مجموع فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان

صالح الفوزان

كتاب العقيدة

كتاب العقيدة

الله سبحانه وتعالى في السماء سؤال: دار نقاش بيني وبين زميل لي في المكتب، حول وجود الله سبحانه وتعالى في السماء، وهذا الشخص ينفي وجود الله سبحانه وتعالى في السماء، وأنا أثبته بدليل قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك: 16] ، ولحديث الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية، «قال لها: أين الله؟ قالت: في السماء» ، المطلوب من فضيلتكم توضيح الصواب جزاكم الله خير الجزاء وبارك فيكم؟ الجواب: لا شك أن الله سبحانه وتعالى في السماء، هذا ما يعتقده المسلمون، وأتباع الرسل قديمًا وحديثًا، فهو محل إجماع في رسالات الله سبحانه وتعالى، وعباده المؤمنون يعتقدون أن الله جل وعلا في السماء، وتضافرت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة بما يزيد على ألف دليل، على علو الله سبحانه وتعالى، وأنه في السماء، وأنه استوى على عرشه سبحانه وتعالى، كما أخبر جل وعلا بذلك، ومن ذلك ما ذكره السائل من قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك: 16، 17] . وحديث الجارية التي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم «قال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: أعتقها إنها مؤمنة» . ومعنى كونه في السماء إذا أريد بالسماء العلو ففي الظرفية، وهو أن الله جل وعلا في العلو بائن من خلقه سبحانه وتعالى، عال على مخلوقاته، بائن من خلقه.

وأما إذا أريد بالسماء، السماء المبنية، وهي السبع الطباق، فمعنى: "في": علا في السماء. يعني: على السماء، كما في قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 11] ، يعني: على الأرض، كما في قوله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] ، يعني: على جذوع النخل. وعلى كل حال الآيات المتضافرة، والأحاديث المتواترة، وإجماع المسلمين، وأتباع الرسل، على أن الله جل وعلا في السماء. أما من نفى ذلك من الجهمية وأفراخهم وتلاميذهم فإن هذا المذهب باطل وإلحاد في أسماء الله، والله جل وعلا يقول: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] . فالإلحاد في أسماء الله وصفاته جريمة عظيمة، وهذا الذي ينفي كون الله في السماء، هذا يكذب القرآن، ويكذب السنة، ويكذب إجماع المسلمين، فإن كان عالمًا، فإنه يكفر بذلك، أما إذا كان جاهلًا فإنه يبين له، فإذا أصر بعد البيان، فإنه يكون كافرًا، والعياذ بالله. *** مراتب الدين الإسلامي سؤال: يقول الله تعالى في محكم التنزيل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] ، ما معنى هذه الآية؟ وهل هناك فرق بين الإيمان والإسلام؟ وما هو؟ الجواب: الدين ثلاث مراتب: الأولى: الإسلام، وأعلى منها الإيمان، وأعلى منها الإحسان، كما

مراتب الدين الإسلامي

جاء ذلك في حديث جبريل عليه الصلاة والسلام، عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المراتب وأجابه النبي صلى الله عليه وسلم عن كل مرتبة، وفي النهاية قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم» ، وقد ذكرها مرتبة مبتدئًا بالأدنى ثم ما هو أعلى منه ثم ما هو أعلى منه. فالأعراب لما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول دخولهم في الإسلام، ادعوا لأنفسهم مرتبة لم يبلغوها، جاءوا مسلمين وادعوا مرتبة الإيمان، وهي مرتبة لم يبلغوها بعد، ولهذا رد الله تعالى عليهم بقوله: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] ، فهم في أول أمرهم لم يتمكن الإيمان في قلوبهم، وإن كان عندهم إيمان لكن إيمان ضعيف، أو إيمان قليل. ويستفاد من قوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} : أنه سيدخل في المستقبل، وليسوا كفارًا أو منافقين بل هم مسلمون، ومعهم شيء من الإيمان، لكنه قليل لم يستحقوا به أن يسموا مؤمنين، ولكن سيتمكن الإيمان في قلوبهم فيما بعد، لقوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} . والإسلام والإيمان إذا ذكرا جميعًا افترقا، وصار للإسلام معنى خاص، وللإيمان معنى خاص، كما في حديث جبريل عليه السلام، فإنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت»

«إن استطعت إليه سبيلًا» ، وسأله عن الإيمان فقال: «الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» . فعلى هذا يكون الإسلام: هو الانقياد الظاهري. والإيمان: هو الانقياد الباطني. هذا إذا ذكرا جميعًا. أما إذا ذكر الإسلام وحده أو ذكر الإيمان وحده، فإنه يدخل أحدهما في الآخر، إذا ذكر الإسلام فقط دخل فيه الإيمان، وإذا ذكر الإيمان فقط دخل فيه الإسلام، ولهذا يقول أهل العلم: إنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فالإيمان عند أهل السنة والجماعة: هو قول باللسان، وعمل بالأركان، وتصديق بالجنان - يعني القلب -. ويدخل فيه بهذا التعريف الإسلام، فيكون قولًا باللسان وعملًا بالأركان وتصديقًا بالجنان، ويدخل فيه الإسلام. *** أنواع التوحيد سؤال: نظرًا لعدم معرفتي بأنواع التوحيد وحقيقته ورغبة مني في التجرد من الشرك، لذا أرجو إجابتي على هذا السؤال؟ ما هي أنواع التوحيد مع إيضاح كل نوع منها؟ الجواب: زادك الله رغبة في الخير، والحقيقة أن هذا يدل منك على الاهتمام بعقيدتك، ويجب على كل مسلم أن يهتم بعقيدته؛ لأنها الأساس

أنواع التوحيد

الذي ينبني عليه عمله، فالعمل إنما يصح ويثاب عليه بشرطين: الأول: أن يكون مبنيًا على عقيدة سليمة. والشرط الثاني: أن يكون موافقًا لما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاهتمامك بعقيدتك، وحرصك على معرفة أنواع التوحيد هذا يدل على خير، وعلى أنك والحمد لله تريد الحق، وتريد العقيدة الصحيحة، وهذا واجب على كل مسلم. أما بالنسبة لأنواع التوحيد، فالتوحيد ثلاثة أنواع: الأول: توحيد الربوبية، ومعناه: إفراد الله تعالى بأفعاله من الخلق والرزق والإحياء والإماتة، والضر والنفع، وغير ذلك من أفعال الله سبحانه وتعالى، فيعتقد المسلم أنه لا شريك له في ربوبيته. والنوع الثاني: توحيد الألوهية، وهو: إفراد الله تعالى بأنواع العبادة التي شرعها من الصلاة والصيام والحج والزكاة والدعاء والنذر والرغبة والرجاء والخوف والخشية إلى آخر أنواع العبادة، فإفراد الله تعالى فيها يسمى توحيد الألوهية، وهذا النوع هو المطلوب من الخلق. أما النوع الأول وهو توحيد الربوبية، فالخلق مقرون به، حتى المشركون الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقرون بتوحيد الربوبية، كما في قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] ، وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 86، 87] ، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على أن المشركين

مقرون بتوحيد الربوبية، ولكن المطلوب منهم هو إفراد الله تعالى بالعبادة، إذا أقروا له بتوحيد الربوبية. والرسل كلهم إنما دعوا إلى توحيد العبادة كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ، فكل رسول يدعو قومه إلى توحيد العبادة. أما توحيد الربوبية فهذا موجود، ومقرون به ولكنه لا يكفي. والنوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وذلك بأن نثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، وننفي ما نفاه عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب، هذه أنواع التوحيد الثلاثة التي يجب على المسلم معرفتها والاعتناء بها والعمل بها. *** أنواع الكفر سؤال: هل للكفر أنواع ودرجات بعضها أعظم من بعض، أم أنه درجة واحدة؟ وإذا كان له درجات، فمن أيها يكون سب الدين أو الرب أو الرسول والعياذ بالله من ذلك؟ الجواب: نعم، الكفر -والعياذ بالله- درجات، بعضه أشد من بعض، منه كفر يخرج من الملة، ومنه كفر دون ذلك، كفر أصغر، وسب الدين أو سب الله أو رسوله، هذا من الكفر الأكبر المخرج من الملة - والعياذ بالله -. وأما الكفر الأصغر فمثل قوله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله»

أنواع الكفر

«كفر» ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض» ، فهذا من الكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة، فقتل النفس جريمة عظيمة، وإثم كبير ومحرم عظيم لكنه لا يصل إلى درجة الكفر المخرج من الملة. *** أنواع الشرك سؤال: ما أنواع الشرك؟ الجواب: الشرك: هو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، كالذبح لغير الله، والنذر لغير الله، ودعاء غير الله، والاستغاثة بغير الله، كما يفعل بعض القبوريين اليوم عند الأضرحة، من مناداة الأموات لقضاء الحاجات وتفريج الكربات من الموتى والطواف بأضرحتهم وذبح القرابين عندها تقربًا إليهم والنذر إليهم، وما أشبه ذلك. هذا هو الشرك الأكبر؛ لأنه صرف العبادة لغير الله سبحانه وتعالى، والله جل وعلا يقول: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] ، ويقول جل وعلا: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36] ، ويقول جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] ، والآيات في هذا الموضوع كثيرة.

أنواع الشرك

والشرك أنواع: النوع الأول: شرك أكبر يخرج من الملة، وهو الذي ذكرنا، أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله، كأن يذبح لغير الله، أو ينذر لغير الله، أو يدعو غير الله، أو يستغيث بغير الله، فهذا شرك أكبر، يخرج من الملة، وفاعله خالد مخلد في نار جهنم إذا مات عليه، ولم يتب إلى الله، كما قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72] . وهذا لا يغفره الله عز وجل، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116] . والنوع الثاني: شرك أصغر لا يخرج من الملة، لكن خطره عظيم، وهو أيضًا لا يغفر إلا بالتوبة، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116] ، فهذا يشمل الشرك الأكبر، والشرك الأصغر. والشرك الأصغر: مثل: الحلف بغير الله، ومثل: قول: ما شاء الله وشئت، بأن تعطف مشيئة المخلوق على مشيئة الخالق بالواو، والصواب أن تقول: ما شاء الله ثم شئت، ومثل: قول: لولا الله وأنت، وما أشبه ذلك. فهذا شرك في الألفاظ ويسمى شركًا أصغر. وكذلك الرياء شرك أصغر، وهو شرك خفي لأنه من أعمال القلوب ولا ينطق به، ولا يظهر على عمل الجوارح ولا يظهر على اللسان، إنما هو شيء في القلوب لا يعلمه إلا الله. إذا فالشرك على ثلاثة أنواع: شرك أكبر، وشرك أصغر، وشرك خفي

وهو الرياء، وما في القلوب من القصود والنيات لغير الله سبحانه وتعالى. والرياء معناه: أن يعمل عملًا ظاهره أنه لله، ولكنه يقصد به غير الله، يقصد أن يمدحه الناس، أو يثني عليه الناس، ويقصد به المحمدة أو يقصد به طمعًا من مطامع الدنيا، صورته أنه لله وهو لغير الله تعالى، كما قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16] ، فالذي مثلًا يحج أو يطلب العلم، أو يعمل أي عمل من الأعمال التي هي من العبادة، لكنه يقصد بها طمعًا من مطامع الدنيا، هذا يعتبر من الرياء، والرياء محبط للعمل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال: الرياء» . وقال عليه الصلاة والسلام: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وكفارته أن يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا وأنا أعلم، وأستغفرك من الذنب الذي لا أعلم» . فالواجب على المسلم أن يخلص لله في أفعاله وأقواله ونياته؛ ليكون عمله صالحًا مقبولًا عند الله عز وجل. ***

الطواغيت الخمسة

الطواغيت الخمسة سؤال: ما معنى الطاغوت؟ وهل كل طاغوت كافر؟ الجواب: الطاغوت في اللغة: مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، كمجاوزة الحق إلى الباطل، ومجاوزة الإيمان إلى الكفر، وما أشبه ذلك. والطواغيت كثيرون، وكل طاغوت فهو كافر بلا شك، والطواغيت كثيرون، ولكن رءوسهم خمسة، كما ذكر ذلك العلامة ابن القيم وغيره. الأول: إبليس لعنه الله، فإنه رأس الطواغيت، وهو الذي يدعو إلى الضلال والكفر والإلحاد، ويدعو إلى النار، فهو رأس الطواغيت. والثاني: من عبد من دون الله وهو راض بذلك، فإن من رضي أن يعبده الناس من دون الله، فإنه يكون طاغوتًا كما قال تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60] ، فالذي يعبد من دون الله، وهو راض بذلك هذا طاغوت، أما إذا لم يرض بذلك فليس كذلك. والثالث: من ادعى شيئًا من علم الغيب، فمن ادعى أنه يعلم الغيب فهو طاغوت؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] ، فالذي يدعي أنه يعلم الغيب هذا يجعل نفسه شريكًا لله عز وجل في علم الغيب فهو طاغوت. والرابع: من دعا الناس إلى عبادة نفسه، فالذي يدعو الناس إلى أن يعبدوه، ويريد أن يكون إلهًا ولو لم يقل إنه إله، لكن إذا دعا الناس إلى أن يتقربوا إليه بالعبادة ويزعم أنه يشفي مرضاهم، وأنه يقضي حوائجهم التي لا يقدر عليها إلا الله - عز وجل - وأنه يقدر أن يضرهم بما لا يقدر

عليه إلا الله عز وجل، وأنه يسيطر على الناس وإذا لم يعبدوه ضرهم، ومن عبده منهم، فإنه ينفعه، فهذا طاغوت أيضًا؛ لأنه يدعو الناس إلى أن يتخذوه إلهًا من دون الله - عز وجل -. وهذا كما يفعل بعض أصحاب الطرق الصوفية، والمخرفين الذين يسيطرون على عباد الله، ويجعلون لأنفسهم مقام الألوهية في أنهم ينفعون ويضرون، وأنهم وأنهم.. إلى آخره، ليستذلوا العباد ويترأسوا عليهم بالباطل. والخامس: من حكم بغير ما أنزل الله - عز وجل -؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60] ، فالذي يحكم بغير ما أنزل الله، وهو يرى أن حكمه بغير ما أنزل الله أصلح للناس، وأنفع للناس، وأنه مساو لما أنزل الله، وأنه مخير بين أن يحكم بما أنزل الله، أو يحكم بغيره، أو أن الحكم بغير ما أنزل الله جائز، فهذا يعتبر طاغوتًا وهو كافر بالله عز وجل. هذه رؤوس الطواغيت، والله تعالى أعلم. *** الذهاب إلى المشعوذين والمخرفين سؤال: نحن في الصعيد إذا مرض لنا طفل أو بهيمة، نذهب إلى الشيخ يكتب لنا ورقة نحرقها ثم نتبخر بها، أو نقوم بشربها، أو نعلقها على رقبة المريض، أو البهيمة، ما حكم هذا العمل بارك الله فيكم؟

الذهاب إلى المشعوذين والمخرفين

الجواب: هذا من الخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهذه الورقة لا ندري ماذا كتب فيها، ربما يكون قد كتب فيها الشرك والكفر بالله عز وجل. وعلى كل حال، يجب عليكم تجنب مثل هذا الشيء، وعليكم بالاعتماد على الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107] . وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام: 17] ، وقال الخليل عليه السلام فيما ذكر في القرآن الكريم: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] . فيجب على المسلم أن يعتمد على الله في طلب الشفاء بالدعاء والعبادة والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يملك الشفاء والعافية، أما الذهاب إلى المشعوذين والمخرفين، وأخذ أوراق منهم وإحراقها، واستنشاقها، وما أشبه ذلك، فهذا من تلاعب الشيطان، فعليكم بالتوبة إلى الله عز وجل من هذا، وعليكم أيضًا بالأخذ بما أباح الله من الأدوية، فإن الله ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاء، قال صلى الله عليه وسلم: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء» . فعليكم بتعاطي الأدوية المباحة، والعلاج بالطب المباح، أما التعالج بالشعوذة والخرافات فهذا لا يجوز للمسلم. * * *

الطرائق المنحرفة

الطرائق المنحرفة سؤال: ما المذاهب والطرائق المنحرفة عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهل هناك طرائق صوفية على الطريقة الإسلامية الصحيحة؟ أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب: الطرائق المنحرفة عن طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة لا يمكن حصرها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» . فبين صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وهذا عدد كثير، والموجود الآن من فروع الفرق وتشعبها كثير، ولكن ثلاث وسبعين فرقة هذه أصولها، كما قال أهل العلم، وإلا فالفرق الضالة كثيرة والعياذ بالله، وليس هناك فرقة ناجية إلا فرقة واحدة من هذه الفرق الكثيرة، وهذه الفرقة الناجية هي من كانت على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى وهم على ذلك» . فرقة واحدة هي الناجية، هم أهل السنة والجماعة، الذين بقوا وثبتوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولم يبدلوا ولم يغيروا،

هؤلاء هم الفرقة الناجية، ومن عداهم فإنهم ضالون، وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كلها في النار. والطرق الصوفية، طرق ضالة منحرفة، خصوصًا في وقتنا الحاضر، فإن غالبها طرق منحرفة؛ لأنها مخالفة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهي داخلة في الفرق الضالة، بل ربما يصل ضلالها إلى الكفر؛ لأن منهم أهل وحدة الوجود، وهؤلاء هم أكفر الخلق، وهم من فروع الصوفية، أو من أكابر الصوفية، وكذلك منهم الحلولية، ومنهم الآن السادة الذين يعبدون من دون الله عز وجل، ويتقرب إليهم مريدوهم بأنواع القربات، ويتقربون إلى أضرحتهم وقبورهم إذا كانوا أمواتًا بأنواع القربات، يرجون منهم المدد والشفاعة وغير ذلك، وإن كانوا أحياءً فإنهم ينقادون لأوامرهم المخالفة لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من تحليل الحرام، وتحريم الحلال، وتغيير الشريعة والرسومات المخالفة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا كثير في الطرق الصوفية اليوم. ولا نعلم أن هناك فرقة صوفية معتدلة، بل كل الفرق الصوفية منحرفة، وانحرافها يتفاوت، فمنه ما هو دون ذلك. وعلى كل حال: الصوفية وغيرهم، كل من خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ضال ومنحرف، وواقع تحت هذا الوعيد الشديد نسأل الله العافية. ***

اتخاذ مشايخ الطرق شفعاء عند الله تعالى

اتخاذ مشايخ الطرق شفعاء عند الله تعالى سؤال: كلنا نعرف الحديث الشريف: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» . فبماذا تنصحوننا نحو مشكلة انتشرت في عالمنا تتمثل في البدع والخرافات، فمن ذلك طائفة يسمون أنفسهم المشايخ، ويدعون أن لهم ولاية لمحبيهم من الناس في الدنيا والآخرة، فيجمعونهم ويخطبون فيهم، كل واحد منهم يقول لمجتمعه: أنا الشيخ الفلاني، عاهدوني أن أكون وليكم وشفيعكم في الدنيا والآخرة!! فما الحكم في مثل عملهم هذا؟ وما الحكم في مصدقيهم من الناس؟ وما هو واجبنا نحوهم؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا. الجواب: أولًا: نشكر السائل على غيرته على دينه، واهتمامه بعقيدته، وهذا واجب كل مسلم. أما ما ذكره من حالة هؤلاء الذين يدعون الناس، ويخطبون فيهم، يحثونهم على تعظيمهم وعلى عبادتهم من دون الله باتخاذهم شفعاء وأولياء في الدنيا والآخرة، فهذا منكر عظيم، وكفر شنيع؛ لأن من دعا الناس إلى عبادة نفسه فهو طاغوت، كما صرح بذلك أهل العلم؛ لأن العبادة حق لله سبحانه وتعالى، ليس لأحد فيها أي استحقاق، والشفاعة ملك لله سبحانه وتعالى، {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44] ، {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] ، {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] ،

{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] ، والشفاعة ملك لله سبحانه وتعالى وحده، يأذن بها لمن شاء من رسله وأنبيائه والصالحين من عباده، يشفع فيمن رضي عنه من المؤمنين. فلا تكون إلا بعد إذن الله، ولا تكون إلا إذا رضي الله عن المشفوع له قوله وعمله، بأن يكون من أهل الإيمان، فالنبيون والملائكة والصالحون ليس لهم استحقاق في الشفاعة حتى يقول هذا الدعي عاهدوني على أن أكون لكم شفيعًا ووليًا في الدنيا والآخرة، فإن الله هو الشفيع وحده وهو الولي وحده، كما قال تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 51] ، وكما قال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام: 62] ، ففي الآخرة لا تملك نفس لنفس شيئًا، والأمر يومئذ لله، ليس لأحد استحقاق في الشفاعة ولا في الولاية من دون الله سبحانه وتعالى، فالله تعالى يقول في حق النبيين: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 79، 80] . فالنبيون والملائكة والصالحون كلهم عبيد لله محتاجون إليه، كما قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57] ، فالأولياء ليس لهم استحقاق في الشفاعة، وليس لهم حق بأن يتولوا عباد الله في الآخرة، وإنما هذا ملك لله سبحانه وتعالى، والولاية أيضًا لا تختص بأحد دون أحد، فكل المؤمنين أولياء لله سبحانه وتعالى، قال تعالى:

{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63] ، فكل من آمن بالله واتقاه فهو ولي لله، وهذه الولاية تعظم وتخف بحسب حال صاحبها، في الإيمان والتقوى، وكلما عظم الإيمان والتقوى قويت الولاية، وكلما ضعف الإيمان والتقوى ضعفت الولاية. ولا يختص بها أحد دون أحد. ثم أيضًا نحن لا نحكم لأحد أنه ولي الله، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولاية، وأما من لم يشهد له الرسول صلى الله عليه وسلم فنحن لا نجزم له بالولاية، ولكننا نرجو للمؤمنين المتقين ونخاف على العصاة والمذنبين، وحتى الذي شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالولاية، كالخلفاء الراشدين، والعشرة المبشرين بالجنة وغيرهم من الصحابة ومن سادات المهاجرين والأنصار، ما أحد منهم ادعى هذه الدعوى التي ادعاها هذا المبطل، ما أحد من الخلفاء الراشدين ولا من الصحابة والقرون المفضلة، قال للناس: عاهدوني على أن أكون وليكم وشفيعكم في الدنيا والآخرة، هذه لم يقلها أحد من أهل الإيمان، ولا يقولها إلا الطواغيت الذين يريدون أن يفسدوا عقائد المسلمين، ويريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، فالواجب الأخذ على أيديهم، إما أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى عن هذه الخرافات، وهذه النزعات والنزغات الشيطانية، وإما أن يقتلوا ويراح المجتمع الإسلامي منهم. سؤال: طبعًا هذا الحكم يشمل المدعين ويشمل من صدقهم أيضًا في دعواهم؟

الجواب: نعم، فمن ادعى هذه الدعوى ودعا الناس إلى أن يعاهدوه على أنه شفيعهم، وأنه وليهم في الدنيا والآخرة فهذا طاغوت كافر بالله سبحانه وتعالى، ومن صدقه فهو مثله أيضًا، من صدقة فهو كافر بعد معرفته للحجة والنصوص الشرعية، أما إذا كان جاهلًا فهذا يبين له الحكم ويبين له بطلان هذه الدعوى بالنصوص الشرعية، فإن أصر على تصديق هؤلاء الطواغيت صار مثلهم في الكفر والضلال والإلحاد. سؤال: هل الولاية مقصورة على زمن النبي صلى الله عليه وسلم أم هي صفات وضوابط، إذا التزم بها أي شخص أو توفرت فيه كان له حق هذه الولاية؟ الجواب: كل مؤمن ولي لله بحسب إيمانه وتقواه، وقلنا: إن هذه الولاية تقوى وتضعف بحسب قوة الإيمان وضعفه، ولكننا لا نجزم لأحد بأنه ولي لله، إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم. سؤال: قولنا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، ألا يقتصر على زمن النبي صلى الله عليه وسلم أم أن المقصود الصفات؟ الجواب: الأشخاص المعنيون، يقتصر على من شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم، أما بالنسبة للوصف العام، بأن يقال: كل مؤمن فهو ولي لله، فهذا مستمر إلى يوم القيامة، أما أن نعين شخصًا أو أشخاصًا ونقول لهؤلاء أولياء، فهذا لا يجوز، إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأننا لا نعلم ما في القلوب ولا نعلم ماذا يكون عليه حال الشخص فيما بينه وبين الله عز وجل، وإنما نحكم بالظواهر فقط. سؤال: كما تفضلتم فإن بعض الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم أو كلهم، في الحقيقة لم يسبق أن أحدًا منهم ادعى أنه ولي، أو زعم لنفسه هذا الزعم، بل

يشعرون دائمًا بالتقصير وأنهم مقصرون في حقوق الله رغم أنهم على درجة كبيرة من التقوى والورع والزهد؟ الجواب: نعم، حالة الصالحين من سلف هذه الأئمة، ومن اقتدى بهم ممن جاء بعدهم أنهم لا يدعون لأنفسهم الولاية، وأنهم يشعرون بالتقصير والنقص، كما قال الله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60] ، وكما قال عن المسيح وأمه، وعزير عليه الصلاة والسلام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57] ، وقال عن الأنبياء عمومًا: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] . *** التوسل بالأموات والغائبين سؤال: هناك من يقع في التوسل بغير الله، ويطلب المدد من الأولياء والصالحين، رغم أنه يوحد الله بالقول ويصلي ويصوم، وإذا نهيناه عن ذلك كابر وجادل، وحاول أن يحرف معاني القرآن، ويقول: إنني لا أطلب من هؤلاء مباشرة النفع أو دفع الضر، ولكنني أطلب من الله ببركتهم وصلاحهم وتقواهم، فهل هناك فرق بين من يطلبهم مباشرة أو يطلب من الله بواسطتهم، وهل هذا القائل على حق أم لا؟ الجواب: التوسل بالأموات والغائبين أمر محرم لا يجوز؛ لأن الميت والغائب لا يقدر على أن يعمل شيئًا مما طلب منه، ثم إن هذا يختلف

التوسل بالأموات والغائبين

حكمه باختلاف نوع التوسل، فإن كان المتوسل بالغائب والميت، يتقرب إليه بشيء من أنواع العبادة كالذبح له، والنذر له، ودعائه وطلب المدد منه، وقضاء الحاجات، فهذا شرك أكبر، ينقل من الملة - والعياذ بالله - لأنه صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله، ومن عبد غير الله بأي نوع من أنواع العبادة فقد أشرك وارتد عن دين الإسلام، وإن كان يصلي ويصوم ويحج ويعمل ما يعمل لأنه أبطل إسلامه بالنواقض التي ارتكبها والعياذ بالله، فهو كالذي يتوضأ ويحدث؛ لأن الحدث ينقض الوضوء، كذلك الشرك ينقض الإسلام، ولا ينفعه كونه يصوم ويصلي ما دام أنه يتقرب إلى الأموات والغائبين من الجن أو الملائكة، أو الشياطين بشيء من أنواع العبادة، بأن يذبح لهم، أو ينذر لهم، أو يهتف بأسمائهم أو يطلب منهم المدد، هذا شرك أكبر. أما إذا كان التوسل للغائب والميت بمعنى أنه يدعو الله سبحانه وتعالى، ويجعل هذا واسطة، فيقول: أسألك بحق فلان، أو بجاه فلان، فهذا بدعة لا يصل إلى حد الشرك الأكبر، لكنه بدعة محرمة وهو وسيلة إلى الشرك، وباب إلى الشرك، يوصل إلى الشرك، فالحاصل أنه لا يجوز التوسل بالأموات ولا بالغائبين بأي نوع من أنواع التوسل، فإن كان يطلب منهم الحاجة، ويذبح لهم وينذر لهم، هذا شرك أكبر، وإن كان مجرد أنه يتوسل بهم، يسأل بجاههم أو بحقهم، هذا بدعة محرمة، ووسيلة من وسائل الشرك. أما قول السائل عن هذا المكابر، أنه يقول: أنا لا أدعوهم، وإنما أدعو الله سبحانه وتعالى بصلاحهم وتقواهم، فهذا هو عين قول المشركين

الأولين، كما قال تعالى عنهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] ، وكما قال الله تعالى عنهم: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ، المشركون الأولون يعلمون أن هؤلاء الأموات والمدعوين من دون الله لا يقدرون على الخلق والرزق والإحياء والإماتة، يعترفون أن هذا لله سبحانه وتعالى، وإنما يريدون من هؤلاء مجرد الشفاعة، ومجرد الوساطة، وما أشبه ذلك، مما يتعلل به إخوانهم من المشركين اليوم. *** التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم سؤال: هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: التوسل فيه إجمال ينبغي تفصيله: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره، إذا كان المقصود منه طلب الدعاء من الشخص في حياته، بأن يأتي إلى رجل صالح ويقول: ادع الله لي بكذا وكذا، فهذا لا بأس به. فقد توسل الصحابة رضي الله تعالى عنهم بالعباس، بالاستسقاء، وقال عمر - رضي الله عنه -: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، ثم أمر العباس فدعا الله - عز وجل -. فالتوسل الذي من هذا القبيل، الذي معناه: طلب الدعاء من الشخص في حياته هذا لا بأس به.

التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

أما التوسل بمعنى: التوسط بالأموات والغائبين، وسؤال الله - عز وجل - بهم فهذا أمر مبتدع ولا يجوز؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن ندعوه من غير أن نجعل بيننا وبينه وسائط في الدعاء، وإنما جاز طلب الدعاء من الحي لورود الدليل بذلك، أما الأموات والغائبون فإنه لم يرد ما يدل على أنه يتوسل بهم، فالذي يفعل هذا يكون قد فعل بدعة محدثة في الدين، وإذا أضيف إلى هذا أنه يتقرب إلى هذه الواسطة في شيء من أنواع العبادة فهذا شرك أكبر، وهو الذي كان المشركون يفعلونه، قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] ، {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ، فإذا كان معنى التوسل: أنه يطلب من الشخص الميت أو الغائب أن يقضي حاجته، أو يتقرب إليه بشيء من أنواع العبادة، كالذبح له، والنذر له، وغير ذلك، فهذا شرك أكبر. أما إذا كان المراد بالتوسل هو أن يقول: اللهم إني أسألك بحق فلان، وأتوسل إليك بفلان، ونحو ذلك، فهذا من البدع والمحدثات في الدعاء، والله تعالى أعلم. *** دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لكشف الضر سؤال: هناك بعض الناس يدعون بدعاء يعتقدون أن يشفي من السكر، وهو كما يلي: الصلاة والسلام عليك، وعلى آلك يا سيدي يا رسول الله، أنت وسيلتي خذ بيدي، قلت حيلتي فأدركني، ويقولون هذا القول: يا

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لكشف الضر

رسول الله اشفع لي. وبمعنى آخر: ادع الله يا رسول الله بالشفاء، فهل يجوز أن يردد هذا الدعاء، وهل فيه فائدة كما يزعمون؟ أرشدونا بارك الله فيكم. الجواب: هذا الدعاء من الشرك الأكبر؛ لأنه دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب لكشف الضر والمرض من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، فطلبه من غير الله شرك أكبر، وكذلك طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم، هذا من الشرك الأكبر؛ لأن المشركين الأولين كانوا يعبدون الأولياء، ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فالله سبحانه وتعالى عاب ذلك عليهم، ونهاهم عن ذلك، {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18] ، {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] . وكل هذا من الشرك الأكبر والذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى منه والتزام التوحيد وعقيدة الإسلام، فهو دعاء شركي لا يجوز للمسلم أن يتلفظ به، ولا أن يدعو به، ولا أن يستعمله، ويجب على المسلم أن ينهى عنه، وأن يحذر منه، والأدعية المشروعة التي يدعى بها للمريض، ويرقى بها المريض أدعية ثابتة ومعلومة، يرجع إليها في مظانها من دواوين الإسلام الصحيحة، كصحيح البخاري، وصحيح مسلم، كذلك قراءة القرآن على المريض مرض السكر، أو غير مرض السكر، وبالذات قراءة سورة الفاتحة على المريض، هذا فيه شفاء، وفيه أجر، وفيه خير كثير، والله سبحانه وتعالى قد أغنانا بذلك عن الأمور الشركية. والمسلم لا يجوز له أن يتعاطى شيئًا من الشركيات، ولا أن يقدم على عمل من الأعمال، أو على دعاء من الأدعية إلا إذا ثبت لديه وتحقق أنه

من شريعة الله، وشريعة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بسؤال أهل العلم وبالرجوع إلى مصادر الإسلام الصحيحة. الذي أنصحك به ترك هذا الدعاء، والابتعاد عنه، والنهي عنه، والتحذير منه. *** ضرب الرمل والتنجيم سؤال: ما مدى صحة الحديثين، عن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: «كذب المنجمون ولو صدقوا» . وحديث آخر وهو: «كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك» . وما حكم الشرع في ضرب الرمل والتنجيم؟ وهل هناك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تحرم هذه الأعمال؟ الجواب: أما قضية التنجيم، التنجيم إذا أريد به الاستدلال بالنجوم على الحوادث المستقبلة، وأن النجوم لها تأثير في الكائنات، وفي نزول الأمطار، أو نزول الأمراض أو غير ذلك، فهذا شرك أكبر، وهو من اعتقاد الجاهلية، والتنجيم على هذا النحو محرم أشد التحريم، وأما الحديث الذي سألت عنه: «كذب المنجمون ولو صدقوا» ، فلا أعرف له أصلًا من ناحية السند، ولم أقف عليه، وأما معناه فهو صحيح، فإن المنجمين يتخرصون ويكذبون على الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لا علاقة للنجوم بتدبير الكون، إنما المدبر هو الله سبحانه وتعالى، هو الذي خلق النجوم، وخلق

ضرب الرمل والتنجيم

غيرها، والنجوم خلقها الله لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها، هذا ما دل عليه القرآن الكريم، فمن طلب منها غير ذلك، فقد أخطأ وأضاع نصيبه، هذا ما يتعلق بالتنجيم والنجوم. وكذلك بقية الأمور التي هي من الخرافات والشعوذة كالرمل، خطف الرمل، وغير ذلك من الأمور التي تستعمل لادعاء علم الغيب، والإخبار عما يحدث، أو لشفاء الأمراض، أو غير ذلك، كل هذا يدخل في حكم التنجيم ويدخل في الكهانة ويدخل في الأمور الشركية؛ لأن القلوب يجب أن تتعلق بالله وخالقها ومدبرها، الذي يملك الضر والنفع، والخير والشر، وبيده الخير وهو على كل شيء قدير، أما هذه الكائنات وهذه المخلوقات فإنها مدبرة مربوبة، ليس لها من الأمر شيء، {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] ، {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] ، فكلها كائنات مخلوقة مدبرة، لها مصالح ربطها الله سبحانه وتعالى بها، وهي تؤدي وظائفها طاعة الله، وتسخيرًا من الله سبحانه وتعالى. أما أن يتعلق بها ويطلب منها دفع الضرر أو جلب الخير، فهذا شرك أكبر واعتقاد جاهلي. أما حديث: «كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك» ، فهذا حديث صحيح، رواه الإمام مسلم والإمام أحمد وغيرهما.

قال العلماء: ومعناه أن هذا من اختصاص ذلك النبي عليه السلام، ومن معجزاته، وأن أحدًا لا يمكن أن يوافقه؛ لأن هذا من خصائصه ومن معجزاته، فالمراد بهذا نفي أن يكون الخط في الرمل يتعلق به أمر من الأمور؛ لأن هذا من خصائص ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وخصائص الأنبياء ومعجزاتهم لا يشاركهم فيها غيرهم عليهم الصلاة والسلام، فالمراد بهذا نفي أن يكون للخطاطين أو الرمالين شيء من الحقائق التي يدعونها، وإنما هي أكاذيب؛ لأنه لا يمكن أن يوافق ذلك النبي في خطه أحد، والله تعالى أعلم. سؤال: مثل الخط في الرمل أو قراءة الفنجان أو الكف، كما يحدث عند بعض المخرفين اليوم، فالإثم في هذا لا يقتصر على نفس مرتكبي هذه الأعمال، بل يلحق حتى من ذهب إليهم أو صدقهم؟ الجواب: لا شك أن هذه من الخرافات ومن الأوهام الجاهلية والأعمال الشركية، كلها من أعمال الشيطان، وكلها من طرق الشرك وأعمال الشرك، ولا يجوز للمسلم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر أن يذهب إلى هؤلاء، ولا أن يصدقهم، قال صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» ، فلا يجوز الذهاب إليهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم، وعلى المؤمن أن يعتمد على الله وأن يتوكل على الله، وأن يرتبط بالله سبحانه وتعالى وأن يحذر مما يفسد دينه أو يخلخل عقيدته، أو يضله عن الصراط المستقيم.

كتابة الحجب والحروز وتعليقها

كتابة الحجب والحروز وتعليقها سؤال: نحن في السودان يأتي بعض الناس إلى المفتي أو المطوع، فيقول: اكتب لي محاية أو أعطني الفاتحة أو اكتب لي حجابا ييسر لي أموري، فهل هذا جائز، أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب: المسلم يجب عليه أن يحافظ على عقيدته، عقيدة التوحيد التي تربطه بربه، والتي هي أساس دينه ومناط سعادته في الدنيا والآخرة، فيحفظها من كل ما يؤثر بها أو يخدشها من الأقوال والأفعال والبدع والخرافات، بأن يتوكل على الله، ويستعين بالله، ويعلق أمله بالله، ولا يدعو غير الله في جلب الخير، أو دفع الضر {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107] . وأما ما ذكره السائل من أنه يذهب إلى المطوع، أو إلى من يسميه بالمفتي، ويطلب منه أن يكتب له الفاتحة، أو يكتب له شيئا من الحروز والحجب، فهذا شيء لا يجوز؛ لأنه تعلق بغير الله سبحانه وتعالى، ولأن هذه الحروز وهذه الحجب منها ما هو شرك إذا كتب فيها ألفاظ شركية، كالاستعانة بالجن أو الشياطين أو أسماء مجهولة، أو كتب فيها حروف مقطعة، فهذه الحجب التي من هذا النوع تعتبر من الشرك بالله عز وجل، ولا يجوز تعليقها ولا كتابتها بإجماع أهل العلم. أما إذا كانت هذه الحروز أو هذه الكتب والحجب فيها شيء من القرآن، فالصحيح أيضًا من قولي العلماء أنه لا يجوز تعليقها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» ، والتمائم: هي الحروز والحجب التي تعلق لدفع الشر أو شفاء المرض أو نحو ذلك، وهذا عام فيما يعلق حتى ولو كان من القرآن؛ لأن في ذلك تعلق القلب بغير الله سبحانه وتعالى، ولأنه وسيلة وفتح باب لتعليق أشياء لا تجوز، ولأن في هذا امتهانًا للقرآن الكريم، فإن القرآن إذا كتب على هذه الصورة، على شكل حجب وحروز وتمائم، وصار يعلق على هذه الصور، وعلى الأطفال وعلى من لا يتحرزون من النجاسة، أو من يدخلون أماكن قذرة، فإن هذا عرضة لامتهان القرآن الكريم. فالحاصل: أنه يجب على المسلم أن يتجنب كل هذه الأمور. والذي ورد وصحت به الأحاديث أنه يقرأ على المريض قراءة مباشرة وهو ما يسمى بالرقية الشرعية، وهي: أن يأتي القارئ ويقرأ على المريض أو على موضع الإصابة. أو المريض أو المصاب يقرأ على نفسه وعلى جسمه، وهذا أحسن وأتم، هذا الوارد. أما أن يكتب كتابات وتعلق حروز وحجب وتمائم فهذا لا يجوز للمسلم أن يتعامل معه، وهؤلاء الذين يكتبون مثل هذه الحجب وهذه الحروز غير مؤتمنين على عقائد المسلمين، غير مؤتمنين فيما يكتبونه في هذه الحروز وهذه الحجب، وربما يكون أكثرهم جهالًا، لا يميزون بين الحق والباطل، وربما يكون منهم مضللون يقصدون تضليل الناس والاحتيال عليهم، لجلب الطمع والكسب من الناس في هذه الأشياء، والاحتيال على الناس وسلب أموالهم.

فالواجب على المسلم أن يكون حذرًا وأن يكون تعلقه بالله سبحانه وتعالى، وأن لا يتعاطى هذه الأمور التي لا تسلم العقيدة من جرائها ومن شرها، والله أعلم. *** كتابة الحجب والحروز من القرآن سؤال: ما حكم الشرع في كتابة آيات من القرآن وحملها بقصد الحماية من المشاكل أو كسب مودة إنسان؟ الجواب: هذا لا يجوز على أصح قولي العلماء، لا يجوز أن يكتب القرآن على شكل حجب وحروز وتعلق على الأشخاص؛ لأن القرآن لم ينزل لهذا، وإنما الذي ورد أن القرآن يقرأ على المصاب وعلى المريض، أما أن يكتب على شكل حروز، وعلى شكل حجب وتعلق على الشخص، حتى لو لم يكن به بأس، لكن خشية أن يصيبه شيء فهذا لا يجوز في أصح قولي العلماء لأن هذا لا دليل عليه، ولأنه وسيلة إلى امتهان القرآن، ووسيلة إلى أن يكتب غير القرآن من التعاويذ الشركية والألفاظ المجهولة، فإذا فتح هذا الباب، فإنه لا يقتصر على كتابة القرآن، وإنما تكتب الأمور المحظورة والشركية، كما هو الواقع عند كثير من الجهال والمخرفين، فلا يفتح هذا الباب، بل ينبغي إقفاله وصيانة كتاب الله عن مثل هذا التعامل، والله أعلم. ***

المساجد والقبور

المساجد والقبور سؤال: جامع كان له إمام، وأوصى هذا الإمام قبل موته إذا مات أن يقبروه أمام قبلة الجامع، فهل يصح هذا؟ أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب: هذه الوصية باطلة؛ لأنه لا يجوز أن يدفن في المساجد، ولا في قبلتها، ويجب أن يدفن هذا الشخص في المقبرة مع الناس. أما الدفن في المساجد فهذا قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور، ولعن من فعل ذلك، وهو في سياق الموت، يحذر أمته ويذكر صلى الله عليه وسلم أن هذا من فعل اليهود والنصارى، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل، لأصحاب هذه القبور، فيعتقد الناس أن أصحاب هذه القبور المدفونين في المساجد أنهم ينفعون أو يضرون، وأن لهم خاصية تستوجب أن يتقرب إليهم بالطاعات من دون الله سبحانه وتعالى، فهذا من فعل عبدة الأوثان، ومن فعل المشركين. ويجب على المسلمين أن يحذروا من هذه الظاهرة الخطيرة، وأن تكون المساجد خالية من القبور ومؤسسة على التوحيد والعقيدة الصحيحة، قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] . فيجب أن تكون المساجد لله وخالية من مظاهر الشرك، تؤدى فيها عبادة الله وحده لا شريك له، هذا هو واجب المسلمين، والله الموفق. ***

دفن الأموات في المساجد

دفن الأموات في المساجد سؤال: كان يوجد في قريتنا رجل صالح، فلما مات: قام أهله بدفنه في المسجد الصغير الذي نؤدي فيه الصلاة، والذي بناه هذا الرجل في حياته، ورفعوا القبر عن الأرض ما يقارب مترًا، وربما أكثر، ثم بعد عدة سنوات قام ابنه الكبير بهدم هذا المسجد الصغير وإعادة بنائه على شكل مسجد جامع أكبر من الأول، وجعل هذا القبر في غرفة منعزلة داخل المسجد، فما الحكم في هذا العمل، وفي الصلاة في هذا المسجد؟ الجواب: بناء المساجد على القبور، أو دفن الأموات في المساجد هذا أمر يحرمه الله ورسوله، وإجماع المسلمين، وهذا من رواسب الجاهلية، وقد كان النصارى يبنون على أنبيائهم وصالحيهم المساجد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكرت له أم سلمة كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من التصاوير. قال عليه الصلاة والسلام: «أولئك إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» . إلى غير ذلك من الأحاديث التي حذر فيها رسول

الله صلى الله عليه وسلم أن تسلك هذه الأمة ما سلكت النصارى والمشركون قبلهم من البناء على القبور؛ لأن هذا يفضي إلى جعلها آلهة تعبد من دون الله عز وجل كما هو الواقع المشاهد اليوم، فإن هذه القبور والأضرحة أصبحت أوثانًا عادت فيها الوثنية على أشدها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والواجب على المسلمين أن يحذروا من ذلك، وأن يبتعدوا عن هذا العمل الشنيع، وأن يزيلوا هذه البنايات الشركية، وأن يجعلوا المقابر بعيدة عن المساجد، فالمساجد للعبادة والإخلاص والتوحيد، {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] ، والمقابر تكون لأموات المسلمين، تكون بعيدة كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة، أما أن يدفن الميت في المسجد، أو يقام المسجد على القبر بعد دفنه، فهذا مخالف لدين الإسلام، مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين، وهو وسيلة للشرك الأكبر الذي تفشى ووقع في هذه الأمة بسبب ذلك. الحاصل: يجب عليكم إزالة هذا المنكر الشنيع، فهذا الميت الذي دفن في المسجد بعد بناء المسجد الواجب أن ينبش هذا الميت، وينقل ويدفن في المقابر، ويطهر المسجد من هذا القبر، ويفرغ للصلاة والتوحيد والعبادة، هذا هو الواجب عليكم. سؤال: قبل إزالة هذه الجثة ما حكم الصلاة؟ الجواب: قبل إزالة هذا القبر من المسجد، لا تجوز الصلاة فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد، أي اتخاذها مصليات، ولو كان

المصلي لا يقصد القبر، وإنما يقصد الله عز وجل بصلاته، لكن الصلاة عند القبر وسيلة إلى تعظيم القبر، وإلى أن يتخذ القبر وثنا يعبد من دون الله - عز وجل -. سؤال: وكذلك رفعه عن الأرض ما حكمه؟ الجواب: كذلك رفع القبر لا يجوز، السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القبر يدفن بترابه، ويرفع عن الأرض قدر شبر، ويكون معلمًا حتى يعرف أنه قبر، ولا يرفع أكثر من ذلك، ولا يبنى عليه، ولا يتخذ عليه حائط أو تحجير إلا بقدر ما يحفظ القبر وتراب القبر من الامتهان، أما أن يبنى عليه بناءً مرتفعًا، أو أن يقام عليه مسجد، فهذا كله من عوائد الجاهلية المخالفة لهدي الإسلام. فإن دين الإسلام قائم على التوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل وسد الطرق المفضية إلى الشرك، هذا هو دين الإسلام الحق. *** السحر سؤال: هل يجوز الصلاة خلف الساحر، أو المصدق بالسحر؟ وهل يجوز فك السحر بالسحر إذا لم توجد وسيلة أخرى؟ الجواب: السحر من أعظم كبائر الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس ... » إلى آخر الحديث.

السحر

فعد السحر من الموبقات، وجاء بعد الشرك بالله عز وجل. والسحر كفر؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر عن اليهود أنهم استبدلوا كتاب الله بالسحر، كما قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 101، 102] ، فالسحر من فعل الشياطين وهو كفر، وفي الآية يقول سبحانه وتعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] ، فدل على أن تعليم السحر كفر، وفي ختام الآية قال: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102] . يعني: من نصيب. فدل على أن الساحر إذا لم يتب إلى الله، أنه ليس له نصيب في الآخرة، وهذا هو الكافر، فالسحر كفر، وعلى هذا لا تصح الصلاة خلف الساحر إلا إذا تاب إلى الله سبحانه وتعالى، وترك السحر، وتاب توبة صحيحة، وكذلك من يصدق بالسحر ... فهاذ حكمه، والعياذ بالله. فالحاصل أن السحر أكبر الكبائر بعد الشرك، وهو كفر بالله عز وجل، وهو قرين الشرك؛ لأنه كفر بالله عز وجل كما ذكر الله ذلك في كتابه الكريم، فالساحر والذي يصدق بالسحر كلاهما سواء. وأما قضية حل السحر بسحر مثله، فالصحيح من قولي العلماء أن ذلك لا يجوز؛ لأن التداوي إنما يكون بالحلال والمباح، ولم يجعل الله شفاء المسلمين فيما حرم عليهم.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تداووا ولا تداووا بحرام» ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» ، ومن أعظم المحرمات السحر، فلا يجوز التداوي به، ولا حل السحر به، وإنما السحر يحل بالأدوية المباحة، وبالآيات القرآنية والأدعية المأثورة، هذا الذي يجوز حل السحر به، الأدوية المباحة، والأدعية والآيات القرآنية، وفي هذا كفاية للمسلم. سؤال: التصديق بالسحر الذي تفضلتم وقلتم أن المصدق به كالفاعل، التصديق به من أي ناحية، هل هو من ناحية وجوده حقيقة أو من ناحية قدرة الساحر على فعل أشياء ليست في حدود قدرة الإنسان؟ الجواب: المراد بالتصديق الذي يعتبر ممنوعًا ويعتبر حكمه حكم الساحر، تصديقه بأنه حق. الذي يصدق أنه حق، وأنه مباح، أو أنه عمل طيب، الذي يستبيح السحر ويعتقد أنه حق وأنه عمل طيب، وأنه صنعة مباحة، هذا هو الذي نريده في كلامنا. أما التصديق بوقوع السحر وحقيقته فهذا لا بد منه؛ لأن السحر له حقيقة وهو أمر واقع وهو يقتل ويمرض، ويفرق بين المرء وزوجه، فهو حقيقة واقعة، لا يصح إنكاره أبدًا، وهذا لا يدخل في الممنوع، فالتصديق بوقوعه وضرره لا يدخل في الممنوع؛ لأن الله أخبر عنه، وأخبر عن ضرره، فمن جحده وأنكره كان مكذبًا لله عز وجل.

الذي يجحد، ويقول: لا يوجد سحر، والسحر ليس له حقيقة، وما أشبه ذلك، هذا يكون مكذبًا لما جاء في القرآن والسنة. سؤال: التصديق، يشمل التصديق بفعل السحر أو إباحية حكمه؟ الجواب: التصديق قد يراد به التصديق بحقيقة السحر، ووجوده، وضرره، وأنه شيء واقع، هذا هو الذي قلنا: لا بد من الإقرار بوقوع السحر ووجوده وأنه مضر وأنه كفر، واعتقاد أنه كفر وضلال. سؤال: التصديق الممنوع، هو كما قلتم: التصديق بإباحية مزاولته أو تعاطي ما يقول؟ الجواب: نعم، تصديق الساحر بما يقول من ادعاء علم الغيب، أو أنه أمر طيب، أو أمر مباح أو صنعة من الصناعات. *** التصديق بالسحر سؤال: ما مدى صحة الحديث القائل: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر» ؟ وكيف يكون التصديق بالسحر؟ أهو بقدرة الساحر أم بتصديق ما يراه المسحور قد تغير قبل أن يسحر؟ أرجو توضيح هذه المسألة، جزاكم الله خيرًا. الجواب: أما الحديث الذي أشار إليه السائل: «ثلاثة لا يدخلون الجنة» .....، فقد رواه الإمام أحمد، وابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم، وأقره الذهبي - رحم الله الجميع -.

التصديق بالسحر

وأما معناه: فهو الوعيد الشديد في حق من يصدق بالسحر مطلقًا، ومنه التنجيم، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» . والتصديق بالسحر ذنب عظيم، وجرم كبير؛ لأن الواجب تكذيب السحرة والمنجمين ومنعهم والأخذ على أيديهم من تعاطي هذه الأعمال الذميمة؛ لأنهم بذلك يضلون الخلق ويروجون على الناس ويفسدون العقائد. والسحر كفر كما دل على ذلك القرآن الكريم والسنة، والواجب قتل السحرة، فإذا صدقهم فمعناه أنه وافقهم، وأنه أقرهم على مهنتهم الخبيثة، فالواجب تكذيبهم، ومحاربتهم، ومنعهم من مزاولة هذه الحرف الذميمة. أما تأثير السحر وما يترتب عليه من الإصابات، فهذا شيء واقع ويؤثر، يقتل ويمرض، ويفرق بين المرء وزوجه، ويفسد بين الناس، تأثيره هذا شيء واقع، إنما تصديق المنجم فيما يدعي من علوم الغيب والإخبار عن الأمور الغائبة والمستقبلة، هذا فيه وعيد عظيم، وفيه إثم كبير، والله تعالى أعلم. *** التطير والتشاؤم سؤال: يعتقد بعض الناس عندنا إذا سمعوا نباح كلب أعزكم الله، أو شاهدوا طائر البوم يحلق فوق مكان أو يطلق صوتًا، أن ذلك يعني وفاة أحد

التطير والتشاؤم

من ذلك المكان، هل هذا صحيح؟ وهل مثل هذا الاعتقاد يؤثر على عقيدة المسلم؟ الجواب: هذا من التطير والتشاؤم بصوت البومة، أو غيرها من الطيور، واعتقاد أو خوف أن ذلك يسبب أو يدل على حدوث شر، أو مرض أو موت، وهذا من التطير الذي نهى الله سبحانه وتعالى عنه، وهو من فعل الكفرة، كما تطير قوم فرعون بموسى عليه الصلاة والسلام، ومن معه، وكما تطير قوم صالح عليه الصلاة والسلام به وبمن معه، وكما تطير المشركون بمحمد صلى الله عليه وسلم. والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن الطيرة شرك، قال عليه الصلاة والسلام: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» ، وقال عليه الصلاة والسلام: «الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك» ، فإذا اعتقد الإنسان أن هذا الطائر وهذه البومة تدل على حدوث شر، وتشاءم بها، فإن هذا هو الطيرة المذمومة، التي جاء النهي عنها، فإن هذه المخلوقات خلقها الله سبحانه وتعالى لحكم ومصالح وليس عندها نفع ولا ضر، وإنما هذا بتدبير الله -سبحانه وتعالى- وتقديره. والواجب على المسلم إذا وجد شيئًا من ذلك ووقع في قلبه شيء من ذلك، أن يدفعه بالإيمان واليقين، وأن يقول: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، ويقول: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك.

سؤال: هل نقيس على هذا التطير، التفاؤل، كأن يرى الإنسان مثلًا طائرًا جميلًا في أول يومه أو يبشر بخبر سعيد، يتفاءل بيوم سعيد له؟ الجواب: أما رؤية الطير الجميل وما أشبه ذلك، هذا لا أعرف له أصلًا، ولكن التفاؤل هذا شيء طيب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل، والفأل أمل بالخير، خلاف الطيرة، فإنها أمل بالشر، وسوء ظن بالله سبحانه وتعالى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل إذا سمع الكلمة الطيبة، فإنه عليه الصلاة والسلام يعجبه ذلك. *** الإنسان مسير ومخير سؤال: أرجو إفادتي هل الإنسان مخير في دنياه أم مسير، ففي الآية الكريمة التالية: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] ، تفيد أن الإنسان مخير، وفي الآية الكريمة الأخرى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] ، تفيد أن الإنسان مسير، فما معنى الآيتين، وهل بينهما تعارض كما يظهر أم لا؟ الجواب: الإنسان مسير ومخير، يجتمع فيه الأمران، فهو مسير من حيث جريان أقدار الله وقضائه عليه، وخضوعه لذلك كونًا وقدرًا، وأنه لا يمكنه التخلص من قضاء الله وقدره، الذي قدره عليه، من هذه الناحية مسير. أما من ناحية أفعاله هو وحركاته وتصرفاته فهو مخير؛ لأنه يأتي ويذر من الأعمال بإرادته وقصده واختياره، فهو مخير.

الإنسان مسير ومخير

والعبد له مشيئة، وله اختيار، ولكنه تابع لمشيئة الله سبحانه وتعالى، وقضائه وقدره، ولذلك يثاب على الطاعة ويعاقب على المعصية التي يفعلها باختياره وإرادته، أما الذي ليس له اختيار ولا إرادة كالمكره والناسي والعاجز عن فعل الطاعة، هذا لا يعاقب؛ لأنه مسلوب الإرادة والاختيار، إما بالإكراه، وإما بالنسيان، وإما بالعكس، أو بفقدان العقل كالمجنون والمعتوه، فهو في هذه الأحوال لا يعاقب على تصرفاته؛ لأنه فاقد للاختيار، فاقد للإرادة. أما ما أشرت إليه من الآيتين الكريمتين، قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] ، هذا يؤيد ما ذكرنا؛ لأن الله أثبت للعبد مشيئة واختيارًا، وأثبت لنفسه سبحانه وتعالى مشيئة، وجعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله - عز وجل -، فدلت الآية الكريمة على إثبات المشيئتين، إثبات المشيئة للعبد، وإثبات المشيئة لله، وأما مشيئة العبد فتابعة لمشيئة الله - عز وجل -. وأما قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] ، هذا ليس معناه التخيير، بل هذا معناه الزجر والتهديد والتوبيخ {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29] ، هذا معناه التهديد والتوبيخ، وأن الإنسان إذا عصى الله سبحانه وتعالى وكفر بالله فإن الله يعاقبه؛ لأنه فعل الكفر باختياره، وفعل الكفر بإرادته ومشيئته، فهو يستحق عقاب الله، ودخول النار {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29] . ***

أولياء الله تعالى

أولياء الله تعالى سؤال: يطلق على بعض الناس صفة أولياء الله، فما هي صفتهم الحقيقية؟ وكيف وصلوا إلى هذه المرتبة، وهل لهم زمن محدود، أم أنهم يوجدون في كل زمان؟ الجواب: صفة أولياء الله، كما حددها الله تعالى بقوله: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63] . فأولياء الله هم: الذين آمنوا وكانوا يتقون، هذه صفتهم. فمن اتصف بالإيمان والتقوى فهو من أولياء الله عز وجل، وهذه حاصلة لكل مسلم، بحسب إيمانه في كل زمان ومكان، والله أعلم. *** رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام سؤال: ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: «من رآني في المنام فقد رآني حقًّا فإن الشيطان لا يتمثل بي» ، يدعي بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه في المنام وأعطاه وردًا يكرره كذا مرة، أي يتعبد به ويخبر به الناس، وهذا ينافي الآية الكريمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] ، فهل يصدق مثل هذا أم يكذب؟ الجواب: أما رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام فقد تحصل، والحديث الوارد فيها صحيح، لكن هذا في حق من يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم إن كان يعرفه في

رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام

اليقظة، ويعرف صفاته صلى الله عليه وسلم، فإن الشيطان لا يتشبه في صفاته وشخصيته عليه الصلاة والسلام، فمن كان يعرفه حق المعرفة ويميزه حق التمييز عن غيره، فهذا قد يراه في المنام. أما الذي لا يعرف صفات الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يميز شخصيته الكريمة عليه الصلاة والسلام، فهذا قد يأتيه الشيطان ويدعي أنه الرسول صلى الله عليه وسلم ويضلله في دينه، فليس الأمر على إطلاقه، لا بد لمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون رؤياه صادقة إذا كان يعرف النبي صلى الله عليه وسلم ويميزه عن غيره، أما إنسان لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف صفاته، ولا يميز صفة النبي صلى الله عليه وسلم وشخصيته عن غيره، فهذا قد يلبس عليه الشيطان، قد يأتيه ويدعي أنه الرسول صلى الله عليه وسلم. أما من الناحية الثانية: وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم علمه وردًا في الرؤيا، فهذا كما تفضل السائل، هذا أمر باطل؛ لأن التشريع قد انتهى بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] ، ولا يرد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم تشريع شيء وزيادة شيء على ما كان قبل وفاته عليه الصلاة والسلام، لا ورد، ولا غير ورد، فليتنبه لهذا. *** الفرق بين النبي والرسول سؤال: هل هناك فرق بين الرسول والنبي، وما هو؟ الجواب: الله تعالى يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] ، فذكر الرسول والنبي، والعطف يقتضي المغايرة، وأنهما نوعان، وقد عرف العلماء الرسول بأنه: من أوحي

الفرق بين النبي والرسول

إليه بشريعة وأمر بتبليغها، وإلزام الناس بما فيها والجهاد عليها، هذا الرسول. وأما النبي فهو: من أوحي إليه بشرع، ولم يؤمر بتبليغه، مثل أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام. *** زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم سؤال: هناك الكثير من الأحاديث تحث، وقد توجب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو زيارة مسجده، فهل هي صحيحة أو موضوعة؟ الجواب: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة قبره حديث، وإنما الأحاديث الواردة في خصوص زيارة قبره عليه الصلاة والسلام، كلها إما موضوعة ومكذوبة، أو ضعيفة متناهية الضعف لا يجوز العمل بها، وإنما الثابت الحث على زيارة القبور عمومًا، كما قال صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكر بالآخرة» . فالثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم الحث على زيارة القبور لأجل الاعتبار والدعاء للأموات والاستغفار لهم، بدون سفر وبدون شد رحل. أما زيارة قبره بخصوصه، فلم يثبت فيها حديث، وإنما الأحاديث الواردة فيها إما واهية ومتناهية الضعف أو مكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك أئمة الإسلام، كالحافظ ابن حجر، وشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن عبد الهادي، وغيرهم من أئمة الحديث. ***

الصلاة على الملائكة

الصلاة على الملائكة سؤال: هل تجوز الصلاة على الملائكة لفضلهم ورفعة قدرهم، وإذا كانت تجوز، فهل يجوز أن أُلْحِقَ الصلاة عليهم بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة أم لا؟ الجواب: الصلاة على الملائكة مشروعة أن تقول: عليهم الصلاة والسلام، وتقول: عليهم السلام؛ لأنهم عباد مكرمون، وهم خلق من خلق الله، فضلهم الله -سبحانه وتعالى- على غيرهم، كما قال تعالى في حقهم: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] ، وكما قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 10، 11] ، وقال تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 15، 16] إلى غير ذلك، فهم لهم قدرهم ولهم فضلهم وشرفهم، ويشرع الصلاة والسلام عليهم، لا مانع من ذلك، بل هذا مشروع. سؤال: وهل يجوز أن يلحق الصلاة عليهم بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في التشهد؟ الجواب: لا، الصلاة التي في التشهد يقتصر فيها على الوارد، ولكن في قولنا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، هذا يشمل كل عبد صالح في السماء أو في الأرض، وتدخل فيه الملائكة. *** اتصال الجن بالإنس سؤال: هل هناك اتصال حقيقة للإنس بالجن، وهل صحيح ما يقال بأن هذا الشخص لبسه جن فأصبح هذا الجني يتكلم على لسانه أم لا؟ الجواب: نعم، ثابت أن الجن يصرعون الإنس، ويصيبونه، والله تعالى

اتصال الجن بالإنس

يقول في المرابين: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] . أي: لا يقومون من قبورهم عند البعث، إلا كقيام المصروع الذي أصابه الجن وخالطوه، وذلك أن المرابي والعياذ بالله يتضخم بطنه، فإذا أراد القيام فإنه يسقط، وكلما أراد القيام يسقط فضيحة له بين الخلق، فهو يشبه المصروع الذي أصابه الجن والشياطين، وهذا دليل على إصابة الجن الإنس، وهذا شيء ثابت ومعروف بالتجربة والحس، الجن يخالطون الإنسي ويخبلونه ويصيبونه، إما لأن الإنسي قد ضرهم وهم يريدون الانتقام منه، وإما لأنهم يعبثون به، أو لغير ذلك من الأغراض التي يريدونها. والحاصل: أن إصابة الجن للإنس بالصرع شيء ثابت، ويدل عليه القرآن، ويدل عليه واقع التجربة والمشاهدة ولا ينكر هذا إلا جاهل. سؤال: ما هي أفضل وسيلة للعلاج من هذا؟ الجواب: أفضل وسيلة للعلاج من هذا، قراءة القرآن الكريم على المصاب ورقيته بالأدعية الواردة، ويزول ما فيه بإذن الله تعالى. سؤال: ما حكم ما يفعله بعض المشعوذين أو الدجالين في هذا الوقت من عمل، كوصف بعض الأدعية، وبعض المشروبات، مدعين بذلك أنهم يخرجون هذا الجني من جسد الإنسان؟ الجواب: الأصل في هذا أنه محرم لا يجوز العلاج بمثل هذه الأمور إلا بالأدعية القرآنية، والأدعية النبوية وغير ذلك.

سؤال: بعض أنواع العلاج قد يصل إلى ضرب المريض المصاب، فما رأيكم فضيلة الشيخ؟ الجواب: قضية الضرب، قد تكون صحيحة، فإذا تأكد أن هذا الشخص فيه مس من الجن، وثبت أنه مصروع، وأن الذي لابسه من الجن فلا بأس بالضرب، فإن الضرب لا يقع على الإنسي ولا يحس به، وإنما يقع على الجني، ولذلك إذا أفاق وذهب عنه، لا يوجد للضرب أثر في بدنه، لا يحس بهذا، ولكن ما كل من أصابه شيء من الأمراض يكون مصروعًا، بل لا بد من التأكد من ذلك، والله أعلم. *** فتنة المسيح الدجال سؤال: نسمع عن المسيح الدجال، وعن فتنته التي استعاذ منها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمرنا بالاستعاذة منها، فمن هو المسيح الدجال وما صفته، وما هي فتنته التي نستعيذ منها ومتى يظهر؟ وهل فتنته خاصة بالأحياء من الناس، أم عامة في الأحياء والأموات، وكيف نتقي فتنته، وماذا يجب علينا فعله حتى نأمن من خطرها؟ الجواب: المسيح الدجال رجل يخرج في آخر الزمان، خروجه من علامات الساعة، ويخرج معه بفتن عظيمة، تؤثر على ضعاف الإيمان، وقد يهلك بسببه خلق كثير من الناس، إلا من عصم الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحذر أمته الدجال، وأمر صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يستعيذوا بالله من فتنته.

فتنة المسيح الدجال

وإذا ما حصل منه الضرر على الناس وعلى المسلمين، فإن الله سبحانه وتعالى برحمته ينزل المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، فيقتله المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، ويريح المسلمين من شره، وبذلك ينتصر الحق، ويقوم عيسى عليه الصلاة والسلام بتنفيذ شرع الله، ويحكم بشريعة الإسلام، وبدين محمد صلى الله عليه وسلم، وينتصر الحق على الباطل عند نزوله عليه الصلاة والسلام. سؤال: هل فتنته خاصة بالأحياء أم هي عامة؟ الجواب: فتنته خاصة بالأحياء، أما الأموات فقد انتهوا وانتهت علاقتهم بالحياة الدنيا، وهو يأتي في الحياة الدنيا. سؤال: هل هذا يعني أنه لا يستطيع أن يعيد أحدًا منهم بحكم قدرته التي منحه الله إياها لفتنة الناس؟ الجواب: لا، لم يرد أنه يخرج من في القبور. لكن وردت قصة الرجل الذي يخرج عليه من المدينة فيقول: أتؤمن بي، فيقول: لا، أنت المسيح الدجال، ثم يقطعه نصفين، ثم يقول له: قم فيقوم ... إلخ. هذا ورد مع الرجل وهذا حي، ضمن الأحياء، أما أصحاب القبور فليس له قدرة على أن يستخرجهم من قبورهم. سؤال: كيف نتقي فتنته، يعني ماذا يجب علينا فعله؟ الجواب: يجب علينا أن نستعيذ بالله من فتنته كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم. سؤال: طبعًا هذا إلى جانب العمل الصالح الذي يكثر منه الإنسان حتى يأمن من فتنته؛ لأنه لا ينخدع به ولا يغتر به إلا قليلو الإيمان؟

الجواب: لا شك أن المسلم يجب عليه أن يعمل ما يقوي عقيدته وإيمانه، ويكثر من الطاعات، والتمسك بالعقيدة الصحيحة، وأداء الواجبات وترك المحرمات، هذا واجب عليه في كل حياته، لا من خصوص المسيح الدجال، وهذا واجبه الديني الذي أوجبه الله عليه، لكن من اتصف بالتمسك بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأداء ما أوجب الله عليه، واستعاذ بالله من شر الفتن، فإن الله سبحانه وتعالى يعصمه ويعيذه. سؤال: هل هناك أماكن لا يصل إليها المسيح الدجال؟ الجواب: نعم، لا يصل إلى مكة والمدينة، ويسير بالأرض وبسرعة إلا مكة والمدينة، فإنه يمنع من دخولها، ولكن المدينة ترجف ويخرج منها كل منافق، حتى يقع في شره، والعياذ بالله. *** المعلوم من الدين بالضرورة سؤال: ما المقصود بالمعلوم من الدين بالضرورة؟ فنحن كثيرًا ما نسمع هذا، وهل هو ثابت في كل عصر أم يختلف باختلاف الزمان والمكان؟ الجواب: الثابت من الدين بالضرورة: هو ما ثبت بدليل قطعي، إما عن طريق التواتر، أو عن طريق الإجماع القطعي من الأمة، والذي يعد من جحده كافرًا. وذلك مثل: وجوب الصلوات الخمس، والزكاة، والصوم، والحج، وأركان الإسلام، وكذلك تحريم الخمر والربا، والزنا، وكذلك المباح الذي علم إباحته بالضرورة من دين الإسلام، مثل لحم بهيمة الأنعام المذكاة، والخبز وما أشبه ذلك، ما ثبت حكمه بالضرورة من دين الإسلام

المعلوم من الدين بالضرورة

حلًا أو حرمة، فإن هذا يعد من أنكره كافرًا بالله - عز وجل - ومرتدًا عن دين الإسلام، وهو مستمر في كل زمان إلى أن تقوم الساعة؛ لأن أحكام الدين باقية وثابتة ومستمرة منذ بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة، لا تتغير، ولا تتبدل. *** الهجرة إلى بلاد الإسلام سؤال: ما معنى قوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100] ، وكيف تكون حال من يريد الهجرة إلى بلد الإسلام، ولكنه لا يستطيع ذلك لعدة أسباب؟ الجواب: الله سبحانه وتعالى وعد المهاجر في سبيله. والمراد بالمهاجر: هو الذي يترك بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام فرارًا بدينه، ويكون قصده إقامة دينه في بلاد المسلمين، والفرار به من بلاد الكفر والضلال، فإن من كانت هذه نيته، فإن الله وعده بأن يجد له وطنًا يستطيع فيه إقامة دينه، وأرض الله واسعة، كما قال تعالى: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] ، {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56] ، وغير ذلك من الآيات، والمراد بالهجرة الشرعية هو ما ذكرنا: أن يكون قصد الإنسان الفرار بدينه من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، فهذا هو الذي وعده الله بالخير في الدنيا والآخرة. سؤال: ما معنى قوله: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا} [النساء: 100] ؟ الجواب: هذا وعد من الله سبحانه وتعالى بأن يجد في بلاد الإسلام

الهجرة إلى بلاد الإسلام

مأوى وسعة، ويجد أيضًا مجالًا للجهاد في سبيل الله، وإظهار دين الله عز وجل. *** الاختلاط بالخارجين عن الإسلام سؤال: يوجد معنا بعض المسلمين ولكنهم للأسف ليس لهم من الإسلام إلا اسمه، أما هم فإنهم بعيدون عنه ولا يتخلقون بأخلاقه، وقد يجمعنا العمل بهم، فنختلط بهم ونجالسهم، فهل علينا شيء في ذلك؟ الجواب: المخالطة نوعان: النوع الأول: مخالطة عمل فقط، فالأحسن أن ينفردوا ويبتعدوا عنهم إن أمكن، وهذا شيء مطلوب، وأسلم لدينهم، وأسلم لذمتهم، وإذا لم يمكن فإنهم يؤدون عملهم ولا حرج عليهم في ذلك. والنوع الثاني من الاختلاط: اختلاط أنس ومحبة، وألفة، وهذا محرم، فلا تجوز مخالطة هؤلاء والأنس بهم، ومحبتهم والمزاح معهم مما يدل على الانبساط معهم؛ لأن هؤلاء ما داموا لا يصلون ولا يصومون، ولا يعرفون من الإسلام إلا اسمه فقط، هؤلاء ليسوا مسلمين فيجب هجرهم والابتعاد عنهم، إلا إذا كان في مخالطتهم طمع في دعوتهم إلى الله سبحانه وتعالى، وتعليمهم أحكام دينهم؛ لأنهم قد يكونون يجهلون أمر دينهم، وقد يكونون تأثروا بالمفسدين، فلو وجدوا من يرشدهم ويعلمهم لاستفادوا، فإذا كان الاختلاط بهم يفيدهم من هذه الناحية، فالاختلاط معهم مشروع، أما إذا كان مجرد اختلاط وأنس ومحبة من دون تأثير عليهم، فهذا لا يجوز.

مخالطة الكفار

مخالطة الكفار سؤال: نحن من العراق، ونعيش في بولندا، ويجاورنا بعض الأسر من هذا البلد، وهم يحسنون جوارنا ويعاملونا معاملة طيبة، ونحن كذلك. فهل يجوز لنا الاختلاط بهم عائليًا ومجالستهم ومؤاكلتهم، رغم أنهم يحترمون ديننا، فلا يفعلون شيئًا من المنكرات أمامنا، هل يجوز لنا ذلك؟ الجواب: لا ينبغي مخالطة الكفار والأنس بهم، والاطمئنان إليهم ولو كانوا من الجيران، ولكن الجار يحسن إليه ولا يساء إليه، ولو كان كافرًا؛ لأن الجيران ثلاثة: جار له ثلاثة حقوق، وهو الجار المسلم القريب، له حق الإسلام، وحق الجوار، وحق القرابة. وجار له حقان: وهو الجار المسلم غير القريب، فله حقان، حق الإسلام وحق الجوار. وجار له حق واحد، وهو الجار الكافر، له حق الجوار فقط، وهو أن يحسن إليه ولا يصدر منك أذى في حقه أو سوء جوار. أما الانبساط معهم والاطمئنان إليهم ومحبتهم؛ فلا يجوز للمسلم أن يود الكافر، وأن ينبسط معه، وأن يأمنه، وأن يختلط به؛ لأنه قد يؤثر ولو على المدى البعيد، عليكم أو على ذريتكم. ***

موالاة الكفار

موالاة الكفار سؤال: ما هي حدود موالاة أعداء الله والمحادين له التي إذا وصلها المسلم أو تجاوزها خرج من الملة، وما هي الحدود التي يجب أن يلتزم بها المسلم في تعامله مع غير المسلمين؟ الجواب: موالاة الكفار التي حرمها الله ورسوله، هي محبتهم في القلوب؛ لأنه لا يحبهم إلا إذا كان يرى صحة ما هم عليه، أما لو كان يرى بطلان ما هم عليه، فإنه يعاديهم في الله - عز وجل -. ومن الموالاة المحرمة أيضًا مناصرتهم على المسلمين ومعاونتهم، وهذه ردة عن الإسلام. وكذلك من موالاتهم الاعتذار عنهم، وتبرير ما هم عليه، والثناء عليهم ومدحهم، وما أشبه ذلك، كل هذا من أنواع الموالاة المحرمة والتي تصل إلى الردة عن الإسلام والعياذ بالله، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51] . أما ما يجوز لنا من التعامل مع الكفار، فهو التعامل المباح، نتعامل معهم بالتجارة، ونستورد منهم البضائع ونتبادل معهم المنافع، ونستفيد من خبراتهم، نستقدم منهم من نستأجره على أداء عمل كهندسة أو غير ذلك من الخبرات المباحة، هذا حدود ما يجوز لنا معهم. سؤال: طبعًا مع أخذ الحيطة والأمن من مكرهم؟ الجواب: لا شك أنه لا بد من أخذ الحيطة، ولا شك أن المسلم يجب عليه في حال تعامله المباح مع الكافر أن يكون على حذر منه ومن

دسائسه، وأن لا يكون له سلطة في بلاد المسلمين، إلا في حدود عمله، فلا يكون له سلطة على المسلمين، أو على أحد من المسلمين، وإنما تكون السلطة للمسلمين عليهم. *** من أحكام الردة سؤال: ما الحكم فيمن ارتد عن الإسلام ثم عاد إليه، هل يعيد ما فاته من أعمال من أركان الإسلام، كالحج والصوم والصلاة، أم تكفي توبته وعودته إلى الإسلام، ويبدأ من جديد؟ الجواب: الصحيح من قولي العلماء، أن المرتد إذا تاب إلى الله ودخل في الإسلام، مرة أخرى، تائبًا منيبًا إلى الله سبحانه وتعالى، أنه لا يعيد الأعمال التي أداها قبل الردة؛ لأن الله سبحانه وتعالى اشترط لحبوط الأعمال بالردة، أن يموت الإنسان عليها، قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] ، فشرط لحبوط الأعمال استمرار الإنسان على الردة إلى أن يموت. فدلت الآية بمفهومها على أنه لو تاب قبل الوفاة فإن أعماله التي أداها قبل الردة تكون صحيحة، ومجزئة إن شاء الله.

تغيير مسمى الديانة من أجل غرض دنيوي

تغيير مسمى الديانة من أجل غرض دنيوي سؤال: شاب مسلم، يحمل مؤهلًا جامعيًّا في الهندسة، وقد سافر إلى إحدى الدول العربية للبحث عن عمل، ولكنه لم يفلح في ذلك، بينما وجد أن غير المسلمين لهم قبول أكثر وفي مثل تخصصه ذلك، ويفضلون على غيرهم من المسلمين، فرأى أن عدم حصوله على عمل راجع إلى كونه يدين بالإسلام، فقرر أن يعود إلى بلده في محاولة لتغيير مسمى الديانة في جواز سفره، وفعلًا سافر إلى إحدى البلاد الأفريقية وحصل على جواز سفر منها بديانة غير الإسلام، ثم سافر مرة أخرى إلى إحدى البلاد العربية ووجد القبول والحصول على وظيفة، ولكنه متألم لتغيير اسم الديانة في جواز سفره، وإن كان هو في داخله يدين بالإسلام ويفخر به دينًا، لذلك فهو يسأل ما حكم عمله هذا، وما حكم كسبه المال بهذه الطريقة؟ الجواب: أولًا يجب على المسلم أن يتمسك بدينه وألا يتنازل عنه لأي ظرف من الظروف؛ لأن الدين هو رأس المال وهو الذي تترتب عليه النجاة من عذاب الله سبحانه وتعالى، وهو الذي خلق الإنسان من أجله، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . فيجب على المسلم أن يتمسك بدينه مهما كلفه من ثمن، وما فعلته فيما ذكرت من السؤال من أنك ذهبت وغيرت مسمى الديانة إلى ديانة لغير الإسلام لتحصل على عمل، فهذا شيء خطير، ويعتبر ردة عن دين الإسلام؛ لأنك فعلت هذا وتظاهرت بغير دين الإسلام، وانتسبت إلى غير

دين الإسلام، والمسلم لا يجوز له ذلك، يجب عليه أن يتمسك بدينه وأن يعتز بدينه وألا يتنازل عنه لطمع من أطماع الدنيا، والله سبحانه وتعالى لم يستثن في أن يتلفظ الإنسان بشيء من ألفاظ الكفر إلا في حالة الإكراه المنجي، كما في قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} [النحل: 106، 107] ، فأنت تظاهرت بغير دين الإسلام وانتسبت إلى غير دين الإسلام لأجل الدنيا وطمع الدنيا، لم تصل إلى حد الإكراه الذي تعذر به، فالواجب عليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى والمبادرة إلى تغيير هذا الانتساب، والمبادرة إلى كتابة الديانة الإسلامية الصحيحة في ورقة عملك مع التوبة إلى الله سبحانه وتعالى والندم على ما فات والعزم على أن لا تعود إلى مثل هذا الشيء، لعل الله أن يتوب علينا وعليك، ثم على الجهات المسئولة من المسلمين وحكومات المسلمين أن لا يحرجوا المسلمين إلى هذا الحد، بحيث إنهم يقدمون أهل الديانات الكافرة على المسلمين في توظيفهم في الأعمال وتوليتهم الأعمال؛ لأن هذا ربما يكون دسيسة من أعداء المسلمين ليصرفوا الناس عن دينهم، ويصرفوا الجهال عن دينهم، كما حصل لهذا السائل، فالواجب على الجهات المسلمة والحكومات الإسلامية أن تتنبه لهذا، وأن لا تحرج المسلمين إلى مثل هذه الحالة التي وقع فيها هذا الإنسان، وفق الله الجميع. سؤال: ما حكم ما كسبه من الرواتب أو من المال بهذه الطريقة؟

الجواب: هذا كسب حرام؛ لأنه أخذه بطريقة وحيلة محرمة، لكن عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويترك هذا الشيء. *** كتب تعلم عقيدة التوحيد سؤال: من خلال متابعتي لبرنامج: "نور على الدرب" في الإذاعة اتضح لي بأنا كنا نمارس أمورًا كثيرة كلها خطأ، وذلك حسب ما تعلمناه بالتقليد والمحاكاة ممن قبلنا، حيث إن الدين قد ألحق به بعض الشوائب التي لا يقبلها العقل الواعي، فهناك الكثير من البدع والخرافات قد ألحقت بالدين وليست منه، والحمد لله الذي جعل لنا من هذا البرنامج خير دليل لإيضاح الطريق الصحيح، أعني علم التوحيد الصحيح الذي ينبغي لكل مؤمن أن يتسلح به والذي به يستطيع أن يحطم حواجز الخرافات والبدع، وأنا أرجو شاكرًا إرشادي إلى خير الكتب عن التوحيد، وكل الكتب التي تحارب البدع والخرافات حتى أستطيع أن أحصل عليها مهما كلف الثمن حتى أستطيع محاربة تلك البدع بإذن الله بالحجة القاطعة والدليل القرآني، أو من الحديث النبوي، جزاكم الله خير الجزاء؟ الجواب: الحمد لله الذي مَنَّ عليك بمعرفة الحق والصواب، ونسأله أن يزيدك علمًا وفقهًا في دينه وأن يثبتنا وإياك على الحق. أما من ناحية الكتب التي تعلم عقيدة التوحيد فهي بحمد الله كثيرة وميسورة، ومن ذلك:

كتب تعلم عقيدة التوحيد

كتاب " فتح المجيد " شرح كتاب التوحيد، للشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله. ومن ذلك: " الثلاثة الأصول " و " كشف الشبهات "، كلاهما رسالتان للشيخ محمد بن عبد الوهاب. وأنصحك أن تقتني مجموعة: " التوحيد النجدية " لأن فيها رسائل مختصرة في التوحيد والعقيدة مفيدة، فعليك أن تقتني هذه المجموعة المباركة. كذلك " شرح الطحاوية "، للعز بن أبي العز الحنفي، وهو شرح مفيد ومبسط، وشامل لأبواب العقيدة. وكذلك كتاب: " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان "، للإمام ابن القيم، فإنه كتابه مفيد في أمور العقيدة والتحذير من البدع والمخالفات، وهو كتاب نفيس، لا ينبغي لطالب العلم أن يجهله، هذا ما يختص بالعقيدة. أما ما يختص بالنهي عن البدع والتحذير منها، فهناك كتب مفيدة وميسورة، ولله الحمد، وهي: أولاًَ: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية. ثانيًا: الاعتصام، للإمام الشاطبي - رحمه الله -. ثالثًا: كتاب: " الحوادث والبدع "، للإمام الطرطوشي. رابعًا: البدع والنهي عنها، لابن وضاح.

خامسًا: الباعث على إنكار البدع والحوادث، للإمام أبي شامة. سادسًا: الإبداع في مضار الابتداع، للشيخ علي محفوظ. سابعًا: السنن والمبتدعات، للشيخ محمد عبد السلام خضر. ثامنًا: التحذير من البدع، للشيخ عبد العزيز بن باز. هذه كتب ميسورة بعضها يوزع مجانًا، وبعضها بثمن قليل، وعليك أن تقتنيها أو تقتني ما تيسر منها، وفيها الخير إن شاء الله. على أنني أنصح لك ولأمثالك ألا تقتصر على قراءة الكتب، فعليك أن تلتمس من أهل العلم المحققين من تقرأ عليه في هذه الكتب، ليشرح لك الغامض منها، ويبين لك ما فيها من الحق، والله الموفق. *** أفضل كتب العقيدة سؤال: ما أفضل الكتب التي تبحث في التوحيد والعقائد الصحيحة؟ الجواب: الكتب التي تبحث في التوحيد والعقائد الصحيحة كثيرة ولله الحمد وميسرة، أذكر لك على سبيل المثال: * كتاب إقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو كتاب مطبوع ومتداول والحمد لله. وكتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، للإمام العلامة ابن القيم، خصوصًا الجزء الثاني منه.

أفضل كتب العقيدة

وكذلك كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وشرحه فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن، أو تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. وكذلك كتاب ثلاثة الأصول للشيخ محمد بن عبد الوهاب، كذلك كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأذكر لك أيضًا "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد" للشيخ الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني، وكذلك الدر النضيد في إخلاص التوحيد للشيخ محمد بن علي الشوكاني. وكتاب شامل لأبواب العقيدة وهو عقيدة الإمام الطحاوي وشرحها للعز بن أبي العز الحنفي، العقيدة الطحاوية وشرحها، فهو من أوسع كتب العقائد وأشملها وأوسعها، وأحسنها. *** كتب ترغب في الجنة وتحذر من النار سؤال: أرجو إرشادي إلى الكتب التي ترغب في الجنة ونعيمها وتحذر من النار وعذابها؟ الجواب: في مطلع ذلك، كتاب الله - عز وجل - عليك أن تقرأ القرآن العظيم، وأن تتدبر فيه، ففيه الترغيب في الجنة والأعمال الصالحة، وفيه التخويف من النار والنهي عن الأعمال التي توصل إليها، فالقرآن العظيم مشتمل على الوعد وعلى الوعيد، كما قال سبحانه تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113] ، فعليك الإكثار من تلاوة القرآن العظيم بتدبر وتفهم لما يطلبه القرآن من المسلم، وكذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب

كتب ترغب في الجنة وتحذر من النار

والترهيب، وفي مطلع ذلك كتاب " الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري، فإنه كتاب نفيس عد فيه الأبواب في الترغيب والترهيب، وأورد فيه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع، فعليك باقتناء هذا الكتاب والإكثار من قراءته. وكذلك كتاب: " رياض الصالحين " للإمام الحافظ النووي. *** قراءة كتب الأديان الأخرى سؤال: هل تجوز قراءة بعض الكتب التي تعرف ببعض الأديان الأخرى غير الإسلام، لمجرد الإحاطة علمًا بها والاطلاع عليها، أو قراءة بعض الكتب عن بعض الأنظمة الشيوعية ونحوها لا إعجابًا بها، ولا للعمل بها، وإنما لنفس الغرض السابق؟ الجواب: على الإنسان أن يعرف الحق، ويعرف الدين الصحيح، ويتضلع بالعلم النافع، ثم بعد ذلك يطلع على الأشياء المخالفة ليحذر منها ويرد عليها. أما الإنسان الجاهل الذي ثقافته ضعيفة وحصيلته في العلوم الشريعة قليلة، هذا لا يجوز له أن يقرأ الكتب الباطلة؛ لأنه ربما تنطلي عليه وتؤثر على عقيدته وهو لا يدري؛ لأنه يفتقد العلم الذي يميز به بين الحق والباطل، فلا بد أن يكون عند الإنسان أولًا حصيلة من العلم النافع الذي يعرف به الحق من الباطل، حينذاك لا بأس أن يطلع، أو قد يجب عليه أن يطلع على الباطل ليحذر منه، ويحذر منه وليرد عليه.

أهل الفترة

أهل الفترة سؤال: من هم أهل الفترة؟ وهل في زماننا هذا أهل فترة؟ وما الحكم فيهم؟ الجواب: أهل الفترة هم الذين يعيشون في وقت لم يبلغهم فيه دعوة رسول، ولم يأتهم كتاب، فالفترة هي التي بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} [المائدة: 19] . فالفترة: هي الوقت الذي لا يكون فيه رسول ولا كتاب، ويلحق بأهل الفترة من كان يعيش منعزلًا مثلًا عن العالم، أو بعيدًا عن المسلمين، ولم تبلغه دعوة، قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] ، وأما حكمهم فهذا إلى الله سبحانه وتعالى. *** معنى السيادة سؤال: ما معنى السيادة؟ وكيف تتحقق؟ وبم تتم؟ ومن هو السيد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، نريد الإفادة جزاكم الله خيرًا. الجواب: السيد يطلق ويراد به المالك، ويطلق ويراد به زعيم القوم ورئيس القوم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: «قوموا إلى سيدكم» ، يعني: سعد بن معاذ - رضي الله عنه -. وإطلاق لفظ السيد على الشخص، هذا فيه خلاف بين أهل العلم،

معنى السيادة

منهم من منع، ومنهم من أجاز، والذين منعوا احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له بعض الناس: أنت سيدنا وابن سيدنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «السيد الله» ، فأنكر عليهم صلى الله عليه وسلم ذلك. قالوا: فهذا يدل على أنه لا يجوز إطلاق السيد على المخلوق؛ لأنه وصف للخالق سبحانه وتعالى. وقوم أجازوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: «قوموا إلى سيدكم» ، يعني سعد بن معاذ رضي الله عنه لما أقبل وكان يحمل على دابة؛ لأنه كان جريحًا، قالوا: فهذا يدل على جواز إطلاق السيد على بعض الناس. ولعل الصحيح إن شاء الله، أنه يجوز أن يقال لبعض الناس (سيد) إذا كان زعيمًا أو رئيسًا لقبيلة، أو لطائفة، فيقال: سيد بني فلان، أو سيد القبيلة الفلانية، بمعنى أنه زعيمها ورئيسها، ولا يكون هذا من باب الإطراء والغلو والافتخار، وإنما يكون هذا من باب الوصف والتمييز، فيقال: فلان سيد بني فلان، وفلان سيد القبيلة الفلانية، وما أشبه ذلك، على أن لا يواجه به الشخص، فلا يقال هذا في حضوره وفي وجهه؛ لأنه ربما يحمله على الكبر، وعلى العجب، بل يقال هذا في غير حضوره جمعًا بين الأحاديث، والله تعالى أعلم. أما ما يتعارف عليه بعض المخرفين من إطلاق السيد على بعض المضللين من زعمائهم، ويعتقدون فيهم البركة، وأنهم يمنحون شيئًا من

المقاصد التي تطلب منهم فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا أمر لا يجوز، وهؤلاء في الحقيقة ليسوا سادة، وإنما مضللون، يجب الحذر منهم. *** الشهداء في الإسلام سؤال: هل الميت بالحرق يعتبر شهيدًا إذا كانت أعماله صالحة، فقد مات أخي في حادث حريق المدينة المنورة فدفن البقيع، وهو الحمد لله مستقيم طالب علم ديني، وداعية إلى دين الله تعالى، فقد قرأت حديثًا ولم يكن فيه ذكر الميت بالحرق، وهو: «من مات في سبيل الله، أو غريقًا، أو مبطونًا، أو مصابًا بمرض الطاعون، أو بالهدم فهو شهيد» ، أو كما ورد في الحديث، فما مدى صحة هذا الحديث؟ الجواب: ورد في أن من مات في أحد هذه الحوادث المداهمة أنه يكون له أجر الشهيد، وأخوك يرجى له هذا إن شاء الله؛ لأنه مات بحادث مداهم، وبحادث يشبه الغرق والهدم، فيرجى له الشهادة إن شاء الله تعالى، ولكن لا نجزم لأحد بالشهادة، إلا بالدليل، ولكننا نرجو أجر الشهيد إن شاء الله. سؤال: هل لفظ الحديث صحيح كما ورد في السؤال؟ الجواب: ورد بمعناه، فهو صحيح بمعناه.

كتاب الأيمان والنذور والكفارات

كتاب الأيمان والنذور والكفارات

من أحكام اليمين سؤال: ما حكم من حلف يمينًا ينكر فيها حدوث شيء مع أنه حدث، ولكنه لا يعلم بحدوثه، وقد حصل أن عملنا عملًا يسيء إلى أحد الناس، فجاء ذلك الشخص، وسأل والدنا: هل عملنا نحن ذلك العمل، لكن والدنا أنكر، وحلف يمينًا أننا أبرياء من ذلك، مع أننا قد فعلنا ذلك، لكن والدنا لا يعلم، فهل يجوز أن نكفر عنه وهو لا يعلم، أم نخبره وهو يكفر بنفسه، أم ليس في ذلك إثم؟ الجواب: أول شيء يجب على المسلم أن يحافظ على يمينه وألا يتسرع إلى اليمين، إلا عند الحاجة، وإذا كان متأكدًا مما يحلف عليه، أما بالنسبة إذا حلف الإنسان على أمر أنه حصل أو لم يحصل بناء على غالب ظنه، وتبين بخلافه فلا إثم عليه؛ لأنه حلف على غالب ظنه، فلا إثم عليه، ويكون هذا من لغو اليمين. أما إذا حلف كاذبًا متعمدًا فإنه يأثم بذلك ليس عليه كفارة، لكن عليه الإثم، ويجب عليه أن يستغفر الله ويتوب إليه، والله يتوب على من تاب. أما الكفارة فإنها لا تجب إلا في اليمين التي قصد عقدها على أمر مستقبل ممكن، فالكفارة إنما تكون في اليمين على شيء مستقبل أن يفعله أو لا يفعله، أو إن لم يفعله. أما الأمر الماضي، فهذا إن كان كاذبًا متعمدًا أثم، وعليه التوبة إلى الله، وإن كان حلف على غالب ظنه فبان على خلافه، فلا حرج عليه؛ لأن هذا يعتبر من لغو اليمين. ***

كفارة اليمين

كفارة اليمين سؤال: لي أخ أقدم على الزواج من إحدى الأسر، فحدث بينه وبين أمي مناقشات حادة، أدت إلى أن أمي قالت: نذر على رقبتي لا أذهب إلى زفافك، ولكن أمي استرجعت من لحظتها فذهبت إلى زواجه، وهي الآن في حيرة، فهل عليها إثم فيما قالت، مع العلم أنها استرجعت عن حلفها، وإذا كان عليها إثم فما كفارته، أفيدونا أفادكم الله. الجواب: أولًا: لا ينبغي للمسلم أن يندفع مع الغضب ومع المشادة، حتى يوقع نفسه في الحرج، بل عليه أن يتروى ويتعقل ويستعمل الحلم، لا سيما الوالد مع ولده. أما ما حصل من أمك من أنها حلفت ألا تحضر الزواج الذي عزمت عليه، بأن قالت: علي نذر أو على رقبتي نذر ألا أحضر زواجك، ثم إنها ندمت وحضرت وخالفت ما نذرت عليه، فإنه يكون عليها كفارة يمين، وهي: إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من الطعام، أو كسوة عشرة مساكين، لكل مسكين ثوب، أو عتق رقبة. وهي مخيرة بين هذه الأمور الثلاثة، فإن عجزت عن واحدة منها، يعني لم تقدر لا على الإطعام، ولا على الكسوة، ولا على العتق، فإنها تصوم ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] .

وحتى لو أنها حلفت ألا تحضر الزواج، فإنه لا ينبغي لها أن تمضي على هذا اليمين وأن تمتنع من الحضور، بل عليها أن تكفر عن يمينها، وأن تحضر؛ لأن حضورها فيه مصالح وفيه صلة رحم، وفيه زوال مفسدة، فعليها أن تنقض اليمين وتحضر وتكفر عنها {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] . *** التتابع في كفارة اليمين سؤال: كان علي صيام أيام كفارة يمين، فسألت إحدى أخواتي التي أثق بها لأنها على درجة من العلم، فسألتها إن كان الصوم متتابعًا أو متفرقًا، فقالت لي: لا يشترط التتابع، فصمتها متفرقة، ولكني سمعت من برنامج: "نور على الدرب" في الإذاعة من أحد العلماء الكرام، بأنه يشترط التتابع، فرجعت إليها، فأخرجت لي تفسير ابن كثير، وفيه قول مالك: بأنه لا يشترط التتابع، فهل على شيء، وما هو القول الصحيح في هذا؟ الجواب: كما ذكرت، المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، هل يجب التتابع في صيام كفارة اليمين أو لا يجب، ولكن الراجح هو ما ذهب إليه الإمام أحمد وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه بأنه يجب التتابع؛ لأنه قرئ قوله تعالى: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) ، فلذلك تكون هذه القراءة نصًّا على وجوب التتابع، والله أعلم. ***

الكفارة على الحالف

الكفارة على الحالف سؤال: إذا أقسم شخص يمينًا على شخص آخر على أن لا يؤدي عملًا ما، ولكن هذا الشخص الثاني أدى ذلك العمل، فمن منهم تقع عليه الكفارة لهذا اليمين؟ الجواب: الكفارة تقع على الحالف، فإذا حلف على شخص ألا يفعل شيئًا، أو أن يفعله ثم خالف المحلوف عليه، فإن الكفارة تكون حينئذ على الحالف. سؤال: والمحلوف عليه لو فعل ذلك مع علمه بالحلف يقع عليه إثم؟ الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإبرار المقسم، فينبغي للمحلوف عليه أن يبر بقسم الحالف، فإذا خالفه يكون خلاف الأولى والأفضل. *** سؤال: قالت لي زوجتي بأنني لو أدخلت أخا لي منزلنا دون علمها، فإنها تصبح محرمة علي، وحدث أن دخل هذا الأخ دون أن أخبرها، فهل في هذه الحالة تكون محرمة علي أم ماذا؟ الجواب: إذا كان قصدها منع دخول هذا الشخص المنزل إلا بعد أن تعلم بذلك وتأذن له، وأدخلته المنزل بدون علمها، فقد خالفت ما حلفت عليه، وهذا يجري مجرى اليمين، فيكون عليها كفارة يمين، وهي: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من الطعام، أو كسوة عشرة مساكين لكل مسكين ثوب، فإذا لم تجد شيئًا من هذه الخصال الثلاث، فإنها تصوم ثلاثة أيام، ويكون هذا كفارة ليمينها التي هي تحريم

دخول هذا الشخص البيت إلا بعلمها، وأدخلته بغير علمها، تكون قد حنثت يمينها، ووجبت عليها الكفارة. سؤال: ومثل هذا الحكم في كل حالة تحرم الزوجة نفسها على زوجها، يكون حكمه كفارة اليمين. الجواب: نعم، هذا هو الصحيح من أقوال العلماء، أن المرأة إذا ظاهرت من زوجها أو حرمته على نفسها، الصحيح في هذا أن عليها كفارة يمين. *** كفارة الأيمان المكررة سؤال: إذا أقسم إنسان أن لا يفعل شيئًا ثم فعله، ثم أقسم ثانية ثم فعله، وربما ثالثة، فما الحكم، وهل يلزمه كفارة واحدة أم عدة كفارات؟ الجواب: إذا كرر الأيمان بالله عز وجل على شيء واحد قبل أن يكفر، فإنه يلزمه كفارة واحدة للجميع. أما إذا حلف ثم كفر ثم حلف مرة ثانية على نفس الشيء فإنه يلزمه كفارة ثانية. وهكذا ... *** اليمين الغموس سؤال: ما اليمين الغموس؟ الجواب: اليمين الغموس: هي التي يحلف فيها على أمر ماض كاذبًا متعمدًا، كأن يخبر بخبر أنه حصل كذا أو أنه صار كذا وهو كاذب

اليمين الغموس

ومتعمد، فهي يمين غموس، سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ثم في النار، وهي من كبائر الذنوب، كذلك اليمين التي يحلفها لترويج سلعته بالبيع والشراء وهو كاذب، كأن يحلف أنه أعطي فيها من الثمن كذا وكذا، أو أنها من النوع الجيد، أو ما أشبه ذلك، فإذا اتخذ اليمين لترويج سلعته وهو كاذب، فإن هذا من اليمين الغموس، ويجب على المسلم أن يحذر منها وأن يتجنبها، وورد الوعيد الشديد فيمن يجعل الله بضاعته لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه، وأخبر أنها ممحقة للبركة. فالحاصل أن المسلم في مندوحة عن مثل هذا، وفي الصدق بركة، وفي الغش والخديعة محق البركة والآثام. *** أخذ العوض على أداء الشهادة سؤال: ما حكم من أعطى إنسانًا شهد له على حق، أو ساعده في قضية صحيحة، فأعطاه مبلغًا من المال، علمًا أن الشاهد أو الذي ساعده على الحق، لم يشترط أي شيء؟ الجواب: أداء الشهادة لا يجوز أخذ العوض عليه؛ لأن الشهادة يجب أداءها على من هي عنده لله سبحانه وتعالى، لأجل بيان الحق وإزالة الظلم، قال تعالى: {شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] ، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] ، لا لأجل مطمع دنيوي، وقال تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة: 283] .

أخذ العوض على أداء الشهادة

الذي عنده شهادة بحق يجب عليه أداؤها بدون مقابل، وبدون أخذ عوض؛ لأن هذا عبادة أمر الله تعالى بها في قوله: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] ، {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] . وأما من أعانك في خصومة، أو في قضية، فهذا إذا كان أعانك بمعنى أنه خاصم عنك، وتولى الخصومة وكيلًا عنك ونائبًا عنك، فلا مانع أن تعطيه شيئًا من المال مقابل تعبه، ومن ذلك ما يتقاضاه المحامون، الذين ينوبون عن المدعين، ويخاصمون عنهم ويذهبون ويجيئون، فيأخذون في مقابل أتعابهم؛ لأنهم وكلاء عن من له قضية، أما الشهادة فلا يجوز أخذ مال عنها بحال. كذلك الحاكم الذي يحكم بين الناس، لا يجوز له أن يأخذ على حكمه شيئًا منه، وإذا أخذ فهذا هو الرشوة التي حرمها الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع العلماء على تحريمها، إنما كما ذكرنا يجوز للوكيل أو النائب في الخصومة أن يأخذ في مقابل تعبه، إذا شرط هذا، أو أراد من له قضية أن يرضيه بشيء على تعبه، والله أعلم. *** كفارة قتل الخطأ سؤال: لقد قدر الله علي بحادث سيارة، بأن صدمت بسيارتي أحد الأشخاص، بينما كان يمشي على قدميه، وقد نقل إلى المستشفى متأثرًا بتلك الإصابة، ومكث خمسة عشر يومًا ثم توفي، وقد تنازل أهله عن ديته، وأخذ أولاده القصر مبلغ ثلاثين ألف ريال، حيث كان الخطأ مشتركًا، فعليه

كفارة قتل الخطأ

نسبة أربعين في المائة منه، وسؤالي هو عن الصيام، هل يجب علي وجوبًا، فبما أنني طالب في المرحلة الثانوية، فقد لا أستطيع الجمع بين الصيام والدراسة، هل يكفي أن أتصدق أو أطعم، وهل من مخرج لي من الصيام، أفيدوني بارك الله فيكم؟ الجواب: قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} إلى قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] . لا شك أنه يجب عليك الصيام؛ لأنك شاركت في قتل نفس خطأ، والكفارة تجب على القاتل خطأ، سواء انفرد بالقتل، أو شارك فيه، وأنت تذكر أنك اشتركت فيه ستين في المائة، المهم أنه لو شارك بواحد في المائة أو أقل فعليه كفارة، لعموم الآية الكريمة، فيثبت في ذمتك صيام شهرين؛ لأن العتق الآن غير موجود، فتذهب إلى البديل وهو الصيام، وليس هناك شيء ثالث غير الصيام، وتأتي به متى استطعت، فإذا كنت في الوقت الحاضر لا تستطيع، فإنه يبقى في ذمتك وتصومه إذا استطعت، والدراسة ليست مانعة من الصيام، الناس يصومون وهم يدرسون، لا سيما في المناطق الباردة، فالدراسة ليست عذرًا في ترك الصيام، ولو أنك تحينت مثلًا الفصول الباردة مثل فصل الشتاء، فصمت فيه فلا بأس بذلك، مع قصر النهار، أو مع البرودة مثلًا التي تخفف عليك شدة الصيام، المهم أنه لا بد أن تصوم، وأنت أدرى بالوقت المناسب لك، والصيام يبقى في ذمتك إلى أن تؤديه. سؤال: ليس له بديل، يعني الإطعام ليس له وجود في كفارة القتل؟

الجواب: الله تعالى لم يذكر إلا خصلتين، العتق أو الصيام، بينما ذكر في كفارات أخرى ثلاثة أشياء، فدل على أن القتل لا يجزئ فيه إلا شيئان: العتق أو الصيام. *** سؤال: وقع علي حادث سيارة قبل عدة سنوات نتج عنه وفاة شخص، وقد دفعت جزءًا من الدية لورثته وتنازلوا عن الباقي، ولكن قيل لي: إنه يلزمني كفارة، وهي صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا، فأما الصيام فلا أستطيعه لكوني موظفًا حكوميًّا، وفي عمل لا أستطيع أن أجمع بينه وبين الصيام، وفي حاجة إلى مواصلة العمل، فهو مصدر رزقي بعد الله، ولكن أسأل هل أعدل إلى الإطعام؟ وما كيفيته؟ وما العمل لو كنت عاجزًا حتى عن الإطعام في الوقت الحاضر؟ هل يبقى دينًا في ذمتي إلى وقت قدرتي عليه، أفيدوني بارك الله فيكم؟ الجواب: قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} إلى قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92] . فمن قتل مؤمنًا خطأً، أو قتل معاهدًا، فإنه يجب عليه الكفارة، وهي كما بينها الله سبحانه وتعالى، على الترتيب بين الشيئين: الشيء الأول: عتق رقبة، فإذا وجد الرقبة وقدر على شرائها، وجب عليه أن يعتقها، أو كانت في ملكه، فإنه يجب عليه أن يعتقها كفارة عما

وجب عليه، وإذا لم يستطع العتق فإنه يعدل إلى الشيء الثاني، وهو صيام شهرين متتابعين، وليس هناك شيء ثالث، فالإطعام غير مذكور في كفارة القتل، وإنما جاء في كفارة الظهار، وكفارة الجماع في نهار رمضان. أما القتل، فليس فيه إلا خصلتان على الترتيب، الأولى: العتق. والثانية: الصيام. وأنت أيها السائل يجب عليك أحد الأمرين، إما العتق إذا قدرت عليه، وإما صيام شهرين متتابعين، وإذا كان حالك كما ذكرت، لا تستطيع أن تصوم لمواصلة العمل ولحاجتك إلى طلب الرزق الذي تسد به حاجتك، فهذا لا يسقط عنك الصيام، بل يبقى في ذمتك تتحين الفرص التي يمكن أن تصوم فيها، وتستطيع ذلك، مثل الشتاء، الذي تستطيع أن تجمع فيه بين الصيام والعمل، فتؤخر الصيام إلى فصل الشتاء وتصوم، وهذا شيء يجب عليك، كما أنك تصوم رمضان وأنت تعمل، كذلك يجب عليك أن تصوم صيام الكفارة وأنت تعمل؛ لأن كلا الصومين واجب عليك شرعًا، فيجب عليك أن تصوم ولو كان في ذلك بعض المشقة، أو المشقة المتحملة، وإن كان هناك مشقة غير متحملة، فإنك ترجئ الصيام إلى وقت آخر كما ذكرنا، فعلى كل حال لا بد من الصيام، والإطعام لا يكفي في كفارة القتل. ***

قضاء الكفارة

قضاء الكفارة سؤال: أنا علي صيام شهرين متتابعين، يعني صيام كفارة، وإذا صمت الشهر ونقص الشهر في الحساب يوم، فهل علي إكمال ستين يومًا أم لا، أم أصوم شهرين حسب ما يأتي حسابها، أفيدوني بارك الله فيكم؟ الجواب: إذا كنت بدأت الصيام من الهلال فإنك تصوم شهرين بالأهلة، سواء كانت تامة أو ناقصة. أما إذا بدأت الصيام في أثناء الشهر، فإنه يجب عليك صيام ستين يومًا؛ لأنك تصوم شهرين بالعدد، ستين يومًا، فهناك فرق إذًا في الصوم بالهلال، والصوم بالعدد. إذا بدأت الصيام بالهلال فليس عليك إلا ما بين الهلالين، تصوم شهرين بالأهلة، سواء كانت تامة أو ناقصة. أما إذا بدأت الصيام أثناء الشهر، فإنك حينئذ تكون قد بدأت بالعدد، فتصوم ثلاثين يومًا، وثلاثين يومًا، شهرين متتابعين بالعدد، المجموع ستون يومًا. *** تأخير الكفارة سؤال: كان على والدي صيام شهرين متتابعين كفارة منذ زمن بعيد، ولكنه لم يصمهما، وقد أجلهما، وإلى الآن لم يصم، ولكنه الآن عاجز عن الصيام لكبر سنه، فكيف العمل في هذه الحالة؟ وهل يجزئ شيء عنهما يفعله؟ وهل نصوم عنه؟ وهل هو يأثم بتأخيرها مع القدرة على ذلك؟ الجواب: هذا سؤال مجمل، لم يبين نوع هذه الكفارة التي وجب فيها

تأخير الكفارة

صيام شهرين متتابعين، هل هي كفارة قتل، أو كفارة ظهار، أو وطء في رمضان؟ فإن كانت كفارة قتل، فإنه لا يجزئ فيها الإطعام ولا بد من الصيام مهما أمكن، فإذا لم يكن فإنه لا يجزئ إلا ما ذكره الله سبحانه وتعالى فيها، بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} إلى قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] ، ليس فيها إذا إلا هذان الأمران: الأمر الأول: الإعتاق إذا أمكن، فإذا لم يمكن فإنه يصوم شهرين متتابعين وهو الأمر الثاني، وليس هناك شيء ثالث فيها. وأما إن كانت كفارة غير القتل، يعني كفارة ظهار أو وطء في نهار رمضان مثلًا، فإنه يجزئ فيها شيء ثالث وهو الإطعام، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 3، 4] ، فكفارة الظهار مرتبة على هذه الأمور الثلاثة: أولًا: عتق الرقبة إذا أمكن. ثانيًا: إذا لم يكن عتق الرقبة فإنه يصوم شهرين متتابعين. ثالثًا: إذا لم يمكن صيام الشهرين فإنه يطعم ستين مسكينًا. ومثلها كفارة الوطء في نهار رمضان للصائم. فهذه الكفارة التي وجبت على والدك لا ندري من أي هذه الأنواع،

وقد أجبنا على كلا الاحتمالين، مع أنه يجب على المسلم المبادرة بأداء ما وجب عليه وعدم التأخير؛ لأن ذلك يفضي إلى مثل هذه الحالة التي ذكرتها عن أبيك، لكونه أخر الصيام من غير عذر، ثم طرأ عليه ما لا يستطيع معه الصيام، وبقيت الكفارة في ذمته. سؤال: بالنسبة للصيام عنه، هل يجزئ على أية حالة من الحالات؟ الجواب: لا يجزئ الصيام عنه؛ لأنه عمل بدني لا تدخله النيابة، ما وجب بأصل الشرع من الصيام، فإنه لا يصوم أحد عن أحد على الصحيح؛ لأنه لا تدخله النيابة؛ لأنه عمل بدني. سؤال: لو فرض أنه مات قبل أن يكفر؟ الجواب: لا يمكن إلا الإعتاق، مثلًا يعتق عنه من ماله إذا أمكن. *** الوفاء بنذر الطاعة سؤال: في إحدى السنوات طلبت من الله تعالى طلبًا، وقلت: إن أجابني الله إلى ذلك فسأصلي طيلة حياتي، ولن أقطع الصلاة أبدًا، حتى في فترة العادة الشهرية، وفعلًا تحقق لي ذلك الشيء وكنت أصلي وأقضي الصلاة عن فترة العادة الشهرية من كل شهر، ولكن بعدما سمعت أنه لا يجوز قضاء هذه الأيام فقد تركت قضاء تلك الأيام، مع أني قد اشترطت أن أصليها أيضًا، فماذا أفعل الآن؟ هل علي الاستمرار في فعل ذلك أم لا؟ الجواب: أولًا: النذر في الأصل لا ينبغي من مسلم، بل يجب عليه أن يفعل الطاعة بدون نذر؛ لأن النذر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يأتي»

الوفاء بنذر الطاعة

«بخير، وإنما يستخرج به من البخيل» ، فإذا نذر الإنسان نذر طاعة، كالصلاة والصيام، والحج، والصدقة، فإنه يلزمه حينئذ الوفاء به، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» . وقال صلى الله عليه وسلم: «أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله» ، والله جل وعلا أثنى على الذين يوفون بالنذر، فهذه نذرت أن تصلي، ولم تبين ما نوع الصلاة، هل تصلي صلاة نوافل، أو أنها تصلي الفرائض وتحافظ عليها، فإذا كانت تقصد أنها تصلي الفرائض، فالفرائض وجبت عليها بأصل الشرع، ويكون نذرها زيادة تأكيد فقط. وإن كانت تقصد أنها تصلي نوافل فإنه يلزمها أن تصلي النوافل حسب إمكانها، إلا أنه لا يجوز أن تصلي في فترة الحيض، وفترة الحيض مستثناة، لا تدخل في نذرها، ولو كفرت كفارة يمين عن ذلك يكون أحوط، تكفر كفارة يمين عن فترة الحيض، وأما ما عدا فترة الحيض، فإنها تصلي حسب ما عينت، فتوفي بنذرها. سؤال: يبدو أنها تقصد الصلوات المفروضة؟ الجواب: الصلوات المفروضة واجبة عليها من أصل الشرع، وإذا نذر الإنسان شيئًا واجبًا عليه بأصل الشرع صح النذر ويكون هذا تأكيدًا، فتكون الصلاة واجبة عليها إذًا لأمرين، لأصل الشرع والنذر.

سؤال: ما حكم قضائها للصلاة بعد الانتهاء من العادة؟ الجواب: النذر في وقت الحيض لا يصح، فمن نذر فعل محرم، فإنه لا يجوز له فعله، فلا يفعله، وإنما يكفر عنه كفارة يمين. *** سؤال: أثناء الامتحانات نذرت إن نجحت أن أصوم سبعة أيام متتالية، وبعد أن وفقني الله ونجحت بدأت أصوم النذر، لكنني لم أستطع مواصلة الأيام السبعة، فصمتها متفرقة، فهل فعلي هذا صحيح أم يجب علي إعادتها متتابعة، وما العمل لو كنت لا أستطيع صيامها متتابعة؟ الجواب: إذا نذر الإنسان صيام أيام متتابعة؛ وجب عليه الوفاء بنذره وأن يصوم هذه الأيام متتابعة، ولا يجوز له تفريقها لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» ، وهذا نذر طاعة، وما ذكرت السائلة من أنها صامت الأيام ولم تستطيع المتابعة فيها، تكون قد أخلت بالوفاء بنذرها، فهي إذا كان قطعها للتتابع لعذر كما ذكرت فإنها تخير بين أمرين، إما أن تستأنف، تصوم الأيام من جديد متتابعة، وإما أن تكمل ما بقي ويكون عليها كفارة يمين، وكفارة اليمين معروفة، عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد، أو كسوة عشرة مساكين، لكل مسكين ثوب يستره في صلاته. تخير بين هذه الأمور الثلاثة، فإذا لم تستطع واحدًا منها، فإنها تصوم ثلاثة أيام. ***

سؤال: كانت لسيدة بنت تتمتع بصحة تامة، وفجأة مرضت هذه البنت مرضًا شديدًا، فنذرت أمها إن كتب الله لابنتها الحياة أن تصلي ركعتين لوجه الله تعالى بعد كل فريضة من فروض الصلوات الخمس مدى الحياة، وكان أن كتب الله لابنتها الشفاء والحياة ووفت الأم بنذرها، ثم مرضت البنت مرة أخرى وانتقلت إلى رحمة الله. والسؤال: هل تستمر الأم بالوفاء بنذرها أم أن النذر انتهى بموت البنت؟ علمًا بأن الأم ما زالت تواصل الوفاء بنذرها باعتباره تطوعًا وصدقة لروح ابنتها المتوفاة؟ الجواب: الظاهر لي أن قصدها من النذر بقاء ابنتها على قيد الحياة، ولما شفيت من المرض الأول لزمها أن توفي بنذرها مدة حياة ابنتها؛ لأنها نذرت أن تطيع الله عز وجل، ومن نذر أن يطيع الله فليطعه، أما لما مرضت وماتت فالذي يظهر لي أنها لا تستمر في النذر؛ لأنها قصدت بنذرها بقاء بنتها على قيد الحياة، ولما لم تبق انتهى أمد النذر فيما أرى. إلا إذا كانت قصدت أنها تواصل الصلاة المنذورة، ولو ماتت بمرض آخر، فإنه يجب عليها المواصلة إذا كانت قصدت هذا. *** سؤال: امرأة منذ حوالي ثلاث سنوات: وقبل أن تتزوج، نذرت لله تعالى أن تصوم أيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة من كل عام متتابعة (وربما قصدت التسعة أيام) وكانت آنذاك لا تعلم بكراهية النذر ولم تذكر إن كانت استثنت ما بعد زواجها أو أحالت أمره إلى زوجها أم لا، ولكنها الآن قد تزوجت، وزوجها يمانع من صيامها لأنه صيام نفل، ولا يجوز لها أن تصومه بدون رضاه، إضافة إلى عدم تمكنها صحيًّا من الصيام، لذا فهي

تسأل هل هي ملزمة بالاستمرار في هذا النذر بالصيام مع معارضة زوجها وضعف حالتها الصحية، أم عليها أن تكفر كفارة يمين وتتخلص منه، أو تقضيه فيما بعد في غير وقته المحدد متفرقًا، أم ماذا تفعل؟ الجواب: أولًا: ينبغي التنبيه على أن النذر مكروه أو محرم الدخول فيه؛ لأنه يلزم المسلم بشيء قد لا يستطيعه، وقد يشق عليه وهو بعافية منه. على المسلم أن يفعل الخير من صيام وغيره بدون نذر، ويكون في سعة، إن شاء فعله وإن شاء تركه، أما إذا نذر فإنه ألزم نفسه ووجب عليه أن يفي بنذره إذا كان نذر طاعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أوف بنذرك» ، ولقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] .، ولقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] ، ولقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270] . والنذر إذا وقع وكان نذر طاعة، فإنه يلزم ويجب العمل به، أما قبل الدخول فيه، فلا ينبغي للمسلم أن يلزم نفسه وأن يدخل فيه. وهذا الذي ذكرته السائلة أنها نذرت أن تصوم العشرة الأولى من ذي الحجة باستمرار، فهذا نذر طاعة، يلزمها الوفاء به؛ لأنها نذرت صيام عشر ذي الحجة، وصيام عشر ذي الحجة طاعة، وهو مستحب بدون النذر، فإذا نذرته صار واجبًا عليها، فيلزمها أن تفي بنذرها وأن تصوم عشر ذي الحجة من

كل سنة حسبما ذكرت وليس لزوجها أن يمنعها من ذلك؛ لأن زوجها إنما يمنعها من صيام التطوع، أما الصيام الواجب المؤقت بوقت محدد فإنه لا يجوز لزوجها أن يمنعها منه، وهي نذرت أن تصوم هذه الأيام المعينة، فيجب عليها الوفاء بذلك، وإذا كانت تقول: إنها لا تستطيع ذلك صحيًّا، فإن كان القصد أن ذلك يشق عليها، فهذا لا يمنع من أداء الواجب، حتى وإن كان فيه مشقة فإنها تصوم؛ لأنها ألزمت نفسها بذلك، ومعلوم أن الصيام فيه مشقة حتى على القوي. أما إذا كان قصدها من ذلك أنها لا تستطيع الصيام، فإنها في العام الذي لا تستطيع فيه الصيام لمرض أو ضعف في الجسم تكفر كفارة يمين، لكن إذا قويت في العام الآخر، يجب عليها الصيام، وهكذا. فلا يجوز لها ترك ما نذرته؛ لأنها ألزمت نفسها بذلك، ولا ينبغي للمسلم أن يتلاعب بالنذر، ينذر ويلزم نفسه، ثم بعد ذلك يلتمس المخارج، ويلتمس الحيل، هذا لا يجوز؛ لأن النذر أصبح واجبًا من الواجبات، لا يجوز التخلص منه بدون مبرر شرعي. سؤال: إذا صادفت هذه الأيام وقت عادتها الشهرية، فهل تقضيها فيما بعد وتكفر أو ماذا تفعل؟ الجواب: إذا صادف وقت عادتها الشهرية، فإنه تكون معذورة بتركها لأن هذا من الأعذار الشرعية، مثل ما لو كانت مريضة، فإن هذا عذر شرعي يسقط عنها صيام هذه الأيام، ولكن إذا جاءت هذه الأيام وليس عندها عذر شرعي بأن كانت صحيحة وطاهرة من الحيض يجب عليها ذلك.

سؤال: هي نذرت صيام العشرة الأيام ولكن ألا يستثنى اليوم العاشر لكونه يوم عيد؟ الجواب: هذا معلوم أن يوم العاشر لا يدخل في هذا، وإنما يقال عشر ذي الحجة من باب التغليب. *** سؤال: والدتي نذرت نذرًا بزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه لمدة سبعة أيام بلياليهن، فهل يجوز لها أن تفي بهذا النذر، ولكن بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، وماذا عليها أن تفعل؟ الجواب: المسجد النبوي الشريف له فضل، وهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها للصلاة فيها، والعبادة فيها، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» . فمن نذر أن يسافر إلى المسجد النبوي الشريف للصلاة فيه والتعبد فيه، فهذا نذر طاعة، يجب الوفاء به، والسائل أو السائلة تقول: إن والدتي نذرت أن تصلي في المسجد النبوي، فهل لها أن تعدل عن ذلك وتصلي في المسجد الحرام؟ الذي ينبغي أن تمضي على نذرها، وأن تصلي في المسجد النبوي عدد الأيام التي نذرتها، وفاءً بما نذرت، وأما الاعتياض عن ذلك بأن توفي بهذه الأيام في المسجد الحرام، فلا أرى مانعًا من

ذلك؛ لأن المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي، وإذا عين مسجدًا من هذه المساجد الثلاثة بنذر، ثم أداه بما هو أفضل منه فلا مانع من ذلك، بدليل حديث جابر رضي الله عنه: «أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، فقال له: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في المسجد الأقصى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صل هاهنا، فسأله، فقال: صل هاهنا، فسأله، فقال: صل هاهنا، فسأله، فقال: شأنك إذًا.» رواه أبو داود، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يصلي بالمسجد الحرام بدلًا من المسجد الأقصى؛ لأن المسجد الحرام أفضل من المسجد الأقصى، فعلى هذا فهذه التي نذرت أن تصلي في المسجد النبوي، لها أن تصلي في المسجد الحرام؛ لأنه أفضل من المسجد النبوي، والله تعالى أعلم. سؤال: ما معنى قولها: سبعة أيام بلياليهن؟ الجواب: هذا معناه الاعتكاف سبعة أيام بلياليهن، وإن كان قصدها الصلاة، فهي الصلوات الخمس، وإن كان قصدها أن تبقى في المسجد النبوي سبعة أيام بلياليهن تصلي، فهذا معناه الاعتكاف، فإذا تمكنت من هذا فإنه يجب عليها. *** سؤال: ذات يوم وأنا أعمل مع زميلاتي، قلت لهن: إذا نجحت ابنتي فسوف أذبح لكن عجلًا، ولكن حصل أن انتقلت من ذلك البلد إلى بلد آخر بعيد عنه، وفعلًا نجحت ابنتي والحمد لله، فماذا أعمل في هذا النذر، هل

يجوز أن أذبح العجل وأتصدق بجزء منه على الفقراء، أم لا بد أن يكون لزميلاتي كما ذكرت وقت النذر، وهل يجوز لي ولأهلي الأكل منه أم لا؟ الجواب: إذا كنت نذرت ذبح العجل على أن تتصدقي بلحمه على زميلاتك؛ لأنهن فقيرات، فهذا نذر طاعة يجب الوفاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» ، فيجب عليك ذبح العجل وتوزيع لحمه على الفقراء. أما إذا كان هذا من باب ما يجري بين الرفقة من الوعد بأنه إذا حصل له كذا، يعمل لهم دعوة، ويعمل لهم وليمة وحفلة فهذا يعتبر من الأمور المباحة، من شاء فعله ومن شاء تركه؛ لأنه من المواعيد فقط، وإذا كانت إذا تلفظت بالنذر قالت: نذرت أن أذبح كذا، إذا حصل كذا لزميلاتي وهن غنيات، ولسن بحاجة، فهذه تخير بين فعل ما نذرت وبين كفارة يمين؛ لأنها نذرت شيئًا مباحًا، فتخير إذا كان من نذرت لهن ذبح هذا اللحم غنيات، ولم تنوه من باب الصدقة، وإنما نوته من باب الإكرامية، كما يجري بين الأصدقاء بعضهم مع بعض - أو تعبير عن الفرحة - فهذا يعتبر نذرًا مباحًا، والنذر المباح يخير بين فعله وبين كفارة اليمين، أما إذا كانت نذرته لفقيرات، ونذرته بنية الصدقة، فهذا يعتبر نذرًا واجبًا، يجب عليها تنفيذه. والأكل منه أيضًا يرجع إلى نيتها، إن كانت نوت أن تأكل منه مع زميلاتها، فإنها تأكل، أما إن كانت لم تنو ذلك، فإنه لا يجوز لها أن تأكل منه. ***

سؤال: كانت والدتي مريضة عندي، وقد توفيت قبل عامين، فنذرت إن رزقني الله من واسع فضله أن أتصدق بذبيحة في شهر رمضان من تلك السنة، وأن أهب ثوابها لوالدتي، وأنا أعمل في إحدى المدارس، وأتقاضى راتبًا شهريًّا قدره خمسة آلاف ريال، ولكني أعطيه زوجي المحتاج، وصاحب الأسرة الكبيرة وقليل الدخل، وقد بنى لنا منزلًا وتحمل ديونًا كثيرة للناس، ولذلك فأنا أساعده براتبي الشهري، ولم أتمكن تلك السنة من الوفاء بنذري، ولكني كنت أعطي أختي من الراتب مبلغ ألف ريال لتتصدق به على الفقراء، وأحتسب أجر هذه الصدقة لوالدتي، فهل تكفي هذه عن النذر، أم لا بد أن أتصدق بذبيحة كما حددت، ولو بعد فوات السنة التي حددتها لذلك؟ الجواب: أولًا: ننبه أنه لا ينبغي للمسلم أن ينذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن النذر لا يأتي بخير، إنما يستخرج به من البخيل» . ينبغي للمسلم أن يفعل الخير وأن يتصدق، وأن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بما يسر الله بدون نذر، لكنه إذا نذر وألزم نفسه بذلك وجب عليه الوفاء، إذا كان نذره نذر طاعة، قال صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» ، وقال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:7] ، وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270] .

فإذا نذر الإنسان نذر طاعة، وجب عليه الوفاء به، والسائلة تذكر أنها نذرت أن تذبح شاة في سنة معينة وتوزعها على الفقراء، هذا نذر طاعة؛ لأن ذبح الشاة فيه قربة إلى الله سبحانه وتعالى، والتصدق بلحمها فيه قربة أيضًا، وقد عينته في وقت محدد، كان يجب عليها أن توفي في وقته، وما دام أنها أخرته عن وقته، فإنه يجب عليها تنفيذه قضاءً، يجب عليها أن تذبح ما نذرته تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى، وتتصدق بلحمه، ويكون هذا قضاء، وعليها بدل التأخير كفارة يمين. إذًا يلزمها شيئان: أولًا: تنفيذ النذر الذي نذرته قضاءً. ثانيًا: كفارة يمين تكون عن تأخيره عن وقته. وكفارة اليمين، كما قال الله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] ، هذه كفارة اليمين. وأما أنها تتصدق وتعطي أختها تتصدق بدراهم، فهذا لا يكفي عن النذر؛ لأن النذر معين بذبيحة، وليس هو صدقة مطلقة، فلا يكفي عن النذر، وصدقتها التي ذكرت فيها أجر، وفيها خير إن شاء الله، ونرجو أن يصل ثوابها إلى المتوفاة، ولكنها لا تكفي عن النذر، والله أعلم. ***

سؤال: تقول السائلة: نذرت لئن أراد الله ووصلت الديار المقدسة وزرت البيت الحرام، أن أصوم ثلاثة أشهر رجب وشعبان ورمضان، وقد أديت فرضي والحمد الله، ولكن نظرًا لظروف عملي لم أستطع إكمال الصيام، فهل يجزئ عن ذلك صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع أم لا، وهل يشترط التتابع في الصيام أم لا؟ وإذا لم أستطع فهل يجزئ عني كفارة أم لا؟ أفيدوني حفظكم الله. الجواب: أولًا: ننبه أنه لا ينبغي للإنسان أن ينذر، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل» . فلا ينبغي للإنسان أن ينذر، الإنسان ينبغي له أن يتقرب إلى الله بالطاعات والقربات من غير نذر، ولا يلزم نفسه إلا ما أوجبه الله عليه في أصل الشريعة، أما أن يدخل نفسه في حرج، ويحملها واجبًا ثقيلًا من صيام أو عبادة لا تجب عليه بأصل الشرع، ثم بعد ذلك يتحرج ويطلب المخارج، فهذا شيء يجب عليه أن يحذر منه من البداية وألا ينذر، لكن إذا نذر وعقد النذر وهو نذر طاعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» ، والله تعالى يقول: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:7] ، ويقول تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270] ، ويقول تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] ، فإذا نذر الإنسان نذر طاعة ونذر تبرر وجب عليه أن يؤديه؛ لأنه أوجبه

على نفسه فوجب عليه أداؤه، وما ذكرته السائلة من أنها نذرت أن تصوم ثلاثة أشهر: رجب وشعبان ورمضان، أما رمضان فهذا واجب عليها في أصل الشرع أن تصومه، فقد نذرته، فيكون واجبًا من ناحيتين: بأصل الشرع وبالنذر، فهذا لا بد لها من صيامه، وأما صيام رجب وشعبان، فهذا يجب عليها صيامهما بالنذر فقط، ويجب عليها أن تصوم ما دامت نذرت أن تصوم رجب وشعبان ورمضان؛ لأن هذا نذر طاعة. وإذا كانت عينت سنة معينة، قالت: من سنة كذا فيجب عليها أن تصوم رجب وشعبان من السنة المعينة، أما إذا كانت نذرت رجب وشعبان غير معين من سنة، فإنها تصوم رجب وشعبان من أي سنة، ورمضان من أي سنة تمر عليها. الحاصل: لا بد لها من صيام هذا النذر، ولو كان فيه عليها مشقة؛ لأنها هي التي ألزمت نفسها بهذا، فتصوم ما دامت تستطيع الصيام، ولو كان عليها مشقة، ولا يجزئ عنها أن تصوم يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع كما ذكرت، لا بد من صيام رجب وشعبان ورمضان، ولا يجزئ عنها الإطعام أيضًا؛ لأنها تستطيع أن تصوم ولو مع المشقة. سؤال: بالنسبة لرمضان ربما أنها صامته لأنها تقول: قد أديت فرضي، يعني لا تصوم رمضان، لكن بالنسبة لرجب وشعبان إذا لم تعين سنة بعينها تصومهما، فهل يجوز مثلًا أن تصوم من هذه السنة رجبا، ومن السنة الأخرى شعبان؟ الجواب: إذا كان قصدها من سنة رجبا، وشعبان من سنة، يعني متواليين، يجب عليها أن تصومهما رجب وشعبان متواليين، أما إذا كان

قصدها رجبا من أي سنة، وشعبان من أي سنة، فلا مانع أن تصوم رجبًا مثلًا في سنة، وشعبان في سنة أخرى، إذا لم تكن قد نوت سنة معينة، أو في سنة واحدة. *** سؤال: لقد نذرت نذرًا أن أصوم خمسة أيام كلما قمت بشرب سيجارة من الدخان، وكان ذلك من باب العزم على الامتناع عنه ورغبة مني في تركه إلى الأبد، ومرت الأيام والسنون، ثم عدت إليه وشربته مرة أخرى، فتذكرت النذر، وقمت وأديت الكفارة، وصمت الخمسة أيام التي نذرتها، فهل هذه الكفارة التي أديتها تكفي وتلغي النذر كالحلف ثلاثًا يقع مرة واحدة إذا كان على أمر واحد، أم أنه يلزمني أن أصوم عن كل سيجارة واحدة خمسة أيام، كما نصصت في نذري، فإنني شربت الآن الكثير، فإذا كان يلزمني عن كل سيجارة صيام خمسة أيام، فمعناه أنني سأصوم أكثر من ألف يوم تقريبًا، وكيف أستطيع ذلك، وما هو الحل، وهل من مخرج من هذه الكفارة بالصدقة أو نحوها؟ الجواب: أولًا: ننصح السائل وغيره ممن ابتلوا بتناول الدخان أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى وأن يتركوا هذا الخبيث الذي يضرهم في دينهم ودنياهم، وفي صحتهم وأبدانهم؛ لأنه ضرر محض لا فائدة فيه بوجه من الوجوه، وهو خبيث من الخبائث، والله تعالى يقول في وصف نبيه عليه الصلاة والسلام: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ،

ولا يوجد أحد في العالم حتى من الذين يتعاطون هذا الشيء يثبت أن فيه فائدة واحدة، بينما فيه أضرار كثيرة وأخطار عظيمة، والواجب على المسلم أن يكون عنده عزم وقوة وشهامة وقوة إيمان، يترك ما حرم الله عليه حتى وإن كان من أغلى الأشياء عليه، كيف وهو شيء تافه وخبيث، فإنه يجب على المسلم أن يتوب إلى الله منه، وأن يتركه حفاظًا على صحته وعلى ماله وعلى دينه؛ لأنه لا يأتي بخير. أما من ناحية النذر الذي نذرت أن تتركه، وإذا شربته أن تصوم، فأنت نذرت ترك محرم وهذا واجب عليك، والإنسان إذا نذر أن يترك المحرم فإنه يجب عليه الوفاء بنذره؛ لأنه إذا نذر الإنسان فعل الواجب أو نذر ترك المحرم، فقد نذر واجبًا عليه، يجب عليه الوفاء به، وأنت يجب عليك أن تتركه ولو لم تنذر، فكيف وقد نذرت إذًا، يتعين عليك تركه نصيحة لنفسك، ووفاءً بنذرك {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3] . هذا الذي ننصحك به ولا نرى لك غيره أبدًا، لا نرى لك أن تنقض اليمين وأن تتعاطى هذا الدخان؛ لأنه جريمة وضرر، فعليك أن تتوب إلى الله وأن تتركه، وأن تمضي في عزيمتك، وأن تخلص نفسك من أضراره. قال صلى الله عليه وسلم: «إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك به ما هو خير منه» .

سؤال: لكنه يسأل هل يكفي صيامه خمسة أيام عن مجرد عودته إليه، أم يلزمه كما حدد عن كل سيجارة خمسة أيام؟ الجواب: لا، النذر هذا يجري مجرى اليمين؛ لأن قصده منه منع نفسه من هذا الشيء، على اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية يجري مجرى اليمين، يكون فيه كفارة يمين، وقد كفر. وقال: كلما شرب يصوم خمسة أيام، فمعناه: أن النذر باق لم ينحل، وأنه كلما شرب سيجارة يلزمه صيام خمسة أيام، فهو باق لم ينحل، فعليه أن يترك الدخان، حتى ولو لم ينذر، فكيف وقد نذر، ولو فعله وجب عليه صيام خمسة أيام، كلما فعل وجب عليه صيام خمسة أيام عن كل مرة؛ لأنه قال: كلما شربت، عن كل سيجارة، نقول له: صم خمسة أيام، وهذا معناه أنه يتكرر عليه النذر كلما تناول السيجارة، وهذا مما يؤكد عليه ترك هذا الخبيث. فيلزمه صيام خمسة أيام عن كل سيجارة كما نذر. *** سؤال: نذرت صيام شهر لله تعالى، ولكن لم أحدد أي شهر، فهل يجزئ أن أصوم ثلاثين يومًا متفرقة أم لا؟ الجواب: من نذر صوم شهر وأطلق، قد ذكر الفقهاء أنه يخير بين أمرين، إما أن يصوم شهرًا بالهلال حينئذ يلزمه التتابع، ويجزيه ولو كان هذا الشهر تسعة وعشرين يومًا لأن هذا مسمى الشهر.

ويجوز له أن يصوم بالعدد غير متقيد بالشهر الهلالي، وحينئذ يلزمه أن يصوم ثلاثين يومًا؛ لأنه إذا صام بالعدد فلا بد أن يكون ثلاثين يومًا، ويجوز له أن يفرق هذه الأيام. سؤال: يعني هو مخير بين هذه وتلك؟ الجواب: مخير بين هذه وتلك أن يصوم شهرًا هلاليًّا وحينئذ يتقيد بالشهر، ويجوز له أن يصوم بالعدد، وحينئذ يلزمه أن يصوم ثلاثين يومًا، سواء كانت متفرقة أو متتالية. *** سؤال: نذرت نذرًا أن أصوم عشرة أيام من شهر محرم، ولم أستطع أن أصوم من شهر محرم بسبب الدراسة، فهل أصوم في غير محرم، أي بعد انتهاء الدراسة، وفعلًا صمت في غير شهر محرم، فهل يجزئ ذلك أم لا، أفيدونا جزاكم الله خيرًا؟ الجواب: إذا كنت تقصدين شهر محرم من سنة معينة فإنه يفوت بفوات ذلك الشهر، ويكون عليك حينئذ كفارة يمين؛ لأن النذر فات محله، أما إذا كنت تقصدين شهر محرم غير معين، يعني من أي سنة، فإنه إذا لم تصومي من هذه السنة، فصومي من شهر محرم من سنة أخرى، وأظن أن هذا احتمالاًَ بعيدًا، ولكن هذا السؤال يحتمل هذا. أما ما ذكرت من أنك قضيت بعد مضي الأيام، فلا يتوجه عندي القضاء في هذا، وإنما عليك كفارة يمين بفوات المحل. ***

سؤال: لقد من الله علي واشتريت قطعة أرض لبناء بيت عليها وذلك منذ ثلاث سنوات، بمبلغ ألفي جنيه، وبعد شرائها وشعوري بنعمة الله علي نذرت أنني عند بنائها سأعمل الطابق الأرضي كله مسجدًا، ويكون البيت في الدور العلوي، وقلت أمام أقاربي وأصدقائي: نذرت أن أعمل هذا العمل، ولكنني وجدت أن إمكانياتي المالية لن تسمح لي بالبناء، نظرًا لتكاليف البناء الكبيرة، وسوف أقوم في الشهور القادمة ببيع هذه الأرض إن شاء الله، فأرجو إفادتي، ماذا أفعل في هذا النذر، ولو بعت هذه القطعة فهل يسقط عني، أم لا بد من عمل شيء بدلًا عنه، ثانيًا: بالنسبة للزكاة عن هذه القيمة، هل أخرج قيمة الزكاة عن المبلغ الذي اشتريتها به فقط، ومن تاريخ شرائها، أم أخرج الزكاة عن المبلغ الذي ستباع به، أفيدوني جزاكم الله كل خير؟ الجواب: الذي يظهر من سؤالك أنك تريد أن تبني هذه الأرض التي اشتريتها وتجعل الدور الأرضي منها مسجدًا، وأنك نذرت هذا النذر شكرًا لله على أن يسر لك هذه الأرض، ولكنك في الوقت الحاضر لا تستطيع عمارتها، وتسأل: هل يجوز لك بيعها؟ لا، لا يجوز لك بيعها؛ لأنك نذرت أن تجعل الدور الأرضي منها مسجدًا، وأن تجعل ما فوقه سكنًا، فما دام أنك لا تستطيع بناءها في الوقت الحاضر، فإنك تنتظر إلى أن ييسر الله سبحانه وتعالى بناءها وتنفذ ما نذرت؛ لأنك لم تيأس حتى الآن من عدم القدرة على بنائها وتنفيذ هذا النذر الذي نذرته.

سؤال: يعني يبقى النذر دينًا في ذمته حتى يستطيع؟ الجواب: نعم، يترك الأرض وينتظر إلى أن ييسر الله بناءها، وتنفيذ هذا النذر، فإذا يئس من ذلك، ويئس من القدرة على بنائها، وتنفيذ هذا النذر، حين ذلك يسأل أهل العلم، أما الآن فالذي أراه أن ينتظر ولا يبيع هذه الأرض، لعل الله ييسر لها بناءً. سؤال: إذًا على هذا، ليس عليها زكاة ما دام يقصد البناء عليها؟ الجواب: نعم، يبقيها انتظارًا لتنفيذ ما نذر فيها، وليس عليها زكاة في هذه الفترة. *** الوفاء بالنذر المكروه سؤال: نذرت جدتي أن تصوم شهر رجب مدى الحياة نذرًا خالصًا لله، إن تحققت أمانيها، وبعد أن تحققت صامت كما نذرت، إلى أن بلغت سنًّا يصعب معها الصيام، ويشق عليها للمرض والكبر، فما الحكم في هذه الحالة؟ وهل يلزمها الاستمرار، أم تكفر وتعفى من هذا النذر؟ الجواب: إفراد رجب بالصيام مكروه، فهذه المرأة التي نذرت أن تصوم شهر رجب، نذرت نذرًا مكروهًا، وإذا نذر الإنسان شيئًا مكروهًا فإن الأولى أن لا يفعله ويكفر كفارة يمين، فعليها أن تكفر كفارة يمين، بأن تعتق رقبة، أو تطعم عشرة مساكين، أو تكسو عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع طعامًا، أو ثوب يجزيه في صلاته، فإن لم تقدر على

الوفاء بالنذر المكروه

واحدة من الثلاثة خصال المذكورة فإنها تصوم ثلاثة أيام، هذا هو الأحسن لها، ولا تفعل هذا النذر. *** الوفاء بالنذر المحرم سؤال: أنجبت عدة بنات ولم أنجب ذكرًا، فنذرت إن رزقني الله بمولود ذكر أن أزور قبر العباس كل عام، وبالفعل رزقني الله بالمولود، فهل يجوز الوفاء بنذري أم ماذا يجب علي؟ الجواب: هذا النذر لا يجوز الوفاء به؛ لأنه نذر معصية، ولأن المرأة يحرم عليها أن تزور القبور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله زوارات القبور» ، وفي لفظ: «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» ، فزيارة القبور إنما هي مشروعة في حق الرجال فقط، دون النساء، فإذا نذرت المرأة أن تزور القبور، أو تزور قبرًا معينًا، فإنه لا يجوز لها الوفاء بهذا النذر؛ لأنه نذر معصية، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» .

الوفاء بالنذر المحرم

علاوة على أن زيارة قبور الأولياء والصحابة مثل العباس رضي الله عنه، يغلب أن مقصود الزائرين فيها الزيارة الشركية التي هي طلب المدد والعون من الموتى، والتبرك بأضرحتهم، وهذه زيارة شركية والعياذ بالله، وإنما الزيارة الشرعية هي التي يقصد منها الدعاء لأموات المسلمين والاعتبار بحال الموتى وتذكر الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر بالآخرة» ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا مر بالقبور يدعو لأهلها، ويقول: «السلام عليكم ديار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم» ، هذا هو القصد من زيارة القبور. أما أن يقصد منها التبرك بالأموات وطلب المدد وقضاء الحوائج منهم، فهذه زيارة شركية، من فعلها وتبرك بالأموات، أو بالأضرحة، أو طلب المدد من الموتى، فإنه قد أشرك الشرك الأكبر. وكذلك يشترط لزيارة القبور الزيارة الشرعية، أن تكون بدون سفر، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» . فلا يسافر الإنسان لبقعة من بقاع الأرض بقصد التبرك لها، أو العبادة

فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وإنما شرع السفر للمساجد الثلاثة للصلاة فيها، وعبادة الله جل وعلا فيها؛ لأنها مساجد الأنبياء، أما القبور فإنه لا يسافر لها، لا قبور الأنبياء ولا الأولياء، ولا قبور الصالحين، لا يسافر لها، وإنما يزورها الرجال خاصة بدون سفر، ويزورونها لما ذكرنا من الدعاء للأموات، والترحم عليهم - أموات المسلمين - والاعتبار بأحوالهم. سؤال: ما حكم ما يفعله بعض الجهال من الجلوس حول القبور والصلاة عندها والأكل والشرب وإقامة الولائم في المقابر؟ الجواب: الزيارة لا بد أن تكون زيارة شرعية، المقصود منها ما ذكرنا، الدعاء للأموات المسلمين، والاعتبار بحالة الموتى، وبدون سفر، وتكون للرجال خاصة. أما ما يفعل زيادة على ذلك، فهو إما من الشرك، وإما من البدع، فالجلوس في المقابر وعمل الأطعمة فيها، أو جلب الأطعمة إليها، كل هذا من البدع ومن وسائل الشرك، والصلاة عندها، هذا أيضًا مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الذين يتخذون المساجد على القبور، فقال: «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . ومعنى اتخاذها مساجد أن يصلى عندها، سواء بني عليها مسجد،

أو لم يبن عليها مسجد، فالصلاة عند القبور ممنوعة، وإن كان المصلي لا يقصد بصلاته إلا الله عز وجل، لكن صلاته عند القبور، هذه وسيلة إلى الشرك؛ لأنه يزيد به الأمر إلى أن يُعتقد في الموتى النفع والضر، فيئول هذا إلى الشرك، والعياذ بالله، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء بسد الطرق والوسائل المفضية إلى الشرك، وحمى حمى التوحيد. سؤال: فضيلة الشيخ: أوضحتم حرمة زيارة القبور للنساء، لكن ما هو المخرج من هذا النذر بالنسبة لهذه المرأة؟ الجواب: قلنا إنه يحرم عليها الوفاء بهذا النذر؛ لأن زيارة القبور للنساء محرمة، فهي نذرت شيئًا محرمًا، ولكن لو كفرت كفارة يمين يكون هذا أحوط لها، وكفارة اليمين: هي عتق رقبة إذا وجدت عبدًا تعتقه، أو إطعام عشرة مساكين، كل مسكين نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد، أو كسوتهم، بأن تعطي كل مسكين ثوبًا يجزئه في صلاته على عدد العشرة، فإن لم تجد شيئًا من هذا، لا العتق، ولا الإطعام، ولا الكسوة، فإنها تصوم ثلاثة أيام. ***

كتاب القرآن

كتاب القرآن

الطريقة المثلى في حفظ القرآن سؤال: تقول السائلة: قرأت حديثًا في إحدى المجلات عن الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب به علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عندما شكا إليه تفلت القرآن من صدره، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا أبا الحسن، أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، وينفع بهن من علمته، ويثبت ما تعلمته في صدرك، فقال علي: أجل يا رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إذا كان ليلة الجمعة، فإذا استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر، فإنها ساعة مشهودة، والدعاء فيها مستجاب، فإن لم تستطع، فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أولها، فصل أربع ركعات تقرأ في الركعة الأولى فاتحة الكتاب، وسورة يس، وفي الركعة الثانية فاتحة الكتاب وسورة حم الدخان، وفي الركعة الثالثة فاتحة الكتاب وسورة السجدة، وفي الركعة الرابعة فاتحة الكتاب وسورة الملك، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله، وأحسن الثناء عليه، وصل علي وعلى سائر النبيين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان، ثم قل في آخر ذلك: اللهم ارحمني وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، اللهم بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن، بنور وجهك أن تنور بكتابك صدري، وأن تطلق به لساني، وأن تشرح به صدري، وأن تفرج به عن قلبي، وأن تعمل به بدني، فإنه لا يعينني على الحق غيرك، ولا يوفقني إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله»

«العلي العظيم.. يا أبا الحسن، فافعل ذلك ثلاث جمع أو خمسًا أو سبعًا، تجب بإذن الله، والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمن قط» ، فما مدى صحة هذا الحديث، فإن كان صحيحًا، فمتى تصلى هذه الصلاة من يوم الجمعة، وهل يجوز حمل المصحف في الصلاة والقراءة منه مشاهدة، إن لم يكن المصلي حافظًا له، وكذلك الدعاء، هل يجوز كتابته في ورقة وقراءته في الصلاة من الورقة، وما هو الوقت الأفضل للدعاء في الصلاة، وهذا الحديث إذا لم يكن صحيحًا فهل هناك طريقة صحيحة ومفيدة لحفظ القرآن، والأمن من عدم ضياعه من الصدر؟ الجواب: أولًا: أما الحديث الذي ذكرت فقد رواه الإمام الترمذي في جامعه، في كتاب الدعوات، وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، إلى أن قال ابن كثير: إنه من البين غرابته، بل نكارته، والله أعلم. وعلق على ذلك الشيخ محمد رشيد رضا بقوله: بل أسلوبه أسلوب الموضوعات، لا أسلوب أفصح البشر محمد صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه، ولا أسلوب عصرهما. فعليه: لا أرى لك أن تعمل بهذا الحديث نظرًا لما قيل فيه، وأما من ناحية العمل الذي يثبت حفظ القرآن في صدرك، فعليك أن تكثر من تلاوته، ومن تعاهده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بتعاهد هذا القرآن، وقال: «إنه أشد تفلتًا من الإبل في عقلها» ، فعليك أن تكثر من تلاوته وترديده،

حتى يثبت في صدرك، سواء في الصلاة أو خارج الصلاة، فلا وسيلة لحفظ القرآن إلا بأمرين: أولًا: كثرة التلاوة. وثانيًا: العمل بالقرآن، فإن العمل بالقرآن يؤدي إلى ثبوته في القلب واستذكاره، هذا الذي أوصيك به. أما كتابه الأدعية في ورقة وأن تقرأها من ورقة وأن تصلي، فلا أرى لك ذلك، عليك أن تدعو بما تيسر وبما تحفظ ولا تتكلف الكتابة والقراءة؛ لأن هذا يشغلك عن الصلاة. والقراءة في المصحف، إذا كان الإنسان لا يحفظ شيئًا من القرآن، لا مانع منها، فقد رخص فيها بعض السلف وهو مذهب جماعة من أهل العلم، إذا كان لا يستطيع القراءة حفظًا، ولا يحفظ شيئًا من القرآن، أو يريد أن يصلي بالليل مثلًا، ويتهجد ويريد أن يكثر القراءة لا مانع، وكذلك في صلاة التراويح، إذا كان لا يحفظ القرآن، فلا مانع أن يقرأ من المصحف لأجل الحاجة. *** قراءة القرآن الكريم سؤال: إنني إنسان أحب قراءة القرآن الكريم كثيرًا، ولكنني لا أحسن قراءته في الوقوف، في أماكن الوقف، وكذلك المد، وخلاف ذلك، وأحيانًا أنطق بعض الكلمات خطأ، ولكنني أعرف معناها، أي لا يتغير من المعنى شيء، وإني أجتهد كثيرًا في ذلك، كما أنني في بعض الأحيان، أقرأ كلمات

قراءة القرآن الكريم

لا أفهم معانيها، فماذا أفعل؟ أفيدونا بارك الله فيكم؟ الجواب: ينبغي على المسلم أن يتعلم القرآن وأن يحرص على تلاوته على الوجه الصحيح ما أمكنه ذلك، وذلك بأن يتعلم من القراء، ويستمع إلى القراء حتى يستفيد من قراءتهم، وحتى يعدل ما عنده من الأخطاء، فإذا حرص المسلم على تلقي القرآن وقراءته، فإنه يوفق إن شاء الله. وأما قضية أن الإنسان يقرأ القرآن وهو لا يجيد القراءة فلا بأس بذلك، يقرأ حسب استطاعته، وحسب مقدرته، ولكن لا يتوقف عند هذا الحد، بل عليه كما ذكرنا أن يحاول دائمًا تعديل قراءته وعرضها على المقرئين حتى يستفيد منهم، وحتى يعدل ما عنده من خطأ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق: إن له أجرين، فدل هذا على أنه ينبغي للمسلم أن يحاول دائمًا قراءة القرآن، وأن لا ينقطع عنه، وإذا حاول وداوم على ذلك، فإن الله ييسر له قراءة القرآن على الوجه الصحيح، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17] . فعليك أن تحرص على تلاوة القرآن وإجادة القراءة، والله جل وعلا يوفقك لذلك. ***

القراءة من المصحف على غير طهارة

القراءة من المصحف على غير طهارة سؤال: أنا إنسان ابتلاه الله بمرض الشلل في النصف الأسفل من الجسم من بداية البطن إلى أسفل القدمين، ولذلك يخرج الخارج من السبيلين بلا علم مني ولا إرادة، وخصوصًا وأن هناك أجهزة معلقة بمجاريَّ الخارجية أقضي حاجتي عن طريقها، وأنا أحاول قضاء وقتي في قراءة القرآن الكريم، ولكنني أتلعثم كثيرًا في القراءة وعندي كثير من الأخطاء، فهل علي إثم في ذلك؟ وأيضًا أثناء قراءتي للقرآن والأحاديث والأدعية تخرج تلك الأجهزة المعلقة في جسمي لقضاء حاجتي عن مكانها، فاضطر لإعادتها بيدي، وبعد ذلك أحاول رفع المصحف أو إغلاقه، فهل أنا آثم بذلك؟ الجواب: أما قراءة القرآن، فإنك تقرأ القرآن على حسب حالك، ولكن إذا كان عندك أخطاء في القراءة، فإنه يجب عليك أن تعدلها، وأن تطلب ممن هو أحفظ منك للقراءة وأتقن أن يعدل لك القراءة، وتتعلم منه ما يلزم إذا أمكن ذلك، وإذا لم يكن فإنك تقرأ على حسب استطاعتك، ولو مع المشقة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران» ، فلا تترك القراءة، لكن مهما أمكنك أن تصلح أخطاءك فإنه يجب عليك ذلك، أما من ناحية مس المصحف فلا يجوز لك مس المصحف وأنت على هذه الحالة التي تذكر أن الحدث يخرج باستمرار ومن غير شعور منك؛ لأن المصحف لا يجوز أن يمسه إلا طاهر،

ولكن عليك أن تتلقى القراءة من غيرك وأن تستمع إلى من يقرأ، أو تتخذ من الأشرطة المسجلة من القرآن والمصحف المرتل ما تسمع منه القرآن، وتستفيد منه، هذا الذي أراه لك، وأما مس المصحف فلا يجوز لك وأنت على هذه الحالة، ولكن لا بأس أن تقرأ من حفظك، تقرأ ما تحفظه من السور، ولا بأس أن تذكر الله عز وجل، بأنواع الأذكار الواردة ولا بأس أن تذكر الأحاديث النبوية، إنما الذي يمنع هو مس المصحف بدون طهارة، وبإمكانك أن تستمع إلى قارئ ممن يحضر عندك، أو أن تستمع إلى المصحف المسجل، والله تعالى أعلم. *** مس المصحف لمن عليه حدث أكبر سؤال: من المعلوم لدي أن الحائض لا تمس القرآن الكريم، ولكنني رأيت بعض الأخوات يفعلن ذلك، فلما سألتهن عن ذلك، قلن لي: هذا يجوز، فالله لم يحرمه، وقد سمعت أيضًا أنه يجوز لها أن تمس كتاب التفسير، أي: الوارد فيه الآيات أرجو توضيح هذا الموضوع، أفيدونا وفقكم الله؟ الجواب: لا يجوز لمن عليها حدث أكبر، سواء كان جنابة أو حيضًا، أو نفاسًا أن تمس المصحف، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن حزم: «لا يمس القرآن إلا طاهر» ، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة، فلا يجوز لمن عليه الحدث الأكبر أن يمس المصحف إلا من وراء حائل، فله أن يمس، أو يحمل المصحف بالكيس، أو بالغلاف من وراء حائل، أما أن يمسه

مس المصحف لمن عليه حدث أكبر

مباشرة، فهذا لا يجوز، وأما مس التفسير الذي فيه القرآن، فلا حرج في ذلك؛ لأن هذا لا يسمى مصحفًا، فيجوز لمن عليه الحدث أن يمس كتاب التفسير وأن يقرأ فيه؛ لأن هذا ليس مصحفًا، وإنما هو كتاب تفسير. *** قراءة الحائض للقرآن سؤال: ما حكم قراءة القرآن من المصحف للحائض، وقراءته عن غيب كذلك للحائض؟ علمًا بأنني معتادة على قراءة بعض الآيات دائمًا، فهل علي ذنب إذا قرأت وأنا كذلك، وأحيانًا أسهو وأقرأ القرآن وبعد أن أتذكر أقطع الآيات؟ كذلك ما الحكم في قراءته في الامتحان، بالنسبة للحائض، أو قراءة جزء من الآيات في بعض المواد، كالتوحيد والفقه وغيرها، إذا تطلب الأمر قراءة آيات للإعراب أو الشرح ونحو ذلك؟ الجواب: الذي عليه حدث أكبر من جنابة أو حيض ممنوع من قراءة القرآن لا عن ظهر قلب ولا من المصحف، بل ممنوع من مس المصحف، وإن لم يقرأ فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث عمرو بن حزم: «لا يمس القرآن إلا طاهر» ، مس المصحف من عليه حدث أكبر أو أصغر لا يجوز، لهذا الحديث، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة: أن المحدث لا يجوز له أن يمس المصحف من غير حائل، وأما القراءة عن ظهر قلب، فالذي عليه حدث أصغر لا بأس أن يقرأ القرآن.

قراءة الحائض للقرآن

وأما الذي عليه حدث أكبر فإنه لا يقرأ القرآن، لا من المصحف ولا عن ظهر قلب، إلا الحائض في حالة الضرورة، في حالة الامتحانات إذا خشيت أن يفوت عليها الامتحان، فلا بأس أن تقرأ القرآن لأداء الامتحان بقدر الضرورة، وكذلك إذا كانت تحفظ من القرآن آيات أو سور وتخشى من نسيانها؛ لأن فترة الحيض أو النفاس تطول، فلا بأس أن تقرأ القرآن، باستذكاره وعدم نسيانه، في هاتين الحالتين لا بأس أن تقرأ الحائض والنفساء القرآن للضرورة، إما لأجل الامتحان، وإما خوف النسيان، أما فيما عدا هذا فالمسألة خلافية والجمهور على المنع، والأحوط لها أن تتجنب قراءة القرآن؛ لأنه لا داعي ولا ضرورة لذلك. أما إذا قرأت شيئًا من القرآن لا بقصد التلاوة، وإنما بقصد الذكر، أي تقرأ آية أو بعض آية بقصد الذكر، وهو الذكر الذي يوافق قرآنًا، أو يوافق بعض الآيات فهذا لا بأس به؛ لأنها لم تقصد التلاوة، وإنما قصدت الذكر بذلك، أو الدعاء، وكذلك إعراب النحو إذا أعربت، فهذا أيضًا لا يدخل في حكم التلاوة، فلا بأس بذلك، والله أعلم. *** سؤال: هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن غيبًا وهي حائض؟ وإذا كان هذا غير جائز، فهل عليها إثم إذا درست أبناءها القرآن، خاصة إذا كانوا في مدارس أثناء الحيض؟ أفتونا بارك الله فيكم؟ الجواب: لا يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن، لا من المصحف ولا عن ظهر قلب؛ لأن عليها حدثًا أكبر، ومن عليها حدث أكبر كالحيض

والجنابة، لا يجوز لها أن تقرأ القرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمتنع عن قراءة القرآن إذا كان عليه جنابة، والحيض حدث أكبر مثل الجنابة يمنع قراءة القرآن، ولكن في حالة خوف النسيان إذا كانت الحائض تحفظ سورًا من القرآن، أو تحفظ القرآن، وتخشى إذا تركت التلاوة أن تنسى؛ لأن مدة الحيض تطول، فلا بأس أن تقرأ في هذه الحالة؛ لأن هذا من الضرورات؛ لأنها لو تركت قراءة القرآن نسيته، ففي هذه الحالة يجوز لها أن تقرأه محافظة على بقائه في حفظها، وكذلك الطالبة إذا جاء وقت الامتحان في مادة القرآن وهي حائض وتمتد حيضتها، ولا يمكن أن تؤدي الامتحان بعد نهاية الحيض، فلا بأس أن تقرأه للامتحان؛ لأنها لو تركته لفات عليها الامتحان، وحصل لها رسوب في القرآن، وهذا يضرها، ففي هذه الحالة أيضًا يجوز للطالبة أن تقرأ القرآن لأداء الامتحان؛ لأن هذا من الضرورة، والله تعالى أعلم. *** العلاج بالقرآن الكريم سؤال: ما حكم الشرع في كتابة آيات من القرآن، أو اسم من أسماء الله الحسنى ومحوها بالماء وشربها بقصد الشفاء من مرض أو جلب نفع؟ الجواب: ينبغي للمريض، أو الذي يعالج المرضى بالقرآن أن يقرأ على المريض مباشرة، بأن يرقيه بالقراءة، فيقرأ عليه القرآن وينفث مباشرة، هذا أنفع وأحسن وأكمل، وهذا الذي كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان السلف يفعلونه، ويجوز أن يقرأ في ماء ويسقى للمريض أيضًا، وبذلك ورد بعض الأحاديث.

العلاج بالقرآن الكريم

ويجوز أيضًا أن يكتب القرآن على شيء طاهر من صحن أو ورق ويغسل المكتوب ويسقى للمريض؛ لأن هذا داخل في الرقية بالقرآن، وقد رخص فيه بعض السلف كالإمام أحمد بن حنبل، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، وذكره العلامة ابن القيم في زاد المعاد، وأنه شيء معروف عن بعض السلف، ولا حرج فيه إن شاء الله. *** القراءة على المصاب بالصرع سؤال: هناك بعض الناس يسقط أمامي صريعًا، فيقول كلامًا غريبًا ويصرخ، ويقال: إن الأرواح أو الجن الروحاني قد سكن فيهم، ولا أستطيع فعل شيء لهم سوى قراءة آية الكرسي والفاتحة والإخلاص والمعوذتين، وأتعوذ بالله وكلماته من شر الشيطان وشركه، وسمعت أن هناك ذكرًا خاصًّا يقال في مثل هذه الحالة، فما هو؟ الجواب: يقرأ عليه القرآن خصوصًا (آية الكرسي) ، و (قل هو الله أحد) ، و (قل أعوذ برب الفلق) ، و (قل أعوذ برب الناس) ، وكذلك (التعوذات الشرعية) : (أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق) ، وهذه الأذكار التي تقرأ على المصاب بالصرع هي العلاج الوحيد في هذا الأمر. ***

قراءة القرآن في الصلاة

قراءة القرآن في الصلاة سؤال: إمام الجمعة عندنا في الصلاة الجهرية يطول في القراءة في الركعة الثانية، ويقصرها في الركعة الأولى، فهل فعله هذا موافق للسنة أم مخالف لها؟ الجواب: هذا يعتبر خلاف الأولى، فالأولى والأفضل أن تكون الركعة الأولى من الظهر والعصر وغيرها من الصلوات، تكون الركعة الأولى أطول من الثانية، أما إذا كان العكس فهذا خلاف الأولى، إذا كان التطويل كثيرًا، أما إذا كان تطويلًا يسيرًا، زيادة يسيرة، فهذا لا حرج فيه إن شاء الله. *** تعليق الآيات القرآنية سؤال: هل يجوز تعليق لوحات تجميلية في المنازل، وقد كتب عليها آيات قرآنية؟ الجواب: الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن هدى ونورًا وشفاءً لما في الصدور، أنزله ليتلى ويتدبر ويعمل به ويستنار بهديه، ويتخذ إمامًا وقائدًا إلى الله جل وعلا وإلى جنته فهو حجة الله على خلقه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «القرآن حجة لك أو عليك» ، إن تمسكت به وعملت به صار حجة لك، وهو دليلك إلى الجنة، وإن أعرضت عنه صار حجة عليك، يدفعك إلى النار لمخالفته وعدم العمل به. فهذا هو الواجب نحو القرآن.

تعليق الآيات القرآنية

الواجب نحو القرآن أن نتلوه حق تلاوته، وأن نهتدي بهديه ونستنير بنوره وأن نعظمه ونجله ونحترمه ونصونه عن العبث والامتهان؛ لأنه كتاب الله عز وجل الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] ، وأن نعمل به، وأن نحكمه فيما اختلفنا فيه، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] . أما كتابته في حجب أو على رقاع ويعلق على الجدران، فهذا لا ينبغي، أو يحرم كتابته حجبًا وحروزًا ويعلق على الصبيان أو على الرقاب أو على النساء أو الرجال، هذا لا يجوز على الصحيح من قولي العلماء؛ لأن فيه امتهانًا للقرآن، وتعريضًا لإهانته، وربما يكون سببًا للاعتقاد بالشفاء من غير الله - عز وجل - ويكون فتحًا لباب تعليق ما لا يجوز تعليقه من العوذ الشيطانية، والألفاظ الشركية. والصحيح من قولي العلماء، أنه لا يجوز اتخاذ القرآن حروزًا وتعاويذ تكتب وتعلق على الرقاب أو الأجسام. وكذلك كتابته على لوحات، وتعليقه على الجدران، هذا لا ينبغي؛ لأنه ربما يهان القرآن، ربما أن المكان الذي علقت فيه هذه اللوحة التي فيها آية من كتاب الله، أنه يكون فيه شيء من المعاصي، ويكون فيه شيء من الفسوق، ويكون في هذا إهانة للقرآن العظيم، وربما تسقط هذه اللوحة وتداس، وتمتهن، أو تئول هذه اللوحة إلى سكان لا يعبئون بالقرآن، وينزلون هذا المنزل، فيهينون هذا القرآن المعلق، ففي تعليقه على الجدران تعريض له للامتهان، ولم يكن هذا من هدي السلف الصالح، فلم يعلم

أنهم كانوا يكتبون القرآن على لوحات وبراويز ويعلقونها على الجدران، وإنما كان القرآن في قلوبهم، ويعمل به ظاهرًا وباطنًا، ويحفظ ويتلى، ويدرس، أما كتابته في لوحات وبراويز وما أشبه ذلك، هذا لم يكن معروفًا عن السلف، ولا فائدة من وراء ذلك، وإنما يخشى من المضرة والإهانة للقرآن العظيم. *** الحلف على القرآن الكريم سؤال: إذا حلف شخص على القرآن الكريم أن يفعل كذا، ثم وجد ما هو خير منه، فترك العمل بما حلف عليه، فهل عليه كفارة يمين في هذه الحالة؟ الجواب: أولًا: الحلف على القرآن الكريم، كما يفعل بعض الجهال الذي يحلف على المصحف، ويحلف على القرآن، هذا أمر لا ينبغي، بل يحلف بدون الارتباط بالمصحف أو بالقرآن، والمؤمن يحترم اليمين ولو لم تكن على المصحف؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] ، والمؤمن يوقر اليمين بالله، ويحترمها ولا يحلف إلا عند الحاجة، وإذا حلف فإنه يكون صادقًا ولو لم يكن ذلك على المصحف. أما من ناحية أن الإنسان إذا حلف أن لا يفعل شيئًا أو حلف أن يفعله، ورأى أن مخالفة اليمين أحسن، فلا بأس، بل يستحب له أن يفعل الذي هو أحسن، وأن يكفر عن يمينه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «والله إن شاء الله لا أحلف على يمين»

الحلف على القرآن الكريم

«فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير» ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والله جل وعلا يقول: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: 224] ، فلا يجعل اليمين حائلة بينه وبين فعل الذي هو خير، بل عليه أن يفعل الذي هو خير، وإن خالف اليمين ويكفر عن يمينه. سؤال: ما هو الفرق بين اليمين المكفرة وغير المكفرة؟ الجواب: اليمين المكفرة: هي التي يقصد عقدها على أمر مستقبل ممكن. فإذا صدرت اليمين من غير قصد فهذه لغو لا تنعقد، والله جل وعلا يقول: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] ، وهي اليمين التي تجري على لسانه من غير قصد، وكذلك إذا عقدها وقصدها على أمر ماض وهو كاذب في ذلك، فإذا حلف على أمر ماض وهو كاذب في ذلك، فهذه يمين الغموس، يأثم عليها، وهي من كبائر الذنوب، وليس فيها كفارة، ولكن فيها التوبة إلى الله سبحانه وتعالى بأن يتوب ويستغفر، ولا يعود لمثل هذا. سؤال: حتى لو لم يعلم أنه كاذب؟ الجواب: لا، إذا لم يعلم بأنه كاذب فهذا من لغو اليمين أيضًا؛ لأنه إذا حلف على أمر يظنه صادقًا فيه، وبان على خلاف غلبة ظنه، فهذه لا حرج فيها ولا إثم فيها، وهذه تعتبر من لغو اليمين أيضًا. ***

حرق أوراق المصحف

حرق أوراق المصحف سؤال: هل يجوز حرق أوراق من المصحف الشريف إذا خيف عليها الامتهان؟ الجواب: نعم، إذا درس المصحف، وتمزق وخشي عليه من الامتهان أصبح في حالة لا يمكن الانتفاع به والقراءة فيه، فلا بأس أن يحرق وأن يدفن في أرض طاهرة؛ لأن كلا من الأمرين فعله الصحابة رضي الله عنهم، فقد دفنوا المصاحف، وكذلك حرقوا المصاحف لما جمعوا الناس على مصحف واحد، وهو مصحف عثمان رضي الله عنه، حرقوا ما عداه من بقية المصاحف. فالمصحف إذا كان في حالة لا يمكن الانتفاع به لتمزقه، فإنه إما أن يدفن في مكان طاهر، وإما أن يحرق، وكلا الأمرين فعله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. *** ضرب الأمثلة من القرآن سؤال: نسمع كثيرا من الإخوان يستخدمون الآيات القرآنية لضرب أمثلة أو ما شابه ذلك، كقوله: {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية: 7] ، وقوله: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] ، ومن تلك الآيات القرآنية الكريمة التي لا يمكن التلفظ بها إلا لما يفيد وينفع، لا للسخرية والاستهتار، كالدارج على ألسنة بعض الناس، وما نسمعه أو نقرأه، فهل هذا جائز أم لا؟

ضرب الأمثلة من القرآن

الجواب: لا بأس بالتمثل بالقرآن، إذا كان ذلك لغرض صحيح، كأن يقول: هذا الشيء لا يسمن ولا يغني من جوع، أو يقول: منها خلقناكم وفيها نعيدكم، إذا أراد التذكير بحالة الإنسان مع الأرض وأنه خلق منها ويعود إليها، فالتمثيل بالقرآن إذا لم يكن على وجه السخرية والاستهزاء لا بأس به، أما إذا كان على وجه السخرية والاستهزاء كما يقول السائل، فهذا يعتبر ردة عن الإسلام؛ لأن من استهزأ بالقرآن أو بشيء من ذكر الله عز وجل، فإنه يرتد عن دين الإسلام، كما قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65، 66] ، فيجب تعظيم القرآن واحترامه، ولا يمنع هذا أن الإنسان يتمثل به على وجه نزيه، وعلى وجه طيب، لا مانع من ذلك، أما استعماله من باب السخرية والاستهزاء، فهذا ردة عن الإسلام، والله تعالى أعلم. *** الحكمة من نزول سورة التوبة بدون بسملة سؤال: نرجو من فضيلتكم تبيين الحكمة في نزول سورة التوبة بدون البسملة؟ الجواب: كل سورة من القرآن تأتي في بدايتها " بسم الله الرحمن الرحيم " إلا سورة التوبة، وقد أجاب العلماء عن هذا بجوابين: أولًا: إن سورة التوبة مكملة لسورة الأنفال، ولذلك لم تأت في بدايتها "بسم الله الرحمن الرحيم" لأنها مكملة لسورة الأنفال.

الحكمة من نزول سورة التوبة بدون بسملة

والقول الثاني: أن سورة التوبة لم تأت قبلها البسملة؛ لأنها سورة ذكر فيها الجهاد وقتال الكفار، وذكر فيها وعيد المنافقين وبيان فضائحهم ومخازيهم، و "بسم الله الرحمن الرحيم" يؤتى بها للرحمة، وهذا الموطن فيه ذكر الجهاد وذكر صفات المنافقين، وهذا ليس من مواطن الرحمة، بل هو من مواطن الوعيد والتخويف. *** ذو القرنين ملك صالح سؤال: من ذو القرنين الذي ورد ذكره في سورة الكهف في القرآن الكريم؟ وما هي قصته؟ الجواب: ذو القرنين ملك صالح في أول الزمان، ملك المشارق والمغارب، كما ذكر الله خبره في آخر سورة الكهف، بلغ مشرق الشمس وبلغ مغرب الشمس، وكان يجاهد في سبيل الله ويدعو إلى الله، وبنى السد بين الصدفين، وهو سد يأجوج ومأجوج لأن هذه أمة خبيثة تفسد في الأرض لو تمكنت من السير فيها، والله عز وجل أعان هذا العبد الصالح وهذا الملك الطيب، فأقام هذا السد العظيم الذي حال بين هذه الأمة الخبيثة وبين الانسياح في الأرض، إلى أن يأتي وعد الله عز وجل عند قيام الساعة، فيندك هذا السد ويسيح هذا الخلق المفسد في الأرض، ويحصل فيها ما يحصل مما ذكر الله سبحانه وتعالى. {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف: 98، 99] .

ذو القرنين ملك صالح

الحاصل أن ذا القرنين ملك صالح مجاهد داعية إلى الله سبحانه وتعالى وأن الله مكن له في مشارق الأرض ومغاربها، ووسع له الملك في الأرض. *** سورة الحشر سؤال: سمعت أن من قرأ سورة الحشر في كل ليلة ومات من ليلته كان شهيدًا، ما صحة هذا، أفيدونا مشكورين؟ الجواب: لم أقف على هذا الحديث في فضل سورة الحشر، وسورة الحشر سورة عظيمة، لا شك تشتمل على أحكام عظيمة، وعلى تنزيه الله سبحانه وتعالى في أولها، وعلى أسمائه في ختامها، فهي سورة عظيمة، تشتمل كذلك على بيان صفة المهاجرين والأنصار، وما قدموه من أعمال جليلة في خدمة الإسلام ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم، تشتمل كذلك على التحذير من صفات المنافقين، وبيان شرهم ومكائدهم، فهي سورة عظيمة بلا شك، وفيها فضل عظيم، كغيرها من سور القرآن العظيم، أما هذا الحديث الذي ذكره السائل فقد بحثت عنه فلم أجده. *** خيانة امرأة نوح وامرأة لوط سؤال: قال الله تعالى في سورة التحريم: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10] ، في أي شيء كانت خيانتهما؟

خيانة امرأة نوح وامرأة لوط

الجواب: أولًا: هذه الآية الكريمة مثل ضربه الله لمخالطة الكافر للمسلم، وأن الكافر لا ينفعه مخالطة المسلم، ما دام أنه لم يدخل في الإسلام، فإنه في يوم القيامة يكون في النار، ولا تنفعه معاشرته للمسلم ومخالطته للمسلم، وإن توثقت الصداقة والعلاقة؛ لأنه ليس بمسلم. أما الخيانة التي حصلت من امرأة نوح وامرأة لوط، فهي خيانة الملة؛ لأن امرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين فخانتاهما في الدين، حيث لم تدخلا في دين زوجيهما، فهذا يعتبر خيانة، وليس خيانة عرض؛ لأن فرش الأنبياء معصومة عليهم الصلاة والسلام، لا يمكن أن يتزوج نبي بامرأة خائنة في عرضها؛ لأنهم معصومون عليهم الصلاة والسلام من ذلك، وفرشهم معصومة. فالمراد هنا بالخيانة خيانة الدين. وقيل: إن خيانتهما أن امرأة نوح كانت تخبر الكفار بأسرار نوح عليه الصلاة والسلام، تصفه بأنه مجنون، وخيانة امرأة لوط أنها كانت تدل قومها على أضياف لوط، ليفعلوا بهم الفاحشة. فهما خائنتان للأمانة التي بينهما وبين زوجيهما من ناحية حفظ السر وعدم الدلالة على ما عندهما من الأسرار، ومن الأضياف وغير ذلك، فهذا هو نوع الخيانة الواقع. والحاصل: أن هذه الخيانة ليست خيانة في العرض، بل هي إما في الدين، وإما خيانة في عدم حفظ الأسرار.

فضائل سورة الملك

فضائل سورة الملك سؤال: ما هي الفضائل التي وردت في سورة الملك؟ الجواب: سورة الملك سورة عظيمة، ورد في فضلها أحاديث، منها ما رواه أهل السنن الأربع: أن رجلًا قرأ سورة من ثلاثين آية شفعت له، وورد أن سورة الملك أيضًا قراءتها تقي من عذاب القبر، أو ما هذا معناه، وفيها فضل، وفيها ثواب عظيم؛ لما تشتمل عليه من المعاني العظيمة التي أنزلها الله تعالى فيها، فهي سورة عظيمة، وورد في تلاوتها هذا الفضل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم. *** سورة الإخلاص سؤال: ما مدى صحة هذا الحديث: «من قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله» ؟ وما معناه؟ وكيف يشتري الإنسان نفسه من الله؟ الجواب: أما سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فهي سورة عظيمة، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة أنها تعدل ثلث القرآن، وذلك لما تتضمنه من أوصاف الله سبحانه وتعالى ونعوت جلاله، فهي سورة خالصة في التوحيد، ولهذا سميت سورة الإخلاص، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها مع المعوذتين عند النوم، وكان يحث على قراءتها، لما فيها من الفضل العظيم، وأنها تعدل ثلث القرآن. أما ما ذكر من الحديث: «أن من قرأها ألف مرة اشترى نفسه من الله» ،

سورة الإخلاص

فهذا لم أقف له على أصل، وقد ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره كثيرًا من الأحاديث الواردة في فضلها وأطال في ذلك واستقصى، ولم يذكر هذا الحديث من بينها فلا أعرف حاله، ولكن في الأحاديث الثابتة في فضل هذه السورة وعظمتها كفاية ولله الحمد. وكذلك في فضل تلاوتها وقراءتها والإكثار من ذلك؛ لما تتضمنه من الخير العظيم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها وبـ ( {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ) في ركعتي الطواف وفي سنة الفجر؛ لما تتضمنه هاتان السورتان من توحيد الله عز وجل. توحيد العبادة: في ( {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ) . وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات: في ( {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ) . *** قراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات في الليلة سؤال: هل من قرأ سورة الإخلاص في كل ليلة ثلاث مرات يعتبر أنه قد ختم المصحف الشريف بكامله، أفيدونا بذلك جزاكم الله خيرًا؟ الجواب: سورة الإخلاص فيها فضل عظيم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن» ، وذلك لما تشتمل عليه من صفة الرب سبحانه وتعالى، ففيها فضل عظيم، وفي قراءتها فضل عظيم، لكن ليس من قرأها واقتصر عليها وكررها يكون كقارئ القرآن

قراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات في الليلة

كله، بل إذا قرأ كله فقد حصل على أجره وثوابه، ويكون أيضًا قارئًا لسورة الإخلاص، فيكون حائزًا على ثواب هذه السورة، وعلى ثواب تلاوة القرآن كله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله عشر حسنات، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» ، فالاقتصار على سورة الإخلاص لا يكفي عن قراءة القرآن، ولكن فيه أجر تلاوتها وقراءتها، ولكن لا يكون كمن قرأ القرآن كله.

كتاب التفسير

كتاب التفسير

تفسير سورة البقرة سؤال: ما معنى قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] ، فكيف عرفت الملائكة أن بني آدم سوف يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، مع أنه لم يكن هناك أناس قبل آدم؟ الجواب: هذه الآية من جملة النعم التي عددها الله في أول سورة البقرة، وهي أنه أخبر الملائكة أنه سيجعل في الأرض خليفة وهو آدم عليه السلام، بمعنى: أن يستخلفه فيها، وقيل: معنى خليفة أي خليفة عن الله سبحانه وتعالى في تنفيذ أحكامه وسياسة خلقه في الأرض السياسة الشرعية، وقيل: المراد بخليفة أنه يخلف قومًا سبقوا، وأنه كان في الأرض قبل آدم سكان وأفسدوا فيها، فالله أزالهم عنها واستخلف فيها آدم وذريته، وقيل: معنى خليفة أن بني آدم يخلف بعضهم بعضًا جيلًا بعد جيل، وعلى كل حال الاستخلاف الظاهر أنه يشمل هذه المعاني كلها، ثم إن الملائكة عليهم السلام سألوا ربهم سؤال استيضاح لا سؤال اعتراض {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} كأنهم علموا هذا من جيل سبق، كما ذكر المفسرون أنه كان في الأرض قوم من الجان قد أفسدوا فيها، ثم إن الله أزالهم عنها، فالملائكة كانت قد عرفت من هذا الجيل أنه مفسد، فظنت أن آدم وذريته سيعملون كعملهم، ولكن الله يعلم من حال آدم وذريته ما لا تعلمه الملائكة، وأنه سيكون فيهم من الطيبين

من الأنبياء والصالحين والمؤمنين من يعمر الأرض بطاعة الله، ويصلح فيها، قال: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ، فالله أجابهم بأنه يعلم سبحانه وتعالى من آدم وذريته وصلاحهم وإصلاحهم في هذه الأرض ما لا تعلمه الملائكة حين استشكلوا وقالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} ، والله أعلم. *** سؤال: ما معنى قوله تعالى في سورة البقرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102] ، وهل المقصود بقوله: {الْمَلَكَيْنِ} هما هاروت وماروت، أم هما من ملوك البشر، وهل كانا يعلمان الناس السحر الذي عده الرسول صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات؟ الجواب: هذه الآية وردت في ذم اليهود ومن نحا نحوهم وعمل عملهم، وقبلها قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 101، 102] .

وذلك أن اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي يجدون أوصافه وإثبات رسالته في كتاب الله الذي بأيديهم وهو التوراة، ولما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كانوا كافرين بكتابهم ونابذين له وراء ظهورهم، ثم إنهم اعتاضوا عن كتاب الله، بكتب السحر والشعوذة، وهذا من استبدال الخبيث بالطيب، ومن عقوبة الله لهم؛ لأن من ترك الحق ابتلي بالباطل، فهم لما تركوا كتاب الله اعتاضوا عنه كتب السحر والكتب الشيطانية، وهذه سنة الله جل وعلا فيمن أعرض عن كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أنه يبتلى بالضلال {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} : يعني ما كانت الشياطين تعمله من السحر على {مُلْكِ سُلَيْمَانَ} ، يعني في عهد سليمان، فإن الشياطين كانت تعمل السحر في عهد سليمان، فظن اليهود أن السحر الذي وجدوده ظنوه من عمل سليمان عليه السلام، لهذا قال: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} ، يعني: وليس هذا السحر من عمله؛ لأن هذا السحر كفر، والأنبياء مبرءون من عمل الكفر، {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} ، فدل على أن تعلم السحر وتعليمه كفر. {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ} : الجمهور على أن المراد بهما ملكان نزلا من السماء لابتلاء العباد، وكانا يعلمان السحر ابتلاءً للعباد، ولهذا كانا ينصحان من يريد تعلم السحر بقولهما: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} فينصحانه بأن السحر كفر فلا تتعلمه، فإذا أقدم وتعلمه باختياره فهذا دليل على فساده وشره، فهما ملكان عند الجمهور نزلا من السماء لابتلاء العباد وامتحانهم، ومن العلماء من قرأ: "وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلِكَيْنِ" بكسر اللام، فيكونان من ملوك البشر، ولكن الأول أشهر وأظهر، وهما هاروت وماروت.

سؤال: ما معنى قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] . الجواب: الله سبحانه وتعالى حرم الخمر على التدريج، فلما كان الناس في أول الإسلام مغرقين في شرب الخمر، ولا يستطيعون تركه بالكلية إلا بالتدريج شيئًا فشيئًا، الله جل وعلا من حكمته حرمه على التدريج. ففي أول مرحلة قال سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} ، هذا في الأول، أول مرحلة، فبين الله سبحانه وتعالى أن ضرر الخمر أكثر من نفعه، والعاقل إذا عرف أن ضرر الشيء أكثر من نفعه، فإنه يبتعد عنه؛ لأن الإنسان لا يريد لنفسه أن يأخذ شيئًا، أو يتناول شيئًا ضرره أكثر من نفعه، فالعاقل عندما يسمع هذه الآية، فإنه سيترك الخمر والميسر؛ لأن العقل يأمره بذلك لأن مفسدته راجحة، والعاقل لا يقدم على شيء مفسدته راجحة. ثم في المرحلة الثانية حرمه عليهم في بعض الأوقات، وهي الآية التي في سورة النساء، وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] ، فحرمه عليهم في وقت، وهو وقت الصلوات، وإذا كان يحرم على المسلم أن يشرب الخمر في وقت الصلاة، مع أن الصلوات تكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فهذا يأخذ عليه وقتا طويلا يحرم عليه فيه شرب الخمر في اليوم والليلة، فيكون قد خفت عليه وطأة الخمر واعتياد الخمر؛ لأنه سيتركه في فترات خمس من اليوم والليلة، فحينئذ تخف وطأته عليه، ثم إنه جل وعلا بعد

ذلك حرمه تحريمًا قاطعًا في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 90-92] ، فحرم الخمر تحريمًا قاطعًا في جميع الأوقات، في جميع عمر الإنسان، ولم يبق لها وقت من حياة الإنسان، بل هي حرام على المسلم طول عمره، كانت هذه النهاية نهاية الخمر، وهي أن الله أراح المسلمين منه، وحرمه عليهم تحريمًا قاطعًا وأمرهم باجتنابه، فقال سبحانه: {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، فهذا من باب التدريج في تحريم الخمر، والتدريج فيما يشق على النفوس، هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى. *** سؤال: يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 240] ، ما معنى هذه الآية، وما معنى قوله: {مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} ؟ الجواب: الذي عليه جمهور المفسرين أن هذه الآية كانت في أول الأمر، فقد كان يجب على المتوفى عنها أن تبقى في بيت زوجها المتوفى لمدة سنة، وأن ينفق عليها من تركته، قوله: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} أي: تبقى في بيت الزوجية لمدة سنة، وينفق عليها من ماله بوصيته، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} ،

أي: أنه يجب عليه قبل وفاته أن يوصي بأن ينفق عليها إلى الحول، وأن تبقى في بيته، قال جمهور المفسرين: هذا ما كان عليه الأمر في أول الإسلام، ثم إن الله نسخ هذا في الآية التي قبلها، وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . آية عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر، هذه العدة. أما الإنفاق فمنسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث» ، فليس لها نفقة من تركة الميت، وإنما تنفق من نصيبها هي؛ لأنها وارثة، فنسخ الأمران، نسخ الإسكان، ونسخت النفقة. هذا ما عليه جمهور المفسرين، والله تعالى أعلم. سؤال: ما المراد بقوله: {جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} ؟ الجواب: المراد بها، كما في الآية التي قبلها، أنها إذا انتهت عدتها فلها أن تتزين بما جرت به العادة من غير إسراف ومن غير فتنة؛ لأنها في حال العدة ممنوعة من التزين، وإذا انتهت عدتها أبيح لها ما منعت منه في حدود المعروف، الذي ليس فيه فتنة ولا إسراف. *** تفسير سورة آل عمران سؤال: ما معنى قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] ؟ وهل هؤلاء الراسخون في العلم هم في زمن

تفسير سورة آل عمران

نزول القرآن، أم هم موجودون إلى قيام الساعة، أم أن علم التأويل مقتصر على الله تعالى وحده، وقوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ، بداية آية جديدة؟ الجواب: هذا محل خلاف بين أهل العلم بموضع الوقوف، هل هو على لفظ الجلالة، {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} جملة مستأنفة، أو أن الراسخين في العلم معطوف على لفظ الجلالة، ولا يتعين الوقف على لفظ الجلالة، وهذا يرجع إلى معنى التأويل المراد به، فإن كان المراد بالتأويل التفسير ومعرفة المعنى، فإنه يصح العطف على لفظ الجلالة، فتقرأ الآية: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ، بمعنى أن الراسخين في العلم يعرفون معاني المتشابه ويفسرونه ويحملونه على الحكم ويردونه إلى المحكم. وإن أريد بالتأويل هنا: مآل الشيء وكيفيته التي هو عليها من الأمور التي أخبر الله عنها من المغيبات، فهذا لا يعلمه إلا الله، ويتعين الوقف على لفظ الجلالة، فتقرأ الآية: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} ، يعني: الحقيقة التي يئول إليها والكيفية التي هو عليها، مما أخبر الله تعالى عنه من الأمور المغيبة كذاته سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته، وما في الدار الآخرة من النعيم والعذاب وغير ذلك، هذا لا يعلمه إلا الله، لا يعلم كيفيته وحقيقته إلا الله سبحانه وتعالى، كما في قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 53] . ***

سؤال: يقول الله تعالى في سورة آل عمران: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران: 90] ، ويقول تعالى في آية أخرى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] ، فما معنى هاتين الآيتين، وكيف نوفق بينهما؟ وهل معنى الأولى أن هناك ذنوبًا لا تقبل التوبة من فاعلها مهما حاول؟ أم أن إحداهما ناسخة للأخرى أم كيف ذلك؟ الجواب: لا تعارض بين الآيتين الكريمتين؛ لأن الآية الأولى محمولة على المرتد الذي لم يتب، ومات على ردته {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} ، يعني: لم يتوبوا وإنما استمروا على كفرهم إلى أن ماتوا، فهؤلاء لن تقبل توبتهم ولو تابوا عند الموت لقوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء: 18] ، ولقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] ، فالحاصل: إن الآية الأولى فيمن ارتد عن الدين واستمر على ردته ولم يتب إلا عند الموت، وعند الغرغرة كما في الحديث: «إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» ، يعني: ما لم تبلغ روحه الغرغرة، حينئذ لا تقبل منه توبة. وأما الآية الأخرى: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} ، فهذه في الذي يتوب قبل حضور الموت، فإن الله جل وعلا يتوب عليه، وبهذا يتضح أن لا تعارض بين الآيتين الكريمتين.

سؤال: هل هناك ذنب لا تقبل التوبة من فعله؟ الجواب: الصحيح أنه ليس هناك ذنب لا تقبل التوبة من فاعله، فإن الله جل وعلا يقبل توبة الكافر إذا تاب، قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38] . والمشرك إذا تاب مع أن الشرك هو أعظم الذنوب، إذا تاب منه تاب الله عليه. فليس هناك على الصحيح من قولي العلماء ذنب لا تقبل منه التوبة. *** تفسير سورة النساء سؤال: ما معنى قوله تعالى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [النساء: 148] ؟ الجواب: قيل: معنى الآية أنه لا يجوز لأحد أن يدعو على أحد إلا إذا كان المدعو عليه ظالمًا له، فيجوز للإنسان أن يدعو على من ظلمه، وقيل في معنى الآية: إن من سبك يجوز لك أن تسبه من باب القصاص، أما السباب من غير قصاص فلا يجوز، {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} فمن سابك أو شتمك جاز لك أن تقتص منه وأن ترد عليه بالمثل، أما إذا لم يكن هناك سبب في السباب والشتم فهذا لا يجوز؛ لأنه جهر بالسوء. سؤال: إذا المقصود بالسوء هنا: هو السب أو الشتم؟ الجواب: السب أو الشتم أو الدعاء.

تفسير سورة النساء

سؤال: يعني لا يعم هذا حتى الأفعال الباطلة التي على الأقل إذا ابتلي الإنسان بها أن يستتر؟ الجواب: يعني إشهار الجرائم والتشهير بالعصاة؟ نعم، يدخل في هذا أيضًا، لكن قوله: {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} يبدو أن فيه مقابلة بين طرفين، مظلوم وظالم، وأنه يجوز للمظلوم أن يظهر بالسوء على من ظلمه. *** تفسير سورة المائدة سؤال: أرجو منكم تفسير قول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] ، ثم هل المتردية والنطيحة محرم أكل لحمهما عندما تموت مباشرة بسبب ذلك، أو محرم أكلها ولو بقيت مدة طويلة ثم ذبحتها بعد ذلك؟ الجواب: يقول الله مخاطبًا عباده المؤمنين الذين ناداهم في مطلع هذه السورة العظيمة بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، يقول تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} : أي حرم الله سبحانه وتعالى عليكم أكل الميتة، والميتة: هي التي ماتت بغير زكاة شرعية، وقد خص منها الدليل ميتة السمك والجراد كما قال صلى الله عليه وسلم: «أحلت ميتتان ودمان، أما الميتتان: فالسمك والجراد» . فالسمك والجراد أحل الله ميتتهما، وما عدا ذلك فإنه حرام.

تفسير سورة المائدة

والميتة كما ذكرنا هي التي ماتت بغير زكاة شرعية. {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} : الدم هنا مطلق، ولكن قيدته الآية الثانية بالمسفوح؛ كما قال تعالى: {لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] . والمراد به: الذي يخرج من الذبيحة وقت ذبحها، ويشخب من أوداجها، أما الدم المتبقي في العروق واللحم من الذبيحة فهذا معفو عنه لا بأس بأكله مع اللحم. وَاسْتُثْنِيَ من الدم الدمان اللذان مر ذكرهما في الحديث: «أحلت لنا ميتتان ودمان، وأما الدمان فالكبد والطحال» ، فالدم حرام، والمراد به الدم المسفوح، أما الدم المتبقي في العروق بعد الذبح وفي اللحم فهذا معفو عنه، وكذلك المستثنى في الحديث الكبد والطحال. {وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} : الخنزير هو الحيوان المعروف بالقذارة والدناءة، وحرم الله أكله لما فيه من الأضرار البالغة وما يورثه من الأمراض الخطيرة، كما قرر ذلك أهل الطب، فإن الخنزير فيه جراثيم وأمراض خطيرة، اكتشفت ولا تزال تكتشف، والله جل وعلا لا يحرم على عباده إلا ما فيه مضرة عليهم. {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} : المراد به ما ذبح تقربًا إلى غير الله من الأصنام وسائر المعبودات، وكذلك ما ذبح وسمى عليه غير اسم الله عز وجل.

وما ذكر عليه غير اسم الله تعالى يشمل نوعين: يشمل ما تقرب به لغير الله ولو ذكر عليه اسم الله. ويشمل ما ذبح لغير القربى وسمي عليه غير اسم الله سبحانه عند الذبح. والمراد بالإهلال: رفع الصوت، هذا في الأصل، والمراد به هنا ما ذكرنا. {وَالْمُنْخَنِقَةُ} : قالوا: إن هذا تفصيل للميتة، التي ذكرها الله في أول الآية، وهي التي خنق نفسها وحبس نفسها بحبل أو غيره، بشيء ضيق حتى ماتت، بسبب الخنق. {وَالْمَوْقُوذَةُ} : التي ضربت بشيء مثقل وماتت بالضرب، ولو خرج منها دم؛ لأن المثقل لا يجرحها، وإنما يقتلها بثقله، ويرضها وتموت بسبب الثقل فهذه الموقوذة. {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} : هي الساقطة من شيء مرتفع كالسطح أو الجبل أو الجدار أو حفرة أو في بئر وماتت بسبب السقطة. {وَالنَّطِيحَةُ} : هي التي تناطحت مع أخرى وماتت بسبب المناطحة، كتناطح الغنم بعضها مع بعض، والبقر بعضها مع بعض. {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} : السبع الذي يفترس بنابه من الذئاب والأسود وغيرها من السباع المفترسة التي تغرز بأنيابها أو بمخالبها، سبع الطير، أو سبع الحيوان، ما يفترس بنابه أو بمخلبه، فإذا أصاب الحيوان ومات بسبب إصابته، فإنه لا يؤكل.

{إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} : هذا استثناء مما سبق، أي: إلا ما أدركتموه حيًّا من هذه الأشياء: المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، إذا أدركتموه بعد إصابته بشيء من هذه الأمور، وفيه حياة مستقرة وذكيتموه فإنه حلال؛ لأنه توفرت فيه شروط الإباحة، وهي الزكاة الشرعية. أما ما أدركتموه وقد مات بسبب الإصابة أو أدركتموه حيًّا في الرمق الأخير، فحياته غير مستقرة، حياة المذبوح، هذا أيضاًَ لا يحل، وقال بعض أهل العلم: إن مما أدرك وفيه حياة أدنى حياة وذكي فإنه يحل، ولكن الجمهور على أن ما كانت حياته غير مستقرة كحركة المذبوح فهذا لا يحل بتذكيته؛ لأنه في حكم الميت. {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} : المراد بالنصب: الأحجار التي كان أهل الجاهلية يعظمونها ويلطخونها بدم الذبائح تعظيمًا لها وتقربًا إليها، وقيل: إنهم يذبحون الذبيحة على نفس الحجارة تعظيمًا لها، فهذه ذبائح شركية ذبحت تعظيمًا لهذه النصب، فهي مما لا يحل أكله، وهذا بيان لما كان يفعل في الجاهلية، هذا معنى هذه الآية الكريمة. وأما بقية السؤال، ما أدرك من المنخنقة والموقوذة والمتردية فقد أجبنا عنه، أنه إذا أدركها وفيها حياة مستقرة وذكاها حلت، وإن أدركها وهي ميتة أو في الرمق الأخير الذي هو كحركة المذبوح، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، والجمهور على أنه لا يحل. إذاًَ المدرك بعد إصابته له ثلاث حالات: الحالة الأولى: أن يدرك وهو ميت فهذا حرام بالإجماع.

الحالة الثانية: أن يدرك وفيه حياة مستقرة، فهذا حلال بالإجماع إذا زكاه. الحالة الثالثة: إذا أدركه وفيه حياة غير مستقرة، حياة على سبيل الزوال كحركة المذبوح، فهذا محل الخلاف. *** سؤال: ما معنى هذه الآيات من سورة المائدة: وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 101، 103] ؟ وما معنى بحيرة وسائبة ووصيلة وحام؟ الجواب: الله سبحانه وتعالى ينهى عن السؤال الذي لا حاجة إليه، كذلك النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كثرة السؤال، وقال: «ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» ، في هذه الآيات الكريمة ينهى الله المؤمنين أن يسألوا عن أشياء لا حاجة بهم إليها، ولا هي مما يعنيهم في أمر دينهم، ولو ظهرت لهم هذه الأشياء وكلفوا بها لشقت عليهم وساءتهم، وهذا نهي من الله عن كثرة سؤالهم للرسول صلى الله عليه وسلم في أمور لا تعني، ولا يحتاجون إليها، ويكون في السؤال عنها سبب

لإيجابها عليهم وعلى غيرهم، فإنه إذا وقع السؤال عنها في حال وجود الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي عليه، حصلت الإجابة عليها، فكان ذلك سببًا للتكاليف الشاقة، وفي ترك السؤال عنها سلامة من ذلك؛ لأنها مما عفا الله عنه، أي تركه ولم يذكره بشيء، فلا تبحثوا عنه، ثم إنه سبحانه بين أن السؤال عن هذه الأشياء التي لا ينبغي السؤال عنها، وقعت فيه الأمم السابقة، فكانت عاقبة ذلك سيئة في حقهم، حيث لم يعملوا بها لما بينت لهم، فعوقبوا بسببها. والمراد بالآيتين عمومًا النهي عن السؤال الذي لا تدعو الحاجة إليه، أما ما دعت الحاجة إليه من أمور الدين والدنيا، قد شرع الله السؤال عنه بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا سألوا إذا لم يعلموا، فإن شفاء العي السؤال» . وأما قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} [المائدة: 103] الآية. فهذا كلام مبتدأ يتضمن الرد على أهل الجاهلية لما ابتدعوه في بهيمة الأنعام من شريعة الجاهلية، حيث جعلوا منها: البحيرة: وهي التي تشق أذنها ويمنع من ركوبها وحلبها وأكل لحمها.

والسائبة: وهي التي تترك فلا تمنع من مرعى ولا ماء ولا تركب ولا تحلب ولا يجز وبرها. والوصيلة: وهي الناقة أو الشاة إذا أنتجت عددًا معينًا من الولد متواصلًا، ذبحوها للأصنام، وحرموا لحمها على النساء. والحام: الجمل الفحل إذا حمى ظهره من أن يركب، كانوا إذا أنتج الفحل عددًا معينًا، قالوا: حمى ظهره فلم يركبوه. وهذه من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها والله جل وعلا قال في مطلع السورة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1] ، والله جل وعلا أحل بهيمة الأنعام أن نأكل منها وأن نشرب من ألبانها وأن نركبها بحدود المشروع، إلا ما كان منها ميتة أو دمًا مسفوحًا، كما في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] . *** تفسير سورة هود سؤال: يقول الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 106-108] ، ما معنى هاتين الآيتين، وما المقصود بدوام السماوات والأرض، وبالاستثناء في قوله: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ في الآيتين.

تفسير سورة هود

الجواب: هاتان الآيتان وما قبلهما في وصف مشهد يوم القيامة، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود 103-106] الآيتين. بين سبحانه وتعالى أن الناس ينقسمون في هذا اليوم العظيم إلى قسمين: شقي وسعيد، ثم بين جزاء الأشقياء وجزاء السعداء {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} ، اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} ، فقيل: إن هذا جرى على أساليب العرب، وأن العرب إذا أرادوا أن يصفوا شيئًا بالدوام، قالوا: هذا دائم ما دامت السماوات والأرض، والمراد هنا مطلق الدوام، كما هو عادة العرب في أساليبها. وقيل: إن المراد جنس السماوات والأرض؛ لأن الآخرة أيضًا فيها سماء وفيها أرض، لكنها غير هذه السماء، وغير هذه الأرض الموجدتين الآن؛ لأن الله تعالى يقول: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48] ، فالمراد هنا بالأرض وبالسماء الجنس، وإن كان العين مختلف، والمعنى: أن هؤلاء الكفار لا يخرجون من هذه النار أبد الآباد، وأنهم مخلدون فيها. أما الاستثناء في قوله تعالى: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ في الآيتين المراد بالاستثناء في الآية الأولى في حق الأشقياء {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} ، الذي عليه أكثر المفسرين: أن المراد بهذا الاستثناء

عصاة الموحدين الذين يدخلون النار بمعاصيهم، فإنهم لا يخلدون فيها، وهم مستثنون من الخلود، وينفرد بالخلود الكفار والمشركون، أما عصاة الموحدين فإنهم وإن دخلوا النار فإنهم يستثنون من الخلود فيها {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} بأن يخرجوا منها إما بشفاعة الشافعين، بإذن الله عز وجل أو بعفو الله - عز وجل - عنهم، فالمراد بالاستثناء هنا أهل التوحيد، العصاة الموحدون. وأما الاستثناء في قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} ، ففيه قولان للمفسرين: القول الأول: أن المراد أيضًا عصاة الموحدين، فإن عصاة الموحدين الذين دخلوا النار لهم شيء من البقاء في الجنة في أول الأمر، فاتهم شيء من الخلود، لبقائهم في النار فترة قبل دخولهم الجنة. القول الثاني: قيل المراد بالاستثناء هنا: بيان أن خلودهم فيها ليس واجبًا، وإنما هو راجع إلى مشيئة الله عز وجل فهم يخلدون فيها بمشيئة الله، وليس خلودهم هذا من باب الوجوب. سؤال: بالنسبة لمن وجبت عليه النار ولكنه لا يحكم بخلوده فيها، الذي يكون آخر الاثنين هو العذاب أو النعيم؟ الجواب: يدخلون النار أولًا، ويمكثون فيها ما شاء الله أن يمكثوا، ثم يخرجون منها بعد ذلك وقد احترقوا وصاروا فحمًا ثم يلقون في نهر يقال له: (نهر الحياة) فتنمو أجسادهم، ثم بعد ذلك إذا هذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة، آخر أمرهم الخلود في الجنة. ***

تفسير سورة الإسراء

تفسير سورة الإسراء سؤال: يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الإسراء: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 4-6] ، فما معنى هذه الآيات، وما المقصود بالإفساد في الأرض مرتين، وهل مضت المرتان، وما معنى قوله تعالى: {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} ، وماذا يفهم من هذه الآيات؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ} : أي أخبرناهم، بينا لهم أنه سيحصل منهم إفساد في الأرض بالكفر والمعاصي وقتل الأنبياء. {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ} : يعني بالمعاصي والكفر والإلحاد. {مَرَّتَيْنِ} ، المرة الأولى حصلت، ثم إن الله سبحانه وتعالى عاقبهم. {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} : بعث الله عليهم عدوًا من الكفار، من كفار المجوس أو من غيرهم، فقتلوهم شر قتلة واستباحوا بلادهم وديارهم عقوبة لهم لما أفسدوا في الأرض، هذا حصل عليهم المرة الأولى، ثم إن الله سبحانه وتعالى أعاد الكرة لبني إسرائيل ونموا، وأعاد لهم قوتهم. {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} بعدما عاقبهم الله سبحانه وتعالى على الإفساد الأول، مَنَّ عليهم بأن أعاد لهم قوتهم وعزتهم وكثرة الغنى والأولاد، ثم إنهم لم يقيدوا نعمة الله بالشكر، وعادوا إلى إفسادهم مرة ثانية، فأفسدوا في الأرض مرة ثانية،

عند ذلك بعث الله عليهم عدوًا آخر أيضًا استباح بلادهم وأهلك الحرث والنسل، ودخل المسجد الذي هو بيت المقدس كما دخله العدو الأول، {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} : أي ليتبر هذا العدو، ويفسد ما حصل لكم في هذه الفترة من النشاط والعمران وكثرة الأموال والأولاد، ليتبر ذلك ويُقضى عليه عقوبة لكم. {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} : يعني المرة الثانية، وهي الإفساد في الأرض. {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ، فالله جل وعلا أخبر في هذه الآية عن بني إسرائيل أنهم حصل منهم فساد في الأرض مرتين وهذا في الزمن الماضي، ثم توعدهم أنهم إذا كرروا هذا، فسيعيد لهم العقوبة إلى يوم القيامة {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} : هذا وعيد من الله، كما أنه عاقبهم على المرتين الأوليين، فهو كذلك سيعاقبهم كلما أفسدوا في الأرض، إلى آخر الدنيا، وهذا واقع ومشاهد أن اليهود ما زالوا يسلط عليهم الجبابرة ويسلط عليهم عدوهم كلما حصل منهم علو في الأرض وإفساد في الأرض، وهذه عقوبة من الله سبحانه وتعالى لهذا الشعب الذي يفسد في الأرض وينشر الفساد فيها ويتكبر على العباد. سؤال: هل الإفسادان هما حادثان معنيان أم مجمل أعمالهم؟ الجواب: الله سبحانه وتعالى لم يحدد نوع الإفسادين، ولكن من المفسرين من قال: إنهم قتلوا في المرة الأولى (أشعياء) نبيًّا من أنبيائهم، وفي المرة الثانية قتلوا: " يحيي بن زكريا " عليه السلام.

وهذا صحيح أنهم قتلوا الأنبياء، ذكر الله عنهم أنهم يقتلون الأنبياء، هذا من أعظم الإفساد بلا شك. والحاصل أن هؤلاء اليهود، كلما حصل منهم إفساد فإن الله يكرر عليهم العقوبة وتسليط العدو عليهم في المرتين الأوليين، وفي كل ما حصل منهم ذلك، كما في قوله تعالى: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} . فهذا مطلق إلى يوم القيامة. سؤال: قوله تعالى في آخر الآية: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ} معناها المرة الثانية؟ الجواب: نعم المرة الثانية. *** سؤال: ما معنى قوله تعالى في سورة الإسراء: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} [الإسراء: 85-87] ؟ الجواب: كانت اليهود قد قالت لمشركي قريش من أهل مكة: اسألوا هذا الرجل، يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم عن ثلاث مسائل، المسألة الأولى: عن أصحاب الكهف، والمسألة الثانية: عن ذي القرنين، والمسألة الثالثة: عن الروح، فإن أجابكم عنها فهو نبي، والله سبحانه وتعالى أنزل على رسوله الإجابة عن هذه الأسئلة. عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وأما الروح فالله سبحانه

وتعالى قال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ، فلم يجبهم إلى سؤالهم، وإنما بين أنها من خصوصياته سبحانه وتعالى، وأنه هو الذي خلقها، وهو الذي يعلمها ولا يعلمها أحد من الخلق، فهي سر من الأسرار، ولا تزال سرًّا، وهذا من معجزات القرآن، فإنه مع تقدم الطب والمهارة فيه، ومع حرص الناس على البحث في هذا الشأن، لم يعرفوا شيئًا عن حقيقة الروح {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ، على أن المراد بالروح: ما يحيا به الإنسان، هذا السر الذي يحيا به الإنسان، يكون حيًا، وإذا فارقته مفارقة تامة يكون ميتًا، وإذا فارقته بعض المفارقة يكون نائمًا، فالروح لها اتصالات بالبدن، اتصال بالبدن وهو في بطن أمه، واتصال بالبدن بعدما يولد في الحياة الدنيا، وهو مستيقظ، واتصال بالبدن وهو نائم، واتصال بالبدن وهو في القبر، واتصال بالبدن في الدار الآخرة، وهذا الاتصال الأخير اتصال لا مفارقة بعده، فهذه الروح من العجائب التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. وقيل: المراد بالروح جبريل عليه الصلاة والسلام. وقيل: المراد بالروح ملك من الملائكة، أو جماعة من الملائكة. فعلى كل حال، فالروح سر من أسرار الله لم يطلع عليها عباده سبحانه وتعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} ، فالبشر مهما أوتوا من العلوم والمعارف، فإن علمهم قليل، أو لا شيء بالنسبة لعلم الله سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يعني القرآن أن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا القرآن نعمة ومنة على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى

أمته، فهو من أكبر النعم، {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] ، فإنه من أعظم النعم التي أنعم الله بها على هذا النبي الكريم، وعلى أمته إلى يوم القيامة؛ لأن به سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، والله قادر على أن يرفع هذا القرآن، وأن يزيل هذه النعمة، كما أنه هو الذي أنزلها، فهو قادر على رفعها، وذلك مما يوجب على العباد أن يشكروا الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، ليستفيدوا منها وينتفعوا بها. *** تفسير سورة طه سؤال: قال الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] ، ما تفسير هذه الآية، جزاكم الله كل خير؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 123، 124] ، في الآية الأولى أخبر الله تعالى أن من اتبع القرآن وعمل به فإنه سبحانه وتعالى قد تكفل له بأن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة. وفي الآية الثانية، أن من أعرض عن القرآن، ولم يعمل به، فإن الله جل وعلا يعاقبه بعقوبتين: الأولى: أنه يكون في معيشة ضنك، وقد فسر ذلك بعذاب القبر؛ لأنه يعذب في قبره، وقد يراد به أيضًا المعيشة في الحياة الدنيا، وفي القبر أيضًا، فالآية عامة، والحاصل: أن الله توعده بأن يعيش عيشة سيئة مليئة

تفسير سورة طه

بالمخاطر والمكاره والمشاق جزاءً له على إعراضه عن كتاب الله عز وجل؛ لأنه ترك الهدى فوقع في الضلال ووقع في الحرج. والعقوبة الثانية: أن الله جل وعلا يحشره يوم القيامة أعمى؛ لأنه عمي عن كتاب الله في الدنيا فعاقبه الله في العمى في الآخرة، {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 125، 126] ، فإذا عمي عن كتاب الله في الدنيا بأن لم يلتفت إليه، ولم ينظر فيه، ولم يعمل به، فإنه يحشر يوم القيامة على هذه الصورة البشعة - والعياذ بالله - وهذا كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزخرف: 36-40] . فالحاصل: أن الله جل وعلا توعد من أعرض عن كتابه ولم يعمل به في الحياة الدنيا بأن يعاقبه عقوبة عاجلة في حياته الدنيا، وعقوبة آجلة بعذاب القبر - والعياذ بالله - وفي المحشر، والله تعالى أعلم. *** تفسير سورة الأنبياء سؤال: أرجو أن تشرحوا لنا معنى قوله تعالى من سورة الأنبياء: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 78، 79] ؟

تفسير سورة الأنبياء

الجواب: هذه الآية، ذكر الله جل وعلا فيها قضية وحادثة حكم فيها داود عليه السلام بحكم الله، وحكم فيها سليمان عليه السلام بحكم آخر، وهذه القضية هي أن غنمًا رعت في مزرعة قوم في الليل، {نَفَشَتْ فِيهِ} أفسدت فيها وأكلتها ليلًا، فتقدم أهل الحرث إلى داود عليه السلام، ليحكم بينهم وبين أهل هذه الغنم، فداود حكم بأن الغنم تكون لأجل الحرث عوضًا عن حرثهم، ثم إن سليمان لما سمع الحكم، حكم بحكم آخر، وهو أن يقوم أصحاب الغنم على سقي الحرث وتعاهده حتى يتكامل، وتكون الغنم بأيدي أصحاب الحرث يستغلونها ويشربون من ألبانها عوضًا عما فاتهم من الحرث، فإذا تكامل الحرث كما كان سلم لأهل الحرث حرثهم، وسلم لأهل الغنم غنمهم، فالله جل وعلا ذكر هذه القضية، وذكر هذين الحكمين {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} ثم أثنى على النبيين بقوله: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} . قيل: إن داود حكم بالوحي، وسليمان حكم بالوحي، فيكون حكم سليمان ناسخًا لحكم داود. وقيل: إن كلا النبيين حكما بالاجتهاد، وهذا فيه دليل على أن الأنبياء يجتهدون. وعلى كل حال، هذا من حكم النبيين عليهما الصلاة والسلام، والله جل وعلا ذكر هذا لعباده عبرة وتبصرة. *** تفسير سورة النور سؤال: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26] الآية، هل

تفسير سورة النور

معنى هذه الآية أن ذلك في هذه الحياة الدنيا أم في الآخرة؟ ففي هذه الدنيا حالات من الزواج على غير هذه القاعدة، فهناك الكثير من الأزواج والزوجات يظلمون في هذه الناحية، فكيف العمل؟ الجواب: في تفسير الآية قولان: القول الأول: الخبيثات: يعني الكلمات الخبيثات، تقال للرجال الخبيثين، والرجال الخبيثون للكلمات الخبيثات، بمعنى أن الخبثاء يكلمون بكلام يناسبهم. وقيل: المراد بالخبيثات هنا الزانيات، أي: النساء غير العفيفات الفاجرات للرجال الخبيثين، والرجال الخبيثون الذين هم غير عفيفين للنساء الخبيثات، يعني الفاجرات للرجال الخبيثين، والرجال الخبيثون الذين هم غير عفيفين للنساء الخبيثات، يعني الفاجرات، وهذا كما في أول السورة {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] ، فالخبيثة لا يصح أن يتزوجها عفيف، وكذلك الخبيث لا يصح أن يتزوج عفيفة، هذا حاصل ما قيل في الآيتين. وعلى كل حال فالآية فيها بيان أن هؤلاء الخبثاء يناسبهم ما هو من شكلهم من الكلمات والأشخاص، وأن الطيبين لهم الطيبات، الرجال الطيبون، أو الكلمات الطيبات تقال للرجال الطيبين، والطيبون من الرجال لهم الكلمات الطيبات. سؤال: وماذا عن قولها من ناحية الأزواج والزوجات الذين في هذا الزمان قد يظلمون؟ الجواب: ليس المراد بالخبث ما فهمته السائلة، المراد بالخبث: إما الخبث بالعرض، أو الخبث في الكلام.

تفسير سورة الشعراء

تفسير سورة الشعراء سؤال: ما معنى قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 224-226] ، ومن هم المقصودون بهذا الوصف؟ وهل هذا خاص بزمن معين، أم هو مستمر إلى يوم القيامة؟ الجواب: يقول الله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} إلى آخر الآيات، هذا ذكره الله في معرض تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن الصفات التي وصفه بها المشركون؛ لأنهم وصفوه بأنه كاهن، قال تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء: 210-211] . ووصفوه بأنه شاعر، فقال جل وعلا: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر أيضًا، وإنما هو نبي من عند الله. فقوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} : أي أن هذا وصف ذم للشعراء؛ لأن الشعراء غالبًا ما يكون شعرهم يشتمل على الهجاء القبيح أو على المجون والخلاعة، أو على المدح الكاذب، وغالب الشعر مذموم، ولهذا يقولون: أعذبه أكذبه، فهو من عمل الغاوين. وقيل: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} : المراد بالغاوين هنا: الشياطين؛ لأن الشياطين تقرب من الشعراء، وكل شاعر له رأي من الجن. وعلى كل حال، هذه صفة ذم، ثم بين صفة ثانية من صفات الشعراء، قال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} : بمعنى أن الشعراء يشعرون في كل فن من المتناقضات، من المدح والذم، والهجاء والمجون وغير ذلك،

ويقلبون الحق باطلًا والباطل حقًا بشعرهم وألفاظهم، فهم يهيمون في أودية الباطل، ويلونون مقاصدهم وأشعارهم حسب ما يريدون، فهم متقلبون، لا يثبتون على حالة، تارة يمدحون وتارة يذمون، وتارة يقرون بالفسق والخمر والزنا وغير ذلك، هذه من صفات غالبهم. والصفة الثالثة: أنهم يقولون ما لا يفعلون، فهم يحثون على الكرم والشجاعة والبطولة وغالبهم جبناء وبخلاء، ولا ينفذون ما يقولون وربما يمدحون أنفسهم بأشياء ليست من صفاتهم فهم يقولون ما لا يفعلون، وهذا من أعظم أنواع العيوب، أن الإنسان يقول ما لا يفعل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3] ، ثم إن الله استثنى أهل الإيمان وأهل الصدق من الشعراء {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء: 227] ، فالشعراء الذين استعملوا شعرهم لنصرة الحق، والرد على المبطلين، هؤلاء استثناهم الله عز وجل، مثل حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وشعراء الصحابة الذين صار شعرهم للدعوة الإسلامية والدفاع عن الحق، والذب عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا يعتبر من الجهاد في سبيل الله، ومن نصر الحق، وهؤلاء قد استثناهم الله من الشعراء المذمومين. سؤال: إذا يفهم من هذا أن هذه الآية لا تذم الشعر لذاته، وإنما الشعراء الذين يتصفون بهذه الصفات، أما إذا استخدم في أغراض نصرة الإسلام ورفعة شأنه، فهذا أمر محمود. الجواب: نعم، ويدخل في الجهاد.

تفسير سورة فاطر

تفسير سورة فاطر سؤال: ما معنى قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28] ؟ وهل معنى هذا أن غير العلماء لا يخشون الله؟ وأي العلماء مقصودون في الآية؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى لما ذكر آياته الكونية من مخلوقات وتنوع ألوانها، قال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} . المراد بالعلماء هنا: أهل العلم الشرعي، الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يعرف بالله سبحانه وتعالى وبآياته وقدرته ونعمته على عباده، فأهل العلم بالله هم الذين يخشونه حق خشيته، وهذه من جملة الآيات التي فيها مدح العلماء والثناء عليهم؛ لأنهم هم الذين يخشون الله سبحانه وتعالى حق خشيته، إذا كانوا يعملون بعلمهم ويؤدون حقه عليهم، بخلاف علماء الضلال، فإنهم ليسوا كذلك، علماء اليهود ومن نحا نحوهم من علماء الضلال، إنما المراد هنا العلماء العاملين بعلمهم، فإن الله سبحانه وتعالى أخبر أنهم هم أهل خشيته، كما أنه ذكر شهادتهم مع شهادته، بقوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: 18] ، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] ، والنصوص في هذا كثيرة، وهذه الآية من جملتها، وأما غير أهل العلم، منهم من يخشى الله على قدر معرفته بالله سبحانه وتعالى، لكن أكثر الناس خشية لله وأعظمهم خشية لله هم أهل العلم، والمقصود بالعلم هنا: العلم الشرعي النبوي. ***

تفسير سورة يس

تفسير سورة يس سؤال: قال الله تعالى في سورة يس: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 1-9] . ما معنى هذه الآيات، ومن هم هؤلاء القوم الذين لم ينذروا مع أن الله يقول: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ؟ الجواب: قوله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: {يس} : الصحيح أن هذا من الحروف المقطعة في أوائل السور، والله جل وعلا أعلم بمراده بها. {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} هذا قسم من الله سبحانه وتعالى بالقرآن الذي هو كلامه وآياته التي أنزلها، وهو يدل على عظمة هذا القرآن؛ لأن الله أقسم به. {الْحَكِيمِ} معناه: المحكم الذي لا يعتريه نقص ولا يعتريه تناقض، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} هذا هو المقسم عليه، أقسم الله سبحانه وتعالى بالقرآن الحكيم على أن محمدًا من المرسلين، ففي هذا إثبات الرسالة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل، وأنه أثبتها وأقسم عليها جل وعلا. {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: إنك أيها الرسول على طريق واضح، وطريق صحيح، هو صراط الله سبحانه وتعالى.

{تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} أي: أن هذه الرسالة وهذا القرآن من الله عز وجل، فهو الذي أرسل هذا الرسول، وهو الذي أنزل هذا الكتاب، وهو العزيز، يعني القوي الذي لا يغالب، الرحيم بعباده جل وعلا. والحكمة في ذلك، في إنزال هذا القرآن وفي بعث هذا الرسول، {لِتُنْذِرَ قَوْمًا} : يعني: لتبين لهم وتخوفهم بالله عز وجل، وتنبههم على طريق الصواب وطريق الهدى، وتحذرهم وتنذرهم من طريق الشرك وطريق النار. والمراد بهؤلاء القوم: العرب. لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث فيهم أصالة وغيرهم تبعًا، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم بعث لجميع الثقلين الجن والإنس كما قال تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] ، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] ، وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] ، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] ، فرسالته عامة، وإن كان قد بعث في العرب، فهو صلى الله عليه وسلم مبعوث لجميع الجن والإنس، فرسالته عامة عليه الصلاة والسلام، ولكنه بدأ بإنذار العرب وهذا من التدرج في الإبلاغ، والتدرج في تبليغ الرسالة، فهو يبلغ العرب، ويبلغ غيرهم، ولهذا كتب صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، إلى كسرى وقيصر، يدعوهم إلى الإسلام؛ لأنه رسول إليهم. {مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} : لا منافاة بين هذا وبين ما ذكره السائل من أن الله قد بعث في كل أمة رسولًا {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا} [النحل: 36] ؛ لأن العرب لم يأتهم بعد إسماعيل عليه السلام رسول منهم، إلى أن جاء

محمد صلى الله عليه وسلم فلم يبعث في العرب رسول بعد إسماعيل إلا ابنه محمد صلى الله عليه وسلم. سؤال: المقصود نذير هنا: من بينهم أو منهم؟ الجواب: نعم، وإن كانت بلغتهم دعوة إبراهيم عليه السلام ودعوات الأنبياء، لكن [رسول منهم] ، لم يبعث منهم إلا محمد صلى الله عليه وسلم، {مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} . {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} : يعني وجب عليهم العذاب بكفرهم وعنادهم لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم استجابتهم لدعوته، وبذلك حقت عليهم كلمة العذاب فهم لا يؤمنون. {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس: 8 - 11] هذه الآيات كلها إلى قوله: {إِنَّمَا تُنْذِرُ} كلها في حق المعاندين الذين عرفوا الحق وبلغتهم الرسالة، فاستكبروا وعاندوا واستمروا على عبادة الأصنام، ودين الآباء والأجداد، وزهدوا بالحق الذي جاء به هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله جل وعلا ختم على قلوبهم عقوبة لهم، وحق عليهم العذاب فلا مناص لهم من ذلك، وعميت بصائرهم، فمثلهم مثل الذي غلت يداه إلى عنقه، وارتفع رأسه ونظره، وصار يمشي بين سدين، إن تقدم تعثر بالسد الذي أمامه، وإن تأخر تعثر بالسد الذي خلفه فاجتمع عليه عدة أمور:

أولًا: أنه مقمح، بمعنى أنه مرتفع الرأس بسبب الغل الذي في عنقه، فلا ينظر إلى ما تحته. وثانيًا: أن أمامه سد ومن خلفه سد، وأن الله أغشى بصره، فلا يبصر ما حوله، وهذا بسبب أنهم أعرضوا عن آيات الله ولم تصل إلى شغاف قلوبهم، ولم يصل نورها إلى أفئدتهم، فهم صاروا في ظلمات وفي تردد وفي زيغ والعياذ بالله، وهذا يحصل لكل من خالف الرسول صلى الله عليه وسلم واستكبر عن دعوته إلى يوم القيامة، نسأل الله العافية والسلامة. *** سؤال: يقول الله تعالى في سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] ، ما معنى هذه الآية؟ الجواب: معنى هذه الآية ذكر جحد الكافر للبعث، وقبلها قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 77 - 79] ، فهذا الكافر يجحد البعث ويكفر به ويستبعد أن يعيد الله العظام بعدما تفتتت وضاعت في الأرض وصارت ترابًا، يستبعد قدرة الله على إعادتها مرة ثانية، وهذا من جهله، والدليل على قدرة الله تعالى مرتكز فيه هو؛ في هذا الإنسان لو تأمل، فإن الذي قدر على خلقه أول مرة من نطفة وهو من ماء مهين، أي الماء الضعيف، الذي قدر على أن يخلق من هذا الماء الضعيف إنسانًا قويًّا، قادر على إعادته من باب أولى، فإن من قدر على البداءة، فهو قادر على الإعادة من باب أولى، فهو يجحد آية فيه وينكر قدرة الله سبحانه وتعالى على إعادة

العظام وهي رميم وإحيائها مرة ثانية، ولهذا قال الله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79] ، فإذا كان أنشأها أول مرة، بعد أن لم تكن، فهو قادر على إعادتها من باب أولى. *** تفسير سورة الزمر سؤال: أرجو التكرم بشرح هذه الآيات من سورة الزمر وبيان معناها {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: 71-75] . الجواب: هذه الآيات تصور أحوال الناس يوم القيامة، أحوال الكافرين، وأحوال المؤمنين؛ لأن الكافرين يساقون إلى جهنم وهي النار - والعياذ بالله - فإذا وصلوا إليها فتحت أبوابها لدخولهم فيها، وعند ذلك توبخهم الملائكة، وتهددهم وتسألهم سؤال توبيخ؛ لأنهم هم الذين تسببوا لأنفسهم في هذا الموقف الرهيب، والوقوع في هذا المأزق الحرج، حيث لم يستجيبوا لرسل الله في الدنيا؛ لأن الله سبحانه وتعالى أرسل إليهم

تفسير سورة الزمر

الرسل لهدايتهم، ونجاتهم من هذا العذاب، وهذا الموقف لو أنهم استجابوا للرسل، فالملائكة تسألهم سؤال توبيخ، {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} ، فيعترفون بذلك ويقرون على أنفسهم بأن الذنب ذنبهم، وأنهم هم الذين جنوا على أنفسهم حيث لم يستجيبوا للرسل ولم يمتثلوا ما في الكتب المنزلة، وفي هذا زيادة تعذيب لهم وتوبيخ لهم، وأنها تنقطع معذرتهم حين ذاك، وأما المؤمنون فإنهم يساقون إلى الجنة لأنهم أطاعوا الرسل وعملوا بالكتب المنزلة فأنجاهم الله سبحانه وتعالى مما وقع فيه هؤلاء الكفار، وتستقبلهم الملائكة بالبشارة وتسلم عليهم، وتهنئهم بما نالوا من كرامة الله سبحانه وتعالى، وأن السبب في ذلك أنهم طيبون، طيبة أعمالهم، طيبة نفوسهم {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ، باقين أبد الآبدين في نعيم وفي سرور، ثم ختم الله سبحانه وتعالى هذا المشهد العظيم في أن الملائكة الكرام يحفون بعرشه سبحانه وتعالى، وأنهم يسبحون الله وينزهونه عن النقائص والعيوب، وأن جزاءه للفريقين: الكفار والمؤمنين، جزاء عادل، وأنه يحمد عليه سبحانه وتعالى، وفي النهاية يكون الحمد لله رب العالمين على ما قضى ودبر وحكم وعدل، وأعطى كل ذي حق حقه، ووفى كل عامل حسابه اللائق به، فهو يحمد سبحانه وتعالى على ذلك، وله الحمد في الأولى والآخرة وهو الحكيم الخبير. سؤال: في قول الله تعالى {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} ، ما معنى قوله (زمرًا) ؟ الجواب: الزمر الجماعات.

سؤال: وما معنى قوله تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} ؟ الجواب: القضاء والقدر؛ لأن هؤلاء قدر الله عليهم هذا الجزاء لكفرهم وعنادهم بسبب من قبلهم، فالله قدر عليهم ذلك بسبب من قبل أنفسهم؛ لأنهم لم يستجيبوا لرسل الله، ولم يمتثلوا ما جاء في كتبه السماوية، فهو قدر عليهم هذا القدر لأعمالهم السيئة. سؤال: وما معنى قوله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} ؟ الجواب: أن الله سبحانه وتعالى يورث المؤمنين الجنة كما قال تعالى {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 10، 11] ، وقيل في معنى الآية: إن الله سبحانه وتعالى يورث المؤمنين منازل الكفار في الجنة، فإن الكفار لو آمنوا لكان لهم منازل في الجنة، ولكنهم بكفرهم حرموا من ذلك فورثها المؤمنون. سؤال: ما معنى "نتبوأ " يعني: نحتل؟ الجواب: نتبوأ، يعني نختار ونتوسع فيها. سؤال: هل هناك سر في وجود الواو من عدمها في قوله في الآية الأولى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} ، وفي الآية الأخرى في وصف حال المتقين: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} ؟ الجواب: قال بعض المفسرين: الواو هذه تدل على أن أبواب الجنة ثمانية، وتسمى هذه الواو واو الثمانية كما قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: 22] ، فالواو هذه تدل على أن أبواب الجنة ثمانية، ولعله مأخوذ من حروف الجمل.

وابن القيم له رأي في هذا، يقول: إن الجنة غالية ولا يدخلها المؤمنون إلا بعد أن تستفتح، وأول من يستفتح باب الجنة هو محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخلها من الأمم أمته، فهم لا يدخلونها من أول ما يصلون، بل لا بد من استفتاح؛ لأنها غالية وثمينة، أما النار - والعياذ بالله - فإنهم من حين يصلون إليها وهي مفتوحة، ويدخلونها رغمًا عن إرادتهم ورغبتهم. *** تفسير سورة الشورى سؤال: ما معنى قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 27] ؟ الجواب: يبين الله سبحانه وتعالى أنه لو وسع الرزق على عباده لبغوا في الأرض. والبغي: هو التعدي والطغيان؛ لأن الإنسان إذا استغنى حمله ذلك على الأشر والبطر، كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7] ، فالله جل وعلا بحكمته يرزق من يشاء ويوسع عليه في الرزق؛ لأن ذلك أصلح له، ويضيق الرزق على آخرين؛ لأن ذلك أصلح لهم، فمن الناس من لا يصلحه إلا الغنى، ولو افتقر لأفسد ذلك عليه دينه، ومن الناس من لا يصلحه إلا الفقر، ولو استغنى لأفسد ذلك عليه دينه، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه، فالله جل وعلا حكيم عليم، يرزق عباده بحسب حكمته وعلمه بما يصلحهم وما تنتظم به مصالحهم. ***

تفسير سورة الزخرف

تفسير سورة الزخرف سؤال: ما معنى قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] ؟ الجواب: معنى الآية (ومن يعش) أي: يتعامى ويتغافل ويعرض عن ذكر الرحمن، والعشي في العين: ضعف بصرها. والمراد هاهنا عشي البصيرة، أي: عمى القلب عن كتاب الله عز وجل بأن لا يتدبره ولا يقبل عليه، ولا يكثر من تلاوته. {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} هذا كقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115] ، وكقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] ، وكقوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت: 25] ، بمعنى: أن من أعرض عن كتاب الله، وعن هداية الله، فإن الله عز وجل يعاقبه بعمى البصيرة، ويعاقبه بقرناء السوء من شياطين الإنس والجن الذين يصرفونه عن الحق، ولهذا قال تبارك وتعالى هاهنا: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 37] ، أي هذا الذي تغافل عن الهدى، يقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم، فإذا وافى الله عز وجل يوم القيامة، يتبرم بالشيطان الذي وكل به، قال: {يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف: 38] ، يعني: القرين والمقارن. نسأل الله العافية والسلامة.

تفسير سورة النجم

تفسير سورة النجم سؤال: ما معنى قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 13-18] . الجواب: ذكر الله سبحانه وتعالى في سياق الآيات التي يثني فيها على رسوله صلى الله عليه وسلم وينفي عنه ما اتهمه به المشركون. فقوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} ، معناه: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الأصلية التي هو عليها مرتين، مرة في الأفق الأعلى تحت السماء الدنيا، والمرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} : أي رأى محمد جبريل مرة أخرى نازلًا إليه. {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} : وهي شجرة عظيمة جدًّا فوق السماء السابعة، سميت: {سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} ؛ لأنه ينتهي إليها ما يعرج من الأرض، وينزل إليها ما ينزل من الله من الوحي وغيره، أو لانتهاء علم المخلوقات إليها، أي لكونها فوق السماوات والأرض، فهي المنتهى في علوها، أو لغير ذلك، فرأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل في ذلك المكان الذي هو محل الأرواح العلوية الزاكية التي لا يقربها شيطان ولا غيره من الأرواح الخبيثة. عِنْدَهَا: أي عند تلك الشجرة {جَنَّةُ الْمَأْوَى} ، أي الجنة الجامعة لكل نعيم، بحيث كانت محلًا تنتهي إليه الأماني وترغب فيه الإرادات، وتأوي إليه الرغبات، وهذا دليل على أن الجنة في أعلى الأماكن وفوق السماء السابعة.

وقوله: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} : أي يغشاها من أمر الله شيء عظيم لا يعلم وصفه إلا الله عز وجل. {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} : أي ما زاغ بصر محمد صلى الله عليه وسلم يمنة ولا يسرة عن مقصوده. {وَمَا طَغَى} : أي ما تجاوز البصر. وهذا كمال الأدب منه صلوات الله وسلامه عليه أن قام مقامًا أقامه الله فيه ولم يقصر عنه ولم يتجاوزه ولا حاد عنه، وهذا أكمل ما يكون منه الأدب العظيم الذي فاق فيه الأولين والآخرين، فإن الإخلال يكون بأحد هذه الأمور، إما أن لا يقوم العبد بما أمر به، أو يقوم به على وجه التفريط، أو يقوم به على وجه الإفراط أو على وجه الحيدة يمينًا وشمالًا، وهذه الأمور كلها منتفية عنه صلى الله عليه وسلم. وقوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} : أي من الجنة والنار وغير ذلك من الأمور التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به. والله أعلم. *** سؤال: ما معنى الآيتين الكريمتين في قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] ، وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21] ، وهل بينهما نسخ أو تعارض؟ وماذا نستفيد منهما؟ الجواب: بين الآيتين إشكال، ذلك أن الآية الأولى فيها: أن الإنسان لا يملك إلا سعيه ولا يملك سعي غيره {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} ، فملكيته محصورة بسعيه، ولا ينفعه إلا سعيه، بينما الآية الأخرى فيها أن

الذرية إذا آمنت فإنها تلحق بآبائها في الجنة وتكون معهم في درجتهم وإن لم تكن عملت عملهم، فالذرية إذا استفادت من عمل غيرها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21] ، فالآية الكريمة تدل على أن الذرية يلحقون بآبائهم في درجاتهم ويرفعون معهم في درجاتهم وإن لم يكن عملهم كعمل آبائهم، فظاهر الآية أنهم انتفعوا بعمل غيرهم وسعي غيرهم، بينما الآية الأخرى أن الإنسان لا ينفعه إلا سعيه. وقد أجاب العلماء عن هذا بعدة أجوبة: الجواب الأول: أن الآية الأولى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} مطلقة والآية الثانية {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} مقيدة. والمطلق يحمل على المقيد كما هو مقرر في علم الأصول. والجواب الثاني: أن الآية الأولى تخبر أن الإنسان لا يملك إلا سعيه، ولا ينفعه إلا سعيه، ولكنها لم تنف أن الإنسان ينتفع بعمل غيره، من غير تملك له، فالآية الأولى في الملكية، والثانية في الانتفاع، أن الإنسان قد ينتفع بعمل غيره وإن لم يكن ملكه، ولهذا ينفعه إذا تصدق عنه، وينفعه إذا استغفر له، ودعي له، فالإنسان يستفيد من دعاء غيره، ومن عمل غيره، وهو ميت. والانتفاع غير الملكية، فالآية الأولى في نوع، والآية الثانية في نوع آخر، ولا تعارض بينهما.

هذا الجواب أحسن من الأول في نظري، فهذا الجواب هو الراجح في نظري. وهناك جواب آخر: هو أن الآية الأولى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} منسوخة؛ لأنها في شرع من قبلنا لأن الله تعالى يقول: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 36 - 39] ، فهذه تحكي ما كان في صحف موسى وصحف إبراهيم عليهما السلام، لكن جاءت شريعتنا بأن الإنسان ينتفع بعمل غيره، فيكون ذلك نسخًا، ولكن هذا الجواب ضعيف، والجواب الذي قبله أرجح في نظري، والله أعلم. سؤال: ألا يحمل من الذرية هنا، أنهم هم الأطفال الذين يموتون قبل الحلم؟ الجواب: لا، المراد بالذرية، عموم الذرية. *** تفسير سورة الرحمن سؤال: ما معنى قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 19، 20] ؟ وما البحران المقصودان في الآية؟ الجواب: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} يعني: يتجاوران، يتجاور البحران، هذا معنى يلتقيان. والمراد بالبحرين: البحر العذب والبحر المالح. وقيل: المراد بذلك بحر فارس وبحر الروم، حيث يلتقيان في المحيط. فالبحرين إما أن المراد بهما: البحر العذب، والبحر المالح من غير

تفسير سورة الرحمن

تعيين، أو المراد بذلك؛ بحر فارس وبحر الروم، ولكن الصحيح الأول أن المراد العموم. ومعنى يلتقيان: يعني يتجاوران. {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} : أي أن هذا لا يختلط بهذا، مع التقائهما. والبرزخ: قيل إنه العازل بينهما. وقيل: إن البرزخ المراد به شيء من الأرض. فالبرزخ: إما عازل بينهما، وإما حاجز بينهما من الأرض، وهذا من قدرة الله سبحانه وتعالى، حيث إن هذه البحار تتجاور ويلتقي بعضها ببعض، ولا يؤثر بعضها على بعض، لا المالح ينقلب إلى عذب، ولا العذب ينقلب إلى مالح، بل كل منهما يبقى بخصوصياته. سؤال: هل معنى قوله ( {مَرَجَ} ) : أرسل أو خلق؟ الجواب: الظاهر والله أعلم ( {مَرَجَ} ) : خلط بينهما أو التقى، أو أنه سبحانه وتعالى لاقى بينهما، أي: جعل بينهما التلاقي. *** تفسير سورة الطلاق سؤال: قال الله تعالى في سورة الطلاق: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] ، ما معنى هذه الآية، وهل المقصود بقوله: {مِنْ بُيُوتِهِنَّ} إذا كانت ملكًا لهن، أم ماذا؟

تفسير سورة الطلاق

الجواب: يقول الله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} الآية. هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأمر لأمته خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم تشريفًا له، ثم وجه الخطاب إلى الأمة، فقال: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وقد ورد تفسير ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، وهذا ما يسمى بطلاق السنة، وهو: أن يطلقها وهي طاهر من الحيض في طهر لم يجامعها فيه، ونهى الشارع عن طلاقها في غير هذه الحالة، كأن يطلقها وهي حائض، أو يطلقها في طهر جامعها فيه. سؤال: وإذا كانت حاملًا؟ الجواب: إذا طلقها في طهر جامعها فيه، وقد استبان حملها فلا مانع من ذلك، أو طلقها في طهر لم يجامعها فيه ولم يستبن حملها، فهذا هو طلاق السنة أيضًا، وهو الذي أمر الله أن تطلق له النساء، {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} . وقوله تعالى: {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} : أي تقيدوا بها، بأن لا تزيدوا عليها أو تنقصوا منها. والعدة كما بينها الله سبحانه وتعالى في آيات أخرى في سورة البقرة، أن الحائض تعتد بثلاث حيض، وفي هذه الصورة أن الحامل تعتد بوضع الحمل {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} . {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} : هذا أمر من الله سبحانه وتعالى بتقواه بالتزام هذه الأحكام التي بينها؛ لأنها من مصالح العباد، وهي عبادة لله سبحانه وتعالى بالتزام أمره واجتناب نهيه.

{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} : هذا فيه نهي من الله سبحانه وتعالى أن لا تخرج المطلقة من بيت الزوجية قبل نهاية عدتها، ففيه مشروعية اعتداد المطلقة في بيت الزوجية، وأن لا تخرج منه؛ لأنها إذا كانت رجعية، فإنها زوجة لها حكم الزوجات ولعل مطلقها أن يراجعها، تكون الفرصة مهيأة للرجعة التي يرغب فيها الشارع، لما فيها من مصلحة، وإن كانت بائنًا، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، هل تجب السكنى أو لا تجب، وظاهر الآية أنها أيضًا تجب لها السكنى، والمسألة فيها خلاف، أما الرجعية فلا خلاف؛ لأنها تجب لها السكنى والنفقة لأنها زوجة. {وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} : الفاحشة المبينة، قيل: هي الزنا، وقيل: هي البذاءة باللسان، بأن يحصل منها بذاءة على الزوج أو على أهل الزوج، سب أو شتم أو غير ذلك، فإنها حينئذ يسوغ إخراجها من بيت الزوجية {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} والآية عامة للفاحشة المبينة، سواء كانت زنا أو بذاءة أو غير ذلك. {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} : أي أحكامه التي حددها وبينها لعباده فالتزموها ولا تتعدوها. {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} : حيث إنه عصى الله - سبحانه وتعالى - وعرض نفسه للعقوبة، عقوبة المخالفة. {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} : لا تدري لعل الله يحدث رغبة في الرجعة بعد الطلاق، ويحصل من الزوج أن يراجع زوجته، ويرغب في بقائها في عصمته، ويكون هذا مما أحدثه الله سبحانه وتعالى

بعدما حصل من الطلاق والنفرة، عادت المودة {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} إلى آخر الآية. فدلت هذه الآية على تحريم طلاق البدعة، وهو الطلاق في الحيض، أو في الطهر الذي جامعها فيه، ولم يتبين حملها، كذلك دلت على تحريم طلاق الثلاث بلفظ واحد؛ لأنه بدعة، وشرعت للمسلم أن يطلق في حالة يباح له فيها الطلاق شرعًا وهو الطهر الذي لم يجامعها فيه، أو في حالة ما إذا كان جامعها في الطهر، ولكن تبين حملها، فحينئذ يجوز له طلاقها. ودلت على سكنى المعتدة في بيت الزوجية حتى تكمل عدتها، ودلت على تحريم إخراجها أو خروجها من بيت الزوجية قبل تمام العدة، ودلت على وجوب التقيد بالعدة، فلا يزاد فيها ولا ينقص. سؤال: عرفنا أن طلاق البدعة هو الذي يكون في طهر جامعها فيه، أو في حال الحيض، وهذا لا يجوز، لكن إذا صدر الطلاق في هاتين الحالتين، فهل يقع أم لا؟ الجواب: جمهور أهل العلم على أنه يقع؛ لأن ابن عمر - رضي الله عنهما - طلق زوجته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها، والمراجعة لا تكون إلا من طلاق قد وقع، وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم. ***

سؤال: ما معنى قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ؟ الجواب: ذكر الله في هذه الآية ثلاثة أنواع من المعتدات: النوع الأول: اللائي يئسن من الحيض، الآيسة: التي بلغت سن الإياس بأن بلغت خمسين سنة، فهذه تعتد بالأشهر {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} ؛ لأن كل شهر بدل حيضة؛ لأن الحائض تعتد بثلاث حيض كما في قوله تعالى في سورة البقرة: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ، يعني ثلاث حيض. فالتي لا تحيض، تكون عدتها ثلاثة أشهر، بدل ثلاث حيض. والثانية: اللائي لم يحضن، وهن الصغار اللاتي لم يبلغن سن الحيض، إذا طلقن في هذه الحالة، فهن مثل الآيسات، يعتددن بثلاثة أشهر؛ لأنهن لا حيض لهن. والثالثة: المطلقة الحامل، وهذه عدتها بوضع الحمل، ولو بعد الطلاق بلحظة، ولو بفواق ناقة، فإذا وضعت حملها بعد الطلاق، فإنها تخرج بذلك من العدة، لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] ، وهذا هو أصح قولي العلماء. ***

تفسير سورة عبس

تفسير سورة عبس سؤال: ما معنى كلمة: عبس المذكورة في سورة عبس؟ الجواب: العبس معناه: عبس الإنسان إذا قطب جبينه، وظهرت عليه الكراهة، بأن يتضايق الإنسان من شيء فيظهر على وجهه الكراهة والعبوس وعدم الانبساط، هذا هو الأصل. و {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: 1] ، في القرآن معناها: أن النبي صلى الله عليه وسلم حصل منه بعض الكراهية والتضايق، بسبب أن عبد الله ابن أم مكتوم الأعمى، جاءه يسأله عن أمور من أمور دينه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بحضرته ناس من أكابر قريش، وكان عليه الصلاة والسلام يطمع في إسلامهم، وترغيبهم والتحدث معهم لعل الله أن يهديهم، ليدعوهم إلى الله عز وجل، فلما جاء عبد الله ابن أم مكتوم، يسأله وهو مشغول مع هؤلاء، كأنه كره مجيء عبد الله ابن أم مكتوم في هذه المناسبة، وكره سؤاله؛ لأنه يشغله عن التحدث مع هؤلاء، فعاتبه الله عز وجل على ذلك وقال: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس: 1 - 10] . والمعنى أن الله ينكر على النبي صلى الله عليه وسلم عدم استقباله لعبد الله ابن أم مكتوم الذي جاء راغبًا في الخير، ومقبلًا على الخير، وانشغاله مع قوم لا رغبة لهم في الخير، ولا محبة لهم في دين الإسلام، بل هم في زعمهم أنهم في غنى عنه، فهم ليسوا راغبين، ولا مقبلين على دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، من هنا جاء العتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

تفسير سورة الفجر

تفسير سورة الفجر سؤال: ما معنى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 6-8] ، وما المقصود: "بإرم"؟ الجواب: هذه القبيلة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى هي من الأمم الكافرة العاتية التي اغترت بقوتها وجبروتها؛ لأن الله أعطاها من القوة البدنية وقوة الحضارة والملك ما اغترت به وطغت بسببه، قال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ} [فصلت: 15، 16] ؛ لأنهم لما جاءهم نبي الله هود عليه السلام ودعاهم إلى توحيد الله وعبادته، تكبروا وتجبروا واغتروا بقوتهم، وقد ذكر الله قصتهم في مواضع كثيرة من كتابه، ومن ذلك هذا الموضع من سورة الفجر، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} . قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين، خارجين عن طاعته، مكذبين لرسله، جاحدين لكتبه، فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم وجعلهم أحاديث وعبر، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} ، وهؤلاء عاد الأولى، وهم ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح. قال ابن إسحاق: وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودًا عليه السلام، فكذبوه وخالفوه، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم، وأهلكهم

بريح صرصر عاتية، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية، وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع ليعتبر بمصرعهم المؤمنون. فقوله تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} عطف بيان وزيادة تعريف بهم. قوله تعالى: {ذَاتِ الْعِمَادِ} : لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الشداد، وقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشًا، ولهذا ذكرهم هود بتلك النعمة، وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم، وقال: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: 69] ، انتهى كلامه رحمه الله. وبه يتبين المراد بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} ، والله أعلم. *** تفسير سورة العاديات سؤال: ما تفسير قول الله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} [العاديات: 1، 2] ، وما المراد بالعاديات هنا؟ الجواب: يقسم الله سبحانه وتعالى بالعاديات وهي الخيل، التي تعدوا بركابها عند الحاجة، كما في حالة القتال في سبيل الله والغارات. فمعنى ضبحًا: أي أصواتها عندما تعدو. فالموريات قدحًا: أي أنها تقدح بحوافرها الحجارة عندما تغير. فالمغيرات صبحًا: هي الخيل أيضًا.

تفسير سورة العاديات

وكل هذه أوصاف للخيل وحالتها عند الغارة في سبيل الله - عز وجل - وفي هذا دليل على فضل الجهاد في سبيل الله، وركوب الخيل للجهاد في سبيل الله، والله تعالى يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] . *** تفسير سورة القارعة سؤال: ما معنى الآية: {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة: 1-3] إلى آخر السورة؟ الجواب: القارعة: يوم القيامة، سمي بالقارعة لأنه يقرع الأسماع بأهواله، وهذا أحد أسمائه، وقد سمي بأسماء كثيرة: القارعة والصاخة والطامة الكبرى والساعة والحاقة وغير ذلك من أسمائه؛ لأنه يوم عظيم، يوم فيه أهوال عظيمة. قوله تعالى: {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} ، هذا التكرار من أجل تفخيم هذا اليوم، وشد الانتباه لما يجري فيه من الأهوال حتى يكون المسلم على استعداد لملاقاته، ثم إنه سبحانه وتعالى بين ذلك بقوله: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 4، 5] ، بين ما يكون في هذا اليوم من الحشر وجمع الخلائق، ومن تغير هذه الكائنات، حتى إن الجبال الرواسي تذوب وتكون كالعهن المنفوش من لينها وذوبانها بعد أن كانت جامدة قوية صلبة، ثم بين سبحانه وتعالى انقسام الناس إلى قسمين: سعداء، وأشقياء.

تفسير سورة القارعة

أما السعداء: فهم الذين ثقلت موازين حسناتهم فرجحت بسيئاتهم ففازوا برضا الله سبحانه وتعالى، ونعيم الجنة خالدين مخلدين فيه. والأشقياء: هم الذين خفت موازينهم، بمعنى أن سيئاتهم رجحت على حسناتهم والعياذ بالله، فهؤلاء خابوا وخسروا وانقلبوا إلى أسوأ عاقبة، وهي أن النار مقرهم ومصيرهم أبد الآباد. *** تفسير سورة الماعون سؤال: ما معنى قول الله تعالى في سورة الماعون، بسم الله الرحمن الرحيم: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4-7] ؟ الجواب: ويل: كلمة عذاب وتأديب ووعيد شديد، وقيل: إنه واد في جهنم للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، أي: الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، بأن يصلي الفجر بعدما تطلع الشمس، ويصلي الظهر في وقت العصر، والعصر في وقت المغرب، وهكذا. فالذي يخرج الصلاة عن وقتها هذا يعتبر ساهيًا عنها، ومضيعًا لها كما في الآية الأخرى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] ، فإضاعة الصلاة والسهو عنها، اللذين ورد الوعيد عليهما في هاتين الآيتين، هو إخراجها عن وقتها من غير عذر شرعي؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] ، أي: مشروطة في أوقاتها، لا يجوز إخراجها عنها من غير عذر شرعي. وقوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} : يعني يراءون الناس بأعمالهم،

تفسير سورة الماعون

يؤدون أعمالًا صالحة لا يريدون بها وجه الله، وإنما يريدون أن يمدحهم الناس، كالذي يتصدق لأجل أن يمدحه الناس أو يصلي، أو يطلب العلم، أو يؤدي أي عبادة من العبادات، لا رغبة في الطاعة والثواب، وإنما يريد بذلك أن يمدحه الناس، ويثنوا عليه، فهذا هو الرياء، وهذا يحبط العمل، كما قال سبحانه وتعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه، فقال: الرياء» ، فالرياء محبط للعمل وهو شرك أصغر. وهو خطر شديد، وهو من صفات المنافقين؛ لأنهم كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142] . فالرياء داء خطير، ومرض وبيل، والواجب على المسلم أن يخلص عمله لله عز وجل، ولا يقصد من ورائه رياءً ولا سمعة. وأما الذين يمنعون الماعون: المراد بالماعون هنا العارية؛ لأن بذل العارية للمحتاج من الطاعة والإحسان يثاب عليها الإنسان، فالذي يمنع العارية عن المحتاج وهو لا ضرر عليه في بذلها يعتبر عليه هذا الوعيد العظيم. وقد فسر الماعون بما يشمل القدر والفأس والحبل والدلو وكل ما يحتاجه الناس لأمورهم التي يضطرون إليها، فبذل العارية للمحتاجين، إذا لم يترتب على ذلك ضرر بالمعير، وهو في غنى عنها، فإن بذلها من الطاعة ومنعها من المتوعد عليه في هذه الآية الكريمة. ***

كتاب الحديث

كتاب الحديث

معنى حديث كل عمل ابن آدم له إلا الصوم سؤال: في الحديث القدسي: قال الله تعالى: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» ، أرجو من فضيلتكم شرح هذا الحديث، ولماذا خص الصوم بهذا التخصيص؟ أفيدوني بارك الله فيكم. الجواب: هذا حديث عظيم وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، أنه قال: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» ، فهذا الحديث فيه فضيلة الصيام ومزيته من بين سائر الأعمال، وأن الله اختصه لنفسه من بين أعمال العبد، فهذا تشريف للصيام، وتفضيل له على غيره من الأعمال، وقد أجاب أهل العلم عن قوله تعالى: «الصوم لي وأنا أجزي به» بعدة أجوبة: منهم من قال: إن معنى قوله تعالى: «الصوم لي وأنا أجزي به» ، أن أعمال ابن آدم قد يجري فيها القصاص بينه وبين المظلومين، فالمظلومون يقتصون منه يوم القيامة بأخذ شيء من أعماله وحسناته، كما في الحديث: «بأن الرجل يأتي يوم القيامة بأعمال صالحة أمثال الجبال فيأتي وقد شتم هذا وضرب هذا، وأكل مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، ولهذا من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته ولم يبق شيء يؤخذ من سيئات المظلومين وتطرح عليه، ويطرح بالنار» ، إلا الصيام فإنه لا يؤخذ منه يوم القيامة، وإنما يدخره

الله عز وجل للعامل يجزيه به، ويكون هذا معنى قوله: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» ، أي أن أعمال بني آدم يجري فيها القصاص ويأخذها الغرماء يوم القيامة، إذا كان ظلمهم، إلا الصيام، فإن الله يحفظه ولا يتسلط عليه الغرماء، ويكون لصاحبه عند الله عز وجل. وقيل: إن معنى قوله تعالى: «الصوم لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي» معناه: أن الصوم عمل باطني، لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فهو نية قلبية، بخلاف سائر الأعمال، فإنها تظهر ويراها الناس، أما الصيام فإنه عمل سري بين العبد وبين ربه - عز وجل - ولهذا يقول: «الصوم لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي» ، فكونه ترك طعامه وشرابه من أجل الله هذا عمل باطني ونية خفية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، بخلاف الصدقة مثلًا والصلاة والحج والأعمال الظاهرة، هذه يراها الناس، أما الصيام فلا يراه أحد؛ لأنه ليس معنى الصيام ترك الطعام والشراب فقط، أو ترك المفطرات الظاهرة فقط، لكن معنى الصيام أن يكون خالصًا لله عز وجل ونية صادقة لله عز وجل، هذا معنى الصيام، وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى؛ فيكون هذا معنى قوله تعالى: «الصوم لي وأنا أجزي به» ، وفسره بقوله: «إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي» . ومن العلماء من يقول: إن معنى قوله تعالى: «الصوم لي وأنا أجزي به» أن الصوم لا يدخله شرك، بخلاف سائر الأعمال، فإن المشركين كانوا

يقدمونها لمعبوداتهم، كالذبح والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة، وكذلك الدعاء والخوف والرجاء، فإن كثيرًا من المشركين يتقربون بها إلى أصنامهم ومعبوداتهم، بخلاف الصوم، فلم يذكر أن المشركين كانوا يصومون لأوثانهم ومعبوداتهم، الصوم إنما هو خاص بالله عز وجل، فهذا يكون معنى قوله: «الصوم لي وأنا أجزي به» ، أي أنه لا يدخله شرك، ولم يكن المشركون يتقربون به إلى أوثانهم، وإنما يتقرب بالصوم إلى الله عز وجل. *** معنى حديث: يا معشر الشباب سؤال: ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في معرض الحديث الذي يحث فيه الشباب على الزواج، ورد قوله: «فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» ، فما معنى هذا، وما هي الحكمة من ذلك؟ الجواب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» ، معنى الحديث ظاهر، أن الشاب إذا قويت شهوته ودواعي الجماع عنده، فإن عليه أن يبادر إلى الزواج ليستغل ذلك بالطريق الحلال المشروع، ويسلم ويبتعد عما حرم الله عز وجل؛ لأن الله أغنى المسلم بالحلال عن الحرام، فعليه أن يتزوج ليعف نفسه وليغض بصره عن الحرام. فالزواج فيه حصانة للمسلم، وإذا كان لا يستطيع الزواج ماديًّا لكونه فقيرًا، ولا يستطيع القيام بكلف الزواج فإنه يعدل إلى الصوم؛ لأن الصوم

معنى حديث يا معشر الشباب

أحد العلاجين؛ لأنه يحد من الشهوة ويضعفها؛ فبذلك يسلم الشاب من إرسال نظره، أو التطلع إلى ما حرم الله عز وجل؛ لأنه يشعر بأنه في عبادة؛ فيغض بصره ويحتاط لعبادته، فالصيام فيه ضمانة، وفيه حصانة للمسلم من الوقوع في الحرام، وهذا من فوائد الصيام، بل هذا من أعظم فوائد الصيام، أنه يكون حصانة للمسلم من الوقوع في المحرم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «فإنه له وجاء» يعني أنه يحد من شهوته، ويكسر شهوته العارمة التي يخشى عليه من خطرها، فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف أرشد الشاب إلى علاجين عظيمين يعالج بهما حدة الشهوة: العلاج الأول: الزواج، قال عليه الصلاة والسلام: «إنه أغض للبصر، وأحصن للفرج» ، وإذا لم يستطع الزواج فإنه يلجأ إلى العلاج الثاني، وهو الصيام؛ لأن تأثير الصيام معروف في نفسية المسلم وخلق المسلم. *** معنى حديث: من سن في الإسلام سؤال: ما مدى صحة هذا الحديث: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» ، وما معناه؟ وهل هناك مجال لأن يسن الناس سننًا أخرى غير التي اشتمل عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، وهل ما يسن من ذلك يعتبر من البدع؟ الجواب: المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة» ، المراد به: من عمل طاعة من الطاعات المشروعة، واقتدى به الناس في ذلك،

معنى حديث من سن في الإسلام

فقد سن سنة حسنة، وليس معناه أنه يحدث عبادة جديدة، أو عملًا جديدًا لم يشرعه الله ولا رسوله، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» ، وفي رواية: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ، والأحاديث في ذم البدع والتنفير منها كثيرة، فليس معنى: «من سن في الإسلام سنة حسنة» أنه أحدث شيئًا جديدًا، ولكن معناه أنه عمل بخصلة من خصال الخير فاقتدى به الناس في عمل الخير، فكان فعله هذا سنة حسنة. سؤال: هل يعني أن هذه السنة مأمور بها، لكن الناس أهملوها أو تركوها أو غفلوا عنها؟ الجواب: نعم، ومما يدل على هذا سبب هذا الحديث، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه ناس محتاجون وبدت عليهم الحاجة والفقر، فالنبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وحثهم على الصدقة ورغبهم فيها؛ فجاء رجل معه صرة من المال قد عجزت يده عن حملها، ثم تبادر الناس وكل جاء بما يسر الله حتى بلغت الصدقات أكوامًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فسر النبي بذلك، وقال هذه الكلمة العظيمة: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها» ، فهذا الرجل بادر إلى الصدقة فشق الطريق لمن حوله من المسلمين، فاقتدوا به وبادروا.

سؤال: «من سن سنة سيئة» هذه بقية الحديث، أو هي من باب القياس؟ الجواب: هذه من بقية الحديث، على النقيض «من سن سنة حسنة» في مقابلة: «من سن سنة سيئة في الإسلام» ، بأن عمل سوءًا وصار قدوة سيئة للناس في ترك الواجبات وفعل المحرمات وإحداث البدع وغير ذلك. «فعليه وزرها ووزر من عمل بها» : من اقتدى بها يتحمل وزر هذه الجريمة، ووزر من اقتدى به، وهذا لفظ الحديث. *** معنى حديث المؤمن القوي سؤال: ما مدى صحة الحديث القائل: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف» ، وإن كان صحيحًا فما معناه وبأي شيء تكون القوة؟ الجواب: أولًا الحديث صحيح، رواه الإمام مسلم في صحيحه. ومعناه: إن المؤمن القوي في إيمانه والقوي في بدنه وعمله خير من المؤمن الضعيف في إيمانه أو الضعيف في عمله وبدنه؛ لأن المؤمن القوي ينتج ويعمل للمسلمين، وينتفع المسلمون بقوته البدنية، وبقوته الإيمانية وبقوته العملية، ينتفعون من ذلك نفعًا عظيمًا، بالجهاد في سبيل الله، وفي تحقيق مصالح المسلمين، وفي الدفاع عن الإسلام والمسلمين، وإذلال الأعداء، والوقوف في وجوههم وهذا ما لا يملكه المؤمن الضعيف، فمن هذا الوجه كان المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، «وفي كل خير» كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم.

معنى حديث المؤمن القوي

فالإيمان كله خير، المؤمن الضعيف فيه خير، ولكن المؤمن القوي أكثر خيرًا منه لنفسه ولدينه ولإخوانه المسلمين، فهذا فيه الحث على القوة، ودين الإسلام هو دين القوة، ودين العزة، ودين الرفعة، دائمًا وأبدًا يطلب من المسلمين القوة. قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] ، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] ، وقال تعالى: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] . فالقوة مطلوبة في الإسلام، القوة في الإيمان والعقيدة، والقوة في العمل، والقوة في الأبدان؛ لأن هذا ينتج خيرًا للمسلمين. *** معنى حديث: خذوا عني مناسككم سؤال: السؤال: ما معنى قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» ، وما هي صفة حجة الوداع للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: أما قوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» ، فمعناه: وجوب اقتداء الحاج بالنبي صلى الله عليه وسلم في أعمال الحج بأن يتعلم أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم التي فعلها في الحج وأقواله، ويقتدي به في ذلك، هذا معنى قوله: «خذوا عني مناسككم» ، يعني تعلموا مني أحكام حجكم وعمرتكم، فافعلوا مثل ما أفعل، وهذا خطاب لمن كان معه ولمن يأتي بعده إلى يوم القيامة، فيجب على كل حاج أو معتمر أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء المناسك، فقد كان

معنى حديث خذوا عني مناسككم

الصحابة رضي الله عنهم يشاهدون النبي صلى الله عليه وسلم ويتابعونه، ومن يأتي بعده فعليه أن يعمل بالأحاديث الصحيحة الواردة في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعمل بموجبها. وإن كان لا يستطيع ذلك، فإنه يسأل أهل العلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ليخبروه وليبينوا له، هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» ، فهذا دليل على أن أعمال الحج توقيفية كسائر أنواع العبادة، فإنها توقيفية، فلا يقدم على فعل شيء منها إلا إذا ثبت في الكتاب والسنة أنه مشروع وأنه عبادة. أما صفة حجة الوداع، فوصفها يطول، ولكن على القارئ أن يراجع الأحاديث التي وردت في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أعظمها حديث جابر، الحديث المشهور الطويل الذي وصف فيه حجة النبي صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها. *** معنى حديث: إِذًا يُكْفَى هَمُّكَ سؤال: قرأت حديثًا «عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، قال: فقلت: الربع، قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: فقلت: فالثلث، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال: فقلت: النصف، قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا يكفى همك، ويغفر ذنبك» ، فهل هذا الحديث صحيح بهذا اللفظ؟ وما معناه؟ وما المقصود بجعل الصلاة كلها للرسول صلى الله عليه وسلم؟

معنى حديث إذا يكفى همك

الجواب: هذا الحديث رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. والمراد بالصلاة هنا: الدعاء، فأبي بن كعب رضي الله عنه كان يكثر من الدعاء. ومعنى الحديث: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يجعل ربع دعائه أو نصفه أو كل دعائه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يعني يستبدل الدعاء الذي كان يدعو به، بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا جعل دعاءه كله صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكفى همه ويغفر ذنبه؛ لأن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشر صلوات، ومن صلى الله عليه فقد كفاه همه، وغفر له ذنبه، فهذا الحديث في فضيلة الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. *** سؤال: قرأت في كتاب المجموعة المباركة في الصلوات المأثورة والأعمال المبرورة، قرأت حديثًا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وسورة الزلزلة خمس عشرة مرة، فإذا فرغ من صلاته يقول: يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام مائة مرة، آمنه الله من عذاب القبر ومن ظلمته، ومن أهوال يوم القيامة» ، فما مدى صحة هذا الحديث نصًّا ومعنى؟

الجواب: أولًا: نوجه بأن الحديث لا يؤخذ من مثل هذا الكتاب، وإنما يرجع إلى كتب الحديث الموثوقة كصحيح البخاري، وصحيح مسلم، والسنن، وغيرها من الكتب المعروفة الموثوقة، وبالنسبة لهذا الحديث الذي ذكرت؛ هذا لم أجد له أصلًا فيما اطلعت عليه، ويظهر أنه لا أصل له؛ لأن فضائل الجمعة التي ذكرها أهل العلم لم يكن لهذا الحديث من بينها ذكر، والذي يشرع في ليلة الجمعة الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الجمعة وفي يوم الجمعة، وفي فجر ليلة الجمعة يستحب أن يقرأ في صلاة الفجر، في الركعة الأولى: الم السجدة، وفي الثانية: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} ، هذا الذي يشرع في ليلة الجمعة، وأما أن تخص بصلاة دون غيرها من الليالي، هذا لم يثبت فيه حديث، وهي كغيرها من الليالي، على المسلم أن يصلي ما تيسر من التهجد، ويختم ذلك بالوتر، أما أن يصلي هذه الصلاة التي ذكرتها فهذا لا يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعليك كما ذكرنا إذا أردت أن تعمل بحديث أن تراجع كتب السنة المعروفة الموثوقة، أما أن تأخذ كتابًا غريبًا أو مجهولًا فتعتمد عليه، وتنقل منه الحديث، فهذا يوقعك في الخطأ، والأحاديث فيها الموضوع المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وفيها الضعيف، ويبين هذا كتب أهل الفن المتخصصين في الحديث، فليس كل حديث تجده في كتاب يعمل به حتى يتحقق من أصله، ومن مصدره، والله أعلم. ***

معنى حديث كل لحم نبت من سحت

معنى حديث: كل لحم نبت من سحت سؤال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به» ، ما شرح هذا الحديث يا فضيلة الشيخ؟ الجواب: أولًا: الحديث ضعيف، وهو مروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وله روايتان، الأولى: «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به» ، والثانية: «كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به» . والسحت هو الحرام. ومعنى الحديث: أن كل جسم ولحم تغذى بالحرام، فإنه يكون يوم القيامة في النار عقوبة له؛ لأن الله سبحانه وتعالى حرم الخبائث والمكاسب المحرمة وأمر بالأكل من الطيبات، وما أباح الله سبحانه وتعالى لعباده؛ لأن المحرم يغذي تغذية خبيثة، وأما الطيب فإنه يغذي تغذية طيبة وله آثار حميدة على جسم الإنسان، وعلى تصرفاته وأخلاقه، أما الخبيث فإنه يغذي الإنسان تغذية خبيثة، وينعكس ذلك على تصرفات الشخص وأعماله فإنها تكون خبيثة بتأثير طعامه الخبيث، فدل هذا على ما للمطعم من أثر على الإنسان، وأنه يتأثر به خيرًا إذا كان مطعمًا طيبًا، ويتأثر به شرًّا إذا كان مطعمًا خبيثا، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51] .

وقال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114] . قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] . وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172] . فأمر الناس عمومًا بالأكل من الحلال الطيب، وأمر المؤمنين خصوصًا بالأكل من طيبات ما رزقهم الله عز وجل، وأن يشكروا الله على نعمته، هذا يدل على الاهتمام بالمطعم، وأن الإنسان يهتم بما يغذي به جسمه، ويتجنب الحرام، وقد صح في الحديث أن أكل الحرام يمنع من قبول الدعاء، كما في حديث المسافر: «أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يقول: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» وهذا أمر مهم جدًّا. *** سؤال: وجدت حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اثنتا عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار، وتتشهد بين كل ركعتين، فإذا تشهدت في آخر صلاتك فأثن على الله - عز وجل - وصل على النبي صلى الله عليه وسلم واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وآية الكرسي سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وهو على كل شيء قدير عشر مرات، ثم قل: اللهم إني»

«بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وجدك الأعلى، وكلماتك التامة، ثم سل حاجتك، ثم ارفع رأسك، ثم سلم يمينًا وشمالًا، قال: ولا تعلموها السفهاء، فإن يدعوا بها يستجاب لهم» أو ما معناه، رواه الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقال أحمد بن حرب: قد جربته فوجدته صحيحًا، وقال إبراهيم بن علي: قد جربته فوجدته حقًّا، وقال الحاكم: قال لنا زكريا: قد جربته فوجدته حقًّا، أفيدونا جزاكم الله خيرًا، هل هذه الصلاة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم حقًّا بهذه الصفة؟ الجواب: هذا الحديث لم أقف على أصل بين يدي من: كتب الحديث، كتب التخريج، ولا أدري عنه، مع ما فيه من الغرابة كما ذكر السائل من أنه شرع قراءة الفاتحة في غير القيام، في الركوع أو في السجود، وتكرار ذلك، وأيضًا فيه السؤال بمعاقد العز من العرش وغير ذلك، وكلها أمور غريبة، فالذي ينبغي للسائل أن لا يعمل بهذا الحديث، وفي الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا إشكال فيها، وفيها من نوافل العبادات، الصلوات والطاعات ما فيه الخير والكفاية إن شاء الله. وأما ما ذكر من أن فلانًا جربه فوجده صحيحًا، وفلانًا جربه فوجده صحيحًا، هذا كله لا يدل على صحة الحديث، يعني كون الإنسان يجرب الشيء ويحصل له مقصوده لا يدل على صحة ما قيل فيه، أو ما ورد فيه،

لأنه قد يصادف حصول هذا الشيء قضاءً وقدرًا، أو يصادف ابتلاءً وامتحانًا للفاعل، فحصول الشيء لا يدل على صحة هذا الأثر. *** معنى حديث: إن لله تعالى عبادًا سؤال: ما معنى الحديث الشريف في حال صحته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى عبادًا اختصهم بحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله» ؟ الجواب: الحديث رمز له السيوطي في الجامع الصغير بأنه حديث حسن. ومعناه واضح: أن الله سبحانه وتعالى اختص بعض الناس بقضاء حوائج المحتاجين، واختصهم بأن مكنهم من قضاء حوائج المحتاجين، واختصهم بأن مكنهم من قضاء حوائج الناس بمالهم وبجاههم وبعلمهم، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده، وهؤلاء العباد الذين اختصهم الله بهذه الخاصية، المراد حال وجودهم في الحياة الدنيا ومع الناس، لا بعد وفاتهم كما يظن المخرفون المتعلقون بالأموات، والله أعلم. ***

الجمع بين آية وحديث

الجمع بين آية وحديث سؤال: كيف نجمع بين قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» . الجواب: إن الله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده» الحديث، والسائل يطلب الجواب، يعني الجمع بين الآية والحديث، فنقول: ليس بين الآية والحديث تعارض؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نأخذ بأنفسنا إلى طريق الحق، وأن نلزمه، وألا ننظر إلى فعل الآخرين وانحراف الآخرين، ولا نكون مع الناس، إن أساءوا أسأنا، وإن أحسنوا أحسنا، بل نلزم طريق الإحسان دائمًا وأبدًا، مع أننا نقول بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب استطاعتنا كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ، وهذا تشير إليه الآية الكريمة حيث قال سبحانه: {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] ، ومن الاهتداء أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، حسب استطاعتنا، بعد إصلاح أنفسنا والأخذ بزمام أنفسنا إلى الخير، ونكون أول من يمتثل الخير، ويجتنب الشر. وصديق هذه الأمة وأفضلها بعد نبيها أبو بكر الصديق رضي الله

تعالى عنه تنبه لهذا، وقال: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] ، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه» ، فهو بين بهذا أنه لا تعارض بين الآية والحديث، وأن من ظن أن معنى الآية ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد أخطأ في فهمه للآية، والله تعالى أعلم. *** آية وحديث سؤال: ما مدى صحة الحديث القائل: «من بدل دينه فاقتلوه» ، وما معناه؟ وكيف نجمع بينه وبين قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] ، وبين قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] ، وبين الحديث القائل: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل» . وهل يفهم أن اعتناق الدين بالاختيار لا بالإكراه؟

آية وحديث

الجواب: أولًا الحديث «من بدل دينه فاقتلوه» حديث صحيح، رواه البخاري وغيره من أهل السنة بهذا اللفظ: «من بدل دينه فاقتلوه» ، وأما الجمع بينه وبين ما ذكر من الأدلة، فلا تعارض بين الأدلة ولله الحمد؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» ، هذا في المرتد الذي يكفر بعد إسلامه، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وأما قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] ، وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ} [يونس: 99] ، فلا تعارض بين هذه الأدلة لأن الدخول في الإسلام لا يمكن الإكراه عليه، الدخول في الإسلام هذا شيء في القلب، وهذا اقتناع في القلب، ولا يمكن أن نتصرف في القلوب، وأن نجعلها مؤمنة، هذا بيد الله عز وجل، هو مقلب القلوب، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، لكن واجبنا الدعوة إلى الله -عز وجل- والبيان والجهاد في سبيل الله لمن عاند وعرف الحق وعاند بعد معرفته، فهذا يجب علينا أن نجاهده، وأما أننا نكرهه على الدخول في الإسلام ونجعل الإيمان في قلبه قسرًا هذا ليس إلينا، وإنما هو راجع إلى الله سبحانه وتعالى، لكن نحن ندعو إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، ونبين للناس هذا الدين، ونجاهد أهل العناد، وأهل الكفر، والجحود، حتى يكون الدين لله وحده - عز وجل - وحتى لا تكون فتنة. أما المرتد فهذا يقتل؛ لأنه كفر بعد إسلامه، وترك الحق بعد

معرفته، فهذا عضو فاسد يجب بتره وإراحة المجتمع منه؛ لأنه فاسد العقيدة، ويخشى أن يفسد عقائد الباقين، هذا لما فسد ومرج قلبه وجب قتله لأنه ترك الحق لا عن جهل، وإنما عن عناد وبعد معرفة الحق، ولذلك صار لا يصلح للبقاء، ويجب قتله، فلا تعارض بين قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] ، وبين قتل المرتد؛ لأن {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} هذا عند الدخول في الإسلام، وأما قتل المرتد فهذا عند الخروج من الإسلام بعد معرفته وبعد الدخول فيه، على أن الآية وهي قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فيها أقوال للمفسرين، منهم من يقول: إنها خاصة لأهل الكتاب، وإن أهل الكتاب لا يكرهون، وإنما يطلب منهم الإيمان أو دفع الجزية، فيقرون على دينهم إذا دفعوا الجزية وخضعوا لحكم الإسلام، وليست عامة في كل كافر، ومن العلماء من يرى أنها منسوخة، لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] ، فهي منسوخة بآية السيف. ولكن الصحيح أنها ليست منسوخة، وأنها ليست خاصة بأهل الكتاب، وإنما معناها: أن هذا الدين بين واضح تقبله الفطر والعقول، وأن أحدًا لا يدخله عن كراهية، وإنما يدخله عن اقتناع وعن محبة ورغبة، هذا هو الصحيح في معنى الآية. ***

كتاب الطهارة

كتاب الطهارة

حكم ما خالط الماء الطهور سؤال: ما الحكم إذا خالط الماء الطهور شيء نجس؟ الجواب: المقدار المتفق عليه بين أهل العلم أن ما غير أحد أوصاف الماء الثلاثة، ما غير طعمه أو لونه أو ريحه من نجاسة فهو نجس، هذا بإجماع أهل العلم. أما إذا وقعت نجاسة في ماء ولم يتغير، فهذا إن كان كثيرًا يزيد على القلتين، فهذا طهور بإجماع أهل العلم. وإن كان أقل من قلتين فهذا موضع خلاف، والأحوط اجتنابه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» ، فمفهومه أن ما كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث ويؤثر فيه، فالاحتياط تركه إذا كان قليلًا، وفيه نجاسة ولو لم تغير أحد أوصافه، خروجًا من الخلاف. وأما إذا كان أكثر من قلتين ولم يتغير، فهو طهور. *** التشدد في الطهارة سؤال: تقع بالقرب منا بركة ماء نشرب منها ونأخذ للبيت منها بواسطة القرب، ولكن يتسرب من المكان الذي نملأ منه القرب ونشربه أو نتوضأ منه، يتسرب منه ماء إلى الأرض، فتأتي أحيانًا الكلاب وتشرب منه،

التشدد في الطهارة

فحينما نأتي للوضوء أو لأخذ الماء، قد يقع على ملابسنا شيء من ذلك الذي شربت منه الكلاب، أو يقع على القرب، فهل يؤثر هذا على طهارة ملابسنا، وبكم غسلة يجب أن نزيل ما لحق بها، وكذلك القرب هل يجب غسلها أم لا؟ وإذا مست نجاسة الكلب الثوب مباشرة فبكم غسلة يجب أن يطهر؟ الجواب: لا نرى داعيًا لهذا التشدد، ما دام أن هذا الماء المتسرب قد اجتمع منه ماء كثير، فإنه لا يؤثر شرب الكلب منه، أو مرورها فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون في الفلاة، وما ينوبه من السباع، فقال عليه الصلاة والسلام: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» ، وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» . فالأصل في هذا الماء أنه طهور، ولا ينجس ما أصابه، خصوصًا إذا كان كثيرًا كما ذكرنا. أما من ناحية لو أن نجاسة الكلب أصابت الثوب، كأن أصابه شيء من بول الكلب أو من لعابه، فإنه يطهر بغسله غسلًا يزيل النجاسة، يغسله حتى يجزم أن النجاسة زالت منه، كغيره من النجاسات، والله تعالى أعلم. ***

الأصل طهارة ثوب المرأة

الأصل طهارة ثوب المرأة سؤال: من عادة النساء أن تكون ملابسهن طويلة، مما يعرضها أحيانًا لبعض النجاسات أو الأوساخ، فهل يجوز أن يصلين فيها؟ الجواب: من المعلوم أن المرأة بحاجة إلى الزيادة في ثوبها الذي يكون من ورائها، بحيث إنه ينسحب على الأرض طلبًا للستر، وهذا شيء طيب، وهو مما يطلب من المرأة، سترًا لها، وصيانة لها، ومروره على الأرض لا بأس به، وتصلي فيه إلا إذا علمت أنه أصابته نجاسة، فإنها حينئذ تزيل النجاسة التي أصابته، ثم تصلي فيه. أما ما لم تعلم أنه أصابته نجاسة فالأصل الطهارة، وكونه يمر على الأرض أو على وجه الأرض لا يضر ولا يحكم عليه بالنجاسة بمجرد الشك، والله أعلم. *** كلب الصيد يعفى عن أثر عضته في الصيد سؤال: ما الحكم في الموضع الذي يمسكه كلب الصيد بفمه من الصيد الذي يصيده؟ هل يجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب؟ أم لا ينطبق هذا الحكم إلا على الآنية التي يأكل فيها أو يشرب فيها الكلب فقط؟ الجواب: الغسل سبع مرات إحداهن بالتراب بالنسبة للكلب هذا إذا شرب في الإناء أو أكل منه، أما كلب الصيد فإنه يعفى عن أثر عضته في الصيد؛ لأن الله تعالى قال: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] ، ولم يأمر بالغسل، كذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أرسلت كلبك»

كلب الصيد يعفى عن أثر عضته في الصيد

«المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل» ، ولم يأمر بالغسل. أما الغسل سبع مرات إحداهن بالتراب فيختص بالإناء، وإذا ولغ فيه الكلب أو أكل منه، سواء كان كلب صيد أو غيره. *** الطعام المستخرج من عظام الخنزير سؤال: ما الحكم في تناول طعام مستخرج من عظام الخنزير أو لحمه أو شحمه؟ الجواب: إذا تأكد المسلم أن الطعام مستخرج من الخنزير، أو فيه شيء من أجزاء الخنزير فإنه يحرم عليه أكله، لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] ، وهذا مجمع عليه بين الأمة، فتحريم الخنزير في الكتاب والسنة والإجماع، فالطعام الذي فيه شيء من أجزاء الخنزير يحرم أكله. *** الآنية التي تأكل فيها الكلاب سؤال: ما حكم الأكل أو الشرب في آنية تأكل وتشرب فيها الكلاب بدون علم، وماذا يلزمنا لاستعمال آنية الكلاب؟ الجواب: أولًا: في الأواني النظيفة والأواني الطاهرة غنًى عن استعمال الأواني التي تأكل منها الكلاب، أو تشرب منها الكلاب.

الآنية التي تأكل فيها الكلاب

فعليكم أن تعدلوا إلى الأواني الطيبة النزيهة النظيفة، أما لو دعت الحاجة إلى استعمال إناء ولغ فيه الكلب أو أكل فيه الكلب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا ولغ الكلب في الإناء أن نغسله سبع مرات، إحداهن بالتراب، فيجب عليكم إذا أردتم أن تستعملوا إناءً من الأواني التي تأكل أو تشرب منها الكلاب أن تغسلوه سبع مرات، وأن تعفروه بالتراب، ثم بعد ذلك تستعملونه. سؤال: أما عن الأكل أو الشرب بدون علم إن شاء الله، فإنهم لا يؤاخذون على ذلك؟ الجواب: إذا لم يعلم الإنسان أن هذا الإناء ولغ فيه كلب، فالأصل الطهارة والأصل الإباحة، مجرد الوهم أو الشك لا يترتب عليه حكم شرعي، فالإناء الأصل فيه الطهارة إلا إذا تيقن الإنسان وعلم أنه ولغ فيه كلب، فإنه يجب عليه إذا أراد أن يستعمل هذا الإناء أن ينفذ ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من غسله سبع مرات إحداهن بالتراب. *** خصي الحيوان وكيه سؤال: تجري عادة عند بعض الأشخاص المشتغلين بتربية المواشي، وهي إجراء عملية الخصي للذكور منها، رغبة في تسمينها، وذلك بعدة طرق كلها تسبب ألمًا للحيوان، فهل هذا جائز أم لا؟ كذلك عملية الوسم، أي وضع علامة على أذن الحيوان بحرقها بالنار أو قطعها ونحو ذلك، مما يسبب ألمًا شديدًا لها، فهل في ذلك إثم على فاعله أم لا؟

خصي الحيوان وكيه

الجواب: يجب الإحسان بالحيوانات وعدم إلحاق الضرر بها وما يؤلمها من غير مصلحة شرعية، ويجب الرفق بها، والإحسان إليها. أما مسألة خصي الحيوان لأجل تسمينه، أو وسمه لأجل أن يعرف، إما بقطع أذنه أو كيه، أو ما أشبه ذلك فلا بأس بذلك؛ لأن فعل هذا لمصلحة، لكن عليه أن يستعمل مع الحيوان في إجراء هذه العملية الأسهل، ولا يستعمل في طريقة الخصي أو الوسم الطريقة المؤلمة التي تؤذي الحيوان بدون فائدة، على أنه يحرم عليه أن يجعل الوسم في الوجه، فيجب عليه أن يتجنب وجه الحيوان فلا يسمه، لا بكي ولا بقطع ولا بضرب ولا بغير ذلك؛ لأنه منهي عن ضرب الوجه، وعن الوسم في الوجه. أما الوسم في الأذن فلا بأس بذلك، سواء كان بقطع طرف منها أو خرقها، أو كيها بنار، لا بأس في ذلك؛ لأنه لمصلحة، لكن عليه أن يستعمل الطريقة المريحة في هذا. *** قتل الحيوانات عن طريق الخطأ سؤال: أحيانًا وأنا أقود سيارتي بسرعة تتعرض لي بعض القطط أو الكلاب، فلا أستطيع السيطرة على السيارة أو تفاديها، فأدهسها رغمًا عني، فهل علي إثم في هذا أم لا؟ الجواب: الحيوانات لها حرمة، لا يجوز الاعتداء عليها وقتلها إلا إذا كانت مؤذية، كالسباع والحيات والأشياء المؤذية، أما الحيوانات غير المؤذية فهذه لا يجوز قتلها، وإذا كانت عرضت لك وأنت في السيارة فعليك أن

قتل الحيوانات عن طريق الخطأ

تحافظ على حياتها وأن تترك لها فرصة المرور، أما إذا لم تتمكن من ذلك، كأن دهستها من غير قصد ولم تتمكن من الامتناع، فلا حرج عليك في ذلك، إنما تأثم لو تعمدت قتلها بدون مبرر؛ لأنها حيوانات لها حرمة، وليست مؤذية. سؤال: القطط من الحيوانات الأليفة، لكن لو كانت تسبب أذى في إتلاف بعض الممتلكات مثلًا أو أكل الدجاج مثلًا أو نحو ذلك، فهل يجوز إتلافها؟ الجواب: نعم، كل المؤذيات قططًا أو غيرها إذا آذت ولم تنزجر بالتأديب، فإنه يجوز قتلها دفعًا لأذاها وضررها. *** ذبائح أهل الكتاب سؤال: نحن جماعة في قرية الصعيد، ويوجد في هذه القرية الكثير من الجزارين، وهم يدينون بالديانة المسيحية، ونحن نأكل من هذا اللحم الذي يبيعونه لنا، هل هذا حرام يا فضيلة الشيخ، أفيدونا بذلك؟ الجواب: هذا ليس بحرام، ذبائح أهل الكتاب مباحة، بدليل قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] ، والمراد بطعامهم هنا: ذبائحهم. الله سبحانه أباح لنا أن نأكل من ذبائح أهل الكتاب، لكن بشرط أن يكونوا ذبحوها على الطريقة الشرعية. أما إذا ذبحوها بغير الطريقة الشرعية، كالصعق الكهربائي والخنق، أو الوقذ، أو ما أشبه ذلك، فإنها لا تؤكل ذبائحهم، كما لا تؤكل ذبيحة المسلم إذا فعل هذه الأشياء،

ذبائح أهل الكتاب

فالمسلم إذا ذكى على غير الطريقة الشرعية فلا تؤكل ذبيحته، كذلك الكتابي من باب أولى إذا ذكى على غير الطريقة الشرعية، فإنها لا تؤكل ذبيحته، أما إذا ذكى على الطريقة الشرعية فإن الذبيحة حلال. *** الأكل من طعام الكفار سؤال: نحن من السودان، ونعمل في العراق، وهم كانوا يقومون بذبح الطعام لنا، علمًا بأنهم لا يدينون بالدين الإسلامي، فما رأي الشرع في نظركم في هذا الطعام الذي نتناوله عندما يطبخونه لنا؟ الجواب: لا شك أن المسلم ينبغي له أن يتجنب الكفار ومخالطتهم والأكل معهم واستعمالهم في أعماله الخاصة؛ لأنهم أعداء لله ولرسوله، وفي مخالطتهم ضرر كبير، والله جل وعلا يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118] ، فهم أعداء الله، وأعداء رسوله، وأعداء المؤمنين، لا يجوز للمسلم أن يثق بهم، وأن يوليهم شئونه الخاصة وأن يؤاكلهم ويجالسهم، مطمئنًا إليهم، ومنشرحًا صدره بهم، ومستأنسًا بهم، لا يجوز للمسلم هذا. بل يجب عليه أن يفارقهم، وأن يبعدهم عن أموره الخاصة، لا في الطبخ ولا في غيره. أما أكل الطعام الذي طبخوه في حد ذاته فهو جائز، إلا ما وضعوا فيه موادا محرمة، كلحم الخنزير ومشتقاته، أو شيء من ذبائحهم إذا كانوا غير كتابيين، فذبائح غير أهل الكتاب محرمة وهي ميتة، فإذا وضعوا في

الأكل من طعام الكفار

الطعام شيئًا من ذبائحهم المحرمة أو من لحم الخنزير ومشتقاته، فإنه يحرم على المسلم أن يأكل ما طبخوه من الطعام. أما إذا خلا من هذه المحاذير، فلا بأس أن يأكل المسلم من طعامهم وما طبخوه، ولكن كما ذكرنا يحرص على الابتعاد عنهم وتوليتهم شئونه الخاصة. *** التسمية من واجبات الوضوء سؤال: إذا كان الإنسان في دورة المياه، وأراد أن يتوضأ للصلاة، كيف يبسمل وهو في دورة المياه؟ وهل يصح الوضوء بدون بسملة؟ أفيدونا بالجواب. الجواب: التسمية في أول الوضوء واجب من واجبات الوضوء على مذهب الإمام أحمد - رحمه الله - لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» ، وإن كان فيه مقال، إلا أن هناك أحاديث تؤيده، وتشهد له بالجملة. أما عند جمهور أهل العلم فيرون أن التسمية في الوضوء مستحبة، وليست بواجبة، وعلى كل حال فدورة المياه ليست محلا لذكر الله عز وجل، بل يحرم ذكر الله في مواضع قضاء الحاجة؛ لأن هذه مواضع خبيثة ومواضع ممتهنة، واسم الله جل وعلا يكرم ويعظم من أن يذكر في المواطن غير اللائقة، فهذا المتوضئ إذا أراد أن يدخل الحمام، فإنه يقول: بسم الله، قبل دخوله، ويكفيه هذا عن التسمية عند بداية الوضوء، بل يسبقها عند الدخول، وتكفيه إن شاء الله.

مس عورة الطفل تنقض الوضوء

مس عورة الطفل تنقض الوضوء سؤال: ما حكم مس عورة الطفل، هل تنقض الوضوء أم لا؟ الجواب: مس الفرج قبلًا كان أو دبرًا، ينقض الوضوء من الكبير ومن الصغير، فلا فرق بين الكبير والصغير في هذا. *** لمس المرأة للرجل بدون قصد لا ينقض الوضوء سؤال: لمس المرأة للرجل بدون أي قصد، كمرورها من مكان مزدحم ونحوه، أو تناولها شيء من بائع سلعة، أو هي تناوله ثمنًا ونحو ذلك، هل مثل هذا اللمس ينقض وضوءها، إذا كانت قبله على وضوء، أم أن مثل هذا لا يؤثر؟ الجواب: أولًا: ننصح المرأة أن لا تزاحم الرجال وأن تبتعد عن الاختلاط ومماسة الرجال، وأن تتجنب مواطن الزحمة التي يخشى معها من الفتنة، فإن المرأة فتنة تفتن نفسها، وتفتن غيرها، فيجب عليها أن تبتعد عن مواطن الفتنة. أما بالنسبة فيما لو لمست بدن رجل من غير قصد، كما ذكرت، فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا ينتقض وضوؤها، وإنما ينتقض وضوؤها إذا لمسته لشهوة، أو لمسها هو لشهوة، أما إذا حصل ذلك اتفاقًا من غير قصد، فإنه لا يؤثر على الوضوء، لكن كما ذكرنا المخالطة والمماسة هذه أمور لا تجوز بين الرجال والنساء.

خروج الدم والوضوء

خروج الدم والوضوء سؤال: في حالة خروج الدم من المتوضئ من مكان يصله الوضوء، كالوجه أو اليد، في حالة سيلانه، أو في حالة عدم سيلانه، هل ينقض الوضوء في هاتين الحالتين، ولو خرج الدم من مكان لا يصله الوضوء أيضًا، فهل ينقض الوضوء؟ الجواب: خروج الدم إذا كان من أحد السبيلين، فإنه ينقض الوضوء مطلقًا، سواءً كان قليلًا أو كثيرًا. أما إذا خرج من بقية البدن، فإنه لا ينقض الوضوء إلا إذا كان كثيرًا فاحشًا، أما الدم اليسير من غير السبيلين، هذا لا ينقض الوضوء، سواءً كان في أعضاء الوضوء أو في غيرها، العبرة بالكثير، هو الذي ينقض الوضوء عند بعض العلماء، وأما اليسير فلا ينقض. *** الوضوء من الماء الذي تغير بغير نجاسة سؤال: في قريتنا جامع وله بركة للوضوء، فيبقى الماء فيها مدة خمسة أشهر أو أكثر ويتغير لونه وطعمه وما يزالون يتوضؤون منه كل الأوقات، أفيدونا بارك الله فيكم عن صحة هذا، جزاكم الله خير الجزاء؟ الجواب: لا بأس بأن يستمروا على الوضوء من البركة ما بقي فيها الماء ما دام أن وضوءهم خارج البركة، ولو طال عهده ولو تغير بمكثه، فإن تغيره بمكثه لا يضر، إنما الذي يضر لو تغير بنجاسة، وكذلك لو كانوا

الوضوء من الماء الذي تغير بغير نجاسة

يغتسلون من الجنابة بداخلها، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاغتسال في الماء الدائم الذي لا يجري، أما ما داموا يغتسلون ويتوضؤون خارجها، فلا حرج في ذلك، والباقي طهور يُتوضأ منه إلى أن ينفد، ولو تغير بمكثه، فإن ذلك لا يضر إن شاء الله. *** الوضوء والتيمم والمسح سؤال: ذات يوم سقطت على الأرض فأُصبت بكسر في إحدى أرجلي مما جعل الأطباء يعملون لي عملية جراحية، وتم تجبير الرجل على عظام اصطناعية، أو قطع حديدية، ولهذا فإنه يصعب علي الوضوء، ولذلك فأنا أتيمم لكل صلاة ولا أتوضأ، فهل فعلي هذا صحيح؟ ، وإلا فماذا يجب علي مستقبلًا؟ وعما مضى من الصلوات بالتيمم فقط؟ الجواب: يجب عليها أن تغسل الأعضاء الصحيحة، وأن تتيمم عن العضو الذي يتعذر غسله، وإن كان عليه جبيرة، وعليه شيء من الحوائل، تمسح عليه، ويكفي المسح عن غسله. أما إذا لم يكن عليه حائل، ولكنها لا تقدر على غسله فإنها تتيمم عنه، بعد أن تغسل الأعضاء الصحيحة. والصلوات التي صلتها بالتيمم في الأول، إذا كانت تعرف عددها، تعيدها؛ لأن التيمم، لا يجزئ وحده، لا بد من غسل الأعضاء الصحيحة. سؤال: إذا كانت تمسح عليها مسحًا فقط هل يجزئ هذا عن التيمم، أم لا بد من التيمم مع المسح؟

الوضوء والتيمم والمسح

الجواب: المسح إنما يكون على الحائل إذا كان عليها حائل كما ذكرنا، وإذا كان عليها جبيرة يكفي المسح ولا تتيمم عنه. *** وضوء المصاب بالشلل سؤال: أنا إنسان ابتلاه الله بمرض الشلل في النصف الأسفل من الجسم من بداية البطن إلى أسفل القدمين، فكيف أتوضأ للصلاة والجزء الأكثر من الجسم مشلول؟ وإذا أردت الاغتسال يكون شاقًا علي، وأكثر الأوقات ليس عندي من يحضر لي الماء، أو من يقوم بغسلي أو بتوضئتي، وأنا الآن أصلي بدون وضوء، فأفتوني جزاكم الله كل خير، هل صلاتي صحيحة أم لا؟ وإلى ماذا ترشدونني؟ الجواب: إذا كنت تستطيع الوضوء ولو بالإعانة، فإنه يجب عليك أن تتوضأ، ولو أن تستعين بمن يحضر لك الماء ويصبه على أعضائك، أما إذا كنت لا تستطيع هذا فيكفي أن تتيمم بالتراب، بأن يحضر عندك تراب طهور، فإذا حان الوقت وأردت أن تصلي، وليس عندك من يعينك على الوضوء أو يأتي لك بماء، فإنك تتيمم بهذا التراب، وتصلي على حسب حالك، والله أعلم. سؤال: إذا كان يستطيع غسل بعض الأعضاء دون بعض، فهل يلزمه غسلها مع التيمم؟ الجواب: إذا كان يستطيع غسل بعض الأعضاء ويعجز عن غسل الباقي، فإنه يغسل ما يقدر عليه ويتيمم عن الباقي. ***

وضوء مقطوع الأيدي

وضوء مقطوع الأيدي سؤال: كيف يتوضأ من قطعت يداه، أو ليست له يدان خلقة، إذا لم يكن له من يساعده في الوضوء دائمًا؟ الجواب: يتوضأ على حسب استطاعته؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ، فيوضئ الأعضاء الباقية إذا لم يكن له يدان، بأن قطعت يداه من المرفقين مثلًا، أو لم يخلق له يدان أصلًا، فهذا يوضئ الأعضاء الباقية، التي هي الوجه ومسح الرأس والرجلين، فإن كان عنده من يوضئه ويعينه على ذلك، وجب عليه أن يتوضأ لوجود من يعينه، أو يكون عنده مثلًا ماسورة مياه يفتحها ويتركها تصب الماء على وجهه، ويمسح رأسه بشيء ويغسل رجليه من صب الماء، فيجب عليه ذلك؛ لأنه استطاع أن يتوضأ في هذه الحالة بالإعانة أو بصب الماء عليه من صنبور أو ماسورة فإذا لم يجد هذا ولا هذا ولم يستطع فإنه يصلي على حسب حاله، ولا يترك الصلاة، يعني يغسل ما أمكنه من ذلك. *** الشك بالطهارة سؤال: إذا توضأ رجل ثم ذهب للصلاة وشك في وضوئه أثناء الصلاة، أو بعدها فما العمل؟ الجواب: إذا توضأ الإنسان بيقين وأكمل الطهارة، ثم حصل له شك بعد ذلك، هل انتقض وضوؤه أم لا، فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك؛ لأنه متوضئ بيقين، واليقين لا يزول الشك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:

الشك بالطهارة

«إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا، وأشكل عليه أخرج منه شيء، فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» ، فاليقين لا يزول بالشك في الطهارة وفي غيرها. *** صفة الاغتسال من الجنابة سؤال: ما هي الطريقة الأفضل للاغتسال من الجنابة؟ الجواب: الطريقة الأفضل للاغتسال من الجنابة، هي كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعله، أنه يستنجي أولا، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يحثو الماء على رأسه ثلاث حثيات مع تخليل شعر رأسه بأصابعه عليه الصلاة والسلام، ثم يفيض الماء على سائر جسده ثلاث مرات، وهذا هو الأفضل والأكمل، ثم يغسل رجليه عليه الصلاة والسلام بعدما يفرغ من الاغتسال، هذه هي الصفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. سؤال: النية طبعًا تكون سرًّا؟ الجواب: ينوي ثم يسمي ثم يغسل كفيه ثلاثًا، ثم يغسل فرجه، وما لوثه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، إلا أنه يؤخر غسل الرجلين ثم يغتسل لسائر جسده، ثم يغسل رجليه. هذه صفة الاغتسال للجنابة. سؤال: هل إذا عمم الماء على جميع بدنه هل يجزيه ذلك؟ الجواب: المجزئ أن ينوي رفع الحدثين الأصغر والأكبر، ثم يفيض الماء على جسمه مرة واحدة، هذا مجزئ.

صفة التيمم وشروطه

صفة التيمم وشروطه سؤال: ما هي صفة التيمم وما هي شروطه؟ الجواب: الصفة الشرعية للتيمم: أن يضرب بيديه على الأرض مفرجتي الأصابع ضربة واحدة يمسح بباطن أصابعه وجهه، ويمسح كفيه براحتيه وإن ضرب ضربتين، ضربة لوجهه وضربة ليديه فلا بأس في ذلك، كلا الصفتين واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان التيمم بضربة واحدة يقسمها بين وجهه ويديه هو الأرجح والأحسن. أما شروط التيمم: فإنه يشترط لصحة التيمم، عدم وجود الماء أو العجز عن استعماله؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] . فشرط صحة التيمم: هو عدم وجود الماء أو العجز عن استعماله لمرض ونحوه، أو أن يخاف باستعماله عطشًا أو ضررًا؛ لكون الماء الذي معه لا يكفيه لشرابه وطبخه وطهارته. كذلك يشترط أن يكون التيمم على صعيد، صعيد طهور؛ لقوله تعالى: {صَعِيدًا طَيِّبًا} : يعني طهورًا، هذا ما يشترط للتيمم والله تعالى أعلم. *** الحالات التي يباح فيها التيمم سؤال: متي يباح التيمم؟ وما حكم التيمم والرجل قريب من الماء؟ الجواب: التيمم مباح في حالتين: الحالة الأولى: إذا كان عادمًا للماء، أو كان معه ماء لا يكفي لحاجة من

الحالات التي يباح فيها التيمم

الشرب والطبخ والوضوء والغسل وغير ذلك. أي: لحاجته الضرورية فهذا يعتبر كالعادم الماء. والحالة الثانية: هي حالة المرض، إذا كان مريضًا، لا يستطيع استعمال الماء للطهارة أو استعماله للماء يسبب له زيادة المرض، أو يسبب له مرضًا آخر، ففي هاتين الحالتين، حالة عدم الماء، أو حالة العجز عن استعمال الماء للمرض، يباح له التيمم، قال الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 43] . فدلت الآيتان الكريمتان، على أن من لم يجد الماء، أو وجده ولم يستطع استعماله لمرض أو لحاجة إلى الماء، فإنه يباح له التيمم بالتراب، ويكون التراب بدلًا عن طهارة الماء، وهذا من تيسير الله على هذه الأمة. *** التيمم لصلاة الفجر في البرد الشديد سؤال: نحن نسكن في بلد شديدة البرودة، وعندما نقوم لصلاة الفجر لا نستطيع الوضوء لبرودة الماء فأحيانًا نتيمم ونصلي، فهل هذا يكفي أم لا بد من الوضوء، وإذا كان كذلك، فهل علينا أن نقضي الصلوات التي صليناها بالتيمم فقط؟

التيمم لصلاة الفجر في البرد الشديد

الجواب: إذا حان وقت الصلاة والإنسان عنده ماء بارد، وكانت برودته محتملة، يمكن للإنسان أن يتوضأ منه ولو مع المشقة اليسيرة، يجب عليه أن يتوضأ ويصلي؛ لأنه واجد للماء، ولا مانع من استعماله. أما إذا كانت برودة الماء غير محتملة، ويُخشى من آثارها على صحة الإنسان، فبهذا إن كان عنده ما يسخن به الماء من النار أو الحطب، أو شيء من المسخنات، فإنه يجب عليه أن يسخن الماء وأن يتوضأ ويصلي. أما إذا كان باردًا شديد البرودة ولا يتحمل، وليس هناك ما يسخنه به، فإنه يتيمم ويصلي، ولا يؤخر الصلاة إلى النهار كما يقول؛ لأنه لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها إلا لمن ينوي الجمع إذا جاز الجمع. أما أن يؤخرها لأجل أن يأتي النهار وتنكسر برودة الماء، فهذا لا يجوز بل يتيمم ويصلي على حسب حاله، إذا كان ليس عنده شيء من وسائل التسخين. سؤال: هل هذا الحكم بالنسبة للطهارة من الحدث الأصغر والأكبر؟ الجواب: نعم بالنسبة للحدثين الأكبر والأصغر. سؤال: إذا لو كانوا يستطيعون احتمال برودة الماء أو كان عندهم الإمكانية لتسخين الماء ولم يفعلوا هل يلزمهم القضاء بالنسبة لصلواتهم الماضية؟ الجواب: نعم إذا كانوا تيمموا وصلوا وهم يمكنهم تسخين الماء، فإنه يجب قضاء الصلوات الماضية؛ لأنه لا يصح التيمم في حقهم. ***

التيمم وجمع الصلوات للمريض

التيمم وجمع الصلوات للمريض سؤال: هل يجوز للمريض أن يجمع بين الظهر والعصر، والعشاء والمغرب، ويتيمم عن كل فرض على حدة؟ الجواب: أما قضية التيمم، فنعم. يجوز للمريض أن يتيمم إذا كان لا يستطيع الوضوء من أجل المرض؛ لأن الله سبحانه وتعالى رخص للمريض الذي لا يستطيع الوضوء أن يتيمم لكل صلاة، أو إذا تيمم ولم ينتقض وضوؤه، فإنه يصلي ولو عدة صلوات؛ لأن حكمه على الصحيح حكم الوضوء، ما دام أنه لم يحصل معه ناقض من نواقض الوضوء. أما إذا كان يستطيع الوضوء، فإنه يجب عليه أن يتوضأ ولو كان مريضاًَ، حتى ولو كان بواسطة من يعينه على ذلك. سؤال: وماذا بالنسبة للجمع؟ الجواب: أما بالنسبة للجمع، فيجوز للمريض أن يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في وقت إحداهما جمع تقديم أو جمع تأخير حسب الأرفق به، إذا كان يحتاج إلى الجمع، أما إذا كان لا يحتاج إلى الجمع فإنه يجب عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها. *** التيمم من غير عذر شرعي سؤال: هناك أشخاص يصلون كل أوقاتهم بالتيمم، ولقد نصحتهم عدة مرات ولكن لم تجد نصيحتي معهم، هل تجوز صلاة بهذه الطريقة؟ أفيدونا بارك الله فيكم.

التيمم من غير عذر شرعي

الجواب: التيمم إنما هو بدل الطهارة بالماء، وهو لا يجوز إلا لعذر شرعي، كأن يكون عادمًا للماء أو يكون معه ماءً قليل لا يكفي لحاجته ولوضوئه، فيُبقي الماء لحاجته ويتيمم. والحالة الثانية: إذا كان عاجزًا عن استعمال الماء مع وجوده لمرض يمنعه استعمال الماء، أو يشق عليه استعمال الماء في حالة المرض، فإنه يتيمم في هذه الحالة؛ وذلك لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ، فدلت الآية الكريمة على أن التيمم لا يجوز إلا في حالتين: الحالة الأولى: إذا كان الإنسان مريضًا لا يستطيع استعمال الماء. والحالة الثانية: إذا كان مسافرًا وليس عنده ماء يتوضأ به أو يغتسل به من الجنابة، أو كان عنده ماء قليل لا يتسع لحاجته ولطهوره، ففي هاتين الحالتين يعدل إلى التيمم. أما إذا تيمم من غير عذر شرعي، فإن كان الماء موجودًا وهو قادر على استعماله، فإن تيممه لا يصح، ولا تصح صلاته؛ لأنه صلى بغير طهور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» ؛ ولأن الله سبحانه وتعالى شرط في هذه الآية تقديم الطهارة بالماء للصلاة على الصفة التي ذكرها في هذه الآية الكريمة.

فهؤلاء الذين ذكرت أنهم يصلون بالتيمم دائمًا ما دام أنهم يفعلون هذا من غير عذر، فإن صلاتهم غير صحيحة طيلة هذه المدة، فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وأن يؤدي ما أوجب الله عليه على الوجه المشروع. التيمم إنما هو رخصة عند الحاجة إليه، وهو بديل عن الماء، فإذا وجد الماء فإن التيمم لا يصح إذا كان قادرًا على استعماله، والله أعلم. ***

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة

التلفظ بنية الصلاة سؤال: بعض الناس عند بداية الصلاة يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا فرضًا علي لله العظيم؟ ما حكم هذا القول بارك الله فيكم؟ الجواب: هذا من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه وخلفائه الراشدين، ولا عن القرون المفضلة، ولا عن الأئمة المعتبرين، أنهم كانوا يقولون في بداية الصلاة، أو غيرها من العبادات: نويت كذا وكذا، وإنما ينوون بقلوبهم، والله جل وعلا يعلم ما في قلوبهم، والنية محلها القلب، وليس محلها اللسان، والله جل وعلا يقول: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} [الحجرات: 16] ، فهذا من البدع التي لا يجوز عملها والاستمرار عليها، بل على المسلم أن ينوي بقلبه ويقصد بقلبه أداء العبادة التي شرعها الله بدون أن يتلفظ بذلك؛ لأن التلفظ بالنية من البدع المحدثة، وما نسب إلى الشافعي رحمه الله من أنه يرى هذا، هذا لم يثبت عن الشافعي، وإنما الذي ثبت عنه أنه قال: الصلاة ليست كغيرها، الصلاة تبدأ بالذكر، ويريد بذلك تكبيرة الإحرام، وليس معناه أنها تبدأ بالتلفظ بالنية. هذا لم يرده الشافعي رحمه الله. ***

الجهر بنية الصلاة

الجهر بنية الصلاة سؤال: ما حكم الجهر بالنية للصلاة وتسميتها أيضًا جهرًا كأن أقول: نويت أن أصلي العصر أربع ركعات لله تعالى وهكذا؟ الجواب: النية شرط من شروط صحة الصلاة، وكذلك سائر العبادات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» ، ولكن النية لا يتلفظ بها، النية محلها القلب وهي من أعمال القلوب، والله تعالى يعلم السر وأخفى، ولم يرد دليل على التلفظ بالنية، فالتلفظ بالنية للصلاة وكذلك سائر العبادات بدعة؛ لأنه إحداث شيء ليس عليه دليل من الشرع، ما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: نويت أن أصلي أربع ركعات فرض الظهر أو العصر، ولم يثبت هذا عن أحد من أصحابه وخلفائه الراشدين، فهو بدعة محدثة، والنيات محلها القلوب، والله تعالى يعلم ما في القلوب، ولو لم يتلفظ بها، قال تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} [الحجرات: 16] ، فالعبادات مدارها على النص، لا يجوز أن يحدث شيئًا بها أو بصفاتها إلا بدليل؛ لأن مبناها على التوقيف والنص، وليس في التلفظ بالنية نص إلا ما ذكروا في موضعين عند الإحرام، أن يقول مثلًا: أريد الإحرام بكذا وكذا، أو نويت الإحرام بكذا وكذا، وعند ذبح الهدي أو الأضحية يقول: اللهم إن هذا عن فلان أو عني.

ففي هذين الموضعين ورد دليل على التلفظ بالنية، وما عدا هذين الموضعين، التلفظ بالنية بدعة، وليس من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من هدي السلف الصالح، والله تعالى أعلم. *** شروط الإمامة سؤال: ما شروط الإمامة؟ ومن هم الذين لا تجوز الصلاة خلفهم؟ وهل من صلى خلفهم يعيد صلاته أم لا؟ الجواب: من أهم شروط الإمامة: العدالة، بأن يكون عدلًا في دينه غير فاسق. ومن شروطها: أن يجيد القراءة المشروعة في الصلاة، يجيد قراءة الفاتحة بحيث لا يلحن فيها لحنًا يحيل المعنى. ومن شروط الإمامة أيضًا: أن يعرف فقه صلاته، وما يعرض له، وما يحتاج إليه من معرفة أحكام الصلاة، وأحكام السهو في الصلاة وغير ذلك، هذه من أهم شروط الإمامة. والذين لا تجوز الصلاة خلفهم، هم الذين لا تتوفر فيهم شروط الإمامة، كإمامة الفاسق وإمامة الأمي الذي لا يحسن قراءة الفاتحة، فهؤلاء لا تجوز إمامتهم إلا بمثلهم. أما الإجابة عن بقية السؤال، وهو حكم من صلى خلف من لم تتوفر فيه شروط الإمامة؟

شروط الإمامة

فالجواب: إذا صلى من يجيد قراءة الفاتحة خلف الأمي الذي لا يحسن قراءة الفاتحة، فإنه يعيد الصلاة، وكذلك إذا صلى خلف فاسق عند كثير من أهل العلم، أيضًا يعيد الصلاة، إلا إذا كان هذا الفاسق يترتب على عدم الصلاة خلفه مفسدة وفتنة، فإنه يصلي خلفه، أما إذا لم يكن هناك مفسدة، ولا يترتب على ترك الصلاة خلفه فتنة، فإنه لا يصلي خلفه. *** الإمامة في الصلاة سؤال: إمام المسجد عندنا في الحارة، يرتكب بعض الأخطاء أثناء الصلاة، وهي أخطاء لاصقة به لا يتخلص منها، ومنها أنه لا يقرأ القرآن جيدًا بمعنى: أنه لا يعطي كل حرف حقه، ولا يقف في الوقف، بل يقف في المنع، ويزداد هذا أكثر في رمضان أثناء صلاة التراويح، ومن الأخطاء كذلك أنه يعبث بأصابع يده ويحرك قدميه، ولا يتركهما ثابتتين على الأرض، وسؤالنا: هل نحن على حق عندما هجرنا المسجد، ولم نعد نصلي وراء هذا الإمام، أم أن صلاتنا وراءه صحيحة، رغم هذه الأخطاء، ولا ننسى نذكر أنه يكتب التمائم للناس بآيات قرآنية؟ الجواب: مما لا شك فيه أنه ينبغي أن يكون الإمام على صفة لائقة من العلم والتقوى، وإتقان الصلاة، وأن يكون قدوة حسنة يقتدى به في الخير؛ لأن الإمام ضامن، كما في الحديث، فهو يتولى مسؤولية

الإمامة في الصلاة

عظيمة، ويتولى أداء فريضة عظيمة، ويقوم بعمل جليل، فينبغي أن يكون على مستوى جيد من العلم والعمل، كما أن عليه أيضًا أن يهتم بأداء الصلاة على وجهها، ويحذر من العبث أثناء الصلاة كما ذكر من أن يكثر الحركة ويكثر العبث بيديه، هذا أمر لا يليق بالمصلي عمومًا إمامًا أو مأمومًا، فالمصلي مطلوب منه الخشوع في الصلاة والطمأنينة، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2] ، والسكون في الصلاة وعدم الحركة دليل على خشوع القلب، والحركة والعبث دليل على عدم الخشوع في الصلاة. أما من حيث ما ذكر السائل من أنه لا يجيد القراءة، كذلك ينبغي أن يكون الإمام على مستوى جيد في القراءة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل» ، ولكن إذا كان ما ذكروا إنما هو أمر يسير، وأنه لا يجيد التجويد في القراءة فهذا لا يؤثر على صحة الصلاة، صلاته صحيحة، وإمامته صحيحة، وما دام أنه نصب من قبل المسؤولين إمامًا للمسجد فإنه لا ينعزل في ذلك، وإنما تبطل صلاته لو لحن لحنًا يحيل المعنى في قراءة الفاتحة، أو ترك منها تشديدة أو حرفًا، فإنه بذلك لا تصح إمامته، إلا بمن هو مثله. أما بالنسبة للتكميلات في القراءة وتجويد القراءة على المستوى الرفيع، فهذا إن حصل فهو شيء طيب، وإن لم يحصل فإن الصلاة تصح بدونه.

وأما اعتزالكم المسجد فلا أرى له مبررًا إلا إذا كان هذا الإمام يلحن لحنًا يحيل المعنى، أو كان هذا الإمام فاسقًا يرتكب شيئًا من الكبائر. أما ما دامت المسألة التي تلاحظ عليه أنه لا يجيد القراءة والإجادة التامة، فهذا لا يقتضي أن تعتزلوا المسجد من أجله. وأما ما ذكرتم من كتابته للتمائم، فالتمائم فيها تفصيل. إن كانت هذه التمائم فيها ألفاظ شركية، ودعاء لغير الله عز وجل وأسماء مجهولة، فهذه لا تجوز كتابتها ولا استعمالها بحال، بإجماع أهل العلم؛ لأنها شرك. أما إذا كانت هذه التمائم مكتوبة من القرآن ومن الأدعية المباحة، والأدعية الواردة فهذه محل خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازها، ومنهم من منعها، والمنع أحوط؛ لأن في فتح الباب لكتابتها وتعليقها، وسيلة إلى التمائم المحرمة؛ ولأن في كتابة القرآن على صفة تمائم وحروز، في ذلك تعريض لإهانته، ودخول المواضع التي لا يجوز دخوله فيها. فالحاصل: أن كتابة التمائم إن كانت بألفاظ شركية، وبأسماء مجهولة، وبدعاء لغير الله وباستنجاد للشياطين والمخلوقين والجن، فهذه ألفاظ شركية وكاتبها الذي يستعملها ويعلم ما فيها يكون مشركًا. أما إن كانت من القرآن فالأحوط تجنبها وتركها، وعدم استعمالها. ***

علو الإمام عن المأمومين

علو الإمام عن المأمومين سؤال: هل يؤثر على صحة الصلاة، كون مكان الإمام مرتفعًا عن مكان المأمومين، أم لا يؤثر هذا؟ الجواب: هذا فيه تفصيل: إن كان الإمام وحده، فإنه يسمح بارتفاعه ارتفاعًا يسيرًا، كدرجات المنبر مثلًا، فالنبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، وهو يصلي ونزل، فالعلو اليسير إذا كان الإمام وحده لا بأس به، أما العلو الكبير فلا يجوز للإمام أن ينفرد به عمن خلفه. أما إذا كان مع الإمام غيره من المصلين من المأمومين فلا بأس بالعلو ولو كان كثيرًا. فيجوز مثلًا أن يكون الإمام في الطابق الأعلى وهناك من يصلي خلفه في الدور الذي تحته، لا مانع من ذلك إذا كان الإمام معه أحد من المأمومين. سؤال: والنزول هل يأخذ حكم العلو؟ الجواب: لا بأس. سؤال: انخفاض المستوى بالنسبة لمكان الإمام؟ الجواب: لا بأس بذلك أيضًا إذا كان مع الإمام جماعة. أما إذا كان وحده فلا ينبغي أن يكون نازلًا نزولًا كثيرًا، أما النزول اليسير لا بأس به؛ لأنه إذا كان نازلًا كثيرًا، وليس معه أحد، يفوت الاقتداء به.

إمامة المتوسل بالصالحين

إمامة المتوسل بالصالحين سؤال: إذا كان هناك شخص يعتقد أو يقر التوسل بالصالحين فهل تصح الصلاة خلفه؟ الجواب: يشترط في الإمام أن يكون مسلمًا عدلًا في دينه وأخلاقه واستقامته، وأن يكون مثالًا طيبًا في التمسك بالنسبة والابتعاد عن البدعة، وترك الشرك ووسائله فالذي يتخذ التوسل بالصالحين والأولياء، أو الأموات على ما اعتاده عُباد القبور اليوم، ويستعمل هذا، أو يرى هذا أمرًا جائزًا، فهذا لا تصح الصلاة خلفه؛ لأنه مختل العقيدة، وإذا كان يتوسل بالصالحين بمعنى أنه يطلب منهم الحوائج وتفريج الكربات ويناديهم بأسمائهم ويستغيث بهم، فهذا مشرك الشرك الأكبر المخرج من الملة، فليس بمسلم فضلًا عن أن يُتخذ إمامًا لمسجد، فالواجب على المسلمين أن يتنبهوا لهذا، وأن لا يقدموا لدينهم وصلاتهم إلا سليم العقيدة، مستقيم السلوك على الكتاب والسنة، متجنبًا للبدع والفسق، حتى المسلم الفاسق لا تصح إمامته عند كثير من أهل العلم، الذي يكون فسقه فسقًا عمليًا، فكيف بالفاسد أو المبتدع الذي عنده خلل في عقيدته، هذا أشد ولا سيما إذا كان كما ذكرنا ممن يتوسلون بالأموات ويطلبون منهم الحوائج، فهذا مشرك الشرك الأكبر، لا تصح صلاته ولا صلاة من خلفه حتى يتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويرجع إلى حظيرة التوحيد، وإخلاص العبادة لله عز وجل، نسأل الله عز وجل أن يوقظ المسلمين لمعرفة دينهم والتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم، وترك ما خالف ذلك من البدع والخرافات والمحدثات التي ظنوها من الدين، واعتقدوها من الدين، وهي بعيدة كل البعد عن الدين.

الصلاة خلف إمام يعتقد بالأولياء والصالحين

الصلاة خلف إمام يعتقد بالأولياء والصالحين سؤال: هل تجوز الصلاة خلف إمام يعتقد بالأولياء والصالحين، أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم؟ الجواب: الاعتقاد بالأولياء والصالحين أنهم ينفعون أو يضرون، أو يشفون المرضى، أو يفرجون الكربات كما يعتقده القبوريون اليوم، من أصحاب الأضرحة هذا شرك أكبر والعياذ بالله، صاحبه خارج من الملة؛ لأنه يعبد غير الله عز وجل؛ لأنه لا يملك الضر والنفع، وتفريج الكربات، وقضاء الحاجات التي لا يقدر عليها إلا الله، لا يملك ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، والاعتقاد بالأموات والمقبورين أنهم ينفعون أو يضرون، أو حتى بالأحياء، الاعتقاد أنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى من شفاء المرضى وجلب الرزق ودفع الضر، هذا شرك أكبر؛ لأنه تعلق على غير الله سبحانه وتعالى، وتوكل على غير الله عز وجل وصرف أعظم أنواع العبادة لغير الله عز وجل، فهذا الإمام إذا كان كما ذكرت، فإنه ليس من أهل الإسلام، ما دام على هذا الاعتقاد، ولا تصح إمامته؛ لأنه مشرك بالله عز وجل. *** سؤال: إذا كان إمام المسجد الذي يصلي بالناس وبعض المأمومين أو كلهم، ممن يعتقدون في الأموات النفع ودفع الضر، وممن يحلفون لغير الله، ويرتكبون الكثير من البدع والخرافات، إذا كانوا بهذه الصفات، فهل يجوز لي أن أصلي معهم وخلف هذا الإمام، أم أصلي وحدي في بيتي، أو أبحث عن مسجد آخر لا يتصف إمامه ولا المصلون خلفه بهذه الصفات؟

الجواب: يشترط في الإمام الذي يؤم المسلمين في الصلاة أن يكون على قدر كبير من صلاح العقيدة، وصلاح السلوك والعمل؛ لأنه قدوة؛ ولأن إمامة الصلاة أمانة عظيمة، ومسؤولية كبيرة، فإذا كان الإمام الذي ذكرت على هذا الوصف أنه يفعل شيئًا من الشركيات والخرافات والبدع، فهذا لا تصح الصلاة خلفه؛ لأنه إذا كان يعتقد النفع والضر بغير الله جل وعلا من القبور والأموات، فهذا شرك أكبر، ويتقرب إلى القبور بأنواع من القربات كالذبح والنذر والدعاء وغير ذلك، فهذا شرك أكبر صاحبه خارج من الملة، لا يصح منه عمل، ما دام على هذه العقيدة الباطلة. وكذلك إذا كان عنده شيء من البدع والخرافات، وإن لم تكن تصل إلى حد الشرك إلا أنها تخل بعدالته وصلاحيته للإمامة؛ لأنه يشترط في الإمام أن يكون عدلًا، وهذه البدع والخرافات التي من يزاولها تقدح في عدالته، فلا يصلح أن يكون إمامًا، ولا تصح الصلاة خلفه. أما بالنسبة للمأمومين إذا كان الإمام صالحًا في عقيدته وصالحًا في سلوكه وأخلاقه، وكان عدلًا، فإنها تصح الصلاة خلفه، ولو كان في المصلين وراءه من هو مرتكب لشرك أو بدعة أو خرافة، فالعبرة بالإمام الذي تصح الصلاة خلفه، ولو كان فيمن يصلون خلفه من يتصف بهذه الصفات التي ذكرت. أما إذا كان الإمام هو الذي يزاول هذه الأعمال الشركية والبدعية، فهذا كما ذكرنا لا تصح الصلاة خلفه، وعليك أن تلتمس مسجدًا آخر، يكون إمامه مستقيمًا، وصالح العقيدة، وصالح العمل.

وإذا لم يكن هناك مسجد إلا هذا المسجد الذي فيه هذا الإمام الذي لا يصلح للإمامة، فبإمكانك أن تجتمع مع آخرين ممن ينكرون هذا الشيء، وتصلون جميعًا وتتركون هذا المسجد، إما بأن تعمروا مسجدًا آخر، أو تهيؤوا مكاناًَ للصلاة، إلى أن ييسر الله سبحانه وتعالى إمامًا صالحًا، هذا إن كنتم لا تستطيعون السعي في عزل هذا الإمام واستبداله بأصلح منه، أما إذا كنتم تستطيعون أن تسعوا في استبداله بمن هو أصلح منه وجب عليكم ذلك، والله أعلم. *** الصلاة خلف المشرك سؤال: يوجد رجل في القرية التي نحن فيها يقرأ القرآن بدون ترتيل ولا تجويد ولا معنى، ويعتقد في القبور والموتى، وينذر لهم النذور، ويعتقد أنهم ينفعون ويضرون، هل تجوز الصلاة خلف هذا الإمام، وهل يجوز أن يصلي على الميت إذا مات وهو في هذا العمل، أفتونا مشكورين؟ الجواب: من كان يعتقد في الأموات أنهم ينفعون أو يضرون، وينذر لهم، ويتقرب إليهم، فهذا مشرك الشرك الأكبر والعياذ بالله؛ لأن هذا يعبد غير الله، فلا تجوز الصلاة خلفه؛ ولأنه ليس بمسلم، ما دام على هذه الحالة، ولكن الواجب عليكم أن تناصحوه، وأن تبينوا له أن هذا شرك أكبر، وأنه يجب عليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والعمل بالتوحيد الخالص وترك عبادة الأموات وعبادة ربه سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، فإن تاب ورجع إلى الله جازت الصلاة خلفه، أما ما دام على هذه الحالة، فهو ليس بمسلم ولا تصح منه صلاة، ولا تجوز الصلاة خلفه.

الصلاة خلف المشرك

وإذا مات وهو على هذه الحالة، ولم يتب فإنه لا يصلى عليه؛ لأنه ليس بمسلم، والصلاة على الميت إذا كان مسلمًا، أما الكافر فهذا لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يتولاه المسلمون، وإنما يتولاه أقاربه الكفار. *** أوقات الصلوات سؤال: نحن من العراق ونقيم في بولندا، وبالنسبة للصلاة فنحن نجهل أوقات الصلاة هنا فكيف نعمل، هل تقدر أوقات الصلوات لكي نؤدي فروضنا في أوقاتها، وربما يكون قد حدث منا أن صلينا بعض الصلوات في غير أوقاتها فما الحكم في هذا؟ الجواب: الله سبحانه وتعالى حدد مواقيت الصلاة، وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله وبفعله، وهي حدود واضحة يعرفها العامي والمتعلم، والحضري والأعرابي، وكل مسلم، ذلك أن وقت الصلاة الفجر إذا طلع الفجر، ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن وسط السماء إلى جهة الغرب، ووقت صلاة العصر إذا صار ظل الشيء مثله، ووقت المغرب واضح هو غروب الشمس، ووقت العشاء الآخر بمغيب الشفق الأحمر، فهي مواقيت واضحة، وتُعرف، والواجب على المسلم أن يتقيد بها؛ لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] ، ولقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17، 18] ، والنبي

أوقات الصلوات

صلى الله عليه وسلم بين هذه المواقيت للمسلمين بقوله وفعله، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، والله جل وعلا يقول: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] . أي: مفروضًا في مواقيت معينة تُؤدَّى فيها، في أي مكان يكون الإنسان فإنه يجب أن يؤدي الصلاة في هذه المواقيت الواضحة التي بينها الله سبحانه وتعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم للمسلمين، فالواجب عليكم أن تتقيدوا بالمواقيت، وأن لا تقدموا الصلاة على وقتها أو تؤخروها عن وقتها، وأن تجتهدوا في معرفة ذلك، في البلد الذي أنتم فيه بمراقبة الشمس ومعرفة طلوع الفجر وزوال الشمس، ومراقبة وقت العصر ومراقبة غروب الشمس، ومغيب الشفق، وأن تهتموا بذلك وتراقبوه وأن تسألوا من عنده الخبرة في ذلك من أهل الحساب في ذلك البلد، وأن تجتهدوا والله سبحانه وتعالى يعين المسلم إذا اهتم بأمر دينه. سؤال: هذا التوقيت الذي تفضلتم بتفصيله يعتمد على الشمس، لكن بعض الأماكن قد لا تُرى الشمس فيها في أغلب الأوقات، فهل هناك وسيلة أخرى لمعرفة توقيت الصلوات وأوقاتها؟ الجواب: يجتهدون في ذلك، ويقدرون حسب ما يؤدي إليه اجتهادهم، وبسؤال أهل الخبرة أيضًا، وسؤال أهل العلم الذين في بلدهم أو حولهم. ***

وقت صلاة المغرب وصلاة العشاء

وقت صلاة المغرب وصلاة العشاء سؤال: أنا معلم من القطر العربي السوري، مُعَار في القطر العربي اليمني الشقيق، وعُينت في منطقة يعم فيها مذهب مخالف لمذهبي الذي هو الشافعي، وفي هذه المنطقة التي أنا فيها يصلون العشاء بعد أذان المغرب بنصف ساعة فقط، وأنا في نفسي غير مقتنع بذلك، ولكني ناقشتهم في هذا الأمر، وقال لي أحدهم: بأن هناك حديثًا يقول: «إن صلاة العشاء بعد غياب الشفق الأحمر» ، ويقدر الزمن بنصف ساعة فقط، بعد أذان المغرب، فأصلي العشاء معهم جماعة، فهل يجوز هذا التصرف مني، أم علي أن أذهب إلى البيت وأصلي العشاء بعد دخول وقته الحقيقي، وإذا كان لا يجوز أن أصلي معهم، فما الحكم في صلواتي السابقة؟ أفيدوني بارك الله فيكم. الجواب: وقت العشاء الآخر يدخل في مغيب الشفق الأحمر كما جاء ذلك في الحديث، أما ما ذكرت من أن بين المغرب والعشاء نصف ساعة، فهذا لا أتصوره إلا إذا كانوا يؤخرون صلاة المغرب إلى أن يبقى قبل مغيب الشفق الأحمر نصف ساعة، ففي هذه الحالة تصح الصلاة، المهم أنه إذا غاب الشفق الأحمر، فإنه يحل وقت صلاة العشاء فإذا صليتها بعد مغيب الشفق الأحمر، فهي في وقتها، أما صلاة المغرب، فيدخل وقتها إذا غربت الشمس، ولا أتصور أن يكون بين غروب الشمس ومغيب الشفق الأحمر نصف ساعة فقط؛ إلا إذا كانوا يؤخرون صلاة المغرب عن أول وقتها إلى أن لا يبقى إلا نصف ساعة عن مغيب الشفق، فيكونون قد أخطؤوا حيث أخروا صلاة المغرب عن أول وقتها، مع أن الأفضل أن تُصَلَّى في أول وقتها.

سؤال: لو فرض أنهم يصلون المغرب في وقتها، ولكنهم يصلون العشاء بعد نصف ساعة كما يذكر فما الحكم؟ الجواب: لا يمكن أن لا يكون بين غروب الشمس وغروب الشفق الأحمر إلا نصف ساعة، وهو يقول: إنهم يصلون العشاء بعد مغيب الشفق، وما داموا كذلك فإنهم صلوها في وقتها، لكن يحتمل أنهم أخروا صلاة المغرب حتى لم يبق بينها وبين العشاء إلا نصف ساعة، هذا الذي أتصوره. *** تأخير صلاة العشاء سؤال: سمعت أن صلاة العشاء كلما تأخرت كان ثوابها أكبر، فأخذت به، فأصبحت لا أذهب إلى المسجد، بل أصليها في وقت متأخر منفردًا حتى أحصل على هذا الثواب؛ فهل فِعلي هذا صحيح؟ الجواب: ما فعلته هو عين الخطأ؛ لأنك تركت واجبًا لأجل تحصيل سنة، فإن تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل سنة، وصلاة الجماعة واجبة، وأنت تركت صلاة الجماعة، فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن تلازم صلاة الجماعة، إذا صلوها في أول وقتها، فصلها معهم، وإذا أخروا صلاة العشاء إلى الوقت الأفضل تؤخر معهم، وهذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان إذا رأى أصحابه اجتمعوا عجل، وإذا رآهم تأخروا تأخر، وكان يرغب في ذلك، أو يرجح أن يصليها متأخرًا، ولكنه مراعاة لأحوال أصحابه ورفقًا بهم، كان يصلي بهم صلاة العشاء في أول وقتها.

صلاة الجمعة والجماعة

صلاة الجمعة والجماعة سؤال: أنا أعمل بمزرعة، وحينما يحين وقت صلاة الجمعة وأتهيأ للصلاة، يمنعني صاحب المزرعة من الذهاب، فأتركها بناءً على رغبته، ولكنني أتندم وأتحسر لتركي لها، ولكنه لا يسعني إلا طاعته فهل له الحق في هذا؟ وهل علي إثم بترك الجُمَع دائمًا؟ وهو أليس عليه إثم في منعي من صلاتها؟ الجواب: يجب على المسلم المحافظة على الصلوات الخمس وعلى الجمعة وأدائها جماعة في المساجد، ولا يصرفه عن ذلك طلب الدنيا، وطلب المعيشة، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] . وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 36،37] . فيجب على المسلم أن يؤدي الصلوات مع الجماعة في المساجد، وكذلك الجُمَع، يتأكد حضورها على المسلم، وأداؤها، ولا يجوز للإنسان أن يمنع العمال الذين يشتغلون لديه من أداء الصلاة، يحرم عليه ذلك، ولا يجوز للعمال أن يطيعوه في هذا؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فأداء الصلاة في المسجد هذا مستثنى من مدة الإجازة شرعًا، ليس للمستأجر فيه استحقاق، الحق فيه للمسلم أن يذهب إلى الصلاة وأن يصلي، سواء رضي مؤجره أو لم يرض؛ لأن هذا حق الله سبحانه وتعالى، فالواجب عليكم أن

تؤدوا الصلاة، ولا تلتفتوا إلى هذا الذي يمنعكم من حضور صلاة الجمعة، وإذا أبى إلا الامتناع فعليكم أحد أمرين: إما أن ترفعوا أمره إلى ولي الأمر عندكم للأخذ على يده. وإما أن تذهبوا إلى مسلم آخر، يُمكِّنكم من أداء الصلاة في المسجد، والله تعالى أعلم. سؤال: لكن يجب عليهم أيضًا أن لا يستغلوا هذا في ضياع الوقت الذي استأجرهم من أجله؛ لأنه قد يكون السبب المانع لهم أن لا يضيعوا وقته بحجة الصلاة؟ الجواب: تقدر بقدر الصلاة، لا يكون أوسع من الصلاة فبقدر ما يؤدون الصلاة مع الجماعة، يرخص لهم في ذلك، أما ما زاد عليه فهو حق المستأجر، له أن يمنعهم من الزيادة التي لا حاجة لهم فيها لأداء الصلاة. *** إعادة صلاة الجماعة سؤال: صليت العصر ثم جلست في المسجد، ثم بعد ذلك جاء رجل وطلب مني أن أصلي معه وأنا قد صليت، فهل أصلي معه أم لا؟ وما دليل ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير. الجواب: لا بأس بذلك إن شاء الله على الصحيح من قولي العلماء، وأن إعادة الجماعة يجوز ولو في وقت النهي؛ لأن هذا من ذوات الأسباب، فصلاتك مع الشخص الذي جاء وفاتته الجماعة لأجل تحصيل الجمعة في حقه، وتحصيل الفضيلة لا بأس بذلك إن شاء الله.

إعادة صلاة الجماعة

ولو كان هذا بعد العصر، والدليل على ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل بعض القوم وقد صلى الناس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يتصدق على هذا فيصلي معه» ، وبدليل الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف وجلسوا في ناحية المسجد ولم يصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سلم دعاهم وسألهم فأخبروه بأنهم صلوا في رحالهم فقال لهم: لا تفعلوا، وأمرهم إذا جاءوا والجماعة تقام أن يصلوا مع الناس، ولو كانوا قد صلوا في رحالهم. *** الصلاة مع المنفرد جماعة سؤال: ذهبت إلى المسجد فوجدت صلاة الجماعة قد انتهت، ووجدت إنسانًا يصلي بمفرده، هل يجوز أن أقف وأصلي بجانبه على أساس أنه الإمام وأنا المأموم؟ أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب: نعم، يجوز أن تصلي معه على الصحيح من قولي العلماء فإذا أدركت إنسانًا يصلي منفردًا وقد فاتتك الصلاة فإنه لا بأس أن تدخل معه وتصليان جماعة؛ لأن صلاة الجماعة واجبة مهما أمكن، وقد أمكن ذلك لوجود هذا الذي يصلي، فإنك حينئذ تصلي معه، والله تعالى أعلم، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم «قام يصلي من الليل، فجاء ابن عباس»

الصلاة مع المنفرد جماعة

«رضي الله عنه، ودخل معه في الصلاة، وأقام عن يساره فأداره النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه» ، فهذا ابن عباس دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الصلاة، وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة منفردًا، ثم انضم إليه ابن عباس في أثنائها فأقره على ذلك، وما جاز في النافلة جاز في الفريضة إلا بدليل على التفريق والخصوص والله أعلم. *** الصلاة على غير وضوء سؤال: أقيمت الصلاة وأنا في الصف الأول من الصلاة، وخلف الإمام صليت ركعة واحدة، لكنني تذكرت أن وضوئي قد انتقض، ولم أدر ماذا أفعل وأنا في الصف الأول فأكملت معهم الصلاة أفيدوني ماذا كان يجب عليّ حينما ذكرت أن الوضوء قد انتقض أن أفعل؟ وهل صلاتي صحيحة في تركي لتخطي رقاب الناس، أو أنها غير صحيحة؟ أفيدوني بارك الله فيكم. الجواب: صلاتك غير صحيحة على كل حال؛ لأنه ما دام أنك: على غير وضوء فلا تصح منك الصلاة، كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» ، فصلاتك بدون وضوء غير صحيحة، وما فعلته من الاستمرار في الصلاة بعد علمك أنك لست على طهارة هذا

الصلاة على غير وضوء

خطأ كبير، كان الواجب عليك أن تنصرف، وأن تخرج من المسجد وأن تتوضأ وترجع لإدراك ما بقي من الصلاة مع الجماعة، هذا هو الواجب عليك، أما أن تستمر في الصف وأنت على غير طهارة، وتصلي مع الناس وأنت على غير طهارة فهذا خطأ كبير لا تعد لمثله، ولا حرج عليك إذا خرجت وتركت الصفوف، إن كان هناك فرج من غير أن تخترق الصفوف، فاخرج منه، وإلا اخرج ولو اخترقت الصفوف؛ لأنك معذور في هذا، لا حرج عليك في هذا، أما أن تستمر وأنت على غير طهارة وتركع وتسجد، هذا لا يجوز، هذا خطأ كبير. السؤال: إذا اكتشف الإمام في أثناء صلاته أنه على غير وضوء، فما الحكم في ذلك؟ الجواب: إذا اكتشف الإنسان أنه في أثناء صلاته أنه على غير وضوء، فإنه يجب عليه أن ينصرف، وأن يتوضأ ويبدأ الصلاة من جديد، ولا يجوز له الاستمرار فيها، وهو على غير طهارة. *** ستر العورة من شروط الصلاة سؤال: ما حكم من صلى وبعض عورته مكشوف، ولم يدر حتى انتهاء صلاته، حيث نبهه أحد المصلين على ذلك، فهل صلاته صحيحة؟ أم عليه القضاء؟ أفتونا مشكورين؟ الجواب: لا شك أن ستر العورة من شروط الصلاة، مع الإمكان. قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمع أهل العلم على فساد من صلى عريانًا، وهو يقدر على اللباس، أو كما قال.

ستر العورة من شروط الصلاة

فستر العورة من شروط صحة الصلاة، إذا أمكن، وما ورد في السؤال من أن هذا المصلي انكشف بعض عورته، ولم يعلم بذلك حتى فرغ من الصلاة، ونبَّهه الحاضرون. هذا فيه تفصيل: إن كان هذا الذي انكشف شيء كثير فإنه بعيد الصلاة، أما إن كان شيئًا قليلًا، ولم يتعمده فصلاته صحيحة إن شاء الله، بدليل أن عمرو بن سلمة رضي الله عنه، كان يصلي بأصحابه وهو صغير السن، فكان إذا سجد انكشف شيء من عورته، فيراه النساء من وراء الصف، ولم يعد الصلاة، وكان هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه إذا انكشف شيء من العورة، وهو يسير ولم يتعمده أن صلاته صحيحة. أما إذا تعمد ذلك فصلاته باطلة، ولو كان المكشوف شيئًا يسيرًا. وكذلك إذا لم يتعمد، وكان هذا الانكشاف كثيرًا فإنه يعيد صلاته لعدم تحقق الشرط. *** الصلاة جالسًا سؤال: والدي يصلي وهو جالس، لوجود ألم في ركبتيه لا يستطيع الوقوف بسببه، فهل في ذلك حرج أفيدونا مشكورين؟ الجواب: لا شك أن القيام في صلاة الفريضة ركن من أركانها، لا تصح إلا به مع الاستطاعة؛ لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «صل قائمًا فإن لم تستطيع فقاعدًا» الحديث، فالواجب على المصلي في الفريضة أن يصلي قائمًا، أما إذا لم يستطع ذلك لمرض، فإنه

الصلاة جالسا

يصلي على حسب حاله، قاعدًا أو على جنب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صل قائمًا فإن لم تستطيع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب» ، فما فعله والدك من أنه يصلي قاعدًا لألم في ركبته إذا كان هذا الألم يمنعه من القيام أو يشق عليه، فلا بأس أن يصلي وهو قاعد، أما إذا لم يكن هذا الألم يمنعه من القيام، فإن صلاته لا تصح إلا بالقيام؛ لأنه ركن من أركانها. *** استفتاح الصلاة سؤال: أنا رجل أصلي وأصوم ولله الحمد، وعندما أتوجه إلى القبلة، أقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، فهل قول هذا من السنة أم لا؟ الجواب: هذا الذكر لا يقال عند توجهك إلى القبلة، وإنما يستحب أن يقال بعد تكبيرة الإحرام؛ لأن هذا من الاستفتاح الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان أحيانًا إذا كبر تكبيرة الإحرام يقول مستفتحًا: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وأنا أول المسلمين» ، فهذا من جملة الاستفتاحات التي كان يستفتح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته بعد تكبيرة الإحرام، فمحل هذا بعد تكبيرة الإحرام، لا عند التوجه إلى القبلة، وقبل تكبيرة الإحرام. ***

الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية

الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية سؤال: ما حكم ذكر البسملة في الصلاة جهرًا، في الصلاة الجهرية؟ الجواب: الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية، إن فعله بعض الأحيان فلا بأس بذلك، إلا أن المداومة عليه لا تنبغي؛ لأن الثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين، أنهم لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وأنهم يجهرون بقراءة الفاتحة، بالصلاة الجهرية، ويجهرون بالسورة بعد الفاتحة، أما بسم الله الرحمن الرحيم فلم يرد أنهم كانوا يجهرون بها، فلا ينبغي المداومة على الجهر بها، ولو فعلها بعض الأحيان، فلا بأس بذلك. قراءة سورة الفاتحة في الصلاة سؤال: هل يجب على المأموم في الصلاة الجهرية أن يقرأ الفاتحة ومتى يقرؤها؟ وما مدى صحة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما سمع بعض المأمومين خلفه يقرؤون، فلما سلم قال لهم معاتبًا: «ما لي أنازع القرآن» ، ثم قال: «إمامكم ضمين على صلاتكم» ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فإن كان هذا صحيحًا فهل المراد به قراءة الفاتحة؟ أما ماذا؟ ثم كيف نجمع بين هذا وبين قوله في حديث آخر: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» .

قراءة سورة الفاتحة في الصلاة

الجواب: اختلف العلماء في حكم قراءة الفاتحة في حق المأموم؛ فمنهم من يرى أنها واجبة وأنه لا يجوز تركها، وأنه يجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة خلف الإمام مطلقًا. ومنهم من يرى أن الإمام يتحمل قراءة الفاتحة، ولكنها تستحب قراءتها للمأموم في سكتات الإمام وفي الصلاة السرية. ومنهم من أوجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة السرية دون الجهرية؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] . وهذا القول في نظري هو أرجح الأقوال؛ لأنه به تجتمع الأدلة، فتحمل الأحاديث التي توجب القراءة على المأموم، في الصلاة السرية، وتحمل القراءة التي تسقط قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية، لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان له إمام فقراءته له قراءة» . وعلى كل حال: فإن الذي ينبغي للمأموم أنه إذا تمكن من قراءة الفاتحة في سكتات إمامه، فإنه يقرؤها. أما إذا لم يتمكن وقرأ الإمام وجهر، فإنه يستمع له؛ لأنه لو قرأ والإمام يقرأ، لحصل لتشويش، ولقرأ قراءة لا يعقلها، ولحصلت مشقة شديدة.

وأما درجة الحديث: «ما لي أنازع القرآن» ، فقد رواه أحمد وأهل السنن، وحسنه الترمذي، وصححه أبو حاتم. وأما لفظة: «الإمام ضمين» ، فهذه لم ترد في هذا الحديث، وإنما ورد في حديث آخر: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن» . *** قراءة سورة المسد في الصلاة سؤال: نسمع أنه لا تجوز قراءة سورة المسد في الصلاة فهل هذا صحيح؟ ولماذا؟ الجواب: ليس هذا بصحيح، بل تجوز قراءة سورة المسد في الصلاة وغيرها وهي سورة من القرآن، والله جل وعلا يقول: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] ، ولم يحدد حدًا معينًا من القرآن يُقرأ في الصلاة، إنما كل القرآن يُقرأ به في الصلاة، سورة المسد وغيرها. *** القراءة مع الإمام سؤال: إذا صليت أي صلاة جهرية في أي مسجد، فإنني أقرأ خلف الإمام؛ وذلك حرصًا مني على متابعته حتى إذا حصل منه خطأ أقوم بالرد عليه فهل في ذلك إثم أم لا؟

القراءة مع الإمام

الجواب: يجب على المأموم إذا كان الإمام يجهر بالقراءة الإنصات؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] . فلا يجوز للمأموم أن يقرأ فيما يجهر فيه إمامه إلا في الفاتحة، على قول لبعض العلماء. وأما ما عدا الفاتحة فلا يقرأ شيئًا من القرآن، بل يستمع لقراءة الإمام، وأما إذا حصل على الإمام شيء من الاختلاط في القراءة فإنه يشرع للمأموم أن يفتح على إمامه، إذا كان يعرف الآية التي استُغلقت عليه، أما أن يأخذ المصحف، ويقرأ خلف الإمام ليفتح عليه إذا أخطأ فهذا لا يجوز، ولكن إذا مثلًا استغلق شيء على الإمام والمأموم يعرف الآية التي خفيت عليه، فإنه ينبهه عليه، وإذا لم يعرفها فإنه يكون معذورًا، وأما أخذ المصحف والقراءة خلف الإمام فهذا لا أصل له فيما عدا سورة الفاتحة، كما ذكرنا ففيها الخلاف بين أهل العلم. *** القراءة جهرًا خلف الإمام سؤال: الذي يدرك صلاة الجماعة مع الإمام وقد فاتته إحدى الركعات الجهرية هل يقرأ ما سبقه جهرًا خلف الإمام أثناء قراءته في الركعتين السريتين أو إحداهما، أم يسر خلف الإمام ويقرأ الجهر أثناء صلاته منفردًا بعد تسليم الإمام؟ الجواب: الصحيح أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته، فعلى هذا يعتبر ما أدركه مع الإمام هو أول الصلاة، فإذا أدرك مع الإمام

القراءة جهرا خلف الإمام

مثلًا ركعة، فإنه يقرأ فيها الفاتحة وسورة إذا كانت الصلاة سرية أو الفاتحة إذا كانت الصلاة جهرية في سكتات الإمام، فإذا قام بعد سلام الإمام ليكمل ما فاته فإنه أيضًا يقرأ في الركعة الأولى ما انفرد به؛ لأنها بالنسبة له تكون هي الثانية، وأما في بقية الصلاة فإنه يقرأ الفاتحة فقط. أما لو أدرك مع الإمام ركعتين من الرباعية أو من المغرب فإن هاتين الركعتين أول صلاته على الصحيح، وما يقوم ويأتي به هو آخر صلاته. سؤال: ماذا عن الجهر بالقراءة؟ الجواب: يخير المنفرد بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية، أما المأموم فلا يجهر مع إمامه، لكن المنفرد إذا قام ليأتي بما سبق لا بأس أن يجهر بالليل، أما في النهار فإنه يسر. *** القراءة في الصلاة بقراءات متعددة سؤال: هل يجوز لقارئ القرآن أن يقرأ سورة واحدة مثلًا بعدة روايات، أي من كان يقرأ في سورة من سور القرآن، واختلطت عليه الروايات، فبدأ ينتقل من رواية إلى أخرى، كما لو قرأ أول الأمر برواية حفص عن عاصم، ثم برواية ورش عن نافع، هل عليه في هذا شيء أم لا؟ الجواب: القراءة إذا وافقت المصحف العثماني، وصح سندها ولم تخرج عن قراءة العشرة فهذه تصح الصلاة بها، إذا توافرت فيها هذه الشروط، أن توافق المصحف العثماني الذي هو المصحف الإمام، وأن يصح سندها، وأن لا تخرج عن قراءة العشرة، فإن خرجت عن قراءة

القراءة في الصلاة بقراءات متعددة

العشرة ففيها خلاف، فإذا قرأت بأي قراءة على هذا النمط مما توفرت فيه هذه الشروط فالقراءة صحيحة، والصلاة صحيحة. أما التنويع في القراءات في الصلاة، فهذا لا ينبغي، لا ينبغي أن تنوع القراءة، وأن تقرأ تارة قراءة حفص، وتارة قراءة ورش، وتارة قراءة فلان أو فلان، هذا لا ينبغي خصوصًا إذا كان هذا يشوش على المصلين، أو يشوش على الذين لم يعتادوا هذا الشيء، فإنه لا ينبغي هذا. *** إغماض العينين في الصلاة سؤال: أنا في الصلاة أشعر بالخشوع كلما أغمضت عيني لأنني لا أبصر ما يشغلني عن الصلاة، فهل تغميض العينين مباح أم مكروه في الصلاة؟ الجواب: ذكر الفقهاء أن مما يكره في الصلاة تغميض عينيه؛ إلا إذا كان في ذلك غرض صحيح، كأن يكون أمامه ما يشغله، فإنه لا بأس بإغماض عينيه عن ذلك الشيء الذي يشغله، أما اتخاذ إغماض العينين في الصلاة عادة، ولو لم يكن أمامه ما يشغله، هذا يكره. *** إرسال اليدين في الصلاة سؤال: إنني أشاهد بعض المصلين في المسجد يصلون والأيدي ليست في موضعها الصحيح، بل مرخاة إلى الأسفل، ما الحكم في هذا أفيدونا جزاكم الله كل خير؟ الجواب: في حال القيام في الصلاة، السنة أن يقبض المصلي كفه

إرسال اليدين في الصلاة

اليسرى بيده اليمنى ويضعهما على صدره، هذا هو السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو الأفضل، ولو أرسل يديه ولم يقبضهما فلا بأس بذلك؛ لأنه يكون تاركًا لسنة، ولم يكن تاركًا لواجب، فإرسال اليدين، وقبضهما في الصلاة كلاهما جائز، ولكن قبضهما ووضعهما على الصدر، هذا أفضل، وأكمل لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم. *** رفع الأيدي في الصلاة سؤال: هل يرفع المصلي يديه عند تكبيرات الانتقال في الصلاة؟ وإن لم يكن في جميعها، ففي أيها يكون رفع اليدين عند التكبير؟ مثلًا عند الرفع من الركوع وعند السجود؟ الجواب: نعم، الذي ثبت، رفع اليدين عند التكبيرات في الصلاة هو: عند تكبيرة الإحرام، وعند تكبيرة الركوع، وعند الرفع من الركوع، هذه المواضع الثلاثة ثبت رفع اليدين فيها. وهناك موضع رابع يراه بعض العلماء، وهو عند القيام من التشهد الأول، هذه المواضع التي تُرفع الأيدي عند التكبير فيها في الصلاة. وأما ما عداها فلا ترفع فيه الأيدي. *** وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع سؤال: هل وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى بعد الرفع من الركوع من السنة؟ أم هو بدعة؟

وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع

الجواب: من السنة وضع الكف اليمنى على الكف اليسرى وقبضهما على الصدر حالة القيام في الصلاة، وهذا من الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم سواءً في ذلك ما قبل الركوع وما بعده، فإنه يستحب أن يقبض يديه ويضعهما على صدره، حالة القيام في الصلاة، سواءً قبل الركوع، أو بعده؛ لأن كلا منهما قيام في الصلاة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام في الصلاة فعل ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، وهذا من سنن الأفعال الثابتة في الصلاة. *** تحريك السبابة في التشهد سؤال: ما حكم تحريك السبابة في التشهد في الصلاة؟ وهل هناك كلمات معينة، تحرك عندها، وما الحكمة من ذلك؟ الجواب: حكم تحريك السبابة في التشهد سنة، ويكون عند ذكر لفظ الجلالة، إذا جاء لفظ الجلالة على لسانه، فإنه يحرك السبابة. والحكمة في ذلك: إشارة إلى التوحيد، كما إذا قال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، فإنه يحرك سبابته عند لفظ الجلالة، إشارة إلى التوحيد، وتحريكها سنة وليس بواجب. ***

إدراك الجماعة

إدراك الجماعة سؤال: من جاء للصلاة مع الجماعة ووجدهم في التشهد الأخير فجلس معهم، وحينما سلم الإمام سلم معهم، ثم أقام الصلاة من جديد، وصلى منفردًا فهل فعله هذا جائز، وهل يعتبر بإدراكه للتشهد الأخير مدركًا للجماعة، أو مدركًا لفضل الجماعة أم لا؟ الجواب: الصحيح أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة، ولكن من جاء والإمام في التشهد الأخير فإنه يدخل معه ليحصل على أجر المتابعة، أما فضل الجماعة فالصحيح من قولي العلماء أنه لا يحصل إلا بإدراك ركعة كاملة، وإذا دخل معه في التشهد الأخير، فإنه لا يجوز له أن يسلم مع الإمام، بل إذا سلم الإمام يجب عليه أن يقوم ويأتي بما سبق به من الصلاة، لا يجوز له أن يسلم، وإذا تعمد السلام مع الإمام بطلت صلاته. أما لو سلم مع الإمام ناسيًا أو جاهلًا، فإن صلاته صحيحة، ولكن يجب عليه سجود السهو. *** إدراك الركعة بإدراك الركوع سؤال: إذا جاء الرجل للصلاة ووجد الإمام راكعًا وركع معه، ولم يقرأ الفاتحة فما صحة هذه الصلاة؟ لأني سمعت أنه: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ، أفيدونا في ذلك مشكورين. الجواب: من جاء والإمام في الركوع، فإنه يكبر تكبيرة الإحرام وهو

إدراك الركعة بإدراك الركوع

واقف، ثم يركع مع الإمام، ويكون مدركًا للركعة ولا تلزمه قراءة الفاتحة في هذه الحالة؛ لأنها فات محلها وصلاته صحيحة؛ لأن محل قراءة الفاتحة هو القيام وقد فات، فإذا أدرك الإمام راكعًا وركع معه، فإنه يكون مدركًا للركعة وصلاته صحيحة إن شاء الله، والدليل على ذلك أن أبا بكرة رضي الله تعالى عنه، جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع، فدخل معه في الركوع، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء تلك الركعة، بل قال له: «زادك الله حرصًا ولا تعد» ؛ لأنه كان لما أقبل على الصف، أسرع وكبر قبل أن يصل إلى الصف، ثم دخل في الصف، والنبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن السرعة إذا جاء والإمام راكع، بل يأتي بطمأنينة وهدوء، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» ، وفي رواية: «وما فاتكم فاقضوا» ، فالذي أنكره عليه إنما هو السرعة فقط، ولم يأمره بإعادة الركعة التي أدركها معه، فدل على أن من أدرك الإمام في الركوع وركع معه فإنه يكون مدركًا للركعة، وهذا الذي سمعته من بعض الناس قول مرجوح، والصحيح ما ذكرناه، والله تعالى أعلم. سؤال: وماذا بشأن حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ؟ الجواب: هذا في حق الإمام والمنفرد، أما المأموم فإنه ينصت لقراءة إمامه إذا جهر لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] ، فالمأموم يقرأ الفاتحة في سكتات إمامه.

أما إذا جهر الإمام فإنه يجب على المأمومين الإنصات والاستماع للقرآن؛ لأن قراءة الإمام قراءة للجميع، والله تعالى أعلم. *** الصلاة بعد الأذان الأول يوم الجمعة سؤال: ما حكم صلاة ركعتين يوم الجمعة بعد الأذان الأول، وبعد أن يصلي المسلم تحية المسجد فبعض الناس هنا يقولون: إنها مكروهة، والبعض الآخر يقولون: إنها سنة، فما هو صحيح في ذلك؟ الجواب: إذا كان الأذان الأول متقدمًا بفترة، وجاء الإنسان بعده إلى المسجد فإنه يصلي ما يسر الله له من الصلوات، إلى أن يخرج الإمام للخطبة، بدون تقيد بعدد أو حد، يصلي ما تيسر من الصلوات. أما إذا كان الأذان الأول متأخرًا كما يُفعل في بعض الأمصار، من أن الأذان الأول يكون عند قرب دخول الإمام وليس بينه وبين الأذان الأخير إلا فترة قصيرة ففي هذه الحالة لا يشرع صلاة بعد الأذان لمن كان في المسجد، أما لو دخل المسجد فإنه يؤدي تحية المسجد، أما إذا كان مستقرًا في المسجد، وقد صلى ما تيسر له قبل ذلك، فإن الأذان الأول، لا يشرع بعده صلاة خاصة به. *** صلاة الجمعة في السفينة سؤال: عملنا دائم على متن سفينة بحرية، وأحيانًا تمضي الأيام والأسابيع على متنها، والسفينة مزودة بكل وسائل الراحة، فتصادفنا أيام

صلاة الجمعة في السفينة

جمع، وعددنا قد يصل إلى الستين ويزيد، فهل علينا أن نقيم صلاة الجمعة؟ أم أننا نعتبر مسافرين فنصلي ظهرًا؟ وهل نصلي قصرًا وجمعًا مع أن الصلاة لا تحتاج منا إلى وقوف لنؤديها؟ وقد خصصنا مكانًا للصلاة ولكنه في بعض الأحيان قد لا يتسع لكل المصلين فيصلون في مكان آخر مجاور، مقتدين بنفس الإمام، فهل هذا جائز، مع العلم أنهم لا يرون الإمام ولكنهم يسمعونه، وما الحكم لو كان هذا المكان متقدمًا على الإمام، هل الصلاة فيه صحيحة أم لا؟ الجواب: أما بالنسبة لصلاة الجمعة فلا تصح منكم، والواجب عليكم صلاة الظهر؛ لأن الجمعة إنما تجب على المستوطنين، أما المسافر على سفينة أو على غيرها، فلا تجب عليه الجمعة، ولا تصح منه إذا صلاها، إلا إذا صلاها تبعًا لأهل البلد، أما أن يصليها وهو في حالة السفر فلا تصح منه. وأما بالنسبة للجمع، فالجمع بين الصلاتين إنما يباح عند الحاجة، فإذا كان هناك حاجة إليه بحيث إنكم لا تتمكنون من أداء كل صلاة في وقتها فلا بأس أن تجمعوا بين الصلاتين. وأما بالنسبة لصلاة من ذكرتم أن المكان يضيق بكم، وأن هناك مكاناًَ آخر ملاصقًا للمصلى يصلي فيه جماعة فلا بأس في ذلك، إذا سمعوا صوت الإمام، ولا يجوز أن يكونوا متقدمين عليه، بل لا بد أن يكونوا عن يمينه أو عن شماله، أو خلف ظهره، أما أن يكونوا أمامه فلا يصح؛ لأن موقف المأموم خلف الإمام، أو عن يمينه أو عن شماله، إذا كان يمينه فيه مصلون آخرون. فالحاصل أنه يشترط للاقتداء بالإمام أن لا يكون المأموم أمام الإمام.

أما بالنسبة للقصر، فما دام أن سفرهم يبلغ مسافة القصر، ثمانين كيلو فأكثر، فيجوز لهم القصر؛ لأن القصر هو السنة في حق المسافر، والجمع يباح عند الحاجة. سؤال: ولكن أليست الحكمة من القصر كسب الوقت بالنسبة للسفر؟ الجواب: الله سبحانه وتعالى شرع للمسافر أن يقصر، وعلق القصر بوجود السفر، فإذا وُجد السفر فإنه يُشرع القصر. *** ذكر الخلفاء الراشدين في خطبة الجمعة سؤال: هل ذكر الخلفاء الراشدين الأربعة في خطبة الجمعة أمر واجب أم لا؟ الجواب: الترضي عن الخلفاء الراشدين في خطبة الجمعة، هذا من عمل المسلمين، ومن عقيدة أهل السنة والجماعة الترضي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمومًا، ومحبتهم وموالاتهم، والخلفاء الأربعة، خصوصًا لما لهم من الفضل والسابقة في الإسلام، ولأن بهذا مخالفة للرافضة، قبحهم الله الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما الخلفاء الراشدين، فأهل السنة والجماعة يترضون عنهم في خطبة الجمعة، مخالفة للرافضة، وعملًا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] . ***

التأمين عند دعاء الخطيب

التأمين عند دعاء الخطيب سؤال: هل التأمين عند دعاء الإمام بعد الخطبة في صلاة الجمعة من البدع، أي عندما يدعو الإمام ونرد وراءه بقولنا: آمين، هل هذا من البدع أفيدونا جزاكم الله خيرًا؟ الجواب: التأمين على دعاء الخطيب في الخطبة الأخيرة، إذا أخذ يدعو للمسلمين مستحب، وليس من البدع، لكن لا يكون بصوت جماعي وصوت مرتفع، وإنما كل واحد يؤمن بمفرده، وبصوت منخفض، بحيث لا يكون هناك تشويش أو أصوات مرتفعة، وإنما كل يؤمن على دعاء الخطيب سرًا ومنفردًا عن الآخرين. *** سجود التلاوة سؤال: نجد في المصحف الشريف عبارة "سجدة عند غير مالك "، فهل تعفي هذه الكلمة القارئ أو المستمع من السجود إذا كان على مذهب آخر، وإذا كان الشخص غير متمسك بمذهب معين فما هو موقفه من هذا؟ الجواب: سجود التلاوة سنة في حق القارئ والمستمع، دون نظر إلى كون هذا عند مالك أو عند غيره. إن سجود التلاوة سنة على المسلم إذا قرأ آية السجدة، أو كان يستمع إلى قارئ ومر بآية السجدة، وسجد القارئ فإنه يسجد معه دون نظر إلى مذهب من المذاهب، وأما ما كتب في المصحف عند غير مالك، أو عند مالك وما أشبه ذلك، فهذا لا علاقة له بالمشروعية، وليت المصحف يخلو

سجود التلاوة

من مثل هذه الكتابات، ويتجرد لمجرد كتابة كلام الله - عز وجل - دون أن يكتب كلام آخر. *** صفة سجود الشكر سؤال: ما صفة سجود الشكر؟ وكيف يؤديها المسلم، أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب: سجود الشكر يشرع إذا اندفعت عن المسلم نقمة، وحصل له فرج من شدة أو تجددت له نعمة كنصر على عدو أو رزق مولودًا، أو ما أشبه ذلك من النعم المستجدة. وصفته: أن يكبر ويسجد، ويقول سبحان ربي الأعلى، ويكرر ذلك ثلاثًا أو عشرًا، ويدعو بما تيسر له من الأدعية ويرفع ويكبر ثم يسلم، هذه صفة سجود الشكر مثل سجود التلاوة. *** القنوت في صلاة الفجر سؤال: ما حكم الدعاء في صلاة الفجر في الركعة الأخيرة، الذي يدعو فيها الإمام؟ الجواب: هذا هو القنوت في صلاة الفجر، وجمهور أهل العلم على أن القنوت في صلاة الفجر غير مشروع؛ إلا في حالة إذا نزل بالمسلمين نازلة، فإن الإمام يقنت في كل صلاة، في صلاة الفجر وغيرها فيدعو الله

القنوت في صلاة الفجر

برفع تلك النازلة عن المسلمين، إما مداهمة عدو أو أي نازلة من النوازل التي تصيب المسلمين، فإن القنوت في الصلوات مشروع، أما في غير النوازل، فإن القنوت في الفرائض غير مشروع، بل يعتبره بعض العلماء بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ثبت عنه أنه كان يقنت في النوازل كما قنت ودعا للمستضعفين بمكة، وكما دعا على الذين قتلوا قراء الصحابة في بئر معونة وفي غيرها، فدعا عليهم شهرًا عليه الصلاة والسلام، فدل هذا على أن القنوت خاص بالنوازل. وذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى أن القنوت مشروع في صلاة الفجر دائمًا، ولكن الجمهور على خلافه، والحديث الذي تمسك به الإمام الشافعي، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ما زال يقنت حتى فارق الدنيا، هذا حديث في سنده مقال، لا يصلح للاستدلال. والأحاديث الصحيحة على خلافه، فإن الأحاديث الصحيحة تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يداوم على القنوت في الفرائض، وإنما فعله في وقت النوازل فقط، وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده لم يكونوا يفعلونه، فدل على أنه ليس بمشروع، ولما سئل بعض الصحابة عنه، قال: محدث يعني أنه أمر حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أن القنوت في صلاة الفجر غير مشروع، وإن قال به من قال من أهل العلم، والله أعلم. ***

سؤال: أسمع كثيرًا من الأئمة، وخاصة المتمسكين منهم بالمذهب الشافعي، لهم دعاء راتب بعد الرفع في الركوع في الركعة الثانية من صلاة الفجر، فهل لهذا الدعاء في هذا الوقت أصل في السنة؟ الجواب: نعم، هو كما ذكرت أن الشافعية يقنتون في صلاة الفجر بعد قيامهم من الركوع في الركعة الثانية، ولكن الجمهور على خلاف ذلك. الجمهور لا يرون القنوت في صلاة الفجر، وإنما يرون القنوت في الصلوات المفروضة عند النوازل، فإذا حصل بالمسلمين نازلة، فإنهم كانوا يقنتون، ويرون القنوت اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يقنت في النوازل. أما في غير النوازل فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق صحيح أنه داوم على القنوت في صلاة الفجر، بل اعتبره بعض الصحابة مبتدعاًَ ومحدثًا لما سئل عنه فقال: إنه أمر محدث، وهذا دليل على أن القنوت وملازمة القنوت في صلاة الفجر أنه بدعة؛ لأنه ليس منه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما سنته أنه يقنت في الفرائض عند النوازل فقط. *** السنن الرواتب سؤال: ما السنن الرواتب التي تؤدى قبل وبعد الصلوات المفروضة؟ الجواب: السنن الرواتب التي تفعل مع الفرائض، هي كما بينها حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل»

السنن الرواتب

«الفجر» ، هذه السنن الرواتب التي تفعل مع الفرائض، وينبغي المحافظة عليها إلا في السفر، فإنه في حالة السفر لا تفعل هذه الرواتب، وإنما يُقتصر على الصلاة المفروضة مع قصر الرباعية ركعتين، إلا ركعتي الفجر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليهما في الحضر والسفر، كما يحافظ على الوتر في الحضر والسفر، وفي بعض الأحاديث أربع ركعات قبل الظهر مع الركعتين، فيكون قبل الظهر أربع ركعات، وسائر الصلوات ركعتين، وهي المغرب والعشاء والفجر. *** سؤال: في بعض الأحيان، وبعدما أصلي أكون قلقًا، أو يأخذني النعاس أو الملل، فلا أصلي السنة الراتبة، فهل علي شيء في ذلك؟ الجواب: ينبغي المحافظة على السنن الراتبة؛ لأنها سنة مؤكدة، وإذا مال الإنسان مع الكسل، فإن الكسل يزيد، وأما النعاس إذا كان نعاسًا غالبًا، بحيث إنه يتغلب عليك في الصلاة، ولا تدري ماذا تقول، فحيئنذ تنام، وأما إذا كان مجرد نعاس خفيف، فإنه لا ينبغي لك ترك الراتبة، مع أن الراتبة لا تأخذ منك وقتًا طويلًا، فينبغي لك أن تحافظ عليها ما أمكنك ذلك. ***

سؤال: إذا حضرت لصلاة الظهر مثلًا قبل الأذان، وصليت أربع ركعات، ثم أذن المؤذن فهل تكفي عن الراتبة، أم لا بد أن أصلي بعد الأذان ركعتين راتبة الظهر؟ الجواب: المهم أن تكون الصلاة بعد دخول الوقت، فإذا كان وقت الظهر قد دخل ونويت في هذه الصلاة الراتبة، فإن ذلك يكفي. أما إذا لم يكن دخل الوقت بعد، فإن صلاتك التي صليتها قبل دخول الوقت لا تكفي عن الراتبة، وكذلك لو لم تنو الراتبة، صليت صلاة مطلقة لم تنو بها الراتبة، فإنها لا تكفي عن الراتبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» ، فإذا نويت الراتبة وكان قد دخل الوقت صحت وأجزأت عن الراتبة، أما إذا لم يتوفر هذان الشرطان فإنها تكون صلاة مطلقة. *** صلاة الوتر سؤال: أصلي صلاة الوتر ثلاث ركعات، وقد سمعت أنها إحدى عشرة ركعة، فكيف أصليها، ركعتين ركعتين أو أربعاًَ كيف أصليها؟ الجواب: الوتر أقله ركعة واحدة وأدنى الكمال ثلاث ركعات، وأعلى الكمال إحدى عشرة ركعة، هذا أعلى الكمال، فإذا أوترت بإحدى عشرة ركعة فإنك تسلم من كل ركعتين، وإذا جاءت الركعة الأخيرة، تُفردها وتصلي ركعة واحدة على أنها وتر.

صلاة الوتر

سؤال: عندما أصلي الوتر، أصلي أحيانًا ركعتين بتسليم واحد، ثم أصلي ركعة وترًا بتسليم أيضًا، وأحيانًا أصلي ثلاث ركعات بسلام واحد، فهل يجوز هذا؟ الجواب: أما أداء الثلاث ركعات بسلامين فهذا أفضل وأكمل. وأما أداؤها بسلام واحد، أن تسردها ثم تجلس في آخرها وتسلم، فهذا لا بأس به أيضًا، ولكن الأول أكمل منه وأفضل. سؤال: لو فعل بالتشهد الأول كصلاة المغرب، فهل يجوز هذا؟ الجواب: لا ينبغي هذا؛ لأنه نهي عن تشبيهها بالمغرب، فلا ينبغي هذا. *** صلاة الجنازة والكسوف والاستسقاء سؤال: ما هي الأقوال التي تقال في صلاة الجنازة والكسوف والاستسقاء؟ كما نرجو إرشادنا إلى كتاب نستفيد منه في تعلم هذه الأمور؟ الجواب: أما الكتاب الذي تتعلمون منه هذه الأمور فكتب الفقه على المذاهب الأربعة والحمد لله، وهي ميسورة مطولات ومختصرات، فبإمكانك أن ترجع إليها، وهناك كتاب فيه الأذكار التي تُقال في صلاة الجنازة والكسوف والاستسقاء، وهو كتاب الأذكار للنووي -رحمه الله- بإمكانك أيضًا أن ترجع إليه، وأما بالنسبة لما يقال في صلاة الجنازة فهو أن تكبر تكبيرة الإحرام، ثم تقرأ الفاتحة، ثم تكبر بعد قراءة الفاتحة، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كالصلاة عليه في التشهد الأخير من الصلاة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك

صلاة الجنازة والكسوف والاستسقاء

حميد مجيد، ثم تكبر المرة الثالثة وتدعو بعدها للميت: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وتتحرى من الأدعية للميت ما ورد، ثم تكبر التكبيرة الرابعة وتسلم على يمينك مرة واحدة، هذا ما يقال في صلاة الجنازة. أما ما يقال في صلاة الكسوف، فيكبر تكبيرة الإحرام؛ ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة نحوًا من سورة البقرة، ثم يركع ركوعًا طويلًا نحوًا من قيامه، ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده ويقرأ الفاتحة ويقرأ سورة طويلة؛ إلا أنها أقل من الأولى، ثم يركع ركوعًا طويلًا، ثم يرفع ويقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يعتدل قائمًا، ثم يكبر ويسجد سجدتين، ثم يقوم ويصلي الثانية كالأولى. وأما بالنسبة لصلاة الاستسقاء، فيصلي الإمام ركعتين قبل الخطبة، يستحب أن يقرأ في الأولى بالفاتحة وسبح اسم ربك الأعلى، ويقرأ في الثانية: الفاتحة وهل أتاك حديث الغاشية، ثم إذا فرغ من الركعتين يخطب الإمام خطبة يفتتحها بالتكبير، والثناء على الله - عز وجل - والشهادتين، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما تيسر من الأدعية التي فيها الاستسقاء، ويكثر من الاستغفار، والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ويذكر الحضور بالتوبة والاستغفار وطلب الغيث من الله سبحانه وتعالى. ***

من فاته الركوع الأول من صلاة الكسوف

من فاته الركوع الأول من صلاة الكسوف سؤال: إذا فات المأموم الركوع الأول من الركعة الأولى في صلاة الكسوف ولم يتمكن إلا من الركوع الثاني والأربع سجدات، فهل يجب عليه قضاءٌ؟ وما صفة ذلك؟ الجواب: الركوع الثاني في صلاة الكسوف سنة، ولا تدرك به الركعة، إذا جئت والإمام يصلي الكسوف وهو في الركوع الثاني من الركعة الأولى أو من الركعة الثانية، فالركوع الثاني هذا لا يُعتد به، ولا تُدرك به الركعة، ولكن تدخل مع الإمام فيه لتحصل على الفضيلة فإذا سلم الإمام، فإنك تقوم وتأتي بما فاتك على صفته تأتي بركعة كاملة بركوعين وسجدتين. *** من فاته ركعة من صلاة العيد أو الاستسقاء سؤال: إذا فات المأموم ركعة من صلاة العيد أو الاستسقاء، هل يجب عليه التكبير عدة مرات مثل الإمام قبل قراءة الفاتحة أم لا؟ الجواب: من فاتته صلاة العيد أو الاستسقاء فإنه يستحب له أن يقضيها على صفتها، فإذا فاتته كلها، فإنه يقضيها على صفتها، ومن ذلك التكبيرات الزوائد، وكذلك إذا فاته بعضها، بأن فاته ركعة منها، فإنه يدخل مع الإمام فيما بقي، وإذا سلم الإمام يقوم ويأتي بما فاته على صفته بالتكبيرات. والله تعالى أعلم. ***

المرض والصلاة

المرض والصلاة سؤال: يقول السائل: إنه قد انقطع عن أداء الصلاة والصيام لمدة سنتين ونصف، بسبب مرض الشلل النصفي الذي أصابه، واستمر معه خلال هذه المدة، وبعدها استطاع الجلوس، وبعض الحركة اليسيرة، فعاد إلى أداء الصلاة والصيام حسب قدرته، ولكنه متألم بالنسبة للسنتين والنصف الماضيتين، بسبب تركه للصلاة والصيام خلالها، ولا يستطيع القضاء، فما العمل وماذا يجب عليه؟ الجواب: المريض يصلي على حسب حاله، قيامًا إن كان يستطيع، أو قعودًا ويومئ بالركوع والسجود أو على جنبه، ويومئ كذلك بالركوع والسجود. فتركك الصلاة في فترة المرض خطأ منك، فما دام أن عقلك ثابت وتفكيرك موجود، فإنك تصلي على حسب حالك، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، تصلي بحسب مقدرتك ولو على جنب، وتومئ برأسك بالركوع والسجود وتكون متوجهاًَ إلى القبلة، أو مستلقيًا ورجلاك إلى القبلة، وتكون مستقبلًا برأسك ووجهك إلى القبلة، وتومئ بالركوع والسجود. الحاصل أن المريض لا يترك الصلاة ما دام عقله موجودًا وتفكيره سليمًا، وتركك للصلاة وأنت تستطيع أن تصليها ولو على الصفة التي ذكرناها، تركك لها خطأ، ويجب عليك قضاؤها، وتقضيها على حسب استطاعتك، إن استطعت أن تقضيها متتابعة وجميعًا، فإنه يجب ذلك، وإلا تقضيها على حسب ما تستطيع، ولو وزعتها مثلًا على الأيام حسب

استطاعتك حتى تقضيها جميعًا ولو في فترات تقضي في كل فترة ما يمكنك فإنه يجب عليك ذلك. أما الصيام، فإن الله سبحانه وتعالى رخَّص للمريض أن يفطر إذا كان الصيام يشق عليه أو يضاعف عليه المرض ولكن يجب عليه القضاء، فيجب عليك أيضًا قضاء الصيام الذي تركته في فترة المرض، ويكون القضاء على حسب استطاعتك، إن استطعت أن تقضيه متواليًا قضيته وإلا يجوز لك أن تقضيه متفرقًا على حسب استطاعتك، وما دام أنك والحمد لله الآن تصلي أداءً وتصوم أداءً، فإن باستطاعتك أن تصلي القضاء وأن تصوم القضاء الذي عليك، ويكون ذلك على حسب استطاعتك، والصفة التي لا تشق عليك مستقبلًا، والله تعالى أعلم. سؤال: بالنسبة للصيام يبدو أنه حتى وقت إرساله الرسالة لم يصم لعجزه عن الصيام، فهل يعتبر مرضه هذا مما لا يرجى برؤه؟ الجواب: هو يقول: إنه يصوم قضاءً، كما ذكر في سؤاله أنه يصوم أداءً. سؤال: المريض عاد إلى أداء الصلاة والصيام حسب قدرته فهل يطالب بالقضاء؟ الجواب: ما دام أنه قدر على الصيام فإنه يقدر على القضاء إن شاء الله، لكن يكون على حسب حاله، أما لو قدر أن المرض يكون مزمنًا ولا يستطيع معه الصيام ولا يرجى شفاء هذا المرض، فإنه يطعم عن كل يوم مسكين، لكن هو يقول: إنه عادت إليه استطاعته للصيام. سؤال: في حالة الإطعام، يطعم عن الماضي وعن الحاضر فيما لو أقبل عليه شهر رمضان؟

الجواب: يطعم عن كل صوم تركه من رمضان، الماضي والحاضر، كل الصوم الذي تركه، وهو لا يستطيع قضاءه لملازمة المرض معه، فإنه يطعم عن كل يوم مسكين. *** سؤال: توفيت والدتي بعد أن أصابها مرض في مفاصلها فكانت لا تصلي في فترة المرض، وكذلك فقد أفطرت بعض أيام من رمضان لعدة سنوات بسبب العذر الشرعي، ولكنها كانت لا تقضي جهلًا بحكم وجوب قضاء الصوم، فبالنسبة للصلاة فقد قمنا نحن أولادها بالصلاة عنها لمدة خمس سنوات إلى أن عرفنا أن ذلك لا ينفع عنها، وأن الصلاة لا تقضى عن أحد، فعدلنا عن ذلك إلى قراءة القرآن، وإهداء ثوابه لها، وإلى التصدق عنها، ولكن بالنسبة للصيام، هل يجوز أن نصوم عنها أم نكفر؟ أم ماذا نفعل؟ الجواب: أما بالنسبة لترك الصلاة للمريض، هذا أمر لا يجوز للمريض أن يترك الصلاة مهما بلغ به المرض، ما دام عقله ثابتًا، وإنما يصلي على حسب حاله، وحسب ما يستطيع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه استطعتم» ؛ ولقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ؛ ولقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . فالمريض يصلي على حسب حاله قائمًا أو قاعدًا، أو على جنب، ويومئ برأسه للركوع والسجود، ويتوضأ إذا تمكن من الوضوء، أو يتيمم إذا لم يستطع الوضوء، أما أن يترك الصلاة بحجة المرض، فهذا أمر

خطير، ولا يجوز ترك الصلاة بحال، فوالدتكم أخطأت بتركها للصلاة، ولكن لعلها تُعذر بالجهل، مع أن الواجب أن تسأل أهل العلم، أو أن يسأل لها وليها، ومن حولها - يسألون أهل العلم - أما أن يُتساهل في الأمر، ويعمد الإنسان إلى العمل برأيه وبأقوال الجهال، فهذا أمر خطير جدًا. وكما ذكرتم الصلاة لا تقضى؛ لأنها عمل بدني لا تدخله النيابة، وأمر والدتكم إلى الله عز وجل. أما الصيام، فإنه يُطعم عن كل يوم مسكين، هذا متعين، الإطعام متعين، يُطعم عن كل يوم مسكين، لكل مسكين نصف صاع من طعام البلد المعتاد. وإذا قضيتم عنها مع الإطعام فلا بأس بذلك، ونرجو أن ينفعها ذلك إن شاء الله. سؤال: كم مقدار الصاع بالكيلو لو قدرنا تقريبًا؟ الجواب: تقريبًا الصاع ثلاثة كيلو، يعني يعطى كل مسكين كيلو ونصفًا يعني تقريبًا من أوسط طعام البلد. *** صلاة المصاب بالشلل سؤال: أنا إنسان ابتلاه الله بمرض الشلل منذ أربعة أعوام والحمد لله، وهذا الشلل في النصف الأسفل من الجسم، من بداية البطن إلى أسفل القدمين، ولذلك يخرج الخارج من السبيلين بلا علم مني ولا إرادة، وسؤالي هنا في الصلاة، كيف أصلي؟ فأنا إذا صليت قد يخرج مني ذلك وأنا لا أعلم

صلاة المصاب بالشلل

به، خصوصًا وأن هناك أجهزة معلقة بمجاري الخارجية أقضي حاجتي عن طريقها، وهي معلقة في جسمي، وقد يخرج منها من دون إحساس أو شعور مني بذلك، وأنا الآن أصلي، فهل صلاتي بهذه الحالة التي ذكرتها صحيحة أم لا؟ الجواب: نسأل الله لك الشفاء والعافية مما أصابك، وأما ما سألت عنه من حكم صلاتك مع خروج الخارج من السبيلين وأنت لا تشعر به، ولا تستطيع حبسه، فصلاتك صحيحة؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ؛ ولقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ؛ ولقول صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه استطعتم» ، فهذا هو منتهى استطاعتك، ولكن عليك ألا تتوضأ إلا عندما تريد الصلاة بعد دخول الوقت، تتوضأ ثم تصلي في الحال، وتنهي صلاتك ولو خرج منك الخارج؛ لأنك لا تستطيع أكثر من ذلك، والله تعالى أعلم. *** الصلاة تؤدى في الوقت حسب القدرة سؤال: مريض أحيانًا تفوته صلاة الفجر بسبب عدم استقباله القبلة بعض الأحيان، وعدم قدرته على الاستدارة ناحية القبلة، وبسبب عدم من يناوله الماء ويساعده على الوضوء، هل يجوز له تقديمها أو تأخيرها عن وقتها أم لا؟ الجواب: لا يجوز تقديم صلاة الفجر عن وقتها، ولا يجوز تأخيرها

الصلاة تؤدى في الوقت حسب القدرة

عن وقتها، بل يجب أن تؤدى في الوقت؛ بحسب القدرة والاستطاعة، فالمريض الذي على الوصف الذي ذكر لا يستطيع أن يستقبل القبلة، ولا يستطيع أن يتوضأ، هذا يصلي على حسب حاله، لا يخرجها عن وقتها، ولا ينتظر حتى يأتي من يعينه على استقبال القبلة، أو من يهيئ له الوضوء، بعد خروج الوقت، هذا لا يجوز، بل يصلي صلاة الفجر إذا خشي خروج الوقت على حسب حاله ولو بدون وضوء، وإذا كان يستطيع أن يتيمم فعليه أن يتيمم، وإذا كان لا يستطيع فإنه يصلي على حسب حاله، وإن استطاع أن يستقبل القبلة، وإلا يصلي إلى أي جهة يستطيع التوجه إليها؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ؛ ولقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه استطعتم» . الحاصل: أنه لا يجوز إخراج صلاة الفجر عن وقتها، ولا تقديمها عن وقتها، وإنما يجب أن تؤدى في وقتها حسب الإمكان والمقدرة. *** جواز الصلاة بدون أذان سؤال: سمعت أنه لا تجوز صلاة بدون أذان، حيث إنني أعمل لوحدي بالبر، وأصلي والحمد لله، لكن بدون أذان، فهل صلاتي جائزة أم لا، وإذا كانت غير جائزة فماذا ينبغي علي أن أفعل في الصلوات السابقة، أفيدوني جزاكم الله كل خير.

جواز الصلاة بدون أذان

الجواب: الصلاة تجوز بدون أذان وتصح، ولكن الأذان عبادة مستقلة، وهو إعلام بدخول الوقت وشعار للإسلام، وفيه فضل عظيم، فينبغي المحافظة عليه، والأذان لكل وقت عند دخوله ولو كان الإنسان وحده، فإنه يستحب له أن يؤذن ويصلي وفي ذلك فضل عظيم وثواب كبير. أما لو صلى الإنسان أو صلى الجماعة من غير أذان فصلاتهم صحيحة، لكن يفوت عليهم أجر الأذان وثواب الأذان، والله أعلم. *** صحة الصلاة مع وجود الدم سؤال: ما حكم الصلاة في ثوب فيه دم، أو في حالة خروج دم من بدن الإنسان أثناء الصلاة؟ الجواب: إذا صلى الإنسان بثوب فيه دم يسير من حيوان طاهر في الحياة، فهذا لا بأس به. أما إذا كان الدم كثيرًا ورآه في أثناء الصلاة، فإن صلاته تبطل؛ لأن الدم نجس، إذا كان كثيرًا فإنه يكون نجسًا، فعليه أن يخرج ويغسل ثوبه ويصلي. أما إذا لم يعلم إلا بعد الصلاة، فصلاته صحيحة. سؤال: هل صلاته صحيحة سواء كان الدم من بدنه هو أو من حيوان؟ الجواب: إذا كان الدم من حيوان مأكول يعني مما تبقى في اللحم المأكول فهذا طاهر، أما إذا كان دمًا مسفوحًا، أو خرج من الإنسان نفسه، أو من حيوان غير مأكول، فهذا نجس إذا كان كثيرًا.

صحة الصلاة مع وجود الدم

وأما بالنسبة لخروج الدم منه، فهذا إن كان يسيرًا فإنه لا يبطل الوضوء، وإن كان كثيرًا فالأحوط أن يعيد الصلاة لأن جماعة من أهل العلم يرون خروج الدم الكثير من الإنسان ينقض وضوءه، فكونه يعيد الصلاة أحوط له وخروجًا من الخلاف، والله أعلم. *** الصلاة على مكان مرتفع عن الأرض سؤال: هل يجوز أداء الصلاة على مكان مرتفع عن الأرض كالسرير ونحوه إذا شك الإنسان في طهارة الأرض، وليس به عذر مرض أو نحوه؟ الجواب: لا بأس أن يصلي الإنسان على مكان مرتفع عن الأرض كالسرير ونحوه إذا كان طاهرًا، وكان ثابتاًَ لا يحصل منه اهتزاز وخلل على المصلي، وتشويش على المصلي، ما دام أنه مستقر، وأنه طاهر فلا حرج في الصلاة عليه إن شاء الله. *** الصلاة خارج المسجد سؤال: وصلت أنا ومجموعة معي إلى مسجد وقت صلاة المغرب لأداء الصلاة، فوجدت أن المسجد قد امتلأ بالمصلين، وخوفًا منا على صلاة المغرب، صلينا على الرصيف المجاور للمسجد موازين للإمام، فصلينا مع الجماعة بواسطة السماع من مكبر الصوت، ولكننا لم نر الصفوف، وبعد انتهاء الصلاة، قيل لنا: لا تصح صلاة من لا يرى الإمام أو الصفوف، وإذا كان يوجد فاصل بين المسجد مثلًا كشارع صغير أو طريق مقابل لباب المسجد، فهل تصح صلاتنا مع وجود هذا الفاصل، أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء؟

الصلاة خارج المسجد

الجواب: صلاتكم كما وصفت، لمَّا وجدتم المسجد مزدحمًا ولم تجدوا فيه مكانًا، فصليتم، خارجه على الرصيف بجوار المسجد، وأنتم تسمعون الإمام، فالصلاة في مثل هذه الحالة صحيحة للضرورة، إذا كنتم لم تتقدموا على الإمام في موقفكم، وأما إذا كان بين المصلي وبين المسجد طريق كما وصفت في آخر سؤالك، فإن الاقتداء بالإمام لا يصح في مثل هذه الحالة، إذا كان بين المسجد وبين المصلي طريق يمشي فيه الناس، وتسير في السيارات حال الصلاة، فإن الصلاة لا تصح في هذه الحالة، أما لو كان الطريق قد اتصلت فيه الصفوف إلى مكانكم، وصار كل المكان يصلى فيه فالصلاة صحيحة في هذه الحالة. لكن إذا كان الطريق يمشي فيه الناس ولم يكن فيه صفوف متصلة، فالصلاة في مثل هذه الحالة لا تصح؛ لانقطاعكم عن الإمام وللفصل بينكم وبينه بالمارة والله أعلم، ومثل هذا كما قال الفقهاء إذا كان بين المصلي وبين المسجد نهر أو نهر تمشي فيه السفن وما أشبه ذلك. سؤال: لكن تفضلتم بالقول: بأنه إذا وصلت الصفوف بهذا الطريق، كيف نجمع بين هذا وبين النهي عن الصلاة في قارعة الطريق؟ الجواب: هذا للضرورة، إذا كان المسجد قد امتلأ وصلى الناس خارجه واتصلت الصفوف فالصلاة صحيحة، ولو كان مكانهم طريقًا في الأصل، أو سوقًا يمشي فيه الناس، فلأجل الحاجة والضرورة في مثل هذه الحالة لا سيما في أيام الجمع، والأيام التي يزدحم فيها الناس، لا حرج في ذلك إن شاء الله للحاجة.

سؤال: لو كان هناك مسجد قريب، وبالإمكان إدراك صلاة الجماعة أو الجمعة في هذا المسجد، هل يلزمهم الصلاة فيه ولا يصلون في الطريق؟ الجواب: إذا كانوا يدركون الصلاة في مسجد قريب فالأولى أن يذهبوا إلى ذلك المسجد ويبتعدوا عن الحرج، وعن الخلاف. *** قطع النافلة عند إقامة الصلاة سؤال: أرى بعض الناس عندما يقومون لصلاة السنة إذا أقام الإمام الصلاة وقد صلى ركعة وشرع في الركعة الثانية قطع صلاته دون أن يكمل الركعة الثانية هل هذا جائز أم لا؟ الجواب: إذا أقيمت الصلاة والمسلم في نافلة شرع فيها قبل الإقامة، فإنه يكملها خفيفة ولا يقطعها؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ، فلا داعي إلى قطع النافلة التي تشرع فيها. أما بعد الإقامة فإنه لا يجوز للمأموم أن يشرع في نافلة، لكن هذا في الذي شرع في النافلة قبل أن تقام الصلاة، فعليه أن يتمها خفيفة ويلحق بالإمام، ولا يجوز له أن يقطعها. ***

الصلاة خلف الصف

الصلاة خلف الصف سؤال: إذا دخلت المسجد فوجدت الصف مكتملًا، فهل أسحب رجلًا معي، أم أصلي في الصف مع الجماعة وحدي، أم ماذا أفعل إن لم أجد سبيلًا للصلاة بجنب الإمام؟ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء. الجواب: من جاء والصف قد اكتمل، فإنه يحاول أن يجد له فرجة في الصف ليدخل فيها، فإن لم يجد فإنه يحاول أن يدخل عن يمين الإمام، وكل هذه أوجه شرعية، فإذا لم يتمكن فإنه ينتظر لعله أن يأتي أحد فيصف معه خلف الصف، أما اجتذاب أحد من الصف فهذا لا ينبغي، أولًا: لأنه يُحدث فرجة في الصف، وثانيًا: لأن الحديث الوارد في هذا حديث لا تقوم به حجة، فالاجتذاب من الصف أمر لا ينبغي، وإنما عليه أن يفعل ما يستطيع وينتظر إذا لم يتمكن من الدخول في الصف، أو عن يمين الإمام، إلى أن يأتي من يصف معه، أما أن يصلي وحده خلف الصف، فهذا لا يجوز لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، في الحديث الصحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة للذي خلف الصف» . *** الصلاة في الأرض المغصوبة سؤال: ما الأرض المغصوبة، وما حكم الصلاة فيها؟ الجواب: الأرض المغصوبة: هي التي يُستولى عليها بغير حق، لقوله

الصلاة في الأرض المغصوبة

صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين» ، فهذه هي الأرض المغصوبة التي يستولي عليها الظالم بغير حق، ويمنع منها صاحبها، والصلاة فيها لا تصح؛ لأن الصلاة فيها انتفاع بها، وإشغال لها بالعبادة وهي مغصوبة، فلا تصح الصلاة فيها، وهي من جملة البقاع التي ذكر الفقهاء أنها لا تصح الصلاة فيها. سؤال: المغصوبة، هي المغصوبة من إنسان أو قد تكون من أملاك الدولة، بعيدة عن المدن ويقتطعها إنسان، فيحييها أو شيء من هذا القبيل، هل يدخل هذا في الغصب؟ الجواب: المراد بالمغصوبة: التي تنتزع من مالكها بغير حق، ويستولي عليها الظالم من مالكها ملكًا صحيحًا وشرعيًا هذه هي المغصوبة. *** الصلاة في بيت فيه صور ومجلات سؤال: ما حكم الصلاة في بيت فيه صور ومجلات أفيدونا بذلك بارك الله فيكم؟ الجواب: معلوم من دين الإسلام تحريم الصور وتحريم التصوير وتحريم اقتناء الصور؛ لما جاء في ذلك من النهي الشديد في أحاديث متعددة صحيحة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما في ذلك من الوعيد الشديد الذي يدل على أن التصوير من كبائر الذنوب، وأنه محرم شديد التحريم، لما يجر إليه من محاذير خطيرة أولًا: فيه مضاهاة لخلق الله - عز وجل - وادعاء المشاركة لله في خلقه الذي اختص به، فإنه هو الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى.

الصلاة في بيت فيه صور ومجلات

ومن ناحية: أن التصوير وسيلة من وسائل الشرك، فأول ما حدث الشرك في الأرض، كان بسبب التصوير لما صور قوم نوح رجالًا صالحين ماتوا في عام واحد، فتأسفوا عليهم، فجاء الشيطان إليهم، وألقى إليهم أن يصوروا تصاوير هؤلاء الصالحين، وينصبوها على مجالسهم حتى يتذكروا بها العبادة كما يقولون، ففعلوا ذلك، ولما مات هذا الجيل، جاء الشيطان إلى من بعدهم، وقال: إن آباءكم ما نصبوا هذه الصور إلا ليُسْقَوْا بها المطر وليعبدوها، فعبدوها من دون الله - عز وجل - ومن ثم حدث الشرك في الأرض بسبب التصوير، وكذلك قوم إبراهيم كانوا يعبدون التماثيل كما قال تعالى، حكاية عن إبراهيم إنه قال لقومه: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 52،53] ، وكذلك كان المشركون من العرب، يستعملون الصور في دينهم، فكانوا يضعون الصور في حيطان الكعبة المشرفة، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأزالها. ففتنة التصوير وفتنة التماثيل، فتنة قديمة وهي فتنة خطيرة. وناحية ثالثة من محاذير التصوير: وهو أنه ربما يكون سببًا في فساد الأخلاق، وذلك إذا صورت الفتيات الجميلات، والنساء العاريات في المجلات والصحف، أو صورت للذكريات، أو ما أشبه ذلك، فإن هذا يجر إلى الافتتان بتلك الصور، وبالتالي يوقع في القلب المرض، والشهوة، ولهذا اتخذ المفسدون التصوير مطية ووسيلة لإفساد الأخلاق بتصوير النساء الجميلات الفاتنات على المجلات وعلى غيرها، وفي الأفلام وغيرها من أنواع الصور التي تعرض للفتنة، فلا يجوز للمسلم أن يقتني أو يحتفظ بالصور غير الضرورية.

أما الصور الضرورية التي يحتاجها الإنسان كصورة حفيظة النفوس وجواز السفر، وإثبات الهوية، فهذه أصبحت ضرورية، وهي لا تتخذ من باب محبة التصوير، وإنما تتخذ للضرورة والحاجة. أما ما عدا ذلك من الصور فلا يجوز الاحتفاظ بها، لا للذكريات، ولا للاطلاع عليها وما أشبه ذلك، فيجب على الإنسان أن يتلف الصور، وأن يخلي بيته منها ما أمكنه ذلك. وإذا كان في منزل صور معلقة على الحيطان ومنصوبة، سواء كانت تماثيل أو كانت رسومًا على أوراق من صور ذوات الأرواح كالبهائم والطيور والآدميين وغير ذلك، من كل ما فيه روح، فإنه يجب إزالتها. ولقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حينما رأى سترًا وضعته عائشة على الجدار وفيه تصاوير فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وأبى أن يدخل البيت التي هي فيه حتى هتكت وحولت، دل هذا على أن التصاوير لا يجوز الاحتفاظ بها، ونصبها أو إلصاقها على الجدران أو وضعها في براويز وتعليقها على الحيطان، كل هذا من الفتنة، ومن المحرمات. فإذا كان هناك محل فيه تصاوير وفيه معلقات من الصور فهذا المحل لا ينبغي أن يصلى فيه؛ لأن في ذلك تشبهًا بعبادة الصور والذين يعبدون الأصنام ويعبدون الصور، فلا يصلى في المكان الذي علقت فيه التصاوير، كما نص على ذلك الإمام ابن القيم وغيره. والفقهاء يقولون: لا يستقبل الصورة وهو يصلي، فهذا شيء معروف عند أهل العلم، بل إن المكان الذي فيه تصاوير لا ينبغي أن يصلي فيه

الإنسان ولو لم يستقبل الصور، ولو كانت على جانبه أو في حائط غير مستقبلة قبلته، فإنه يكره له أن يصلي في هذه الغرفة، أو هذا المكان، حتى تزال هذه الصور، بل يكره له أن يجلس فيه وأن يرقد فيه، ما دامت الصور منصوبة ومعلقة، بل يكره للمسلم أو يحرم على المسلم أن يسكن في هذه الغرفة إلا بعد أن يزيل هذه الصور. *** الأوقات التي تكره الصلاة فيها سؤال: ما الأوقات التي تكره الصلاة فيها؟ الجواب: الأوقات التي تكره الصلاة فيها، المواقيت الخمسة التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من طلوع الفجر إلى أن ترتفع الشمس، فإذا طلع الفجر لا يصلى إلا نافلة الفجر، وأما ما زاد عن ذلك فلا يصلى إلى أن ترتفع الشمس. والوقت الثاني: حين تكون الشمس في كبد السماء إلى أن تزول، يعني حينما تتوسط الشمس على الرؤوس في كبد السماء إلى أن تزول. والوقت الثالث: من صلاة العصر إلى غروب الشمس. هذه ثلاثة مواقيت على سبيل الإجمال. أما على سبيل التفصيل فهي خمسة مواقيت: من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، ومن طلوع الشمس إلى ارتفاعها قيد رمح، وحين تتوسط في كبد السماء إلى أن تزول ومن بعد صلاة

الأوقات التي تكره الصلاة فيها

العصر إلى أن تقرب إلى الغروب، ومن تضيفها إلى الغروب إلى أن تغرب، هذه خمسة. وبعضهم يضيف وقتًا سادسًا، وهو ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الفجر. سؤال: يعني هذه الأوقات: تكره صلاة النافلة فقط، أما الفريضة قضاءً فتقضى في أي وقت من هذه الأوقات؟ الجواب: نعم الفريضة تقضى فور تمكن الإنسان من ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» ، فالفريضة تُقضى في أي وقت، وليس لقضائها وقت نهي بخلاف النافلة. *** المرور بين يدي المصلي سؤال: هل يجوز المرور أمام المصلي؟ الجواب: المرور بين يدي المصلي لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وبيَّن ما فيه من الوعيد، بقوله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه» ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز المرور أمام المصلي قريبًا منه إذا لم يكن له سترة، أو المرور بينه وبين سترته، إذا كان يصلي إلى سترة، أما إذا مر من أمام السترة فلا حرج في ذلك؛ لأنه إذا كان أمام المصلي سترة قدر مؤخرة الرحل، فلا بأس بالمرور

المرور بين يدي المصلي

من وراء السترة، إنما يحرم المرور بين يديه، إذا كان ليس له سترة، ومر قريبًا منه، أو إذا مر بينه وبين سترته، إلا في حالة الضرورة، كما لو كان المكان مزدحمًا وليس هناك طريق يمر منه، إلا من أمام المصلي، ففي هذه الحالة لا حرج للضرورة، كذلك في مواطن الزحام الشديد، كالمسجد الحرام، فالإنسان يضطر للمرور؛ لأن المصلين كثير، ولو توقف الإنسان لتعطل من المشي في حالة الزحام الشديد، وفي حالة الحاجة إلى المرور فلا بأس بذلك، للضرورة والله أعلم. *** سؤال: ما جزاء من يمر من أمام المصلي إذا تعمد ذلك، أو لم يتعمد، ومن هم الذين يقطعون الصلاة إذا مروا بين يدي المصلي؟ الجواب: المرور بين يدي المصلي محرم، شديد التحريم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لوقف أربعين خير له من أن يمر بين يدي المصلي» ، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المصلي أن يمنع المار بين يديه، فإن أبى فليقاتله، بأن يضربه ويمنعه من المرور، قال عليه الصلاة والسلام: «فإنما هو شيطان» ، مما يدل على تحريم المرور بين يدي المصلي، وبينه وبين سترته. أما إذا كان بين يدي المصلي سترة ومر من ورائها، فإن هذا لا يضر، وكذلك إذا كان المرور اضطراريًا، كما في المسجد الحرام، وأماكن

الزحمات التي لا يمكن للمصلين تدارك المرور بين يدي المصلي، فهذا لا حرج فيه، نظرًا للمشقة والضرورة. أما بالنسبة لمن يقطع مروره الصلاة، فالعلماء اختلفوا في ذلك، والصحيح من أقوالهم الذي رجحه الشيخ تقي الدين، شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وغيره، أنها تبطل بمرور الكلب والحمار والمرأة، والله أعلم. *** دعاء بعد الصلاة سؤال: أخبركم بأني بعدما أنتهي من صلاتي أدعو بالدعاء الآتي فأقول: " اللهم تقبل صلاتنا، وطهر قلوبنا، وارحم والدينا، واغفر لأمواتنا، وفرج همنا، وارزقنا بالخيرات، واغفر للمؤمنين والمؤمنات " أدعو بهذا بعدما أنتهي من الصلاة وبصفة دائمة، فهل هذا الدعاء يجوز أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا. الجواب: أما ملازمة هذا الدعاء والمداومة عليه، فهذا غير مشروع؛ لأن هذا لم يرد فيما أعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع، أما إذا دعوت به بعض المرات، ولم تلتزمه دائمًا، فلا حرج في ذلك إن شاء الله. *** قراءة الفاتحة بعد الصلاة سؤال: بعض الجماعة يقرؤون الفاتحة بعد الصلاة على أساس أنها دعاء، أو بركة فهل هذا من السنة في شيء؟ ثم يقرؤونها مرة أخرى لأرواح الموتى، فما هو الحكم في ذلك؟

قراءة الفاتحة بعد الصلاة

الجواب: أما قراءتها أدبار الصلوات فلا أعلم له دليلًا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي ورد هو قراءة آية الكرسي، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وردت الأحاديث بقراءة هذه السور بعد الصلوات الخمس، وأما الفاتحة فلا أعلم دليلًا على مشروعية قراءتها بعد الصلاة. والسور التي ذكرناها لا تقرأ على صفة جماعية، وبصوت مرتفع، وإنما يقرؤها كل مسلم لنفسه، فيما بينه وبين نفسه. وأما قراءة الفاتحة لأرواح الأموات فهذا من البدع، أرواح الأموات لا تُقرأ لها الفاتحة ولا أي شيء من القرآن؛ لأن هذا لم يرد من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من عمل سلف هذه الأمة، وإنما هذا شيء مبتدع، لا في المسجد ولا في المقبرة، ولا في البيت، ولا في غيره، وإنما المشهور عن الأموات الدعاء لهم - إذا كانوا مسلمين - بالمغفرة والرحمة، والتصدق عنهم، والحج عنهم، هذا الذي وردت به الأدلة. أما قراءة القرآن لأرواح الأموات، أو قراءة الفاتحة لأرواح الأموات، فهذا شيء محدث وبدعة. *** الجهر بالدعاء والذكر بعد الصلاة وغيرها سؤال: ما قولكم في الجهر بالدعاء والذكر مطلقًا وبعد الصلاة خاصة، وهل يكون الدعاء والذكر جهرًا أم سرًا أم بينهما؟

الجهر بالدعاء والذكر بعد الصلاة وغيرها

الجواب: أما الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم والمشروع، فالإنسان مخير بين أن يجهر به وأن يسر به قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] ، والله سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى، فيجوز أن تدعو جهرًا وأن تدعو سرًا، إلا إذا كان الجهر يترتب عليه إضرار بمن حولك من النائمين أو المصلين أو الذين يقرؤون القرآن، فإنك تسر، أو إذا خفت على نفسك من الرياء والسمعة، فإنك تسر في الدعاء؛ لأن هذا أدعى للإخلاص، والجهر يجب ألا يكون بصوت جماعي كما يفعل بعض الناس، إنما كل إنسان يدعو لنفسه سرًا وجهرًا، أما الدعاء الجماعي والصوت الجماعي هذا من البدع، وأما الذكر بعد الصلاة، فإنه من السنة الجهر به، حسب ما ورد في الأحاديث الصحيحة من أن الصحابة كانوا يجهرون بالذكر بعد الصلاة، بالتهليل والاستغفار بعد السلام فهذه يجهر بها، لكن على صفة فردية، لا على صفة جماعية، كما ذكرنا أولًا، فإن الذكر الجماعي هذا من المبتدعات، وإنما كل يذكر لنفسه، ويجهر بذلك بعد الصلاة. أما الدعاء فكما ذكرنا سابقًا يدعى سرًا وجهرًا قبل الصلاة أو بعدها، ولكن مع مراعاة حسن الأدب، ومع مراعاة عدم الإضرار بالآخرين. *** الصلاة الاحتياطية سؤال أحيانًا في الصلاة أستعجل في الركوع وفي السجود، وأعلم أن أول ما يحاسب الإنسان عليه يوم القيامة الصلاة، فهل يجوز لي أن أصلي صلاة احتياطية تعوض ما حصل من نقص في الأولى؟

الصلاة الاحتياطية

الجواب: الصلاة الاحتياطية غير مشروعة، ولكن عليك أن تجتهد في إحضار قلبك والخشوع في صلاتك، وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في مبدأ الصلاة وفي الاستفتاح الذي تقوله بعد تكبيرة الإحرام، تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتحاول إحضار قلبك وفكرك للصلاة، وأن تتعقل الصلاة، هذا هو الواجب عليك، وإن حصل منك بعض الهواجس أو بعض الأفكار، ثم طردتها عنك وعاودت استحضار الصلاة والحضور فيها، فإن هذا لا يضرك إن شاء الله. أما أن تصلي صلاة احتياطية فهذا غير مشروع. سؤال: وماذا بشأن النوافل أو السنن الرواتب؟ الجواب: نعم السنن الرواتب والسنن المطلقة، ينبغي للإنسان أن يكثر منها، مما هو مشروع؛ لأن صلاة النافلة، يكمل بها صلاة الفريضة إذا حصل في الفريضة نقص، وينبغي للمسلم أن يكون له نصيب من صلوات النوافل، وأن يحرص على أداء الرواتب التي مع الفرائض، قبلها أو بعدها، أو قبلها وبعدها. سؤال: ما حكم إعادة الصلاة كأن يصلي الظهر مثلًا مرتين؟ الجواب: الصلاة لا تعاد إلا إذا اختل شرط من شروطها أو أركانها، أو ترك شيئًا من واجباتها عمدًا، فهذه تعاد، أما مجرد أن حصل فيها أفكار أو أوهام أو وساوس، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يقتضي إعادتها. ***

قضاء الصلاة الفائتة

قضاء الصلاة الفائتة سؤال: ما حكم من نسي صلاة العشاء ولم يتذكر إلا وقت صلاة الصبح، أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم؟ الجواب: أولًا يجب على المسلم الاهتمام بصلاته، وأداؤها في وقتها مع الجماعة، وأن لا يتكاسل عنها، أو يتأخر لأن هذا مدعاة لإضاعتها ونسيانها. أما ما حصل من أن الإنسان طرأ عليه نسيان أو نوم، فلم يؤد الصلاة في وقتها، بسبب ذلك، فإنه حين يتذكر يجب عليه المبادرة بالصلاة، في أي وقت تذكر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» ، وقد قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] . فإذا تيقظ الإنسان أو تذكر، فإنه يجب عليه أن يبادر بأداء الصلاة الفائتة في أي وقت حصل ذلك منه، فيصلي صلاة العشاء أولًا ثم يصلي صلاة الصبح بعدها، يعني يصلي الفائتة أولًا ثم يصلي الصلاة الحاضرة، ولا يصلي الحاضرة قبل الفائتة؛ لأن الترتيب واجب، ولا بد منه. *** سؤال: من فاتته صلاة من الصلوات الخمس لنوم أو غيره فهل يؤخر قضاءها إلى أن يأتي وقتها من اليوم التالي، أم يقضيها حين زوال العذر مباشرة؟

الجواب: الواجب قضاؤها حال زوال العذر مباشرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» ، فالواجب عليه أن يبادر بقضائها عندما يزول عنه العذر، ولا يؤخرها إلى الغد، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه أخرها عن وقتها؛ لأن وقتها حال زوال العذر. *** سؤال: قرأت حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه: " من فاتته صلاة في عمره ولم يحصها فليقم في آخر جمعة من رمضان وليصل أربع ركعات بتشهد واحد، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب، وسورة القدر خمس عشرة مرة، وسورة الكوثر كذلك، ويقول في النية: نويت أصلي أربع ركعات كفارة لما فاتتني من الصلاة"، فما مدى صحة هذا الحديث؟ الجواب: هذا لا أصل له في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» ، الصلوات التي تركتها فيما سبق، إذا كنت تركتها لأجل نوم مثلًا أو إغماء أو لعذر ظننت أنه يجيز لك تأخيرها، فالواجب عليك أن تقضيها، وأن تصليها مرتبة، فإذا كنت تركتها متعمدًا فالصحيح

من قولي العلماء أنه عليك التوبة إلى الله؛ لأن من ترك الصلاة متعمدًا فأمره خطير، حتى ولو لم يجحد وجوبها فإن الصحيح أنه يكفر بذلك، فعليك أن تتوب إلى الله إن كنت تركتها متعمدًا، وأن تحافظ على الصلاة في مستقبلك والله يتوب على من تاب. أما إن كنت تركتها من نوم أو إغماء، أو غير ذلك مما حال بينك وبين أدائها في وقتها، فإنك تقضيها ولا بد، أما أن تصلي هذه الصلاة التي ذكرتها في آخر رمضان، على هذه الصفة، هذا لا أصل له من دين الإسلام، ولا يكفر عنك الصلوات التي تركتها. *** سؤال: هل كل الأوقات تجوز فيها إعادة الصلاة لمن فاتته صلاة في وقتها؟ الجواب: من فاتته الصلاة في وقتها يصليها في أي وقت تمكن من ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» ، فالصلاة الفائتة تُقضى في أي وقت، وليس لها وقت نهي. ولفظ السائل فيه إجمال؛ لأنه يقول: إعادة الصلاة والمفروض أن يقول: قضاء الصلاة الفائتة. قضاء الصلاة الفائتة يجوز في أي وقت تمكن فيه، ويجب عليه المبادرة لقضاء الصلاة. ***

قضاء الصلاة الفائتة أيام الطفولة

قضاء الصلاة الفائتة أيام الطفولة سؤال: أنا أواظب على أداء الصلاة في أوقاتها والحمد لله، ولكني أردت أن أصلي القضاء عما تركته في مرحلة الصغر، بمعنى أنني أصلي صلاتين في كل وقت، فهل عملي هذا صحيح، وإذا كان غير ذلك، فماذا يجب علي فعله؟ الجواب: إن كان قصدك مرحلة الصغر ما قبل البلوغ ففي هذه الفترة ليس عليك صلاة واجبة، ولا قضاء عليك. أما إذا كان قصدك ما بعد البلوغ، وكنت تترك الصلاة بعد البلوغ متعمدًا، فالصحيح من قولي العلماء أن من ترك الصلاة متعمدًا أنه يكفر، إذا تاب إلى الله عز وجل توبة صحيحة وواظب على صلاته، فإنه لا يجب عليه قضاء ما فات في حالة تركه الصلاة متعمدًا؛ لأنه حينذاك ليس على الإسلام على الصحيح؛ لأن من ترك الصلاة متعمدًا فهو كافر، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة» ، وقال عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» ، وأدلة أخرى في الموضوع. فالحاصل: أن الذي يجب عليك فيما نرى هو التوبة إلى الله عز وجل والملازمة على أداء الصلوات المفروضة في أوقاتها، وهذا يكفر ما مضى إن شاء الله. سؤال: في حال وجوب القضاء على الإنسان في غير هذه الحالة، مثلًا، هل تكون طريقة القضاء كما ذكر أخونا هذا، بأن يصلي كل صلاة بعد فريضتها أو مثيلتها؟

الجواب: إذا فاتت المسلم صلوات تركها غير متعمد كما لو كان نائمًا مثلًا أو مغمًى عليه، أو غائب العقل لفترة، ثم بعد ذلك أراد أن يقضي ما فات فإنه يقضي على الفور، ولا يؤخر كل صلاة إلى نظيرتها كما يفعل بعض العوام؛ لأن الله يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» ، قوله: إذا ذكرها: دليل على أن قضاء الصلوات الفائتة على الفور فليصلها مرتبة حسب الترتيب الشرعي، ولكن على الفور، ولا يؤخرها كما ذكر من أنه يصلي كل صلاة مع نظيرتها هذا الخطأ. *** قضاء الصلاة بعد التوبة سؤال: إذا ترك الإنسان معظم فروض الصلاة، ولم يصلها وبعد ذلك أراد أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ويؤدي ما عليه، وما فاته من الصلوات، فماذا يفعل؟ ، وهل عليه إثم في ذلك، أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء؟ الجواب: الصلاة هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وجاء من التأكيد لحقها والحث على المحافظة عليها ووعيد المتخلفين عنها والمضيعين لها آيات وأحاديث صحيحة تدل على أهمية الصلاة ومكانتها في الإسلام؛ لأنها عمود الإسلام؛ ولأن من حافظ عليها فإنه يكون محافظًا على بقية دينه من باب أولى، ويكون متجنبًا لما حرم الله؛ لقوله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}

قضاء الصلاة بعد التوبة

[العنكبوت: 45] ، فلا دين بعد الصلاة، ولهذا ورد في الحديث: «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخره الصلاة» . الصلاة شأنها عظيم، ولا يجوز لمسلم أن يتهاون فيها، ومن تركها فقد كفر، كما دلت على ذلك الأحاديث والآيات القرآنية، سواءً كان جاحدًا لوجوبها، أو كان متكاسلًا مع إقراره بوجوبها على الصحيح، فإنه يكفر بتركها؛ لأنه لم يقم دينه ولم يحافظ على صلاته، ولكن من تاب إلى الله - عز وجل - توبة صحيحة وحافظ على صلاته في مستقبل عمره؛ فإن الله يتوب عليه؛ لأن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، والله جل وعلا يقول: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [مريم: 59، 60] . فالتوبة تمحو ما قبلها إذا كانت توبة صحيحة، ولا يلزم من تاب عن ترك الصلاة فيما مضى أن يقضي الأوقات التي فاتت، وإنما يلزمه أن يحافظ على صلاته فيما بقي من عمره إلى أن يتوفاه الله، وذلك يكفيه إن شاء الله؛ لأنه كان في فترة تركها على غير دين الإسلام، فإذا تاب إلى الله دخل في الإسلام من جديد، ويحافظ على صلاته في مستقبله، ويتوب الله عليه إن شاء الله. ***

صلاة المعذور في بيته

صلاة المعذور في بيته سؤال: كنت مريضًا واشتد بي المرض إلى أن أدخلت أحد المستشفيات وقرر الأطباء بتر ساقاي من فوق الركبة، وفعلًا قطعت ساقاي، وأنا الآن بصحة جيدة، ولكني لا أصلي إلا في البيت دائمًا، وحتى صلاة الجمعة لا أصليها في المسجد، بل في البيت، فهل علي إثم في ذلك، أما أنا معذور شرعًا؟ الجواب: من المعلوم وجوب صلاة الجماعة والجمعة على المسلم القادر الذي لا يمنعه عذر شرعي من حضورهما. أما بالنسبة للمعذور شرعًا، فإن الله سبحانه وتعالى رخص له أن يصلي في بيته. والسائل يذكر أنه قد بترت رجلاه، وصار مقعدًا لا يستطيع المشي، فهذا معذور، له أن يصلي في بيته، ويعذر في ترك الجماعة والجمعة، وإن أمكن أن يُحمل ويحضر ما لا يشق عليه من الصلوات في المسجد، فذلك شيء طيب، ويستفيد زيادة أجر وخير، أما إذا كان لا يتمكن من الحضور، وليس هناك وسيلة يستطيع بها أن ينقل إلى المسجد فهذا معذور وعذره واضح في هذا. وإذا حافظ على الصلوات، في أوقاتها، فنرجو له المثوبة والقبول، وإذا كان عنده من يصلي معه في البيت جماعة، مثلًا: لو قدر أن أحدًا له عذر شرعي مثله فاجتمعا وصليا جميعًا، فهذا يحصل به المقصود من الجماعة، أما غير المعذور فيتعين عليه أن يذهب للمسجد ويصلي فيه. سؤال: لو فرضنا أن هناك من يستطيع إيصاله للمسجد بوسيلة نقل كالسيارة مثلًا، فهل يكون عليه إلزامًا الحضور للمسجد؟

الجواب: إذا أمكن هذا فهو أحسن، والحرص على ذلك أحسن مهما أمكن - يعني ليس على وجه التكليف -. سؤال: هل صلاته بقية الأوقات في بيته مع أهل بيته كزوجته مثلًا وبناته له ذلك أيضًا وله أجر الجماعة؟ الجواب: لا مانع من ذلك لكن يكون هو الإمام، يكون هو الإمام، ولكن هو لا يتمكن من القيام في الصلاة، وهو ليس إمام الحي أو إمام المسجد حتى يقال: إنهم يصلون خلفه جلوسًا،لا يناسب أن يصلي معه من ليس حالته كحالته، من الأفضل أن يصلي لوحده. *** الصلاة في البيت خوفًا على الزوجة سؤال: أنا رجل ساكن في الخلاء ومتزوج ويوجد لدي أولاد، وبيني وبين الجار حوالي خمسين مترًا، وأسمع الأذان، وعندما أريد أن أذهب إلى المسجد تخاف زوجتي وتريد أن لا أخرج من البيت لخوفها، فماذا أفعل، هل تصح الصلاة في البيت أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب: لا شك أن من سمع النداء وجب عليه أن يذهب إلى المسجد وأن يصلي مع المسلمين صلاة الجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعمى الذي جاء يستأذنه أن يصلي في بيته لما يجده من المشقة في إتيانه إلى المسجد، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب، فإني لا أجد لك رخصة» ، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة لجار المسجد»

الصلاة في البيت خوفا على الزوجة

«إلا في المسجد» ، ويروى هذا موقوفًا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويروي مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على أن جار المسجد يجب عليه أن يصلي في المسجد. وجار المسجد كما ذكروا من بينه وبين المسجد أربعون بيتًا، يعني: الجوار يمتد إلى أربعين بيتًا من حوالي المسجد. والضابط في هذا: سماع النداء، فإذا كنت تسمع النداء المعتاد من غير مكبر الصوت، وجب عليك أن تصلي في المسجد، وأن تجيب الداعي، إلا إذا حال دون ذلك عذر شرعي، كالمرض مثلًا، أو ما ذكرت من أن زوجتك إذا ذهبت في الليل للصلاة في المسجد أنها تخاف وتستوحش فهذا عذر شرعي، يبيح لك أن تصلي في البيت. *** المسلم يصلي على حسب حاله سؤال: ذهبت إلى إحدى الدول الأوروبية، وكان الوقت آنذاك في شدة البرودة؛ ولأنني لم أحصل على تأشيرة دخول لتلك الدولة، حُجزت في المطار لمدة ستة أيام من قِبل سلطات تلك الدولة، ولكني خلال تلك الأيام الستة لم أكن أصلي نظرًا لبرودة الجو، وبالتالي برودة الماء الشديدة، وعدم توفر الصعيد الطاهر منه، وبقيت حتى رجعت إلى البلد، ثم قمت بقضاء جميع ما فاتني من صلوات خلال تلك الأيام، فهل علي إثم في فعلي هذا، وإذا كان يجب علي فماذا أفعل؟ أفيدوني وفقكم الله.

المسلم يصلي على حسب حاله

الجواب: أخطأت في تركك الصلوات في هذه الفترة التي ذكرتها؛ لأن المسلم لا يجوز له أن يترك الصلاة، ولكنه يصلي على حسب حاله، فإذا قدرت أن تتوضأ بالماء وجب عليك ذلك، وإذا كنت لا تقدر على الوضوء بالماء لعدمه، أو لما ذكرت من شدة البرودة غير المحتملة، وليس عندك ما تسخنه به فإنه يجب عليك أن تتيمم بالتراب وتصلي، وإذا لم يكن عندك تراب، فإنك تصلي على حسب حالك، ولو بدون ماء، وبدون تراب، على أن الصعيد لا يختص بالتراب، فلو كان عندك جدار عليه تراب طاهر، أو حصير عليه تراب طاهر، أو مثلًا البلاط عليه تراب طاهر، وضربت عليه وتيممت، كفاك هذا، فلا يتعين التراب للتيمم، وإنما المطلوب وجود الغبار الطاهر، سواء كان على تراب أو على حجر أو على جدار، أو على حصير أو غير ذلك، والله أعلم. وما دمت قد قضيت الصلوات التي تركتها، فنرجو الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنك، ويتقبل منك. *** الحالات التي يعفى فيها الإنسان من الصلاة بالكلية سؤال: ما هي الحالات التي يعفى الإنسان فيها من أداء الصلاة بالكلية؟ الجواب: لا يعفى أحد من أداء الصلاة بالكلية ما دام عقله ثابتًا؛ لأنه يصلي على حسب حاله، المريض يصلي على حسب حاله، يصلي قائمًا فإن لم يستطع فعلى جنب، ولا يعفى أحد من

الحالات التي يعفى فيها الإنسان من الصلاة بالكلية

الصلاة إذا بلغ وكان عاقلًا، أما إذا كان صغيرًا ودون البلوغ أو كان مجنونًا، أو زائل العقل بالكلية، فهذا يرتفع عنه التكليف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل» . فالحاصل أن الصلاة لا تسقط عن المسلم البالغ العاقل، ما دام أن عقله ثابت، ولكنه يصلي على حسب حاله. سؤال: إذًا نستطيع أن نقول: هما حالتان: حالة الصغر، والحالة الأخرى: هي فقدان العقل؟ الجواب: فقدان العقل، نعم. سؤال: هذا طبعًا بدون استثناء حالات النساء طبعًا المعفين منها شرعًا؟ الجواب: الحائض والنفساء، نعم هذا شيء آخر، هؤلاء تسقط عنهن الصلاة مدة الحيض فقط، شيء عارض. *** جمع الصلوات سؤال: أقوم بالصلاة حسب أصولها، ولكن دوامي المدرسي يتعارض مع وقت صلاتي، ولا يسمح لي إلا أن أصلي صلاة الفجر والمغرب والعشاء، أما الظهر والعصر، فليس لدي الوقت الكافي للصلاة إلا بعد عودتي من المدرسة، هل أستطيع جمعها مع صلاة المغرب، وهل علي إثم

جمع الصلوات

لعدم صلاة الظهر والعصر، أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب: أما ما ذكرت من محافظتك على الصلاة، فهذا شيء تشكر عليه، ونرجو الله عز وجل أن يزيدك منه، والمحافظة على الصلاة من أهم الواجبات؛ لأن الصلاة هي عمود الإسلام، والله جل وعلا يقول: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] ، ويقول جل وعلا: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 9-11] ، ويقول جل وعلا: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج: 34، 35] ، والمحافظة على الصلاة علامة الإيمان، ومن حفظ صلاته، حفظ دينه، وأول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة صلاته، فإن وفى فيها فإنه يكون في بقية أمور دينه موفيًا ومحافظًا. المحافظة على الصلاة معناها: المحافظة على أدائها في أوقاتها التي شرعها الله تعالى، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] ، فمن أهم المحافظة على الصلاة أن تؤدى في مواقيتها، ومن أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى الصلاة لوقتها، والمسلم لا يقدم على صلاته شيئًا من أعمال الدنيا؛ لأن الصلاة لها الصدارة في عمل المسلم، ووقتها محجوز، لا يجوز أن يشغل بغيره، قال تعالى في مدح المؤمنين: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور: 37] ، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 9، 10] ، وحتى في أشد الحالات على

المسلمين وهي حالة الخوف، ومواجهة العدو، يجب عليهم أن يصلوا الصلاة في وقتها، حتى ولو كانوا في حالة مواجهة مع العدو، وهذا مذكور في القرآن الكريم: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] ، هذا في حالة الخوف، وقال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 238، 239] ، يعني صلوا وأنتم تمشون أو وأنتم راكبون إذا كنتم في حالة خوف، وأنت مطلوبون من عدوكم، وتخافون منه، وهاربون منه إذا حانت الصلاة. فالمسلم يصلي على حسب حاله، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها، فالواجب على الجميع أن يصلوا الصلوات في مواقيتها، وأن لا تشغلهم الأعمال الدنيوية ولا الوظائف ولا الدراسة ولا أي عمل عن أداء الصلاة في وقتها. وأداء الصلاة في وقتها لا يستغرق كثيرًا من وقت الإنسان، ولا يشغله عن طلب الرزق، بل هو يعينه على ذلك. فالواجب عليكم أن تصلوا الظهر في وقتها، والعصر في وقتها في مكان العمل، بأن تهيئوا مكانًا تصلون فيه صلاة الظهر في وقتها وصلاة العصر في وقتها، وأنتم في الدراسة أو وأنتم في العمل، ثم الواجب على ولاة الأمور من المسلمين وعلى القائمين على التعليم، وعلى غيره من أعمال المسلمين أن يحسبوا للصلاة حسابها ويسمحوا للطلاب أو لمنسوبيهم بأداء الصلاة في مواقيتها من غير أن يشغلوهم عنها، هذا هو الواجب على المسلمين عمومًا، وعلى ولاة أمورهم ومسؤوليهم خصوصًا؛ لأنه بدون هذا فإن الدين لن يتم

ولن يصح وبالتالي لن يكون للمسلمين عزة ولا مكانة لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بالمحافظة على هذا الدين، لا سيما الصلاة التي هي عمود الإسلام، فلا نجد لكم عذرًا في أداء الصلاة في غير وقتها. أما ما ذكرتَ من هل يجوز جمع صلاة الظهر والعصر مع المغرب؟ فإن هذا لا يجوز بإجماع المسلمين، لا يجوز أن تجمع الظهر والعصر مع المغرب. المغرب إنما يُجمع إليها صلاة العشاء الآخر في حالة العذر الشرعي، أما الظهر والعصر فلا يجمعان مع المغرب بحال من الأحوال، وأنتم لستم من أهل الأعذار الذين يباح لهم الجمع؛ لأن عذر الدراسة، أو عذر العمل، هذا ليس بعذر مبيح للجمع. *** سؤال: نحن مجموعة من الفتيات طالبات في جامعة عدن، ومواظبات على أداء الصلاة في أوقاتها، ولكن أثناء الدراسة وخاصة عندما تكون الدراسة بعد الظهر، قد تفوت علينا صلاة العصر والمغرب؛ لأننا لا نستطيع أن نؤديها في الجامعة مهما حاولنا ذلك، ولأسباب كثيرة، ولهذا نحن نسأل: هل يجوز أن نؤدي صلاة العصر مع الظهر جمع تقديم، وأن نؤدي صلاة المغرب مع العشاء جمع تأخير، وبذلك نسلم من ترك هذين الفرضين كليًا، أو نسلم من تأديتها قضاءً كما تفعل بعضنا أحيانًا؟ الجواب: أولًا: إذا أمكن أن تؤدين الصلاة في وقتها وفي أثناء الدراسة، فهذا أمر واجب، وذلك بمراجعة المسؤولين في الجامعة أن يتيحوا لَكُنَّ وقتًا للصلاة تصلين فيها، وترجعن إلى العمل، وهذا أمر سهل

لا يكلف شيئًا ولا يأخذ كثيرًا من الوقت، وهو أمر ميسور، فإذا أمكن أن تحصلن على فرصة لأداء صلاة في وقتها في أثناء الدراسة، فهذا أمر واجب ومتعين. أما إذا لم يمكن هذا وحاولتن الحصول عليه، ولم يتحقق، فهنا إن كانت الدراسة ضرورية، وفي تركها ضرر عليكن فلا أرى مانعًا من الجمع بين الصلاتين على الصفة التي وردت في السؤال، بأن تصلى العصر مع الظهر جمع تقديم، وتصلى المغرب مع العشاء جمع تأخير؛ لأن هذا يعتبر من الأعذار المبيحة للجمع؛ لأن الفقهاء ذكروا أن من الأعذار المبيحة للجمع أن يتضرر بترك معيشة يحتاجها، فإذا كان ترك الدراسة فيه ضرر عليكن ولم تحصلن على فرصة من المسؤولين لأداء الصلاة في أثناء العمل، فالذي أراه جواز الجمع في هذه الحالة. أما أن تصلي الصلاة قضاءً كما ورد في السؤال، فهذا أمر لا يجوز، والله تعالى أعلم. *** سؤال: هل يجوز الجمع بين الصلوات من غير عذر، وما صحة الحديث القائل بأن رسول الله جمع في الصلاة بدون خوف أو مرض، أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم. الجواب: الجمع بين الصلوات من غير عذر لا يجوز، ولا تصح الصلاة في هذه الحالة؛ لأنه صلاها في غير وقتها من غير عذر شرعي، والله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] ، والجمع إنما

يباح للعذر الشرعي كالمرض والسفر، وكذلك بين العشاءين في المطر والوحل والبرد الشديد، هذه الأعذار التي تبيح الجمع بين الصلاتين. أما أن يجمع من غير عذر، فهذا لا يجوز، ولا تصح صلاته إذا فعل ذلك، الصلاة المجموعة في غير وقتها، والمصلاة في غير وقتها لا تصح؛ لأنه أخرجها عن وقتها من غير مبرر شرعي. أما الحديث فلفظه ورد بروايتين عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه جمع من غير خوف ولا سفر» ، وفي رواية: «من غير خوف ولا مطر» ، وأما الرواية التي ذكرها السائل فهي غير واردة، أنه جمع من غير خوف ولا مرض، هذا غير وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يرد ذكر المرض في الحديث، وإنما ورد: «من غير خوف ولا سفر» ، وفي رواية: «من غير خوف ولا مطر» ، وللعلماء عن هذا الحديث عدة أجوبة منهم من توقف في معناه، وقال: إنه لا يظهر له معناه فتوقف في هذا. ومن العلماء من حمله على الجمع الصوري، وهذا الذي أيّده الشوكاني في نيل الأوطار. والجمع الصوري: معناه أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، ويقدم الصلاة الثانية في أول وقتها، ثم يصليهما جميعًا، هذه في آخر وقتها، وهذه في أول وقتها، فهذا جمع صوري، لكن كل صلاة صلاها

في وقتها، ليس جمعًا حقيقيًا، وإنما هو جمع صوري، أخّر مثلًا المغرب إلى آخر وقتها وقدم العشاء في أول وقتها، وصلاهما جميعًا، كذلك أخر مثلًا الظهر إلى آخر وقتها، وصلى العصر في أول وقتها، هذا يسمي الجمع الصوري، ليس جمعًا حقيقيًا، وهذا معنى صحيح، وأيّده الشوكاني، وأيده غيره في معنى الحديث، أن المراد به الجمع الصوري. ومن العلماء من حمل الحديث وهو قوله: «من غير خوف ولا سفر» ، أو «من غير خوف ولا مطر» : بأن معنى ذلك أنه جمع للمرض؛ لأن الأعذار أربعة التي تبيح الجمع: إما الخوف، وإما المطر، وإما السفر، وإما المرض. فإذا كان ذكر أنه «من غير خوف ولا سفر» أو «من غير خوف ولا مطر» ما بقي فيكون صلى الله عليه وسلم جمع من أجل المرض، فيباح للمريض أيضًا أن يجمع، إذا كان يلحقه بترك الجمع مشقة. *** سؤال: في بعض المساجد عندنا يجمعون الصلاة: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بدون عذر مبيح للجمع فهل أصلي معهم؟ أم أصلي منفردًا في المسجد؟ أم في بيتي؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا.

الجواب: الجمع بين الصلوات، لا يجوز إلا لحاجة شرعية وعذر شرعي، كالسفر مثلًا والمرض الذي يحتاج المريض معه للجمع، وكالمطر، هذه هي الأعذار التي تبيح الجمع، أما الجمع من غير عذر كما ذكرت، فهذا لا يجوز. أما ما ذكرت من أنهم إذا فعلوا هذا هل تصلي معهم أو لا؟ فكما أشرنا هذا الجمع غير صحيح، فأنت لا تجمع معهم، ولكن صل الصلاة الأولى، وإذا قاموا للثانية فلا تصل معهم، مع أنه يجب عليك أن تنكر عليهم هذا، وأن تبين لهم أن هذا عمل لا يجوز، فإذا لم يستجيبوا فصلي معهم الصلاة الأولى، ولا تصلي معهم الصلاة الثانية. *** القصر والجمع في السفر سؤال: أنا من ضمن مجموعة كلفنا بمهمة رسمية، وكانت هذه المهمة مؤقتة، واقتضت ظروف العمل الجمع والقصر أحيانًا كثيرة، وقد مضى الآن علينا في هذه المهمة ما يقارب شهرًا ونصف شهر، ونحن مستمرون على حالتنا هذه، مع العلم أننا لا نعلم المدة التي سوف نمكثها في هذه المهمة، وأيضًا لم نتمكن من أداء صلاة الجمعة طيلة هذه المدة، مع العلم أن العدد الذي يجب أن تقام به الصلاة كافٍ، أفيدونا هل نعتبر في هذه المدة مسافرين، وينطبق علينا حكم المسافر أم لا؟ وإذا بقينا مدة طويلة هل يجوز بقاؤنا على حالتنا هذه، أفيدونا في ذلك، جزاكم الله عنا خيرًا الجزاء. الجواب: إذا كان قضاء هذه المهمة التي أشرت إليها خارج بلدكم،

القصر والجمع في السفر

مسافة تبلغ ثمانين كيلو فأكثر، وأنتم لا تعلمون متى تنتهي، ولم تنووا إقامة أكثر من أربعة أيام، فلا بأس أن تقصروا الصلاة الرباعية إلى ركعتين، أما الجمع بين الصلاتين، فلا ينبغي لكم؛ لأنكم لستم في حالة سير، بل أنتم في حال استقرار، فلا ينبغي الجمع إلا لمن جد به السير، أما المسافر النازل، فإنه يصلي كل صلاة في وقتها قصرًا هذا هو السنة. أما صلاة الجمعة فلا تجب عليكم في هذه الحالة التي ذكرتم إذا كنتم لا تدرون متى تنتهي مهمتكم، ولم تنووا إقامة أكثر من أربعة أيام؛ لأنكم مسافرون، لكن إذا أقيمت قريبًا من محل عملكم في البلد، فالأفضل أن تصلوا مع المسلمين، ولا تنعزلوا، ولتحصلوا على الثواب، وإذا نويتم إقامة أكثر من أربعة أيام، أو تعلمون بأن المهمة لا تنتهي قبل أربعة أيام، فإنه يجب عليكم في هذه الحالة إتمام الصلاة أربعًا، ولا يجوز لكم الجمع؛ لأن الأصل في الإقامة إتمام الصلاة، وأنتم مقيمون فيجب عليكم ما يجب على المقيمين، والله تعالى أعلم. سؤال: لو كانوا فعلًا على هذه الحالة الأخيرة التي تفضلتم بذكرها، وهو أنهم يعلمون أن المهمة لا تنتهي خلال أربعة أيام، ومع ذلك قصروا وجمعوا، فهل عليهم شيء فيما مضى من الصلوات؟ الجواب: قلنا: إنهم إذا كانوا يعلمون أن مهمتهم لا تنتهي قبل أربعة أيام فأكثر، فإنهم في هذه الحالة يكونون قد نووا الإقامة، وحينئذ يلزمهم الإتمام كالمقيمين، أما لو قدر أنهم صلوا وقصروا فلا أرى أن عليهم إعادة الصلاة، فهي صحيحة إن شاء الله، لكن في المستقبل لا يقصروا الصلاة في مثل هذه الحالة، والله أعلم.

جمع صلاة الظهر مع صلاة العصر قبل السفر

جمع صلاة الظهر مع صلاة العصر قبل السفر سؤال: إنني أسافر في كل أسبوع تقريبًا مسافة (350) كيلو متر، ويكون وقت السفر عند الظهيرة، ولا تقف السيارة على الطريق لأداء الصلاة، فهل يجوز أن أجمع صلاة الظهر وصلاة العصر جمع تقديم في البيت قبل مغادرتي؟ أفيدوني في ذلك مشكورين. الجواب: إذا دخل وقت الظهر وأنت لم تبدأ السفر فإنه يجب عليك أن تصلي الظهر في وقتها تمامًا من غير قصر، وأما صلاة العصر، فإن كان سفرك ينتهي قبل خروج وقت العصر، فإنك تصلي العصر في وقتها إذا وصلت ولو في آخر وقت العصر. أما إذا كان السفر يستمر من الظهر إلى بعد غروب الشمس، بحيث يخرج وقت العصر، وأنت في السفر والسير، ولا يمكنك النزول لما ذكرت من أن صاحب السيارة، لا يوافق على التوقف، إذا كان الأمر ما ذكرت، فلا مانع من الجمع في هذه الحالة؛ لأن هذه الحالة عذر تبيح الجمع، ولكن مع الإتمام، إذا صليت العصر جمع تقديم، وأنت في بيتك وتريد السفر بعدها، فإنك تصلي الظهر والعصر، تمامًا كل واحدة أربع ركعات، ولا بأس بالجمع؛ لأن الجمع يباح في مثل هذه الحالة، أما القصر فإنه لم يبدأ وقته؛ لأن القصر إنما يجوز بعد مفارقة البنيان الذي هو موطن إقامتك. ***

قصر الصلاة

قصر الصلاة سؤال: إذا كنت في سفر مسافة قصر، وحين عودتي إلى حيث أقيم وقبل وصولي بحوالي عشرة أو عشرين كيلو متراًَ، حان وقت صلاة رباعية، فهل يجوز لي القصر والجمع أم القصر فقط، أم لا يجوز شيء منهما؟ الجواب: أما القصر فيجوز لأنه لم ينته السفر، ما دمت لم تدخل في البلد الذي سافرت منه، فإنك لا تزال في سفر حتى تدخل في بلدك، سواءً بقي عشرون كيلو أو أكثر، أو أقل. سؤال: حتى لو كنت أدرك وقت الصلاة؟ الجواب: لك القصر ما دمت خارج البلد، وما دمت في طريقك من السفر. أما الجمع فلا داعي له، بل تصلي الصلاة الحاضرة، وتقصرها، والصلاة الآتية تتركها في وقتها إذا وصلت. سؤال: بالنسبة للقصر، أقصر حتى لو كنت سأدرك وقت تلك الصلاة في المدينة؟ الجواب: نعم، إذا دخل عليك الوقت وأنت ما زلت في الطريق في السفر، فإنك تقصر وتفطر في رمضان؛ لأن أحكام السفر ما زالت إلى أن تدخل في البلد الذي تريد الاستقرار فيه. *** سؤال: إذا سافرت خارج بلدي وأقمت واستقريت في إحدى المدن خارج مدينتي، والتي تبعد عنها بمسافة قصر، ثم أردت زيارة منطقتي الأصلية لمدة قصيرة قد لا تتجاوز أربعة أيام، فهل يجوز لي قصر الصلاة خلال إقامتي في بلدي الأصلي خلال هذه المدة القصيرة، والتي أنوي السفر بعدها إلى حيث أسكن وأعمل خارجها؟

الجواب: إذا سافرت من بلدك إلى بلد آخر واستوطنته واستقررت فيه، استيطانًا دائمًا، وتركت بلدك تركًا نهائيًا، ثم قُدِّر أنك سافرت من محل إقامتك واستيطانك إلى بلدك الأصلي لا لأجل الرجوع والاستقرار فيه، وإنما لغرض من الأغراض ومررت به عابرًا في سفرك، هذا فيه تفصيل: إن كان فيه زوجة لك، مستقرة، فإنه يجب عليك الإتمام؛ لأنك حينئذ تكون من أهل ذلك البلد؛ لوجود زوجتك المستقرة والساكنة فيه. أما إذا لم يكن لك فيه زوجة، وليس لك به أهل، وإنما مررت به عابرًا، ثم ترجع إلى محل إقامتك واستقرارك، فإنك تقصر الصلاة؛ لأن لك حكم المسافرين، إلا إذا نويت إقامة تزيد على أربعة أيام، فإنه يجب عليك الإتمام أيضًا؛ لأنك تأخذ حكم المقيمين، والله تعالى أعلم. سؤال: لو لم يكن خروجه من هذا البلد خروجًا نهائيًا، وربما بقي له بعض الأملاك أو بعض البيوت والأقارب أيضًا، يزورهم في السنة مرة، أو مرتين فهل إقامته في حدود أربعة أيام تعطيه حكم المسافر، أو حكم المقيم؟ الجواب: إذا كان له أهل في هذا البلد وله زوجة - ليس له زوجة - أو هو لم ينتقل من هذا البلد انتقالًا نهائيًا، وإنما ذهب إلى غيره ذهابًا عارضًا لعمل من الأعمال، ثم يرجع إلى موطنه واستقراره، وهذا البلد هو محل إقامته، فليس له أن يقصر فيه، لكنه هو يذكر أنه رحل رحيلًا نهائيًا واستقر في موطن آخر، فصار ذلك البلد الآخر هو بلد إقامته. أما إذا كان بالعكس، موطن إقامته هو موطنه الأصلي وإنما ذهب إلى

غيره لأجل عمل من الأعمال مؤقت، ثم يرجع إلى بلده، هذا لا يعتبر مسافرًا إذا جاء إلى بلده. *** سؤال: أنا طالبة أدرس بعيدًا عن أهلي وأسكن في قسم داخلي، وهذا المكان الذي أدرس فيه يبعد عن أهلي حوالي مائة وخمسين كيلو متر، وآتي إليهم في يومي الخميس والجمعة كل أسبوع فصلاتي هل تكون قصرًا أم تكون تامة في اليومين اللذين أقيمهما عند أهلي، وفي الخمسة الأيام التي أقيمها في القسم الداخلي، أفيدونا جزاكم الله خيرًا. الجواب: أما في أيام إقامتك في القسم الداخلي الخمسة الأيام واليومين عند أهلك، فإنه يلزمك إتمام الصلاة، وأما في الطريق بينهما، فإنه يجوز لك قصر الرباعية ويجوز لك الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما تقديمًا أو تأخيرًا، فالترخص في الجمع والقصر إنما يكون في الطريق، أما في الإقامة في بلد الدراسة خمسة أيام وإقامتك عند والديك وفي وطنك فيلزمك الإتمام. *** الذي لا يصلي ولا يصوم كافر سؤال: لي والد بلغ الستين من العمر ولم يصل ولم يصم إلى هذا اليوم، وهو بصحة جيدة وذو علم كثير، يستطيع به أن يجادل من يشاء من أهل العلم، ونحن في قرية فيها مسجد كبير وقريب من دارنا جدًا، ومع ذلك لم يستفد من علمه شيئًا، حيث إن القرآن الكريم والأحاديث النبوية

الذي لا يصلي ولا يصوم كافر

الشريفة كلها تنص على أن مثل هذا الإنسان ذو حظ عاثر، ترى ما العمل؟ وأنا ابنه في العشرين من عمري، ومنذ سنوات وبشتى الطرق، حاولت إقناعه، بأن الناس في القرية، يريدونه في المسجد ليصلي معهم أو بهم، لكنه يتغافل ويتكاسل عن أداء هذا الحق الإلهي، ويردد قائلًا: أن أكثر المصلين في هذا الزمان فجّار ومنافقون، والآن يقول لي بعض الرجال: إذا مات أبوك فمن سيغسله ويصلي عليه وهو على هذه الحال؟ أرشدوني إلى ما يجب علي نحو والدي هذا، وما الحكم فيه إن مات على هذه الحالة؟ الجواب: هذا المذكور الذي عنده علم ولكنه لا يصلي ولا يصوم ولا يعمل بأحكام الدين، هذا ضال والعياذ بالله، وضلاله بيِّن إذا كان يترك الصلاة متعمدًا، فترك الصلاة متعمدًا كفر على الصحيح، ولو لم يجحد وجوبها، أما إذا كان يجحد وجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين. الحاصل: أن هذا الذي ذكر السائل أنه لا يصلي ولا يصوم هذا كافر إن كان يجحد وجوب الصلاة ويرى أنها غير واجبة فهذا كفره لا شك فيه، وإن كان مقرًا بوجوبها ولكنه يتركها تكاسلًا، فهذا على خلاف بين أهل العلم والصحيح القول بكفره. ولكن واجبك أيها الابن أن تناصحه، وأن لا تيأس من هدايته لعل الله أن يهديه على يديك فكرر النصيحة معه، فإن رأيت منه إصرارًا على حالته وعدم تقبل للنصيحة فعليك أن تفارقه وأن تعتزله، ولا مانع أن تحسن إليه فيما يحتاجه من النفقة والإحسان الدنيوي، بل يجب عليك أن تحسن إليه، والصلة معه، لكن لا تجلس معه ولا تساكنه إلا إن احتاج إليك مع المناصحة والإلحاح عليه لعل الله أن يهديه.

أما قضية إذا مات على هذه الحالة، مات وهو كافر - والعياذ بالله - فالمسلم لا يتولى الكافر، وإنما يتولاه أقاربه الكفار، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13] ، فيتولاه أقاربه الكفار إن كان له أقارب من الكفار، وإذا لم يكن له أقارب من الكفار فإنه يدفن بعيدًا عن مقبرة المسلمين، يوارى بالتراب، ولا يغسل ولا يصلى عليه، بل يدفن بثيابه في مدفن معتزل عن مقبرة المسلمين من باب المواراة بجثته لكي لا يتأذى بها الناس؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى قتلى بدر في القليب، فيجب أن يوارى ولا يقبر في مقابر المسلمين. *** سؤال: أهلي لا يصلون ولا يصومون ويحلفون بغير الله، وقد عجزت في نصحهم فهل يجوز مفارقتهم نهائيًا، مع علمي أن لهم حقوق الطاعة علي، ماذا أفعل؟ أرجو نصحي بما ترونه، وفقكم الله. الجواب: إذا كان يقصد بأهله زوجته، وأنها لا تصلي ولا تصوم، فهذه يجب عليه مناصحتها وأمرها بالصلاة والصيام، وبالتزام الشريعة وأدائها كما أوجب الله عليها، فإن امتثلت وتابت إلى الله سبحانه وتعالى فإنه يُبقيها عنده، أما إذا أصرت على الامتناع عن الصلاة وعن الصيام، فهذه غير مسلمة، لا يجوز له إمساكها؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] ، والتي تترك الصلاة متعمدة لا شك أنها كافرة. وإن كانت لا تقر بوجوبها، فكفرها مجمع عليه بين أهل العلم، وإن كانت مقرة بوجوبها ولكنها تتركها تكاسلًا وتهاونًا بها، فكذلك هي كافرة

في أصح قولي العلماء، وهو الذي تعضده الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة، فهذه المرأة إذا أصرت على ترك الصلاة، وترك الصيام، فإنه لا يجوز لك أن تبقيها في عصمتك؛ لأنها ليست بمسلمة، والمسلم لا يجوز له نكاح الكافرة غير الكتابية. أما الحلف بغير الله فهذا شرك أصغر يجب التوبة منه والابتعاد عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» ، وفي حديث آخر: «من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» . والحلف بغير الله شرك أصغر يجب على المسلم أن يتوب منه، وأن يقتصر على الحلف بالله عز وجل؛ لأن الحلف تعظيم، والتعظيم حق الله سبحانه وتعالى. أما إذا كان يقصد بأهله مثلًا أهل بيته من إخوانه ووالديه، فإنه يجب عليه مناصحتهم والإنكار عليهم. فإذا لم ينتصحوا وأصروا على ترك الصلاة وترك الصيام فإنه يجب عليه أن يفارقهم، وأن يهجرهم؛ لقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22] الآية. ***

ترك الصلاة

ترك الصلاة سؤال: كنت خلال فترة شبابي أصلي أحيانًا وأترك الصلاة أحيانًا مع المحافظة على صلاة الجمعة، ولكني منذ ثلاث سنوات تقريبًا بدأت أحافظ على جميع الصلوات مع الندم الشديد على تفريطي سابقًا، وأقوم بالقضاء عما فاتني، فمثلًا أصلي الفجر أربع ركعات ركعتين فرضًا حاليًا، وركعتين قضاءً، إلى جانب ركعتي السنة، وهكذا في بقية الفروض، فهل عملي هذا صحيح أم يلزمني شيء آخر؟ الجواب: أولًا: التكاسل عن الصلاة والتهاون بشأنها أمر خطير جدًا، وشنيع. ثانيًا: نشكر الله عز وجل إذ مَنَّ عليك بالتوبة والندم على ما حصل، وهذا يجب على كل مسلم أنه إذا أذنب ذنبًا أن يتوب إلى الله توبة صحيحة، والله يتوب على من تاب، ويغفر الذنوب جميعًا، والتوبة تجب ما قبلها، فالحمد لله الذي من عليك بالتوبة ونسأله لنا ولك الثبات على الحق. أما مسألة القضاء، فالصحيح أن من ترك الصلاة متعمدًا أنه يكفر بذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة» ، وما دمت قد تبت إلى الله عز وجل، وحافظت على الصلوات، فهذا يكفي وليس عليك قضاء على الصحيح، والله تعالى أعلم. ***

سؤال: هل ترك المسلم للصلاة يخرجه من الملة؟ الجواب: ترك المسلم متعمدًا إذا كان جاحدًا بوجوبها فهذا يخرجه من الملة بإجماع المسلمين؛ لأنه مكذب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولإجماع المسلمين، ومنكر لضروري من ضروريات الدين الإسلامي. أما إذا كان يقر بوجوبها، وإنما تركها تكاسلًا فعلى خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه يكفر أيضًا؛ لأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» ، وقال الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] ، وقال الله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11] . دل على أنهم إن لم يقيموا الصلاة لا يخلى سبيلهم وليسوا إخواننا في الدين، هذا معناه الكفر. كذلك قال تعالى عن الكفار أنهم يسألهم أهل الجنة يوم القيامة: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 42-44] ، إلى آخر الآيات، فدل على أن الذي أوجب لهم دخول النار، صفات اتصفوا بها في طليعتها وأولها ترك الصلاة.

كفر تارك الصلاة

كفر تارك الصلاة سؤال: أنا أبلغ من العمر ستة وثلاثين عامًا، ولكن أكثر أفعالي خلال هذا العمر غير مرضية، فقد ارتكبت الكثير من المخالفات، ولم أكن أصوم رمضان سوى من عامين فقط، وكذلك الصلوات، فماذا يجب عليّ نحو الصلاة والصيام، فإني قد عقدت العزم على التوبة الصادقة إلى الله، كذلك حلفت أيمانًا كثيرة، وقد حنثت بالكثير منها، ولكني أجهل عددها، فهل علي كفارة، وكيف تؤدى وأنا أجهل عدد الأيمان التي حنثت فيها؟ الجواب: أما القضية الأولى وهي: تركك للصلوات سنين وتركك للصيام، فهذه الفترة التي كنت فيها على هذه الحالة لست على الإسلام؛ لأن من ترك الصلاة متعمدًا فهو كافر سواءً كان جاحدًا لوجوبها، أو مقرًا بوجوبها، وتركها كسلًا على الصحيح. فكل هذه الفترة وأنت لست على دين، لكن لما من الله عليك بالتوبة وتبت إلى الله، وحافظت على الصيام والصلاة، فإن التوبة تجب ما قبلها، ولا يلزمك قضاء ما فات قبل التوبة. وأما من ناحية الأيمان التي حلفتها وخالفتها، ولا تدري كم عددها، فعليك أن تجتهد في تقديرها وتكفر عنها وتحتاط، إذا قدرتها مثلًا عشرة أيمان، تحتاط وتزيد فيها يمين، عليك بالاحتياط، قدِّر واحتط واترك في المستقبل كثرة الأيمان، والله تعالى يقول: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10] . كثرة الحلف والمبادرة إلى الحلف هذا فيه إحراج، وفيه تساهل باليمين، فعليك أن تتحرز من اليمين في المستقبل، وأن تحتاط وتقدر الكفارة فيما سبق، والله يوفق الجميع.

سؤال: أفيدكم أن عمري الآن خمس وأربعون سنة، وقد مضى علي أربع سنين من عمري دون أن أصلي، ودون أن أصوم رمضان، ولكني في العام الماضي أديت فريضة الحج، فهل تكفر عني ما فاتني من صوم وصلاة، وإن كانت لا تكفر، ماذا علي أن أفعل الآن؟ أرشدونا وفقكم الله. الجواب: ترك الصلاة متعمدًا خطير جدًا؛ لأن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وإذا تركها المسلم متعمدًا فإن ذلك كفر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة» ، وقال صلى الله عليه وسلم:: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» ، والله تعالى يقول في الكفار: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] ، ويقول عن أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 42-44] ، إلى غير ذلك من النصوص التي تدل على كفر تارك الصلاة، وإن لم يجحد وجوبها، وهو الصحيح من قولي العلماء رحمهم الله. فما ذكرت من أنك تركتها متعمدًا لمدة ثلاث سنوات، هذا يقتضي الكفر، ولكن إذا تبت إلى الله عز وجل توبة صحيحة، وحافظت على الصلاة في مستقبل حياتك، فإن الله يمحو ما كان من ذي قبل، والتوبة الصادقة تجب ما قبلها.

أما الحج، فإنه لا يكفر ترك الصلاة، ولا يكفر ترك الصيام؛ لأن هذه كبائر موبقة لا يكفرها الحج. وكذلك الحج إذا كنت أديته وأنت لا تصلي، فإنه لا يصح؛ لأن الذي لا يصلي ليس له دين، وليس له إسلام، ولا يصح منه عمل: إلى أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا تبت إلى الله توبة صحيحة وحافظت على الصلاة، فإن هذا يكفر ما سبق، ولكن عليك بالصدق، والاستمرار على التوبة، والاهتمام بالصلاة. وإذا كنت أديت الحج في حالة تركك للصلاة فعليك أن تعيده، أما إذا كنت أديته بعدما تبت، فهو حج صحيح إن شاء الله، وما مضى من المعصية وترك الصلاة والصيام، تكفره التوبة الصادقة. *** ترك الصلاة تكاسلًا سؤال: توفي والدي يرحمه الله، بعد أن مرض مرضًا نفسيًا، طالت مدته، وكان في فترة المرض لا يصوم ولا يصلي، كما كان أيضًا قبل مرضه يتكاسل أحيانًا كثيرة عن الصلاة وأخشى عليه من عقاب الله، لذلك فأنا دائمًا أدعو الله له في صلاتي، ولكن هل يجوز أن أصلي عنه، أو أصوم عنه قضاء عما تركه في حياته من صوم أو صلاة؟ الجواب: إذا كان والدك ترك الصلاة متعمدًا، واستمر على هذا إلى أن مات، فهذا أمره خطير، ويخشى عليه من الكفر؛ لأن من ترك الصلاة جاحدًا لوجوبها، فهذا كافر بإجماع المسلمين، ومن تركها تكاسلًا مع

ترك الصلاة تكاسلا

إقراره لوجوبها، فهذا كافر أيضًا على الصحيح، وإذا كان والدك ترك الصلاة واستمر على هذا إلى أن مات، وهو يترك الصلاة، أو يصلي بعض الأحيان، ويترك في البعض الآخر، فهذا حالته خطيرة، ولا يجوز الدعاء له إن كان مات على هذه الحالة. وأما قضاء الصلاة، فالصلاة لا تقضى، ولا يصلي أحد عن أحد، فالواجب على المسلم أن يحافظ على صلاته، وأن يحافظ على بقية دينه ولا يتساهل فيه، خشية أن يدركه الموت وهو مفرط في دينه، ومضيع لصلاته، وإذا مات على هذه الحالة، فلا يجديه شيء، لا دعاء ولا صدقة والعياذ بالله؛ لأنه مضيع لعمود الإسلام، ومتكاسل عن آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين. فالحاصل: أن حالة المذكور إن كان مات على ذلك فحالته سيئة والعياذ بالله، ولا يجوز لك أن تدعو له، ما دام أنه مات وهو مضيع للصلاة، ولا يجزيه قضاء الصلاة عنه، ولا ينفعه ما يُعمل له لأنه مات على غير الملة، إذا كان كما ذكرت، واستمر عليه ولم يتب قبل الممات، والله المستعان. سؤال: السائلة تقول: إنه مرض مرضًا نفسيًا مات على إثره، وحالته هذه هي التي وصفتها من تركه للصلاة والصيام أو تكاسله عنهما كان قبل أن يصاب بهذا المرض؟ الجواب: هذا يعني أنه تركها متعمدًا من غير عذر، والمرض النفسي لا يمنع من الصلاة، يصلي الإنسان وعنده مرض، فتركه للصلاة دل على أنه عدم رغبة فيها. سؤال: لكن لو كان في هذا المرض فقدان للوعي مثلًا فهل يعذر؟

الجواب: إذا بلغ به المرض إلى زوال الوعي، وزوال العقل والشعور، هذا معذور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة» وذكر منهم: «المعتوه حتى يعقل» ، لكنها ذكرت أنه ترك الصلاة قبل أن يصاب بهذا المرض، ولم تذكر بعد إصابته أن هذا أزال شعوره، وأنه أزال عقله. سؤال: أيضًا قضاء الصيام لا يصح؟ الجواب: قضاء الصيام فيه خلاف، لكن في هذه الحالة لا يصح؛ لأنه تارك للصلاة، أما لو كان محافظًا على الصلاة، وترك أيامًا من رمضان لمرض أو عذر شرعي ثم مات، ففي هذا الوضع خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه يقضى عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام، صام عنه وليه» . *** زيارة ترك الصلاة سؤال: ما حكم زيارة تارك الصلاة في مرضه، أو محاولة علاجه والسعي في ذلك، أو تشييع جنازته إذا مات؟ الجواب: أما مسألة زيارته والسعي في علاجه، فإذا كان يرجى أن تكون الزيارة سببًا لهدايته ودعوته إلى التوبة، والرجوع عما هو عليه، فهذا شيء طيب، فأنتم تزورونه وتنصحونه، وتدعونه للتوبة، لعل الله سبحانه أن يمن عليه بها، وتكونون سببًا في ذلك؟، ويختم له بخير إن مات، وإن شفاه الله من مرضه، تكونون سببًا في استقامته واهتدائه بقية حياته.

زيارة تارك الصلاة

وكذلك السعي في علاجه إذا كان هذا يترتب عليه أو يرجى منه أن يؤثر ذلك على سلوكه وتوبته ورجوعه عما هو فيه فهذا شيء طيب. أما اتباع جنازته إذا مات، وأنتم تعلمون أنه لا يصلي أبدًا، يترك الصلاة نهائيًا متعمدًا، فهذا لا يجوز لكم اتباع جنازته؛ لأنه بذلك يكون قد مات على الكفر، والكافر لا يتبع جنازته مسلم، ولا يصلى عليه، بل ولا يدفن في مقابر المسلمين إذا ثبت أنه لا يصلي أبدًا، وأنه ترك الصلاة متعمدًا ومات على ذلك، فإنه مات ميتة الكافر والعياذ بالله، فلا يجوز اتباع جنازته. *** مجالسة ومشاركة تارك الصلاة سؤال: هل يجوز لي أن أجالس وأشارك تارك الصلاة المصر على تركها؟ الجواب: لا يجوز لك أن تجالسه وتشاركه في المأكل والمشرب إلا إذا كنت تقوم بنصيحته والإنكار عليه، وترجو أن يهديه الله على يديك، فإذا كنت تقوم بهذا معه جاز لك، أو وجب عليك أن تقوم به معه. لأن هذا من إنكار المنكر ومن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، لعل الله أن يهديه على يديك. أما إذا كنت تشاركه وتجالسه، وتأكل وتشرب معه من غير إنكار، وهو مقيم على ترك الصلاة، أو مقيم على شيء من الكبائر فإنه لا يجوز لك أن تخالطه. وقد لعن الله بني إسرائيل على مثل هذا، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 78، 79] ،

مجالسة ومشاركة تارك الصلاة

وجاء في تفسير الآية: أن أحدهم كان يرى الآخر على المعصية فينهاه عن ذلك، ثم يلقاه في اليوم الآخر وهو مقيم على معصيته فلا ينهاه ويخالطه ويكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما رأى الله ذلك منهم، ضرب قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على ألسن أنبيائهم، وحذرنا رسول الله، أن نفعل مثل هذا الفعل؛ لكيلا يصيبنا ما أصابهم من العقوبة، والله أعلم. سؤال: مثل هؤلاء أو غيرهم من المرتكبين لبعض المعاصي، هل الأفضل مخالطتهم واستمرار النصيحة لهم على أمل إصلاح شأنهم، أو هجرهم وترك مجالسهم أصلًا؟ الجواب: الأفضل مناصحتهم إلا إذا كان في هجرهم مصلحة أن يرتدعوا، فإذا كان الهجر فيه مثلًا تبكيت لهم وتخجيل، وهو أنكى بهم بأن يرتدعوا، فإنه يهجرهم. أما إذا كان الهجر لا يفيد شيئًا فهو بين أمرين: إما أن يخالطهم ويناصحهم ويأمرهم وينهاهم، وإذا لم ير جدوى فإنه يعتزلهم ويهجرهم. *** البقاء مع الزوجة التي لا تصلي سؤال: لدي زوجة كانت لا تؤدي الصلاة ولا الصيام، ولا الواجبات الدينية أو الزوجية، ولكني قمت بتعليمها كل شيء إلا أنها لا تلتزم بأداء الصلوات، بل تتركها أحيانًا كثيرة، وتسخر مني حين أعلمها أو آمرها بالصلاة، فما الحكم بالاستمرار معها نظرًا لصعوبة أمر الزواج من غيرها من الفتيات الصالحات لغلاء المهور التي أصبحت تشكل عقبة كبيرة؟

البقاء مع الزوجة التي لا تصلي

الجواب: لا يجوز الاستمرار مع امرأة هذه صفتها، تستهزئ بالصلاة وتضحك ممن يأمرها بالصلاة، وتترك الصلاة، فهذه كافرة، لا يجوز البقاء معها؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] ، وقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة: 221] ، وهذه كافرة ما دام أنها لا تصلي، وتسخر من الصلاة والأمر بالصلاة، فلا يجوز لك البقاء معها. وأما قولك بعسر الزواج، فالله سبحانه وتعالى ييسر الخير، ومن ترك شيئًا لله، عوضه الله خيرًا منه. الحاصل: أنه لا يجوز الاستمرار معها على هذه الحالة، ما دام أنها لم تتب إلى الله عز وجل، وتحافظ على الصلاة، فهذه المرأة لا يجوز أن تكون زوجة للمسلم، ولا يجوز للمسلم أن يمسكها. *** بقاء المرأة مع الزوج الذي لا يصلي سؤال: شابة عربية مسلمة تزوجت من رجل لا تعرفه من قبل، كان يعمل في ألمانيا، وطلب من أبيها أن تعيش معه، ووافقت على ذلك، وبعد أن تم الزواج وذهبت معه إلى ألمانيا، وخلال حياتها معه اكتشفت أنه لا يصلي ولا يصوم، بل كان يرغمها على طبخ طعام له في نهار رمضان؛ إضافة إلى ارتكابه بعض المنكرات الأخرى، وقد حاولت إصلاح شأنه ولكن دون فائدة، مما جعلها تطلب منه الطلاق، وفعلًا حصل لها ذلك، فهل هي على حق في طلبها الطلاق من هذا الزواج؟ ثم إنها ذهبت بعد ذلك إلى بلجيكا مع بعض جيرانها سابقًا، وهي تعمل هناك للإنفاق على نفسها

بقاء المرأة مع الزوج الذي لا يصلي

وعلى والدها الفقير الحال، وهي تعيش بمفردها مع عائلة من هناك، ولكنها تعيش معهم في المنزل فقط، أما أكلها ونومها فمنفردة، وهم منحوها الحرية في ممارسة ما يأمرها به الدين من صلاة وصيام وغيرها، فهل بقاؤها بمفردها مع هذه العائلة فيه مخالفة للدين؟ وهي لا تصلي إلا بعد عودتها من العمل، وتصلي جميع الصلوات؛ لكون مكان العمل غير صالح لأداء الصلوات فيه لعدة اعتبارات، فما الحكم في هذا؟ الجواب: أولًا: نشكرك أيتها السائلة على تمسكك بالدين وحرصك على التزام شعائره، وأما ما سألت عنه من فراقك للزوج لما رأيت منه عدم تمسكه بالدين وأنه لا يصلي، ولا يصوم، فهذا هو الواجب عليك، ولا يجوز لك البقاء معه على هذه الحال؛ لأن من ترك الصلاة متعمدًا، فإنه كافر، لا تبقى معه المسلمة في عصمته، فأحسنتِ كل الإحسان، في مفارقتك لهذا الزوج السيئ، وفرارك بدينك عنه. وأما ما سألت عنه من ذهابك إلى بلجيكا بمفردك، وسكنك مع عائلة أجنبية منك، فهذا شيء لا يجوز: أولًا: سفر المرأة بغير محرم هذا لا يجوز. وثانيًا: سكنها مع عائلة أجنبية منها ومع أناس أجانب ليسوا محارم لها، هذا حرام على المسلمة. فالذي أنصحك به، أن تعودي إلى بلدك، أو أن يذهب الوالد معك إذا أردت السفر إلى بلجيكا أو غيرها. أما أن تسافري وحدك وتسكني وحدك، أو مع عائلة أجنبية منك فهذا شيء لا يقره الإسلام، ولا يرضى به الله سبحانه وتعالى؛ لأن المرأة عورة،

ولا يجوز لها أن تسافر بدون محرم، أو أن تسكن مع عائلة فيها رجال غير محارم لها؛ لأن ذلك يعرضها للفتنة ويعرض غيرها للافتتان بها، والله أعلم. *** توبة تارك الصلاة سؤال: مضت معظم حياتي بلا صلاة، فما العمل الآن، أهو القضاء أم الكفارة، أم التوبة، وكيف يتم كل منها وبأي طريقة. الجواب: الواجب عليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن تحافظ على الصلاة، طول حياتك الباقية، وأن تصمم على التوبة بشروطها التي هي الندم على ما فات، والإقلاع عن الذنب يعني: ترك الذنب نهائيًا، ومغادرته نهائيًا، والعزم أن لا تعود إليه مرة أخرى. فإذا وجدت منك هذه التوبة، وعملت بطاعة الله سبحانه في المستقبل، وحافظت على الصلوات، فهذا يكفيك إن شاء الله، ولا قضاء عليك مما سبق؛ لأنك تركت الصلاة متعمدًا، وهذا كفر بالله - عز وجل - لأن ترك الصلاة عمدًا، يخرج الإنسان من الملة حتى ولو لم يجحد وجوبها على الصحيح من قولي العلماء. *** التوبة تجب ما قبلها سؤال: لقد تركت الصلاة عدة سنوات، وأجهل عدد الصلوات التي تركتها، ولكني والحمد لله قد ندمت على تركي لها، وبدأت الآن في أدائها، فهل علي قضاء ما فاتني في تلك السنين أم لا؟ الجواب: يكفيك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، عما مضى والمحافظة

التوبة تجب ما قبلها

على الصلاة في المستقبل والتوبة تجب ما قبلها؛ لأن تركك للصلاة في الفترة التي مضت وأنت متعمد لتركها هذا يخرج من الملة على الصحيح من قولي العلماء، لكن إذا تبت إلى الله عز وجل توبة صحيحة، وحافظت على الصلاة، هذا يكفيك إن شاء الله. *** تعمير المساجد سؤال: هل يجوز أن يتولى غير المسلمين بناء المساجد وتعميرها، مع ما يكون ذلك من دخولهم داخلها وربما الجلوس فيها والتحدث داخلها؟ الجواب: لا ينبغي التساهل في هذا الأمر، والثقة بالكفار وتوليتهم أعمال المسلمين خصوصًا الإشراف على المساجد وبناء المساجد، بل يولى هذا العمال المسلمون، وهم كثير ولله الحمد. فينبغي التحرز من مثل هذا والابتعاد عن مثل هذا، وأن يتولى عمارة المساجد وبنايتها وإصلاحها عمال مسلمون ومقاولون مسلمون، وهم كثير والحمد لله، فلا داعي للعدول عنهم إلى غيرهم. *** الصلاة في مسجد أمامه مقبرة سؤال: يوجد في قريتنا مسجد قديم تقام فيه صلاة الجمعة والجماعة علمًا بأن هذا المسجد يوجد في قبلته مقبرة قديمة وحديثة، كما أن هناك عدة قبور ملتصقة في قبلة هذا المسجد، وكما هو معلوم أن هذه المقبرة يمر في وسطها طريق للرجال والنساء، وأيضًا طريق للسيارات، فما هو الحكم في هذا؟

الصلاة في مسجد أمامه مقبرة

الجواب: أما إذا كانت القبور مفصولة عن المسجد ولم يبن المسجد من أجلها، وإنما يبنى للصلاة فيه، والمقبرة في مكان منعزل عنه، ولم يقصد وضع المقبرة عند المسجد، ولم يقصد وضع المسجد عند المقبرة، وإنما كل منهما وضع في مكانه، وبينهما فاصل، فلا مانع من الصلاة في المسجد؛ لأن هذا المسجد لم يُقم على قبور، وإن كانت المقبرة قريبة منه. أما إذا كان المسجد قد أقيم على القبور، فلا تجوز الصلاة فيه ولا تصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة عند القبور، ونهى عن بناء المساجد على القبور، وشدَّد في ذلك ولعن من فعله. لأن هذا وسيلة إلى الشرك بالله عز وجل؛ ولأن هذا من عمل النصارى والمشركين. فبناء المساجد على القبور من الأمور الممنوعة في الشريعة الإسلامية، والتي لعن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعلها، وكذلك الصلاة عند القبور، حتى لو لم يكن عليها مساجد، وإذا بني عليها مساجد فالأمر أشد، ولكن حتى الصلاة عند القبور ولو لم تكن قد بني عليها مساجد، فهي ممنوعة ومنهي عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة عند القبور أو إلى القبور؛ لأن هذا من وسائل الشرك. أما قضية مرور الطريق وسط المقبرة، إذا كان الطريق متحد والمقبرة على جوانبه، فلا مانع من ذلك؛ لأن الطريق هذا لا يمر على القبور، وإنما هو طريق متحد، ومنعزل عن القبور، وإن كان يمر بين مقبرتين فلا مانع من ذلك، كالشارع الذي يكون بين مقبرتين، إلا أنه ينبغي أن يقام على القبور ما يحفظها من أذى المارة، ومن أذى المشاة بأن يقام عليها حواجز أو جدران، تفصل بينها وبين الطريق.

أما إذا كان المرور الذي ذكره السائل يتطرق على القبور ويخترق القبور، فهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس على القبر، وعن أن يطأ الإنسان على القبر، أو يتطرق على القبور؛ لأن هذا فيه أذية للأموات وإهانة للقبور، وقد نهينا عن ذلك، وإذا كان الطريق يخترق القبور ويمشي عليها فهذا حرام. أما إذا كان الطريق لا يخترق القبور، وإنما هو منعزل عنها، فهذا لا بأس به، إلا أنه ينبغي كما ذكرنا أن يفصل بين الطريقين وبين القبور بحائل. *** الصلاة في المسجد الذي فيه قبر سؤال: في قريتنا مسجد وبداخله قبر شيخ يدعي البستاني، فهل يجوز إزالة هذا القبر المبني بداخل المسجد، وندخل مكانه في مساحة المسجد، ففيه أناس يقولون: إن هذا خطأ، وأناس يقولون: الشيخ لا يضر ولا ينفع فلا داعي لإزالته، علمًا بأن فيه حجرة، وتذبح فيها الذبائح من نذور وغيرها، فماذا علينا أن نفعل به؟ أرشدونا وفقكم الله. الجواب: لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من بناء المساجد على القبور، واتخاذها معابد، وشدد في ذلك غاية التشدد، والوعيد، قال صلى الله عليه وسلم: «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد،»

الصلاة في المسجد الذي فيه قبر

«فإني أنهاكم عن ذلك» ، وغير ذلك من الأحاديث الواردة في منع هذا العمل القبيح الذي يؤول بالقبور إلى أن تكون أوثانًا تُعبد من دون الله، وتذبح لها القرابين، وتقرب لها النذور كما ذكر السائل، فإن هذا من أفعال الجاهلية، ومن فعل اليهود والنصارى مع أنبيائهم وصالحيهم، وهذا هو الذي أوقع الشرك في قوم نوح عليه السلام لما غلوا في الصالحين والأموات، وعبدوهم من دون الله، نسأل الله العافية والسلامة. وقد وقع ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة فاتخذت القبور مساجد في كثير من الأمصار، بنيت عليها القباب وصرفت لها كثير من أنواع العبادات، وطلبت منها الحوائج من دون الله - عز وجل - فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أما ما سأل عنه: هل يخرج القبر من المسجد أم لا؟ فالواجب على المسلمين أن ينظروا في هذا الأمر، فإن كان القبر سابقًا على المسجد، وبني المسجد عليه بعد ذلك، فالواجب هدم المسجد، وإبقاء القبر على ما هو عليه؛ لأن الأحقية للقبر، والمسجد هذا مسجد أسس على الشرك، وعلى معصية الله ورسوله، فيجب هدمه. أما إذا كان العكس وهو أن المسجد بني من الأول على أساس شرعي، وعقيدة سليمة، ثم دفن فيه بعد ذلك، فالواجب نبش القبر وإخراجه من المسجد وعود المسجد إلى شرعيته، والتخلص من هذا الجرم العظيم. هذا هو ما يجب على المسلمين، فإذا كان لكم سلطة ومقدرة فنفذوا

فيه هذا، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، ووفق هذه الأمة إلى أن تطبق أحكام دينها وما وصى به رسولها صلى الله عليه وسلم. سؤال: لو فرض أن المسجد كما تفضلتم هو السابق قبل القبر، فما حكم الصلاة فيه قبل أن ينبش القبر؟ الجواب: ما دام أن المسجد فيه قبر، ويقصد للعبادة والصلاة، وذبح النذور، فلا تجوز الصلاة فيه؛ لأنه أصبح أثرًا شركيًا، ومعبدًا جاهليًا، لا تجوز الصلاة فيه. *** الصلاة في مسجد تقام فيه بدعة سؤال: مسجد تقام فيه بدعة في كل أسبوع، هل تجوز الصلاة فيه، وإذا أوقفت هذه البدعة هل تجوز الصلاة فيه؟ أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب: أنت لم تذكر نوع هذه البدعة، ولكن على كل حال، البدعة محرمة، ولا سيما عملها في المساجد التي هي بيوت الله سبحانه وتعالى، ومواطن العبادة لا يجوز أن تقام فيها البدع؛ لأن البدع ضد الشريعة وضد العبادة، وهي من عمل الشياطين، وأتباع الشياطين، فلا يجوز أن تعمل البدعة من المسلمين في أي مكان، ولا سيما في المساجد، وهذا المسجد الذي تقام فيه بدع إذا كان بإمكانك أن تزيلها إذا حضرت، وأن تمنعها، فإنه يجب عليك ذلك، وهو أن تذهب إلى هذا المسجد وتمنع هذه البدع، وتقيم الصلاة فيه، وتعمره بطاعة الله سبحانه وتعالى، وبإحياء السنة وإماتة البدعة.

الصلاة في مسجد تقام فيه بدعة

أما إذا كنت لا تقدر على إزالة هذه البدع والمنكرات من المسجد، فعليك أن تلتمس مسجدًا آخر، ليس فيه شيء من البدع وتصلي فيه. *** الصلاة على من مات على الكفر سؤال: هل تجوز الصلاة على صاحب جنازة نعرف أنه يعتقد في الأولياء أنهم ينفعون أو يضرون ويستغيث بهم ويفعل أفعالًا كلها في حكم الإسلام شرك، فهل تجوز الصلاة على من مات على هذه الحالة، أو كان لا يصلي إلا في المناسبات العامة كالأعياد ونحوها؟ الجواب: من مات على هذه الحالة التي ذكرتها، من الاستغاثة بالأموات والاعتقاد فيهم أنهم ينفعون أو يضرون أو كان تاركًا للصلاة متعمدًا لتركها ومات على هذه الحالة فهذا كافر والعياذ بالله لا يصلى عليه ولا يقبر في مقابر المسلمين، قال الله في المنافقين: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] ، فمن مات على الكفر بالله والشرك بالله، فإنه لا يصلى عليه ولا يغسل ولا يدفن في مقابر المسلمين. فإذا كنت متأكدًا أنه مات على هذه الحالة ولم يتب، فإنك لا تصلي عليه؛ إما لأنه مستمر على الشرك الأكبر الذي ذكرته أو أنه مُصِرّ على ترك الصلاة متعمدًا ومات على ذلك، فهذا لا يصلى عليه كما ذكرنا والعياذ بالله؛ لأنه مات على الكفر والشرك. ***

صلاة النساء جماعة

صلاة النساء جماعة سؤال: إذا كان هناك جماعة من النساء في منزل واحد فهل يجب أن تؤمهن إحداهن في جميع الصلوات المفروضة؟ الجواب: نعم، يجوز للنساء أن يصلين جماعة، وأن تصلي بهن إحداهن، ولكن لا تقف أمامهن، بل تكون في صفهن. سؤال: لكن هي تقول هل يجب، بمعنى هل يلزمهن أن يصلين جماعة في كل فريضة؟ الجواب: الوجوب، لا يجب على النساء جماعة، الجماعة إنما تجب على الرجال، أما النساء فلا تجب عليهن جماعة، لكن يجوز لهن أو يستحب لهن أن يصلين جماعة، وأن تؤمهن إحداهن، كما ذكرنا يكون موقفها في صف النساء. سؤال: يعني صلاتهن جماعة أفضل من صلاتهن فرادى؟ الجواب: يرجى هذا إن شاء الله. *** صلاة المرأة في بيتها مع الإمام ما حكم صلاة النساء في بيوتهن يؤدينها، اقتداءً بإمام قريب على سماعهن بواسطة مكبر الصوت، هل هي صحيحة أم يلزم إعادتها؟ الجواب: لا نرى صحة صلاة المرأة في بيتها مع الإمام، لمجرد أنها تسمع الصوت بالمكبر؛ لأن صوت المكبر قد يمتد مسافة بعيدة، وقد يكون البيت بعيدًا عن المسجد، ودونه ودون المسجد مسافات وشوارع، ففي هذه

صلاة المرأة في بيتها مع الإمام

الحالة لا يصح للمرأة أن تتابع الإمام وتصلي وهي خارج المسجد، وإنما تصلي لنفسها، والله تعالى أعلم. سؤال: لو كان البيت قريبًا من المسجد، أو ملاصقًا المسجد، هل يجوز الاقتداء بالإمام في داخل البيت؟ الجواب: لا يجوز حتى ولو كان ملاصقًا المسجد ما دام أن البيت خارج المسجد، وهي لا ترى الإمام، ولا ترى من خلفه. وإنما يجوز الصلاة خلف الإمام خارج المسجد عند الضرورة، كما لو ضاق المسجد بالمصلين في يوم الجمعة مثلًا، وصلى بعضهم في الشارع وهو يسمع الإمام، ففي هذه الحالة تجوز الصلاة خارج المسجد للضرورة. أما هذه المرأة فليس عليها ضرورة، وهي خارج المسجد، وليست من أهل الجماعة. *** صلاة المرأة في المسجد سؤال: إذا خرجت المرأة لصلاة التراويح في المسجد، وزوجها غير راضٍ عنها، ويقول لها: صلي في البيت آجر لكِ، ما صحة هذا؟ أفيدوني بارك الله فيكم. الجواب: أولًا: يجب أن يُعلم أن خروج المرأة إلى المسجد، وإلى غيره يجب عليها فيه التستر وعدم الخروج بالزينة والطيب، بأن تخرج بثياب ساترة غير ثياب الزينة، وأن لا تكون متطيبة وأن تحرص على تجنب ما يفتن الناس، أو يفتنها بالناس، هذا أدب عام في خروج المرأة للمساجد ولغيرها.

صلاة المرأة في المسجد

أما خروجها إلى المسجد لأجل الصلاة مع المسلمين، فريضة أو صلاة التراويح والتهجد في رمضان، أو تخرج للصلاة مع المسلمين صلاة العيد، أو الاستسقاء، أو الجمعة، أو تخرج إلى المسجد لحضور الدروس الدينية، لتستفيد منها، فهذا لا بأس به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ، إذا كان خروجها على الصفة التي ذكرناها من الستر والحشمة. وليس لزوجها أن يمنعها من ذلك إذا كانت ملتزمة، بما ذكرنا من الحشمة والتستر، وأن قصدها الخير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ، إلا إذا كان منها مخالفة في الآداب الشرعية ولاحظ زوجها عليها ذلك، فله أن يمنعها إذا أساءت المرأة الأدب الشرعي في خروجها، كما قالت عائشة رضي الله عنها: " لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها " أو كما قالت. وما ذاك إلا لأن المرأة إذا أساءت الأدب الشرعي، ولم تلتزم بالستر والاحتشام؛ فإنها تمنع من المساجد، وتُمنع كذلك من غير المساجد، فتُلزم بالبقاء في البيت خشية عليها، وصيانة لها، وكذلك لو كان في خروجها مضرة على أولادها، إن كان لها أطفال صغار تحتاج إلى البقاء معهم ومراقبتهم، فهذا أيضا مما يسوِّغ للزوج أن يمنعها من أجلهم، والله تعالى أعلم.

سؤال: هل يجوز للمرأة أن تواظب على صلاة الجماعة في المسجد، وهل يحق لزوجها منعها من ذلك؟ الجواب: يباح لها الخروج للصلاة في المسجد، ولكن صلاتها في بيتها أفضل لها؛ لأن في صلاتها في بيتها سترا لها وأمانا لها من التعرض للفتنة منها أو بها، كما قال صلى الله عليه وسلم: " «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن» ". فإذا أرادت الخروج للصلاة في المسجد، فلا تمنع من ذلك، وكونها تبقى في بيتها وتصلي فيه أفضل من خروجها للصلاة في المسجد، ولكن إذا خرجت للمسجد، فإنه لا بد من الالتزام بالآداب الشرعية بأن تجتنب الطيب، وتجتنب لباس الزينة، وتجتنب لباس الحلي، وإظهار الحلي، وتجتنب إبداء شيء من جسمها، بأن تغطي وجهها وكفيها وقدميها، وتستر نفسها عن الرجال، فإذا التزمت بهذا، فإنه يباح لها الخروج للصلاة في المسجد، وأن تكون في المسجد أيضًا منعزلة عن الرجال، لا تكون في صف الرجال، ولا تخالط الرجال، وإنما تكون في مؤخرة المسجد، إن كان معها نساء يصلين جميعاًَ، أو تصف وحدها، خلف الرجال، إذا التزمت بهذه الآداب الشرعية، أما إذا لم تلتزم فإن زوجها يمنعها من ذلك. *** الصلاة بالملابس الضيقة والخفيفة سؤال: هل يجوز الصلاة بالبنطلون بالنسبة للمرأة، وبالنسبة للرجل، وأيضًا إذا لبست المرأة ثوبًا خفيفا ليس مبينًا لعورتها، فما حكم الشرع في ذلك، أفيدونا جزاكم الله كل خير؟

الصلاة بالملابس الضيقة والخفيفة

الجواب: الثياب الضيقة التي تصف أعضاء الجسم، وتصف حجم المرأة وعجيزتها وتقاطيع أعضائها لا يجوز لبسها، وكذلك الرجال لا يجوز لهم لبس مثل هذه الثياب ولكن الحرمة في حق النساء أشد؛ لأن الفتنة بهن أشد. أما الصلاة في حد ذاتها إذا صلى الإنسان وعورته مستورة، فصلاته في حد ذاتها صحيحة لوجود ستر العورة، لكن يأثم من صلى بلباس ضيق؛ لأنه قد يخل بشيء من شرائع الصلاة لضيق اللباس، هذا من ناحية والناحية الثانية، كما ذكرنا، أن الضيق يصف أعضاء الجسم ويكون مدعاة للافتتنان، وصرف الأنظار إليه، ولا سيما المرأة، فيجب عليها أن تستتر بثوب ضاف واسع يسترها ولا يصف شيئًا من جسمها ولا يلفت الأنظار إليها، ولا يكون أيضًا ثوبًا خفيفًا أو شفافًا، وإنما يكون ثوبًا ساترًا يستر المرأة سترًا كاملًا لا يرى شيء من جسمها، لا يكون قصيرًا حاسرًا عن ساقيها، أو ذراعيها أو كفيها، ولا تكون أيضًا سافرة بوجهها كاشفة لوجهها، وإنما تكون ساترة لجميع جسمها، ولا يكون شفافًا بحيث يرى من ورائه جسمها أو لونها، فإن هذا لا يعتبر ثوبًا ساترًا، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فقال: «صنفان من أمتي لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يجدن رائحة الجنة» ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فمعنى كاسيات: أنهن لابسات شيء من الثياب، ولكنهن في الحقيقة عاريات؛ لأن هذه الثياب لا تستر، فهي ثياب شكلية فقط، لكنها لا تستر

ما وراءها، إما لشفافتها، وإما لقصرها وعدم ضفائها على الجسم. فيجب على المسلمات أن يتنبهن لذلك. *** الابتعاد عما يشغل في الصلاة سؤال: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تصلي وهي تضع عقدا في رقبتها أو خاتما، أو تصلي وأمامها صورة أو مرآة، أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم. الجواب: يجب على المسلم أن يبتعد عن كل ما يشغله عن صلاته ويشوش عليه، فلا ينبغي أن يصلي إلى مرآة، أو إلى باب مفتوح، أو غير ذلك مما يشغله أو يشوش عليه صلاته. وكذلك من ناحية الصورة، لا ينبغي للإنسان أن يصلي في مكان فيه صور معلقة أو منصوبة؛ لأن هذا فيه تشبه بالذين يعبدون الصور، هذا من ناحية، والناحية الثانية هذه الصور إذا كانت أمامه تشوش عليه صلاته، وينشغل بالنظر إليها. أما قضية لبس الحلي في الصلاة، فهذا أيضاًَ من الشواغل التي تشغل المصلي، فلا ينبغي أن تعمل في صلاتها عملًا يشغلها عنها، فتؤخر لبس الحلي أو لبس المصاغ إلى أن تفرغ من الصلاة، لكن لو فعلت هذا ولبسته ولم يستهلك وقتًا طويلًا ولم يستهلك عملًا كثيرًا، فإن صلاتها صحيحة، فالعمل اليسير لا يؤثر على الصلاة كتعديل الثوب والعمامة ولبس الساعة وما أشبه ذلك، هذا عمل يسير لا يؤثر في الصلاة، وإن كان ينبغي للمسلم أن يتفرغ لصلاته، وأن يقبل عليها.

الصلاة والحيض

الصلاة والحيض سؤال: هل يجب قضاء الصلاة بعد الانتهاء من فترة الحيض مثل الصيام؟ الجواب: لا، الصلاة لا تقضيها الحائض؛ لأنه لم يكن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحائض بأن تقضي الصلاة، الصلاة تسقط عنها. ولهذا لما سألت امرأة عائشة رضي الله عنها عن ذلك قالت: ما بال الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟ قالت لها: أحرورية أنت؟ ! لأن هذا السؤال من أسئلة الخوارج، قالت: لا، لست حرورية، ولكني أسأل فقالت لها أم المؤمنين: كنا نؤمر بقضاء الصيام، ولا نؤمر بقضاء الصلاة. وكذلك في حالة النفاس؛ لأن النفاس مثل الحيض، له أحكام الحيض. *** سؤال: ما الحكم إذا أتت المرأة الدورة الشهرية عند دخول وقت صلاة مفروضة، فهل عليها قضاء ذلك الفرض بعد انتهاء الدورة؟ الجواب: إذا دخل عليها وقت الفريضة ثم طرأ عليها دخول العادة فإنها إذا انقطعت العادة واغتسلت يجب عليها قضاء هذه الصلاة التي أدركت وقتها؛ لأنها وجبت عليها بدخول وقتها، ولم تتمكن من أدائها حين ذاك، فإذا زال المانع واغتسلت من الحيض، فإنه يجب عليها أن تقضي هذه الصلاة الفائتة على الفور؛ لأن قضاء الصلوات الفائتة يكون على الفور. سؤال: لو حصل أنها طهرت واغتسلت وهي لا تزال في وقت صلاة مفروضة، في ذلك الوقت، يلزمها تلك الصلاة؟

الجواب: يلزم الترتيب، تقضي الصلاة الفائتة أولًا، ثم تصلي الحاضرة. *** صلاة المرأة السافرة سؤال: هل تصح صلاة المرأة السافرة غير المتحجبة أمام الرجال الأجانب؟ الجواب: إذا كان قصده بغير المتحجبة أنها غير ساترة لوجهها فصلاتها صحيحة في حد ذاتها، ولكنها تأثم على كشف وجهها؛ لأنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب؛ لأدلة كثيرة من الكتاب والسنة. *** تغطية المرأة رأسها لسجود التلاوة سؤال: أحيانًا أقرأ القرآن وأنا مكشوفة الرأس، فإذا صادفتني سجدة، فهل أسجد بدون غطاء أم أغطي رأسي ثم أسجد بعد ذلك؟ الجواب: ينبغي أن تغطي رأسك عند سجود التلاوة، نظرًا لأن بعض أهل العلم يرى أنه صلاة، وأنه يأخذ أحكام الصلاة، فتغطية الرأس أحوط في هذا وأحسن، والله أعلم. ***

صلاة المرأة جمعة في بيتها

صلاة المرأة جمعة في بيتها سؤال: كنت أصلي الجمعة كما يصليها الرجال ركعتان سنة، وركعتان فرض، ولكني قرأت في كتيب عن الصلاة أنه ليس على المرأة صلاة جمعة، فهل أخطأت؟ الجواب: أخطأتِ فيما مضى؛ لأن المرأة لا تصح منها الجمعة إلا إذا حضرت مع الرجال، فإذا حضرت وصلت مع الرجال صحت صلاتها تبعًا. *** الحكمة من الإسرار والجهر في الصلوات سؤال: لماذا نصلي صلاة الظهر والعصر سرًا في القراءة، وباقي الأوقات في المغرب والعشاء والفجر جهرًا؟ الجواب: أولًا: الواجب على المسلم أن يعمل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يعرف له حكمة؛ لأن الواجب الامتثال، سواءً عرفنا الحكمة أو لم نعرفها، ومعرفة الحكمة أمر ثانوي زيادة فائدة، وإلا فالواجب الامتثال، ومن ذلك الإسرار في صلاة النهار والجهر في صلاة الليل بالقراءة، الله أعلم بالحكمة في ذلك. ولكن ربما يكون من الحكمة والله أعلم، أن صلاة الليل يجهر فيها؛ لأن هذا أدعى للخشوع، ولأن قراءة صلاة الليل تكون أقرب إلى التدبر لهدوء الأصوات في الليل وانقطاع الشواغل، فإذا جهر بالقراءة كان ذلك أدعى للتدبر والخشوع، كما قال الله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6] ، فالصلاة في الليل لها مزية، والجهر فيها بالقرآن له

الحكمة من الإسرار والجهر في الصلوات

مزية؛ لأنه وقت تنقطع فيه الشواغل ويهدأ فيه البال، ويتفرغ فيه الإنسان للتدبر بخلاف النهار، فإنه وقت الأشغال، ووقت الأصوات، ويكون الإنسان مشغولًا عن التدبر في الغالب. *** تعليم كبير السن الصلاة سؤال: إن جدتي لوالدي تصلي الصلوات الخمس المفروضة عليها كاملة، ولكن للأسف إن صلاتها خاطئة من أولها إلى آخرها، حيث إنها لا تركع بعض الأحيان، ولا تقرأ التحيات وتقرأ الفاتحة بدل التحيات، بالإضافة إلى أنها تسلم بعد كل ركعة، وهذا شيء مما تفعله، ولم نرض بما تفعل، حيث قام أخي الكبير بتوضيح أن صلاتها خاطئة، فكان رد الفعل أن شتمتنا وفضحتنا وأخذت تبكي، وحتى لو علمناها الصلاة الصحيحة لا تستطيع أن تتعلمها لأنها تعودت على صلاتها، فهل عليها إثم في ذلك، وهل يجب علينا شيء؟ ماذا نفعل؟ أفتونا مأجورين. الجواب: هذه المرأة لا تخلو من إحدى حالتين: إما: أن تكون حالتها العقلية مختلة ولا تفهم ما يقال لها، فهذه لا حرج عليها؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ، وما دام أنكم قد بينتم لها الخطأ، ولم تستطع أن تفهم فلا حرج عليها إن شاء الله؛ لأن هذا منتهى قدرتها. أما إذا كانت عقليتها سليمة وإنما فعلت هذا عن جهل فهذه لا عذر لها؛ لأن الجاهل إذا وجد من يفهمه ويعلمه زال عذره، ووجب عليه أن يأخذ طريق الصواب.

تعليم كبير السن الصلاة

فالواجب عليكم أن تكرروا عليها التفهيم، وأن تخوفوها بالله عز وجل، وأن هذا لا يبرئ ذمتها، وهذا ما يسعكم، فإن استقامت فالحمد لله، وإلا فقد أديتم الواجب، واسألوا الله لها الهداية. *** المأموم مخير سؤال: إذا سلم الإمام وعليه نقص في الصلاة، وهناك مأموم قام ليقضي ما فاته من الصلاة، وعلم الإمام بالنقص، وقام ليكمل ما نقص من الصلاة، والمأموم صلى ركعة وبقي عليه ركعة، فهل ينضم المأموم مع الإمام مرة أخرى، أم يستمر ويقضي ما فاته من الصلاة وهل عليه سجود سهو أم لا؟ الجواب: إذا سلم الإمام وقام المسبوق ليأتي بما فاته، ثم تذكر الإمام أن عليه نقصًا في الصلاة، فقام ليكمله فالمأموم مخير حينئذ، إما أن يمضي على انفراد عن الإمام، ويكمل الصلاة، وإما أن يدخل مع الإمام ويتابعه فيما بقي، فهو مخير بين الأمرين، والله تعالى أعلم. سؤال: حتى لو فرضنا أنه صلى ركعة من الركعات التي فاتته هل يجوز له بعد ذلك أن ينضم مع الإمام؟ الجواب: لا مانع من ذلك، يعني لو فرضنا أن الإمام سلم من اثنتين من الرباعية، وقام المأموم، والمأموم مثلًا فاته ثلاث ركعات، أدرك مع الإمام ركعة، وقام الإمام وقد صلى المأموم المسبوق مثلًا ركعة أو ركعتين مما فاته وبقي عليه ركعة، ثم قام الإمام ليكمل، فإنه ينضم معه فيما بقي، وإن كان ما بقي قدر ما فاته أو أقل منه، فله أن ينضم معه ويتابعه في الصلاة.

المأموم مخير

سؤال: لو لم ينضم فعليه سجود السهو إذا أكمل الصلاة؟ الجواب: نعم، عليه أن يسجد للسهو لأنه لم يتبع إمامه. *** العذر بالجهل في الصلاة بعض الناس في بعض القرى البعيدة عن التعليم والدعوة إلى الإسلام، يجهلون الكثير من أحكام الدين، ومن ذلك الصلاة، فهم لا يعرفون عدد ركعات الفروض، فمنهم من يصلي الفجر ثلاث ركعات أو أربع، يجمعون السنة والفريضة بسلام واحد، وهكذا في بقية الفروض جهلًا منهم، فما الحكم فيما مضى من صلواتهم، وفيمن مات وهو على تلك الحالة؟ الجواب: إذا كان فعلهم هذا تساهلًا منهم بأن يسألوا ولم يبحثوا، وعندهم من يرشدهم ويفيدهم، ولكنهم أهملوا ذلك ولم يبالوا، فإن صلاتهم لا تصح؛ لأنهم غير معذورين في هذه الحالة؛ لأنه مطلوب من المسلم أن يعرف أحكام العبادة قبل أن يؤديها، وأداء الواجبات والفرائض بالأخص يجب على الإنسان أن يعرف أحكامها، قبل أن يشرع فيها ليؤديها على الوجه المشروع، مهما أمكنه ذلك، فإذا كان هؤلاء عندهم من يرشدهم، وباستطاعتهم أن يتصلوا بأهل العلم، أو عندهم مثلًا من الكتب والنشرات، أو يمكن حصولهم على ذلك بطلبه ولم يفعلوا هذا ولم يتسببوا فهؤلاء لا يعذرون بالجهل؛ لأنهم لا عذر لهم وصلاتهم غير صحيحة.

العذر بالجهل في الصلاة

وأما إن كانوا غير قادرين على معرفة أحكام الصلاة وهم يعرفون أنها واجبة، وأنها مطلوبة منهم؛ لكنهم لم يتمكنوا من معرفة أحكامها، وليس عندهم من يبين لهم، ولا يقدرون على الاتصال بأهل العلم، فإنهم يصلون على حسب حالهم، وصلاتهم صحيحة؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» . سؤال: إذا كان بينهم أهل علم وفقه، ويستطيعون تعليمهم وإرشادهم، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، هل يلحقهم شيء من الإثم؟ الجواب: إذا كان طلبة العلم والفقهاء لم يقوموا بواجبهم، فإنه يجب على العوام أن يطلبوا منهم، ويسألوهم عما أشكل عليهم، وأن لا يبقوا على جهلهم مع وجود من يرشدهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] ، فالله تعالى كلف الجهال بأن يسألوا أهل العلم إذا كانوا لا يعلمون شيئًا من الأحكام الواجبة عليهم، وأهل العلم يجب عليهم البلاغ. ***

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز

تلقين الميت سؤال: من العادات المعروفة والمشهورة عندنا، تلقين الميت بعد وضعه في قبره، وبعد أن يوارى عليه التراب، ونرى أن معظم العلماء على هذا، وبعضهم لا يلقي له بالًا، أعني علماء بلدنا، ويستشهدون على ذلك، بأنه ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما توفي ابنه إبراهيم، أنه وقف عليه الصلاة والسلام عند قبره ولقنه، فقال أحد الصحابة يا رسول الله، أنت خير الخلق، وبعد وفاتك من يلقننا فقال لهم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] الآية. والسؤال: ما مدى صحة هذا الخبر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ ، وإذا كان التلقين مشروعًا فما هي صيغته وكيفيته، ونرجو أن تقرنوا الإجابة بالأدلة المقنعة ما أمكن ذلك، وجزاكم الله خيرًا؟ الجواب: التلقين المشروع، هو تلقين المحتضر عند خروج روحه بأن يلقن لا إله إلا الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» ، لتكون هذه الكلمة العظيمة آخر كلامه من الدنيا، حتى يلقى الله تعالى بها، ويختم له بها، فتلقى عليه وهو في الاحتضار، هذه الكلمة برفق ولين وإذا تلفظ بها، فإنها لا تعاد عليه مرة أخرى إلا إذا تكلم بعدها بكلام آخر، فإن تكلم بعدها بكلام آخر، فإنها تعاد عليه برفق ولين، ليتلفظ بها وتكون آخر كلامه، هذا هو التلقين المشروع. أما بعد خروج الروح وانتهاء الأجل، فإن الميت لا يلقن لا قبل الدفن ولا بعد الدفن، ولم يرد بذلك سنة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم،

وإنما استحب تلقين الميت بعد دفنه جماعة من العلماء، وليس لهم فيما نعلم دليل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا يكون التلقين بعد الدفن لا أصل له من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما قال به بعض العلماء عن اجتهاد، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيؤخذ من قول المجتهد ما وافق الدليل ويترك منه ما لم يكن عليه دليل. أما بالنسبة لما سألت عنه من تلقين النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم، فهذا لم أعثر له على أصل أيضًا، والظاهر أنه لا أصل له، وكيف يلقن النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم وقد مات وهو صغير ولم تجب عليه التكاليف الشرعية هذا مما يدل على أن هذا لا أصل له في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. والحاصل: أن الواجب على المسلم الرجوع إلى الحق، وإن خالفه من خالفه من الناس، وترك ما لم يقم عليه دليل وإن فعله من فعله من الناس؛ لأننا مكلفون باتباع الدليل، واتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، لا أن نأخذ ما وجدنا الناس عليه من غير ما تمحيص وعرض على الكتاب والسنة، هذا هو الذي أنصحك به، وأنصح به إخواني المسلمين، التلقين بعد الدفن لا أصل له في السنة، وإنما التلقين المشروع هو عند الاحتضار؛ لأنه هو الذي ينفع المحتضر ويعقله المحتضر؛ لأنه ما زال على قد الحياة، ويستطيع النطق بهذه الكلمة، هو لا يزال في دار العمل، ودار الدنيا؛ لأنها هي دار العمل، أما بعد الموت فقد انتهى وقت العمل، وختم العمل وانتقل إلى دار أخرى، والله تعالى أعلم. سؤال: بعد دفن الميت في قبره، أليس من المشروع أو المطلوب الدعاء له وطلب التثبيت له، كما أمر بذلك الرسول في بعض الأحاديث؟

الجواب: نعم، الثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالنسبة للميت بعد دفنه، كان يقف على قبره ويدعو له ويستغفر له ويقول لأصحابه: «استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل» . فالذي يشرع للمسلمين إذا دفنوا الميت وانتهوا من دفنه أن يقفوا على قبره، وأن يستغفروا له، وأن يسألوا الله له التثبيت؛ لأنه وقت سؤال الملكين في القبر، فيقولون: اللهم اغفر له، اللهم ثبته، ويكررون هذا الدعاء المبارك، فإن الله ينفعه بذلك؛ لأن دعاء المسلمين للأموات يرجى وصوله إليهم وانتفاعهم به، دعاء الحي للميت، هذا هو المشروع، لا العكس الذي يفعله الجهال والقبوريون من أنهم يطلبون من الميت أن يدعو لهم، وأن يستغفر لهم، وأن يشفع لهم، فهذا عكس ما شرعه الله ورسوله، وهذا من المحادة لله ولرسوله، إنما المشروع هو العكس، أن الحي هو الذي يدعو للميت، ويستغفر له، والله جل وعلا يقول لنبيه: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا مر بالقبور استقبلهم بوجهه عليه الصلاة والسلام، وقال: «السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنت سلفنا ونحن في الأثر، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم» . أما ما يفعل مع الجنائز من هذه البدع المحدثة من الأمور التي اعتادها الناس، وهي ليس لها أصل في شريعة الإسلام، فالواجب الحذر منها، والمنع منها، والتحذير منها.

الدعاء عند خروج الروح

الدعاء عند خروج الروح سؤال: هل هناك دعاء معين يقال عند خروج الروح من الجسد المحتضر وعند إدخاله القبر؟ الجواب: أما عند احتضاره فالوارد أنه يلقن (لا إله إلا الله) لقوله صلى الله عليه وسلم:: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» . فينبغي ويستحب أن يلقن الميت عند الاحتضار (لا إله إلا الله) ، وأن يلقن ذلك برفق ولا يكرر عليه، ولا يضيق عليه بل يلقنها برفق. وأما عند الدفن، فقد ورد أنه عند وضع الميت في القبر، يقال: «بسم الله وعلى ملة رسول الله» ، كما رواه الإمام أحمد وغيره. أما أن يقال دعاء عند الاحتضار فهذا لم يرد غير تلقين الميت لا إله إلا الله، ولا عند إدخاله القبر غير: «بسم الله وعلى ملة رسول الله» ، ولا شيء آخر، وكل ما لم يثبت في السنة فهو بدعة. ***

صلاة الجنازة

صلاة الجنازة سؤال: كيف نصلي صلاة الجنازة وماذا نقول فيها؟ الجواب: صلاة الجنازة صفتها: أن يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يقرأ الفاتحة بعدها، ثم يكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، ثم يكبر التكبيرة الثالثة ويدعو للميت: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، وما تيسر من الأدعية التي فيها استغفار للميت، وترحم عليه مما هو وارد في هذا الموضوع. ثم يكبر التكبيرة الرابعة، ويسلم بعدها عن يمينه تسليمة واحدة، هذه صفة صلاة الجنازة. *** غسل الميت سؤال: من الذي يحق له غسل الميت ذكرًا كان أو أنثى من الأهل والأقربين النساء والرجال؟ فقد نرى بعض الرجال يدخلون لغسل الجنائز من الرجال والنساء أقارب أو أجانب هل هذا صحيح؟ الجواب: الرجل يغسله الرجال، ويجوز للمرأة أن تغسل زوجها، والمرأة تغسل النساء، ويجوز للرجل أن يغسل زوجته فقط، فالزوجان يجوز لكل منهم أن يغسل الآخر.

غسل الميت

أما ما عدا الزوجين فإنه لا يجوز للنساء أن تغسل الرجال، ولا يجوز للرجال أن يغسلوا النساء، فكل جنس يغسله جنسه إلا الطفل الصغير الذي هو دون التمييز فهذا لا بأس أن يغسله الرجال والنساء على حد سواء. *** النياحة على الميت سؤال: امرأة مات ابن ابنها الوحيد فندبت عليه ومزقت ملابسها، ثم أرادت بعد ذلك أن تتوب إلى الله، فقال لها بعض الناس: صومي ثلاثة أيام من كل شهر، وبعضهم يقول: صومي ثلاثة أيام من آخر كل شهر هجري، فهل هذا من شروط التوبة، وما هي شروط التوبة؟ الجواب: أولًا: من المعلوم أن النياحة على الميت وشق الثياب، هذا من أمور الجاهلية، والواجب على المسلم الصبر عند المصيبة والاحتساب، لقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157] . فالواجب على المسلم أن يصبر وأن لا يتكلم إلا بما يرضي الله سبحانه وتعالى، ولا يشق الثوب ولا يرفع الصواب بالنياحة، فإن هذا من أمور الجاهلية، وما دامت السائلة قد تابت والحمد لله، فهذا شيء طيب ويرجى لها الخير، وتكفي التوبة. أما الصيام، فليس عليها صيام، وإنما عليها أن تتوب.

النياحة على الميت

ومعنى التوبة: الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى. وأما شروط التوبة فهي: أولًا: أن تترك الذنب الذي تابت منه، تركًا نهائيًا. والثاني: أن لا تعود إليه أبدًا. والثالث: أن تندم على ما حصل منها. هذه شروط التوبة إذا توافرت، فالتوبة صحيحة ومقبولة، وهي تمحو ما قبلها من الذنب، وليس هناك صيام يصاحب التوبة. أما من أراد أن يصوم تطوعًا، في غير مناسبة التوبة فصيام التطوع بابه واسع، ثلاثة أيام من كل شهر، ويوم الاثنين والخميس، وكذلك الأيام التي ورد صيامها، ولكن هذا لا يرتبط بالتوبة، وإنما هذا من باب التطوع. *** السفر للعزاء سؤال: إذا توفي أحد أقارب الشخص، أو أصدقائه وهم في بلد غير البلد الذي هو بها، هل يجوز له أن يسافر إلى البلد الذي هم فيه لتأدية العزاء ومواساة أهله في فقيدهم، أم أن هذا يعد يشد رحل ولا يجوز؟ الجواب: إذا كان العزاء يشتمل على بدع وخرافات مثل إقامة المآتم التي تفعل في بعض البلاد، فلا يجوز له أن يشاركهم سواء سافر أو لم يسافر؛ لأن هذا من البدع والمنكرات، فإذا كان فيه إقامة مآتم، وإقامة نياحة، وغير ذلك مما يفعله المبتدعة، فهذا منكر لا يجوز للإنسان أن يذهب إليه ويشارك أهله، لا بسفر ولا بغيره، والسفر أشد.

السفر للعزاء

أما إذا كان العزاء مجرد مواساة للأحياء، ومجرد تطييب لخواطرهم ودعاء للميت بالمغفرة والرحمة فلا بأس بذلك خصوصًا إذا كانوا من أقاربه. ففي سفره إليهم وعزائهم ومواساتهم خير كثير، وربما يكونون بحاجة إلى حضوره، فلا بأس بذلك لأن هذا من الطاعة ومن المعروف وليس من المنكر. *** الوصية سؤال: نذرت والدة زوجتي إن توفاها الله، أن أتولى عدد أربعة رؤوس من الغنم كانت تملكها في حياتها، بأن أجعل منها، أضحية لوجه الله تعالى على رأس كل سنة، ويستمر ذلك ما دام نتاج هذه الغنم مستمرًا، وقد وافاها الأجل، وتوفيت منذ أربع سنوات، وبعد وفاتها وفي حال غيابي عن البلد أخذ زوجها تلك الغنم عنده، ولم أتمكن من تنفيذ شيء مما أوصتني به، فهل يلحقني أو يلحقها إثم بذلك، وما العمل الآن أرشدونا بارك الله فيكم؟ الجواب: هذه وصية وليست بنذر، والوصية إنما تصح بالثلث فأقل، مما تركه الميت، وما ذكرته من تصرف الزوج وعدم تمكنك من تنفيذ ما أوصتك به، فإن كان عندك إثبات على هذه الوصية، إما بوثيقة مكتوبة، أو بشهادة شاهدين، على هذه الوصية وصدورها من الميتة في حال حياتها، فإنك تتقدم بها إلى القاضي الذي في جهتكم، وهو يقدم بالنظر فيها، والأمر بما يلزم إن شاء الله، والله الموفق.

أداء الدين مقدم على الوصية

أداء الدين مقدم على الوصية سؤال: كان لي أخت متزوجة، ولها طفلان وقد طلقها زوجها بعد أن مرضت مرضًا شديدًا، وفي آخر شهر من عدتها توفيت وعليها ديون كثيرة للأطباء الذين قاموا بعلاجها ولغيرهم، وليس لها سوى أرض لا تغطي كل ما عليها من ديون، فلا تفي إلا بالثلثين فقط، وقد أوصت قبل موتها بأن يُحج عنها، وأوصت بأن يصلى عنها لمدة ثلاث سنوات، ويصام عنها ثلاثة أشهر، وبأن يذبح لها بعد موتها ويعمل لها وليمة عزاء، علمًا أن لها أربعة إخوة أشقاء وأختين، فما الحكم أولًا: في سداد ما عليها من دين على من يكون قضاؤه؟ وكذلك ما الحكم في وصيتها تلك؟ وماذا يلزمنا تنفيذه منها؟ أفيدونا عن ذلك جزاكم الله خيرًا. الجواب: أما قضية الديون التي عليها فإنه يجب تسديدها من تركتها، الديون الثابتة يجب تسديدها من تركتها، وليس هناك وصية إلا بعد سداد الديون؛ لأن وفاء الدين مقدم على الوصية. وأما قضية أنها أوصت بوصايا، ومن جملتها العزاء وذبح ذبيحة فهذا لا يجوز الوفاء به، حتى ولو كان لها تركة؛ لأن هذا من البدع، ولا يجوز فعله ومال الميتة انتقل منها إلى الورثة وانتقل في حالة الديون التي عليها إلى الغرماء، وإن بقي شيء فهو للورثة، وقد سمح لها الشارع بالوصية بحدود الثلث وعلى الوجه المشروع. أما أن توصي بإقامة حفل عزاء، وما أشبه ذلك من البدع، فهذا لا يجوز الوفاء به، والوصية غير صحيحة في مثل هذا.

وكذلك الوصية بأن يصلي عنها أو يصام عنها، هذا أيضًا لا ينفذ؛ لأن الصلاة والصيام عملان بدنيان لا تدخلهما النيابة. أما إذا كان عليها صيام نذر، فإنه يصام عنها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام، صام عنه وليه» . ولما ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها قالت: نعم. قال: فصومي عن أمك.» فصيام النذر على الميت يصوم عنه وليه. أما ما وجب بأصل الشرع من الصلاة والصيام فهذا لا تدخله النيابة؛ لأنه عمل بدني. سؤال: من يتولى سداد بقية الدين؟ الجواب: وبخصوص الوصية والنظر في الدين، يراجع القاضي في مثل هذا في إحصاء الديون، وإثباتها، وفي النظر في الوصية والصحيح منها وغير الصحيح، وفي تولية من يقوم بهذا العمل وينفذه. ***

دين المتوفى

دين المتوفى سؤال: هناك رجل مسلم قد استدان من أهل الكتاب مبلغًا من المال، وقد توفي هذا الرجل المسلم منذ ثلاث سنوات، ولم يسدد دينه، وأهله لا يعلمون به، وقد أردت إبلاغ أهله عنه ليقوموا بسداده عنه فرفض الدائن إبلاغهم دون أن يسامحه، وأنا أعلم ضرورة الوفاء بدين الميت فروحه مرهونة بدينه، فما رأيكم بهذه المسألة بارك الله فيكم؟ الجواب: الذي يلزم عليك أيتها السائلة أن تبلغي أولياء الميت بالدين الذي عليه لهذا الكتابي، أو لهذا الذي ذكرت أن له عليه حقًا، فيجب عليك تبليغ أولياء الميت، هذا ما يسعك، أما كونهم يسددون عنه أو لا يسددون فهذا شيء راجع إليهم، إن كان بالدين وثيقة وثبت فهذا يجب عليهم حتمًا أن يسددوه، وإن لم يكن به وثيقة إلا الشهادة التي أدليت بها، فهذا لا يثبت الحق، ولكن يعتبر قرينة أو بعض قرينة، أو بعض بينة، هذا راجع إليهم والأحوط والأحسن لهم أن يبرؤوا ذمة ميتهم من دينه. سؤال: لو قامت هي بتسديده من باب الصدقة هل يجزئ هذا؟ الجواب: لو قامت هذه بتسديدة، هذا شيء طيب، أو أي مسلم قام بتسديده عن هذا الميت، هذا شيء طيب، ويؤجر عليه وتبرأ به ذمة الميت. ***

من أحكام الحداد

من أحكام الحداد سؤال: هل يحق للمرأة الأرملة أن تضع زينة على وجهها كالكحل مثلًا، أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم؟ الجواب: إن كان قصدها بالأرملة المعتدة من الوفاة في مدة التربص التي ذكرها الله بقوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] ، هذه عدة الوفاة ويحرم على المرأة فيها التزين سواء بالحلي أو بالأصباغ، أو غير ذلك، فلا تتزين المرأة ولا تلبس الزينة في هذه الفترة، كذلك لا تتطيب، ولا تكتحل، الكحل الذي يتخذ للجمال، ولها أن تداوي عينيها بالدواء الذي ليس فيه زينة. أما الاكتحال والخضاب وأنواع الزينة المستحدثة الآن التي تتجمل بها النساء من المساحيق وغيرها، وكذلك الطيب بأنواعه، وكذلك الحلي بأنواعه، وكذلك ثياب الزينة بأنواعها، فالمرأة ممنوعة من هذه الأشياء مدة العدة، وهذا ما يسمى يالإحداد مدة العدة، وهو ترك الزينة، وهجر الزينة، بأن تتجنب كل ما يرغِّب في النظر إليها من أنواع الزينة والطيب والتحسين وغير ذلك. كما أن عليها أن تمكث في البيت الذي توفي زوجها وهي فيه، إلى أن يبلغ الكتاب أجله، ولا تخرج منه إلا بعذر شرعي. أما إن كان مرادها بالأرملة غير المعتدة التي خرجت من العدة، لكن ليس لها زوج، فهذه لها أن تتزين وتتجمل لكن لا تظهر هذا للرجال الأجانب، وإنما تتجمل وتتزين في الأحوال التي ليس فيها فتنة، وليس

فيها تعرض للرجال الأجانب، أما مع الرجال الأجانب، فيجب عليها إخفاء زينتها وستر نفسها. *** سؤال: لي زوجة متمسكة بعادة الحداد على الميت لمدة عام إلى درجة إهمال حقوقي الزوجية بكاملها، وعدم العناية بي، ويحدث هذا في كل مرة يموت أحد أقاربها تحد عليه مدة عام، فلا تتزين لي، ولا تهتم بشؤوني العامة ولا الخاصة، وقد حاولت كثيرًا في أن تترك هذه العادة السيئة، ولكن دون جدوى فما حكم عملها هذا ومتى يشرع الحداد للمرأة؟ الجواب: هذا العمل منها محرم، لا يجوز منها فعله، فقد روى البخاري ومسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرًا» ، فالمرأة إنما يجب عليها الحداد أربعة أشهر وعشرة أيام، إذا توفي زوجها، أما هذا الذي تعمله زوجتك من أنها تحد على كل ميت لمدة عام، فهذا معصية، وحرام عليها، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما في الحديث الذي ذكرنا سابقًا فيجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى، وأن تترك هذا العمل السيئ ***

ما يلحق الميت من الأعمال

ما يلحق الميت من الأعمال سؤال: إذا توفي شخص وكان في حياته لا يصلي بتاتًا، أو كان يصلي حينًا ويتركها أحيانًا، فهل يجوز أن تؤدى عليه الصلاة بعد وفاته، وإذا لم يكن ذلك جائزا، فهل ينفع أن يتصدق عنه، أو يقرأ له القرآن، وما هي الأشياء التي ينتفع بها الميت بعد وفاته ممن خلفه؟ الجواب: أولًا: الصلاة لا تفعل عن أحد، لا يصلي أحد عن أحد؛ لأن الصلاة عمل بدني لا تدخله النيابة، لا عن الحي ولا عن الميت. ثانيًا: من ترك الصلاة متعمدًا، واستمر على ذلك حتى مات هذا حكمه أنه كافر، والعياذ بالله، لا يجوز أن يُترحم عليه ولا أن يدعى له، ولا أن يتصدق عنه؛ لأنه مات على الكفر. وأما بالنسبة لما يلحق الميت بعد موته من الأعمال، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ، فهذه الأمور تلحق الميت: إذا أوقف وقفًا ينتفع به في سبل الخير، واستمر هذا الوقف بعد وفاته فإنه يلحقه الأجر ما بقي هذا الوقف. كذلك إذا علَّم علمًا ينتفع به من العلوم الشرعية النافعة فإن هؤلاء المتعلمين الذين صاروا ينفعون الناس من بعده، يعود إليه الأجر وهو ميت؛ لأنه علَّم الخير، وكذلك إذا ألف مؤلفات ينتفع المسلمون بها، فإن هذا علم ينتفع به، ويعود أجره لمن انتفع بهذه المؤلفات ما بقيت، وكذلك

إذا طبع كتبًا نافعة وأوقفها على المسلمين ينتفعون بها، أو مصاحف من القرآن الكريم، كل هذا من العلم الذي ينتفع به بعد موته، ويلحق من بذل فيه الأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى. وكذلك الذرية الصالحة الذين يدعون له من ذكور وإناث، فإن هذا يلحقه الأجر، إذا تقبل الله دعواتهم، كذلك الصدقة عن الميت؛ لأنه ورد أن الميت يتصدق عنه، وأن ذلك ينفعه. وعمم بعض أهل العلم أو جماعة من أهل العلم، عمموا أن أي طاعة فعلها مسلم وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت أن ذلك ينفعه. كذلك الحج، ورد في الدليل، أنه ينفع الميت، وأنه يبرئ ذمته إذا كان واجبًا عليه، وينفعه إذا كان تطوعًا، فالحج والصدقة والدعاء والوقف، كل هذا مما يلحق الميت بعد وفاته. *** الصدقة للأموات سؤال: هل يجوز للمرأة أن تخرج من مالها الخاص صدقة لأحد أقاربها الأموات دون علم زوجها، وما الحكم إذا كانت الصدقة من مال زوجها؟ الجواب: يجوز للمرأة أن تخرج من مالها الخاص صدقة عن أقاربها الأموات لوجه الله سبحانه وتعالى، وليعود ثوابها ونفعها إليهم؛ لأنها تتصرف في مالها، وهي حرة في مالها في حدود ما شرعه الله، والصدقة عمل صالح ويصل ثوابها إلى من تتصدق عنه فلا بأس بذلك. أما أن تتصدق من مال زوجها فهذا فيه تفصيل:

الصدقة للأموات

إذا كان زوجها أذن لها، أو كانت تعرف أنه لا يمنع من ذلك، وأنه يرغب في هذا الشيء، فإنها تتصدق من ماله فيما جرت العادة به، وأما إذا كان زوجها يمنع ولم يأذن لها فإنها تمتنع ولا تتصدق من ماله ولو كان موسرًا. *** الصلاة عن الميت سؤال: أصلي كل ليلة بعد العشاء ركعتين، أهب ثوابهما للمرحوم والدي ووالدتي، فما حكم الشرع في نظركم في هذا؟ أفيدونا مشكورين. الجواب: أما بر الوالدين في حياتهما وبعد موتهما فهذا شيء مطلوب من المسلم، وهو من أفضل الأعمال، ولكن الصلاة عن الميت لا تفعل، وإنما الذي ينبغي أن تفعله عن والديك الميتين الصدقة عنهما والدعاء والاستغفار لهما، وإذا صليت فإنك تدعو لنفسك ولوالديك وللمسلمين وتستغفر لهما، وتترحم عليهما، هذا هو المشروع لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ، فالذي ينبغي لك مع والديك الميتين الدعاء لهما والتصدق عنهما والحج عنهما إذا أمكن، هذه كلها أعمال يصل ثوابها إليهما إن شاء الله، أما الصلاة، فإنه لا يصلي أحد عن أحد؛ لأن الصلاة عمل بدني، لا تدخله النيابة. ***

سب وشتم الأموات

سب وشتم الأموات سؤال: ما حكم سب وشتم الميت؟ وهل ذلك يؤذيه أو له تأثير عليه؟ الجواب: ورد النهي عن سب الأموات لأنهم أفضوا إلى ما عملوا، ولا يجوز سب الأموات إلا إذا ترتب على ذكرهم مصلحة شرعية كأن يكون هذا الميت من علماء الضلال، أو له آثار سيئة فإنه يجب تنبيه المسلمين عن آثاره وضلاله ليحذروا من ذلك. أما ذكره مجرد غيبة، ومجرد سباب لا مصلحة من وراء ذلك، فإنه لا يجوز. *** الموتى لهم حرمة سؤال: لدينا جامع كبير نصلي فيه، وحوله مقبرة محاطة به من ثلاث جهات، وقد كثر الناس في هذا الزمن، وأرادوا توسعة هذا الجامع، فأخذوا جزءًا كبيرًا من أرض المقبرة من الثلاث جهات ووسعوا الجامع على حساب القبور، حيث نقلوا رفاة بعض القبور إلى أماكن أخرى، فما هو الحكم الشرعي في هذا العمل؟ أفيدونا مأجورين. الجواب: الواجب أن هذه المسألة تحال إلى قاضي البلد، أو المفتي في البلد لينظر فيها، ولكن من حيث العموم، فإن المقبرة إذا كانت سابقة فإن لها حرمة، والموتى إذا دفنوا في أرض مباحة، فإنهم يكونون أحق بهذه القبور، ولا يجوز نقلهم منها إلا بمسوغ شرعي. والمسجد يمكن أن يوسع من غير المقبرة، أو يمكن أن ينقل إلى مكان

الموتى لهم حرمة

أوسع من مكانه، وعلى كل حال، هذه المسألة يرجع فيها إلى القاضي في البلد أو المفتي المعتبر في البلد لينظر فيها، والله الموفق. *** الأطباء ووفاة المرضى في العلميات الجراحية سؤال: بالنسبة للأطباء الذين يجرون العمليات، لو فرضنا أن مات أحد المرضى بين أيديهم وهم يجرون العملية بسبب هذه العملية، ألا يلحقهم في ذلك شيء ويلزمهم كفارة؟ الجواب: إذا حصل منهم تفريط نتج عنه وفاة الشخص، أو كان الطبيب لا يحسن إجراء العملية، فإنه يتحمل في هذا ويكون عليه مسؤولية، فيكون عليه الكفارة، والدية أيضًا على عقيلته؛ لأن هذا يعتبر من قتل الخطأ. أما إذا كان الطبيب خبيرًا بإجراء العملية، وحالة المريض تحتمل هذا الشيء ولم يحصل تفريط، فإنه لا حرج عليه في ذلك، وليس عليه ضمان ولا كفارة. سؤال: لو كان هناك تفريط وكانوا أكثر من واحد يعني مثلًا طبيب ومعه مساعد أو مساعدان، هل يلزمهم جميعًا هذه الكفارة؟ الجواب: إذا مات المريض بسبب الإهمال والتفريط من الطبيب ومن يساعده فإنهم يشتركون جميعًا في المسئولية، فيشتركون في الضمان والكفارة، والله أعلم. ***

كتاب الصيام

كتاب الصيام

الحكمة من مشروعية الصيام سؤال: ما الحكمة من مشروعية الصيام؟ وكم صام النبي صلى الله عليه وسلم؟ وما معنى: «أفطر الحاجم والمحجوم؟» وهل هذا حديث: «صوموا تصحوا؟» الجواب: أما الحكمة من مشروعية الصيام. فالصيام فيه حكم عظيمة منها قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] ، فبين سبحانه وتعالى أن الصيام سبب لحصول التقوى، والتقوى مزية عظيمة، وهي جماع الخير، فالصائم يكتسب التقوى، والصيام يجلب التقوى للعبد في أنه إذا صام فإنه يتربى على العبادة ويتروض على المشقة، وعلى ترك المألوف وعلى ترك الشهوات، وينتصر على نفسه الأمارة بالسوء، ويبتعد عنه الشيطان وبهذا تحصل له التقوى، وهي فعل أوامر الله عز وجل، وترك نواهيه طلبًا لثوابه وخوفًا من عقابه، فهذا من أعظم المزايا أن الصيام يسبب للعبد تقوى الله سبحانه وتعالى، والتقوى هي جماع الخير وهي أم البر، وهي التي علق الله عليها خيرات كثيرة، وكرر الأمر بها في كتابه، وأثنى على أهلها، ووعد عليها بالخير الكثير، وأخبر أنه يحب المتقين.

ومن فوائد الصيام أنه كما ذكرنا يربي الإنسان على ترك مألوفة تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى، ولهذا يقول الله جل وعلا: «الصوم لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي» ، فهذا فيه امتحان للصائم في أنه ترك شهواته وملذوذاته ومحبوباته تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى، آثر ما يحبه الله تعالى على ما تحبه نفسه، وهذا أبلغ أنواع التعبد، هذا من أعظم فوائد الصيام. وكذلك الصيام يعود الإنسان على الإحسان وعلى الشفقة على أهل الحاجة والفقراء، لأنه إذا ذاق طعم الجوع وطعم العطش، فإن ذلك يرقق قلبه ويلين شعوره لإخوانه المحتاجين. والصيام فرض في السنة الثانية من الهجرة وصام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، لأنه عاش في المدينة عشر سنوات والصيام فرض في السنة الثانية منها، فيكون عليه الصلاة والسلام قد صام تسع رمضانات ومعنى: «أفطر الحاجم والمحجوم» معناه: أنه يفسد صيام الحاجم الذي يمص الدم بالقرم والمجم، ويفطر المحجوم الذي سحب منه الدم، فالاثنان أفرطا الحاجم الذي استخرج الدم بواسطة آلته، والمحجوم الذي سحب منه هذا الدم.

أما المحجوم فلخروج الدم الكثير منه، لذلك أفطر، لأنه سحب منه كمية من الدم، وهذه الكمية تضعفه وتضعف بدنه، ولا يتحمل الصيام. والحاجم أفطر لأنه مظنة أن يتطاير إلى حلقه شيء من الدم إذا مص القرن، والمظنة تنزل منزلة الحقيقة، فأفطر الحاجم من أجل ذلك وسدًّا للذريعة، هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم» ، بمعنى: أن كلا منهما فسد صيامه. وحديث: «صوموا تصحوا» : هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بعض كتب السنة وإن لم يكن سنده بالقوي فمعناه صحيح، أن الصيام فيه صحة للبدن لأنه يمنع الأخلاط، التي تسبب الأمراض، وهذا المعنى يشهد به علماء الطب، والتجربة أكبر برهان على أن الصيام فيه صحة للأبدان. *** تخصيص رمضان بالعبادة سؤال: بعض الناس وللأسف الشديد تراهم في رمضان يواظبون على الصلوات الخمس وعلى صلاة التراويح والتهجد وقراءة القرآن، فإذا ما انتهى رمضان، تركوا ذلك أو أكثره، فما الحكم فيهم؟ وهل تقبل أعمالهم الصالحة تلك في رمضان؟ وما هي نصيحتكم لمثل هؤلاء؟

تخصيص رمضان بالعبادة

الجواب: أما الاجتهاد في رمضان بالأعمال الصالحة، فهذا شيء طيب، ورمضان له خصوصية وموسم عظيم، ولكن المسلم، مطلوب منه أن يجتهد في أعمال الخير، في كل عمره، وفي كل حياته، وفي كل الشهور، لأن عمره فرصة ثمينة، وهو قادم على دار تحتاج إلى عمل، فإن الجزاء في الدار الآخرة إنما يكون على العمل، فالمسلم مطلوب منه، أن يستغل حياته في الدنيا في الأعمال الصالحة، وأن يخص أيام الفضل والمواسم الخيرة كشهر رمضان، يخصها بمزيد اجتهاد، أما هؤلاء القوم المفرطون المضيعون للفرائض والصلوات، فإذا جاء رمضان اجتهدوا وحافظوا على الصلاة، فإذا خرج رمضان فإنهم يتركون الفرائض ويضيعونها، فهؤلاء لا يقبل منهم اجتهادهم في رمضان، وقيل لبعض السلف: إن قومًا يجتهدون في رمضان، فلما خرج تركوا العمل، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان. فهؤلاء لا يقبل منهم إذا تركوا الفرائض، وتركوا الصلوات الخمس، أما إذا تركوا شيئًا من السنن، ومن النوافل، فهؤلاء لا حرج عليهم، ويرجى لهم القبول فيما أسلفوا في رمضان والله تعالى أعلم. *** دخول شهر رمضان سؤال: هل هناك أدعية مخصصة عند دخول شهر رمضان المبارك في السنة؟ وماذا يجب على المسلم في تلك الليلة؟ أفيدوني بارك الله فيكم. الجواب: لا أعلم دعاءً خاصًّا يقال عند دخول شهر رمضان، وإنما الدعاء العام عند سائر الشهور.

دخول شهر رمضان

فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال في رمضان وفي غيره يقول: «اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله» ، وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: «الله أكبر، الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله» ، هذا الدعاء الوارد عند رؤية الهلال لرمضان وغيره، أما أن يختص رمضان بأدعية تقال عند دخوله، فلا أعلم شيئًا في ذلك. لكن لو دعا الإنسان المسلم بأن يعينه الله على صوم الشهر، وأن يتقبل منه فلا حرج في ذلك، لكن لا يتعين دعاء مخصص بهذا، وإنما يدعو المسلم بأن يعينه الله، وأن يتقبل منه، ويحمد الله - عز وجل - على أن بلغه رمضان. *** رؤية الهلال سؤال: إذا كان أول شهر رمضان يوم السبت بالنسبة للمملكة العربية السعودية وبالنسبة للجزائر كان أول الشهر يوم الأحد، فمن كان يقطن في الجزائر وصام مع المملكة هل يجوز له هذا أم لا، ومع من يفطر، لأنه إذا أفطر مع السعودية كان ذلك اليوم يوم صيام في بلده، وإذا صام هذا اليوم، كان يوم العيد في البلد التي صام معها؟

رؤية الهلال

الجواب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ، فعلق صلى الله عليه وسلم وجوب الصيام برؤية الهلال وذلك يختلف باختلاف المطالع على الصحيح من قولي العلماء، ولا شك أن المطلع في الجزائر يختلف عن المطلع في المملكة فكل إنسان يصوم مع أهل الإقليم وأهل البلد الذي هو فيه إذا رأوا الهلال، ويفطر معهم، فأنت حكمك حكم المسلمين الذين تسكن معهم في أي إقليم كان، سواءً في الجزائر أو في غيرها، تصوم معهم وتفطر معهم. *** الصوم والسفر من بلد إلى آخر سؤال: إذا سافر شخص إلى الدراسة، خارج بلاده، وكما هو معلوم أن الوقت يختلف عن وقت بلده، فمثلًا إذا زادت ساعات الصيام، أو نقصت لاختلاف الوقت، هل يؤثر ذلك على صيام الشخص أم لا؟ أفيدوني بارك الله فيكم؟ الجواب: من سافر إلى بلد غير بلده، ويختلف بفارق توقيت عن بلده، فإنه يكون حكمه حكم ذلك البلد الذي سافر إليه، يصوم ويفطر تبعًا لذلك البلد، يصوم إذا طلع الفجر في ذلك البلد، ويفطر إذا غربت الشمس في ذلك البلد، ولا ينظر إلى توقيت بلده، لأنه سافر منه وخرج منه، وكل مكان له حكمه، فالإنسان إذا كان في بلد فإنه يكون حكمه حكم ذلك البلد، ولا يكون حكمه حكم بلده الذي جاء منه. ***

النية في صوم رمضان

النية في صوم رمضان سؤال: أصوم أحيانًا بدون عقد النية عند بدء الصيام، فهل النية شرط في صيام كل يوم، أم تكفي في أول الشهر؟ الجواب: الصيام وغيره من الأعمال لا بد أن يكون عن نية، قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» ، وفي رواية: «لا عمل إلا بنية» ، فصوم رمضان تجب له النية من الليل، بأن ينوي قبل طلوع الفجر صيام ذلك اليوم، والسائلة تقول: إنها طلع عليها الفجر ولم تنو إلا بعد طلوع الفجر، فما حكم صومها ذلك اليوم؟ الجواب: أنه يجب عليها قضاء ذلك اليوم الذي مضى جزء منه بدون نية، والنية في رمضان لكل يوم بمفرده لأن كل يوم عبادة مستقلة تحتاج إلى نية، فينوي الصيام لكل يوم من الليل، فلو طلع عليه الفجر ولم ينو كحال السائلة ونوى بعد ذلك، فإن صومه لا ينعقد عن فرض رمضان، بل عليه أن يقضي ذلك اليوم، سواءً تركها عمدًا أو سهوًا، لكن لو كان قد نوى من الليل ولكن حصل عنده شيء من النسيان أو حصل عنده شيء من الشواغل، وعزب عن خاطره النية، لكن هو قد نوى، أو أسبق النية، فهذا الشيء العارض لا يؤثر، ما دام أنه لم يعدل عن نيته الأولى. العارض

البسيط لا يؤثر على النية فصيامه صحيح، إلا إذا نوى نية أخرى، وهي العدول عن صوم ذلك اليوم، فإنه لا بد من تجديد النية من الليل. *** سؤال: هل يشترط أن تكون نية الصيام قبل الفجر من كل ليلة من رمضان، أم تكفي نية واحدة لكل الشهر، وما حكم من تلفظ بها في كل ليلة من ليالي شهر رمضان؟ الجواب: النية شرط من شروط صحة العبادة من صيام وغيره، قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» ، وكل عبادة من العبادات لا تصح إلا بنية، ومن ذلك الصيام، فإنه لا يصح إلا بنية لقوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له» ، فالنية للصيام مشترطة، وصيام الفرض لا بد أن ينويه من الليل قبل طلوع الفجر، ويجب عليه أن ينوي لكل يوم نية جديدة، لأن كل يوم عبادة مستقلة تحتاج إلى نية متجددة بتجدد الأيام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» ، وكل يوم من رمضان فإنه عبادة مستقلة، يجب أن تخص بنية، ولا تكفي النية التي من أول الشهر، إلا إذا جددها كل ليلة، استذكرها كل ليلة وعزم عليها.

أما النطق بالنية فإنه أمر غير مشروع، فالتلفظ بها بدعة، لأن النية من أعمال القلوب والمقاصد التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتلفظ بالنية يقول: اللهم إني نويت أن أصوم، أو نويت أن أصلي، أو نويت كذا وكذا، إنما ورد هذا عند الإحرام بالحج والعمرة، أن يقول المسلم: أريد الإحرام بالعمرة، أو أريد الإحرام بالحج، وكذلك عند ذبح الهدي أو الأضحية، ورد أنه يتلفظ عند ذبحها، ويقول: اللهم هذه عن فلان بن فلان فتقبل مني إنك أنت السميع العليم، في هذين الموطنين فقط، موطن الإحرام بالنسك وموطن الذبيحة التي يتقرب بها إلى الله بأضحية أو هدي تمتع أو قران، أو غير ذلك، فإنه يتلفظ عند ذلك، أما ما عدا ذلك من العبادات، فالتلفظ بالنية بدعة، سواءً كان في الصيام أو الصلاة أو بغير ذلك، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلفظ في شيء من هذه الأحوال بالنية، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» ، وقال عليه الصلاة والسلام: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة» ، والتلفظ بالنية عند الصلاة أو عند الصيام، أو عند غيرهما من العبادات، هذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به، ويكون بدعة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} [الحجرات: 16] .

والله جل وعلا أنكر على الذين تلفظوا، في قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] ، إلى أن قال جل وعلا: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الحجرات: 16] . والتلفظ بالنية هذا معناه أن الإنسان يخبر ربه عز وجل أنه نوى له كذا وكذا، وقد نهى الله عن ذلك، وأنكر على من فعله. سؤال: ما حكم التراجع عن نية الصيام النفل أو القضاء قبل طلوع الفجر؟ الجواب: قبل طلوع الفجر لا مانع أن الإنسان يتراجع لأنه لم يشرع في الصيام، ويجوز له أن يعدل عن صيام هذا اليوم، ويصوم في المستقبل؟ *** سؤال: ما حكم الإفطار في يوم صيام قضاء عن فطر في رمضان؟ الجواب: لا يجوز لمن صام قضاءً من رمضان أن يقطعه، وأن يفطر، لأنه إذا عقد النية وصام وجب عليه إتمام هذا اليوم، ولا يجوز له أن يقطعه، وقد قال الفقهاء رحمهم الله: ومن دخل في فرض موسع حرم قطعه. سؤال: حتى لو كان واجبًا كالنذر أو الكفارة؟ الجواب: كل الصيام الواجب سواءً كان قضاءً أو نذرًا أو كفارة إذا دخل فيه الإنسان وشرع في صوم اليوم، فإنه يجب عليه إكماله، ولا يجوز له قطعه، إلا لعذر ضروري. سؤال: هل لو قطعه يكون حكمه حكم كفارة رمضان؟ الجواب: لا يكون حكمه كحكم الإفطار في رمضان، ولكن يأثم بهذا. ***

توقيت الإمساك والإفطار

توقيت الإمساك والإفطار سؤال: أنا أقيم في مدينة كراكوف في بولندا وقد دخل علينا شهر رمضان الماضي، وقد من الله علينا بصيامه والحمد لله إلا أننا كنا في إمساكنا وفي إفطارنا نعتمد على توقيت بلدنا في العراق، علمًا أن التوقيت هنا في بولندا يسبق العراق فيجب أن نمسك قبلهم ونفطر قبلهم، وصمنا على الوضع أربعة أيام إلى أن تبين لنا الفرق في التوقيت، فاعتمدنا توقيت البلد التي نصوم بها، فما الحكم في فعلنا الأول، وماذا يجب علينا؟ الجواب: كما ذكر السائل، أنه يجب عليهم العمل بتوقيت البلد الذي هم فيه، فيمسكون عند طلوع الفجر، ويفطرون عند غروب الشمس، في البلد الذي هم فيه لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] . وهذا منطبق على المسلم في أي مكان، ما دام أن عنده طلوع الفجر وغروب الشمس، فإن الصيام فيما بينهما. وأما ما حصل منهم في أول الشهر في أنهم يصومون بتوقيت بلد آخر، يختلف عن تقويت بلدهم الذي هم فيه، فهو خطأ، ويجب عليهم أن يقضوا هذه الأيام التي صاموها على هذا النمط، لأن صيامهم غير صحيح، ولا مطابق للشرع كما ذكرنا، وإن كان مضى عليهم رمضان آخر لم يقضوا هذه الأيام، فإنه يجب عليهم مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، والله أعلم. ***

الشك في طلوع الفجر

الشك في طلوع الفجر سؤال: ما حكم من شك في طلوع الفجر؟ هل له أن يأكل ويشرب، أم يمسك حتى يستيقن طلوعه، أم أنه يعمل بالشك؟ أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم؟ الجواب: يقول الله سبحانه وتعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] ، فإذا تيقن طلوع الفجر، حرم عليه الأكل والشرب ووجب عليه الإمساك. وإذا لم يتقين وبقي في شك هل طلع الفجر أو لم يطلع، فالاحتياط له أن يمتنع عن الأكل والشرب، من باب الاحتياط والابتعاد عن المشتبهات لقوله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» ، فالأحسن أن يمسك وأن يترك الأكل والشرب، ما دام أنه يخاف أن الفجر قد طلع. *** دعاء الإفطار سؤال: ما هو الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الإفطار وعند السحور؟

دعاء الإفطار

الجواب: قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أفطر يقول: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» ، وورد عن بعض الصحابة أنه إذا أفطر قال: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم» . وأما السحور فلم يرد فيما أعلم دعاء مخصوص يقال عند ذلك، والله أعلم. *** مفسدات الصوم سؤال: ما هي مفسدات الصوم عمومًا؟ الجواب: مفسدات الصوم: منها الأكل والشرب، متعمدًا ومنها الجماع، ومنها الإنزال، ومنها أيضًا أن يدخل في جوفه شيئًا يصل الجوف كالقطرة في العين أو في الأذن أو في الأنف، إذا استعمل القطرة السائلة في الأنف أو في الأذن أو في العين، ووصلت إلى حلقه، فهذا يفطر، لأنه أدخل إلى جوفه سائلًا متعمدًا، وكذلك أخذ الإبر المغذية، إذا أخذ الصائم إبرًا مغذية، فإنه يفطر بذلك، لأن الإبر تقوم مقام الغذاء فيفطر بها، وكذلك من مفطرات الصائم خروج الدم الكثير بالحجامة أو بالفصد،

مفسدات الصوم

على الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم» . وكذلك الحيض والنفاس، هذا مما يفطر الحائض والنفساء، ويحرم عليهما الصيام حال الحيض والنفاس وكذلك الاستقاء، إذا تعمد الإنسان الاستقاء حتى تقيأ، فهذا أيضًا يفطر، أما لو قاء من دون تعمد، بأن غلبه القيء فإنه لا يفطر بذلك، كذلك لو أكل أو شرب ناسيًا، فإنه لا يفطر بذلك. سؤال: هل خروج الدم من الإنسان رغمًا عنه نتيجة حادث أو قطع يفسد صومه أم لا؟ الجواب: لا يفسد عليه صومه، إذا خرج منه دم بغير اختياره، مثلًا لو جرح وخرج منه دم، أو خرج منه رعاف لا يفطر بذلك لأنه غير متعمد، حتى لو كان كثيرًا لا يفطر بذلك، إنما الذي يفطر هو المحتجم والفصاد، لأنه تعمد إخراج الدم فيفطر بذلك ولورود الحديث في الحاجم والمحتجم. سؤال: هل يقاس على هذا التعمد بالتبرع بالدم في نهار رمضان؟ الجواب: نعم إذا تبرع بدم كثير، فإنه يفطر بذلك، لأنه مثل الحجامة. *** الجماع في نهار رمضان سؤال: امرأة متزوجة منذ عشر سنوات، وقد كانت قبل الزواج لا تصلي علمًا أنها تزوجت وكان عمرها ثمان عشر سنة، وأيضًا حصل بينها

الجماع في نهار رمضان

وبين زوجها معاشرة في نهار رمضان في أول سنة تزوجت فيها عدة مرات، جهلًا منها بالحكم، والآن قد تابت إلى الله وأصبحت مواظبة على الصلوات المفروضة والسنن، وكذلك على الصوم الواجب والتطوع فهي تسأل عن تركها الصلاة قبل الزواج، وعن معاشرتها زوجها في نهار رمضان جهلًا، ماذا يجب عليها؟ وهل تلزمها كفارة عن كل مرة؟ أم عن الجميع كفارة واحدة لأنها في شهر واحد، وزوجها هل يلزمه كفارة مثلها أم لا؟ وإذا كان يلزمها رغم جهلها بالحكم، فما معنى قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 54] ؟ الجواب: أما بالنسبة لما حصل منها من ترك الصلاة قبل زواجها فهذا أمر خطير، وأمر شنيع، لأن ترك الصلاة متعمدًا يعتبر ردة عن دين الإسلام على الصحيح من قولي العلماء، ولو لم تجحد وجوبها، فعليها حيال ذلك أن تتوب إلى الله - عز وجل - توبة صحيحة وأن تحافظ على صلواتها مدة حياتها، وبذلك يكفر الله عنها ما مضى. أما بالنسبة لما حصل منها مع زوجها من العشرة في نهار رمضان، إن كانت تقصد بذلك الوطء في نهار رمضان، فهذا أمر محرم، لأن الله سبحانه وتعالى نهى عن ذلك، قال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ، فالصيام يمنع من وطء الزوج لزوجته، وإذا وقع منه ذلك، فإنه يكون عليه وعليها الكفارة، وهي ما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنها عتق رقبة، فإن لم يجد

فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع الصيام فإنه يطعم ستين مسكينًا مثل كفارة الظهار. وإذا تكرر الوطء في شهر واحد، من رمضان، قبل التكفير فإنه تكفي كفارة واحدة عن الجميع، فعليها هي كفارة وعلى زوجها كفارة أخرى على ما ذكرنا، ويكفيهما كفارة واحدة عن جميع المرات التي حصل فيها الوطء، ما دام أنه لم يسبق تكفير بين الوطئين. سؤال: لو كانت الزوجة مكرهة في هذه الحالة؟ الجواب: إذا أكرهت ولم يكن لها اختيار البتة، بأن ألجأها إلى هذا الشيء فليس عليها كفارة، وعليه الكفارة عن نفسه. سؤال: والجهل لا يعذر به أحد في هذه الحالة؟ الجواب: وأما ما ذكرت من أنها جاهلة فهذا الجهل لا يعذر به، لأنها بين المسلمين وتسمع أن الصيام واجب، وأن له أحكامًا، فهذا جهل لا يعذر به، لأنه بإمكانها أن تسأل وأن تعرف حكم الله سبحانه وتعالى، إنما الجهل الذي يعذر به من كان بعيدًا عن المسلمين، ليس عنده أحد من المسلمين، بأن نشأ في بادية بعيدة أو في بلاد بعيدة عن المسلمين، ولا يسمع شيئًا من كتاب الله ولا من سنة رسوله. وأما ما ذكرت من قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 54] ، فالمراد بالجهالة هنا، ليست الجهالة بالحكم وعدم معرفة الحكم الشرعي، وإنما المراد جهالة الذنب، وأن من عصى الله - عز وجل - فهو جاهل.

بمعنى أنه عاص لله، وهذا الجهل خلاف الحلم، وخلاف العقل الذي يمنع الإنسان من مخالفة الله سبحانه وتعالى، وليس المراد بالجهل هنا عدم العلم. قال بعض السلف: كل من عصى الله تعالى فهو جاهل، والله تعالى أعلم. *** الحجامة والصوم سؤال: ما هي الحجامة وما حكمها؟ وهل فعلها ينقض الوضوء ويفطر الصائم أم لا؟ الجواب: الحجامة نوع من العلاج وهي استخراج الدم بواسطة المحجم، وهي تفطر الصائم على الصحيح من قولي العلماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أفطر الحاجم والمحجوم» ، فالحجامة تفطر الصائم على الصحيح من قولي العلماء لهذا الحديث ولغيره. وكذلك هي تنقض الوضوء، إذا خرج بها دم كثير. *** التبرع بالدم أثناء الصيام سؤال: إذا تبرع الإنسان من دمه وهو صائم هل يؤثر ذلك على صيامه، وما رأيكم في الحقنة التي ليست للتغذية بالنسبة للصائم، هل هي

التبرع بالدم أثناء الصيام

في حقه من مباحات الصيام أم أنها من مبطلاته؟ أفيدونا في ذلك أثابكم الله. الجواب: أما بالنسبة لسحب الدم من الصائم، فهذا يفطر الصائم إذا كان كثيرًا، فإذا سحب منه دم للتبرع به لبنك الدم مثلًا، أو لإسعاف مريض يحتاج إلى إسعاف بدم، وسحب من الصائم كمية من دمه، فإن ذلك يؤثر ويبطل صيامه كالحجامة، فالحجامة ثبت بالنص، والنص الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية كثير من الصحابة أن الحجامة تفطر الصائم، وكذلك مثلها سحب الدم، إذا كان بكمية كثيرة، فإنه يفسد الصيام. أما قضية الحقن التي تحقن جسم الصائم، وهي الإبر، فهذه إن كانت من الإبر المغذية فلا شك أنها تفطر الصائم، لأنها تقوم مقام الأكل والشرب في تنشيط الجسم وتغذيته، فهي تأخذ حكم الطعام والشراب، وكذلك إذا كانت من الإبر غير المغذية والتي تؤخذ للدواء والمعالجة وأخذت عن طريق العرق، طريق الوريد، فهذه أيضًا تفطر الصائم، لأنها تسير مع الدم، وتصل إلى الجوف ويكون لها تأثير على الجسم كتأثير الطعام والشراب، كما لو أنه ابتلع الحبوب عن طريق الفم، فإنها تبطل صيامه، فكذلك إذا أخذ الدواء عن طريق الحقن، فإن هذا أيضًا يؤثر على صيامه. أما الحقن التي تؤخذ في العضل ولا تؤخذ في الوريد، وليست مغذية، فهذه رخص فيها بعض العلماء لكن الذي أراه أنها تأخذ حكم بقية الإبر، لأن لها تأثيرًا على الجسم ولها مفعول في الجسم، فهي كما لو أخذ الدواء عن طريق الدم، لا فرق بين أخذ الدواء عن طريق العضل

وأخذه عن طريق الفم، لأن كلًّا ينفذ إلى الجسم، ويصل إلى أعضاء الجسم، ويجد لها تأثيرًا وتنشيطًا في جسمه، هذا من المفطرات. فالأولى بالصائم أن لا يتساهل في هذه الأمور، وإذا كان مريضًا ويحتاج إلى أخذ الأدوية والحقن، فإنه يأخذها لأنه مريض، ورخص الله للمريض بأن يفطر، فيأخذها ويقضي هذا اليوم، نظرًا لأنه مريض. أما إذا كان في غنى عنها، ويستطيع أن يؤخرها إلى الليل، فإنه لا يجوز له أن يأخذها في نهار الصيام. *** ابتلاع الصائم بقايا الطعام الذي في الفم سؤال: إذا بقي شيء من طعام بين أسنان الصائم، هل يعتبر ذلك من المفطرات إذا ابتلعها الصائم؟ أفيدوني بارك الله فيكم. الجواب: إذا أصبح الصائم ووجد في أسنانه شيء من مخلفات الطعام، هذا لا يؤثر على صيامه، لكن عليه أن يلفظ هذه المخلفات ويتخلص منها، ولا تؤثر على صيامه، إلا إذا ابتلعها، فإذا ابتلع شيئًا مما تخلف في أسنانه متعمدًا، فإن هذا يفسد صيامه، أما لو ابتلعه جاهلًا أو ناسيًا، هذا لا يؤثر على صيامه، وينبغي للمسلم أن يحرص على نظافة فمه وأسنانه بعد الطعام، سواءً في حالة الصيام أو غيره، لأن النظافة مطلوبة للمسلم. ***

التكحل في نهار رمضان

التكحل في نهار رمضان سؤال: هل التكحل من قطرة العين يؤثر على الصائم، وما هي الأشياء التي يجب أن يبتعد عنها الصائم حتى لا يؤثر على صيامه، أفيدوني بارك الله فيكم؟ الجواب: الذي يوضع في العين، من قطور أو كحل، هذا إذا وجد طعمه في حلقه، فإنه يفطر بذلك، عند كثير من أهل العلم، لأن العين منفذ، فإذا وصل طعم هذا الذي وضعه فيها من سائل أو جامد، إلى حلقه، وأحس بطعمه، وكان متعمدًا لوضعه في عينه، فإنه حينئذ يكون قد أثر على صيامه لأنه يشبه ما لو أكل شيئًا، أو شرب شيئًا ووصل إلى حلقه، فلا ينبغي للمسلم أن يتساهل في هذا الأمر، وإذا كان معتادًا للاكتحال، أو معتادًا لمداواة العين فليجعل ذلك في الليل، أما نهار الصيام فإنه يجب عليه أن يتجنب هذه الأشياء، حفاظًا على صيامه من المؤثرات. فيجب على الصائم أن يبتعد عن أشياء كثيرة، منها أشياء تفسد صيامه، ومنها أشياء تنقص ثوابه، أو تبطل ثوابه ولا تفسد الصيام، بمعنى أنه يلزمه القضاء فيها. أما التي تفسد الصيام ويلزمه الابتعاد عنها: مثل الأكل والشرب متعمدًا، ومثل الجماع، وكذلك ما في حكم الأكل والشرب، وتعاطي الأدوية والإبر التي تصل إلى جوفه وتسير في عروقه، فإن هذا في حكم الأكل والشرب، يفسد صيامه. كذلك التقيؤ والاستفراغ متعمدًا.

وكذلك مما يفسد الصيام: استخراج الدم الكثير بالحجامة، أو الفصد، أو سحب الدم للتبرع به أو لإسعاف مريض، فهذا أيضًا مما يفسد الصيام، ويلزم القضاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم» ، فهذه أمور إذا تعاطاها الإنسان، فإنها تفسد صيامه، ويلزمه قضاء ذلك اليوم الذي أفسده بها. وهناك أشياء محرمة على الصائم وتنقص ثوابه أو تبطل ثوابه، لكنه لا يؤمر بالقضاء: مثل الغيبة والنميمة وقول الزور، والشتم والكذب، وغير ذلك من الأمور المحرمة. كذلك النظر المحرم، واستماع الأشياء المحرمة كسماع الملاهي والأغاني والمزامير وغير ذلك، كل هذا مما يؤثر على الصيام، بمعنى أنه ينقص ثواب الصائم أو أنه يبطل ثواب الصائم ولكنه لا يؤمر بالقضاء لأن هذه المفطرات معنوية، وليست مفطرات حسية. *** الاحتلام في نهار الصيام سؤال: ما حكم من احتلم في نهار الصيام؟ وهل يؤثر ذلك على صحيحة صيامه أم لا؟ الجواب: من احتلم في نهار الصيام، فإنه يجب عليه أن يغتسل، وأما صيامه فإنه صحيح، لأن الاحتلام بغير اختياره وبغير قصده فهو جرى

الاحتلام في نهار الصيام

عليه بغير اختياره فلا يؤثر على صيامه. صيامه صحيح لا غبار عليه، لكن الواجب على المسلم إذا احتلم وهو صائم وأنزل، فالواجب عليه أن يغتسل غسل الجنابة. *** القبلة والمباشرة للصائم سؤال: لقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم» . هل القبلة هنا حكمها عام للشيخ والشاب؟ أم أنها خاصة للشيخ فقط؟ وما المقصود بالحديث؟ بارك الله فيكم. الجواب: الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، والمراد بالقبلة معروف. والمراد بالمباشرة: المباشرة بغير الجماع. التي هي اللمس مثلًا، أما الجماع فإنه يبطل الصيام بالنص والإجماع. والنبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، لأنه كان عليه الصلاة والسلام مالكًا لنفسه، وعارفًا بأحكام صيامه عليه الصلاة والسلام، وما يؤثر عليه وما يفسده، أما غيره من الناس، فإنهم لا ينبغي لهم الإقدام على مثل هذه الأمور، الإقدام على القُبلة، والإقدام على مباشرة المرأة باللمس وغيره، لأن ذلك مدعاة لأن يحصل منهم ما يفسد الصوم مع جهلهم وضعف إيمانهم وعدم ضبطهم لأنفسهم، فالأحسن للمسلم أن يتجنب ما يثير شهوته وما يخشى منه من إفساد صيامه.

القبلة والمباشرة للصائم

أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان يفعل ذلك، لأنه عليه الصلاة والسلام كان ضابطًا لنفسه، وكان عليه الصلاة والسلام أتقى الناس لله، وأخشاهم لله، عليه الصلاة والسلام، وهو أدرى بما يحفظ صيامه عليه الصلاة والسلام، فغير الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغي له أن يحتاط، وأن يبتعد عن هذه الأمور في أثناء الصيام، لأنها قد تسبب عليه إفسادًا لصيامه. *** تذوق الطعام والصوم سؤال: تذوق الطعام من قبل المرأة وغيرها هل يفسد الصوم؟ وما حكم مضغ العلك للصائم؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا. الجواب: لا بأس بتذوق الطعام بالفم، فيذوقه في فمه ويلفظه، ولا يبتلع شيء من ذلك، فإن ابتلع شيئًا من ذلك متعمدًا فسد صيامه، أما مجرد أنه يذوقه بفمه ويلفظه، فالفم له حكم الخارج وهو ليس من الجوف، فلا يؤثر هذا على صيامه. كما أنه يتمضمض للوضوء والطهارة ولا يؤثر هذا على صيامه بشرط أن يمج الماء، ويلفظه من فمه كذلك ذوق الطعام يلفظه، ولا يتطعم به في حلقه أو يبتلعه. أما العلك فهو على نوعين: الأول: العلك الذي يتحلل ويتفتت في الفم، وهذا لا يجوز للصائم مضغه لأنه يتسرب إلى الحق ويفسد الصيام. الثاني: العلك القوي الذي لا يتحلل ولا يتفتت في الفم ولا يذوب، وهذا يكره للصائم مضغه والله تعالى أعلم.

التسوك في نهار رمضان

التسوك في نهار رمضان سؤال: ما حكم التسوك في نهار رمضان؟ الجواب: التسوك في نهار رمضان سنة مستحب، لأن السواك من السنن المتأكدة في الصيام وفي غيره، فيستحب للصائم أن يستاك في كل اليوم على الصحيح، ومن أفضل خصال الصائم السواك كما في الحديث، فيستحب للصائم أن يستاك في سائر اليوم. ومن العلماء من يرى أن الرخصة في السواك قبل الزوال، أما بعد الزوال فيمتنع من الاستياك، ويروى في هذا حديث، لكنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والثابت أنه يستاك في كل اليوم، ولا يؤثر هذا على صيامه. ومما ينبغي التنبيه عليه أنه يجب على الصائم أن لا يبتلع شيئًا من فضلات السواك، أو من الفضلات التي يخرجها السواك من لثته وأسنانه، بل يجب عليه أن يلفظ هذه الأشياء ولا يؤثر ذلك على صيامه، وعليه أن ينقي فمه بالمسواك ويطيبه بالمسواك، ويزيل آثار المخلفات التي في فمه، هذا لا بأس به، وهذا مستحب. *** تناول حبوب منع العادة الشهرية في رمضان سؤال: هل يجوز للمرأة أن تتناول الحبوب المانعة للعادة الشهرية حتى تتمكن من صيام رمضان بدون انقطاع؟

تناول حبوب منع العادة الشهرية في رمضان

الجواب: لا مانع من ذلك إذا كانت هذه الحبوب لا تضرها في صحتها، وتمنع الدم، لا بأس أن تأخذها، وما دام أن الدم لم ينزل فصيامها صحيح. *** من يرخص لهم الإفطار في رمضان سؤال: من هم الذين يرخص لهم الإفطار في رمضان؟ الجواب: الذين يرخص لهم بالإفطار في رمضان هم أهل الأعذار الشرعية. أولًا: المسافر سفرًا يجوز فيه قصر الصلاة. ثانيًا: المريض الذي يلحقه مشقة إذا صام، أو يسبب تضاعف المرض عليه، أو تأخر البرء، فهذا يرخص له في الإفطار. ثالثًا: الحائض والنفساء، لا يجوز لهما الصيام في حال الحيض والنفاس، ويحرم عليهما الصيام، لأنهما من أهل الأعذار الشرعية. وكذلك الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أو خافتا على ولديهما، أبيح لهما الإفطار. وكذلك المريض مرضًا مزمنًا لا يرجى له الشفاء في الواقع أو العادة، وكذلك الكبير الهرم، كل هؤلاء من أهل الأعذار، الذين رخص لهم الشارع الإفطار، ومنهم من يؤمر بالقضاء كالمسافر والمريض الذي يرجى شفاؤه والحائض والنفساء، والحامل والمرضع كل هؤلاء يجب عليهم القضاء لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] .

من يرخص لهم الإفطار في رمضان

أما من لا يستطيع القضاء ويعجز عنه عجزًا مستمرًا كالكبير الهرم والمريض المزمن، فهذان ليس عليهما قضاء، وإنما يطعمان عن كل يوم مسكينًا، لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] . فهؤلاء ينتقلون من الصيام إلى الإطعام، وليس عليهم قضاء لأنهما لا يستطيعان القضاء، فهما لا يجب عليهما الصيام لا قضاءً ولا أداءً، وعليهم البدل وهو الإطعام. *** الفطر في السفر سؤال: أيهما أفضل للمسافر الفطر أم الصوم؟ وما الحكم لو نوى المسافر الإقامة في بلد أقل من أربعة أيام، فهل له الفطر والحالة هذه أم لا، أفيدوني بارك الله فيكم؟ الجواب: المسافر سفرًا يباح فيه قصر الصلاة، وهو ما يسمى بسفر القصر، بأن يبلغ ثمانين كيلو فأكثر، فهذا الأفضل له أن يفطر عملًا بالرخصة الشرعية، وإذا صام وهو مسافر، فصومه صحيح ويجزي، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} [البقرة: 185] . فالإفطار في السفر أفضل من الصيام، وإذا صام فلا حرج عليه إن شاء الله، وصيامه مجزئ وصحيح. وأما إذا نوى إقامة أقل من أربعة أيام فإنه له أحكام المسافر، يجوز له الإفطار ويجوز له قصر الصلاة، لأن إقامته إذا كانت أقل من أربعة أيام فإنها لا تخرجه عن حكم المسافر.

الفطر في السفر

أما إذا كانت إقامته التي نواها تزيد عن أربعة أيام، فهذا يأخذ حكم المقيم، فتنقطع في حقه أحكام السفر، ويجب عليه أن يصوم وأن يتم الصلاة، لأن أحكام السفر انقطعت بهذه الإقامة التي تزيد على أربعة أيام، وقد عزم عليها ونواها. *** إفطار الحامل والمرضع سؤال: متى يباح الفطر في رمضان للحامل والمرضع؟ الجواب: يجوز الإفطار للحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما من إضرار الصيام بالولدين، لأنه يمكن أن يضعف الغذاء الذي يتغذى به الولد في بطن أمه فإذا كان الأمر كذلك، فلها أن تفطر وأن تقضي من أيام أخر، وتطعم مع القضاء. أو خافت على نفسها، خافت المرضع والحامل على نفسها من الصيام، لأنها لا تستطيع الصيام وهي حامل ولا تستطيع الصيام وهي مرضع لضعف في نفسها، فهذه تفطر وتقضي من أيام أخر، وليس عليها إطعام، فإذا خافت على نفسها، فعليها القضاء فقط، وإذا خافت على ولدها فقط ولم تخف على نفسها، فعليها القضاء والإطعام، هذا ما يتعلق بالحامل والمرضع متى يفطران. سؤال: هل يقاس على الحامل إذا خافت على ولدها من أفطر مثلًا لإنقاذ غيره، يعني عليه أن يقضي وعليه أيضًا إطعام؟ الجواب: نعم يجوز للإنسان أن يفطر لإنقاذ غيره من مهلكة إذا

إفطار الحامل والمرضع

استدعى الأمر أن يفطر، ولا يتمكن من إنقاذ غيره من المهلكة إلا بالإفطار، فله أن يفطر ويقضي. سؤال: هل عليه كفارة إطعام مع القضاء؟ الجواب: أما الكفارة فلا أجزم فيها بشيء، أما القضاء عليه أن يقضي. *** إفطار المريض سؤال: مريض مصاب بمرض السكر منذ ثلاثة أعوام، وكان يصوم شهر رمضان ولكن بمشقة، فهل يجوز له الإفطار في هذه السنة، وماذا عليه لو أفطر؟ ومع ذلك المرض دائمًا يحس بالجوع والعطش، حتى لو كان الجو معتدلًا؟ الجواب: صيام شهر رمضان هو أحد أركان الإسلام قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] ، إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] . فالمسلم يجب عليه أن يصوم إلا إذا كان معذورًا، فإنه يفطر من أجل العذر الشرعي ويقضي من أيام أخر، والذي يعذر في ترك الصيام في رمضان هو المسافر أو المريض، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، فالمريض يفطر ويقضي الأيام التي أفطرها من أيام أخر إذا تيسر ذلك، وأنت مريض، فلك أن تفطر إذا كان الصيام يشق عليك، أو كان الصيام يزيد في المرض، أو يضاعف المرض، فإنك تفطر عملًا برخصة الله سبحانه وتعالى.

إفطار المريض

ثم إذا قدرت على القضاء في المستقبل، فإنه يجب عليك أن تقضي الأيام التي أفطرتها لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، وإذا كنت لا تقدر على القضاء لكون المرض مزمنًا، ومرضًا لا يرجى شفاؤه، فإنه يتعين عليك أن تطعم عن كل يوم مسكينًا، وذلك بمقدار كيلو ونصف من الطعام تقريبًا، تخرج عن كل يوم كيلو ونصفا من الطعام، هذا إذا كنت لا تقدر على القضاء، لأن المرض مستمر معك، ومرض مزمن، فالمريض مرضًا مزمنًا والشيخ الكبير الهرم، يفطران ويطعمان وليس عليهما قضاء، أما إذا كان بمقدورك أو بانتظارك يمكن أن يزول هذا المرض، أو يخف، أو يكون له وقت في السنة مثلًا يخف عنك وتستطيع الصيام، فإنك تؤجل الصيام إلى ذلك الوقت، أما إذا لم يكن شيء من ذلك، فإنك تطعم عن كل يوم مسكينًا ويكفيك هذا، لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] ، ومنهم المريض الذي لا يرجى شفاء مرضه. *** سؤال: أنا مريض بالسكر وبمرض في المعدة، وبمرض نفسي أيضًا - شفاني الله - ولم أستطع الصيام ولكني أدفع نقودًا ككفارة عنه، فهل يكفي هذا أم علي شيء آخر؟ الجواب: شفاك الله مما أصابك، وأعانك على أداء ما افترض الله عليك، وأما إفطارك من أجل المرض، هذا شيء صحيح، لا حرج فيه، لأن الله سبحانه وتعالى رخص للمريض أن يفطر إذا كان الصيام يشق عليه أو يضاعف عليه المرض، وأمره أن يقضي الأيام التي أفطرها في فترة

أخرى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، هذا إذا كان المرض يرجى زواله أو خفته في بعض الأحيان. أما إذا كان المرض مستمرًا مزمنًا لا يرجى برؤه فإنه يتعين عليه الإطعام لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] ، ومنهم المريض الذي مرضه مزمن. والإطعام لا يكون بالنقود كما ذكرت، وإنما يكون بدفع الطعام الذي هو قوت البلد، بأن تدفع عن كل يوم نصف الصاع من قوت البلد المعتاد، ونصف الصاع يبلغ الكيلو والنصف تقريبًا، فعليك أن تدفع طعامًا من قوت البلد بهذا المقدار الذي ذكرناه عن كل يوم، ولا تدفع النقود، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] ، فنص على الطعام. سؤال: الأيام التي دفع فيها نقودًا؛ هل عليه أن يعيد إخراج الإطعام بدلًا عنها؟ الجواب: إذا كان أفتاه أحد من أهل العلم؛ بذلك، وقنع من فتواه، فلا يلزمه أن يعيد، أما إذا كان عمل هذا من نفسه أو لم يقنع بالفتوى التي أفتي بها، فعليه أن يعيد، وأن يخرج طعامًا. *** سؤال: أصبت في شهر رمضان الماضي ببعض الآلام، ولم أستطع الصيام، فأفطرت وأجبرت زوجتي التي كانت مرافقة لي في فترة العلاج، أجبرتها على الإفطار أيضًا، والآن أود أن أطعم لعدم استطاعتي الصيام،

فهل يجوز لي ما قمت به تجاه زوجتي، وهل يجزئ عني الإطعام، وهل يجوز لي أن أطعم لعدم استطاعتي الصيام، وهل يجوز لي أن أطعم عن زوجتي لأنها مرضعة في الوقت الحاضر؟ الجواب: إفطارك أنت لأجل المرض، هذا شيء مرخص فيه والله تعالى يقول: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، وأما أمرك أو إجبارك لزوجتك على الإفطار فهذا لا أرى له وجهًا، لأنها ليست مريضة، وليست مسافرة، وليست من أهل الأعذار، أنت أخطأت في كونك أجبرتها على الفطر وهي ليست من أهل الأعذار، ولكن ما دام أن الأمر قد حصل فعلى زوجتك القضاء، وإذا كان قد أتى عليها رمضان آخر قبل قضائها من غير عذر، فإن عليها مع القضاء أن تطعم عن كل يوم مسكينًا. وإذا كانت أفطرت لأجل الرضاع، لكون الصيام يضر وبولدها ويقلل اللبن عليه، فالإفطار في هذا صحيح، لأنها تكون من أهل الأعذار، ولا يكون عليها قضاء فقط، بل يكون عليها القضاء مع الإطعام لأنها إذا أفطرت لأجل رضيعها، يكون عليها القضاء مع الإطعام عن كل يوم مسكينًا. *** طهارة الحائض والنفساء سؤال: إذا كانت المرأة حائضًا في رمضان، أو في آخر فترة نفاس وطهرت من ذلك بعد الفجر من أحد أيام رمضان، فهل عليها أن تكمل صيام

طهارة الحائض والنفساء

ذلك الصيام أم لا؟ وماذا عليها أن تفعل لو اغتسلت وبدأت في الصيام ثم ظهر شيء من ذلك بعد انتهاء المدة المعتادة لكل من الحيض والنفاس، هل تقطع صيامها، أم لا يؤثر ذلك عليه؟ الجواب: أما بالنسبة للنقطة الأولى من السؤال، وهي ما إذا طهرت الحائض في أثناء النهار، أو النفساء طهرت في أثناء النهار، فإنها تغتسل وتصلي، وتمسك بقية يومها، ثم تقضي هذا اليوم في فترة أخرى، هذا الذي يلزمها. وأما النقطة الثانية وهي ما إذا انقطع دمها من الحيض، أو من النفاس ثم اغتسلت، ثم رأت بعد ذلك شيئًا: أما بالنسبة للحائض فإذا تكاملت عادتها وانقطع دمها انقطاعًا كاملًا ثم اغتسلت، ثم رأت بعد ذلك شيئًا، فإنها لا تلتفت إليه، لقول أم عطية رضي الله عنها: «كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا» ، فلا تلتفت إلى ذلك. أما بالنسبة للنفساء، فإذا كانت انقطع دمها قبل تمام الأربعين، ثم اغتسلت، ثم عاد إليها شيء، فإنها تعتبر نفساء، وهذا الذي عاد يعتبر من النفاس، لا يصح مع صوم ولا صلاة، ما دام أنه موجودًا، لأنه عاد في فترة النفاس، أما إذا كانت تكاملت الأربعين، واغتسلت ثم عاد إليها شيء بعد الأربعين، فإنها لا تلتفت إليه إلا إذا صادف أيام عادتها قبل النفاس، فإنه يكون حيضًا. فالحاصل: أن هذا لا بد فيه من تفصيل، إذا كملت عادة الحائض،

واغتسلت، وانقطع دمها واغتسلت ثم رأت شيئًا بعد ذلك، لا تلتفت إليه، وإن كانت عادتها لم تكمل، ورأت طهرًا في أثناء العادة، ثم اغتسلت ثم عاد إليها، فإنها تعتبره حيضًا، لأنه جاءها في أثناء العادة، وكذلك النفساء، إذا كان عاد إليها في فترة الأربعين، فإنه يعتبر نفاسًا، وإن كان عليها شيء بعد تمام الأربعين، فإنها لا تعتبره شيئًا إلا إذا صادف أيام حيضها قبل النفاس، وقبل الحمل. *** الإفطار في نهار رمضان من غير عذر سؤال: في شهر رمضان الماضي حصل أن أفطرت عدة أيام بدون عذر مشروع، فهل يكفي قضائي لها فقط؟ وماذا يلزمني غير ذلك، فإني نادم على ذلك أشد الندم، وعازم إن شاء الله على أن لا أعود لمثل هذا أبدًا؟ الجواب: الإفطار في نهار رمضان من غير عذر خطأ عظيم، وجرم كبير - والعياذ بالله - والواجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، توبة صحيحة ويندم على ما فات، ولا يعود لهذا في المستقبل، ويحافظ على صيامه، ثم عليه مع التوبة أن يقضي الأيام التي تركها. فعليك أن تقضي هذه الأيام التي تركتها بعدما تبت إلى الله سبحانه وتعالى، لعل الله أن يعفو عنك ما سبق. سؤال: ألا يلزمه الإطعام مع القضاء؟ الجواب: إذا كان أتى عليه رمضان آخر قبل أن يصومها من غير عذر فعليه أن يطعم مع القضاء عن كل يوم مسكينًا.

الإفطار في نهار رمضان من غير عذر

سؤال: ما مقدار الإطعام؟ الجواب: يعطى كل مسكين نصف صاع، هذا هو الأحوط، نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد. *** سؤال: قبل حوالي ثماني سنوات تقريبًا أفطرت يومين في رمضان متعمدًا، وبدون عذر، وحتى الآن لم أقض هذين اليومين، ولم أكفر عنهما، فماذا علي أن أفعل الآن؟ الجواب: قد أخطأت في إفطارك في نهار رمضان من غير عذر شرعي، والمسلم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، لا يجوز له أن يفطر في نهار رمضان، من غير عذر شرعي، لأن صيام رمضان أحد أركان الإسلام، والتساهل فيه أو الإفطار من غير عذر شرعي، هذا دليل على ضعف الإيمان ونقص الإيمان، فعليك أن تصوم لله سبحانه وتعالى. وعليك في هذه القضية ثلاثة أمور: الأمر الأول: التوبة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى من هذه المعصية العظيمة. الأمر الثاني: أن تقضي هذين اليومين وتبادر بقضائهما وتفريغ ذمتك من هذا الواجب العظيم الذي تساهلت فيه. والأمر الثالث: أنه أتى عليك رمضان آخر أو أكثر من رمضان ولم تقض هذين اليومين فيجب عليك إطعام مسكين عن كل يوم. ***

العمل الشاق لا يبيح الفطر في رمضان

العمل الشاق لا يبيح الفطر في رمضان سؤال: كنت أعمل في إحدى البلاد العربية، وقد جئت إليها والشهر رمضان ما قبل الماضي في بدايته، وقد صمت الأيام الأولى، لكني عملت عملًا شاقًّا، فأفطرت ما تبقى من أيام رمضان لشدة حاجتي إلى العمل، وقد زاولت أعمالًا أخرى بعد ذلك كلها شاقة، ولم أستطع قضاء الأيام التي أفطرتها حتى جاء رمضان الثاني، وقد صمت الأيام الأولى أيضًا وأفطرت الباقي، وإلى الآن أزاول أعمالًا شاقة فهل علي القضاء والكفارة، أم القضاء فقط؟ أفيدونا أفادكم الله. الجواب: يجب على المسلم أن يهتم بدينه، ولا سيما أركان الإسلام الخمسة، كصيام شهر رمضان، وأن لا يتساهل في ذلك، أو يلتمس المعاذير للتخلص من الصيام، والإفطار في نهار رمضان، والله تعالى إنما أباح الإفطار للمريض وللمسافر، وللمرأة الحائض والنفساء، هؤلاء هم الذين أباح الله لهم الإفطار، كذلك الإفطار للمريض مرضًا مزمنًا، والكبير الهرم، هؤلاء أباح الله لهم الإفطار في نهار رمضان، أما العمل الشاق، فهذا لا يبيح الإفطار. وعلى المسلم أن يكيف عمله حسب ما يستطيع مع الصيام، فيجعل العمل خاضعًا للصيام، ولا يجعل الصيام خاضعًا للعمل، فيصوم رمضان ويعمل العمل الذي يستطيع معه الصيام، ولا يكلف نفسه العمل الذي لا يستطيع أن يصوم معه، والعمل الشاق هذا يتركه في رمضان. أما ما وقع منك، من أنك تركت الصيام لأجل العمل الشاق كما ذكرت، لسنتين هذا يعتبر خطأ منك، كان الواجب عليك أن تسأل قبل أن

تقع في المحذور، أما وقد وقع عليك هذا الشيء فيجب عليك قضاء ما أفطرت، والتوبة والندم على ما فعلت، ويجب عليك مع القضاء عن أيام رمضان الأول أن تطعم عن كل يوم مسكينًا، ومقداره نصف صاع عن كل يوم من الطعام، أما رمضان الموالي فهذا يجب عليك قضاء الأيام الذي أفطرتها منه فقط بدون إطعام والله أعلم. سؤال: هل يلزمه القضاء فورًا قبل حلول رمضان القادم؟ الجواب: يلزمه قبل حلول رمضان القادم لا يجوز له أن يدخل عليه رمضان القادم إلا وقد فرغ ذمته مما سبق مهما استطاع ذلك. *** سؤال: كنت في إحدى الدول العربية وجئت إلى هنا من أجل العمل وجاء رمضان وليس معي شيء من المال، وفي هذه الحالة اضطررت إلى الإفطار والعمل، فهل علي شيء في هذا؟ الجواب: العمل لا يبيح الإفطار في رمضان، لأن الإفطار إنما يجوز للمريض والمسافر والحائض والحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما، أو خافتا على نفسيهما، وكذلك للشيخ الكبير الهرم الذي لا يستطيع الصيام، هؤلاء هم أهل الأعذار الذين يجوز لهم الإفطار ويقضون من أيام أخر إذا كانوا يقدرون على القضاء، أو يطعمون إذا كانوا لا يقدرون على القضاء، أما العمل فإنه لا يبيح الإفطار فالعامل يعمل ويصوم، وإذا كان لا يتوائم العمل مع الصيام، فإنه يترك العمل ويطلب عملًا آخر يتوائم مع الصيام، والأعمال كثيرة. الحاصل: أن العامل لا يجوز له أن يفطر، لأنه حاضر غير مسافر،

ولأنه صحيح غير مريض، ولأنه ليس له عذر شرعي من الأعذار التي رخص الله للصائم أن يفطر من أجلها، فعليه أن يعمل ويصوم، وعليه أن يطلب من الأعمال ما لا يتعارض مع صيامه، والأعمال كثيرة، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3] ، ولا زال المسلمون منذ فرض الله الصيام وهم يعملون ويشتغلون ويصومون، لا يتركون الصيام من أجل العمل، مع العلم أنهم يعملون أعمالًا شاقة ومتعبة ومع هذا لم يرد في تاريخ الإسلام، أو عن السلف الصالح أنهم يفرطون من أجل العمل وهم مقيمون أصحاء والله تعالى أعلم. *** تأخير قضاء الصوم سؤال: إذا دخل رمضان وإنسان عليه قضاء حيث لم يستطع صيام هذا القضاء لمرض ألم به، فما الحكم؟ جزاكم الله عنا خير الجزاء. الجواب: إذا كان على الإنسان قضاء أيام من رمضان سابق، فإنه ينبغي له المبادرة بتفريغ ذمته من هذا الواجب وقضاء هذه الأيام، فإذا تأخر حتى أدركه رمضان الآخر وهو لم يقضها، فهذا إن كان معذورًا في هذه الفترة بين الرمضانين فلم يستطع أن يقضيها، فإنه يقضيها بعد رمضان الجديد، يعني يصوم رمضان الحاضر، وبعده يصوم الأيام التي عليه من رمضان الأول، وليس عليه شيء سوى ذلك لأنه أخره لعذر حتى أدركه رمضان. أما إن كان تأخيره إلى أن أدركه رمضان الجديد من غير عذر بل هو من التكاسل، والتساهل، فهذا يصوم رمضان الجديد، وبعده يقضي الأيام الفائتة من رمضان الماضي، ومع القضاء يطعم عن كل يوم مسكينًا نصف

تأخير قضاء الصوم

صاع من الطعام المقتات في البلد عن كل يوم كفارة لتأخيره القضاء من غير عذر، والله أعلم. *** سؤال: امرأة مستقيمة، تصوم وتصلي كل صلاة في وقتها، ولكنها قبل عدة سنوات أفطرت شهر رمضان بعد تسعة عشر يومًا منه، وذلك بسبب حملها، وبعدها بسنين أو بسنتين لم تصم شهر رمضان كله لنفس السبب وبعدها أيضًا بسنين لم تصم شهر رمضان كله بسبب الولادة ولم تصم ما أفطرت إلى الآن، علمًا بأنها لم تكن تعلم عاقبة ذلك، فماذا عليها أن تفعل؟ وما هي كفارة ذلك؟ الجواب: إذا أفطرت المرأة الحامل خوفًا على نفسها أو على ولدها أو أفطرت من أجل الحيض أو النفاس فهذه أعذار شرعية يباح لها الإفطار من أجلها، لكن يجب عليها القضاء والمبادرة بذلك قبل دخول رمضان الآخر، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . فالواجب على هذه المرأة أن تبادر بالقضاء قبل دخول رمضان الآخر أما وقد تكررت عليها رمضانات وأفطرت من كل شهر منها عدة أيام وأخرت القضاء فقد أخطأت في هذا إلا أن تكون معذورة لا تستطيع القضاء فيما مضى، لكن يجب عليها المبادرة إذا استطاعت بأن تقضي الأيام التي فاتتها وتبدأ بأيام الشهر الأول ثم بأيام الشهر الذي يليه وهكذا بالترتيب، ويلزمها مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم من الأيام التي أخرتها حتى دخل عليها وأدركها رمضان آخر. أما رمضان الأخير الذي لم يحل بينه رمضان جديد فإنه يكفيها

القضاء، أما الرمضانات القديمة التي جاء بعدها رمضان آخر، فإنه يجب عليها مع القضاء الإطعام عن التأخير. سؤال: القضاء لا يشترط فيه التتابع، فهل يجوز أن تقضي وتصوم وتفطر وهكذا؟ الجواب: نعم، لا يشترط التتابع، تصوم وتقضي على حسب استطاعتها، لكن التتابع مع الإمكان أحسن. *** سؤال: والدي أفطر في إحدى السنوات شهر رمضان بسبب عمل شاق كان يمارسه ولم يقضه بعد ذلك إلى أن بلغ عمره الآن تسعين سنة تقريبًا، ومع أنه حريص على الصيام الواجب والتطوع، إلا أنه لم يقض ذلك الشهر، فهل يكفي هذا الصوم تطوعًا عن القضاء، أم لا بد من صيام شهر كامل بنية القضاء، ومع عجزه وكبر سنه الآن، فهل يكفي أن يكفر إن كان لا يستطيع الصيام، وما مقدار الكفارة؟ الجواب: تأخيره القضاء إلى هذا السن خطأ كبير لأن القضاء دين في ذمته، يجب عليه أن يبادر به ويفرغ ذمته منه، أما أن يترك القضاء هذه المدة طويلة، حتى بلغ هذه السن، وصار لا يستطيع الصيام فإنه قد أساء في ذلك وفرط، إلا أن يكون معذورًا شرعيًّا في هذا التأخير. وعلى كل حال، إن كان يستطيع القضاء الآن، وجب عليه أن يقضي هذا الصيام، ومع القضاء يطعم عن كل يوم مسكينًا لأجل التأخير بأن يدفع لكل مسكين نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد، وإذا كان يعجز عن الصيام، فإنه يكفيه الإطعام إذا كان بلغ به السن حدًّا يعجز فيه عن

الصيام، فيكفيه الإطعام عن القضاء، لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] . *** سؤال: ماذا يجب على من أفطر عدة أيام من رمضان لعذر شرعي ومضى عليه عامان دون أن يقضي، وإن لم يكن عند الشخص قدرة على الإطعام فماذا عليه غير ذلك؟ الجواب: من كان عليه قضاء من رمضان، فإنه يجب عليه أن يقضيه قبل دخول رمضان الآخر، فإذا دخل عليه رمضان الآخر، وهو لم يقض من غير عذر منعه من القضاء بل كان هذا بسبب التساهل فإنه يجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينًا عن التأخير مع القضاء، أي يقضي الأيام التي عليه مهما تطاول الزمن، فإن القضاء واجب عليه، ويجب عليه مع ذلك الإطعام عن كل يوم مسكينًا مع التأخير، إلى أن جاء رمضان الآخر، وهو غير معذور في هذا التأخير. وإذا كان لا يستطيع الإطعام في الوقت الحاضر، يبقى في ذمته دينًا لله سبحانه وتعالى حتى يطعم. *** الإطعام بدلًا عن الصيام للمريض مرضًا مزمنًا سؤال: علي صيام شهرين ونصف من رمضان، ولا أستطيع أن أصوم لأنني مصابة بمرض المعدة، وقد استشرت طبيبًا أخصائيًّا فقال لي: لا ينبغي لك الصوم، فماذا علي مع هذه الحالة، أفيدوني شكر الله لكم.

الإطعام بدلا عن الصيام للمريض مرضا مزمنا

الجواب: إذا كنت لا تستطيعين الصيام لا أداءً ولا قضاءً بسبب مرض مزمن، قال الأطباء: إنه يتعذر معه الصوم، أو يشق معه الصوم مشقة غير متحملة، أو يضاعف المرض ويزيد فيه، فإنك يجب عليك أن تطعمي عن كل يوم منه مسكينًا، ويكفي هذا عن الصيام، فإن شافاك الله بعد ذلك وقدرت فإنك تقضين ما فات، وإن استمر هذا فإنه يكفي الإطعام، أن تطعمي عن كل يوم مسكينًا، ومقداره نصف صاع من البر أو غيره، بعدد الأيام. والله أعلم. *** الإطعام لا يشترط فيه تعدد المساكين سؤال: سمعت من برنامج: ((نور على الدرب)) وفي رد على أحد الأسئلة بأن الإطعام يجب أن لا يكون لمسكين واحد بل كل يوم مسكين غير الآخر، وفي رد آخر لإحدى السائلات التي كان عليها قضاء صيام أيام قبل سنوات لأنها كانت نفساء وحاملًا، قال أحد العلماء لها بأنها إن لم يكن لها عذر فإنها تقضي وتطعم ولو جمعتها كلها وأعطتها إلى مسكين واحد فإن ذلك يكفي. وأنا على قضاء منذ سنوات، حيث لم أكن أقضي أيام الحيض فجمعت مقدار الإطعام وأعطيته لمسكين واحد، والله يعلم أن نيتي لم تكن البحث عن الحكم الأسهل ولكن لتعذر وجود مساكين فأعطيته لمسكين واحد، فهل علي شيء في ذلك؟ الجواب: لا أعلم في هذه المسألة أنه يجب تعدد المساكين في الإطعام في القضاء عن الصيام إذا تأخر عن وقته، والله جل وعلا يقول: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] ، وما دام الأمر أنها قد أخرجت الإطعام وأعطته لمسكين واحد فأرجو أن يكون ذلك مجزئًا إن شاء الله. ***

الإطعام لا يشترط فيه تعدد المساكين

سؤال: كفارة الإطعام بدل الصيام لمن لم يستطع صيام الشهر كله، هل يجوز أن يدفعها جملة واحدة لثلاثين مسكينًا في يوم واحد أول الشهر، أو آخره، أو وسطه؟ وهل يجوز دفعها لأقل من ثلاثين مسكينًا؟ وهل يجوز جمع ثلاثين مسكينًا في وليمة طعام غداءً أو عشاءً أو إفطارًا في رمضان، وتكفي؟ الجواب: يجوز دفع الصدقة عن الأيام من رمضان، أو عن أيام رمضان كلها لمن لا يستطيع الصيام لهرم أو غيره، فإنه يجوز أن يدفع كفارة الأيام مقدمًا في أول الشهر، ويجوز أن يؤخرها ويدفعها في آخر الشهر، ويجوز في وسط الشهر، كما أنه يجوز أن يدفعها جملة واحدة، ويجوز أن يدفعها متفرقة ويجوز أن يدفعها لثلاثين، ويجوز أن يدفعها لأقل من ذلك، فالعدد ليس مشترطًا أن يكون ثلاثين، وإنما يدفعها لجملة مساكين، جملة فقراء، أما جمع المساكين على الطعام كأن يصنع طعامًا، مثلًا يكفي لثلاثين يوم، أو عدد الأيام التي أفطرها، ويجمع عليه المساكين، فالجمهور لا يجيزون هذا، لأن المطلوب تمليك المسكين هذا الطعام ليتصرف فيه إن شاء بالأكل، وإن شاء بالبيع، وإن شاء بإهدائه أو غير ذلك. فإعطائه الطعام غير مطبوخ، هذا يكون أنفع له بالتصرف، أما المطبوخ فإنه لا ينتفع به إلا في الأكل، وأجاز بعض العلماء أن يصنع طعامًا عن الكفارة، وأن يدعو المساكين المطلوب دفعها إليهم ليأكلوا. يعيشهم أو يغديهم، بقدر عددهم، أجاز بعض العلماء هذا، ولكن كما ذكرنا، الجمهور على عدم الجواز، والتعليل لأنه لا يتمكن المسكين من الانتفاع

الكامل بهذا الشيء، وإنما ينتفع به في الأكل فهو أضيق انتفاعًا من دفع الطعام غير المطبوخ، والإنسان ينبغي له أن يحتاط في أمر دينه، وعبادته. سؤال: دفع النقود بدل الإطعام في مثل هذه الحالة بقدر صاع الطعام أيا كان، هل يجزئ هذا؟ الجواب: لا، لا يجزئ هذا، لا يجزئ دفع النقود عن الإطعام عن الإفطار في رمضان، لا يجوز دفع النقود، ولا يجوز دفع النقود عن صدقة الفطر، لأن الله نص على الإطعام، قال: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] ، والنبي صلى الله عليه وسلم حدد في صدقة الفطر: «صاعًا من بر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر» إلى آخر الحديث، وفي بعض الروايات: «صاعًا من طعام» ، فإذا نص الرسول صلى الله عليه وسلم على الإطعام، فإنه يجب التقيد به، أما الدراهم والنقود فقد كانت موجودة وقت التشريع، والشارع نص على الطعام، ولو كان دفع النقود جائزًا لبينه للناس لأن تأخير البيان عن الحاجة لا يجوز. سؤال: لو لم يجد عددًا من الفقراء يكفي أو يستحق دفع هذه الصدقة إليهم التي هي مثلًا كفارة، عن الفطر في رمضان، فهل يجوز أن يخرجها خارج البلد التي هو فيها إلى بلد أخرى يتوفر فيها الفقراء؟

الجواب: يدفع للموجودين في البلد قسطهم، ويدفع للفقراء الآخرين الباقي، على أنه كما ذكرنا ما يتعين ثلاثين مسكينًا عن أيام رمضان، إذا حصل على جماعة من الفقراء يدفعها إليهم ولو كانوا دون ثلاثين. سؤال: إنما يجوز أن يخرجها خارج بلده، ولو كانوا أحوج، أو أكثر فقرًا؟ الجواب: نعم يجوز أن ينقلها من بلد إلى بلد أشد حاجة. *** القضاء وصيام عشر من ذي الحجة سؤال: امرأة عليها قضاء بعض أيام من رمضان، وتريد أن تصوم أيام عشر ذي الحجة مع نية القضاء من شهر رمضان، بأن تقول: نويت أن أصوم قضاءً من شهر رمضان مع الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، هل تكون بهذا مأجورة عن الغرضين أم لا؟ الجواب: قضاء رمضان يجب عليها غير متقيد بعشر ذي الحجة، ويجب عليها أن تقضي هذه الأيام التي عليها من أي شهر من شهور السنة، ولا تؤخرها إلى عشر ذي الحجة لقصد أن تحصل على أجر صيام عشر ذي الحجة، وإذا كان عندها رغبة في صيام عشر ذي الحجة، فإنها تقدم صور القضاء أولًا، قبل دخول عشر ذي الحجة، حتى إذا جاء عشر ذي الحجة تكون قد فرغت ذمتها من القضاء، وتصوم عشر ذي الحجة تطوعًا. ***

الصوم عن المتوفى

الصوم عن المتوفى سؤال: والدتي توفيت وعليها صيام شهر لم تستطع أداءه، فبعد أن توفيت صام ابنها عنها ثلاثين يومًا متقطعة، فهل يجوز هذا؟ وهل يلزم شيء آخر غير الصيام؟ الجواب: هذا فيه تفصيل: إذا كانت أمكم تركت الصيام للمرض، ولم تستطع قضاءه حتى ماتت؛ فليس عليها شيء. أما إذا كانت شفيت من المرض، وتمكنت من القضاء، ولكنها تكاسلت حتى أتى عليها شهر رمضان آخر، وتوفيت ولم تقضه فإن عليها الإطعام، أن يطعم عنها كل يوم مسكينًا، وإذا صام عنها وليها مع الإطعام فلا بأس بذلك. لكن الإطعام متعين، لا يغني عنه الصيام لا بد من الإطعام عن كل يوم مسكينًا، لكل مسكين نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد، وإن صام عنها وليها مع الإطعام لا بأس بذلك إن شاء الله. *** سؤال: والدي متوفى وكان قبل وفاته مريضًا مرضًا شديدًا منعه من صيام رمضان الماضي، فهل يجوز لي أن أصوم قضاءً عنه؟ أم يلزمني شيء آخر؟ وما هو؟ الجواب: أولًا: إذا كان والدك ترك الصيام لعذر المرض، واستمر به المرض إلى أن توفي، فلا شيء عليه، لأنه أفطر لعذر ولم يستطع القضاء حتى مات فهذا لا شيء عليه.

ثانيًا: إذا كان شفي من مرضه ومر عليه وقت يستطيع القضاء، ولم يقض حتى دخل عليه رمضان آخر، والأيام التي أفطرها في ذمته، ثم مات بعد رمضان آخر، فإنه يجب أن يطعم عنه، عن كل يوم مسكينًا من تركته إذا كان له تركة، لأن هذا دين لله سبحانه وتعالى، بأن يطعم عن كل يوم مسكين، يعني يدفع له عن كل يوم نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد. أما أن يصوم عنه أحد، فالصيام الواجب في أصل الشرع لا يصوم أحد عن أحد، وإنما هذا في النذر لو كان عليه صيام نذر، فإنه يصوم عنه وليه كما ورد في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته، أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم. قال: فصومي عن أمك» ، لأن النذر هو الذي ألزمه نفسه، فهو لم يجب بأصل الشرع. أما صوم رمضان، فهذا ركن من أركان الإسلام، وهو واجب في أصل الشرع، لا يصوم أحد عن أحد، كما أنه لا يصلي أحد عن أحد. *** سؤال: أبي أفطر في شهر رمضان وكان عمره يناهز السبعين تقريبًا وعليه دين ولم يرد هذا الدين الذي عليه، وذلك لمرضه وتوفي رحمه الله، فما الذي يجب أن نفعله؟ أفيدونا مشكورين.

الجواب: أما من ناحية الصيام، فإذا كان تركه من أجل المرض ولم يتمكن من قضائه حتى مات، فلا شيء عليه لأنه معذور. أما إذا كان قد شفي بعد مرضه واستطاع القضاء، ولكنه تكاسل، وتركه حتى مات فهذا يجب الإطعام عنه، يطعم عنه عن كل يوم مسكينًا بنصف صاع من طعام البلد لكل مسكين عن كل يوم. أما مسألة الدين الذي عليه، فهذا حق باق عليه لغريمه، فإن كان له تركة، فإنه يجب تسديد هذا الدين من تركته، وقضاء ما عليه من تركته، وإن لم يكن له تركة فينبغي لقريبه، أو وليه أن يسدد عنه هذا الدين لتبرئة ذمته، وفكه من رهان الدين، كذلك ينبغي لمن علم بحاله من المسلمين، ولو لم يكن من أقاربه أن يسدد عنه هذا الدين من باب الإحسان وتخليص المسلم من الدين. *** قضاء الحامل سؤال: قبل سنتين وفي شهر رمضان كنت مريضة ولم أستطع الصوم سبعة أيام، وبعدها قمت، وأطعمت عن كل يوم مسكينًا، هل أكتفي بذلك؟ وهل علي قضاء عن تلك الأيام؟ أفيدونا مأجورين. الجواب: نعم يجب عليك القضاء مع الإطعام، فإذا كان إفطارك لأجل الحمل، فعليك أمران، الإطعام والقضاء، والإطعام حصل وأديتيه. بقي القضاء. أما إذا كان إفطارك من أجل صحتك أنتِ، فإن عليكِ القضاء فقط بدون إطعام.

قضاء الحامل

أما أن يسقط القضاء كما ذكرت فهذا غير صحيح، وهو مذهب مردود، وإن نقل عن ابن عباس أو ابن عمر فهو قول مرجوح فيجب على الحامل والمرضع، إذ أفطرتا القضاء بكل حال، أما الإطعام فهذا هو الذي فيه التفصيل، إن كان الإفطار من أجل الحمل فقط، فعليها مع القضاء الإطعام عن كل يوم مسكين، وإن كان الإفطار من أجل صحة الحامل، فإن عليها القضاء فقط. *** ليلة القدر وليلة الإسراء سؤال: ما هو الراجح من أقوال العلماء في تعين ليلة القدر، وهل هي أفضل الليالي على الإطلاق؟ أم لا؟ وما هو رأيكم فيمن قال بتفضيل ليلة الإسراء على ليلة القدر؟ أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب: ليلة القدر ليلة عظيمة، نوه الله بشأنها في كتابه الكريم، في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3، 4] ، وفي قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1-5] ، فهي ليلة شرفها الله عز وجل على غيرها، وأخبر أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، أي أفضل من العمل في أكثر من ثلاثة وثمانين عامًا وزيادة أشهر، وهذا فضل عظيم، واختصها بإنزال القرآن فيها، ووصفها بأنها ليلة مباركة، وأنها يقدر فيها ما يجري

ليلة القدر وليلة الإسراء

في العام من الحوادث، وهذه مزايا عظيمة لهذه الليلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها طلبًا لليلة القدر، وهي أفضل الليالي لأنه لم يرد في ليلة من الليالي ما ورد في فضلها، والتنويه بشأنها، فهي أفضل الليالي لما تشتمل عليه من هذه المزايا العظيمة، وهذا من رحمة الله تعالى لهذه الأمة وإحسانه إليها حيث خصها بهذه الليلة العظيمة. وأما المفاضلة بينها وبين ليلة الإسراء فبين يدي الآن سؤال وجوابه لشيخ الإسلام ابن تيمية، حيث سئل رحمه الله عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل، فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة فحظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي اختص ليلة المعراج منها أكمل من حظه في ليلة القدر، وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج، وإن كان لهم فيها أعظم حظ، لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسري به صلى الله عليه وسلم. هذا ما أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة. وللإمام العلامة ابن القيم كلام في هذا الموضوع، يوافق كلام شيخه، بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم وليلة القدر أفضل في حق الأمة. ومما يجب التنبيه عليه، أن الله سبحانه وتعالى شرع لنا في ليلة القدر من التعبد والتقرب إليه ما لم يشرعه في ليلة الإسراء، فليلة الإسراء لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد فيها أو يخصها بقيام أو ذكر، وإنما كان يخص ليلة القدر لفضلها ومكانتها. وأيضًا ليلة الإسراء لم يثبت في أي شهر هي أو في أي ليلة من الشهر

هي، مما يدل على أن العلم بها وتحديدها ليس لنا فيه مصلحة خلاف ليلة القدر فإن الله أخبر أنها في رمضان، لأن الله تعالى قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] ، ثم قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ، فدل على أن ليلة القدر في شهر رمضان، فإن كانت لا تتعين في ليلة معينة من رمضان إلا أنه يترجح أنها في العشر الأواخر منه، وفي ليلة سبع وعشرين آكد الليالي عند الإمام أحمد وجماعة من الأئمة، وللعلماء في تحريها اجتهادات ومذاهب، ولكن هي في شهر رمضان قطعًا، فمن صام شهر رمضان وقام ما تيسر له من لياليه، فلا شك أنها قد مرت به ليلة القدر، ولا شك أن من شهد ليلة القدر له من الأجر بحسب نيته واجتهاده وتوفيق الله له. فليلة القدر لها ميزة، لأنه شرع لنا فيها الاجتهاد في العبادة، والدعاء، والذكر، وتحريها بخلاف ليلة الإسراء، فهذه لم يطلب منا أن نتحراها، ولا أن نخصها بشيء من العبادات، وبهذا يظهر أن هؤلاء الذين يحتفلون بليلة الإسراء والمعراج أنهم مبتدعة، جاؤا بما لم يشرعه الله، ولم يشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحتفل كل سنة بمرور ليلة من الليالي يقول: إن هذه هي ليلة الإسراء، وليلة المعراج، كما كان يفعله هؤلاء المخرفون المبتدعة الذين اتخذوا دينهم طقوسًا ومناسبات بدعية، وتركوا السنن وتركوا الشرائع الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا مما يجب الانتباه له، وبيانه للناس، وأن الله شرع لنا الاجتهاد في ليلة القدر، وتحريها، والتقرب إليه فيها كل سنة؛ بخلاف ليلة الإسراء والمعراج، فلم يشرع لنا أن نتحراها، ولا أن نخصها بشيء، وأيضًا هي لم تبين لنا في

أي شهر أو في أي ليلة، بخلاف ليلة القدر فإنها في رمضان بلا شك، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. *** صلاة التراويح سؤال: هل صلاة التراويح سنة أم واجب وكيف كان الصحابة يؤدونها؟ أفيدوني بارك الله فيكم. الجواب: صلاة التراويح سنة مؤكدة، وليست واجبة فلو تركها الإنسان فلا إثم عليه، لكنه إذا فعلها فإنه ينال خيرًا كثيرًا، وثوابًا جزيلًا لمن صلحت نيته، وخلصت سريرته لله عز وجل لأن صلاة التراويح من أهم الأعمال المشروعة في ليالي رمضان، وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي، في أواخر شهر رمضان ثم تأخر عنهم ولم يخرج إليهم في بقية الليالي، وقد اجتمعوا حتى ضاق بهم المسجد، ثم إنه صلى الله عليه وسلم بين لهم أنه لم يتخلف عنهم إلا أنه خشي أن تفرض عليهم فلا يستطيعونها. وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم استمر الصحابة يصلون صلاة التراويح أوزاعًا في المسجد يصلي الرجل وحده، ويصلي الرجل والرجلان، ويصلي الرجل ومعه الرهط، وهكذا ظلوا على هذا فترة من الزمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان في خلافة عمر رضي الله عنه ورأى أن الصحابة يصلون صلاة التراويح على هذه الهيئة وأنهم ينقسمون إلى جماعات رأى أن يجمعهم على إمام واحد فجمعهم على أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - ومن ذلك الوقت إلى يومنا هذا وصلاة التراويح تؤدي جماعة واحدة في المسجد ولله الحمد والمنة.

صلاة التراويح

فهي سنة مؤكدة، وفعلها في المساجد، وفعلها جماعة أفضل، ولو صلاها وحده، أو صلاها في بيته فلا بأس بذلك ولكن فعلها في المسجد ومع الإمام والجماعة في المسجد يكون أفضل وأتم وأحسن. *** صلاة التراويح وصلاة التهجد سؤال: ما حكم صلاة التراويح وصلاة التهجد وما هو وقت صلاة التهجد، وكم عدد ركعاتها؟ وهل يجوز لمن صلى الوتر بعد الانتهاء من التراويح أن يصلي التهجد، أم لا؟ وهل لا بد من اتصال صلاة التراويح بصلاة العشاء، بأن تكون بعدها مباشرة، أم أنه يجوز لو اتفق الجماعة على تأخيرها بعد صلاة العشاء ثم تفرقوا وتجمعوا مرة أخرى لصلاة التراويح، أم أن ذلك لا يجوز؟ الجواب: أما صلاة التراويح، فإنها سنة مؤكدة، وفعلها بعد صلاة العشاء وراتبتها مباشرة، هذا هو الذي عليه عمل المسلمين، أما تأخيرها كما يقول السائل إلى وقت آخر ثم يأتون إلى المسجد ويصلون التراويح، فهذا خلاف ما كان عليه العمل، والفقهاء يذكرون أنها تفعل بعد صلاة العشاء وراتبتها فلو أنهم أخروها، لا نقول: إن هذا محرم، ولكنه خلاف ما كان عليه العمل، وهي تفعل أول الليل، هذا هو الذي عليه العمل. أما التهجد، فإنه سنة أيضًا، وفيه فضل عظيم وهو قيام الليل، والقيام بعد النوم خصوصًا في ثلث الليل الآخر أو في ثلث الليل بعد نصفه، فهذا في جوف الليل، فهذا فيه فضل عظيم وثواب كبير.

صلاة التراويح وصلاة التهجد

ومن أفضل صلاة التطوع التهجد في الليل، قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6] ، ولو أن الإنسان صلى التراويح وأوتر مع الإمام، ثم قام من الليل وتهجد لا مانع من ذلك، ولا يعيد الوتر، بل يكفيه الوتر الذي أوتره مع الإمام ويتهجد مع الإمام ما يسر الله له، وإن أخر الوتر إلى آخر صلاة الليل لا مانع، ولكن تفوته متابعة الإمام، والأفضل أن يتابع الإمام، وأن يوترا معًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» ، فيتابع الإمام ويوتر معه، ولا يمنع هذا أن يقوم من آخر الليل فيتهجد. سؤال: والحديث الذي يقول: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا» هل يتعارض مع الحديث السابق؟ الجواب: لا يتعارض هذا، مع قوله صلى الله عليه وسلم: «من قام مع الإمام حتى ينصرف» ، هذا يكون خاص بمن لم يصل مع الإمام التراويح. *** زكاة الفطر سؤال: نرى بعض من يأخذون زكاة الفطر يجمعون الزكوات في جهة، ويقومون ببيعها في جهة أخرى، فهل يجوز إعطاء هؤلاء؟ وهل يجوز الشراء منهم؟ إذا تأكدنا أن ما جمعوه من زكوات الناس؟

زكاة الفطر

الجواب: يجب على الإنسان أن يتأكد من حاجة الفقير المدفوع له زكاة الفطر، ويتأكد من استحقاقه لها، فإذا ظهر له أن هذا الشخص يحتاج إلى الصدقة فإنه يدفعها إليه، وليس مسؤولًا عن تصرف الشخص فيها. الشخص الذي يأخذها له أن يبيعها وله أن يهبها، وله أن يأكلها، وله أن يخرجها عن نفسه صدقة عنه، فالدافع غير مسؤول ما دام أن الشخص الذي أخذ مستحق لها، ويغلب على ظن الدافع ذلك، أما إذا علم أنه لا يستحقها، وأنه غني، فلا يجوز دفعها إليه، وتعرض الآخذين في الشارع وسؤالهم لها، دليل على حاجتهم، ولكن ينبغي للدافع أن يتأكد، وإذا علم أن هناك من هو أشد حاجة منهم، فينبغي أن يدفعها لمن هو أشد حاجة منه. أما شراؤها من بائعها، فلا يجوز للمتصدق، صدقة الفطر ولا غيرها أن يشتري الزكاة، لا زكاة المال، ولا صدقة الفطر، ولا غيرها من الصدقات إذا تصدق الإنسان بشيء؛ فإنه لا يجوز له أن يشتريه، وأن يسترده. سؤال: ربما كان السائل يقصد أنه إذا رأى هذا المحتاج يأخذ الزكاة من مكان ويذهب يبيعها في مكان آخر، هل يجوز له أن يشتري منه ليزكي هو أيضًا؟ الجواب: لا يشتري منه صدقته التي دفعها هو إليه، أما أن يشتري منه صدقات الآخرين، فلا مانع، هذا جائز.

سؤال: بالنسبة لزكاة الفطر، حينما نشتريها من الباعة، نجد الكثير من المحتاجين يجلسون طالبين لهم فنقوم بتوزيعها عليهم، ولكن لا يأخذ بعضهم صاعًا كاملًا فهل يشترط ألا يقل إطعام المسكين الواحد عن الصاع؟ أم يجوز ولو قل عن ذلك؟ الجواب: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من البر ونحوه من الطعام، ويجوز أن يدفع المسلم الصاع لشخص واحد أو لعدة أشخاص، المهم أن يكون من الدافع صاع كامل، أما المدفوع له فلا مانع أن يشترك عدة أشخاص في صدقة شخص واحد. *** أفضل الصيام بعد رمضان سؤال: ما أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان؟ الجواب: أفضل الصيام بعد رمضان، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان، شهر الله الذي تدعونه المحرم» . وكذلك صيام يوم الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، هذه أيضًا من نوافل الصيام، وصيام يوم عرفة، وصيام يوم عاشوراء، وصيام يوم قبله أو يوم بعده، أيضًا هذه من نوافل الصيام. وورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم صام من شعبان أيضًا، إلا أنه لا يصام كاملًا.

أفضل الصيام بعد رمضان

سؤال: هناك من يخصص شهر رجب بصيام فهل ثبت في ذلك شيء؟ الجواب: شهر رجب لم يثبت فيه شيء من العبادات خاص، لا صيام ولا صلاة ولا عمرة، ولا شيء خاص بشهر رجب، والذين يخصونه بعبادات؛ هؤلاء هم المبتدعة، لأنهم أحدثوا في الدين ما ليس منه؛ فلم يشرع الله ولا رسوله في رجب عبادة خاصة، لا عمرة ولا ذبيحة، ولا قيام ليل خاص، ولا صيامًا من أيام خاصة، وإنما رجب كغيره من الشهور. وشهر المحرم له حرمة، لأنه من الأربعة الأشهر الحرم، أما أن يخص بعبادة دون غيره فهذا من البدع. *** صيام الأيام البيض سؤال: وجدت في كتاب زاد المعاد لابن قيم الجوزية، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم الأيام البيض وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كل شهر. يصومها في السفر وفي الحضر، وفي مكان آخر: وجدت أن أيام التشريق يحرم صومها؛ علمًا بأن آخرها هو الثالث عشر، فكيف نجمع بين هذين القولين؟ الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم حث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، سواءً من أوله، أو من أوسطه، أو من آخره، إلا أن الأفضل أن تكون هذه الثلاثة أيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، هذا هو الأفضل؛ ولو صامها في غير هذه الأيام من أيام الشهر، فلا بأس بذلك؛ ويكون قد أدى المشروع، ويحصل على الأجر إن شاء الله.

صيام الأيام البيض

أما أيام التشريق، فقد ورد النهي عن صيامها لأنها أيام عيد، وأيام أكل، وشرب، وذكر لله عز وجل، فيحرم صيامها، إلا لمن لم يقدر على دم المتعة والقران من الحجاج، فالحاج القارن أو المتمتع يجب عليه الهدي فمن لم يجد الهدي، فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج ولو صادف ذلك أيام التشريق، ففي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى أن تصام أيام التشريق إلا عن دم متعة أو قران» . هذا شيء خاص للنهي عن صيامها في هذه الحالة، أما فيما عدا أيام التشريق فالأفضل أن تصام أيام البيض. سؤال: هل صحيح أن الرسول لم يترك صيام أيام البيض سفرًا ولا حضرًا، أم أنه صوم مستحب؟ الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم تطوعًا ويكثر الصيام، كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، وكان يفطر حتى يقال لا يصوم فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيام التطوع حضرًا وسفراً. أما كونه يلازم أيام البيض، فهذا لا أدري، لا يحضرني الآن شيء فيه. ***

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة

تجب الزكاة في السائمة من بهيمة الأنعام سؤال: هناك مشروع لتربية الأبقار ذات الحليب التي تأكل العلف الذي يحضر لها، ولا ترعى بنفسها بالخلاء، فهل عليها زكاة؟ أم أن الزكاة فقط فيما يحصل من الأرباح السنوية؟ وإذا كان عليها زكاة فكم عددها؟ الجواب: الأبقار التي تتخذ للإنتاج وينفق عليها وتعلف غالب السنة، ليس فيها زكاة بنفسها، لأن الزكاة إنما تجب في السائمة، والسائمة: هي التي ترعى الحول أو أكثره من المباح، أما التي تعلف أكثر الحول، فهذه لا زكاة فيها في أصلها، ولكن إذا حصل من غلتها على مال يبلغ النصاب فأكثر، فإنه يزكي بإخراج ربع العشر من غلتها، أو إذا باعها، وحال الحول على ثمنها، فإنه يزكى بإخراج ربع العشر منه. سؤال: إذا كانت للإتجار، فهل تعتبر عروض تجارة في هذه الحالة؟ الجواب: إذا كان يربيها ويبيع منها، فهذه عروض تجارة. سؤال: هل يقدر قيمتها ويزكيها على رأس كل حول؟ الجواب: ما باع منها يزكي قيمته، إذا حال عليه الحول، وما بقي منها فإنه عند رأس تمام الحول يقومه، أو تمام الحول على رأس المال الذي اشتراها به، إذا تم لها حول، بناء على رأس المال الذي اشتراها به، فإنه يزكيها بإخراج ربع العشر من قيمتها التي تساويها أنذاك، لا باعتبار بقيمتها التي اشتراها به - القيمة التي تساويها في وقت إخراج الزكاة عند تمام الحول، يقومها في هذا الوقت بما تساوي ويخرج ربع عشر القيمة المقدرة.

سؤال: اشتريت لي ولأخوتي عددًا من الإبل، ومنذ شرائها وهي في حظيرة خاصة بها لا تخرج منها، ونحضر لها ما تأكله من شعير ونحوه، وبعد مضي الحول الأول عليها، أخرجنا زكاتها، وفي الحول الثاني، قيل لنا: إنه ليس عليها زكاة ما دامت تعطى طعامها عندها ولا ترعى بنفسها فهل هذا صحيح، وماذا يجب علينا مستقبلًا؟ الجواب: هذا السؤال فيه تفصيل، فإن كان قصدكم من اقتناء هذه الإبل للتجارة، فهذه فيها زكاة، لأنها تعتبر عروض تجارة، وتكون الزكاة في قيمتها، فتقومونها عند الحول بما تساوي، وتزكونها بإخراج ربع العشر من قيمتها، زكاة قيمة لا زكاة عدد. أما إذا كان الغرض من اقتنائكم لها استنتاج هذه الإبل وطلب نفعها واقتنائها وشرب لبنها فهذه لا زكاة فيها؛ ما دمتم تعلفونها أكثر الحول، وإذا كانت ترعى من البر أكثر الحول ففيها الزكاة. الزكاة فيها إذا بلغت نصابًا، وأقل النصاب خمس وفيه شاة. سؤال: لكن هو يقول: اشتريتها لي ولإخوتي، لكن ألا تكون هنا مالًا مشتركًا بينهم؟ الجواب: إذا كانت سائمة تجب فيها الزكاة ما دامت مختلطة، الخلطة تصيرها كالمال الواحد، وإن كانت لجماعة. ***

زكاة ما سقي بمؤونة

زكاة ما سقي بمؤونة سؤال: ما النسبة التي تخرج للزكاة في الزرع الذي يسقى بالآلات؟ الجواب: الذي يسقى بالآلات فيه نصف العشر، كل ما سقي بمؤونة، بالآلات، أو بالسواني والنضح، يكون فيه نصف العشر. *** زكاة عروض التجارة سؤال: عندي أرض من سنين وعرضتها للبيع ثم قمت ببيعها كالآتي، بعت ثلثي هذه الأرض واستلمت ثمنها على دفعتين، والثلث الآخر بالقسط على ثمانية وعشرين شهرًا، فهل يجب علي الزكاة عنها للأعوام السابقة حتى العام الحالي أم لا؟ الجواب: الزكاة تجب في عروض التجارة، وهي السلع المعروضة للبيع والشراء طلبًا للربح، ومن ذلك الأراضي، فإذا كان عند الإنسان أراض يعرضها للبيع طلبًا للربح من ثمنها، فإنها تصبح بذلك عروض التجارة، فإذا اشترى أرضًا وعرضها للبيع لطلب الربح، فإنها تصبح عرضًا من عروض التجارة، والسائل يسأل عن قطعة أرض اشتراها بنية التجارة، وبقيت عنده مدة سنين، ثم باعها بثمن مقسط على أقساط، فماذا يجب فيه؟ فالذي يجب عليك أن تزكيها لكل السنين التي مضت قبل البيع، وما دمت أنك قد عرضتها للبيع وتريد بيعها كل هذه السنين، فإنها في كل سنة تمر عليها تجب فيها الزكاة، وذلك بأن تقومها بما تساوي، وقت تمام الحول، ثم تخرج ربع العشر من قيمتها

زكاة عروض التجارة

التي قومتها بها حسب ما تساوي في يومها وفي وقتها. فيجب عليك أن تزكيها بعدد السنين التي بقيت في ملكك تنتظر بها الربح، وكذلك يجب عليك أن تزكي قيمتها التي بعتها به، فما قبضته منها فإنك تزكيه إذا حال عليه الحول، وما بقي في ذمة المشتري فإنك تزكيه أيضًا عن كل سنة إذا كان المشتري مليئًا وقادرًا على السداد، أما إذا كان المشتري مفلسًا أو معسرًا ولا تدري هل يتمكن من الوفاء أو لا يتمكن فإنك تزكي ما في ذمته إذا قبضته وحال عليه الحول تزكيه إذا قبضته لسنة واحدة ويكفي هذا إن شاء الله. سؤال: وهكذا من عنده أرض يقبض منها الربح يجب عليه أن يزكيها كل سنة بسنتها، أو لا يزكيها إلا بعد أن يقبض ثمنها؟ الجواب: لا، يزكيها كل سنة، كل سنة تمر وهي معروضة للبيع عليه أن يقدر ثمنها وقت تمام الحول، ثم يزكيها مثل عروض التجارة التي في دكانه وغيرها، هي سلعة من السلع، تقوم بما تساوي وقت حلول الحول وتزكى، سواءً كان هذا التقدير بثمنها الذي اشتراها به، أو أكثر، أو أقل. *** زكاة العقار سؤال: اشترينا ثلاث قطع أراضي إحداها بنية البناء عليها عاجلًا، والقطعتان الأخريان بنية الاستفادة منها مستقبلًا ببيعها أو عمارتها وقد مضى عليها ست سنوات ولم نخرج زكاتها جميعًا، فهل علينا شيء في ذلك؟ وكم يجب أن نخرج؟

زكاة العقار

الجواب: الأراضي التي يشتريها الإنسان لا تخرج عن أحد ثلاثة أنواع: النوع الأول: أن يكون قصده منها السكنى ليعمرها، ويسكنها، أو الزراعة، بأن يزرعها أو يغرسها، فهذه لا زكاة فيها، لأنها أصبحت من حوائجه التي يحتاج إليها، لكن إذا استغلها بالزراعة أو غرس النخيل، فإنه يزكي غلتها من الحبوب والثمار على الوجه المشروع. والنوع الثاني: أن يشتري الأراضي بقصد التجارة وطلب الربح بثمنها وهذه عروض تجارة كالسلع الأخرى، فإذا حال عليها الحول وهي معدة للتجارة، ويتربص بها الربح، فإنه يقومها عند تمام الحول، بأن ينظر كم تساوي عند تمام الحول، ويخرج ربع العشر من قيمتها في الوقت الحاضر، أو يضمها مع أمواله الأخرى، ويخرج زكاة الجميع. والنوع الثالث: أن يريد الأرض التي اشتراها للاستثمار بأن يعمرها دكاكين أو عمارات سكنية للتأجير، فهذه لا زكاة في أصلها، وإنما الزكاة في غلتها، فإذا قبض من ريعها ما يبلغ النصاب وحال عليه الحول، فإنه يزكيه وإن كان دون النصاب، فإنه يضمه إلى ما عنده من المال الآخر ويزكي الجميع. هذه أنواع الأراضي التي بيد الإنسان، وما ذكرت من أنكم اشتريتم أرضين إحداهما للسكنى، هذه عرفنا أنها لا زكاة فيها، والأرض الثانية التي أنت متردد هل تجعلها للسكنى أو تجعلها للبيع، ما دمت مترددًا لم تعزم على أنها تجارية، فإنها لا زكاة فيها، لأنها لا تجب فيها الزكاة إلا إذا عزمت على جعلها للتجارة. ***

سؤال: هناك شخص لديه ثلاث قطع من الأراضي، قطعة منحت له، وقطعة أخرى اشتراها ولكن سوف يتم بيعها، ولا يدري كم مقدار بيعها، والثالثة قد عمل على بنائها، فهل يجب عليه دفع الزكاة عن هذه القطع الثلاث؟ الجواب: أما القطع التي ينويها للتملك والعقار، فهذه لا زكاة فيها، التي سيبني عليها والتي أبقاها بنية البناء ونية العقار، أما الأرض التي نوى بيعها هذه إذا باعها بالفعل، وحال الحول على قيمتها وهي عنده فإنه يزكيها، إنما لا تجب زكاتها حتى يقبض ثمنها، إذا باعها تم العقد، وحال الحول على قيمتها وجبت فيها الزكاة، حتى ولو لم يقبضها، لأنه يملك القيمة بالعقد. *** زكاة الحلي سؤال: كيف تقدر المرأة حليها الذي تريد زكاته، هل بقيمته أن بوزنه، وهل تزكيه ذهبًا من جنسه، أم تخرج نقدًا عنه، وما مقدار النصاب وزكاته؟ الجواب: الحلي إذا كان معدًا للتجارة، أو معدًا لغير الاستعمال والاحتفاظ به مثلًا لغير الاستعمال، فهذا تجب فيه الزكاة قولًا واحدًا، من غير خلاف بين أهل العلم، وزكاته تكون بقيمته إذا كان معدًا للتجارة، والمعروض للبيع تكون بقيمته، فيقوم، ويخرج منه ربع عشر قيمته.

زكاة الحلي

أما إذا كان معدًا ومرصدًا لغير اللبس ولغير التجارة، إنما للاحتفاظ به، فهذا تعتبر الزكاة في وزنه، فإذا بلغ وزنه عشرين مثقالًا وهي أحد عشر جنيهًا سعوديًّا ونصف جنيه تقريبًا، فإنه تجب الزكاة فيه على حسب وزنه ربع العشر، وله أن يخرجها منه، وله أن يخرجها ويصرفها نقودًا من غيره، من الأوراق النقدية أو من الفضة. أما الحلي المعد للاستعمال فهذا فيه خلاف بين أهل العلم هل تجب فيه الزكاة أو لا تجب؟ والصحيح الذي يظهر لي أنه لا زكاة فيه، لأن الحلي مثل الثياب، ومثل الدواب وبهيمة الأنعام التي تتخذ للعمل عليها، أو لتأجيرها أو ما أشبه ذلك، وكذلك تتخذ للركوب، هذه لا زكاة فيها مع أنها من الأموال الزكوية. وإذا كانت للنماء والزيادة تزكى، أما إذا كانت لغير النماء بل للاستعمال، فإنها لا تزكى، بهيمة الأنعام والملابس، وسائر الأمور التي لا تتخذ للنماء والزيادة والاستعمال ومنها الحلي لا تزكى هذا وجه هذا القول. ومن العلماء من ذهب إلى أنه تجب فيه الزكاة، ولو كان معدًّا للاستعمال أو العارية أخذًا بالعمومات التي توجب الزكاة في الذهب والفضة، ولكن هذا في نظري قول مرجوح. ***

سؤال: كم مقدار نصاب الذهب؟ وكم أخرج منه؟ فإني أملك بعض القطع الذهبية من الحلي. وقد مرت عليها ستة دون أن أخرج زكاتها، علمًا أنها ليست معي هنا في المملكة، فهل أخرج عن السنة الماضية والحاضرة، أم عن الحاضرة فقط، وهل أخرجها الآن؟ أم أنتظر حتى أصل إلى بلدي الذي هي فيه؟ الجواب: نصاب الذهب عشرون مثقالًا، وهي بالجنيه السعودي: أحد عشر جنيهًا ونصف جنيه تقريبًا، وأما ما يجب في الذهب فهو ربع العشر. والحلي الذي ذكرت فيه تفصيل، إن كانت اتخذت هذا الحلي للتجارة، أي طلب الربح بثمنه، فإن زكاته تجب في قيمته قليلًا كان أو كثيرًا، فإذا بلغت قيمته نصابًا فأكثر، فإنها تزكيه بإخراج ربع العشر منه، وذلك بأن تقومه وتقدر قيمته على رأس السنة بما يساويه، ثم تخرج ربع العشر منه، لأنه أصبح عروض تجارة. وأما إذا كانت اتخذت هذا الحلي للقنية والإدخار، وهي لا تريده للبس والاستعمال، وإنما تريده للإدخار، فإن زكاته تجب في وزنه إذا بلغ عشرين مثقالًا كما ذكرنا فأكثر، فإنها تخرج منه ربع العشر. وأما إذا كان للاستعمال فهذا موضع خلاف بين أهل العلم على قولين: القول الأول: أنه لا تجب فيه زكاة ويصبح كالثياب والمساكن والمراكب التي يستعملها الإنسان لحاجته، ليس فيها زكاة.

والقول الثاني: أنه تجب فيها زكاة لعموم النصوص الواردة في وجوب الزكاة في الذهب والفضة. والراجح: هو القول الأول أنه لا زكاة في الحلي المعد للاستعمال أو العارية، لأنه يصبح مثل اللباس، ومثل ما يحتاجه الإنسان للاستعمال، فهو مثلًا يستعمل المراكب والملابس، والأواني والأطعمة، وليس في هذا زكاة. كذلك الحلي لأنه من جملة الحاجة، فليس فيه زكاة على هذا القول، وإن أرادت أن تزكيه من باب الاحتياط، فإنها تزكيه باعتبار مال آخر، فإنها تزكيه، فإذا كان هو في نفسه لا يبلغ النصاب ولكن عندها مال آخر فإنها تضمه إليه وتزكيه جميعه. سؤال: ألا يمكن تقدير هذا النصاب بالحرام المتداول حاليًا؟ الجواب: أنا لا أعرف تحرير الجرام المتداول حاليًّا ويمكن سؤال الصاغة عن ذلك، كم يساوي المثقال بالنسبة للجرام. سؤال: إنما ليس من الشرط أن زكاته من جنسه ذهبًا، يعني لو قدرت قيمته وأخرجت عن كل مائة ريال مثلًا ريالين ونصف التي هي ربع العشر فلها ذلك؟ الجواب: إذا عرفت الواجب فيه، فلها أن تخرج زكاته صرفًا من النقود الأخرى. ***

سؤال: أنا أملك من الذهب ما قيمته ألف دينار تقريبًا وأبيع فيه وأشتري، فهل عليه زكاة؟ وما مقدارها؟ وهل أزكيه ذهبًا من جنسه، أم أزكيه نقدًا؟ الجواب: إذا ملك المسلم نصابه من الذهب فأكثر ومقدار النصاب من الذهب عشرون مثقالًا، وهي ما تعادل أحد عشر جنيهًا ونصف جنيه، بالجنيه السعودي، فإذا ملك المسلم هذا المقدار فأكثر، فإنه يجب فيه الزكاة بأن يخرج منه ربع العشر، سواءً أخرجها من نفس الذهب أو أخرجها صرفًا من نقود أخرى، بأن يخرج ما يقابلها من النقود الأخرى في صرفها والله أعلم. *** زكاة الدين سؤال: لي على أحد الأصدقاء دين وأنا بحاجة ماسة لهذا المبلغ، ولكن صديقي معسر، فهل على هذا المبلغ زكاة. ولو طالت هذه المدة لسنين؟ وهل أخرجها في كل سنة أم أجمعها مؤجلة إلى أن أقبضه منه؟ الجواب: الصحيح من أقوال أهل العلم في الدين إذا كان على مفلس أنه يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة، أما السنوات الماضية وهو في ذمة المفلس ليس عليه زكاة، لأنه عرضه لعدم الحصول، فإذا قبضه وجب عليه أن يزكيه لعام واحد. *** سؤال: أنا رجل أعمل بالتجارة منذ سبع سنوات، وفي نهاية كل سنة، كنت أقوم بجرد محتويات المتجر ثم أقوم بإخراج الزكاة، والآن عزمت على

زكاة الدين

ترك هذا العمل، وبقي لي ديون عند بعض الناس، فهل يجوز أن أتركها عندهم، باعتبارها زكاة أم لا؟ أفيدوني بارك الله فيكم. الجواب: ترك الديون، لا يجزئ عن زكاة المال الذي بيدك، المال الذي بيدك لا بد أن تزكيه، وتخرج زكاته منه، أو من غيره، مما تحصل عليه. أما الديون فإن زكاتها فيها، فإذا كانت هذه الديون على أناس موسرين وباذلين فإنه يجب عليك أن تزكيها كل عام، سواءً قبضتها، أو لم تقبضها، أما إذا كانت الديون على معسرين وتخشى أن لا تأتي، ولا تحصل عليها، فإنه لا يجب عليك زكاتها إلا إذا قبضتها، تزكيها لعام واحد. سؤال: لو حصل اتفاق مع هذا الشخص المليء والمدين على أن يزكي هو عن هذا المال، هل يصح هذا؟ الجواب: لا يكفي هذا، بل الذي يزكي ويدفع الزكاة صاحب المال. *** زكاة رواتب الموظفين سؤال: كيف تتم الزكاة على المال المتزايد كل شهر من رواتب الموظف، فقد يحول الحول وتحت يده ما تجب فيه الزكاة، ولكن بعضه لم يحل عليه الحول، فماذا يفعل به؟ الجواب: إذا خصصت شهرًا من السنة تخرج فيه زكاة المتحصل لديك والمجتمع لديك من المال، كشهر رمضان مثلًا، فهذا شيء طيب، تخرج الزكاة عما تحصل لديك، ما كان تم حوله فتكون الزكاة قد أخرجت في

زكاة رواتب الموظفين

وقتها، وما لم يتم حوله، يكون قد عجلت زكاته، وتعجيل الزكاة جائز إذا كان لغرض شرعي وهذا هو الذي لا يسع الناس (خصوصًا الموظفين) إلا العمل به يحدد شهرًا من السنة فيجعله وقتًا لإخراج الزكاة فيه إلى مثله من السنة القادمة والله أعلم. *** زكاة المال المستثمر سؤال: لدي مبلغ من المال قدره سبعة آلاف جنيه مصري، وقد وضعتها في مشروع تجاري استثماري فهل عليه زكاة؟ وما مقدارها، ولمن أعطيها، وهل أزكي أصل المال فقط، أم المال والربح؟ الجواب: المال المستثمر في التجارة تجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب فأكثر، وتجب في ربحه أيضًا، ويكون ربحه تبعًا له، يزكي مع الأصل، فعليك أن تدفع الزكاة من هذا المال إذا حال الحول على أصله وتضيف إليه الربح إن كان، وتخرج الزكاة عن الجميع ربع العشر. أما لمن تدفع الزكاة؟ فأنت تدفعها للذين عينهم الله تعالى في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] . تدفع الزكاة إلى أحد هذه الأصناف الثمانية، تعطيها للفقراء والمساكين، وهم كثير. وتجدهم متوفرين وهم بحاجة إلى ذلك، فتدفع الزكاة إليهم. ***

الخضروات لا زكاة فيها

الخضروات لا زكاة فيها سؤال: الأرض التي كانت تزرع برًّا وشعيرًا وذرة وأصبحت الآن لا تزرع إلا من الخضروات كالطماطم والفاصوليا والباميا وغيرها من أنواع الخضروات، فهل عليها زكاة أم لا، وكذلك الحيوانات إذا بلغت نصابًا مثل الإبل والأغنام والبقر، وأخذنا واحدة على النصاب، وأعطيناها أحد المستحقين أو ذبحناها وفرقنا لحمها للفقراء أو أكلنا نحن منها أو نبيعها ونتصدق بقيمتها فما حكم هذا العمل؟ الجواب: أولًا: الصحيح من قولي العلماء، أن الخضروات ليس فيها زكاة في ذاتها مثل ما يكون في الحبوب والثمار، وإنما تكون الزكاة في قيمتها إذا كان يتحصل لديكم منها قيمة، ويحول عليها الحول، فإن الزكاة تجب في قيمتها، أما هي بذاتها، فالصحيح الذي عليه الجمهور أنها لا زكاة فيها. أما ما ذكرت من الإبل والغنم والبقر، فإنه تجب فيها الزكاة بشروط: أولًا: أن تكون نصابًا. والأمر الثاني: أن يحول عليها الحول. والأمر الثالث: أن تكون اتخذت للدر والنسل، لا للعمل عليها. والأمر الرابع: أن تكون راعية الحول أو أكثره من الكلأ المباح. فإذا توفرت فيها هذه الشروط، وجبت فيها الزكاة، وتخرج إلى الفقراء أو المساكين، ولا يجوز ذبحها وتوزيع لحمها، بل تخرج كما أمر الله سبحانه وتعالى، تخرج للفقراء والمساكين، وإذا كان ولي الأمر أرسل جباة للزكاة، تسلم إليها، فإن لم يكن هناك جباة؛ المسلم يخرجها

ويصرفها للفقراء والمساكين ولا يذبحها ويوزع لحمها، وأعظم من ذلك منكرًا أن يأكل من لحمها كما ذكر، فلا يجوز له أن يذبحها، فضلًا عن أن يأكل من لحمها، لأنها خرجت عن ملكه، لأنها زكاة، والصدقة للفقراء والمساكين ولا يجوز له أن ينتفع بشيء منها، ولا أن يعود عليه شيء منها، لأنها صدقة. حتى الشراء لا يجوز له أن يشتريها إذا بيعت، لأنها صدقته فلا تعود إليه بحال، والله أعلم. *** اختلاف العملة في القرض والزكاة سؤال: إذا كان لي صديق مثلًا في بلد من خارج البلد التي أقيم فيها، واحتجت منه إلى مال فهل يجوز أن آخذ منه بعملة بلدي الذي أنا فيه وأقضيه بعملة بلده هو، وهل فارق العملة يؤثر في دفع الزكاة كأن يكون رصيدي من المال بالدولار مثلًا، وأريد أن أزكيه بعملة أقل قيمة من الدولار، ولو في نفس البلد، فهل يجوز هذا أم لا؟ الجواب: أما قضية القرض وهي أن تقترض من شخص مبلغًا من المال بعملة، ثم تقضيه إياها بعملة أخرى، إذا كان هذا من باب المصارفة، فلا بأس به، فيجوز أن تصرف الدين الذي في ذمتك وتدفع لغريمك ودائنك، أو مقرضك، تدفع إليه من عملة أخرى مصارفة، هذا لا بأس به. سؤال: يعني مع فارق العملة؟ الجواب: إذا كان هناك زيادة في القرض، وكانت هذه الزيادة

اختلاف العملة في القرض والزكاة

مشروطة، فهذا لا يجوز، لأنه يكون من القرض الذي يجر نفعًا، أما إذا كانت هذه الزيادة تبرعًا من المقترض، دون أن يشترطها عليه المقرض، وإنما هو شيء تكرم به المقترض، من باب المكافأة على الإحسان، فهذا لا بأس به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقترض، وكان يزيد في الوفاء ويقول صلى الله عليه وسلم «خيركم أحسنكم قضاءً» . سؤال: لو كان صديقي في مصر وأنا هنا، ودفع إلي مبلغًا من المال بالريال السعودي، وأريد أن أقضيه بالجنيه المصري فما الحكم؟ الجواب: إذا كان بقدر صرفه بالجنيه المصري، سواءً بسواء فلا مانع منه. سؤال: مثلًا الجنيه المصري بأربعة ريالات؟ الجواب: بأي سعر كان، لا بأس بذلك، لأن هذا من باب المصارفة. سؤال: ماذا بالنسبة للزكاة؟ الجواب: أما بالنسبة للزكاة، فزكاة كل مال تجب من جنسه، فزكاة الدراهم دراهم، وزكاة الحبوب من الحبوب، والماشية من الماشية، وهكذا، ويجوز أن تصرف النقود - مثلًا - التي تجب عليك زكاة أن تصرفها بنقود أخرى، لا مانع من ذلك من باب المصارفة، إذا توافرت شروط الصرف، حصل التقابض، ولم يحصل هناك تأخير أو تأجيل، لا مانع من ذلك. سؤال: إنما مثلًا - لا يجوز أن أزكي مثلًا مائة دولار بريالين ونصف، على أساس أنها مائة ريال مثلًا، أقدرها بما تساوي بسعرها في السوق؟

الجواب: إذا وجبت عليك دراهم يجوز أن تخرجها من عملة أخرى بقدر ما تساوي، ويساوي صرفها، وسعرها في السوق في ذلك الوقت. *** التلاعب بالزكاة سؤال: أنا كنت عند أحد رجال الأعمال الأغنياء، فكان إذا أراد توزيع الزكاة، أقدم له أسماء وهمية لكي أحصل على نصيبهم من الزكاة منه وفعلًا يدفع إلي أموالًا لتوزيعها على من أدليت بأسمائهم مع العلم أنه ليس لهم وجود، فأقوم أنا على توزيع شيء منها على بعض الفقراء المستحقين، وآخذ لنفسي ما تبقى، علمًا أنني أعول أسرة وأولادًا، ولكنني أنا الآن نادم على ما حصل مني، فماذا علي أن أفعل لكي تصح توبتي؟ الجواب: أمر الزكاة أمر عظيم، ومسؤولية مهمة لا يجوز التلاعب بها، والاحتيال على أخذها بالصفة التي ذكرتها أيها السائل، من أنك تذكر أسماءً وهمية للمزكي، لتأخذها، ثم توزع هذه الزكاة على من تريد من أشخاص آخرين، وتخص نفسك بقسم منها، والواجب عليك أن توضح الحقيقة للمزكي، وأن تبين له واقع الأمر، بالنسبة لك وبالنسبة لغيرك. أما ما فعلته من هذا الاحتيال فهذا لا يجوز، وهذا من باب الكذب والاحتيال، وقد أسأت في ذلك، ولكن ما دمت أنك قد ندمت على هذا، وأدركت خطأك وتبت إلى الله فنرجو أن الله يتوب عليك فيمحو ما علق بك من الإثم، ولكن إذا كان المال في مقدورك رده إلى المزكي وإخباره بالواقع ليعمدك بدفعه مرة ثانية تعميدًا صحيحًا فهذا أمر واجب، أما إذا كان لا يمكنك استدراك المبلغ وأنه قد انتهى وأنت لا تقدر على

التلاعب بالزكاة

رده إلى المزكي، فنرجو أن يكون قد أخذ مجراه، وأن يكون قد بلغ مبلغه إن شاء الله. والله الموفق. سؤال: ماذا لو استباح صاحب المال في هذا المال وأباحه؟ الجواب: الزكاة ليست حقًّا لصاحب المال. *** قضاء دين الميت من الزكاة سؤال: توفي شخص وعليه دين، ولم يخلف ما يسدد هذا الدين، فهل يجوز قضاء دينه من الزكاة أم لا؟ الجواب: لا شك أن قضاء الدين عن الميت أمر مشروع وفيه إحسان إلى الميت، وفك لرهانه، وإبراءً لذمته، «وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام إذا أتي بالميت ليصلي عليه يسأل: هل عليه دين؟ فإن أخبر أن عليه دينًا تأخر عن الصلاة، وقال: صلوا على صاحبكم،» «وفي بعض المرات تحمل الدين عن الميت بعض الصحابة فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وحث هذا الصحابي على أداء الدين الذي التزم أداءه إلى أن أداه، ودعا له الرسول صلى الله عليه وسلم على عمله هذا، وقال: الآن بردت عليه جلده» ، يعني الميت. فلما وسع الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، صار يتحمل الدين عن الميت الذي ليس له وفاء ويصلي عليه، فدل هذا على مشروعية قضاء الدين عن الميت. أما قضاؤه من الزكاة فمحل خلاف بين أهل العلم، لأن الله سبحانه

قضاء دين الميت من الزكاة

وتعالى، بين مصارف الزكاة للأصناف الثمانية فيقتصر على ما بينه الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز الزيادة عليها، وقضاء الدين عن الميت، لا يدخل فيما يظهر، وهذا أحد القولين لأهل العلم. والقول الثاني: وهو رواية عن أحمد، وقد اختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية، أنه يجوز قضاء الدين عن الميت من الزكاة، ولكن مهما أمكن أن يقضى الدين من غير الزكاة، فإنه أحوط وأحسن، والله أعلم. *** زكاة المال إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول سؤال: أنا أعمل بالعراق ولي راتب شهري، وفي معيشة واحدة مع والدي، يعني: أنا وزوجتي وأولادي، فهل علي زكاة في هذه الحالة أم لا؟ وما مقدارها؟ مع العلم أنني عندي أطفال؟ الجواب: من المعلوم أم من توفر لديه نقود وقد بلغت النصاب وحال عليها الحول أنه تجب فيها الزكاة. سواء كانت متحصلة من راتب، أو غيره، ومقدار الزكاة: ربع العشر. أي: اثنان ونصف في المائة، والله تعالى أعلم. *** سؤال: عندي ومجموعة من النساء مبلغ من المال جمعته لبناء منزل حيث إننا نسكن في منزل بالإيجار السنوي، وليس لنا من يعولنا، فهل يجب علي الزكاة عن هذا المبلغ؟ وكيف يتم إخراجها إن وجبت؟ الجواب: نعم، إذا تجمع لديك دراهم وبلغت النصاب فأكثر وحال

زكاة المال إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول

عليها الحول، وجبت فيها الزكاة، حتى ولو كنت تنوين أن تبني مسكنًا، أو أن تشتري بهن حاجة من الحوائج، فما دام أنها دراهم بلغت النصاب فأكثر وحال عليها الحول وهي في ملكك، فإنها تجب فيها الزكاة. *** صرف الزكاة لفقراء معينين سؤال: أنا أعمل مديرًا بمحلات أحد التجار، وعادته في إخراج الزكاة أن يكون في شهر رمضان، ولكنه كثيرًا ما يكون غائبًا عن البلد فيترك الزكاة عندي مع كشف لأسماء من يريد دفع الزكاة إليهم ويقول لي: إن جاءك أحد من هؤلاء المسجلة أسماؤهم فادفع إليه ما خصصته له، وإن لم يأت فلا تعط أحدًا غيرهم، والذي يحدث أن بعض أولئك لا يحضرون، مما جعل كثيرًا من النقود المخصصة للزكاة تبقى مكنوزة، فما الحكم في هذا العمل وهل يجوز أن يحدد الإنسان الأشخاص الذين سيدفع إليهم الزكاة، أم يتركها لمستحقيها بدون تعيين أسماء؟ الجواب: أنت مؤتمن، يجب عليك أن تنفذ ما قاله لك صاحب الزكاة، فتبقى الزكاة عندك، وإذا جاءك مستحقها الذي عين في الكشف الموجود لديك تدفع إليه حقه، ومن لم يأت تحتفظ بحقه وتسلمه لصاحب المال، فصاحب المال الذي تجب عليه الزكاة هو الذي يتصرف فيما تبقى، إن شاء انتظر به صاحبه المستحق، وإن شاء صرفه إلى غيره من المستحقين، إلا أنه لا ينبغي حبس الزكاة مدة طويلة بل ينبغي المبادرة بإخراجها، ولا ينتظر بها وقتًا آخر إلا إذا دعت إلى هذا ضرورة، كأن يكون هناك محتاج ينتظره، أو وقت حاجة، أو وقت مجاعة، أو مسغبة، فيجوز تأخيرها انتظارًا لهذه الحالات المترقبة.

صرف الزكاة لفقراء معينين

وعلى كل حال أنت مؤتمن، ليس عليك أن تنفذ إلا ما قيل لك، ولا تتصرف بهذه الزكاة من غير تفويض من صاحبها. سؤال: لكن كونه يحدد أسماءً معينة قد يأتي من هو أحق منهم فلا يعطيه شيئًا لأنه خصصها لفلان أليس في هذا محظور؟ الجواب: هذا راجع إليه، إذا كانت الأسماء المحددة من المستحقين فلا حرج عليه في ذلك، أما إذا كانت الأسماء المحددة أصحابها لا يستحقون الزكاة، فلا يجوز له أن يدفعها إلى غير المستحق. وإن كان أصحابها يستحقون، ولكن يوجد من هو أحق منهم فالأولى أن يدفعها للمستحقين لمن هم أكثر حاجة؟ ولكن إعطاءها لأولئك مجزئ. *** دفع الزكاة للأقارب الفقراء سؤال: لدي مجموعة من الإخوة والأخوات الأشقاء، وكل واحد منهم لديه أسرة كبيرة، ولا يملك شيئًا يذكر لتغطية نفقات دراسة أولاده، وأنا أحسن حالًا والحمد لله، هل يجوز لي أن أوزع زكاة مالي عليهم، بشرط أن لا أخبرهم بأن هذا المال هو زكاة مالي، دفعًا للحرج، وخوفًا من أن لا يقبلوا إذا علموا؟ الجواب: دفع الزكاة لمثل هؤلاء جائز، لأنهم في حاجة إلى ذلك ما دام أن دخلهم لا يكفيهم في حاجاتهم الضرورية، دفع الزكاة إليهم مشروع، ولكن لا تدفعها لكل أحد، وإنما تدفعها لوليهم القائم عليهم، الذين ينفق عليهم ويكفلهم.

دفع الزكاة للأقارب الفقراء

وأما من ناحية الإخبار عنها أنها زكاة أو غير زكاة هذا يتبع المصلحة، فإذا كانت المصلحة في عدم إخبارهم فلا تخبرهم وإذا كانت المصلحة في إخبارهم فأخبرهم، المدار على كونهم مستحقين، أو غير مستحقين، فإن كانوا غير مستحقين، لا يجوز لك الدفع إليهم، وإن كانوا مستحقين فإنه يشرع الدفع إليهم، والإخبار وعدم الإخبار، هذا يتبع المصلحة في هذا. *** دفع الزكاة للإخوة والأخوات سؤال: هل يجوز دفع الزكاة إلى الإخوة والأخوات حيث إنهم صغار السن ووالدهم متوفى وليس هناك أي دخل يعيشون منه؟ الجواب: الإخوة والأخوات الفقراء تجب نفقتهم على قريبهم الغني، فإذا كان كما ذكرت أنك غنية وأن إخوتك فقراء وليس لهم مال، ولم يترك لهم والدهم مالًا، فإن نفقتهم تجب عليك، وبالتالي لا يجوز دفع الزكاة إليهم، لأن الواجب أكثر من هذا، وهو الإنفاق عليهم. *** دفع الزكاة للأخ والجد والجدة سؤال: لدي أخ شقيق فقير لا يملك شيئًا من المال، وفي نفس الوقت مريض وأنا الذي أقوم بكفالته ورعايته، فهل يجوز لي إعطاءه زكاة مالي، وهل يجوز لي أن أصرف عليه للعلاج من مال الزكاة؟ وهل يجوز إعطاء الزكاة للجد أو الجدة من الأب أو الأم، علمًا بأنني أنا الذي أعولهم؟ الجواب: هذا يسأل عنه أخيه الفقير، وعن جده وجدته الفقيرين،

دفع الزكاة للأخ والجد والجدة

وهو يقوم بالإنفاق عليهم لفقرهم، وعجزهم، نقول: هذا شيء أوجبه الله عليك لأن نفقه القريب المحتاج تجب على قريبه الغني، ولا يجوز لك أن تعطيهم من الزكاة، لأن نفقتهم واجبة عليك، في مالك، والزكاة لا تدفع وقاية عن النفقة، فهؤلاء الذين تنفق عليهم من أقاربك، أنت الآن تؤدي واجبًا شرعيًّا أوجبه الله عليك، لأن هؤلاء فقراء، وأنت تستطيع الإنفاق عليهم، فدفع الزكاة إليهم لا يجوز. *** تأجيل الزكاة سؤال: أنا سوداني أعمل بدولة قطر، ولي بعض الأغنام بالسودان، وقد مضى على وجودي بقطر أكثر من سنة، فهل يجوز تأجيل الزكاة منها إلى ما بعد رجوعي إلى السودان، علمًا بأنني لم أزكها في السنة الماضية، وأنا موجود هنا في قطر، وبعد رجوعي من السودان هل أنتظر حتى يحول عليها الحول الثاني، وأزكي عن الحولين معًا، أم أعجل الزكاة عن العام المنصرم؟ أرشدونا جزاكم الله خيرًا. الجواب: لا شك أن الزكاة أحد أركان الإسلام، وأنه يجب إخراجها عند تمام الحول مع التمكن من ذلك، وإذا كنت مثلًا تغيب عن مالك كما ذكرت، من أن مالك في السودان وأنت في قطر، فإنه ينبغي لك أن توكل وتنيب من يقوم مقامك في إخراج الزكاة في وقتها، لأن في ذلك مبادرة إلى أداء الواجب، وضمانًا لأداء الحق الذي عليك خشية أن يعرض لك عارض من موت أو نسيان أو غير ذلك، فيتأخر إخراج الواجب أو يتعذر. أما ما ذكرت من أنك إذا ذهبت إلى السودان هل تؤخر إخراج العام

تأجيل الزكاة

الماضي إلى أن يأتي العام القادم وتخرجهما جميعًا أو تعجل، فالمتعين أن تبادر بإخراج الزكاة عن الماضي، وليس هذا تعجيلًا كما عبرت، وإنما هذا إخراج لزكاة تقررت ووجبت عن عام سبق، والتعجيل بمعناه الصحيح، يكون تعجيلًا لزكاة لم يحن وقتها، فأنت يجب عليك حينئذ أن تؤدي الزكاة عن العام الماضي فور وصولك إلى بلدك مع التمكن من ذلك، ولا يجوز لك التأخير إلا لعذر شرعي، لأن في التأخير تفريطًا في إخراجها، وتعرضًا للعوارض المانعة من إخراجها، فعليك بالمبادرة في إخراجها، ولو أنك كما ذكرنا وكلت وأنبت من يقوم بإخراجها في غيبتك ممن تثق به، وتثق بأنه يوصلها إلى مصارفها الشرعية، لكان ذلك أحسن وأبرأ للذمة. وعلى كل حال، فإنه يجب عليك أن تهتم بزكاة مالك وأن تبادر بإخراجها عند وجوبها، وأن لا تتساهل في شأنها، والله تعالى أعلم. *** لا حظ في الزكاة لغني أو قوي مكتسب سؤال: أنا رجل أعمل في التجارة، وكل سنة في شهر رمضان المبارك أزكي ما عندي من مال، وعندي عمال يعملون معي براتب شهري، فهل يجوز لي أن أعطيهم زكاة مالي الذي أخرجه في كل سنة، أم أسلمه إلى جباة الزكاة التابعين للحكومة وهم بدورهم يصرفونه في وجوهه، علمًا أن هؤلاء العمال من الناس المتدينين، حسب ما يتضح لي منهم ومن المحتاجين إلى الزكاة، فهل يجوز أن أدفعها إليهم أم لا، ولو بعثتها بواسطة شيك على أحد المصارف في بلادهم إلى أهلهم، هل يصح ذلك، أم لا بد من إخراجها نقدًا؟

لا حظ في الزكاة لغني أو قوي مكتسب

الجواب: الزكاة أمرها عظيم، وهي قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، والله تعالى بين مصارفها بنفسه، وحددها، وذلك مما يدل على أهميتها ومكانتها في الإسلام. أما ما سألت عنه، من حكم دفعها إلى العمال الذين يعملون لديك، وهم كانوا أهل طاعة وأهل استقامة كما ذكرت، وهم فقراء أيضًا، فالجواب: أن الزكاة لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب، ما دام أن هؤلاء العمال عندهم قدرة على الاكتساب وكسبهم يكفيهم، فلا يجوز دفع الزكاة إليهم، لأن قدرتهم على الاكتساب وتحصيلهم ما يكفيهم باكتسابهم يسد حاجتهم إلى الزكاة، فلا حظ في الزكاة لغني، ولا لقوي مكتسب. أما إذا كان اكتسابهم لا يكفيهم وتلحقهم حاجة، فلا بأس بدفع الزكاة إليهم. وأما ما أشرت إليه من قطع "كتابة" شيك بمبلغ الزكاة إلى أحد المصارف ليسلمها للمستحق فلا مانع من ذلك، لا مانع من أن تحولها بشيك إلى أحد المصارف ليسلمها للمستحق في بلده، والله تعالى أعلم. *** سؤال: هناك شخص يعرف أنه موسر إلا أن موزع الزكاة يخشى من أذاه عليه، فهل يعطيه من الزكاة خوفًا من أذاه أم لا؟ الجواب: الزكاة تصرف في مصارفها التي عينها الله سبحانه وتعالى، ولا تصرف في غيرها، فالغني لا يجوز أن يعطى منها، فما دام أن هذا الشخص الذي ذكرت غني، فلا يجوز أن يعطي من الزكاة، لأنه لا يستحقها، أما إذا أردت أن تكف لسانه وشره فأعطه من غير الزكاة. والله تعالى أعلم.

كتاب الحج والعمرة

كتاب الحج والعمرة

الحكمة من الحج والعمرة سؤال: ما الحكمة في الحج أو العمرة؟ الجواب: الحكمة أن الحج ركن من أركان الإسلام، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلًا» ، وفي حديث جبريل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا» . الحج ركن من أركان الإسلام، لا بد من أدائه على المستطيع، كذلك العمرة، فهي تعبد لله سبحانه وتعالى، فالحج والعمرة عبادة عظيمة لله، وهي عبادة مالية، وعبادة بدنية. *** اختيار الرفقة الصالحة في الحج سؤال: ماذا يجب على إنسان يريد الحج لأول مرة وبماذا تنصحونه؟ الجواب: يجب على الإنسان الذي يريد الحج، ولأول مرة أن يؤدي الحج على الوجه المشروع، وأن يصحب أناسًا من أهل الخير، يعينونه على طاعة الله، ويبصرونه بمناسك الحج إذا كان يجهلها، وهذا يجب على من

اختيار الرفقة الصالحة في الحج

حج أول مرة، وعلى غيره أن يؤدي الحج على الوجه المشروع، ولكن الذي يحج لأول مرة قد يخفى عليه بعض أعمال الحج، أو غالبها، فهو بحاجة لمن يبين له، فيختار من الرفقة من يكون صالحًا لذلك. *** أشهر الحج سؤال: ما معنى قوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] ، والآية التالية: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28] ، وما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة؟» أفتونا مأجورين. الجواب: يقول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] يبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة، الميقات الزماني للحج، وهو الأشهر المعلومات، التي ذكرها الله جل وعلا في هذه الآية، شهر شوال، وشهر ذو القعدة، وعشرة أيام من ذي الحجة، فمن أحرم في هذه الفترة، فقد أحرم في أشهر الحج، وينعقد إحرامه بالحج، لإجماع المسلمين، {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} يعني من أحرم للحج في هذه الأشهر المذكورة، فإنه يجب عليه أن يتجنب الرفث وهو الجماع ودواعيه، لأن ذلك محرم على المحرم. و (الفسوق) : وهو المعاصي، وإن كانت المعاصي محرمة على المؤمن دائمًا، إلا أنه يشتد تحريمها وإثمها في حالة الإحرام.

أشهر الحج

و (الجدال) : وهو المخاصمة، لأن المخاصمة تفضي إلى أمور محظورة، من الأقوال والأفعال، وتوغل الصدور وتشغل عن طاعة الله سبحانه وتعالى، فلهذا نهي عنها، إلا إذا كان الجدال لأجل إحقاق حق، وإبطال باطل، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] ، ويقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] ، أما إذا كان الجدال لغير بيان الحق ودحض الباطل، فإن المسلم منهي عنه، في كل أحواله، ولا سيما في حالة الإحرام. هذا ملخص معنى الآية الكريمة. وأما قوله: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28] فهذا جزء من قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 27، 28] يبين الله سبحانه وتعالى الحكمة في مشروعية الحج، وهي ليشهد المسلمون منافع، أي: ليحضروا هذه المنافع في الحج وهي منافع دينية ومنافع دنيوية، ولم يحدد الله سبحانه وتعالى لأنها كثيرة، وهذا دليل على أن الحج فيه خيرات كثيرة، ومنافع عظيمة للمؤمن في دينه ودنياه. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» فمعناه: أن الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم من أركان الحج، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» ،

لأن الدعاء من أنواع العبادة. وليس معنى ذلك، أن الوقوف بعرفة هو الحج كله، بل هناك أعمال أخرى للحج وأركان وواجبات في الحج وسنن، ولكن هذا من باب بيان أهمية الوقوف بعرفة وأنه هو الركن الأعظم من أركان الحج، والله أعلم. *** سؤال: يقول الله عز وجل في كتابه العزيز في سورة البقرة: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] ، فهل المعنى أنه ممكن قضاء مناسك الحج في أي من هذه الأشهر، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة؟ أما ما هو المعنى الذي تشير إليه الآية؟ أرجو الإفادة عن ذلك، وعن إمكانية الاجتهاد في الشريعة الإسلامية هل لا زال بابه مفتوحًا أم موصدًا؟ الجواب: لو قرأت آخر الآية لوجدت الجواب فيه، لأن الله تعالى يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] ، فمعنى الآية الكريمة: أن من أحرم بالحج بهذه الأشهر، التي هي شوال ذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فإنه ينعقد إحرامه، ويصح إحرامه بالحج. أما مناسك الحج فإنها لا تؤدى إلا في وقتها، في أيام الحج التي أولها يوم عرفة وما بعده من المناسك، إنما الذي يصح في هذه الأشهر بداية من دخول شهر شوال هو الإحرام بالحج، فمن أحرم بالحج في هذه الفترة انعقد إحرامه وصح، هذا هو معنى الآية الكريمة، {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] يعني: من أحرم بالحج، ليس المعنى: من أدى مناسك الحج فيها، لأن مناسك الحج تختص بوقت معين يبدأ من يوم عرفة وما بعده،

وإنما الذي يصح من أعمال الحج في هذه الأشهر هو الإحرام فقط. وأما مسألة باب الاجتهاد وهل هو مفتوح أم لا؟ باب الاجتهاد مفتوح لأهله الذين عندهم المؤهلات التي يستطيعون بها الاجتهاد، ولكنه مغلق كل الإغلاق على من ليس من أهل الاجتهاد، ولا يصلح للاجتهاد، وشروط المجتهد التي ذكر أهل العلم أهمها: أولًا: إحاطته بأدلة الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وما إلى ذلك. ثانيًا: علمه بالناسخ والمنسوخ من الأدلة ومواضع الإجماع، ومواضع الاختلاف. ثالثًا: معرفته بما يصلح للاحتجاج من الأحاديث من حيث الصحة وعدمها. رابعاً: إلمامه باللغة العربية والنحو ووجوه الإعراب. فإذا توفرت هذه الشروط في شخص جاز له الاجتهاد، أما من كان عادمًا لها أو لبعضها، فإنه لا يجوز له الاجتهاد، لأنه غير مؤهل لذلك، فيكون اجتهاده ضررًا عليه وعلى غيره، لأنه ليس من ذوي الاختصاص، وأنت تعلم أن الطبيب إذا كان مؤهلًا وحاذقًا، جاز له أن يعالج المرضى وأن يجري العمليات الدقيقة، أما إذا كان غير مختص فإنه يمنع من ذلك، لأن في تمكينه جناية على أرواح الناس، والأحكام الشرعية، أشد وأهم من ذلك، أهم من الأجسام، وأهم من الحياة، فإذا تدخل فيها من ليس من أهلها، أضر ذلك بالأمة، وأضر ذلك بالشخص الذي دخل في شيء

لا يستطيعه، وهذه المسألة كثيرًا ما تتردد اليوم على ألسنة الناس، يقولون: باب الاجتهاد مفتوح، وأحدهم يقول: باب الاجتهاد مغلق، وما أشبه ذلك، فلا بد من هذا التفصيل، فلا يقال: باب الاجتهاد مفتوح مطلقًا، ولا مغلق مطلقًا، وإنما باب الاجتهاد مفتوح لمن توفرت فيه شروط الاجتهاد، وكان من المختصين، أما من لم يكن كذلك فإنه يغلق أمامه باب الاجتهاد ويجب الأخذ على يده، لكي لا يهلك الأمة باجتهاداته الخاطئة، والله أعلم. *** أعمال الحج سؤال: إذا ارتدى الحاج ملابس الإحرام ونوى الحج والعمرة ما هي الأعمال التي يجب عليه القيام بها، أفيدوني في ذلك مأجورين؟ الجواب: إذا نوى الحج والعمرة معًا فإنه إذا نواهما من بداية الإحرام، أو نوى العمرة أولًا ثم نوى الحج وأدخله عليها، فإنه يكون بذلك قارنًا بين الحج والعمرة، بمعنى أنه أحرم بنسكين معًا أو أحرم بنسك العمرة وأدخل نسك الحج، فصار قارنًا والذي يلزمه من العمل هو أن يبقى على إحرامه، فإذا قدم مكة فإنه يطوف طواف القدوم وهو سنة ثم إن سعى بعده سعي الحج والعمرة مقدمًا، فلا بأس بذلك ثم يبقى على إحرامه، إلى أن يأتي يوم عرفة ويخرج لعرفة ويقف بها، ويؤدي مناسك الحج، بالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي جمرة العقبة، وحلق رأسه، أو تقصيره، ثم طواف الإفاضة والسعي بعده إذا لم يكن سعى

أعمال الحج

بعد طواف القدوم، ويلزمه ذبح هدي، هدي التمتع، لأنه جمع بين نسكين فصار يلزمه الهدي ويلزم القارن أن يبقى في إحرامه، إلى أن يؤدي المناسك يوم العيد، ويكون عليه طواف واحد للحج والعمرة وسعي واحد للحج والعمرة ويكون عليه فدية كما ذكرنا، لأن أعمال القارن كأعمال المفرد، إلا أن القارن إذا نوى حجة وعمرة -يعني نوى نسكين- يلزمه الهدي كما ذكرنا. سؤال: وإذا نوى الحج فقط ماذا يجب عليه؟ الجواب: إذا نوى الحج أيضًا يبقى على إحرامه حتى يؤدي مناسك الحج، بأن يقف بعرفة ويطوف طواف الإفاضة ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق رأسه أو يقصر، ويرمي الجمرة، يؤدي المناسك كاملة، الوقوف والمبيت بمزدلفة ورمي جمرة العقبة وحلق رأسه أو تقصيره وطواف الإفاضة والسعي، لكن المفرد ليس عليه هدي لأنه لم ينو النسكين وإنما نوى نسكًا واحدًا فقط، فليس عليه هدي واجب، والأحسن للقارن والمفرد أن يفسخ نية القرآن ونية الإفراد إلى نية التمتع، فإذا وصل إلى مكة، فإنه يحول إحرامه إلى عمرة، بأن يطوف ويسعى ويقصر من رأسه ويحل من إحرامه، فإذا صار يوم التروية وهو اليوم الثامن أحرم بالحج، وأدى مناسك الحج، ويكون أدى العمرة أولًا، ثم بعد ذلك أدى الحج بعدها، ويكون عليه فدية، هذا هو الأفضل والأكمل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة الذين أحرموا معه ولم يسوقوا الهدي أمرهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، فدل ذلك على استحباب نية فسخ نية الحج إلى العمرة، هذا هو الأفضل والأكمل.

أما لو بقي على إحرامه، على الصفة التي ذكرناها حتى أدى مناسكه، فلا حرج عليه في ذلك، يعني لو بقي على نية القِران أو على نية الإفراد كما ذكرنا وفصلنا؛ فلا حرج عليه في ذلك، إلا أن الأفضل له أن يتحول من نسك القرآن ونسك الإفراد إلى التمتع، هذا هو الأفضل والأكمل. *** الإحرام من جدة سؤال: أنا أعمل سائق سيارة بين المملكة العربية واليمن وقد أديت العمرة عدة مرات، ولكني كنت أحرم من مدينة جدة، فهل علي شيء في ذلك أم لا؟ الجواب: بين النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت التي يحرم منها القادم لأداء الحج أو العمرة، فحدد لأهل اليمن يلمم وهي المسماة بالسعدية، وحدد لأهل نجد قرن المنازل وهو السيل الكبير، وحدد لأهل الشام والمغرب الجحفة وهي قريبة من رابغ، وحدد لأهل المدينة ذا الحليفة وقال عن هذه المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن يريد الحج أو العمرة» ، أي: هذه المواقيت لهذه الجهات ولمن أتى عليها من غير هذه الجهات إذا كان يريد الحج أو العمرة.

الإحرام من جدة

وأما جدة فليست ميقاتًا إلا لأهلها، ولمن أنشأ نية النسك منها، فإذا كنت قادمًا من اليمن بنية العمرة فإنه يتعين عليك أن تحرم بالميقات الذي تمر به بطريقك من هذه المواقيت، ولا تتعداه إلى جدة فإذا تعديته وأحرمت من جدة، وجب عليك دم لأنك تركت واجبًا، هو الإحرام من الميقات الذي مررت به، ومن ترك واجبًا فعليه دم. فما دمت أنك تحرم من جدة وأنت في قدومك من اليمن تنوي العمرة، وتتجاوز الميقات في كل مرة من هذه المرات يكون عليك فدية، وهي ذبح شاة توزعها بمكة على فقراء الحرم، ولا تأكل منها شيئًا، ويكون ذلك جبرانًا لما نقصته من النسك، وعمرتك صحيحة، ولكن تحتاج إلى هذا الجبران الذي ذكرناه، ويتعدد هذا بتعدد العمر التي أحرمت بها من جدة وتجاوزت الميقات. سؤال: لو حصل هذا بأنه مثلًا إنسان قادم بقصد العمرة، وربما لغرض آخر وتعدى الميقات الذي كان يجب أن يحرم منه، فعلم بالحكم قبل أن يبدأ بالعمرة، فما العمل في مثل هذه الحالة؟ الجواب: إن كان أحرم من دون الميقات من بعد ما تجاوزه تقرر عليه الدم ويمضي في نسكه. سؤال: يعني لا تلزمه العودة إلى الميقات مع الدم؟ الجواب: لا تجزيه حتى لو عاد، لا داعى للعودة ما دام أحرم انتهى الأمر فلا يعود، عودته لا تفيده شيئًا، يذبح هذه الفدية ويمضي في نسكه. أما لو تذكر قبل أن يحرم ثم عاد إلى الميقات وأحرم منه فإنه يكون أتى بالواجب ولا شيء عليه.

سؤال: مثل هذا الحكم يسري حتى على القادم بوسيلة الجو بالطائرة، أو قادم من الرياض ويريد العمرة ومر بمدينة جدة لزيارة بعض الأهل أو الأصدقاء ليوم أو يومين، هل يلزمه أن يحرم مما يحاذي الميقات من الجو؟ الجواب: هذا الحكم يشمل القادم من بلده لأداء النسك من بلده الذي هو وراء الميقات لأداء النسك، فإنه يجب عليه أن يحرم من هذا الميقات إذا مر به، أو مر محاذيًا له من الأرض أو من الجو، فإنه لا يتجاوزه إلا بإحرام، فالذي يذهب بالطائرة يتهيأ للإحرام قبل الركوب بما يريد أن يتهيأ به، وإذا حاذى الميقات إما أن يسأل الملاحين، أو هم يعلنون ذلك للناس، أو هو يحتاط ويحرم إذا غلب على ظنه أنه قرب من الميقات، فيحرم من الجو، أما أن يتعداه إلى أن ينزل في مطار جدة، فهذا خطأ، فإذا فعل هذا فيكون عليه دم. سؤال: يعني حتى لو كان سيبقى في جدة ليوم أو ليومين؟ الجواب: ولو كان سيبقى في جدة ليوم أو ليومين، إن أراد أن يبقى في جدة فلو أدى العمرة ثم رجع إلى جدة لأداء عمله، فهذا أحسن، لأن المبادرة بأداء النسك أحسن. سؤال: يعني ما دام ناويًا العمرة فلا يجوز له أن يتعدى الميقات إلا بإحرام؟ الجواب: لا شك في هذا، ثم هو بعد ذلك بالخيار إن شاء بقي في جدة بإحرامه، وإن شاء نزل إلى مكة وعاد إلى جدة لعمله. ***

الأشياء المحرمة على المحرم

الأشياء المحرمة على المحرم سؤال: ما هي الأشياء المحرمة على المحرم بحج أو عمرة؟ الجواب: الأشياء المحرمة على المحرم بحج أو عمرة، يجب على الذكر أن يتجنب لبس المخيط في حالة إحرامه، ويقتصر على لبس الإزار والرداء، ويخلع جميع أنواع المخيطات، عن جسمه، ويحرم على الذكر أيضًا، تغطية رأسه، بملاصق، من عمامة أو غيرها من الملابس التي توضع على الرأس، بل يكون رأسه مكشوفًا طيلة إحرامه. ويحرم على المرأة تغطية وجهها بالبرقع والنقاب، ويديها بالقفازين، ويجب عليها أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب بغير البرقع، وبغير النقاب، بل تغطيه بثوبها، أو بغطاء خاص للوجه غير مخيط، وكذلك تغطي كفيها بثيابها، لكن لا تستخدم القفازين، وهما الجوارب المنسوجة، أو المخيطة على قدر الكفين، فهذا ما تجتنبه المحرمة، غطاء الوجه المخيط له، وغطاء الكفين بالقفازين، وتغطي وجهها وكفيها بغير ذلك وجوبًا عن الرجال غير المحارم. ويحرم على الذكر والأنثى في حالة الإحرام التطيب بجميع أنواع الطيب، كذلك يحرم عليهما إزالة الشعر من الرأس، أو من جميع الجسم، ويحرم على الرجل والمرأة تقليم أظافرهما في حالة الإحرام، ويحرم على الذكر والأنثى في حالة الإحرام الصيد، لقوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] ، ولا يجوز له الاصطياد وهو محرم، أو الإعانة على الاصطياد بقول أو فعل، ويحرم على المحرم ذكرًا أو أنثى

الجماع ودواعيه، ويحرم على المحرم ذكرًا أو أنثى عقد النكاح، كل هذه تحرم على المحرم وهي ما تسمى محظورات الإحرام. *** حج المرأة بدون محرم سؤال: والدتي حجت مع غير محرم لها، وعمرها يتجاوز الستين سنة، فهل حجها هذا صحيح، أم أحج لها، علمًا أنها قد توفيت يرحمها الله؟ الجواب: إذا حجت المرأة مع غير محرم فهي عاصية تأثم بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، للحج أو لغيره. أما الحج في حد ذاته، فهو صحيح إن شاء الله، لكن مع الإثم، ونرجو أن يعفو الله عنها، وحجها صحيح، ولو كانت في هذا السن الذي ذكر، لأن الحديث عام، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، وهذا عام للكبيرة وللصغيرة، وللحج ولغيره، فهي تعتبر في هذا مخطئة وعاصية تأثم على ذلك، أما الحج في حد ذاته فهو صحيح إذا أدته على وجهه المطلوب. أما إذا أراد يتطوع لها بحج آخر فلا مانع من ذلك، وهذا يعتبر من البر بها. *** الحج والدين سؤال: إذا كان على إنسان دين وهو في بلد وصاحب الدين في بلد آخر، ويقول: إنه ليس محتاجًا إليه عاجلًا، وقد أدى هذا المدين الحج قبل أن يقضي ما عليه من دين، فهل حجه صحيح أم لا يصح ممن عليه دين حتى يقضيه؟

الحج والدين

الجواب: قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] ، والذي يستطيع السبيل: هو الذي يملك ما يوصله إلى بيت الله، ويرده إلى بلاده بعد قضاء حوائجه الأصلية، ونفقاته الشرعية، وإذا كان على الإنسان دين ولا يتسع ماله لسداد الدين والحج، فإنه يقدم الدين ويسدد الدين أولًا، ولا يجب عليه الحج في هذه الحالة، لأنه غير مستطيع، لكن ما ذكرت من أنك حججت بالفعل، وأديت الحج فالحج صحيح بحد ذاته، ما دمت أنك قد أديته فهو إن شاء الله صحيح ومجز ولكنك تأثم على تأخير الدين. سؤال: هل يشترط استئذان صاحب الدين في الحج ممن يريد الحج وعليه دين؟ الجواب: نعم، يشترط استئذانه، لأن حقه مقدم ولا بد من استئذانه. *** عمرة وحج من عليه دين سؤال: هل يصح الحج لمن عليه دين وكذلك العمرة؟ وهل تصح العمرة قبل الحج، أو الحج أولًا؟ أفيدونا بذلك مأجورين. الجواب: أما من عليه دين، فهذا يختلف باختلاف أحواله، إذا كان من عليه دين ليس عنده ما يكفي للحج ولسداد الدين، فإنه يقدم سداد الدين، ولا يجوز له أن يحج إلا إذا أذن له صاحب الدين بذلك. أما إذا لم يأذن وليس عنده ما يتسع لوفاء الدين وللحج، فإنه يقدم أداء الدين على الحج، ففي هذه الحالة لا يجب عليه حج، لأن الحج إنما يجب على المستطيع، وهذا غير مستطيع.

عمرة وحج من عليه دين

أما إذا كان في ماله سعة، يتسع للدين والحج، فلا بأس أن يحج لكن أن يوثق للدين، ما يسدده، ويؤمن له من المال ما يسدده، والله تعالى أعلم. وأما سؤاله: هل العمرة يصح فعلها قبل الحج، أو لا بد من تقديم الحج؟ الجواب: لا مانع من تقديم العمرة قبل الحج، فيعتمر قبل الحج، إما عمرة يتمتع بها إلى الحج، أو عمرة يؤديها في أي وقت من السنة، لا مانع من ذلك أن تكون العمرة قبل الحج. *** النيابة في الحج سؤال: حالتي المادية والحمد لله ميسورة، ولذلك فقد جهزت في العام الماضي رجالًا ليحجوا عني وعن والدي، علمًا بأنه سبق وأن حججت ولكني أعتزم الاستمرار في هذا العمل وهو تجهيز ثلاثة رجال للحج عني وعن والدي، فهل في ذلك مانع ديني؟ الجواب: جزاك الله خيرًا، هذا من الحرص على الخير، وما دمت قد أديت فرضك وتريد زيادة نوافل، وتقيم من ينوب عنك وعن والديك في ذلك، فلا مانع من ذلك، النيابة في نفل الحج لا بأس بها، وأما النيابة في فرض الحج، فإنها لا تجوز إلا للعذر وعدم الاستطاعة بالبدن. أما النيابة في النفل فأمرها واسع، فاستمرارك على هذا شيء طيب ونرجو لك القبول إن شاء الله. سؤال: قوله يستمر في ذلك مدى حياته ألا يؤخذ هذا مأخذ النذر؟

النيابة في الحج

الجواب: لا، وهو يسأل، هل الاستمرار فيه شيء؟ لا مانع من ذلك، هذا زيادة خير، ومجرد عزيمته على الاستمرار هذا لا يعتبر نذرًا. لكن لو قال: علي أن أقيم كل سنة ثلاثة رجال يحجون عني، وعن والدي، مثلًا لو تلفظ به هذا يصيره نذرًا، أما مجرد نية وعزم، هذا لا يصيره نذرًا، وإنما هذا يعتبر نية للخير وقصدًا للخير. *** الترتيب في أعمال العمرة سؤال: لقد اعتمرت ولله الحمد أنا وزوجتي سابقًا، ولكنه حصل عندما وصلنا إلى الحرم، طلبت مني زوجتي أن نسعى قبل أن نطوف لأن الوقت كان حارًّا والمسعى مظلل، لكن لم نفعل ذلك، بل قدمنا الطواف على السعي، فما حكم تقديم السعي قبل الطواف، ومن فعل ذلك فماذا عليه أن يفعل؟ الجواب: لا يجوز تقديم السعي على الطواف لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالطواف أولًا ثم سعى بين الصفا والمروة بعدما صلى ركعتين خلف المقام، وقال: «خذوا عني مناسككم» ، فتقديم السعي على الطواف لا يجوز ولو فعله إنسان لم يصح، لأنه يشترط لصحة السعي أن يكون بعد طواف مشروع. سؤال: لو فعله إنسان هل عليه أن يعيده أو يعيد عمرته؟

الترتيب في أعمال العمرة

الجواب: نعم، قلنا أنه لو فعله إنسان لم يصح، لأنه يشترط لصحة السعي، أن يكون بعد طواف مشروع، فلو عكس وبدأ بالسعي ثم بالطواف، لم يصح له إلا الطواف فقط. سؤال: يعني عليه أن يعيد عمرة كاملة صحيحة؟ الجواب: إذا كان فعل هذا وتحلل من عمرته فمعناه أنه ما أدى العمرة، هو باق في إحرامه، لأنه بقي عليه ركن من أركان العمرة، فعليه أن يعيد ملابس الإحرام، ويخلع الملابس المخيطة ويتجنب محظورات الإحرام ويمضي ويأتي بالعمرة التي أحرم بها في الأول، لأنها لا زالت عليه. سؤال: هل عليه أن يذبح فدية؟ الجواب: هذا راجع إلى المحظور إذا كان فعله، فإن كان جامع في هذه الفترة، فيكون عليه فدية، عليه شاة، وتفسد عمرته إذا كان حصل جماع قبل السعي، ويكملها كما ذكرنا، ثم عليه أن يحرم بعمرة قضاء، يقضيها مع ذبح شاة، أو ذبح بدنة على اختلاف بين أهل العلم. منهم من يرى أن عليه بدنة - بالنسبة للجماع - هذا إذا جامع قبل السعي. سؤال: ونحن في المسعى طلب أحد أطفالي أن نذهب به لقضاء الحاجة، فاضطررت أن أخرج به خارج المسعى ثم بعد ذلك عدت لأكمل السعي، فما حكم ذلك؟ الجواب: يشترط لصحة السعي الموالاة بين الأشواط، فإذا قطع السعي وخرج إلى دورة المياه ثم عاد، فإنه يستأنف السعي من جديد، يبدأ من الشوط الأول، لأن الأشواط التي قطعها بطلت بفوات الشرط.

سؤال: ولو قطعها لأداء الصلاة؟ الجواب: أما إذا حانت الصلاة وهو في السعي فإنه يصلي في المسعى يصلي في المسعى ويستأنف الشوط الذي صلى به فقط، أما ما قبله من الأشواط فيبني عليه. سؤال: وإذا صادف وقت الصلاة بعد نهاية شوط كامل؟ الجواب: يصلي ويبدأ الشوط الذي بعده، ولا يذهب إلى المسجد، ما دام أنه في السعي، وأقيمت الصلاة يصلي في المسعى. *** الكلام أثناء الطواف سؤال: هل يؤثر الكلام أثناء الطواف بالبيت بغير الأدعية المشروعة كأن يكون في أمور الدنيا؟ الجواب: الكلام في حال الطواف جائز، لكن الأولى للمسلم الذي يطوف بيت الله تعالى أن يشتغل بالعبادة والذكر والدعاء ولا يشتغل بالكلام، لأن اشتغاله بالكلام خلاف الأولى، لكنه لا يؤثر على صحة الطواف، الكلام المباح لا يؤثر على صحة الطواف، وإن كان خلاف الأولى. *** الموالاة في الطواف سؤال: هل يجوز قطع الطواف لفترة قصيرة ثم استئنافه، كأن يطوف الإنسان خمسة أشواط ثم يستريح قليلًا، ثم يكمل الباقي، أم أنه لا بد من الاستمرار فيه والمتابعة في أشواطه؟

الموالاة في الطواف

الجواب: من المعلوم أن من شروط صحة الطواف الموالاة بين الأشواط وكذلك الاستمرار في الشوط الواحد حتى يكمله، إلا أنه يجوز للعذر أن يقطع الموالاة كما لو أقيمت الصلاة وهو يطوف فإنه يصلي، ثم إذا سلم يوالي بقية أشواط الطواف، ويبني على ما مضى منها، وكذلك لو ضعف في أثناء الشوط واستراح قليلًا ثم واصل، فلا حرج في ذلك إن شاء الله للحاجة. أما إذا قطع الموالاة من غير حاجة، أو مثلًا فصل بين الأشواط، فصلًا طويلًا، فإنه بذلك لا بد من استئناف الطواف من أوله، لأنه أخل بالموالاة من غير عذر. *** طواف الوداع سؤال: كنت مقيمًا في جدة وحججت عدة مرات متتالية، وبين الحجة والأخرى أؤدي العمرة، ولكني لا أطوف طواف الوداع، ولما أردت السفر إلى اليمن، اعتمرت وطفت طواف الوداع، فهل طوافي هذا يجزئ عن مرات الحج السابقة التي حججتها بدون طواف وداع أم يجب علي شيء آخر غير هذا، أفيدوني جزاكم الله خيرًا؟ الجواب: أما بالنسبة للحج فإن طواف الوداع يجب فيه وهو من آخر أعماله لقوله: «أمروا أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض» ، فلو تركه الحاج وخرج من مكة إلى بلده أو موطن إقامته،

طواف الوداع

فإنه يجب عليه فدية إذا لم يرجع من مسافة قريبة، ويؤديه، وقد استمر بخروجه وسفره حتى بلغ مسافة قصر فأكثر، فإنه يجب عليه دم بتركه طواف الوداع، فعلى هذا، إذا كان قصدك أنك تحج عدة مرات وتخرج إلى مقر عملك في جدة بدون أن تودع بعد الحج، فإن عليك فدية عن كل مرة تكون حججتها ولم تطف للوداع فيها، وذلك بأن تذبح شاة وتوزعها على فقراء مكة، فقراء الحرم. أما بالنسبة للعمرة، فالعمرة على الصحيح ليس لها وداع وإنما الوداع من واجبات الحج فقط. *** من مات قبل إكمال العمرة سؤال: أنا من إحدى قرى جيزان وذهبت إلى مكة المكرمة للبحث عن عمل، وفعلًا عملت هناك واستقررت بها وأخذت أهلي معي، وفي البداية لم تكن والدتي معنا، وقد حضرت إلينا لزيارتنا وأخذ عمرة، ولكنها أثناء العمرة وفي المسعى تعثرت في المشي فوقعت على الأرض وأصيبت، فنقلناها إلى المستشفى ولكنها توفيت على إثر ذلك، وقد أتممت عمرتها تلك نيابة عنها، فهل ما فعلته صحيح أم لا؟ كذلك حججت عنها، وقد أديت جميع أركانه وواجباته إلا السعي بعد طواف الإفاضة لم أستطع أداءه لعجزي البدني، فأنا أسير على قدم واحدة، وبدل الأخرى عصًا أتكئ عليها ولم يكن معي من المال ما يكفي لاستئجار عربة، فماذا علي في ذلك؟ الجواب: أما بالنسبة للشق الأول من السؤال وهو أن والدتك ماتت

من مات قبل إكمال العمرة

قبل إكمال مناسك العمرة، وأكملت العمرة عنها، فهذا شيء طيب، وإكمالك عنها ذلك من باب الاحتياط، وإلا لو لم تكمل عنها فإنها تكون قد أدت ما تستطيع وماتت وهي في أثناء العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم في قصة الرجل الذي وقصته راحلته في عرفة، ومات وهو محرم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنه في ثيابه، ونهى عن تغطية رأسه، ونهى عن أن يمس بطيب، وقال عليه الصلاة والسلام: «إنه يبعث يوم القيامة ملبيا» ، فدل على أن المحرم إذا مات فهو في إحرامه إلى أن يبعث، وأنه لا يقضى عنه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة أن يقضوا عنه بقية مناسك الحج، قال: «إنه يبعث يوم القيامة ملبيا» ، فهو باق في إحرامه. ولعل والدتك تكون من هذا القبيل، لأنها ماتت في أثناء النسك، فتبقى على حالتها إلى أن يبعثها الله عز وجل. ولكن لما قضيت عنها بقية المناسك، يكون هذا من باب الاحتياط فجزاك الله خيرًا. وأما بالنسبة للشق الثاني من السؤال، وهو أنك حججت عنها، بعد وفاتها من باب البر بها والإحسان إليها، فهذا شيء تشكر عليه، ونرجو الله - عز وجل - أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال. وأما بالنسبة لترك السعي فهذا غلط، لأنه يجب عليك إتمام المناسك، والسعي ركن من أركان الحج، لا يتم الحج إلا به، فإن كنت أحرمت

مفردًا الحج أو قارنًا بين العمرة والحج وسعيت بعد طواف القدوم، فإنه ليس عليك سعي بعد طواف الإفاضة، يكفي السعي السابق. أما إن كنت متمتعًا، أو كنت قارنًا أو كنت مفردًا ولم تسع بعد طواف القدوم، فإن السعي باق عليك، يجب عليك إكماله، يجب عليك أن تذهب وأن تسعى بين الصفا والمروة، سبعة أشواط بنية سعي الحج، وإذا كان حصل منك مواقعة لزوجتك في هذه المدة، فإنك تذبح شاة دم جبران، توزعه على فقراء مكة. سؤال: في الشق الأول من السؤال وهو كون والدته أصيبت أثناء تأدية العمرة، لو افترضنا أنها لم تمت ولكنها عجزت عن المشي مثلًا أو عن القيام؟ الجواب: يطاف بها محمولة، ولا يجزئ أن يكمل عنها ابنها، لأن حملها غير متعذر، فيطاف بها محمولة أو يسعى بها محمولة وتكمل هي بنفسها. *** ذكاة المرأة سؤال: هل يجوز للمرأة أن تذبح الأضحية عن الرجل إذا لم يكن موجودًا مثلًا؟ الجواب: لا بأس بذكاة المرأة، فالمرأة لا بأس أن تذكي الشاة والبعير وغير ذلك، لها أن تذكي وتؤكل ذبيحتها، سواءً الأضحية أو غير الأضحية، ولكن إذا كانت الأضحية تزكيها نيابة عن الغير فلا بد من إذنه وتوكيله لها، لأنه لا تجوز النيابة عن الغير في ذبح الأضحية إلا بإذنه، سواءً كان النائب رجلًا أو امرأة، لأن الأضحية عبادة والعبادة

ذكاة المرأة

يؤديها الإنسان بنفسه أو يوكل من يؤديها عنه إذا كانت هذه العبادة مما يدخله النيابة. وذبح الأضحية من العبادات التي تدخلها النيابة. *** ذبح الفدية في مكة سؤال: حججت وأديت فريضة الحج كاملة ولكن أنا مصري وعدت إلى العراق وعلي فداء، هل يجوز ذبح الفداء في العراق أم في مصر، علمًا بأنني لم أنزل مصر إلا بعد عيد الأضحى المبارك أفيدونا في ذلك مأجورين؟ الجواب: لا يجوز ذبح الفدية إلا في مكة، لأن مكة هي محل ذبح الهدي، فكل حدود الحرم محل لذبح الهدي لقوله تعالى في الهدي: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] ، وقوله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] ، فمحل الهدي ومحل ذبح الهدي: هو الحرم الشريف، ويوزع على مساكين الحرم إذا كان دم جبران وكفارة لخلل وقع في الحج. وإن كان دم متعة أو قران، فيذبحه في الحرم ويأكل منه، ويتصدق ولا بأس أن يحمل منه إلى بلده. أما هدي الجبران، فهذا يوزع على مساكين الحرم، ولا يأكل منه شيئًا. ***

تكرار العمرة

تكرار العمرة سؤال: بفضل الله وتوفيقه أديت عمرة أحرمت لها من يلملم، وأنا قادم من جنوب المملكة، وبعد قضاء أسبوع في مكة المكرمة، شددت الرحال لزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وعند رجوعي أحرمت من آبار علي في طريقي إلى مكة، وأديت عمرة أخرى، فهل تصح هذه العمرة الثانية، علمًا بأن المدة بين العمرتين لا تزيد عن عشرة أيام، أفيدوني أفادكم الله، وسدد خطاكم. الجواب: لا بأس بما فعلت من تكرار العمرة، ولو كان في وقت متقارب، لأنك لما جئت من المدينة قادمًا إلى مكة ومررت بالميقات، فإنه قد سنحت لك فرصة لأداء العمرة، وخروجًا من الخلاف بين أهل العلم منهم من يوجب على من مر بالميقات وهو يريد مكة، أن لا يتجاوزه إلا بإحرام، فأنت أخذت بالجانب الأحوط وأيضًا استفدت من هذه الفرصة الثمينة، فأحرمت بعمرة وهذا زيادة خير، تؤجر عليه إن شاء الله، وعملك هذا شيء طيب، وتكرار العمرة في مثل هذه الحالة، لا حرج فيه لأنه جاء لمبرر، لأنك لما أردت الدخول إلى مكة ومررت بالميقات فإنه يستحسن لك أن تحرم للعمرة، وقد فعلت والحمد لله. سؤال: لكن كونه أحرم من آبار علي مع العلم أنه أصلًا قادم من جنوب المملكة، ألا يؤثر هذا؟ الجواب: هو لما رجع من المدينة إلى مكة، فيحرم من ميقات أهل المدينة، لأنه يأخذ حكم أهل المدينة، لقوله صلى الله عليه وسلم لما حدد هذه المواقيت قال: «هن لهن ولمن مر عليهن، أو أتى عليهن من غير أهلهن» ، فهو يأخذ

حكم أهل الجهة التي جاء منها. *** تكرار العمرة في وقت متقارب سؤال: إذا أحرمت لأداء العمرة ثم بعد الانتهاء منها أردت أن أؤدي عمرة لأبي وأخرى لعمي، فهل يكفي أن أطوف وأسعى فقط لكل واحد منهما، وذلك بإحرامي الأول الذي عقدته لنفسي من الميقات، أم لا بد من العودة إلى الميقات والإحرام من جديد لكل واحد منهما؟ الجواب: أولًا: تكرار العمرة في وقت متقارب هذا فيه ما فيه من التوقف، وعدم المناسبة، فإن تكرار العمرة في وقت متقارب هذا قد أنكره بعض العلماء، ففيه خلاف. ولو أن المسلم لو أدى العمرة عن نفسه يدعو لوالديه ولأقاربه في طوافه وفي سعيه، وفي غير ذلك من بقائه في المسجد الحرام هذا يكفي إن شاء الله، ونرجو أن يصلهم نفعه وبره. لكن إذا فعل ما ذكر السائل من تكرار العمرة له أولًا، ثم لوالدته وهكذا، فلا بأس بذلك، وإن كان خلاف الأولى ولكن إذا فعله فلا بد من إحرام مستقل لكل عمرة، بأن يخرج إلى الحل (إلى التنعيم) ، أو إلى عرفات، أو إلى الجعرانة، يخرج عن الحرم، خارج الأميال ويحرم بالعمرة بنفسه، والعمرة كذلك إذا أراد أن يعتمر أخرى يخرج مرة ثانية وثالثة، لا بد من الخروج للإحرام بالعمرة من الحل، ولا بد لكل عمرة من إحرام مستقل، لا تشترك عدة عمرات في إحرام واحد كما يقول السائل.

تكرار العمرة في وقت متقارب

سؤال: إذا الإحرام يكون من الحل القريب من مكة وليس شرطًا أن يعود إلى الميقات، ميقات البلد الذي قدم منه. الجواب: ميقات العمرة لمن هو داخل مكة، ميقاتها الحل. سؤال: لو كان ليس من أهل مكة، فمن أين يحرم؟ الجواب: إن كان داخل الأميال وأراد أن يعتمر فإنه يخرج خارج الأميال، يعني من كان داخل الحرم، وأراد العمرة فإنه يخرج ويحرم بالعمرة من الحل، سواءً كان في مكة أو خارج مكة. أما من كان خارج الحل فإنه يحرم من مكانه. *** توفير السكن مقدم على الحج سؤال: أقيم الآن أنا وزوجتي في اليمن وإلى هذا الوقت لا نملك السكن في بلدنا، علمًا أنني أملك مبلغًا من المال وإلى الآن لم نحج حج الفريضة، فهل يجب علينا الحج الآن فورًا ما دمنا قادرين ماديًّا، ولو كنا لا نملك بيتًا؟ أم نشتري أولًا مسكنًا نسكن فيه ثم بعد ذلك إن كنا قادرين على الحج حججنا، وإلا أجلناه إلى القدرة؟ الجواب: من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى أوجب الحج على المستطيع، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] ، وذلك بأن يملك الزاد والراحلة ويكون هذا الزاد وهذا المركوب فاضلًا عن كفايته من مسكنه ومصروفه، ومصروف أولاده إلى أن يرجع، فإذا كان المبلغ الذي بأيديكم لا يغطي حاجاتكم الضرورية، ومنها

توفير السكن مقدم على الحج

المسكن، فإنه لا يجب عليكم الحج حتى توفروا حوائجكم الضرورية؛ فإذا زاد بأيديكم شيء حججتم وإنما لا يجب عليكم الحج ولا يلزمكم حتى يتوفر لديكم المال الزائد عن كفايتكم سكنًا ونفقة لكم ولأولادكم ومن تجب عليكم نفقتهم. *** علامات قبول الحج سؤال: ما هي علامات الحج المقبول؟ أفيدونا بذلك جزاكم الله كل خير. الجواب: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» ، والحج المبرور هو الذي تقبله الله سبحانه وتعالى، وعلاماته كثيرة منها: أن تكون نفقة الحج من كسب حلال، لأن النفقة عليها مدار عظيم في حياة المسلم، ولا سيما في الحج، وقد ورد أن الإنسان إذا حج من مال طيب أنه ينادي مناد أن زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور، وعلى العكس من كان حج من مال خبيث فإنه ينادي: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مأجور، أو ما هذا معناه. فمن علامات الحج المبرور: أن يكون من نفقة طيبة وكسب حلال. ومن علامات الحج المبرور: أن يوفق الله الإنسان فيه لأداء مناسكه على الوجه المشروع، وعلى المطلوب من غير تقصير فيها، وأن يتجنب ما نهاه الله عنه، في أعمال الحج، بأن يؤديه على الوجه الشرعي.

علامات قبول الحج

ومن علامات الحج المبرور، أن يرجع صاحبه أحسن حالًا في دينه مما كان قبل ذلك، بأن يرجع تائبًا إلى الله سبحانه وتعالى مستقيمًا على طاعته، ويستمر على هذه الحالة، ويكون الحج منطلقًا له إلى الخير، ومنبهًا له إلى تصحيح مساره في حياته، هذه من علامات الحج المبرور. ***

كتاب البيوع

كتاب البيوع

تحريم الغش في البيع سؤال: نحن نعمل في تربية المواشي والمتاجرة فيها، ويحدث أحيانًا أن تصاب بعض الأغنام أو الإبل ببعض الأمراض فنبيعها في الأسواق وهي مصابة بذلك المرض، فهل علينا شيء في ذلك؟ الجواب: البيع والشراء مما أباحه الله سبحانه وتعالى لعباده، وهو من قوام مصالحهم ومنافعهم، ولكن يجب أن يكون البيع والشراء قائمًا على الصدق والأمانة والنصيحة، قال صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما» ، ونهى صلى الله عليه وسلم عن الغش، وقال: «من غش فليس منا» ، وقال: «لا تناجشوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، المسلم أخو المسلم» ، والأحاديث في هذا كثيرة، فإذا بعت سلعة وفيها عيب من العيوب وجب عليك أن تبينه للمشتري، ولا تكتمه وتدلسه عليه، فهذه الأغنام التي تبيعونها وفيها مرض يجب عليكم أن تبينوا ما فيها من المرض، وأن تبيعوها على أنها معيبة، وتطلعوا المشتري على ما فيها، حتى يكون بيعكم قائمًا على الصدق وعدم الكتمان. ***

البيع بالمزاد العلني

البيع بالمزاد العلني سؤال: هل البيع بالمزاد العلني المسمى الحراج، هل يعتبر من قبيل شراء الرجل على شراء أخيه المنهي عنه أم لا؟ الجواب: السوم على السوم فيه تفصيل، إن كان المزاد لا يزال مفتوحًا، والسلعة ينادى عليها، ويطلب المزيد فلا بأس أن يزيد الإنسان على سوم آخر، لأن الزيادة مطلوبة، والمزايدة مفتوحًا بابها، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يزيد» في بعض البيعات التي تولاها صلى الله عليه وسلم. أما إذا كان السوم قد انتهى، وأراد صاحب السلعة أو وكيله أن يبيع على شخص، وقطع السوم وانتهى، فحينئذ لا يجوز لأحد أن يتقدم ويسوم على سوم أخيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يسم المسلم على سوم المسلم» ، هذا إذا انقطع السعر، وانتهت المزايدة، وأقفلت المزايدة، وأراد صاحب السلعة أو وكيله أن يبيعها على شخص. *** بيع السماد الطاهر سؤال: نحن نملك عددًا من الأغنام، وما ينتج عنها من فضلات أو روث - أجلكم الله - نجمعه ونكدسه، ولأننا لا نملك مزارع لنستفيد منه، فإننا نسأل: هل يجوز بيعه وأكل ثمنه، أو لا يجوز؟ الجواب: لا بأس ببيع السماد الطاهر، مثل سماد الأغنام والإبل

بيع السماد الطاهر

والبقر، فروث ما يؤكل لحمه طاهر، وبيعه لا بأس به، وثمنه طيب لا حرج فيه، إنما الذي فيه الاشتباه والإشكال، هو السماد النجس، أو المتنجس، هذا هو الذي فيه الإشكال وفيه الخلاف، أما السماد الطاهر الذي من حيوان مأكول؛ هذا لا بأس باستعماله، ولا بأس ببيعه وأكل ثمنه. *** بيع الكلب وأكل ثمنه سؤال: ما حكم بيع الكلب وأكل ثمنه؟ الجواب: بيع الكلب حرام، وأكل ثمنه حرام، لأنه صلى الله عليه وسلم «نهى عن ثمن الكلب، وحلوان الكاهن ومهر البغي،» فهذه الأمور حرام ومنها ثمن الكلب. *** بيع وشراء الكلاب والقطط سؤال: هل يجوز بيع وشراء الكلب والهر أم لا؟ لأنه يوجد ناس يبيعون هذا ويشترون. أفيدونا شكر الله لكم؟ الجواب: لا يجوز بيع الكلب وأكل ثمنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي» ، فدل على أن ثمن الكلب حرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقرنه بحلوان الكاهن، وأجرة الكاهن، ومهر البغي يعني الزانية، فهذه المكاسب محرمة، ومنها ثمن الكلب، كذلك الهر

بيع وشراء الكلاب والقطط

لا يجوز بيعه، وإن كان يجوز اقتناؤه في البيت، ولكن بيعه لا يجوز. أما الكلب فإنه لا يجوز اقتناؤه في البيت لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة، ولا يجوز بيعه. *** حد الربح في التجارة سؤال: هل هناك نسبة معينة ومحددة شرعًا للربح في التجارة، أم لا حدود فيه مشروعة، حتى لو بلغ الضعف أو الضعفين؟ الجواب: لا حدود للربح في التجارة، لأن الله سبحانه وتعالى أباح الاتجار والبيع والشراء من غير تقييد بحد معين {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] ، ولم يحدد الربح؛ إذا كان هذا الربح يجري على الوجه الصحيح، وعلى الوجه المشروع. أما إذا كان على غير الوجه الصحيح، وعلى الوجه المشروع، بأن يكون ربحًا ربويًّا، أو فائدة ربوية، أو كان فيه استغلال لحاجة الفقير والمضطر، فلا يجوز أن تستغل حاجة المضطر، وأن يزاد عليه زيادات باهظة لأنه محتاج ومضطر. سؤال: حتى لو وصل الربح الضعف، ضعف القيمة أو ضعفين؟ الجواب: لا يوجد تحديد خصوصًا إذا كان كثرة الربح لارتفاع الثمن وغلاء الأسعار، فلا شيء في هذا، إنما كما ذكرنا، ينبغي للمسلم أن يتسامح مع أخيه المسلم، وأن لا يدخله بالدين والثمن خصوصًا إذا

حد الربح في التجارة

كان مضطرًا ومحتاجًا. ينبغي أن يراعي حالته. *** القرضي من الأعمال الطيبة سؤال: في بلدنا نوع من التعامل في القرض أشك في صحته، وهو أنه إذا احتاج شخص لاقتراض مبلغ من المال فإنه يتوجه إلى أحد التجار ليقترض منه وذلك التاجر إذا كان مزارعًا في نفس الوقت، فإنه يشترط عليه أن يشتري أولًا من محصوله قبل الحصاد ليبيعه ويستفيد بثمنه، وقد يبيعه بسعر قليل، بينما هو يسدد صاحبه الأول بسعر أكثر فهل يجوز مثل هذا القرض أم لا؟ وهل يدخل هذا في باب القرض الذي يجر منفعة أم لا؟ الجواب: مما لا شك فيه أن القرض الذي به تندفع حاجة المسلم، أنه من الأعمال الطيبة التي يؤجر عليها، وهو من فعل الخير، والمفروض في المسلم أن يقرض أخاه لوجه الله عز وجل لا يقصد من ذلك طمعًا دنيويًّا ونفعًا ماديًّا، وإنما يقصد بذلك التقرب إلى الله عز وجل لقضاء حاجة أخيه، والتيسير على المعسر، مع أن المقترض يجب عليه أن يرد القرض إلى صاحبه، من غير مماطلة ومن غير تأخير، إذا تيسر له ذلك حتى يرد الجميل إلى صاحبه وحتى تسود هذه المعاملة بين المسلمين، لأن القرض من عقود الإرفاق التي ينتفع منها الطرفان، المقترض ينتفع بدفع حاجته، والمقرض ينتفع بالأجر، وفعل المعروف. أما أن يستغل القرض استغلالًا دنيويًّا بالربح أو المنفعة فهذا من أعظم

القرض من الأعمال الطيبة

المحرمات، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل قرض جر نفعًا فهو ربا» ، فلا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض نفعًا يعود عليه من القرض، إما بزيادة في القضاء، أو بمنفعة يستغلها من المقترض وهذا الذي ذكره السائل من أن المقرض إذا كان صاحب زراعة، فإنه يشترط على المقترض أن يشتري من زرعه جزءًا بثمن مرتفع، ثم يبيعها بعد ذلك بثمن أرخص، هذا سؤال مجمل. إن كان السائل يقصد أن المقرض لا يدفع القرض للمقترض إلا إذا اشترى منه شيئًا من زرعه - القائل - قبل الحصاد كما يقول فهذا محرم لأنه بيعتان في بيعة لأنه لم يقرضه إلا بشرط أن يشتري منه، هذا الزرع، فهذا جمع بين عقدين، عقد القرض، وعقد الشراء فهو عقد مشروط في عقد، ويكون بيعتين في بيعة؛ المنهي عنه. وإن كان يقصد بذلك، أن الغني يبيع جزءًا من زرعه على المحتاج قبل الحصاد ليبيعها ذلك المحتاج وينتفع بثمنها، فهذا لا يسمى قرضًا، وإنما يسمى مسألة التورق، وذلك بأن يأتي المحتاج إلى التاجر فيشتري منه سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها المحتاج في السوق بثمن أقل من ذلك ينتفع بثمنها، وهذه جائزة عند الجمهور بشروطها، أن تكون السلعة موجودة عند التاجر حال العقد، وثانيًا: أن لا يشتريها التاجر من المستدين بثمن أقل، لأنها حينئذ تصبح مسألة العينة المنهي عنها وإنما يبيعها عليه بثمن مؤجل،

ثم هو يذهب بها ويقبضها قبضًا تامًّا، ويبيعها على غيره في السوق، وينتفع بثمنها إذا كانت بهذه الصفة فهذه تسمى مسألة التورق، وهي جائزة عند جمهور أهل العلم والحاجة داعية إليها، لكن كما ذكرنا يشترط أن تكون السلعة موجودة عند التاجر وقت العقد ويشترط أن لا يشتريها هو من المستدين. وإذا كانت السلعة جزءًا من الزرع كما هو ظاهر السؤال، فهذه فيها إشكال، لأن الزرع لا يجوز بيعه قبل اشتداد حبه، وأيضًا؛ المحتاج قد لا يصل إلى حاجته من هذا الزرع، وبيعه وهو قائم فيه أيضًا احتياطات وإشكالات، فينبغي تجنب هذه المعاملة وأن يتداينوا بسلع ناجزة، يستطيع المحتاج أن يقبضها وأن يبيعها على الزبائن، وأن تكون معروفة بجميع متطلبات المعرفة، والله أعلم. *** انتفاع المرتهن بالرهن سؤال: ما هو الحكم الشرعي بهذه الصورة: رهن أحد الأشخاص أرضًا زراعية معلومة المساحة بمبلغ معين، لأحد الناس، لحين قدرته على سداد المبلغ، ويستلم المرتهن الأرض ويقوم باستثمارها، ويأخذ انتاجها لنفسه ولا يعطي الراهن منه شيئًا، وذلك لحين سداد مبلغ الرهن، وقد تطول مدة الرهن إلى عشرات السنين، ولا يسلم المرتهن الأرض لصاحبها إلا بعد أن يأخذ مبلغ الرهن كاملًا.

انتفاع المرتهن بالرهن

فأولًا: ما حكم هذا الإنتاج الذي يحصل عليه المرتهن طول هذه المدة، هل هو حلال أم حرام؟ وماذا يفعل من فعل هذا إن كان هذا الفعل محرمًا هل يجب التوبة منه؟ وثانيًا: ما موقف الراهن الذي أجبرته ظروفه المالية على هذا الرهن؟ وثالثًا: ما موقف الشهود على العقد الخاص بهذا الرهن، علمًا أن الراهن يقر في هذا العقد بأنه أباح للراهن منفعة هذه الأرض بلا حصة ولا أجرة لحين تسديد المبلغ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا. الجواب: انتفاع المرتهن بالرهن فيه تفصيل: أولًا: إذا كان انتفاعه به بغير إذن الراهن فهذا لا يجوز بحال، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه» ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا» ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» ، والأحاديث في هذا كثيرة، فلا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن بغير إذن الراهن. قال في المغني: لا نعلم في هذا خلافًا، يعني بين أهل العلم. أما إذا أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع بالرهن، فإن كان الدين، دين

قرض، فإنه لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن وإن أذن الراهن، لأن هذا يصبح من الربا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «كل قرض جر نفعًا فهو ربا» ، والحديث وإن كان فيه مقال؛ ولكن إجماع أهل العلم على ذلك، أن المقرض لا يجوز أن ينتفع من مال المقترض بسب القرض فيكون هذا من الربا، ولا يجوز كتابة هذا الشيء ولا الشهادة عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه» ، وهذا من الربا فإذا كان الدين قرضًا، ورهن المقترض شيئًا عند المقرض فلا يجوز له الانتفاع به سواء أذن أو لم يأذن لأن هذا من الربا. أما إذا كان الدين غير قرض، بأن كان ثمن مبيع مثلًا، وما أشبه ذلك، وأذن له الانتفاع به، فلا حرج عليه في ذلك لعدم المحذور، والله أعلم. *** التأمين على السيارات سؤال: ما هو الحكم الشرعي في التأمين، وهو مثلًا: أن يدفع الشخص مبلغًا من المال كل شهر أو كل سنة إلى شركة التأمين، للتأمين على سيارته لو حصل حادث وتضررت منه، فإنهم يقومون بتكلفة إصلاحها، وقد يحصل وقد لا يحصل للسيارة شيء طول العام، وهو مع ذلك ملزم بدفع هذا الرسم السنوي. فهل مثل هذا التعامل جائز أم لا؟

التأمين على السيارات

الجواب: هذا التأمين لا يجوز، التأمين على السيارة على الصورة التي ذكرتها، أن تدفع مبلغًا من المال، وتتعهد الشركة بإصلاح سيارتك لو حصل لها شيء، سواءً كان قليلًا أو كثيرًا، هذا لا يجوز لأن فيه مغامرة ومخاطرة، وفيه أكل للمال بالباطل، فلا يجوز هذا التأمين. والواجب على الإنسان أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى وإذا حصل عليه شيء من قدر الله سبحانه فإنه يصبر ويقوم بالتكاليف التي تترتب عليه، والغرامة التي تترتب عليه من ماله، لا من مال شركة التأمين. والله سبحانه وتعالى هو الذي يجلب الأرزاق ويعين على مثل هذه الأمور بدون أن يلجأ الإنسان إلى شركات التأمين، وما فيها من المخاطرة وأكل أموال الآخرين بالباطل. علاوة على ذلك، فإن أصحاب السيارات إذا أمنوا على سياراتهم وعرفوا أن الشركة تتولى دفع الغرامة، فإن هذا يبعث على التساهل من قبلهم، وعلى التهور في القيادة، وربما ترتب على ذلك إضرار بالناس وبممتلكاتهم، لأن السائق إذا علم أن الشركة ستتحمل ما يترتب على جنايته فإنه يتساهل في الأمر، بخلاف ما إذا علم أنه هو الذي سيتحمل وهو المسؤول فإنه يتحرز أكثر، فهذه الشركات التأمينية تسبب التهور من السائقين، وعدم المبالاة. ***

يأخذ مقابل عمله نسبة من الربح

يأخذ مقابل عمله نسبة من الربح سؤال: اشترك اثنان في مشروع بنسبة خمسين في المائة، لكل منهما، وينوي أحد الشريكين التفرغ الكامل للإدارة بمساعدة آخرين بالأجرة، فهل يجوز له ذلك أن يأخذ راتبًا شهريًّا بالاتفاق مع الشريك الآخر، أم أن هذا لا يجوز، ويجب أن يأخذ نسبة مئوية من الأرباح نظير قيامه بمباشرة الأعمال الإدارية؟ الجواب: إذا اشترك اثنان فأكثر بعمل من الأعمال التجارية وتولى العمل واحد من الشركاء بالأجرة، فلا مانع من ذلك، بأن يكون له نسبة من الربح أكثر من نسبة الآخرين بمقابل عمله، لا بأس بذلك إذا اتفقوا على هذا أن يعمل ويأخذ مقابل عمله نسبة أكثر من نسب شركائه من الربح، بمقابل هذا العمل. سؤال: لو لم يأخذ نسبة من الربح، بل أخذ راتبًا شهريًّا بصرف النظر عن الربح والخسارة؟ الجواب: الذي نص عليه الفقهاء فيما اطلعت عليه، أنه يأخذ في مقابل عمله نسبة من الربح. *** الزيادة في سعر السلعة سؤال: أنا أملك محلًا تجاريًّا، وبعض السلع عليها أسعار محددة من الدولة، ولكني أبيعها بأكثر من ذلك فهل هذا جائز. مع أن قيمة شرائها قد

الزيادة في سعر السلعة

تكون زائدة علي، فلو بعتها بالسعر المحدد ولربما خسرت وكذلك المشتري راض بذلك فما الحكم في هذا؟ الجواب: إذا كانت السلعة تساوي القيمة التي ذكرتها وبينت للمشتري ذلك ولم تغرر به، ولم تخش من الدولة مثلًا الضرر والعقوبة فلا مانع من ذلك. *** شراء السيارة بالأقساط سؤال: شراء السيارة بالأقساط حرام أم حلال؟ الجواب: لا بأس بشراء السيارة بالثمن المؤجل؛ سواءً اشتراها بثمن مؤجل على أجل واحد، أو بأجل على أقساط يدفع في كل فترة قسطًا منها، لا حرج في ذلك إن شاء الله، وهذا من التوسعة على المسلمين. *** سؤال: جاءني رجل وقال بأنه محتاج مبلغًا من المال، وطلب مني أن أذهب معه إلى أي مكان لأشتري له سيارة، ثم يبيعها ويأخذ هو ثمنها، على أن يسددها إلي على أقساط شهرية، فأنا لا أملك معرضًا لبيع السيارات، ولكن من جاءني يريد مالًا يتزوج به، أو يعمر بيتًا، ذهبت معه إلى أي معرض واشتريت له سيارة بمبلغ مثلًا أربعين ألفًا، ويبيعها بثمانية وثلاثين، وأسجلها عليه بقيمة خمس وخمسين ألفا، أو ستين ألفا، على أن يدفعها كما أسلفت على هيئة أقساط شهرية، فما الحكم في مثل هذا التعامل؟

شراء السيارة بالأقساط

الجواب: إذا لم يكن حصل منك معه عقد قبل شراء السيارة بأن حصل وعد مثلًا، أو حصل مفاهمة ولم يحصل عقد، ثم ذهبتما أو ذهبت أنت واشتريت السيارة وبعتها عليه بعدما اشتريتها، فلا حرج في ذلك. أما إذا كان البيع منك له حصل قبل أن تشتري السيارة، اتفقت أنت وإياه، على عقد، أو أبرمتما العقد ثم ذهبت واشتريت السيارة له، فهذا لا يجوز، لقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك» ، ولا يقال أن هذا بيع موصوف في الذمة، كالسلم، لأنه يشترط في بيع الموصوف في الذمة أن يسلم القيمة قبل التفرق، وأن لا يكون من باب بيع الدين بالدين. الحاصل: أنه لا يجوز إبرام العقد قبل أن تحصل على السيارة، وتملكها، ثم إذا حصلت عليها، وملكتها، وبعتها عليه بثمن غائب، أكثر منه حالًا، ثم هو ذهب وباعها على غيرك، فهذه مسالة التورق المشهورة عند أهل العلم. أن يحتاج الإنسان إلى نقد، ثم يذهب إلى شخص ويبيع عليه سلعة بثمن مؤجل لبيعها ويرتزق بثمنها، بشرط أن لا يشتريها صاحبها الأول. سؤال: وهل هذا جائز؟ الجواب: هذا عند الأكثر جائز، وهو الصحيح إن شاء الله للحاجة، لأن الفقير ليس له حيلة إلا أن يعمل هكذا. فإذا توفرت هذه الشروط، بأن كانت السيارة في ملك البائع قبل أن

يعقد مع المستدين، ولم يشترها البائع، إنما باعها المشتري المستدين، باعها على غيره فلا بأس بذلك إن شاء الله، ويكون الثمن مؤجلًا، سواءً كان مقسطًا على فترات أو دفعة واحدة إذا حل الأجل، لا بأس بذلك. سؤال: والممنوع في هذا هو أن لا يحدد قيمتها قبل أن يعلمها أو يقبضها؟ الجواب: إذا كان الذي حصل بينهما من باب التفاهم فقط ومن باب الوعد، فلا بأس بذلك، أما إذا كان تحديد الثمن بمعنى أنه عقد العقد وأبرمه قبل أن يحصل على السيارة فهذا لا يجوز. سؤال: يعني مثلًا، أنا أسجل عليه مثلًا خمسين ألف ريال وأذهب لأشتري له سيارة بعد إبرام هذا العقد، أشتري له سيارة مثلًا بثلاثين، ويبيعها هو بخمس وعشرين؟ الجواب: هذا لا يجوز، لأنه باع الشيء قبل أن يملكه. *** عقد المزارعة سؤال: يوجد بستان مزروع نخلًا وصاحب البستان له الأرض، ومزارع يزرع النخيل ويسقيه، واتفق صاحب الأرض والمزارع عندما يثمر النخل يعطيه ثلث التمر والحطب مقابل زراعته وسقيه، ومنذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا لم يسق هذا البستان بالماء، فهل يستحق المزارع أخذ الثلث من التمر والحطب؟ الجواب: عقد المزارعة على ما تعاقد عليه الطرفان، صاحب الشجر وصاحب العمل.

عقد المزارعة

فصاحب العمل يستحق من الغلة على قدر ما يؤدي من العمل المشروط، وما دام أنه مضت فترة لم يقم بالعمل المشروط عليه، ولم يسق هذه النخيل، فإنه لا يستحق من غلتها شيئًا، لأنه لم يؤد ما شرط عليه من سقيها، والمسلمون على شروطهم، فلا يحل له أن يأخذ من غلتها شيئًا إلا إذا كان يقوم بسقيها ويوفي بشرط العقد الذي تواطأ عليه مع المالك، وإن كان يسقي بعض الشيء، ويترك البعض الآخر، فإنه يستحق بقدر ما يقوم من العمل والله تعالى أعلم. *** الربا سؤال: اقترضت من أحد الأصدقاء مبلغ مائة جنيه على أن أوفيه بعد سنة مائة وخمسين، وحين حان وقت الوفاء، حاولت إعطائه مائة فقط، ولكنه أصر على أخذ زيادة قدرها خمسون جنيهًا مقابل التأجيل، فما الحكم في هذه الزيادة، وإن كان هذا من قبيل الربا، فهل علي أنا إثم؟ وكيف أتخلص من ذلك؟ علمًا أن تلك النقود التي اقترضتها منه قد اختلطت مع مالي، فماذا علي أن أفعل؟ الجواب: حرم الله سبحانه وتعالى الربا، وشدد الوعيد فيه، قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] ، إلى أن قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278، 279] ، والربا له صور وأنواع، ومن أنواعه هذا الذي ذكرت في هذا السؤال، وهو القرض بالفائدة لأن القرض الشرعي

الربا

هو القرض الحسن، الذي تقرض به أخاك لينتفع بالقرض، ثم يرد عليك بدله من غير زيادة مشترطة، ولا نقص، هذا هو القرض الحسن. أما القرض الذي يجر نفعًا، أو القرض الذي يقصد من ورائه الزيادة الربوية، فهذا حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وعلى فاعله الوعيد الشديد، فالواجب هو رد مثل المبلغ الذي اقترضته. أما الزيادة التي شرطها عليك، وأخذها منك فهي حرام وربا، والنبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، فلعن صلى الله عليه وسلم من أكل الربا، ومن أعان على أكله من هؤلاء. فهذا الذي فعلتموه حرام، وكبيرة من كبائر الذنوب، وعليكم التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وعليه هو أن يرد عليك هذه الزيادة التي أخذها منك لأنها لا تحل له، وأنت فعلت محرمًا بإعطائه الزيادة، وكان الواجب عليك أن تمتنع من إعطائه الزيادة، وإذا أصر أن ترفع أمره إلى الحاكم المسلم ليردعه عن جريمته، فهذا الذي أقدمتما عليه هو صريح الربا فعليكم جميعًا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى وعدم الرجوع إلى هذا التعامل، وعلى الآخر أن يرد الزيادة التي أخذها، والله تعالى أعلم. *** الربا والسلم سؤال: عندنا نوع من التعامل اعتاده الناس في بعض أريافنا وقرانا، وهو بالذات في موسم الخريف: يأتي الضعيف أو الفقير إلى ذوي المقدرة والتجار ويطلب منهم بعض الأشياء دينًا، مثل النقود أو الذرة أو ما أشبه ذلك إلى وقت الحصاد، فيقوم التجار بتسليمه مثلًا كيس ذرة

الربا والسلم

بشرط أن يسلمه كيسين ذرة، أو ثلاثة أكياس بعد الحصاد أو يسلمه مثلًا مبلغ عشر جنيهات، شرط أن يسلمه كيس ذرة وقت الحصاد، علمًا بأن قيمة كيس الذرة حاليًا مائة جنيه، وخلاصة القول: بأن كل دين لا بد أن يكون عائده الضعفين أو الثلاثة أضعاف، فما الحكم في هذا التعامل؟ وما الحكم في أمر هؤلاء واستغلالهم لإخوانهم الضعفاء في مثل هذه المعاملة من الناحية الدينية، أحلال عملهم هذا أم حرام؟ الجواب: أما بالنسبة لما ذكر في أول السؤال من أنه يدفع له كيسا من الذرة على أن يرد له كيسين من الذرة بعد مدة، هذا لا يجوز، لأن هذا ربا، يجتمع فيه ربا الفضل وربا النسيئة، فلا يجوز بحال من الأحوال إذا كان هذا من باب البيع والمعاوضة. وأما بالنسبة لما ورد من آخر السؤال، من أنه يدفع نقودًا على أن يدفع ذرة بعد أجل، فهذا لا بأس به، وهذا ما يسمى بدين السلم، وهو تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، هذا لا بأس به وهو جائز بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويسمى بدين السلم. وأما ما ذكر من أن: مثلًا الغني يضاعف ويكثر الربح على الفقير، مثلًا يدفع له نقودًا قليلة ويسترجع منه عند الحلول طعامًا كثيرًا أكثر من الضعفين، فهذا لا ينبغي، لا ينبغي استغلال حاجة الفقير وإرهاقه بالزيادة بل الذي ينبغي هو أن تكون الزيادة معقولة، تنفع الغني ولا تضر بالفقير ضررًا فاحشًا. ***

بيع الذهب بالذهب

بيع الذهب بالذهب سؤال: رأيت إحدى النساء تشتري ذهبًا من السوق، ولكن عن طريق تبديل الذهب الموجود معها القديم بذهب جديد، ودفعت زيادة نقدية، فلما سألتها عن ذلك، وأخبرتها أن مثل هذا العمل يعد ربًا قالت: إنها ما دامت دفعت زيادة نقدية فلا يكون هذا من قبيل الربا، فما رأيكم وهل ما تقوله صحيح أم لا؟ كما أرجو توضيح هذه المسألة بالتفصيل لأنها تشكل على الكثيرين وقد يقع فيها الكثير من الناس. الجواب: لا يجوز أن يبيع ذهبًا بذهب، ومع أحدهما دراهم، لأن هذا هو الربا، سواءً كان وزناهما واحد أو مختلف، المهم إذا باع ذهبًا بالذهب، فإنه لا يجوز أن يجعل مع أحد الذهبين دراهم، ولا عوض، سواءً كان دراهم أم غير دراهم، يعني يجعل معه شيء من غير جنسه لأن ذلك هو الربا، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك، كما في حديث القلادة، فإذا أراد الإنسان أن يستبدل ذهبًا عنده بذهب آخر أحسن مما عنده، فإنه يبيع الذهب الذي عنده بدراهم، ويستلم الدراهم ويسلم للمشتري، ويستلم الثمن منه، ثم يشتري بهذه الدراهم ذهبًا آخر حسب رغبته. سؤال: حتى لو كان من عند نفس المشتري؟ الجواب: حتى لو كان من عند نفس المشتري ما دام حصل التقابض في الأول وفي الثاني يعني باع عليه الذهب الأول واستلم القيمة، ثم اشترى بهذه القيمة منه ذهبًا آخر وسلم، وحصل التقابض بالعقد الأخير أيضًا فلا بأس بذلك.

سؤال: نعود لأول الكلام، وهو قولكم الذهب بالذهب حتى لو كان فيه زيادة بالوزن أيضًا لا يجوز أخذ العوض، إذا قلنا: إن هذا العوض هو مقابل هذه الزيادة بالوزن؟ الجواب: إذا بيع الذهب بالذهب وجب التساوي والتقابض، فلا يجوز أن يزاد أحد العوضين على الآخر بذهب أو بشيء آخر غير الذهب. الزيادة لا تجوز، لأحد العوضين على الآخر كما أنه لا يجوز تأخير القبض عن المجلس، لا بد من التقابض في المجلس. *** حقوق المستأجر سؤال: استأجر والدي قطعة أرض لزراعتها وبعد مضى عشرين عامًا يطلب أصحابها من المستأجر شراء الأرض، فلم يستطع شراءها، فقام المالكون ببيعها لغيره بمبلغ يعادل نصف ثمنها حين ذاك، لأنها مؤجرة فأخذها المشتري على أن له نصفها، فهل يجوز للمستأجر أن يأخذ هذا النصف، أو يأخذ خلو رجل؛ ويتركها أفيدونا أفادكم الله. الجواب: المستأجر ليس له استحقاق في هذه الأرض إلا مدة الإجارة، فله حق فيه، إن شاء استمر في استنفاذها والانتفاع بالأرض إلى أن تنتهي مدة الإجارة، وإن شاء تنازل عنها على عوض يصطلح عليه مع الطرف الآخر، فليس للمستأجر إلا بقية المدة التي استأجر الأرض فيها، إن شاء استوفاها بنفسه أو بنائبه، وإن شاء تصالح مع صاحب الأرض، أو مشتري الأرض، وعوضه عنها وتنازل عن بقية المدة، أما أن يصبح شريكًا لصاحب الأرض بموجب الإجارة، فهذا غير سليم.

حقوق المستأجر

سؤال: وماذا عن إمكانية أخذه خلو رجل كما يسميه؟ الجواب: يعني المعاوضة عن بقية المدة، لا بأس بذلك، لأن الحق له في ذلك، فإذا تصالحا على المعاوضة عن بقية المدة ويخلي الأرض للمشتري فلا بأس بذلك لأن الحق لهما. *** حرمة التضييق على المسلمين سؤال: يقوم أحد الأشخاص الذين يعملون بالتجارة عندنا إذا أحسن أن هناك نوعًا من البضائع بدأ سعره يتحسن في السوق، يقوم بشراء كل ما في السوق من تلك البضاعة ويتحكم في سعرها بزيادة أكثر، فما حكم هذا العمل، وما يكسبه بهذه الطريقة حلال أم حرام؟ الجواب: لا شك أن الذي يضايق المسلمين فيما يحتاجون إليه من السلع فيشتريها كلها من السوق، ويضطر الناس إلى أن يشتروها منه بثمن مرتفع يتحكم فيهم، لا شك أن هذا لا يجوز ويجب الأخذ على يده ومنعه من ذلك، فإذا كان الأمر كما ذكر السائل فإنه يجب على ولاة الأمور منعه من ذلك. أما إذا كانت هذه السلع من الكماليات والناس ليسوا بحاجة إليها أو كان هناك سوق آخر وسلع أخرى والناس يجدون غيرها في مكان آخر من غير مشقة عليهم فإن هذا لا يحرم، لكن لا ينبغي للمسلم أن يضايق الناس ويضطر الناس إلى الحرج. سؤال: لكن إذا كانت هذه البضاعة من القوت الضروري للناس، ويحتكرها مثل هذا الشخص فما حكم المال الذي يكسبه بهذه الطريقة؟

حرمة التضييق على المسلمين

الجواب: هذه ليست صورة الاحتكار، الاحتكار معناه: أن يشتريها ويخزنها ويتربص بها غلاء السعر فيما بعد، ويشتريها ويبيعها في الحال لكن يرفع ثمنها، هذا ذكرنا أنه لا يجوز، وأنه يجب على ولاة الأمور أن يأخذوا على يده، وإذا كان ليس هناك غير هذه السلع والناس بحاجة إليها فإنه يجبر أن يبيعها كما يبيع الناس. سؤال: يعني هذه الصورة هناك فرق بينها وبين الاحتكار؟ الجواب: هي شبيهة بالاحتكار من ناحية لكنها ليست احتكارًا من كل وجه. سؤال: ما حقيقة الاحتكار؟ الجواب: أن يعمد مثلًا إلى حاجيات الناس الضرورية التي ليس في البلد غيرها ويشتريها ويخزنها ويتربص بها غلاء السعر في المستقبل. هذا حرام وورد الوعيد عليه وورد منعه من ذلك. *** اللقطة سؤال: ما هو الحكم الشرعي في اللقطة التي يلتقطها الإنسان في مكان خال من السكان، سواءً كانت ثمينة أو متواضعة، وهل هناك أماكن يحرم التقاط أي شيء منها كثر أو قل، لأنني أثناء سيري بالسيارة بين مكة وجدة وجدت في الطريق عددًا من المطارح الإسفنجية، فأخذتها إلى منزلي، هل علي شيء في ذلك أم لا؟ الجواب: اللقطة لها أحكام في الشريعة الإسلامية، وقد بينها الفقهاء - رحمهم الله - أخذًا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الواردة فيها.

اللقطة

ومن أحكام اللقطة أنها إذا كانت شيئًا تافهًا، لا تتبعه همة أوساط الناس، هذه يأخذها الإنسان ويتملكها. أما إذا كانت شيئًا ذا قيمة، يلتفت إليه، فهذه للإنسان أن يأخذها بشرط، أن يعرف صفتها المميزة، وأن ينادي عليها في مجامع الناس لمدة حول كامل، حتى يعلم صاحبها بها، ثم يأتي لاستلامها بعد ذكر علاماتها المميزة. وإذا كانت اللقطة في الحرم، وهو ما كان داخل الأميال فهذه لا يجوز للإنسان أن يلتقطها إلا إذا التزم بالتعريف بها إلى أن يأتي صاحبها، أما إذا كانت خارج الحرم، فإنه كما سبق، إذا أخذها وعرف صفتها المميزة ونادى عليها مدة سنة بمجامع الناس، ولم يأت إليها أحد، فإنه يتملكها. أما لقطة الحرم، فإنه لا يأخذها إلا بشرط أن يعرفها دائمًا ولا يتملكها هذا الفرق بين لقطة الحرم ولقطة غيره لقوله صلى الله عليه وسلم في مكة: «ولا تحل سقطتها إلا لمنشد» . أما ما ذكرت من أنك وجدت مطارح إسفنجية على الطريق بين مكة وجدة فالحكم فيها كما ذكرنا، إن كانت خارج حدود الحرم، وخارج الأعلام فإنك تنادي عليها مدة سنة، ثم بعد ذلك تتملكها. وأما إذا كانت داخل الحرم، فلا يجوز لك أن تتملكها، بل تنادي عليها إلى أن يأتي صاحبها، وإلا فدعها في مكانها، لأنها مسؤولية، وأنت بعافية منها، فإذا كنت تعرف من نفسك الأمانة والقيام بحقها الشرعي، خذها، أما إذا كنت لا تثق من نفسك، أو لا تلتزم بأحكامها فدعها، وأنت في عافية منها، والله تعالى أعلم.

سؤال: لقطة الحرم لا فرق فيها بين الثمينة وغير الثمينة في عدم جواز الالتقاط؟ الجواب: لا، الشيء التافه هذا يؤخذ سواءً كان في الحرم أو غيره، إنما الكلام في الشيء الذي له قيمة واعتبار. سؤال: وطبعًا بالنسبة لمقدار هذه التفاهة مثلًا كل زمان يختلف عن الآخر؟ الجواب: قد يكون في زمان الشيء له قيمة، بينما يكون في زمان آخر، هذا الشيء ليس له قيمة، نظرًا لكثرة الأموال بأيدي الناس، بينما يكون هناك زمان فيه فقر وحاجة، يكون الشيء اليسير له قيمة. *** رد اللقطة إلى صاحبها سؤال: وجدت نقودًا يوم كنت صغير السن ولجهلي بالأحكام، فقد أخذتها وتصرفت فيها، والآن أريد أن تبرأ ذمتي منها فماذا أفعل؟ الجواب: يلزمك إذا كنت تعرف صاحبها أن تردها إليه وأن تستبيح منه ما حصل منك من إساءة، وإذا كان صاحبها ميتًا، فإنه يجب عليك ردها إلى وارثه. أما إذا كنت لا تعلم صاحبها، ولا تعرفه، فإنه يتعين عليك حينئذ أن تتصدق بها على نية أن الأجر لصاحبها، ومع هذا عليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى من مثل هذا، لأن أموال الناس لا يجوز التعدي عليها، ولا أخذها بدون رضاهم، وهذا ظلم وعدوان، فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وترد المال إلى صاحبه أو إلى وارثه، فإن لم تستطع فعليك أن تتصدق به، وتبرئ ذمتك منه والله أعلم.

الوقف

الوقف سؤال: عندنا رجل أوقف أرضًا لمسجد جامع وعند كتابة ورقة الوقف لعن من يبيع شيئًا من هذا الوقف، ومنع قسمته على الورثة، وكان أحد أولاده قائمًا على هذا الوقف فقط، دون بقية إخوانه من ذكور وإناث، وقد قام أحد إخوته بمنازعته في هذا الوقف إلى أن حصل منه على الثلث، ولأن الباقين لم ينازعوا فلم يحصلوا على شيء، وبهذا فقد أصبح الوقف تحت يدي الاثنين فقط يستفيدان منه، رغم حاجة المسجد الموقف له إليه لإصلاحه وتجديد بنائه، فقد أصبح خرابًا، فما حكم استفادة هذين الأخوين منه دون بقية إخوانهما أو أخواتهما، ومع حاجة المسجد إليه؟ الجواب: إذا كان وقفًا على المسجد بأن يصرف ريعه وغلته لصالح المسجد، فإنه لا يجوز لأحد أن يستثمره بنفسه، ولا يجوز لأحد أن يأخذ من غلته شيئًا، والموصي أو الموقف قد جعلها للمسجد، فيجب صرفها لما وقفت عليه. وما ذكرت من تصرف هؤلاء واستغلالهم للوقف لصالحهم وحرمان المسجد هذا شيء لا يجوز، وهذا منكر يجب عليك أن ترفع بشأنه إلى القاضي، أو إلى المحكمة التي بجهتكم، لتتفاهم مع هؤلاء، أو قيم المسجد، إذا كان المسجد له قيم أو إمام، فإنه هو أيضًا يطالب بهذا الشيء للمسجد. الحاصل: أنه لا يجوز أن يتصرف في غلة هذا الوقف لصالح أقارب الواقف، وهو قد نص على أنه للمسجد؛ فلا بد من مراجعة المحكمة بهذا

الأمر لمعرفة الحكم الصحيح والتصرف الصحيح فيه، إذا كان فيه إثبات أو فيه وثيقة أو شهادة شهود يعتمد عليها. *** الصدقة والوقف سؤال: رجل تزوج امرأة وخلفت له أولادًا، ثم توفيت قبل والدها، وبعد ذلك قام والدها وتصدق بثلث ما له على أولاد ابنته، وبعد أن تم هذا، توفي أحد الأولاد المتصدق عليهم، فبعض الناس يقولون: إن هذا الولد المتوفى ليس له نصيب من صدقة جده، علمًا أن والده موجود، وكذلك والدته وإخوته، فهل يأخذون نصيبه على أنهم وارثين له، أم لا؟ الجواب: هذا بحسب نوعية الصدقة التي تصدق بها جدهم عليهم، إذا كانت من باب التبرع لهم والتمليك لهم ملكهم هذا الشيء، فإنها تكون ملكهم، ويكون ملك الابن المتوفى لورثته من بعده. أما إذا كانت هذه الصدقة من باب الوقف على أولاد ابنته فهذه تختص بالأحياء ومن مات ينقطع نصيبه، ويجري فيها على حسب شرط الواقف، بالترتيب أو عدم الترتيب بين المستحقين، والبطون مثلًا، لكن لا يستحق البطن الثاني شيئًا مع وجود أحد من البطن الأول. وهذا يدخل في نظام الأوقاف، وترتيب البطون وعدم ترتيبها، بحسب نص الواقف، فإذا كانت هذه الصدقة المذكورة من باب الوقف، فلا بد من الرجوع للقاضي في هذا. سؤال: هو اعتبرها تقييمه لهذا الثلث من المال الذي استولوا عليه؟

الصدقة والوقف

الجواب: نعم، وحتى بيع الوصية فيما ذكره السائل، وصحة هذا البيع وعدم صحته، هذا يحتاج نظر من القاضي. لأن النظر في الوصايا والأوقاف، هذا من اختصاص القضاة. ***

كتاب النكاح

كتاب النكاح

الزواج صيانة وحماية سؤال: كانت تعتنق الديانة المسيحية، وحين ذاك تقدم إليها شاب مسلم يرغب الزواج منها، فرفض والدها الموافقة على هذا الزوج، ولاقتناعها بهذا الرجل، ولرغبتها في الارتباط به، هربت من بيت والدها وذهبت إلى هذا الرجل وتزوجته وفي تأثير منه دخلت في دين الإسلام، وبما أن زوجها هذا كان جنديًّا في الجيش فقد قتل في الحرب العراقية الإيرانية وبعد ذلك طلب والد زوجها منها الخروج من بيتهم علمًا أن لها طفلة ويريد منها أن تذهب إلى أهلها مع أن أهلها يرفضون عودتها إليهم، إلا بعد أن تعود إلى المسيحية، وهذا ما لا تريده، ولن تفعله أبدًا، وقد أجبروها على أن تستأجر دارًا من راتب زوجها الذي تستلمه شهريًّا، وتسكن فيها مع ابنتها الصغيرة، ولكنها تخشى على نفسها بسبب سكناها وحدها دون رجل، لذا فهي تسأل أولًا: عن حكم زواجهما بالصورة الآنفة الذكر، وثانيًا: عن موقف والد زوجها معها بعد وفاة زوجها. وثالثًا: عن حكم سكنها في بيت وحدها دون رجل معها بصفة شرعية؟ الجواب: أولًا: نحمد الله عز وجل أن هداك للإسلام، ونسأله أن يثبتنا وإياك عليه. وأما بالنسبة للزواج الذي حصل، فهذا لا ندري عن كيفيته التي تم العقد عليها، فإذا كان العقد تم بولي شرعي وأخذ الصورة الشرعية، فالزواج الصحيح، وإذا كان خلاف ذلك، فهو غير صحيح، لكن ما دام أنه مضى وانتهى، فليس لنا دخل فيه.

وأما قضية أن والد زوجها حصل منه إساءة لها فلا ينبغي هذا، ينبغي لوالد زوجها أن يحسن إليها، لا سيما وأنها غريبة وأنها مسلمة، وأن أهلها كفار، ويخشى إذا ذهبت إليهم أن يحولوها عن دين الإسلام فلا يجوز لأبي زوجها أن يتحداها هذا التحدي السيئ، بل يجب عليه أن يحسن إليها، وأن يبقيها في بيت حوله، ويراقبها ويراقب ابنته التي معها، هذا الواجب على أبي زوجها. وأما بالنسبة في بقائها في بيت وحدها بدون زوج فهذا لا ينبغي لها، ننصح لها أن تتزوج، ليتم لها الصيانة والحماية والاطمئنان، ولتستغني أيضًا عن الذهاب إلى البلد الذي جاءت منه، والخطر من الردة، ننصح لها أن تتزوج ويتولى تزويجها القاضي الشرعي في هذه الحالة، لأن أباها ليس له عليها ولاية لأنه كافر وهي مسلمة. *** الزواج يشرع عند الحاجة سؤال: هل هناك سن محددة للزواج للشاب أو الفتاة؟ وهل هناك اختلاف بين العلماء في تعدد الزوجات؟ وما هو؟ الجواب: ليس للزواج سن معينة، بل الأمر راجع إلى الحاجة للزواج فإذا احتاج الشاب أو الشابة إلى الزواج في أي وقت فإنه يشرع لهما الزواج، بدون تحديد بسن، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج» .

الزواج يشرع عند الحاجة

سؤال: لكنه في الغالب بعد البلوغ؟ الجواب: في الغالب بعد البلوغ، لكن لو تزوج الشاب قبل البلوغ، أو الشابة زوجت قبل البلوغ فلا مانع في ذلك، فليس للزواج سن معينة لا يجوز قبلها، ولكنه عند البلوغ تشتد الحاجة إليه، فالزواج يشرع عند الحاجة إليه. وأما تعدد الزوجات: فهذا مجمع على جوازه بين المسلمين، ليس فيه خلاف، لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ، فتعدد الزوجات مجمع على جوازه بين أهل العلم، لكن بشرط أن يعرف من نفسه القيام بمتطلبات الزوجات، من الإنفاق والكسوة والسكن، فإذا كان يستطيع مؤونة الزوجات فإنه يعدد إلى أربع نسوة وإذا كان لا يستطيع ذلك، ويخشى على نفسه أن يحيف في القسمة، ويحيف في الإنفاق والتعامل مع الزوجات، فإنه يقتصر على واحدة: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] . والعدل هنا المراد به: العدل في التعامل بالعشرة والإنفاق والسكن والكسوة، وغير ذلك من الأمور التي يستطيع العدل فيها. أما ميل القلب، ومحبة القلب، فهذه لا يستطيع التصرف فيها، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] . سؤال: هل المقصود بالميل، ميل القلب؟ الجواب: نعم، وكان صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ويعدل ويقول: «اللهم هذا»

«قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» ، يعني: ميل القلب، ومحبة القلب. فالإنسان لا يؤاخذ إذا أحب بعض نسائه أكثر من الأخرى، لأن هذا شيء ليس باستطاعته، وإنما يؤاخذ إذا حاف بالقسمة، ولم يعدل فيها، فهذا الذي يؤاخذ عليه، وهذا الذي لا يجوز له التعدد في هذه الحالة. سؤال: إنما العدد أربعة أليس فيه خلاف بين العلماء؟ الجواب: العدد أربعة ليس فيه خلاف بين أهل العلم، ليس هناك من يقول بأقل، لكن فيه رأي شاذ، يرى أنه يجوز إلى أكثر من هذا العدد لكن هذا رأي شاذ، الإجماع على خلافه. *** الإحجام عن الزواج سؤال: عندي مرض مزمن منذ طفولتي، يحدث لي انهيار عصبي مفاجئ، كل يوم عدة مرات، وأشتغل في عمل جيد، وأمور المعيشة ميسرة ولله الحمد، والمرض هذا جعلني إنسانًا تعيسًا حيث عجزت عن العلاج وحيث بلغت سنًّا متقدمة، إلا أنني لا أحب الزواج، ولا أفكر فيه، ولا أسمح لأحد أن يناقشني فيه برغم إلحاح أهلي في ذلك، وهذه سنة الله في خلقه، فما رأي الشرع في نظركم في الإحجام عن الزواج؟ وهل علي إثم بهذا؟ أفيدوني بارك الله فيكم.

الإحجام عن الزواج

الجواب: أولًا: نسأل الله لك الشفاء من هذا المرض الذي ذكرته، وعليك الصبر والاحتساب في ذلك، وأما قضية تركك للزواج، فهذا راجع إلى ظروفك، فإذا كان السبب في هذا هو أنه ليس عندك رغبة في الزواج، من ناحية أنه ليس عندك استعداد للزواج من الناحية الخلقية، ولا تحس بشهوة، فإنه لا يتعين عليك الزواج في هذه الحالة، لأنه لا فائدة من الزواج مع عدم وجود الغريزة الجنسية أو الشهوة، فلا حرج عليك في ترك الزواج في هذه الحالة، لأنك معذور. أما لو كان عندك استعداد وعندك القدرة على الزواج، فإنه يشرع لك أن تتزوج ويتأكد في حقك التزوج لأن في الزواج مصالح كثيرة منها: إعفاف نفسك عن الحرام، وإعفاف غيرك. ومنها: التسبب في حصول الذرية التي رغب الإسلام في تحصيلها. أما إذا لم يكن عندك القدرة وليس هناك الدافع الغريزي للزواج فلا حرج عليك في تركه. *** عقد الزواج سؤال: عقد رجل على امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها فهل يحل لابنه أن يتزوج منها؟ الجواب: لا يجوز للابن أن يتزوج بالمرأة التي عقد عليها والده وطلقها قبل الدخول، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] ، وهذا يصدق على العقد ولو لم يدخل بها،

عقد الزواج

فزوجة أبيك تحرم عليك بمجرد عقده عليها، سواءً دخل بها أو لم يدخل لعموم الآية: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء: 22] . سؤال: لو فرضنا أنه العكس، يكون الابن عقد على امرأة ولم يدخل بها، فهل تحل لأبيه؟ الجواب: وكذلك العكس، فالوالد لا يجوز له أن يتزوج المرأة التي عقد عليها ابنه، سواءً دخل بها أو لم يدخل بها، لعموم قوله تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23] ، ولا يشترط في تحريمها الدخول. *** العقد الصحيح سؤال: أنا رجل متزوج وأريد الزواج من امرأة مطلقة، وكلانا موافق على الآخر، ولكن أهلنا يرفضون هذا الزواج بسبب خلافات شخصية بينهم، فهل يجوز لنا أن نتزوج سرًّا، بأن نضع القرآن الكريم بيننا ويشهد عليه كل واحد منا برضاه بالآخر، أم أن العقد بهذا الشكل لا يصح، أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب: العقد بهذا الشكل لا يصح، العقد الصحيح: هو أن يكون هناك ولي مع الزوجة، وأن يصدر الإيجاب من الولي والقبول من الزوج، وأن يكون هناك شهود، شاهدان فأكثر، وأن يكون هذا عن رضا من الطرفين، لا بد أن تتوفر شروط العقد.

العقد الصحيح

أما أن يحصل الاتفاق بينك وبين المرأة - تقول - على المصحف، هذا كله من الخرافات ومن البدع، وليس هذا عقدًا شرعيًّا، وليس للمرأة أن تزوج نفسها، ولا أن تعقد لنفسها، وإنما يعقد لها وليها، وما دام أن الأمر كما ذكرت، أن فيه مشاحة بين أقاربك وأقاربها، فالأولى الابتعاد عن مثل هذه، والنساء كثير، وهي ييسر لها من الأزواج ما يناسبها، وأنت ييسر لك من الزوجات ما يناسبك بدون نزاع، وبدون دخول في مشاكل. *** وجود الولي من شروط صحة الزواج سؤال: أنا شاب أعمل في المملكة منذ سبع سنوات وأصلي وأصوم والحمد لله، وقبل سنة تزوجت ولكن الفتاة ليس لها ولي فليس لها سوى أختها، وعندما ذهبنا إلى المحكمة رفضوا أن تكون أختها ولية على أمرها، وبعد مدة تزوجتها بحضور ثلاثة شهود وتم الزواج بدون ورقة عقد من المحكمة، وبعد ستة أشهر أرسلوا إلي من بلادي عقد زواج من محكمة شرعية بدون أن نحضر أنا وزوجتي، وحصلنا على العقد بواسطة توكيل عني وعن زوجتي من البلاد الأخرى، فهل هذا الزواج صحيح بهذه الصورة أم لا، وإذا لم يكن كذلك فماذا علينا أن نفعل لكي نصححه؟ الجواب: من المعلوم أن من شروط صحة الزواج وجود الولي الذي يتولى العقد لموليته، وإذا لم يكن لها ولي من عصبتها فإن وليها حاكم الشرع، يتولى أمرها ويعقد لها. وهذا العقد الذي ذكر السائل، هذا مشتبه، لا ندري على أي صورة وقع، لأنه قال: إنه ليس لها ولي إلا أختها، وأن المحكمة رفضت ولاية

وجود الولي من شروط صحة الزواج

أختها، ثم قال: إنه جاءه عقد بالتوكيل من بلاده ثم قال: إنه تزوجها بحضرة شهود، فهذا العقد لا ندري على أي صفة كان ومن الذي تولى عقدها، وعند مَن مِن أهل العلم حصل هذا الشيء، فالأمر لا يزال مشكلًا فالواجب عليه أن يتصل بالمحكمة الشرعية، أو أن يتصل برئاسة البحوث العلمية والإفتاء بالرياض، يتصل بهم شخصيًّا ويشرح لهم قضيته، وسيجد إن شاء الله التوجيه السليم. *** عقد غير صحيح سؤال: أرادت فتاة الزواج من ابن عمها وأعمامها هم الموكلون على تزويجها، غير أنهم رفضوا تزويجها من ابن عمها، هذا الذي تريده هي ويريدها هو، بحجة أن بينهم سوء تفاهم وخصام ولم تجد من يتولى أمر تزويجها، وقد ذهبوا إلى القاضي، وحين سألها عن وليها قالت: إن هذا أخي، تعني عمها، فرفض القاضي العقد بينهما، فرجعت البنت ووكلت ابن عمتها فتولى أمر تزويجها ووافق القاضي على ولايته، وتم الزواج، فهل هذا النكاح يعتبر صحيحًا، وإن لم يكن فماذا عليهم أن يفعلوا الآن؟ الجواب: أولًا: ننصح أبناء عمها أن لا يكون ما بينهم وبين الخاطب من سوء التفاهم سببًا في التأثير على البنت، ومصيرها، وتزوجها بمن يصلح لها وتصلح له، يجب عليهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن لا يمنعوا هذه البنت من الكفء الذي يريد الزواج بها بدافع أن بينه وبينهم سوء تفاهم، وأغراضًا شخصية. فما ذنبها أن تحرم من مصلحتها وكفئها؟ فعليهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وأن يؤدوا الأمانة التي حملهم الله إياها.

عقد غير صحيح

أما من ناحية ما حصل وتم من أنها وكلت ابن عمتها فالتوكيل ليس لها هي، أي لا تملك التوكيل، وإنما الذي يملك التوكيل هو وليها، أو القاضي إذا تعذر التوكيل من وليها، فالذي يوكل للعقد هو القاضي، أو يتولاه القاضي بنفسه، لأنه يقوم مقام الولي إذا عضل وامتنع أو كان لا يصلح للولاية، فلا بد أن تكون الوكالة صادرة من القاضي لا من البنت، فإذا كان الأمر كما ذكرت أنها وكلت ابن عمتها وعقد لها فهذا العقد غير صحيح، وعليهم إعادته، بأن تذهب مع وليها من بني عمها ويعقد لها عقدًا جديدًا على هذا الزوج، أو القاضي يتولى ذلك. فالحاصل: أن في رجوعهم إلى القاضي الشرعي، وإفهامهم إياه بما حصل سيصحح لهم إن شاء الله القضية، ويوجههم الاتجاه السليم، فليرجعوا إلى القاضي الشرعي الذي في طرفهم، ثم هو يتولى تصحيح العقد، والله الموفق. *** عقد الزوجية لم يفسخ سؤال: سافر أحد أفراد قريتنا، وطالت غربته في السفر، فكتب إلى كبير قريتنا رسالة يقول فيها: أخبر زوجتي إن كانت تريد الخلع أن تفعل، ولكن كبير القرية لم يخبر أحدًا بهذه الرسالة وبعد مضي خمسة وأربعين شهرًا عاد ذلك الرجل إلى أهله وبيته، فهل يقع عليه شيء بسبب ما كتبه أم لا؟ الجواب: إذا كان الحال على ما ذكرت من أن كبير القرية لم يبلغ المرأة بتخيير الزوج لها، إن أرادت الفسخ ولم تعلم بذلك، ولم يجر منها فسخ، فإنها باقية على عقد الزوجية، وهي زوجته، لأنه لم يحصل ما يرفع عقد الزوجية، والله أعلم.

تزويج المرأة نفسها

تزويج المرأة نفسها سؤال: تقدم شاب متدين صفاته حميدة لخطبتي، ولكن والدي رفض قبولها بحجة عدم كفاءته حسبًا ونسبًا، وهو يريد لي شاب من العوائل العريقة ذات المال والجاه، بينما أنا راضية به ولا أريد سواه، فهل يجوز لي أن أتزوج منه بدون ولي أمري، فقد قرأت في فقه السنة لأبي حنيفة ما يجوز ذلك النكاح، ثم إن الله أوكل أمور العبد لنفسه، ومنها الزواج، فإذا كان والدي سيحرمني من الزواج بمن هو مناسب لي، وحريص على كرامتي وصيانة عرضي ومتمسك بدينه، ثم يريد تزويجي ممن لا يتصف بهذه الصفات أليس لي الحق في عدم استئذانه في زواجي بشخص صالح، وأقوم بتزويج نفسي عند القاضي، أو أستأذن أحد أقربائي الآخرين المقتنعين بوجهة نظري ويتولى أمر زواجي؟ الجواب: أولًا: لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها، فإن زوجت نفسها فنكاحها باطل عند جمهور أهل العلم، سلفًا وخلفًا وذلك لأن الله سبحانه وتعالى خاطب بالتزويج أولياء أمور النساء قال: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} [النور: 32] ، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» . أما ما ذكرت من أنها قرأت في بعض كتب الفقه، أن للمرأة أن تزوج

نفسها، فهذا قول ضعيف ومرجوح، والصحيح الذي يقوم عليه الدليل خلافه، ولا يجوز العمل به. وأما ما ذكرت من واقعتها، وأن لها رأيًا يخالف رأي أبيها لأن أباها يريد لها زوجًا حسيبًا نسيبًا يكافئها، وهي لا ترى ذلك، وإنما تميل إلى أن تتزوج بشخص ترى أنه ذو دين، وإن لم يكن ذا حسب ونسب فالحق مع أبيها في هذا، وأبوها أبعد منها نظرًا، وقد يخيل إليها أن هذا الشخص يصلح لها في حين أنه لا يصلح، فليس لها أن تخالف أباها ما دام أنه ينظر في مصلحتها، وإذا قدر أنه تحقق أن هذا الشخص يصلح لها، ويكافئها في مقامه وحسبه ودينه، إذا قدر هذا وأبى أبوها أن يزوجها به، فإنه حينئذ يكون عاضلًا، وتنتقل الولاية إلى من بعده من بقية الأولياء، ولكن هذا لا بد فيه من مراجعة القاضي لينقل الولاية من الأب العاضل إلى من بعده من بقية الأولياء، وليس لها هي أن تتصرف، أو يتصرف أحد أوليائها بدون رضى أبيها، لا بد من الرجوع إلى القاضي الشرعي، وهو ينظر في الموضوع وملابسات الواقعة، وإذا رأى نقل الولاية إلى آخر، نقلها حسب المصلحة، لا بد من ضبط الأمور في الزواج، ولا بد من القيام على النساء، لأن النساء نظرهن قاصر، وأولياء أمورهن من الرجال عندهم من الحرص على صيانتهن والغيرة عليهن ما ليس عندهن فينبغي مراعاة هذا، والله أعلم. ***

المهر ملك الزوجة

المهر ملك الزوجة سؤال: هل يجوز لزوجة الأب أن تأخذ شيئًا من مهر بنات زوجها من امرأة غيرها إذا قامت هي بتربيتهن ورعايتهن وذلك برضاهن ورضا والدهن، أم ليس لها الحق في أخذ شيء منه؟ الجواب: لا بأس بأن تأخذ شيئًا سمح به بنات زوجها من غيرها لأن المهر ملك للزوجة، فإذا سمحت بشيء منه لزوجة أبيها، أو لغيرها، فلا بأس بذلك، حتى لو سمحت بشيء منه لزوجها فلا بأس بذلك، لقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] ، فالمهر ملك الزوجة لها أن تعطي زوجة أبيها منه أو غيرها. *** الزواج من كسب غير مشروع سؤال: ما الحكم في رجل كسب مالًا عن طريق غير مشروع، ودفع منه مهر زوجته التي يعيش معها الآن، وله منها ثلاثة أولاد، فما الحكم في عقد الزواج بينهما في هذه الحالة، وفي الأولاد، علمًا أنه تاب إلى الله من هذا العمل، وقد أراد أن يعيد المال إلى صاحبه الذي أخذه منه، ولكنه لم يجده، فكيف يتصرف فيه؟ وهل يجوز أن يتصدق به لزوج أخته المحتاج إلى الصدقة أم لا؟ الجواب: أولًا: بالنسبة للنكاح نكاحه صحيح، إذا كانت شروطه متوفرة، فهو صحيح في حد ذاته، ولا غبار عليه. أما من ناحية المال الذي ظلمته وأخذته بغير حق يجب عليك رده إلى

الزواج من كسب غير مشروع

صاحبه، وطلب المسامحة منه؛ لأنك ظلمته وأخطأت في حقه، فلا بد من أمرين: رد المال، وطلب المسامحة، مهما كلفك الأمر إذا وجدته، فإن لم تجده بأن كان ميتًا، فإنك تدفعه إلى ورثته. فإذا تعذر الأمران: لم تجده، ولم تجد له وارثًا، ولا تعرف عنه شيئًا البتة، مع بذل الجهد في طلبه، واستقصاء البحث عنه، فحينئذ تتصدق بهذا المال على نية أنه لصاحبه، وأن الثواب لصاحبه، وأنت تتخلص منه، والله تعالى أعلم. سؤال: في حال الصدقة هل يجوز أن يتصدق به لزوج أخته؟ الجواب: نعم، يدفعه للمحتاج، أيا كان، سواءً كان زوج أخته أو غيره. سؤال: لكن لو كان إخباره للمسروق منه، أو للذي أخذه منه قد يحدث مشكلة يلزمه أيضًا أن يخبره؟ الجواب: إذا كان الإخبار يحدث مفسدة أكبر، فلا يخبره ولكن يعمل على إيصال المال إليه، بأي وسيلة. *** سؤال: رجل تزوج من فتاة وقد دفع لها مهرًا من مال جمعه بطريقة غير مشروعة، وقد أنجبت منه زوجته الآن؟ فما الحكم في هذا الزواج وفي الذرية؟ الجواب: يجب على المسلم أن يقتصر في الكسب على ما أحل الله له، من الرزق الحلال، الذي يستعين به على طاعة الله وعلى مصالحه الدنيوية والأخروية، فإن الكسب الحلال، كسب مبارك، وآثاره حميدة

على المسلم، إن تصدق منه، وإن أنفق منه على نفسه وأقاربه، وإن تزوج منه، وإن ورثه، لمن خلفه فله في ذلك أجر عظيم. ويجب على المسلم أن يبتعد عن الكسب المحرم والكسب الخبيث {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة: 100] ، فالكسب المحرم آثاره سيئة على الإنسان، وهو آثام على كاسبه في الدنيا والآخرة، والسائل يذكر أنه اكتسب كسبًا محرمًا وتزوج منه، لا شك أنه بذلك، فعل محرمًا ولكنه إذا تاب إلى الله سبحانه وتعالى وندم على ما حصل وعزم ألا يعود إلى مثل هذا، وتاب توبة صحيحة، فإن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة عن عباده. وزواجه صحيح، ولكنه يأثم على ما بذل فيه من المال المحرم فإن كان هذا المال المحرم مغصوبًا أو مأخوذًا بغير حق من أهله فيجب عليه أن يرد عليهم بدله، مع التوبة إلى الله سبحانه وتعالى. سؤال: هل من شروط التوبة أيضًا أن يرد المظالم إلى أهلها؟ الجواب: نعم، من شروط التوبة أن يرد المظالم إلى أهلها، فإذا كان هذا المال الذي استحصل عليه وتزوج منه، مالًا مغصوبًا، فإنه يرد بدله، وإن كان باقيًا مع الزوجة، فإنه يرده، يأخذه منها ويرده، ولها مهر المثل. *** الزواج بالإكراه سؤال: ما حكم الزواج المفروض بالقوة على الفتاة أو على الشاب من قبل أهلهما، وهل عصيان الوالدين في مثل هذا الموضوع جائز أم لا؟

الزواج بالإكراه

الجواب: أولًا: لا ينبغي أن يجبر الإنسان على الزواج، سواءً كان ذكرًا أو أنثى، وإنما يتزوج باختياره ورغبته. وأما مسألة عصيان الوالدين في هذا، ففيه تفصيل، إذا كانت الزوجة التي ألزمك والدك بالزواج منها، أو الزوج الذي ألزم البنت أبوها بالزواج منه، إذا كان لا يصلح من ناحية الدين، فإنه لا تجوز طاعته في هذا، لأن هذه معصية، «ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،» أما إذا كان امتناعه منه لغير الدين، وإنما لأمر آخر، من ناحية خلقه، أو لأمر غير الدين، فالأحسن أن تطيع والدك، وربما يكون ذلك خيرًا لك، والله تعالى يقول: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] ، ويقول: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19] ، وربما يكون والدك أحسن نظرًا منك وأبعد نظرًا في العواقب، فإذا كان كراهتك للزوجة، أو كراهة الزوجة لهذا الزوج لا لأمر ديني، فالأحسن أن يطيع والده، وأن يقدم على الزواج، ولعل في ذلك خيرًا إن شاء الله. سؤال: بالنسبة للزواج المفروض بالقوة، من حيث الصحة، هل هو صحيح؟ الجواب: إذا كان بالقوة من غير اختيار الشخص، يعني أكره على هذا، يكون للشخص الخيار في إمضائه أو فسخه. *** اختيار الزوجة سؤال: إذا أراد الإنسان الزواج من فتاة قريبة له، أو بعيدة عن أسرته، ولكن لها إخوة ليسوا بحالة جيدة من حيث الذكاء والفطنة، ويخشى على

اختيار الزوجة

أطفاله من هذا مستقبلًا، فهل يصح العدول عنها إلى غيرها لهذا السبب فقط، وما مدى صحة الحديث: «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس؟» الجواب: نعم، ينبغي للإنسان أن يختار الزوجة الملائمة والخالية من الأعراض الضارة لها ولأولادها، وأن يختار من الأسر الطيبة الأسر العريقة؛ لأن هذا يؤثر على الذرية بإذن الله. وأما مدى صحة الحديث: «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس» ، فهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم على أنه حديث، ولكن معناه صحيح، لأن الإنسان؛ ينبغي له أن يتحرى الزوجة المناسبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» ، فينبغي أن يختار الصالحة في دينها، والصالحة أيضًا في نسبها وجسمها من الآفات، لأن هذا له تأثير على العشرة، وتأثير على الذرية بإذن الله. *** اختيار الأزواج الصالحين سؤال: تزوجت رجلًا منذ أربع عشرة سنة ولم يكن لي علم بأن هذا الرجل قد ترك دينه وذهب وراء ملذاته ورغباته، ويومًا بعد يوم ازدادت مشكلتي معه إلى حد أني لم أعد أحتمل ذلك الوضع، فقد أنجبت من هذا

اختيار الأزواج الصالحين

الرجل أربع بنات وابنًا، وحياتي معه خطأ، فهو يمنعني من الحجاب الشرعي وقد حلف يمينًا بالطلاق بالثلاث إن رآني أصلي ليمزقن ملابس الصلاة، وكلما جاء رمضان يمنعني من الصيام، إلى أن أضطر لترك المنزل وعدم العودة إلا بشروط، ولكنه يعود كما كان وأسوأ فأصلي بالخفية عنه من خوفي أنه لو رآني لضربني ولمزق ملابس صلاتي ومع ذلك، لا يجالس إلا الأشرار، ويسهر إلى آخر الليل، ويأتي البيت وهو سكران فاقد الوعي، وهو مقصر في واجباته، حتى المنزلية ومصروف المنزل، ألفاظه سيئة للغاية معاملته قاسية، وأنا أخشى أن أتركه خوفًا على بناتي منه، رغم أنه والدهم، إلا أنه لا يعرف الله فأتوقع منه كل شيء والعياذ بالله، فما الحكم في عيشي مع زوجي في مثل هذه الحال؟ الجواب: أولًا: يجب عند الزواج، اختيار الأزواج الصالحين المتمسكين بدينهم، الذين يرعون حرمة الزواج وحسن العشرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه» ، فدل على أنه يطلب عند الزواج تحري واختيار الزوج المتمسك بدينه، وأنه لا يجوز أن يتساهل في هذا الأمر، وقد كثر التساهل في زماننا هذا في هذا الزمن الخطير، فصار الناس يزوجون بناتهم وموالياتهم برجال لا يخافون الله واليوم الآخر وصرن يشتكين من مثل واقع هذا الزوج الذي ذكرته السائلة، من إضاعة دين الله، وارتكاب المنكرات، والعشرة السيئة، ووقعن في حيرة من أمر هؤلاء الأزواج، ولو أنهم تحروا قبل الزواج الرجل

الصالح، ليسر الله سبحانه وتعالى، ولكن هذا في الغالب ينشأ من التساهل وعدم المبالاة بالأزواج الصالحين، والرجل السوء لا يصلح أبدًا، ولا ينبغي التساهل في شأنه، لأنه يسيء إلى المرأة، ربما يصرفها عن دينها، وربما يؤثر على ذريتها، فهو قرين سوء، لا يجوز تزويجه. وإذا كان مرتدًا عن دين الإسلام، بارتكابه ناقضًا من الدين فهذا لا يجوز أن يزوج مسلمة، لقوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] ، وبقوله سبحانه وتعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] . وأما إذا تزوجها وهو مسلم، ثم ارتد بعد ذلك -والعياذ بالله - فإنه يفرق، بينه وبين زوجته المسلمة، إلا إذا تاب وهي في العدة، فإنها ترجع إليه. فالحاصل: أنه يجب الاعتناء بهذا الأمر الخطير، وأن يهتم باختيار الأزواج للنساء ولا يتساهل فيه لأنه يترتب عليه أمور كثيرة. وأما بالنسبة لما ذكرت السائلة من حال زوجها، وإعراضه عن دين الله، وأنه يجبرها على ترك الصلاة، وفعل المنكرات وأنه لا يتورع عن المحرمات، فهذا أمر خطير، لا يجوز لهذه المرأة أن تبقى في عصمته، ويجب عليها أن تطلب الفراق منه، لأنه لا خير فيه، ولا خير في البقاء معه، فيجب عليها أن تفارقه، وأن تبتعد عنه، لتسلم على دينها وتسلم على عرضها، وتسلم على بقية حياتها. سؤال: إذا حصل وفارقته مع من يكون الأطفال؟

الجواب: يكون الأطفال إذا كانوا صغارًا دون التمييز مع أمهم إلا إذا تزوجت، لأنها تسقط حضانتها. أما إذا بلغ الذكور سبع سنين، فإنهم يخيرون، فإذا اختاروا من يصلح لدينهم وتربيتهم الصحيحة، كانوا معه، من الأب أو من الأم. والحاصل أن ولي الأمر يرجع في هذا إلى القاضي الشرعي، فينظر في مصلحة هؤلاء الأطفال ويجعلهم عند من يحسن إليهم ويحسن تربيتهم. *** طاعة الوالدين في اختيار الزوجة سؤال: أنا شاب أريد أن أتزوج، وقد خطبت فتاة من خارج أسرتنا، فأخبرت والدي وأمي بذلك، فرفضا هذا الزواج، وأنا مصر على الزواج من هذه الفتاة، ولكن والدتي قالت لي: إذا تزوجت هذه الفتاة لن أسامحك، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا تواصلنا أبدًا، وكذلك بقية إخواني ووالدي كذلك رفضوا، وأنا لا أدري لماذا رفضوا زواجي منها، ولم يظهر لي منها ما يمنع، وأنا على إصرار شديد فهل علي إثم إن تزوجتها، أو يعتبر هذا عقوقًا وعصيانًا لوالدي، أفيدوني ماذا أفعل، أتزوجها أم أتركها؟ الجواب: ما دام أنه قد أجمع والداك وإخوتك على منع التزوج من هذه الفتاة، فإنه لا ينبغي لك أن تتزوجها، لأنهم يعلمون منها ما لا تعلم، وهم من أنصح الناس لك، وأرفق الناس بك، فلولا أنهم يعلمون منها شيئًا لا يناسب، لما منعوك من زواجها، خصوصًا الوالدين، وشفقة الوالدين وحرصهما على ولدهما؛ فلا ينبغي لك أن تتزوج هذه المرأة، وقد حذروك

طاعة الوالدين في اختيار الزوجة

منها ونصحوك بالامتناع من الزواج بها، والنساء كثير، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه؛ فطاعة والديك وإخوانك خير لك من ناحية، ومن ناحية ثانية أنهم أنصح لك من غيرهم، فربما أنهم يعلمون من هذه المرأة ما لا تعلمه من الخصال التي لا تتناسب، فلا ينبغي أن تتزوجها، فإن النساء كثير، وطاعة الوالدين والإخوة فيها الخير إن شاء الله. *** طاعة الوالدين وطاعة الزوج سؤال: حدث خلاف بين زوجي وأهلي على أمر من أمور الدنيا، ولقد أردت أن أقف إلى جانب أهلي، لأن طاعة الوالدين والإحسان إليهما فيه امتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولكني منعني من ذلك ما سمعت من أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا أعلم مدى صحتها، فمنها قوله ما معناه: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» ، وحديث آخر يقول: «لن يرضى الله عن المرأة حتى يرضى عنها زوجها» ، وقد حاولت الإصلاح بين الطرفين، ولم أفلح بأي شكل، أرجو أن ترشدوني إلى جانب من أقف، أنا أخاف إن أغضبت والدي أن أغضب الله، وإن أغضبت زوجي أن لا أكون الزوجة المؤمنة الموفية بحق الزوج كما يجب، كما أرجو أن توجهوا لهم نصيحة لعل الله ينفعهم بها؟ الجواب: أما حق الوالد، فلا شك أنه واجب، وهو حق متأكد، فقد أمر الله تعالى بطاعته بالمعروف والإحسان إليه، في آيات كثيرة، وكذلك

طاعة الوالدين وطاعة الزوج

حق الزوج، حق واجب على زوجته متأكد، فلوالدك عليك حق، ولزوجك عليك حق، والواجب عليك إعطاء كل ذي حق حقه، لكن ما ذكرت من وجود النزاع بينهما، ولا تدرين مع أيهما تقفين فالواجب عليك أن تقفي مع الحق. فإذا كان زوجك محقًّا وأبوك مخطئًا، فالواجب أن تقفي مع الزوج، وأن تناصحي أباك، وإن كان العكس، كان أبوك محقًّا وزوجك مخطئًا فالواجب أن تقفي مع أبيك، وأن تناصحي زوجك، فالواجب أن تقفي مع الحق، وأن تناصحي المخطئ منهما، هذا ما يتعلق بموقفك مع أبيك أو مع زوجك في النزاع الذي بينهما. وحاولي الإصلاح بينهما ما استطعت، لتكوني مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، ويزول على يدك هذا الشقاق وهذا الفساد، وتؤجرين على ذلك، فإن الإصلاح بين الناس، ولا سيما بين الأقارب من أعظم الطاعات قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114] . وأما النصيحة التي نوجهها إلى الطرفين، فالواجب عليهما تقوى الله عز وجل والتعامل بالأخوة الإسلامية، وبحق القرابة والصهر الذين بينهما أن يتناسوا ما بينهما من النزاع، وأن يسمح كل واحد منهما للآخر فإن هذا هو شأن المسلمين، وأن لا ينساق مع الهوى، أو مع الشيطان، استعيذوا بالله من نزغات الشيطان. أما حديث: «لو كنت آمرًا» ... ، هذا حديث صحيح فيما أعلم، وأما الثاني فلا أدري عنه، لكن كما ذكرنا معناه صحيح أن طاعة الزوج واجبة على الزوجة بالمعروف.

طاعة الزوج في قطيعة الرحم سؤال: هل للزوجة أن تطيع زوجها في قطيعة أهلها، كأمها وأبيها وأخواتها وأقاربها. وعلى من يكون الإثم هنا؟ علمًا أن الزوج يستشهد على إرغام زوجته بقطيعة أهلها بقصة امرأة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أطاعت زوجها في مثل ذلك إلى أن مات أبوها، ولم تره طاعة لزوجها، وأيدها الرسول في ذلك وقال: «إن أباها دخل الجنة أو غفر له بسبب طاعتها لزوجها» ، فما مدى صحة هذا الحديث وما الحكم في هذا الموضوع؟ الجواب: الله سبحانه وتعالى أوجب حق الوالدين وحق الأقارب ونهى عن قطيعة الوالدين والأقارب، فقطيعة الوالدين هذا عقوق، وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك، وكذلك قطيعة الرحم كبيرة من الكبائر، لقوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23] . ولا يجوز للزوج أن يحمل زوجته على قطيعة أرحامها بغير حق؛ لأنه بذلك يحملها على المعصية، وعلى مقاطعة أرحامها، وفي ذلك من الإثم، وفي ذلك من المفاسد الشيء الكثير، وطاعة الزوج وطاعة كل ذي حق إنما تجب بالمعروف، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة بالمعروف» ،

طاعة الزوج في قطيعة الرحم

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ، فلا يجوز لهذا الزوج أن يمنع زوجته من صلة أرحامها في حدود المشروع في حدود المصلحة، بل عليه أن يعينها على ذلك، وأن يشجعها على ذلك، لأن في هذا الخير الكثير لها وله، وأما الحديث الذي أشار إليه السائل، فهذا لم أسمع به ولم أره ولا أدري ما حاله. *** إطالة مدة الخطوبة سؤال: تقدمت بالخطوبة لبنت خالي والحمد لله، وتمت الخطوبة، ومضى على زمن الخطوبة سنة وثلاثة أشهر، وحتى الآن لم يتم عقد النكاح، وهي في انتظاري، وأنا حتى الآن لم أتمكن من الحصول على المبلغ الذي يقيم الزواج، هل يكون علي إثم في هذا التأخير، وإن كان علي إثم، أفيدوني ماذا أفعل؟ الجواب: لا إثم عليك في هذا التأخير ما دام أنه بسبب إعسارك وانشغالك بجمع تكاليف الزواج، لأنه بسبب العذر، لكن ينبغي لك أن تستسمح منهم، وأن تخبرهم بالواقع، وأنك بحاجة إلى وقت لجمع ما يلزمك من المؤن، فإذا أخبرتهم بذلك، وسمحوا لك فلا بأس بذلك، ولا حرج عليك، والذي نوصي به، أن لا يكلف الزوج من مؤن الزواج، ما لا يستطيعه، بل ينبغي تيسير الزواج، وتيسير المهر، والتخفيف من كلف الزواج مهما أمكن.

تصرف خاطئ

تصرف خاطئ سؤال: لي ابنة عم في سن الزواج، وبعد أن سافرت من بلدي تقدم لها شاب يريد الزواج منها، ووافق أهلها، ووافقت هي أيضًا، وحينما عدت إلى البلد وعلمت بذلك، طلبت من عمي أن يطلب من هذا الشاب أن يتخلى عنها لي، فأنا أرغب الزواج منها، ولكن عمي رفض طلبي، علمًا أن البنت نفسها تريدني أنا أن أكون زوجًا لها حينما سئلت عن ذلك، وكذلك والدتها موافقة على فسخ خطبتها وتزويجي بها، وحينما علم هذا الشاب الخاطب بمحاولاتي فسخ خطبته لابنة عمي، غضب لذلك، وكادت أن تحدث مشاكل رغم استعدادي لدفع كل ما قدمه وما خسره لهذه الفتاة، ولكن وبعد أن تدخل بعض الناس للإصلاح وطلبوا منه التنازل عن خطبته لابنة عمي، وفعلًا تم ذلك بدون كامل رضاه، بل فعله حياءً وتقديرًا، وكما يقال: جبر خاطر، فهل علي إثم في عملي هذا؟ وهل يجوز لي بعد ذلك الزواج منها أم لا؟ الجواب: أخطأت في تصرفك هذا، فإن الذي ينبغي لك أنك لما علمت بسبق أخيك المسلم لهذه المرأة أن لا تدخل في هذه القضية، وأن تعدل إلى زوجة أخرى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه،» هذا حق لمسلم سبقك إليه، فلا يجوز لك أن تتعدى عليه، وأن تفسد شأنه في هذا، حق المسلم على المسلم عظيم، وحرمته عظيمة، فأنت أخطأت في هذا، والواجب عليك أن تتوب إلى الله عز وجل وأن لا تعود لمثل هذا، وأن تستحل أخاك مما صدر منك في حقه، وتطلب منه المسامحة.

أما بالنسبة لتزوجها، تسأل هل يجوز لك أن تتزوجها بعدما تخلى عنها؟ فإذا كان تخلى عنها ولم يبق له رغبة فيها فلا مانع أن تتزوج منها، أما إذا كان له رغبة فيها، ولا يزال يريدها، وإنما تركها كما ذكرت من باب الحياء والمجاملة، فالأولى أن تترك له المجال ليتزوجها. *** هجر الزوجة سؤال: رجل هجر زوجته مدة سنتين، لم يطلقها ولم يرجعها إلى أولادها، ولم يقم بواجب الإنفاق عليها، وليس لها قريب ولا من ينفق عليها، فحالتها صعبة وشديدة، وهي منقطعة من كل أحد إلا من الله، فما الحكم الشرعي في مثل هذا الزوج، الذي ترك زوجته وأم أولاده تصير إلى هذا المصير السيئ المؤلم؟ الجواب: لا شك أن للزوجة حقوقًا على زوجها، يجب عليه أداؤها، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ولنسائكم عليكم حقًّا» ، والله تعالى يقول: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ، ويقول سبحانه وتعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، إلى غير ذلك من الأدلة التي توجب على الزوج أن يتقي الله تعالى في زوجته، ويؤدي إليها حقوقها، ولا يجوز له أن ينقصها شيئًا من حقها إلا بمبرر شرعي، أما إذا كانت ناشزًا، وما ذكرته

هجر الزوجة

من هجران هذا الزوج لزوجته، هذه المدة الطويلة، وحرمانها من حقوقها هذا ظلم، لا يجوز له، إذا صح ما ذكرت، وكان ذلك بدون مبرر شرعي، فإنه لا يجوز له، وهو ظالم لها، فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يؤدي إليها حقها، وأن يستسمحها عما سبق من ظلمه لها، وكذلك لأولاده عليه حقوق، فلا يجوز له أن يضيعهم، وأن يتساهل في تربيتهم والقيام بمصالحهم. مسؤولية الأولاد مسؤولية عظيمة، ولو كان بينه وبين أمهم سوء تفاهم، فإن ذلك لا يسقط حقهم عليه. فعلى كل حال، القضية قضية مهمة، ولا يجوز له أن يظلمها، أو أن يظلم أولاده، بل عليه أن يتوب إلى الله وأن يرجع إلى صوابه، فإذا لم يحصل ذلك، فلا بد من رفع شأنه إلى ولي الأمر، للأخذ على يده، والله تعالى أعلم. سؤال: هل لهذه الزوجة الحق في مطالبته في الإنفاق عليها في السنتين الماضيتين إذا لم تسمح؟ الجواب: نعم، لها المطالبة بذلك، إلا إذا كانت قد تسببت في قطع النفقة، كما لو نشزت عنه، أو عصته في شيء يجب عليها له، هذا يحتاج إلى نظر ودراسة في القضية من الطرفين. ***

ضرب الزوجة

ضرب الزوجة سؤال: أنا رجل متزوج وقد حصل ذات مرة سوء تفاهم بيني وبين زوجتي فضربتها ضربًا شديدًا، ومن شدة غضبها فقد مزقت ثيابها التي كانت عليها، وقد سمعت أن من يشق ثوبه أنه يخرج من الدين، ويجب عليه أن يذهب إلى شيخ ليقرأ له آيات من القرآن وأحاديث نبوية، وهو يردد خلفه، فبذلك يكون قد أعاده الشيخ إلى دينه، فهل هذا صحيح؟ وهل علي إثم في ضربي لها ضربًا شديدًا أم لا؟ الجواب: أولًا: أنت أخطأت في تصرفك بضربها، لأنه لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته إلا بمبرر شرعي، وبالحد الذي أذن فيه الشارع، كما إذا نشزت وامتنعت من طاعته، وامتنعت من استمتاعه بها، على الوجه الشرعي، فإن الله جل وعلا يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] ، فالضرب آخر المراحل وهو ضرب غير مبرح كما ذكر ذلك أهل العلم. أما الضرب الشديد، أو الضرب لغير مبرر فهذا لا يجوز، حرام على الزوج أن يعمله مع زوجته. أما بالنسبة لما فعلته هي من شق ثيابها، فهذا خطأ منها، لأن المسلم لا يجوز له أن يشق ثيابه عند الجزع وهذا من أفعال الجاهلية، والواجب على المسلم الصبر والاحتساب وعدم شق ثيابه عندما يجزع أو يغضب.

أما أنه يخرج بذلك من الدين كما سألت، هذا غير صحيح، لا يخرج بذلك من الدين، ولكن هذا أمر لا يجوز وحرام عليه، ولكنه لا يخرج به من الدين. وأما الذهاب إلى شيخ ليعمل كذا وكذا، فهذا خطأ كبير، وهذا ليس من دين الإسلام، المذنب إذا حصل منه ذنب فإنه يتوب إلى الله عز وجل بدون أن يذهب إلى شيخ، وهذا من فعل النصارى الذين يذهبون إلى رهبانهم وكنائسهم، ليخلصوهم من المعصية كما يزعمون. أما المسلم، فإن الله أمره بالتوبة بينه وبينه، وصدق التوبة، والله جل وعلا يقبل التوبة ممن تاب، ولا يحتاج إلى ذهاب إلى شيخ والله أعلم. *** تعويض الزوجة سؤال: والدي متزوج من اثنتين، الأولى لها ولدان وأربع بنات، والثانية لها ولدان وابنتان، فحين أراد الذهاب لأداء فريضة الحج، أوصى للأولى بقطعة أرض مما يملك، زاعمًا أنه أكل من مالها وأراد أن تسامحه، ومنذ عدة سنوات، توفيت قبل أن نقتسم الميراث، ومنذ عام بالتحديد، أراد والدي أن يقسم بيننا الأرض، فأبقى ما أوصى به للزوجة، خارج الميراث وأضافه لأبنائها مما أثارنا نحن أبناء الزوجة الثانية، واحتججنا على ذلك، فهل يحق لوالدي أن يعطي زوجته الأولى، على الرغم أنها توفيت قبل أن يقسم الميراث، وهل يحق لولديها فقط أن يأخذوا نصيبها دون أخواتهما؟ الجواب: إذا كان على الصفة التي ذكرتها من أن أباكم أعطى هذه الأرض

تعويض الزوجة

لزوجته في مقابل أنه أكل شيئًا من مالها، فهذا يكون من باب المعاوضة، وتكون الأرض ملكًا لها، لأنه دفعها إليها في مقابل ما تمول من مالها، فهذه الأرض التي أعطيت لها عوضًا عن مالها، تكون ملكًا لها وإذا ماتت تكون لورثتها من بعدها الذكور والإناث، وليس لكم فيها أي استحقاق. أما بالنسبة لقسم والدكم بقية الأراضي وهو على قيد الحياة، هذا لا يسمى ميراثًا، وإنما يسمى هذا من باب العطية، فإذا كان سوى بينكم في العطية ولم يخصص بعضكم دون بعض، فهذا لا بأس به، أما إذا كان فيه تفضيل لبعض الأولاد على بعض، فهذا حرام ولا تنفذ هذه العطية. *** نكاح الشغار سؤال: أراد أخي الزواج من إحدى الفتيات من قريتنا، فاشترط أخوها أن يزوجه أخي أخته، واتفقا على ذلك، وبعد مدة وقبل العقد لأي منهما، سمعنا أن مثل هذا النكاح محرم، وأنه شغار، فأخبرناهم بذلك، فقال أخو الفتاة التي خطبها أخي: ما دام الأمر كذلك، فزوجني أختك، وبعد سنة أزوجك أختي، فوافق أخي على أن يعطيه أخته مقابل مهر قدره ستون ألف ريال، على أن يزوج أخت صهره بعد سنة بمثل ذلك المهر أو أكثر، أو أقل، فهل هذا النكاح على مثل هذه الصورة جائز أم لا؟ الجواب: أن مثل هذا التصرف من المذكورين، هو نكاح الشغار، وذلك بأن يزوجه موليته بشرط أن يزوجه الآخر موليته، وهذا إذا كان بدون مهر، بأن جعلت إحدى المرأتين في مقابل الأخرى، فهذا شغار بلا إشكال، وهو

نكاح الشغار

محرم والنكاح باطل، وكذلك على الصحيح، يكون شغارًا حتى ولو سمي لكل واحدة منهما مهر؛ لأن الضرر واقع على المرأتين، بكل حال، ولعموم الأحاديث التي تنهى عن نكاح الشغار، وهو كما ذكرنا أن يكون زواج إحدى المرأتين مشروطًا بزواج الأخرى ولا يفيد ما ذكرتم من تأخير زواج إحداهما عن زواج الأخرى إلى سنة، فإن هذا من التحايل، وهذا لا يرفع الحرمة ولا يفيد بجواز مثل هذا التصرف. فعليكم بالابتعاد عن هذا، وكل يزوج موليته زواجًا صحيحًا لها فيه منفعة، ولها فيها اختيار، ولها فيه مهر المثل، بدون أن يربط زواجها بزواج امرأة أخرى تقابلها. سؤال: إذا على هذا لا عبرة بجعل مهر لكل منهما ما دام في الأمر اتفاق أو شرط؟ الجواب: نعم، على الصحيح أنه ولو كان لكل واحدة منهما مهر، هذا لا يخرجه عن الشغار. سؤال: حتى لو كان مهر إحداهما أكثر من الأخرى؟ الجواب: سواء اختلفا، أو تساويا، هذا لا يؤثر، أو عقدا لهما جميعًا، أو تأخر عقد إحداهما عن عقد الأخرى، الحكم واحد، مثل هذا التصرف لا يجوز. سؤال: يعني في مثل هذه الصورة يعتبر هذا شغارًا؟ الجواب: نعم في مثل هذه الصورة يعتبر هذا شغارًا. سؤال: لو فرضنا أنه قد حصل زواج الأولى ماذا نقول لهم؟ الجواب: يراجعون القاضي في جهتهم، أو المفتي ويخبرونه بحقيقة الحال، لينظر في ملابسات الأمور، ويجري العقد الصحيح إن شاء الله .

سؤال: أنا شاب أبلغ العشرين من عمري، وقد تقدمت لخطبة فتاة هي ابنة عمي وبما أن لي أختًا في سن الزواج فقد رفض عمي تزويجي بابنته إلا بعد موافقتي على تزويج ابنه أختي، بطريق البدل، وقد حاولت كثيرًا في إقناعه أن ذلك لا يجوز، ولكن دون جدوى، فهو مصر على ذلك، وتحت هذا الإصرار لرغبتي الشديدة في التزوج من ابنته فقد وافقت أن يتزوج ابنه من أختي، وأتزوج ابنته، ولكن إلى الآن لم يتم الزواج، فما الحكم لو تم بهذه الصورة، فإن كان ذلك لا يجوز، فماذا علينا أن نفعل لكي يتم عقد الزواج لي ولابنه دون ارتكاب محظور؟ الجواب: مثل هذا الزواج الذي سألت عنه، بأن رفض ولي المرأة أن يزوجك بها حتى تزوج أختك من ابنه، مثل هذا الزواج لا يجوز، لأنه شغار ونكاح باطل. إذا كان تزويج المرأة، مشروطًا بتزويج الأخرى، هذا هو نكاح الشغار، فإن كان بدون مهر فهو شغار بإجماع أهل العلم وهو باطل، وإن كان معه مهر، فالصحيح أيضًا أنه لا يجوز؛ لأن في ذلك إضرارًا للمرأتين، لصالح الرجال والإضرار بالنساء لا يجوز، لأن ولي المرأة يجب عليه أن ينظر لمصلحتها هي، لا في مصلحته هو، لأنه ولي عليها وراع لمصلحتها، لا يجوز له أن يستغل ضعفها، وولايته عليها في صالحه هو، ولو أضر ذلك بها. فمثل ما سألت عنه، هذا لا يجوز الإقدام عليه، ولا العقد فيه، والذي أراه لك أن تلتمس زوجة أخرى ليس فيها اشتراط أن تزوج ابن وليها بأختك {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3] ،

والنساء كثير، وما جعل الله سبحانه وتعالى في ذلك من ضيق وحرج، عليك أن تلتمس زوجة بدون أن تضر بأختك. *** سؤال: سبق أن تزوجت بواحدة من أقاربي، وقام والدها بزواج شقيقتي بالبدل، فهل يجوز هذا الزواج مع العلم بأن كل واحدة لها مهر من النقود وناقة من الإبل؟ أفيدوني هل هذا الزواج صحيح بهذا الشكل، أم أنه زواج شغار؟ جزاكم الله خير الجزاء. الجواب: إذا كان هذا الزواج بالمهر لكل واحدة، مهر المثل لكل واحدة ولم تظلم شيئًا من حقها، وكان ذلك برضاها واختيارها، كل واحدة رضيت بالزوج الآخر، ولم تكره على ذلك فهذا النكاح صحيح، لا غبار عليه. أما إذا كان هذا الزواج والبدل بدون رضى المرأتين، أو كان فيه هضم لحق المرأة، بنقص من مهرها، أو بدون مهر فهذا هو نكاح الشغار، ولا يجوز. *** الزواج من بنت زوجة الأب سؤال: عندنا رجل تزوج بزوجة فوضعت له ولدًا ثم توفيت وتزوج الرجل بزوجة أخرى، ولها بنت من زوجها الأول، فوضعت الزوجة الأخيرة ولدين، فتزوج الولد الذي ماتت أمه بالبنت التي صارت أختا لإخوانه، فهل هذا يجوز أم لا، أفيدونا أفادكم الله؟

الزواج من بنت زوجة الأب

الجواب: لا حرج في ذلك، يجوز للإنسان أن يتزوج بنت زوجة أبيه إذا كانت هذه البنت من رجل آخر كما ورد في السؤال لأنه لا قرابة بينه وبينها، إلا إذا كان هناك رضاع، هو رضع من أمها، أو هي رضعت من أمه، فحينئذ تحرم للرضاع، أما ما لم يحصل رضاع فإنه لا علاقة بينهما، ويجوز له أن يتزوجها، والله أعلم. *** سؤال: رجل تزوج من امرأة لها بنت عند زواجها منه، ورزق منها بأولاد، فهل يحل لابن الرجل من غيرها أن يتزوج بنت هذه المرأة التي تزوجها أبوه؟ الجواب: هذا يسأل عن حكم تزوجه ببنت زوجة أبيه، من رجل آخر؟ لا بأس بذلك، لأنه لا علاقة بينه وبينها من ناحية القرابة، فهي أجنبية منه، وهو أجنبي منها، فيجوز للشخص أن يتزوج بنت زوجة أبيه من رجل آخر. *** سؤال: رجل متزوج وله أولاد، ثم تزوج امرأة ثانية، وبعد مدة طلقها دون أن يرزق منها بأولاد، وتزوجت المطلقة رجلًا آخر ورزقت بنتًا، هل تحل هذه البنت لابن الرجل الأول؟ الجواب: هذه كالمسألة السابقة أجبناها عنها قريبًا، لا مانع من ذلك، أن يتزوج الشخص من بنت زوجة أبيه من رجل آخر، لأنه لا علاقة بينهما، فهو أجنبي منها، وهي أجنبية منه.

حرمة الزواج من امرأة الأب

حرمة الزواج من امرأة الأب سؤال: ماذا يحب على من تزوج امرأة أبيه علمًا أن لها منه أولادًا؟ الجواب: الله تعالى حرم زواج امرأة الأب، قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء: 22] ، فمن استحل هذا كفر، ارتد عن دين الإسلام. أما إذا فعله عن جهل، ولم يستحله فهذا مخطئ خطأ كبيرًا، والنكاح هذا باطل ويجب التفريق بينهما على الفور، ويجب أن يغلظ عليه في هذا الشأن. *** أم الزوجة من المحارم سؤال: هل تجوز مصافحة أم الزوجة والسفر معها، أفيدونا بارك الله فيكم؟ الجواب: نعم، لا بأس بذلك، لأنها من محارمه، لأن الله جل وعلا حرم أم الزوجة على زوج ابنتها، تحريمًا مؤبدًا فهي من محارمك، لا بأس أن تصافحها، وأن تسافر بها، وتكون محرمًا لها، إلا إذا خشيت من الفتنة، فإنك لا تصافحها. أما إذا لم يكن هناك محذور فلا بأس بذلك أن تصافحها، وأن تسافر بها، وتكون محرمًا لها؛ لأنها أصبحت من محارمك، بموجب العقد على ابنتها، والله تعالى أعلم. ***

المغالاة في المهور

المغالاة في المهور سؤال: لعلكم تسدون نصيحة إلى بعض أولياء الأمور الذين قد يغالون في المهور مما يسبب مشكلة في طريق الزواج؟ الجواب: مسألة المهور، لا شك أنه ينبغي تيسيرها وتخفيفها، لأن القصد من الزواج ليس هو المهر، إنما القصد مصالح الزواج، وما يترتب عليه من الخير للمجتمع وللزوجين. فالمغالاة في المهور، مغالاة تمنع أو تعرقل الزواج هذا أمر لا ينبغي للمسلم أن يفعله. بل المطلوب شرعًا تسهيل أمر الزواج، وتيسير المهور، وعمل كل الوسائل التي تشجع على الزواج لما فيه من المصالح، ولا ينبغي أن يتخذ القدوة من الناس الذين لا يصلحون للقدوة من الجهلة والجشعين الذين يرفعون مقادير المهور إرضاءً لشهوتهم، أو مباهاة أو غير ذلك من المقاصد السيئة. ولا شك أن إغلاء المهور ورفعها على المتزوجين، هذا مما يعرقل الزواج، ومما يسبب الفساد، فينبغي للمسلمين أن يتنبهوا لهذا وأن لا ينساقوا وراء التقاليد الفاسدة، والمباهاة والإسراف والتبذير، أضف إلى ذلك أن الزواج أيضًا يكتنفه تكاليف أخرى من الولائم والبذخ وشراء الأقمشة والمصاغات الكثيرة التي لا يقصد من ورائها إلا المباهاة وإثقال كاهل الزوج، كل هذا من المغالاة، ومن الآصار والأغلال التي يلقيها شياطين الإنس والجن في طريق الزواج، ليحصل بذلك تعطيل هذا السبيل النافع للمجتمع. ***

الإسراف في مناسبات الزواج

الإسراف في مناسبات الزواج سؤال: يحدث في مناسبات الزواج عندنا أن يقوم بعض المشاركين في الفرح بإطلاق النار من الأسلحة، أو بالألعاب النارية، ونحو ذلك مما فيه تبذير وإهدار للمال في غير وجه شرعي، فهل يجوز ذلك؟ وبماذا تنصحون هؤلاء الناس الذين يبالغون في الإسراف والتبذير في مناسبات الزواج؟ الجواب: لا شك أن هذا لا ينبغي، ولا يجوز الإسراف في الحفلات. والإسراف في إظهار الفرح، وإطلاق النار وما أشبه ذلك: كل هذا من المبالغة والإسراف إضافة إلى ما قد يترتب عليه من الخطر، لأن إطلاق النار واستعمال السلاح ربما يؤدي إلى إضرار بالآخرين. فالحفلات والفرح بمناسبة الزواج إنما يكون بحدود مشروعة ومعقولة، ليس فيها إسراف ولا تبذير، فالذي ننصح به إخواننا، أنهم في مثل هذه المناسبات يتعقلون في أمرهم، ويحتفلون احتفالات لا إسراف فيها ولا تبذير، ولا غفلة عن ذكر الله - عز وجل - ولا يحصل فيها محاذير ومنكرات، فكل هذا مما لا يجوز، والمسلمون منهيون عن الإسراف في الفرح، والإسراف في تبذير المال من غير فائدة، وكل ما تجاوز حده، فإنه ينقلب إلى ضده، والله أعلم. *** من منكرات حفلات الزواج سؤال: أنا شاب متمسك بديني والحمد لله، وقد قررت الزواج من فتاة، ولكن أهلها وقت الخطبة أقاموا حفلًا كبيرًا، وأحضروا فرقًا غنائية،

من منكرات حفلات الزواج

وحدث في هذا الحفل ما يتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف، وكان ذلك على غير إرادتي، فقد حذرتهم من ذلك، ولم أساهم معهم في شيء من تكاليف ذلك الحفل، ولكنني أخشى أن يتكرر هذا في يوم الزفاف، ولذلك فقد حذرتهم من مثل ذلك، ووصل الأمر إلى فسخ النكاح، فهل أنا على حق في إصراري هذا؟ حتى لو أدى إلى الطلاق أم لا؟ وما هي نصيحتكم إلى مثل هؤلاء الذين يسرفون في حفلات الزواج ويخسرون المبالغ الطائلة فيما لا فائدة منه، بل قد يجنون منه الإثم والغضب من الله؟ الجواب: أولًا: نشكر السائل على غيرته لدينه، وعلى إنكاره المنكر، ونرجو أن يثيبه الله، وأن يثبته على إنكار المنكر، ولا شك أن إقامة هذه الحفلات عند العقد، أو عند الدخول أنها مخالفة لما جاءت به الشريعة من تيسير الزواج، وتخفيف مؤونته، والإعانة عليه بكل الوسائل الممكنة، فهذه الحفلات إذا خلت من المنكر فهي إثقال لكاهل الزوج، وإسراف وتبذير، أما إذا اشتملت على منكر، وعلى أغان كما ذكر السائل، أو ربما على اختلاط بين الرجال والنساء، ومنكرات، فهذه جريمة أخرى، ومنكر آخر. الحاصل: أنه لا يجوز إقامة مثل هذه الحفلات، لما فيها من الإسراف والتبذير، وعرقلة الزواج بالنفقات الباهظة، ولما فيها أيضًا من الغناء والطرب، وهو من أعظم المنكرات التي تكتنفها، فعلى المسلمين أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يتجنبوا مثل هذه الأمور. والاحتفال وقت الدخول إذا خلا من المنكرات وخلا أيضًا من الإسراف والتبذير، بأن يجتمع مثلًا النساء على حدة ومستورات بمكان صين، وحصل شيء من الضرب بالدف لإعلان هذا النكاح، فهذا شيء طيب، وهذا سنة.

أما أن يكون هناك حفل مختلط، ويكون فيه أصوات مطربين ومطربات ويكون هناك شيء من المحرمات، فهذا لا يقره الإسلام. فالحاصل: أنك على حق أيها السائل في إنكارك لهذا الصنيع، وعليك أن تستمر في الامتناع منه، والإنكار عليهم لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بك، وأن تكون قدوة صالحة لغيرك. *** إجهاض الحمل سؤال: كان لي صديقة متزوجة ولها أطفال وقد حصل منها وهي حامل في شهرها الثالث أو أكثر أن حاولت إسقاط جنينها، كونها تعمل في وظيفة، ولا تريد أن يعوقها الحمل عن ذلك، فطلبت مني أن أرافقها إلى دكتور ليقوم بذلك، وفعلًا رافقتها إلى دكتور، ولكنه اعتذر عن ذلك، فاتفقت مع الممرضة على أن تدلها على من يعمل لها عملية الإسقاط مقابل إعطاء الممرضة مبلغًا من المال، عبارة عن إكرامية كما يسمونها، فذهبت بها فعلًا وأجريت لها تلك العملية وأسقط جنينها، وبعد عدة أشهر من ذلك توفي زوجها، زوج السائلة، فأنا أولًا: أسأل عن حكم إسقاط الجنين لذلك السبب وفي ذلك الشهر من عمره. وثانيًا: عن حكم مرافقتي لصديقتي ومساعدتها على ذلك، وهي تعتقد وكما يقول من حولها من الناس إن وفاة زوجها كانت عقابًا لها لمساعدتها في قتل روح. وثالثًا: هل على تلك الممرضة إثم في ذلك الدور الذي قامت به مقابل ما أخذته من مال؟ الجواب: لا يجوز إجهاض الحمل، لأن في ذلك أضرارًا، والقصد

إجهاض الحمل

من ذلك أيضًا كما ذكرت السائلة لأجل أن تتفرغ للعمل، وهذا أمر غير مبرر وغير مسوغ؛ لأن الحمل له حق البقاء، وحق المحافظة والاحترام، لأنه مخلوق وهي مؤتمنة عليه، وواجب عليها الرفق به، والحرص عليه، ربما يهبها الله هذا المولود ويكون صالحًا ويكون أنفع لها من كل الأعمال، والله جل وعلا يقول: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] ، فما أقدمت عليه هذه المرأة جريمة، يجب عليها أن تتوب إلى الله عز وجل منها، وأن لا تعود لمثل هذا، والممرضة التي أعانتها على ذلك ودلتها آثمة أيضًا؛ لأنها أعانتها على العدوان، والله تعالى يقول: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، ولا يبعد أن يكون ما حصل من وفاة زوجها، أن يكون عقوبة لها أيضًا، فعليها أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن لا تقدم على مثل هذا العمل لا هي ولا غيرها من المسلمات، بل يجب على المرأة أن تحترم الجنين وأن تحافظ عليه وأن ترفق به، وأن لا تفر من وجود الحمل، ووجود الولد، لأنه ربما يكون عبدًا صالحًا ينفعها وينفع الله به الأمة. والمال الذي أخذته الممرضة التي دلتها، أيضًا مال حرام؛ لأنها أخذته في مقابل معصية وهي آثمة في ذلك. والواجب على الممرضة وعلى الأطباء أن ينصحوا هؤلاء النساء اللاتي يردن إسقاط الحمل والإجهاض بحكم أن الله قد ائتمنهم على هذه المهنة، مهنة الطب، فعليهم أن ينصحوا الحامل بالرفق بحملها والإبقاء عليه، ولا يجوز لهم أن يساعدوا على إسقاطه، أو يجروا عملية لإجهاضه،

لأنهم إذا فعلوا ذلك اشتركوا في الإثم والعقوبة، نسأل الله العافية، ولا يجوز لهم أن يقدموا على إجهاض الحمل في مقابل ما يتقاضونه من الطمع الدنيوي، والمال الدنيوي؛ لأن هذا في مقابل معصية، وفي مقابل جريمة، فعليهم أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى وأن يؤدوا مهنة الطب أمانة، وأن ينصحوا للمسلمين. سؤال: هل هناك أشهر معينة يجوز في حدودها إسقاط الجنين، في حال الضرورة مثلًا؟ الجواب: لا يجوز إسقاط الحمل، إلا أن الفقهاء قالوا: إنه يجوز إلقاء النطفة قبل أربعين يومًا، بدواء مباح ما دام نطفة، مع أنه لا ينبغي هذا، والحمل مطلوب والنسل مطلوب. سؤال: لكن إذا كان مضرًّا بصحة الأم، أو تعاني مثلًا آلام شديدة في الحمل؟ الجواب: لا، ولو كان مضرًّا، لأن الحمل فيه مشقة، لا شك في ذلك، ويقول الله عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف: 15] ، فالحمل لا شك أن فيه مشقة وفيه أمراض، وفيه أتعاب، ولهذا عظم حق الأم على ولدها، وصار لها ثلاثة حقوق، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى ببرها ثلاث مرات، وأوصى ببر الأب مرة واحدة، وما ذلك إلا لما تقاسيه في حملها وولادتها ورضاعها من الأخطار ومن الأضرار، فلا شك أن الحمل فيه مشقة وفيه مرض، أو شيء من المرض والإجهاد، فعليها أن تصبر وأن تتحمل وهي على أجر وربما تكون العاقبة حميدة لها ولمجتمع المسلمين من هذا المولود، الأولاد مطلوب إيجادهم ومطلوب السعي لحصولهم في الإسلام.

سؤال: أنا إنسانة مريضة في ضيق في التنفس، وقد أجهضت اثنين من الأطفال، سحب أوامر الطبيب، لأنه نصحني معللًا ذلك بأن الأطفال لا يخرجون إلا في عملية لضرر الأدوية وقوتها على الجنين، وبموافقة زوجي أجهضت مرتين، هل هذا حرام أو يجب فيه كفارة، أفيدونا مأجورين؟ الجواب: أولًا: إجهاض الحمل لا يجوز، فإذا وجد الحمل، فإنه يجب المحافظة عليه، ويحرم على الأم أن تضر بهذا الحمل، وأن تضايقه بأي شيء، لأنه أمانة أودعها الله في رحمها، وله حق، فلا يجوز الإساءة إليه أو الإضرار به، أو إتلافه، ولا يعتمد في هذا على قول الطبيب، لأن هذا حكم شرعي ولا يرجع فيه إلى قول طبيب، والأدلة الشرعية تدل على تحريم الإجهاض وإسقاط الحمل. وأما كونها لا تلد إلا بعملية، فالأمر في هذا بسيط، العملية ليست أمرًا خطيرًا، كثير من النساء لا تلد إلا بعملية؛ فهذا ليس عذرًا في إسقاط الحمل، هذا لو صح قول الطبيب مع أن قول الطبيب محل الريبة والتهمة، وهو بشر يخطئ ويصيب، لا يجوز الاعتماد عليه في إسقاط الحمل، هذه أمور خطيرة، يجب الاحتياط لها، ولا يجوز للمرأة أن تتلاعب في الحمل، تحمل وتجهض، وتأخذ بأقوال الناس والمتساهلين والمتلاعبين. وأما ثانيًا: وهو ما سألت عن الكفارة، فإذا كان هذا الحمل قد نفخت فيه الروح، وتحرك، ثم أجهضته بعد ذلك، فإنها تعتبر قد قتلت نفسًا، فعليها الكفارة، وهو عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله.

وكذلك إذا مضى على الحمل أربعة أشهر، فإنه حينئذ قد نفخت فيه الروح، فإذا أجهضته بعد ذلك، وجبت عليها الكفارة كما ذكرنا. فالأمر عظيم لا يجوز التساهل فيه، وإذا كانت لا تتحمل الحمل لحالة مرضية، فعليها أن تتعاطى من الأدوية ما يمنع الحمل قبل وجوده، كأن تأخذ الحبوب التي تؤخر الحمل عنها فترة، حتى تعود إليها صحتها وقوتها. أما إذا وجد الحمل فعليها أن تصبر وأن تستعين بالله عز وجل. *** تعاطي حبوب منع الحمل سؤال: هناك بعض الفقهاء يحلون تعاطي حبوب منع الحمل للسيدات وأيضًا بعض الأطباء، هل هم على حق فيما يدعونه، أرجو الإيضاح في ذلك. الجواب: لا أظن أن أحدًا من الفقهاء يحل تعاطي حبوب منع الحمل إلا بمبرر شرعي، بأن كانت مثلًا المرأة لا تتحمل الحمل، لأن في ذلك خطرًا على حياتها، وخطرًا على بقائها، ففي هذه الحالة تأخذ حبوب منع الحمل، لأنها أصبحت غير صالحة للحمل، ولأن الحمل يقضي على حياتها ففي هذه الحالة لا بأس للضرورة. وكذلك تعاطي حبوب منع الحمل، أو تأخير الحمل بالأصح لفترة بسبب عارض، كأن تكون المرأة في فترة مرض أو تكاثر عليها الولادة، ولا تستطيع تغذية الأطفال فتأخذ حبوبًا تؤخر عليها الحمل، بحيث تتفرغ لاستقبال الحمل

تعاطي حبوب منع الحمل

الجديد، بعد أن تنتهي من الحمل الأول، في هذه الحالة لا بأس بذلك. أما أن تؤخذ حبوب منع الحمل من غير مبرر شرعي؛ فهذا لا يجوز، هذا حرام، لأن الحمل مطلوب في الإسلام، والذرية مطلوبة في الإسلام، فإذا كان أخذ الحبوب فرارًا من الذرية، ولأجل تحديد النسل كما يقوله أعداء الإسلام، من غير مبرر فهذا حرام، ولا أحد يقول به من الفقهاء المعتبرين. وأما أهل الطب، فقد يقولون هذا، لأنهم جهال بأحكام الشريعة. *** حبوب منع الحيض سؤال: سمعت في برنامج "نور على الدرب" إجابة عن سؤال لإحدى الأخوات تقول: هل يجوز أن تأخذ حبوب منع الحمل بحجة أن هذه الحبوب تمنع الحيض للتمكن من صيام شهر رمضان باستمرار، فأجاب فضيلة الشيخ: بأنه لا بأس بذلك، وأنا أقول: إن هذه الإجابة في النفس منها شيء، وذلك لأن حبوب منع الحيض هذه ليست من الإسلام في شيء، وأن الاستعمار هو الذي أدخل هذه الفتنة إلينا، فإن جاز استعمالها لتتمكن المرأة من الصيام فيجوز استعمالها أيضًا لمنع الحمل وهكذا، وورد بعض الأحاديث يستدل بها، فما قولكم بهذه المناقشة؟ الجواب: هذا المستمع خلَّط في اعتراضه، لأنه سوى بين حبوب منع الحمل، وحبوب منع الحيض، مع أن حبوب منع الحمل نوع مستقل، وحبوب منع الحيض نوع آخر، والذي ورد للبرنامج هو السؤال عن حبوب منع الحيض فقط، أما حبوب منع الحمل هذه لم ترد، وحبوب منع الحيض

حبوب منع الحيض

يجوز تعاطيها للمرأة إذا كانت ترفع الحيض مؤقتًا لتؤدي عبادة من العبادات كالحج أو صيام رمضان، فهذا شيء مباح، لا مانع منه، لأن التحريم لا بد له من دليل، ولا دليل على تحريم المرأة حبوبًا تمنع عنها الحيض، وقد نص الفقهاء على جواز ذلك. أما حبوب الحمل فهذه لم ترد إلى البرنامج فيما أذكر، والسائل خلط بينهما، أو المعترض خلط بينهما، فينبغي له أن يتثبت قبل أن يعترض. وأما استدلاله بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الحيض شيء كتبه الله على بنات آدم، وأن المرأة تترك من أجله الصلاة والصيام، فهذا لا يدل على منعها من أن تأخذ ما يمنع الحيض عنها في فترة من الفترات، ليس في الأحاديث دليل على تحريم أخذ حبوب منع الحيض، وهذه مسألة قد تشتبه على بعض المبتدئين في طلب العلم، فيظنون أن المرأة إذا انحبس عنها الحيض بسبب الحبوب، أنه لا يصح لها صوم ولا صلاة وقت العادة، وإن كانت منحبسة، وهذا فهم خاطئ لأن الحيض لا تترتب عليه الأحكام من ترك الصلاة والصيام إلا إذا خرج دم الحيض فهنا تترتب عليه الأحكام. أما إذا انحبس ولم يخرج فإنه لا يترتب عليه شيء لأنها لا تسمى حائضًا. سؤال: ما الحكم الشرعي لتناول حبوب منع الحمل؟ الجواب: حبوب منع الحمل، هذا فيه تفصيل، إذا كان القصد قطع الحمل نهائيًّا هذا لا يجوز إلا بمبرر لعذر شرعي، بأن تكون المرأة لا تستطيع الحمل، يقضي عليها الحمل، أو يخشى عليها الهلاك، ففي هذه الحالة، يجوز أن تأخذ حبوب منع الحمل.

وإن كان القصد من أخذ حبوب منع الحمل تأخير الحمل فقط، لا قطع الحمل، وكان هذا لغرض صحيح من كون المرأة لا تتحمل الحمل المتوالي، تريد أن يتأخر عنها الحمل، حتى مثلًا تغذي طفلها المولود، وترضعه وصحتها لا تتحمل توالي الحمل فهذا لا بأس به، يعني أخذ الحبوب لتأخير الحمل حتى تتمكن المرأة من استقبال الحمل الجديد ... وهذا ما نسميه التنظيم أو يسمى مثلًا تأخيرا للحمل حتى تستقبله المرأة بحالة جيدة وصحة جيدة لأن تواليه عليها متقاربًا يضعف صحتها، أو لا تتمكن من تغذية الجنين التغذية المطلوبة، ففي هذه الحالة جائز ولا بأس به. أما إذا كان أخذ الحبوب لمنع الحمل من أجل الخوف من الفقر كما يردده بعض الذين لا يؤمنون بالله، الذين يقولون: إن كثرة النسل تؤدي إلى المجاعة، وتؤدي إلى ضيق الأرزاق، فهذا حرام قطعًا، لأن هذا سوء ظن بالله، وهذا يلتقي مع أهل الجاهلية الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر، قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151] ، وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31] ، وهؤلاء الذين يمنعون الحمل لهذا الغرض يشابهون الجاهلية في سوء الظن بالله عز وجل، والله لا يخلق نفسًا إلا ويقدر لها رزقها وعملها وأجلها. ***

العقيقة

العقيقة سؤال: إذا رزق رجل بأطفال ولم يعق عنهم حتى بلغت أعمارهم أكثر من أربع سنوات، فهل يجوز أن يعق عنهم بعد هذه السن؟ وإذا كان كذلك فهل يجوز أن يذبح عنهم خارج البلد التي ولدوا فيها؟ لأن بلدهم لا يوجد فيها فقراء يحتاجون اللحم، وهناك قرية بعيدة عن مكان ولادتهم، وبها مستحقون للصدقة؟ فهل يجوز أن يذبح فيها، ويتصدق عليهم بلحم الذبائح؟ أم لا يشترط في ذبيحة العقيقة أن يأكلها الفقراء؟ الجواب: لا بأس بذلك، لا بأس أن يذبح عنهم العقيقة ولو زادت أعمارهم عن ستة أشهر وكان من المستحسن والأفضل أن يبادر بها، ولكن إذا تأخرت فلا مانع من ذلك، يذبحها متى تيسر له ذلك. وأما بالنسبة لمكان الذبح، فليس للذبح مكان خاص، بل يجوز أن يذبحها في البلد الذي ولدوا فيه، وأن يذبحها في غيره، لأنها قربة وطاعة لا تختص بمكان. وأما قضية الأكل، فالعقيقة تأخذ حكم الأضحية يستحب له أن يأكل منها، وأن يتصدق منها، وأن يهدي منها لجيرانه وأصحابه. ***

العقيقة عن المتوفى

العقيقة عن المتوفى سؤال: رزقني الله بثلاث بنات، ثم توفين وهن صغار، ولكني لم أعق عنهن، ولكني سمعت أن شفاعة الأطفال مقرونة في العقيقة، فهل يصح أن نعق عنهن بعد وفاتهن، وهل أجمع العقيقة في ذبيحة واحدة أم لكل واحدة ذبيحة منفردة؟ الجواب: العقيقة عن المولود سنة مؤكدة، والقول بها هو قول الجمهور وأهل العلم، ولكنها في حق الأولاد الأحياء، لا إشكال فيها لأنها سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما العقيقة عن الأولاد الأموات، فلا يظهر لي أنها مشروعة، لأن العقيقة إنما تذبح فدية للمولود، وتفاؤلًا لسلامته، ولطرد الشيطان عنه، كما قرر ذلك العلامة ابن القيم، في (تحفة المودود في أحكام المولود) وهذه المعاني مفقودة في الأولاد الأموات. وأما ما أشار إليه السائل من أن للعقيقة تدخلًا في شفاعة المولود لأبيه إذا عق عنه فهذا المعنى غير صحيح، وقد ضعفه ابن القيم رحمه الله، وذكر أن السر في العقيقة هو: أولًا: أن فيها إحياءً لسنة إبراهيم عليه السلام حينما فدى إسماعيل. ثانيًا: أن فيها طردًا للشيطان عن هذا المولود، وأن معنى الحديث: «كل غلام رهينة بعقيقته» ، معناه: أنه مرهون فكاكه من الشيطان، فإذا لم يعق عنه، فإنه يبقى أسيرًا للشيطان، فإذا عق عنه العقيقة الشرعية، فإن ذلك بإذن الله يسبب فكاكه من الشيطان، هذا معنى ما حكاه ابن القيم.

وعلى كل حال، إن أراد السائل أن يعق عن بناته واستحسن هذا الشيء، فله ذلك. لكنني أنا يترجح عندي عدم المشروعية. سؤال: بالنسبة للعقيقة في حق الحي، ما هو أفضل وقت لتأديتها؟ الجواب: الأفضل يوم سابعه، هذا هو الأفضل المنصوص وإن تأخرت عن ذلك فلا بأس بذلك، ولا حد لآخر وقتها، إلا أن بعض أهل العلم يرى أن يفوت وقتها إذا كبر المولود، فلا يرى العقيقة عن الكبير، والجمهور على أنه لا مانع من ذلك حتى ولو كبر. *** تحديد النسل سؤال: ما حكم الشرع في تحديد النسل، أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب: طلب الذرية والنسل أمر مشروع، وذلك لتكثير عدد الأمة، والنبي صلى الله عليه وسلم حث على تزوج الودود الولود وقال: «إني مكاثر بكم الأمم» . فطلب النسل أمر مشروع للمسلمين، وينبغي العناية به والتشجيع عليه. أما تحديد النسل فهذه دسيسة خبيثة دسها علينا أعداء الإسلام، يريدون بذلك إضعاف المسلمين وتقليل عددهم، فتحديد النسل لا يجوز في الإسلام، وهو ممنوع لأنه يتنافى مع المقصد الشرعي وهو تكثير أفراد الأمة وتكثير الأعضاء العاملين في المجتمع، وتعطيل للطاقة التي خلقها الله سبحانه وتعالى لعمارة هذا الكون، فالنسل مطلوب، وبه تحصل مصالح للأفراد وللجماعات، وللأمة، فهذه الفكرة، فكرة تحديد النسل فكرة

تحديد النسل

مدسوسة على المسلمين، وربما أنها أثرت على بعض المغفلين، أو ضعاف الإيمان، فتأثروا بها، فالواجب عليهم أن يمحوا هذه الفكرة من أنفسهم، وأن يطلبوا النسل، ويكثروا منه، والأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى، وكثرة النسل يأتي معه الخير، لأن الله لا يخلق نفسًا إلا ويخلق رزقها، وييسر ما تقوم به مصالحها، والأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى، فالذين يشكون أو يهددون بالأزمات الاقتصادية، وأن كثرة السكان يترتب عليها الشح في الأقوات وفي الأرزاق، هذا كله من وحي الشيطان وأعوان الشيطان الذين لا يؤمنون بالله، وبتقدير الله. أما الذين يؤمنون بالله، فإنهم يعتمدون عليه ويتوكلون عليه {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 3] . ولما كان المشركون يقتلون أولادهم خشية الفقر نهاهم الله عن ذلك، قال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31] ، وقال سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151] . فدل هذا على أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى وأن كل نفس يقدر لها الله الرزق، وبكثرة النسل تكثر الأرزاق، ويكثر الانتاج ويكثر العاملون. *** تزويج الأبناء سؤال: أنا شاب في الثالثة والعشرين من عمري، ومستقيم والحمد لله، وأبي رجل كبير، ولظروف عائلية ترك المنزل وسافر للخارج وترك الأسرة وكان دائمًا يقسو علي أشد القسوة، وما رأيته مرة واحدة يعطف علي، رغم أنني ابنه الوحيد، وشاء الله أن أسافر للخارج وأن ألتقي به، لكنه لم يفكر في

تزويج الأبناء

مساعدتي بالزواج، رغم أنه يمتلك أموالًا وأنا لا أملك إلا مرتبي الذي يسد نفقات الأسرة، وفوق ذلك أقترض من الناس، لسد تلك النفقات التي تحملتها عنه بعد سفره، فهل الشارع يلزم والدي بنفقات زواجي؟ وماذا أفعل معه، وهو رجل صلب الرأي لدرجة كبيرة، لا ينفذ إلا ما يراه، بالرغم من أنه يقوم الليل ويؤدي المناسك جميعًا، ولكنه يقول: إنني تعلمت وليس عليه لي أي واجبات أخرى، وهو يعلم تمام العلم أن مرتبي لا يتناسب ونفقة الأسرة التي تركها، فهل تزويج الابن واجب على أبيه أم لا؟ الجواب: أولًا: نوصيك ببر والدك والإحسان إليه، وإن كان والدك كما ذكرت يصدر منه في حقك بعض القسوة، فعليك بالصبر والتحمل والإحسان إليه، ولا تتبرم مهما فعلت مع والدك من البر، فإن هذا عمل صالح، والإنسان مأمور أن يدفع السيئة بالحسنة مع الناس فكيف مع الوالد، وأقرب الناس إليه، ولا أرى مبررًا لشكواك منه، وتبرمك منه بل عليك أن تصبر ولا تبين هذا للناس، والله جل وعلا لا يضيع أجر من أحسن عملًا، ومهما فعلت من البر والإحسان إلى والدك، فهذا شيء واجب عليك. أما قضية وجوب تزويجك عليه، فهذا فيه تفصيل، الوالد يجب عليه أن يزوج الابن إذا كان الابن فقيرًا، لا يملك شيئًا، ولا يستطيع الزواج لأن هذا من الإنفاق ونفقة القريب المحتاج واجبة على قريبه الغني، ومن ذلك تزويجه وإعفافه. أما إذا كانت تقدر على الزواج وتقدر على الاكتساب، كما ذكرت أنك متعلم، وأن لك وظيفة ولك عمل، فلا يلزم والدك أن يزوجك، وإنما تتزوج أنت من كسبك ومن محصولك. وعلى كل حال: الذي أراه أن تتوكل على الله وأن تكتسب وأن تعمل.

الحكمة من تحريم الجمع في الزواج بين الأختين وغيرهما

الحكمة من تحريم الجمع في الزواج بين الأختين وغيرهما سؤال: ما هي العلة في تحريم الجمع في الزواج بين الأختين، أو بين الزوجة وعمتها أو خالتها؟ الجواب: العلة والله أعلم، المحافظة على حق القرابة وصلة الرحم، لأن الزواج بالقريبة، العمة أو الخالة مع ابنة أختها، أو مع ابنة أخيها، هذا يسبب القطيعة، لما بين الضرتين من الحمية والغيرة من بعضهن على بعض، وهذا يسبب التقاطع في الرحم، فلأجل ذلك، والله أعلم نهى الشارع عن الجمع بين المرأة وعمتها، وعن الجمع بين المرأة وخالتها. *** الطلاق لا يقع قبل الزواج سؤال: قبل أن أتزوج حصل خلاف بيني وبين والدي فقلت له: حرام علي الزوجة التي تدفع في مهرها دراهم من عندك، وبعد مضى سنة تقريبًا، وبعد أن زال الخلاف بيننا، تقدم والدي إلى والد إحدى الفتيات، وخطبها لي، ولم نتذكر في ذلك الوقت، التحريم الذي صدر مني سالفًا، وفعلًا تم الزواج وقد أنجبت الزوجة أربعة أولاد، فما الحكم في هذا؟ وهل يؤثر التحريم أو الطلاق الذي يقع من شخص قبل أن يتزوج؟ هل يؤثر عليه بعد الزواج أم لا؟ علمًا أنني قد دفعت إلى والدي ما صرفه علي في زواجي ذلك؟ الجواب: أولًا: لا يجوز لك أن تغضب على والدك، وأن تتجادل معه، ويصل بك الغضب إلى هذه الدرجة، لأن الوالد له حق ويجب على

الطلاق لا يقع قبل الزواج

الولد أن يتأدب معه وأن يخضع له، وأن يوقره ويحترمه، أما ما حصل منك، فأنت أخطأت فيه، عليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وتستغفره، وأن تطلب من والدك المسامحة. أما بالنسبة لليمين التي حلفتها على أن لا يدفع والدك شيئًا تريد بذلك قطع منته، وأنت لم تقصد التحريم، لم تقصد الظهار، ولم تقصد الطلاق، وإنما قصدت منع والدك من دفع شيء، لأنك غضبت، وتريد أن تقطع منته، إذا كان هو قصدك، وهو ظاهر الملابسة التي بينك وبينه، فعليك أن تكفر كفارة يمين، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} إلى قوله سبحانه: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] . سؤال: لكن هذا قبل عقد النكاح أصلًا؟ الجواب: هذا يمين، يعتبر يمين، فعليه يكون كفارة يمين. أما إذا كان قصد بذلك الظهار، أو الطلاق قبل أن يتزوج فهذا موضع خلاف بين أهل العلم، هل إذا ظاهر الإنسان أو طلق قبل أن يتزوج، بأن قال: إذا تزوجت امرأة أو تزوجت فلانة، فهي علي كظهر أمي، أو قال: إن تزوجت امرأة أو تزوجت فلانة فهي طالق، هذا موضع خلاف بين أهل العلم، هل يقع الطلاق والظهار السابق على العقد، أو لا يقع! الذي عليه المذهب فيما أعلم: أنه لا يقع لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الطلاق لمن أخذ بالساق» ، أي: للزوج.

وهذا في حالة يمينه ليس زوجًا. وكذلك أنه لا نذر على الإنسان فيما لا يملك، وهذا لا يملك شيئًا حال صدور التلفظ منه، فالصحيح أنه لا شيء عليه، لا يقع طلاق ولا ظهار، إذا صدر منه قبل عقد النكاح. والقول الثاني لأهل العلم: أنه إذا تزوجها فإنه يقع ما أسبقه من ظهار أو طلاق. *** الأصل بقاء النكاح سؤال: أنا امرأة متزوجة منذ خمسة عشر عامًا، ولي ستة أطفال، وبعد هذه المدة علمت أني رضعت مع أخت زوجي لأبيه، وقد سمعت حديثًا في هذا المعنى يقول في مثل هذه الحالة: إن اللبن للأب، فإذا كان الأمر كذلك فماذا علينا أن نفعل الآن، وماذا عن أولادنا، ثم إنها قد أخبرت زوجها بذلك فلم يهتم لذلك الأمر، فما الحكم في هذا الموضوع؟ الجواب: نعم اللبن للأب كما ذكرت، هذه قضية لبن الفحل، فالمسألة مشهورة بين أهل العلم، والصحيح أنها يثبت بها التحريم، فإذا رضعت من إحدى زوجات شخص، فإن أبناء هذا الشخص يحرم عليها التزوج بهم، سواء رضعت من أم الشخص، أو من زوجة أبيه، لكن القضية المذكورة، ما دام العقد قد تم وحصل الزواج فالأصل بقاء النكاح، حتى يثبت وجود الرضاع المحرم خمس رضعات معلومات، فإذا ثبت أنها رضعت من إحدى زوجات أبي زوجها خمس رضعات معلومات، فإنه

الأصل بقاء النكاح

يجب التفريق بينهما وتحرم عليه، وما مضى يكون نكاح شبهة، والأولاد يلحقون به. أما ما دام مجرد خبر أن هناك رضاع ولا يعلم كيفية هذا الرضاع وعدد هذا الرضاع، فالأصل بقاء النكاح، فهي زوجته ما لم يثبت الرضاع المحرم. *** تجمل المرأة بعد انتهاء العدة سؤال: هل يجوز للمرأة التي انتهت عدتها، سواء كانت عدة طلاق أو وفاة أن تتزين عند تعرضها للخطاب؟ وإذا كان هذا جائزًا، أفلا يتعارض هذا مع ما ذكر في القرآن الكريم، أن المرأة لا تظهر زينتها إلا لزوجها، أو محارمها؟ الجواب: يجوز للمرأة إذا انتهت عدتها من طلاق أو وفاة أن تتزين بما أباح الله لها بالمعروف، لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234] . يعني: بالشيء الذي جرت به العادة، ولا يكن فيه فتنة، ولا يكن فيه مفاسد، تتزين بالكحل والخضاب ولبس الثياب الجميلة، وليس معنى هذا أنها تظهر أمام الرجال بهذه الزينة، فإنه يحرم عليها أن تظهر شيئًا من زينتها عند الرجال الأجانب، سواءً كانت خارجة من العدة أو غير خارجة، يحرم على المرأة المسلمة أن تظهر أمام الرجال بما يلفت النظر إليها بزينة بدنها، أو زينة ثيابها ولا يتعارض هذا مع قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] ، لأن المراد أنها تتزين في بيتها، وعند النساء، أما أنها تخرج للرجال تبرز زينتها، فليس هذا جائز مطلقًا، لا في حقها، ولا في حق غيرها من المسلمات.

كتاب الأسرة

كتاب الأسرة

الإحسان إلى الوالد حتى لو أساء سؤال: رجل طلق زوجته، وهي حامل منه، وبعد أن وضعت، رزقها الله بابن فحضنته وقامت على تربيته ورعايته حتى كبر وتزوج دون أن يقدم له والده أي مساعدة أو نفقة، فهل يجب عليه الإحسان إلى والده وبره وإن لم يقم على رعايته، ولم يذق منه طعم حنان الأبوة، وشفقتها أم لا؟ الجواب: نعم، يجب على الولد حق لوالده، ولو كان الوالد قصر في تربيته والنفقة عليه، لأن كلا من الوالد والولد له حق على الآخر، فإذا قصر الوالد في حق الولد، فإن عليه ما تحمل ويأثم لذلك، ولكن لا يسقط حقه على الولد فعليه أن يبر به، وأن يحسن إليه، ومطلوب من المسلم أن يحسن إلى من أساء إليه ولو كان غير والده، قال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] ، وقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] ، مطلوب من المسلم أن يقابل الإساءة بالإحسان مع الناس، فكيف مع والده، يكون الأمر آكد في هذا. *** البر بالوالد سؤال: أنا شاب في التاسعة عشر من العمر، توفي والدي وهو غير راض عني، وأصبح هذا الشعور يؤرقني ليل نهار، فما الذي يمكنني أن أعمله الآن لكي أريح ضميري الذي يعذبني كثيرًا؟ الجواب: يجب على الولد أن يبر بوالده، وأن لا يغضبه وأن لا يعقه، لأن حق الوالد عظيم، لكن إذا حصل من الإنسان مع والده شيء من الإساءة، فعليه أن يستحله وأن يستسمحه، ويطلب منه العفو إذا كان حيًّا.

البر بالوالد

أما إذا مات الوالد على هذه الحالة وهو قد غضب على ولده، فلم يبق حينئذ إلا أن يتوب هذا الولد إلى الله سبحانه وتعالى ويستغفره مما حصل، وأن يعمل للوالد شيئًا من البر بعد وفاته، بأن يتصدق عنه، وأن يدعو له، ويستغفر له، ويكثر من هذا لعل الله أن يخفف عنه حق والده. *** التحايل على الوالد للمصلحة سؤال: أصيب والدي بمرض يحتاج فيه إلى عملية جراحية ولكن لا يرغب في ذلك، وقد احتلت عليه فأجريت له العملية دون علمه، ودون موافقته، فهل يعتبر هذا عقوقًا بوالدي آثم عليه؟ علمًا أن الدافع محبتي لوالدي وطمعي في شفائه مما يعاني من مرض، ولو فرضنا وحصلت وفاة نتيجة هذه العملية التي تسببت فيها فهل يلحقني إثم بذلك أم لا؟ الجواب: تذكر أيها السائل أن والدك أصيب بمرض ويحتاج إلى عملية جراحية، ولكنه لا يرغب في ذلك، وأنك ألححت عليه، أو احتلت عليه حتى أجريت له فهل عليك بذلك إثم؟ لا حرج عليك في ذلك إن شاء الله، لأنك تريد له الخير، وتريد له المصلحة ولم ترد به الضرر، فلا حرج عليك في ذلك، بل أنت محسن ويرجى لك الأجر إن شاء الله، وحتى لو توفي من أثر هذه العملية، ما دامت أنها عملية جارية مجراها الطبي، ولم يحصل فيها تفريط، والطبيب من أهل الخبرة، وتوافرت الشروط فلا حرج عليك في ذلك، لأنك محسن والله تعالى يقول: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] ، والله تعالى أعلم.

الاعتراض على الوالد

الاعتراض على الوالد سؤال: باع والدي البيت الذي كنا نسكنه وبستانه بثمن بخس دون أن يخبرني بهذا، وأنا إلى جانبه وفي طاعته ولا زلت والحمد لله، على ذلك، ولم يبق له ملك آخر، وأنا محتاج إليهما، وقادر على استرجاعهما من المشتري بالثمن الذي وقع عليه التعاقد، ولكن للأسف الشديد لم يقبل والدي بذلك، وليس له حجة شرعية إلا أنه يزعم أنه رباني وعلمني على نفقته، ولم يبق لي عليه حق آخر رغم حاجتي الماسة إلى هذه الدار، وأنا أسألكم هل هذا العقد صحيح أم باطل؟ وأليس لي الحق على الغير في شراء بيتي الذي فيه مولدي، ومنشئي؟ وهل لي الحق في الشفعة، علمًا بأنه مضى الآن ما يزيد على عشرة أشهر من تاريخ البيع؟ فهل للمدة تأثير على جواز الاسترجاع من عدمه؟ أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب: ما ذكرت أيها السائل من برك بوالدك ووجودك معه ووقوفك إلى جانبه، فهذا شيء واجب عليك، وتشكر عليه، ولك فيه الثواب إن شاء الله عند ربك. وأما ما ذكرت من أنه باع بيته وبستانه بثمن قليل، ولم يشعرك بذلك، فهل لك حق في الاعتراض والأخذ بالشفعة أم لا؟ الجواب عن ذلك: أنه ما دام والدك رشيدًا في تصرفاته وعقله، فليس لك الاعتراض عليه، ويعتبر بيعه صحيحًا ولازمًا، وليس لك الحق في الاعتراض عليه ما دام أنه غير محجور عليه لسفه، ونقص في التصرف، وليس لك أيضًا حق الشفعة، لأنك لست شريكًا له في هذا البيت، أو في هذا البستان، والشفعة إنما تثبت للشريك، وأنت لست

شريكًا له في ذلك، وليس لك حق الشفعة، ولا حق الاعتراض ما دام أنه يتميز بالصفة العقلية التي تبيح له التصرف شرعًا، فإن كان ليس كذلك، يعني: أنه غير سليم التصرف من ناحية عقلية، فهذا مرجعه إلى القاضي هو الذي ينظر في القضية، وله أن يبطل العقد إذا ظهر له أنه لم يستوف الشروط الشرعية. سؤال: معنى هذا أن حق الابن على أبيه بإيوائه وإسكانه ينتهي بمجرد بلوغه أم بزواجه؟ الجواب: حق الابن على أبيه ينتهي بمجرد استغنائه عنه، إذا كبر واستطاع أن يكسب لنفسه، وأن يستغني بكسبه، فإنه ينتهي حقه على والده بالإنفاق، أما ما دام أنه صغير، أو - مثلًا - كبير ولكنه لم يستغن، ولم يقدر على الاكتساب، فإنه يبقى على والده حق الإنفاق عليه حتى يستغني بموجب القرابة. سؤال: بالنسبة للشفعة عمومًا، بصرف النظر عن هذه القضية، هل يؤثر طول المدة من عدمها على أحقية الشفعة؟ الجواب: طول المدة يؤثر إذا كان الشفيع عالمًا بالبيع وتركه، ولم يأخذ بالشفعة، ولم يطالب بالشفعة فإنها تسقط بمضي المدة إذا كان عالمًا. ولم يكن عنده ما يمنعه من المطالبة للشفعة. أما إذا كان الشريك لم يعلم، فإن له الشفعة، ولو استمر عدة سنين. ***

منع الأب من رؤية ابنته

منع الأب من رؤية ابنته سؤال: تزوج ابن أخي ابنتي قبل أكثر من عشرين عامًا والآن يرفض ويمنعني من رؤية ابنتي وبنات ابنتي، فما رأي الشرع في ذلك، أفيدوني جزاكم الله كل خير؟ الجواب: الله سبحانه وتعالى أمر بصلة الأراحام، ونهى عن القطيعة، فهذا الذي ذكرت من أن زوج ابنتك يمنعك من رؤيتها، ورؤية أولادها أمر لا يجوز، لأنه حملك على قطيعة الرحم، وحال بينك وبين صلة الرحم، التي أوجب الله عليك صلتها، ولأنه حرمك أيضًا من رؤية أولادك مع العلم بشفقة الوالد على أولاده، وحرصه على رؤيتهم، فحال بينك وبين أولادك فيكون آثمًا في ذلك، إلا إذا كان له عذر شرعي يبرر ذلك، كأن يترتب على رؤيتك لهم، أو تمكينك من الوصول إليهم مفسدة، فهذا له وجه، وله أن يمنع. أما إذا لم يكن هناك مفسدة فإنه يحرم عليه أن يحول بين القريب وقريبه ولا سيما الوالد وأولاده، والله تعالى أعلم. *** مناصحة الوالدين سؤال: أمر الله عباده المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل نصح الوالدين إذا وقع أحدهما في خطأ، من العقوق؟ أجيبونا بذلك بارك الله فيكم؟

مناصحة الوالدين

الجواب: نعم أمر الله جل وعلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب الاستطاعة، قال عليه الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» ، وفي رواية: «وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» ، والوالدان وغيرهما في ذلك سواء، يجب أن ينكر عليهما إذا فعلا شيئًا من المعاصي، وأن ينصحا وهذا من أفضل البر، هذا ليس من العقوق كما يتوهم السائل، بل هو من البر، لأنك تريد نجاتهما وخلاصهما من النار، وأنت تسمع ما ذكره الله - عز وجل - عن إبراهيم الخليل، أنه بدأ بمناصحة أبيه: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم: 42 - 45] . فهذا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام بدأ بمناصحة أبيه، ودعوته إلى الله عز وجل، والسعي في خلاصه من النار، فدل على أن مناصحة الآباء والوالدين من آكد الواجبات وأنه يبدأ بهما قبل غيرهما، وهذا من البر ومن أعظم البر لهما، لكن لا بد أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، والكلام اللين والطريقة الطيبة، وأن يتلطف معهما غاية التلطف، لعل الله عز وجل أن يهديهما. ***

الأعمال التي تنفع الوالدين

الأعمال التي تنفع الوالدين سؤال: ما هي الأعمال التي تفيد وتنفع الوالدين، أحياءً وأمواتًا؟ أفيدونا في ذلك جزاكم الله خيرًا. الجواب: الأعمال التي تنفع الوالدين أحياءً برهما والإحسان إليهما بالقول وبالفعل، وبالقيام بما يحتاجان إليه من النفقة والسكنى وغير ذلك، والأنس والكلام الطيب وخدمتهما هذا في حال الحياة. والإحسان إليهما بكل قول أو فعل لقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] ، خصوصًا في حال كبرهما، أو كبر أحدهما عنده، فإنه يجب على الولد أن يتلطف بهما، وأن يرفق بهما، وأن يحسن إليهما، كما قال تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23، 24] . فيجب على الولد أن يبر بوالديه إذا كانا على قيد الحياة بكل أنواع البر التي يستطيعها ولا سيما عند بلوغهما الكبر، أو بلوغ أحدهما الكبر أو الضعف، واحتياجهما إلى الولد، لخدمته ومعونته. أما بعد الوفاة، فإنه يبقى من برهما أيضًا الدعاء لهما، والصدقة عنهما، والحج والعمرة لهما، وقضاء الديون التي عليهما، إذا كان عليهما ديون، وصلة الرحم المتعلقة بهما أيضًا، وكذلك بر صديقهما، لأن هذا شيء يسرهما ويرتاحان منه، وكذلك ذبح الأضحية عنهما، هذه الأمور تبقى من بر الوالدين بعد وفاتهما.

أعمام وأخوال الوالدين من المحارم

أعمام وأخوال الوالدين من المحارم سؤال: هل يجوز للمرأة أن تكشف على عم أمها أو خال أمها؟ وهل يجوز لها أن تكشف على عم أبيها، أو خال أبيها؟ أي: هل يعد هؤلاء الأشخاص من المحارم لها، فقد قيل لي: إن المرأة هذه تعد من فروعهم، وهم أصول، لذلك هم من المحارم؟ فهل هذا صحيح يا فضيلة الشيخ؟ الجواب: نعم، إذا كان لأبيك عم شقيق من الأب أو من الأم، أو له خال كذلك، فإنه يكون من محارمك، لأن عم أبيك عم لك، وخال أبيك خال لك، وكذلك عم أمك، أي: أخ أبيها من النسب، سواءً كان شقيقًا لأب أو لأم، وكذلك خالها من النسب بأن يكون أخ أمها، أي يكون أخ جدتك، فإنه يكون عمًّا لكِ، أو خالًا لكِ، ويكون مَحرمًا لكِ. أما قولك: إنهم أصول. فهم ليسوا أصول، ولكنهم من الحواشي. وإنما هم أعمام لأصولك، أو أخوال لأصولك، فالحكم واحد، ويكونون محارم لكِ، كما قيل لكِ هذا. *** مساعدة القريب سؤال: لي خال وهو جاري ومصاب في رجليه، ولا يستطيع العمل إلا في بعض الأعمال الخفيفة، وله أطفال ومحتاج إلى مساعدة، ولكنه لا يداوم على الصلاة، ومعتقد بالطرق الصوفية، وبمشائخها، ويقيم شعائرها، فهل تصح مساعدتنا له؟ أفيدونا أفادكم الله. الجواب: يجب مناصحة هذا الرجل الذي يتبع الطرق الصوفية،

مساعدة القريب

ويشارك في إقامتها، وأن يبين له أن هذه الطرق طرق مبتدعة، وربما تكون طرق شركية، لأن الصوفية عندهم شركيات من الاعتقاد بالمشائخ. وأصحاب الطرق، أنهم ينفعون أو يضرون أو أنهم يعلمون شيئًا من الغيب، أو ما أشبه ذلك، هذا يعتبر من الشرك وهذا كثير في الطرق الصوفية اليوم، الاعتقاد بالمشائخ وبأصحاب الطرق أنهم يشفون المرضى، أو يكشفون الكربات، أو أنهم يعلمون الغيب، أو ما أشبه ذلك. فالواجب عليكم أن تناصحوا هذا، وأن تبينوا له ما في هذه الطرق من ضلال وأن الطريقة المشروعة هي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما كان عليه السلف الصالح من العلم والعمل، وأن يترك هذه الطرق الصوفية، ويكون على الطريقة الشرعية، إذا كان يريد النجاة لنفسه، والسلامة لدينه وعقيدته، فإذا لم ينتصح ولم يتب ولم يترك هذه الطرق الصوفية، فعليكم أن تهجروه إذا كان في هجره ردع له، وزجر له. أما إذا كان له عائلة محتاجة وهي بحاجة للمساعدة فلا مانع من إعطائهم شيئًا من التبرعات والصدقات، لحاجتهم وفقرهم وعذرهم، لكن ما ذكرتم من حالة هذا الرجل لا يجوز السكوت عليها، وتركه على هذه الحالة لأنه ربما يكون مستمرًا عليها عن جهل، ولو بين له لتركها، لا سيما وأنه رجل مريض ومقعد، فإذا ذكرتموه بذلك، وأن هذه الطرق لا خير فيها، لعل الله أن يهديه بسببكم وينقذه بسببكم، ويكون في ذلك أجر لكم وله إن شاء الله. ***

الإحسان إلى الأبناء

الإحسان إلى الأبناء سؤال: نحن والحمد لله متمسكين بالدين الحنيف، فنصلي فروضًا ونوافل، ونصوم فرضًا وتطوعًا، ولكن مشكلتنا والدنا الذي يسيئ معاملتنا في البيت، فهي أشبه بمعاملة البهائم إن لم تكن أسوأ، رغم أننا نوقره كل التوقير ونحترمه جل الاحترام، ونهيئ له كل وسائل الراحة والهدوء، ولكنه مع ذلك يعاملنا ووالدتنا أسوأ معاملة، فلا ينادينا إلا بأقبح أسماء الحيوانات، ودائمًا يدعو علينا وينتقدنا في كثرة تمسكنا بالدين، وإلى جانب ذلك فهو كثيرًا ما يغتاب الناس ويسعى بالنميمة بينهم، ويفعل هذه الأفعال مع صلاته وصيامه، فهو محافظ على الصلوات المفروضة في المساجد، ولكنه لم يقلع عن هذه العادة السيئة حتى سبب لنا ولوالدتنا القلق والضجر، فقد سئمنا صبرًا، وأصبحنا لا نطيق العيش معه على هذه الحالة، فما هي نصيحتكم له؟ ونحن ماذا يجب علينا نحوه؟ جزاكم الله خيرًا. الجواب: أولًا: يجب على الوالد أن يحسن إلى أولاده وأن يستعمل معهم اللين في وقته، والشدة في وقتها، فلا يكون شديدًا دائمًا، ولا يكون لينًا دائمًا، بل يستعمل في كل وقت ما يناسبه لأنه مرب ووالد، فيجب عليه أن يستعمل مع أولاده الأصلح دائمًا وأبدًا، إذا رأى منهم الإحسان لا يشتد عليهم، وإذا رأى منهم إساءة اشتد عليهم بنسبة تردعهم عن هذه الإساءة، ويكون حكيمًا مع أولاده، هذا هو الواجب عليه فلا يقسو عليهم بما ينفرهم، ولا يشتد عليهم من غير موجب، ومن غير مبرر، بل يحسن أخلاقه معهم، لأنهم أولى الناس بإحسانه وعطفه وحتى ينشؤوا على الخلق الطيب والدين والعادات السليمة.

أما إذا نفرهم بقسوته وغلظته المستمرة، فإن ذلك مدعاة لأن ينفروا منه وأن ينشؤوا نشأة سيئة، فالواجب على الأب أن يلاحظ هذا مع أولاده، لأنهم أمانة عنده، وهو مسئول عنهم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته» . أما واجبكم نحوه فهو الإحسان والصبر على ما يصدر منه فهو والدكم وله الحق الكبير عليكم وأنتم أولاده، فالواجب أن تحسنوا إليه، وأن تصبروا على ما يصدر منه من قسوة، فإن ذلك مدعاة لأن يتراجع وأن يعرف خطأه والله تعالى أعلم. *** العدل بين الأبناء سؤال: أنا رجل قدر الله علي بمرض في رجلي اليمنى، إلى أن قرر الأطباء بترها مما جعلني عاجزًا عن العمل، وأنا أعول أسرة كبيرة ولي أخوة ثلاثة، ولكن أبي قد باع مزارعه على إخوتي الثلاثة، ولعجزي عن شراء شيء منها فلم أحصل على شيء، فهل فعل والدي هذا صحيح أم أنه يحق لي المطالبة بحقي بدون شراء ولا بيع؟ الجواب: إذا كان والدك قد باع هذه المزارع على إخوتك بيعًا صحيحًا ليس فيه احتيال ولا تلجئة وإنما باعها عليهم، كما يبيعها على غيرهم بثمن كامل، ولم يترك لهم شيئًا منه، بل استوفاه فلا حرج عليه في ذلك، وليس لك حق الاعتراض، لأن هذا ليس فيه محاباة، وليس فيه تخصيص

العدل بين الأبناء

لهم بشيء من المال دونك، أما إذا كان خلاف ذلك، بأن كان بيع حيلة، قد تسامح معهم فيه وحاباهم به فهذا لا يجوز، لأنه جور، لأنه يجب على الوالد أن يسوي بين أولاده بالهبة والعطية، ولا يجوز له أن يخص بعضهم دون الآخر، لقوله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» ، فواجب على الوالد أن يسوي بين أولاده فيما يمنحه لهم، ولا يجوز له أن يفضل بعضهم على بعض. فالحاصل: أنه إذا كان البيع مستوفيًا لشروطه، ولم يحابهم بالثمن، ولم يتنازل لهم عن شيء منه، فهو بيع صحيح، وليس لك حق الاعتراض، وإن كان خلاف ذلك فهذا لا يجوز له، ويجب عليه أن يسوي بين أولاده والله تعالى أعلم. سؤال: إذا كان البيع بيعًا صحيحًا لا محاباة فيه فما حكم قيمة هذا البيع إذا توفي عنها والدهم؟ الجواب: القيمة إذا توفي عنها والدهم، فهي تركة، توزع يأخذ نصيبه منها على حسب الميراث، من جملة الميراث. سؤال: والذين اشتروا هل يأخذون منها؟ الجواب: نعم لأنه أصبح تركة. سؤال: يكونوا استفادوا مرتين على هذه الحالة؟ الجواب: لم يستفيدوا مرتين، لأنهم في الأول، اشتروا الأراضي هذه

ودفعوا ثمنها، وصار ثمنها ملكًا لأبيهم، ثم لما مات، ورثوها، أخذوها عن طريق الإرث، لا عن طريق الهبة، أو عن طريق التنازل، هذا حقهم من الميراث. *** العدل في العطية سؤال: توفي زوج عن زوجة وأم وابن وترك ميراثه الشرعي ثم قسمت، وأخذ كل ذي حق حقه، ثم بعد ذلك تنازلت أم المتوفى عن حقها الشرعي لابن الابن الذي هو الابن في المسألة وكانت في كامل قواها العقلية وبدون إكراه وللمتوفى أربعة إخوة أشقاء، البعض يوافق الأم في ذلك التنازل والبعض الآخر لا يوافقها فما رأي الشرع في ذلك، أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إعطاء بعض الأولاد وترك بعضهم، فقال صلى الله عليه وسلم لما جاءه الرجل الذي أعطى بعض أولاده عطيته وجاء بشهده عليها، قال عليه الصلاة والسلام: «أكل ولدك أعطيته مثل هذا؟ قال: لا، قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» . وفي رواية قال: «أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم، قال: فلا إذًا» .

العدل في العطية

وفي رواية: قال: «أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور» ، فدل هذا الحديث برواياته على أنه لا يجوز تخصيص بعض الأولاد بالعطية دون الآخر، وأن من أراد أن يعطي بعض أولاده يجب عليه أن يعطي الآخر مثله. فمثل هذه العطية لابن الابن، لأنه من الأولاد. *** موت الأطفال سؤال: كان لي أخ صغير يبلغ من العمر سنة، وقد توفي على إثر شربة شيئًا من الكاز، أخته قد وضعته أمام الباب دون علم الوالدة، فتناوله الطفل ثم شرب فتوفي، ومن شدة حزن الوالدة عليه، شربت من ذلك المشروب لتجرب: هل يؤثر عليها كما أثر على ولدها أم لا، فهل عليها شيء في شربها؟ وهل عليها كفارة نتيجة شرب ولدها لذلك أم لا؟ الجواب: أولًا نوجه بأن الأطفال ينبغي العناية بهم، ورعايتهم وإبعادهم عما يضرهم، فلا يتركون أمام شيء أو عند شيء فيه خطر عليهم. وأما ما ورد في السؤال: من أنه وضع إناء فيه كاز وشرب منه طفل ومات على إثر ذلك فهل على والدته شيء؟ إن كانت والدته مفرطة بأن تركته عند هذا المشروب الضار وشرب منه، فإن عليها كفارة عتق رقبة إن أمكن، فإن لم يمكن، فإنها تصوم شهرين متتابعين، كفارة عن تفريطها

موت الأطفال

بهذا الطفل، أما إذا لم تكن مفرطة، بأن تركت الطفل في مكان بعيد وجاء هو وشرب من هذا، فإنه لا شيء عليها لأنها لم تفرط. أما ما ورد في السؤال من أن الوالدة شربت من هذا الشراب الذي شرب منه الطفل وقتله، لترى هل هو يقتل أو لا؟ لا يجوز لها فعل ذلك لأنه لا يجوز للإنسان أن يتناول شيئًا ضارًّا للتجربة، وأنا أعتقد أنها فعلت ذلك من باب الحنان والعطف على الطفل لما في نفسها من وفاة ولدها بهذا الشراب، فأرادت أن تخفف عن نفسها وترى هل هذا يضر أو لا يضر، ولكنها أخطأت في هذا، حيث إنها عرضت نفسها للخطر، والله تعالى يقول: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، والقدر نفذ والحمد لله فعليها أن تصبر وتحتسب، وعليها كما ذكرنا إذا كانت متساهلة أو مفرطة أن تكفر، والله تعالى أعلم. *** كشف المرأة وجهها سؤال: إن هناك من يقول: إن كشف الوجه ليس حرامًا، وبذلك لا يجب تغطيته في سائر الأوقات والحج بصفة خاصة، فأرجو إفادتي جزاكم الله خيرًا؟ الجواب: الصحيح التي تدل عليه الأدلة، أن وجه المرأة من العورة، التي يجب سترها، بل هو أشد المواضع الفاتنة في جسمها، لأن الأنظار أكثر ما تصوب إلى الوجه، لأنه مركز الجمال، ومحل مدح الشعراء، أكثر في محاسن الوجه، فالوجه أعظم عورة في المرأة، مع ورود الأدلة الشرعية

كشف المرأة وجهها

على وجوب ستر الوجه، من ذلك قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] ، فضرب الخمار على الجيوب يلزم منه تغطية الوجه، ولما سئل ابن عباس رضي الله عنهما، عن صفة ذلك، غطى وجهه، وأبدى عينًا واحدة، فهذا يدل على أن المراد بالآية تغطية الوجه، وهذا هو تفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لهذه الآية، كما رواه عنه عبيدة السلماني، لما سأله عن ذلك، ومن السنة أحاديث كثيرة، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرمة أن تنتقب، وأن تلبس البرقع، فدل على أنها قبل الإحرام كانت تغطي وجهها، وليس معنى هذا، أنها إذا أزالت البرقع والنقاب حال الإحرام أنها ستبقي وجهها مكشوفًا، بل تستره بغير النقاب وبغير البرقع، بدليل «حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات فكان إذا مر بنا الرجال سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه.» فالمحرمة وغير المحرمة يجب عليها ستر وجهها عن الرجال الأجانب، لأن الوجه مركز الجمال، وهو محل النظر من الرجال، فلا حجة صحيحة مع من يرى أن الوجه ليس بعورة، وإنما الحجة الصحيحة مع من يرى أنه عورة، والله تعالى أعلم. ***

حكم الحجاب في حق المرأة

حكم الحجاب في حق المرأة سؤال: ما حكم الحجاب في حق المرأة المسلمة؟ فكثيرًا ما تتعرض المرأة المحجبة عندنا للسخرية والنقد من الغير، هل هو واجب في جميع المذاهب الأربعة، وما تفسير الآية الكريمة: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} [النور: 31] ، إلى آخر الآية، وهل معنى قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} أي: يغطين رؤوسهن وصدورهن مع العنق؟. وهل يدخل الوجه في هذا؟ إذا كان كذلك فما معنى قوله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ؟ الجواب: الحجاب واجب بإجماع المسلمين، لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53] ، والضمير إن كان لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فهو عام لجميع الأمة، لقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ، فهذا تعليل يشمل جميع الأمة، لأن طهارة القلوب مطلوبة لكل الأمة. وبعدها قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] ، فهذا عام لجميع النساء من أمهات المؤمنين وبنات الرسول وغيرهن من نساء المؤمنين. فالحجاب واجب بإجماع المسلمين، والسفور حرام. وأما المراد بقوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} : فالصحيح من قولَي المفسرين أن المراد بما ظهر منها: زينة الثياب، والحلي، لا زينة الجسم،

فالمراد بالزينة الظاهرة الزينة التي تلبسها المرأة إذا ظهر شيء منها من غير قصد فإنها لا تؤاخذ على ذلك، أما إذا تعمدت وأظهرته فإنها تأثم بذلك. ويحرم عليها، لقوله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ، ظهر: يعني ظهر من غير قصد. وأما قضية اسدال الخمار {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ، فهو كما ذكرت السائلة أنها تفضي بخمارها، والمراد بالخمار غطاء الرأس، أنها تغطي بخمارها وجهها ونحرها، تدلي الخمار من رأسها على وجهها وعلى نحرها خلافًا لما كان عليه الأمر في الجاهلية فإن نساء الجاهلية كن يكشفن نحورهن وصدورهن ويسدلن الخمار من ورائهن كما جاء في كتاب التفسير والله جل وعلا أمر نساء المسلمين أن يضربن بخمرهن على جيوبهن، والمراد بالجيب: فتحة الثوب من أعلى النحر من الأمام، فهذا يستلزم أن تغطي المرأة وجهها ونحرها، ولا يظهر شيء من جسمها، ولأن الوجه هو أعظم زينة في جسم المرأة، وهو محل الأنظار، وهو محل الفتنة ومركز الحسن والجمال، فهذا هو الصحيح في تفسير الآية الكريمة أن الوجه يجب ستره وإن كان بعض العلماء يرى جواز كشفه، وكشف الكفين، لكن كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القول لا يتناسب وسياق الآية وما فسرها به أئمة السلف من الصحابة والتابعين، حتى إن ابن عباس رضي الله عنه لما سأله عبيدة السلماني: عن معنى قوله: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} ، أدنى عبد الله بن عباس على وجهه وأبدى عينًا واحدة تبصر بها الطريق، فهذا تفسير منه للآية.

وكان ابن مسعود يفسر قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بأن المراد به زينة الثياب كما ذكرنا وليس زينة الوجه كما قاله من قاله، فيكون ابن عباس إذا رجع إلى قول ابن مسعود في آخر الأمرين، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية. فقد كان في أول الأمر يجوز للمرأة أن تبدي وجهها، ولكن بعدما نزلت آية الحجاب نسخ ذلك وصار يجب عليها تغطية وجهها. *** قص المرأة شعر رأسها سؤال: هل يجوز للمرأة أن تقص بعض شعر رأسها من الأمام للزينة أم لا؟ الجواب: الذي ينبغي للمرأة أن تحافظ على شعر رأسها لأنه جمالها وزينتها ولا ينبغي لها أن تقصه لأن في ذلك تشبهًا بالكافرات وبالنساء الفاسقات، وفيه تضييع أيضًا لشعرها الذي هو جمالها. والنبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة إذا حلت من النسك من حج أو عمرة أن تأخذ من شعرها قدر أنملة فقط، مما يدل على أنه ينبغي لها المحافظة على هذا الشعر وصيانته. *** مصافحة المرأة الأجنبية سؤال: ما حكم مصافحة المرأة الأجنبية، وما حكم مصافحة النساء عمومًا؟ الجواب: لا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية، لأن في ذلك فتنة للرجل والمرأة، فلا يجوز للرجل أن يصافح امرأة ليست من محارمه، لأن

مصافحة المرأة الأجنبية

مس الرجل للمرأة ومصافحته لها مما يثير الفتنة، ومما يسبب الشر بينهما. وكذلك مصافحة النساء عمومًا للرجال على هذا المنوال إذا كن غير محارم لهم، فإنه لا يجوز أن يصافحنهم. *** السفر بالطائرة سؤال: هل يجوز للمرأة أن تسافر في عصرنا الحاضر بواسطة الطائرة لوحدها، علمًا أن شروط أمن الفتنة متوفرة بسبب وجود من يوصلها إلى المطار ويستقبلها في المطار الآخر، علمًا أن أبعد مسافة تقطعها الطائرة بساعات معدودة، بمعنى أن الطيران متواصلًا قد لا يصل إلى يوم أو يومين؟ الجواب: لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، سواء في طائرة أو على سيارة، أو على دابة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا إلا ومعها أبوها أو زوجها أو ابنها أو أخوها، أو ذو محرم منها» . وهذا نص عام لكل زمان ومكان، ولكل الأحوال، فما دامت أنها ستسافر، فإنه لا بد لها من محرم، عملًا بالحديث الشريف، وأما قولها: إن الطائرة تؤمن فيها الفتنة، فهذا ليس بسليم، لأن الطائرة يعتريها ما يعتريها من الأمور التي تعطلها عن سيرها، وقد تنزل في مطار غير المطار من الخلل، فالمرأة بحاجة إلى محرم يكون معها يتولى شأنها، ويحافظ عليها. ثم من المعروف أن الطائرة موزع فيها مقاعد، وقد يجلس إلى جانبها

السفر بالطائرة

أجنبي عنها، غير محرم لها، ولا تتمكن من الجلوس في مقعد خاص بها لا يجلس معها غيرها، وهذا لا يجوز. فالحاصل: أنه قد تكون حالة الطائرة أحوج إلى المحرم من غيرها، لما يعتريها من العوارض، ولما يحصل فيها من الاختلاط، ولما ينشأ من طول المسافة والسفر من الحاجة إلى المحرم، ولا يكفي أن يذهب بها محرمها إلى المطار ويستقبلها المحرم الآخر في المطار الآخر، من الذي يؤمن لنا أن هذه الطائرة ستستمر من المطار الذي غادرته إلى المطار الذي تقصده. سؤال: إذا قول الرسول في الحديث: «ثلاثة أيام» ليس المقصود التقيد بالزمن، بل بعلة الحكم؟ الجواب: قول الرسول صلى الله عليه وسلم عام: «ثلاثة أيام» يعني باعتبار مشي الأقدام وسير الأحمال، سواء قطعه بمده طويلة أو بمدة يسيرة، لا يقدر بالزمن، وإنما يقدر بالمسافة، أما الزمن فيختلف باختلاف وسائل النقل، قد يقطعه في ساعة، وقد يقطعه في أيام، أو في شهر أو في أشهر، هذا لا يعلق فيه حكم، يعني طول السير، أو مدة السير طولًا وقصرًا لا يتعلق بها حكم، وإنما يتعلق هذا بالمسافة. *** عرائس الأطفال سؤال: ما حكم اقتناء بعض الصور المجسمة التي تسمى العرائس للأطفال، وتباع في الأسواق، هل هذا جائز أم محرم؟ الجواب: أولًا: اقتناء الصور عمومًا سواءً كانت مجسمة أو مرسومة

عرائس الأطفال

باليد أو فوتوغرافية، مما يؤخذ بالآلة، هذا حرام لا يجوز اقتناؤها وإبقاؤها في البيوت، ما عدا الصور التي تتخذ للحاجة والضرورة كالصور في الجواز والتابعية ورخصة القيادة، لأن هذه أصبحت أشياء ملزمة للناس، فهي حاجة ضرورية، أما ما عدا هذا مما يتخذ للتزين وتزيين المنزل به، أو للتذكار كما يزعمون، فهذا لا يجوز، حرام، ويأثم فاعله إثمًا عظيمًا، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة أو فيه كلب. أما بالنسبة للعب الأطفال فقد رخص أهل العلم بترك الصور التي على هيئة لعب للأطفال خاصة، وورد الدليل بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى مع عائشة وهي صغيرة طفلة، رأى عندها شيئًا من هذه الصور وتركه. فلعب الأطفال يسمح أو يتسامح بها إذا كانت للأطفال خاصة، على أن الصور التي وردت في الحديث لا يتبين أو يتحقق أنها مثل الصور الموجودة الآن، إنما قد تكون صور مركبة من أعواد أو ما أشبه ذلك مما كان معروفًا في ذلك الوقت، وإلى وقت قريب، معروفة لعب الأطفال، فقد كانوا يركبون أعوادًا أو عظامًا ويجعلون عليها شيئًا من الخرق على شكل، أو يقارب مثلًا شكل اللباس ليتمرن عليها الأطفال، وللهو والتسلية، وليس فيها محظور. أما هذه الصورة الموجودة الآن التي كأنها تحاكي الأجسام بألوانها وأشكالها، فهذه التي ينبغي أن تتلف، وأن لا تبقى حتى ولا مع الأطفال، وإنما يتخذ الأطفال صورًا مما ذكرنا، الصور التي يركبونها هم من الأعواد أو ما أشبه ذلك. سؤال: إنما هناك من يبيح تناول مثل هذه الأشياء أو اللهو بها، خاصة بالأطفال؟ الجواب: نعم، من العلماء من يرى أن إبقاء الصور مع الأطفال لأجل

اللعب بها، أنه لا بأس به، رخص فيه، أما أن تقتنى في البيوت وتجعل في البيوت للزينة والتذكار أو ما أشبه ذلك، فهذا حرام، بإجماع المسلمين، خصوصًا الصور التي على شكل تماثيل. سؤال: هناك شيء آخر: الذي هو مثل بعض الحيوانات أو الطيور بعد أن تموت ربما تحشى جلودها بما يشبه جسمها وهي حية، وتبقى كشكلها وهي حية، وتوضع في البيوت للزينة، هل تأخذ هذه حكم الصور؟ الجواب: نعم تأخذ حكم الصور؛ لأنها من العبث، ولأنها وسيلة أيضًا إلى التوسع بهذا الأمر، وأن تتخذ الصور المجسمة والتماثيل في البيوت إذا فتح هذا الباب. حتى ولو كانت طيورًا محنطة أو حيوانات محنطة لا ينبغي هذا لأن هذا من العبث، ولا مصلحة فيه، ولأنه فتح باب لاتخاذ التماثيل. ثم إن تحنيط هذه الحيوانات أيضًا - وهذه جيف وميتات والميتة نجسة لا يجوز لمسها واستعمالها، وتحنيطها - لا يرفع عنها حكم النجاسة فهي أيضًا ممنوعة من ناحية النجاسة، كما أنها ممنوعة من ناحية أن فيها فتح الباب لاقتناء التماثيل. *** التربية لا تثبت النسب سؤال: هناك امرأة تبنت ولدًا، وربته مع أولادها، ولكنها لم ترضعه، فهل يجوز لها أن تزوجه من إحدى بناتها، وإذا أرضعته، فهل يأخذ لقب أبيهم ويرث ويورث؟ الجواب: أما مجرد أنها غذت هذا الولد من الصغر، وربته في

التربية لا تثبت النسب

صغره، هذا لا يثبت نسبًا ولا قرابة بينه وبينها، وهو أجنبي عنها، ومن بناتها، فيجب عليها أن تحتجب منه، ويجب على بناتها أن يحتجبن منه، لأنه أجنبي عنهن، ما دام أنه لم يحصل رضاعة، وإنما الحاصل مجرد أنها ربته وغذته من الصغر، وتسميته تبني خطأ؛ لأن التبني منهي عنه في الإسلام، وليس هناك تبن إلا للأولاد، أولاد النسب، أو الأولاد من الرضاعة أما مجرد التربية والتغذية للصغير، هذا لا يثبت قرابة ولا نسبًا، ولا يسمى تبنيًا، ولا يجوز التسمية بهذا اللقب. أما لو جرى بينه وبينها رضاعة بأن أرضعته رضاعًا كافيًا، بأن يكون خمس رضعات فأكثر، وأن يكون ذلك في الحولين، فإنه يكون ابنًا لها من الرضاعة، وتكون بناتها أخوات له، ومحارمها يكونون محارم له، لقوله صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، وفي حديث آخر: «الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة» ، فهو يكون ابنًا لها في المحرمة فقط، أما أنه يرث منها أو ترث منه فلا، لأن الرضاعة لا تثبت ميراثًا، وإنما تثبت المحرمية فقط، أما الإرث، فهو خاص بالقرابة من النسب، والله تعالى أعلم. سؤال: بالنسبة للزواج ما لم يكن هناك رضاعة هل يجوز أن يتزوج من بنات هذه الأم؟

الجواب: ما لم يكن هناك رضاعة بينه وبينها، أو بينه وبين أحد من بناتها أو أخواتها، فإنه لا بأس في ذلك، لأنه أجنبي منها، حتى لو تزوج منها هي لا مانع، لأنه أجنبي منها. *** تخصيص مقبرة لكل أسرة سؤال: في مجتمعنا عادة بالنسبة للمقابر فكل أسرة من الأسر تخصص لها مكانًا من أرضها مقبرة، لا يقبر فيها إلا من هو من تلك الأسرة، وأحيانًا تكون الأرض المخصصة للمقبرة صغيرة، فيدفنون في القبر الواحد أكثر من ميت إلى أن يصير أحيانًا أربع طبقات أو خمس، إضافة إلى نوع آخر من القبور نسميه الفاسقية، وهذه يكون فيها من الموتى عدد كبير، هل يجوز هذا العمل أم لا؟ الجواب: من حيث المبدأ لا مانع أن تخصص كل أسرة أرضًا تكون مقبرة لأفرادها ما دام أن هذه البقعة صالحة للدفن وواسعة، تسع أمواتًا كثيرين، فإذا انتهت، وضاقت، ولم يبق فيها محل للقبور المستقبلية، فإن الموتى يدفنون في مكان آخر، ولا يدفنون في القبور التي سبقوا إليها، لأنه لا يجوز أن يدفن في القبر المتقدم قبر جديد، إلا بعدما يتحلل جسم الأول، ويفنى، ولا يبقى له بقية، أما ما دام الجسم الأول له بقية وله رفات، فإنه لا يجوز أن يدفن معه ميت آخر لأن الأول سبق إلى هذا وصار مختصًّا به، ولو كان بينهما فاصل، لأن نبش القبر، وحفر القبر من جديد، وفتح القبر من جديد، هذا لا يجوز، لأنه لا مبرر له، فعليهم أن يدفنوا موتاهم في مكان آخر مهما أمكن ذلك، ولا يضايقوا الأموات الأولين.

تخصيص مقبرة لكل أسرة

سؤال: بالنسبة للنوع الآخر الذي يسمونه الفاسقية؟ الجواب: كذلك، كما ذكرنا أنه لا يجوز أن يحفر القبر الذي فيه ميت قد سبق، ودفن فيه، لا يجوز أن يحفر مرة أخرى إلا بعد ما يتحلل الميت الأول ويتلاشى. سؤال: إذا كان الموتى في وقت واحد هل يجوز في هذه الحالة أن يجمع أكثر من واحد؟ الجواب: إذا كان القتلى كثيرين وليس هناك من يستطيع دفن كل ميت على حدة، عند الحاجة لا بأس بذلك. *** الأملاك لأصحابها ما لم توهب سؤال: نحن أربعة أيتام، ولنا ثلاثة أعمام جميعهم أحياء يرزقون، ومنهم اثنان غير موجودين في الوطن، وأكبرهم سنًّا موجود، وقد أخذ واستولى على جميع ممتلكات أخويه الاثنين الغائبين من الأطيان وغيرها، ولا يعطينا منها شيئًا، ونحن أولاد أخيه الأصغر، أربعة أيتام، وقد بلغنا رشدنا وقد رفض أن يعطينا شيئًا من ممتلكات أعمامنا بحجة أنه أخوهم، فهل لنا شرعًا بمطالبته بإعطائنا جزءًا من أراضي أعمامنا، أم لا، وهل له هو حق التصرف فيها؟ الجواب: أعمامكم الغائبين ما داموا على قيد الحياة، فالأملاك لهم، لم تنتقل عن ملكيتهم، ولا لعمكم استحقاق فيها، وليس لكم أنتم أيضًا فيها استحقاق، لأنها ملك لأصحابها إلا إذا كانوا وهبوبها لأخيهم، أو

الأملاك لأصحابها ما لم توهب

أذنوا له في أن ينتفع بها، فلا بأس بذلك، وتكون هبة إذا كانوا وهبوها له، أو ينتفع بغلتها إذا كانوا أباحوا له ذلك، ولا يلزمه أن يعطيكم إلا إذا كان أصحاب الأراضي وهبوا لكم شيئًا منها، أو من غلتها، أما إذا لم يهبوا لكم شيئًا، ولا من غلتها، فليس لكم فيها استحقاق. الحاصل: أن الأملاك باقية على ملك أصحابها ولو كانوا غائبين، وليس للحاضر من إخوتهم أن يتملكها إلا بإذنهم، وكذلك ليس له أن يستغلها إلا بإذنهم، فما سمحوا به له، جاز له، وما لم يسمحوا فهو على ملكهم. *** الظروف القاسية سؤال: مرت بي منذ بداية حياتي ظروف قاسية وأزمات شديدة متكررة، أدت بي في النهاية لحالة من ضيق الصدر الشديد، تلازمني دائمًا، ورغم أنني أحاول التغلب عليها قدر استطاعتي، إلا أنني عند مواجهتي لبعض الخلافات أجد نفسي وبدون وعي أقوم بشق ملابسي وتمزيقها، وقد حدثت هذه الحالة مني قريبًا كما حدثت مرتين قبلها أيضًا وبعدها شعرت بالندم الشديد واستعذت بالله كثيرًا، ودعوت الله بالمغفرة والصفح وأن يشفيني مما أنا فيه ومنذ تلك الحادثة وأنا أشعر بحالة دائمة من الخوف والفزع خاصة وأن سني الآن يقارب الخمسين سنة وأطلب من الله حسن الخاتمة، فأرجو التكرم بإلقاء الضوء على هذه المشكلة، والحكم الشرعي فيمن يتصرف بمثل هذه التصرفات، وماذا يجب علي عمله حتى يعود الاطمئنان إلى نفسي، جزاكم الله خير الجزاء.

الظروف القاسية

الجواب: أما بالنسبة لما يصيب الإنسان في هذه الدنيا من الهموم والمضايقات والأحزان، فهذا شيء يجري به القضاء والقدر على العباد امتحانًا لهم، فعلى المؤمن أن يصبر ويحتسب، ولا يجزع ولا يتسخط، لأنه لا يصيبه شيء إلا كان خيرًا له، إن أصابته سراء وشكر عليها، كان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، وصبر عليها كان خيرًا له، فالمؤمن بإيمانه لا تحصل منه أشياء تتنافى مع صفات المؤمنين، بل عليه أن يصبر، ويحتسب الأجر عند الله سبحانه وتعالى، والنصر مع الصبر، والفرج قريب. ومن ذا الذي يسلم في هذه الحياة من المكدرات والمنغصات. أما بالنسبة لشق الثوب، هذا شيء لا يجوز قطعًا، لأنه من أعمال الجاهلية، فإن من أعمال الجاهلية: شق الجيوب، ولطم الخدود، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من شق الجيوب ودعى بدعوى الجاهلية» ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فعلى المسلم أن يصبر ولا يعمل عملًا يعبر عن الجزع والسخط ولا يقول قولًا: يعبر عن السخط والجزع من قضاء الله وقدره، بل عليه أن يصبر ويحتسب، فما فعلته من شق ثوبك عدة مرات، هذا خطأ وحرام، ولكن عليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ولا تعود لمثل هذا، والله يتوب على من تاب. ***

كتاب الرضاع

كتاب الرضاع

شروط الرضاع المحرم سؤال: تزوج رجل من امرأة وعاش معها عامين كاملين ثم علما بعد ذلك بأنهما رضعا من امرأة في الحي، أو هي في الأصح جارة لهما، فهل تحرم عليه أم لا تحرم، حيث إنهما كما ذكرت سابقًا قد رضعا من امرأة واحدة؟ أفتونا مأجورين. الجواب: من المتقرر في الشريعة أن الرضاع يحرم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، والله جل وعلا لما ذكر من المحرمات قال: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] . لكن لا يعتبر الرضاع إلا بشرطين: الأول: أن يكون الرضاع متكاملًا خمس رضعات معلومات. والثاني: أن يكون ذلك في الحولين من عمر الطفل. هذه هي القاعدة في الرضاع المحرم. أما قضيتك الخاصة، وما ذكرته من أنك تزوجت من امرأة، رضعت وإياها من امرأة وأنك عشت معها في الزوجية سنتين، هذه تحتاج إلى الرجوع إلى القاضي الشرعي لديكم، أو المفتي المعتمد ليتحقق من القضية ويتثبت منها، بعد ذلك يخبركم بالحكم الشرعي إن شاء الله.

سؤال: أرضعت طفلًا فهل يصبح محرمًا لأختي ويجوز لها أن تكشف عليه؟ الجواب: إذا كانت الرضاعة في الحولين وكانت خمس رضعات معلومات كما جاء في الأحاديث، فإنه يصبح ابنًا للمرضعة وتكون أختها خالة له من الرضاع، فيكون محرمًا لهن، محرمًا لأمه من الرضاع، ومحرمًا لخالته من الرضاع، لكن بالشرطين اللذين ذكرنا، أن يكون الرضاع في الحولين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الرضاعة من المجاعة» ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام» ، وأن يكون خمس رضعات لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «خمس رضعات معلومات يحرمن، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك» . *** سؤال: لزوجي بنت من زوجة أخرى ولها ابن فهل يعتبر ابن بنت زوجي محرمًا، ومن ثم يجوز لي الكشف عليه؟ الجواب: لا بأس بذلك، لأنها زوجة لأبيه، زوجة لجده من أمه، فهي ما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] ، فهي زوجة لأحد آبائه. ***

لبن الفحل

لبن الفحل سؤال: طفل نشأ في بيت عمه، ورضع من زوجة عمه، وبعد مدة تزوج عمه بامرأة ثانية، ورزق منها ببنات، فهل يحل له الزواج من إحدى بنات المرأة الثانية، مع أنه رضع من الزوجة الأولى فقط؟ أفيدونا وفقكم الله. الجواب: لا، ليس له أن يتزوج ببنات الزوجة الثانية التي هي ضرة للتي أرضعته، وهما تحت زوج واحد، لأن هذه مسألة لبن الفحل، والصحيح: أنه يحرم، والبنات من المرأة الأخرى أخوات له، من الأب في الرضاعة، والله أعلم. *** يقتصر تحريم الرضاع على المرتضع وفروعه سؤال: لي أخت وقد أرضعت ابنها البكر مع ابني البكر، فهل يحرمن البنات اللواتي بعد هذا الولد على أبنائي الذين من بعد ولدي البكر؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير. الجواب: نعم، ابن أختك الذي رضع منك يكون ابنًا لك من الرضاعة، وتحرم عليه بناتك، لأنه صار أخًا لهن من الرضاعة، أما إخوته فيجوز أن يتزوجوا من بناتك، وكذلك العكس، أبنائك يجوز أن يتزوجوا من أخوات المرتضع الذين هم أبناء أختك، لأنهم لا علاقة لهم بهذا الرضاع، إنما يقتصر تحريم الرضاع على المرتضع وعلى فروعه. ***

يقتصر تحريم الرضاع على المرتضع وفروعه

سؤال: أرضعت أخ زوجي لمدة قد تصل إلى شهرين ونصف مع ابني الكبير، ولي أولاد كثيرون وإخوة زوجي كثيرون أيضًا، فهل يصبح أبنائي وأعمامهم إخوة، ولإخوة زوجي بنات فهل يحرمن على أبنائي، علمًا بأن أخ زوجي الذي أرضعته وإخوته الأكبر منه ليسوا من أم واحدة، بل كل واحد منهم له أم؟ الجواب: أما أخو زوجك الذي أرضعتيه، فإنه يكون ابنًا لك ويكون أخًا لأولادك كلهم، الذكور والإناث، إذا كان الرضاع في الحولين وبلغ خمس رضعات فأكثر، فإنه يكون ابنًا لك وأخًا لأولادك ذكورهم وإناثهم، من كان قبله ومن كان بعده، ولا يجوز لأبنائه أن يتزوجوا من بنات عمهم الذي هو زوجك، لأنه يصبح عمًّا لهم من الرضاعة. أما بقية إخوته فلا تعلق لهم بهذا الرضاع، ويجوز لهم أن يتزوجوا من بنات عمهم ما شاءوا، لأنهم لا علاقة لهم بالرضاع الذي جرى بينك وبين أحدهم، وإنما يختص هذا بالمرتضع، وفروعه، والله تعالى أعلم. *** حكم الرضاع يتعلق بالراضعة سؤال: لي خالة ولها أولاد وبنات وكانت ابنتها قد رضعت من أمي مع أخي الأكبر مني، فهل تكون هذه البنت أختنا؟ وهل يجوز لنا الزواج بأختها الصغيرة؟ أفيدونا بذلك مأجورين؟ الجواب: أما البنت التي رضعت من أمكم فهي أخت لكم جميعًا من الرضاعة، أما بقية أخواتها فلا علاقة لهن بهذا الرضاع، ولا مانع أن تتزوجوا من أخواتها لأنهن لم يرضعن من أمكم، وأنتم لم ترضعوا من أمهن.

الابن الأصغر لا علاقة له بالرضاع

الابن الأصغر لا علاقة له بالرضاع سؤال: لقد أرضعت شقيقي الأصغر منذ تسع وعشرين سنة، ووالدتي أرضعت ابنتي الكبرى، وابنها الكبير عدة مرات، ويريد ابني الصغير أن يتزوج من ابنة أخي، وابنها هذا لم يرضع من جدته، فهل يجوز هذا الزواج أم لا؟ الجواب: لا مانع من ذلك ما دام أن هذا الصغير لم يرضع من جدته، فإنه لا مانع من ذلك، بشرط أن لا تكون البنت رضعت من أمه، ولا هو رضع من جدتها، ولا هي رضعت أيضًا من أمه، حينئذ لا مانع من التزاوج بينهما. *** الزواج من أخت الأخ من الرضاع سؤال: أرغب في الزواج من فتاة، ولكن شقيقي قد رضع مع أختها، فهل يجوز لي ذلك؟ الجواب: لا مانع أن تتزوج بأخت أخيك من الرضاع ما دمت أنت لم ترضع من أمها، فإنها لا تحرم عليك، ولو كانت أختًا لأخيك من جهة الرضاعة، ما دام أنك لم ترضع من أمها وهي لم ترضع من أمك، فإنه لا يحرم عليك أن تتزوجها، أو تتزوج أختها. إنما تحرم على أخيك بنات مرضعته، كل بنات مرضعته تحرم عليه، أما أنت فلا علاقة لك بذلك. ***

الزواج من حفيدات المرضعة

الزواج من حفيدات المرضعة سؤال: رضعت من امرأة وهذه المرأة لها حفيدات، فهل يجوز لي أن أتزوج من حفيداتها، يعني بنات بناتها، أفيدوني جزاكم الله خيرًا؟ الجواب: إذا رضعت من امرأة رضاعة تامة خمس رضعات في الحولين، فإنك تكون ابنًا لها من الرضاعة، وبناتها أخوات لك من الرضاعة، وبنات بناتها بنات لأخواتك من الرضاعة، فتكون خالًا لهن من الرضاعة، فلا يجوز لك أن تتزوج من حفيداتها، أي من بنات بناتها، لأنهن بنات أخواتك من الرضاعة، وأنت خالهن والله أعلم. *** الرضاع من الأخت الشقيقة سؤال: امرأة أرضعت شقيقها، ما حكم الشرع في زواج أبنائهما؟ الجواب: إذا أرضعت المرأة أخاها الشقيق، صار ابنًا لها، وصار أولاده أولادًا لها، تكون جدة لهم من الرضاعة ويكون أولادهما أعمامًا، يكونوا إخوة للمرتضع وأعمامًا لأولاده، ولا يجوز التزاوج بينهما في هذه الحالة، لأن أولاد المرضعة، يكونون أعمامًا لأبناء الرضيع، وأولاد الرضيع يكونون أحفادًا للمرضعة من الرضاع، بمعنى أنها تكون جدتهم من الرضاعة. ***

الرضاع من الجدة

الرضاع من الجدة سؤال: أنا شاب أبلغ من العمر حوالي عشرين سنة ميسور الحال والحمد لله، وأرغب في الزواج من ابنة خالي، أو خالتي، ولكن فوجئت عندما قالت لي جدتي التي هي أم أمي، بأنها أرضعتني مرات كثيرة، عندما كانت والدتي مريضة، فهل يحل لي الزواج من ابنة خالي، أو ابنة خالتي، وهل يحرم على إخواني ما يحرم على علي، وهم لم يرضعوا من جدتهم، مع العلم أني لم أرضع مع نفس خالي أو خالتي الذين أرغب الزواج من بناتهم، بل رضعت مع شقيقتهم التي بينهم وبينها حوالي ثلاثة إخوان، وهم من نفس الأم، أي أم أمي، ونفس الأب، أب أمي؟ الجواب: ما دام أنك رضعت من جدتك الرضاع المحرم وهو خمس رضعات، في الحولين، فإنه لا يجوز لك أن تتزوج ببنت خالك، وبنت خالتك، لأنك تكون عمًّا لهم من الرضاع، وأيضًا تحرم عليك كل بنات خالك وبنات خالتك، لأن الحكم ينتشر على الجميع، لأن جدتك أصبحت أمًّا للجميع أمًّا لخالك وخالتك من النسب، وأمًّا لك من الرضاع، فتحرم عليك كل فروعها. أما بالنسبة للذين لم يرضعوا فلا مانع أن يتزوجوا من بنات أخوالهم أو بنات خالاتهم، ولا يسري عليهم حكم رضاعك أنت. ***

خالها من الرضاعة

خالها من الرضاعة سؤال: أريد الزواج من ابنة خالتي وعلمت أن خالتي قد رضعت من والدتي معي، هل يجوز الزواج في مثل هذه الحالة أم لا؟ أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب: إذا كان الرضاع الذي ذكرته، خمس رضعات فأكثر، وكان في الحولين، فإنه لا يصح لك أن تتزوج من هذه البنت؛ لأنك خال لها، من الرضاعة، لأن أمها رضعت من أمك فصارت أمها أختًا لك من الرضاعة، وبنتها تكون بنت أختك من الرضاعة، فلا تحل لك، والله تعالى أعلم. *** يجوز لك الزواج منها سؤال: لي ابنة عم في سن الزواج، وأريد أن أتزوجها، لكن المشكلة هو ابن عمي الذي هو أخوها، فقد رضع من أمي عندما كانت ترضع أختي الأكبر مني، فهل رضاعة ابن عمي هذه تبطل زواجي من أخته شرعًا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا. الجواب: لا مانع من تزوجك من بنت عمك، ولو كان أخوها قد رضع من أمك، فهذا لا يؤثر ما دامت أنها هي لم ترضع من أمك، وأنت لم ترضع من أمها، فلا علاقة بينكما، فيجوز لك أن تتزوجها، والله تعالى أعلم. ***

كتاب الميراث

كتاب الميراث

يجب توزيع الميراث سؤال: جدي لأبي توفي وخلف أرضًا زراعية وله ورثة سبعة بنات وابن واحد، وبعد أن تزوج الجميع بقي ابنه مستوليًا على هذه الأرض، وقد كلفته ما يقارب قيمتها في تعميرها وتصليحها وإيصال الماء إليها. فهل للبنات نصيب فيها أم لا؟ الجواب: نعم للبنات نصيب من أصل الأرض، أما كلف التعمير التي أنفقها أخوكم، فهذه ترجع إليكم. إذا اصطلحتم فيما بينكم على أن تدفعوا له شيئًا من الكلف أو هو سمح عنكم، فهذا راجع إليكم، وإن اختلفتم فلا بد من الرجوع إلى القاضي، وهو ينظر في القضية، أما الإرث فأنتم على نصيبكم من الأصل. *** الميراث يوزع على الورثة سؤال: منذ عدة شهور توفيت والدتي بحادثة دهس سيارة، ولقد تم التصالح مع السائق مسبب الحادث، وحسب العرف الشائع عندنا دفع مبلغ وقدره خمسون ألف ليرة سورية، كدية لنا، والسؤال: هل يجوز لي أن أنفق وأتصدق من هذه الأموال عن والدتي، وأن يحج عنها شخص آخر؟ وهل تصح زيارة القبور أيام الأعياد ويوم الجمعة، وهل صحيح بأن الأرواح تعود للأموات في مثل هذه الأيام؟ أرشدونا وفقكم الله. الجواب: أما الدية، فإنها تعتبر من تركة المتوفاة، فتكون للورثة، كل

الميراث يوزع على الورثة

يأخذ نصيبه منها، بعدما تسدد ديون الميت وتنفذ وصاياه الشرعية، وكل يتصرف في نصيبه، فإذا وصل إليك شيء من هذه التركة، فإنك تتصرف فيه، إن شئت تحج منه عن أمك، أو تتصدق منه عن أمك من نصيبك الخاص. أما نصيب بقية الورثة، فلا يجوز التصرف فيه إلا بإذن، فإذا اتفقتم، أو اتفق بعضكم على أن يتصدقوا وأن يحجوا عن أمهم من نصيبهم وميراثهم جاز ذلك، أما من لم تطب نفسه ولم يأذن بذلك، فإنه يدفع إليه نصيبه، ولا يؤخذ منه شيء لا لصدقة ولا لحجة. وأما قضية زيارة القبور، فإنها مشروعة في سائر الأيام، لا في يوم الجمعة خاصة، أو في يوم العيد خاصة، بل في سائر الأيام. والزيارة المشروعة هي الزيارة التي يكون القصد منها الاعتبار، والاتعاظ، والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى وتذكر الموت، كما قال صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكر بالآخرة» ، ويكون القصد منها أيضًا نفع الأموات بالدعاء لهم والاستغفار لهم، والترحم عليهم، فإنهم بحاجة إلى دعوات الأحياء واستغفارهم في سائر الأيام لا في يوم الجمعة خاصة، ولا في يوم العيد خاصة. وكونه ترد أرواحهم في هذين اليومين خاصة لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز الكلام فيه إلا بدليل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. ***

حق المرأة في الميراث

حق المرأة في الميراث سؤال: عندنا في بلدنا عادة حينما يتوفى الرجل ويترك خلفه بنات وأبناءً ولهم إرث منه، العادة: هي أن يطلب من البنات التنازل عن إرثهن، وغالبًا ما يتنازلن مجاملة وحياءً فما حكم هذه العادة، فقد جرت معي ومع أخوي الاثنين، فقد تنازلت أختانا عن نصيبهما من الإرث، وأخذناه نحن الذكور فقط فهل علينا في ذلك إثم؟ الجواب: الحكم أن هذا العمل لا يجوز، الإلحاح على البنات حتى يتركن إرثهن لإخوانهن، هذا لا يجوز، لا سيما وأنك ذكرت أنهن يتركنه حياءً ومجاملة، فيكون هذا قريب من الإكراه فلا يجوز مثل هذا العمل، بل الله سبحانه وتعالى أعطى البنات حقهن، كما قال سبحانه: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] ، فالله جل وعلا جعل للبنات نصيبًا من الميراث، وجعل للأولاد نصيبًا من الميراث وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه» ، والبنت قد تكون أحوج إلى الميراث من الولد، لضعفها وعجزها عن الاكتساب، خلاف الولد، فإنه يقوى على الاكتساب، وعلى السفر وطلب الرزق. وعلى كل حال: هذا التصرف لا يجوز، ولا يصح استضعفا النساء، والتغلب عليهن، وأخذ نصيبهن ولو كان هذا بصورة التبرع منهن، لأنهن لا يتبرعن بهذا عن طيب نفس، وإنما يتبرعن به كما ذكرت حياء ومجاملة.

الميراث والأمانة

الميراث والأمانة سؤال: توفي أخي وترك عندي مبلغًا من المال، قدره ثمانون ألف ريال، أمانة عندي، وله ولد وبنت، فأتي إلي أحد أولاده وطلب ذلك المبلغ فأنكرته بحجة أنه قد وهبه لي وكان أخي يعرف ذلك، ثم جاءت البنت وقالت: ما تركه والدي أمانة عندك، وبعد مدة خفت من أن ينتقم الله مني بسبب الأمانة التي حملتها فوزعت المبلغ المذكور، بينهما بالتساوي، فأعطيت الولد مثلما أعطيت البنت أربعين ألف ريال لكل منهما، فسألت أحد العلماء قال: أنت آثمة في قسمتك هذه وحرام عليك، فهل ما قاله هذا العالم صحيح أم لا، وماذا علي أن أفعل الآن؟ الجواب: أولًا: مماطلتك في حق الورثة، شيء لا يجوز لكِ، بل الواجب أداء الأمانة لأهلها. ثانيًا: قسمتكِ المال بين الذكر والأنثى سواء، وهم ليسوا في حكم الله سواء لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، فالأولاد إذا كانوا ذكورًا وإناثًا، للذكر مثل حظ الأنثيين ولا يجوز تسوية الذكر بالأنثى، فالذي عليك الآن استدراك هذا الشيء ويلزمك إن أمكن أن تسحبي من البنت الزيادة عن نصيبها، ودفعها لأخيها، يلزمك ذلك، أو إن سمح أخوها بحقه لها، فلا بأس في ذلك أيضًا. أما إذا لم يسمح هو بحقه، ولم تستطيعي سحب الزائد من البنت، فإنك تغرمين للابن ما يكمل نصيبه، والله تعالى أعلم. سؤال: كان عليها أن تفترض أنهم ثلاثة فتعطي الولد حق اثنين من هذه الثمانين والباقي للبنت؟

الجواب: نعم، إذا لم يكن هناك ورثة غيرهم، المهم أنه للذكر مثل حظ الأنثيين، سواءً في هذه الثمانين إن لم يكن هناك غيرهم، أو في نصيبهم منها. سؤال: حتى لو كان أبوهما ترك هذا المبلغ أمانة عندها لتسلمه إليهما بعد وفاته؟ الجواب: نعم، يعتبر بعد وفاة والدهما ميراثًا. *** الوصية والميراث سؤال: توفي والدي وترك لنا مآلا، إلا أن جدتي التي هي والدته قد تركت لوالدي عددًا من الماشية، عبارة عن جزء من الثلث ليفعل به ما يشاء، فماذا نعمل بهذه الماشية، هل نضمها إلى تركة والدنا؟ أم نتصدق بها، أم ماذا نعمل بها؟ أرشدونا بارك الله فيكم. الجواب: إذا كانت هذه الماشية التي تركتها جدتكم وصية من بعد موتها في طرق المنح، وكان والدكم يتولاها وينفذ وصيتها، فإن الواجب أن تستمر هذه الوصية، وأن تنفذ على ما أوصت به الميتة، ولا بد أن يكون هناك ورقة مكتوبة في هذا الموضوع، أو يكون هناك من الناس من يدري فتسألون. الحاصل: أن هذه الماشية التي أشرتم إليها، يظهر أنها وصية للميتة، وأن والدكم كان ينميها، وينفد منها ما أوصت به أمه، فعليكم أن تبحثوا عن ذلك، وأن تنفذوا هذه الوصية.

الوصية والميراث

أما إذا كانت تركتها من باب الإرث، وأن ولدها قد ورثها عنها، فهي تكون كسائر ماله، تكون من تركته وتضم إلى تركته إذا كان والدكم قد ورثها عن أمه، ووصلت إليه عن طريق الإرث، فهي مال له، وتركة له، لكن أخشى أن تكون كما أشرت أولًا، أنها وصية. *** الميراث وعقد الزواج سؤال: إذا عقد نكاح رجل على فتاة ولم يدخل بها، ومات أحدهما عن الآخر، فهل يرث أحدهما الآخر أم لا؟ وما الحكم من ناحية العدة، لو مات الرجل قبل الدخول بالزوجة، فهل عليها عدة أم لا؟ الجواب: إذا تم عقد الزواج مستوفيًا لشروطه وأركانه ثم مات أحد الزوجين قبل الدخول، فإن عقد الزواج يكون باقيًا، ويقع به التوارث بين الزوجين، لعموم قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] ، والآية عامة فيمن توفي عنها أو عامة في الوفاة قبل الدخول أو بعد الدخول، فإذا تم عقد الزواج ومات أحد الزوجين قبل الدخول، فإن الزوجية باقية، والتوارث بينهما مشروع، لعموم الآية الكريمة. وأما من ناحية العدة، كذلك تلزمها عدة الوفاة لو توفي زوجها الذي عقد عليها قبل الدخول، لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] ،

الميراث وعقد الزواج

هذه تعم من توفي عنها قبل الدخول أو بعد الدخول، ولها الميراث كما ذكرنا. *** الميراث والمضاربة سؤال: توفي والدي وترك بنتًا عمرها ثلاث سنين، وابنا عمره أربع سنين، وقد تزوجت أمهما وتركت لي مسؤولية تربيتهما وقد أخذت ما يخصها من الإرث بعد والدي والآن تزوج الولد والبنت وأصبحوا يطالبونني فيما اكتسبته بعد وفاة والدي، علمًا أنني أنا الوحيد الذي شاركه الاكتساب في حياته، فهل لهم الحق بالمطالبة فيما كسبته بعد وفاة والدي، أم أنه يخصني وحدي فقط؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا. الجواب: أما ما كان قبل وفاة والدك فلإخوتك الصغار نصيب فيه، لأنه من تركة ميتهم، فكان الواجب عليك أن تحصره وأن تحصيه، وأن تحفظه لهما حتى يكبرا وتنفق عليهما منه، وإذا بقي شيء بعد النفقة عليهما، تدفعه إليهما إذا كبرا. أما ما اكتسبته بعد وفاة والدك، فهذا إن كان رأس المال هو الذي كان معك، ومع والدك قبل وفاته، فلهم نصيب أيضًا من ربحه، لأنه يعتبر كالمضاربة، فإذا كان رأس المال من المال المشترك بينك وبين والدك فلهم نصيب فيه أيضًا، وإن كان من مالك الخاص وتصرفت في مالك الخاص بعد وفاة والدك، فإنهم لا علاقة لهم به، لأنه يعتبر كسبك ومالك. وعلى كل حال القضية فيها طرفان، وإذا رجعتما إلى المحكمة

الميراث والمضاربة

الشرعية، فهي إن شاء الله ستدرس ملابسات القضية، وتبين لكل ذي حق حقه، والله أعلم. *** حرمة الوصية للوارث سؤال: امرأة تملك قيراطًا من الأرض ولها أبناء وبنات، وقد كتبت في وصيتها أن هذه الأرض توزع على أبنائها وبناتها بالتساوي، فهل يجوز ذلك وهل يعمل بهذه الوصية، أم تقسم وتركتها حسب شرع الله؟ الجواب: الوصية للوارث لا تصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا وصية لوارث» ، وقد أجمع أهل العلم على منع الوصية للوارث، وهذه الوصية أيضًا باطلة، من ناحية أنها تخالف شرع الله في أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فهي وصية باطلة بكل حال، والأرض تقسم بعد الوفاة على الورثة حسب ما شرعه الله عز وجل للذكر مثل حظ الأنثيين، والله أعلم. *** التركة المغتصبة سؤال: توفي رجل وخلف تركة ورثه فيها ابنه ولكن هذه التركة أكثرها مغتصبة، فهل ينتفع منها هذا الولد وإثمها على أبيه، أم يعيدها إلى أهلها وتبرأ ذمة أبيه منها، أم كيف يتصرف بها؟

التركة المغتصبة

الجواب: التركة إذا كانت مغتصبة ويعرف أصحابها، فإنه يجب عليه أن يردها إليهم، لأنها مظالم لا يجوز إبقاؤها والاستيلاء عليها، بل يجب أن ترد إلى أهلها، ويتخلص من شرها، ولا يجوز أن تورث له عن أبيه، وأهلها موجودون وإن كان أهلها غير موجودين، وهو يعلم أنها مغتصبة، أو غير معروفين فإنه يتصدق بها ويكون أجرها لأصحابها. سؤال: حتى لو كان بحاجة ماسة إليها؟ الجواب: في مثل هذا يراجع القاضي إذا رأى مثلًا أنه فقير ومحتاج، فينظر في أمره، ويتحقق من شأنه. سؤال: إذا فعل ذلك وتصدق بها، هل تبرأ ذمة أبيه منها؟ الجواب: الله أعلم، هذا راجع إلى الله سبحانه وتعالى في الحكم بينهم، فمن مات وهو لم يتب من مظلمة، فهذا يفوض أمره إلى الله سبحانه، ولكن إذا تصدق بها، يسلم الورثة من شرها، ويكون أجرها لأصحابها. *** الشراء لحرمان الورثة سؤال: كان لي عم ليس له زوجة ولا أولاد، ويملك قطعة أرض زراعية، وكنت أنا الذي أعوله وأقدم له كل ما يحتاجه من مسكن وطعام وشراب وكساء دون أجر، وأعامله معاملة والدي، ووالدي متوفى وله أخ آخر، فأردت أن أشتري قطعة الأرض التي يملكها عمي حيث إنه عاجز عن العمل، وأردت أيضًا أن أحرم عمي الآخر من قطعة الأرض، الذي هو أخوه، فاشتريتها بموافقة عمي وإرادته دون إكراه على ذلك، وأشهدت ثلاثة

الشراء لحرمان الورثة

شهود على عقد البيع، ثم أخذت المبلغ منه سلفًا، وتوفي بعده، فقمت بتكاليف الوفاة، ومن ثم اشتريت له بقرة كأضحية له فهل هذه البقرة التي ذبحتها أضحية له تعتبر ثمن الأرض؛ لأن له وريثًا آخر هو أخوه، وهل المبلغ المتبقي؛ لي حق به، أم كله لعمي، أم ليس لنا جميعًا حق به، وماذا أفعل به في هذه الحالة؟ الجواب: أما مسألة شرائك الأرض من عمك إذا كان القصد من ذلك حرمان الورثة، وحيازة الأرض لك وقصد به التلجئة وحرمان الورثة والمحاباة معك فهذا بيع باطل، والأرض تكون تركة لورثة الميت. وأما قضية البقرة التي ذبحتها لعمك بعد وفاته، فإن كان عمك قد أوصى بذلك فلا حرج في ذلك، تعتبر أضحية إذا كانت في وقت الأضحية، وقد نفذتها، أما إذا لم يكن عمك أوصى بها، فإنه يجب أن تخرج قيمتها من مالك أنت لا من مال وتركة عمك، لأنه لا يجوز لك التصرف بعد وفاته بشيء من ماله، لأنه أصبح حقًّا للورثة. أما قضية الإرث فلا حق لك فيه، ما دام عمك موجودًا، إذا كان أخًا شقيقًا للميت، أو أخًا لأب، فإنه لا علاقة لك بالميراث، لأنك محجوب بعمك، أما إن كان عمًّا من الأم يعني يكون أخًا لأبيك من أمه، فإنه لا شيء له، والميراث يكون للسائل، ولمن معه من الآخرين، إذا كان هناك ورثة آخرون، المهم أن الميراث يكون لأخ الميت الشقيق أو لأبيه، وليس لابن أخيه شيء مع وجود أخيه الشقيق، أو أخيه لأب.

سؤال: إذا فرضنا صحة شراء هذه الأرض، فهل هذه الأضحية التي ضحاها ينقص ثمنها من قيمة الأرض لأنه حتى قيمة الأرض استلفها من عمه؟ الجواب: كما ذكرنا، إذا كانت هذه الأضحية بوصية من العم، فهي تعتبر مستثناة، لأن العم له أن يوصي بالثلث على الأقل، فإذا كانت البقرة أو قيمة البقرة تخرج من الثلث، ويكون هذا من الدراهم التي في ذمة السائل للميت، يعتبر هذه وصية نافذة، لأنها تعتبر من الثلث، ينقصها من قيمة الأرض، إذا كان العم أوصى بها فيصرفها من قيمة الأرض الذي في ذمته لعمه لأنها تعتبر من الثلث. أما إذا لم يكن أوصى بها، فإنها تكون تبرعًا من الذي ذبحها ولا يستحق شيئًا من مال مقابلها. *** ميراث الزوجة والأم والبنات والإخوة سؤال: أرجو تفصيل نصيب كل وارث في هذه المسألة: توفي رجل وخلف زوجته وأمه وابنتين، وله من الإخوة اثنا عشر أخًا وأخت واحدة، فكيف نقسم تركته على هؤلاء؟ الجواب: يكون للأم السدس، وللزوجة الثمن، وللبنتين الثلثان فتكون المسألة من أربعة وعشرين سهمًا، للزوجة منها ثلاثة أسهم (الثمن) ، وللأم (السدس) أربعة أسهم، وللبنتين (الثلثان) ستة عشر سهمًا، لكل واحدة ثمانية، يبقى واحد للإخوة. إن كانوا كلهم أشقاء فهي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، مع أختهم،

ميراث الزوجة والأم والبنات والإخوة

الذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كانوا كلهم لأب، فكذلك، يكون لهم مع أختهم للذكر مثل حظ الأنثيين، أما إن كان بعضهم أشقاء، وبعضهم لأب، فالباقي يكون خاصًّا بالأشقاء، وأما الإخوة لأب فليس لهم شيء. سؤال: إذًا على هذا تقسم تركته إلى أربعة وعشرين قسمًا، تأخذ الزوجة ثمنها، ثلاث أقسام، والأم سدسها أربعة، والثلثان ستة عشرة قسمًا للبنتين، يبقى واحد للإخوة إذا كانوا إخوة أشقاء للذكر مثل حظ الأنثيين؟ الجواب: على كل حال بالجملة، للزوجة الثمن، وللأم السدس، وللبنتين الثلثان، وللباقي ثلث الثمن للأخوة مع أختهم إن كانوا أشقاء، أو كانوا لأب الذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان بعضهم أشقاء وبعضهم لأب، فهي للأشقاء، خاصة دون الإخوة لأب. *** المال لابن العم تعصيبًا سؤال: امرأة ليس لها زوج ولا ولد ولا أخ ولا أخت، بل لها خالة وبنات خال وابن عم وقد يكون متوفى، هل يرثها أحد من هؤلاء في حالة وجود ابن العم، وفي حالة وفاته قبلها وما نصيب كل منهم؟ الجواب: إذا كان ابن العم موجودًا فالمال له تعصيبًا وليس لذوي الأرحام شيء لا للخال ولا للخالة، بل يكون لابن العم ما دام موجودًا، أو موجود أحد من أولاده من بنيه ولو نزلوا أو موجود أحد من بني العم ولو نزلوا، فإن المال يكون لهم، فإن لم يكن ابن العم موجودًا ولا أحدًا من بنيه ولو نزلوا فإنه ينتقل إلى من بعده من العصبة إلى بني العم

المال لابن العم تعصيبا

الأبعدين، ما دام يوجد من العصبة أحد، فإن المال لهم. فإذا لم يوجد أحد من العصبة قط، ولا يوجد إلا الخال والخالة، فإن المال يكون لهم، فهذا من توريث ذوي الأرحام يرجع المال لهم، لأنهم من ذوي الأرحام، ينزلون منزلة من أدلوا به وهي الأم. سؤال: هل يقسم بينهم بالتساوي؟ الجواب: لا، يفرض كأن الأم ماتت عنهم، فيكون المال كله للخالة، ولا شيء لبنات الخال، لأن الخالة أقرب إلى الميت، أقرب إلى الوارث من بنات الخال، والقريب يسقط البعيد إذا كانوا في جهة واحدة. *** بنات الأخ ليس لهن شيء سؤال: امرأة لها زوج بنت من غير الزوج الحالي، بل من آخر قبله، ولها بنات أخ متوفى. فمن يرثها من هؤلاء؟ وما نصيب كل منهم؟ الجواب: لها زوج ولها بنت من زوج آخر وبنات أخ متوفى، يكون للزوج منها الربع وللبنت النصف، والباقي للعاصب لأولى رجل ذكر، فإذا لم يكن هناك من العصبة أحد، يعني لم يكن لها عصبة مطلقًا، فإن الباقي يرد على البنت. وبنات أخيها ليس لهن شيء ما دام موجود من أصحاب الفروض غير الزوجين أحد، يرد عليهم على الصحيح. ***

الميراث للبنت ولولد الأخ من الأب

الميراث للبنت ولولد الأخ من الأب سؤال: توفيت أختي من أمي ولها أولاد أخ من الأب، ولها بنت فمن أحق بالوراثة؟ أفيدوني بارك الله فيكم. الجواب: هذه توفيت ولها أخ من أم، ولها بنت ولها أولاد أخ من أبيها، المال يكون للبنت ولولد الأخ من الأب. أما الأخ من الأم فليس له شيء، لأنه محجوب بفرع الوارث وهو البنت، فعلى هذا يكون للبنت النصف والباقي يكون للذكور من أولاد الأخ لأب. أما الإناث فليس لهن شيء. *** أولاد البنات لا يرثون سؤال: نحن من أسرة مكونة من سبع بنات وقد توفيت أختي الكبيرة من أبي، ولديها ثمانية أبناء، فهل لأبنائها الموجودين على قيد الحياة الحق في الإرث من مال والدي، لأن والدي ما زال موجودًا على قيد الحياة، وهي ماتت قبله، فهناك عدة مشاكل تحدث مع أولادها بشأن هذا الإرث؟ الجواب: أولاد البنات ليس لهم من الإرث شيء، لأنهم من ذوي الأرحام، فما دام يوجد أصحاب فروض، أو عصبات فإنه لا حق لذوي الأرحام بالإرث، فمال أبيكم لبناته الثلثان منه، والباقي للعاصب، فإن لم يكن هناك عاصب فإنه يرد على البنات، أما بنات البنت فليس لهن شيء في هذه الحالة، لأنهن من ذوي الأرحام، والله تعالى أعلم. ***

ابن الابن لا يرث مع وجود الابن

ابن الابن لا يرث مع وجود الابن سؤال: أخوان توفي أحدهما وله ولدان، وقد توفيت جدة الأخوين فهل أبناء الأخ المتوفى يرثون شيئًا فما خلفته جدة أبيهم من عقار ومال؟ أم يكون ذلك لعمهم فقط؟ الجواب: لا ميراث لأبناء الابن مع وجود الابن الذي هو أقرب منهم إلى الميت. فإذا كان هناك ابن للميت وأبناء ابن، فإن الميراث للابن، وكذلك لو كان هناك ابن ابن أعلى وهناك ابن ابن أنزل منه، فالميراث للابن الأعلى الأقرب للميت. ***

كتاب الظهار والطلاق

كتاب الظهار والطلاق

كفارة الظهار سؤال: شاب متزوج وقد حصل بينه وبين أم زوجته شجار فقال لها: ابنتك علي أم بعد اليوم، فما الحكم في هذا القول وهل يجوز أن يعيش مع زوجته بعد هذا؟ الجواب: إذا قال: ابنتك علي أم، معناه أنه ظاهر منها، كأنه يقول: هي علي كأمي، أو هي علي كظهر أمي، وهذا حرام كما قال الله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] ، فهي ليست أمه، وإنما هي زوجته، يحرم عليه أن يتلفظ بهذا الكلام، ولكن لما حصل منه هذا الشيء، فإنه لا يجوز له أن يقربها حتى يكفر كفارة الظهار، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا على الترتيب. أولاً: العتق إذا قدر عليه. ثانيًا: إذا لم يقدر على العتق وجب عليه الصيام. ثالثًا: إذا لم يستطع الصيام وجب عليه الإطعام ستين مسكينًا، ولا يقرب زوجته حتى يكفر هذه الكفارة. *** سؤال: ما حكم من قال لزوجته: أنت مثل أمي، أو أنت محرمة علي مثل أختي، وذلك في وقت كان فيه في أشد الغضب من تصرفها، مع العلم أنه كان لا يقصد تحريمها بل لإرهابها وتخويفها، وكذلك يجهل حكم كلمة: "أنت مثل أمي أو أختي" فكل اعتقاده أن المرأة تحرم على زوجها بكلمة

الطلاق فقط، وأيضًا كان يقصد من وراء قوله ذلك أنه قد حلف طلاقًا وأصبحت بطلاقه محرمة عليه، وهو لم يحلف طلاقًا أبدًا، القصد من ذلك تخويفها، فماذا عليه الآن لاستمرار حياته مع زوجته؟ الجواب: هذه الألفاظ التي ذكرها هي ألفاظ الظهار، إذا شبهها بمن تحرم عليه كأمه وأخته، يقصد أنها تحرم مثلما تحرم أمه أو أخته، فإنه بذلك يكون مظاهرًا، والمظاهر قد بين الله سبحانه وتعالى حكمه في قوله: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 3، 4] . فالذي يجب على السائل بناءً على ما ذكر أن يكفر كفارة ظهار قبل أن يمس زوجته، إما بعتق رقبة إذا كان يستطيع ذلك، فإن لم يستطع فإنه يصوم شهرين متتابعين إذا لم يجد العتق، فإن لم يستطع الصيام لمرض مزمن أو لغير ذلك من الأعذار التي تحول بينه وبين الصيام، فإنه ينتقل إلى الإطعام، إطعام ستين مسكينًا، لكل مسكين نصف صاع من البر أو غيره، ولكن ليعلم أن هذه الأمور الثلاثة على الترتيب، لا يجوز أن ينتقل عن العتق إلا إذا لم يقدر عليه، ولا يجوز أن ينتقل عن الصيام إلا إذا لم يستطعه، وهذه أمانة في ذمته، فلا يجوز له أن يمس زوجته حتى يكفر هذه الكفارة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى، على أنه يجب على المسلم أن يحفظ لسانه عن ألفاظ الظهار وألفاظ الطلاق، وغير ذلك؛ لأن هذا كما قال الله سبحانه وتعالى: {مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] ، فالظهار، منكر وحرام وزور، لا يجوز للإنسان أن يتلفظ به، لكن إذا وقع هذا

وتلفظ به فإن الله سبحانه وتعالى أوجب عليه الكفارة على الترتيب الذي ذكرناه، وحتى لو نوى به طلاقًا فإن هذا صريح في الظهار، والصريح في الظهار لا يكون طلاقًا وإنما يكون ظهارًا. سؤال: ولا فرق فيه بين حالة الغضب وحالة الهدوء؟ الجواب: لا فرق في ذلك. *** قول: علي حرام سؤال: حصل بين والدي ووالدتي في أول حياتهما الزوجية خلاف حاد، فقال لها والدي: أنت حرام علي، ولم يكن في ذلك الوقت يعلم أن هذا يمين أو ظهار، ولذلك فلم يؤد كفارة إلى الآن، حيث بلغ عمره تسعين سنة، ووالدتي توفيت منذ سنين، فماذا على والدي الآن أن يعمل؟ الجواب: إذا كان قال لها: أنت علي حرام وهو يقصد الظهار، وقد رجع إليها ووطئها بعد ذلك، فإنه يجب عليه كفارة الظهار، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع الصيام فإطعام ستين مسكينًا على الترتيب. والزوج إذا قال لزوجته: أنت علي حرام، فقد اختلف أهل العلم في حكم ذلك، فالأكثر على أن هذا يجري مجرى اليمين، ويكون فيه كفارة يمين، وذهب بعضهم إلى أن هذا يكون من الظهار، وأن عليه كفارة ظهار، وعلى كل حال، الأحوط أن يكفر كفارة ظهار كما ذكرنا على الترتيب، عتق رقبة، فإن لمن يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين

قول علي حرام

مسكينًا، هذا هو الأحوط، والذي قال به جماعة من أهل العلم. سؤال: حتى ولو لم يكن يقصد الظهار؟ الجواب: كلمة أنت علي حرام، يقولون: هذه من ألفاظ الظهار على هذا القول. *** سؤال: منذ مدة طويلة وكنت يومها غائبًا عن أهلي، حضرت إلى البيت فوجدت أخي الأصغر مني يسيل الدم من رأسه ووالدي وأخواتي حوله يعالجون جرحًا في رأسه، فسألت عن الذي جرحه، فقالوا لي: إن ابن عمه ضربه على رأسه فشجه نتيجة مشاجرة وقعت بينهما، وقد غضبت كثيرًا يومها، وقلت علي الحرام لأجرحنه كما جرح أخي، وبعد مدة قليلة قام شخص بالصلح وصالحهما. السؤال: ما حكم قولي علي الحرام؟ والعرف عندنا الذي يقول: علي الحرام، كأنما يقول: علي الطلاق، ما حكم هذه اليمين؟ وهل تقع علي كفارة؟ أرشدوني بارك الله فيكم. الجواب: الذي ينبغي للمسلم في مثل هذه المواقف الصبر والتحمل، والحلم وعدم العجلة، وعدم التسرع، فما فعلته: من هذا التسرع، وهذا الغضب، هذا لا يليق بك، وأما ما تلفظت به من ألفاظ حرام، على أن تنتقم من الجاني، فهذا يرجع إلى نيتك، إذا كنت نويت بالحرام طلاق زوجتك فإنه يكون طلاقًا على ما نويت، وإذا كنت نويت به أن الزوجة حرام، يعني قصدت بقولك: علي الحرام، أي: أن زوجتك عليك حرام، ولم تنوي به طلاقًا، فإنه يكون ظهارًا، فيلزمك كفارة الظهار.

وكفارة الظهار: العتق، إذا قدرت على إعتاق الرقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع الصيام لعذر شرعي، فإنك تطعم ستين مسكينًا. هذه كفارة الظهار. أما إذا كنت نويت به يمينًا فقط، لم تنو به طلاقًا ولم تنو به ظهارًا، وإنما قلت: علي الحرام ولم تنو الطلاق ولا الظهار، فإنها تكون يمينًا مكفرة، يلزمك كفارة يمين وهي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين على التخيير، أيها قدرت عليه أجزأتك، العتق أو إطعام عشرة مساكين، عن كل مسكين نصف صاع من الطعام، أو كسوة عشرة مساكين لكل مسكين ثوب، أو إزار ورداء، حسب عادة البلد، فإذا لم تستطع شيئًا من هذه الأمور الثلاثة، فإنك تصوم ثلاثة أيام، لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] . والحاصل: أن قولك: علي الحرام، فيه الأمور الثلاثة إن نويت به الطلاق فهو طلاق على ما نويت، وإن نويت به الزوجة، أي حرمت زوجتك به، فيكون ظهارًا، وإن لم تنو طلاقًا ولا ظهارًا، وإنما نويت اليمين، فإنه يكون يمينًا مكفرة والله وتعالى أعلم. *** تكرار الطلاق ثلاثًا سؤال: حدث خلاف بيني وبين زوجتي قلت لها على إثره: أنت طالق طالق طالق، فهل يعتبر ذلك طلقة واحدة، أم يعتبر ثلاث طلقات وفي هذه

تكرار الطلاق ثلاثا

الحالة تكون محرمة علي، علمًا بأنها أخبرت والدها بأنني طلقتها، فعمل على رد هذا الطلاق، ثم عدنا إلى بعضنا وكأن شيئًا لم يكن فما حكم الشرع في ذلك، وإن كانت تعتبر ثلاث طلقات وكونها لا تحل لي فهل الذنب يقع علي أم على والدها، وهل في هذه الحالة لا تحل لي إلا بعد زواجها بشخص آخر وطلاقها منه، أم يمكن كما حدث أن ترجع إلي قبل انقضاء العدة؟ الجواب: أمر الطلاق أمر عظيم وخطير، لا ينبغي التساهل بشأنه والاعتماد على قول فلان وفلان، وأقوال الجهال، والواجب أن يراجع فيه أهل العلم، وأن يسأل أهل العلم حين وقوع المشكلة، لقوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: 7] . أما كونك تبقى على هذا المشكل وتعيش مع زوجتك وأنت قد حصل منك هذا التلفظ، ترسل بسؤال قد يتأخر لمدة طويلة وتتأخر الإجابة عليه، أو لا يجاب عليه، وتبقى مع زوجتك، وأنت لا تدري؛ هل هي تحل لك أو لا تحل؟ فهذا من الإهمال ومن التفريط والإضاعة. أما قولك: أنت طالق طالق طالق، وكررته ثلاث مرات، إذا كنت قصدت بهذا التكرار مجرد التأكيد، ولم تنو إلا طلقة واحدة، وكررتها وكررت اللفظات تأكيدًا فقط، فليس عليك إلا طلقة واحدة. أما إذا لم تنو التأكيد، فإن هذه تكون ثلاث تطليقات، وتبين منك بينونة كبرى، لا تحل لك إلا بعد أن يتزوجها زوج آخر زواج رغبة بها، ثم بعدما يدخل بها ويستمتع بها، يطلقها رغبة عنها، لا بقصد التحليل والتحيل، وإنما يتزوجها على أنها زوجة مستمرة، ويطلقها إذا طابت نفسه

منها وأراد فراقها باختياره، لا بقصد أن يحلها لك، والذي أنصح لك به: أن تراجع ما دمت في الرياض أن تراجع رئاسة الإفتاء والبحوث العلمية، وتبادر بذلك، وأن تتجنب امرأتك حتى تعرف الحكم الشرعي في ذلك. وإذا كنت في غير الرياض فتراجع أهل الفتوى، والقضاء في بلدكم، والأمر مهم جدًّا، والله أعلم. *** الطلاق وقطيعة الرحم سؤال: أختي تزوجت من ابن عمتي، وهذا الرجل مدمن بشرب الخمر، وعندما يشربها لم يعد يذكر، وفي مرة خنقها وكاد أن يقتلها، لولا تدارك الأهل ولكن أختي لم تعد تحتمل أعماله، فجاءت إلينا وقرر أن يطلقها، وبعد أن تم الطلاق وانقطعت الأخبار فيما بيننا وبين عائلة عمتي. أرجو من فضيلتكم الجواب على سؤال: هل القطيعة هذه تسمى قطيعة رحم؟ لأنني سمعت أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ينهى عنها لأنها من أكبر الكبائر. الجواب: ما حصل من طلاق هذا الرجل لأختك لأنه سيئ الأخلاق، ويتعاطى المحرمات، ويشرب المسكرات، فهذا شيء طيب، لأن البعد عن أهل الشر شيء مطلوب للمسلم، ولا يجوز أن يبقى المسلم، في صحبة الفاسق، والمتساهل في دينه، لأنه يؤثر عليه، لا سيما الزوجة مع زوجها، إذا كان زوجها فاسد الأخلاق، منحرفًا عن الدين، فإنه يؤثر عليها وعلى ذريتها، فبعدها عنه، وخلاصها منه هذا فيه فرج لها، وفيه خير لها إن شاء الله، ويعوضها الله خيرًا منه، وهذا مما يؤكد على أولياء النساء أن

الطلاق وقطيعة الرحم

يختاروا لهن، الأزواج الصالحين، وأن يبتعدوا عن الأزواج الفساق، وسيئي الأخلاق، لأنهم يؤثرون عليهن في دينهن وفي حياتهن. وأما القطيعة التي ترتبت على ذلك فهي أمر سيئ، فلا ينبغي أن تقاطعوا قرابتكم وأن تقطعوا أرحامكم، بل عليكم بصلة الرحم، والإحسان إلى الأقارب، وهذا الرجل إن كان تاب إلى الله، وترك ما هو عليه من شرب الخمر فكذلك تعود له الصحبة والصلة. أما إذا كان مستمرًّا على غيه وعلى معصيته ولم يتب إلى الله، فهذا يهجر لله عز وجل، حتى يتوب إلى الله. أما بقية القرابة فلا داعي لهجرهم، ولا يجوز هجرهم لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164] . *** أمر خطير يوقع في الحرج سؤال: حصل بيني وبين زوجتي سوء تفاهم وخرجت من البيت وأنا غاضب، وقلت: علي الطلاق لن أعود إليها، ولن أعاشرها قبل شهر، وإن عدت فهي طالق بالثلاث، قلت: هذا ثلاث مرات، ولكني بعد مضي أسبوع فقط من ذلك، عدت إليها وعاشرتها، فما الحكم فيما حصل مني من طلاق، هل يقع منه شيء أم لا، وماذا يجب علي أن أفعل الآن؟ الجواب: فإن ما ذكرته من الغضب الذي حصل منك على زوجتك واللفظ بالطلاق، هذا أمر لا يحسن منك.

أمر خطير يوقع في الحرج

فإنه لا ينبغي للزوج أن يتخذ الطلاق دائمًا على لسانه، ويتكلم به إذا ما حصل بينه وبين زوجته سوء تفاهم، لأن الطلاق أمر لا يستعمل إلا عند الحاجة إليه، وعند الضرورة إليه. أما أن يهذو به الرجل، ويتلفظ به من غير مبرر، ثم بعد ذلك يقع في حرج، ويلتمس الفتاوى، فهذا أمر خطير يوقع الزوج، ويوقع المفتي في حرج منه. أما بالنسبة لما حصل، فإن كان الغضب الذي حصل معك غضبًا مستحكمًا، زال معه شعورك، ولا تدري ماذا قلت فهذا لا أثر له، أما إن كان غضبًا دون ذلك وأنت تستشعر ما تقول وتعقل ما تقول، فإن كان قصدك من التلفظ بذلك منع نفسك من الدخول على زوجتك ومعاشرتها أثناء هذه المدة التي حددتها، فإن هذا يجري مجرى اليمين، فيكون فيه كفارة يمين، عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، مخير بين هذه الأمور الثلاثة، العتق إن تيسر أو الإطعام، أو الكسوة، والإطعام يكون لكل مسكين نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد على عشرة أشخاص، وكذلك الكسوة لكل مسكين ثوب يجزيه في صلاته، وما زاد على ذلك فهو أفضل، فإذا لم تجد شيئًا من هذه الأمور الثلاثة، فإنك تصوم ثلاثة أيام. أما إن كنت قصدت من التلفظ بالطلاق: إيقاع الطلاق وقصدت أن تطلق زوجتك، إذا اتصلت بها أثناء هذه المدة، فإن هذا يكون طلاقًا، فإذا خالفته فإنه يقع الطلاق، وبما أنك كررته ثلاث مرات فإنه يكون طلاقًا بائنًا، لأنه يقع ثلاث طلقات إذا لم تقصد التأكيد بتكراره، وإنما قصدت

بكل لفظ طلاقًا آخر، فإنه يكون طلاقًا ثلاثًا بائنًا بينونة كبرى لا تحل لك إلا بعد زوج آخر يتزوجها زواج رغبة لا زواج تحليل ويطلقها تطليق اختيار، رغبة عنها، هذا إذا كنت قصدت إيقاع الطلاق. أما إذا كنت قصدت منع نفسك من الاتصال بها خلال المدة، فهذا يجري مجرى اليمين كما ذكرنا، وفيه الكفارة. *** السكن مع المرأة المطلقة سؤال: لي أخ أكبر مني سنًّا وقد تزوج من امرأة وأنجب منها أولادًا، وحصل خلاف بينه وبين زوجته، ووقع منه طلاق، ثم تزوج من امرأة ثانية غير الأولى، وطلب أن يسكن أولاده من زوجته الأولى معه في منزله ومع زوجته الثانية، فرفضت أمهم أن تفارقهم، وسكنوا جميعًا في منزل والدهم وهي طالق منه، فهي تسكن معه الآن في نفس منزل زوجته الثانية، فهل في ذلك شيء أم لا؟ الجواب: لا يجوز لها أن تسكن في بيت رجل قد طلقها وهو يدخل في هذا البيت، ويدخل غيره من غير محارمها. أما لو كان لها بيت مستقل هي وأولادها، ولا يتعلق به سكنى المطلق، ولا يدخل عليهم ولا يسكن معهم فلا بأس بذلك، أما والحال بقيت في بيت الزوجية وهي مطلقة وكأنها زوجة له، يدخل عليها وما أشبه ذلك من لوازم، فهذا لا يجوز لها، ويجب عليها أن تبتعد عنه، وأن تكون في بيت مستقل، لا يحصل به فتنة، أو محذور.

السكن مع المرأة المطلقة

سؤال: هذا الحكم في حالة كان الطلاق بائنًا منه، أو حتى لو كان طلاقًا رجعيًّا؟ الجواب: الظاهر من سؤالها أنه طلاق بائن، أما إذا كان الطلاق دون الثلاث، وهي في العدة، فهي تبقى في بيته، وتسكن معه لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] ، هذا في المطلقة الرجعية ما دامت في العدة، أما المطلقة البائن، فإنها ليس لها سكنى ولا تبقى في بيت الزوجية بعد الطلاق. *** فتاوى متفرقة في الطلاق سؤال: طلب مني أحد الأصدقاء مبلغًا من المال يزيد عما كنت أعتقده معي في جيبي، فقلت له معتذرًا بالطلاق، ما معي إلا ثمانون جنيهًا، ونسيت أن معي أكثر من ذلك، وبعد ذلك اكتشفت الزيادة، فندمت على هذا الحلف بالطلاق علمًا أنه لم يكن في نيتي فرق زوجتي، وبعد ذلك سألت أحد العلماء لدينا، فقال لي: وقعت عليك طلقة، وعليك أن تراجعها، فجعلت أقول خلفه ألفاظ المراجعة واسترجعتها، فهل صحيح هذا أنه وقع علي طلاق واحد ولم يبق إلا طلقتان؟ وهل يجب على من صدر منه طلاق مرة أو مرتين أن يمتنع عن زوجته حتى يراجعها بالقول، أم يعتبر إتيانه لها مراجعة بالفعل، إذا كان بتلك النية؟ الجواب: أما بالنسبة للمسألة الأولى، أنك حلفت بالطلاق أنه ليس معك إلا ثمانون جنيهًا، ثم تبين لك أن معك أكثر من هذا، فهذه اليمين بنيتها على غالب ظنك، والحالف إذا حلف بما كان على غالب ظنه، ثم

فتاوى متفرقة في الطلاق

تبين له خلاف ذلك، فإن هذا يعتبر من لغو اليمين، والله تعالى يقول: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} [المائدة: 89] ، فلا إثم عليك في هذا، فلم تتعمد الكذب، وإنما حلفت بناءً على غالب ظنك وكنت في نفسك ترى أنك صادق في هذه اليمين، لكن تبين لك خلاف هذا من غير قصد، فهذا من لغو اليمين ولا شيء فيه عليك، ولا يقع به طلاق، وليس عليك به كفارة يمين أيضًا، لأنه من لغو اليمين، هذا الذي يظهر لي من حالك، ومن سؤالك. أما ما ذكرت مم تحصل به الرجعة، فلا بد من القول والتلفظ بالرجعة، أو في وطء الزوجة بنية الرجعة. أما القول: فلا خلاف بين أهل العلم أنه يحصل به الرجعة، وأما وطؤها بنية الرجوع بدون تلفظ، فهذا موضع الخلاف بين أهل العلم، والصحيح من أقوال أهل العلم أنه تحصل به الرجعة، إذا وطئ زوجته المطلقة بنية رجعتها. سؤال: إذا ما يفعله بعض الناس من الامتناع عن زوجته أو إخراجها من بيته بمجرد أنه تلفظ بالطلاق، هذا ليس له أصل؟ الجواب: الرجعية، لا يجوز إخراجها من بيت زوجها لأنها زوجة ولها النفقة، ولها السكنى، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] ، فلا يجوز إخراج الزوجة المطلقة الرجعية من بيتها إلا بعد انتهاء عدتها إذا لم يراجعها.

سؤال: أنا رجل متزوج وحصلت بيني وبين زوجتي مشاجرة وغضبت جدًّا وقلت لها: طالقة على جميع المذاهب، وهي أيضًا حرمتني على نفسها وقالت: أنت أخي بعد اليوم، ولم يطل بيننا الخصام، فقد رجعنا إلى بعضنا بعد أن هدأت أعصابنا، فهل رجوعنا هذا شيء مخالف بعد أن حدث ما حدث مني من طلاق، ومنها من تحريم؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا. الجواب: أولًا: كلاكما مخطئ في ذلك التصرف، لأن الواجب على المؤمن إذا مسه شيء من الغضب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يملك لسانه من النطق الفاحش، والكلام السيئ، لأن الشيطان يتسلط على الإنسان عند الغضب، لأن الغضب من الشيطان، فالواجب علاجه بالاستعاذة بالله من شر الشيطان كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] ، وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36] ، هذا هو الواجب على المسلم عندما يصيبه شيء من الغضب. أما بالنسبة لما حصل منكما من أنك تلفظت بالطلاق، وهي تلفظت بتحريمك عليها كحرمة أخيها، فهذه ألفاظ محرمة، وبما أنك قد راجعتها، فإذا كانت الرجعة حدثت في العدة ولم يكن الطلاق متكاملًا ثلاث تطليقات، فإن الرجعة صحيحة. أما إذا كان هذا الطلاق يكمل طلاقًا سبق قبله إلى ثلاث تطليقات، فإنه لا رجعة لك عليها، أو كانت الطلقات دون الثلاث، ولكنها قد خرجت من العدة فإنك أيضًا لا رجعة لك عليها إلا بعقد جديد، وإذا

كانت تكاملت الثلاث، فليس لك عليها رجعة إلا بعد أن تتزوج بزوج آخر، زواج رغبة ثم يطلقها باختياره ورغبته عنها. أما بالنسبة لما صدر منها من التلفظ بتحريمك عليها كحرمة أخيها، فهذا على الصحيح من أقوال أهل العلم يجري مجرى اليمين، فعليها كفارة يمين، بأن تعتق رقبة، أو تطعم عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من الطعام، أو تكسو عشرة مساكين لكل مسكين منهم ثوب يجزيه في صلاته، فإذا لم تجد واحدًا من هذه الأمور الثلاثة فإنها تصوم ثلاثة أيام. والذي أنصح لكما به هو أن تتجنبا مثل هذه الألفاظ وأن لا يحملكما الغضب على الوقوع في مثل هذا، لأن هذا من الشيطان، وربما يوقعكما في حرج لا تستطيعان الخلاص منه. *** سؤال: حصل بيني وبين زوجتي نقاش حاد ونحن في بلدنا، فتكلمت بكلام أغضبني جدًّا، فحلفت عليها يمينًا، إن ذهبت إلى أي دولة خارجية أن لا تكون على ذمتي، أو حليلتي، والآن قد خرجت إلى هنا في المملكة من مدة شهرين، فهل زوجتي لا زالت على ذمتي أم يكون حلفي عليها واقعًا وبالتالي ماذا علي أن أعمل لكي أسترجعها؟ الجواب: إن كان قصدك من هذا الحلف بالطلاق منع نفسك من السفر إلى دولة أخرى، ولم تقصد تعليق الطلاق على هذا الخروج، فإن هذا يجري مجرى اليمين، فإذا سافرت إلى دولة أخرى، فإنك تكفر كفارة يمين. وكفارة اليمين كما هي منصوصة في القرآن عتق رقبة أو إطعام عشرة

مساكين، أو كسوة عشرة مساكين، تخير بين هذه الأمور الثلاثة، فإذا لم تجد واحدة منها، فإنك تصوم ثلاثة أيام. أما إن كان قصدك تعليق الطلاق على السفر، فإنك إذا سافرت تكون زوجتك طالقًا. فإن كان سبق هذا طلاق قبله، وتكامل ثلاث طلقات فإنها تكون قد بانت منك بينونة كبرى، لا تحل لك إلا بعد زوج آخر، وإن لم يسبقها طلاق، فإنه يكون طلاقًا رجعيًّا، يجوز لك أن تراجعها ما دامت في العدة، فإن خرجت من العدة قبل أن تراجعها فلا بد أن تعقد عليها عقدًا جديدًا، لأن العقد الأول انتهى بخروجها من العدة. *** سؤال: رجل طلق زوجته ثلاثًا، وبعد ذلك أعادها أبوها إليه، وعاشا معًا بعد ذلك، وأنجبت ولدين فهل يجوز له ذلك أم لا؟ الجواب: هذا السؤال فيه إجمال، إن كان الطلاق ثلاثًا مفترقة وقد بانت بينونة كبرى فلا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجًا غيره، نكاح رغبة، ويطلقها الزوج الثاني، فيتزوجها الأول بعقد جديد. سؤال: يطلقها أيضًا برضاه؟ الجواب: نعم يطلقها باختياره. أما إذا كان الطلاق ثلاثًا بكلمة واحدة، فهذا الوضع فيه خلاف بين أهل العلم، فإذا كان أحد أفتاه باسترجاعها واسترجعها، فلا بأس عليه في ذلك.

والحاصل: أنا نرى له أن يراجع القاضي، أو يراجع المفتي المعتمد في جهته، ويذكر له تفاصيل ما وقع، وسيجد إن شاء الله الحل الصحيح. *** سؤال: كانت زوجتي تريد القيام بعمل ما، وكنت في ذلك الوقت غاضبًا، فقلت لها: إن قمت بهذا العمل فأنت طالق، ولأنه لم يحن وقت أدائها ذلك العمل، وبعد مضي زمن قليل، وبعد أن هدأ غضبي أذنت لها في القيام بذلك العمل، وحينما حان وقت أدائها ذلك العمل عملت، فهل وقع طلاقي في الأول، أم أن سماحي لها بعده يلغيه؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا. الجواب: سماحك لها لا يلغي الطلاق الذي حلفت به عليها، أو علقت طلاقها بهذا الشرط الذي ذكرت، فالرجوع عن ذلك لا يفيدك شيئًا، والطلاق باق بحاله، إذا فعلت ما أردت منعها منه، فإنه إن كان قصدك بالطلاق منعها فقط ولم تقصد تعليق طلاقها عليه، فإنه يكون عليك كفارة يمين، لأن هذا يجري مجرى اليمين. أما إن كان قصدك مما ذكرت، تعليق الطلاق على فعلها هذا الشيء، فإنه يقع عليك الطلاق، إذا فعلت ما علقته عليه. سؤال: لكن لو كان وقت أن حلف عليها ألا تفعل، ولو كان في قرارة نفسه، أو في حقيقتها ينوي ذلك الوقت ولم يقصد المستقبل المستمر؟ الجواب: إذا كان ينوي وقتًا محددًا أنها لا تفعل هذا الشيء في وقت محدد ثم مضى، فإنها تنحل اليمين بمضي الوقت، أما إذا كان لم يحدد وقتًا، وإنما أراد منعها من هذا الفعل في أي وقت من الأوقات، فإن الحكم يتعلق به متى فعلته.

ومن المتأكد أنه إذا كان قصده تعليق الطلاق، فإنه يقع، فإن لم يسبقه طلاق يتكمل به ثلاثًا، فإنه يكون طلاقًا رجعيًّا، له أن يراجعها ما دامت في العدة، أما إذا تكمل بما سبقة ثلاث طلقات، فإنها تبين منه بينونة كبرى ولا تحل له إلا بعد زوج آخر. *** سؤال: أنا أعمل بالجمهورية العربية اليمنية، وأسكن مع زميلين لي في مسكن من ثلاث غرف، وحدث مرة نزاع مع أحد الزميلين حول أحد المواضيع فثار غضبي منه وقلت: علي الطلاق بالثلاث أن هذه الغرفة لا أقعد معك فيها، وكنت آنذاك في حالة غضب، فلا أدري هل أنا قلت بالثلاث أم لا؟ ولكن بعض الزملاء الحاضرين، قالوا: إني لم أقل بالثلاث، فندمت بعد ذلك كثيرًا، وفعلًا نقلت فراشي ولم أجلس بتلك الغرفة، بل انتقلت إلى غرفة أخرى في نفس المسكن، ولكني أضطر أحيانًا إلى دخول تلك الغرفة للحاجة، فهل يقع علي طلاق بهذا، علمًا أنني عقدت النكاح على فتاة فقط ولم أدخل بها؟ الجواب: أولًا: لا ينبغي للإنسان أن يجعل الطلاق قريبًا من لسانه، يتلفظ به بكل مناسبة، لأن الطلاق لفظ ثقيل، ويترتب عليه محاذير وأضرار، فيجب على المسلم أن يبعد الطلاق عن لسانه، ولا يتخذه سلاحًا، يتلفظ به عند كل مناسبة. أما بالنسبة لما صدر منك أيها السائل، من أنك تشاجرت مع زميلك، أو مع زملائك فتلفظت بالطلاق أن لا تدخل غرفة فيها هذا الذي تنازعت

معه، فهذا فيه تفصيل: إن كنت أردت أن تمنع نفسك من الدخول، ولم تقصد تطليق زوجتك، فهذا يجري مجرى اليمين، تكفر كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد أو نصف صاع من الطعام، أو تكسوهم، لكل مسكين ثوب يجزيه في صلاته وبذلك تنحل يمينك، وتدخل الغرفة وتسكن مع زميلك. أما إذا كنت قصدت الطلاق، ولم تقصد اليمين، وعلقته على دخولك الغرفة، إذا حصل الدخول وقع الطلاق، وبما أنك لم تدخل بهذه الزوجة فإنها تكون بائنًا، لا رجعة لك عليها، فإذا كان الطلاق أقل من ثلاث لك أن تعقد عليها عقدًا جديدًا، برضاها ورضا وليها. أما إذا كان الطلاق ثلاثًا، فإنها تكون بانت بينونة كبرى، لا تحل لك إلا بعد أن تنكح زوجًا آخر. *** سؤال: رجل طلق زوجته ثلاث طلقات متفرقات، وبعد الثالثة استفتى رجلًا يحمل القرآن وأعادها إليه، وهما الآن يعيشان معًا، وقد أنجبت له ولدين بعد العودة، فما الحكم في هذه الحالة؟ وكيف يكون مصير الأولاد لو كانت الرجعة غير صحيحة؟ الجواب: ما دام أن الأمر صدر فيه فتوى، من عالم من العلماء فلا داعي للبحث فيه مرة ثانية، وإن كان في شك من صحة هذه الفتوى، أو في شك من علم هذا الرجل أو تقواه فعليه أن يراجع المفتي أو القاضي في بلده ليدرس الملابسات والأقوال، أما مجرد السؤال في مسألة هذا

لا يكفي، لأنه يحتاج إلى تثبت وإلى نظر في الملابسات والأحوال بين الزوج وزوجته، وأسباب الطلاق وما إلى ذلك. *** سؤال: كنت أعمل بالعراق منذ سنتين، وقد حصلت لي قضية فحكم علي بالسجن عشر سنوات، فهل لزوجتي الحق في طلب الطلاق والحصول عليه؟ الجواب: أولًا: أنت معذور في تأخرك عنها بسبب السجن، ولكن هي إن كان عليها ضرر من هذا الانتظار، ويلحقها مضرة، فلها أن تتقدم إلى القاضي الشرعي، وينظر في قضيتها. *** سؤال: تزوجت منذ أربع سنوات وقد من الله علينا بابنة واستمر زواجنا على ما يرام وبدون أن يعكره أي شيء، وفي يوم من الأيام حدث سوء تفاهم أدى إلى نزاع بيننا، فذهبت إلى المحكمة وكنت متوتر الأعصاب، وفي حالة نفسية سيئة، واستخرجت صك طلاق من المحكمة بهذا المعنى بثلاث طلقات متفرقات، دون أن أنطق بها، علمًا بأني لم يسبق أن طلقتها، فهل هذا الصك يعتبر ثلاث طلقات دون رجعة، أم طلقة واحدة فإذا كان يعتبر طلقة واحدة، فماذا أفعل لكي أعدل الصك؟ الجواب: ما دام أنه صدر من المحكمة صك بثلاث طلقات متفرقات على يد القاضي، فإن هذه المرأة لا تملك رجعتها، وقد بانت بينونة كبرى، وإذا كان عندك إشكال فيما صدر منك، فعليك أن تراجع القاضي الذي

أصدر الصك، وتسأله عما يشكل عليك. سؤال: هو يقول أنه استحصل على الصك دون أن ينطق بالطلقات؟ الجواب: لا دخل لنا في هذا ما دام أن الأمر صدر من المحكمة، وعلى يد القاضي، فالمرجع في هذا إلى القاضي، لا دخل لنا في هذا الشيء، سواءً نطق أو لم ينطق، أو غضبان أو غير غضبان، هذا عند القاضي. *** سؤال: ما حكم الطلقة الواحدة وبلفظ واحد محددة بزمن معين، كأن يقول الرجل لزوجته: أنت طالق لمدة شهر، هل يقع هذا الطلاق، وهل عليه إثم إن هو عاشرها، قبل انقضاء الشهر، مع العلم أنها لم تخرج من بيت زوجها في تلك الفترة؟ الجواب: نعم، يقع الطلاق، ويكون طلقة واحدة رجعية يعني له أن يراجعها ما دامت في العدة، والطلاق لا يتحدد بوقت، بأن يقول مثلًا: أنت طالق إلى شهر أو إلى سنة، الطلاق إذا صدر فإنه لا يتحدد بوقت ينتهي بانتهائه، ولكنه إذا كان دون الثلاث ولم يكن بعوض فإنه يجوز له أن يراجعها ما دامت في العدة. *** سؤال: حلفت على زوجتي بالطلاق على الامتناع عن أخذ بعض أمتعتها حين سفرها، فأبت وأخذتها، وأنا لا أستطيع عمل شيء منعًا للمشاكل التي قد تترتب على المشاجرة معها، وخصوصًا أنني غريب عن

الوطن، وقد سبق لي أن حلفت عليها سابقًا وذهبت إلى أحد العلماء ورد لي اليمين، فهل هي طالق في هذه الحالة؟ وإذا كانت كذلك، فما هو الواجب علي تجاه الطفلين اللذين معها؟ الجواب: إذا حلفت على امرأتك بالطلاق، تقصد منعها من فعل شيء كأخذ متاع أو غير ذلك، فإن كنت تريد تعليق الطلاق على فعل هذا الشيء، ونويت أنه إذا حصل هذا الشيء، فإنه يقع الطلاق، فهذا يعتبر طلاقًا يلزمك. أما إذا كان قصدك مجرد المنع ولم تقصد الطلاق، وإنما قصدت منعها من ذلك الشيء فهذا يعتبر يمينًا فيه عليك كفارة يمين، إذ خالفت زوجتك ما أردته منها، وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من الطعام، أو كسوتهم لكل مسكين ثوب، فإذا لم تستطع شيئًا من هذه الثلاثة لا العتق ولا الإطعام ولا الكسوة، فإنك تصوم ثلاثة أيام، ويكون ذلك كفارة لحلفك بالطلاق، على الصحيح من قولي العلماء، والله تعالى أعلم. *** سؤال: لقد حصلت خصومة بيني وبين أخت زوجتي، وعلى إثرها حلفت باليمين وقلت: علي الطلاق وتكون محرمة علي مثل أمي وأختي -هذا الطلاق قلته لزوجتي- بأن لا تكلمي أختك، طول ما أنا حي، وبعدها سافرت خارج البلاد، وقد علمت بأنه تم الصلح بينهما، ومع العلم، لقد حلفت سابقًا وأديت كفارة اليمين "كفرت عنها" فما الحكم في هذا؟

الجواب: الحكم في هذا، أنك تذكر أنك طلقت وظاهرت من زوجتك أن لا تكلم أختها، فإذا كان قصدك من هذا منع زوجتك من تكليم أختها، ولم تقصد إيقاع الطلاق، ولم تقصد الظهار فإنه يكون عليك كفارة يمين، أن تكفر عن يمينك على الصحيح من قولي العلماء، وبهذا تنحل هذه الأيمان والله تعالى أعلم. *** سؤال: وقع شجار بيني وبين زوجتي فغضبت عليها غضبًا مؤلمًا، وضربتها ضربًا مؤلمًا، وحلفت عليها بالطلاق، ولكن زوجتي أبت أن تفارق البيت وعاد كل شيء إلى مجراه الطبيعي، واستمرت حياتنا الزوجية، وبعدها أنجبت ثلاثة أطفال، ولهذه اللحظة لم يعلم بما حصل بيني وبينها إلا الله سبحانه وتعالى، فماذا يجب علي أن أعمله الآن؟ الجواب: أما ما ذكرته من غضبك على زوجتك وضربك لها فهذا شيء لا تحمد عليه، ولا يجوز منك، يجب عليك إذا غضبت أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وألا تضرب زوجتك، وتسيئ إليها إلى هذا الحد. أما ما ذكرت من حلفك بالطلاق، فأنت لم توضح ما تلفظت به، هل مرادك أنك حلفت عليها بالطلاق لتمنعها من شيء، أو لتحثها على فعل شيء، هذا يجري مجرى اليمين، على الصحيح، من قولي العلماء، فعليك كفارة يمين، أما إذا كان قصدك من الحلف بالطلاق، أنك أوقعت عليها الطلاق منجزًا طلقتها بدافع ما حصل منك من الغضب والضرب، وغضبك هذا لم يخرجك عن الشعور، فالطلاق يقع إذا كان دون الثلاث وراجعتها، وتعتبر الرجعة صحيحة.

الحاصل: أن هذا لا بد فيه من توضيح لما حصل منك في هذا الطلاق، وأرى لك أن تتصل بأحد العلماء المفتين المعتمدين، وتذكر له ما حصل منك، وستجد الإجابة الشافية إن شاء الله تعالى. *** سؤال: رجل طلق زوجته وهو في حالة غضب شديد فقال: أنت طالق بالثلاث لا فتوى ولا رجعة، أنت طالق بالثلاث لا فتوى ولا رجعة، أنت طالق بالثلاث لا فتوى ولا رجعة، هذا نص ما قاله، وبعد ذلك أخذوا بفتوى القاضي، وتم عقد جديد بينهما وعادا إلى بعض، وبعد مدة طويلة، حلف أيضًا بالطلاق على زوجته إذا علمت عملًا ما، فماذا تفعل الزوجة الآن وهي بحاجة إلى مثل ذلك العمل، الذي علق الطلاق على فعلها له، هل إذا فعلته تكون طالقة أم لا؟ الجواب: أما بالنسبة لما ذكر في الأول أنه حصل منه طلاق وتلفظ بالطلاق عدة مرات، وأنهم راجعوا القاضي وأفتاهم بأن عقد لهم عقدًا جديدًا، هذا راجع إلى القاضي وهو يعرف ملابسات القضية وما حولها، فهو الذي ينظر فيها. أما بالنسبة لحلفه بالطلاق على أن لا تفعل شيئًا عينه، وهي بحاجة إلى فعله، فإنه حينئذ إذا لم يكن قصده إيقاع الطلاق، وإنما قصده منعها من ذلك الشيء فقط فحينئذ عليه كفارة يمين، يكفر كفارة يمين، وتنحل وبعد ذلك تفعل ما حلف على منعها منه. ***

سؤال: ما الحكم الشرعي فيمن حلف على زوجته بالطلاق أو الظهار ألا تفعل شيئًا ثم سافر عنها، ولا يعلم هل خالفت يمينه أم لا، وإن فعلت وهو لم يعلم بذلك، فما الحكم؟ الجواب: إذا حلف على زوجته بالطلاق أو الظهار بقصد منعها من عمل شيء من الأشياء، فهذا يأخذ حكم اليمين يكفر كفارة يمين وينحل، أما لو فعلت في غيبته ما نهاها عنه وحلف عليها أن لا تفعله، فإنه يحنث بذلك، ولو لم يعلم، لأنه حلف عليها ألا تفعل فخالفت اليمين، وإذا خالفت اليمين متعمدة ذاكرة لهذا الحلف، فإن الحالف يأثم بذلك، وتكون عليه الكفارة، سواءً علم أو لم يعلم. سؤال: في هذه الحالة طبعًا تعتد إذا كانت مطلقة، وتبدأ العدة من وقت المخالفة؟ الجواب: هي لا تطلق إذا كان قصده من الطلاق منعها من ذلك، هذا يكون يمينًا، تحله الكفارة. أما إذا كان قصد، تطليقها إذا فعلته فهي تطلق من حين يقع منها هذا الشيء، المخالفة، إذا فعلته مختارة ذاكرة لليمين. سؤال: إذا انتهت عدتها ولم يعلم هو أنها خالفته؟ الجواب: العدة لا تتعلق بعلمه، وإنما تتعلق بحصول المعلق عليه، فإذا فعلت ما نهاها عنه وما علق عليه الطلاق فإنه يبدأ طلاقها من حين فعلها، وتنتهي عدتها بمضي وقتها سواءً كان بالحيض أو بالأشهر، سواءً علمه أو لم يعلمه. سؤال: يعني لو عاشرها بعد ذلك تكون عشرة محرمة، وعليها الإثم الأكبر لأنها هي المتسببة وهو جاهل بما عملت؟

الجواب: هذا يختلف باختلاف الطلاق، إذا كان الطلاق رجعيًّا، وعاشرها في زمن العدة، لا بأس بذلك ويعتبر هذا رجعة. سؤال: مثلًا لو كان غائبًا وحلف عليها أن لا تفعل شيئًا ثم سافر، وهي فعلته في غيبته وانتهت العدة، وهو لم يعلم أنها فعلت، هل يحصل لها مراجعة؟ الجواب: لا يجوز له إذا خرجت العدة فقد بانت منه وتحرم عليه. *** سؤال: حصل مني وأنا في حالة غضب أن حلفت على زوجتي يمينًا بالطلاق ثلاث مرات، أن تكون محرمة علي مثل أمي وأختي إذا ذهبت إلى بيت والدها طول فترة غيابي، وحتى الآن لم تذهب، فهل يجوز لي بعد ذلك وأنا موجود هنا أن أسمح لها بالذهاب، ولأني شعرت بعد ذلك أني سأكون قاطعًا لذوي الأرحام، وماذا يترتب على ذلك لو فعلته؟ الجواب: إذا كان قصدك من الطلاق منعها من الذهاب، ولم ترد تعليق الطلاق، وإنما قصدت منعها فقط، فإنه يكون عليك كفارة يمين، تكفر كفارة يمين، وتنحل هذه اليمين، ويجوز لها بعد ذلك أن تذهب إلى أقاربها، هذا إذا كان قصدك منعها من الذهاب. سؤال: نيته وقت الحلف؟ الجواب: نعم، إذا كانت نيته وقت الحلف أن يمنعها، لوم يقصد تطليقها، فهذا كما ذكرت. أما إذا قصد طلاقها، وأنها إذا ذهبت فإنها تطلق، فهذا يقع عليه الطلاق، لأنه لم يقصد المنع، وإنما قصد تعليق الطلاق على الذهاب، وإذا حصل المعلق عليه، حصل المعلق. إذا حصل الشرط، حصل المشروط.

سؤال: تلفظ به ثلاث مرات، هل يقع ثلاث مرات؟ الجواب: إذا كان نوى به الطلاق، فإنه يقع ثلاث مرات ثلاث طلقات. سؤال: وهذا ألا يكون من قبيل الظهار، قوله: وأن تكون محرمة علي مثل أمي أو أختي؟ الجواب: كذلك، فإن هذا هو طلاق وظهار معًا، إذا كان قصد مثلًا تعليق الظهار، أو تعليق الطلاق على ذهابها قصد الاثنين، فيكون مطلقًا ومظاهرًا، وأما إذا لم يقصد شيئًا من الاثنين، وإنما قصد منعها فقط، فكما ذكرنا عليه كفارة يمين. سؤال: لو كان فعلًا قصد الطلاق وقصد الظهار ويريد أن يعدل عن ذلك؟ الجواب: إذا كان طلقها ثلاثًا فقد بانت منه. سؤال: لا يكون طلقة واحدة بحكم أنها في مجلس واحد أو في موقف واحد؟ الجواب: لا، هذه كررها هو، لو كان بلفظ واحد، لو كانت الثلاث بلفظ واحد فهذا موضع خلاف بين أهل العلم، الجمهور على أنها تقع ثلاثًا، وهو الصحيح، وقد فرقه بثلاثة ألفاظ، فهذا يقع عند الجميع ثلاث طلقات، ربما يقال: إنه غضبان، كما ذكر هو إذا كان في حالة الغضب، وزال معها شعوره، بحيث لا يتصور ماذا يقول، فهذا لا شيء عليه، لا يمين ولا طلاق ولا ظهار، لأنه زائل الشعور. أما إذا كان غضبه أقل من ذلك، ويتصور ما يقول ويعقل ما يقول، فكما ذكرنا.

سؤال: إذا لو فرضنا أنه في حالة غضب، ولكنه خفيف يعي معه ما يقول ووقع طلاق، ولكنه مرة واحدة، وفي نفس الوقت ظهار، فعليه أن يكفر كفارة الظهار؟ الجواب: هذا لا يتصور أن يقع عليه مرة واحدة، لأنه طلقها ثلاث مرات، بلفظ واحد، هذا إذا أفتي على رأي من يرى أن الثلاث بلفظ واحد تكون واحدة، يكون عليه ظهار فقط ويراجعها لكن الذي عليه الجمهور وهو الصحيح، أن الثلاث تقع ولو بلفظ واحد. *** سؤال: أنا شاب في العشرين من عمري تزوجت ابنة عمي وذات ليلة تشاجرنا ودخل بيننا الشيطان لعنه الله، وغضبت وضربتها على وجهها وطقتها بالثلاث، فلما هدأت تندمت على فعلتي فأرجو منكم أن تخبروني إن كانت تحل لي وهل علي قضاء، وماذا أفعل مع العلم أنها كانت بها العادة عندما طلقتها؟ الجواب: هذه القضية، لا تكفي الإجابة عنها، عبر سؤال مكتوب، لأنه لا بد من معرفة ملابسات القضية، وحضور الزوجة، مع وليها وهذا لا يتم إلا عند القاضي، أو عند رئاسة الإفتاء والبحوث والعلمية بالرياض، فعليك أن تراجع إحدى الجهتين، وستجد إن شاء الله ما يكفي لحل مشكلتك والله أعلم سؤال: إنما يقصد من حيث الحكم هل يقع الطلاق في حالة العادة؟ الجواب: نعم، الصحيح أن الطلاق يقع في حالة الحيض، وذلك لأن

«ابن عمر رضي الله تعالى عنه لما طلق امرأته وهي حائض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها» ، فقوله: فليراجعها هذا دليل على أن الطلاق وقع رجعيًّا، لأنه لا يقول: فليراجعها إلا إذا كان وقع الطلاق. سؤال: وقعت مشكلة بين أهلي وزوجتي في اليمن، وذهبت إلى المحكمة الشرعية بجدة للطلاق وفي المحكمة طلبوا مني ورقة كتبتها لهم وفيها: أنا المدعو فلان بن فلان، لقد طلقت فلانة بنت فلان، وأنا في كامل وعيي وعلى ذلك أوقع، وأخذوا مني الورقة وأعطوني موعدًا لمقابلة القاضي وإحضار الشهود، وحضرت في الموعد، ومعي الشهود ولكن القاضي لم يحضر إلى المحكمة في ذلك اليوم، وبعد ذلك تراجعت وعدلت عن الطلاق فهل بهذا يكون قد وقع الطلاق مني أم لا، وهذا حدث قبل ثلاث سنوات، وأنا الآن لي أولاد منها بعد ذلك، وإذا كان قد وقع الطلاق فما هو مصير الأولاد، وماذا علي أن أفعل؟ الجواب: الطلاق الذي قد كتبته ونويته، هذا يقع عليك بلا شك، وإذا كان هذا الطلاق دون الثلاث أي: لم يسبقه طلاق قبله، فإنه يجوز أن تراجعها بأن تشهد شاهدين بأنك قد راجعت زوجتك، لكن بشرط أن لا يكون الطلاق قد استنفذ الثلاث كما ذكرنا، وعلى كل يجب عليك أن تراجع المحكمة التي ربطت معها موعدًا لهذا الإجراء وأن تراجع عند

القاضي، بأن تطلعه على الورقة وتخبره بأنك تريد المراجعة، إذا كانت العدة باقية ولم تنته. أما إذا كانت انتهت عدة الزوجة فإن الرجعة لا تصح، ولا بد من عقد جديد، إذا لم يستنفذ الطلاق الثلاث. *** سؤال: أنا رجل متزوج وقد حصل مني حلف بالطلاق في حالتين: الأولى: أنني حلفت بالطلاق أن لا أفعل شيئًا ما بنفسي، ولأهمية ذلك العمل لي فلم أجد من يقوم به غيري فعملته. والحالة الثانية: أنني كنت مع بعض الزملاء في مسكننا فحصل شجار كرهت الجلوس بعده، فقلت: علي الطلاق بالثلاث أنني لا أقعد معكم وحاولت الخروج ولكن بعض الأصحاب ألحوا علي في البقاء معهم، وفعلًا بقيت ولم أخرج، فماذا علي في هاتين الحالتين، وماذا يلزمني فعله لكي أحافظ على زوجتي؟ الجواب: لا يجوز للمسلم أن يتخذ الطلاق سلاحًا على لسانه دائمًا، وعند أدنى سبب يتلفظ بالطلاق، لأن هذا تلاعب بشرع الله سبحانه وتعالى، والطلاق أمر خطير وبغيض إلى الله سبحانه وتعالى، فيجب على المسلم أن يحفظ لسانه من التلفظ بالطلاق إلا عند الحاجة التي يشرع فيها الطلاق، أما أن يتخذ الطلاق محل اليمين ودائمًا يهزو به ويتكلم به، فهذا لا يجوز. أما من ناحية ما حصل من السائل في أنه حلف بالطلاق مرتين في مناسبتين فهذا إن كان أراد تعليق طلاق زوجته على حصول هذا الشيء إن دخل أو إن فعل كذا فإن زوجته تطلق عند حصول المعلق عليه. أما إذا كان أراد مجرد اليمين ومجرد منع نفسه من شيء وحلف بالطلاق

ليمنع نفسه من ذلك فهذا يجري مجرى اليمين على الصحيح من قولي العلماء، ويكون فيه كفارة اليمين، ويكون عليك إذا كنت قصدت منع نفسك في هذا الطلاق الذي وقع منك في الحالتين، ولم ترد تعليق الطلاق، فإنه يجب عليك كفارة يمين لكل مرة، يعني يكون عليك كفارتان. كفارة للمرة الأولى وكفارة للمرة الثانية، بأن تطعم عن كل مرة عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام أو تكسو عشرة مساكين لكل مسكين ثوب أو إزار ورداء على حسب عادة البلد، أو تعتق رقبة إذا أمكن، وأنت مخير بين هذه الأمور الثلاثة. وإذا لم تقدر على واحد منها، فإنك تصوم ثلاثة أيام والله أعلم. سؤال: في حال الحكم بوقوع الطلاق منه في قوله: علي الطلاق بالثلاثة، كم يقع، طلقة واحدة أم ثلاث؟ الجواب: الجمهور على أنه يقع ثلاث طلقات إن قالها بهذا اللفظ. سؤال: زوجتي كثيرة الشجار مع والدتي في مصر، ووالدتي تريد مني أن أطلقها، وأنا حائر بين الوالدة وبين أطفالي، ومصيرهم بعد الطلاق علمًا بأني شاب متدين والحمد لله، ولا أريد أن أغضب الله بالطلاق أو أغضب والدتي التي أمر الله بطاعتها، وقد قرأت عن عبد الله بن عمر أنه كان له امرأة يحبها، وكانت أمه تريد منه أن يطلقها فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأمره أن يطلقها فنرجو الرد أثابكم الله.

الجواب: أولًا: قضية ابن عمر ليست مع أمه، وإنما هي مع أبيه، عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وأما قضية ما ذكرت من حالة زوجتك مع أمك، وأنها تشاجرها، وأن أمك تطلب منك طلاقها، فهذا واضح أن هذه المرأة تؤذي أمك، ولا يجوز لك أن تقرها على ذلك، إذا كان بإمكانك أن تأخذ على يدها وأن تمنعها من هذه المشاجرة، وبإمكانك الإصلاح بين أمك وزوجتك، فإنه يتعين عليك ذلك، ولا تذهب إلى الطلاق، أو إذا كان بإمكانك أن تجعل زوجتك في مسكن وأمك في مسكن آخر، وتستطيع القيام بذلك، فهذا أيضًا حل آخر، أما إذا لم تستطع شيئًا من ذلك، وبقيت زوجتك تشاجر أمك وتغضبها، فحينئذ لا مناص من الطلاق طاعة لوالدتك، وإزالة للضرر عنها، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، وعلى كل حال عالج الأمور بما تستطيع، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يصلح من أمرك، ولا تجعل الطلاق إلا آخر الحلول، إذا لم تستطع حلًّا غيره. ***

كتاب البدع

كتاب البدع

التلفظ بالنية سؤال: نحن في بلادنا نعرف أن كل عبادة لا بد لها من نية فلذلك لا بد قبل الشروع في الصلاة من التلفظ بالنية، فإذا كان هذا غير جائز أو بدعة فما معنى الحديث: «إنما الأعمال بالنيات؟» . الجواب: نعم كل عمل يحتاج إلى نية، للحديث الذي ذكرته أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى» ، ولكنْ ليس معنى هذا أن تتلفظ بالنية، معنى هذا: أن تعتقد بقلبك، وتنوي بقلبك أداء العمل لله عز وجل، ويكفي هذا، فالنية محلها القلب، وليس محلها اللسان، والتلفظ بها بدعة، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين وأصحابه والقرون المفضلة أنهم كانوا يتلفظون بالنية، وإنما النية محلها القلب، والله تعالى يقول: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} [الحجرات: 16] ، فإذا نويت بقلبك وقصدت بقلبك، فالله يعلم ذلك، ولا يحتاج إلى أن تتلفظ بلسانك. *** مسح الرقبة في الوضوء سؤال: هل غسل أو مسح الرقبة من فروض أو سنن الوضوء أم لا؟ الجواب: ليس مسح الرقبة من سنن الوضوء ولا من فروضه لأن الله سبحانه وتعالى بين الأعضاء المغسولة والممسوحة، قال سبحانه وتعالى:

مسح الرقبة في الوضوء

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] ، فالذي يمسح الرأس فقط دون العنق. ولم يثبت في مسح العنق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة فمسحه يكون من البدع. *** قول: استقمنا واعتدلنا بعد إقامة الصلاة سؤال: عند إقامة الصلاة وعندما يقول الإمام العبارات التي يقصد منها تسوية الصفوف كقوله: استقيموا أو اعتدلوا، يقول المأمومون بصوت منخفض: استقمنا واعتدلنا وعلى الله توكلنا: فما صحة هذا القول؟ الجواب: لا أصل لهذا القول ولا ينبغي أن يقال لأنه لا دليل عليه في هذه الحالة، والأصل في الأدعية والعبادات أن تتوقف على الدليل الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس في هذا دليل، فيجب تركه. *** قراءة الصلاة الإبراهيمية قبل دخول الإمام يوم الجمعة سؤال: في بلادنا قبل صلاة الجمعة يردد المصلون الصلاة الإبراهيمية بأصوات عالية وجماعية، حتى يصل الإمام ويخطب، وكذلك إذا قال الإمام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قبل الخطبة، يرد عليه المصلون بأصوات عالية وجماعية أيضًا، بقولهم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فما الحكم في ذلك؟ وما هي نصيحتكم لهذه الجماعة؟

قراءة الصلاة الإبراهيمية قبل دخول الإمام يوم الجمعة

الجواب: قراءة الصلاة الإبراهيمية قبل دخول الإمام لا أصل لها في الشريعة فهي بدعة، وإذا كانوا يرفعون أصواتهم بذلك، بصفة جماعية، فالأمر أشد والبدعة أشد، فهذا عمل لم يكن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من سنة خلفائه الراشدين، ومن جاء بعدهم من القرون المفضلة، فهذا من البدع. قراءة الصلاة الإبراهيمية قبل دخول الإمام سواء برفع صوت، أو بدون رفع صوت، وسواءً بانفراد، أو بصوت جماعي، كله بدعة، يجب اجتنابه. وأما ردهم السلام على الإمام إذا دخل على المنبر بصوت جماعي، فهذا أيضًا بدعة، لم يكن من عمل المسلمين، فرد السلام سرًّا وبصفة انفرادية لا مانع منه، لكن رده جهرًا، أو بصوت جماعي، هذا كله من البدع، والذي ننصح به هؤلاء أن يتركوا هذه البدع، والمخالفات وأن يتقيدوا بالسنة النبوية، ويراجعوا كتب السنة الصحيحة، ويعملوا بما فيها، ولا يعتمدوا على عادات الناس، والخرافات التي اتخذها كثير من الناس دينًا، وهي لا أصل لها في الشريعة، فيجب على المسلم أن لا يقدم على عمل إلا بعد أن يتثبت من صحته ومطابقته للوجه المشروع، والله أعلم. سؤال: رد السلام على الخطيب مثلًا في خطبة الجمعة أو على من يلقي السلام بواسطة المذياع مثلًا ونحوه، لا يدخل في حكم رد السلام حضورًا يعني شخصيًّا، من حيث الإلزام برد السلام؟ الجواب: هذا مشروع بلا شك، رد السلام مشروع، ولكن إذا كان السلام على جماعة، فالفقهاء يقولون: إن رده فرض كفاية، إذا رده البعض يبقى في حق الباقين سنة، والمسلم في المذياع أو المسلم على المنبر

يسلم على جماعة فرده فرض كفاية. سؤال: وبالنسبة للجمعة كما تفضلتم يكون سرًّا بين الإنسان ونفسه؟ الجواب: نعم يكون سرًّا. *** قراءة أسماء الله الحسنى بعد الصلاة سؤال: في المسجد الذي نصلي فيه بعد قراءة الجزء وهو راتب يومي، يقرؤون أسماء الله الحسنى، وبعدها يرددون جميعًا اسم (يا لطيف) مائة وتسعة وعشرين مرة، فهل هذا مشروع أم بدعة؟ الجواب: قراءة أسماء الله الحسنى بعد الصلوات واعتياد هذا، وترديد كلمة يا لطيف عددًا معينًا وبصفة معينة، كل هذا من البدع المحدثة في الإسلام، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة. فهذه الأذكار المحدثة، كقراءة أسماء الله الحسنى، لبعض الصلوات، وترديد كلمة يا لطيف بصوت مرتفع، وما أشبه ذلك من الأوراد التي ليس عليها دليل من الكتاب والسنة، ولا من هدي السلف الصالح، فهي بدع يجب تركها والابتعاد عنها، والتحذير منها. أما أسماء الله الحسنى فالله تعالى يقول: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] ، فدعاء الله بأسمائه وصفاته والتوسل إليه بذلك هذا شيء مشروع، لكن لا يجعل هذا في وقت معين، أو بعد فريضة إلا بدليل يدل على ذلك، ولا دليل يدل على التخصيص، والله تعالى أعلم.

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة جهرا دبر كل صلاة

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة جهرًا دبر كل صلاة سؤال: ما حكم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة جهرًا دبر كل صلاة؟ الجواب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا» . والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال المشروعة، فيها أجر عظيم ولكن تخصيصها بوقت من الأوقات أو بكيفية من الكيفيات، لا يجوز إلا بدليل. فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة بعد الفريضة، بصوت جماعي كما يقول السائل، هذا من البدع والمحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان. أما أن يصلي المسلم على النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، دون ارتباط بالآخرين، ودون تكوين صوت جماعي فهذا من أفضل الأعمال، ولكن لا يلتزم هذا بعد كل صلاة، لأنه لم يرد، وإنما ورد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، أما أن يلتزم بعد السلام، فهذا لا يجوز، لكن لو صلى عليه بعض الأحيان بدون ارتباط بجماعة، وبدون كيفية خاصة كما ورد في السؤال فهذا لا بأس به.

الدعاء الجماعي بعد الصلاة

الدعاء الجماعي بعد الصلاة سؤال: إنني شاهدت بعض المصلين في صلاة الجماعة بعد انتهائهم من الصلاة، يدعون الله دعاءً جماعيًّا، بعد كل صلاة، فهل يجوز ذلك؟ أفتونا مأجورين. الجواب: الدعاء بعد الصلاة، لا بأس به، لكن كل مسلم يدعو بمفرده، يدعو لنفسه ولإخوانه المسلمين، ويدعو بمصالح دينه ودنياه، يدعو مفردًا، لا يكون الدعاء جماعيًّا. أما الدعاء الجماعي بعد الصلاة فهو بدعة لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته ولا عن القرون المفضلة أنهم كانوا يدعون دعاءً جماعيًّا بأن يرفع الإمام يديه، ثم يرفعون أيديهم ويدعو، وهم يدعون معه، هذا من البدع. أما أن يدعو كل شخص بدون رفع صون، ولا تشويش فهذا لا بأس به، سواء كان بعد الفريضة، أو بعد النافلة. *** صلاة ركعتين قبل النوم سؤال: لدي عادة أداوم على فعلها، وهي أني أصلي ركعتين قبل النوم أقرأ فيهما الفاتحة وبعض السور القصيرة، فهل ذلك جائز أم بدعة؟ الجواب: الوارد قبل النوم، عن النبي صلى الله عليه وسلم من الآداب التي يستحب فعلها، أن يتوضأ الإنسان قبل النوم، وينام على جنبه الأيمن، ويقرأ آية الكرسي وبالآيتين من آخر سورة البقرة، وأن يدعو بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي أدعية كثيرة وجوامع، أما الصلاة قبل النوم والتزام هذا، هذا لا أعلم له أصلًا من السنة النبوية.

صلاة المريض بالإيماء باليد أو الأصبع

صلاة المريض بالإيماء باليد أو الأصبع سؤال: امرأة جاءها مرض منذ عدة سنين، فكانت لا تصلي إلا بالإشارة بإصبعها، وبعد شفائها قضت كل الصلوات التي مرت في فترة مرضها، وكذلك مرضت مرة أخرى وكانت تصلي مرة جالسة، ومرة مستلقية، ومرة بالإشارة بالأصبع، وكذلك بعد ما شفيت قضت كل الصلوات مرة أخرى، فهل فعلها هذا صحيح أم لا؟ الجواب: أولًا: المريض يصلي على حسب حاله، ولا يقضي الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب» ، فالمريض يصلي على حسب حاله، ولا يقضي هذه الصلاة لأنه أداها حسب استطاعته، والله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ، فيصليها قائمًا أو قاعدًا، أو مضطجعًا، ويومئ للركوع والسجود برأسه، أما الإيماء باليد أو بالأصبع فهذا لا أصل في الشرع، ولا يعتبر صلاة، فكونها قضت الصلاة هذا هو الحق والواجب عليها، لأنها لم تصل، لأنها أشارت بيدها وبأصبعها وهذا لا يجزئ، ولا يعتبر صلاة. أما لو كانت تومئ برأسها للركوع والسجود، لأنها لا تستطيع أكثر من ذلك، فصلاتها صحيحة ولا تقضيها. ***

استعمال المسبحة

استعمال المسبحة سؤال: ما حكم المسبحة بقصد تذكير حاملها بذكر الله الجواب: المسبحة إذا اتخذها الإنسان يعتقد أن في استعمالها فضيلة، وأنها من وسائل ذكر الله -عز وجل- فهذا بدعة. أما إذا استعملها الإنسان من باب المباحات أو ليعد بها الأشياء التي يحتاج إلى عدها، فهذا من الأمور المباحة. أما اتخاذها دينًا وقربة فهذا يعتبر من البدع المحدثة، وعلى الإنسان إذا أراد التسبيح أن يسبح الله عز وجل ويعد التسبيح بعقد أصابعه هذا الذي ينبغي. أما اتخاذ المسبحة على أن فيها فضيلة كما يعتقد بعض الصوفية وأتباعهم، ولذلك تجد كثيرًا منهم يحملون هذه المسابح الضخمة ويعلقونها في رقابهم، فهذا بدعة لا أصل له ويدخل في الرياء أيضًا والله أعلم. *** إقامة المآتم سؤال: عندنا هنا في بلدتنا في السودان إذا مات أحد يقام له المأتم والفراش عليه، لمدة تزيد عن ثلاثة أيام، هل يصح الفراش على الميت وكيف تكون تعزيتهم في فقيدهم، إذا علمت أنهم يفرشون في بيت الميت، وهل يجوز أن يأتي الجيران بأكلهم وشرابهم لأهل الميت، مشاركة لهم في المصيبة؟

إقامة المآتم

الجواب: هذه المآتم التي تقام، ما يسمونها بالعزاء، ونصب السرادقات، وجمع الناس فيها، واستئجار المقرئين، وصنعة الطعام والأشربة وغير ذلك، كل هذا من البدع المحدثة ومن الآصار والأغلال التي ما أنزل الله بها من سلطان، لا سيما إذا كانت المآتم تقام من تركة الميت، والميت ربما يكون عليه ديون، وربما يكون له ورثة صغار قصر بحاجة إلى المال، فإن الأمر يكون أشد إثمًا وأعظم ضررًا، فإنه مع كونه بدعة ومنكرًا هو كذلك ظلم لأصحاب الحقوق، لأن التركة انتقلت بموت الميت على الورثة وإذا كان عليه ديون فهي للغرماء، فالأخذ منها، لهذه المآتم المبتدعة، يجتمع فيه أمران: أولاً: أنه منكر، وثانيًا: أنه ظلم لأصحاب هذه الحقوق. وأمر ثالث من المحاذير: هو أن إقامة هذه المآتم فيه شيء من الجزع والتسخط، على المصيبة لأن إقامة هذه المآتم هذه المدة الطويلة، وجمع الناس فيها، هذا جزع على الميت. والواجب على المسلم الصبر على المصيبة وعدم إظهار شيء من الجزع، وعدم إظهار شيء من التأثر، بل يرضى بقضاء الله وقدره، ويصبر ويحتسب، هذا الذي يجب على المسلم. أما إذا أقام هذه السرادقات وهذه المآتم فهذا يدل على أنه لم يصبر وأنه في حالة جزع، يحتاج إلى من يأتي ويجلس عنده، ويمضي الوقت للتسلية. فالذي نوصي به وننصح به المسلمين، أن يبتعدوا عن مثل هذه الأمور وهذه العادات السيئة، وهذه البدع المنكرة، وهذه المآتم التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي هي مشغلة للوقت ومضيعة للمال ومجلبة للمنكرات

ولا خير فيها بحالة من الأحوال، لا للأحياء ولا للأموات، فالأحياء تعطل عليهم وقتهم، وتستنفذ أموالهم، وتشغلهم بالبدع، والأموات لا فائدة لهم من هذه المآتم وهذه الحفلات. أما العزاء المشروع فهو الدعاء للميت، بدون إقامة مأتم، يدعى له، كل مسلم يدعو لأخيه الميت، بدون اجتماع، يدعو له بمفرده وبأي مكان يدعو للميت، عند قبره، أو في بيته، أو في أي مكان، وإذا تقبل الله الدعاء، يصل للميت بدون عناء وبدون كلفة. وأما صنعة الطعام لأهل الميت وإعطاؤه لهم، ليستعينوا به في حالة انشغالهم عن صنع الطعام في بيتهم فهذا شيء طيب، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يصنع طعام ويهدى لأهل الميت، إذا كان هذا مقتصرًا على أهل الميت فقط، أما أن يهدى طعام للحفل هذا، أو للسرادقات فهذا لا يجوز، لأنه تشجيع على إقامة المآتم، إنما يعمل طعام خاص بأهل الميت فقط لا للمجتمعين الذين يجتمعون في هذا المآتم، لأن هذا فيه مساعدة لهم على إحياء البدع. *** قراءة القرآن بمكبر الصوت قبل أذان الجمعة سؤال: إمام المسجد عندنا لا يؤذن الأذان الأول للجمعة، ولكن يكتفي بقراءة للقرآن بمكبر للصوت التابع للمسجد من وقت الأذان الأول إلى موعد الأذان الثاني، فما الحكم في هذا أفيدونا أفادكم الله. الجواب: هذا ترك السنة وأتى ببدعة، لأن الأذان الأول من سنة الخلفاء الراشدين، فقد أمر به عثمان رضي الله عنه في خلافته لما كثر

قراءة القرآن بمكبر الصوت قبل أذان الجمعة

الناس، وتباعدت أماكنهم وصاروا بحاجة إلى من ينبههم، فأمر رضي الله عنه بالأذان الأول، ليستحث الناس لحضور صلاة الجمعة، فصار سنة إلى يومنا هذا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» ، وعثمان رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين، وقد فعل هذا وأقره الموجودون في خلافته من المهاجرين والأنصار، فصار سنة ثابتة فهذا الذي ترك هذا الأذان الذي سنه الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، واستبدله بقراءة القرآن بمكبر الصوت، عمله هذا بدعة، لأن تلاوة القرآن في هذا الموطن وبهذه الصفة يكون بدعة ليس من عمل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من عمل أصحابه ولا من عمل القرون المفضلة. فالواجب على المسلمين أن يقتصروا على المشروع وأن لا يحدثوا شيئًا من عند أنفسهم وتلاوة القرآن من المكبر لا تكفي عن الأذان الذي هو شعار الإسلام، والذي شرعه الله سبحانه وتعالى للمسلمين، والله تعالى أعلم. *** استئجار مقرئ يقرأ القرآن بعد وفاة المريض سؤال: إذا مات أحد عندنا، نأتي بالخطيب يقرأ القرآن لمدة خمسة أيام، وبعدها نذبح ذبيحة، ونفرقها على الناس، وهذه عادة وجدناها وسرنا عليها، ما حكم هذا العمل يا فضيلة الشيخ بارك الله فيكم؟

استئجار مقرئ يقرأ القرآن بعد وفاة المريض

الجواب: هذا العمل ليس عادة، وإنما هو بدعة، فاستئجار المقرئ خمسة أيام يقرأ بعد وفاة المريض هذا من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، وديننا الحنيف وشرعنا المطهر بين لنا ما يعمل بالميت، الميت يجهز بالتغسيل والتكفين، ويصلى عليه، ويدفن ويدعى له، ويترحم عليه، ويتصدق عنه ويضحى عنه في وقت الأضحية، هذا ما يشرع في حق الميت. أما أن يستأجر قارئ يقرأ القرآن أيامًا معينة، يذبح ذبيحة في ختامها، كل هذا من الآصار والأغلال، ومن البدع والخرافات، وهذه لا تنفع الحي ولا الميت، وإنما هي من الأعمال الضارة، والأعمال البدعية، وأي أجر يأتي من قراءة مستأجر، لأن هذا القارئ لا يقرأ طمعًا في ثواب القراءة، وإنما يقرأ طمعًا في الأجر الذي يدفع له، الأجر العادي، والعبادات لا يؤخذ عليها أجور، وقراءة القرآن من أعظم العبادات، إذا كان قصد القارئ التقرب إلى الله سبحانه وتعالى. أما إذا قصد طمعًا دنيويًّا بقراءته، فإن عمله هذا باطل، ولا ثواب له، فأي شيء يحصل للميت من الأجر، والقارئ ليس له في ذلك أجر، بسبب أنه يقرأ لأجل طمع دنيوي، هذا كله من البدع والخرافات ومن إضاعة المال بالباطل. *** قراءة الفاتحة لروح الميت سؤال: ما هي التعزية المشروعة؟ وهل يكفي رفع اليدين وقراءة الفاتحة عند التعزية؟ الجواب: التعزية المشروعة، أنك إذا لقيت المصاب تدعو له، وتدعو

قراءة الفاتحة لروح الميت

للميت، وتقول: أحسن الله عزاءك، وجبر الله مصيبتك، وغفر لميتك، وتدعو للميت بالرحمة والمغفرة، ومن ذلك أيضًا، إذا كان أهل الميت مشغولين بالمصيبة ولم يتفرغوا لعمل طعام يأكلونه، فيستحب للمسلم أن يعمل طعامًا ويهديه لهم، مواساة لهم وإعانة لهم وتخفيفًا عنهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب، واستشهاده رضي الله عنه، قال: «اصنعوا لآل جعفر طعامًا، فإنهم جاءهم ما يشغلهم» . أما قراءة الفاتحة لروح الميت، فهذا لا أصل له في الشرع، ولم يرد به دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد في الكتاب والسنة هو الدعاء للميت والاستغفار له، والصلاة على جنازته، وكذلك التصدق عنه، وغير ذلك من أنواع البر، كالحج عنه والعمرة عنه، فهذه الأمور تصل إلى الميت بإذن الله إذا تقبلها الله، وكذلك الأضحية يضحى عن الميت، كل هذه الأمور ورد الشرع بأنها ينتفع بها الميت. أما قراءة الفاتحة، هذا لم يرد به دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هذا مما اعتاده الجهال، اعتادوا قراءة الفاتحة للبركة، وقراءتها للميت، وقراءتها في مناسبات يعرفونها بينهم، هذا كله لا دليل عليه، الفاتحة تقرأ فيما شرع قراءته فيه، قراءتها في الصلاة، قراءتها مع تلاوة القرآن، أما أن تقرأ للأموات أو لأرواح الأموات فهذا لم يرد به دليل، أو تقرأ للتعزية هذا لم يرد به دليل عن الشارع. والله تعالى أعلم.

إهداء ثواب قراءة الفاتحة للنبي صلى الله عليه وسلم

إهداء ثواب قراءة الفاتحة للنبي صلى الله عليه وسلم سؤال: نحن في قرية وجميع الأهل في القرية إذا أرادوا فعل شيء يقولون: الفاتحة للنبي. هل هذا الأمر له أصل في الشرع؟ وهل هذا خطأ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا. الجواب: الفاتحة من أعظم سور القرآن، بل هي أم القرآن، ولها فضل عظيم، ولكن قراءتها في مثل هذه الحال بأن تقرأ في بعض الأحوال للنبي، أو لغيره، أو لروح فلان، أو لروح الميت، هذا من البدع، لأنه لم يرد به دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم. قراءة الفاتحة عبادة، والعبادة لا بد لها من دليل، فالذي يقول: تشرع قراءة الفاتحة للنبي أو لغيره من الأموات، يحتاج قوله إلى دليل، فإن جاء بدليل وإلا فهذا القول مردود عليه، لأنه بدعة، ولم يرد في قراءة الفاتحة لروح النبي ولا لغيره دليل شرعي، هذا من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، الفاتحة لا تقرأ للنبي ولا لغيره، هذا من ناحية. الناحية الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم في غنى عن أن يهدى له ثواب من العبادات، إلا ما ورد به الدليل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يصل إليه من الأجر مثل أجور من اتبعه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه» ، فكل عبادة مشروعة إذا فعلها المسلم وناله أجر منها فإنه ينال الرسول صلى الله عليه وسلم مثل أجره من دون أن يهدي إليه ثوابًا، أو يقرأ له قراءة أو ما أشبه ذلك، فالرسول ليس بحاجة للإهداء، وإنما المشروع في حق

النبي صلى الله عليه وسلم محبته أكثر من محبة النفس والأهل والمال، والناس بأجمعهم، والمشروع الصلاة والسلام عليه كما أمر الله جل وعلا بذلك، بأن نصلي ونسلم عليه، وذلك يصل إليه أينما كنا، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» . وكذلك سؤال الله له الوسيلة والفضيلة بعد فراغ المؤذن، هذا قد أمر به وشرعه النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليه، فما ورد به الدليل من الصلاة والسلام عليه وسؤال الله له الوسيلة والفضيلة، هذا نعمله. أما الفاتحة وقراءتها، أو قراءة شيء من القرآن، أو إهداء شيء من الثواب، لم يرد دليل به، فهذا من البدع، لما ذكرنا من أن الأمر توقيفي والعبادات توقيفية، وثانيًا: أن الرسول في غنى عن ذلك لأن ما تقبله الله من طاعتنا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يناله من الثواب مثل ثوابنا، لأن من دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور أتباعه، والله أعلم. *** الاحتفال بالمولد النبوي سؤال: بالنسبة للمولد النبوي عندما يأتي يوم الثاني عشر من ربيع الأول، تحتفل جميع القرية بهذا المولد، هل يوجد احتفال بهذا المولد في الشرع، أو لا يوجد؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير. الجواب: العبادات توقيفية، بمعنى أنه لا يقدم المسلم على فعل شيء منها إلا بدليل من الشارع، وإلا كان هذا من البدع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:

الاحتفال بالمولد النبوي

«من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» . وقال صلى الله عليه وسلم: «إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» ، فالاحتفال بالمولد النبوي إذا بحثنا عن دليل له من كتاب الله، أو سنة رسوله، أو من هدي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، أو حتى من عمل القرون المفضلة، الثلاثة أو الأربعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، يدل على إقامة المولد فلن نجد، فما دام أنه كذلك، ليس عليه دليل من الكتاب ولا من السنة ولا من عمل الخلفاء الراشدين، ولا من عمل الصحابة، ولا من عمل القرون المفضلة، فلا شك أنه بدعة محدثة، وكل بدعة ضلالة. أيضًا إقامة المولد، أو إقامة الاحتفال بالمولد النبوي صلى الله عليه وسلم هذا ممنوع من ناحية أخرى، لأنه تشبه بالنصارى الذين يحتفلون بمولد المسيح عليه السلام، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» ، والاحتفال بالمولد مدعاة للإطراء والغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم كما هو حاصل، فإن هذه الموالد الغالب أنها تشتمل

على الشرك وعلى الغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وإنشاد الأشعار الشركية التي فيها الاستغاثة بالرسول ودعاء الرسول كقصيدة البردة وغيرها التي فيها من الشرك الأكبر الشيء الكثير والعياذ بالله، مثل قوله: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم ومثل قولهم: فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم هو الملاذ، وهو المعاذ في الشدائد، والدنيا والآخرة من جوده صلى الله عليه وسلم، وجعل علم اللوح المحفوظ والقلم الذي كتب الله به المقادير، بعض علم النبي صلى الله عليه وسلم، وما أشد هذا الغلو، وهذا الإفراط والعياذ بالله، فالدنيا والآخرة ملك لله سبحانه وتعالى، والعياذ بالله سبحانه وتعالى، لا يعاذ بمخلوق، وإنما يعاذ بالله سبحانه وتعالى، لا سيما عند الشدائد والكربات. الاحتفال بالمولد النبوي من البدع المحدثات المنكرات التي جاءت بعد انقضاء القرون المفضلة، وفيه تشبه بأهل الكتاب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» ، فالنصارى هم الذين يحتفلون بمولد المسيح وهذا من قديم، فلماذا لم يقم الصحابة احتفالًا بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم

والنصارى في وقتهم يقيمون مولد المسيح؟ لماذا لم يقم المسلمون احتفالًا بمولد الرسول، كما يقيم النصارى احتفالًا بمولد المسيح، إلا لمنع التشبه بهم؟ فهذا دليل على أن هذا الاحتفال بالمولد من البدع المنكرة المحدثة، مع ما يشتمل عليه كما ذكرنا من الشرك الأكبر أو الشرك الأصغر، وصرف الأموال بمعصية الله سبحانه وتعالى، وضياع الوقت وغير ذلك. فالواجب على المسلمين أن يتنبهوا لذلك وأن يكتفوا بما شرعه الله سبحانه وتعالى ففيه الخير والبركة، وفيه السعادة في الدنيا والآخرة، والله ولي التوفيق. *** الاحتفال بعيد الميلاد سؤال: ما حكم الشرع في نظركم في الاحتفال بعيد الميلاد، وهل هو بدعة حسنة أم بدعة سيئة؟ الجواب: الاحتفال بالمواليد، سواءً موالد الأنبياء أو موالد العلماء، أو موالد الأشخاص، كل هذا من البدع التي ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، وأعظم مولود هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عنه ولا عن خلفائه الراشدين، ولا عن صحابته، ولا عن التابعين لهم، ولا عن القرون المفضلة، أنهم أقاموا احتفالًا بمناسبة مولده. وإنما هذا من البدع المحدثة التي حدثت بعد القرون المفضلة على يد بعض الجهال، الذين قلدوا النصارى باحتفالهم بمولد المسيح عليه السلام،

الاحتفال بعيد الميلاد

والنصارى مبتدعة لهذا، فالمسيح عليه السلام لم يشرع لهم الاحتفال بمولده، وإنما هم ابتدعوه، فقلدهم بعض المسلمين بعد مضي القرون المفضلة، فاحتفلوا بمولد محمد صلى الله عليه وسلم، كما يحتفل النصارى بمولد المسيح، وكلا الفريقين مبتدع وضال في هذا، لأن الأنبياء لم يشرعوا لأممهم الاحتفال بموالدهم، وإنما شرعوا لهم الاقتداء بهم وطاعتهم واتباعهم، بما شرع الله سبحانه وتعالى، هذا هو الشرع، أما هذه الاحتفالات بالمواليد، فهذه كلها من إضاعة الوقت، ومن إضاعة المال، ومن إحياء البدع، وصرف الناس عن السنن، والله المستعان. *** إفراد شهر رجب بالعبادة سؤال: هل صحيح أن شهر رجب يفرد بعبادة معينة أو مخصوصة؟ أرجو إفادتنا حيث إن هذا الأمر ملتبس علينا، وهل يفرد أيضًا أو يخصص بعمرة أو زيارة للمسجد النبوي فيه؟ الجواب: شهر رجب كغيره من الشهور لا يخصص بعبادة دون غيره من الشهور، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيصه لا بصلاة ولا بصيام ولا بعمرة ولا بذبيحة ولا بغير ذلك، وإنما كانت هذه الأمور تفعل في الجاهلية وأبطلها الإسلام، فشهر رجب كغيره من الشهور لم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيص بشيء من العبادات، فمن أحدث فيه عبادة من العبادات وخصه بها، فإنه يكون مبتدعًا لأنه أحدث في الدين ما ليس منه، والعبادات توقيفية، لا يقدم على شيء منها إلا إذا كان له

إفراد شهر رجب بالعبادة

دليل من الكتاب والسنة. ولم يرد بتخصيص شهر رجب دليل يعتمد عليه، وكل ما ورد لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بل كان الصحابة ينهون عن ذلك ويحذرون من صيام شيء من رجب خاصة، أما الإنسان الذي له صلاة مستمر عليها، وله صيام مستمر عليه فهذا لا مانع لأن رجب كغيره يدخل تبعًا، أما أن يخصص شهر رجب بعبادة منفردة دون غيره من الشهور، فهذا من البدع المحرمة التي يأثم بها الإنسان ولا يؤجر عليها. *** قيام ليلة النصف من شعبان وصيام نهارها سؤال: هل ورد نص قرآني أو حديث نبوي يفيد قيام النصف من شعبان وصيام نهاره، وإذا كان ذلك واردًا هل هناك كيفية معينة لقيام ليلة النصف من شعبان؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير؟ الجواب: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بخصوص قيام ليلة النصف من شعبان ولا بصيام اليوم الخامس عشر من شعبان دليل يعتمد عليه فليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي، من كان له عادة القيام والتهجد من الليل فإنه يقوم فيها، كما يقوم في غيرها، من غير أن يكون لها ميزة، لأن تخصيص وقت لعبادة من العبادات لا بد له من دليل صحيح، فإذا لم يكن هناك دليل صحيح، فتخصيص بعض الأوقات بنوع من العبادة يكون بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكذلك لم يرد لصيام اليوم الخامس عشر في شعبان، أو يوم النصف من شعبان، لم يثبت دليل عن

قيام ليلة النصف من شعبان وصيام نهارها

النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي مشروعية صيام ذلك اليوم، فما دام أنه لم يثبت فيه شيء بخصوصه، فتخصيصه بالصيام بدعة، لأن البدعة هي: ما لم يكن له دليل من كتاب الله، ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مما يزعم فاعله أنه يتقرب به إلى الله عز وجل؛ لأن العبادات توقيفية، لا بد فيها من دليل من الشارع. أما ما ورد من الأحاديث في هذا الموضوع فكلها ضعيفة كما نص على ذلك أهل العلم، ولا يثبت بها تأسيس عبادة لا بقيام تلك الليلة ولا بصيام ذلك اليوم، لكن من كان من عادته أنه يصوم أيام البيض، فإنه يصومها في شعبان، كما يصومها من غيره، أو من كان من عادته أنه يصوم يوم الاثنين والخميس وصادف ذلك النصف من شعبان، فإنه لا حرج عليه أن يصوم على عادته، لا على أنه خاص بهذا اليوم، وكذلك من كان يصوم من شعبان صيامًا كثيرًا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ويكثر الصيام من هذا الشهر، لكنه لم يخص هذا اليوم، الذي هو الخامس عشر، لم يخصه بصيام، إنما يدخل تبعًا. الحاصل: أنه لم يثبت بخصوص ليلة النصف من شعبان دليل يقتضي إحياءها بالقيام، ولم يثبت كذلك في اليوم الخامس عشر من شعبان دليل يقتضي تخصيصه بالصيام، وما يفعله بعض الناس خصوصًا العوام في هذه الليلة، أو في هذا اليوم، هذا كله بدعة، يجب النهي عنه والتحذير منه، وفي العبادات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم للصلوات والصيام ما يغني عن هذه المحدثات والله تعالى أعلم. ***

كتب بدعية

كتب بدعية سؤال: يوجد عندنا كتابان متداولان بين الناس وهما: "المجموعة المباركة في الصلوات المأثورة والأعمال المبرورة" تأليف عبده محمد بابه، والآخر: "المجموعة المباركة في الصلوات والأدعية المأثورة والأعمال المبرورة" بقلم الأستاذ محمد صادق قمحاوي، فما مدى صحة ما اشتمل عليه الكتابان من الأدعية والأحاديث؟ الجواب: هذان الكتابان كلاهما باطل، لا يجوز العمل به وقراءته، لما يشتملان عليه من الأدعية والصلوات المبتدعة، فتخصيص كل ليلة من ليالي الأسبوع بصلاة خاصة، وأدعية خاصة ليس عليهما دليل من الكتاب والسنة، وكذلك لما يشتملان عليه من ألفاظ الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم وما فيها من غلو وإطراء في حقه صلى الله عليه وسلم ولما يشتملان عليه من التوسلات البدعية، أو الشركية، والأحزاب المشوبة لبعض المبتدعين، كأحمد البدوي وغيره، وكذلك يشتملان على توسلات منقولة من دلائل الخيرات، وهو كتاب مشهور بأنه كتاب خرافات، وكتاب بدعة، وهي توسلات بالنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، وتوسل بالأولياء، وكل هذا مما يوقع في الغلو في المخلوقين ويسبب عبادتهم من دون الله عز وجل. وبالجملة فهذان الكتابان يجب الابتعاد عنهما، والتحذير منهما وبيان فسادهما حتى لا يغتر بهما الجهال، ويجب على ولاة الأمور من المسلمين مصادرتهما وإتلافهما. ومثل هذين الكتابين كتاب كثر تداوله اليوم في أيدي الناس، وانتشر

في المكتبات، وهو كتاب (الدعاء المستجاب) ، لمحمد عبد الجواد وهو كتاب خرافي يشتمل على أدعية وأذكار مبتدعة صوفية وأوراد لا دليل عليها من الكتاب والسنة ثم عنوانه فيه جرأة على الله عز وجل، حيث سماه الدعاء المستجاب، ومن الذي أدراه أن هذا الدعاء مستجاب، وما دليله على ذلك إلا أنه يريد جلب العوام، وإغراءهم بهذا الكتاب المبتدع، وأنا أحيل القارئ على كتب موثوقة في الأذكار والأدعية، ألفها أئمة من أهل السنة الموثوقين: أولاً: كتاب: "الوابل الصيب" للعلامة ابن القيم. ثانيًا: كتاب: "الكلم الطيب" لشيخ الإسلام ابن تيمية. ثالثًا: كتاب: "الأذكار" للإمام النووي. فهذه الكتب ليس فيها شيء من الأذكار البدعية وهي تشتمل على الأذكار الواردة في الكتاب والسنة وفيها غنى عن كتب المخرفين والمهرجين والحمد لله. ***

كتاب التمذهب

كتاب التمذهب

الانتساب إلى المذاهب الأربعة سؤال: هل يجوز التعصب للمذهب الذي يقتدي به الإنسان في أي حكم من أحكام الشريعة، حتى لو كان في هذا مخالفة للصواب؟ أم يجوز تركه والاقتداء بالمذهب الصحيح في بعض الحالات؟ وما حكم لزوم مذهب واحد فقط؟ الجواب: التمذهب بمذهب واحد من المذاهب الأربعة مذاهب أهل السنة الأربعة المعروفة التي بقيت وحفظت وحررت بين المسلمين، والانتساب إلى مذهب منها، لا مانع منه، فيقال: فلان شافعي، وفلان حنبلي، وفلان حنفي، وفلان مالكي. ولا زال هذا اللقب موجودًا من قديم بين العلماء، حتى كبار العلماء، يقال: فلان حنبلي، يقال مثلًا: ابن تيمية الحنبلي، ابن القيم الحنبلي، وما أشبه ذلك، ولا حرج في ذلك، فمجرد الانتساب إلى المذهب لا مانع منه لكن بشرط أن لا يتقيد بهذا المذهب فيأخذ كل ما فيه، سواء كان حقًّا أو خطأً، سواء كان صوابًا أو خطأً، بل يأخذ منه ما كان صوابًا، وما علم أنه خطأ، لا يجوز العمل به، وإذا ظهر له القول الراجح فإنه يجب عليه أن يأخذ به، سواء كان في مذهبه الذي انتسب إليه، أو في مذهب آخر، لأن من استبانت له سنة رسول الله لم يكن له أن يدعها لقول أحد، فالقدوة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن نأخذ بالمذهب ما لم يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا خالفه فهذا خطأ من المجتهد يجب علينا أن نتركه، وأن نأخذ بالسنة، ونأخذ بالقول الراجح المطابق للسنة، من أي مذهب كان من مذاهب المجتهدين. أما الذي يأخذ بقول الإمام مطلقًا، سواء كان خطأ أو صوابًا، فهذا يعتبر تقليدًا أعمى، وإذا كان يرى أنه يجب تقليد إنسان معين فهذا ردة عن الإسلام.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: من قال إنه يجب تقليد شخص بعينه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل لأنه لا أحد يجب اتباعه إلا محمد صلى الله عليه وسلم، أما ما عداه من الأئمة المجتهدين رحمهم الله، فنحن نأخذ بأقوالهم الموافقة للسنة. أما إذا أخطأ المجتهد في اجتهاده، فإنه يحرم علينا أن نأخذ باجتهاده والله تعالى أعلم. سؤال: ضابط ذلك أو المقياس الذي يقاس به الصحة من الخطأ، هو موافقته للكتاب والسنة؟ الجواب: لا شك في ذلك. *** التمذهب والاجتهاد سؤال: قرأت في أحد الكتب الدينية في باب التمذهب واستنبطت من قراءتي أن المجتهد ليس له أن يقلد مذهبًا من المذاهب الأربعة المشهورة، فأنا والحمد لله أجتهد في المسائل الفقهية بما لا يتعارض مع الكتاب والسنة، فهل معنى ما قرأت أنه لا يلزمني اتباع مذهب من تلك المذاهب الأربعة المشهورة أم لا؟ الجواب: المراد بالمجتهد الذي قرأت عنه في بعض الكتب والذي بلغ مرتبة الاجتهاد بأن توفرت فيه شروط الاجتهاد كالأئمة الأربعة، وأمثالهم من أحبار هذه الأمة. والمجتهد له شروط لا بد أن تتوفر فيه ويكتسب بها أهلية الاستنباط،

التمذهب والاجتهاد

والإفتاء، ذلك أن يكون عالمًا بكتاب الله، وعالمًا بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعالمًا بأقوال سلف من الصحابة والتابعين ملمًّا بذلك في الجملة، وأن يكون عارفًا بقواعد الاستنباط، بأن يعرف الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، وغير ذلك من قواعد الاستنباط إضافة إلى أن يكون عالمًا بقواعد اللغة العربية التي هي لغة الشرع من القرآن والسنة، وبأساليب العرب ووجوه الكلام. أما أن يكون الإنسان مجرد قارئ يحسن القراءة في كتاب كما ذكرت، هذا حرام عليه أن يجتهد، لأنه يقع في الخطأ، ويوقع غيره في الخطأ، فالعامي وطالب العالم المبتدئ، هؤلاء يقلدون من يثقون بدينه وبعلمه، من أهل العلم، ويأخذون بآرائهم ما لم يتبين لهم أن قولهم مخالف للدليل، فإنهم يأخذون ما قام عليه الدليل، من أقوال أهل العلم، إذا كانوا يستطيعون التمييز بين الراجح والمرجوح، والله أعلم. *** التقليد لا يحرم مطلقًا سؤال: هل لا بد للإنسان أن ينهج في عبادته مذهبًا واحدًا في كل شيء، أم ليس عليه شيء إن أخذ من كل المذاهب أو بعضها فيما يراه أكثر أجرًا، أو أيسر لدينه، ودنياه؟ الجواب: هذا يختلف باختلاف الناس، فالعامي والمبتدئ في التعلم هؤلاء لا يسعهم إلا أن يقلدوا من يثقوا بعلمه، وتقواه من أهل العلم، فيقلدوا أحد المذاهب الأربعة التي هي مذاهب أهل السنة.

التقليد لا يحرم مطلقا

وأما بالنسبة للمتعلم الذي عنده المقدرة على معرفة الراجح من المرجوح من أقوال أهل العلم، فهذا يجب عليه أن يأخذ ما قام عليه الدليل من أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم فهذا يجب عليه أن يعمل بالدليل، لأن عنده المقدرة على ذلك فالناس يختلفون في هذا، ليسوا على وتيرة واحدة، فالتقليد لا يحرم مطلقًا ولا يجب مطلقًا، بل كل على حسب حاله، والله جل وعلا يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] ، على أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ من أقوال العلماء ما وافق هواه أو رغبة نفسه، فيتتبع الرخص ويتتبع الأقوال السهلة التي ليس عليها دليل، لأنها تلائم هواه ورغبته، هذا لا يجوز، وإنما يختار من أقوال العلماء ما قام عليه الدليل إذا كان عنده الأهلية لذلك. ***

كتاب الأدب

كتاب الأدب

وجوب أداء الأمانة سؤال: سلمت إلى أحد أقربائي أمانة لكي يحفظها لي إلى وقت طلبها وحاجتي إليها، وهي عبارة عن صك شرعي، وقد بقيت عنده إلى أن أردت استعادتها منه، ولكنه رفض إلا أن أعطيه مبلغ خمسة آلاف ريال، مقابل حفظه لها، وحاولت إعطاءه ألف ريال شكرًا وتقديرًا لأمانته، ولكنه رفض إلا خمسة آلاف، وهددني بإحراق الصك وإنكاره، ولم يكن عندي شهود يوم أن سلمته إليه، فهل لو لبيت طلبه وأعطيته الخمسة آلاف، هل هذا حلال أم حرام عليه، وهل يجوز أخذ مال مقابل حفظ الوديعة شرعًا أم لا؟ الجواب: إذا كان بينك وبينه اتفاق على أن يحفظها لك بالأجرة، فإنه يجب عليك أن تعطيه ما التزمته معه، أما إذا لم يكن هناك اتفاق بينكما، دفعت إليه الأمانة ليحفظها بدون أن يكون بينكما اتفاق على أجرة، فإنه يحرم عليه أن يطلب منك شيئًا لأن هذه أمانة، والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] ، ويقول سبحانه وتعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة: 283] ، فحفظ الأمانة من الإحسان ومن التعاون على البر والتقوى. فإذا لم يشترط عوضًا من الأول، فإنه لا يجوز له أن يأخذ في مقابل ذلك شيئًا، لأنه يعتبر قربة من القرب، فيحرم عليه أن يطلب منك شيئًا، ولكن إذا أبى أن يعطيك ما أودعته عنده، إلا بأن تعطيه شيئًا، فإنه لا مانع في حقك من إعطائه، تفاديًا لحقك واستنقاذًا له منه، وهو يحرم عليه أخذ ذلك الشيء؛ فما تدفعه إليه في هذه الحالة من قبلك جائز، وأما من قبله فهو محرم.

سؤال: إذًا على هذا إذا حصل اتفاق بين الطرفين هذا مشروعًا؟ الجواب: يكون هذا من باب الإجارة، استحفظه بالأجرة. *** الوفاء بالوعد طلبت والدتي مني مبلغًا من المال تضعه مساهمة في بناء مسجد يقام بقريتنا ولم يكن عندي في ذلك الوقت المال الزائد عن حاجتي حتى ألبي طلبها، فوعدتها مستقبلًا أن أعطيها إن شاء الله، ثم سافرت إلى خارج بلدي لطلب الرزق الحلال، وفي هذه الأثناء قدر الله على والدتي بمرض توفيت على إثره، فهل يبقى ذلك الوعد مني لها دينًا في ذمتي وعلي أن أدفع ما وعدتها به إلى ذلك المسجد المعين أم يجوز ولو لغيره من المساجد التي تحتاج إلى مال، أم أنه لا يبقى ذلك الوعد دينًا في ذمتي وبالتالي أكون معافى منه؟ الجواب: نعم يجب عليك، أو ينبغي لك ويتأكد عليك أن تفي بوعدك، وأن تدفع هذه الدراهم في المسجد الذي ترغب والدتك أن تدفعها فيه، وقد وعدتها بذلك، فمن برها والإحسان إليها أن تنفذ هذا الوعد، لعل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله وأن ينفعها به، وهذا من برها ومن الإحسان إليها، فإن كان المسجد الذي تريده الوالدة قد استغنى وتم تكاليفه فإنك تدفعه في مسجد آخر، لكن كما ذكرنا لا ينبغي لك أن تفرط في هذا الوعد، وأن لا تدفع هذه الدراهم بل ينبغي لك ويتأكد في حقك أن تنفذ هذا الوعد برًا بوالدتك.

الوفاء بالعقود

الوفاء بالعقود سؤال: لقد استلمت عقود عمل من أحد رجال الأعمال، الذي كلفني بأن أحضر له عمالًا، وفعلًا استلمت التأشيرات الخاصة بهم، وعندما سافرت، قمت ببيع هذه العقود على العاملين الذين يرغبون في العمل مع هذا الشخص، فهل يجوز لي مثل هذا التصرف؟ وهل المال الذي كسبته من هذه الطريق حلال أم حرام؟ الجواب: هذا التصرف خطأ، والمال الذي أخذته به حرام، لأن الواجب عليك أن تنفذ ما وكلك موكلك به، من استقدام هؤلاء العمال حسب الاتفاق بينك وبينه. أما أن تبيع هذه العقود على العمال، وتأخذ قيمتها فهذا ظلم، ظلم لهؤلاء العمال وخيانة للموكل، وما أخذته من هذا المال حرام عليك، فعليك أن ترده إلى العمال الذين أخذته منهم ظلمًا. سؤال: حتى لو كانوا راضين بذلك؟ الجواب: حتى لو كانوا راضين بذلك؛ لأنه لم يفوض بهذا الشيء، ولكن هذا فيه ظلم لهم. *** النصيحة أداء للواجب سؤال: تقدم شاب لخطبة أختي وسبق أن سمعت أنه يختلس أحيانًا، وأشار إلي بذلك فأخبرتهم بما سمعت عنه، ونصحتهم أن لا يستجيبوا لذلك، والآن تم الزواج، مع العلم أنه كان في وسعي أن أوقف هذا الزواج،

النصيحة أداء للواجب

فماذا أفعل لأكفر عما حدث؟ أفتوني جزاكم الله خيرًا. الجواب: ما دمت قد أبديت النصيحة، وبينت ما في هذا الشخص، ولكن أهلك لم يقبلوا النصيحة وأقدموا على تزويجه، فقد أديت الواجب، ولا يلزمك أكثر من هذا، إلا أنه يلزمك أن تواصل النصيحة لهذا الشاب، وأن تحذره من هذا الأمر، وأن تخوفه بالله عز وجل، هذا الذي يسعك. وإذا أمكن أن تؤثر على أهلك بطلب مفارقة ابنتكم هذا الشاب إذا أصر على هذا العمل السيئ، وعلى السرقة والاختلاس، إذا أمكن أن تؤثر على أهلك، وأن تطالبوا بمفارقة هذا الرجل السيئ لبنتكم فهذا شيء طيب، فعليك أن تبذل ما تستطيع والله تعالى أعلم. *** الصبر على أذى الجار سؤال: لي جار مدمن خمر ويؤذيني بلسانه، وبعض الأوقات يكون معي طيب جدًّا، وفي نفس الوقت يخاصمني ويقوم بكيدي، فماذا أفعل له وهو جاري؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير. الجواب: لا شك أن الجار له حق في الإسلام، وقد أوصى الله جل وعلا بالإحسان إلى الجار. قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36] .

الصبر على أذى الجار

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره» ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فالجار لا شك أن له حقًّا على مجاوره بالإحسان إليه. أما ما ذكرت من أن جاركم يتعاطى الكبائر من الذنوب، وأنه يشرب الخمر، فالواجب عليكم مناصحته والإنكار عليه، وتخويفه بالله عز وجل وموعظته، وإخباره أنه ما دام يؤمن بالله واليوم الآخر، فإنه يجب عليه أن يتوب إلى الله من هذه المعاصي والموبقات والكبائر، فيجب عليكم مناصحته وتذكيره، لعل الله أن يهديه بسببكم، فله حق عليكم ويتأكد هذا بكونه جارًا لكم، فالواجب عليكم أن تناصحوه وأن تعظوه وتذكروه فإذا أصر ولم يتب فإنك تهجره في الله، بأن تترك كلامه ومجالسته حتى يتوب إلى الله سبحانه وتعالى. أما إذا كان يصدر منه أذى عليك في حقك، فإن الذي ينبغي أن تصبر على أذى الجار وأن تقابله بالإحسان، فمقابلة السيئة بالإحسان من صفات أهل الإيمان، ومما أوصى الله به، لكن مع ما ذكرنا من المناصحة، والموعظة وإذا استدعى الأمر أن تهجره وأن تترك مكالمته والجلوس معه، لعل ذلك يكون رادعًا له، وسببًا في توبته، مع الصبر على ما ينالك منه من الأذى، فإن الجار لا شك أن له حقًّا على جاره، والله المستعان. ***

التبرع بالدم

التبرع بالدم سؤال: هل يجوز لأخي أن يتبرع بدمه لزوجتي أم لا؟ الجواب: لا مانع من ذلك، إذا دعت الضرورة إلى إسعاف زوجتك بدم، يجوز أن تسعف بدم أخيك، وبدم غيره، لا مانع من ذلك إن شاء الله. *** المداومة على الأعمال سؤال: إنني أتطوع بتأدية بعض الصلوات بعيدًا عن الأوقات المنهي عنها، وكذلك أذكر الله بتسبيحات وتهليلات، وكذا التطوع بالصيام في أيام مختلفة، كل هذا أعمله دون التقيد بشيء منها براتب ثابت خوفًا من عدم المواظبة عليها لكي لا أقع في البدعة، فما الحكم في ذلك؟ الجواب: زادكم الله حرصًا على الخير، والإكثار من النوافل من صلاة النافلة، ومن ذكر الله سبحانه وتعالى، فالتهليل والتسبيح والتكبير أمر مطلوب ومشروع، وصلاة النافلة منها ما هو مرتب في أوقات معينة مثل الراتبة مع الفريضة، الراتبة القبلية أو البعدية، وكذلك الوتر هذا مرتب في الليل ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، كذلك التهجد من الليل هذا ينبغي المداومة عليه وكما ينبغي المداومة على أداء الرواتب مع الفرائض ينبغي المداومة على الوتر، بل يتأكد. وينبغي أيضًا أن يكون للمسلم نصيب من صلاة الليل، ويجعل آخره وترًا، وكذلك صلاة الضحى، هذه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذه عبادات

المداومة على الأعمال

موقتة في مواقيتها الشرعية، وإذ داوم الإنسان عليها فذلك شيء مطلوب وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل. وكذلك المداومة على ذكر الله بالتهليل والتسبيح لا حرج فيه، والصلاة النافلة كما ذكرت إلا في الأوقات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، وقد ذكرت أنك تتجنبها والحمد لله. *** حفظ اللسان من اللعن والسب سؤال: هل يجوز لعن أصحاب المعاصي أو الظلمة؛ كأن يظلمني شخص بالقول أو الفعل فألعنه؟ فهل هذا جائز أم لا؟ الجواب: لا يليق بالمسلم أن يكون لعانًا ولا فاحشًا ولا متفحشًا، فينبغي له حفظ لسانه من السب والشتم، حتى ولو سابه أحد أو شاتمه أحد، فينبغي له أن لا يرد عليه بالمثل؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] . *** سب ولعن الكفار وأصحاب الكبائر سؤال: نحن في بعض الأحيان نسب أو نلعن المشركين أو الكفار، أو نتكلم عليهم بتشبيههم بالحيوانات، وهم أصحاب شرك والعياذ بالله، ويدعون من دون الله، وبعضهم أصحاب شعوذة أيضًا، ومنهم الحي ومنهم الميت، وبعضهم يؤم المسلمين في المساجد، وخطباء على المنابر، فهل يجوز لنا هذا أم لا؟ الجواب: أما بالنسبة للعن الكافر والمشرك، والفاسق بفعل كبيرة من

سب ولعن الكفار وأصحاب الكبائر

الكبائر، اللعن على وجه العموم لا بأس به أن يقال: لعنة الله على الظالمين، لعنة الله على الكافرين، لعنة الله على الفاسقين، لعن الله آكل الربا، وموكله وشاهديه وكاتبه. لعن أصحاب الجرائم على وجه العموم، الجرائم الشركية والكفرية والكبائر على وجه العموم، هذا لا بأس به، أما لعن المعين، الشخص المعين، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه لا يجوز لعن المعين لأنك لا تدري بماذا يختم له. *** التلفظ باللعن سؤال: ما حكم من تلفظ بكلمة فيها لعن لشخص معين؟ الجواب: لا يجوز التلفظ باللعن والسب والشتم، والتنقص للناس، قال تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن المؤمن كقتله» ، وقال: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء» . فالمؤمن يصون لسانه عن التفوه بالسباب والشتم، وأشد ذلك اللعن، فإن اللعنة إذا صدرت منه إلى غير مستحق، فإنها ترجع عليه كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز للمؤمن أن يستعمل اللعن لا في حق الآدميين ولا في حق البهائم، ولا في حق المساكن، ولا غير ذلك، فإن هذه كلمة شنيعة وقبيحة لا تليق بالمسلم.

الغيبة

الغيبة سؤال: ما هو مدى صحة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول: «اللهم اغفر لنا وله» ، وما هو معنى الغيبة؟ الجواب: أما الحديث فلا يحضرني الآن حوله شيء، ولا أدري عنه. وأما الغيبة في حد ذاتها فهي محرمة، كبيرة من كبائر الذنوب، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عباده عن تعاطيها، قال تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» ، فالغيبة محرمة وكبيرة من كبائر الذنوب وشنيعة، فما هي الغيبة؟ قد بين النبي صلى الله عليه وسلم معناها لما سئل عنها، فقال: «الغيبة ذكرك أخاك بما يكره. فقال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» . والغيبة: هي الكلام كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم: «ذكرك أخاك بما يكره» ، فإذا كان أخوك غائبًا، وأنت وقعت في عرضه ووصفته بما يكره، فقد اغتبته ووقعت في عرضه وأثمت في ذلك إثمًا عظيمًا، وإذا ندمت وتبت إلى الله سبحانه وتعالى، فإن باب التوبة مفتوح، ولكن هذا حق مخلوق، ومن شروط التوبة فيه، أن تستبيح صاحبه، فعليك أن تتصل بأخيك وأن تذكر

له ذلك، وتطلب منه المسامحة، إلا إذا خشيت من إخباره أن يترتب على ذلك مفسدة أعظم فلعله يكفي أن تستغفر له، وأن تثني عليه، وتمدحه بما فيه لعل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لك. *** شهادة الزور سؤال: طلب مني أحد أصدقائي أن أشهد معه في المحكمة على استخراج حجة استحكام على داره، فذهبت معه إلى المحكمة، وعندما وصلت إلى القاضي فوجئت بأن الشهود الذين شهدوا قبلي، قالوا في شهادتهم: إن صاحب المنزل يملكه منذ ستة عشر عامًا، وهو يملك المنزل إلا منذ ست سنوات وكنت وقتها في موقف حرج، فلا أحب أن أنفي شهادتهم، فأعقد موضوع الصك، فشهدت على صحة شهادة الشهود الأولين. فهل هذه الشهادة تعتبر زورًا، وما هي كفارتها؟ علمًا بأنه لا يوجد أي معارض في منزل المتقدم للحجة، بل المنزل ملكه، وإنما الاختلاف في المدة فقط، أفيدوني أثابكم الله. الجواب: أخطأت في هذا التصرف، حيث لم تبين الحق في الشهادة، وقد وافقتهم وأنت تعلم خطأهم، هذا يعتبر شهادة زور والواجب عليك أن تبين، إن الله سبحانه وتعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8] ، ويقول سبحانه وتعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135] ، فالواجب عليك أن تبين الحق في هذا الموقف.

شهادة الزور

أما وقد حصل ما ذكرت، فإن الذي يجب عليك أن تذهب إلى القاضي الذي جرى على يده هذا التوثيق، وتبلغه بالحقيقة، ليتلافى ما حصل بموجب هذه الشهادة، هذا الذي يجب عليك. *** مقاطعة مروجي الإشاعات سؤال: هناك بعض من الناس يقومون بترويج الإشاعة الباطلة عني ويصفونني بأوصاف قبيحة، وأنا بريء مما يقولون، وقد قمت بمقاطعتهم وذلك حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، وعلى أثر ذلك ارتاحت نفسي، فهل أنا على حق في مقاطعتهم، وهل بصبري عليهم أنال حسنات منهم، أرجو نصحي بما فيه الكفاية؟ الجواب: يجب عليك أن تصلح فيما بينك وبين الله وأن تصلح ما عندك من الأخطاء، وبعد ذلك لا يضرك ما يقال من الناس إذا كانوا غير مصيبين في قولهم، وإنما يكون الإثم عليهم، مع أن الذي ينبغي لك أن تتجنب مصاحبتهم ما دام أنهم يصفونك بهذه الأوصاف ويؤذونك ويضايقونك، فلا تصاحبهم؛ لأن مصاحبتهم والحال هذه ربما يترتب عليها مفاسد، وربما يحصل بينك وبينهم شيء من الاعتداء أو من سوء العشرة أو غير ذلك، فابتعد عنهم، إلا إذا كان في مصاحبتهم -مع تعديل سلوكك وتصحيح أخطائك- إزالة لما علق في نفوسهم نحوك من سوء الظن، فإن هذا الشيء طيب، أما إذا كان بمصاحبتهم زيادة شر، وزيادة اتهام فابتعد عنهم وأصلح ما بينك وبين الله ولن يضرك أحد. ***

التحايل على الأنظمة

التحايل على الأنظمة سؤال: إذا كان هناك شخص اشترى عقدًا للعمل بغير اسمه، واستخرج جواز سفر بهذا الاسم المستعار، ويريد الحج به، فهل يصح هذا الحج أم لا؟ وما الحكم الشرعي في هذا العمل الذي هو احتيال على أنظمة الدولة، ومخالفة لها؟ وما حكم الكسب الذي يكسبه بهذا الأسلوب؟ الجواب: المفروض في المسلم الصدق في المعاملة والتزام الأمانة، وأن لا يكون مخادعًا أو محتالًا، لا سيما على الأنظمة التي فيها مصالح للناس، وتنظيم لأمور الناس، فلا يجوز للإنسان أن يحتال عليها، وأن يلبس على المسؤولين، وأن يخالف الأنظمة، وأن يكذب، ففي هذا عدة محاذير. والاكتساب الذي يحصل من هذا الطريق اكتساب غير شريف، فعلى المسلم أن يصدق ويتعامل بالصدق ويتحرى الصدق دائمًا وأبدًا، والله سبحانه وتعالى يرزقه ويعينه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3] . أما قضية أنك بهذا الاحتيال أديت الحج، واكتسبت مالًا، فالحج صحيح في حد ذاته إذا استكملت أحكامه، وأديت ما أوجب الله تعالى فيه ولكن عملك واحتيالك تعاقب عليه، فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى عن مثل هذا العمل. وكذلك الكسب إذا لم يكن فيه معاملة محرمة ولا غش ولا ربا، وكان كسبًا شريفًا، فهو كسب حلال، ولكن الطريق الذي ارتكبته والاحتيال الذي احتلته للوصول إلى ذلك، هذا شيء لا يجوز وتأثم عليه، والله تعالى أعلم.

دخول الحمام بالحلي المكتوب عليها اسم الله تعالى

دخول الحمام بالحلي المكتوب عليها اسم الله تعالى سؤال: بعض أنواع الحلي الذهبية التي يتزين بها النساء مكتوب عليها أسماء الله، فهل يجوز دخول الحمام بها عند الوضوء أم لا؟ الجواب: يحرم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك الحلي إذا كان مكتوبًا عليه اسم الله عز وجل، فإنه لا يجوز لها أن تدخل به الخلاء، تخلعه وتدخل الخلاء. *** التبول واقفًا سؤال: هل يجوز للإنسان أن يتبول وهو واقف، ما حكم هذا جزاكم الله خيرًا؟ الجواب: يكره التبول من الإنسان وهو واقف، إلا لحاجة، كأن يكون به مرض، ولا يستطيع القعود، فلا بأس أن يتبول وهو واقف، أو كان المكان متسخًا ونجسًا فإذا جلس تلوث به، كونه محل نجاسات، أو لكونه فيه وحل وطين، فيتلوث الإنسان إذا جلس، فلا مانع أن يتبول وهو واقف لعذر، أما من غير عذر فإنه يكره له أن يتبول وهو واقف، لأن ذلك قد يكون سببًا في إصابته بالنجاسة وتطاير البول إليه، والله تعالى أعلم. *** الاعتداء على الكافر في بلاد المسلمين سؤال: ما حكم الاعتداء على الكافر في بلاد المسلمين بالضرب أو القتل، وإن كان ذلك بسبب ما يقوم به من إفساد أو فسق؟

الاعتداء على الكافر في بلاد المسلمين

الجواب: لا يجوز الاعتداء على الكافر إذا كان قد دخل بلاد المسلمين بعقد الأمان، لأنه في ذمة المسلمين، ولا يجوز غدر ذمة المسلمين، ولا يجوز الاعتداء عليه ما دام داخلًا بلاد المسلمين بأمان ونظام معروف، لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالوفاء بالعهود، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] . وأما إذا ارتكب شيئًا يقتضي العقوبة، فإن الذي يتولى ذلك هو ولي الأمر، لا يجوز لأفراد الناس أن يعاقبوه، لأن هذا يحصل منه الفوضى والاعتداء، ولكن من حصل منه شيء يخل بدين المسلمين، أو يضر بالمسلمين، فإنه يرفع إلى ولي الأمر ليتولى هو مجازاة هذا المعتدي. *** العمل في الكنائس وأخذ الأجرة على ذلك سؤال: حصل واشتغلت في إحدى الكنائس بأجر يومي، فما حكم هذا الأجر الذي أخذته هل هو حلال أم حرام؟ أفيدوني في ذلك جزاكم الله كل خير. الجواب: لا يجوز للمسلم أن يعمل في أماكن الشرك وعبادة غير الله -عز وجل- من الكنائس أو الأضرحة، أو غير ذلك لأنه بذلك يكون مقرًّا للباطل ومعينًا لأصحابه عليه، وعمله محرم فلا يجوز له أن يتولى هذا العمل، وما أخذه من الأجر في مقابل هذا العمل كسب محرم، فعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى. ولو تصدق بهذا المبلغ الذي حصل عليه لكان أبرأ لذمته ويكون دليلًا على صحة ندمه وتوبته.

العمل في الكنائس وأخذ الأجرة على ذلك

فالحاصل: أن المسلم لا يجوز له أن يكون معينًا لأهل الباطل، ولا يكون أجيرًا في أماكن الشرك ومواطن الوثنية كالكنائس والأضرحة وغير ذلك من أعمال الكفار والمشركين، لأنه بذلك يكون عونًا لهم على الباطل، ومقرًّا لهم على المنكر، ويكون كسبه حرامًا والعياذ بالله. *** التأخر عن أداء العمل سؤال: إنني أعمل في مصلحة البريد، ومواعيد عملي من الساعة التاسعة صباحًا إلى الواحدة ظهرًا، ومن الخامسة والنصف إلى السادسة والنصف، ولكنني لا أستطيع العمل ساعة المساء، وذلك لبعد مكاني عن المكتب ولي أعمال أخرى أزاولها في المساء، لذلك لا أحضر للمكتب في المساء، وعلى علم من المسؤول، ولا أعلم هل هو راض عني أم لا؟ فهل يصح ذلك مع أخذ أجري كاملًا؟ أفيدونا أفادكم الله. الجواب: من المعلوم أن الموظف والمستأجر لأداء عمل من الأعمال يجب عليه أداء ذلك العمل بالوفاء والتمام، ولا يستحق الأجرة إلا بأداء العمل الذي استؤجر من أجله. فما ذكره السائل من أنه يتأخر عن أداء العمل، ويفوت بعض الوقت لأشغاله الخاصة هذا أمر لا يجوز له، وما يأخذه من المرتب في مقابل هذا الوقت الذي لم يعمل فيه، لا يحل له، وهو كسب حرام لأنه أخذه بغير حق، حتى وإن سامحه المسؤول المباشر، أو المدير المباشر ما دام النظام العام لا يسمح له بذلك، فإن ذلك لا يسوغ له التأخير عن العمل، لأن عمله في هذه الفترة قد استحق، واستغرق للوظيفة، فلا يجوز له أن يتأخر من غير عذر شرعي يبيح له ذلك.

التأخر عن أداء العمل

والسائل ذكر أنه يكون مشغولًا ببعض أعماله الخاصة، وأنه يفوت بعض الوقت فيها، فهذا أمر لا يجوز ومن أنيط به عمل وجب عليه أن يفرغ نفسه له، وأن يؤديه على الوجه الأكمل حتى يكون كسبه حلالًا، ويكون ما يأخذه من الأجر أو من الراتب، يكون أخذه باستحقاق وبإباحة من الشارع. *** ترك العمل السيئ سؤال: إذا نوى شخص أن يعمل سوءًا ولم يفعله، فهل تكتب عليه سيئة أم لا؟ الجواب: ورد في الحديث أن المسلم إذا هم بالسيئة ولم يعملها أنها تكتب له حسنة، وهذا إذا عدل عن فعلها خوفًا من الله تعالى، أما إذا ترك العمل بها، لأنه لم يتمكن من فعلها وهو ينوي أنه لو تمكن أن يفعلها، فهذا يخشى عليه من الإثم، بسبب نيته. فإذا هم بالسيئة ولم يعملها خوفًا من الله سبحانه وتعالى، وكراهة لهذه السيئة، وعدولًا عنها، فهذا يؤجر على هذا وتكتب له حسنة، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. *** هجر المسلم سؤال: هل من إثم على شخص ما في حالة قطيعته لأخيه في الله لسبب دنيوي؟

هجر المسلم

الجواب: لا يجوز الهجر فوق ثلاثة أيام إذا كان لأمر دنيوي، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» ، فالواجب على المسلمين التواصل والمحبة في الله -عز وجل- وأن لا ينساقوا وراء النزعات والنزغات الشيطانية وأن لا يتقاطعوا لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] ، خصوصًا إذا كان المؤمن ذا قرابة، فإنه يجب له أيضًا حق القرابة والصلة، فإذا كان سوء التفاهم على أمر دنيوي فلا ينبغي أن يسبب التهاجر بينهما، بل يجب على المسلم أن يصالح أخاه وأن يزيل التهاجر الذي بينهما، وخيرهما الذي يبدأ بذلك. أما إذا كان الهجر لأمر ديني، بأن يكون هذا الإنسان قد ارتكب محرمًا، أو ترك واجبًا، ونصحه ولم يمتثل، حينئذ يهجره هجرًا مستمرًّا، إلى أن يتوب إلى الله عز وجل. أما إذا كان الهجر من أجل الدنيا، فهذا لا يجوز، وإذا وقع لا يزيد عن ثلاثة أيام. *** سؤال: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» ، أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا الشخص الذي خاصمته لا يصلي ولا يصوم

ويفعل المنكرات، فهل يعتبر خصامي له حرامًا، أم ما هو المقصود من هذا الحديث؟ الجواب: هجر المؤمن لا يجوز فوق ثلاثة أيام إذا كان على أمر من أمور الدنيا بل عليه أن يصالح أخاه وأن يسلم عليه إذا لقيه، ومع أنه لا ينبغي ابتداءً أن يهجر على أمر من أمور الدنيا، ولكن لو حصل شيء من الهجر فإنه لا يتجاوز ثلاثة أيام، هذا هو المراد بالحديث: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» ، يعني إذا كان الهجر على أمر من أمور الدنيا. أما إذا كان الهجر لأجل معصية ارتكبها ذلك المهجور، وكانت هذه المعصية من كبائر الذنوب ولم يتركها فإنه يجب مناصحته، وتخويفه بالله عز وجل، وإذا لم يمتنع عن فعل المعصية، ولم يتب، فإنه يهجر، لأن في الهجر تعزيرًا له وردعًا له، لعله يتوب، إلا إذا كان في هجره محذور بأن يخشى أن يزيد المعصية، وأن يترتب على الهجر مفسدة أكبر، فإنه لا يجوز هجره في هذه الحالة، فهجر العاصي إنما يجوز إذا كان من ورائه مصلحة، ولا يترتب عليه مضرة أكبر وبالله التوفيق. *** قتل الخطأ سؤال: علمت أن كفارة القتل الخطأ هي: صيام شهرين متتابعين، وأنا منذ حوالي عامين صدمت أحد المشاة بسيارتي وقد مات هذا الشخص

قتل الخطأ

متأثرًا بتلك الصدمة، وقد تم بيني وبين أهل القتيل الصلح، بدفع نصف الدية وقد دفعتها في حينها، وسؤالي: هل علي أن أصوم شهرين بعد أن دفع الدية أم لا؟ وهل يجوز أن أؤخر صيامهما حتى تتاح لي الفرصة، خاصة وأنني الآن كثير المشاغل؟ وإذا لم أستطع الصيام فماذا أفعل؟ أفيدونا مشكورين. الجواب: لا شك أن القاتل خطأ تلزمه الدية والكفارة، تلزم الدية في قتله على عاقلة القاتل، وتلزم الكفارة في ذمة القاتل، قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} إلى قوله: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92] ، فأوجب سبحانه في القتل الخطأ شيئين: الأول: الدية، وهذه تكون على عاقلة القاتل خطأ. ثانيًا: الكفارة وهذه تكون على القاتل. والكفارة تتكون من خصلتين الأولى عتق الرقبة إذا وجد رقبة واستطاع إعتاقها ولا يجزيه غيرها، فإن لم يجد رقبة، أو كانت الرقبة موجودة، ولكنه لا يستطيع اقتصاديًّا إعتاقها فإنه يصوم شهرين متتابعين، وليس هناك شيء ثالث في هذه الكفارة، إنما هي الإعتاق، فمن لم يستطع الإعتاق، فإنه يصوم شهرين، فيلزمك صيام شهرين متتابعين، وقد استقر في ذمتك ويجب عليك المبادرة بأدائهما مهما أمكنك ذلك، ومهما واتت الظروف، وحتى وأنت في العمل، العمل لا يمنع من الصيام، تصوم وأنت تعمل، ولا يمنع هذا من الصيام، لأن تأخير هذا الواجب في ذمتك يخشى أن

يعرض لك عوارض، فتبقي هذه الكفارة في ذمتك، وتثقل كاهلك، والواجب عليك الإسراع في تفريغ ذمتك وإبرائها من هذا الواجب العظيم. *** التعزير سؤال: ما هو التعزير، فكثيرًا ما أسمع هذه الكلمة وأجهل معناها؟ الجواب: التعزير لغة: التأديب. وشرعًا: هو التأديب في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة. والتعزير حسب اجتهاد القاضي، فيعزر العاصي أو المذنب حسب ما يراه كافيًا؛ كالزجر أو التعنيف أو الكلام أو الضرب، أو السجن، أو غير ذلك مما يراه القاضي رادعًا عن هذه المعصية. *** التوبة الصادقة سؤال: يقول السائل: إنه كان يرتكب كبيرة من الكبائر التي تستوجب حدًّا شرعيًّا على فاعلها، ولكنه عزم على التوبة الصادقة، وندم على ما مضى، وعزم على الحج، فيسأل هل يلزمه أن يسلم نفسه للقضاء الشرعي ليقام عليه الحد، أم تكفي توبته الصادقة ويستره الله في الدنيا والآخرة، فما رأيكم بهذا حفظكم الله؟ الجواب: يجب عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى توبة صادقة، وأن يلتزم بدينه فيؤدي ما أوجب الله عليه من العبادة، والواجبات الشرعية، ويتجنب ما حرم الله تعالى من المحرمات، وأن يصدق في

التوبة الصادقة

هذه التوبة، والله سبحانه وتعالى يتوب على من تاب، ولا يتعين عليه أن يسلم نفسه إلى السلطة لإقامة الحد عليه، فتكفي توبته إذا صدقت وصلحت واستقام على دين الله، وآمن عمل صالحًا في مستقبل حياته، فإنه إن شاء الله يكفيه هذا ولا يلزمه، بل ولا يستحسن أن يسلم نفسه، أو أن يذهب إلى السلطة ليعترف بما وقع له من الذنب، فليستتر بستر الله -عز وجل- مع التوبة الصادقة والعمل الصالح. *** الوتر في الأعمال سؤال: رأيت شخصًا يعمل غالب الأعمال التي لها عدد بعدد الوتر، ويقول: إن ذلك من السنة فهذا أفضل من الشفع، فهل لهذا أصل في السنة المطهرة؟ الجواب: ليس لهذا أصل في السنة المطهرة، ولا في الشرع، لأن العبادات منها ما هو شفع، ومنها ما هو وتر، فمثلاً: صلاة الفجر شفع. وصلاة العشاء وصلاة الظهر والعصر كلها شفع، وصلاة المغرب وتر، وكذلك الوتر الذي بعد صلاة العشاء، الذي هو من آكد النوافل، هذا وتر، فالعبادات منها ما هو شفع، ومنها ما هو وتر، والإنسان يؤدي كل عبادة حسب ما شرعها الله سبحانه وتعالى، إن كانت شفعًا يؤديها شفعًا، وإن كانت وترًا يؤديها وترًا. سؤال: هناك من يفضل عدد الوتر بأعماله ويقول: إن ذلك من السنة فهل ورد في ذلك استحباب؟

الوتر في الأعمال

الجواب: هذا لم يرد فيه استحباب، وإنما يوجد بعض الأعمال تؤدى وترًا مثل: الاستجمار، بثلاثة أحجار، أو ثلاث مسحات، وأكل التمرات في الإفطار ثلاث تمرات وترًا، فمثل هذا نعم، وردت به السنة «إن الله وتر يحب الوتر» ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر ببعض الأشياء، فما ورد في السنة، بأنه يستعمل وترًا فينبغي أن يعمل وترًا. *** مصلحة الضمان سؤال: كنت أدرس في المدرسة ثم انقطعت عن الدراسة، وكان لي راتب من مصلحة الضمان الاجتماعي، وكانوا لا يصرفونه لي حتى أحضر ورقة من المدرسة تثبت استمراري في الدراسة فيها، فكان خالي كلما طلبوني يذهب إلى المدرسة ويحضرها، ثم يصرفون لي ما أستحق، فهل ما آخذه حلال أم حرام، وهل ما آخذه من الضمان عليه زكاة أم لا؟ الجواب: إذا كانت هذه الدراهم التي تصرف من الضمان الإجتماعي مكافأة على الدراسة، فإنه لا يحل لك أخذها إلا إذا كنت تدرسين بالفعل، أما إذا انقطعت عن الدراسة فإنه لا يحل لك أخذ شيء منها، لأنه يكون أخذًا بغير مبرر، ولا يجوز للمدرسة أن تعطيك إفادة وإثباتًا أنك تدرسين وليس الأمر كذلك، لأن هذا يعتبر من الكذب والاحتيال الذي لا يجوز، وكذلك ما ذكرت من أنه إذا اجتمع لديك دراهم من هذا القبيل فهل فيها زكاة؟

مصلحة الضمان

أولًا: المال لا يحل لك إذا كان على الصفة التي ذكرنا من الاحتيال والكذب، ولا تملكينه لذلك فالواجب إرجاعه إلى مصدره والتخلص منه. أما إذا كنت أخذتيه بحقه، بأن كنت تدرسين ومواصلة للدراسة وتجمع لديك شيء من الدراهم، وبلغت النصاب وهو ست وخمسون ريالًا من الفضة بالريال السعودي، أو ما يعادلها من الورق النقدي، أو كانت أكثر من ذلك وحال عليها الحول، فإنه تجب فيها الزكاة، وهو ربع العشر، أي: اثنان ونصف في المائة، والله تعالى أعلم. سؤال: لو كان ما يصرف لها من الضمان الاجتماعي ليس من الشرط فيه أن تكون تدرس ولكن تؤخذ هذه الورقة كعنوان لها، أو تعريف بشخصيتها؟ الجواب: إذا كانت تصرف لها من الضمان الاجتماعي لأنها فقيرة ومحتاجة، فلا مانع من ذلك لكنها ذكرت أنها تدرس، وأنه لا يصرف لها حتى يؤتى بإفادة من المدرسة، فمعنى هذا أنها تأخذها مكافأة على الدراسة، إذا كان كذلك فلا يجوز، أما إذا كانت تصرف لها من باب المساعدة للمحتاج والفقير، من باب مثلًا الضمان الذي يصرف للأيتام، وللقصر وللأرامل وما أشبه ذلك، فهذا ملكها، وإذا تم عليه الحول وبلغ النصاب تزكيه. ***

الشك والظن لا يعتبر قذفا

الشك والظن لا يعتبر قذفًا سؤال: ما الحكم فيمن يشك في براءة زوجته من خيانته، هل يطبق عليه حكم القتل، وإن كان قد تأكد من براءتها، وندم على سوء ظنه بها، فماذا عليه أن يفعل؟ الجواب: مجرد الشك والوسواس من غير أن يتلفظ الإنسان بشيء، هذا لا يسمى قذفًا، ولكن على الإنسان أن يبعد عن نفسه الشكوك والوساوس، وأن يستعيذ بالله من الشيطان والأصل في المسلمة العدالة، والأصل في المسلمة الأمانة. فمجرد الشكوك، والأوهام والوساوس، هذه من الشيطان، فعليه أن يستعيذ بالله من ذلك، ولا يعتبر هذا قذفًا، إنما القذف لو تلفظ ورماها بالزنى صريحًا، فهذا هو القذف، أما مجرد الشكوك والوساوس، فهذه عليه أن يتركها وأن يرفضها، وأن يستعيذ بالله منها. *** مختل العقل يسقط عنه التكليف سؤال: والدتي رحمها الله مرضت قبل وفاتها مرضًا شديدًا، إثر سقوطها على رأسها سقوطًا شديدًا، أدى إلى إصابتها باختلال عقلي لمدة سنة كاملة، ولذا لم تستطع أداء فريضتي الصيام والصلاة، فأرجو إفادتي هل يجب علي أن أقوم بالقضاء عنها أو الكفارة أو أي عمل آخر، ترشدونني إليه حفظكم الله وسدد خطاكم. الجواب: إذا كانت بالصفة التي ذكر السائل، بأنها مختلة العقل،

مختل العقل يسقط عنه التكليف

وتركت الصيام لأنها مختلة العقل والشعور بسبب الإصابة، فهذه لا صيام عليها، ولا تكليف عليها، لأنها زائلة العقل والتكليف، والعبادة إنما تجب على العاقل البالغ فلا صيام على هذه المصابة التي ماتت بإصابتها وهي مختلة العقل، وزائلة الشعور. أما إذا كان معها عقلها، وكان معها شعورها، ولكنها أثرت عليها الإصابة حتى ماتت فإن الصيام لا يسقط عنها، فإذا كانت لها تركة، فإنه يؤخذ من تركتها كفارة، إطعام مسكين عن كل يوم من الأيام التي تركتها، وإن تبرع أحد من أقاربها وأطعم عنها أو صام عنها، فإنه يرجى أن ينفعها ذلك. هذا إذا كانت غير زائلة العقل في المدة التي تركت فيها الصيام، أما إذا كانت مختلة العقل وزائلة العقل فليس عليها صيام والله أعلم. ***

§1/1