً من علماء الإسلام. والصالحي: نسبة إلى قرية كبيرة في لحف قاسيون، وأكثر أهلها حنابلة أصلهم من بيت المقدس3. والمقدسي: نسبة إلى بيت المقدس.
مولده: ذكرت معظم المصادر التي ترجمت للحافظ أن ولادته كانت في دمشق في غرة محرم سنة أربعين وثمان مئة (840هـ) وبه قال ابن العماد1،وابن الملا2،وجزم به الغزي3، وكذا نقل جار الله بن فهد عن النعيمي4، في: (تاريخه العنوان) . وبه أيضاً جزم تلميذه ابن طولون الدمشقي قال: "مولده بالسهم الأعلى بصالحية دمشق سلخ سنة أربعين وثمان مئة (840هـ) 5، وهذا ما اختاره الكتاني6 والزركلي7. وذهب السخاوي إلى أن ولادته كانت في سنة بضع وأربعين8. وأما ابن الغزي فقد حددها بسنة إحدى وأربعين وثمان مئة (841هـ) 9، وبه قال الشطي10. أسرته: ينتمي ابن عبد الهادي إلى أسرة عريقة في الفضل والعلوم الشرعية والدين، ذات جذورٍ
راسخة بشرفي العلم والنسب، فهو ينتمي إلى آل عبد الهادي أحد فروع آل قدامة بن مقدام، فجده الأعلى عبد الهادي بن يوسف بن محمّد بن قدامة بن مقدام، ومحمّد بن قدامة هو أخو الشيخ أحمد ابن قدامة والد الإمام موفق الدين1. وهؤلاء وأولئك أسرٌ علمية متعددة، تولّوا القضاء والتدريس والفتوى وأفادوا الناس وحملوا مشعل الحضارة في بلاد الشام وغيرها دهراً، وارتحل إليهم الطلاب من عامة بلاد الشام والعراق والحجاز واليمن ومصر ونجد، واشتهروا بخدمة الكتاب والسنة، وكثرت تآليفهم الجيدة النافعة2. إذاً فأسرة الشيخ يوسف تنتمي إلى بيت آل عبد الهادي الذي تخرج من مدرسته رجال علماء عرفوا بالدين والعلم والصلاح والزهد والورع، ونساء فضليات حَمَلنَ العلم، وساهمنَ في نشره وتبليغه. وهذه تعريفات موجزة لبعض أعلام هذه الأسرة: 1- العلامة المحدث شمس الدين محمّد بن أحمد بن عبد الهادي المقرئ الفقيه النحوي، أخذ عنه خلق كثير، وعني بالحديث وفنونه، ومعرفة الرجال والعلل، وله ثمانية وسبعون كتاباً منها: (تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق) ، و (الصارم المنكي في الرد على السبكي) وغيرهما. توفي سنة أربع وأربعين وسبع مئة، ولم يتجاوز أربعين سنة3. 2- حسن بن أحمد بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي، بدر الدين،
أخذ عن زين الدين عبد الرحمن بن سليمان ووالده، قرأ (مختصر الخرقي) وتفقه بأحمد بن يوسف والشيخ تقي الدين. توفي في شهر رجب سنة تسع وتسعين وثمان مئة بالصالحية، وهو والد يوسف ابن عبد الهادي1. 3- أحمد بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي بن شهاب الدين، قرأ (المقنع) ، واشتغل على السُّبكي في الفرائض فأجادها، له مؤلّفات كثيرة، منها: (شرح على الخرقي ولم يكمله، والترشيح في فضل التسبيح) . توفي سنة خمس وتسعين وثمان مئة. وهو أخو المؤلّف لأبويه. وألف في أخباره كتاباً سماه: (تعريف الغادي بفضائل أحمد ابن عبد الهادي) 2. 4- عبد الجليل بن محمّد عبد الهادي العمري الفلكي المتوفى سنة سبع وثمانين وألف بالمدينة النبوية3. 5- الفاضلة الجليلة عائشة بنت أحمد بن عبد الهادي، مسندة الدنيا، انفردت بالرواية عن الحجار وغيره، وروى عنها الحافظ ابن حجر، توفيت سنة ست عشرة وثمان مئة4. مهنته: أفنى ابن عبد الهادي عمره في العلم تعلماً وتعليماً، ولأجل المكانة العلمية الرفيعة التي حازها بين علماء عصره بدمشق في علم الحديث، وسعة باعه
واطلاعه في العلوم الأخرى، تأهل لتولّي التدريس في أكبر مدارس دمشق وهي المدرسة العمرية1. وإلى جانب قيامه بالتدريس كان كثير الكتابة والإفتاء، فمعظم مؤلفاته بخط يده ولأجل ذلك قال: لقد سود الحبر الأصابع من يدي ... لكثرة ما أعتاده بالكتابة2 وكان يفتي بعد أن توفرت فيه شروط المفتي، وله مجموع من الفتاوى3. قال ابن الغزي: "ودرس وأفتى ... "4. وقال جميل الشطي: " ... وأفنى عمره بين علم وعبادة وتصنيف وإفادة"5. وذكر السخاوي أنه ناب في القضاء6، ولم أجد من ذكر هذا ممن ترجم له من علماء الحنابلة، وكذا تلميذه ابن طولون. وفاته: بعد حياة حافلة بالتعلم والتعليم والتأليف وبعد عمر بلغ (69) سنة توفي يوسف بن عبد الهادي يوم الاثنين السادس عشر من المحرم سنة تسع وتسع مئة، على قول معظم المترجمين له وهو قول معاصره النعيمي (ت: 927هـ) 7.
وذكر حاجي خليفة أنه توفي سنة ثمانين وثمان مئة1، وتابعه على هذا إسماعيل البغدادي2. وهذا القول مردود بما صرح به ابن عبد الهادي نفسه حيث ذكر في كتابه: (صب الخمول على من وصل أذاه إلى أولياء الله) أنه فرغ تأليفه سنة ثلاث وتسع مئة، وكذا قوله في تلميذه: (ابن الملاح) : إنه قرأ عليه كتابه (تهذيب النفس) وأنهاه في مجلس يوم الأربعاء ثالث شهر المحرم من شهور سنة تسع وتسع مئة. وانفرد جميل العظيم بقوله: "إنه توفي سنة تسع عشر وتسع مئة"3. ولعله سهو منه أو تحريف من الطابع. ولما توفي اجتمع في جنازته خلق كثير وكانت حافلة، ودفن بتربة الباب الصغير بالصالحية بسفح جبل قاسيون4.
3- السيرة العلمية للمؤلّف طلبه العلم: نشأ ابن عبد الهادي منذ صغره في مدينة دمشق وسط جو علمي في عصر يعج بالعلماء، والبيت الذي ترعرع فيه ابن الهادي في بلدته بيت علم وصلاح كما أسلفنا عند ذكر أسرته1. وقد بدأ ابن عبد الهادي طلبه للعلم مبكراً كغيره من أبناء عصره، فتعلم مبادئ القراءة في الكتاتيب، وتفقه بأبيه وجده، ثم عكف على طلب العلم فقرأ القرآن وكذا الحديث على جماعة من شيوخ عصره وفي مدارس دمشق2، وما زال مجدّاً في الطلب حتى سمع من كبار علماء دمشق، عند ذلك اشتاقت نفسه للرحلة خارج دمشق كما هي عادة غالب طلاب العلم. رحلاته: مع أن دمشق أحد مراكز العلم في عصر المؤلف، لما تتسم به من كثرة العلماء والشيوخ، ومدارس العلم، إلا أن ابن عبد الهادي لم يكتف بالأخذ عنهم، بل أراد الرحلة خارج بلده، والاستزادة من علماء البلاد الأخرى، وهذا دأب معظم طلاب العلم، فالرحلة عندهم أمر لا بد منه، وقد مضى ابن عبد الهادي على طريقة من سبقه من أهل العلم، فأكثر الرحلة إلى البلاد الأخرى حيث وصفه تلميذه ابن طولون بـ: (الرُّحلَة) 3، وقد صرحت
المصادر: أنه رحل إلى بعلبك1 فقرأ بها على أبي حفص ابن السلمي، وخلقٍ من أصحاب ابن الرعبوب، وقرأ ثمة (صحيح البخاري) ، و (مسند الحميدي) ، و (المنتخب لعبد بن حميد) ، و (مسند الدارمي) ، وتفقه بالشيخ ابن قندس2. ورحل أيضاً إلى مدينة (نابلس) 3 وتكلم على حماماتها وحكم الإيقاد فيها4. وحج سنة ثمان وتسع مئة كما ذكر السخاوي5. مكانته العلمية وثناء العلماء عليه: إن خير ما يصور منْزلة ابن عبد الهادي العلمية، وأثره الإصلاحي، هو آثاره الكثيرة التي خلّفها، وما لقيته من اهتمام العلماء والدارسين بها في العصور المُتعاقبة. ويُضَمُّ إلى هذا سيرة ابن عبد الهادي العلمية وثقافته العالية، ذات الوجوه المتعددة التي أخرجت هذه الثمار الوافرة، فكان حافظاً بارعاً، ومحدثاً جهبذاً، وفقيهاً عارفاً، ومؤرخاً جامعاً، ولغوياً متمكناً من العربية، وكان حافظاً جيداً لأسماء الرجال وطرق الحديث. ولا عجب في ذلك فإن منشأه في الوسط العلمي الذي تحدثنا عنها آنفاً،
وما أعطاه الله من عمر مباركٍ مديد يقرب من السبعين قضاه في العلم والتعلم والتأليف والكتابة من شأنه أن يبلغ صاحبه بتوفيق الله هذه المكانة الرفيعة1. ونظراً لما لابن عبد الهادي من مكانة علمية في نفوس العلماء، وما يتمتع به من سعة العلم وقوة الحفظ، فقد أثنى عليه كثير من علماء عصره ومن جاء بعدهم من العلماء. قال فيه عصريه عبد القادر النعيمي (ت: 927هـ) : "الشيخ العالم المصنف المحدث"2. وقال تلميذه ابن طولون: "وهو الشيخ الإمام علم الأعلام المحدث الرحلة العلامة الفهامة العامل المتقن"3. ووصفه محمّد بن محمّد نجم الدين الغزي (ت: 1061هـ) بقوله: "الشيخ الإمام العلامة المصنف المحدث"4. ونوَّه بعلمه وفضله ابن العماد (ت: 1089هـ) فقال: "كان إماماً علامة يغلبُ عليه الحديث والفقه، يشارك في النحو والتصريف والتصوف والتفسير وله مؤلفات كثيرة"5. وقال محمّد بن محمّد كمال الدين الغزي (ت: 1214هـ) : "هو الشيخ الإمام العلامة الهمام، نخبة المحدثين، عمدة الحفاظ المسندين، بقية السلف، قدوة الخلف، كان جبلاً من جبال العلم وفرداً من أفراد العلم، عديم
النظير في التحرير والتقرير، آية عظمى وحجَّة من حجج الإسلام كبرى، بحرٌ لا يلحق له قرارٌ، وبرّ لا يشق له غبار، أعجوبةٌ عصره في الفنون، ونادرةُ دهره، الذي لم تسمح بمثله السنون ... ، وأجمعت الأمة على تقدمه وإمامته، وأطبقت الأمة على فضله وجلالته"1. ووصفه الكتاني بقوله: "هو الحافظ جمال الدين أبو المحاسن، من أعيان محدثي القرن العاشر المشهورين بكثرة التصنيف وسعة الرواية"2. وقال الشطي (ت: 1379هـ) : "كان إماماً جليلاً عالماً نبيلاً، أفنى عمره بين علم وعبادة وتصنيف وإفادة"3. عقيدته: كانت عقيدة ابن عبد الهادي هي ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وأهل الحديث، فهو أحد العلماء الذين عرفوا بصفاء العقيدة والسير على مذهب السلف، ولا أدل على ذلك من كتابه: (تحفة الوصول إلى علم الأصول) 4، الذي ألفه في اعتقاد أهل السنة والجماعة وهو كتاب مختصر شامل لجميع أبواب العقيدة، وكذا كتابه: (جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر) 5 الذي ردّ به على ابن عساكر؛ لأنه مدح الأشعرية، وقرر فيه عقيدة أهل الحديث، وكذا أقواله المتفرقة في ثنايا كتبه التي
قرر فيها عقيدة السلف، فمن أقواله: - رحمه الله -: "والإيمان: تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان"1. ونقل قول محمّد بن إسحاق بن خزيمة: "من لم يقل إن الله في السماء على العرش استوى ضربت عنقه وألقيت جثته على مزبلة بعيدة عن البلد حتى لا يتأذى بنتن ريحها أحد من المسلمين ولا من المعاهدين"2. وقال: "قال الإمام اللالكائي: "سياق ما جاء في قول الله عزوجل: {الرَّحمنُ على العرشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، وأن الله على عرشه في السماء، قال: وهو قول عمر وابن مسعود، وأحمد بن حنبل"3. وقال ناقلاً كلام ابن بطة في رده على المعتزلة: " ... وأنكروا أن يكون لله يدان مع قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَديَّ} [ص: 75] ، وأنكروا أن يكون لله عينان مع قوله: {تجْري بِأعْيُننا} [القمر: 14] ، ولقوله: {ولِتُصْنع على عَيْني} [طه: 39] . ونفوا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "إن الله ينْزل إلى السماء الدنيا ... " 4، فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة، والقدرية، والجهمية، والحرورية، والرافضة، والمرجئة فعرفونا قولكم الذي تقولون، وديانتكم التي بها تدينون، قيل له: قولنا الذي به نقول وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة، والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما
كان عليه أحمد بن حنبل قائلون"1. مذهبه: ترعرع الجمال يوسف بن عبد الهادي في أسرة علمية، تمذهبت بالمذهب الحنبلي، وكان لها الأثر الكبير في نشر هذا المذهب في مدينة دمشق بعد قدومهم من بيت المقدس. فلا غرابة أن يكون ابن عبد الهادي أحد المتمسكين بمذهبه، فقد تفقه بأبيه وجدّه2، وغيرهما من علماء الحنابلة، وحفظ (المقنع) ، و (الطوفي) 3 وغيرهما من كتب الحنابلة، وجد وثابر حتى أصبح من كبار علماء الحنابلة. شيوخه: تلقى ابن عبد الهادي العلم عن أعلام من شيوخ عصره، وساعده تبكيره في طلب العلم، وشغفه العلمي، ونهمه المتواصل على الاستفادة منهم، وحفاوة أسرته به، وتشجيعهم إياه، وكون والده من أهل الفقه، والبيئة التي نشأ بها، كلّ هذه الأسباب ساعدت ابنَ عبد الهادي على أن يتحمل مثل هذا العلم الوافر الغزير، وأن يصبح عالماً ماهراً، فقيهاً، ومؤرخاً جامعاً. وسأكتفي بذكر أهم شيوخه الذين كان لهم الأثر في تكوينه العلمي والثقافي، مع ترجمة موجزة لكل واحد منهم، وهم: 1- أحمد البغدادي، إمام المدرسة ويعرف بـ: (الإمام) ، كان يؤم بمدرسة
شيخ الإسلام أبي عمر، وخطب بجامع المظفري مدة، كان ذا دين وروع، وزهد، وإلمام بالفقه والحديث والقراءات، أخذ عن ابن عباس اللحام وغيره، وللمؤلف منه إجازة. توفي في شهر جمادى الأولى سنة إحدى وستين وثمان مئة (861هـ) 1. 2- أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف بن قندس تقي الدين البعلي ثم الصالحي الحنبلي، قرأ القرآن وسمع على الشيخ التاج بن بردس وغيره، وتفقه في المذهب الحنبلي فحفظ: (المقنع) وأخذ الأصول على ابن العصياني، ثم اشتغل بالتدريس في مدرسةالشيخ أبي عمر، أخذعنه مجموعة من علماء المذهب منهم: العلاء المرداوي، وتقي الدين الجراعي، وقرأ عليه ابن عبد الهادي (المقنع) ،له مصنفات منها: (حاشية على المحرر) ، و (حاشية على الفروع) . توفي سنة إحدى وستين وثمان مئة (861هـ) 2. 3- زين الدين بن الحبال: هو عبد الرحمن بن إبراهيم بن يوسف بن الحبال، أبو الفرج الحنبلي، المقرئ الفقيه، أخذ عن ابن ناصر الدين وغيره، حفظ الخرقي والملحة وغيرهما، واشتغل في (مختصر الخرقي) ، و (المقنع) ، و (المحرر) ، و (العمدة) وغير ذلك من كتب المذهب. قال ابن عبد الهادي: "قرأت عليه في القرآن وجميع (المقنع) ، و (البخاري) ، و (مسلم) ، و (أربعين ابن الجزري) ، وغير ذلك". توفي بمرض البطن سنة ست وستين وثمان مئة (866هـ) 3.
4- شهاب الدين أحمد بن محمّد بن عيسى أبو العباس الفولاذي الدمشقي الشافعي، قرأ القرآن على عثمان الحداد، وتفقه بالجمال الطيماني، وأخذ العربية والأصول عن محمّد المدني وغيره، حفظ الحاوي، والألفية، والمنهاج الأصلي، تصدى لإقراء الفقه، وأخذ عنه السخاوي، وابن عبد الهادي وغيرهم. توفي سنة سبع وستين وثمان مئة (867هـ) 1. 5- محمّد بن عبد الله بن نجم الصفي أبو عبد الله الدمشقي الصالحي الحنبلي، قرأ القرآن عند الزين عبد الرحمن بن بوري، وتفقه بأبي شعر وغيره، أخذ عنه ابن عبد الهادي، وقرأ عليه: (جزء الجمعة الثاني) ، و (ثلاثيات البخاري) ، وغير ذلك. كان صاحب عبادة وزهد معظماً لمذهب الإمام أحمد مستمسكاً بفروعه وأصوله حسن الاعتقاد، معظماً لشيخ الإسلام ابن تيمية. توفي سنة تسع وستين وثمان مئة (869هـ2. 6- عمر اللؤلؤي المقرئ المجود زين الدين، أخذ عن عائشة بنت عبد الهادي، وابن عروة وغيرهما، أخذ عنه ابن عبد الهادي وقرأ عليه: (ثلاثيات البخاري) ، و (الزهد) لأحمد، و (مسند عبد بن حميد) ، وغير ذلك، وكان محبّاً لشيخ الإسلام ابن تيمية، قال ابن عبد الهادي: "وهو الذي كنا نتأدب به". توفي سنة ثلاث وسبعين وثمان مئة (873هـ) 3. 7- تقي الدين الجراعي: هو أبو بكر بن زيد بن أبي بكر الجراعي ثم الدمشقي الصالحي، قرأ القرآن ومختصر الخرقي وبعض ألفية ابن مالك.
عند يحيى العبدوسي ثم قدم دمشق وأخذ عن التقي ابن قندس الفقه وأصوله، والعربية، والمعاني والبيان، أخذ عنه صالح ابن عمر البلقيني، وجلال الدين المحلي، وابن عبد الهادي. وقرأ عليه: (المقنع) . توفي سنة ثلاث وثمانين وثمان مئة (883هـ) 1. 8- علاء الدين المرداوي: هو علي بن سليمان بن أحمد المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي حفظ القرآن، وأخذ عن الشهاب أحمد المرداوي، وقرأ (المقنع) على أبي الفرج الطرابلسي، ولازم ابن قندس حتى انتفع به وقرأ عليه (المقنع) و (مختصر الطوفي) و (ألفية ابن مالك) ، أخذ عنه بدر الدين السعدي وابن عبد الهادي حيث قرأ عليه غالب (المقنع) وغالب (الطوفي) . توفي سنة خمس وثمانين وثمان مئة (885هـ) 2. 9- فخر الدين عثمان بن علي التليلي الحنبلي، أخذ عن الحافظ ابن حجر، وعلي بن عروة، وابن الطحان وغيرهم، وأخذ عنه ابن عبد الهادي حيث قرأ عليه جزء المنتقى من (مسند الإمام أحمد) ، ومواضع من كتاب: (المقنع) . توفي سنة اثنتين وتسعين وثمان مئة (892هـ) 3. هؤلاء هم أشهر مشايخ ابن عبد الهادي الذين تلقى عنهم العلم، كما أخذ الحديث عن جماعة كبيرة من تلاميذ الحافظ ابن حجر، وابن العراقي، وابن البالسي، وجمال الدين ابن الحرستاني، والصلاح بن أبي عمرو،
والحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي وغيرهم1. وقد أجاز له من مصر الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمان مئة (852هـ) ، والشهاب الحجازي المتوفى سنة خمس وسبعين وثمان مئة (875هـ) ، وغيرهما2. تلاميذه: لقد كان لشغف ابن عبد الهادي بالعلم ومحبته له، وهمته العالية في تتبع العلماء والأخذ عنهم أثرٌ بالغٌ في جعله من أوعية العلم، ورائداً من رواده، وممن يشار إليهم بالبنان في ذلك العصر، فأصبح الحافظ الكبير، والفقيه المتقن، والمصنف المكثر الذي يؤمُّه طلبة العلم من كل بلاد الإسلام، يرحلون إليه ليسمعوا منه، وليتفقهوا على يديه، وينتفعوا من زهده وصلاحه، وقد عُمِّرَ ما يقرب من سبعين سنة حتى سمع منه أبناؤه وعدد هائل من أهل العلم من مختلف البلاد الإسلامية. وسأكتفي بذكر أبرز تلاميذه مع ترجمة موجزة لهم. 1- أحمد بن يحيى بن عطوة بن زيد التميمي النجدي، ولد في بلده العيينة ونشأ بها وقرأ على فقهائها، ثم رحل إلى دمشق لطلب العلم فقرأ على الشيخ شهاب الدين العسكري وتخرج به وانتفع، وقرأ على يوسف بن عبد الهادي في الفقه من أصول ابن اللحام وغير ذلك، وتفقه ومهر في الفقه فأجازه مشايخه وأثنوا عليه فرجع إلى بلده فصار المرجوع إليه في قطر نجد في المذهب الحنبلي،
توفي سنة ثماني وأربعين وتسع مئة (948هـ) 1. 2- أحمد بن محمّد بن شهاب الدين المرداوي ثم الصالحي، الحنبلي، المعروف بابن الديوان، قرأ على الشيخ شهاب الدين الذويب الحنبلي لبعض السبعة، وأخذ علم الحديث عن الجمال يوسف ابن الهادي وغيره، وتفقه عليه وعلى الشهاب العسكري على مذهب الإمام أحمد. توفي سنة أربعين وتسع مئة (940هـ) 2. 3- أحمد النجدي - أيضاً - قال ابن عبد الهادي: "قرأ عليّ في المقنع وغيره"3. 4- محمّد بن عليّ بن محمّد بن طولون الصالحي الدمشقي الحنبلي، إمام مسند مؤرخ، قرأ على ناصر الدين بن رزيق، والسراج بن الصيرفي، ويوسف بن عبد الهادي وغيرهم. كان ماهراً في النحو والفقه والحديث، أخذ عنه الشهاب الطيْبِي، وإسماعيل النابلسي، والزين بن سلطان وغيرهم. له مؤلفات منها: (مفاكهة الخلان في حوادث الزمان) ، و (القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية) . توفي سنة ثلاث وخمسين وتسع مئة (953هـ) 4. 5- الماتاني: هو نجم الدين بن حسن الشهير بالماتاني الصالحي الحنبلي، إمام عالم فقيه محدّث، أخذ الحديث عن الشيخ أبي الفتح المزي ويوسف
بن عبد الهادي وغيرهما. ذكره ابن العماد في سياق مسنده للحديث المسلسل بالحنابلة والذي يقال له: (سلسلة الذهب) ، جاء فيه: " ... عن النجم عن حسن الماتاني الحنبلي قال: ثنا أبو المحاسن يوسف بن عبد الهادي ... ". توفي سنة ستين وتسع مئة (960هـ) 1. 6- فضل بن عيسى النجدي، قال ابن عبد الهادي: "صاحبنا قرأ عليّ (المقنع) وغيره، ذا دين وفضل كاسمه. توفي سنة اثنتين وثمانين وثمان مئة بالصالحية2. 7- أحمد بن عثمان الحوراني القنواني. 8- مفلح بن مفلح المرداوي. 9- موسى بن عران الجماعيلي. أجاز لهؤلاء أبو المحاسن بروايته عنه كتابه: (معارف الأنعام في فضل الشهور والصيام) 3. 10- زين الدين عبد الرحمن بن شهاب الدين الجوزي. 11- إبراهيم بن أحمد بن يوسف. 12- أحمد بن عليّ بن محمّد الشعراني. أجاز أبو المحاسن لهؤلاء أن يرووا عنه كتابه: (فضل لا حول ولا قوة إلا بالله) 4. كما كان من عادته أن يجمع نساءه وأولاده ومواليه في بيته، ويقرأ عليهم مؤلفاته ويجيزهم بها، فقد سمع منه كتابه: (غراس الآثار ... ) كل من
ابنه حسن قال: "وجعل ينام في بعضه"، وولد ابن عمه عمر، وأولاده عبد الله وأخته فاطمة وأمها جوهرة بنت عبد الله الحسينية، وأم ابنه حسن بلبل بنت عبد الله ومولاته حلوة1. وكذا كتابه: (تهذيب النفس ... ) سمع منه ابنه عبد الهادي، وأخوه عبد الله، وأمه جوهرة، وأم ولده بلبل بنت عبد الله، ومولاته حلوة بنت عبد الله2. مؤلفاته: كان لدى ابن عبد الهادي همة عالية، ومثابرة عظيمة لتأليف الكتب، فقد كتب مؤلفات كثيرة في كثير من الفنون، وهي ما بين أجزاء صغيرة، ومجلدات كبيرة. وقد أوصل بعض من ترجم له مؤلفاته إلى أكثر من أربع مئة مؤلف. قال تلميذه ابن طولون: "وأقبل على التصنيف في عدة فنون حتى بلغت أسماؤها مجلداً رتبها على حروف المعجم، وكان الغالب عليه فن الحديث"3. وقال ابن الغزي العامري: "وله من التصانيف ما يزيد على أربع مئة مصنف وغالبها في علم الحديث والسنن"4. وقال ابن العماد: "وله مؤلفات كثيرة، وغالبها أجزاء"5.
وسأقوم بذكر كتبه المطبوعة ثم المخطوطة مرتبة حسب حروف المعجم، مع ذكر أماكن وجودها، إن وجدت1. أ- الكتب المطبوعة: 1- إتحاف النبلاء بأخبار وأشعار الكرماء والبخلاء2. 2- الإعانات على معرفة الخانات3. 3- بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أم ذم4. 4- برق الشام في محاسن إقليم الشام5. 5- ثمار المقاصد في ذكر المساجد6. 6- الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد7.
7- كتاب الحسبة1. 8- الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي2. 9- الدرة المضية والعروس المرضية والشجرة النبوية والأخلاق المحمّدية3. 10- دفع الملامة في استخراج أحكام العمامة4. 11- الشجرة النبوية في نسب خير البرية صلى الله عليه وسلم5. 12- كتاب الطباخة6. 13- عدة الملمات في تعداد الحمامات7. 14- العقد التمام فيمن زوجه النّبِي صلى الله عليه وسلم8. 15- القواعد الكلية والضوابط الفقهية9. 16- معجم الكتب10. 17- مغني ذوي الإفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام11.
18- نزهة الرقاق في شرح حالة الأسواق1. ب- الكتب المخطوطة: حرف الألف (الهمزة) : 1- الابتهاج2. 2- الإتقان في أدوية اللثة واللسان. 3- الإتقان لأدوية اليرقان3. 4- اثنان وأربعون حديثاً4. 5- الآثار المرهونة. 6- إجابة السائل عن كتب النبي صلى الله عليه وسلم5. 7- إجازات من يوسف بن عبد الهادي لعبد الرحمن بن شمس الدين الكتبي ببعض مسموعاته ومروياته6. 8- إجابة السائل الحديث. 9- إجماع الأمة. 10- أحاديث ابن عبد الهادي7. 11- احتساب الكاغد والحبر8.
12- أحكام الترياق. 13- أحكام الذارع. 14- آداب الحمام وأحكامه. 15- الأحاديث الرجبية1. 16- الأحاديث المئة2. 17- الأحاديث المسطورة3. 18- أخبار الأخوان عن أحوال الجان4. 19- أخبار الأذكياء5. 20- أخبار الشهداء6. 21- أخبار وأشعار متفرقة7. 22- الأخبار الملتقطة في أخبار السراج. 23- الأخبار والعصابة الآثمة. 24- اختصار أحوال القيامة8. 25- الاختيار في بيع العقار9. 26- أدب الدعاء10.
27- أدب المريض. 28- الآداب الصغرى. 29- الأدب الكبير1. 30- الأدوية المفردة للعلل المعقدة2. 31- الأدوية الوافدة على الحمى الباردة3. 32- الأذكار4. 33- أربعون حديثاً5. 34- أربعين الأحمدين6، 35- أربعين أسماء المهاجرين، 36- أربعين الإمام أحمد، 37- أربعين أنس، 38- الأربعين في أعمال البر، 39- أربعين أبي يعلى، 40- أربعين جابر، 41- الأربعين بأربعة أسانيد، 42- أربعين أبي حنيفة، 43- أربعين الأنصاري، 44- أربعين عن أربعين، 45- أربعين الحميدي، 46- أربعين الحجار، 47- أربعين ابن حجر، 48-أربعين الحافظ عبد الغني، 49-أربعين أبي بكر،50- الأربعين بسند واحد، 51- الأربعين بسندين، 52- أربعين التوحيد، 53- أربعين الزبير، 54- أربعين سعد، 55- أربعين
أبي عبيد، 56- أربعين الشيخ أبي عمر، 57-أربعين ابن الجوزي، 58- الأربعين الحرستانية، 59- الأربعين الدمشقية، 60- أربعين الخلفاء، 61- أربعين ابن تيمية، 62- أربعين الترمذي، 63- أربعين الدارمي، 64- الأربعين الزاهرة، 65- أربعين زينب بنت الكمال، 66- الأربعين البغدادية، 67- أربعين السراج، 68- أربعين سلمة، 69- أربعين السليمي، 70- أربعين ابن أبي شيبة، 71- أربعين صحيح مسلم، 72- الأربعين الصالحية، 73- الأربعين في صفات رب العالمين،74-أربعين ضياء، 75- أربعين طلحة، 76- أربعين الطبراني، 77- أربعين عبد بن حميد، 78- أربعين من عوالي جدة، 89-أربعين عائشة،80-أربعين عمر،81-الأربعين العوالي، 82- أربعين الشيخ عبد القادر، 83- أربعين عبد الرحمن بن عوف، 84- أربعين عثمان، 85- أربعين علي، 86- أربعين عبد الله بن أحمد، 87- أربعين المسلسلة بالعوالي، 88- أربعين القاضي سليمان، 89- أربعين القاضي أبي بكر،90-الأربعين في فضل الأربعين،91-أربعين ابن الفراء،92- الأربعين المختارة، 93- الأربعين المسلسلة بالأحمدين، 94- الأربعين المسلسلة بالمحمدين، 95- الأربعين المسلسلة بالقضاة، 96- الأربعين المسلسلة بالوصف، 97- الأربعين المخصوصة، 98- أربعين أبي مصعب، 99-الأربعين المختارة من البخاري، 100- أربعين المزي، 101- أربعين ابن المحب، 102- الأربعين المغنية عن المئين، 103- أربعين مسدد، 104- أربعين المجد بن تيمية، 105- الأربعين المكية، 106- الأربعين المختارة من مسند أبي حنيفة، 107- أربعين الشيخ موفق الدين، 108- الأربعين النقلية، 109- أربعين ابن البخاري، 110- أربعين ابن ناصر الدين،111-أربعين النسائي،112-الأربعين البلدانية،113- أربعين أبي هريرة،114- الأربعين
المدنية، 115- إرشاد الأخوان، 116- إرشاد الأحياء، 117- إرشاد الحريص، 118- إرشاد الحمقى، 119- إرشاد الثقات، 120- إرشاد الحي، 121- الإرشاد والتعديل، 122- إرشاد من ظان أهله، 123- إرشاد النظر. 124- الإرشاد إلى حكم موت الأولاد1. 125- إرشاد السالك إلى مناقب مالك2. 126- إرشاد الحائر إلى علم الكبائر3. 127- إرشاد الملا إلى أن من عرف خص بالبلاء4. 128- إرشاد الفتى إلى أحاديث الشتا5. 129- إرشاد المعتمد إلى أدوية الكبد6.
130- إرشاد المنابر1. 131- إرشاد المريد2. 132- الإرشاد إلى اتصال بانت سعاد بزكي الإسناد3. 133- الاقتباس مشكل سيرة ابن سيد الناس4. 134- استحباب تتريب الكتاب5، 135- إزالة الضجر، 136- أشعار ابن عبد الهادي، 137- أشعار شيخنا الباعوني، 138- الأشعار وبعض الحكايات الملتقطة من الأفواه، 139- أشراط الساعة، 140- الأسئلة الفائقة، 141- أسوأ الحال، 142- أشغال البال، 143- إظهار الأسرار والأخبار، 144- الأعلام، 145- الأفواه، 146- اقتراب الساعة. 147- الإقناع في أدوية القلاع6. 148- الأمثال7، 149- إمساك قول القول، 150- الأمور المهمة، 151- أنيس النفوس، 152- الاهتمام وحسن العبارة، 153- إيضاح
أقوى المذهبين، 154- إيضاح كذب المفترين الفجرة، 155- إيضاح المشكل. 156- الاستعانة بالفاتحة على نجاح الأمور1. 157- أسماء بعض النباتات ومعانيها2. 158- الإغراب في أحكام الكلاب3. 159- أوراق في التصوف4. 160- إيضاح القضية بمعرفة الأدوية القلبية5. 161- إيضاح المقالة في ما ورد بالإمالة6. 162- إيضاح طرق الاستقامة في بيان أحكام الولاية والإمامة7.
حرف الباء: 163- البردة والأشربة المعروفة1، 164- بردة الزبيرة، 165- البشارة بالخزي والنار، 166- بعض مسموعاته، 167- البغية العليا، 168- بغية الحثيث في فضل أهل الحديث2، 169- بلغة الحبيب، 170- البلاء بحصول الغلاء،171- بيان الشبه والتزاميك، 172- بيان فضيلة شهر نيسان. 173- بلغة الآمال بأدوية قطع الإسهال3. 174- البيان لبديع خلق الإنسان4. 175- بيان القول السديد في أحكام تسري العبيد5. حرف التاء: 176- التاج الملكي والعسس6، 177- التبيين وكمال الدين، 178- التجديد في القضاء، 179- التجريد، 180- التحدث والنبأ، 181- التحذير،182-تحريم الحالف، 183- تحفة الأخوان، 184- تحفة المنظر.
185- تحفة الوصول إلى علم الأصول1. 186- تخريج أحاديث المقنع2، 187- تدارك المفرط. 188- تذكرة الحفاظ الأيقاظ3. 189- التخريج الصغير والتحبير الكبير4. 190- التمهيد في الكلام على التوحيد5. 191- التشديد على النساء6، 192- التصريح، 193- التصحيح المصدق، 194- تفريج القلوب، 195- التقريب في إحياء الدين، 196- التقرير وطلب الزرق من الخبايا، 197- تعجيل المنفعة. 198- تعريف الغادي ببعض فضائل أحمد بن عبد الهادي7. 199- تعريف المجروح بما يدمل القروح8.
200- التغريد بمدح السلطان السعيد أبي النصر أبي يزيد1. 201- تمام النوال في أدوية الطحال2. 202- تنبيه الإنسان3، 203- تنبيه المنتبه، 204- التواضع والنشر. 205- التواعد بالرجم والسياط لفاعل اللواط4. 206- التيسير والطبّ الروحاني5، 207- تخريج المقنع. 208- تخريج حديث: (لا ترد يد لامس) 6. 209- تهذيب النفس للعلم وبالعلم7. 210- تاريخ الصالحية8. حرف الثاء: 211- الثلاثين المروية عن أحمد في صحيح مسلم9، 212- ثلاثين
الطبراني الأوسط. 213- الثمار الشهية الملتقطة من آثار خير البرية1. 214- الثقات2، 215- الثغر الباسم لتخريج أحاديث أبي القاسم، 216- الثمرة الرائعة. حرف الجيم: 217- جامع العلوم3، 218- جامع الفوائد، 219- جبل قاسيون، 220- جزء طالوت. 221- جزء من تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر4. 222- جزء المصاحف5. 223- جزء أحاديث وأشعار وحكايات منتقاة6. 224- جزء في الرواية عن الجن وحديثهم7. 225- جزء فيما عند الرازي من حديث أحمد وغيره8.
226- جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر1. 227-جمع العدد2.228-جواب اللاس ونزهةالقرطاس وصرف الحراس. 229- جواب بعض الخدم لأهل النعم عن تصحيف حديث احتجم3. 230- جواب في سؤال النصر4. 231- جواز التحديث والتنويه5، 232- جواز الزيادة، 233- جواهر الدرر، 234- جواهر اللغات. 235- الجول على معرفة أدوية البول6.
236- الجوهر النفيس1، 237- جوهرة الزمان، 238- جلاء الدين. 239- جزء تخريج أحاديث الشتاء2. 240- جمع الهوامع3. 241- جزء فيما عند المؤلف في مجالسة السبعة عن أحمد والشافعي ومالك4. حرف الحاء: 242- الحجة والأخبار5، 243- حديث أبي ثابت. 244- حديث الخشكنانك6. 245- حديث في الصحيحين عن الإمام أحمد7. 246- حديث علي بن جعد8، 247- حديث العصيدة، 248- الحزن
والكمد، 249-حسن السير،250- حسن الكد والإنذار، 251- حسن المقال، 252- الحظ الأسعد، 253- حكايات الأفواه، 254- الحكايات الجمة، 255- الحكايات السارة، 256- الحكايات المختارة، 257- الحكايات المنثورة، 258- حلاوة السير. حرف الخاء: 259- خبر أبي الفضل، 260- خبر المقالة، 261- الخمسة الإسكندرية، 262- الخمسة الإنطاكية، 263- الخمسة البيروتية، 264- الخمسة التلتياثية، 265- الخمسة الجيلية، 266- الخمسة الجليلية، 267- الخمسة الحردانية، 268- الخمسة الحورانية، 269- الخمسة الدمياطية، 270- الخمسة السرمدية، 271- الخمسة السوسية، 272- الخمسة العسقلانية، 273- الخمسة العكاوية، 274- الخمسة العين ترماوية. 275- الخمسة العمانية (عمان البلقاء) 1. 276- الخمسة الفلسطينية2، 277- خمسة القابون، 278- خمسة اللاذقية، 279- الخمسة المحصورة، 280- الخمسة الملطية، 281- الخمسة النابلسية، 282- الخمسة الهيتية، 283- الخمسة اليمانية، 284- الخمسة الباقونية، 285- الخمسة الكهفية، 286- الخمسة النيربية، 287- خمسة وادي محسر.
288- خواص الحمام وفصول القولنج والسموم1. حرف الدال: 289- الدرر الكبير2، 290- الدر النفيس في أصحاب محمّد بن إدريس، 291- الدعاء والذكر. 292- دواء المكترب بعضة الكلب الكَلِب3. 293- الدرر البهية المنتقاة من ألفاظ الأئمة المرضية4، 294- دواء المصيبة. حرف الذال: 295- الذل والخمول5، 296- ذم التعبير وآفاة الأضرار. 297- ذم الهوى والذعر من أحوال الزعر6. حرف الراء: 298- رائق الأخبار ولائق الحكايات والأشعار7.
299- الردّ على من شدّد وعسر في جواز الأضحية بما تيسر1. 300- الرّدّ على من قال بفناء الجنّة والنّار2. 301- الرّثا للصّالحات من النّساء3. 302- رسالة خانية4. 303- رسالة في التّوحيد وفضل لا إله إلاّ الله5. 304- رسم الشّكل6. 305- الرّعاية في اختصار تخريج أحاديث الهداية. 306- الرّغبة والاهتمام، 307- روض الحدائق. 308- الرّياض المرنقة. 309- الرّياض اليانعة في أعيان المئة التاسعة. 310- رسالة مجمع الأصول7.
حرف الزاي: 311- زاد الأريب1، 312- زاد المعاد. 313- زيد العلوم وصاحب المنطوق والمفهوم2. 314-زهرة الحدائق ومراقي الجنان3،315-زهرة الوادي، 316- زوال البأس. 317- زوال الضجر والملالة، 318- زوال اللبس. 319- زينة العرائس من الطرف والنفائس4. حرف السين: 320- السباعيات الواردة عن سيد السادات5. 321- السبعة البغدادية6، 322- السبعة المسلسلة بالأنا، 323- السداسيات والخماسيات، 324- سر كذب المفترين.
325- سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث1. حرف الشين: 326- الشراب الزلال2، 327- شجرة بني عبد الهادي، 328- شد المحزم، 329- الشدة والبأس، 330- شر الأيام عند اقتراب الساعة، 331-شرح التحيات،332- شرح حديث قس بن ساعاة، 333- شرح الخلاصة الألفية، 334-شرح اللؤلؤ، 335- شرح المكمل، 336- شرح مقدمة التصوف، 337- شرح النخبة، 338- شد الظهر لذكر ما يحتاج إليه من الزهر، 339- شفاء الصدور، 340- شفاء العليل، 341- شواهد ابن مالك، 342- شيوخ ابن المحب. حرف الصاد: 343- الصارم المغني في الردّ على الحصني. 344- صب الخمول على من وصل أذاه إلى أولياء الله3. 345- صير المحتاج4، 346- صدق التشرف إلى علم التصوف، 347- صدق الوعود، 348- صفة اللها، 349- صرف الحواس، 350- صفات الكلب المفروت، 351- صفة المؤمن والإيمان.
352- صفة مفرج وفوائد مختلفة1. حرف الضاد: 353- الضبط والتبيين لذوي العلل والعاهات من المحدثين2. 354- ضبط من غبر فيمن قيده ابن حجر3. حرف الطاء: 355- الطب النبوي4. 356- طبائع المفردات5. 357- طب الفقراء6. 358- طبع الكرام7، 359- طرح التكلف، 360- الطواعين، 361- طوالع الترجيح، 362- الطهر والأطهار.
حرف الظاء: 363- الظفر، 364- ظلال الأسحار، 365- ظهور البيان، 366- ظهور الخبايا بتعداد البقايا، 367- ظهور السرر باختصار الدر. حرف العين: 368- عدة الرسوخ، 369- عدد الأكابر، 370- العدد والزين، 371- العسس، 372- عشرة ابن الباعوني، 373- عشرة التعقيبات، 374- العشرة الجماعيلية، 375- العشرة الحرّانيّة، 376- العشرة الحرستانية، 377- عشرة الحسن وعشرة الحسين، 378- عشرة الخطباء، 379- العشرة الدارانية، 380- العشرة الربانية، 381- العشرة الدومانية،382- عشرة السهم، 383- عشرة ابن الصدر، 384- عشرة ابن الصيفي،385-العشرة الصبرية، 386- عشرة فاطمة، 387- العشرة القدسية، 388- عشرة قصر اللباد، 389- عشرة المنظور، 390- عشرة ابن ناظر الصاحبة، 391- العشرة المسلسلة بالحنابلة، 392- العشرة المسلسلة بالحفاظ. 393- العشرة من مرويات صالح بن أحمد وزياداتها. 394-العشرة الطرابلسية1،395-العشرون بسند واحد،396- عشرون حمداني،397-العشرون الحموية،398- العشرون الحلبية، 399- عشرون
ابن الحبال، 400- عشرون الشيخ خليل، 401- عشرون ابن السني، 402- عشرون ابن الشريفة، 403- عشرون الشيخ عماد الدين، 404- عشرون اللؤلؤي، 405- عشرون ابن منحا، 406- عشرون ابن هلال، 407- العشرون اليمانية، 408- عشرون يوسف بن خليل، 409- عشرة ابن زرارة، 410- العشرة الأذرعية، 411- العشرة البرزية،412-العشرة الصيداوية، 413- عشرة الفولاذي، 414- العشرة المرداوية، 415- العشرة المزية، 416- العشرة اليونانية، 417- عشرة ولده، 418- عشرون يحيى بن مصعب. 419- عرائس الأخبار وثمار الأخبار1. 420- العطرة المنعشة2. 421- عظيم المنة بنزه الجنة3. 422- العلم عمدة المبتدئ في الفقه الحنبلي4. 423- العطاء المعجل في طبقات أصحاب الإمام أحمد بن حنبل5. 424- العهدة الأدوية المعدة6.
425- عوالي النظام1، 426- عوالي الرقة، 427- عوالي أبي بكر الشافعي،428-العصابة الآثمة،429-العمدة الرائقة،430- عين الإصابة. حرف الغين: 431- غاية السول إلى علم الأصول2. 432- غاية السول وتحفة الوصول3، 433- غاية السول وشرحه، 434- غاية النهي. 435- غدق الأفكار في ذكر الأنهار4. 436- غراس الآثار وثمار الأخبار ورائق الحكايات والأشعار5. 437- غرر الأخبار6، 438- الغلالة في مشروعة الدلالة، 439- الغليظ الشديد.
440-غرس الآثار وثمارالأخبار في روائع فنون المنون في الوباء والطاعون. حرف الفاء: 441- فائدة الحكم، 442- الفائق في الشعر الرائق. 443- فتاوى سنة اثنتين وتسع مئة1. 444- فتاوى سنة ثلاث وتسع مئة2. 445- فتاوى سنة خمس وتسع مئة3. 446- فتاوى وأسئلة فقهية4. 447-فتاوى ابن أبي الفوارس5،448-فتح الرحمن،449-فتوح الغيب. 450- الفحص والإظهار، 451- فرائض سفيان الثوري. 452- فرض الفطر، 453- الفرج بعد الشدة. 454- فصل في أدوية البهق وفوائد عامة6. 455- فصل في الأدوية المفردة7.
456- فصل فيما ينفع من داء الثعلب وفصل في الباه1. 457- فصل فيما ينفع الشرا والاستسقاء والفالج2. 458- فصل فيما ينفع الصرع والسموم3. 459- فصل فيما ينفع الفواق وما ينفع الجذام4. 460- فصل فيما ينفع القوبا5. 461- فصل فيما ينفع الكلف6. 462- فصل فيما ينفع وجع الظهر والخاصرة7. 463- فصل فيما ينفع وجه المفاصل وعرق النسا8. 464- فصول مختلفة في الطب9. 465- فصل في منافع بعض الفواكه والأزهار10. 466- فضل الأئمة الأربعة11، 467- فضل سقي الماء، 468- فضل صوم ست من شوال، 469- فضائل أبي بكر، 470- فضل السمر في ترجمة
أأبي عمر، 471- فضل السمر والعلالة، 472- فضل عاشوراء، 473- فضل العالم العفيف، 474- فضل العنب، 475- فضل قضاء حوائج الناس، 476- الفضل المسلم. 477- فضل لا حول ولا قوة إلا بالله1. 478- فضل يوم عرفة2. 479- فضيلة إنظار المعسر3. 480- فنون المنون في الوباء والطاعون4. 481- الفنون من أدوية العيون5. 482- الفوائد البديعة6، 483- فوائد ابن أبي الفوراس، 484- الفوائد الحسان، 485- فوائد الرفاق. 486- فوائد طبية7.
487- فوائد عامة لبعض الحيوانات1. 488-فوائد من طبقات أبي الحسين فيمن حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه2. 489- فهرست الكتب3. حرف القاف: 490- قرة العين في مناقب السبطين4. 491- قصيدة في مدح السلطان محمّد بن عثمان5. 492- قضاء النهمة6. 493- القطرة المنعشة7. 494- قواعد فقهية8. 495- القواعد الكلية والضوابط الفقهية9.
496- القول السداد1، 497- القول السديد، 498- القول المسدد والانتصار لأحمد، 499- القول العجب والبرهان. حرف الكاف: 500- كذب المفترين الفجرة، 501- كراريس وأجزاء مختلفة. 502- كشف الغطاء عن محض الخطأ2. 503-كشف اللبس3،504-الكفاية،505-الكلام على حديث المزرعة. 506- الكمال في أدوية المصدر والسعال4. 507- كمال الإصغاء إلى معرفة أدوية الأمعاء5. 508- كمال الزينة6. حرف اللام: 509- لائق المعنى، 510- لذة الموت، 511- لفظ الفوائد المختارة.
512- اللثق في أدوية الخلق1. 513- لقط السنبل في أخبار البلبل2. حرف الميم: 514- ما رواه البخاري عن أحمد وسبب إقلاله3، 515- ما ورد في يوم الثلاثاء، 516- ما ورد في يوم الأربعاء، 517- ما في كلام أكمل الدين من الإشكال،518-ما ورد من مهور الحور العين،519- المتحابين، 520- مجالس ابن البحري، 521- المجتنى من الأثمار. 522- مجموع من الأحاديث الشريفة4. 523- مجموع من الأحاديث الشريفة5. 523- مجموع من الأحاديث الشريفة6. 524- مجموع من الأحاديث الشريفة7.
525- مجموعة من التراجم1. 526- مجموعة من التراجم والشعراء2. 527- محض البيان في مناقب عثمان3. 528- محض الخلاف في مناقب سعد بن أبي وقاص4. 529- محض الشيد في فضائل سعيد بن زيد5. 530- محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب6. 531- مختصر ذم الهوى7، 532- مختصر البيان، 533- مختصر من شفاء الغليل، 534- مختصر النبات، 535- مرآة الزمان في أوهام المشايخ الأعيان، 536- مراقي الجنان بقضاء حوائج الأخوان، 537- مرويات جوير، 538- مرويات شيخنا ابن هلال، 539- مرويات الكرسي، 540- مرويات مقرا، 541- المسائل النجدية، 542- مسألة أولاد المشركين، 543- مسألة الحيض، 544- مسألة ذبائح أهل الكتاب، 545- المسألة الدمشقية، 546- مسألة إجازة المشغول، 547- المسألة الفياوية، 548- المسألة العبيدية، 549- مسائل
الصيد، 550- المسائل الشمالية، 551- مسائل ابن هاني عن أحمد، 552- المستجاد، 553- المسلسلة بالأسماء، 554- المسلسلة الدمشقية، 555- المسلسلة بالعاهات، 556- المسلسلة بالكوفة. 557- المسلسلات بالمحمّدين. 558- مسائل فقهية وأجوبتها1. 559- مشاكلة النمط في تهذيب الملتقط2. 560- المشتبه في الطب3. 561- المشيخة الكبرى4. 562- المشيخة الوسطى5. 563- المعارج6، 564- معجم الضياء، 565- المعجم الكبير، 567- معجم الصنائع، 567- معجم البلدان، 568- الميل والخير العجل،569- معجم لمشايخه. 570- معجم تراجم الشوافعة7.
571- معاجين وسفوفات ومنافع عامة1. 572- معرفة الأصول البشيشة2. 573- المعدة والولوع3، 574- المغني عن الحفظ والكتاب. 575- المطول في تاريخ القرن الأول4. 576- مقامة الأمان5، 577- مقامة لائقة. 578- مقبول المنقول من علمي الجدل والأصول6. 579- مقدمة التصوف7، 580- الملتقط، 581- المنار، 582- مناقب الإمام أحمد، 583- مناقب أبي عبيدة، 584- مناقب أبي حنيفة، 585- مناقب الزبير، 586- مناقب سعد وسعيد، 587- مناقب الشافعي، 588- مناقب طلحة، 589- مناقب عبد الرحمن بن عوف، 590- مناقب عليّ، 591- مناقب مالك، 592- المنتخب من مشيخة ابن طرخان، 593- المنتقى من البخلاء، 594- المنديل والصابون، 595- من صفة المؤمن والإيمان، 596- من
أحاديث مسانيد أبي حنيفة، 597-المنتخب من معجم أبي العز،598-المنهاج،599- المنهل الأهنى. 600- الميرة في حل مشكل السيرة1. 601- المرتعى في علم الدعاء2. حرف النون: 602- الناس وتأذى الأبرار3، 603- النافع في الطب والمنافع، 604- النبذة المرضية، 605- نبذة من سيرة الشيخ تقي الدين. 606- نتف الحكايات والأخبار ومستطرف الآثار والأشعار4. 607- النجاة بحمد الله5. 608- نزهة المسامر في أخبار مجنون بني عامر6.
609- النصيحة المسموعة في أدوية العلقة المبلغة1. 610- النشاط2، 611- نفحات نسيم الأنس، 612- الندب والنياحة، 613- نقل الرواة، 614- النكت، 615- نهاية المرام، 616- النهاية في اتصال الرواية. 617- النصيحة في تخريج أحاديث النواوية بالأسانيد الصحيحة. حرف الهاء: 618- هدايا الأحباب وتحف الإخوان والأصحاب3. 619- هداية الإخوان لمعرفة أدوية الآذان4. 620- هداية الأشراف لمعرفة ما يقطع الرعاف5. 621- هداية الإنسان إلى الاستغناء بالقرآن6. 622- الهدية إلى المسائل الخفية7.
حرف الواو: 623-الواسطية1،624-وجه القول السديد،625-وجوب إكرام الجد، 626- الوصايا المهدية، 627- الوصلة إلى الحبيب في وصف الطيبات والطيب،628-الوعد بالضرب والفراق،629-وفاء العهود بأخبار اليهود. 630- وفاة النبي صلى الله عليه وسلم2. 631- وقوع البلاء بالبخل والبخلاء3. 632- الوقوف والتشديد4، 633- الوقوف على لبس الصوف. حرف الياء: 634- ياقوتة العصر.
4- التعريف بالكتاب أوّلاً: تحقيق اسم الكتاب وتوثيق نسبته للمؤلف، وتاريخ تأليفه: اسم الكتاب: هو: (محض الصّواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب) ، هذا ما صرح به أبو المحاسن في مقدمة الكتاب حيث قال: "وسمّيته كتاب: (محض الصّواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب) ... "1، وهو ما دونه على طرة الكتاب بخط يده. نسبة الكتاب للمؤلف ليس ثمة ما يوجب الشك بأن الكتاب (محض الصّواب) ليوسف ابن عبد الهادي للأسباب التالية: أ- على جلدة الكتاب الذي بين يدي العبارة التالية: (محض الصّواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، جمع يوسف بن حسن بن عبد الهادي) . بخط المؤلف. ب- قال العلامة ابن عبد الهادي في آخر الكتاب: "فرغ منه مؤلفه يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي"، وذلك بخطه، وفي باب المئة قال: "فإن والدي حسن بن أحمد بن حسن بن أحمد ابن عبد الهادي بن عبد الحميد"2. ج- قال العلامة ابن عبد الهادي في كتابه فهرست الكتب: "مجموع فيه
مناقب عمر، وبحر الدم كلاهما تصنيفي"1، وذلك بخطه. وهذه الأمور تدل دلالة واضحة على صحة نسبة الكتاب إلى المؤلف، ومما يؤكد ذلك أن بعض من ترجم للمصنف ذكر هذا الكتاب ضمن مؤلفاته، فقد ذكره ابن الغزي ضمن مؤلفاته التي ذكر فقال: "محض الصّواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب"2، وذكره البغدادي3 والشطي4. ومما يؤكد صحة هذه النسبة أن ابن عبد الهادي نقل في هذا الكتاب عن شيخه الحبال فقال: "قال شيخنا الشيخ زين الدين الحبال"5، وقد ثبت أن الحبال من شيوخه البارزين كما ذكر ذلك المؤلف6. ومما تقدم يمكنني الجزم بأن: (محض الصواب) من مصنفات العلامة يوسف بن الحسن بن عبد الهادي. تاريخ تأليفه: ألف ابن عبد الهادي كتاب محض الصواب في شبابه، وأنجزه وهو في السادسة والعشرين من عمره وذلك سنة 866هـ (مولده 840هـ) ، وهذا يدل على نبوغه المبكر وولعه بالتصنيف منذ سني الشباب مع الاستعداد الكامل والذوق الرفيع.
ثانياً: موضوع الكتاب ومباحثه: تحدث المؤلف في كتابه عن سيرة عمر منذ ولادته حتى وفاته، كما يتضح ذلك من المباحث الآتية: مولده، نسبه، صفته، ذكره في التوراة، ما تميز به في الجاهلية، إسلامه، عز الإسلام بإسلامه، تسميته بالفاروق، هجرته إلى المدينة، نزول القرآن لموافقته، فضله، ما رآه عليه السلام مما يدل على فضله، فضله وفضل أبي بكر، بيان أن معرفة فضلهما من السنة، فضله على من بعده، صلابته في دين الله وشدته، خوف الشيطان منه، هيبته، قيامه ببيعة أبي بكر ومجادلته عنه، إقدامه على أشياء من أوامر الرسول، خوف الشيطان منه، عهد أبي بكر إليه ووصيته، خلافته وقول الرسول فيها، اجتماعهم على تسميته بأمير المؤمنين، أوليته مما لم يسبق إليه، خصائصه، اسمه، وكنيته، ولقبه، خضابه، خاتمه، دعاء الرسول له، فطنته وذكاؤه وفراسته، جمعه الناس في التراويح على إمام، اهتمامه برعيته وملاحظته لهم، عسُّهُ بالمدينة، غزواته مع الرسول صلى الله عليه وسلم، غزواته بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وفتوحه، تركه السواد غير مقسوم ووضعه الخراج، عدله ورئاسته، قوله وفعله في بيت المال، حذره من المظالم، ملاحظته لعماله ووصيته إياهم، حذره من الابتداع وتحذيره منه، جمعه القرآن في المصحف، مكاتبته، زهده، خوفه من الله، تعبده واجتهاده، ودعاؤه ومناجاته، كراماته، نبذة من مسانيده، كلامه في الزهد، ما تمثل به من الشعر، صدقاته ووقفه وعتقه، نبذ من مسائل اختارها، كلامه في أصول الدين، من روى عنه، الرد على من فضله على أبي بكر، (كان فيمن قبلكم مُحدِّثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر) ، طلبه للشهادة وحبه لها، نعي الجن له، مقتله، وصاياه ونهيه عن الندب، إظهار الذل عند موته، تاريخ موته
ومبلغ سنه، غسله والصلاة عليه، عظم فقده عند الناس، نوح الجن عليه، تعظيم عائشة له بعد دفنه، كلام عليّ فيه، المنامات التي رآها، المنامات التي رُئِيت له، أولاده وأزواجه، ضربه لولده على شرب الخمر، ثناء الناس عليه، محبته وثوابها، عداوته وعقابها، أنه أعلى أهل الجنة منزلة، في ذكر أنه لم يبل في قبره، في رؤيته في النوم، نبذ متفرقة فيه. ثالثاً: منهج المؤلف في الكتاب: أشار المؤلف في مقدمة الكتاب إلى المنهج الذي سار عليه حيث قال: "قد رتّبته على عدة من الأبواب" فالمؤلف قد رتب كتابه على مئة باب شملت سيرة عمر، وثمة معالم عن منهجه لم يشر إليها المؤلف، نستطيع أن نستنبطها لدى اطّلاعنا على كتابه، فمن ذلك ما يأتي: أ- اعتمد المؤلف في تكوين كتابه على ما نقله من الكتب التي سبقته، وهذا ليس بدعاً فيه، شأنه في ذلك شأن غالب الأئمة المتأخرين. ب- تعدد المصادر لدى المؤلف حيث يورد الحادثة التاريخية من عدة مصادر فمن ذلك مثلاً: مولد عمر، نقله عن الذهبي، وشارح العمدة، وابن الجوزي، ومالك1. ج- بدت شخصية ابن عبد الهادي العلمية بارزة وقوية، وذلك من خلال تعقيباته وتصويباته النفيسة لما يورده من آراء وأقوال لكبار الأئمة2.
د- استخراج الأحكام الشرعية مما يورده من آثار مروية عن عمر، ودفع ما يرد عليها من إشكالٍ أو فهم خَطَإ1. هـ يلحظ القارئ كثرة نقل المؤلف عن علماء الحنابلة ويوردها بقوله: (قال الأصحاب) ، ويصرح أحياناً بأسماء بعضهم2. و التوسع في إيراد الأحاديث والأخبار، فهو يورد الحديث من البخاري أو مسلم أو أحمد، ثم يعقب ذلك بذكر الحديث أو الأثر من مصدر نقل عن تلك المصدر3. ز- لم يعن المؤلف بالحكم على المتن أو الإسناد إلا نادراً، وأحياناً يذكر أقوال أهل العلم على الحديث أو الأثر4. ح- يذكر المؤلف بعض الفوائد اللغوية، وربما يورد الخلاف فيها، ويرجح بينها5. ط- يشرح بعض الكلمات اللغوية الغريبة6. ي- ضبط بعض الأعلام، والأسماء المشكلة7.
ق- ظهر تكرار كثير من الأحاديث والآثار، والأمثلة على ذلك كثيرة، تأملها في الكتاب، كما لجأ المصنف من حين لآخر إلى الإشارة والاكتفاء بما سبق1. رابعاً: موارد ابن عبد الهادي في كتابه: تبين لي من خلال دراستي لكتاب (محض الصواب) أن ابن عبد الهادي قد استفاد من مصادر كثيرة في كتابه، فقد اتسم مؤلفه بكثرة نقوله التي استقاها من مؤلفات نفيسة مشهورة من كتب الحديث والفضائل والزهد والرجال والفقه والتاريخ وغيرها، مما يدل على سعة اطّلاعه وطول باعه في علم الحديث والفقه والتاريخ. وقد صرح المؤلف في بعض المواضع بالأخذ من هذه المصادر، وفي بعضها لم يصرح، ولكن نص كلامه موجود في ذلك المصدر. وفيما يلي عرض مفصل للموارد التي استقى منها ابن عبد الهادي في هذا الكتاب، مرتباً أسماء مؤلفي الكتب على سني وفياتهم، مع الإشارة إلى المواضع التي ورد فيها اسم الكتاب أو المؤلف. أ- موارده المطبوعة: محمّد بن إسحاق المطلبي ملاهم المدني (ت 151هـ) . 1- السير والمغازي2. مالك بن أنس الأصبحي المدني (ت 179هـ) . 2- الموطّأ، رواية يحيى بن يحيى الليثي3. 3- الموطّأ، رواية أبي مصعب الزهري.
محمّد بن إدريس الشافعي (ت: 204هـ) . 4- المسند1. 5- الأم2. أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي (ت: 244هـ) . 7- الأموال3. محمّد بن سعد الهاشمي مولاهم البغدادي (ت: 230هـ) . 8- الطبقات الكبرى4. عبد الله بن محمّد ابن أبي شيبة العبسي (ت: 235هـ) . 9- المصنف5. خليفة بن خياط (ت: 240هـ) . 10- التاريخ6. أحمد بن حنبل الشيباني المروزي البغدادي (ت: 241هـ) .
11- المسند1. محمّد بن إسماعيل البخاري (ت: 256هـ) . 12- الجامع الصحيح2. مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت: 261هـ) . 13- الصحيح3. عمر بن شبة النميري (ت: 262هـ) . 14- تاريخ المدينة4. _ ابن ماجة: محمد بن يزيد الربعي القزويني (ت 273) .
15- السنن1. أبو داود: سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (ت: 275هـ) . 16- السنن2. بقي بن مخلد الأندلسي (ت: 276هـ) . 17- مقدمة المسند3. ابن قتيبة: عبد الله بن مسلم الدينوري (ت: 276هـ) . 18- المعارف4. الترمذي: محمّد بن عيسى بن سورة السلمي (ت: 279هـ) . 19- الجامع5. الدارمي: عثمان بن سعيد الدارمي (ت: 280هـ) . 20- الرد على بشر المريسي6. 21- الرد على الجهمية7. أبو زرعة الدمشقي: عبد الرحمن بن عمرو النصري (ت: 281هـ) . 22- التاريخ8.
ابن أبي الدنيا: عبد الله بن محمّد الأموي مولاهم البغدادي (ت:281هـ) . 23- الصمت1. النسائي: أحمد بن شعيب (ت: 303هـ) . 24- فضائل الصحابة، عشرة النساء من السنن الكبرى2. أبو يعلى الموصلي: أحمد بن عليّ التميمي (ت: 307هـ) . 25- المعجم3. محمّد بن جرير الطبري (ت: 310هـ) . 26- التاريخ4. الخرقي أبو القاسم الخرقي: عمر بن الحسين (ت: 334هـ) . 27- مختصر الخرقي5. أبو علي الصواف: محمّد بن أحمد الصواف (ت: 359هـ) . 28- الفوائد6. الطبراني: سليمان بن أحمد اللخمي (ت: 360هـ) . 29- المعجم الكبير7. محمّد بن الحسين الآجري (ت: 360هـ) .
30- أخبار عمر بن عبد العزيز1. أحمد بن جعفر القطيعي (ت: 368هـ) . 31- الزيادات على فضائل الصحابة لأحمد2. أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن جعفر بن حيان الأصبهاني المعروف بأبي الشيخ (ت: 369هـ) . 32- أحاديث أبي محمّد3. تمام بن محمّد البجلي الرازي (ت: 414هـ) . 33- فوائد تمام4. اللالكائي: أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري (ت: 418هـ) . 34- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة5. البيهقي: أحمد بن الحسين البيهقي (ت: 458هـ) . 35- السنن الكبرى6. ابن عبد البر: يوسف بن عبد الله النمري (ت: 463هـ) . 36- الاستيعاب7. البغوي: الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ) .
37- التفسير (معالم التنزيل) 1. أسامة بن مرشد الكناني الكلبي (ت: 584هـ) . 38- مختصر مناقب عمر لابن الجوزي2. ابن الجوزي: عبد الرحمن بن علي البكري الحنبلي (ت: 597هـ) . 39- التبصرة3. 40- سيرة عمر4. 41- مناقب عمر5. ابن قدامة: عبد الله بن أحمد المقدسي (ت: 620هـ) . 42- المغني6. الضياء المقدسي: محمّد بن عبد الواحد (ت: 643هـ) .
43- المختار1. النووي: يحيى بن شرف الحزامي الشافعي (ت: 676هـ) . 44- شرح صحيح مسلم2. أبو العباس ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم النميري (ت: 727هـ) . 45- مجموع فتاوى ابن تيمية3. محمّد بن أحمد الذهبي (ت: 747هـ) . 46- سير أعلام النبلاء4. 47- العلو5. ابن القيم: أبو عبد الله محمّد بن أبي بكر الزرعي (ت: 751هـ) . 48- زاد المعاد6. ابن كثير: إسماعيل بن عمر القرشي (ت: 774هـ) . 49- البداية والنهاية7. ابن رجب: عبد الرحمن بن أحمد الدمشقي الحنبلي (ت: 795هـ) . 50- أحكام الخواتم8. 51- الاستخراج لأحكام الخراج9.
ب- موارده المخطوطة: أبو الجهم: العلاء بن موسى الباهلي (ت: 228هـ) . 1- جزء أبي الجهم1. محمّد بن هارون الروياني (ت: 307هـ) . 2- المسند2. ابن البختري: محمّد بن عمرو بن البختري (ت: 339هـ) . 3- الأمالي3. أبو عمر الزاهد: محمّدبن عبد الواحد المعروف بغلام ثعلب (ت:345هـ) . 4- أحاديث أبي عمر4. أبو محمّد عبد الله بن محمّد المعروف بأبي الشيخ (ت: 369هـ) . 5- العوالي5. محمّد بن أحمد الرافقي (ت في القرن الرابع) . 6- أحاديث الرافقي6. الثعلبي: أحمد بن محمّد النيسابوري (ت: 427هـ) . 7- التفسير7.
محمّد بن سلامة القضاعي (ت: 454هـ) . 8- عيون المعارف1. إسماعيل بن محمّد الأصفهاني (ت: 535هـ) . 9- سير السلف2. أبو المفرج مسعود بن الحسن الثقفي (ت: 562هـ) . 10- الفوائد3. أبو القاسم الأزجي: تميم بن أحمد الأزجي: (ت: 597هـ) . 11- الفوائد4. ابن قدامة: عبد الله بن أحمد المقدسي (ت: 620هـ) . 12- منهاج القاصدين في فضائل الخلفاء الراشدين5. محمّد بن أحمد الذهبي (ت: 747هـ) . 13- التذهيب6. ابن جماعة: إبراهيم بن عبد الرحمن الكناني المقدسي (ت: 764هـ) .
14- فضائل الصحابة1. محمّد بن شاكر الكتبي (ت: 764هـ) . 15- عيون التواريخ2. ابن الملقن: عمر بن عليّ الأنصاري (ت: 804هـ) . 16- الإعلام بفوائد عمدة الأحكام3. ج- موارده المفقودة: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت: 157هـ) . 1- المسند4. إبراهيم بن طهمان الخراساني (ت: 168هـ) . 2- نسخة إبراهيم5. أبو معشر: نجيح بن عبد الرحمن السندي (ت: 170هـ) 6. أبو الحارث الليث بن سعد الفهمي (ت: 175هـ) . 4- حديث أبي الحارث7. الواقدي: محمّد بن عمر الأسلمي (ت: 207هـ) 8.
أبو عبيدة معمر بن المثنى (ت: 208هـ) 1. الأصمعي: عبد الملك بن قريب الباهلي (ت: 216هـ) 2. عفان بن مسلم الصفار (ت: 219هـ) . 8- أحاديث عفان الصفار3. ابن الأعرابي: محمّد بن زياد البصري (ت: 231هـ) 4. محمّد بن أحمد الغوري (ت: 239هـ) . 10- جزء ابن الغوري5. الزبير بن بكار الأسدي (ت: 256هـ) . 11- نسب قريش6. الجوزجاني: إبراهيم بن يعقوب السعدي (ت: 259هـ) . 12- شرح مسائل الشالنجي7. الأثر: أحمد بن محمّد بن هاني (ت: 273هـ) . 13- مسائل الإمام أحمد8. ابن أبي خيثمة: أحمد بن زهير الحرشي (ت: 279هـ) .
14- التاريخ1. الحكم بن معبد الخزاعي (ت: 295هـ) . 15- السنة2. محمّد بن هارون الروياني (ت: 307هـ) . 16- المسند3. أبو بكر أحمد بن محمّد الخلال (311هـ) . 17- السنة4. أبو مخلد العطار: محمّد بن مخلد الدوري (ت: 331هـ) . 18- مجلس أبي مخلد5. إسماعيل بن محمّد الصفار (ت: 341هـ) . 19- أحاديث الصفار6. خيثمة بن سليمان القرشي الطّرابلسي (ت: 343هـ) . 20- فضائل الصحابة7. ابن السني: أحمد بن محمّد الجعفري مولاهم (ت: 364هـ) .
21- الأخوة والأخوات1. أبو الطاهر: محمّد بن أحمد الذهلي (ت: 367هـ) . 22- أحاديث أبي الطاهر2. القطيعي: أحمد بن جفعر القطيعي (ت: 368هـ) . 23- أحاديث القطيعي3. أبو الحسن السكري: عليّ بن محمّد الحربي (ت: 386هـ) . 24- الفوائد4. أبو عبد الله بن بطة: عبيد الله بن محمّد العكبري (ت: 387) . 25- الإبانة الكبير5. أبو القاسم عيسى بن علي بن الجراح الوزير (ت: 391هـ) . 26- الأول من القراءة على الوزير6. أبو عبد الله بن منده: محمّدبن إسحاق العبدي (ت: 395هـ) . 27- الأمالي7. علي بن محمّد بن بشران الأموي (ت: 415هـ) . 28- مجلس ابن بشران8.
ابن شاذان: الحسن بن أحمد البغدادي (ت: 425هـ) . 29- أحاديث ابن شاذان1. الماوردي: علي بن محمّد البصري (ت: 450هـ) 2. أبو عثمان البحيري: سعيد بن محمّد البحيري (ت: 541هـ) . 31- الفوائد3. الجوهري: الحسن بن علي الشيرازي البغدادي (ت: 454هـ) . 32- الأمالي4. ابن ماكولا: علي بن هبة الله العجلي (ت: 475هـ) 5. أبو بكر أحمد بن المقرب (ت: 563هـ) . 34- الأربعين6. جمال الدين الإمام أحمد بن عبد الرحمن البغدادي (ت: 757هـ) 7. السرُّمري: يوسف بن محمّد العبادي العقيلي (ت: 776هـ) . 36- مجلس السُّرمّري8. أبو سعيد.
37- الفوائد1. يوسف بن الحسن بن عبد الهادي (ت: 909هـ) . 38- فضائل أبي بكر2. يضاف إلى ذلك أن المؤلف استفاد من أكثر كتب السنة، وكتب الفضائل، والزهد، ودلائل النبوة، والسيرة، ولكنه لم يصرح بنقله منها، وتبين لي ذلك من خلال تخريجي للأحاديث والآثار الواردة في الكتاب. خامساً: المآخذ على الكتاب: 1- كثرة النقل من غير عزو، فقد نقل كثيراً من: (المغني) ، و (المقنع) ، و (عيون المعارف) ، دون الإشارة أو التنبيه إلى مصدره المنقول عنه3. 2- وقع ابن عبد الهادي في بعض الأوهام، منها: إيراده قوله صلى الله عليه وسلم: (من بات وفي يده غمرٌ فلا يلومن إلا نفسه) ، صحفها المؤلف إلى عمر4. 3- تنقص المؤلف في بعض الأحيان الدقة في النقل حيث إنه يعزو إلى بعض الكتب ولم نجد ما يعزوه5.
4- الاستطراد في بعض المسائل الفقهية واللغوية والتوسع في ذلك، ولو كان ذلك بعيداً عن الموضوع1. 5- تساهله في إيراد بعض الأحاديث الموضوعة2. سادساً: قيمة الكتاب العلمية: 1- مؤلف هذا الكتاب علامة مؤرخ فقيه، مشهور بين العلماء مشهود له بالفضل والعلم وسعة الاطّلاع بين العلماء، مما جعل لكتبه قيمة علمية رفيعة. 2- الكتاب عظيم الفائدة، وبخاصة في موضوعه مناقب عمر، فهو أشمل وأتم الكتب التي تكلمت وبحثت في مناقب عمر حسب علمي واطّلاعي. 3- يحتوي على مادة كبيرة من الأحاديث النبوية والآثار المروية عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم. 4- تأخر المؤلف عن عصور التأليف والتصنيف جعله يستفيد ممن ألف قبله؛ ولذا نجده ينقل عن جميع كتب السنة وكتب التاريخ وغيرها. 5- أن ابن عبد الهادي لم يكتف بالنقل وحشد الأقوال فقط، بل كثيراً ما يتعقب تلك الأقوال بالجمع بين متعارضين، أو رفع وهم، أو تصحيح خطأ. 6- كما أن هناك كثيراً من الفوائد العلمية التي زين بها أبو المحاسن كتابه (محض الصواب) ، فهي بحق قطوف يانعة لا يستغني عنها القارئ في سيرة عمر رضي الله عنه.
7- كما لا يخفى أن ابن عبد الهادي على ما أولاه الناحية التاريخية من اهتمام، فهو فقيه بارع جمع في كتابه العديد من المسائل الفقهية المتعلقة بسيرة عمر أو المستفادة من عمله، وذكر الخلاف فيها مع بيان الراجح منها داخل المذهب الحنبلي. 8- أن المؤلف نقل عن أصول كثيرة ضاعت ولم تصل إلينا1. سابعاً وصف النسخة الخطية: ليس لهذا الكتاب إلا نسخة فريدة بخط المؤلف، ومصدرها مكتبة (برلين) ألمانيا الغربية رقم: (9433) ، ولها صورة في الجامعة الإسلاميّة رقم: (1052) ، وفيه مجموعة من الكتب. وعدد أوراق هذه النسخة اثنتان وخمسون ومئة لوحة ذات وجهين، ويحتوي كل وجه ما بين عشرين سطراً إلى ثلاثين سطراً، ما عدا الورقة 12/ب، 36/ب، 37/أ، 40/أ، 70/أ، 101/أ، 144/ب، 126/أ، 128/ب، فإن نصفها بياض، والورقة 119/أفإنها حوت سطراً واحداً، والورقة 13/أ، 52/أ، 115/أ، فإنها بياض، وليس ثمة ما يشير إلى نقص فيها. وعدد كلمات كل سطر اثنتا عشرة كلمة تقريباً، وخطها نسخي حروفه متداخلة، وناسخها مؤلف الكتاب يوسف بن حسن في شهر رمضان سنة ست وستين وثمان مئة. وفي هذه النسخة طمس يسير بسبب خياطة الكتاب، وهذه النسخة غير منقوطة في الغالب، وفيها تحريف وتصحيف، وقد أشرت إلى ذلك
بالحاشية، وعلى حاشية هذه النسخة إضافات كثيرة بخط المؤلف1، وهذا فيه دليل على عناية المؤلف بها، وذلك بمراجعتها وقراءتها مرة ثانية. وأيضاً على حاشية النسخ سماع: (سمع هذا جماعة بن عبد الله، وسمع بعضه يحيى بن عثمان المرداوي، وموسى بن رمضان المرداوي وغيرهم في يوم عيد الفطر سنة ست وستين وثمان مئة، وكتب يوسف بن عبد الهادي) 2. وعلى جلدة الكتاب سماع أيضاً: (سمع بعضه من لفظي أولادي عبد الهادي وعبد الله وحسن وأجزت لهم ولإخوانهم أن يرووه عني، وكتب يوسف بن عبد الهادي) . وعليها تملك بلفظ: (ملكه الفقير إلى الله تعالى السيد صالح بن السيد إبراهيم بن المنير الشهير بالكزبري) . وبداية هذه النسخة: (بسم الله الرحمن الرحيم، وهو حسبي ونعم الوكيل، الحمد لله الذي فرق بين الكفر والإسلام بفاروقه، ونشر الإسلام بعد أن عم الشرك يلمع ببروقه ... ) . (فرغ منه ... مؤلفه يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي وذلك في شهر رمضان المعظم من شهور سنة ست وستين وثمان مئة بصالحية دمشق المحروسة بمنزله بالسهم الأعلى، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمّد وآله وصحبه وسلم) .
مقدمة النص المحقق
مقدمة النص المحقق ... بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل الحمد لله الذي فرّق بين الكفر والإسلام بفاروقه، ونشر الإسلام بعد أن عَمَّ الشرك يلمع ببروقه، أحمده على إنعامه بجمع شمل الإسلام وسد خروقه، وأشكره على إحسانه بلم شعثه وقيامه على سوقه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يبلغ بها العبد معرفة حقوقه، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله الذي أخمد به الشّرك ... 1، وأظهر به الإسلام بعد غروقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ما اهتز غصن بعروقه، وما ذهب نهار بعد شروقه، وسلم تسليماً، ورضي الله عن صاحبه وصديقه وثاني الغار ورفيقه، وعن ثاني الخلفاء العالم لمحبته وحقوقه، الذاب عن الدين حتى عزف بفاروقه، وعن ثالث الخلفاء الأعيان الذي استحيت منه ملائكة الرحمن، وعن رابع الخلفاء المتسم بالشجاعة والوفاء، وعن جميع الصحابة أجمعين إلى يوم الدين. أما بعد: فإني لما وضعت فضائل أبي بكر الصديق2 عند رؤيتي له في النوم هو وأمير المؤمنين عثمان بن عفان، أردت أن أضع نبذة من فضائل عثمان3، ثم توقفت في ذلك إذا لم أضع شيئاً في عمر، فأردت أن أضع نبذة من فضائل أمير المؤمنين عمر، فرأيت ابن الجوزي4 قد وضع ذلك فتوقفت، إذ غاية ما
أبلغ من ذلك أن أصل1 إلى ما وصل إليه، فإنه إذا تكلم في هذا الباب قصر عن إدراك ما قاله الأنجاب، ثم استخرت الله في ذلك، فرأيت النفس تميل إلى الوضع جاهدة، إذ المتأخر لا بد أن تظهر له فائدة، ومما حضني على ذلك ما رأيت لبعض العلماء الأعيان من أهل هذا الزمان، نسباً لنا معشر المقادسة متصِلاً به، كما يأتي2 إن شاء الله تعالى، وقد رتبته على عدة من الأبواب: الباب الأوّل: في ذكر مولده. الباب الثاني: في ذكر نسبه. الباب الثالث: في ذكر صفته. الباب الرابع: في ذكره3 في التوراة وقبل البعثة. الباب الخامس: في ذكر ما تميز به في الجاهلية. الباب السادس: في ذكر دعاء الرسول أن يعز الله الإسلام به4. الباب السابع: وقوع الإسلام في قلبه. الباب الثامن: في ذكر إسلامه. الباب التاسع: في ذكر السنة التي أسلم فيها. الباب العاشر: في استبشار أهل السماء بإسلامه / [2 / أ] . الباب الحادي عشر: في عزّ الإسلام بإسلامه.
الباب الثاني عشر: في سبب تسميته بالفاروق. الباب الثالث عشر: في ذكر هجرته إلى المدينة. الباب الرابع عشر: في منزله في المدينة. الباب الخامس عشر: في ذكر من آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينه. الباب السادس عشر: في نزول القرآن لموافقته. الباب السابع عشر: في قوله عليه السلام في فضله. الباب الثامن عشر: فيما رآه عليه السلام [مما] 1 يدل على فضله. الباب التاسع عشر: في أحاديث اجتمع فيها فضله وفضل أبي بكر. الباب العشرون: في بيان معرفة فضلهما من السنة. الباب الحادي والعشرون: في ذكر فضله على من بعده. الباب الثاني والعشرون: في ذكر صلابته في دين الله وشدّته. الباب الثالث والعشرون: في ذكر إقامته على أشياء من أوامر الرسول. الباب الرابع والعشرون: في ذكر مصارعته الشيطان وخوف الشيطان [منه] 2. الباب الخامس والعشرون: في ذكر هيبته وخوف الناس منه. الباب السادس والعشرون: في ذكر انزعاجه لموت الرسول وإنكاره له. الباب السابع والعشرون: في ذكر قيامه ببيعة أبي بكر ومجادلته عنه. الباب الثامن والعشرون: في عهد أبي بكر إليه ووصيته. الباب التاسع والعشرون: في ذكر خلافته وقول الرسول فيها.
الباب الثلاثون: في ذكر اجتماعهم على تسميته بأمير المؤمنين. الباب الحادي والثلاثون: في ذكر ما خص به في ولايته مما لم يسبق إليه. الباب الثاني والثلاثون: في اسمه وكنيته ولقبه. الباب الثالث والثلاثون: في خضابه رضي الله عنه. الباب الرابع والثلاثون: في خاتمه رضي الله عنه. الباب الخامس والثلاثون: دعاء الرسول له أن يخرج من صدره الغل. الباب السادس والثلاثون: في ما ذكر أن الرسول بشره بالجنة. الباب السابع والثلاثون: في ذكر جمعه الناس في التراويح على إمام. الباب الثامن والثلاثون: في ذكر فطنته وذكائه وفراسته. الباب التاسع والثلاثون: في ذكر اهتمامه برعيته وملاحظته لهم. الباب الأربعون: ذكر عسسه، وما وقع له من ذلك. الباب الحادي والأربعون: في ذكر غزواته مع الرسول، وإنفاذه إياه في غزوه. الباب الثاني والأربعون: في غزواته بعد الرسول وفتوحه. الباب الثالث والأربعون: في ذكر حجاته. الباب الرابع والأربعون: في تركه السواد1 غير مقسوم ووضعه الخراج. الباب الخامس والأربعون: في ذكر عدله ورئاسته. الباب السادس والأربعون: في قوله وفعله في بيت المال. الباب السابع والأربعون: في حذره من المظالم وخروجه منها. الباب الثامن والأربعون: في ملاحظته لعماله ووصيته إياهم.
الباب التاسع والأربعون: في حذره من الابتداع وتحذيره منه. الباب الخمسون: في جمعه القرآن في المصحف. الباب الحادي والخمسون: في ذكر مكاتباته. الباب الثاني والخمسون: في ذكر زهده رضي الله عنه. [2 / ب] . الباب الثالث والخمسون: في ذكر تواضعه. الباب الرابع والخمسون: في ذكر حلمه. الباب الخامس والخمسون: في ذكر ورعه. الباب السادس والخمسون: في ذكر بكائه. الباب السابع والخمسون: في ذكر خوفه من الله عزوجل. الباب الثامن والخمسون: في ذكر تعبده واجتهاده. الباب التاسع والخمسون: في ذكر كتمانه لتعبده1 وستره إياه. الباب الستون: في ذكر دعائه ومناجاته. الباب الحادي والستون: في ذكر كراماته. الباب الثاني والستون: في ذكر تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بحفصة2 وفضلها. الباب الثالث والستون: في ذكر نبذة من مسانيده. الباب الرابع والستون: في ذكر كلامه في الزهد والرقائق3. الباب الخامس والستون: في ذكر ما تمثل به من الشعر. الباب السادس والستون: في ذكر فنون أخباره.
الباب السابع والستون: في ذكر كلامه في الفنون. الباب الثامن والستون: في ذكر صدقاته ووقفه وعتقه. الباب التاسع والستون: في ذكر نبذة من مسائل اختارها. الباب السبعون: في ذكر كلامه في أصول الدين. الباب الحادي والسبعون: في ذكر من روى عنه. الباب الثاني والسبعون: في ذكر مقالة من فَضَّلَه على أبي بكر وردّها. الباب الثالث والسبعون: في قوله عليه السلام: "كان فيمن قبلكم مُحَدَّثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر". الباب الرابع والسبعون: قوله عليه السلام: "ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر". الباب الخامس والسبعون: في قوله عليه السلام: "لو كان بعدي نبي لكان عمر". الباب السادس والسبعون: في طلبه الشهادة وحبه لها. الباب السابع والسبعون: في طلبه الموت خوفاً من عجزه عن الرعية. الباب الثامن السبعون: في ذكر نعي الجن له. الباب التاسع والسبعون: في ذكر مقتله. الباب الثمانون: في ذكر وصاياه ونهيه عن الندب. الباب الحادي والثمانون: في إظهار الذل عند موته. الباب الثاني والثمانون: في تاريخ موته ومبلغ سنه. الباب الثالث والثمانون: في ذكر غسله والصلاة عليه ودفنه. الباب الرابع والثمانون: في ذكر بكاء الإسلام1 على موته.
الباب الخامس والثمانون: في ذكر عظم فقده عند الناس. الباب السادس والثمانون: في ذكر نَوحِ الجن عليه. الباب السابع والثمانون: في تعظيم عائشة له بعد دفنه. الباب الثامن والثمانون: في ذكر كلام عليّ فيه. الباب التاسع والثمانون: في ذكر المنامات التي رآها. الباب التسعون: في ذكر المنامات التي رُئيت له. الباب الحادي والتسعون: في ذكر أولاده وأزواجه. الباب الثاني والتسعون: في ذكر ضربه لولده على شرب الخمر. الباب الثالث والتسعون: في ذكر ثناء الناس عليه. الباب الرابع والتسعون: في ذكر محبته وثوابها. الباب الخامس والتسعون: في ذكر عداوته وعقابها. الباب السادس والتسعون: في ذكر أنه من أعلى أهل الجنة منزلة. الباب السابع والتسعون: في ذكر أنه أول من تنشق عنه الأرض. الباب الثامن والتسعون: في ذكر أنه لم يبل في قبره. الباب التاسع والتسعون: في رؤيته في النوم. الباب المئة: في نبذة متفرقة فيه. [3 / أ] . وسمّيته: (كتاب محض الصّواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب) ، والله أرجو في أموري كلها، وأسأله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به وجميع المسلمين، إنه قريب مجيب.
الباب الأول: مولده
الباب الأول: مولده ... الباب الأول: في ذكر مولده رضي الله عنه قال الذهبي1 في التذهيب: "ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة"2. وكذلك ذكر بعض من شرح3 عمدة الحديث4. قال: وروي عنه أنه قال: "ولدت قبل الفِجار5 الأعظم بأربع سنين"6. وذكر ابن الجوزي عن زيد بن أسلم7 عن أبيه8 عن عمر رضي الله عنه
قال: "ولدت قبل الفجار الأعظم الأخير بأربع سنين"1. وذكر عن عبد الله بن وهب2، قال حدثني مالك3 أن عمرو4 ابن العاص5، قال: "رأيت مصباحاً في منزل عمر بن الخطاب، فسألت عنه فقيل: ولد للخطاب ولد، وكان عمر رضي الله عنه"6.
الباب الثاني: نسبه
الباب الثاني: نسبه ... الباب الثاني: في ذكر نسبه قال الذهبي: "عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العُزَّى بن رياح بن عبد الله بن قُرط بن رَزَاح بن عَدي بن كَعب بن لُؤي"1. وكذلك قال بعض من شرح عمدة الحديث وزاد: ابن غالب القرشي العدوي2. وقال: "يجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي بن غالب"3. قال: "وأمه حَنْتَمة بنت هاشم4 بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم". وقيل: حَنْتَمة بنت هشام، قال:"وهو خطأ"، قاله ابن عبد البر5،6، وابن ماكولا 7.8.
ويعرف هاشم جد عمر لأمه، بذي الرمحين. وقال أيضاً: "رياح بكسر الراء، وبالياء تحتها نقطتان، وبالحاء المهملة. وقرط، بضم الفاق، وسكون الراء، وبالطاء المهملة، ورزاح، بفتح الراء المهملة بعدها زايٌ معجمة، وبالحاء المهملة، وحَنْتَمَة بفتح الحاء المهملة، وسكون النون، وفتح التاء فوقها نقطتان، وبالميم قبل الهاء"1. وذكر ابن الجوزي عن محمّد بن سعد2، قال: "هو عمر بن الخطَّاب بن نُفيل بن عبد العُزَّى بن رياح بن عبد الله بن قُرْط بن رَزَاح بن عدي بن كَعب، ويكنى أبا حفص، وأمه حَنْتَمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم3. وقد روي عن [ابن] 4 إسحاق5: أن حَنْتَمَة بنت هشام، وأبو جهل خاله6. قال ابن الجوزي: "هذا وهم والزبير بن بكار7 أعرف بالنسب، وقد قال: "ولد المغيرة بن عبد الله؛ هاشماً وبه كان يكنى، وهشاماً، وأبا حذيفة واسمه مهشم، وأبا ربيعة، وهو ذو الرمحين واسمه عمرو، وأبا
أمية وهو زاد الراكب1. فقد بان بهذا أن هاشماً وهشاماً أخوان، فهاشم والد حَنْتَمة أم عمر2، وهشاماً والد الحارث وأبي جهل. والله أعلم.
الباب الثالث: صفته وهيبته
الباب الثالث: صفته وهيبته ... الباب الثالث: في ذكر صفته وهيبته رضي الله عنه / [3 / ب] قال ابن عبد البر: "كان شديد الأُدْمة1، طوالاً2، كث اللحية، أصْلَعٌ3، أعسر"4،5. ووصفه زِرّن بن حُبيش6، وغيره: "بأنه كان شديد الأُدْمة7 وهو الأكثر"8. ووصفه أبو رجاء العطاردي9، - وكان مغفلاً - فقال: "كان طويلاً جسيماً أصْلَعَ شديد الصلع، أبيض شديد حمرة العينين، في عارضه خفة، سَبَلَتُه10 كثيرة
الشعر في أطرافها صهوبة"1،2. وذكر الواقدي3 من حديث عاصم بن عبيد الله4 عن سالم5 عن أبيه6، قال: "إنما جاءتنا الأُدْمة7 من قبل أخوالي بني مظعون، وكان عمر أبيض لا يتزوج لشهوة إلا لطب الولد"8. قال الذهبي: "لا يصح"9. وزعم الواقدي أن سُمْرَة عمر وأُدمته إنما جاءت من أكل الزيت10.
وقال الذهبي: "وهذا منكر القول"1. قال ابن عبد البر: "أصحّ ما في هذا الباب حديث عاصم بن بهدلة2، عن زِر قال: "رأيت عمر آدم ضخماً، كأنه من رجال سدوس، في رجليه روح"3،4. وقال بعض من شرح العمد: "كان أبيض تعلوه حمرة"5. وقيل: "آدم طوالاً6 أصلع شديد حمرة العينين كث اللحية". وقيل: "في عارضته خفة أعْسَرَ أيسر7؛ وهو الذي يعمل بيديه جميعاً"8. وذكر ابن الجوزي عن محمّد بن سعد يرفعه إلى ابن عمر رضي الله عنه أنه وصف أباه فقال: "كان رجلاً أبيض، تعلوه حمرة، طوال، أصلع، أشيب"9،10.
وقال سلمة بن الأكوع1: "كان2 عمر رجلاً أيسر"3. وقال عبيد بن عمير4: "كان عمر يفوق النّاس طولاً"5. وعن أبي رجاء العطاردي: قال: "كان عمر بن الخطاب رجلاً طوالاً جسيماً أبيض، شديد حمرة العينين في عارضه خفة سبلته كثيرة الشعر في أطرافها صهبة، وكان قليل الضحك، لا يمازح أحداً مقبلاً على شأنه"6. وعن زر قال: "كنت في المدينة يوم عيد فإذا عمر بن الخطاب ضخم، أصلع، أدلم7، كأنه [على] 8 دابة، مشرف على الناس، أعسر أيسر"9.
وقال الشعبي1: "كان عمر رجلاً ضخماً"2. وعن أبي بكر3 [عن عاصم 4] 5 بن كليب الجرمي، قال: "لقي أبي6 عبد الرحمن بن الأسود7 وهو يمشي، وكان إذا مشى، مشى إلى جانب الحائط متخشعاً هكذا، وأمال أبو بكر عنقه شيئاً، فقال أبي: ما لك إذا مشيت، مشيت إلى جانب الحائط؟ أما والله إن كان عمر إذا مشى لشديد الوطء على الأرض، جهوري الصوت"8. وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "رأيت عمر يمسك أذن فرسه بإحدى يديه ويمسك أذنه بيده الأخرى، ثم يثب حتى يقعد عليه"9. / [4 / أ] .
الباب الرابع: ذكره في التوراة والإنجيل
الباب الرابع: ذكره في التوراة والإنجيل ... الباب الرابع: في ذكره في التوراة وقبل البعثة قال الشيخ موفق الدين1 في منهاج القاصدين: "ووصفهما - يعني أبا بكر وعمر - في كتاب الله المنزل أن أبا بكر يعمل بعمل صاحبه اليسير ثم يموت. ثم يأتيكم قرن الحديد فيملأ مشارق الأرض ومغاربها قسطاً وعدلاً، لا تأخذه في الله لومة لائم"2. وذكر ابن الجوزي عن الأقرع3 مؤذن عمر رضي الله عنه أن عمر مرّ على الأسقف، فقال: "هل تجدونا في شيء من كتبكم؟ " فقالوا4: [نجد] 5 صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم". قال: "كيف تجدوني؟ " قال: "قرن من حديد"، قال: "قرن من حديد ماذا؟ " قال: "أمير شديد"، قال عمر: "الله أكبر الحمد لله"6.
وعن عبد الله1 قال: "ركب عمر رضي الله عنه فرساً فركضه فانكشف ثوبه عن فخذه، فرأى أهل نجران2 على فخذه شامةً3 سوداء، فقالوا: "هذا الذي نجد في كتابنا [أنه] 4 يخرجنا من أرضنا"5. وعن محمّد6 قال: كعب7 لعمر: "يا أمير المؤمنين! هل ترى في منامك شيئاً؟ "، قال: "فانتهر"، فقال: "إنا نجد رجلاً يرى أمر الأمة في منامه"8. وقد ذكرنا قصة الشيخ الأزدي في: (فضائل أبي بكر) رضي الله عنه9.
وذكر أبو القاسم الأصفهاني1 عن وهب بن منبه2 صفة عمر بن الخطاب في التوارة3: قرن من حديد أمير شديد4.
الباب الخامس: ماتميز به في الجاهلية
الباب الخامس: ماتميز به في الجاهلية ... الباب الخامس: في ذكر ما تميز به في الجاهلية رضي الله عنه قال الذهبي: "كان من أشرف قريش، وإليه السفارة كانت في الجاهلية، وذلك أن قريشاً كانت إذا وقع بينهم حرب، أو بينهم وبين غيرهم، بعثوه سفيراً"1. وكذلك ذكر بعض من شرح (العمدة) وزاد: وإن نافرهم منافر، أو فاخرهم مفاخر، بعثوه منافراً، ومفاخراً ورضوا به2. وذكر ابن الجوزي عن نصر بن مزاحم3 عن معروف بن خرَّبُوذ4 قال: "كانت السّفارة إلى عمر بن الخطاب إن وقعت [حرب] 5 بين قريش وغيرهم بعثوه سفيراً، أو نافرهم6 منافر، أو فاخرهم مفاخر، بعثوه منافراً ومفاخراً، ورضوا به. رضي الله عنه7.
الباب السادس: دعاء الرسول أن يعز الإسلام به
الباب السادس: دعاء الرسول أن يعز الإسلام به ... الباب السادس: في ذكر دعاء الرسول عليه السلام أن يعزّ الإسلام به روى التّرمذي1 عن نافع2 عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعزَّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك؛ بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب"، قال: "وكان أحبهما إليه عمر". وقال: "حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر"3. وذكره ابن الجوزي في كتابه من هذا الوجه4. وروى الترمذي من حديث ابن عباس5 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز
الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر". قال: "فأصبح فغدا عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم". قال: "وهذا حديث غريب من هذا الوجه". وفي طريقه النضر أبي عمر1 قال الترمذي "هو يروي مناكير من قبل حفظه"2.
الباب السابع: وقوع الإسلام في قلبه
الباب السابع: وقوع الإسلام في قلبه ... الباب السابع: في وقوع الإسلام في قلبه رضي الله عنه ذكر ابن الجوزي عن شريح بن عبيد1 [4 / ب] قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "خرجت أتعرّض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فافتتح2 سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن، قال: فقلت: "والله هذا شاعر كما قالت قريش"، قال: فقرأ: {وَمَا هُوَ بِقَولِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 41] . قال: قلت: "كاهن"، قال: {وَلاَ بِقَولِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِّن رَّبِّ العَالَمِيْنَ وَلَو تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعَضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِيْن فَمَا مِنْكُم مِّنْ أَحْدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 42-47] ، إلى آخر السورة3.
الباب الثامن: إسلامه وما وقع منه قبل إسلامه
الباب الثامن: إسلامه وما وقع منه قبل إسلامه ... الباب الثامن: في ذكر إسلامه، وما وقع منه قبل إسلامه رضي الله عنه روى البخاري1 في (صحيحه) عن عبد الله بن عمر قال: "ما سمعت عمر لشيء قط يقول: "إني لأظنه كذا، إلا كان كما يظن، بينما عمر جالس إذ مرّ به رجل2 جميل، فقال: "لقد أخطأ ظني، أو أن هذا على دينه، في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، عليّ الرجلَ، فدعي له، وقال له ذلك، فقال: "ما رأيت كاليوم استقبل به رجلاً مسلماً"3، قال: "فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني"، قال: "كنت كاهنهم في الجاهلية"، قال: "فما أعجب ما جاءتك به جنِّيَّتُك؟ "، قال: "بينما أنا يوماً في السوق جاءتني فيها الفزع"،قالت:"ألم ترَ الجنَّ وإبْلاسها4،ويأسها من بعد إنكاسها5،ولحوقها القلاص6 وأحلاسها"7.
قال عمر: ["صدق] 1 بينما أنا عند آلِهَتِهم إذ جاء رجل فذبحه، فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخاً قط أشدَ صوتاً منه"، يقول: "يا جليح أمر نجيح، يقول فصيح، يقول: لا إله إلا الله"2، فوثب القوم، قلت: "لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح3، أمر نجيح، رجل فصيح أو قال: يصيح"4 يقول: "لا إله إلا الله"، فقمت فما نشبنا أن قيل: هذا نبي"5. وفيه عن سعيد بن زيد6 أنه قال لقوم: " [لو] 7 رأيتني موثِقي عمرُ على الإسلام، أنا وأخته وما أسْلَمْ"8. وفيه عن عبد الله بن عمر قال: "لما أسلم عمر، اجتمع الناس إليه عند داره، وقالوا: "صَبَأَ9 عمر" وأنا غلام فوق ظهر بيتي، فجاء رجل عليه قباء ديباج10، فقال: "قد صبأ عمر، فما ذاك؟ فأنا له جار"، قال: فرأيت الناس تصعدوا عنه، فقلت: من هذا؟ قالوا: "العاص بن وائل"11.
وفيه عن عمر قال: "بينما هو في الدار خائفاً، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي، عليه حلة حَبَرَة1 وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية، فقال له: "ما بالك؟ "، قال: "زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت"، قال: "لا سبيل إليك" بعد أن قالها أمنت. فخرج العاص / [5 / أ] فلقي الناس قد سال به الوادي فقال: "أين تريدون؟ " قالوا: "نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ". قال: "لا سبيل إليه". فكر الناس"2. قال ابن الجوزي: "اختلفوا في سبب ذلك وصفته على أربعة أقوال: القول الأوّل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سالت عمر رضي الله عنه لأي شيء سميت الفاروق؟ " قال: "أسلم حمزة3 قبلي بثلاثة أيام، ثم شرح الله صدري للإسلام، فقلت: "الله لا إله إلا هو، له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة4 أحب إليّ من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أين رسول الله؟ قالت أختي: "هو في دار الأرقم بن أبي الأرقم5 عند الصفا6"، فأتيت الدار
وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، فضربت الباب، فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: "مالكم؟ " قالوا: "عمر بن الخطاب". فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه، ثم نَترَه نترة1، فما تمالك أن وقع على ركبتيه، فقال: "ما أنت بمنته يا عمر؟ ". قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله. قال: فكبّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قال: فقلت: "يا رسول الله ألسنا على الحق إن مِتْنا وإن حيينا؟ " قال: "بلى والذي نفسي بيده، إنكم على الحق إن متم وإن حييتم"، قال: قلت: "ففيم الاختفاء؟!، والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد23 الطحين حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليّ قريش، وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق"4. القول الثاني عن أسامة5 بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه لنا: "أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟ "، قلنا: "نعم". قال: كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دار عند الصفا فجلست بين يديه"1، فأخذ بمجمع قميصي، ثم قال: "أسلم يا ابن الخطاب اللهم اهده"، قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال: "فكبر المسلمون تكبيرة سمعت من طرق مكة، قال: وقد كانوا مستخفين، وكان الرجل إذا أسلم تعلق به الرجال فيضربونه ويضربهم. فجئت إلى خالي فأعلمته، فدخل البيت وأجاف2 الباب قال: وذهبت إلى رجل آخر من كبار قريش فأعلمته، [فدخل البيت] 3.. فقلت في نفسي: ما هذا بشيء، فقال رجل: "أتحب أن يُعْلم بإسلامك؟ "، قلت: "نعم"، قال: "فإذا جلس الناس في الحجر فأت فلاناً فقل قد صبأت"، فإنه قلما يكتم سراً فجئته فقلت له: تعلم أني قد صبأت، فنادى بأعلى صوته أن ابن الخطاب قد صبأ، فما زالوا يضربونني وأضربهم، فقال: خالي: "يا قوم إني قد أجرت ابن أختي فلا يمسه أحد"، فانكشفوا عني، فكنت لا أشاء أن أرى أحداً من المسلمين يضرب إلا رأيته. فقلت: "الناس يضربون ولا أضرب، فلما جلس في الحجر جئت خالي قال: قلت: "تسمع؟ "، قال: "أسمع"، قلت: "جوارك رد عليك"، قال: "لا تفعل". / [5 / ب] ، فأبيت، قال: "فما شئت"، قال: فما زلت أضرب وأضرب حتى أظهر الله الإسلام"، وخاله العاص بن هشام قتل يوم بدر، قيل: "قتله عمر بن الخطاب رضي الله عنه"4.
عن ابن شهاب1، قال: "بينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالساً في المسجد يوماً إذ مرّ به سعيد بن العاص2 سلم عليه"، فقال: "إني والله يا ابن أختي ما قتلت أباك يوم بدر3، ولكني قتلت خالي العاص بن هشام، وما بي أن أكون أعتذر من قتل مشرك"، قال: فقال سعيد بن العاص: "لو كنت قتلته على حق وكان على باطل"4. عن ابن عمر قال: "إني لعلى سطح فرأيت الناس مجتمعين على5 رجل وهم يقولون صبأ عمر صبأ عمر، فجاء العاص بن وائل عليه قباء ديباج، فقال: "إن كان عمر قد صبأ فأنا له جار"، قال: "فتفرق الناس عنه"، قال: "فتعجبت من عِزِّه"6.
القول الثالث عن جابر1 رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كان أول إسلامي أن ضرب أختي المخاض، فأخرجت من البيت فدخلت أستار الكعبة في ليلة قارّة2، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل الحِجْر3 وعليه نعلاه، فصلى فخرجت فاتبعته"، قال: "من هذا؟ "، قلت: "عمر". قال: "يا عمر ما تتركني ليلاً ولا نهاراً"، قال: "فخشيت أن يدعو عليّ، فقلت: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله"، قال: "يا عمر استره"، قال: فقلت: "والذي بعثك بالحق لأعلننه كما أعلنت الشرك"4. القول الرابع عن أنس بن مالك5 رضي الله عنه قال: "خرج عمر متقلداً السيف فلقيه رجل من بني زهرة"، فقال: "أين تَعْمِدُ يا عمر؟ "، قال: "أريد أن أقتل
محمّداً"، "وكيف تأمن بني هاشم وبني زهرة إن قتلت محمّداً؟ فقال له عمر: "ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي أنت عليه"، قال: "أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن أختك وزوجها صبآ، وتركا دينك الذي أنت عليه"، فمشى عمر ذامراً1 حتى أتاهما، وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب2، فسمع خباب حس عمر فتوارى في البيت فدخل عليهما، فقال: "ما هذه الهَيْنَمة3 التي سمعتها عندكم؟ " قال: وكانوا يقرؤون طَه، فقالا: "ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا". قال: فلعلكما قد صبأتما، فقال له: ختنه: "أرأيت4 يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديداً، فجاءته أخته فدفعته عن زوجها، فنفحها نفحة5 فدمى وجهها، فقالت وهي غضبى: "يا عمر إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمّداً رسول الله". فلما يئس عمر قال: "أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه"، وكان عمر يقرأ الكتب فقالت أخته: "إنك رجس، و6 {لا يَمَسُّه إلاّ المُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ، فقم فاغتسل أو توضأ، فقام فتوضّأ ثم أخذ الكتاب7 فقرأ {طَه} حتى انتهى إلى قوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا الله لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا
فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} [طَه: 1-14] . فقال عمر: "دلوني على محمّد"، فلما سمع خباب قول عمر، خرج من البيت، فقال: "أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام"، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا. فانطلق عمر حتى أتى الدار، وعلى الباب حمزة وطلحة في ناس [6 / أ] من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى حمزة رضي الله عنه وجل القوم من عمر قال: "نعم فهذا عمر إن يرد الله بعمر خيراً يسلم1 ويتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً". قال: والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، فقال: "ما أراك منتهياً يا عمر حتى يُنْزِلَ الله بك - يعني: من الخزي والنكال - ما أنزل الله بالوليد بن المغيرة، اللهم اهد عمر بن الخطاب، اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب". فقال عمر رضي الله عنه: "أشهد أنك رسول الله، وقال: اخرج يا رسول الله"2. وذكر أبو القاسم الأصفهاني في (سيرة السلف) بسند إلى أسامة ابن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تحبون أن أخبركم ببدو إسلامي؟ "، قلنا: "نعم". قال: كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا في يوم حار شديد الحرّ بالهاجرة في بعض طرق مكة،
إذ لقيني رجل من قريش، فقال: "أين تريد يا ابن الخطاب؟ "، فقلت: أريد ذاك الرجل الذي غيّر الدين، فقال: "عجباً لك يا ابن الخطاب، تزعم هكذا وقد دخل من هذا الأمر في بيتك!، قلت: وما ذاك؟ قال: "أختك قد أسلمت". قال: فرجعت مغضباً حتى قرعت الباب قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم الرجل أو الرجلان ممن لا شيء عندهما ضمهما إلى رجل بيده قوة، فيكونان معه ويصيبان من فضل طعامه، وكان قد ضم إلى زوج أختي رجلين، فلما قرعت الباب، قيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، فبادر القوم فتواروا مني، وقد كانوا يقرؤون صحيفة بين أيديهم، فنسوها وتركوها وسط البيت، فقامت أختي ففتحت الباب، فقلت: "يا عدوةَ نفسها صبوتِ؟، وضربتها بشيء في يدي على رأسها، فسال الدم، فلما رأت الدم بكت، وقالت: يا ابن الخطاب ما كنت فاعلاً فافعل فقد أسلمت، فدخلت مغضباً حتى جلست على السرير، فنظرت إلى الصحيفة في وسط البيت، فقلت: ما هذه الصحيفة؟ أعطنيها، فقالت: لست من أهلها، أنت لا تغتسل من جنابة ولا تتوضأ، وهذا {لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ، فلم أزل بها حتى أعطتنيها، فنظر فيها فإذا فيها: {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فلما قرأت: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ذعرت من ذلك، وألقيت الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي فأخذتها فإذا فيها: {سَبَّحَ لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [الحديد:1] ، فكلما مرّ بي اسم من أسماء الله ذعرت منه، ثم ترجع إليّ نفسي حتى بلغت: {آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] ، قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمّداً رسول الله". فلما سمع القوم خرجوا / [6 / ب] إليّ مبادرين،
فكبروا، ثم قالوا: "أبشر يا ابن الخطاب، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين، فقال: "اللهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك: إما أبو جهل بن هشام، وإما عمر ابن الخطاب"، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم [لك] 1. قلت: أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أن أعرفوا مني الصدق أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو في بيت في أسفل الصفا، فرحت حتى قرعت الباب، فقيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، وقد علموا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا بإسلامي. فما اجترأ رجل منهم بفتح الباب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افتحوا له الباب فإن يرد الله به خيراً يهده". ففتحوا لي الباب، وأخذ رجلان بعضديّ حتى جاءا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "خلوه"، فخلوا عني فجلست بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجمع قميصي، ثم جبذني إليه، ثم قال: "أسلم يا ابن الخطاب اللهم اهده". فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة. وقد كانوا مستخفين ثم خرجت فكنت لا أشاء أن أرى رجلاً من المسلمين إذا أسلم يُجتمع عليه فيضرب، ولا يصيبني من ذلك شيء، فقلت: ما هذا بشيء، فجئت إلى خالي - وكان شريفاً - فقرعت عليه الباب، فقلت: أعلمت أني صبوت؟ قال: "وفعلت؟ "، قلت: نعم. قال: "لا تفعل". قلت: فعلت. قال: "لا تفعل". فدخل فأجاف الباب دوني، فذهبت إلى رجل من عظماء قريش أيضاً، فقرعت عليه بابه، فقيل: "من هذا؟ "، فقلت: ابن الخطاب، فخرج إليّ، فقلت: مثل مقالتي لخالي: أما علمت أني صبوت؟ فقال: "أفعلت؟ " قلت: نعم. قال: "لا تفعل". قلت: فعلت، فدخل وأجاف
الباب دوني. فقلت: ما هذا بشيء. فقال لي رجل: أتُحِبُّ أن تظهر إسلامك؟ قلت: نعم. قال: فإذا اجتمع الناس في الحِجْر فأتِ فلاناً - لرجل لم يكن يكتم السر - فقل له فيما بينك وبينه فإنه سيظهره عليك، فلما اجتمع الناس في الحجر، جئت إلى ذلك الرجل فأصغيت عليه فيما بيني وبينه، فقلت: أعلمت أني صبوت؟ قال: صبوت؟ قلت: نعم. فرفع بأعلى صوته ألا إن ابن الخطاب قد صبأ. فثار إليّ الناس فضربوني وضربتهم، فقال خالي: ما هذه الجماعة؟ قيل: ابن الخطاب قد صبأ، فقام على الحجر ثم أشار بكُمّه ألا إني قد أجرت ابن / [/ 7 / أ] أختي، فانكشف الناس عني، وكنت لا أزال أرى إنساناً يضرب وأنا لا يصيبني من ذلك شيء، فقلت: ليس هذا بشيء حتى يصيبني ما يصيب الناس، وأضرب كما يضربون فأتيت خالي والناس مجتمعون في الحجر، فقلت: يا خال فقال: "ما تشاء يا ابن أختي؟ " قلت1: أشاء أن جوارك عليك ردّ، فقال: "لا تفعل يا ابن أختي". قلت: جوارك عليك ردّ، قال: "لا تفعل"، قلت: بلى، قال: "فما شئت"، فما زلت أضرب الناس ويضربونني، حتى أعز الله الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم"2. وروي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، قال: "لما أسلم عمر بن الخطاب - ولم تعلم قريش بإسلامه - قال: "أيّ أهل مكة أنشر للحديث؟ قالوا: "جميل بن معمر"3، قال: فخرج عمر وأنا أتبع أثره غلاماً أعقل ما أرى، وأروي ما أسمع، فأتاه فقال: "يا جميل هل علمت أني أسلمت؟ "، فوالله ما رد
عليه كلمة حتى قام عامداً إلى المسجد فنادى أندية قريش: إن ابن الخطاب قد صبأ، فقال عمر: "كذب، ولكني أسلمت، وآمنت بالله وصدّقت رسله، فثاروا، فقاتلهم وقاتلوه، حتى ركدت الشمس على رؤوسهم، وفتر عمر، وقاموا على رأسه، وهو يقول: "افعلوا ما بدا لكم، فوالله لو كنا ثلاث مئة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم". قال: فبيناهم قيام عليه إذ أقبل رجل عليه حلة حبرة وقميص قومسي1، فقال: "مالكم؟ "، قالوا: "صبأ عمر"، فقال: "فمه، امرؤ اختار لنفسه ديناً؟ فتظنون أن بني عدي تُسلم لكم صاحبكم؟ "2، فوالله لكأنما كانوا ثوباً انكشف عنه. فقلت له بعد المدينة يا أبت من الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ؟ قال: "يا بني، ذاك العاص بن وائل"3. وقال في (عيون التاريخ) 4: "وهو طريق ابن هشام5 في السيرة وغيره، ثم أسلم عمر بن الخطاب وكان رجلاً جلداً منيعاً، أسلم بعد هجرة المسلمين
إلى الحشبة، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقدرون يصلون عند الكعبة حتى أسلم عمر، وكان قد أسلم حمزة فقوي المسلمون بهما، وعلموا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم"1. قالت أم عبد الله بنت2 أبي حَثْمة - وكانت زوج عامر بن ربيعة3، قالت: "إنا لنرحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر لبعض حاجته، إذ أقبل عمر، وهو على شركه حتى وقف عليّ - وكنا نلقى منه البلاء أذى وشدة - فقال: / [7 /] : "أتنطلقون يا أم عبد الله؟ قالت: قلت: نعم والله؛ لنخرجن في أرض الله تعالى، فقد آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا فرجاً. قالت: فقال: "صحبكم الله"، ورأيت له رقة وحزناً، قالت: فلما عاد عامر أخبرته، وقلت: لو رأيت عمر ورقته وحزنه علينا! فقال: "أطمعت في إسلامه؟ " قلت: نعم. قال: "لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب؛ لما كان يرى من غلظه4 وشدته على المسلمين"5، فهداه الله تعالى فأسلم؛ فصار على الكفار أشد منه على المسلمين. وكان سبب إسلامه أن أخته فاطمة بنت الخطاب6 كانت تحت سعيد
بن زيد بن عمرو بن نُفَيل، وكانا مسلمين يخفيان إسلامهما من عمر، وكان نعيم بن عبد الله النحام العدوي1 قد أسلم أيضاً، وهو يخفي سلامه فزعاً من قومه، كان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة يُقرئها القرآن، فخرج عمر يوماً ومعه سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وهم مجتمعون في دار الأرقم عند الصفا، وعنده من لم يهاجر من المسلمين في نحو أربعين رجلاً، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال: "إلى أين عمر؟ "، قال: "أريد محمّداً الذي فرّق أمر قريش، وعاب دينها؛ فأقتله". فقال نعيم: "والله غرّتك نفسك، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض، وقد قتلت محمّداً! أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم؟ ". قال: "وأي أهلي؟ " قال: "خَتَنُك وابن عمّك، وأختك فاطمة، فقد والله أسلما"، فرجع عمر إليها وعندها خباب بن الأرت يقرئهما القرآن، فلما سمعوا حسّ عمر تغيب خبّاب، وأخذت فاطمة الصحيفة فاتقتها تحت فخذها - وفي رواية: جعلتها بين فخذيها - وقد سمع عمر قراءة خباب، فلما دخل قال: "ما هذه الهينمة التي أسمعها؟ " قالا: ما سمعت شيئاً، فقال: "بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمّداً"، وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت أخته لتكفه، فضربها، فشجها، فلما فعل ذلك، قالت أخته: نعم والله قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما شئت، / [8/أ] ولما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم، وقال: "أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم وأنتم تقرؤونها حتى أنظر إلى ما جاء به محمّد"، قالت: "إنّا نخشاك عليها، فحلف أنه يعيدها؛ قالت:
وقد طمعت في إسلامه إنك نجس، على شركك فلا تمسها". قال عمر: "فما عرفت ذل الشرك إلا ذلك اليوم"، فقام واغتسل، فأعطته الصحيفة فقرأها وفيها: {طَه} ، وكان كاتباً فلما قرأ بعضها قال: "ما أحسن هذا الكلام وأكرمه"!. فلما سمع خباب خرج إليه، وقال: "يا عمر، والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصّك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول: "اللهم أيّد الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بأبي الحكم بن هشام"، فالله الله يا عمر. فقال عمر عند ذلك: "فدلني يا خباب على محمّد حتى آتيه فأسلم"، فدله خباب، فأخذ سيفه، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فقام رجل منهم فنظر من الباب فرآه متوشِّحاً1 بسيفه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فقال حمزة: "ائذن له فإن كان جاء يريد خيراً بذلنا له، وإن أراد شرّاً قتلناه بسيفه"، فنهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه وأخذ بمجمع ردائه ثم جذبه إليه جذبة شديدة، وقال: "ما جاء بك؟ ما أراك تنتهي حتى ينزل بك قارعة"، فقال: "يا رسول الله جئت لأؤمن بالله ورسوله"، وكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف من في البيت أن عمر أسلم"2. فلما أسلم قال: "أيّ قريش أنْقل للحديث؟ قيل: جميل بن معمر الجمحي، فجاءه فأخبره بإسلامه فمشى إلى الحرم وعمر وراءه، وصرخ: "يا معشر قريش ألا إن ابن الخطاب قد صبأ، فيقول عمر من خلفه: "كذب، ولكني أسلمت"، فقاموا فلم يزل يقاتلهم ويقاتلونه، حتى قامت الشمس وأعيا، فقعد
وهم على رأسه، فقال: "افعلوا ما بدا لكم"، فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ عليه حلة فقال: "ما شأنكم؟، قالوا: صبأ عمر، قال: رجل اختار لنسفه أمراً فما تريدون؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا! خلّوا عن الرجل". وكان الشيخ العاص بن وائل السهمي1. قال عمر: "لما أسلمت أتيت أبا جهل بن هشام، فضربت عليه بابه، فخرج إليّ فقال: "مرحباً يا ابن أختي ما جاء بك؟ "، قلت: جئت لأخبرك أني قد أسلمت وآمنت بمحمّد، وصدّقت بما جاء به، قال: فضرب الباب في وجهي، وقال: "قبّحك الله، وقبّح ما جئت به"2. قال: وقيل: في إسلامه غير هذا. والله أعلم./ [8 / ب] .
الباب التاسع: السنة التي أسلم فيها وبعد كم أسلم
الباب التاسع: السنة التي أسلم فيها وبعد كم أسلم ... الباب التاسع: في ذكر السنة التي أسلم فيها عمر وبعد كم أسلم1 عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: "أسلم عمر وهو ابن ست وعشرين سنة"2. وقال عبد الله بن عمر: "أسلم عمر وأنا ابن ست سنين"3. وعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه أنه أسلم في ذي الحجة [في] 4 السنة السادسة من النبوة، وهو ابن ست وعشرين سنة"5. وعن داود بن حصين6 والزهري7 قالا: "أسلم عمر بعد الأربعين، أو نيف وأربعين بين رجال ونساء قد أسلموا قبله"8. وعن سعيد بن المسيِّب9 قال: "أسلم عمر بعد أربعين رجلاً
وعشر1 نسوة"2. وعن عبد الله بن ثعلبة3 قال: "أسلم بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى عشرة4 امرأة"5. وقال بعض العلماء: "إنه أتم الأربعين. وذكر أسماء القوم الذين تموا بعمر أربعين، وهم: أبو بكر، عثمان6، عليّ7، الزبير8، طلحة9، سعد10، عبد الرحمن11، سعيد12، أبو عبيدة13، حمزة بن عبد المطلب، عبيدة بن الحارث14، جعفر بن أبي طالب15، مصعب بن عمير16، عبد الله ابن
مسعود1، عياش بن أبي ربيعة2، أبو ذر3، أبو سلمة بن عبد الأسد45، عثمان بن مظعون6، زيد بن حارثة7، بلال بن رباح8، خباب بن الأرتّ9، المقداد بن عمرو1011، صهيب12، عمار بن ياسر13 14، عامر بن فهيرة15، عمرو بن عبسة16، نعيم بن عبد الله النحام17، حاطب بن الحارث الجمحي18، خالد ابن سعيد بن العاص19، خالد بن البكير20،
عبد الله بن جحش1، أبو أحمد بن جحش2، عامر بن بكير3، عتبة بن غزوان4، الأرقم بن أبي الأرقم5، أنيس أخو أبي ذر6، واقد بن عبد الله7، عامر بن ربيعة8، السائب بن عثمان بن مظعون9، فتموا بعمر بن الخطاب أربعين رضي الله عنهم. وقال في (عيون التاريخ) : "أسلم بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة"10. وقال أبو عبد الله محمّد بن سلامة11 في كتابه: (عيون المعارف) : "والمسلمون يوم أسلم تسعة وثلاثين رجلاً، وامرأة بمكة، فكلهم أربعون"12. وذكر ابن إسحاق وابن هشام وأصحاب السير والتواريخ: أن عمر رضي الله عنه أسلم بعد هجرة الحبشة وهي الهجرة الأولى لما هاجر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى
أرض الحبشة، أي: عند النجاشي. رضي الله عنهم1. وقد قالت أم عبد الله بنت أبي حثْمة2 وكانت زوج عامر بن ربيعة: "إنا لنترحل3 إلى أرض الحبشة وقد ذهب عامر لبعض حاجته إذ أقبل عمر وهو على شركه حتى4 وقف عليّ وكنا نلقى منه البلاء أذىً وشدة، فقال: "أتنطلقون يا أمّ عبد الله؟ قالت: قلت: نعم والله لنخرجنّ في أرض الله، فقد أذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا فرجاً. قال: فقال: "صحبكم الله" ورأيت له رقة وحزناً"5. وقال بعض من شرح (العمدة) : "أسلم بعد رجال سبقوه، أسلم بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة6 امرأة، وكان إسلامه سنة ست من النبوة، وقيل: سنة خمس"7. / [9 / أ] .
الباب العاشر: استبشار أهل السماء بإسلامه
الباب العاشر: استبشار أهل السماء بإسلامه ... الباب العاشر: في ذكر استبشار أهل السماء بإسلامه عن داود بن الحصين والزهري1 قالا: لما أسلم عمر رضي الله عنه نزل جبريل عليه السلام فقال: "يا محمّد استبشر أهل السماء بإسلام عمر"، ذكره ابن الجوزي2. وعن الحسن3 - رحمه الله - قال: "لقد فرح أهل السماء بإسلام عمر رضي الله عنه"4. ... 5عن ابن عباس قال: "لما أسلم عمر نزل جبريل فقال: "يا محمّد قد استبشر أهل السماء بإسلام عمر" 6. قد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم أعِزَّ الإسلامَ بأحب الرجلين إليكَ"،
فكان عمر أحَبَّهُما إليه1، فإسلامه كان أحب إليه أيضاً، والله عزوجل إذا أحب الأمر أحبه أهل السماوات، كما في الحديث: "إذا أحب الله عبداً نادَى جبريلَ: إني أحبُّ فلاناً فأحبه، فيحبه، ثم ينادي جبريلُ في أهل السماءِ: إن الله يحبّ فلاناً فأحبّوه، فيحبّه أهل السماء" 2.
الباب الحاي عشر: عز الإسلام بإسلامه وظهوره
الباب الحاي عشر: عز الإسلام بإسلامه وظهوره ... الباب الحادي عشر: في عزّ الإسلام بإسلامه وظهوره قال ابن عبد البر: "كان إسلامه عِزّاً ظهر به الإسلام بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم"1. وقال ابن مسعود2: "ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر". ذكره الذهبي3. وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم أعزّ الإسلام بأبي جهم أو بعمر" 4. وفي صحيح البخاري عن قيس بن أبي حازم5 عن ابن مسعود، قال: "ما زلنا أعزّة منذُ أسلم عمر"6. وذكر ابن الجوزي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما أسلم عمر كبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد. وقال: "يا رسول الله ألسنا على الحق؟ "، قال: "بلى". قال: "ففيم الاختفاء؟ ". فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم"7. وعن صهيب بن سنان قال: "لما أسلم عمر رضي الله عنه ظهر الإسلام، ورددنا إليه عَلاَنية، وجلسنا حول البيت حِلَقاً، وطُفنا بالبيت، وانتصفنا ممّن غلظ علينا، [ورددنا] 8 عليه بعض ما يأتي به"9.
وعن الحسن1 - رحمه الله - قال: "يجئ الإسلام يوم القيامة فيتصفح الخلق حتى يجئ إلى عمر، فيأخذ بيده فيصعد به إلى بطنان العرش فيقول: أي ربّ إني كنت خفيّاً وأهان، وهذا أظهرني وأعزني هذا فكافئه، فيجئ ملائكة من عند الله تعالى فتأخذ بيده فتدخله الجنان، والناس في الحساب"2. وقال بعض من شرح (العمدة) : "كان إسلامه عِزّاً للمسلمين ظهر به الإسلام بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم"3. وذكر ابن الجوزي في (التبصرة) عن ابن عباس رضي الله عنها قال: "لما أسلم عمر رضي الله عنه كبّر أهلُ الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، وقال: "يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حَيِينا؟ "، قال: "بلى، والذي نفسي بيده"، قال: "ففيمَ4 الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن"، قال عمر: "فأخرجناه في صَفَّين، حمزة في أحدهما وأنا في الآخر له كَدِيد ككديد الطَّحين، حتى دخل المسجدَ، فنظرت قريش / [9 / ب] إلى حمزة وعمر فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، قال: فسمّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ الفاروق5، وفرّق الله بي الحقّ والباطل6.
ومن حقق النظر وأمعنه في أمر عمر بن الخطاب علم أن مثل هذا قد أقامه الله عزوجل نصرة لدينه، وعزّاً له، وذلة لأعدائه، بلاء عليهم، فإنه رضي الله عنه كان يقوم على أعداء الله، لا تأخذه في الله لومة لائم رضي الله عنه.
الباب الثاني عشر: سبب تسميته بالفاروق
الباب الثاني عشر: سبب تسميته بالفاروق ... الباب الثاني عشر: في سبب تسميته بالفاروق ذكر ابن الجوزي عن ابن عباس قال: "سألت عمر: لأيّ شيء سميت الفاروق؟ فذكر حديث إسلامه إلى أن قال: "فأخرجنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفّين، له كديدٌ ككديد الرَّحَى1، حتى دخلنا المسجد، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق"2. وعن أيوب بن موسى3 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق، فرّق الله به بين الحق والباطل" 4. وعن أبي عمر وذكْوان56 قال: قلت لعائشة7: "من سَمَّى عمر الفاروق؟، قالت: النبي صلى الله عليه وسلم"8.
وعن محمّد بن سعد يرفعه إلى الزهري1، قال: "بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أوّل من قال لعمر: الفاروق؛ وكان المسلمون2 يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر في ذلك شيئاً"3. وعن النزَّال بن سَبْرة الهلالي4، قال: "وافقنا من علي بن أبي طالب طيب نفس، فقلنا: "يا أمير المؤمنين، حدّثنا عن عمر بن الخطاب، قال: قال امرؤ سماه الله الفاروق فرّق بين الحق والباطل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم أعزّ الإسلام بعمر" 5. وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن ابن عمرو67 قال: "عمر سميتموه الفاروق أصبتم اسمه"8. وعن عبد الله بن عمرو قال: "عمر الفاروق أصبتم اسمه، يفرّق بين الحق والباطل"9. وقال أبو عبد الله بن سلامة في كتابه: (عيون المعارف) : "لقب
الفاروق لأنه أعلن بالإسلام، والناس يومئذٍ يخفونه، ففرّق بين الحقّ والباطل"1. قال: "اختلف فيمن سمّاه الفاروق: فروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "سمّاه2 رسول الله صلى الله عليه وسلم"3. وقال ابن شهاب4: "سمّاه به أهل الكتاب"، ذكر ذلك الطبري5، 6. وذكر ابن الجوزي في (التبصرة) وغيرها، وبعض من شرح (العمدة) وغيرهما أنه سمّي بالفاروق لإظهاره الإسلام، ولكونه فرّق بين الحق والباطل7. وسبق قول عمر رضي الله عنه في الباب قبله: "فسمّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ الفاروق، وفرّق بين الحق والباطل"8. / [10 / أ] . وذكر البغوي9 عن الكلبي10 عن أبي صالح11 وابن عباس في قوله عزوجل:
{أَلمَ تَر إِلَى الَّذِينَ يَزْعَمُونَ أَنَّهُم آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنْزِل مِن قَبْلَكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء: 60] ، الآية نزلت في رجل من المنافقين - يقال له: بشر - كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: "تنطلق إلى محمّد"، وقال المنافق: "بل إلى كعب بن الأشرف، وهو الذي سمّاه الله الطاغوت، فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى المنافق ذلك تابعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله لليهودي، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق وقال: "انطلق بنا إلى عمر"، فأتيا عمر، فقال اليهودي: "اختصمت أنا وهذا إلى محمّد فقضى لي عليه، فلم يرضَ بقضائه، وزعم أنه مخاصم إليك"، فقال عمر للمنافق: "كذلك؟ "، قال: "نعم"، قال لهما: "رويدكما حتى أخرج إليكما"، فدخل عمر البيت، وأخذ السيف، واشتمل عليه، ثم خرج فضرب به المنافق حتى برد، وقال: "هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله، فنزلت هذه الآية". وقال جبريل: "إن عمر فرّق بين الحق والباطل"1.
الباب الثالث عشر: ذكر هجرته إلى اللمدينة
الباب الثالث عشر: ذكر هجرته إلى اللمدينة ... الباب الثالث عشر: في ذكر هجرته إلى المدينة في الصحيح عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال: "كان فرضَ للمهاجرين الأوّلين أربعة آلاف في أربعة، وفرض لابن عمر ثلاث آلاف وخمس مئة. فقيل له: "هو من المهاجرين، فَلِمَ1 نقّصته من الأربعة آلاف؟ " فقال: "إنما هاجرَ به أبوه"2، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه"3. وفيه عن أبي عثمان4 سمعت: ابن عمر إذا قيل له: هاجر قبل أبيه يغضب"، قال: "وقدمت5 أنا وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناه قائلاً: فرجعنا إلى المنزل، فأرسلني عمر. فقال: "اذهب فانظر هل استيقظ"، فأتيته فدخلت عليه فبايعته، ثم انطلقت إلى عمر فأخبرته أنه استيقظ، فانطلقنا إليه نهرول هرولة، حتى دخل عليه فبايعه ثم بايعته"6. وفيه عن البراء بن عازب7، قال: "أوّل من قدمَ علينا مصعب بن عمير وابنُ أمّ
مكتوم1، وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعدٌ2 وعمار ابن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت الإماء يقلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فما قدم حتى قرأتُ: {سَبِّح اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} [الأعلى: 1] في سور من المُفَصَّل3. وذكر ابن الجوزي: "أن عمر لما أذنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى المدينة، جعل المسلمون يخرجون أرسالاً، يصطحبون الرجال فيخرجون، قال: عمر رضي الله عنه: "فخرجت أنا وعياش بن أبي ربيعة"4. وذكر عن البراء5 قال: "كان أوّلُ من قدِمَ المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير، وابنُ أم مكتوم، ثم قدم بلال وسعد وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"6. وذكر عن عقبة بن حُريث78، قال: "سمعت ابن عمر قال له رجل: "أنت هاجرت قبل عمر؟ " / [10 / ب] . قال: فغضب، قال: "لا بل هو هاجر
قبلي، وهو خير مني في الدنيا والآخرة"1. في الصحيح عن أبي موسى2 قال: "بلغنا مخرج النبي ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأَخَوانِ لي أنا أصغرهم، أحدُهما أبو بردة3، والآخر أبو رُهْمٍ4، إمّا قال: بضعاً وإما قال: في ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلاً من قومه، فركبنا سفينة، فألقتنا سَفينتُنا إلى النجاشيّ بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حينَ افتتح خيبر5، وكان أُناسٌ من الناسِ يقولون لنا - يعني لأهل السفينة - سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء بنت عميس6، وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماءُ عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: "من هذه؟ " قالت: "أسماء بنت عميس"، قال عمر: "آلحبشيّةُ هذهِ؟ آلبحرية هذه؟ " قالت أسماء: "نعم"، قال: "سبقناكم بالهجرة فنحن أحقّ برسول الله منكم". فغضبت، وقالت: (كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا
في دار - أو في أرض - البُعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيْمُ الله لا أطعمُ طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت للنبي صلى الله عليه وسلم، ونحن كُنّا نؤذى ونخاف، وسأذكرُ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله، والله لا أكذبُ ولا أزيغ ولا أزيد عليه، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "يا نبي الله إن عمر قال: كذا وكذا؟، قال: "فما قلت له؟ "، قالت: قلت له: "كذا وكذا"، قال: "ليسَ بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرةٌ واحدةٌ، ولكم أنتم - أهل السفينة - هجرتان"، قالت: "فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً، يسألونني عن هذا الحديث، ما مِنَ الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظمُ في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم"1. قال العلماء - رحمهم الله -: "تجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه في دار الحرب، وإن لم يعجز عن إظهار دينه لم تجب عليه، لكن الأفضل له الهجرة إلى بلد الخير والعبادة، وكذلك من يعجز عن إظهار السنة ببلد البدعة تجب عليه الهجرة"2. فإن قيل: "لا هجرة اليوم لقوله عليه السلام: "لا هجرة بعد الفتح" 3، وقول عائشة لما سئلت عن الهجرة فقالت: "مضت الهجرة لأهلها، واليوم يعبد الإنسان ربّه حيث كان"4. قيل: "المراد: لا هجرة من مكة إلى المدينة، لأن مكة كان كثر الإسلام
فيها، وارتفع الكفر منها، وكذلك قول عائشة يعني: مضت الهجرة من مكة إلى المدينة، وأما من حصل به عجز عن إظهار دينه في بلد غير مكة فإن الهجرة لم تنقطع في1 والله أعلم2/ [11 / أ] .
الباب الرابع عشر: منزله في المدينة
الباب الرابع عشر: منزله في المدينة ... الباب الرابع عشر: في ذكر منزله في المدينة ذكر ابن الجوزي عن عبيد الله بن عبد الله1، قال: "منزل عمر بالمدينة خطِّة2 من رسول الله صلى الله عليه وسلم"3 وفي حديث ابن عباس عن عمر قال: "كنت أنا وجارٌ لي من الأنصار في بني أمية بن زيد4، وهم من عوالي المدينة5، وكنا نتناوب النُّزول على النبي صلى الله عليه وسلم فينْزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أوغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك"،متفق عليه6.
الباب الخامس عشر: من أخي النبي بينه وبينه
الباب الخامس عشر: من أخي النبي بينه وبينه ... الباب الخامس عشر: في ذكر من آخى النبي بينه وبينه ذكر ابن الجوزي عن محمّد بن إبراهيم1، قال: "آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -"2. وقال سعد بن إبراهيم3: "آخى بين عمر وبين عويم بن ساعدة"4، 5. وقال عبد الواحد بن أبي عون6: "آخى بين عمر وعتبان بن مالك7، 8. قال الواقدي: "ويقال: بين عمر ومعاذ بن عفراء"9، 10. عن عبد الله بن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأذنه في العمرة فأذن له وقال له: "يا أخي لا تنسنا من دعائك". وقال بعدُ في المدينة: "يا أخي
أشركنا في دعائك"، قال عمر رضي الله عنه: "ما أحب أن لي بها ما طلعت عليه الشمس". لقوله: "يا أخي" 1. وعن سالم2 عن ابن عمر قال: "استأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أخي أشركنا في صالح دعائك ولا تنسنا" 3. وفي حديث علي الآتي في آخر الكتاب4 الثامن والثمانون: "ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه، وسيدي قريش، وأبوي الإسلام". يعني: أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما -5. فصل لا تناقض بين الأحاديث ويكون صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين كل أولئك في أوقات متعددة، فإنه ليس بممتنع أن يؤاخي بينه وبين كل أولئك في أوقات متعددة.
الباب السادس عشر: نزول القرآن بموافقته
الباب السادس عشر: نزول القرآن بموافقته ... الباب السادس عشر: في نزول القرآن بموافقته روى الترمذي عن نافع بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عزوجل جعل الحق على لسان عمر وقلبه". وقال ابن عمر: "ما نزل للناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر أو قال ابن الخطاب - شك خارجة - إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر". وقال: "حديث حسن صحيح، غريب من هذا الوجه"1. وقال ابن عبد البر: "ونزل القرآن بموافقته في أسرى بدر، وفي الحجاب، وفي تحريم الخمر، وفي مقام إبراهيم عليه السلام"2. وفي الصحيحين عن أنس3 قال: "قال عمر: وافقت الله تعالى في ثلاث، أو وافقني ربّي في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تعالى ذلك، وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله تعالى آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض أزواجه، فدخلت عليهن، قلت: إن انتهيتنّ أو ليبدلنّ الله
رسوله خيراً منكن، حتى أتيت إحدى نسائه، قالت: يا عمر، أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه، حتى تعظهن أنت؟، فأنزل الله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ} ، [التحريم: 5] ، الآية"1. / [11 / ب] . وعن أنس قال: "قال عمر: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنْكُنَّ} [التحريم: 5] ، فنزلت هذه الآية"2. وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: "لما توفي عبد الله بن أبيّ، جاء ابنه عبد الله3 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله أتصلي عليه، وقد نهاك ربّك أن تصلي عليه؟ "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّما خيرني الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] ، وسأزيده على السبعين". قال: "إنه منافق، قال: وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عزوجل: {وَلاَ تُصُلِّ عَلَى أَحْدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] 4.
وفي رواية: "أتصلي عليه وهو منافق، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟ "، قال: "إنما خيّرني الله - أو خبرني1 الله - فقال: {اسْتِغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُمْ} [التوبة: 80] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وسأزيده على سبعين"، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلّينا معه، ثم أنزل الله عليه: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحْدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] 2. وفي رواية عن ابن عباس وعن عمر أنه قال: "لما مات عبد الله بن أبي سلول، دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، وثبت إليه، فقلت: رسول الله، أتصلي على ابن أبي؟ وقد قال يوم كذا: كذا وكذا، قال: أُعَدِّدُ عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أخِّر عني يا عمر"، فلما أكثرت عليه، قال: "إني خُيّرت فاخترت، فلو أعلم أني إن زدتُ على السبعين يغفر له لزدت عليها"، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيراً، حتى نزلت الآيتان من براءة: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحْدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً} إلى قوله: {وَهُمْ فَاسِقُونَ} ، [التوبة: 80] ، والله ورسوله أعلم"3. وعن عروة بن الزبير4 عن عائشة - رضي الله عنها - قال: "كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحجب نساءك"، قالت: فلم يفعل، قالت: وكان أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجن ليلاً إلى ليل قبل المناصع5، فخرجت
سودة1 - وكانت امرأة طويلة -، فرآها عمر - وهو في المسجد - فقال: "قد عرفناك يا سودة". حرصاً على أن ينزل الحجاب فأنزل الله عزوجل الحجاب"2. وذكر ابن الجوزي عن عمر قال: "وافقت ربّي عزوجل في ثلاث: في الحجاب، والأسارى، وفي مقام إبراهيم عليه السلام"3. وعن أبي وائل4 قال: قال عبد الله5: "فضل الناسَ عمر بن الخطاب بأربع: بذكر الأسارى يوم بدر، أمرَ بقتلهم، فأنزل الله عزوجل: {لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُم فِيمَا أَخَذْتُم عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] ، وبذكر الحجاب أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتجبن فقالت له زينب6: "وإنك علينا يا ابن الخطاب، والوحي ينزل في بيوتنا!! ". فأنزل الله عزوجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] ، وبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أيّد الإسلام بعمر". وبرأيه في أبي بكر، كان أوّل الناس بايعه"7.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قال: "كنت آكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيساً1، فمر عمر فدعاه فأكل، فأصاب يده إصبعي، فقال: "لو أطاع ما أرى فيكن2 ما رأتكن عين"، فنزلت آية الحجاب"3. / [12/أ] . وذكر أبو القاسم الأصفهاني في (سيرة السلف) عن عمر رضي الله عنه: "وافقت ربّي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي أسارى بدر"4. قال عمر رضي الله عنه: "لما كان يوم بدر وهزم الله المشركين فقتل منهم سبعون وأسر سبعون، استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً، فقال لي: "ما ترى يا ابن الخطاب؟ "، فقلت: أرى أن تمكنني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن عليّاً من عقيل5 فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان فيضرب عنه، حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم، وقادتهم، فلم يهوَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت،
فأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر، وهما يبكيان، فقلت: يا رسول الله! ما يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "للذي عَرَضَ عليّ أصحابك: من الفداء، لقد عُرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة" - لشجرة قريبة - فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} ، إلى قوله: {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67] ، فلما كان من العام المقبل قتل منهم سبعون، وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكُسِرَت رباعيته1، وهشمت البيضة2 على رأسه، وسال الدم على وجهه، وأنزل الله تعالى: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أََصَبْتُم مِّثْلَيهَا قُلْتُم أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفِسِكُم} ، بأخذكم الفداء {إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شِيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165] 3.
الباب السابع عشر: قول النبي صلى الله عليه وسلم في فضله في الصحيحين
الباب السابع عشر: قول النبي صلى الله عليه وسلم في فضله في الصحيحين ... الباب السابع عشر: في قول النبي صلى الله عليه وسلم في فضله في الصّحيحين عن أبي هريرة1 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما راعٍ في غنمه، عدا عليه الذّئب فأخذ منها شاةً، فطلبها حتى استنقَذَها، فالتفت إليه الذئب فقال له: من لها يوم السَّبْع2، ليس لها راعٍ غيري؟ "، فقال الناس: "سبحان الله"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني أومن به وأبو بكر وعمر وما ثم أبو بكر وعمر"، هذا لفظ البخاري3. هو لمسلم4 من طرق5، ومن هذا الطريق لم يسق الحديث6،إلا أنه لما ذكر الحديث الآتي بطوله، ثم ذكر طريق عقيل7 عن ابن شهاب8 قال: لم يذكر قصة البقرة9.
وهو في الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يرعى غنماً له إذ جاء الذئب فأخذ شاة فجاء صاحبها فانتزعها منه، فقال الذئب: "كيف تصنع بها يوم السَّبْع يوم لا راعٍ لها غيري؟ "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فآمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر"، قال أبو سلمة: "وما هما في القوم يومئذ"1. وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينما راعٍ في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال: "من لها يوم السّبْع، يوم ليس لها راعٍ غيري؟ "، وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفت إليه فكلّمته، فقالت: "إني لم أخلق لهذا، ولكني خلقت للحرث"، فقال الناس: "سبحان الله"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر"، هذا لفظ البخاري2 ولفظ مسلم: "بينما رجل يسوق بقرة له، قد حمل عليها، التفت إليه البقرة فقالت: "إني لم أخلق لهذا، ولكني إنما خلقت للحرث". فقال الناس: "سبحان الله! تعجباً وفزعاً أبقرة3 تكلَّم؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني أومن به وأبو بكر وعمر". قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة، فطلبها الراعي حتى استنقذها منه، فالتفت إليه الذئب فقال له: "من لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيري؟ "، فقال الناس: "سبحان الله،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر" 1. وفي رواية: "وما هما ثَمَّ" 2. وله في الصّحيحين عدّة طرق3. وفي صحيح البخاري عند عبد الله بن هشام4 قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب"5. ويأتي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر" 6. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً إلا سلك فجّاً غير فجّك "7. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس فرّوا من عمر" 8. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة" 9. عن أنس بن مالك قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ذات يوم: "من شهد
منكم1 جنازة؟ "، قال عمر: "أنا"، قال: "من عاد مريضاً؟ "، قال عمر: "أنا"، قال: "من أصبح صائماً؟ "، قال: "أنا"، قال: "وَجَبت وجبت" 2. ويأتي حديث أبي موسى وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ائذن له وبشره بالجنة" - يعني: عمر رضي الله عنه -"3. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يطلع من تحت هذا الصّور4 رجل من أهل الجنّة فطلع عمر" 5. وسبق قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "يا أخي أشركنا في صالح دعائك" 6. ويأتي قوله: "عمر سراج أهل الجنة" 7، 8. / [13 / ب] . وذكر ابن الجوزي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه يقول به" 9.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" 1. وعن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" 2. وعن ابن عباس عن أخيه الفضل3 - رضي الله عنهم - قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عمر بن الخطاب معي حيث أحب وأنا معه حيث يحب، الحق بعدي مع عمر بن الخطاب حيث كان" 4. وعن الأسود بن سَريع5 قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: قد حَمِدْتُ ربّي بمحامد ومَدْح، وإياك، فقال: إن ربك يحب الحمد"، فجعلت أنشده،
فاستأذن رجل طوال أصلع، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسكت"، فدخل فتكلم ساعة ثم خرج، فأنشدته ثم جاء؛ فسكتني النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً، فقلت: "يا رسول الله من هذا الذي أسكتني له؟ "، فقال: "هذا عمر، هذا رجل لا يحب الباطل" 1. وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة23 - رضي الله عنهما - عن الأسود التميم ي، قال: "قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أنشده، فدخل رجل طوال أقنى"4، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمسك" فلما خرج قال: "هات"، قلت: من هذا يا نبي الله الذي إذا جاء قلت: أمسك، وإذا خرج قلت: هات؟ قال: "هذا عمر بن الخطاب" 5.
وعن الحسن عن الأسود قال: "كنت أنشده - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ولا أعرف أصحابه، حتى جاء رجل بعيد ما بين المنكبين أصلع، فقيل: "اسكت"، فقلت: واثكلاه من هذا الذي أسكت له عند النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقيل: عمر بن الخطاب، فعرفت والله بعد أنه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلمني حتى يأخذ برجلي فيجرني إلى البقيع"12. فإن3 قال قائل: "كيف / [14 / أ] تسمى ما يسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم باطلاً وهو محاشى عن4 الباطل؟ قال ابن الجوزي: "الجواب أنه لما كان الشعراء - كما قال الله عزوجل - {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} ، [الشعراء: 225] . ويجئ منهم ما يصلح وما لا يصلح، وقال هذا الشاعر للنبي صلى الله عليه وسلم: "إني قد حمدت ربي بمحامد سمع منه، فلو قد ذكر في قصي دته ما لا يصلح لأنكره عليه برفق، كما أنكر على نساء قلن:
"وفينا نبيّ يعلم ما في غدِ"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقلن هذا" 1، فخاف أن يسمع من ذلك عمر ليقابله بأفحش الإنكار، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرفق منه في باب الإنكار باللطف". وأجيب عن ذلك بأنه في حال إنشاده لم يقع منه ذلك لكن تخوف النبي صلى الله عليه وسلم أن يقع منه في حال حضرة عمر. وعن أبي قلابة2 عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أشد أمتي في الله عمر" 3. وعن سعيد بن جبير4 عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أقرئ عمر السلام، وأخبره: أن رضاه عز وغضبه حكم" 5.
وعن عاصم بن ضمرة1 عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا غضب عمر فإن الله يغضب إذا غضب" 2. وعن أبي شَهْر3 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنت إذا كنت في أربعة أذرع في ذراعين، ورأيت منكراً ونكيراً؟ " قال: قلت: "يا رسول الله، وما منكر ونكير؟ "، قال: "فتّانا القبر يبحثان التراب بأنيابهما، ويطآن في أشعارهما أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهم كالبرق الخاطف، معهما مرزبة4 لو اجتمع عليها أهل الأرض لم يطيقوا رفعها، هي أيسر عليهما من عصاي هذه"، قال: قلت: "يا رسول الله، وأنا على حالتي هذه؟ " قال: "نعم". [قلت] 5: "إذاً أكفيكهما"6، 7. ويأتي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لوكان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب" 8. وعن أبي سعيد9 قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم / [14 / ب]
لجبريل عليه السلام: "أخبرني بفضائل عمر عندكم في السماء، فقال: يا محمّد لو مكثت معك ما مكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ما حدّثتك بفضيلة واحدة من فضائل عمر، وإن عمر لحسنة من حسنات أبي بكر"، ذكره ابن الجوزي1. وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمار أتاني جبريل عليه السلام آنفاً فقلت: يا جبريل! حدّثني بفضائل عمر بن الخطاب في السماء، فقال لي: يا محمّد لو حدّثتك بفضائل عمر في السماء مثل ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر" 2.
وذكره الشيخ موفق الدين1 عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمار أتاني جبريل عليه السلام آنفاً فقلت له: "يا جبريل حدّثني بفضائل عمر بن الخطاب في السماء"، فقال: "يا محمّد لو حدّثتك بفضائل عمر بن الخطاب في السماء ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر - رضي الله عنهما -" 2. وذكر ابن الجوزي عن سالم3 عن أبيه قال: "رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عمر ثوباً - وفي رواية قميصاً - أبيض فقال: "أجديد ثوبك هذا أم غسيل؟ "، قال: "بل غسيل"، فقال: "البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً" 4.
وروى أبو القاسم الأصفهاني في (سيرة السلف) بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة" 1. وعن أنس بن مالك قال: "أتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أقرئ عمر بن الخطاب السلام، وأعلمه أن غضبه عزّ وأن رضاه عدل" 2. وعن أبي الأشهب3 قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم / [15 /] على عمر ثوباً غسيلاً، فقال: "البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً، ويعطيك الله قرة عين في الدنيا والآخرة" 4. وروى الشيخ موفق الدين في: (كتاب المنهاج) عن عليّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رحم الله أبا بكر زوجّني ابنته، وأعتق بلالاً من ماله، وحملني إلى دار الهجرة، رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مرّاً، تركه الحق
وماله من صديق، رحم الله عثمان تستحييه الملائكة، رحم الله عليّاً أدار الحق معه حيث ما دار" 1. وذكر ابن الجوزي من حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عمر سراج أهل الجنة" 2. ومن حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أشد أمتي في أمر الله عمر" 3. وروى أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن جعفر بن حيّان المعروف بـ: (أبي الشيخ4) في (عواليه) عن [سلمة بن] 5 وردان6 قال: "سمعت أنس
بن مالك رضي الله عنه يقول: "سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: "من أصبح صائماً اليوم؟ "، فقال عمر: "أنا"، قال: "من تصدق اليوم؟ "، قال عمر: "أنا) ، قال: "فمن عاد مريضاً؟ "، قال عمر: "أنا"، قال: "فمن شيع جنازة؟ "، قال عمر: "أنا"، قال: "وجبت لك"، يعني: الجنة" 1. وروى أبو الحسن عليّ بن محمّد بن الحسن بن شاذان السُّكَّري2 عن صدقة بن المثنى النخعي3، قال: حدّثني جدّي رياح بن الحارث4، قال: "كنت قاعداً عند المغيرة بن شعبة5 في مسجد الكوفة، وعنده أهل الكوفة، فجاء سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه فرحب به المغيرة وحيّاه، وأقعده عند رجله على السرير، فجاء رجل / [15 / ب] من أهل الكوفة، يقال له: قيس بن علقمة فاستقبله فسبَّ وسبَّ، فقال سعيد: "يا مغيرة ألا أرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسبُّون عندكم ثم لا تُغيِّر ولا تُنْكر؟!، أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - "وإني لغني أن أقول ما لم يقل فيسألني عنه إذا لقيته" -: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعليّ في الجنة، وعثمان في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وتاسع المسلمين في الجنة لو شئتُ سمَّيتُه، قال:
فرجّ الناس، وناشدوه: يا صاحب رسول الله من التاسع؟ قال: "لولا أنكم ناشدتموني ما أخبرتكم، أنا تاسع المسلمين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتم العاشر، ثم قال: "لمشهد رجل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبّر فيه وجهه خيرٌ من عمل أحدكم ولو عُمِّر عمر نوح"1. كذا وقع في هذا الحديث ابن مالك وعليها ضرب. قلت: "هو سعد بن مالك". قال البخاري: "سعد بن أبي وقاص الزهري، وهو سعد بن مالك"2. / [16 / أ] . فصل ومما يدل على فضله من حيث العموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبّوا أحداً من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدّ3 أحدهم، ولا نصيفه" 4. وعن أم مبشر5 أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل النار إن شاء الله
أحد من أصحاب الشجرة1 الذين بايعوا تحتها" 2. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك لعل الله اطّلع على أهل بدر، فقال: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" 3. وروى ابن أبي شيبة4 في كتاب الأدب عن أبي سعيد الخدري، قال: "قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية5: "لا يوقد أحد ناراً بليل"، ثم قال لنا: "أوقدوا واصطنعوا6 فإنه لا يدرك أحد مدكم ولا صاعكم" 7، 8. وعن العرباض بن سارية9، قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "عليكم
بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، وسترون من بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم والأمور المحدثات، فإن كل بدعة ضلالة" 1. رواه أبو داود2 في سننه عن الإمام أحمد3 عن الوليد4. رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح". وذكر الثعلبي5 في: (تفسيره) بإسناد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال موسى عليه السلام: "يا رب هل خلقت أمة أكرم عليك من أمتي؟ قال الله عزوجل: "يا موسى إن فضل أمة محمّد على سائر الخلق كفضلي على جميع خلقي"، قال: "يا رب ليتني رأيتهم"، قال: "يا موسى إنك لن تراهم ولو أردت أن تسمع كلماهم سمعت"، قال:"فإني أريد أن أسمع كلامهم"، قال الله تعالى: "يا أمة أحمد فأجبنا لكنا من أصلاب آبائنا وأرحام أمهاتنا: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك"، قال الله تعالى: "يا أمة
أحمد إن رحمتي سبقت غضبي، وعفوي عقابي، وقد أعطيتكم1 قبل أن تسألوني، وقد غفرت لكم قبل أن تعصوني، من جاءني يوم القيامة يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمّداً رسولي وعبدي جعلت / [16 / ب] الجنة مأواه، وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر" 2. وعن معاذ بن جبل3 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسند ظهره إلى الكعبة: "أمتي أمة، توفي سبعين أمة هي خيرها وأكرمها على الله عزوجل" 4. وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون والأوّلون يوم القيامة، ونحن أوّل من يدخل الجنة" 5. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي" 6.
وعن عبد الله بن بريدة1 عن أبيه2 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل الجنة عشرون ومئة صنف، ثمانون من هذه الأمة" 3. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم". متفق عليه4. وأخرجاه أيضاً من حديث عمران بن حصين5، 6. وعن عبد الرحمن بن سالم بن عويم بن ساعدة7 عن أبيه8 عن جده، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اختارني واختار لي أصحاباً فجعل لي منهم أصهاراً وأنصاراً، فمن سبّهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً" 1، 2. وقال ابن عمر: "لا تسبوا أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عبادة أحدكم أربعين سنة"3. وقال ابن عباس في قول الله عزوجل: {وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] ، قال4: "أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم"5. / [17 / أ] .
الباب الثامن عشر: فيما رأه عليه السلام مما يدل على فضله في الصحيحين
الباب الثامن عشر فيما رآه - عليه السلام [مما] 1 يدلّ على فضله في الصّحيحين عن حمزة بن عبد الله بن عمر2، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم شربت - يعني: اللبن - حتى أنظر إلى الرِّيّ يجري في ظفري، أو في أظفاري، ثم ناولت عمر"، قالوا: فما أولت يا رسول الله؟، قال: "العلم" 3. وفي لفظ: " بينا أنا نائمٌ إذ رأيت قَدَحاً أُتيتُ به، فيه لبن، فشربت منه حتى إني لأرى الرّيَّ يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب". قالوا: "فما أولت ذلك يا رسول الله؟ "، قال: "العلم" 4. وفي لفظ: "بينا أنا نائمٌ أُتيت بقدح لبن فشربت منه حتى إني لأرى الرّيَّ يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي - يعني: عمر -، قالوا: "فما أولته يا رسول الله؟ "، قال: "العلم" 5. ورواه الترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت كأني أُتيت بقدح لبن فشربت منه، فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب"، قالوا: "فما أولته يا رسول الله؟ "، قال: "العلم". وقال: "حديث حسن صحيح غريب"6. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: "بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
قال: "بينا أنا نائمٌ رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصري1، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: "لعمر"، فذكرت غيرته فوليت مدبراً". فبكى عمر وقال: "أعليك أغار يا رسول الله؟! "2. وفي ر واية: "رأيت قصراً بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ "، قالوا: "لعمر"، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك"، فقال عمر: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله أعليك أغار؟! ". وهو من رواية جابر بن عبد الله3. وفي رواية لمسلم4: "فرأيت فيها داراً أو قصراً" 5. ورواه الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت الجنة فإذا أنا بقصرٍ من ذهب فقلت: لمن هذا القصر؟ "، قالوا: "لشاب"، فظننت أني أنا هو، فقلت: "ومن هو؟ "، فقالوا: "عمر بن الخطاب". وقال: "حديث حسن صحيح"6. وفي رواية أخرى فقلت: "لمن هذا القصر؟، قالوا: لرجل من العرب"، فقلت: "أنا عربيٌّ، لمن هذا القصر"؟، قالوا: "لرجل من قريش"، قلت: "أنا من قريش، لمن هذا القصر"؟، قالوا: "لرجل من أمّة محمد"، قلت: "أنا
محمد، لمن هذا القصر"؟،قالوا: "لعمر بن الخطّاب" 1. وفي رواية: "رأيت في الجنّةٍ قصراً من ذهبٍ فقلت: لمن هذا"؟، فقيل: لعمر بن الخطاب". وقال: "حديث حسن غريب صحيح2، 3. وقال الترمذي: "معنى هذا الحديث: دخلت البارحة الجنة، يعني: رأيت في المنام كأنّي دخلت الجنة، هكذا روي في بعض الحديث"4. قال: ويروي عن ابن عباس أنّه قال: "رؤيا الأنبياء وحيٌ" 5. وذكره ابن الجوزي من عدة طرق: فرواه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضّأ إلى جانب قصر، فقلت: "لمن هذا القصر"؟، قالوا: "لعمر بن الخطاب"، فذكرت غيرتك فوليت مدبراً"، فبكى عمر وقال: "أوعليك
أغار يا رسول الله"1. ومن طريق أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فإذا أنا بقصرٍ من ذهبٍ، فقلت: "لمن هذا القصر"؟، قالوا: "لشاب من قريش"، فقلت: "لمن"؟، قالوا: "لعمر بن الخطاب"، قال: "فلولا ما علمت من غيرتك لدخلته"، قال عمر: "عليك يا رسول الله أغار"؟! 2. ومن طريق جابر بن عبد الله [قال] 3: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فرأيت فيها داراً أو قصراً فسمعت فيها ضوضاء4 أو صوتاً فقلت: لمن هذا"؟، فقيل: "لابن الخطاب"، فأردت أن أدخله فذكرت غيرتك"، فبكى عمر وقال: "أو يغار عليك! "5 / [17/ ب] . وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينا أنا نائمٌ رأيت الناس عرضوا عليَّ وعليهم قمصٌ؛ فمنها ما يبلغ الثَّديَّ، ومنها ما يبلغ دون ذاك، وعرض عليَّ عمر وعليه قميص اجترّه"6 قالوا: "فما أوّلته يا رسول الله"؟، قال: "الدين "7. وفي الصّحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا على
بئرٍ أنزع منها، إذ جاء أبو بكر وعمر، فأخذ أبو بكر الدّلو1، فنزع ذنوباً2، أو ذنوبين، وفي رواية: نزعه ضعف، وغفر الله له، ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر، فاستحالت في يده غرباً3، فلم أر عبقرياً4، من الناس يفري5 فريَه حتى ضرب الناس بعطن" 6، 7. وفي رواية: "رأيت الناس اجتمعوا فقام8 أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم قام ابن الخطاب فاستحالت غرباً فما رأيت عبقرياً من الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن" 9. وفي رواية لمسلم: "رأيت كأني أنزع دلو بكرة على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين، فنزع نزعاً ضعيفاً، والله يغفر له، ثم جاء عمر فاستقى فاستحالت غرباً فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه، حتى روي الناس وضربوا العطن" 10. ولفظ البخاري: "بعطن" 11.
وذكره في الصحيحين من رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائمٌ رأيتني على قليب، وعليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوباً أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم استحالت غرباً، فأخذها عمر بن الخطاب، فلم أَرَ عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب، حتى ضرب الناس بعطن" 1. وفي رواية: "رأيت أني على حوض أسقي الناس فأتاني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليريحني، فنزع ذنوبين وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، فأتى ابن الخطاب فأخذ منه، فلم ينزع حتى تولى الناس، والحوض يتفجّر" 2. وفي رواية: " وفي نزعه – والله يغفر له – ضعف " 3. وفي لفظ: " فجاء ابن الخطاب فأخذ منه فلم أر نزع رجل قط أقوى منه حتى تولى الناس والحوض ملآن يتفجر " 4. قال وهب5: "العطن منزل الإبل، يقول: حتى رويت الإبل فأناخت"6. وذكره ابن الجوزي من طرق: فرواه من طريق عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين / [18 / أ] وفي بعض نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم أخذها عمر، فاستحالت في يده غرباً،
فلم أر عبقرياً في الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن" 1. ومن طريق آخر: "رأيتني الليلة وأبا بكر على قليب، فنزعت منه ذنوباً أو ذنوبين، ثم جئت أبا بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين، ثم جاء عمر فنزع منها حتى استحالت غرباً، فضرب بعطن فعبّرها يا أبا بكر". قال: "ألي الأمر بعدك، ثم عمر". قال: "بذلك عبّرها الملك" 2. ومن طريق أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت كأني أنزع على غنم سود إذ خالطها غنم عفر3، إذ جاء أبو بكر فنزع ذنوبين، وفيهما ضعف، ويغفر الله له، إذ جاء عمر فأخذ الدلو فاستحالت غرباً فأروى الناس، وصدر الشاء، فلم أر عبقرياً يفري فري عمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأولت أن الغنم السود العررب، وأن العفر إخوانهم من هذه الأعاجم" 4. وعن أبي أمامة5 رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة6 بين يدي فقلت: ما هذا؟ قال: بلال. فمضيت
فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين، ولم أرَ فيها أحداً أقل من الأغنياء [والنساء. قيل: أما الأغنياء فهم ههنا بالباب يحاسبون ويمحصون] 1، وأما النساء فألهاهن الأحمران، الذهب والحرير، ثم خرجت2 من أحد أبواب الجنة الثمانية فلما كنت عند الباب أُتيت بكفة فوضعت فيها، ووضعت أمتي في كفة، فرجحت بها، ثم أتي بأبي بكر فوضع في كفة، وجيء بجميع أمتي فوضعت في كفة فرج بها أبو بكر، قال: ثم أتي بعمر فوضع في كفة وجيء بجميع أمي فوضعوا فرجح عمر" 3. وروى الإمام أحمد في (المسند) من حديث عبد الله بن عم ر، قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة، فقال: "رأيت قبل الفجر كأني أعطيتُ المقاليد والموازين؛ أما المقاليد فهذه المفاتيح، وأما الموازين فهذه التي تَزِنُون بها، فَوُضِعتُ في كفَّة ووُضعَتْ أمتي في
كفّة، فوُزِنتُ بهم فرَجَحْتُ، ثم جيء بأبي بكر فوُزن بهم فوزَن، ثم جيء بعمر فوُزن فوزَن بهم، ثم جيء بعثمان فوُزِن فَوَزَن بهم، ثم رُفِعَت" 1.
الباب التاسع عشر: أحاديث اجتمع فيها فضله وفضل ابي بكر
الباب التاسع عشر: أحاديث اجتمع فيها فضله وفضل ابي بكر ... الباب التاسع عشر: في أحاديث اجتمع فيها فضله وفضل أبي بكر وروى الترمذي عن حذيفة1 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللَّذَين2 من بعدي: أبي بكر وعمر". وقال: "حديث حسن"3. وفي رواية: "إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللَّذَين4 من بعدي". وأشار إلى أبي بكر وعمر5. وروى عن عبد الله بن شقيق6 قال: قلت: لعائشة: "أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحبَّ إلى رسول الله؟ "، قالت: "أبو بكر"، قلت: ثم من؟ قالت:
"عمر"، ثم من؟ قالت: "أبو عبيدة بن الجراح"، قال: قلت: ثم من؟ فسكتت". وقال: "حديث [حسن] 1 صحيح"2. / [18 / ب] . وروى عن علي بن أبي طالب قال: "كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ3 طلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذان سيِّدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، يا علي لا تخبرهما". وقال: "حديث غريب من هذا الوجه، في طريقه الوليد بن محمّد المُوقِريّ، قال الترمذي: يضعف في الحديث"4. وروى عن نافع عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم ودخل المسجد وأبو بكر وعمر، أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، وهو آخذ بأيديهما، فقال: "هكذا نبعث يوم القيامة". وقال: "غريب في طريقه سعيد بن مسلمة"5، 6. قال: "ليس
عندهم بالقوي"1. وروى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار [وهم] 2 جلوس فيهم أبو بكر وعمر فلا يرفع إليه أحد منهم بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما، ويتبسَّمان إليه ويتبسّم إليهما". وقال: "حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحكم بن عطية3 وقد تكلم بعضهم فيه"4. وروي عن عبد الله بن حنْطَب5 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أبا بكر وعمرَ فقال: "هذان السمع والبصر". وهو مرسل، فإن عبد الله بن حنطب لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم6.
وروي عن أبي سعيد الخدري قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيرايَ من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيرايَّ من أهل الأرض فأبو بكر وعمر". وقال: "حسن غريب"1. وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك، قال: "صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرَجَفَ2 بهم فضربه برجله، وقال: "أثبت فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد" 3. وفي رواية: "وشهيدان" 4. وفيه عن عمرو بن العاص: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السّلاسل5، فأتيته فقلت: "أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة"، فقلت:
من الرجال؟ فقال: "أبوها"، قلت: "ثم من؟ "، قال: "ثم عمر بن الخطاب"، فعدّ رجالاً"1. ويأتي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الدرجات ليَرَاهم من تحتهم، كما يرى الكوكب الطالع من أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأَنْعَماً" 2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: "كان رجل يسوق بقرة فركبها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنا خلقنا للحرث"، فقال الناس: "سبحان الله! بقرة تكلم". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر - وما هما ثم - قال: وبينما رجل في غنمه إذا عدَا عليه الذئب فأخذ شاة منها فطلبه فأدركه3 فاستنقذها منه، فقال: "هذا استنقذتها منِّي، فمن لها يومَ السّبُع، يوم لا راعي لها غيري"، فقال الناس: "سبحان الله ذئب يتكلم"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أؤمن بهذا وأبو بكر وعمر"، وما هما ثم"4. ورأيت حاشية5 على صحيح مسلم: "يوم السبع يريد به يوم القيامة"6. وقيل: "الموضع الذي عنده المحشر يوم القيامة؛ أراد من/ [19/أ] لها
يوم القيامة"1. قال: "وبعض أهل اللغة يقول: "يوم السّبع - بإسكان الباء -"23. وقال الماوردي4: "بعض أئمة اللغة قال: "ما أعرف لمسمى يوم القيامة بهذا الاسم وجهاً، ولكني أعرف سَبَعْتُ الرجل أسبعه سبْعاً، إذا طعنت عليه5، فلعله لما كان يوم القيامة يوم يكشف المساوي سمي بذلك سبعاً6. وقد جاء: "سَبَعْتُ بالأسد، إذا ذعرته، ويكون المعنى على هذا: من لنا يوم الفزع"7. وما على هذه الحاشية من الأقوال ليس بظاهر، وتفسيرهم ليوم السّبُع8 بيوم القيامة ليس بظاهر أيضاً؛ فإنه ليس يوم أكل، وليس يوم يصلح لأخذه لها، وكنا نسمع قديماً أن يوم السبُع هو عند نزول عيسى، فإن السباع لا تضر ماشية الرجل بل تحفظها له، فلهذا قال: "يوم لا راعٍ لها غيري".
ويؤيده ما في الصحيحين1 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله لَيُتمَّنَّ هذا الأمر حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمِهِ ولكنكم تستعجلون" 2، 3. تنبيه قال أصحابنا4: "يجوز الانتفاع بالأشياء فيما لم تخلق له؛ فيجوز الحرث على الإبل والحمير، ويجوز ركوب البقر ونحو ذلك"5. وقال بعض أصبحابنا: "لا يجوز ذلك لقصة البقرة، والله أعلم". وذكر ابن الجوزي عن علي رضي الله عنه، قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في المسجد ليس معنا ثالث إذ أقبل أبو بكر وعمر، كل واحد منهما آخذ بيد صاحبه. فقال: "يا علي هذان سيّدا كهول أهل الجنة ممن مضى من الأوّلين والآخيرن، ما خلا النبيين والمرسلين، يا علي لا تخبرهما بذلك".فما أخبرتهما حتى ماتا ولو كانا حيين ماحدثت بهذا الحديث أحداً"6. ورواه الشيخ موفق الدين عن عليّ قال: "كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر وعمر، فقال: "هذان سيّدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين، إلا
النبيين والمرسلين، ثم قال: "لا تخبرهما يا عليّ" 1. وأخرجه الترمذي2، ورواه ابن ماجه3 من طريق أبي جُحَيْفة4، 5. ورواه البختري6 في "أماليه" من طريق زر بن حبيش وهو حديث مشهور7.
ورواه ابن عباس1 وأنس2 وأبو هريرة3 وأبو سعيد4. قال ابن الجوزي: "إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاتخبرهما"، إشفاقاً عليهما من القيام بأعباء الشكر، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقف شاكراً حتى ورمت قدماه"5. وعن أنس قال: قال رسول الله: "أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة" 6. وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقتدوا باللذين7 من بعدي: أبو بكر وعمر" 8.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين1 من بعدي يعني: أبا بكر وعمر، واهتدوا2 بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد" 3. وعن حذيفة رضي / [19 / ب] [الله عنه] 4 قال: "كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إني لست أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين5 من بعدي - وأشار إلى أبي بكر وعمر - واهتدوا6 بهدي عمار، وما حدّثكم ابن مسعود فصدّقوه" 7. وعن عمار بن ياسر قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سألت جبريل عليه السلام فقلت: أخبرني عن فضائل عمر، فقال: لو لبثت معك
ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ما نَفَدَتْ فضائل عمر، وإنما عمر حسنة من حسنات أبي بكر" 1. وعن عبد الله بن حنطب قال: "كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر فقال: "هذان السمع والبصر" 2. وذكر ابن الجوزي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لي وزيران من أهل السماء: جبريل وميكائيل، ووزيران من أهل الأرض: أبو بكر وعمر" 3. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لي وزيرين من أهل السماء، ووزيرين من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر - ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء - فقال: "إن أهل عليين ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون النجم والكواكب في السماء، فإن منهم أبا بكر وعمر وأنعما"، قال فلان قلت: يا أبا سعيد وما أنعما4؟ قال: أهل ذلك هما"5.
وعن عبد العزيز بن المطلب1 عن أبيه2 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى أيدني من أهل السماء بجبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض بأبي بكر وعمر، قال - ورآهما مقبلين - فقال: "هذان السمع والبصر" 3. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا قد ذُرَّ عليه من تراب حفرته" 4. قال أبو عاصم5: "ما نجد لأبي بكر وعمر - رضي لله عنهما - فضيلة مثل هذه؛ لأن طينتهما طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم"6. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر: "ألا أخبركما بمثلكما في الملائكة، ومثلكما في الأنبياء؟ فمثلك يا أبا بكر في الملائكة؛ مثل ميكائيل عليه السلام، ينزل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم قال: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [إبراهيم: 36] . ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل عليه السلام ينزل بالشدة والبأس
والنقمة على أعداء الله، ومثلك في الأنبياء مثل نوح عليه السلام قال: {رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح: 26] 1. وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحب أبا بكر وعمر منافق، / [20 / أ] ، ولا يبغضهما2 مؤمن" 3. وعن دَحْيَة بن خليفة4، قال: "وجهني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم بكتابه، فناولته كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقبَّل خاتمه، ووضعه تحت شيء كان عليه قاعداً، ثم دعا فاجتمع البطارقة وقومه، فقام على وسائد بنيت له، - وكذلك كانت فارس والروم - لم يكن لها [منابر] 5 ثم خطب أصحابه، فقال: "هذا كتاب الذي6 بشرنا به المسيح من ولد إسماعيل بن إبراهيم". قال: فنخروا نخرة7، فأومأ بيده أن اسكتوا، ثم قال: "جربتكم كيف نُصرتكم للنصرانية".
قال: فبعث إليَّ من الغد سراً، فأدخلني بيتاً عظيماً فيه ثلاث مئة وثلاث عشرة صورة1، فإذا هي صورة الأنبياء والمرسلين - عليهم السلام - قال: "انظر أين صاحبك من هؤلاء؟ "، قال: فرأيت صورة النبي صلى الله عليه وسلم كأنه ينظر، قلت: هذا. قال: "صدقت". فقال: "من صورة هذا الذي ... 2 عن يميمنه؟ قلت: رجل من قومه يقال له: أبو بكر الصديق. قال: "فمن هذا الذي عن يساره؟ "، قلت: رجل من قومه يقال له: عمر ابن الخطاب، قال: "أما أنا نجد في الكتاب أن صاحبيه هذين يتم الله بهما الدين". فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته، فقال: "صدق، بأبي بكر وعمر، يتم الله هذا الدين ويفتح" 3. وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، وعن يمينه أبو بكر، وعن يساره عمر - رضي الله عنهما -، فقال: "هكذا نبعث يوم القيامة" 4. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحشر يوم القيامة بين أبي بكر وعمر، حتى أقف بين الحرمين فيأتيني أهل المدينة وأهل مكة" 5. وروى أبو القاسم الأصفهاني عن أبي أروى الدوسي6، قال: "كنت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، فطلع أبو بكر وعمر، فقال: "الحمد لله الذي أيدني بكما" 1. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبعث رجلاً في حاجة وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره، فقيل له: "ألا تبعث أحد هذين؟ "، قال: "كيف أبعثهما وهما من هذا الدين بمنزلة السمع والرأس؟! " 2. وروى عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي - يشير إلى أبي بكر وعمر -، واهتدوا هدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد" 3. وروى الشيخ موفق الدين عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين، سوى النبيين والمرسلين، واختار من
أصحابي أربعة فجعلهم خير أصحابي، وفي كل أصحابي خير، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ" 1. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر وعمر خير أهل السماوات، وخير أهل الأرض، وخير من بقي إلى يوم القيامة، إلا النبيّين والمرسلين" 2. وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أدري قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين3 من بعدي"، وأشار إلى أبي بكر وعمر. 4. / [20/ب] .
الباب العشرون: معرفة فضلهما من السنة
الباب العشرون: معرفة فضلهما من السنة ... الباب العشرون: في بيان معرفة فضلهما من السنة ذكر ابن الجوزي عن شقيق1 عن2 عبد الله3 قال: "حُبُّ أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة"4. وعن عبد العزيز بن جعفر اللؤلؤي5 قال: قلت للحسن6 رضي الله عنه: "حبّ أبي بكر وعمر سنة"، قال: "لا فريضة"7. وعن طاووس8 قال: "حبّ أبي بكر ومعرفة فضلهما من السنة"9. وعن مالك10 بن أنس رضي الله عنه: قال: "كان السلف يعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - كما يعلمون السورة من القرآن"11. وعن أبي جعفر محمّد بن عليّ12 - رضي الله عنهما - قال: "من لا
يعرف فضل أبي بكر وعمر فقد جهل السنة"1. وعن سالم بن حفصة2 قال: قال جعفر بن محمّد3 - رضي الله عنهما -: "أبو بكر جدي أفيسب الرجل جده؟ لا نالتني شفاعة محمّد إن لم أتولاهما وأبرأ من عدوهما"4. وعن زيد بن عليّ5 رضي الله عنه قال: "البراءة من بغض أبي بكر وعمر، البراءة من بغض عليّ رضي الله عنه"6. وعن شعيب بن حرب7، قال: قلت: لمالك بن مِغْوَل8 - رحمه الله -: أوصني، قال: "أوصيك بحب الشيخين - أبي بكر وعمر -"، قلت: "إن الله أعطى من ذلك خيراً كثيراً"، قال: "أي لُكَعُ9 إني والله لأرجو لك على حبهما، ما أرجو لك على التوحيد"10.
وعن ابن أبي حازم1 عن أبيه2 قال: "قيل لعليّ بن الحسين3 - رضي الله عنهما -: كيف كانت منْزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قال: "كمنْزلتهما اليوم وهما ضجيعاه"4. وعن العتكي5 قال: "قال هارون الرشيد6 لمالك:7 "كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "، قال: "كقرب قبريهما من قبره بعد وفاته"، قال: "شفيتني يا مالك"8. وعن سفيان بن عيينة، قال: "قال مالك بن مغول رضي الله عنه: "إن شئتم لأحلفن لكم أن مكانهما في الآخرة مثل مكانهما في الدنيا"، يعني: أبا بكر وعمر، - رضي الله عنهما -"9. وروى أبو عبد الله ابن بطة10 عن ابن أبي حازم قال: "قال رجل لعليّ بن الحسين:
"ما كان منزلة أبي بكر وعمر من النبي؟ "، قال: "كمنزلتهما الساعة"1. وروى ابن أبي مليكة2 قال: "سئل ابن عمر عن منزلة أبي بكر وعمر"، فقال: "منزلتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته كمنزلته من بعد موته"3. قال الشيخ: / [21 / أ] موفق الدين: "من خصائصهما الدالة على فضلهما اختصاصهما بالدفن في تربة النبي صلى الله عليه وسلم دون سائر الناس". قال أبو عاصم النبيل: "لم نجد لأبي بكر وعمر فضيلة مثل الدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك يدل على أن طينتهما من طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا وقد ذُرَّ عليه من تراب حفرته" 4. قال أبو نعيم5: "هذا حديث غريب من حديث ابن عون6 لم نكتبه إلا من حديث أبي عاصم النبيل عنه، وهو أحد الأئمة الأعلام من أهل البصرة"7.
الباب الحادي والعشرون: ذكر فضله على من بعده
الباب الحادي والعشرون: ذكر فضله على من بعده ... الباب الحادي والعشرون: في ذكر فضله على مَن بعده ذكر ابن الجوزي عن أبي جحيفة، قال: "سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول: "ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ أبو بكر، ثم قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة [بعد أبي بكر] ؟ 1، عمر"2. وعن أبي جحيفة قال: "قال عليّ رضي الله عنه: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر، ولو شئت أخبرتكم بالثالث"3. وعن محمّد بن عليّ بن الحنفية4، -رضي الله عنهم- قال: قلت لأبي: "يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "، قال: "أبو بكر ثم عمر"5. وعن عون بن أبي جحيفة6 قال: "كان أبي على شرطة عليّ رضي الله عنه، وكان تحت منبره، قال: سمعت عليّاً يقول: "خير هذه الأمة بعد نبيّها
أبو بكر وعمر"1. وعن عبد خير2، قال: "سمعت عليّاً يقول على منبر الكوفة: "خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وخيركم بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي بالثالث لسميت"، قال: فكأنه ينحو نفسه"3. وعن عبد خير، قال: "لما فرغ عليّ رضي الله عنه من أهل النهر4 صعد المنبر فقال: "ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ومن بعد أبي بكر عمر، ثم أحدثنا5 أموراً يقضي الله فيها ما يشاء"6. وعن خير قال: "سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول: "خير هذه الأمة نبيها، وخيرها بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد أبي بكر عمر، ثم أحدثنا أحداثاً 7يقضي الله فيها ما يشاء"8.
وعن قيس الخارفي1، قال: "سمعت عليّاً- رضي الله عنه - يقول: "سبق رسول الله وصلّى2 أبو بكر، وثلّث عمر، ثمّ خبطتنا فتنة فما شاء الله". قال قوله: "خبطتنا فتنة فما شاء الله، أراد أن يتواضع بذلك"3. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر وعمر خير أهل السموات، وخير أهل الأرض، / [21/ ب] وخير الأوّلين، وخير الآخرين إلاّ النبيين والمرسلين" 4. وعن شعبة5 قال: "ما أدركت أحداً ممن كنا نأخذ عنه، كان يفضل على أبي بكر وعمر أحداً بعد النبي صلى الله عليه وسلم"6. وعن عبد خير قال7 قلت لعلي بن أبي طالب: "يا أمير المؤمنين من أول الناس دخولاً الجنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبو بكر وعمر" قلت: يا أمير المؤمنين يدخلانها قبلك؟ قال: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة8، إنهما ليأكلان من ثمارها ويتكئان على فرشها"9.
وعن ابن عمر قال: "كنا نخيّر بين الناس على زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخيّر أبا بكر ثم عمر ثم عثمان بن عفان - رضي الله عنهم -"1. وعن قبيصة بن عقبة2، قال: "سمعت سفيان3 يقول: "من فضل عليّاً على أبكر فقد أزرى4 على المهاجرين والأنصار، وأخاف أن لا ينفعهمع ذلك عمل"5. وروى الشيخ موفّق الدين عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، - رضي الله عنهما -". وقال: "إن إسناده صحيح عالٍ. وإن رجاله كلهم ثقات"6. وقال الشّيخ موفق الدين: "قد اشتهر عنه - يعي: عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه - أخبار تبلغ رتبة التواتر أنه قال: "خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر"7.
وقال أبو بكر أحمد بن محمّد بن هارون بن يزيد الخلال12: "روى تسعون نفساً أو نحوهم، عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وثمانون من التابعين أن عليّاً بن أبي طالب رضي الله عنه قال على المنبر: "خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر. وقال: عمرو بن حُريث3 منهم: "وعثمان"4. وروى أبو الحسن السكري5 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر وعمر خير أهل السماوات، وخير أهل الأرض، وخير الأوّلين إلا النبيّين والمرسلين" 6. وروى عن شعبة7 قال: "ما أدركت أحداً ممن كنا نأخذ منه كان يفضل على أبي بكر وعمر أحداً بعد النبي صلى الله عليه وسلم"8.
وفي (عوالي أبي الشيخ) عن عبد خير قال: "سمعت عليّاً يقول: "ألا أنبئكم بأفضل هذه الأمة بعد نبيّها صلى الله عليه وسلم؟ أبو بكر وعمر، وإن شئت أن أسمي الثالث لفعلت"1. وخرج البخاري في صحيحه عن محمّد بن الحنفية / [22 / أ] قال: قلت لأبي: "يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "يا بني ولا تعلم؟ "، قلت: لا، قال: "أبو بكر"، قلت: ثم من؟، قال: "يا بني ولا تعلم؟ "، قلت: لا، قال: "ثم عمر"، قال: ثم بدرته، قلت يا أبت ثم أنت؟ فقال: "يا بني أبوك رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم". ورواه الشيخ موفق الدين في المنهاج بلفظه. والله أعلم2.
الباب الثاني والعشرون: صلابته في دين الله وشدته
الباب الثاني والعشرون: صلابته في دين الله وشدته ... الباب الثاني والعشرون: في ذكر صلابته في دين الله وشدّته في الصحيح عن عا ئشة: أن عمر دخل والحبشة يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعهم أمْناً بني أَرْفِدَة"، يعني: من الأمن1. وفيه عن جابر أن عمر قال - لما قال عبد الله بن أبي: {لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} ، [المنافقون: 8] : "ألا تقتل يا نبي الله هذا الخبيث؟ "، لعبد الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتحدّث الناس أنّه كان يقتل أصحابه" 2. وفيه عن أبي وائل3 قال: "كنا بصفِّين4، فقام سهل بن حني ف5 فقال: "يا أيها الناس! اتّهموا أنفسكم، فإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ولو نرى قتالاً لقاتلنا، فجاء عمر بن الخطاب فقال: "يا رسول الله ألسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ "، فقال: "بلى"، فقال: "أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ "، قال: "بلى"، قال: "فعَلامَ نُعطي الدنيَّة في ديننا؟، أنرجع ولم يحكمِ الله بيننا وبينهم؟ "، فقال: "يا ابن الخطاب، إني رسول الله ولن
يضيِّعني الله أبداً"، فانطلق عمر إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "إنه رسول الله ولن يضيّعه الله أبداً"، فنزلت سورة الفتح، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر إلى آخرها، قال عمر: "يا رسول الله أوفتح هو؟ "، قال: "نعم" 1. وفي رواية، قال عمر: "فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ألستَ نبي الله حقاً؟ قال: "بلى"، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى"، قلت: فلمَ نُعطي الدَنيَّة في ديننا إذاً؟ قال: "إني رسول الله ولستُ أعصِيهِ وهو ناصري"، قلت: أوَليس كنت تحدّثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ "، قال: قلت: لا. قال: "فإنك آتيه ومُطّوِّف به". قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: "بلى"، قلت: ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل؟ قال: "بلى"، قلت: فلِمَ نعطي الدنيّة في ديننا إذاً؟ قال: "أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربّه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه2، فوالله إنه على الحق. "قلت: أليس كان يحدّثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ "، قال: "بلى، فأخبرك أنك تأتيه العام؟ "، قلت: لا. قال: "فإنك آتيه ومطوّف به". قال الزهري3: قال عمر: "فعملت لذلك أعمالاً"4. وفي الصحيحين في حديث حاطب5 لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عليّاً والزبير
والمقداد فجاءوا بالكتاب من الضعينة1، قال عمر: "يا رسول الله دعني أضرب عُنقَ هذا المنافق"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعلّ الله أن يكون قد اطّلع على أهل بدر، فقال: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، فدمعت عينا عمر، وقال: "الله ورسوله أعلم"2. وفي الصحيح عن ابن عمر: أن عمر انطلق في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم قِِبلَ ابن صياد3 حتى وجده يلعب مع الغلمان عند أُطُم4 بني مَغَالَة5، وقد قارب ابن صياد يومئذ يحتلم، فلم يشعر بشيء حتى ضرب النبي ظهره بيده، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتشهد أنّي رسول الله؟ "، فنظر ابن صياد فقال: "أشهد أنك رسول الأميين"، قال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم: "أتشهد أني رسول الله؟ "، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "آمنت بالله ورسله"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ماذا ترى؟ "، قال ابن صياد: "يأتيني صادق وكاذب"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خلط عليك الأمر"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد خبأتُ لك خِبئاً"، / [22/ب] ، قال ابن صياد: "هو الدُّخُّ"6. قال النبي
صلى الله عليه وسلم: "اخسأ1، فلن تعدو قدرك". قال عمر: "يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله" 2. وفي الصحيحين3 عن البراء4 أن أبا سفيان5 أشرف يوم أحد6 فقال: "أفي القوم محمّد؟ "، فقال: "لا تجيبوه"، قال: "أفي القوم ابن أبي قحافة؟ "، قال: "لا تجيبوه"، قال: "أفي القوم ابن الخطاب؟ "، قال: "إن هؤلاء قتلوا"7. وفي رواية8: "قتلوا9 كلهم فلو كانوا أحياء لأجابوا"، فلم يملك عمر نفسه، فقال: "كذبت يا عدوّ الله، أبقى الله لك ما يخزيك"10، 11. وتقدم حديث الأسود12 في الباب السابع عشرة13.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أشد أمتي في الله عمر" 1. وروى ابن الجوزي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "حدّثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "أسر يوم بدر من المشركين سبعون رجلاً، واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعليّاً فقال أبو بكر: "يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن نأخذ منهم الفدية؛ فيكون ما أخذنا منهم قوّة على الكفار، وعسى أن يهديهم الله تعالى فيكونوا لنا عضُداً". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ترى ابن الخطاب؟ "، فقلت: "والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكني من فلان - قريب عمر - فأضرب عنقه، وتمكن عليّاً من عقيل2 فيضربَ عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هَوَادةٌ للمشركين، هؤلاء صَنَاديدهم3، وأئمتهم وقادتهم. فهَوِي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلت، فأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإذا هو قاعد وأبو بكر يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاءً بكيتُ، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبكي للذي عرَض لأصحابك4 من الفداء، لقد عُرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة - وأنزل الله عزوجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} ، إلى قوله: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} ، من
الفداء {عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، [الأنفال: 67، 68] 1. وعن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسر الأسارى يوم بدر استشار أبا بكر فقال: "قومك وعشيرتك فخل سبيلهم"، واستشار عمر فقال: "اقتلهم"، ففاداهم رسول الله فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} ، [الأنفال: 67] ، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم عمر فقال: "كاد يصيبنا في خلافك شرّ" 2. وفي الصحيح عن ابن عباس عن عمر قال: "والله إن كنّا في الجاهلية ما نعدّ للنساء أمراً حتى أنزل الله عزوجل فيهنّ ما أنزل وقسم لهن ما قسم، قال: فبينا3 أنا في أمر أتأمّره إذ قالت امرأتي: "لو صنعت كذا وكذا"، قال: فقلت لها: ما لك ههنا فيما تَكَلُّفُكِ4 في أمر أريده، فقالت لي: "عجباً لك يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجعَ، وإن ابنتك لتراجعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان"، فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتى دخل حفصة، فقال لها: يا بنيّة إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان؟! فقالت حفصة: "والله إنا لنراجعه"، فقلت: تعلمين [أني] 5 أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله، يا بنيّة لا يغرنك هذه التي أعجبها حُسنها حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إيّاها، - يريد عائشة - قال: ثم خرجت حتى دخلت
على أم سلمة1 لقرابتي منها فكلّمتها، فقالت أم سلمة: "عجباً لك يا ابن الخطاب، دخلت في كل شيء، حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه"، فأخذتني والله أخذاً كسرتني عن بعض ما كنت أجد، قال: فخرجت من عندها، وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنتُ أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوف ملكاً من ملوك غسان، ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، قد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدق الباب فقال: "افتح افتح"، فقلت: أجاء الغسّاني؟ فقال: "بل أشد من ذلك، اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه"، فقلت: أرغم الله أنف حفصة وعائشة، فأخذت ثوبي فأخرج حتى جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة2 له يرقى عليها بعَجَلَة3، [وغلام] 4 لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس الدرجة، فقلت: قل هذا عمر بن الخطاب، فأذن لي، قال عمر: فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث فلما بلغت حديث أم سلمة تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، [وتحت رأسه] 5 / [23/أ] وسادةٌ من أدم حشوها ليف، وإن عند رجلي قَرَظاً6 مصبوراً7 أو قال:
مصبوباً، وعند رأسه أهُبٌ1 مُعَلَّقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: "ما يبكيك؟ "، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة" 2.
الباب الثالث والعشرون: إقدامه على أشياء من أوامر الرسول عليه السلام
الباب الثالث والعشرون: إقدامه على أشياء من أوامر الرسول عليه السلام ... الباب الثالث والعشرون: في ذكر إقدامه على أشياء من أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم يؤخذ بذلك لصحة مقصده في الصحيح عن سلمة1 قال: "خفّت أزواد الناس وأملقوا2، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر إبلهم فأذن لهم، فلقيهم عمر فأخبروه فقال: "ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ "، فدخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله بما بقاؤهم بعد إبلهم؟ "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ناد في الناس يأتون بفضل أزوادهم"، فدعا وبرّك عليه ثم دعاهم وبأوعيتهم فاحتثى الناس حتى فرغوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله" 3. وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: "وجد عمر حُلة إستبرق4 تباع في السوق، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله ابتع هذه الحلة تجمل بها للعيد وللوفود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هذه لباس من لا خلاق له، أو إنما يلبس هذه من لا خلاق له"، فلبث ما شاء الله. ثم أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم بجبّة ديباج، فأقبل بها عمر حتى أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، قلت: "إنما هذه لباس من لا خلاق له، أو إنما يلبس هذه من لا خلاق له، ثم أرسلت إليّ بهذه؟ "، فقال: "تبيعها، أو تصيب بها بعض حاجتك"5.
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام على قتلى بدر وقال: "هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ " قال عمر: "يا رسول الله ما تُكلمُ من أجساد لا أرواح1 فيها". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمّد بيده ما أنتم بأسمعَ لما أقول منهم" 2. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على عبد الله بن أبي، جذبه عمر، وقال: "أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين؟ "، فقال: "أنا بين خيرتين: {اسْتَغْفِرْ لَهُم أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُم إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ، فنزلت: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحْدٍ مِّنْهُمْ مَّاتَ أَبَداً} [التوبة: 80، 84] 3. وفي رواية: "فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولتُ حتى قمت في صدره، فقلت: "يا رسول الله أعلى عدوّ الله ابن أبي القائل يوم كذا كذا وكذا وكذا، أعدد أيامه،؟ "، قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، حتى إذا أكثرتُ عليه قال: "أخِّرْ4 عنّي يا عمر إني خيّرت فاخترت قد قيل: {اسْتَغْفِرْ لَهُم أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُم إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] ، ولو علمت أني إن زدت على السبعين غفر لهم لزدت". ثم صلى عليه ومشى معه، فقام على قبره حتى فرغ منه، فعجباً لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم، فو الله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت هاتان الآيتان: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحْدٍ مِّنْهُمْ مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى
قَبْرِهِ} ، إلى قوله: {فَاسِقُونَ} ، [التوبة: 84] ، فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها على منافق ولا قام على قبره، حتى قبضه الله عزوجل"1. وعن البراء قال: "لما كان أحد جاء أبو سفيان بن حرب فقال: "أفيكم محمّد؟ "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجيبوه"، ثم قال: "أفيكم محمّد؟ "، فلم يجيبوه، ثم قال الثالثة، فلم يجيبوه، ثم ذكر أبا بكر وعمر. فقال: "أما هؤلاء فقد كفيتموهم"، فلم يملك عمر نفسه، قال: "كذبت يا عدو الله، ها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وأنا، أحياءٌ، ولك منا / [23/ب] يوم سوء"، فقال: "يوم بيوم بدر والحرب سِجال2، فقال: "أعل هبل"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجيبوه"، قالوا: "يا رسول الله ما نقول؟ "، قال: "قولوا: الله أعلى وأجل"، قال3: "لنا العزى ولا عزى لكم"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجيبوه"، قالوا: "يا رسول الله ما نقول؟ "، قال: "قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم" 4. وعن عكرمة5، أن أبا سفيان لما قال: أعل هبل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: "قل: الله أعلى وأجل"، فقال أبو سفيان: "لنا العزى ولا عزى
لكم"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " [قل] 1: الله مولانا ولا مولى لكم" 2. وعن أبي وائل،3 قال: "قال سهل بن حنيف في الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، قال: "جاء عمر فقال: "يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ "، قال: "بلى". قال: "أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ "، قال: "بلى ". قال: "فعلام نعطي الدَّنيّة في ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم؟ "، قال: "يا ابن الخطاب إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبداً"، فانطلق عمر إلى أبي بكر - رضي الله عنهما - ولم يصبر متغيّظاً حتى أتا أبا بكر، فقال: "يا أبا بكر، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ "، قال: "بلى"، قال: "أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ "، قال: بلى. قال: "يا ابن الخطاب إنه رسول الله، ولن يضيعه الله". فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح فأرسل إلى عمر فأقرأه، فقال: "يا رسول الله أوفتح هو؟ "، قال: "نعم"، فطابت نفسه ورجع"4. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "كنا قعوداً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو بكر وعمر، في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا، وخشينا أن يقتطع دوننا، وفزعنا، وقمنا، فكنت أوّل من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً5 للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له
باباً فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط [من] 1 بئر خارجة (والربيع: الجدول) 2، فاحتفزت فدخلت عل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أبو هريرة؟ "، فقلت: نعم يا رسول الله، قال: "ما شأنك؟ "، قلت: كنت بين ظهرينا3، فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقطع دوننا، ففزعنا، وكنت أوّل من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي. فقال: "يا أبا هريرة - وأعطاني نعليه - اذهب بنعلي هاتين فمن لقيته من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله / [24 / أ] مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة"، وكان أوّل من لقيت عمر، فقال: "ما هذان النعلان يا أبا هريرة؟ "، فقلت: هذان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما من لقيتُ يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً قلبه بشرته بالجنة، فضرب عمر بين ثدييّ بيده، فخررت لأستى، فقال: "ارجع يا أبا هريرة"، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بالبكاء وركبني4 عمر. وإذا هو على أثري فقال رسول الله: "ما لك يا أبا هريرة؟ "، قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني5 به، فضرب بين ثدييّ ضربة فخررت لأستى، فقال: "ارجع"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ "، فقال: "يا رسول الله أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشّره
بالجنة؟ "، قال: "نعم"، قال: "فلا تفعل؟ فإني أخاف أن يتكل الناس عليها فخلّهم يعملون"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فخلّهم" 1. وعن الأعمش2 عن أبي صالح3 عن أبي سعيد4 أو عن أبي هريرة - رضي الله عنهما - شك الأعمش. قال: "لما كان في غزوة تبوك5، أصاب الناس مجاعة، فقالوا يا رسول الله لو أذنت فذبحنا نواضحنا6 فأكلنا وادّهنّا، فقال لهم رسول الله: "افعلوا"، فجاء عمر فقال: "يا رسول الله إنهم إن فعلوا قل الظهر، ولكن ادعهم فيأتوا بفضل أوزادهم، ثم ادع لهم عليه بالبركة، فلعل الله عزوجل أن يجعل في ذلك"7، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنطع8 فبسطه ثم دعاهم بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف الذرة، والآخر بكف التمر، والآخر بالكسرة، حتى اجتمع من ذلك على النطع شيء يسير9. ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة ثم قال: "خذوا
في أوعيتكم"، فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العكسر وعاء، إلا ملأوه، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت منه فضلة، فقال رسول الله: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني رسول الله، لا يلقى الله بها عبد غير شاك، فيحجب عن الجنة" 1. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب2 رضي الله عنه ف قال: "امرأة جاءت تبايعه3 فأدخلها الدولج4 فأصبت منها ما دون الجماع؟ "، فقال: "ويحك لعلها مُغيبة5 في سبيل الله؟ "، ونزل القرآن: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيِّئَاتِ} [هود: 114] ، / [24 / ب] ، إلى آخر الآية، فقال: "يا رسول الله إليّ خاصة أم للناس عامة؟ "، فضرب صدره - يعني عمر - بيده، وقال: "لا، ولا نَعْمة عين، بل للناس عامة"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق عُمر" 6. وعن عبيدة7، قال: "جاء عيينة بن حصن8 والأقرع
ابن حابس1 إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقالا: "يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضاً سبخة2 ليس فيها كلاً ولا منفعة، فإن رأيت أن تقطعنا لعلنا3 نحرثها أو نزرعها، لعل الله أن ينفع بها بعد اليوم، فقال أبو بكر لمن حوله: "ما تقولون فيما قالا، إن كانت أرضاً سبخة لا ينتفع بها؟ "، قالوا: "نرى أن تقطعهما إياها، لعل الله ينفع بها بعد اليوم"، فأقطعهما إياه، وكتب لهما بذلك كتاباً، وأشهد عمر، وليس في القوم، فانطلقا إلى عمر يُشهدانه فوجداه قائماً يهنأ4 بعيراً له، فقالا: "إن أبا بكر أشهدك على ما في هذا الكتاب فنقرأ عليك أو تقرأ؟ "، فقال: "أنا على الحال الذي5 تريان، فإن شئتما فاقرءوا وإن شئتما فانظرا حتى أفرغ، فأقرأ عليكما"، قالا: "بل نقرأ فقرأ فلما سمع ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل عليه فمحاه، فتذمرا، وقالا مقالة سيّئة، فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألفكما، والإسلام يومئذ ذليل، وإن الله قد أعز الإسلام، فاذهبا فاجهدا جهدكما، لا رعى [الله] 6 عليكما إن رعيتما"، قال: فأقبلا إلى أبي بكر وهما يتذمّران فقالا: "والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر؟! "، فقال: "لا، بل هو لو كان شاء"، قال فجاء عمر - وهو مغضب - فوقف على أبي بكر فقال: "أخبرني عن هذه
الأرض التي أقطعتها هذين، أرضٌ هي لك خاصة، أم للمسلمين عامة؟ "، قال: "بل للمسلمين عامة"، قال: "فما حملك أن تخص بها هذين دون جماعة المسلمين؟ "، قال: "استشرت هؤلاء الذين حولي فأشاروا عليّ بذلك"، قال: "فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك، فكل المسلمين أوسعتهم مشورة وَرَضىً) ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: "قد كنت قلت لك إنك على هذا أقوى مني، ولكن غلبتني"1. وفي الصحيح عن عبد الله بن الزبير2: أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: "أمِّر القعقاع بن معبد بن زرارة3"، قال عمر: "بل أمّر الأقرع بن حابس"، قال أبو بكر: "ما أردت إلا خلافي"، قال عمر: "ما أردت خلافك" فتماريا4 حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] ، حتى انقضت"5. (25/أ) .
وقد راجع أبا بكر في قتال مانعي الزكاة ففي الصحيحين والمسند أن أبا هريرة قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر بعده، وكَفَر من كفر من العرب، قال عمر: "يا أبا بكر كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، عصم مني ماله ونفسه، إلا بحقه وحسابه على الله"، قال أبو بكر: "والله لأقاتلن - وقال أبو اليمان1: "لأقتلنّ2 - من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً3 كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم على منعها". قال عمر: "فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله عزوجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق"4.
الباب الخامس والعشرون: هيبته وخوف الناس منه
الباب الخامس والعشرون: هيبته وخوف الناس منه ... الباب الخامس والعشرون: في ذكر هيبته وخوف الناس منه تقدم في حديث النسوة / [26 / ب] اللاتي كن عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهن لما سمعن صوته قمن فابتدرن الحجاب، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً إلا سلك فجّاً غير فجّك" 1. وسبق: لما خرج عمر وارفض الناس والصبيان2. وتقدم حديث المرأة في الباب قبله، لما دخل عمر فأخذت الدفّ فوضتعه تحتها3. وفي الصحيحين عن عائشة: أن فاطمة4 لما توفي استنكر عليّ وجوهَ الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر5، فأرسل إلى أبي
بكر: أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك، كراهية ليحضر1 - أو قال لمحضر - عمر بن الخطاب، فقال عمر: "لا والله، لا تدخل عليهم وحدك" فقال أبو بكر: "وما عسيتهم أن يفعلوا بي؟ والله لآتينّهم". وذكر باقي الحديث2. وعن عكرمة3: أن حجاماً كان يقص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان رجلاً مهيباً فتنحنح4 عمر فأحدث الحجام، فأمر له عمر بأربعين درهماً.
واسم هذا الحجام سعيد بن الهيلم1"2. وعن القاسم بن محمّد3 قال: "بينما عمر يمشي وخلفه عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بدا له فالتفت فإن بقي منهم أحد إلا وجب4 لركبتيه ساقطاً، قال: فأرسل عينيه فبكى ثم قال: "اللهم تعلم أني منك أشد فرقاً منهم مني"5. وعن الحسن6 - رحمه الله - قال: "بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن امرأة يتحدث عنها الرجال فأرسل إليها، قال: وكان عمر رجلاً مهيباً، فلما جاءها الرسول، قالت: "يا ويلها ما لها ولعمر"، فخرجت فضربها المخاض فمرت بنسوة فعرفن الذي بها، فقدمت بغلام فصاح صيحة ثم طفا7 فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فجمع المهاجرين والأنصار واستشارهم، وفي آخر القوم رجل، فقالوا: "يا أمير المؤمنين إنما كنت مؤدباً وإنما أنت راعي8"، قال: "ما تقول يا فلان؟ "، قال: "أقول إن كان القوم تابعوك على هواك فوالله ما نصحو لك، وإن يك اجتهادُهم أراهم فوالله لقد أخطأ رأيهم، يا أمير المؤمنين، قال: "فعزمت عليك لما قمت فقسمتها على قومك"، قال: فقيل
للحسن: من الرجل؟ قال: عليّ بن أبي طالب"1. وعن أسلم2: أن نفراً من المسلمين كلموا عبد الرحمن بن عوف قالوا: "أعلم عمر بن الخطاب فإنه قد أخسانا3، حتى والله ما نستطيع أن4 نديم إليه أبصارنا". قال: وذكر ذلك عبد الرحمن لعمر، قال: "أو قد ذكروا ذلك؟! والله لقد لنت لهم حتى تخوفت من الله [في] 5 ذلك، ولقد اشتددت عليهم حتى خفت الله في ذلك. وأيم الله لا أنا أشد منهم فرَقاً [منهم] 6 منّي"7. وعن عمر بن مرة8 قال: "لقي رجل من قريش عمر فقال: "لِنْ لنا فقد ملأت قلوبنا مهابة"، فقال: "أفي ذلك ظلم؟ "، قال: "لا"، قال: "فزادني الله في صدوركم مهابة"9. وعن عبيد بن حنين1011: أنه سمع عبد الله بن عباس يُحدّث قال:
"مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر رضي الله عنه عن آية، فلا أستطيع أن أسأله هيبة"1. وفي الصحيح عن ابن عباس أنه قال: "مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجاً فخرجت معه، فلما رجعنا2 وكنا ببعض الطريق، عدل إلى الأراكِ لحاجة له، قال فوقفت له حتى فرغ، ثم سِرت معه، قلت له: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه، فقال: "تلك حفصة وعائشة"، قال: فقلت: والله إن كنتُ لأريد أن أسألك عن هذا من سنة، فما أستطيع هيبة لك، قال: فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبرتك به"3. وفي رواية: "فمكثت سنة لا أجد له مَوضِعاً"4. / [27 / أ] .
الباب السادس والعشرون: انزعاجه لموت الرسول وإنكاره له
الباب السادس والعشرون: انزعاجه لموت الرسول وإنكاره له ... الباب السادس والعشرون: في ذكر انزعاجه لموت الرسول وإنكاره له وعن ابن شهاب1 قال: "أخبرني أنس، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى الناس فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطيباً في المسجد فقال: "لا أسمعن أحداً يقول: إن محمّداً قد مات، ولكنه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى بن عمران فلبث عن قومه أربعين ليلة، والله إني لأرجو أن يقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات"2. وعن ابن شهاب قال "أخبرني أبو سلمة3 أن عائشة - رضي الله عنها - أخبرته أن أبا بكر رضي الله عنه أقبل على فرس من مسكنه بالسّنْح4، حتى نزل فدخل [المسجد] 5، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُغَشىً6 بثوب حَبِرة فكشف عن وجهه ثم أكبّ ثم قال: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كُتبَتْ عليك فقد مُتَّها". قال: وحدّثني أبو سلمة عن عبد الله بن عباس: أن أبا بكر خرج وعمر
يكلم الناس، فقال: "اجلس يا عمر"، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أما بعد: فمن كان يعبد محمّداً، فإن محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلَبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] ، قال والله لكأن الناس ما علموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمع بشراً إلا يتلوها". قال سعيد بن المسيب - رحمه الله -: "إن عمر قال: "والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقِرْت1 حتى ما تُقلُّني رجلاي، حتى هويت إلى الأرض"2. وفي الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد، فلم يُكلّم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُغشىً بثوب حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكبّ عليه فقبّله وبكى، ثم قال: "بأبي وأمي أنت، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متّها". وعن ابن عباس: أنّ أبا أبكر خرج وعمر بن الخطاب يكلّم الناس، فقال: "اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس عليه تركوا عمر، فقال أبو بكر: "أما بعد: فمن كان يعبد محمّداً فإن محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ
لا يموت، قال الله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} ، / [27/ب] {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ، إلى قوله: {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] ، وقال والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها عنه الناس كلهم فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها. قال الزهري1: "وأخبرني ابن المسيب: أن عمر قال: "ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعُقرت، حتى ما تُقلني رجلاي، وحتى هويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات"2. وذكر أبو القاسم الأصفهاني في (سير السلف) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: "إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع بعد أن قيل: مات، والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات". قال: وأقبل أبو بكر حتى نزل [على] 3 باب المسجد حين بلغه الخبر وعمر يكلم الناس فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية البيت مسجى4 عليه ببردة حبرة، فأقبل حتى كشف عن وجهه ثم أكبّ عليه فقبّله، ثم قال: "بأبي أنت وأمي،
أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها، ثم لن يصيبك بعد موتة أبداً"، قال: ثم ردّ الثوب على وجهه، ثم خرج وعمر يكلّم الناس، فقال: "على رسلك يا عمر"، فأبى إلا أن1 يتكلم، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "يا أيها الناس، إنه من كان يعبد محمّداً فإن محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، ثم تلا هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعَقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] الآية. قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تلاها يومئذ أبو بكر: وأخذها الناس عن أبي بكر، فإنما هي في أفواههم، قال أبو هريرة: قال عمر: "والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت حتى وقعت على الأرض وما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات"2. وقال في: (عيون التاريخ) 3، وغيره قال سعد4: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى الناس فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه / [28 / أ] في
المسجد خطيباً فقال: "لا أسمعن أحداً يقول: "إن محمّداً قد مات، ولكنه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى بن عمران، فلبث في قومه أربعين ليلة، والله إني لأرجو أن يقطع أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات"1. قال عكرمة2: "ما زال عمر يتكلم وهو يتوعد المنافقين حتى أزبد شدقاه3، وأقبل أبو بكر على فرس له من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكبّ عليه فقبّله وبكى، ثم قال: "بأبي أنت وأمي، طبت حيّاً وميتاً، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي قد كُتبت عليك فقد متّها". وخرج وعمر يكلم الناس، فقال: "اجلس يا عمر"، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد: فإن من كان يعبد محمّداً فإن محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، قال الله عزوجل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} ، إلى قوله: {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] . قال والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمع بشراً إلا يتلوها". فأخبرني سعيد بن المسيب: أن عمر قال: "والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي حتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها"4.
الباب السابع والعشرون: قيامه ببيعه أبي بكر ومجادلته عنه
الباب السابع والعشرون: قيامه ببيعه أبي بكر ومجادلته عنه ... الباب السابع والعشرون: في قيامه ببيعة أبي بكر ومجادلته عنه ذكر ابن الجوزي عن زر1 عن عبد الله2 قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: "منا أمير ومنكم أمير"، فأتاهم عمر فقال: "يا مشعر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ أبا بكر أن يؤم الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ "، فقالت الأنصار: "نعوذ بالله أن تقدم أبا بكر"3. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "كان خبرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليّاً والزبير ومَن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلف عنا الأنصار بأجمعهم في سقيفة4 بني ساعدة واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا [فانطلقنا] 5 نؤمّهم، حين لقينا رجلان صالحان6، فذكروا لنا الذي صنع القوم، فقالا لنا: "أين تريدون يا معشر
المهاجرين؟ "، فقلت: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا: "لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين"، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى إذا جئناهم فإذا هم مجتمعون وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمَّل1 فقلت: من هذا؟ فقالوا: "سعد بن عبادة"، فقلت: ما له؟ قالوا: "وجع" فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله عزوجل بما هو أهله ثم قال: "أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفّت دافّة2 منكم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويحضنونا3 من الأمر"، فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت قد زورت4 مقالة أعجبتني، أريد أن أقولها بين يدي أبي بكر، / [28 / ب] وقد كنت أُداري منه بعض الحدّ، وهو كان أحلم مني وأوقر، فقال أبو بكر: "على رسلك"، فكرهت أن أغضبه وكان أعلم مني وأوقر، فقال: والله ما ترك كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل، حتى سكت فقال: "أما بعد: فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم"، وأخذ بيدي ويد [أبي] 5 عبيدة بن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، وكان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يُقرّبُني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن
أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تغير نفسي عند الموت، فقال قائل من الأنصار: "أنا جُذَيْلها المُحَكَّك1، وعُذَيقها المُرَجَّب2، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش". قال: "فكثر اللغط3 وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار - رضي الله عنهم"4. وفي الصحيحين ومسند الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف5 أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب فقال: "إن فلاناً يقول: لو قد مات عمر بايعت فلاناً"، فقال عمر: "إني قائم العشية في الناس فمُحذَّرهم6 هؤلاء الرهط الذي يريدون أن يغصبوهم أمرهم، فقال عبد الرحمن فقلت: "يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع7 الناس وغوغاهم8، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمت في الناس، فأخشى أن تقول مقالة يطير بها أولئك فلا يعُوها ولا يضعوها على موضعها، ولكن تقدم المدينةَ، فإنها دار الهجرة والسنة وتخلّص بعلماء الناس وأشرافهم، فتقول ما قلت متمكناً،
فيعون مقالتك ويضعونها موضعها". قال عمر: "لئن قدمت المدينة سالماً لأكلّمن بها الناس في أوّل مقام أقومه"، فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجّة، وكان يوم الجمعة، عجلت الرّواح1 صكة الأعمى؟. قلت2: لمالك: "وما صكة الأعمى؟ "، قال: "إنه لا يبالي أي3 ساعة خرج لا يعرف الحر والبرد ونحو هذا"4، وليست هذه الزيادة في الصحيح - فوجدت سعيد بن زيد عند ركن المنبر الأيمن قد سبقني، فجلست حذاءه تحك ركبتي ركبته، فلم أنشب أن طلع عمر فلما رأيته قلت: ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة ما قالها عليه أحد قبله، قال فأنكر سعيد بن زيد ذلك فقال: "وما عسيت أن يقول ما لم يقل أحد؟ "، فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذن قام فأثنى على الله عزوجل بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد: أيها الناس فإني قائل مقالة قدِّر لي أن أقولها، لا أدري5 لعلها بين يدي أجلي، فمن وعاها وعقلها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن لم يعها فلا أحل له أن يكذب عليّ، إن الله تبارك وتعالى بعث محمّداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب وكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله، ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة / [29 / أ] قد أنزلها الله عزوجل، فالرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والسناء، إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف،
ألا وإنا قد كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم، فإن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطروني كما أطْري عيسى بن مريم، وإنما أنا عبد الله، فقولوا: عبد الله ورسوله"، وقد بلغني أن قائلاً منكم يقول: "لو قد مات عمر بايعت فلاناً"، فلا يغترّن أمرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة1 ألا وإنها كانت كذلك، ألا إن الله عزوجل وقى شرّها. وليس فيكم اليوم من تُقْطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، ألا وإنه كان من خَبَرنا حين توفي رسول الله أنّ عليّاً والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله، وتخلفت عنا الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له: يا أبا بكر انطلق2 بنا إلى إخواننا من الأنصار". فانطلقنا نؤمّهم حتى لقِيَنَا رجلان صالحان، فذكرا لنا الذي صنع القوم. فقالا: "أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ ". فقلت: "نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار". فقالا: "لا عليكم أن لا تقربوهم، واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين"، فقلت: "والله لنأتينهم فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظهرانيهم رجل مُزمَّل، فقلت: "من هذا؟ "، قالوا: "سعد بن عبادة"، فقلت: "ما له؟ "، قالوا: "وجع"، فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، وقال: "أما بعد فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفّت دافّة منكم يريدون أن يختزلونا3 من أصلنا ويحضنونا من الأمر". فلمّا سكت أردت أن أتكلم
وكنت قد زوَّرت مقالة أعجبتني، أريد أن أقولها بين يدي أبي بكر، وقد كنت أداري1 منه بعض الحدّ2، وهو كان أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري3 إلا قالها في بديهته وأفضل، حتى سكت، فقال: "أما بعد: فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم، وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة ابن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، وكان والله أن أقدم فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك إلى إثم، أحب إليّ من أن أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر رضي الله عنه، إلا أن تغير نفسي عند الموت". فقال قائل من الأنصار: "أنا جُذْيلها المُحَكّك وعُذْيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش". فقلت4 لمالك: ما معنى جذيلها المحكك وعذيقها المجرب؟، قال: كأنه يقول: أنا داهيتها"5. قال: فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى خشيت الاختلاف، فقلت: "أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: "قتلتم سعداً"، فقلت: قتل الله سعداً، قال عمر: أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمراً هو أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم يكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما6 أن نُتَابِعَهُم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم
فيكون فيه فساد، فمن بايع أميراً من غير مشورة المسلمين فلا بيعة للذي بايعه، تغرة أن يقتلا"1، 2.
الباب الثامن والعشرون: في ذكر عهد أبي بكر إليه ووصيّته إياه عن إبراهيم النخعي1 قال: "أوّل من ولي أبو بكر شيئاً من أمور المسلمين عمر بن الخطاب، ولاّه القضاء، فكان أوّل قاضٍ في الإسلام"2. وعن الحسن بن3 أبي الحسن - رضي الله عنه4، قال: "لما ثقل أبو بكر واستبان له من نفسه، جمع الناس إليه فقال: "إنه قد نزل بي ما ترون، وإني لأظنني إلا المأتيّ، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحل عنكم عقْدي5، ورد عليكم أمركم، فأمروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمرتم عليكم في حياة مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي"، فقاموا في ذلك وحلوا عليه، ولم يستقم لهم فقالوا: "أرأى لنا يا خليفة رسول الله"، قال: "فلعلكم تختلفون؟ "، قالوا: "لا"، قال: فعليكم عهد الله على الرضى، قالوا: "نعم"، قال: فأمهلوني أنظر لله ولدينه ولعباده، فأسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان - رضي الله عنهما - قال: "أشر علي برجل، والله إنك عندي6 لها لأهل وموضع"، قال: "عمر"، فقال: "اكتب"، وكتب حتى انتهى إلى الاسم فغشي عليه
ثم أفاق، فقال: "اكتب عمر"1. وعن الشعبِي قال: "بينا طلحة والزبير وعثمان وسعد وعبد الرحمن - رضي الله عنهم - جلوس عند أبي بكر في مرضه عواداً، فقال أبو بكر: "ابعثوا إليّ عمر"، فأتاه فدخل عليه فلما دخل حست نفوسهم أنه خيّرته فتفرقوا عنه، وخرجوا وتركوهما / [29 / ب] ، فجلسوا في المسجد، وأرسلوا إلى عليّ رضي الله عنه ونفر معه، فوجدوا عليّا في حائط فتوافروا إليه واجتمعوا، وقالوا: "يا عليّ ويا فلان، إن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلف2 عمر، وقد علم الناس أن إسلامنا كان قبل إسلام عمر، وفي عمر من التسلط على الناس ما فيه، ولا سلطان له، فادخلوا بنا عليه نسأله، فإن استعمل عمر كلمناه فيه وأخبرناه عنه"، ففعلوا. فقال أبو بكر رضي الله عنه: "اجمعوا3 لي الناس أخبركم من اخترت لكم، فخرجوا فجمعوا الناس إلى المسجد فأمر من يحمله إليهم حتى وضعه على المنبر، فقام فيهم باختيار عمر لهم، ثم دخل فاستأذنوا عليه، فأذن لهم، فقالوا: "ماذا تقول [لربك] 4 وقد استخلفت علينا عمر؟ "، فقال: "أقول: استخلفت عليهم خير أهلك"5. وعن عاصم بن عدي6، قال: "جمع أبو بكر الناس وهو مريض فأمر من
يحمله إلى المنبر فكانت آخر خطبة خطب بها: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس احذروا الدنيا ولا تثقوا بها فإنها غدارة، وآثروا الآخرة على الدنيا وأحبّوها، فبحب كل واحدةٍ منهما تبغض الأخرى، وإن هذا الأمر الذي هو أملك بنا لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوّله، ولا يحتمله إلا أفضلكم مقدرة، وأملككم لنفسه أشدّكم في حال الشدّة، وأسلسكم في حال اللين، وأعلمكم برأي ذوي الرأي لا يتشاغل بما لا يعنيه، ولا يحزن لما ينزل به، ولا يستحي من التعلم، ولا يتحير عند البديهة، قوي على الأمور، لا يخور لشيء منها حده بعدوان ولا تقصير، يرصد لما هو آت عتاده من الحذر والطاعة، وهو عمر بن الخطاب". ثم نزل فدخل، فحمل الساخط إمارته الراضي بها على الدخول معهم توصلا"1. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان عثمان يكتب وصية أبي بكر - رضي الله عنهما - فأُغمي2 على أبي بكر، فجعل عثمان يكتب فكتب عمر، فلما أفاق قال له: "ما كتبت؟ "، قال: "كتبت عمر"، قال: "كتبت الذي أردت أن آمرك به، ولو كتبت نفسك كنت لها أهلاً"3. وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "كتب عثمان رضي الله عنه عهد الخليفة بعد أبي بكر رضي الله عنه فأمره أن لا يسمي أحداً وترك اسم الرجل، فأغمي على أبي بكر إغماء، فأخذ عثمان العهد فكتب اسم عمر، قال: "فأفاق أبو بكر فقال: "أرني العهد"، فإذا فيه اسم الرجل عمر، قال: "من كتب هذا؟ "،
قال عثمان: "أنا"، فقال: رحمك الله وجزاك خيراًً، فوالله لو كتبت نفسك لكنت لذلك أهلاً"1. وعن الواقدي عن أشياخه: أن أبا بكر رضي الله عنه لما اشتد به المرض دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: "أخبرني عن عمر بن الخطاب"، فقال: "ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني"، فقال أبو بكر: "وإن"، فقال عبد الرحمن: "هو والله أفضل من رأيك2 فيه"، ثم دعا عثمان فقال: / [30 / أ] "أخبرني عن عمر"، فقال: "أنت أخبرنا به"، قال: "على ذلك يا أبا عبد الله"، فقال عثمان: "اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله". فقال أبو بكر: "يرحمك الله3، والله لو تركته ما عدوتك". وشاور معهما سعيد بن زيد، وأُسيد بن الحُضير4 وغيرهما من المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - وسمعه بعضهم أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فدخلوا على أبي بكر، فقال له قائل منهم: "ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلاف عمر علينا وقد ترى غلظته؟ "، فقال أبو بكر: "أجلسوني، أبالله5 تخوفوني! خاب من تزود من أمركم بظلم أقول: اللهمّ استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني ما قلت من ورائك"، ثم اضطجع. ودعا عثمان فقال: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وأوّل عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر،
ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به، وعلمي فيه، وإن بدّل فلكل امرئ ما اكتسب، والخيرَ أردتُ ولا أعلم الغيب {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته". ثم أمر بالكتاب فختمه1، وخرج به مختوماً، فقال عثمان للناس: "أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ "، قالوا: "نعم"، ثم رفع أبو بكر يديه وقال: "اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم وخفت عليهم الفتنة، فاجتهدت لهم رأيي، فوليت عليهم خيرهم، وأحرصهم على ما أرشدهم وقد حضرني من أمرك ما حضر، فاخلفني فيهم فهم عبادك"2. وعن قيس بن أبي حازم، قال: "خرج علينا عمر ومعه شديد3 مولى أبي بكر، ومعه جريدة4 يُجلس بها الناسَ، فقال: "أيها الناس اسمعوا قول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إني قد رضيت لكم عمر فبايعوه"5. وعن [ابن] 6 أبي خالد7 عن قيس8 قال: "رأيت عمر وبيده
عسيب1 نخل وهو يجلس الناس ويقول: "اسمعوا قول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء مولى أبي بكر يقال له شديد بصحيفة فقرأها على الناس، فقال: يقول أبو بكر: "اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه الصحيفة، فوالله ما آلوتكم". قال قيس: فرأيت عمر بعد ذلك على المنبر"2. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "أفرس الناس ثلاثة أبو بكر في عمر، وصاحبة موسى عليه السلام، حين قالت: "استأجره"، وصاحب يوسف رضي الله عنه"3. وعن موسى الجهني4 قال: "سمعت أبا بكر بن حفص5، يقول: "قال أبو بكر حين احتضر لعائشة - رضي الله عنها - "يا بنية وَلينا هذا، - أمر المسلمين - فلم نأخذ لهم ديناراً ولا درهماً، ولكنا أكلنا من جريش6 طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وإنه لم يبق عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير، إلا هذا العبدَ الحبشي، وهذا / [30 / ب] البعير
الناضح، وجرد1 هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر، فجاء الرسول وعنده عبد الرحمن بن عوف فبكى عمر حتى سالت دموعه على الأرض، وقال: "يرحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده، ارفعهن يا غلام"، فقال عبد الرحمن: "سبحان الله يا أمير المؤمنين! تسلب عيال أبي بكر عبداً حبشياً، وبعيراً ناضحاً، وجرد قطيفة وثمنها خمسة دراهم"، فقال: "ما تأمر؟ "، قال: "آمر بردهن على عياله2". قال: "خرج أبو بكر عنهن عند الموت، وأردهن أنا على عياله، لا يكون والله ذلك أبداً، الموت أسرع من ذلك"3. وروى أبو القاسم الأصفهاني عن عبد الله4 قال: "أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف: 21] ، والمرأة التي أتت موسى فقالت لأبيها: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص: 26] ، وأبو بكر حين استخلف عمر"5. فصل ينبغي للخليفة إذا احتضر أن ينظر في أمر المسلمين، فإن كان استخلافه أصلح لهم استخلف عليهم، وإن كان ترك الاستخلاف أصلح لهم لم
يستخلف. وإذا رأى الاستخلاف1 عليهم فينظر في الأصلح لهم في أمورهم، والقيام عليهم، والنصح لهم، وكونه من أهل الدين والورع والفضل، فإن رأي رجلاً من أهل الدين والورع والخير، لكنه ضعيف عن القيام بأمورهم، وآخر هو دونه في الورع والفضل، وهو أقوى منه على أمورهم، ومصالحهم، والذبّ عنهم، فهو مقدم؛ لأن هذا الأمر والنظر فيه إلى المصلحة لهم، والأوّل صلاحه لنفسه، ولا ينظر لهم فاسقاً. والفاسق: من ارتكب كبيرة أو أصر على صغيرة2. والكبيرة: هي ما فيه حدّ في الدنيا لقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النّور: 2] ، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] ، أو وعيد في الآخرة: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَونَ سَعِيراً} [النساء: 10] 3. وقال أبو العباس بن تيمية4 وغيره: "أو لعنة: {أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] {وَالخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ} ، [النور: 7] . وقوله - عليه السلام -: " لعن الله السارق"5، "لعن الله المحلِّلَ والمحلَّل له"6، "لعن الله
الواشمة1 والمستوشمة"2، "لعن الله آكل الربا ومؤكله" 3، ونحو ذلك. أو غضب: {وَالخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللهَ عَلَيْهَا} [النور: 9] . أو نفي الإيمان: "لا يزني الزاني حين يزني هو مؤمن، ولا يسرق السّارق حين يسرق وهو مؤمن" 4، 5. / [31 / أ] . قال جماعة من أصحابنا منهم ابن عقيل6 وغيره: "تثبت ولاية الإمام بأحد أشياء: منها: عهد الخليفة قبله، ومعنى ذلك أن يعهد إليه الخليفة قبله أنه إذا مات كان خليفة بعده، فهذا يصير بهذا خليفة يحرم قتاله، والخروج عليه، ومن هذا كانت خلافة عمر فإن أبا بكر الصديق عهد إليه عند الموت7. ومنها أن ينزل له عن الخلافة في حال الحياة، ويعزل نفسه منها ويجعله هو
الخليفة، فتستفاد بها الولاية أيضاً، وليس لأحد قتاله، ولا الخروج عليه. ومنها اتفاق الناس عليه ونصبه، فإذا اتفقوا على شخص ونصبوه خليفة فليس لأحد قتاله، ولا الخروج عليه، ولا مبايعة غيره1. واختلفت الرواية عن الإمام أحمد وأصحابه، اختلفوا أيضاً هل يعتبر اتفاق جميع أهل الحل والعقد على مبايعته؟ 2. أم يكفي بعض أهل الحل والعقد أو أكثرهم؟ 3. أو يكفي واحد من أهل الحل والعقد في خلاف؟ 4. ومن هذا الباب كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه5. لكن اختلفوا في خلافة أبي بكر هل كانت من النبي صلى الله عليه وسلم بالنص الظاهر، أم بالنص الخفي والإيماء على قولين6. فعلى قولنا: إنها ثبتت بالنص الخفي والإيماء؛ لكون خلافة أبي بكر من هذا
الليل لا يقبله بالنهار، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازنيه يوم القيامة، باتباعهم في الدنيا الحق وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم في الدنيا الباطل وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفاً، وأن الله عزوجل ذكر أهل الجنة وصالح ما عملوا، وتجاوز عن سيئاتهم، وذكر آية الرحمة وآية العذاب ليكون المؤمن راغباً راهباً فلا يتمنى على الله غير الحق، ولا تلقي بيدك إلى التهلكة، فإن حفظت قولي فلا يكونن غائباً أحبّ إليك من الموت، ولا بد لك منه، وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن غائباً أبغض إليك من الموت، ولن تعجزه"1. وعن أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن أبي بكر2 بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب3 - رضي الله عنهم -، قال: "سمعت جدي أبا بكر بن سالم4 يقول: "لما حضرت5 أبا بكر الصديق، عند آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وأوّل عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم من بعدي عمر بن الخطاب، فإن قصد وعدل فذاك ظني، وإن جار وبدل فالخير أردت، ولا أعلم الغيب {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ
ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَّنْقَلِبُونَ} ، [الشعراء: 227] ، ثم بعث إلى عمر فدعاه فقال: "يا عمر أبغضك مبغض وأحبّك محب، وقل ما يُبْغض الخير ويحب الشّر". قال: "فلا حاجة لي فيها"، قال: "ولكن لها بك حاجة، قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته، ورأيت إثرته أنفسنا على نفسه حتى إن كنا لنهدي لأهله فضل ما يأتينا منه، ورأيتني وصحبتني وإنما اتبعت أثر من كان قبلي، والله ما نمت فحكمت1 ولا شبهت فتوهمت، وإن لعلى طريقي ما زغت، تعلم يا عمر إن لله حقاً في الليل لا يقبله في النهار - الكلام الذي تقدم -. ثم قال: "إن أوّل ما أحذرك نفسك، وأحذرك الناس، فإنهم قد طمحت أبصارهم، وانتفخت أجوافهم، وإن لهم لحيرة عن زلة تكون، فإياك أن تكونه، وإنهم لم يزالوا خائفين لك فرقين2 منك ما خفت الله وفرقته. هذه وصيتي وأقرأ عليك السلام"3. فائدة يستحب للخليفة إذا استخلف شخصاً أن يوصيه بمصالح المسلمين وأمورهم، فإن لم يستخلف شخصاً استحب له أن يوصي من يستخلف بعده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بما يفعله الخليفة بعده، من إجازة الوفد4، ونحو ذلك وأبو بكر أوصى كما تقدم. وعمر رضي الله عنه قال: "أوصي الخليفة بعدي"، كما تأتي وصيته5، وذلك لأنه لم يستخلف فأوصى بهذه الوصية لمن وقعت الخلافة. والله أعلم. / [32 / أ] .
الباب الثامن والعشرون: عهد أبي بكر إليه ووصيته إياه
الباب الثامن والعشرون: عهد أبي بكر إليه ووصيته إياه ... الباب. ومن قول عمر: "إن استخلفت فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني النبي صلى الله عليه وسلم". ما يدل على ذلك1. وعلى قولنا: ثبتت بالنص الظاهر لا يكون من هذا الباب، ويكون من باب عهد الإمام قبله. فلو بايع الناس لشخص ثم بايعوا2 لآخر بعده فلا بيعة للثاني، وإن بايع بعض لشخص، ثم بايع بعضهم لآخر فلا بيعة للثاني أيضاً، وإن بايع بعض أفراد الناس لشخص من غير مشورة جميعهم، أو بايعوا لغير من اتفق عليه الجم الغفير فلا بيعة له. قال أصحابنا: "ولو ظهر رجل بسيفه فقهر الناس وأخذ الخلافة بيده، فهو خليفة يحرم قتاله، والخروج عليه، وعزله منها3. فإن خرج على الخليفة وقهره فللناس مساعدة الخليفة عليه وليس هو الخليفة، ولا يقرّ على ذلك ولو بايعه بعض الناس. والله أعلم. / [31 / ب] . فصل: في وصية أبي بكر لعمر - رضي الله عنهما - عن إسماعيل بن أبي خالد عن زُبيد4 أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب: "إني موصيك [بوصية] 5 إن حفظتها: إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، ولله حق في
الباب التاسع والعشرون: خلافته وقول الرسول فيها
الباب التاسع والعشرون: خلافته وقول الرسول فيها ... الباب التاسع والعشرون: في خلافته وقول الرسول فيها قال الذهبي: "ولي الخلافة عشر سنين ونصف"1. وذكر ابن الجوزي عن محمّد بن سعد قال: قال حمزة بن عمرو2: "توفي أبو بكر رضي الله عنه مساء ليلة الثّلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، فاستقبل عمر رضي الله عنه يوم الثلاثاء صبيحة موت أبي بكر"3. وعن جامع بن شداد4 عن أبيه5 قال: "كان أوّل كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر أن قال: "اللهم إني شديد فليّنّي، وإني ضعيف فقوّني، وإني بخيل فسخّني"6. وقال القاسم7 بن محمّد8: قال عمر: "لو علمت أن أحداً من الناس أقوى على هذا الأمر منّي، لكنت أقدِمَ فتضربَ9 عُنْقي أحب إليّمن أن أَلِيَه"10.
وعن يحيى بن معين1 قال: "كان شريح2 قاضي عمر بن الخطاب وكان عبد الله بن مسعود على بيت المال"3. قال نافع4: "استعمل عمر زيداً5 على الفضاء وفرض له رزقاً"6. قال أبو عبد الله محمّد بن سلامة في كتاب: (عيون المعارف) : "بويع له يوم مات أبو بكر رضي الله عنه، وكانت ولايته عشر سنين وستة أشهر وخمس ليال"7. وروى أبو داود والنسائي8 والترمذي وابن ماجه عن سَفينة9، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون الملك". قال سفينة: "أمسك: سنتين لأبي بكر، وعشر لعمر، وثنتي عشرة لعثمان، وستاً لعلي - رضي الله عنهم -"10.
قال محمّد بن مظفر1: "سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل منذ أربعين سنة فذكر حديث حماد بن سلمة2 عن سعيد بن جُهْمان3 في الخلافة، فقال أحمد: "عليّ من الخلفاء الراشدين المهديّين"4. وروى الشيخ موفق الدين عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عزوجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائناً ملكاً عضوضاً5 وكائناً عنوة وجبرية، وفساداً في الأمة يستحلون الفروج، والخمور،
والحرير، وينصرون1 على ذلك ويرزقون أبداً حتى يلقوا الله" 2. وقال أبو داود3: ثنا داود الواسطي4 وكان ثقة، ثنا حبيب بنسالم5، قال: "سمعت النعمان بن بشير بن سعد6 يكف حديثاً7، فجاء
أبو ثعلبة1 فقال: "يا بشير بن سعد2 أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء؟ "، وكان حذيفة قاعداً مع بشير - فقال حذيفة -: "أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم في النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون الخلافة على منهاج البنوة، تكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء، ثم تكون جبرية، ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة". قال فقدم عمر3 ومعه يزيد بن النعمان4 في صحابته، فكتبت إليه أذكره الحديث فكتبت5 إليه: إني أرجو / [32 / ب] أن يكون أمير المؤمنين بعد الجبرية، قال: فأخذ يزيد الكتاب فأدخله على عمر، فسر به وأعجبه"6. قال أبو داود7: ثنا حمد بن سلمة، ثنا عليّ بن زيد8 عن عبد الرحمن
بن أبي بكرة1 [قال: "وفدنا إلى معاوية2 مع زياد3 ومعنا أبو بكرة4] 5 فدخلنا عليه فقال له: "حدّثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عسى الله أن ينفعنا به"، قال: "نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا الصالحة ويسأل عنها، فقال رجل: "يا رسول الله إني رأيت رؤيا، رأيت كأن ميزاناً دلي من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر بعمر، فوزن أبو بكر عمر، ثم وزن عمر بعثمان فرجح عمر بعثمان، ثم رفع الميزان، فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء"، فغضب لها معاوية ثم زجّ في أقفائنا فأخرجنا. فقال زياد لأبي بكرة: "ما وجدت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً تحدّثه غير هذا؟ "، قال: "والله لا أحدّثه إلا به حتى أفارقه". فلم يزل زياد يطلب الإذن حتى أذن لنا فأدخلنا، فقال معاوية: "يا أبا بكرة حدّثنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن ينفعنا به"، قال: فحدّثه أيضاً مثل حديثه الأوّل، فقال له معاوية: "لا أبا لك تخبرنا أنا ملوك فقد رضينا أن نكون ملوكاً"6.
وروى الشيخ موفق الدين بسنده عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجد المدينة، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، وهم ينقلون الحجارة، فقلت: يا رسول الله ما أرى معك من أصحابك غير هؤلاء الرهط؟ "، قال: "إنهم الخلفاء من بعدي" 1. وروى عن أنس قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وخرجت معه، فدخل حائطاً من حيطان الأنصار فدخلت معه، فقال: "يا أنس أغلق الباب"، فأغلقت الباب فإذا رجل يقرع الباب، فقال: "يا أنس افتح لصاحب الباب، وبشّره بالجنة، وأخبره أنه يلي الأمر من بعدي"، قال: فذهبت أفتح له، وما أدري من هو، فإذا هو أبو بكر فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله ودخل، ثم جاء آخر فقرع الباب، فقال: "يا أنس افتح لصاحب الباب، وبشّره بالجنة، وأخبره أنهيلي أمر أمتي من بعد أبي بكر"، فذهبت أفتح له وما أدري من هو، فإذا هو عمر بن الخطاب، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله ودخل، ثم جاء آخر فقرع الباب فقال: "يا أنس افتح لصاحب الباب، وبشّره بالجنة، وأخبره أنه
يلي أمر أمتي بعد أبي بكر وعمر، وأنه سيلقى منهم بلاء فيه دمه". فذهبت أفتح له، وما أدري من هو، فإذا هو عثمان بن عفان، ففتحت له الباب، وأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله واسترجع ودخل"1. وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً، فجاء أبو بكر فاستأذن، فقال: "ائذن له وبشّره بالجنة وبالخلافة بعدي"، ثم جاء عمر فاستأذن، فقال: "ائذن له وبشّره بالجنة وبالخلافة بعد أبي بكر"، ثم جاء عثمان يستأذن، فقال: "ائذن له وبشّره بالجنة وبالخلافة بعد عمر". قال أبو نعيم2: "هذا حديث غريب من حديث يونس3 عن أنس بهذا
/ [33 / أ] اللفظ تفرد به أبو كامل1 عن عمرو2، 3. وعن ابن عمرو4 قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلفي اثنا عشر خليفة: أبو بكر الصديق لا يلبث5 بعدي إلا قليلاً، وصاحب رحَى6 دارة العرب7، يعيش حميداً ويموت شهيداً". قال: فقال رجل: "من هذا؟ "، قال: "عمر بن الخطاب"، ثم التفت إلى عثمان بن عفان فقال: "وأنت يسألك الناس أن تخلع قميصاً8 كساك الله تعالى، فوالذي بعثني بالحق لئن خلعته لا تدخل الجنةَ حتى يلج الجمل في سم الخياط" 9.فقال رجل من قومه: "ما لنا ولهذا إنما جلسنا لتذكرنا"، فقال: "أما لو تركتموني لأخبرتكم بما قال فيهم واحداً واحد" 10.
وعن أنس بن مالك، قال: "بعثني بنو المصطلق1 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: "يا رسول الله إلى من ندفع زكاتنا إن حدث بك حدث؟ "، قال: "ادفعوها إلى أبي بكر"، فقلت ذلك لهم، فقالوا: "فسأله إن حدث بأبي بكر حدث الموت، فإلى من ندفع زكاتنا؟ "، فقلت له ذلك، فقال: "تدفعونها إلى عمر"، فقالوا: "فإلى من ندفعها بعد عمر؟ "، فقلت له، فقال: "تدفعونها إلى عثمان"، قالوا: "سله فإن حدث بعثمان حدث فإلى من ندفعها بعده؟ "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا مات عثمان فتباً لكم آخر الدهر" 2.
قال الشيخ موفق الدين: "وقد كانت خلافة هؤلاء الأئمة في كتب الله المتقدمة، وحدث بها علماء أهل الكتاب قبل تمامه فجاء على ما قالوا"1. وعن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا الأوّل وأبو بكر الثاني، وعمر الثالث" 2.
الباب الثلاثون: إجتماعهم على تسميته بأمير المؤمنين
الباب الثلاثون: إجتماعهم على تسميته بأمير المؤمنين ... الباب الثلاثون: في ذكر اجتماعهم على تسميته بأمير المؤمنين ذكر ابن الجوزي عن محمّد بن سعد، قال: "قالوا: لما مات أبو بكر رضي الله عنه وكان يدعى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المسلمون: "من جاء بعد عمر قيل: خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطول هذا، ولكن أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة، يُدعَ به مَنْ بعده من الخلفاء"، فقال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن المؤمنون وعمر أميرنا"، فدعي عمر أمير المؤمنين فهو أوّل من سمّي بذلك"1. وعن ابن شهاب2: أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه سأل أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة3 لِمَ كان أبو بكر رضي الله عنه يكتب: من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب بعده: من عمر بن الخطاب خليفة أبي بكر [و] 4 مَنْ أوّل مَنْ5 كتب أمير المؤمنين؟ فقال: "حدّثني جدتي الشفاء6 - وكانت من المهاجرات الأول، وكان عمر إذا دخل السوق دخل عليها - قال: كتب عمر بن الخطاب إلى
عامل بالعراق1 أنِ ابْعَث إليّ برجلين جَلْدين نبيلين، أسألهما عن العراق وأهله. فبعث إليه صاحب العراقين بلبيد بن ربيعة2، وعدي بن حاتم3، فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد. ثم دخلا [المسجد] 4، فوجدا عمراً بن العاص، فقالا له: "يا عمرو استأذن لنا على أمير المؤمنين"، فدخل عمرو فقال: "السلام عليك يا أمير المؤمنين"، فقال له عمر: "ما بدا لك في هذا الاسم يا ابن العاص؟، لتخرن مما قلت"، قال: "نعم، قدم لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم، فقالا: "استأذن لنا على أمير المؤمنين، فقلت: أنتما والله أصبتما اسمه، إنه أمير المؤمنين". / [33 / ب] فجرى الكِتابُ من ذلك اليوم"5. وقال الضحاك6: قال عمر رضي الله عنه: "أنتم المؤمنون وأنا أميركم فهو سمي نفسه"7. وذكر جماعة من العلماء منهم أبو عبد الله محمّد بن سلامة8 في كتابه
(المعارف) ، وبعض من شرح (العمدة) : "مما خص به في ولايته أنه رضي الله عنه أوّل من سمي بأمير المؤمنين وأنه لم يسبق إليه"1. وإذا نظر الإنسان في كلام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن جميعهم قد اتفقوا على تسميته بهذا الاسم وسار له في جميع الأقطار في حال ولايته. والأمير: هو الكبير، فتأمر الرجل يتأمر فهو متأمر، وأمر الرجل يأمر فهو مؤتمر، وأمر الأمر يأمر فهو مؤتمر، أي: كبر، فسمي أمير لكبره وارتفاعه على غيره2، وفي الحديث: "لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، إنه ليخافه ملك بني الأصفر" 3، أي لقد كبر وعظم أمره4 وهذا أيضاً من هذا الباب. وأمر الرجل إذا صار أميراً5، وفي حديث سقيفة بني ساعدة: "منا أمير ومنكم أمير"6. وقال أبو بكر: "نحن الأمراء وأنتم الوزراء"7. وفي حديث القراء: "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أرسل جماعة من أصحابه وأمر عليهم عاصم ابن ثابت89.
وأما الآمر: فهو من حصل منه أمر1. والمائر: هو الّذي يجلب الطعام إلى أهله. يقال: امتار لهم الطعام يمتاره فهو مائر، قال الله عزوجل: {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا} [يوسف: 65] 2. والإمرة هي والإمارة واحد؛ وهي ما يحصل للأمير من الكبر والارتفاع؛ فهي اسم للولاية التي يعطاها من صار أميراً3. وفي الحديث: "فأخذهاخالد من غير إمرة" 4. وفي الحديث: "لا تسأل الإمارة" 5، وهي الولاية التي يصير بها أميراً6. والمرّ هو الذهاب، ومنه: {تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88] 7. وكذلك المور قال الله عزوجل: / [34 / أ] {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً} [الطور: 9] . وقد يكون المور: هو الّذي تري العين أنه يذهب وليس بذاهب، بل يتحرك يميناً وشمالاً ويضطرب كالسراب في شدة الحر. والله أعلم8.
الباب الحادي والثلاثون: ماخص به ولايته مما لم يسبق إليه
الباب الحادي والثلاثون: ماخص به ولايته مما لم يسبق إليه ... الباب الحادي والثلاثون: في ذكر ما خص به ولايته ممّا لم يسبق إليه في الصحيح عن ابن عمر قال: "لمّا فَدَع1 أهل خيبر عبد الله بن عمر ق ام عمر خطيباً فقال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: "نقرّكم ما أقرّكم الله" وإن ّعبد الله بن عمر خرج إلى ماله هنالك، فعدي عليه من الليل ففدع2 يداه ورجلاه، وليس لنا هنالك عدوٌّ غيرهم هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم. فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق3. فقال: "يا أمير المؤمنين، أتخرجنا وقد أقرّنا محمد وعاملنا على الأموال، وشرط لنا"؟ فقال عمر: "أظننت أنّي نسيت قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك4 ليلة بعد ليلة" فقال: "كان ذلك هزيلة5 من أبي القاسم" فقال: "كذبت يا عدو الله" فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثّمر، مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتابٍ6 ورحالٍ7 وغير ذلك"8.
وذكر ابن الجوزي عن ميمون بن مهران1، قال: "دفع إلى عمر رضي الله عنه صكٌ محله في شعبان، فقال عمر: شعبان هذا الّذي مضى أو2 الّذي هو آت أو الّذي نحن فيه" ثمّ جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "ضعوا للناس شيئاً يعرفونه" فقال قائل: "اكتبوا على تاريخ الرّوم" فقيل: "إنّه يطول وإنهم يكتبون من عند ذي القرنين" فقال قائل: "اكتبوا تاريخ الفرس كلما قام ملك طرح ما كان قبله"، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام3 رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فوجدوه أقام عشر سنين فكتب أو كتب التاريخ على هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم4. وعن عثمان بن عبيد الله5، قال: "سمعت سعيد بن المسيب يقول: "جمع عمر بن الخطاب المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - فقال: "متى نكتب التاريخ"؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "منذ خرج النبي صلى الله عليه وسلم من أرض الشّرك" يعني من يوم هاجر. قال: فكتب ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه"6. وعن ابن المسيب قال: "أوّل من كتب التاريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه
لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من المحرم بمشورة علي ابن أبي طالب رضي الله عنه"1. قال أبو الزّناد2: استشار عمر في التاريخ فأجمعوا على الهجرة"3. وعن عبد الرحمن4 بن أبي الزّناد / [34 / ب] عن أبيه قال: "كان مقام إبراهيم لاصقاً بالكعبة حتى كان زمن عمر بن الخطاب فقال عمر: "والله إني لأعلم ما كان موضعه ها هنا، ولكن قريش خافت عليه من السّيل فوضعته5 هذا الموضع، ولو أني أعلم موضعه الأوّل لأعدته فيه" فقال رجل من آل عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم6: "أنا والله يا أمير المؤمنين أعلم موضعه الأول كنت لما حوّله قريش أخذت قدر موضعه الأول بحبل، وضعت طرفه عند ركني البيت أو عند الرّكن والباب، ثمّ عقدت في وسطه عند موضع المقام فعندي ذلك الحبل"، فدعا عمر بذلك الحبل فقدروا به، فلما عرفوا موضعه الأوّل أعاده عمر فيه، قال عمر رضي الله عنه: "إنّ الله عز وجل يقول {وَاتَّخَذُوا مِنْ مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى} ، [البقرة: 125] 7. وعن محمد بن سعد قال: "قالوا: "إنّ أوّل من سمي بأمير المؤمنين عمر
بن الخطاب، وإنّه أوّل من سنّ قيام شهر رمضان، وهو أوّل من جمع القرآن في المصحف، وهو أوّل من جمع النّاس على قيام رمضان وكتب به إلى البلدان، وجعل بالمدينة قارئين؛ قارئاً يصلي بالرجال وقارئاً يصلي بالنّساء، وهو أوّل من ضرب بالخمر ثمانين، وأحرق بيت رويشد الثقفي1 كان حانوتاً - يعني نباذاً2 - هو أوّل من عَسَّ3 في عمله بالمدينة، وحمل الدّرّة4 وأدب بها - وقيل بعد: "لدرّة عمر أهيب من سيفكم -" وهو من فتح الفتوح؛ فتح العراق كلّه: السّواد، والجبال، وأذربيجان، وكور5 البصرة وأرضها، وكور الأهواز، وفارس، وكور الشّام كلّها ما خلا أجنادين فإنّها فتحت في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وفتح عمر كور الجزيرة، والموصل، ومصر، والإسكندريّة، وقُتل رضي الله عنه وخيله على الرّيّ قد فتحوا عامّتها، وهو أوّل من مسح السّواد وأرض الجبل، ووضع على الغني ثمانيةً وأربعين درهماً وعلى الفقير اثني6 عشر درهماً، وقال: "لا يُعْوِزُ رجلاً منهم درهماً في كلّ شهر". فبلغ خراج السواد والجبل على عهد عمر رضي الله عنه مئة ألف ألف وعشرين ألف ألف وألف؛ درهم ودانقان7 ونصف8. وهو أوّل
من مصّر1 الأمصار: الكوفة والبصرة والجزيرة والشّام ومصر والموصل، وأنزلها العرب، وخط2 الكوفة والبصرة، / [35 / أ] وهو أوّل من استقضى القضاة في الأمصار، وهو أوّل من دوّن الدّواوين، وكتب النّاس على قبائلهم، وفرض لهم الأعطية من الفيء، وفرض لأهل بدر وفضّلهم على غيرهم، وفرض للمسلمين على أقدارهم وتقدّمهم في الإسلام، وهو أول من حمل الطّعام في السّفن من مصر في البحر، حتى ورد الجار3، ثمّ حمل من الجار إلى المدينة، وقد قاسم غير واحد من عماله إذا عزله؛ منهم سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة، وكان يستعمل قوماً ويدع من هو أفضل4 منهم لبصرهم بالعمل وقال: "أكره أدنس هؤلاء بالعمل وهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه، وأدخل دار العبّاس فيما زاد فيه، وهو أخرج اليهود من الحجاز، وأجلاهم من جزيرة العرب إلى الشام، وحضر فتح بيت المقدس، واستعمل أوّل سنة وليّ على الحج عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه ثمّ لم يزل عمر يحج بالناس خلافته كلّها؛ فحجّ بهم عشر سنين، وحجّ بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم آخر حجة حجّها، واعتمر في خلافته ثلاث مرّات، وأخر المقام إلى موضعه اليوم وكان ملصّقاً بالبيت"5.
وقال عبد الله بن إبراهيم1: وألقى الحصى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم، فأمر عمر بالحصى فجيىء به من العقيق2 فبُسِط3 في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم"4. وعن مصعب بن سعد5: أن عمر رضي الله عنه أول من فرض الأعطية، فرض لأهل بدر من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ستة آلاف، ستة آلاف، وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ففضل عليهن عائشة فرض لها اثني عشر ألفاً ولسائرهن عشرة آلف، عشرة آلاف، غير جويرية6، وصفيّة7 فرض لهما8 ستة آلاف، ستة آلاف، وفرض للمهاجرات الأول أسماء بنت عميس9 وأسماء بنت
أبي بكر الصديق1، وأم عبد الله بن مسعود ألفاً ألفاً2. وعن عروة3، قال: "أول [من] 4 بطح مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: "ابطحوا من الوادي المبارك، يعني العقيق"5. قال أبو عبد الله محمد بن سلامة في كتاب (عيون المعارف) : "هو أول من دون الدّواوين وذلك في سنة تسع عشرة، وقيل: سنة عشرين، وهو أول من أرخّ بعام6 الهجرة، وختم الكتب، وهو أول من دعي بأمير المؤمنين، وهو أول من ضرب بالدرّة وحملها، وهو الذي أخر المقام إلى موضعه الآن، وكان ملصّقاً بالبيت، وهو أول من جمع الناس على إمام، وهذا في قيام شهر رمضان"7. وقال شارح العمدة: "فتح الله له الفتوح بالشام والعراق ومصر، ودون الدواوين في العطاء، ورتب الناس على سوابقهم فيه، وأرخّ التاريخ من الهجرة النبوية، وهو الذي نور شهر الصوم بصلاة التراويح، وأول من سمي / [35 / ب] بأمير المؤمنين وأول من اتخذ الدّرّة، وهو أول من
جمع القرآن في المصحف"1. فصل ومما خصّ به في ولايته من الأحكام. زيادة حد الشرب، فكان الحد أربعين فزاده ثمانين2. ومن ذلك طلاق الثلاث بلفظ واحد، كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وصدراً من إمارته واحدة، ثم أمضاه ثلاثاً3. ومن ذلك ترك القطع في عام المجاعة4. واختلفت الرواية عن الإمام أحمد في حد الخمر هل هو أربعون أم ثمانون على روايتين؟ 5. والصحيح من مذهبه وعليه أكثر أصحابه أنه ثمانون كما أقرّه عمر6. وأما الطلاق الثلاث فعنده يقع ثلاثاً وعليه عامة أصحابه7.
وخرج بعضهم رواية بوقوعه واحدة واختارها أبو العباس ابن تيمية1، وصاحبه شمس الدين ابن القيم2، وجمال الدين الإمام34. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر: "إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم"5. وفيه أيضاً عن طاووس أن أبا الصهباء6، قال لابن عباس: "ألم تعلم أَنَّ الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وثلاثاً من إمارة عمر"، فقال ابن عباس: "نعم"7. وفيه عن أبي الصهباء أنه قال لابن عباس: "هات من هَنَاتِك8، ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر واحدة. ". فقال: "قد كان
ذلك فلما كان في عهد عمر تتايع1 الناس في الطلاق فأجازه عليهم"2. وفي سنن أبي داود عن طاووس: أن رجلاً يقال: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: "أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها، جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدراً من إمارة عمر؟ ". قال ابن عباس: "بلى، كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر، فلما رأى الناس تتايعوا فيها قال: "أجيزوهن عليهم"3. وأما القطع4 عام المجاعة فقال السعدي5، ثنا هارون بنإسماعيل6، ثنا عليّ بن المبارك7، ثنا يحيى بن أبي كثير8، حدّثني حسان ابن زاهر9، عن ابن حدير10، حدّثه
عن عمر قال: "لا نقطع اليد في عذق ولا عام سنة"1. قال السعدي: "سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: "العذق: النخلة2، وعام سنة: المجاعة"3. فقلت لأحمد: "تقول به؟ "، / [36 / أ] فقال: "إي لعمري"4. قلت: إن سرق في مجاعة لا تقطعه؟ "، فقال: "لا، إذا حملته الحاجة على ذلك، والناس في مجاعة وشدة"5. قال السعدي: "وهذا على نحو قضية عمر في غلمان حاطب"6. وقال: ثنا النّعمان بن عازب7: ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن حاطب8، أن غلمة لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا لرجل من
مزينة فأتى بهم عمر فأقروا فأرسل إلى عبد الرحمن بن حاطب1 فجاء فقال له: "إن غلمان حاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة وأقروا على أنفسهم، فقال عمر: "يا كثير بن الصلت2، اذهب فاقطع أيديهم"، فلما ولى بهم ردهم عمر ثم قال: "أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له لقطعت أيديهم، وأيم الله إذ لم أفعل لأغرمنك غرامة توجعك ثم قال: يا مزني بكم أريدت منك ناقتك"، قال: بأربع مئة"، قال: "اذهب فأعطه ثمان مئة"3. قال بعض أصحابنا: "ذهب الإمام أحمد إلى موافقة عمر في الفعلين4 جميعاً"5. وفي مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنْجي6 التي شرحها السعدي بكتاب سماه: (المترجم) : سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يحمل / [36/ب] 7 التمر من أكمامه فقال: "فيه التمر مرتين وضرب نكال، وقال: وكل من درأنا عنه الحد والقود، أضعفنا عليه الغرم"8.
وقد وافق أحمد على سقوط القطع في المجاعة الأوزاعي12، وهذا محض القياس، ومقتضى قواعد الشرع فإن السنة إذا كان سنة مجاعة وشدة علت على الناس الحاجة والضرورة فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه، ويجب على صاحب المال بذل ذلك له إما بالثمن أو مجاناً على الخلاف في ذلك، والصحيح وجوب بذله مجاناً لوجوب المساواة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج، وهذه شبهة قوية تدرؤ القطع، وهي أقوى من كثير من الشبه التي يذكرها كثير من الفقهاء، بل إذا وازنت بين هذه الشبهة وبين ما يذكرون ظهر التفاوت، فأين شبهة كون المسروق مما يسرع إليه الفساد3، وكون أصله على الإباحة4، وشبهة القطع به مرة، وشبهة دعوى ملكه بلا بينة5، وشبهة إتلافه في الحرز6 بأكل أو احتلاب من الضرع7، وغير ذلك من الشبه الضعيفة. والله أعلم. / [37 / أ] .
الباب الثاني والثلاثون: إسمه وكنيته ولقبه
الباب الثاني والثلاثون: إسمه وكنيته ولقبه ... الباب الثاني والثلاثون: في اسمه وكنيته ولقبه اسمه: عمر وليس له اسم غيره، ولا خلاف عند العلماء أنه لا اسم له غيره، وهو اسمه من حال صغره1. وهو مشتق من عامر، وهذا الاسم غير منصرف عند أهل اللغة العربية2. فصل: كنيته: أبو حفص3. قال أبو عمر الزاهد4: "الحفص: الأسد"5. قال: وقال عمر بن الخطاب: "أوّل يوم كنّاني فيه - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن قال: "يا أبا حفص أتقتل عم نبيك؟ "، فقلت: "يا رسول الله دعني حتى أقلته"، فقال: "لا يتحدّث الناس أنني أقتل أصحابي"، وكنّاني أبا حفص، أي: أبو أسد"6.
وهو أبو عبد الله أيضاً1. لكنه لم يشتهر إلا بأبي حفص، وهي من باب المجاز لا من باب الحقيقة، وأما تكنيته بأبي عبد الله فهو من باب الحقيقة. والله أعلم. فصل له عدة ألقاب: الفاروق، وقد أفردنا له باباً2. والأعيسر، وقد تقدم في صفته أنه كان أعسر فلهذا لقب به3. وكان يلقب أيضاً الأصلع4، وذلك لأنه كان له صلعة، وهي الجبهة الكبيرة5. والله أعلم.
الباب الثالث والثلاثون: خضابه
الباب الثالث والثلاثون: خضابه ... الباب الثالث والثلاثون: في خضابه - رضي الله عنه - قال أنس بن مالك: "خضب1 عمر بالحناء والكتم2"3. وفي الصحيح أنا أنساً سئل عن خضاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنه لم يبلغ ما يخضب، ولكن أبا بكر وعمر خضبا بالحناء والكتم" 4. وفي رواية: "لم يبلغ ذلك ولكن أبا بكر وعمر خضبا بالحناء والكتم"5. وقد اشتهر الحديث بخضاب أبي بكر وعمر بالحناء والكتم. وفي بعض الأحاديث الواردة في الخضاب: "أنّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان أكثرهم شيباً فكان أكثرهم خضاباً"، فلهذا الحديث في الخضاب في أكثر6، وبعده عمر كان أكثر شيباً من النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الأحاديث فيه أقل من أبي بكر7، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أقلّهم شيباً فلهذا لم يرد أنه
خضب [إلا] 1 في أحاديث يسيرة2، ولعله فعل ذلك مرة أو مرتين تشريعاً لأمته صلى الله عليه وسلم. والمراد بالخضاب هنا في اللحية، وذلك مستحب نص عليه أحمد، قيل له: "ألا تستحيي أن تخضب؟ "، فقال: سبحان الله، سنة رسول الله، والله إني لأرى الشيخ المخضوب فأفرح به"3. ويستحب بالحمرة والصفرة4. قال أصحابنا: "ويستحب بالحناء والكتم"5. وهل يكون بالسواد؟ تارة يكون في الحرب، وتارة لا، فإن كان في الحرب لم يكره، وإن كان في غير الحرب / [37 / ب] 6 كره7. وأمّا خضاب الرأس فإنه كذلك، وكذلك في حق المرأة8. وأما خضاب غير الشعر كالإخضاب9 في اليدين والرجلين، فأما الرجل فإن كان ثم حاجة أبيح، وإلا فقال بعض أصحابنا: "يكره"10، وقال بضعهم: "هو
من تشبه الرجل بالمرأة"، هل يحرم أو يكره؟ على قولين"1. وأما الخضاب للمرأة فتارة تكون ذات زوج، وتارة لا، فإن كانت غير ذات زوج، فقال بعض أصحابنا: "يكره"، وقال بعضهم: "يباح"، وإن كانت ذات زوج فإن كان بإذنه أبيح2، وإن كان بغير إذنه وهو حاضر أبيح، وإن كان غائباً فقال بعضه أصحابنا: "يكره"، وقال بعضهم: "يباح"3. وأما النقش والتكتيب ونحوه، فإنه يكره مطلقاً عند بعض أصحابنا4، وعند بعضهم يباح بإذن الزوج5. والحنّاء: هو ورق شجر الفاغية، وهو بارد مجفف يذهب القروح ونحوها، وينفعها6، وقد أطلنا الكلام عليه في (فضائل أبي بكر رضي الله عنه".
الباب الرابع والثلاثون: خاتمه
الباب الرابع والثلاثون: خاتمه ... الباب الرابع والثلاثون: في خاتمه - رضي الله عنه - عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: "كان عمر يتختم في اليسار"1. وقال أبو القاسم الأصفهاني: "قيل: كان نقش خاتم عمر: كفى بالموت واعظاً"2. وكذلك ذكر ابن رجب3 في كتاب الخواتم4. قال أبو عبد الله محمّد بن سلامة5 في كتاب: (عيون المعارف) : "كان في يده خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم"6. وفي الصحيحين عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعد خاتماً من ذهب أو فضة، وجعل فصَّه7 مما يلي باطن كفّه، ونقش فيه: (محمّد رسول الله) ، فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به، وقال: "لا ألبسه أبداً"، ثم اتخذ خاتماً من فضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة. قال
ابن عمر: "فلبس الخاتم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان حتى وقع من عثمان رضي الله عنه في بئر أريس"1، 2. وعن هـ قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ورق، وكان في يده ثم كان بعده في يد أبي بكر، ثم كان بعد في يد عمر، ثم كان بعد في يد عثمان - رضي الله عنهم - حتى وقع في بئر أريس"3. وعن أنس قال: "كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر، قال: فلما كان عثمان، جلس على بئر أريس، قال: فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان، فتنْزح4 البئر فلم نجده"5. فهذا الحديث يدل على أن خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كان عند عمر مدة خلافته، وقد اشتهر عنه أنه كان له خاتم نقشه: كفى بالموت واعظاً، والجمع بينهما أن كان له خاتمان؛ خاتم النبي صلى الله عليه وسلم الذي ورثه بعد أبي بكر، وهو خاتم الخلافة، وخاتم اتخذه هو / [38 / أ] نقشه: كفى بالموت واعظاً، وإنما نقشه هذا ليتذكر الموت كلما نظر إليه فيزجره عما أراد فإن اليد يكثر النظر إليها فيكثر ذكره للموت فيزداد
تيقظاً كما قال الحسن: "لو فارق ذكر الموت قلبي لفسد"1. وهنا عدة فوائد: الأولى: أن خاتم الذهب يحرم على الرجال2. الثانية: أن خاتم الفضة يباح، وهو أحد أقوال العلماء، وذهب بعضهم إلى الاستحباب، وبعضهم إلى الكراهة، وبعضهم قال: يباح للملوك دون غيرهم3. الثالثة: لا يكره نقش الخاتم، ويجوز أن يكتب عليه القرآن والذكر ونحو ذلك4. الرابعة: يستحب أن يكون في اليسار، نص عليه أحمد وعليه أكثر الأحاديث. وعنه يكون في اليمين وقد ورد ذلك في بعض الأحاديث وضعّفه الأكثر، وهذه الرواية هي الأصح عندي5. الخامسة: أن فصّ الخاتم يستحب أن يكون في باطن الكفّ؛ أي: يكون مما يلي باطن الكف هذا هو الصحيح، وعليه أكثر الأحاديث. وقيل:
يستحب أن يكون إلى ظاهر الكف1. السادسة: يستحب أن يكون الخاتم2 في الخنصر أو البنصر، والأولى أن يكون في الخنصر، ويكره في الوسطى والسبابة3. السابعة: إذا دخل الخلاء فإن كان الخاتم في يمناه أدار فصّه، إن كان عليه كتابه إلى بطن كفّه وقبض يده عليه، وإن كان في يسراه فإن كان لا يستجمر ولا يستنجي بها فعل به كذلك، وإن كان يستجمر أو يستنجي بها خلعه ووضعه في موضع4. الثامنة: إذا توضأ فإن5 كان خاتمة واسعاً ودخل الماء تحته أجزأ، وإن كان ضيقاً حركه ليدخل الماء تحته6. التاسعة: يكره الخاتم من الحديد والرصاص والنحاس ونحوهم7. العاشرة: المرأة يباح لها الخاتم من الفضة والذهب. والله أعلم8.
الباب الخامس والثلاثون: دعاء الرسول له أن يخرج من صدره الغل
الباب الخامس والثلاثون: دعاء الرسول له أن يخرج من صدره الغل ... الباب الخامس والثلاثون: في دعاء الرسول أن يخرج الله من صدره الغلّ عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول: "اللهم أخرج ما في صدره من غلٍّ وأبدله إيماناً"، يقولها ثلاثاً. ذكره الذهبي في التذهيب1. وذكره شارح العمدة من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول: "اللهم أخرج ما في صدره من غلٍّ وأبدله إيماناً". ورواه غيرهما من الأئمة أيضاً، وهو حديث مشهور2. والله أعلم.
الباب السادس والثلاثون: أن الرسول بشره بالجنة
الباب السادس والثلاثون: أن الرسول بشره بالجنة ... الباب السادس والثلاثون: في ذكر أن الرسول بشره بالجنة روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يطّلع عليكم رجل من أهل الجنة فاطلع أبو بكر، ثم قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فاطلع عمر". قال: "حديث غريب من حديث ابن مسعود"1. وسبقت قصة المنام: أن الرسول رأى له قصراً في الجنة ورؤيا الأنبياء وحي2. وذكر ابن الجوزي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمر بن الخطاب سراج الجنة" 3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة" 4. ويأتي حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن أهل الدرجات ليراهم من تحتهم كما يرى الكوكب وإن أبا بكر وعمر منهما وأنعما" 5. وتقدم حديث أبي هريرة: لما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم [نعلاه] 6، وقال: "من
لقيك يشهد أن لا إله إلا الله بشّره بالجنة". فلقيه عمر1. وعن أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل النار إن شاء الله أحد من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها" 2. وفي الصحيحين عن أبي موسى: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "افتح له وبشّره بالجنة"، ففتحت له، فإذا أبو بكر، فبشّرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "افتح له وبشّره بالجنة"، ففتحت له فإذا عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم استفتح رجل، فقال لي: "افتح له وبشّره بالجنة على بلوى تصيبه"، فإذا عثمان، فأخبرته، بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم قال: "الله المستعان"3. وفي مسلم: "اللهم صبراً والله المستعان"4. وفيهما عن أبي موسى: أنه توضّأ يوماً في بيته ثم خرج، فقلت: لألزمنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا، قال: فجاء المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: "خرج وجه ها هنا"، فخرجت على إثره، أسأل عنه، حتى دخل بئر أريس، فجلست عند الباب، وبابها من جريد، حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضّأ، فقمت إليه، فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسّط قُفَّها5، وكشف عن ساقيه ودَلاَّهما في البئر، فسلّمتُ عليه، ثم انصرفت فجلست
عند الباب، فقلت: لأكوننّ بوّاباً للنبي صلى الله عليه وسلم اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: "أبو بكر"، فقلت: على رسلك، ثم ذهبت، فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: "ائذن له وبشّره بالجنة"، فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشّرك بالجنة، فدخل أبو بكر فجلس على يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القُفّ، ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه. ثم جلست، وقد تركت أخي يتوضّأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان - يريد أخاه - خيراً يأت به، فإذا إنسان يحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: "عمر بن الخطاب"، فقلت: على رسلك، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقلت: "هذا عمر بن الخطاب يستأذن، فقال: "ائذن له وبشّره الجنة"، فجئت فقلت: ادخل، وبشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القفّ عن يساره، ودلّى رجليه في البئر. ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به، فجاء إنسان يحرّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: "عثمان بن عفان"، فقلت: على رسلك، وجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم / [39 / أ] فأخبرته، فقال: "ائذن له، وبشّره بالجنة على بلوى تُصيبه"، فجئته فقلت له: ادخل، وبشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك، فدخل فوجد القفّ قد ملئَ، فجلس وجاهَه من الشقّ الآخر"، قال شريك1: "قال سعيد بن المسيب: "فأولتها قبورهم"2.
ولهذا الحديث طرق عديدة في الصحيحين1، واللفظ هنا لفظ البخاري. ولمسلم كذلك إلا أن فيه: "مع بلوى تصيبه"، فقلت له: ادخل، وبشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة مع بلوى تصيبك"، بدل: "على"2. وعن سعيد بن زيد بن عمرو، قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليّ في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة"، وتاسع المسلمين لو شئت سمّيته، فرَجّ3 المسلمون وناشدوه، فقال: "لولا أنكم ناشدتموني ما أخبرتكم، أنا تاسع المسلمين، ورسول الله العاشر، ثم قال: لمشهد رجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغبر فيه وجهه خير من عمل أحدكم ولو عُمِّرَ عُمُر نوح عليه السلام"4. وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطلع من تحت هذا الصور رجل من أهل الجنة"، فطلع أبو بكر فهنيناه بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطلع من تحت هذا الصور رجل من أهل الجنة"، فطلع عمر، فهنيناه بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطلع من تحت هذا الصور رجل من أهل الجنة، ثم قال: اللهم إن شئت جعلته عليّاً"، فطلع عليّ - رضي الله عنهم -"5.
وروى الترمذي والنسائي عن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليّ في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة" 1. وروى الشيخ موفق الدين في (المنهاج) ، عن سعيد بن زيد أنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة، فقال: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وطلحة في الجنة، وسعد في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة ". فقيل له: "من التاسع"، قال: "أنا"2. وعنه قال: "أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعته يقول: "أثبت حَراء3 إنّما عليك نبيّ وصدّيق أو شهيد"، وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، وسعد، وابن عوف، وسعيد بن زيد". رواه داود والنسائي والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح "4.
وروى الشيخ موفق الدين عن عبد الله بن عمرو1، رضي الله عنه "كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر فاستأذن، قال: "من هذا؟ "، قال: "أبو بكر"، قال: "ائذن له وبشّره بالجنة"، ثم جاء عمر فاستأذن، فقال: "من هذا؟ "، فقال: "عمر"، فقال: "ائذن له، وبشّره بالجنة"، قال: فقال عبد الله بن عمرو: "أين أنا يا رسول الله؟ "، قال: "أنت مع أبيك" 2. وروى أبو القاسم الرازي3 في (فوائده) ، عن ابن عمر، قال: قال: / [40/ أ] 4 رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عشرةٌ من قريش في الجنة: [أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليّ في الجنة، والزبير في الجنة،
وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة" 1. وروى أبو الحسن السكري في (فوائده) ، عن رياح بن الحارث، قال: "كنت قاعداً عند المغيرة بن شعبة في مسجد الكوفة، وعنده أهل الكوفة، فجاء سعيد بن زيد فرحب به المغيرة وحياه، وأقعده عند رجله على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة يقال له: قيس بن علقمة، فاستقبله فسب وسب، فقال سعيد: "يا مغيرة من يسب هذا الرجل؟ "، قال له: "يسبّ عليّاً"، قال له سعيد: "يا مغيرة ألا أرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبون عندك ثم لا تُغير ولا تنكر؟!، أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - وإني لغني أن أقول ما لم يقل فيسألني عنه إذا لقيته -: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعليّ في الجنة، وعثمان في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وتاسع المسلمين في الجنة"، ولو شئت سمّيته، قال: فرجّ الناس وناشدوه يا صاحب رسول الله: "من التاسع؟ "، قال: "لولا أنكم ناشدتموني ما خبرتكم، أنا تاسع المسلمين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتم العاشر". قال: ثم قال: لمشهد رجل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يُغَبّرُ فيه وجهه خير من عمل
أحدكم ولو عُمِّرَ عُمُر نوح". كذا رواه ابن مالك1، وقد ضرب عليه. / [39/ب] 2، وصوابه: ابن أبي وقاص"3 " "4 ".
الباب السابع والثلاثون: جمعه الناس في التراويح على إمام
الباب السابع والثلاثون: جمعه الناس في التراويح على إمام ... الباب السابع والثلاثون: في ذكر جمعه الناس في التراويح على إمام ذكر ابن الجوزي عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة في جوف1 الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدّثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج في الليلة الثانية فصلى رجال بصلاته، وأصبح الناس يتحدّثون بذلك وكثر أهل2 المسجد في الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى وصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عَجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليه فطفق رجال يقولون: الصلاة فلم يخرج إليه حتى خرج لصلاة الفجر فلما قضى الصلاة أقبل على الناس بوجهه، فتشهد ثم قال: "أما بعد، فإنه لم يَخْفَ عليَّ شأنكم الليلة، ولكنّي خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها" 3. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه. . . . 4، ويقول: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنه5.
قال عروة: "فأخبرني عبد الرحمن بن [عبدٍ] 1 القاري2 وكان من عمال عمر، وكان يعمل مع عبد الله بن الأرقم3 على بيت مال المسلمين: أن عمر خرج4 ليلة في رمضان وهو معه، فطاف في المسجد وأهل المسجد أوزاع5 متفرِّقون، يصلي الرجل بنفسه6، ويصلي الرجل بصلاته الرهط، فقال عمر: "إني والله لأظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل"، ثم عزم على أن يجمعهم على قارئ واحدٍ فأمر أبي بن كعب رضي الله عنه أن يقوم / [40 / ب] لهم رمضان فخرج عمر رضي الله عنه والناس يصلون بصلاة قارئهم، ومعه عبد الرحمن بن عبد القاري فقال له عمر: "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون"، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوّله"7. وعن أبي عثمان8: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعا ثلاثة قراء في شهر رمضان، فأمر أسرعهم قراءة9 [أن] 10 يقرأ ثلاثين آية، وأمر
أوسطهم أيقرأ بخمس وعشرين آية، وأمر أبطأهم أن يقرأ عشرين آية"1. وعن عبد الله بن عكيم الجهني2، قال: ": كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا دخل شهر رمضان، صلى للناس صلاة المغرب، ثم تشهد بخطبة خفيفة، ثم قال: "أما بعد: فإن هذا شهر كتب عليكم صيامه ولم يكتب عليكم قيامه، من استطاع منكم أن يقوم فإنها من نوافل الخير3 التي قال الله عزوجل، ومن لم يستطع منكم أن يقوم فلينم على فراشه، وليتق إنسان منكم أن يقول: أصوم إن صام فلان، وأقوم إن قام فلان، من صام منكم أو قام فليجعل ذلك لله عزوجل، وأقلوا اللغو في بيوت الله، واعلموا أن أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة، ألا لا يتقدم الشهر منكم أحد ثلاث مرات، ألا لا تصوموا حتى تروه ثم صوموا حتى تروه، ألا وإن غمّ عليكم فلن يغمّ عليكم العدد فعدّوا ثلاثين، ثم أفطروا، ألا ولا تفطروا حتى تروا الغسق4 على الظراب5، 6.
وعن أبي إسحاق الهمداني1، قال: "خرج عليّ رضي الله عنه أوّل ليلة من شهر رمضان فسمع القراءة من المسجد، ورأى القناديل تزهر، قال: "نور الله لعمر بن الخطاب في قبره كما نوّر مساجدنا بالقرآن"2. وعن مجاهد3، قال: "خرج عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ذات ليلة في شهر رمضان فسمع تهافت4 الناس بقراءة القرآن في المساجد، فقال عليّ: "نوّر الله على عمر قبره كما نوّر مساجدنا"5. فصل لا يتوهم متوهم أن التراويح من وضع عمر، ولا أنه أوّل من وضعها، بل كانت موضوعة من زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن عمر رضي الله عنه أوّل من جمع الناس على قارئ، واحدٍ فيها، فإنهم كانوا يصلون لأنفسهم فجمعهم على قارئ واحد. والتراويح سنة مؤكّدة6، وهي قيام رمضان، قال أحمد وأصحابه: " (. . . .) 7، يستحب أن تكون في جماعة، وأن يوتر بعدها في الجماعة ما لم
يكن له تهجد، فإن كان له تهجد فإن أحب متابعة الإمام أوتر معه، وإذا سلّم شفعها بأخرى، وإن أحب لم يوتر معه"1 وسميت التراويح: لأنهم يستريحون فيها بعد كلّ أربع2. ويستحب أن يسلّم فيها من كلّ ركعتين ويذكر الله بعد كلّ أربع في جلوس الراحة3. ويكره التّطوّع بين التراويح4. وهل يكره بعد التراويح والوتر في جماعة من غير فصل بنوم أو ذهاب، على روايتين عن الإمام أحمد رحمه الله5. وصلاة التراويح في أوّل الليل في الجماعة أفضل من تأخيرها إلى آخر الليل ويصليها وحده. والله أعلم6. / [41 / أ] .
الباب الثامن والثلاثون: فطنته وذكائه وفراسته
الباب الثامن والثلاثون: فطنته وذكائه وفراسته ... الباب الثامن والثلاثون: في ذكر فطنته وذكائه وفراسته ذكر ابن الجوزي عن نافع عن ابن عمر قال: "بينا عمر جالس إذ رأى رجلاً فقال: "قد كنت مرة ذا فراسة وليس لي رأي إن لم يكن قد كان هذا الرجل ينظر ويقول في الكهانة ادعوه لي"، فدعوه فقال: "هل كنت تنظر وتقول في الكهانة شيئاً؟ "، قال: "نعم"1. وعن يحيى بن سعيد2: "أن عمر بن الخطاب قال لرجل: "ما اسمك؟ "، قال: "جَمْرَةُ"، قال: "أبو من؟ "، قال: "أبو شهاب"، قال: "ممن؟ "، قال: "من الحُرقة"3. قال: "أين مَسْكنُك؟ "، قال: "بحرّة النار"4، قال: "بأيها؟ "، قال: "بذات لظى"، فقال: "أدرك أهلك فقد احترقوا"، فكان كما قال عمر رضي الله عنه5.
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "بينا عمر بن الخطاب يعرض الناس إذ مرّ به رجل له ابن [على] 1 عاتقه، فقال عمر: "ما رأيت غراباً بغرابٍ أشبه من هذا بهذا"، فقال: "أما والله يا أمير المؤمنين لقد ولدته أمه وهي ميتة"، قال: "ويحك فكيف ذلك؟ "، قال: "خرجت2 في بعث كذا وكذا، فتركتها حاملاً فقلت: أستودع الله ما في بطنك، فلما قدمت من سفري أخبرت أنها ماتت، فبينا أنا ذات ليلةٍ قاعداً في البقيع مع بني عم لي، إذ نظرت فإذا ضوء شبه السراج في المقابر، فقلت لبني عمي: "ما هذا؟ "، قالوا: "لا ندري، غير أنا نرى هذا الضوء كل ليلة عند قبر فلانة"، فأخذت معي فأساً ثم انطلقت نحو القبر فإذا مفتوح وإذا هذا في حجر أمه، فدنوت، فناداني منادٍ: "أيها المستودع، خذ وديعتك أما لو استودعته أمه لوجدتها"، فأخذت الصبي وانضم القبر"3. وفي الصحيح عن ابن عباس قال: "قال عمر: "أقرَؤنا4 أبي وأقضانا عليّ، وإنا لندع من قول أبي، وذاك أن أبيّاً يقول: "لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] 5، 6.
وفي الصحيح عن ابن عباس وعبيد بن عمير قال: قال عمر يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "فيما ترون هذه الآية نزلت: {أَيَوَدُّ أَحْدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} [البقرة: 266] ؟، قالوا: "الله أعلم"، فغضب عمر فقال: "قولوا: نعلم، أو لا نعلم"، فقال ابن عباس: "في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين"، قال عمر: "يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك"، قال ابن عباس: "ضربت مثلاً لعمل"، قال عمر "أيّ عمل؟ "، قال ابن عباس: (لعمل"، قال عمر: "لرجل غنيّ يعمل بطاعة الله عزوجل ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله"1. وفي الصحيح عن ابن عمر قال: "سمعت عمر على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أما بعد، أيها الناس، إنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل"2. وفي الصحيح في باب قول الله عزوجل: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيدُ البَحْرِ} [المائدة: 96] ، قال عمر رضي الله عنه: "صيده: ما اصطيد، وطعامه: ما رمى به"3. والله أعلم. / [41 / ب] .
الباب التاسع والثلاثون: إهتمامه برعيته وملاحظته لهم
الباب التاسع والثلاثون: إهتمامه برعيته وملاحظته لهم ... الباب التاسع والثلاثون: في ذكر اهتمامه برعيته وملاحظته لهم ذكر ابن الجوزي عن الشعبي قال: "سمع الناس قول عمر رضي الله عنه ورأوا عمله، وكان يمشي في الأسواق ويطوف في الطرقات، ويقضي بين الناس في قبائلهم، ويعلمهم في أماكنهم، ويخلف الغزاة في أهليهم، ذكروا أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأبي بكر رضي الله عنه، وأبو بكر أعلم بعمر، فكان أبو بكر مع لينه أقواهم فيما لانوا عنه، وألينهم فيما ينبغي، وكان عمر ألينهم فيما ينبغي، وأقواهم على أمرهم"1. وعن ابن شهاب2، قال: "قال ثعلبة بن أبي مالك3: "قسم عمر مروطاً4 بين نساء أهل المدينة، فبقي منها مرط جيد، فقال له بعض من حضر: "يا أمير المؤمنين أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك"، يريدون أمّ كلثوم بنت عليّ5 رضي الله عنه، فقال: "أمّ سليط6 أحق به، فإنها ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تزفِر7 للناس القِرَبَ يوم أحد"8.
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "خرجت مع عمر رضي الله عنه إلى السوق، فلحقته امرأة شابة، فقالت: "يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغاراً، ما يُنضِجون كراعاً1، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت عليهم الضيع، وأنا ابن خفاف بن إيماء الغفاري2، وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف معها ولم يمضِ، وقال: "مرحباً بنسب قريب"، ثم انصرف إلى بعير ظهيرٍ3 كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غرارتين4 ملأهما طعاماً، وجعل بينها نفقة وثياباً، ثم ناولها خطاماً، قال: "اقتاديه فلن يفنى هذا حتى يأتيكم الله بخير". فقال رجل: (يا أمير المؤمنين أكثرت لها؟ " فقال عمر: "ثكلتك أمّك، والله إني رأيت أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصناً زماناً فافتتحناه5 ثم أصبحنا نستقي سُهْمَانَهُما فيه". وقولها: "الضيع"، بياء مثناة من تحت6، ووجدت بعضهمم ضبطها: (بباء) ، موحدة من تحت7. وفي الصحيح: (ففتحاه) 8.
وفي الصحيح عن عامر قال: "كان [ابن] 1 عمر إذا حيّا ابنَ جعفر2 قال: "السلام عليك يا ابن ذي الجناحين"3. وذكر ابن الجوزي عن الأوزاعي: "أن عمر خرج في سواد الليل فرآه طلحة4 رضي الله عنه فذهب عمر فدخل بيتاً ثم دخل بيتاً آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها ما بال هذا الرجل يأتيك؟ "، قالت: "إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى". / [42 / أ] فقال طلحة: "ثكلتك أمك عثرات عمر تتبع"5. وعن نافع عن ابن عمر قال: قدمت رفقة من التجار ونزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: "هل لك أن نحرسهم الليلة [من] 6 السَّرْقِ؟ "، فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب لهما، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه، فقال لأمه: "اتقي الله وأحسني إلى صبيك"، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه، فأتى أمه فقال: "ويحك، إني لأراكِ أم سوء، مالي أري ابنك لا يقرّ منذ الليلة؟ "، قالت: "يا عبد الله قد أبرمتني منذ الليلة، إني
أريغه1 عن الفطام [فيأبى"، قال: "ولِمَ؟ "، قالت: "لأن عمر لا يفرِض إلا للفطمِ"، قال: "وكم له؟ "، قالت:] 2 "كذا وكذ شهراً"، قال: "ويحك لا تعجليه"، فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، لما سلم قال: "يا بؤساً لعمر كم قتل من أولاد المسلمين؟ "، ثم أمر منادياً فنادى: "أن لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود3 في الإسلام". وكتب بذلك إلى الآفاق، أن يفرض لكل مولود في الإسلام"4. وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: "أن عمر خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ5 لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه - رضي الله عنهم - فأخبروه أن الوباء6 قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: "خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه"، وقال بعضهم: "معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء". قال: "ارتفعوا، ثم قال: ادع لي الأنصار"، فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا
سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: "ارتفعوا، ثم قال: ادع من كان من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح"، فدعوتهم فلم يختلف عليّ منهم رجلان"، فقالوا: "نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء". فنادى عمر بالناس: إني مُصَبِّحٌ على ظهر فأصبحوا [عليه] 1، فقال أبو عبيدة بن الجراح: "أفراراً من قدر الله تعالى؟ "، فقال عمر: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة!، نعم. نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل فهبطت وادياً له عدوتان، إحداهما خَصْبَةٌ والأخرى جَدْبَةٌ، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟، قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً2 في بعض حاجته فقال: "إن عندي في هذا علماً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم3 به في أرض فلا تقدموا عليها، وإن وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه"، فحمد الله عمر ثم انصرف"4. وفي الصحيحين عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء [قد وقع] 5 / [24 / ب] بأرض الشام، فقال ابن عباس قال عمر: "ادع لي المهاجرين الأوّلين"، فدعاهم، فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا فقال بعضهم: (قد خرجت لأمر لا نرى أن ترجع عنه"،
وقال بعضهم: "معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تُقدمهم على هذا الوباء". فقال: "ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا بسبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: "ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: "نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء". فنادى في الناس: "إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه"، فقال أبو عبيدة: "أفراراً من قدر الله؟ "، قال عمر: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة!. نعم. من قدر الله إلى قدر الله، أريت لو كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان إحداهم خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً في بعض حاجته، فقال: "إن عندي في هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه". قال: فحمد الله عمر، ثم انصرف"1. وفي الصحيح عن ابن عباس قال: "كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: "لِمَ تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبْناء مثله؟، فقال: إنه ممن قد علمتم". قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رأيته دعاني يومئذٍ إلا ليُريَهم مني، فقال: ما تقولون في: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً} [النصر: 1-2] ، حتى ختم السّورة، فقال
بعضهم: "أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا". وقال بعضهم: "لا ندري"، ولم يقل شيئاً، فقال: "يا ابن عباس أكذاك تقول؟ "، قلت: لا. قال: "فما تقول؟ "، قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ} ، [النصر: 1] ، فتح مكة، فذاك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرُهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَاباً} [النصر: 3] . قال عمر: "ما أعلم منها إلا ما تعلم"1. وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "خرجنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى حرة واقم2 حتى إذا كنا بصرار3، إذا نار قال: "يا أسلم إني أرى ها هنا ركباً قصر بهم4، الليل والبرد، انطلق بنا". فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا بامرأة معها صبيان صغار، وقدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون5، فقال عمر: "السلام عليكم يا أصحاب الضوء"، - وكره أن يقول: يا أصحاب النار - فقالت: "وعليكم السلام"، فقال: "أدنو؟ "، فقالت: "ادن بخير أو ادع"، فدنا منها، فقال: "ما بالكم؟ "، قالت: "قصر بنا الليل والبرد"، قال: "وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ "، قالت: "الجوع"، قال: "وأي شيء في هذه القدر؟ "، قالت: "ماء أُسَكِّتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر"، قال: "أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم! "، قالت: "يتولى أمرنا ثم يغفل عنا"، قال: فأقبل علي،
فقال: "انطلق بنا"، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عدلاً1 من دقيق وكُبة2 من شحم، فقال: "احمله عليّ"، فقلت: أنا أحمله عنك، فقال: "أنت تحمل وزري يوم القيامة، لا أم لك! "، فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئاً، فجعل يقول لها: "ذُرّي عليّ، وأنا أحرّك لك"، وجعل ينفخ تحت القدر ثم أنزلها، فقال: "ابغني شيئاً"، فأتته بصحفة فأفرغها فيها، فجعل يقول لها: "أطعميهم، وأنا أسطّح3 لهم". فلم يزل حتى شبعوا وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه، فجعلت تقول: "جزاك الله خيراً كنت بهذا الأمر أولى من أمير المؤمنين"، فيقُولُ: "قولي خيراً، وإذا جئت أمير المؤمنين وجدتيني هناك إن شاء الله". ثم تنحى ناحية عنها ثم استقبلها فربض مربضاً، فقلت: ألك شأن غير هذا؟ فلا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ثم ناموا وهدءوا، فقال: "يا أسلم إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيت"4. / [43 / أ] .
وعن [عبد الله بن] 1 زيد بن أسلم2 عن أبيه عن جده، قال: "كان عمر رضي الله عنه يصوم الدهر، فكان عام الرمادة3 إذا أمسى أتى بخبز قد ثرد بالزيت، إلى أن نحر يوماً من الأيام جزوراً، فأطعمها الناس، وغرفوا له طيبها، فَأُتِي به فإذا قدر من سنام ومن كبد، فقال: "أنى هذا؟ "، قالوا: "يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم"، قال: "بَخْ بَخْ، بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديسها4، ارفع هذه الصحفة، هات لنا غير هذا الطعام"، فأتي بخبز وزيت، فجعل يكسره بيده ويثرد ذلك الزيت، ثم قال: "ويحك يا يرفأ5! احمل هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بثمغ6، فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام، وأحْسبهم مقفرين، فضعها بين أيديهم"7وعن عوف بن الحارث8 عن أبيه9 قال: "إنما سمي عام الرمادة
لأن1 الأرض كلها صارت سوداء، فشبهت بالرماد وكانت تسعة أشهر"2. قال ابن سعد3: "ونظر عمر عام الرمادة4 إلى بطيخة5 في يد بعض ولده فقال: "بَخْ بَخْ يا [ابن] 6 أمير المؤمنين، تأكل الفاكهة وأمة محمّد هزلى؟ "، فخرج الصبي هارباً وبكى، فقالوا: "اشتراها بكفنوى"7. قال ابن سعد8: "قال عياض بن خليفة9: "رأيت عمر عام الرمادة10 وهو أسود اللون، ولقد كان رجلاً عربياً11 يأكل السمن واللبن فلما أمحل الناس حرّمها فأكل الزيت حتى غير لونه وجاع فأكثر"12. وعن أسلم13 قال: "كنا نقول: لو لم يرفع الله تعالى المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت همّاً بأمر المسلمين"14. وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال عام الرمادة وكانت سنة
شديدة ملحة1، وبعدما اجتهد في إمداد الأعراب بالإبل والقمح والزيت من الأرياف كلها حتى محلت2 الأرياف كلها جهدها ذلك [فقام] 3 عمر يدعو فقال: "اللهم ارزقهم على رؤوس الجبال"، فاستجاب الله له وللمسلمين، فقال حين نزلت الغيث: "الحمد لله، فوالله لو أن الله تعالى لم يفرجها ما تركت أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا أدخلت عليهم معهم عدادهم من الفقراء، فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم واحداً"4. وعن ابن طاووس5 عن أبيه، قال: "أجدب الناس على عهد عمر فما أكل سميناً ولا سمناً حتى أكل الناس"6. وعن يحيى بن سعيد7، قال: "اشترت امرأة عمر بن الخطاب لعمر فرْقاً8 من سمن بستين درهماً، فقال عمر: "ما هذا؟ "، فقالت امرأة: "هو من مالي ليس من نفقتك"، فقال عمر: "ما أنا بذائقه حتى يحيى الناس"9.
وعن ابن أبي مليكة1 قال: قال أبو محذورة2: "كنت جالساً عند عمر إذ جاء صفوان بن أمية3 بجفنة4 يحملها نفر في عباءة، فوضعها / [43/ب] بين يدي عمر، فدعا عمر ناساً مساكين وأرقاء من أرقاء الناس حوله فأكلوا معه، قال عند ذلك: "فعل الله بقوم، أو قال: لحا الله قوماً يرغبون عن أرقائهم أن يأكلوا معهم"، فقال صفوان بن أمية: "أما والله لا نرغب عنهم! ولكنا نستأثر عليهم، ولا نجد من الطعام الطيب ما نأكل ونطعمهم"5. وعن محمّد بن زياد6، قال: "كان جدي مولى لعثمان بن مظعون7 - رحمه الله - وكان يلي أرضاً لعثمان فيها بقل وقثاء، قال: "فربما أتاني عمر بن الخطاب نصف النهار، واضعاً ثوبه على رأسه يتعاهد الحمى8 أن يعضد شجره، ولا يخبط، قال: فيجلس إليّ فيحدّثني فأطعمه من القثاء والبقل، قال: فقال لي يوماً: "أراك لا تبرح مما هنا؟ "، قال: قلت: أجل، قال: "إني أستعملك على ما ههنا فمن رأيته يعضد
شجرة، أو يخبط، فخذ فأسه". قال: قلت: آخذ رداءه؟، قال: "لا"1. قلت: "في هذا الحديث جواز الأكل من الناظر والعبد والأجير ونحوهم، ولعله يستأذن صاحب الشيء، وكذا من الراعي، وفي ذلك قصة أبي بكر لما ارتحل هو والنبي صلى الله عليه وسلم"2. وعن سعيد بن المسيب: أن عمر رضي الله عنه ردّ نسوة من البيداء خرجن محرمات في عدتهن34. وعن الفضل بن عَميرة5: أن الأحنف بن قيس6 قدم على عمر ابن الخطاب في وفد من العراق فقدموا عليه في يوم شديد الحرّ، وهو محتجز بعباءة يهنأ بعيراً من إبل الصدقة، فقال: "يا أحنف ضع ثيابك، وهلم فأعن أمير المؤمنين على هذا البعير، فإنه من إبل الصدقة، فيه حقّ اليتيم والأرملة والمسكين، فقال رجل من القوم: "يغفر الله لك يا أمير المؤمنين، فهلا تأمر عبداً من عبيد الصدقة فيكفيك؟ "، فقال عمر: "وأي عبد هو أعبد مني ومن الأحنف! إنه من ولي أمر المسلمين يجب عليه لهم ما يجب على العبد لسيّده
في النصيحة وأداء الأمانة"1. وعن زيد بن أسلم قال: أخبرني أبي قال: "كنا نبيت عند عمر أنا ويرفأ، قال: فكانت له ساعة من الليل يصليها وكان إذا استيقظ قرأ هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] ، الآية، حتى إذا كان ذات ليلة قام فصلى ثم انصرف، ثم قال: "قوما فصليا فوالله ما أستطيع أن أصلي ولا أستطيع أن أرقد، وإني لأفتتح السورة فما أدري في أوّلها أنا أم في آخرها"، قلنا: ولِمَ يا أمير المؤمنين؟، قال: "من همي بالناس مذ جاءني هذا الخبر"2. وعن أبي عبيدة3 عن شعيب4 عن إبراهيم5، قال: "لما ولي عمر قال لعليّ - رضي الله عنهما -: / [44 / أ] "اقض بين الناس، وتجرد للحرب"6. وعن حنش بن الحارث7، قال: "كان الرجل منا تنتج فرسه فينحره ويقول: [أنا] 8 أعيش حتى أركب هذا؟، فجاءنا كتاب عمر رضي الله عنه: "أن أصلحوا ما رزقكم الله، فإن في الأمر تنفيس"9.
وعن [عبد الله] 1 بن عبيد بن عمير2، قال بينا الناس يأخذون أعطياتهم بين يدي عمر إذ رفع رأسه فنظر إلى رجل في وجهه ضربة فسأله، فأخبره: أنه أصابته في غزاة كان فيها، فقال: "عُدّوا له ألفاً"، فأعطي ألف درهم، ثم قال: "عدّوا له ألفاً"، فأعطي الرجل ألفاً أخرى، قال له ذلك أربع مرات كل ذلك يعطيه ألف درهم، فاستحيا الرجل من كثرة ما يعطيه فخرج، قال: فسأل عنه فقيل: له "رأينا أنه استحيا من كثرة ما أعطي فخرج"، فقال: "أم والله لو أنه مكث ما زلت أعطيه ما بقي منها درهم، رجل ضرب ضربة في سبيل الله حفرت في وجهه"3. وعن [عبد الرحمن بن] 4 سعيد بن يربوع5 عن مالك6: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربع مئة دينار فجعلها في صرة، فقال للغلام: "اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم تَلَهَّ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع"، فذهب بها الغلام، قال: يقول لك أمير المؤمنين: "اجعل هذه في بعض حاجتك"، فقال: "وصله الله ورحمه"، ثم قال: "تعالي يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان"، حتى أنفذها، فرجع الغلام
إلى عمر وأخبره، فوجده قد عدّ مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: "اذهب بها إلى معاذ بن جبل وتَلَهَّ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع". فذهب بها إليه فقال: "يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك"، فقال: "رحمه الله ووصله، تعالي يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا واذهبي إلى بيت فلان بكذا"، فتطلعت1 امرأة معاذ فقالت: "ونحن والله مساكين فأعطنا"، ولم يبق في الخرقة شيء إلا ديناران فدحا2 بهما إليها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، فسّر بذلك وقال: "إنهم إخوة بعضهم من بعض"3. رضوان الله عليهم. وعن عدي بن حاتم، قال: "أتيت عمر بن الخطاب في أناس من قومي، فجعل يفرض للرجل من طيء في ألفين ويعرض عني، قال: فاستقبلته فأعرض عني، ثم أتيته في حيال وجهه فأعرض عني، فقلت يا أمير المؤمنين أتعرفني؟ فضحك حتى استلقى على قفاه، ثم قال: "نعم. والله إني لأعرفك، آمنت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيتَ4 إذ غدروا، وإن أوّل صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه أصحابه صدقة طيئ، جئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم / [44 / ب] ، ثم أخذ يعتذر، ثم قال: "إنما فرضت لقوم أجحفت بهم الفاقة، وهم سادة عشائرهم لما ينوبهم من الحقوق"5.
وعن الكلبي1 قال: "بينما عمر رضي الله عنه نائم في المسجد إذ قد وضع رداءه مملوءاً حصى تحت رأسه، إذا هاتف يهتف: يا عمراه، يا عمراه، فانتبه مذعوراً، فغدا إلى الصوت وإذا أعرابي ممسك بخطام بعير، والناس حوله فلما نظر إلى عمر قال الناس: "هذا أمير المؤمنين"، فقال عمر: "من آذاك؟ "، فظن أنه مظلوم، فأنشأ يقول: فذكر أبياتاً يشكو فيها الجدب، فوضع عمر يده على رأسه ثم صاح: "واعمراه، واعمراه، أتدرون ما يقول؟ يذكر جدباً وإسناتاً2 وابن أم عمر يشبع ويروي، والمسلمون في جدب وفي أزل3، من يوصل إليهم من الميرة والتمر ما يحتاجون إليه"، فوجه رجلين من الأنصار ومعهما إبل كثيرة عليها الميرة والتمر فدخلا اليمن فقسما ما كان معهما إلا فضيلة بقيت على بعير، قال: "بينا نحن ماران نريد الانصراف فإذا نحن برجل قائم وقد التفت ساقاه من الجوع يصلي فلما رآنا قطع، وقال: "هل معكما شيء فصببنا يديه وأخبرناه بخبر عمر، فقال: "والله لئن وكلنا إلى عمر لنهلكن"، ثم ترك ما بين يديه وعاد إلى الصلاة، ومد يديه في الدعاء، فما ردّهما إلى نحره حتى أرسل الله السماء"4. وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: "أتى عمر بخبز وزيت فجعل يأكل منه ويمسح بطنه، ويقول: "والله لتموتن أيها البطن على الخبز
ما دام السمن يباع بالأواقي"1، 2. وعن حيوة بن شريح3: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم بتقوى الله، ثم قال عند عقد الألوية: "بسم الله وعلى عون الله، امضوا بتأييد الله، والنصر ولزوم الحق والصبر، قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ثم لا تجبنوا عند اللقاء، ولا تُمثلوا عند القدرة، ولا تسرفوا عند الظهور، وتنكلوا عند الجهاد، ولا تقتلوا امرأة ولا هرماً ولا وليداً، وتوقوا قتلهم [إذا] 4 التقى الجمعان، وعند حُمّة النّهْضات5، وفي شن الغارات، ولا تغلوا6 عند الغنائم، ونزهوا الجهاد عن عرض الدنيا، وأبشروا بالأرباح في البيع الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم"7. وعن زيد بن وهب8 قال: "خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم إلى سوق المدينة، فجعل يقول: "واعمراه، والبيكاه"، فسألنا عن
خبره فقيل: "إن [عاملاً] 1 من عماله أمر رجلاً / [45 / أ] أن ينزل في واد، ينظر كم عمقه، فقال الرجل: "إني أخاف، فعزم عليه فنزل، فلما خرج كَزَّ2 فمات، فنادى: يا عمراه، فبعث عمر إلى الوالي: "أما إني لولا أخاف أن تكون سنة بعدي لضربت عنقك، ولكن لا تبرح حتى تؤدي ديته، والله لا أوليك أبداً"3. وعن عبد الرحمن بن محمّد4، 5 عن أبيه6 قال: "لما أتي عمر بفتح "تستر" قال: "هل كان شيء؟ "، قالوا: "نعم. رجل ارتد عن الإسلام"، قال: "فما صنعتم به؟ "، قالوا: "قتلناه"، قال: "فهلا أدخلتموه بيتاً وأغلقتم عليه، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً فاستتبتموه فإن تاب وإلا قتلتموه"، ثم قال: "اللهم لم أشهد، ولم آمر، ولم أرض، ولم أُسرّ إذ بلغني"7. وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن أبا عبيدة بن الجراح كتب إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فذكر جموعاً من الروم وشدة، وكان يصلي من الليل ثم
يوقظني فيقول: "قم فصلّ فإني لأقوم فأصلي وأضطجع فما يأتيني النوم"، ثم يعود إلى الثنية فيستخبر1. وعن زيد بن أسلم [عن أبيه] 2 قال: قلت: لعمر: "إن في الظهر لناقة عمياء"، قال عمر: "ندفعها إلى بيت ينتفعون بها"، قال: قلت: وكيف وهي3 عمياء؟، قال: "يقطرونها4 بالإبل"، قال: قلت: كيف تأكل من الأرض؟، قال: "أردتم والله كلها"، قال: وكانت له صفحات تتسع، ولا يأكل طريفة ولا فاكهة إلا جعل منها لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وآخر من يبعث إليه حفصة، فإن كان نقصان كان في حقّها، قال: فنحرنا تلك الجزور، فبعث إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وصنع ما فضل منه ثم دعا عليه المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم -"5. وعن سعيد بن المسيب أن بعيراً من المال سقط فأهدى عمر إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثم صنع ما بقي وجمع عليه ناساً من المسلمين، فيهم العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فقال العباس: "يا أمير المؤمنين، لو صنعت لنا مثل هذا كل يوم فأكلنا وتحدّثنا عندك"، فقال عمر: "لا عود6 لمثل هذا، إنه مضى صاحبان لي
فعملا عملاً وسلكا طريقاً، وإني إن عملت بغير عملهما سُلك بي غير طريقهما"1. وعن أبي سهل بن مالك2 عن أبيه3: "أن عمر بن الخطاب قال ليرفأ: "كم تعلفون هذا الفرس؟ "، لفرس كان يرد عليه إبل الصدقة - قال: يرفأ: "ثلاثة أمداد وصاعاً"، قال عمر: "إن كان هذا لكاف أهل بيت من العرب، والذي نفسي بيده ليعالجن غور البقيع"4. وعن عبد الملك بن عمير56 قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من استعمل رجلاً لمودة أو لقرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين"7. وعن عمران بن سليم8 عن عمر بن الخطاب، قال: "من استعمل فاجراً
وهو يعلم أنه فاجر، فهو مثله"1. وعن أبي عِمران الجوني2، قال: "أهدى أبو موسى الأشعري إلى عمر هدية فيها سلاسل3 فاستفتح عمر سلة منها، وقال: "ردّه / [45/] رده لا تراه ولا تذوقه قريش، فتتذابح4 عليه"5. وعن أنس بن مالك قال: "كنت عند عمر بن الخطاب فجاءته امرأة من الأنصار فقالت: "أكسني يا أمير المؤمنين"، فقال: "ما هذا أوان كسوتك"، قالت: "والله ما علي ثوب يواريني"، قال: فقام عمر فدخل خزانته فأخرج درْعاً6 قد خيط أبيض، وجيب7، وألقاه إليها، وقال: "هذا لبسي، وانظري8 خَلقَك فارقعيه وخيطه، والبسيه على برمتك وعملك فإنه لجديد لمن لا خَلِقَ له"9. وعن عبيد بن عمير10: "أن عمر بن الخطاب رأى رجلاً يقطع من شجر الحرم ويعلفه بعيراً له، قال: "علي بالرجل"، فأتي به، قال: "يا عبد الله
إن مكة حرام، لا يعضد عضاها1، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمعرف". فقال: "يا أمير المؤمنين! ما حملني على ذلك إلا أن معي نضوغاً2 لي، خشيت أنه لا يبلغّني، وما معي زاد ولا نفقة". قال: "فرق له عمر بعد ما هم به، وأمر له ببعير من إبل الصدقة وبوقره طحيناً فأعطاه إياه، وقال: "لا تعود تقطع [من] شجر الحرم شيئاً"3. وعن عبد الله بن المبارك4، قال: "اشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعراض المسلمين من الحطيئة5 بثلاثة آلاف درهم، فقال الحطيئة: وأخذت أطراف6 الكلام فلم تدع ... شتماً يضر ولا مديحاً ينفع ومنعتني عرض7 البخيل فلم يخف ... شتمي فأصبح آمناً لا يفزع8 وعن إسحاق بن إبراهيم9، قال: قال الفضيل بن عياض10 يوبخ نفسه: "ما
ينبغي لك أن تتكلم بفمك كله، تدري من يتكلم بفمه كله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يطعمهم حقوقهم ويزيدهم، وأعطى رجلاً عطاءه أربعة آلاف درهم وزاده ألفاً، فقيل له: "ألا تزيد ابنك كما زدت هذا؟ "، قال: "إن [أبا] 1 هذا ثبت يوم أحد ولم يثبت أبو هذا"2. وعن ابن عمر، قال: "كان عمر يأتي مجزرة الزبير بن العوام بالبقيع - ولم يكن بالمدينة مجزرة غيرها - فيأتي معه بالدّرّة فإذا وجد رجلاً اشترى لحماً يومين متتابعين ضربه بالدرة، وقال: "ألا ألا طويت3 بطنك لجارك أو ابن عمك"4. وعن ابن شهاب5، أن القاسم بن محمّد6 أخبره: أن رجلاً7 ضاف ناساً من هذيل فخرجت لهم جارية، واتبعها ذلك الرجل فأرادها عن نفسها فتعافسا8 في الرمل فرمته بحجر ففضت9 كبده، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال: "ذلك قتيل الله لا يؤدى أبداً"10.
وعن عبد الله بن صالح1 قال: حدّثني الليث2، قال: "أتي عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بفتى أمرد قد وجد قتيلاً ملقى على وجهه في الطريق، فسأل عمر عن أمره واجتهد فلم يقف على خبر، ولم يعرف له قاتل، فشق على عمر ذلك، وقال: "اللهم أظفرني بقاتله"، حتى إذا كان رأس3 الحول أو قريباً من ذلك، وجد صبياً مولوداً ملقى موضع القتيل فأتى به عمر، فقال: "ظفرت بدم القتيل إن شاء الله"، فدفع الصبي إلى امرأة / [46/أ] وقال: "قومي بشأنه، وخذي منا نفقته وانظري من يأخذه منك، فإذا وجدت امرأة تقبله وتضمه إلى صدرها فأعلميني بمكانها". فلما شبّ الصبي جاءت جارية فقالت للمرأة: "إن سيدتي بعثتني إليك بالصبي لتراه وترده إليك"، قالت: "نعم اذهبي به إليها وأنا معك"، فذهبت بالصبي والمرأة معها حتى دخلت على سيدتها، فلما رأته أخذته فقبلته وضمته إليها، فإذا هي بنت شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرت عمر خبر المرأة. فاشتمل4 عمر على سيفه، ثم أقبل إلى منزلها فوجد أباها متكياً على باب داره، فقال: "يا أبا فلان ما فعلت ابنتك فلانة؟ "، قال: "يا أمير المؤمنين جزاها الله خيراً هي من أعرف الناس بحق الله تعالى، وحق أبيها مع حسن صلاتها وصيامها والقيام بدينها"، فقال عمر: "قد أحببت أن أدخل عليها فأزيدها رغبة في الخير وأحثها على ذلك"، فقال: "جزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين، امكث مكانك حتى
أرجع إليك". فاستأذن لعمر، فلما دخل أمر عمر بخروج كل من كان عندها فخرج عنها، وبقيت هي وعمر في البيت ليس معها أحد فكشف عمر عن السيف، وقال: "لتصدقيني"، وكان عمر لا يكذب، فقالت: "على رسلك يا أمير المؤمنين، فوالله لأصدقن، إن عجوزاً كانت تدخل عليّ فاتخذتها أمّاً وكانت تقوم في أمري بما تقوم به الوالدة، وكنت لها بمنزلة البنت، فأمضيت بذلك حيناً، ثم إنها قالت: "يا بنية إنه عرض لي سفر ولي بنت في موضع أتخوف عليها منه أن تضيع، وقد أحببت أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري. فعمدت إلى ابن لها شاب أمرد فهيأته كهيئة الجارية، وأتتني به لا أشك أنه جارية فكان يرى مني ما ترى الجارية من الجارية حتى اعتقلني يوماً وأنا نائمة فما شعرت حتى علاني وخالطني، فمددت يدي إلى شفرة كانت إلى جنبي فقتلته1، ثم أمرت به فألقي حيث رأيت، فاشتملت منه على هذا الصبي والغلام2، فلما وضعته، ألقيته في موضع أبيه، فهذا والله خبرهما، على ما أعلمته". فقال: "صدقت بارك الله فيك، ثم أوصاها ووعظها ودعا لها، وخرج، وقال لأبيها: بارك الله في ابنتك، فنعم الابنة، وقد وعظتها وأمرتها"، فقال: "وصلك الله يا أمير المؤمنين، وجزاك خيراً عن رعيتك"3. وعن أبي الزناد4، قال: قال عمر: "لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بينهما"5.
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: "سمع عمر في جوف الليل غناء فأقبل نحوه، فسكت عنهم حتى إذا طلع الفجر، فقال: إيه الآن اسكتوا اذكروا الله تعالى"1. [وعن عاصم بن عبيد الله2 عن عبد الله بن] 3 عامر4 بن ربيعة، قال: "سمع عمر صوت ابن المُغْترف - أو الغرف5 - الحادي في جوف الليل ونحن منطلقون إلى مكة، فأوضع6 عمر راحلته حتى دخل مع القوم، فإذا مع عبد الرحمن، فلما طلع الفجر، قال: "هيء7 اسكتِ الآن قد طلع الفجر، اذكروا الله تعالى"8. وعن إسماعيل بن الحسن9، قال: قال عمر بن الخطاب: "إن قريشاً تريد أن تكون مغويات لمال الله تعالى دون عباد الله وأنا حي، فلا والله، ألا وإني
آخذ حَلاقيم قريش1 عند باب الحرة2 أمنعهم من الوقوع في النار، ألا وأنى سننت [في] 3 الإسلام سن البعير، يكون حقاً4، ثم يكون ثنياً5، ثم يكون رباعياً6، ثم سديساً7، ثم يكون بازلاً8، ألا وإن الإسلام قد بزل فهل ينتظر من البازل إلا النقصان؟ "9. وعن إسماعيل بن إسحاق10: مغويات بتسكين الغين، واللغويون يقولون: بتشديد الواو، معناه: مهلكات. وهو مأخوذ من المغواة، وهي المهلكة.
والأصل فيها بئر تحفر ويعلق فيها جدي / [46 / ب] فإذا جاءها الذئب فيتدلى إلى الجدي اصطيد1، وهي كالزبية للأسد، لأن الزبية تجعل للأسد في مكان مرتفع، يقال: قد بلغ السيل الزبي، إذا علا وارتفع حتى يبلغ هذه الحفائر2. عن ابن الأعرابي3، قال: "من حفرة مُغوّاة4 وقع فيها": لا تحفرن بئراً تريد أخاً بها ... فإنك فيه أنت من دونه تقع كذاك الذي يبقى على الناس ظالماً ... تُصبْه على رغم عواقب ما صنع5 وفي الصحيح عن عدي بن حاتم، قال: "أتيت عمر في وفد فجعل يدعوهم رجلاً رجلاً يسميهم، فقلت: أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: "بلى، أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا"، فقال عدي: فلا أبالي إذاً"6. وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن الربيع بن زياد الحارثي7، أنه وفد إلى
عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأعجبته هيئته ونحوه، فقال: "يا أمير المؤمنين! إن أحق الناس بطعام لين، ومركب لين، وملبس لين، لا أنت - وكان أكل طعاماً غليطاً - فرجع عمر جردية كانت معه فضرب بهارأسه، ثم قال: "أمَ والله ما أراك أردت1 بها الله، ما أردت بها إلا في مقاربتي، إن كنت لا أحسب أن فيك خيراً، ويحك هل تدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟ ". قال: وما مثلك ومثلهم، قال: "مثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منه، فقالوا: أنفق علينا، فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟ "، لا يا أمير الممؤمنين، قال: "فذلك مثلي ومثلهم". ثم قال عمر رضي الله عنه: "إني لم أستعملهم عليكم أن يضربوا أبشاركم، ويشتموا أعراضكم، ويأكلوا أموالكم، ولكن استعملتهم ليعلموكم كتاب2 ربكم، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فمن ظلمه عامله بمظلمة فليعرفها إليّ حتى أقصه منه". فقال عمرو بن العاص: "يا أمير المؤمنين! أرأيت إن أدب أمير رجلاً أتقصه منه؟ "، فقال عمر: "ومالي لا أقص3 وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه؟ ". وكتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد: "لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تحرمونهم فتكفروهم، ولا تجمروهم4، فتفتنوهم، ولا تنزلوهم الغياض5 فتضيعوهم"6.
وعن سعيد بن المسيب، قال: "لما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أيها الناس إني والله قد علمت أنكم كنتم تؤنسون مني شدة وغلظاً، وذلك أني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت عبده وخادمه وجلوازه1، وكان كما قال الله تعالى: {رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] . وكنت بين يديه كالسيف المسلول، إلا أن يغمد، أو2 ينهاني عن أمر فأكف عنه، وإلا أقدمت على الناس لمكان النبي صلى الله عليه وسلم فلم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى توفاه الله تعالى وهو عني راضٍ. والحمد لله على ذلك كثيراً وأنا به أسعد. ثم قمت ذلك المقام مع أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من علمتم في كرمه ودعته ولينه، وكنت خادمه وجلوازه، وكنت كالسيف المسلول بين يديه على الناس أخلط شدتي بلينه، إلا أن يتقدم إليّ فأكف، وإلا أقدمت، فلم أزل على ذلك [حتى توفّاه الله، وهو عني راضٍ، والحمد لله على ذلك] 3 كثيراً، وأنا أسعد به. ثم جاء أمركم إليّ اليوم، فأنا أعلم أن سيقول قائل: "كان متشدداً علينا والأمر إلى غيره، فكيف به إذا صار الأمر إليه؟! "، اعلموا أنكم لا تسألون عني أحداً قد عرفتموني وجربتموني، وقد عرفت بحمد الله من سنة نبيكم ما عرفت، وما أصبحت نادماً على شيء أحبّ أن أسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد سألته، واعلموا4 أن شدتي التي كنتم
ترون / [47 / ب] 1 ازدادت أضعافاً إذا كان الأمر على الظالم المعتدي والأخذ للمسلمين لضعيفهم من قويهم، وإني بعد شدتي تلك واضع خدي بالأرض لأهل العفاف وأهل الكفّ فيكم والتسليم وإني لست آبى إن كان بيني وبين أحد منكم شيء في أحكامكم2، أن أمشي معه إلى من3 أحبّ منكم فينظر فيما بيني وبينه، فاتقوا الله عباد الله، وأعينوني على أنفسكم بكفّها، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضاري النصيحة فيما ولاّني الله من أمركم". قال سعيد4: "فوالله لقد وفَّى لله بما قال، وزاد في موضع الشدة على أهل الريب والظلم، والرفق بأهل الحقّ من كانوا"5. وقال حصين بن عبد الرحمن6: "بلغني أن فتى من أهل المدينة كان يشهد الصلاة كلها مع عمر، وكان عمر يتفقده إذا غاب، فعشقته امرأة من أهل المدينة، فذكرت ذلك بعض نسائها، فقالت: "أنا أحتال لك في إدخاله عليك، فقعدت له في الطريق فلما مرّ بها قالت له: إني امرأة كبيرة السن
ولي شاة لا أستطيع أن أحلبها، فلو دخلت فحلبتها لي". - وكانوا أرغب شيء في الخير -، فدخل فلم يرَ شاة، فقالت: "اجلس حتى آتيك بها"، فإذا المرأة قد طلعت عليه، فلما رأى ذلك عمد إلى محراب في البيت فقعد فيه، فأرادته عن نفسه فأبى، وقال: اتقي الله أيها المرأة"، فجعلت لا تكفّ عنه ولا تلتفت إلى قوله، فلما أبى عليها صاحت فجاءوا، فقالت: "إن هذا دخل عليّ يريدني عن نفسي"، فوثبوا عليه وجعلوا يضربونه، وأوثقوه، فلما صلى عمر الغداة فقده، فبينا هو كذلك إذ جاؤوا به في وثاق، فلما رآه عمر قال: "اللهم لا تخلف ظني به، قال: مالكم؟ "، قالوا: استغاثت امرأة بالليل فجئنا فوجدنا هذا الغلام عندها فضربناه وأوثقناه"، فقال له عمر: "أصدقني؟ "، فأخبره بالقصة على وجهها، فقال عمر: "أتعرف العجوز؟ "، فقال: "نعم، إن رأيتها عرفتها". فأرسل إلى نساء جيرانها وعجائزهن، فجاء بهن فعرضهن عليه فلم يعرفها فيهن حتى مرت به العجوز، فقال: "هذه يا أمير المؤمنين"، فرفع عليها الدّرّة، وقال: "أصدقيني؟ "، فقصت عليه القصة كما قصها الفتى، فقال عمر: "الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف"1. / [48 / أ] 2.
الباب الأربعون: عسسه بالمدينه وما وقع له من ذلك
الباب الأربعون: عسسه بالمدينه وما وقع له من ذلك ... الباب الأربعون: في ذكر عسسه بالمدينة وما وقع له من ذلك ذكر ابن الجوزي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "عسسنا مع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ذات ليلة بالمدينة حتى انتهينا إلى خيمة فيها نويرة، تقد أحياناً وتطفأ أحياناً، وإذا فيها صوت حزين، قال: "أقيموا مكانكم"، ومضى حتى انتهى إلى الخيمة فسمع وفهمنا، وإذا عجوز تقول: على محمّد صلاة الأبرار ... صلى عليه المصطفون الأخيار قد كنت قوّاماً بكن1 الأسحار ... فليت شعري والمنايا أطوار هل تجمعني وحبيبي الدار فبكى عمر رضي الله عنه حتى ارتفع صوته، ومضى حتى انتهى إلى الخيمة، فقال: "السلام عليكم، السلام عليكم"، فأذنت له في الثالثة، فإذا عجوز، فقال لها عمر: "أعيدي عليّ قولك"، فأعادت عليه قولها بصوت حزين، فبكى عمر، ثم قال: "وعمر لا تنسيه رحمك الله"، فقالت: "وعمر فاغفر له إنك أنت الغفار"2. وعن السائب بن جبير3 مولى ابن عباس - رضي الله عنهما -، وكان قد أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما زلت أسمع حديث عمر رضي الله عنه أنه
خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة، وكان يفعل ذلك كثيراً، إذ مرّ بامرأة من نساء العرب مغلقة عليها بابها وهي تقول: تطاول هذا الليل تسري كواكبه ... وأرقني1 ألا ضجيع ألاعِبُه ألاعبه طوراً وطوراً كأنما ... بدا قمراً في ظلمة الليل حاجبه يسر به من كان يلهو بقربه ... لطيف الحشا لا تجتويه2 أقاربه فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لنقض من هذا السرير جوانبه ولكنني أخشى رقيباً موكلاً ... بأنفسنا لا يفتُر الدهر كاتبه ثم تنفست الصعداء3، وقالت: لهان على عمر بن الخطاب وحشتي وغيبة زوجي عني". وعمر واقف يسمع قولها، فقال عمر: "يرحمك الله"، ثم وجه إليها بكسوة ونفقة وكتب في أن يقدم عليها زوجها4. وعن الشعبي قال: "بينا عمر يعس ذات ليلة إذ مرّ بامرأة جالسة على سرير وقد أجافت الباب وهي تقول: تطاول5هذا الليل واخضل6جانبه ... وأرقني أن لا خليل ألاعبه فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لحرّك من هذا السرير جوانبه فقال عمر رضي الله عنه: "أَوْهُ"7، ثم خرج فضرب الباب على
حفصة - رضي الله عنها - فقالت: "يا أمير المؤمنين، ما جاء بك في هذه الساعة؟ "، فقال: أيّ بينة كم تحتاج المرأة إلى زوجها؟ "، قالت: "في ستة أشهر"، فكان لا يغزي جيشاً له أكثر من ستة أشهر"1. وذكر هذه الحكاية ابن القيم2 وغيره: وهي أنه بينا هو يعس ذات ليلة سمع امرأة تقول: / [47 / أ] 3. تطاول هذا الليل واخضل جانبه ... وأرقني أن لا خليل ألاعبه فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لحرّك من هذا السرير جوانبه مخافة ربي والحياء يكفني ... وأكرم بعلي أن تنال مراكبه فقال: "أواه، وقال: لولا أنها افتتحت الكلام بالخوف وختمته4 بالخوف لأوجعتها ضرباً"، ثم دق عليها الباب، فقالت: "من يدق امرأة مغيبة؟ "، فقال: "افتحي"، فقالت: "أما والله لو علم بك أمير المؤمنين لأوجعك ضرباً"، فقال: "افتحي، أنا أمير المؤمنين"، قالت: "كذبت"، فرفع لها صوته، فلما عرفته فتحت له فقال: "لمن تذكرين؟ "، قالت: "زوجي وجهه أمير المؤمنين في غزاة كذا وكذا"، فذهب فدخل على حفصة فقال: "أي بنيه كم صبر المرأة عن زوجها؟ "، قالت: "تصبر الشهر، والشهرين والثلاثة5 في أربعة ينفذ الصبر".
وفي رواية: "أكثر ما تصبر ستة أشهر"، فجعل ذلك أجلاً"1. قلت: لهذا المعنى - والله أعلم - جعلت مدة العدة أربعة أشهر وعشراً2، وجعلت مدة الغيبة التي يجب على الرجل القدوم فيها إلى زوجته إذا طلبته ويفسخ النكاح لغيبته أربعة أشهر3. وعن أحمد رواية أخرى: ستة أشهر، وجعلت مدة الإيلاء أربعة أشهر، وما أشبه ذلك4. وعن أسلم5 قال: "بينا أنا مع عمر بن الخطاب، وهو يعس بالمدينة إذ عيي، فاتكأ على جانب جدار جوف الليل، وإذا امرأة تقول لابنتها: "يا بنتاه، قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه6 بالماء"، قالت: "يا أماه أو ما7 علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين؟ "، قالت: "وما كان من عزمته يا بنية؟ "، قالت: "إنه أمر مناديه فنادى: لا يشاب اللبن بالماء"، فقالت لها: "يا بنية قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء
فإنك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر"، فقالت الصبية: "والله ما كنت لأطيعه في الملا وأعصيه في الخلا"، وعمر يسمع كل ذلك. فقال: "يا أسلم اعلم الباب واعرف الموضع. ثم مضى في عسسه، فلما أصبح قال: "يا أسلم امض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها، وهل لهم بعل؟ "، فأتيت الموضع فنظرت فإذا الجارية أيم لا بعل لها، وإذا تيك أمها وإذا ليس لها رجل، فأتيت عمر فأخبرته، فدعى ولده فجمعهم، فقال: "هل فيكم من يحتاج إلى امرأة فأزوجه؟ "، ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية". فقال عبد الله: "لي زوجة". وقال عبد الرحمن: "لي زوجة"، وقال عاصم1: "يا أبتاه لا زوجة لي، فزوجني". فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم فولدت له بنتاً، وولدت البنت بنتاً، وولدت البنت عمر بن عبد العزيز، - رحمه الله تعالى -"2. قال بعضهم: هكذا وقع في رواية، وهو غلط، وإنما الصواب: فولدت لعاصم بنتاً، وولدت البنت عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -3. وعن أنس بن مالك، قال: "بينا عمر رضي الله عنه يعس بالمدينة / [48 / ب] إذ مرّ برحبة4 من رحابها فإذا هو بيت من شعر لم يكن بالأمس، فدنا منه فسمع أنين امرأة، ورأى رجلاً قاعداً فدنا منه فسلم عليه، ثم قال: "من الرجل؟ "، فقال: "رجل من أهل البادية جئت إلى أمير المؤمنين أصيب فضله"، فقال: "ما هذا الصوت الذي أسمعه في البيت؟ "، قال: "انطلق يرحمك
الله لحاجتك"، قال: "على ذاك ما هو؟ "، قال: "امرأة تمخض"، قال: "عندها أحد؟ "، قال: فانطلق حتى أتي منزله، فقال لامرأته أم كلثوم بنت عليّ - رضي الله عنها -: "هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ "، قالت: "ما هو؟ "، قال: امرأة غريبة تمخض ليس عندها أحد. قالت: "نعم. إن شئت". قال: "فخذي معك ما يصلح المرأة لولادتها من الخرق والدهن، وجيئيني ببرمَة1 وشحم وحبوب"، قال: فجات به، فقال: "انطلقي"، وحمل البرمة، ومشت خلفه حتى انتهى إلى البيت، فقال لها: "ادخلي إلى المرأة"، وجاء حتى قعد إلى الرجل فقال له: "أوقد لي ناراً"، ففعل، فأوقد تحت البُرمة حتى أنضجها، وولدت المرأة، فقالت امرأة: "يا أمير المؤمنين، بشّر صاحبك بغلام"، فلما سمع يا أمير المؤمين كأنه هابه فجعل يتنحى عنه، فقال له: "مكانك كما أنت"، فحمل البُرمة فوضعتها على الباب، ثم قال: "اشبعيها"، ففعلت، ثم أخرجت البرمة فوضعتها على الباب، فقام عمر رضي الله عنه فأخذها فوضعها بين يدي الرجل، وقال: "كُلْ وكُلْ قد سهرت من الليل"، ففعل ثم قال لامرأته: "اخرجي، وقال للرجل، إذا كان غداً فاتنا نأمر لك بما يصلحك"، ففعل الرجل فأجاره وأعطاه"2. وعن عبد الله بن بريدة الأسلمي، قال: "بينما عمر بن الخطاب يعس ذات ليلة فإذا امرأة تقول: هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج3
فلما أصبح سأل عنه فإذا هو من بني سُليم، فأرسل إليه فإذا هو أحسن النّاس شعراً وأصبحهم وجهاً، فأمر عمر أن يُطمّ1 شعره ففعل، فخرجت جبهته فازداد حسناً، فأمره عمر أن يعتَمّ ففعل، فازداد حسناً، فقال عمر: "لا والذي نفسي بيده لا يجامعني بأرض أنا بها، فأمر له بما يصلحه وسيّره إلى البصرة"2. وروي أن عمر رضي الله عنه بينما هو ذات ليلة يطوف في سكة من سكاك3 المدينة، سمع امرأة وهي تهتف من خِدرها4 وتقول: هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج إلى فتىً ماجد الأعراق مُقتبلٍ ... سهلِ المُحيّا كريم غير مِلجاج5 فقال عمر: "لا أرى معي في المصر رجلاً تهتف به العواتق6 في خدورهن، عليّ بنصر بن حجاج فأتي به، فإذا هو أحسن الناس وجهاً وأحسنهم شعراً، فقال: عليّ بالحجام فجزّ شعره فخرجت / [49 / أ]
وجنتان1 كأنهما شقتا قمر، فقال: اعتم فاعتم فافتتن الناس، فقال عمر: والله لا تساكني في بلد أنا فيه"، قال: "ولِمَ ذلك يا أمير المؤمنين؟ "، قال: "هو ما قلت لك"، فسيّره إلى البصرة وخشيت المرأة التي سمع عمر أن يبدر لها بشيء، فدست إليه أبياتاً تقول فيها: قل للإمام الذي تُخشى بوادرُهُ ... ما لي وللخمر أو نصر بن حجاج إني غنيت أبا حفص بغيرهما ... شرب الحليب وطرف فاتر ساج2 إن الهوى زمّه3 التقوى فقيده ... حتى أقرّ بإلجام4 وإسرج5 لا تجعل الظنّ حقاً لا تبيّنه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي فبعث إليها عمر رضي الله عنه: "قد بلغني عنك خيراً، وإني لا أخرجه من أجلك، ولكن بلغني أنه يدخل على النساء فلست آمنهن، وبكى عمر وقال: الحمد الذي قيد الهوى بإلجام وإسراج"، ثم إن عمر كتب إلى عامله بالبصرة كتاباً فمكث الرسول عنده أياماً ثم نادى منادياً6: ألا إن بريد المسلمين يريد [أن] 7 يخرج فمن كانت له حاجة فليكتب. فكتب نصر بن حجاج كتاباً ودسه في الكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين، سلام عليك، أما بعد:
لعمري1 لئن سيّرتني وفضحتني ... وما نلته مني عليك حرام فأصحبت منفياً على غير ريبة ... وقد كان لي بالمكّتين مقام أإن غنت الذلفاء يوماً بمنية ... وبعض أمانيّ النساء غرام ظننت بي الظن الذي ليس بعده ... بقاءٌ فما لي في النّديّ كلام ويمنعني مما تظن تكرّمي ... وآباء صدق سالفون كرام ويمنعها مما تظن صلاتُها ... وحالٌ لها في قومِها وصيام فهذان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جُبّ منّي كاهل2 وسنام3 قال عمر: "أما ولي سلطان فلا"، فما رجع إلى المدنية إلا بعد وفاة عمر رضي الله عنه، - ويقال: إن المتمنية هي أم الحجاج4 - وطال مكث نصر بالبصرة، فخرجت أمه يوماً بين الأذان والإقامة معترضة، فإذا عمر قد خرج في إزار ورداء وبيده الدرة فقالت: "يا أمير المؤمنين، والله لأقفن أنا وأنت بين يدي الله عزوجل وليحاسبك الله تعالى، يبيت عبد الله إلى جنبك وعاصم، وبيني وبين ابنِي الجبال والفيافي5 والأودية، فقال عمر: إن بنيّ لم
تهتف بهما العواتق في خدورهن"1. وعن عبد الله بن بريدة: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يعس المدينة فإذا هو بنسوة يتحدثن فإذا هن يقلن: "أي أهل المدينة أصبح؟ "، فقالت امرأة منهن / [49 / ب] : أبو ذئب2 فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو من بني سليم، فأرسل إليه فإذا هو من أصبح الناس فلما نظر عمر إليه، قال: "أنت والله ذئبهن3 مرتين أو ثلاثاً، ولا والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها"، قال له: "إن كنت لا بد مسيّري فسيّرني حيث سيّرت ابن عمي". فأمر له بما يصلح وسيّره البصرة"4. وعن أبي سعيد5 قال: "كان عمر رضي الله عنه يعس في المسجد بعد العشاء الآخرة، فلا يدع أحداً إلا أخرجه إلا رجل قائماً يصلي، فمرّ ذات ليلة على نفر جلوس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من أنتم؟ "، فقال أبي: "نفر من أهلك، يا أمير المؤمنين"، قال: "ما خلفكم بعد الصلاة؟ "، قال أبي: "إنا جلسنا لنذكر الله عزوجل"، قال: "فجلس معهم، ثم قال لأدناهم منه رجلاً: خذ، قال: فدعا ثم استقرأهم رجلاً رجلاً يدعون حتى انتهى إليّ، وأني جانبه، فقال لي: "ادع"، فحصرت وأخذتني الرّعدة - أفكل6 - حتى جعل يجد مسجد الأمير ذلك، فقال: "لو
أنك تقول: "اللهم اغفر لنا اللهم ارحمنا"، قال: ثم أخذ عمر يدعو، فما كان في القوم أكثر دمعة ولا أشد بكاء منه، ثم قال: لهم: إيهاً الآن تفرقوا"1. وعن جعفر بن زيد العبدي2، قال: "خرج عمر رضي الله عنه يعس المدينة ذات ليلة فمرّ بدار رجل من الأنصار فوافقه قائماً يصلي فوقف يسمع قراءته، فقرأ: {وَالطُّورِ} ، حتى بلغ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَّا لَهُ مِنْ دَافِع} ، [الطور: 1-8] ، فقال: "قم ورب الكعبة حقّ". ونزل عمر عن حماره فاستند إلى حائطه، فمكث ملياً، ثم رجع إلى منزله، فمرض شهراً يعوده3 الناس لا يدرون ما مرضه"4. وذكر أبو القاسم عن السدي5 قال: "خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإذا هو بضوء ونار، ومعه عبد الله بن مسعود، قال: فاتبع الضوء حتى دخل داراً فإذا سراج في بيت فدخل وذلك في جوف الليل، فإذا شيخ جالس وبين يديه شراب وقينة تغنيه، فلم يشعر حتى هجم عليه، فقال عمر: "ما رأيت كالليلة منظراً أقبح من شيخ ينتظر أجله"، قال: فرفع الشيخ رأسه فقال: "بلى يا أمير المؤمنين، ما صنعت أنت أقبح، إنّك تجسست وقد نهي عن التجسس، ودخلت بغير إذن"، فقال عمر: "صدقت"، ثم خرج
عاضاً على يديه يبكي، وقال: ثكلت عمر أمه إن لم يغفر له ربه، هذا كان يستخفي بهذا من أهله فيقول الآن: رآني عمر فيتتابع فيه". قال: وهجر الشيخ مجالس عمر حيناً فبينا عمر بعد ذلك بحين جالس إذا هو به قد جاء شبه المستخفي حتى جلس في آخريات الناس، فرآه عمر / [50 / أ] فقال: "عليّ بهذا الشيخ"، فأتي فقيل له: "أجب"، فقام وهو يرى أن عمر سيؤنبه بما رأى منه، فقال له عمر: "ادن مني"، فما زال يدنيه حتى جلس بجنبه، فقال: "ادن مني أذنك"، فالتقم أذنه، فقال: "أما والذي بعث محمّداً بالحق رسولاً ما أخبرت أحداً من الناس بما رأيت منك ولا ابن مسعود، وكان معي"، فقال: "يا أمير المؤمنين! ادن مني أذنك"، فالتقم أذنه، فقال: "ولا أنا والذي بعث محمّداً صلى الله عليه وسلم بالحق رسولاً عدت إليه حتى جلست مجلسي هذا"، فرفع عمر صوته فكبر ما يدي الناس من أي شيء يكبّر"1. وذكر ابن الجوزي في (التبصرة) ، وفي (سير عمر) ، القصة المتقدمة حيث ثابت2 عن أنس3 قال: "بينما عمر يعس المدينة إذ مرّ برحبة من رحابها، فإذا هو ببيت من شعر، فدنا منه فسمع أنين امرأة، ورأى رجلاً قاعداً فدنا منه فسلم عيله، ثم قال: "من الرجل؟ "، فقال: "رجل من أهل البادية جئت إلى أمير المؤمنين أصيب من فضله"، قال: "فما هذا الصوت في البيت؟ "، قال: "امرأة تمخض"، قال: "هل عندها أحد؟ "، قال: "لا"، قال: فانطلق حتى أتى منزله، فقال لامرأته أم كلثوم بنت عليّ: "هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ "قالت:
"وما هو؟ "، قال: "امرأة غريبة تمخض ليس عندها أحد"، قالت: "نعم. إن شئت". وذكر باقي القصة1. ومعنى تمخض: أي: حضرها المخاض، وهو النفاس والولادة. قال الله عزوجل: {فَأَجَاءَهَا المُخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} ، [مريم: 23] ، أي: الولادة، وسمّي بذلك - والله أعلم -: من المخض؛ وهو شدة الحركة والانزعاج من داخل وخارج. ومنه مخض اللبن، وهو حركة إنائه من خارج وحركة ما فيه من داخل2، وقد يكون من الخوض، إذ هي تخوض في دمها والأوّل أظهر. والعَسُّ: هو الذهاب بالليل3 لينظر ما عليه الناس، يقال: عَسَّ فهو عاسٌّ4. والعَسُّ: المشي وفي الحديث " كرهت أن أخرجكم تعسون "5. والعسّ بالضم: القدح ومنه الحديث:"أتي بعسّ من لبن"6. والعَسُّ: الدّخول أيضاً، وكذلك عَسْعَسَ، قال الله عزوجل: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَس} ، [التكوير: 17] ، أي: أظلم وجنّ، والمعنى: دخل7.
والعَسَسُ: هم1 الذين يعسون2. [و] 3 يستعمل بعض الناس العسّ فيمن مشى لا يبالي بما مشى عليه من طين، أو شوك، أو نار، ونحو ذلك، ويقال لمن فعل ذلك: أتى يعسّ عساً؛ أي: لا يبالي به4. والله أعلم. / [50 / ب] .
المجلد الثاني
المجلد الثاني الباب الحادي والأربعون: غزواته مع الرسول وإنفاذه إياه في سرية ... الباب الحادي والأربعون: في ذكر غزواته مع الرسول وإنفاذه إياه في سرية في صحيح البخاري في تسمية من شهد بدراً عمر بن الخطاب العَدَوي، وفيه أحاديث كثيرة تدل على أنه شهدها1. وفي الصحيح ما يدل على أنه شهد أحداً، وهو حديث أبي سفيان لما قدم فقال: "أفي القوم ابن أبي قحافة؟ "، قال: "لا تجيبوه"، قال: "أفي القوم ابن الخطاب؟ "، فقال: "إن هؤلاء قتلوا فلو كانوا أحياءً لأجابوا فلم يملك عمر نفسه، قال: "كذبت يا عدو الله، وأبقى الله لك ما يخزيك"2. وفيهما ما يدل على أنه شهد الخندق ففيها عن جابر بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسُبُّ كفّار قريش، وقال: "يا رسول الله ما كِدْتُ أن أُصلِّي حتى كادت الشمس تغرب"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأنا والله ما صليتُها"، فنَزَلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بُطحَان3، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربتالشمس، ثم صلى بعدها المغرب"4.
وفيها ما يدل على أنه شهد غزوة ذات الرقاع1، ففيهما عن سالم ابن عبد الله2 بن عمر عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفين، والطائفة الأخرى مواجهة العدوّ، ثم انصرفوا فقاموا في مقام أصحابهم أولئك، فجاء أولئك، فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم، ثم قام هؤلاء فقضوا ركعتهم، وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم"3. وفيهما ما يدل على أنه كان في الحديبية4 كما تقدم5. وعن زيد بن أسلم عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره، وعمر يسير معه ليلاً فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، وقال عمر: "ثكلتك أمك يا عمر! نزَّرتَ6 رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري ثم تقدّمت أمام المسلمين، وخشيت أن ينزل فيّ قرآن،
فما نشبت1 أن سمعت صارخاً يصرخ بيّ، قال: قلت: لقد خشيت أن يكون قد نزل فيّ قرآن، وجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فقال: "لقد أنزل الله عليّ الليلة سورة هي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيْناً} [الفتح: 1] 2. قال البخاري: "يستصرخني من الصراخ، استصرخني: استغاث بي، بمصرخيّ: بمغيثيّ"34. وقال ابن الأعرابي: "النّزر: الإلحاح"5. ويقال: "نزره ينْزره نزراً: إذا ألح وأخرج ما عنده"6. قلت: "وهذا في غزوة الحديبية". وفي الصحيح: أنه بايع تحت الشجرة عن نافع قال: "إن الناس يتحدّثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار، يأتي به ليقاتل عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع / [51 / أ] عند الشجرة وعمر لا يدري بذلك فبايعه عبد الله ثم ذهب إلى الفرس فجاء به عمر، وعمر يستلئم للقتال. فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع تحت الشجرة، قال: فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهي التي يتحدّث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر"1. وعن ابن عمر أن الناس كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تفرّقوا في ظلال الشجر، فإذا الناس محدقون2 بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عبد الله انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فوجدهم يبايعون، فبايع، ثم رجع إلى عمر، فخرج فبايع، هذا لفظ البخاري3. وفي الصحيح مايدل أنه كان في غز وة حنين 4 ففيه عن ابن عمر قال: "لما قفلنا من حُنين، سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن نذرٍ كان نذره في الجاهلية، اعتكاف، فأمره5 النبي صلى الله عليه وسلم بوفائه"6. وعن أبي قتادة7 قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين، فضربته من ورائه على حبل عاتقه8 بسيف9 فقطعت الدِّرْعَ
وأقبل علي فضمني ضمَّة وجدت منها ريح الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ قال: "أمر الله"، ثم رجعوا فجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل رجلاً له عليه بينة فله سلبه"، فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مثله، فقمت، فقال: "ما لك يا أبا قتادة؟ "، فأخبرته، فقال رجل: "صدق وسلبُه عندي، فأرضه مني"، فقال أبو بكر: "لاَهَا الله، إذاً لا يعمِد إلى أسد من أسد الله، يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق فأعطه"، فأعطانيه، فابتعت به مخرافاً1 في بني سلمة2، وإنه لأوّل مال تأثَّلتُه3 في الإسلام"4. ومن طريق آخر: "نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين وآخر من المشركين يختلُهُ من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختلُهُ5، فرفع يده ليضربني، فأضرب يده فقطعتها، ثم أخذني فضمني ضماًَ شديداً حتى تخوفت، ثم ترك، فتحلل6، ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون، وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: "أمر الله"، ثم تراجع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه"، فقمت لألتمس بينة على قتيلي، فلم أرَ أحداً يشهد لي،
فجلست، ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من جُلسائه: "سلاح هذا القتيل الذي1 يذكر عندي، فأرضه مني"، فقال أبو بكر: "كلا، لا يعطيه2 أُصَيْبغ3 من قريش، ويدع أسداً من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله"، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدّاه إليّ، فاشتريت منه خرافاً، كان أوّل مالٍ تأثلته في الإسلام"4. وفيه ما يدل على أنه كان في غزوة الطائف. ففيه صفوان بن يعلى5 أن يعلى6 كان يقول: "ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل7 عليه، قال: فبينا النبي صلى الله عليه وسلم بالجِعْرَانة8، وعليه ثوب قد أظلّ به، معه ناس من أصحابه، إذ جاءه أعرابي عليه جُبَّة متضمِّخ9 بطيب، فقال: "يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ
بالطيب؟ "، فأشار عمر إلى يعلى بيده: أن تعالَ، فجاء يعلى فإذا النبي صلى الله عليه وسلم مُحْمَرّ الوجه، يغط1 كذلك ساعة، ثم سرِّي عنه قال: "أين الذي يسألني عن العمرة آنفاً؟ "، فالتمس الرجل فأتي به، فقال: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبّة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك" 2، 3. قال ابن الجوزي: "اتفق العلماء على أن عمر رضي الله عنه شهد بدراً، وأحداً، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يغب عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم"4. وعن ابن سعد5، قال: "قالوا - يعني العلماء بالسير - شهد عمر رضي الله عنه بدراً، وأحداً، والمشاهد كلها"6. فأما خروجه في السرية بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تُربة. قال ابن سعد: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب إلى تربة في شعبان سنة سبع من مهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين رجلاً إلى عُجز7 هوازن بتربة - وهي بناحية العبلاء8، على أربع مراحل من
مكة1 -، فخرج، وخرج معه دليل من بني هلال2، فكان يسير الليل ويكمن النهار، فأتى الخبر هوازن فهربوا، وجاء عمر محالهم فلم يلق منهم أحداً، فانصرف راجعاً إلى المدينة رضي الله عنه"3. وفي الصحيح عن طارق بن شهاب4، أن ناساً5 من اليهود قالوا: "لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً"، فقال: "عمر: أية آية؟ "، فقالوا: {اليَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيْناً} ، [المائدة: 3] ، فقال عمر: "إني لأعلم أيّ مكان أُنزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة"6. وفي مسند الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب أنه قال: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوتين في شهر رمضان يوم بدر، ويوم الفتح، فأفطرنا فيهما"7. وفي مسند الروياني8 عن بريدة الأسلمي قال: "لما كان بحيث نزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة أهل خيبر أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواءَ1 عمر بن الخطاب، فنهض معه من نهض معه من الناس، فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يجبنه أصحابه وجبنهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأعطين اللواء غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، فلما كان غداً تصدّر2 لها أبو بكر، وعمر، فدعا عليّاً، وهو أرمد3 فتفل في عينيه وأعطاه اللواء، ونهض معه من الناس من نهض، قال: فتلقى أهل خيبر فإذا مرحب يرجز ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب ... شاك السلاح بطل مجرب أطعن أحياناً وحيناً أضرب ... إذ الليوث أقبلت تلهب فاختلف هو وعليّ - رضي الله عنه - فضربه عليّ على هامته حتى عض السيف منه بيض4 رأسه، وسمع أهل العسكر صوت ضربته، فما تتام آخر الناس مع عليّ حتى فتح الله لهم، وله"5. / [51/ ب] 6.
الباب الثاني والأربعون: غزواته بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وفتوحه
الباب الثاني والأربعون: غزواته بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وفتوحه ... الباب الثاني والأربعون: في غزواته بعد الرسول وفتوحه في الصحيحين عن جُبير بن حية1، قال: "بعث عمر [الناس] 2 في أفناء3 الأمصار يقاتلون المشركين، فأسلم الهرمزان4، فقال: "إنّي مستشيرك في مغازيّ هذه "قال: "نعم، مثلها ومثل من فيها من الناس من عدوّ المسلمين مثل طائر له رأس، وله جناحان، وله رجلان، فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرّجلان بجناحٍ والرّأس، فإن كسر جناح الآخر نهضت الرّجلان والرّأس، فإن شُدخَ5 الرّأس، ذهبت الرّجلان، والجناحان والرأس، فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس، فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى "قال: "فندبنا عمر، واستعمل علينا النعمان ابن مقرن6، حتى إذا كنا بأرض العدوّ خرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفاً، فقام الترجمان فقال: "ليكلمني رجل منكم" فقال المغيرة7: "سل عما شئت" فقال: "ما أنتم"؟
قال: "نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد [وبلاءٍ شديدٍ] 1 نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر، والحجر، فبينما نحن كذلك إذ بعث رب السموات ورب الأرضين إلينا نبياً من أنفسنا نعرف أباه وأمّه، فأمرنا رسول ربّنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية وأخبرنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربّنا: أنّه من قتل منا صار إلى الجنّة في نعيم ولم ير مثلها قط، ومن بقي منا ملك رقابكم". فقال النعمان: "ربما أشهدك الله مثلها مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يندمك ولم يخزك، ولكني شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح، وتحضر الصلوات"2. وعن محمد بن عبد الله بن سواد3، وطلحة بن الأعلم4، وزياد بن سرجس الأحمري5، بإسنادهم قالوا: "أول ما عمل به عمر رضي الله عنه أن ندب الناس مع المثنى بن حارثة الشيباني6 إلى فارس قبل صلاة الفجر، من الليلة التي مات فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم أصبح فبايع الناس، وعاد فندب الناس إلى فارس فندبهم ثلاثاً كلّ يوم، فلا ينتدب أحد، وكان وجه فارس من أكره الوجوه وأثقلها عليهم، لشدة سلطانهم
وشوكتهم، / [52 / ب] فلما كان اليوم1 الرابع، عاد فندب الناس، فكان أوّل من انتدب أبو عُبيد بن مسعود23، أجابه في اليوم الرابع أوّل الناس فانتخب عمر من أهل المدينة ومن حولها ألف رجل، وأمّر عليهم أبا عبيد، فقيل له: "استعمل عليهم رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقال: "لاها الله4، آذن لكم يا أصحاب النبي أندبكم فتنكلون، وينتدب غيركم بل أؤمر عليكم أولكم، إنما فضلتموهم بتسرعكم إلى أمثال". ثم بعث إلى أهل نجران، ثم ندب5 أهل الرّدّة، فأقبلوا سراعاً، فر [مى] 6 بهم العراق، والشام، وكتب إلى أهل اليرموك7: بأن عليكم أبا عبيدة بن الجراح، وكتب إليه رضي الله عنه إنك على الناس، فإن أظفركم الله بهم فاصرف أهل العراق إلى العراق، فكان أوّل فتح أتاه اليرموك على عشرين ليلة من متوفى أبي بكر رضي الله عنه"8. وعن عمر بن عبد العزيز9 رضي الله عنه: قال: "لما انتهى قتل
أبي عبيد - رحمه الله - إلى عمر، واجتماع1 أهل فارس على رجل من آل كسرى، نادى في المهاجرين والأنصار، وخرج حتى أتي2 صِرار، وقدّم طلحة بن عبيد الله، وسمى لميمنته عبد الرحمن بن عوف، ولميسرته الزبير بن العوام، واستخلف عليّاً رضي الله عنه على المدينة، واستشار الناس فكلهم أشاروا عليه بالمسير إلى فارس، فنهاه عبد الرحمن وقال: "إن يُهزم جيشك فليس كهزيمتك"، وأشار عليه بسعد3 فذهب إلى القادسية4، وعاد إلى المدائن ففتحها"5. وعن قيس العجلي6، قال: "لما قُدم بسيف كسرى ومنطقته7 إلى عمر رضي الله عنه قال: "إن قوماً أدوا هذا لذوو8 أمانة"، قال عليّ رضي الله عنه: "إنك عتفت فعفت الرعية"9.
قال ابن الجوزي: "وفي أيام عمر رضي الله عنه مصرت الأمصار: البصرة، وفتحت الأهواز، ورامَهُرْمُزَ1، وتستر، والسوس2، وجُنْديْسابُور3، وخراسان، وخُوْز4، واصطخر، وفَسَا5، ودار ابْجرد6، وهي التي تولاها سارية بن زنيم7، وقال على المنبر: "يا سارية الجبل"، وكرِمَان وسجستان، ومُكرَان، وحمص، وقِنَّسرين"8. وعن محمّد بن بكار9 قال: "قرئ على أبي معشر10 قال: "بويع لعمر رضي الله عنه وكانت وقعة فحل1112، ويقال بكسر الحاء، في ذي القعدة على رأس خمسة أشهر من خلافته، وحج بالناس عبد الرحمن
ابن عوف رضي الله عنه في سنة ثلاث عشرة، وكان فتح دمشق في رجب سنة أربع عشرة1، وحج عمر سنة أربع عشرة، ثم نزع خالد بن الوليد رضي الله عنه وأمر أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وكانت عَمَواس2 الجابية3 في سنة ست عشرة، وحجّ فيها عمر رضي الله عنه / [53 / أ] ثم كانت سرغ في سنة4 سبع عشرة’ وحجّ [فيها] 5 عمر، وكان الرمادة في سنة ثمان عشرة، وفيها طاعون عَمَواس، وفيها حجّ عمر رضي الله عنه ثم كان فتوح جَلولاء6 في سنة تسع عشرة7 وأميرها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ثم كانت
قيسارية في ذلك العام، وأميرها معاوية1، 2، وحجّ عمر سنة تسع عشرة، ثم فتح مصر في سنة عشرين، وأميرها عمرو3 بن العاص4، وحجّ فيها عمر رضي الله عنه [ثم وقعة نهاوند5 سنة إحدى وعشرين] 6 وأميرها النعمان بن مقرن رضي الله عنه، ثم كانت أذربيجان سنة اثنتين وعشرين7 وأميرها المغيرة بن شعبة، وحجّ عمر، وكانت اصطخر الأولى وهمذان في سنة ثلاث وعشرين8 وحجّ فيها عمر"9. وعن الحسن10 - رحمه الله - قال: "ومصر الأمصار عمر: المدينة،
والبحرين، والبصرة، والكوفة، والجزيرة، والشام"1. وقال أبو عبد الله محمّد بن سلامة2 في كتابه: (عيون المعارف) : "كانت في أيامه فتوح الأمصار؛ منها: دمشق فتحت صلحاً، على يد أبي عبيدة وخالد بن الوليد، وبيسان3، وطبرية4، وقيسارية، وفلسطين، وعسقلان، وسار بنفسه ففتح بيت المقدس صلحاً، وفتحت أيضاً بَعْلبك، وحمص، وحلب، وقنسرين، وأنطاكية، والرّقّة5، وحران، والموصل، والجزيرة، ونصيبين، وآمد6، والرّها، وفتحت القادسية، والمدائن على يد سعد بن أبي وقاص، وزال ملك الفرس، وانهزم يزدجرد ملك الفرس، ولجأ إلى فرغانة، والترك، وفتحت أيضاً كور دجلة، والأبلّة7 على يد عتبة بن غزوان، وفتحت كور الأهواز على يد أبي موسى الأشعري، وفتحت أيضاً نهاوند، واصطخر، وتُستر، والسوس، وأذريبجان، وبعض أعمال خراسان، وفتحت مصر على يد عمرو بن العاص غرة محرم سنة عشرين، وفتح عمرو8 أيضاً الإسكندرية، وأنطابُلس9 - وهي برقة وطرابلس المغرب -، وفي
أيامه. . . 1 فتوح الشام ومسالحها. . . 2، وهو الذي سمي الغزوات الشواتي3 والصوائف4، وفي أيامه غزا معاوية5 الروم حتى بلغ غوربه6، وفي أيامه مصرت البصرة سنة سبع عشرة باختلاف7، ومصرت الكوفة. . . 8، سعد بن أبي وقاص، وفيها كان عام الرمادة سنة ثمان عشرة، فاستسقى بالعباس رضي الله عنه فسقي، وفيها كان طاعون عَمَواس مات فيه خمسة وعشرون ألفاً، منهم أبو عبيدة، ومعاذ، وذلك في سنة ثمان عشرة"9. ونحن نذكر ما وقع على مقتضى ما ذكره ابن كثير10 وغيره من أهل التاريخ: لما توفي الصديق في سنة ثلاث عشرة استخلف عمر، فكان11 مما وقع في هذه السنة: وقعة المثنى بن حارثة في العراق، بعد مسير خالد إلى
الشام بأمر الصديق على الصحيح1، ووهم من قال: "إن عمر هو الذي بعثه بعد موت الصديق"2. وذلك أن خالداً لما سار إلى الشام، استغنم الفرس غيبت3 خالد، واجتمعوا بعد مقتل ملكهم وابنه وبعثوا / [53 / ب] إلى المثنى جيشاً نحواً من عشرة آلاف، وكتب شهرياز4 إليه: "إني قد بعثت إليك جنداً من أوخش5 أهل فرس، إنما هم رعاة الدجاج والخنازير، ولست أقاتلك إلا بهم". فكتب المثنى "إنما أنت أحد رجلين إما باغ فذلك شرّ لك، وخير لنا، وإما كاذب6 فأعظم الكذابين عقوبة وفضيحة عند الله في الناس الملك الكاذب، وأما الذي ذكرت أنك تقاتلنا بهم من الرعاة فإنا نرى أنكم قد اضطررتم إليهم، فالحمد لله الذي ردّ كيدكم إلى رعاة الدجاج والخنازير، وأحوجكم إليهم". فلامه فارس7 على كتابه ذلك، ثم واقعوه فظفر المثنى بهم، ثم استخلف على العراق، وسار إلى المدينة؛ لأنه كان قد استبطأ خبر الصديق، لأنه مشتغل بأهل الشام عنه، فوجد الصديق في السياق وعهد إلى عمر بن الخطاب فقال لعمر: "إذا أنا مِت فاندب الناس إلى الجهاد بأرض العراق مع المثنى، وصلة لمن بقي من المقاتلة بعد ذهاب خالد عنها"8.
ومن ذلك وقعة اليرموك، واختلفوا فيها: فقيل: كانت في خلافة عمر سنة خمس عشرة1. وقيل: بل كانت في خلافة الصديق، وبعضها وقع في خلافة عمر، وأن البريد أتاهم في نفس حربها بموت الصديق، وتوليه عمر، وعزله خالداً عن الإمرة، وتولية أبي عبيدة بن الجراح2. وقد ذكرنا صفة ذلك في: (فضائل أبي بكر الصديق) ، وأن عمر أرسل إلى أبي عبيدة إن كذّب خالد نفسه فقرّه على الإمرة، وإلا فاخلعه وقاسمه3 ماله نصفين، فقال لخالد، فقال: "استشير أختي"، فاستشارها، فقالت له: "إن عمر لا يحبك، وإنه سيعزلك وإن كذبت نفسك"، فخرج وخلع نفسه فقاسمه ماله كله، وهو يقول: "سمعاً وطاعةً لأمير المؤمنين"، حتى أخذ نعله الواحدة4. حتى نزل مرج الصُّفرّ5، وعزم على / [54 / أ] قتال أهل دمشق ثم سار أبو عبيدة فاجتمع من الروم بفحل من أرض الغور، فكتب إلى الفاروق بأيهما يبدأ، فكتب إليه: [أن] 6 يبدأ بدمشق، ويرسل جيشاً إلى أولئك
ليشغلهم عنه. فبعث إليهم أحد عشر أميراً فقتلوهم وغنموهم، وكان سار هو إلى دمشق فنزل على باب الجابية، ونزل خالد على باب شرقي، فاتفق أنه ولد لبطريقهم ولد فجمعهم وسقاهم الخمر، فاشتغلوا عن الرصد1، ففطن لها خالد فجاء إلى الخندق هو وجماعة من أصحابه فقطعه سباحة بالقرب، وطلع على السور ونصب سلاليم2 حبال من شرفات3 السور إلى ظاهر الخندق، وكان قال لأصحابه: "إذا سمعتم تكبيرنا على السور فتعالوا حتى تصعدوا إلينا"، فلما علاه كبّر، فجاء أصحابه، وصعدوا في السلاليم4، ثم هبطوا بالتكبير إلى البوابين فقتلوهم وقطعوا أغاليق5 الباب بالسيوف، ودخل الجيش، وجعلوا يقتلون من أتاهم، حتى انتهوا إلى نصف البلد، فسألوا عن أمير الجيش فدلوا على أبي عبيدة فذهبوا إليه فصالحوه، وأدخلوه6 من باب الجابية، وكانوا قبل ذلك يأبون عليه الصلح، فدخل معهم بمن معه حتى انتهى إلى النصف، فوجد خالداً وأصحابه يقتلون من وجدوا، فقال لهم: "إنا أمناهم فَلِمَ تقتلوهم؟ "، فقال خالد: "بل أنا فتحتها عنوة معهم الآن". ثم أقر على الصلح، وكفّ خالد ومن معه عن القتل7.
وقيل: إن أبا عبيدة لم يعلم خالداً بعزله حتى فتحت دمشق1. ثم بعث أبو عبيدة خالداً إلى البِقاع2 ففتحها3 بالسيف4، وبعث دحية بن خليفة إلى تدمر، وأبا الزهراء5 إلى البثينّة6 وحوران، فصالح أهلها، ثم صالح أهل حمص7، وفتح شرحبيل8 الأردن كلها عنوة خلا طبرية فصلحاً، وصالح أهل بعلبك9. وقيل: إن فتح هذه البلاد كان فيما بعد هذه السنة10. فالله أعلم. ولما مات الصديق ندب عمر الناس لغزو العراق ثلاثة أيام، ولم يقم أحد، فلما كان اليوم الرابع كان أوّل من انتدب أبو عبيد بن مسعود الثقفي، ثم تتابع / [54 / ب] الناس، فأمر عمر طائفة من أهل المدينة، وأمر على الجميع أبا عبيدة، ولم يكن صحابياً، فقيل لعمر: هلا أمرت رجلاً من الصحابة، فقال: إنما أُمر أوّل من استجاب إنما سبقتم الناس بنصرة هذا الدين،
ثم وصاه بنفسه وبمن معه من المسلمين، وأمره أن يستشير الصحابة فصار إلى أرض العراق في سبعة آلاف1وكتب عمر إلى أبي عبيدة: أن يوجه أصحاب خالد الذين قدموا إلى العراق. فجهز أبو عبيدة إلى العراق عشرة آلاف، وأمّر عليهم هاشم بن عتبة2، 3. وأرسل عمر جرير بن عبد الله البجلي4 في أربعة آلاف، فقدمالكوفة، ثم خرج منها فواقع هرمزان5 على المدار6 فقتله. وانهزم جيشه وغرق أكثرهم، فلما وصل الناس إلى العراق وجدوا الفرس ولوا رستماً، فكانت وقعة النمارق، بعث رستم أميراً بعسكر فالتقوا مع أبي عبيد بمكان يقال له: النمارق7 بين الحيرة8، والقادسية، فهزموهم وقتلوهم، وغنموهم9. ثم كانت وقعة جِسر10 أبي عبيد، اجتمع من الفرس خلق كثير، وساروا
إلى المسلمين عند الجسر1، ومعهم فيلة فيها جُلاجل2 فأرسلوا3 إلى المسلمين: إما تعبروا إلينا، وإما نعبر إليكم، فقال أبو عبيدة: "ما هم بأجرأ منا على الموت"، ثم اقتحم عليهم، فاجتمعوا في مكان ضيق فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يعهد مثله، والمسلمون في نحو من عشرة آلاف، وأرسل الفرس الفيلة بالجلاجل لتذعر خيول المسلمين، فجعلوا كلما حملوا على المسلمين فرت خيولهم من الفيلة، وما تسمع من الجُلاجل، ولا يثبت منها إلا القليل، وإذا حمل المسلمون لا تقدم خيولهم، ورشقتهم الفرس بالنبل فنالوا منهم خلقاً، وقتل المسلمون منهم مع ذلك ستة آلاف. وأََمَر أبو عبيد المسلمين أن يقتلوا الفيلة فاحتاشوها4 فقتلوها / [55/أ] عن آخرها، فقدمت الفرس بين أيديهم فيلاً أبيض هو أعظمها، فتقدم إليه أبو عبيد فضربه بالسيف فقطع زلقومه5 فصاح صيحة عظيمة، وحمل على أبي عبيد فتخبطه برجليه فقتله، ووقف فوقه، فحمل على الفيل خليفة أبي عبيد الذي أوصى أن يكون أميراً بعده فقتله، ثم آخر فقتله، حتى قتل سبعة من ثقيف كان نص أبو عبيد عليهم، حتى صارت إلى المثنى6 بمقتضى الوصية أيضاً، وكانت امرأة أبي عبيد رأت مناماً يدل على ما وقع، فلما رأى المسلمون ذلك وهنوا، وضعف أمرهم، وذهب ريحهم، وولوا مدبرين، وساق الفرس خلفهم فقتلوا بشراً
كثيراً، وركب الناس أمراً بليغاً، وجاءوا إلى الجسر، فمرّ بعض الناس، وانكسر الجسر، فتحكم الفرس فيمن وراءه فقتلوا من المسلمين، وغرق في الفرات1 نحواً من أربعة آلاف، فإنا2 لله وإنا إليه راجعون. وكان الناس لما انهزموا جعل بعضهم يلقي نفسه في الفرات3 فيغرق، فقال المثنى: "على هينتكم فإني واقف على فم الجسر لا أجوز حتى لا يبقى منكم أحد". فلما تعدّ الناس إلى الناحية الأخرى، سار المثنى فنزل بهم أوّل منزل، وقام يحميهم هو، وشجعان المسلمين، وقد خرج أكثرهم مذعوراً، وذهب بالخبر عبد الله بن زيد بن عاصم4، فوجد عمر على المنبر، فقال له عمر: "ما وراءك يا عبد الله بن زيد؟ "، فقال: "أتاك الخبر اليقين"، ثم صعد إليه المنبر فأخبره سراً ولم يؤنب عمر أحداً ممن رجع إلى المدينة، بل قال: "أنا أكفيهم أمرهم"5، 6. وتوفي في هذه السنة المثنى بن حارثة، وكان قد جرح يوم الجسر، فانقضَّ عليه ومات منه7.
وقيل: خالد بن سعيد1، وسعد بن عبادة2، وجماعة قتلوا قبل ذلك باليرموك، وأجنادين34، ذكرناهم في: (خلافة الصديق) . السنة الرابعة عشرة5؛ وهي الثانية من خلافته / [55 / ب] فيها أرسل عمر سعداً إلى العراق، بعد أن كان هو عزم على6 المسير إليها، فثناه الصحابة عن ذلك، وأمروه بإرسال غيره، فسار حتى قرب من العراق ومن لقاء من هناك من المسلمين، توفي أمير المسلمين هناك المثنى، فلما وصل سعد هناك تزوج امرأته7. ثم كانت غزوة القادسية، فإن سعداً سار فنزل القادسية، وبثّ سراياه وأقام بها شهراً لم ير أحداً من الفرس، وجعلت السرايا تأتي بالميرة من كل مكان، فعجت8 رعايا الفرس إلى يزدجر من النهب والسبي، وقالوا: "إن لم تنجدونا وتقاتلوا عنا وإلا سلمنا بأيدينا وسلمنا الحصون". فاجتمع رأي الفرس إلى إرسال رستم، فأمّره يزدجر على الجيش، فلما قرب من جيش المسلمين بعث يطلب رجلاً عاقلاً يسأله، فبعث إليه سعد المغيرة بن شعبة،
فلما قدم عليه، قال له: "أنتم جيراننا، ونحن نحسن إليكم، ونكفّ الأذى عنكم، فارجعوا إلى بلادكم، ونحن لا نمنع تجاركم من دخول بلادنا". فقال له المغيرة: "إنا لسنا نطلب الدنيا، وإنما نطلب الآخرة". في كلام طويل. ثم بعث إليه رسولاً آخر وهو ربعي بن عامر1 فأجاد وحسن الكلام. ثم طلبوا في اليوم الثاني [رجلاً] 2 فبعث سعد حذيفة بن محصن3، ثم طلبوا4 في اليوم الثالث فأرسل المغيرة أيضاً5. ثم كانت وقعة القادسية، فلما تواجه الصفان كان سعد قد أصابه عرق النّسا6، ودَمَامِيل7 في جسده فهو لا يستطيع الركوب، وإنما هو في قصر متكئ على صدره فوق وسادة، وهو ينظر إلى الجيش ويدبر أمره، فتقاتلوا حتى كان الليل، وقد قتل من الفريقين بشر كثير، ثم اليوم الثاني حتى أمسوا، ثم اليوم الثالث وسموا هذه / [56 / أ] الليلة: ليلة الهرير8، ولما كان اليوم الرابع اقتتلوا قتالاً شديداً، وقد قاسوا من الفيلة بسبب نفرة الخيول أمراً عظيماً، قد أباد الصحابة الفيلة ومن عليها وقلعوا عيونها بالرماح، فلما كان
وقت الزوال من هذا اليوم هبت1 ريح شديدة فرفعت خيام الفرس، وألقت سرير رستم، فبادر فركب بغلته، وهرب فأدركه المسلمون فقتلوه، وهرب الفرس، وتبعهم المسلمون يقتلون، ويأسرون، وغنموا شيئاً كثيراً لا يحد ولا يوصف، وبعثوا بالخمس والبشارة إلى عمر، وكان عمر يخرج من المدينة إلى ناحية العراق يستنشق الأخبار، فبينما هو ذات يوم إذا راكب يلوح من بعد فاستقبله عمر، فقال الراكب: فتح الله على المسلمين بالقادسية، وجعل يحدثه وهو لا يعرف عمر، وعمر ماش تحت راحلته، فلما اقترب من المدينة، جعل الناس يحيّون عمر بالإمارة، فعرف الرجل عمرَ، فقال: "يرحمك الله يا أمير المؤمنين، هلا أعلمتني"، فقال: "لا حرج عليك يا أخي"2. وكان سعد حال شدة الحرب في القصر، ولا يغلق عليه الباب لشجاعته، ولو فرّ الناس لأخذته الفرس قبضاً باليد، وعنده امرأته سلمى بنت حفص3، 4، و. . . 5 قبله امرأته المثنى، فلما فرّ بعض الخيل فزعت المرأة من ذلك، وقالت: "وامثناه، ولا مثنى لي اليوم"، فغضب سعد من ذلك، فلطم وجهها، فقالت: "أغيرة وجبناً"، تعيره بجلوسه في القصر يوم الحرب، وهذا عناد منها، فإنها أعلم الناس بعذره، وكان أبو محجن6 عند سعد في القصر
مقيد لما كان يتعاطاه من السكر، وقد حدّ فيه سبع مرات، فلما رأى الخيول تجول والفرسان قال - وكان من الشجعان الأبطال - رضي الله عنه / [56 / ب] : كفى حَزَناً أن تدحمَ1 الخيل بالقنا2 ... وأترك مشدوداً عليّ وثاقيا وقد كنتُ ذا مالٍ كثيرٍ وإخوةٍ ... فقد تركوني مفرداً لا أخا ليا ثم سأل من أم ولد سعد أن تطلقه وتعيره فرس سعد وحلف أن يرجع آخر النّهار فيضع رجله في القيد فأطلقته وركب فرس سعد، وخرج فقاتل قتالاً شديداً وجعل سعد ينظر إليه فيشبهه بأبي محجن، ويشبه الفرس بفرسه، ويشك لأنه مسجون مقيد، فلما كان آخر النهار رجع فوضع رجله في القيد، ونزل سعد فرأى فرسه يعرق وهو مكدود3، فقال: "ما هذا؟ "، فذكر له، فرضي عنه وأطلقه، وقال: "لا أحِدك أبداً"، فقال: "وأنا لا أشرب مسكراً أبداً"4. وكتب سعد5 إلى عمر يخبره بالفتح والنصر، ومن قتل من المسلمين وعدة6 من قتل من الكفار وصورة الكتاب:
"أما بعد: فإن الله نصرنا على فارس، بعد قتال طويل، وزلازل1 شداد، لم يرَ الراؤون مثلهما، فإنهم أتونا في عسكر، وعدد لم ير مثلها، فلم ينفعهم الله بذلك، بل سلبهم ذلك كله، ونفله المسلمون، واتبعهم المسلمون على الأنهار، وفجاج الطرق، يقتلونهم حيث كانوا، وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد القارئ2، وفلان وفلان، ورجال لا يعلمهم إلا الله، فإنه بهم عالم، كانوا يدوون3 بالقرآن إذا جن عليهم الليل كدوي النحل، وهم أسود في النهار بل لا تشبههم الأسود، ولم يفضل من مضى منهم من بقي إلا بفضل الشهادة إذا لم تكتب لهم". فيقال: "إن عمر قرأ هذه البشارة على الناس، ثم قال عمر للناس: "إني حريص على أن لا أرى حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجز ذلك عنا تأسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف، ولوددت أنكم علمتم من نفسي مثل الذي وقع فيها لكم، ولست ملكتكم إلا بالعمل، إني والله لست بملك فأستعبدكم، ولكني عبد الله عرض عليّ الأمانة فإن أنا أديتها ورددتها عليكم / [57 / أ] واتبعتكم حتى تشبعوا في بيوتكم وترووا4 سعدت بكم، وإن حملتها واستتبعتكم إلى بيتي شقيت بكم، ففرحت قليلاً وحزنت طويلاً، فبقيتُ لا أقال ولا أرد فأستعتب"5.
وفي هذه السنة جمع عمر الناس في التراويح على أبي بن كعب، قاله ابن جرير1 والواقدي2، وكتب إلى سائر الأمصار بذلك3. وفيها بعث عمر عتبة بن غزوان إلى البصرة، وأمره أن ينزل بها بمن معه من المسلمين، فمصرت البصرة4 في هذه السنة. فركب إليهم صاحب الفرات5 أربعة آلاف أسوار6، فالتقاه عتبة فقتلوهم عن آخرهم، وأسروا صاحب الفرات7، فقام عتبة في الناس خطيباً فقال في خطبته: "إن الدنيا قد آذنت بصُرْم8، وولّت حذّاء9، ولم يبق منها إلا صُبَابة10 كصبابة الإناء". هذا في صحيح مسلم11. وبعث عمر إليه كتاباً جليلاً عظيماً يوصيه فيه، وأرسل إلى العلاء12 يمده
بجيش1. وفي هذه السنة ضرب عمر ابنه عبيد الله في الشراب سبع مرات2، وضرب معه3 ابن أمية بن خلف4. وفيها توفي عتبة بن غزوان، وابن أم مكتوم، والمثنى بن حارثة، وأبو زيد الأنصاري5، وأبو قحافة والد الصديق6، وهند بنت عتبة7، وخلق من الصحابة8. ثم دخلت سنة خمس عشرة: قال ابن جرير وغيره: "فيها مصّر سعد الكوفة"9. وفيها كانت وقعة حمص الأولى، حصرهم المسلمون ثم كان بعد ذلك
الصلح1. وفيها كانت وقعة قِنّسرين، بعث أبو عبيدة خالدَ بن الوليد ففتحها عنوة، وقتل خلقًاً كثيراً، فلما بلغ عمر ما فعل خالد قال: "يرحم الله أبا بكر، كان أعلم بالرجال مني، والله إني لم أعزله عن ريبةٍ2، ولكن خشيت أن يوكل الناس إليه"3. [و] 4 فيها هرب هِرَقْل من الشام إلى بلاد الروم ثم سار حتى نزل القسطنطينية، واستقر بها ملكه5. وفيها كانت وقعة قَيْساريّة / [57 / ب] أمرّ عمر معاوية على قَيساريّة وكتب إليه: "أما بعد: فقد وليتك في قَيْساريّة فسر إليها واستنصر الله عليهم، وأكثر من قول: لا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم، الله ربنا وثقتنا ورجاؤنا ومولانا، فنعم المولى ونعم النصير". فسار إليها، وفتحها بعد قتال شديد6. وفيها كتب عمر إلى عمرو بن العاص بالمسير إلى إيلياء7 ومناجزة صاحبها فمر على طائفة منهم عند الرملة8، فكانت وقعة أجنادين وكان على ذلك
الجيش الأرطبون - وكان أدهى الروم - فكتب عمرو إلى عمر فلما جاءه الكتاب قال: "رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب، فانظروا عمّ تنفرج"؟ - وكان عمرو1 من الدهاة - ثم أرسل عمرو الرسل إلى أرطبون فلم يشتف بهم، فذهب إليه بنفسه كأنه رسول، فبلّغه وسمع كلامه، وتأمل حصونه، وعرف ما أراد، فلما أراد الانصراف، قال أرطبون: "إن هذا لعمرو، أو أنه الذي يأخذ عمرو برأيه، وما كنت أصيب القوم بأمرٍ هو أعظم من قتلي هذا". فدعا حرسيّا فساره، وأمره بقتله في مكان عينه له، ففطن عمرو فقال للأرطبون2: "أيها الأمير إني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي، وإني واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع هذا الوالي نشهد أموره، وإني قد أحببت أن آتيك بهم ليسمعوا كلامك". قال: "نعم. فاذهب فأتني بهم". ثمّ دعى رجلاً فساره فقال: "اذهب إلى فلان فرده" ثم جاء عمرو ودخل عسكره، ثم تحقق أرطبون أنّه عمرو فقال: "خدعني الرجل، هذا والله أدهى العرب" وبلغ عمر فقال: "لله در [عمرو] 3". ثم ناهضه عمرو فاقتتلوا بأجنادين4 قتالاً عظيماً كقتال اليرموك، فكتب أرطبون إلى عمرو يترقق / [58 / أ] له، فكتب عمرو إليه: "إني صاحب فتح هذه البلاد" فكتب إليه: "إنك لست بصاحب فتحها، إنما صاحب فتحها رجل
اسمه على ثلاثة أحرف" فكتب إلى عمر بخبره، فعزم عمر على الدخول إلى الشام لذلك ثم سار إليها فكان فتح بيت المقدس على يد عمر بن الخطاب. واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب، وسار العباس بن عبد المطلب على مقدمته فلما قدم تلقاه أبو عبيدة ورؤوس الأمراء فترجل أبو عبيدة وترجل عمر، فأراد أبو عبيدة أن يقبل يد عمر، فهم عمر بتقبيل رجله، فكف أبو عبيدة وكف عمر، ثم سار حتى صالح نصارى بيت المقدس، ثم دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، ويقال: إنه لبى حين دخله، فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة فقرأ في الأولى (بص) وفي الثانية (ببني إسرائيل) 1، ثم جاء إلى الصّخرة فاستدل على مكانها من كعب2، وأشار عليه كعب أن يجعل المسجد من ورائها، فقال: "ضاهيت اليهودية" ثم جعل المسجد قبلي بيت المقدس، وهو العمري اليوم، ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه، ونقل المسلمون معه، وسخّر3 أهل الأردن في نقل بقيته، وكانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة، لأنها قبلة اليهود، حتى إن المرأة كانت ترسل بخرق حيضها من داخل البحور4 ليلقى على الصخرة مكافأة لما كانت اليهود عملت
بالقمامة وخطب عمر هناك خطبة بليغة1. وفي هذه السنة سار سعد2 في جنود عظيمة وخلف الحريم بالعتيق3 مع جيش كثيف، فجاءبا. . . 4 فوجد عسكراً من الفرس فهزمهم، ففرقة ذهبت إلى المدائن، وفرقة إلى نهاوند، فسار سعد نحو المدائن فلقوا جمعاً آخر فاقتتلوا قتالاً شديداً، وبارز أمير الفرس فبرز إليه نائل الأعرجي5 من شجعان بني تميم، فتجاولا / [58 / ب] بالرّماح ثم ألقياها، وتقاتلا بالسيوف ثم تعانقا، وسقطا عن فرسيهما، فوقع أمير الفرس على صدر نائل وأخرج خنجراً ليذبحه بها فوقعت أصبعه في فم نائل فقضمها حتى شغله عن نفسه، وألقى الخنجر فأخذه فذبحه بها6. ثم كانت وقعة بهرسير7 وقد قاتل سعد في دربها طوائف كثيرة، وكانوا
قد وضعوا في درب المسلمين أسداً عظيماً لكسرى فتقدم [هاشم ابن] 1 عتبة بن أخي سعد فقتله، والناس ينظرون، فسمي سيفه يومئذ المتين2 فقبّل سعد رأسه فقبل هاشم قدمه، وحمل هاشم على الفرس فهزمهم3. وفيها حج بالناس عمر، وفيها توفي سهيل بن عمرو4، وعامر بن مالك بن أهيب5، وعبد الله بن سفيان بن عبد الأسد6، و [قيس بن أبي صعصعة] وعمرو بن زيد بن عوف7، ونضير8 بن الحارث910. ثم دخلت سنة ست عشرة: استهلت وسعد مُنَازِل مدينة بهر سير11 إحدى12 مدينتي كسرى، وينصب المجانيق13 وغيرها، ثم
فتحها سعد بعد قتال شديد، وأشرف منها قبل الفتح رجل على المسلمين، فقال: "يقول لكم الملك: هل لكم إلى المصالحة على أن لنا ما يلينا من دجلة إلى جبلنا، ولكم ما يليكم إلى جبلكم، أما شبعتم لا أشبع الله بطونكم" فبدر إليه بالجواب رجل يقال له: أبو مفزّر12 فانطقه الله بكلام لم يدر ما قال، فرجع الرجل إلى الملك وإلى أهل البلد فأخبرهم بما سمع، قال: فرأيناهم يقطعون إلى المدائن، فقال له الناس: "ماذا قلت له"؟ قال: "والذي بعث محمداً بالحق ما أدري"؟ ثم بعد ذلك نادى رجل من البلد بالأمان فأمنوه، فقال:"والله ما بالبلد أحداً" فتسوَّر الناس السور، فلم يجدوا أحداً، بل هربوا إلى المدائن، فسألوا ذلك: لأي شيء هربوا؟ قال: "إن / [59 / أ] الملك بعث رجلاً يعرض عليكم الصلح فأجابه رجل منكم: بأنه لا يكون بيننا وبينكم صلح أبداً حتى نأكل عسل أفرندين3 بأترج كوثى4" فقال الملك: "ياويلاه، إن الملائكة لتتكلم على ألسنتهم، ترد علينا، وتجيبنا عن العرب"5. ثم أمر بالرحيل إلى المدائن، فلما دخلوا نهرسير ثم أمر بالرحيل إلى المدائن فلما لاح لهم القصر الأبيض في المدائن الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه
سيفتح على أمته1، وكان أول من رآه ضرار بن الخطاب2 فقال: "الله أكبر أبيض كسرى هذا ما وعدنا الله ورسوله، ثم ساروا نحو المدائن فوعظهم سعد واقتحم بهم البحر، فلما اقتحموه والفرس على حافته جعلوا يقولون: "ديونا ديونا" - يعني: مجانين - فلما رأوهم لا يغرقون قالوا: "إنما نقاتل جناً" ثم لما خرجوا دخلوا المدائن فوجدوا كسرى قد هرب فأخذوا أمواله وكنوزه، وصدق الله قول رسوله: في تمزيق ملكه3 [و] 4 في أنهم يملكون كنوزه وأنها تنفق في سبيل الله. ثم سال سعد من الجيش أن يهبوا له ثياب كسرى وبساط إيوانه ففعلوا، وأرسل ذلك إلى عمر، وكان ذلك لا يحد ولا يوصف فلما وصل ذلك إليه قال5: "إن قوماً أدوا هذا لأمناء"، فقال له علي: "عففت فعفوا ولو رتعت لرتعوا" ثم ألبس ثياب كسرى خشبة، وذم الدنيا وزينتها6. ثم ألبسها سراقة بن مالك بن جُعْشُم7 وألبسه سواريه8، وقال: "الحمد
لله سواري كسرى في يدي أعرابي من بني مدلج"1، 2 وجعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه: "كأني بك وقد لبست سواري كسرى" وقال له لما ألبسه: "قل: الله أكبر" فقال. فقال: "قل: الحمد لله الذي سلبهما كسرى وألبسهما سراقة بن مالك أعرابي من بني مدلج"3. وروي عنه: أنه لما أمره بلبس ذلك طمع أيهبهن له، فقال له: "أدبر" فأدبر، فقال له "أقبل" فأقبل، ثم قال: "بخّ بخّ4 أعرابي من بني مدلج عليه قباء5 كسرى، وسراويله، وسيفه، ومنطقه، وتاجه، وخفاه / [59 / ب] رب يوم يا سراقة بن مالك، لو كان عليك فيه هذا من متاع كسرى وآل كسرى، كان شرفاً لك ولقومك، انزع" فنزعت، فقال: "اللهم إنك منعت هذا رسولك ونبيك، وكان أحب أهل الأرض إليك، ومنعته أبا بكر وكان أحب إليك مني، وأكرم عليك مني، وأعطيتنيه، فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكر بي"، ثم بكى حتى رحمه من كان حاضراً، ثم قال لعبد الرحمن بن عوف: "أقسمت عليك لما بعته ثم قسمته قبل أن تمسي"6.
وكان في ذلك سيف كسرى، فقال عمر: "الحمد لله الذي جعل سيف كسرى فيما يضره، ولا ينفعه، ثم قال: إن كسرى لم يزد على أن تشاغل بما أوتي من الدنيا عن آخرته، فجمع لزوج امرأته أو لزوج ابنته ولم يقدم لنفسه، ولو قدم لنفسه ووضع1 الفضول في مواضعها لحصل له"2. وقد حصل لعلي بن أبي طالب قطعة من بساط كسرى، فباعها بعشرين ألفاً، وكان قيد شبر في شبر3. ثم إن كسرى هرب من المدائن إلى حلوان، ووضع وراءه جيشاً كثيفاً، وأقسموا أن لا يفروا حتى يقتلوا العرب، فأرسل إليه سعد ابن أخيه هاشم في جيش بأمر عمر له ذلك، فسار إليهم فاقتتلوا قتالاً شديداً، فكانت وقعة جلولاء، وإنما سميت بذلك؛ لأن القتلى جللت الأرض. وغنموا قدر ما غنموا من المدائن، ثم بعث سعد بالخمس إلى عمر، وكان مع ذلك في جملة من قدم عليه زياد بن أبي سفيان4، فسأله عن كيفية الواقعة فذكرها فأعجب عمر إيراده، وأحب أن يسمع المسلمون ذلك، فقال: "أتستطيع أن تخطب الناس"؟ قال: "نعم، إنه ليس أحد على وجه الأرض أهيب عندي منك، وقد سمعت كلامي فكيف لا أقوى5 على أعظم من هذا مع غيرك"؟ فخطب الناس، فقال عمر: "إن هذا لهو الخطيب المصقع" يعني الفصيح6، ثم حلف
عمر أن لا يجن هذا المال سقف حتى يقسمه. فبات عبد الله1 بن أرقم2، وعبد الرحمن / [60 / أ] ابن عوف يرحسانه إلى الغد3. ولما فتح هاشم4 جلولاء5 أمره عمر أن يقيم بها، ويرسل القعقاع6 إلى حلوان، فهرب كسرى منها إلى الرّيّ، وجاء القعقاع ففتحها7. ثم كان فتح الموصل، وتكريت8، وما سبذان9، وقرقيسياء10، وهيت1112. وفيها بعث أبو عبيدة عمرو بن العاص إلى قنسرين فصالح أهل حلب،
ومنبج، وأنطاكية على الجزية1، وفتح سائر بلاد قنسرين عنوة2. وفيها غرب عمر أبا محجن3. وفيها تزوج عبد الله بن عمر صفية4 بنت أبي عبيد أمير يوم الجسر5. وفيها حج عمر بالناس، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت67. وفيها توفيت مارية أم إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وسريته وكانت من الصالحات الكبار8. ثم دخلت سنة سبع عشرة: فيها انتقل سعد من المدائن إلى الكوفة بأمر عمر، لأنهم استوخموا9 المدائن، وبنوا الكوفة بالقصب فاحترقت في أثناء السنة، فأمرهم عمر أن يبنوها باللبن ولا يسرفوا، فعمل سعد المسجد وبنى عند محرابه قصر الإمارة، وبنى له قصراً عند السوق وكان يغلق باب قصره من غوغاء10 الناس، فأرسل عمر محمد بن مسلمة11 وأمره إذا انتهى إلى
الكوفة أن يقدح زناده، ويجمع حطباً، ويحرق باب قصره، ثم يرجع من فوره فانتهى ففعل ما أمر به، وأمر سعد أن لا يغلق بابه ولا يجعل بابه على أحد1. وفي هذه السنة حصر الروم أبا عبيدة وأصحابه بحمص فسار إليهم عمر من المدينة، وكتب إلى سعد أن يرسل جيشاً إليهم، وإلى أهل الجزيرة جيشاً, لأنهم قدموا معهم لنصرهم، فلما سمع بذلك أهل الجزيرة ساروا إلى بلدهم، فافتتحها عياض بن غَنْم2 أمير السرية إليهم، وخرج أبو عبيدة ومن معه من حمص فبارزهم فهربوا، وكان عمر قد وصل إلى سَرْغ فرجع لأجل الوباء3. وفيها تزوج عمر أم كلثوم بنت عليّ4. وفيها كانت قضية المغيرة ورميه بالزنا، وعزله عنها، وولاّها أبا موسى الأشعري5. وفيها فتحت الأهواز ومنَاذر6 / [60 / ب] ونهرتِيري78، وقدم العلاء بن الخضرمي على بلاد فارس من جهة البحر في المراكب، وكان عمر يكره ذلك، وكان عن غير أمر عمر بل هو بادر ذلك، فحصل لمن معه من الجيش مشقة، وحبس الكفار لهم، فعزله عن الجيش وأمر سعداً أن يرسل إليهم جيشاً
ففعل، فسار الجيش فوجدوهم في حصر شديد، وقد اجتمع عليهم من الجيوش ما لا يحصى فهزموا الكفار1، ثم كان فتح السوس، ورامهَرُمُز، وأسر الهرمزان بعد أن صولح ونقض العهد مرتين، وقدم به على عمر، فلما دنوا به من المدينة ألبسوه ثيابه ودخلوا به، فسألوا عن عمر، فقيل: نائم في المسجد، فجاءوا إليه وهو نائم متوسد بُرْنُساً2 ودرته معلقة في يده، فقال الهرمزان: "أين عمر؟ "، قالوا: "هوذا"، وجعلوا3 يحفظون أصواتهم هيبة له، لئلا ينبهوه خوفاً منه، وجعل الهرمزان يقول: "فأين حُجّابه؟، أين حرسه؟! " قالوا: "ليس له حُجّاب ولا حرس". فقال: "ينبغي أن يكون نبيّاً"، فقالوا له: "إنه ليس بنبيّ، ولكن يعمل عمل النبيّ، فاستيقظ عمر، فقال: "الهرمزان؟ "، قالوا: "نعم". ثم وقع له أمور يطول ذكرها، ثم أسلم إلى أن قتله عبيد الله بن عمر4. ثم دخلت سنة ثمان عشرة: فكان فيها القحط المعروف بعام الرمادة، وطاعون عَمَواس5. وفيها حجّ بالناس عمر، وفتحت الرّقّة، والرّها، وحرّان على يد عياض بن غَنْم، ورأس عين الوردة6 على يد عمير بن سعد78، وفتحت
شمشاط1، وسار عياض2 إلى الموصل فافتتحها3. ومن أعيان من توفي في طاعون عَمَواس: الحارث بن هشام4، وشرحبيل بن حسنة، ومعاذ بن جبل، وأبو عبيدة بن الجراح أمير المسلمين ببلاد الشام، والفضل بن عباس5، ويزيد بن أبي سفيان6، وأبو جندل7، وأبو مالك الأشعري8، وغيرهم9. ثم دخلت سنة [تسع] 10 عشرة: وفيها قتل صفوان بن المعطّل11. وفيها كانت وقعة / [61 / أ] بأرض العراق12. وفيها توفي أبي بن كعب سيد القرّاء13.
ثم دخلت سنة عشرين: فيها كان فتح بلاد مصر، والإسكندرية على يد عمرو بن العاص، وكان نيل مصر لا يزيد كل سنة حتى تشترى له جارية بكر أبويها، وتزين وتلقى فيه، فمنعهم عمرو من ذلك، فلم يزد حتى هم أهل مصر بالجلاء عنها، فكتب إلى عمر بذلك، فكتب إليه عمر قد أصبت وإني قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتاب فألقها في النيل، فأخذ عمرو1 البطاقة فإذا فيها مكتوب: "من عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، إلى نيل مصر، أما بعد: فإن كنت إنما تجري من قِبَل نفسك، وبأمرك فلا تجري ولا حاجة لنا بك، وإن كنت إنما تجري بأمر الله القادر على كل شيء، فنسأل الله القادر على كل شيء أن يجريك. قال: فألقى البطاقة فيه، والنيل قد تقلص ونقص جداً، فأصبح في اليوم الثاني، وقد أجرى الله النيل وزاد ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة2. فيها دخل عبد الله بن قيس3 أرض الروم فسلم وغَنِم4. وفيها عزل عمر قدامة5 عن البحرين وحده في الشراب6. وفيها شكى أهل الكوفة سعداً إلى عمر فعزله عنها7.
وفيها أجلى عمر يهود خيبر، ونصارى نجران، ودوّن الدواوين، وفيها بعث عمر علقمة1 إلى الحبشة في البحر فأصيبوا، فآلى عمر على نفسه أن لا يبعث جيشاً في البحر2. وفيها مات بلال، وأُسيد بن حُضَير3، وأنيس بن مرثد4، وسعيد ابن عامر5، وعياض بن غَنم، وأبو سفيان بن الحارث6، وأبو الهيثم بن التيهان7، وزينب بنت جحش أم المؤمنين، وصفية بنت المطلب8 أم الزبير وعمة النبي صلى الله عليه وسلم وعويم بن ساعدة. ثم دخلت سنة إحدى وعشرين: فيها كان فتح (نهاوند) ، ويقال لها: فتح الفتوح، فإنه لم يقع على المسلمين بأرض العراق أشد منها، لم يرعبهم أكثر منها، ولا هاب عمر غيرها، وعزم أن يسير إلى العراق فمنعه الصحابة من ذلك، ثم كان الظفر فيها للمسلمين بعد حرب كثير جداً، وقتل فيها جماعة من المسلمين، وقتل من الكفار ما لا يحصى، وغنموا نحو ما غنموا من المدائن9 10.
وبعدها فتحت مدينة جَي وأصبهان1 بعد قتال كثير / [61/ب] وفتح أبو موسى قم2 وقاشان3، وفتح سهيل بن عدي4 كرمان، وفتحعمرو بن العاص طرابلس، وبعث عقبة بن نافع5 إلى زويلة6 فافتتحها. وفيها ولى عمر عمارَ بن ياسر على الكوفة، وجعل عبد الله بن مسعود على بيت المال، فاشتكى أهل الكوفة عماراً، واستعفى هو أيضاً فعزله، وولى جبير بن معطم7، ثم عزله قبل المسير، وولى المغيرة بن شعبة فلم يزل عليها إلى أن قتل عمر8. وفيها توفي خالد بن الوليد سيف الله وسيف رسوله، وطليحة بن خويلد الأسدي سيد الفرسان المعدود بألف، وعمرو بن معدي كرب9 كبير الشجعان، والعلاء بن الحضرمي المجاب الدعوة، والنعمان بن مقرن10.
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين: كان فيها فتح هَمَدان ثانية والرّيَ، وأذربيجان، وقُومِس1 فتحها سويد بن مقرن2، وجُرجان3، وطبرستان4، وباب الأبواب5 وغيرها6، وكان في هذه السنة فتوحات كثيرة7. وفيها كان فتح أرمينية، وجبال ألان8، وتَفِلِيس9، ومُقان10. ولما استقر أمر تلك البلاد كتب عمر إلى عبد الرحمن بن ربيعة11 يأمره
بغزو بلاد الترك، وكان، وصدق الله حديث رسوله12. وفيها حجّ بالناس عمر3. وفيها غزا الأحنف خراسان، فافتتحها بعد أمور شديدة، وفتح حذيفة الدينور عنوة4. ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين5: وكانت وقعة سارية بن زُنَيم، وفتح كرمان، وسجستان، ومكران6. وفيها كانت وقعة الأكراد7. وفي هذه السنة قتل عمر - رضي الله عنه. وقال جماعة: فتح الفتوح8، ومصر الأمصار، وجند الأجناد، ووضع الخراج9، ودون الدواوين، وفرض الأعطية، واستقضى القضاة، وكور الكور، مثل السواد، والأهواز، والجبال10، وفارس وغيرها.
وفتح الشام كلّه، والجزيرة، والموصل، وميا فارقين1، وآمد وأرمينية، ومصر، وإسكندرية، وطرابلس الغرب، وبرْقة2، ومدن الشام كلّها، وحلب، وأنطاكية، والرّها، والرّقّة، وديار بكر34، وديار ربيعة5، وبلاد الموصل كلّها / [62 / أ] ، وسائر مدن كسرى كالقادسية والحيرة، وبهرسير6، وساباط7، وكور الفرات8، ودجلة، والأُبلة9، والبصرة، والأهواز، وفارس، ونهاوند، وهمذان، والرّيّ، وقومس، وخراسان، واصطخر، وأصبهان، والسوس، ومرو، ونيسابور، وجرجان، وأذربيجان، وغير ذلك10.
الباب الثالث والأربعون: حجاته
الباب الثالث والأربعون: حجاته ... الباب الثالث والأربعون: في ذكر حجاته تقدم حديث محمّد بن بكار1: "أن أوّل سنة حجّ عبد الرحمن بن عوف على رأس خمسة أشهر من خلافته، وهي سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وفي سنة أربع عشرة حجّ عمر، وحجّ سنة خمس عشرة، وحجّ سنة ست عشرة، وحجّ سنة سبع عشرة، وحجّ سنة ثمان عشرة، وحجّ سنة تسع عشرة، وحجّ سنة إحدى وعشرين، وحجّ سنة اثنتين وعشرين، وحجّ سنة ثلاث وعشرين"2. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - ولي عمر فاستعمل عبد الرحمن يعني على الحجّ، ثم كان هو يحجّ سنينه حتى مات3. وقال أبو عبد الله محمّد بن سلامة4، في كتاب: (عيون المعارف) : "حجّ بالناس عشر سنين متوالية آخرها سنة ثلاث وعشرين"5. وفي الصحيح عن إبراهيم6 عن أبيه7 عن جده8: أذن عمر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجّها فبعث معهن عثمان وعبد الرحمن9.
الباب الرابع والأربعون: تركه السواد غير مقسوم ووضعه الخراج
الباب الرابع والأربعون: تركه السواد غير مقسوم ووضعه الخراج ... الباب الرابع والأربعون: في ذكر تركه السّواد غير مقسوم ووضعه الخراج ذكر ابن الجوزي عن إبراهيم التيمي1، قال: "لما افتتح المسلمون السواد قالوا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اقسمه بيننا"، فأبى، فقالوا: "إنا فتحناه عنوة"، قال: "فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟ فأخاف أن تفاسدوا بينكم في المياه، وضرب على رؤوسهم الضراب - يعني الجزية - وعلى أرضهم الطسْق2 - يعني الخراج - ولم يقسمها بينهم"3. وعن أسلم عن عمر رضي الله عنه قال: "لولا أني أترك الناس ببّاناً4 لا شيء لهم ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر"5. وعن يزيد بن أبي حبيب6، قال: "كتب عمر إلى سعد رضي الله عنه حين افتتح العراق: أما بعد: فقد بلغني كتابك تذكر أن الناس سألوك أن تقسم عليهم مغانمهم، وما أفاء الله عليهم، فإذا أتاك كتابي
هذا فانظر ما أجلب الناس عليك من كراع أو مال فاقسمه بين من حضر من المسلمين، واترك الأرضين والأنهار لعمّالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين، فإنك إن قسمتها فيمن حضر لم يكن لمن بقي بعدهم شيء"1. وعن ابن أبي ليلى2 عن الحكم3 أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث عثمان بن حنيف4 يمسح السواد فوضع على كل جريب5 عامر أوغامر6 حيث يناله الماء قفيزاً7ودرهماً، قال وكيع8: يعني: الحنطة والشعير. ووضع على كلّ جريب الكرم عشرة دراهم، ووضع على كلّ جريب الرطاب خمسة دراهم9. وعن الشعبي: أن عمر بعث عثمان بن حنيف يمسح السواد فوجده ستة
وثلاثين ألف ألف جريب فوضع على كل جريب درهماً وقفيزاً"1. قال أبو عبيد2: "أرى حديث مُجالد3 عن الشعبي هو المحفوظ"4 / [62 / ب] ، قال ابن الجوزي: "ويقال إن حدّ السواد الذي وضعت عليه المساحة، من لدن تُخوم5 الموصل ماداً مع الماء إلى ساحل البحر، ببلاد عَبَّادان6 من شرق دِجْلة هذا طوله، فأما عرضه؛ فحده منقطع الجبل من أرض خلوان إلى منتهى طرف القادسية بالعُذَيب7 من أرض العرب، فهذه حدود السواد وعليها وقع الخراج"8.
وعن هشام بن محمّد بن السائب1 قال: "سمعت أبي يقول: إنما سمي السواد؛ لأن العرب حين جاءوا نظروا إلى مثل الليل من النخل، والشجر، والماء فسموه سواداً "2. وهنا أربعة فصول الفصل الأوّل: السواد الذي فتح عنوة، ولم يقسم كأرض الشام، والعراق، ومصر، إلا أن أرضاً بالعراق فتحت صلحاً وهي، الحيرة، والليس3، وبانِقيا4، وأرض بني صلوبا، وهذه الأراضي وقفها عمر رضي الله عنه على المسلمين وأقرّها في أيدي أربابها بالخراج الذي ضربه أجرة لها في كلّ عام، ولم يقدر مدتها لعموم المصلحة فيها5. الفصل الثاني إن عمر رضي الله عنه هو أوّل من ترك السواد غير مقسوم وضع عليه الخراج، ثم الأرض ثلاثة أضرب: - ما فتحت عنوة، وهي ما أجلي عنها أهلها بالسيف، فيخير الإمام بين قسمها ووقفها على المسلمين، ويضرب عليها خراجاً مستمراً، يوجده من هي معه
يكون أجرة لها لكل عام1. وعن أحمد في رواية أخرى: أنها تصير وقفاً بنفس الاستيلاء عليها2. وعنه رواية أخرى: تقسم بين الغانمين3. - الضرب الثاني: ما أجلي عنها أهلها خوفاً، فتصير وقفاً بنفس الظهور عليها4. وعن أحمد رواية أخرى: حكمها حكم العنوة5. - الضرب الثالث: ما صولحوا عليه وهو ضربان: تارة نصالحهم على أنّ الأرض لنا، ونُقرّها معهم بالخراج، فهذه تصير وقفاً أيضاً6. وتارة نصالحهم على أنها لهم، ولنا الخراج عنها، فهذه ملك لهم وخراجها كالجزية إن أسلموا سقط عنهم، وإن انتقلت إلى مسلم فلا خراج، ويقرون فيها بغير جزية؛ لأنهم في غير دار الإسلام بخلاف التي قبلها7.
ما يناله الماء مما لا يمكن زرعه فلا خراج فيه، فإن أمكن زرعه عاماً بعد عام، ويؤخذ1 نصف خراجه في كلّ عام2. والخراج على المالك دون المستأجر، وهو كالدين يحبس به الموسر ويُنظر به المعسر، ومن عجز عن عمارة أرضة أجبر على إجارتها أو رفع يده عنها3. ويجوز أن يرشو العامل ويهدى له ليدفع عنه الظلم في خراجه، ولا يجوز / [63 / أ] له ذلك ليدع4 له منها شيئاً، وإذا رأى الإمام المصلحة في إسقاط الخراج عن إنسان جاز5، ولا يجوز من غير مصلحة. الفصل الثالث المرجع في الخراج والجزية إلى اجتهاد الإمام في الزيادة والنقصان على قدر الطاقة في إحدى الروايتين عن أحمد6. والرواية الأخرى: ترجع إلى ما ضربه عمر رضي الله عنه لا يزاد ولا ينقص7. وعنه رواية ثالثة: تجوز الزيادة دون النقص8.
قال أحمد وأبو عبيد: "أعلى وأصح حديث في أرض السواد حديث عمروبن ميمون1"2. قال الشيخ موفق الدين وغيره: "يعني أن عمر وضع على كلّ جريب درهماً وقفيزاً". وقال: "القفيز: ثمانية أرطال - يعني بالمكي - فتكون ستة عشر رطلاً بالعراقي"3. والجريب: عشر قصبات في عشر قصبات، والقصبة: ستة أذرع، وهو ذراع وسط، وقبضة، وإبهام قائمة"45. الفصل الرابع ما فتح عنوة ولم يقسم، لا يصح بيعه، فلا يصح بيع أرض الشام ومصر والعراق، إلا المساكن والأراضي التي بالعراق فتحت صلحاً، وذلك لأن عمر وقفها، والوقف لا يجوز بيعه6. وعن أحمد - رحمه الله تعالى - رواية أخرى: "أنه كره بيعها، وأجاز شراءها"7.
وعلى قولنا لا يجوز بيعها ويجوز إجارتها؛ لأن الوقف تجوز إجارته1، وإذا باعها، وقلنا بصحة البيع انتقل الخراج إلى المشتري، وإن قلنا بعد الصحة فالخراج على البائع2. وإذا أجّرها فالخراج على المؤجر دون المستأجر3. وقد أطال ابن رجب الكلام على ذلك في كتاب: (الاستخراج لأحكام الخراج"4. فصل في: (الموطّأ) عن ابن عمر: "أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط من الحنطة والزبيب5، نصف العشر، يريد بذلك أن يكثر الحَمْل إلى المدينة، ويأخذمن القِطْنِيّة6 العشر"7. وعن السائب بن يزيد8 أنه قال: "كنت غلاماً مع عبد الله بن عتبة بن مسعود9 على سوق المدينة، في زمان عمر، فكُنَّا نأخذ من النَّبْط العشر"10.
وعن مالك: أنه سأل ابن شهاب على أيّ وجه أخذ عمر بن الخطاب من النّبط العشر؟، قال: "كان يؤخذ منهم في الجاهلية، فألزمهم ذلك عمر بن الخطاب"1. وعن مالك أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين. وأن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس فارس، وأن عثمان بن عفان أخذها من البربر23. وعن جعفر بن محمّد4 عن أبيه: أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال: "ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ "، فقال عبد الرحمن بن عوف: "أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" 5. وعن أسلم مولى عمر: أن عمر ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهماً، مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام6. وعن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر كان يؤتى بنعم كثيرة من نعم الجزية7. / [63 / ب] .
الباب الخامس والأربعون: عدله ورئاسته
الباب الخامس والأربعون: عدله ورئاسته ... الباب الخامس والأربعون: في ذكر عدله ورئاسته ذكر ابن الجوزي عن عامر الشعبي قال: "قال عمر رضي الله عنه: "والله لقد لان قلبي حتى لهو ألين من الزبد، ولقد اشتد قلبي حتى لهو أشد من الحجر"1. وعن عروة2 قال: "كان عمر رضي الله عنه إذا أتاه الخصمان برك على ركبتيه وقال: "اللهم أَعِنِّي عليهما فإن كل واحد منهما يريدني عن ديني"3. وعن أبي فراس4 قال: "خطب عمر رضي الله عنه فقال: "أيها الناس إنما كنا نعرفكم إذ بين ظهرينا النبي صلى الله عليه وسلم وإذ ينزل الوحي، وإذ ينبئنا الله من أخباركم، ألا وإن النبي صلى الله عليه وسلم قد انطلق وانقطع الوحي، ألا وإنما نعرفكم بما نقول لكم: من أظهر منكم خيراً ظننا به خيراً، وأجبناه عليه، ومن أظهر لنا شرّاً ظننا به شرّاً وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربكم، ألا إنه قد أتى عليّ حين وأنا أحسب أن من قرأ القرآن يريد الله وما عنده، فقد خيّل إليّ بآخره5 أن رجالاً قد قرأوه يريدون به ما عند الناس، فأريدوا الله بقراءتكم، وأريدوه بأعمالكم، ألا وإني والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم
وسنتكم، فمن عمل به سوى ذلك فليرفعه إليّ، فوالذي نفسي بيده لأُقِصّنه منه". فوثب عمرو بن العاص فقال: "يا أمير المؤمنين، أفرأيت إن كان رجل من المسلمين على رعيه، فأدب بعض رعيته، إنك لتقصنه منه؟!، قال: "إي، والذي نفس عمر بيده، إذاً لأقصّنه منه، أنّى1 لا أقصّ منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصّ من نفسه، ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم"23. وعن جرير بن عبد الله البجلي أن رجلاً كان مع أبي موسىالأشعري، وكان ذا صوت4، ونكاية في العدو، فغنموا مغنماً فأعطاه أبو موسى بعض سهمه، فأبى أن يقبله إلا جميعاً، فجلده أبو موسى عشرين سوطاً، وحلقه، فجمع الرجل شعره ثم ترحل إلى عمر بن الخطاب حتى قدم عليه، فدخل على عمر بن الخطاب قال جرير: "وأنا أقرب الناس من عمر"، فأدخل يده فاستخرج شعره ثم ضرب به صدر عمر، ثم قال: "أما والله لولا النار"، فقال عمر: "صدق والله، لولا النار"، فقال: "يا أمير المؤمنين إني كنت ذا صوت ونكاية"، فأخبره بأمره، وقال: "ضربني أبو موسى عشرين سوطاً، وحلق رأسي، وهو يرى أنه لا يقتص منه". فقال / [64 / أ] عمر رضي الله عنه: "لأن يكون الناس كلهم على صرامة هذا، أحب
إليّ من جميع ما أفاء الله علينا". فكتب عمر إلى أبي موسى: "السلام عليك، أما بعد: فإن فلاناً أخبرني بكذا وكذا، فإن كنت فعلت ذلك في ملاء من الناس، فعزمت عليك لما قعدت له في ملاء من الناس، حتى يقتص منك، وإن كنت فعلت ذلك خلاء من الناس، فاقعد له في خلاء الناس، حتى يقتص منك". فقدم الرجل فقال له الناس: "أعف عنه"، فقال: "لا والله، لا أدعه لأحد من الناس"، فلما قعد له أبو موسى ليقتص منه، رفع الرجل رأسه إلى السماء ثم قال: "اللهم إني قد عفوت عنه"1. وعن عمر بن شبّه2، قال: عمرو بن العاص لرجل من تُجِيب3: "يا منافق". فقال التجيبِي: "ما نافقت منذ أسلمت، ولا أغسل رأسي ولا أدهنه حتى آتي عمر"، فأتى عمر فقال: "يا أمير المؤمنين إن عمراً نفّقني، فلا والله ما نافقت منذ أسلمت"، فكبّر عمر رضي الله عنه وكان إذا غضب كبّر وكتب: "إلى عمرو بن العاص، أما بعد: فإن فلاناً التجيبِي ذكر أنك نفّقته، وقد أمرته إن أقام عليك شاهدين أن يضربك أربعين، أو قال سبعين"، فقال: "أشهد الله رجلاً سمع عمراً نفّقني إلا قام فشهد، فقام عليه من في المسجد، فقال له: "أتريد أن تضرب الأمير؟ "، وعرض عليه الأرش، فقال: "لو ملئت لي هذه الكنيسة ما قبلت"، فقال له حشمه: "أتريد أن تضربه؟ "،
فقال: "ما أرى لعمر ههنا طاعة"، فلما ولى قال عمرو: "ردّوه"، فأمكنه من السوط وجلس بين يديه، فقال: "أتقدر أن تمتنع مني لسلطانك؟ "، قال: "لا، فامض إلى ما أمرت به"، قال: "فإني قد عفوت عنك"1. وعن سلاّم2 قال: "سمعت الحسن3 - رحمه الله - يقول: "جيء إلى عمر رضي الله عنه بمال فبلغ حفصة بنت عمر أم المؤمنين - رضي الله عنها - فقالت: "يا أمير المؤمنين، حقّ أقربائك من هذا المال، قد أوصى الله عزوجل بالأقربين"، فقال لها: "يا بنية حقّ أقربائي في مالي، وأما هذا، ففئ المسلمين، غششت أباك، ونصحت أقرباءك، قومي"، فقامت والله تجرّذيلها4. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قدم علينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حاجاً، فصنع له صفوان بن أمية طعاماً، قال: فجاءوا بجفنة يحملها أربعة، فوضعت بين القوم، فأخذ القوم يأكلون وقام الخدم، فقال عمر: "ما لي أرى خدامكم لا يأكلون معكم، أترغبون عنهم؟ "، فقال سفيان بن عبد الله5: " [لا] 6 والله يا أمير المؤمنين، ولكننا نستأثر عليهم"، فغضب غضباً شديداً، ثم قال: "ما لقوم يستأثرون على خدامهم،
فعل الله بهم وفعل"، / [64 / ب] ثم قال: للخدم: [اجلسوا فكلوا، فقعد الخدم] 1 يأكلون، ولم يأكل أمير المؤمنين"2. وعن سالم بن عبد الله، "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدخل يده في دبر البعير، ويقول: "إني خائف أن أسأل عمّا بك"3. وعن المسيب بن دارم4، قال: "رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب جمّالاً يقول: "حملت جملك ما لا يطيق"، قال: "ورأيته مرّ به سائل على ظهر جراب5 مملوء طعاماً، فأخذه فنثره للنواضح6، ثم قال: "الآن سل ما بدا لك"7. وعن السائب بن الأقرع8: أنه كان جالساً في إيوان9 كسرى، قال: فنظرت إلى تمثال يشير بإصبعه إلى موضع، قال: فوقع في رُوعي10 أنه يشير إلى كنز فاحتفرت ذلك الموضع، فأخرجت11 منه كنزاً عظيماً، فكتبت إلى عمر خبره،
وكتبت إن هذا شيء أفاءه الله عليّ من دون المسلمين، فكتب عمر: إنك أمير من أمراءالمسلمين فاقسمه بين المسلمين1. وعن ثابت2: أن أبا سفيان3 ابتنى داراً بمكة فأتى أهل مكة عمر فقالوا: "إنه ضيق علينا الوادي، وسيل علينا الماء"، قال: فأتاه عمر، فقال: "خذ هذا الحجر فضعه ثمة، وخذ هذا الحجر فضعه ثمة، ثم قال عمر: الحمد لله الذي أذل أبا سفيان بأبطح4 مكة"5. وعن يحيى بن عبد الرحمن6 بن حاطب7 عن أبيه قال: "قدمنا مكة مع عمر، فأقبل أهل مكة يسعون: يا أمير المؤمنين أبو سفيان حبس مسيل الماء ليهدم منازلنا، فأقبل عمر ومعه الدِرّة، فإذا أبو سفيان قد نصب أحجاراً، فقال: "ارفع هذا"، فرفعه، ثم قال: "وهذا"، حتى رفع أحجاراً كثيرة، خمسة أو ستة، ثم استقبل عمر الكعبة، فقال: "الحمد لله الذي جعل عمر يأمر أبا سفيان ببطن مكة فيطيعه"8. وعن الحسن9 رضي الله عنه قال: "حضر باب عمر رضي الله عنه
سهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وأبو سفيان بن حرب في نفر من قريش من تلك الرؤوس، وصُهيب، وبلال، وتلك الموالي الذين شهدوا بدراً، فخرج آذن عمر فأذن لهم، وترك أولئك، فقال أبو سفيان: "لم أرَ كاليوم قط، يأذن لهؤلاء العبيد، ويتركنا على بابه لا يلتفت إلينا"، فقال سهيل بن عمر - وكان رجلاً عاقلاً -: "أيها القوم، إني - والله - أرى الذي في وجوهكم إن كنتم غضاباً فاغضبوا على أنفسكم دُعي القوم ودُعيتم، فأسرعوا وأبطأتم، وكيف بكم إذا دعوا يوم القيامة وتُرِكتم؟ "1. وعن نوفل بن عمار2 قال: "جاء الحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، إلى عمر بن الخطاب فجلسا عنده، وهو بينهما، فجعل المهاجرون الأوّلون يأتون عمر، فيقول: ههنا يا سهيل، ههنا يا حار3، فينحيهما عنه، فجعل الأنصار يأتون، فينحيهما، حتى صار في آخر [الناس] 4 فلما خرجا من عند عمر قال الحارث بن هشام لسهيل بن عمرو: "ألم تر ما صنع بنا؟ "، فقال له سهيل: "أيها الرجل لا لوم عليه، ينبغي أن نرجع إلى أنفسنا / [65 / أ] دُعي القوم فأسرعوا، ودُعي بنا فأبطأنا فلما قاما من عند عمر أتياه فقالا له: "يا أمير المؤمنين، قد رأينا ما فعلت اليوم، وعلمنا أنا أتينا من أنفسنا، فهل من شيء نستدرك [به] 5؟، فقال لهما: "لا أعلمه إلا هذا الوجه، وأشار لهما إلى ثغر
الروم، فخرجا إلى الشام فماتا بها - رحمهما الله -"1. وعن الحسن2 - رحمه الله -: "أن رجلاً أتى أهل ماء فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات عطشاً، فأغرمهم عمر بن الخطاب ديته"3. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ جاءه رجل من أهل مصر، فقال: "يا أمير المؤمنين، هذا مقام العائذ بك"، قال: "وما لك؟ "، قال: أجرى عمرو بن العاص بمصر الخيل فأقبلت، فلما ترآها الناس، قام محمّد بن عمرو فقال: "فرسي ورب الكعبة، فلما دنا منه عرفته، فقلت: فرسي ورب الكعبة، فقام إليّ يضربني بالسوط، ويقول: "خذها وأنا ابن الأكرمين". قال: فوالله ما زاده عمر أن قال له: "اجلس، ثم كتب إلى عمرو إذا جاءك كتابي هذا فأقبل، وأقبل معك بابنك محمّد، قال: فدعا عمرو ابنه فقال: "أحدثت حدثاً؟ أجنيت جناية؟ "، قال: "لا"، قال: "فما بال عمر يكتب فيك؟ "، قال: فقدم على عمر، قال أنس: فوالله إنا عند عمر حتى إذا نحن بعمرو، وقد أقبل في إزار ورداء، فجعل عمر يلتفت هل يرى ابنه؟، فإذا هو خلف أبيه، قال: "أين المصري؟ "، قال: "ها أنا ذا"، قال: "دونك الدّرة فاضرب ابن الأكرمين، اضرب ابن الأكرمين"4. قال فضربه حتى أثخنه، ثم قال: أحلِها5 على صلعة عمرو، فوالله ما ضربك إلا بفضل سلطانه، فقال: "يا أمير
المؤمنين، قد ضربت من ضربني"، قال: "أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذي تدعه، يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم1 أحراراً؟ "، ثم التفت إلى المصري فقال: "انصرف راشداً فإن رابك ريب فاكتب إليّ"2. وفي صحيح البخاري عن السائب بن يزيد قال: "كنت قائماً في المسجد فحَصَبني3 رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: "اذهب فأتني بهذين"، فجئته بهما، قال: "ممن أنتما4، أو من أنتما، أو من أين أنتما؟ "، قالا: "من أهل الطائف"، قال: "لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم"5. وفي الأوّل من القراءة على الوزير أبي القاسم بن عليّ بن عيسى بن الجراح الكاتب6، عن عبد الله الباهلي7، عن ضبة بن محصن8، قال: "دخل ضبة بن محصن من الليل فتحدث عندي، حتى خشيت عليه الحرس، قال: فكان فيما حدثني، قال: "شاكيت أبا موسى في بعض ما يشاكي الرجل
أميره؟، قال: فانطلقت أثووا عليه - يعني أشي به1 عند / [65 /ب] عمر -، قال: وذلك عند حضور وفادة أبي موسى، فكتب أبو موسى إلى عمر رضي الله عنه والبرد2 إذ ذاك على الإبل، قال: فكتب: "السلام عليك، أما بعد: فإني كتبت إليك وأنا خارج إليك في كذا وكذا، قال: وكتب إليه: وضبة بن محصن قد خرج من عندي بغير إذن، وهو بيني وبينك، فأحببت أن تعلم ذاك يا أمير المؤمنين، قال: فسبقني كتابه، فقدمت المدينة فجئت إلى باب عمر، فقلت: السلام عليك أيدخل ضبة بن محصن، فقال عمر: "لا مرحباً ولا أهلاً". قال: قلت: أما المرحب فمن الله، وأما الأهل فلا أهل ولا مال، قال فأعدت ذلك ثلاث مرات، فأعاد هو ثلاثاً، ثم قال: "ادخل، أو قال لي فدخلت، قال: قلت: يا أمير المؤمنين الرجل يظلمه سلطانه فإذا انتهى إلى أمير المؤمنين لم يجده عنده غيراً، فوالله يا أمير المؤمنين، إن الأرض لواسعة، وإن العدو لكثير، قال: فكأنه كشف عن وجهه غطاء، فقال: "ادن دونك، فقال: إيهِ3، ثم قال: إيه، قال: قلت: أبو موسى اصطفى لنفسه أربعين من الأساورة، قال: فقال: "اكتب"، فكتب، قال: ثم قال: "إيه"، قلت: أبو موسى له مكيالان يكيل الناس بغير الذي يكتال به، قال: "اكتب"، فكتب، ثم قال: "إيه"، قلت: عَقِيلة سُرِّيته لها قصعة4 غادية رائحة يأكل منها أشارف الجند، قال: "اكتب"، فكتب فما لبث إلا يسيراً
حتى قدم أبو موسى، قال: فمشيت إلى جنبه أعطفه، وأذكره أمير المؤمنين، قال: حتى انتهى إلى أمير المؤمنين، فقال له: "ما بال أربعين اصطفيتهم لك من أبناء الأساورة؟ "، قال: "يا أمير المؤمنين، اصطفيتهم وخشيت أن يخدع الجند عنهم، ففديتهم واجتهدت في فدائهم، وكنت أعلم بفدائهم، ثم خمست وقسمت. قال ضبة: وصادق والله، ما كذبه أمير المؤمنين وما كذبته، قال: "فما بال مكيال تكتال به، وتكيل الناس بغيره؟ "، قال: مكيال أكيل به قوت أهلي وأرزاق دوابي، وما كلت به لأحد، وما كلته به من أحد". قال ضبة: وصادق1 والله، فوالله ما كذبه أمير المؤمنين وما كذبته، قال: "فما بال قصعة عَقِيلة الغادية الرائحة؟ "، قال: فسكت ولم يعتذر منها شيء، قال: فقال لوفده: "أنشد الله رجلاً أكل منها"، قال: فسكت القوم، ثم دعا ثلاث مرات، قال: فقال / [66 / أ] وكيع بن قشر التميمي2: "قبح الله تلك القصعة3، فإنا أخالنا قد أصبنا منها"، قال: فقال عمر: "لا جَرَمَ4 والذي نفسي بيده، لا ترى عَقِيلة العراق ما دمت أملك شيئاً"، فاحتبسها عنده. قال: فذكرت هذا لأبي بردة فقال: "ألا أحدثك بنحو من هذا؟، خرج أبو موسى على خمسة أبعرة بعضها بختي5، خرج وافداً إلى عمر، قال:
ومعه فتاه فلان المولد1، كان يسافر به، قال: وأوقر البختي دقيقاً وسويقاً حتى دَبَر، قال: وكان عمر ممن إذا قدم وافداً إليه أبو موسى ففرغ مما يسأله يقول له: "أعرض عليَّ ظهرك الذي جئت عليه"، قال: فربما قال: أغزّ به في سبيل الله، فيفعل، قال: فلما دَبَر2 البختي، قال فتى أبي موسى له: "يا أبا موسى لا تعرض هذا البختي على عمر فيما تعرض، فوالله لئن رأى ما به لا تنالن عنده نالة أبداً"، قال أبو بردة: "فما أدري أنسي وصية فتاه، أو تأثم أن يكتمه عمر حين يسأله أمير المؤمنين". قال: فعرضه فيما يعرض، فشخصت أو قال: فسمت عينا عمر إليه، فدعا به فإذا به دَبِرَة، قال: فدعا بإناء فيه ماء، فجعل يغسل عنه بيده حتى أنقاها، ثم دعا بذرور3 فجعل ينثر بها دبرة البعير، قال: "من وَلِيَ بختيك هذا يا أبا موسى؟ "، قال: فتاي فلان؛ قال: "لا جرم والذي نفسي بيده، لا ترى العراق ما دمت أملك شيئاً"، قال أبو بردة: "فما رأت عَقِيلة ولا فتاة العراق حتى قبض عمر رضي الله عنه"4.
الباب السادس والأربعون: قوله وفعله في بيت المال
الباب السادس والأربعون: قوله وفعله في بيت المال ... الباب السادس والأربعون: في قوله وفعله في بيت المال في الصحيحين عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، أن حكيم ابن حزام1 قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال لي: "يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى" قال حكيم: فقلت يا رسول الله: والذي بعثك بالحق لا أرزأ2 أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيم اً ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئاً، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله، فقال: "يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم"3. في الصحيح عن عائشة قالت: "فأما صدقته يعني: النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فدفعها عمر إلى علي، وعباس، وأما خيبر وفدك4 فأمسكها عمر، وقال: "هما / [66 / ب] صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى من
ولي الأمر، فهما على ذلك إلى اليوم"1. وفي الصحيح عن مالك بن أوس2 قال: "بينما أنا جالس في أهلي حين مَتَع3 النهار، إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني، فقال: أجب أمير المؤمنين، فانطلقت معه حتى أدخل على عمر، فإذا هو جالس على رمال4 سرير وليس بينه وبينه فراش، متكئ على وسادة من أدم، فسلّمت عليه ثم جلست، فقال: "يا مالك إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات، وقد أمرت فيهم برضخ5 فاقبضه، فاقسمه بينهم. قلت: "يا أمير المؤمنين لو أمرت له غيري، قال: "فاقبضه أيها المرء" فبينما أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ، وقال: هل لك في عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، يستأذنون؟ قال: "نعم" فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يرفأ يسيراً، ثم قال: "هل لك في علي، وعباس"؟ قال: "نعم" فأذن لهما، فدخلا فسلما وجلسا، فقال عباس: "يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا" وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من مال بني النضير، فقال الرهط عثمان وأصحابه: "يا أمير المؤمنين اقض بينهما، وأرح أحدهما من الآخر". فقال عمر: "تيدكم6، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض،
هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه؟ قال الرهط: "قد قال ذلك" فأقبل عمر على عليّ، وعباس، فقال: "أنشد كما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك"؟ قالا: "قد قال ذلك" قال عمر: "فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله قد خصّ رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره، ثم قرأ: {وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُم فَمَا أَوْجَفْتُم عَلَيْهِ مِنْ خِيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} إلى قوله - {قَدِيرٌ} [الحشر: 6] . فكانت هذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووالله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، فقد أعطاكموها، وبثها فيكم، حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مال الله، فعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حياته، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟ قالوا: "نعم" ثم قال لعلي، وعباس: أنشدكم بالله، هل تعلمان ذلك؟ قالا: "نعم" قال عمر: "ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: "أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر، فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فكنت أنا ولي أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عمل فيها أبو بكر، [والله] 1 يعلم إني فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني تكلماني، وكلمتكما واحدة، وأمركما واحد، جئتني يا عباس، تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا "يريد عليا" - يريد نصيب امرأته من [أبيها] 2
فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة". فلما بدا لي أأدفعه إليكما؟، قلت: إن شئتما دفعتها إليكما، على أن عليكما عهد الله وميثاقه: لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عمل أبو بكر، وما عملت فيها منذ وليتها، فقلتما: ادفعها إلينا، فبذلك دفعتها إليكما، فأنشدكم بالله هل / [67 / أ] دفعتها إليكما بذلك؟ " قال الرهط: "نعم". ثم أقبل على عليّ وعباس فقال: "أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ "، قالا: "نعم". قال: "فتلتمسان مني قضاء غير ذلك، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك، فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ فإني أكفياكهما"1. وفي الصحيح عن ثعلبة بن أبي مالك، أن عمر بن الخطاب قسم مروطاً بين نساء من نساء أهل المدينة، فبقي منها مرطٌ جيدٌ، فقال له بعض من عنده: "يا أمير المؤمنين، أعط هذا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عندك، يريدون أم كلثوم بنت عليّ"، فقال عمر: "أم سليط أحق به"، وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر: "فإنها كانت تُزْفِرُ القِرَب يوم أحد"2. وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب إلى السوق، فلحقت عمر امرأةٌ شابةٌ، فقالت: "يا أمير المؤمنين، هلك زوجي، وترك صبية صغاراً، والله ما يُنضِجون كراعاً، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضّبع3، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقف معها عمر ولم يمض، ثم قال: "مرحباً بنسب قريب"، ثم انصرف إلى
بعير ظَهير كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غراراتين، ملأَها طعاماً، وحمل1 بينهما نفقة وثياباً، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: "اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير"، فقال رجل: "يا أمير المؤمنين، أكثرت لها"، فقال عمر: "ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصناً زماناً فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سُهْمَانَهُمَا فيه"2. وفي الصحيح عن زيد عن أبيه أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس ببّاناً ليس لهم شيء، ما فُتحت عليّ قريةٌ إلا قسمتها، كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، ولكني أتركها خِزَانَةً لهم يقتسمونها"3. وقوله: "بباناً"، ببائين موحدتين من أسفل، والثالثة نون موحدة من فوق، وهو: الفارغ الخاوي، كلمة حبشية4. وعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال عمر: "لولا آخر المسلمين، ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر"5. وعن قتادة6 قال: "آخر ما قدم عمر رضي الله عنه ثمان مئة ألف درهم من البحرين، فما قام من مجلسه حتى أمضاه، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم بيت مال، ولا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأوّل من اتخذ بيت المال
عمر رضي الله عنه"1. وعن مالك بن أوس قال: "كان رضي الله عنه يحلف على أيمان ثلاث، يقول: "والله ما من أحد أحق بهذا المال من رجل، وما أنا بأحق من أحد، ووالله ما من المسلمين من أحد إلا وله في هذا المال من نصيب إلا عبداً مملوكاً، ولكنا على منازلنا من كتاب الله عزوجل وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم / [67 / ب] فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وقِدَمُه في الإسلام، والرجل وغناه في الإسلام، والرجل وحاجته، والله لئن بقيت لهم ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال، وهو يرعى مكانه"2. وعن موسى بن عُليّ3 عن أبيه4: أن عمر بن الخطاب خطب الناس بالجابية، فقال: "من أراد أن يسأل عن القرآن، فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله تعالى جعلني خازناً وقاسماً، وإني بادئ بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم المهاجرين الأوّلين أنا وأصحابي، أخرجنا من مكة من ديارنا، وأموالنا، ثم الأنصار {الَّذِينَ
تَبَوَّءْوا الدَّارَ وَالإِيْمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الحشر: 9] ، ثم قال: فمن أسرع إلى الهجرة أسرع به العطاء، ومن أبطأ عن الهجرة أبطأ به العطاء، فلا يلومنّ رجل إلا مناخ راحلته"1. وعن نافع عن ابن عمر، قال: "قدم على عمر رضي الله عنه مال من العراق، قال: فأقبل يقسمه، قال: فأقبل إليه رجل فقال: "يا أمير المؤمنين، لو أبقيت من هذا المال لعدو إن حضر، أو نائبة إن نزلت؟ "، فقال عمر: "ما لك، قاتلك الله، نطق بها على لسانك شيطان، كفاني2 الله حجتها، والله لا أغصبن اليوم لغد، لا ولكن أعدّ لهم ما أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم"3. وعن أبي هريرة قال: "قدمت على عمر بن الخطاب من عند أبي موسى الأشعري بثمان مئة ألف درهم، فقال لي: "بماذا قدمت؟ "، قلت: "بثمان مئة ألف درهم"، قال: "إنما قدمت بثمانين ألف درهم"، قلت: "إنما قدمت ثمان مئة ألف درهم"، قال: "إنما قدمت بثمانين ألف درهم"، قلت: "قدمت بثمان مئة ألف درهم"، قال: "ألم أقل إنك يمان أحمق، إنما قدمت بثمانين ألف درهم، فكم ثماني مئة ألف درهم؟ "، فعددت مئة ألف، ومئة ألف،
حتى عددت ثمان مئة ألف، فقال: "أطيب ويلك؟ "، قلت: "نعم". قال فبات عمر ليلة أرقاً1 حتى إذا نودي لصلاة الفجر، قالت له امرأته: "يا أمير المؤمنين، ما نمت الليلة؟ "، قال: "كيف ينام عمر بن الخطاب، وقد جاء الناس ما لم يكن جاءهم مثله منذ كان الإسلام، فما يؤمِّن عمر لو هلك، وذلك المال عنده، لم يضعه في حقه. فلما صلى الصبح اجتمع إليه نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "إنه قد جاء الناس الليلة ما لم يأتهم منذ كان الإسلام، وقد رأيت رأياً، فأشيروا عليّ أن أكيل للناس بالمكيال". فقالوا: "لا تفعل، يا أمير المؤمنين، إن الناس يدخلون في الإسلام، ويكثر المال، ولكن أعطهم على كتاب، فكلما كثر الإسلام وكثر المال أعطيتهم". قال: "فأشيروا عليّ بمن أبدأ منهم". قالوا: "بك يا أمير المؤمنين، إنك ولي ذلك، ومنهم من قال: أمير المؤمنين أعلم". قال: "لا. ولكن أبدأ برسول الله / [68 / أ] صلى الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب إليه". فوضع الديوان على ذلك، قال عبيد الله2: "بدأ بهاشم والمطلب فأعطاهم، ثم أعطى بني شمس، ثم بني نوفل بن عبد مناف"3. وعن الأحنف قال: "كنا جلوساً بباب عمر، فمرت جارية فقالوا: سرية أمير المؤمنين"، فقالت: "ما هي لأمير المؤمنين بسرية، وما تحل له، إنها من
مال الله". فقلنا: "فماذا يحل له من مال الله؟، فما هو إلا قدر أن بلغت، فجاء الرسول فدعانا، فأتيناه، فقال: "ماذا قلتم؟، قلنا: لم نقل بأساً، مرت جارية فقلنا: هذه سرية أمير المؤمنين، فقالت: "ما هي لأمير المؤمنين بسرية وما تحل له، إنها من مال الله". فقلنا: ماذا يحل له؟ "، قال: "أنا أخبركم بما استحل منه؛ حلتان، حلة في الشتاء، وحلة في القيظ1 وما أحج عليه وأعتمر من الظهر، وقوتي وقوت أهلي كقوت رجل من قريش، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، ثم أنا بعد رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم"2. وعن عروة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لا يحل لي من هذا المال إلا ما كنت آكلاً من صلب مالي"3. وعن محمّد بن إبراهيم4، قال: "كان عمر يستنفق كل يوم درهمين له ولعياله، وأنفق في حجته ثمانين ومئة درهم"5. وعن ابن سعد بإسناده عن عمر أنه قال: "إني أنزلت مال الله مني6،
بمنزلة اليتيم، فإن استغنيت عففت عنه، وإن افتقرت أكلت بالمعروف"1. وعن عمر2 أنه إذا احتاج أتى صاحب بيت المال [فاستقرضه، فربما أعسر، فيأتيه صاحب بيت المال] 3 يتقاضاه فيلزمه فيحتال له عمر، وربما4 خرج عطاؤه فقضاه5. وخرج يوماً حتى أتى المنبر، وقد كان اشتكى شكوى فنعت6 له7 العسل، وفي8 بيت المال عكة9، فقال: "إن أذنتم لي فيها أخذتها، وإلاّ فإنها عليّ حرام" فأذنوا له فيها.10 وقال عمر رضي الله عنه: "ما مثلي ومثل هؤلاء إلا كقوم سافروا
فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم، فقالوا: "أنفق علينا"، فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟ "، قالوا: "لا، يا أمير المؤمنين"، قال: "فكذلك مثلي ومثلهم"1. وقال أبو أمامة2 بن سهل3: "مكث عمر رضي الله عنه زماناً لا يأكل من المال شيئاً حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة، فأرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشارهم، فقال: "قد شغلت نفسي في هذا الأمر، فما يصلح لي منه؟ "، فقال عثمان رضي الله عنه: "كل وأطعم"، وقال ذلك سعيد بن زيد، وقال لعلي: "ما تقول أنت؟ "، قال: "غذاءً وعشاءً"، فأخذ عمر بذلك"4. وعن ابن عمر، قال: "جمع عمر الناس بالمدينة حين انتهى إليه فتح القادسية، ودمشق، فقال: "إني كنت امرءاً تاجراً، وقد شغلتموني بأمركم5 هذا، فماذا ترون أنه يحل لي من هذا المال؟ "، فأكثر القوم، وعليّ رضي الله عنه ساكت، فقال: "يا عليّ ما تقول؟ "، قال: "ما يصلحك ويصلح عيالك بالمعروف، وليس لك من هذا الأمر غيره". فقال: "القول ما قال عليّ بن أبي طالب"6. وعن أسلم قال: "قام رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال: "مايحل لك
من هذا المال؟ "، فقال: "ما أصلحني وأصلح عيالي بالمعروف، وحلة للشتاء وحلة للصيف، / [68/ب] وراحلة عمر للحج، والعمرة، ودابة لحوائجه وجهاده"1. وعن الزهري قال: "انكسرت قلوص من إبل الصدقة، فنحرها عمر، ودعا الناس عليها، فقال العباس رضي الله عنه: "لو كنت تصنع بنا هكذا"، فقال عمر: "إنا والله ما وجدنا إلى هذا سبيلاً، إلا أن يؤخذ من حق، فيوضع في حق، ولا يمنع من حق"2. وعن حارثة بن مُضَرّب3، قال: قال عمر رضي الله عنه: "إني أنزلت نفسي من هذا المال بمنزلة والي اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن احتجت استقرضت، فإذا أيسرت قضيت"4. وعن عليّ رضي الله عنه قال: " [قال] 5 عمر للناس: "قد فضل عندنا فضل من هذا المال"، فقال الناس: "يا أمير المؤمننين، قد شغلناك عن أهلك، وصنعتك وتجارتك، فهو لك"، فقال لي: "ما تقول أنت؟ "، فقلت: قد أشار عليك القوم"، قال: "فقل"، فقلت: "لِمَ تجعل يقينك ظنا؟ "، قال: "لتخرجن مما قلت"، فقلت: أجل والله لأخرجن منه أتذكر حين بعثك نبي الله صلى الله عليه وسلم ساعياً فأتيت العباس بن عبد المطلب، فمنعك صدقته، فكان بينكما شيء،
فقلت: انطلق معي إلى نبي الله، فوجدناه خاثراً1، فرجعنا، ثم غدونا عليه فوجدناه طيب النفس، فأخبرته بالذي صنع، فقال لك: "أما علِمت أن [عم] 2 الرجل صِنو أبيه؟ "، وذكرنا له الذي رأينا من خثوره في اليوم الأوّل، والذي رأينا من طيب نفسه في اليوم الثاني، فقال: "إنكما أتيتماني في اليوم الأوّل وقد بقي عندي من الصدقة ديناران، فكان الذي رأيتما من خثوري لهن وأتيتماني اليوم الثاني وقد وجهتها، فذاك الذي رأيتما من طيب نفسي، فقال عمر: "صدقت، والله لأشكرن [لك] 3 الأولى والآخرة"4. وعن الربيع بن زياد الحارث: "أنه وفد على عمر رضي الله عنه فأعجبه هيئته، فشكى عمر وجعاً به من الطعام يأكله، فقال: "يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيب، ومبلس لين ومركب وطئ [لأنت] 5، وكان متكئاً، وبيده جريدة فاستوى جالساً، فضرب بها رأس الربيع بن زياد، وقال: "والله ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب فيك خيراً! ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء؟، إنما مثلنا كمثل قوم سافروا، فدفعوا نفقتهم إلى رجل منهم، فقالوا له: أنفق علينا، فهل له أن يستأثر عليهم بشيء؟ "، قال: "لا"6.
وعن الحسن1، قال: قال عمر بن الخطاب: "السنة ثلاث مئة وستون يوماً، وإن حقا على عمر يكسح2 بيت المال في كل سنة يوماً عذراً إلى الله عزوجل، إني لم أدع فيه شيئاً"3. وعن الحسن4 أن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما - كانا يرزقان الأئمة، والمؤذنين، والمعلّمين، والقضاة5. وعن الحسن6 رضي الله عنه قال: "بينما عمر رضي الله عنه يمشي في سكة من سكك المدينة، إذا هو بصبية تطيش7 على وجه الأرض، تقوم مرة، وتقع أخرى، فقال عمر: "يا حوبتها8، يا بؤسها من يعرف هذه منكم؟ "، فقال عبد الله بن عمر: "أما تعرفها يا أمير المؤمنين؟ "، قال: "لا، ومن هي؟ "، قال: "هذه إحدى بناتك"، قال: "وأيّ9 بناتي هذه؟ "، قال: "هذه فلانة بنت عبد الله بن عمر"، قال: "ويحك، وما صيرها إلى ما أرى؟ "، قال: "منعك10 ما عندك"، قال: "ومنعي ما عندي "يمنعك" أن تطلب لبناتك ما يكسب القوم لبناتهم، إنك والله ما لك عندي غير
سهمك من فيء المسلمين، وسعك أو عجزك هذا كتاب الله بيني وبينكم"1. وعن مالك بن أوس، قال: قال عمر: "ما أحد إلا وله في هذا المال حق إلا ما ملكت أيمانكم"2. وعن عاصم بن عمر - رضي الله عنهما - قال: بعث / [69 / أ] إليّ عمر عند الهَجِير3، أو عند صلاة الصبح فأتيته، فوجدته جالساً في المسجد فحمد الله عزوجل وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد: فإني لم أكن أرى شيئاً من هذا المال يحل لي قبل أن أليه إلا بحقه، ثم ما كان أحرم عليّ منه حين وليته، فعاد أمانتي، وإني كنت أنفقت عليك من مال الله شهراً4، فلست بزائدك عليه، وإني أعطيت ثمرك بالعالية5 فبعه6، فخذ ثمنه، ثم ائت رجلاً من تجار قومك فكن إلى جانبه، فإذا ابتاع شيئاً فاستشركه، وأنفق عليك وعلى أهلك". قال: "فذهبت ففعلت"7.
وعن قتادة، قال: "كان معيقيب1 على بيت مال لعمر، فكسح بيت المال يوماً فوجد فيه درهماً، فدفعه إلى ابن عمر، قال معقيب: ثم انصرفت إلى بيتي، فإذا رسول عمر قد جاء يدعوني، فجئت فإذا الدرهم في يده، فقال: "ويحك يا معيقيب أوجدت عليّ في نفسك شيئاً؟ "، أو ما لي ولك؟ "، قلت: "وما ذلك؟ "، قال: "أردت أن تخاصمني أمة محمّد صلى الله عليه وسلم في هذا الدرهم يوم القيامة؟ "2. وروى عمر بن شبه، أن عبد الله بن الأرقم قال لعمر: "إن عندنا حلية من حلية جلواء، وآنية وفضة، فانظر ما تأمر فيها"، فقال: "إذا رأيتني فارغاً فآذني"، فجاءه يوماً، فقال: "يا أمير المؤمنين، إني أراك اليوم فارغاً"، قال: "ابسط لي نطعاً"3، فبسط، ثم أتي بذلك المال فصب عليه، فأتى فوقف4، فقال: "اللهم إنك ذكرت هذا المال، فقلت: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِيْنَ وَالقَنَاطِيْرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ} [آل عمرن: 14] . وقلت: {لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَاءَاتَاكُم} [الحديد: 23] . اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا، اللهم إني أسألك أن تضعه في حقه، وأعوذ بك من شرّه". قال: فأُتي بابن له يقال له عبد الرحمن
بن لُهيّة1، فقال: "يا أبتاه هب لي خاتماً"، قال: "اذهب إلى أمك تسقيك سويقاً2فما أعطاه شيئاً"3. وعن عبد الرحمن بن غنم، قال: "شهدت عمر رضي الله عنه ينظر في أمور المسلمين حتى تعالى النهار، وافترق الناس وقام إلى منزله، واستتبعني فلما صار فيه قال لجاريته: "آتينا غداءنا"، فقّربت زيتاً وخبزاً، فقال: "ويحك ألا جعلت مكان الزيت سمنا؟ "، قالت: "يا أمير المؤمنين، إنك جلعت مال الله في أمانتي، وإن فَرقَ4 الزيت يقوم بكذا وكذا [وفرق السمن يقوم بكذا وكذا] 5، فقال: "ويحك، أما علمت أن داود عليه السلام كان يعمل فيأكل من عمل يده"6. وعن عاصم بن عمر [عن عمر] 7 قال: "إني لأجده يحل لي أن آكل من مالكم هذا إلا كما كنت آكل من صلب مالي، الخبز والزيت [و] 8
الخبز والسمن". قال: فكان ربما يؤتى بالجفنة قد صنعت بالزيت وما يليه منها بسمن/ [69/ب] 1 فيعتذر إلى القوم، ويقول: "إني رجل عربي ولست أستمرئ2 الزيت"3. قال أسامة بن مرشد4 الذي اختصر (سيرة عمر) ، لابن الجوزي - بعد هذا الحديث، قلت: "من غير رد على الشيخ المصنف - يعني ابن الجوزي - أمير المؤمنين منزه عن هذا وقد أجمع أصحاب السير أنه حرم على نفسه السمن، وأكل الزيت حتى اسودَّ لونه، فكيف يأكل من جفنة واحدة بين يديه سمن، وبين يدي مواكليه زيت؟!، هذا ينافي فعله وخلقه"5. قلت: وهذا الكلام ساقط من وجهين: الأوّل: أن كلامه يدل على إنكار على ابن الجوزي، ولا مدخل له في ذلك، فإنه أثر ذكره كما ورد. فإن قيل: قد قال: من غير رد على الشيخ، قيل: الظاهر أن قوله: من غير رد على الشيخ، كأنه احتقر نفسه عند المصنف، فإن قوة اللفظ تعطي ذلك مع أنه أنكر عليه، وليس عليه إنكار فإنه نقل الخبر كما مرّ. الثاني: أن قوله: "أمير المؤمنين منزه عن ذلك"، لا أرى التنزه عن ذلك
وجهاً، فإنه1 كان يفعل ذلك في بعض الأوقات لعلة، فلهذا فيه2: "كان ربما"، فدلك على أن ذلك كان يفعله بعض الأوقات وفيه ما يدل على أنه كان يفعله لعلة، ولو كان لغير علة فإنه يجوز له، فيجوز لصاحب الغداء أن يضع بين يديه ما هو أجود مما يضعه بين يدي ضيفه. وليس في هذا شيء يدل على أن ذلك كان من مال المسلمين. والله أعلم. وقال القاسم: "خطب عمر الناس، فقال: "إن أمير المؤمنين يشتكي بطنه من الزيت، فإن رأيتم أن تحلوا له ثلاثة دراهم ثمن عكة سمن من بيت مالكم، فافعلوا"3. وهذا يدل على أنه إنما فعل ذلك لعلة، وأنه لم يأكل الزيت معهم لعلة فيه، ولا يقدر أن يطعم الجميع السمن وفيه ضرر. وعن ناشرة بن سُمّي اليَزَني4 قال: "سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول يوم الجابية وهو يخطب الناس: "إن الله عزوجل جعلني خازناً لهذا المال وقاسمه، ثم قال: بل الله يقسمه، وأنا بادئ بأهل النبي صلى الله عليه وسلم ثم أشرفهم"، فَفَرَض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف درهم إلا جويرية وصفية وميمونة، قالت عائشة: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدل بيننا"، فعدل بينهن عمر، ثم قال: "إني بادئ بأصحابي المهاجرين الأوّلين، فإنا أخرجنا من ديارنا
ظلماً وعدواناً ثم أشرافهم". ففرض لأصحاب بدر منهم خمسة آلاف، ولمن كان شهد بدراً من الأنصار أربعة آلاف، قال: "ومن أسرع في الهجرة أسرع به في العطاء، ومن أبطأ في الهجرة أبطأ به في العطاء، فلا يلومنّ رجل إلا مناخ راحلته، وإني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد إني أمرته / [70/أ] 1 أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين فأعطاه ذا البأس، وذا الشرف، وذا اللسان، فنزعته وأمرت أبا عبيدة بن الجراح"2. وعن أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، أن عمر رضي الله عنه كتب المهاجرين على خمسة آلاف، والأنصار على أربعة آلاف، فمن لم يشهد بدراً من أبناء المهاجرين على أربعة آلاف، فكان منهم عمر بن أبي سلمة ابن عبد الأسد المخزومي3، وأسامة بن زيد4، ومحمّد بن عبد الله بن جحش الأسدي5، وعبد الله بن عمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: "إن ابن عمر ليس من هؤلاء، إنه وإنه"، فقال ابن عمر: "إن كان لي حق فأعطني، وإلا فلا تعطني". فقال عمر لابن عوف: "اكتبه على خمسة آلاف واكتبني على أربعة آلاف"، فقال عبد الله: "لا أريد هذا"، فقال عمر: "والله لا أجتمع أنا وأنت على خمسة آلاف"6. فرض عمر رضي الله عنه لأهل بدر عربيهم ومولاهم في خمسة آلاف،
وقال: "لأفضلنهم على من سواهم"1. وعن الزهري قال: "فرض عمر للعباس عشرة آلاف"2. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن3، قال: "قال عمر رضي الله عنه: "إني متخذ4 المسلمين على الأعطية ومُدَوِّنهم، ومتحرّ الحق، فقال عبد الرحمن وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - "ابدأ بنفسك"، فقال: "لا، بل أبدأ بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب منهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرض للعباس فبدأ به، ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف، ثم فرض لمن بعد أهل بدر إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف، ثم فرض لمن بعد الحديبية إلى أن أقلع أبو بكر رضي الله عنه عن أهل الردة ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف، ودخل في ذلك من شهد الفتح، ثم فرض لأهل القادسية، وأهل الشام أصحاب اليرموك، ألفين ألفين، وفرض لأهل البلاء البارع منهم ألفين وخمس مئة ألفين وخمس ومئة، فقيل له: "لو ألحقت أهل القادسية بأهل الأيام؟ "، قال: "لم أكن لألحقهم بدرجة من لم يدركوا، لاها الله إذاً"5، وقيل له: "قد سويتهم على بعد دارهم ممن قربت داره؟ "، فقال: "هم حق بالزيادة لأنهم كانوا ردءاً لهتوف6، وشجى لعدو، وايم الله ما سويتهم حتى استبطنتهم7،
والرّوادف1 الذين ردفوا بعد فتح القادسية، واليرموك ألفاً ألفاً، ثم الروادف الثني خمس مئة خمس مئة، ثم الروادف الثلث2 بعدهم ثلاث مئة ثلاث مئة. سوّى كل طبقة في العطاء ليس بينهم فيما بينهم تفاضل قويهم وضعيفهم، وعربيهم وأعجميهم في طبقاتهم سواء [حتى] 3 إذا حوى أهل الأمصار ما حووا من سباياهم، وردفت الرّبع من الروادف فرض لهم على خمسين ومئتين، وفرض لمن ردف من الروادف الخمس على مئتين، وكان آخر من فرض له عمر رضي الله عنه أهل هجر4 على مئة. ومات عمر على ذلك. وأدخل عمر في أهل بدر أربعة من غير أهل بدر: الحسن والحسين، وأبا ذر وسلمان، - رضي الله عنهم -5. وعن زهرة بن أبي سلمة6، قال: "فرض للعباس على خمسة وعشرين ألفاً"7. وقال الزهري: "على اثني عشر ألفاً، وجعل نساء أهل بدر على خمس مئة، خمس مئة، ونساء من بعد بدر إلى الحديبية على أربع مئة، أربع مئة، ونساء بعد ذلك إلى الأيام على ثلاث مئة، ثم نساء القادسية على مئتين مئتين، ثم سوى بين النساء بعد ذلك، وجعل الصبيان من أهل بدر وغيرهم على مئة، مئة، وفرض
لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف إلاّ من جرى عليها الملك، وفضل عائشة - رضي الله عنها - ألفين، فأبت، فقالت: "بفضل ميزاتك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذت فشأنك"1. وعن أبي سلمة2، ومحمّد3، والمهلب4 وطلحة5، قالوا: "لما أعطى عمر رضي الله عنه وذلك في سنة خمس عشرة، وكان صفوان بن أمية قد أفرض في أهل القادسية، وسهيل بن عمرو6 فلما دعي صفوان وقد رأى ما أخذ أهل بدر ومن بعدهم إلى الفتح، فأعطاه في أهل الفتح، فقال: "لست آخذاً أقل من هو دوني"، فقال: "إنما أعطيتهم على السابقة في الإسلام لا على الأحساب"، قال: "فنعم إذا". / [70/ب] فأخذ وقال: "أهل ذلك هم"، ولما بلغ القسم سهيل بن عمرو والحارث بن هشام، قالا: "أنت تعرف قريشاً وتقصر بنا"، قال: "إنما القسم على السابقة وقد سبقتما"، قالا: "نعم، إذا ولئن كنا سبقنا إلى ذلك لا نسبق إلى الجهاد وأخذا"7. وعن عبد الملك بن عمير8 قال: "أصاب المسلمين يوم المدائن، بساط بهار كسرى، ثقُل عليهم أن يذهبوا به، وكانوا يعدونها للشتاء، إذا ذهبت
الرياحين، وكانوا إذا أرادوا الشرب شربوا [عليه] 1 فكأنهم2 في رياض بساط واحد ستين في ستين، أرضه بذهب3، ووشِيَه4 بفصوص، وثمره بجوهر، وورقه بحرير وماء ذهب، فلما قسم سعد فيهم فضل، ولم يتفق قسمه، فجمع سعد المسلمين فقال: "إن الله تعالى قد ملأ أيديكم، وقد عسر قسم هذا البساط، ولا يقدر على شرائه أحد، فأرى أن تطيبوا به نفساً لأمير المؤمنين يضعه حيث يشاء"، ففعلوا. فلما قدم على عمر رضي الله عنه بالمدينة رأى رؤياً فجمع الناس، وحمد الله وأثنى عليه، واستشارهم في البساط، وأخبرهم خبره، فمن مشير بقبضه، وآخر مُفوّض إليه، وآخر مرقق فقام عليّ رضي الله عنه حين رأى عمر يأبى حتى انتهى إليه، فقال: "لِمَ تجعل عملك جهلاً ويقينك شكاً؟ إنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت، أو لبست فأبليت، أو أكلت فأفنيت"، قال: "صدقتني"، فقطعه فقسمه بين الناس، فأصاب عليّاً رضي الله عنه قطعة منه فباعها بعشرين ألفاً، وما هي بأجود تلك القطع"5. وعن الزهري أن عمر كسا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن فيها ما يصلح للحسن والحسين فبعث إلى اليمن فأتى لهما بكسوة فقال: "الآن طابت نفسي"6.
وعن أبي وائل1، قال: "استعملني ابن زياد2 على بيت المال، فأتى رجل بصك فقال فيه: "أعط صاحب المطبخ ثمان مئة درهم"، فقلت له: مكانك، ودخلت على ابن زياد فحدثته فقلت: إن عمر استعمل عبد الملك بن مسعود على القضاء وبيت المال، وعثمان بن حنيف على ما سقي الفرات، وعمار بن ياسر على الصلاة والجند، ورزقهم كل يوم شاة، فجعل نصفها وسقطها وأكارعها3 لعمار، لأنه كان في الصلاة والجند، وجعل لعبد الله بن مسعود ربعها، وجعل لعثمان بن حنيف ربعها، ثم قال: "إن مالاً يؤخذ منه كل يوم شاة، فإن ذلك فيه لسريع"، فقال ابن زياد: "ضع المفتاح واذهب حيث شئت"4. فما ورد عنه في بيت المال وقيامه فيه، ونظر في مصالحه، وحذره من أن يأخذ هو أو أحد من أهله منه شيئاً بغير حقه، لم يرد عن أحد من الأمة رضي الله عنه، وجزاه عن المسلمين خيراً. إنه على كل شيء قدير.
الباب السابع والأربعون: حذره من المظالم وخروجه منها
الباب السابع والأربعون: حذره من المظالم وخروجه منها ... الباب السابع والأربعون: في حذره من المظالم وخروجه منها ذكر ابن الجوزي عن الأحنف بن قيس قال: "وفدنا إلى عمر بفتحٍ عظيم، فقال: "أين نزلتم؟ "، فقلت: في مكان كذا، فقام معنا حتى انتهينا إلى مناخ رواحلنا، فجعل يتخللها ببصره ويقول: "ألا اتقيتم الله في ركابكم هذه؟، أما علمتم أن لها عليكم حقاً؟، ألا خليتم عنها فأكلت من نبت الأرض؟ ". فقلنا: يا أمير المؤمنين، إنا قدمنا بفتح عظيم، فأحببنا التسرع إلى أمير المؤمنين، وإلى المسلمين بما يسرهم، ثم انصرف راجعاً ونحن معه، فلقيه رجل، فقال: "يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعدني على فلان فإنه ظلمني". قال: فرفع الدرة فخفق1 بها رأسه، وقال: "تدعون عمر / [71 / أ] وهو مُعرِضٌ لكم حتى إذا اشتغل بأمرٍ من أمور المسلمين أتيتموه: أعدني، أعدني". فانصرف الرجل وهو يتذمّر2، فقال عمر: "عليّ بالرجل"، فألقى إليه المخِفقة3، فقال: "أمسك"، قال: "لا ولكن أدعها لله ولك"، قال: "ليس كذلك، إما تدعها لله وإرادة ما عنده، أو تدعها لي فأعلم ذلك". قال: "أدعها لله"، قال: "انصرف". ثم جاء يمشي حتى دخل منزلة، ونحن معه، فافتتح الصلاة، فصلى ركعتين، ثم جلس، فقال: "يا ابن الخطاب، كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزّك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، لجاء رجل يستعديك فضربته، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟ "، فجعل يعاتب نفسه
معاتبة ظننت أنه من خير أهل الأرض"1. وعن إياس بن سلمة2 عن أبيه، قال: "مرّ عمر رضي الله عنه وأنا في السوق، وهو مار في حاجة، ومعه الدّرّة، فقال: "هكذا أمِطْ3 عن الطريق يا سلمة". قال: ثم خفقني بها خفقة فما أصاب إلا طرف ثوبي، فأمطت عن الطريق، فسكت عني حتى كان في العام المقبل، فلقيني في السوق، فقال: "يا سلمة، أردت الحج العام؟ "، قلت: نعم. يا أمير المؤمنين، فأخذ بيدي، فما فارقت يدي يده حتى دخل في بيته، فأخرج كيساً فيه ست مئة درهم، فقال: "يا سلمة، استعن بهذه، واعلم أنها من الخفقة التي خفقتك عام أوّل". قلت: والله يا أمير المؤمنين، ما ذكرتها حتى ذكرتنيها، قال: "والله ما نسيتها بعد"4. وعن عاصم بن عبيد الله5، قال: "قال6 عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحت شجرة في طريق مكة، فلما اشتدت عليه الشمس أخذ عليه ثوبه، فقام فناداه رجل غير بعيد منه: يا أمير المؤمنين، هل لك في رجل قد ربْدت حاجته، وطال انتظاره؟، قال: "من ربدها؟ "، قال: "أنت"، فجاراه القول حتى ضربه
بالمخفقة، فقال: "عجلت عليّ قبل أن تنظرني، فإن كنت مظلوماً رددت إلي حقي، وإن كنت ظالماً رددتني"1، فأخذ عمر طرف ثوبه، وأعطاه المخفقة، وقال له: "اقتص"، قال: "ما أنا بفاعل"، فقال: "والله لتفعلن كما فعل المنصف من حقه"، قال: "فإني أغفرها"، فأقبل عمر على الرجل، فقال: "أنصف من نفسي أصلح من أن ينتصف مني، وأنا كاره"، فلو كنت في الأراك لسمعت حنين عمر - يعني: بكاءه"2. قوله: "ربدتها: يعني: حبستها3، 4. وعن سالم بن عبد الله، قال: "نظر عمر رضي الله عنه إلى رجل أذنب ذنباً فتناوله بالدّرّة، فقال الرجل: "يا عمر إن كنت أحسنت فقد ظلمتني، وإن كنت أسأت فما علمتني". قال: "صدقت، فاستغفر الله لي5 فاقتد من عمر، فقال الرجل: "أهبها لله وغفر الله لي ولك"6. قال ابن الجوزي أو ابن مرشد الذي اختصر سيرته والظاهر أنّه من كلام ابن الجوزي: "فإن قال قائل: كيف جاز لعمر أن يقول لمن ضربه: اقتص منّي، والقصاص لا يكون في الضرب بالعصا إجماعاً"7. / [71 / ب] . قال: "وأبلغ من هذا ما روى محمّد بن سعد من حديث الفضل
بن العباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل كنت أصبت من عِرِضه شيئاً، فهذا عرضي فليقتص منّي، أو من بَشَره شيئاً فهذا بشري فليقتص، أو من ماله شيئاً فهذا مالي فليأخذ، واعلموا أن أولاكم بيَ رجل كان له من ذلك شيء1 فأخذه وحلّلَني، فلقيت ربّي وأنا محلَّل لي "2. قال: فالجواب أما النبي صلى الله عليه وسلم فإنه منزه أن يكون ضرب أحداً بغير حق، إنما أبان بما قال الواجب على من ضرب أحداً بغير حق يعزر، والتعزير ضرب لكنه لايقع قوداً، لكن تعزيراً، وكذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من كنت ضربته بغير حق، فليضربني على وجه التعزير، لا معنى القصاص، فإن عمر هو الإمام، وإذا وجب لبعض رعيته عليه حق جاز أن يأذن له في استيفائه، وإقامته، فأما القصاص في الضرب بالعصا فقد أجمع الفقهاء أنه لا قصاص في ذلك، ولا يعدل عن الإجماع بخبر محتمل، ثم لا يحوز للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لعمر أن يبيحا من أنفسهما ما لم يبحه الله تعالى من الضرب، كما لا يجوز لأحد أن يقول لآخر: اجرحني، أو اقتلني، لأن النفوس محترمة لحق الله تعالى، وإنما أبيح القصاص في الجراح والقتل"3. قلت: وهذا الكلام مردود من وجهين: الأوّل: أنه لا يمتنع أن يظن النبي صلى الله عليه وسلم الحق في ضرب رجل فيضربه ثم يظهر الحق في عدم ضربه، فقد قال عليه السلام: "إنما أنا بشر مثلكم، أنْسى كما تنسون" 4، وقال: "إني بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إليّ، وإن
بعضكم ألحن بحجته1 من بعض" 2. فإذا كان الخطأ في الاجتهاد جائزاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم ففي حق عمر من باب أولى. الثاني: أن قوله: "لا قصاص في العصا بالإجماع"، ليس بمسلم، بل يكون فيه القصاص، حتى قال بعض أصحابنا: القصاص في الكلام أيضاً، وهو اختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية، أنه إذا شُتم، أو لعن، يجوز أن يقتص منه بالكلام، وكذلك إذا ضرب يجوز أن يضرب من ضربه3، وقال الله عزوجل: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] . وقوله عزوجل: {وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ، لا يلزم منه أن لا يكون القصاص في غير الجروح، بل هنا أثبت القصاص في الجروح، وسكت عن غيرها، وأي دليل في ثبوت القصاص في ذلك أعظم من قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول عمر، ولو لم يكن قول النبي صلى الله عليه وسلم فقول الصحابي حجة4. وقوله: "لا يجوز لهما أن يبيحا من نفسهما ما لم يبحه الله تعالى". نقول: "هذا ليس مما لم يبحه الله تعالى، فإن هذا مباح، بل واجب، أي:
لأجل / [72 / أ] الخروج من المظلمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان عنده حق لأخيه فليتحلله" 1، وهذا حق فإن ضربه بغير حق فإثم ذلك عليه". وقوله: "كما لا يجوز أن يقول لرجل: اقتلني، أو اجرحني". هذا ليس بمسلم، وهذا ليس كهذا، فإنه لا يجوز أن يقول له اقتلني أو اجرحني بغير حق عليه، وهناك عليه حق، بل نقول: لو جرح الإمام رجلاً ظلماً، وجب عليه أن يقول له: اجرحني، وإذا ضربه وجب أن يقول له: اضربني، وإذا أخذ من ماله شيئاً، وجب عليه دفعه إليه، والضرب بالعصا كذلك. وقوله: "إن ذلك تعزير". هذا مردود بل كونه قصاصاً أولى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم منَزَّهٌ أن يعزر وليس بمنزه عن دفع الحق إلى أهله، وهو محمود عليه، وكذلك عمر، ولأن التعزير لا يكون إلا من الإمام في حق غيره، ولا يكون من غير الإمام في حق الإمام، وما قاله هذا القائل لا معول عليه، ولو سكت عن هذه المقالة كان أولى، بل هي مقالة لا يلتفت إليها، وما أظن ابن الجوزي يقول ذلك. وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن حماد بن يحيى المكي2 عن أبيه3، قال: "قدمت المدينة أنا، وأهلي، فانطلقت إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، ثم أقبلت فلقيتني المرأة في بعض الطريق، فقمت معها أسألها عن بعض الأمر، فبينا أنا أكلمها إذ ضربة على رأسي، فالتفت فإذا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فقلت: "يا أمير المؤمنين، ظلمتني، هذا والله امرأتي، قال: "أفلا كلمتها
خلف باب أو ستر؟ ": قلت: "يا أمير المؤمنين، لقيتني فسألتها عن بعض الأمر"، فألقى إليّ الدّرّة، وقال: "اقتص"، قلت: "لا"، قال: "فاعف". قلت: "لا". فأخذ بيدي، فانطلق بيَ إلى منزل أبي بن كعب، فاستأذن فخرج إليه ابنه، فقال: "حاجتك يا أمير المؤمنين؟ "، فقال: "قل لأبيك يخرج"، قال: فخرج إلي1 أبيض الرأس واللحية، فجلس معه، ثم قال عمر: "اقرأ عليّ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58] . فقرأها عليه، فقال عمر: "في عمر نزلت؟ "، قال: "لا"، قال: "فإني أضرب المؤمنين، ولا يضربونني، وأشتمهم ولا يشتمونني، وأوذيهم ولا يؤذنوني"، قال: "لا ولكن2 أحدّثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ من قبل الله: ألا لا يرفعن أحد كتابه حتى يرفع عمر بن الخطاب، فيجاء بك مبيض وجهك تزف إلى ربك كتابك بيمينك" 3. فرضي الله عنه ما كان أحذره من المظالم الكبير منها والصغير، وما كان أجهده في الخروج من مظالم الناس، وأن لا يترك لأحد عنده مظلمة. رضي الله عنه.
الباب الثامن والأربعون: ملاحظته لعماله ووصيته إياهم
الباب الثامن والأربعون: ملاحظته لعماله ووصيته إياهم ... الباب الثامن والأربعون: في ملاحظته لعماله ووصيته إياهم في الصحيح عن زيد بن أسلم عن أبي / [72 / ب] أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعى هُنَيّاً1 على الحِمى، فقال: "يا هُنَيّ اضْمُمْ جناحك على المسلمين، واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل ربَّ الصّرَيْمَة2 وربَّ الغنيمة، وإياي، ونعم ابن عوف، ونعم ابن عفان، فإنهمها إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى زرع، ونخل، وإن ربّ الصريمة، ورب الغنيمة، إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين3، أفتاركهم أنا لا أبا لك؟، فالماء، والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق، وأيم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله، ما حميت عليهم من بلادهم شبراً"4. وفي الصحيح أيضاً عن عبد الله بن عامر5، أن عمر استعمل قدامة ابن مظعون6 على البحرين، وكان شهد بدراً، وهو خال عبد الله بن عمر وحفصة7.
وعن يحيى بن معين، قال: "كان شريح قاضي عمر بن الخطاب، وكان عبد الله بن مسعود على بيت المال"1. قال نافع: "استعمل عمر زيداً على القضاء، وفرض له رزقاً"2. ذكر ابن الجوزي عن عمرو بن ميمون، قال: "رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بالمدينة، وقف على حذيفة بن اليمان، وعثمان ابن حنيف، فقال: "كيف فعلتما أتخافان أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق؟ "، قالا: "لا"، فقال عمر: "لئن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبداً". فما أتت عليه رَابِعةٌ حتى أصيب"3 وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت4 - رحمه الله -، قال: "كان عمر بن الخطاب - رحمه الله - إذا استعمل عاملاً كتب عليه كتاباً، وأشهد عليه رهطاً من الأنصار: أن لا يركب برذوناً5، ولا يأكل نقيّاً، ولا يلبس رقيقاً، ولا يغلق بابه دون حاجات6 المسلمين، ثم يقول: "اللهم اشهد".
وعن عمرو بن مرّة1 [قال] 2: "كان عمر رضي الله عنه يكتب إلى أمراء الأمصار بأن لكم معشر الولاة حقاً على الرعية، ولهم مثل ذلك، فإنه ليس من حكم3 أحب إلى الله تعالى ولا أعم نفعاً من حكم4 إمام ورفقه، وإنه ليس جهل أبغض إلى الله ولا أعم ضراً من جهل إمام وخرقه، وإنه من يطلب العافية فيمن هو بين ظهرانيه، ينزل الله عليه العافية من فوقه"5. وعن ابن سعد، قال: "كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل النعمان6 على ميسان7 وكان يقول الشعر، فقال: ألا هل أتى الحسناء أن حليلها ... بميسان يُسقي في زجاج وحَنْتَم8 إذا شئت غنتني دهَاقين9 قريةٍ ... ورقاصة تجثوا10 على كل مَنْسم فإن كنت ندماني فبالأكبر11اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا بالجوسق1 المتهدم فلما بلغ عمر قوله، قال: "نعم إنه والله ليسوءني: من لقيه فليخبره أني قد عزلته"، فقدم عليه رجل / [73 / أ] من قومه فأخبره بعزله، فقال: "والله ما صنعت شيئاً مما قلت، ولكني كنت امرأً شاعراً، فوجدت فضلاً من قول، فقلت فيه الشعر"، فقال عمر: "والله لا تعمل لي على عمل ما بقيتُ، وقد قلتَ ما قلتَ"2. وعن عثمان الحِزامي3 عن أبيه4 قال: "لما بلغ عمر بن الخطاب هذا الشعر، كتب إلى النعمان بن نضلة5: بسم الله الرحمن الرحيم {حم. تَنْزِيْلُ الكِتَابِ مِنَ الله العَزِيْزِ العَلِيم غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيْدِ العِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المَصِيْرُ} ، [غافر: 1-3] . أما بعد: فقد بلغني قولك: لعل أمير المؤمنين يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم وأيم الله إنه ليسوءني "وعزله، فلما قدم على عمر بكَّته6 بهذا الشعر، فقال: "يا أمير المؤمنين، ما شربتها قط، وما ذاك الشعر إلا شيء فطح على اللسان"، فقال عمر: "أظن ذلك، ولكن لا تعمل
لي عملاً أبداً"1. قال ابن الجوزي: "جاء في الشعر: تجثو2، وتجذو، والصحيح: [تجذو] 3 ومعناه: ينتصب4. والمَنْسِم: استعارة، وهو من البعير بمنزلة الظفر من الإنسان5. والجوسق: فارسي معرب، وهو تصغير قصر كوشك، أي: صغير67. وعن محمّد بن عبد الغفار8 قال: "استعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً من قريش فبلغه أنه قال: اسقني شربة ألذ عليها واسق بالله مثلها ابن هشام فأشخص9 إليه وذُكِرَ إنما أشخص10 إليه من أجل البيت، فضم إليه آخر، فلما قدم عليه، قال: "ألست القائل: اسقني شربة ألذ عليها ... واسق بالله مثلها ابن هشام
قال: عسلاً بارداً بماء سحاب ... إنني لا أحب شرب المدام فقال: الله، الله، قال: ارجع إلى عملك"1. وعن ابن المسيب2، عن عمر رضي الله عنه قال: "أيما عاملٍ لي ظلم أحداً، وبلغتني فلم أغيرها فأنا ظلمته"3. وعن عياض الأشعري4، قال: "قدم على عمر فتح من الشام، فقال لأبي موسى: "ادع كاتبك يقرأه على الناس في المسجد"، قال أبو موسى: "إنه نصراني لا يدخل المسجد"، قال عمر: "ولِمَ استكتبت نصرانياً؟ "5. وعن أُسِّقَ6، قال: "كنت عبداً نصرانياً لعمر، فقال: "أسلم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين، لأنه لا ينبغي لنا أن نستعين علىأمورهم بمن ليس منهم"، فأعتقني، وقال: "اذهب حيث شئت"7.
وعن الأحنف بن قيس، قال: "قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاحتبسني عنده حولاً، فقال: "يا أحنف قد بلوتك وخبرتك، فرأيت أن علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك على مثل علانيتك، وإن كنا لنُحَدّث بما يُهلك هذه الأمة كل منافق عليم"1. وعن الأحنف بن قيس: أنّه قدم على عمر رضي الله عنه فاحتبسه حولاً / [73 / ب] ثم قال: "أتدري لِمَ احتبستك؟ "، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفنا من كلّ منافق عليم اللسان، ولست منهم"2. وعن عبد الرحمن بن أبي عطية3، قال: "كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن مَترَس بالفارسية، هو الأمان، فمن قلتم له ذلك ممن لا يفقهلسانكم فقد أمنتموه"4. وعن عبد الرحمن بن سابط5، قال: "بلغ عمر رضي الله عنه أن عمالاً من عماله اشتكوا، فأمرهم أن يوافوه فلما أتوه، قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيتها الرعية، إن لنا عليكم حقّاً، النصيحة بالغيب، والمعاونة على
الخير، أيتها الرعاة إن للرعية عليكم حقّاً، اعلموا أنه لا حلم إلى الله، أحب، ولا أعم نفعاً من حلم إمام ورفقه1، وأنه ليس جهل أبغض إلى الله، ولا أعم من جهل إمام وخرقه، اعلموا أنه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهرانيه، يرزق العافية فيمن هو دونه"2. وعن قيس3 قال: "بعث عمر جريراً4 على الجيش، فسقطت رِجلُ رَجلٍ من المسلمين من البرد، فبلغ ذلك عمر، فأرسل جريراً مسمعاً، إنه من يُسمع، يُسمَعِ الله به يعني إنك خرجت في البرد لكي يقال: قد غزا في البرد"5. وعن مُحارب بن دثار6، عن عمر رضي الله عنه أنه قال لرجل قاضي: "من أنت؟ "، قال: "قاضي دمشق". قال: "كيف تقضي؟ "، قال: "أقضي بكتاب الله"، قال: "فإذا جاءك ما ليس [في كتاب الله؟ "، قال: "أقضي بسنة رسول الله"، قال: "فإذا جاءك ما ليس في] 7 سنة رسول الله؟ "، قال: "أجتهد رأيي وأوامر جلسائي"، قال: "أحسنت". قال: وإذا جلست فقل: إني أسألك أن أفتي بعلم، وأن أقضي بحلم، وأسألك العدل في الغضب والرضى". قال: فسار الرجل ما شاء أن يسير، ثم رجع إلى عمر، فقال: "ما أرجعك؟ "، قال: "رأيت الشمس والقمر يقتتلان، مع كل واحد
منهما جنود من الكواكب"، فقال: "مع أيهما كنت؟ "، قال: "مع القمر"، قال: "يقول الله عزوجل: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] ، لاتل [لي] 1 عملاً"2. وعن الحسن3، قال: "قال عمر: "أعياني أهل الكوفة، إن استعملت وجدت رجلاً قوياً، أميناً مسلماً، أستعمله عليهم"، فقال رجل: "يا أمير المؤمنين، أنا والله أدلك على الرجل القوي الأمين المسلم"، فأثنى عليه عمر، وقال: "من هو؟ "، قال: "عبد الله بن عمر"، قال عمر: "قاتلك الله، والله ما أردت4 الله بها"5. وعن الحسن6، قال: "قال عمر رضي الله عنه: "هانَ شيء أُصْلِح به قوماً، أُبدّلهم أميراً مكان أمير"7. وعن عبد الملك8،: "أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
أن شاور طليحة الأسدي، وعمرو بن معدي كرب، في أمر حربك، ولا تولهما من الأمر شيئاً، فإن كل صانع هو أعلم بصنعته"1. وعن عاصم بن بَهْدَلة2، قال: "كان عمر رضي الله عنه جالساً مع أصحابه، فمرّ به رجل فقال له: "ويل لك، يا عمر من النار"، فقال رجل: "يا أمير المؤمنين، ألا ضربته؟ "، فقال رجل أظنه عليّاً: "ألا سألته؟ "، فقال عمر: "عليّ بالرجل عليه3 فقال له: "لِمَ؟ "، قال: "تستعمل"، العامل وتشترط عليه شروطاً ولا تنظر في / [74 / أ] شروطه". قال: "وما ذاك؟ "، قال: "عاملك على مصر اشترطت عليه شروطاً فترك ما أمرته به وانتهك ما نهيته عنه"، وكان عمر رضي الله عنه إذا استعمل عاملاً شرط عليه أن لا يركب دابة، ولا يلبس رقيقاً، ولا يأكل نقيّاً، ولا يغلق بابه دون الناس وحوائجهم، وما يصلحهم، قال: فأرسل إليه رجلين، فقال: "سلا عنه، فإن كان كذب عليه فأعلماني، وإن كان صدق فلا تملكاه من أمره شيئاً حتى تأتياني به". فسألا عنه فوجداه قد صدق عليه، فاستأذنا ببابه، فقال: "إنه ليس عليه آذن"، فقالا: "ليخرجن إلينا أو لنحرقن بابه"، وجاء أحدهما بشعلة من نار، فلما رأى ذلك آذنه أخبره، فخرج إليهما، فقالا: "إنا رسولا عمر، لتأتينه"، قال: "إن لي حاجة تزود"، قالا: "ما أنت4 بالذي5 تأتي أهلك"، فاحتملاه فأتيا به عمر رضي الله عنه
فقال: "من أنت ويلك؟ "، قال: "عاملك على مصر"، وكان رجلاً بدوياً، فلما أصاب من ريف مصر ابيضّ وسمن، فقال: "استعملتك وشرطت عليك شروطاً، فتركت ما أمرتك به، وانتهكت ما نهيتك عنه، أما والله لأعاقبنك عقوبة أبلغ إليك فيها، إيتوا بدرّاعة1 من كساء، وعصا وثلاث مئة شاة من شياه الصدقة، فقال: "ألبس هذه الدّارعة، فقد رأيت أباك وهذه خير من دُرّاعته، وهذه خير من عصاه، اذهب بهذه الشاء فارعها2 في مكان كذا وكذا - وذلك في يوم صائف - فلا تمنع السائل من ألبانها شيئاً وأعلم أنا آل عمر لم نصب من شاء الصدقة، ومن ألبانها ولحومها شيئاً، فلما أمعن رده، فقال: "أفهمت ما قلت لك؟ "، ورد عليه الكلام ثلاثاً فلما كان في الثالثة ضرب بنفسه الأرض بين يديه، وقال: "ما أستطيع ذلك، فإن شئت فاضرب عنقي"، قال: "فإن رددتك فأي رجل تكون؟ "، قال: "لا ترى إلا ما تحب فرده فكان خير عامل"3. وعن المنصفق4: أن عمر رضي الله عنه كتب لرجل عهداً، وجاء بعض ولده فأقعده في حجره، فقال الرجل: "ما أخذت ولداً لي قط"، قال: "فما ذنبي إن كان الله عزوجل نزع الرحمة من قلبك؟، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء". ثم انتزع العهد من يده"5.
وعن أبي عثمان1 قال: "استعمل عمر رضي الله عنه رجلاً من بني أسد على عمل فدخل ليسلم عليه، فأتى عمر بعض ولده فقبله، فقال الأسدي: "أتقبل هذا يا أمير المؤمنين؟، والله ما قبلت ولداً قط"، فقال عمر: "فأنت والله بالناس أقل رحمة لا تعمل لي عملاً أبداً، فرد عهده"2. وعن الشعبي، قال: "قال عمر: "لا أوتى برجل فضلني على أبي بكر إلا جلدته أربعين"3. قال: "وكان عمر إذا بعث عاملاً كتب ماله"4. وعن ابن سيرين5، قال: "قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله لأنزعن [عن] 6 القضاء فلاناً، ولأستعملن على القضاء رجلاً / [74 / ب] إذا رأه الفاجر فرقه"7.
وعن زيد بن وهب1، قال: "خرج جيش في زمن عمر رضي الله عنه نحو الجبل، فانتهوا إلى نهر ليس عليه جسر، فقال أمير ذلك [الجيش] 2 لرجل من أصحابه: "انزل وانظر في مخاضة نجوز فيها"، في يوم شديد البرد، فقال ذلك الرجل: إني أخاف إن دخلت الماء أن أموت"، فأكرهه فدخل فقال: "يا عمراه يا عمراه"، ثم لم يلبث أن هلك، فبلغ ذلك عمر وهو في سوق المدينة، فقال: "يا لبيكاه"، وبعث إلى أمير ذلك الجيش فنزعه، وقال: "لولا أن يكون سنة بعدي لأقدت منك، لا تعمل لي عملاً أبداً"3. وعن الحسن4، قال: "قال عمر رضي الله عنه: "لئن عشت إن شاء الله تعالى لأسيرن في الرعية حولاً، فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع عني، أما هم فلا يصلون إليّ، وأما عمّالهم فلا يرفعونها إليّ، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى مصر فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين"5. وروى ابن شبه: أن عمر رضي الله عنه عتب على بعض عماله، فكلم
امرأة عمر، فقالت له: "يا أمير المؤمنين فيم وجدت عليه؟ "، فقال: "يا عدوة الله، وفيم أنت وهذا؟ "، إنما أنت لعبة يلعب بك ثم تتركين"1. وكان عمر يقول: "أشكوا إلى الله جلد الخائن وعجز الثقة"2. وروى أبو القاسم الأصفهاني بسنده إلى عمير بن سلمة الديلي3، أنه خرج مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو أخبره من كان مع عمر، قال: "أتينا عمر نصف النهار، وهو قائل في ظل شجرة، إذ جاءت أعرابية فتوسمت الناس فجاءته، فقالت: "إني امرأة مسكينة ولي بنون، وإن أمير المؤمنين كان بعث محمّد بن مسلمة ساعياً فلم يعطنا4، فلعلك - يرحمك الله - أن تشفع لنا إليه، قال: فصاح يا يرفأ ادع لي محمّد بن مسلمة، فقالت: "إنّه أنجح لحاجتي أن تقوم معي إليه، قال: "إنه سيفعل إن شاء الله"، فجاءه يرفأ فقال: "أجب"، فجاء فقال: "السلام عليك يا أمير المؤمنين"، فاستحيت المرأة، فقال عمر رضي الله عنه: "والله ما آلو أن أختار5 خياركم، فكيف أنت قائل إذا سألك الله عن هذه؟ "، فدمعت عينا محمّد / [75/أ] ثم قال عمر: "إن الله بعث إلينا نبيه محمّداً صلى الله عليه وسلم فصدقناه، واتبعناه، فعمل بما أمره الله، فجعل الصدقة لأهلها من المساكين حتى قبضه الله على ذلك، ثم
استخلف الله أبا بكر، فعمل بسنته حتى قبضه الله، ثم استخلفني فلم آل أن أختار خياركم، فأدّ إليها صدقة العام، وعام الأوّل، وما أدري لعلي لا أبعثك"، ثم دعا لها بجمل وأعطاها دقيقاً، وزيتاً، وقال: خذي هذا حتى تلحقينا بخيبر، فإنا نريدها". فأتت بخيبر فدعا بجملين آخرين، فقال: "خذي هذا فإن فيه بلاغاً حتى يأتيكم محمّد، فقد أمرته أن يعطيك حقك للعام، وعام أوّل"1. وفي الصحيح عن جابر بن سمرة2، قال: "شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر فعزله، واستعمل عليهم عماراً فشكوا حتى ذكروا أنه لا تحسن تصلي"، فأرسل إليه فقال: "يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي"، فقال: "أما أنا - والله - فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أَخْرم عنها، أصلي صلاة العشاء، فأركد3 في الأوّليين وأحذف4 - أو قال: - وأخفّ في الأخريين". قال: "ذاك ظني بك5 يا أبا إسحاق أو ذلك الظن بك يا أبا إسحاق"، فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة، يسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجداً إلا سأل عنه، ويثنون معروفاً، حتى دخل مسجداً لبني عبس6 فقام
رجل منهم يقال له: أسامة ابن قتادة1، يُكنى أبا سعدة، قال: "أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية"، فقال سعد: "أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً، قام رياء وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن"، وكان بعدُ إذا سئل يقول: "شيخ كبير مفتون، أصابتني، أو قال: أصابته دعوة سعد"، قال عبد الملك2: "فأنا رأيته بعدُ، قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزهن3، 4. ورواه الإمام أحمد عن جابر بن سمرة، قال: "شكا أهل الكوفة سعداً، إلى عمر، فقالوا: "لا يحسن يصلي"، فذكر عمر له فقال: أما صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كنت أصلي بهم، أركد في الأوليين، وأحذف في الأخريين"، قال: "ذاك الظن بك يا أبا إسحاق"5. وفيه عن عَباية بن رفاعة6، قال: "بلغ عمر أن سعداً لما بنى القصر قال: "انقطع الصُوَيت"، فبعث إليه محمّد بن مسلمة، فلما قدم أخرج زَنْده، وأورى7 ناره،
وابتاع حطباً بدرهم، وقيل لسعد: "إن رجلاً فعل كذا وكذا"، فقال: "ذاك محمّد بن مسلمة"، فخرج إليه، فحلف بالله ما قاله، فقال: "نؤدّي عنك الذي تقول، ونفعل لما أمرنا به"، فأحرق الباب، ثم أقبل يعرض عليه / [75 / ب] أن يزوّده، فأبى، فخرج فقدم على عمر فهَجَّر1 إليه فسار ذهابه ورجوعه تسع عشرة فقال: "لولا حسن الظن بك لرأينا أنك لم تؤد عنا"، قال: "بلى، وأرسل يقرأ السلام ويعتذر، ويحلف بالله ما قاله"، قال: "فهل زوّدك شيئا؟ "، قال: "لا"، قال: "فما منعك أن تزودني أنت؟ "، قال: "إني كرهت أن أمر لك فيكون لك البارد، ولي الحار، وحولي أهل المدينة قد قتلهم الجوع، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يشبع الرجل دون جاره" 2. وفيه عن ابن الساعدي3، أنه قال: "استعملني عمر بن الخطاب على الصدقة فلما فرغت منها، وأديتها إليه أمر لي بعمالة، فقلت له: إني عملت لله عزوجل وأجري على الله، فقال: "خذ ما أعطيت، فإني قد عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعَمِّلني4، فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأل فكل وتصدق" 5.
وعن هشام بن عروة1 عن أبيه: أن هشام بن حكيم بن حزام2 أتى على عامل لعمر بن الخطاب بالشام، وقد أمر برجال فحبسوا في الشمس من أجل الجزية، فدخل عليه فقال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عزوجل يعذب يوم القيامة من يعذب الناس في الدنيا، فأرسلهم "3. قال: فكان عمر إذا رفع إليه الأمر يكرهه، قال: أما ما كنت أنا وهشام على وجه الأرض، فإن هذا شيء لا يكون4. قال: وكان إذا رأى شيئاً يكرهه لم يقره، فمات هشام، قال: وولدت أنا فسماني أبي باسمه".
الباب التاسع والأربعون: حذره من الإبتداع وتحذيره منه
الباب التاسع والأربعون: حذره من الإبتداع وتحذيره منه ... الباب التاسع والأربعون: في حذره من الابتداع وتحذيره منه في الصحيح عن المسور بن مخرمة1، وعبد الرحمن بن عبدٍ القاري أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: "سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره2 في الصلاة، فانتظرته حتى سلم، فلببته3، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ "، قال: "أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقلت له: "كذبت، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك"، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوده، فقلت: "يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وإنك أقرأتني سورة الفرقان"، قال: "يا هشام اقرأها"، فقرأها القراءة التي سمعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت"، ثم قال: "اقرأ يا عمر"، فقرأت القراءة التي أقرأنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت"، ثم قال رسول الله: "إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه" 4 وذكره ابن الجوزي من طريق المسور أن عمر رضي الله عنه / [76 / أ] قال:
"سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان، فقرأ فيها حروفاً لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فأردت أن أساوره وأنا في الصلاة، فلما فرغت قلت: من أقرأك هذه القراءة؟، فقال: "رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقلت: كذبت، والله ما أقرأك هكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده أقوده، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنك أقرأتني سورة الفرقان، إني سمعت هذا يقرأ فيها حروفاً لم تكن أقرأتنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ يا هشام"، فقرأ كما كان قرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت"، ثم قال: "اقرأ يا عمر"، فقرأت، فقال: "هكذا أنزلت"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن القرآن أنزل على سبعة أحرف" 1. وعن عابس بن ربيعة2، قال: "رأيت عمر نظر إلى الحجر، وقال: "أما والله لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبّلتك، ثم قبّله"3. وعن عبد الله بن سَرْجس4، قال: "كان الأصلع - يعني عمر - إذا استلم الحجر قال: "إني لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّلك ما قبّلتك"5.
وعن أبي سعيد الخدري، قال: "حججنا مع عمر رضي الله عنه أوّل حجة حجها من إمارته، فلما دخل المسجد الحرام، دنا من الحجر الأسود فقبّله، واستلمه، وقال: "أعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبّلك واستلمك، ما قبّلتك ولا استلمتك"، فقال له عليّ رضي الله عنه بلى يا أمير المؤمنين، إنه ليضر وينفع، ولو علمت تأويل ذلك من كتاب الله، لعلمت أن الذي أقول لك، [كما] 1 أقول، قال الله عزوجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] ، فلما أقروا أنه الربّ عزوجل وأنهم العبيد، كتب ميثاقهم في رقّ ثم ألقمه الحجر، وله عينان، ولسان، وشفتان، يشهد [لمن] 2 وافاه بالموافاة، فهو أمين الله في هذا المكان". فقال عمر رضي الله عنه: "لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن"3. قال أسامة بن مرشد: "إنما قال عمر رضي الله عنه في الحجر ما قال، لأنهم كانوا قد أنسوا بلمس الحجارة في الجاهلية، وعبادتها، فأخبر عمر أنه إنما يمس هذا الحجر ويقبّله؛ لأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسه، ويقبّله، ولولا ذلك لم يفعل ذلك"4. وقال نافع5: "كان الناس يأتون الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم
تحتها بيعة الرضوان، فيصلون عندها، فبلغ ذلك عمر فأوعدهم فيها، وأمر بها فقطعت"1. وعن [سعيد بن] 2 المسيب - رحمه الله - قال: "قضى عمر رضي الله عنه بقضاء في الأصابع ثم أخبر بكتاب كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لابن حزم3، فأخذ به، وترك أمره الأول"4. وعن المعرور بن سويد5، قال خرجنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حجة حجها، قال: فقرأ بنا في الفجر: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بأَصْحَابِ الفِيْلِ} ، [الفيل: 1] ، / [76 / ب] و {لإِيلاَفِ قُريشٍ} [قريش: 1] ، فلما انصرف، رأى6 الناس مسجداً فبادروه، فقال: "ما هذا؟ "، فقالوا: "هذا مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم"، فقال: "هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً من عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له صلاة فليمض"7.
وعن عبد الملك بن هارون بن عنترة12، عن أبيه3 عن جده4، قال: "قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر: "ألا إن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فأفتوا برأيهم، فضلوا وأضلوا، ألا وإنا نقتدي، ولا نبتدي، ونتبع، ولا نبتدع، ما نضل ما تمسكنا بالأثر"5. وعن عمرو6 بن ميمون7 عن أبيه8 قال: "أتى عمر بن الخطاب رجل فقال: "يا أمير المؤمنين، إنا لما فتحنا المدائن أصبنا كتاباً فيه كلام معجب، قال: "أمن كتاب الله؟ "، قال: "لا". فدعا بالدّرّة فجعل يضربه بها وجعل يقرأ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ المُبِيْنِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرْبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ، إلى قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِيْنَ} [يوسف: 1-3] ، ثم قال: "إنما هلك من كان قبلكم أنهم أقبلوا على كتب علمائهم، وأساقفتهم، وتركوا التوراة والإنجيل، حتى درسا9 وذهب ما فيهما من العلم"10.
وعن ابن عون1 عن إبراهيم2: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن رجلاً كتب كتاب دانيال، وقال فكتب إليه يرتفع إليّ، فلما قدم عليه جعل عمر رضي الله عنه يضرب بطن كفه بيده، ويقول: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ المُبِيْنِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرْبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ} [يوسف 1-3] ، فقال عمر: أقصص أحسن من كتاب الله؟ فقال: "يا أمير المؤمنين، اعفني، فوالله لأمحونه"3. وعن أسلم قال: "سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "فيمَ4 الرّمَلان5 الآن والكشف عن المناكب، وقد أطّأ6 الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "7. وعن السائب بن يزيد أنه قال: "أتى رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: "يا أمير المؤمنين، إنا لقينا رجلاً يسأل عن تأويل القرآن"، فقال: "اللهم أمكني
منه"، فبينا عمر ذات يوم جالساً، يغدي الناس، إذ جاءه، وعليه ثياب وعمامه، حتى إذ فرغ، قال: "يا أمير الممؤنين، {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً فَالحَامِلاَتِ وِقْراً} [الذاريات: 1-2] ، فقال عمر رضي الله عنه: "أنت هو؟ "، فقام إليه وحسر1 عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته، فقال: "والذي نفس عمر بيده، لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك، ألبسوه ثيابه، واحملوه على قِتْب2، ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده، ثم ليقم خطيباً ثم ليقل: "إن صبيغاً3 ابتغى العلم فأخطأه". فلم يزل وضيعاً4 في قومه حتى هلك5. وعن أبي عثمان النهدي، عن صبيغ، أنه سأل عمر عن المرسلات، والذاريات، والنازعات، فقال له عمر: " [ضع] 6 ما على رأسك فإذا / [77 / أ] له ظفران7، قال: "لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك"، ثم كتب إلى أهل البصرة: أن لا تجالسوه، قال أبو عثمان:
"فكان لو أتانا، ونحن مئة لتفرقنا عنه"1. وعن إبراهيم التيمي2، قال: "جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يقال له: "صبيغ"، فسأل عن: النازعات، والمرسلات، وأشباههما، وعليه برنس، فقال عمر بقضيبه فرفع البرنس فإذا شعر، فقال لو كنت محلوقاً لضربت عنقك ثم كتب إلى أهل البصرة: لا تجالسوه ولا تبايعوه، قال: فمكث حولاً حتى أصابه الجهد، فقام إلى أسطوانة3 من أساطين المسجد فاستغاث، وروجع عمر رضي الله عنه فكتب: أن لا تخالطوه، وكونوا منه على حذر"4. وعن قيس بن أبي حازم، قال: "جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يسأله، قال: "جئت أطلب العلم"، قال: "بل جئت تبتغي الضلالة"، ثم كشف عن رأسه فوجده ذا شعر، فقال: "لو كنت محلوقاً لضربت عنقك"5. وعن سعيد بن المسيب، قال: "جاء صَبيغ التميمي إلى عمر فقال: "يا أمير المؤمنين، أخبرني عن {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات: 1] ، قال: هي الريح، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: أخبرني عن {فَالحَامِلاَتِ وِقْراً} [الذاريات: 2] ، قال: "السحاب، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته"، قال: "فأخبرني عن {فَالمُقَسِّمَاتِ أمْراً} [الذاريات: 5] ، قال: "وهي الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته"، قال: "فأمر به
عمر فضرب مئة، وجعل في بيت فإذا برأ دُعي فضرب مئة أخرى، ثم حمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى الأشعري حرم على الناس1 مجالسته2، فلم يزل كذلك، حتى أتى أبا موسى، فحلف له بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه، مما كان شيئاً، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب إليه: ما أخاله إلا قد صدق، فخلّ بينه وبين مجالس الناس". عن الزهري، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلد صبيغاً التميمي عن مساءلته عن حروف القرآن، حتى اضطربت الدماء في ظهره"3.
وعن الحسن1 أن عمران بن حصين أحرم من البصرة فقدم على عمر فأغلظ له ونهاه عن ذلك، فقال: "يتحدث الناس أن رجلاً من أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم أحرم من مصرٍ من الأمصار"2. وعن نافع3 أن عمر رضي الله عنه رأى على طلحة بن عبيد الله4 ثوبين ممشقين5، فقال: "ما هذا؟ "، فقال: "إنما هو طين"، فقال: "إنكم أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم يقتدى بكم وينظر إليكم"6. وذكر أبو القاسم الأصفهاني، عن أبي وائل7، قال: كنت جالساً على كرسي شيبة بن عثمان8 في الكعبة، فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر، فقال: "لقد هممت أن لا أدع فيه صفراء ولا بيضاء [إلا قسمتها"، فقلت: "ما كنت لتفعل"، قال:
"ولِمَ؟ "، قلت: "إن صاحبيك لم يفعلا"، قال: "هما المرآن أقتدي بهما"] 12.
الباب الخمسون: جمعه القرآن في المصحف
الباب الخمسون: جمعه القرآن في المصحف ... الباب الخمسون: في جمعه القرآن في المصحف وفي الصحيح عن الزهري، أخبرني ابن السباق1، أن زيد بن ثابت الأنصاري، وكان ممن يكتب الوحي، قال: "أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة2، وعنده عمر، فقال أبو بكر: "إن عمر أتاني فقال: "إن القتل قد استحرّ3 يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى4 أن يستحرّ القتل بالقرّاء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا أن تجمعوه، وإني لأرى5 أن تجمع القرآن"، قال أبو بكر: "فقلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "، قال عمر: "هو والله خير"، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي [رأى] 6 عمر". فقال7 زيد بن ثابت: وعمر جالس عنده لا يتكلم، فقال أبو بكر: "إنك رجل شاب عاقل [و] 8 لا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتّبع القرآن فاجمعه".
فوالله لو كلفوني نقل1 جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، فقال أبو بكر: "هو والله خير". فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صَدْرِي للذي شرح الله له صَدْرِي أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من2 الرّقاع والأكتاف، والعُسُب3، وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة / [77 / ب] آيتين مع خزيمة الأنصاري4، لم أجدهما مع أحد غيره {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128-129] ، إلى آخرهما. فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عمر حتى توفاه الله [ثم] 5 عند حفصة بنت عمر"6. وذكر ابن الجوزي عن الحسن7، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل عن آية في كتاب الله عزوجل فقيل: "كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة، فقال: "إنا لله"، وأمر بالقرآن فجمع، فكان أول من جمعه في المصحف8. وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: "أراد عمر بن الخطاب
رضي الله عنه أن يجمع القرآن، فقام في الناس، فقال: "من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن فليأتنا به"، وكانوا قد كتبوا ذلك في الصحف، والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شاهدان"1. وعن عبد الله بن فضالة2، قال: "لما أراد عمر بن الخطاب أن يكتب القرآن أقعد له نفراً من أصحابه، فقال: "إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة أهل مضر3، فإن القرآن نزل على رجل من مضر"4. وعن جابر بن سمرة، قال: "سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش، وغلمان ثقيف"5. قال أسامة بن مرشد: "قد كان عمر عزم على جمع القرآن والسنة أيضاً، ثم بدأ له"6. وروي عن عروة7، قال: "أراد عمر أن يكتب للناس السنن، فاستخار الله
شهراً، ثم أصبح وقد عزم لهن فقال: "ذكرت قوماً كتبوا كتاباً فأقبلوا عليه وتركوا كتاب الله عزوجل"1. وفي الصحيح عن أنس بن مالك: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: "يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب، اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف نَنْسَخُها في المصاحف ثم نردّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام2، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم". ففعلوا حتى إذا نسخوا الصّحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كلّ أفقٍ3 بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة، أو مصحف أن يحرق4. أو قال: "يخرق"5. وفي مسند الإمام أحمد عن عباد بن عبد الله بن الزبير6، قال:
"أتى الحارث بن خَزْمة1 بهاتين الآتين من آخر براءة: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128-129] إلى عمر بن الخطاب، فقال: "من معك على هذا؟ " قال: "لا أدري، والله إني أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها"، فقال عمر: "وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ثم قال: "لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا سورة من القرآن فضعوها فيها". فوضعتها في آخر براءة"2. / [78 / أ] .
الباب الحادي والخمسون: مكاتباته
الباب الحادي والخمسون: مكاتباته ... الباب الحادي والخمسون: في ذكر مكاتباته في الصحيح عن عمرو1، قال: "كنت جالسا مع جابر بن زيد2 وعمرو بن أوس3، فحدّثهما بجالة4 سنة سبعين، عام حج مصعب بن الزبير5 بأهل البصرة عند درج زمزم، قال: "كنت كاتباً لجزء بن معاوية6 عمّ الأحنف، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة: "فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر"7. وفي صحيح مسلم عن أسير بن جابر8، قال: "كان عمر إذا أتى عليه
أمداد أهل اليمن، سألهم: أفيكم أُويس بن عامر؟ "1، حتى أتى على أويس، فقال: "أنت أويس بن عامر؟ "، قال: "نعم". قال: "من مرادٍ ثم من قرن؟ "2، قال: "نعم"، قال: "بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ "، قال: "نعم"، قال: (لك والدة؟ "، قال: "نعم"، قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مرُادٍ، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"، فاستغفر لي فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟، قال: "الكوفة"، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟، قال: "أكون في غَبْرَاء3 الناس أحب إليّ". قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فوافق عمر فسأله عن أويس بن عامر، قال: "تركته رثّ4 البيت، قليل المتاع". قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مرادٍ ثم من قرنٍ، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها برّ، لو أقسم على الله لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل". فأتى أويساً فقال: "استغفر لي"، قال: "أنت أحدث عهداً بسفرٍ صالح فاستغفر لي". [قال: "استغفر لي"، قال: "أنت أحدث عهداً بسفر صالح فاستغفر لي] 5، قال:
"لقيت عمر؟ " قال: "نعم"، فاستغفر له، ففطن له الناس، فانطلق على وجهه، قال أُسَيْر: وكسوته بردة، فكان كلما رآه إنسان، قال: "من أين لأويس هذه البردة؟ "1. وذكر ابن الجوزي عن أبي عثمان2، قال: "جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان، يا عتبة بن فرقد3، إياكم والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبس الحرير، قال: إلا هكذا" ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه"4. وعن أبي عثمان النهدي: أن عمر رضي الله عنه قال: "اتّزروا وارتدوا وانتعِلوا وألقوا الخفاف السراويلات وألقوا الرّكب، وانزوا نزواً، وعليكم بالمعدّيّة، وارموا الأغراض وذروا التنعم وزيّ العجم، وإياكم والحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه، و [قال] 5: "لا تلبسوا من الحرير إلا ما كان هكذا"، وأشا ر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصبعيه"6.
قوله: "اتزروا1: أي: شدّوا الأزر، وارتدوا2: صغوا عليكم الأردية. وانتعلوا3: ألبسوا النعال، وألقوا الخفاف4: يعني: من الثياب. وألقوا الرّكب5: حتى يعتادوا ركوب الخيل بغير رُكُب"6. وقال أصحابنا: "يستحب للإنسان أن يعتاد الوثوب7 من الأرض إلى ظهر الدابة؛ لأنه ربما حضر في الحرب وليس ما يركب به، فيفعل ذلك"8. / [78 / ب] . وقوله: "وانزوا نزواً، قال بعضهم: "ثبوا وثباً"9، والمراد أسرعوا في المشي. وقال أصحابنا: "يستحب الإسراع في المشي بحيث لا يتعب نفسه"10.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا مشى كأنما ينحط من صبب.1 2 وقوله: "عليكم بالمعدية: هي لبسة خشنة نسبة إلى معد بن عدنان".3 وعن أبي أمامة بن سهل4 قال: "كتب عمر إلى أبي عبيدة: علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي". 5 وعن عياض الأشعري قال: "شهدت اليرموك، قال عمر: "إذا كان قتال فعليكم بأبي عبيدة بن الجراح". قال فكتب: إليه إنه قد جاش6 إلينا الموت، واستمددناه، فكتب: إنه قد جاءني كتابكم تستمدّونني وأنا أدلكم على من هو أعزّ نصراً وأحضر جنداً، الله عزوجل فاستنصروه، فإن محمّداً صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدّتكم، فإذا أتاكم كتابي هذا، فقاتلوهم، ولا تراجعوني. قال: فقاتلناهم فهزمناهم، وقتلناهم أربعة فراسخ، وأصبنا أموالاً كثيرة"7. وعن المثنى بن موسى بن سلمة8 بن المُحَبَّق9 الهذلي، عن
أبيه1 عن جده2 قال: "شهدت فتح الأبلة3، وأميرنا قطبة بن قتادة السدوسي4، فاقتسمت الغنائم، فدفعت إليّ قِدْر من نحاس فلما صارت في يدي تبين لي أنها من ذهب، وعرف ذلك المسلمون فشكوني إلى أميرنا، فكتب إلى عمر رضي الله عنه يخبره5 بذلك فكتب إليه عمر - رضي الله عنه -: أصبر6 يمينه إن لم يعلم أنها ذهب، إلا بعدما صارت إليه، فإن حلف فادفعها إليه، وإن أبى فاقسمها بين المسلمين، فحلف فدفعها إليه، وكان فيها أربعون ألف مثقال7. قال جدي: "منها أموالنا التي نتوارثها إلى اليوم"8. وعن سعيد بن أبي بردة9، قال: "كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "أما بعد: فإن أسعد الرعاة10 من سعدت به رعيته، وإن أشقى
الرعاة عند الله من شقيت به رعيته، إياك أن ترتع، فيرتع عُمّالك، فيكون مثلك عند ذلك مثل البهيمة، نظرت إلى خضرةٍ من الأرض، فرعت فيها تبغي بذلك السمن، وإنما حتفها في سمنها، والسلام"1. وعن عامر الشعبي، قال: "كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى: "من خلصت نيته كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بغير ما يعلمه الله من قلبه شأنه الله، فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه، وخزائن رحمته، والسلام"2. وعن أبي البختري3: أن عمر كتب إلى أبي موسى: "لا تؤخر عمل اليوم إلى غد، فتدال عليك الأعمال فتضيع، فإن للناس نفرة عن سلطانهم، أعوذ بالله أن تدركني وإياكم ضغائن محمولة، ودنيا مؤثرة، وأهواء متّبعة"4. وعن أبي عمران الجوني5، "أن عمر، كتب إلى أبي موسى: "أن كاتبك الذي كتب إليّ لحن، فاضربه سوطاً"6.
وعن يزيد بن أبي حبيب / [79 / أ] : أن كاتب عمرو بن العاص كتب إلى عمر رضي الله عنه فكتب بسم ولم يكتب فيها سيناً، فكتب عمر إلى عمرو: أن اضربه سوطاً، فضربه، فقيل له: "فيم ضربك؟ "، قال: "في سين"1. وعن الحسن2، قال: "كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى وهو بالبصرة: "بلغني أنك تأذن للناس جماً غفيراً، فإذا جاءك كتابي هذا فأذن لأهل الشرف وأهل القرآن، والتقوى، والدين، إذا أخذوا مجالسهم فأذن للعامة"3. وعن جعفر بن بُرْقَان4، أن عمر رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله وكان في آخر كتابه: "أن حاسب نفسك في الرخاء، قبل حساب الشدة، [فإنه من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة] 5 عاد مرجعه إلى الرضا والغبطة ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه، عاد أمره إلى الندامة والحسرة، فتذكر ما توعظ به، لكيما تنتهي عما تُنهى عنه، وتكون عند التذكرة والموعظة من أولي النهى"6. وعن عروة بن رُوَيم اللخمي7، قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه
إلى أبي عبيدة بن الجراح كتاباً فقرأه على الناس بالجابية: "أما بعد: فإنه لم يُقِم أمرَ الله في الناس إلا حصيف العُقدة1، بعيد الغِرّة2، لايطّلع الناس منه على عورة، ولا يحنق في الحق على جرّته3، ولا يخاف في الله لومة لائم، والسلام عليكم"4. وكتب عمر رضي الله عنه: "أما بعد، فإني كتبت إليك بكتاب لم آلك5 ونفسي فيه خيراً، ألزم خمس خصالٍ يسلم لك دينك، وتحظ بأفضل حظّك، إذا حضرك الخصمان فعليك بالبيّنات العُدُول، والأيمان القاطعة، ثم أدنُ الضعيف حتى ينبسط لسانه ويجترئ قلبه، وتعاهد الغريب فإنه إذا طال حَبْسه ترك حاجته، وانصرف إلى أهله وإذا الذي أبطل حقه من لم يرفع به رأساً، واحرص على الصلح، ما لم يبن لك القضاء. والسلام"6. وعن أبي حريز الأزدي7، قال: "كان رجل لا يزال يهدي لعمر فخذ جزور، إلى أن جاء ذات يوم بخصم، فقال: "يا أمير المؤمنين8، اقض بيننا قضاء
فصلاً، كما يفصل الفخذ عن سائر الجزور". قال عمر: "فما زال يرددها عليّ حتى خفت على نفسي". فقضى عليه عمر، وكتب إلى عماله: "أما بعد، فإياكم والهدايا، فإنها من الرشا"12. وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كنا مع عمر في مسير فأبصر رجلاً يسرع في سيره، فقال: "إن هذا الرجل يريدنا"، فأناخ ثم ذهب لحاجته، فجاء الرجل فبكى، وبكى عمر رضي الله عنه وقال: "ما شأنك؟ "، فقال: يا أمير المؤمنين، إني شربت الخمر فضربني أبو موسى وسود وجهي، وطاف بي، ونهى الناس أن يجالسوني، فهممت أن آخذ سيفي فأضرب به أبا موسى، أو آتيك فتحولني إلى بلد لا أُعرف فيه، أو ألحق بأرض الشرك". فبكى عمر رضي الله عنه، وقال: "ما يسرني أنك لحقت بأرض الشرك، وأن لي كذا وكذا، وقال: "إن كنت مِمَّن شرب [الخمر، فلقد شرب] 3 الناس الخمر في الجاهلية"، ثم كتب إلى أبي موسى: "إن فلاناً أتاني فذكر كذا وكذا، فإذا أتاك كتابي هذا فَمُرِ الناس أن يجالسوه، وأن يخالطوه وإن تاب فاقبل شهادته، وكساه وأمر له بمائتي درهم"4.
وعن بجالة1 قال: "كنت كاتباً لجزء بن معاوية عمّ الأحنف بن قيس، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنةٍ: أن اقُتلوا كل ساحر، وربما قال: وساحرة، وفرّقوا بين كل مَحْرَمٍ من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة"2. فقتلنا ثلاث سواحر، وجعلنا نُفَرّق / [76 / ب] بين الرجل وحريمته في كتاب الله، وصنع جزء طعاماً كثيراً، وعرض السيف على فخذه ودعا3 المجوس، فألقوا وقرَ4 بغلٍ أو بغلتين من وَرقٍ وأكلوا بغير زمزمة، ولم يكن عمر رضي الله عنه أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر"5. وعن يزيد بن الأصم6: "أن رجلاً كان ذا بأس، وكان يوفد إلى عمر لبأسه، وكان من أهل الشام، وإن عمر فقده فسأل عنه، فقيل: "يتابع في هذا الشراب"، فدعا كاتبه7، فقال: اكتب: "من عمر إلى فلان بن فلان، سلام عليكم، فإني
أحمد الله إليك الذي {لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ المَصِيْرُ} [غافر: 3] ، ثم دعا وأمن من عنده، ودعوا له أن يُقبل لله عزوجل بقلبه1، أن يتوب عليه، فلما أتت الصحيفة الرجل جعل يقرأها ويقول: {غَافِرِ الذَّنْبِ} ، [غافر: 3] ، قد وعدني الله عزوجل أن يغفر لي، {وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيْدِ العِقَابِ} [غافر: 3] ، قد حذرني2 الله من عقابه: {ذِي الطَّوْلِ} [غافر: 3] ، والطول: الخير الكثير {إليه المصير} [غافر: 3] ، فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع، فأحسن النزع، فلما بلغ عمر رضي الله عنه خبره، قال: "هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاً لكم زلّ زلّة فسددوه، ووفقوه، وادعوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشيطان3 عليه"4. وعن عبد الرحمن بن عبد القاري5، عن أبيه عن جده: أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى معاوية بن أبي سفيان: "أما بعد، فالزم الحقّ يبين لك الحقّ منازل الحقّ يوم لا يقضى إلا بالحق. والسلام"6. وعن رفيع بن حزام بن معاوية7 قال: "كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أدبوا الخيل، ولا ترفعوا8 بين ظهرانيكم الصلب،
ولا تجاورنكم الخنازير"1. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اكتبوا عن الزاهدين في الدنيا، فإن الله عزوجل وكل بهم ملائكة واضعة أيديهم على أفواههم لا يتكلمون إلا بما هيأ الله لهم"2. وعن أبي عبد الله بن إدريس3، قال: "أتيت سعيد4 بن أبي بردة، فسألته عن رسائل عمر بن الخطاب التي كان يكتب بها إلى أبي موسى، وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة5، قال: فأخرج إليّ كُتباً فرأيت في كتاب منها: "أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أُدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آسِ6 بين الاثنين في مجلسك ووجهك، حتى7 لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس وضيع، وربما قال: ضعيفٌ من عدلك، الفهمَ الفهْمَ مما يتلجْلجُ8 في صدرك، وربما قال: في نفسك، فيشكل عليك وما لم ينزل في الكتاب، ولم تجربه السنة، فاعرف الأشباه والأمثال، ثم قِسِ الأمور بعضها ببعض، وانظر أقربها إلى الله عزوجل وأشبهها بالحقّ فاتّبعه واعمد إليه، ولا يَمنعك قضاء قضيته بالأمس، راجعت
فيه نفسك، وهُديت فيه لرشدك، فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجلوداً في حد، أو مُجرّباً عليه شهادة زور أو ظنيناً1 في ولاء أو قرابة، اجعل لمن ادعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه / [80 / أ] أو بيّنة عادلة، فإنه أثبت في الحجّة، وأبلغ في العذر، فإن أحضر بيّنة إلى ذلك الأجل أخذ بحقّه، وإلا وجهت عليه القضاء. البيّنة على من ادّعى، واليمين على من أنكر. إن الله تولى منكم السّرائر، ودرأ عنكم الشُّبهات، وإياك والقلق2 والضجر، والتأذي بالناس، والتنكّر3 للخصم في مجالس القضاء التي يوجب الله تعالى بها الأجر، ويحسن فيها الذّخر، من خلصت نيته فيما بينه وبين الله عزوجل كفاه ما بينه وبين الناس، والصلح جائز بين الناس إلا صلحاً أحلّ حراماً4، أو حرّم حلالاً، ومن تزين للناس بما يعلم الله عزوجل غير ذلك شانه الله، فما ظنك بثواب غير الله5 في عاجل وآجل آخره"6.
وعن أبي عِمران الجوني قال: "كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: أنه لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائجهم للناس، فأكرم وجوه الناس، فيستحيي المسلم الضعيف من العدل والقسمة"1. وفي فوائد أبي القاسم تمام الرازي2: "وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى معاوية: "ألا لا إمرة لك على عبادة3، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمير يعني عبادة"4. وفي صحيح البخاري عن أبي عثمان5 قال: كنا مع عتبة6 فكتب إليه عمر رضي الله عنه: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يلبس أحد7 الحرير في الدنيا إلا لم يلبس8 في الآخرة منه" 9.
وفي رواية: أتانا كتاب1 عمر ونحن مع عتبة بن فرقد بأذربيجان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، وأشار بإصبعيه اللتين تليانالإبهام، قال: فيما علمنا أنه يعني الأعلام23. وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، وصفّ لنا النبي صلى الله عليه وسلم إصبعيه، ورفع زهير4 الوُسطى والسّبّابة5. وفي "مسند" الإمام أحمد عن أبي أمامة بن سهل، قال: "كتب عمر إلى أبي عبيدة بن الجراح، أن علموا غلمانكم العومَ، ومُقاتلتكم الرومي، فكانوا يختلفون إلى الأغراض6، فجاء بينهم سَهْمٌ غربٌ7 إلى غلام فقتله، فلم يوجد له أصل، وكان في حجر خاله، فكتب فيه أبو عبيدة إلى عمر: [إلى من أدفع عقله8؟] "9، فكتب إليه عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له" 10.
فصل قال أصحابنا: "لا بأس بالمراسلة ويستحب التحري في كتابتها لطريق / [80 / ب] 1 السلف، وأن يبدأ فيها {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وبحمد الله، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسلم على من كتب إليه، ويخبره بقصده، ويكره أن يكتب يُقبل الأرض، ذكره جماعة"2. قال شيخنا الشيخ زين الدين الحبال3 - رحمه الله -: "لأنه إن قبل الأرض فقد فعل منهياً عنه، وإن لم يقبله فقد كذب"4. وينبغي أن يوصي من كتب إليه بتقوى الله، والخير، ويرغبه في الطاعة، ويكتب بعد الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أما بعد5، ويشرع ختم الكتاب6، ولا ينبغي لمن أرسل معه أن يقرأه، ولا يفضه، لأنه ربما يكون فيه سرّ، وينبغي أن يبيّن ممن هو، نحو قوله: من فلان7، أو يكتب اسمه فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتب: من محمّد رسول الله
إلى فلان، ويكره أن يكتب يقبل الأيادي، لأنه كذب، وقد ذكر عن الحافظ إبراهيم المقدسي (المعروف بالعِماد) 1 أن رجلاً قال له: "ولدي يقبل يدك"، فقال له: "لا تكذب"2. ويجوز الكتاب إلى الكفار3، ويكتب من القرآن الآية نحو: {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، و {الحَمْدُ لله} ، ونحو: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوا إِلَى كَلْمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله} [آل عمران: 64] ، ونحو ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك4. وفي (الموطّأ) عن عبد الله بن دينار5، أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه، فكتب إليه: "بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، لعبد الله بن عبد الملك6 أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله لا إله إلا هو، وأقرّ لك بالسمع والطاعة على سنة الله ورسوله فيما استطعت"7. / [81 / أ] .
الباب الثاني والخمسون: زهده
الباب الثاني والخمسون: زهده ... الباب الثاني والخمسون: في ذكر زهده عن مجاهد1 قال: قال عمر رضي الله عنه: "وجدنا خير عيشنا الصبر"2، 3. وعن الأحوص بن حكيم4 عن أبيه5 قال: "أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلحم فيه سمن، فأبى أن يأكلهما، وقال: "كل واحد منهما أدم"6. قال ابن سعد: "قال ابن عمر: "كان أبي لا يتزوج النساء لشهوة إلا طلب الولد"7. وعن الحسن8 قال: "ما ادَّهنَ عمر رضي الله عنه حتى قتل إلا بسمن أو إهالة9 وزيت"10، يريد أنه لم يَدَّهِن بطيب11.
وعن حبيب1 بن أبي ثابت عن عمر رضي الله عنه قال: "قدم علينا ناس من أهل العراق منهم جرير بن عبد الله2، قال: فأتاهم بجفنة3 قد صنعت بخبز وزيت، "فأخذوا أخذاً ضعيفاً، فقال لهم: "قد أرى ما تقرمون4، فأي شيء تريدون؟، أحلواً أو حامضاً أو بارداً5، ثم قذفاً في البطون"6. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى7 قال: "قدم على عمر رضي الله عنه ناس من قراء العراق، فرأى كأنهم يأكلون تعذيراً، فقال: "ما هذا يا أهل العراق؟ ولو شئت أن نُدُهْمَقَ8 لكم لفعلت، ولكنا نستقبِي من دنيانا ما نجده لآخرتنا أما سمعتم قول الله تعالى: {أَذْهَبْتُم طيِّبَاتِكُم فِي حَيَاتِكُمُ
الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] . الآية1. وعن سالم بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب كان يقول: "والله ما نعبأ بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى أن تسمط2 لنا، ونأمر بلبابه3 الخبر فيخبز لنا، ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسعان45 حتى إذا صار مثل عين اليعقوب6 أكلنا هذا وشربنا هذا، ولكنا نريد أن نستبقي طيّباتنا؛ لأنا سمعنا الله يقول: {أَذْهَبْتُم طيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} ، [الأحقاف: 20] . الآية7. وعن الحسن8 - رحمه الله - أن عمر - رضوان الله عليه - قال: "والله إني لو شئت كنت ألينكم طعاماً وأرقّكم عيشاً، إني والله ما أجهل عن كُرَاكِرَ وأَسْنِمة9، وعن صلاء10، وصناب11، وصلائق12، ولكني
سمعت الله1 عيّر قوماً بأمر فعلوه [فقال] 2: {أَذْهَبْتُم طيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20] 3. وعن خلف بن حوشب4، أن عمر رضي الله عنه قال: "نظرت في هذا الأمر، فجعلت إن أردت5 الدنيا، أضرّ بالآخرة، وإن أردت الآخرة، أضرّ بالدنيا، فإن كان الأمر هكذا، فأضرّ بالفانية"6. وعن الحسن7 قال: "خطب عمر الناس، وهو خليفة، وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة"8. وعن أنس9 رضي الله عنه قال: "نظرت في قميص عمر رضي الله عنه
فإذا بين كتفيه أربع رقاع لا يشبه بعضها بعضاً"1. وعن أنس2 قال: "كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعليه قميص فيه أربع رقاع، فقرأ: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس: 31] ، ثم قال: ما الأبّ؟ 3، ثم قال: إن هذا لهو التكلف، وما عليك أن لا تدري ما الأبّ"4. وعن أبي عثمان النهدي، قال: "رأيت عمر قد رقع / [81 / ب] إزاره بقطعة من أدمٍ"5. وعنه قال: "رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطوف بالبيت، وعليه إزار، عليه6 اثنتا عشرة رقعة، إحداهن بأدم أحمر"7. قال عبد العزيز بن أبي جميلة8: "أبطأ عمر رضي الله عنه جمعة بالصلاة، فخرج فلما صعد المنبر، اعتذر إلى الناس، قال: "إنما حبسني قميصي هذا، لم يكن لي قميص غيره". كان يخاط [له] 9 أبيض سُنْبلاني10 لا يجاوزكمه
رسغ1 كفيه"2. وعن قتادة3، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبطأ على الناس يوم الجمعة، قال: ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه، وقال: "إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل، ولم يكن لي ثوب غيره"4. وعن زيد بن وهب قال: "رأيت عمر بن الخطاب خرج إلى السوق، وبيده الدّرّة، وعليه إزار فيه أربع عشرة رقعة بعضها من أدم"5. وعن عبد الله بن عمر أنه رأى عمر - رضي الله عنهما - يرمي الجمرة، وعليه إزار، فيه اثنتا عشرة رقعة، بعضها من أدم، وإن منها ما قد خيط بعضه على بعض، إذا قعد ثم قام، انتخل منه التراب"6. وعن أبي محصن الطائي7، قال: "صلى بنا عمر رضي الله عنه وعليه
إزار فيه رقاع بعضاً من أدم وهو أمير المؤمنين"1. وعن نافع قال: "سمعت ابن عمر يقول: "والله ما شمل النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، ولا خارج بيته ثلاثة أثواب، ولا شمل أبو بكر في بيته ثلاثة أثواب، غير أني كنت أرى كساهم إذا أحرموا كان لكل واحد منهم ميرز مشتمل، لعلها كلها بثمن درع أحدكم، والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه، ورأيت أبا بكر تخلل بالعباء، ورأيت عمر يرقع جبته برقاع من أدم، وهو أمير المؤمنين، وإني أعرف في وقتي من يجيز بالمئة ولو شئت قلت: ألفاً". وعن أسلم قال: "أصاب الناس سنة غلا فيها السمن، فكان عمر رضي الله عنه يأكل الزيت، فتقَرْقِر2 بطنه، فيقول: "قرقر3 ما شئت، فوالله لا تأكل السمن حتى يأكله الناس، ثم قال: اكسر عني حره بالنار"، فكنت أطبخه له فيأكله"4. وعن أنس5 قال: "تقرقر بطن عمر عام الرّمادة، فكان يأكل الزيت، وكان قد حرّم على نفسه السمن، قال: "فنقر بطنه بإصبعه، وقال: تقرقر إنه ليس عندنا غيره حتى يحيى الناس"6.
وعن الحسن1 قال: قال عمر رضي الله عنه: "والله لا تنخل الدقيق"2. وعن يسار بن نمير3 قال: "والله ما نخلت لعمر الدقيق قط إلا وأنا له عاص"4. وعن أبي أمامة5 قال: "بينا عمر رضي الله عنه في أصحابه إذ أتى بقيمص له / [82 / أ] كرابيس6 فلبسه فما جاوز تراقيه7 حتى قال: "الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في حياتي". ثم أقبل على القوم، فقال: "هل تدرون لم قلت: هؤلاء الكلمات؟ "، قالوا: "لا، إلا أن تخبرنا"، قال: "فإني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وقد أتي بثياب له جدد فلبسها، ثم قال: "الحمد لله الذي كساني ما أواري عورتي، وأتجمل به في حياتي"، ثم قال: "والذي بعثني بالحق ما من عبد مسلم كساه الله ثياباً جدداً فعمد إلى شيء من أخلاق ثيابه8، وكساه عبداً مسلماً مسكيناً،
لا يكسوه إلا لله عزوجل إلا كان في جوار الله، وفي ضمان الله، ما كان عليه منها سلك حيّاً وميّتاً حيّاً وميّتاً". قال: ثم مدّ عمر كمّ قميصه فوجد فيه فضلاً عن أصابعه، فقال لعبد الله بن عمر: "أي بني هات الشَّفْرَة أو المدية"1، فقام فجاء بها فمدّ عمر كم قميصه، فنظر ما فضل عن أصابعه، فقدّه، قال أبو أمامة قلنا: يا أمير المؤمنين، ألا نأتي بخياط فيكفّ هدبه؟، قال: "لا". قال أبو أمامة: فلقد رأيت عمر بعد ذلك وإن هدب ذلك القميص لمنتشر على أصابعه، ما يكفه"2. وعن [عبد الله بن] 3 عامر بن ربيعة4، قال: "خرجت مع عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حاجاً من المدينة إلى مكّة، إلى أن رجعنا، فما ضرب له فسطاطاً5، ولا خباء، كان يلقي الكساء6 والنطع7 على الشجرة فيستظل تحته"8.
وعن عبد الله بن عمر قال: "لبس عمر قميصاً جديداً ثم دعاني بشفرة فقال: "مدّ يا بني كم قميصي، وألصق يديك بأطراف أصابعي، ثم اقطع ما فضل عنها". قال: فقطعت الكمين من جانبيه جميعاً، فصار فم الكم بعضه فوق بعض، فقلت1: يا أبت لو سويته بالمقص، قال: "دعه، هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل". فما زال عليه حتى تقطع، وكان ربما رأيت الخيوط تساقط على قدميه"2. وعن العلاء بن أبي عائشة3، أن عمر رضي الله عنه دعا حلاقاً فحلقه بموس - يعني جسده - فاستشر له الناس، فقال: "إن هذا ليس من السنة، ولكن النورة4 من النعيم، فكرهتها"5. وعن الحسن6: أن عمر رضي الله عنه أتي بشربة عسل، فذاقها، فإذا ماء وعسل، فقال: "اعزلوا عني حسابها، اعزلوا عني مؤنتها"7.
وعن حميد بن هلال1 قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والذي نفسي بيده لولا تنقص حسناتي لخالطتكم في لين عيشكم"2. وعن يحيى بن وَثَّاب3 قال: "أمر عمر رضي الله عنه غلاماً4 له أن يعمل عَصِيدَة5 بزيت، وقال: "أنضج كيْ تذهب حرارة الزيت، فإن ناساً تعجلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا"6. وعن الحسن7 قال: "ما أكل عمر رضي الله عنه إلا معلوثاً8 بشعير حتى لحق الله عزوجل وكان بطنه ربما قرقر فيضربه بيده ويقول: "اصبر فوالله ما عندي إلا ما ترى حتى تلحق بالله"9. وعن أبي عمران الجوني - رحمه الله - قال: "قال عمر بن الخطاب: لنحن أعلم بلين الطعام / [82 / ب] من كثير من آكيله، ولكنا ندعه ليوم {يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كلُّ مُرْضِعَةٍ عمَّا أَرْضَعَتْ وتَضَعُ كلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحجّ: 2] ، قال أبو
عمران: والله ما كان يصيب من الطعام هو وأهله إلا تقوتاً"1. وعن عاصم بن محمّد العُمري2 عن أبيه3 قال: "دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد أصابه الغُرَثُ، فقال: "عندكم شيء؟ "، فقالت امرأته: "تحت السّرير"، فتناول قناعاً فيه تمر، فأكل ثم شرب الماء، ثم مسح بطنه، ثم قال: "ويح لمن أدخله بطنه النار". الغَرَثُ: الجوعُ4. قال حسان5: حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَانُ بِرِيبَةٍ ... وتُصْبحُ غَرْثى من لُحوم الغَوافِل6 أي: جائعه7. وعن عمرو8 بن البختري9، قال: قال عمر رضي الله عنه لأصحابه: "لولا مخافة الحساب غداً؛ لأمرت بحمل10 يشوي لنا في التّنور"11. وعن نافع12 عن ابن عباس - وكان يحضر طعام عمر - قال: "كانت له
كلّ يوم إحدى عشرة لقمة، إلى مثلها من الغد"1. وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: قالت حفصة بنت عمر لعمر: "يا أمير المؤمنين [لو لبست] 2 ثوباً هو ألين من ثوبك هذا3، وأكلت طعاماً هو ألين وأطيب من طعامك، فقد وسع الله من الرزق، وأكثر من الخير"، فقال: "إني سأخاصمك إلى نفسك، أما تذكرين ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى من العيش؟ "، فما زال يذكرها حتى أبكاها، فقال لها: "أما والله إن قلت ذاك لمكاني، والله إن استطعت لأشاركنهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك معها عيشهما الرخي"4. وعن الحسن5 أنّ ناساً كلموا حفصة فقالوا لها: "لو كلمت أباك في أن يلين
من عيشه"، فجاءته فقالت: "يا أبتاه1، [أ] 2 ويا أمير المؤمنين، إن ناساً من قومك، كلّموني في أن أكلمك في أن تلين من عيشك"، فقال لها: "يا بنية غششت أباك ونصحت لقومك"3. وعن سالم بن عبد الله4 قال: "لما ولّي عمر رضي الله عنه قعد على رزق أبي بكر رضي الله عنه الذي كانوا فرضوا له، كان بذلك فاشتدت حاجته، فاجتمع نفرٌ من المهاجرين فيهم عثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير - رضي الله عنهم - فقالوا: "لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه". فقال عليّ: "وددْنا أنه فعل ذلك، فانطلقوا بنا"، فقال عثمان: "إنه عمر فهلموا فنسبر5 ما عنده من وراء وراء، نأتي حفصة فنكلمها ونستكتمها أسماءنا". فدخلوا عليها وسألوها أن تخبر بالخبر عن نفرٍ، ولا تسمى أحداً إلا أن يقبل، وخرجوا من عندها، فلقيت عمر رضي الله عنه في ذلك، فعرفت6 الغضب في وجهه، فقال: "من هؤلاء؟ "، / [83 / أ] قالت: "لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم ما رأيك؟ "، فقال: لو علمت من هم لسودت وجوههم، أنت بيني وبينهم، أناشدكِ بالله ما أفضل ما اقتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتكِ من الملبس؟ "، قالت: "ثوبين مُمَشَّقَين كان يلبسُهما للوفد ويخطب فيهما للجُمَعِ".
قال: "فأي طعام ناله عندكِ أرفع؟ "، قالت: "خبزنا خبزة شعير فصببنا عليها وهي حارة أسفل عكة لنا، فجعلناها هشة1 دسماءَ حلوةً، فأكل منها، وتطعِم منها2 استطابة لها. قال: "فأي مبسط عندك كان أوطأ؟ "، قالت: "كساءٌُ لنا ثخينٌ كنا نربعه في الصيف فنجعله ثخيناً، فإذا كان الشتاء ابتسطنا نصفه، وتدثرنا نصفه". قال: "يا حفصة، فأبلغيهم عني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّر فوضع الفضول مواضِعها، وتبلغ بالتزجية3، وإنما مثلي، ومثل صاحبي كثلاثة نفر سلكوا طريقاً فمضى الأوّل، وقد تزود زاداً فبلغ، ثم تبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه، ثم تبعهما الثالث فإن لزِم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما، وكان معهما، وإن سلك غير طريقهما لم يجامعهما أبداً"4. وعن الربيع بن زياد قال: "قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وفد من العراق، فأمر لكل رجل منا بعباء عباء، فأرسلت إليه حفصة - رضي الله عنها - فقالت: "يا أمير المؤمنين، أتاك ألباب5 العراق، ووجوه الناس، فأحسن كرامتهم"، فقال: "ما أزيدهم على العباء، يا حفصة أخبريني بألين فراشٍ فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأطيب طعام أكل عندكِ"، فقالت: "كان لنا كساء، من هذه الملبدة، أصبناه يوم خيبر، فكنت أفرشه لرسول الله صلى الله عليه وسلم [كلّ] 6 ليلة
وينام عليه، وإني ربعته ذات ليلة، فلما أصبح قال: "ياحفصة أعيديه لمرته الأولى، فإنه منعتني وطأته البارحة من الصلاة"، قال: "وكان لي صاع من سلت - يعني: من حنطة رديئة1 - وإني نخلته ذات يوم، وطحنته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لنا قعب2 من سمن فصببت عليه، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل إذ دخل أبو الدّرداء3، فقال: إني أرى سمنكم قليلاً، وعندنا قعب من سمن". فأرسل إليه أبو الدرداء، فصبّ عليه، فأكلا، فقالت حفصة: "فهذا ألين فراش فرشته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أطيب طعام أكله". فأرسل عمر عينيه بالبكاء، وقال: "والله لا أزيدهم على العباء شيئاً، وهذا طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا فراشه"4. وعن حذيفة5 رضي الله عنه قال: "أقبلت فإذا الناس بين أيديهم القصاع6، فدعاني عمر رضي الله عنه فأتيته فدعا بخبز غليظ، وزيت، فقلت له: "أمنعتني أن آكل الخبز واللحم، ودعوتني على هذا؟ "، قال: "إنما دعوتك على طعامي، فأما هذا فطعام المسلمين"7.
وعن أبي أمامة1 رضي الله عنه قال: بينا نحن عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يجول في سكك المدينة، ومعنا الأشعث بن قيس2، فأدرك عمر الأعياء، فقعد، وقعد إلى جنبه الأشعث بن قيس، وقد أتي عمر بِمِرْجَلٍ3 فيه / [/ 83 / ب] لحم، فجعل يأخذ منه فينهشه فينضح على الأشعث بن قيس، فقال الأشعث: "يا أمير المؤمنين، لو أمرت بشيء من سمن فصُب على هذا اللحم، ثم طبخ حتى يبلغ أناته، كان ألين له"، فرفع عمر يده فضرب بها صدر الأشعث بن قيس، ثم قال: "أدمان في أدم؟ كلا! إني لقيت صحابي، وصحبته، فأخاف إن خالفتهما يخالف بي عنهما، فلا أُنْزل معهما حيث يُنْزلان"4. وعن ثابت5 قال: "اشتهى عمر رضي الله عنه الشّراب فأتي بشربة من عسل، فجعل يدير الأناء في كفّه فيقول: "أشربها وتذهب حلاوتها، وتبقى مراراتها"، ثم دفعها إلى رجل من القوم فشربها"6. وعن الأحنف بن قيس، قال: "خرجنا مع أبي موسى الأشعري وفوداً إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان لعمر ثلاث خبزات يأدمهن يوماً بلبن وسمن، ويوماً بلحم، ويوماً بزيت، فجعل القوم يعذرون، فقال عمر: "والله
إني لأرى تعذيركم وإني لأعلمكم بالعيش، ولو شئت لجعلت كرَاكرَ، وأَسْنِمة وصَلاء، وصنابٍ، وصَلائِق، ولكني أستبقي حسناتي، إن الله عزوجل ذكر قوماً فقال: {أَذْهَبْتُم طَيِّبَاتِكُم فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنيَا واسْتَمْتَعْتُم بهَا} [الأحقاف: 20] الآية1. وعن محمّد بن قيس2 قال: "دخل ناس على حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما - فقالوا: "إن أمير المؤمنين قد بدا عِلباءُ3 رقبته من الهزال، فلو كَلَّمتِهِ أن يأكل طعاماً هو ألين من طعامه، ويلبس ثياباً ألين من ثيابه، فقد رأينا إزاره مرقعاً برقع غير ثوبه، ويتخذ فراشاً ألين من فراشه، فقد أوسع الله على المسلمين فيكون ذلك أقوى على أمرهم"، فبعثوا إليه حفصة فذكرت ذلك له، فقال: "أخبريني بألين فراش فرشته لرسول الله قط"، قالت: "عباه كنا نثنيها4 له باثنين، فلما غلظت عليه جعلتها له بأربعة"، قال: "فأخبريني بأجود ثوب لبسه؟ "، قالت: "نَمِرَةٌ5 صبغناها له، فرآها إنسان، فقال: أكسنيها يا رسول الله فأعطاه إياه"، فقال: "ايتوني بمِقناع6 من تمر"، فأمرهم فنَزعوا نواه، ثم قال: "انزعوا تفاريقه"، ففعلوا ثم أكله كله، فقال: "تروني لا أشتهي الطعام إني لآكل السمن، وعندي
اللحم، وآكل الزيت وعندي السمن، وآكل الملح وعندي الزيت، وآكل البحث1 وعندي الملح، ولكن صاحباي سلكا طريقاً فأخاف أن أخالفهما فيخالف بيَ"2. قال سفيان3: "كان عمر رضي الله عنه يشتهي الشيء لعلّه يكون ثمن درهم فيؤخره سنة"4. وعن العُتْبيّ5: "بُعث إلى عمر رضي الله عنه بحلل فقسمها6 فأصاب كل رجل منا7 ثوب ثم صعد المنبر وعليه حلة والحلة ثوبان فقال: "أيها الناس ألا تستمعون؟ "، فقال سلمان8 رضي الله عنه: "لا نسمع". فقال عمر: "ولِمَ يا أبا عبد الله؟ "، قال: "إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك حلة"، فقال: "لا تعجل يا أبا عبد الله، ثم نادى عبد الله فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد الله بن عمر"، فقال: "لبيك يا أمير المؤمنين"، قال: الثوب الذي اتزرت9 به هو ثوبك؟ " قال: "اللهم نعم". فقال سلمان: "الآن فقل نسمع"10.
وعن أبي عثمان1، قال: "لما قدم عتبة بن فرقد أذربيجان أتي بالخبِيصِ2، فلما أكله وجد شيئاً حلواً طيباً فقال "والله لو صنعت لأمير المؤمنين من هذا" فجعل له سفطين عظيمين3، ثم حملهما على بعير مع رجلين، فسرح / [84 / أ] بهما إلى عمر رضي الله عنه فلما قدما عليه فتحهما، قال: "أي شيء هذا"؟ قالوا: "خبيص" فذاقه فإذا شيء حلو، فقال للرسول: "أَكُلُّ المسلمين4 شبع من هذا في رحالهم"؟ قال: "لا" قال: "أما لا، فارددهما" ثم كتب إليه أما بعد: فإنه ليس من كدّك ولا كدّ أمك أشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك"5. قال عتبة بن فرقد: "قدمت على عمر رضي الله عنه بسلال خبيص عظام، ما آلو6 أن أحسن وأجيد، فقال: "ما هذه"؟ قلت: طعام أتيتك به، لأنك تقضى حاجات الناس أول النهار، فأحببت إذا رجعت أن ترجع إلى طعام فتصيب منه، فيقويك، قال: فكشف عن سلة منها، فقال: "عزمت عليك يا عتبة إذا رجعت إلا رزقت كل رجل من المسلمين منه" فقلت7: والذي يصلحك يا أمير
المؤمنين لو أنفقت مال قيس1 كلها ما وسع ذلك، قال: "فلا حاجة لي منه" ثم دعا بقصعة من خبر جريش، ولحم غليظ، وهو يأكل معي أكلاً شهياً2، فجعلت أهوى إلى البضعة3 البيضاء أحسبها سناما فإذا هي عصبة، والبضعة من اللحم أمضغها فلا أسيغها فإذا غفل عني جعلتها بين الخوان4 والقصعة، ثم دعا بعس من نبيذ قد كاد يكون خلا، فقال: "اشرب" فأخذته وما أكاد أسيغه ثم أخذه فشرب، ثم قال: "اسمع يا عتبة إننا ننحر كل يوم جزورا فأما ودكها، وأطايبها فلمن حضرنا من آفاق المسلمين، وأما عنقها فلآل عمر نأكل هذا اللحم الغليظ، ونشرب هذا النبيذ الشديد، يقطعه5 في بطوننا أن يؤذينا"6. وعن عتبة بن فرقد السلمي قال: "قدمت على عمر رضي الله عنه وكان ينحر جزورا كل يوم، أطيبها للمسلمين وأمهات المؤمنين، ويأمر بالعنق والعلباء فيأكله هو، وأهله، فدعا بطعام فأتى به فإذا خبز خشن، وكسور من لحم غليظ، فجعل يقول: "كل" فجعلت آخذ البضعة فألوكها فلا أسيغها، فنظرت فإذا بضعة بيضاء ظننتها من السنام، فأخذتها فإذا هي من علباء العنق،
وإني إن سلكت غير طريقهما سلك بيَ غير طريقهما، وإني / [84 / ب] ، والله لأشركنهما في مثل عيشهما الشديد، لعلّي أدرك معهما عيشهما الرخي. يعني بصاحبيه1: النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه"2. وعن أشياخ من الأنصار، قالوا: "أتانا عمر بن الخطاب بقباء، فأُتي بشربة من عسل، فقال: "إيتني بشربة هي أهون عليّ في المسألة من هذه يوم القيامة"3. وعن أنس4 قال: "صليت إلى جنب عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام الرّمادة؛ وكان عام قحط، فتقرقر بطنه، فقال لبطنه: اسكن فوالله ما لك عندنا غير هذا، حتى يحيى الناس، وكان يأكل الزيت"5. قال ابن أبي نجيح6: "كان لعمر كل شهر ثلاثة دراهم لحم"7. وعن الأشهب8 عمن9 ذكره قال: "مرّ عمر رضي الله عنه على مزبلة فاحتبس عندها، فكأن أصحابه تأذوا بها، فقال: "هذه دنياكم التي تحرصون عليها، وتبكون عليها"10.
وفي (مسند) الإمام أحمد عن عليّ رضي الله عنه قال: "قيل يا رسول الله، من نؤمر بعدك؟ "، قال: "إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أميناً، زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويّاً أميناً زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، وإن تؤمروا عثمان تجدوه قويّاً أميناً لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمروا عليّاً ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم"1. قال ابن الجوزي: "نبذ الدنيا من وراء ظهره، فتخفف من الأثقال لأجل السباق، كان يخطب وفي إزاره ثنتا عشرة رقعة، كفّ كفّه عن المال زاهداً فيه، حتى أَمْلَقَ أهلُه. رأى يوماً صبية تمشي في السُّوق، والريحُ تلقيها لضعفها، فقال: "من يعرف هذه؟ "، فقال ابنه عبد الله: "هذه إحدى بناتك"، قال: "أي بناتي؟ "، قال: "بنت عبد الله بن عمر"، قال: "فما بلغ بها ما أرى؟ "، قال: "إمساكك ما عندك"، قال: "إمساكي ما عندي يمنعك أن تطلب لبناتك ما يطلب الناس، أما والله ما لك عندي إلا سَهْمك مع المسلمين وَسِعك أو عجزَ عنك، بيني وبينكم كتاب الله"2. وقد أنشد فيه: عفَّ عن الدّنيا وقد تزخرفت ... مُمْكنةً وعافَها وقد قدر
مُحَكَّم في النّاس يقضي بينهم ... بمحكم الآي ومَنْصوص السُّوَر حدَّثْت عنه مثلَ ما تحدّثت عن ... كرم1 الأغصان حَلْوَاءُ الثّمر2/ [85 / أ] .
الباب الثالث والخمسون: تواضعه
الباب الثالث والخمسون: تواضعه ... الباب الثالث والخمسون: في ذكر تواضعه ذكر ابن الجوزي عن جبير بن نُفير1، أن نفراً قالوا لعمر بن الخطاب: "ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط، ولا أقولَ بالحقّ ولا أشدّ على المنافقين منك يا أمير2 المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله، فقال عوف بن مالك3: "كذتم - والله - لقد رأينا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فقال: "من هو؟ "، فقال: "أبو بكر"] 4 فقال عمر: "صدق عوف، وكذبتم، والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي"، - يعني: قبل أن يسلم -، لأن أبا بكر أسلم قبله بست سنين"5. وعن مُجالد بن سعيد قال: "لما أتى عمر رضي الله عنه [الخبر] 6 بنزول رستم القادسية، كان يستخبر الركبان عن أهل القادسية منذ حين يُصبح إلى انتصاف النهار، ثم يرجع إلى أهله، فلما لقيه البشير، سأله من أين جاء؟ فأخبره، فقال: "يا عبد الله حدّثني"، قال: "هزم الله العدوّ"، وعمر رضي الله عنه يخُبّ7 معه
ويستخبره، والآخر يسير على ناقته ولا يعرفه حتى1 دخل المدينة فإذا الناس يسلّمون عليه بإمرة المؤمنين، فقال الرجل: "فهلاّ أخبرتي - رحمك الله - أنك أمير المؤمنين، وجعل عمر يقول: "لا عليك يا أخي"2. وعن عبد الله بن مصعب3 قال: "قال عمر رضي الله عنه: "لا تزيدوا مهور النساء على أربعين أوقية4، وإن كانت بنت ذي الغُصّة - يعني: يزيد بن الحصين الحارثي5 - فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال، فقالت امرأة من صفّ النساء طويلة، في أنفها فَطْسٌ6: "ما ذاك لك"، قال: "ولم؟ " قالت: "لأن الله تعالى يقول: {وآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذوا منه شَيئاً أَتَأْخُذًُونَه بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} " [النساء: 20] ، فقال عمر رضي الله عنه: "امرأة أصابت ورجل أخطأ"7. وعن مسروق8 بن الأجدع9 قال: "ركب عمر
رضي الله عنه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال: "أيها الناس ما إكثاركم في صَدُقات النساء فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه [يقللون] 1 وإنما الصَّدقُات ما بين أربع مئة درهم فما دون، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى، أو تكرمة لم تسبقوهم إليها، فلا أعرفَنْ ما زاد رجل في صداق امرأة على أربع مئة درهم". ثم نزل، فاعترضته امرأة من قريش، فقالت: "يا أمير المؤمنين، أنهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مئة درهم؟ "، قال2: "وما ذاك؟ ". قالت: "أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ "، قال: "وأي ذلك؟ "، قالت: "أو ما سمعت الله يقول: {وآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذوا منه شَيئاً أَتَأْخُذًُونَه بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} " [النساء: 20] ، فقال: "اللهم غفراً كل إنسان أفقه من عمر"، ثم رجع فركب المنبر، فقال: "أيا الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مئة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحبّ وطابت به نفسه فليفعل"3. وعن أبي الغالية الشامي4 قال: "قدم عمر رضي الله عنه الجابية على جمل أورق5، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة، تصطفق6 رجلاه
بين شعبتي رحله بلا ركاب، وطاؤه كساء انبجاني ذو صوف، هو وطاؤه إذا ركب وفراشه إذا نزل، حقيبته نمرة أو شملة محشوة ليفاً، هي حقيبته إذا ركب، ووسادته إذا نزل، عليه قميص من كرابيس1، قد دسم وتخرق جبيه، / [85 / ب] فقال: "ادعوا لي رأس القرية"، فدعوا له الجلموس2، فقال: "غاسلوا قميصي وخيطوه وأعيروني قميصاً، أو ثوباً". فأتي بمقيص كتان3، فقال: "ما هذا؟ "، قالوا: "كتان"، قال: "وما الكتّان؟ "، فأخبروه، فنزع قميصه فغُسل، ورقع، وأتي به، فنزع قميصهم ولبس قميصه، فقال له الجلموس: "أنت ملك العرب، وهذه بلاد لا تصلح بها الإبل". فأتي ببرذون فطرح عليه قطيفة، [لا سرج] 4 ولا رحل وركبه، فقال: "احبسوا احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشياطين قبل هذا"، فأتي بجملة فركبه"5. وعن هشام بن عروة عن أبيه،6 قال: "قدم عمر رضي الله عنه الشام، فتلقاه أمراء الأجناد، وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: "أين أخي؟ "، قالوا: "من؟ "، قال: "أبو عبيدة بن الجراح"، قالوا: "يأتيك الآن"، فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه، فسأله، ثم قال للناس: "انصرفوا عنا"، فسار معه
حتى منزله، فنزل عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه، وترسه، ورحله، قال له عمر: "لو اتخذت متاعاً؟ "، أو قال: "شيئاً؟ "، فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين، إن هذا سيبلغنا المقيل"1. وعن طارق بن شهاب قال: "لما قدم عمر رضي الله عنه الشام عرضَت له مخاضة، فنزل عن بعيره، وقلع موقيه فأمسكهما بيده، فخاض عمر الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: "قد صنعت صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض كذا وكذا"، قال: فصك في صدره، وقال: "أوهْ2 لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذلّ الناس، وأحقر الناس، وأقلَّ الناس، فأعزَّكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزّةَ بغير الله يذلكم الله"3. وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن طارق4 بن شهاب قال: "قدم عمر الشام فتلقته الجنود، وعليه إزار وخفان وعمامة، وهو آخذ برأس5 راحلته، فقالوا: "يا أمير المؤمنين، تلقاك الجنود، والبطارقة وأنت على حالك هذه؟! "، فقال: "إنا قوم أعزّنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العزّة بغيره"6.
وعن أسلم مولى عمر رضي الله عنه أنه كان مع عمر رضي الله عنه وهو يريد الشام، حتى إذا دنا من الشام، أناخ عمر، وذهب لحاجة له، قال أسلم: "فطرحت فروتي بين شعبتي رحلي، فلما خرج عمر عمد إلى بعير أسلم فركبه على الفور، وركب بعير عمر فخرجا يسيران، حتى لقيهما أهل الأرض، قال أسلم: فلما دنوا منا أشرت لهم إلى عمر، فجعلوا يتحدّثون بينهم، فقال عمر: "تطمح أبصارهم إلى1 مراكب من لا خلاق له، كأن عمر [يريد] 2 مراكب العجم"3. وعن إسماعيل4 عن5 قيس6 قال: "لما قدم عمر الشام استقبله الناس وهو على بعيره فقالوا: "يا أمير المؤمنين لو ركبت برذوناً يلقاك عظماء الناس ووجوههم؟ "، فقال: "لا أراكم7 ههنا، [إنما الأمر من ههنا] 8". وأشار بيده
إلى السماء، خلّوا جملي"1. وعن عبيد الله بن عباس2 قال: "كان للعبّاس ميزاب على طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة، وقد كان ذبح للعباس فرخان، فلما وافى الميزاب، صُبَّ ماءٌ بدم الفرخين، فأصاب / [86 / أ] عمر، فأمر عمر بقلعه، ثم رجع عمر رضي الله عنه فطرح ثيابه ثم لبس ثياباً غير ثيابه، ثم جاء فصلى بالناس فأتاه العباس، فقال: "والله إنه لَلمضوْضِعُ3 الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقال عمر: "فأنا أعزم عليك لما صعدت عليّ4 حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلمففعل ذلك العباس رضي الله عنه"5. وعن محمّد بن سعد يرفعه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "لقد رأيتني ومالي من أكال6 يأكله الناس إلا أن لي خالاتٍ من بني مخروم كنت استعذب لهن الماء فيقبضن لي القبضات من الزبيب". ثم نزل، فقيل له: "ما أردت إلى هذا يا أمير المؤمنين؟ "، قال: "إني وجدت من نفسي شيئاً فأردت أن
أطأطئ1 منها"2. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته يقول وبيني وبينه جدار، وهو في جوف الحائط: عمر أمير المؤمنين بَخْ بَخْ والله بُنيّ3 الخطاب لتتقين الله، أو ليعذبنك"4. وقال أبو إسحاق الفزاري5: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن أحب الناس إليّ من أهدى إليّ عيوبي"6. وعن عبد الرحمن بن حفصة7 قال: "قدمنا على عمر رضي الله عنه في وفد من بني صبة8، وأنا غلام فقضوا حوائجهم وتركوني فمرّ عمر رضي الله عنه في السوق على ناقة فوثبت9 وثبة فإذا أنا خلفه، فضرب بين
كتفي وقال: "ممن أنت؟ "، فقلت1: ضَبِّي، قال: "جسور"، قلت: على العدو، وقال: "وعلى الصديق، حاجتك؟ "، فقضى حاجتي، ثم قال: "فرغ لنا ظهر راحلتنا"2. وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: "خرجنا مع عمر رضي الله عنه إلى حجّ أو عمرة، حتى مرّ بشعاب ضَجنَان3 فالتفت إليها فقال: "لقد رأيتني في هذه4 الشعاب، في إبل الخطاب وكان فظاً غليظاً، أحتطب مرّة، وأختبط عليها أخرى، ثم أصبحت اليوم فضرب الناس بجنباتي ليس فوقي أحد، ثم قال: لا شيء فيما ترى إلا بشاشته ... يبقي الإلهُ ويودي المالُ والولد5 وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: "نادى عمر في الناس الصلاة جامعة، ثم جلس على المنبر فما تكّلم حتى امتلأ المسجد ثم قام، فقال: "الحمد لله لقد رأيتني أوجز6 نفسي بطعام ثم أصبحت على ما ترون،
فلما نزل قيل له: " [ما] 1 حملك على ذلك؟ "، قال: "إظهار الشّكر"2. وعن محارب بن دِثار عن ابن عمر قال: "صعد عمر المنبر فجلس، ونودي الصلاة جامعة، فما زالوا يردون حتى امتلأ المسجد، فقام عمر فقال: "أحمد الله إليكم، إني كنت أوجز نفسي ثم أصبحت يضرب الناس بجنبتي ليس فوقي أحد". ونزل فقال له ابن عمر: "يا أمير المؤمنين ما دعاك إلى ما قلت؟ "، قال: "إن أباك أعجبته نفسه فأحبّ أن يضعها"3. وعن الحسن4: "أن رجلاً أثنى على عمر فقال: "أتهلكني وتهلك نفسك؟ "5. [وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنها - قال: "نادى عمر الصلاة جامعة، ثم جلس على المنبر فما تكلَّم حتى امتلأ المسجد ثم قام فقال: "الحمد لله لقد] 6 رأيتني أواجر نفسي بطعام بطني، ثم أصبحت على ما ترون"، فقيل له: "ما حملك على ما تقول؟ "، قال: "إظهار الشّكر"7. وعن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن حزم8 عن رجل من جهينة
قال: "بعثني أبي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجداءٍ1 أبيعهن بالمدينة، فلما كنت يوماً من المدينة/ [86 / ب] إذا أنا برجل عامد إلى المدينة، وقد مال حِمْلُ حماري فقلت: "يا عبد الله أعني على حِمْل حماري، حتى أعدله"، قال: "نعم، يا بني". فقام معي حتى عدله، ثم قال لي: "من أنت؟ "، فقلت: "أنا فلان بن فلان الجهني"، فقال: "إذا أتيت أباك فقل له: "إن أمير المؤمنين يقول لك: إياك وذبح الجداية، فإن2 ودك3 العتود4 خير من أنفحه الجدي". قلت: "من أنت - يرحمك الله -؟ "، قال: "أنا عمر أمير المؤمنين"5. وعن عبد الجبار بن عبد الواحد التنوخي67، قال: "قال عمر رضي الله عنه وهو على المنبر: "أنشدكم الله لا يعلم رجل مني عيباً إلا عابه"، فقال: رجل: "نعم، يا أمير المؤمنين، فيك عيبان"، قال: "وما هما؟ "، قال: "تديل بين البردين، وتجمع بين الأدمين، ولا يسع ذاك الناس"، قال: "فما دال8 بين بردين، ولا جمع بين أدمين، حتى لقي الله عزوجل".
قوله: "تديل بين البردين: أي: تلبس قميصاً، وتخليه وتلبس غيره"12. وقال سالم الأفطس3: "جاءت وفود فارس إلى عمر رضي الله عنه يطلبونه فلم يجدوه في منزله، فقيل لهم: هو في المسجد. يشير إلى أنه لم يكن له موضع للحكم"4 وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن تميم بن سلمة5 قال: "لما قدم عمر رضي الله عنه الشام تلقاه أبو عبيدة بن الجراح فخاض إليه عمر الماء في خفيه، فقال له أبو عبيدة: "يا أمير المؤمنين إنك بإزاء العدوّ"، فقال: "دعنا منك، فإنّ الله أعزّنا بالإسلام"، قال: وقبل أبو عبيدة يده، ثم خلوا فجعلا يبكيان"6.
الباب الرابع والخمسون: حلمه
الباب الرابع والخمسون: حلمه ... الباب الرابع والخمسون: في ذكر حلمه في الصحيح عن أبي الدّرداء1 قال: "كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه2، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما صاحبكم فقد غامر" 3، فسلم، وقال: "إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك"، فقال: "يغفر الله لك يا أبا بكر"، ثلاثاً. ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثمَّ أبو بكر؟ قالوا: "لا". فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر4 حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: "يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت5، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ " مرتين، فما أوذي بعدها"6. ومن طريق آخر: "كان بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عمر عنه مغضباً، فاتّبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، - فقال أبو الدّرداء:
ونحن عنده - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما صاحبكم هذا فقد غامر"، قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقصّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، قال أبو الدّرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول: "والله يا رسول الله، لأنا كنت أظلم"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل أنتم تاركوا لي صاحبي، هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ إني قلت: يا أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعاً، فقلتم كذبت، وقال أبو بكر: صدقت" 1. وفي الصحيح عن ابن عباس، قال: "قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس2، وكان من النفر الذي يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولاً كانوا أو شُباناً، فقال عيينة لابن أخيه: "يابن أخي هل لك أو قال: لك وجه عند الأمير، فاستأذن لي عليه". قال: "سأستأذن لك عليه"، قال ابن عباس: فاستأذن / [87 / أ] الحرُ لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: "إيهْ، أو هِيْ3 يابن الخطاب، فوالله ما تعطينا
الجزل1 ولا تحكم فينا بالعدل". فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، فقال له الحرّ: "يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه: {خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بالعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] ، وإن هذا من الجاهلين". والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله"2. ورواه ابن الجوزي عن ابن عباس بلفظه إلا أن فيه: "وكان القراء أصحاب مجلس عمر"3، وهي في بعض طرق الصحيح4. وعن إبراهيم بن حمزة5، قال: "أُتي عمر رضي الله عنه ببرود فقسمها بين المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - وكان فيها برد فاضل لها، فقال: "إن أعطيته واحداً منهم غضب أصحابه ورأوا أني فضلته عليهم، فدلّوني على فتى من قريش نشأ نشأة حسنة أعطيه إياه". فسمّوا له المسور ابن مخرمة، فدفعه إليه، فنظر إليه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: "تكسوني هذا البرد وتكسوا ابن أخي مسوراً أفضل منه؟ "، قال: "يا أبا إسحاق، إني كرهت أن أعطيه واحداً منكم فيغضب أصحابه، فأعطيته فتى نشأ نشأة حسنة لا يتوهم فيه أني أفضله عليكم"، فقال سعد: "إني قد حلفت لأضربن بالبرد الذي أعطيه رأسك"، فخضع له عمر رأسه وقال: "عندك يا أبا إسحاق وليرفق الشيخ بالشيخ".
فضرب رأسه بالبرد"1. وعن الحسن2 قال: "كان بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبين رجل كلام في شيء، فقال له رجل: "اتّق الله يا أمير المؤمنين"، فقال له رجل من القوم: "أتقول لأمير المؤمنين: اتّق الله؟ "، فقال له عمر رضي الله عنه: "دعه فليقلها لي، نعم، ما قال، ثم قال عمر: لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نقبلها منكم"3. وعن عليّ بن رباح عن ناشرة4، قال: "سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول يوم الجابية، وهو يخطب الناس: "إن الله جعلني خازناً لهذا وقاسماً له، ثم قال: بل الله يقسمه وأنا بادئ بأهل النبي صلى الله عليه وسلم"، ففرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، عشرة آلاف، إلا جويرية وصفية وميمونة، فقالت عائشة - رضي الله عنها -: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدل بيننا"، فعدل بينهن عمر رضي الله عنه، ثم قال: "إني بادئ بي وأصحابي المهاجرين الأوّلين فإنا أخرجنا من ديارنا ظلماً وعدواناً ثم أشرفهم"، ففرض لأصحاب بدر منهم، خمسة آلاف، خمسة آلاف، ولمن شهد بدراً من الأنصار، أربعة آلاف، أربعة آلاف، وفرض لمن شهد الحديبية، ثلاثة آلاف، ثلاثة آلاف، وقال: "من أسرع بالهجرة أسرع به العطاء ومن أبطأ في الهجرة أبطأ به العطاء، فلا يلومن
رجل إلا مناخ راحلته، وإني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد فإني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطى ذا البأس، وذا الشرف، وذا اللسان فنزعته / [87 / ب] وأمرت أبا عبيدة بن الجراح". فقام أبو عمرو بن حفص بن المغيرة1، فقال: "والله ما اعتذرت يا عمر، ولقد [نزعت] عاملاً استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغمدت سيفاً سله رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعت امرأ2 نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطعت رحماً، وحسدت ابن العم". فقال عمر رضي الله عنه: "إنك قريب القرابة، حديث السن، تغضب في ابن عمك"3. وعن أصبغ بن نُباتة4، قال: "خرجت أنا وأبي من زَرُوْد5 حتى ننتهي إلى المدينة في غلس6، والناس في الصلاة فانصرف الناس من صلاتهم وخرج الناس إلى أسواقهم، فدخل إلينا رجل معه درّه، فقال: "يا أعرابي أتبيع؟ "، فلم يظل يساوم أبي7 حتى أرضاه على ثمن، وإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجعل يطوف في السوق، ويأمرهم بتقوى الله يقبل فيه ويدبر، ثم مرّ على أبي، فقال: "حبستني ليس هذا وعدتني"، ثم مرّ الثانية، فقال له مثل ذلك، فردّ عليه عمر: "لا أريم حتى أوفيك"، ثم مرّ به الثالثة فوثب أبي مغضباً
فأخذ ثياب عمر، فقال له: "كذبتني وظلمتني"، ولهزه1، فوثب المسلمون إليه: يا عدوّ الله، لهزت أمير المؤمنين، فأخذ عمر رضي الله عنه ثياب أبي فجره لا يملك من نفسه شيئاً وكان شديداً فانتهى إلى قصاب، فقال: "عزمت عليك أو أقسمت عليك لتعطين هذا حقّه، وأهبك ربحي"، وكان عمر باع الغنم منه، فقال: "يا أمير المؤمنين لا، ولكن أعطي هذا حقّه، وأهبك ربحك"، فأخرج حقّه، فأعطاه، فقال له عمر: "استوفيت؟ "، فقال: "نعم"، فقال عمر رضي الله عنه "بقي حقنا عليك لهزتك التي لهزتني، قد تركتها لله عزوجل ولك"، قال أصبغ: فكأني أنظر إلى عمر أخذ ربحه لحماً فعلقه في يده، وفي يده اليمنى الدّرّة يدور في الأسواق حتى دخل رحله"2. وعن الحسن3 رضي الله عنه قال: "خرج عمر رضي الله عنه في يوم حار واضعاً رداءه على رأسه، فمرّ به غلامٌ على حمار، فقال: "يا غلام احمِلني معك"، قال: "فوثب الغلام عن الحمار فقال: "اركب يا أمير المؤمنين"، فقال: "لا أركب، وأركب خلفك، تريد أن تحملني على المكان الخشن، وتركب على المكان الموطأ4، ولكن اركب أنت، وأكون أنا خلفك". قال: فدخل المدينة وهو خلفه،
والناس ينظرون إليه"1. وفي مسند الإمام أحمد، عن أبي ظبيان2: أن عمر أُتي بامرأة قد زنت، فأمر برجمها فذهبوا بها ليرجموها، فلقيهم عليّ رضي الله عنه فقال: "ما هذه؟ "، قالوا: "زنت فأمر عمر برجمها"، فانتزعها عليّ من أيديهم وردّهم، فرجعوا إلى عمر، فقال: "ما ردّكم؟ "، قالوا: "ردنا عليّ"، فقال: "ما فعل هذا إلا لشيء قد علمه"، فأرسل إلى عليّ فجاء هو شبيه المغضب، فقال: "ما لك رددت هؤلاء؟ "، فقال: "أما سمعت [النبي صلى الله عليه وسلم] يقول: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستييقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل". قال عليّ: "هذه مُبتلاة بني فلان، فعلّه3 أتاها وهو بها". فقال عمر: "لا أدري". قال: "وأنا لا أدري"، فلم يرجمها"4. / [88 / أ] . وفي أمالي الجوهري5 عن عبد الله [بن] 6 صبعة العبدي7، عن أبيه8،
عن جده1، قال: "أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلان سألاه عن طلاق الأمة، فقام معهما يمشي حتى أتى حلقة في المسجد فيها رجل أصلع، فقال: "أيها الأصلع، ما ترى في طلاق الأمة؟ "، فرفع رأسه إليه ثم أومأ إليه بإصبعيه السبابة والوسطى، فقال لهما عمر: "تطليقتان) ، فقال أحدهما: "سبحان الله جئناك وأنت أمير المؤمنين فمشيت معنا حتى وقفت على هذا الرجل فسألته فرضيت منه أن أومأ إليك؟! " فقال لهما: "ما تدريان من هذا؟، هذا عليّ بن أبي طالب، أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعته وهو يقول: "إن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعتا في كفّة، ووضع إيمان عليّ في كفّة ميزان لرجّح إيمان عليّ" 2.
الباب الخامس والخمسون: ورعه
الباب الخامس والخمسون: ورعه ... الباب الخامس والخمسون: في ذكر ورعه ذكر ابن الجوزي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: "اشتريت إبلاً وارتجعتُها1 إلى الحمِى، فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر رضي الله عنه السوق فرأى إبلاً سماناً، فقال: "لمن هذه الإبل؟ "، فقيل: "لعبد الله بن عمر"، فجعل يقول: "يا عبدَ الله بن عمر! بخٍ بخٍ، ابنُ أمير المؤمنين"، قال: "فجئته أسعى، فقلت: ما لك يا أمير المؤمنين؟ "، قال: "ما هذه الإبل؟ "، قال: [قلت] 2: "إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون"، قال: "يقال: ارْعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر، اغد ابن عمر اغد على رأس مالك واجعل باقيه في بيت مال المسلمين"3. وعن جُميع بن عُمير التيمي4، قال: "سمعت عبد الله بن عمر يقول: "شهدت جلولاء فاتبعت من الغنائم بأربعين ألفاً، فقال: "يا عبد الله ابن عمر [لو] 5 انطلق بيَ إلى النار، كنت مفتدي؟ "، قلت: "نعم. بكل
شيء أملك". قال: "فإني مخاصمٌ، وكأني بك تبايع بجلواء ويقولون: [هذا] 1 عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأكرم أهله عليه، وأن يرخصوا عليك كذا وكذا درهماً أحبَّ إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم، وسأعطيك من الربح أفضل ما ربح رجل من قريش". ثم أتى باب صفية بنت أبي عبيد، فقال: يا صفية بنت أبي عبيد أقسمت عليك أن تُخرجي من بيتك شيئاً، أو تخرجين منه وإن كان عنق طَبِيَّةٌ2، قالت: "يا لأمير المؤمنين ذلك لك"، ثم تركني سبعة أيام، ثم استدعى التجار، ثم قال: "يا عبد الله بن عمر إني مسؤولٌ"، فباع من التجار متاعاً بأربع مئة ألف، فأعطاني ثمانين ألفاً وأرسل بثلاث مئة وعشرين ألفاً إلى سعد، فقال: "أقسم هذا المال فيمن شهد الوقعة، فإن كان أحد منهم مات فابعث بنصيبه إلى ورثته"3. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "استأذنت عمر في الجهاد، فقال: "أي بني إني أخاف عليك الزنى"، فقلت: أو على مثلي تتخوف ذلك4؟!، قال: "تلقون العدوّ فيمنحكم الله أكتافهم، فتقتلون المقاتلة،
وتسبون الذّرية، وتجمعون المتاع، فتقام جارية في المغنم فينادى عليها، فتسوم بها فينكل1 الناس عنك، يقولون: ابن أمير المؤمنين، ولله وللرسول ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، فيهم حقّ فتقع عليها، فإذا أنت زانٍ، اجلس"2. وعن [إسماعيل بن محمّد بن] 3 سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "قدم على عمر رضي الله عنه مسك وعنبر من البحرين، قال عمر: "والله لوددت أني أجد امرأة حسنة الوزن تزن [لي] 4 هذا الطيب حتى أفرقه على المسلمين"، فقالت له امرأته عاتكة: "أنا جيدة الوزن، فهلمُ / [88 / ب] أزن لك"، قال: "لا"، قالت: (ولِمَ؟ "، قال: "أخشى أن تأخذيه هكذا، فتجعليه هكذا - وأدخل إصبعيه في صدغيه - وتمسحين بها عنقكِ فأصبت فضلاً على المسلمين"5. وعن نعيم بن العطارة6، قال: "كان عمر يدفع إلى امرأته طيباً من7 طيب المسلمين، قال فتبيعه امرأته، قالت: "فبايعتني عطارة
فجعلت تُقوم1 وتزيد وتنقص، وتكسره بأسنانها، فيعلق بإصبعها شيء منه، فقالت به هكذا، بإصبعيها2 في فيها، ثم مسحت به على خمارها، قالت: فدخل عمر، فقال: "ما هذه الريح؟ "، فأخبرته الذي كان، فقال: "طيب المسلمين تأخذينه أنت فتطيبين به"، قال فانتزع الخمار من رأسها، أخذ جزءً من ماء فجعل يصبّ الماء على الخمار، ثم يدلكه في التراب ثم يشمه، ففعل ذلك ما شاء الله، قالت: العطارة: "ثم أتيتها مرة أخرى فلما وزنت لي علق بإصبعها منه شيء، فعمدت فأدخلت إصبعها في فيها، ثم مسحت بإصبعها التراب، قالت: فقلت: ما هكذا صنعت أوّل مرة، قالت: "أو ما علمت ما لقيت منه، لقيت منه كذا، لقيت منه كذا"3. وعن أنس:4 "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ هذه الآية: {فَأَنْبَتْنا فِيهَا حَبّاً وعِنَباً وقَضْباً وزَيْتُوناً ونَخْلاً وحَدَائقَ غُلْباً وفَاكِهَةً وأَبّاً} [عبس: 27-31] ، فقال: "هذه5 الفاكهة والقضب، وهذه الأشياء قد عرفناها، فما الأب؟ ". فوضع يده على رأسه، ثم قال6: "إن هذا لهو التكلّف7، يابن أم عمر، ما عليك أ، لا تدري ما الأب؟ "8. ظاهر هذا البحث يعطي الإعراض عن
تفسير الغريب وليس المراد به ذلك. قال أبو بكر بن مِقسم1: "ما عرف عمر عين الأب من النبت، لأنه ليس من لغته، وليس بالناس إلى البحث عنه حاجة، فجعل ذلك مثلاًيعمل2 عليه، خوفاً مما نظرت فيه الخوارج وأهل البدع"3. وعن عبد الرحمن الأشعري4: أنه خرج إلى عمر رضي الله عنه فنزل عليه، وكان لعمر ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبناً، فأنكره، فقال: "ويحك من أين هذا اللبن؟ "، قال: "يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشرب لبنها، فحلبت لك ناقة من مال الله"، فقال له عمر "ويحك سقيتني ناراً ادع لي عليّ بن أبي طالب"، فدعاه، فقال: "إن هذا عمد إلى ناقة من مال الله فسقاني لبنها أفتحله لي؟ "، قال: "نعم. يا أمير المؤمنين، هو حلال5 لك ولحمها"6.
وفي (الموطّأ) : عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "مُرَّ على عمر بن الخطاب1 رضي الله عنه بغنم من الصدقة فرأى فيها شاة حافلاً ذات ضرع عظيم، فقال عمر: "ما هذه الشاة؟ "، فقالوا: "شاة من الصدقة"، فقال عمر: "ما أعطي هذه أهلها وهم طائعون لا تفتنوا الناس، لا تأخذوا حزراتِ2 المسلمين، نكّبوا عن الطّعام"34. وفيه عن زيد بن أسلم رضي الله عنه / [89 / أ] أنه قال: "شرب عمر بن الخطاب لبناً فأعجبه، فسأل الذي سقاه: من أين لك هذا اللبن؟ "، فأخبره أنه ورد على ماء سماه، فإذا نعم من نعم الصدقة وهم يسقون، فحلبوا لي من ألبانها، فجعلته في سقائي هذا، فأدخل عمر إصبعه فاستقاءه"5. وفيه عن سليمان بن يسار6: أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: "خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة"، فأبى ثم كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأبى، ثم كلّموه أيضاً فكتب إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فكتب إليه عمر: "إن أحبّوا فخذها منهم وارددها عليهم
وارزُق رقيقهم"1. قال مالك - رحمه الله تعالى -: "ومعنى قوله عمر بن الخطّاب رضي الله عنه اردُدها عليهم؛ أي: ارددها على فُقَرائهم". وفيه عن أنس2 عن رجل من أهل الكوفة: أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كتب إلى عامل جيش كان بعثه: إنه بلغني أن رجالاً منكم يطلبون العلج حتى إذا اشتدّ في الجبل وامتنع، قال الرجل: مَتْرَس، يقول: "لا تخف"3، فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحداً فعل ذلك إلا ضربت عنقه". قال مالك: "وليس الحديث بالمجمع عليه"4. وفي حديث عفان بن مسلم الصّفّار5، عن عبد الله بن عمر أنه ارتجع أنقاضاً6 عجافاً فبعث بها إلى الحِمى، فقدمت تطير ويومها ترغي7 تكاد تئطط8 من السمن إذ سمعه عمر، فجاء إلى السوق، فنادى من أقصى السوق:
"يا عبد الله بن عمر لم ارتجعت أنقاضك هذه؟ "، قلت: يا أمير المؤمنين تبعي استردته، قال لي: "ألك حميت الحمى؟ "، إنما حميته لإبل الصدقة والضّعيف، أقسم بالله لتخبرني بأثمانها وإلا خلطتها1 في مال الله كلها". فعلمت أنه سوف يفعل، فأخبرته، بأثمانها، فقال: "اذهب إلى مال لله فخذ الذي لك"، قال: فأخذته، فتعلق يحمل عليها ابن السبيل، ويعطيها من يراه لذلك أهلاً حتى فرغ منها"2. وفي موعظة الأوزاعي3: أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان على من كان الحقّ من قريب أو بعيد فلا تمهلي طرفة عين"4.
الباب السادس والخمسون: بكائه
الباب السادس والخمسون: بكائه ... الباب السادس والخمسون: في ذكر بكائه روي عن علقمة بن وقاص1 قال: "كان عمر يقرأ في العشاء الآخرة سورة يوسف وأنا في مؤخر حتى إذا ذكر يوسف - عليه السلام -[89 / ب] سمعت نشيجه"23. وعن عبد الله بن شداد بن الهاد4 قال: "سمت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقرأ في صلاة الصبح سورة يوسف، فسمعت نشيجه وإني لفي آخر الصفوف، وهو يقرأ {إِنَمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله} [يوسف: 86] 5. وعن عبد الله بن عيسى6 قال: "كان في وجه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه خطان أسودان من البكاء"7.
وفي رواية: "خطّان أسودان مثل الشراك من البكاء"1. وعن الحسن2 قال: "كان عمر رضي الله عنه يمر بالآية من ورده بالليل فيبكي حتى يسقط، ويبقي بالبيت حتى يعاد للمرض"3. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "رأيت عمر رضي الله عنه نشج حتى اختلفت أضلاعه"4. وعن أبي عثمان النهدي: أن عمر رضي الله عنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول: "اللهم إن كنت كتبتنا عندك في شِقوة وذنب فإنك تمحو ماتشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، فاجعلها سعادة ومغفرة"5. وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: "غلب على عمر رضي الله عنه البكاء، وهو يصلي بالناس صلاة الصبح، فسمعت حنينه من وراء ثلاثة صفوف"6.
وعن عمر بن شبه بإسناده: أن عمر زار أبا الدّرداء - رضي الله عنهما - فقال له أبو1 الدرداء: "أتذكر حديثاً حدّثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "، قال: "أي حديث؟ "، قال: "ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب"، قال: "نعم"، قال: "فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ "، قال: فما زالا يتجاوبان بالبكاء، حتى أصبحا"2. وذكر أبو القاسم الأصفهاني: أنه كان في وجه عمر خطان أسودان من البكاء3. وعن الحسن4: "كان عمر رضي الله عنه يمرّ بالآية في وِرْدِهِ فتخنقه فيبكي حتى يسقط، ثم يلزم بيته حتى يعاد يحسبونه مريضاً"5. وقال البخاري في صحيحه، قال عبد الله بن شداد: "سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وحُزْنِي إِلَى اللهِ} [يوسف: 86] 6. وفي فوائد أبي الفرج مسعود بن الحسن بن القاسم الثقفي7 عن الحسن8: "أن قوماً أتوا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقالوا: "يا أمير المؤمنين، إن لنا إماماً شاباً إذا
صلى لا يقوم من المحراب حتى يتغنى بقصيدته"، قال عمر: "فامضوا بنا إليه، إنا إن دعوناه يظن بنا أنا تجسسنا، نريد قبح أمره، فقام عمر رضي الله عنه والقوم معه حتى إن قرعوا بابه1 عليه، قال: "يا أمير المؤمنين، ما الذي جاء بك؟ إن كنت جئتني في حاجتي فقد كان الواجب عليّ أن أتي، وإن تكن2 الحاجة لك، فأحقّ من عظمنا خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين، وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قال: "بلغني عنك أمر ساءني"، قال: "فإني أعيذك بالله يا أمير المؤمنين ما الذي بلغك عني؟ "، قال: "بلغني3 عنك أنك تتغني4 بين يديك"، قال: "نعم، قال يا أمير المؤمنين، [إنما عظة] 5 أعظ بها نفسي، قال له عمر: "قل"، قال: "إني أخاف الشُّنعة6 أن أفعل7 بين يديك"، قال له: "قل فإن كان حسناً قلت معك، وإن كان قبيحاً نهيتك عنه". قال: فأطرق الفتى ثم أنشأ يقول8: وفؤادي كلما نبهته ... عاد في اللّذات يبغي تعبي لا أراه الدّهر إلا لاهياً ... في تماديه فقد برح بيَ يا قرين السّوء ما هذا الصّبا ... فني العمر كذا باللّعب
وشباب1 بان مني فمضى ... قبل أن أقضي منه أربي / [90/أ] ما أرجي بعده إلا الغنى ... ضيق الشّيب عليَ مطلبي ويح نفسي لا أراها أبداً ... في جميل لا ولا في أدب نفسي لا كنت ولا كان الهوى ... راقبي مولاك وخافي وارهبي فبكى عمر رضي الله عنه وقال: "هكذا ينبغي كلّ من يكره"، قال عمر رضي الله عنه: "وأنا أيضاً أقول: نفسي لا كنت ولا كان الهوى ... راقبي مولاك وخافي وارهبي2
الباب السابع والخمسون: خوفه من الله عز وجل
الباب السابع والخمسون: خوفه من الله عز وجل ... الباب السابع والخمسون: في ذكر خوفه من الله عزوجل في صحيح البخاري عن المسور بن مخرمة، قال: "لما طعن عمر جعل يألم، فقال له ابن عباس وكأنه يجزّعه: "يا أمير المؤمنين، ولا كان ذلك1 لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم فارقت2 وهو عنك راضٍ، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقت وهو عنك راضٍ، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صَحَبتهُم3، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون"، فقال: "أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه، فإن ذلك منّ من الله منّ به عليّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذلك منّ من الله منّ به عليّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك ومن أجل أصحابك فوالله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عزوجل قبل أن أراه"4. وفيه عن أبي بردة بن أبي موسى، قال: "قال لي عبد الله بن عمر: "هل تدري ما قال أبي لأبيك"؟ قال قلت: لا، قال: "فإن أبي قال لأبيك:
يا أبا موسى هل يسرك أن إسلامنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرتنا معه وجهادنا معه، وعملنا كله معه بَرَدَ لنا1 وأن كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا رأساً برأسٍ"؟ فقال أبي: "لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا، وصمنا وعملنا خيراً كثيراً، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنا لنرجوا ذلك "فقال أبي" لكني أنا والذي نفس عمر بيده لوددت أن ذلك برد لنا، وأن كل شيء عملناه بعده نجونا منه كفافاً رأساً برأسٍ" فقلت: "إن أباك والله خير من أبي"2. وذكر ابن الجوزي عن أبي بردة عن ابن عمر قال: "لقي أبي أباك فقال: "أيسرك أنك خرجت من عملك خيره وشره، وشره بخيره لا لك ولا عليك"؟ قال قلت: "والله يا أمير المؤمنين لقد قدمت البصرة وإن الجفا فيهم لفاش، فعلمتهم القرآن والسنة، وغزوت بهم في سبيل الله، وإني لأرجوا بذلك فضيلة" قال: "ولكن وددت أني قد خرجت من عملي خيره وشره، وشره بخيره، كفافاً لي ولا عليّ، وخلص لي عملي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن أباك خير من أبي"3. وعن مسروق4، قال: "دخل عبد الرحمن5 على أم سلمة - رضي الله عنها - فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أموت أبداً" قال فخرج عبد الرحمن من عندها مذعوراً حتى دخل على عمر
فقال له: "اسمع ما تقول أمك" فقام عمر حتى أتاها فدخل عليها فسألها، ثم قال: "أنشدك الله أمنهم أنا"؟ فقالت: "لا، ولن أبرئ بعدك أحدا"1. وعن داود بن علي2 قال: قال عمر رضي الله عنه "لو ماتت شاة على شط3 الفرات ضائعة، لظننت أن الله عز وجل سائلي عنها يومالقيامة"4. وعن عبد الله بن عمر قال: كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: لو مات جدي بطف5 الفرات لخشيت أن يحاسب الله به عمر6. وعن علي رضي الله عنه قال: "رأيت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه على قتب يعدو، فقلت: "يا أمير المؤمنين أين تذهب؟ قال: "بعير نَدَّ7 من إبل الصدقة أطلبه" فقلت: "لقد أذللت الخلفاء بعدك، فقال: "يا أبا الحسن لا تلمني [90 / ب] فوالذي بعث محمداً بالنبوة لو أن عناقاً8 أخذت بشاطيء الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة"9.
وعن طارق1 قال قلنا لابن عباس: "أي رجل كان عمر؟ قال: كان كالطائر الحذر الذي كأن له بكل طريق شركاً"2. وعن أبي سلامة3 قال: "انتهيت إلى عمر وهو يضرب رجالاً ونساء في الحرم على حوض يتوضئون منه، حتى فرق بينهم، ثم قال: "يا فلان"، قلت: لبيك، قال "لا لبيك ولا سعديك، ألم آمرك أن تتخذ حياضا للرجال وحياضا للنساء"، قال: ثم اندفع فلقيه علي رضي الله عنه فقال: "أخاف أن أكون هلكت" قال: "وما أهلكك"؟ قال: "ضربت رجالاً ونساء في حرم الله عز وجل قال: يا أمير المؤمنين أنت راع من الرعاة، فإن كنت على نصح وإصلاح فلن يعاقبك الله، وإن كنت ضربتهم على غش فأنت الظالم المجرم"4. وقال الحسن البصري رضي الله عنه "بينما عمر رضي الله عنه يجول في سكك المدينة إذ عرضت له هذه الآية: {والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58] ، فحدث نفسه، فقال: "لعلّي أوذي المؤمنين والمؤمنات"، فانطلق إلى أبي بن كعب فدخل عليه بيته وهو جالس على وسادة، فانتزعها أبي من تحته وقال: "دونكها يا أمير المؤمنين"، قال: فنبذها برجله وجلس، فقرأ عليه هذه الآية، وقال: "أخشى أن أكون أنا صاحب الآية، أوذي المؤمنين"، قال: "لا تستطيع إلا أن تعاهد رعيتك، فتأمر وتنهى"، فقال عمر
رضي الله عنه: "قد قلت والله أعلم"1. وعن الحسن2، قال: "كان عمر رضي الله عنه ربما تُوقِد النار ثم يدلي يده منها، ثم يقول: "ابن الخطاب، هل لك على هذا صبر؟ "3. وعن الضّحاك4، قال: قال عمر رضي الله عنه: "ليتني كنت كبش أهلي، سمنوني ما بدا لهم5، حتى إذا كنت آمن ما يكون6 زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء وبعضي قديداً، ثم أكلوني فأخرجوني عذرة ولم أك بشراً"7. وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: "رأيت عمر رضي الله عنه أخذ تبنة من الأرض، فقال: ليتني كنت هذه التبنة8، ليتني لم أُخلق ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أك شيئاً ليتني نسياً منسياً"9.
وعن قتادة1، قال: "لما ورد عمر الشام صُنع له طعام لم ير قبله مثله، فلما أتي به، قال: "هذا لنا فما لفقراء المسملين الذي باتوا لا يشبعون من خبز الشعير؟ "، فقال خالد بن الوليد: "لهم الجنة"، فاغرورقت عيناه، فقال: "إن كان حظنا في هذا، ويذهب أولئك بالجنة2 / [91 / أ] لقد بانوا بَوْباً بعيداً"3. وعن أبي جحيفة4، قال: "جاء قوم إلى عمر رضي الله عنه يشكون الجهد فأرسل عيينة بأربع، ثم رفع يديه فقال: "اللهم لا تجعل هلكتهم على يدي، وأمر لهم بطعام"5. وعن القاسم بن محمّد بن أبي بكر قال: "بعث سعد بن أبي وقاص أيام القادسية إلى عمر رضي الله عنه بقباء كسرى، وسيفه ومنطقته، وسراويله، وقميصه، وتاجه، وخفيه، قال: فنظر عمر رضي الله عنه في وجوه القوم فكان أجسمهم وأمدّهم قامة سراقة بن جعشم المدلجي، فقال: "يا سراقة قم فالبس"، [قال] 6: "فطمعت فيه فقمت ولبست"، فقال: "أدبر" فأدبرت"، ثم قال: "أقبل"، فأقبلت، ثم قال: "بخٍ بخٍ، أعرابي من بني مدلج عليه قباء كسرى، وسراويله، وسيفه، ومنطقته، وتاجه، وخفاه، ربّ يوم يا سراق بن مالك لو كان عليك فيه من متاع كسرى كان شرفاً لك ولقومك، انزع فنزعت"،
فقال: "اللهم إنّك منعت هذا رسولك ونبيك وكان أحبّ إليك مني وأكرم عليك مني، ومنعته أبا بكر وكان أحبّ إليك مني، وأكرم عليك مني، ثم أعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكر بيَ ثم بكى - رحمه الله - حتى من عنده". ثم قال لعبد الرحمن: "أقسمت عليك لما بعته ثم قسمته قبل أن تمسي"1. وعن أبي بكر بن عياش2، قال: "جيء بتاج كسرى إلى عمر رضي الله عنه فقال: إن قوماً أدوا هذا لأمناء، فقال عليّ رضي الله عنه إن القوم رأوك عففت فعفوا، ولو رتعت لرتعوا"3. وعن أبي سنان الدّؤلي4: أنه دخل على عمر رضي الله عنه وعنده نفرٌ من المهاجرين، فأرسل عمر رضي الله عنه إلى سَفَطٍ5 أُتي به من قلعة من العراق، فكان فيه خاتم، فأخذه بعض بنيه فأدخله في فيه فانتزعه عمر منه ثم بكى فقال من عنده: "لم تبكي، وقد فتح الله لك وأظهرك على عدوّك وأقرَّ عينك؟ "، فقال: عمر "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تفتح الدنيا على أحد إلا ألقى [الله] 6 بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة"، وأنا أُشفق من ذلك"7.
وعن [ابن] 1 أبي ربيعة2 قال: "لما نظر عمر رضي الله عنه إلى مال جلولاء ونهاوند في المسجد حين طلعت عليه الشّمس، فحميت الآنية، وبرقت الحلية، بكى، فقيل له: "يا أمير المؤمنين ما هذا بيوم حزن ولا بكاء"، فقال: "قد عرفت، ولكنه لم يفش المال بين قوم قط إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة"3. وعن إبراهيم بن سعد4 أن5 عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لما أتي بكنوز كسرى قال عبد الله بن الأرقم: "اجعلها في بيت المال حتى نقسمها"، فقال عمر: "والله لا آويها إلى سقف حتى / [91 / ب] أمضيها"، فوضعها في وسط المسجد، وباتوا عليها يحرسونها فلما أصبح كشف عنها فرأى الحمراء والبيضاء، فبكى عمر، فقال له عبد الرحمن: "ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ والله إن هذا اليوم يوم شكر ويوم فرح وسرور"، فقال عمر: "إنه لم يعطه قوم إلا ألقيت بينهم العداوة والبغضاء"6. وعن الحسن7، قال: لما أتي عمر بخزائن كسرى، قال: "والله لا يظلها سقف بيت دون السماء"، فطرحت بين صُفَّتي المسجد، صُفّة النساء وصُفَّة الرجال،
فطرحت عليه الأنطاع، وباتت عليها الخزان، فلما أصبح غدا عليها فلما نظر إليها بكى، فقال له عبد الرحمن بن عوف: "ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ أليس هذا يوم شكر؟ "، [قال] 1: "لا والله ما فتح هذا على قوم قط إلا جعل بأسهم بينهم"2. وعن سعيد بن المسيب: "أنّ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أصاب يوم جلولاء ثلاثين ألف ألف مثقال واف، وأخذ منها ستة آلاف ألف، فبعث بها مع زياد الذي يدعى ابن أبي سفيان، وهو يومئذ يدعى بابن عبيد، فلما قدم بذلك عليه ونظر إليه، قال: "والله لا يكنه سقف بيت حتى أقسمه فبات عبد الله بن الأرقم، وعبد الرحمن بن عوف يحرسانه في سقائف المسجد، فلما أصبح عمر غدا عليه فكشف عن جلابيبه - وهي الأنطاع3 فنظر إليه ثم بكى، فقال له عبد الرحمن: "ما يبكيك، فوالله إن هذا لمن مواطن الشكر؟ ". قال: "والله ما ذاك أبكاني، ولكن والله ما أعطى الله هذا قوماً إلا ألقى بأسهم بينهم". ثم جلس عمر فقسمها بين المهاجرين4 والأنصار، فبدأ بأهل بدر، ثم بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فما فرغ، وأعطى عبد الله بن عمر دون نظرائه، قال: "يا أمير المؤمنين، تضرب لي دون نظرائي؟ "، قال: "يا عبد الله، إن لك أسوة في عمر، لا يسألني الله يوم القيامة أني ملت إلى أحد"5.
وعن ابن عباس1 - رضي الله عنهما - أنه دخل على عمر وبين يديه مال، فنشج حتى اختلفت أضلاعه، ثم قال: "وددت إني أنجو كفافاً لا لي ولا عليّ"2. وعن عبد الرحمن بن سابط، قال: "أرسل عمر رضي الله عنه إلى سعيد بن عامر، فقال: "إنا مستعملوك على هؤلاء تجاهد بهم"، فقال: "لا تفتني"، فقال عمر: "والله لا أدعكم، جعلتموها في عنقي ثم تخليتم عني"3. وعن أبي عبد الله4، قال: قال عمر رضي الله عنه: "من خاف الله لم يشف غيظه، ومن اتقى الله لم يصنع ما يريد، [و] 5 لولا يوم القيامة لكان غير ما ترون"، كذا ذكره من اختصر سيرة ابن الجوزي عن أبي عبد الله ولا أعرف من هو6. وعن عبد الرحمن بن عوف، قال: "أرسل إليّ - يعني عمر بن الخطّاب رضي الله عنه - فأتيته فدخلت عليه فإذا أنا بنحيب7، فإذا أمير / [92/أ] المؤمنين هكذا بوصف8 ابن عوف: أنه نائم على وجهه، فقلت: "إنا لله، اعترى أمير المؤمنين؟، قال:
فوضعت يدي عليه فقلت: يا أمير المؤمنين ليس عليك بأس"، فأخذ بيدي فأدخلني بيتاً فإذا جفنتان بعضها فوق بعض، فقال: "ههنا هَانَ آلُ الخطاب على الله، أما والله لو كرمنا عليه لكان هذا إلى صاحبيَّ بين يدي، فأقاما لي فيه أمر أقتدي به"، فقلت: "اجلس نتفكر، قال: فكتبنا المحقين1 في سبيل الله تعالى، أربعة" - يعني آلاف - وأصاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أربعة، وأصاب من دون ذلك ألفين ألفين، حتى وزَّعنا ذلك المال"2. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان عمر رضي الله عنه إذا صلى صلاة جلس للناس، فمن كانت له حاجة كلّمه، وإن لم يكن لأحد حاجة قام فدخل فصلى صلوات لا يجلس3 فيها للناس، فحضرت الباب، فقلت: يا يرفأ أبأمير4 المؤمنين شكاة؟ قال: "ما بأمير المؤمنين شكاة"، فجلست، فجاء عثمان فجلس، فخرج يرفأ، فقال: "قم يا ابن عفان، قم يا ابن عباس"، فدخلنا على عمر فإذا بين يديه صبر من مال على كل صبرة منها كتِف5، فقال: "إني نظرت في أهل المدينة فوجدتكما في أكثر أهلها عشيرة، فخذا هذا المال فاقسماه، فما كان من فضل فرُدّا، ثم قال: أما كان هذا عند الله ومحمّد وأصحابه يأكلون القِدّ6؟ "، فقلت: بلى والله لقد كان هذا عند الله ومحمّد وأصحابه يأكلون القدّ، وقلت: بلى والله لقد كان عند الله،
ومحمّد وأبو نعيم: الحلية ولو عليه لصنع غير الذي تصنع، فغضب، فقال: "إذاً صنع ماذا؟ "، قال: قلت: إذاً أكل وأطمعنا، فنشج عمر حتى اختلفت أضلاعه، ثم قال: "وَدِدْتُ لو أني خرجت منها كفافاً لا عليّ ولا لي"1. وفي الصحيح عن ابن أبي مليكة، قال: "كاد الخيِّران يهلكان، أبو بكر وعمر، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم2، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر، قال نافع3: "لا أحفظ اسمه"، فقال أبو بكر لعمر: "والله ما أردت إلا خلافي"، قال: "ما أردت خلافك"، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله: {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْواَتكُم فَوْقَ صَوتِ النَّبيِّ ولاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَولِ كَجَهْرِ بَعْضِكُم لِبَعضٍ} [الحجرات: 2] الآية. قال ابن الزبير4: "فما كان عمر يُسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني أبا بكر الصّديق
- رضي الله عنهما -"1. وفي رواية، فقال أبو بكر: "أَمِّر القعقاع بن معبد2"، وقال عمر: "بل أمِّر الأقرع بن حابس"3. قال أسامة بن مرشد: "وكان عمر رضي الله عنه لشدة خوفه من الله تعالى، يسأل الناس عن نفسه"4. عن بُسر بن عبيد الله5 أن عمر رضي الله عنه قال لحذيفة6: "نشدتك الله، وبحق الولاية عليك، كيف / [92 / ب] تراني؟ "، قال: "ما علمت إلا خيراً"، فنشده بالله، فقال: "إن أخذت فيء الله فقسمته في ذات الله فأنت7 أنت، وإلا فلا". فقال: "والله إن الله ليعلم وما آكل إلا حصتي، وما آكل إلا وجبتي، ولا ألبس إلا حلتي"8. وقال مالك صاحب الدار: "غدوت على عمر رضي الله عنه فقال: "كيف
أصبح الناس؟ "، قلت: بخير، قال: "سمعتَ شيئاً؟ "، قلت: "ما سمعتُ إلا خيراً"1. وقال عطاء الخراساني2: "دخل فتى شاب على عمر رضي الله عنه فقال له عمر: "ما رأيتَ3 مني؟ "، قال: "رأيتك ألقيت إزارك وفيه4 ملبس"5. وفي مسند الإمام أحمد عن دُجَين أبو الغصن6 البصري، قال: "قدمت المدينة، فلقيت أسلم مولى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فقلت: حدّثني عن عمر، قال: "لا أستطيع أخاف أن أزيد أو أنقص كنا إذا قلنا لعمر: حدّثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخاف أن أزيد حرفاً أو أنقص، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب عليّ فهو في النار" 7. وفي أحاديث عفان بن مسلم الصفار عن كعب8 قال: "كنت عند عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال: "يا كعب خوفنا"، قلت: يا أمير المؤمنين أو ليس فيكم كتاب الله وحكمة رسوله؟ "، قال: "بلى، ثم قال: "خوفنا يا كعب"، فقلت:
"يا أمير المؤمنين، اعمل عمل رجل لو وافيته يوم القيامة بعمل سبعين نبياً لا زدرأت عملك مما ترى، فأطرق عمر ملياً، ثم قال: "زدنا يا كعب"، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين لو فتح من جهنم قدر منخر ثور بالمشرق، ورجل بالمغرب لغلا دماغه حتى يسيل من حرّها، قال: فأطرق عمر ملياً ثم قال: "زدنا يا كعب"، قلت: يا أمير المؤمنين إن جهنم لتزفِر1 زفرةً لا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا خرّ جاثياً2 على ركبتيه، حتى إن إبراهيم خليله ليخرّ جاثياً على ركبتيه، ويقول: ربِّ نفسي نفسي، لا أسألك اليوم إلا نفسي، فأطرق عمر ملياً، قلت: يا أمير المؤمنين، أوليس تجدون هذا في كتاب الله؟ قال: "كيف؟ "، قلت: قوله تعالى في هذه الآية: {وَيَومَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عن نَفْسِهَا وتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُم لا يُظْلَمُون} [النحل: 111] 3. وعن وهب بن كيسان4 قال: "سئل عمر5 هل على النساء آذان؟ قال: [أنا] 6 أنهى عن ذكر الله؟ "7. وفي "مسند" الشافعي8 عن مولى عثمان بن عفان، قال: (بينا أنا مع
عثمان بن عفان في ماله بالعالية، في يوم صائف إذ رأى رجلاً يسوق بكرين، على الأرض مثل الفراش من الحرّ، فقال: ما على هذا لو أقام المدينة حتى يبرد الحرّ ثم يروح؟ "، ثم دنا الرجل، فقال: انظر فنظرت فإذا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فقلت: هذا أمير المؤمنين، فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فإذا نفح السموم، فأعاد رأسه حتى حاذاه، فقال: "ما أخرجك هذه الساعة؟ "، فقال: "بكران من إبل الصدقة فأردت أن ألحقها بالحِمى، وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما"، فقال عثمان: "يا أمير المؤمنين، هلم إلى الماء ونكفيك"، فقال: "عد إلى ظلك ومائك"، ومضى، فقال عثمان: "من أراد أن ينظر إلى القويّ الأمين فلينظر إلى هذا، فعاد إلينا فألقى نفسه"1. وكان رضي الله عنه يقول: "لو مات جدي بطف الفرات لخشيت أن يحاسب الله به"2. / [93 / أ] .
الباب الثامن والخمسون: تعبده واجتهاده
الباب الثامن والخمسون: تعبده واجتهاده ... الباب الثامن والخمسون: في ذكر تعبّده واجتهاده ذكر ابن الجوزي عن أسلم، قال: "كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يصوم الدّهر"1. وعن ابن عباس قال: "ما مات عمر رضي الله عنه حتى اسودّ من الصّيام"2. وعن ابن عمر: "أن عمر رضي الله عنه سرد الصّيام قبل أن يموت بسنتين"3. وعنه قال: "كان عمر رضي الله عنه يسرد الصّيام إلا يوم الأضحى ويوم الفطر وفي السفر"4. وعن سعيد بن المسيب، قال: "كان عمر يُحِبُّ الصّلاة في كبد الليل - يعني وسط الليل -"56. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "ولي عمر فاستعمل عبد الرحمن7 - يعني: على الحاجّ - ثم كان هو يحجّ سنينه كلّها حتى مات"8.
وعن أسلم: أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كان يصلي ما شاء الله حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله ويقول: "الصلاة، الصلاة ويتلو هذه الآية: {وَأْمُر أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ} [طه: 132] 1 الآية. وعن ابن عمر، قال: "خرج عمر رضي الله عنه إلى حائط له فرجع وقد صلى الناس العصر، قال: "إنما خرجت إلى حائطي فرجعت وقد صلى الناس، حائطي صدقة على المساكين"، قال ليث2: "إنما فاتته الجماعة"3. وعن أبي مسلم4 أنه صلى مع عمر رضي الله عنه أو حدّثه من صلى مع عمر رضي الله عنه المغرب، فسمّي5 بها أو شغله بعض الأمر حتى طلع نجمان، فلمافرغ من صلاته أعتق رقبتين6. وفي أحاديث عفان بن مسلم الصفار عن أبي ظبيان7 عن أبيه8، قال: "دخل عمر رضي الله عنه المسجد فصلى ركعة ثم انصرف، فلحقه رجل فقال: "يا أمير المؤمنين، إنما صليت ركعة واحدة"، قال: "إنما هو تطوع فمن شاء
زاد ومن شاء نقص"1. فجميع ما ذكر في سيرته من الأحاديث يدل على شدّة تعبّده واجتهاده، فإنه كان من الصلاة إلى الغاية القصوى، والصوم فإنه كان يصوم الدّهر في آخر أمره، والصدقة كان لا يترك شيئاً، والحجّ كان لما ولي الخلافة يحجّ كلّ عام، والجهاد غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم جميع المشاهد، وغزا بعده وجميع ما وقع في خلافته من الغزوات والفتوحات فله أجره، لأنه سببه. وفي أحاديث أبي عليّ بن الصّواف2 قال عمر: "إن الأعمال تباهي، فتقول الصدقة: أنا أفضلكم"3.
الباب التاسع والخمسون: كتمانه التعبد وستره إياه
الباب التاسع والخمسون: كتمانه التعبد وستره إياه ... الباب التاسع والخمسون: في ذكر كتمانه التّعبّد وستره إياه ذكر ابن الجوزي عن نافع1 قال: "كان البّر لا يعرف في عمر، ولا ابنه حتى يقولا أو يعملا"2. وقد ذكرنا عن طلحة3 أنه خرج ليلة4 فرأى عمر رضي الله عنه فتبعه لينظر أين يذهب؟، فدخل داراً، ثم خرج منها، فدخل طلحة الدّار، فوجد فيها عمياء مقعدة، فقال: "من هذا الذي دخل إليك؟ "، قالت: "هذا رجل يأتيني منذ زمن يأتيني بما أحتاج / [93 / ب] إليه، ويخرج عني الأذى رضي الله عنه. "5.
الباب الستون: دعاؤه ومناجاته
الباب الستون: دعاؤه ومناجاته ... الباب الستون: في ذكر دعائه ومناجاته عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: "كان أوّل خطبة خطبها عمر - الليلة التي دفن فيها أبو بكر - رضي الله عنهما - فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن الله نَهَجَ سبيله، وكفانا برسوله، فلم يبق إلا الدّعاء والاقتداء، فالحمد لله الذي ابتلاني بكم وابتلاكم بيَ، والحمد لله الذي أبقاني فيكم بعد صاحِبَيَ كنفر ثلاثة اغتربوا الطِيَّة1؛ فأخذ أحدهم مهلة إلى داره وقراره، فسلك أرضاً مضلة، فتشابهت الأسباب والأعلام، فلم يزل عن السبيل، ولم يخرم2 عنه حتى أسلمه إلى أهله، فأفضى إليهم سالماً، ثم تلاه الآخر فسلك سبيله واتبع أثره فأفضى إليه سالماً ولقي صاحبه، ثم تلاه الثّالث فإن سلك سبيلهما، واتبع أثرهما، أفضى إليهما سالماً ولاقاهما، وإن هو زلّ يميناً أو شمالاً لم يجامعهما أبداً، ألا إن العرب جمل أنف3 فلا أعطيت بخطامه، ألا وإني حامله على المحجة، مستعين بالله، ألا وإني داعٍ فأمنّوا، اللهم إني شحيح فسخني، اللهم إني غليظ فليّني، اللهم إني ضعيف فقوّني، اللهم أوجب لي بموالاتك وموالاة أوليائك، ولايتك ومعونتك، وأبرني بمعاداة عدوّك من الآفات"4.
وعن الأسود بن هلال المحاربي1، قال: "لما ولي عمر قام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس إني داعٍ فهيمنوا2: اللهم إني غليظ فليّني، وشحيح فسخّني، وضعيف فقوّني"3. وعن عمر بن ميمون الأودي، عن عمر أنه كان فيما يدعو: "اللهم توفّني مع الأبرار، ولا تخلفني في الأشرار، وألحقني بالأخيار"4. وعن أبي عبد الرحمن5، قال: "كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: "اللهم لا تكثر لي من الدنيا فأطغى، ولا تُقِلَّ لي منها فأنسى، فإنه ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى"6. وعن الشعبي قال: "خرج عمر رضي الله عنه يستسقي بالناس، فما زاد على الاستغفار حتى رجع، قالوا: "يا أمير المؤمنين، ما نراك استسقيت؟ "، قال: "لقد طلبت المطر بمجَادِيح7 السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُم
ذإِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً} [نوح: 10-11] ، ثم قرأ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 52] 1. وعن أسلم: أنه سمع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: "اللهم لا تجعل قتلي على يد عبدٍ قد سجد لك سجدة يحاجني بها يوم القيامة"2. وعن سُليم بن حنظلة3 عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنه كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك أن تأخذني [على] 4 غرة، أو تذرني في غفلة، أو تجعلني من الغافلين"5. وعن عبد الله بن خِرَاش6 عن عمّه7 قال: "سمعت عمر بن الخطّاب
رضي الله عنه يقول في خطبته: "اللهم اعصمنا بحفظك، وثبّتنا على أمرك"1. وروى ابن أبي الدنيا2 في كتاب: "القناعة" عن ميكائيل أبي عبد الرحمن، قال: "كان عمر رضي الله عنه يقول في دعائه: "اللهم لا تكثر لي من الدنيا فأطغى، ولا تقلّ لي منها فأنسى، فإنه ما قل وكفى خير مما كثر وألهى"3. فائدة قد تقدم أنه كان يبكي في الصلاة / [94 / أ] حتى يسمع نشيجه من آخر الصفوف، فالبكاء في الصلاة إن كان من خشية الله تعالى لا يبطل الصلاة مطلقاً، وإن لم يكن من خشية الله تعالى فإن بان فيه حرفان من حروف الهجاء فهو كالكلام، يبطل الصلاة عمده وسهوه4. وقيل: "يبطل الكثير دون اليسير في السهو، وأن لا يبين منه حرفان، فإن كان يسيراً لم يبطل وإن كان كثيراً أبطل"5.
الباب الحادي والستون: كراماته
الباب الحادي والستون: كراماته ... الباب الحادي والستون: في ذكر كراماته ذكر ابن الجوزي عن [زيد بن] 1 أسلم ويعقوب بن زيد2، قالا: "خرج عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يوم الجمعة إلى الصلاة، فصَعِد المنبر ثم صاح: يا سارية بن زنيم الجبلَ، ظلم من استرعى الذّئبَ الغنم، قال: ثم خطب حتى فرغ؛ فجاء كتابُ سارية بن زنيم إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: إن الله عزوجل فتح علينا يوم الجمعة الساعةَ كذا وكذا، لِتلك الساعةِ التي خرج فيها عمر فتكلم على المنبر، قال سارية: "فسمعت صوتاً: يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم من استرعى الذّئبَ الغنم، فعلوتُ بأصحابي الجبل، ونحن قبل ذلك في بطنِ وادٍ، ونحن محاصَرو العدوّ، ففتح الله علينا". فقيل لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "ما ذاك الكلام؟ "، فقال: "والله ما ألقيت له بالاً، شيء أتي به على لساني"3. وعن نافع مولى ابن عمر - رضي الله عنهما - أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر: "يا سارية بن زنيم الجبل، فلم يدر الناس ما يقول، حتى قدم سارية المدينة على عمر رضي الله عنه فقال: "يا أمير المؤمنين، كنا محاصري العدوّ وكنّا نقيم الأيام لا يخرج علينا منهم أحد نحن في خفض من الأرض،
وهم في حصن عال فسمعت صائحاً ينادي بكذا وكذا، يا سارية بن زنيم الجبل، فعلوت بأصحابي الجبل فما كان إلا ساعة حتى فتح الله علينا"1. وعن نافع مولى ابن عمر أن عمر رضي الله عنه خطب يوماً بالمدينة، فقال: "يا سارية بن زنيم الجبل، من استرعى الذّئب فقد ظلم"، قال: قيل له: "تذكر سارية، وسارية بالعراق؟ "، فقال الناس لعليّ رضي الله عنه: "أما سمعت عمر يقول: يا سارية، وهو يخطب على المنبر"، فقال: "ويحكم دعوا عمر فإنه ما دخل في شيء إلا خرج منه". فلم يلبث [إلا] 2 يسيراً حتى قدمسارية فقال: "سمعت صوت عمر رضي الله عنه فصعدت الجبل"3. وعن قيس بن الحجاج4 قال: "لما فتحت مصر، أتى أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤنة من أشهر العجم، فقالوا: "أيها الأمير، إن لنيلنا هذا سُنَّة لا يجري إلا بها، فقال لهم: "وما ذاك؟ "، قالوا له: "إذا كانت اثنتا
عشرة ليلة تخلوا من هذا الشهر عمَدْنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أباها، وحملنا عليها من الحلي والثّياب، أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النّيل". فقال لهم عمرو: "إن هذا شيء لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدِمُ ما كان قبله، فأقاموا بؤنة1، وأبيب، ومسرى، لا يجري قليلاً ولا كثيراً / [94 / ب] حتى همّوا بالجلاء منها، فلما رأى ذلك عمرو بن العاص كتب إلى عمر رضي الله عنه فكتب إليه عمر رضي الله عنه: "إنك قد أصبتَ بالذي فعلت، إن الإسلامَ يهدم ما كان قبله". وكتب بطاقة داخل كتابه، وكتب إلى عمرو: وإني قد بعثت إليك بطاقة في داخل كتابي إليك فألقها في النيل إذا وصل كتابي إليك، فلما قدم كتاب عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة فإذا فيها مكتوب: "من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد: فإن كنت إنما تجري من قِبَلِك فلا تجرِ، وإن كان الله الواحد القهّار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهّار أن يجريك". فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيومٍ، وقد تهيّأ أهلُ مصر للجلاء والخروج؛ لأنهم لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل، فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب قد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة، فقطع الله تلك السنة السوء عن أهل مصر إلى اليوم"2.
وعن خوَات بن جبير1 قال: "أصاب الناس قحط شديد على عهد عمر رضي الله عنه فخرج بالناس فصلى بهم ركعتين، وخالف بين طرفي ردائه، فجعل اليمين على اليسار، واليسار على اليمين، ثم بسط يده فقال: "اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك"، فما برح مكانه حتى مطر، فبينما هم كذلك إذا أعرابٌ قد قدموا على عمر رضي الله عنه فقالوا: "يا أمير المؤمنين بينما نحن بوادينا في يوم كذا في ساعة كذا، إذ أَظَلَّنا غمامٌ فسمعنا فيه صوتاً: أتاك الغوث أبا حفصٍ، أتاك الغوثُ أبا حفصٍ"2. وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن عمر رضي الله عنه بعث جيشاً، وأمّر عليهم رجلاً يدعى: "سارية"، قال: فبينا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يخطب الناس يوماً جعل يصيح وهو على المنبر: "يا ساري الجبل، يا ساري الجبل"، قال: فقدم رسول الجيش فسأله، فقال: "يا أمير المؤمنين لقينا عدوّنا فإذا بصائح يصيح: يا ساري الجبل، يا ساري الجبل، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله"، فقيل لعمر: "إنك تصيح بذلك"3. وفي رواية أبي بلج4، قال: "بينما عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قاعد
على المنبر يوم جمعة يخطب الناس، فبينا هو في خطبته قال بأعلى صوته: "يا ساري الجبل، يا ساري الجبل، ثم أخذ في خطبته، فأنكر الناس ذلك منه، فلما نزل وصلى قيل له: "يا أمير المؤمنين قد صنعت اليوم شيئاً ما كنا نعرفه"، قال: "وما ذاك؟ "، قيل: "قلت كذا وكذا"، وذكروا ما نادى به، فقال: "ما كان شيء من هذا"، قالوا: "بلى والله لقد كان ذلك يا أمير المؤمنين". قال: "فأثبتوا من هذا اليوم من هذا الشهر، ثم ابصروا"، وكان بعث سارية في بعث فظفر العدوّ فلجؤوا إلى الجبل، فقال سارية لما انصرف: "بينا نحن نقاتل العدوّ إذ سمعنا صوتاً لا ندري ما هو: "يا ساري الجبل ثلاثاً، فدفع الله عزوجل عنا به، فنظروا في ذلك اليوم فإذا هو اليوم قال فيه عمر ما قال"1. وقال يحيى بن أيوب2: "كان بالمدينة فتى3 يعجب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فانصرف ليلة من صلاة العشاء فتمثلت له امرأة بين يديه فعرضت له نفسها ففتن بها ومضت، فأتبعها حتى وقف على بابها فأبصر وجُلّي عن قلبه وحضرته هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقُوا إِذَا مَسَّهُم طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذّكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُون} [الأعراف: 201] فخرّ مغشياً عليه فنظرت إليه المرأة فإذا هو كالميت، فلم تزل هي وجارية لها يتعاونان حتى ألقياه على باب داره، فخرج أبوه فرآه ملقى على باب الدار لما به، فحمله وأدخله فأفاق،
فسأله: ما أصابك يا بني؟، فلم يخبره فلم يزل به حتى أخبره، فلما تلا الآية شهق شهقة فخرجت نفسه، فبلغ عمر قصته، فقال: "ألا آذنتموني بموته، فذهب حتى وقف على قبره، فنادى: يا فلان: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] ، فسمع صوتاً من داخل القبر: قد أعطاني ربِّي يا عمر"1. فصل: كرامات الأولياء حقّ وأدناها الفراسة فإن منهم من يسير البعيد في المدّة القريبة، وفي الأثر: "الدنيا خطوة مؤمن"2. وفي الصحيح: "إن من عباد3 الله من لو أقسم على الله لأبره" 4. ومن ذلك / [95 / ب] 5: برء الأسقام عند لمسه كما وجد ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن6، وكما تفل في عيني عليّ فبرأتا7.
ومن ذلك: زيادة الأشياء بدعائه، كزيادة تمر جابر عند دعاء النبي صلى الله عليه وسلم1، وبركة الطعام عند أكله2، ونحو ذلك3. والأولياء يكرهون إظهار ذلك عنهم واشتهاره، فإن قيل: النبي صلى الله عليه وسلم كان يظهر ذلك ويفعله المرة بعد المرة في مشاهد الناس. قيل: النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الناس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم المقصود منه الإظهار ليتبعه الناس، ويصدقوه ويعلمون صدق قوله، وهي آيات له تدل على نبوّته وصدق قوله، وهو مأمور بإظهار آياته كما هو مأمور بإظهار دينه، فإنها من جملة دليله، وهو مأمور بإقامة الدليل. وأما غيره، فإنه ينبغي له الإخفاء والتستّر حتى لا يعلم الناس به، فإنه ربما حصل له نوع مدح وشهرة ورياء، والله يكره ذلك للآدمي، ولهذا لم يرد عن الصحابة كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ وغيرهم، فعل ذلك بمشهد الناس، وإن وقع منهم خفية4. فإن قيل: فعمر قد قال على المنبر: "يا ساري الجبل".
قيل: الجواب عن ذلك من أوجه: الأوّل: كأنه وقع منه فلتة ثم أنكره، فلهذا قال بعد ذلك: "لم أقل شيئاً". والثّاني: فعله للحاجة إليه؛ لأنه لو لم يقل ولو لم يوجد منه ربما حصل لأصحابه هلاك. والثّالث: أنه أُجْرِي على لسانه من غير إشعار بذلك وبحضور جماعة؛ لأنه لما حصلت له المشاهدة لأصحابه أولئك اشتغل قلبه بهم، فلما اشتغل قلبه بهم لهي عمن هو فيهم، ولم يدر أنه فيهم فخاطب أولئك يظنه معهم. وقد صار في زماننا هذا من الزنادقة ونحوهم من يظهر ما لا يدخل على الدين، بل يدل على الفساد، ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون1. كما يفعل طائفة من الصوفية2 من دخول النار ونحو ذلك3، وأخبرني شخص عن رجل منهم أنه يدعو الطير فيأتي إليه، ويدعو الوحوش فتأتي إليه فيظهر ذلك ويقول لهم: "انظروا"، ويفعل أشياء من هذا القبيل فكنت قلت له: "ما أظن هذا على خير4، فبعد
مدة أخبرني أنه أراد أن يلوط بغلام وأنه سقط من أعين الناس، ولم يصدقوه بعد ذلك. والله الموفق. / [96 / أ] 1.
الباب الثاني والستون: تزويج النبي بحفصة وفضلها
الباب الثاني والستون: تزويج النبي بحفصة وفضلها ... الباب الثاني والستون: في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بحفصة وفصلها في الصحيح عن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه حين تأيّمت1 حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي2 - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قد شهد بدراً، توفي بالمدينة، قال عمر: "فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: "سأنظر في أمري"، فلبثت ليالي، فقال: "قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا"، قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فصمت أبو بكر فلم يرجعْ إليَ شيئاً، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: "لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ "، قلت: نعم، قال: "فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لقبلتها"3. وفي الصحيح عن عمر رضي الله عنه قال: "خطب النبي صلى الله عليه وسلم إليّ حفصة فأنكحته"4.
قال الذهبي: "تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة، قال: وتزوجت أوّلاً بخنيس بن حذافة السهمي فتوفي عنها، استشهد بأحد وكان بدرياً، قال: وقد عرضها عمر عند انقضاء عِدّتها على أبي بكر فسكت، فتألم عمر، ثم عرضها على عثمان لما ماتت رقي ة، فقال: "ما أريد أن أتزوج اليوم"، فشكاه عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يتزوجها من هو خير منه، ويتزوج عثمان من هي خير منها" 1، ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم. فلقي أبو بكر عمر، فقال: "لا تجد علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فلم أكن أفشي سرّه ولو تركها لتزوجتها"2. قال أبو عبيدة3: "تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة اثنتين"4. قال الذهبي: "على كلّ حال أن خنيساً استشهد بأحد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بها عام أحد، أو قبل أحد، اللهم إلا أن يكون خنيس طلقها. فالله أعلم"5. وقد روى موسى بن عليّ بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر6، قال: "طلق رسول الله حفصة فبلغ ذلك عمر فحثا على رأسه التراب، وقال:
"ما يعبأ الله / [95 / أ] بعمر وابنته بعد هذا"، فنزل جبريل من الغد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر" 1. وقال الذهبي: "تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة"2. وفي الصحيحين: أن عمر دخل على حفصة، فقال لها: "أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟ "، قالت: "نعم". فقلت: "قد خبت وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله، فتهلكي، لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيءٍ ولا تَهْجُريه، وسليني ما بدا لك، ولا يُغرَّنَّك أن كانت جارتُك أوضَأَ منك وأحبَّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم - يريد عائشة - ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لو رأيتني وقد دخلت على حفصة، فقلت: لا يُغرَّنَّك أن كان جارتُكِ أوضأَ منك وأحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم"3. وفي الصحيح عن عائشة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، ويمكث عندها، فتواطيت أنا وحفصة على: أيّتنا دخل [عليها] 4 فلتقل له: ": أكلت مغافير5، فإني أجد
منك ريح مغافير"1. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كُنَّ حزبين؛ فحزبٌ فيه عائشة وحفصة وصفية2 وسودة3، والحزب الآخر: أم سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم"4. قال الذهبي: "حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين العدوية، يقال: وُلِدَت قبل المبعث بخمسة أعوام، روى عنها ابن عمر وابنه حمزة5، وشُتَير بن شَكَل العبسي6، وعبد الله بن صفوان بن أمية7، والمطلب بن أبي وداعة8، وصفية بنت أبي عبيد9، وأبو مجلز10، وآخرون"11. وذكر بقيّ بن مَخْلَد12: "أنها روى ستين حديثاً"13.
قال أبو معشر المدني: "توفيت سنة إحدى وأربعين"1. وكذا قال أحمد بن أبي خيثمة2 وزاد: "أوّل ما بُويع لمعاوية"3. وقال الواقدي: "توفيت حفصة عام فتحت أفريقية"4. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ستين حديثاً، ذكره أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد. رحمه الله تعالى.
الباب الثالث والستون: نبذ من مسانيده
الباب الثالث والستون: نبذ من مسانيده ... الباب الثالث والستون: في ذكر نبذ من مسانيده روى عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة. ذكر له بقي بن مخلد: خمس مئة حديث وسبعة وثلاثين حديثاً"1. وذكر2 بعض من شرح العمدة3. وقال أبو نعيم الأصبهاني: "أسند عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المتون سوى الطرق مائتي حديث ونيفاً"4. فأما الذي أخرج له في الصحاح؛ ففي الصحيحين أحد وثمانون حديثاً، المتفق عليه من ذلك ستة وعشرون حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وثلاثين، ومسلم بأحد وعشرين5. ونحن نذكر نبذة من أحاديثه تبركاً بها، وجميع ما أذكره لنا به السند المتصل إليه، لكن تركت ذكر السند لأجل الاختصار، فإني ذاكرُ ذلك من الصحيحين، ومسند الإمام أحمد، وسندنا فيهن مشهور. / [96 / ب] . الحديث الأوّل: عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته6 إلى الله
ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه". رواه1 الثلاثة2. الحديث الثّاني: عن ابن عمر قال: قال عمر: "أنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه في السفر". رواه الإمام أحمد3. الحديث الثّالث: عن ابن عمر، قال: "سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصيبني الجنابة من الليل فما أصنع؟، قال: "اغسل ذكرك"، ثم توضأ ثم ارقد"4. الحديث الرّابع: عن ابن عباس، قال: "شهد عندي رجال مَرْضِيُّون - وأرضاهم عندي عمر - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بعد صلاتين: بعد الصّبح حتى تطلع الشّمس، وبعد العصر حتى تغرب الشّمس" 5. الحديث الخامس: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى6، عن عمر قال: "صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفجر ركعتان، وصلاة
الجمعة ركعتان، تمام من غير قصر على لسان محمّد صلى الله عليه وسلم" 1. الحديث السّادس: عن ابن عباس قال: قال لي عمر: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه" 2. الحديث السّابع: عن راشد بن سعد3 عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وحذيفة بن اليمان: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ من الخيل والرقيق صدقة4. الحديث الثّامن: عن سعيد بن المسيب عن عمر، قال: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم5 في رمضان والفتحَ في رمضان فأفطرنا فيهما"6. الحديث التّاسع: عن عاصم بن عمر7 عن أبيه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا أقبل، وقال: مرّة: جاء الليل من ههنا، ذهب النهار من ههنا، فقد أفطر الصائم"، - يعني: المشرق والمغرب"1. الحديث العاشر: عن ابن عمر عن عمر: أنه قال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام، لعلّه قال: "فأوف بنذرك" 2. الحديث الحادي عشر: عن سويد بن غَفَلة3، قال: "رأيت عمر يُقبِّل الحجر ويقول: "ني لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولكني رأيت أبا القاسم بك حَفِيّاً"4، 5. الحديث الثّاني عشر: عن عمرو بن ميمون، قال: "سمعت عمر بن الخطّاب رض ي الله عنه يقول: "كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جَمْع6 حتى يرّوا الشمسَ على ثبير، وكانوا يقولون: أشرِق ثَبير كيما نُغير، فأفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل طلوع الشمس على ثبير"7. الحديث الثّالث عشر: عن ابن المسيب أن عمر قال:
"إن من آخر ما أُنْزِل آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ولم يفسرها، فدعو الرّبا والرِّيبة"1. الحديث الرّابع عشر: عن عمر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الذّهب بالذّهب ربا إلاّ هاءَ وهاء23، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء4، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء5، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء" 6، 7 الحديث الخامس عشر: عن ابن عمر عن عمر قال: "حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه صاحبه، فأردت أن أبتاعه وظننت أنه بائعه رخص، فقلت: حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم8، فإن
الذي يعود في صدقته كالكلب يعود في قيئه" 1. / [97/أ] . الحديث السّادس عشر: عن معدان بن أبي طلحة قال: "قال عمر: "ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة2، حتى طعن بإصبعه في صدري، وقال: "تكفيك آية الصّيف3 التي في آخر سورة النساء" 4. الحديث السّابع عشر: عن عمرو5 بن شعيب6 عن أبيه7 عن جدّه8 ع ن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يرث المال من يرث الوَلاءَ" 9. الحديث الثّامن عشر: عن عمرو بن شعيب قال: قال عمر: "لولا أني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس للقاتل شيء"، لورّثتك، قال: ودعا أخا المقتول فأعطاه الإبل" 1. الحديث التّاسع عشر: عن مُحَرِّر بن أبي هريرة2 عن أبيه عن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن العزل عن الحرّة إلا بإذنها"3. الحديث العشرون: عن أنس بن سيرين4 قال: قلت لا بن عمر: "حدّثني عن طلاقك امرأتك؟ "، قال: "طلّقتها وهي حائض، فذكرت لعمر، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مُرْه فليراجعها فإذا طهرت فليطلّقها في طهرها" 5. الحديث الحادي والعشرون: عن ابن عمر أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عزوجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"، قال عمر: "فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ولا تكلمت بها ذاكراً ولا آثراً6"7.
الحديث الثّاني والعشرون: عن عبد الله بن الزبير، قال: "سمعت عمر يقول في خطبته: "إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من يلبس الحرير في الدنيا فلا يُكسَاه في الآخرة" 1. الحديث الثّالث والعشرون: عن عقبة بن عامر2، قال: "حدّثني عمر أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات يؤمن بالله واليوم الآخر، قيل له: ادخل من أيّ أبواب الجنة الثمانية شئت" 3. الحديث الرّابع والعشرون: عن عمار بن أبي عمار45: أن عمر قال: "إن6 رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في يد رجل خاتماً من ذهب فقال: "ألق ذا"، فألقاه7 فتختم8 بخاتم من حديد، فقال: "ذا شرّ منه"، فتختم بخاتم من
فضه فسكت عنه"1. الحديث الخامس والعشرون: عن جابر: أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أخبره، أنه رأى رجلاً توضأ للصلاة فترك موضع ظُفْر على ظهر قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فأحسن وُضوءك"، فرجع فتوضأ ثم صلى"2. الحديث السّادس والعشرون: عن أبي عثمان النهدي عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافقٍ عليم ساحر" 3. الحديث السّابع والعشرون: عن عمرو بن ميمون عن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من خمس: "من البخل، والجبن، وفتنة الصدر4، وعذاب القبر، وسوء العمل" 5، 6. الحديث الثّامن والعشرون: عن عبد الله بن عمور قال: قال عمر ابن الخطّا ب رضي الله عنه: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقاد لوالد من ولده" 7.
الحديث التّاسع والعشرون: عن زيد بن أسلم عن أبيه ع ن عمر أنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرّةً مرّة"1. الحديث الثّلاثون: عن ابن عباس عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُطْروني2 كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد الله ورسوله" 3. الحديث الحادي والثّلاثون: عن النعمان بن بشير عن عمر قال: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَلْتَوِي ما يجد ما يملأ به بطنه من الدَّقل"4. 5 الحديث الثّاني والثّلاثون: عن يزيد بن أبي زياد6 عن أبيه7 عن عمر بن الخطّاب ر ضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الولد للفراش" 8.
الحديث الثّالث والثّلاثون: عن ابن عمر عن عمر أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيت ما نعمل فيه، أقد فرغ منه، أو في مبتدأٍ أو أمر مبتدع؟ قال: "فيما فرغ منه"، فقال عمر: "ألا نتّكل؟ "، فقال: / [97 / ب] "اعمل يا ابن الخطاب، فكلّ ميسر، أما من كان من أهل السعادة فيعمل للسعادة، وأما أهل الشقاء فيعمل للشقاء" 1. الحديث الرّابع والثّلاثون: عن أبي تميم الجيشاني2 سمع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ي قول: "إنه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أنكم تتَوَكلُون على الله حقّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً" 3، 4. الحديث الخامس والثّلاثون: عن أبي عثمان5 عن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في الحرير في إصبعين"6.
الحديث السّادس والثّلاثون: عن ابن عباس قال: قال عمر: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان منكم ملتمساً ليلة القدر فليلتمسها في العشر الأواخر وتراً" 1. الحديث السّابع والثّلاثون: عن أبي عثمان النهدي، عن عمر أنه قال: "اتّزروا واتدُوا وانتَعِلوا، وألقوا الخفافَ والسراويلاتِ وألقوا الرّكبَ، وانزووا نزواً، وعليكم بالمعدّيّة، وارموا الأغراض، وذروا التّنعّم وزيّ العجم، وإياكم والحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد2 نهى عنه، و [قال] 3: "لا تلبسوا من الحرير إلا ما كان هكذا، وأشار رسول الله بإصبعه" 4. الحديث الثّامن والثّلاثون: عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطّاب رضي الله عن هـ قال: "إياكم أن تهلِكوا عن آية الرجم، وأن يقول قائل: لا نجد حدّين في كتاب الله، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ورجمنا بعده"5.
الحديث التّاسع والثّلاثون: عن عثمان بن عبد الله بن سراقة1، عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أظلّ رأس غازٍ أظله الله يوم القيامة، ومن جهّز غازياً حتى يستقلّ بجهازه كان له مثل أجره، ومن بنى مسجداً يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتاً في الجنة" 2. الحديث الأربعون: عن سالم عن أبيه عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال في سوق: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير، كتب الله له بها ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيتاً في الجنة" 3. هذا الحديث ليس من الصحيحين، ولا من المسند4. / [98 /أ] .
الباب الرابع والستون: كلامه في الزهد والرقائق
الباب الرابع والستون: كلامه في الزهد والرقائق ... الباب الرابع والستون: في ذكر كلامه في الزهد والرقائق ذكر ابن الجوزي عن ثابت بن الحجاج1 قال: قال عمر رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، أهون عليكم في الحساب غداً، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُم خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] 2. وعن جابر بن عبد الله، قال: "رأى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في يدي لحماً معلقاً، قال: "ما هذا؟ "، قلت: اشتهيت لحماً فاشتريته، فقال عمر: "كلما اشتهيت اشتريت! أما تخاف هذه الآية: {أَذْهَبْتُم طَيِّبَاتِكُم فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 1] 3. وعن الحسن4 قال: "دخل عمر رضي الله عنه على ابنه عبد الله وإذا عندهم لحم، فقال: "ما هذا اللحم؟ "، قال: "اشتهيته"، قال: "وكلما
اشتهيت شيئاً أكلته! كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كلما اشتهى"1. وعن الحسن2 قال: "مرّ عمر رضي الله عنه على مَزْبَلة3 فاحتبس عندها، فكأن أصحابه تأذوا بها، فقال: "هذه دنياكم التي تحرصون عليها"4. وعن الأحنف بن قيس قال: قال عمر: "يا أحنف من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه"5. وعن عبيد الشيباني6 قال: قال عمر لابنه: "يا بني اتّق الله، وأقرض الله يجزك، واشكره يزدك، واعلم أنه لا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له، ولا عمل لمن لا نية له"7.
وعن زيد1 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كتم سرّه كانت الخيرة في يده، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم شرّاً وأنت تجد لها في الخير محملاً2، وما كافأت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وعليك بإخوان الصدق، فكثر في اكتسابهم3، فإنهم زين في الرخاء، وعدة عند عظيم البلاء، ولا تهاون في الحلف فيهنك الله"4. وعن مجاهد قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك ود أخيك؛ أن تسلم عليه إذا لقيته، وأن توسع له في المجلس، وأن تدعوه بأحبّ أسمائه إليه، وثلاث من الغَيّ أن تجد على الناس فيما تأتي، وأن ترى من أخيك، أو من الناس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تؤذي جليسك فيما لا يعنيك"5. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن عمر رضي الله عنه قال:
"استعيذوا بالله من معاداة العاقل"1. وعن محمّد بن شهاب قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "لا تعترض بما لا يعنيك، واعتزل عدوّك، وتحفظ من خليلك إلا الأمين فإن / [98 / ب] الأمين في القوم لا يعادله شيء، ولا تصحب الفاجر فيعلمك فجوره، ولا تفش إليه سرّك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله عزوجل"2. وعن وديعة الأنصاري3 قال: "سمعت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول وهو يعظ رجلاً وهو يقول: لا تكلّم فيما لا يعنيك واعتزل عدوّك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله عزوجل ولا تمش مع الفاجر فيعلمك فجوره، ولا تُطلِعه على سرّك، ولا تشاور في أمرك إلا الذين يخشون الله عزوجل"4. وعن سليمان بن عبدة5 قال: "قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه:
"لا تظن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرّاً، وأنت تجد لها في الخير محملاً"1. وعن أبي حاتم2 قال: "قال أبو عبيدة3: "كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: "كفى بك عيباً أن يبدو لك من أخيك ما يغبى4 عليك من نفسك، وأن تؤذي جليسك بما تأتي مثله"5. وعن ابن [أبي] 6 نجيح7 عن أبيه8 قال: "قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "إني أحبّ أن يكون الرجل في أهله كالصبي فإذا احتيج إليه كان رجلاً"9. وعن ابن سلام10 قال: "بينما عمر رضي الله عنه ذات يوم يمشي وبين يديه رجل يخطر11 ويقول: "أنا ابن بطحاء مكّة كُدَيّها
وكدّائها1، فوقف عليه عمر رضي الله عنه فقال: "إن يكن لك دين فلك كرم، وإن يكن لك عقل فلك مروءة، وإن يكن لك مال فلك شرف، وإلا فأنت والحمار سواء"2. وعن عبد الله بن عبيد3 قال: "قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "يا معشر المهاجرين لا تكثروا الدخول على أهل الدنيا فإنه مسخطة للرزق4، 5. وعن مجاهد قال: قال عمر رضي الله عنه: "أيها الناس إياكم والبطنة6 من الطعام فإنه مُكسلة عن الصلاة، مُفسدة للجسد مورثة للسقم، فإن الله عزوجل يبغض الحبر السمين، ولكن عليكم بالقصد في قوتكم فإنه أدنى من الصلاح، وأبعد من السَرَف، وأقوى على عبادة الله عزوجل ولن يُهلَكَ
عبدٌ حتى يُؤثِر شهوته على دينه"1، 2. وعن مالك بن الحارث3، قال: "قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه "التؤدة4 في كلّ شيء خير إلا ما كان من أمر الآخرة"5. وعن هشام عن أبيه6، قال: عمر رضي الله عنه: "تعلموا أن الطمع فقر وأن اليأس غنى وأن المرء إذا يئس من شيء استغنى عنه"7. وعن عون بن عبد الله8 قال: "قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه "جالسوا التوابين فإنهم أرق شيء أفئدة"9.
وعن سمير بن واصل1 قال: "قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "إذا كان الرجل مقصراً في العمل ابتلى بالهم ليكفر عنه"2. وعن عبيد بن عمير3 عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "لا ينبغي لمن أخذ بالتقوى، ووزن بالورع أن يذل لصاحب الدنيا"4. وعن عمران بن عبد الرحمن5 / [99 / أ] قال: قال عمر بن الخطّابرضي الله عنه: "عليكم بذكر الله فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس فإنه داء"6. وعن سعيد بن المسيب قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "ما من امرئ مسلم يأتي فضاء من الأرض، فيصلي فيه الضحى ركعتين ثم يقول: "اللهم لك الحمد، أصبحت، عبدك على عهدك ووعدك خلقتني ولم أك شيئاً أستغفرك لذنبي، فإنه قد أرهقتني ذنوبي، وأحاطت بيَ إلا أن تغفر لها، فاغفرها يا أرحم الراحمين، إلا غفر الله له في ذلك المقعد ذنبه،
وإن كان مثل زبد البحر"1. وعن حفص بن عاصم2 قال: "قال عمر رضي الله عنه: "خذوا بحظكم من العزلة"3. وعن محمّد بن سيرين قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "لا يحزنك أن يجعل لك كثير حظ من أمر دنياك، إذا كنت ذا رغبة في أمر آخرتك"4. وعن أبي عبد الله الخراساني، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون"5. وعن علي بن حسين6، قال: "قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "ماجرع عبد جرعة7 أحبّ إلى الله من جرعة غيظ"8.
وعن الأجلح1، قال: قال عمر رضي الله عنه: "إني لأعلم أجود الناس وأحلم الناس، أجود الناس من أعطى من حرمه2، وأحلم الناس من عفى عمن ظلمه"3. وعن إسماعيل بن أبي خالد قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "كونوا أوعية للكتاب، وينابيع للعلم، وسلوا الله رزق يوم بيوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، ولا يضركم أن لا يكثر لكم"4. وعن نافع5 قال: "سمعت ابن عمر يحدّث قال: "بلغ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أن يزيد بن أبي سفيان6 يأكل أنواع الطعام، فقال لغلام له يقال له: يرفأ: "إذا حضر طعامه فأعلمني"، فلما حضر طعامه جاء فأعلمه فأتى عمر رضي الله عنه فسلم واستأذن فأذن له فدخل فجاءه بلحم، فأكل عمر رضي الله عنه معه منه، ثم قرب شواء فبسط كفّه، فكفّ عمر يده، ثم قال له: "يا يزيد ابن أبي سفيان، طعامٌ بعد طعام؟، والذي نفس عمر بيده، لئن خالفتم عن سنتهم ليخالفن بكم عن طريقهم"7.
وعن عبد الرحمن بن غنم قال: "قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "ويلٌ لديان من في الأرض من ديان السماء يوم يلقونه إلا من أمر بالعدل، وقضى الحق، ولم يقض على هوى ولا قرابة، ولا رغب، ولا رهب، وجعل كتاب الله بين عينيه"1. وعن هشام بن عروة، قال: "قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "إذا رأيتم الرجل يضيع الصلاة فهو لغيرها من حق الله أشد تضييعاً"2. وعن عبد الله بن سليمان3، أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "أي الناس أفضل؟ قالوا: المصلون، قال: إن المصلي يكون براً وفاجراً، قالوا: الصائمون، قال: إن الصائم يكون براً وفاجراً، قالوا: المجاهدون في سبيل الله، قال: إن المجاهد يكون4 براً وفاجراً، قال عمر رضي الله عنه: لكن الورع في دين الله يستكمل طاعة الله عزوجل"5. وعن مجاهد، قال: "كُتب إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل، أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر رضي الله عنه: "إن الذين يشتهون المعصية
ولا يعملون بها {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ الله قُلُوبَهُم لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظيم} [الحجرات: 3] 1. وعن عطاء بن عجلان2 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "أوشك أن يقبض هذا العلم قبضاً سريعاً، فمن كان عنده منه شيء فلينشره، غير الغالي3 فيه ولا الجافي4 عنه"5. وعن عدي بن سهيل الأنصاري6 / [99 / ب] قال: "قام عمرفي الناس خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله ويفني ما سواه7، والذي بطاعته ينفع أولياءه، وبمعصيته يضرّ أعداءه، فإنه ليس لهالك هلك عذر في بعض8 ضلالة حسبها هدى، ولا ترك حقّ حسب ضلالة، قد ثبتت الحجة وانقطع العذر، فلا حجة لأحد على الله عزوجل ألا إن أحق ما تعاهد الراعي رعيته أن يتعاهدهم، بالذي لله عليهم، من وظائف دينهم الذي هداهم به، وإنما علينا أن نأمركم بالذي أمركم الله من طاعته، وأنهاكم عما
نهاكم الله عنه من معصيته، وأن نقيم أمر الله في قريب الناس وبعيدهم، لا نبالي من قال الحق، ليتعلم الجاهل ويتعظ المفرط، وليقتدي المقتدي، وقد علمت أن أقواماً منهم من يقول: بما أمر به، وفعله متول1 عن ذلك وأن أقواماً يتمون2 في أنفسهم ويقولون: نحن نصلي مع المصلين، ونجاهد مع المجاهدين، ننتحل الهجرة، ونقاتل العدوّ، وكل ذلك يفعله أقوام لا يحتملونه بحقه، فإن الإيمان ليس بالتمني ولكنه بالحقائق، فمن قام على الفرائض وسدد نيته وخشيته فذلك الناجي، ومن زاد اجتهاداً وجد عند الله مزيداً، وإن الجهاد سنام العمل، وإنما المهاجرون الذين يهجرون السيّئات ومن يأتي بها، ويقول أقوام جاهدنا3 وإنما الجهاد في سبيل الله اجتناب المحارم مع مجاهدة العدوّ، وإن الأمر جدّ فجدوا، وقد يقاتل أقوام لا يريدون إلا الأجر، وآخرون لا يريدون إلا الذّكر، وإن الله رضي منكم باليسير، وأثابكم على اليسير الكثير، الوظائف الوظائف أدناها يؤدّكم4 إلى الجنة، السنة السنةَ الزموها تنجكم من البدعة، تعلموا ولا تعجزوا فإنه من عجز تكلم، وإن شرار الأمور محدثاتها، وإن الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في الضلالة، فافهموا ما توعظون به، فإن الحَرِيبَ5 من حُرِبَ دينه6، وإن السعيد من وعظ بغيره، وإن الشقي من شقي في بطن أمه، وعليكم بالسمع والطاعة فإن الله قضى لها
بالعز، وإياكم والمعصية والتفرق فإن الله قضى لهما بالذل، وإن للناس نفرة عن سلطانهم، فعائذ بالله أن يدركني"1. وعن الأعمش عن إبراهيم2 قال: "سمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول: اللهم إني أستنفق نفسي ومالي في سبيل الله، فقال عمر: "أولا يسكت أحدكم فإن ابتلي3 صبر، وإن عوفي شكر"4. وعن عبد الله بن عبيد5، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "لا تدخلوا على [أهل] 6 الدنيا فإنه مسخطة 7للرزق"8. وعن محمّد بن مرّة البسري9، قال: قال: قال عمر رضي الله عنه: "الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن"10. وعن حبيب بن أبي ثابت قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "تعاهدوا الرجال في الصلاة، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا غير
ذلك فعاتبوهم"1. وعن أبي فراس قال: قال عمر رضي الله عنه: "أيها الناس إنما كنا نعرفكم إذ بين أظهرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذ ينْزل الوحي وينبئنا الله من أخباركم، فقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي، وإنما نعرفكم بها2 فأقول لكم: من أظهر منكم خيراً ظننا به خيراً، وأحببناه عليه، ومن أظهر منكم شرّاً ظننا به شرّاً / [100 / أ] وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربّكم، ألا وإنه قد أتى عليّ حينٌ، وأنا أرى أنه من قرأ القرآن إنما يريد الله وما عنده وقد خيل إليّ بآخرةٍ أن رجالاً يقرؤونه، يريدون ما عند الناس، فأريدوا الله بقراءتكم وأعمالكم"3. وعن عبد الله بن عُكيم4، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "إنه لا حلَم أحبّ إلى الله من حلم إمام ورفقه، ولا جهل أبغض إلى الله من جهل إمام وخُرقِه5، ومن يعمل بالعفو بين ظهرانيه، فإن العافية من فوقه، ومن ينصف الناس من نفسه يُعطى الظفر في أمره، والذّلّ في الطاعة أقرب إلى البرّ من التعزّز6 في المعصية"7.
وعن سلمة بن شهاب العبدي1، قال: قال عمر رضي الله عنه: "أيتها الرعية إن لنا عليكم حقّ النصيحة في الغيب، والمعاونة على الخير، وإنه ليس شيء أحبّ إلى الله وأعم نفعاً من حلم إمام ورفقه وليس شيء أبغض إلى الله من جهل إمام وخرقه"2. وعن سفيان3 رضي الله عنه، قال: "كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى: "إن الحكمة ليست عن كبر السن، ولكنه عطاء الله يعطيه من يشاء، وإياك ودناءة الأمور"4. وعن هشام5 عن أبيه قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في خطبته: "الطمع فقر، وإن المرء إذا أيس من شيء استغنى عنه"6. وفي رواية: "عليكم باليأس مما في أيدي الناس، فما يأس عبد من شيء إلا استغنى عنه، وإياكم والطمع فإن الطمع فقر"7.
وعن العلاء بن المسيب1 قال: قال عمر رضي الله عنه: "تعلّموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة، والحلم، وتواضعوا لمن تعلموا منه، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم عملكم2 بجهلكم"3. وعن مجاهد قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "يا أهل العلم والقرآن، لا تأخذوا للعلم4 والقرآن ثمناً، فتسبقكم الزّناة إلى الجنة"5. وعن قيس بن أبي حازم، قال: "قدمنا على عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال: "من مؤذنيكم؟ "6، فقلنا: عبيدنا وموالينا"، فقال بيده يقبلها: "عبيدنا وموالينا، إن ذلك بكم لنقص شديد، لو أطقت الآذان مع الخلافة لأذنت"7. وعن عثمان النهدي، قال: قال عمر رضي الله عنه: "إن خفق8 النعال خلق الأحمق، قلما تبقى من دينه"9.
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: "كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يأمرنا أن نعلق نعائلنا1 في شمائلنا، ونمشي حفاة، وقال: كان يعلق نعليه ويمشي من القرية إلى القرية حافياً"2. وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: "سئل عمر رضي الله عنه عن التوبة النصوح، فقال: التوبة / [100 / ب] النصوح؛ أن يتوب الرجل من العمل السيء، ثم لا يعود إليه أبداً"3. وعن يزيد بن الأصم، قال: "سمع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه رجلاً يقول: "أستغفر الله وأتوب إليه"، فقال: "ويحك، أتبعها أختها، فاغفر لي وارحمني"4. وذكر أبو القاسم الأصفهاني: أن عمر قال في خطبته: "أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية"5. قال ومن كلامه وهو يخطب: "أيها الناس إن بعض الطمع فقر، وبعض اليأس غنى، وإنكم تجمعون ما لا تأكلون، وتأملون6 ما لا تدركون، إنكم كنتم تؤخذون بالوحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أسرّ أخذ بسريرته،
ومن أعلن أخذ بعلانيته، فأرونا أحسن أعمالكم، الله أعلم بما يغيب عنا منكم، أرونا علانية حسنة، فإنه من يحدّثنا منكم أن سريرته حسنة لم نصدقه إن كانت علانيته سيّئة، واعلموا أن بعض الشحّ شعبة من النفاق فأنفقوا1 خيراً لأنفسكم {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] 2. وقال عمر رضي الله عنه: "إذا رأيت من الرجل خصلة تسوءك فاعلم أن لها أخوات، وإذا رأيت من الرجل خصلة تسرّك3 فاعلم أن لها أخوات، واعلم أن الرجل ليس بالرجل4 الذي إذا وقع في الأمر تخلص منه، ولكن الرجل الذي يتوقى الأمر حتى لا يقع فيه، واعلم أن اليأس غنى، وأن الطمع فقر حاضر، وأن المرء إذا يئس من شيء استغنى عنه"5. / [101 / أ] .
الباب الخامس والستون: ماتمثل به من الشعر
الباب الخامس والستون: ماتمثل به من الشعر ... الباب الخامس والستون: في ذكر ما تمثل به من الشّعر ذكر ابن الجوزي عن سفيان الثوري، قال: "بلغني أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كان يتمثل: لا يغُرّنك عيشُ1 ساكن ... قد يوافي بالمنيات السَّحَر2 وعن معاذ بن عبد الله بن خُبيب3 عن أبيه4 قال: قلما خطبنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إلا قال: إنّ شرخ5 الشباب والشّعر الأسود ... ما لم يُعَاصَ كان جنوناً6 وعن مسروق قال: "خرج إلينا7 عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ذات يوم وعليه حلة قطن8، فنظر إليه الناس نظراً شديداً فقال: لا شيءَ فيما ترى إلا بشاشته ... يبقى الإله ويُودَى9 المال والولد
والله ما الدنيا في الآخرة ... إلا كنفجة1 أرنبٍ2. وعن سعيد بن المسيب، قال: حج عمر رضي الله عنه فلما كان بضجنان قال: لا إله إلا الله العظيم المعطي ما شاء لمن شاء، كنت أرعى أبل الخطاب بهذا الوادي، في مدرعة صوف، وكان فظاً، ويتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وقد أمسيت ليس بيني وبين الله أحد ثم تمثل: لا شيء فيما ترى تَبْقى بَشَاشَته ... يَبْقَى الإله ويفنى المال والولد لم تُغن عن هُرْمُزٍ يوماً خزَائنه ... والخُلْدَ قد حاولت عادٌ3 فما خلدُو ولا سُليمانُ إذ تجري الرِّياحُ له ... والأُنس والجِنُّ فيما بينها تردُ أين الملوكُ التي كانت نَوَافِلُها ... من كلّ أوْبٍ إليها راكبٌ يفدُ حوضاً4 هناك5 مورداً بلا كِذبٍ ... لا بدَّ من وِرِدِهِ يوماً كما وَردوا6 وعن عمر المديني7 قال: قال عمر رضي الله عنه: والله ما وجدت لأبي بكر
مثلاً، إلا ما قاله أبو نميلة السلمي1: من يسع كي يدركَ أفعاله ... يجتهدُ السَد بأرض فضاء والله لا يدرك أفعاله ... ذو مئزر ضاف ولا ذو رداء2 وعن أبي عبيدة قال: بلغني عن ثابت البناني رضي الله عنه عن أنس أن عمر رضي الله عنه كان يتمثل: لا تأخُذُوا عقلاً من القوم إنني ... أرى الجرحَ يَبْقَى والمعاقل تذهبُ3 وعن الأصمعي4، قال: "ما قطع عمر رضي الله عنه أمراً إلا تمثل ببيت من الشعر"5. وعن الشعبي قال: "كان عمر رضي الله عنه شاعراً"6. قال شارح العمدة: "وروي أنه قال حين احتضر ورأسه في حجر ابنه عبد الله: ظلومٌ لنفسي غير أني مسلم ... أصلي الصلاة كلّها وأصوم7.
الباب السادس والستون: فنون أخباره
الباب السادس والستون: فنون أخباره ... الباب السادس والستون: في فنون أخباره عن محمّد بن سيرين، قال: "كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قد اعتراه نسيان في الصلاة، فجعل رجل خلفه يلقنه، فإذا أومأ إليه أن يسجد أو يقوم فعل"1. وعن يحيى بن جعدة2 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه:3 "لولا أن أسير في سبيل الله، أو أضع جنبي لله في التراب أو أجالس قوماً يلتقطون طيب القول كما يلتقط طيب الثمر، لأحببت أن أكون قد لحقت بالله"4. وعن ابن سعد قال: قال / [101 / ب] عمر رضي الله عنه: "والله ما أدري خليفة أنا أم ملك، فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم، فقال قائل: "يا أمير المؤمنين، إن بينهما فرقاً"، قال: "ما هو؟ "، قال: "الخليفة لا يأخذ إلا حقاً، ولا يضعه إلا بحق، وأنت بحمد الله كذلك. والملك يَعْسِفُ الناسَ، فيأخذ من هذا، ويُعطي هذا". فسكت عمر"5. وعن الزّهري قال: "كان جلساء عمر أهل القران كهولاً كانوا
أوشُبَّاناً"1. عن محمّد بن المنكدر2 قال: "مرّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بحفارين يحفرون3 قبر زينب بنت جحش - رضي الله عنها - في يوم صائفٍ، فضرب عليهم فسطاطاً، فكان أوّل فسطاطٍ4 ضُرب على قبر"5. وعن عبد الله بن بريد، قال: "ربما أخذ عمر رضي الله عنه بيد الصبي فيجيء به فيقول: "ادع لي فإنك لم تذنب بعد"6. وعن محمّد7 قال: "كان عمر رضي الله عنه يشاور حتى المرأة"8. وعن يحيى بن سعيد، قال: "أمر عمر رضي الله عنه حسين بن عليّ - رضي الله عنهما - أن يأتيه في بعض الحاجة، قال حسين: فلقيت عبد الله بن عمر فقلت: من أين جئت؟، قال: استأذنت على عمر فلم يأذن لي، فرجع حسين، فلقيه عمر فقال: ما منعك يا حسين أن تأتيني؟، قال: قد أتيتك ولكن أخبرني عبد الله
بن عمر أنه لم يؤذن له عليك، فرجعت، فقال عمر رضي الله عنه: وأنت عندي مثله1، وهل أنبت الشعر على الرأس غيركم"2. وعن إبراهيم بن سعد3 قال: "سمعت أبي يحدّث عن أبيه، قال: "رأيت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أحرق بيت خمار يقال له رشيد4، قال: وكان تقدم إليه، فكأني أنظر إلى بيته فحمة حمراء"5. وعن أبي مجلز6 قال: "قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "ما أبالي على ما أصبحت، على ما أحبّ، أو على ما أكره، لأني لا أدري الخيرة لي فيما أحبّ أو ما أكره"7. وعن أبي عمران الجوني، قال: "مرّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بدير راهب، فناداه: يا راهب، قال: فأشرف عليه، فجعل عمر رضي الله عنه ينظر إليه ويبكي، فقيل له: "يا أمير المؤمنين ما يبكيك، من هذا؟ "،
قال: "ذكرتُ قول الله عزوجل: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةٌ} [الغاشية: 3-4] فذلك الذي أبكاني"1. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - "أن عمر لم يكن يُكَبِّر حتى تستوي الصفوف، ويوكل رجلاً بذلك"2. وعن أبي عثمان النهدي، قال: "رأيت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إذا أقيمت الصلاة يستدبر القبلة، ثم يقول: " [تقدم] 3 يا فلان، تأخر يا فلان، سووا صفوفكم، فإذا استوى الصفّ أقبل على القبلة وكبّر"4. وعن ابن عمر قال: "تعلم عمر بن الخطّاب رضي الله عنه سورة البقرة في ثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحر جزوراً"5. وعن أنس قال: "كان يُطرح لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه الصاع من التمر فيأكله حتى حشفه"67.
وعن سويد بن غفلة قال: "كان عمر رضي الله عنه يغلس بالفجر، وينور، ويصلي بين ذلك، ويقرأ سورة هود وسورة يوسف ومن قاصر المثاني من المفصل"1. وعن سالم عن أبيه: أن رجلاً قال لرجل: "والله ما أنا بزانٍ ولا ابن زانٍ"، فرفع ذلك إلى عمر - رضي الله عنه - فضربه الحدتاماً"2. وقال مَعْمَر3: "عامة علم ابن عباس من ثلاثة؛ من عمر، وعليّ، وأبي بن كعب"4. وعن يوسف بن يعقوب الماجشون5، قال: "قال لي ابن شهاب ولأخ لي، ولابن عم لي، ونحن صبيان أحداث: "لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر رضي الله عنه كان إذا نزل به الأمر دعا الصبيان فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم"6. وعن الحسن7 قال: "كان رجل لا يزال يأخذ من لحية / [102 / أ] عمر بن الخطّاب رضي الله عنه الشيء، قال: فأخذ يوماً من لحيته فقبض عمر رضي الله عنه على يده، فإذا ليس في يده شيء، فقال:
"إن الملق1 من الكذب من أخذ من لحية الرجل2 شيئاً فليره إياه"3. وعن الحسن4 أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كان يذكر الأخ من أخوانه فيقول: "يا طولها من ليلة"، فإذا صلى الغداة غدا إليه، فإذا لقيه التزمه واعتنقه"5. وعن عبد الله بن خليفة6 عن عمر رضي الله عنه أنه انقطع شسع7 نعله فاسترجع، وقال: كلما ساءك مصيبة8. وعن أبي بكرة9 قال: "وقف أعرابي على عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال: يا عمر يا عمر الخير جزيت الجنة ... أكس بُنَيَّاتي وأمهنّه
أقسمت بالله لتفعلنه. قال: "فإن لم أفعل يكن ماذا؟ "، قال: "إذاً أبا حفص لأذهبنه"، قال: "وإذا ذهبت يكون ماذا؟ "، قال: يكون عن حالي1 لتسألنّه ... يوم يكون الأعطيات هنه قال: فبكى عمر رضي الله عنه حتى اخضل لحيته، وقال لغلامه: "يا غلام، أعطه قميصي هذا، لذلك2 اليوم لا لشعره، ثم قال: والله ما أملك غيره"3. وعن الأوزاعي قال: "بلغني أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه سمع صوت بكاء في بيت، فدخل ومعه غيره، فمال عليهم ضرباً حتى بلغ النائحة فضربها حتى سقط خمارها، وقال: "اضرب فإنها نائحة لا حرمة لها إنها لاتبكي لشجوكم، إنما تهرق دمعها على أخذ دراهمكم، إنها تؤذي أمواتكم في قبورهم وأحياءكم في دورهم، إنها تنهى عن الصبر الذي أمر الله به، [و] 4 تأمر بالجزع الذي نهى الله عنه"5. وذكر أبو القاسم الأصفهاني: قال عمر رضي الله عنه: "والله لقد لان قلبي في الله حتى لهو ألين من الزبد، واشتد في الله حتى لهو أشد
من الحجر"1. قال: "وروي أنه كان في وجه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه خطان أسودان من البكاء"2. وفي الصحيح عن أبي عُبَيْدٍ3 مولى ابن أزهر4، أنه شهد يوم الأضحى مع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فصلى قبل الخطبة، ثم خطب الناس فقال: "أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم عن صوم أو صيام هذين العيدين؛ أما أحدهما فَيَوْمُ فِطرِكم من صَيَامِكُم، وأما الآخر: فيومُ تأكلون فيه من نسككم"5. وفيه عن ابن عمر قال: "خطب عمر رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمس أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعَسَل، والخمر ما خامر العقل. وثلاث ودِدتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهداً: الجَدّ، والكلالة، وأبوابٌ من أبواب الربا"6. وفي الصحيح عن أنس بن مالك "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فقام عبد الله بن حذافة7 فقال: "من أبي؟ "، فقال: "أبوك حذافة ". ثم أكثر أن يقول: "سَلُوني، فبرك عمر على ركبتيه، فقال: "رضينا
بالله ربّاً وبالإسلام ديناً، وبمحمّد نبيّاً"، فسكت" 1. وعن أبي موسى قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرَهَهَا، فلما أُكثِر عليه غضب، ثم قال للناس: / [102 ب] "سلوني عم شئتم"، قال: رجل: "من أبي؟ "، قال: "أبوك حذافة"، فقام آخر، فقال: "من أبي؟ "، قال: "أبوك سالم مولى شيبة" 2، فلما رأى عمر ما في وجهه، قال: "يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عزوجل"3. وعن ابن عباس قال: "لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، قال: "ائْتُوني بكتابٍ" 4، وفي رواية: "بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً" 5. قال عمر: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا"، فاختلفوا، وكثر اللغط6، قال: "قوموا عَنِّي فلا ينبغي عندي تنازع"، فخرج ابن عباس يقول: "إن الرَّزِيَّة7 كل الرَّزِيَّة ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه"8.
وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه1 قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: "إني أجنبت فلم أصب الماء" فقال عمار بن يسار لعمر بن الخطاب: "أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت2 فصليت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما كان يكفيك هكذا"، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفّيه الأرضَ، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وَجْهَه وكفّيه"3. ورأى عمرُ أنسَ بن مالك يصلي عند قبرٍ، فقال: "القبرَ القبرَ"، ولم يأمره بالإعادة4. وعن عبد الله بن عمر: أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيّاً باللّبن وسَقْفُهُ الجرِيدُ، وعُمُدُهُ خشبُ النَّخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمرُ وبناهُ على بنيانِهِ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللّبِنِ والجرِيدِ، وأعاد عُمُدَهُ خَشَباً5. وعن عبّاد بن تميم6 عن عمه7 أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقياً
في المسجد، واضعاً إحدى رجليه على الأخرى1. وعن سعيد بن المسيب قال: "كان عمر وعثمان يفعلان ذلك"2. وفي الصحيح في حديث سجود السهو، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يُكَلّماه، يعني النبي صلى الله عليه وسلم 3. وعن عروة أن عائشة قال: "أَعْتَمَ4 رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعِشاءِ، وذلك قبل أن يَفْشُو5 الإسلامُ، فلم يخرج حتى قال عمر: "نام النِّساءُ والصبيانُ"6. وعن ابن عباس قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم المُخَنَّثِين من الرجال، والمُتَرَجِّلات من النِّساء"، وقال: "أَخْرِجوهم من بيوتكم". قال: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلاناً، وأخرج عمر فلاناً"7. / [103 / أ] .
الباب السابع والستون: كلامه في الفنون
الباب السابع والستون: كلامه في الفنون ... الباب السابع والستون: في ذكر كلامه في الفنون وقال ابن مسعود: "لو وضع علم أحياء العرب في كفة ميزان، ووضع علم عمر في كفة، لرجح علم عمر، ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم، ولمجلس كنت أجلسه مع عمر أوثق في نفسي من عمل سنة"1. عن يحيى بن عبد الملك2 أن عمر رضي الله عنه قال: "لا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلاق له"3. وعن محمّد بن سيرين عن أبيه4 قال: "شهدت مع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه المغرب، فأتى علي ومعي رُزيمة5 لي، فقال: "ما هذا معك؟ "، فقلت: رزيمة لي أقوم في هذا السوق، فأشتري وأبيع، فقال: "يا معشر قريش لا يغلبنكم هذا وأصحابه (. . . .) 6 على التجارة، فإن التجارة ثلث الإمارة"7.
وعن جَوَّاب [التيمي] 1، 2 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "يا معشر القراء3 ارفعوا رؤوسكم، فقد وضح الطريق، واستبقوا الخيرات، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين"4. وعن الحسن5 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "من اتجر في شيء ثلاث مرات فلم يصب فيه شيئاً فيلتحول إلى غيره"6. وعن شيخ من قريش قال: قال عمر رضي الله عنه: "لو كنت تاجراً ما اخترت على العطر شيئاً، إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه"7. وعن سعيد بن المسيب قال: قال عمر رضي الله عنه: "نعم الرجل فلان لولا بيعته"8، فقيل: لسعيد بن المسيب: "وما كان يبيع؟ "، قال: "الطعام"، قال: "وببيع الطعام باس؟ "، قال: "قلما باعه رجل إلا وجد للناس"9"10".
وعن [أبي] 1 الأكدر الفارض2 قال: قال عمر: "تعلموا المهنة فإنه يوشك أن يحتاج أحدكم إلى مهنته"3. وعن بكر بن عبد الله4 قال: قال عمر رضي الله عنه: "مكسبة فيها بعضالدناءة، خير من مسألة الناس"5. وعن ذكوان6 قال: قال عمر رضي الله عنه: "إذا اشترى أحدكم جملاً فليشتره عظيماً سميناً طويلاً، فإن أخطاه خيره، لم يخطه سوقه"7. وعن الأحنف بن قيس، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "تفقّهوا قبل أن تسُوَّدوا"8، 9.
وعن ابن جُحادة1 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "أعقل الناس أعذرهم لهم"2. وعن كَهْمَس بن الحسن3: "أن رجلاً تنفس عند عمر كأنه يتحازن4، فلكزه أو قال: "فلكمه"5. وعن زيد بن وهب قال: رأى عمر رضي الله عنه قوماً يتبعون أناساً، قال: فرفع الدّرّة، فقالوا: "يا أمير المؤمنين، اتق الله، قال: "أما علمتم أنها فتنة للمتبوع مذلة للتابع"6. وعن مجاهد قال: "كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ينهى أن يُعرض الحادي بذكر النساء وهو محرم"7. وعن سالم عن أبيه غيلان بن سلمة الثقفي8 أسلم وتحته عشر نسوةٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر منهن أربعاً"، فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه
طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال: "إني لأظن الشيطان فيما يسترق السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك، ولعلّك أن لا تمكث إلا قليلاً، وأيم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في ملكك أو لأورثهن منك، ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رُغالٍ"1. وعن أبي عثمان قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "يأتي على الناس زمان يكون صالح الحي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، إن غضبوا، غضبوا لأنفسهم وإن رضوا، رضوا لأنفسهم، لا يغضبون / [103 / ب] لله ولا يرضون لله"2. وعن النعمان بن بشير قال: "سمعت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التّكوير: 7] ، قال: الفاجر مع الفاجر، والصالح مع الصالح"3. وسمعت عمر يقول: "التوبة النصوح أن يخشى الرجل العمل السوء، كان يعمله، فيتوب إلى الله عزوجل ثم لا يعود فيه أبداً فتلك التوبة النصوح"4.
وعن إبراهيم1 قال: قال عمر رضي الله عنه: "إياكم والمعاذير فإن كثيراً منها كذب"2. وعن الشعبي قال: "أتى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه رجل فقال: "إن ابنة لي كنتُ وأدتها3 في الجاهلية فاستخرجناها قبل أن تموت، فأدركت معنا الإسلام فأسلمت، ثم أصابها حدّ من حدود الله، فأخذت الشّفرة لتذبح نفسها، وأدركناها وقد قطعت بعض أوداجها4، فداويتها حتى برأت، ثم أقبلت بعد توبة حسنةٍ، وهي تخطبُ إلى قوم، فأخبرهم بالذي كان؟ "، فقال عمر رضي الله عنه: "أتعمد إلى ما ستره الله فتبديه، والله لئن أخبرت بشأنها أحداً لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار، أنكحها نكاح العفيفة المسلمة"5. وعن سعد بن إبراهيم6 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "الخرق7 في المعيشة أخوف عندي عليكم من العوز"8"9"، إنه لا يبقى مع
الفساد شيء ولا يقلّ مع الصلاح شيء"1. وعن حنش2 بن الحارث النخعي عن أبيه3 - وكان شهد القادسية - قال "رجعنا من القادسية فكان أحدنا تنتج فرسه من الليل، فإذا [أصبح] 4 نحر مهرها، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فكتب إلينا أن أصلحوا ما رزقكم الله، فإن في الأمر نفساً"5. وعن أبي العالية6 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "يكتب للصغير حسناته، ولا يكتب عليه سيّئاته"7. وعن أبي أمامة8 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "أدبوا الخيل، وتسوكوا، وانتضلوا، واقعدوا بالشمس، ولا تجاورنكم الخنازير، ولا يرفع فيكم صليب، ولا تأكلوا على مائدة يشرب عليها الخمر، وإياكم وأخلاق العجم، ولا يحل لمؤمن أن يدخل الحمام إلا بمئرز، ولا يحل لامرأة أن تدخل الحمام إلا من سقم، فإن عائشة أم المؤمنين حدّثتني: قالت: حدّثني خليلي
صلى الله عليه وسلم على مفرشي هذا، قال: "إذا وضعت المرأة خمارها في غير بيت زوجها هتكت سترها بينها وبين الله". قال: وكان يكره أن يصور الرجل نفسه كما تصور المرأة نفسها، وأن لا يزال يُرى كل يوم مكتحلاً، وأن يحف لحيته وشاربه، كما تحف المرأة"1. وعن المسيب بن دارم2 قال: "سمع عمر رضي الله عنه سائلاً وهو يقول: "من يُعَشِّ السائل - رحمه الله -"، قال عمر: "عشوا السائل"، ثم دار إلى دار الإبل فسمع صوته وهو يقول: "من يعش السائل - رحمه الله -"، فقال عمر رضي الله عنه: "ألم آمل أن تعشوا السائل"، فقالوا: "قد عشيناه"، قال: "فأرسل إليه فإذا معه جراب مملوء خبزاً، فقال: "إنك لست سائلاً أنت تاجر تجمع لأهلك"، قال: ثم أخذ بطرف الجراب ثم نبذه بين الإبل، قال: وأحسبها كانت إبل الصدقة"3. وعن الأحنف بن قيس قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "من مزح استخفّ به"4. وعن ليث بن سعد: أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "هل تدرون لم سمي المزاح؟ "، قالوا: "لا". قال: "لأنه زاح
عن الحق"12. وعن معاوية بن قرة3 عن أبيه4 عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: لم يعط5 أحد بعد كفر بالله شيئاً شرّاً من امرأة حديدة اللسان سيّئة الخلق، ولم يعط بعد الإيمان شيئاً خيراً من امرأة / [104 / أ] حسنة الخلق ودود ولود. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن منهنّ غنماً لا يجدي6، [وإن] 7 منهن غلالاً8 يفادى منه" 9.
وعن أبي عثمان النهدي، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "أما في المعاريض ما يغني المسلم عن الكذب؟ "1. وعن معاوية بن قرة أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "ما يسرني بما أعلم من معاريض القول مثل أهلي ومالي، ومثل أهلي ومالي"2. وعن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "إن شقاشق3 الكلام من شقاشق الشيطان"4. وعن حفص بن عثمان5 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "لا تشغلوا أنفسكم بذكر الناس فإنه بلاءٌ، وعليكم بذكر الله فإنه رحمة"6.
وعن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "إنه ليعجبني الشاب الناسك، نظيف الثوب طيب الريح"1. وعن محمّد بن عبد الله القرشي2 عن أبيه3 قال: "نظر عمر إلى شاب قد نكس رأسه، فقال له: "يا هذا ارفع رأسك إن الخشوع لا يزيد على ما في القلب، فمن أظهر للناس خشوعاً فوق ما في قلبه فإنما أظهر للناس نفاقاً على نفاقٍ"4. وعن عدي بن ثابت5 قال قال عمر رضي الله عنه: "أحبكم إلينا ما لم نركم: أحسنكم أسماء، فإذا رأيناكم فأحبكم إلينا أحسنكم أخلاقاً، فإذا اختبرناكم فأحبكم إلينا أصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة"6.
وعن أبي عبد الرحمن بن عطية بن دلاف1 عن أبيه2 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "لا تنظروا إلى صلاة امرئ ولا إلى صيامه، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وإلى ورعه إذا أشفى3، وإلى أمانته إذا أوتمن"4. وعن هشام5 عن أبيه عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنه قال: "لا تنكحوا المرأة الرجل الدميم القبيح، فإنهن يُحببن لأنفسهن ما تُحبون لأنفسكم"6. وعن أسلم قال: قال عمر رضي الله عنه: "إذا تم لون المرأة وشعرها فقد تم حسنها، والغيرة7 إحدى الوجهين"8. وعن عبيد الله9 بن عدي بن الخيار قال: سمعت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: "إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته10، وقال11 له:
انتعش نعشك الله، فهو في نفسه صغير، وفي أعين الناس عظيم، وإذا تكبر وعتا1 وهصه2 الله إلى الأرض وقال: اخسأ أخسأك الله، فهو في نفسه عظيم، وفي أعين الناس حقير3، حتى يكون عندهم أحقر من الخنْزير"4. اخسأ: بمعنى: أبعد5، ووهصه6: بمعنى: كسره7. وعن أسلم عن عمر رضي الله عنه قال: "لا يُتعلم العلم لثلاث، ولا يترك لثلاث: لا يتعلم ليماري به، ولا ليباهي به، لا ليراءَى به، ولا يترك حياءً من طلبه، ولا زهادةً فيه، ولا رضى بالجهل منه"8. وعن هشام عن أبيه قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "تعلموا أنسابكم لتصلوا أرحامكم"9.
وعن عمارة بن القعقاع1 قال: قال عمر رضي الله عنه: "تعلموا من النجوم ما تهتدون بها، وتعلموا من الأنساب ما تصلون بها"2. وعن [المطلب بن] 3 عبد الله بن حَنْطَب4 قال: قال عمر بنالخطّاب رضي الله عنه: "ما أخاف عليكم أحد رجلين، مؤمن قد تبين إيمانه، وكافر قد تبين كفره، إنما أخاف عليكم منافقاً يتعوذ بالإيمان، ويعمل بغيره"5. وعن زياد بن حُدَير6 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: (يهدم الإسلام زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلّون"7. وعنه قال: "قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: منافق يقرأ القرآن لا يخطئ منه واواً ولا ألفاً، يجادل الناس أنه أعلم منهم8 ليضلهم عن الهدى، وزلة عالم، وأئمة مضلون"9.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "خطبنا عمر بن الخطّابرضي الله عنه فقال: "أخوف ما أخاف عليكم تغير الزمان، وزيغة [عالم] 1، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون يضلون الناس بغير علم"2. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: "أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه خطب الناس بالجابية، قال: "إن الله تعالى يضل من يشاء ويهدي من يشاء"، فقال القس: "الله أعدل أن يضل أحداً"، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فبعث إليه: بل الله أضلّك، ولولا عهدك لضربت عنقك"3. / [104 / ب] . وعن أبي وائل قال: "كنا بخانقين4 فأهللنا هلال شوّال - يعني: نهاراً - فمنا من صام ومنا من أفطر، فأتانا كتاب عمر رضي الله عنه إن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا إلا أن يشهد رجلان أنهما أهلاه5 بالأمس"6.
وعن إبراهيم1 قال: "كتب عمر إلى عتبة بن فرقد إذا رأيتم الهلال أوّل النهار فأفطروا فإنه من الليلة الماضية، وإذا رأيتموه من آخر النهار فأتموا صومكم فإنه لليلة المقبلة"2. وعن إبراهيم3 قال: "بلغ عمر رضي الله عنه أن قوماً رأوا الهلال بعد زوال الشّمس فأفطروا، فكتب إليهم يلومهم، وقال: إذا رأيتم الهلال قبل زال الشمس فأفطروا، وإذا رأيتموه بعد زوال الشمس فلا تفطروا"4. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "إن الرجف من كثرة الزنا، وإن قحوط المطر من قضاة السوء، وأئمة الجور"5. وعن حارثة بن مُضَرَّب قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "استعينوا على النساء بالعري، فإن إحداهن إذا كثرت ثيابها وحسنت زينتُها أعجبها الخروج"6. وعن حسان العبسي7 قال: قال عمر رضي الله عنه: "إن الجبت،
السحر والطاغوت: الشيطان، والشجاعة والجبن، غرائز تكون في الرجل، ويقاتل الشجاع عن من لا يعرف ويفر الجبان من أمه، وإن كرم الرجل دينه، وحسبه خلقه، وإن كان فارسياً أو نبطياً"1. وعن مُوَرِّق2 العجلي3 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "تعلموا السنن والفرائض واللحن كما تعلموا القرآن"4. وعن الحسن5 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "عليكم بالتفقه في الدين وحسن العبادة والتفهم في العربية"6. وعن أبي عمرو بن العلاء7 قال: قال عمر رضي الله عنه: "تعلموا
العربية فإنها تثبت العقول وتزيد في المروءة"1. وعن زيد بن عقبة2 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "الرجال ثلاثة، والنساء ثلاث: امرأة هينة لينة، عفيفة مسلمة، ودود ولود، تعين أهلها على الدهر، ولا تعين الدهر على أهلها، وقلما تجدها، وأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك شيئاً، وأخرى غُلٌّ قملٌ3 يجعلها الله في عنق من يشاء، وينزعه إذا شاء، والرجال ثلاثة: رجلٌ عاقلٌ إذا أقبلت الأمور وتشبهت، يأتمر فيها أمره، وينْزل4 عند رأيه، وآخر حائر بائر، لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً"5. وعن حفص بن عمر6 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "من رقّ وجهه رقّ علمه"7. وعن أبي عمرو الشيباني8 قال: خُبِّر عمر رضي الله عنه برجل يصوم
الدهر فجعل يضربه بمخفقته1، وجعل يقول: كل يا دهر، كل يا دهر"2. وعن أبي وائل: أن عمر رضي الله عنه قال: "ما يمنعكم إذا رأيتم السفيه يخرّق أعراض الناس، أن تُعرّبوا3 عليه". قالوا: "نخاف لسانه"، قال: "ذاك أدنى أن لا تكونوا شهداء"4. وعن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول: "إن الناس لن يزالوا مستقيمين ما استقامت أئمتهم وهداتهم"5. وعن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "عجلوا الفطر، ولا تنطعوا تنطع أهل العراق"6. وعن ابن المسيب عن أبيه7 قال: كنت جالساً عند عمر رضي الله عنه إذ جاءه راكب من أهل الشام فطفق عمر يسأله عن حالهم، فقال: "هل يعجل أهل الشام الإفطار؟ "، قال: "نعم". قال: "لن يزالوا بخير ما فعلوا
ذلك، ولم ينتظروا النجوم انتظار أهل العراق"1. وعن سعيد بن جبير: "أن عمر رضي الله عنه قال: "كل من الحائط ولا تتخذ خُبنة"23. وعن سعيد بن المسيب قال: "كان عمررضي الله عنه ينهى الصائم أن يُقَبِّل"، يقول: "إنه ليس لأحدكم من الحفظ والعفة ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم"4. وعن حميد بن نعيم5: أن عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفان دعيا إلى طعام فأجابا، فلما خرجا، قال عمر لعثمان: "لقد شهدت طعاماً وودت أني لم أشهده، قال: وما ذاك؟ "، / [104 / أ] 6، قال: خشيت أن يكون جعل مباهاة"78.
وعن أنس قال: "سمعت عمر رضي الله عنه وقد سلم عليه رجل فرد عليه السلام، فقال عمر للرجل: "كيف أنت؟ "، فقال الرجل: "أحمد الله إليك"، قال عمر: "هذا أردت منك"1. وعن سالم قال: "سمع عمر رضي الله عنه ضوضاء2 في دار، فقال: "ما هذه الضوضاء؟ "، فقالوا: "عرس"، قال: "فهلا حركوا غرابيلهم3، يعني الدفوف"4. وعن الحسن5 أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه رأى رجلاً عظيم البطن فقال: "ما هذا؟ "، فقالوا: "بركة من الله"، قال: "بل عذاب من الله"6. وعن علي بن نديمة7 قال سمعت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: "ردوا الخصم، فإن القضاء يورث الشنآن"8"9.
وعن أبي حصين1 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "إذا رزقك الله مودّة امرئ مسلم فتشبث بها ما استطعت"2. وعن مصعب بن سعد3 قال: قال عمر رضي الله عنه: "الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم"4. وعن ابن عمر قال: "خطبنا عمر رضي الله عنه فقال: "أيها الناس إن الله جعل ما أخطأت أيديكم رحمة لفقرائكم، فلا تعودوا فيه"، قال بقية5: "ما أخطأ المنجل"67. وعن كعب القرظي8 عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنه قال: "ما ظهرت نعمة إلا وجدت لها حاسداً، ولو أن امرأً كان أقوم من قدحٍ لوجدت له غامزاً"9، 10.
وعن محمّد بن سيرين: "أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه خرج من الخلاء يقرأ القرآن، فقال له أبو مريم1: "يا أمير المؤمنين تقرأ القرآن وأنت غير طاهر؟ "، فقال له "مسيلمة أمرك بهذا؟! "2. وعن نعيم بن أبي هند3 قال: قال عمر رضي الله عنه: "من قال: أنا مؤمن، فهو كافر، ومن قال: هو عالم، فهو جاهل، ومن قال: هو في الجنة، فهو في النار"4. وعن جبير بن مطعم أنه سمع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول على المنبر: "تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم، والله إنه ليكون بين الرجل وبين أخيه الشيء ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخل5 الرّحم لوزعه6 ذلك عن انتهاكه"7.
وعن إبراهيم التيمي عن أبيه1 قال: "كنا جلوساً عند عمر فأثنى رجل على رجل في وجهه، فقال: "عقرتَ الرجلَ عقرك الله"2. وعن قبيصة بن جابر3 عن عمر رضي الله عنه قال: "لا يُرحم من لم يَرحم، ولا يُغفر لمن لا يَغفر، ولا يُتاب على من لا يتوب، ولا يُوقَّ من لم يوقِّ"4. وعن عبد الرحمن بن عجلان5 قال: "مرّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه برجلين يرميان، فقال أحدهما للآخر: "أسَبْتَ"6. فقال عمر: "سوء اللحن أشدّ من سوء الرمي"7. وعن عمارة بن سعد التجيبِي8 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه:
"من ملأ عينيه من قاعة بيت قبل أن يؤذن له فقد فسق"1. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه جاءه يستأذن عليه يوماً فأذن له ورأسه في يد جارية له ترجله فنزع رأسه، فقال له: "دعها ترجلك"، فقال له: "يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليّ جئتك"، فقال عمر: "إنما الحاجة لي"2. وقال الأحنف بن قيس: "قال لنا عمر: "تفهموا قبل أن تُسَوَّدوا"، قال سفيان: "لأن الرجل إذا فقه لم يطلب السؤدد"3. وعن قبيص بن جابر، قال: قال لي عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "إنك رجل حدث السن، فصيح اللسان، فسيح الصدر، وأنه يكون في الرجل عشرةُ أخلاق حسنة، وخلق سيئ فيغلب الخلق السيئ التسعة الأخلاق الحسنة، فاتق عثرات الأشياء"4. وعن يونس بن عبيد5 أن عمر رضي الله عنه قال: "بحسب امرئ من الغي أن يؤذي جليسه فيما لا يعنيه، أو يجد على الناس فيما يأتي، وأن يظهر له من الناس ما يخفى عليه من نفسه"6.
وعن أبي / [104 ب] عثمان النهدي أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "احترسوا من الناس بسوء الظن"1. وعن البراء بن عازب2 رضي الله عنه قال: كنت مع سلمان بن ربيعة3 في بعث وإنه بعثني إلى عمر في حاجة له في الأشهر4 الحرم، فقال عمر: "أيصوم سلمان؟ "، فقلت: "نعم". فقال: "لا يصوم فإن التقوى له على الجهاد أفضل من الصوم"5. وعن عبيد بن أم كلاب6 أنه سمع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يخطب الناس يقول: "لا يعجبكم من الرجل طنطنته7، ولكن من أدى الأمانة، وكفّ عن أعراض الناس فهو الرجل"8. وعن يزيد بن حيان9 قال: "كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: ولا تعجبنكم طنطة الرجل بالليل - يعني صلاته - فإن الرجل كل الرجل من أدّى
الأمانة إلى من ائتمنه، ومن سلم الناس من لسانه ويده"1. وعن أبي قِلابة2: أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "لا تنظروا إلى صيام أحد ولا صلاته ولكن انظروا إلى صدق حديثه إذا حدث وإلى أمانته إذا ائتمن، وورعه إذا أشفى"3. وعن أبي صالح4 قال: قال عمر رضي الله عنه: "الراحة في ترك خلطاء السوء"5. وعن مسروق قال: "تذاكرنا عند عمر بن الخطّاب رضي الله عنه الحسب فقال: "حسب المرء دينه، وأصله عقله، ومروءته خلقه"6. وعن الحسن7 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "الكرم
التقوى، والحسب المال"1. وعن محمّد بن عاصم2 قال: "بلغني أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كان إذا رأى فتى فأعجبه، سأل عنه: هل له حرفة؟، فإن قيل: لا، سقط من عينه3. وعن إبراهيم بن أدهم4: أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "لؤم بالرجل أن يرفع يديه من الطعام قبل أصحابه"5. وعن المسور6 أن رجلاً أثنى على رجل عند عمر رضي الله عنه فقال له: "أصحبته في السفر؟ "، قال: "لا". قال: "فعاملته؟ "، قال: "لا"، قال: "فأنت القائل ما لا تعلم"7. وسمع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه رجلاً يثنى على رجل،
فقال: "أسافرت معه؟ "، قال: "لا"، قال: "أخالطته؟ "، قال: "لا". قال: "والله الذي لا إله إلا هو ما تعرفه"1. وعن عطاء2 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "لأن أموت بين شعبتي رَحْلٍ أسعى في الأرض أبتغي من فضل الله كفاف وجهي أحبّ إلي من أن أموت غازياً"3. وعن الحسن قال: كان عمر رضي الله عنه قاعداً ومعه الدّرة والناس حوله إذ أقبل الجارود4، فقال رجل: "هذا سيد ربيعة". فسمعها عمر ومن حوله، وسمعها الجارود فلما دنا منه خفقه بالدرّة فقال: "مالي ولك يا أمير المؤمنين، مالي ومالك؟ "، أما لقد سمعته؟ قال: "سمعتها فمه؟ "، قال: "خشيت أن يخالط قلبك منها شيء فأحببت أن أُطأطي منك"5. وعن ثابت البناني قال: "بلغنا أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: "من أحبّ أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده"6.
وعن عبيد بن كريز1، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه، فمن قال: إنه عالم فهوجاهل، ومن قال: إنه في الجنة، فهو في النار"2. وعن كعب بن علقمة3 فال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "ما أنعم الله على عبد إلا وجد له في الناس حاسداً، ولو أن امرأً أقوم من القدح لوجد له الناس من يغمز عليه، فمن حفظ لسانه ستر الله عورته"4. وعن سعيد بن المسيب قال: قال عمر رضي الله عنه: "الدعاء يحجب دون السماء حتى يصلي على محمّد، فإذا صلي على محمّد صعد الدعاء إلى الله"5.
وعن عمر رضي الله عنه: / [105 / أ] أنه كان يقول: "إياكم وكثرة الحمام، وكثرة إطلاء1 النورة، والتواطئ2 على الفراش، فإن عباد الله ليسوا من المتنعمين"3. وعن عكرمة قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "من كتم سرّه كانت الخيرة في يده، ومن عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن"4. وعن صفوان بن عمرو5 قال: "سمعت أيفع بن عبد6 يقول: "لما قدم خراج العراق على عمر رضي الله عنه خرج عمر ومولى له، فجعل عمر يعد الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، وجعل عمر يقول: "الحمد لله، وجعل مولاه يقول: يا أمير المؤمنين هذا والله من فضل الله ورحمته، فقال عمر:
"كذبت1 ليس هذا الذي يقول الله تعالى يقول: {قُلْ بِفَضْلِ الله وبِرَحْمَتِه فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] . يقول بالهدى والسنة والقرآن فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون، وهذا مما يجمعون"2. وعن محمّد بن سيرين: أن عمر رضي الله عنه كان إذا سمع صوت دفّ أنكر، فإن قالوا3: عرس أو ختان سكت"4. وعن أسامة بن زيد5 عن أبيه قال: "خرجنا مع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه للحج فسمع رجلاً يغني، فقيل: "يا أمير المؤمنين، إن هذا يغني وهومحرم، فقال عمر رضي الله عنه: "دعوه فإن الغناء6 زاد الراكب"7. وعن زيد بن أسلم قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "زوجوا أولادكم إذا بلغوا ولا تحملوا8 آثامهم"9.
وعن إبراهيم1 قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "يثغر الغلام لسبع سنين، ويحتلم لأربع عشرة سنة، وينتهي طوله لأحد وعشرين، وينتهي عقله إلى ثماني وعشرين سنة، ويكمل ابن أربعين سنة"2. وعن ليث3 قال: "قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له إذا جلس إليك، وتدعوه بأحب أسمائه، وكفى بالمرء من الغي أن يبدوا من أخيه ما يخفى عليه، من نفسه مما يأتي، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه"4. وفي الصحيح عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "مقاطع5 الحقوق عند الشروط"6. وروى أبو الحسن بن السكري في "فوائده" عن نافع عن ابن عمر أنه رأى سعد بن مالك وهو يمسح على الخفين، فقال: "إنكم لتفعلون ذلك"، فاجتمعوا عند عمر، فقال سعد لعمر: "أفت ابن أخي في المسح على الخفين"، فقال عمر: "كنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم نمسح على خفافنا فلا ترى بذلك بأساً"،
فقال ابن عمر: "وإن جاءه من الغائط؟ "، قال: "نعم"1. وفي "عوالي" أبي محمّد بن عبد الله بن محمّد بن حيان عن2 حفص بن عاصم، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "خذوا حظكم من العزلة"3. [و] 4 في "نسخة" إبراهيم بن طهمان5عن ابن المسيب: أنه حدّث أنّ عمر بن الخطّاب رفعت إليه امرأة تطلب ميراثها من دية زوجها، فقال عمر: "إنما الدية للعاقلة، فلا أعلم لك شيئاً"، فقال الضحاك ابن سفيان6: "أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليَّ أن أورث امرأة أَشْيَم الضبابي7 من دية زوجها فورثها عمر"8. / [106 / ب] 9.
وفي صحيح البخاري قال عمر: "تفقهوا قبل أن تُسوّدوا"1. وفيه: أن عمر توضأ بالحمَيم2، ومن بيت نصرانية3. وفيه: أن عمر قال: "إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور"4. وفيه: أن عمر أمر ببناء المسجد، وقال: "أكن الناس من المطر، وإياك، أن تُحمِّر أو تُصفِّر فتفتن الناس"5. وعن عبد الله بن عمر قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: "من ضفّر6 فليحلق ولا تشبهوا بالتلبيد"78. وفي مسند الإمام أحمد عن عليّ قال: "كان أبو بكر يخافت بصوته إذا قرأ، وكان عمر يجهر بقراءته، وكان عمار إذا قرأ يأخذ من هذه السورة وهذه، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال لأبي بكر: "لم تخافت؟ "، قال: "إني
لأسمع من أناجي"، وقال لعمر: "لم تجهر بقراءتك؟ "، قال: "أفزع الشيطان وأوقظ الوسنان". وقال لعمار: "لم تأخذ من هذه السورة وهذه السورة؟ "، قال: "أتسمعني أخلط به ما ليس منه؟ "، قال: "لا"، قال: "فكله طيب" 1. وفي الصحيح عن عمر أنه قال: "إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة، أو قال: في صلاتي"2. وفي مسند الإمام أحمد عن الحارث بن معاوية الكندي3: أنه ركب إلى عمر يسأله عن ثلاث خلال، قال: "فقدم المدينة فسأله عمر: "ما أقدمك؟ "، قال: لأسألك عن ثلاث خلالٍ، قال: "وما هن؟ "، قال: "ربما كنت أنا والمرأة في بناء ضيق فتحضر الصلاة فإن صليت أنا وهي كانت بحذائي، وإن صلت خلفي خرجت من البناء، فقال عمر: "تستُر بينك وبينها بثوب، ثم تصلي بحذائك إن شئت". وعن الركعتين بعد العصر؟ فقال: نهاني عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن القصص فإنهم أرادوني على القصص؟ فقال: "ما شئت"، كأنه كره أن يمنعه، قال: "إنما أردت أن أنتهي إلى قولك، قال: "أخشى عليك أن تقص فترتفع عليهم في نفسك، ثم تقص فترتفع حتى
يخيل إليك أنك فيهم بمنزلة الثريا فيضعك الله تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك"1. وفي مسند الرّوياني عن زيد بن خالد الجهني2: أنه رآه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه - وهو خليفة - ركع بعد العصر ركعتي، فمشى إليه فضربه بالدّرة وهو يصلي كما هو، فلما انصرف قال: "زدنا يا أمير المؤمنين فوالله لا أدعهما أبداً بعد إذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما، قال عمر: "يا زيد بن خالد، لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سلماً إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما"3. وفي مسند الإمام أحمد عن حكيم بن عمير4 وضمرة بن حبيب5 قالا: قال عمر بن الخطّاب: "من سرّه أن ينظر إلى هدي رسول الله فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود"67.
وفي الصحيح قال عمر: "نعم العِدلان1 ونعم العِلاوة2 / [106 / أ] 3 {الَّذِين إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلِيه رَاجِعُون أُولَئِكَ عَلَيْهِم صَلَوَاتٌ مِّنْ رَّبِّهِم وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} 4 [البقرة: 156-157] . وفيه أن عمر كان يقول: "لا يرث المؤمن الكافر"5. وعن أبي وائل قال: "جلست مع شيبة6 على الكرسي في الكعبة، فقال: "لقد جلس هذا المجلس عمر، فقال: "لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته". قلت: "إن صاحبيك لم يفعلا"، قال: "هما المرآن أقتدي بهما"7. وفيه: أن عمر قال لنشوانَ8 في رمضان: "ويلك، وصبياننا صيام،
فضربه"1. وفيه عن ابن عباس أنه قال: "بلغ عمر أن فلاناً باع خمراً، فقال: "قاتل الله فلاناً، ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها" 2. وعن أبي البختري3 قال: سألت ابن عمر عن السلم في النخل، فقال: "نهى عمر4 عن بيع الثمر حتى يصلح، ونهى عن الورق بالذهب نساءً بناجز"5. وفي الصحيح قال عمر: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له" 6. وفيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ق ال: "من أعمرَ أرضاً ليست لأحد فهو أحقّ"، قال عروة7: "قضى به عمر في خلافته"8. وفيه أن عمر قال: "اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا، اللهم
إني أسألك أن أنفقه في حقّه"1. وقال: "وجدنا خير عيشنا في الصبر"2. وروى ابن أبي الدنيا عن العلاء بن عبد الكريم3 قال: قال عمر بن الخطّاب: "تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم"4. وفي فوائد أبي سعيد. . . 5 عن الأسود6: أن عمر قدم مكّة حاجاً فصلى بالناس ركعتين، ثم قال: يا أهل مكّة أتموا الصلاة فإنا قوم سفر"7. وفي صحيح البخاري وقال عمر: "اللقيط حرّ"8. وفي مسند الأوزاعي عن مُعَيْقيب9 قال: "كنت أمشي مع عمر ابن الخطّاب رضي الله عنه فانقطع شسعه، فقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون"،
قلت: "يا أمير المؤمنين، أتعدها مصيبة؟ "، قال: "نعم. كلما أصابك مما تكره فلك فيه ما احتسبت"1. وفي الصحيح عن عمر: "تقادُ المرأة من الرجل في كلّ عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح"2. وفيه قال أبو جميلة3: "وجد منبوذاً، فلما رآني عمر قال: "عسى الغُوُير أبؤساً4، كأنه يتهمني"، قال عريفي: "إنه رجلٌ صالح". قال: "كذاك، اذهب وعلينا نفقته"5. وقوله: هذا مثل قديم يقال عند التهمة، والغوير: تصغير غار، وقيل: هو موضع. والمعنى في المثل: أنه ربما جاء الشرّ من معدن الخير6. وفيه عن ابن عمر: أن غلاماً قتل غِيلةً7، فقال عمر: "لو اشترك فيه، أو
قال: فيها أهل صنعاء لقتلتهم به"1. وقال مغيرة بن حكيم2 عن أبيه3، أن أربعة قتلوا صبيّاً، فقال عمر: مثله4. / [105 / ب] 5.
المجلد الثالث
المجلد الثالث الباب الثامن والستون: صدقاته ووقفه وعتقه ... الباب الثامن والستون: في ذكر صدقاته ووقفه وعتقه في الصحيح عن ابن عمر أن عمر تصدق بمالٍ له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقال له: ثمغ، وكان به نخل، فقال عمر: "يا رسول الله إني استفدت مالاً، وهو عندي نفيس، فأردت أن أتصدق به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تصدق بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره"، فتصدق به عمر، فصدقته ذلك في سبيل الله، وفي الرقاب والمساكين، والضيف وابن السبيل، ولذوي القربى، ولا جناح على من وليه يأكل منه بالمعروف، أو يؤكل صديقه غير متمول به"1. وفي رواية: أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه، كيف2 تأمرني به؟ "، قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها"، فتصدق عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، في الفقراء وذوي القربى3، والرقاب، وفي سبيل الله، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير مُتَمَوِّلٍ فيه"4. وفيه عن ابن عمر: أن عمر حمل على فرس له في سبيل الله، أعط اها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحمل عليها، فحمل عليها رجلاً، فأخبر عمر أنه قد وقفها يبيعها، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبتاعها، فقال: "لا تبتعها، ولا ترجعنّ في صدقتك" 1. وفيه رواية: حملت على فرس في سبيل الله، فابتاعه أو فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنه بائعه برخص، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تشتره وإن بدرهم، فإن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" 2. وفي رواية أن عمر حمل فرساً في سبيل الله، فوجده يباعُ، فأراد أن يبتاعه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك" 3. وذكر ابن الجوزي عن نافع قال: قال ابن عمر: "أصاب عمر رضي الله عنه أرضاً بخيبر فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني أصبت أرضاً بخيبر، والله ما أصبت مالاً قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني؟ قال: "إن شئت تصدقت بها وحبست أصلها"، فجعلها عمر صدقة لا تباع، ولا توهب، ولا تورث صدقة للفقراء، والمساكين، والغزاة في سبيل الله عزوجل والرقاب، وابن السبيل، [و] 4 الضيف5، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متمول منه، وأوصى بها إلى أم المؤمنين حفصة
- رضي الله عنها - ثم إلى الأكابر من آل عمر"1. وعن ابن عمر قال: "أصاب عمر رضي الله عنه أرضاً، بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره فيها، / [107 / أ] قال: "أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ "، قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها"، قال: فتصدق بها عمر أن لا تباع ولا توهب ولا تورث فتصدق بها في الفقراء والرقاب، وفي سبيل الله عزوجل وابن السبيل، والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً غير متأثل فيه مالاً"2. وعن الحسن3 قال: "أوصى عمر رضي الله عنه بأربعين ألفاً، يرونها يومئذٍ ربع ماله"4. وعن وسق الرومي، قال: "كنت مملوكاً لعمر بن الخطاب وكان يقول لي: "أسلم فإن أسلمت استعنت بك على أمانة المسلمين، فإنه لا ينبغي لي أن أستعين على أمانتهم من ليس منهم"، فأبيت، فقال: "لا إكراه في الدين"، فلما حضرته الوفاة أعتقني، وقال: "اذهب حيث شئت"5. وعن القاسم6 قال: "أوّل من استشهد من المسلمين يوم بدر
مِهجع1 مولى عمر رضي الله عنه"2. وعن ابن عمر قال: خرج عمر رضي الله عنه إلى حائط له فرجع وقد صلى الناس العصر، قال: "إنما خرجت إلى حائطي فرجعت وقد صلى الناس، حائطي صدقة على المساكين"3. وعن أبي مسلم: "أنه صلى مع عمر بن الخطّاب أو حدّثه من صلى معه المغرب، فمسى بها أو شغله بعض الأمر حتى طلع نجمان، فلما فرغ من صلاته أعتق رقبتين"4. وعن ابن عباس قال: "أنا أوّل من أتى عمر حين طعن، فقال: "احفظ عني ثلاثاً إني أخاف أن لا يدركني الناس، أما أنا فلم أقض في الكلالة قضاءً، ولم أستخلف، وكلّ مملوك لي عتيق"5. وفي سنن أبي داود عن يحيى، عن سعيد6، عن صدقة عمر بن الخطّاب، قال: "نسخها [لي] 7 عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب8:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كتب عبد الله بن عمر في ثَمْغَ، لا يباع أصلها ولا يوهب، ولا يورث، للفقراء، والقربى، والرقاب، [و] في سبيل الله، وابن السبيل، وفي رواية: والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متمول فيه، وفي رواية: غير متأثل مالاً1. فما عفا عنه من ثمره فهو للسائل والمحروم، قال: وإن شاء2 وليَ ثَمْغَ اشترى من ثمره رقيقاً لعمله، وكتب مُعيقيب، وشهد عبد الله بن الأرقم: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه إن حدث بي حدث، إن ثمغاً وصِرمَة ابن الأكوع والعبد الذي فيه، والمئة السهم التي بخيبر، ورقيقه الذي فيه / [107 / ب] والمئة التي أطعمه محمّد صلى الله عليه وسلم بالوادي، تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذوو الرأي من أهلها، لا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى في السائل والمحروم، وذوي القربى، ولا جناح على من وليه إن أكل أو آكل [أو] اشترى رقيقاً منه"3. فائدة ناظر الوقف إن كان محتاجاً فله أن يأكل بقدر عمله، وإن كان غير محتاج فلا يجوز له الأكل، إلا أن يجعل الواقف ذلك كله، فيكون له ما قال الواقف. والله أعلم.
الباب التاسع والستون: نبذ من مسائل إختارها
الباب التاسع والستون: نبذ من مسائل إختارها ... الباب التاسع الستون: في ذكر نبذ من مسائل اختارها له مسائل كثيرة اختارها، وأحكام مال إليها ونحن نذكر من اختياراته أربعين مسألة تبركاً بها رضي الله عنه: المسألة الأولى: اختار عمر رضي الله عنه أن جلد الميتة يطهر بالدباغ إذا كانت طاهرة في حال الحياة. وبه قال ابن مسعود، وجابر، وابن عباس، وعائشة، والحسن، وعطاء، والشعبي، وسعيد بن جبير، وقتادة، والنخعي، والليث، والثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة1، وسالم، ومالك في رواية عنهما، وهو قول يزيد ابن هارون2، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور3، وداود4، وإحدى الروايات عن أحمد. وهل يختص بالمأكول أو هو عام في المأكول وفي غيره؟ فقال جابر بن عبد الله، والحسن، والشعبي، والنخعي، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد في رواية: "لا يختص بالمأكول، بل هو عام في الطاهر المأكول وغيره".
وقال الأوزاعي، وابن المبارك، وإسحاق، وأبو ثور، وأحمد في رواية، ورواه أشهب عن مالك: "يختص بالمأكول". وقال ابن عمر، وعمران بن حصين، وعائشة، وطاووس، وسالم، ومالك في رواية، وهو المشهور عن أحمد، واختيار أكثر أصحابه: "لا يطهر جلد الميتة بالدباغ مطلقاً"1. المسألة الثانية: اختيار عمر رضي الله عنه كراهة الصلاة في جلود الثعالب. وهو قول عليّ، وسعيد بن جبير، والحكم2، ومكحول3، وإسحاق، وهو رواية عن أحمد، ولو قلنا بطهارته. وقال الحسن، والشعبي، وأصحاب الرأي: "لا بأس بالصلاة فيها". وهو رواية عن أحمد. وعنه رواية أخرى: لا تصح الصلاة فيها4. المسألة الثالثة: اختيار عمر رضي الله عنه لا يكره السواك للصائم بعد الزوال ولا يستحب.
وبه قال ابن سيرين، وعروة بن الزبير، والنخعي، ومالك، وأبو حنيفة، وروي عن عائشة، وابن عباس، وابن عمر، وهو إحدى الروايات عن أحمد. وقال عطاء، ومجاهد، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور: "يكره"، وهو رواية عن أحمد. وعنه رواية أخرى: يستحب1. المسألة الرابعة: اختيار عمر رضي الله عنه أن المسح على الخفين وما أشبهها موقت بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر. وهو قول عليّ، وابن مسعود، وابن عباس، وعمار، وحذيفة، والمغيرة، وأبي زيد الأنصاري2، واختلف فيه عن سعد / [108 / أ] بن أبي وقاص. وبالتوقيت قال عطاء، وشريح، وأبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، والأوزاعي، والحسن بن صالح3، والشافعي في أحد قوليه، وأحمد، وإسحاق، وداود. وقال مالك، والليث: "يباح أبداً". وهو رواية عن الحسن والأوزاعي4. المسألة الخامسة: اختيار عمر رضي الله عنه ابتداء مدة المسح من المسح
بعد الحدث. وهو قول الحسن بن صالح، والأوزاعي، وابن المنذر1، وأهل الظاهر، وإحدى الروايتين عن أحمد. والثانية عنه: من الحدث بعد اللبس، وبها قال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وإسحاق، وبعض أهل الظاهر2. المسألة السّادسة: أن وقت الجمعة إذا زالت الشمس، ذكره البخاري عنه. وهو قول عليّ، والنعمان بن بشير، وعمرو بن حريث3، 4. المسألة السّابعة: اختيار عمر رضي الله عنه أن مسّ الذكر ينقض الوضوء. وبه قال ابنه، وابن عباس، وأنس، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة،
وزيد بن خالد، والبراء1، وخالد بن عبد الله2، وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وجابر بن زيد، وعكرمة، ومحكول، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وأبان بن عثمان3، وعروة، ومحمّد بن سيرين، وأبو العالية4، والشعبي، وحميد الطويل5، والليث، الأوزاعي، والزهري، ومالك، والشافعي، وأحمد في إحدى الروايات، وإسحاق، وداود، وأبو ثور. وبعدم النقض قال عليّ، وابن مسعود، وعمار، وحذيفة، وأبو الدرداء، وعمران بن حصين، وسعد، وابن عباس، وأبو هريرة، والحسن، وابن المنذر، وهو رواية عن مجاهد، ومالك وأحمد6. المسألة الثّامنة: اختيار عمر رضي الله عنه أن التكبير في العيد من الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق. وبه قال عليّ، وابن عباس، وابن مسعود، والثوري، وابن عيينة،
وأبو يوسف1، ومحمّد2، وأبو ثور، والشافعي في قول، وهو مذهب أحمد. وقال علقمة3، والنخعي، وأبو حنيفة: "من غداة عرفة إلى عصر يوم النحر". وقال مالك والشافعي في المشهور عنه: "من الظهر يوم النحر إلى الصبح من آخر أيام التشريق"4. المسألة التّاسعة: اختيار أبي بكر وعمر المشي أمام الجنازة أفضل. وبه قال ابن عمر، وعثمان، وأبو هريرة، والحسن بن عليّ5، وابنالزبير، وأبو قتادة6، وأبو أُسَيْد7، وعُبيد بن عمير، وشريح، والقاسم بن محمّد، وسالم، والزهري، ومالك، والشافعي، وأحمد.
وخالفهم الأوزاعي، والحنفية1. المسألة العاشرة: اختياره وجوب الزكاة على الصبي والمجنون. وهو قول عليّ، وابن عمر، وعائشة، والحسن بن عليّ، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وعطاء، ومجاهد، وربيعة2، ومالك، والحسن بن صالح، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأحمد. وقال ابن عيينة، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور: "تجب في العشرى"3. وقال ابن مسعود، والثوري، والأوزاعي: "تجب الزكاة ولا تخرج حتى يبلغ ويفيق". وقال ابن مسعود: "ما يجب في ماله من الزكاة إذا بلغ أعمله إن شاء زكى، وإن شاء ترك". وبه قال إبراهيم4. وقال الحسن، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل، والنخعي5، وأبو حنيفة: "لا تجب الزكاة"6.
المسألة الحادية عشر: اختيار عمر رضي الله عنه القول بإثبات خيار الفسخ، وأن لكل واحد الخيار ما دام في المجلس. وهو قول ابنه، وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي برزة1، وسعيد بن المسيب، وشريح، والشعبي، وعطاء، وطاووس، والزهري، والأوزاعي، وابن أبي ذئب2، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور. وقال مالك، وأبو حنيفة: "لا خيار، ويلزم البيع بالإيجابوالقبول"3. / [108 / ب] . المسألة الثّانية عشر: اختياره لا يصح السلم في الحيوان. وبه قال ابن مسعود، وحذيفة، وسعيد بن جبير، والشعبي، والجوزجاني، والثوري، وأبو حنيفة، وأحمد في رواية. وقال ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، والحسن، والشعبي، ومجاهد، والثوري4، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وعطاء، والحكم: "يصح".
وهو ظاهر مذهب أحمد نص عليه في رواية الأثرم12. المسألة الثّالثة عشر: اختياره أنه إذا شرط أنه متى حل الحقّ ولم يوف فالرهن بالدين، فهو مبيع بالدين الذي عليك، فهو شرط فاسد. وهو قول شريح، والنخعي، ومالك، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأحمد نص عليه في رواية الأثرم، وقال الشيخ موفق الدين: "لم نعلم أحداً خالفهم"3. المسألة الرّابعة عشر: اختيار عمر إذا وجد الغريم عين ماله عند المفلس فهو أحق بها. وهو قول عليّ، وأبي هريرة، وعروة، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر. وقال الحسن، والنخعي، وابن شبرمة4، وأبو حنيفة: "هو أسوة الغرماء"5. المسألة الخامسة عشر: اختيار عمر أن الجارية لا يدفع إليها مالها بعد بلوغها حتى تتزوج أو تلد أو تمضي عليها سنة في بيت الزوج، وبه قال شريح،
والشعبي، وإسحاق، ورواية عن أحمد. المشهور من مذهبه: يدفع إليها مالها وإن لم تنكح إذا بلغت ورشدت، وبه قال عطاء، والثوري، وأبو ثور، وأبو حنيفة، والشافعي، وابن المنذر1. المسألة السّادسة عشر: اختيار عمر أن عين الدابة تضمن بربع قيمتها، وكتب به إلى شريح: "إنا كنا ننزلها بمنزلة الآدمي، إلا أنه أجمع رأيُنا أن قيمتها ربع الثمن". وقال أحمد في رواية أبي الحارث2. وعن أحمد رواية أخرى: يضمن بعض الدابة، وبه قال الشافعي3. المسألة السّابعة عشر: اختيار عمر أن الشفعة لا تكون إلا في المشاع غير المقسوم، فأما الجار فلا شفعة له. وبه قال عثمان، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والزهري، ويحيى الأنصاري، وأبو الزناد، وربيعة، والمغيرة بن عبد الرحمن4، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر.
خلافاً لابن شبرمة، والثوري، وابن أبي ليلى، وأصحاب الرأي1. المسألة الثّامنة عشر: اختياره تجوز المساقاة في جميع الشجر. وبه قال أبو بكر، وعثمان، وسعيد بن المسيب، وسالم، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمّد، وإسحاق، وأبو ثور. وقال داود: "لا تجوز إلا في النخل"2، 3. المسألة التّاسعة عشر: اختيار أبي بكر وعمر جواز استئجار الأجير بكسوته. وبه قال أبو موسى، ومالك، وإسحاق، وأحمد في الرواية. وعنه رواية أخرى: يجوز في الكبير دون غيره. وهو مذهب أبي حنيفة، واختاره الخرقي4 من أصحابنا. وعنه رواية ثالثة: لا يجوز بحال. وبه قال الشافعي، أبو يوسف، ومحمّد، وأبو ثور، وابن المنذر5.
المسألة العشرون: اختياره لا تلزم الهبة إلا بالقبض. قال أبو بكر المروذي1: "اتفّق أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، على أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة". وبه قال النخعي، والثوري، والحسن بن صالح، والشافعي2، وأصحاب الرأي، وأحمد في رواية3. المسألة الحادية والعشرون: اختياره من وهب لغير ذي رحم فله الرجوع ما لم يُثب عليها، ومن وهب لذي رحم فليس له الرجوع. وبه قال النخعي، والثوري، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وقال الشافعي، وأحمد، وأبو ثور: "ليس له الرجوع مطلقاً"4. المسألة الثّانية والعشرون: اختياره أن مدّة تعريف اللقطة سنة. وبه قال عليّ، وابن عباس، وابن المسيب، والشعبي، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأصحاب الرّأي5.
المسألة الثّالثة والعشرون: اختياره يجوز أخذ اليسير من اللقطة، والانتفاع به من غير تعريف. وبه قال عليّ، وابن عمر، وعائشة، وعطاء، وجابر بن زيد، وطاووس، والنخعي، ويحيى بن أبي كثير، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرّأي، وأحمد1. المسألة الرّابعة والعشرون: اختيار عمر أن اللقطة [109 / أ] إذا عرفها المدة المعتبرة، فلم يعرف مالكها، صارت كسائر أمواله غنياً كان أو فقيراًُ. وبه قال ابن مسعود، وعائشة، وعطاء، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وروي أيضاً عن عليّ، وابن عباس، والشعبي، والنخعي، وطاووس، وعكرمة. وقال مالك، والحسن بن صالح، والثوري، وأصحاب الرأي: "يتصدق بها، فإذا جاء صاحبها خيره بين الأجر والغرم"2. المسألة الخامسة والعشرون: اختيار عمر أن لقطة الحل والحرم سواء. وبه قال ابن عباس، وعائشة، وابن المسيب، ومالك، وأبو حنيفة، وأحمد في الرواية. والرواية الثانية: لا يجوز التقاط لقطة الحرم للتمليك، وإنما يجوز لحفظها،
لصاحبها فإن التقطها عرفها أبداً، وهو قول عبد الرحمن بن مهدي1، وأبي عبيد، والشافعي، كالمذهبين2. المسألة السّادسة والعشرون: اختياره يستحق ردّ الآبق الجعل برده، وإن لم يشرط له. وبه قال عليّ، وابن مسعود، وشريح، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، وأصحاب الرأي، وأحمد في رواية. والرواية الثانية عنه: لا يجب. وهو ظاهر قول الخرقي من أصحابه، وهو قول النخعي، والشافعي، وابن المنذر3. المسألة السّابعة والعشرون: اختياره أن اللقيط يقرّ بيد من وجده إن كان أميناً، وهو مذهب أحمد وغيره4. المسألة الثّامنة والعشرون: اختياره أن اللقيط إذا ادعاه اثنان فألحقته القافة بهما، لحق بهما وكان ابنهما يرثهما ميراث ابن، ويرثانه ميراث5 أب واحد. وبه قال عليّ، وأبو ثور، وأحمد. وقال أصحاب الرأي: "يُلحَق بهما بمجرد الدعوى".
وقال الشافعي: "لا يلحق بأكثر من واحد"1. المسألة التّاسعة والعشرون: اختياره: جواز الرجوع في الوصية، وقال: "يغير الرجل ما شاء من وصيته". وبه قال عطاء، وجابر بن زيد، والزهري، وقتادة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. وقال الشعبي، وابن سيرين، وابن شبرمة، والنخعي: "يغير منها ما شاء إلا العتق"2. المسألة الثّلاثون: اختيار عمر أن الكلالة3 اسم للميت الذي لا ولد له ولا والد. وبه قال عليّ، وابن مسعود4. وقيل: الكلالة: اسم للورثة ما عدا الوالدين، والمولودين، نص عليه أحمد5. وروي عن أبي بكر الصديق: الكلالة: ما عدا الوالد والولد6.
وقيل: الكلالة: قرابة الأم1. وممن ذهب إلى أنه يشترط في الكلالة عدم الوالد والولد: زيد، وابن عباس / [109 / ب] وجابر بن زيد، والحسن، وقتادة، والنخعي، وأهل المدينة، والبصرة، والكوفة2. ويروى عن عمر وابن عباس: أن الكلالة من لا والد له، والصحيح عنهما الأوّل3. المسألة الحادية والثّلاثون: اختياره أن الأخوات مع البنات عصبة لهن ما فضل. وبه قال عليّ، وزيد، وابن مسعود، ومعاذ، وعائشة، وإليه ذهب عامة الفقهاء إلا ابن عباس ومن تابعه4. المسألة الثّانية والثّلاثون: إذا كان زوج، وأم، وإخوة من أم، وإخوة من أب وأم. هذه المسألة اختلف العلماء فيها قديماً وحديثاً: فقال أحمد: "للزوج النصف، والأم السدس، والإخوة من الأم الثلث،
وسقط الإخوة من الأبوين". ويروى عن عليّ، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وأبي موسى، وبه قال الشافعي، والعنبري1، وشريك2، وأبو حنيفة، وأصحابه، ويحيى بن آدم3، ونعيم بن حماد4، وأبو ثور وابن المنذر. ويروى عن عمر، وعثمان، وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم -: أنهم شركوا بين ولد الأبوين وولد الأم في الثلث، فقسموه بينهم بالسوية للذكر مثل حظ الأنثيين. وبه قال مالك، والشافعي، وإسحاق. ويروى أن عمر كان أسقط ولد الأبوين فقال بعضهم: "يا أمير المؤمنين، هب أن أبانا كان حماراً أليست أمنا واحدة؟ "، فشرك بينهم. وهذه المسألة تسمى المُشَرَّكة5، وتسمَّى الحمارية لما تقدم. وقيل: سميت بذلك لأن رجلاً يسمى حماراً أفتى فيها، فأخطأ، فنسبت إليه. وقيل غير ذلك6.
المسألة الثّالثة والثّلاثون: اختيار عمر العول1 في المسائل. وبه قال عليّ، والعباس، وابن مسعود، وزيد، ومالك، وأهل المدينة، والثوري، وأهل العراق، والشافعي وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وإسحاق، ونعيم بن حماد، وأبو ثور، وسائر أهل العلم، إلا ابن عباس وطائفة شذت منهم: محمّد بن الحنفية، ومحمّد بن عليّ بن الحسن، وداود، وقالوا: "لا تعول المسائل". وروي عن ابن عباس أنه قال في زوج، وأخت، وأمٍّ: "من شاء باهلته أن المسائل لا تعول، إن الذي أحصى رمل عَالِج2 عدداً أعدل من أن يجعل في مال نصفاً [ونصفاً] 3 وثلثاً، وهذان النصفان ذهبا بالمال، فأين موضع الثلث؟ فسُمِّيَت مسألةالمباهلة، وهي أوّل مسألةٍ عائلةٍ حدثت في زمن عمر، فجمع الصحابة للمشورة فيها4. المسألة الرّابعة والثّلاثون: إذا لم يستكمل الوارث المال ردّ / [110 / أ]
الفاضل عليهم إلا الزوج والزوجة في قول عمر، وعليّ، وابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وابن سيرين، وشريح، وعطاء، ومجاهد، والثوري، وأبي حنيفة، أصحابه، والصحيح عن أحمد. خلافاً لزيد بن ثابت، ومالك، والأوزاعي، والشافعي1. المسألة الخامسة والثّلاثون: اختياره أن للجدات وإن كثرن السدس، وهو قول أبي بكر2. المسألة السّادسة والثّلاثون: اختياره أن الجدة ترث وابنها حيّ. وبه قال ابن مسعود، وأبو موسى، وعمران بن حصين، وأبو3 الطفيل، وشريح، والحسن، وابن سيرين، وجابر بن زيد، وإسحاق، وابن المنذر، وهو ظاهر مذهب أحمد. وقال زيد: "لا ترث". وروي عن عثمان، وعليّ، وبه قال مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وابن4 جابرٍ، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وهو رواية عن أحمد5. المسألة السّابعة والثّلاثون: اختيار عمر في أم وأخت وجد؛ للأخت
النصف، وللأم ثلث ما بقي، وما بقي للجد. وقال أبو بكر الصديق: "للأم الثلث، والباقي للجد". وقال زيد: "أصلها من ثلاثة، للأم الثلث، ويبقى سهمان بين الأخت والجد". وقال عليّ: "للأخت النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس". وقال ابن مسعود: "للأم السدس، والباقي للجد". وقال أيضاً: "للأخت النصف، والباقي بين الجد والأم نصفان، فتكون من أربعة". وقال عثمان: "المال بينهم أثلاثاً"1. وتسمى الخرقاء2، ومربعة ابن مسعود، ومثلثة عثمان، والمَسبَّعة، والمُسدَّسة"3. المسألة الثّامنة والثّلاثون: اختيار عمر إذا كان زوج وأبوان؛ أعطي الزوج النصف، والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب. وإذا كانت زوجة وأبوان؛ أعطيت الزوجة الربع، والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب. وهاتان المسألتان تسميان بالعمريتين؛ لأن عمر رضي الله عنه قضى فيهما بهذا، وتابعه عثمان، وزيد، وابن مسعود، وعليّ، والحسن، والثوري، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأحمد4.
المسألة التّاسعة والثّلاثون: اختياره توريث ذوي الأرحام إذا لم يكن ذو فرض ولا عصبة. وبه قال عليّ، وعبد الله، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وشريح، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، وطاووس، وعلقمة، ومسروق، وأهل الكوفة، وكان زيد لا يورثهم ويجعل الباقي لبيت المال. وبه قال مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وداود1. المسألة الأربعون: اختياره أن المكاتب عبد لا يرث ولا يورث وإن ملك قدر ما يؤدي. وبه قال زيد، وابن عمر، وعائشة، وأم سلمة، وعمر بن عبد العزيز، والشافعي، وأبو ثور، وابن المسيب، والزهري، وشريح، وأحمد في رواية. والثّانية: أنه إذا ملك ما يؤدي صار حراً يرث ويروث2.
الباب السبعون: كلامه في أصول الدين
الباب السبعون: كلامه في أصول الدين ... الباب السبعون: في كلامه في أصول الدين قال الإمام اللالكائي1: "سياق ما جاء في قوله الله عزوجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، وأن الله على عرشه في السماء، قال: وهو قول عمر، وابن مسعود، وأحمد بن حنبل". وذكر جماعة من العلماء2. وقال الإمام الدارمي3: "فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه: أبو بكر وعمر، وخيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بني إسرائيل قد خالفوا الجهمية"4. وعن أبي يزيد / [110 / ب] المدني5 قال: "لقيت امرأة عمرابن الخطّاب يقال لها: خولة بنت ثعلبة6، فقال عمر: "هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات"، رواه الدارمي في الردّ على المريسي7.
وفي لفظ: أن امرأة مرت بعمر فاستوقفته، فوقف يحدّثها، فقال له رجل: "يا أمير المؤمنين، حبست الناس على هذه العجوز؟ ". فقال: "ويلك، أتدري من هي؟ ". هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة التي أنزل الله فيها: {قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] ، ذكره الذهبي عن الدارمي1. وفي لفظ: أن عمر خرج ومعه الناس، فمر بعجوز فاستوقفته، فجعل يحدّثها وتحدّثه، فقال له رجل: "يا أمير المؤمنين، حبست الناس على هذه العجوز؟ ". فذكره وفيه: أن عمر قال: "فوالله لو أنها وقفت إلى الليل ما فارقتها إلا إلى الصلاة2 ثم أرجع إليها"3. وعن قتادة قال: "خرج عمر من المسجد ومعه الجارود العبدي، فإذا امرأة برزت على ظهر الطريق، فسلم عليها عمر بن الخطّاب فردّت السلام، وقالت: أيهاً عمر، عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ تذعر الصبيان بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سُمِّيت عمر، ولم تذهب الأيام
حتى سُمِّيت أمير المؤمنين، فاتَّقِ الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن1 خاف الموت خشي الفوت". فقال الجارود: "أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين"، فقال عمر: "دعها أما تعرف هذه؟ هذه هي خولة بنت ثعلبة التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات، فعمر أحقّ أن يسمع لها"2. وعن قيس3 قال: "لما قدم عمر الشام استقبل الناس وهو على بعيره، فقالوا: "يا أمير المؤمنين لو ركبت برذوناً يلقاك عظماء الناس، ووجوههم"، فقال عمر: "ألا أراكم ههنا والأمر من ههنا". وأشار بيده إلى السماء"4. وروى الدارمي عن عبد الرحمن بن غنْم، قال: قال عمر بن الخطّاب: "ويل لديان الأرض من ديان السماء يوم يلقونه"5. وأخرجه أبو نعيم6 ولفظه: "ويل لديان من في الأرض من ديان من في السماء يوم يلقونه، إلا من أمر بالعدل، وقضى بالحقّ، ولم يقض على هوى،
وقرابة، ولا على رغب ولا على رهب، وجعل كتاب الله مرآة بين عينيه"1. وروى الدارمي عن سالم بن عبد الله بن عمر: أن كعباً2 قال لعمر: "ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء، قال عمر: "إلا من حاسب نفسه". قال كعب: "إلا من حاسب نفسه، فكبر عمر، ثم خرّ ساجداً"3.
الباب الحادي والسبعون: من روى عنه
الباب الحادي والسبعون: من روى عنه ... الباب الحادي والسبعون: في ذكر من روى عنه قال الذهبي: "روى عنه أولاده: أم المؤمنين حفصة، وعبد الله، وعاصم، ومولاه أسلم، وعليّ، وعثمان، وابن عباس، والمسور بن مخرمة، وعدي بن حاتم، وعبد الرحمن بن عوف، وعلقمة بن وقاص، وعلقمة بن قيس، ومسروق، ومالك بن أوس بن الحدثان، وقيس بن أبي حازم، وأنس ابن مالك، والسائب بن يزيد، وسعيد بن المسيب، وسويد بن غفلة، وطارق بن شهاب، وعبيد بن عمير، وأبو الأسود الدِّيلي1، وأبو عبد الرحمن السلمي2، وأبو عثمان النهدي، وخلق كثير من الصحابة وكبار التابعين"3. وقال شراح العمدة: "روى عن عمر بن الخطّاب أبو بكر وباقي العشرة، وابنه عبد الله، وأبو هريرة، وابن عباس، وابن الزبير، وأنس بن مالك، وعلقمة بن4 وقاص الليثي، ومالك بن أوس بن الحدثان، وغيرهم من الصحابة والتابعين"5.
الباب الثاني والسبعون: مقالة من فضله على أبي بكر وردها
الباب الثاني والسبعون: مقالة من فضله على أبي بكر وردها ... الباب الثاني والسبعون: في ذكر مقالة مَن فضَّله على أبي بكر وردّها قال مَعْمَر بن راشد: "لو قال رجل عمر أفضل من أبي بكر ما عنَّفتُه". قال عبد الرزاق1: "فذكرت ذلك لوكيع2 فأعجبه"3. وفي الصحيح عن زيد بن أسلم حدّثه عن أبيه قال: "سألني ابن عمر عن بعض شأنه - يعني: عمر - فأخبرته، فقال: "ما رأيت أحداً قطّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض كان أجدّ وأجودَ4 حتى انتهى من عمر ابن الخطّاب"56. قالوا: "وقد اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره من القوّة في أمر [الله] 7 والسداد، والحرص على الخير، والخروج من المظالم، والعفاف، والقيام بأمور الناس، ونحو ذلك رضي الله عنه". فصل: في ردّ ذلك قال ابن عبد البرّ: "يدلّ على أنّ أبا بكر أفضل من عمر سبقه
إلى الإسلام"1. ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رأيت في المنام أني وزنت بأمتي فرجحت، ثم وزن أبو بكر فرجح، ثم وزن عمر فرجح" 2. وقد قال عمر: "ما سابقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقني إليه"3. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر: "كُنَّا في زَمَن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدِلُ بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم"4. وفي رواية: "كنا نُخير بين الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَنُخيِّرُ أبا بكر، ثم عمر بن الخطّاب، ثم عثمان بن عفان - رضي الله عنهم -"5. وروى أبو الحسن بن السكري في "فوائده"، عن سعيد بن المسيب أن عم ر قال: "ما سابقت أبا بكر إلى خير قطّ إلا سبقني إليه"6. وفي (عوالي) أبي محمّد عبد الله بن محمّد بن حيان7 عن عبد خير قال:
سمعت عليّاً وهو يقول: "ألا أنبئكم بأفضل هذه الأمة بعد نبيّها صلى الله عليه وسلم؟ أبو بكر، ثم عمر، وإن شئت أن أسمي الثالث لفعلت"1. وهو في (عوالي) أبي الشيخ2 بلفظه عن عبد خير. وهو في مسند الإمام أحمد: "خير هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر، ثم عمر"3. وفي رواية: "ثم أحدثنا بعدهما أحداثاً يقضي الله فيها"4. وفي رواية: "ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيّها: أبو بكر، ثم خيرها بعد أبي بكر عمر: ثم يجعل الله الخير حيث أحبّ"5.
الباب الثالث والسبعون: قوله عليه السلام: "كان فيمن كان قبلكم محدثون، وإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر"
الباب الثالث والسبعون: قوله عليه السّلام: "كان فيمن كان قبلكم مُحَدَّثُون، وإن يكن في أمتي منهم أحدٌ فَعُمَرُ" ... الباب الثالث والسبعون: في قوله عليه السّلام: "كان فيمن كان قبلك مُحَدَّثُون، وإن يكن في أمتي منهم أحدٌ فَعُمَرُ" 1. روى أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد2 عن أبيه عن أبي سلمة3 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان قبلكم في الأمم محدثون فإن يكن في هذه الأمة أحد فعمر بن الخطّاب" 4. ورواه الترمذي عن عائشة قالت: قال رسول الله / [111 / ب] صلى الله عليه وسلم: "قد كان يكون في الأمم مُحدَثون، فإن يكن في أمتي أحدٌ فعمر بن الخطاب". وقال: "حديث حسن صحيح"56. قال: وحدّثني بعض أصحاب سفيان قال: قال سفيان بن عيينة: "محدثون؛ يعين: مُفَهَّمُون"7. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد
كان فيما قبلكم من الأمم ناسٌ مُحدَّثون، فإن يكن في أمتي أحدٌ فإنه عمر" 1. ورواه من طريق آخر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجالٌ يُكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في2 أمتي منهم أحدٌ فعمر" 3. قال ابن عباس: "من نبيٍ ولا محدَّث"4. ورواه مسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "قد كان يكون في الأمم قبلكم مُحدَّثون. فإن يكن في أمتي منهم أحدٌ فإن عمر بن الخطّاب منهم". وقال: قال ابن وهب: "تفسير مُحدَّثون: ملهمون"56. وذكره أبو القاسم الأصفهاني في (سيرة السلف) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد كان في الأمم محدَّثون فإن يك في أمتي أحدٌ منهم فعمر بن الخطاب رضي الله عنه" 7. وقال: وفي رواية أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن في أمتي منهم
أحدٌ فعمر" 1. وقد أحدث عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم أشياء ذكرناها في غير هذا الموضع منها: زيادة الحدّ، وإمضاء الطلاق الثلاث، وجمع الناس في التراويح على إمام واحد، وعدم القطع في عام المجاعة. وغير ذلك2. وقد استدلّ بعض العلماء بقول عمر بذلك بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه يلهم شيئاً، فدلّ على قبول ذلك منه. والله أعلم. وفي الصحيح عن عمران بن حصين قال: "أنزلت آية المتعة3 في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات. قال رجل: برأيه ما شاء"4. وعلى هامش الصحيح قال محمّد5: "يقال: إنه عمر بن الخطّاب"6. / [112 / أ] .
الباب الرابع والسبعون: قوله عليه السلام: "ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر"
الباب الرابع والسبعون: قوله عليه السّلام: "ما طلعت الشّمس على رجل خير من عمر" ... الباب الرابع والسبعون: في قوله عليه السّلام: "ما طلعت الشّمس على رجل خير من عمر" عن جابر بن عبد الله قال: قال عمر لأبي بكر: "يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: "أما إنك إن قلتَ ذلك، فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما طلعت الشّمس على رجل خير من عمر". وقال: "حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بذاك"1. وهذا الحديث ليس على ظاهره، فإنه يوجب أن يكون أفضل من أبي بكر، ومن الأنبياء. فإن قال قائل: "هذا يدل على أنه أفضل من أبي بكر، والمراد ما طلعت على أحد من هذه الأمة، فخرج الأنبياء".
قيل: "هذا الحديث يحمل على غير أبي بكر، وغير الأنبياء، جمعاً بينه وبين سائر الأحاديث الواردة، فإن جميع الأحاديث الصحيحة التي هي أصح من هذا الحديث قد وردت أن أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ويحتمل أن يكون ذلك الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم ورد في حقّ جماعة رأى معهم عمر عند طلوع الشمس، فقال: "ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر". وأبو بكر الصديق رضي الله عنه لم يكن فيهم. والله أعلم.
الباب الخامس والسبعون: قوله عليه السلام: "لو كان بعدي نبي لكان عمر"
الباب الخامس والسبعون: قوله عليه السلام: "لو كان بعدي نبيّ لكان عمر" ... الباب الخامس والسبعون: في قوله عليه السلام: "لو كان بعدي نبيّ لكان عمر". روى الترمذي عن عقبة بن عامر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطّاب". وقال: "حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مشرح بن هاعان"12. وذكر ابن الجوزي عن عقبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطّاب" 3. وروى الرُّوياني في مسنده ثنا [أبو] عبد الله العسقلاني4، ثناعبد الله بن يزيد المقرئ5، ثنا حيوة بن شريح6، عن بكر بن عمرو المعافري7، عن مِشْرَح بن
هاعان قال: سمعت عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص"، يقول: / [112 / ب] لو كان بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطّاب". كذا ذكره"1. فصل هذا من جملة الأدلة على أنه لا نبيّ بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم وكذا قوله لعلي: "أنت منِّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي" 2. ومما يدل عليه قوله عزوجل: {وَلَكِن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] . وقد ادّعى النّبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الكفرة، والفجرة، كمسيلمة الكذاب، وسجاح وغيرهما3. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون
دجّالون1 كذابون، كلّهم يزعم أنه رسول الله" 2. فمن ادّعى النّبوة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا يتابع، ولا يصدق، وقد كفر بأشياء منها: أنه كذّب الله ورسوله، فإن الله أخبر أنه خاتم النّبيّين، وهو قال: "لا نبيّ بعدي".
الباب السادس والسبعون: طلبه الشهادة وحبه لها
الباب السادس والسبعون: طلبه الشهادة وحبه لها ... الباب السادس والسبعون: في طلبه الشّهادة وحبّه لها في الصحيح عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: "اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك"1. وقال ابن زُرَيع2 عن روح بن القاسم3 عن زيد بن أسلم عن أمِّه4 عن حفصة بنت عمر قالت5: سمعت نحوه6. وقال هشام7 عن زيد عن أبيه عن حفصة: سمعت عمر رضي الله عنه8. وذكر ابن الجوزي عن حفصة سمعت عمر رضي الله عنه يقول: "اللهم قتلاً في سبيلك ووفاة في بلد نبيّك". قلت: "وأنى يكون ذلك؟ " قال: "يأتي به الله إذا شاء"9.
وعن [أبي] 1 صالح2 قال كعب - وهو كعب الأحبار - رحمه الله: "أجدك في التوراة كذا وكذا، وأجدك تقتل شهيداً"، فقال عمر: "وأنى الشهادة وأنا في جزيرة العرب"3. وعن أبي صالح4 قال كعب لعمر بن الخطاب: "إنا نجدك شهيداً، وإنا نجدك إماماً عادلاً، ونجدك لا تخاف في الله لومة لائم"، قال: هذا لا أخاف في الله لومة لائم، فأنى لي بالشهادة؟ "5. وروى أبو القاسم الأصفهاني عن حفصة أنها سمعت أباها يقول: "اللهم ارزقني قتلاً في سبيلك، ووفاة في بلد نبيّك". قالت: قلت: "وأنى يكون ذلك؟ "، قال: "إن الله يأتي بأمره أنى شاء"6. وتمنى الشهادة مستحب، وهو مخالف لتمنى الموت. فإن قيل: ما الفرق يبنهما؟ قيل: تمني الموت، طلب تعجيل الموت قبل وقته، ولا يزد الإنسان عُمْرُهُ إلا خيراً. وتمني الشهادة هو أن يطلب أن يموت عند انتهاء أجله شهيداً، فليس فيه طلب تقديم الموت عن وقته، وإنما فيه طلب فضيلة فيه. وقد بوّب البخاري على تمني الشهادة فقال: "باب ما جاء في التمني، ومن
تمنى الشهادة"1. ثم ذكر حديث أبي هريرة سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً يكرهون أن يتخلفوا بعدي، فلا أجد ما أحمِلهم، ما تخلفت، ولوددت أني أُقْتَلُ في سبيل الله، ثم أُحْيَا، ثم أُقْتَل، ثم أُحْيَا، ثم أُقْتَل، ثم أُحْيَا، ثم أُقْتَل" 2. / [113 / أ] .
الباب السابع والسبعون: طلبه الموت خوفا من عجزه عن الرعية
الباب السابع والسبعون: طلبه الموت خوفا من عجزه عن الرعية ... الباب السابع والسبعون: في طلبه الموت خوفاً من عجزه عن الرّعية ذكر ابن الجوزي عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطّاب كوَّم كَوْمَةً من بطحاء1 وألقى عليها طرف ثوبه، ثم استلقى عليها، ورفع يديه إلى السماء، ثم قال: "اللهم كبرت سنِّي2، وضعفت قُوّتي، وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيّع ولا مفرّط"3. وفي وراية: "فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات"4. وعن سعيد بن المسيب: أن عمر رضي الله عنه لما أفاض من منى أناخ بالأبطح5 ثم كوّم كومَةً من بطحاء، فألقى عليها طرق ردائه، ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء، كما تقدم، فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات6. وعن سعيد بن المسيب: أن عمر رضي الله عنه لما أفاض من منى، ثم ذكر الحديث كما تقدم، وزاد: "فلما قدم المدينة خطب الناس، فقال: "أيها الناس قد
فرضت لكم الفرائض، وسننت لكم السنن، وتركتكم على الواضحة، ثم صفق بيمينه على شماله، إلا أن تضلوا بالناس يميناً وشمالاً، ثم إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، وأن يقول قائل: لا نجد حَدّين في كتاب الله، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ورجمنا بعده، فوالله لولا أن يقول الناس أحدث في كتاب الله لكتبتُها في المصحف، فقد قرأناها: (والشيخ والشيخة [إذا زنيا] 1 فارجموهما) ، قال سعيد: "فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن"2. وعن كعب3 قال: "كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر، وإذا ذكرنا عمر ذكرناه، وكان إلى جنبه نبيّ يوحى إليه، فأوحى الله تعالى إلى النبيّ أن يقول له: اعهد عهدك، واكتب وصيتك، فإنّك ميتٌ إلى ثلاثة أيام، فأخبره النبي بذلك، فلما كان اليوم الثالث وقع بين الجَدِر والسرير، ثم جأر4 إلى ربّه وقال: "اللهم إن كنت تعلم أني كنت أعدل في الحكم، وإذا اختلفت الأمور اتبعت هداك، وكنتُ، وكنت، فزدني في عمري، حتى يكبر طفلي وتربوَ أمتي". فأوحى الله إلى النبيّ أن قد قال كذا وكذا، وقد صدق، وقد زدته في عمره خمس عشرة سنة، وفي ذلك ما يكبر طفله وتربو أمته فلما طعن عمر رضي الله عنه قال كعب: لئن سأل الله عمر ليبقينه ربّه، فأخبر بذلك عمر فقال: "اللهم اقبضني إليك غير عاجز / [113 / ب] ولا ملومٍ"5.
وعن ابن أبي مليكة1 قال: "لما طعن عمر، جاء كعب، وجعل يبكي بالباب، ويقول: "والله لو أن أمير المؤمنين يقسم على الله أن يؤخره لأخره". فدخل ابن عباس عليه فقال: "يا أمير المؤمنين، هذا كعب، يقول كذا وكذا"، قال: "إذاً والله لا أسأله، ثم قال: ويل لي ولأمي إن لم يغفر الله لي"2. وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن سعيد بن المسيب: أن عمر رضي الله عنه لما نفر من منى أناخ بالأبطح فكوم كومة من بطحاء، فألقى عليها طرف ثوبه، ثم استلقى عليها، ورفع يديه إلى السماء، فقال: "اللهم كَبُرت سني، وضعفت قُوّتي، وانتشرت رعيّتي، فاقبضني غير مضيِّع، ولا مفرّط، ثم قدم المدينة، فخطب الناس فقال: "يا أيها الناس، فُرضت لكم الفرائض، وسُنَّت3 لكم السنن وتُركتم على الواضحة، ألا4 لا تضلوا بالناس يميناً وشمالاً، فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات"5. فصل يكره تمني الموت، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت [لضر] 6 نزل
به، إما محسنٌ1 فلعله يزداد، وإمّا مسيءٌ2 فلعله يستَعتب" 3، 4. وفي حديث آخر: "فإن كان لا بدّ سائل، فليقل: "اللهم أحينِي إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي" 5. وفي الصحيح عن أنس أنه قال: "لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تتمنوا الموت"، لتمنيتُ"6. وعن قيس7 قال: "أتينا خبّاب بن الأرت نعوده، وقد اكتوى سبعاً، فقال: "لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعوَ بالموت لَدَعَوْتُ به"8. فإن قيل: فإذا كان هكذا، فمال عمر رض ي الله عنه تمنى الموت؟ قيل: / [114 / أ] الجواب عن ذلك: أن غير عمر يرجو أن لا يزيده عُمْره إلا خيراً من زيادة العمل ونحو ذلك، وأما عمر فخاف أن يضعف عن أمر المسلمين، ولا يقدر على القيام بمصالحهم فظنّ التقصير في العمل ببقائه،
فلهذا تمنى1 ذلك. ولأن عمر كان لا يعد عمله إلا الذي قد عمله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يتمنى أن يخلص له عمله الذي عمله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويذهب ما عمله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك قد2 كان في حال قوّته على العبادة واجتهاده، فلما حصل له الكبر والضعف خاف من التقصير. والله أعلم. / [114 / ب]
الباب الثامن والسبعون: نعي الجن له
الباب الثامن والسبعون: نعي الجن له ... الباب الثامن والسبعون: في ذكر نعي الجن له ذكر ابن الجوزي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "لما كانت آخر حجة حجها عمر بأمهات المؤمنين، قالت أصدرنا عن عرفة مررت بالمحصّب1 سمعت رجلاً على راحلة يقول: أين كان عمر أمير المؤمنين فسمعت رجلاً آخر يقول: ههنا قال ثم أناخ راحلته، ثم رفع عقيرته فقال: عليك السلام2 من إمام وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يُسبق قضيتَ أموراً ثم غادرتَ بعدها ... بوائقَ3 في أكمامها لم تفتق4 فلم يدر ذلك الراكب من هو، فكنا نتحدث أنه من الجن، فقدم عمر رضي الله عنه من تلك الحجة، فطعن، فمات، رضي الله عنه"5.
وعن خيرة بنت دجاجة1 قالت: حدّثتنا عائشة - رضي الله عنها - قالت: "إني أسير بين مكّة والمدينة في ليلة، في سحر ليلة مقمرة، إذا أنا بهاتف يهتف ويقول: ليبك على الإسلام من كان باكياً ... فقد حدثوا2 هلكى وما قدم العهد وقد ولت الدنيا وأدبر خيرها ... وقد مَلَّها من كان يوقن بالوعدِ فقلت: انظروا من هذا؟ فنظروا فلم يروا أحداً، فوالله ما أتت على ذلك إلا أيام حتى قتل عمر رضي الله عنه"3. وعنها - رضي الله عنها - قال: "إنا لوقوف عند عمر رضي الله عنه بالمحصّب إذ أقبل راكب حتى إذا كان قدر ما يُسمعنا صوته، هتف ثم قال: أبعد قتيل بالمدينة أشرقت4 ... له الأرض واهتز العِضاهَ5 بأسؤقِ جزى الله خيراً من إمام وباركت ... يدُ الله في ذاك الأديم الممزقِ قضيت أموراً ثم غادرتَ بعدها ... بوائج في أكمامها لم تُفتق
وكنت تشوب1 العدل بالبر والتقى ... وحلم2 صليب الدين غير مزوق أمين النبيّ حبه3 وصفيه ... كساه المليك جبةً لم تمزقِ من الدين والإسلام والعدل والتقى ... وبابك عن4 كل الفواحش مغلق ترى الفقراء حوله من5 مفازة ... شباعاً رواء ليلهم لم يورقِ قالت: ثم انصرفت فلم نر شيئاً، فقال الناس: "هذا مزرد"6 فلما ولي ابن عفان رضي الله عنه لقي مزرد فقال: "أنت صاحب الأبيات؟ "، قال: "لا، والله ما قلتهن". قالت: "فيروا أن بعض الجنّ رثاه"7. وذكر أبو القاسم الأصفهاني: عن عائشة - رضي الله عنها - بكت الجنّ على عمر قبل / [115 / ب] 8 أن يقتل بثلاث. جزى الله خيراً من أمير وباركت ... يدُ الله في ذاك الأديم الممزقِ فمن يسع أو يركب جناحي نعامةٍ ... ليدرك ماقدمت9 بالأمس يُسبق10
وفي رواية: لما طعن عمر رضي الله عنه سمعوا: عليك سلام1 من أمير وباركت ... يدُ الله في ذاك الأديم الممزَّق قضيت أموراً ثم غادرت بعدها ... بوائج في أكمامها لم تُفتق فمن يسع أو يركب جناحي نعامةٍ ... ليدرك ماقدمتَ في الخير2يُسبق3 فجميع ما نعاه الجنّ هنا كان قبل موته رضي الله عنه. فإن قيل: قد أخبر الله عزوجل عن الجنّ أنهم لا يعلمون الغيب4، فكيف علموا بذلك؟ قيل: علموا بذلك من استراق السمع5، فإنهم يسرقون السمع من السماء، وما تكلم به الملائكة استرقوه بأسماعهم، فيمكن أن يكونوا علموا ذلك من هذا الوجه.
الباب التاسع والسبعون: مقتله
الباب التاسع والسبعون: مقتله ... الباب التاسع والسبعون: في ذكر مقتله روى البخاري عن عمرو بن ميمون، قال: "رأيت عمر بن الخطّاب قبل أن يصاب بأيام بالمدينة، وقف على حذيفة بن اليمان، وعثمان بن حنيف، قال: "كيف فعلتما، أتخافان أن تكونا قد حمَّلتما الأرض1 ما لا تطيق؟ ". قالا: "حمّلناها أمراً هي له مطيقة، ما فيها كبير فضلٍ". قال: "انظُر أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق"، قالا: "لا". فقال عمر: "لئن سلّمني الله لأدعن أرَامَل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبداً". قال: فما أتت عليه إلا رابعة2 حتى أصيب. قال: إني لقائمٌ ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيبَ، وكان إذا مرّ بين الصّفين قال: استووا، حتى إذا لم يرَ فيهم خللاً تقدّم، فكبّر وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الرّكعة الأولى حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبّر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب، حين طعنه، فطار العلجُ3 بسكين ذات طرفين، لا يمرّ على أحدٍ يميناً ولا شمالاً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعة، أو قال تسعة4، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين5 طرح عليه برنساً6، فلما ظن العلج أنه مأخوذٌ نحرَ نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدّمه،
فمن يلي عمر فقد رأى الذي رأى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون1، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله سبحان [الله] 2، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال: "يا ابن عباس انظر من قتلني"، فجال ساعةً ثم جاء، فقال: "غلام المغيرة"3، فقال: "الصَّنَعُ، أو قال الصانع؟ "، قال: "نعم"، قال: "قاتله الله لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل منيتي4 بيد رجل يدعي الإسلام. قد كنتَ أنت وأبوك تحبان أن تكثرَ العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً. فقال: "إن شئت / [116 / أ] فعلتُ، أي: إن شئت قتلنا؟ ". فقال: "كذبت5، بعدما تكلموا بلسانكم، وصلوا6 قبلتكم، وحجّوا حجكم". فاحتمل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تُصبهم مصيبةٌ قبل يومئذٍ، فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه، فأتي بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه فخرج [من جرحه] 7 فعرفوا8 أنه ميت، فدخلنا عليه، وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه، وجاء رجلٌ شابٌ فقال: "ابشر يا أمير المؤمنين، ببُشرى الله لك، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمٍ في الإسلام ما قد
علمتَ، ثم ولِيت فعدلت، ثم شهادة". قال: "وددت أن ذلك كفافٌ لا عليَّ ولا لي". فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض، قال: "ردّوا عليّ الغلام، قال: يا ابن أخي! ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك، يا عبد الله بن عمر، انظر ما عليّ من الدَّين، "فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه1، قال: إن وفَّى له مال آل عمر فأدّه من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب، فإن لم تفِ أموالهم فسل في قريش، ولا تعدُهم إلى غيرهم، فأدّ عني هذا المال، وانطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمر السّلام ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه". فسلم، واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال: "يقرأ عليك عمر بن الخطّاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه"، فقالت: "كنت أريده لنفسي، ولأوثرنه اليوم، أو قالت: ولأوثرنه اليوم على نفسي". فلما أقبل قيل: "هذا عبد الله بن عمر قد جاء". قال: "ارفعوني"، فأسنده رجل إليه، فقال: "ما لديك؟ "، قال: "الذي تحبّ يا أمير المؤمنين، أذنتْ". قال: "الحمد لله، ما كان من شيء أهمّ إليّ من ذلك، فإذا أنا قبضت2 فاحملوني، ثم سلّم، فقل: يستأذن عمر بن الخطّاب فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني فردّوني إلى مقابر المسلمين". وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها، فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه، فمكثت3 عنده ساعة، واستأذن الرجال، فولجت داخلاً لهم، فسمعنا
بكاءها من الدّاخل، فقالوا: "أوصِ يا أمير المؤمنين استخلف". قال: "ما أجد أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر الرهط الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ"، فسمّى عليّاً، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية - فإن أصابت الإمارة سعداً1 فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمّرَ، فإني لم أعز له من عجز ولا خيانة". قال: "أوصي الخليفة من بعدي، بالمهاجرين الأوّلين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً: {الَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ والإِيمَانَ مِن قَبْلِهِم} [الحشر: 9] ، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردْء2 الإسلام، وجباة المال، وغيظ العدوّ، وأن لا يؤخذ منه إلا فضلهم عن رضاهم، وأوصيه بالأعراب خيراً، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي أمالهم، ويردّ على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله، وذمة رسوله أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يُكلفوا إلا طاقتهم". فلما قبض خرجنا به، أو قال: معه، فانطلقنا نمشي، فسلّم عبد الله ابن عمر، قال: "يستأذن عمر بن الخطّاب"، قالت: "أدخلوه". فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه، فلما فُرِغَ من دفنه، اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن: "اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم"، قال الزبير: "قد جعلت أمري إلى عليّ"،
فقال طلحة: "قد جعلت أمري إلى عثمان"، وقال سعد: "قد جعلت / [116 / ب] أمري إلى عبد الرحمن بن عوف"، فقال عبد الرحمن: "أيكما تبرّأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرنَّ أفضلهم في نفسه؟ "، فأُسْكِتَ الشيخان، فقال عبد الرحمن: "أفتجعلونه1 إليّ والله عليّ أن لا آلو2 عن أفضلكم؟ "، قالا: "نعم". فأخذ بيد أحدهما فقال: "لك قرابةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرتُ عثمان لتسمعنّ ولتطيعن"، ثم خلا بالآخر، فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: "ارفع يديك يا عثمان"، فبايعه، وبايع له عليّ وولج أهل الدار فبايعوه"3. وذكر ابن الجوزي عن معدان بن طلحة اليَعْمَري4: أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قام على المنبر يوم الجمعة، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أبا بكر رضي الله عنه، ثم قال: "رأيت رؤياً لا أرها إلا بحضور أجلي، رأيت كأن ديكاً نقرني نقرتين، فقصصتها على أسماء بنت عميس، ققال: "يقلتك رجل من العجم". قال: وإن الناس يأمرونني5 أن أستخلف، وإن الله عزوجل لم يكن ليضيع دينه وخلافته، التي بعث بها نبيّه صلى الله عليه وسلم وإن تعجل6 في أمرٌ، فإن الشورى في هؤلاء الستة الذين مات نبيّ الله، وهو عنهم
راضٍ، فمن بايعتم له فاسمعوا وأطيعوا، وإني أعلم أن أناساً1 سيطعنون في [هذا] 2 الأمر3 أنا قاتلتهم بيدي هذه على الإسلام، أولئك أعداء الله، الضّلال الكفار، وإني أشهد الله على أمراء الأمصار أني إنما بايعتهم ليعلموا الناس دينهم، ويبينوا لهم سنة نبيّهم صلى الله عليه وسلم، [و] 4 يرفعوا إلي ما غُميّ5 عليهم". قال: فخطب الناس، وأصيب يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة6. وعن ابن شهاب: قال: "كان عمر رضي الله عنه لا يأذن لسبي7 قد احتلم في دخول المدينة، حتى كتب المغيرة بن شعبة، وهو على الكوفة يذكر له غلاماً عنده صانعاً، ويستأذنه8 أن يدخله المدينة، ويقول: إن عنده أعمالاً كثيرة فيها نفع للناس، وإنه حدادٌ نقاشٌ نجارٌ، فأذن له أن يرسله إلى المدينة، وضرب عليه المغيرة مئة درهم كل شهر، فجاء إلى عمر يشتكي شدة9 الخراج، فقال له عمر: "ماذا تحسن من العمل؟ "، فذكر له الأعمال التي يحسن، فقال له عمر: "ما خراجك كثير في كُنه عملك". فانصرف ساخطاً يتذمر، فلبث عمر ليالي، ثم إن العبد مرّ به فدعاه، فقال: "ألم أُحدَّث عنك أنك
تقول: لو أشاء1 لصنعت رحى تطحن بالريح؟ ". فالتفت العبد ساخطاً عابساً إلى عمر، ومع عمر رهط، فقال: "لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها"، فلما ولي العبد أقبل عمر على الرهط الذين معه فقال لهم: "أوعدني العبد آنفاً"، فلبث ليالي، ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه [في] 2 وسطه، فمكن في زاوية من زوايا المسجد في غلس السّحر، فلم يزل هنالك حتى خرج عمر يوقظ الناس3 للصلاة - صلاة الفجر - وكان عمر يفعل ذلك، فلما دنا منه عمر وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات، إحداهن تحت السرة قد خرقت الصّفّاقين4، وهي التي قتلته، ثم انحاز أيضاً على أهل المسجد فطعن من يليه، حتى طعن سوى عمر أحد عشر رجلاً، ثم انتحر بخنجره. فقال عمر حين أدركه النزف: "قولوا لعبد الرحمن بن عوف فليصل بالناس". / [117/ أ] ثم غلب عمر النزف حتى غشي عليه. قال ابن عباس: "فاحتملت عمر في رهط حتى أدخلته بيته، ثم صلى بالناس عبد الرحمن بن عوف فأنكر الناس صوت عبد الرحمن"، قال ابن عباس: "فلم أزل عند عمر، ولم يزل في غشيةٍ واحدةٍ حتى أسفر، فلما أسفر أفاق فنظر في وجوهنا، فقال: "أصلى الناسُ؟ "، قلت: نعم. قال: "لا إسلام لمن ترك الصلاة"، ثم دعا بوَضوءٍ فتوضأ ثم صلى، ثم قال: "اخرج يا ابن عباس فسل5 من قتلني؟ ". فخرجت حتى فتحت باب الدار فإذا الناس مجتمعون جاهلون بأمر عمر، فقلت: من طعن
أمير المؤمنين؟ فقالوا: طعنه عدوّ الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة". قال: فدخلت فإذا عمر يمدني1، 2 النظر يستأني خبر ما بعثني إليه، فقلت: أرسلني أمير المؤمنين لأسأل من قتله، فكلمت الناس فزعموا أنه طعنه عدوّ الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، ثم طعن معه رهطاً ثم قتل نفسه، فقال: "الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط، ما كانت العرب لتقتلني". قال سالم: "فسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال عمر: "أرسِلُوا إليَ طبيباً ينظر إلى جُرحي هذا، فأرسلوا إلى طبيب فسقى عمر نبيذاً فشبه النبيذ بالدم حين خرج من الطعنة التي تحت السرة، فدعوت طبيباً آخر من الأنصار من بني معاوية3، فسقاه لبناً فخرج اللبن من الطعنة أبيضاً فقال له الطبيب: "يا أمير المؤمنين، اعهد". فقال: "صدقني أخو بني معاوية، ولو قلتَ غير ذلك لكذَّبتُك"، قال: فبكى عليه القوم حين سمعوا، فقال: "لا تبكوا علينا،، من كان باكياً فليخرج، ألم تسمعوا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "يُعَذَّبُ الميتُ ببكاء أهله عليه" 4.
وعن عبد الله بن عمر قال: "سمعت عمر يقول: "لقد طعنني أبو لؤلؤة وما أظنه إلا كلباً حتى طعنني الثالثة"1. عن ابن سعد: أن عبد الله بن عوف2 طرح على أبي لؤلؤة خميصة3 كانت عليه فانتحر أبو لؤلؤة، فحز عبد الله بن عوف رأسه"4. وعن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: "لما طُعن عمر رضي الله عنه اجتمع إليه البدريّون، المهاجرون والأنصار، فقال لابن عباس: "أخرج إليهم فسلهم، عن ملأ منكم مشورة كان هذا الذي أصابني؟ ". قال: فخرج ابن عباس فسألهم، فقال القوم: "لا والله ولوددنا أن الله زاد في عمرك من أعمارنا"5. وعن ابن عمر: أن عمر كان يكتب إلى أمراء الجيوش: لا تجلبوا علينا من العلوج أحداً، جرت عليه المواسي، فلما طعنه أبو لؤلؤة قال: "من هذا؟ "، قالوا6: "غلام المغيرة بن شعبة"، قال: "ألم أقل لكم لا تجلبوا علينا من العلوج أحداً، فغلبتموني؟ "7. وعن عبد الله بن ميمون8 قال: رأيت عمر رضي الله عنه يوم طعن وعليه ثوب
أصفر، فخر، وهو يقول: {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَّقْدُوراً} [الأحزاب: 38] 1. وعن عبيد الله بن عبد الله2 حين طعن في غلس السحر، قال: فاحتملته أنا ورهط كانوا معي في المسجد حتى أدخلناه بيته، قال: وأمر عبد الرحمن بن عوف أن يصلي بالناس، قال: فلما دخل عمر بيته غشي عليه من النزف، فلم يزل في غشيته حتى أسفر، ثم أفاق، فقال: "هل صلى الناس؟ "، قال: قلنا: "نعم". قال: "لا إسلام لمن ترك الصلاة". قال: ثم دعا بوَضوء، فتوضأ، وصلى. وقال عمر حين أخبر / [117 / ب] أن أبا لؤلؤة هو الذي طعنه: "الحمد لله الذي قتلني من لا يحاجني عند الله بصلاة صلاها". وكان مجوسيّاً3. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أنا أوّل من أتى عمر حين طعن فقال: "احفظ عني ثلاثاً إني أخاف أن لا يدركني الناس، أما4 أنا فلم أقضِ في الكلالة قضاء، ولم أستخلف، وكلّ مملوك لي عتيق". فقال الناس: "استخلف"، فقال: "أي ذلك أفعل5 فقد فعله من هو خير مني، إن أدع إلى الناس أمرهم فقد تركه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، وإن أستخلف فقد استخلف من [هو] 6 خير مني أبو بكر. فقلت: ابشر بالجنة صاحبتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأطلتَ صُحبته، ووليت إمرة المؤمنين، فقويت وأديت الأمانة، فقال: "أما تبشيرك بالجنة فلا والله الذي لا إله إلا هو، لو أن لي الدنيا بما فيها لافتديت1 به من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر، وأما قولك: في إمرة المؤمنين، فوالله لوددت أن ذلك كفافاً2 لا لي ولا عليّ، وأما ما ذكرت من صحبتي نبيّ الله فذلك"3. وعن عمرو بن ميمون قال: "إني لقائم ما بيني وبين [عمر] 4 إلا عبد الله بن عباس، غداة أصيب، وكان إذا مرّ بين الصفين قال: "استوو"، حتى إذا لم يكن5 فيهن خللاً تقدم فكبّر، وربما قرأ بسورة يوسف، أو النحل، أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس6، فما هو إلا أن كبّر فسمعته يقول قتلني أو أكلني الكلب حتى طعنه، فطار العلجُ بسكين ذات طرفين لا يمرُّ7 على أحمدٍ يميناً ولا شمالاً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين8 طرح عليه برنساً، فلما ظن العلجُ أنه مأخوذ نَحَرَ نفسه، وتناول عمر رضي الله عنه بيد عبد الرحمن بن
عوف فقدمه، فمن يلي عمر فقد رأى الذي رأى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون، غير أنهم فقدوا صوت عمر1 وهم يقولون: "سبحان الله، سبحان الله". فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا، قال: "يا ابن عباس انظر من قتلني"2، فجال ساعة، ثم جاء فقال: "غلام المغيرة"، فقال: "نعم، قاتله الله لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل3 منيتي بيد رجل يدعي الإسلام قد كنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة". - وكان العباس4 أكثرهم رقيقاً - فقال: "إن شئت فعلت"، أي: قتلناهم، قال: "تكذب؟ "، بعدما تكلموا بلسانكم وصلّوا قبلتكم، وحجوا حجتكم". فاحتمل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يؤمئذٍ. فقال قائل: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه، فأتى بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، فعرفوا5 أنه ميت، فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه، وجاء رجل شاب، فقال: "أبشر يا أمير المؤمنين6 ببُشرى الله لك، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت7، ثم شهادة". فقال: "وددت أن ذلك كفافاً8 لا علي ولا لي، قال: فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض، قال: "ردّوا
علي الغلام، فقال: يابن أخي ارفع ثوبك فإنه أتقى لربّك، يا عبد الله بن عمر، انظر ما عليّ من الدين، "فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه، قال: "إن وفى له مال آل عمر فأدّه من أموالهم، وإلا فسأل1 في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدّ عني هذا المال، انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عمر عليك السلام، ولا تقل أمير المؤمنين / [118 / أ] فإني ليست اليوم للمؤمنين بأمير، وقل يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحيبه". فمضى، وسلم، واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطّاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه". فقالت: "أريده لنفسي، ولأوثرنه اليوم على نفسي، فلما أقبل، قيل: "هذا عبد الله بن عمر، قد جاء"، قال: "ارفعوني"، فأسنده رجل إليه فقال: "ما لديك؟ "، قال: "الذي تحبّ يا أمير المؤمنين، أذنت". قال: "الحمد لله، ما كان شيء أهمّ إليّ من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملوني، ثم سلّم، وقل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني فردّوني إلى مقابر المسلمين. وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها، فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه، فبكت عنده ساعة، واستأذن الرجل فولجت داخلاً لهم، فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا2: "أوص يا أميرَ المؤمنين استخلف". قال: "ما أجد أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الذي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، فسمّى: عليّاً، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعداً، وعبد الرحمن
ابن عوف، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس [له] 1 من الأمر شيء، كهيئة التعزية له، فإن أصابت الإمرةَ سعد فهو ذلك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة". وقال: "أوصي الخليفة من بعدِي بالمهاجرين الأوّلين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم، [و] 2 أوصي بالأنصار خيراً: {الَّّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ والإِيمَانَ مِن قَبْلِهِم} [الحشر: 9] أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيراً فإنهم ردء الإسلام، وجباة المال، وغيظ العدو، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم، وأوصي بالأعراب خيراً، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام أن يأخذ3 من حواشي أموالهم، ويرد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا إلا طاقتهم". فلما قبض رضي الله عنه خرجنا به، فانطلقنا نمشي، فسلّم عبد الله بن عمر، وقال: "يستأذن عمر بن الخطّاب"، قالت: "أدخلوه"، فأدخل فوضع هنالك، مع صاحبيه". ذكره ابن الجوزي4، وهو طريق البخاري5. وقد جاء في حديث آخر عن عمرو بن ميمون: أنه لما احتمل عمر إلى بيته صاح الناس، وقالوا: "الصلاة جامعة"، فدفعوا عبد الرحمن فصلى بهم أقصر سورتين من القرآن: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالفَتْحُ} [النصر: 1] ، و {إِنَّا أَعْطَيْنَاك
الكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] 1. وعن عبد الله بن عمر، قال: "سمعت عمر يقول2: "أرسلوا إلى طبيب ينظر إلى جرحي هذا، قال فأرسلوا إلى طبيب من العرب، فسقى عمر نبيذاً فشبه النبيذ بالدّمّ حين خرج من الطعنة التي تحت السرة، قال: فدعوت طبيباً من الأنصار من بني معاوية فسقاه لبناً فخرج اللبن من الطعنة يصلد3 أبيض فقال هل الطّبيب: "يا أمير المؤمنين اعهد". فقال عمر: "صدقّني أخو بني معاوية، ولو قلت غير ذلك كذّبتك". قال: فبكى عليه القوم حين سمعوا ذلك، فقال: "لا تبكوا علينا، من كان باكياً فيخرج، ألم تسمعوا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ": "يعذب الميت ببكاء أهله عليه"، فمن أجل ذلك كان عبد الله لا يقرّ أن يُبكى عنده على هالكٍ من ولده، ولا غيرهم"4. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "دخلت على أبي فقلت5: سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك: زعموا أنك غير مستخلفٍ، وأنك لو كان لك راعي إبل، أو راعي غنم، ثم جاءك وتركها رأيت أن قد ضيع،
فرعاية الناس أشد، فوضع رأسه، ثم رفعه فقال: "إن الله يحفظ دينه، وإني لا أستخلف / [118 / ب] فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر رضي الله عنه قد استخلف) . فوالله ما هو إلا أن ذكر1 رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً، وأنه غير مستخلف"2. وعن ابن عمر3: أن عمر رضي الله عنه قيل له: "ألا تستخلف؟ "، فقال: "إن أترك فقد ترك من هو خير مني، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر رضي الله عنه"4. وعن محمّد بن سعد: أن مالك بن أنس قال5: "استأذن عمر رضي الله عنه عائشة في حياته، فأذنت له أن يدفن في بيتها، فلما حضرته الوفاة6، قال: إذا مت، فاستأذنوها فإن أذنت وإلاّ فدعوها، فإني أخشى أن تكون أذنت لي لسلطاني7، فلما مات أذنت لهم"8.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لما طعن عمر رضي الله عنه كنت فيمن حمله حتى أدخلناه الدار، فقال لي: "يا ابن أخي اذهب فانظر من أصابني، ومن أصاب معي"، فذهبت فجئت1 لأخبره فإذا البيت ملآن، فكرهت أن أتخطى رقابهم، وكنت حديث السن فجلست، فإذا هو مسجى2، وجاء كعب، فقال: "والله لئن دعا أمير المؤمنين ليبقينه الله، وليرفعنه لهذه الأمة، حتى يفعل فيها كذا وكذا"، حتى ذكر المنافقين فيمن ذكر، قلت: أبلغه ما تقول؟، قال: "ما قلت إلا وأنا أريد أن تبلغه"، فتشجعت فقمت فتخطيت رقابهم حتى جلست عند رأسه، فقلت: إنك أرسلتني بكذا3 يعني: فأخبره. قال: وأصاب معك ثلاثة عشرة رجلاً، وأصاب كليباً4، وهو يتوضأ عند المهراس5، وإن كعباً6 يحلف بالله بكذا، فقال: "ادعوا كعباً، فدعي فقال: ما تقول؟ "، فقال: "أقول كذا وكذا"، قال: "لا والله، لا أدعو، ولكن شقي عمر إن لم يغفر الله له"7. وعن عمرو بن ميمون قال: "لما طعن عمر دخل عليه كعب فقال: {الحَقُّ
مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ} [البقرة: 147] ، قد أنبأتك أنك شهيد، فقلت: من أين لي الشهادة وأنا في جزيرة العرب؟! "1، 2. وعن المسور بن مخرمة: أن ابن عباس دخل على عمر بعدما طعن فقال: "الصلاة"، فقال: "نعم، لا حظ لامرئ في الإسلام أضاعَ الصلاة"، فصلى والجُرْحُ يَثْعَبُ3 دماً4. وعن المسور بن مخرمة: أن عمر رضي الله عنه لما طعن جعل يُغمى عليه، فقيل: "إنكم لن تفزعوه بشيء مثل الصلاة، إن كانت به حياة". فقالوا: "الصلاة5 يا أمير المؤمنين، الصلاة6، قد صُليت"، فانتبه، فقال: "الصلاة، هاءَ الله إذا ولا حظ في الإسلام7 لمن ترك الصلاة"، فصلى وإن جرحه ليثعب دماً"8. وعن المسور بن مخرمة، قال: "لما طعن عمر رضي الله عنه جعل يأْلَم، فقال له ابن عباس، وكأنه يُجَزِّعُه: يا أمير المؤمنين، ولا كل ذلك، ولقد
صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبت أبا بكر رضي الله عنه فأحسنت صحبته، [ثم] 1 فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبتهم وأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقَنَّهم وهم عنك راضون"2. قال: "أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فذلك منّ من الله تعالى، منَّ به عليّ [وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر، ورضاه، فإنما ذاك منٌّ من الله - جل ذكره - منَّ به عليَّ] 3 وأما ما تراه من جَزَعِي فذلك من أجلك ومن أجل أصحابك، والله لو أن لي طلاعَ الأرض ذهباً4، لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه"5. وعن ابن عباس: أنه دخل على عمر حين طعن فقال: "أبشر6 يا أمير المؤمنين، أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كفر الناس، وقاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وتُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ، ولم يختلف في خلافتك رجلان"، فقال عمر7: "أعد"، فأعدت، فقال عمر: "المغرور من غررتموه، لو أن لي ما على ظهرها من بيضاء وصفراء لافتديت / [119 / أ] به من هول المُطَّلع"8"9.
وعن القاسم بن محمّد: أن عمر لما طُعِنَ جاء الناس يثنون عليه، ويودعونه، فقال عمر رضي الله عنه: "أبالإمارة تزكونني؟ "، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عني راضٍ، وصحبت أبا بكر رضي الله عنه فسمعت وأطعت، وتُوُفِّيَ أبو بكر وأنا سامع مطيعٌ، وما أصبحت أخاف على نفسي إلاّ إمارتكم هذه"1. وعن ابن عباس قال: "لما طعن عمر رضي الله عنه دخلت عليه، فقلت: أبشر يا أمير المؤمنين، فإن الله قد مصر بك الأمصار، فدفع بك النفاق"، قال: "أفي الإمارة تثني عليّ يا ابن عباس؟ "، فقلت: "وفي غيرها"، فقال: "والذي نفسي بيده، لوددت أني خرجت منها كما دخلت فيها، لا أجرَ ولا وِزْر"2. وعن أسلم أن عمر رضي الله عنه حين طعن قال: "لو كان لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من كرب ساعة - يعني: بذلك الموت - فكيف ولم أرد النار بعد"3. وعن ابن عباس، قال: "كنت مع عليّ رضي الله عنه فسمعنا الصيحة على عمر، قال: فقام وقمت معه، فدخلنا عليه البيت الذي هو فيه فقال: "ما هذا الصوت؟ "، فقالت له امرأةٌ: "سقاه الطبيب نبيذاً فخرج وسقاه4 لبناً
فخرج، فقال: لا أرى أن تمسّ، فما كنت فاعلاً، فافعل". فقالت أم كلثوم: "واعمراه"، وكان معها نسوة فبكين معها فارتج1 البيت بكاء، فقال: "والله لو أن لي ما في الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع". فقال ابن عباس: والله إني لأرجو أن لا تراها إلا مقدار ما قال الله عزوجل: {وَإِن مِّنْكُم إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71] ، كنت ما علمنا لأمير المؤمنين، وسيد المؤمنين، تقضي بكتاب الله، وتقسم بالسوية، فأعجبه قولي فاستوى جالساً، فقال: "أتشهد لي بهذا يا بن عباس؟ "، قال: "فكففتُ فضرب على كتفي، فقال: "أتشهد لي؟ "، قلت: "نعم. أشهد"2. وعن قيس بن أبي حازم قال: "لما طعن عمر دخل عليّ وابن عباس، ورأسه في حجر عبد الله بن عمر، فدعا بنبيذٍ فشرب منه، فخرج من طعنته فقال بعضهم: "نبيذٌ، وقال بعضهم: دم، فدعا بشربة من لبن فشرب منه، فخرج بياض اللبن، فعرف أنه ميت، فقال لابن عمر: "ضع رأسي ثكلتك أمك فوضع رأسه، فقال: "لو كان لي ما بين المشرق والمغرب لافتديت به من هول المطلع"، فقال له ابن عباس: "ولِمَ يا أمير المؤمنين؟، فوالله لقد كان إسلامك عزّاً وإمارتك فتحاً، ولقد ملأت الأرض عدلاً". فقال: "تشهد لي بذلك يا ابن عباس؟ "، فكأنه كره ذلك، فقال له عليّ بن أبي طالب: "قل نعم. وأنا معك"3.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما طعن عمر رضي الله عنه كنت قريباً منه فمسست بعض جلده، فقلت: جلد لا تسمه النار أبداً، فنظر إليّ نظرة جعلت أرحمه منها، قال: "وما علمك بذلك؟ "، قلت: "يا أمير المؤمنين، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، وفارقته وهو عنك راضٍ، وصحبت أبا بكر رضي الله عنه، بعده فأحسنت صحبته، وفارقته وهو عنك راضٍ، وصحبت المسلمين وفارقتهم - إن شاء الله - وهم عنك / [119/ ب] راضون، قال: "أما ما ذكرت من صحبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنٌّ من الله تعالى عليَّ، وأما ما ذكرت من صحبتي أبا بكر، فمنٌّ من الله، لو أن لي ما في الأرض لافتديت به عن عذاب الله قبل أن ألقاه أو أراه"1. وعن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - قال: "ما أصابنا حزن منذ اجتمع عقلي منذ حزن أصابنا على عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ليلة طعن، قال: صلى بنا الظهر والعصر والمغرب والعشاء أسرّ الناس، وأحسنه حالاً، فلما كان الفجر صلى بنا رجل أنكرنا تكبيره، فإذا عبد الرحمن بن عوف، فلما انصرفنا قيل: طعن أمير المؤمنين، فانصرف الناس وهو في دمه لم يصلِّ الفجر بعد، فقيل: "يا أمير المؤمنين2، الصلاة الصلاة"، قال: "الصلاة، هاء الله3 إذ لا حظ لامرئ في الإسلام ضيع صلاته". قال: ثم وثب يقوم فانبعث الدم من جرحه، وانبعث جرحه دماً، فقال: "هاتوا لي عمامة"،
يعصب بها جرحه، ثم صلى، فلما صلى قال: "يا أيها الناس على ملأ منكم1؟ "، فقال له عليّ بن أبي طالب: "لا والله، لا ندري من الطاعن من خلق الله، أنفسنا تفتدي نفسك، ودماؤنا تفدي دمك"، فالتفت إلى عبد الله بن عباس، فقال: "اخرج فاسأل الناس ما بالهم وأصدقني الحديث"، فخرج ثم جاء فقال: "يا أمير المؤمنين، أبشر بالجنة، لا والله، ما رأيت عيناً2 تطرف من خلق الله من ذكر ولا أنثى إلا باكية عليك، يفدونك بالآباء، والأمهات، طعنك عبدُ المغيرة بن شعبة المجوسي، وطعن معك اثني عشر رجلاً، فهم في دمائهم حتى يقضي الله فيهم ما هو قاضٍ، فتهنأك يا أمير المؤمنين الجنة، فقال: "غرّ بهذا غير يا ابن عباس"، قال: ولِمَ لا أقول لك يا أمير المؤمنين؟ فوالله إن كان إسلامك لعزّاً وإن كانت هجرتك لفتحاً، وإن كان ولايتك لعدلاً، وقد قتلت مظلوماً". ثم التفت إلى ابن عباس فقال: "أتشهد لي بذلك عند الله يوم القيامة؟ "، فكأنه تلكأ، قال: يقول عليّ بن أبي طالب من جانبه: "نعم، يا أمير المؤمنين، نشهد لك بذلك عند الله يوم القيامة"، ثم التفت إلى ابنه عبد الله بن عمر3 فقال: "ضع خدي على الأرض"، فلم أعج4 لها، وظننت أن ذلك اختلاس من عقله، فقالها مرة أخرى: "ضع خدي إلى الأرض لا أم لك"، فعرفت أنه مجتمع العقل، ولم يمنعه هو إلا مما به من الغلبة، قال: فوضعت خده إلى الأرض، قال: حتى نظرت إلى أطراف شعر لحيته خارجة من بين
أضغاث1 التراب، قال: وبكى حتى نظرت إلى الطين قد لصق بعينه قال: فأصغيت أذني لأسمع ما يقول، قال: فسمعته يقول: "يا ويل عمر، وويل أمه إن لم يتجاوز الله عنه"2. وعن عبد الله بن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لما طعن قال له الناس: "يا أمير المؤمنين، لو شربت شربة". قال: "اسقوني نبيذاً"، وكان / [120 / أ] من أحبّ الشراب إليه، قال: فخرج النبيذ من جُرحه من صديد الدم فلم يتبين لهم ذلك أنه شرابه الذي شرب، فقالوا: "لو شربت لبناً"، فأتي به فلما شرب اللبن خرج من جُرحه، فلما رأى بياضه بكى وأبكى3 من حوله من الصحابة، وقال: "هذا حينٌ لو أن لي ما طلعت عليه الشمس، لافتديت به من هول المطلع"، قالوا: "ما أبكاك إلا هذا؟ "، قال: "ما أبكاني غيره". قال: فقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "يا أمير المؤمنين والله إن كان إسلامك لنصراً، وإن كانت إمارتك لفتحاً، والله لقد ملأتَ الأرض عدلاً، ما من اثنين يختصمان إليك إلا انتهيا إلى قولك". فقال عمر رضي الله عنه: "أجلسوني"، فلما جلس قال لابن عباس: "أعد عليَّ كلامك"، فلما أعاد عليه قال: "أتشهد لي بهذا عند الله عزوجل يوم القيامة؟ "، فقال ابن عباس: "نعم". ففرح عمر بذلك وأعجبه4.
وعن ابن سيرين: قال: "لما طعن عمر رضي الله عنه جعل الناس يدخلون إليه، فقال لرجل: "انظر"، فأدخل يده فنظر، فقال: "ما وجدت؟ "، فقال: "إني أجده قد بقي من وتينك1 ما تقضي منه حاجتك"، قال: "أنت أصدقهم وخيرهم"، فقال رجل: "والله إني لأرجو أن لا تمس النار جلدك أبداً"، قال: فنظر إليه حتى أوينا2 له3، ثم قال: "إن علمك بذلك يا ابن فلان لقليل، لو أن لي ما في الأرض لافتديت به من هول المُطَّلع"4. قال ابن عباس: فقال عمر: "إن غُلب على عقلي فاحفظ عني اثنين لم أستخلف أحداً، ولم أقض في الكلالة شيئاً"5. وذكر أبو القاسم الأصفهاني في (سيرة السلف) ، عن ابن عباس قال: "لما طعن عمر دخلت عليه فقلت: أبشر يا أمير المؤمنين فإن الله قد مصّر بك الأمصار، ودفع بك النفاق، وأفشى بك الرزق، فقال: "أفي الإمارة تثني عليّ؟ "، فقلت: وفي غيرها، قال: "والذي نفسي بيده، لوددت أني خرجت منها
كما دخلت لا أجر ولا وزر"1. وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن عمرو بن ميمون قال: "شهدت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه حين طعن، فما منعني أن أكون في الصّفّ المقدم إلا هيبته، وكان مهيباً وكنت في الصّفّ الذي يليه، وكان عمر رضي الله عنه لا يكبّر حتى يستقبل [الصّفّ] 2 المقدم بوجهه فإذا رأى رجلاً متقدماً من الصّفّ، أو متأخراً ضربه بالدّرّة فذلك الذي منعني منه"3. قال: وفي رواية المسور بن مخرمة: لما طعن عمر دخلت فأخذت بعضادتي 4الباب، فقلت: كيف ترونه؟ قالوا: "كما ترى"، قلت: "فأيقضوه بالصلاة، فإنكم لن توقضوه بشيء أفزع له من الصلاة، فقلت: الصلاة يا أمير المؤمنين، قال: "الصلاة، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، ثم قام فصلى وجرحه يثعب دماً5. وعن عمرو بن ميمون، قال: "أصيب عمر يوم أصيب وعليه إزار أصفر، فسمعته يقول: [حين] 6 وجد مسّ الحديد: {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} [الأحزاب: 38] 7.
قلت: تضمن أمر عمر أحكاماً: الأوّل: لا يكره الإيثار بالقرب، والمكان الفضيل في الحياة والموت، خلافاً لبعضهم1. الثّاني: إذا بذل لا يكره القبول، خلافاً لمن نهى عنه2. الثّالث: من قتل مظلوماً يغسل، ويكفن، ويصلَّى عليه، وهو الصحيح عندنا3. الرّابع: الجريح تجوز له الصلاة بجرحه ودمه4. الخامس: أن تارك الصلاة يكفر وهو إحدى الروايتين5 عن أحمد، فيقتل كفراً لا يغسل ولا يصلى عليه6. والثّانية: لا يكفر، ويقتل لتركها حداً كالزنى ونحوه يغسل7 ويصلى عليه. / [120 / ب] .
الباب الثمانون: وصاياه ونيه عن الندب
الباب الثمانون: وصاياه ونيه عن الندب ... الباب الثمانون: في ذكر وصاياه ونهيه عن النّدب في الصحيح عن عمرو بن ميمون عن عمر قال: "أوصيه - يعني الخليفة من بعده - بذمة الله وذمة رسول الله أن يُوفَى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يُكلّفوا إلاّ طاقتهم"1. وعن عمرو بن ميمون قال: قال عمر: "أوصي الخليفة بالمهاجرين الأوّلين، أن يُعرف لهم حقهم، وأوصي الخليفة بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلِ أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم"2. وعن ابن عمر قال: "دفع إليّ عمر رضي الله عنه كتاباً، فقال: "إذا اجتمع الناس على رجل فادفع إليه هذا الكتاب، وأقرأه مني السلام، فإذا فيه أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله، وأوصيه بالمهاجرين الأوّلين {الَّذِينَ أُخْرِجُوا من دِيَارِهِم وَأَمْوَالِهِم يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ} [الحشر: 8-9] ، أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم كرامتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً، {الَّّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ والإِيمَانَ مِن قَبْلِهِم يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهُم وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِم حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا} ، إلى قوله: {المُفْلِحُونَ} [الحشر: 8-9] أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، وأن يشركوا في الأمر، وأوصيه بذمة الله وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يوفي بعهدهم، ولا يكلفوا فوق طاقتهم، وأن يقاتل من روائهم"3.
وعن جويرية1 بن قدامة قال: "حججتُ فأتيتُ المدينةَ العام الذي أصيب فيه عمر، قال: فخطب فقال: "إني رأيت ديكاً أحمر نقرني نقرتين، أو نقرة"2. وكان من أمره أنه طعن، فأذن للناس عليه، فكان أوّل من دخل عليه أصحاب النبِي صلى الله عليه وسلم، ثم أهل المدينة، ثم أهل الشام، ثم أهل العراق، فخلتُ فيمن دخل، قال: فكان كلما دخل عليه قوم أثنوا عليه، وبكوا، قال: فلما دخلنا عليه، وقد عصب بطنه بعمامة سوداءَ، والدم يسيل، قال: فقلنا: أوصنا، قال: وما سأله الوصية أحد غيرنا، فقال: "عليكم بكتاب الله، فإنكم لن تضلوا ما اتّبعتموه". فقلنا: أوصنا، فقال: "أوصيكم بالمهاجرين فإن الناس سيكثرون ويقلون، وأوصيكم بالأنصار فإنهم شَعْب الإسلام الذي لجئ3 إليه، وأوصيكم بالأعراب، فإنهم أصلكم، ومادتكم، وأوصيكم بأهل ذمتكم فإنها عهد نبيّكم ورزق عيالكم قوموا عني". فما زاد على هؤلاء الكلمات"4. وعن عمرو بن ميمون قال: "شهدت عمر رضي الله عنه يوم طعن، فقال: "ادعوا لي عليّاً، وعثمان، وطلحة، والزبير، وابن عوف، وسعد بن أبي وقاص"، فلم يكلم أحداً منهم غير عليّ وعثمان، فقال: "يا عليّ لعل هؤلاء القوم يعرفون لك حقّك، وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهرك، وما آتاك الله من الفقه والعلم، إن وليت هذا الأمر فاتق الله"، ثم دعا عثمان، فقال: "يا عثمان
علّ هؤلاء القوم أن يعرفوا لك صهرك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنك وشرفك، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيهم"، ثم قال: "ادعوا لي صهيباً"، فدعي له، فقال: "صلّ بالناس ثلاثاً، وليَخل هؤلاء القوم في بيت، فإذا اجتمعوا على رجل، فمن خالف فاضربوا رقبته". فلما خرجوا من عنده، قال: "إن يولوها الأجلحَ1 يسلك بهم الطريق". فقال له ابنه: "فما يمنعك يا أمير المؤمنين؟ "، قال: "إني أكره أن أتحملها حيّاً وميّتاً"2. وعن ابن عمر: أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة - رضي الله عنها - فإن ماتت فإلى الأكابر من آل عمر3. / [121 / أ] . وقال ابن سعد4: "أوصى عمر أن تُقرّ عُمّاله سنةً، فأقرهم عثمان سنة"5. وعن الشعبي، قال: "كتب عمر رضي الله عنه في وصيته أن لا يقر عامل أكثر من سنة، فأقروا الأشعري - يعني أبا موسى - أربع سنين"6. وعن ابن عون7، قال: "سمعت رجلاً يحدّث محمّداً قال: "كانت
وصية عمر عند أم المؤمنين حفصة، فلما توفيت صارت إلى عبد الله بن عمر، فلما توفي عبد الله بن عمر أوصى إلى ابنه، قال: وصارت الوصية بعد إلى سالم، وقال ابن عون: "فشهدته يقسمها قال: فرأيت من يوسعه شيئاً، غبطته عليه، قال: وجاءه رجل عليه كسوة حسنة وهيئة حسنة فأعطاه منها"1. وعن ابن عمر قال: "وصاني عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال: "إذا وضعتني فأفض بخدي إلى الأرض حتى لا يكون بين خدي وبين الأرض شيء"2. وعن المقداد بن معدي كرب3 قال: "لما أصيب عمر دخلت عليه حفصة - رضي الله عنها - فقالت: "يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا أمير المؤمنين، فقال عمر: " [يا عبد الله] 4 أجلسني فلا صبر لي على ما أسمع، فأسنده5 إلى صدره6، فقال لها: "إني [أُحرِّج] 7 عليك بما لي من الحق أن تندبيني بعد مجلسك هذا، فأما عينكِ فلن أملكها، إنه ليس من ميت نُندبُ بما ليس فيه إلاّ الملائكة تمقته"8.
وقال ابن سيرين: قال صهيب: "واعمراه، وا أخاه، من لنا بعدك؟ "، فقال له عمر: "مه، يا أخي أما شعرت أنّه من يعوَّل1 عليه يعذَّب؟ "2. وفي الصحيح عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال: "توفيت ابنة لعثمان بمكّة، وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عباس، وإني لجالسٌ بينهما، أو قال: جلستُ إلى أحدهما، ثم جاء الآخر، فجلس إلى جنبي، فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان3: "ألا تنتهي عن البكاء؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه". فقال ابن عباس: "قد كان عمر يقول بعض ذلك، ثم حدّث قال: صدرت مع عمر من مكّة حتى إذا كنا بالبيداء4، إذا هو بركب تحت سمرة، فقال: "اذهب فانظر من هؤلاء الركب"، قال: فنظرت فإذا هو صهيب، فأخبرته، فقال: "ادعه لي"، فرجعت إلى صهيب فقلت: "ارتحل فالحق أمير المؤمنين، فلما أصيب عمر، دخل صهيب يبكي، ويقول: "وا أخاه، وصاحبا، فقال عمر: "يا صهيب أتبكي عليَّ؟ "، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه"، قال ابن عباس: فَلَمَّا مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: "يرحم الله عمر، ما حدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه"، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليزيدُ الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه"، وقالت: حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى5، قال
ابن عباس عند ذلك: "والله هو أضحك وأبكى". قال ابن أبي مليكة: / [121/ب] والله ما قال ابن عمر شيئاً"1. وعن أبي بردة عن أبيه، قال: "لما أصيب عمر جعل صهيب يقول: "وا أخاه"2، فقال عمر: "أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميّت ليعذب ببكاء الحي؟ " 3. ورواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن أبي مليكة ولفظه: "كنتُ عند عبد الله بن عمر ونحن ننظر جنازة أم أبان بنت عثمان، وعنده عمرو بن عثمان، فجاء ابن عباس يقوده قائده4 قال: فأراه أخبر5 بمكان ابن عمر، فجاء حتى جلس إلى جنبي، وكنت بينهما فإذا صوت من الدار، فقال ابن عمر: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه"، فأرسلها عبد الله مرسلة، قال ابن عباس: "كنا مع أمير المؤمنين عمر، حتى إذا كنا بالبيداء إذ هو برجل نازل في ظل شجرة، فقال لي: "انطلق فاعلم من ذلك فانطلقت، فإذا هو صهيب، فرجعت إليه، فقلت: إنك أمرتني أن أعلم لك من ذاك، وإنه صهيب، فقال: "مرّوه فليلحق بنا"، فقلت: إن معه أهله، قال: "وإن كان معه أهله"، وربما
قال أيوب1 مرة: "فليلحق بنا"، فلما بلغنا المدينة لم يلبث أمير المؤمنين أن أصيب، فجاء صهيب، فقال: "واأخاه!!، واصاحباه!! "2، فقال عمر: "ألم تعلم، ألم تسمع3، أو قال: "ألم تعلم أو لم تسمع4، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله". فأما عبد الله فأرسلها مرسلة، وأما عمر فقال: ببعض، فأتيت عائشة، فذكرت لها قول عمر، فقالت: "لا، والله ما قاله رسول الله، أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الكافر ليزيده الله ببكاء أهله عذاباً". وإن الله لهو أضحك وأبكى، ولا تزر وازرة وزر أخرى5. قال أيوب: وقال ابن أبي مليكة: حدّثني القاسم، قال: "لما بلغ عائشة - رضي الله عنها - قول عمر بن الخطّاب، وابن عمر، قالت: "إنكم لتحدّثوني عن غير كاذبين، ولا مكذّبين، ولكن السمع يخطئ"6. فائدة يجوز البكاء على الميت لقوله عليه السلام: "العين تدمع، والقلب يحزن" 7. وأما النياحة، وما أشبه ذلك من شقّ الثياب، ولطم الخدود،
ونتف الشعور، وتسويد الوجه، فإنه لا يجوز1. والنياحة: رفع الصوت2. والندب: هو تعداد أوصاف الميت، وما أشبه ذلك3. والله أعلم. / [122 / أ] .
الباب الحادي والثمانون: إظهاره الذل عند موته
الباب الحادي والثمانون: إظهاره الذل عند موته ... الباب الحادي والثمانون: في إظهاره الذّلّ عند موته ذكر ابن الجوزي عن ابن عمر قال: "كان عمر رضي الله عنه على فخذي في مرضه الذي مات فيه، فقال لي: "ضع رأس على الأرض"، فقلت: "وما عليك، كان على الأرض أو على فخذي؟ "، فقال ضعه على الأرض"، فوضعته على الأرض، فقال: "ويل وويل أمي إن لم يرحمني ربي"1. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "أنا آخركم عهداً بعمر رضي الله عنه دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله، فقال له: "ضع رأسي على الأرض"، فقال: "فهل فخذي والأرض إلا سواء؟ "، فقال: "ضع خدي بالأرض لا أم لك"، في الثانية أو في الثالثة، وسمعته يقول: "ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي". حتى فاضت"2. وعن عثمان رضي الله عنه قال: "آخر كلمة قالها عمر رضي الله عنه: "ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي، وويل أمي إن لم يغفر الله لي"3.
وسبق بعض ذلك في الباب التّاسع والسّبعون1. وذكر القاسم الأصفهاني في "سيرة السلف"، عن ابن عمر، قال: "كان رأس عمر رضي الله عنه على فخذي في مرضه الذي مات فيه، فقال لي: "ضع رأسي على الأرض"، فقلت: "وما عليك على فخذي أم على الأرض؟ "، قال: "ضعه على الأرض"، فوضعته على الأرض، فقال: "ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربّي"2. وعن ابن عمر قال: "أوصاني عمر رضي الله عنه قال: "إذا وضعتني في لحدي فأفض بخدي إلى الأرض"3. لما قرب القرب من القدوم على حبيبه أحبّ إظهار الذّلّ، وأكثر ما يقصد إظهار الذّلّ عند4 إرادة التقرب من الحبيب، كما قال الشاعر: أُهينُ لهم نَفسي لكي يكرمونها5 ... ولن يكرموا6 النفسَ التي لا تُهينها7 وقال آخر: اخضع لمن تهوى وذلّ له ... فليس في شرع الهوى أنف يشال ويعقد8
الباب الثاني والثمانون: تاريخ موته ومبلغ سنه
الباب الثاني والثمانون: تاريخ موته ومبلغ سنه ... الباب الثاني والثمانون: في تاريخ موته ومبلغ سنه قال الذهبي: "استشهد يوم الأربعاء لأربع أو ثلاث بقين من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح1. وذكر ابن الجوزي عن محمّد بن سعد قال: "طعن عمر رضي الله عنه يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين، فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة"2. وقال غيره: "عشر سنين وستة أشهر، وأربعة أيام"3. قال ابن الجوزي: "واختلف في سنِّه يوم موته على ثمانية أقوال4: أحدها: قبض وهو ابن ثلاث وستّين سنة5. والثّاني: ست وستّون سنة. قاله ابن عباس6. والثّالث: خمس وستّون سنة. قاله ابن عمر والزهري7.
والرّابع: خمس وخمسون سنة1. وعن سالم بن عبد الله بن عمر: أن عمر قبض، وهو ابن خمس وخمسين2. والخامس: ست وخمسون سنة3. والسّادس: سبع وخمسون سنة4. والسّابع: تسع وخمسون سنة. رويت هذه الأقوال الثّلاثةعن نافع5. والثّامن: إحدى وستّون. قاله قتادة6. وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن معاوية قال: "توفي عمر رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستّين سنة"7. قال: وقال أهل التاريخ: "قتل عمر رضي الله عنه يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. / [122 / ب] وكانت خلافته عشر سنين ونصفاً وأياماً، وخلافة أبي بكر سنتين وأشهراً"8.
وقال أبو عبد الله بن سلامة في كتاب: "عيون المعارف": "ضربه أبو لؤلؤة فيروز الفارسي، غلام المغيرة بن شعبة، وكان مجوسيّاً، وقيل: كان نصرانيّاً ضربات إحداهن تحت سرته، وكان ذلك في يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي الحجة، سنة ستّ وعشرين فبقي ثلاثة أيام، وتوفي رضي الله عنه لأربع بقين من ذي الحجة، هذا قول الواقدي"1. قال: وقال غيره: "توفي يوم الاثنين لليلتين بقين من ذي الحجة"2. قال: "ويقال: إن أبا لؤلؤة ضرب مع عمر أحد عشر رجلاً من الصحابة، مات منهم خمسة، وأن رجلين من بني أسد3 لحقاه، فألقى أحدهما عليه برنساً ثم ضمّه، فأدنى السكين إلى حلقه فقتل نفسه"4. قال: "وكان سنة يوم مات خمس وخمسون سنة، وقيل: ستّ"5. وقيل: ثلاث وستّون6. وفي تاريخ أبي زرعة النصري78 عن جرير9 قال: "كنت عند معاوية
فقال: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستّين، وتوفي أبو بكر رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وسّتين، وقتل عمر رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستّين"1.
الباب الثالث والثمانون: غسله والصلاة عليه ودفنه
الباب الثالث والثمانون: غسله والصلاة عليه ودفنه ... الباب الثالث والثمانون: في غسله والصّلاة عليه ودفنه ذكر ابن الجوزي عن عبد الله بن عمر: أن عمر رضي الله عنه غُسِّل وكُفِّن، وصلّي عليه، وكان شهيداً1. وقد ذكر غيره: أنه غسل رضي الله عنه وأنه حمل على السرير2. وفي حديث ابن عباس: وُضعَ عمر على سريره، فتكنَّفه3 الناسُ يدعون ويصلّون4. وفي حديث مقتله: فلما قبض خرجنا به، أو قال معه، فانطلقنا نمشي، فسلّم عبد الله بن عمر، قال: يستأذن عمر بن الخطّاب، قالت: "أدخلوه"، فأدخل فوضع هنالك رضي الله عنه"5. فإن قيل: كيف غُسل وهو شهيد؟ قيل: اختلف العلماء فيمن قتل مظلوماً هل هو كالشهيد لا يغسل أم لا؟ على قولين: أحدهما: أنه يغسل، وهذا حجة لأصحاب هذا القول6. الثّاني: لا يغسل ولا يصلَّى عليه، والجواب عن قصة عمر أن عمر عاش بعد أن ضرب وأقام مدة، والشهيد حتى شهيد المعركة لو عاش بعد أن ضرب
حتى أكل أو شرب أو طال مقامه فإنه يغسل، ويصلّى عليه، وعمر طال مقامه حتى شرب النبيذ والماء، فلهذا غسل وصلّي عليه رضي الله عنه1. / [123 / أ] . فصل: في الصّلاة عليه قال الذهبي: "صلّى عليه صهيب بن سنان"2. وقال ابن عمر: "صُلي على عمر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم"3. وقال ابن سعد: "وسأل عليّ بن الحسين سعيد بن المسيب: من صلى على عمر؟ قال: "صهيب"، قال: "كم كبّر عليه؟ "، قال: "أربعاً". قال: "أين صُلي عليه؟ "، قال: "بين القبر والمنبر"4. قال ابن المسيب: "نظر المسلمون فإذا صهيب يصلي لهم المكتوبات بأمر عمر رضي الله عنه فقدموه، فصلى على عمر"5. قال أبو عبد الله ابن سلامة في كتابه: "عيون المعارف": "صلى عليه صهيب بن سنان الرومي"6. فإن قيل: كيف صلّوا عليه وهو شهيد؟ قيل: اختلف العلماء فيمن قتل
مظلوماً هل هو كشهيد المعركة لا يصلى عليه؟ على قولين فمن قال يصلى عليه، احتج بهذا1. فصل: في دفنه قال الذهبي: "دفن في الحجرة النبوية"2. وذكر ابن الجوزي عن جابر قال: "نزل في قبر عمر عثمان وسعيد ابن زيد بن عمرو، وصهيب، وعبد الله بن عمر"3. وعن هشام بن عروة قال: "لما سقط عنهم - يعني قبر النبي صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - في زمن الوليد بن عبد الملك4 أخذوا في بنائه، فبدت لهم قدمٌ، ففزعوا، وظنوا أنها قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما وجدوا أحداً يعلم ذلك حتى قال لهم عروة: "لا والله، ما هي قدم النبي صلى الله عليه وسلم ما هي إلا قدم عمر رضي الله عنه"5. وقال أبو عبد الله ابن سلامة6 في كتابه: "عيون المعارف": دفن في حجرة عائشة - رضي الله عنها - ورأسه قبالة كتفى أبي بكر - رضي الله عنه -"7.
وفي الصحيح عن هشام بن عروة عن أبيه: أن عمر أرسل إلى عائشة - رضي الله عنها - ائذني لي أن أُدفن مع صاحبيَّ، فقالت: "إي والله"، قال: وكان الرجل إذا أرسل إليها من الصحابة قالت: "لا والله، لا أوثرهم بأحدٍ أبداً"1. ولا خلاف بين أهل2 العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - في هذا المكان من المسجد النبويّ على صاحبه أفضل الصّلاة والسّلام.
الباب الرابع والثمانون: بكاء الإسلام على موته
الباب الرابع والثمانون: بكاء الإسلام على موته ... الباب الرابع والثمانون: في ذكر بكاء الإسلام على موته ذكر ابن الجوزي عن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال لي جبريل عليه السلام: ليبكِ الإسلام على موت عمر رضي الله عنه" 1. وذكر أبو القاسم الأصفهاني: أن أم أيمن2 قالت: لما مات عمر بن الخطّاب رضي الله عنه "اليوم وَهي3 الإسلام"4. كيف لا يبكي الإسلام على موته، وقد جرد نفسه للقيام فيه، ولم يفتر عن الجهاد فيه طرفة عين رضي الله عنه.
الباب الخامس والثمانون: عظم فقده عند الناس
الباب الخامس والثمانون: عظم فقده عند الناس ... الباب الخامس والثمانون: في ذكر عظم فقده عند النّاس تقدم أن عمر لما أصيب كأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل ذلك1. وعن الحسن بن أبي جعفر2 قال: "بلغنا أنه لما قتل عمر بن الخطّاب اظّلمت الأرض كلها، فجعل الصبي يأتي أمه فيقول: "يا أمه أقامت القيامة؟ "، فتقول: "لا، يا بني، ولكن عمر بن الخطّاب قتل"3. وعن الأحنف بن قيس: أنه سمع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: "إن قريشاً / [123 / ب] رؤوس الناس ليس أحد منهم يدخل في باب إلا دخل معه طائفة من الناس". فلما طعن عمر أمر صهيباً أن يصلي بالناس، ويطعمهم ثلاثة أيام حتى يجتمعوا على رجل، فلما وضعت الموائد كفّ الناس عن الطعام، فقال العباس: "يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، فأكلنا بعده وشربنا ومات أبو بكر رضي الله عنه فأكلنا، وإنه لا بدّ للناس من الأكل والشرب"، فمدّ يده فأكل الناس، فعرفت قول عمر4. وعن محمّد بن الصّباح5 قال: "سمعت جرير6 يقول: "سمعت
جدتي1 تقول: "لما جاء نعي عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كان الناس يقولون: "إن القيامة قد قامت"2. وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن جرير بن عبد الحميد عن جدته قالت: "لما جاء نعي عمر بن الخطّاب كان الناس يرون أنّ القيامة قد قامت، جعل الرجل يوصي كأنهم قد أتاهم الأمر"3.
الباب السادس والثمانون: نوح الجن عليه
الباب السادس والثمانون: نوح الجن عليه ... الباب السادس والثمانون: في ذكر نوح الجنّ عليه تقدم في باب نعي الجنّ بعض ذلك من كلام وشعر1. وروى أبو القاسم الأصفهاني عن معروف بن أبي معروف2، قال: سمع صوت يوم أصيب عمر رضي الله عنه: لبيك على الإسلام من كان باكياً ... فقد أوشكوا هلكي وما قدم العهد وأدبرت الدنيا وأدبر أهلها3 ... وقد ملها من كان يوقن4 بالوعد5 وذكر أبو القاسم الأصفهاني: لما قتل عمررضي الله عنهسمع صوت من الجنّ: يبكيك نساء الجنّ ... يبكين شجيات ويخمشن وجوها ... كالدنانير النقيات ويلبسن ثياب ... السود بعد القصبيات67
الباب السابع والثمانون: تعظيم عائشة له بعد دفنهم
الباب السابع والثمانون: تعظيم عائشة له بعد دفنهم ... الباب السابع والثمانون: في تعظيم عائشة له بعد دفنه ذكر ابن الجوزي عن هشام عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأضع ثيابي وأقول إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهما فوالله ما دخلته إلا وأنا مشدودة عليّ ثيابي حياء من عمر"1. وروت عمرة2 عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما زلت أضع خماري وأتفضل3 في ثيابي، حتى دفن عمر، فلم أزل متحفظة في ثيابي، حتى بنيت بيني وبين القبور جداراً، فتفضلت بعد"4. وعن القاسم بن محمّد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "من رأى ابن الخطاب، علم أنه خلق غناء للإسلام، كان والله أحوذياً5نسيج وحده،
قد أعدّ للأمور أقراناً"1. وعن عروة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "إذا ذكرتم عمر طاب المجلس"2. وذكره ابن الجوزي في "التبصرة" عن عائشة: "إذا شئتم أن يطيب المجلس، فعليكم بذكر عمر"3. وفي أحاديث ابن شاذان4 عن عائشة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بات وفي يده ريح غَمَرٌ5 فلا يلومن إلا نفسه" 6.
الباب الثامن والثمانون: كلام علي فيه
الباب الثامن والثمانون: كلام علي فيه ... الباب الثامن والثمانون: في ذكر كلام عليّ فيه في الصحيحين عن ابن عباس قال: "وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يَرُعني إلا رجلٌ آخذٌ منكبي، فإذا عليّ بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: "ما خلفت أحداً أحبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنتُ لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ذهبت أنا وأبو بكر / [124 / أ] وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر، وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر". هذا لفظ البخاري1. وفي رواية أخرى له قال: "إني لواقف في قوم فدعوا لعمر بن الخطاب، وقد وضع على سريره، إذا رجلٌ من خلفي قد وضع مَرفقه على منكبي يقول: "رحمك الله، إن كنتُ لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، لأني كثيراً مما كنتُ أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كنت أنا وأبو بكر وعمر، وفعلتُ وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر" فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما". فالتفت فإذا هو عليّ بن أبي طالب"2. ولفظ مسلم كالأوّل إلا أن فيه: "إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنت كثيراً أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر" فإن
كنت لأرجو أو لأظن أن يجعلك الله معهما"1. وعن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: قال رجل من قريش لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين نسمعك تقول في الخطبة آنفاً: "اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين المهديين فمن هم؟ "، فاغرورقت عنياه ثم أهملهما، فقال: "هم حبيباي وعماك أبو بكر وعمر؛ إماما الهدى وشيخا الإسلام، ورجلا قريش، والمقتدى بهما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتدى بهما عُصم، ومن اتبع آثارهما هدي الصراط المستقيم، ومن تمسك بهما هو من حزب الله، وحزب الله هم المفلحون"23. وعن عبد خير4 قال: "سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول: "إن الله جعل أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - حجة على من بعدهما من الولاة إلى يوم القيامة، سبقاً والله سبقاً بعيداً، وأتعبا بعدهما إتعاباً شديداً"5. وعن زيد بن وهب أن سويد بن غَفَلة دخل على عليّ رضي الله عنه في إمارته فقال: "يا أمير المؤمنين، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما أهل له من الإسلام، فنهض إلى المنبر، وهو قابض على يدي،
فقال: "والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن [تقي] 1 ولا يبغضهما ويخالفهما إلا شقي مارق، فحبهما قربة، وبغضهما مروق، ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وصاحبيه، وسيدي قريش وأبوي الإسلام2، فإني بريءٌ ممن يذكرهما، وعليه3 معاقب"4، 5. وعن [أبي] 6 جعفر قال: قال عليّ رضي الله عنه وهو عند رأس عمر رضي الله عنه وهو طعين: "هذا أحبّ الأمة إليّ أن ألقى الله بمثل صحيفته"7. وعن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: "لما غُسل عمر وكفن وحمل على سريره، وقف عليه عليّ فقال: "والله ما على وجه الأرض رجل أحبّ إليّ أن ألقى الله بصحيفته مثل هذا المسجى بالثوب"8. وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: "كنت عند عمر وهو مسجى بثوبه، قد قضى نحبه، فجاء عليّ فكشف الثوب عن وجهه، ثم قال: "رحمة الله عليك
أبا حفص، فوالله ما بقي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحبّ إليّ أن ألقى الله عزوجل بصحيفته مثلك"1. وعن نافع عن ابن عمر قال: "وضع عمر بين المنبر والقبر فجاء عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه حتى وقف بين الصّفوف، فقال: "هو هذا ثلاثاً، ثم قال: "رحمة الله عليك، ما من خلق الله أحدٌ أحبّ إليّ من أن ألقاه بصحيفته، بعد صحيفة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسجى عليه ثوبه"2. وعن أبي مجلز، قال: قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما مات النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى عرفنا أن أفضلنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وما مات أبو بكر حتى عرفنا أن أفضلنا بعد أبي بكر عمر - رضي الله تعالى عنهما -"3. وعن الشعبي قال: قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه"4 وعن زر بن حبيش عن عليّ قال: "ما كنا نُبعد أن السكينة تنطق على
لسان عمر"1. وعن عمرو بن ميمون عن عليّ - رضي الله عنه قال: "ما كنا ننكر ونحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون أن السكينة تنطق على لسان عمر رضي الله عنه"2. وعن طارق بن شهاب قال: قال عليّ رضي الله عنه: "كنا نتحدث أن ملكاً ينطق على لسان عمر"3. وعن الشعبي عن عليّ قال: "كان أبو بكر أوَّاها4 حليماً، وكان عمر مخلصاً ناصحاً لله فنصحه، وكنا5 أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم ونحن متوافرون، والله إن كنا لنرى السكينة تنطق على لسان عمر، وإن كنا لنرى أن شيطان عمر يهابه، أن يأمره بالخطيئة"6.
وعن الأسود بن قيس1، عن رجل عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "استخلف عمر عليّاً فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه"2. وعن عبد خير قال: قام عليّ رضي الله عنه على المنبر فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم واستُخْلِفَ أبو بكر، فعمل بعمله، وسار بسيرته، حتى قبضه الله عزوجل على ذلك، ثم استخلف عمر، فعمل بعملهما وسار بسيرتهما حتى قبضه الله عزوجل على ذلك"3. وعن أبي سَرِيحة4 قال: سمعت عليّاً يقول على المنبر: "ألا إن عمر ناصح الله فنصحه"5. وعن أبي إسحاق6 قال: جاء أهل نجران إلى عليّ فقالوا: "يا أمير المؤمنين / [124 / ب] 7 شفاعتك بلسانك وكتابك بيدك، أخرجنا عمر من أرضنا فردنا إليها قال: "ويلكم8 إن كان عمر رشيد الأمر، فلا أغير شيئاً صنعه"9.
وروى أبو القاسم الأصفهاني عن أوفى بن حكيم1 قال: "لما كان اليوم2 الذي توفي فيه عمر خرج علينا عليّ رضي الله عنه قال: "لله درّ باكيةِ عمرَ واعمراهُ قوَّم الأود3، وأبرأ العمدَ4، واعمراه مات نقي الجيب، قليل العيب، واعمراه ذهبَ بالسنة وأبقى الفتنة"5. وعن سويد بن غفلة قال: "مررت بنفر من الشيعة، وهم يتناولون أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - وينتقصونهما، فدخلت على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت له: يا أمير المؤمنين، إني مررت آنفاً بنفر من أصحابك وهم يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له من الأمر أهل، ولولا أنهم يرون أنك تضمر لهما بمثل ما أعلنوا، ما اجترأوا على ذلك، فقال: عليّ: "أعوذ بالله أن أضمر لهما، لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل، أخَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه،
ووزيراه رحمة الله عليهما". ثم نهض دامعاً عيناه يبكي قابضاً على يدي حتى دخل المسجد، وصعد المنبر وجلس عليه متمكناً، قابضاً على لحيته، ينظر فيها، وهي بيضاء، حتى اجتمع له الناس، ثم قام فتشهد بخطبة بليغة موجزة، ثم قال: "ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش، وأبوي المسلمين، بما أنا عنه متنَزّه، وعما يقولون بريءٌ، وعلى ما يقولون معاقبٌ، أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا فاجرٌ رديءٌ، صحبا رسول الله على الوفاء والصدق، يأمران، وينهيان، ويقضيان، ويعاقبان، ولا يجاوزان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم [ولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم] 1 يرى مثل رأيهما [رأياً] 2 ولا يحبّ كحبهما أحداً، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهما راضٍ، ومضيا والمؤمنون عنهما راضون، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على صلاة المؤمنين، فصلى بهم تسعة أيام، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قبض الله نبيّه صلى الله عليه وسلم واختار له عنده، ولاه المؤمنون ذلك، وأعطوه البيعة طائعين غير كارهين، أنا أوّل من سنَّ ذلك من بني عبد المطلب، وهو لذلك كاره، يودّ لو أن أحدنا كفاه ذلك، وكان والله خير من بقي، أرحمه رحمةً وأرأفه رافة، وأكيسه3 ورعاً، وأقدمه سناً وإسلاماً، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكيائيل رحمةً، وبإبراهيم عفواً ووقاراً، فسارَ بنا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى [على] 4 ذلك رحمة الله عليه. ثم ولي الأمر بعد عمرُ بن الخطاب،
واستأمر المسلمين في ذلك فمنهم من رضي ومنهم من كره، فكنت فيمن رضي، فلم يفارق الدنيا حتى رضي عنه من كان كره، وأقام الأمر على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه يتبع آثارهما كاتباع الفصيل1 أثر أمه، وكان والله رقيقاً رحيماً بالضعفاء والمؤمنين، عوناً وناصراً للمظلومين على الظالمين، لا تأخذه في الله لومة لائم، ضرب الله بالحقّ على لسانه، وجعل الصدق من شأنه، حتى إن كنا لنظن ملكاً ينطق على لسانه، أعزّ الله بإسلامه2 الإسلام، وجعل هجرته للدين قِواماً3، ألقى الله له في قلوب المنافقين الرهبة، وفي قلوب المؤمنين المحبة، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل، فظاً غليظاً على الأعداء، وبنوح حنقاً مغتاظاً على الكفار، الضراء في طاعة الله آثر عنده من السراء في معصية الله / [125 / أ] ، من لكم بمثلهما؟ رحمة الله عليهما. ورزقنا المضي على سبيلهما، فإنه لا يبلغ مبلغهما إلا اتّباع آثارهما، والحبّ لهما، فيمن أحبني فليحبهما ومن لم يحبهما فقد أبغضني وأنا منه برئ، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشدّ العقوبة، إنه لا ينبغي أن أعاقب قبل التقدم، ألا فمن أوتيت به يقول هذا بعد اليوم فإن عليه ما على المفتري، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، ثم الله أعلم بالخير أين هو، أقول هذا ويغفر الله لي ولكم"4.
وفي مسند الإمام أحمد عن عليّ قال: "أعطي كل نبيّ سبعة نجباء، وأعطي نبيكم أربعة عشر نجيباً منهم: أبو بكر، وعمر، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر"1. وفيه عن عبد خير قال: "قام عليّ بن أبي طالب على المنبر وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قُبض رسول الله واستخلف أبو بكر فعمل بعمله وسار بسيرته حتى قبضه الله على ذلك، ثم استخلف عمر، فعمل بعملهما، وسار بسيرتهما حتى قبضه الله على ذلك"2. وفي مجلس ابن بشران3 عن الحسن قال: "لما قدم عليّ رضي الله عنه
البصرة قام إليه ابن الكواء1، وقيس بن عُباد2، فقالا له: "ألا تخبرنا عن مسير كهذا الذي سرت فيه تتولى على الأمة؟ تضرب بعضهم ببعض، أعهدٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثنا فأنت الموثوق والمأمون على ما سقت". فقال: "أما أن3 يكون عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهدٌ في ذلك فلا والله، إن كنت أوّل من صدق به، فلا أكون أوّل من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عهد ما تركت أخا بني تيم بن مرة4، وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُقتل قتلاً، ولم يمت فجاءة، مكث في مرضه أياماً وليالي، وهو يرى المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلّي بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى5 وغضب، وقال: "أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر يصلي بالناس". فلما قبض الله نبيّه نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه النبي صلى الله عليه وسلم لديننا، وكانت الصلاة أصل الإسلام وقوام / [125 / ب] الدين، فبايعنا أبا بكر فكان لذلك أهلاً، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقّه وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخُذُ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني،
وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قُبض رضي الله عنه ولاّها عمر فأخذها بسنة صاحبه وما يعرف من أمره، فبايعنا عمر لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأدّيت إلى عمر حقّه، وعرفت طاعته، وغزوت معه في جيوشه، فكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي، وسابقتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدل بيَ، ولكن خشي1 أن لا يعمل الخليفة بعده ذنباً إلاّ لحقه في قبره". ثم ذكر خلافة عثمان2.
الباب التاسع والثمانون: المنامات التي رآها
الباب التاسع والثمانون: المنامات التي رآها ... الباب التاسع والثمانون: في ذكر المنامات التي رآها ذكر ابن الجوزي عن ابن عمر قال: قال عمر رضي الله عنه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فرأيته لا ينظر إليّ، فقلت: يا رسول الله ما شأني؟ فقال: "ألست الذي تقبل1 وأنت صائم؟ "، فقلت: "والذي بعثك بالحقّ لا أقبل2 وأنا صائم"3. وعن محمّد بن سعد يرفعه إلى عمر رضي الله عنه أنه قال: "يا أيها الناس إني رأيت رؤياً لا أراها إلا بحضور أجلي، رأيت أنّ ديكاً أحمر نقرني نقرتين، فحدّثتها أسماء بنت عُميس فحدّثتني أنه يقتلني رجل من الأعاجم"4. وفي مسند الإمام أحمد عن جويرية بن قدامة قال: "حججت فأتيت المدينة العام الذي أصيب فيه عمر، قال: فخطب فقال: "إني رأيت كأن ديكاً أحمر نقرني نقرة أو نقرتين". شعبة5 الشاك قال: فما
لبث إلا جمعه حتى طعن"1. وفي رواية قال: "حججتُ فأتيت المدينةَ العام الذي أصيب فيه عمر قال: فخطب فقال: "إني رأيت كأن ديكاً نقرني نقرة أو نقرتين"، شعبة الشاك / [126 / ب] فكان من أمره أنه طعن، فأذن للناس عليه، فكان أوّل من دخل عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم أهل المدينة، ثم أهل الشام، ثم أذن لأهل العراق، فدخلت فيمن دخل قال: وكلما دخل عليه قوم أثنى عليه، وبكوا قال: فلما دخلنا عليه، قال: وقد عصب بطنه بعمامة سوداء والدم يسيل، قال: قلنا: أوصنا، قال: وما سأل الوصية أحد غيرنا، فقال: "عليكم بكتاب الله، فإنكم لن تضلوا ما اتبعتموه". فقلنا: أوصنا، قال: "أوصيكم بالمهاجرين". فذكر باقي الوصية2.
الباب التسعون: المنامات التي رئيت له
الباب التسعون: المنامات التي رُئيت له ... الباب التسعون: في ذكر المنامات التي رُئيت له ذكر ابن الجوزي عن عوف بن مالك الأشعجي: "أنه رأى رؤياً زمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه فلما قدم قصّها على أبي بكر وعمر يسمع، فقال: "ما هذا؟ "، فلما ولي دعاه فسأله، قال: "أولم تكذب بها؟ "، قال: "لا. ولكن استحييت من أبي بكر، فقصّها عليّ". قال: رأيت كأن عمر أطول الناس وهو يمشي فوقهم، فقلت: أنى هذا؟ فقيل: "إنه لا يخاف في الله لومة لائم، وإنه أمير المؤمنين، وإنه يقتل شهيداً"، قال: "وكيف لي بالشهادة؟ وأنا بين الروم وفارس، أهل الشام، وأهل العراق"، قال: "يمنحها الله لك من حيث شاء"1. وعن عوف بن مالك الأشجعي، قال: "رأيت سبباً2 تدلى من السماء، وذلك في إمارة أبي بكر رضي الله عنه وأن الناس تطاولوا له، وأن عمر فضلهم بثلاثة أذرع، قلت: وما ذاك؟ قال: "لأنه خليفة من خلفاء الله تعالى في الأرض، وأنه لا يخاف لومة لائم، وأنه يقتل شهيداً، قال: فغدوت على أبي بكر فقصصتها عليه، فقال: "يا غلام انطلق إلى أبي حفص فادعه لي،
فلما جاء قال: يا عوف اقصصها عليه كما رأيتها". فلما أتيت أنه خليفة من خلفاء الله تعالى، قال عمر: "أكل هذا يرى النائم". قال: فقصّها1 عليه فلما ولي عمر أتى الجابية، وإنه ليخطب فدعاني، فأجلسني، فلما فرغ من الخطبة قال: "قصّ علي رؤياك"، فقلت له: ألست قد جبهتني2 عنها؟! قال: "قد خدعتك أيها الرجل"، فلما قصصتها، قال: "أما الخلافة قد أوتيت ما ترى، وأما أن لا أخاف في الله لومة لائم، فإني أرجو أن يكون قد علم ذلك مني، وأما أن أقتل شهيداً، فأنى لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب، ولقد رأيت مع / [127 / أ] ذلك كأن ديكاً نقرني وما أمتنع منه بشيء"3. وعن الأعمش أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه استعمل معاذ بن جبل فلما قدم ومعه رقيق وغير ذلك، فقال لأبي بكر: "هذا لكم، وهذا أهدي إلي"، فقال عمر رضي الله عنه: "ادفع ذلك أجمع إلى أبي بكر" فأبى أن يدفعه فبات ليلة فرأى في النوم كأنه أشرف على نار عظيمة خاف أن يقع فيها، فجاءه فأخذ بمحجزته4 حتى أنقذه منها، فأصبح، فأتى أبا بكر، فقصّ عليه القصّة، ودفع جميع ما معه إلى أبي بكر، فقال أبو بكر: "أما إذا فعلت هذا
فخذه1 فقد طيبته". فقال عمر رضي الله عنه: "الآن حين طاب لك"2. وعن سفيان3 قال: "حين استعمل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً على اليمن، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبو بكر رضي الله عنه وهو عليها، وكان عمر يومئذٍ على الحجّ، فجاء معاذ إلى مكّة، ومعه رقيق ووُصفاء على حدة، فقال له عمر: "يا أبا عبد الرحمن لمن هؤلاء الوُصفاء؟ "، قال: "لي". قال: "ومن أين لك؟ "، قال: "اهدوا إلي". قال: "أطعني وأرسلهم إلى أبي بكر، فإن طيبهم لك فهم لك". قال: "ما كنت لأطيعك في هذا، شيء أهديَ إليَ أرسل بهم إلى أبي بكر؟ "، فبات ليلته ثم أصبح، فقال: "يابن الخطاب ما أراني إلا مطيعك، إني رأيت الليلة في منامي كأني أجر أو أقاد أو كلمة تُشْبِهُهَا إلى النار، وأنت آخذ بحجزتي، "فانطلق بهم إلى أبي أبكر، فقال: "أنت أحق بهم"، فقال أبو بكر: "هم لك"، فانطلق بهم إلى أهله، فصفّوا خلفه يصلّون، فلما انصرف قال: "لمن تصلّون؟ "، قالوا: "لله تبارك وتعالى"، قال: "انطلقوا فأنتم له"4.
وعن أبي موسى الأشعري، قال: "رأيت كأني أخذت جواداً1 كثيراً، فجعلت تضحمل حتى بقيت واحدة، فأخذتها فانتهيت إلى جبل زلقٍ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه أبو بكر، وإذا هو يومئ إلى عمر أن تعال، فقلت: "ألا تكتب بها إلى عمر؟ "، فقال: "ما كنتُ لأنعى له نفسه"2. وعن يحيى بن عبد الرحمن3 قال: قال العباس بن عبد المطلب: "كنت جاراً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فما رأيت أحداً من الناس كان أفضل من عمر، إن ليله صلاة، ونهاره صيام، وفي حاجات الناس، فلما توفي عمر سألت الله تعالى أن يرينه في النوم فرأيته في النوم مقبلاً متشحاً من سوق المدينة، فسلمت عليه وسلم عليّ، ثم قلت له: كيف أنت؟ قال: " (بخير". قلت له: ما وجدت؟، قال: "الآن حين فرغت من الحساب، ولقد كاد عرشي يهوي لولا أني وجدت ربّاً رحيماً"4. عن عبد الله بن عباس5 قال: "كان العباس خليلاً لعمر، فلما أصيب جعل يدعو الله أن يُريه عمر في المنام، قال: فرأيته بعد حول وهو يمسح العرق عن جبينه، قال: ما فعلت؟ قال: "هذا أوان فرغتُ، إن كان عرشي ليُهَدّ
لولا أني وجدت ربّاً رحيماً"1. وعن أبي جَهْضَم2 قال: "كان العباس ودّاً لعمر رضي الله عنه قال العباس: "كنت أشتهي أن أراه في المنام، فما رأيته إلا عند قرب الحول، فرأيته يمسح العرق عن جيبنه، وهو يقول: "هذا أوان فرغتُ، إن كاد عرشي ليهوي لولا أني لقيته رؤوفاً رحيماً"3. وعن ابن عمر أنه قال: "ما كان شيء أحبّ إليّ أن أعلمه من أمر عمر، فرأيت في المنام قصراً، فقلت: لِمَن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، "فخرج من القصر عليه ملحفة كأنه قد اغتسل، فقال: "كيف صنعت؟ "، قال: خيراً، كاد عرشي يهوي لولا أني لقيت / [127/ب] ربّاً غفوراً". فقال: "منذ كم فارقتكم؟ "، فقلت: "منذ اثنتي عشرة سنة"، فقال: "إنما انفلت الآن من الحساب"4. وروى أبو القاسم الأصفهاني في (سيرة السلف) ، عن العباس بن عبد المطلب قال: "كنت جاراً لعمر، فما رأيت أحداً من الناس كان أفضل من عمر، إن5 ليله صلاة، وإن نهاره صيام، وفي حاجات الناس، فلما توفي سألت
الله أن يرينه في النوم، فرأيته مقبلاً من سوق المدينة، فسلمت عليه، وسلم عليّ، ثم قلت له: كيف أنت؟، قال: "بخير"، قلت له: ما شأنك؟ قال: "الآن فرغت من الحساب، والله كاد عرشي يهوى، لولا أني وجدت ربّاً رحيماً"1. قال: وفي رواية عبد الله بن عمر قال: "ما كان شيء أحبّ إليّ أن أعلمه من أمر عمر، فريت في المنام قصراً، فقلت: لمن هذا القصر؟، قالوا: "لعمر بن الخطاب"، فخرج من القصر وعليه ملحفة كأنه اغتسل، فقلت: كيف صنعت؟ قال: "خيراً، كاد عرشي يهوي لولا أني لقيت ربّاً غفوراً"2. وتقدم ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم له3. وروى الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه من حديث جابر بن عبد الله: أنه كان يحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُرِيَ الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط4 برسول الله، وعمر نيط بأبي بكر، وعثمان بعمر". قال جابر فلما قمنا من عند النبي صلى الله عليه وسلم قلنا أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم نوط بعضهم ببعض، فهو هذا الأمر الذي بعث الله به نبيّه صلى الله عليه وسلم"5.
وقد تقدم حديث أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الرؤيا الصالحة، ويسأل عنها، فقال رجل: "يا رسول الله، إني رأيت رؤياً، رأيت كأن ميزاناً من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت بأبي بكر، ثم وُزن أبو بكر وعمر، فوزن أبو بكر عمرَ، ثم وُزن عمر بعثمان، فرجح عمر بعثمان، ثم رفع الميزان"1.
الباب الحادي والتسعون: أولاده وأزواجه
الباب الحادي والتسعون: أولاده وأزواجه ... الباب الحادي والتسعون: في ذكر أولاده وأزواجه من أكابر ولده عبد الله بن عمر الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل". قال سالم: "فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً"1. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عبد الله رجل صالح" 2. وفي الصحيحين عنه قال: "كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أخبروني بشجرة تشبهُ، أو كالرجل المسلم، لا يتحاتُّ3 ورقها، وَلاَ4 تؤتي أُكُلُها كل حين". قال ابن عمر: "فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولا شيئاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة". فلما قمنا قلت لعمر: "والله يا أبتاه، لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة، قال: "فما منعك أن تكلم؟ "، قلت: لم أركم تَكَلَّمُونَ، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئاً، قال عمر: "لأن تكون قلتها أحبّ إليّ من كذا وكذا"5. وعن محم ّد بن سعد قال: "كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عبد الله،
وعبد الرحمن، وحفصة، وأمّهم زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح"1. وقال أبو عبد الله محمّد بن سلامة2: "عبد الله وحفصة أمهما زينب"3. وفي: (الإخوة والأخوات) لابن السّني4: "لما مات عاصم بن عمر وجد عليه عبد الله بن عمر وجداً شديداً، وأنشد يقول: فإن أبك أخواناً وفائض دمعة ... جرين دماً من داخل الجوف متقعاً5 تجرعتها في عاصم واحتسيتها ... فأعظم منها ما احتسا وتجرّعا فليت المنايا كن خلَّفن عاصماً ... فعشنا جميعاً أو ذهبن بنا معا6 / [128 / أ] . روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفي حديث وستّ مئة حديث وثلاثين حديثاً، ذكره أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد7.
هاجر به أبوه، واستصغره يوم أحد، وشهد الخندق، وبيعة الرضوان، والمشاهد1. وقال ابن مسعود: "إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر"2. وقال جابر: "ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال لها إلا ابن عمر"3. وقال سعيد بن المسيب: "مات ابن عمر يوم مات، وما في الأرض أحد أحبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منه"4. وقال الزهري: "لا يعدل برأي ابن عمر فإنه أقام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستّين سنة، فلم يخف عليه شيء من أمره، ولا أمر أصحابه"5. قال رجاء بن حَيْوة6: "أتانا نعي ابن عمر، ونحن في مجلس ابن [مُحَيْرِيز] 7، 8 فقال: "والله إن كنتُ لأعدُّ بقاء ابن عمر أماناً لأهل
الأرض"1. ومناقبه كثيرة لا تحصى، ولعلّ لم يكن في الصحابة بعد العشرة مثله رضي الله عنه، كان له من الولد: سالم، وحمزة، وعبد الله. قال أبو نعيم2 وجماعة3: "مات ثلاث وسبعين"4. قال الواقدي وخليفة5 وجماعة6: "مات أربع وسبعين"7. قال الذهبي: كان إماماً، مفتياً، واسع العلم، كثير الاتباع، وافر الصلاح، والنسك، كبير القدر، مبين الديانة، عظيم الحرمة، ذكر للخلافة يوم التحكيم وخوطب في ذلك، فقال: "بشرط أن لا تجري فيها، مِحْجَمَة8 دم". ثم ورَّى عمرو بن العاص / [128 / ب] الأمر عنه لما رأى أنه لا يوليه شيئاً إن استخلف،
وبقي إلى أن بايع عبد الملك بن مروان، ومحاسنه جمة"1. / [129 / أ] 2. فصل ومنهم: حفصة وقد تقدم الكلام على فضلها ومناقبها - رضي الله عنها -3. فصل ومنهم: عبد الرحمن ذكر ابن الجوزي وأمه زينب4. ولم أجد له ذكراً في كتب أصحاب الحديث. فكأنه لم يرو شيئاً، والله سبحانه وتعالى أعلم. فصل ومنهم: عبد الرحمن الأوسط ذكره ابن الجوزي وهو أبو المُجَبر، وأمه لُهيّة أم ولد5. وقد ذكر الزبير بن بكار: أن عبد الرحمن الأوسط يكنى أبا شحمه6. وقال أبو عبد الله بن سلامة7: أبو شحمة، واسمه: عبد الرحمن، وكان قد شرب بمصر هو وعقبة بن الحارث، فسكرا وجلدهما عمرو بن العاص،
وسمع عمر بذلك، فكتب إليه ليرسله إليه"1. فصل ومنهم: عبد الرحمن الأصغر، ذكره ابن الجوزي وأمه فكيهة أم ولد2. ولم أجد له ذكراً في كتب أصحاب الحديث، فإنه لم يرو شيئاً من الحديث. فصل ومنهم: عاصم ذكره ابن الجوزي، أمه جميلة بنت عاصم بن أبي الأقلح3. وكذلك ذكر أبو عبد الله بن سلامة4، 5. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكان من الحلماء، مات سنة سبعين6 له في الكتب حديثان7. كان بينه وبين رجل خصومة في أرض، فقال له: "لقد هممت بكذا وكذا".
فقال: "ولا أرى الأمر بلغ بك هذا، هي لك". فاستحيا الرجل1. فصل ومنهم: عبيد الله، ذكره ابن الجوزي2. قتل يوم صفين مع معاوية، أمه كلثوم بنت جَرْوَل بن مالك بن المسيب بن ربيعة3. وقال أبو عبد الله محمّد4 بن سلامة: "عبيد الله أمه مليكة"5. ولعلها هي أم كلثوم. قال: "وكان عمر قد جلده في الشراب"6. قال: "ويقال: إنه وثب على الهرمزان فقتله، وقتل معه رجلاً نصرانياً يعرف بجُفينة من أهل الحيرة، وكانا اتهما بإغراء أبي لؤلؤة بعمر، وقتل ابنة لأبي لؤلؤة طفلة ووداهم عثمان، وخرج عبيد الله إلى الكوفة، ثم لحق بمعاوية في خلافة عليّ رضي الله عنه"7.
فصل ومنهم: عياض، ذكره ابن الجوزي1. وأمه عاتكة بنت زيد بن عمرو2، لم أره في كتب أصحاب الحديث، فكأنه لم يرو شيئاً. فصل ومنهم: فاطمة. ذكرها ابن الجوزي3. وأمها: أم حكيم بنت الحارث بن هشام4. وذكر أبو عبد الله ابن سلامة: أن أمها أم كلثوم بنت عليّ5. وليس كذلك، ولم أرها في كتب أصحاب الحديث. فصل ومنهم: زيد الأصغر. ذكره ابن الجوزي6. وأمه: أم كلثوم بنت جَرْوَل، ولعله مات صغيراً، أو لم يبلغ أن يذكر، فإنه قلّ من ذكره7.
فصل ومنهم: رقية. أمّها: أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب. وأمّها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم1. / [129 / ب] . فصل ومنهم: زينب. ذكرها ابن الجوزي2. وهي أصغر ولده. وأمّها فكيهة أم ولد3، لم أرها في كتب الحديث - أيضاً - فكأنها لم ترو شيئاً. فصل ومنهم: زيد الأكبر4 لا بقية له ذكر ابن الجوزي5. وأمّه: أم كلثوم بنت عليّ، وكذلك أبو عبد الله بن سلامة67. وذكر ابن قتيبة8: أن زيداً وأمه ماتا في يوم واحد، وأنه رمي بحجر
فمات، وصلى عليهما عبد الله بن عمر - رضي الله عنهمأجمعين1. قال أبو عبد الله محمّد بن سلام: "ويقال إنه كان لعمر ولد اسمه: مُجَبَّر، فلعله أبو المُجَبَّر عبد الرحمن، ولعله غيره"2 فصل من زوجاته: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حُذافة بن جمح، أمّ عبد الله، وعبد الرحمن الأكبر، وحفصة، ذكرها ابن الجوزي وغيره، لم أر لها ذكراً في كتب المحدّثين3. فصل ومنهن: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل. ذكرها ابن الجوزي. وهي أمّ عياض4. وفي الموطّأ: عن يحيى بن سعيد: أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نُفَيْلٍ امرأة
عُمَر بن الخطاب كانت تُقَبِّلُ رأسَ عُمَر وهو صائم، فلا ينْهاها1. فصل ومنهن: فُكيهة، وكانت أم ولد له. ذكرها ابن الجوزي. وهي أم زينب، وعبد الرحمن الأصغر2، لم أرَ لها ذكراً في الكتب الستة، فكأنها لم ترو شيئاً. فصل ومنهن: أم حكيم بنت الحارث بن هشام، ذكرها ابن الجوزي. وهي أم فاطمة3. / [130 / أ] . فصل ومنهن: لُهَيَّة أمّ ولدٍ له، ذكرها ابن الجوزي. وهي أمّ عبد الرحمن الأوسط4. فصل ومنهن: أم كلثوم بنت جَرْوَل5 بن مالك بن المسيب بن ربيعة بن اصْرَم.
ذكرها ابن الجوزي. وهي أم عبيد الله، زيد الأصغر1. وكان الإسلام فرق بين عمر وبين ابنة جرول2. فصل ومنهن: جميلة بنت عاصم بن أبي الأقْلَح، ذكرها ابن الجوزي. وهي أم عاصم3. وعن بسر بن عبيد الله4 قال: "كانت تحت عمر امرأة تسمى: العاصية، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة، وكان يحبّها فكان إذا خرج إلى الصلاة مشت معه من فراشها إلى الباب فإذا أراد الخروج قبلته ثم مضى ورجعت إلى فراشها"5.
فصل ومنهن: أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب، وأمّها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكرها ابن الجوزي، وغيره. وهي أمّ رقيّة وزيد الأكبر1 الذي لا بقية له2. عن الزبير بن بكار قال: "خطب عمر رضي الله عنه أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب فقال له عليّ: "إنها صغيرة"، فقال له عمر: "زوجنيها يا أبا الحسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصد أحد". فقال له عليّ: "أنا أبعثها إليك فإن رضيتها زوجتكها". فبعثها إليه ببرد، وقال لها: "قولي له هذا البرد الذي قلت لك". فقالت ذلك له، فقال: "قولي له قد رضيته رضي الله عنك". ووضع يده على ساقها فكشفها، فقالت له: "أتفعل هذا لولا أنك أمير المؤمنين لكسرتُ أنفك"، ثم خرجت، حتى جاءت أباها فأخبرته الخبر، وقالت: بعثتني إلى شيخ سوءٍ، فقال: "مهلاً، يا بُنَيَّة، فإنه زوجك". فجاء عمر بن الخطاب إلى مجلس المهاجرين في الروضة، وكان يجلس فيه المهاجرون الأوّلون، فجلس إليهم، فقال لهم: "رفِّؤوني، رفِّؤوني"3، فقالوا: "بماذا
يا أمير المؤمنين؟ "، قال: "تزوجت أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري". وكان لي به السبب والنسب، فأردت أن أجمع إليه الصهر، فرفؤوه الصهر، فولدت له زيداً ورقية"1. وعن محمّد بن عمر2 وغيره قالوا: "لما خطب عمر الخطاب إلى عليّ رضي الله عنه أم كلثوم، قال: "يا أمير المؤمنين إنها صبية"، قال: "إنك والله ما بك ذلك، ولكن قد علمنا ما بك"، فأمر بها عليّ فصنعت، ثم أمر ببرد فطواه ثم قال لها: "انطلقي بهذا3 إلى أمير المؤمنين، فقولي: "أرسلني أبي يقرؤك السلام، ويقول: "إن رضيت البُرد فأمسكه، وإن سخطته فردّه"، فلما أتت عمر، قال: "بارك الله فيكِ وفي أبيك قد رضينا"، قال: "فرجعت إلى أبيها، فقالت: "ما نشر/ [130/ب] البرد، ولا نظر إلا إليَّ"، فزوجها إياه"4. وفي "أحاديث"، أحمد بن مالك القطيعي5 عن المستظل بن
حصين1 أن عمر بن الخطّاب خطب إلى عليّ بن أبي طالب أم كلثوم فاعتل2 عليه بصغرها قال: "إني لم أرد الباه، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي، وكل ولد آدم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم" 3. وقال أبو عبد الله محمّد بن سلامة4 في كتاب (المعارف) : "تزوج أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب، وأصدقها أربعين ألف درهم. وولدت له فاطمة وزيداً وماتت عنده"5. وقال ابن قتيبة: "بقيت في نكاحه إلى أن قتل فتزوجها محمّد بن جعفر بن أبي طالب6 رضي الله عنه"7.
فصل ومهن: قريبة بنت أبي أمية1. في "صحيح البخاري" قال عطاء2 عن ابن عباس: كانت قَرِيبَةُ بنتُ أبي أُمِيَّة عند عمر بن الخطّاب، فطلقها فتزوجها معاوية بن أبي سفيان"3. وفيه قال الزهري: "وبلغنا أنه لما أنزل الله: أن يردّوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم، وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بِعِصَمِ الكَوَافِر، أن عمر طلق امرأتين: قريبة بنت أبي أمية، وابنة جرول الخزاعي، فتزوج قريبة معاوية، وتزوج الأخرى أبو جهم"4، 5. فصل من ولد ولده سالم بن عبد الله أبو عمر، ويقال: أبو عبد الله العدوي، أحد الأئمة الفقهاء بالمدينة، كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به وكان
سالم أشبه ولد عبد الله به، كان يلبس الصوف، وكان يعالج العمل بيديه، كان فقهاء المدينة سبعة كان سالم أجلهم، كان يلبس الثوب بدرهمين1. قال ميمون بن مهران: "دخلت على ابن عمر، فقومت كل شيء في بيته فما وجدته يساوي مائة درهم، ودخلت بعده على سالم فوجدته على حاله"2. وكان ابن عمر يقبل سالماً، ويقول: "شيخٌ يُقبِّل شيخاً"3. وكان يلام4 في حبه، وكان يقول: يلومُونَنِي في سَالمٍ وأَلومُهُم ... وجِلْدَة بين العين والأنف سالم5 وأرفع الأسانيد على الصحيح سالم عن أبيه. مات سنة ستّ ومئة6. قال بعضهم: في ذي القعدة7. وقال آخرون: في ذي الحجة8.
وقال خليفة: "سنة سبع"1. والأوّل أصحّ. وأخباره تطول وليس هذا موضعها. ومنهم: عبد الله بن عبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن2. روى عن أبيه وجماعة3. ومنهم: حمزة بن عبد الله أبو عمارة العدوي، عن أبيه وجماعة. وكان أحد فقهاء المدينة4. ومنهم: بلال بن عبد الله. روى عن أبيه وجماعة5. ومنهم: زيد بن عبد الله. روى عن أبيه وجماعة6. ومنهم: عبيد الله بن عبد الله أبو بكر العَدَويّ، عن أبيه وجماعة. وكان من الأعيان. وتوفي قبل سالم بقليل7. ومنهم: عمر بن عبد الله. روى عن أبيه وجماعة8.
ومنهم: حفص بن عاصم. روى عن أبيه وجماعة1. ومنهم: عبيد الله بن عاصم. عن أبيه وجماعة2. - رضي الله عنهم أجمعين. فصل عن ابن عمر، قال: "كان عمر رضي الله عنه إذا نهى الناس عن شيء دخل على أهله، وقال: "إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتهم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أُوتَى برجل وقع فيما نهيت الناس عنه إلاّ أضعفت له العذاب، لمكانه مني، فمن شاء منكم أن يتقدم، ومن شاء منكم فليتأخر"3. / [131 / أ] .
الباب الثاني والتسعون: ضربه لولده على شرب الخمر
الباب الثاني والتسعون: ضربه لولده على شرب الخمر ... الباب الثاني والتسعون: في ذكر ضربه لولده على شرب الخمر عن أسامة [بن زيد] 1 بن أسلم عن أبيه عن جده قال: "سمعت عمرو بن العاص يوماً2 ذكر عمر رضي الله عنه فترَحَّم عليه، ثم قال: "ما رأيتُ أحداً بعد نبيّ الله وأبي بكر أخوفَ لله من عمر، لا يبالي على من وقع الحقّ على ولدٍ أو والدٍ، ثم قال: والله إني لفي منزلي ضحى بمصرَ إذ أتاني آتٍ فقال: "قدِمَ عبد الله وعبد الرحمن3 ابنا عمر غازيين "فقلت للذي أخبرني: أين نزلا؟ قال: "في موضع كذا وكذا"، - لأقصى مصر - وقد كتبَ إلي عمر إياك أن يقدم عليك أحد من أهل بيتي، فتحبوه بأمرٍ لا تصنعُه لغيره، فأفعلُ بكَ ما أنتَ أهلُه، وأنا لا أستطيعُ أن أهديَ لهما، ولا آتيَهما في منْزلهما للخوف من أبيهم، فوالله إني لعلى ما أنا عليه، إلى أن قال قائل: "هذا عبد الرحمن بن عمر, وأبو سِرْوَعَة4 على الباب يستأذنان"، فقلت: يدخلان، فدخلا وهما منكسران، فقالا: "أقم علينا حدّ الله، فإنا قد أصبنا البارحة شراباً فسكرنا". قال: "فزبرتُهما5 وطردتهما، فقال عبد الرحمن: "إن لم تفعل أخبرتُ أبي إذا قدمت". قال: فحضرني رأي، وعلمتُ أني إن لم أُقِم عليهما الحدّ غضب عليَّ عمر في ذلك، وعزلني، وخالفَه ما صعنتُ، فنحن على ما نحن عليه إذ
دخل عبد الله بن عمر، فقمت إليه ورحبت به، وأردت أن أجلسه في صدر مجلسي فأبى عليّ، وقال: "أبي نهاني أن أدخل عليك إلا أن أجد من ذلك بدّاً، إن أخي لا يحلق على رؤوس الناس أبداً، فأما الضرب فاصنع ما بدا لك". - قال: وكانوا يحلقون مع الحدّ - قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحدّ، ودخل ابن عمر بأخيه إلى بيتٍ من الدار فحلق رأسه ورأس أبي سروعة، فوالله ما كتبتُ إلى عمر بحرف، مما كان، حتى إذا تحنيتُ كتابه إذا هو نظم فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي بن العاصي، عجبت لك يا ابن العاصي ولجرأتك عليّ وخلاف عهدي، أما إني قد خالفتُ فيك أصحاب بدر ممن هو خيرٌ منك واخترتك1؛ لجرأتك عني، وإنفاذ عهدي، وأراك تلوثت بما تلوثت، فما أراني إلا عازلك، فمسيء2 عزلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك، وقد عرفت أن هذا يخالفني، إنما عبد الرحمن رجلٌ من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قلت: هو ولد أمير المؤمنين، وقد عرفتَ أن لا هوادة لأحدٍ من الناس عندي في حقٍّ يجب لله عليه، فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءةٍ على قتبٍ حتى يعرف سوءَ ما صنع". فبعثتُ به كما قال أبوه، وأقرأت ابن عمر كتاب أبيه، وكتبتُ إلى عمر كتاباً أَعْتَذر فيه، وأُخبره أني ضربته في صحن داري، وبالله الذي لا يُحلَف بأعظم منه إني أقيم الحدّ في صحن داري على الذمي والمسلم، وبعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر". /
[131 / ب] . قال أسلم: فقدم بعبد الرحمن على أبيه، فدخل عليه وعليه عباءةٌ ولا يستطيع المشي من مركبِهِ، فقال: " [يا] 1 عبد الرحمن فعلتَ وفعلتَ السياطُ". وكلمه عبد الرحمن بن عوف وقال: "يا أمير المؤمنين، قد أقمتم عليه الحدّ مرّةً"، فلم يلتفت إلى هذا عمر وزبَرَه، فجعل عبد الرحمن يصيح: "أنا مريضٌ وأنت قاتلي"، فضربه وحبَسَه، ثم مرِضَ فمات"2 وعن عبد الله بن عمر قال: "شرب عبد الرحمن بن عمر، وشرب معه أبو سِرْوَعَة عقبة بن الحارث، ونحن بمصر في خلافة عمر رضي الله عنه فسكرا، فلما أصبحا انطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر، فقالا: "طهِّرْنا فإنا قد سكرنا من شراب شربناه". قال عبد الله بن عمر: "ولم أشعر أنهما قد أتيا عمرو بن العاص، فذكر لي أخي أنه قد سكر، فقلت: أدخل الدار أطهرك، فآذنني أنه قد حدّث الأمير، قال عبد الله بن عمر، فقلت: والله لا تحلق اليوم على رؤوس الناس، أدخل3 أحلقك وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحدّ - فدخل معي الدار - قال عبد الله: "فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهم عمرو بن العاص، فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إلى عمرو: "أن ابعث إليّ بعبد الرحمن بن عمر على قتَبٍ"، ففعل ذلك عمرو، فلما قدم عبد الرحمن
على عمر جلده وعاقبه من أجل مكانه منه، ثم أرسله فلبث شهراً صحيحاً ثم أصابه قدره، فيحسب عامة الناس أنه مات من جلد عمر، ولم يمت من جلد عمر"1. قال ابن الجوزي: "ينبغي أن لا نظن بِعَبْدِ الرحمن بن عمر أنه شرب الخمر، وإنما شرب النبيذ متأولاً، يظن أن ما شرب منه لا يسكر، وكذلك أبو سروعة، وأبو سروعة من أهل بدر2، فلما خرج بهما الأمر إلى السكر طلبا التطهير بالحدّ، وقد كان يكفيهما مجرد الندم على التفريط، غير أنهما غضبا لله سبحانه على أنفسهما المفرطة، فأسلمهما إلى إقامة الحدّ، وأما كون عمر أعاد الحدّ على ولده فليس ذلك حدّاً، وإنما ضربه غضباً وتأديباً، وإلاّ فالحدّ لا يكرر، قال: وقد أخذ هذا الحديث قوم من القصاص فأبدلوا فيه، وأعادوا، فتارة يجعلون هذا الولد مضروباً على شرب الخمر، وتارة على الزنا،
ويذكرون كلاماً مرقّقاً1 ليبكي العوام2، لا يجوز أن يصدر عن مثل عمر. وقال: وقد ذكرت الحديث بطرقه في كتاب "الموضوعات3، ونزهت هذا الكتاب عنه"4. وعن ابن عمر قال: "بلغ عمر أن ابناً له ستر حيطانه، فقال: "والله لئن كان كذلك5 لأحرقنَّ بيته"6. وقال أبو عبد الله بن سلامة7 في كتابه: (عيون المعارف) : "أبو شحمة8 عبد الرحمن، وكان قد شرب بمصر، هو ورجل يعرف بعقبة بن الحارث فسكرا، وجلدهما9 عمرو بن العاص، وسمع عمر بذلك، فكتب إلى عمرو بن العاص: أن ابعث إليّ عبد الرحمن على قتَبٍ، ففعل، فلما قدم عليه جلده، وعاقبه لمكانه منه، ومات بعد شهر، فيحسب عامة الناس أنه مات من جلده، ولم يمت من ذلك". وروى هذا يحيى بن معين بإسناده عن عبد الله بن عمر"10. قال: ويقال: إنه قال له وهو يحدّه: "قتلتني يا أبتاه"، فقال: "يا بني إذا
لقيت ربّك، فأعلمه أنه أباك يقيم الحدود"1. / [132 / أ] . وفي صحيح البخاري، وقال عمر رضي الله عنه: "وجدت من عبيد الله ريحَ شرب، وأنا سائلٌ عنه، فإن كان يُسكرُ جَلَدْتُهُ"2. فصول الأوّل إذا أقيم الحدّ مرّة فإن كان من أقامه ليس له إقامة الحدود لم يسقط، وللإمام إقامته مرة أخرى، وإن تلف المحدود في ضرب ما ليس له إقامته ضمنه، وإن كان من أقامه في المرّة الأولى له إقامة الحدود، فليس لغيره إقامته مرّة أخرى. وإن كان من أقامه هو من تحت يده أو دونه. وأما قصّة عمر فإنه ولده، وله التصرف فيه بما أراد وذلك على وجه التأديب لا على وجه الحدّ. الفصل الثّاني هل يحدّ بمجرد الريح في السّكر من غير بينة، أو مشاهدته على سكره؟ على روايتين عن الإمام أحمد: إحداهما: يُحَدُّ3.
والثّانية: لا يُحَدُّ بمجرد الريح من غير بينة1. والله أعلم. الفصل الثّالث لا يجب في الحدّ إلا الضرب فقط، ولا يجب حلق ولا غيره. وأما ما ذكر من الحلق فإنه ترك، ولم يعمل به أحدٌ بعد ذلك2. الفصل الرّابع قولهم: إن عبد الرحمن إنما شرب النبيذ متأولاً، يظن أن ما شرب منه لا يسكر لو كان كذلك لم يجب عليه الحدّ، فإن الحدّ لا يجب إلاّ على من شرب الخمر مختاراً عالماً أنه خمر وأن كثيره يسكر، فإن شربه مكرهاً أو ناسياً، أو لا يعلم أنه يسكر فلا حدّ عليه. فلو شربه على هذا الوجه لم يجب عليه الحدّ3. الفصل الخامس كلّ ما أسكر كثيره فقليله حرام من أي شيء كان، من عنب، أو تمر، أو شعير أو عسل ونحو ذلك ويسمى خمراً، ولا يحلّ شربه مطلقاً، لا للذّة، ولا لتداوي، ولا لعطش، ولا غيره، إلا أن يضطرّ إليه لدفع لقمة غصَّ بها فيجوز، فإن وجده ووجد ماءَ الغير، فالماء مقدم عليه، وإن
وجد بولاً فإن كان بول حيوان مأكول اللحم فهو مقدم1، وإلاّ فخلاف هل يقدم الخمر أم البول؟ 2. والله أعلم.
الباب الثالث والتسعون: ثناء الناس عليه
الباب الثالث والتسعون: ثناء الناس عليه ... الباب الثالث والتسعون: في ذكر ثناء الناس عليه في صحيح البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "سألني ابن عمر عن بعض شأنه" - يعني: [عمر] 1 - فأخبرته. فقال: "ما رأيت أحداً قطّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض كان أجدّ وأجودَ، حتى انتهى، من عمر بن الخطّاب"2. وسبق أنه قيل لأبي بكر عند عهده إلى عمر: "ماذا تقول لربك وقد ولّيتَ علينا عمر؟ "، فقال: "أقول ولّيت عليهم خير أهلك"3. / [132 / ب] . وقالوا: "ما ندري أنت الخليفة أم عمر؟ "، قال: "بل هو لو كان قَبِلَ"، ونحو ذلك مما تقدم4. وعن ابن سيرين قال: "كتب عمر إلى أبي موسى: إذا جاءك كتابي، فأعطِ الناس أعطياتهم، واحمل إليّ ما بقي مع زياد"5. ففعل. فلما كان عثمان كتب إلى أبي موسى بمثل ذلك، ففعل، فجاء زياد بما معه، فوضعه بين يدي عثمان، فجاء ابن عثمان فأخذ شيئاً نرى أنه من فضة فمضى بها، فبكى زياد، فقال عثمان: "ما يبكيك؟ "، قال: "أتيت6 أمير المؤمنين بمثل ما أتيك به، فجاء ابن له فأخذ درهماً، فأمر به فانتزع منه، حتى أبكى الغلام7،
وإن ابنك هذا جاء فأخذ هذه، فلم أرَ أحداً قال له شيئاً، فقال له عثمان: "إن عمر كان يمنع أهله1 وأقرباءه ابتغاء وجه الله تعالى، وإني أعطي أهلي وأقربائي ابتغاء وجه الله تعالى، ولن تلقى مثل عمر، ولن تلقى مثل عمر، ولن تلقى مثل عمر"2. وعن إسماعيل بن أبي خالد قال: قيل لعثمان رضي الله عنه: "ألا تكون مثل عمر؟ "، قال: "لا أستطيع أن أكون مثل لقمان الحكيم"3. روي عن سعيد بن زيد أنه بكى4 عند موت عمر، فقيل له: "ما يبكيك؟ "، فقال: "على الإسلام، إن موت عمر ثَلَمَ الإسلامَ لا ترتق إلى يوم5 القيامة"6. وعن زيد بن وهب قال: "أتينا عبد الله بن مسعود، فذكر عمر، فبكى حتى ابتلّ الحصى من دموعه7، وقال: "إن عمر كان حصناً حصيناً للإسلام يدخلون فيه ولا يخرجون منه، فلما مات عمر انْثَلَم الحصن8 فالناس يخرجون من الإسلام"9.
وعن أبي وائل قال: "قدم علينا عبد الله بن مسعود فنعى إلينا عمر، فلم أرَ يوماًكان أكثر باكياًولاحزيناً منه، ثم قال: "والله لو أعْلَم عمركان1 يُحِبُّ كلباً لأحببته، والله إني لأحسب العِضَاة قد وجدت فقد عمر"2. وعنه قال: قال عبد الله مسعود رضي الله عنه: "والله ما أحسب شيئاً إلا وقد دخل عليه فَقْدُ عمر حتى العِضَاة، ولو علمت أن كلباً يحب عمر لكان من أحب الكلاب إليّ"3. وعن أبي وائل عن عبد الله قال: "ما رأيت عمر قطّ إلاّ وكأن بين عينيه ملكاً يسدّده"4. وعنه قال: قال عبد الله: "لو أن علم عمر بن الخطّاب وضع في كفّة الميزان، ووضع علم الأرض في كفّة لرجح علم عمر"5.
وعن إبراهيم1 عن عبد الله أنه قال: "إني لأحسب عمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم"2. وعن ابن وهب قال: قال عبد الله: "اقرأ كما أقرأك3 عمر، إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله4، وأفقهنا في دين الله"5. وعن زرّ قال: "كان عبد الله يخطب - وهو ابن مسعود - يقول: "إني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدّده ويقومه، وإني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حدثاً فيرده"6. وعن ابن مسعود قال: "كان إسلام عمر فتحاً وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة"7.
وعن أنس بن مالك قال: قال أبو طلحة الأنصاري: "والله ما من أهل بيت من المسلمين إلا وقد دخل عليهم في موت عمر نقص في دينهم وفي دنياهم"1. وقال حذيفة: "إنما كان مثل الإسلام أيام عمر مثل أمر مقبل لم يزل في إقبال، فلما قتل أدبر فلم يزل في إدبار"2. عن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: "بينما عمرو بن العاص يوماً يسير أمام ركبه، هو يحدّث نفسه، إذ قال: "لله درّ ابن حنتمة3 / [133 / أ] ، أي امرئ كان "يعني بذلك عمر بن الخطّاب رضي الله عنه"4. وعن عزرة بن قيس البجلي5 قال: "خطبنا خالد بن الوليد فقال: "إن عمر بعثني إلى الشام، وهو لهم مهم، فلما ألقى الشام نوايبه، وصار سمناً وعسلاً أراد أن يؤثر به غيري، ويبعثني إلى الهند، فقال رجل إلى جانبه: "اصبر، اصبر أيها الأمير، فإن الفتن قد ظهرت". فقال خالد: "وابن الخطاب حيّ! إنما
ذلك بعد"1. وعن عبد الله بن سارية2 قال: "جاء عبد الله بن سلام3 بعدما صُلِّي على عمر رضي الله عنه فقال: إن كنتم سبقتموني بالصلاة عليه، فلن تسبقوني بالثناء عليه، ثم قام، فقال: نِعمَ أخو الإسلام كنتَ يا عمر جواداً بالحقّ، بخيلاً بالباطل، ترضى من الرضى، وتسخط من السخط، لم تكن مداحاً ولا معياباً، طيب العَرْف4، عفيف الطرف"5. وعن طارق بن شهاب قال: "قالت أم أيمن يوم أصيب عمر رضي الله عنه: "اليوم وهى الإسلام"6. وعن [عمر بن] 7 سليمان بن أبي حَثْمَة8 عن أبيه9 قال: قالت الشفاء
بنت عبد الله، ورأت فتياناً يقصدون1 في المشي، ويتكلمون رويداً فقالت: "ما هؤلاء؟ "، قالوا: "نُسَّاكٌ"، قالت: "كان والله عمر إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو الناسك حقّاً"2. وعن [ابن] 3 أبي حازم4 عن أبيه، قال: "سئل عليّ بن الحسين عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ومنزلتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "كمنزلتهما اليوم، وهما ضجيعاه"5. وقال عبد الرحمن بن غَنْم يوم مات - رحمة الله عليه -: "اليوم أصبح الإسلام مولياً ما من رجُلٍ بأرض فلاة يطلُبُهُ العدوّ فأتاه آتٍ، فقال: خذ حذرك، بأشد فراراً من الإسلام اليوم"6. وعن عبد الله بن إدريس7 قال: "سمعت أشعث8 يقول: "إذا اختلف
الناس في شيء فانظر كيف صنع عمر، فإن عمر لم يكن يصنع شيئاً حتى يشاور، قال: فذكرت ذلك لابن سيرين، فقال: "إذا رأيت الرجل يخبرك أنه أعلم من عمر فاحذره"1. وعن صالح بن حيّ2 قال: الشعبي: "من سرّه أن يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر فإنه كان يستشير"3. وعن الشعبي قال: سمعت قبيصة بن جابر يقول: "صحبت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فما رأيت أقرأ لكتاب الله ولا أفقه في دين الله، ولا أحسن مدارسة منه"4. وعن قرة بن خالد5 عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه قال: "إذا أردتم أن يطيب المجلس فأفيضوا في ذكر عمر"6. وعنه أنه قال: (أيّ أهل بيت لم يجدوا فقده فهم أهل بيت سوء"7.
وعن واصل بن الأحدب1 عن مجاهد قال: "كنا نتحدث أن الشياطين مصفدة في زمن عمر، فلما قتل بثت في الأرض"2. وعن سعد بن أبي صدقة3 عن محمّد بن سيرين قال: "لم4 يكن أحد بعد / [133 / ب] رسول الله صلى الله عليه وسلم أهيب لما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب لما لا يعرف من عمر"5. وعن قيس بن مسلم6 عن طارق بن شهاب، قال: "كنا نتحدث أن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ينطق على لسان ملك7"8. وعن حماد بن زيد عن أيوب9 قال: "إذا بلغك اختلاف عن النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت في ذلك الاختلاف10 أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فشدّ
يديك به، فإنه الحقّ، وهو السنة"1. وعن عليّ بن عبد الله بن عباس2 - رضي الله عنهما - قال: "دخلت في يوم شديد البرد على عبد الملك بن مروان فإذا هو في قبة باطنها قُوهِيٌّ3 معصفر، وظاهرها خزاعيز4، وحوله أربعة5 كوانين6، قال: فرأى البرد في تَقَفْقُفي7، فقال: "ما أظن يومنا هذا إلا بارداً"، قلت: "أصلح الله الأمير ما يظن أهل8 الشام أنه أتى عليهم يوم أبرد منه، فذكر الدنيا، وذمها، ونال منها، وقال: "هذا معاوية عاش أربعين سنة عشرين9 أميراً، وعشرين خليفة، لله درّ ابن حنْتَمة ما كان أعلمه بالدنيا - يعني: عمر10 - رضي الله عنه"11. وذكر أبو القاسم الأصفهاني عن ابن مسعود قال: "ما رأيت عمر ابن الخطّاب رضي الله عنه إلاّ وكأن بين عينيه ملكاً يسدّده"12. وقال: "إن عمر كان حصناً حصيناً للإسلام، الناس13 يدخلون فيه، ولا
يخرجون منه، فأصبح الحصن قد انهدم، والناس يخرجون منه ولا يدخلون1 فيه"2. وقال: "إن كان إسلام عمر لفتحاً، وإن كان هجرته لنصراً"3. وروي عن عبد الله - لعله ابن مسعود4 - قال: "لو أن علم عمر وضع في كفّة الميزان، ووضع علم أهل الأرض في كفّة أخرى رجح علم عمر"5. وذكر عن ابن مسعود: أنه مرّ على رجلين في المسجد قد اختلفا في آية من القرآن، فقال أحدهما: "أَقْرَأنيها6 عمر"، وقال الآخر: "أقْرأنيها أبي"، فقال ابن مسعود: "اقرأ كما أقرأكها عمر"، ثم هملت7 عيناه حتى بل الحصى، وهو قائم، ثم قال: "إن عمر كان حائطاً كثيفاً، فمات عمر، فانثلم الحائط، فهم يخرجون ولا يدخلون، ولو أن كلباً أحبّ عمر لأحببته، وما أحببت أحداً حبي لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح بعد بني الله صلى الله عليه وسلم"8. وعن أنس قال: قال [أبو] 9 طلحة يوم مات عمر رضي الله عنه: "ما من
بيت حاضر ولا بادٍ إلا وقد دخله من موت عمر نقص"1. وقال سفيان بن عيينة بإسناد له: "ما كان أبو بكر وعمر إلا حجة على الناس أن يقول قائل: من ذا الذي يستطيع أن يعمل بمثل عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقال: أبو بكر وعمر. فكانا حجّة على الناس"2. / [134 /أ] . وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: "كان عمر أعلمنا بالله، وأقرأنا لكتاب الله، وأتقانا لله، والله إن أهل بيت المسلمين لم يدخل عليهم حزن على عمر حين أصيب لأهل بيت سوء"3. وقال: "إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهبت يوم ذهب عمر"4. وعن الضحاك5 عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أكثروا ذكر عمر فإن عمر إذا ذكر ذكر العدل، وإذا ذكر العدل ذكر الله"6. فصل المدح تارة يكون لحيّ، وتارة يكون لميّت، فإن كان لميّت جاز لما في الحديث، مرّ بجنازة فأثنوا عليه أو عليها خيراً7، وإن كان لحيّ فإن أطراه بما
ليس فيه كره، وإن قال ما فيه، فليقل: أحسبه كذا، فلا يقول من باب القطع، فإن علمه بذلك من باب الظن، وفي الحديث: أن رجلاً مدح1 رجلاً بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "قطعت ظهر أخيك، من كان مادحاً أخاه لا محالة، فليقل: أحسبه كذا، وحسيبه الله، ولا أزكي على الله أحداً" 2. وفي صحيح مسلم والترمذي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احثوا في أفواه المدّاحين التراب" 3. ويحمل هذا على من زاد في المدح والإطراء، بأن قال في الرجل ما ليس فيه، ولا يجوز أن يقطع لأحدٍ بجنةٍ ولا نارٍ إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم وهم أصحابه العشرة، وأناس قليلون معهم، منهم: عكاشة بن محصن4، وخديجة بنت خويلد5 وغيرهما6. فإن كان ذلك بالإشارة لا بصريح اللفظ فهل يجوز أم لا؟ في حديث عبد الله بن سَلام لما دخل المسجد قالوا: "هذا من أهل الجنة، وقام إليه ذلك الرجل فأخبره، فقال: "ما ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم، إنما رأيت كأني في روضة خضراء، وفي وسطها عمود وفيه عروة،
فقيل لي: ارْقَ، فلم أقدر فأتاني وصيف فرفع بثيابي من ورائي، فرقيت فاستمسكت بالعروة، فاستيقظت وهي في يدي، فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "الروضة: الإسلام، والعمود: عمود الإسلام، والعُروة: العروة الوقثى، فأنت مستمسك بها حتى تموت" 1. فظاهر الحال أن النبي صلى الله عليه وسلم / [134 / ب] إذا قال في إنسان ما يدل على أنه من أهل الجنة، يجوز أن يشهد له بالجنة، وظاهر قول عبد الله ابن سلام أن الذي اختاره أنه لا يجوز ذلك. ولا يجوز أن يقطع لأحد أنه من أهل النار - أيضاً -، إلا من قطع له النبي صلى الله عليه وسلم والكافر الذي يموت على كفره. وفي الصحيحين: حين قالت امرأة لعثمان بن مَظْعُونِ: "رحمة الله عليكَ أبا السائب، شهادتي عليك: لقد أكرمكَ الله"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما يُدْريكِ؟، والله إني رسول الله وما أدري ما يفعل بيَ، أو قال به". قالت: "فمن يكرمه الله يا رسول الله؟ "، قال: "أما هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير"، قالت: "لا أزكي بعدها أحداً أبداً"2. وقال الله عزوجل: {فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفَسَكُم هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] ، وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفَسَهُم بَلِ الله يُزَكِّي مَن يَّشَاء} [النساء: 49] . وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل
النار" 1. المراد به في آخر الزمان. ويحتمل أشياء منها: - أن يكون يعرف ذلك بارتكاب الجرائم، والمعاصي والبدع ونحو ذلك، ولزوم طاعة الله. - ومنها: أن يعرف ذلك عند خروج الدابة ونزول عيسى، فإنه يظهر هناك المؤمن والكافر، وعند خروج الدابة فإنها تسم المؤمن بنور، والكافر بقتر، فعند خروج هذه الأشياء يعرف أهل الجنة من أهل النار. - ويحتمل أن يكون ذلك الخطاب لمن كان معه من الصحابة، أي: يعرفون ذلك بالفراسة وقوة الإيمان2. وأما مدح المرء نفسه، والإخبار عن نفسه بالدين والعلم والشجاعة والورع ونحو ذلك، فإنه لا يجوز. لقوله عزوجل: {فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفَسَكُم} [النجم: 32] ، وقوله عزوجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفَسَهُم} [النساء: 49] . وأهل ذلك يظهر عليهم، وهم يكتمونه، وأهل الشرّ يظهر الشّرّ عليهم، وهم يخفونه، ولو قالوا: إنهم من أهل الخير. وحكي عن حبيب العجمي3 أنه كان يرائي، فمرّ على الصبيان فقالوا: "انظروا إلى حبيب المرائي"، فقال: "أظهرت سرِّي حتّى للصّبيان".
فتاب، ورجع، ثم مرّ عليهم، فقالوا: "اصبروا، مرّ حبيب التائب"، أو نحو هذا، فقال: "أنا اليوم تائب، وذلك اليوم مرئي"1. / [135 / أ] .
الباب الرابع والتسعون: محبته وثوابها
الباب الرابع والتسعون: محبته وثوابها ... الباب الرابع والتسعون: في ذكر محبّته وثوابها ذكر ابن الجوزي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حبّ أبي بكر وعمر من الإيمان، وبغضهما من الكفر، ومن سبّ أصحابي فعليه لعنة الله" 1. وعن محمّد بن خالد بن عَثْمَة2 قال: "سمعت مالك بن أنس يقول: "يؤتى بأقوام يوم القيامة فيقفون بين يدي الله عزوجل فيؤمر بهم إلى النار، فإذا هَمَّ الزبانية بأخذهم، وقربوا من النار، وهَمَّ مالكٌ بأخذهم، قال الله تعالى لملائكة الرحمة: "ردّوهم"، فيردوهم، فيقفون بين يدي الله عزوجل طويلاً فيقول: "يا عبادي أمرت بكم إلى النار بذنوب سلفت لكم استوجبتم لها، وقد روعتكم، وقد أذهبت ذنوبكم لحبّكم أبا بكر وعمر"3. وعن إسماعيل بن يحيى4 بن سلمة بن كهيل5 قال: "كانت لي أخت أسن مني فاختلطت، وذهب عقلها، فتوحشت، وكانت في غرفة بضع
عشرة سنة، وكانت مع ذهاب عقلها تحرص على الطهور، وتعقد الصلوات، وربما غلبت على عقلها الأيام فتحفظ ذلك حتى تقضيه. قال: فبينا أنا نائم ذات ليلة إذ باب بيتي يدق في نصف الليل فقلت: من هذا؟، قالت: "بجة"، قلت: أختي؟، قالت: "أختك"، قلت: لبيك، وفتحت الباب، فدخلت ولا عهد لها بالبيت منذ أكثر من عشرين سنة، فقلت لها: يا أختاه، خير؟، فقالت: "خير أتيت الليلة في منامي، فقيل لي: السلام عليك يا بجة، فقلت: وعليكم السلام، فقيل لي: إن الله قد حفظ أباك يحيى1 لسلمة بن كهيل2، وحفظ إسماعيل لأبيك، فإن شئت دعوت الله لك فأذهب ما بك، وإن شئت صبرت ولك الجنة فإن أبا بكر وعمر قد شفعا لك إلى الله عزوجل بحبّ أبيك وجدك إياهما، فقلت: إن كان لا بدّ أختار أحدهما فالصبر على ما أنا فيه والجنة، والله واسع لا يتعاظمه شيء، إن شاء أن يجعلهما لي فعل، قالت: فقال لي: قد جمعهما لك الله ورضي عن أبيك، وجدك بحبّهما أبا بكر وعمر، قومي فانزلي فأذهب الله ما كان بها"3. عن هبة بن سلامة المفسر4 قال: "كان لنا شيخ يقرأ قراءة حمزة5 في باب مُحَوِّل6، فمات بعض أصحابه فرآه الشيخ في النوم، فقال: "ما
فعل الله بك؟ "، قال: "غفر لي1"، قال: "فما حالك مع منكر ونكير؟ "، قال: "يا أستاذ لما أجلساني وقالا لي: من ربُّكَ؟، ومن نبيّك؟، فألهمني الله أن قلت لهما: بحقّ أبي بكر وعمر دعاني"، فقال أحدهما للآخر: "قد أقسم علينا بعظيم، دعه، فتركاني وانصرفا"2. / [135 / ب] . وعن الحسين بن محمّد القطان3 قال: حدّثني أبي4 قال5: "رأيت بشر بن الحارث6 وقد اشترى مسكاً بدرهم، ورأيته يطوف في مزبلة، فإذا رأى رقعة فيها اسم الله عزوجل طرح عليها من المسك وجعلها في كوة، ويقول في إثرها: كذا أو هكذا أرفع اسمك إليك7، قال: وقال لي بشر: أصبت رقعة ليس لله فيها اسم، فرميت بها، فرأيت في المنام قائلاً يقول لي: "يا بشر رميت بالرقعة وفيها اسمان يحبهما الله تعالى: أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - 8. وفي الصحيحين وغيرهما عن أنس "أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "متى الساعة؟ "، قال: "وما أعددت لها؟ "، قال: "لا شيء إلاّ أني أحبّ الله
ورسوله". قال: "فإنك مع من أحببت". [قال] 1 أنس: "فما فرحنا بشيء بعد الإسلام فرحاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت"، فقال أنس: "فأنا أحبّ النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم لحُبِّي إياهم، وإن كنت لا أعمل بأعمالهم"2. وذكر أبو القاسم الأصفهاني قال أبو بكر بن عياش: "ذكر عمر بن الخطّاب عبادة"3. وذكر الشيخ موفق الدين في "المنهاج"، عن عبد الرحيم بن زيد العمي4 أخبرني أبي5 قال: "أدركت سبعين شيخاً من التابعين كلهم يحدّثون عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحبّ جميع أصحابي، وتولاهم، واستغفر لهم، جعله الله يوم القيامة معهم في الجنة" 6. وروى الشيخ موفق الدين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا يجتمع حبّ هؤلاء الأربعة إلاّ في قلب مؤمن: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ" 1. وفي (فضائل الصحابة) لإبراهيم بن عبد الرحمن المقدسي2 عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن على حوضي أربعة أركان، فأوّل ركن منها3 في يدي أبي بكر، والركن الثاني في يد عمر، والركن الثالث في يد عثمان، والركن الرابع في يد عليّ، فمن أحبّ أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبو بكر4، ومن أحبّ عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عمر، ومن أحبّ عثمان وأبغض عليّاً لم يسقه عثمان، ومن أحبّ عليّاً وأبغض عثمان لم يسقه عليّ5، ومن أحسن القول في أبي بكر فقد أقام الدين، ومن أحسن القول في عمر فقد وضح السبيل، ومن أحسن القول في عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحسن القول في عليّ فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن
أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن" 1. وفي (أمالي) الجوهري عن عليّ أن النبي صلى الله عليه وسلم / [136 / أ] نظر إلى أبي بكر وعمر يأتيان من قبل قباء، فقال: "سابقان، سابقان بالخير حبّهما إيمان، وبغضهما نفاق، أتحبّهما يا عليّ؟ "، قال: نعم. يا رسول الله إني أحبّهما، وقد - والله - ازددت لهما حبّاً، وقال: "أجل فأحبهما فإن حبهما إيمان، وبغضهما نفاق" 2. وفي (أمالي) أبي عبد الله بن مَنْدَة3 عن مسروق بن الأجدع قال: "حبّ أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة"4. وفي (أحاديث) أبي بكر محمّد بن عبد الله بن إبراهيم5 الشافعي6 عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحبّ أن يتمسك بقضيب الدرّ الذي غرسه الله في جنة
عدن بيده، فليحبّ عمر ابن الخطّاب رضي الله عنه" 1. وفي (أحاديث) إسماعيل بن محمّد الصفار2 عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حبّ أبي بكر، وعمر سنة وبغضهما كفر، وحبّ الأنصار إيمان وبغضهم كفر، وحبّ العرب إيمان وبغضهم كفر" 3. فصل محبّة أبي بكر وعمر واجبة على كلّ أحدٍ، فمن أبغضهما فقد ترك واجباً كالصلاة والصوم، وما سبق من الأحاديث يدلّ على ذلك، وأن الإنسان إذا ترك محبّتهما حكمه كمن ترك غير ذلك من الواجبات: الصلاة والصوم ونحو ذلك، وأنه يستتاب على ذلك، فإن تاب ورجع وإلاّ قتل، فإنه تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بغضهما كفر"، وذلك لأن الرسول عليه السلام أمر بمحبّتهما، ومن لم يفعل ذلك فقد ردّ على الرسول ما أمر به، ومن فعل ذلك كفر واستتيب فإن تاب وإلاّ قتل.
الباب الخامس والتسعون: عداوته وعقابها
الباب الخامس والتسعون: عداوته وعقابها ... الباب الخامس والتسعون: في ذكر عداوته وعقابها روى التّرمذي عن أيوب عن محمّد بن سيرين قال: "ما أظن رجلاً ينتقص أبا بكر وعمر يحبّ النبي صلى الله عليه وسلم" وقال: "حديث حسن غريب"1. وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسُبّوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما أدرك مدّ أحدِهم ولا نصيفه" 2. وفي النسائي عن عبد الله بن الزبير أن عمر رضي الله عنه قام بالجابية خطيباً فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا مقامي فيكم فقال: "أكرموا أصحابي فإنهم خياركم" 3.
وذكر الشيخ موفق الدين في "المنهاج" عن عبد الرحمن بن سالم ابن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اختارني واختار لي أصحاباً، فجعل لي منهم أصهاراً وأنصاراً، فمن سبّهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً" 1.
وروى الإمام أحمد وغيره عن عبد لله بن مُغَفَّل المزني1 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله اللهَ في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً2 بعدي، من أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن سبّهم فعليه لعنة الله" 3. قال الصابوني4: "هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن مغفل"5. وذكر الشيخ موفق الدين بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اختارني واختار لي أصحاباً فجعلهم أصحابي، وأصهاري، وأنصاري، وسيأتي قوم من بعدهم يسبّونهم، أو قال: يبغضونهم فلا
تجالسوهم، ولا تواكلهم، ولا تناكحوهم، ولا تصلوا عليهم، ولا تصلوا معهم" 1. وروى الشيخ موفق الدين بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سبّ أصحابي فعليه لعنة الله الملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" 2. وقال ابن عمر: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله من سبّ أصحابي" 3.
وقال ابن عمر: "لا تسبّوا أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عبادة أحدكم أربعين سنة"1. وذكر الشيخ موفق الدين عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قالوا: "يا رسول الله أوصنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوصيكم بالسابقين المهاجرين الأوّلين، وأبنائهم من بعدهم إن لا تفعلوا لا يُقبل منكم صرف ولا عدل" 2. وروى الطبراني3 في "المعجم الكبير" عن سهل بن يوسف بن سهل بن
مالك، عن أبيه عن جده1 سهل بن مالك2 قال: "لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن أبا بكر لم يسؤني قطّ، فاعرفوا ذلك له، يا أيها الناس إني راضٍ عن عمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد ابن أبي وقاص، والمهاجرين الأوّلين، فاعرفوا ذلك لهم، يا أيها الناس إن الله قد غفر لأهل بدرٍ والحديبية، يا أيها الناس لا تسؤوني في أختاني، وأصهاري، وأصحابي، يا أيها الناس لا يطالبنكم أحد منهم [بمظلمة] 3 فإنها لا توهب، يا أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات الرجل فقولوا فيه خيراً" 4.
وروى الشيخ موفق الدين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد افترض عليكم حبّ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، كما افترض عليكم الصلاة والصيام، والحجّ، فمن أبغض أحداً منهم أدخله الله النار" 1. وروى الشيخ موفق الدين عن وهب بن منبه قال: "رأيت أسقف قيسارية في الطواف فسألته عن إسلامه فقال: / [137 / أ] 2 "ركبت سفينة أقصد بعض المدن في جماعة من الناس فانكسرت السفينة فوثبت على خشبة يضربني الموج ثلاثة أيام بلياليها، ثم قذف بيَ الموج إلى غيضة فيها أشجار لها ثمر مثل النَبِق، ونهر مطرد، فشربت الماء وأكلت من ذلك الثمر، فلما جنّ الليل صعد من الماء شخص عظيم، وحوله جماعة لم أرَ على صورتهم أحداً، فقال بأعلى صوته: "لا إله إلا الله الملك الجبار محمّد رسول الله النبي المختار، أبو بكر الصديق صاحب الغار، عمر بن الخطّاب فتاح الأمصار، عثمان بن عفان حسن الجوار، عليّ بن أبي طالب قاصم الكفار، على باغضيهم3 لعنة الله، ومأواه جهنم وبئست الدار، ثم غاب، فلما كان بعد مضي أكثر الليل صعد ثانياً في أصحابه فنادى: لا إله إلا الله القريب المجيب، محمّد رسول الله النبي الحبيب، أبو بكر الصديق الشفيق الرفيق، عمر بن الخطّاب ركن من حديد،
عثمان بن عفان الحيي الحليم، عليّ بن أبي طالب الكريم المستقيم، ثم بصر بيَ أحدهم فدنا مني فقال: "أجني أم إنسي؟ "، فقلت: "إنسي". قال: "ما دينك؟ "، قلت: "النصرانية"، قال: "أسلم تسلم، أما علمت أن الدين عند الله الإسلام"، فقلت: "ما هذا الشخص العظيم الذي نادى؟ "، قال: "هو التيار ملك البحار، هذا دأبه كلّ ليلة في بحر من البحور"، ثم قال: "غداً يمر بك مركب، فصح بهم، وأشر إليهم يحملوك إلى بلد الإسلام"، فلما كان من الغدّ مرّ مركبٌ، فأشرت إليهم، وكانوا نصارى، فحملوني، وقصصت عليهم قصتي، فأسلموا كما أسلمت، وضمنت لله لا أكتم هذا الحديث"1. وفي "فضائل الصحابة" لإبراهيم بن عبد الرحمن المقدسي عن الأعمش قال: "خرجت في البلد في ليلة مظلمة أريد الجامع، فإذا بشخص قد عارضني فاقشعررت منه، فقلت: أمن الإنس أنت أم الجنّ؟ قال: "بل من الجن". فقلت: "من مؤمنها أم من كافرها؟ "، قال: "بل من مؤمنها". قلت: "فيكم من هذه البدع شيئاً؟ "، فقال: "نعم. إلاّ أنه ليس منا شرٌّ من المرجئة، ولا أرعَنَ من القدرية، ولا أجهل من الرافضة"، ثم قال لي: "ألا أحدثك بحديث؟ "، قلت: "بلى". قال: "أعلمك أنه وقع بيني وبين عفريت من الجنّ اختلافٌ في أبي بكر وعمر، فقال العفريت: "إن أبا بكر وعمر ظلما عليّ بن أبي طالب واعتديا عليه، وأخذا ما ليس لهما بحقّ، فقال لي: بمن ترضى؟ ". فقلت: "بإبليس، فأتينا إبليس وهو جالس على ساحل البحر على سرير من
الخشب، فلما نظر إلينا ضحك وقهقه، وقال: "فيما جئتماني؟ "، فقصصنا عليه القصة، فقال: "ألا أحدثكم بحديث؟ "، قلنا: "بلى". قال: "أُعَلِّمُكُم أني عبدت الله عزوجل في السماء الدنيا ألف عام، فسميت فيها العابد، ورفعت إلى السماء الثانية، فعبدت الله فيها ألف عام، فسميت فيها الزاهد، ورفعت إلى السماء الثالثة، فعبدت الله فيها ألف عام، فسميت فيها الراغب، ثم رفعت إلى السماء الرابعة فرأيت فيها ألف صنف من الملائكة يستغفرون لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ثم رفعت إلى السماء الخامسة، فرأيت فيها ألف صنف من الملائكة يلعنون مُلْعِنِي أبي بكر وعمر، فهذا قد رأيت، فإن شئتما فأحباهما، وإن شِئْتُمَا فأبغضاهما"1. / [136 / ب] 2. وذكر ابن الجوزي عن أبي المُحَيَّاة3 التيمي4 قال: حدّثني مؤذنعليّ5 قال: "خرجت أنا وعمي إلى مُكْرَان6، وكان معنا رجل يَسُبُّ أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فنهيناه فلم ينتهِ، فقلنا: اعتزلنا، فلما دنا خروجنا نَدِمْنا، فقلنا: لو صحبنا حتى نرجع إلى الكوفة، فلقينا غلاماً له، فقلنا له: قل لمولاك يعود إلينا قال: "إن مولاي قد حدّث به أمر عظيم، قد مسخت
يداه يدا خنزير، قال: فأتيناه فقلنا له: ارجع إلينا، فقال: "إنه قد حدث بيَ أمر عظيم"، وأخرج ذراعيه / [137 / ب] فإذا هما ذراعاً خنزير، قال: فصحبنا حتى انتهينا إلى قرية من قرى السواد كثيرة الخنازير فلما رآها صاح صيحة ووثب فمسخ خنزيراً1، وخفي علينا فجئنا بغلامه ومتاعه إلى الكوفة"2. قال أبو المحياة: وحدّثني رجل قال: "خرجنا في سفر ومعنا رجل يشتم أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فنهيناه، فلم ينته، فخرج لبعض حاجته، فاجتمع عليه الدبر - يعين: الزنابير3 - فاستغاث، فأغثناه، فحملت علينا حتى تركناه، فما أقلعت عنه حتى قطعته"4. وعن خلف بن تميم5 قال: "سمعت بشيراً - ويكنى: أبا الخصيب6 قال: "كنت رجلاً تاجراً، وكنت موسراً، وكنت أسكن مدائنَ كسرى، وذلك
في زمن ابن هبيرة1 قال: فأتاني أجيري فذكر أن في بعض خانات2 المدائن رجلاً قد مات، ولم يوجد له كفن، فأقبلت حتى دخلت ذلك الخان، فدفعت إلى رجل مُسَجَّى، وعلى بطنه لبنةٌ، ومعه نفرٌ من أصحابه، فذكروا من عبادته وفضله، [قال:] 3 فبعثتُ يُشْتَرى4 الكفن وغيره، وبعثت إلى حافر يحفر له، وهيّأ له لبناً، وجلسنا نُسَخِّن له ماء لنغسّله، فبينا نحن كذلك، إذ وثب الميتُ وثبةً فندرت اللبنة عن بطنه، وهو يدعو بالويل والثُّبورِ والنار، فتصدّع أصحابه عنه، قال: فدنوتُ منه حتى أخذت بعضده وهَزَزته، ثم قلت: ما أنت5 وما حالك؟ فقال: "صحبت مَشْيَخة من أهل الكوفة، فأدخلوني في دينهم، أو في رأيهم الشكّ من أبي الخصيب في سبّ أبي بكر وعمر والبراءة منهما"، قال: قلت: اسْتَغْفِر الله، ثم لا تعد. قال: فأجابني: "وما ينفعني، وقد انطُلِقَ بيَ إلى مدخلي من النار، فرأيته، وقيل لي: إنك سترجع إلى أصحابك، فتُحَدِّثُهم بما رأيت، ثم تعود إلى حالك؟ "، قال: فما انقضت كلمتُه حتى مال ميتا على حاله الأوّل، فانتظرت حتى أُتيتُ بالكفن، فأخذته، ثم قمت، فقلت: لا كَفَّنْتُهُ، ولا غَسَّلْتُهُ، ولا صَلَّيتُ عليه، ثم انصرفت، فأُخبِرتُ بعد أن القوم الذين كانوا معه كانوا على رأيه،
ولوا1 غسله، ودفنه، والصلاة عليه. وقالوا: "ما الذي أنكرتم من صاحبنا، إنما كانت خطفه من الشيطان تكلم بها على لسانه". قال خلف: فقلت: "يا أبا الخصيب هذا الذي حدّثتني به شهدته؟ "، قال: "نظر عيني وسماع أذني، وأنا أؤدّيه إلى الناس"2. وعن أبي الحُباب3 وهو عمّ عمار بن سيف الضبِي4 قال: "كنا في غزاةٍ في البحر وقائدنا موسى بن كعب5، ومعنا في المركب رجل من أهل الكوفة يكنى: أبا الحجاج، قال: فأقبل يشتمُ أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فزجرناه فلم ينزجر، ونهيناه ولم ينته، فأرسينا إلى جزيرة في البحر، فتفرقنا فيها نتأهّبُ / [138 / أ] لصلاة الظهر، فأتانا صاحب لنا، فقال: "أدركوا أبا الحجاج فقد أكلتهُ النحلُ، فدفعنا إلى أبي الحجاج وهو ميت، وقد أكَلَتْهُ الدَّبْرُ - وهي: النحل -. قال6: وزادني في هذا الحديث ابن المبارك7: قال أبو الحباب: "فحفرنا له لندفنه فاستوعرت علينا الأرض، قال: "وما استوعرت؟ "، قال: صلبت8، فلم نقدر على أن نحفر له، فألقينا عليه ورق الشجر والحجارة، وتركناه".
قال خلف: "وكان صاحب لنا يبول، فوقعت نحلة على ذكره، فلم تضره فعلمنا أنها مأمورة"1. وعن أبي الحسين أحمد بن عبد الله السوسنجردي2 قال: "كان في جوارنا رجل يقرأ القرآن، يعرف بأبي الحسن بن عرنة3، وكان يختلف إلى شيخنا أبي الحسن بن أبي عمر المقرئ4، فبات ليلة، وقد عمي، فسئل عن ذلك فقال: "كنت في مجلس في شارع باب الكوفة فذكر رجل بحضرة جماعة أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - بسوء، فما أنكرت، وكنت قادراً على الإنكار، فلما كان الليل رأيت عليّاً بن أبي طالب رضي الله عنه في النوم، فقال لي: "لم لا تنكر على من ذكرهما بسوء؟ "، فضرب رأسي بمرزبة فأصبحت أعمى"5. وعن محمّد بن عليّ السمان6 قال: "سمعت رضوان السمان7 قال: "كان لي جار في منزلي وسوقي، وكان يشتم أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - قال: فكثر الكلام بيني وبينه، فلما كان ذات ليلة شتمهما وأنا حاضر، حتى وقع بيني وبينه كلام، حتى تناولني وتناولته، فانصرفت إلى منزلي وأنا
مغموم حزين، ألوم نفسي، قال: فنمت، وتركت العشاء من الغم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي في ليلتي، فقلت له: يا رسول الله، فلان جاري في منْزلي وفي سوقي، هو يعيب أصحابك، قال: "من أصحابي؟ "، فقلت: أبا بكر وعمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذ هذه المدية فاذبحه بها". قال: فأخذته فأضجعته فذبحته، فرأيت كأن يدي أصابها من دمه، قال: فألقيت المدية وأوهيت بيدي إلى الأرض أمسحها، فانتبهت، وأنا أسمع الصراخ من نحو داره، قلت: انظروا ما هذا الصراخ؟، قالوا: فلان مات فجأة، فلما أصبحنا نظرت إليه فإذا خطّ في موضع الذبح"1. وقال أبو بكر بن عبيدة2: وحدّثني أبو بكر الصّيْرَفي3 قال: مات رجل كان يشتم أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - ويرى رأي جهم4، فأريه رجل في النوم كأنه عريان على رأسه خرقة سوداء وعلى عورته أخرى، قال: "ما فعل الله بك؟ "، قال: "جعلني مع بكر القصّ، وعون بن الأعسر، وهما نصرانيان"5. وعن المعافي بن عمران6 قال: "قال سفيان الثوري: "كنت امرءًا أغدو إلى الصلاة بغلسٍ، فغدوت ذات يوم، وكان لنا جار له كلب عقور،
فجعلتُ أنظر حتى يتنحى، فقال الكلب: "جز يا أبا عبد الله فإنما أمرتُ بمن / [138 / ب] يشتم أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما -"1. وعن أبي روح2 رجل من الشيعة قال: "كنا بمكة في المسجد الحرام قعوداً3، فقدم رجل نصف وجهه أسود، ونصف وجهه أبيض، فقال: "أيها الناس اعتبروا بيَ، فإني كنت امرءاً أتناول4 الشيخين أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - أسبهما، فبينا أنا ذات ليلة في منامي إذ أتاني آتٍ، فرفع يده فلطم حرّ وجهي وقال لي: "يا عدوّ الله، يا فاسق، أتسبّ الشيخين: أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما -؟ فأصبحت وأنا على هذه الحال"5. وعن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة6 قال: كان لنا جار طحان رافضي، وكان له بغلان، سمى أحدهما أبا بكر والآخر عمر، فرمحه ذات ليلة أحدهما فقلته، فأخبر أبو حنيفة فقال: "البغل الذي رمحه الذي سماه عمر، فنظروا فكان كذلك"7. وعن يوسف بن إبراهيم بن الحسن الخياط8 شيخٌ صالح قال: "كان في
الجانب الشرقي في وقت أبي الحسن بن بويه12، رجل ديلمي من قواده، ويسمى جبنه3 مشهور من وجوه عسكره، فبينا هو واقف يوماً في موسم الحجّ ببغداد، وقد أخذ الناس في الخروج إلى مكّة، إذ عبر به رجل يعرف بعليّ الدقاق، قال: يوسف: هو حدّثني بهذه القصة وشرحها، إذ كان هو صاحبها والمبتلى بها، وكنت أسمع غيره من الناس يذكرونها لشهرتها، إلا أنّي سمعته يقول: عبرت على جنبه فقال لي: "يا عليّ هو ذا الحجّ هذه السنة". فقلت: لم يتفق لي حجة إلى4 الآن، وأنا في طلبها، فقال لي جواباً عن كلامي: "أنا أعطيك حجة"، فقلت له: هاتها، فقال: "يا غلام مرّ إلى الصيرفي وقل له: يزن له عشرين ديناراً"، فمررت مع غلامه فوزن لي عشرين ديناراً فرجعت إليه، فقال لي: "أصلح أمورك، فإذا عزمت على الرحيل فأرني وجهك لأوصيك بوصية، فانصرفت عنه وهيأت أموري ورجعت إليه فقال لي: "أولا قد وهبت هذه الحجة لك ولا حاجة لي بها، ولكن أحملك رسالة إلى محمّد"، فقلت: ما هي؟. قال: "قل له: أنا بريء من صاحبيك أبي بكر وعمر اللذين معك"، ثم حلفني بالطلاق لتقولنها وتبلغن هذه الرسالة إليه، فورد عليّ مورد عظيم، وخرجت من عنده مهموماً حزيناً، وحججت ودخلت المدينة، وزرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرت متردداً في الرسالة أبلغها
أم لا أبلغها. [و] 1 فكرت أني إن لم أبلغها طلقت امرأتي، وإن بلغتها عظمت عليّ مما أواجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستخرت الله عزوجل في القول وقلت: إن فلاناً بن فلان يقول كذا وكذا وأديت الرسالة بعينها، واغتممت غمّاً شديداً / [139 / أ] وتنحيت ناحية، فغلبتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "قد سمعت الرسالة التي أديتها، فإذا رجعت فقل له: يا عدوّ الله أبشر بيوم التاسع والعشرين من قدومك بغداد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: أبشر بنار جهنم" وقمت، وخرجت، ورجعت إلى بغداد، فلما عبرت إلى الجانب الشرقي، فكرت أن هذا رجل سوء بلغت رسالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أبلغ إليه رسالته، وما هو إلاّ أن أخبره، فيأمر بقتلي أو يقتلني بيده، وأخذت أقدم وأؤخر، وقلت: لأقولنّها ولو كان فيها قتلي، ولا أكتم رسالته صلى الله عليه وسلم وأخالف أمره، فدخلت عليه قبل الدخول على أهلي، فما هو إلاّ أن وقعت عينه عليّ، فقال: "يا دقاق ما عملت في الرسالة؟ "، قلت: أديتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن قد حملني جوابها، قال: "وما هو؟ "، فقصصت عليه رؤياي، فنظر إليّ وقال: "إن قتلَ مثلك عليّ هين وسبّ وشتم، وكان في يده زوبين2 فهزّه في جوهي ولكن لأتركنك إلى اليوم الذي ذكرته، ولأقتلنك بهذا الزوبين". ولامني الحاضرون، وقال لغلامه: "أحبسه في الإصطبل3 وقيده". فَحُبِست وقُيدت، وجاءني أهلي وبكوا عليّ ولاموني، فقلت: قضى الذي كان ولا أموت إلا بأجل، فلم تزل تمرّ الأيام والناس
يتفقدوني ويرحموني مما أنا فيه، حتى مضت سبعة وعشرون يوماً، فلما كانت الليلة الثامنة والعشرون اتخذ الديلمي دعوة عظيمة، وأحضر فيها وجوه قواد العسكر، وجلس معهم للشرب فلما كان نصف الليل جاءني السائس فقال لي: "يا دقاق القائد قد أخذته حمى عظيمة وقد تدثر1 بجميع ما في الدار وهو ينتفض". وكان على حالته اليوم الثامن والعشرين، وأمسى ليلة التاسع والعشرين، ودخل السائس نصف الليل وقال: "يا دقاق مات القائد". وحل عني القيد، فلما أصبحنا اجتمع الناس من كل وجه، وجلس القواد للعزاء، وأخرجت أنا، فاستعادني2 الناس فقصصت عليهم، فرجع جماعة كثيرة عن مذاهبهم الردية، وخليت أنا"3. وعن زائدة بن قدامة4 قال: قلت لمنصور بن المُعْتَمِر5: "اليوم الذي أصومه أقع في الأمراء؟، قال: "لا". قلت: "فأقع فيمن يتناول أبا بكر وعمر؟ "، قال: "نعم"6. وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: قلت لأبي: "لو سمعت رجلاً
يسبّ أبا بكر وعمر ما كنت تصنع؟ قال: "كنت أضرب عنقه"1. وعن محمّد بن يحيى الواسطي، قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: "ههنا قوم يشتمون أبا بكر وعمر وهما مني / [139 / ب] بمنزلة هاتين وقرن بين إصبعيه المسبحة والوسطى فمن شتمهما فقد شتمني"2. وذكر أبو القاسم الأصفهاني في "سيرة السلف"، قال المهدي3: "ما فتشت رافضيّاً قطّ إلاّ وجدته زنديقاً"4. وقال طلحة بن مُصَرِّف5: "لولا أني على وضوء لخبرتك ببعض ما [تقول] 6 الشيعة"7. وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: قلت لأبي: "لو أتيت برجل يسبّ أبا بكر رضي الله عنه ما كنت صانعاً؟ قال: "أضرب عنقه". قلت: فعمر؟ قال: "أضرب عنقه"8. وقال مسلم البطين9:
أنى تعاتب لا أبا لك رفقة ... علقوا الفِرَى وبروا من الصديق وبروا سفاهاً من وزير نبيهم ... تبّاً لمن يتبرأ من الفاروق1 وذكر أبو القاسم الأصفهاني قال: "بلغ عليّاً رضي الله عنه أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر-رضي الله عنهما-فدعا به، ودعا له بالسيف، وهم بقتله، فكلم فيه، فقال: لا يساكني ببلدة أنا فيها، فسيره إلى المدائن"2. وسمعت بعضهم يخبر: أن قيم حمام حلق رأس شخص ثم أراد أن يحك رجليه فوجد في أسفل رجله أبا بكر وعمر، فقال له: "ألا أحلق لك تحت لحيتك؟ "، ولم يكن في الحمام غيرهما، قال: "نعم". فذبحه، ثم فزع وخرج، فدخل شخص فوجده خنزيراً، فقال: "ما هذا الخنزير الذي في الحمام؟ "، فدخلوا إليه فوجدوه قد صار في صورة خنزيرٍ، أو ما هذا معناه". وأُخْبِرْتُ: أنه قطّ ما قتل سني أحداً منهم ولا خاف إلاّ وحول الرافضي خنزيراً. وأخبرت أن عامتهم يتحولون في قبورهم كذلك. فصل الرافضة لا يتركون على بدعتهم، ومن علم به منهم استتيب فإن تاب وإلاّ قتل، لأنهم كفار، وكفرهم بأشياء منها:
تكذيبهم لله ورسوله، فيما أخبر به من فضل أبي بكر وعمر، ومن تركهم على بدعتهم فهو فاسق. واختلف في تكفير من لم يكفرهم، وقد ذكرنا الكلام على هذا في "فضائل أبي بكر" وما شابهت الرافضة اليهود فيه1. وفي "مسند الإمام أحمد" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يظهر في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام" 2. / ب 140 / أ] .
الباب السادس والتسعون: أنه من أعلى أهل الجنة منزلة
الباب السادس والتسعون: أنه من أعلى أهل الجنة منزلة ... الباب السادس والتسعون: في ذكر أنّه من أعلى أهل الجنة منزلةً روى الترمذي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أهل الدرجات العُلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء، وإنّ أبا بكر وعمر منهم وأنعُما". وقال: "حديث حسن"1. وذكره ابن الجوزي من طرق إحداها عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الدرجات ليراهم من تحتهم كما يُرى الكوكب الطالع من أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعُما" 2. ومن طريق آخر عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الدرجات العُلى كما يتراءى أهل الدنيا الكوكب الدّرِّي في
في السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعُما" 1. ومن طريق آخر عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليَرَونَ أهل عليين كما ترون الكوكب الدّرِّي في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما" 2. ومن طريق آخر: "إن أهل عليين ينظر إليهم من أسفل منهم كما ينظر الكوكب الدّرِّي في جوّ السماء، وأن أبا بكر وعمر منهم وأنعما" 3. ورواه الشيخ موفق الدين عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الدرجات العُلى ليراهم من تحتهم كما يرى الكوكب الدّرِّيّ في أفق من آفاق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما". قال: "ومعناه: أنهما زادا على ذلك"45. ورواه إبراهيم بن عبد الرحمن المقدسي في "فضائل الصحابة" له عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الدرجات العُلى لينظرون من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب الدّرِّي في أفق السماء أبا بكر وعمر منهم وأنعما" 6.
الباب السابع والتسعون: أنه أول من تنشق عنه الأرض
الباب السابع والتسعون: أنه أول من تنشق عنه الأرض ... الباب السابع والتسعون: في ذكر أنّه من أوّل من تنشقّ عنه الأرض روى التّرمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر، ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكّة حتى أحشرَ بين الحرمين". وقال: حديث حسن غريب رواه عاصم بن عمر العمري قال الترمذي: "ليس عندي بالحافظ"1. ورواه أبو عثمان سعيد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن جعفر البحيري2 في "فوائده" عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوّل من تنشقّ عنه الأرض أنا، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي أهل البقيع فتنشقّ عنهم ثم أنتظر أهل مكّة فتنشقّ / [104 / ب] عنهم فأبعث بينهم" 3. وفي (أحاديث أبي الطاهر) محمّد بن أحمد بن أحمد الذُّهْلي القاضي4 عن
أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوّل من يصافح الحقّ عمر، وأوّل من يسلم عليه، وأوّل من يأخذ بيده يدخله الجنة" 1. وفي "أمالي الجوهري" عن عبد خير قال: قلت لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين من أوّل الناس دخولاً الجنة بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "أبو بكر وعمر". قلت: يا أمير المؤمنين، يدخلان قبلك؟ قال: "إي والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنهما ليأكلان من ثمارها ويتكآن على فرشها"2.
الباب الثامن والتسعون: أنه لم يبل في قبره
الباب الثامن والتسعون: أنه لم يبل في قبره ... الباب الثامن والتسعون: في ذكر أنّه لم يبل في قبره قال الله عزوجل: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَات بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154] ، وقال: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عَنْدَ رَبِّهِم يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] . وقد اختلف العلماء فيمن قتل مظلوماً هل هو كمن قتل في سبيل الله أم لا؟. فإحدى الروايتين عن أحمد: أنه كمن قتل في سبيل الله في معركة الكفار في جميع أحكامه من الشهادة1 وغيرها2. وفي الصحيح عن هشام بن عروة عن أبيه: لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه فبدت لهم قدمٌ، ففزعوا وظنُّوا أنّها قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما وجدوا أحداً يعلم ذلك، حتى قال لهم عروة: "لا والله، ما هي قدم النبي صلى الله عليه وسلم ما هي إلاّ قدم عمر رضي الله عنه"3. وذكره ابن الجوزي عن هشام بن عروة ولفظه: "لما سقط عنهم - يعني: قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، رضي الله عنهما - في زمن الوليد ابن عبد الملك. فذكره"4. وذلك لأنه قتلَ شهيداً، وغالب الشهداء لا تأكلهم الأرض.
وقد ورد في ذلك أشياء، منها: قصة عبد الله بن الثّامر1 لما حفر بعض أهل نجران خرب لبعض شأنه، فوجده جالساً في رأسه شجّه2 يسيل منها الدم، وهو واضع يده عليها، فإذا أخرت يده تثعب3 الدم وإذا تركت يده ردّها فوضعها عليها، فكتبوا في ذلك إلى عمر رضي الله عنه فكتب إليه: ردّوا التراب كما كان واتركوه على حاله"4. وأخبرني بعض شيوخنا عن حفَّارٍ كان بالصّاليحة5 قال لي: "من عدة ستين سنة أرى في قبر ميتا عليه كفنه كما هو". وأخبرني جماعة: أنه حفر في الكهف الذي بالصالحية في مكان فوجد جماعة موتى على هيأتهم لم يتغيّروا، بثيابهم، على هيئة العرب. فبعض أصحابنا يظن أنهم ممن قتل بالشام من الصحابة. / [141 / أ] .
الباب التاسع والتسعون: رؤيته في النوم
الباب التاسع والتسعون: رؤيته في النوم ... الباب التاسع والتسعون: في رؤيته في النّوم في مسند الإمام أحمد أن عثمان رضي الله عنه قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، ورأيت أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - وإنهم قالوا لي: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة"1. قال بعض علماء التعبير: "من رأى واحداً من الصحابة أو جميعهم أحياء دلّت رؤياه على قوّة الدين وأهله، وأن صاحب الرؤيا ينال عزّاً وشرفاً، ويعلو2 أمره. فإن رأى كأنه صار واحداً منهم نالته شدائد، ورزق الظفر، فإن رآهم مراراً ضاقت معيشته. قال بعضهم: "ومن رأى عمر رضي الله عنه أكرم بالصلابة في الدين والعدل في الأفعال والأقوال، وحسن السيرة فيمن تحت يده". وقال - أظن ابن سيرين -: "من رآه في أرض بها جدب3 أو قحط، مطرت مطرَ جُودٍ، وكان بها بركات وفتوحات، لما كان على يديه وفي أيامه، وإن كانوا على أثر هلاك إمامهم، أقام الله لهم من يقوم بعد مقامه، وإن كانوا
في جورٍ رزقوا العدل، فإن رآه ضربه بدرته أو توعده بعقوبة فلينزع عما هو عليه، وربما نزل به ذلك من قاضي وقته أو سلطان بلده، وأما من لبس ثوبه أو عادت1 صفته أعطه2 من حاله ما يليق من زيادة مناه وقد يموت شهيداً أو مقتولاً. والله أعلم".
الباب المئة: نبذ متفرقة عنه
الباب المئة: نبذ متفرقة عنه ... الباب المائة: في نبذ متفرقة فيه في الصحيح عن حذيفة: أن عمر بن الخطّاب قال: "أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ "، فقال حذيفة: أنا كما قال، قال: "هات إنك لجرئ". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". قال: "ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر". قال: يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها، إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال: "يفتح الباب أو يكسر؟ "، قال: لا، بل يكسر، قال: "ذاك أحرى أن لا يُغلق"، قلنا: "علم عمر الباب؟ "، قال: نعم. كما أن دون غدٍ ليلة إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، فهبنا أن نسأله، وأمرنا مسروقاً1 فسأله، فقال: "من الباب؟ "، فقال: عمر"2. وعن أبي هريرة رضي الله غنه قال: "أصابني جهد شديد، فلقيت عمر بن الخطّاب رضي الله غنه فاسْتَقْرَأْتُهُ آيةً من كتاب الله، فَدَخَلَ داره وفَتَحَها عليَّ فمشيتُ غير بعيدٍ فخررتُ لوجهي من الجهدِ والجوع، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ على رأسي فقال: "أباهر؟ "، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، فأخذ بيدي فأقامني، وعرف / [141 / ب] الذي بيَ، فانطلق بيَ إلى رحله، وأمر لي بعُسٍّ من لبنٍ فشربتُهُ منه، ثم قال: "عُدْ"، فعدت فشربت منه
حتى استوى بطني فصار كالقدْحِ1، قال: فلقيت عمر فذكرت له الذي كان من أمري، فقلت له: تولّى ذلك من كان أحقَّ به منك يا عمرُ، والله لقد استقرأتُك الآية وأنا أقرأها لها منك، فقال عمر: "والله لأن أكون أدخلتك أحبّ إليَّ من أن يكون ليّ مثل حُمْر النَّعَم"2. العسّ: هو القدح الضخم3. وفي مسند الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن أبي بكر4 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن ربّي أعطاني سبعين ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب". فقال عمر: "يا رسول الله فهلاّ استزدته؟ "5، قال: "قد استزدته فأعطاني مع كل رجل سبعين ألفاً"، قال عمر: فهلاّ استزدته. قال: "قد استزدته، فأعطاني مع كل رجل سبعين ألفاً"، قال عمر: "فهلاّ استزدته؟ "، قال: "قد استزدته فأعطاني هكذا"، وفرّج عبد الله بن بكر6 بين يديه، وقال عبد الله7: "وبسط باعيه، وحثا عبد الله8، وقال هشام9: "وهذا
من الله يُدْرَى ما عدَدُه؟ "1. وفيه عن عروة أن عبد الرحمن بن عوف قال: "أقطعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا، فذهب الزبير إلى آل عمر، فاشترى نصيبه منهم، فأتى عثمان بن عفان فقال: "إن عبد الرحمن بن عوف زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا، وإني اشتريت نصيب آل عمر". فقال عثمان بن عفان: " [عبد الرحمن] 2 جائز الشهادة له وعليه"3. وفيه عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: "سمع عمر بن الخطّاب صوت ابن المُغْتَرف، أو ابن الغَرِف الحادي في جوف الليل، ونحن منطلقون إلى مكّة فأوضع عمر رضي الله عنه راحلته حتى دخل مع القوم، فإذا هو مع عبد الرحمن، لما طلع الفجر، قال عمر: "هيء الآن، اسكت اسكت الآن قد طلع الفجر، اذكروا الله". قال: ثم أبصر على عبد الرحمن خفين قال: "وخفان؟! "، فقال: "قد لبستهما مع من هو خير منك، أو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر:
"عزمت عليك إلا نزعتهما، فإني أخاف أن ينظر الناس فيقتدون بك"1. وفيه عن طلحة بن عبيد الله أن عمر رآه كئيباً فقال له: "ما لك يا أبا محمّد كئيباً؟، لعلك ساءتك إمارة ابن عمك؟ "، - يعني: أبا بكر - قال: لا، وأثنى على أبي بكر، ولكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا فرّج الله عنه كربته وأشرق لونه"، فما منعني أن أسأله عنها إلاّ القدرة عليها حتى مات، فقال له عمر: "إني لأعلمها"، فقال له طلحة: "وما هي؟ "، فقال له عمر: "هل تعلم كلمة هي أعظم من كلمة أمر بها عمّه: "لا إله إلاّ الله؟ "، فقال طلحة: "هي والله هي"2. / [142 / أ] . فصل ذكر جماعة أنّ كُتَّابَ عُمَرَ عَبْدُ الله بن خلف الخزاعي3، وزيدٌ بن ثابت، وعلى بيت المال عبد الله4 بن أرقم5، وأن قُضَاته يزيد بن أخت النمر بالمدينة، وأبو أمية شريح بن الحارث الكندي بالكوفة6. ويقال: إن شريحاً أقام قاضياً خمساً وسبعين سنة، إلى أيام الحجاج، تعطل منها ثلاث سنين، وامتنع من الحكم، وذلك في فتنة ابن الزبير، ولما
ولي الحجاج استعفاه فأعفاه1. وقال أبو بشر الدّولابي2: "إنه أقام قاضياً ستّين سنة، ومات سنة سبع وثمانين وله مئة سنة"3. وقال غيره: "مات سنة تسع وسبعين، وله مئة وعشرون سنة"4. وروي عن شريح-رحمه الله-أنه كان إذا أحرم كأنّه حيّة صَمَّاء5. وكان الأمير بمصر أبو عبد الله عمرو بن العاص السهمي، ثم صرف عن الصعيد وردت إمرته إلى عبد الله بن سعد6 بن أبي سرح العامري7. وكان القاضي بمصر قيس بن أبي العاص السهمي8، ثم كعب ابن يسار بن ضنة9، ثم عثمان بن قيس بن أبي العاص السهمي10"11.
وكان حاجبه يرفأ مولاه1. وأصحاب الشورى الذين جعل عمر رضي الله غنه الأمر بعده شورى فيهم ستة: عثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وكان غائباً، وجعل عبد الله ابنه مشيراً وليس له من الأمر شيء"2. فصل وجدت بخط إبراهيم بن أبي الفرج3 قال: وجدت بخط ابن حجر الشافعي4 قال: وجدت بخط صاحبنا المحدّث الحافظ صلاح الدين خليل ابن محمّد الأفقهسي5 في ثبت مسموعاً به، ولم يذكر من أين نقله: قدامة ابن مقدام بن نصر بن فتح6 بن حديثه بن محمّد بن يعقوب بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن محمّد بن سالم بن عبد الله بن عمر الخطاب7.
قلت: وكان لقدامة، أحمد ومحمّد، ولأحمد عبد الله موفق الدين، ومحمّد الشيخ أبي عمر1، ومحمّد بن قدامة من ولده يوسف، ومن يوسف عبد الهادي، ومن ولد عبد الهادي: عبد الحميد، ومن ولد عبد الحميد: عبد الهادي. وقد حصلت لنا بحمد الله اتصال بالفروع الثلاثة لمحمّد بن قدامة من جهة الرجال، فإن والدي حسن بن أحمد بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد، وبالشيخ أبي عمر من جهة الإناث فإن أم والدي حُسْن بنت جمال الدين الإمام ابن أحمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن الشيخ أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة. وسمعت جدي يذكر: أن له اتصالاً بالشيخ موفق الدين من جهة الإناث ولم أقف على ذلك. / [142 / ب] . فصل روى الإمام أحمد في المسند عن أبي ميسرة2 عن عمر بن الخطّاب قال: "لما نزل تحريم الخمر، قال: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في البقرة: {يسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: 219] ، فدعى عمر فقرئت عليه، فقال: الله بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في النساء: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُم سُكَارى} [النساء: 143] . فكان منادي النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى "أن لا يقربن الصلاة سكران"، فدعي عمر
فقرئت عليه، فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه فما بلغ: {فَهَلْ أَنْتُم مُّنْتَهُونَ} ، [المائدة: 91] ، قال عمر: "انتهينا، انتهينا"1. وعن جابر بن عبد الله عن عمر أنه قال: "هَششْتُ2 يوماً فقبلتُ وأنا صائم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: صنعتُ اليوم أمراً عظيماً، قبلت وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت لو تمضمضتَ بماءٍ وأنت صائم؟ "، فقلت: لا، بأس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَفِيمَ؟ " 3. وفي الصحيحين والمسند وغيرهما عن ابن عمر أن عمر بن الخطّاب بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة، إذ دخل رجل من المهاجرين الأوّلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنادى عمر: أيَّة ساعة هذه؟ قال: "إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضّأت"، فقال: "والضوءَ أيضاً، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل"4. وفي الصحيح عن السائب بن يزيد: كان النداء يوم الجمعة أوّله إذا جل س
الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر"1. وعن ابن عباس قال: "شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكلُّهم كانوا يُصَلُّون قبل الخطبة"2. وعن أنس بن مالك: أن عمر بن الخطّاب كان إذا قحطوا استقسى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: "اللهم إنّا كُنّا نتوسَّل إليك بنبيّنا فتسقِينا، وإنّا نتوسّل إليكَ بِعَمِّ نبيّنا فأسقنا، قال: فَيُسْقُون"3. وعن ربيعة بن عبد الله4 بن الهُدَير5، عمّا حضر6 ربيعة بن عمر ابن الخطاب قرأَ يومَ الجمعة على المنبر بِسُورة النّحل حتى جاءت السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلةُ قرأ بها حتى إذا جاءت السجدة قال: "أيها الناس إنّما7 نَمُرُّ بالسجدة، فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه". ولم يسجد عمر رضي الله غنه". زاد نافع عن ابن عمر: "إن الله سبحانه لم يفرض علينا السجود إلاّ أن نشاء"8. وعن مُوَرِّق9 قال: "قلت لابن عمر: تصلي الضحى؟، قال: "لا".
قلت: "فعمر؟ ". قال: "لا". قلت: "فأبو بكر؟ "، قال: "لا". قلت: "فالنبي صلى الله عليه وسلم؟ "، قال: "لا أخا له"1. / [143 / أ] . وفي مسند الإمام أحمد عن رجل من قريش يقال له: ماجدة2 قال: "عارَمْتُ3 غلاماً فعضّ أذني فقطع منها، أو عضضت أذنه فقطعت منها، فلما قدم علينا أبو بكر رضي الله غنه حاجّاً رفعنا إليه، فقال: "انطلق4 بهما إلى عمر بن الخطّاب، فإن كان الجارح بلغ أن يُقتصّ منه فليَقتص. قال: فلما انتهى بنا إلى عمر نظر إلينا فقال: "نعم قد بلغ هذا أن يُقتص منه، ادعوا لي حجاماً". فلما ذكر الحجام، قال: "أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قد أعطيت خالتي غلاماً وأنا أرجو5 أن يبارك الله لها فيه، وقد نهيتها أن تجعله حجاماً، أو قصّاباً، أو صائغاً" 6. وعن ربيعة بن دراج7: أن عليّ بن أبي طالب سَبَّحَ بعد العصر ركعتين في طريق مكّة، فرآه عمر فتغيظ عليه، ثم قال: "أما والله لقد علمت أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم نهى عنها"1. وعن عاصم بن عمرو البَجَلي2 عن رجل من3 القوم الذين سألوا عمر بن الخطّاب قالوا: "إنما أتيناك نسألك عن ثلاث: عن صلاة الرجل في بيته تطوّعاً، وعن الغسل من الجنابة، وعن الرجل ما يصلح له من امرأته إذا كانت حائضاً؟ فقال: "أَسُحَّار أنتم؟!، لقد سألتموني عن شيء ما سألني عنه أحد منذ سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم". فقال: "صلاة الرجل في بيته تطوّعاً نور فمن شاء نوّر بيته، وقال في الغسل من الجنابة: يغسل فرجه ثم يتوضّأ ثم يفيض على رأسه ثلاثاً، وقال في الحائض: له ما فوق الإزار" 4. وعن الأشعث بن قيس قال: "ضِفتُ عمر رضي الله غنه فتناول امرأته فضربها، وقال: "يا أشعث احفظ عني ثلاثاً حفظتهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُسَأَلُ الرجل فيم ضربَ امرأته، ولا تَنَم إلاّ على وترٍ، ونسيت الثالثة"5.
وعن حُمْرَة بن عبد كلالٍ1 قال: "سار عمر إلى الشام بعد مسيره الأوّل كان إليها وحتى إذا شارفها بلغه ومن معه أن الطاعون فاش فيها، فقال له أصحابه: "ارجع ولا تَقَحَّم عليه، فلو نزلتها وهو بها لم نر لك الشّخوصَ عنها". فانصرف راجعاً إلى المدينة، فعرّس2 من ليلته وأنا أقرب القوم منه، فلما انبعث انبعثت معه في أثره فسمعته يقول: "رَدُّوني عن الشام بعد أن شافرت عليه لأن الطاعون فيه، ألا وما مُنْصرفي عنه بمؤخر في أجلي وما كان قدوميه بِمُعجلي عن أجلي، ألا ولو قدمت المدينة ففرغتُ من حاجات لا بدّ لي منها3، لقد سِرتُ حتى أدخل الشام ثم أنزل حمص، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليبعثن الله منها يوم القيامة سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب عليهم، مبعثهم فيما بين الزيتون وحائطها في البَرْث4 الأحمر منها "5. وعن عثمان: أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله
صلى الله عليه وسلم / [143 / ب] حزنوا عليه حتى كاد بعضهم يوسوس، قال عثمان: وكنت منهم، فبينا أنا جالس في ظلّ أُطمِ من الآطام، مرّ عليَّ عمر - رحمة الله عليه - فسلم عليَّ، فلم أشعر أنه مرّ ولا سلم، فانطلق عمر حتى دخل على أبي بكر - رحمة الله عليه - فقال له: "ما يعجبك أني مررت على عثمان فسلمت عليه فلم يردّ عليَّ السلام؟ "، وأقبل هو وأبو بكر في ولاية أبي بكر - رضي الله عنهما - جميعاً حتى سلما جميعاً ثم قال أبو بكر: "جاءني أخوك عمر فذكر أنه مرّ عليك فسلم فلم ترد عليه السلام، فما الذي حملك على ذلك؟ "، قال: قلت: ما فعلت. فقال عمر: "بلى والله لقد فعلت، ولكنها عُبّيتُكم1 يا بني أمية". قال: قلت: والله ما شعرت أنك مررت ولا سلمتَ. قال أبو بكر: "صدق عثمان. وقد شغلك عن ذلك أمر". فقلت: أجل. قال: "ما هو؟ ". فقال عثمان: توفى الله عزوجل نبيّه صلى الله عليه وسلم قبل أن نسأله عن نجاة هذا الأمر، قال: أبو بكر: "قد سألته عن ذلك". قال: فقمت إليه فقلت له: بأبي أنت وأمي أنت أحقّ بها، قال أبو بكر: قلت: "يا رسول الله، ما نجاة هذا الأمر؟ "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قبل مني الكلمة التي عرضت على عمّي فردّها عليَّ فهي له نجاة" 2. وعن ابن عمر قال: "رأى عمر على رجل حلة من استبرق، فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله اشتر هذه فألبسها لوفد الناس إذا قدموا عليك". قال: "إنما يلبس الحرير من لا خلاق له"، فمضى من ذلك ما مضى، ثم إن
النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليه بحلةٍ، فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "بعثت إلي بهذه، وقد قلت في مثلها أو قال في حُلّة عطارد1 ما قلت؟ ". قال: "إنما بعثت إليك لتصيب بها مالاً" 2. وفي رواية: "لتبعها أو لتلبسها"، فكساها عمر أخا له بمكّة قبل أن يسلم"3. وعن صفية بنت أبي عبيد، قالت: "زلزلت الأ رض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر، وابن عمر يصلي فلم يدر بها، ولم يوافق أحداً يصلي فدرى بها، فخطب عمر الناس فقال: أحدثتم لقد أعجلتم، قال: ولا أعلمه إلاّ قال: لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم". خرّجه البيهقي4 وخرّجه حرب الكرماني5 من رواية أيوب عن نافع مختصراً"6. وذكر السُّرّمَرِّي7 بسند في المجلس الذي وضعه في الجرد عن جابر ابن عبد الله
قال: "قلّ الجراد في سنة من سني عمر بن الخطّاب رضي الله غنه فلم يخبر عنه بشيء فاغتمّ لذلك فأرسل راكباً إلى اليمن، وراكباً إلى الشام، وراكباً إلى العراق، يسألون هل رأوا من الجراد شيئاً أو لا؟ فأتاه الراكب الذي دخل اليمن بقفعة من الجراد فأفلقاه بين يديه، فلما رآه كبّر ثلاثاً، ثم قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلق ألف أمة، منها ستّ مئة في البحر، وأربع مئة في البرّ وأوّل شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذ انقطع سلكه" 1. وعن ابن عمر: أن عمر سئل عن الجراد فقال: "ليت أن عندنا منه قفعة أو قفعتان نأكله"2. وعن / [144 / أ] عثمان بن عبد الله الأنصاري3 قال: "سألت أنس بن مالك عن الجراد، فقال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، ومع عمر بن الخطّاب قفعة فيها جراد، قد أحقبها يده وراءه يأخذ منها4 فيناولنا ويأكل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، قال أنس: "فرجعنا إلى المدينة فكنا نؤتى به فنشتريه، ونكثر ونجففه فوق الأجاجير5، فنأكل
منه زماناً"1. الفقعة: شيء شبيه بالزنبيل، يعمل من الخوص ليس بالكبير2. وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن هشام3 قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطّاب، يعني: المصافحة"4. وعن عبد الله بن عمر قال: "لما فتح هذان المصران5، أَتوا عمر فقالوا: "يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجدٍ قرناً6، وهو جوزٌ عن طريقنا، وإنّا إن أردنا قرناً شقّ علينا"، قال: "انظروا حذوها من طريقكم، فحدّ لهم ذات عرقٍ"78. وعن أبي موسى قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومي باليمن، فجئت وهو بالبطحاء، فقال: "بما أهللتَ؟ "، قلت9: أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "هل معك من هدي؟ "، قلت: لا. فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة،
ثم أمرني فأحللتُ، فأتيت امرأة من قومي، فمشطتني، أو غسلت رأسي. فقدم عمر فقال: "إن نأخذ بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام قال: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ لله} ، [البقرة: 196] ، وإن نأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يحلّ حتى نحر الهدي"1. وفي صحيح البخاري: أن عمر صلى ركعتي الطواف خارجاً من الحرم2. وفيه: أن عمر طاف بعد صلاة الصبح فركب حتى صلَّى الركعتين بذي طُوَىً34. وعن عبيد بن عمير: أن أبا موسى الأشعري، استأذن على أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب فلم يؤذن له، وكأنه كان مشغولاً فرجع أبو موسى ففزع5 أو قال: فَفَرَغَ عُمَرُ، فقال: "ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا له". قيل: "قد رجع". فدعاه، فقال: "كنا نؤمر بذلك". فقال: "تأتيني على ذلك بالبينة"، فانطلق إلى مجلس الأنصار فسألهم، فقالوا: "لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا، أبو سعيد الخدري". فذهب بأبي سعيد الخدري، فقال
عمر: "أخفي هذا عليَّ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "، ألهاني الصَّفْقُ بالأسواق. يعني: الخروج إلى التجارة"1. وعن ابن عمر قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنت على بكر صعب2 لعمر، فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم، فيزجره عمر ويرده، فقال النبي لعمر: "بعنيه". قال: "هو لك يا رسول الله". قال: "بعنيه"، فباعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو لك يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت" 3. / [144 / ب] . وعن ابن شهاب عن مالك بن أوس أخبره أنه التمس صرفاً بمئة دينار فدعاني طلحة بن عبد الله فتراوضنا4 حتى اصطرف مني فأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال: "حتى يأتي خازني من الغابة"5. وعمر يسمع ذلك، فقال: "والله لا تفارقه حتى تأخذ منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب رباً إلاّ هَاء وهاء، والبُرُّ بالبرِّ رباً إلاّ هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلاّ هاء وهاء، والتّمرُ بالتّمر رباً إلاّ هاء وهاء" 6. وعن عبد الله بن أبي المجالد7 قال: "اختلف عبد الله بن شداد بن
الهاد1 وأبو بُردة2 في السَّلَفِ، فبعثوني إلى ابن أوفى3 فسألته فقال: "إنا كنا نُسْلِفُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزبيب والتمر، وسألت ابن أبزى4 فقال مثل ذلك"5. وفي الصحيح عن محمّد بن حمزة بن عمرو الأسلمي6 عن أبيه أن عمر بعثه مصدّقاً، فوقع رجل على جارية امرأته، فأخذ حمزة من الرجل كفلاء7 حتى قدم على عمر، وكان عمر قد جلده مئة [جلدة] 8، فصدّقهم وعذرهم بالجهالة"9. وفيه أن عمر وابن عمر وكَّلا في الصرف10. وفيه: أن عمر عامل الناس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر،
وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا وكذا"1. وعن أنس: أنه حُلبت لرسول الله شاة داجن وهو في دار أنس بن مالك، وشيب لبنها بماءٍ من البئر التي في دار أنس بن مالك، فأُعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم القدح فشرب منه، حتى إذا نزع القَدَحَ من فيه، وعلى يساره أبو بكر وعمر وعن يمينه أعرابي، فقال عمر وخاف أن يعطيه الأعرابي أعط أبا بكر يا رسول الله عندك، فأعطاه الأعرابي الذي على يمينه ثم قال: "الأيمن فالأيمن" 2. وعن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلاّ أن يشترط المُبْتَاعُ، ومن ابتاعَ عبداً وله مال فماله للذي باعه إلاّ أن يشترطه المبتاع" 3. وعن مالك4 عن نافع عن ابن عمر عن عمر في العبد5. وعن جابر بن عبد الله: أن أباه تُوُفِّي وترك عليه ثلاثين وسقاً لرجل من اليهودِ، فاستنظره فأبى أن يُنظِره، فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفعَ له إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له فأبى،
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها ثم قال لجابر: "جُدَّ له، فأوفِ له الذي له". فجده بعدما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوفاه ثلاثين وسقاً1، وفضلت / [145 / أ] له سبعة عشر وسقاً، فجاء جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي كان، فوجده يصلي العصر، فلما انصرف أخبره بالفضل، فقال: "أخبر بذلك ابن الخطاب"، فذهب جابر إلى عمر فأخبره فقال له عمر: "لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُبَارَكَنَّ فيها"2. وفي رواي ة: ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس فأخبرته بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: "اسمع - وهو جالس - يا عمر". فقال عمر: "ألا يكون؟ قد علمنا أنك رسول الله، والله إنك لرسول الله"3 وفي رواية قال: "إذا جددته فوضعته في المربد4 آذني ". فلما جددته ووضعته في المربد آذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه ومعه أبو بكر وعمر فجلس عليه فدعا بالبركة، ثم قال: "ادع غرماءك فأوفهم"، فما تركت أحداً له على أبي دين إلاّ قضيته، وفضل ثلاثة عشر وسقاً، سبعة عجوة وستة لون5، أو ستة عجوة وسبعة لون، فوافيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فذكرت ذلك له فضحك، فقال: "ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما"، فقالا: "لقد علمنا إذا صنع رسول الله ما صنع أن سيكون ذلك"6.
وفي الصحيح: أن عمر أخرج أختَ أبي بكر حين ناحت، - يعني: من البيت -1. وفيه: أن نافع بن الحارث2 اشترى داراً للسجن بمكّة، من صفوان ابن أمية، على إن رضي عمر فالبيع بيعه، وإن لم يرض عمر فلصفوان أربع مئة دينار3. وفيه: أن رجلاً ساوم شيئاً فغمزه4آخر فرآى عمر أن له شركه5. وفيه عن موسى بن أنس6: أن سيرين سأل أنساً المكاتبة، وكان كثير المال فأبى فانطلق إلى عمر، فقال كاتبه فأبى، فضربه بالدّرّة ويتلو عمر: {فَكَاتِبُوهُم إِنْ عَلِمْتُم فِيهِم خَيْراً} [النور: 33] ، فكاتبه7.
وعن أبي الأسود1 قال: "أتيت المدينة، وقد وقع بها مرض، وهم يموتون موتاً ذريعاً، فجلست إلى عمر رضي الله غنه فمرت جنازة فأُثني خيراً، فقال عمر: "وجبت"، ثم مُرَّ بأُخرى فأثني خيراً، فقال: "وجبت"، ثم مُرَّ بالثالثة فأُثني شرّاً، فقال: "وجبت"، فقلت: وما "وجبت"، يا أمير المؤمينين؟ قال: قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما مسلم شهد له أربعةٌ بخير أدخله الله الجنة". قلنا: وثلاثة قال: "وثلاثة"، قلت: أو قال: قلنا: واثنان، قال: "واثنان". ثم لم نسأله عن الواحد"2. وروى أبو العبا س الطوسي3 عن أنس بن مالك: أنه سمع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه سلم عليه رجل فردّ عليه السلام، ثم قال له عمر: "كيف أنت؟ "، فقال: "أحمد الله"، فقال عمر: "ذاك الذي أردت"4. وفي "مسند الرُّوياني" عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعاهد الأنصار، ويأتيهم ويسأل عنهم، فبلغه عن امرأة منهم مات ابنها فجزعت عليه جزعاً شديداً، فأتاها يعزّيها فأمرها بتقوى الله والصبر، فقالت: "يا رسول الله، إني امرأة رَقوب، لا أَلِدُ، ولم يكن لي غيره". قال: / [145 / ب] "الرَّقُوب: التي5 يبقى ولدها6 ثم قال: "ما أعلم امرءً مسلماً ولا
مسلمة يموت بينهما ثلاثة أولاد إلاّ أدخلهما الله بهنّ الجنة"، قال عمر بن الخطّاب: "واثنان"، قال: "واثنان" 1. وفيه عن ابن عباس قال "جاء رجل إلى عمر يسأله فجعل ينظر إلى رأسه مرة وإلى رجليه مرة، هل يرى عليه من البؤس شيئاً، فقال له عمر: "كم مالك؟ "، قال: "أربعون من الإبل"، قال ابن عباس فقلت: "صدق الله ورسوله: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب، ويتوب الله على من تاب" 2. فقال عمر: "ما هذا؟ "، فقلت: هكذا أقرأنيها أبي بن كعب، فقال عمر: "قم بنا إليه"، فقام إليه، فقال: "ما يقول هذا؟ "3، فقال أبي: "هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقال عمر: "نكتبها أو نثبتها؟ "، قال: "نعم. فاكتبها أو اثبتها"4. وفيه عن سلمة بن عمرو بن الأكوع5 قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر، فقاتل فرجع ولم يكن فتح،
وقد جُهِدَ، ثم بعث الغد عمر بن الخطاب فقاتل، ثم رجع ولم يكن فتح، وقد جُهِدَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يده، ليس بفرار". قال سلمة: فدعا رسول الله عليّاً رضي الله غنه وهو أرمد فتفل في عينيه، ثم قال: "خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك"، قال يقول سلمة: فخرج والله بها يهرول هرولة وإنا لخلفه نبتع أثره حتى ركز رأيته في رَضْم1 من حجارة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن، قال: "من أنت؟ "، قال: "أنا عليّ بن أبي طالب"، قال: فقال اليهودي: "غلبتم وما أنزل الله على موسى عليه السلام". أو كما قال، قال: فما رجع حتى فتح الله على يديه رضي الله غنه"2. وفيه عن الوليد3: أن رجلاً من بني سليم كبير السن كان ممنأدرك أبا ذرّ بالربذة4 بيناهو قاعد يوماً في ذلك المجلس، وأبو ذر في المجلس، إذ ذكر
عثمان بن عفان، فقال السلمي: "فأنا أظن في نفس أبي ذر على عثمان معتبه لإنزاله إياه بالرَّبَذَة1، فلما ذكر له عثمان عرض له بعض أهل العلم بذلك، وهو يظن أن في نفسه عليه معتبة، فلما ذكره قال: "لا تقل / [146 / أ] في عثمان إلاّ خيراً فإني أشهد لقد رأيت منه نظراً وشهدت منه مشهداً لا أنساه حتى أموت، كنت رجلاً ألتمس خلوات النبي صلى الله عليه وسلم لأسمع منه أو لآخذ منه، قال: فهجّرت2 يوماً من الأيام، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته، فسألت عنه الخادم فأخبرني أنه في بيتٍ، فأتيته فهو جالس ليس عند أحد من الناس، وكان حينئذٍ أرى أنه في وحي، فسلمت عليه فردّ السلام، وقال لي: "ما جاء بك؟ "، فقلت: الله ورسوله. فأمرني أن أجلس فجلست إلى جنبه لأسأله عن شيء ولا يذكره لي فمكثت غير كبير ثم جاء أبو بكر مسرعاً فسلم عليه فردّ عليه السلام، قال: "ما جاء بك؟ "، قال: "جاء بيَ الله ورسوله"، فأشار إليه أن اجلس، إلى ربوة مقابل النبي صلى الله عليه وسلم الطريق بينه وبينها حتى إذا استوى جالساً أشار بيده فجلس إلى جنبي عن يميني، ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، وجلس إلى جنب أبي بكر على تلك الربوة، ثم جاء عثمان فسلم فردّ السلام، وقال: "ما جاء بك؟ "، قال: "جاء بيَ الله ورسوله"، فأشار بيده وقعد3 إلى الربوة، ثم أشار بيده فجلس إلى جنب عمر، فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة ولم أفقه أوّلها غير أنه قال: "قليل ما تبقين". ثم قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريباً من ذلك، فسبحن في يده"،
حتى سمع لها حنين كحنين النحل في كفّ النبي صلى الله عليه وسلم ثم ناولهن أبا بكر وجاوزني فسبّحن في كفّ أبي بكر كما سبّحن في كفّ النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخذهن منه فوضعهن1 إلى الأرض فخرسن، ثم ناولهن عمر فسبّحن في كفّه كما سبّحن في كفّ أبي بكر ثم أخذهن فوضعهن بالأرض فخرسن"2. وفيه عن أبي وائل: أن عمر بن الخطّاب بعث بشر بن عاصم3 على الصدقات، فتخلف فخرج عمر رضي الله غنه بالمكيال والميزان ومعه درته، فلقي بشر بن عاصم فقال: "يا بشر ما ترى لنا عليك حقّ سمع ولا طاعة؟ "، قال: "بلى يا أمير المؤمنين"، قال: "ما يمنعك أن تخرج إلى سمعنا وطاعتنا؟ "، قال: "وكيف وهم يزعمون أنا نظلمهم؟ "، قال: "ولِمَ؟ "، قال: نحسب السَّخْلة4 ولا نأخذها منه"، قال: "نعم. فاحسبها وإن جاء بها الراعي يحملها على كفّه، وأعلمهم أنا نترك لهم الرُّبَّا5
والمَاخِض1، والأكولة2، وفحل الغنم". قال: "يا عمر، وما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدّث: "من ولي للمسلمين سلطاناً أوقف يوم القيامة فإن كان محسناً نجا"، قال: فانصرف عنه عمر كئيباً حزيناً، فلقيه أبو ذر، فقال: "يا عمر، أراك كئيباً حزيناً؟ "، وقال: "وما يمنعني وقد سمعت بشر بن عاصم يحدّث بكذا وكذا، عن النبي صلى الله عليه وسلم". قال أبو ذر: "أو ما سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم؟ "، قال: "لا". قال: "أشهد / [146 / ب] لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "ما من والٍ يلي المسلمين سلطاناً إلاّ وقف يوم القيامة فإن كان محسناً نجا"، فأيّ الحديثين أوجع قلبك يا عمر؟ "، قال: "كلا [هما] 3 قد أحربني، فمن يأخذها بما فيها؟ "، قال: "من سلت الله أنفه وألصق خدّه بالأرض أما إنا لا نعلم إلاّ خيراً وعسى إن وليته من لا يقوم بما فيها لا تنجو من إثمها"4. وفي أحاديث الرافقي5 عن عبد الله قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلاّ عند افتتاح الصلاة"6.
وعن الأسود1 عن عمر: أنه رفع يديه في أوّل تكبيره ثم لم يعد2. وعن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يستفتحون القراءة بـ: {الحَمْدُ لله ربِّ العَالمِين} 3. وفي رواية: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم يجهروا بـ: {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} 4. وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يخفون {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} 5. وفي رواية: قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلّهم لا يقرأ6 {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} 7. وفي رواية: خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر خلف عمر خلف عثمان خلف عليّ فلم أسمع أحداً منهم يجهر بـ: {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} 8.
وفي رواية: وكلهم قرأها: {مَالِكِ1 يَوْمِ الدِّينِ} 2. وروي عن أبي وائل: أن عمر بن الخطّاب وعليّ بن أبي طالب كانا لا يجهران بـ: {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} 3. وعن ابن عبد الله بن مغفل4 قال: "كان أبي إذا سمع رجلاً يقرأ {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر فلم أسمع أحداً منهم يقرأ {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} 5. وروي عن أبي هريرة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "دية المسلم واليهودي والنصراني سواء"، وكان على عهد أبي بكر كذلك، وكان على عهد عمر كذلك، فلما صار الأمر إلى معاوية صيره إلى النصف من دية المسلم". قال الوليد6 عن الأوزاعي: "فلما استخلف عمر بن عبد العزيز ردّ الأمر
إلى القضاء الأوّل"1. وفي أحاديث أحمد بن ملاك القطيعي2 عن زُهرة بن معبد3 عن جدّه4 قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطّاب فقال: "والله لأنت يا رسول الله أحبّ إليّ من كلّ نفس إلا نفسي". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه ". قال عمر رضي الله غنه: فأنت الآن والله أحبّ إليَّ من نفسي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فالآن يا عمر" 5. / [147 / أ] . وفي (مسند الرّوياني) وغيره ع ن عمران بن حصين؛ "أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "إنها زنت وهي حُبْلَى"، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وليّها وقال: "أحسن إليها، فإذا وضعت فجئ بها"، فلما وضعت جاء بها فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فَشُكَّت6 عليها ثيابها، ثم أَمَرَ بها فرُجمت، ثم أمرهم فصلوا عليها، ثم دفنوها، فقال عمر بن الخطّاب: "يا نبي الله تُصَلِّي عليها وقد زنت؟ "، فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعَتْهم وهل وجدت [توبة
أفضل] 1 من أن جادت بنفسها لله؟ " 2. وفي الصحيح عن عبد الله بن هشام قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطّاب، فقال له عمر: "يا رسول الله لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيء إلاّ نفسي". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، والذي نفسي بيده حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك". فقال له عمر: "فإنه الآن، والله لأنت أحبُّ إلى من نفسي"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر" 3. وفي أخبار عمر بن عبد العزيز للآجري4 عن مجاهد قال: "المهادي سبعة مضى خمسة وبقي اثنان". قال: خارجة5: "أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعمر بن العزيز"6. وقال سفيان الثوري: "الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعمر بن عبد العزيز"7. وفي الصحيحين عن محمّد بن المنكدر قال: "رأيت جابر بن عبد الله
يحلف بالله أن ابن صياد الدّجال فقلت: تحلف بالله؟ قال: "إني سمعت عمر رضي الله غنه يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم"1. وفي (فضائل الصحابة) لإبراهيم بن عبد الرحمن المقدسي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مكتوب على العرش: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله أبو بكر الصّدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النّورين، يقتل مظلوماً"2. وفي جزء ابن الغوري3 عن ابن عباس: "ما في الجنة شجرة إلاّ مكتوب على ورقها4 لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، أبو بكر الصّدّيق، عمر الفاروق، عثمان ذو النّورين"5.
وفي (فضائل الصحابة) لأبي خيثمة1 قال: أمر المغيرة بن شعبة صعصعة بن صوحان2 أن يخطب الناس قال: "فتكلم فحمد الله وأثنى عليه، فقال: "إن الله عزوجل بعث محمّداً صلى الله عليه وسلم حين درست الآثار، وتهدمت الجَوادّ3، فبلّغ ما أرسل به، قال: فذكر حين قبضه الله عزوجل واستخلف أبو بكر فأقام المصحف وورث الكلالة، وكان قويّا في أمر الله عزوجل / [147/ب] ثم قبض أبو بكر - رحمه الله - يعني4 فولي عمر فمصر الأمصار، وفرض العطاء فكان قويّا في أمر الله ثم قبض عمر، واجتمع الناس على عثمان فكانت5 خلافته فزراً6 وقبله مدراً7 رحمه الله. قال المغيرة: "انظروا ما يقول"، قال: "أنت أمرتني أن أخطب فخطبت، وأمرتني أن أجلس فجلست"8. وفي حديث أبي الحارث الليث بن سعد عن عراك9 أن رجلاً انطلق
إلى البحرين، فقالت له أمرأته: "انطلق بوليدتي هذه فبعها"، فأشهد على قولها نفراً من المسلمين، فلما قدم البحرين وقفها في السوق حتى إذا انتهى ثمنها أشهد نفراً من المسلمين أني قد أخذتها لنفسي بهذا الثمن، وأن الرجل لما قدم إلى أهله، وعلمت أنه قد اشتراها أتت عمر رضي الله غنه فقالت: "إن زوجي قد وقع على وليدتي"، قال: "والله لَئِنْ كنت صدقت لأرجمنَّه". فأقام البيّنة أنّها أمرأته ببيعها وأقام البيّنة أنه وقفها في السوق حتى انتهى ثمنها ثم ابتاعها، فجلدها الحدّ"1. وفي مجلس أبي مخلد العطار2 عن جابر بن عبد الله قال: "رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم أكل طعاماً مما مسَّت النار ثم صلى ولم يتوضّأ، ثم رأيت أبا بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم أكل طعاماً مما مسّت النار ثم صلّى ولم يتوضّأ، ورأيت عمر بن الخطّاب من بعد أبي بكر - يعني: أكل طعاماً مما مست النار، ثم صلّى ولم يتوضّأ"3. وفي (الأربعين) لصلاح الدين أبي بكر أحمد بن المُقرِّب4 عن ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة ونظر إلى عمر بن الخطّاب رضي الله غنه فتبسم فقال: "يا عمر هل تدري لم تبسمت إليك؟ " قال: الله ورسوله أعلم، قال: "إن ربّك عزوجل باهى بأصحابي عشية عرفة وباهى بك خاصة" 1. وفي مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن رباح2 عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى العصر، فقام رجل يصلّي فرآه عمر فقال له: "اجلس فإنما أهلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسن ابن الخطاب" 3. وفي الصحيح: أن عمر أمر رجلاً ضرب/ [148/أ] الحدّ غائباً عنه4. وقال ابن شهاب: "أخبرني عروة بن الزبير: أن عمر غرَّبَ - يعني: في الحدّ - ثم لم تزل تلك السنة"5.
وقال البخاري: "لم يعاقب عمر صاحب الظبي"1. وذلك أن رجلاً قتل ظبياً وهو محرم فاستفتى عمر، فأوجب عليه شاة ولم يعاقبه بشيء واسم الرجل: قبيصة بن جابر2. وفي (الإخوة والأخوات) ، لابن السُّنِّي عن عثمان بن مظعون قال: "كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرّ به عمر بن الخطّاب فقال: "هذا غلق الفتنة"، وأشار إليه بيده، وقال: "لا يزال بينكم وبين الفتنة باباً شديداً مغلقاً ما دام هذا بين أظهركم" 3. وفي (الإخوة) ، لابن السُّنِّي عن الصَّعْب بن جثّامة4: أنه كان تزوج امرأة أخيه محلم بن جثامة5 بعد أخيه ولها منه غلام فتوفي ابن أخيه في زمن عمر بن الخطّاب فاعتزل الصعب امرأته قال: فذكر لعمر بن الخطاب قال، فقال له عمر: "ما حملك على اعتزالك امرأتك مذ توفي ابنها؟ "، قال: "كرهت أن أدخل في رحمها6 من لا حق له في الميراث". قال له عمر: "أنت الرجل يهدى للرشد، وتوفق له"، ثم كتب بذلك إلى الأجناد من كان تحته امرأة ولها
ولد من غيره ثم توفي ولدها فلا يقرّبنّها حتى يستبرئ رحمها"1. وفي (جزء أبي الجهم) 2 عن ابن عباس قال: "خطبنا عمر بن الخطّاب فقال: "إن أخوف ما أخاف عليكم تغير الزمان، وزيغة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون يضلون الناس بغير علم"3. وفي (صحيح البخاري) عن صفية بنت أبي عبيد: أن عبداً من رقيق الإمارة وقع على وليدة من الخمس، فاستكرهها حتى افْتَضَّها، فجلده عمر الحدَّ ونفاه، ولم يجلد الوليدة من أجل أنه استكرهها4. وفي (مسند الرّوياني) عن عامر الشعبي قال: "كان رجلان من الأنصار أخوان في دارٍ، فغزا أحدهما في جيش من جيوش المسلمين وبقي الآخر، قال: فأتت الشاهد امرأته، فقالت: "هل لك في امرأة أخيك عندها رجل". فلم تزل به حتى رقته على سلم فاطلع فرأى رجلاً متكئاً تنتف له دجاجة وهو يقول: وأشعث غره الإسلام مني ... خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها5 ويمسي ... على أدماء6 مشرفة الحزام
كأن مجامع الرّبلات1 منها ... ثمامٌ2 قد جمعن إلى ثمام قال: فنَزل إليه فقتله قال: فقام عمر خطيباً حين أصبح فقال: "أنشد الله رجلاً كان عنده / [148 / ب] من هذا القتيل علم لما قام"، قال: فقام الرجل فقال: "يا أمير المؤمنين، عندي منه علم". قال: فقصّ عليه القصّة، فقال عمر: "أبعده الله"3. وفيه عن صفية بنت بحرة4: أن خداش5 استوهب من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة قالت: فكان عمر بن الخطّاب إذا جاءنا سألنا فأخرجناها له، وملأناها من ماء زمزم، فشرب منها وغسل وجهه، فعدا علينا سارق فسرقنا وسرقها فيما سرق، فجاءنا عمر فسألنا عنها فأخبرناه أنها سرقت فضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال: "لله أبوه سرق6 صحفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. "قال: فسمعته ما سبه ولا لعنه حتى انصرف"7. وفي (معجم أبي يعلى الموصلي) 8 وغيره عن محمّد بن كعب القرظي
قال: "بينما عمر بن الخطّاب رضي الله غنه ذات يوم جالس إذ مرّ به رجل، فقيل: "يا أمير المؤمنين أتعرف هذا المار؟ "، قال: "ومن هذا؟ "، قالوا: "هذا سواد بن قارب1 الذي أتاه رئيّه2 بظهور النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأرسل إليه عمر رضي الله غنه فقال له: "أنت سواد بن قارب؟ "، قال: "نعم". قال: "أنت الذي أتاك رَئيُّك بظهور النبي صلى الله عليه وسلم؟ "، قال: "نعم"، قال: "فأنت على ما كنت عليه من كهانتك؟ "، قال: فغضب، وقال: "ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت يا أمير المؤمنين". قال عمر: "يا سبحان الله، ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك، فأخبرني بإتيانك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال: "نعم. يا أمير المؤمنين، بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان إذ أتاني رَئي فضربني برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول الله من لؤي بن غالب يدعو إلى الله عزوجل وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول: عجبتُ للجنّ وتطلاَبِها ... وشدّهَا العيسَ بأقتَابها تهوي إلى مكّة تبغى الهُدى ... ما صادق الجنّ ككذابها فارحل الصفوة من هاشم ... ليس قُدَامَها كأذنابها قال: قلت: دعني أنام، فإني أمسيت ناعساً، فلما كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي واعقل إن
كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو1 إلى الله عزوجل وإلى عبادته ثم أنشأ يقول: عجبتُ للجنّ وتخبَارِها ... وشدّها العيسَ بأكوراها / [149/أ] تهوي إلى مكّة تبغى الهُدى ... ما مؤمن الجنّ كَكُفَّارها فارحل إلى الصفوة من هاشم ... بين روابيها وأحجارها يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل، فإنه قد بعث رسول الله من لؤي بن غالب يدعو2 إلى الله عزوجل وإلى عبادته ثم أنشأ يقول: عجبتُ للجنّ وتجساسها ... وشدّها العيسَ بأحلاسها تهوي إلى مكّة تبغى الهُدى ... ما خير الجنّ كأنجاسها فارحل إلى الصفوة من هاشمٍ ... واسمُ بعينيك إلى راسها فقمت فقلت: قد امتحن الله قلبي، فرحَّلتُ ناقتي، ثم أتيت المدينة فإذا رسول الله وأصحابه حوله فدنوت فقلت: اسمع مقالتي يا رسول الله، قال: هات فأنشأت أقول: أتاني نجيبِي بين هدء ورقدة ... ولم يك فيما قد بلوت بكاذب ثلاثُ ليالٍ قوله كلِّ ليلة ... أتاك رسول من لؤيٍّ بن غالب فشمَّرتُ عن ذيلي الإزار ووسطت ... بيَ الذَّعِلبُ3 الوَجناءُ بين السَّباسِبِ4
فأشهد أن الله لا شيءَ غيرُهُ ... وأنك مأمون على كلّ غائبٍ وأنك أدنى المرسلين وسيلة ... إلى الله يابن الأكرمينَ الأطايبِ فمرنا بما يأتيك يا خيرَ من مشى ... وإن كان فيما جاء شَيْبُ الذُّوائب وكن لي شفيعاً يوم لا ذي شفاعة ... سواك بمغن عن سواد بن قارب فقال: ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بها فرحاً شديداً حتى رئي الفرح في وجوههم، قال: فوثب عمر بن الخطّاب فالتزمه وقال: "قد كنت أشتهي أن أسمع هذا الحديث منك، فهل يأتيك رَئِيُّك اليوم؟ "، قال: أما منذ قرأت القرآن فلا، ونعم العِوَضُ كتاب الله عزوجل من الجنّ، ثم أنشأ عمر يقول: "كنا يوماً في حيّ من قريش يقال له آل ذريح وقد ذبحوا عجلاً لهم فالجزار يعالجه إذ سمعنا صوتاً1 من جوف العجل ولا نرى شيئاً: يا آل ذريح، أمر نجيح، صائح يصيح بلسان فصيح، أشهد أن لا إله إلاّ الله"2. / [149 / ب] . وفي (الموطّأ) عن ابن عمر: أن عمر بن الخطّاب قال: "أيّما وليدة ولدت من سَيِّدها، فإنه لا يبعها ولا يهبها، وهو يستمتع منها ما عاش فإذا مات فهي حرة"3. وقال مالك: "إنه بلغه أن عمر أتَتْهُ وليدةٌ قد ضربها سيِّدُها، أو أصابها
بنار فأعتقها"1. وقال: "إنه بلغه أن عمر قال: "اتَّجِرُوا في أموال اليتامى، لا تأكلُها الزكاة"2. وفيه عن سفيان بن عبد الله3: أن عمر بن الخطّاب بعثه مُصدِّقاً وكان يَعُدُّ على الناس بالسَّخْلِ، فقالوا: "تَعُدُّ علينا بالسَّخْلِ، ولا تأخذ منه شيئاً؟ فلما قدم على عمر بن الخطّاب ذكرَ ذلك له، فقال عمر بن الخطّاب: "نعم، نَعُدُّ عليهم بالسَّخْلَةِ يحمِلُها الرّاعي، ولا نأخُذُها، ولا نأخُذُ الأكولةَ ولا الرُّبَّاء ولا المَاخضَ، ولا فحل الغنم ونأخذ الجذعة والثنية، وذلك عدل بين غِذَاءِ4 المالِ وخياره"5. وفيه عن زيد بن أسلم عن أخيه67: أن عمر بن الخطّاب أفطر ذات يومٍ في رمضان في يوم ذي غيمٍ، وَرَأى أنّه قد أمسى وغابتِ الشمس، فجاءه رجلٌ فقال: "يا أمير المؤمنين، قد طلعت الشمس". فقال عمر بن الخطّاب: "الخطب يسيرٌ، وقد اجتهدنا". قال مالك بن أنس8: "يريد بذلك القضاء، ويسارة مؤونته وخفته فيما
يُرَى. والله أعلم"1. وعن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطّاب قال: "كَرَمُ المرء تَقْوَاهُ، ودينُه حَسَبُهُ، ومُرُوءَتُه خُلُقُهُ، والجرُأَةُ والجبنُ غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفرّ عن أبيه وأُمِّه، والجريء يُقَاتِلُ عَمَّا لا يبالي ولا يؤوب إلى رحلِهِ، والقتل حتفٌ من الحتُوفِ، والشهيد من احتسب نفسه على الله"2. وعن زيد بن أسلم قال: "كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر يذكر له جموعاً من الروم وما يتخوف منهم، فكتب إليه عمر بن الخطّاب: أما بعد، فإنه مَهْمَا ينزلِ بعبدٍ مؤمنٍ من منزلٍ شدَّةٍ يجعل الله من بعدها فرجاً، وإنه لن يغلبَ عسرٌ يُسْرَين، وإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا واتَّقُوا الله لَعَلَّكُم تُفْلِحُون} " [آل عمر: 200] 3. وعن أسلم مولى عمر: أن عمر وجد ريح طيبٍ وهو بالشجرة4 فقال: "ممن ريحُ هذا الطيب؟ "، فقال معاوية بن أبي سفيان: "مني يا أمير المؤمنين". فقال عمر: "منكَ لَعَمْري" فقال معاوية: "إِنَّ أُمَّ حبيبة5 طيبتني يا أمير المؤمنين". فقال عمر: "عزمت عليك لترجعن فلتغسلنّه"6. وعن الصّلت بن زُبَيْدٍ7 عن غير واحدٍ من أهله: أن عمر بن الخطّاب وجد
ريحَ طيبٍ هو بالشجرة، وإلى جنبه كثيرُ بن الصّلت، فقال عمر: "ممن ريح هذا الطيب؟ "، فقال كثير: "مني لبدت رأسي وأردتُ أن أحلق". فقال عمر: "اذهب إلى شَرَبَة1 فادلك رأسكَ حتى تنقيه ففعل كثيرُ بن الصّلت"2. وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أن عمر بن الخطّاب قال: "يا أهل مكّة ما شأن الناس يأتون شُعثاً3 وأنتم مُدَّهنون4 أهلُّوا إذا رأيتم الهلال"5. وعن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطّاب قال: "افصلوا بين حجّكم وعمرتكم، فإنّه أتمّ لحجّ أحدكم، وأتمّ لعمرته، أن يعتمر في غير أشهر الحجّ"6. وفي الصحيح: أن عمر لاعن عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم7. وفيه: أن عمر قال لعبد الرحمن بن عوف: "لو رأيت رجلاً على حدٍّ، زناً أو سرقةٍ، وأنت أمير؟ ". فقال: "شهادتك شهادة رجل من المسلمين". قال: "صدقت"8. / [150 / أ] . وفي (المختارة للضياء) 9 عن معاوية بن قرة المزني قال: "أتيت
المربد1 زمان الأقط والسمن، قال: والأعراب تجول بذلك، فإذا أنا برجل طامح2 بصره ينظر إلى الناس، فظننته غريباً فدنوت منه، فقال: "أمن أهل هذه أنت؟ "، قلت: "نعم". قال: "ألا أحدّثك حديثاً شهدته من عمر بن الخطّاب رضي الله غنه؟ "، قلت: "ومن أنت؟ "، قال: "كهمس3 رجل من بني هلال، أو من بني سلول، إني كنت عند عمر بن الخطّاب أتته امرأته فقالت: "يا أمير المؤمنين، إن زوجي قد كثر شرّه، وقلّ خيره". قال لها عمر: "ومن زوجك؟ "، قالت: "أبو سلمة"، قال: فعرفه عمر رضي الله غنه، فإذا رجل له صحبة، فقال لهاعمر: "ما نعلم من زوجك إلاّ خيراً"، ثم قال لرجل عنده: "ما تقول أنت؟ "، فقال: "يا أمير المؤمنين، لا نعلم إلاّ ذلك". فأرسل إلى زوجها وأمرها فقعدت خلف ظهره، فلم يلبث أن جاء الرجل مع زوجها، فقال له عمر: "أتعرف هذه؟ "، قال: "ومن هذه يا أمير المؤمنين؟ "، قال: "هذه امرأتك"، قال: "وتقول ماذا؟ "، قال: "تزعم أنه كثر شرُّكَ وقلَّ خيرُك"، قال: "بئسما قالت يا أمير المؤمنين، والله إنّها لأكثر نسائها كسوة، وأكثره رفاهية بيتٍ، ولكن بعلها بَكيء"4. فقال: "ما تقولين؟ "، قالت: "صدق". فأخذ
الدّرَّة فقام إليها فتناولها وهو يقول: "يا عدوة نفسها أفنيت شبابه، وأكلت ماله، ثم أنشأت تشنين عليه ما ليس فيه". فقالت: "يا أمير المؤمنين، أقلني في هذه المرّة، والله لا تراني في هذا المقعد أبداً". فدعا بأثواب ثلاثة فقال لها: "اتّقي الله وأحسني صحبة هذا الشيخ". ثم أقبل عليه فقال: "لا يمنعك ما رأيتني صنعت بها أن تحسن صحبتها". قال: "أفعل يا أمير المؤمنين"، قال: "كأني أنظر إليها أخذت الأثواب منطلقة، ثم إني سمعت عمر رضي الله غنه يقول: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خير أمتي القرن الذي أنا فيه، ثم الذين يلونه، ثم الذين يلونه، ثم يجيء قوم تسبق شهادته أيمانهم، يشهدون قبل أن يستشهدوا لهم في أسواقهم لغط" 1، 2. وفي أحاديث أبي عمر الزاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينادي منادي يوم القيامة من تحت العرش، أين أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم فيؤتى بأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ - رضي الله عنهم - فيقال لأبي بكر: قف على باب الجنة فأدخل من شئت برحمة الله عزوجل واردع3 من شئت بعلم الله عزوجل، ويقال لعمر بن الخطاب رضي الله غنه: قف على الميزان فثقّل من شئت برحمة الله عزوجل، وخفّف من شئت بعلم الله عزوجل، ويكسى
عثمان رضي الله غنه [حُلتين] 1 ويقال له: البسهما فإني خلقتهما، أو ادخرتهما حين أنشأت خلق السموات الأرض، ويُعطي عليّ رضي الله غنه عصا عوسج من الشجرة التي غرسها الله عزوجل بيده في الجنة، ويقال: "ذد الناس عن الحوض". فقال بعض أهل العلم: "لقد واسى الله عزوجل بينهم في الفضل والكرامة"2. وفي أحاديث عفان بن مسلم الصفار عن سويد بن غَفَلَة، قال: قال عمر بن الخطّاب رضي الله غنه: "عجّلوا العِشاء قبل [أن] 3 ينام المريض ويكسل العامل"4. وعن أنس بن مالك: أن عمر أُتي بسارق فقال: "والله ما سرقت قط قبلها"، فقال: "كذبت ما كان الله ليسلم عبده أوّل ذنبه". فقطعه رضي الله غنه"5. فصل وجدت أظن في "المنثورة" للضياء ثنا محمّد6 ثنا أبو عثمان
المازني1 ثنا الأصمعي عن سلمة بن بلال2 عن مجالد بن سعيد الشعبي قال: "اصطرع عمر بن الخطّاب وخالد بن الوليد وهما غلامان، وكان خالدٌ بن خال3 عمر، فكسر خالد ساق عمر - رضي الله عنهما - فعولجت وجبرت، وكان ذلك سبب العداوة بينهما"4. وذكر أهل التاريخ: أن خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة قدم أخوه إلى المدينة ودخل على عمر بن الخطّاب وأنشده ما قال فيه [من] 5 الشعر فقام معه ودخل على أبي بكر، وقام معه على خالد، فأرسل أبو بكر إلى خالد، فقدم وقد غرز أسهماً في رأسه، فدخل المسجد فرآه عمر بن الخطّاب فقام، فأخذ الأسهم من رأسه وكسرها، وقال: "قتلت رجلاً مؤمناً وزنيت بامرأته6، لأرجمنّك بأحجارك، فخاف خالد أن يكون أبو بكر الصّدّيق موافقه على ذلك فقام ودخل عليه واعتذر إليه فعذره، ثم قام فخرج فإذا عمر فقال: "هلم إليّ يا ابن أم عمر7 فعلم أن أبا بكر
رضي الله عنه، رضي عنه فقام ثم دخل على أبي بكر فكلمه في أمره، فقال: "هب أن خالداً اجتهد فأخطأ، قد اجتهد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأخطأ فوداهم النبي صلى الله عليه وسلم من عنده فوداه أبو بكر1. ولما عزله عمر من إمرة الشام وأمّر أبا عبيدة كتب عمر إلى أبي عبيدة: إن أكذب خالد نفسه فاتركه فيها، فقام فدخل على أخته واستشارها فقالت: "تعلم أن عمر لا يحبك، ولا يتركك فيها وإن أكذبت نفسك"2. ولم أدر تكذيب نفسه عماذا؟ وفحصت عن ذلك فلم أجده3. وسألت جماعة من شيوخنا وغيرهم، فما أخبرني أحد عنها بعلم4. فصل قويت شدّة عمر في الدين وصلُبت عزائمه، فلما حانت الهجرة سلك مسلك القضاء واختال في مِشْية الأسد، فقال عند خروجه: "هَا أنا أخرج إلى الهجرة فمن أراد لقائي فليلقنِي في بطن هذا الوادي". لما ولي الخلافة شمَّر عن ساق جدّه، وكظم عن هوى نفسه، وحمل في الله فوق طاقته. شعر: تحدّث ولا تجزع بكلّ عجيبةٍ ... عن البحر أو تلك الخِلال الزَّواهر ولا عيبَ في أخلاقه غير أنّها ... فرائد دُرٍّ ما لها من نظائر
يقرّ له بالفضل كلّ منازعٍ ... إذا قيل يوم الفخر هل من مفاخرٍ1 / [151 / أ] . ما زال الإسلام قرير العين، لما كان مفتوح العين، شمل الكلّ برّه وإحسانه، وقلا: "والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حَظَّهُ من هذا المال، وهو يرعى مكانه". خاف التقصير فجد واصطبر، وقال: "لو مات جَدْيٌ بالفرات خشيت أن يحاسب به عمر". وكان من شدّة التشمير يرى فيه عمله القلة، فكان يقول عند موته: "الويل لعمر إن لم يغفر له". شعر: متيقظُ العَزماتِ مُذ نهضت به ... عزماتُه نحو العُلَى لم يقعدِ ويكاد من نور البصير أن يرى ... في يومِه فعلَ العواقب في غدِ2 صايح الوفد في القوم جهراً: ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر، كأن أقدامه في الدّجى قائمة، وعينه ساهرة لا نائمة وهمته على الطاعة عازمة، هذه أفعل النفوس الحازمة، طالما غسل وجهه بالدموع، وأذلّ نفسه بالخشوع والخضوع، وأذاب نفسه ومهجته بالظما والجوع، خاطر بنفسه في المهالك، فأصبحت سالمة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ} [الغاشية: 8] ، يا لها من نفس أذعنت وذلّت، وألفت السجود فما ملت وتوجهت إلى الله وعن غيره تولت، وزالت عنها فترة الهجر وتجلت، فجلت، فأُدخلت دار الكرامة فحلّت غانمة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ} [الغاشية: 8] ، سهرت الليل إلى الصباح فصارت من الوجوه الصباح، وقنعت بالخبر الفقار والماء القراح، خافت من الاجتراح الجناح،
فصيرها الخوف لمقصوص الجناح، وعلى الحقيقة فكلّ الأرواح من الخوف هائمة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ} [الغاشية: 8] 1. شعر: كلّ يومٍ مجدٌ وفخرٌ يشادُ ... وطريفٌ من الثّنا وتِلاَدُ وكرامٌ من المساعي جسامٌ ... عجزت عن صعابها الحسادُ هممٌ دونها الكواكبُ تتلو ... عزَماتٍ للنار فيها اتقادُ كلما قيل قد دَجَى ليل خطب ... فلرأي الفاروق فيه زِنادُ مغرم بالمكارم الغُرِّ لما ... ضمّ أبكارها إليه الولادُ ساهرُ العين بالعزائم يقظا ... ن وقد قيّد العيون الرّقادُ قد كفَتْه المناقبُ المدحَ ... إلاّ مدحاً من صفاته يستفادُ2 / [151 / ب] . اتّخذ الصّدق دأباً، فقال: "لا تجد المؤمن كذاباً". وفي (الصمت) لابن أبي الدنيا عن أبي هريرة قال: "كان عمر بن الخطّاب يقول في خطبته: "ليس فيما دونَ الصّدق من الحديث خيرٌ، مَنْ يكذب يفجر، ومن يفجر يهلك"3.
وفي رواية: "فقد أفلح من حُفظ من ثلاث: الطمع والهوى والغضب"1. وقال سفيان2: "بلغنا أن فتى كان يحضر مجلس عمر بن الخطّاب، فيستمع3 فيحسن الاستماع، ثم يقوم من قبلِ أن يتكلّم. قال: ففطن إلى ذلك منه عمر، فقال له: "أراك تحضرُ المجلسَ فتحسنُ الاستماع، ثم تقومُ من قبل أن تتكلّم مع القوم، ولا تدخل في حديثهم فمم ذاك؟ ". قال: فقال له الفتى: "إني والله أُحبُّ أن أحضر فأسمع فأحسن الاستماع، ثمَّ أَتَنَقَّى وأَتَوَقَّى وأصمتُ لعلي أسلم". قال: يقول عمر: يرحمك الله، وأَيُّنا4 يفعل هذا؟ "5. وفي حديث أبي جعفر محمّد البختري6 الرّزّاز7 عن سفيان الثوري قال عمر: "إلى كم تزجرون كما تزجر البهائم، قد أتعبتم الواعظين"8. وفي فوائد أبي القاسم الأزَجيّ9 عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدّها في دين الله عمر" 10.
في أحاديث ابن شاذان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نعم الرجل أبو بكر، ونعم الرجل عمر" 1. قال بعض أهل التفسير في قوله عزوجل: {مُحَمَّدٌ رّسولُ اللهِ والّذِينَ مَعَهُ} - أبو بكر – {أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّار} ِ - عمر – {رُحَمَاء بَيْنَهُم} ، عثمان"2. [الفتح: 29] . وفي مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن كعب بن مالك3 عن أبيه4 قال: "كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حُرِمَ عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد، فرجع عمر بن الخطّاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سهر عنده فوجد امرأته قد نامت، فأرادها فقالت: "إني قد نمت"، قال: "ما نمت"، ثم وقع عليها، وصنع كعب بن مالك مثل
ذلك فغدا عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله عزوجل: {عَلِمَ الله أنَّكُم كُنْتُم تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُم فَتَابَ عَلَيْكُم وَعَفَا عَنْكُم} [البقرة: 187] 1. صابر بنفسه في الإسلام وصبر، فقارب من سبق، وفضل من غبر، فظهر له منشور خبر: "لو كان بعدي نبي لكان عمر"2. عظمت عليه المنة فأكثر الشكر، وأدام الحُنّة فقال بقول المصطفى: "عمر سراج أهل الجنة"3. / [152 / أ] . شعر: وقال الحكم بن معبد4 لنفسه: منحتكم يا أهل ودّي نصيحتي ... وإني بها في العالمين لمشتهر وأظهرت قول الحقّ والسنة التي ... عن المصطفى قد صحّ عندي بها الخبر ألا إنّ خير النّاس بعد محمّد ... عليه السّلام بالعشي وبالبكر أبو بكر الصّدّيق لله درّه ... على رغم من عادى ومِن بعده عمر وبعدهما عثمان ثمة بعده ... أبو الحسن المرضي من أفضل البشر أولئك أعلام الهدى ورؤوسه ... وأفضل من في الأرض يمشي على العفر5 وحبّهم فرض على كلّ مسلمٍ ... وحبّهم فخر الفخور إذا افتخر
وحبّ الأولى قد هاجرواثم جاهدوا ... ففرض ومن آوى النبي ومن نصر وأشهد أنّ الله لا ربّ غيره ... له الفضل والنّعماء والحمد والشّكر سيبدو لنا يوم القيامة بارزاً ... فتبصره جهراً كما تبصر القمر وأنّ كلام الله ليس بمحدَثٍ ... ومن قال مخلوق فبالله قد كفر أدين بقول الهاشمي محمّدٍ ... وما بقول1 الجهم2 دِنتُ ولا القدر ولا الرفض الإرجاء ديني وإنني ... لبان على التّنزيل ثم على الأثر فديني دين قيم قد عرفته ... أبوح به إن ملحد دينه ستر بهذا أرجي من إلهي عفوه ... وأرجو بهذا الفوز يا ربّ من سقر أجرني يا رحمان إنّك سيدي ... وجارك في أمن وفي أعظم الحبر3 آخره. والحمد له وحده، وصلّى الله على سيّدنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه وسلّم. فرغ منه ... 4 مؤلّفه يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي، وذلك في شهر رمضان المعظَّم، من شهور سنة ستّ وستّين وثمان مئة، بصالحية دمشق المحروسة، بمنزله بالسّهم الأعلى. والحمد لله وحده وصّلى الله على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم. / [152 / ب] .
الخاتمة
الخاتمة الحمد لله الذي مَنَّ علينا بإتمام هذه الرّسالة، وأنعم علينا بخدمة كتب أهل السنة والجماعة. وبعد: فيسعدني أن أُجْمِلَ أهمَّ ما توصلتُ إليه خلال معايشتي لرسالتي هذه في نقاط، هي: 1- أهمية مبحث فضائل الصحابة، وأنّه ينبغي على كلّ مسلم أن يكون له نصيب من قراءة بعض هذه الكتب، لما فيها من تنقية القلوب، ومعرفة منزلة أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم لاسيما في هذا الزّمان الذي كثر فيه الطّعن بالصّحابة. 2- اهتمام أهل العلم والعلماء بمبحث فضائل الصّحابة ومناقبهم، إذ قد ألّفوا فيه ووضعوا فيه كتباً مطوَّلة، مع العناية بها أشدّ العناية. 3- حرص ابن عبد الهادي على استيفاء جميع فضائل عمر في هذا الكتاب. 4- رسوخ قدم ابن عبد الهادي وتضلعه في كثير من العلوم، مع تميّزه في علم الحديث والفقه والتّاريخ. 5- أثبتت الدّراسة أن ابن عبد الهادي يعتنق مذهب أهل السّنة والجماعة في الأمور العقديّة. 6- غزارة نتاج ابن عبد الهادي في التّأليف حيث كانت مؤلّفاته تربو على خمس مئة مصنف. 7- أنّ عناوين الأبواب داخل الرّسالة قد بلغت مئة باب، وهذا العدد يدلّ على وفرة وتنوّع المادة العلميّة التي ضمّنها ابن عبد الهادي في كتابه. 8- لم يكن المؤلّف قد التزم فيما يورده من الأحاديث والآثار الصّحة،
ولذا كان في الكتاب جملة وافرة من الأحاديث الضّعيفة، بل والشّديدة الضّعف، وهذه وتلك قد اجتهدنا في دراستها دراسة حديثية. 9- اهتمام المؤلّف بانتقاء الأخبار، وعدم الاكتفاء بسرد الرّوايات، حيث يقوم بالتّعقيب، ويذكر الفوائد. 10- اسم الكتاب المدوّن على الصّحيفة الأولى منه هو: (محض الصّواب في فضائل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه) . ربّنا تقبّل منا إنّك أنت السّميع العليم، وتب علينا إنّك أنت التّوّاب الرّحيم.
مصادر ومراجع
مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع أوّلاً: المخطوطات: إبراهيم بن عبد الرحمن بن جماعة الكناني المقدسي (ت 764هـ) : 1- فضائل الصحابة، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (457) ، ق (303-309) ، ميكروفلم. أحمد بن مروان المالكي (ت 333هـ) : 2- المجالسة، نسخة مصورة عن الظاهرية في مكتبة الجامعة الإسلاميّة. ابن البختري: محمّد بن عمر البختري (ت 339هـ) : 3- الأمالي، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (1515) ، ق (224-235) ، ورقم: (989) ، ق 13 (191-203) . ابن بطة: عبد الله بن محمّد بن بطة العكبري الحنبلي (ت 387هـ) : 4- الإبانة الكبير، في مكتبة حماد الأنصاري، تحت رقم: (6) . البوصيري: أحمد بن محمّد البوصيري (ت 840هـ) : 5- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (232-243) . أبو بكر الشافعي: محمّد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي (ت 354هـ) : 6- الفوائد، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (359) . البيهقي: أحمد بن الحسين (ت 458هـ) : 7- القضاء والقدر، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: 141) ، ميروفيلم. 8- المدخل إلى السنن، نسخة مصورة في مكتبة حماد الأنصاري، تحت رقم: (1319) . الثعلبي: أحمد بن محمّد النيسابوري (ت 427هـ) : 9- التفسير، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (648) ، ميكروفيلم. أبو الجهم: العلاء بن موسى الباهلي (ت 228هـ) .
10- جزء أبي الجهم، مكتبة حماد الأنصاري، تحت رقم: (429) ، ق (57-66) . الجوهري: عليّ بن الجعد الجوهري (230هـ) : 11- حديث عليّ بن الجعد، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (583) . ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمّد الرازي (ت 327هـ) : 12- التفسير، جامعة أم القرى، مركز البحث العلمي. خيثمة بن سليمان القرشي الأطرابلسي (343هـ) : 13- فضائل الصحابة، جـ3، مكتبة حماد الأنصاري، تحت رقم: (1084) . الذهبي: محمّد بن أحمد الذهبي (ت 747هـ) : 14- تذهيب تهذيب الكمال، مكتبة حماد الأنصاري، تحت رقم: (425) ، ومكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (2734) . الرافعي: أبو الحسن محمّد بن أحمد (من القرن الرابع) : 15- جزء الرافعي، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (2455) ق 28 (4-31) . ابن رجب: شهاب الدين أحمد بن رجب السلامي (ت 775هـ) : 16- المنتقى من معجم شيوخ ابن رجب، مصورة عن نسخة بيل رقم: (447) . الروياني: محمّد بن هارون (ت 307هـ) : 17- مسند الروياني، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (575، 576) . السكري: عليّ بن عمر السكري الحربي (386هـ) : 18- أحاديث الحربي: الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (2234) ، ق 26 (25-51) ، وقم: (1189) ، ق 18 (60-77) . ابن شاكر: محمّد بن شاكر الكتبي (764هـ) : 19- عيون التاريخ، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (2538-2543) . أبو الشيوخ: عبد الله بن محمّد بن جعفر بن حيان الأصبهاني (369هـ) .
20- عوالي أبي الشيخ، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (546) ، ق (55-59) . الصفار: عفان بن مسلم الصفار (ت 219هـ) : 21- أحاديث الصفار، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (1488) ، ق 18، (97-114) . ابن الضريس: محمّد بن أيوب (ت 294هـ) : 22- فضائل القرآن، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (4574) ، ميكروفيلم. ابن طولون: محمّد بن عليّ الحنفي (ت 953هـ) : 23- العقد الغالي في النظم العالي، مكتبة الظاهرية تحت رقم: (3054) . ابن عبد الهادري: يوسف بن حسن العمري الحنبلي: (909هـ) : 24- آداب الحمام وأحكامه، مكتبة الظاهرية، تحت رقم: 4549) . 25- تهذيب النفس للعلم وبالعلم، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (993، 1563) . 26- جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر، مكتبة الظاهرية، تحت رقم: (1132/2) . 27- ذم الهوى والذعر من أحوال الزعر، مكتبة الظاهرية، تحت رقم: (3243) . 28- صبّ الخمول على من وصل أذاه إلى أولياء الله، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (350) . 29- معارف الأنعام في فضل الشهور والصيام، مكتبة الظاهرية، تحت رقم: (1463) . 30- الفتاوى، مكتبة الظاهرية، تحت رقم: (3212، 190/2) . 31- فضل لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (1009، 1585) .
32- فهرست الكتب، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (1563) . ابن عساكر: عليّ بن الحسن الدمشقي (ت 571هـ) : 33- تاريخ دمشق، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، مكتبة العلوم الاجتماعية، (مصور عن المخطوط) . أبو عمر الزاهد: محمّد بن عبد الواحد المعروف بغلام ثعلب (ت 345هـ) : 34- حديث أبي عمر الزاهد، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (960) ، ق (62-70) . أبو الفرج الثقفي: مسعود بن الحسن الثقفي (ت 562هـ) : 35- فوائد أبي الفرج، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (4573) ، ق (65-105) ، ميكروفيلم. الفريابي: أبو بكر جعفر بن محمّد (ت 301هـ) : 36- القضاء والقدر، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (2570) . أبو القاسم الأزجي: تميم بن أحمد الأزجي (597هـ) : 37- الفوائد، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (482) ، ق (89-103) . ابن قدامة: أبو محمّد عبد الله بن أحمد المقدسي (620هـ) : 38- منهاج القاصدين في فضائل الخلفاء الراشدين، مصورة عن النسخة المخطوطة بدار الكتب المصرية، تحت رقم: 1218) ، تاريخ. القطيعي: أحمد بن جعفر بن حمدان (تهذيب التهذيب 368هـ) : 39- الفوائد المنتقاة والأفراد الغرائب الحسان من حديث أبي بكر، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (555) . ابن قندس: أبو بكر بن إبراهيم (ت 861هـ) : 40- حواش بن قندس على كتاب الفروع، وزارة الأوقاف الكويتية، مكتبة الموسوعة الفقهية، تحت رقم: (395) . محمّد بن سلامة القضا عي (454هـ) .
41- عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف (كتاب الإنباء بأنباء الأنبياء وتواريخ الخلفاء وولاة الأمراء) نسخة مصورة عن مكتبة برلين الغربية، تحت رقم: (9433) . ابن الملقن: عمر بن عليّ بن أحمد الأنصاري الشافعي (430هـ) : 42- الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، مكتبة حماد الأنصاري، تحت رقم: (96) . أبو نعيم: أحمد بن عبد الله الأصبهاني (430هـ) : 43- فضائل الخلفاء الأربعة، جـ 2، مكتبة الجامعة الإسلاميّة، قسم المخطوطات، تحت رقم: (5041) ، ميكروفيل. النعيمي: عبد القادر بن محمّد بن عمر النعيمي (ت 927هـ) : 44- العنوان في ضبط مواليد ووفيات الزمان، دار الكتب المصرية، تحت رقم: (2913) . ثانياً: المصادر والمراجع المطبوعة: القرآن الكريم الآجري: محمّد بن الحسين (ت 360هـ) : 45- أخبار أبي حفص عمر بن العزيز، تحقيق د/ عبد الله عبد الرحيم عسيلان طبعة ثانية 1412هـ. 46- الشريعة، طبع بعناية محمّد حامد الفقي، الطبعة الأولى 1369هـ. ابن الأثير: عليّ بن محمّد الجزري (ت 630هـ) : 47- أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار الفكر، بدون تاريخ. 48- الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت 1399هـ/1979م. ابن الأثير: المبارك بن محمّد الجزري (606هـ) : 49- منال الطالب في شرح طول الغرائب، تحقيق د/ محمود محمّد الطناحي، مطبعة المدني، مصر 1399هـ/1979م. 50- النهاية في غريب الحديث، طبع بعناية طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمّد الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، بدون تاريخ. أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني (240هـ) .
51- الزهد، دار الكتب العلمية، بيروت 1398هـ/1978م. 52- فضائل الصحابة، تحقيق وصي الله بن محمّد عباسي، طبعةمركزالبحث العلمي في جامعة أم القرى، مكّة، الطبعةالأولى1403هـ/1983م. 53- مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح، تحقيق فضل الرحمن بن محمّد، الدار العلمية، دلهي، الطبعة الأولى 1408هـ/1988م. 54- مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1401هـ/1981م. 55- المسند، تحقيق أحمد شاكر، دار المعارف، مصر، الطبعة الثالثة، 1368هـ/ 1949م. 56- المسند، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعةالخامسة، 1405هـ/ 1985م. الأزهري: محمّد بن أحمد (ت 370هـ) : 57- تهذيب اللغة، تحقيق عبد السلام محمّد هارون، المؤسسة المصرية للتأليف والأنباء والنشر، بدون تاريخ. ابن إسحاق: محمّد بن إسحاق المطلبي (ت 151هـ) : 58- السير والمغازي، تحقيق سهيل زكار، دار الفكر، الطبعة الأولى 1398هـ/ 1978م. الأسنوي: عبد الرحيم بن الحسن الأموي (ت 772هـ) : 59- طبقات الشافعية، تحقيق كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ/ 1987م. الأشعري: عليّ بن إسماعيل (ت 324هـ) : 60- مقالات الإسلاميّين واختلاف المصلين، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة المصرية، لبنان 1411هـ. الأموي: أحمد بن عليّ الأموي (ت 292هـ) : 61- مسند أبي بكر الصّدّيق، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثالثة، المكتب الإسلامي، بيروت 1399هـ. الأنطاكي: داود بن عمر (1008هـ) .
62- تزيين الأسواق، المطبعة الأزهرية، القاهرة. ابن إياس: محمّد بن أحمد (ت 930هـ) : 63- بدائع الزهور في وقائع الدهور، القاهرة، 1311هـ. البخاري: أبو عبد الله محمّد إسماعيل الجعفي (ت 265هـ) : 64- الأدب المفرد، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثالثة، 1409هـ/ 1989م. تن 65- التاريخ الكبير، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، بدون تاريخ. 66- التاريخ الصغير، تحقيق محمود إبراهيم زايد، نشر مكتب المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1406هـ/ 1986م. 67- الجامع الصغير، طبع بعناية مصطفى ديب البغا، مطبعة اليمامة، دمشق، الطبعة الثالثة، 1407هـ/ 1987م. 68- الجامع الصحيح، طبع المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا، بدون تاريخ. 69- خلق أفعال العباد والردّ على الجهمية وأصحاب التعطيل، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ/ 1984م. 70- الضعفاء الصغير، تحقيق بوران الضاوي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1404هـ/ 1984م. ابن بدران: عبد القادر بن أحمد الدمشقي (ت 1346هـ) : 71- نزهة الخاطر العاطر شرح كتاب روضة الناظر، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. 72- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، تحقق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعةالثانية1401هـ/1981م. البغدادي: إسماعيل باشا: 73- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون على أسامي الكتب والفنون، بعناية محمّد شرف الدين، دار الفكر، 1402هـ/1982م.
74- هدية العارفين، دار الفكر 1402هـ/ 1982م. الغدادي: عبد اللطيف (ت 629هـ) : 75- الطب من الكتاب والسنة، تحقيق د/ عبد المعطي قلعجي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ. البغدادي: عبد الوهّاب بن عليّ بن نصر (ت 422هـ) : 76- الإشراف على مسائل الخلاف، مطبعة الإرادة. البغوي: الحسين بن مسعود (ت 516هـ) : 77- تفسير البغوي (معالم التنزيل) تحقيق خالد بن الرحمن العلك، ومروان سوار، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1407هـ. بقي بن مخلد القرطبي (ت 276هـ) : 78- مقدمة المسند، تحقيق د/ أكرم ضياء العمري، الطبعة الأولى 1404هـ/ 1984م. البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279هـ) : 79- أنساب الأشراف (الشيخان: أبو بكر وعمر وولدهما) ، تحقيق إحسان صدقي العمد، مؤسسة الشراع العربي، الكويت، الطبعة الأولى 1409هـ/1989م. 80- فتوح البلدان، طبع بعناية صلاح الدين المنجد، مكتبة النهضة، القاهرة، بدون تاريخ. ابن بلبان: أبو القاسم: عليّ بن بلبان المقدسي: (ت 684هـ) : 81- تحفة الصّدّيق في فضائل أبي بكر الصّدّيق، تحقيق محيي الدين مستور، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة الأولى 1408هـ/ 1988م. البناء: أحمد بن محمّد (ت 1117هـ) : 82- إتحاف فضائل البشر بالقراءات الأربعة عشرة (منتهى الأماني والمسرات في علوم القراءات) ، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ. ابن البناء: أبو عليّ الحسن بن أحمد (ت 471هـ) : 83- المقنع في شرح مختصر الخرقي، تحقيق د/ عبد العزيز بن سليمان البعيمي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1414هـ/1993م. البهوتي: منصور بن يونس الحنبلي (ت 1051هـ) .
84- الروض المربع مع حاشية ابن القاسم، الطبعة الثانية، 1403هـ. 85- كشاف القناع عن متن الإقناع، طبع مطبعة الحكومة، مكّة المكرّمة. البوصيري: أحمد بن أبي بكر (ت 840هـ) : 86- مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، تحقيق موسى محمّد عليّ، وعزّة عليّ عطية، دار الكتب الحديثة، القاهرة، بدون تاريخ. البيهقي: أحمد بن الحسن (ت 458هـ) : 87- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دارالكتب العلمية، بيروت، الطبعةالأولى1405هـ/1985م. 88- السنن الكبرى، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. التبريزي: محمّد بن عبد الله العمري (ت 741هـ) : 89- مشكاة المصباح، تحقيق محمّد ناصر الدين الألباني، المكتبة الإسلامي، دمشق، 1382هـ/1962م. الترمذي: محمّد بن عيسى بن السورة السلمي (ت 279هـ) : 90- الجامع الصحيح (سنن الترمذي) ، تحقيق أحمد محمّد شاكر، وإبراهيم عطوة عوض، مطبعةالبابي الحلبي، مصر، الطبعةالأولى1382هـ/1962م. ابن تغزي بردي: أبو المحاسن يوسف العتابكي (ت 874هـ) : 91- النجوم الزاهرة، تحقيق فهيم محمّد شلتوت، نشر الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، مصر. 1390هـ/1970م. ابن تيمية: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم النميري (ت 728هـ) : 92- اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق د/ ناصر العقيل، الطبعة الأولى 1404هـ. 93- الصارم المسلول على شاتم الرسول، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد، عالم الكتب، 1402هـ/ 1982م.
94- الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، طبع بعناية محمود فائد. 95- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، تحقيق د/ ربيع بن الهادي، مكتبة لينة للنشر، 1409هـ. 96- مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، دار المدني، بدون تاريخ. 97- منهاج السنة النبوية، تحقيق محمّد رشاد سالم، إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام، الرياض، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1986م. الجزري: أبو الخير، محمّد بن أحمد (ت 833هـ) : 98- غاية النهاية في طبقات القراء، تحقيق برجشتراسر، القاهرة، 1933م. جعفر شمس الخلافة مجد الملك. 99- الآداب، تحقيق محمّد أمين الخانجي، دار السعادة، مصر، الطبعة الأولى 1349هـ/ 1931م. ابن الجوزي: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ (ت 597هـ) : 100- التبصرة، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، بدون تاريخ. 101- الحدائق في علم الحديث والزهديات، تحقيق مصطفى السبكي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ/ 1988م. 102- زاد المسير، الطبعة الثالثة، المكتبة الإسلامي 1404هـ. 103- صفة الصفوة، تحقيق محمود فاخوري، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة 1399هـ/ 1979م. 104- العلل المنتاهية في الأحاديث الواهية، تحقيق إرشاد الحقّ الأثر، نشر إدارة العلوم الأثرية، فيصل آباد، الطبعة الثانية 1401هـ/1981م. 105- الموضوعات، طبع بعناية عبد الرحمن محمّد عثمان، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1407هـ/ 1987م. 106- مناقب عمر بن الخطّاب، تحقيق زينب القاروط، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة، 1407هـ/ 1987م. الجوهري: إسماعيل بن حماد (ت 393هـ) .
107- الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية، 1402هـ/ 1982م. ابن أبي حاتم: أبو محمّد عبد الرحمن بن محمّد الرازي (ت 327هـ) : 108- الجرح والتعديل، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ. حاجي خليفة: مصطفى عبد الله. 109- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، دار الفكر، 1402هـ/ 1982م. الحاكم: أبو عبد الله محمّد بن عبد الله النيسابوي (ت 405هـ) : 110- المستدرك على الصحيحين، طبع بعناية يوسف عبد الرحمن المرغلي، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. ابن حبان: أبو حاتم محمّد بن حبان البستي (ت 354هـ) : 111- الثقات، دائرة المعارف العثمانية، حيد آباد، الطبعة الأولى 1393هـ/ 1973م. 112- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، طبع بعناية محمّد ميي الدين، ومحمّد عبد الرزاق حمزة، ومحمّد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1397هـ/ 1977م. 113- الصحيح، ترتيب علاء الدين الفارسي، تصحيح كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيورت، الطبعة الأولى 1407هـ/ 1987م. 114- المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين، تحقيق محمود إبراهيم أبو زيد، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. الحجاوي: شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي (ت 968هـ) : 115- الإقناع في فقه الإمام أحمد، تصحيح عبد اللطيف محمّد السبكي، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. ابن حجر العسقلاني: أحمد بن عليّ الكناني (ت 852هـ) : 116- الإصابة في تمييز الصحابة، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. 117- إنباء الغمر بأنباء العمر، طبع بعناية د/ محمّد عبد المؤيد خان، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ/ 1986م.
118- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، تحقيق محمّد النجار، مراجعة عليّ محمّد البجاوي، طبعة وزارة الثقافة. 119- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، طبع بعناية عبد الله الهاشم اليماني، دار المحاسن، القاهرة، 1386هـ/ 1966م. 120- تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، تحقيق د/ عبد الغفار سليمان البنداري، ومحمّد عبد العزيز، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1405هـ. 121- تغليق التعليق على صحيح البخاري، تحقيق سعيد بن عبد الرحمن موسى القزفي، المكتب الإسلامي دار عمار، عمان، الطبعة الأولى 1405هـ/ 1985م. 122- تقريب التهذيب، طبع بعناية محمّد عوامة، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1986م. 123- تهذيب التهذيب، دارالفكر، بيروت، الطبعةالأولى، 1404هـ/1984م. 124- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، بعناية محمّد سيد جاد الحقّ، دار الكتب الحديثة، مصر، بدون تاريخ. 125- فتح الباري، شرح صحيح البخاري، بعناية الشيخ عبد العزيز، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. 126- لسان الميزان، مؤسسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الثانية1390هـ/1971م. 127- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. ابن حجر الهيتمي: أحمد بن حجر (ت 974هـ) : 128- الزواجر عن اقتراف الكبائر، طبع بعناية أحمد عبد الشافي، دار الفكر، الطبعة الأولى 1407هـ/ 1987م. 129- الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة، تصحيح جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ/1983م. الحربي: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق (ت 285هـ) .
130- المناسك وأماكن طرق الحجّ ومعالم الجزيرة، تحقيق حمد الجاسر، منشورات دار اليمامة، الرياض، الطبعة الثانية، 1401هـ/ 1981م. ابن حزم: أبو محمّد عليّ بن أحمد (ت 456هـ) : 131- جمهرة أنساب العرب، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ/ 1983م. 132- المحلى، تحقيق أحمد محمّد شاكر، طبع دار التراث، القاهرة، بدون تاريخ ابن حميد: عبد بن حميد الكشي (ت 249هـ) : 133- المسند، تحقيق مصطفى بن العدوية، شلباية، دار الأرقم، الكويت، الطبعة الأولى 1405هـ/ 1985م. ابن حميد: محمّد بن عبد الله النجدي (ت 1259هـ) : 134- السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، مكتبة الإمام أحمد، الطبعة الأولى 1409هـ/ 1989م. الخرائطي: محمّد بن جعفر (ت 327هـ) : 135- مكارم الأخلاق، تحقيق أبي محمّد عبد الله بن الحجاج، مكتبة السلام العالمية، القاهرة، بدون تاريخ. الخرقي: عمر بن الحسين (ت 334هـ) : 136- مختصرالخرقي، الناشرمؤسسةالخافقين ومكتبتها، الطبعةالثالثة، 1402هـ. ابن خزيمة: أبو بكر بن إسحاق السلمي (ت 311هـ) : 137- صحيح ابن خزيمة، تحقيق محمّدالمصطفىالأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1395هـ/ 1975م. الخشني: مصعب بن محمّد الأندلسي (ت 604هـ) : 138- شرح السيرة بحاشية السيرة النبوية. الخطيب: أبو بكر أحمد بن عليّ البغدادي (ت 463هـ) : 139- تاريخ بغداد، دار الكتاب العربي، بيروت، بدون تاريخ.
140- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، تحققي د/ محمود الطحان، مكتب المعارف، الرياض، 1403هـ/ 1983م. الخلال: أبو بكر أحمد بن هارون (ت 311هـ) : 141- السنة، تحقيق عطيةالزهراني، دار الراية، الطبعة الأولى1410هـ/1989م. ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمّد (ت 681هـ) : 142- وفيات الأعيان، تحقيق إحسان عباس، دارصادر، بيروت، بدون تاريخ. خليفة بن خياط العصفري (ت 420هـ) : 143- التاريخ، تحقيق أكرم بن ضياء العمري، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثانية، 1405هـ. 144- الطبقات، تحقيق أكرم بن ضياء العمري، دار طيبة الرياض، الطبعة الثانية، 1402هـ/ 1982م. خيثمة بن سليمان القرشي (ت 343هـ) : 145- من حديث خيثمة، تحقيق عمر بن عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، بدون تاريخ. الدارقطني: عليّ بن عمر (ت 385هـ) : 146- سنن الدارقطي، الناشر عبد الله هاشم المدني، (1386هـ) . 147- العلل الواردة في الأحاديث النبوية، الأجزاء المطبوعة منه، بتحقيق د/ محفوظ الرحمن زين الله السلفي. الدارمي: عبد الله بن عبد الرحمن (ت 355هـ) : 148- سنن الدارمي، طبع بعناية أحمد دهمان، دار الكتب العلمية، بيرت، بدون تاريخ. الدارمي: عثمان بن سعيد (ت 282هـ) : 149- ردّ عثمان بن سعيد على بشر المريشي العنيد، طبع بعناية محمّد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. 150- الردّ على الجهمية، الدار السلفية، الكويت، الطبعة الأولى1405هـ. أبو داود السجستاني: سليمان بن الأشعث (ت 275هـ) .
151- سنن أبي داود، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت، بدون تاريخ. أبو داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود (ت 204هـ) : 152- المسند، دار المعرفة، بيروت، توزيع دار الباز، بدون تاريخ. ابن أبي داود: أبو بكر عبد الله بن أبي داود (ت 316هـ) : 153- المصاحف، دارالكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى1405هـ/1985م. الدردير: أحمد بن محمّد (ت 1201هـ) : 154- الشرح الصغير مع بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، البابي الحلبي، مصر، الطبعة الأخيرة، 1372هـ. ابن أبي الدنيا: أبو بكر عبد الله بن محمّد البغدادي (ت 281هـ) : 155- الإشراف في منازل الأشراف، تحقيق مجدي السيد، مكتبة القرآن، القاهرة، بدون تاريخ. 156- إصلاح المال، تحقيق مصطفى مفلح القضاة، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى 1410هـ/ 1990م. 157- الأهوال، تحقيق مجدي فتحي السيد، مكتبة آل ياسر، الطبعة الأولى 1413هـ/ 1993م. 158- التواضع والخمول، تحقيق لطفي محمّد الصغير، دار الاعتصام، القاهرة، بدون تاريخ. 159- الرضا عن الله بقضائه، تحقيق ضياء الحسن السلفي، بومباي، الطبعة الأولى 1410هـ/ 1990م. 160- الصمت وآداب اللسان، تحقيق نجم عبد الرحمن خلف، دار الغرب الإسلام، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1986م. 161- الغيبة والنميمة، تحقيق عمرو عليّ عمر، الدار السلفية، بومباي، الطبعة الأولى 1409هـ/ 1988م.
162- مجابو الدّعوة، تخقيق محمّد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1986م. الدولابي: أبو بشر محمّد بن أحمد (ت 310هـ) : 163- الكنى والأسماء، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1403هـ/ 1983م. الذهبي: أبو عبد الله محمّد بن أحمد (ت 748هـ) : 164- تاريخ الإسلام (عهد الخلفاء الراشدين) ، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1407هـ/ 1987م. 165- تاريخ الإسلام (عهد معاوية) ، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1409هـ/ 1989م. 166- تذكرة الحفاظ، تصحيح عبد الرحمن المعلمي، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. 167- سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة 1405هـ. 168- العبر في خبر من غبر، تحقيق السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ/ 1985م. 169- العلوّ للعليّ الغفار في صحيح الأخبار وسقيمها، تحقيق عبد الرحمن محمّد عثمان، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1388هـ/ 1986م. 170- المشتبه في الرجال أسمائهم وأنسابهم، تحقيق عليّ محمّد البجاوي، الدار العلمية، الهند، الطبعة الثانية 1987م. ابن رجب: عبد الرحمن بن أحمد السلامي الحنبلي (ت 759هـ) : 171- أحكام الخواتم وما يتعلق بها، تحقيق محمّد بن حمود الوائلي، مطابع الرحاب، المدنية، الطبعة الأولى 1407هـ/ 1987م. 172- الاستخراج لأحكام الخراج، تحقيق جندي محمود الهيتي، مكتبة الرشد، الرياض، 1409هـ/ 1989م.
173- الذيل على طبقات الحنابلة، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. ابن رشد: محمّد أحمد (ت 595هـ) : 174- بداية المجتهد ونهاية المقتصد (بدون ذكر الطبعة ولا مكان الطبعة) ، مكتبة الجامعة الإسلامية. الزبيري: مصعب بن عبد الله الأسدي (ت 236هـ) : 175- نسب قريش، بعناية ليفي بروفنسال، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثالثة. أبو زرعة: عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي (ت 281هـ) : 176- تاريخ أبي زرعة، تحقيق شكر الله بن نعمة الله القوجاني، مجمع اللغة العربية، دمشق، بدون تاريخ. ابن زنجويه: حميد بن زنجويه (ت 251هـ) : 177- الأموال، تحقيق د/ شاكر ذيب فياض، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1986م. الزيعلي: أبو محمّد عبد الله بن يوسف الحنفي (ت 762هـ) : 178- تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية. 179- نصب الراية لأحاديث الهداية، المجلس العلمي، كراتشي، بدون تاريخ. السبكي: تاج الدين، أبو نصر عبد الوهّاب بن عليّ (ت 771هـ) : 180- طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق محمود محمّد الطناحي، عبد الفتاح الحلو، الطبعة الأولى 1383هـ/ 1964م. السخاوي: أبو الخير محمّد بن عبد الرحمن (ت 902هـ) : 181- الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ علم التاريخ، تحقيق فرانز روزنثال، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. 182- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، الناشر دار مكتبة الحياة’ بيروت، بدون تاريخ. 183- المقاصد الحسنة، تحقيق عبد الله محمّد الصّدّيق، وعبد الوهّاب عبد اللطيف، دارالكتب العلمية، بيروت، الطبعةالأولى1399هـ/1979م السرخسي: محمّد بن أحمد الحنفي (ت 483هـ) .
184- المبسوط، بعناية خليل الميس، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. ابن سعد: محمّد بن سعد البصري (ت 230هـ) : 185- الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ. 186- الطبقات الكبرى (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم) تحقيق زياد منصور، نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة، الطبعة الأولى 1403هـ/ 1983م. سعيد بن منصور الخراساني (227هـ) : 187- السنن، بعناية الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ/ 1985م. السفاريني: محمّد بن أحمد (ت 1188هـ) : 188- غذاءالألباب لشرح منظومة الآداب، مطبعة الحكومة، مكّة، 1993م. ابن سلام: محمّد بن سلام الجمحي (ت 231هـ) : 189- طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود محمّد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، بدون تاريخ. السمرقندي: علاء الدين محمّد بن أحمد (ت 539هـ) : 190- تحفة الفقهاء، تحقيق د/ محمّد زكي عبد البرّ، تقديم عليّ الخفيف، مطبعة دمشق، الطبعة الأولى 1377هـ/ 1957م. السمعاني: أبو سعد عبد الكريم بن محمّد التميمي (ت 582هـ) : 191- الأنساب، تحقيق عبد الله عمر البارودي، دار الجنان، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ/1988م. ابن سيد الناس: أبو الفتح محمّد بن محمّد اليعمري (ت 734هـ) : 192- المقامات العلية في الكرامات الجليلة لبعض الصحابة، تحقيق عفت وصال حمزة، دار الملاح للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1986م. ابن سيف: عبد الله بن سيف إبراهيم النجدي (توفي في منتصف القرن الثالث عشر) . 193- العذب الفائض شرح ألفية الفرائض، مطبعة مصطفى الحلبي، الطبعة الأولى 1372هـ. السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ) .
194- تاريخ الخلفاء، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد، بدون ذكر الطبعة ولا مكان الطبع. 195- الدر المنثور، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. الشافعي: أبو عبد الله محمّد بن إدريس المطلبي (ت 204هـ) : 196- الأم، بعناية محمّد النجار، مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة الأولى 1384هـ/ 1961م. 197- الديوان، جمع نعيم زرزور، تقديم د/ مفيد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة 1408هـ/ 1988م. 198- الرسالة، تحقيق أحمد شاكر، دار الفكر، بدون تاريخ. 199- المسند، دارالكتب العلمية، بيروت، الطبعةالأولى1400هـ/1980م. الشلبي: عمر بن عبد الله الحنفي (ت 719هـ) : 200- آكام المرجان في أحكام الجان، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ. ابن شبه: عمر بن شبه النميري (ت 262هـ) : 201- تاريخ المدينة، تحقيق فهيم محمّد شلتوت، دار الأصفهاني، جدة، بدون تاريخ. الشماخ بن ضرار الذبياني (توفي في خلافة عثمان) : 202- ديوان الشماخ، تحقيق صلاح الدين الهادي، دار المعارف، مصر، بدون تاريخ. أبو الشيخ: انظر: عبد الله بن محمّد بن جعفر. الشيرازي: أبو إسحاق إبراهيم بن عليّ (ت 467هـ) : 203- المهذب في فقه الشافعي، مطبعة البابي الحلبي، الطبعة الثالثة 1396هـ/ 1976م. الصفوري: عبد الرحمن بن عبد السلام (ت 894هـ) : 204- مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة، تحقيق محمّد خير المقداد، دار ابن كثير، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1986م. الصيرفي: عليّ بن داود (ت 900هـ) .
205- نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان، تحقيق، د/ حسن حشي طبع مطبعة دار الكتب 1970م. ت ضياء الدين: محمّد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي (ت 643هـ) : 206- المختارة، تحقيق عبد الملك بن دهيش، مكتبة النهضة الحديثة، مكّة، الطبعة الأولى 1411هـ. 207- النهي عن سبّ الأصحاب وما فيه من الإثم والعقاب، تحقيق محيي الدين نجيب، مكتبة العروبة، الكويت، الطبعة الأولى 1413هـ/ 1992م. الطبراني: أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت 360هـ) : 208- مسند الشاميّين، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1409هـ/ 1989م. 209- المعجم الأوسط، تحقيق د/ محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1405هـ/ 1985م. 210- المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، بدون تاريخ. الطبري: محمّد بن جرير (ت 310هـ) : 211- تاريخ الرسل والملوك، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، الطبعة الثانية، بدون تاريخ. 212- تهذيب الآثار، تحقيق محمود محمّد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، بدون تاريخ. 213- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار الفكر، 1405هـ/ 1984م. الطحاوي: أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة (ت 321هـ) : 214- مشكل الآثار، دائرة المعارف، الهند، الطبعة الأولى 1333هـ. ابن طولون: محمّد بن عليّ الحنفي (ت 953هـ) : القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية، تحقيق محمّد أحمد دهمان، مجمع اللغة العربية بدمشق، الطبعة الثانية 1401هـ/ 1980م.
216- مفاكهة الخلان في حوادث الزمان، طبع بعناية محمّد مصطفى، وزارة الثقافة، مصر، 1381هـ/ 1962م. ابن أبي عاصم: أبو بكر أحمد بن عمرو (ت 287هـ) : 217- الآحاد والمثاني، تحقيق باسم فيصل الجوابرة، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى 1411هـ/ 1991م. 218- الزهد، تحقيق عبد العليّ عبد الحميد الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ/ 1985م. 219- السنة، تحقيق محمّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1400هـ/ 1980م. ابن عابدين: محمّد أمين الشهير بابن عابدين (ت 1252هـ) : 220- حاشية ردّ المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، دار الفكر، الطبعة الثانية 1399هـ/ 1979م. ابن عبد البرّ: أبو عمر يوسف بن عبد الله (ت 463هـ) : 221- الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطّأ في معاني الرأي والآثار، تحقيق عليّ النجدي ناصف، المجلس الأعلى للشّؤون الإسلامية، القاهرة، 1391هـ/ 1971م. 222- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق عليّ محمّد البجاوي، مكتبة نهضة مصر، القاهرة، بدون تاريخ. 223- جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، دار الكتاب الإسلامي، مصر، الطبعة الثانية، 1402هـ/ 1982م. 224- القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، الطبعةالأولى1405هـ/ 1985م. 225- الكافي في فقه أهل المدينة، تحقيق د/ محمّد محمد ولد ماديك، الطبعة الأولى 1398هـ/ 1978م. ابن عبد الحكم: محمّد بن عبد الله (ت 214هـ) .
226- سيرة عمر بن عبد العزيز، تحقيق أحمد عبيد، الطبعة الخامسة، دار العلم للملايين، بيروت، 1387هـ. 227- فتوح مصر، ليدن، 1920م، عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت211هـ) . 228- المصنف، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ/ 1983م. عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (ت 600هـ) : 229- جزء أحاديث الشعر، تحقيق إحسان عبد المنان الجبالي، المكتبة الإسلامية، عمان، الطبعة الأولى 1410هـ/ 1989م. عبد الله بن أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني (ت 290هـ) : 230- السنة، تحقيق د/ محمّد سعيد القحطان، درا ابن القيم، الدمام، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1986م. عبد الله بن المبارك الحنظلي (ت 181هـ) : 231- الزهد، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. عبد الله بن محمّد بن جعفر بن حيان الأصبهاني (ت 369هـ) : 232- جزء فيه أحاديث أبي محمّد حيان، انتقاء أبي بكر أحمد بن مردويه، تحقيق بدرالبدر، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعةالأولى1414هـ/ 1993م. 233- العظمة، تحقيق رضاء الله بن محمّد المباركفوري، دار العاصمة الرياض، النشرة الأولى 1411هـ. عبد المؤمن بن عبد الحقّ (ت 739هـ) : 234- مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، تحقيق عليّ بن محمّد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، الطبعةالأولى1373هـ/ 1954م. ابن عبد الهادي: يوسف بن حسن (ت 909هـ) : 235- الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، تحقيق د/ رضوان مختار، دار المجتمع، جدة، الطبعة الأولى 1411هـ/ 1991م. أبو عبيد: القاسم بن سلام (ت 224هـ) .
236- الأموال، تحقيق محمّد خليل هراس، دار الباز، مكّة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1986م. 237- غريب الحديث، طبع دار المعارف العثمانية، حيدر آباد، مصورة على الطبعةالأولى1385هـ، المصورة 1396م، دار الكتاب العربي، بيروت. ابن عدي: عبد الله بن عدي (ت 365هـ) : 238- الكامل في ضعفاء الرجال، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ/ 1984م. ابن عراق: عليّ بن محمّد الكناني (ت 963هـ) : 239- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، تصحيح عبد الوهّاب عبد اللطيف، عبد الله محمّد الصّدّيق، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1399هـ/ 1979م. أبو العرب: محمّد بن أحمد بن تميم التميمي (ت 333هـ) : 240- المحن، تحقيق يحيى وهيب الجبوري، بيروت، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية 1408هـ. ابن عساكر: عليّ بن الحسن الدمشقي (ت 571هـ) : 241- تاريخ دمشق (ترجمة عثمان) تحقيق سكينة الشهابي، مجمع اللغة العربية، دمشق، بدون تاريخ. العشاري: أبو طالب محمّد بن عليّ (ت 451هـ) : 242- فضائل أبي بكر الصّدّيق، أنصار السنة المحمّدية، مصر، الطبعة الأولى 1358هـ/ 1939م. العقيلي: أبو جعفر محمّد بن عمرو (ت 322هـ) : 243- الضعفاء الكبير، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ/ 1984م. العلائي: خليل بن كيكلدي العلائي (ت 761هـ) : 244- جامع التحصيل في أحكام المراسيل، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الدار العربية، أعظمية، الطبعة الأولى 1398هـ/ 1978م. أبو عليّ الصواف: محمّد بن أحمد (ت 359هـ) .
245- الفوائد، انتقاء الدارقطني، تحقيق أبي عبد الله الحداد، دار العاصمة، الرياض، النشرة الأولى 1408هـ. ابن العماد: أبو الفلاح عبد الحيّ الحنبلي (ت 1089هـ) : 246- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دار الفكر، الطبعة الأولى 1399هـ/ 1979م. عياض بن موسى اليحصبي (ت 544هـ) : 247- بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد، تحقيق صلاح الدين ابن أحمد الأدلبي وجماعة، وزارة الأوقاف المغربية، 1395هـ/1975م. الغزي: نجم الدين محمّد بن محمد الغزي الشافعي (1061هـ) : 248- الكواكب السائرة، تحقيق د/ جبرائيل جبور، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية 1979م. ابن الغزي: محمّد كمال الدين بن محمّد (ت 1214هـ) : 249- النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد، تحقيق محمّد الحافظ، نزار أباظة، دار الفكر، 1402هـ/ 1982م. الفاسي: محمّد بن أحمد الحسني (ت 832هـ) : 250- العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، بعناية محمّد حامد الفقي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1406هـ/ 1986م. أبو الفرج الأصبهاني: عليّ بن الحسين (ت 356هـ) : 251- الأغاني، بيروت، 1960م. ابن فرحون: إبراهيم بن عليّ (ت 799هـ) : 252- الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، تحقيق محمّد الأحمدي أبو النور، القاهرة 1351هـ. الفريابِي: أبو بكر جعفر بن محمّد (ت 301هـ) : 253- صفة النفاق وذمّ المنافقين، تحقيق محمّد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ/ 1985م. الفيروزآبادي: محمّد بن يعقوب (ت 817هـ) .
254- القاموس المحيط، تحقيق مكتب التراث، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1986م. أبو القاسم الأصفهاني: إسماعيل بن محمّد التيمي (ت 535هـ) : 255- سير السلف، رسالة علمية مطبوعة على الآلة الكاتبة، قدمها عبد العزيز الفريح رسالة العالية (الماجستير) في كلية الدعوة. أبو القاسم الرازي: تمام بن محمّد (ت 414هـ) : 256- الفوائد، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1412هـ/ 1992م. قاسم بن قطلوبغا (ت 879هـ) : 257- عوالي الليث، تحقيق عبد الكريم النعيمي، مكتبة دار الوفاء، جدة، الطبعة الأولى 1408هـ/ 1987م. ابن قتيبة: أبو محمّد عبد الله بن مسلم الدينوري (ت 276هـ) : 258- عيون الأخبار، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب، وزارة الثقافة المصرية، بدون تاريخ. 259- غريب الحديث، تحقيق عبد الله الجبوري، مطبعةالعاني، بغداد، 1397هـ. 260- المعارف، تحقيق د/ ثروت عكاشة، دار المعارف، مصر، الطبعة الرابعة. ابن قدامة: عبد الله بن أحمد المقدسي (ت 620هـ) : 261- إثبات صفة العلوّ، تحقيق بدر البدر، الدار السلفية، الكويت، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1992م. 262- التبيين في أنساب القرشيّين، تحقيق محمّد نايف الدليمي، عالم الكتب، بيروت، 1408هـ/ 1988م. 263- روضة الناظر وجنة المناظر، تحقيق د/ عبد العزيز السيد، جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية، الطبعة الثانية 1399هـ/ 1979م. الكافي، المكتب الإسلامي، بعناية زهير الشاويش، الطبعة الرابعة 1405هـ/ 1985م.
265- المغني، تحقيق د/ عبد الله التركي، د/ عبد الفتاح الحلو، هجر، القاهرة، الطبعة الأولى. 266- المقنع، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ. القرشي: عبد القادر محمّد (ت 775هـ) : 267- الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، تحقيق عبد الفتاح الحلو، دار العلوم، الرياض، 1978م. القلقشندي: أبو العباس أحمد بن عليّ (ت 821هـ) : 268- صبح الأعشى في كتابة الإنشا، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1405هـ، مصورة عن الطبعة الأميرية 1910م – 1920م. ابن القيم الجوزية: أبو عبد الله محمّد بن أبي بكر (ت 751هـ) : 269- أحكام أهل الذمة، تحقيق د/ صبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة 1983م. 270- أعلام الموقّعين عن ربّ العالمين، بعناية عبد الرؤوف سعد، دار الجيل للنشر والتوزيع، بيروت. 271- روضة المحبّين، تحقيق د/ السيد الجميلي، دار الهدى، الرياض، الطبعة الأولى 1414هـ/ 1994م. 272- زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرنوؤط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1399هـ/ 1979م. 273- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، طبع بعناية محمّد حامد الفقي، دار الرشاد الحديثة، بدون تاريخ. الكاساني: علاء الدين بن مسعود الكاساني الحنفي (ت 578هـ) : 274- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الطبعة الثانية 1402هـ، دار الكتاب العربي، بيروت. ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر (ت 774هـ) .
275- البداية والنهاية، تصحيح د/ أحمد أبو ملحم وزملائه، دار الريان للتراث، الطبعة الأولى 1408هـ/ 1988م. مصر. 276- تفسير القرآن العظيم، تحقيق عبد العزيز غنيم وزملائه، مطبعة الشعب، القاهرة، بدون تاريخ. 277- السيرة النبوية، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت، 1395هـ/ 1976م. ابن الكلبي: هشام ابن القطان محمّد (ت 204هـ) : 278- جمهرة النسب، تحقيق ناجي حسن، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ/ 1986م. الكوهجي: عبد الله بن حسن. 279- زاد المحتاج بشرح المنهاج، بعناية عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الأولى 1402هـ/ 1982م. اللالكائي: هبة الله بن الحسن الطبري (ت 418هـ) : 280- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، تحقيق د/ أحمد سعد حمدان، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى 1409هـ/ 1988م. ابن ماجه: أبو عبد الله محمّد بن يزيد القزويني (ت 275هـ) : 281- السنن، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بدون تاريخ مالك بن أنس الأصبحي (ت 179هـ) : 282- المدوّنة الكبرى، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ. 283- الموطّأ، رواية أبي مصعب الزهري، تحقيق د/ بشار عواد، محمود محمّد خليل، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ/ 1992م. 284- الموطّأ، رواية يحيى بن يحيى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ/ 1984م. المبرد: محمّد بن يزيد (ت 285هـ) : 285- الكامل في اللغة والأدب، طبع بعناية نعيم زرزور، تغاريد بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ/ 1987م. المجد: عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني (ت 652هـ) .
286- المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد، طبع بعناية محمّد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بدون تاريخ. المحبّ الطبري: أحمد بن محمّد (ت 694هـ) : 287- الرياض النضرة في مناقب العشرة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأوى 1405هـ/ 1984م. المحبي: محمّد أمين (ت 1111هـ) : 288- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، القاهرة، سنة 1384م. محمّد المقدسي: محمّد بن حامد (ت 888هـ) : 289- الردّ على الرافضة، تحقيق عبد الوهّاب خليل الرحمن، الدار السلفية، الهند، الطبعة الأولى 1403هـ/ 1983م. ابن المديني: عليّ بن عبد الله (ت 234هـ) : 290- الرواة من الأخوة والأخوات، تحقيق باسم فيصل الجوابرة، دار الراية، الطبعة الأولى 1408هـ/ 1988م. 291- العلل، تحقيق محمّد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1392هـ المزي: يوسف بن عبد الرحمن (ت 742هـ) : 292- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، تصحيح عبد الصمد شرف الدين، المكتب الإسلامي، بيبروت، الطبعة الأولى 1400هـ/ 1980م. 293- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعةالأولى1400هـ/1980م1413هـ/ 1992م. مسلم بن الحجاج القشيرت (ت 261هـ) : 294- الصحيح، تحقيق فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر، بدون تاريخ. 295- الكنى والأسماء، تحقيق عبد الرحمن محمّد القشقري، المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة، الطبعة الأولى 1404هـ/ 1984م. ابن مفلح: إبراهيم بن محمّد (ت 884هـ) .
296- المبدع في شرح المقنع، المكتب الإسلامي، سنة 1394هـ/1974م. ابن مفلح: أبو عبد الله بن محمّد بن مفلح (ت 763هـ) : 297- الآداب الشرعية والمنح والمرعية، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1391هـ/ 1971م. 298- الفروع، طبع بعناية عبد الستار فرج، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الرابعة 1405هـ/ 1985م. المقريزي: أحمد بن عليّ (ت 845هـ) : 299- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، دار الكتاب اللبناني، بيروت، مصورة عن طبعة بولاق سنة 127هـ. المناوي: عبد الرؤوف بن تاج العارفين (ت 1031هـ) : 300- فيض القدير شرح الجامع الصغير، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1391هـ/ 1972م. ابن منظور: جمال الدين محمّد بن مكرم (ت 711هـ) : 301- لسان العرب، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ. ابن ناصر الدين: محمّد بن عبد الله القيسي الدمشقي (ت 842هـ) : 302- توضيح المشتبه، تحقيق محمّد نعيم العرقسوس، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1414هـ/ 1993م. ابن النجار: محمّد بن أحمد الفتوحي الحنبلي (ت 972هـ) : 303- منتهى الإرادات، تحقيق عبد الغني عبد الخالق، عالم الكتب، بدون تاريخ. النسائي: أبو عبد الرحمن محمّد بن شعيب (ت 303هـ) : 304- السنن (المجتبى) تصحيح عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ/ 1986م. 305- عشرة النساء (وهو من السنن الكبرى) تحقيق عمرو عليّ عمر، مكتب السنة، القاهرة، الطبعة الأولى 1408هـ/ 1988م.
306- فضائل الصحابة، دارالكتب العلمية، بيروت، الطبعةالأولى1405هـ/1984م. أبو نعيم: أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430هـ) : 307- تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة، تحقيق إبراهيم بن عليّ التهامي، دار الإمام مسلم، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ/ 1987م. 308- حلية الأولياء، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ. 309- دلائل النبوة، تحقيق محمّد رواس قلعة جي وعبد البر عباس، دار النفائس، الطبعة الثانية 1406هـ/ 1986م. 310- ذكر أخبار أصبهان، الدار العلمية، الهند، الطبعة الثانية، 1405هـ/ 1985م. 311- معرفة الصحابة، تحقيق محمّد راضي عثمان، مكتبة الدار، المدينة المنوّرة، الطبعة الأولى 1408هـ/ 1988م. النووي: يحيى بن شرف (ت 676هـ) : 312- روضة الطالبين وعمدة المفتين، إشراف زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1405هـ/ 1985م. 313- المجموع شرح مهذب الشيرازي، مع تكملته بقلم محمّد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد، جدة. الهجري: أبو عليّ هارون بن زكريا الهجري (ت 300هـ) : 314- التعليقات والنوادر، تحقيق حمد الجاسر. ابن هشام: عبد الله بن يوسف الأنصاري المصري (ت 761هـ) : 315- أوضع المسالك مع ضياء السالك للنجار، مصر، القاهرة. 316- شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب، بدون ذكر الطبعة ولا مكان الطبع. ابن هشام: أبو محمّد عبد الملك بن هشام (ت 218هـ) : 317- السيرة النبوية، تحقيق همام سعيد، محمّد أبو صعليك، مكتبة المنار، الأردن، الطبعة الأولى 1409هـ/ 1988م. ابن الهمام: كمال الدين محمّد بن عبد الواحد (ت 861هـ) .
318- شرح فتح القدير، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ. هناد بن السري الكوفي (ت 234هـ) : 319- الزهد، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت، الطبعة الأولى 1406هـ/ 1985م. الهندي: علاء الدين عليّ بن حسان (975هـ) : 320- كنزل العمال في سنن الأقوال والأفعال، تصحيح بكري حيائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الخامسة 1405هـ/ 1985م. الهيثمي: أبو بكر عليّ بن أبي بكر (ت 807هـ) : 321- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، تحقيق حسين أحمد صالح الباكري، مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، الجامعة الإسلاميّة، الطبعة الأولى 1413هـ/ 1992م. 322- كشف الأستار عن زوائد البزار، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1404هـ/ 1984م. 323- مجمع الزوائد، دارالكتاب العربي، بيروت، الطبعةالثالثة1402هـ/1982م ابن وضاح: محمّد بن وضاح (ت 287هـ) : 324- البدع والنهي عنها، دار الرائد العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1402هـ. وكيع بن الجراح (ت 197هـ) : 325- الزهد، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، مكتبة الدار، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1404هـ/ 1984م. وكيع: محمّد بن خلف بن حيان (ت 306هـ) : 326- أخبار القضاة، عالم الكتب، بيروت، بدون تاريخ. ياقوت: أبو عبد الله الحموي (ت 622هـ) : 327- معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، 1399هـ/ 1979م. أبو يعقوب بن شيبة بن الصلت (ت 262هـ) .
328- مسند عمر بن الخطاب، تحقيق كمال يوسف الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ/ 1985م. أبو يعلى الحنبلي: محمّد بن الحسين البغدادي (ت 458هـ) : 329- الأحكام السلطانية، بعناية محمّد حامد الفقي، الطبعة الثانية، البابي الحلبي، القاهرة، 1386هـ. 330- كتاب الروايتين والوجهين، تحقيق عبد الكريم اللاحم، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1405هـ/ 1985م. 331- مسائل الإيمان، تحقيق سعود الخلف، طبع دار العاصمة، الرياض، النشرة الأولى 1410هـ. 332- المعتمد في أصول الدين، تحقيق د/ وديع زيدان حداد، المكتبة الشرقية، بيروت، بدون تاريخ. أبو يعلى الموصلي: أحمد بن عليّ بن المثنى (ت 307هـ) : 333- المسند، تحقيق حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى 1404هـ/ 1984م 334- المعجم، تحقيق حسين سليم أسد، عبده عليّ كوشك، دار المأمون للتراث، الطبعة الأولى 1410هـ. ثالثاً: المراجع الحديثة: الألباني: محمّد ناصر الدين: 335- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1405هـ/ 1985م. 336- تخريج أحاديث مشكاة المصابيح، بحاشية مشكاة المصابيح، المكتب الإسلامي، دمشق 1382هـ/ 1962م. 337- سلسلة الأحاديث الصحيحة، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1405هـ/1985م، جـ3، 4، 5، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثانية، 1407هـ، جـ4، الطبعة الثالثة، 1406هـ، جـ5، الطبعة الأولى، 1412هـ/ 1991م.
338- سلسلة الأحاديث الضعيفة، جـ1، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الخامسة، 1405هـ/1985م، جـ2، مكتبةالمعارف، الرياض، الطبعة الرابعة، 1408هـ، جـ3، 4، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى 1408هـ/ 1988م. 339- صحيح الأدب المفرد، دار الصّدّيق، الجبيل، الطبعة الأولى 1414هـ/ 1991م. 340- صحيح الجامع الصغير، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1406هـ/ 1986م. 341- صحيح سنن الترمذي، مكتبة التربية العربي لدول الخليج، الرياض، الطبعة الأولى، 1408هـ/ 1988م. 342- صحيح سنن ابن ماجه، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ. 343- صحيح سنن النسائي، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، الطبعة الأولى، 1408هـ/ 1988م. 344- ضعيف الأدب المفرد، دار الصّدّيق، الجبيل، الطبعة الأولى، 1414هـ/ 1994م. 345- ضعيف الجامع الصغير، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1399هـ/1979م. 346- ضعيف سنن الترمذي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1411هـ/ 1991م. 347- ضعيف سنن أبي داود، الإسلامي، الطبعة الأولى، 1412هـ/ 1991م. 348- ضعيف سنن ابن ماجه، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1408هـ/ 1988م. 349- ضعيف سنن النسائي، الإسلامي، الطبعة الأولى، 1411هـ/ 19910م. 350- ظلال الجنة في تخريج السنة، بحاشية السنة لابن أبي عاصم، الإسلامي، الطبعة الأولى، 1400هـ/ 1980م. 351- مختصر العلوّ للعليّ الغفار، الإسلامي، الطبعة الأولى، 1401هـ/ 1981م. باوزير: أحمد محمّد: 352- مرويات غزوة بدر، مكتبة طيبة، الطبعة الأولى، 1400هـ/ 1980م. بروكلمان.
353- تاريخ الأدب العربي، دار المعارف، القاهرة، 1977م، (ترجمةيعقوب بكر) . بكر عبد الله أبو زيد: 354- معجم المناهي اللفظية، دارابن الجوزي، الطبعةالأولى، 1410هـ/1989م البلادي: عاتق بن غيث: 355- معجم معالم الحجاز، دار مكّة، الطبعة الأولى، 1400هـ/ 1980م. ابن جنيدل: سعد بن عبد الله: 356- عالية نجد، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، بدون تاريخ. حسين: عبد المنعم محمّد: 357- سلاجقة إيران والعراق، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1380هـ. حمد الجاسر: 358- شمال غرب المملكة، دار اليمامة للبحث الترجمة والنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1397هـ. 359- شمال المملكة، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض، بدون تاريخ. 360- المنطقة الشرقية، منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة، والنشر، الرياض، بدون تاريخ. الخيمي: صلاح الدين الخيمي: 361- يوسف بن عبد الهادي حياته وآثاره المخطوطة والمطبوعة، مستلة من مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد السادس والعشرون، الجزء الثاني، 1402هـ/ 1982م، الكويت. الدميجي: عبد الله بن عمر: 362- الإمامة العُظمى عند أهل السنة والجماعة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1407هـ/ 1987م. دهمان: محمّد أحمد دهمان: 363- مقدمة القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية، مجمع اللغة العربية، بدمشق، الطبعة الثانية، 1401هـ/ 1980م. رضوان مختار بن غربية.
364- مقدمة الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، دار المجتمع للنشر والتوزيع، جدة، الطبعة الأولى 1411هـ/ 1991م. رمضان عبد التوّاب: 365- مقدمة كتاب البئر لابن الأعرابي، دار النهضة العربية، بيروت، 1983م. الزركلي: خير الدين بن محمود (ت 1396هـ) : 366- الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة السادسة، 1984م. الساعاتي: أحمد بن عبد الرحمن ألبنا: 367- الفتح الرباني، دار الشهاب، القاهرة، بدون تاريخ. سلام: محمّد زغلول سلام: 368- الأدب في العصر المملوكي (عصر الدولة الثانية المماليك الشراكسة) دار المعارف، القاهرة، بدون تاريخ. شاكر: محمود: 369- التاريخ الإسلامي (العهد المملوكي) ، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1405هـ/ 1985م. صبري: د/ عامر حسن صبري: 370- مقدمة تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، نشر المكتبة الحديثة، الإمارات، الطبعة الأولى 1409هـ/ 1989م. طلس: محمّد أسعد: 371- مقدمة ثمار المقاصد في ذكر المساجد، طبعة المعهد الفرنسي بدمشق، 1975م. عاشور: سعيد عبد الفتاح: 372- مصر والشام في عصر الأيوبيّين والمماليك، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، القاهرة، 1976م. عبد القديم زلوم.
373- الأموال في دولة الخلافة، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى 1403هـ. العثيمين: عبد الرحمن بن سليمان: 374- مقدمة الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب الإمام أحمد، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الأولى 1407هـ/ 1987م. العسلي: كامل جميل: 375- معاهد العلم في بيت المقدس، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، 1981م، الطبعة الأولى 1402هـ/ 1982م. العلبي: أكرم حسن: 376- دمشق بين عصر المماليك والعثمانيّين، الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق، الطبعة الأولى 1402هـ/ 1982م العمري: د/ أكرم ضياء العمري: 377- السيرة النّبويّة الصّحيحة، مكتبة العلوم والحكم، المدنية المنوّرة، الطبعة الخامسة 1413هـ/ 1993م. العمري: ضيف الله بن صالح: 378- يوسف بن عبد الهادي وأثره في الأصول مع تحقيق ودراسة كتابه غاية السول إلى علم الأصول، رسالة علمية، قدمت لنيل العالية (الماجستير) . الغامدي: عبد العزيز بن صالح: 379- الخلافة العباسية في عصر المماليك، رسالة علمية، قدمت لنيل العالمية (الدكتوراه) . ابن قاسم: عبد الرحمن بن محمّد النجدي (ت 1392هـ) : 380- حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع، المطابع الأهلية للأوفست، الرياض، الطبعة الأولى 1400هـ. القاضي: عبد الفتاح القاضي (ت 1403هـ) : 381- البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، بدون تاريخ. الكتاني: عبد الحيّ بن عبد الكبير.
382- فهرس الفهارس والأثبات، تحيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1402هـ/ 1982م. كحالة: عمر رضا: 383- معجم المؤلّفين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ. كرد: محمّد كرد عليّ: 384- خطط الشام، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية، 1391هـ/ 1971م. محمّد رأفت عثمان: 385- رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي، مطبعة السعادة، مصر، الناشر: الكتاب الجامعي، بدون تاريخ. محمّد رواس قلعة جي: 386- موسوعة فقه إبراهيم النخعي، دار النفائس، الطبعة الثانية 1406هـ. الندوة العالمية للشباب الإسلامي: 387- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، الطبعة الثانية، 1409هـ/ 1989م. الوادعي: مقبل بن هادي: 388- الصحيح المسند من أسباب النزول، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1408هـ/ 1987. وصي الله عباسي: 389- مقدمة بحر الدم فيمن تكلم بهم الإمام أحمد بمدح أو ذمّ، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى، 1409هـ/ 1989م. استدراك: 390- السلوك لمعرفة دول الملوك جـ 1، بعناية د/ محمّد مصطفى زيادة، دار الكتب، مصر. آل الشيخ: عبد الرحمن بن حسن (ت 1285هـ) : 391- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، تعليق وتصحيح الشيخ عبد العزيز ابن باز، دار الخير، بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ. باشا: عمر موسى.
392- تاريخ الأدب العربي (العصر المملوكي) ، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1409هـ. البسام: عبد الله بن عبد الرحمن: 393- علماء نجد خلال ستة قرون، مكتبة النهضة، مكّة، الطبعة الأولى 1398هـ. البقلي: محمّد قنديل: 394- التعريف بمصطلحات صبح الأعشى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1983م. دهمان: محمّد أحمد دهمان: 395- معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكي، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ. سليم: محمود زرق سليم: 396- عصر سلاطين المماليك ونتاجه العلمي والأدبي، مكتبة الآداب، الطبعة الثانية، 1381هـ/ 1962م. عاشور: سعيد عاشور: 397- المجتمع المصري في مصر والشام، الطبعة الأولى 1965م. عبد الكريم زيدان: 398- الوجيز في أصول الفقه، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت، 1987م. عبد المنعم ماجد: 399- نظم دولة سلاطين المماليك ورسومهم في مصر، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثانية، 1979م. قاسم عبده قاسم: 400- دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي (عصر سلاطين المماليك) ، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية، 1983م.