مجموعة القصائد الزهديات

عبد العزيز السلمان

خطبة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى التوحيد، الساعي بالنصح للقريب والبعيد، المحذر للعصاة من نار تلظى بدوام الوقيد، المبشر للمؤمنين بدار لا ينفد نعيمها ولا يبيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة لا تزال على كرِّ الجديدين في تجديد، وسلم تسليمًا كثيرا. وبعد فبما أني رأيت إقبال كثير من الناس على القصائد التي في كتبنا فعزمت على جمع ما تيسر منها ومن غيرها، مما يحتوي على حكم وأحكام ومواعظ وفوائد وآداب وأخلاق فاضلات وقصص فيها عبر، وتزهيد فيما يفنى وترغيب فيما يبقى وترهيب مما يضر عاجلا وآجلاً. وعزمت على طبعها وقفا لله تعالى على المسلمين كعادتنا في كتبنا راجيًا من الله تعالى أن تكون سببًا مباركًا لحث الناس على التمسك بكتاب الله والعمل به والإكثار من تلاوته وتدبره ودعوة الناس إليه والتمسك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعمل بها ودعوة الناس إليها. وتصحيح العقيدة التي هي أساس كل عمل والتذكير باليوم الآخر. والتحذير من الانهماك في الدنيا والإخلاد إليها وزينتها والانغماس في شهواتها وملاذها والتزود من العمل الصالح، وصيانة الوقت وسميتها مجموعة القصائد الزهدية.

ومن أراد طباعته وقفا لوجه الله تعالى لا يريد به عرضًا من الدنيا فقد أذن له وجزاه الله عني وعن المسلمين خيرًا. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. عبد العزيز بن محمد السلمان

يا فاطر الخلق البديع وكافلا

«شِعرٌ لِبَعْضِ الصَّالِحِيْنَ في مَدْحِ» «رَبِّ العِزَّةِ تَبَارَكَ وتَعَالَى» يا فَاطِرَ الخَلْقِ البَدِيْعِ وكَافِلاً ... رِزْقَ الجَمِيْعِ سَحَابُ جُوْدِكَ هَاطِلُ يا مُسْبغَ البرِّ الجَزِيْلِ ومُسَبِلَ الـ ... سِّتْرِ الجَمِيْلِ عَمِيْمُ طَوْلِكَ طَائِلُ يا عَالِمَ السِّرِ الخَفِيّ ومُنْجِزَ الْـ ... وَعْدِ الوَفِيّ قَضَاءُ حُكْمِكَ عَادِلُ عَظُمَتْ صِفَاتُكِ يَا عَظِيْمُ فَجَلَّ أَنْ ... يُحْصِي الثَّنَاءَ عَلَيْكَ فِيْهَا قَائِلُ الذَّنْبُ أنْتَ لَهُ بِمَنِّكَ غَافِرٌ ... ولِتَوْبَةِ الَعاصِي بِحِلْمِكَ قَابِلُ رَبٌّ يُرَبِيْ العَالَمِيْنَ بِبِرِّهِ ... وَنَوَالُهُ أبَدًا إِليْهمْ وَاصِلُ تَعْصِيْهِ وهْوَ يسُوقُ نَحْوَكَ دَائِمًا ... مَالا تَكُونُ لِبَعْضِهِ تَسْتَاهِلُ مُتَفَضِّلٌ أبَدًا وأنْتَ لِجُوْدِهِ ... بِقَبَائِح العِصْيَانِ مِنْكَ تُقَابِلُ وإذَا دَجَى لَيْلُ الخُطُوبِ وأظْلَمَتْ ... سُبْلُ الخلاَصِ وخَابَ فِيْهَا الآمِلُ وأَيسْتَ مِن وَجْهِ النَّجَاةِ فَمَالَهَا ... سَببٌ ولاَ يَدْنُو لَهَا مُتَنَاوِلُ

بذكرك يا مولى الورى نتنعم

يَأَتِْيكَ مِن ألْطَافِهِ الفَرَجُ الذِيْ ... لَمَ تَحْتَسِبْهُ وأنْتَ عَنْهُ غَافِلُ يا مُوْجِدَ الأشْيَاءِ مَن ألَقْى إلَى ... أبْوَابِ غَيرِك فَهُو غٍِرٌ جَاهِلُ ومَن اسْتَرَاحَ بِغَيرِ ذِكْرِكَ أَوْ رَجَا ... أحَدًا سِوَاكَ فَذَاكَ ظِل زَائِلُ عَمَلٌ أرِيْدَ بِه سِوَاكَ فإنَّهُ ... عَمَلٌ وإنْ زَعَمَ المُرَائِيْ بَاطِلُ وإذا رَضَيْتَ فَكُلُ شَيْءٍ هَيِنٌ ... وإذَا حَصَلْتَ فَكُلُ شَيْءٍ حَاصِلُ أَنَا عَبْدُ سُوءٍ آبِقٌ كَلٌّ عَلَى ... مَوْلَاه أَوْزار الكَبَائِرِ حَامِلُ قد أَثْقَلَتْ ظَهِرْي الذُنُوبُ وَسَوَّدَتْ ... صُحْفِي العُيُوبُ وسِتْرُ عَفْوِكَ شَامِلُ هَا قَدْ أَتَيْتُ وَحُسْنُ ظَنِّيْ شَافِعِيْ ... وَوَسَائِليْ نَدَمٌ ودَمْعٌ سَائِلُ فاغِفْرْ لِعَبْدِكَ مَا مَضَى وَارْزُقْهُ تَوْ ... فِيْقًا لِمَا تَرْضَى فَفَضْلُكَ كَامِلُ وافْعَلْ بِهَ مَا أَنْتَ أهْلُ جَمِيْلِهِ ... والظَّنُّ كُلَّ الظَّنِّ أنكَ فَاعِلُ انتهى آخر: بِذِكْرِكَ يَا مَوْلى الْوَرَى نَتَنَعَّمُ ... وقدْ خابَ قومٌ عن سَبِيْلِكَ قَدْ عَمُوا

شَهِدْنَا يَقِيْنًا أَنَّ عِلْمَكُ واسِعٌ ... فَأنَتْ تَرى ما في القُلوبِ وَتَعْلَمُ ... إلَهِي تَحَمَّلْنَا ذُنُوبًا عَظِيْمَةً ... أَسَأْنا وقصَّرْنا وجُودُكَ أعْظَمُ سَتَرْنَا مَعَاصِيْنا عن الخلقِ غَفْلَةً ... وأنتَ تَرانَا ثُمَّ تَعْفُو وتَرْحَمُّ وَحَقِّك ما فِيْنَا مُسِيءٌ يَسُرُّهُ ... صُدُودُكَ عَنْهُ يَلْ يَخَافُ ويَنْدَمُ سَكَتْنَا عَنِ الشَّكْوَى حَياءً وَهَيْبَةً ... وَحَاجَاتُنَا بالْمُقْتَضَى تَتَكَلَّمُ إذَا كَانَ ذُلُّ العَبْدِ بالحال نَاطِقًا ... فَهَلْ يَسْتَطِيع الصَّبْرَ عَنْهُ وَيَكْتُمُ إلَهِي فَجُدْ واصْفحَ وأَصْلِحْ قلُوبنا ... فأنْتَ الذِيْ تُولِيْ الجَمِيلَ وَتُكْرِمُ وأَنْتَ الذِي قَرِّيْتَ قَوْمًا فَوَافَقُوْا ... وَوَفَّقْتَهُم حَتَّى أَنابُوا وسَلَّمُوْا وَقُلْتَ اسْتَقَامُوا مِنَّةً وَتَكَرُّمًا ... فأنْتَ الذي قَوَّمْتَهُم فَتَقَوَّمُوا لَهُمْ في الدُّجَى أُنْسٌ بِذِكْرِكَ دَائِمًا ... فهُمْ في الليالِي ساجِدُونَ وقُوَّمُ نَظَرْتَ إلَيْهِمْ نَظْرَةً بِتَعَطُفٍ ... فَغَاشُوا بِهَا والناسُ سَكْرَى وَنُوَّمُ لكَ الحَمْدُ عَامِلْنا بِمَا أنتَ أهْلُهُ ... وَسُامِح وسَلِّمْنَا فأنْتَ الْمُسَلِّمُ انتهى

صرفت إلى رب الأنام مطالبي

آخر: صَرَفْتُ إلى رَبِّ الأنام مَطَالِبي ... وَوَجَّهْتُ وَجِهي نَحْوَهُ وَمَآربي إلى المَلكِ الأعْلَى الذَي لَيْسَ فَوقَهُ ... مَلِيْكٌ يُرَجَّى سَيْبُهٌ في الْمَتاعِبِ إلَى الصَّمَد البَرَّ الذي فَاضَ جُوْدُهُ ... وعَمَّ الوَرَى طُرًا بجَزْلِ المَوَاهِبِ مُقِيْليْ إذَا زَلَّتْ بِيَ النَّعْلُ عَاثِرًا ... وأسْمَحَ غَفَّارٍ وأكْرمَ وَاهِبِ فَمَا زَالَ يُوْلِيْني الجَميْل تَلَطُّفًا ... ويَدْفَعُ عَنِّي في صُدُورِ النَّوائِبِ ويَرْزُقُني طِفْلاً وكَهْلاً وقَبْلَهَا ... جَنْينًا ويَحْمِيْني وَبيَ المكَاسِبِ إذَا أَغْلَقَ الأَمْلاَكُ دُوْني قُصُورَهُمْ ... ونَهْنَهَ عن غِشْيانهِمْ زجر حَاجِبِ فزعت إلى بَابِ المُهَيْمِن طَارقًا ... مُدِلاً أنُادي باسْمِهِ غَيْرَ هَائِبِ فَلَمْ أَلْفِ حُجَّابًا وَلم أَخْشَ مِنْعَةً ... ولَوْ كَانَ سُؤْليْ فَوْقَ هَامِ الكَواكِبِ كَريْمٌ يُلَبيْ عَبْدَهُ كُلَّمَا دَعَا ... نَهَارًا ولَيْلاً فَي الدُجَى وَالغَياهِبِ سَأسْألُهُ مَا شِئْتُ إنَّ يَمِيْنَهُ ... تَسِحُّ دِفَاقًا باللِّهَى والرَّغَائِبِ فَحَسْبِيَ رَبِيْ في الهَزَاهِزِ مَلْجَاًّ ... وحِرْزًا إذَا خِيْفَتْ سِهِامُ النَّوائِبِ انتهى آخر: يَا خَالقِي عَبدُكَ الخاطِي الحَزينُ لَقَدْ ... أَتَاكَ مَنْكَسِرًا فاجْبُرْ لِمْنِكَسِرِ مُسْتَغْفِرًا من ذُنُوبٍ لاَ عِدَادَ لَهَا ... بِعَفْوِكَ الجمِّ يَا رَحْمنُ لا تَذَرِ فلاَ تَدَعْني مَلِيْكَ العَرْش مُطَّرِحًا ... بَيْنَ النّوَائِب والأَسْدَام والغِيَرِ حَسْبي لَدَىَ المُوبِقَاتِ الصُّم أنْتَ فَلاَ ... نَرجُوا سِوَاكَ لِنَيْلِ السُؤْلِ والوطرِ عَلَيْكَ ياذَا العَطَا والمنِ مُعْتَمَدِي ... فِي كُلّ خَطْبٍ أَتَى بالغَيْر والضَّرَرِ فاغْفِرْ واكْرمْ عُبَيْدًا مالَهُ عَمَلُّ ... مِن الصَّوَالحِ يا رَحْمنُ في العُمُر لَكِنَّهُ تَائِبٌّ مِمَّا جَنَاهُ فَقَدْ ... أَتَاكَ مُسْتَغْفِرًا يَخْشَى مِن السَّقَرِ فإن رَحْمِتَ على مَن جَاء مُفْتَقِرًا ... فأنْتَ أهْلٌّ بِهِ يا ربِّ فاغْتَفِرِ

يا من إليه جميع الخلق يبتهلوا

وإنْ تُعَذِّبْ فإني أَهْلُ ذَاكَ وذَا ... عَدْلُّ قَوِيْمٌّ بَلاَ لَوْمٍ ولاَ نُكُرِ ثم الصلاةُ على خَير الخليقةِ مَن ... كَفَاهُ مُعْجِزَةً الشَّقُ في القَمَرِ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطُهْرِ قَاطَبِةٍ ... وصَحبهِ المُكْرَمِيْنَ السَّادَةِ الغُرَرِ ما هَبَّتِ الريحُ واهْتَزَ النَبَاتُ بِهَا ... وما تَغَنَّتْ حَمَامُ الأيْكِ في السَّحَرِ انتهى آخر: يَا مَنْ إلَيْهِ جَمِيْعُ الخَلْقِ يبتهلوا ... وَكُلُّ حَيّ عَلى رُحْمَاهُ يَتَّكِلُ يَا مَنْ نَأَى فَرَأَى مَا في القُلُوبِ ومَا ... تَحْتَ الثَّرَى وَحِجَابُ اللَّيْلِ مُنْسَدِلُ يَا مَنْ دَنَا فَنَأى عَنْ أنْ يُحِيْطَ بِهَ الْ ... أفْكَارُ طُرًّا أوْ الأوْهَامُ وَالعِلَلُ أنْتَ المُنَادَى بِهِ في كُلِّ حَادِثَةٍ ... وأنْتَ مَلْجأُ مَنْ ضَاقَتْ بِهِ الحِيَلُ أَنْتَ الغِيَاثُ لِمَنْ سُدَّتْ مَذَاهِبُهُ ... أنْتَ الدَّلِيْلُ لِمَنْ ضَلَّتْ بِهِ السُّبُلُ إنَّا قَصَدْنَاكَ وَالآمالُ واقِعَةٌ ... عَلَيكَ والكُلُ مَلْهُوفٌ ومُبْتَهِلُ فإنْ غَفْرتَ فَعَنْ طَوْلٍ وَعَنْ كَرَمٍ ... وَانْ سَطَوْتَ فَأَنْتَ الحَاكِمُ الْعَدِلُ انتهى آخر: يا مَنْ يُغِيْثُ الوَرَى مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا ... ارْحَمْ عِبادًا أكُفَّ الفَقْر قَدْ بَسَطُوا

عَوَّدْتَهُمْ بَسْطَ أرْزَاقٍ بلا سَبَبٍ ... سِوِى جَميلِ رَجَاءٍ نحوَهُ انْبَسَطُوا ... وَعَدْتَ بالفَضْلِ في وِرْدٍ وفي صَدَرٍ ... بالجُودِ إنْ أَقْسَطُوا والحِلْمِ إنْ قَسَطُوا عَوارِفُ ارْتَبَطَتْ شُمُّ الأُنوفِ بها ... وكلُ صَعْبٍ بقَيْدِ الجُوْدِ يَرْتَبِطُ يا مَنْ تَعَرّفَ بالمَعروفِ فاعْتَرَفَتْ ... بِجَمِّ إنْعامِهِ الأطرافُ والوَسَطُ وعالِمًٍا بخَفِيَّات الأمور فلا ... وَهْمٌ يَجُوزُ عليهِ لا ولا غَلَطُ عَبْدٌ فَقِيرٌ بِبَابِ الجُوْدِ مُنْكَسِرًا ... مِنْ شأنِهِ أنْ يُوافي حِيْنَ يَنْضَغِطُ مَهْمَا أتَى لِيَمُدَّ الكفَّ أَخْجَلهُ ... قَبَائحٌ وخَطَايَا أَمْرُها فَرَطُ يا وَاسِعًا ضَاقَ خَطْوُ الخَلْقِ عنْ نِعَمٍ ... منه إذا خَطبُوا في شُكْرِها خَبَطُوا وناشِرًا بِيَدِ الإِجْمالِ رَحْمَتَهُ ... فلَيْسَ يَلْحَقُ منه مُسْرِفًا قَنَطُ ارْحَمْ عِبادًا بضَنْكِ العَيشِ ما لَهُمُوْا ... غَيرُ الدُجْنةِ لحُفٌ والثَّرى بُسُطُ لكَنَّهم مِنْ ذُرَى عَلْياكَ في نَمَطٍ ... سَامٍ رفِيْع الذُرَى ما فَوقَه نَمَطُ

أيا لائمي مالي سوى البيت موضع

وَمَنْ يَكُنْ بالذي يَهواهُ مُجْتَمِعًا ... فما يُبالي أقَامَ الحَيُّ أَمْ شَحَطُوا نَحْنُ العَبِيْدُ وأَنْتَ المَلِكُ لَيْسَ سِوَى ... وكُلُ شَيءٍ يُرَجَّى بَعْدَ ذا شَطَطُ انتهى آخر: أَيَا لائِمِي مَالِي سِوَى البَيْتِ مَوْضِعٌ ... أرَى فِيه عِزًا إنَّهُ لِيَ أَنْفَعُ فِرَاشِي ونَطْعِي فَرْوَتِي فَرَجِيتي ... لِحَافِي وَأَكْلِيْ مَا يَسُدُ ويُشْبِعُ وَمَرْكُوْبِيَ الآنَ الأَتَانُ ونَجْلُهَا ... لأَخَلاْقِ أَهْلِ الدِيْنِ والعِلْمِ أَتْبَعُ وقَدْ يَسَر اللهُ الكَريمُ بَفَضْلِهِ ... غِنَى النَّفْسِ مَعْ شَيءٍ بهِ أَتَقَنَّعُ أْوفِرُهُ لِلإَهْلِ خَوفًا يَرَاهُم ... عَدُوٌ بِعَيْشٍ ضَيِّق فَيُشَنِّعُ وأَصْبِرُ في نَفْسِي عَلَى ما يَنُوْبُنِي ... واطْلُبُ عَفْوَ الله فالعَفْوُ أَوْسَعُ وما دُمْتُ أَرْضَىَ باليَسِيْرِ فإنَّنِي ... غَنِيٌ لِغَيرِ اللهِ مَا كُنْتُ أَخْضَعُ ورَبِيَ قَد آتَانِي الصَّبْرَ والغِنَى ... عن الناسِ في هذا لِيَ العِزُ أَجْمَعُ

لك الحمد والنعماء والملك ربنا

وقد مَرَّ مِن عُمْري ثَلاَثٌ أَعُدَّهَا ... وسِتُونَ في رَوْضٍ مِن اللُّطْفِ أَرْتَعُ وَوَجْهِي مِن ذُلِّ التَّبَذُلِ مُقْفِرٌ ... مُقِلٌ ومِن عِزِّ القَناعَة مُوْسَعُ انتهى آخر: لَكَ الحَمْدُ وَالنَّعْمَاءً وَالمُلْكُ رَبَّنَا ... وَلاَ شَيْءَ أَعْلاَ مِنْكَ مَجْدًا وَأَمْجَدُ مَلِيْكٌ عَلى عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنٌ ... لِعِزَّتِهِ تَعْنُوا الوُجُوْهُ وَتَسْجُدُ فَسُبْحَان مَنْ لاَ يَقْدُرُ الخَلْقُ قَدْرَهُ ... وَمَنْ هُوَ فَوْقَ العَرْشِ فَرْدٌ مُوَحَّدُ وَمَنْ لَمْ تُنَازِعْهُ الخَلائِقُ مُلْكَهُ ... وَإنْ لَمْ تُفَرِّدْهُ العِبَادُ فَمُفْرَدُ مَلِيْكُ السَّمَوَاتِ الشِّدَادِ وَأَرْضِهَا ... وَلَيْسَ بِشَيءٍ عَنْ قَضَاهُ تَأْوُّدُ هَوَ اللهُ بَارِي الخَلْقِ، وَالخَلْقُ كُلُّهُمْ ... إمَاءٌ لهُ طَوْعًا جَمِيْعًا وَأَعْبُدُ وَأَنَّى يَكُوْنُ الخَلْقُ كَالخَالِقِ الذِيْ ... يُمِيْتُ وَيُحْيِي دَائِبًا لَيْسَ يَهْمِدُ تُسَبِّحُهُ الطَّيْرُ الجَوانِحُ في الخَفَا ... وَإذْ هِيَ فِي جَوِّ السِّمَاءِ تُصَعِّدُ وَمِنْ خَوْفِ رَبِّي سَبَّحَ الرَّعْدُ فَوْقَنَا ... وَسَبَّحَهُ الأشْجارُ وَالوَحْشُ أبَّدُ

وَسَبَّحَهُ النِّيْنَانُ وَالبَحْرُ زَاخِرًا ... وَمَاطَمَّ مِنْ شَيءٍ وَمَا هُوَ مُقْلَدُ أَلاَ أَيُّهَا القَلْبُ المُقِيْمُ عَلى الهَوَى ... إلى أي حِيْن مِنْكَ هَذا التَّصَدُّدُ عَنْ الحَقِّ كَالأَعْمَى المُمِيْطِ عَنْ الهَدى ... وَلَيْسَ يَرُدُّ الحَقَّ إلاَّ مُفَنَّدُ وحَالاَتُ دُنْيًا لاَ تَدُوْمُ لأَهْلِهَا ... فَبَيْنَ الفَتَى فِيْهَا مَهِيْبٌ مُسَوَّدُ إذ انْقَلَبَتْ عَنْهُ وَزَالَ نَعِيْمُهُا ... وَأَصْبَحَ مِنْ تُرْبِ القُبُوْرِ يُوَسَّدُ وَفَارَقَ رُوْحًا كَانَ بَيْنَ جنَانِهِ ... وَجَاوَرَ مَوْتَى مَا لَهُمْ مُتُرَدَّدُ فَأَيُّ فَتًى قَبْلِيْ رَأَيْتَ مُخَلَّدًا ... لهُ في قَدِيمِ الدَّهْر مَا يَتَوَدَّدُ فَلَمْ تَسْلَمْ الدُّنْيَا وَانْ ظَنَّ أَهْلُها ... بِصِحَّتِهَا وَالدَّهْر قَدْ يَتَجَرَّدُ أَلَسْتَ تَرَى فِيْمَا مَضَى لَكَ عِبْرَةً ... فَمَهْ لاَ تَكُنْ يَا قَلْبُ أَعْمَى يُلَدَّدُ فَكُنْ خَائِفًا لِلْمَوْتِ وَالبَعْثِ بَعْدَهُ ... وَلاَ تَكُ مَمَّنْ غَرَّهُ اليَوْمُ أَوْ غَدُ فَإنَّكَ في دُنْيَا غَرُورٍ لأَهْلِهَا ... وَفِيْهَا عَدُوٌّ كَاشِحُ الصَّدْرِ يُوْقِدُ انتهى

يا نفس قد طاب في إمهالك العمل

آخر: يَا نَفْسُ قَدْ طَابَ في إمْهَالِكِ العَمَلُ ... فاسْتدْرِكِي قَبْل أنْ يَدْنُو لَكِ الأَجَلُ إِلَى مَتَى أنْتِ في لَهْو وفي لَعِبٍ ... يَغُرُّكِ الخَادِعَان الحِرْصُ وَالأَمَلُ وَأَنْتِ في سُكْرِ لَهْوٍ لَيْسَ يَدْفَعُهُ ... عَنْ قَلْبِكِ النَّاصِحَانِ العُتْبُ وَالْعَذَلُ ... فَزَوِّدِيْ لِطَرِيْقٍ أنْتِ سَالِكَة ... فِيْهَا فَعَمَّا قَلِيْلٍ يَأْتِكِ الْمَثَلُ وَلا يَغُرُّكِ أَيَّامُ الشَّبَابِ فَفِيْ ... أَعْقَابِهَا المُوبِقَانِ الشَّيْبُ وَالأَجَلُ يَا نَفْسُ تُوْبِيْ مِنَ العِصْيَانِ وَاجْتهِدي ... وَلا يَغُرَّنَّكِ الإبعاد وَالمَللُ ثُمَّ احْذَرِيْ مَوْقِفًا صَعْبًا لِشِدَّتِهِ ... يَغْشَى الوَرَى الْمُتْلِفَانِ الحُزْنُ وَالوَجَلُ وَيَخْتَمُ الفَمُ وَالأَعْضَاءُ نَاطِقَةً ... وَيَظْهَرُ المُفْصِحَانِ الخَطُّ وَالخَطَلُ وَيَحْكُمُ اللهُ بَيْنَ الخَلْقِ مَعْدِلَةً ... فتُذْكَرُ الحَالتَانِ البِرُّ وَالزَّلَلُ

لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلا

آخر: لَكَ الحَمْدُ يَا ذَا الجُوْدِ والمَجْدِ والعُلاَ ... تَبَارَكْتَ تُعْطِيْ مَنْ تَشَاءُ وَتَمْنَعُ إلهيْ وَخَلاَّقِيْ وَسُؤْلِيْ وَمَوْئِليْ ... إليْكَ لدَى الإعسار واليْسْرِ أَفْزَعُ إلهِيْ لَئِنْ خَيَّبْتَني وَطَرَدْتَنِيْ ... فَمَنْ ذَا الذيْ عَمَّا أُحَاذِرُ يَنْفَعُ إِلهِيْ لَئِنْ جَلَّتْ وَجَمَّتْ خَطِيْئَتِيْ ... فَعَفْوُكَ عَن ذَنْبِيْ أَجَلُّ وَأَوْسَعُ إلهِي لَئِنْ أَعْطَيْتُ نَفْسِي سُؤْلَهَا ... فَهَا أنا في رَوْضِ النَّدامَةِ أَرْتَعُ إلهِيْ تَرَى حَالِيْ وَفْقْرِيْ وَفَاقَتِيْ ... وأَنْتَ مُنَاجَاتِيْ الخَفِيَّةَ تَسْمَعُ إلهِيْ فلا تَقْطَعْ رَجَائِي وَلاَ تُزِغْ ... فؤادي فَلِي في سَيْبِ جُوْدِكَ مَطْمَعُ إلهِيْ أجِرْنِيْ مِنْ عَذَابك إنَّني ... أَسِيْرٌ ذليلٌ خائِفُ لَك أخضعُ إلهِيْ فَآنِسْنِيْ بتَلْقِيْنِ حُجَّتِيْ ... إذا كَان ليْ في القَبْر مَثْوىً وَمَضْجَعُ

تمسك بحبل الله واتبع الهدى

إِلهِيْ لَئِنْ عَذَّبْتَنِي أَلْفَ حَجَّةً ... فَحَبْلُ رَجَائِيْ مِنْكَ لا يَتَقَطَّعُ إلهِي أَذِقْنِيْ طَعْمَ عَفْوِكَ يَوْمَ لاَ ... بَنُوْنَ وَلا مَالٌ هُنَالِكَ يَنْفَعُ إلهِيْ لَئِنْ لَم تَرْعَنيْ كُنْتُ ضَائِعًا ... وإنْ كُنْتَ تَرْعَانِي فَلَسْتُ أُضَيَّعُ إلهِيْ إذَا لَمْ تَعْفُ عَن غَيْرِ مُحْسنٍ ... فَمَنْ لِمُسِيءٍ بالْهَوَى يَتَمتَّعُ إلهِيْ لَئِنْ قَصَّرْتُ في طَلَبِ التُّقَي ... فَلَسْتُ سِوَى أَبْوَابِ فَضْلِكَ أَقْرَعُ إلهِيْ أقِلْنِيْ عَثْرَتِيْ وَامْحُ زَلَّتِيْ ... فَإِنيْ مُقِرٌ خَائِفٌ مُتَضّرِّعُ إلهِيْ لَئِنْ خَيَّبْتَنِي وَطَرَدتَنِيْ ... فَمَا حِيْلَتِيْ يَا رَبُ أَمْ كَيْفَ أَصنَعُ إِلهِيْ حِليْفُ الحُبِّ باللَّيْلِ سَاهرٌ ... يُنَاجِيْ وَيَبْكِيْ والغَفُولُ يُهَجِّعُ إلهِيْ لَئِنْ تَعْفُوُ فَعَفْوُكَ مُنْقِذِيْ ... وإنيْ يا رَبَّ الوَرَى لَكَ أخْضَعُ آخر: تَمَسَّكَ بِحَبْلِ اللهِ وَاتَّبِعِ الهُدَى ... وَلا تَكُ بِدْعِيًّا لَعَلَّكَ تُفْلِحُ وَدِنْ بِكَتَابِ الله وَالسُنّنِ التِيْ ... أَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ تَنْجُو وَتَرْبَحُ وقُلْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ كَلامُ مَلِيْكِنَا ... بذَلِكَ دَانَ الأَتْقِيَاءُ وَأَفْصَحُوْا

وَقُلْ يَتَجَلَّى اللهُ لِلْخَلْقِ جَهْرَةً ... كَمَا البَدْرُ لاَ يَخْفَى وَرَبُّكَ أَوْضَحُ وَلَيْسَ بِمَوْلُوْدٍ وَلَيْسَ بِوَالِدٍ ... وَلَيْسَ لَهُ شِبْهٌ تَعَالَى المُسَبَّحُ وَقَدْ يُنْكِرُ الجَهْمِيُّ هَذَا وَعِنْدَنَا ... بِمَصْدَاقِ مَا قُلْنَا حَدِيثُ مُصَحَّحُ رَوَاهُ جَرِيْرُ عَنْ مَقَالِ مُحَمَّدٍ ... فَقُلْ مِثْلَ مَا قَدْ قَالَ في ذَاكَ تَنْجَحُ وَقَدْ يُنْكِرُ الجَهْمِيُّ أَيْضَاً يَمِيْنَهُ ... وَكِلْتَا يَدَيْهِ بِالفَوَاضِلِ تُفْتَحُ وَقُلْ يَنْزِلُ الجَبَّارُ في كُلِّ لَيْلَةٍ ... بِلاَ كَيْفٍ جَلِّ الوَاحِدُ المُتَمَدَّحُ إلَى طَبَقِ الدُّنْيَا يَمُنُّ بِفَضْلِهِ ... فَتُفْرَجُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُفْتَحُ يَقُولُ ألا مُسْتَغْفِرًا يَلْقَ غَافِرًا ... وَمُسْتَمْنِحَاً خَيْرًا وَرِزْقَاً فَيُمْنَحُ رَوَى ذَاكَ قَومُ لاَ يُرَدُّ حَدِيثُهُم ... أَلا خَابَ قَوْمٌ كَذَّبُوهُم وَقُبِّحُوا وَقُلْ إنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمدٍ ... وَزِيْرَاهُ قِدْمَاً ثُمَّ عُثْمَانُ الأَرْجَحُ وَرَابِعُهُمْ خَيْرُ البَرِيَّةِ بَعْدَهُمْ ... عَليُّ حَلِيْفُ الخَيْرِ بالخَيْرِ مُمْنَحُ وإنَّهُمُوا والرَّهَطُ لاَ شَكَّ فِيْهِمْ ... عَلَى نُجُبِ الفِرْدَوْسِ بِالخُلْدِ تَسْرَحَ سَعِيْدٌ وَسَعْدٌ وابنُ عَوفٍٍ وطَلْحَةٌ ... وَعَامِرُ فِهْرٍ والزُّبَيْرُ المُمَدَّحُ وَقُلْ خَيْرَ قَوْلٍ في الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ ... وَلا تَكُ طَعَّانَاً تَعِيْبُ وَتَجْرَحُ فَقَدْ نَطَقَ الوَحْيُ المُبِيْنُ بِفَضْلِهِمْ ... وَفي الفَتْحِ آيٌ لِلصَّحَابَةِ تَمْدَحُ وَبالْقَدَرِ المَقْدُورِ أَيْقِنْ فَإنَّهُ ... دَعَامَةِ عَقْدِ الدِّيْنِ وَالدَّيْنُ أَفْيَحُ وَلا تُنْكِرُوْنَ جَهْلاً نَكِيْرًا وَمُنْكَرَاً ... وَلاَ الحَوْضَ والمِيْزَانَ إنَّكَ تُنْصَحُ وَقُلْ يُخْرِجُ اللهُ العَظِيْمُ بِفَضْلِهِ ... مِنَ النَّارِ أَجْسَادًا مِنَ الفَحْمِ تُطْرَحُ عَلَى النَّهْرِ في الفِرْدَوْسِ تَحْيَا بِمَائِهِ ... كَحَبِّ جَمِيْلِ السَّيْل إذْ جَاءَ يَطْفَحُ وَأَنَّ رَسُولَ الله لِلْخَلْقِ شَافِعُ ... وَأَنَّ عَذَابَ القَبْرِ بِالحَقِّ مُوْضَحُ

القلب أعلم يا عذول بدائه

وَلاَ تُكْفِرَنَّ أَهْلَ الصَّلاَةِ وَإنْ عَصَوا ... فَكُلُّهُمُ يَعْصِي وَذُو العَرْشِ يَصْفَحُ وَلاَ تَعْتَقِدْ رأْيَ الخَوَارِجُ إِنُهُ ... مَقَالٌ لِمَنْ يَهْوَاهُ يُرْدِيْ وَيَفْضَحُ وَلا تَكُ مُرْجِيَّاً لَعُوْبًا بِدِيْنِهِ ... أَلاَ إنَّمَا المُرْجِيُّ بِالدِّينِ يَمْزَحُ وَقُلْ إنَّمَا الإيمَانُ قُوْلَ وَنِيِّةٌ ... وَفِعْل عَلَى قَوْلِ النَّبِي مُصَرَّحُ وَيَنْقُصُ طَوْرًا بِالمَعَاصِيْ وَتَارَةً ... بِطَاعَتِه يَنْمَي وَفي الوَزْنِ يَرْجَحُ ... وَدَعْ عَنْكَ آرَاءَ الرِّجَالِ وَقَوْلَهُمْ ... فَقَوْلُ رَسُول اللهِ أَزْكَي وَأَرْجَحُ وَلا تَكُ مِنْ قَوْمٍ تَلَهَّوا بِدِيْنهِمْ ... فَتَطْعَنَ في أهْلِ الحَدِيْثِ وَتَقْدَحُ إذَا مَا اعْتَقَدْتَ الدَّهْرَ يَا صَاحِ هَذِهِ ... فَأَنْتَ عَلَى خَيْرٍ تَبِيْتُ وَتُصْبِحُ انتهى آخر: الَقْلبُ أَعْلَمُ يا عَذُولُ بِدَائِهِ ... ما غَيرُ دَاءِ الذَّنْبِ مِن أَدْوَائِهِ والذَّنْبُ أَوْلِى مَا بَكَاهُ أَخُوْ التُّقَى ... وأَحَقُّ مِنكَ بجَفْنِهِ وبِمائِهِ فَوَمَنْ أُحِبُّ لأَعَصْيَنَّ عَواذِلي ... قَسَمًا بِهِ في أرْضِهِ وسَمائِهِ من ذَا يَلُومُ أَخَا الذُنُوبِ إذا بَكَىَ ... إنَّ المَلامةَ فيه مِن أعْدَائِهِ فَوَحِقِّ مَن خَافَ الفُؤادِ وعِيْدَهُ ... ورَجَا مَثُوبَتَهُ وحُسْنَ جَزَائِهِِ ما كنت ممن يَرتَضِي حُسْنَ الثَّنَا ... ببَدِيعِ نَظْمِي في مَديحٍ سَوائِهِ مَن ذَا الذِي بَسَطَ البَسِيْطَةَ لِلْوَرَى ... فُرُشًا وتَوَّجَهَا بَسَقْفِ سَمائِهِ مَن ذَا الذِي جَعَلَ النُجُومَ ثَواقِبًا ... يَهْدِي بها السَّارينَ في ظَلْمَائِهِ من ذَا أَتَى بالشمس في أُفُق السَمَا ... تَجْرى بَتقْدِير على أَرْجَائِهِ أَسِوَاهُ سَوَّاهَا ضِيَاءً نَافِعًا ... لا وَالذِي رَفَعَ السَّمَا بِبِنَائِهِ مَن أطلعَ القَمَرَ المُنِير إذَا دَجَى ... لَيْلٌ فَشَابَهَ صُبْحَهُ - بضِيائِهِ مَن طَوَّلَ الأيَّامَ عندَ مَصْيفِهَا ... وأَتَتْ قِصَارًا عندَ فَصْلِ شِتَائِهِ

تبين ثغر الفجر لما تبسما

مَن ذَا الذِي خَلَقَ الخَلاَئِقَ كُلَّهَا ... وكَفَى الجَمِيعَ بِبرِّهِ وعَطَائِهِ وأَدَرَّ لِلطِّفْل الرَّضِيْعِ مَعَاشَهُ ... مِن أُمِّهِ يَمْتَصُّ طِيْبَ غِذَائِهِ يا وَيْحَ مَن يَعْصِى الإِلِهَ وقَدْ رَأَى ... إحْسَانَهُ بنَوالِهِ ونَدائِهِ ورَأَى مَسَاكِنَ مَن عَصَى مِمَّنْ خَلاَ ... خِلْوًا تَصِيْحُ البُومُ في أَرْجَائِهِ ودَع الجَبابَرةَ الأَكَاسِرَة الأَلَى ... وانْظُرْ لِمنْ شَاهَدْتَ في عَلْوائِهِ كَمْ شَاهَدَتْ عَيَناكَ مِن مَلِكٍ غَدَا ... يَخْتَالُ بَيْنَ جِيُوْشِهِ ولِوَائِهِ مَلأَتْ لَهُ الدُنيا كوؤسا حلوة ... وسقته مر السم في حلوائه ما طلَّق الدُّنيا اختيارًا إنما ... هيَ طلَّقَته ومتَّعتْه بدائِه جَعَلتْ لَهُ الأَكْفَانَ كِسْوةَ عُدَّةٍ ... واللَّحْدَ سُكْنَاهُ وبَيْتَ بَلاَئِهِ ويَضُمُّهُ لا مُشْفِقِاً في ضِمِّهِ ... حَتَّى تَكُونَ حَشَاهُ في أَحْشَائِهِ ... وهَنَاكَ يُغْلَقُ لَحْدُهُ عن أَهلِهِ ... بِحِجَارَةٍ وبِطِيْنَةٍ وبِمَائِهِ ويَزُوْرُهُ المَلَكَانِ قَصْدَ سُؤَالِهِ ... عن دِيْنِهِ لا عَنْ سُؤالِ سِوَائِهِ فإذا أَجَابِ بـ «لَسْتُ» أَدْرِيْ أَقْبلاً ... ضَرْبًا لَهُ في وَجْهِهِ وقَفَائِهِ ويَرىَ مَنَازِلَهُ بقَعْر جَهَنَّمٍ ... ويُقيمُ في ضِيْقِ لِطُولِ عَنَائِهِ يا ربِّ ثِبِّتْنَا بقِوْلٍ ثَابِتٍ ... عِندَ امْتِحَان العَبدِ تَحْتَ ثَرَائِهِ أَنَا مُؤْمَنٌ باللهِ ثُمَّ بِرُسْلِهِ ... وبِكُتبِْهِ وبِبَعْثِهِ ولِقَائِهِ ثم الصلاةُ على الرسولِ مُحَمَّدٍ ... والآلِ أهلِ البيتِ أهلِ كِسَائِهِ انتهى آخر: تَبَيَّنَ ثَغْرُ الفَجْرِ لمَا تَبَسَّمَا ... فَسُبّحانَ مَن في الذِكْرِ بالفَجْرِ أَقْسَمَا فَصَلِّ عَلَى المَبْعُوْثِ لِلْخلْقِ رَحْمَةً ... عَسَى شَمَلتنا أَوْ لَعَلَّ وَرُبَّمَا

كما شَمَلَتْ آلَ الرسُولِ وَصَحْبَه ... فأكرم بهِمْ آلا وَصَحْبًا وأَعظِمَا أَتى بالهُدَى نورًا إلينَا وَنِعْمَةً ... وقَدْ كَانَ وَجهُ الكَوْنِ بالشِّرْكِ مُظْلِمَا فَجَلَّى بأنْوارِ الهُدَى كُلَّ ظُلْمَةٍ ... وأَطْلَعَ في الآفاقِ للدِيْنِ أَنْجُمَا أَتَى بِكِتَابٍ أَعْجَزَ الخلقَ لَفْظُهُ ... فكلُ بَلِيْغ عُذْرُهُ صَارَ أَبْكَمَا تَحَدَّى به أَهَلَ البلاغَة كلَّهم ... فلمْ يَفْتَحوا فيمَا يُعَارِضُهُ فَمَا حَوَى كلَّ بُرهَانٍ على كُل مَطْلَب ... وَيَعْرِفُ هَذا كُلُّ مَنْ كَان أَفْهَمَا وأَخْبَرَ فِيهِ عَن عَواقِبَ مَن عَصَى ... بأنَّ له بَعْدَ المَمَاتِ جَهَنَّمَا وَعَمَّنْ أَطَاعَ اللهَ أَنَّ لهُ غَدًا ... نَعِيْمًا بهِ مَا تَشْتَهي النَّفْسُ كُلَّمَا مُحَمَّدٌ المَبْعُوْثُ لِلْخَلْقِ رَحْمَةً ... فَصَلِّ عليهِ مَا حَييْتَ مُسَلِّمَا وأَسْرَى به نحْوَ السَّمَواتِ رَبُّه ... وأرْكَبَهُ ظَهْرَ البُرَاقِ وأَكْرَمَا وَقَدْ فتَحَتْ أبْوابُها لِصُعُودِه ... فَمَا زَالَ يَرْقَى مِن سَمَاءٍ إلى سَمَا

وَلاَقى بِهَا قَوْمًا مِن الرسْل كلُّهمْ ... يقولُ له يَا مَرْحَبًا حِيْنَ سَلَّمَا وكَانَ بِهِ فَرْضُ الصَّلاةِ وحَبَّذَا ... تَرَدُّدُهُ بَيْنَ الكَلِيْمِ مُكَلِّمَا وَصَيَّرَهَا مِنْ بَعْدِ خَمْسِينَ خَمْسَةً ... فُرُوْضًا وأمْرُ اللهِ قَدْ كَانَ مُبْرَمَا وعَاد إلى بَيْتِ أُمِّ هَانِئ مُخْبرًا ... لَهَا بالذي قَدْ كَانَ مِنْهُ وَمُعْلِمَا فَخَافَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُكذِّبَهُ المَلاَ ... وَيَزْدَادُ مَنْ في قَلْبِهِ مَرَضٌ عَمَى ... فَجَاءَ إلى البَيتِ العَتيقِ فأَخْبَر الْـ ... ـعِبادَ فَمِنْهُمْ مَنْ بِتَكْذِيْبِهِ رَمَى وَكَان بهِ الصَدِّيقُ خَيرَ مُصدِّقٍ ... فَصَدَّقَ خَيْرَ الرُّسُلِ مِنْ خَبَرِ السَّما مُحَمَّدًا المَبْعُوثَ لِلْخَلْقِ رَحْمَةً ... فَصَلِّ عليهِ ما حَيٌيتَ مُسَلِّمًا وَقُمْ حَامِدًا للهِ في كُلِّ حَالَةٍ ... تَجِدْ حَمْدَهُ في يَوْمِ حَشْرِكَ مَغْنَمَا وَصَلّ على المَبْعوثِ للخَلقِ رَحْمةً ... مَحمَّدٍ المخْتَارِ والآلِ كُلَّمَا سَرى البَرْقُ مِنْ أَرْجَاءِ مَكةَ أو سَرَى ... نَسِيْمٌ على زَهْرِ الرُّبَى مُتَبَسِّمًا

وليس اغتراب الدين إلا كما ترى

وَرَضِّ عَلى الأَصْحَابِ أَصْحَاب أَحْمَدٍ ... وكُن لَهُمُ في كُلِّ حِيْنٍ مُعَظِّمَا انتهى وَمِمَّا قِيْلَ في الحث على التَّمَسُّكِ بالقرآنِ الكريمِ ما قَالَهُ الصَّنْعَاني: ولَيْسَ اغْتِرَابُ الدِّينِ إلاَّ كَمَا تَرَى ... فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الاغْتِرَابُ إيَابُ وَلَمْ يَبْقَ لِلرَّاجِي سَلاَمَةَ دَيْنِهِ ... سِوَى عُزْلةٍ فَيهَا الْجَليسُ كِتَابُ كِتَابٌ حَوَى كُلَّ العلوم وكُلُّ مَا ... حَوَاهُ مِن العلمِ الشريفِ صَوابُ فَإنْ رُمْتَ تَارِيْخًا رَأيْتَ عَجَائِبًا ... تَرَى آدَمًا إذْ كَانَ وَهْوَ تُرَابُ وَلاقَيْتَ هَابِيلاً قَتِيْلَ شَقيْقِهِ ... يُوارِيْهِ لَمَّا أَنْ أرَاهُ غُرابُ وَتَنْظُرُ نَوحًا وَهْوَ في الفُلْكِ قَدْ طَغَى ... على الأرضِ مِنْ مَاءِ السَّماءِ عُبَابُ وإنْ شِئْتَ كُلَّ الأنْبيَاءِ وَقَوْمَهُمْ ... وما قَال كُلٌّ مِنْهُمُو وَأَجَابُوا وَجَنَّاتِ عَدْنٍ حُوْرَهَا ونَعِيْمَها ... وَنَارًا بها لِلْمُشْرِكِينَ عَذَابُ

فَتَلِْكَ لأَرْبَابِ التُّقَاءِ وَهَذِهِ ... لِكُلِّ شَقِي قَدْ حَوَاهُ عِقَابُ وإنْ تُرِدِ الوَعْظَ الذِي إنْ عَقَلْتَهُ ... فانَّ دُموعَ العَينِ عَنْهُ جَوَابُ تَجْدْهُ وَمَا تَهْوَاهُ مِنْ كُلِّ مَشْرَبٍ ... ولِلرُّوِحَ مِنْهُ مَطْعَمٌ وَشَرَابُ وإنْ رُمْتَ إبْرَازَ الأَدِلَّةِ في الذي ... تُرِيْدُ فَمَا تَدْعُو إليهِ تُجَابُ تَدُلُّ على التَّوحِيدِ فيه قَوَاطِعُ ... بِها قُطِّعَتْ لِلْمُلْحِدِينَ رِقَابُ وَمَا مَطْلَبٌ إلاَ وَفِيهِ دَلِيْلُهُ ... وليَسْ علِيهِ لِلذَّكِي حِجَابُ وَفِيهِ الدَّواء مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَثِقْ بِه ... فَوَالله ما عَنْهُ يَنُوُبُ كِتَابُ يُرِيْكَ صِرَاطًا مُسَتَقِيْمًا وغَيْرُه ... مَفَاوِزُ جَهْلٍ كُلُّها وَشِعَابُ يَزِيْدُ عَلى مَرِّ الجَدِيْديْنِ جدَّةً ... فألفَاظُه مَهْمَا تَلَوْتَ عِذَابُ وَآياتُهُ في كُلِّ حِيْنٍ طَريَّةٌ ... وتَبْلغُ أقْصَىَ العُمْرِ وَهْيَ كِعَابُ ... وَفِيْهِ هُدىً لِلْعَامِلينَ وَرَحْمَةٌ ... وفيهِ عُلومٌ جَمَّةٌ وَثَوابُ

وبالتدبر والترتيل فاتل كتاب الله

في الحَثِّ على كِتَابِ اللهِ وتَدَبُّرِهِ وَتَفَهُّمِهِ والعَمَلِ بِهِ: ... في الحَثِّ على كِتَابِ اللهِ وتَدَبُّرِهِ وَتَفَهُّمِهِ والعَمَلِ بِهِ: وبالتَّدبُرِ والتَّرْتِيْلِ فاتْلُ كِتَا ... بَ اللهِ لا سِيَّمَا في حِنْدِسِ الظُلَمِ حَكِّمْ بَرَاهِيْنَهُ وَاعْمَلْ بمُحْكَمِهِ ... حِلاً وَحظْرًا وَما قَدْ حَدَّهُ أقِمِ واطْلُبْ مَعَانِيْهِ بالنَّقْلِ الصَّريْحِ ولا ... تخُضْ بِرَأُيِكَ واحْذَرْ بَطْشَ مُنْتَقِمِ فِيْمَا عَلِمْتَ بِمَحْضِ النَقْل مَنْهُ فَقُلْ ... وَكِلْ إلى الله مَعْنَى كُلِّ مُنْبَهِم ثُمَّ المِرَا فِيْهِ كُفْرٌ فاحْذَرَنْهُ وَلاَ ... يَسْتَهْوِيَنَّكَ أقْوَامٌ بِزَيْغِهِمِ وعن مَنَاهِيْهِ كُنْ يَا صَاحِ مُنْزَجِرًا ... والأمْرَ مِنْهُ بلاَ تَرْدَادٍ فالْتَزِمِ وما تَشَابَهَ فَوِّضْ لِلالهِ وَلاَ ... تَخُضْ فَخَوضُكَ فَيْهِ مُوْجِبُ النِّقَمِ ولا تُطِعْ قَوْلَ ذِيْ زَيْغٍ يُزَخْرِفُهُ ... مِنْ كُلَّ مُبْتَدِعٍ في الدِيْنِ مُتَّهَمِ حَيْرَانَ ضَلَّ عن الحَقِّ المُبِيْن فَلاَ ... يَنْفَكُّ مُنْحَرِفًا مٌعَوّجَ لَم يَقْمِ

هُوَ الكِتَابُ الذِي مَنْ قام يَقْرؤُهُ ... كَأنَّمَا خَاطَبَ الرَّحْمنَ بالكَلِمِ هُوَ الصِّرَاطُ هُوّ الحَبْلُ المَتِيْنُ هو الـ ... مِيْزَانُ والعُرْوَةُ الوثْقَى لِمُعْتَصِمِ هُوَ البَيَانُ هُوَ الذِكْرُ الحِكِيْمُ هُوَ التّـ ... تَفْصِيْلُ فاقنَعْ بِهِ في كُلِّ مُنْبَهِمِ هُوَ البَصَائِرُ والذِكْرَى لِمُدَّكِّرٍ ... هُوَ المَواعِظُ والبُشْرَى لِغَيْر عَمِي هُوَ المُنَزَّلُ نُوْرًا بَيِّنًا وهُدَى ... وهُو الشِفَاءُ لِمَا في القَلْب مِن سَقَمِ لَكِنَّه لأْولِي الإِيْمَانِ إذْ عمِلُوا ... بمَا أتَى فيه مِن عِلْمٍ ومِن حِكَمِ أمَّا عَلَى مَنْ تَوَلَّى عَنْهُ فَهْوَ عَمَى ... لِكَوْنِهِ عَن هُدَاهُ المُسْتَنِيْرِ عَمِي فَمَنْ يُقِمْهُ يَكُنْ يَوْمَ المَعَادِ لَهُ ... خَيْرُ الإِمَام إلى الفِرْدَوْسِ والنِّعَمِ كَمَا يَسُوْقُ أُولِي الإعْرَاضِ عنهُ إلَى ... دَارِ المَقَامِعِ والأنْكَالِ والأَلَمِ وَقَدْ أَتَى النَّصُّ في الطُوْلَيْنِ أنَهُمَا ... ظَلَّا لِتَالِيْهِمَا في مَوْقِفِ الغَمَمِ

وأنَّهُ في غَدٍ يأتِي لِصَاحِبِهِ ... مُبشِّرًا وحَجِيْجًا عَنْهُ إنْ يُقِمِ والمُلْكَ والخُلْدَ يُعْطِيْهِ وَيُلْبسُهُ ... تَاجَ الوَقَارِ الإلهُ الحَقُّ ذُوْ الكَرَمِ يُقَالُ اقْرَأْ وَرَتِّلْ وَارْقَ في غُرَف الْـ ... جَنَّاتِ كَيْ تَنْتَهِي لِلْمَنْزِلِ النَّعِمِ وَحُلَّتَانِ مِن الفِرْدَوْسِ قَدْ كُسِيَتْ ... لِوَالِدَيْهِ لَهَا الأَكْوَانُ لَمْ تَقُمِ قَالاَ بِمَاذَا كُسينَاهَا فَقِيْلَ بِمَا ... أَقْرَأْتُمَا ابْنَكُما فَاشْكُرْ لِذِي النَّعَمِ كَفَى وَحَسْبُكَ بالقُرآنِ مُعْجِزَةً ... دَامَتْ لَدَيْنَا دَوَامًا غَيْرَ مُنْصَرِمِ ... لَمْ يَعْتِرِهْ قَطُّ تَبْدِيْلٌ ولا غِيَرٌ ... وجَلَّ في كَثْرَةِ التَّرْدَادِ عَنْ سَأَمِ مُهَيْمِنًا عَرَبِيًا غَيْرَ ذي عِوَج ... مُصَدِّقًا جَاءَ في التَّنْزِيْل في القِدَمِ فِيْهِ التَّفَاصِيْلُ للأَحْكَامِ مَعَ نَبَأٍ ... عَمَّا سَيَأْتِي وعن مَاضٍ مِن الأُمَمِ فَانْظُرْ قَوَارِعَ آياتِ المعَادِ بِهِ ... وانْظُرْ قَصَّ عنِ عَاد وَعَنْ إرمِ

وانْظُرْ بِهِ شَرْحَ أَحْكَامِ الشَّرِيْعَةِ هَلْ ... تَرَى بِهَا مِن عَوِيْصٍ غَيْرِ مُنْفَصِمِ أَمْ مِن صَلاَحٍ وَلَمْ يَهْدِ الأَنَامَ لَهُ ... أَمْ بَابِ هُلْكٍ وَلَمْ يَزْجُرْ ولَمْ يَلُمِ أَمْ كَانَ يُغْنِيْ نَقِيْرًا عن هِدَايَتِهِ ... جَمَيْعُ ما عِنْدَ أَهْلِ الأَرْضِ مِن نُظُمِ أَخْبَارُهُ عِظّةٌ أَمْثَالُهُ عِبَرٌ ... وكُلُّهُ عَجَبٌ سُحْقًا لِذِي صَمَمِ لَمْ تَلْبَثِ الجِنُّ إذْ أَصْغَتْ لِتَسْمَعَهُ ... أنْ بَادَرُوْا نُذُرًا مِنْهُمْ لِقَوْمِهِم اللهُ أَكْبَرُ مَا قَدْ حَازَ مِن عِبَرٍ ... ومِن بَيَانٍ وإعْجَازٍ ومِن حِكَمِ واللهُ أَكْبَرُ إذْ أَعْيَتْ بَلاَغَتُهُ ... وحُسْنُ تَرْكِيْبِهِ لِلْعُرْبِ والعَجَمِ كَمْ مُلْحِدٍ رَامَ أَنْ يُبْدِيْ مُعَارَضَةً ... فَعَادَ بالذُلِّ والخُسْرانِ والرَّغَمِ هَيْهَاتَ بُعْدًا لِمَا رَامُوا وَمَا قَصَدُوْا ... وما تَمَنَّوْا لَقَدْ بَاؤُوْا بِذُلِّهِمِ خَابَتْ أَمَانِيْهُمُ شَاهَتْ وُجُوْهُهُمُ ... زَاعَتْ قُلُوبُهُمُ عن هَديهِ القَيِّمِ

لهفي على الإسلام من أشياعه

كَمْ قَدْ تَحَدَّى قُرَيْشًا في القَدِيْم وهُمْ ... أَهْلُ البَلاَغَةِ بَيْنَ الخَلْقِ كُلِّهِمِ بِمِثْلِهِ وَبِعَشْرٍ ثُمَّ وَاحِدَةٍ ... فَلَمْ يَرُوْمُوْا إذْ ذَا الأمْرُ لَمْ يُرمِ الجنُّ والإنْسُ لم يَأتُوا لَو اجْتَمَعُوْا ... بِمِثْلِهِ وَلَوِ انْضَمُّوْا لِمِثْلِهِمِ أَنَّى وَكَيْفَ وَرَبُ العَرْشِ قَائِلُهُ ... سُبْحَانَهُ جَلَّ عن شِبْهٍ لَهْ وَسَمِي مَا كَانَ خَلْقًا ولا فَيْضًا تَصَوَّرَهُ ... نَبِيُّنَا لاَ وَلاَ تَعْبِيرَ ذِي نَسَمِ بَلْ قَالَهُ رَبُّنَا قَوْلاً وأَنْزَلَهُ ... وَحْيًا على قَلْبِهِ المُسْتَيْقِظِ الفَهِمِ واللهُ يَشْهَدُ والأملاكُ شَاهِدَةٌ ... والرُّسْلُ مَعْ مُؤْمِنِي العُرْبَانِ والعَجَمِ انتهى «قصيدة في غربة الإسلام وإهمال نصره» ... «مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِليه» لهَفِيْ عَلَى الإِسْلاَمِ مِنْ أَشْيَاعِهِ ... لْهَفِي عَلَى القْرآنِ والإِيْمانِ لْهَفِيْ عَلَيْهِ تَنَكَّرَتْ أَعْلاَمُهُ ... إلا عَلَى الخِرِّيْتِ في ذَا الشَّانِ

لْهَفِيْ عَلَيْهِ أَصْبَحت أَنْوَارُهُ ... مَحْجُوْبَةً عَن سَالِكٍ حَيْرَانِ ... لْهَفِيْ عَلَيْهِ أَصْبَحَتْ أَنْصَارُهُ ... في قِلَّةٍ في هَذِهِ الأَزْمَانِ لْهَفِيْ عَلَيْهِ أَهْلُهُ في غُرْبَةٍ ... أَضْحَوْا وَهُمْ في الأَهْلِ وَالأَوْطَانِ لْهَفِيْ عَلَيْهِمْ أَصْبَحُوا في ضَيْعَةٍ ... أَنْوَارُهُمْ تَخْفَى عَلَى العُمْيَانِ لْهَفِيْ عَلَيْهِمْ كَمْ لَنَا قَدْ أَخْلَصُوْا ... في النُّصْحِ لَوْ كَانَتْ لَنَا أُذُنَانِ لْهَفِيْ عَلَى مَنْ يَجْلِبُونَ عَلَيْهِمُو ... بالنُّصْحِ كُلَّ أَذى وَكْلَّ هَواَنِ لْهَفِيْ عَلَى مَنْ هُمْ مَصَابَيْحُ الهُدى ... مَا بَيْنَنَا لَوْ تُبْصِر العَيْنَانِ لْهَفِيْ عَلَيْهِم أُوْجِدُوْا في أمَّةٍ ... قَنعَتْ مِن الإٍسْلاَمِ بالعُنْوَانِ لاَ يُعْرَفُ المَعْرُوْفُ فَيْمَا بَيْنَنَا ... والنَّكْرُ مَأْلُوفٌ بِلاَ نُكْرَانِ خَذَلَتْ ذَوِيْ النُّصْحِ الصَّحِيْحِِ وَأَصْبَحَتْ ... عَوْنًا لِكُلِّ مُضَلَّلٍ فَتَّانِ يَا وَيْحَ قَوْمٍ لاَ يُمَيِّزُ جُلُّهُمْ ... ذَا الْحَقِّ مِن ذِيْ دَعْوَةِ البُطْلاَنِ

فَتَصَدَّرَ الجُهَّالُ والضُّلاَّلُ فِيْـ ... ـهِمْ بادِِّعَاءِ العِلْمِ والْعِرْفَانِ مِنْ كُلِّ مَنْ يَخْتَالُ في فَضاضِهِ ... فَدْم ثَقِيْلٌ وَاسِعُ الأرْدَانِ مُتَقَمِّشٌ مِن هَذِهِ الأَوْضَاعِ والْـ ... آرَاءِ إِمَّعَةٌ بِلاَ فُرْقَانِ يُبْدِيْ التَّمَشْدُقَ في المَحَافِلِ كَيْ يُرَى ... لِلنَّاسِ ذَا عِلْمٍ وذَا إِتقان تَبًّا لَهُ مِن جَاهِلٍ مُتَعَالِمٍ ... مُتسَلِّطٍ بِوِلاَيَةِ السُّلْطَانِ رَفَعَتْ خَسِيْسَتَهُ المَنَاصِبُ فازْدَرَى ... أَهْلَ الهُدَى والعِلْمِ والإِيْمَانِ لَيْسَ التَّرَفُعُ بالمَنَاصِبِ رِفْعَةً ... بالعِلْمِ والتَّقْوَى عُلُّوُ الشَّانِ تَرَكَ المَنَابِرَ مَنْ يَقُوْمُ بِحَقِّهَا ... مِنْ كُلِّ ذِيْ لَسْنٍ وَذِيْ عِرْفانِ وَنَزَا عَلَيْهَا سَفْلَةٌ يَا لَيْتَهُمُ ... قَدْ أُدْرِجُوْا مِنْ قَبْلُ في الأكْفَانِ خَطَبُوْا التَّفَرُّقَ فَوْقَهَا وَلَطَالَمَا ... خُطِبَتْ عَلَيْهَا إلْفَةُ الإِخْوَانِ

كَمْ يَأْمُرُوْنَ بِمُحَدَثَاتٍ فَوْقَهَا ... تَقْضِيْ عَلَى سَنَن سُنن حِسَانِ تَبْكِيْ المَنَابِرُ مِنْهُمُو وَتَوَدُّ لَوْ ... تَنْدَكُّ تَحْتهُمُو إلى الأَرْكَانِ مَا عِنْدَهُمْ بالأَمْرِ الأَوَّلِ خِبْرَة ... بَلْ نَقْلُ آرَاءٍ أَو اسْتِحْسَانِ ثَكِلْتْهُم الآبَاءُ إنَّ حَيَاتَهُمْ ... مَوْتٌ لِسُنَّةِ خَاتَمِ الأَدْيَانِ جَهِلُوْا كِتَابَ اللهِ وَهُوَ نَجَاتُهُمْ ... وَهْدَى النَّبِي مُبَيِّنِ القُرْآنِ وَجَفَوْا مَنَاهِجَ خَيْر أَسْلاَفٍ لَهَمْ ... في التعلُّمِ والتَّقْوَى وَفي الإِتْقَانِ لاَ يَرْجِعُوْنَ لآيَةٍ أَوْ سُنَّةٍ ... أَوْ سِيْرَةِ المَاضِيْنَ بالإحْسَانِ ... بَلْ يَرْجِعُونَ لِرَأْي مَنْ أَلْقَوْا لَهُمْ ... بِأَزِمَّةِ التَّقْلِيْدِ والأَرْسَانِ وَكذَاكَ يَرْجِعُ مَنْ تَصَوَّفَ فِيْهِمُو ... للذَّوْقِ أَوْ لِتَخَيُّلٍ شَيْطَانِي فَالأَوَّلُونَ أَتُوْا بِأحْكَامٍ لَنَا ... فِيْهَا مُخَالِفُ سُنَّةٍ وقُرَانِ

والآخَرُوْنَ أَتُوْا لَنَا بِطَرَائِقٍ ... غَيْرِ الطَّرِيْقِ الأقْوَمِ القْرْآنِي وَمْحَصَّلُ الطُّرُقِ الَّتي جَاءُوْا بِهَا ... أَوْضَاعُ سُوْءٍ رَدَّهَا الوَحْيَانِ وَكَذا رُءُوسُهُمُ الطَّغَاةُ فَإنَّهُمْ ... لَمْ يَرْفَعُوْا رَأْسًا بِذَا الفُرْقَانِ مَا حَكَّمُوْا فِيْهِمْ شَرَائِعَ دِيْنهِمْ ... وَالعَدْلُ فِيْهَا قَائِمُ الأَرْكَانِ بَلْ حَكَّمُوْا في النَّاسِ آراءً لَهُمْ ... مِنْ وَحْيِ شَيْطَانٍ أَخِي طُغْيَانِ وَيْحَ الشَّرِيْعَةِ مِنْ مَشَايِخِ جُبَّةٍ ... واللَّابِسِيْنَ لَنَا مُسُوْكَ الضَّانِ غَزَوُا الوَرَى بالزِّيْ والسَّمْتِ الذِي ... يُخْفِيْ مَخَازِيْ الجَهْلِ والعِصْيَانِ وَرْءُوسُ سُوْءٍ لاَ اهْتِمَامَ بِهمْ بِدِيْـ ... ـنٍ قَامَ أوْ قَدْ خَرَّ لِلأَذْقَانِ وَلَربَّمَا أَبْدَوْا عِنَايَتَهُمْ بِهِ ... بسِيَاسَةٍ تَخْفَى على الإِنْسَانِ تَعْسًا لَمِنْ أَضْحَى يُتَابِعُ قَوْلَ مَنْ ... بَخَسَ الهُدَى وَمَزِيَّةَ الأَذْهَانِ تَرَكُوْا هِدَايَةَ رَبِّهِمْ وَرَسُوْلِهمْ ... هَذَا وَرَبِّكَ غَايَةُ الخُذلاَنِ

حُرِمُوْا هِدَايَةَ دِيْنِهمْ وَعُقُوْلِهمْ ... هَذَا وَرَبِّكَ غَايَةُ الخُسْرَانِ تَرَكُوْا هِدَايَةَ رَبِّهمْ فإذَا بِهمْ ... غَرْقَى مِن الآرَاءِ في طُوْفَانِ وَتَفَرَّقُوْا شِيَعًا بِهَا عَنْ نَهْجِهِ ... مِنْ أَجْلِهَا صَارُوْا إلى شَنَآنِ كُلٌ يَرَى رَأْيَاً وَيَنْصُرُ قَوْلَهُ ... وَلَهُ يُعَادِي سَائِرَ الإخْوَانِ وَلَو أَنَّهُمْ عِنْدَ التَّنَازُعِ وُفِّقُوْا ... لَتَحَاكَمُوْا للهِ دُوْنَ تَوَانِ ولأَصْبَحُوْا بَعْدَ الخِصَامِ أحِبَّةً ... غَيْظَ العِدَا وَمَذَلَّةَ الشَّيْطَانِ لَكِنَّهُمْ إذْ آثَرُوْا وَادِي تَخَيْـ ... ـيَبَ أَصْبَحُوْا أَعْدَاءَ هَذَا الشَّانِ فالمُقْتَدِيْ بالوَحْي في أَعْمَالِهِ ... يَلْقَى الأذَى مِنْهُمْ وَكُلَّ هَوَانِ لِعُدُوْلِهِ عَنْ أَخْذِهِ بمَذَاهِبٍ ... في الرَّأْيِ مَا قَامَتْ عَلَى بُرْهَانِ جَعَلُوا مَذَاهِبَهُمْ مُسَيْطِرَةً عَلَى ... فَهْمِ الحَدِيْثِ وَمَنْزِلِ القٌرْآنِ ذَادُوْا ذَوِيْ الأَلْبَابِ عن فِقْهِ الكِتَا ... بِ وَفِقْهِ سُنَّةِ صَاحِبِ التِّبْيَانِ

وَغَدَتْ شَرِيْعَتُنَا بِمُوْجِبِ قَوْلِهم ... مَنْسُوْخَةً فِي هَذِهِ الأَزْمَانِ حَجَبُوْا مَحَاسِنَهَا بتَأْوِيْلاَتِهم ... فَغَدَتْ مِن الآرَاءِ في خُلْقَانِ ... وَلَو أَنَّها بَرَزَتْ مُجَرَّدَةً لَهَا ... مَ الأَذْكِيَاءُ بحُسْنِهَا الفَتَّانِ لَكِنَّهُمْ قَامُوْا حَوَائِلَ دُوْنَهَا ... كالأَوْصِيَاءِ لِقَاصِرِ الصِّبْيَانِ مَا عِنْدَهُمْ عِنْدَ التَّنَاظُرِ حُجَّةٌ ... أَنَّى بِهَا لِمُقَلِّدِ حَيْرَانِ لا يَفْزَعُوْنَ إلى الدَّلِيْلِ وإِنَّمَا ... في العَجْزِ مَفْزَعُهُمْ إلى السُّلْطَانِ لا عُجْبَ إِذْ ضَلُّوا هِدَايَةَ دِيْنِهمْ ... أَنْ يرْجِعُوْا لِلْجَهْلِ والعِصْيَانِ هَا قَدْ غَلَوْا في الأَوْلِيَاء وَقُبُوْرُهُمْ ... أَضَحَتْ يُحَجُّ لَهَا مِن البُلْدَانِ وَبَنَوْا عَلَى تِلْكَ القُبُورِ مَسَاجِدًا ... وَالنَّصُّ جَاءَ لَهُمْ بِلَعْنِ البَانِي وكَذَا عَلَيْهَا أَسْرَجُوْا واللَّعْنُ جا ... فِيِ الفِعْلِ ذَا أَيْضَا مَعَ البُنْيَانِ وَكَذاكَ قَدْ صَنَعُوْا لَهَا الأَقْفَاصَ تُوْ ... ضَعُ فَوْقَهَا في غَايَةِ الاتقَانِ

يَكْسُوْنَهَا بِمَطَارِفٍ مَنْقُوْشَةٍ ... قَدْ كَلَّفَتْهُمْ باهِظَ الأثْمَانِ بَلْ عِنْدَ رَأْسِ القَبْرِ تَلْقَى نُصْبَهُ ... قَدْ عَمَّمُوْهَا عِمَّةَ الشِّيْخَانِ وَلَسَوْفَ إِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِهمْ تَرَى ... وَلَهَا يَدَانِ تَلِيْهِما الرِّجْلاَنِ وَدَعَوْهُمُوْا شُفَعَاءَهُمْ أَيْضًا كَمَا ... قَدْ كَانَ يَزْعُمُ عَابِدُوْ الأوْثَانِ وَتَقَرَّبُوْا لَهُمُو بِتَسْيِيْبِ السَّوَا ... ئِبِ والنًّذُوْرِ وَسَائِرِ القُرْبَانِ وَتَمَسَّحُوْا بقُبُورِهِمْ وَسُتُوْرِهِمْ ... وَكَذَاكَ بالأَقْفَاصِ والجُدْرَانِ وإذَا رَأَيْتَهُمُو هُنَاكَ تَرَاهُمُو ... مُتَخَشِّعِيْنَ كَأَخْبَثِ العُبْدَانِ مَا عِنْدَهُمْ هَذَا الخُشُوُع إذَا هُمُو ... صَلَّوْا لِرَبِّهِم العَظِيْمِ الشَّانِ واسْتَنْجَدُوْا بهِمُو لِمَا قَدْ نَابَهُمْ ... نَاسِيْنَ فَاطِرَ هَذِهِ الأَكْوَانِ وَدَعَوْهُمُو بَرًا وَبَحْرَاً لاَ كَمَنْ ... خَصُّوْا الدُعَاءَ بِرَبِّهمْ في الثَّانِي فَهُمُو بِهَذَا الوَجْهِ قَدْ زَادُوْا عَلَى ... مَنْ أَشْرَكُوْا في غَابِرِ الأَزْمَانِ

تَرَكُوْا دُعَاءَ الحَيِّ جَلَّ جَلاَلُهُ ... لِدُعَاءِ أَمْوَاتٍ بِلاَ حُسْبَانِ وإلَيْهِمُو جَعَلُوا التَّصَرُّفَ في الوَرَى ... فَهُمُو مُغِيْثُ السَّائِلِ الحَيْرَانِ فَكَأَنّهم أَرْجَى لَهُم مِنْ رَبِّهِم ... وَعَلَيْهِمُو أَحْنَى مِنَ الرَّحْمَن فَكَأَنَّهُم وُكَلاَؤُهُ في خَلْقِهِ ... سُبْحَانَهُ عَن إِفْكِ ذِيْ بُهْتَانِ وَكَأَنَّهُمْ حُجَّابُ رَحْمَةِ رَبِّهِمْ ... هُمْ قَاسِمُوْها بَيْنَهُمْ بِوِزَانِ يا قَوْمُ لا غَوْثٌ يَكُونُ مُغِيْثَكُمْ ... إنَّ المُغِيْثَ اللهُ لِلإِنْسَانِ يَا قَوْمُ فادْعُوا اللهَ لا تَدْعُوْا الوَرَى ... أَنْتُمْ وَهُمْ بالْفَقْرِ مَوْسُوْمَانِ ... مَا بَالُكُمْ لَمْ تُخْلِصُوْا تَوْحِيْدَكُمْ ... تَوْحِيْدُكُمْ وَالشِّرْكُ مُفْتَرنَانِ هَا أَنْتُمُو أَشْبَهْتُمُو مَنْ قَبْلَكُمْ ... في شِرْكِهمْ بِعِبَادَةِ الدَّيَّانِ إنْ كَانَ هَذَا الفِعْلُ لا يُسْمُوْنَهُ ... بِعِبَادَةٍ فَهِيَ اسْمُهُ القُرآنِي مَعْنَى العِبَادَةِ ثَابِتُ مُتَحَقَّقٌ ... في فِعْلِكُمْ شَرْعًا وَعُرْفِ لِسَانِ

إنَّ الدُّعَاء عِبَادَةٌ بَلْ مُخُّهَا ... قَدْ قَالَ ذَا مَنْ جَاءَ بالفُرْقَانِ فإذَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُفَعَآؤُكُمْ ... تَتَوَسَّلُونَ بِهمْ إلى الرَّحْمنِ فالجاهِلِيَّةُ كَانَ هَذَا زَعْمُهُمْ ... أَيْضًا وقد نُسِبُوْا إلى الكُفْرَانِ مَا كَانَ أهْلُ الشِّرْكِ يَعْتَقِدُوْنهُمْ ... خَلَقُوهُمُو يَا جَاهِلَ القُرْآنِ واللهُ مَا شَرَعَ التَّوَسَّلَ لِلْوَرَى ... إلا بِطَاعَتِهِ مَعَ الإِيْمَانِ والفِعْلُ لَيْسَ بِطَاعَةٍ حَتَّى يَجي ... أَمْرٌ بِهِ شَرْعًا إلى الإِنْسَانِ والعَامِلُونَ على وِفَاقِ الأَمْرِ لاَ ... يَعْدُوْنَهُ بالزِّيْدِ والنُّقْصَانِ والعَامِلُونَ بِمُقْتَضَى أَهْوَائِهِم ... هُمْ مُؤْثِرُوْنَ لِطَاعَةِ الشَّيْطَانِ هَلْ مَا فَعَلْتُمْ جَاءَكُمْ أَمْرٌ بِهِ ... مِنْ رَبِّكُمْ عن صَاحِبِ التِّبْيَانِ أَوْ هَلْ أَتَى مِنْ قُدْوَةٍ في الدِّيْنِ مِنْ ... صَحْبِ النَّبِي وَتَابِعِ الإحْسَانِ وَهُنَا لَكُمْ عِنْدِيْ نَصِيْحَةُ مُخْلِصٍ ... لا يُمْتَرِيُ فِيْمَا يَقُولُ اثْنَانِ

خاتمة ونداء للعلماء يا معشر العلمآء لبوا دعوة

أَنْ تَأْخُذُوْا بالاحْتِيَاطِ لأَمْرِكُمْ ... قَبْلَ الخُلُودِ بِمَوْقِدِ النِّيْرَانِ إن كَانَ مَأ تَأْتُونَ لَيْسَ بِوَاحِبٍ ... وَالشِّرْكُ مُخْشِيٌ لَدَى الاتْيَانِ فالابْتِعَادُ عَن المَخُوْفِ مُقَدَّمُ ... عَقْلاً عَلَى الإقْدَامِ لِلإِنْسَانِ انْتَهَى خَاتِمَة وَنِدَاء لِلعلماء يا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ لَبُّوا دَعْوةً ... تُعْلي مُقَامَكُو عَلَى كِيْوَانِ يا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ هُبُّوْا هَبَّةً ... قَدْ طَالَ نَوْمُكُمو إلَى ذَا الآنِ يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ قُوْمُوْا قَوْمَةً ... للهِ تَعْلِيْ كِلْمَةَ الإِيْمَانِ يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ عَزْمَةَ صَادِقٍ ... مُتَجَرِّدٍ للهِ غَيْرَ جَبَانِ يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ أَنْتُمْ مُلْتَجَا ... لِلدِّينِ عِنْدَ تَفَاقُمِ الحَدَثَان يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ كُوْنُوا قُدْوَةً ... لِلنَّاس في الإسلامِ والإِحسان يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ أَنْتُمْ حُجَّةٌ ... لِلنَّاسِ فادْعُوْهُمْ إلى القُرْآنِ ...

يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ إنَّ سُكُوْتَكُمْ ... مِنْ حُجَّةِ الجُهَّالِ كُلَّ زَمَانِ يَا مَعْشَرَ العُلَمَآءِ لا تَتَخَاذَلُوْا ... وَتَعَاوَنُوا في الحَقِّ لا العُدْوَانِ وَتَجَرَّدُوْا للهِ مِنْ أَهْوَائِكُمْ ... وَدَعُوْا التَّنَافُسَ في الحُطَامِ الفَانِي وَتَعَاقَدُوْا وَتَعَاهَدُوْا أَنْ تَنْصُرُوْا ... مُتَعَاضِدِيْنَ شَرِيْعَةَ الرَّحْمنِ كُوْنُوا بِحَيْثُ يَكُونُ نُصْبَ عُيُوْنِكُمْ ... نَصْرُ الكتابِ وَسُنَّةُ الإِيْمَانِ قَدْ فَرَّقَتْنَا كَثْرَةُ الآرَاءِ إِذْ ... صِرْنَا نُشَايِعُهَا بِلاَ بُرْهَانِ وَمِنْ أَجْلِهَا صِرْنَا يُعَادِيْ بَعْضُنَا ... بَعْضًا بلاَ حَقٍّ ولاَ مِيْزَانِ وَغَدَتْ أُخُوَّةُ دَيْنِنَا مَقْطُوْعِةً ... والظُلْمُ مَعْرُوْفٌ عن الإِنْسَانِ واللهُ أَلَّفَ بَيْنَنَا فِي دِيْنِهِ ... وَعَلَى التَّفَرُّقِ عَابَ في القُرْآنِ عُوْدُوْا بِنَا لِسَمَاحَةِ الدِّيْنِ الذيْ ... كُنَّا بِهِ في عِزَّةٍ وَصِيَانِ عُوْدُوْا لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِن الهُدَى ... أَسْلاَفُكُمْ في سَالِفِ الأَزْمَان

هذا وللمتمسكين بسنة المختار

فإليْكُمُو تَتَطَلَّعُ الأَنْظَارُ فِي ... تَوْحِيْدِ كِلْمَتِنَا عَلَى الإِيْمَانِ فاللهُ يَنْصُرُ مَنْ يَقُوْمُ بِنَصْرِهِ ... واللهُ يَخْذُلُ نَاصِرَ الشيطان وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: هَذَا ولِلْمُتَمَسِّكِيْنَ بسُنَّةِ الْـ ... مُخْتَارِ عِنْدَ فَسَادِ ذِيْ الأَزمَانِ أَجْرٌ عَظِيْمٌ لَيْسَ يَقْدُرُ قَدْرَهُ ... إلا الذِي أَعْطَاهُ لِلإِنْسَانِ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ في سُنَنٍ لَهُ ... وَرَوَاهُ أَيْضًا أحْمَدُ الشَّيْبَانِي أَثَرًا تَضَمَّنَ أَجْرَ خَمْسِيْنَ امْرًأ ... مِنْ صَحْبِ أَحْمَدَ خِيْرَةِ الرَّحْمنِ إسْنَادُهُ حَسَنٌ ومِصْدَاقٌ لَهُ ... في مُسْلِمٍ فافْهَمْهُ بالإحْسَانِ أَنَّ العِبَادَةَ وَقْتَ هَرْجِ هِجْرَةٌ ... حَقًا إِلىَّ وَذَاكّ ذُوْ بُرْهَانِ هَذَا فَكَمْ مِن هِجْرَةٍ لَكَ أَيُّهَا السّـ ... سُنِّيُّ بِالتَّحْقِيْقِ لاَ بأَمَانِ هَذَا وَكَمْ مِن هِجْرَةٍ لَهُمُ بَمَا ... قالَ الرسولُ وَجاءَ فِي القُرآن

وَلَقَدْ أَتَى مِصْدَاقُه فِي التِرْمِذِيّ ... لِمَنْ لَهُ أُذُنَانِ وَاعِيَتَانِ في أَجْرِ مُحْيِيْ سُنَّةٍ مَاتَتْ فَذَا ... كَ مَعَ الرسولِ رَفِيْقُهُ بِجِنَانِ هَذَا ومِصْدَاقٌ لَهُ أيضًا أَتَى ... في التِرْمذِيْ لِمَنْ لَهُ عَيْنَانِ تَشْبِيْهُ أُمَّتِهِ بِغَيْثٍ أولٍ ... مِنْهُ وآخِرُهُ فَمُشْتَبِهَانِ فَلِذَاكَ لاَ يُدْرَي الذِي هُوْ مِنْهُمَا ... قَدْ خُصَّ بِالتَّفْضِيْلِ والرُّجْحَانِ ... ولَقَدْ أَتَى أَثَرٌ بِأَنَّ الْفَضْلَ فِي الطَّـ ... ـرَفَيْنِ أَعْنِيْ أَوَّلاً والثَّانِي والْوَسْطُ ذُوْ ثَبَجٍ فأعْوَجَ هَكَذَا ... جَاءَ الحَدِيْثُ ولَيْسَ ذَا نُكْرَانِ ولَقَدْ أَتَى في الوَحْيِ مِصْدَاقٌ لَهُ ... فِي الثُلَّتَيْنِ وذَاكَ في القُرْآنِ أَهْلُ اليَمِيْنِ فَثُلَّةٌ مَنْ مِثْلِهَا ... والسَّابقُوْنَ أَقَلُّ في الحُسْبَانِ مَا ذَاكَ إِلاَ أنَّ تَابِعَهُمْ هُمُ الْـ ... غُرَبَاءُ لَيْسَتْ غُرْبَةَ الأَوْطَانِ لَكِنَّهَا واللهِ غُرْبَةُ قَائِمِ ... بالدِّيْنِ بَيْنَ عَسَاكِرِ الشَّيْطَانِ

فَلِذَاكَ شَبَّهَهُمْ بِهِ متْبُوْعُهُمْ ... في الغُرْبَتَيْنِ وَذَاكَ ذُوْ تِبْيَانِ لم يُشْبِهُوْهُمْ في جَمِيْعِ أُمُوْرِهِمْ ... مِنْ كلِ وَجْهٍ لَيْسَ يَسْتَوِيَانِ فانْظُر إِلى تَفْسِيْرِهِ الغُرَبَاءَ بِالْـ ... مُحْيِيْنَ سُنَّتِهِ بكُلِّ زَمَانِ طُوْبى لَهُمْ والشَّوْقُ يَحْدُوْهُمْ إِلَى ... أَخْذِ الحَدِيْثِ وَمُحْكَمِ القُرْآنِ طُوْبيَ لَهُمْ لَمْ يَعْبَؤوُا بنُحَاتَةِ الْـ ... أفْكَارِ أَوْ بِزُبَالَةِ الأَذْهَانِ طُوْبى لَهُمْ رَكِبُوا عَلَى مَتْن العَزَا ... ئمِ قَاصِدِيْنَ لِمَطْلعِ الإِيْمَانِ طُوْبيَ لَهُمْ لَمْ يَعْبَؤُوا شَيْئًا بِذي الْـ ... آَراءِ إِذ أغْنَاهُمُ الوَحْيَانِ طُوْبيَ لَهُمْ وإَمامُهُمْ دُوْنَ الوَرَى ... مَنْ جَاءَ بالإِيْمَانِ والفُرْقَانِ واللهِ مَا ائْتَمُّوْا بِشَخْصٍ دُوْنَهُ ... إِلاَّ إِذَا مَا دَلَّهُمْ بِبَيَانِ في البَابِ آثارٌ عَظِيْمٌ شَأْنُهَا ... أَعْيَتْ عَلَى العُلَمَاءِ في الأَزْمَانِ إذْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ أَنَّ صَحَابَةَ الْـ ... مُخْتَارِ خَيْرُ طَوَائِفِ الإِنْسَانِ

ذَا بالضَّرُوْرَةِ لَيْسَ فِيْهِ الخُلْفُ بَيْـ ... ـنَ اِثْنَيْنِ مَا حُكِيَتْ بِهِ قَوْلاَنِ فَلِذَاكَ ذِي الآثار أَعْضَلَ أَمْرُهَا ... وبَغَوْا لَهَا التَّفْسِيْرَ بالإِحْسَانِ فاسْمَعْ إِذًا تَأْوِيْلَهَا وافْهَمْهُ لاَ ... تَعْجَلْ بِرّدٍّ مِنْكَ أَوْ نُكْرَانِ إِنَّ البِدَارَ بِرَدِّ شَيْءٍ لَمْ تُحِطْ ... عِلْمًا بِهِ سَبَبٌ إِلى الحِرْمَانِ والفَضْلُ مِنْهُ مُطْلَقٌ ومُقَيَّدٌ ... وهُمَا لأِهْلِ الفَضْلِ مَرْتَبَتَانِ والفضل ذو التقييد ليس بموجب ... فضلا على الإطلاق من إنسان لا يوجب التَّقْيِيْدِ أَنْ يَقْضِيْ لَهُ ... بالاسْتِوَاءِ فَكَيْفَ بالرُّجْحَانِ إِذْ كَانَ ذُوْ الإطلاقِ حَازَ مِن الفَضَا ... ئِلِ فَوْقَ ذِي التَّقْيِيْدِ بالإِحْسَانِ فإذَا فَرَضْنَا وَاحدًا قَدْ حَاَزَ نَوْ ... عًا لَمْ يَحُزْهُ فَاضِلُ الإِنْسَانِ لم يُوْجِبِ التَّخْصِيْصُ مِن فَضْلِ عَلَيْـ ... ـهِ وَلا مُسَاوَاةٍ ولا نُقْصَانِ ... مَا خَلْقُ آدَمَ باليَديْنِ بِمُوْجِبٍ ... فَضْلاً على المَبْعُوْثِ بالقُرْآنِ

وكَذَا خَصَائِصُ مَن أَتَى مِن بَعْدِهِ ... مِنْ كُلِ رُسْلِ اللهِ بالبُرْهَانِ فَمُحَمَّدٌ أَعْلاَهُمُ فَوْقًا وَمَا ... حَكَمْتَ لَهُمْ بمَزِيَّةِ الرُّجْحَانِ فالحَائِزُ الخَمْسِيْنَ أَجْرًا لَمْ يَحُزْ ... هَا في جَمِيْعِ شَرَائِعِ الإِيْمَانِ هَلْ حَازَهَا فِيْ بَدْرٍ أَوْ أُحْدٍ أَوِ الْـ ... فَتْحِ الْمُبِيْنِ وبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ بَلْ حَازَهَا إِذْ كَانَ قَدْ عَدِمَ المُعِيْـ ... ـنَ وهُمْ فَقَدْ كَانُوا أُولِي أَعْوَانِ والرَّبُ لَيْسَ يُضِيْعُ مَا يَتَحَمَّلُ الْـ ... مُتَحَمِّلُونَ لأِجْلِهِ مِن شَانِ فَتَحَمُّلِ العَبْدِ الوحيدِ رِضَاهُ مَعْ ... فَيْضِ العَدُوِّ وَقِلَّةِ الأَعْوَانِ مِمَّا يَدُلُّ على يَقِيْنٍ صَادِقٍ ... وَمَحَبَّةٍ وَحَقِيْقَةِ العِرْفَانِ يَكْفِيْهِ ذُلاً وَاغْتِرَابًا قِلَّةُ الْـ ... أَنْصَارِ بَيْنَ عَسَاكِرِ الشَّيْطَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِرْقَةٌ تَغُزُوْهُ إِنْ ... تَرْجِعْ يُوَافِيْهِ الفَرِيْقُ الثَّانِي فَسَلِ الغَرِيْبَ المُسْتَضَامَ عَنِ الذِيْ ... يَلْقَاهُ بَيْنَ عِدًى بِلاَ حُسْبَانِ

هَذَا وَقَدْ بَعُدَ المَدَى وتَطَاوَلْ الْـ ... عَهْدُ الذِيْ هُوَ مُوْجِبُ الإِحْسَانِ ولِذَاكَ كَانَ كَقَابِضٍ جَمْرًا فَسَلْ ... أَحْشَاءَهُ عَنْ حَرِّ ذِيْ النِيْرَانِ واللهُ أَعْلَمُ بالذِيْ فِي قَلْبِهِ ... يِكْفِيْهِ عِلْمُ الوَاحِدِ المَنَانِ في القَلْبِ أَمْرٌ لَيْسَ يَقْدُرُ قَدْرَهُ ... إِلا الذِيْ آتَاهُ لِلإِنْسَانِ بِرٌ وتَوْحِيْدٌ وصَبْرٌ مَعْ رِضَا ... والشُكْرُ والتَّحْكِيْمُ لِلْقُرْآنِ سُبْحَانَ قَاسِمِ فَضْلِهِ بَيْنَ العِبَا ... دِ فَذَاكَ مُوْلي الفَضْلِ والإِحْسَانِ فالفَضْلُ عِنْدَ اللهِ لَيْسَ بصُوْرَةِ الْـ ... أَعْمَالِ بَلْ بِحَقَائِقِ الإِيْمَانِ وَتَفَاضُلُ الأَعْمَالِ يَتْبَعُ مَا يَقُوْ ... مُ بِقَلْبِ صَاحِبِهَا مِن البُرْهَانِ حَتَّى يَكُونَ العَامِلاَنِ كِلاَهُمَا ... في رُتْبَةٍ تَبْدُوْ لَنَا بِعِيَانِ هَذَا وَبَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَا ... والأَرْضِ في فَضْلٍ وَفِي رُجْحَانِ وَيَكُونُ بَيْنَ ثَوَابِ ذَا وَثَوَابِ ذَا ... رُتَبٌ مُضَاعَفَةٌ بلا حُسْبَانِ

تيقض لنفس عن هداها تولت

هَذَا عَطَاءُ الرَّبِ جَلَّ جَلاَلُهُ ... وبذاكَ تُعْرَفُ حِكْمَةُ الرَّحْمنِ انتهى هذه قصيدة لبعضهم فيها غُلُوٌّ صلحنا ما فيها من الغلط الاعتقادي ... وجعلنا على ما فيه تصليح أقواسًا تَيَقَّضْ لِنَفْسٍِ عَنْ هُدَاهَا تَوَلتِ ... وَبَادِرْ فَفِي التَّأخِيرِ أعْظَمُ خَشْيَةِ فَحَتَّامَ لا تَلْوي لِرُشْدٍ عِنَانَها ... وَقْدْ بَلَغَتْ مِنْ غَيِّهَا كُلَّ بُغْيَةِ وأمَّارَةٌ بالسُّوءِ لَوَّامَةٌ لِمَنْ ... نَهَاهَا فَلَيْسَتْ لِلْهُدَى مُطْمَئِنَّةِ إذا أزْمَعَتْ أمْرًا فَلَيْسَ يَرُدُّهَا ... عَنِ الفِعْلِ إخْوَانُ التُّقَى وَالمَبَرَّةِ وَإنْ مَرَّ فِعْلُ الخَيْر في بَالِهَا أَنْثَنَى ... أَبُو مُرَّةٍ يَثْنِيهِ في كُلِّ مرَّةِ وَلِى قَدَمٌ لَوْ قُدِّمَتْ لِظُلاَمَةٍ ... لَطَارَتْ وَلَوْ أنِّي دُعِيتُ لِقُرْبَةِ لَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ ... وَرِجْلٌ رَمَى فِيهَا الزَّمَانُ فَشُلَّتِ وَقَائِلَةٍ لَمَّا رَأتْ مَا أصَابَني ... ومَا أنَا فِيهِ مِنْ لَهِيبٍ وَزَفْرَتَي رُوَيْدَكَ لا تَقْنُطْ وإن كَثُرَ الخَطَا ... ولا تَيْأسَنْ مِنْ نَيْل رَوْحٍ ورَحْمَةِ مَعَ العُسْر يُسْرٌ والتَّصَبُّرُ نُصْرَةٌ ... ولا فَرَجٌ إلا بشِدَّةِ أزْمَةِ «وَكَمْ عَامِلٍ أعْمَالَ أهْل جَهَنَّمٍ ... فَلَمَّا دَعَى المَوْلى أعِيْدَ لِجَنَّةِ» فَقُلْتُ لَهَا جُوزِيتِ خَيْرًا على الذي ... مَنَحْتِ مِنَ البُشْرَى وَحُسْن النَّصِيحَةِ فَهَلْ مِنْ سَبِيل لِلنَّجَاةِ مِنَ الرَّدَى ... وَمَا حِيْلَتي في أنْ تُفَرَّجَ كُرْبَتي «فَقَالَتْ فَطِبْ نَفْسًا وَقُمْ مُتَوَجِّهًا ... لِربَّكَ تَسْلَمْ مِنْ بَوَارٍ وخَيْبَةَ» «فَكَمْ آيِسٍ مِنْ رَحْمَةِ الله فالتْجَا ... إليه فَحُطَّتْ عَنْهُ كُلُ خَطِيئَةِ» «فَدَيْتُكَ فَاقْصُدْهُ بِذُلٍّ فَإنه ... يُقِيلُ بَني الزِّلاَّتِ مِنْ كُلِّ عَثْرَةِ» «إذا مَا أتوهُ تَائِبيْنَ مِن الذي ... جَنَوْهُ مِن الآثَام تَوْبَةَ مُخْبِتِ» وصَلِّ إلهي كل يوم وليْلة ... على أحمدَ المختار أَزْكَى البَريةَ انتهى

أيا لاهيا في غمرة الجهل والهوى

آخر: أَيَا لاَهِيًا في غَمْرَةِ الجَهْلِ وَالهَوَى ... صَرِيْعًا عَلى فُرُشِ الرَّدَى يَتَقَلَّبُ تَأَمَّلْ هَدَاكَ اللهُ مَا ثَمَّ وَانْتَبِهْ ... فَهَذَا شَرَابُ القَوْمِ حَقَّا يُرَكَّبُ وَتَرْكِيْبُهُ في هَذِهَ الدَّارِ إنْ تَفُتْ ... فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ المَنِيّةِ مَطْلَبُ فَيَا عَجَبًا مِنْ مُعْرِضٍ عَنْ حَيَاتِهِ ... وَعَن حَظهِ العَالي وَيَلْهُو وَيَلْعَبُ ... ولَو عَلِمَ المَحْرُوْمُ أيَّ بِضَاعَةٍ ... أَضَاعَ لأَمْسَى قَلْبُهُ يَتَلَهَّبُ فَإنْ كَانَ لاَ يَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيُبَةٌ ... وَانْ كَانَ يَدْري فَالمُصِيْبَةُ أَصْعَبُ بَلى سَوْفَ يَدْرِي حِيْنَ يَنْكَشِفُ الغطَا ... وَيُصْبِحُ مَسْلُوبًا يَنُوْحُ وَيَنْدِبُ وَتَعْجَبُ مِمَّنْ بَاعَ شَيْئًا بِدُوْنِ مَا ... يُسَاوِي بِلاَ عِلْمٍ وَأَمْرُكَ أَعْجَبُ لأَنَّكَ قَدْ بِعْتَ الحَيَاةَ وَطِيْبَها ... بِلَذَّةِ حُلْمٍ عَنْ قَلِيْلٍ سَيَذْهَبُ فَهَلاَّ عَكَسْتَ الأَمْرَا إنْ كُنْتَ حَازِمًا ... وَلكِنْ أَضَعْتَ الحَزْنَ وَالحُكْمُ يَغْلِبُ تَصُدُّ وَتَنْأَى عَنْ حَبِيْبِكَ دَائِمًا ... فَأَيْنَ عَنْ الأحْبَابِ وَيْحَكَ تَذْهَبُ

ذنوبك يا مغرور تحصى وتحسب

سَتَعْلَمُ يَوْمَ الحَشْرِ أَيَّ تِجَارَةٍ ... أَضَعْتَ إذا تِلْكَ الموَازِينُ تُنْصَبُ انتهى آخر: ذُنُوبُكَ يَا مَغْرُورُ تُحْصَى وَتُحْسَبُ ... وَتُجْمَعُ في لَوْحٍ حَفِيْظٍ وَتُكْتَبُ وَقَلْبُكَ في سَهْوٍ وَلَهْوٍ وَغَفْلةٍ ... وَأَنتَ عَلى الدُّنْيَا حَرِيصٌ مُعَذَّبُ تُبَاهِيْ بِجَمْعِ المَالِ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ ... وَتَسْعَى حَثِيْثًا في المَعَاصِيْ وَتُذْنِبُ أَمَا تَذْكُرُ المَوْتَ المُفَاجِيْكَ في غَدٍ ... أَمَا أَنْتَ مِن بَعْد السَّلامَةِ تَعْطَبُ أَمَا تَذْكُرُ القَبْرَ الوَحِيْشَ وَلَحْدَهُ ... بِهِ الجِسْمُ مِن بَعْدِ العمَارَةِ يَخْرُبُ أَمَا تَذْكُرُ اليَومَ الطَّوِيْلَ وَهُو لَهُ ... وَمِيْزَان قِسْطٍ لِلْوَفَاءِ سَيُنْصَبُ تَرُوْحُ وَتَغْدُو فِي مَرَاحِكَ لاَهِيًا ... وَسَوْفَ بِأَشْرَاكِ المَنِيَّةِ تَنْشُبُ تُعَالِجُ نَزْعَ الرُّوحِ مِنْ كُلِّ مَفْصِلٍ ... فَلاَ رَاحِم يُنْجِي وَلاَ ثَمَّ مَهْرَبُ وَغُمضَتِ العَيْنَانِ بَعْدَ خُرُوجِهَا ... وَبُسطَتْ الرِّجْلاَنِ وَالرَّأْسُ يَعْصَبُ وَقَامُوا سِرَاعًا فِي جَهَازِكَ أَحُضَرُوا ... حَنُوطًا وَأَكْفَانًا وَلِلْمَاءِ قَرَّبُوا

وَغَاسِلُكَ المَحْزُونُ تَبْكِيْ عُيُونُهُ ... بِدَمْعٍ غَزِيْرٍ وَاكِفٍ يَتَصَبَّبُ وَكُلُّ حَبِيْبٍ لُبُّهُ مُتَحَرِّقٌ ... يُحَرِّكُ كَفَّيْهِ عَلَيْكَ وَيَنْدُبُ وَقَدْ نَشَرُوا الأَكْفَانَ مِنْ بَعْدِ طَيِّهَا ... وَقَدْ بَخَّرُوا مَنْشُورَهُنَّ وَطَيَّبُوا وَأَلْقَوْكَ فِيْمَا بَيْنَهُنَّ وَأَدْرَجُوا ... عَلَيْك مَثَانِي طَيّهُنَّ وَعَصَّبُوا وَفي حُفْرَةٍ أَلْقَوكَ حَيْرانَ مُفْرَدًا ... تَضُمَّكَ بَيْدَاءٌ مِن الأَرْضِ سَبْسَبُ إذَا كَانَ هَذَا حَالُنَا بَعْدَ مَوْتِنَا ... فَكَيْفَ يَطِيْبُ اليَوَم أَكْلٌ وَمَشْرَبُ؟! وَكَيْفَ يَطِيْبُ العَيْشُ وَالقَبْرُ مَسْكنٌ ... بِهِ ظُلُمَاتٌ غَيْهَبٌ ثُمَّ غَيْهَبُ ... وَهَوْلٌ وَدِيْدَانٌ وَرَوْعٌ وَوَحْشَة ... وَكُلُّ جَدِيدٍ سَوْفَ يَبْلى وَيَذْهَبُ فَيَا نَفْسُ خَافِي اللهَ وَارْجِي ثَوابَهُ ... فَهَادِمُ لذَاتِ الفَتَى سَوْفَ يَقْرُبُ وَقُولِي إِلَهِي أَوْلِنِيِ مِنْكَ رَحْمَةً ... وَعَفْوًا فإنَّ اللهَ لِلذَّنْبِ يُذْهِبُ وَلا تُحْرِقَنْ جِسْمِي بِنَارِكَ سَيِّدِيْ ... فَجِسْمِيْ ضَعِيفٌ وَالرَّجَا مِنْكَ أَقْرَبُ

إلى كم تمادى في غرور وغفلة

فَمَا لِيَ إِلاَّ أَنْتَ يَا خَالِقَ الوَرَى ... عَلَيْكَ اتِّكَالِيْ أَنْتَ لِلْخَلْقِ مَهْرَبُ وَصَلِّ إِلَهِيْ كُلَّمَا ذَرَّ شَارِقٌ ... عَلَى أَحْمَدَ المُخْتَارِ مَا لاَحَ كَوْكَبُ انتهى آخر: إلَى كَمْ تَمَادَى في غُرُوْرٍ وَغَفلَةٍ ... وَكَمْ هَكذا نومٌ إلَى غَير يَقْظَةِ لَقَدْ ضَاعَ عُمْرٌ سَاعَةٌ منه تُشْترى ... بمِلءِ السَما والأرض أيَّةَ ضَيْعَةِ أَيُنْفَقُ هَذَا في هَوَى هَذِهِ التي ... أَبَى اللهُ أَنْ تسْوَى جَنَاحَ بعوضَةِ أَتَرْضَى مِن العَيْشِ الرَّغِيْدِ وَعِيْشَةٍ ... مَعْ الملأ الأَعْلَى بِعيْشِ البَهِيْمَةِ فيادُرَّةً بَيْنَ المَزَابِلِ أُلْقِيَتْ ... وَجَوْهَرَةً بيْعَتْ بأَبْخَسِ قِيْمَةِ أَفَانٍ بِبَاقٍ تَشْتَرِيْهِ سَفَاهَةً ... وَسُخْطًا بِرضْوَانٍ ونارًا بجنةِ أَأَنْتَ صَدِيقٌ أَمْ عَدوٌ لِنَفْسِهِ ... فإنَّكَ تَرْمِيْهَا بِكُلِّ مُصِيْبَةِ ولو فَعَلَ الأَعْدَا بِنَفْسِكَ بَعْضَ مَا ... فَعَلْتَ لَمَسَّتْهُم لَهَا بَعْضُ رَحْمَةِ لَقَدْ بِعْتَها هَوْنًا عَلَيْكَ رَخيْصَةً ... وكانَتْ بِهَذا مِنْكَ غَيْر حَقِيْقَةِ أَلاَ فاسْتَفِقْ لا تَفْضَحَنهَا بِمَشْهَدٍ ... مِنَ الخَلْقِ إِنْ كُنْتَ ابْنَ أُمِّ كَرِيمةٍ فَبَيْنَ يَدَيْهَا مَشْهَدٌ وَفَضِيحَةٌ ... يُعَدُّ عَلَيْهَا كُلُّ مِثْقَالِ ذَرَّةِ فُتِنْتَ بِهَا دُنْيا كَثِيْرٌ غُرُوْرُهَا ... تُعَامِلُ في لَذَّتِهَا بالْخَدِيْعَةِ إذَا أقْبَلَتْ بَذَّتْ وَإنْ هَي أَحْسَنَتْ ... أَسَاءَتْ وإنْ ضَاقَتْ فَثِقْ بالكُدوْرَةِ وإنْ نلْتَ مِنْهَا مالَ قارُوْنَ لَمْ تَنلْ ... سِوَى لُقْمَةٍ في فِيْكَ مِنْهَا وخِرْقَةِ وهَيْهَاتَ تحْظى بالأماني ولَمْ تَكُنْ ... لِتَنْزِعَهَا من فِيْكَ أَيْدِي المنِيَّةِ فَدَعْهَا وأَهْليْهَا لِتَغْبِطَهُمْ وخُذْ ... لِنَفْسِكَ عنها فهو كُل غَنِيْمَةِ وَلاَ تغْبِط مِنْهَا بِفَرْحَةِ سَاعَةٍ ... تَعُوْدُ بأحْزَان عَلَيْكَ طَوِيْلَةِ فَعَيْشُكَ فِيْهَا ألْفُ عَامِ وتَنْقَضِيْ ... كَعَيشِكَ فِيْهَا بَعْضُ يَوم وَلَيْلَةِ

وكُنْ ذَاكِرًا للهِ في كُلِّ لَحْظَةٍ ... ولا تَنْسَهُ تُنْسَى فَخُذْ بنَصِيْحَتِيْ ... كَلِفْتَ بِهَا دُنْيًا كَثِيْرٌ غُرُوْرُهَا ... تُقَابِلُنَا في نُصْحِهَا في الخَديْعَةِ عَلَيْكَ بمِا يُجْدِي عَلَيْك مِن التُقَى ... فإنَّكَ في سَهْوٍ عَظيمٍ وَغَفْلَةِ تُصَلِيْ بلا قَلْبٍ صَلاة بِمِثْلِهَا ... يكونُ الفَتَى مُسْتَوْجِبًا لِلْعُقُوْبَةِ تُخَاطِبُهُ إيَّاكَ نَعْبُدُ مُقْبِلًا ... عَلَى غَيرِهِ فيهَا لِغَيرِ ضَرُوْرَةِ ولو رَدَّ مَن نَاجَاكَ لِلغَيْرِ طَرْفَهُ ... تَمَيَّزْتَ مِن غيظٍ عليهِ وَغَيْرَةِ فوَيلَكَ تَدْرِي مَن تُناجِيْهِ معْرضًا ... وبَيْنَ يَدَي مَن تَنْحَنِي غَيْرَ مُخُبْتِ أَيَّا عَامِلاً لِلْنَّارِ جِسْمُكَ لَينٌ ... فَجَرِّبْهُ تَمْرِيْنَاً بحَرِّ الظَّهِيْرَةِ وَدَرَّبْهُ في لَسْعِ الزَّنَابِيرِ تَجْتَرِي ... عَلى نَهْشِ حَيَّاتٍ هُناكَ عَظِيْمَةِ فإنْ كُنْتَ لاَ تَقْوَى فَوَيْلَكَ ما الذي ... دَعَاكَ إلى إسْخاطِ رَبِّ البَرِيَّةِ تُبَارِزُهُ بالمُنْكَراتِ عَشِيَّةً ... وَتُصْبِحُ في أثْوَابِ نُسْكٍ وَعِفَةِ تُسِيءُ به ظنًا وَتُحِسِنُ تارةً ... عَلَى حَسْبِ ما يَقْضِي الهوَى بالقَضِيِّةِ فأَنْتَ عليهِ أجْرَى مِنْكَ عَلَى الوَرَى ... بِمَا فِيْكَ مِن جَهْلٍ وَخُبْثِ طَوِيَّةِ تَقُولُ مَعَ العِصْيانِ رَبي غَافر ... صَدَقْتَ وَلَكِنْ غَافرٌ بالمَشِيْئَةِ وَرَبُّكَ رَزَّاقٌ كَمَا هُوَ غَافِرٌ ... فَلِم لاَ تُصَدِّقْ فِيْهَما بالسَّويِّةِ فَكَيْفَ تُرَجِّيْ العَفْوَ مِن غَيْرِ تَوْبَةٍ ... وَلَسْتَ تُرجِّي الرِّزْقَ إلاَّ بحِيْلَةِ عَلَى أنَّه بالرِّزْقِ كَفَّلَ نَفْسَهُ ... وَلَمْ يَتَكَفَّلْ للأَنَامِ بجنَّتِيْ وما زِلْتَ تَسْعَى بالذي قَدْ كُفِيتَهُ ... وَتُهمِلَ ما كُلِّفتَهُ مِن وَظِيْفَةِ إلهي أجِرْنَا مِنْ عظِيْمِ ذُنُوبِنَا ... ولا تُخْزِنَا وَانْظُرْ إلينَا بِرَحْمَةِ وَخُذْ بِنَواصِيْنَا إليْكَ وَهَبْ لَنَا ... يَقينًا يَقِيْنَا كُلَّ شَكٍّ وَرِيْبَةِ إلهي اهْدِنَا فِيْمَنْ هَدَيْتَ وَخُذْ بِنَا ... إلى الحَقِّ نَهْجًا في سَواء الطِّريْقَةِ وكُنْ شُغْلَنا عَنْ كُل شُغْلٍ وَهَمٍّ ... وَبْغْيتَنَا عن كُلِّ هَمٍّ وَبُغْيَةِ وصلّ صلاةً لا تَنَاهى عَلَى الذي ... جَعَلْتَ بِهِ مِسْكًا خِتَامَ النُّبُوَّةِ انْتَهَى

عليكم بتقوى الله لا تتركونها

آخر: عَلَيْكُم بِتَقْوَى اللهِ لاَ تَتْرُكُوْنَهَا ... فإنَّ التُّقَى أَقْوَى وأَوْلَى وأَعْدَلُ لِبَاسُ التُّقَى خَيْرُ الملابِسِ كُلِّهَا ... وأَبْهَى لِبَاسًا في الوُجُودِ وأَجْمَلُ فَمَا أَحْسَنَ التَّقْوَى وأَهْدَى سَبِيْلَهَا ... بِهَا يَنْفَعُ الإِنسَانَ مَا كَانَ يَعْمَلُ ... فَيَا أَيُّهَا الإِنسانُ بادِرْ إِلى التُّقَى ... وَسَارِْع إِلى الخَيْرَاتِ مَا دُمْتَ مُمْهلُ وَأَكْثِرْ مِن التَّقْوَى لِتَحْمِدَ غِبَّهَا ... بِدَارِ الجَزَاء دَارٍ بها سَوْفَ تَنْزِلُ وَقَدِّمْ لِمَا تُقْدِمُ عَليهِ فإِنَّمَا ... غَدًا سَوْفَ تُجزَى بالّذي سَوْفَ تَفْعَلُ وأَحْسِنْ ولا تُهْمِلْ إذا كُنْتَ قادِرًا ... فَأَنْتَ عن الدُنْيَا قَرِيْبًا سَتَرْحَلُ وأَدِّ فُرُوْضَ الدِّيْنِ وأتْقِنْ أَدَاءَهَا ... كَوَامِلَ في أَوْقَاتِهَا والتَّنَفّل وَسَارِعْ إِلى الخَيْرَاتِ لا تَهْمِلنَّهَا ... فإِنَّكَ إنْ أَهْمَلْتَ مَا أنَتْ مُهْمَلُ وَلَكِنْ سَتُجْزَى بالذي أَنْتَ عَامِلٌ ... وعن ما مَضَى عن كُلِّ شَيْءٍ سَتُسْأَلُ وَلاَ تُلْهِكَ الدُنْيَا فرَبُّكَ ضامِنٌ ... لِرِزْقِ البَرَايَا ضامِنٌ مُتَكَفِّلُ

وَدُنْيَاكَ فاعْبُرْهَا وأخْرَاكَ زِدْ لَهَا ... عَمَارًا وإِيْثَارًا إِذا كُنْتَ تَعْقِلُ فَمَنْ آثَرَ الدُنْيَا جَهُولٌ وَمَنْ يَبِعْ ... لأخْرَاهُ بالدُنْيَا أَضلُّ وأَجْهَلُ وَلَذَّاتُهَا والجَاهُ والعِزُّ والغِنَى ... بِأَضْدَادِهَا عَمَّا قَلِيْلٍ تَبَدَّلُ فَمَنْ عاشَ في الدُنْيَا وإِن طَالَ عُمْرُهُ ... فلابُدَّ عَنْهَا رَاغِمًا سَوْفَ يُنْقَلُ وَيَنْزِلُ دَارًا لا أَنِيْسَ لَهُ بِهَا ... لِكُلِ الوَرَى مِنهم مَعَادٌ وَمَوْئِلُ وَيَبْقَى رَهِيْنًا بالترابِ بِمَا جَنى ... إِلى بَعْثِهِ مِن أَرْضِهِ حِيْنَ يَنْسِلُ يُهَالُ بأَهْوَالٍ يَشِيْبُ بِبعْضِهَا ... وَلاَ هَوْلَ إِلا بَعْدَهُ الهَوْلُ أَهْوَلُ وفي البَعْثِ بَعدَ المَوتِ نَشْرُ صَحائِفٍ ... وَمِيْزَانُ قِسْطٍ طَائِشٍ أَوْ مُثَقَّلُ وَحَشْرٌ يَشِيْبُ الطفْلُ مِنه لِهَوْلِهِ ... وَمنه الجِبَال الرَّاسِيَاتُ تَزَلْزَلُ وَنَارٌ تَلَظَّى في لظاهَا سَلاسِلُ ... يُغَلُّ بِهَا الفُجَارُ ثُمَّ يُسَلْسَلُ شَرَابُ ذَوِيْ الإِجْرَامِ فِيهَا حَمِيْهُمَا ... وَزقُوْمُهَا مَطْعُومُهُمْ حِيْنَ يُؤْكَلُ

حَمِيْمٌ وَغَسَّاقٌ وآخَرُ مِثْلُهُ ... مِنَ المهْلِ يَغْلِي في البُطُونِ وَيشْعَلُ يَزِيْدُ هَوَانًا مِن هَوَاهَا ولاَ يَزَلْ ... إِلى قَعْرِهَا يَهْوِي دَوَامًا وَيَنْزِلُ وَفي نَارِهِ يَبْقَى دَوَامًا مُعَذَّباً ... يَصِيْحُ ثُبُورًا وَيْحَهُ يَتَوَلْوَلُ عَلَيْهَا صِرَاطٌ مِدْحَضٌ وَمَزَلَّةٌ ... عَلَيْهِ البَرَايَا في القِيَامَةِ تُحْمَلُ وفيهِ كَلاَلِيْبٌ تَعَلَّقُ بالوَرَى ... فَهَذَا نَجَا مِنها وَهَذا مُخَرْدَلُ فَلا مُذْنِبٌ يَفْدِيْهِ مَا يَفْتَدِيْ بِهِ ... وإِنْ يَعْتَذِرْ يَومًا فلا العُذْرُ يُقْبَلُ فَهَذَا جَزَاءُ المجرمينَ على الرَّدَى ... وهذا الذي يَومَ القِيَامَةِ يَحْصُلُ أَعُوذُ بِرَبِي مِن لَظَى وَعَذَابِهَا ... وَمِن حَالِ مَن يَهْويْ بِهَا يَتَجَلْجَلُ ... وَمِن حَالِ مَن في زَمْهَرِيْرٍ مُعَذَّبٍ ... وَمَن كانَ في الأَغْلاَلِ فِيْهَا مُكَبَّلُ وَجَنَّاتُ عَدْنٍ زُخْرِفَتْ ثُمَّ أُزْلِفَتْ ... لِقَوْمٍ على التَّقْوَى دَوَامًا تَبَتَّلُ بِهَا كُلَ مَا تَهْوَى النُفُوسُ وَتَشْتَهِيْ ... وَقْرَّةُ عَيْنٍ لَيْسَ عَنها تَرَحُّلُ

مَلاَبِسُهُم فِيْهَا حَرِيْرٌ وَسُنْدُسٌ ... وَإِسْتَبْرَقٌ لا يَعْتَرِيْهِ التَّحَلُّلُ وَمَأْكُوْلُهم مِن كُلِّ مَا يَشْتَهُونَهُ ... وَمِن سَلْسَبِيْل شُرْبُهُم يَتَسَلْسَلُ وأَزْوَاجُهُم حُوْرٌ حِسَانٌ كَوَاعِبٌ ... على مثْلِ شَكْلِ الشَّمْسِ بل هُوَ أَشْكَلُ يُطَافُ عَلَيْهِم بالذي يَشْتَهُونَهُ ... إِذا أَكَلُوا نَوْعًا بآخَرَ بُدِّلُوْا فَوَاكِهُهَا تَدْنُو إِلى مَنْ يُرِيْدُهَا ... وَسُكَّانُهَا مَهْمَا تَمَنَّوْهُ يَحْصُلُ وأَنْهَارُهَا الأَلْبَانُ تَجْري وأَعْسُلٌ ... تَنَاوُلُهَا عَنْدَ الإِرَادَةِ يَسْهُلُ بِهَا كُلُّ أَنْوَاعِ الفَوَاكِهِ كُلِّهَا ... وَخَمْرٌ وَمَاءٌ سَلْسَبِيْلٌ مُعَسِّلُ يُقَالُ لَهُمْ طِبْتُمْ سَلِمْتُمْ مِن الأَذى ... سَلامٌ عَلَيْكُم بالسَّلامَةِ فادْخُلُوا بأَسْبَابِ تَقْوَى اللهِ والعَمَلِ الذي ... يُحبُّ إلى جَنَّاتِ عَدْنٍ تَوَصَّلُوا إِذا كَانَ هَذَا والذي قَبْلَهُ الجَزَاء ... فَحَقٌ على العَيْنَينِ بالدَّمْعِ تُهْمِلُ وَحَقٌ على مَن كَانَ باللهِ مُؤْمِنًا ... يُقَدِّمْ لَهُ خَيْرًا وَلا يَتَعَلَّلُ

وأَنْ يَأْخُذَ الإِنْسَانُ زَادًا مِن التُقَى ... ولا يَسْأَمِ التَّقْوَى وَلاَ يَتَمَلْمَلُ وإِنَّ أَمَامَ الناسِ حَشْرٌ وَمَوْقِفٌ ... وَيَومٌ طَوِيْلٌ ألفُ عَامٍ وَأَطْوَلُ فَيَالَك مِن يَوْمٍ عَلى كُلِّ مُبْطِل ... فَظيْع وأَهْوَالُ القِيَامَةِ تُعْضِلُ تَكُونُ به الأَطْوادُ كَالعِهْنِ أَوْ تَكُنْ ... كَثْيبًا مَهِيْلاً أَهْيَلاً يَتَهَلْهَلُ بِه مِلَّةُ الإِسلامِ تُقْبَلُ وَحْدَهَا ... وَلاَ غَيْرُهَا مِن أَيِ دِيْنِ فَيَبْطُلُ بِهِ يَسْأَلُونَ الناسَ ماذَا عَبَدْتُمُوا ... وماذا أَجَبْتُم مَن دَعَاوَاهُ مُرْسَلُ حِسَاب الذي يَنْقَادُ عَرْضٌ مُخَفَّفٌ ... وَمَن لَيسَ مُنْقَادًا حِسَانٌ مُثَقَّلُ وَمِنْ قَبْلِ ذَاكَ الموتُ يَأْتِيْكَ بَغْتَةً ... وَهَيْهَاتَ لا تَدْرِي مَتَى المَوتُ يَنْزِلُ كُؤُوسُ المَنَايَا سَوْفَ يَشْرَبُهَا الوَرَى ... عَلى الرِّغْمِ شُبَّانٌ وَشِيْبٌ وَأَكْهُلُ حَنَانَيْكَ بَادِرْهَا بِخَيْرٍ فَإِنَّمَا ... على الآلةِ الحَدْبَا سَرِيْعًا سَتُحْمَلُ إذا كُنْتَ قَدْ أَيْقَنْتَ بالمَوتِ والفَنَا ... وبالبَعثِ عَمَّا بَعْدَهُ كَيْفَ تَغْفُلُ

أَيَصْلُحُ إِيْمَانُ المَعَادِ لِمُنْصِفٍ ... ويَنْسَى مَقَامَ الحَشْرِ مَن كَانْ يَعْقِلُ إِذا أَنْتَ لَم تَرْحَلْ بِزَادٍ مِن التُّقَى ... أَبِنْ لِي يَومَ الجَزَا كَيْفَ تَفْعَلُ ... أَتَرْضَى بأنْ تَأْتِي القِيَامَةَ مُفْلِسًا ... على ظَهْرِكَ الأَوْزَارُ بالحَشْرِ تَحْمِلُ إلهي لَكَ الفَضْلُ الذي عَمَّمَ الوَرَى ... وَجُوْدٌ على كُلِ الخَلِيْقَةِ مُسْبَلُ وَغَيْركَ لَو يَمْلِكْ خَزَائِنَكَ التي ... تَزِيْدُ مَعَ الإنْفَاقِ لاَبُدَّ يبخلُ وإِنّي بِكَ الَّلهُمَّ رَبي لَوَاثِقٌ ... وما لِي بِبَابٍ غَيرِ بَابِكَ مَدْخَلُ وَإِنِّي لَكَ اللَّهُمَّ بالدِّينِ مُخْلِصٌ ... وَهَمِّي وَحاجاتي بِجُودِكَ أَنْزِلُ أَعوذُ بِكَ الَّلهُمَّ مِن سُوْءِ صنْعِنَا ... وَأَسْأَلُكَ التَّثْبِيْتَ أُخْرَى وَأَوَّلُ إلهي فَثَبِّتْنِيْ عَلى دِيْنكَ الذِي ... رضِيْتَ بِهِ دِيْنًا وإيَّاهُ تَقْبَلُ وَهَبْ لِي مِن الفِرْدَوْسِ قَصْرَاً مُشَيَّدًا ... وَمُنَّ بِخَيْرَاتٍ بِهَا أَتَعَجَّلُ وَللهِ حَمْدٌ دَائِمٌ بِدَوَامِهِ ... مَدَى الدهْرِ لا يَفْنَى ولا الحَمْدُ يَكْمُلُ

وقدم أحاديث الرسول ونصه

يَزِيْدُ على وَزْنِ الخَلاَئِقِ كُلِّهَا ... وأَرْجَحُ مِن وَزْنِ الجَمِيْعِ وأَثْقَلُ وإِنّي بِحَمْدِ اللهِ في الحَمْدِ أَبْتَدِي ... وأُنْهِيْ بِحَمْدِ اللهِ قَوْلِيْ وَأَبْتَدِي صَلاةً وَتَسْلِيْمًا وَأَزْكَى تَحِيَّةً ... تُعُمُّ جَمِيْعَ المُرْسَلِيْنَ وَتَشْمَلُ وأَزْكَى صَلاة اللهِ ثُمَّ سَلاَمُهُ ... عَلَى المُصْطَفَى أَزْكَى البَرِيَّةِ تَنْزِلُ انْتَهَى آخر: وَقَدِّمْ أَحَاديثَ الرسولِ ونَصَّهً ... على كلِّ قولٍ قد أتَى بإِزائِهِ فإِنْ جَاءَ رَأْيٌّ لِلحَدِيث مُعَارضٌّ ... فلِلرأيِ فاطْرَحْ، واسترحْ مِن عَنَائِهِ فَهَلْ مَعْ وُجُودِ البَحْرِ يَكْفِي تَيَمُّمٌ ... لَمِنْ ليَسَ مَعْذَورًا لَدىَ فُقهَائِهِ؟ وهَلْ يُوقدُ الناسُ المصابيحَ لَلضِيا ... إذا مَا أتىَ ردء الضُّحى بِضَيَائِهِ سَلامِيِ على أهل الحديث فإِنهم ... مَصَابيحُ عِلْمٍ، بل نُجُومُ سَمَائِهِ بهم يَهَتدِي مَن يَقْتدِي بعُلُومِهم ... وَيْرقَى بهم ذُو الداءِ عِلَّةَ دَائِهِ وَيَحْيىَ بهم مَن مَاتَ بالجهَل قَلبُه ... فَهُمْ كالحَيا تَحْيَا البقاعُ بمائِهِ لهَمُ حُلَلٌ قد زَيَّنتْهُم مِن الهدَى ... إذا مَا تَردَّى ذُو الرَّدى بِرِدائِهِ ومَن يَكُنِ الوَحْيُ المُطَهَّرُ عِلْمُه ... فلا رَيبَ في تَوفيقِهِ واْهَتدَائِهِ وما يَستِوي تالي الحديث ومَن تلا ... زَخَارِفَ مَن أهوائِهِ وهُذائِهِ وكُنْ راغبًا في الوَحي لا عنه رَاغِبٌ ... كَخَابِطِ لَيلٍ تائِهٍ في دُجَائِهِ إِذا شامَ برقَا في سَحَابٍ مَشَى بِه ... وإلا بَقِي في شكِه وامترَائِهِ ... ومَن قال: ذا حِلٌّ، وهذا مُحَرَمٌّ ... بغير دَليلٍ فهو مَحْضُ افَترائِهِ

على العلم نبكي إذ قد اندرس العلم

وكُلُ فقيهٍ في الحَقِيْقَةِ مُدَّع ... وَيَثْبُتُ بالوحيين صِدْقُ ادْعائِهِ هُمَا شَاهِدا عَدْلٍ، ولكن كِلاَهُما ... لَدىَ الحُكْمِ قاضٍ عَادِلٍ في قَضَائِهِ فَوَا حَرَّ قَلِبْي مِن جُهُولٍ مُسَوَّدٍ ... بِهِ يُقْتَدى في جَهْلِهِ لِشَقَائِهِ إِذا قُلت: قَولُ المصطَفَى هو مَذْهَبي ... مَتَى صَحَّ عِندِي لَمْ أَقُلْ بِسِوَائِهِ يَرىَ أنها دَعْوىَ اجْتهَادٍ صَريْحَةٌ ... فَواعَجَبًا مِن جَهْلِهِ وجَفائِهِ فَسَلْهُ: أقول الله: ماذا أَجَبْتُمُ؟ ... لِمَن هُوَ يَوَم الحشر عند نِدَائِهِ أَيَسْأَلهم: ماذا أَجَبْتُم مُلْوكَكُمْ؟ ... وما عظَّمَ الإِنسان مِن رُؤَسَائِهِ أم اللهُ يَوَم الحشرِ يَمتَحِنُ الوَرَى ... بماذا أجابُوا الرُسْلَ مِن أَنبيائِهِ وهَلْ يُسْألُ الإِنسانُ عن غير أحمد ... إذا مَا ثَوى في الرَّمْسِ تَحْتَ تُرابِهِ وهَلْ قَولُهُ: يا رب قَلّدتُ غَيْرَهُ ... لَدَى اللهِ عُذرٌّ يَومَ فَصْلِ قَضَائِهِ فَهَيْهَاتَ لا يُغْنِي الفَّتَى يومَ حَشْرِه ... «سِوى حُبه رب الْورَىَ واتقَائِهِ» «وحُبِّ رَسُولِ الله بل كلِ رُسْلِهِ ... ومَن يَقْتِفَيْ آثارَهُم باهْتِدائِهِ» انْتَهَى آخر: على العِلمِ نبكي إِذْ قَدِ انْدرَسَ العِلْمُ ... ولم يَبْقَ فينا منهُ روحٌ ولا جِسْمُ ولكنْ بَقِي رَسْمٌ من العلمِ دارِسٌ ... وعمَّا قليلٍ سوف يَنْطَمِسُ الرَّسْمُ فَآنَ لِعَيْنٍ أنْ تَسيْلَ دُموعُها ... وآن لِقَلْبٍ أنْ يُصَدِّعَهُ الهَمُّ فإنَّ بِفَقْدِ العِلْمِ شَرًا وَفِتنةً ... وَتَضْيِيْعَ دِينٍ أمرُهُ واجبٌ حَتْمُ

وما سَائِرُ الأعْمالِ إلا ضَلالةٌ ... إِذا لمْ يكنْ للعَامِلينَ بها عِلْمُ وما الناسُ دَونَ العلمِ إلا بِظُلْمَةٍ ... مِن الجَهلِ لا مِصباحَ فيها ولا نَجْمُ فَهل يُهْتَدَى إلاَّ بنجْمِ سَمَائِهِ ... إذا ما بَدَا مِنْ أُفْقِهِ ذَلِكَ النَّجْمُ فَهَذَا أَوَانُ القبْضِ لِلْعِلْمِ فَلْينُحْ ... عليه الذي في الحُبِّ كَانَ لهُ سَهْمُ فَلَيْسَ بِمُبْقِي العِلْمِ كَثْرةُ كُتْبِهِ ... فماذا تفيدُ الكتْبُ إنْ فُقِدَ الفَهْمُ؟ وما قَبْضُهُ إلا بِمَوْتِ وُعَاتِهِ ... فقبضُهُمُ قبضٌ لهُ وَبِهمْ يَنْمُو فَجِدَّ وأدِّ الجَهْدَ فيهِ فإنّه ... لِصَاحِبِهِ فَخْرٌ وَذُخْرٌ به الغُنْمُ فعارٌ على المَرْءِ الذي تَمَّ عَقْلُهُ ... وقد أمَّلَتْ فيهِ المُرُوْءةُ والحَزْمُ ... إذا قِيْلَ: ماذا أوْجَبَ اللهُ يا فَتى؟ ... أجابَ بلا أدْرِي وأنَّى لِيَ العِلْمُ وأقْبَحُ مِنْ ذَا لَوْ أَجَابَ سُؤالَه ... بِجَهْلٍ فإنّ الجَهْلَ مَوْدِدٌ وخْمُ أَيَرْضَى بأنَّ الجَهْلَ مِنْ بَعْضِ وَصْفِهِ ... ولو قِيل يا ذا الجَهْلِ فارَقَهُ الحِلْمُ

فَكَيفَ إذا مَا الْبَحْثُ مْنَ بَيْنِ أهْلِهِ ... جَرَى وهو بينَ القومِ لَيْسَ لهُ سَهْمُ تَدُورُ بِهْمْ عَيْنَاهُ لَيْسَ بناطِقٍ ... فغيرُ حَرِيٍّ أنْ يُرَى فاضِلاً فَدْمُ وما العِلمْ إلا كالحَيَاةِ إذا سَرَتْ ... بِجِسْمٍ حَيٍّ والمَيْتُ مَنْ فاتَهُ العِلْمُ وكَمْ في كِتَابِ اللهِ مْنْ مِدْحةٍ لهُ ... يكادُ بها ذُو العِلْمِ فوقَ السُّهَى يَسْمُو وكمْ خَبَرٍ في فَضْلِهِ صَحَّ مُسْنَدَاً ... عن المصطَفَى فاسْألْ بِهِ مَنْ لَهُ عِلْمُ كَفَى شَرَفًا لِلعِلْمِ دَعْوَى الوَرَى لهُ ... جَمِيعًا وَيَنْفِي الجَهْلَ من قُبْحِهِ الفَدْمُ فَلَسْتُ بِمُحْصٍ فَضْلَهُ إنْ ذكرْتُهُ ... فقدْ كَلَّ عنْ إحصائِهِ النثْرُ والنَّظْمُ فيا رافِعَ الدُنْيا على العِلْمِ غَفْلَةً ... حَكَمْتَ فلم تُنْصِفْ وَلَمْ يُصِبِ الحُكْمُ أترْفَعُ دنُيا لا تُسَاوي بأسْرِهَا ... جَنَاحَ بَعُوْضٍ عندَ ذِي العَرْشِ يا فَدْمُ وَتُؤْثِرُ أَصْنَافَ الحُطَامِ على الذي ... بهِ العِزُّ في الدارَيْن والمُلْكُ والحُكْمُ وَتَرغَبُ عن إِرْثِ النَّبِيِيْنَ كُلِّهِمْ ... وَتَرغَبُ في مِيْرَاثِ مَنْ شَأْنُهُ الظُّلْمُ

وَتَزْعُمُ جَهْلاً أنَّ بَيْعَكَ رابحٌ ... فَهيْهَاتَ لم تَرْبَحُ ولم يَصْدُقِ الزَّعْمُ أَلَمْ تَعْتَبِرْ بالسابقينَ فحالُهُمْ ... دَليلٌ على أنَّ الأجَلَّ هُوَ العِلْمُ فَكَمْ قَدْ مَضَى مِنْ مُتْرِفٍ مُتَكَبِّرٍ ... وَمِنْ مَلِك دَانَتْ لهُ العُرْبُ والعُجْمُ فبادُوا فلمْ تَسمَعُ لَهُمْ قَطُّ ذاكِرًا ... وإنْ ذُكِرُوا يَوْمًا فَذِكْرُهُمُ الذَّمُّ وكمْ عالِمٍ ذِي فاقَةٍ وَرَثاثةٍ ... ولكنَّهُ قدْ زَانَهُ الزُّهْدُ والعِلْمُ حَيا ما حَيَا في طِيْبِ عَيْشٍ وَمُذْ قَضَى ... بَقِيْ ذكرُهْ في الناسِ إذْ فُقِدَ الجِسْمُ فكُنْ طالِبًا لِلْعِلْمِ حَقَّ طِلابِهِ ... مَدَى العُمْرِ لا يُوْهِنكَ عنْ ذلكَ السَّأْمُ وهاجِرْ لَهُ في أيِّ أرضٍ وَلَوْ نأتْ ... عَلَيْكَ فإعْمَالُ المَطِيِّ لهُ حَتْمُ وأنْفِقْ جَمِيعَ العُمْرِ فيهِ فَمَنْ يَمُتْ ... له طالبًا نالَ الشهَّادَةَ لاهَضمُ فإنْ نِلْتَهُ فَلْيَهْنِكَ العِلْمُ إنَّهُ ... هو الغَاية العَلْيَاءُ واللَّذَةُ الجِسْمُ فللهِ كَمْ تَفْتَضُّ مِنْ بِكْرِ حِكْمَةٍ ... وَكَمْ دُرَّةٍ تُحْظَى بِهَا وَصْفُها اليُتْمُ

وَكَمْ كاعِبٍ حَسْناءَ تكشِفُ خِدْرَهَا ... فَيُسْفِرُ عَنْ وَجْهٍ بهِ يَبْرأْ السُّقْمُ فتِلْكَ التي تَهْوَى ظَفِرْتَ بِوَصْلِهَا ... لقد طالَ ما في حُبِّها نَحَلَ الجِسْمُ ... فعانِقْ وَقَبِّلْ وارْتَشِفْ مِنْ رُضَابِها ... فعَدْلُك عن وَصْلِ الحَبْيبِ هو الظُلْمُ فجالِسْ رُواةَ العِلْم واسْمَعْ كلامَهُمْ ... فكمْ كَلِمٍ مِنْهُمْ بهِ يَبْرأُ الكَلْمُ وإن أَمَرُوا فاسْمَعْ لَهُمْ وأَطِعْ فهُمْ ... أُولوا الأمْرِ لا مَنْ شأْنُهُ الفَتْكُ والظُلْمُ مَجَالِسُهُمْ مِثْلُ الرّياضِ أَنِيْقَةٌ ... لقد طَابَ مِنها اللَّونُ والرِّيُح والطَّعْمُ أَتْعتَاضُ عن تِلْكَ الرِّيَاضِ وَطِيْبِها ... مَجالِسَ دُنيا حَشْوُهَا الزُّورُ والإِثْمُ فما هِيَ إِلاَّ كَالمَزَابلِ مَوْضِعًا ... لِكُلِّ أذَىً لا يُستطاعُ له شَمُّ فَدُرْ حَوْلَ قالَ اللهُ قالَ رسولُهُ ... وأصحابُه أيضًا فهَذَا هو العِلْمُ وما العِلْمُ آراءُ الرِّجالِ وظنُّهُمْ ... ألمْ تَدرِ أنَّ الظنَّ مِنْ بَعْضِهِ الإِثْمُ وَكُنْ تابِعَاً خَيْرَ القُرُونِ مُمَسِّكًا ... بآثارِهِمْ في الدِِّينِ هذا هُوَ الحَزْمُ

وللدهر تارات تمر على الفتى

وَصَلِّ إلهَ العالَمينَ مُسَلِّمًا ... على مَنْ بِهِ للأنْبِيَاءِ جَرَى الخَتْمُ كذا الآل والأَصْحَاب ما قال قائلٌ ... على العِلْمِ نَبْكِيْ إذْ قدِ انْدَرَسَ العِلْمُ انْتَهَى آخر: وللدَّهْرِ تَارَاتٌ تَمرُ على الفَتَى ... نَعِيْمٌ وبؤْسٌ صِحَّةٌ وسَقَامُ ومَنْ يَكُ في الدنيا فلا يَعْتَبنَّها ... فليسَ عليها مَعْتِبٌ ومَلاَمُ أَجِدَّكَ ما الدنيا ومَاذَا مَتَاعُهَا ... وماذا الذي تَبْغِيْهِ فَهْوَ حُطَامُ فَدَعْهَا وَنَعْمَاهَا هَنيْئًا لأَهْلِهَا ... ولا تَكُ فيها رَاعيًا وسوَامُ هَب أنَّ مَقَاليدَ الأمُور مَلكْتَهَا ... وَدَانَتْ لَكَ الدنيا وأنْتَ هُمَامُ ومُتِّعْتَ باللَّذاتِ دَهْرًا بغِبْطَةٍ ... ألَيْسَ بحَتْمٍِ بَعدَ ذاكَ حِمَامُ فَبَيْنَ البرَايَا والُخُلوْدِ تَبَايُنٌ ... وبَيْنَ المنايا والنُفوس لِزَامُ قَضِيَّةٌ انْقَادَ الأنامُ لحُكْمِهَا ... وما حَادَ عنها سَيّدٌ وَغْلامُ ضَرُوْرِيَّةٌ تَقْضِي العُقولُ بصِدْقِهَا ... وما كان فيها مِرْيةٌ وخِصَامُ سَلِ الأرض عن حَالِ الملوكِ التي خَلَتْ ... لَهُمْ فَوْقَ مَرْقَى الفَرْقَدَيْن مَقَامُ بأبْوَابِهِمْ لِلْوَافِدِيْنَ تَرَاكُمٌ ... بأعْتابِهِم لِلْعَاكِفِيْنَ زِحَامُ تجِبْكَ عن أسْرَارِ السُيُوفِ التي جَرَتْ ... عَليهم جَوَابًا لَيْسَ فيه كَلاَمُ بأنَّ المنَايَا أقْصَدَتْهُم نِبَالُهَا ... وما طاشَ عَن مَرْمىً لَهُم سِهَام وسِيْقُوا مَسَاقَ الغابرينَ إلى الرَّدَى ... وأقْفَرَ منهم مَنْزِلٌ وَمَقَامُ ... وحَلُّوا مَحَلًّا غَيْرَ مَا يَعْهَدُوْنَهُ ... فليس لهم حَتى القِيام قيام أَلمَّ بهم رَيْبُ المنُونِ فَغَالَهُمْ ... فَهُمْ بَيْنَ أطْبَاق الرُّغَام رُغَامُ انْتَهَى

علم الحديث أجل السؤل والوطر

آخر: عِلْمُ الحَدِيْثِ أجِلُّ السُّؤلِ والوَطَر ... «بَعْدَ الكِتَابِ بلا شَكٍّ لَدَى البَشَرِ» فافهَمْهُ واعْمَلْ بِهِ وادْعُ الأنام لَهُ ... واقْطعْ بِهِ العَيْشَ تَعْرِفْ لَذَّةَ العُمْرِ وانْقُلْ رحالك عن مَغْنَاكَ مُرتَحلاً ... لِكَي تَفوزَ بنقِلِ العِلمِ والأَثَرِ ولا تَقُلْ: عاقَني شُغْلٌ، فَلَيْسَ يُرى ... في التَّركِ لِلِعِلمِ مِنْ عُذرٍ لِمُعْتَذِرِ وأَيُّ شُغْلٍ كَمِثْلِ العِلمِ تَطْلُبُه ... وَنَقْلِ ما قَدْ رَوَوْا عن سَيّدِ البَشَرِ؟ أَلْهَى عن العِلمِ أَقْوَامًا تَطَلُّبُهُمْ ... لَذَّاتِ دُنيا غَدَوا منها على غَرَرِ وخَلّفُوا مالَه حَظٌّ ومَكْرُمَةٌ ... إلَى الَّتي هِي دَأْبُ الهُونِ والخَطَرِ وأَيُّ فَخْرٍ بِدُنْيَاهُ لِمَنْ هَدَمَتْ ... مَعَائِبُ الجهلِ منه كُلَّ مُفْتَخَرِ؟! لا تَفخَرَنّ بدنيا لا بَقَاء لَهَا ... وبالعَفافِ وكَسْب العِلمِ فافَتَخِرِ يَفْنَى الرِجالُ وَيْبقَى عِلْمُهُمْ لَهُمُ ... ذِكْرًا يُجَدَّدُ في الآصالِ والبُكُرِ ويَذهبُ الموتُ بالدنيا وصاحبها ... ولَيْسَ يَبْقَى لَهُ في الناسِ مِن أثَرِ تَظُنُّ أنَّكَ في الدنيا أَخوُ كِبَرٍ ... وأنْتَ بالجهِل قد أصْبَحْتَ ذَا صِغَرِ لَيْسَ الكَبيرُ عَظِيمُ القَدْر غَيْرَ فَتَى ... ما زَالَ بالعلمِ مَشْغُولاً مَدَى العُمُرِ قَدْ زَاحَمَتْ رُكْبَتاهُ كُلَّ ذِي شَرَفٍ ... في العِلمِ والحِلْمِ لا في الفَخْرِ والبَطَر فجالِسِ العُلماءَ المُقْتَدَى بِهِمُ ... تَسْتَجْلِبِ النفعَ أوْ تأَمَنْ مِنَ الضَّرَرِ هُمْ سَادَةُ الناسِ حَقًّا والجُلُوسُ لَهُم ... زيادةٌ هكذا قدْ جَاءَ في الخَبرِ والْمَرْءُ يُحْسَبُ مِن قَومٍ يُصَاحِبُهم ... فارْكَنْ إلَى كُلِّ صَافِي العِرْضِ عن كَدَرِ فَمَنْ يُجَالِسْ كَرْيمًا نالَ مَكرُمَةً ... ولَمْ يَشِنْ عِرضَهُ شَيءٌ مِن الغِيرَ كَصَاحِبِ العِطْرِ إنْ لَمْ تَستْفِدْ هِبَةً ... مِن عِطْرِهِ لَمْ تِخِبْ مِنْ ريحِهِ العَطِرِ وَمَنْ يُجَالِسْ رَدِيءِ الطَّبْعِ يُرْدِ بِهِ ... ونالَه دَنَسٌ مِن عِرْضِهِ العَطِرِ كَصَاحبِ الكِيرِ إن يَسْلَمْ مُجَالِسهُ ... مِن نَتْنِهِ لَمْ يُوَقَ الحَرْقَ بالشرَّرِ وكُلُّ مَن لَيْسَ يَنْهِاهُ الحَياءُ ولا ... تَقوى فَخَفْ كُلَّ قُبْحٍ منه وانْتَظِرِ

والناسُ أخلاقُهم شَتّى وأنْفُسُهم ... مِنْهم بَصِيرُ ومنهم مُخْطِيءُ النَّظَرِ ... وأصْوبُ الناسِ رَأْيًا مَنْ تَصَرُّفُهُ ... فيما بِهِ شَرَفُ الأَلبابِ والفِكَرِ واركَنْ إلى كُلِّ مَنْ في وُدّهِ شَرَفٌ ... مِن نابِهِ القَدْرِ بَيْنَ الناسِ مُشْتَهرِ فالمَرْءُ يَشْرُفُ بالأخيارِ يَصْحَبُهُمْ ... وإنْ يَكُنْ قَبلُ شيئًا غَيْرَ مُعْتَبَرِ إنَّ العَقيقَ لَيَسْمُو عندَ نَاظِرِهِ ... إذا بَدَا وهو مَنْظُومٌ مَعَ الدُّرَرِ والمرءُ يَخْبُثُ بالأَشْرَارِ يألَفُهُمْ ... ولَوْ غَدَا حَسَنَ الأخَلاقِ والسِّيَرِ فالماءُ صَفْوٌ طَهُورٌ في أَصَالِتهِ ... حَتَّى يُجَاوِرَه شَيْءٌ مِن الكَدَرِ فكُنْ بِصَحْبِ رِسولِ الله مُقْتَدِيًا ... فإنهم لِلْهُدَى كالأَنْجُمِ الزُّهُرِ وإن عَجَزْتَ عن الْحَدِّ الذي سَلَكُوا ... فكنْ عَنْ الحُبِّ فِيْهِم غَيْرَ مُقْتَصِرِ والْحَقْ بقَوْمٍ إذا لاحَتْ وُجُوهُهُمُ ... رَأَيْتَهَا مِن سَنَا التوفِيقِ كالقَمَرِ أضْحَوْا مِن السّنّة العَلْيَاءِ في سَنَنٍ ... سَهْلٍ وقامُوا بَحِفْظِ الدِينِ والأَثَرِ أَجَلُّ شَيْءٍ لَدَيْهِمْ قال أخْبَرَنَا ... عن الرسولِ بما قد صَحّ مِن خَبَرِ هَذي المَكَارمُ لاَ قَعْبَان مِن لَبَنٍ ... ولا التَّمَتُّعَ باللذات والأَشرِ لاَ شَيءَ أحْسَنُ مِمَّا قَالَ خَالِقُنَا ... فاعْمَلْ بَمَا قَالَهُ في مُحْكَمِ السُّوَرِ وبعده بالوَفا قَولُ الرَّسُول وما ... أجَلُّ مِن سَنَدٍ عن كُل مُشْتَهرِ ومَجْلِسٍ بَيْنَ أهِلِ العِلمِ جَادَ بما ... حَلاَ مِنَ الدُرِّ أوْ حُلِّي مِنَ الدُّرَرِ يومٌ يَمُرُّ وَلَمْ أرْوِ الحَدِيثَ بِهِ ... فَلَسْتُ أحْسِبُ ذاكَ اليومَ من عُمُرِي فإنَّ في دَرْسِ إخْبَار الرسول لَنَا ... تَمَتُّعًا في رِيَاضِ الجنَّةِ الخُضُرِ تَعَلُّلاً إذْ عَدِمْنَا طِيبَ رُؤيَتِهِ ... مَنْ فَاتَهُ العَيْنُ هَدَّ الشَوْقَ بالأَثر كَأنَّهُ بَيْنَ ظَهرَيْنَا نُشَاهِدُهُ ... في مَجْلِسِ الدَّرْسِ بالآصالِ والبُكُرِ زَيْنُ النُبوةِ عَيْنُ الرُّسْلِ خَاتِمُهُم ... بَعْثًا وأوّلُهُم في سَابِقِ القَدَرِ صَلَّى عَليْه إلهُ العرشِ ثُمَّ عَلى ... أَشْياعِهِ ما جَرىَ طَلٌّ على زَهَرِ مَعَ السلامِ دَوَامًا والرَضا أبَدًا ... عن صحَبِهِ الأكرَمينَ الأنْجُمِ الزُّهُرِ

دع البكاء على الأطلال والدار

وعن عَبِيْدِكَ نَحْنُ المُذْنِبِيْنَ فَجُدْ ... بالأَمْنِ مِن كُلّ ما نَخْشاهُ مِن ضَرَرَ وَتُبْ عَلَى الكُلِّ مِنَّا واعْطِنَا كَرَمًا ... دُنْيًا وأُخْرىَ جَمْيعَ السُؤْلِ والوَطَرِ انْتَهَى آخر: دَعِ البكاءَ على الأطْلاَلِ والدَّار ... واذْكُرْ لِمَنْ بَانَ مِنْ خِلٍّ وَمِنْ جَارِ ... وَأَذرِ الدُّمُوعَ نَحِيبًا وابْكِ مِن أَسَفٍ ... على فِرَاقِ لَيْالٍ ذَاتِ أَنْوَارِ عَلَى لَيَالٍ لِشَهْرِ الصَّوْمِ ما جُعِلَتْ ... إِلاَّ لِتَمْحِيْصِ آثَامٍ وَأَوْزَارِ يَا لاَئِمي في البُكَاءِ زِدْنِي بِهِ كَلَفًا ... وَاسْمَعْ غَرِيْبَ أَحَادَيثِي وَأَخْبَارِي ما كَانَ أَحْسَنَنَا والشَّمْلُ مُجْتَمِعٌ ... مِنَّا المُصَلِّي وَمِنَّا القانِتُ الْقَارِي وَفي التَّرَاوِيْحِ لِلرَّاحَاتِ جَامِعَةٌ ... فِيْهَا المَصَابِيْحُ تَزْهُوْ مِثْلَ أَزْهَارِي فِي لَيْلِهِ لَيْلَةُ القَدْرِ الَّتي شَرُفَتْ ... حَقَاً عَلَى كُلِّ شَهْرٍ ذَاتِ أَسْرَارِ تَتَنَزَّلُ الْروحُ والأَمْلاَكُ قَاطِبَةً ... بِإِذْنِ رَبٍّ غَفُوْرٍ خالقٍ بَارِيِ شَهْرٌ بِهِ يُعْتِقُ اللهُ العُصَاةَ وَقَدْ ... أشْفَوا على جُرُفٍ مِن خُطَّةِ النَّارِ نَرْجُو الإِلَهَ مُحِبَّ العَفْوِ يُعْتِقُنَا ... وَيَحْفَظُ الكُلَّ مِن شَرٍّ وَأَكْدَارِ

يا تاركا لمراضي الله أوطانا

وَيَشْمَلُ العَفْوُ والرِّضْوَانُ أَجْمَعَنا ... بِفَضْلِكَ الْجَمِّ لا تَهْتِكْ لأَسْتَارِ فَابْكُوا عَلى مَا مَضَى في الشَّهْرِ واغْتَنِمُوا ... مَا قَدْ بَقِيَ فَهُوَ حَقٌّ عَنْكُمُ جَارِي انْتَهَى آخَر: قَصِيْدةٌ في الحَثِّ على طَلَبِ العِلْمِ: يا تارِكًا لِمَرَاضِي اللهِ أَوطَانًا ... وسالِكًا في طَرِيقِ العِلمِ أَحْزَانَا كُنْ باذِلَ الجدِّ في عِلْم الحديثِ تَنَلْ ... كَلَّ العُلومِ وَكُنْ بالأصْلِ مُشْتَاقًا فالعِلْمُ أَفْضَلُ مَطْلُوبٍ وطالبُهُ ... مِن أَكَمْلِ الناسِ مِيزانًا وَرُجْحانَا والعِلمُ نُورٌ فكُنْ بالعلمِ مُعْتَصِمًا ... إنْ رُمْتَ فَوْزًا لَدَى الرحمن مَولانَا وهو النَّجَاةُ وفيهِ الخيرُ أُجْعمُهُ ... والجَاهلُون أَخَفُّ الناسِ مِيزانَا والعِلمُ يَرفَعُ بَيتًا كان مُنْخَفِضًا ... والجهلُ يَخْفِضُهُ لو كان ما كانَا وأرفعُ الناسِ أهلُ العِلْمِ مَنْزِلةً ... وأوضعُ النَاسِ مَنْ قد كان حَيْرانَا لا يَهْتدي لِطَريقِ الحقِّ مِنْ عَمَهٍ ... بل كانَ بالجهلِ مِمَّن نال خُسرانَا

تلقاهُ بينَ الوَرَى بالجَهلِ مُنْكسِرًا ... لا يَدْري مَا زانَهُ في الناسِ أو شَانَا والعِلمُ يَرْفَعُهُ فوقَ الوَرَى دَرَجَاً ... والناسُ تَعْرفُهُ بالفَضْلِ إذْ عانَا وطالبُ العِلمِ إِنْ يَظْفَر بِبُغْيَتِهِ ... يَنل بالعلمِ غُفْرانًا وَرِضْوانَا فاطلبْهُ مُجْتَهِدًا ما عِشْتَ مُحْتَسِبًا ... لا تَبْتغِي بَدَلاً إنْ كُنْتَ يَقْطَانَا مَنْ نَالَهُ نالَ في الدَّارينَ مَنْزِلةً ... أَوْ فَاتَهُ نَالَ خُسرانًا وَنُقْصانَا وباذِلُ الجِدِّ في تَحْصِيْلِهِ زَمَنًا ... ولَمْ يكنْ نالَ بعدَ الجِدِّ عِرْفانَا ... فلنْ يَضِيعَ لهُ سَعْيٌ ولا عَمَلُ ... عنْدَ الإِلَهِ ولا يُولِيهِ خُسْرانَا فطالبُ العِلمِ إِنْ أصْفَى سَريرَتَهُ ... يَنَالُ مِنْ رَبِّنا عَفْوَاً وَرِضْوانَا فالعِلمُ يَرْفعُهُ في الخُلْدِ مَنْزِلَةً ... والجَهَلُ يُصْليهِ يومَ الحَشْرِ نِيرانَا والجَهَلُ في هذهِ الدُنيا يُنَقِّصْهُ ... والعِلمُ يكْسُوهُ تاجَ العِزِ إِعْلانَا وإنْ تُرِدْ نَهْجَ هذا العِلْمِ تَسْلُكُهُ ... أو رُمْتَ يومًا لِمَا قَدْ قُلْتُ بُرْهانَا

فَأَلْقِ سَمْعًا لِمَا أُبْدِي وكُنْ يَقِظًا ... ولا تَكُنْ غَافِلًا عن ذاكَ كَسْلانَا قد أَلَّفَ الشيخُ في التوحيد مُخْتصَرًا ... يَكْفِي أَخَا اللُبِّ إيضَاحًا وَتِبْيانَا فيهِ البيانُ لِتَوْحِيدِ الإِلهِ بما ... قد يَفعلُ العبدُ للطاعاتِ إيمانَا حُبًّا وَخَوفًا وَتَعْظِيمًا لهُ وَرَجَا ... وَخَشْيةً منهُ لِلرَّحْمنِ إذْعانَا كَذَاكَ نَذْرًا وَذَبْحًا واسْتِغاثَتُنَا ... والاستعانةُ بالمعبودِ مَوْلانَا وغيرُ ذلكَ ممَّا كان يَفْعَلُهُ ... للهِ مِنْ طاعةٍ سِرًّا وإعْلانَا وفيهِ تَوْحيدُنَا رَبَّ العِبادِ بما ... قد يَفعلُ اللهُ إحْكامًا وإتْقانَا خَلْقًا وَرِزْقًا وإِحْياءً وَمَقْدرةً ... بالاخْتِرَاعِ لِمَا قد شاءَ أو كانَا وَيَخْرُجُ الأمرُ عنْ طَوْقِ العبادِ لهُ ... وذاك مِن شأنِهِ أَعْظِمْ بهِ شانَا وفيهِ توحيدنا الرحمنَ أنَّ لَهُ ... صِفاتِ مَجْدٍ وأسْماءً لِمَوْلاَنا تِسْعٌ وَتِسعُونَ اسْمًا غَيرَ ما خَفِيَتْ ... لا يَسْتَطِيْعُ لها الإنسانُ حُسْبانَا

مِمَّا بهِ اسْتأثَرَ الرحمنُ خالقُنا ... أو كان علَّمَهُ الرحْمنُ إنسانَا نُمِرُّها كَيْفَ جَآءت لا نُكَيِّفها ... بَلْ لا نُؤَوِّلها تأوِيْلَ مَنْ مَانَا وَفِيهِ تِبْيانُ إِشْراكٍ يُناقُضُهُ ... بل مَا يُنَافِيهِ مِن كُفْرانِ مَنْ خانَا أَوْ كَانَ يَقْدَحُ في التَّوحْيْدِ مِنْ بِدَعٍ ... شَنْعاءَ أحْدَثَهَا مَنْ كان فَتَّانَا أَوِ المَعَاصِي الَّتِي تُزْرِي بِفَاعِلِها ... ممَّا يُنَقِّصُ تَوْحِيْدًا وإيمانَا فَسَاقَ أَنْواعَ تَوْحيْدِ الإِلهِ كَمَا ... قد كانَ يَعْرفُهُ مَنْ كانَ يَقْظَانَا وَسَاقَ فيهِ الذي قد كان يَنْقُضُهُ ... لِتَعْرِفَ الحقَّ بالأضْدَادِ إمْعَانَا مُضَمِّنًا كُلَّ بابٍ مِنْ تَرَاجِمِهِ ... مِنَ النُصوصِ أحَادِيثًا وَقُرآنَا فالشيخ ضَمَّنَهُ ما يَطْمَئِنُّ لهُ ... قَلْبُ المُوحِّدِ إِيْضَاحًا وَتِبْيانَا فاشْدُدُ يَدَيْكَ بهِ في الأصْلِ مُعْتَصِمًا ... يُورِثْكَ فِيْمَا سِوَاهُ اللهُ عِرْفانَا وانْظُرْ بِقَلْبِكَ في مَبْنَى تَرَاجمِهِ ... تَلقَى هُنالِكَ لِلتّحْقِيْقِ عُنْوانَا ...

ولِلْمُسَائِلِ فانْظُرْ تلقها حِكمَاً ... يَزْدَادُ مِنهنَّ أَهْلُ العِلْمِ إِتْقانَا وَقُلْ جَزَى اللهُ شِيخُ المُسلمينَ كَما ... قَدْ شَادَ لِلْمِلَّةِ السَّمْحَاءِ أَرْكَانَا فقامَ للهِ يَدْعُو الناسَ مُجْتهدًا ... حتى استجابُوا لَهُ مَثْنَى وَوحْدانَا وَوَحَّدُوْا اللهَ حَقًّا لا شَرِيْكَ لهُ ... مِنْ بَعْدِ مَا انْهَمَكُوا في الكُفْرِ أَزْمَانَا وأَصْبحَ الناسُ بعدَ الجهلِ قدْ عَلِمُوا ... وطالَ ما هَدَمُوا لِلدِّين بُنْيانَا وأَظْهَرَ اللهُ هَذا الدِينَ وانْتَشَرَتْ ... أَحْكامُهُ في الوَرَى مِنْ بَعْدِ أنْ كَانَا بالْجَهْلِ والكُفْرِ قَدْ أَرْسَتْ مَعَالمهُ ... لا يَعْرِفُ الناسُ إِلَّا الكُفْرَ أَزْمَانَا يَدْعُونَ غيرَ الإِلهِ الحقِّ مِنْ سَفَهٍ ... وَيَطْلُبُوْن مِنَ الأَمَواتِ غُفَرانَا وَيَنْسِكُونَ لِغَيْرِ اللهِ ما ذَبَحُوا ... وَيَنْذِرِونَ لِغَير اللهِ قُرْبَانَا وَيَسْتغِيُثُونَ بالأَمْواتِ إنْ عَظُمَتْ ... وأَعْضَلَتْ شِدَّةٌ مِنْ حادِثٍ كانَا وَيَنْدِبُونَ لَهَا زيدًا لِيَكْشِفَها ... بَلْ يَنْدِبُونَ لَهَا تَاجَاً وَشُمْسَانَا

دعوني على نفسي أنوح وأندب

فَزالَ ثَمَّ بِهَذَا الشيخِ حِينَ دَعَا ... مَنْ صَدَّ أَوْ نَدَّ عَنْ تَوْحِيْدِ مَوْلانا فَلَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو وَليجَتَهُ ... يَومًا بنجْدٍ ولا يَدْعُونَ أَوْثانا بَلِ الدُّعا كلُّهُ والدِّينُ أجْمعُهُ ... للهِ لا لِسِوَى الرَّحْمنِ إيْمَانًا فاللهُ يُعْلِيهِ في الفِرْدَوسِ مَنْزِلةً ... فَضْلاً وَجُودًا وتَكْريمًا وإحْسَانا واللهُ يُوْلِيهِ أَلْطَافًا وَمَغْفِرَةً ... ورحْمةً مِنْهُ إحسَانا وَرِضْوَانَا ثم الصلاةُ على المَعْصُومِ سيّدِنا ... أزْكَى البرِيةِ إيمانًا وعِرْفانا ما نَاضَ بَرْقٌ وما هبَّ النّسِيْمُ وَمَا ... مسَّ الحَجيْجُ لِبَيْتِ اللهِ أرْكانا أَوْ قَهْقَه الرَّعْدُ في هَدْباءَ مُدْجِنَةٍ ... أوْ ناحَ طيرٌ عَلى الأغصانِ أَزْمانا والآلِ والصَّحْبِ ثُمَّ التابعينَ لهُمْ ... على المُحَجَّةِ إيْمانًا وإحْسَانا انْتَهَى آخر: دعونِيْ على نَفْسِي أَنُوحُ وأنْدُبُ ... بدَمْعٍ غَزيْرٍ واكفٍ يَتَصبَّب دعونِيْ على نَفْسِي أنوحُ فإنَني ... أخَافُ على نَفْسِي الضَّعِيْفةِ تَعْطَبُ

تفت فؤادك الأيام فتا

وَإنِيْ حَقيقٌ بالتّضرُّع والبُكَا ... إذا ما هَدَا النُّوَّامُ والليلُ غَيْهَبُ وَجَالَتْ دَوَاعي الحُزِنِ مِنْ كُل جانبٍ ... وغارتْ نُجُومُ الليلِ وانْقضَّ كَوْكبُ كََفَى أَنَّ عَيْنِي بالدُمُوع بَخِيْلَةٌ ... وأَنِّيْ بآفاتِ الذّنوبِ مُعَذَّبُ ... فَمَنْ لي إذا نادَى المُنادِي بِمَنْ عَصَى ... إِلىَ أَيْنَ إلْجَائِي إِلىَ أَيْنَ أهْرُبُ وقد ظَهَرتْ تِلكَ الفضائحُ كُلها ... وَقَدْ قُرّبَ المِيزانُ والنارُ تَلْهَبُ فَيَا طُولَ حُزْني ثم يا طُولَ حَسْرَتي ... لئنْ كُنتُ في قَعْرِ الجحِيم أُعَذَّبُ فقد فازَ بالمُلْكِ العَظيمِ عِصَابةٌ ... تَبيتُ قِيامًا في دُجَى الليلِ تَرْهَبُ إذا أشْرَفَ الْجَبَّارُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ ... وقد زُيِنّتْ حورُ الجِنانِ الكَواعِبُ فَنادَاهُمُ أَهلاً وسهلاً ومَرْحَبًا ... أبَحْتُ لُكْم دارِي وما شِئْتُمُ اطْلُبُوا انْتَهَى آخر: تَفُتُّ فُؤادَكَ الأيَّامُ فَتًّا ... وتَنْحَتُ جِسْمَكُ الساعاتُ نَحْتًا

وَتُدعُوكَ المَنُونُ دُعَاءَ صِدْقٍ ... أَلاَ يَا صَاحِ أنتَ أُريدَ أَنْتَا أَرَاكَ تُحِبُّ عِرْسَاً ذاتَ غَدْرٍ ... أَبَتَّ طلاقَها الأكْيَاسُ بَتًّا تَنَامُ الدَّهرَ، وَيَحَكَ، في غَطِيْطٍ ... بِهَا حَتَّى إذا مِتَّ انتَبَهْتَا فَكَمْ ذَا أَنْتَ مَخْدُوْعٌ فَحَتَّى ... مَتَى لاَ تَرْعَوِي عنها وَحَتَّى؟! أَبَا بَكْرٍ دَعَوْتُك لَوْ أَجبتَ ... إلى ما فِيهِ حَظُّكَ لو عَقِلْتَا إلى عِلْمٍ تكونُ بهِ إمامًا ... مُطاعًا إنْ نَهَيْتَ وإنْ أَمَرْتَا وَيَجْلو ما بِعَيْنِكَ مِنْ غِشَاءٍ ... وَيَهْدِيْكَ الصِراطَ إذا ضَلَلْتَا وَتَحْمِلُ منهُ في نادِيكَ تَاجًا ... وَيَكْسُوكَ الجَمَالَ إذا اغْتَرَبْتَا يَنَالُكَ نَفعُهُ ما دُمْتَ حيَّاً ... وَيَبْقَى ذِكْرُهُ لَكَ إنْ ذَهَبْتَا هُوَ العَضْبُ المُهنَّدُ لَيْسَ يَكْبُو ... تَنَالُ بِهِ مَقَاتِلَ مَنْ ضَرَبْتَا وكنزٌ لا تخافُ عليهِ لِصَّاً ... خفيفُ الحَمْلِ يُوجَدُ حيثُ كُنْتَا

يَزِيدُ بِكَثْرةِ الإِنفاقِ مِنْهُ ... وَيَنْقُصُ إنْ بِهِ كفًّا شَدَدْتَا فلو قدْ ذُقْتَ مِنْ حَلْواهُ طَعْمَاً ... لآثرْتَ التَعَلُّمَ واجتهدْتَا ولم يَشْغَلْكَ عنهُ هَوَىً مُطاعٌ ... ولا دُنْيَا بِزُخْرُفِهَا فُتِنْتَا وَلا يُلْهيكَ عنْهُ أنيقُ رَوْضٍ ... ولا خَوْدٌ بزينَتِهَا كُلِفْتَا فَقُوْتُ الرُّوحِ أرْواحُ المَعَالي ... وَليس بأنْ طَعِمْتَ وأنْ شَرِبْتَا فَوَاظِبْهُ، وَخُذْ بالجِدِّ فيهِ ... فإنْ أعطاكَهُ البارِي أَخَذْتَا وإنْ أُوتِيْتَ فِيهِ بِطُولِ بَاعٍ ... وقال الناسُ: إنكَ قدْ سَبَقْتَا ... فلا تأَمَنْ سُؤالَ اللهِ فيهِ ... بتَوْبِيْخٍ عَلِمْتَ فهلْ عَمِلْتَا؟! فرأسُ العِلْمِ تَقْوَى اللهِ حَقّاً ... وَلَيْسَ بأنَ تَعَالَى أوْ رَئِسْتَا وَضَافِي ثَوْبِكَ الإِحسانُ لاَ أنْ ... تُرَى ثوبَ الإِساءةِ قد لَبِسْتَا وإنْ أَلْقَاكَ فَهْمُكَ في مَهَاوٍ ... فَلَيْتَكَ ثم لَيْتَكَ ما فَهِمْتَا إذا ما لمْ يُفِدْكَ العلمُ خَيْرًا ... فَخيرٌ مِنْهُ أنْ لَوْ قَدْ جَهِلْتَا

سَتَجْنِي مِنْ ثِمارِ اللَّهْوِ جَهْلاً ... وَتَصْغُرُ في العُيُونِ إذا كَبرْتَا وَتُفْقَدُ إنْ جَهِلْتَ، وأنتَ باقٍ ... وَتُوجَدُ إنْ عَلِمْتَ إذا فُقِدْتَا سَتَذْكُرُ لِلنَّصِيْحَةِ بَعْدَ حِينٍ ... وَتَطْلُبُها إذا عَنْهَا شُغِلْتَا وَسَوْفَ تَعَضُّ مِنْ نَدَمٍ عليها ... وَمَا تُغْني النَّدَامَةُ إنْ نَدِمْتَا إذا أَبْصَرْتَ صَحْبَكَ في سَماءٍ ... وقَدْ رُفِعُوا عليكَ، وَقَدْ سُفِلْتَا فراجعها وَدَعْ عنكَ الهُوَيْنا ... فَمَا بالبُطْءِ تُدْرِكُ ما طَلَبْتَا وَلاَ تَحْفِلْ بِمَالِكَ، وَالْهُ عنهُ ... فَليسَ المَالُ إلا مَا عَلِمْتَا وليسَ لِجَاهِلٍ في الناس مَغْنى ... وَلَوْ مُلْكُ الأنَامِ لَهُ تَأَتَّى سَيَنْطِقُ عنْكَ مالُكَ في نَدِّيٍّ ... وَيَكْتُبُ عنكَ يَومَاً إنْ كَتَبْتَا وما يُغْنِيْكَ تَشْييدُ الْمَبَانِي ... إذا بالجَهْلِ دِينَك قد هَدَمْتَا جَعَلْتَ المالَ فوقَ العِلْمِ جَهْلاً ... لَعَمْرُكَ في القَضِيَّةِ مَا عَدَلْتَا

وَبَيْنُهُمَا بِنَصِّ الوَحْيِ فرْقٌ ... سَتَعْلمُهُ إذا «طَهَ» قَرَأْتَا لَئِنْ رَفَعَ الغَنِيُّ لِوَاءَ مَالٍ ... فَأَنْتَ لِوَاءَ عِلمِكَ قَدْ رَفَعْتَا وإنْ جَلَسَ الغَنِيُّ على الحَشَايَا ... فأنتَ على الكواكِبِ قدْ جَلَسْتَا وإنْ رَكِبَ الجِيادَ مُسَوَّماتٍ ... فأنتَ مَنَاهِجَ التقْوَى رَكِبْتَا وَمَهْمَا افتَضَّ أَبكَار الغَوَاني ... فكَمْ بِكْرٍ مِنَ الحِكَمِ افْتضَضْتَا وَلَيْسَ يَضُرُّكَ الإقْتِارُ شَيْئًا ... إذا مَا أنْتَ رَبَّكَ قدْ عَرَفْتَا فيا مَن عِنَدَهُ لكَ مِنْ جَزْيْلٍ ... إذا بِفِنَاءِ طاعتِهِ أَنَخْتَا فَقَابِلْ بالقَبُولِ صَحيْحَ نُصْحِي ... وإنْ أعْرَضْتَ عنهُ فقَدْ خَسِرْتَا وإنْ راعَيْتَهُ قَوْلاً وَفِعْلاً ... وَعامَلْتَ الإِلهَ بِهِ رَبِحْتَا فَلَيْسَتْ هذه الدنيا بشيءٍ ... تَسُوْؤكَ حِقْبَةً، وَتَسُرُّ وَقْتَا وَغَايَتُهَا إذا فَكّرْتَ فِيها ... كَفَيْئِكَ، أو كَحُلْمِكَ إنْ رَقَدْتَا ...

سُجِنْتَ بِهَا وأنتَ لَهَا مُحِبٌ ... فكيفَ تُحبُّ مَنْ فِيها سُجِنْتَا؟! وَتُطْعِمُكَ الطَّعَامَ وَعَنْ قَلِيْلٍ ... سَتُطْعَمُ مِنْكَ ما مِنْهَا طَعِمْتَا وَتَعْرَى إنْ لِبسْتَ بِهَا ثِيابًا ... وَتُكْسَى إنْ مَلاَبِسَهَا خَلَعْتَا وَتَشْهَدُ كُلَ يومٍ دَفْنَ خِلٍّ ... كأنك لا تُرادُ بِمَا شَهِدْتَا ولمْ تُخْلَقْ لِتَعْمُرَهَا وَلَكِنْ ... لِتَعْبُرَها فَجِدَّ لِمَا خُلقْتَا وإنْ هُدِمَتْ فَزِدْهَا أنْتَ هَدْمًا ... وَحَصِّنْ أمرَ دِينِكَ مَا اسْتَطَعْتَا ولا تَحْزَنْ لِمَا قدْ فاتَ مِنْها ... إذا مَا أَنْتَ في أُخْرَاكَ فُزْتَا فَلَيسَ بِنَافِعٍ ما نِلْتَ منها ... من الفاني إذا الباقي حُرِمْتَا وَلاَ تَضْحَكْ مَعَ السُفهاءِ جَهْلاً ... فإنَّكَ سَوف تَبْكِيْ إنْ ضَحِكْتا وَكَيفَ بِكَ السُرورُ وأنتَ رَهْنٌ ... ولا تَدْرِي غَدًا أنْ لَوْ غُلِبْتَا؟! وسَلْ مِنْ رَبِّكَ التوفيقَ فيها ... وأَخْلِصْ في الدُعاءِ إذا سَأَلْتَا

ونادِ إذا سُجِنْتَ بِهِ اعْتِرافًا ... كَمَا نَادَاهُ ذُو النُّونِ ابنُ مَتَّى ولازِمْ بابَهُ قَرْعًا عَسَاهُ ... سَيَفْتَحُ بابَهُ لَكَ إنْ قَرَعْتَا وأكْثِرْ ذِكْرَهُ في الأرِضِ دَأبًا ... لِتُذْكَرَ في السماء إذَا ذَكَرْتَا وَلاَ تَقُلِ الصِّبَا فيه امْتِهالٌ ... وَفَكِّرْ كَمْ صَغِيْرٍ قدْ دَفَنْتَا وَقُلْ لِيْ يا نَصِيْحِيْ لأَنْتَ أَوْلَى ... بنُصْحِكَ، إذْ بِعَقْلِكَ قَدْ عُرِفْتَا فَتَعْذِلني عن التَّفْرِيطِ يَوْمًا ... وبالتفرِيْطِ دَهْرَك قد قَطَعْتَا وفي صِغَرِيْ تُخَوِّفُني المَنَايَا ... وَمَا تَجْرِيْ بِبَالِكَ حِيْنَ شِخْتَا وَكُنْتَ مَعَ الصّبَا أهْدَى سَبيلا ... فَمَا لَكَ بَعْدَ شَيْبِكَ قَدْ نُكِسْتا وَهَا أَنَا لَمْ أَخُض بَحْرَ الخَطايا ... كما قد خُضْتَهُ حَتَّى غَرِقْتَا وَلَمْ أَشْرَبْ حُمَيا أمّ دَفْرٍ ... وأَنْتَ شَرِبْتَها حَتَّى سَكِرْتَا ولم أحْلِلْ بِوَادٍ فيهِ ظُلْمٌ ... وأنْتَ حَللتَ فيهِ، وانْتَهَكْتا

ولمْ أَنْشَأْ بعَصْرٍ فيهِ نَفْعٌ ... وأنتَ نشأْتَ فيه، فما انْتَفعْتَا وناداكَ الكِتابُ فلمْ تُجِبْهُ ... وَنَبَّهَكَ المشيبُ فما انتَبهْتَا وقد صاحبْتَ أعْلاَمًا كثيرًا ... فلم أَرَكَ انْتَفَعْتَ بِمَنْ صَحِبْتَا ويَقْبُحُ بالفَتَى فِعْلُ التَّصَابِي ... وأقْبَحُ منه شيخٌ قدْ تَفَتَّى فأَنْتَ أَحَقُّ بالتَفنِيدِ مِنّي ... ولو سَكَتَ المُسيءُ لَمَا نَطَقْتَا ... فَنَفْسَكَ ذُمَّ لا تَذْمُمْ سِوَاها ... بِعَيْبٍ فهي أجْدرُ إنْ ذَمَمْتَا ولو بَكَتِ الدِّمَا عَيْنَاكِ خَوْفًا ... لِذَنْبِكَ لم أقُلْ لكَ قدْ أَمِنْتَا فَمَنْ لكَ بالأَمانِ وأَنْتَ عبدٌ ... أُمِرْتَ، فما ائتَمَرْتَ، ولا أَطَعْتَا فسٍِرْتَ القَهْقَرَى، وَخَبَطْتَ عَشْوًا ... لَعَمْرُكَ لَوْ وَصلْتَ لَمَا رَجَعْتَا ثَقُلْتَ مِنَ الذُنُوبِ، وَلَسْتَ تَخْشَى ... لِجَهْلِكَ أَنْ تَخِفَّ إذا وُزِنْتَا وَلَوْ وَافَيْتَ رَبَّكَ دُونَ ذَنْبٍ ... وناقَشَكَ الحسابَ إذًا هَلَكْتَا

ولم يظْلمْكَ في عَمَل ولكنْ ... عَسِيرٌ أنْ تقُومَ بما حَمَلْتَا تَوَجَّعُ لِلْمُصِرِّ على الخَطَايَا ... وَتَرْحَمُهُ، وَنَفْسَكَ مَا رَحِمْتَا ولو قد جِئْتَ يومَ الفصْلِ فَرْدًا ... وأَبْصَرْتَ المَنازِلَ فيهِ شَتَّى لأَعَظَمْتَ النَدَامَةَ فيهِ لَهْفًا ... على ما في حَيَاتِكَ قَدْ أَضَعْتَا تَفِرُّ مِنَ الهَجِيْرِ وَتَتَّقِيْهِ ... فَهَلَّا مِن جَهَنَّمَ قدْ فَرَرْتَا!! وَلَسْتَ تُطيقُ أَهْوَنَها عَذابًا ... ولو كُنْتَ الحَدِيْدَ بِها لَذُبْتَا ولا تكْذِبْ، فإنَّ الأَمْرَ جِدٌّ ... وَلَيسَ كَمَا حَسِبْتَ، وَمَا ظَنَنْتَا أَبَا بَكْرٍ، كَشَفْتَ أقَلَّ عَيْبي ... وما اسْتَعْظَمْتَهُ منهَا سَتَرْتَا فَقُلْ مَا شِئْتَ فِيَّ مِن المَخازِي ... وضاعِفْهَا، فإنَّكَ قَدْ صَدَقْتَا وَمَهْمَا عِبْتَنِي فَلِفَرْطِ عِلْمي ... بباطِنَتِي كأنك قد مَدَحْتَا ولا تَرْضَى المعائبَ فهي عارٌ ... عظيمٌ، يُورِثُ الإِنْسَانَ مَقْتَا

وَتَهْوَى بالوَجِيْهِ مِنَ الثُّرَيَّا ... وَتُبدِلُهُ مَكانَ الفَوْقِ تَحْتَا كَذَا الطَّاعَاتُ تُبلِغُكَ الدَّرَارِي ... وَتَجْعَلُكَ القَرِيْبَ، وإنْ بَعُدْتَا وَتَنْشُرُ عَنْكَ في الدُنْيَا جَمِيْلاً ... فَتَلْقَى البِرَّ فيها حَيْثُ شِئْتَا وتُمسِي في مَسَاكِنِهَا عَزِيْزًا ... وَتَجْنِي الحَمْدَ مِمَّا قد غَرَسْتَا وأَنْتَ اليومَ لمْ تُعْرَفْ بِعَيْبٍ ... وَلاَ دَنَّسْتَ ثوبَك مُذْ نَشَأْتا ولا سابَقْتَ في مَيْدانِ زُورٍ ... ولا أوْضَعْتَ فيه، ولا خَبَبْتَا فإنْ لمْ تَنْأَ عنهُ نَشَبْتَ فيهِ ... فَمَنْ لكَ بالخَلاصِ إذا نَشَبْتَا؟! وَدُنِّسَ مِنْكَ ما طَهَّرْتَ حَتَّى ... كأنك قَبْلَ ذلك ما طَهُرْتَا وصِرْتَ أَسِيرَ ذنبك في وثاقٍ ... وكيف لك الفكاك وقد أسرتا وخف أبناء جنسك واخْشَ مِنْهُمْ ... كما تَخْشَى الضَّراغِمَ والسِّبِنْتَا ... فَخالِطْهُم، وَزَايِلْهُمْ حذارًا ... وكُنْ كالسّامِرِيّ إذَا لُمستَا

وإن جَهِلُوا عليكَ فقُلْ: سلامٌ ... لَعَلَّكَ سَوْفَ تَسْلَمُ إنْ سَلِمْتَا وَمَنْ لَكَ بالسَّلامَةِ في زَمَانٍ ... يُزِلُّ العُصْمَ إلاَّ إِنْ عُصِمْتَا ولا تَلْبثْ بِحَيٍّ فيهِ ضَيْمٌ ... يُميتُ القَلْبَ إلاَّ إنْ كُبِلْتَا فَغَرِّبْ، فالتَّغَرُّبُ فيه خَيْرٌ ... وَشَرِّقْ إنْ بِرِيْقِكَ قدْ شَرِقْتَا فَلَيسَ الزُّهْدُ في الدنيا خُمُولاً ... فأنْتَ بها الأميرُ إذا زَهِدْتَا فَلَو فَوقَ الأمِيرِ يكُونُ عَالٍ ... عُلُوًّا وارْتِفَاعًا كُنْتَ أَنْتَا فإنْ فارَقْتَهَا، وَخَرجْتَ منها ... إلى دارِ السَّلامِ، فقد سَلِمَتَا وإنْ أكرْمتَها، وَنَظَرْتَ فيها ... بإجْلالٍ، فنفسَكَ قدْ أهَنْتَا جَمَعْتُ لكَ النَّصَائحَ فامتَثِلْها ... حَيَاتَكَ، فَهْيَ أفضَلُ ما امتَثَلْتَا وَطَوَّلْتُ العِتابَ، وَزِدْتُ فيهِ ... لأنكَ في البَطَالةِ قدْ أَطَلْتَا فلا تأخُذْ بتَقْصِيرِي، وَسَهْوي ... وَخُذْ بِوَصِيَّتي لَكَ إنْ رُشِدْتَا

يقولون لي فيك انقباض وإنما

وقد أرَفْتُهَا سِتًّا حِسَانا ... فكانا قَبْلَ ذا مِائةً وَسِتّا وصلى اللهُ ما أَوْرَقَ نِضَارٌ ... على المختارِ في شَجَرٍ وَحَتّا انْتَهَى آخر: يَقُولُونَ لِي فِيْكَ انْقِباضٌ وإنَّمَا ... رَأَوْا رجُلاً عن مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجما وما زِلْتُ مُنْحَازًا بِعِرْضِيَ جانِبًا ... عَن الذَمِّ أعْتَدُّ الصِّيانَةَ مَغْنَمَا أَرَى الناسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عندَهُمْ ... وَمَنْ أكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا إذا قَيْلَ هذا مَوْردٌ قُلْتُ قدْ أَرَى ... ولكنَّ نفسَ الحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا أَنهينهُا عنْ بَعْضِ ما قد يَشِينُهَا ... مَخافةَ أَقوَالِ العِدا فِيمَ أو لِمَا فَأُصبِحُ عن عَيبِ اللئيم مُسَلَّما ... وقدَ رَحْتُ في نَفْسِ الكريم مُعَظَّما فإنْ قُلْتَ زَنْدَ العِلْمِ كَابٍ فإنَّمَا ... كَبَا حَيثُ لم تحْمَي حِمَاهُ وأظْلَمَا وَلَوْ أنَّ أَهل العِلمِ صانُوهُ صانَهُمْ ... وَلَوْ عَظَّمُوهُ في النُّفُوسِ لَعُظِّما

مع العلم فاسلك حيث ما سلك العلم

وَلَكن أَهَانُوهُ فَهَانُوا وَدَنَّسُوا ... مُحَيَّاهُ بالأطماعِ حَتَّى تَجَهَّمَا وَلَمْ أقضِ حَقَّ العِلْمِ إنْ كانَ كُلمَّا ... بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِيَ سُلَّمَا وكَمْ طَلَلب رِقي بنُعْماهُ لم يَصِلْ ... إليه وإنْ كانَ الرِّئِيْسَ المعُظَّما ... وكَمْ نِعْمَةٍ كانتْ على الحُرِّ نِقمَةً ... وكمْ مَغْنَمٍ يَعْتَدُّهُ الحُرُّ مَغْرمَا ولكن إذا ما اضْطَرني الضُرُّ لَمْ أبِتْ ... أَقلّبُ فِكْرِي مُنْجدًا ثم مُتْهِماَ إلى أن أرَى مَالا أغُصُّ بِذِكِرْهِ ... إذَا قْلْتُ قَدْ أسْدى إليَّ وأنْعَمَا وَلَمْ أبْتَذِلْ في خِدْمةِ العلمِ مُهْجتِي ... لأِخْدِمَ مَنْ لاَقيْتُ لَكِنْ لأِخْدَمَا أأشْقَى بِهِ غَرْسًا وأجْنِيهِ ذِلَّةً ... إذًا فاتّباعُ الجهلِ قَدْ كَانَ أحْزَمَا انْتَهَى آخر مَعَ العِلْمِ فاسْلُكُ حيثُ مَا سَلَك العِلْمُ ... وَعَنْهُ فَكَاشِفْ كُلَّ مَنْ عِنْدَهُ فَهْمُ فَفِيهِ جَلاءٌ لِلْقُلوبِ مِنَ العَمَى ... وَعَوْنٌ على الدِّينِ الذي أَمْرُهُ حَتْمُ

فإني رأيتُ الْجَهْلَ يُزْرِي بأَهْلِهِ ... وذو العِلْمِ في الأَقْوامِ يَرْفَعُه العِلْمُ يُعَدُّ كَبيرَ القَوْمِ وهو صغيرُهُمْ ... ويَنْفذُ منهُ فيهِمْ القولُ والحُكْمُ وأيُّ رَجاءٍ في امرئٍ شابَ رأَسُهُ ... وَأَفْنَى سِنِيهِ وَهُوَ مُسْتَعْجِمٌ فَدْمُ يَرُوْحُ وَيَغْدُو الدّهْرَ صاحِبُ بِطْنَةٍ ... تَرَكَّبَ في أَحْضانِهَا اللّحْمُ والشَّحْمُ إذا سُئِلَ المِسْكِينُ عَنْ أمْرِ دِيْنِهِ ... بَدَتْ رُخَضَاءُ العَيِّ في وَجْهِهِ تَسْمُو وَهْلْ أَبصَرَتْ عَيْنَاك أقْبَحَ مَنْظَرًا ... مِنْ أشْيَب لا عِلْمٌ لَدَيْهِ وَلاَ حُكْمُ هِيَ السَّوْأةُ السَّوْءَاءُ فاحذرْ شَمَاتَها ... فأوَّلُهَا خِزْيٌ وآخِرُهَا ذَمُّ فَخَالِطْ رُوَاةَ العِلْمِ واصْحَبْ خِيارَهُمْ ... فَصُحْبَتُهُمْ زَيْنٌ وَخِلْطَتُهُمْ غُنْمُ وَلاَ تَعْدُوَنَّ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ فَإنَهُمْ ... نُجُومٌ إذا مَا غابَ نَجْمٌ بَدَا نَجْمُ فَواللهِ لَوْلاَ العِلْمُ مَا اتَّضَحَ الْهُدَى ... وَلاَ لاَحَ مِنْ غَيْبِ الأُّموْرِ لَنَا رَسْمُ انْتَهَى

لقد عفت من ديار العلم آثار

آخر: لَقَدْ عَفَتْ مِنْ دِيَارِ العِلْمِ آثَارٌ ... فَأَصْبَحَ العِلْمُ لا أَهْلٌ وَلا دَارُ يَا زَائِرِيْنَ دِيَارَ العِلْمِ لا تَفِدُوا ... فَمَا بِذَاكَ الحِمَى وَالدَّارِ دَيَّارُ تَرَحَّلَ القَوْمُ عنهَا واسْتَمَرَّ بِهِم ... مُشَمِّرٌ مِنْ حُدَاةِ البَيْنِ سَيَّارُ قَدْ أَوْرَدَ القَوْمَ حَادِيْهم حِياضَ رَدَى ... فَمَا لَهُم بَعْدَ ذَاكَ الوِرْدِ إصْدَارُ لَهَفِيْ عَلَى سُرُجِ الدُّنْيَا الَّتِي طَفِئَتْ ... وَلا يَزَالُ لَهَا في النَّاسِ أَنْوَارُ لَهَفِيْ عَلِيْهِم رِجَالاً طَالَمَا صَبَرُوا ... وَهَكَذَا طَالِبُ العَلْيَاءِ صَبَّارُ ... لَهَفِيْ عَلَيْهِم رِجَالاً طَالَمَا عَدَلُوا ... بَيْنَ الأَنَامِ وَمَا حَابَوْا وَلا جَارُوْا مَالوُا يَمِيْنًا عَنِ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا ... لأَنْهَا في عُيُونِ القَوْمِ أَقْذَارُ هُمُ الذِيْنَ رَعَوا لِلْعِلْمِ حُرْمَتَهُ ... لِلْعِلْمِ بَيْنَهُم شَأَنٌ وَمِقْدَارُ صَانُوْهُ طَاقَتَهُم عَنْ مَا يُدَنِّسُهُ ... كَمَا يَصُونُ نَفِيْسَ المَالِ تُجَّارُ وَأَحْسَنُوا فِيْهِ تَصْرِيفًا لأَنَّهُم ... لَهُم مِنَ اللهِ تَوْفِيْقٌ وَإِقْدَارُ

ذوو العلم في الدنيا نجوم هداية

رَأوهُ كَالنَّجْمِ بُعْدًا لَيْسَ يُدْرِكُهُ ... بَاعٌ قَصِيْرٌ وَفَهْم فيْهِ إِقْصَارُ فَدَوَّنُوْهَا فُرُوْعًا منهُ دَانِيَةً ... لِكُلِّ جَانٍ تَدَلَّتْ مَنْهُ أثْمَارُ يَا صَاحِ فَالْزَمْ طَرِيْقَ القَوْمِ مُتَّبِعًا ... فَرِيْقَهُم لَيْسَ بَعْدَ اليَوْمِ إنْظَارُ وَوَاجِبٌ قَصْرُكَ المَمْدُوْدَ مِنْ أَملٍ ... مَسَافَةُ العُمْرِ في دُنْيَاكَ أشْبَارُ انْتَهَى آخر: ذَوو العِلْمِ في الدنيا نُجومُ هِدايةٍ ... إذا غَابَ نَجْمٌ لاحَ بَعْدُ جَدِيدُ بِهمْ عَزَّ دِينُ اللهِ طرًّا وهُمْ لَهُ ... مَعَاقِلُ مِنْ أعْدَائِهِ وَجُنُودُ آخر: أَرى العلمَ أَعْلىَ رُتْبَةً في المَراتِبِ ... ومِنْ دُونِهِ عِزٌّ العُلَى في المَوَاكِبِ فَذُوْ العِلمِ يَبْقَى عِزُّه مُتضَاعِفًا ... وذُو الجَهْلِ بَعدَ الموتِ تَحْتَ الترائب فَهَيْهَاتَ لا يَرجوُ مَدَاهُ مَن ارْتَقَى ... رُقِيَّ ولي الَمُلْكِ وَاِلي الكَتَائِبِ سأمْلي عَليكم بَعضَ ما فيِهِ فاسْمَعُوا ... فِبْي حَصَرٌ عن ذِكْرِ كُلِّ المَنَاقِبِ هُوَ النُورُ كُلُّ النُور يَهْدِِي عن العَمَى ... وَذُو الجَهْلِ مَرَّ الَدهر بينَ الغَيَاهِب هُوَ الذِّروةُ الشَمَّاءُ تَحْمِي مَن الْتَجَا ... إليها ويَمْشِي آمناً في النّوائِبِ به يَنْتَجِي والناسُ في غَفَلاَتِهِمْ ... به يَرتَجِي والرُّوْحُ بَين التَرائِبِ

تعلم فإن العلم زين لأهله

بِه يِشفَعُ الإنسانُ مَن رَاحَ عاصيًا ... إلى دَرَكِ النِيرانِ شَرِّ العَواقِبِ فمَنَ رَامَهُ رَام الْمَآرِبَ كُلَّها ... ومَن حَازَهُ قدْ حَازَ كُلَّ المَطَالِبِ هو المَنْصبُ العالي فيا صَاحبَ الحِجَا ... إذَا نِلْتَهُ هَوِّنْ بِفوْتِ المَنَاصِبِ فإن فَاتَتِ الدُّنيا وطِيْبُ نَعيْمِها ... [فَغَمَّضْ] فإنٌّ العلِمَ خَيْرُ المواهبِ انْتَهَى آخر: تَعَلَّمْ فإنَّ العِلْمَ زينٌ لأهْلِهِ ... وَفَضْلٌ وَعنوانٌ لِكُلِّ المَحَامِدِ وكُنْ مُستَفِيْدًا كُلَّ يومٍ زِيَادَةً ... من العِلْمِ واسْبِحْ في بُحُورِ الفَوَائِدِ تَفَقَّهْ فإِنَّ الفِقْهَ أَفْضَلُ قائِدٍ ... إلى البِرِّ والتقوَى وأَعْدَلُ قاصِدِ هُوَ العَلَمُ الهَادِي إلى سُنَنِ الهُدَى ... هُوَ الحِصْنُ يُنْجِي مِنْ جَميْعِ الشِّدائِدِ فإنَّ فَقِيْهًا وَاحِدًا مُتَورّعًا ... أَشَدُّ على الشَّيْطانِ مِن أَلْفِ عَابِدِ انْتَهَى آخر: واعْلمْ بأنَّ العِلمَ أرفعُ رُتْبَةً ... وأَجَلُّ مكتسبًا وأسْنَى مَفْخَرِ فاسْلُكْ سبيلَ المْقْتفينَ لهُ تَسُدْ ... إنَّ السيادَةَ تُقْتَنَى بالدَّفْتَر والعالِمُ المدعُوُّ حَبْرًا إنَّما ... سَمَّاه باسم الحَبْرِ حَمْل المَحْبَرِ تَسْمُو إلى ذِي العِلْمِ أبْصَارُ الوَرَى ... وَتَغُضُّ عن ذِي الجَهْلِ لاَ بَلْ تَزْدَرِي

جزى الله أصحاب الحديث مثوبة

وَمُضَمَّرُ الأقلامِ يَبْلغُ أهلُها ... ما ليسَ يُبْلغُ بالعِتَاقِ الضُّمَّرِ والعلمُ ليس بنافعٍٍ أربابَهُ ... ما لْم يُفِدْ عَمَلاً وَحُسْنَ تَبَصُّرِ فاعْمَلْ بعلْمِكَ تُوفِ نَفَسَكَ وَزنها ... لا تَرْضَى بالتَّضْيِيْعِ وَزْنَ المَخْسَرِ انْتَهَى آخر: جَزَى الله أَصْحَابَ الحَدِيثِ مَثْوبَةً ... ويَوأَهُم في الخُلْدِ أعْلَى المَنازِلِ فلولا اعْتنَاهُم بالحديث وحفْظه ... ونَفْيُهُم عَنه ضرُوبَ الأبَاطِل وإِنْفِاقُهم أعْمَارَهُم في طِلاَبِهِ ... ويَحْثِهُمُ عنه بجدٍ مُوَاصِلِ لَمَأ كَانَ يَدْرِيْ مَنْ غَدَا مُتَفَقِّهاً ... صحيحَ حَدِيْثٍ مَنْ سَقِيْم وَبَاطِلِ ولم يَسْتَبنْ ما كان في الذّكْرِ مُجْمَلًا ... ولم ندَري فَرْضًا مِنْ عُمُوم النَّوافِلِ لقدْ بَذَلوُا فِيهِ نُفُوسًا نفيسَةً ... وَبَاعُوا بحَظٍّ آجِل كُلَّ عَاجلِ فحُبُهمُ فَرْضٌ على كُلِّ مُسْلمٍ ... ولَيْسَ يُعَادِيْهِم سِوَى كل جَاهِلِ انْتَهَى آخر: سَلاَمِي على أهل الحديث فإِنني ... نشأْتُ على حُب الأَحَادِيث من مَهْدِي هُمُوا بَذَلُوا في حِفْظِ سُنَّةِ أَحْمَدٍ ... وتنقيحِهَا من جُهْدِهِمْ غايةَ الجُهْدِ وأعْني به أسْلافَ أمَّةِ أحمدٍ ... أُولئكَ في بَيْتِ القَصِيْد هُمُو قَصْدِي أُولئكَ أَمْثَال البخاري ومسلمٍ ... وأحمدَ أَهْلُ الجِدِّ في العِلم والجَدِّ بُحُورٌ وحَاشَاهُم عن الجَزْر إنَّمَاً ... لَهُم مَدَدٌ يأتِي مِن اللهِ بالمَدِّ رَوَوْا وارْتَوَوْا مِن بَحْر عِلْمِ مُحمدٍ ... ولَيْسَتْ لهَم تِلْكَ المذَاهبِ مِن ورْدِ كَفَاهُم كتابُ اللهِ والسُّنَةُ التي ... كَفَتْ قَبْلَهم صَحْبَ الرَّسُوَل ذِوي المَجْد

والي أولى العرفان من أهل الحديث

فمُقْتَدِيًا بالحق كُنْ لا مُقَلِّدًا ... وخلِّ أخَا التَّقْلِيدِ في الأَسْرِ بالقدِّ فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ المقَلِّدِ في الهُدى ... ومن يَقْتَدِي والضِدُّ يُعْرَفُ بالضِّدِّ فَمَنْ يَقْتَدِي أضْحَى إِمَام مَعَارِفٍ ... وكانَ أُوَيْسًا في العِبَادَةِ والزُهْدِ انْتَهَى قال ابنُ القيمِ رَحَمِهُ الله: وَاليْ أُوْلى العِرْفَانِ مِنْ أهْلِ الحديْـ ... ـثِ خُلاَصَةُ الإِنْسَانِ والأَكْوَانِ فَوْمٌ أقامهمو الإِلَهُ لِحِفْظِ هَـ ... ـذا الدِّيْنِ مِنْ ذِيْ بِدْعَةٍ شَيْطَانِ وَأَقَامَهُمْ حَرَسًا مِنَ التّبْدِيْلِ وَالتَّـ ... ـحْرِيْفِ والتَتْمِيْمِ وَالنُّقْصَانِ يَزَكٌ عَلَى الإِسْلامِ بَلْ حِصْنٌ لَهُ ... يَأْوِي إلْيْهِ عَسَاكِرُ الفُرْقَانِ فَهُمُ المحَكُّ فَمَنْ يُرَى مُتَنَقِصاً ... لَهُمُوْ فَزِنْدِيْقٌ خَبِيْثُ جَنَانِ قَوْمٌ هُمُوْ بِاللهِ ثُمِّ رَسُولِهِ ... أوْلَى وَأقْرَبُ مِنْكَ لِلإِيْمَانِ شَتَّانَ بَيْنَ التَّارِكِيْنَ نُصَوْصَهُ ... حَقًّا لأجْلِ زُبَالَةِ الأذْهَانِ وَالتَّارِكِيْنَ لأجْلِهَا آرَاءَ مَنْ ... آراؤهُمْ ضَرْبٌ مِن الهَذَيَانِ لَمَّا فَسَا الشَّيْطَانُ في آذَانِهِمْ ... ثَقُلَتْ رؤسُهُمُو عَن القُرْآنِ

فَلِذَاكَ نَامُوْا عَنْهُ حَتَّى أصْبَحُوْا ... يَتَلاَعَبُوْنَ تَلاَعُبَ الصِّبْيَانِ والرَّكْبُ قَدْ وَصَلُوا العُلاَ وَتَيَمَّمُوا ... مِنْ أَرْضِ طَيْبَةَ مَطْلَعِ الأيْمَانِ وَأتَوا إلى رَوْضَاتِهَا وَتَيَمَّمُوا ... مِنْ أرْضِ مَكَّةَ مَطْلَعِ القُرْآنِ قَوْمٌ إذَا مَا نَاجِذُ النَّصِّ بَدَا ... طَارُوْا لَهُ بِالجَمْعِ وَالوِجْدَانِ ... وَذَا هُمُوْ سَمِعُوا بِمُبْتَدِعٍ هَذَى ذ ... صَاحُوا بِهِ طُرًّا بِكُلِّ مَكَانِ وَرِثُوْا رَسُولَ اللهِ لَكِنْ غَيْرُهُمْ ... قَدْ رَاحَ بِالنُّقْصَانِ وَالحِرْمَانِ وَإذا اسْتَهَانَ سِوَاهُمُ بالنَّصِّ لَمْ ... يَرْفَعْ بِهِ رَأْسًا مِنْ الخُسْرَانِ عَضُّوْا عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ رَغْبَةً ... فِيْهِ وَلَيْسَ لَدَيْهِمُ بَمُهَانِ لَيْسُوْا كَمَنْ نَبَذَ الكِتَابَ حَقِيْقَةً ... وَتِلاَوْةً قَصْدًا لِتَرْكِ فُلاَنِ عَزَلُوْهُ في المغْنى وَوَلَّوْا غَيْرَهُ ... كَأَبِي الرَّبِيْعِ خَلِيْفَةِ السُّلْطَانِ ذَكَرُوْهُ فَوْقَ مَنَابِرٍ وَبِسِكَّةٍ ... رَقَمُوْا اسْمَهُ في ظَاهِرِ الأثْمَانِ

وَالأمْرُ وَالنَّهْيُ المطَاعُ لِغَيْرِهِ ... وَلِمُهْتَدٍ ضُرِبت بِذَا مَثَلاَنِ يَا لَلْعُقُوْلِ أيَسْتَوِيْ مَنْ قَالَ بَالـ ... ـقْرْآنِ وَالآَثَارِ وَالبُرْهَانِ وَمُخَالِفُ هَذَا وَفِطْرَةَ َرَبِّهِ ... اللهُ أكْبَرُ كَيْفَ يَسْتَويَانِ وَالوَحْيُ جَاءَ مُصَدِّقًا لَهُمَا فَلاَ ... تَلْقَى العَدَاوَةَ مَا هُمَا حَرْبَانِ سِلْمَانِ عِنْدَ مُوَفَّقٍ وَمُصَدِّقٍ ... وَاللهُ يَشْهَدُ إنْ هُمَا سِلْمَانِ فَإذَا تَعَارَضَ نَصُّ لَفْظٍ وَارِدٍ ... والعَقْلُ حَتَّى لَيْسَ يَلْتَقِيَانِ فَالعَقْلُ إمَّا فَاسِدٌ وَيَظُنُّهُ الـ ... ـرَأْيُ صَحِيْحَاً وَهُوَ ذُوْ بُطْلاَنِ أوْ أنَّ ذَاكَ النّصَّ لَيْسَ بِثَابِتٍ ... مَا قَالَهُ المَعْصُوْمُ بِالبُرْهَانِ وَنُصُوْصُهُ لَيْسَتْ يُعَارِضُ بَعْضُهَا ... بَعْضًا فَسَلْ عَنْهَا عَلِيْمَ زَمَانِ وَإذَا ظَنَتْتَ تَعَارُضًا فِيْهَا فَذَا ... مِنْ آفَةِ الأفْهَامِ وَالأذْهَانِ أوْ أنْ يَكُوْنَ البَعْضُ لَيْسَ بِثَابِتٍ ... مَا قَالَهُ المَبْعُوْثُ بِالقُرْآنِ انتهى

أوصيكم يا معشر الإخوان

آخر: أُوْصِيْكُمُ يَا مَعْشَرَ الإِخْوَانِ ... عَلَيْكُمُ بِطَاعَةِ الدَّيَّانِ إِيَّاكُمُ أَنْ تُهْمِلُوا أَوْقَاتَكُم ... فَتَنْدَمُوا يَومًا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَإِنَّمَا غَنِيْمَةُ الإِنْسَانِ ... شَبَابُهُ وَالخُسْرُ فِي التَّوَانِي مَا أَحْسَنَ الطَّاعَةَ لِلشُّبَّانِ ... فَاسْعَوا لِتَقْوَى اللهِ يَا إِخْوانِي وَأَعْمِرُوا أَوْقَاتَكُمْ بالطَّاعَة ... وَالذِّكْر كُلَّ لَحظَةٍ وسَاعَةْ وَمَنْ تَفُتْهُ سَاعَة في عُمْرِهِ ... تَكُنْ عَلَيهِ حَسْرَةٌ فِي قَبْرِهِ وَمَنْ يَكُنْ فَرَّطَ فِي شَبَابِهِ ... حَتَّى مَضَى عَجِبْتُ مِن تَبَابهِ ... وَيَا سَعَادَةَ امْرِئٍ قََضاهُ ... فِي عَمَلٍ يَرضَى بِه مَوْلاهُ أَحَبَّ رَبِي طَاعَةِ الشَّبَابِ ... يَا فَوزَهُمْ بجَنَّةِ الرِّضْوانِ فَتُبْ إلى مَولاكَ يَا إِنْسَانُ ... مِن قَبْلِ أَنْ يَفُوتكَ الأَوَانُ وَمَن يَقُلْ إِنِّي صَغِيْرٌ أَصْبِرُ ... ثُمَّ أُطِيْعُ الله حِيْنَ أَكْبُرَ

فِإِنَّ ذَاكَ غَرَّهُ إِبْلِيْسُ ... وَقَلْبُهُ مُغَلَّقٌ مَطْمُوْسُ لا خَيْرَ فِيْمَنْ لَم يَتُبْ صَغِيْرا ... وَلَمْ يَكُنْ بِعَيْبِهِ بَصِيْرَا مُجانِبًا لِلإثْمِ والعِصْيَانِ ... مُخَالفًا لِلنَّفْسِ والشَّيْطَانِ مُلازِمَا تِلاوَةَ القُرْآنِ ... مُسْتَعْصِمًا بِالذِكْرِ مِن نِسْيَانِ مُرَاقِبًا لله فِي الشُّؤونِ ... مُحَاذِرًا مِنْ سَائِرِ الفُتُونِ مُجَانبًا رَذَائِلَ الأَخْلاقِ ... مُجَافِيًا كُلاًّ عَدَا الخَلاقِ مُحَارِبًا لِنزْعَةِ الضَّلالِ ... وَصَوْلَةِ الأَهْوَاءِ وَسوْءِ الحَالِ فَإِنْ أَرَدْتَ الفَوزَ بِالنَّجَاةِ ... فَاسْلُكْ سَبيْلَ الحَقِ والهُدَاة يَا مَنْ يَرُوْمُ الفَوزَ في الجَنَّاتِ ... بِالمُشْتَهَى وَسَائِرِ اللَّذَاتِ انْهَضْ إِلى السَّجْدَاتِ فِي الأَسْحَارِ ... وَاحْرِصْ على الأَوْرَادِ وَالأَذْكَارِ وَاحْذَرْ رِياءَ النَّاسِ فِي الطَّاعاتِ ... فِي سَائِرِ الأَحْوَالِ وَالأَوْقَاتِ

وَاخْتَرْ مِن الأَصْحَابِ كلَّ مُرْشِدِ ... إِنَّ القَرِيْنَ بِالقَرِيْنَ يَقْتَدِي وَصُحْبَةُ الأَشْرَارِ دَاءٌ وَعَمَى ... تَزِيْدُ في القَلْبِ السَّقِيْم السَّقَمَا فَإِن تَبِعْت سُنَّةَ النَّبِي ... فَاحْذَرْ قَرِيْنَ السُوءِ والدَّنِيَّ وَاخْتَرْ مِن الزَّوْجَاتِ ذَاتَ الدِّيْنِ ... وَكُنْ شُجَاعًا فِي حِمَى العَرِيْنِ وَزَوِّد الأَوْلادَ بالآدابِ ... تَحْفَظْ قُلُوبَهُم مِن الأَوْصَابِ وَهَذِّبِ النُفُوسَ بالقُرْآنِ ... وَلا تَدَعْهَا نُهْبَةَ الشَّيْطَانِ وَاحْرِصْ عَلَى مَا سَنَّه الرَّسُولُ ... فَهَو الهُدَى وَالحَقُّ إِذْ يَقُولُ دَعْ عَنْكَ ما يَقُولُه الضُّلاَّلُ ... فَفِيْهِ كُلُّ الخُسْرِ وَالوَبَالُ وَأَصْدَقُ الحَدِيْثِ قَولُ رَبِّنَا ... وَخَيْرُ هَدْي اللهِ عَن نَبِيِّنَا يَا أَيُّهَا الغَفْلانُ عَن مَوْلاهُ ... انْظُرْ بِأَي سَيئ تَلْقَاهُ أَمَا عَلِمْتَ المَوتَ يَأْتِي مُسْرِعًا ... وَلَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى

وَلَيْسَ لِلإنْسَانِ مِن بَعْدِ الأَجَلْ ... إِلا الذِي قَدَّمَهُ مِن العَمَلْ ... فَبَادِرِ التَّوبةَ فِي إِمْكَانِهَا ... مِن قَبْلِ أَنْ تُصَدَّ عن إِتْيَانِهَا يَا أَيُّها المَغْرُورُ مَا هَذَا العَمَلْ ... إِلى مَتَى هَذَا التَّرَاخِي وَالكَسَلْ لَوْ يَعْلمُ الإِنْسَانُ قَدْرَ مَوْتِهِ ... مَا ذَاقَ طُولَ الدَّهْرِ طَعْمَ قُوتِهِ مَالِي أَرَاكَ لَمْ تُفِدْ فِيكَ العِبَرْ ... وَيْحَكَ هذا القَلْبُ أَقْسَى مِن حَجَرْ وَأَفْلَسُ النَّاسِ طَوِيْلُ الأمَلِ ... مُضَيِّعُ العُمْرِ كَثِيْرُ الخَطَلِ نَهَارُهُ مُمْضِيهِ فِي البَطَالَةْ ... وَلَيْلهُ في النَّومِ بِئْسَ الحَالَةْ ادْعُ لَنَا يَا سَامِعا وَصيِّتِي ... بَالعَفْوِ والصَّفْحِ مَعَ العَطِيَّةِ وَالسِتْرِ فَضْلاً مِنْهُ لِلْعُيُوبِ ... وَالمَحْوِ في الكِتَابِ لِلْذُنُوبِ يَا رَبِّ جُدْ بِالفَضْلِ والإِحْسَانِ ... وَالرّوْحِ والريْحَانِ والجِنانِ وَلا تُؤَاخِذْنَا عَلى النِّسيَانِ ... وَلا عَلَى الإِخْطَاءِ وَلا العِصْيَانِ

يشاركك المغتاب في حسناته

يَا رَبِّ وَاحْفَظْنَا مِن الفَتَّانِ ... وَلا تُذِقْنَا حُرْقَةَ النِّيْرَانِ يَا رَبِّ وانْصُرنَا عَلَى الأَعْدَاءِ ... وَاحْمِ الحِمَى مِن هِيْشَةِ الغَوْغَاءِ وَدِيْنَكَ احْفَظْهُ مَع الأَمَانِِ ... لِلأَهْلِ في الأَقْطَارِ وَالأَوْطَانِ وَالحَمْد لله على الخِتَامِ ... وَالشكرِ لله عَلَى الإِنْعَامِ مَا أَعْظَم الإنعامَ مِن مَولانا ... وَأجْزَلَ الإِفْضَالَ إِذْ هَدَانَا لِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ وَالإِسْلامِ ... وَالاقتِدَاءِ بِسَيِّدِ الأَنَامِ ثُمَّ صَلاةُ اللهِ وَالسَّلامُ ... مَا نَاحَ طَيْرُ الأيْكِ والحَمَامِ عَلى النبِي المُصطفى البشير ... الهَاشِمِي المجتبَي النَذِيرِ وَآلِهِ مَا انْبَلَجَ الصَّبَاحُ ... وَصَحْبه ما هَبَّتِ الرِّيَاحُ انْتَهَى آخر: يُشَارِكُكَ المُغْتَابُ في حَسَنَاتِهِ ... وَيُعْطِيْكَ أَجْرَيْ صَوْمِهِ وَصَلاتِهِ وَيَحْمِلُ وِزْرًا عَنْكَ ظَنَّ بِحَملِهِ ... عَنْ النُّجْبِ مِنْ أبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ

فَكَافِيْهِ بِالحُسْنَى وَقُلْ رَبِّ جَازِهِ ... بِخَيْرٍ وَكَفِّرْ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ فَيَا أَيُّهَا المُغْتَابُ زِدْنِي فَإِنْ بَقِيْ ... ثَوَابُ صَلاةٍ أَوْ زَكَاةٍ فَهَاتِهِ فَغَيْرُ شَقِيٍّ مَنْ يَبِيْتُ عَدُوُّهُ ... يُغَامِلُ عَنْهُ الله في غَفَلاَتِهِِ فَلا تَعْجَبُوا مِنْ جَاهِل ضَرَّ نَفْسَهُ ... بإمْعَانِهِ في نَفْعٍ بَعْضِ عُدَاتِهِ ... وَأَعْجَبُ مِنْهُ عَاقِلٌ بَاتِ سَاخِطًا ... عَلى رَجُلٍ يُهْدِي لَهُ حَسَنَاتِهِ وَيَحْمِلُ مِنْ أوْزَارِهِ وَذُنُوبِهِ ... وَيَهْلَكُ في تَخْلِيْصِهِ وَنَجَاتِهِ فَمَنْ يَحْتَمِلْ يَسْتَوْجِبِ الأجْرَ وَالثَّنَا ... وَيُحْمَدُ في الدُّنْيَا وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَمَنْ يَنْتَصِفْ يَنْفَخْ ضِرَاًمًا قَدْ انْطَفَى ... وَيَجْمعُ أَسْبَابَ المَسَاوِيْ لِذَاتِهِ فَلاَ صَالِحٌ يُجزى بهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ... وَلا حَسَنٌ يُثْنَى بِهِ في حَيَاتِهِ يَظَلَّ أَخُو الإنْسَانِ يأْكُلُ لَحْمَهُ ... كَمَا في كِتَابِ اللهِ حَالَ مَمَاتِهِ وَلاَ يَسْتَحِي مِمَّنْ يَرَاهُ وَيَدَّعِي ... بأنَّ صِفَاتِ الكَلبِ دُوْنَ صِفَاتِهِ

تفيض عيوني بالدموع السواكب

وَقَدْ أَكَلاَ مِنْ لحْمِ مَيْتٍ كِلاَهُمَا ... وَلَكَنْ دَعَا الكَلْبَ اضْطِرَارُ اقْتِيَاتِهِ تَسَاوَيْتُمَا أَكْلاً فَأَشْقَاكُمَا بِهِ ... غَدًا مَنْ عَلَيْهِ الخَوْفُ مِنْ تَبعاَتِهِ وَمَا لِكَلامٍٍ مَرَّ كَالرِّيْحِ مَوْقِعٌ ... فَيَبْقَى على الإنْسَانِ بَعْضُ سِمَاتِهِ انْتَهَى آخر: تَفِيْضُ عُيُوْنِيْ بالدُّمُوعِ السَّواكِبِ ... وَمَا لِيَ لا أَبكِي عَلى خَيْرِ ذَاهِبِ عَلى العُمْرِ إذْ ولَّى وَحَانَ انْقِضَاؤُهُ ... بآمَالِ مَغْرُوْرٍ وَأَعْمَالِ نَاكِبِ عَلى غُرَرِ الأيامِ لَمَّا تَصَرَّمَتْ ... وَأَصْبَحْتُ مِنْهَا رَهْنَ شُؤْمِ المَكَاسِبِ عَلى زَهَرَاتِ العَيْشِ لَمَّا تَسَاقَطَتْ ... بِرِيْحِ الأمانيْ وَالظُّنوْنِ الكَوَاذِبِ عَلى أَشْرَفِ الأوْقاتِ لَمَّا غُبِنْتُهَا ... بأَسْوَاقِ غَبْنٍ بَيْنَ لاَهٍ وَلاَعِبِ عَلى أَنْفَسِ الساعَاتِ لَما أَضَعْتُهَا ... وَقَضيْتُهَا في غَفلٍَة وَمَعَاطِبِ عَلى صَرْفِيَ الأيامَ في غَيْرِ طَائِلٍ ... وَلاَ نَافِعٍ مِنْ فِعْلِ فَضْلٍ وَوَاجِبِ عَلى مَا تَوَلى مِنْ زَمَاٍن قَضَيْتُهُ ... وَرَجَّيْتُهُ في غَيْرِ حَق وَصَائِبِ

عَلى فُرَصٍ كَانَتْ لَوْ أَنَّي انْتَهَزْتُهَا ... لَقَدْ نِلْتُ فِيْهَا مِنْ شَرِيْفِ المَطَالِبِ وَأَحْيَانَ آناءٍ مِنْ الدَّهْرِ قَدْ مَضَتْ ... ضيَاعًا وَكَانَتْ مَوْسِمًا لِلرَّغَائِبِ عَلى صُحٍف مَشْحُوْنَةٍ بِمَآثِمٍ ... وَجُرْمٍ وَأَوْزَارٍ وكَمْ مِنْ مَثَالِبِ عَلى كَمْ ذُنُوبٍ كَمْ عُيُوْب وَزَلَّةٍ ... وَسَيِّئٍة مَخْشِيَّةٍ فِيْ العَوَاقبِ عَلى شَهَواٍت كَانَتِ النَّفسُ أَقْدَمَتْ ... عَلَيْهَا بِطَبْعٍ مُسْتَحَثٍّّ وَغَالِبِ عَلَى أَنَّنِي آثَرْتُ دُنْيَا دَنِيَّةً ... مُنَغِّصَةً مَشْحُونَةً بِالْمَعَائِبِ عَلَى عَمَلٍ لِلْعِلْمِ غَيْرِ مُوَافِقٍ ... وَمَا فَضْلُ عِلْمٍ دُونَ فِعْلٍ مُنَاسِبِ ... عَلَى فِعْلِ طَاعَاتٍ بِسَهْوٍ وَغَفْلَةٍ ... وَمِنْ غَيْرِ إِحْضَارٍ وَقَلْبٍِ مُرَاقِبِ أُصَلِّي الصَّلاَةَ الْخَمْسَ وَالْقَلْبُ جَائِلُ ... بِأَوْدِيَةِ الْأَفْكَارِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ عَلَى أَنَّنِي أَتْلُو الْقُرْآنَ كِتَابَهُ ... تَعَالَى بِقَلْبٍ ذَاهِلٍ غَيْرِ رَاهِبِ عَلَى طُولِ آمَالٍ كَثِيرٍ غُرُورُهَا ... وَنِسْيَانِ مَوْتٍ وَهْوَ أَقْرَبُ غَائِبِ

عَلَى أَنَّنِي قَدْ أَذْكُرُ اللَّهَ خَالِقِي ... بِغَيْرِ حُضُورٍِ لَازِمٍ وَمُصَاحِبِ عَلَى أَنَّنِي لَا أَذْكُرُ الْقَبْرَ وَالْبِلَى ... كَثِيرًا وَسَفرًا ذَاهِبًا غَيْرَ آيِبِ عَلَى أَنَّنِي عَنْ يَوْمِ بَعْثِي وَمَحْشَرِي ... وَعَرْضِي وَمِيزَانِي وَتِلْكَ الْمَصَاعِبِ مَوَاقِفُ مِنْ أَهْوَالِهَا وَخُطُوبِهَا ... يَشِيبُ مِنَ الْوِلْدَانِ شَعْرُ الذَّوَائِبِ تَغَافَلْتُ حَتَّى صِرْتُ مِنْ فَرْطِ غَفْلَتِي ... كَأَنِّي لَا أَدْرِي بِتِلْكَ الْمَرَاهِبِ عَلَى النَّارِ أَنِّي مَا هَجَرْتُ سَبِيلَهَا ... وَلَا خِفْتُ مِنْ حَيَاتِهَا وَالْعَقَارِبِ عَلَى السَّعْيِ لِلْجَنَّاتِ دَارِ النَّعِيمِ وَالْـ ... ـكَرَامَةِ وَالزُّلْفَى وَنَيْلِ الْمَآرِبِ مِنَ الْعِزِّ وَالْمُلْكِ الْمُخَلَّدِ وَالْبَقَا ... وَمَا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ مِنْ كُلِّ طَالِبِ وَأَكْبَرُ مِنْ هَذَا رِضَا الرَّبِّ عَنْهُم ... وَرُؤْيَتُهُمْ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ حَاجِبِ فَآهًا عَلَى عَيْشِ الْأَحِبَّةِ نَاعِمًا ... هَنِيئًا مُصَفًّى مِنْ جَمِيعِ الشَّوَائِبِ وَآهًا عَلَيْنَا فِي غُرُورٍ وَغَفْلَةٍ ... عَنِ الْمَلَأ الْأَعْلَى وَقُرْبِ الْحَبَائِبِ

وَآهًا عَلَى مَا فَاتَ مِنْ هَدْيِ سَادَةٍ ... وَمِنْ سِيرَةٍ مَحْمُودَةٍ وَمَذَاهِبِ عَلَى مَا لَهُمْ مِنْ هِمَّةٍ وَعَزِيمَةٍ ... وَجِدٍّ وَتَشْمِيرٍ لِنَيْلِ الْمَرَاتِبِ عَلَى مَا لَهُمْ مِنْ عِفَّةٍ وَفُتُوَّةٍ ... وَزُهْدٍ وَتَجْرِيدٍ وَقَطْعِ الْجَوَاذِبِ عَلَى مَا لَهُمْ مِنْ صَوْمِ كُلِّ هَجِيرَةٍ ... وَمِنْ خَلْوَةٍ بِاللَّهِ تَحْتَ الْغَيَاهِبِ عَلَى الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ اللَّذَيْنِ تَحَقَّقَا ... وَصِدْقٍ وَإِخْلَاصٍ وَكَمْ مِنْ مَنَاقِبِ عَلَى مَا صَفَا مِنْ قُرْبِهِمْ وَشُهُودِهِمْ ... وَمَا طَابَ مِنْ أَذْوَاقِهِمْ وَالْمَشَارِبِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ جَلَالُهُ ... وَقُدْرَتُهُ فِي شَرْقِهَا وَالْمَغارِبِ إِلَيْهِ مَآبِي وَهْوَ حَسْبِي وَمَلْجَئِي ... وَلِي أَمَلٌ فِي عَطْفِهِ غَيْرِ خَائِبِ وَأَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ فِيمَا بَقِي لِمَا ... يُحِبُّ وَيَرْضَى فَهْوَ أَسْنَى الْمَطَالِبِ وَأَنْ يَتَغَشَّانَا بِعَفْوٍ وَرَحْمَةٍ ... وَفَضْلٍ وَإِحْسَانٍ وَسَتْرِ الْمَعَائِبِ وَأَنْ يَتَوَلَّانَا بِلُطْفٍ وَرَأْفَةٍ ... وَحِفْظٍ يَقِينَا شَرَّ كُلِّ الْمَعَاطِبِ

إذا طلعت شمس النهار فإنها

وَأَنْ يَتَوَفَّانَا عَلَى خَيْرِ مِلَّةٍ ... عَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ خَيْرِ الْمَوَاهِبِ ... مُقِيمِينَ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي ... أَتَانَا بِهَا عَالِي الذُّرَى وَالْمَرَاتِبِ مُحَمَّدٌ الْهَادِي الْبَشِيرُ نَبِيُّنَا ... وَسَيِّدُنَا بَحْرُ الْهُدَى وَالْمَنَاقِبِ عَلَيْهِ صَلَاةُ اللَّهِ ثُمَّ سَلَامُهُ ... وَآل وَأَصْحَاب لَهُ كَالْكَوَاكِبِ انْتَهَى قال ابن القيم رحمه الله: إذا طَلَعتْ شمسُ النَّهارِ فإنِّها ... أمارةُ تَسلِيمِي عليكُم فَسلِّمُوا سلامٌ من الرَّحمنِ في كلِّ سَاعةٍ ... وروحٌ وريحانٌ، وفَضلٌ وأَنْعُمُ عَلى الصَّحْبِ والإِخْوَانِ وَالوِلْدِ والأَولى ... رَعَاهُمُ بِإحسانٍ فَجَادُوا وأَنْعمُوا وَسَائرِ مَنْ لِلسُّنَّةِ المَحضةِ اقْتَفَى ... وما زَاغَ عنها فهو حقٌّ مُقوَّمُ أُولئكَ أَتباعُ النَّبيِّ وحِزْبهِ ... ولولاهُم ما كان في الأرْضِ مُسلِمُ وَلولاهُم كَادت تَمِيْدُ بأهلِهَا ... ولكنْ رَوَاسيهَا وأَوتَادهَا هُمُ

وَلَولاهُم كانتْ ظَلامًا بأهْلِهَا ... ولكنهم فيها بُدورٌ وأَنجُمُ أولئكَ أَصحَابِي فَحيهَلا بِهِم ... وحيهلا بِالطَّيبينَ وأَنعُمُ لكلِّ امرئٍ منْهُم سَلامٌ يخُصُّهُ ... يُبلِّغُه الأَدْنَى إليهِ ويَنعَمُ فيا مُحسنًا، بَلِّغْ سَلامِي وقل لَهُم: ... مُحبُّكُم يَدعُو لكُمْ، وَيُسلِّمُ ويا لائمِي في حُبِّهِم وَوَلائِهِم ... تَأمَّلْ، هَدَاكَ الله، من هو أَلوَمُ بأي دَليلٍ أم بأيَّةِ حُجَّةٍ ... تَرَى حُبَّهُم عارًا عليَّ، وَتَنقِمُ وَمَا العارُ إلا بُغْضُهُم واجْتِنَابُهُم ... وحبُّ عِدَاهُم ذَاكَ عارٌ ومَأثَمُ أَمَا والذِي شقَّ القُلوبَ، وأودَعَ الْـ ... المحبَّةَ فِيهَا حَيثُ لا تَتَصَرَّمُ وَحَمَّلها قَلْبَ المُحِبِّ، وإنَّهُ ... لَيضعُفُ عن حَملِ القَمِيصِ ويَألَمُ وَذَلَّلهَا حتى اسْتَكَانَتْ لِصَولَةِ الْـ ... مَحَبَّةِِ لا تَلْوِي ولا تَتَلَعْثَمُ وذَلَّلَ فيهَا أنفسًا دونَ ذُلِّهَا ... حِيَاضُ المَنَايَا فوقَهَا، وهي حُوَّمُ

لأنتمْ عَلَى قُربِ الدِّيارِ وبُعْدِهَا ... أَحبَّتُنَا إنْ غِبْتُمُ أو حَضرتُمُ سَلُوا نَسَماتِ الرِّيحِ كم قد تَحمَّلَتْ ... محبَّةَ صبٍّ شَوقُهُ ليس يُكتَمُ!! وَشَاهِدُ هذا أنَّهَا في هبُوبِهَا ... تكادُ تَبثُّ الوِجدَ لو تَتكلَّمُ وكنتُ إذا ما اشْتدَّ بي الشَّوقُ والجَوَى ... وكادَتْ عَرَى الصَّبرِ الجميلِ تَفصَّمُ أُعلِّلُ نَفْسِي بِالتَّلاقِي وَقُربِهِ ... وَأوهِمُهَا لَكِنَّهَا تَتوهَّمُ ... وَأتبِعُ طَرفِي وِجهَةً أنتم بها ... فلِي بِحماهَا مَربَعٌ وَمُخيَّمُ وأَذْكُرُ بيْتًا قالهُ بعضُ من خَلا ... وقد ضَلَّ عنهُ صَبرُهُ فهو مُغرَمُ «أَسَائِلُ عنكُم كلَّ غادٍ ورَائِحٍ ... وَأُومِي إلى أَوطَانِكُم وَأُسَلِّمُ» وَكَمْ يَصْبِرِ المُشْتَاقُ عَمَّنْ يُحِبُّهُ ... وَفِي قَلْبِهِ نَارُ الأَسَى تَتَضَرَّمُ أَمَا والذِي حَجَّ المُحِبُّونَ بَيْتَهُ ... وَلَبَّوا لَهُ عندَ المَهَلِّ، وَأَحْرَمُوا وَقَدْ كَشَفُوا تِلكَ الرُؤوسِ تَواضُعًا ... لِعِزَّةِ من تَعْنُو الوُجوهُ وَتُسلِمُ

يُهلُّونَ بالبَيْدَاءِ: لَبَّيكَ رَبَّنَا ... لك المُلْكُ والحَمْدُ الذِي أَنْتَ تَعلَمُ دَعَاهُم فَلَبَّوهُ رِضىً وَمَحبَّةً ... فلما دَعَوْهُ كانَ أَقْرَبَ مِنْهُمُ تَراهُم على الإِنْضَاءِ شعثًا رُؤوسُهُم ... وغبرًا وهم فيها أَسَرُّ وأَنْعَمُ وَقَدْ فَارَقُوا الأَوْطَانَ والأَهْلَ رَغْبَةً ... ولم يَثْنِهِم لِذَاتُهُم والتَّنعُّمُ يَسِيرُونَ من أَقْطَارِهَا وَفِجَاجِهَا ... رِجالاً وَرُكبانًا، ولله أَسْلَمُوا ولما رَأَتْ أَبصَارُهُم بَيْتَهُ الذِي ... قُلُوبُ الوَرَى شَوقًا إليه تَضَرَّمُ كأنَّهُم لم يَنْصِبُوا قطُّ قَبْلَهُ ... لأن شَقاهُم قد تَرحَّلَ عنهُمُ فللهِ كمْ من عِبرةٍ مُهَرَاقَةٍ ... وأخرَى على آثَارِهَا تَتقدَّمُ وَقَدْ شَرِقَتْ عَينُ المُحِبِّ بِدَمْعِهَا ... فينظرُ من بَيْنِ الدُّمُوعِ، وَيُسْجِمُ إذا عَايَنَتْهُ العَينُ زَالَ ظَلامُهَا ... وَزَالَ عن القَلبِ الكَئِيْبِ التَّألُّمُ ولا يَعرِفُ الطَّرفُ المُعاينُ حُسنَهُ ... إلى أن يَعُودَ الطَّرفُ والشَّوقُ أعظَمُ

ولا عَجبٌ من ذَا فَحِيْنَ أَضَافَه ... إلى نفسهِ الرَّحمنُ، فهو المُعظَّمُ كَساهُ من الإِجلالِ أعظمَ حُلَّةٍ ... عليها طِرازٌ بالمَلاحَةِ مُعلَمُ فَمِنْ أَجْلِ ذَا كلُّ القُلُوبِ تُحِبُّهُ ... وَتَخْضَعْ إِجْلالاً له وَتُعَظِّمُ ورَاحُوا إلى التَّعريفِ يَرجُونَ رَحْمَةً ... وَمَغفرةً ممنْ يَجُودُ ويُكْرِمُ فَللهِ ذاكَ المَوقفُ الأعظمُ الذِي ... كَموقِفِ يوم العَرضِ بَلْ ذَاكَ أَعْظَمُ وَيَدنُو بِهِ الجَبَّارُ جلَّ جَلالُهُ ... يُباهِي بهم أَمْلاكَهُ فهو أَكْرَمُ يقولُ: عِبادِي قد أَتَونِي مَحَبَّةً ... وإنِّي بهم بَرٌّ أَجودُ، وَأَرحمُ فَأُشهِدُكُم أنِّي غَفَرتُ ذُنُوبَهُم ... وَأَعْطَيْتُهُم مَا أَملُوهُ وأَنْعَمُ فَبُشرَاكُم يا أَهلَ ذَا المَوقفِ الذِي ... بهِ يَغفرُ اللهَ الذُّنُوبَ، وَيرحمُ ومَا رُؤي الشَّيطانُ أغْيَظَ في الوَرَى ... وأحقرَ منهُ عندهَا، وهو الأَمُ ... وَذَاكَ لأمْرٍ قد رآهُ فَغَاظَهُ ... فأقبل يَحثُو التُّربَ غَيظًا، وَيلطِمُ

وَمَا عَاينَتْ عَينَاهُ من رَحْمَةٍ أَتَتْ ... وَمغفرةٍ من عند ذِي العَرشِ تُقسَمُ بَنَى ما بَنَى، حتى إذَا ظَنَّ أنَّهُ ... تَمَكَّنَ مِن بُنْيَانِهِ، فهوَ مُحْكَمُ أَتَى اللهُ بُنيَانًا له مِنْ أَسَاسِهِ ... فَخَرَّ عَلِيهِ سَاقطًا يَتَهَدَّمُ وَكَمْ قَدْرَ مَا يَعْلُو البِنَاءُ وَيَنْتَهِي ... إذا كَانَ يَبْنِيْهِ وذُو العَرشِ يَهدِمُ وَرَاحُوا إلى جَمعٍ فَبَاتُوا بِمَشْعَرِ الْـ ... حَرَامِِ وَصَلُّوا الفَجْرَ، ثم تَقدَّمُوا إلى الجَمْرَةِ الكُبرى يُريدُونَ رَميهَا ... لِوْقْتِِ صَلاةِِ العِِيْدِِ، ثُمَّ تَيَمَّمُوْا مَنَازِلهُمْ للنَّحرِ يَبغُونَ فضلَهُ ... وَإحْيَاءَ نُسكٍ من أَبِيْهِم يُعَظَّمُ فلو كان يُرضَي اللهُ نحرُ نُفُوسِهِم ... لَدَانُوا به طَوعًا، وللأمرِ سلَّمُوا كَمَا بَذَلُوا عِندَ الجِهَادِ نُحُورَهُم ... لأَعدَائِهِ حَتَّى جَرَى مِنْهُمُ الدَّمُ وَلكنَّهُم دَانُوا بوضعِ رُؤوْسِهِِمْ ... وذَلِكَ ذُلٌّ لِلْعَبِيْدِِ ومِيْسَمُ ولَمَّا تقضَّوا ذلكَ التَّفَثَ الّذِي ... عَلَيْهِمْ، وأَوْفُوْا نَذْرَهُم، ثُمَّ تَمَّمُوْا

دَعَاهُم إلى البَيْتِِ العَتِيْقِِ زِيَارَةً ... فَيَا مَرْحَبًا بِالزَّائِرِيْنَ وأَكْرِِمُ فَللَّهِ مَا أَبْهَى زِِيَارَتَهُمْ لَهُ!! ... وَقَدْ حُصِّلَت تِلْكَ الجَوَائِزُ تُقْسَمُ ولله إِفْضَالٌ هُنَاكَ ونَعْمَةٌ ... وبِرٌّ وإحْسَانٌ، وَجُوْدٌ ومَرْحَمُ وَعَادُوْا إلَى تِلْكَ المَنَازِِلِِ منْ مِنَى ... وَنَالُوا مُناهُم عندها، وتَنعَّمُوا أقامُوا بها يومًا ويومًا وثالثًا ... وأُذِّنَ فيهم بالرَّحيلِ وأعلِمُوا ورَاحُوْا إلى رَمْي الجَمارِ عَشِيَّةً ... شِعَارُهُمُ التَّكْبِيْرُ وَاللهُ مَعهُمُ فَلَوْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ مَوْقِِفَهُم بها ... وقد بَسطُوا تلكَ الأكُفَّ لِيُرحَمُوْا يُنَادُونَهُ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، إِنَّنَا ... عَبيْدُكَ لا نَدْعُو سوَاكَ، وتَعلَمُ وَهَا نَحْنُ نَرْجُوْ مِنْكَ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ ... فَأنْتَ الّذِِي تُعْطِيْ الجَزيْلَ وتُنْعِمُ وَلَمَّا تَقَضَّوْا من مِنَى كُلَّ حَاجَةٍ ... وَسَالَتْ بهمْ تلْكَ البِِطَاحُ تَقَدَّمُوْا إِلى الكَعْبَةِ البَيْت الَحَرامِ عَشيَّةً ... وَطَافُوْا بهَا سبْعًا، وصَلُّوْا وَسَلَّمُوْا

ولما دَنَا التَّوْديْعُ مِنْهُمْ وأيْقَنُوْا ... بأنَّ التَّدانِي حَبلهُ مُتصرِّمُ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ وَقْفَةٌ لِِمُوَدِّعٍ ... فَلِلَّهِ أَجْفَانٌ هُنَالِكَ تَسْجُمُ!! وللهِ أَكْبَادٌ هُنَالِكَ أُوْدِِعَ الْـ ... غَرَامُ بِهَا!! فالنَّارُ فِيْهَا تَضَرَّمُ وللهِ أنْفَاسٌ يَكَادُ بِِحَرِّهَا ... يَذُوْبُ المُحِبُّ المُسْتَهَامُ المُتَيَّمُ ... فَلَمْ تَرَ إلاَّ بَاهِتًا مُتحيِّرًا ... وآخَرَ يُبْدِِيْ شَجْوَهُ يَتَرَنَّمُ رَحَلْتُ، وأَشْواقِِي إِلَيْكُمْ مُقِِيْمَةٌ ... ونارُ الأَسَى مِنِّي تُشَبُّ وتُضرمُ أُوَدِّعُكُمْ وَالشَّوْقُ يَثْنِِي أَعِنَّتِيْ ... وَقَلْبِيَ أَمْسَى في حِمَاكَمْ مُخَيِّمُ هُنَالِكَ لا تَثْرِيْبَ يَوْمًا عَلَى امْرئ ... إذَا مَا بَدَا مِنْهُ الّذِيْ كَانَ يَكْتُمُ فَيَا سَائِقِيْنَ العِيْسَ، بالله رَبِّكُمْ ... قِفُوْا ليْ عَلَى تِلْكَ الرُّبُوْعِ وسَلِّمُوْا وَقُوْلُوا مُحِبٌّ قَادَهُ الشَّوقُ نَحْوَكُمْ ... قَضَى نَحْبَهُ فِيكُم تَعِيشُوْا وتَسْلَمُوْا قَضَى الله رَبُّ العَرْشِِ فِيْمََا قَضَى بِهِ ... بأنَّ الهَوَى يُعْمِي القُلُوْبَ ويُبْكِمُ

وحُبُّكُمْ أَصْلُ الهُدَى، ومَدَارُهُ ... عَلَيْهِ، وَفَوْزٌ لِلْمُحِبِّ، ومَغْنَمُ وَتَفْنَى عِظَامُ الصَّبِّ بَعْدَ مَمَاتِهِ ... وَأَشوَاقُهُ وقْفٌ عَلَيْهِ مُحَرَّمُ فَيَا أَيُّهَا القَلْبُ الذِي مَلَكَ الهَوَى ... أَزِمَّتَهُ، حَتَّى مَتَى ذَا التَّلوُّمُ؟! وَحَتَّامَ لا تَصْحُو وَقَدْ قَرُبَ المَدَى ... وَدنَت كُؤُوْسُ السَّيْرِ والنَّاسُ نُوَّمُ بَلَى، سَوْفَ تَصْحُو حِيْنَ يَنْكَشِفُ الغِطَا ... وَيَبْدُو لكَ الأَمْرُ الّذِي أَنْتَ تَكْتُمُ وَيَا مُوْقِدًا نَارًا لِغَيْركَ ضَوْؤُهَا ... وَحَرُّ لَظَاهَا بَيْنَ جَنْبَيْكَ يُضْرَمُ أَهَذَا جَنَي العِِلْمِ الذي قَدْ رَضِيْتَهُ ... لِنَفْسِكَ في الدَّارِينْ: جَاهٌ وَدِرْهَمُ؟! وَهَذا هُوَ الرِّبحُ الذي قَدْ كَسَبْتَهُ؟! ... لَعمْرُكَ لا ربْحٌ، وَلاَ الأصْلُ يَسْلَمُ!! بَخِلْتَ بِشَيْءٍٍ لاَ يَضُرُّكَ بَِذْلُهُِ ... وجُدْتَ بِشَيْءٍٍ مِثْلُهُ لاَ يُقَوَّمُ بَخِلْتَ بذَا الحَظِّ الخَسِيْسِ دناءَةً ... وجُدْتَ بِدَارِ الخُلْدِ لَوْ كُنْتَ تَفْهَمُ وَبِعْتَ نَعِيْمًا لاَ انْقِضَاءَ لَهُ وَلاَ ... نَظيْرَ بِبَخْسٍٍ عَن قَلِيلٍٍ سَيُعْدَمُ

فَهلَّا عَكَسْتَ الأمْرَ إنْ كُنْتَ حَازمًا ... ولَكِنْ أَضَعْتَ الحَزْمَ لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ وَتَهْدِمُ مَا تَبْنِيْ بِكَفِّكَ جَاهِدًا ... فأَنْتَ مَدَى الأيّامِِ تَبْنِي وَتَهْدِمُ وعِنْدَ مُرَادِ الله تَفْنَى كَمَيِّتٍ ... وعِنْدَ مُرادِ النَّفْس تُسْدِيْ وتُلْحِمُ وعنْدَ خِلاَفِ الأمْرِ تَحْتَجُّ بالقَضَا ... ظَهِيْرًا عَلَى الرَّحْمنِ، للْجَبْرِ تَزْعُمُ تُنَزِّهُ مِنْكَ النَّفْسَ عنْ سُوْءِ فِعْلِهَا ... وَتَعْتِبُ أقْدَارَ الإِلهِ وَتَظْلِمُ تَحُلُّ أُمُوْرًا أَحْكَمَ الشَّرْعُ عَقْدَهَا ... وَتقْصُدُ مَا قَدْ حَلَّهُ الشَّرْعُ تُبْرِمُ وتَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ خِلاَفَ مَا ... أَرَادَ لأَنَّ الْقَلْبَ مِنْكَ مُعَجَّمُ مُطيْعٌ لدَاعِي الغَيِّ عَاصٍ لرُشْدِهِ ... إِلى ربِّه يَوْمًا يُرَدُّ ويَعْلَمُ مُضِيِّعٌ لأمْرِ الله قد غَشَّ نَفْسَهُ ... مُهيْنٌ لَهَا أنَّى يُحبُّ ويُكْرَمُ ... بَطيءٌ عَنْ الطَّاعَاتِ أَسْرَعُ للْخَنَا ... مِنَ السَّيْلِ في مَجْرَاهُ لا يَتَقَسَّمُ وَتَزْعُمُ مَعْ هَذَا بأنَّكَ عَارِفٌ ... كَذَبْتَ يَقِيْنًا بِالّذِي أَنْتَ تَزْعُمُ

وَمَا أَنْتَ إِلا جَاهِلٌ ثُمَّ ظَالِمٌ ... وأَنَّكَ بَيْنَ الجَاهِليْنَ مُقَدَّمُ إذَا كَانَ هَذَا نُصْحُ عَبْدٍ لِنَفْسِهِ ... فَمَنْ ذَا الّذِي مِنْهُ الهُدَى يُتَعَلَّمُ؟! وفِي مِثْلِ هَذَا الحَالِ قَدْ قَالَ مَنْ مَضَى ... وأَحْسَنَ فِيْمَا قَالَهُ المُتَكَلِّمُ «فَإنْ كُنْتَ لاَ تَدْرِيْ فَتلْكَ مُصيْبَةٌ ... وإنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالمُصِيْبَةُ أَعْظَمُ» وَلَو تُبْصِرُ الدُّنْيَا وَرَاءَ سُتُورِها ... رَأَيْتَ خَيالاً فِي مَنَامٍ سَيُصْرَمُ كَحُلْمٍ بِطَيْفٍ زَارَ فِي النَّوْمِ وانْقَضَى الْـ ... مَنَامُ وَرَاحَ الطَّيْفُ، والصَّبُّ مُغْرَمُ وَظِلٍّ أَرَتْهُ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا ... سَيَقْلُصُ فِي وَقْتِ الزَّوَالِ، ويَفْصِمُ وَمُزْنَةِ صَيْفٍ طَابَ مِنْهَا مَقيْلُهَا ... فَوَلَّتْ سَريْعًا، والحُرُوْرُ تَضَرَّمُ ومَطْعَمُِ ضَيْفٍ لَذَّ مِنْهُ مَسَاغُهُ ... وَبَعْدَ قَلِيْلٍ حَالُهُ تِِلْكَ تُعْلَمُ كَذَا هَذِهِ الدُّنْيَا كأَحْلاَمِ نَائمٍ ... وَمِنْ بَعْدهَا دَارُ البَقَاءِ سَتَقْدَمُ فَجُزْهَا مَمَرًّا لاَ مَقَرًا وَكُنْ بِهَا ... غَرِيْبًا تَعِِشْ فِيْهَا حَمِيْدًا، وتَسْلَمُ

أو ابْن سَبِيْلٍ قَالَ في ظِلِّ دَوْحَةٍ ... وَرَاحَ، وَخَلَّى ظِلَّهَا يَتَقَسَّمُ أَخَا سَفَرٍ لا يَسْتَقِرُّ قَرَارُهُ ... إلَى أَنْ يَرَى أَوْطَانَهُ ويُسَلِّمُ فَيَا عَجَبًا!! كَمْ مَصْرَعٌ وعَظَتْ به ... بَنِيْهَا!! ولَكِنْ عَنْ مَصَارِعِهَا عَمُوْا سَقَتْهُمْ كُؤُوْسَ الحُبِّ حَتَّى إذا نَشَوْا ... سَقَتَهُمْ كُؤُوْسَ السُّمِّ والقَوْمُ نُوَّمُ وأعْجَبُ مَا في العَبْدِ رُؤْيَةُ هَذِهِ الْـ ... عَظَائمِ والمَغْرُوْرُ فيْهَا مُتيَّمُ وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّ خَمْرَةَ حُبِّهَا ... لَتَسْلبُ عَقْلَ المَرْءِ مِنْهُ وتَصْلِمُ وأَعْجَبُ من ذَا أنَّ أحبَابَهَا الأُلى ... تُهينُ وللأعْدَا تُرَاعِي وتُكْرمُ وَذلكَ بُرْهَانٌ عَلَى أنَّ قَدْرَهَا ... جَنَاحُ بَعُوضٍ أَوْ أَدَقُّ وأَلأَمُ وحَسْبُكَ مَا قَالَ الرَّسُولُ مُمَثِّلاً ... لَهَا، وَلِدَارِ الخُلْدِ والحَقُّ يُفْهَمُ كَمَا يُدْلِي الإِنْسَانُ في اليَمِّ أَصْبُعًا ... ويَنْزعُهَا مِنْهُ فَمَا ذَاكَ يَغْنَمُ أَلاَ لَيْتَ شعْرِيْ هَلْ أَبِيْتَنَّ لَيْلَةً ... عَلَى حَذَرٍ مِنْهَا، وأَمْرِي مُبْرَمُ

وَهَلْ أَرِدَنَّ مَاءَ الحَيَاةِ وَأَرْتَوِيْ ... عَلَى ظَمَأٍ من حَوْضهِِ، وَهْوَ مُفْعَمُ وَهَلْ تَبدُوَنْ أعْلاَمُهَا بَعْدَمَا سَفَتْ ... عَلَى رَبْعِهَا تلْكَ السَّوافِي فَتُعْلَمُ وَهَلْ أَفْرِشَنْ خَدِّي ثَرَى عَتَبَاتِهِم ... خُضُوعًا لهُم كيمَا يَرقُّوْا ويَرحَمُوْا ... وَهَلْ أَرْمِيَنْ نَفْسِيْ طَريْحًا ببَابِهِمْ ... وَطَيْرُ مَنَايَا الحُبِّ فَوْقِيَ تُحَوِّمُ فَيَا أَسَفِيْ، تَفْنَى الحَيَاةُ وتَنْقَضِيْ ... وذَا العُتْبُ بَاقٍ مَا بَقِيْتُمْ وعِشْتُمُ فَمَا منْكُمُ بُدٌّ وَلاَ عَنْكُمُ غِنَى ... وَمَا ليْ منْ صَبْرٍ فَأَسْلُوَا عَنْكُمُ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَغْضَبْ سِوَاكُم فَلاَ إذًا ... إذا كُنْتُمُ عَنْ عَبْدِكُمْ قَدْ رَضيْتُمُ وَعُقْبَى اصْطِبَارِيْ في هَواكُمْ حَمِيْدَةٌ ... وَلكنَّهَا عَنْكُمْ عِقَابٌ ومَأثَمُ وَمَا أَنَا بالشَّاكِي لِمِا تَرْتَضُوْنَهُ ... وَلكنَّنيْ أَرْضَى به وَأُسَلِّمُ وحَسْبيْ انْتِسَابِيْ منْ بَعيْدٍ إليْكُمُ ... أَلاَ إنَّهُ حَظٌّ عَظيْمٌ مَفَخَّمُ إذَا قِيْلَ: هَذَا عَبْدُهُم وَمُحبُّهُم ... تَهَلَّلَ بشْرًا وَجْهُهُ يَتَبَسَّمُ

وَهَا هُوَ قَدْ أَبْدَى الضَّرَاعَةَ سَائلاً ... لكُمْ بلسَانِ الحَالِ والقَالِ مُعْلِمُ أحبَّتَهُ عَطْفًا عَلَيْه فَإنَّهُ ... لَِمُظْمى وإنَّ المَوْردَ العَذْبَ أَنْتُمُ فَيَا سَاهيًا في غَمْرَةِ الجَهْلِ والهَوَى ... صَريْع الأمَانيْ عَنْ قَريْبٍ سَتَنْدَمُ أَفِقْ قَدْ دَنَا الوَقْتُ الذي لَيْسَ بَعْدَهُ ... سِوَى جَنَّةٍ، أو حَرِّ نَارٍ تَضَرَّمُ وبالسُّنَّةِ الغَرَّاءِ كُنْ متَمَسِّكًا ... هي العُرْوَةُ الوُثْقَى الَّتي لَيْسَ تُفْصَمُ تَمَسَّكْ بِهَا مَسْكَ البَخِيْلِ بِمَالِهِ ... وعُضَّ عَلَيْهَا بالنَّوَاجذِ تَسْلَمُ وَدَعْ عَنْكَ مَا قَدْ أَحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَهَا ... فَمَرْتَعُ هَاتيْكَ الحَوَادثِ أَوْخَمُ وهَيِئ جَوَابًا عنْدَمَا تَسْمَعُ النِّدَا ... منَ اللهِ يَوْمَ العَرْضِ مَاذَا أَجَبْتُمُ بِهِ رُسُلِي لَمَّا أَتَوْكُمْ فَمَنْ يَكُنْ ... أَجَابَ سِوَاهُمْ سَوْفَ يُخْزَى ويَنْدَمُ وخُذْ مِنْ تُقَى الرَّحْمنِ أعْظَمَ جُنَّةٍ ... ليَوْمٍ به تَبْدُوْ عيَانًا جَهَنَّمُ وَيُنْصَبُ ذَاكَ الجِسْرُ مِنْ فَوْقِ مَتْنِهَا ... فَهَاوٍ، ومَخْدُوْشٌٍ، ونَاجٍ مُسَلَّمُ

وَيأْتِي إلهُ العَالميْنَ لِوَعْدِه ... فَيَفْصِلُ مَا بَيْنَ العِبَادِ ويَحْكُمُ وَيَأخُذُ لِلمَظْلُومِ ربُّكَ حَقَّهُ ... فَيَا بُؤْسَ عَبْدٍ للْخَلائقِ يَظْلِمُ!! وَيُنْشَرُ دِيْوَانُ الحِسَابِ وتُوْضَعُ الْـ ... مَوَازِيْنُ بالقِسْطِِ الّذِي لَيْسَ يَظْلِمُ فَلاَ مُجْرمٌ يَخْشَى ظَلامَةَ ذَرَّةٍ ... ولا مُحْسنٌ مِنْ أجْرهِ ذَاكَ يُهْضَمُ وتَشْهَدُ أعْضَاءُ الْمُسِيءِِ بِمَا جَنَى ... كَذَاكَ عَلَى فيْهِ المُهَيْمنُ يَخْتمُ فَيَا لَيْتَ شِعْرِيْ!! كَيْفَ حَالُكَ عنْدَمَا ... تَطَايَرُ كُتْبُ العَالَمِيْنَ وَتُقْسَمُ؟! أَتَأْخُذُ بِاليُمْنَى كِتَابَكَ أَمْ تَكُنْ ... بِالأُخْرَى وَرَاءَ الظَّهْرِ منْكَ تَسَلَّمُ وَتَقْرَأ فِيْهَ كُلَّ شَيْءٍٍ عَمِلْتَهُ ... فَيُشْرقُ منْكَ الوَجْهُ، أَوْ هُوَ يُظْلِِمُ ... تَقُولُ: كِتَابِي فَاقْرؤوهُ فَإنَّهُ ... يُبَشِّرُ بِالفَوْزِ العَظيْمِ، ويُعْلِمُ وَإنْ تَكُن الأُخْرَى فَإنَّكَ قَائِلٌ: ... أَلا لَيْتَنِي لَمْ أُوْتَهُ فَهْوَ مُغْرَمُ فَبَادِرْ إِذًا مَا دَامَ في العُمْرِ فُسْحَةٌ ... وَعَدْلُكَ مقبُوْلٌ، وصَرْفُكَ قَيِّمُ

وجُد، وَسَارِعْ، واغْتَنِمْ زَمَنَ الصِّبَا ... فَفِيْ زَمَنِ الإمْكَانِ تَسْعَى، وَتَغْنَمُ وَسِرْ مُسْرِعًا، فالسَّيْلُ خَلْفَكَ مُسْرِعٌ ... وَهَيْهَاتَ مَا مِنْهُ مَفَرٌّ وَمَهْزَمُ «فَهُنَّ المَنَايَا أَيُّ وَادٍ نَزَلْتَهُ ... عَلَيْهَا القُدُومُ أَوْ عَلَيْكَ سَتَقْدَمُ» وَمَا ذَاكَ إلا غَيْرةٌ أن يَنَالَهَا ... سِوَى كُفْئهَا والرَّبُّ بالخَلْقِ أَعْلَمُ وإنْ حُجبَتْ عَنَّا بكُلِّ كَريْهَةٍ ... وَحُفَّتْ بِمَا يُؤْذِي النُّفُوسَ ويَؤْلمُ فلله مَا فِي حَشْوِهَا من مَسَرَّةٍ ... وأصْنَافِ لَذَّاتِ بِهَا يُتَنَعَّمُ!! وللهِ بَرْدُ العَيْشِ بَيْنَ خِيَامِهَا ... وَرَوْضَاتِهَا والثَّغْرُ فِي الرَّوْضِ يَبْسِمُ فلله وَادِيْهَا الّذي هُوَ مَوْعدُ الْـ ... مَزيْدِ لوَفْدِ الحُبِّ لَوْ كُنْتَ منْهُمُ بِذَيَّالِكَ الوَاديْ يَهيْمُ صَبَابةً ... مُحبٌّ يَرَى أَنَّ الصَّبَابَةَ مَغْنَمُ! ولله أفْرَاحُ المُحبِّيْنَ عنْدَمَا ... يُخَاطبُهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ويُسَلِّمُ وللهِ أَبْصَارٌ تَرَى اللهَ جَهْرةً ... فَلاَ الضَّيْمُ يَغْشَاهَا وَلاَ هيَ تَسْأَمُ

فَيَا نَظْرَةً أَهْدَتْ إلَى الوَجْهِ نَضْرَةً ... أَمِنْ بَعْدهَا يَسْلُو المُحبُّ المُتَيَّمُ؟ ولله كَمْ مِنْ خِيْرةٍ لَوْ تَبَسَّمَتْ ... أَضَاءَ لَهَا نُوْرٌ مِنْ الفَجْرِ أَعْظَمُ فَيَا لَذَّةَ الأبْصَارِ إن هيَ أَقْبَلَتْ ... ويا لَذَّةَ الأَسْمَاعِ حِيْنَ تَكَلَّمُ وَيَا خَجْلةَ الغُصْنِ الرَّطيْبِ إذا انثَنَت ... وَيَا خَجْلَةَ البَحْرَينِ حينَ تَبسَّمُ فإِنْ كُنْتَ ذَا قَلْبٍ عَلِيْلٍ بحُبِّها ... فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ وَصْلُهَا لَكَ مَرْهَمُ وَلاَ سِيَّمَا فِي لَثْمِهَا عنْدَ ضَمِّهَا ... وَقَدْ صَارَ مِنْهَا تَحْتَ جِيْدِكَ مِعْصَمُ يَرَاهَا إِذَا أَبْدَتْ لَهُ حُسْنَ وَجْهِهَا ... يَلَذُّ بِهَا قَبْلَ الوصَالِ ويَنْعَمُ تَفَكَّهُ مِنْهَا العَيْنُ عِنْدَ اجْتِلائِهَا ... فَوَاكِهَ شَتَّى طَلْعُهَا لَيْسَ يُعْدِمُ عَناقِدُ مِنْ كَرْمٍ وَتُفَّاحُ جَنَّةٍ ... وَرُمانُ أغْصَانٍ بِهَا القَلْبُ مُغْرَمُ ولِلْوَرْدِ مَا قَدْ أُلْبِسَتْهُ خُدُوْدُهَا ... وللْخَمْرِ مَا قَدْ ضَمَّهُ الرِّيْقُ والْفَمُ تَقََسَّمَ مِنْهَا الحُسْنُ في جَمْعِ وَاحِدٍ ... فَيَا عَجَبًا مِنْ وَاحدٍ يَتَقَسَّمُ

تُذَكِّرُ بالرَّحْمنِ مَنْ هُوَ نَاظِرٌ ... فَيَنْطِقُ بالتَّسْبيْحِ لاَ يَتَلَعْثَمُ لَهَا فِرَقٌ شَتَّى مِنَ الحُسْنِ أجْمَعَتْ ... بجُمْلْتِهَا أن السُلُوَّ مَحَرَّمُ ... إذَا قَابَلَتْ جَيْشَ الهُمُوْمِ بوَجْهِهَا ... تَوَلَّى عَلَى أعْقَابهِ الَجْيشُ يُهْزَمُ فَيَا خَاطبَ الحَسْنَاءِ إنْ كُنْتَ رَاغبًا ... فَهَذا زَمَانُ المَهْرِ فَهْوَ المُقَدَّمُ وَلَمَّا جَرَى مَاءُ الشَّبَابِ بغُصْنِهَا ... تَيَقَّنَ حَقًّا أنَّهُ لَيْسَ يَهْرَمُ وَكُنْ مُبغضًا للْخَائنَاتِ لحُبِّهَا ... لتَحْظَى بِهَا مِنْ دُوْنِهِنَّ وتَنْعَمُ وكُنْ أيِّمًا مِمَّا سِوَاهَا فَإنَّهَا ... لِمِثْلِكَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ تَأَيَّمُ وَصُمْ يَوْمَكَ الأدْنَى لَعَلَّكَ فِي غَدٍ ... تَفُوْزُ بِعيْدِ الفِطْرِ والنَّاسُ صُوَّمُ وأَقْدَمْ وَلاَ تقْنَعْ بعَيْشٍ مُنَغَّصٍ ... فَمَا فَازَ بِاللَّذَاتِ مَنْ لَيْسَ يُقْدِمُ وإنْ ضَاقَتْ الدُّنْيَا عَلَيْكَ بأسْرِهَا ... وَلَمْ يَكُ فِيْهَا مَنْزلٌ لَكَ يُعْلَمُ فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإنَّهَا ... مَنَازلُكَ الأُوْلَى، وفِيْهَا المُخَيَّمُ

ولَكنَّنَا سَبْيُ العَدُو فَهَلْ تَرَى ... نُرَدُّ إلى أَوطَانِنَا ونُسَلِّمُ وَقَدْ زَعَمُوْا أنَّ الغَريْبَ إذا نأى ... وَشَطَّتْ به أَوْطَانُهُ فَهْوَ مُغْرَمُ وَأَيُّ اغْترَابٍ فَوْقَ غُرْبَتِنَا الَّتِي ... لَهَا أَضْحَتْ الأَعْدَاءُ فِيْنَا تَحكَّمُ وَحَيِّ عَلَى رَوْضَاتِهَا وخِيَامِهَا ... وَحَيِّ عَلَى عَيْشٍ بِهَا لَيْسَ يُسْأَمُ وَحَيِّ عَلَى السُّوْقِ الذِي يَلْتَقي بهِ الْـ ... مُحبُّونَ، ذَاكَ السُّوقُ للقَوْمِ يُعْلَمُ فَمَا شِئْتَ خُذْ مِنْهُ بِلا ثَمَنٍ لَهُ ... فَقَدْ أَسْلَفَ الُّتجارُ فِيْهِ وأَسْلَمُوا وَحَيِّ عَلَى يَوْمِ المَزيْدِ فإنَّهُ ... لِمَوْعِدِ أَهْلِ الحُبِّ حيْنَ يُكَرَّمُوْا وَحَيِّ عَلَى وَادٍ هُنَالكَ أَفْيَحٍ ... وَتُرْبَتُهُ من أَذْفَرِ المِسْكِ أَعْظَمُ مَنَابرُ مِنْ نُوْرٍ هُنَاكَ وَفِضَّةٍ ... ومِنْ خَالصِ العقْيَانِ لا تَتفَصَّمُ وَمِنْ حَوْلِهَا كُثْبَانُ مِسْكٍ مَقَاعِدُ ... لِمَنْ دُوْنَهُم هَذَا العَطَاءُ المُفَخَّمُ يَرُوْنَ بهِ الرَّحْمنَ جَلَّ جَلالُهُ ... كَرُؤْيَةِ بَدْر التِّم لا يُتَوَهَّمُ

كَذَا الشَّمْسُ صَحْوًا لَيْسَ مِنْ دُوْنِ أُفْقِهَا ... سَِحَابٌ ولا غَيْمٌ هُنَاك يُغَيِّمُ فَبَيْنَا هُمُ في عَيْشهِمْ وسُرُوْرِهِمْ ... وَأَرْزَاقُِهُِمْ تَجْرِي عَلَيْهِمْ وَتُقْسَمُ إِذَا هُمْ بِنُوْرٍ سَاطِعٍ قَدْ بَدَا لَهُمْ ... وَقَدْ رَفَعُوا أَبْصَارَهُمْ فإذَا هُمُ بِرَبِّهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ قَائِلٌ لَهُمْ: ... سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ، طِبْتُمُ ونَعِمْتُمُ سَلامٌ عَلَيْكُمْ، يَسْمَعُونَ جَمِيْعُهُمْ ... بِآذَانِهِم تَسْلِيْمَهُ إِذْ يُسَلِّمُ يَقُولُ: سَلُوْنِي مَا اشْتَهَيْتُمْ فَكُلُّ ما ... تُرِيْدُوْنَ عِنْدِي، إِنِّنِي أَنَا أَرْحَمُ فَقَالُوا جَمِيْعًا: نَحْنُ نَسْأَلُكَ الرِّضَى ... فَأَنْتَ الذِي تُوْلِيْ الجَمِيْلَ وَتَرْحَمُ ... فَيُعْطيْهمُ هَذَا، وَيُشْهِدُ جَمْعَهُمْ ... عَلَيْهِ تَعَالَى الله، فَاللهُ أَكرَمُ فَبِاللهِ مَا عُذْرُ امْرئٍ هُوَ مُؤمنٌ ... بِهَذَا، وَلاَ يَسعَى لَهُ وَيُقَدِّمُ؟! وَلكنَّمَا التَّوفِيْقُ بالله إنَّهُ ... يخُصُّ به مَنْ شَاءَ فَضْلاً وَيُنْعِمُ فَيَا بَائِعًا غَالٍ ببَخْسٍ مُعَجَّلٍ ... كَأنَّكَ لا تَدرِيْ، بَلَى سَوْفَ تَعْلَمُ

فَقَدِّمْ، فَدَتْكَ النَّفْسُ نَفْسَكَ إنَّها ... هِيَ الثَّمَنُ المَبْذُوْلُ حِيْنَ تُسَلَّمُ وَخُضْ غَمَراتِ المَوْتِ وَارْقَ مَعَارجَ الْـ ... مَحَبَّةٍ في مَرْضَاتِهمْ تَتسَنَّمُ وَسَلِّمْ لَهُمْ مَا عَاقَدُوْكَ عَلَيْهِِ إِنْ ... تُرِدْ مِنْهُمُ أَنْ يَبْذِلُوا وَيُسَلِّمُوا فَمَا ظَفِرَتْ بالوَصْلِ نَفْسٌ مَهِيْنَةٌ ... وَلا فَازَ عَبْدٌ بِالبَطَالَةِ يَنْعَمُ وَإِنْ تَكُ قد عَاقَتْكَ سُعْدَى فَقَلبُكَ ال ... مُعنى رَهِيْنٌ في يَدَيْهَا مُسَلَّمُ وَقد سَاعَدَتْ بالْوَصْلِ غَيْرَكَ فالهَوَى ... لَهَا مِنْكَ، والواشِيْ بِهَا يَتَنَعَّمُ فَدَعْهَا، وَسَل النَّفْسَ عَنْهَا بجَنَّةٍ ... مِنَ العِلْمِ في رَوْضَاتِهَا الحَقُّ يَبْسمُ وَقَدْ ذُلِّلَت مِنْهَا القُطُوفُ فَمَن يُردْ ... جَنَاهَا ينلهُ كَيْفَ شَاءَ ويَطْعَمُ وَقَدْ فُتحَتْ أبوابُهَا وَتزَيَّنَتْ ... لِخُطَّابِهَا، فالحُسْنُ فِيْهَا مُقَسَّمُ وَقَدْ طَابَ مِنْهَا نَزْلُهَا وَنَزِيْلُهَا ... فَطُوبِى لِمَنْ حلُّوْا بِهَا وَتَنعَّمُوْا أَقَامَ عَلَى أَبْوَابِِهَا دَاعِي الهُدى ... هَلمُّوْا إلى دَارِ السَّعَادَةِ تَغْنَمُوْا

نمضي على سبل كانوا لها سلكوا

وَقَدْ غَرَسَ الرَّحْمنُ فِيْهَا غرَاسَةً ... من النَّاسِ، والرَّحْمنُ بالخَلْقِ أَعْلَمُ وَمَنْ يَغْرِسِ الرَّحْمنُ فيْهَا فِإِنَّهُ ... سَعِيْدٌ وَإلاَّ فالشَّقاءُ مُحَتَّمُ انَتَهى آخر: نَمْضِي عَلَى سُبُلٍ كَانُوا لَهَا سَلَكُوا ... أَسْلافُنَا وَهُمْ لِلْدِّيْن قَدْ شَادُوْا لَنا بِهِمْ أُسْوَةٌ إِذْ هُمْ أَئِمَّتُنَا ... وَنَحْنُ لِلْقَوْمِ أَبْنَاءٌ وَأَحْفَادُ وَالصَّبْرُ يَا نَفْسُ خَيْرٌ كَلُّهُ وَلَهُ ... عَوَاقِبٌ كُلُّهَا نُجْح وَإِمْدَادُ فَاصْبِرْ هُدِيْتَ فَإنَّ المَوْتَ مُشْتَرَكٌ ... بَينَ الأَنَامِ وإنْ طَاوَلْنَ آمَاد وَالنَّاسُ في غَفَلاتٍ عَنْ مَصَارِعِهِمْ ... كَأَنَهُمْ وَهُمْ الأَيْقَاظُ رُقَّادُ دُنْيا تَغُرُّ وَعَيْشٌ كُلُّهُ كَدَرٌ ... لَوْلا النُّفُوسُ التِي لِلْوَهْمِ تَنْقَادُ كُنَّا عَدَدنَا لِهَذَا المَوْتِ عُدّتَهُ ... قَبْلَ الوَفَاةِ وَأَنْ تُحْفَرْنَ أَلْحَادُ فَالدَّارُ مِنْ بَعْدِ هَذِي الدَّارِ آخِرَةٌ ... تَبْقَى دَوَامًا بِهَا حَشْرٌ وَمِيْعَادُ ... وَجَنَّةٌ أُزْلِفَتْ لِلْمُتَّقِيْنَ وَأهْـ ... ـلُ الحَقِّ وَالصَّبْرِ أَبْدَالٌ وَأَوْتَادُ

وما الناس إلا راحلون وبينهم

فَاعْمَلْ لنَفْسُكَ مِنْ قَبْلِ المَمَاتِ وَلا ... تَعْجَلْ وَتَكْسَلْ فَإِنَّ المَرْءَ جَهَّادُ لا يَنْفَعُ العَبْدَ إِلا مَا يُقَدِّمُهُ ... فَبَادِرِ الفَواتَ وَاصْطَدْ قَبْلَ تُصْطَادُ وَالمَوْتُ لِلْمُؤْمِنِ الأَوَّابِ تُحْفَتُهُ ... وَفِيْهِ كُلُّ الذِي يَبْغِي وَيَرْتَادُ لِقَا الكَرِيمِ تَعَالَى مَجْدُهُ وَسَمَا ... مَعَ النَّعِيم الذيْ مَا فِيْهِ أَنْكَادُ فَضْلٌ مِنَ اللهِ إِحْسَانٌ وَمَرْحَمَةٌ ... فَالفَضْلُ لله كَالآزَالِ آبَادُ فَالظَّنُ بالله مَوْلانَا وَسَيِّدنَا ... ظنٌّ جَمِيْلٌ مَعَ الأَنفَاسِِ يَزْدَادُ نَرْجُوْهُ يَرْحمُنَا نَرجُوْهُ يَسْتُرُنَا ... فَمِنْه لِلْكُلِّ إمْدَادٌ وَإيْجَادُ نَدْعُوْهُ نَسْألُهُ عَفْوًا وَمَغْفرَةً ... مَعْ حُسْنِ خَاتِمَةٍ فَالعُمْرُ نَفَّادُ وَقَدْ رَضِيْنَا قَضَاءَ الله كَيْفَ قَضَى ... وَاللُّطْفَ نَرْجُو وحُسْنُ الصَّبْرِ إِرْشَادُ انْتَهى آخَرُ: وَمَا النَّاسُ إلاَ رَاحِلُوْنَ وَبَيْنَهُمْ ... رِجَالٌ ثَوَت آثَارُهُمْ كَالمَعَالِمِ

بِعِزَّةِ بَأْسٍ وَاطِّلاعِ بَصِيْرَةٍ ... وَهِزَّة نَفْسٍ واتّسَاعِ مَرَاحِمِ خُظُوْظُ كَمَالٍ أَظْهَرَتْ مِنْ عَجَائِبٍ ... بِمِرْآةِ شَخْصٍ مَا اخْتَفَى في العَوَالمِ وَمَا يَسْتَطِيْعُ الْمَرْءُ يَخْتَصُّ نَفْسَهُ ... أَلاَ إِنَّمَا التَّخْصِيْصُ قِسْمَةُ رَاحِمِ وَقَدْ يُفْسِدُ الحُرَّ الكَريْمَ جَلِيْسُهُ ... وَتَضْعُفُ بالإِيْهَامِ قُوَّةُ حَازِمِ وَلَيْسَ بِحَيٍّ سَالِكٌ في خَسَائِسٍ ... وَلَيْسَ بِمَيْتٍ هَالِكٌ فِيْ مَكَارِمِ إذَا لَجَّ لُؤْمٌ مِنْ سَفِيْهٍ لِرَاشِدٍ ... تَوَهّمّ رَشْدًا في سَفَاهَة لاَئِمٍ عَجِبْتُ مِنْ الإِنْسَانِ يَعْجَبُ وَهُوَ فيْ ... نَقَائِصِ أَحْوَالٍ قَسِيْمَ السَّوَائِمِ يَرى جَوْهَرَ النَّفْسِ الطَّلِيْقَ فَيَزْدَهِي ... وَيَذْهَلُ عَنْ أعْرَاضِ جِسْمٍ لَوَازِمِ دُيُونُ اظْطِرَارٍ تُقْضى كُلَّ سَاعَةٍ ... فَتُقْتَرَضُ الأعْمَارُ بَيْنَ المَغَارِمِ وَكُلُّ فَمَغْرُوْرٌ بِحُبّ حَيَاته ... وَيُغْزيْهِ بالأَدْنَى خَفَاءُ الخَوَاتِمِ وَجَمَّاعُ مَالٍ لاَ انْتِفَاعَ لَهُ بِهِ ... كَمَا مَصَّ مَشْرُوْطَاً زُجَاج الْمَحَاجِمِ

يا طالبا راحة من دهره عبثا

فَلِلّهِ سَاعٍ في مَنَاهِجِ طَاعَةٍ ... لإِيْلاَفِ عَدْلٍ أوْ لإِيْلاَفِ ظَالِمِ انَتْهَى آخَرُ: يَا طَالِبًا رَاحَةً مِنْ دَهْرِهِ عَبَثًا ... أَقْصِرْ فَمَا الدَّهْرُ إِلَّا بِالْهُمُومِ مُلِي كَمْ مَنْظَرٍ زَائِقٍ أَفْنَتْ جَمَالَتُهُ ... يَدُ الْمَنُونِ وَأَعْيَتْهُ عَنِ الْحِيَلِ وَكَمْ هُمَامٍ وَكَمْ قَرْمٍ وَكَمْ مَلِكٍ ... تَحْتَ التُّرَابِ وَكَمْ شَهْمٍ وَكَمْ بَطَلِ وَكَمْ إِمَامٍ إِلَيْهِ تَنْتَهِي دُوَلٌ ... قَدْ صَارَ بِالْمَوْتِ مَعْزُولًا عَنِ الدُّوَلِ وَكَمْ عَزِيزٍ أَذَلَّتْهُ الْمَنُونُ وَمَا ... أَنْ صَدَّهَا عَنْهُ مِنْ مَالٍ وَلَا خَوَلِ يَا عَارِفًا دَهْرَهُ يَكْفِيكَ مَعْرِفَةً ... وَإِنْ جَهِلْتَ تَصَارِيفَ الزَّمَانِ سَلِ هَلْ فِي زَمَانِكَ أَوْ مَنْ قَبْلَهُ سَمِعَتْ ... أُذُنَاكَ أَنْ ابْنَ أُنْثَى غَيْرُ مُنْتَقِلِ وَهَلْ رَأَيْتَ أُنَاسًا قَدْ عَلَوْا وَغَلَوْا ... فِي الْفَضْلِ زَادُوا بِمَا نَالُوا عَنِ الْأَجَلِ أَوْ هَلْ نَسِيتَ "لِدُوا لِلْمَوتِ" أَوْ عَمِيَتْ ... عَيْنَاكَ عَنْ وَاضِعٍ نَعْشًا وَمُحْتَمِلِ وَهَلْ رَعَى الْمَوْتُ ذَا عِزٍّ لِعِزَّتِهِ ... أَوْ هَلْ خَلَا أَحَدٌ دَهْرًا بِلَا خَلَلِ

اكدح لنفسك قبل الموت في مهل

الْمَوْتُ بَابٌ وَكُلُّ النَّاسِ دَاخِلُهُ ... لَكِنَّ ذَا الْفَضْلِ مَحْمُولٌ عَلَى عَجَلِ وَلَيْسَ فَقْدُ إِمَامٍ عَالِمٍ عَلَمٍ ... كَفَقْدِ مَنْ لَيْسَ ذَا عِلْمٍ وَلَا عَمَلِ وَلَيْسَ مَوْتُ الَّذِي مَاتَتْ لَهُ أُمَمٌ ... كَمَوْتِ شَخْصٍ مِنَ الْأَوْغَادِ وَالسّفَلِ انْتَهَى آخَرُ: اكْدَحْ لِنَفْسكَ قَبْلَ المَوْتَِ في مَهلٍ ... وَلا تَكُنْ جَاهِلاً في الحَقِ مُرْتابًا إِنْ المَنِيَّة مَورُودٌ مَنَاهِلُها ... لاَبُدَّ مِنْهَا وَلَو عُمِّرتَ أَحْقابًا وَفي اللَّيَالِي وفي الأَيَّامِ تَجْربةٌ ... يَزْدادُ فِيْهَا أَولُوا الأَلبَابِ أَلبابًا بَعْدَ الشَّبَابِ يَصِير الصّلْبُ مُنْحَنيًا ... وَالشَّعرُ بَعْدَ سَوادٍ كَانَ قَدْ شَابَا يُفْنِي النُفُوسَ وَلا يُبْقِي عَلَى أَحَدٍ ... لَيلٌ سَريعٌ وَشَمْسٌ كَرُّها دَابَا لِمُسْتَقرٍ وَمِيقَاتٍ مُقَدَّرِةٍ ... حَتَّى يَعُودَ شُهودُ النَّاسِ غُِيَّابَا وَمَن تعَاقِرهُ الأَيَّامُ تُبْدِلُهُ ... بالجارِ جَارًا وَبِالأَصْحَابِ أَصْحَابَا

أيا للمنايا ويحها ما أجدها

خَلَّوا بُروَجًا وَأَوْطَانًا مُشَيَّدةً ... وَمُؤْنِسِينَ وَأَصْهَارًا وَأَنْسَابَا فَيَالَهُ سَفَرًا بُعْدًا وَمُغْتَربَا ... كُسِيْتَ مِنْهُ لِطُولِ النَّأْي أَثْوَابَا بِمُوحِشٍ ضَيِّقٍ نَاءٍ مَحَلّتُهُ ... وَلََيْسَ مَن حَلَّهُ مِن غَيْبَةٍ آبَا ... كَمْ مِن مَهِيْبٍ عَظِيْمِ المُلْكِ مُتَّخِذٍ ... دُونَ السُّرادِقِ حُرَّاسًا وَحُجَّابَا وأَضْحَى ذَليلاً صَغِيرَ الشَّأنِ مُنْفَرِدا ... وَمَا يُرَى عِنْدَهُ في القَبْرِ بَوَّابَا وَقَبْلكَ النَّاسُ قَدْ عَاشُوا وَقَدْ هَلَكوا ... أصْبَحْتَ مِمَّا ستَلْقَى النَفْسُ هرَّابَا اكدَحْ لنَفْسِكَ مِن دارِ تُزَايِلُهَا ... ولا تَكُنْ لِلَّذِيْ يُؤْذِيكَ طَلاَّبَا انْتَهَى آخَرُ: أَيَا لِلْمَنَايَا وَيْحَهَا مَا أَجَدَّهَا ... كَأَنَّك يَوْمًا قَدْ توردت وردها ويا لِلْمَنَايَا مَالَهَا مِن إِقَالَةٍ ... إِذَا بَلَغَتْ مِنْ مُدَّةٍ الْحَيِّ حَدَّهَا أَلاَ يَا أَخَانَا إِنْ لِلمَوتِ طَلْعَةً ... وَإِنَّكَ مُذْ صَوِّرْتَ تَقْصُدُ قَصْدَهَا

وَلِلمَرء عِنْدَ الْمَوْتِ كَرْبٌ وَغُصَّةٌ ... إِذَا مَرَّتِ السَّاعَاتُ قَرَّبْنَ بُعْدَهَا سَتُسلِمُكَ السَّاعَاتُ فِي بَعْضِ مَرِّهَا ... إِلَى سَاعَةٍ لاَ سَاعَةٌ لَكْ بَعْدَهَا وَتَحْتَ الثَّرَى مِنِّيْ وَمِنْكَ وَدَائِعٌ ... قَرِيْبَةُ عَهْدٍ إِنْ تَذَكَّرْتَ عَهْدَهَا مَدَدْتَ الْمُنَى طُوْلا وَعَرْضًا وَإنَّهَا ... لتَدْعُوكَ أَنْ تَهْدَأ وَأنْ لاَ تَمدَّهَا وَمَالَتْ بِكَ الدُّنْيَا إِلَى اللَّهْوِ وَالصِّبَا ... وَمَنْ مَالَتْ الدُّنْيَا بِهِ كَانَ عَبْدَهَا إِذَا مَا صَدَقْتَ النَّفْسَ أَكْثَرْتَ ذَمَّهَا ... وَأَكْثَرْتَ شَكْوَاهَا وَأَقْلَلْتَ حَمدَهَا بِنَفْسِكَ قَبْلَ النَّاسِ فَاَعِن فَإِنَّهَا ... تَمُوتُ إِذَا مَاتَتْ وَتُبْعَثُ وَحْدَهَا وَمَا كُلُّ مَا خُوِّلْتَ إِلاَ وَدِيْعَةٌ ... وَلَنْ تَذْهَبِ الأَيَّامُ حَتَّى تَرُدَّهَا إِذَا أَذْكَرَتْكَ النَّفْسُ دُنْيَا دَنِيَةً ... فَلا تَنْسَ رَوْضَاتِ الْجِنَانِ وَخُلْدَهَا أَلَسْتَ تَرَى الدُّنْيَا وَتَنْغَيِص عَيْشِهَا ... وَإِتْعَابِهَا لِلمُكْثِرِين وَكَدَّهَا وَأَدْنَى بَنِي الدُّنْيَا إِلَى الغَيِّ وَالعَمَى ... لِمَنْ يَبْتَغِيْ مِنْهَا سَنَاهَا وَمَجْدَهَا

ألم تر أن المرء يحبس ماله

هَوَى النَّفْسِ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَغُوْلُهَا ... كَمَا غَالَتِ الدُّنْيَا أَبَاهَا وَجَدَّهَا انْتَهَى آخَرُ: أَلَمْ تَر أنَّ المرءَ يَِحْبسُ مَالَهُ ... وَوارثُه فِيْهِ غَدًا يَتَمَتَّعُ كَأَنَّ الحُمَاة المُشْفِقْينَ عَلَيْكَ قَدْ ... غَدَوا بكَ أَوْ رَاحُوا رَوَاحًا فَأَسْرَعُوا وما هُوَ إِلا النَّعْشُ لَوْ أَتَوا بِهِ ... تقَلَّ فَتُلْقَى فوْقَهُ ثُم تُرْفَعُ وَمَا هُوَ إلا حَادِث بَعْدَ حَادثٍ ... عَلَيْكَ فَمِنْ أَيِّ الحَوَادِثِ تَجْزِعُ ... وَمَا هُوَ إِلا المَوْتُ يَأتِي لِوَقْتِهِ ... فَمَالكَ في تَأخِيْرهِ عَنْكَ مَدْفَعُ أَلا وإذا وُدِّعْتَ تَوْدِيْعَ هَالِكٍ ... فَآخِرُ يَوْمٍ مِنْكَ يَوْمٌ تُوَدَّعُ أَلا وَكَمَا شَيَّعْتَ يَوْمًا جَنَائِز ... فَأَنْتَ كَمَا شَيَّعْتَهُم سَتُشَيَّعُ رَأَيْتُكَ في الدُنْيَا عَلَى ثِقَةٍ بِهَا ... وَإِنَّكَ في الدُنْيَا لأَنْتَ المُرَوَّعُ وَصَفْتَ التُّقَى وَصْفًا كَأَنَّكَ ذُو تُقَى ... وَرِيْحُ الخَطَايَا مِنْ ثِيَابِكَ تَسْطَعُ وَلَمْ تُعْنَ بِالأَمْرِ الذي هُوَ وَاقِعُ ... وَكُلُّ امْرئٍ يَعْنَى بِمَا يَتَوَقَّعُ

خفض همومك فالحياة غرور

وَإِنَّكَ للْمَنْقُوصِ في كُلِّ حَالةٍ ... وَكلُّ بَني الدُّنْيَا عَلَى النَّقْصِ يُطْبَعُ وَمَا زِلْتُ أَرْمي كُلَّ يَوْمٍ بِعْبِرَةٍ ... تَكادُ لَهَا صُمُّ الجِبَالِ تَصَدَّعُ فَمَا بَالُ عَيْنِي لا تَجُوْدُ بِمَائِهَا ... وَمَا بَالُ قَلْبِي لا يَرِقُّ وَيَخْشَعُ تَبَارَكَ مَنْ لا يَمْلِكُ المُلْكَ غَيْرُهُ ... مَتَى تَنْقَضي حَاجَاتُ مَنْ لَيْسَ يَقْنَعُ وَأَيُّ امْرِءٍ في غَايَةٍ لَيْسَ نَفْسُهُ ... إِلى غَايَةٍ أُخْرَى سِوَاهَا تَطَلَّعُ وَبَعُْض بَنِي الدُّنْيَا لِبَعْضٍ ذَرِيْعَةٌ ... َوَكُلٌّ بِكُل قَلَّمَا يَتَمَتَّعُ يُحِبُّ السَّعِيْدُ العَدْلَ عِنْدَ احْتِجَاجِهِ ... َوَيَبْغِي الشَّقِيُّ البَغْيَ والبَغْيُ يَصْرَعُ انْتَهَى آخر: خَفِّضْ هُمُومَكَ فَالحَيَاةُ غَرُوْرُ ... وَرَحَي المَنُونِ عَلَى الأَنَامِ تَدُورُ وَالمَرْءُ في دَارِ الفَنَاءِ مُكَلَّفٌ ... لا مُهْمَلٌ فيها وَلا مَعْذُورُ والنَّاسُ في الدُّنْيَا كَظِلٍ زَائلٍ ... كُلٌّ إِلَى حُكمِ الفَنَاءِ يَصِيْرُ فَالنَّكْسُ وَالمَلِكُ المُتَوَّجُ وَاحدٌ ... لا آمرٌ يَبْقَى وَلا مَأمُورُ

عَجَبًا لِمَنْ تَرَكَ التَّذكُّرَ وَانْثَنَى ... في الأَمْرِ وَهُوَ بِعَيْشِهِ مَغْرُوْرُ وإِذَا القَضَاءُ جَرَى بَِأَمْرٍ نَافذٍ ... غَلِطَ الطَّبِيْبُ وَََأخْطَأَ التَّدبِيْرُ إِنْ لُمْتُ صَرفَ الدَّهْرِ فِيهِ أَجَابَنِيْ ... أَبَتِ النُّهَى أن يُعْتَبَ المَقْدُورُ أو قُلْتُ لهُ أينَ المُؤَيَّدُ قَالَ لِِيْ ... أينَ المُظفَّرُ قَبْلُ وَالمنْصُورُ أم أين كِسْرَى أَزْدَشِيْرُ وَقَيْصَرٌ ... والهُرْمُزَانُ وَقَبْلَهُم سَابُوْرُ أَيْنَ ابْنُ دَاوُدَ سُلَيْمَانُ الذِيْ ... كَانَتْ بِجَحْفَلِهِ الجِبَالُ تَمُوْرُ والرِّيْحُ تَجْرِي حَيْثُ شَاءَ بِأَمْرِه ... مُنْقَادَةً وَبه البِسَاطُ يَسِيْرُ فَتَكَتْ بِهِمْ أَيْدِيْ المَنُونِ وَلَمْ تَزَلْ ... خَيْلُ المنُونِ عَلى الأَنامِ تُغِيْرُ ... لَوْ كَانَ يَخْلُدُ بِالفَضَائِل مَاجدٌ ... مَا ضَمَّتِ الرُّسُلَ الكِرَامِ قُبُوْرُ كُلٌّ يَصِيْرُ إِلَى البِلَى فَأَجَبْتُهُ ... إِنَي لأَعْلَمُ وَاللَّبِيْبُ خَبِيْرُ

نادت بوشك رحيلك الأيام

أَنَّ الحَيَاةَ وَإِنْ حَرِصْتَ غَرُوْرُ وَرَأيْتُ كُلاًّ ما يُعَلِّلُ نَفْسَهُ ... بِتَعِلَّةٍ وَإِلى الفَنَاءِ يَصِيْرُ انْتَهَى آخر: نَادَتْ بِوَشْك رَحْيْلكَ الأيَّامُ ... أَفَلَسْتَ تَسْمَعُ أَمْ بِكَ اسْتِصْمَامُ وَمَضَى أَمَامَك مَِنْ رَأَيْتَ وَأنْتَ لِلْـ ... بَاقِيْنَ حَتَّى يَلْحَقُوكَ إِمَامُ مَالِيْ أَرَاكَ كَأَنَّ عَيْنَكَ لا تَرَى ... عبرًا تَمُرُّ كَأنَّهنَّ سِهَامُ تَأْتِي الخُطُوبُ وَأَنْتَ مُنْتَبِهُ لَهَا ... فَإِذَا مَضَتْ فَكَأنَّهَا أَحْلامُ قَدْ وَدَّعَتْكَ مِنَ الصِّبَا نَزَوَاتُهُ ... فَاجْهَدْ فَمَالَكَ بَعدَهُنَّ مَقَامُ وَارْضَ المَشِيْبَ من الشَّبابِ خَلِيْفَةً ... فَكِلاهُمَا لكَ خِلْفَةٌ وَنِظَامُ وَكِلاهُما حُجَجٌ عَلَيْكَ قَوِيَّةٌ ... وَكِلاهُمَا نِعَمٌ عَلَيْكَ جِسَامُ وَلَقَدْ غَنيْتَ مِن الشَّبابِ بِغِبْطَةٍ ... وَلَقَدْ كَسَاكَ وَقَارهُ الإسْلامُ أَهلاً وَسهلاً بِالمَشِيْبِ مُؤَدِبًا ... وَعَلَى الشَّبابِ تَحِيَّةٌ وَسلامُ

فاسمع صفات عرائس الجنات

مَا زُخْرُفُ الدُّنْيَا وَزُبْرُجُ أَهْلِهَا ... إِلا غُرُورٌ كُلُّهُ وَحُطَامُ وَلَرُبَّ ذِي فُرُشٍ مُمَهَّدَةٍ لَهُ ... أَمْسَى عَلَيهِ مِن التُرابِ رُكَامُ وَلَكَمْ رَأَيْتُ مَحَلَّةٍ أَقْوت وَكَمْ ... جَدَثٍ رَأَيْتُ تَلُوحُ فِيهِ عِظَامُ والموتُ يَعْمَلُ وَالعُيونُ قَرِيْرَةٌ ... تَلْهُو وَتَعْبَثُ بِالمُنَى وَتَنَامُ فَالحَمدُ لله الذي هُو دَائمٌ ... أَبدًا وَليسَ لِمَا سِوَاهُ دَوَامُ وَالحَمدُ لله الذِي لِجَلالِهِ ... وَلِحِلْمِهِ تَتَصَاغَرُ الأَْحلامُ والحَمدُ لله الذِي هوَ لَمْ يَزَلْ ... لا تَسْتَقْلُّ بِعِلْمِهِ الأَوْهَامُ سُبحانَهُ مَلِكٌ تَعَالَى جَدُّهُ ... وَلِوَجْهِهِ الإِجْلالُ وَالإكرامُ انْتَهَى وقال ابن القيم: فَاسْمَعْ صِفَاتِ عَرَائِس الْجَنَّاتِ ثُمَّ ... اخْتَر لنَفْسِكَ يَا أَخَا العِرْفَانِ حُوْرٌ حِسَانٌ قَدْ كَمَلْنَ خَلائِقًا ... وَمَحَاسِنًا مِنْ أَجْمَلِ النّسْوَانِ ... حَتَّى يَحَارُ الطَّرْفِ فِي الْحُسْنِ الَّذِي ... قَدْ ألْبِسَتْ فَالطَّرْفُ كَالْحَيْرَانِ وَيَقولُ لَمَّا أَنْ يُشَاهِدَ حُسْنَهَا ... سُبْحَان مُعْطِي الْحُسْنِ وَالإِحْسَانِ

وَالطَّرْفُ يَشْرَبُ مِن كِؤوسِ جَمَالِهَا ... فَتَراهُ مِثْلَ الشَّارِب النَّشْوَانِ كَمُلَتْ خَلاَئِقُهَا وأَكْمِلَ حُسْنُهَا ... كالبَدْرِ لَيلَ السِّتِ بَعْدَ ثَمَانِ والشَّمْسُ تَجْرِيْ في مَحَاسِنِ وَجهِهَا ... والليلُ تَحتَ ذوائِبِ الأغْصَانِ فَتَرَاهُ يَعْجَبُ وَهُوَ مَوْضِعُ ذَاكَ مِن ... لِيلٍ وَشَمْسٍ كَيفَ يَجْتَمِعَانِ فَيَقُولُ سُبْحَانَ الذِيْ ذَا صُنْعُه ... سُبْحَانَ مُتْقِنِ صَنْعَةَ الإنسانِ وَكِلاَهُمَا مِرْآةُ صَاحِبِهِ إذا ... مَا شَاءَ يُبْصِر وَجْهَهُ يَرَيَانِ فَيَرَى مَحَاسِنَ وَجْهِهِ في وَجْهِهَا ... وَتَرَى مَحَاسِنَهَا به بِعَيْنَانِ حُمْر الخُدُوْدِ ثُغُورُهُنَّ لآليِءٌ ... سُودُ العُيُونِ فَوَاتِرُ الأجْفَانِ والبَدْرُ يَبْدُو حِينَ يَبْسُمُ ثَغْرُهَا ... فَيُضِيءُ سَقْف القَصْر بالجُدْرَان وَلَقَدْ رَوَيْنَا أنَّ بَرْقًا ساطِعِاً ... يَبْدُوْ فَيَسْألُ عنه مَن بِجِنَانِ فَيُقَالُ هَذَا ضَوْءُ ثَغْرٍ ضَاحِكٍ ... في الجنةِ العُلْيَا كَمَا تَريَانِ لله لاثِمُ ذَلِكَ الثَّغْر الذي ... في لَثْمِهِ إدْرَاكُ كُلِ أَمَانِ رَيَانَةُ الأعْطَافِ مِن مَاءِ الشَّبَا ... بِ فَغُصْنِهَا بالماءِ ذُو جَرَيَانِ لما جَرَى مَاءُ الشبابِ بغُصْنِهَا ... حَمَلَ الثِمَارَ كَثِيْرَةَ الألْوَانِ فَالوَرْدُ والتُّفَاحُ والرُّمَانُ فِي ... غُصْنٍ تَعَالَى غَارِسُ البُسْتَانِ وَالقَدُّ مِنْهَا كَالقَضِيبِ اللدن في ... حُسْنِ القوام كأَوْسَطِ القُضْبَانِ إلى أن قال رحمه الله: وَإْذَا بَدت فِي حُلَّةٍ مِنْ لُبْسِهَا ... وَتَمَايَلَتْ كَتَمَايُلِ النَّشْوَانِ تَهْتَزُّ كَالغُصْنِ الرَّطِيْبِ وَحَمْلُه ... وَرْدٌ وَتفَاحٌ عَلَى رُمَّانِ وَتَبَخْتَرَتْ فِي مَشْيِهَا وَيَحقُ ذَا ... كَ لِمْثْلِهَا فِي جَنَّةِ الْحَيَوانِ وَوَصَائِفٌ مِن خَلْفِهَا وَأَمَامِهَا ... وَعَلَى شَمَائِلهَا وَعَن أَيْمَانِ كَالبَدْرِ لَيْلَةَ تِمِّهِ قَدْ حُفَّ فِي ... غَسَقِ الدُّجَى بِكَواكِبِ الْمِيزَانِ

فَلِسَانُهُ وَفُؤادُهُ والطَّرفُ فِي ... دَهَشٍ وَإِعْجَابٍ وَفِي سُبْحَانِ فَالقَلبُ قَبْلَ زِفَافِهَا فِي عُرْسِهِ ... وَالعُرَسُ إثْرَ العُرْس مُتَّصِلانِ حَتَّى إِذَا مَا وَاجَهَتْهُ تَقَابَلا ... أَرَأَيْتَ إِذْ يَتَقَابَلُ القَمَرَانِ ... فَسلِ الْمُتيَّمَ أَيْنَ خَلَّفَ صَبْرَهُ ... فِي أَيِّ وَادٍ أَمْ بِأيّ مَكَانِ وَسَلِ الْمُتَيَّم كَيْفَ حَالَتُه وَقَدْ ... مُلِئَتْ لَهُ الأُذنَانِ وَالعَيْنَانِ مِن مَنِْطِقٍ رَقَّتْ حَوَاشِيْهِ وَوَجْـ ... ـه كَمْ بِهِ لِلشَّمْسِ مِن جَرَيَانِ وَسَل الْمُتَيَّمَ كَيْفَ عِيْشَتَه إذًا ... وَهُمَا عَلَى فُرَشَيْهِمَا خَلَوَانِ يَتَسَاقَطَانِ لَآلئًا مَنْثُورَةً ... مِن بَيْنَ مَنْظُومٍ كَنَظْمِ جُمَانِ وَسَلِ الْمُتَيَّم كَيْفَ مَجْلِسُه مَعَ الْـ ... مَحْبُوب فِي رَوْحٍ وَفِي رَيْحَانِ وَتَدورُ كَاسَات الرَّحِيْقِ عَلَيْهِمَا ... بأكُفٍ أَقْمارٍ مِن الولْدَانِ يَتَنَازَعَانِ الكَأسَ هَذا مَرَّةً ... وَالْخُودُ أُخْرَى ثُمَّ يَتَكِئَانِ فَيَضُمُّهَا وَتَضُمُّهُ أَرَأَيْتَ مَعْـ ... شُوْقَيْنِ بَعدَ البُعْدِ يَلْتَقِيَانِ غَابَ الرَّقِيْبُ وَغَابَ كُلُّ مَنْكِّدٍ ... وَهُمَا بِثَوْبِ الوَصْلِ مُشْتَمِلانِ أَتْرَاهُمَا ضَجرَيْنِ مِن ذَا العَيْشِ لاَ ... وَحَياةِ رِبِّكَ مَا هُمَا ضَجرَان وَيزَيْدُ كُلٌّ مِنْهُمَا حُبًا لِصَا ... حِبْهِ جَدِيْدًا سَائر الأَزْمَانِ وَوَصَالُهُ يَكْسُوه حُبًّا بَعْدَهُ ... مُتَسَلْسِلاً لاَ يَنْتَهِي بِزَمَانِ فَالوَصْلُ مَحْفُوْفٌ بحُبٍٍّ سَابِقٍ ... وَبِلاَحِقٍ وَكِلاَهُمَا صِنْوَانِ فَرْقٌ لَطِيْفٌ بَيْنَ ذَاك وَبَيْنَ ذَا ... يَدْرِيْهِ ذُوْ شُغْلٍ بهَذَا الشَّانِ وَمَزِيْدُهُم في كُلِّ وَقْتٍ حَاصِلٌ ... سُبْحانَ ذِي المَلكُوَتِ والسُلْطَانِ يا غَافلاً عَمَّا خُلِقْتَ لَهُ انْتَبِهْ ... جَدَّ الرَّحِيْلُ وَلَستَ باليَقْظَانِ سَارَ الرفَاقُ وَخَلفُوكَ مَعَ الأولى ... قَنعُوا بِذَا الحَظِ الخَسِيْسِ الفَانِ وَرَأيْتَ أكْثَرَ مَنْ تَرَى مُتَخَلِّفَاً ... فَتَبَيعهُم فَرَضِيْتَ بالحِرْمَانِ

بالله ما عذر امرء هو مؤمن

لَكنْ أتَيْتَ بخُطَّتَيْ عَجْزٍ وَجَهْـ ... ـلٍ بَعْدَ ذا وَصحِبْتَ كُلَّ أمَانِ مَنّتْكَ نَفْسُكَ باللحُوقِ مَعَ القُعُو ... دِ عَن المَسِيْر وَرَاحَةِ الأبدَانِ انَتَهَى آخر: بِاللهِ مَا عُذْرُ امْرِءٍٍ هُو مُؤْمِنٌ ... حَقَّا بِهَذَا لَيْسَ بِاليَقْظَانِ بَلْ قَلْبُهُ في رَقْدَة فإذا اسْتَفا ... قَ فَلُبْسُهُ هُو حُلَّةُ الكَسْلانِ تَاللهِ لَوْ شَاقتْكَ جَنَّاتُ النَّعِيْمِ ... طَلَبْتَهِا بِنَفائِسِ الأَثْمَانِ وَسَعَيْتَ جُهْدَكَ في وِصَالِ نَواعِمِ ... وَكَواعِبٍ بِيْضِ الوُجُوهِ حِسَانِ ... جُلَيَتْ عَلَيْكَ عَرائسٌ وَاللهِ لَوْ ... تُجْلَى على صَخْرٍ مِنَ الصُّوَّانِ رَقَّتْ حَواشِِيْهِ وَعَادَ لِوقتِهِ ... يَنْهَالُ مِثْلَ نَقَى مِن الكُثْبَانِ لَكِنَّ قَلْبَك في القَسَاوَةِ جَازَ حَدْدَ ... الصَّخْْرِ والحَصْبَاءِ في أَشْجَانِ لَوْ هَزَّكَ الشَّوقُ المُقيمُ وَكُنْتَ ذَا ... حِسٍّ لما اسْتَبْدَلْتَ بِالأَدْوَانِ أَوْ صَادَفَتْ مِنْكَ الصَّفاتُ حَياةَ قَلْـ ... ـبٍ كُنْتَ ذَا طَلَبٍ بِهَذَا الشَّأنِ

حُورٌ تُزَفُّ إِلى ضَرِيْرٍ مُقَعَدٍ ... يَا مِحْنَةِ الحَسْنَاءِ بِالعُمْيَانِ شَمْسٌ لِعِنينٍ تَزَفُّ إِليهِ مَا ... ذَا حِيْلَةُ العَنين في الغَشَيَانِ يَا سِلعَةَ الرحمن لَسْتِ رَخِيْصَةً ... بَلْ أَنْتِ غَاليةٌ عَلَى الكَسْلانِ يَا سِلْعَةَ الرَّحمن لَيْسَ يَنَالًُهَا ... بِالأَلْفِ إلا واحدٌ لا اثْنَانِ يَا سِلعَةَ الرَّحمن مَاذَا كَفُوْهَا ... إِلا أَوُلُوا التَّقْوى مَعَ الإِيْمَانِ يَا سِلعةَ الرَّحمن سُوقُكِ كاسِدٌ ... بين الأَرَاذَلِ سَفْلَةِ الحَيوانِِ يَا سِلْْعَةَ الرحمن أَيْنَ المُشْتَرِي ... فَلَقَدْ عُرِضتِ بَأيْسرِ الأَثْمانِ يَا سِلْعَةَ الرَّحمن هَلْ مِنْ خَاطِبٍ ... فَالمَهْرُ قَبْلَ الموتِ ذُو إِمْكَانِ يَا سِلْعَةَ الرحمن كَيْفَ تَصبُّر الـ ... خُطَّاب عَنْك وَهم ذَوُو إِيْمَانِ يَا سِلْعَةَ الرَّحمنِ لَولا أَنَّهَا ... حُجِبَتْ بِكُل مَكَارِهِ الإِنْسَانِ مَا كَانَ عَنْهَا قَطُّ مِنْ مُتَخِلفٍ ... وَتَعَطَّلتْ دَارُ الجَزاءِ الثَّانِي

سهام المنايا في الورى ليس تمنع

لَكِنَّهَا حُجِبَتْ بِكُلِّ كَرِيْهَةٍ ... لِيَصُدُّ عَنْهَا المُبْطِلُ المُتَوانِي وَتَنَالُهَا الهِِمَمُ التِّي تَسْمُو إِلى ... رَبّ العُلَى بِمَشِيْئَةِ الرَّحمنِ انْتَهَى آخَرُ: هَذِهِ قَصِيْدَةً بَلِيْغَةٌ جِدَّاً وَهِيَ زُهْدِيَّةٌ وَعَظِيَّةٌ ألْق لَهَا سَمعك. سِهَامُ المَنَايَا في الوَرَى لَيْسَ تُمْنَعُ ... فَكُلُّ لَهُ يَوْمًا وَإِنْ عَاشَ مَصْرَعُ وَكُلُّ وَإِنْ طَالَ المَدَى سَوْفَ يَنْتِهِي ... إِلى قَعْر لَحْدٍ في ثَرَى مِنْهُ يُوْدَعُ فَقُلْ لِلَّذِي قَدْ عَاشَ بَعْدَ قَرِيْنِهِ ... إِلى مِثْلِهَا عَمَّا قَلِيْلٍ سَتُدْفَعُ فَكُلُّ ابْنِ أُنْثَى سَوْفَ يُفْضِي إِلى الرَّدَى ... وَيَرْفَعُهُ بَعْدَ الأَرائِكِ شَرْجَعُ وَيُدْرِكُهُ يَوْمًا وَإِنْ عَاشَ بُرْهَةً ... قَضَاءٌ تَسَاوَي فِيْهِ عَوْدٌ وَمُرْضَعُ فَلا يَفْرَحَنْ يَوْمًا بِطُولِ حَيَاتِهِ ... لَبِيْبٌ فَمَا في عَيْشِهِ المَرْءُ مَطْمَعُ ... فَمَا العَيْشُ إِلا مِثْلُ لَمْحَةِ بَارِقٍ ... وَمَا المَوْتُ إِلا مِثْلُ مَا العَيْن تَهْجعُ وَمَا النَّاسُ إِلا كَالنَّبَاتِ فَيَابِسٌ ... هَشِيْمٌ وَغَضُّ إِثرَ مَا بَادَ يَطْلَعُ فَتَبًا لِدَارٍ مَا تَزَالُ تَعُلُّنَا ... أَفَاوِيْقَ كَأْسٍ مُرَّةً لَيْس تُقْنِعُ

سَحَابُ أَمَانِيْهَا جَهَامُّ وَبَرْقُهَا ... إِذَا شِيْمَ بَرْقٌ خَلَّبٌ لَيْسَ يَهْمَعُ تَغُرُّ بَنِيْهَا بالمُنَى فَتَقُودُهُمْ ... إِلى قَعْرِ مَهْوَاةٍ بِهَا المَرْءُ يُوْضَعُ فَكَمْ أَهْلَكَتْ في حُبَّها مِنْ مُتَيَّمٍ ... وَلَمْ يَحْظَ مِنْهَا بِالمُنَى فَيُمَتَّعُ تُمَنِّيْهِ بالآمَالِ في نَيْل وَصْلِهَا ... وَعَنْ غَيَّهِ في حُبِّهَا لَيْسَ يَنْزِعُ أَضَاعَ بِهَا عُمْرًا لَهُ لَيْسَ رَاجِعًا ... وَلَمْ يَنَلِ الأَمْرَ الذِي يُتَوقَّعُ فَصَارَ لَهَا عَبْدًا لِجَمْعٍ حُطَامِهَا ... وَلَمْ يَهْنَ فِيها بِالذِي كَانَ يَجْمَعُ وَلَوْ كَانَ ذَا عَقْلٍ لأغْنَتْهُ بُلْغَةٌ ... مِنَ العَيْشِ في الدَّنْيَا وَلَم يَكُ يَجْشَعُ إِلى أَنْ تُوَافِيْهِ المَنِيَّةُ وَهُوَ بالْ ... قَنَاعَةٍ فِيْهَا آمِنًا لا يُرِوَّعُ مَصَائِبُهَا عَمَّتْ فَلَيْسَ بِمُفْلَتٍ ... شُجَاعٌ وَلا ذُو ذِلّةٍ لَيْسَ يَدْفَعُ وَلا سَابِحٌ في قَعْرِ بَحْرٍ وَطَائِرٌ ... يُدَوِّمُ في بوْحِ الفَضَاءِ وَيَنْزِعُ وَلا ذُو امْتِنَاعٍ في بُرُوجٍ مُشِيْدَةٍ ... لَهَا في ذُرَى جَو السَّمَاءِ تَرَفُّعُ

أَصَارَتْهُ مِنْ بَعْدِ الحَيَاةِ بِوَهْدَةٍ ... لَهُ مِنْ ثَرَاهَا آخِرَ الدَّهْرِ مَضْجَعُ تَسَاوَى بِهَا مَنْ حَلَّ تَحْتَ صَعِيْدِهَا ... عَلَى قُرْبِ عَهْدٍ بِالمَمَاتِ وَتُبَّعُ فَسِيَّانِ ذُو فَقْرٍ بِهَا وَذَووا الغِنَى ... وَذُوْ لَكَنْ عِنْدَ المَقَالِ وَمِصْقَعُ وَمَنْ لَمْ يَخَفْ عِنْدَ النَّوَائِب حَتْفَهُ ... وَذُوْ جُبُنٍ خَوْفًا مِنَ المَوْتِ يُسْرِعُ وَذُوْ جَشَعٍ يَسْطُو بِنَابٍ وَمَخْلَبٍ ... وَكُلُّ بُغَاثٍ ذَلَّةً لَيْسَ يَمْنَعُ وَمَنْ مَلَكَ الآفَاقَ بَأْسًا وَشِدَّةً ... وَمَنْ كَانَ مِنْهَا بِالضَّرُوْرَةِ يَقْنَعُ وَلَوْ كَشَفَ الأَجْدَاثَ مُعْتَبِرًا لَهُمْ ... لِيَنْظُرَ آثَارَ البِلَى كَيْفَ يَصْنَعُ لِشَاهَدَ أَحْدَاقًا تَسِيْل وَأَوْجُهًا ... مُعَفَّرَةً في التُّرْبِ شُوهًا تُفَزعُ غَدَتْ تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى مُكْفَهِرَّةً ... عَبُوْسًا وَقَدْ كَانَتْ مِنَ البِشْرِ تَلْمَعُ فَلَمْ يُعْرَفِ المَوْلَى مِنَ العَبْدِ فِيْهِم ... وَلا خَامِلاً مِنَ نَابِهٍ يَتَرَفَّعُ وَأَنَّى لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ بَعْدَمَا ... تَبَيَّنَ مِنْهُم مَا لَهُ العَيْنُ تَدْمَعُ رَأَى مَا يَسُوءُ الطَّرْفَ مِنْهُم وَطَالَمَا ... رَأَي مَا يَسُرُّ النَّاظِرِيْنَ وَيُمْتِعُ رَأَى أَعْظُمًا لا َتْسَتطِيْعُ تَمَاسُكًا ... تَهَافَتَ مِنْ أَوْصَالِهَا وَتَقَطَّعُ ...

مُجَرَّدَةً مِنْ لَحْمِهَا فَهِي عِبْرَةٌ ... لِذِي فِكْرَةٍ فِيْمَا لَهُ يَتَوقَّعُ تَخَوَّنَها مَرُّ الليَالِي فَأصْبَحَتْ ... أَنَابِيْبَ مِنْ أَجْوَافِهَا الرِّيْحُ تُسْمَعُ إلى حَالَةٍ مُسْوَدَّةٍ وَجَمَاجِمٍ ... مُطَأْطَأَةٍ مِنْ ذِلَّةٍ لَيْس تُرْفَعُ أُزِيْلَتْ عَنِ الأَعْنَاقِ فَهِي نَوَاكِسٌ ... عَلَى التُّرْبِ مِنْ بَعد الوَسَائِدِ تُوْضَعُ عَلاهَا ظَلامٌ لِلْبِلَى وَلَطَالَمَا ... غَدَا نُورُهَا في حِنْدِسِ الظُّلْمِ يَلْمَعُ كَأَن لَمْ يَكُنْ يَوْمًا عَلا مَفْرِقًا لها ... نَفَائِسُ تِيْجَانٍ وُدُرٍ مُرَصَّعُ تَبَاعَدَ عَنْهُمْ وَحْشَةًَ كُلُّ وَامِقٍ ... وَعَافَهُمْ الأَهْلُونَ وَالنَّاسُ أَجْمَعُ وَقَاطَعَهُمْ مَنْ كَانَ حَالَ حَيَاتِهِ ... بِوَصْلِهِمُ وَجْدا بِهِمْ لَيْسَ يَطْمَعُ يُبَكِّيْهِمْ الأَعْدَاءُ مِنْ سُوءِ حَالِهِمْ ... وَيَرْحَمُهُمْ مَنْ كَانَ ضِدًا وَيَجْزَعُ فَقُلْ لِلذِي قَدْ غَرَّهُ طُوْلُ عُمْرِهِ ... وَمَا قَدْ حَوَاهُ مِنْ زَخَارِفَ تَخْدَعُ أَفِقْ وَانْظُرِ الدُّنْيَا بِعَيْنٍ بَصِيْرَةٍ ... تَجِدْ كُلَّ مَا فِيْهَا وَدَائِعَ تَرْجِعُ

فَأَينَ المُلُوكُ الصَّيْدُ قِدْمًا وَمَنْ حَوَى ... مِنَ الأَرْضِ مَا كَانَتْ بِهِ الشَّمْسُ تَطْلَعُ حَوَاهُ صَرِيحٌ مِنْ فَضَاءِ بَسِيْطِهَا ... يُقَصِّرُ عَنْ جُثْمَانِهِ حِيْنَ يُذْرَعُ فَكَمْ مَلِكٍ أَضْحَى بِهَا ذَا مَذَلَّةٍ ... وَقَدْ كَانَ حَيًّا لِلْمَهَابَةِ يُتْبَعُ يَقُودُ عَلَى الخَيْل العِتَاقِ فَوَارِسًا ... يَسُدُّ بِهَا رَحْبَ الفَيَافِي وَيُتْرِعُ فَأَصْبَحَ مِنْ بَعْدِ التَّنَعُّمِ فِي ثَرَى ... تُوارِي عِظَامًا مِنْهُ بَهْمَاءُ بَلْقَعُ بَعِيْدًا عَلَى قُرْبِ المَزَارِ إِيَابُهُ ... فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى القِيَامَةَ مَرْجِعُ غَرِيْبًا عَنِ الأَحْبَابِ وَالأَهْلِ ثَاوِيًا ... بَأَقْصَى فَلاةٍ خَرْقُهُ لَيْسَ يُرْقَعُ تُلِحُّ عَلَيْهِ السَّافِيَاتُ بِمَنْزِلٍ ... جَدِيْبٍ وَقَدْ كَانَتْ بِهِ الأَرْضُ تُمْرِعُ رَهِيْنًا بِهِ لا يَمْلِكُ الدَّهْرَ رَجْعَةً ... وَلا يَسْتَطِيْعَنَّ الكَلامَ فَيُسْمَعُ تَوَسَّدَ فِيْهِ التُّرْبَ مِنْ بَعْدِ مَا اغْتَدَى ... زَمَانًا عَلَى فُرُشٍ مِنَ الخَزِّ يُرْفَعُ كَذَلِكَ حُكْمُ اللهِ في الخَلْقِ لَنْ تَرَى ... مِنَ النَّاسِ حَيًّا شَمْلُهُ لَيْسَ يَصْدَعُ انْتَهَى

ولا بأس شرعا أن يطبك مسلم

آخر: ناظم الفقه ابن عبد القوي وَلاَ بَأْسَ شَرْعاً أَنْ يَطِبَّكَ مُسْلِمٌ ... وشَكْوَى الذي تَلْقَى وبالحَمْدِ فابْتَدِي وَتَرْكُ الدَّوا أَوْلَى وَفْعْلُكَ جَائِزُ ... ولم تَتَيَقَنْ فِيْهِ حُرْمَةَ مُفْرَدِ وَرَجِّحْ عَلَى الْخَوْفِ الرَّجَا عِنْدَ يَأْسِه ... وَلَاقِ بِحُسْنِ الظَّنِّ رَبَّك تسعد ... وَتُشْرَعُ لِلْمَرْضَى الْعِيَادَةُ فَأْتِهِمْ ... تَخُضْ رَحْمَةً تَغْمُرْ مَجَالِسَ عُوَّدِ فَسَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ مَلَائِكَةِ الرِّضَا ... تُصَلِّي عَلَى مَنْ عَادَ ممسِي إلَى الْغَدِ وَإِنْ عَادَهُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ وَاصَلَتْ ... عَلَيْهِ إلَى اللَّيْلِ الصَّلَاةَ فَأَسْنِدْ فَمِنْهُمْ مُغِبًّا عُدْ وخَفِّفْ وَمِنْهُمْ الـ ... ذِي يُؤْثِرُ التَّطْوِيلَ مِنْ مُتَوَدِّدٍ فَفَكِّرْ وَرَاعِ فِي الْعِيَادَةِ حَالَ مَنْ ... تَعُودُ وَلَا تُكْثِرْ سُؤَالًا تنكد وَذَكِّرْ لِمَنْ تَأْتِي وَقَوِّ فُوآدَُ ... وَمُرْهُ بِأَنْ يُوْصِي إِذَا خِفْتَ وَارْشُدِ وَنَدِّ بِمَاءٍ أَوْ شَرَابٍ لِسَانَهُ ... وَلاَقّنْهُ عِنْدَ الْمَوْتِ قَوْلَ الْمُوَحِّدِ وَلاَ تُضْجِرَنْ بَلْ إِنْ تَكَلَّمَ بَعْدَهُ ... فَعَاوِدْ بِلَفْظٍ وَاسْأَلْ اللُّطْفَ وَاجْهِدِ

وَيس إِنْ تُتْلَى يُخَفَّفُ مَوْتُهُ ... وَيُرْفَعُ عَنْهُ الإصْرُ عِنْدَ التَّلَحَّدِ وَوَجِّهْهُ عِنْدَ الْمَوْتِ تِلْقَاءَ قِبْلَةٍ ... فَإِنْ مَاتَ غَمِّضْهُ وَلَحْيَيْهِ فَاشْدُدِ وَمَلْبُوْسَهُ فَاخْلَعْ وَلَيِّنْ مَفَاصِلاً ... وَضَعْ فَوْقَ بَطْنِ الْمَيِّتِ مَانِعَ مُصْعِدِ وَوَفِّ دُيُونَ الْمَيْتِ شَرْعًا وَفَرِّقَنْ ... وَصِيَّةَ عَدْلٍ ثُمَّ تَجْهِيْزَهُ أُقْصُدِ إِذَا بانْخِسَافِ الصُّدْغِ أَيْقَنْتَ مَوْتَهُ ... وَمَيْلَ أَنْفِهِ مَعْ فَصْلِ رِجْلَيْهِ وَالْيَدِ وَلاَ بَأْسَ في إِعْلاَمٍ خِلٍ وَصَاحِبٍ ... وَأَنْسَابِهِ وَاكْرَهْ نِدَاءً وَشَدِّدِ وَسَارِعْ إِلى التَّجْهِيْزِ فَرْضَ كِفَايَةٍ ... فَقَدِّمْ وَصِيَّاً بَعْدَهُ الأَبَ فَاعْدُدِ فَجَدٌّ فَأَدْنَى ثُمَّ أَدْنَى مُنَاسِبٍ ... فَمَوْلَى فأدْنَى أَقْرَبِيْهِ كَمَا ابْتُدِي وَمُسْتَتِرًا لِلْغَسْل ضَعْهُ مُوَجَّهَاً ... وَمُنْحَدِرًا تِلْقَاءَ رِجْلَيْهِ فَاعْمِدِ وَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَوْقَ قَمِيْصِهِ ... بالأخْرَى بِلاَمَسِّ وَحَيْزٍ بأبْعَدِ وَيَخْتَارُ مَجْدُ الدِّيْنَ لَفّةَ غَاسِلٍ ... عَلَى يَدِهِ ثَوْبًا لِغُسْلِ مُعَوَّدِ

وَيُشْرَعُ سَتْرُ الْمَيتِ عَنْ أَعْيُنِ الْوَرَى ... وَغَسْلُكَ تَحْتْ السّقْفِ أَوْ سِتْرًا اشْهَدِ وَقَرِّبْهُ مِنْ حَالِ الْجُلُوسِ بِرَفْعِهِ ... وَلِلْبَطْنِ فاعْصِرْ وَارْفقنْ لاَ تُشَدِّدِ وَكَثَّرْ لِصَبِّ الْمَاءِ لِيَذْهَبَ بالأذَى ... وَفي وَاسِعِ الكُمَّيْنِ غَسِّلْ بِأَبْعَدِ وَلُفَّ لِتَنْضَيْفِ النَّجَاسَةِ خِرْقَةً ... بِكَفٍّ وَنَجِّيْهِ وَعَنْ عَوْرَةٍ حُدِ وَتَعْمِيْمُهُ بالمَا اشْتَرْط وَبخِرْقَةٍ ... بِيُمْنَ وَسَمِّ وانْوِ شَرْطًا بأجْوَدِ وَلاَ تُدْخِلَنَّ الَمَاءَ فَاهُ وَأَنْفَهُ ... وَنَظِّفْهُمَا وَاتْمِمْ وُضُوءَ التَّعَبُّدِ وَمِنْ رُغْوَةِ السِّدْرِ اغْسِلَنْه جَمِيْعَهُ ... وَبِالأَيْمَنِ ابْدَأْ ثُمَّ لِلأَيْسَرِ اقْصدِ ثَلاَثَاً فَإِنْ لَمْ يُنْقِ أَوْ بَانَ خَارِجٌ ... فَغَسِّلْ إِلى الأنقى وَبِالْوِتْرِ بالْيَدِ ... إِلى مُنْتَهَى سَبْعٍ وفي كُلِّ غَسْلَةٍ ... فَقَلِّبْهُ وَارْفِقْ وَامْسَحِ الْبَطْنَ بالْيَدِ وَفي الآخِرِ الْكَافُورَ ضَعْهُ فَإِنْ بَدَا ... إِذًا بَعْدَ سَبْعٍ مَخْرَجَ الْمَيّتِ فَاسْدُدِ بِقُطْنٍ فَإِنْ يَخْرُجِ فَطِيْنٍ وَقِيْلَ لاَ ... تُغَسِّلْ وَوَضِّ بَعْدَ غَسْلِ الأَذَى قَدِ

وَيُكْرَهُ تَسْرِيْحُ الشُّعُورِ بِأَوْطَدٍ ... وَشَارِبَهُ والظّفْرَ وَالإبْطَ فَاجْدُدِ وَغَسِّلْ وَكَفِّنْ بَعْضَ مَيِّتٍ مُغَيَّبٍ ... وَصَلِّ عَلَيْهِ مِثْلَ رِجْلٍ بِأَوْكَدِ وَيُخْتَارُ لِلْغَسْلِ الأَمِيْنُ وَعَالِمٌ ... بِأحْكَامِ تَغْسِيْلٍ وَلَوْ بِتَقَلُّدِ وَلاَ تُفْشِ سِرَّاً يُؤثِرُ الْمَيْتُ كَتْمَهُ ... سِوَى ذِي فُجُورٍ وَابْتِدَاعٍ مُعَوَّدِ وَتَجْهِيْزُ مَيّتٍ خُذْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ... وَقَدِّمْ عَلَى كُلِّ الْحُقوقِ وَأَكِّدِ وَوَاجِبُهُ ثَوْبُ يَلُفُّ جَمِيْعَهُ ... وَقِيْلِ ثَلاَثٌ بَلْ مَعَ الدَّيْنِ أَفْرِدِ وَيُشْرَعَ في بِيْضٍ ثَلاَثٍ بَسَطَّتَهَا ... طِبَاقًا بِطِيْبٍ والدِّثَارَ فَجَوِّدِ وَحَنِّطْهُ فِيْمَا بَيْنَهَا وَاجْعَلَنْ عَلَى ... مُلَفَّفِ قُطْنٍ بَيْنَ ألْيَيْهِ وَاشْدُدِ وَكَفِّنْهُ وَابْدَأْ بالْيَسَارِ وَفَوْقَها الْـ ... ـيَمِيْنُ كَذَا الأطْرَافُ مِنْهَا فَعَقِّدِ وَمَا عِنْدَ رَأْسِ الْمَيْتِّ وَفِّرْ وحُلَّهَا ... بِلَحْدٍ وَدَعَ أَكْفَانَهُ لاَ تُقَدِّدِ وَيَكْفِي لِفَافٌ مَعَ قَمِيْصٍ وَمِئْزَرٍ ... والأنْثَى خِمَارٌ مَعَ لِفَافَةٍ ازْدَدِ انْتَهَى

فيا ساهيا في غمرة الجهل والهوى

وقال ابن القيم رحمه الله: فَيَا سَاهيًا فِي غَمْرِة الجَّهْلِ والْهَوَى ... صَرِيْعَ الأَمَانِي عَنْ قَرِيبٍ سَتَنْدَمُ أَفِقْ قَدْ دَنَى الوَقْتُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ ... سِوَى جَنَّةٍ أَوْ حَرِّ نَارٍ تَضَرَّمُ وَبِالسُّنَّةِ الغَرَّاءِ كُنْ مُتَمَسِّكًا ... هِي العُرْوَةُ الوُثْقَى الَّتِي لَيْسَ تُفْصَمُ تَمَسَّكْ بِهَا مَسْكَ البَخِيْل بِمَالِهِ ... وَعَضَّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ تَسْلَمُ وَدَعْ عَنْكَ مَا قَدْ أَحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَهَا ... فَمَرْتَعُ هَاتِيْكَ الْحَوَادثِ أَوْخَمُ وَهَيِّئ جَوَابًا عِنْدَمَا تَسْمَعُ النِّدَا ... مِنْ اللهِ يَوم العَرْضِ مَاذَا أَجَبْتُمُ بِهِ رُسُلِيْ لَمَّا أَتَوْكُمْ فَمِنْ يَكُنْ ... أَجَابَ سوَاهُمْ سَوْفَ يُخْزَى وَيَنْدَمُ وَخُذْ مِن تُقَى الرَّحْمَنِ أَعْظَمَ جُنَّةٍ ... لِيَوْمٍ بِهِ تَبْدُو عِيَانًا جَهَنَّمُ وَيُنْصَبُ ذَاكَ الْجِسْرُ مِنْ فَوْقَ مَتْنِهَا ... فَهَاوٍ وَمَخْدُوْشٌ وَنَاجٍ مُسَلَّمُ وَيَأتِيْ إِلَهُ العَالَمِيْنَ لِوَعْدِهِ ... فَيَفْصِلُ مَا بَيْنَ العِبَادِ وَيَحْكُمُ وَيَأْخُذُ لِلمَظْلُومِ رَبُّكَ حَقَّهُ ... فَيَا بُؤْسَ عَبْدٍ لِلْخَلائِقِ يَظْلِمُ ... وَيَنْشُرُ دِيْوَانُ الْحِسَابِ وَتُوْضَعُ الْـ ... ـمَوازِيْنُ بِالقِسْط الَّذِي لَيْسَ يَظْلِمُ فَلا مُجْرِمٌ يَخْشَى ظُلاَمَةَ ذَرَّةٍ ... وَلاَ مُحْسِنٌ مِن أَجْرِه ذَاكَ يَهْضَمُ وَتَشْهَدُ أَعْضَاءُ الْمُسِيء بِمَا جَنَى ... كَذَاكَ عَلَى فِيْهِ الْمَهَيْمِنُ يَخْتُمُ فَيَالَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ حَالُكَ عِنْدَمَا ... تَطَايَرُ كُتْبُ العَالَمِيْنَ وَتُقْسَمُ أَتَأْخُذُ بِاليُمْنَى كَتَابَكَ أَمْ تَكُنْ ... بِالأُخْرَى وَرَاءَ الظَّهْرِ مِنْكَ تَسَلَّمُ وَتَقْرَأ فِيْهَا كَلَّ شِيء عَمِلْتَهُ ... فَيْشْرَقُ مِنْكَ الوَجْهُ أَوْ هُوَ يَظْلِمُ تَقُوْلُ كِتَابِي فَاقْرَؤوُهْ فَإِنَّهُ ... يُبَشِّرُ بِالفَوْزِ العَظِيْمِ وَيَعْلَمُ وَإِنْ تَكُنْ الأُخْرَى فَإِنَّكَ قاَئِلٌ ... أَلا لَيْتَنِي لَمْ أوْتَه فَهُوَ مَغْرَمُ فَبَادِرْ إذًا مَا دَامَ فِي العُمْرِ فُسْحَةٌ ... وَعَدْلُكَ مَقْبُوْلٌ وَصَرْفُكَ قَيِّمُ وَجُدَّ وَسَارِعْ وَاغْتَنِمْ زَمَنَ الصِّبَا ... فَفِي زَمْن الإمْكَانِ تَسْعَى وَتَغْنَمُ وَسِرْ مُسْرِعًا فَالْمَوتُ خَلْفَكَ مُسْرِعًا ... وَهَيْهَاتَ مَا مِنْهُ مَفَرٌ وَمَهْزَمٌ انْتَهَى

إلى متى أرى يا قلب منك التراخيا

آخر: إِلَى مَتى أَرَى يا قَلْبُ مِنْكَ التَّرَاخِيَا ... وَقَدْ حَلَّ وَخَطُّ الشَّيْبِ بالرَّأْسِ ثَاوِيَا وأخْبَرَ عن قُرْبِ الرَّحِيلِ نَصِيْحَةً ... فَدونَكَ طَاعَاتٍ وَخَلِّ المَسَاوِيَا وَعُضَّ عَلَى مَا فَاتَ مِنْكَ أَنَامِلاً ... وَفَجِّرْ مِنَ العَيْنِ الدّمُوعَ الهَوَامِيَا فَكَمْ مَرَّةٍ وَافَقْتَ نَفسًا مَرِيْدَةً ... فَقَدْ حَمَّلْتُ شرًا عليكَ الرَّوَاسِيَا وَكَمْ مَرةٍ أَحْدَثتَ بِدْعًا لِشَهْوَةٍ ... وَغَادَرْتَ هَدْيًا مُسْتَقِيْمًا تَوَانِيَا وَكَمْ مَرَّةٍ أَمْرَ الإِله نَبَذْتَهُ ... وَطاوَعْتَ شَيْطَانًا عَدُوًّا مُدَاجِيَا وَكَمْ مَرَّةٍ قد خُضْتَ بَحْرَ غِوَايَةٍ ... وَأَسْخَطْتَ رَبًا باكْتِسَابِ المَعَاصِيَا وكَمْ مَرَّةً بِرَّ الإِله غَمصْتَهُ ... وقد صِرْتَ في كُفْرانِهِ مُتمَادِيَا وَلاَ زِلْتَ بالدُّنْيَا حَرِيْصَا وَمُوْلَعًا ... وَقَدْ كُنُتَ عن يومِ القِيَامَةِ سَاهِيا فَمَا لَكَ في بَيْتِ البلا إِذْ نَزَلْتَهُ ... عَن الأهْلِ والأحْبَابِ والمَالِ نَائِيَا فَتُسْأَلَ عن رَبٍّ وَدِيْنِ مُحَمَّدٍ ... فإن قُلْتَ هَاهٍ فَادْرِ أنْ كُنْتَ هَاوِيَا

وكيف قرت لأهل العلم أعينهم

وَيَأْتِيْكَ مِن نارٍ سَمُومٌ أَلِيْمَةٌ ... وَتُبْصُرُ فِيْهَا عَقْربًا وَأَفَاعِيَا ويا لَيْتَ شِعْرِيْ كَيْفَ حَالُكَ إذْ نُصِبْ ... صِرَاطٌ ومِيْزَانٌ يُبينُ المَطَاوِيَا فَمَنْ ناقشَ الرَّحْمَنُ نُوْقِشَ بَتّةً ... وَأُلْقيَ في نَارٍ وإِنْ كَانَ وَالِيَا ... هُنَالِكَ لا تَجْزِيْهِ نَفْسٌ عنِ الرَدَى ... فَكُلُ امْريءٍ في غَمِّهِ كانَ جَاثِيَا انْتَهَى آخر: وَكَيْفَ قَرَّتْ لأَهْل العِلْمِ أَعْيُنُهم ... أَوْ اسْتَلَذَوا لَذيذَ النَّومِ أَو هَجَعَوا وَالمَوتُ يُنْذِرُهُم جَهْرًا عَلانِيَةً ... لَوْ كانَ لِلْقَومِ أَسْمَاعٌ لَقْد سَمِعُوا وَالنَّارُ ضَاحِيَةٌ لا بُدَّ مَوْرِدُهُمْ ... وَلَيْسَ يَدْرُونَ مَنْ يَنْجُو وَمَنْ يَقَعُ قَدْ أَمْسَتْ الطَّيرُ وَالأَنْعَامُ آمِنةً ... وَالنُّونُ في البَحْرِ لا يَخْشَى لَهَا فَزَعُ وَالآدِمي بِهَذَا الكَسْبِ مُرْتَهَنٌ ... لَهُ رَقِيْبٌ عَلَى الأَسْرَارِ يَطَّلِعُ حَتَّى يُرَى فِيْهِ يَوْمَ الجَمْعِ مُنْفَرِدًا ... وَخَصْمُهُ الجِلْدُ وَالأَبْصَارُ وَالسَّمَعُ وَإِذْ يَقُومُونَ والأَشهَادُ قَائِمَةٌ ... وَالجِنُّ وَالإِنْسُ وَالأَمْلاكُ قَدْ خَشعُوا

دع التشاغل بالغزلان والغزل

وَطَارتْ الصُّحْفُ في الأَيْدِي مُنْشَّرَةً ... فِيْهَا السَّرَائرُ وَالأَخْبَارُ تُطَّلَعُ فكيفَ بِالنَّاسِ وَالأَنْبَاءُ وَاقعَةٌ ... عَمَّا قَلِيْلٍ وَمَا تَدْرِي بِمَا تَقَعُ أَفِي الجِنَانِِ وَفَوزٍ لا انْقِطَاعَ لَهُ ... أَمْ فِي الجَحِيْمِ فَلا تُبْقِي وَلا تَدَعُ تَهْوِي بُسُكَّانِهَا طَوْرًا وَتَرْفُعُهُمْ ... إِذَا رَجَوا مَخْرَجًا مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا طَالَ البُكاءُ فَلَم يَنْفَعْ تَضرُّعُهُم ... هَيْهَاتَ لا رِقّةٌ تُغْنِي وَلا جَزَعُ انْتَهَى وقال بعضهم مُوَبِّخًا نَفْسَهُ: دَعِ التَّشَاغُلَ بالْغِزْلَانِ وَالغَزَلِ ... يَكْفِيكَ مَا ضَاعَ مِنْ أَيَّامِكَ الأَوَلِ ضَيَّعْتَ عُمْرَكَ لا دُنْيَا ظَفْرِتَ بِهَا ... وَكُنْتَ عَنْ صَالِحٍ الأَعمَالِ في شُغُلِ تَرَكْتَ طُرْقَ الهُدَى كالشمسِ واضِحَةٍ ... وَمِلْتَ عنها لِمُعْوَجٍّ مِنَ السُّبُلِ وِلم تَكُنْ نَاظَرًا في أمْرِ عَاقَبَةٍ ... أَأنْتَ في غَفْلَةٍ أم أَنْتَ في خَبَلِ يَا عَاجِزًا يَتَمَادَى في مُتَابَعَةِ النَّـ ... نَفْسِ اللجُوجِ ويَرْجُو أَكْرَمَ النُّزلِ هِلا تَشَبَّهْتَ بالأكياسِ إِذْ فَطِنُوا ... فَقَدَّمُوا خَيْرَ مَا يُرْجَى مِنَ العَمَلِ فَرَّطْتَ يَا صَاحِ فَاسْتَدْرِكْ عَلَى عَجَلٍ ... إِن المَنِيَّةَ لا تَأتِي عَلَى مَهَلِ هَلْ أَنْذَرَتْكَ يَقِينًا وَقْتَ زَوْرَتِهَا ... أَوْ بَشَّرَتْكَ بِعُمْر غَيْرِ مُنْفَصِلِ هَيْهَات هَيْهَاتَ مَا الدُّنْيَا بِبَاقِيَةٍ ... ولا الزَّمَانُ بِمَا أمَّلْتَ فيه مَلي لا تَحْسَبَنَّ الليَالِي سَالَمَت أَحَدًا ... صَفْوًا فَمَا سَالَمَتْ إِلا على دَخَلِ ... ولا يَغُرَّنْكَ مَا أُوِليتَ مِنْ نِعَمٍ ... فَهَلْ رَأَيْتَ نَعِيمًا غَيْرَ مُنْتَقِلِ

كَمْ مِن فَتَىً جَبَرَتْهُ بَعْدَ كَسْرَتِهِ ... فَقَابَلَتْهُ بِجُرْحٍ غَيْرِ مُنْدَمِلِ إِلَامَ تَرْفُلُ في ثَوْبِ الغُرُورِ عَلَى ... بُسَاطِ لَهْوَكَ بَيْنَ التِّيهِ والجَذَلِ والشَّيْبُ وَافَاكَ مِنْهَ نَاصِحٌ حَذِرٌ ... فَمَا بِهِ كُنْتَ إِلا غَيْرَ مُهْتَبِلِ وَلَمْ تُرَعْ مِنْهُ بَلْ أَصْبَحْتَ تَنْشُدُهُ ... إِنِّي اَتَّهَمْتُ نَصِيحَ الشَّيْبِ في عَذَلِ وَسِرْتَ تَطْلُبُ حَظَّ النَّفْسِ مِنْ سَفَهٍ ... فَبَهْجَةُ العُمْرِ قدْ وَلَّتْ وَلَم تَصِلِ وَمَالَ عَصْرُ التَّصَابِي مِنْكَ مُرْتَحِلاً ... وَحَالةٌ عَنْ طَرِيقِ الغَيِّ لَمْ تَحُلِ أَقْسَمْتُ بِالله لو أَنْصَفْتَ نَفْسُكَ مَا ... تَرَكْتَهَا بِاكْتِسَابِ الوِزْرِ في ثِقَلِ أَمَا عَلِمْتَ بأنَّ الله مُطَّلِعٌ ... عَلَى الضَّمَائِرِ وَالأَسْرَارِ والحِيَلِ وكُلُّ خَيْرٍ وَشَرٍّ أَنْتَ فَاعِلُهُ ... يُحْصَى وَلَو كُنْتَ فِي الأَسْتَارِ وَالكَلَلِ أَمَا اعْتَبَرْتَ بِتَرْدَادِ المَنُونِ إِلى ... هَذِي الخَلِيقَةِ في سَهْلٍ وَفِي جَبَلِ وَسَوْفَ تَاتي بِلا شَكٍّ إِليكَ فَمَا ... أَخِّرْتَ عَمَّنْ مَضَى إِلا إِلى أَجَلِ لكِنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَدَيْكَ فَخُذْ ... بالحزْمِ وانْهَضْ بِعَزْمٍ مِنْكَ مُكْتَمِلِ دَعِ البَطَالَةَ وَالتَّفْرِيطَ وَابْكِ على ... شَرْخِ الشَّبَابِ الذي وَلَّى وَلَم يَطُلِ وَلَم تُحَصِّلْ بِهِ عِلْمًا ولا عَمَلاً ... يُنْجِيكَ مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الحَادِثِ الجَلِلِ وَابْخَل بِدِينكَ لا تَبْغِي به عِوَضًا ... وَلَوْ تَعَاظَمْ وَاحْذَرْ بَيْعَةَ السِّفَلِ واتْلُ الكِتَابَ كِتِابَ الله مُنْتَهيًا ... عَمَّا نَهَى وتَدَبَّرْهُ بِلا مَلَلِ وَكُلُّ مَا فِيْهِ مِن أَمْرٍ عَلَيْكَ بِهِ ... فَهْوَ النَّجَاةُ لتَاليهِ مِنَ الضُلَلِ وَلازِمِ السُّنَّةَ الغَرَّاءَ تَحْظَ بِهَا ... وَعَدِّ عَنْ طُرُقِ الأَهْوَاءِ واعْتَزِلِ وَجَانِبِ الخَوْضَ فِيمَا لَسْتَ تَعْلَمُهُ ... وَاحْفَظْ لِسَانَكَ واحْذَرْ فِتْنَةَ الجَدَلِ وكُنْ حَريصًا على كَسْب الحَلَالِ وَلَوْ ... حَمَّلْتَ نَفْسُكَ فِيْه غَيْرَ مُحْتَملِ واقنَعْ تَجدْ غُنْيَةً عن كل مَسْألَةٍ ... فَفِي القَنَاعَةِ عِزٌّ غَيْرُ مُرْتَحِلِ واطْلُبْ مِنَ الله واتْرُكْ مَنْ سِوَاهُ تَجدْ ... مَا تَبْتَغِيهِ بِلا مَنٍّ وَلاَ بَدَلِ

من ذا الذي قد نال راحة فكره

ولا تُدَاهِنْ فَتىً مِنْ أَجْلِ نِعْمَتِهِ ... يَوْمًا وَلَوْ نِلْتَ مِنْهُ غَايَةَ الأمَلِ واعْمَلْ بِعِلْمِكَ لا تَهْجُرْهُ تَشْقَ بِهِ ... وانْشُرْهُ تَسْعَدْ بِذِكْرٍ غَيْرِ مُنْخَذِلِ وَمَن أَتَى لَكَ ذَنْبًا فَاعْفُ عَنْهُ وَلا ... تَحْقُدْ عَلَيْهِ وفي عُتْبَاهُ لا تَطُلِ عَسَاكَ بِالعَفْوِ أَنْ تُجْزَى إذَا نُشِرَتْ ... صَحَائِفٌ لَكَ مِنْهَا صِرْتَ في خَجَلِ ... وَلَا تَكُنْ مُضْمِرًا مَا لَسْتَ تُظْهُرُهُ ... فَذَاكَ يَقْبحُ بَيْنَ النَّاسِ بالرَّجُلِ ولا تَكُنْ آيِسًا وارْجُ الكَرِيمَ لِمَا ... أَسْلَفْتَ مِنْ زَلَّةٍ لَكِنْ عَلَى وَجَلِ وَقِفْ عَلَى بَابِهِ المَفْتُوحِ مُنْكَسِرًا ... تَجْزِمْ بِتَسْكِينِ مَا فِي النَّفْسِ مِن عِلَلِ وارْفَعْ لَهُ قِصَّةَ الشَّكوَى وسَلْهُ إِذَا ... جنَّ الظَّلامُ بِقَلْبٍ غَيْرِ مُشْتَغِلِ ولازِمِ البَابَ واصْبِرْ لا تَكُنْ عَجِلاً ... واخْضَعْ لَهُ وتَذَلَّلْ وَادْعُ وابْتَهِلِ وَنَادِ يَا مَالِكِي قَدْ جِئْتُ مُعْتَذِرًا ... عَسَاكَ بِالعَفْوِ والغُفْرَانِ تَسْمَحُ لِي فَإِنَّنِي عَبْدُ سِوْءٍ قَدْ جَنَى سَفَهًا ... وَضَيَّعَ العُمْرَ بَيْنَ النَّومِ والكَسَلِ وغَرَّهُ الحِلْمُ والإِمْهَالُ مِنْكَ لَهُ ... حَتَّى غَدَا في المَعَاصِي غَايَةَ المُثُلِ وَلَيْسَ لِي غَيْرُ حُسْنِ الظَّنِّ فِيكَ فَإِنْ ... رَدَدْتَنِي فَشَقَاءٌ كَانَ فِي الأَزَلِ حَاشَاكَ مِنْ رَدِّ مِثْلِي خَائِبًا جَزِعًا ... والعَفْوُ أَوْسَعُ يَا مَوْلاي مِنْ زَلَلي وَلَمْ أكُنْ بِكَ يَومًا مُشْركًا وإلى ... دينٍ سِوَى دينكَ الإِسْلامِ لَمْ أَمِلِ وكَانَ ذَلكَ فَضْلاً مِنْكَ جُدْتَ بِهِ ... وَلَيْسَ ذَاكَ بِسَعْي كَانَ مِنْ قِبَلي انْتَهَى آخر: مَنْ ذَا الَّذِي قَدْ نَالَ رَاحَةَ فِكْرِهِ ... فِي عُسْرِهِ مِنْ عُمْرِهِ أَوْ يُسْرِهِ يَلْقَى الْغَنِيُّ لِحِفْظِهِ مَا قَدْ حَوَى ... أَضْعَافَ مَا يَلْقَى الْفَقِيرُ لِفَقْرِهِ فَيَظَلُّ هَذَا سَاخِطًا فِي قِلِّهِ ... وَيَظَلُّ هَذَا تَاعِبًا فِي كُثْرِهِ

عَمَّ الْبَلَاءُ لِكُلِّ شَمْلٍ فُرْقَةٌ ... يُرْمَى بِهَا فِي يَوْمِهِ أَوْ شَهْرِهِ وَالجِنُّ مِثْلُ الْإِنْسِ يَجْرِي فِيهِمُو ... حُكْمُ الْقَضَاءِ بِحُلْوِهِ وَبِمُرِّهِ فَإِذَا الْمُرِيدُ أَتَى لِيَخْطَفَ خَطْفَةً ... جَاءَ الشِّهَابُ بِحَرْقِهِ وَبِزَجْرِهِ وَنَبِيُّ صِدْقٍ لَا يَزَالُ مُكَذَّبًا ... يُرْمَى بِبَاطِلِ قَوْلِهِمْ وَبِسِحْرِهِ وَمُحَقِّقُ فِي دِينِهِ لَمْ يَخْلُ مِنْ ... ضِدٍّ يُوَاجِهِهِ بِتُهْمَةِ كُفْرِهِ وَالْعَالِمُ الْمُفْتِي يَظَلُّ مُنَازِعًا ... بِالْمُشْكِلَاتِ لَدَى مَجَالِسِ ذِكْرِهِ وَالْوَيْلُ إِنْ زَلَّ اللِّسَانُ فَلَا يَرَى ... أَحَدًا يُسَاعِدُ فِي إِقَامَةِ عُذْرِهِ وَأَخُو الدِّيَانَةِ دَهْرُهُ مُتَنَغِّصٌ ... يَبْغِي التَّخَلُّصَ مِنْ مَخَاوِفِ قَبْرِهِ أَوَ مَا تَرَى المَلِكَ العَزِيزَ بِجُنْدِهِ ... رَهْنَ الهُمُومِ عَلَى جَلَالَةِ قَدْرِهِ فَيَسُرُّهُ خَبَرٌ وَفِي أَعْقَابِهِ ... هَمٌّ تَضِيقُ بِهِ جَوَانِبُ قَصْرِهِ ... وَأَخُو التِّجَارَةِ حَائِرٌ مُتَفَكِّرٌ ... مِمَّا يُلَاقِي مِنْ خَسَارَةِ سِعْرِهِ

وَأَبُو الْعِيَالِ أَبُو الهُمُومِ وَحَسْرَةُ ... الرَّجُلِ الْعَقِيمِ كَمِينَةٌ فِي صَدْرِهِ وَتَرَى الْقَرِينَ مُضْمِرًا لِقَرِينِهِ ... حَسَدًا وَحِقْدًا فِي غِنَاهُ وَفَقْرِهِ وَلَرُبَّ طَالِبِ رَاحَةٍ فِي نَوْمِهِ ... جَاءَتْهُ أَحْلَامٌ فَهَامَ بِأَمْرِهِ وَالطِّفْلُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَخْرُجُ إِلَى ... غُصَصِ الفِطَامِ تَرُوعُهُ فِي صِغَرِهِ وَلَقَدْ حَسَدْتُ الطَّيْرَ فِي أَوْكَارِهَا ... فَوَجَدْتُ مِنَها مَا يُصَادُ بِوَكْرِهِ وَالوَحْشُ يَأْتِيهِ الرَّدَى فِي بَرِّهِ ... وَالْحُوتُ يَأْتِي حَتْفُهُ فِي بَحْرِهِ وَلَرُبَّمَا تَأْتِي السِّبَاعُ لِمَيِّتٍ ... فَاسْتَخْرَجَتْهُ مِنْ قَرَارَةِ قَبْرِهِ كَيْفَ الْتِذَاذُ أَخِي الحَيَاةِ بِعَيْشِهِ ... مَا زَالَ وَهْوَ مُرَوَّعٌ فِي أَمْرِهِ تَاللَّهِ لَوْ عَاشَ الْفَتَى فِي أَهْلِهِ ... أَلْفًا مِنَ الْأَعْوَامِ مَالِكَ أَمْرِهِ مُتَلَذِّذًا مَعَهُمْ بِكُلِّ لَذِيذَةٍ ... مُتَنَعِّمًا بِالْعَيْشِ مُدَّةَ عُمْرِهِ لَا يَعْتَرِيهِ النَّقْصُ فِي أَحْوَالِهِ ... كَلَّا وَلَا تَجْرِي الْهُمُومُ بِفِكْرِهِ

يا أيها السني خذ بوصيتي

مَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِمَّا يَفِي ... بِنُزُولِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ فِي قَبْرِهِ كَيْفَ التَّخَلُّصُ يَا أَخِي مِمَّا تَرَى ... صبْرًا عَلَى حُلْوِ الْقَضَاءِ وَمُرِّهِ انْتَهَى وقال القحطاني رحمه الله: يَا أيُّها السُّنيُّ خُذْ بِوَصِيَّتي ... واخْصُصْ بذَلِكَ جُملَةَ الإِخْوانِ واقْبَلْ وَصِيَّةً مُشْفِقٍ مُتَوَدِّدٍ ... وَأسْمَعْ بِفَهْمٍ حاضِرٍ يَقْظَانِ كُنْ في أَمورِك كُلِّها مُتَوَسِّطًا ... عَدْلاً بلا نَقْصٍ ولا رُجْحَانِ وأعْلَم بِأَنَّ اللهَ ربُّ واحِدٌ ... مُتَنَزِّهٌ عن ثَالِثٍ أَوْ ثَانِ الأوَّلُ الَمُبْدي بغَير بدَايَةٍ ... والآخِرُ المُفْنيِ وَلَيْسَ بفانِ رُكْنُ الدِّيانَةِ أَنْ تُصَدِّقَ بالقَضَا ... لاَ خَيْرَ في بَيْتٍ بلا أَرْكانِ فاقْصِدْ هُدِيْتَ ولا تكُن مُتَغَالِيًا ... إنَّ القُدُوْرَ تَفُورُ بالغَلَيانِ دِنْ بِالشَّريعةِ والكتاب كِلَيْهمَا ... فَكلاَهُمَا لِلدِّينِ واسِطتانِ وإِذَا دُعِيْتَ إِلى أَدَاءِ فَريضَةٍ ... فَانْشَطْ وَلاَ تَكُ في الإِجابَةِ واني قُمْ بالصَّلاةِ الخمسِ وأعْرِفْ قَدْرَهَا ... فَلَهُنَّ عندَ اللهِ أَعْظَمُ شَانِ لا تَمْنَعَنَّ زكاةَ مَالِكَ ظالِمًا ... فَصَلاتنَا وَزَكاتُنا أخُتَانِ ... لا تَعْتَقِدْ دِيْنَ الرَّوافض إنَّهم ... أهْلُ المُحَالِ وشِِيعَةُ الشَّيْطانِ إنَّ الرَّوافِضَ شَرُّ مَن وَطِئَ الحَصَا ... مِن كُلِّ إنْسٍ نَاطِقٍ أَوْ جَانِ مَدَحُوا النَّبيَّ وَخَوَّنُوا أَصْحَابَهُ ... وَرَمَوْهمُ بالظُّلْم والعُدْوَانِ قُل إنَّ خَيْرَ الأَنبياءِ مُحَمَّدٌّ ... وَأَجَلُّ مَن يَمْشِي على الْكُثْبانِ قُلْ خَيْرَ قَوْلٍ في صَحَابَةٍ أَحْمَدٍ ... وَامْدَحْ جَمِيعَ الآلِ والنِّسْوانِ

دَعْ ما جَرى بَيْنَ الصَّحَابَةِ في الوَغَى ... لِسُيُوفِهِم يَومَ الْتَقَى الجَمْعَانِ لاَ تَقْبَلنَّ مِنَ التَّوارخ كُلَّ ما ... جَمَعَ الرُّواةُ وَخَط كُلُّ بَنَانِ ارْوِ الحديثَ المُنْتَقَى عن أَهْلِهِ ... سِيْمَا ذَوي الأَحْلاَمِ والأَسْنَانِ واحْفَظْ لأَهْلِ البَيْتِ واجِبَ حَقِّهِمْ ... وَاعْرفْ عَلِيَّا أيَّمَا عِرْفانِ لا تَنْتَقِصُهُ ولا تزد في قَدْرِهِ ... فَعَلَيْهِ تَصْلَى النارَ طَائِفتَان إِحْدَاهُمَا لا تَرْتَضِيْهِ خَلِيْفَةً ... وتَنُصُّهُ الأُخْرى إلهًا ثان احْذَرْ عِقَابِ اللهِ وارْجُ ثَوَابَهُ ... حَتَّى تكونَ كَمَنْ لَهُ قَلْبَانِ وَإِذَا خَلَوْتَ بِريبَةٍ في ظُلْمَةٍ ... والنَّفْسُ داعِيَةٌ إلى الطُّغيان فاستحي مِن نَظَر الإله وقُلْ لَهَا ... إنَّ الَّذي خَلَقَ الظَّلامَ يَرَانِي كُنْ طَالِبًا لِلْعِلْمِ واعْمَلْ صالِحًا ... فَهُمَا إلى سُبْل الهُدَى سَبَبَانِ لا تَعْص رَيَّكَ قائِلاً أَوْ فَاعِلاً ... فكِلاهما في الصُّحْفِ مكتوبانِ جَمِّل زَمَانَكَ بالسُّكُوتِ فإنَّه ... زينُ الحَلِيمِ وسِتْرَةُ الحَيْرانِ كُنْ حِلْسَ بَيْتِكَ إن سَمِعْتَ بِفِتْنَةٍ ... وَتَوَقَّ كُل مُنافِقٍ فَتَّانِ أَدَ الفَرائِضَ لا تَكُنْ مُتَوانِيًا ... فَتَكُونَ عندَ اللهِ شَرَّ مُهَانِ أَدِم السِّوَاكَ مَعَ الوُضُوءِ فَإِنَّهُ ... مُرْضِي الإِلهِ مُطهِّر الأَسْنِانِ سَمِّ الإله لَدَى الوُضُوء بِنِيَّةٍ ... ثم اسْتَعِدْ مِن فِتْنَةِ الوَلْهَانِ فأَسَاسُ أَعْمَالِ الوَرَى نِيَّاتُهمْ ... وعلى الأَسَاس قَواعِدُ البُنْيَانِ لا تَلْقَ رَبَّكَ سَارقًا أَوْ خَائِنًا ... أَوْ شَارِبًا أَوْ ظَالِمًا أَوْ زَانِي أَيْقِنْ بِأَشْراطِ القِيامَةِ كُلِّها ... واسْمَعْ هُدِيتَ نَصِيْحَتي وبَيَانِ أَحْسِنْ صلاتَكَ رَاكِعًا أو سَاجِدًا ... بتَطمْؤُنٍ وَتَرفُّقٍ وتدَانِ حَصِّنْ صِيِامَكَ بالسُّكُوتِ عن الخَنَا ... أَطْبِقْ على عَيْنَيْكَ بالأَجْفانِ لا تَمْش ذا وَجْهَيْن مِن بَينِ الوَرَى ... شَرُّ البَريَّةِ مَن لَهُ وَجْهَانِ ...

لا تَحْسُدَنْ أَحدَاً على نَعْمَائِهِ ... إِنَّ الحَسُودَ لِحُكْمِ ربِّكَ شَانِ لا تَسْعَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ نَمِيْمَةً ... فَلأَجْلِهَا يَتَباغَضُ الخِلاَّنِ وتَحَرَّ برَّ الوالدين فَإنَّه ... فَرْضٌ عَلَيْكَ وطَاعَةُ السُّلْطانِ «في غيِ مَعْصِيَةِ الإِلهِ فإنَّهُ ... لا طَاعَةٌ لِلْخَلْقِ في العِصْيَانِ» لا تَخْرُجَنَّ على الإِمام مُحَاربًا ... ولَوَ أنّهُ رَجُل مِن الحُبشانِ ومَتَى أُمرْتَ بِبِدْعَةٍ أَوْ زَلَّةٍ ... فَاهْرُبْ بِدِيْنِكَ آخِرَ البُلْدَانِ الدِّينُ رأْسُ المَالِ فاسْتَمْسِكْ بِهِ ... فَضَياعُهُ مِن أَعْظم الخُسْرانِ لا تَخْلُ بامْرَأة لَدَيْكَ بِرِيْبَةٍ ... لَوْ كُنْتَ في النُّسَّاكِ مِثْلَ بُنَانِ وَاغْضُضْ جُفُونَكَ عن مُلاَحَظَةَ النِّسَا ... ومَحَاسِن الأَحْداثِ والصِّبْيَانِ واحْفِرْ بِسِرِّك في فؤادك مَلْحَدًا ... وادْفِنْهُ فِي الأَحْشَاءِ أَيَّ دِفَانِ لا يَبْدُ مِنكَ إلى صَدِيقكَ زلّةٌ ... واجْعلْ فُؤادَكَ أَوْثَقَ الخُلاّنِ لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الذُّنوب صِغارَها ... فالقَطْرُ منه تدفق الخلجان وَإِذا نَذَرْتَ فَكُنْ بنَذْرِكَ مُوفيًا ... فالنَّذْرُ مِثْلُ العَهْدِ مَسْئوُلانِ لا تُشْغَلنّ بِعَيْبِ غَيرِكَ غَافِلاً ... عن عَيْبِ نَفْسِكَ إنَّهُ عَيْبَانِ لا تُفْن عُمْرَكَ في الجدَالِ مُخَاصِما " ... إنَّ الجِدالَ يُخلُّ بالأَدْيَان وَاحْذًرْ مُجَادَلَةَ الرِّجالِ فإنها ... تدعو إلى الشحناء والشنآن وإذا اضْطُرِرْتَ إلى الجِدالِ ولَمْ تَجِدْ ... لَكَ مَهْربًا وتَلاَقَتَ الصَّفانِ فاجْعلْ كِتَابَ اللهِ دِرْعًا سَابِغًا ... والشَّرْعَ سَيْفَكَ وابْدُ في المَيْدانِ والسُّنةَ البيضاءَ دُوْنكَ جُنَّةً ... وَارْكَبْ جَوادَ العَزْمِ في الجَوَلانِ واثبُتْ بصَبْكَ تَحْتَ ألْويةِ الهُدى ... فالصَّبرُ أوثَقُ عُدَّةِ الإِنسانِ واطعَنْ برُمْحَ الحَقِّ كُلَّ مُعَانِدٍ ... للهِ درُّ الفَارِسِ الطَّعانِ واحْمِلْ بِسَيْفِ الصِّدقِ حَمْلةَ مُخْلِصٍ ... مُتَجَرِّدٍ للهِ غير جَبَانِ

وَإِذا غَلَبْتَ الخصمَ لا تَهْزَأْ بِهِ " ... فالعُجْبُ يُخْمِدُ جَمْرَةَ الإِنسانِ لا تَغْضبنَّ إذا سُئِلْتَ وَلا تَصِحْ ... فكِلاَهُمَا خُلُقَانِ مُذْمُومَانِ كُنْ طُوْلَ دهْرك سَاكِتًا مُتَواضِعًا ... فَهُمَا لِكُلِّ فَضِيْلةٍ بابانِ وَاخْلَعْ رِداءَ الكِبْر عَنْكَ فَإِنَّهُ ... لا يَسْتَقلُّ بحَمْلِهِ الكَتِفَانِ كُن فاعِلاً لِلْخَير قَوَّالاً لَهُ ... فالقَوْلُ مِثْلُ الفِعْلِ مُقْتَرِنَانِ ... مِن غُوْثِ مَلْهُوفٍ وشبعةِ جَائِعٍ ... ودِثَار عُرْيانٍ وفِدْيةِ عَانِ فَإذا فَعَلْتَ الْخَيْرَ لا تَمْنُنْ بِهِ ... لا خَيْرَ في مُتَمَدِّحٍ مَنَّانِ اشْكُرْ على النَّعمَاءِ واصْبِرْ للْبَلا ... فكِلاَهُمَا خُلْقَانِ مَمْدُوْحَانِ لا تَشْكُوَنَّ بِعِلّةٍ أَوْ قِلَّةٍ ... فَهُمَا لِعِرضِ الْمَرْءِ فاضِحَتَانِ صُنْ حُرَّ وَجْهكَ بالقَناعَةِ إنَّمَا ... صَوْنُ الوُجُوهِ مُرُوْءَةُ الفِتيَانِ باللهِ ثِقْ ولَهُ أنِبْ وَبِهِ اسْتَعِنْ ... فَإذَا فَعَلْتَ فَأَنْتَ خَيْرُ مُعَانِ وَإِذا عَصيْتَ فَتُبْ لِرِّبك مُسْرعًا ... حَذَر المَمَاتِ وَلا تقُلْ لِمَ يَانِ وَإِذا ابْتُلِيْتَ بِعُسْرةٍ فاصْبِرْ لَهَا ... فالعُسْرُ فَرْدٌّ بَعْدَهُ يُسْرَانِ لا تَتَّبِعْ شَهَواتِ نَفْسِكَ مُسْرِفًا ... فاللهُ يُبْغِضُ عَابدًا شَهْوَانِي اعْرض عَن الدُّنْيَا الدَّنيَّةِ زَاهِدًا ... فالزُّهدُ عندَ أُولي النُّهَى زُهْدَانِ زُهْد عَن الدُّنيا وزُهْدٌ في الثنا ... طُوبَى لِمَنْ أَمْسَى لَهُ الزُّهْدَانِ وَاحْفَظْ لِجَارِكَ حَقَّهُ وذِمَامَهُ ... ولِكُلِّ جارٍ مُسْلِمٍ حَقَّانِ واضْحَكْ لِضَيْفِكَ حِيْن يُنْزلُ رَحْلَهُ ... إنَّ الكَريْمَ يُسَرُّ بالضِّيفانِ واصِلْ ذَوِي الأَرْحامِ مِنْكَ وإنْ جَفَوْا ... فَوصَالُهُمْ خَيْرٌ مِنَ الهِجْرانِ وَاصْدُقْ وَلا تَحْلِفْ بِربّكَ كَادِبًا ... وتَحَرَّ في كَفَّارةِ الأَيْمَانِ وَتَوَقَّ أَيْمَانَ الغَمُوس فَإِنَّها ذ ... تَدَع الدِّيارَ بَلاَقِعَ الحِيْطَانِ أَعْرِضْ عن النِّسوانِ جُهْدَكَ وانْتَدِبْ ... لِعِناقِ خَيْراتٍ هُنَاكَ حِسَانِ

أتبكي لهذا الموت أم أنت عارف

في جَنَّةٍ طابَتْ وطَابَ نَعيْمُهَا ... مِن كُلِّ فاكِهةٍ بها زَوجانِ إن كنت مُشْتَاقًا لَهَا كلفًا بِهَا ... شَوْق الْغَرِيبِ لِرُؤْيَةِ الأَوْطَانِ كُنْ مُحْسنًا فيما استطعتَ فَرُبّما ... تُجْزى عن الإِحْسانِ بالإِحسانِ واعْمَلْ لَجَنَّاتِ النَّعيمِ وطِيْبِهَا ... فَنَعِيْمُهَا يَبْقَى وَلَيْسَ بفَانِ قُمْ في الدُّجى واتْلُ الكِتابَ ولا تَنْمْ ... إلاَّ كَنَوْمَةِ حَائِرٍ ولْهَانِ فلربّمَا تَأْتِي المَنِيَّةُ بَغْتَةً ... فَتُسَاقُ مِن فُرُشٍ إلى الأَكْفَانِ يا حَبَّذا عَيْنَانِ في غَسَقِ الدُّجى ... مِن خَشْيَةِ الرَّحْمنِ باكِيَتانِ لا تَجْزعنَّ إذا دَهَتْكَ مُصِيْبَةٌ ... إنَّ الصَّبورَ ثَوَابُهُ ضِعْفانِ فَإِذا ابْتُلِيْتَ بِنَكْبَةٍ فَاصْبِرْ لَهَا ... اللهُ حَسْبِي وحْدَهُ وكَفَانِي وَعَلَيْكَ بالفِقْهه المُبَيِّنِ شَرْعَنَا ... وفَرائضِ المِيْرَاثِ والقُرآنِ ... أَمْرِرْ أَحَادِيثَ الصِّفاتِ كَما أَتَتْ ... مِن غيرِ تحْرِيْفٍ ولا هَذَيانِ هو مذهب الزُّهري ووافَقَ مَالِكٌ ... وَكِلاهُما في شَرْعِنا عَلَمَانِ والله يَنْزِل كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ ... بسَمَائِهِ الدُّنيا بلا كِتْمانِ فيقولُ هَلْ مِن سَائِلٍ فأُجِيْبُهُ ... فَأَنا القَريبُ أُجيبُ مَن نَادَانِي والأصْلُ أنَّ اللهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ ... شَيءٌ تَعَالَى الرَّبُّ ذُو الإِحسانِ صلَّى الإِلهُ على النَّبيّ مُحمّدٍ ... ما ناحَ قَمْرِيٌّ على الأَغْصَانِ وعلى جَمِيْعِ بَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ ... وَعلى جَمِيْعِ الصَّحْبِ والإِخْوانِ انْتَهَى آخر: أَتَبكِيْ لِهَذَا الموتِ أمْ أنتَ عارِفُ ... بِمَنْزِلَةٍ تَبْقَى وَفيها المَتَالِفُ كَأَنَّكَ قدْ غُيِّبْتَ في اللَّحْدِ والثَرَى ... فَتَلْقَى كما لاقَى القُرونُ السَّوالِفُ أرَى المَوْتَ قَدْ أَفْنَى القُرونَ التي مَضَتْ ... فَلَمْ يَبْقَ ذو إلْفٍ ولم يَبْقَ آلِفُ

أعارتك دنيا مسترد معارها

كأَنَّ الفَتَى لم يَغْنَ في الناسِ سَاعَةً ... إذا عُصِبَتْ يَوْما عليه اللَّفَائِفُ وقامتْ عليهِ عُصْبةٌ يندُبُونه ... فَمُسْتَعبِرٌ يَبْكِي وآخَرُ هاتِفُ وَغُوْدِرَ في لَحْدٍ كَرِيْهٍ حُلُولُهُ ... وتُعْقَدُ مِنْ لِبْنٍ عليه السَّقَائفُ يَقِلُّ الغنَى عنْ صاحِبِ اللَّحدِ والثَرَى ... بما ذَرَفَتْ فيهِ العُيُونُ الذَّوَارِفُ وما مَنْ يَخَافُ البَعْثَ والنارَ آمِنٌ ... وَلَكنْ حَزِينٌ مُوْجَعُ القلبِ خائفُ إذا عَنَّ ذِكْرُ الموتِ أَوْجَعَ قَلبَهُ ... وَهيَّجَ أَحْزَانًا ذُنُوبٌ سَوَالِفُ انْتَهَى آخر: أَعَارَتْكَ دُنْيَا مُسْتَردٌ مُعارُهَا ... غَضَارَة عَيشِ سَوْفَ يَذْوِي اخْضِرَارُها وهَلْ يَتَمَنَّى المُحْكَمُ الرأي عِيْشَةً ... وقد حَانَ مِن دُهم المَنايا مَزارُهَا وكَيفَ تَلذُّ العَينُ هَجْعَةَ سَاعَةٍ ... وقد طَالَ فِيمَا عَايَنَتْهُ اعْتِبَارُهَا وكَيفَ تَقِرُّ النَّفْسُ فِي دَارِ نُقْلَةٍ ... قَد اسْتَيقَنَتْ أَنْ لَيْسَ فِيهَا قَرَارُهَا وأَنّى لهَا في الأَرضِ خَاطِرُ فِكْرَة ... ولَمْ تَدْرِ بَعْدَ الموتِ أَيْنَ مَحَارُهَا أَلَيْسَ لَهَا فِي السَّعْي لِلْفَوزِ شَاغِلٌ ... أَمَا في تَوَقِّيِهَا العَذابَ ازْدِجَارُهَا فَخَابَتْ نُفُوسٌ قَادَهَا لَهُو سَاعَةٍ ... إِلَى حَرِّ نَارٍ لَيْسَ يَطْفَى أُوَارُهَا ... لَهَا سَائِقٌ حَادِ حَثِيْثٌ مُبَادِرٌ ... إِلَى غَيْر ما أضْحَى إليهِ مَدَارُهَا تُرادُ لِأَمْرٍ وَهْيَ تَطْلُبُ غَيرهُ ... وَتَقْصِد وَجْهًا فِي سِوَاهُ سِفَارُهَا أَمُسْرِعَةٌ فِيمَا يَسُوءُ قِيامُهَا ... وَقَدْ أَيْقَنَتْ أنَّ العَذَابَ قُصَارُهَا

تُعَطِّلُ مَفُرُوْضًا وَتَعْنَى بِفَضْلَةٍ ... لَقَدْ شَفَّهَا طُغْيَانُها وَاغْترارُهَا إِلَى مَا لهَا مِنْهُ البَلاءُ سُكُونُهَا ... وَعَمَّا لَهَا مِنْهُ النَّجَاحُ نِفَارُهَا وتُعْرضُ عن رَبٍّ دَعَاهَا لِرُشْدِهَا ... وتَتَبعُ دُنْيًا جَدَّ عنها فِرَارُهَا فيأَيُها المَغْرُوْرُ بادِرْ برَجْعَةٍ ... فِلِلَّهِ دَارٌ لَيْسَ تَخْمُدُ نَارُهَا وَلا تَتَخيَّرْ فَانِيًا دُوْنَ خَالِدٍ ... دَلِيلٌ على مَحْضِ العُقولِ اخْتِيَارُهَا أَتَعْلَمُ انَّ الحقَّ فِيْمَا تَركْتَهُ ... وتَسْلُكُ سُبْلاً لَيْسَ يَخْفَى عِوَارُهَا وتَتْرُكُ بَيْضَاءَ المَنَاهِجَ ضِلَّةً ... لِبَهْمَاءَ يُؤْذِيْ الرِّجْلَ فيها عِثَارُهَا تُسَرُّ بِلَهْوٍ مُعْقِبٍ بِنَدَامَةٍ ... إِذَا مَا انْقَضَى لَا يَنْقَضِيْ مُسْتَشَارُهَا وتَفْنَى اللَّيالِي والمَسرَّاتُ كُلُّهَا ... وَتَبْقَى تِبعَاتُ الذُّنوبِ وَعَارُهَا فَهَلْ أَنْتَ يَا مَغْبُونُ مُسْتَيْقِظٌ فَقَدْ ... تَبَّينَ مِن سِرّ الخُطُوب اسْتِتَارُهَا فَعَجِّلْ إِلَى رِضْوانِ رَبِّكَ واجْتَنِبْ ... نَوَاهِيهُ إِذْ قَدْ تَجَلَّى مَنَارُهَا تَجد مُرُوْر الدهر عَنْكَ بلَاعِب ... وتُغْرى بدُنيا سَاءَ فِيْكَ سِرَارُهَا َفَكَمْ أُمَّةٍ قَدْ غَرَّهَا الدَّهْرُ قَبْلَنَا ... وَهَاتِيْكَ مِنْهَا مُقْفِرَاتٌ دِيَارُهَا تَذَكَّرْ عَلَى مَا قَدْ مَضَى واعْتِبَرْ بِهِ ... فإِنَّ المُذَكِّيْ لِلْعُقُولِ اعْتِبَارُهَا تَحَامَى ذُراهَا كُلَّ بَاغٍ وَطَالِبٍ ... وَكَانَ ضَمَانًا في الأَعَادِي انْتِصَارُهَا تَوَافَتْ بِبَطْنِ الأَرضِ وَانْشَتَّ شَمْلُهَا ... وَعَادَ إِلَى ذِي مُلكةِ مُسْتَعَارُهَا وَكَمْ رَاقُدٍ في غَفَلَةٍ عَن مُنْيَّةٍ ... مُشَمَّرَةٍ في القَصْدِ وَهْوَ سِعَارُهَا وَمَظْلَمَةٍ قَدْ نَالَهَا مُتَسِلِّطٌ ... مُدِلٌ بِأَيْدٍ عِنْدَ ذِي العَرشِ ثَارُهَا أَرَاكَ إِذَا حَاوَلْتَ دُنْيَاكَ سَاعِيًا ... على أَنَّهَا بَادٍ إِليْكَ ازْورَارُهَا وَفي طَاعَةِ الرحمنِ يُقْعِدُكَ الوَنَى ... وتُبْدِيْ أَنَاةً لا يَصْحُّ اعْتِذَارُهَا حاذر إِخْوَانًا سَتَفْنَى وَتَنْقَضِي ... وَتَنْسَى الَّتِي فَرْضٌ عَلَيْكَ حِذارُهَا ما لي أَرَى مِنْكَ التَّبرُّمَ ظَاهِرًا ... مُبِيْنًا إِذَا الأَقْدَارُ حُلَّ اضْطِرَارَهُا

هُنَالكَ يَقُولُ المَرْءُ مَن لِي بَأَعْصُرٍ ... مَضَتْ كَانَ مِلْكًا في يَدَيَّ خِيَارُهَا تَنَبَّهْ لِيَوْمٍ قَدْ أَظَلَّكَ وِرْدُهُ ... عَصِيْبٍ يُوافِي النَّفْسَ فِيْهِ احْتِضَارُهَا ... تَبَرّأ فِيْهِ مِنْكَ كُلُّ مُخَالِطٍ ... وَإِنَّ مِنْ الآمَالِ فِيْهِ انْهِيَارُهَا فَأُوْدِعْت في ظَلْما ضَنْكٍ مَقَرُّهَا ... يَلُوْحُ عَلَيْهَا لِلْعُيُونِ اغْبِرَارُهَا تُنَادَى فَلا تَدرِي المُنادي مُفْردًا ... وقد حُطَّ عَن وَجْهِ الحَيَاةِ خِمَارُهَا تُنَادَى إِلى يومٍ شَدِيْدٍ مُفَزّعٍ ... وَسَاعةِ حَشْرٍ لَيْسَ يَخْفَي اشْتَهَارُهَا إِذَا حُشرتْ فيه الوُحُوشُ وَجُمّعَتْ ... صَحَائِفُنَا وانْثَالَ فِيْنَا انْتِثَارُهَا وَزُيّنَتِ الجنَّاتُ فِيهِ وأُزْلفَتْ ... وأُذِكيَ مِن نَارِ الجحيمِ اسْتِعَارُهَا وَكُوِّرتِ الشَّمْسُ المُنِيْرةُ بالضُّحَى ... وَأُسْرِعَ مِن زُهْرِ النُجُومِ انْكِدَارُهَا لَقَدْ جَلَّ أَمْرٌ كَانَ مِنه انْتِظَامُهَا ... وَقَدْ عُطِّلَتْ مِن مَالِكِيْهَا عِشَارِهُا فإِمَّا لِدَارٍ لَيْسَ يَفْنَى نَعِيْمُهَا ... وَإِمَّا لِدَارٍ لا يُفَكُّ إِسَارُهَا بِحَضْرَةِ جَبّارٍ رَفِيْقٍ مُعَاقِبٍ ... فَتُحْصَى المَعَاصِي كُبْرُهَا وصِغَارُهَا وَيَنْدَمُ يَوْمَ البَعْثِ جَانِي صِغَارهَا ... وَتُهْلِكَ أَهْليهَا هُنَاكَ كِبَارُهَا سَتُغْبَطُ أَجْسَادٌ وَتَحْيَا نُفُوسُهَا ... إِذَا ما اسْتَوى إسْرَارُهَا وَجِهَارُهَا إِذَا حَفَّهُمْ عَفْوُ الإِلهِ وفَضْلُهُ ... وَأَسْكَنَهُم دَارًا حَلَالاً عَقَارُهَا يَفزُّ بَنُو الدنيا بِدُنُياهُم الَّتِي ... يُظُنُّ عَلَى أهل الحظوظِ اقْتِصَارُهَا هِيَ الأُمُّ خَيرُ البرِّ فيها عقُوقُهَا ... وَلَيْسَ بِغَيْرِ البَذلِ يُحْمَى ذِمَارُهَا فَمَا نَالَ مِنْهَا الحَظَّ إِلا مُهِيْنُهَا ... وَمَا الهَلَكُ إِلَّا قُرْبُها واعْتِمارُهَا تَهَافَتَ فيها طَاِمعٌ بَعْدَ طَامِعٍ ... وقد بانَ لِلُّبِ الذَّكِيّ اخْتِبَارُهَا تَطَامَنْ لِغَمْرٍ الحادِثاتِ ولا تَكُنْ ... لَهَا ذَا اعْتِمَارٍ يَجْتَنِبْكَ غِمَارُهَا وَإِيَّاكَ اَنْ تَغْترَّ منها بما تَرَى ... فَقَدْ صَحَّ في العقل الجَلي عِيارُهَا رَأَيْتُ مُلُوكَ الأرضِ يَبْغُونَ عُدَّةً ... وَلَذَّة نَفْسٍِ يُسْتَطابُ اجْتِرارُهَا

وَخَلَّوا طَرِيْقَ القَصْدِ في مُبْتَغَاهُمُ ... لِمُتْبِعَةِ الصِفار جَمٌ صِغَارُهَ وإِن الَّتِي يَبغُون نَهْجَ بَقِيَّة ... مَكِيْن لِطُلاب الخَلاصِ اخْتِصَارُهَا هَل العِزُّ إِلا هِمةٌ صَحَّ صَوْنُها ... إِذَا صَانَ هَمَّاتِ الرِجال انْكسَارُهَا وهَلْ رَابحٌ إِلا امْرُؤٌ مُتَوكِّلٌ ... قَنُوعٌ غَنِيُّ النِّفْسِ بَادٍ وَقَارُهَا ويَلْقَى وُلاةُ المُلْكِ خَوفًا وَفكرةً ... تَضِيْقُ بها ذَرْعًا وَيَفْنَى اصْطِبَارُهَا عِيانًا نَرَى هَذا ولَكِن سَكْرَةً ... أَحَاطَتْ بِنَا مَا إِن يُفيْقُ خمَارُهَا تَدَبَّرْ مَن البانِي عَلَى الأَرْضَ سَقْفَهَا ... وَفِي عِلْمِهِ مَعْمُورُهَا وَقفِارُهَا ... ومَن يُمْسِكُ الأَجرامَ والأَرضَ أَمْرُهُ ... بِلا عَمَدٍ يُبْنَي عَلَيهِ قَرارُهَا ومَن قدَّرَ التَّدبِيْرَ فِيهَا بحِكْمَةٍ ... فَصَحَّ لَدَيْهَا لَيْلُها ونَهارُهَا ومنَ فَتقَ الأَمواهَ في صَفْحِ وَجْهِهَا ... فَمِنها يُغَذَّي حَبُها وثمِارُهَا ومنَ صَيَّر الألوانَ في نَوْرِ نَبْتِها ... فأشرقَ فِيهَا وَرْدُهَا وَبَهَارُهَا فَمِنْهنَّ مُخْضرٌّ يَرُوقُ بَصِيْصُهُ ... وَمِنْهنَّ مَا يَغْشَى اللِّحَاظَ احْمَرارُهَا وَمَن حَفَرَ الأَنْهَارَ دُوْنَ تَكلُفِ ... فَثَارَ مِن الصُّمِّ الصِّلاب انْفِجَارُهَا وَمَن رتَّبَ الشمسَ المنير ابْيِضَاضُهَا ... غُدوًّا وَيبْدُو بالعَشِيّ اصْفَرارُهَا ومَن خَلقَ الأفلاكَ فامْتدَّ جَرْيُهَا ... وَأَحْكَمَهَا حتى اسْتَقَامَ مَدَارُهَا وَمَن إِنْ أَلمتْ بِالعُقُولِ رَزِيَّةٌ ... فَلَيْسَ إِلَي حَيٍّ سِواهُ افْتِقَارُهَا تَجِدْ كُلَّ هَذا رَاجِعٌ نَحْوَ خَالِقٍ ... لَهُ مُلْكُهَا مُنْقَادَةً وَائْتِمَارُهَا أَبَانَ لَنَا الآيَاتِ فِي أَنْبِيَائِهِ ... فَأَمْكَنَ بَعْدَ العَجْز فيها اقْتِدَارُهَا فَأَنْطَقَ أَفْواهًا بَأَلْفَاظِ حِكْمَةٍ ... وَمَا حَلها إِثْغَارُهَا وَاتِّغارُهَا وأبرزَ مِن صُمٍّ الحِجَارةِ نَاقَةً ... وأَسْمَع في الحِين منها حُوَارُهَا لِيُوقِنَ أَقوامٌ وَتكفُر عُصبةٌ ... أَتَاهَا بِأسْبَابِ الهَلاكِ قَدَارُهَا وشَقَّ لِمُوسَى البَحْرَ دُونَ تَكَلُّف ... وَبَانَ مِن الأَمواجِ فِيه انْحِسَارُهَا

أنا العبد الذي كسب الذنوبا

وسَلَّم مِن نَارِ الأَنوق خَلِيْلَهُ ... فَلَمْ يُؤذهِ إِحراقُهَا واعْتِرَارُهَا ونَجَّىَ مِن الطُوفَانِ نُوحًا وقد هَدَتْ ... بِهِ أُمةٌ أَبْدَى الفُسُوقَ شِرارُهَا وَمَكَّنَ دَاوُدًا بأَيْدٍِ وَابْنَهُ ... فَتَعْسِيرهَا مُلْقَى لَهُ وبِذَارُهَا وذلَّلَ جبَّارَ البِلادِ بِأَمْرِهِ ... وَعَلَّمَ طَيْرًا فِي السَّمَاءِ حِوَارهَا وَفَضَّلَ بِالقُرْآنِ أُمَّةَ أَحْمدٍ ... وَمَكَّنَ فِي أَقْصَى البِلادِ مُغَارُهَا وَشَقَّ لَهُ بَدْرَ السَّمَاءِ وَخَصَّهُ ... بآياتٍ حَقٍّ لا يُخَلُ مُعَارُهَا وَأَنْقَذَنَا مِن كُفْرٍ أَربابِنَا بِهِ ... وَقَدْ كَانَ مِن قُطْبٍ الهَلاكِ مَنارُهَا فَمَا بَالُنا لا نَترُكُ الجهلَ ويْحَنَا ... لِنسْلَمَ مِن نارٍ تَرامَى شِرَارُهَا انْتَهَى آخر: أَنَا العَبْدُ الَّذِي كَسَبَ الذُّنُوبَا ... وَصَدَّتْهُ الْأَمَانِي أَنْ يَتُوبَا أَنَا العَبْدُ الَّذِي أَضْحَى حَزِينًا ... عَلَى زَلَّاتِهِ قَلِقًا كَئِيبَا ... أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي سُطِرَتْ عَلَيْهِ ... صَحَائِفُ لَمْ يَخَفْ فِيهَا الرَّقِيبَا أَنَا العَبْدُ الْمُسِيءُ عَصَيْتُ سِرًّا ... فَمَا لِي الْآنَ لَا أُبْدِي النَّحِيبَا أَنَا العَبْدُ الْمُفَرِّطُ ضَاعَ عُمرِي ... فَلَمْ أَرْعَ الشَّبِيبَةَ وَالْمَشِيبَا أَنَا العَبْدُ الْغَرِيقُ بِلُجِّ بَحْرٍ ... أَصِيحُ لَرُبَّمَا أَلْقَى مُجِيبَا

أَنَا العَبْدُ السَّقِيمُ مِن الْخَطَايَا ... وَقَدْ أَقْبَلْتُ أَلْتَمِسُ الطَّبِيبَا أَنَا العَبْدُ الْمُخَلَّفُ عَنْ أُنَاسٍ ... حَوَوْا مِنْ كُلِّ مَعْرُوفٍ نَصِيبَا أَنَا العَبْدُ الشَّرِيدُ ظَلَمْتُ نَفْسِي ... وَقَدْ وَافَيْتُ بَابَكُمْ مُنِيبَا أَنَا العَبْدُ الْفَقِيرُ مَدَدْتُ كَفِّي ... إلَيْكُمْ فَادْفَعُوا عَنِّي الْخُطُوبَا أَنَا الغَدَّارُ كَمْ عَاهَدْتُ عَهْدًا ... وَكُنْتُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ كَذُوبَا أَنَا المَقْطُوعُ فَارْحَمْنِي وَصِلْنِي ... وَيَسِّرْ مِنْكَ لِي فَرَجًا قَرِيبَا أَنَا المُضْطَرُّ أَرْجُو مِنْكَ عَفْوًا ... وَمَنْ يَرْجُو رِضَاكَ فَلَنْ يَخِيبَا فَيَا أَسَفَى عَلَى عُمُرٍ تَقَضَّى ... وَلَمْ أَكْسِبْ بِهِ إلَّا الذُّنُوبَا وَأَحْذَرُ أَنْ يُعَاجِلَنِي مَمَاتٌ ... يُحَيِّرُ هَوْلُ مَصْرَعِهِ اللَّبِيبَا وَيَا حُزْنَاهُ مِنْ حشْرِي وَنشْرِي ... بِيَوْمٍ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبَا

تَفَطَّرَت السَّمَاءُ بِهِ وَمَارَتْ ... وَأَصْبَحَت الْجِبَالُ بِهِ كَثِيبَا إذَا مَا قُمْتُ حَيْرَانًا ظَمِيئَا ... حَسِيرَ الطَّرْفِ عُرْيَانًا سَلِيبَا وَيَا خَجَلَاهُ مِنْ قُبْحِ اكْتِسَابِي ... إذَا مَا أَبْدَت الصُّحُفُ الْعُيُوبَا وَذِلَّةِ مَوْقِفٍ وَحِسَابِ عَدْلٍ ... أَكُونُ بِهِ عَلَى نَفْسِي حَسِيبَا وَيَا حَذَرَاهُ مِنْ نَارٍ تَلَظَّى ... إذَا زَفَرَتْ وَأَقْلَقَت الْقُلُوبَا تَكَادُ إذَا بَدَتْ تَنْشَقُّ غَيْظًا ... عَلَى مَنْ كَانَ ظَلَّامًا مُرِيبَا فَيَا مَنْ مَدَّ فِي كَسْبِ الْخَطَايَا ... خُطَاهُ أَمَا يأني لَكَ أَنْ تَتُوبَا أَلَا فَاقْلِعْ وَتُبْ وَاجْهَدْ فَإِنَّا ... رَأَيْنَا كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبَا وَأَقْبِلْ صَادِقًا فِي الْعَزْمِ وَاقْصِدْ ... جَنَابًا للمنيب له رحيبا وَكُنْ لِلصَّالِحِينَ أَخًا وَخِلًّا ... وَكُنْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَرِيبَا وَكُنْ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ جَبَانًا ... وَكُنْ فِي الْخَيْرِ مِقْدَامًا نَجِيبَا

وَلَاحِظْ زِينَةَ الدُّنْيَا بِبُغْضٍ ... تَكُنْ عَبْدًا إلَى الْمَوْلَى حَبِيبَا فَمَنْ يُخْبَرْ زَخَارِفَهَا يَجِدْهَا ... مُخَالِبَةً لِطَالِبِهَا خَلُوبَا ... وَغُضَّ عَنْ الْمَحَارِمِ مِنْك طَرْفًا ... طَمُوحًا يَفْتِنُ الرَّجُلَ الْأَرِيبَا فَخَائِنَةُ الْعُيُونِ كَأُسْدِ غَابٍ ... إذَا مَا أُهْمِلَتْ وَثَبَتْ وُثُوبَا وَمَنْ يَغْضُضْ فُضُولَ الطَّرْفِ عَنْهَا ... يَجِدْ فِي قَلْبِهِ رَوْحًا وَطِيبَا وَلَا تُطْلِقْ لِسَانَكَ فِي كَلَامٍ ... يَجُرُّ عَلَيْكَ أَحْقَادًا وَحُوبَا وَلَا يَبْرَحْ لِسَانُكَ كُلَّ وَقْتٍ ... بِذِكْرِ اللَّهِ رَيَّانًا رَطِيبَا وَصَلِّ إذَا الدُّجَى أَرْخَى سُدُولًا ... وَلَا تَضْجَرْ بِهِ وَتَكُنْ هَيُوبَا تَجِدْ أُنْسًا إذَا أُودعتَ قَبْرًا ... وَفَارَقْتَ الْمُعَاشِرَ وَالنَّسِيبَا وَصُمْ مَا اسْتَطَعْت تَجِدْهُ رِيًّا ... إذَا مَا قُمْتَ ظَمْآنًا سَغِيبَا

ليس الغريب غريب الشام واليمن

وَكُنْ مُتَصَدِّقًا سِرًّا وَجَهْرًا ... وَلَا تَبْخَلْ وَكُنْ سَمْحًا وَهُوبَا تَجِدْ مَا قَدَّمَتْهُ يَدَاكَ ظِلًّا ... إذَا مَا اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْكُرُوبَا وَكُنْ حَسَنَ السَّجَايَا وذَا حَيَاءٍ ... طَلِيقَ الْوَجْهِ لَا شَكِسًا غَضُوبَا انْتَهَى آخر: لَيْسَ الغَرِيْبُ غَرِيْبَ الشَّامِ وَاليَمَنِ ... إِنَّ الغَرِيْبَ غَرِيْبُ اللَّحْدِ والكَفَنِ تَمُرُ سَاعَاتُ أَيَّامِي بِلَا نَدَمٍ ... وَلا بُكاءٍ ولا خَوفٍ ولا حَزَنِ سَفَرِيْ بَعِيْدٌ وَزَادِيْ لا يُبَلِّغُنِي ... وَقسْمَتي لم تَزَلْ وَالموتُ يَطْلُبُنِي مَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَنِي ... وَقَدْ تَمَادَيْتُ في ذَنْبِي وَيَسْتُرنِي أَنَا الذِي أُغْلِقُ الأَبْوَابَ مُجْتَهِدًا ... عَلَى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنِي يا زَلةً كُتِبَتْ يا غَفْلَةً ذَهَبَتْ ... يَا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلْبِ تَقْتُلُنِي دَعْ عَنْكَ عَذْلِي يا مَن كَانَ يَعْذِلُنِي ... لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا بِي كُنْتَ تَعْذُرُنِي دَعْنِي أَنُوْحُ على نَفْسِي وَأَنْدِبُهَا ... وَأَقْطَعُ الدَّهْر بالتَّذْكَارِ وَالحَزَنِ

دَعْنِي أَسِحُّ دُمُوعًا لا انْقطاع لَهَا ... فَهَل عَسَى عَبْرَةٌ مِنْهَا تُخَلِّصُنِي كَأَنَّنِي بَيْنَ تِلْكَ الأَهْلِ مُنْطَرِحًا ... عَلَى الفِرَاشِ وَأَيْدِيهِمْ تُقَلِّبُنِي وَقَدْ أَتَوْا بِطَبِيْبٍ كَيْ يُعَالِجنِي ... وَلَم أَرَ مِن طَبِيْبِ اليَومِ يَنْفَعُنِي وَاشْتَدَّ نَزْعِي وَصَارَ الموتُ يَجْذِبُها ... مِن كُلِّ عِرقٍ بِلا رِفْقٍ وَلا هَوَنِ وَاسْتَخْرَجَ الرُوْحَ مِنِّي في تَغَرْغُرِهَا ... وَصَارَ في الحَلْقَ مُرًا حِيْنَ غَرْغَرنِي وَغَمَّضُونِي وَرَاحَ الكُلُّ وَانْصَرَفُوا ... بَعدَ الإِيَاسِ وَجَدُّوا في شِرَا كَفَنِي ... وَقَامَ مَنْ كَانَ أَوْلَى الناسِ في عَجَلٍ ... إِلى المُغَسِّلِ يأتِيْنِي يُغَسِلُنِي وَقَالَ يا قَوْمُ نَبْغِي غَاسِلاً حَذقًا ... حُرًّا أَدِيْبًا أَرِيْبًا عَارِفًا فَطِني فَجَاءَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَردَنِي ... مِن الثِيَابِ وَأعْرَانِي وَأفردَنِي وأطرحُونِي عَلَى الأَلْواحِ مُنْفَرِدًا ... وَصَارَ فَوْقِي خَرِيْرُ المَاءِ يُنْظِفُنِي وَأَسْكَبَ المَاءَ مِنْ فَوْقِي وَغَسَّلَنِي ... غُسْلاً ثَلاثًا وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِي

وَأَلْبَسُونِي ثِيْابًا لا كُمُومَ لَهَا ... وَصَارَ زَادِي حَنُوْطًا حِيْنَ حَنَّطَنِي وَقَدَّمُونِي إِلى المِحْرَابِ وانصرفُوا ... خَلْفَ الإمَامِ فَصَلَّى ثِم وَدَّعنِي صَلَّوا عَلَي صَلاةً لا رُكُوعَ لَهَا ... وَلا سُجُودَ لَعَلَّ اللهَ يَرْحَمُنِي وَأَنْزَلُونِي في قَبْرِي عَلَى مَهَل ... وَأَنْزَلُوا وَاحِدًا مِنْهُم يُلَحِّدُنِي وَكَشَّفَ الثَوْبَ عن وَجْهِي لِيْنَظُرنِي ... وَأَسْبَلَ الدَّمْعَ مِِن عَيْنَيْهِ أَغْرَقَنِي فَقَامَ مُحْتَرِمًا بِالعَزْمِ مُشْتَمِلاً ... وَصَفَّفَ اللِّبنَ مِن فَوقِي وَفَارَقَنِي وَقَالَ هُلُّوا عَلَيْهِ التُّرَبَ واغْتَنِمُوا ... حُسْنَ الثَّوَابِ مِن الرحمنِ ذِي المِنَنِ في ظُلْمَةِ القَبْرِ لا أُمٌّ هُنَاكَ وَلا ... أَبٌ شَفِيْقٌ وَلا أَخٌ يُؤَنِّسُنِي وَأَوْدَعُونِي وَلَجُّوا في سُؤالِهمُو ... مَا لِي سِوَاكَ إِلهي مَن يُخَلِّصُنِي وَهَالَنِي صُوْرةٌ في العَيْنِ إِذْ نَظَرَتْ ... مِن هَوْلِ مَطْلَعِ مَا قَدْ كَانَ أَدْهَشَنِي من مُنْكَرٍ وَنَكِيْرٍ مَا أَقُولُ لَهُم ... إِذْ هَالَنِي مِنْهُمَا مَا كَانَ أَفْزَعَنِي

يا نفس هذا الذي تأتينه عجب

فامْنُن عَلَيَّ بِعَفْو مِنْكَ يَا أَمَلِي ... فَإِنَّنِي مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهَنِ تَقَاسَمَ الأَهْلُ مالِيْ بَعْدَمَا انْصَرَفُوا ... وَصَارَ وزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأثْقَلَنِي فَلا تَغُرَّنَكَ الدُّنْيَا وَزِيْنَتُهَا ... وانْظُرْ إلى فِعْلِهَا في الأَهْلِ والوَطَنِ وانْظُر إلى مَن حَوَى الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا ... هَلْ رَاحَ مِنْهَا بِغَيْرِ الزَّادِ وَالكَفَنِ خُذ القَنَاعَةَ مِنْ دُنْيَاكَ وَارْضَ بِها ... لَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ يَا نَفْسُ كُفِّيْ عَنِ العِصْيَانِ واكْتَسِبِي ... فِعْلاً جَمِيْلاً لَعَلَّ اللهَ يَرْحَمُنِي انْتَهَى وقال بعضهم يخاطب نفسه ويوبِّخها على تفريطها وإهمالها: يَا نَفْسُ هَذَا الَّذِي تَأْتِينَهُ عَجَبٌ ... عِلْمٌ وَعَقْلٌ وَلَا نُسكٌ وَلَا أَدَبُ وَصْفُ النِّفَاقِ كَمَا فِي النَّصِّ نَسْمَعُهُ ... عِلْمُ اللِّسَانِ وَجَهْلُ الْقَلْبُ وَالسَّبَبُ حُبُّ الْمَتَاعِ وَحُبُّ الْجَاهِ فَانْتَبِهِي ... مِنْ قَبْلُ تُطْوَى عَلَيْك الصُّحفُ وَالْكُتُبُ ... وَتُصْبِحِينَ بِقَبْرٍ لَا أَنِيسَ بِهِ ... الْأَهْلُ وَالصَّحْبُ لَمَّا أَلْحَدُوا ذَهَبُوا

وَخَلَّفُوكَ وَمَا أَسْلَفْت مِنْ عَمَلٍ ... الْمَالُ مُسْتَأْخرٌ وَالْكَسْبُ مُصْطَحَبُ وَاسْتَيْقِنِي أَنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ مُجْتَمَعًا ... لِلْعَالَمِينَ فَتَأْتِي الْعُجْمُ وَالْعَرَبُ وَالْخَلْقُ طُرًّا وَيَجْزِيهِمْ بِمَا عَمِلُوا ... فِي يَوْمٍ لَا يَنْفَعُ الْأَمْوَالُ وَالْحَسَبُ وَاخْشَيْ رُجُوعًا إِلَى عَدْلٍ تَوَعَّدَ مَنْ ... لَا يَتَّقِيهِ بِنَارٍ حَشْوُهَا الْغَضَبُ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْأَحْجَارُ حَامِيَةٌ ... لَا تَنْطَفِي أَبَدَ الْآبَادِ تَلْتَهِبُ وَالْبُعْدُ عَنْ جَنَّةِ الْخُلْدِ الَّتِي حُشِيَتْ ... بِالطَّيِّبَاتِ وَلَا مَوْتٌ وَلَا نَصَبُ فِيهَا الْفَوَاكِهُ وَالْأَنْهَارُ جَارِيَةٌ ... وَالنُّورُ وَالْحُورُ وَالْوِلْدَانُ وَالْقُبَبُ وَهَذِهِ الدَّارُ دَارٌ لَا بَقَاءَ لَهَا ... لَا يَفْتِننَّكَ مِنْهَا الْوَرِقُ وَالذَّهَبُ وَالْأَهْلُ وَالْمَالُ وَالْمَرْكُوبُ تَرْكَبُهُ ... وَالثَّوْبُ تَلْبَسُهُ فَالْكُلُّ يَنْقَلِبُ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا سِوَى عِوَضٍ ... مِنْهَا يَعُدُّ إِذَا مَا عُدَّتِ الْقُرُبُ يُرِيدُ صَاحِبُها وَجْهَ الْإِلَهِ بِهِ ... دُونَ الرِّيَا إِنَّهُ التَّلْبِيسُ وَالْكَذِبُ

هو الله من أعطى هداه وصح من

لَا يَقْبَلُ اللَّهَ أَعْمَالاً يُرِيدُ بِهَا ... عُمَّالُهَا غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ فَاجْتَنِبُوا تَمَّتْ وَصَلُّوا عَلَى الْمُخْتَارِ سَيِّدِنَا ... وَالْآلِ وَالصَّحْبِ قَوْمٌ حُبُّهُمْ يَجِبُ آخر: ومما أشير فيه إلى بعض المعجزات التي وردت في القرآن ما يلي: هو اللهُ مَن أَعْطَى هُدَاهُ وَصحّ مِِن ... هواه أراه الخَارقَاتِ بحِكْمةِ بِذَاكَ عَلى الطُّوفَانِ نُوْحٌ وَقَدْ نَجَا ... بِهِ مَنْ نَجَا في قَوْمِِهِِ في السَّفِيْنَةِ وغَاضَ لَهُ ما فَاضَ عَنْهُ اسْتِجَابةً ... وجد إِلَى الجود بها وَاسْتَقَرَّتِ وَسَارَ وَمتْنُ الرِّيْحِ تَحْتَ بسَاطِهِ ... سُلَيْمَانُ بالجَيْشَيْن فَوقَ البَسيطَة وقَبْلَ ارْتِدَادِ الطَّرْفِ أُحْضِرَ مِنْ سَبَا ... لَهُ عَرْشُ بِلْقِيْسٍ بِغَيْرِ مَشَقَّةِ وأَخْمَدْ لإبْرَاهِيْمَ نَارَ عَدُّوِِّهِ ... وَفي لُطْفِهِ عَادَتْ له روض جنةٍ ولما دَعا الأَطْيَارَ في رأْسِ شَاهِقٍ ... وَقَدْ قُطِّعتْ جَاءَتْهُ غَيْرَ عَصِيَّةِ

وفي يَدِهِ مُوْسَى عَصَاهُ تَلَقَّفَتْ ... مِنَ السِّحْرِ أهْوَالاً عَلَى النَّفْسِ شَقَّةِ وَمِنْ حَجَرٍ أَجْرَى عُيُونًا بِضَرْبَةٍ ... بِهَا دَائِمًا سَقّتْ وَلِلْبَحْرِ شَقَّتِ وَيُوْسُفُ إِذ أَلْقَى البَشِيْرُ قمِيْصَهُ ... عَلَى وَجْهِ يَعْقُوبٍ عَلَيْهِ بِأَوْبَةِ رَآهُ بِعَيْنٍ قَبْلَ مَقْدَمِهِ بَكَى ... عَلَيْهِ بِهَا شَوْقًا إِليه فَكَفّتِ وفي آلِ إِسْرَائِيلَ مَائِدَةُ السَّمَا ... لِعِيْسَى بنِ مَرْيَم أُنْزِلَتْ ثُمَّ مُدَّتِ ... وَمِنْ أَلَمٍ أَبْرَى وَمِنْ وَضَحٍ غَدَا ... شَفَى وَأَعَادَ الطَّيْرَ طَيْرًا بِنَفْخَةِ وَصَحَّ بأَخْبَارِ التَّواتُرِ أَنَّهُ ... أَمَاتَ وَأحْيَا بالدُّعَا رُبَّ مَيِّتِ وَأَبْعَدُ مِن هَذَا عَن السِّحْرِ أَنَّهُ ... رَضِيْعٌ يُنَادِي باللِّسَانِ الفَصِيْحَةِ يُنَزِّهُ عن ريبِ الظُّنُونِ عَفِيْفَةً ... مُبَرَّأةً مِن كُلِّ سُوْءٍ وَرِيْبَةِ وقال لأهْلِ السَّبْتِ كُونُوا إِلَهُنَا ... قُرُوْدًا فَكَانُوا عِبْرةً أَيَّ عِبْرَةِ وَصَرعَ أَهْلَ الفِيْلِ مِنْ دُوْنِ بَيْتِه ... بِطَيْرٍ أَبَابِيْلٍ صِغَارٍ ضَعِيْفَةِ

محمد المبعوث للخلق رحمة

وَأَحْرَقَ رَوْضَ الْجَنتين عُقُوبَةً ... بِكَافٍ وَنُون عِبْرَةً لِلبَرِيَّةِ انْتَهَى آخر: وقال يُوْسُفُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّرْصَرِي رحمه اللهُ: مَحَمَّد الْمَبْعُوثُ لِلخَلْقِ رَحْمَةً ... يَشَيِّدُ مَا أَوْهَى الضَّلاَلُ وَيُصْلِحُ لَئِن سَبَّحَتَ صُمُّ الْجِبَالِ مُجِيْبَةً ... لِدَاودَ أَوْ لاَنَ الْحَدِيْدُ الْمُصَفْحُ فَإِنَّ الصَّخُورَ الصُّمُّ لاَنَتْ بِكَفِّهِ ... وَإِنَّ الْحَصَى فِي كَفِّهِ لَيُسَبِّحُ وَإِنَّ كَانَ مُوْسَى أَنْبَع المَاء مِن الْحَصَى ... فَمِنْ كَفِّهِ قَدْ أَصْبَحَ الْمَاءُ يَطْفَحُ وَإِنْ كَانَتْ الرِّيْحُ الرَّخَاءُ مُطِيْعَةً ... سُلَيْمَانَ لاَ تَأْلُوْ تَرُوْحُ وَتَسْرَحُ فَإِنَّ الصِّبَا كَانَت لِنَصْرِ نَبِيِّنَا ... بِرُعْبٍ عَلَى شَهْرٍ بِهِ الْخَصْمُ يَكْلَحُ وَإِنْ أُوْتِيَ الْمُلْكَ العَظِيْمَ وَسُخِّرَتْ ... لَهُ الْجِنُّ تَشْفِي مَا رِضيهِ وَتَلْدَحُ فَإِنَّ مَفَاتِيْحَ الكُنُوزِ بِأَسْرِهَا ... أَتَتْهُ فَرَدَّ الزَّاهِدُ الْمُتَرَجِّحُ وَإِنْ كَان إِبْرَاهِيْمُ أُعْطِيَ خُلَّةً ... وَمُوْسَى بِتَكْلِيْم عَلَى الطُّورِ يُمْنَحُ

بحمدك ذي الإكرام ما رمت أبتدي

فَهَذَا حَبِيْبٌ بِل خَلِيْلٌ مُكَلَّمٌ ... وَخُصّصَ بِالرُؤْيَا وََبِالْحَقِّ أَشْرَحُ وَخُصّصَ بِالْحَوْضِ العَظِيْمِ وََباللِّوَا ... وَيَشْفَعُ لِلْعَاصِيْنَ وََالنَّارُ تَلْفَحُ وَبالْمَقْعَدِ الأَعْلَى الْمُقَرَّبِ عِنْدَهُ ... عَطَاءٌ بِبُشْرَاهُ أَقِرُّ وََأَفْرَحُ وَبِالرُّتْبَةِ العُلْيَا الوَسِيْلةِ دُوْنَهَا ... مَرَاتِبُ أَرْبَابِ الْمَوَاهِب تَلْمَحُ وَفِي جَنَّةِ الفِرِدَوْسِ أَوَّلُ دَاخِل ... لَهُ سَائِرُ الأَبْوَابِ بِالْخَيْرِ تُفْتَحُ انْتَهَى من منظومة الآداب لابن عبد القوي رحمه الله: بِحَمْدِكَ ذِي الإِكْرَامِ مَا رُمْتُ أَبْتَدي ... كَثِيْرًا كَمَا تَرْضَى بِغَيْرِ تَحَدُّدِ ... وَصَلِّ على خَيْرِ الأَنَامِ وَآلِهِ ... وَأَصْحَابِهِ مِنْ كُلِّ هَادٍ وَمُهْتَدِ وَبَعدُ فإِنِّي سَوْفَ أُنظمُ جُمْلَةً ... مِن الأَدَبِ المَأْثُوْرِ عَن خَيْرِ مُرْشِدِ مِنْ السُّنَّةِ الغَراءِ أَوْ مِن كِتَابٍ مَنْ ... تَقَدَّسَ عَنْ قَوْلِ الغُواةِ وَجُحّدِ ومِن قَوْلِ أَهلِ العِلْمِ مِن عُلَمَائِنَا ... أَئِمَةِ أَهْلِ السِلْمِ مِن كُلِّ أَمْجَدِ

لَعَلَّ إلهَ العَرْشِ يَنْفَعُنَا بِه ... وَيُنْزِلُنَا في الحَشْرِ في خَيْرِ مَقْعَدِ ألا مَن لَه في العِلْمِ وَالدِّيْنِ رَغْبَةٌ ... لِيَصْغِ بِقَلْبٍ حَاضِرٍ مُتَرَصِّدٍ وَيَقْبَل نُصْحًا مِن شَفِيْقٍ على الوَرَى ... حَرِيْصٍ عَلَى زَجْرِ الأَنَامِ عَنِ الرَّدِى فَعِنْدِيَ مِن عِلْمِ الْحَدِيْثِ أَمَانةٌ ... سَأَبْذِلُهَا جهْدِي فَأَهْدِي وَأَهْتَدِي أَلا كُلُّ مَن رَامَ السَّلَامَةَ فَلْيَصُنْ ... جَوَارِحَهُ عن مَا نَهَى الله يَهْتَدِي يَكُبُّ الفَتَى فِي النَّارِ حَصْدُ لِسَانِهِ ... وإِرْسَالُ طَرَفِ الْمَرْءِ أَنْكَى فَقَيِّدِ وَطَرْفُ الْفَتَى يَا صَاحِ رائدُ فَرْجِهِ ... وَمُتْبعِهُ فَاغْضُضْهُ مَا اسْطَعْتَ تَهْتَدِي وَيَحْرُمُ بُهْتٍان وَاغْتِيَابُ نَمِيْمَةٍ ... وإِفْشَاءُ سِرّ ثُمَّ لَعْنِ مُقَيَّدِ وَفُحْشٌ وَمَكْر وَالبِذَا وَخَدِيعَةٌ ... وَسُخْرِيَةٌ والهُزْؤُ وَالْكَذِبُ قَيِّد بِغَيْرِ خِدَاعٍ الكافِرِينَ بِحَرْبِهِم ... وَللعرْس أَوْ إصْلَاحِ أَهْلِ التَّنَكُّدِ وَيَحْرُمُ مِزْمَارٌ وَشِبَّابَةٌ وَمَا ... يُضَاهِيْهِمَا مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ وَالرَّدِى

وَلَوْ لَمْ يُقَارِنْهَا غِنَاءٌ جَمِيعُهَا ... فَمِنْهَا ذَوُوْ الأَوْتَارِ دُونَ تَقَيُّدٍ وَلَا بَأْسَ بِالشِّعْرِ الْمُبَاحِ وَحِفْظِهِ ... وَصَنْعَتِهِ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ يَعْتَدِي فَقَدْ سَمِعَ الْمُخْتَارُ شِعْرَ صِحَابِة ... وَتَشْبِيْبَهُم مِن غَيْرِ تَعْيِينِ خُرَّدِ وَحَظَرَ الْهجَا وَالْمَدْحِ بِالزورِ وَالخَنَا ... وَتَشْبِيْبِهِ بالأَجْنَبِيَّاتِ أَكِّدِ وَوَصْفُ الزِّنَا وَالْخَمْرِ وَالْمُرْدِ والنسا الـ ... ـفَتِيَّاتِ أَوْ نَوْحِ التَّسَخُّطِ مُوْرَدِ وَأَوْجِبْ عَن المَحْظُورِ كَفَّ جَوَارِحٍ ... وَنَدْبٌ عن المَكروهِ غَيْرُ مُشَدِّدِ وَأَمْرُك بِالمَعْروفِ وَالنَّهْي يا فَتَى ... عن المُنْكَرِ اجْعَلْ فَرْضَ عَيْنٍ تُسَدَّدِ على عَالِمٍ بِالحَظْرِ وَالفِعْلِ لَمْ يَقُمْ ... سِوَاهُ بِهِ مَعَ أَمْنِ عُدْوَانِ مُعْتَدِي وَلو كَانَ ذَا فِسْقٍ وَجَهْلٍ وفي سِوَى الـ ... ذِي قِيْلَ فَرْضٌ بِالكِفَايَةِ فَاحْدُدِ وَبِالعُلَمَا يَخْتَصُّ مَا اخْتَصَّ عِلْمُهُ ... بِهِم وَبِمَنْ يَسْتَنْصِرُونَ بِهِ قَدِ وَأَضْعَفُهُ بِالقَلْبِ ثُمَّ لِسَانِهِ ... وَأَقْوَاهُ إنْكَارُ الفَتَى الجَلْدِ بِالْيَدِ

وَأَنْكِرْ عَلى الصِبْيَانِ كُلَّ مُحَرَّمٍ ... لِتَأْدِيبِهِمْ وَالعِلْمِ فِي الشَّرْعِ بالَرَّدِي ... وبالأَسْهَلِ ابْدَأْ ثُمَّ زِدْ قَدْرَ حَاجَةٍ ... فَإِنْ لَمْ يَزُلْ بِالنَّافِذِ الأَمْرِ فَاصْدُدْ إذَا لَمْ يَخْفَ فِي ذَلِكَ الأَمْرُ حَيْفَهُ ... إذَا كَانَ ذَا الإنْكَارِ حَتْمَ التَّأَكُّدِ وَلَا غُرْمَ فِي دُفِّ الصُّنُوجِ كَسَرْتَهُ ... وَلَا صُوَرٍ أَيْضًا وَلَا آلةِ الدَّدِ وَآلَةِ تَنْجِيمٍ وَسِحْرٍ وَنَحْوِهِ ... وَكُتُبٍ حَوَتْ هَذَا وَأَشْبَاهَهُ اُقْدُدْ «وَقُلْتُ كَذَاكَ السِّينمَاءُ وَمِثْلُهُ ... بِلاَ رَيْبَ مِذْيَاعٌ وَتِلْفَازٌ مُعْتَدِي» «وَأَوْرَاقُ أَلْعَابٍ بِهَا ضَاعَ عُمْرُهُم ... وَكُوْرَاتِهم مَزِّق هُدِيْتَ وَقَدِّدِ» «كَذَا بِكَمَاتٌ وَالصَّلِيبُ وَمِزْمَرٌ ... وَآلةُ تَصْويْرٍ بِهَا الشَّرُّ مُرْتَدِي» «كَذَلِكَ دُخَّانٌ وَشِيشَةُ شُرْبِهِ ... وَآلةُ تَطْفَاةٍ لَهُ اكْسِرْ وَبدِّدِ» «وَمِنْ بَعْدِ ذَا فَاسْمَعْ كَلامًا لِنَاظِمٍ ... يَسُوقُ لَكَ الآدَابَ عَن خَيْرِ مُرْشِدِ» وَبِيْضٍ وَجَوْزِ لِلْقِمَارِ بِقَدْرِ مَا ... يُزِيْلُ عن الَمَنْكُورِ مَقْصَدَ مُفْسِدِ

وَلَا شَقِّ زِقِّ الخَمْرِ أَوْ كَسْرِ دَنّهِ ... إذَا عَجَزَ الإِنْكَارُ دُونَ التَّقَدُّدِ وَإِنْ يَتَأَتَّى دُوْنَهُ دَفْعُ مُنْكَرٍ ... ضَمِنْت الذي يُنْقَى بِتَغْسِيلِهِ قَدْ وَهِجْرانُ مَن أَبْدَى الْمَعَاصِيَ سُنَّةٌ ... وَقَدْ قِيْلَ إنْ يَرْدَعْهُ أَوْجِبْ وَآكَدِ وَقِيلَ عَلَى الإطْلَاقِ مَا دَامَا مُعْلِنًا ... وَلَاقِهْ بوَجْهٍ مُكْفَهِرٍ مُعَرْبَدِ وَيَحْرُمُ تَجْسِيسٌ عَلَى مُتَسَتِّرٍ ... بِفِسْقٍ وَمَاضِي الْفِسْقِ إنْ لَمْ يُجْدَدْ وَهِجْرَانُ مَنْ يَدْعُو لِأَمْرٍ مُضِلٍّ أَوْ ... مُفَسِّقٍ احْتِمْهُ بِغَيْرِ تَرَدُّدِ على غَيْرِ مَنْ يَقْوَى عَلَى دَحْضِ قَوْلِهِ ... وَيَدْفَعُ إضْرَارَ الْمُضِلِّ بِمِذْوَدِ وَيَقْضِي أُمُورَ النَّاسِ فِي إتْيَانِهِ ... وَلَا هَجْرَ مَعَ تَسْلِيمِهِ الْمُتَعَوَّدِ وَحَظْرُ انْتِفَا التَّسْلِيْمِ فَوقَ ثَلاَثَةٍ ... على غَيْرِ مَن قُلْنَا بِهَجْرٍ فَأَكِّدِ وَكُنْ عَالِمًا أَنَّ السلامَ لَسُنَّةٍ ... وَرَدُّك فَرْضٌ لَيْسَ نَدْبًا بِأَوْطَدِ وَيُجْزِئُ تَسْلِيْمُ امْرِىءٍ مِن جَمَاعَةٍ ... وَرَدُّ فَتىً مِنُهم على الكُلِ يا عَدِي

وَتَسْلِيْمُ نَزْرٍ والصَّغِيْرِ وَعَابِرِ ... سَّبيْلِ وَرُكْبَانٍ عَلى الضِدِّ أيِّدِ وإنْ سَلَّمَ المَأْمُوْرُ بالرَّدِ مِنهُمُ ... فَقَدْ حَصَلَ المَسْنُونُ إذْ هُوَ مُبْتَدِي وَسَلَّمَ إذَا مَا قُمْتَ عَن حَضْرَةِ امْرئٍ ... وَسَلَّمْ إِذا مَا جِئْتَ بَيْتَكَ تَهْتَدِي وإفْشاؤُكَ التَّسْلِيْمَ يُوْجِبْ مَحَبَّةً ... مِن الناسِ مجْهُولاً وَمَعْرُوْفاً أقْصُدِ وَتَعْرِيفُهُ لَفْظَ السَّلَامِ مُجَوَّزٌ ... وَتَنْكِيرُهُ أَيْضًا عَلَى نَصِّ أَحْمَدِ وَقَدْ قِيلَ نَكِّرْهُ وَقِيلَ تَحِيَّةً ... كَلِلْمَيِّتِ وَالتَّوْدِيعَ عَرِّفْ كَرَدِّدِ ... وَسُنَّةٌ اسْتِئْذَانُهُ لِدُخُولِهِ ... عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَقْرَبِينَ وَبُعَّدِ ثَلَاثًا وَمَكْرُوهٌ دُخُولٌ لِهَاجِمِ ... وَلَا سِيَّمَا مِنْ سَفْرَةٍ وَتَبَعُّدِ وَوَقْفَتُهُ تِلْقَاءَ بَابٍ وَكُوَّةٍ ... فَإِنْ لَمْ يُجَبْ يَمْضِي وَإِنْ يُخْفَ يزدد وَتَحْرِيكُ نَعْلَيْهِ وَإِظْهَارُ حِسِّهِ ... لِدَخْلَتِهِ حَتَّى لِمَنْزِلِهِ اشهد وكُلُ قِيَامٍ لاَ لِوَالٍ وَعالِمٍ ... وَوَالِدِهِ أَو سَيّدٍ كُرْهَهُ أمْهَدِ

وَصَافِحْ لِمَنْ تَلْقَاهُ مِن كُلِّ مُسْلِمٍ ... تَنَاثَرْ خَطَايَاكُمْ كَمَا في المُسَنَّدِ وَلَيْسَ لِغَيْرِ اللهِ حَلَّ سُجُوْدُنَا ... وَيُكْرَهُ تَقْبِيْلُ الثَّرَى بِتَشَدُّدِ وَيُكْرَهُ مِنْك الِانْحِنَاءُ مُسَلِّمًا ... وَتَقْبِيلُ رَأْسِ الْمَرْءِ حَلَّ وَفِي الْيَدِ وحَلَّ عِنَاقٌ لِلْمُلاَقِي تَدَيُنَاْ ... وَيُكْرَهُ تَقْبِيْلُ الفَمْ افْهَمْ وَقَيِّدِ وَنَزْعُ يَدٍ مِمَّنْ يُصَافحُ عَاجِلاً ... وَأَنْ يَتَنَاجَى الجَمْعُ مِن دُوْنِ مُفْرَدِ وَأَنْ يَجْلِسَ الإِنْسَانُ عِنْدَ مُحَدِّثٍ ... بِسِرٍّ وَقِيلَ احظر وَإِنْ يَأْذَنْ اُقْعُدْ وَمَرْأَى عَجُوزٍ لم تُرَدِ وَصِفَاحُهَا ... وَخُلْوَتُهَا أكْرَهْ لا تَحِيْتَهَا أَشْهدِ وَتَشْمِيْتَهَا واكْرهْ كِلاَ الخِصْلَتَيْنِ ... لِلشَبَاب مِن الصِّنفَيْنِ بُعْدَى وَأَبْعَدِي وَيَحْرُمُ رَأْيُ الْمُرْدِ مَعَ شَهْوَةٍ فَقَطْ ... وَقِيلَ وَمَعْ خَوْفٍ وَلِلْكُرْهِ جَوِّدْ وَكُنْ واصِلَ الأَرْحَامِ حَتَّى لَكَاشِحٍ ... تُوَفَّرَ في عُمْرٍ وَرِزْقً وَتَسْعَدِ وَيَحْسُنُ تَحْسِينٌ لِخُلْقٍ وَصُحْبَةٍ ... وَلَا سِيَّمَا لِلْوَالَدِ المُتَأَكِّدِ

وَلَوْ كَانَ ذَا كُفْرٍ وَأَوْجَبَ طَوْعَهُ ... سِوَى في حَرَامٍ أَوْ لأَمْرٍ مُؤَكَّدِ كَتَطْلاَبِ عِلْمٍ لاَ يَضُرُّهُما بِهِ ... وَتَطْلِيْقِ زَوْجَاتٍ بِرْأٍي مُجَرَّدِ وَأَحْسِنْ إلَى أَصْحَابِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ... فَهَذَا بَقَايَا بِرِّهِ الْمُتَعَوَّدِ وَيُكْرَهُ فِي الْحَمَّامِ كُلُّ قِرَاءَةٍ ... وَذِكْرُ لِسَانٍ وَالسَّلَامُ لِمُبْتَدِي وَغَيِّرْ بِغَيْرِ الْأَسْوَدِ الشَّيْبَ وأبقه ... وَلِلْقَزَعِ اكْرَهْ ثُمَّ تَدْلِيسَ نهد وَيُشْرَعُ إِيْكَاءِ السِقَا وَغِطَا الإِنَا ... وَإيْجَافُ أَبْوَابٍ وَطَفْءُ لمُِوَقَّدِ وَتَقْلِيْمُ أَظْفَارٍ وَنَتْفٌ لإِبْطِهِ ... وَحَلْقاً وَلِلتَّنْوِيْرِ لِلْعَانَةِ اقْصدِ وَيَحْسُنُ خَفْضُ الصَّوتِ مِن عَاطِسٍ وأَنْ ... يُغَطِّيَ وَجْهاً لاسْتِتَارٍ مِن الرَّدِي وَيَحْمَدُ جَهْراً وَلْيُشَمِّتْهُ سَامِعٌ ... لِتَحْمِيْدِهِ وليُبْدِ رَدَّ المُعَوَّدِ وَقُلْ لِلْفَتَى عُوْفِيْتَ بَعْدَ ثَلاَثَةٍ ... وَلِلطّفْلِ بُوْرِكْ فِيْكَ وَأْمُرهُ يَحْمَدِ وَغَطِّ فَمًا وَاكْظِمْ تُصِبْ فِي تَثَاؤُبٍ ... فَذَلِكَ مَسْنُونٌ لِأَمْرِ الْمُرَشَّدِ ...

وَلاَ بَأْسَ شَرْعاً أَنْ يَطِبَّكَ مُسْلِمٌ ... وشَكْوَى الذي تَلْقَى وبالحَمْدِ فابْتَدِي وَتَرْكُ الدَّوا أَوْلَى وَفْعْلُكَ جَائِزُ ... ولم تَتَيَقَنْ فِيْهِ حُرْمَةَ مُفْرَدِ وَرَجِّحْ عَلَى الْخَوْفِ الرَّجَا عِنْدَ يَأْسِه ... ولاَقِ بِحُسْنِ الظَّنِّ رَبَّك تسعد وَيُشْرَعُ لِلْمَرْضَى الْعِيَادَةُ فَأْتِهِمْ ... تَخُضْ رَحْمَةً تَغْمُرْ مَجَالِسَ عُوَّدِ فَسَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ مَلَائِكَةِ الرِّضَا ... تُصَلِّي عَلَى مَنْ عَادَ مُمسِى إلَى الْغَدِ وَإِنْ عَادَهُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ وَاصَلَتْ ... عَلَيْهِ إلَى اللَّيْلِ الصَّلَاةَ فَأَسْنِدْ فَمِنْهُمْ مُغِبًّا عُدْهُ خَفِّفْ وَمِنْهُمْ ال ... ذِي يُؤْثِرُ التَّطْوِيلَ مِنْ مُتَوَرِّدٍ وَفَكِّرْ وَرَاعِ فِي الْعِيَادَةِ حَالَ مَنْ ... تَعُودُ وَلَا تُكْثِرْ سُؤَالًا تنكد وَمَكْرُوهٌ اسْتِئْمَانُنَا أَهْلَ ذِمَّةٍ ... لِإِحْرَازِ مَالٍ أَوْ لِقِسْمَتِهِ اشهد وَمَكْرُوهٌ اسْتِطْبَابُهُمْ لَا ضَرُورَةً ... وَمَا رَكَّبُوهُ مِنْ دَوَاءٍ مُوَصَّدٍ وَإِنْ مَرِضَتْ أُنْثَى وَلَمْ يَجِدُوا لَهَا ... طَبِيبًا سِوَى فَحْلٍ أَجِزْهُ ومهد

وَيُكْرَهُ حَقْنُ الْمَرْءِ إلَّا ضَرُورَةً ... وَيَنْظُرُ مَا يَحْتَاجُهُ حَاقِنٌ قَدْ كَقَابِلَةٍ حِلٌّ لَهَا نَظَرٌ إلَى ... مَكَانِ وِلَادَاتِ النِّسَا فِي التَّوَلُّدِ وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَسْرِ قَطْعُ بواسر ... وَبَطُّ الْأَذَى حِلٌّ كَقَطْعِ مُجَوَّدٍ لآِكِلَةٍ تَسْرِي بِعُضْوٍ أَبِنْهُ إنْ ... تَخَافَنَّ عُقْبَاهُ وَلَا تَتَردد وَقَبْلَ الْأَذَى لَا بَعْدَهُ الْكَيَّ فاكرهن ... وَعَنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ مُقَيَّدِ وَفِيمَا عدا الْأَغْنَامِ قَدْ كَرِهُوا الْخِصَا ... لِتَعْذِيبِهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمُسْنَدِ وَقَطْعُ قُرُونٍ وَالْآذَانِ وَشَقُّهَا ... بِلَا ضَرَرٍ تَغْيِيرُ خَلْقٍ مُعَوَّدِ وَيَحْسُنُ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحِلِّ قَتْلُ مَا ... يَضُرُّ بِلَا نَفْعٍ كَنَمِرٍ وَمَرْثَدِ وَغِرْبَانُ غَيْرِ الزَّرْعِ أَيْضًا وَشِبْهُهَا ... كَذَا حَشَرَاتُ الْأَرْضِ دُونَ تَقَيُّدِ كَبَقٍ وَبُرْغُوثٍ وَفَأْرٍ وَعَقْرَبٍ ... وَدَبرو حَيْاَّتٍ وَشِبْهِ المُعَدِّدِ وَيُكْرَهُ قَتْلُ النَّمْلِ إلَّا مَعَ الْأَذَى ... بِهِ وَاكْرَهَنَّ بِالنَّارِ إحْرَاقَ مُفْسِدِ

ولو قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ ثُمَّ أُجِيزَ مَعْ ... أَذًى لَمْ يَزُلْ إلَّا بِهِ لَمْ أُبَعِّدْ وَقَدْ جَوَّزَ الْأَصْحَابُ تَشْمِيْسَ قَزِّهِمْ ... وَتَدْخِينَ زُنْبُورٍ وَشَيًّا بِمَوْقِدِ وَيُكْرَهْ لِنَهْيِ الشَّرْعِ عَنْ قَتْلِ ضِفْدَعٍ ... وَصِرْدَانِ طَيْرٍ قَتْلُ ذَيْنِ وَهُدْهُدِ وَيُكْرَهُ قَتْلُ الْهِرِّ إلَّا مَعَ الأَذَى ... وَإِنْ مُلِكَتْ فَاحْظُرْ إذَا غَيْرَ مُفْسِدِ وَقَتْلُكَ حَيَّاتِ الْبُيُوتِ وَلَمْ تَقُلْ ... ثَلَاثًا لَهُ اذْهَبْ سَالِمًا غَيْرَ مُعْتَدِ ... وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ اُقْتُلْ وَأَبْتَرَ حَيَّةٍ ... وَمَا بَعْدَ إيذَانٍ تُرَى , أَوْ بِفَدْفَدِ وَمَا فِيْهِ إضْرَارٌ وَنَفْعٌ كَبَاشِقٍ ... وَكَلْبٍ وَفَهْدٍ لِاقْتِصَادِ التَّصَيُّدِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُلْكاً فَأَنْتَ مُخَيَّرُ ... وإنْ مُلِكَتْ فاحْظِرْ وإنْ تُؤْذِ فاقْدُدِ وَيُكْرَهُ نَفْخٌ فِي الْغَدَا وَتَنَفُّسٌ ... وَجَوْلَانُ أَيْدٍ فِي طَعَامٍ مُوَحَّدِ فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا فَلَا بَأْسَ فَاَلَّذِي ... نَهَى فِي اتِّحَادٍ قَدْ عَفَا فِي التَّعَدُّدِ وَأَخْذٌ وَإِعْطَاءٌ وَأَكْلٌ وَشُرْبُهُ ... بِيُسْرَاهُ فَاكْرَهْهُ وَمُتَّكِئًا دَدْ

وَأَكْلَكَ بِالثِّنْتَيْنِ وَالْأُصْبُعِ اكْرَهْنَ ... وَمَعْ أَكْلِ شَيْنِ الْعَرْفِ إتْيَانَ مَسْجِدِ وَيُكْرَهُ بِالْيُمْنَى مُبَاشَرَةُ الْأَذَى ... وَأَوْسَاخِهِ مَعَ نَثْرِ مَاءِ أَنْفِهِ الرَّدِي كذا خَلْعُ نَعْلَيْهِ بِهَا وَاتِّكَاؤُهُ ... عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى ورا ظَهْرِهِ اشْهَدْ وَيُكْرَهُ فِي التَّمْرِ الْقِرَانُ وَنَحْوُهُ ... وَقِيلَ مَعَ التَّشْرِيكِ لَا فِي التَّفَرُّدِ وَكُنْ جَالِسًا فَوْقَ الْيَسَارِ وَنَاصِبَ الْـ ... ـيَمِينِ وَبَسْمِلْ ثُمَّ فِي الْاِنْتِهَا أحْمَدِ وَيُكْرَهُ سَبْقُ الْقَوْمِ لِلْأَكْلِ نَهْمَةً ... وَلَكِنَّ رَبَّ الْبَيْتِ إنْ شَاءَ يَبْتَدِي ولا بَأْسَ عِنْدَ الْأَكْلِ مِنْ شِبَعِ الْفَتَى ... وَمَكْرُوهٌ الْإِسْرَافُ وَالثُّلْثَ أَكِّدْ وَيَحْسُنُ تَصْغِيرُ الْفَتَى لُقْمَةَ الْغِذَا ... وَبَعْدَ ابْتِلَاعٍ ثَنِّ وَالْمَضْغَ جَوِّدْ وَيَحْسُنُ قَبْلَ الْمَسْحِ لَعْقُ أَصَابِع ... وَأَكْلُ فُتَاتٍ سَاقِطٍ بِتَثَرُّدِ وَتَخْلِيلُ مَا بَيْنَ الْمَوَاضِعِ بَعْدَهُ ... وَأَلْقِ وَجَانِبْ مَا نَهَى اللَّهُ تَهْتَدِ وَغَسْلُ يَدٍ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ ... وَيُكْرَهُ بِالمَطْعُومِ غَيْرَ مُقَيَّدِ

وَكُلْ طَيِّبًا أَوْ ضِدَّهُ وَالْبَسْ الَّذِي ... تُلَاقِيهِ مِنْ حِلٍّ وَلَا تَتَقَيَّد وما عِفْتَهُ فَاتْرُكْهُ غَيْرَ مُعَنِّفٍ ... وَلَا عَائِبٍ رِزْقًا وَبِالشَّارِعِ اقْتَدِ ولا تَشْرَبَنْ مِنْ فِي السِّقَاءِ وَثُلْمَةِ الـ ... إنَاءِ وَانْظُرَنْ فِيهِ وَمَصًّا تَزَرَّدِ وَنَحِّ الإنا عَن فِيْكَ واشْرَبْ ثَلاَثةً ... هُوْ أهْنَا وَأَمْرَا ثم أَرْوَي لِمَنْ صُدِي ولا تَكْرَهَنَّ الشُّرْبَ مِنْ قَائِمٍ وَلَا انْ ... تِعَالَ الْفَتَى فِي الْأَظْهَرِ الْمُتَأَكِّدِ وَيُكْرَهُ لُبْسٌ فِيهِ شُهْرَةُ لَابِسٍ ... وَوَاصِفُ جِلْدٍ لَا لِزَوْجٍ وَسَيِّدٍ وإنْ كَانَ يُبْدِي عَوْرَةً لِسِوَاهُمَا ... فَذَلِكَ مَحْظُورٌ بِغَيْرِ تَرَدُّدِ وَخَيْرَ خِلَالِ الْمَرْءِ جَمْعًا تَوَسُّطُ الـ ... أُمُورِ وَحَالٌ بَيْنَ أَرْدَى وَأَجْوَدِ وَلُبْس مِثَالِ الحَيِّ فَاحْضر بِأَجْوَدِ ... وَمَا لَمْ يُدَسْ مِنْهَا لِوَهْنٍ فَشَدِّدْ وَأَحْسنُ مَلْبُوسٍ بَيَاضٌ لِمَيِّتٍ ... وَحَيٍّ فَبَيِّضْ مُطْلَقًا لَا تُسَوِّدْ ... وَلَا بَأْسَ بِالْمَصْبُوغِ مِنْ قَبْلِ غَسْلِهِ ... مَعَ الْجَهْلِ فِي أَصْبَاغِ أَهْلِ التَّهَوُّدِ

وَقِيلَ اكْرَهَنْهُ مِثْلَ مُسْتَعْمَلِ الْإِنَا ... وَإِنْ تَعْلَمْ التَّنْجِيسَ فَاغْسِلْهُ تَهْتَدِ وَأَحْمَرَ قَانٍ والمُعَصْفَرَ فاكْرَهَنْ ... لِلُبْسِ رِجَالٍ حَسْبُ في نَصِّ أَحْمَدِ وَلاَ تَكْرَهَنْ في نَصِّ ما قَدْ صَبَغَتَهُ ... مِن الزَّعْفَرانِ البَحْتِ لَوْنَ المُوَرَّدِ وَلَيْسَ بِلُبْسِ الصُّوفِ بَأْسٌ وَلَا الْقَبَا ... وَلَا لِلنِّسَا , وَالْبُرْنُسِ افْهَمْهُ وَاقْتَدِ وَلُبْسُ الْحَرِيرِ احْظُرْ عَلَى كُلِّ بَالِغٍ ... سِوَى لِضَنًى أَوْ قَتلٍ أَوْ حَرْبِ جُحَّدِ وَيَحْرُمُ بَيْعٌ لِلرِّجَال لِلِبْسِهِمْ ... وَتَخَيْيطُهُ والنَّسْجُ في نَصِّ أَحْمَدِ وَيَحْرُمُ لُبْسٌ مِنْ لُجَيْنٍ وَعَسْجَدٍ ... سِوَى مَا قَدْ اسْتَثْنَيْتُهُ فِي الَّذِي ابْتُدِي وَيَحْرُمُ سِتْرٌ أَوْ لِبَاسُ الْفَتَى الَّذِي ... حَوَى صُورَةً لِلْحَيِّ فِي نَصِّ أَحْمَدِ وفي السِّتْرِ أَوْ مَا هُوَ مَظِنَّةُ بَذْلَة ... لَيُكْرَهَ ككَتْب لِلْقُرَآنِ الْمُمَجَّدِ وَلَيْسَ بِمَكْرُوْهٍ كِتَابَةُ غيْرِهِ ... مِنَ الذِكْرِ فيْما لَم يُدَنسْ وَيُمَهَّدِ وَحَلَّ لمَنْ يَسْتَأْجِرُ البَيْتَ حَكُّهُ الـ ... ـتَصَاوِيْرَ كَالحَمام لِلدَّاخِلِ اشْهَدِ

وَفِي نَصِّهِ اكْرَه لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَا الرَّ ... قِيقَ سِوَى لِلزَّوْجِ يَخْلُو وَسَيِّدِ وَيُكْرَهُ تَقْصِيرُ اللِّبَاسِ وَطُولُهُ ... بلا حَاجَةٍ كِبْرًا وَتَرْكُ الْمُعَوَّدِ وَأَطْوَلُ ذَيْلِ الْمَرْءِ لِلْكَعْبِ وَالنِّسَا ... بِلَا الْأُزُرِ شِبْرًا أَوْ ذِرَاعًا لتَزْدَدِ وَأَشْرَفُ مَلْبُوسٍ إلَى نِصْفِ سَاقِهِ ... وَمَا تَحْتَ كَعْبٍ فَاكْرَهَنْهُ وَصَعِّد ولِلرُّصْغِ كُمُّ الْمُصْطَفَى فَإِنْ ارْتَخَى ... تَنَاهَى إلَى أَقْصَى أَصَابِعِهِ قَد ولا بَأْسَ فِي لُبْسِ السَّرَاوِيلِ سُتْرَةً ... أَتَمُّ مِنْ التَّأْزِيرِ فَالْبَسْهُ وَاقْتَدِ بِسُنَّةِ إبْرَاهِيمَ فِيهِ وَأَحْمَدٍ ... وَأَصْحَابِهِ والأُزُرَ أَشْهَرُ أكد وَيَحْسُنُ تَنْظِيفُ الثِّيَابِ وَطَيُّهَا ... وَيُكْرَه مَع طُولِ الغِنَا لُبْسُكَ الرَّدِي ولا بَأْسَ فِي لُبْسِ الفِرَاءِ واشْتِرَائِها ... جُلُودَ حَلَالٍ مَوْتُهُ لَمْ يوطد وكاللَّحْمِ الْأَوْلَى احظرن جِلْدَ ثَعْلَبٍ ... وَعَنْهُ لِيُلْبَسَ وَالصَّلَاةَ بِهِ اصدد وَمَنْ يَرْتَضِي أَدْنَى اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا ... سَيُكْسَى الثِّيَابَ الْعَبْقَرِيَّاتِ فِي غَدِ

وَيَحْسُنُ حَمْدُ اللَّهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ ... ولا سِيَّمَا فِي لُبْسِ ثَوْبٍ مُجَدَّدِ وَكُنْ شَاكِرًا لِلَّهِ وَارْضَ بِقَسْمِهِ ... تُثَبْ وَتُزَدْ رِزْقًا وَإِرْغَامَ حسَّد وَقُلْ لِأَخٍ أبْلِ وَأَخْلِقْ وَيُخْلِفُ الْإ ... لهُ كَذَا قُلْ عِشْ حَمِيدًا تُسَدَّد ولا بَأْسَ بِالْخَاتَمِ مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ ... عَقِيقٍ وَبِلّوْرٍ وَشِبْهِ الْمُعَدَّدِ ... وَيُكْرَهُ مِنْ صُفْرٍ رَصَاصِ حَدِيدِهِمْ ... وَيَحْرُمُ لِلذُّكْرَانِ خَاتَمُ عَسْجَدِ وَيَحْسُنُ فِي الْيُسْرَى كَأَحْمَدَ وَصَحْبِهِ ... وَيُكْرَهُ فِي الْوُسْطَى وَسَبَّابَةِ الْيَدِ وَمَن لَمْ يَضَعْهُ فِي الدُّخُولِ إلَى الْخَلَا ... فَعَنْ كَتْبِ قُرْآنٍ وَذِكْرٍ بِهِ اصدد وَيَحْسُنُ فِي الْيُمْنَى ابْتِدَاءُ انْتِعَالِهِ ... وَفِي الْخَلْعِ عَكْسٌ وَاكْرَهْ الْعَكْسَ ترشد وَيُكْرَهُ مَشْيُ الْمَرْءِ فِي فَرْدِ نَعْلِهِ اخْـ ... تِيَارًا أَصِخ حَتَّى لِإِصْلَاحِ مُفْسِدِ ولا بأْسَ فِي نَعْلٍ يُصَلَّى بِهِ بِلَا ... أَذًى وَافْتَقِدْهَا عِنْدَ أَبْوَابِ مَسْجِدِ وَيَحْسُنُ الِاسْتِرْجَاعُ فِي قَطْعِ نَعْلِهِ ... وَتَخْصِيْصِ حَافٍ بِالطَّرِيقِ الْمُمَهَّدِ

وَقَدْ لَبِسَ السِّبْتِيّ وَهُوَ الَّذِي خَلَا ... مِنْ الشَّعْرِ مَعَ أَصْحَابِهِ بِهِمْ اقْتَدِ وَيُكْرَهُ سندي النِّعَالِ لِعُجْبِهِ ... بصرارها زِيُّ الْيَهُودِ فأبعد وَسِرْ حَافِيًا أَوْ حَاذِيًا وَامْشِ وَارْكَبَنْ ... تَمَعْدَدْ وَاخْشَوْشَن وَلَا تَتَعَود وَيُكْرَهُ فِي الْمَشْيِ الْمُطَيْطَا وَنَحْوُهَا ... مَظِنَّةَ كِبْرٍ غَيْرَ فِي حَرْبِ جُحَّدِ وَيُكْرَهُ لُبْسُ الخُفِّ وَالأُزُرِ قَائِمًا ... كذاكَ الْتِصَاقُ اثْنَيْنِ عُرْيًا بِمَرْقَدٍ وثِنْتَيْنِ وَافْرُقْ فِي الْمَضَاجِعِ بَيْنَهُمْ ... ولَوْ إخْوَةً مِنْ بَعْدِ عَشْرٍ تُسَدَّدْ وَيُكْرَهُ نَوْمُ الْمَرْءِ مِنْ قَبْلِ غَسْلِهِ ... مِنْ الدُّهْنِ وَالْأَلْبَانِ لِلْفَمِ وَالْيَدِ وَنَوْمُك بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ أَوْ عَلَى ... قَفَاك وَرَفْعُ الرِّجْلِ فَوْقَ أُخْتِهَا اُمْدُدْ وَيُكْرَهُ نَوْمٌ فَوْقَ سَطْحٍ , وَلَمْ يُحَطْ ... عَلَيْهِ بِتَحْجِيرٍ لِخَوْفٍ مِنْ الرَّدِي وَيُكْرَهُ بَيْنَ الظِّلِّ وَالشَّمْسِ جِلْسَةٌ ... وَنَوْمٌ عَلَى وَجْهِ الْفَتَى الْمُتَمَدِّدِ وَقُلْ فِي انْتِبَاهٍ وَالصَّبَاحِ وَفِي الْمِسَا ... وَنَوْمٍ مِنْ الْمَرْوِيِّ مَا شِئْت تُرْشَدْ

وَيَحْسُنُ عندَ النَّوْمِ نَفْضُ فِرَاشِهِ ... وَنَوْمٌ عَلَى الْيُمْنَى وَكُحْلٌ بِإِثْمِدِ وَخُذْ لَك مِنْ نُصْحِي أُخَيَّ نَصِيْحَةً ... وَكُنْ حَازِمًا وَاحْضُرْ بِقَلْبٍ مُؤَيَّدِ ولا تَنْكِحَنْ إنْ كُنْت شَيْخًا فتِيَّةً ... تَعِشْ فِي ضِرَارِ الْعَيْشِ أَوْ تَرْضَ بِالرَّدِي ولا تَنْكِحَنْ مِنْ تسْمِ فَوْقِكَ رُتْبَةً ... تَكُنْ أَبَدًا فِي حُكْمِهَا فِي تَنَكُّدِ ولا تَرْغَبَن فِي مَالِهَا وَأَثَاثِهَا ... إذَا كُنْتَ ذَا فَقْرٍ تُذَلُّ وَتُضْطهَد ولا تَسْكُنَنْ فِي دَارِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا ... تُسَمَّعْ إذَنْ أَنْوَاعَ مِنْ مُتَعَدِّدٍ فلا خَيْرَ فِيمَنْ كَانَ فِي فَضْلِ عِرْسِهِ ... يَرُوحُ عَلَى هُونٍ إلَيْهَا وَيَغْتَدِي ولا تُنْكِرَنْ بَذْلَ الْيَسِيرِ تَنَكُّدًا ... وَسَامِحْ تَنَلْ أَجْرًا وَحُسْنَ التَّوَدُّدِ ولا تَسْأَلَنْ عَنْ مَا عَهِدْت وَغُضَّ عَنْ ... عَوارٍ إذَا لَمْ يَذْمُم الشَّرْعُ تَرْشُدْ ... وَكُنْ حَافِظًا إنَّ النِّسَاءَ وَدَائِعُ ... عَوانٌ لَدَيْنَا احْفَظْ وَصِيَّةَ مُرْشِدِ ولا تُكْثِر الْإِنْكَارَ تُرْمَ بِتُهْمَةٍ ... ولا تَرْفَعَنَّ السَّوْطَ عَنْ كُلِّ مُعْتَدِ

ولا تَطْمَعَنْ فِي أَنْ تُقِيمَ اعْوِجَاجَهَا ... فَمَا هِيَ إلَّا مِثْلُ ضِلعٍ مُرَدَّدِ وَسُكْنَى الْفَتَى فِي غُرْفَةٍ فَوْقَ سِكَّةِ ... تَؤُولُ إلَى تُهْمَى الْبَرِيِّ الْمُشَدِّدِ وَإِيَّاكَ يَا هَذَا وَرَوْضَةَ دِمْنَةٍ ... سَتَرْجِعُ عَنْ قُرْبٍ إلَى أَصْلِهَا الرَّدِي ولا تَنْكِحنَ فِي الْفَقْرِ إلَّا ضَرُورَةً ... وَلُذْ بِوِجَاءِ الصَّوْمِ تَهْدِى وَتَهْتَدِي وَكُنْ عَالِمًا إِنَّ النِّسَا لُعَبٌ لَنَا ... فَحَسِّن إذَن مَهْمَا استَطَعْتَ وُجود وخَيْرُ النِّسَا مَنْ سَرَّتْ الزَّوْجَ مَنْظَرًا ... وَمَنْ حَفِظَتْهُ فِي مَغِيبٍ وَمَشْهَدِ قَصِيرَةُ أَلْفَاظٍ قَصِيرَةُ بَيْتِهَا ... قَصِيرَةُ طَرْفِ الْعَيْنِ عَنْ كُلِّ أَبْعَدِ عَلَيْك بِذَاتِ الدِّينِ تَظْفَر بِالْمُنَى الْـ ... وَدُودِ الْوَلُودِ الْأَصْلِ ذَاتِ التَّعَبُّدِ حَسِيبَةُ أَصْلٍ مِنْ كِرَامٍ تَفُزْ إذًا ... بِوُلْدٍ كِرَامٍ وَالْبَكَارَةَ فَاقْصِد وَوَاحِدَةٌ أَدْنَى مِن الْعَدْلِ فَاقْتَنِعْ ... وَإِنْ شِئْت فَابْلُغْ أَرْبَعًا لَا تُزَيَّد وَمَنْ عَفَّ تَقْوًى عَنْ مَحَارِمِ غَيْرِهِ ... يُعِفُّ أَهْلِهِ حَقًّا وَإِنْ يَزْنِ يَفْسُد

فَكَابِد إلى أَنْ تَبْلُغَ النَّفْسُ عُذْرَهَا ... وَكُنْ فِي اقْتِبَاسِ الْعِلْمِ طَلَّاعَ أَنْجُدِ ولا يذهبن الْعُمْر مِنْك سَبَهْلَلًا ... وَلَا تُغْبَنَن بالنعمتين بَل اجْهَد فَمَنْ هَجَرَ اللَّذَّاتِ نَالَ الْمُنَى وَمَنْ ... أَكَبَّ عَلَى اللَّذَّاتِ عَضَّ عَلَى الْيَدِ وفي قَمْعِ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ اعْتِزَازُهَا ... وَفِي نَيْلِهَا مَا تَشْتَهِي ذُلٌّ سَرْمَد فلا تَشْتَغِلْ إلَّا بِمَا يُكْسِبُ الْعُلَا ... ولا تَرْضَ لِلنَّفْسِ النَّفِيسَةِ بِالرَّدِي وفي خَلْوَةِ الْإِنْسَانِ بِالْعِلْمِ أُنْسُهُ ... وَيَسْلَمُ دِينُ الْمَرْءِ عِنْدَ التَّوَحُّدِ وَيَسْلَمُ مِنْ قِيلَ وَقَالَ وَمِنْ أَذَى ... جَلِيسٍ وَمِنْ وَاشٍ بَغِيضٍ وَحسد وَكُنْ حِلْسَ بَيْتٍ فَهُوَ سِتْرٌ لِعَوْرَةٍ ... وَحِرْزُ الْفَتَى عَنْ كُلِّ غَاوٍ وَمُفْسِدِ وَخَيْرُ جَلِيسِ الْمَرْءِ كُتب تُفِيدُهُ ... عُلُومًا وَآدَابًا كَعَقْلٍ مُؤَيَّدٍ وَخَالِطْ إذَا خَالَطْتَ كُلَّ مُوَفَّقٍ ... مِنْ العُلَمَا أَهْلِ التُّقَى وَالتَّعَبُّدِ يُفِيدُك مِنْ عِلْمٍ وَيَنْهَاك عَنْ هَوًى ... فَصَاحِبْهُ تُهْدَى مِنْ هُدَاهُ وتَرْشُد

وَإِيَّاكَ وَالْهَمَّازَ إنْ قُمْت عَنْهُ وَالْـ ... بَذِيَّ فَإِنَّ الْمَرْءَ بِالْمَرْءِ يَقْتَدِي ولا تَصْحَبْ الْحَمْقَى فَذُو الْجَهْلِ إنْ ... يَرُمْ صَلَاحًا لِأَمْرٍ يَا أَخَا الْحَزْمِ يَفْسُد وَخَيْرُ مَقَامٍ قُمْت فِيهِ وَخَصْلَةٍ ... تَحَلَّيْتهَا ذِكْرُ الْإِلَهِ بِمَسْجِدِ ... وَكُفَّ عَنْ العورى لِسَانَك وَلْيَكُنْ ... دَوَامًا بِذِكْرِ اللَّهِ يَا صَاحِبِي نَدِي وَحَصِّنْ عَنْ الفَحْشَا الْجَوَارِحَ كُلَّهَا ... تَكُنْ لَك فِي يَوْمِ الجزا خَيْرَ شُهَّدِ وَحَافِظْ عَلَى فِعْلِ الْفُرُوضِ بِوَقْتِهَا ... وَخُذْ بِنَصِيبٍ فِي الدُّجَى مِنْ تَهَجُّدٍ ونَادِِ إذَا مَا قُمْت فِي اللَّيْلِ سَامِعًا ... قَرِيبًا مُجِيبًا بِالْفَوَاضِلِ يَبْتَدِي وَمُدَّ إلَيْهِ كَفَّ فَقْرِك ضَارِعًا ... بِقَلْبٍ مُنِيبٍ وَادْعُ تُعْطَ وَتَسْعَد ولا تَسْأَمَنَّ الْعِلْمَ وَاسْهَرْ لَنَيْلِهِ ... بلا ضَجَرِ تَحْمَدْ سُرَى اللَّيْلِ فِي غَد ولا تَطْلُبَنَّ الْعِلْمَ لِلْمَالِ وَالرِّيَا ... فَإِنَّ مِلَاكَ الْأَمْرِ فِي حُسْنِ مَقْصِدِ وكُنْ عَامِلًا بِالْعِلْمِ فِيمَا اسْتَطَعْته ... لِيُهْدَى بِك الْمَرْءُ الَّذِي بِك يَقْتَدِي

حَرِيصًا عَلَى نَفْعِ الْوَرَى وَهُدَاهُمْ ... تَنَلْ كُلَّ خَيْرٍ فِي نَعِيمٍ مُؤَبَّدِ وكُنْ صَابِرًا بِالفَقْرِ وَادَّرِعِ الرِّضَا ... بمَا قَدَّرَ الرَّحمنُ وَاشْكُرْهُ تُحْمَد فَمَا الْعِزُّ إلَّا فِي الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَا ... بِأَدْنَى كَفَافٍ حَاصِلٍ وَالتَّزَهُّدِ فَمَنْ لَمْ يُقْنِعْهُ الْكَفَافُ فَمَا إلَى ... رِضَاهُ سَبِيلٌ فَاقْتَنِعْ وَتَقَصَّدْ فَمَنْ يَتَغَنَّى يُغْنِهِ اللَّهُ وَالْغِنَى ... غِنَى النَّفْسِ لَا عَنْ كَثْرَةِ الْمُتَعَدِّدِ وَإِيَّاكَ وَالإِعْجَابَ وَالْكِبْرَ تَحْظَ بِالسَّـ ... عَادَةِ فِي الدَّارَيْنِ فَارْشُدْ وَأَرْشِد وَهَا قَدْ بَذَلْتُ النُّصْحَ جَهْدِي وَإِنَّنِي ... مُقِرٌّ بِتَقْصِيرِي وَبِاَللَّهِ أَهْتَدِي تَقَضَّتْ بِحَمْدِ اللَّهِ لَيْسَتْ ذَمِيمَةً ... وَلَكِنَّهَا كَالدُّرِّ فِي عِقْدِ خُرَّدِ يُحَارُ لَهَا قَلْبُ اللَّبِيبِ وَعَارِفِ ... كَرِيمَانِ إنْ جَالَا بِفِكْرِ مُنَضَّدِ فَمَا رَوْضَةٌ حُفَّتْ بِنَوْرِ رَبِيعِهَا ... بِسَلْسَالِهَا الْعَذْبِ الزُّلَالِ الْمُبَرَّدِ بِأَحْسَنَ مِنْ أَبْيَاتِهَا وَمَسَائِلٍ ... أَحَاطَتْ بِهَا يَوْمًا بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ

وكن عالما إن الذنوب جميعها

فَخُذْهَا بِدَرْسٍ لَيْسَ بِالنَّوْمِ تُدْرِكْنَ ... لِأَهْلِ النُّهَى وَالْفَضْلِ فِي كُلِّ مَشْهَدِ وَقَدْ كَمُلَتْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ ... عَلَى كُلِّ حَالٍ دَائِمًا لَمْ يَصْدُدْ انْتَهَى اللهم يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام ثبت محبتك في قلوبنا، وقوِّها وألهمنا يا مولانا ذكرك وشكرك وأمنا من عذابك يوم تبعث عبادك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. اللهم إليك بدعائنا توجهنا وبفنائك أنخنا وإياك أملنا ولما عندك من الكرم والجود والإحسان طلبنا ومن عذابك أشفقنا ولغفرانك تعرضنا، فاغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله وسلم. «نَظْمُ الكَبَائِرِ لابْنِ عبدِ القَوِّي» وَكُنْ عَالِمًا إِنَّ الذُّنُوبَ جَمِيْعَهَا ... بكُبْرَى وَصُغْرَى قُسِّمَتْ في المُجَوَّدِ فَمَا فِيْهِ حَدٌ في الدُّنَا أَوْ تَوَعُدٌ ... بِأُخْرَى فَسِمْ كُبْرَى عَلَى نَصِّ أَحْمَدِ وَزَادَ حَفِيْدُ المَجْدِ أَوْ جَا وَعِيْدُهُ ... بِنَفْيٍ لإِيْمَانٍ وَلَعْنٍ لِمُبْعَدِ كَشِرْكٍ وَقَتْلِ النَّفْسِ إِلاَّ بِحَقِّهَا ... وَأَكْلِ الرِّبَا والسِّحْرِ مَعْ قَذْفِ نُهَّدِ

وأَكْلُكَ أَمْوَالَ اليَتَامَى بِبَاطِلٍ ... تَوَلِيْكَ يَوْمَ الزَّحْفِ في حَرْبِ جُحَّدِ كذَاكَ الزِّنَا ثُمَّ اللَّوْاطُ وَشُرْبُهُم ... خُمُورًا وَقَطْعٌ لِلطَّرِيْقِ المُمَهَدِ وَسَرْقَةُ مَالِ الغَيْرِ أَوْ أَكْلُ مَالِهِ ... بِبَاطِلِ صُنْع القَوْلِ والفِعْلِ واليَدِ شَهَادَةُ زُوْرٍ ثُمَّ عَقٌ لِوَالِدٍ ... وَغِيْبَةُ مُغْتَابٍ نَمِيْمَةُ مُفْسِدِ يَمِيْنٌ غَمُوسٌ تَارِكٌ لِصَلاَتِهِ ... مُصَلِّ بِلاَ طُهْرٍ لَهُ بِتَعَمُّدِ مُصَلٍّ بِغَيْرِ الْوَقْتِ أَوْ غَيْرِ قِبْلَةٍ ... مُصَلٍّ بِلاَ قُرْآنِهِ المُتَأَكِّدِ قُنُوطُ الفَتى مِن رَحْمَةِ اللهِ ثُمَّ قُلْ ... إسَاءَةٌ ظَنٍّ بالآلهِ المُوَحَّدِ وأَمْنُ لِمَكْر اللهِ ثُمَّ قَطيْعَةٌ ... لِذِيْ رَحِمٍ والكِبْر والخُيَلاَ اعْدُد كَذَا كَذِبٌ إِنْ كَانَ يَرْمِيْ بِفْتِنَةٍ ... أَوْ المُفْتَرِيْ يَوْمًا على المُصْطَفَى أَحْمَدِ قِيَادَةُ دَيُّوثٍ نِكاحٌ مُحَلِّلٍ ... وَهِجْرَةُ عَدْلٍ مُسْلِمٍ وَمُوَحِّدِ وَتَرْكٌ لِحَجٍ مُسْتَطِيْعًا وَمَنْعُهُ ... زَكَاةً وَحُكْمُ الحَاكِمِ المُتَقَلِّدِ

بِحَقِّ لِخَلْقِ وارْتِشَاهُ وَفِطْرُهُ ... بلا عُذْرِهِ في صَوْمِ شَهْرِ التَّعَبُدِ وَقَوْلٌ بِلاَ عِلْمٍ عَلَى اللهِ رَبِّنَا ... وَسَبٌ لأَصْحَابِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ مًصِرٌ على العِصْيَانِ ترْكُ تَنَزُهٍ ... مِن البَوْلِ في نَصِّ الحَدِيْثِ المُسَدَّدِ وإتْيَانُ مَنْ حَاضَتْ بِفَرْجٍ وَنَشْزُهَا ... عَلَى زَوْجِهَا مِن غَيْرِ عُذْرٍ مُمَهَّدِ وإِلْحَاقُهَا بالزَّوْجِ مَنْ حَمَلَتْهُ مِنْ ... سِوَاهُ وَكِتْمَانُ العُلُومِ لِمُجْتَدِ وَتَصْوِيْرُ ذِيْ رُوْحٍ وإتيان كَاهِنٍ ... وإتيان عَرَّافٍ وَتَصْدِيْقُهُمْ زِدِ سُجُودٌ لِغَيْرِ اللهِ دَعْوَةُ مَنْ دَعَا ... إلى بِدْعَةٍ أَوْ لِلضَّلاَلَةِ مَا هُدِي غُلُولٌ وَنَوْحٌ والتَّطَيُّرُ بَعْدَهُ ... وَأَكْلٌ وَشُرْبٌ في لُجَيْنٍ وَعَسْجَدِ وَجَوْرٌ لِمُوْصٍ في الوَصَايَا وَمَنْعُهُ ... لِمِيْرَاثِ وُرَّاثٍ إِبَاقٍ لأَعْبُدِ وإِتْيَانُهَا في الدُّبْرِ بَيْعٌ لِحْرَّةٍ ... وَمَنْ يَسْتَحِلُّ البَيْتَ قِبْلَةَ مَسْجِدِ وَمِنْهَا اكْتِسَابٌ لِلْرِّبَا وَشَهَادَةٌ ... عَلَيْهِ وَذُوْ الوَجْيَهْنِ قُلْ لِلتَّوَعُّدِ ...

ومالي وللدنيا وليست ببغيتي

وَمَنْ يَدَّعِيْ أَصْلاً وَلَيْسَ بِأَصْلِهِ ... يَقُولُ أَنَا ابْنُ الفَاضِلِ المُتَمَجَّدِ فَيَرْغَبُ عن آبَائِهِ وَجُدُوْدِهِِ ... وَلا سِيَّما أَنْ يَنْتَسِبْ لِمُحَمَّدِ وَغِشُّ إِمَامٍ لِلرَّعِيَّةِ بَعْدَهُ ... وُقُوْعٌ عَلَى العَجْمَا البَهِيْمَةِ يُفْسدِ وَتَرْكٌ لِتَجْمِيْعٍ إسَاءَةُ مَالِكٍ ... إِلى القِنِّ ذَا طَبْعٍ لَهُ في المُعَبَّدِ انْتَهَى وقال بعضهم: ومالِيْ ولِلدُّنْيَا وَلَيْسَتْ ببُغْيَتِي ... ولا مُنْتَهَىَ قَصْدِيْ وَلَسْتُ أَنَالَهَا وَلَسْتُ بميَّالٍ إليْهَا وَلاَ إلَى ... رِيَاسَتِهَا تَبًا وقُبْحًا لِحالِها هِيَ الدَّارُ دَارُ الهَمِّ والغَمِّ والعَنَا ... سَرِيْعٌ تَقَضِّيْهَا وَشِيْكٌ زَوَالُهَا مَيَاسِرُهَا عُسْرٌ وَحُزْنٌ سُرُوْرُهَا ... وأرْبَاحُهَا خُسْرٌ وَنَقْصٌ كَمَالُهَا إِذَا أَضْحَكَتْ أَبْكَتْ وإنْ رَامَ وَصْلَهَا ... غَبِيٌ فَيَا سِرْعَ انْقِطَاعِ وِصَالِهَا فأسأل رَبيْ أَنْ يَحُولَ بحَوْلِهِ ... وَقُوَّتِهِ بَيْنِ وبَيْنَ اغْتِيَالِهَا

فَيا طَالِبَ الدُنْيَا الدَّنِيَّةَ جَاهِدًا ... أَلا اطْلبْ سِوَاهَا إنَّهَا لاَ وَفَا لَها فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِن حَرِيْصٍ ومُشْفِقٍ ... عَلَيْهَا فَلمْ يَظْفُر بِهَا أَنْ يَنَالَهَا لَقَدْ جَاءَ في أَيِ الحَدِيْدِ ويُوْنِسٍ ... وفي الكَهْفِ إيْضَاحٌ بِضَرْبِ مِثَالِهَا وفي آلِ عمْرَانٍ وسُوْرَةِ فَاطِرٍ ... وفي غَافِرٍ قَدْ جَاءَ تِبْيَانُ حالِهَا وفي سُوْرَةِ الأحْقَافِ أَعْظَمُ واعِظٍ ... وكَمْ مِن حَدِيْثٍ مُوْجِبٍ لاعتزالها لَقَدْ نَظَرْ أَقْوَامٌ بِعَيْنِ بَصِيْرَةٍ ... إليْهَا فَلَمْ تَغْرُرْ همُوْا باخْتِيَالِهَا أُولئِكَ أَهْلُ اللهِ حَقًا وَحِزْبُهُ ... لَهُمْ جَنَّةً الفِرْدَوْسِ إِرْثًا فَيَا لَهَا وَمَالَ إليْهَا آخَرُوْنَ بِجَهْلِهِم ... فَلَمَّا اطْمَأَنُوْا أَرْشَقَتْهُم نِبَالَهَا أُولَئِكَ قَوْمٌ آثَرُوْهَا فَأُعْقِبُوْا ... بهَا الخِزْيَ في الأخْرى فَذَاقُوْا وَبَالَهَا فَقُلْ لِلذِيْنَ اسْتَعْذَبُوْهَا رُوَيْدَكُمْ ... سَيَنْقَلِبُ السُّمُ النَقِيْعُ زِلاَلَهَا

لِيَلْهُوْا وَيَغْتَرُّوْا بَهَا مَا بَدَا لَهُمْ ... مَتَى تَبْلُغُ الحُلْقُوْمَ تَصْرِمْ جِبَالهَا وَيَوْمَ تُوفَّى كُلُّ نَفْسٍ بكَسْبِهَا ... تَوَدُّ فِدَاءً لو بنيها ومالها وتَأْخُذ إمَّا باليمين كتَابَها ... إذا أحْسَنتْ أَوْ ضِدَّ ذَا بِشِمَالِهَا وَيَبْدُو لَدَيْهَا مَا أَسَرَّتْ وَأَعْلَنَتْ ... وَمَا قَدَّمَت مِن قَوْلِهَا وَفِعَالِهَا بأَيْدِيْ الكِرَامِ الكاتبِيْنَ مُسَطَّرٌ ... فلَمْ يُغَن عَنْهَا عُذْرةٌ وَجِدَالُهَا ... هُنَالِكَ تَدْرِيْ رِبْحَهَا وَخَسَارَهَا ... وإِذْ ذَاكَ تَلْقَى مَا عَلَيْهَا وَمَالَهَا فإنْ تَكُ مِن أَهْلٍ السَّعَادَةِ والتُّقَى ... فإنَّ لَهَا الحُسْنَى بحُسْنِ فِعَالِهَا تَفُوْزُ بِجَنَّاتِ النَّعِيْمِ وحُوْرِهَا ... وتُحْبَرُ في رَوْضَاتِهَا وظِلاَلِهَا وتُرْزَقُ مِمَّا تَشْتَهِي مِن نَعِيْمِهَا ... وتَشْرَبُ مِنْ تَسْنِيْمِهَا وَزِلاَلِهَا فإنَّ لَهُمْ يَوْمَ المَزِيْدِ لَمَوْعِدًا ... زِيَارَةُ زُلْفَى غَيْرُهُمْ لا يَنَالَهَا

وُجُوْهٌ إلى وَجْهِ الإِلهِ نَوَاظِرٌ ... لَقَدْ طَالَ بالدَّمْعِ الغَزِيْرِ ابْتِلاَلُهَا تَجَلَّى لَهُمْ رَبُّ رَحِيْمٌ مُسِّلمًا ... فَيَزْدَادُ مِن ذاكَ التَّجَلِي جَمَالُهَا بمَقْعَدِ صِدْقٍ حَبْذَا الجَارُ رَبُّهُمْ ... ودارُ خُلُوْد لَمْ يَخَافُوْا زَوَالَهَا فَوَاكِهُهَا مِمَّا تَلَذُّ عُيُوْنُهُمْ ... وَتَطَّردُ الأنْهَارُ بَيْنَ خِلاَلِهَا عَلَى سُرُرٍ مَوْضُوْنَة ثمَّ فُرْشُهُمْ ... كَمَا قَالَ فِيْهَا رَبُنَا وَاصِفًا لَهَا بَطَائِنُ مِن إِسْتَبْرَقٍ كَيْفَ ظَنُّكُمْ ... ظَوَاهِرَهَا لاَ مُنْتَهَىَ لِجَمَالِهَا وإنْ تَكُنِ الأُخْرَى فَوَيْلٌ وَحَسْرَةٌ ... وَنَارُ جَحِيْمٍ مَا أَشدَّ نَكَالَهَا لَهُمْ تَحْتَهُم مِنْهَا مِهَادٌ وَفَوْقَهُمْ ... غواشِي ومِن يَحْمُوْمِ سَاء ظِلاَلُهَا طَعَامُهُمُ الغِسْلِيْنُ فِيْهَا وإنْ سُقُوا ... حَمِيْمًا بهِ الأمْعَاءُ كَانَ انْحِلاَلُهَا أَمَانِيْهُموْا فِيْهَا الخُرُوْجُ ومَالَهُمْ ... خُرُوْجٌ ولا مَوْتٌ كَمَا لاَ فَنَى لَهَا مَحَلَّيْنِ قُلْ لِلنَّفْسِ لَيْسَ سِوَاهُمَا ... لتَكْتَسِبَنْ أو تَكْتَسِبْ مَا بَدَا لَهَا

تبارك من عم الورى بنواله

فَطُوْبَى لِنفْسٍ جَوَّزَتْ فَتَخَفَّفَتْ ... فَتَنْبَحُوْا كَفَافًا لا عَلَيْهَا ولا لَهَا انْتَهَى آخر: تَبَارَك مَنْ عَمَّ الوَرَى بِنَوَالِهِ ... وَأَوسَعَهُم فَضْلاً بِإِسْبَاغِ نِعْمَةِ وَقَدَّرَ أَرْزَاقًا لَهُمْ وَمَعَايِشًا ... وَدَبَّرَهُم في كُلِّ طَوْرٍ وَنَشْأَةِ أَحَاطَ بِهِمْ عِلْمًا وَأَحْصَى عَدِيْدَهُم ... وَصَرَّفَهُم عَن حِكْمَةٍ وَالمشِيْئَةِ ولله بين المُؤْمِنِيْنَ وَمِنْهُم ... بِكُلِّ زَمَانٍ كَمْ مُنِيْبٍ وَمُخْبِتِ وَكَمْ سَالِكٍ كَمْ نَاسِكٍ مُتَعَبِّدٍ ... وَكَمْ مُخْلِصٍ في غَيْبِهِ والشَّهَادَةِ وَكَمْ صَابِرٍ كَمْ صَادِقٍ مُتَبَتِلٍ ... إلى الله عَنْ قَصْدٍ صَحِيْحٍ وَنِيَّةِ وَكَمْ قَانِتٍ أَوَّاب في غَسَقِ الدُّجَى ... مِنَ الَخْوفِ مَحْشُوُ الفُؤَادِ وَمُهْجَةِِ يُنَاجِي بِآيَاتِ القُرْآنِ إِلَهَهُ ... بِصَوْتٍ حَزِيْنٍ مَعْ بُكَاءٍ وَخَشْيَةِ ... وَكَمْ ضَامِرِ الأَحْشَاءِ يَطْوِي نَهَارَهُ ... بِحَرِ هجَيْرٍ مَا تَهَنَّا بِشَرْبَةِ وَكَمْ مُقْبِلٍ في لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ ... عَلَى طَاعَةِ المَوْلَى بِجِدٍّ وَهِمَّةِ

وَكَمْ زَاهِدٍ في هَذِهِ الدَّارِ مُعْرِضٍ ... وَمُقْتَصِرٍ منها عَلَى حَدِ بُلْغَةِ تَزَيَّنَتِ الدُّنْيَا لَهُ وَتَزَخْرَفَتْ ... فَغَضَّ وَلَمْ يَغْتَرَّ مِنْهَا بِزِيْنَةِ وَكَمْ عَالِمٍ بِالشَّرْعِ لله عَامِل ... بِمُوجَبِهِ في حَالِ عُسْرٍ وَيُسْرَةِ وَكَمْ آمرٍ بِالرُّشْدِ نَاهٍ عَنْ الرَّدَى ... سَرِيْعٍ إلى الخَيْرَاتِ مِنْ غَيْرِ فَتْرَةِ فإِنْ شِئْتَ أَنْ تَحْيَا سَعِيْدًا مُوَفَّقًا ... وَتُحْظَى بِفَوزٍ عِنْدَ نَشْرِ الصَّحِيْفَةِ فَحَافِظْ عَلَى المَفْرُوْضِ مِنْ كُلِّ طَاعَةٍ ... وَأَكْثِرْ مِنَ النَّفْلِ المُفِيْدِ لِقُرْبَةِ بِكُنْتُ لَه سَمْعًا إِلى آخِرِ النَّبَا ... عَنِ الله في نَصِّ الرَّسُولِ المُثَبتِ وكُنْ في طَعَام ٍوالمَنَامِ وَخِلْطَةٍ ... وَنُطْقٍ عَلَى حَدِّ اقْتِصَارٍ وَقِلَّةِ وَجَالِسْ كِتَابَ اللهِ وَاحْلُلْ بِسَوْحِهِ ... وَدُمْ ذَاكٍرًا فَالذِّكْرُ نُوْرُ السَّرِيْرَةِ عَلَيْكَ بِهِ في كُلِّ حِيْنٍ وَحَالَةٍ ... وَبِالفِكْرِ إِنَّ الفِكْر كُحْلُ البَصِيْرَةِ

وَكُنْ أَبَدًا في رَغْبَةٍ وَتَضَرُعٍ ... إِلى اللهِ عَن صِدْقِ افْتِقَارٍ وَفَاقَةِ وَوَصْفِ اضْطِرَارٍ وَانْكِسَارٍ وَذِلَةٍ ... وَقَلْبٍ طَفُوْحٍ بالظُنُوْنِ الجَمِيْلَةِ وَبَعْدُ فَإِنَّ الحَقَّ أَفْضَلُ مَسْلَكٍ ... سَلَكْتَ وَتَقْوَى الله خَيْرُ بِضَاعَةِ وَمَن ضَيَّعَ التَّقْوى وَأَهْمَلَ أَمْرِهَا ... تَغَشَتْهُ في العُقْبَى فُنُونُ النَّدَامَةِ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا قُصَارَى مُرَادِهِ ... فَقَدْ بَاءَ بِالخُسْرَانِ يَومَ القِيَامَةِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ في طَاعَةِ الله شُغْلُهُ ... عَلَى كُلِّ حَالٍ لا يَفُوزُ بِبُغْيَةِ وَمَنْ أَكْثَر العِصْيَانِ مِن غَيْرِ تَوبةٍ ... فَذَاكَ طَرِيْحٌ في فَيَافِي الغِوَايَةِ بَعِيْدٌ مِنَ الخَيْرَاتِ حَلَّ بِه البَلا ... وَوَاجَهَهُ الخُذْلانُ من كُلِّ وِجْهَةِ عَجِبْتُ لِمَنْ يُوْصِي سِوَاهُ وَإِنَّهُ ... لأَجَدْرُ مِنْهُ بِاتْبَاعِ الوَصِيَّةِ يَقُولُ بِلا فِعْلٍ وَيَعْلَمُ عَامِلاً ... عَلَى ضِدِّ عِلْمٍ يَا لَهَا مِن خُسَارَةِ

عُلُومٌ كَأَمْثَالِ الجِبَالِ تَلاطَمَتْ ... وَأَعْمَالُهُ في جَنْبِهَا مِثلُ قَطْرَةِ وَقَدْ أَنْفَقَ الأَيَّامَ في غَيْرِ طَائِلٍ ... كَمِثْلِ اللَّيَالِي إِذَا تَقَضَّتْ وَوَلَّتِ عَلَى السَّوْفِ والتَّسْوِيْفِ شَرُّ مُصَاحِبٍ ... وَقَوْلِ عَسَى عَنْ فَتْرَةِ وَبَطَالَةِ تَنَكَّبَ عَجْزًا عَنْ طَرِيْقِ عَزِيْمَةٍ ... وَمَالَ لِتَأوِيْلٍٍ ضَعِيْفٍ وَرُخْصَةِ يَهِمُّ بِلا جِدِّ وَلَيْسَ بِنَاهِضٍ ... عَلى قَدَم التَشْمِيْرِ مِنْ فَرْطِ غَفْلَةِ ... وَقَدْ سَارَ أَهْلُ العَزْمِ وَهُوَ مُخَلَّفٌ ... وَقَدْ ظَفِرُوا بِالقُربِ مِنْ خَيْرِ حَضْرَةِ وَقَدْ أَدْرَكُوا المَطْلُوبَ وَهْو مُقَيَّدٌ ... بِقَيْدِ الأَمَانِي وَالحُظُوظِ الخَسِيْسَةِ وَلَمْ يَنْتَهِزْ مِن فَائِتِ العُمْرِ فُرْصَةً ... وَلَم يَغْتَنِمْ حَالَي فَرَاغٍ وَصِحَّةِ وَلَمْ يَخْشَ أَنْ يَفْجَاهُ مَوتٌ مُجَهِّزٌ ... فَإِنَّ مَجِيءَ المَوْتِ غَيْرُ مُؤَقِّتِ وَلَمْ يَتَأَهَّبْ لِلرُّجُوْعِ لِرَبِّهِ ... وَلَمْ يَتَزَوَّدْ لِلْطَّرِيْقِ البَعِيْدَةِ

إلى الله نشكوا غربة الدين والهدى

وَبَينَ يَدَيْهِ المَوْتُ وَالقَبْرُ وَالبَلَى ... وَبَعْثٌ ومِيْزَانٌ وَأَخْذُ الصَّحِيْفَةِ وَجَسْرٌ عَلَى مَتْن الجَحِيْمِ وَمَوْقِفٌ ... طَوِيْلٌ وَأَحْوَالُ الحِسَابِ المَهُوْلَةِ وَلكنَّهُ يرجُو الذِي عَمَّ جُوْدُهُ ... وَإِحْسَانُهُ وَالفَضْلُ كُلَّ الخَلِيْقَةِ إلهٌ رَحِيمٌ مُحْسِنٌ مُتَجَاوِزٌ ... إِليهِ رُجُوعِي في رَخَائِي وَشِدَّتِي غِيَاثِي إِذَا ضَاقَتْ عَلَيَّ مَذَاهِبِي ... وَمِنْهُ أرَجِّى كَشْفَ ضَرِّي وَمِحْنَتِي فَيَاربُّ ثَبِتْنَا عَلَى الحَقِ وَالهُدَى ... وَيَا رَبَّنَا اقْبِضْنَا عَلَى خَيْرِ مِلَّةِ وَعُمَّ أُصُولاً وَالفُرُوعَ بِرَحْمَةٍ ... وَأَهْلاً وَأَصْحَابًا وَكُلَّ قَرَابَةِ انْتَهَى آخر: إِلَى اللهِ نَشْكُوا غُربَةَ الدِّيْن والهُدَى ... وفُقْدَانَه مِنْ بَيْنِ مَنْ رَاحَ أَوْ غَدَا فَعَادَ غَرِيْبَاً مِثْلَ مَا كَانَ قَدْ بَدَا ... عَلَى الدِّيْنِ فَلْيَبْكِي ذَوُوْ العِلْمِ والهُدَى فقد طمست أعلامه في العوالم حَوَى المَالَ أَنْذَالُ الوَرَى وَرَذَالُهُم ... وقَدْ عَمَّ في هَذَا الزمانِ ضَلاَلهُم

وَلاَ تَرتَضِي أَقْوَالَهم وفِعَالَهُمْ ... وَقَدْ صَارَ إِقْبَالُ الوَرَى واحْتِيَالُهم على هَذِهِ الدُّنْيَا وَجَمْعِ الدَّرَاهِمِ فَذُوْ المَالِ لا تَسْأَلْ أَخَصُّ خَدِيْنِهِم ... وَقَدْ نَفِقَ الجَهْلُ العَظِيْمُ بِحِيْنِهِم بإِعْرَاضِهِمْ عَنْ دِيْنِهمْ وَمَدِيْنِهِم ... وإِصْلاَحِ دُنْيَاهُم بإِفْسَادِ دِيْنِهِم وَتَحْصِيْل مَلْذُوْذَاتِهِم والمَطَاعِمِ مُحِبُّوْنَ لِلدُّنْيَا مُحِبُوْنَ قَيْلَهَا ... وَلَوْ مُعْرِضًا عَنْ دِيْنِهِ وَلَهَا لَهَا وَكُلُّهُمُ لاَ شَكَّ دَنْدَنَ حَوْلَهَا ... يُعَادُونَ فِيْهَا بَلْ يُوَالُوَن أَهْلَهَا سَوَاءٌ لَدَيْهم ذُو التُقَى والجَرَائِمِ إِلَى اللهِ في هَذَا الصَبَاحِ وفي المَسَا ... نَبُثُ الدُّعا فالْقَلْبُ لا شَكَّ قَدْ قَسَا ... وَحُبُّ الوَرَى الدُّنْيَا فَفِي القَلْبِ قَدْ رَسيَ ... إِذَا انْتُقِصَ الإنْسَانُ مِنهَا بمَا عَسَى يَكُونُ لَه ذُخْرَاً أَتى بالعَظَائِمِ بَكَى واعْتَرَاهُ المَسُ مِنْ عُظْمِ مَا حَسَى ... وَخَرَّ صَريْعَا إذْ بَدَا النَّقْصُ وأفْلَسَا وانْحَلَ جِسْمَاً نَاعِمَاً قَبْلُ مَا عَسَى ... وأبدَى أعاجِيْبًا مِن الحُزنِ والأسَى

على قِلَّةِ الأَنْصَارِ مِن كل حَازِمِ وَنَادَى بصَوتٍ مزْعجٍ مُتَكَلِّمًا ... وبَاتَ حَزِيْنًا قَلْبُه مُتَكَلِّمًا وَقَامَ عَلَى سَاقٍ لِحَرَّاهُ مُعْلِمًا ... ونَاحَ عَلَيْهَا آسِفَاً مُتَظَلِّمًا وبَاتَ بمَا في صَدْرِهِ غَيْرَ كاتِمِ فَذَا شَأَنُ أَهْلِ الغَيِ والجَهْلِ والرَّدَى ... إذَا انْتُقِصُوا الدُنْيَا أَصَارُوا الثَّرَى نَدَى وَبَكَّوْا وأَبْكَوا كُلَّ مَن رَاحَ أَوْ غَدَا ... فإمَّا على الدّيْنِ الحَنِيْفَيّ والهُدَى ومِلَّةِ إبرَاهِيْمَ ذَاتِ الدَّعَائِمِ وَلَوْ قُطّعَتْ في كُلِّ أَرْكَانِها القُوَى ... وَلَوْ سَلكتْ كُلُّ الوَرَى سُبْلَ مَن غَوَى أَوِ اتَّخَذَ المَخْلُوقُ مَعْبودَهُ الهَوَى ... فَلَيسَ عَلَيها والذِيْ فَلَقَ النَّوَى مِن الناسِ مِنْ بَاكٍ وآسٍ ونَادِمِ بُنُودٌ لَهَا فِيْمَا مَضَى بَيْنَنَا انْتَفَتْ ... وُكُلُّ مُحَامِيٍّ لَهَا مَالَ والتَفَتْ وَمَحْبُوبُنَا مَنْ أَبْغَضَتْهُ وَمَنْ نَفَت ... وَقَدْ دَرَسَتْ منها المَعَالِمُ بَلْ عَفَتْ وَلَمَ يَبْقَ إلاَّ الاسم بَيْنَ العَوَالِمِ وَقَدْ ظَهَرَتْ تِلْكَ الفَوَاحِشُ والجَفَا ... ولا شَكَّ في فِعْلِ اللَّواطِ مَعَ الزِنَى

وَقَلْبِي إِذًا مِمَّا بَدَى مَسَّهُ الضَّنَى ... فَلاَ آمِرٌ بالعُرْفِ يُعْرَفُ بَيْنَنَا ولا زَاجِرٍ عن مُعْضلاتِ الجَرَائِمِ بِحَارُ المَعَاصِيْ قَدْ طَمَى الآنَ لُجُهَا ... ومُتَّسِعُ بَيْنَ البَرِيَّةِ ثَجُّهَا وَقَد لاَحَ مِن فَوقِ البَسِيْطَةِ فَجُّهَا ... ومِلَّةُ إبراهيمَ غُوْدِرَ نَهْجُهَا عَفَاءً وأَضْحَتْ طَامِسَات المَعَالِمِ نَوَاظِرُنَا كَلَّتْ وأَنْوَارُهَا طَفَتْ ... وأَلْسُنُنَا عن بَحْثِ مِنْهَاجِهَا حَفَتْ مَنَاهِجُهَا واللهِ مِن بَيْنِنَا عَفَتْ ... وَقَدْ عُدِمّتْ فَيْنَا وَكَيفَ وقَدْ سَفتْ عَليهَا السَوافِيْ مِن جَمِيعِ الأقالِمِ تَظُنُونَ أنَّ الدِّيْنَ لَبَيْكَ في الفَلاَ ... وفِعْلُ صَلاةٍ والسُكُوتُ عَن المَلاَ ... وسَالِمْ وخَالِطْ مَن لِذَا الدِّيْنِ قَدْ قَلاَ ... وما الدِّيْنُ إلاَّ الحُبُ والبُغْضُ والوَلاَ كَذَاكَ البَرَا مِنْ كُلِ غَاوٍ وَآثِمِ فَأَفْرَادُنَا ظَنُّوْا النَّجَا في التَّنَسُكِ ... وغَالِبُنَا مِنْهَاجُهُم في التَسّلُّكِ

ومِلَّةُ إبْرَاهِيْمَ مِن خَيْرِ مَسلَكِ ... وَلَيْسَ لَهَا مِن سَالِكٍ مُتَمَسِّكِ بِدين النَّبِي الأَبْطَحِي بنِ هَاشِمِ فَلَسْنَا نَرَى مَا حَلَ في الدينِ وانمْحَتْ ... بهِ المِلَّةُ السَّمْحَاءُ إحدىَ القَواصِمِ عَسَى تَوبةٌ تَمْحُو ذُنُوْبًا لِمُرْتَجِي ... عَسَى نَظْرَةٌ تَسْلُكْ بِنَا خَيرَ مَنْهَجِ عَسَى وَعَسَى مِن نَفْحَةٍ عَلَّهَا تَجِي ... فَنَأْسَي عَلَى التَقْصِيْرِ مِنَّا وَنَلْتَجِي إلى الله في مَحْو الذُنُوْب العَظَائِمِ فَكُلُ الوَرَى في كَثْرَةِ المالِ نَافَسَتْ ... وَرَانَتْ ذُنُوْبٌ في القُلُوبِ وقَدْ رَسَتْ وفي النَهْيِ عَن كُلِّ المَعَاصِي تَنَاعَسَتْ ... فَنَشْكُوا إلى اللهِ القُلوبَ التِي قَسَتْ وَرانَ عَلَيْها كَسْبُ تِلكَ المآثِمِ نُرَاعِيْ أَخَا الدُنْيَا فَذَاكَ هُوَ الأَخُ ... ولو كانَ في كُلِّ المَعَاصِي مُلَطخُ ألَسْنَا بأوْضَارِ الخَطَا نَتَضَمَّخُ ... ألَسْنَا إذا مَا جَاءنَا مُتَضّمِّخُ بأَوْضَارِ أَهْل الشِرْكِ مِن كُلِ ظَالِمِ أَتَيْنَاهُ نَسْعَى مِن هُنَاك وَمِن هُنَا ... وفي عَصْرِنَا بَعْضٌ يُرَدُ وَلَو عَنَى

أَتَيْنَا سِرَاعًا والرِّضَى عَنْه حثنَا ... نَهُشُّ إليْهِم بالتَّحِيَّةِ والثَّنَا ونَهْرَعُ في إكْرَامِهِم بالوَلاَئِمِ إذَا يُرْتَضَى في الدِينِ هَلْ مِن مُعْلِّم ... أفِقْ أيُها المَغْبُونُ هَلْ مِن تَنَدُمٍ أَيَرْضَى بِهذَا كُلُّ أَبْسَلَ ضَيْغَمٍٍ ... وَقَد بَريَ المَعْصُومُ مِن كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيْمِ بِدَارِ الكُفْر غَيرَ مُصَارِمِ ولا مُنْكِرٍ أَقْوَالَهم يَا ذَوي الهُدى ... ولا مُبْغِضٍ أَفْعَالَ مَن ضَلَّ واعْتَدَى ولا آمرٌٍ بالعُرْفِ مِن بَيْنِهِم غَدَا ... ولا مُظهِرٍ لِلدِّيْنِ بَيْنَ ذَوِي الرَّدَى فَهَلْ كَانَ مِنَّا هَجْرُ أَهْلِ الجَرَائِمِ وَهَلْ كَانَ في ذَاتِ المُهَيْمِنِ وُدُّنَا ... وهَلْ نَحْنُ قَاتَلْنَا الذِي عَنْهُ صَدَّنَا وَهَلْ نَحْنُ أَبْعَدَنَا غَدَا والذي دَنَا ... ولكِنَّمَا العَقْلُ المَعِيْشِيُ عِنْدَنَا مُسَالَمَةُ العَاصِيْنَ مِنَ كُلِّ آثِمِ ... أَيَا وَحْشَةً مِن بَيْنِ تِلْكَ المَنَازِلِ ... ويَا وَصْمَةً لِلدِيْنِ مِنْ كُلِّ نَازِلِ

تَكَلَّمَتْ الأَوْبَاشُ وَسْطَ المَحَافِلِ ... فَيَا مِحْنَةَ الإِسلامِ مِن كُلِّ جَاهِلِ ويا قِلَّةَ الأنْصَارِ مِن كُلِ عَالِمِ فَنَفْسَكَ فاحْزِمْهَا إِذَا كُنْتَ حَازِمًا ... ومِن بَابِه لا تَلْتَفِتْ كُنْ مُلازِمًا وَصَبْرٌ فَرَبُ العَرْشِ لِلشِّرْكِ هَازِمًا ... وهَذَا أَوَانُ الصَّبْرِ إِنْ كُنْتَ حَازِمًا على الدِّيْنِ فاصْبِرْ صَبْرَ أهْل عَزَائِمِ ومُدَّ يَدًا للهِ كُلَّ عَشِيَّةٍ ... وسَلْ رَبَّكَ التَّثْبيْتَ في كُلِّ لَحْظَةِ على مِلَّة الإِسْلاَمِ أَزْكَى البَرِيَةِ ... فَمَنْ يَتَمَسَّك بالحَنِفِيْةِ الَّتِي أَتَتْنَا عَنِ المَعْصُومِ صَفْوَةِ آدَمِ وعُضُّ عَلَيهَا بالنَّواجِذِ إِذْ غَدَا ... وحِيْدًا مِنَ الخِلاَّنِ مَا ثَّم مُسْعِدًا عَلَى قِلَّةِ الأَنْصَارِ أَصْبَحَ وَاحِدًا ... لَهُ أَجْرُ خَمْسِيْنَ امرأً مِن ذَوِي الهُدى مِن الصَّحْبِ أَصْحَابِ النَّبِيَ الأَكَارِمِ وكُنْ عَن حَرَامٍ في المآكِلِ سَاغِبًا ... ولا تَمْشِ مِنْ بَيْنِ العِبَادِ مُشَاغِبًا

فلا يغرنكم لما جرى قدر

ومُدَّ يَدًا نَحْوَ المُهَيْمِنِ طَالِبًا ... ونُحْ وابْكِ واسَتَنْصِرْ بَرَبِّكَ رَاغِبًا إليه فإنَّ اللهَ أَرْحَمُ رَاحِمِ لَيَنْصُرَ هَذَا الدِّيْنِ مِن بَعْدَمَا عَفَتْ ... مَعَالِمُهُ في الأَرْضِ بَيْنَ العَوَالِمِ وأن يَكْبُتَ الأَعْدَا وَيَفْنَوا بغِلِّهِمْ ... ويَخْذُلَ أَعْدَاءَ الهُدَى بأقَلِّهِمِ مِن المُؤْمِنِيْنَ الصالحينَ وخِلِّهِمْ ... وصَلِّ عَلَى المَعْصُومِ والآلِ كُلِّهِمْ وأَصْحَابِهِ أَهْلِ التُقَى والمكَارِمِ بِعَدِّ ومِيْضِ البَرقِ والرَّمْلِ والحَصَى ... وما انْهَلَّ وَدْقٌ مِن خِلاَلِ الغَمَائِمِ انْتَهَى آخر: فَلاَ يَغُرَنَّكُمَّ لَمَّا جَرَى قَدَرٌ ... فَرُبَّمَا فِيهِ تَأدِيْبٌ وتِبْيَانُ لَيَنْتَبِهْ غَافِلاً أَو قَائِلاً زَلَلاً ... ومُعْجَبٌ غَرَّهُ بالعُجْبٍ شَيْطَانُ كَمَا جَرَة في حُنَيْنْ إذْا قَالَ قَائِلُهُمْ ... اليَوْمَ مِنْ كَثْرَةٍ يَأتِيْ لَنَا شَانُ فأَدْيَرُوْا عن رَسُولِ اللهِ وانْهَزَمُوا ... لم يَلُووْا مِنْ أحَدِ والْكُلُّ فُرْسَانُ لَمْ يَبْقَ إلا نَبِيُّ اللهِ يَطْعُنُهُمْ ... أَنَا ابنُ مُطَّلِبٍ والجَدُ عَدْنَان ...

حَتَّى إِذَا قَالَ يَا أَصْحَابَ سَمْرَتِنَا ... هَلُمَّ إِنَّ عَلَى الرِّضْوَانِ رِضْوَانُ جَاؤُوا يُلَبُونَ والأَسْيَافُ مُصْلَتةٌ ... كأنَّهُنَّ بأَيْدِي القَومِ نِيْرَانِ تِلكَ الأُمُورُ مِنَ البَارِي يُدَاوِلُهَا ... فكُل يومٍ لَهُ في خَلْقِهِ شَانُ لَم يَأْتِ مِن خَلَلٍ إلاَّ لَهُ سَبَبٌ ... فانظُرْ فَمِنْ أيِ بَاب جَاء نَقْصَانُ اجْعَلْ مُرَادَكَ دِيْنَ اللهِ تَنْصُرُهُ ... فالْمُلْكُ بالدِّيْنِ لا بالجُنْدِ يُنْصَانُ وَكُنْ معَ اللهِ لاَ تَخْشَى المَلاَ أَبَدًا ... يَكُنْ لَكَ اللهُ والأَمْلاَكُ أَعْوَانُ والناسُ إلاَّ قَلِيْلٌ قَالَ أَكْثَرُهُمْ ... إذَا رَأَوْا نَاصِحًا قَالُوا بِهِ جَانُ عن نُصْرَةِ الدِّيْنِ أَمْوَاتٌ بِهِمْ وَهَنٌ ... وَنُصْرَةً المَالِ فُرْسَانٌ وَشُجْعَانُ صَلِّحْ لِدُنْيَاكَ مَا يَخْصُصْكَ مِن أحَدٍ ... لِلنَّاس وَادٍ وَقَدْ آوَتْكَ وُدْيَانُ تُنَفِّرُ الناسَ والإِخْوَانُ قَدْ سَكَتُوا ... أَعْرِضْ وَكُنْ مِثْلَهم ودِنْ بما دَانُوْا كُنْ لِلْمُلُوكِ عَلَى الأَهْواء تَعِشْ مَعَهُمْ ... فاللهُ في جَنْبهِ عَفْوٌ وَغُفْرَانُ

وأن ذوي الإيمان والعلم والنهى

يَا قَاتَلَ اللهُ منْ هَذِيِ مَقَالَتُهُ ... هَذَا ابْنُ إبْلِيْسَ غَشَّاشٌ وَفَتَّانُ يا حَسْرَةَ الدِينِ مِن هَذَا وَشِيْعَتِهِ ... إِنْ سُوْعِدُوْا لَمْ يَقُمْ لِلدِّيْنِ بُنْيَانُ «هَذَا وأَمْثَالُهُ كَمْ ثَبَّطُوْا أمَمًا ... عَن نَصْرِ دِيْنٍ ولِلشَّيْطَانِ أَعْوَانُ» «في كُلّ وَقْتٍ فَكُنْ مِنْهُم عَلَى حَذِرٍ ... لا يَخْدَعُوكَ فَهُم في المَكْرِ فُرْسَانُ» انْتَهَى شعرا آخر: وأَنَّ ذَوِي الإِيمَانِ والعِلْمِ والنُهَى ... هُمُ الغُرَبَا طُوْبَى لَهُمْ مَا تَغَرَّبُوا أناسٌ قَلِيْلٌ صَالحُِوْنَ بأمَّةٍ ... كَثِيْريْنَ لَكِنْ بالضَّلاَلَةِ أُشْرِبُوْا وقِيْلَ هُمُ النُزَّاعُ في كُلِّ قَرْيَةٍ ... عَلَى حَرْبِهِم أَهْلُ الضَّلاَلِ تَحَزَّبُوا وَلَكِنْ لَهُم فِيْهَا الظُهُورُ عَلَى العِدَا ... وإِنْ كَثُرتْ أَعَدَاؤُهُم وَتَأَلَّبُوا وَكَمْ أَصْلَحُوا مَا أَفْسَد النَّاسُ بالهَوَى ... مِن السُّنَّةِ الغَّرَا فَطَابُوْا وَطَيَّبُوا وَقَدْ حَذَّرَ المُخْتَارُ مِنْ كُلِ بِدْعَةٍ ... وَقَامَ بِذَا فَوقَ المَنَابِرِ يَخْطُبُ

فَقَالَ عَلَيْكُمْ باتِّبَاعِي وَسُنَّتِيْ ... فَعُضُوا عَلَيهَا بالنَّواجِذِ وارْغَبُوا وإيَّاكُمُ والابتداع فإنَّهُ ... ضَلاَلٌ وفي نَارِ الجَحِيْمِ يُكَبْكِبُ فَدُومُوا على منهاجِ سُنَّةِ أَحْمَدٍ ... لِكَيْ تَرِدُوا حَوضَ الرَّسُوْلِ وتَشْرَبُوا ... فإِنَّ لَه حَوْضًا هَنِيْئًا شَرَابُهُ ... مِنَ الدُّرِ أَنْقَى في البَيَاضِ وأَعْذَبُ لَه يَرِدُ السُنِيُ مِن حَزْبِ أَحْمَدٍ ... وَعَنْهُ يُنَحَى مُحْدِثٌ وَمُكَذِبُ وَكَم حَدَثَتْ بَعْدَ الرَّسُوْلِ حَوَادِثٌ ... بَكَادُ لَهَا نُورُ الشَّرِيْعَةِ يُسْلَبَ وكَم بِدْعَةٍ شَنْعَاءَ دَانَ بِهَا الْوَرَى ... وَكَمْ سُنَّةٍ مَهْجُورَةٍ تُتَجَنَّبُ لِذَا أَصْبَحَ المَعْرُوْفُ في الأَرْضِ مُنْكرًا ... وذُوْ النُكْرِ مَعْرُوفٌ إليْهِمْ مُحَبَّبُ وما ذَاكَ إلاَّ لاِنْدِرَاسِ مَعَالِمِ ... مِنَ العِلْمَ إِذْ مَاتَ الهَداةُ وَغُيِّبُوا وَلَيْسَ اغْتِرَابُ الدِّيْن إِلاَّ كَمَا تَرَى ... فَسَلْ عَنْهُ ينْبِيْكَ الخَبِيْرُ المُجَرِبُ

وَقَدْ صَحَّ أَنَّ العِلْمَ تَعْفُوْ رُسُومُهُ ... وَيِفْشُوْ الزِّنَا والجَهْلُ والخَمْرُ تَشْرَبُ وَتِلْكَ أَمَارَاتٌ يَدُلُ ظُهُوْرُهَا ... عَلَى أنَّ أَهْوَالَ القِيَامَةِ أَقْرَبُ فَسَارِعْ لِمَا يُرْضِيْ الإِلهَ بِفِعْلِهِ ... وَدَعْ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ للهِ يُغْضِبُ وَخُذْ إنْ طَلَبْتَ العِلْمَ عَن كُلِّ عَالمٍ ... تَرَاهُ بآدَابِ الهُدَى يَتَأَدَبُ لأَهْلِ السُرّى تُهْدِى نَجُومُ عُلُومِهِ ... وتُرْمى العِدَى مِنْ شُهْبِهَا حِيْنَ تُثْقَبُ فَلاَزِمْهُ واسْتَصْبِحْ بِمِصْبَاحِ عِلْمِهِ ... لِتَخَلُصَ مِنْ جسْرٍ عَلَى النارِ يُضْرَبُ فَخَيرُ الأُمُوْرِ السَّالِفاتُ عَلَى الهُدى ... وشَرُ الأُمُوْرِ المُحْدَثَاتُ فَجَنَّبُوا وَما العِلْمُ إلاَّ مِنْ كِتَابٍ وَسَنةٍ ... وَغَيرُهُما جَهلٌ صَرِيْحٌ مُرَكَبُ فَخُذْ بِهِمَا والعِلْمَ فاطْلُبُه مِنْهُما ... وَدَعْ عنكَ جُهالاً عن الحَقِّ أَضْرَبُوا خَفَافِيْشُ أَعْشَاهَا النَّهَارُ بضَوئِهِ ... فَوَافَقَها مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ غَيْهَبُ

سعد الذين تجنبوا سبل الردى

فَظَلَّتْ تُحَاكِي الطَّيْرَ في ظُلْمَةِ الدُجَى ... وإنْ لاَحَ ضَوْءُ الصُّبْحِ لِلْعِشِ تَهْرَبُ وَخَتْمُ نِظَامِي بالصلاةِ مُسَلِّمًا ... مَدَى الدَّهْر مَا دَامَتْ مَعَدٌ وَيَعْرِبُ عَلَى خَاتَمِ الرُّسْلِ الكِرَامِ مُحَمَّدٍ ... بِهِ طَابَ خَتْمُ الأَنْبِيَاءِ وطُيِبُوْا كَذَا الآلِ والصَّحْبِ الألَى بِجَهَادِهِم ... أَضَاءَ بِدِيْنِ اللهِ شَرْقٌ وَمَغْربُ اللهم امْنُنْ عَلَينَا بالإقبالِ عَلَيْكَ والتَّوْفِيق وأَعِذْنَا مِن الخُذْلاَنِ. انْتَهَى لشيخنا عبد الرحمن الناصر السعدي رحمه الله سَعِدَ الذِيْنَ تَجَنَّبُوا سُبُلَ الرَّدَى ... وَتَيَمًّمُوْا لِمَنَازِل الرِّضْوَانِ فَهُم الذِيْنَ قَدْ أَخْلَصُوْا في مَشْيِهمْ ... مُتَشَرِّعِيْنَ بِشَرْعَةِ الإِيْمَانِ وَهُم الذِيْنَ بَنَوْا مَنَازِلَ سَيْرِهِمْ ... بَيْنَ الرَّجَا والخَوْفِ لِلدِّيَّانِ ... وَهُم الذِيْنَ مَلاَ الإِلهُ قُلُوْبَهُمْ ... بِوِدَادِهِ وَمَحَبَّةِ الرَّحْمَنِ وَهُمْ الذِيْنَ قَدْ أَكَثَرُوْا مِن ذِكْرِهِ ... في السِّرِّ والإعلان والأَحْيَانِ

يَتَقَرَّبُوْنَ إِلى المَلِيْكِ بِفِعْلِهِمْ ... طَاعَاتِهِ والتَّرْكِ لِلْعِصْيَانِ فِعْلُ الفَرَائِضِ والنَّوَافِلِ دَأْبُهُمْ ... مَعْ رُؤْيَةِ التَّقْصِيْرِ والنُّقْصَانِ صَبَرُوْا النُّفُوسَ على المَكَارِهِ كُلِّهَا ... شَوْقًا إِلَى مَا فِيْهِ مِن إِحْسَانِ نَزَلُوْا بِمَنْزِلَةِ الرِّضَى فَهُمُوْا بِهَا ... قَدْ أصْبََحُوْا في جُنَّةِ وَأَمَانِ شَكَرُوْا الذِيْ أَوْلَى الخَلاَئِقَ فَضْلَهُ ... بالقَلْبِ والأقْوَالِ والأَرْكَانِ صَحِبُوْا التَّوَكُّلَ في جَمِيْعِ أُمُوْرِهِم ... مَعْ بَذْلِ جُهْدٍ في رِضَى الرَّحْمَانِ عَبَدُوْا الإِلهَ على اعْتِقَادِ حَضُوْرِهِ ... فَتَبَؤوُا في مَنْزِلِ الإحْسَانِ نَصَحُوْا الخَلِيْقَةَ في رِضَى مَحْبُوْبِهِمْ ... بالعِلْمِ والإرْشَادِ والإحْسَانِ صَحِبُوْا الخَلاَئِقَ بالجُسُومِ وإنَّمَا ... أَرْوَاحُهُمْ في مَنْزِلٍ فَوْقَانِي عَزَفُوا القُلُوبَ عَنِ الشَّوَاغِلِ كُلِّها ... قَدْ فَرَّعُوهَا مِن سِوَى الرَّحْمانِ

فيما جرى على الإسلام وأهله من الظلمة والطغاة والمجرمين: جازاهم الله بما يستحقون

حَرَكَاتُهُم وَهُمُومُهُم وَعُزُوْمُهُمْ ... للهِ لا لِلْخَلْقِ والشَّيْطَانِ نِعْمكَ الرَّفِيْقُ لِطَالِب السُبْلِ الَّتِي ... تُفْضِيْ إِلى الخَيْرَاتِ والإحسانِ انْتَهَى شعرًا: فيما جرى على الإسلام وأهله من الظلمة والطغاة والمجرمين: جَازَاهُم اللهُ بِمَا يَسْتَحِقُّوْن: ودَارَتْ عَلىَ الإسْلام أَكْبَرُ فِتْنَةٍ ... وسُلَّتْ سُيُوفُ البَغْيِ مِنْ كُلِّ غَادِرِ وذَلَّتْ رِقَابُ مِن رِجَالٍ أَعِزَّةٍ ... وكَانُوا على الإسْلامِ أَهْلَ تَنَاصُرِ وأَضْحَى بَنُو الإسْلامِ فِي كُلِّ مَأْزَقٍ ... تَزُوْرُهُمُو غَرْثَى السِّبَاعِ الضَّوَامِر وهُتك سترٌ للحرائر جهرةً ... بأيدي غُواة من بَواد وحاضر وجَاءُوا مِن الفَحْشَاءِ ما لاَ يَعُدُّهُ ... لَبِيْبٌ ولا يُحْصِيْهِ نَظْمٌ لِشَاعِرِ وبَاتَ الأَيَامَى في الشِّتَاءِ سَوَاغِبًا ... يبكِيْنَ أَزْواجًا وخَيْرَ العَشَائِرِ وجَاءَتْ غَرَاشٍ يَشْهَدُ النَّصُّ أَنَّهَا ... بمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الغُوَاةِ الغَوَادِرِ

وجَرَّ زَعِيْمُ القَومِ لِلتُّرْكِ دَوْلَةً ... عَلَىَ مِلَّةِ الإسلامِ فِعْلَ المُكَابِرِ وَوَازَرَهُ فِيْ رَأْيِهِ كُلُّ جَاهِل ... يَرُوْحُ ويَغْدُوْ إثِمًا غَيْرَ شَاكِرِ وآخَرُ يَبْتَاعُ الضَّلاَلةَ بالهُدى ... ويَخْتَالُ في ثَوْبٍ مِن الكِبْرِ وَافِرِ ... وثَالِثُهُمْ لاَ يَعْبَؤْ الدَّهْر بالتِي ... تَبِيْدُ مِن الإسلامِ عَزْمَ المَذَاكِرِ وَلَكِنَّه يَهْوَى وَيَعْمَلُ لِلْهَوَى ... وَيُصْبِحُ في بَحْرٍ من الرَّيْبِ عَامِرِ وقَدْ جَاءَكُمْ فِيْمَا مَضَى خَيْرُ نَاصِحٍ ... إِمَامُ هُدىً يَبْنِي رَفِيْعَ الْمَفَاخِرِ ويُنْقِذُهُمْ مِن قَعْر ظَلْمَا مَضِّلِّةٍ ... لِسَالِكِهَا أَوْ مِنْ لَظَى والمَسَاعِرِ ويُخْبِرُهُمْ أنَّ السَّلامَةَ في التِي ... عَلَيْهَا خِيَارُ الصَّحْبِ مِن كُلِّ شَاكِرِ فَلَمَّا أَتَاهُمْ نَصْرُ ذِي العَرْشِ واحْتَوَى ... أَكَابِرُهُمْ كَنْزَ اللُّهىَ والذَّخَائِرِ سَعَوْا جُهْدَهُمْ في هَدْمِ مَا قَدْ بَنَى لَهُمْ ... مَشَائِخُهُمْ واسْتَنْصَرُوْا كُلَّ دَاغر

وَسَارُوا لأَهْلِ الشِّرْكِ واسْتَسْلَمُوْا لَهُمْ ... وَجَاؤُا بِهِمْ مِن كُلِّ إفْكٍ وَسَاحِرٍ ومُذْ أَرْسَلُوهَا أَرَسَلُوهَا ذَمِيْمَةً ... تُهَدِّمُ مِن رَبْعِ الهُدَى كُلَّ عَامِرِ وبَاؤُا مِن الخُسْرَانِ بالصَّفَقَةِ التِي ... يَبُوءُ بِهَا مِن دَهْرِهِ كَلُّ خَاسِرِ وَصَارَ لأَهْلِ الرُّفْضِ والشِّرْكِ صَوْلةٌ ... وقَامَ بِهمْ سُوْقُ الرَّدَى والمَنَاكِرِ وعَادَ لَدَيْهِمْ لِلِّوَاطِ ولِلْخَنَا ... مَعَاهِدُ يَغْدُوْ نَحْوَهَا كُلَّ فَاجِرِ وشُتِّتَ شَمْلُ الدِّيْنِ وانْبِتَّ حَبْلُهُ ... وَصَارَ مُضَاعًا بَيْنَ شَرِّ العَسَاكِرِ وأَذَّنَ بالنَّاقُوسِ والطَّبْلِ أَهْلُهَا ... وَلَمْ يَرْضَ بالتَّوْحِيْدِ حِزْبُ المَزَامِرِ وأَصْبَحَ أَهْلُ الحَقِّ بَيْنَ مُعَاقَبٍ ... وَبَيْنَ طَرِيْدٍ في القَبَائِلِ صَائِرِ فَقُلْ لِلْغَوِّي المُسْتَجِيْرِ بظُلمِهِمْ ... سَتُحْشَرُ يَوْمَ الدِّيْن بَيْن الأَصَاغِرِ ويُكْشَفُ لِلْمُرْتَابِ أَيَّ بِضَاعَةٍ ... أضَاع وَهَلْ يَنْجْو مُجِيْرُ أُمِّ عَامِرِ

ويَعْلَمُ يَوْمَ الجَمْعِ أَيَّ جِنَايَةٍ ... جَنَاها وما يَلْقَاهُ مِن مَكْرِ مَاكِرِ فَيَا أُمَّةً ضَلَّتْ سَبِيْلَ نَبِيِّهَا ... وآثَارَهُ يَوْمَ اقْتِحَامِ الكَبَائِرِ يَعِزُّ بِكُمْ دِينُ الصَّلِيْبِ وأَهْلِهِ ... وأَنْتُمْ بِهِم ما بَيْنَ رَاضٍ وآمِرِ وتُهْجَرُ آيَاتُ الهُدَى ومَصَاحفٌ ... ويُحْكَمُ بالقَانُونِ وَسْطَ الدَّسَاكِرِ هَوَتْ بِكُمُ نَحْوَ الجِحِيْمِ هَوَادَةٌ ... وَلَذَّاتُ عَيْشٍ نَاعِمٍ غَيْر شاكر سَيَبْدُو لَكُمْ مِن مَالِكِ المُلْكِ غَيْرُ مَا ... تَظَنُّونَهُ بَعْدَ الثَّوَىَ في المَقَابِرِ يَقُوْلُ لَكُمْ مَاذَا فَعَلْتُمْ بِأُمَّةٍ ... عَلَى نَاهِجٍ مِثْلَ النُّجُوْمِ الزَّوَاهِرِ سَلَلْتُمْ سَيُوفَ البَغْيْ فِيْهِمْ وَعُطِّلَتْ ... مَسَاجِدُهُم مِن كُلِّ دَاعٍ وذَاكِرِ وَوَالَيْتُمُ أَهْلَ الجَحِيْمِ سَفَاهَةً ... وَكُنْتُمْ بِدِيْنِ اللهِ أَوّلَ كَافِرِ نَسِيْتُمْ لَنَا عَهْدًا أَتَاكُمْ رَسُوْلُنَا ... بِهِ صَارِخًا فَوْقَ الذُّرَى والمَنَابِرِ ...

فَسَلُ سَاكِنِ الأحْسَاءِ هَلْ أنْتَ مُؤْمِنٌ ... بِهَذَا ومَا يَجْرِيْ صَحِيْحُ الدَّفَاتِرِ وَهَلْ نَافِعٌ لِلْمُجْرِمِيْنَ اعْتِذارُهُمْ ... إذا دَارَ يَوْمَ الجَمْعِ سُوْءُ الدَّوَائِرِ وقال الشَّقِيُّ المُفْتَرِيْ كُنْتُ كَارِهًا ... ضَعِيْفًا مُضَاعًا بَيْنَ تِلْكَ العَسَاكِرِ أمَانِيَّ تَلْقَاهَا لِكُلِّ مُتَبَّرٍ ... حَقِيْقَتُهَا نَبْذُ الهُدَى والشَّعَائِرِ تَعُودُ سَرَابًا بَعْدَ مَا كَانَ لامِعًا ... لِكُلِّ جَهُولٍ في المَهَامهِ حَائِرِ فإِنْ شِئْتَ أن تُحَصْى بِكُلِّ فَضِيْلَةٍ ... وتَظْهَرَ في ثَوْبٍ مِنَ المَجْدِ بَاهِرِ وتَدْنُو مِن الجَبَّارِ جَلَّ جَلاَلُهُ ... إِلى غَايَةٍ فَوْقَ العُلَىَ والمَظَاهِرِ فَهَاجِرْ إِلىَ رَبِّ البَريَّةِ طَالِبًا ... رِضَاهُ وَرَاغِمْ بالهُدَى كُلَّ جَائِرِ وَجَانِبِ سَبِيْلَ العَادِلِيْنَ بِرَبِّهِمْ ... ذَوِيْ الشِّرْكِ والتَّعْطِيْلِ مَعَ كُلِّ غَادِرِ وَبادِرْ إِلى رَفْعِ الشِّكَايَةِ ضَارِعًا ... إِلى كَاشِفِ البَلْوَى عَلِيْمِ السَّرَائِرِ

وكن ذاكرا لله في كل حالة

وكَابِدْ إِلَى أَنْ تَبَلُغَ النَّفْسُ عُذْرَهَا ... وتُرْفَعَ في ثَوْب مِن العَفْوِ سَاتِرِ وَلاَ تَيْأَسَنْ مِن صُنْع رَبِّكَ إنَّهُ ... مُجِيْبٌ وإِنَّ اللهَ أَقْرَبُ نَاصِرِ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُبْدِيْ بِلُطْفِهِ ... وَيُعَقِبُ بَعْدَ العُسْرِ يُسْرًا لِصَابِرِ وأَنَّ الدِّيَارَ الهَامِدَاتِ يَمُدُّهَا ... بِوَبْلٍ مِن الوَسْمِيِ هَامٍ ومَاطِرِ فَتُصْبِحُ فِي رَغْدٍ مِن العَيْشِ نَاعِمٍ ... وتَهْتَزُ في ثَوْبٍ مِن الحُسْنِ فَاخِرِ انْتَهَى ولشيخنا عبد الرحمن الناصر السعدي رحمه الله وَكُنْ ذَاكِرًا للهِ في كُلِّ حَالَةٍ ... فَلَيْسَ لِذِكْرِ اللهِ وَقْتٌ مُقَيَّدُ فَذِكْرُ إِلهِ العَرْشِ سِرًّا وَمُعْلِنَاً ... يُزَيْلُ الشَّقَا والهَمَّ عَنْكَ وَيَطْرُدُ وَيَجْلِبُ لِلخَيْرَاتِ دُنْيًا وَآجِلاً ... وَإِنْ يَأْتِكَ الوَسْوَاسُ يَوْمًا يُشَرِّدُ فَقَدْ أَخْبَرَ المُخْتَارُ يَوْمًا لِصَحْبِهِ ... بِأَنَّ كَثِيْرَ الذِّكْرِ في السَّبْقِ مُفْرَدُ وَوَصَّى مُعَاذًا يَسْتَعِيْنُ إِلهَهُ ... عَلَى ذِكْرِهِ وَالشُّكْرِ بالحُسْنِ يعبد

وَأَوْصَى لِشَخْصٍ قد أَتَى لِنَصِيْحَةٍ ... وَقَد كَانَ في حَمْلِ الشَّرَائِعِ يَجْهَدُ بأنْ لا يَزَلُ رَطْبًا لِسَانُك هَذه ... تُعِيْنُ عَلى كُلِّ الأُمُورِ وَتُسْعِدُ وَأَخْبَرَ أَنَّ الذِّكْرَ غَرْسٌ لأهْلِهِ ... بِجَنَّاتِ عَدْنٍ وَالمَسَاكِنُ تُمْهَدُ وَأَخْبَرَ أَنَّ اللهَ يَذْكُرُ عَبْدَهُ ... وَمَعْهُ عَلى كُلِّ الأَمُورِ يُسَدِّدُ وَأَخْبَرَ أَنَّ الذِّكْرِ يَبْقَى بِجَنَّةٍ ... وَيَنْقَطِعُ التّكْلِيْفُ حِيَنْ يُخُلَّدُ ... وَلَوْ لَمْ يَكُن في ذِكْرِهِ غَيَرْ أَنَّهُ ... طَرِيْقٌ إِلى حُبِّ الإِلهِ وَمُرْشِدُ وَيَنَهْى الفَتىَ عَنْ غِيْبَةٍ وَنِمَيْمَةٍ ... وَعَنْ كُلِّ قَوْلٍ لِلدِّيَانَةِ مُفْسِدُ لَكَانَ لَنَا حَظٌّ عَظِيْمٌ وَرَغْبَةٌ ... بِكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ نِعْمَ المُوَحَّدِ وَلَكِنَّنَا مِنْ جَهْلِنَا قَلَّ ذِكْرُنَا ... كَمَا قَلَّ مِنَّا لِلإِلهِ التَّعَبُّدُ انْتَهَى

إليك إله العرش أشكو تضرعا

وقال الشيخ عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن مُعَمَّر ... يَرْثِي أَهْلَ الدِّرْعِيَّة بعدَما هَدَمَهَا الظالمُ الطَّاغِيَةٌ وَجُنَوْدُهُ إبراهيمُ بَاشَا جَازَاهُ الله بِمَا يَسْتَحِقُ هُوَ وَأَعَوْانَهُ. إِليْكَ إِلهَ العَرْشِ أَشْكُو تضَرُّعَا ... وَأَدْعُوكَ في الضَّرَاءِ رَبِّي لِتَسْمَعَا فَكَمْ قَتَلُوا مِنْ فِتْيَةِ الحَقِّ عُصْبَةً ... هُدَاةً وَضاةً سَاجدِينَ وَرُكَّعَا وَكَمْ دَمَّرُوا مِنْ مَرْبَع كانَ آهِلاً ... وَقَد تَركُوا الدّارَ الأَنِيْسَةَ بَلْقَعَا فَأَصْبَحَتْ الأَمْوَالُ فِيْهِمْ نهَائِبًا ... وَأَصْبَحَتْ الأيْتَامُ غُرْثىً وَجُوَّعَا وَفَرَّ عنْ الأَوْطَانِ مَنْ كَانَ قَاطِنًا ... وَفُرّقَ إلْفٌ كان مُجْتَمِعًا مَعَا مَضَوْا وَانْقَضَتْ أَيَّامُهُم حِيْنَ أَوْرَدُوا ... ثَنَاءً وذِكْرًا طِيْبُه قَدْ تَضَوَّعا فَجَازَاهُمُ اللهُ الكَريمُ بِفَضْلِهِ ... جِنَانًا وَرِضْوَانَاً مِنْ اللهِ رَافِعَا فَإنْ كَانَتْ الأَشْبَاحُ مِنَّا تَبَاعَدَتْ ... فَإِنَّ لأَرْوَاحِ المُحِبِّيْنَ مَجْمَعَا عَسَى وَعَسَى أَنْ يَنْصُرَ اللهُ دِيْنَهُ ... وَيَجْبرَ مِنَّا مَأْمَنًا قَدْ تَصَدَّعَا

وَيُظْهِرَ نُورَ الحَقّ يَعْلُو ضِيَاؤْه ... فَيُضْحِى ظَلاَمُ الشّرْكِ وَالشَّكِّ مُقْشِعَا إِلهي فَحَقِّقْ ذا الرّجَاءَ وَكُنْ بِنَا ... رَؤفًا رَحِيْمًا مُسْتَجِيْبًا لَنَا الدُّعَا أَلاَ أَيُّها الإِخْوَانُ صَبْرًا فَإِنَّنِيْ ... أَرَى الصَّبْرَ لِلْمَقدُورِ خَيرًا وَأَنْفَعَا فَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ كَشْفِ مَا ثابَ إِنَّهُ ... إِذَا شَاءَ رَبِّي كَشْفَ كَرْبٍ تَمَزَّعَا وَمَا قُلْتُ ذَا أُشْكُوا إِلى الخَلْقِ نَكْبَةً ... ولا جَزَعًا مِمَّا أَصَابَ فَأَوْجَعَا فَمَا كَانَ هَذَا الأَمْرُ إِلاَّ بِقُدْرَةٍ ... بِهَا قَهَرَ اللهُ الخَلاَئِقَ أَجْمَعَا وَذَلِكَ عَنْ ذَنْبٍ وَعِصْيَانِ خَالِقٍ ... أُخِذْنَا بِهِ حِيْنًا فَحِيْنًا لِنَرْجِعَا وَقَدْ آنْ أَنْ نَرْجُوا رِضَاهُ وَعفْوَهُ ... وَأَنْ نَعْرِفَ التَّقْصِيرَ مِنَّا فَنُقْلِعَا فَيَا مُحْسِنًا قَدْ كُنْتَ تُحْسِنُ دَائِمًا ... وَيَا وَاسِعًا قَدْ كَانَ عَفْوُكَ أَوْسَعَا نَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ مِنْ سُوءِ صُنْعِنَا ... فَإِنَّ لَنَا في العَفْوِ مِنْكَ لَمَطْمَعَا ... أَغِثْنَا أَغِثْنَا وَارْفَعْ الشِّدَّةَ الَّتِي ... أَصَابَتْ وَصَابَتْ وَاكشِفِ الضُّرَّ وَارْفَعَا

فيم الركون إلى دار حقيقتها

وَجْدْ وَتَفَضَّلْ بالذِي أَنْتَ أَهْلُهُ ... مِنْ العَفْو والغُفْرَانِ يَا خَيْرَ مَنْ دَعَا انْتَهَى والله أَعْلَمُ وَصَلَّى الله على محَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ... آخر: فِيْمَ الرُّكُونُ إلى دَارِ حَقِيْقَتُهَا ... كالطَّيْفِ في سِنَةٍ وَالظِّلِّ مِنْ مُزّنِ دَارِ الغُرور وَمَأْوَى كَلِّ مُرْزيَةٍ ... وَمَعْدِنِ البُؤس وَاللَّواءِ وَالمِحَنِ الزُّورُ ظاهِرُهَا وَالغَدرُ حَاضِرُها ... وَالمُوْتُ آخِرُها وَالكَوْنُ في الشَّطَنِ تُبيدُ مَا جَمَعَتْ تُهِيْنُ مَنْ رَفَعْتَ ... تَضرُّ مَنْ نَفَعَتْ في سَالِفِ الزَّمَنِ النَّفْسُ تَعْشِقُهَا وَالعَيْنُ تَرْمُقَها ... لِكَوْنِ ظاهِرهَا في صُوْرَةِ الحَسَنِ سَحَّارَةٌ تُحْكِمُ التَّخْيِيْلَ حتى يُرَى ... كَأَنَّهُ الحَقُّ إذْ كانَتْ مِنْ الفِتَنِ إِنَّ الإِلهَ بَرَاهَا كَيْ يُمَيْز بِهَا ... بَيْنَ الفَريقينِ أَهْلَ الحُمْقِ وَالفِطَنِ فَذُو الحَماقَةِ مَنْ قد ظَلَّ يَجْمَعُها ... يُعَانِيَ السَّعْيَ مِنْ شَامٍ إلى يَمَنِ مُشَمِّرًا يَرُكَبُ الأخْطَارَ مُجْتَهِدًا ... لأَجْلِهَا يَسْتَلِيْنُ المَرْكَبَ الخَشِنِ

وَذُو الحِجَا يَقْلِهَا زُهْدًا زَيَنْبُذُهَا ... وَرَاءَه نَبْذَةَ الأقْذَارِ في الدِّمَنِ يَرْميْ بِقَلْبٍ بَصِيْرٍ في مَصَائِرِهَا ... فَلاَ يُصَادِفُ غَيْرَ الهَمِّ وَالحَزَنِ يَجُولُ بالفِكْرِ في تَذْكَارِ مَنْ صَرَعَتْ ... مِنْ مُؤْثِريْهَا بِسَعْيٍِ القَلْبِِ وَالبَدَنِ مِمَّنْ أَشَادَ مبَانِيْهَا وَأَحْكَمَهَا ... لِيَسْتَجِنَّ مِنْ الأَقْدَارِ بالجُنَنِ نَالُوا مَكَارِمَهَا أَحْيَوا مَعَالِمَهَا ... سَلُّوا صَوَارِمَهَا لِلْبَغْيِ وَالظِّغَنِ رَقَوْا مَنَابِرَهَا قادُوا عَسَاكِرَهَا ... بِقُوَّدٍ وَابْتَنَوا الأمْصَارَ وَالمُدُنِ وَعَبَّدُوا النَّاسَ حَتَّى أَصْبَحُوا ذُلُلاً ... لأَمْرِهِمْ بَيْنَ مَغْلُوبٍ وَمُمْتَهَنِ وَجَمَّعُوا المَالَ وَاسْتصْفَوا نَفَائِسَهُ ... لِمُتْعَةِ النَّفْس في مُسْتَقْبَلِ الزَّمَنِ حَتَّى إِذَا امْتَلَئُوا بِشْرًا بِمَا ظَفِرُوا ... وَمُكَّنُوا مِنْ عُلاهَا أَبْلَغَ المِكَنِ نَادَاهُمُوا هَادِمُ اللذَّاتِ فاقتَحَمُوا ... سُبْلَ المَمَاتِ فأضْحَوا عِبْرَةَ الفِطَنِ

تِلْكَ القُبُورُ وَقَدْ صَارُوا بِهَا رِمَمًا ... بَعْدَ الضَّخَامَةِ في الأَجْسَامِ وَالسِّمَنِ بَعْدَ التَّشَهِّي وَأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ غَدَا ... يَأْكلْهُم الدُّودُ تَحْتَ التُرْبِ وَاللَّبِنِ تَغَيَّرتْ مِنْهُمُ الألْوَانُ وَانْمَحَقَتْ ... مَحَاسِنُ الوَجْهِ وَالعَيْنَيْنِ وَالوُجَنِ ... خَلَتْ مَسَاكِنَهُم عَنْهُم وَأَسْلَمَهُم ... مَنْ كَانَ يَنْصُرُهُمْ في السِّرِّ وَالعَلَنِ وَعَافَهُم كُلُّ مَنْ قَدْ كانَ يَأْلَفُهم ... مِنَ الأَقارِبِ وَالأَهْلِيْنَ وَالخِدَنِ مَا كَانَ حَظُّهُمُ مِنْ عَرْضِ مَا اكتَسَبُوا ... غَيْرَ الحَنُوطِ وغيرَ القُطْنِ وَالكفَنِ تِلكَ القُصُورُ وَتْلكَ الدُّورُ خَاوِيَةٌ ... يَصِيْحُ فِيْهَا غُرَابُ البَيْنِ بالوَهَنِ فَلَوْ مَرَرْتَ بِهَا وَالبُومُ يَنْدُبُها ... في ظُلْمَةِ الليْلِ لم تَلْتَذَّ بالوَسَنِ وَلاَ تَجَمَّلْتَ بالأَرْياشِ مُفْتَخِرًا ... وَلا افْتَتَنْتَ بِحُبّ الأَهْلِ وَالسَّكَنِ وَلاَ تَلَذَّذْتَ بالمَطعُومِ مُنْهَمِكًا ... وَلاَ سَعَيْت لِدُنيَاً سَعَيَ مُفْتَتَنِ

وَلاَ اعْتَبَرْتَ إِذَا شَاهَدْتَ مُعْتَبَرًا ... تَرَاهُ بالعَينِ أو تَسْمَعْهُ بالأُذُنِ إِنَّ المَواعِظَ لا تُغْنِي أَسِيْرَ هَوَى ... مُقْفَّلَ القَلْبِ في حَيْدٍ عَنْ السُّنَنِ مُسْتَكْبِرًا يَبْطُرُ الحَقَّ الصَّرِيْحَ إِذَا ... يُلْقَى إِليْهِ لِفَرْطِ الجَهْلِ وَالشَّنَنِ يُمَنِّيُ النَّفْسَ أَمْرًا لَيْسَ يُدْرِكُهُ ... إِنَّ الأمَانِيَّ مِقْطَاعٌ عَنْ المِنَنِ يَكْفِي اللَّبِيْبَ كِتَابُ اللهِ مَوْعِظَةً ... كَمَا أَتَى في حَدِيْثِ السَّيِّدِ الحَسَن مُحَمَّدٍ خَيْرِ خَلْقِ اللهِ قُدْوَتِنا ... مُطَهَّرِ الحَبْبِ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ دَرَنِ عَلَيْهِ مَنَّا صَلاًةُ اللهِ دَائِمَةً ... مَا سَارَتْ الرِّيْحُ بالأَمْطَارِ والسُّفُنِ وَالآلِ وَالصَّحْبِ مَا غَنَّتْ مُطَوَّقَةٌ ... وَمَا بَكَتْ عَيْنُ مُشْتَاقِ إِلَى وَطَنِ انْتَهَى

حمدت الذي يولي الجميل وينعم

وقال بَعضُهم ناظِمًا لِمَا ذَكَرَهُ ابنُ القيمِ مِنْ مَفَاتِيْحِ الخَيْرِ وَالشَّرِّ: حَمِدْتُ الذِيُ يُوْلي الجَمِيْلَ وَيُنْعِمُ ... لَهُ الفضْلُ يُؤتي مَنْ يَشَاءُ وَيُكْرِمُ وَأَزْكَى صَلاةِ اللهِ ثمَّ سَلامهُ ... عَلى خيرِ مَخْلُوقٍ عليه يُسَلَّم مُحَمَّدٍ الهَادِيْ وَأَصْحَابِهِ الأُلَى ... بِحُسْنِ اجْتِهادٍ عَلَّمُوا وَتَعَلًّمُوا وبَعْدُ فقَدْ عَنَّ الوَفَاءُ لِسَائِل ... بِوَعْدِيَ إيَّاهُ بِأَنِّيْ أَنْظِمُ مَفَاتِيْحَ كَانَتْ لِلشّرُوْرِ وَضِدِّهَا ... فقد فازَ مَنْ بالخَير والشَرِّ يَعْلَمُ وَأَضْحَى بِمَا يَدْرِيْ مِنَ الحَقِّ عَامِلا ... فَكُنْ عَامِلاً بالعِلم إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ وَقَدْ جَعَلَ المَوْلَى لَهُنَّ مَفَاتِحًا ... تُنَالُ بِهَا وَاللهُ بالحَقِّ أَعْلَمُ فمِفْتَاحُ شَرْعِيِّ الصَّلاةِ طَهُوْرُنَا ... وَيَفْتَحُ حَجًّا مُحْرِمٌ حِيْنَ يُحْرِمُ وَبالصِّدْقِ فَتْحُ البِرِّ وَالعِلْمُ فَتْحُهُ ... بِحُسْنِ سُؤَالٍ عن فَتىً يَتَعَلَّمُ

وَمُسْتَحْسَنُ الإصْغَاءِ وَالنَّصْرُ فَتْحُه ... مَعَ الظَّفِرَ المَحْمُودِ بالصَّبْرِ فَاعْلَمُوا ... وَتَوْحِيْدُنَا للهِ مِفْتَاحُ جَنَّةِ النَّـ ... ـنَعيْمِ فَبالتّوْحِيْدِ دِيْنُوا تُنَعُمُّوا وَبِالشُّكْرِ لِلنَّعْمَاءِ فَتْحُ زِيَادةً ... وَيَحْصُلُ حُبٌّ وَالوِلاَيَةُ تُغْنَمُ بِمَفْتَاحِهِ الذِّكْرِ الشَّرِيْفِ وَذُو التَّقى ... يَنَالُ بِتَقْوَاهُ الفَلاَحَ وَيُكْرَمُ وَمِفْتَاحُ تَوْفِيقِ الفتَى صِدْقُ رَغْبَةٍ ... وَرَهْبَتِهِ ثُمَّ الدُّعَاءُ المُكَرَّمُ لَدَى اللهِ مِفْتَاحُ الإِجَابةِ وَاعْلَمَنْ ... بأَنَّ جَمِيْلَ الزُّهْدِ لِلْعَبْدِ مَغْنَمُ وَيُفْتَحُ لِلْعَبْدِ التّجِلِيّ بِرَغْبَةٍ ... بِدَارِ البَقَاءِ فازْهَدْ لَعَلَّك تَغْنَمُ وَمِفْتَاحُ إِيْمَانِ العِبَادِ تَفَكّرٌ ... بِمَا كَانَ رَبُّ العَالَمِيْنَ دَعَاهُم إِلَى نَظَرٍ فِيْهِ وَأَنْ يَتَفَكّرُوا ... بِهِ وَدُخُولُ العَبْدِ ذَاكَ المُفَخَّمُ عَلَى رَبِّهِ مِفْتَاحُ ذَاكَ سَلاَمَةٌ ... وإسلام قَلْبٍ لِلإِلهِ فَأَسْلِمُوا

وَمَعْ ذَاكَ إِخْلاَصٌ بِحُبِّ وَبُغْضِهِ ... وَفِعْلٌ وَتَرْكٌ كُلُّ ذَلِكَ يَلْزَمُ وَيُحْيِ قُلُوبَ العَارِفينَ تَضّرُّع ... بِأَوْقاتِ أَسْحَارٍ فَكُنْ أَنْتَ مِنْهُم كَذَا الوَحْيُ إذ يُتْلَى بحُسْنِ تَدَبُّر ... وَتَرْكُ الذنُوبِ فَهِيَ لِلْقَلْبِ تُؤْلِمُ وإحْسَانُ عَبْدٍ في عِبَادَةِ رَبِّهِ ... وَنَفْعُ العِبَادِ وَالقِيَامُ عَلَيْهِمُ لإِصْلاحِهم مِفْتَاحُ تَحْصِيْلِ رَحْمَةِ الْ ... إلهِ فَلاَزِمْ ذا لَعَلَّكَ تُرْحَمُ وَمِفْتَاحُ رِزْقِ العَبْدِ سَعْيٌ مَعَ التُّقَى ... وَكَثْرَةُ الاسْتِغْفَارِ إِذْ هُوَ مُجْرِمُ وَمِفْتَاحُ عِزِّ العَبْدِ طَاعَةُ رَبِّه ... وَطَاعَةُ خَيْرِ المُرْسَلِيْنَ فَعَظِّمُوا وَمِفْتَاحُ الاسْتِعْدَاد مِنْكَ لِمَا لَهُ ... تَصِيرُ مِنْ الدَّارِ التِيْ هِيَ أَعْظَمُ هُوَ القَصْرُ لِلآمَالِ وَالخَيْرُ كُلُّه ... فَمِفْتَاحُهُ رَغبٌ مِنْ العَبْدِ يُعْلَمُ بمَوْلاَهُ وَالدَّارِ التِي بَعْدَ هَذِه ... وَمِفْتَاحُ كُلِّ الشَّرِّ إِنْ كُنْتَ تَفْهَمُ

إِطَالَتكُ الآمَالَ فاحُذرْ غُروْرَهَا ... وَحُبُّكَ لِلدُّنْيَا التِي تَتَصَرَّمُ وَمِفْتَاحُ نَارِ الخُلْدِ شِرْكٌ بِرَبّنَا ... وَكِبْرُ الفَتَى فالكِبْرُ حُوبٌ مُعَظَّمُ وَإعْرَاضُهُ عَمَّا عَن اللهِ قَدْ أَتَى ... بِهِ المُصْطَفَى الهَادِي النَّبِيُّ المُكَرِّمُ وَغَفْلَتُه عن ذِكْرِهِ وَقِيَامِهِ ... بِحَقٍّ لِذِي العَرْشِ المَلِيكِ يُحَتِّمُ وَمِفْتَاحُ إِثْمٍ يُوْبِقُ العَبْدَ مُسْكِرٌ ... مِنْ الْخَمْرِ فاحْذَرْهَا لَعَلَّكَ تَسْلَمُ وَمِفْتَاحُ ذِي المَقْتِ الزِّنا سَيِّءُ الغِنَا ... وذَلِكَ قُرْآنُ اللَّعِيْنِ وَمَأْثَمُ وَإطْلاَقُ طَرْفِ الشَّخْصِ مِفْتَاحُ عِشْقِهِ ... لِمُسْتَحْسَنِ الأشْبَاحِ فَهُوَ مُحَرَّمُ وَبالكَسَلِ المَذْمُومِ مَعْ رَاحَةِ الفَتَى ... يَخِيْبُ وَكُلُّ الخَيْرِ لاَ شَكَّ يُحْرَمُ ... وَمِفْتَاحُ كُفْرَانِ الفَتَى وَبَرِيدُهُ ... مَعَاصِيهِ وَالعَاصِي قَرِيبًا سَيَندَمُ وَبَابُ نِفَاقِ العَبْدِ يَفْتَحُهُ إِذَا ... يَكُونُ كَذُوبًا وَالكَذُوبُ مُذَمَّمُ

وَشُحُّ الفَتَى وَالحِرْصُ مِفْتَاحُ بُخْلِهِ ... وَمِفْتَاحُ أَخْذِ المَالِ مِنْ حَيْثُ يَعْلَمُ بِأَنْ لَيْسَ حِلاً مَعْ قَطِيْعَةِ رَحْمِهِ ... وَكُلُّ ابْتِدَاعِ في الخَلِيْقَةِ يُعْلَمُ فَمِفْتَاحُهُ الإعْرَاضُ عَمَّا أتَى بِهِ ... نَبِيُّ الهُدَى مِنْ سُنَّةٍ نَتَعَلَّمُ وَأَخْتِمُ قَوْلِيْ في القَرِيْضِ بِأَنَّنِيْ ... أصَلّيْ عَلى خَيْرِ الوَرَى وَأْسَلِّمُ وَآلٍ مَعَ الصَّحْبِ الكِرَامِ الذِيْنَ هُم ... لِمُقْتَبِسٍ عِلْمَ الشَّرِيْعَةِ أَنْجُمُ انْتَهَى

الحمد لله القوي الماجد

قَصِيْدَة تَحْتَّوِي على نَصَائِحَ وَوَصَايَا ومَوَاعِظَ ... وآدَابٍ وأَخْلاقٍ فَحَضِّرْ قَلْبَكَ وألْقٍ سَمْعَكَ الحمدُ للهِ القَوِيّ الماجدِ ... ذَي الطَّوْلِ والإنعْامِ والمَحَامِدِ حَمْدًا يَفُوقُ حَمْدَ كُلِّ الخَلْقِ ... وما أُطِيقُ شُكْر بَعْضِ الحَقِّ ثم الصلاةُ بَعْدُ والسلامُ ... على نَبِيٍّ دِينُهُ الإِسلامُ سألتَنِي الإِفصاحُ عن هذِى الحِكَمْ ... ونُزْهَةَ الألبابِ، خُذْهَا كالعَلَمْ خُذْ يا بُنَّيِ هَذِهِ النَّصَائِحَا ... واسْتَعْمِلْنَهَا غَادِيًا وَرائِحَا لِتَقَْى مَنْفَعَةً وحِكْمَةًِ ... واثَنِْيِنِّيْ عن مِنَنٍ ونِعْمة فَحِفْظُها يَهدِي إلى دَارِ البَقَا ... وحُبُهَا يَهْزِمُ أجْنَادَ الشَّقَا إذا ابْتْدَأْتَ الأَمْرَ سَمِّ اللهَ ... واحْمدُهُ واشَكرُهُ إذا تَناهَى وكُلَّمَا رَأَيْتَ مَصْنُوعَاتِهِ ... والمُبْدَعَاتِ مِن عُلاَ آياتِهِ فاذُكُرْهُ سِرًا سَرْمَدًا وجَهْرَا ... لِتَشْهَدَنْ يَومَ الجَزَاءِ أجْرَا هَذَا وإنْ تَعَارَضَ الأَمْرَانِ ... فابْدَأْ بِحَقِ الملِكِ الدَّيَّانِ واعْمَلْ بِهِ تَنَلْهُمَا جَمِيْعَا ... ولا تَقُلْ سَوْفَ تَكْنُ مُضِيْعَا وإنْ أَتَاكَ مُسْتَثِيْرٌ فاذْكُرَنْ ... قَوْلَ النبي: المُسَتَشَارُ مُئْتَمَنْ شاور لَبِيبًا في الأُمورِ تَنْجَحُ ... مَنْ يَخَفِ الرَّحْمنَ فِيها يَرْبَحُ وأَخْلِصِ النِياتِ في الحَالاَتِ ... فإنَّما الأعْمَالَ بالنَّيَّاتِ واسْتَخِرِ اللهَ تَعَالَى واجْتَهِدْ ... ثم ارْضَ بالمُقْضِيِّ فيه واعْتَمِدْ مَنِ اسْتَخَارَ رَكِبَ الصَّوابَا ... أَوْ اسْتَشَارَ أمَنَ العقابا ... مَنِ اسْتَخَارَ لَمْ يَفُتْهُ حَزْمُ ... أَوِ اسْتَشَارَ لَمْ يَرُمْهُ خَصْمُ ما زَالَتِ الأيامُ تأتِي بالعِبَرْ ... أَفِق وسَلِّمْ لِلْقَضَاءِ والقَدَرْ

مَنْ آيِةٍ مَرَّتْ بِنَا وَآيَةْ ... في بَعْضِهَا لِمَنْ وَعَى كِفَايَةْ ونَحْنُ في ذَا كُلِّهِ لا نَعْتبرْ ... ولا نَخَافُ غَيْبَهَا فَنَزْدَجِرْ أَلَيْسَ هذا كُلُّهُ تَأْدِيْبَا؟ ... فما لَنَا لا نَتَّقِي الذُنُوبَا لَكِنْ قَسَى قَلْبٌ وجَفَّتْ أَدْمُعُ ... إنَّا إلىَ اللهِ إِليه المَرْجِعُ فَنَسْألُ الرحمنَ سِتْرَ مَا بَقِي ... وعَفْوَهُ واللَّطْفَ فِيْمَا نَتَّقِى فَكَمْ وَكَمْ قَدْ أَظْهَرَ الجِمِيْلاَ ... وسَتَر القَبِيْحَ جِيْلاً جِيْلاَ حَتَّى مَتَى لا تَرْعَوِي بالوَعْظِ ... وأَنْتَ تَنْبُوْ كالغَلِيظِ الفَظِّ سِرْ سَيْرَ مَن غَايَتُهُ السَّلاَمَةْ ... وعُدْ على نَفْسِكَ بالمَلاَمَة بادِرْ بِخَيرٍ إنْ نَوَيْتَ واجْتَهِدْ ... وإنْ نَوَيْتَ الشَّرَ فازْجُرْ واقُتَصِد خُذْ في عتابِ نَفْسِكَ الأمَّارَةِ ... فإنَّها غَدَّارَةٌ غَرَّرَاة خَالِفْ هَوَاكَ تَنْجَحْ مِنه حَقَّا ... والنفسَ والشيطانَ كَيْ لا تَشْقَى نَفْسِيَ عَمَّا سَرَّنِي تُدَافِعُ ... وهْيَ إلىَ مَا ضَرَّني تُسَارِع قد أَسَرَتْهَا شَهْوَةٌ وَغَفْلَة ... تُنْكِرُ شَيْئًا ثُمَّ تَأَتِي مِثْلَه فَمَنْ حَبَى حِسَانَهَا فقد ظَفِر ... ومَن حَبَاها غفلةً فقد خَسِر قَدِّمِ لِيَومِ العَرْضِ زَادَ المجتَهِد ... ثُمَّ الجوبُ لِلسُؤآلِ فاسْتَعِد تَطْوِيْ اللَّيالِي العُمْرَ طَيَّاً طَيَّا ... وأَنْتَ لا تَزْدَادُ إلاَّ غَيَّا فلا تَبِتْ إلاَّ عَلَى وَصِيِّة ... فإنها عَاقِبَةٌ مَرْضِيَّة هَيْهَاتَ لاَبُدَّ مِن النُّزُوْحِ ... حَقًا وَلَوْ عُمَّرِتَ عُمْرَ نُوْحِ فَنَسْأَلُ اللهَ لَنَا السَلاَمَة ... في هَذِهِ الدنيا وفي القِيَامَة أَعْدِدْ لِجَيْشِ السَّيئاتِ تَوْبَةً ... فإنَّها تَهْزِمُ كُلَّ حَوْبَة وارْجِعْ إِلىَ رَبِّكِ فاسْألنَّه ... ولا تَحِدْ طَرْفَةَ عَيْنٍ عَنَّه أَفْضَلُ زَادِ المرءِ تَقْوَى اللهِ ... سُبْحَانَهُ جَلَّ عن التَّناهِي عَلَيْكَ بالتَّقْوىَ وكُلِّ واجِبٍ ... وتَرْكِ ما يُخْشىَ وشُكْرِ الواهِبِ

وكُنْ لأسْبَابِ التُّقَى ألِيْفَا ... واعْصِ هَوَاك واحْذَرِ التَّعْنِيْفَا فالخوفُ أوْلَى ما امْتَطىَ أخُو الحذَر ... فاعْتَمِدِ الصَّمْتَ ودَعْ عن الهَذَر ... لَوْ أنَّ ما اسْتَمْلاهُ كَاتَبِاكَا ... بأُجْرَةٍ مِنْكَ خَتَمْتَ فَاكَا صَمْتٌ يُؤَدِيْكَ إلى السَّلاَمَة ... أَفضْلُ مِن نُطْقٍ جَنَى النَّدامَة العِلْمُ والحِلْمُ قَرِيْنَا خَيْرٍ ... فالْزَمْهُمَا وَقِيْتَ كُلَّ ضَيْر فالعِلْمُ عِزٌّ لا يَكَادُ يَبْلَى ... والحِلْمُ كَنزٌ لا يَكَادُ يفْنَى الْعِلْمُ لا يُحْصَى فَخُذْ مَحَاسِنَهْ ... ونَبِّهِ القَلْبَ الصَّدِي مِن السِّنَةْ أجْمَلُ شَيءٍ لِلْفَتَى من نسبهْ ... إكثَاره من علمه وأدبهْ إنْ كُنْتَ مُحْتاجًا إليهِ مَا نَكَا ... أَوْ غَيْرَِ مُحْتاجٍ إليْهِ زَانَكَا لا خَيْرَ في عِلْم بغير فهم ... وَلا عِبَادَات بِغَيْر عِلْم لا تَطلبنَّ العِلْمَ إِلا لِلْعَمَلِ ... فاعْمَلْ بما عُلِّمَتَه قَبْلَ الأجَلْ فإنَّ فِيْهِ غَايَةَ السَّلاَمَةْ ... هذا إذا كَانَ بِلاَ سَآمَةْ نُصْحُ الوَرَى مِن أَفْضِلِ الأعْمَالِ ... والبِرُّ والرفقُ بلا اعْتِلاَلِ إيَّاكَ إيَّاكَ الرِيَاء يا صَاحِ ... فَتَرْكُهُ أقْرَبُ لِلْفَلاَحِ فالعُمْرُ ما كان قَرِيْنَ الطَّاعَةْ ... هذا ولَوْ قُدِّرَ بَعْضَ سَاعَةً حُثَّ كُنُوزَ الدَّمْعِ في الحَنَادس ... بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكَ غَيْرَ آيِسِ عَلَى سَوادِ خَالِ خَدِّ الصُبْحِ ... تَتْلُو المَثانِي رَغبًا في الِربْحِ وقُلْ بِمَا جَاءَ بِه خَيْرُ البَشَرْ ... هَبْ لِي الرِضَاءَ بالقَضَاءِ والقَدَرْ واجْعَلْ لَنَا مِن كُل هَمٍّ فَرَجَا ... فَضْلاً، ومِن غَمٍ وضْيِقٍ مَخْرَجَا العَدْلُ أَقْوى عَسْكَرِ المُلُوكِ ... والأمْنُ أَهْنَى عِيْشَةَ المْلُوْكِ سُسْ يَا أَخِي نَفْسَكَ قَبْلَ الجُنْدِ ... واقْهَرْ هَواكَ تَنْجَحْ قَبْل القَصْد واجْعَلْ قِوامَ العَدْلِ حِصْنَ دَوْلِتكْ ... والشُكْرَ أيضَا حَارِسًا لِنِعْمتكْ فالحقُّ أنْ تَعْدِلَ بالسَّويِّةْ ... ما بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِن البَريَّةْ

فَكُلُكُمْ وكُلَنَا مَسْئوْلُ ... عَمَّا رَعَيْنَاهُ وَمَا نَقُوْلُ مَنْ لَمْ يَجدْ طَوْلاً إلى السَّياسَةْ ... أخَّرَهُ العَجْزُ عن الرِيَاسَةْ أَحْسِنْ إلى العَالِم يَحمَدُوْكَا ... وعُمَّهُمْ بالعَدْلِ يَنْصَحُوكَا فَعَدْلُ سَلْطَانِ الوَرَى يَقِيْهِ ... أعْظَمَ ما يَخْشَى ويَتَقِيْهِ لا تَسْتَعِنْ بأَصْغَرِ العُمَّالِ ... عَلى تَرَقِّيِ أكْبَرِ الأعْمَالِ فَمَنْ عَدا وزِيُرهُ فما عَدَلْ ... ومَنْ طَغَى مُشيرُهُ فَقَدْ جَهِلْ ... شَرُّ الأنامِ نَاصرُ الظَّلُومِ ... وشَرٌّ مِنْهُ خَاذلُ المظْلُومِ الظُلْمُ حَقًا سَالبٌ لِلنَّعَمِ ... والبَغْيُ أيْضَا جَالبٌ لِلنِّقَمِ ظُلْمُ الضَّعِيفِ يَا بنُي لؤمُ ... وصُحْبَةُ الجاهِلِ أيْضًا شُؤْمُ وقِيْلَ إنَّ صُحْبة الأشْرَارِ ... تُوْرِثُ سُوْءَ الظَّنِ بالأخْيَارِ يَجْنِي الرَّدَى مَن يَغْرِسُ العِدْوَانَا ... وصَارَ كُلُّ رِبْحِهِ خُسرْانَا أَقْرَبُ شَيْءٍ صَرْعَةُ الظَّلُومِ ... وأنْفَذُ النَّبْلِ دُعَا المَظْلُومِ نِعْمَ شَفْيعُ المُذْنبِ اعْتِذَارُهُ ... وبِئْسَ مَا عَوَّضَهُ إصْرَارُهُ خُذْ الأمُورَ كُلَّها بالجِدِّ ... فالأمرُ جَدٌ لا هَوَاكَ المُرْدِي خَيْرُ دَلْيلِ الْمَرْءِ الأمَانَةْ ... بَيْنَ الوَرَى وَتَرْكُهُ الخِيَانَةْ مَنِ امْتَطَى أمْرًا بِلا تَدْبِيْرِ ... صَيَّرَهُ الجَهْلُ إلى تَذْميْرِ مَنْ صَانَ أُخْرَاهُ بدُنْيَاهُ سَلِمْ ... ومَن وَقَى دُنْيَاهُ بالدِيْنِ نَدِمْ مَنْ أخَّرَ الطَّعَامَ والمَنَامَا ... لُذَّ وطَابَ سَالِمَا ما دَامَا مَنْ أكْثَرَ المِزَاحَ قَلَّتْ هَيْبتُهْ ... ومَنْ جَنَى الوَقَارَ عَزَّتْ قِيْمَتُهْ مَن سَالَم النَّاسَ جَنَى السَّلامَةْ ... ومَن تَعدَّى أحْرَزَ النَّدامَةْ مَنْ نَامَ عَن نُصْرَةِ أوْلِيَائِهْ ... نَبَّهَهُ العُدْوَانُ مِن أَعْدَائِهْ مَنْ اهْتَدَى بالحقِ حَيْثُما ذَهَبْ ... مَالَ إليهِ الخَلْقُ طُرًّا وَغَلَبْ مَنْ رَفَضَ الدُنْيَا أَتَتْهُ الآخِرَةْ ... في حُلَّةٍ مِن الأمَانِ فَاخِرَةْ وقيلَ مَن قَلَّتْ لَهُ فَضَائِلُهْ ... فَقَدْ ضَعُفَتْ بَيْنَ الوَرَى وسَائِلُهْ

ومَن تَراهُ أحْكَمَ التَّجَارُبَا ... فَازَ بِهَا وَحَمِدَ العَوَاقِبَا مَنْ عَاشَرَ النَّاسَ بِنَوْعِ الْمَكْرِ ... كافهُ كُلُّ مِنْهُمُ بالغَدْرِ مَن لا تُطِيْقُ حَرْبَهُ فَسَالِمِ ... تَعِشْ قَرِيَرَ العَينِ غَيْرَ نادِمِ مَنْ لَمْ يُبَالِ كَانَتْ الدُنْيَا لِمَنْ ... فَهْوَ عَظَيِمُ القَدْرِ سِرًا وعَلَنْ مَنْ بَانَ عنه فَرْعُهُ وأصْلُه ... أوْشَكَ أنْ يَنْعَاهُ حَقًا أهْلُهُ مَنْ غَلَبَ الشَّهْوةَ فَهْوَ عَاقِلٌ ... ومَن دَعَتْه فأَجَابَ جَاهِلُ مَنْ ظَلَّ يَوْمًا كَاتِمًا لِسِرَّهِ ... أَصْبَحَ مِنْهُ حَامِدًا لأمْرِهِ خيرُ زَمَانِكَ الذِي سَلِمْتَا ... مِن شَرِهِ لُطْفًا وما اقْتَرَفْتَا خَيْرُ النَّدَى وأَفْضَلُ المعْرُوْفِ ... فِيمَا يُرَى إغَاثُةُ الملْهُوْفِ ... لا تَثْبُتُ النَّعْمَاءُ بالجُحُوْدِ ... والشُكْرُ حَقكا ثَمنْ المزِيْدِ مَنْ غَلَبتْهُ شَهْوَةُ الطَّعَامِ ... سُلَّ عَلَيْهِ صَارِمُ الأسْقَامِ تَعْصِي الإِلهَ وتُطِيعُ الشَّهْوةَ ... هَذا دَليلٌ قاطِعٌ بالقَسْوةْ مَِنْ هَمُّهُ أمْعَاؤُهُ وفَرْجُهْ ... وتَاهَ في شَهْوتِهِ لا تَرْجُهْ أَجْمَلُ شَيءٍ بالغِنَى القَنَاعَةْ ... فُعُدَّها مِن أشْرَفِ البضَاعَةْ وهْيَ تَسُوقُ قَاصِدِيْهَا لِلْوَرَعْ ... فاعْمَلْ بما عَلِمْتَهُ ولا تَدَعْ واليأسُ مِمَّا في يَدِي الأنَامِ ... مَنْزِلَةُ الأخْيَارِ والكِرَامِ واعْلَمْ بأنَّ عَمَلَ الأَبْطَالِ ... كَسْبُ الحَلالِ لِذَوي العِيَالِ فإنكّ المسئُولُ عَنهُمْ فاجْتَهِدْ ... ولَيْسَ يُغْنِي عَنْكَ مِنْهُمُ أَحَدْ مِن عَادَةِ الكِرامِ بَذْلُ الجُودِ ... وسُنَّةُ اللِئَامِ في الجُحُوْدِ لا تَدْنُ مِمَّنْ يَدْنُ بالخِلاَبَةْ ... ولا تَبِنْ كِبْرًا وسُدَّ بَابَهْ لا رَأْيَ لِلْمُعْجَبِ تِيْهًا فاعْلَمِ ... ولا لِذِي كِبْرٍ صَدِيقٌ فافْهَمِ المَطْلُ بُخْلٌ أقَبحُ المُطْلَيْنِ ... واليأسُ منه أحَدُ النُّجْحَيْنِ والبُخْلُ دَاءٌ ودَواؤُهُ السَّخَا ... فافْهَمْ فَفيْهِ العزُّ حَقًا والعُلاَ

والحِرْصُ دَاعِي الخَلْقِ لِلْحِرْمَانِ ... ثُمَّ يُؤُْولُ بِجَنَى الخُسْرَانِ ما وُرِّثَ الأبناءُ خَيْرًا مِن أَدَبْ ... فإنَّهُ يَهْدِي إلىَ أسْنى الرُّتَبْ لاسَّيِمَا إنْ كَانَ بان في الصِِّغرِ ... كما رَوَيْنَاهُ كَنَقْشٍ في الحَجَرِ مَنْ امْتَطَى جَوَادَ رَيْعَانِ العَجَلْ ... أدْرَكَهُ كَمِيْنُ آفاتِ الزَّلَلْ من كان ذا عجزٍ عن الإحسانِ ... أثقلُ ما كان على الإِنسان مَنْ رَكِبَ الجَهْلَ كَبَتْ مَطَّيِتُهْ ... وضَلَّ أيْضَا ثم دَامَتْ حَسَرَتُهْ وصَارَ أيْضَا عِبْرَةً لِلْعَاقِلِ ... لأنَّهُ مِن أقْبَحِ الرَّذَائِلِ إنْ كُنْتَ مِمَّنْ يَرْتَجِى الجِنَانَا ... لا تُطْلقَنَّ الطَّرْفَ واللَّسَانَا أوْ رُمْتَ تَجْنِي زَهْرَ خَيْرى أمْركَا ... لاَ تَأْتِ مَا تَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِكَا أوْ كُنْتَ مِمَّنْ يَرْتَجِى السَّلامَةْ ... في هَذِهِ الدُنيا وفي القِيَامَةْ فلا تَقُلْ هُجْرًا وإنْ غَضَبْتَا ... والكْبِرَ والشُّحَ فَبُتَّ بَتَّا إنْ فَوَّقَتْ مَصَائِبُ نِبَالهَا ... فاشْكُرْ مُثَابًا مَنْ كَفَى أَمْثَالهَا وإنْ أَرَدْتَ أنْ تَصُونَ عرِضَا ... فلا تَقُلْ سُوْءًا يَعُوْدُ قَرْضَا ... إنْ كُنْتَ تَخْتَارُ الجِنَان دارًا ... لا تنظرَّ للورى استضغارا وكُنْ أخَا لِلْكَهْلِ مِنْهُمْ وأبَا ... لِذَوْيِهِ في السِّنِ شَاءَ أوْأبىَ وابنًا لِشَيْخٍ قَدْ تَغَشَّاه الكِبَرَا ... وفاقَ بالنُفُوسِ عن قَوْس العِدَا آو اليتيمَ وارْحَمِ الضَّعِيْفَا ... وارْفُقْ بمَمْلُوكِكَ أنْ تَحِيفَا وبالنِاءِ هُنَّ كالغَوَانِي ... فاجْنَحْ إلى الخَيراتِ غَيْرَ وَانِي واعْمَلْ بما في سُوْرَةِ الإِسْرَاءِ ... مِن الوَصَايَا الغُرِّ بحمد رَاءِ وصِلْ ذَواتِ الرَّحِمِ السَّائِلَةْ ... عن قَطْعِهَا يَومَ القُلُوب ذاهِلَهْ والجَارَ أكْرِمْهُ فَقَدْ وَصِّانَا ... بِهِ النبيُ المُصْطَفَى مَوْلانَا واحْذَرْ بُنىَّ غِيْبَةَ الأنَامِ ... لَفْظًا وتَعْرِيْضًا مَدَى الأيَّامِ والهَمْزَ واللَّمْزَ مَعَ النَّميْمَةْ ... فإنَّها ذَخَائِرُ ذَمِيْمَهْ

شَرُ الأُمُورِ العُجْبُ فاجْتَنْبهُ ... والبُخْلَ مَا حَيِيْتَ صُدَّ عَنْهُ فالكِبْرُ داءٌ قَاتِلُ الرِّجَالِ ... دَوَاؤُهُ تَوَاضِعُ الأبْطَالِ لا دَاءَ أدْوَىَ مَرَضًا مِن الحُمُقْ ... ولا دَوَاءَ مِثْلَ تَحْسَيْنِ الخُلُقْ والحقدُ دَاءٌ لِلْقُلُوبِ، والحَسَدْ ... رَأْسُ العُيُوبِ فاجْتَنِبْهُ واقْتَصِدْ والبَغْيُ صَاحِ يَصْرعُ الرِجَالاَ ... ويُقْصِرُ الأعْمَارَ والآجَالاَ والمَنُّ أيْضًا يَهْدِمُ الصَّنِيْعَهْ ... فعَدِّ عَنْهُ لا تُرَى مُذِيْعَهْ والْمَكْرُ والنُكْثُ مَعَ الخِدَاعِ ... مَطِيُّةُ الطُّغَامِ والرَّعَاعِ ربَّ غَرامٍ جَلَبتْهُ لَحْظَهْ ... وَرُبَّ حَرْبٍ أجَّجَتْهُ لَفْظَةْ وَرُبَّ مَأْمُوْلٍ تَرَى مُنْهُ الضَّرَرْ ... وَرُبَّ مَحْذُوْرٍ يَسُرُّ مِن حَذَرْ وقِيْلَ أيْضَا إنَّ خُلْفَ الوَعْدِ ... في أَكْثَرِ الأمْثَالِ خُلْقُ الوَغْدِ لا حَذَرَ مِنْ قَدَرٍ بِدَافِعِ ... ولا أسىً مِن فَائِتٍ بِنَافِعِ وقِيْلَ مَا أضْمَرْتَ بالجَنَانِ ... يَظْهَرُ في الوَجْهِ وفي اللَّسَانِ لا تُطِلِ الشَّكْوَى فِفيْهِ التَّلَفُ ... والشُكْرُ للهِ الغَنِيِّ شَرَفُ لا يُفَسِدُ دِيْنَ الوَرَى إلاَّ الطَّمَعْ ... حَقًا ولا يُصْلِحُهُ إلاَّ الوَرَعْ لا تَحْمِلَنْكَ كَثْرَةُ الإِنْعَامِ ... عَلَى ارْتِكَابِ سَيِّءِ الآثَامِ ولا تَقُلْ سُوْءًا تَزٍلْ القَدَمَا ... وتُوْرِثْ الطَعْنَ وتُبْدِِ النَّدَمَا لا تَقَرَبَّن مِن وَدَائِعِ البَرِيّهْ ... ولا الوَكَالاتِ ولا الوَصِيَّةْ ... فإنَّهُنَّ سَبَبُ البَلاَيَا ... ومَعْدِنُ الآفَاتِ والرَّزَايَا لا تَشْتَغِلْ إذا حُبِيْتَ النِعَمَا ... بِسُكْرِهَا عن شُكْرِهَا فَتَنْدَمَا لا تَتَّبعْ مَسَاويءَ الإِخْوَانِ ... رَعْيَ الذُبَابِ فَاسِدَ الأبْدَانِ لا خَيْرَ فِيْمَنْ يَحْقِرُ الضَعِيْفَا ... كِبْرًا ولا مَنْ يَحْسُدُ الشَّريْفَا لا تَسْتَقِلَّ الخَيْرَ فالحِرْمَانُ ... أقَلُّ مِنْهُ أيُّها الإِنسَانُ لا تَجْزِعَنْ فَقدْ جَرَى المقْدُوْرُ ... بِكُلِّ ما جَاءَتْ بِهِ الدُهُورُ

لا تَتَخَطَّى فُرَصَ الزَّمَانِ ... إنَّ التَّوَانِي سَبَبُ الحِرْمَانِ أَنْفَاسُكُمْ خُطَاكُمُ إلىَ الأجَلْ ... وخَادِعُ الأعْمَالِ تَقْدِيْمُ الأمَلْ أَمْرُكَ بالمَعْرُوْفِ مِن أعْلَى الرُّتَبِ ... ونَهْيْكَ المُنْكَرَ مِن أقْوَى السَّبَبِ الوَلَدُ البَرُّ يَزْيدُ في الشَّرِفِ ... والوَلَدُ السُوْءُ يَشِيْنُ بالسَّلَفِ الرِفْقُ يُدْنِي المرءَ لِلصَّلاحِ ... وهْوَ لِقَاحُ سُرْعَةِ النَّجَاحِ إسَاءَةُ المُحْسِنِ مَنْعُ البِرِّ ... وتُحْفَةُ المِسُيءِ كَفُّ الشَّرِ تَنَاسَ مِن إخْوانِكَ المسَاوِيَا ... يَدُمْ لَكَ الوِدَادُ مِنْهُمْ صَافِيَا وأَوْلِهِمْ مِن فِعْلِكَ الجَمِيْلاَ ... وَدَعْ مُثَابًا قِيلَهُمْ والقِيلاَ وكُلُ مَنْ أبْدَى إليكَ الفَاقَهْ ... صُنْ عَن مُحَيَّاهُ الذِي أرَاقَهْ بَسْطُ الوُجُوهِ أحَدُ البَذْلَيْنِ ... وأعْظَمُ الْهَمَّيْنِ هَمُّ الدَّيْنِ وإنْ حَفَضتَ الصَّوْتَ ما اسْتَطَعْتَا ... ثم غضَضْتَ الطَّرْفَ أنْتَ أنْتَا للهِ فِي كُلِّ بَلاءٍ نِعْمَهْ ... لا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أنْ يَذُمَّهْ تَمْحِيصُ ذَنْبٍٍ وَثَوَابٌ إنْ صَبَرْ ... وَيْقَظةٌ مِن غَفْلةٍ لِمَنْ نَظَرْ وَتَوْبةٌ يُحْدِثُهَا وصَدَقَةْ ... وَوَعْظُهُ هَدِيَّةٌ مُوَفَّقَةْ وَفي قَضَاءِ اللهِ ثُمَّ في القَدَرِ ... مِن بَعْدَ هَذا عِبْرةٌ لِلْمُعْتَبِرِ أعْمَارُكُم صَحَائِفُ الآجَالِ ... فَجَلِّدُوْهَا أنْفَسَ الأعْمَالِ عَلَيْكَ بالصِّدْقِ ولَوْ أضَرَّكَا ... ولا تُعيِّرْ هَالِكًا فَتَهْلِكَا صَبْرُ الفَتَى عَلى ألِيْمِ كَسْبِهِ ... أسْهَلُ مِن حَاجَتِهِ لِصَحْبِهِ فالصَّبْرُ سَيْفٌ لا يَكَادُ يَنْبُوْ ... والقَنْعُ نجمٌ لا تَرَاهُ يَخْبُوْ جَرْحُ اليَدِيْن عِنْدَ أهْلِ الهِمَمِ ... أهْوَنُ مِن جُرْحِ اللِّسَانِ فافْهَمِ خَيْرُ قَرِيْنِ المرءِ حُسْنُ الخُلُقِ ... يُدْنِي الفَتَى مِن كُلِّ أمْرٍ صَائِبِ ... الحُرُ عبدٌ ما تَرَاهُ طَامِعَا ... والعَبْدُ حُرُّ ما تَرَاهُ قَانِعَا أغْنَى الغِنَى لِلْمَرءِ حُسْنُ العقلِ ... والفَقْرُ كُلُّ الفَقْرِ ذُلُّ الجَهْلِ

إني أرقت، وذكر الموت أرقني

إيَّاكَ أنْ تَخْدَعَكَ الأمَانِي ... فإنَّها قَاتِلَةُ الإِنْسانِ واحْذَرْ لُزُوْمَ سَوْفَ مَا اسْتَطَعْتَا ... فإنَّهُ سَيْفٌ عَسَى وَحَتَّى سَارِعْ إلى الخَيرِ تُلاَقِ رَشَدَا ... وكُنْ مِن الشَرِّ أشَدَّ بُعْدَا وإن صَحِبْتُ المَلِكَ المُعَظَّمَا ... فاحْذَرْ رُجُوعَ الشَّهْدِ منه عَلْقَمَا وانْصَحْهُ والوَرَى مَعًا بالرِفْقِ ... والْبَسْ لَهُمْ دُرْعَيْ تُقًى وصِدْقِ آخِ الذِي يَسُدُ مِنْكَ الخَلَّةْ ... ويَسْتُرُ الزَّلَّةَ بَعْدَ الزَّلَةْ ومَنْ أقَالَ عَثْرةً ومَنْ رَفَقْ ... وكَظَمَ الغَيْظَ إذَا اشْتَدَّ الحُنُقْ فَهْوَ الذِي قَدْ تَمَّ عَقْلاً وكَمُلْ ... ومَن إذا قَالَ مَقَالاً قَدْ فَعَلْ فاشْدُدْ يَدَيْكَ يا بُنيَّ ... تَحْظَ بِعِزٍّ دَائِمٍ سَنِيْ إيَّاكَ أنْ تُهْمِلَ طَرَفَ الطَّرْفِ ... فإنَّه يِسْمُوْ لِكُلِّ حَتْفِ إذا تُسِي إلى أحِيْكَ فاعْتَذِرْ ... وإنْ أَسَاءَ يَا بُنَيِّ فاغْتَفِرْ فالعُذْرُ يَقْضِي بِكَمَالِ العَقْلِ ... والعَفْوُ بُرْهَانٌ لِكُلِّ فَضْلِ وجَانِب الخَلْقَ بِغَيْرِ مَقْتِ ... والْبَسْ لَهُم يا صَاحِ دِرْعَ الصَّمْتِ إذَا الْتَوَتْ مَكَارِهٌ فَنَمْ لَهَا ... وقُلْ عَسَاهَا تَنْجِلِي وعَلَّهَا عَسَى الذِي أصْبَحْتُ فيه مِن حَرَجْ ... يُعْقِبُهُ اللهُ تَعَالَى بالفَرَجْ هَذَا الذِي جَادَتْ بِهِ القَرْيحَةْ ... فاحْذُ عَلَيهِ واقْبَلَ النَّصِيْحَةْ وإنْ رَأْتْ عَيْنَاكَ عَيْبًا صُنْهُ ... تَفضُلاً مِنْكَ وصُدَّ عَنْهُ فَتَسْألُ اللهَ تَعَالَى عَفْوَا ... يُتْبِعُهُ في كُلِّ عُسْرٍ يُسْرَا وصَلِّ يَا رَبِّ عَلَى خَيْرِ الوَرَى ... مَا صَدَّحَتْ قَمْرِيَّةٌ عَلَى الذُرَا والآلِ والأزْوَاجِ والأصْحَابِ ... والتَابِعِيْنِ مِن أُوْلِي الألْبَابِ انْتَهَى آخر: إِنِّي أرِقتُ، وَذِكْرُ المَوتِ أَرَّقَني ... وَقُلتُ لِلْدَّمْعِ: أَسْعِدْنِي فَأَسْعَدَنِي يَا مَنْ يَمُوتُ، فَلَمْ يَحزَنْ لِمِيْتَتِهِ ... وَمَنْ يَمُوتُ فَمَا أَوْلاهُ بِالحزَنِ تَبْغِي النَّجاةَ مِنَ الأَحْدَاثِ مُحْتَرسًا ... وَإِنَّما أَنْتَ وَالعِلاتُ في قَرَنِ ...

من كان يوحشه تبديل منزله

يَا صَاحبَ الرُّوحِ ذِي الأَنْفَاسِ في البدن ... بَيْنَ النَّهَارِ وَبَيْنَ اللَّيْلِ مُرْتَهَنِ لَقَلَّمَا يَتَخَطَّاكَ اخْتَلافُهُمَا ... حَتى يُفَرِّقَ بَيْن الرُّوحِ وَالبَدَنِ طِيبُ الحَيَاةِ لمن خَفَّت مَؤونَتُهُ ... وَلَمْ تَطِبْ لِذَوِي الأَثْقَالِ وَالمُؤنِ لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ مَضَى إِلا تَوَهُّمُهُ ... كَأنَّ من قد قَضَى بِالأَمْسِ لم يَكُنِ وَإِنَّمَا المَرْءُ في الدُّنْيَا بِسَاعَتِهِ ... سَائِلْ بِذَلِكَ أَهْلَ العِلْمِ وَالزَّمنِ مَا أَوْضَحَ الأَمْرَ للمُلْقي بِعِبرتِهِ ... بَينَ التَّفَكر وَالتَّجريبِ وَالفطَنِ أَلَسْتَ يَا ذَا تَرَى الدُّنْيَا مُوَلِيَّةً ... فَمَا يَغُرَّكُ فِيْهَا مِنْ هَنٍ وَهَنِ لأَعْجَبَنَّ وَأَنَّى يَنْقَضِي عَجَبِي ... النَّاس في غَفلَةٍ وَالمَوْتُ في سَننِ وَظَاعِنٍ من بَياضِ الرَّيْطِ كُسْوَتُهِ ... مُطَيَّبٍ لِلْمَنَايَا غَيْرَ مُدَّهَنِ غَادَرْتُهُ بَعْدَ تَشَييعهِ مُنْجَدلاً ... في قرب دَارٍ وفي بُعْدٍ عن الوَطَنِ لا يَسْتَطِيْعُ انْتِقَاصًا في مَحَلَّتِهِ ... من القَبِيْح وَلا يَزْدادُ في الحُسنِ الحمدُ لله شُكْرًا، مَا أَرَى سَكَنًا ... يَلْوي بِبُحْبُوحَة الموتَى على سَكَنِ مَا بَالُ قَوْمٍ وَقَدْ صَحّتْ عُقولُهم ... فِيْمَا ادْعَوْا يَشْتَرَوْنَ الغَيَّ بِالثَّمَنِ لَتَجْذبُنِي يَدُ الدُّنْيا، بِقُوتِهَا ... إلى المَنَايَا وَإِنْ نَازَعْتُهُا رَسَني وأي يومٍ لِمَنْ وَافَي مَنِيَّتَهُ ... يومٌ تَبَيَّنُ فيه صُورَةُ الغَبَنِ لله دُنْيَا أُنَاسٍ دَائِبِيْنَ لَهَا ... قَد أرْتِعُوا في رِياضِ الغَيِّ وَالفتَنِ كَسَائِمَاتٍ رَوَاع تَبْتَغي سَمَنًا ... وَحَتْفُها لَو دَرَتْ في ذَلِكَ السِّمَنِ انْتَهَى آخر: مَنْ كَانَ يُوْحِشُهُ تَبْدِيْلُ مَنْزِلِه ... وَأَنْ يُبَدِّلَ مِنْهَا مَنْزِلاً حَسَنًا مَاذَا يَقُولُ إِذَا ضَمَّتْ جَوَانِبَهَا ... عَلَيْهِ وَاجْتَمَعَتْ مِن هَاهُنَا وَهُنَا مَاذَا يَقُوْلُ إِذَا أَمْسَى بِحُفْرَتِهِ ... فَرْدًا وَقَد فَارَقَ الأهْلِيْنَ وَالسَّكَنَا هُنَاكَ يَعْلَمُ قَدْرَ الوَحْشَتَيْنِ وَمَا ... يَلْقَاهُ مَن بَاتَ بِالَّلْذَاتِ مُرْتَهِنًا يَا غَفْلَةً وَرِمَاحُ الْمَوْتِ شَارِعَةٌ ... وَالشَّيْبُ أَلْقَى بِرَأْسِي نَحْوَه الرَّسَنَا

إذا شئت أن تحيا سعيدا مدى العمر

وَلَمْ أُعِدَّ مَكَانًا لِلَّنِزَالِ وَلا ... أَعْدَدْتُ زَادًا وَلَكِنْ غِرَّةُ ومُنَا إَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ تَوالَى جُوْدُهُ أَبَدًا ... وَيَعْفُ مَن عَفْوُهُ مِن طَالِبِيْهِ دَنَا فَيَا إِلَهِي وَمُزْنُ الْجُودِ وَاكِفَهٌ ... سَحًا فَتُمْطِرُنَا الإِفْضَالُ وَالْمِنَنَا ... آنِسْ هُنَالِكَ يَا رَحْمَنُ وَحْشَتَنَا ... وَالْطُفْ بِنَا وَتَرَفَّقْ عِنْدَ ذَاكَ بِنَا نَحْنُ العُصَاةُ وَأَنْتَ اللهُ مَلْجَؤُنَا ... وَأَنْتَ مَقْصَدُنَا الأَسْنَى وَمَطْلَبُنَا فَكُنْ لَنَا عِنْدَ بَأْسَاهَا وَشِدَّتَها ... أَوْلَى فَمَنْ ذَا الَّذِي فِيْهَا يَكُوُن لَنَا انْتَهَى آخر: إِذَا شِئْتَ أَن تَحْيا سَعيْدًا مَدَى العُمْرِ ... وَتَسْكُنَ بَعْدَ المَوْتِ في رَوْضَةِ القَبْرِ وَتُبْعَثَ عِنْدَ النَّفْخِ في الصُّوْرِ آمنًا ... مِنْ الخَوفِ وَالتَّهْدِيْدِ وَالطُّرْدِ والخُسْرِ وَتُعْرَضَ مَرْفُوعًا كَرِيْمًا مُبَجَّلاً ... تُبَشِّرُكَ الأمْلاَكُ بالفَوْزِ وَالأَجْرِ وَترْجَحَ عِنْدَ الوَزْنِ أَعْمَالُكَ التِيْ ... تُسَرُّ بِهَا في مَوْقِفِ الحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَتَمْضِيْ عَلى مَتْنِ الصِّرَاطِ كَبَارِقٍ ... وَتَشْرَبَ مِنْ حَوْضِ النَّبي المُصْطَفَى الطُّهْرِ وَتَخْلُدَ في أَعْلى الجِنَانِ مُنَعَّمًا ... حَظيًّا بقُرْب الوَاحِدِ الأَحَدِِ الوِِتْرِ عَلَيْكَ بِتَوْحِيْدِ الإِلهِ فَإنَّهُ ... إذَا تَمَّ فَازَ العَبْدُ بالقُرْبِ والأجْرِ

وخُذْ مِنْ عُلُومِ الدِّيْن حَظًّا مُوَفرًا ... فَبِالعِلْمِ تَسْمُوا في الحَيَاةِ وفي الحَشْرِ وَوَاظِبْ عَلى دَرْسِ القُرْآنِ فَإنَّ في ... تِلاَوَتِهِ الأَرْبَاحُ والشَّرْحُ لِلصَّدْرِ أَلا إنَّهُ البَحْرُ المُحِيْطُ وَغيْرُهُ ... مِنْ الكُتْبِ أَنْهَارٌ تُمَدُّ مِنْ البَحْرِ تَدَبَّرْ مَعَانِِيهِ وَرَتِّلْهُ خَاشعًا ... تَفُوزُ مِنْ الأسْرَارِ بالكَنزِْ والذُّخْرِ وَكُنْ رَاهبًا عِندَ الوِعِيدِ وَرَاغبًا ... إذا ما تَلَوْتَ الوَعْدَ في غَايَةِ البِشْرِ بَعِيْدًا عن المَنْهِيّ مُجْتَنبًا لَهُ ... حَريْصًا على المأمُورِ في العُسْرِ واليُسْرِ وَإنْ رُمْتَ أَنْ تَحْظَي بِقَلْبِ مُنَوَّرٍ ... نَقِِىٍّ مِنْ الأَغيَارِ فاعْكُف عَلى الذِّكْرِ وَوَاظبْ عَلَيْهِ في الظلامِ وفي الضِّيَا ... وفي كَلِّ حَالٍ بِاللسَانِ وفي السِّرِّ وَصَفِّ مِنْ الأَكْدَارِ سِرَّكَ إنهُ ... إذَا مَا صَفَا أَوْلاكَ مَعْنىً مِنْ الفِِكْرِ وَبِالجدِّ والصَّبْرِ الجَمِِيْلِ تَحِلُّ في ... فَسِيْحِ العُلى فاسْتوْصِ بالجِدِّ وَالصَّبْرِ

وَكُنْ شَاكرًا لله قَلْبًا وَقَالبًا ... عَلى فَضْلِهِ إنَّ المَزِيْدَ مَعَ الشُّكْرِ تَوَكَّلْ عَلى مَوْلاَكَ وَارْضَ بِحُكْمِهِ ... وَكُنْ مُخْلصًا لله في السِّرِِّ والجَهْرِ قنُوعًا بِمَا أَعْطَاكَ مُسْتَغْنِيًّا بهِ ... لَهُ حَامدًا في حَالَيْ العُسْر وَاليُسْرِ وَكُنْ باذلاً للْفَضْلِ سَمْحًا وَلاَ تَخَفْ ... مِنْ اللهِ إِقْتَارًا ولا تَخْشَ مِنْ فَقْرِ وَإيَّاكَ والدُّنْيَا فإنَّ حَلاَلهَا ... حِسَابٌ وفي مَحْظُوْرِهَا الهَتْكُ لِلسِّرِّ ... وَلاَ تَكُ عَيّابًا وَلاَ تكُ حَاسدًا ... وَلاَ تَكُ ذا غِشّ وَلاَ تَكُ ذا غَدْرِ وَلاَ تطْلُبنَّ الجَاهَ يا صَاحِ إنَّهُ ... شَهِيٌّ وفيْه السُّمُّ مِنْ حَيْثُ لا تَدْرِيْ وَإيَّاكَ وَالأطْمَاعَ إِنَّ قَريْنَها ... ذَلِيْلٌ خَسِيْسُ القَصْدِ مُتَّضعُ القَدْرِ وَإنْ رُمْتَ أَمْرًا فاسْأَلِ اللهَ إنَّهُ ... هُوَ المُفْضِلُ الوَهَّابُ لِلْخَيْرِ وَالوَفْرِ وَأُوْصِيْكَ بِالخَمْسِ التِي هُنَّ يا أخِيْ ... عِمَادٌ لدِيْنِ الله وَاسطَةُ الأَمْرِ وَحَافظْ عَلَيْهَا بِالجماعَةِ دَائمًا ... وَوَاظبْ عليْهَا في العِشَاءِ وفي الفَجْرِ

وكن بين خوف والرجا عاملا لما

وَقُمْ في ظَلاَمِ اللَّيْلِ لله قانتًا ... وَصَلِّ لَهُ وَاخْتِمْ صَلاَتَكَ بالوِتْرِ وَكُنْ تَائبًا مِنْ كُلِّ ذَنْبِ أَتَيْتَهُ ... وَمُسْتَغْفِرًا في كُلِّ حِيْنٍ مِنْ الوِزْرِ عَسَى المُفْضِلُ المَوْلَى الكَرِيْمُ بِمَنِّهِ ... يَجُودُ على ذَنْبِ المُسِيئِينَ بِالغَفْرِ فَإحْسَانُهُ عَمَّ الأنَامَ وُجُوْدُه ... عَلَى كُلِّ مَخْلُوقٍٍ وَإِفْضَالُهِ يَجْرِيْ وَصَلِّ عَلى خَيْر البَريَّةِ كُلِّهَا ... مُحَمَّدٍ المَبْعُوثِ بالبِشْرِ وَالنُّذْرِ انْتَهَى قال الناظم رحمه الله: وكُنْ بَيْنَ خَوْفٍ والرَّجَا عَاملاً لِمَا ... تَخَافُ وَلا تَقْنَطْ وُثُوقًا بِمَوْعِدِ تَذَكَّرْ ذُنوبًا قَدْ مَضَيْنَ وَتُبْ لَهَا ... وَتُبْ مُطْلقًا مَعْ فَقْدِ عِلْمِ التَّعَمُّدِ وبادِرْ مَتَابًا قَبْلَ يُغْلَقُ بَابُه ... وَتُطوَى عَلَى الأَعْمَالِ صُحْفُ التزَوُّدِ فحِيْنَئِذٍ لا يَنْفَعُ المَرْءَ تَوْبَةٌ ... إِذَا عايَنَ الأَمْلاكَ أو غَرْغَرْ الصَّدِي وَلا تَجْعَلِ الآمَالَ حِصْنًا فَإِنَّها ... سَرَابٌ يَغُرُّ الغافلَ الجاهلَ الصَّدِي

لكن ذا الإيمان يعلم أن هاذا

فَبَيْنَا هُوْ مُغْتَرًا يُفَاجِئُهُ الرَّدَى ... فَيُصْبحُ نَدمانًا يَعَضُّ على اليَدِ وَتَوْبَةُ حقِّ اللهِ يَسْتَغْفرُ الفَتى ... وَيَندمُ يَنوي لا يَعودُ إلى الرَّدِي وإنْ كانَ مِمَّا يُوجِبُ الحدَّ ظاهِرًا ... فسَتْرُكَ أَوْلَى مِنْ مُقِرٍّ لِيُحْدَدِ وإن تابَ مِنْ غَصْبٍ فيُشرَطُ رَدُهُ ... وَمَعْ عَجْزِهِ يَنْوِي مَتَى وَاتَ يَرْدُدِ وَمِنْ حَدِّ قَذْفٍ أو قِصاصٍ مَتَابُهُ ... بتَمْكِيْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ مَعَ مَا ابتُدِي وَتَحْلِيْلُ مَظْلُومٍ مَتَابٌ لِنَادِمٍ ... تَدَارُكُ عُدوانِ اللِسَانِ أَو اليَدِ انْتَهَى وَقَالَ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ يَصِفُ الدُّنْيَا: لَكِنَّ ذَا الإيْمَانِ يَعْلَمُ أنَّ ها ... ذَا كالضَّلالِ وَكُلُّ هَذَا فَانِ كَخَيَالِ طَيْفٍ مَا اسْتَتَمَّ زِيَارَةً ... إِلاَّ وَصُبْحُ رَحِيْلِهِ بِأذَانِ وَسَحَابَةٍ طَلَعَتْ بِيَوْمٍ صَائِفٍ ... فَالظِّلُّ مَنْسُوخٌ بِقُرْبِ زَمَانِ وَكَزَهْرَةٍ وَافَى الرَّبِيْعُ بِحُسْنِهَا ... أَوْ لاَمِعَاً فَكِلاَهُمَا أَخَوَانِ

أَوْ كَالسِّرَابِ يَلُوْحُ لِلظَّمْآنِ في ... وَسَطَ الهَجِيْرِ بِمُسْتَوَى القِيْعَانِ أَوْ كَالأَمَانِيْ طَابَ مِنْهَا ذِكْرُهَا ... بالقَوْلِ وَاسْتِحْضَارُهَا بِجنَانِ وَهِيَ الغَرُوْرُ رُؤُوسُ أَمْوَالِ المَفَا ... لَيْسِ الأولِي اتَّجَرُوا بِلاَ أَثْمَانِ أَوْ كَالطَّعَامِ يَلَذُّ عِنْدَ مَسَاغِهِ ... لَكِنَّ عُقْبَاهُ كَمَا تَجِدَانِ هَذَا هُوَ المَثَلُ الذِيْ ضَرَبَ الرَّسُو ... لُ لَهَا وَذَا في غَايَةِ التِّبْيَانِ وَإِذَا أَرَدْتَ تَرَى حَقِيْقَتَهَا فَخذْ ... مِنْهُ مِثَالاً وَاحِدَاً ذَا شَانِ أَدْخِلْ بِجَهْدِكَ أَصْبُعًا فيْ الْيَمِّ وانْـ ... ـظُرْ مَا تَعَلَّقَهُ إِذًا بعَيَانِ هَذَا هُوَ الدُّنْيَا كَذَا قَالَ الرَّسو ... لُ مُمَثِّلاً وَالحَقّ ذُوْ تِبْيَانِ وَكَذَاكَ مَثَّلَهَا بِظِلِّ الدَّوْحِ في ... وَقْتِ الحَرُوْرِ لِقَائِلِ الرُّكْبَانِ هَذَا وَلَوْ عَدَلَتْ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ... عِنْدَ الإِلَهِ الحَقِّ في المِيْزَانِ لَمْ يَسْقِ مِنْهَا كَافِرًا مِنْ شَرْبَةٍ ... مَاءٍ وَكَانَ الحَقُّ بِالحِرْمَانِ

تَاللهِ مَا عَقَل امْرُؤٌ قَدْ بَاعَ مَا ... يَبْقَى بِمَا هُوَ مُضْمَحِلِّ فَانِ هَذَا وَيُفْتِى ثُمَّ يَقْضِي حَاكِمًا ... بالحَجْرِ مِنْ سَفَهٍ لِذَا الإِنْسَان إِذْ بَاعَ شَيْئًا قَدْرُهُ فَوْقَ الذِيْ ... يَعتَاضُهُ مِنْ هَذِهِ الأثْمَانِ فَمَنِ السَّفِيْهُ حَقِيْقَةً إِنْ كُنْتَ ذَا ... عَقْلٍ وَأَيْنَ العَقْلُ لِسَّكْرَانِ وَاللهِ لَوْ أَنَّ القُلُوْبَ شَهدْنَ مِنْ مِـ ... ـنَّا كَانَ شَأْنٌ غَيْرُ هَذَا الشَّانِ نَفَسٌ مِنْ الأَنْفَاسِ هَذَا العَيْش إِنْ ... قِسْنَاهُ بالعَيْشِ الطَّويْل الثَّانيْ يَا خِسَّةَ الشُّرَكَاء مَعْ عَدَمِ الوَفَا ... ءِ وَطُوْلَ جَفْوَتِهَا مِن الهِِجْرَانِ هَلْ فِيْكِ مُعْتَبَرٌ فَيَسْلُو عَاشِقٌ ... بِمَصَارِعِ العُشَّاقِ كُلَّ زَمَانِ لَكِنْ عَلى تِلْكَ العُيُونِ غِشَاوَةٌ ... وَعَلى القُلُوْبِ أكِنَّةُ النِّسْيَانِ وَأَخُوْ البَصَائِرِ حَاضِرٌ مُتَيَقِّظٌ ... مُتَفَرِّدٌ عَنْ زُمْرَةِ العُمْيَانِ ... يَسْمُو إلى ذَاكَ الرَّفِيْقِ الأرْفَعِ ألْأ ... عْلَى وَخَلَّى اللِّعِبَ لِلْصِّبْيَانِ

وَالنَّاسُ كُلُّهُم فَصِبْيَانٌ وَإنْ ... بَلَغُوا سِوَى الأفْرَادِ وَالوِحْدَانِ وَإِذَا رَأَى مَا يَشْتَهِيْه يَقُولُ مَوْ ... عِدْكِ الجِنَانُ وَجَدِّ في الأَثْمَانِ وإِذا أَبَتْ إِلاَّ الجِمَاحَ أعَاضَهَا ... بالعِلْمِ بَعْدَ حَقَائِقِ الإِيْمَانِ ويَرَى مِن الخُسرانِ بَيْعَ الدَّائمِ الْـ ... ـباقِي بِهِ ياذِلَّةَ الخُسْرَانِ وَيَرَى مَضَارِعَ أَهْلِهَا مِنْ حَوْلِهِ ... وَقُلُوْبُهُمْ كَمَراجِلِ النِّيْرَانِ حَسَرَاتُهَا هُنَّ الوَقُوْدُ فَإِنْ خَبَتْ ... زَادَتْ سَعِيْرًا بِالوُقُوْدِ الثَّانِيْ جَاؤُا فُرَادَى مِثْلَ مَا خُلِقُوْا بِلاَ ... مَالٍ وَلاَ أهْلٍ وَلاَ إِخْوَانِ مَا مَعْهُمُو شَيءٌ سِوَى الأَعْمَالِ فَهْـ ... ـيَ مَتَاجِرٌ لِلنَّارِ أَوْ لِجِنَانِ تَسْعَى بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ شَوْقًا إلى الدَّ ... دَارَيْنِ سَوْقَ الخَيْلِ بِالرُّكْبَانِ صَبَرُوا قَلِيْلاً فَاسْتَرَاحُوا دَائِمًا ... يَا عِزَّةَ التَّوْفِيْقِ لِلإنْسَانِ حَمَدُوا التُّقَى عِنْدَ المَمَاتِ كَذَا السُّرَى ... عِنْدَ الصَّبَاحِ فَحَبَّذَا الحَمْدانِ

قوم مضوا كانت الدنيا بهم نزها

وخَدَتْ بِهِمْ عَزَمَاتُهُمْ نَحْوَ العُلَى ... وَسَرَوْا فَمَا نَزَلُوا إِلى نُعْمَانِ بَاعُوا الذِيْ يَفْنَى مِنْ الخَزَفِ الخَسِيْـ ... ـسِ بَدَائِمٍ مِنْ خَالِصِ العِقْيَانِ رُفِعَتْ لَهُمْ في السَّيْرِ أعْلاَمُ السَّعَا ... كَتَسَابُقِ الفُرْسَانِ يَوْمَ رِهَانِ وَأَخُوْ الهُوَيْنَا فِيْ الدِّيَارِ مُخَلَّفٌ ... مَعْ شَكْلِهِ يَا خَيْبَةَ الكَسْلاَنِ انْتَهَى آخر: قَوْمٌ مَضَوْا كَانَتِ الدُّنْيَا بهم نُزَهًا ... والدَّهْرُ كالعِيدِ وَالأوْقَاتُ أَوْقَاتُ عَدْلٌ وَأَمْنٌ وإِحْسَانُ وَبَذْلُ نَدَى ... وَخَفْضُ عَيشٍ نُقَضِّيْهِ وَأَوقَاتُ مَاتُوا وَعِشْنَا فهُم عَاشُوا بِمَوْتِهمُ ... وَنَحْنُ في صُوَرِ الأَحْيَاءِ أَمْوَاتُ للهِ دَرُّ زَمَانٍ نَحنُ فيهِ فَقَدْ ... أَوْدَى بِنَا وَعَرَتْنَا فِيْهِ نَكْبَاتُ جَوْرٌ وَخَوْفٌ وَذُلُ مَالَهُ أَمَدٌ ... وَعِيْشَةٌ كُلُّهَا هَمٌّ وَآفَاتُ وَقَدْ بُلِيْنَا بِقَوْمٍ لا خَلاَقَ لَهُمْ ... إلى مُدَارَاتِهم تَدْعُو الضَّرُوْرَاتُ

إن القناعة كنز ليس بالفاني

مَا فِيْهَمُ مِنْ كَرِيْمٍ يُرْتَجَى لِنَدىِّ ... كَلاَّ وَلا لَهُم ذِكْرٌ إذَا مَاتُوا لا الدِّيْنُ يُوْجَدُ فِيْهم لاَ وَلاَ لَهُمُوْا ... مِن المُرُوْءَةِ مَا تَسْمُوْ بِهِ الذَّاتُ وَالصَّبْرُ قَدْ عَزَّ وَالآَمالُ تُطْمِعُنَا ... وَالعُمْرُ يَمْضِيْ فَتَارَاتٌ وَتَارَاتُ ... وَالمَوْتُ أَهْونُ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ فقَدْ ... زَالَتْ مِنْ النَّاسِ وَاللهِ المُرُوآتُ انْتَهَى آخر: إِنَّ القَنَاعَةْ كَنْزٌ لَيْسَ بالفَانِيْ ... فَاغْنَمْ أٌُخَيَّ هُدِيْتَ عَيْشَهَا الفَانِ وَعِشْ قَنُوعًا بلا حِرْصٍ وَلاَ طَمَعٍ ... تَعِشْ حَمِيْدًا رَفِيْعَ القَدْرِ وَالشَّانِ لَيْسَ الغَنِيُّ كَثِيْرَ المَالِ يَخْزُنَهُ ... لِحَادِثِ الدَّهْرِ أَوْ لِلْوَارِثِ الشَّانِيْ يُجَمِّعُ المَالَ مِنْ حِلٍّ وَمِنْ شُبَهٍ ... وَلَيْسَ يُنْفِقُ في بِرٍّ وَإِحْسَانٍ يَشْقَى بِأَمْوَالِهِ قَبْلَ المَمَاتِ كَمَا ... يِشْقَى بِهَا بَعْدَه في عُمْرِهِ الثَّانِيْ إِنَّ الغَنِّيَ غَنِيُّ النَّفْسِ قَانِعُهَا ... مُوَفَّرُ الحَظِّ مِنْ زُهْدٍ وَإِيْمَانِ بَرٌّ كَرِيْمٌ سَخِيُّ النَّفْسِ يُنْفِقُ مَا ... حَوَتْ يَدَاهُ مِن الدُّنْيَا بِإِيْقَانِ

يا باغي الإحسان يطلب ربه

مُنَوَّرُ القَلْبِ يَخْشَى اللهَ يَعْبُدُهُ ... وَيَتَّقِيْهِ بِإسْرَارٍ وَإعْلاَنِ مُوَفَّقٌ رَاسِخٌ في العِلْمِ مُتَّبِعٌ ... أَثَرَ الرَّسُولِ بإخْلاَصٍ وَإحْسَانِ انْتَهَى آخر: يَا بَاغِيَ الإِحْسَانِ يَطْلُبُ رَبَّهُ ... لِيَفَوزَ منه بِغَايَةِ الآمَالِ انْظُرْ إِلَى هَدْيَ الصَّحَابَةِ والذي ... كانُوا عليه في الزَّمانِ الخَالِ واسْلُكْ طَرِيْقَ القَوْمِ أينَ تَيَمَمُوا ... خُذْ يَمْنَةً فالدَّربُ ذاتُ شَمَالِ تَاللهِ مَا اخْتَارُوا لأنْفُسِهِمْ سِوَى ... سُبْلَ الهُدَى في القَوْل والأَفْعَالِ دَرَجُوا عَلَى نَهْجِ الرَّسُولِ وَهَدْيِهِ ... وَبِهِ اقْتَدَوْا في سَائِرِ الأَحْوَالِ نِعْمَ الرِّفِيْقُ لِطَالِبٍ يَبْغِي الهُدَى ... فَمَآلُهُ في الحَشْرِ خَيْرُ مَآلِ القَانِتِيْنَ المُخْبِتِيْنَ لِرَبِّهمْ ... النَاطِقِيْنَ بأَصْدَقِ الأَقْوَالِ التَّارِكْيْنَ لِكُلِّ فِعْلٍ سَيِءٍ ... وَالعَامِلِيْنَ بأحْسَنِ الأعَمْالِ أهْوَاءُهُمْ تَبَعٌ لِدِيْنِ نَبِيِّهِمْ ... وسِوَاهُم بالضِّدِ مِن ذِي الحَالِ ما شَابَهُمْ في دِيْنِهِم نَقْصٌ وَلاَ ... في قَوْلِهِمْ شَطْحُ الجَهُول الغَالِ

عَمِلُوا بِمَا عَلِمُوا وَلَمْ يَتَكَلَفُوا ... فَلِذَاكَ مَا شَابُوا الهُدى بَضلاَلِ وسِوَاهُمُ بالضِّدِ في أَحْوَالِهِمْ ... تَرَكُوا الهُدَى وَدَعَوا إلَى الإِضْلاَلِ فَهُمْ الأَدِلَةً للحيارى مَنْ يَسِرْ ... بِهُدَاهُمُ لَم يَخْشَ مِن إضْلاَلِ ... وهُمُ النُّجُومُ هِدَايَةً وإضَاءَةً ... وعُلُوَ مَنْزِلَةٍ وَبُعْدَ مَنَالِ يَمُشُوْنَ بَيْنَ الناسِ هَوْنَاً نُطْقُهُمْ ... بالحَقِّ لا بِجَهَالَةِ الجُهَّالِ حِلْمَاً وَعِلْمَاً مَعْ تُقىَّ وَتَواضِعٍ ... وَنَصِيْحَةٍ مَعْ رُتْبَةِ الإِفْضَالِ يُحْيُونَ لَيْلَهُم بِطَاعَةِ رَبِهِمْ ... بِتِلاَوَةٍ وَتَضَرُّعٍ وَسُؤالِ وَعُيُونُهُم تَجْرِيْ بِفَيْضِ دُمُوْعِهِمْ ... مِثْلَ انْهِمَالِ الوابِلِ الهَلاَّلِ في اللَّيْلِ رُهْبَانٌ وعِنْدَ جِهَادِهِمْ ... لِعَدُوِّهِمْ مِن أشْجَعِ الأبْطَالِ وإذَا بَدَا عَلَمُ الرِّهَانِ رَأيْتَهُمْ ... يَتَسَابَقُونَ بِصَالِحِ الأَعْمَالِ بِوُجُوْهِهِمْ أَثَرُ السُّجُودِ لِرَبِّهِمْ ... وَبِهَا أشِعّةُ نُورِهِ المُتَلاَلِ

رأيتك فيما يخطيء الناس تنظر

وَلَقَدْ أَبَانَ لَكَ الكِتَابُ صِفَاتِهِمْ ... فِي سُوْرَةِ الفَتْحِ المُبْينِ العَالِ وبِرَابِعِ السَّبْعِ الطِّوَالِ صِفَاتُهُمْ ... قَوْمٌ يُحِبُهُمْ ذَوُوْا إدْلاَلِ وَبَرَاءَةٍ والحَشْرِ فِيهَا وَصْفُهُمْ ... وبِهَلْ أَتَى وبِسُورَةِ الأَنْفَالِ انْتَهَى آخر: رَأَيْتُكَ فِيْمَا يُخْطِيءُ النَّاسُ تَنْظُرُ ... ورأسُك مِن مَاءِ الخَطِيْئَةِ يَقْطُرُ تَوَارَي بِجُدْرَانِ البُيوتِ عن الوَرَى ... وأنت بِعَيْنِ الله لَوْ كُنْتَ تَشْعُرُ وَتَخْشَى عُيُونَ النَّاسِ أَنْ يَنْظُرُوْا بِهَا ... ولم تَخْشَ عَيْنَ اللهِ وَاللهُ يَنْظُرُ وَكَمْ مِن قَبِيْحٍ قَدْ كَفَى اللهُ شَرَّهُ ... أَلاَ إنهُ يَعْفُو القَبِيْحَ وَيَسْتُرُ إِلَى كمْ تَعَامَى عَنْ أُمورٍ مِنْ الهُدَى ... وَأَنْتَ إذَا مَرَّ الهَوى بِكَ تُبْصِرُ إِذَا مَا دَعَاكَ الرُّشْدُ أحْجَمْتَ دُوْنَهُ ... وَأَنْتَ إِلَى مَا قَادَكَ الغَيُّ تَبْدُوُ وَلَيْسَ يَقُومُ الشُّكْرُ مِنْكَ بِنِعْمَةٍ ... ولكن عَلَيْكَ الشُّكرُ إنْ كُنْتَ تَشْكُرُ وَمَا كُلُّ مَا لَمْ تَأْتِ إِلاَّ كَمَا مَضَى ... مِن اللَّهْوِ في اللذَّاتِ إِنْ كُنْتَ تَذْكُرُ

يا مطلق الطرف المعذب بالأولى

وَمَا هِيَ إِلا تَرْحَةٌ بَعْدَ فَرْحَةٍ ... كَذَلِكَ شُرْبُ الدَّهْرِ يَصْفُو وَيَكْدُرُ كَأَنَّ الفَتَى المُغْتَرَّ لم يَدْرِ أَنَّهُ ... تَرُوحُ عليهِ الحَادِثَاتُ وَتُبْكِرُ أَجِدكَ أَمَّا كُنْتَ وَالْلَّهْوُ غَالِبٌ ... عَلَيْكَ وَأَمَّا السَّهْوُ مِنْكَ فَيَكْثُرُ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ القَيِّمْ: يَا مُطْلِقَ الطَّرْفِ المُعَذَّبِ بالأُولَى ... جُرِّدْنَ عَنْ حُسْنٍ وَعَنْ إحْسَانِ ... لاَ تَسْبِيَنَّكَ صُوْرَةُ مَنْ تَحْتَها الد ... دَّاءُ الدَّفِيْنُ تَبُوْءُ بِالخُسْرَانِ قَبُحَتْ خَلاَئِقُهَا وَقُبِّحَ فِعْلُهَا ... شَيْطَانَةٌ فِي صُوْرَةِ الإِنْسَانِ تَنْقَادُ للأنْذَالِ وَالأرذالِ هُمْ ... أكْفَاؤُهَا مِنْ دُوْنِ ذِيْ الأحْسَانِ مَا ثَمَّ مِنْ دِيْنٍ وَلاَ عَقْلٍ وَلاَ ... خُلُقٍ وَلاَ خَوْفٍ مِنْ الرَّحْمَنِ وَجَمَالُهَا زُوْرٌ وَمَصْنُوعٌ فَإِنْ ... تَرَكَتْهُ لَمْ تَطْمَحْ لَهَا العَيْنَانِ طُبِعَتْ عَلَى تَرْكِ الحِفَاظِ فَمَا لَها ... بِوَفَاءِ حَقِّ الزَّوْجِ قَطُّ يَدَانِ

يا خاطب الحور الحسان وطالبا

إنْ قَصَّرَ السَّاعِيْ عَلَيْهَا سَاعَةً ... قَالَتْ وَهَلْ أوْلَيْتَ مِنْ إحْسَانِ أَوْرَامَ تَقْوِيْمًا لَهَا اسْتَعْصَتْ وَلَمْ ... تَقْبَلْ سِوَى التَّعْوِيْجِ وَالنُّقْصَانِ أَفْكَارُهَا فِي المَكْرِ وَالكَيْدِ الذي ... قَدْ حَارَ فِيْهِ فِكْرَةُ الإنْسَانِ فَجَمَالُهَا قِشْرٌ رَقِيْقٌ تَحْتَهُ ... مَا شِئْتَ مِنْ عَيْبٍ وَمِنْ نُقْصَانِ نَقْدٌ رَدِيءٌ فَوْقَهُ مِنْ فِضَّةٍ ... شَيْءٌ يُظنُّ بِهِ مِنْ الأَثْمَانِ فَالنَّاقِدُوْنَ يَرَوْنَ مَاذَا تَحْتَهُ ... وَالنَّاسُ أكْثَرُهُمْ مِنْ العِمْيَانِ أَمَّا جَمِيلاتُ الوُجُوهِ فَخَائِنَا ... تٌ بُعُولَهُنَّ وَهُنَّ لِلإَخْدَانِ وَالحَافِظَاتُ الغَيْبِ مِنْهُنَّ الَتِي ... قَدْ أَصْبَحَتْ فَرْدًا مِنْ النِّسْوَانِ انْتَهَى وقال: يَا خَاطِبَ الحُورِ الحِسَانِ وَطَالبًا ... لِوِصَالِهنْ بِجَنَّةِ الحَيَوانِ لَو كُنْتَ تَدْرِي مَن خَطَبْتَ وَمَن طَلَبـ ... ـتَ بَذَلْتَ ما تَحْوِي مِنَ الأَثْمَانِ أَوْ كُنْتَ تَدْرِي أَيْنَ مَسْكَنُهَا جَعَلْـ ... ـتَ السَّعْيَ مِنْكَ لَهَا عَلَى الأَجْفانِ

وَلَقَدْ وَصَفْتُ طَرِيْقَ مَسْكَنِهَا فإنْ ... رُمْتَ الوِصَالَ فلا تَكُنْ بالوَانِي أَسْرِعْ وَحُثَّ السَيْرَ جَهْدَكَ إنَّمَا ... مَسْرَاكَ هَذَا سَاعَةً لِزَمانِ فاعْشِقْ وَحَدِّثْ بالوِصَالِ النَّفْسَ وَابْـ ... ـذُِلْ مَهْرَهَا مَا دُمْتَ ذا إمْكَانِ واجْعَلْ صِيَامَكَ قَبْلَ لُقْيَاهَا وَيَوْ ... مَ الوَصْلِ يَوْمَ الفِطْرِ مِن رَمَضَانِ واجْعَلْ نُعُوتَ جَمَالِهَا الحَادِي وسِرْ ... تَلْقَى المَخَاوْفَ وَهِيَ ذَاتُ أَمَانِ لاَ يُلْهِيَنَّكَ مَنْزلٌ لَعِبَتْ بِهِ ... أيْدِي البِلاَ مِنْ سَالِفِ الأَزْمَانِ فَلَقَد تَرَحَّلَ عَنه كُلُّ مُسَرَّةٍ ... وَتَبَدَلَتْ بالهَمِّ والأَحْزَانِ سِجْنٌ يَضِيْقُ بِصَاحِبِ الإِيمانِ لا ... كِنْ جَنةُ المَأْوَى لِذِي الكُفْرانِ ... سُكَّانُها أَهْلُ الجَهَالَةِ والبَطَا ... لَةِ والسَّفَاهَةِ أَنْجَسُ السُّكَانِ وَأَلَذُهُم عَيْشًا فَأَجْهَلُهمُ بِحَـ ... ـقِ اللهِ ثم حَقَائِقِ القُرآنِ

عَمَرتْ بِهِم هَذِي الدِيارُ وَأَقْفَرَتْ ... مِنهم رُبُوعُ العِلْمِ والإيمان قَد آثَرُوا الدُنْيا ولَذَةَ عَيْشِهَا الْـ ... ـفَانِي على الجناتِ والرِضوانِ صَحِبُوا الأمانِيَ وابْتُلُوا بحُظُوظِهِم ... وَرَضُوْا بكُل مَذَلَّةٍ وَهَوانِ كَدْحًا وَكَدًا لا يُفَتَّرُ عَنْهُم ... ما فيه مِن غَمٍّ ومِن أَحْزَانِ والله لَو شَاهَدتَ هَاتِيْكَ الصُدُو ... رِ رَأَيْتَهَا كَمَراجِلِ النِيْرَانِ وَوَقُودُهَا الشَّهَواتُ والحَسَراتُ والآ ... لامُ لا تَخْبُو مَدَى الأزْمَانِ أبْدَانُهم أَجْدَاثُ هَاتِيْكَ النُفُو ... سِ اللاءِ قَد قُبِرتْ مَعَ الأَبْدَانِ أَرْوَاحُهُمْ في وَحْشَةٍ وَجُسُوْمُهُم ... في كَدْحِهَا لا في رِضَا الرحمنِ هَرَبُوا مِن الرِّقِ الذي خُلِقُوا لَهُ ... فَبُلُوا بِرِقِّ النَّفْسِ والشَّيْطَانِ لا تَرْضَ ما اخْتَارُوا هُمُ لِنُفُوسِهِم ... فَقدِ ارْتَضُوا بالذِلِ والحِرمانِ

ليبك رسول الله من كان باكيا

لَوْ سَاوَتِ الدنيا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ... لم يَسْقِ منها الربُّ ذَا الكُفْرَانِ لَكِنَّهَا واللهِ أحْقَرُ عِنْدَهُ ... مِن ذَا الجَناحِ القَاصِرِ الطَّيَرَانِ ولقد تَوَلَتْ بَعدُ عن أصْحَابِهِا ... فالسَّعْدُ منها حَلَّ بالدَّبَرانِ لا يُرتجى منها الوَفَاءُ لِصَبِهَا ... أَيْنَ الوَفَا مِن غَادِرِ خَوَّانِ طُبِعَتْ عَلى كَدْرِ فَكَيفَ يَنَالُهَا ... صَفوٌ أَهَذَا قَطُ في إمكانِ يا عاشِقَ الدُنْيا تَأهَّبْ لِلَّذِي ... قَد نَالَه العُشَاقُ كُلَّ زَمَانِ أَوْ مَا سَمِعْتَ بَل رَأَيْتَ مَصَارِع الْـ ... ـعُشَّاق مِن شِيْبٍ ومِن شُبَّانِ انْتَهَى آخر: لِيَبْكِ رسولَ اللهِ مَن كان بَاكِيَا ... ولا تنْسَ قَبرًا بالمدينةِ ثَاوِيَا جَزَى اللهُ عنَّا كُلَّ خيرٍ محمدًا ... فقد كان مَهْدِيًا دَلِيْلاً وَهَادِيَا وَلَنْ تسْرِيَ الذِكْرى بمَا هُو أهلُهُ ... إِذا كُنْتَ لِلْبَرِّ المُطَهَّرِ نَاسِيَا أتَنْسَى رَسُولَ اللهِ أَفضلَ مَن مَشَى ... وآثارُهُ بالمُسْجِدَيْنِ كَمَا هِيَا

وكان أَبَرَّ الناسِ بالناسِ كُلِّهم ... وَأَكْرَمَهُم بَيْتًا وشعبْاً وَوَادِيَا تَكَدَّرَ مِن بَعدِ النبيِ مُحَمَّدٍ ... عليهِ سلامُ اللهِ مَا كَانَ صَافِيَا ... فَكَم مِن مَنَارٍ كَانَ أَوضَحَهُ لَنَا ... ومِن عَلَمٍ أَمْسَى وأَصْبَحَ عَافِيَا رَكَنَا إِلى الدُنْيَا الدَّنِيَّةِ بَعْدَهُ ... وكَشَّفِتِ الأَطْمَاعُ مِنَّا المَسَاوِيَا وَإِنَّا لَنُرْمَى كُلَّ يَومٍ بعَبْرَةٍ ... نَراها فَمَا نَزْدَادُ إِلاَّ تَمَادِيَا نُسَر بِدَارٍ أَوْرَثَتْنَا تَضَاغُنَا ... عَليهَا وَدَارٍ أَوْرَثَتْنَا تَعَادِيَا إِذَا المَرْءُ لم يَلْبَسْ لِبَاسًا مِن التُقَى ... تَقَلَّبَ عُرْيانًا وإِنْ كَانَ كَاسِيَا أَخِيْ كُنْ عَلى يَأْسٍ مِن الناسِ كُلِّهم ... جَميعًا وكُنْ مَا عِشْتَ للهِ رَاجِيَا أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَكْفِيْ عِبَادَهُ ... فَحَسْبُ عِبَادِ اللهِ باللهِ كَافِيَا وكَمْ مِن هَنَاتٍ مَا عَلَيْكَ لَمَستَهَا ... من الناس يومًا أَوْ لَمسْتَ الأَفَاعِيَا أَخِي قَد أَبَى بُخْلِي وَبُخْلُكَ أَنْ يُرَى ... لِذِي فَاقَةٍ مِنِي ومِنْكَ مُوَاسِيَا

كِلاَنَا بَطِيْنٌ جَنْبُهُ ظَاهِرُ الكِسى ... وفي الناسِ مَن يُمْسِي وَيُصْبِحُ طَاوِيَا كَأَنَّا خُلِقْنَا لِلْبَقَاءِ وَأَيُنَا ... وإنْ مُدَّتِ الدُنْيَا لَهُ لَيْسَ فَانِيَا أَبَى الموتُ إِلاَ أنْ يَكُونَ لِمَنْ ثَوى ... مَن الخَلقِ طُرًا حَيُثُمَا كَانَ لاَقِيَا حَسَمْتَ المُنَى يا مَوْتُ حَسْمًا مُبرِّحًا ... وَعَلَمْتَ يَا مَوْتُ البُكَاءَ البَواكِيَا وَمَزَّقْتَنَا يا مَوْتُ كُلَّ مُمَزَقٍ ... وعَرَّفْتَنَا يَا مَوتُ مَنْكَ الدَوَاهِيَا أَلاَ يَا طَوِيلَ السُّهْوِ أَصْبَحْتَ سَاهِيًا ... وَأَصْبَحتَ مُغْترًا وَأَصْبَحْتَ لاَهِيَا أَفِي كُلِّ يَومٍ نَحْنُ نَلْقَى جَنَازَةً ... وفي كُلِّ يَومٍ نَحْنُ نَسْمَع نَاعِيَا وفي كُلِّ يَومٍ مِنْكَ نَرْثِي لِمُعْوِلٍ ... وفي كل يَومٍ نحنُ نُسْعِدُ بَاكِيَا أَلاَ أَيُهَا البَانِي لِغَيْرِ بَلاَغِهِ ... أَلاَ لِخَرَابِ الدهرِ أَصْبَحْتَ بَانِيَا أَلا لِزَوَالِ العُمْرِ أَصْبَحْتَ جَامِعًا ... وَأَصبَحْتَ مُخْتَالاً فَخُورًا مُبَاهيَا كَأَنَّكَ قَد وَلَيْتَ عن كُلِّ مَا تَرَى ... وخَلَّفْتَ مَن خَلَّفْتَهُ عَنْكَ سَالِيَا انْتَهَى

يا من يطوف بكعبة الحسن التي

آخر: يا مَن يَطُوفُ بكَعْبَةٍ الحُسْنِ التي ... حُفَّتْ بِذَاكَ الحِجْرِ والأَرْكَانِ وَيَظَلُ يَسْعَى دَائِمًا بَيْنَ الصَّفَا ... وَمُحَسِّرٌ مَسْعَاهُ لاَ العَلَمَانِ وَيَرُوْمُ قُرْبَانَ الوِصَالِ عَلى مِنَى ... والخَيفُ يُحْجِبُه عن القُرْبَانِ فَلِذَا تَراهُ مُحْرمًا أَبَدًا وَمَو ... ضِعُ حِلِّهِ مِنْهُ فَلَيْسَ بِدَآنِي يَبْغِي التَّمَتُعَ مُفْردًا عن حِبِّهِ ... مُتَجَرِّدًا يَبْغِي شَفِيْعَ قِرَانِ ... فَيَظَلُّ بالجَمَراتِ يَرْمِي قَلْبَهُ ... هَذِي مَنَاسِكُهُ وَكُل زَمَانِ والناسُ قَد قَضَّوْا مَناسِكَهم وَقَدْ ... حَثُّوا رَكائِبَهم إلى الأَوْطَانِ وَخَدَتْ بهِم هِمَمٌ لَهُمْ وَعَزَائِمٌ ... نَحْوَ المَنَازِلَ أَوَّلَ الأَزْمَانِ رُفِعَتْ لَهُمْ في السّيْرِ أَعْلاَمُ الوصَا ... لِ فَشَمَّرُوْا يَا خَيْبَةَ الكَسْلاَنِ وَرَأَوا عَلى بُعْدٍ خِيَامَاً مُشْرِفَا ... تٍ مُشْرِقَاتِ النُّوْرِ والبُرْهَانِ

فَتَيَمَمُوا تِلْكَ الخِيَامَ فآنَسُوا ... فِيهِنَّ أقْمَارًا بِلاَ نُقْصَانِ مِن قَاصِراتِ الطَّرْفِ لا تَبْغِي سِوَى ... مُحْبُوبِها مِن سَائِر الشُبَّانِ قَصَرَتْ عَليهِ طَرْفَهَا مِن حُسْنِهِ ... والطَرَفُ في ذَا الوَجْهِ لِلنَّسْوَانِ أَوْ أَنَّهَا قَصَرَتْ عَليهِ طَرْفَهُ ... مِن حُسْنِهَا فالطَّرْفُ لِلذُكْرانِ والأَولُ المَعْهُودُ مِن وَضْعِ الخِطَا ... بِ فلا تَحُدْ عَن ظاهِرِ القُرْآنِ وَلَرُبَّمَا دَلَّتْ إشَارَتُه عَلَى الثَّـ ... ـانِي فَتِلْكَ إشَارَةٌ لِمَعَانِي هَذَا وَلَيْسَ القَاصِراتُ كَمَنْ غَدَتْ ... مَقْصُورةً فَهُمَا إذًا صِنْفَانِ يَا مُطْلِقَ الطَّرْفِ المُعَذَّبِ في الألَى ... جُرِّدْنَ عَنْ حُسْنٍ وَعَنْ إحْسَانِ لاَ تَسْبِيَنَّكَ صُوْرَةُ مَنْ تَحْتَها الد ... دَّاءُ الدَّفِيْنُ تَبُوْءُ بِالخُسْرَانِ قَبُحَتْ خَلاَئِقُهَا وَقُبِّحَ فِعْلُهَا ... شَيْطَانَةٌ فِي صُوْرَةِ الإِنْسَانِ

تَنْقَادُ للأنْذَالِ وَالأرذالِ هُمْ ... أكْفَاؤُهَا مِنْ دُوْنِ ذِي الأحْسَانِ مَا ثَمَّ مِنْ دِيْنٍ وَلاَ عَقْلٍ وَلاَ ... خُلُقٍ وَلاَ خَوْفٍ مِنْ الرَّحْمَنِ وَجَمَالُهَا زُوْرٌ وَمَصْنُوعٌ فَإِنْ ... تَرَكَتْهُ لَمْ تَطْمَحْ لَهَا العَيْنَانِ طُبِعَتْ عَلَى تَرْكِ الحِفَاظِ فَمَا لَها ... بِوَفَاءِ حَقِّ الزَّوْجِ قَطُّ يَدَانِ إنْ قَصَّرَ السَّاعِيْ عَلَيْهَا سَاعَةً ... قَالَتْ وَهَلْ أوْلَيْتَ مِنْ إحْسَانِ أَوْ رَامَ تَقْوِيْمًا لَهَا اسْتَعْصَتْ وَلَمْ ... تَقْبَلْ سِوَى التَّعْوِيْجِ وَالنُّقْصَانِ أَفْكَارُهَا فِي المَكْرِ وَالكَيْدِ الذي ... قَدْ حَارَ فِيْهِ فِكْرَةُ الإنْسَانِ فَجَمَالُهَا قِشْرٌ رَقِيْقٌ تَحْتَهُ ... مَا شِئْتَ مِنْ عَيْبٍ وَمِنْ نُقْصَانِ نَقْدٌ رَدِيءٌ فَوْقَهُ مِنْ فِضَّةٍ ... شَيْءٌ يُظنُّ بِهِ مِنْ الأَثْمَانِ فَالنَّاقِدُوْنَ يَرَوْنَ مَاذَا تَحْتَهُ ... وَالنَّاسُ أكْثَرُهُمْ مِنْ العِمْيَانِ

أَمَّا جَمِيْلاتً الوُجُوهِ فَخَائِنَا ... تٌ بُعُولَهُنَّ وَهُنَّ لِلإَخْدَانِ وَالحَافِظَاتُ الغَيْبِ مِنْهُنَّ الَتِي ... قَدْ أَصْبَحَتْ فَرْدًا مِنْ النِّسْوَانِ ... فانْظُرْ مَصَارِعَ مَن يَلِيْكَ وَمَن خَلاَ ... مِن قَبْلُ مِن شِِيْبٍ ومِن شُبَّانِ وارْغَبْ بِعَقْلِكَ أن تَبِيْعَ الغَالِي الْـ ... بَاقِي بذَا الأدْنَى الذِي هُو فَانِي إِنْ كَانَ قَدْ أَعْيَاكَ خُودٌ مِثْلَ مَا ... تَبْغِي وَلَم تَظْفَرُ إلَى ذَا الآنِ فاخْطُبٌ مِن الرحمن خُوْدًا ثُمَّ قَدْ ... دِمْ مَهْرَهَا مَا دُمْتَ ذَا إِمْكَانِ ذَاكَ النِكاحُ عَلَيْكَ أَيْسَرُ إن يَكُنْ ... لَكَ نِسْبَةٌ لِلْعِلْمِ والإِيْمَانِ واللهِ لم تُخْرَجْ إلى الدُنْيَا لِلَّذْ ... دَةِ عَيْشِهَا أَوْ لِلْحُطَامِ الفَانِي لَكِنْ خَرَجْتَ لِكَيْ تُعِِدَّ الزَاد لِلْـ ... أُخْرَى فَجِئْتَ بِأَقْبَحِ الخُسْرَانِ أَهْمَلْتَ جَمْعَ الزَّادِ حَتَّى فَاتَ بَلْ ... فَاتَ الذِيْ أَلْهَاكَ عَن ذَا الشَّان انْتَهَى

تذكر ولا تنس المعاد ولا تكن

آخر: تَذَكَّرْ وَلاَ تَنْسَ الْمِعَادَ وَلا تَكُنْ ... كَأَنَّكَ مُخْلَى لِلمَلاعِبِ مُمْرَجُ وَلاَ تَنْسَ إِذْ أَنْتَ المُوَلْوَلُ حَوْلَهُ ... ونَفْسُكَ مِن بَيْنَ الْجَوَانِحُ تَخْرُجُ وَلاَ تَنْسَ إِذْ أَنْتَ الْمُسَجَّى بِثَوْبِهِ ... وَإِذْ أَنْتَ فِي كَرْبِ السِّيَاقِ تُحَشْرجُ وَلاَ تَنْسَ إِذْ أَنْتَ الْمُعَزَّى قَرِيْبُهُ ... وَإِذْ أَنْتَ فِي بِيْضٍ مِن الرَّيْطِ مُدْرَجُ وَلاَ تَنْسَ إِذْ يَهْدِيْكَ قَوْمٌ إِلَى الثَّرَى ... إِذْا مَا هَدَوْكَاهُ انْثَنَوا لَمْ يُعَرِّجُوا وَلاَ تَنْسَ إِذْ قَبْرٌ وإِذْ مِن تُرَابِه ... عَلَيْكَ بِه رَدْمٌ وَلِبْنٌ مُشَرَّجُ وَلاَ تَنْسَ إِذْ تُكْسَى غَدًا مِنْهُ وَحْشَةً ... مَجَالِسُ فِيْهِنَّ العَنَاكِبُ تَنْسِجُ وَلاَ بُدَّ مِنْ بَيْتِ انقطاعٍ وَوَحْدَةٍ ... وَإنْ سَرَّكَ البَيْتُ العَتِيْقُ الْمُدَبَّجُ أَلاَ رُبَّ ذِيْ طِمْرٍ غَدًا فِي كَرَامَةٍ ... وَمَلْكٍ بِتِيْجَانِ الْهَوَانِ مُتَوَّجُ لَعَمْرُكَ مَا الدَّنْيَا بِدَارِ إِقَامَةٍ ... وَإنْ زَخْرَفَ الغَاوُوْنَ فِيْهَا وَزَبْرَجُوا انْتَهَى آخر: إِنْ كُنْتَ تَطْمَعُ في الحَيَاةِ فَهاتِ ... كَمْ مِن أَبٍ لَكَ صَارَ في الأَمْوَاتِ

مَا أَقْرَبُ الشَّيءَ الجَدِيْدَ مِن البِلَى ... يَومًا وَأَسْرعَ كُلَّ مَا هُوَ آتِ اللَّيْلُ يَعْمَلُ وَالنَّهَارُ وَنَحْنُ عَـ ... ـمَّا يَعْمَلانِ بأغْفَلِ الغَفَلاَتِ يا ذَا الذِي اتَّخَذَ الزَّمَانَ مَطِيَّةً ... وخُطَا الزَّمَانِ كَثِيْرَةُ العَثََراتِ مَاذَا تَقُولُ وَلَيْسَ عِنْدَكَ حُجَّةٌ ... لَوْ قَدْ أَتَاكَ مُنْغِّصُ اللَّذَاتِ ... أَوْ مَا تَقُولُ إذا سُئِلْتَ فَلَمْ تُجِبْ ... وإِذا دُعِيْتَ وَأَنْتَ في الغَمَرَاتِ أَوْ مَا تَقُولُ إِذَا حَلَلْتَ مَحَلَّةً ... لَيْسَ الثِّقَاتُ لأَهْلِهَا بِثِقَاتِ أَوَ مَا تَقُوْلُ وَلَيْسَ حُكْمُكَ نَافِذَاً ... فِيْمَا تُخَلِّفُهُ مِن التَّرِكَاتِ مَا مَنْ أَحَبَّ رِضَاكَ عَنْكَ بِخَارِجٍ ... حَتَّى تَقَطَّعَ نَفْسُهُ حَسَراتِ زُرْتُ القُبُورَ قُبُورَ أَهْلِ المُلْكِ في الدُ ... نْيَا وَأَهْلِ الرَّتْعِ في الشَّهَوَاتِ كَانُوا مُلُوْكَ مَآكِلٍ وَمَشَارِبٍ ... وَمَلابِسْ وَرَوَائِحٍ عَطِرَاتِ

عسى توبة تمحى بها كل زلة

فَإِذَا بِأَجْسَادٍ عَرَيْنَ مِن الكِسَا ... وَبِأَوْجُهٍ في التُّرْبِ مُنْعَفِرَاتِ لَمْ تُبْقِ مِنْهَا الأرْضُ غَيْرَ جَمَاجِمٍ ... بِيْضٍ تَلُوْحُ وَأَعْظُمٌٍ نَخِرَاتِ إِنَّ المقَابِرَ مَا عَلِمْتَ لَمَنْظِرٌ ... يَهْدِي الشَّجَا وَيُهَيِّجُ العَيبَرَاتِ سُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ العِبَادَ بقُدْرَةٍ ... بارِي السُّكُونِ وَنَاشِر الحَرَكَاتِ انْتَهَى آخر: عَسَى توْبَةٌ تُمْحَى بِهَا كُلُّ زَلَّةِ ... وَتَغْسِلُ أَدْرَانَ القُلُوبِ المَرِيْضَةِ أَجدكَ مَا الدُنْيَا وَمَاذَا نَعِيْمُهَا ... وَهَلْ هِيَ إِلاَّ دَارُ بُؤْسٍ وَحَسْرَةِ ولم أَرَى فِيْهَا مَا يَرُوْقَ بَلَى بِهَا ... تُرِيْقُ دَمَ الأَعْمَارِ أَسْيَاقُ غَفَلَةِ إِذَا أَدْرَكِتَ فَيْهَا مَسَّرةَ سَاعَةٍ ... أَتَتْكَ إِسَاءَاتٌ تُنِسِيْكَ بالَّتِي وَإِنْ عَطَفَتَ فالعَطْفُ عَطْفَ تَوَهُمٍ ... فإيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَ مِنْهَا بعَطْفَةِ رَأَيْنَا أُنَاسًا قَدْ أَنَاخَتْ بِسَوْحِهِم ... وَقَالَتْ خُذُوا مِن زَهْرَتِي كُلَّ مُنْيَةِ فَغَرَّتْهُمُ حَتَّى اسْتَبَاحُوا حَرِيْمَهَا ... وَحَطُّوا بِهَا الأَثقَالَ مِن كُلِّ شَهْوَةِ

فَمَا هِيَ إِلاَّ أَنْ أَرَتْهُمْ نَعِيْمَهَا ... وَمَدَّدُوْا أَعْنَاقًا إِلى كُلِّ لَذَّةِ أَتَتْهُم فأجْلَتْ عَنهُمُ كُلَّ شَهْوةٍ ... أَرادُوا وَأَخْلَتْ مِنْهُم كُلَّ غُرْفَةِ فَصَارُوا أَحَادِيْثًا لِكُلِّ مُحَادِثٍ ... وَهُمْ سَمَرُ السُّمَارِ في كُلِّ سَمْرَةِ وَلِلْعَيْنِ كَانُوا قُرَّةً ثُمَّ أَصْبَحُوْا ... وَهُمْ عِبْرةٌ تَجْري بِهَا كُلُ عَبْرَةِ تَبَدَّلَ مِنها كُلُ شَيءٍ بضِدِّهِ ... فإيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ فِيْهَا بِرُتْبَةِ فَصِِحَّتُها والعِزُ والمَالُ بَعْدَهَا ... سَقَامٌ وذِلٌ وافْتِقَارٌ بِقِلَّةِ أَرَى هَذِهِ الأَعمارَ أَحْلامَ نائمٍ ... وَلَذَتَهَا طَيْفًا أَلَمَّ بمُقْلَتِي أَلَسْتَ تَرى الأَتْرَابُ قَدْ رَحَلُوا إِلَى ... تُرابٍ وَحَلَّوْا في مَنَازِلِ وَحْشَةِ ... مُقِيمِينَ فِيَمَا يَنْظُرونَ مَتَى مَتَى ... تَرُوْحُ إِليْهِم في عَشِيٍّ وَبُكْرَةِ وَتُقْبِلُ في جَيْشٍ قُصَارَى مَرَامِهم ... نُزُولُكَ فَرْدًا حُفْرةً أَيَّ حُفْرَةِ وَيَحْثُو عَلَيْكَ التُرْبَ كُلُ مُشَيِّعٍ ... ثَلاثَاً وَهَذَا مِن فِعَالِ الأَحِبَةِ

ليس الحوادث غير أعمال امريء

فَتَنْزِلُ دَاراً لا أَنِيْسَ بهَا وَلاَ ... خَلِيلَ بها تُفْضِي إِليهِ بخُلَّتِي سَوَى رَحْمَةِ الرَّحْمنِ يَا خَيْرَ رَاحِم ... أَسَأْنَا فَقَابِلْنَا بِعَفْوٍ وَرَحْمَةِ وَصَلِّى عَلَى المُخْتَارِ والآلِ إِنَّهَا ... لِحُسْنِ خِتَامِ في نِظَامِ القَصِيْدَةِ انْتَهَى غيره: لَيْسَ الحَوادِثُ غَيرَ أَعْمَالِ امْرِيءٍ ... يُجْزَى بهَا مِن خَيرِهِ أوْ شَرِّه فإِذا أًصِبْتَ بما أُصِيْتَ فلا تَقُلْ ... أُوذِيتُ مِن زِيْدِ الزَّمانِ وعَمْرِهِ وأَثْبُتْ فكَمْ أَمْرٍ أَمَضَّكَ عُسَرُهُ ... ليلا فبَشَّرَك الصبَّاحُ بيُسْرِهِ ولَكَمْ علَى نَاسٍ أَتَىَ فَرَجُ الفَتَى ... مِن سِرِّ غَيْبٍ لا يَمُرُّ بِفكْرِهِ فاضْرَعْ إلى الله الكريم ولا تَسِلْ ... بَشَرًا فَلَيْسَ سِوَاهُ كَاشِفَ ضُرِّه واعْجَبْ لنَظْمِىَ والهُمُومُ شَواغِلٌ ... يُلْهِينَ عَن نظمِ الكلامِ ونَثْرِهِ انْتَهَى آخَرُ: إلَهِي لا تُعَذَبَنْي، فَإِنِّي ... مُقِرٌّ بالذّي قَدْ كانَ مِنِّي وَمَا لِيْ حِيْلَةٌ، إلاَّ رَجائي، ... وَعَفْوُكَ، إنْ عَفَوْتَ، وَحُسْنُ ظَنيِّ فكَمْ مِنْ زَلّةٍ لِي في البَرايَا، ... وَأَنْتَ عَليَّ ذُوْ فَضْلٍ، وَمَنِّ

والجنة اسم الجنس وهي كثيرة

إذا فَكّرْتُ في نَدَمِي عَلَيها، ... عَضَضْتُ أنامِلي، وَقَرَعْتُ سِنِّي يَظُنُّ النّاسُ بِي خَيْرًا، وَإِنِّيْ ... لَشَرُّ النّاسِ، إنْ لم تَعْفُ عَني أُجَنُّ بِزَهْرَةِ الدّنْيَا جُنُونًا، ... وَأُفِنْي العُمْرَ فيها بالتَّمَني وَبَيْنَ يَدَيَّ مُحْتَبَسٌ ثَقِيْلٌ، ... كأنِّي قد دُعِيْتُ لَهُ، كَأنِّي وَلَوْ أَنِّي صَدَقْتُ الزُّهْدَ فيها، ... قَلَبْتُ لأهْلِهَا ظَهْرَ المِجَنِّ انْتَهَى قَالَ ابنُ القَيم رَحِمَهُ اللهُ: وَالجَنَّةُ اسْمُ الجنسِ وهْيَ كَثِيْرَةٌ ... جِدَا ولكَنْ أَصْلُها نَوعَانِ ... ذَهَبِيَّتَانِ بِكُلِ مَا حَوتَاهُ مِنْ ... حُلْيٍ وَآنِيَةٍ وَمِن بُنْيَانِ وَكَذَاكَ أيْضًا فِضَّةٌ ثِنْتَانِ مِنْ ... حُلْيٍ وَبُنْيَانِ وَكُلِِّ أَوانِ لَكِنَّ دارَ الخُلْدِ والمَأْوَى وَعَدْ ... نٍ والسلامِ إضَافَةٌ لِمَعانِ أَوْصَافُها اسْتَدعَتْ إَضَافَتَها إِلَيْهَا ... مِدْحَةً مَعَ غَايَةَ التِبْيَانِ لَكنَّمَا الفِرْدَوس أَعْلاَهَا وَأَوْ ... سَطُهَا مَسَاكِنُ صَفْوَةِ الرحمنِ أَعْلاَهُ مَنْزِلَةً لأَعْلَى الخَلْقِ مَنْـ ... ـزِلةً هُو المَبْعُوثُ بالقُرْآنِ وَهِيَ الوَسِيْلَةُ وَهِيَ أَعْلَى رُتْبَةً ... خَلُصَتْ لَه فَضْلاً مِن الرحمنِ

أذل الحرص والطمع الرقابا

ولقد أتَى في سُوْرَةِ الرحمنِ ... تَفْصِيْلُ الجِنَان مُفَصَّلاً بِبَيَانِ هِي أَرْبَع ثِنْتَانِ فَاضِلَتَانِ وَ ... يَلِيْهِمَا ثِنْتَانِ مَفْضُولانِ فالأَوْلَيَانِ الفُضْلَيَانِ لأَوْجُهٍ ... عَشْرٍ وَيَعْسُرُ نَظْمُهَا بِوِزَانِ وإِذا تَأَمَّلْتَ السِّيَاقَ وَجَدْتَهَا ... فِيْه تَلُوحُ لِمَنْ لَهُ عَيْنَانِ سُبحانَ مَنْ غَرَسَتْ يَدَاهُ جَنَّةَ ... الفَرْدَوسِ عِنْدَ تَكَامُلِ البُنْيَانِ وَيَدَاهُ أيضًا أتْقَنَتْ لِبِنَائِهَا ... فَتَبَارَكَ الرحمنُ أَعْظَمُ بَانِي لَمَّا قَضَى رَبُ العِبَادِ الغَرْسَ قَا ... لَ تَكَلَمِيْ فَتكَلَّمَتْ بِبَيَانِ قَد أَفْلَحَ العبدُ الذي هُوَ مُؤْمِنٌ ... مَاذَا ادَّخَرْتَ لَهُ مِن الإحسانِ انْتَهَى آخر: أذَلّ الحِرْصُ والطّمَعُ الرِّقابَا، ... وقَد يَعفُو الكَريمُ، إذا اسْتَرَابَا إذا اتَّضَحَ الصّوابُ، فلا تَدَعْهُ، ... فإنّكَ قَلّمَا ذُقتَ الصَّوابَا وَجَدْتَ لَهُ على اللَّهَواتِ بَرْدًا، ... كَبَرْدِ الماءِ حِيْنَ صَفَا وطابَا ولَيس بحاكِمٍ مَنْ لا يُبَالي، ... أأخطَأ في الحُكُومَةِ أَمْ أصابَا وإنَ لِكُلِّ تَلْخِيْصٍ لَوَجْهًا، ... وإنّ لِكُلِّ ذِي عَمَلٍ حٍسَابَا وإنَّ لِكُلِّ مُطّلَعٍ لَحَدَاً، ... وإنّ لِكُلّ ذِي أجَلٍ كِتابَا

ليت شعري ساكن القبر المشيد

وكُلُّ سَلامَةٍ تَعِدُ المَنَايَا، ... وكُلُّ عِمارَةٍ تَعِدُ الخَرابَا وكُلُّ مُمَلَّكٍ سَيَصِير يَوْمًا، ... وما مَلَكَتْ يَداهُ مَعًا تُرابَا أبَتْ طَرَفَاتُ كُلِّ قَريرِ عَين ... بَها، إلاّ اضْطِرابًا وانْقِلابَا كَأَنَّ مَحَاسِنَ الدّنْيا سَرابٌ، ... وأيُّ يَدٍ تَنَاوَلتِ السرَّابَا ... وإنْ يَكُ مُنْيَةٌ عَجِلِتْ بِشَيءٍ ... تُشَرُّ به، فإِنَّ لَهَا السرَّابَا فَيا عَجَبَا تَمُوتُ، وأَنتَ تَبْني، ... وتَتَّحِذ المَصانِعَ والقِبَابَا أَرَاكَ، وكُلَّمَا فَتَّحْتَ بَابًا ... مِنَ الدّنْيا، فَتَحْتَ عَلَيْكَ نَابَا ألمْ تَرَ أنّ غُدْوَةَ كُلِّ يَوْمٍ، ... تَزيْدُكَ، مِن مَنِيَّتِكَ، اقْترَاباَ وحُقّ لِمُوْقِنٍ بالمَوْتِ أَنْ لاَ ... يُسَوِّغَهُ الطّعامَ، ولا الشّرَابَا يُدَبِّرُ ما تَرَى مَلِكٌ عَزيْزٌ، ... بِهِ شَهِدَتْ حَوادِثُهُ وغَابَا أَلَيْسَ اللهُ في كُلٍ قَرِيْبًا؟ ... بَلَى! مِن حَيثُ ما نُوُدِي أَجَابَا ولم تَرَ سَائِلاً للهِ أَكْدَى، ... ولمْ تَرَ رَاجِيًا للهِ خَابَا رَأَيْتَ الرُّوْحَ جَدْبَ العَيشِ لَمَّا ... عَرفتَ العَيشَ مَخْضًا، واحْتِلابَا ولَسْتَ بِغَالِبِ الشَّهَوَاتِ، حَتَّى ... تُعدِّ لَهُنَّ صَبْرًا واحْتِسَابَا فكُلُّ مُصيبَةٍ عَظُمَتْ وجَلّتْ ... تَحِفّ، إذا رَجوْتَ لَها ثَوَابًا كَبِرْنَا أَيُّهَا الأَتْرَابُ، حتى ... كأنا لم نكُنْ حِيْنًا شَبَابَا وكُنَّا كالغُصُونِ، إذا تَشَنّتْ ... مِنَ الرّيحانِ مُونِعَةً واسْتِلابَا ألاَ ما لِلكُهُولِ ولِلتّصابِي، ... إذا ما اغْتَرَّ مُكْتهَلٌ تَصَابَى فَزِعْتُ إلى خِضابِ الشّيِبِ مِنّى ... وإنَّ نُصَولَهُ فَضَحَ الخِضَابَا انْتَهَى آخر: لَيْتَ شِعْري سَاكَن القَبرِ المشِيْدْ ... هَلْ وَجَدْتَ اليومَ فيهِ مِن مَزيْدْ وَهَل البَاطنُ فيهِ مثْلُ مَا ... هُوَ في الظَاهرِ تَزْوِيْقًا وَشِيْدْ

وعبد الهوى يمتاز من عبد ربه

وَهَل المضْجَعُ فيْهِ لَيِّنٌ ... أَوْ سَعِيْرٌ مالَهَا فيه خُمُوْدْ وَهَل الأَرْكانُ فيه بالتُّقَى ... نَيَّراتٌ أوْ بأَعْمَالكَ السُوْدْ لَيْتَ شعْرِيْ سَاكِن القَبْرِ المُشَيْدْ ... أَشَقىٌ أَنْتَ فيه أَمْ سَعِيْدْ أقَريْبٌ أنْتَ من رَحْمَةِ مَنْ ... وَسِعَ العَالمَ إِحسَانًا وُجُوْدْ أم بَعيْدٌ أنْتَ مِنْهَا فَلَقَدْ ... طُرِقَتْ دَارُكَ بَالوَيْل البَعِيْدْ وَلَقَدْ حَلَّ بِأرْجَائِكَ مَا ... ضَاقَ عَنْهُ كُلُّ مَا في ذَا الْوُجُوْدْ أيُّهَا الغَافلُ مِثْلِيْ وإلىَ ... كَمْ تَعَامَي وتَلَوْي وَتَحِيْدْ ادْنُ فَاقْرَأْ فَوْقَ رَأَسِيْ أَحْرُفًا ... خَرَجَتْ وَيْحَكَ مِنْ قَلْبٍ عَمِيْدْ ... صَرَعَتْهُ فِكْرَةٌ صَادقَةٌ ... وهُمُوْمٌ كَلَّمَا تَمْضِيْ تَعُوْدْ وَنَدَاماتٌ لأيَّامٍ مَضَتْ ... هُوَ مِنْهَا في قِيَامٍ وَقُعُوْدْ وغَدًا تَرْجِعُ مِثْلِيْ فاتُّعِظْ ... بيْ وإِلاَّ فَامْضِ وأعْمَلْ مَا تُرِيْدْ قَدْ نَصَحْنَاكَ فإن لَمْ تَرَهُ ... سَيَراهُ بَصَرُ مِنْكَ حَدِيْدْ انْتَهَى قال بعضهم: وَعَبْدُ الهَوَى يَمْتَازُ مِن عَبْدِ رَبِّهِ ... لَدَى شَهْوةٍ أَوْ عِنْدَ صَدْمنِ بَلِيَّةِ بِكِيْرِ البَلاَ يَبْدُوْ مِن التِّبْرِ حُسْنُهُ ... وَيَبْدُو نُحَاسُ النَّحْسِ فِي كُلِّ مِحْنَةِ خَلاَ مِنْ حُلَى قَوْمِ كِرَامٍ تَدَرَّعُوا ... دُرُوْعَ الرِّضَا والصَّبْرِ في كُلِّ شدَّةِ وَلاَقَوْا طِعَانَ النَّفْسِ فِي مَعْرَكِ الهَوَى ... وَرَاحُوْا وَقَدْ أرْوَوْا مَوَاضِي الأَسِنَّةِ وَسَاقُوْا جِيَادَ الجِدِّ عِنْدَ اشْتِيَاقِهِمْ ... وَأَرْخَوْا لَهَا نَحْوَ العُلاَ لِلأَعِنَّةِ

قد أمست الطير والأنعام آمنة

سَمَوْا فاعْتَلَوْا بِيْضَ المَعَالِيْ عَوَالِيًا ... بَبَيْضِ العَوَالِي فِِي القُصُوْرِ العَلِيَّةِ مَقَامَاتِ قَوْمٍ أَتْعَبُوْا النَّفْسَ فِي السُّرَى ... وفَازُوْا بِمَا نَالُوْهُ فَوْقَ الأَسِرَّةِ وَطَيَّبَ عَيْشٍ بالطَوى ثُمَّ بالظَّمَا ... شَرَابَ كُؤُوس حَالِيَاتٍ هَنَيَّةِ بجَنَّاتِ عَدْنٍ فِي رِيَاضٍ أنِيْقةٍ ... لَهُمْ ذُلِّلَتْ مِنْهَا قُطُوْفٌ تَدَلَّتِ جَنَوْا مِنْ جَنَاهَا زَاكِيًا لاَ يَذُوْقُهُ ... مِنَ الْخَلْقِ إلاَّ كُلُّ نَفْسٍ زَكِيَّةِ تَسَلَّتْ عَن الدُّنْيَا وَماتَتَ عَنِ الهَوَى ... وَغَسَّلَهَا فِي مَوْتها مَاءُ دَمْعَةِ وَصَلَّتْ عَلَيْهَا صَالِحَاتُ فِعَالِهَا ... وَقَدْ كُفِّنَتْ في بِيْضِ أَثْوَابِ تَوْبَةِ وَنَالَتْ مُنَاهَا والسَّعَاداتِ كُلَّهَا ... فَيَا سَعْدَ نَفْسٍ أدْرَكَتْ مَا تَمَنَّتِ انْتَهَى آخر: قَدْ أَمْسَتْ الطَّيرُ وَالأَنْعَامُ آمِنةً ... وَالنُّونُ في البَحْرِ لا يَخْشَى لَهَا فَزَعُ وَالآدِمي بِهَذَا الكَسْبِ مُرْتَهَنٌ ... لَهُ رَقِيْبٌ عَلَى الأَسْرَارِ يَطَّلِعُ

أو ما سمعت منادي الإيمان

إذا النَّبِيُونَ والأَشْهَادُ قَائِمَةٌ ... وَالجِنُّ وَالإِنْسُ وَالأَمْلاكُ قَدْ خَشعُوا وَطَارتْ الصُّحْفُ في الأَيْدِي مُنْشَّرَةً ... فِيْهَا السَّرَائرُ وَالأَخْبَارُ تُطَّلَعُ فَكَيْفَ سَهْوُكَ وَالأَنْبَاءُ وَاقعَةٌ ... عَمَّا قَلِيْلٍ وَمَا تَدْرِي بِمَا تَقَعُ أَفِي الجِنَانِِ وَفَوزٍ لا انْقِطَاعَ لَهُ ... أَمْ الجَحِيْمِ فَلا تُبْقِي وَلا تَذَرُ ... تَهْوِي بُسُكَّانِهَا طَوْرًا وَتَرْفُعُهُمْ ... إِذَا رَجَوا مَخْرَجًا مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا طَالَ البُكاءُ فَلَم يَنْفَعْ تَضرُّعُهُم ... هَيْهَاتَ لا رِقّةٌ تُغْنِي وَلا جَزَعُ لِيْنفَعِ العِلْمُ قَبْلَ المَوْتِ عَالِمَهُ ... قد سَالَ قَوْمٌ بهَا الرُّجْعَى فَمَا رَجَعُوا انْتَهَى وقُال ابْنُ القَيّم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَوَ مَا سَمِعْتَ مُنَادِيَ الإِيْمَانِ ... يُخْبرُ عن مُنَادِي جَنّةِ الحَيَوانِ يا أهْلَها لَكُمُ لدَى الرحمن وَعْـ ... ـدُ هْوَ مُنْجِزُهُ لكُمْ بضَمَانِ قالُوا أَمَا بَيَّضْتَ أَوْجُهَنا كَذَا ... أَعْمَالَنَا ثَقَّلْتَ في المِيْزَانِ

وَكَذَاكَ قَدْ أَدْخَلْتَنا الجَناتِ حِيْ ... نَ أَجَرْتَنَا مِنْ مَدْخَلِ النِيرانِ فيقولُ عِنْدِي مَوْعِدٌ قَدْ آنَ أنْ ... أُعْطِيْكُمُوهُ بِرَحْمَتِيْ وَحَنَانِيْ فَيَروْنَهُ مِن بَعْدِ كَشْفِ حِجَابِهِ ... جَهْرَاً رَوَى ذَا مُسْلِم بِبَيَانِ وَلَقَدْ أَتَانَا في الصَّحِيْحَيْنِ اللَّذي ... نِ هُمَا أَصَحُّ الكُتْبِ بَعدَ قُرآنِ بِروَايَةِ الثِّقَةِ الصَّدُوْقِ جَريرٍ الْـ ... بجَلِيِّ عَمَّن جَاء بالقُرْآنِ أَنَّ العِبَادَ يَروْنَهُ سُبْحَانَهُ ... رُؤْيا العِيَانَ كَمَا يُرَى القَمَرَانِ فإنْ اسْتَطَعْتُمْ كُلَّ وَقْتٍ فاحُفَظُوا الْـ ... ـبَرْدَيْنِ ما عِشْتُم مَدَى الأزمانِ ولقد رَوَى بَضْعٌ وَعشْرُوْنَ امْرُوءٌ ... مِن صَحْبِ أحْمَدِ خِيْرةِ الرّحْمَنِ أَخْبَارَ هَذَا البابِ عَمَّنْ قَد أَتَى ... بالوَحْيِ تَفْصِيْلاً بلا كِتْمَانِ وَأَلَذُ شَيءٍ لِلْقُلُوبِ فَهَذِهِ الْـ ... أَخبارُ مَعْ أَمْثَالِهَا هِيَ بَهْجَةُ الإيْمَانِ

واللهِ لَولاَ رُؤْيَةُ الرَّحْمَنِ في الْـ ... جَنَّاتٍ ما طَابَتِ لِذِي العٍِرْفَانِ أَعْلَى النَّعِيْمِ نَعِيْمُ رُؤْيَةِ وَجْهِهِ ... وَخِطَابُه في جَنَّةِ الحَيَوانِ وَأَشدُ شَيءٍ في العَذَابِ حِجَابُهُ ... سُبْحَانَه عَن سَاكِنِي النِيْرَانِ وإِذَا رَآهُ المُؤْمِنُونَ نَسُوْا الَّذِي ... هُمْ فِيه مِمَّا نَالَتِ العَيْنَانِ فإذا تَوَارَى عَنْهُم عَادُوا إِلَى ... لَذَاتِهم مِن سَائِرِ الأَلْوَانِ فَلَهُم نَعِيْمٌ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ سِوَى ... هَذَا النَّعِيْمِ فَحَبَذَا الأَمْرَانِ أَو مَا سَمِعْتَ سُؤَالَ أَعْرفِ خَلْقِه ... بجَلاَلِهِ الْمَبْعُوثِ بالقُرْآنِ شَوقًا إليهِ وَلَذَةِ النَّظَرِ الذِي ... بجَلاَلِ وَجْهِ الربِ ذِي السُلْطَانِ فالشَّوْقُ لَذَةٌ رُوُحه في هَذِهِ الدُّ ... دَنْيَا وَيَوْمَ قِيَامَةِ الأبْدَانِ ... تَلْتَذُ بالنَّظَرِ الذي فَازَتْ بِهِ ... دُوْنَ الجَوارِحِ هَذِهِ العَيْنَانِ

محمد المصطفى المختار من ظهرت

واللهِ مَا في هَذِهِ الدُنْيَا أَلَذَ ... مِن اشْتِيَاقِ العَبْدِ لِلرَّحْمَنِ وَكَذَاكَ رُؤْيَةُ وَجْهِهِ سُبْحَانَهُ ... هِيَ أَكْمَلُ اللَّذَاتِ لِلإِنْسَانِ انْتَهَى آخر: محَمَّدُ المُصْطفى المُخَتارُ مَنْ ظَهَرَتْ ... آيَاتُهُ فَتَسَلَّى كُلُّ مَحْزُوْنِ من خَصَّهُ اللهُ بالقُرآنِ مُعْجِزَةً ... مَا نَالَهَا مُرْسَلٌ قَدْ جَاءَ بالدِّيْنِ ومنْ شِهَابٌ بَدَا مِن نُورِ رَحْمَتِهِ ... شُهْبُ الدَّيَاجِي رُجُومْاً لِلشِّيَاطِيْنِ وَفَوْقَ رَاحَتِهِ صُمُّ الحَصَا نَطَقَتْ ... والماءُ في كَفِّهِ يُزْرِيْ بِجِيْحُوْنِ وهُوَ الذِي اخْتَارَهُ البَارِيْ وأرْسَلَهُ ... بَرًا رَؤُفًا رَحِيْمَا بالمسَاكِيْنِ وفي الصَّحِيْحَين أنَّ الجِذْعَ حَنَّ لَهُ ... والعِذْقَ أنَّ إلِيْهِ أيَّ تَأْنِيْنِ

احفظ هداك إله الخلق يا ولدي

وقَدْ سَمِعْنَا بأنَّ الطَّيْر خَاطَبَهُ ... في مَنْطِقٍ مُفْصِحٍ من غَيْرِ تَلكِيْنِ فَصَلَ رَبي عَلى المُخْتَارِ ما صَدَحَتْ ... قَمْرِيَّةٌ فَوْقَ أفْنَانِ الرَّيَاحِيْنِ وصَلِّ رَبِّ عَلَى المُخْتَارِ ما غَرَدَتْ ... حَمَائِمٌ فَوْقَ أغْصَانِ البَسَاتِيْنِ احْفَظْ هَدَاكَ إلهُ الخَلْقِ يا وَلَدِي ... وَصِيَّةً لَكَ مِن خَيْرِ الوِصِيَّاتِ إنَّ المَعَالِيْ سَمَاوَاتٌ مُرَكَّبَةٌ ... سَبْعٌ كَترْكِبة السَّبْعِ السَّمَاوَاتِ عَقْلٌ وحِلْمٌ وصَبْرٌ والأنَاةُ وبالْـ ... عِلْمِ العَزِيزِ وإخْلاصِ الدَّيِانَاتِ ثُمَّ المُروءَةُ فاحْرَصْ في ارْتَقاءِ مَرَا ... قِيْهَا ولا تَشْتَغِلْ عَنْهَا بِلَذَّاتِ وكُلُّ لَذَّةِ عَيْشِ لاَ يُصَاحِبُهَا ... رَيى الإِلهِ فمِنَ عَيْشِ البَهِيْمَاتِ انْتَهَى آخر: أَرَانِيْ إِذَا حَدَّثْتُ نَفْسِيْ بِتَوْبَةٍ ... تَعَرَّضَ لِي مِنْ دُوْنِ ذَلِكَ عَائِقُ تَقَضَّتْ حَيَاتِيْ في اشْتِغَالٍ وَغَفْلَةٍ ... وَأَعْمَال سُوْءٍ كُلُّها لاَ تُوَافِقُ طُرِدْتُ وَغَيْرِي بالصَّلاحِ مُقَرَّبُ ... وَدُوْنَ بُلُوْغِي مَسْلَكٌ مُتَضَايِقُ وَكَيْفَ وَزَلاَّتُ المُسِيْءِ كَثِيْرَةٌ ... أَيَقْرُبُ عَبْدٌ عَنْ مَوَالِيْهِ آبِقُ إلى اللهِ أَشْكُوا قَلْبَ سُوْءٍ قَدْ احْتَوى ... عَليْهِ الهَوَى وَاسْتَأْصَلَتْهُ العَلائِقُ

أحسن جنى الحمد تغنم لذة العمر

وَلِي حَزَنٌ يَزْدَادُ في كُلِّ لَحْظَةٍ ... وَدَمْعُ جُفُونِيْ لِلْبُكَاءِ يُسَابِقُ ... فَإِنْ يَغْفِرْ المضوْلَة الذي قَدْ أَتَيْتُه ... فَذَاكَ الرَّجَا وَالظَّنُ حِيْنًا يُوافِقُ «عَلاَمةُ ما يُولِيْ مِن الفَضْل إنْ أَنَا ... هَجَرْتُ الدُنَا أَوْ قُلْتُ إِنَّكِ طَالِقُ» «وَأَقْبَلْتُ في تَصْلِيْحِ أَخْرَايَ مُدْلِجًا ... أحَاسِبُ نَفْسِيْ كُلَّ مَا ذَرَّ شَارِقُ» شِعْرَاً: هَذِهِ قَصِيْدَةٌ مَمْلُوءْةُ حِكَمًا رَائِعَةً لاَّ يَسْتَغْنِي عَنْهَا اللَّبِيْبُ: أَحْسِنْ جَنَى الحَمْدِ تَغْنَمْ لَذَّةَ العُمُرِ ... وَذَاكَ في بَاهِرِ الأَخْلاَقِ والسِّيَرِ هَمُّ الفَتَى المَاجِدِ الغِطْرَيْفِ مَكْرُمَةٌ ... يَضُوْعُ نَادِيْ المَلاَ مِنْ نَشْرِهَا العَطِرِ وَحِلْيَةُ المَرْءِ في كَسْبِ المَحَامِدِ لاَ ... في نَظمِ عِقْدٍ مِنَ العِقْيَانِ والدُّرَرِ تَكْسُوْ المَحَامِدُ وَجْهَ المَرْءِ بَهْجَتَهَا ... كَمَا اكْتَسَى الزّهْرُ زَهْرَ الرَّوْضِ بالمَطَرِ يُخَلِّدُ الذِّكْرُ حَمْدًا طَابَ مَنْشَؤُهُ ... وَلَيْسَ يَمْحُو المَزَايَا سَالِفُ العَصِرِ تَمَيَّزَ النَّاسُ بالفَضْلِ المُبِيْنِ كَمَا ... تَمَيَّزّوْا بَيْنَهُمْ في خِلْقَةِ الصُّوَرِ

بِقَدْرِ مَعْرِفَةِ الإِنْسَانِ قِيْمَتُهُ ... وبالفَضَائِل كَانَ الفَرْقُ في البَشَرِ ما الفَضْلُ في بَزَّةٍ تَزْهُو بِرَوْنَقِهَا ... وَأَيُّ فَضْلٍ لإبرِيزٍ عَلَى مَدَرِ وَإِنَّما الفَضْلُ في عِلْمٍ وَفي أَدَبٍ ... وفي مَكارِمَ تَجْلُو صِدْقَ مُفْتَخِرِ فَلاَ تُسَاوِ بِأَخْلاَقٍ مُهَذَّبَةٍ ... أَخْلاَقَ سُوءٍ أََتَتْ مِنْ سَارِحِ البَقَرِ وَخُذْ بِمَنْهَجِ مَنْ يَعْصِي هَوَاهُ وَقَدْ ... أَطَاعَ أَهْلَ الحِجَا في كُلِّ مُؤْتَمَرِ إنَّ الْهَوَى يُفْسِدُ العَقْلَ السَّلِيْمَ وَمَنْ ... يَعْصِي الهَوَى عَاشَ في أمْنٍ مِنَ الضَّرَرِ وَجَاهِدِ النَّفْسَ في غَيٍّ يُلِمُّ بِها ... كَيْلاَ تُمَاثِلَ نَذْلاً غَيْرَ مُعْتَبَرِ وَفى مُعَاشَرَةِ الأَنْذَالِ مَنْقَصَةٌ ... بَهَا يَعُمُّ الصَّدَا مِرْآةَ ذِي فِكَرِ وَلَيْسَ يَبْلُغُ كُنْهَ المَجْدِ غَيْرُ فَتىً ... يَرَى اكْتِسَابَ المَعَالِيْ خَيْرَ مُتَّجَرِ إِنَّ الكَرِيْمَ يَرَى حَمْلَ المَشَقَّةِ في ... نَيْلِ العُلَى مِنْ لَذِيْذِ العَيْشِ فَاصْطَبِرِ فالصَّبْرُ عوْنُ الفَتَى فِيْمَا تَجَشَّمَهُ ... إِنَّ السِّيادَة نَهْجٌ وَاضِحُ الوَعَرِ

وَأَفْضَلُ الصَّبْرِ صَبرٌ عن مُهَيَّأةٍ ... مِنَ المَعَاصِيِ لِخَوْفِ اللهِ فَازْدَجِرِ وَاصْبِرْ عَلَى نَصَبِ الطَّاعَاتِ تَحْظَ بِمَا ... أَمَّلْتَهُ مِنْ عَظِيْمِ الصَّفْحِ مُغْتَفَرِ نَيْفٌ وَسَبْعُونَ مِنْ آي الكِتَابِ أَتَتْ ... في الصَّبْرِ فاعْمَلْ بِهَا طُوْبىَ لِمُصْطَبِرِ وَعِشْ مُحَلاًّ بِأَخْلاَقِ مَحَاسِنُهَا ... تُجَليْ عَلَى أَوْجُهِ الأَيَّامِ كَالْغُرَرِ دِيْنٌٍ بِهِ عِصْمَةٌ مِنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ ... وَكُلِّ مَا اسْتَطَعْتَ مِنْ بِرٍّ فَلاَ تَذَرِ إِنَّ العَفَافَ حِِمَىً لِلنَّسْلِ صُنْهُ بِهِ ... إِذَا أَضَعْتَ الحِمَى يَرْعَاهُ كُلُّ جَرِي ... قَدْ قِيْلَ عِِفُّوْا تَعِفَنَّ النِسَاءُ وفي ... مِثْقَالِ خَيْرٍ فَشَرٌ أَوْضَحُ النُذُرِ وَمِنْ جَمَالِ الفَتَى صِدْقُ العفَافِ فَكُنْ ... بهِ مُحَلَّىً خَلِيْقًا مُنْتَهَى العُمُرِ وَالْزَمْ فَوَائِدَ تَقْوَى اللهِ تَعْلُ بِهَا ... إِِنيّ سَأُوْرِدُهَا عَنْ مُحْكَمِ الزُّبُرِ فَبِالتُّقَى مَخْرَجٌ مِنْ كُلِّ حَادِثَةٍ ... والحِفْظُ مِنْ صَوْلَةِ الأَعْدَا مَعَ الظَّفَرِ وَالرِّزْقُ في دَعَةٍ بِالْحِلِّ مُقْتَرِنٌ ... وَحُسْنُ عَاقِبَةٍ في خَيْرِ مُدَّخَرِ

وَجَاء نُورٌ بِهِ تَمْشِي وَمَغْفِرَةٌ ... مِنَ الذّنُوبِ وَمَنْجَاةٌ مِنَ الحَذَرِ بهِ البَشَارَةُ في الدُّنْيَا وَضَرَّتِهَا ... بِهِ النَّجَاةُ مِنَ الأَهْوالِ والشَّرَرِ وَرَحْمَةُ اللهِ تَغْشَى المُتّقِي وَلَهُ ... قَبُولُه وَلَهُ الإِكْرَامُ فاعْتَبِرِ وَبِالتُّقَى تَغْنَمِ الإِصْلاَحَ في عَمَلٍ ... وَتَسْتَفِيدُ بِهِ عِلْمَاً بِلاَ سَهَرِ وَنَفْعُ ذَلِكَ لاَ يُحْصَى لَهُ عَدَدٌ ... وَنَصُّ ذَلِكَ في آيِ الكِتَابِ قُرِي وَخَيْرُ مَا يَقْتَنِي الإِنْسَانُ إِنْ كَرُمَتْ ... أَخْلاقُهُ واسْتَفَادَتْ رِقَّةُ السَّحَرِ وَمِنْ مَكَارِمِهَا عَشْرٌ عَلَيْكَ بِهَا ... فَإِنّها حِكمٌ تُرْوَى عَنِ الأَثَرِ صِدْقُ الحَدِيْثِ فَلاَ تَعْدِل بِهِ خُلُقًا ... تَبْلُغْ مِنَ المَجْدِ أَبْهَى بَاذِخِ السُّرُرِ وَكُنْ خَلِيْقًا بِصِدْقٍ الْبَأْسِ يَوْمَ وَغَى ... فَشَرُّ عَيْبِ الفَتَى بالجُبْنِ والْخَوَرِ أَجِبْ مُنَادِي العُلَى في خَوْضِ غَمْرَتِهَا ... فالعِزُّ تَحْتَ ظِلاَلِ البِيْضِ والسُّمُرِ بِالصَّبْرِ يَكْتَسِبُ المِقْدَامُ نُصْرَتَهُ ... وَيُلْبِسُ الضِّدَّ مِنْهُ ثَوْبَ مُنْذَعِرِ

وَلاَ يُدَنِّيْ لَهُ الإِقْدَامُ مِنْ أَجَلٍ ... يَكْفِي حِرَاسَتَهُ مُسْتَأخِرُ القَدَرِ واحْرِصْ عَلَى عَمَلِ المَعْرُوفِ مُجْتَهِدًا ... فَإِنَّ ذَلِكَ أَرْجَى كُلَّ مُنْتَظَرِ وَلَيْسَ مِنْ حَالَةٍ تَبْقَى كَهَيْئَتِهَا ... فاغْنَمْ زَمَانَ الصَّفَاءِ خَوْفًا مِنَ الكَدَرِ وَلاَ يَضِيْعُ وإِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِهِ ... مَعْرُوفُ مُسْتَبْصِرٍ أُنْثَى أَوِ الذَّكَرِ إِنْ لَمْ تُصَادِفْ لَهُ أَهْلاً فَأَنْتَ إِذا ... كُنْ أَهْلَهُ واصْطَنِعْهُ غَيْرَ مُقْتَصِرِ أَغِثْ بِإمْكَانِكَ المَلْهُوفَ حَيْثُ أَتَى " ... بِالكَسْرِ فاللهُ يَرْعَى حَالَ مُنْكَسِرِ وَكَافِئَنَّ ذَوِي المَعْرُوفِ مَا صَنَعُوا ... إِنّ الصَّنَائِعَ بالأَحْرَارِ كَالْمَطَرِ وَلاَ تَكُنْ سَبِخًا لَمْ يُجْدِ مَاطِرُهُ ... وَكُنْ كَرَوْضٍ أَتَى بالزُّهْرِ وَالثَّمَرِ واذْكُرْ صَنِيْعَةَ حُرٍ حَازَ عَنْكَ غِنَى ... وَقَد تَقَاضَيْتَهُ في زِيّ مُفْتَقِرِ وَاحْفَظْ ذِمام صَدِيْقٍ كُنْتَ تَأْلَفُهُ ... وَذِمَةَ الجَارِ صُنْها عَنِ يَدِ الغِيْرِ وَصِلْ أَخَا رَحِمٍ تَكْسَبْ مَوَدَّتَهُ ... وَفي الْخُطُوبِ تَرَاهُ خَيْرَ مُنْتَصِرِ ...

وَوَصْلُهُ قَدْ يَجُرُّ الْوَصْلَ فِي عَقَبٍ ... وَقَدْ يُزَادُ بِهِ فِي مُدَّةِ الْعُمُرِ وَجُدْ عَلَى سَائِلٍ وَافى بِذِلّتِهِ ... وَلَوْ بِشَيءٍ قَلِيْل النَّفْعِ مُحْتَقَرِ وَاحْفَظْ أَمَانَةَ مَنْ أَبْدَى سَرِيْرَتَهُ ... مَالاً وَحَالاً لِحُسْنِ الظَّنِّ وَالنَّظَرِ وَاقرِ الضُّيُوفَ وَكُنْ عَبْدَاً لِخِدْمَتِهِمْ ... وَهُشَّ بِشَّ وَلاَ تَسْأَلْ عَن السَفَرِ وَبَادِرَنَّ إِلَيْهِمْ بِالّذِي اقْتَرَحُوا ... عَنْ طِيْبِ نَفْسٍ بِلاَ مَنٍّ وَلا كَدَرِ وَخُضْ بِهمْ في فُنُونٍ يَأْنَسُون بِها ... مِنْ كلِّ مَا طَابَ لِلأسْمَاعِ في السَّمَرِ لكُلِّ قَوْمٍ مَقَامٌ في الخِطَابِ فَلاَ ... تَجْعَلْ مُحَادَثَةَ الأَعْرَابِ كالحَضَرِ وَاعْرِفْ حُقُوقَ ذَوِي الهِيْئَاتِ إذْ وَرَدُوا ... وَلِلصَّعَالِيْكِ فاحْذَرْ حَالَةَ الضَّجَرِ والْزَمْ لَدَى الأَكْلِ آدَابًا سَأُوْرِدُهَا ... تَعِشْ حَمِيْدَ المَسَاعِي عِنْدَ كُلِّ سَرِي كُنْ أَنْتَ أَوَّلَ بَادٍ بِامْتِدَادِ يَدٍ ... إِلى الطَّعامِ وَسَمِّ اللهَ وَابْتَدِرِ وَاشْرَعْ بأَصْفَى حَدِيْثٍ في مُنَاسَبَةٍ ... بالزَّادِ أُنْسَاً وَتَرْغِيْبًا بِلاَ هَذَرِ

لاَ تُؤْثِرَنَّ بِشَيءٍ لَذَّ مَطْعَمُهُ ... نَفْسَاً وَلاَ وَلَدًا فالضَّيْفُ فِيْهِ حَرِي وَكُنْ إِذَا قامَ كُلُّ القَوْمِ آخِرَهُمْ ... وَغُضَّ عَنْ مَدِّ أَيْدِي القَوْمِ بالْبَصَرِ وَمَنْ أَقَامَكَ أَهْلاً لِلضِّيَافَةِ قُمْ ... بِشُكْرِهِ واسْتَزِدْ إنْعَامَ مُقْتَدِرِ وَرَأْسُ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ الحَيَاءُ فَكُنْ ... مِنَ الحَيَاءِ بِأَوْفَى بَاهِرِ الحِبَرِ لاَ دِيْنَ إِلاَّ لِمَنْ كَانَ الحَيَاءُ لَهُ ... إِلْفَاً قَرِيْنًا فَيَسْمُوْ كُلَّ مُسْتَتِرِ فاسْتَحْيَي مِنْ خَالِقٍ يَرْعَاكَ في مَلأٍ ... وَفي خَلاَءٍ وَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرِ وَالعَاقِلُ الشَّهْمُ مَنْ يَأْبَى الرَّذَائِلَ بلْ ... يَخْتَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَطْيَبَ الْخَبَرِ بالْعَقْلِ تُدْرِكُ غَايَاتِ الْكَمَالِ كَمَا ... بِهِ تُمَيّزُ بَيْنَ النّفْع والضَّررِ لَوْلاَهُ لَمْ نَعْرِفَ اللهَ الكَرِيْمَ وَلاَ ... نَمْتَازُ يومًا عَنِ الأَنْعَامِ في الفِطَرِ فاستْعَمِلِ العَقْلَ في كُلِّ الأُمَوْر وَلاَ ... تكُنْ كَخَاطِبِ لَيْلٍ أَعْمَشَ الْبَصَرِ دَلِيْلُ عَقْلِ الفَتَى بَادِي مُرُوْءَتِهِ ... فَمَنْ تَجَنَّبَهَا فالْعَقْلُ مِنْهُ برِي

عَارِي المُرْوْءَةِ نِكْسٌ لاَ خَلاَقَ لَهُ ... وَذُوُ المُرُوْءَةِ مَحْبُوبٌ لَدَى البَشَرِ أَخُو المُرُوْءَةِ يَأْبَى أَنْ يَرُدَّ ذَوِي الْـ ... آمَالِ مِنْ فَضْلِهِ في حَالِ مُنْكَسِرِ وَالْجُودُ أَشْرَفُ مَا تَسْمُوْ الرِّجَالُ بِهِ ... وَقَدْ يُنَالُ بِهِ مُسْتَجْمَعُ الفَخَرِ وبالسِّخَاءِ لِحِفْظِ النَّعْمَةِ اعْتَمِدُوا ... يَا حَبّذَا عَمَلٍ بالْحِفْظِ صَارَ حَرِي لاَ يَصْلُحُ الدّيْنُ إِلاَّ بالسّخَاءِ أَتَى ... إِنّ السَّخَاءَ مِنَ الإِيْمَان فَاعْتِبَرِ ... والْجُوْدُ مِنْ شَجَرِ الجَنَّاتِ فَاحْظَ بِهِ ... وَخُذْ بِغُصْنٍ أَتَى مِنْ ذَلِكَ الشَّجَرِ يُحِبُّ مَوْلاَكَ حُسْنَ الخُلُقِ مُقُتَرِنًا ... بالجُودِ لَمْ يُبْقِيَا لِلذَّنْبِ مِنْ أَثَرِ إِنَّ السَّخِيَّ حَبِيْبٌ لِلإلَهِ لَهُ ... قُرْبٌ مِنَ اللهِ هَذَا جَاءَ في الخَبَرِ ولا تَرُحْ بِلَئِيْمٍ سَرْحَ عَارِضَةٍ ... تَرِدْ بِهِ في ظَمَا مِنْ حَافَةِ النَّهَرِ وَلاَ تَغُرَّنْكَ مِنْهُ طُوْلُ مُِكْنَتِهِ ... حَلْفَاءَ عَارٍ بِلاَ ظِلٍّ وَلاَ ثَمَرِ بَذْلُ النَّفِيْسِ عَلَى نَفْسِ الخَسِيْسِ عَنًا ... فِعْلُ الْجَمِيْلِ لَدَيْهِ مُوْجِبَ الضَّرَرِ

ولما رأيت القوم لا ود عندهم

وَمَنْ يَؤْمُّ لَئِيْمًا عِنْدَ حَاجَتِهِ ... يَعُضُّ كَفَّيْهِ كَالكُسْعِيِ وَسْطَ قَرِي وَاسْلُكْ سَبِيْلَ كِرَامٍ أَصْفِيَاءَ مَضَوا ... بِكُلِّ حَمْدٍ عَلَى الآفَاقِ مُنْتَشِرِ وَاحْذَرْ طَبَائِعَ أَهْلِ اللُّؤْمِ إنَّ لَهُمْ ... ذَمَّا يَدُومُ عَلى الآصَالِ وَالْبُكَرِ وَاغْنَمْ مَكَارِمَ تُبْقِيْهَا مُخَلَّدَةً ... في أَلْسُنِ النَّاسِ مِنْ بَدْوٍ وَمِنْ حَضَرِ فَخَيْرُ فِعْلِ الفتَى فِعْلٌ يُبْلِّغُهُ ... مِنَ المَحَامِدِ مَا يَبْقَى عَلَى الأَثَرِ فالمَرْءُ يَفْنَى وَيَبْقَى الذِّكْرُ مِنْ حَسَنٍ ... وَمِنْ قَبِيْحِ فَخُذْ مَا شِئْتَهُ وَذرِ وَهَذِهِ حِكَمُ بِالنُّصْحِ كَافِلَةٌ ... بالنَقْلِ جَاءَتْ وَعَنْ مَصْقُولَةِ الفِكَرِ انْتَهَى ومِنْ قَولِ أبِي طَالِبٍ يَمْدَحُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةُ للأَرَامِلِ وهُوْ مِنْ قَصِيْدَةٍ لأَبِي طَالِبٍ قَالَهَا لَمَّا تَمَالأَتْ عليهِ قُريْشُ وَنَفَرُوا عنه وَأَوُّلُها: وَلَمَّا رَأيتُ القَوْمَ لا وِدَّ عِنْدَهُمْ ... وَقَدْ قَطَعُوْا كُلَّ العُرَى وَالوَسَائِلِ

وَقَدْ جَاهَرُونا بالعَدَاوةِ والأَذَى ... وَقَد طَاوَعُوا أَمْرَ العَدُوِ المُزَائِل صَبَرْتُ لهم نَفْسِي بسَمْرَاءَ سَمْحَةٍ ... وَأَبْيَضَ غَضْبٍ مِن تُراثِ المَقَاوِل وَأَحْضَرْتُ عِندَ البَيْتِ رَهْطِي وإِخْوَتِي ... وأَمْسَكْتُ مِنْ أَثْوَابِهِ بالوَصَائِلِ أَعُوذُ بِرَبِ الناسِ مِن كُلِّ طَاعِنٍ ... عَلينَا بِسُوءٍ أَوْ مُلِحٍّ بِبَاطِلِ لَقَدْ عَلِمُوْا أَنَّ ابْنَنَا لا مُكَذَّبٌ ... لَدَيْنَا وَلاَ يَعْنَى بقَوْلِ الأَبَاطِلِ كَذَبْتُم وَرَبِ العَرشِ نبذي مُحَمَّدًا ... وَلَمَّا نُطَاعِنْ عِنَدُ وَنُنَاضِلِ ونُسْلِمُهُ حَتى نُصَرَّعَ دُوْنَهُ ... وَنَذْهلَ عن أَبْنَائِنَا والحَلاَئِلِ وَيَنْهَضُ قَوْمٌ بالحديدِ إليْكُمُ ... نُهُوضَ الرَّوايَا تَحْتَ ذَاتِ الصَّلاصِلِ وَيَنْهَضَ قَوْمٌ نَحْوَكُم غَيْرَ عُزَّلٍ ... بِبِيْضٍ حَدِيْثٍ عَهْدُهَا بالصَّيَاقِلِ ... وَمَا تَرْكُ قَومٍ لا أبَالَكَ سّيِّدًا ... يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ وأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بوَجْهِهِ ... ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ

يَلُوذُ به الهُلاَّكُ مِن آلِ هَاشِمٍ ... فَهُم عِندَهُ في رَحْمَةٍ وَفَواصِلِ لَعَمْرِي لَقَدْ كُلِّفْتُ وِجْدًا بأحْمَدٍ ... وإخْوَتِهِ دَأْبَ المُحِبِ المُوَاصِلِ فَمَنْ مِثْلُه في الناسِ أَيُّ مُؤَمَّلٍ ... إذَا قَاسَهُ الحُكَّامُ عِندَ التَّفَاضُلِ حَلِيْمٌ رَشِيْدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِشٍ ... يُوَالِي إلهًا لَيْسَ عَنهُ بِغَافِلِ ومِيزانُ حَقٍ مَا يَعُوْلُ شَعِيْرةً ... وَوَزَّانُ حَقٍ وَزْنُهُ غَيرُ عَائِلِ فَوَاللهِ لَوْلاَ أَنْ أَجِيءَ بسْبَّةٍ ... تَجُرُّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي المَحَافِلِ لَكُنَّا اتَّبَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ ... مِنَ الدَّهْرِ جِدًا غَيْرَ قوْلِ التَّهَازُلِ فَأَصْبَحَ فِيْنَا أَحْمَدٌ ذُو أَرُوْمةٍ ... تُقَصِّرُ عنها سَوْرَةُ المُتَطَاوِلِ حَدبتُ بِنَفْسِيْ دُوْنَهُ وَحَمَيْتُهُ ... وَدَافَعْتُ عَنْهُ بالذُرَى والكَلاَكِلِ فأيَّدَهُ رَبُّ العِبَاد بِنَصْرِهِ ... وَأَظْهَرَ دِيْنًا حَقُّهُ غَيْرُ باطِلِ انْتَهَى

أقول وأولى ما يرى في الدفاتر

قصيدة في غربة الإسلام: أَقُولُ وَأَوْلَى ما يُرَى في الدَّفَاترِ ... وَأَحْسَنُ فَيْضًا مِنْ عُيُونِ المَحَابِرِ هُوَ الحَمْدُ لِلْمَعْبُودِ والشُّكْرُ والثَّناء ... تَقَدَّسَ عَنْ قَوْلِ الغُوادِ الغَوَادِرِ وَجَلَّ عن الأَنْدَادِ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ ... وَعَنْ شافعٍ في الابْتِدا أو مُوَازِرِ وَصَلَّى عَلَى مَنْ قَامَ للهِ دَاعِيًا ... وَشّيَّدَ أَعْلاَمَ الهُدَى والشَّعَائِرِ وَأَوْضَحَ دِينَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما سَفَتْ ... عليه السَّوافي في القُرَى والجَزَائِرِ وَعَادَى وَوَالى في رِضَى اللهِ قَوْمَهُ ... وَلَمْ يُثْنِه عن ذَاكَ صَوْلَةُ قَاهِرِ مُحَمَّدٌ المَبْعُوثُ لِلنَّاسِ رَحْمةً ... نِذَارَتُهُ مَقْرونَةٌ بالبَشَائِرِ وَبَعدُ فإن تَعْجَب لِخَطْبٍ تَبَلْبَلَتْ ... لِفَادِحِهِ أَهْلُ النُّهَى وَالبَصَائِرِ فلا عَجَبًا يَوْمٌ مِنَ الدَّهِرِ مِثْلَ مَا ... أَنَاخَ بِنَا مِنْ كُلِّ بَادٍ وَحَاضِرِ وَما ذَاكَ إِلاَّ غُرْبَةُ الدِّيْنِ يَا لَهَا ... مُصِيْبَةُ قَوْمٍ مِن عِظَامِ الفَوَاقِرِ

تَرَى أَهْلَهُ مُسْتَضْعَفِيْنَ أَذِلَّةً ... فَمَا بَيْنَ طَعَّانٍ عَلَيْهِمْ وكافِرِ وَمُسْتَهْزءٍ مِنْهُم فَيُنْغِضُ رَأْسَهُ ... وَيَرْمُونَهُمْ شَزْرَ العُيُونِ النَّواضِرِ وَعَادَاهُمُ مَنْ يَدَّعِي العِلْمَ والحِجَى ... وكُلُ خَلِيْلٍ أَوْ قَرِيْبٍ مُصَاهِرِ ... فَمَا شِئْتَ مِنْ شَتْمٍ وَقَذْفٍ وَغِيْبَةٍ ... وَتَنْقِيْصهِم في كُلِّ نادٍ لِفَاجِرِ وَأَكْبَرُ مِنْ هَذَا وَأَعْظَمُ فِرْيَةٍ ... مُوَالاةُ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ كُلِّ كَافِرِ وَأعْيُنُهُمْ في فِعْلِ ذَاكَ قَرِيْرَةٌ ... فَمِنْ صَامِتٍ في فِعْلِهِ أَوْ مُجَاهِرِ وَمَنْ قَامَ بالإِنْكَارِ فَهُوَ مُشَدِّدٌ ... يَكَادونَ أَنْ يُبْدُوهُ فَوقَ المَنَابِرِ فإن يَحْكُموا بالسَّوْطِ ضَرْبًا فإنْ يَكُنْ ... رُجُوْعٌ وإلاَّ بالضُّبَا والخَنَاجِرِ وأصْبَحَ ذُو الإِيْمَانِ فِيْهِمْ كَقَابِضٍ ... عَلَى الجَمْرِ أَوْ في الجَنْبِ صَلي المَجَامِرِ وإخْوانُه النُّزَّاعُ في كلِّ قَرْيةٍ ... لَدَى أهْلِها في ذُلِّهِمْ كَالأَصَاغِرِ

وَما زَادَهُمْ إلا ثَبَاتًا مَعَ الرِّضَى ... بِقَلْبٍ سَلِيْمٍ لِلْمُهَيْمِنِ شَاكِرِ فَأَكْرِمْ بِهِمْ مِنْ عُصْبَةِ الحَقِّ إِنَّهُمْ ... لِحِفْظِ نُصُوصِ الدِّينِ أَهْلُ تَنَاصُرِ إِذَا مَا بَدَا نَصّ الكِتَابِ وسُنَّةٍ ... تَنَادَوا عِبَادَ اللهِ هَلْ مِنْ مُثَابِرِ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّوَاجِذِ فاهْتَدَوْا ... وما رَغِبُوا عَنْهَا لِخَرْصِ الخَوَاطِرِ عَلَيْكَ بِهَاتِيْكَ الصفاتِ مُنَافِسًا ... فَللهِ مَا أَسْنَا سَنَاها لِسَائِرِ هُمُ القَوْمُ لاَ يَثْنِيْهُمْ عَنْ مُرَادِهِمْ ... مَلاَمَةُ لُوَّامٍ وَخُذْلاَنُ نَاصِرِ بِنَفْسي فَتَى ما زَالَ يَدْأَبُ دَائِمًا ... إلى رَبِّه أَكْرِمْ بِهِ مِن مُهَاجِرِ مُكبًّا على آيِ الكتابِ وَدَرْسِهِ ... بِقَلْبٍ حَزِيْنٍ عِنْدَ تِلْكَ الزَّوَاجِرِ فَيَا لَيْتَنِي أَلْقَاهُ يَوْمًا لَعَلَّهُ ... يُخَبِّرُنِي عَمَّا حَوَى في الضَّمَائِرِ وَنَرْفَعُ أَيْدَيْنَا إلى اللهِ بالدُّعَا ... لِيَنْصُرَ دِيْنَ المُصْطَفَى ذِي المَفَاخِرِ

جزا الله رب الناس خير جزائه

وَيَنْصُرَ أَحْزَابَ الشَّرِيْعَةِ والهُدَى ... وَيَقْمَعَ أَهْلَ الزَّيْغِ مِنْ كلِّ فاجِرِ فآهٍ عَلَى تَفْرِيْقِ شَمْلٍ فَهَلْ لِمَا ... مَضَى عَوْدَةٌ نَحْوَ السِّنِيْنِ الغَوَابِرِ عَسَى نَصْرَةٌ لِلدِّيْنِ تَجْمَعُ شَمْلَنَا ... تَقرُّ بِهَا مِمَّا تَرَى عَيْنُ نَاظِرِ فَيَرْتَاحُ أَهْلُ الدِّيْنِ فِيْهَا أَعِزَّةً ... وأَعْدَاؤُهُ تَحْتَ القَنَا والحَوَافِرِ وأخْتُمُ نَظْمِيْ بالصلاةِ مُسَلِّمًا مَدَى ... الدَّهْرِ مَا نَاضَتْ بُرُوْقُ المُوَاطِرِ عَلَى أَحْمَدٍ والآلِ والصَّحب والّذِيْ ... لَهُمْ تَابِعٌ يَسْعَى بِفِعْلِ الأَوَامِرِ انْتَهَى آخر: جَزَا اللهُ رَبَّ الناس خَيَر جَزَائه ... رَفَيْقَيِنْ حَلاَّ خَيْمَتْيَ أُمِّ مَعْبَدِ هَمُا نَزَلاَ بالبِرِّ ثم تَرَوَّحَا ... فأفْلَحَ مَن أَمْسَى رَفِيْقَ محُمَّدِ ... لِيَهْنِ بَنْيِ كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتهِم ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِيَنْ بِمَرْصَدِ سلُو أُخْتَكُم عن شَاتَهِا وَإِنائِهَا ... فإِنَّكُمُو إِنْ تَسْأَلُوا الشاةَ تَشْهَدِ دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... لَهُ بِصَرِيْحِ ضَرَّةِ الشَّاةِ مُزْبِدِ

لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم

فَغَادَرَهُ رَهْنًا لَدَيَهْا لَحِالِبٍ ... يُدِرُّ لَهَا في مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ فلما سَمِعَ حَسَانُ بنُ ثابت أنشأ يَقُول مِجُيْبًا لِلْهَاتِفِ: لَقَدْ خَابَ قَومٌ زَالَ عَنْهُم نَبِيُّهُم ... وَقُدِّسَ مَنْ يَسْرِيْ إليْهِم وَيَغْتَدِي تَرَجَّلَ عن قَوْمٍ فَظَلَّتْ عُقُولُهُم ... وَحَلَّ عَلىَ قَومٍ بِنُوْرٍ مَجُدَّدِ هَدَاهُم بِهِ بَعد الضَّلاَلةِ رَبُهُّم ... وَأَرْشَدَهُم مَن يَتْبَعِ الحقَّ يَرْشُدِ وَقَدْ نَزَلَتْ مِنه على أَهل يَثْرِبٍ ... رِكابُ هَدىً حَلَّتْ عَلَيْهم بأسْعدِ نَبيُ يَرى ما لا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ ... ويَتْلُو كِتابَ اللهِ في كُلِّ مَسْجِدِ وإن قال في يَومٍ مَقالةَ غَائِبٍ ... فَتَصْدِيْقُها في اليومِ أَوْ في ضُحَى الغَدِ لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جدِّه ... بِصُحْبَته مَنْ يُسْعِدِ اللهُ يَسْعَدِ انْتَهَى قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: رَسَائِلُ إِخوانِ الصَّفَا والتَّودُّدِ ... إلى كل ذِيْ قَلْبٍ سَلِيْمٍ مُوْحِّدِ وَمِن بَعْدِ حَمْدِ اللهِ والشُكْرِ والثَّنَا ... صَلاةً وَتَسْلِيْمًا عَلَى خَيْرِ مُرْشِدِ

وآلٍ وَصَحْبٍ والسلامُ عَلَيْكُمُ ... بِعَدِّ وَمِيْضِ البَرْقِ أُهْل التَّوَدُّدِ وَبَعْدُ فَقَدْ طَمَّ البَلاَءُ وَعَمَّنَا ... مِن الجَهْلِ بالدِّيْنِ القَوِيْمِ المُحَمّدِي بِمَا لَيْسَ نَشْكُوْ كَشْفَهُ وَانْتِقَادَنَا ... لِغَيْرِ الإِلهِ الوَاحِدِ المُتَفَرِّدِ ولم يَبْقَ إِلاَّ النَزْرُ في كُلِّ بَلْدَةٍ ... يُعَادِيْهُمُ مِن أَهْلِهَا كُلُّ مُعْتَدِ فَهُبُّوْا عِبَادَ اللهِ مِن نَوْمَةِ الرَّدَى ... إِلى الفِقْهِ في أَصْلِ الهُدَى والتَّجَرُّدِ وَقَدْ عَنَّ أَنْ نُهْدِيْ إِلى كُلِّ صَاحِبٍ ... نَضيْدًا مِن الأَصْلِ الأَصِيْلِ المُؤَطَّدِ فَدُوْنَكَ مَا نُهْدِي فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ ... لِذَلِكَ أَمْ قَدْ غيْنَ قَلْبُكَ بالدَّدِ تَرُوْقُ لَكَ الدُنْيَا وَلَذَّاتُ أَهْلِهَا ... كَأَنْ لَمْ تَصِرْ يَوْمًا إلى قَبْرِ مَلْحَدِ فإن رمت أَنْ تَنْجُوْ مِن النارِ سَالِمًا ... وتحْظَى بِجَنَّاتٍ وَخُلْدٍ مُؤَبَّدِ وَرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَأَرْفَهِ حِبْرَةٍ ... وَحُوْرٍ حِسَانٍ كَاليَوَاقِيْتِ خُرَّدِ فَحَقِّقْ لِتَوْحِيْدِ العِبَادَةِ مُخْلِصًا ... بِأَنْوَاعِهَا للهِ قصدًا وَجَرِّدِ ...

وَأَفْرِدْهُ بالتَّعْظِيْمِ والخَوْفِ والرَّجَا ... وبالحُبِّ والرُّغْبَى إِليْهِ وَجَرِّدِ وبالنَّذْرِ والذَّبْحِ الذي أَنْتَ نَاسِكٌ ... ولا تَسْتَغِثْ إِلاَّ بِرَبِّكَ تَهْتَدِ وَلاَ تَسْتَعِنْ إِلاَّ بِهِ وَبِحَوْلِهِ ... لَهُ خَاشِيًا بَلْ خَاشِعًا في التَّعَبُّدِ وَلاَ تَسْتَعِذْ إِلا بِهِ لاَ بِغَيْرِهِ ... وَكُنْ لاَئِذَاً باللهِ في كُلِّ مقْصَدِ إِليْهِ مُنِيْبًا تَائِبًا مُتَوَكِلاً ... عَلَيْهِ وَثِقْ باللهِ ذِيْ العَرْشِ تَرْشُدِ وَلاَ تَدْعُ إِلاَّ اللهَ لا شَيْءَ غَيْرَهُ ... فَدَاعٍ لِغَيْرِ اللهِ غَاوٍ وَمُعْتَدِ وفي صَرْفِهَا أَوْ بَعْضِهَا الشِّرْكُ قَدْ أَتَى ... فَجَانِبْهُ واحْذَرْ أنْ تَجِيءَ بُمؤيِدِ وَهَذَا الذي فِيْهِ الخصومة قَدْ جَرَتْ ... عَلَى عَهْدٍ نُوْحٍ والنَّبِي مُحَمَّدِ وَوَحِّدْهُ في أَفْعَالِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ ... مُقِرًا بأنَّ اللهَ أَكْمَلُ سَيِّدِ هُوَ الخَالِقُ المُحْيِي المُمِيْتُ مُدَّبِرٌ ... هُوَ المَالِكُ الرَّزَاقُ فاسأَلْهُ واجْتَدِ إلى غَيْرِ ذا مِن كُلِّ أَفْعَالِهِ التِي ... أَقَرَّ وَلَمْ يَجْحَدْ بَهَا كُلُّ مُلْحِدِ

وَوَحِّدْهُ في أَسْمَائِهِ وصِفَاتِهِ ... ولا تتأولها كَرَأْي المُفَنَّدِ فَلَيْسَ كَمِثْلِ اللهِ شَيْءٌ وَلاَ لَهُ ... سَمِي وَقُلْ لاَ كُفْوَ للهِ تَهْتَدِ وَذَا كُلُّهُ مَعْنَى شَهَادَةِ أَنَّهُ ... إِلهُ الوَرَى حَقًا بِغِيْرِ ترَدُّدِ فَحَقِّقْ لَهَا لَفْظًا وَمَعْنىً فَإنَّهَا ... لَنِعْمَ الرَّجَا يَوْمَ اللقا لِلْمُوَحِّدِ هِيَ العُرْوَةُ الوثْقَى فَكُنْ مُتَمَسِّكًا ... بِهَا مُسْتَقِيْمًا في الطَّرِيْقِ المُحَمَّدِي فكُنْ وَاحِدًا في وَاحِدٍ وَلِوَاحِدٍ ... تَعَالَى ولا تُشْرِكْ بِهِ أَوْ تُنَدِّدِ وَمَنْ لَمْ يُقِيِّدْهَا بِكُلِّ شُرُوْطِهَا ... كَمَا قَالَهُ الأَعْلاَمُ مِن كُلِّ مُهْتَدِ فَلَيْسَ عَلَى نَهْجِ الشَّرِيْعَةِ سَالِكًا ... وَلَكِنْ عَلَى آراءِ كُلِّ ملدّدِ فَأَوَّلُهَا العِلْمُ المُنَافِي لِضِدِّهِ ... مِن الجَهْلِ إنَّ الجَهْلَ لَيْسَ بِمُسْعِدِ فَلَوْ كَانَ ذَا عِلْمٍ كَثِيْرٍ وَجَاهِلٌ ... بِمَدْلَوُلِهَا يَومًا فَبالجَهْلِ مُرْتَدِ وَمِن شَرْطِهَا وَهُو القَبُولُ وَضِدُّهُ ... هُوَ الرَّدُ فافْهَمْ ذَلِكَ القَيْدَ تَرْشُدِ

كَحَالِ قُرَيْشٍ حِيْنَ لَمْ يَقْبَلُوا الهُدَى ... وَرَدُّوْهُ لَمَّا أَنْ عَتَوْا في التَّمَرُّدِ وَقَدْ عِلِمُوْا مِنهَا المُرَادَ وَأَنَّهَا ... تَدُل عَلَى تَوحِيْدِهِ وَالتَّفَرُّدِ فَقَالُوا كَمَا قَدْ قَالَهُ اللهُ عنْهُمُ ... بسُوْرَةِ (ص) فاعْلَمَنْ ذَاكَ تَهْتَدِ فَصَارَتْ بِهِ أَمْوَالُهُمْ وَدِمَاؤهُمْ ... حَلالاً وَأَغْنَامًا لِكُلِّ مُوَحِّدِ وَثَالِثُهَا الإِخْلاَصُ فأعْلُمْ وَضِدُّهُ ... هُوَ الشِّرْكُ بالمَعْبُودِ مِن كُلِّ مُلْحِدٍ ... كَمَا أَمَرَ اللهُ الكَرِيْمُ نَبِيَّهُ ... بسُوْرَةِ تَنْزِيْلِ الكتابِ المُمَجَّدِ ورَابِعُهَا شَرْطُ المَحَبَّةِ فَلتَكُنْ ... مُحِبًا لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِن الهُدِ وإخْلاصُ أَنْوَاعِ العِبَادَةِ كُلِّهَا ... كَذَا النَفْيُ لِلشِّرْكِ المُفَنَّدِ والدّدِ وَمَنْ كَانَ ذَا حُبٍ لِمَوْلاَهُ إِنَّمَا ... يَتِمُّ بِحُبِّ الدِّيْنِ دِينِ مُحَمَّدِ فَعَادِ الذِيْ عَادَى لِدِيْنِ مُحَمَّدٍ ... وَوَالِ الذِي وَالاَه مِن كُلِّ مُهْتَدِ وَأَحببْ رَسُولَ اللهِ أَكْمَلَ مَن دَعَى ... إِلى اللهِ والتَّقْوَى وأَكْمَلَ مُرْشِدِ

أَحَبَّ مِن الأَوْلاَدِ والنَّفْسِ بَلْ وَمِنْ ... جَمِيْعِ الوَرَى والمَال مِن كُلِّ أَتْلَدِ وَطَارِفِهِ والوَالِدَيْنِ كِلَيْهِمَا ... بآبائِنَا والأَمَّهَاتِ فَنَفْتَدِ وأَحْبِبْ لِحُبِّ اللهِ مَن كَانَ مُؤْمِنًا ... وَأَبْغِضْ لِبُغْضِ اللهِ أَهْلَ التَّمَرُّدِ وَما الدِّيْنُ إِلاَّ الحُبُّ والبُغْضُ والوَلاَ ... كَذَاكَ البَرا مِن كُلِّ غَاوٍ وَمُعْتَدِ وَخَامِسُهَا فالانْقِيَادُ وضِدُّهُ ... هُوَ التَّرْكُ لِلْمَأْمُوْرِ أَوْ فِعْلُ مُفْسِدِ فَتَنْقَادُ حَقًا بالحُقُوْقِ جَمِيْعِهَا ... وَتَعْمَلُ بالمَفْرُوْضِ حَتْمًا وَتَقْتَدِ وَتَتْرُكُ مَا قَدْ حَرَّمَ اللهُ طَائِعًا ... وَمُسْتَسْلِمًا لله بالقَلْبِ تَرْشُدِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لله بالقَلْبِ مُسْلِمًا ... وَلَمْ يَكُ طَوْعًا بالجَوارِحِ يَنْقَدِ فَلَيْسَ عَلى نَهْجِ الشَّرِيْعَةِ سَالكًا ... وإنْ خَالَ رُشْدًا مَا أَتَى مِن تَعَبُّدِ وَسَادِسُهَا وَهُوَ اليَقِيْنُ وَضِدُّهُ ... هُوَ الشَّكُ في الدِيْنِ القَوِيْمِ المُحَمَّدِي ومَنْ شَكَّ فَلْيَبْك عَلَى رَفْضِ دِيْنِهِ ... ويَعْلَمَ أَنْ قَدْ جَاءَ يَومًا بِمَوْئِدِ

وَيَعْلَمْ أَنَّ الشَّكَ يَنْفِيْ يَقِيْنَهَا ... فلا بُدَّ فِيْهَا باليَقِيْنِ المُؤَكَّدِ بِهَا قَلْبُهُ مُسْتَيْقنًا جَاءَ ذِكْرُهُ ... عَنِ السَّيِدِ المَعْصُومِ أَكْمَلَ مُرْشِدِ وَلاَ تَنْفَعُ المرْءَ الشَهادَةُ فاعْلَمَنْ ... إِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَيْقنًا ذا تَجَرُّدِ وَسَابِعُها الصِّدْقُ المُنافِي لِضِدِّهِ ... مِن الكَذِبِ الدَّاعِي إِلَى كُلِّ مُفْسِدِ وَعَارِفُ مَعْنَاهَا إِذا كَانَ قَابِلاً ... لَهَا عامِلاً بالمُقْتَضَى فَهْوَ مُهْتَدِ وَطَابَقَ فِيْهَا قَلْبُه لِلسَانِهِ ... وعن وَاجِبَاتِ الدِيْنِ لَم يَتَبَلَّدِ وَمَنْ لَمْ تَقُمْ هَذِهِ الشُرُوْطُ جَمِيْعُهَا ... بَقَائِلِها يَوْمًا فَلَيْسَ عَلَى الهُدِي إذا صَحَّ هَذَا واسْتَقَرَّ فإنَّمَا ... حَقِيْقَتُهُ الإسلامُ فاعْلَمْهُ تَرْشُدِ وإن لَهُ - فاحْذَرُ هُدِيْتَ - نَوَاقِضًا ... فَمَنْ جَاءَ مِنها نَاقضًا فَلْيُجَدِّدِ فَقَدْ نَقَضَ الإِسلامَ وارْتَدَّ واعْتَدَى ... وزَاغَ عن السَّمْحَاءِ فَلْيَتَشَهَّدِ ... فَمِنْ ذَاكَ شِرْكٌ في العِبَادَةِ نَاقِضٌ ... وَذَبْحٌ لِغَيْرِ الوَاحِدِ المُتَفَرِّدِ

كَمَنْ كَانَ يَغْدُوْ لِلْقِبَابِ بِذَبْحِهِ ... ولِلْجِنِ فِعْلَ المُشرِكِ المُتَمَرِّدِ وجَاعِلِ بَيْنِ اللهِ - بَغْيًا - وَبَيْنَهُ ... وَسَائِطَ يَدْعُوْهُمْ فَلَيْسَ بِمُهْتَدِ وَيَطْلُبُ مِنْهُم بالخضُوعِ شَفَاعَةً ... إِلى اللهِ والزُلْفَى لَدَيْهِ وَيَجْتَدِ وَثَالِثُهَا مَن لَمْ يُكَفِّرْ لِكَافِرٍ ... وَمَنْ كَانَ في تَكفِيْرِهِ ذَا تَرَدُّدِ وَصَحَّحَ عَمْدًا مَذْهَبَ الكُفْرِ والرَّدَى ... وذَا كُلُّهُ كُفْرٌ بإجْمَاعِ مَن هُدِي وَرابِعُهَا فالاعْتِقَادُ بأنَّمَا ... سِوَى المُصْطَفَى الهَادِيْ وَأَكْمَلِ مُرْشِدِ لأَحْسَنُ حُكْمًا في الأُمُورِ جَمِيْعِهَا ... وَأَكْمَلُ مِنْ هَدْيِ النبيِ مُحَمَّدِ كَحَالَةِ كَعْبٍ وابن أَخْطَبَ والذِي ... عَلَى هَدْيِهِم مِن كُلّ غَاوٍ وَمُعْتَدِ وَخَامِسُهَا يَا صَاحِ مَنْ كَانَ مُبْغِضَاً ... لِشَيْءٍ أَتَى مِن هَدْي أَكْمَلِ سَيِّدِ فَقَدْ صَارَ مُرْتَدًا وإنْ كَانَ عَامِلاً ... بِمَا هُوَ ذَا بُغْضٍ لَهُ فَلْيُجَدِّدِ وَذَلِكَ بالإجْمَاعِ مِن كُلِّ مُهْتَدٍ ... وقد جَاءَ نَصُّ ذكْرِه في (مُحَمَّدِ)

وَسَادِسُهَا مَن كَانَ بالدِيْنِ هازِئًا ... ولو بعِقَابِ الوَاحِدِ المُتَفَرِّدِ وَحُسْنُ ثَوَابِ اللهِ للعبد فَلَتَكُنْ ... عَلى حَذِرٍ مِن ذلكَ القِيْلِ تَرْشُدِ وَقَدْ جَاءَ نَصٌ في (بَرَاءةَ) ذِكْرُهُ ... فَرَاجِعْهُ فِيها عِندَ ذِكْرِ التَّهَدُّدِ وَسابِعُهَا مَنْ كَانَ لِلَسِّحْرِ فاعِلاً ... كَذَلكَ رَاضٍ فِعْلَهُ لَم يُفَنِّدِ وفي سُوْرَةِ (الزَّهْرَاءِ) نَصٌ مُصَرِّحٌ ... بِتَكْفِيْرِهِ فاطْلُبْه مِن ذَاكَ تَهْتَدِ وَمِنه لَعَمْرِي الصَّرْفُ والعَطْفُ فاعْلَمَنْ ... أَخِيْ حُكْمَ هَذَا المُعْتَدِي المُتَمَرِّدِ وَثَامِنُهَا وهِيَ المُظَاهَرَةُ الَّتِي ... يُعَانُ بِهَا الكفارُ مِن كُلِّ ملحِدِ على المُسْلِمِيْنَ الطائِعِينَ لِرَبِهِم ... عِياذًا بِكَ اللَّهُمَّ مِن كُلِّ مُفْسِدِ وَمَن يَتَولَّى كَافِرًا فَهْوَ مِثلُهُ ... وَمِنْهُ بلا شَكٍ بِه أَوْ تَرَدُّدِ كَمَا قَالَه الرَّحْمن جَلَّ جَلاَلُهُ ... وَجَاءَ عن الهادِي النبيِ مُحَمَّدِ وتاسِعُهَا وَهُوَ اعْتِقَادٌ مضَلِّلٌ ... وصاحِبُهُ لا شَك بالكُفْرِ مُرْتَدِ

كَمُعْتَقِدِ أَنْ لَيْسَ حَقا وَوَاجِبًا ... عَلَيه اتِّباعُ المُصْطَفَى خَيْرِ مُرْشِدِ فَمَنْ يَعْتَقِدْ هَذَا الضَّلاَلَ وأنَّهُ ... يَسَعْهُ خُرُوْجٌ عَن شَرِيْعَةِ أَحْمَدِ كَمَا كَانَ هَذَا في شَرِيْعَةِ مَن خَلاَ ... كَصَاحِبِ مُوْسَى حَيْثُ لَمْ يَتَقَيَّدِ هُوَ الخَضِرُ المُقْصُوصُ في (الكهفِ) ذِكْرُهُ ... وَمُوْسَى كِلِيْمِ اللهِ فافْهَمْ لِمَقْصَدِ ... وَهَذَا اعْتِقَادٌ لِلْمَلاحِدَة الأولي ... مَشَايِخِ أَهْلِ الاتّحَادِ المُفَنَّدِ كَنَحْوِ ابنِ سِيْنَا وابنِ سَبْعَيْنَ والذي ... يُسَمَّى ابْنَ رُشْدٍ والحَفِيْدِ المُلَدَّدِ وَشَيْخِ كَبِيْرٍ في الضَلاَلِة صَاحِبُ الْـ ... ـفُصُوصِ وَمَن ضَاهَاهُمُ في التَّمَرُّدِ وَعَاشِرُهَا الإِعْرَاضُ عن دِيْنِ رَبِّنَا ... فَلا يَتَعَلَّمهُ فَلَيْسَ بِمُهْتَدِ وَمَن لَمْ يَكُنْ يَومًا مِن الدَّهْرِ عَامِلاً ... بِهِ فَهُوَ في كُفْرَانِهِ ذُوْ تَعَمُّدِ وَلاَ فَرْقَ في هَذِي النَواقِضِ كُلِّها ... إِذا رُمْتَ أَنْ تَنْجُوْ وَلِلْحَقِّ تَهْتَدِ هُنَالِكَ بَيْنَ الهَزْلِ والجِدِّ فاعْلَمَنْ ... ولا رَاهب منهم لِخَوْفِ التَّهَدُّدِ

يا من يتابع سيد الثقلان

سِوَى المُكْرَهِ المَضْهُودِ إنْ كَانَ قَدَ أَتَى ... هُنَالِكَ بالشَّرْطِ الأَطِيدِ المُؤَكَّدِ وَحَاذِرْ هَدَاكَ الله مِن كُلِّ نَاقضٍ ... سِوَاهَا، وَجَانِبْهَا جَمِيْعًا لِتَهْتَدِ وَكُنْ بَاذِلاً لِلْجِدِّ والجُهْدِ طَالِبًا ... وَسَلْ رَبَّكَ التَّثْبِيْتَ أَيَّ مُوَحِّدِ وإِيَّاهُ فارْغَبْ في الهِدَايَةِ لِلْهُدَى ... لَعَلَّكَ أَنْ تَنْجُو مِن النارِ في غَدِ وَصَلِ إلهِي مَا تَأَلَّقَ بَارِقٌ ... وما وَخَدَتْ قُودٌ بِمَوْرٍ مُعَبَّدِ تَؤُمُّ إلى البَيْتِ العَتِيْقِ وَمَا سَرَى ... نَسِيْمُ الصَّبَا أَو شَاقَ صَوْتُ المُغَرِّدِ وَمَا لاَحَ نَجْمٌ في دُجَى اللَّيْلِ طَافِحٌ ... وما انْهَلَّ صَوْبٌ في عَوَالٍ وَوُهَّدِ على السِّيِدِ المَعْصُومِ أَفْضَلَ مُرْسَلٍ ... وأكَرَم خَلْقِ اللهِ طُرًا وَأَجْوَدِ وآلٍ وَأَصْحَابٍ وَمَن كَانَ تَابِعًا ... صَلاةً دَوَامًا في الرَّوَاحِ وفي الغَدِ انْتَهَى آخر: يَا مَنْ يُتَابِعُ سَيّدَ الثَّقَلانِ ... كُنْ لِلْمُهَيْمِنِ صَادِقَ الإِيْمَانِ وَاعْلَمْ بأنَّ الله خَالِقُكَ الذِي ... سَوَّاكَ لم يَحْتَجْ إلى إِنْسَانِ

خَلَقَ البَرِيَّةَ كُلَّهَا مِن أَجْلِ أَنْ ... تَدَعْوُهُ بِالإخْلاصِ وَالإذْعَانِ قَدْ أَرْسَلَ الآياتِ مِنْهُ مُخَوِّفًا ... لِعَبَادِه كَي يُخلِصَ الثَّقَلانِ وَأَبَانَ لِلإنْسَانِ كُلَّ طَرِيْقَةٍ ... كَي لا يَكُونَ لَهُ اعْتِذَارٌ ثَانِي ثُم اقْتَضَى أَمْرًا وَنَهْيًا عَلَّهَا ... تَتَمَيَزُ التَّقْوَى عَن العِصْيَانِ وَوُلِدْتَ مَفْطُورًا بِفِطْرتَكِ التِي ... لَيْسَتْ سِوَى التَّصْدِيْقِ والإِيْمَانِ وَبُلِيْتَ بالتَّكْلِيْف أَنْتَ مُخَيَّر ... وَأَمَامَك النَّجْدَانِ مُفْتَتَحَانِ فَعَمِلْتَ مَا تَهْوَى وَأَنْتَ مُرَاقَبٌ ... مَا كُنْتَ مَحْجُوبًا عَن الدَّيَّانِ ... ثُم انْقَضَى العُمْرُ الذِي تَهْنَا بِهِ ... وَبَدَأْتَ فِي ضَعْفٍ وَفي نُقْصَانِ وَدَنَا الفِرَاقُ ولاتَ حِيْنَ تَهْرُّب ... أَيْنَ المَفَرُّ من القَضَاءِ الدَّانِي وَالْتَفَّ صَحْبُكَ يَرْقُبُوْنَ بِحَسْرةٍ ... مَاذَا تَكُونُ عَوَاقِبُ الحَدَثَانِ واسْتَلَّ رُوْحَكَ وَالقُلُوبُ تَقَطَّعَتْ ... حُزنًا وَألْقَتْ دَمْعَهَا العَيْنَانِ

فَاجتَاح أَهْلَ الدَّارِ حُزْنٌ بَالِغٌ ... وَاجْتَاحَ مِن حَضَرُوا مِن الجِيْرَانِ فالبِنْتُ عَبْرَى لِلْفِرَاقِ كَئِيْبَة ... وَالدَّمْعُ يَمْلأ سَاحَةَ الأَجْفَانِ والزَّوْجُ ثكْلَى والصِّغَارُ تَجَمعُوا ... يَتَطَّلَعُوْنَ تَطَلُعَ الحَيْرَانِ والابنُ يَدْأبُ في جَهَازِكَ كَاتِمًا ... شَيْئًا مِن الأَحْزَانِ وَالأَشْجَانِ وَسَرَى الحَدِيْثُ وَقَدْ تَسَاءَلْ بَعْضُهُم ... أَوْ مَا سَمِعْتُم عَنْ وَفَاةِ فُلانِ قَالُوا سَمِعْنَا والوَفَاةُ سَبِيْلُنَا ... غَيْرُ المُهَيْمِنِ كُلُّ شَيءٍ فَانِي وَأَتَى الحَدِيْثُ لِوَارِثِيْكَ فَأَسْرَعُوا ... مِن كُلِّ صَوْبٍ لِلْحُطَامِ الفَانِي وَأَتَى المُغَسِّلُ والمُكَفِّنُ قَدْ أَتَى ... لِيُجَلِلُوكَ بِحُلِّةِ الأَكْفَانِ وَيُجَرِّدُوْكَ مِن الثِّيَابِ وَيَنْزَعُوْا ... عَنْكَ الحَرِيْرَ وَحُلَّةَ الكتَّانِ وَتَعُودُ فَرْدًا لَسْتَ حَامِلَ حَاجَةٍ ... مِن هَذِه الدُّنْيَا سِوَى الأَكْفَانِ وَأَتى الحَدِيْثُ لِوَارِثِيْكَ فَأَسْرَعُوا ... فَأَتُوا بِنَعْشٍ وَاهِن العِيْدَانِ

صَلُّوا عَلَيْكَ وَأَرْكَبُوكَ بِمَرْكَبٍ ... فَوْقَ الظُّهُورِ يُحَفُّ بِالأَحْزَانِ حَتَّى إِلى القَبْرِ الذِي لَكَ جَهَّزُوا ... وَضَعُوكَ عِنْدَ شَفِيْرِهِ بِحَنَانِ وَدَنَا الأَقَارِبُ يَرْفَعُونَكَ بَيْنَهُم ... لِلَّحدِ كَي تُمْسِي مَع الدِّيْدَانِ وَسَكَنَت لَحْدًا قَدْ يَضِيْقُ لِضِيْقِهِ ... صَدْرُ الحَلِيمِ وَصَابِرُ الحَيَّوانِ وَسَمِعَت قَرْعَ نِعَالِهِم من بَعْدِ مَا ... وَضَعُوكَ في البَيْتِ الصَّغِيْرِ الثَّانِي فِيهِ الظَّلامُ كَذا السُّكُونُ مُخَيَّمٌ ... وَالرُّوْحُ رُدَّ وَجَاءَكَ المَلَكَانِ وَهُنَا الحَقِيْقَةُ وَالمُحَقِقُ قَدْ أَتَى ... هَذَا مَقَامُ النَّصْرِ وَالخُذْلانِ إِنْ كُنْتَ في الدُّنْيَا لِرَبِّكَ مُخْلِصًا ... تَدْعُوْهُ بِالتَّوحِيْدِ والإِيْمَانِ فَتَظَلُّ تَرْفُلُ في النَّعِيْمِ مُرَفهًا ... بِفَسِيْحِ قَبْرٍ طَاهِرِ الأَرْكَانِ وَلَكَ الرَّفِيْقُ عَن الفِرَاقَ مُسَلِيًّا ... يُغْنِي عن الأَحْبَابِ وَالأَخْدَانِ فُتِحَتْ عَلَيْكَ مِن الجِنَانِ نَوَافِذ ... تَأْتِيْكَ بِالأَنْوَارِ وَالرَّيْحَانِ

وَتَظَل مُنْشَرِحَ الفُؤادِ مُنَعمًا ... حَتَّى يَقُومَ إلى القَضَا الثَّقَلانِ ... تَأْتِي الحِسَابَ وَقَدْ فَتَحَتْ صَحِيْفَةً ... بِالنُّورِ قَدْ كُتِبَتْ وَبِالرِّضْوَانِ وَتَرَى الخَلائِقَ خَائِفِيْنَ لِذَنْبِهِم ... وَتَسِيْرُ أَنْتَ بِعِزَّةٍ وَأَمَانِ وَيُظِلُّكَ اللهُ الكريمُ بِظِلِّهِ ... وَالنَّاسُ في عَرَقٍ إِلى الآذَانِ وَتَرَى الصِّرَاطَ وَلَيْسَ فِيهِ صُعُوبَةٌ ... كَالبَرَقِ تَعْبُرُ فِيهِ نَحْوَ جِنَانِ فَتَرى الجِنَانَ بِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا ... وَتَرَى القُصُورَ رَفِيْعَةَ البُنْيَانِ طِبْ في رَغِيْدِ العَيْشِ دُوْنَ مَشَقَّةٍ ... تُكْفِى مَشَقَّةُ سَالِفِ الأَزْمَانِ وَالبَسْ ثِيَابَ الخُلْدِ واشْرَبْ وَاغْتَسِلْ ... وَابْعِدْ عَن الأَكْدَارِ وَالأَحْزَانِ سِرْ وانْظُرِ الأَنْهَارَ واشْرَبْ مَاءَهَا ... مِن فَوْقِهَا الأَثْمَارِ في الأَفْنَانِ وَالشَّهْدُ جَارٍ في العُيُونِ مُطَهَّرٌ ... مَع خُمْرَةِ الفِرْدَوْسِ وَالأَلْبَانِ وَالزَّوْجُ حُورٌ في البُيُوتِ كَوَاعِبٌ ... بِيْضُ الوُجُوهِ خَوَامِصُ الأَبْدَانِ

مرادك أن يتم لك المراد

أَبكار شِبْهِ الدّرِِّ في أَصْدَافِهِ ... وَاللؤُلُؤ المَكْنُونِ وَالمَرْجَانِ وَهُنَا مَقَرٌّ لا تَحَوُّلَ بَعْدَهُ ... فِيْهِ السُّرُورِ برؤيَةِ الرَّحمنِ أَمَّا إِذَا مَا كُنْتَ فِيْهَا مُجْرِمًا ... مُتَتَبِعًا لِطَرَائِقِ الشَّيْطَانِ ثَكِلَتْكَ أمُّكَ كَيْفَ تَحْتَمِلُ الأَذَى ... أَمْ كَيْفَ تَصْبِرُ في لَظَى النِّيْرَانِ فَإِذَا تَفَرَّقَ عَنْكَ صَحْبُكَ وانْثَنَى ... حُمَّالُ نَعْشكَ جَاءَكَ المَلَكَانِ جَاءَا مَرْهُوْبَيْنِ مِن عَيْنَيْهِمَا ... تَرمى بِأَشواظٍ مِنَ النِّيْرَانِ سَألاكَ عَن رَبٍّ قَدِيْرٍ خَالِقٍ ... وَعَن الذي قَد جَاءَ بِالقُرْآنِ فَتَقولُ لا أَدْرِي وَكُنْتَ مُصَدقًا ... أَقْوَالَ شِبْهِ مَقَالَةِ الثَّقَلانِ فَيُوبخِانِكَ بِالكَلام بِشِدَّةِ ... وَسَيْضَرِبَانِكَ ضَرْبِةَ السَّجَانِ فَتَصِيْح صَيْحَةَ آسِفٍ مُتَوَجِعٍ ... وَيَجِي الشُّجَاعُ وَذَاكَ هَوْلٌ ثَانِي وَيَجِي الرَّفِيْقُ فَيَا قَبَاحَة وَجْهِهِ ... فَكَأَنَّهُ مُتَمَردٌ مِن جَانِ وَتَقُوْلُ يَا وَيْلا أَمَا لي رَجْعَةٌ ... حَتَّى أَحلَّ بِسَاحَةِ الإِيْمَانِ لَو عُدْتَ للدنْيَا لَعُدْتَ لِمَا مَضَى ... في جَانِبِ التَّكْذِيْب والعِصْيَانِ وأنشد بَعْضُهم: مُرَادُكَ أنْ يَتِمَّ لَكَ المُرَادُ ... وَتَرْكُضُ في مَطَالِبِكَ الجِيَادُ وَتَمْضِي فِي أَوَامِرِكَ اللَّيَالِي ... فَلا يُعْصَى هَوَاكَ وَلا يَكَادُ لَقَدْ مَلَكَتْ مُضلاتُ الأَمَاني ... قِيَادَكَ فاغْتَدَيْتَ بِهَا تُقَادُ ... أَلَمْ تَسْمَعْ بِذِي أَمَلٍ بَعِيْدٍ ... وَآمَالُ الفَتَى منها بِعَادُ رَمَاهُ المَوتُ فَانْقَبَضَتْ إِلِيهِ ... أَمَانِيْهِ بِشَيءٍ لا يُرَادُ وَيَلْقَاهُ بإِثر المَوتِ يَوْمٌ ... تَمِيْدُ لِهَولِهِ السَّبْعُ الشِّدَادُ تُصَمُّ لِوَقْعِهِ الآذَانُ صَمًّا ... وَيَنْطِقُ مِنْ زَلازِلِهِ الجَمَادُ فَكَمْ سَالَتْ هُنَالِكَ مِنْ دُمُوعٍ ... يُغَيِّرهُنَّ مِن دَمِهِ الفُؤادُ

لمن ورقاء بالوادي المريع

وكمْ شَاهَتْ هُنَالِكَ مِن وُجُوهٍ ... عَلى صَفَحَاتِها طُلِيَ الحِدَادُ ومَاذا الكَرْبِ يُشْبهُ ما عِهِدْنَا ... وأنَّى يُشْبِهُ البَحْرَ الثَّمَادُ وَمَا الأسْمَاءُ تُعْطِيْكَ اتِّفَاقًا ... عَلَى مَعْنًى يَتم لَكَ المُرَادُ ولَكِنْ رُبَّمَا كَانَ اشْتِبَاهٌ ... قَلِيْلٌ لا يُحَسُّ ولا يَكَادُ يُسَمَّى البَحْرُ ذُوْ الأهْوَالِ بَحْرًا ... وبَحْرًا مِثْلُهُ الفَرَسُ الجَوَادُ انْتَهَى آخر: لِمَنْ وَرْقَاءُ بِالوَادِي المَرِيْعِ ... تَشُبُّ بِهِ تَبِارِيْحُ الضُلُوعِ عَلَى فَيْنَانَةٍ خَضْراءَ يَصْفُوْ ... عَلَى أَعْطَافِهَا وَشي الرَّبِيْعِ تُرَدِِّدُ صَوْتَ بَاكِيَةٍ عَلَيها ... رَمَاهَا المَوتُ بِالأَهْلِ الجَمِيْعِ فَشَتَّتَ شَملَهَا وَأَدَالَ منه ... غَرَامًا عَاثَ في قَلْبٍ صَرِيْعِ عَجِبْتُ لَهَا تَكَلَّمُ وهي خَرِسَا ... وَتَبْكِي وَهْيَ جَامِدَةُ الدُّمُوْعِ فَهِمْتُ حَدِيْثَهَا وَفَهِْتُ أَنِّي ... مِن الخُسْران في أَمْرٍ شَنِيْعِ أَتَبْكِي تِلْكَ إنْ فَقَدَتْ أَنِيْسًا ... وَتَشْربُ منه بِالكَأْسِ الفَظِيْعِ وَها أَنَا لَسْتُ أَبْكِي فَقْد نَفْسِي ... وَتَضْيِيْعِ الحَياة مَعَ المُضِيْعِ وَلَوْ أَنِّي عَقَلْتُ اليَوْمَ أَمْرِي ... لأَرْسَلْتُ المَدامِعَ بِالنَّجِيْعِ أَلا يَا صَاحِ والشَّكْوَى ضُرُوْبٌ ... وَذِكْرُ المَوتِ يَذْهَبُ بِالهُجُوْعِ لَعَلَّكَ أَنْ تُعِيْرَ أَخَاكَ دَمْعًا ... فَمَا في مُقْلَتَيْهِ مِن الدُمُوعِ انْتَهَى آخر: هُوَ الموتُ فَاصْنَعْ كُلَّ مَا أَنْتَ صَانِعُ ... وَأَنْتَ لِكَأْسِ المَوتِ لابُدَّ جَارِعُ أَلاَ أَيهَا المَرْءُ المُخَادِعُ نَفْسَه ... رُوَيْدًا أَتَدْرِي مَن أَرَاكَ تُخَادِعُ ...

وَيَا جَامِعَ الدُّنْيَا لِغَيْرِ بَلاغِهِ ... سَتَتْرُكُها فانْظُرْ لِمَنْ أَنْتَ جَامِعُ فَكَمْ قَد رَأَيْتُ الجَامِعِيْنَ قَد اصْبَحَـ ... تْ لَهُم بَينَ أَطْبَاقِ التُّرَابِ مَضَاجِعُ لَوْ أَنَّ ذَوِي الأَبْصَارِ يَرْعَونَ كُلمَّا ... يَرَوْنَ لَمَا جَفَّتْ لِعَيْنٍ مَدَامِعُ طَغَى الناسُ مِن بَعْدِ النَّبِي مُحَمَّدٍ ... فَقَدْ دَرَسَتْ بَعْدَ النَّبي الشَّرَائِعُ وصارتْ بطونُ المُرْملاتِ خَمِيْصَةً ... وأيتامُها منهم طَرِيدٌ وجائِعُ وإِنَّ بُطُونَ المُكْثِرينَ كأنَّمَا ... يُنَقْنِقُ في أَجْوافِهِنَّ الضَّفادِعِ فَمَا يَعرفُ العَطْشَانَ مَِن طَالَ رَيُّهُ ... ولا يَعِرْفُ الشَّبْعَانُ مَن هُوَ جَائِعُ وَتَصْرِيفُ هذا الخلقِ للهِ وَحْدَهُ ... وَكُلٌّ إليه لا مَحَالَةَ رَاجِعُ وَللهِ فِي الدنيا أعاجِيْبُ جَمَّةٌ ... تَدلُّ عَلى تَدْبِيرِهُ وَبَدَائِعُ ولله أَسرارُ الأُمُورِ وَإِنْ جَرَتْ ... بِها ظاهِرًا بينَ العِبَادِ المَنَافِعُ ولله أَحكَامُ القضاءِ بِعِلْمِهِ ... أَلا فَهوَ مُعْطٍ مَا يَشَاءُ وَمَانِعُ

يا صاحبي إن دمعي اليوم منهمل

إِذَا ضَنَّ مَن ترَجُو عليكَ بِنَفْعِهِ ... فَدَعْهُ فإنَّ الرزقَ في الأرضِِ وَاسِعُ ومَن كانَتِ الدُّنيا مُنَاهُ وَهَمّهُ ... سَبَتْهُ المُنَى واسْتَعْبَدَتْهُ المَطَامِعُ وَمَن عَقَل اسْتَحْيَى وأكْرَمَ نَفْسَهُ ... وَمَن قَنِعَ اسْتَغْنَى فَهَلْ أَنْتَ قَانِعُ لِكُلِّ امْرِءٍ رَأيان رَأيٌ يَكُفُّهُ ... عن الشَّرِ أَحْيانًا وَرَأيٌّ يُنَازِعُ انْتَهَى قَالَ بَعْضُهُمْ يَرْثِي أَخًا لَهُ: يَا صَاحِبِيْ إِنَّ دَمْعِيْ اليَوْمَ مُنْهَمِلٌ ... عَلَى الخُدُوْدِ حَكَاهُ العَارِضُ الهَطِلُ وَفي الفُؤادِ وَفي الأَحْشَاءِ نَارُ أَسى ... إِذَا أَلَمَّ بَهَا التَّذْكَار تَشْتَعِلُ عَلى الأَحِبَّةِ والإخْوَانِ إذْ رَحَلُوْا ... إِلَى المقَابِرِ والألْحَادِ وانْتَقَلُوْا كُنَّا وَكَانُوْا وَكَانَ الشَّمْلُ مُجْتَمِعًا ... وَالدَّارُ آهِلَة وَالحبْلُ مُتَّصِلُ حَدَا بِهِمْ هَادِمُ اللَّذَّاتِ في عَجَلٍ ... فَلَمْ يُقٍيْمُوا وَعَنْ أَحْبَابِهِمْ شُغِلُوا وَلَمْ يَعُوْجُوا عَلى أَهْلٍ وَلاَ وَلَدٍ ... كَأَنَّهمْ لَمْ يَكُوْنُوا بَيْنَهمْ نَزَلُوْا إِنِّي لأَعْجِبُ لِلدُّنْيَا وَطَالِبِهَا ... وَلِلْحِرِيْصِ عَلَيْهَا عَقْلُهُ هَبَلُ وَغَافِل لَيْسَ بالمَغْفُولِ عَنْهُ وَإِنْ ... طَالَ المَدَى غَرَّهُ الإمْهَالُ وَالأَمَلُ نَاسٍ لِرِحْلَتِهِ نَاسٍ لِنُقْلَتِهِ ... إِلَى القُبُوْرِ التيْ تَعْيَا بِهَا الحِيَلُ فَيْهَا السؤال وَكَمْ هَوْلٍ وَكَمْ فِتَنٍ ... لِلْمُجْرِمِيْنَ الأُلَىَ عَنْ رَبِّهمْ غَفَلُوا ... وَفِي القُبُوْرِ نَعِيْمٌ لِلتَّقيّ كَمَا ... فِيْهَا العَذَابُ لِمَنْ في دِيْنِهِ دَخَلُ قُلْ لِلْحَزيْن الذِيْ يَبْكِيْ أَحِبَّتَهُ ... ابْكِ لِنَفْسِكَ إِنَّ الأَمْرَ مُقْتَبِلُ

كرهت وعلام الغيوب حياتي

فَسَوْفَ تَشْرَبُ بالكَأْسِ الذِيْ شَربُوا ... بِهَا إنْ يَكُنْ نَهلٌ مِنْهَا وَإِنْ عَلَلُ فَاغْنَمْ بَقِيَّةَ عُمْرِ مَرَّ أَكْثَرُهُ ... فَي غَيْر شَيءٍ فَمَهْلاً أَيُّهَا الرَّجُلُ انْتَهَى آخر: كرِهْتُ وَعَلاَّمِ الغُيوبِ حَيَاتِي ... وأصْبَحْتُ أَرْجُو أنْ تَحينَ وَفَاتي فَشَا السُوءُ إلا في القليل مِنَ الوَرَى ... وخاضُوا بِحارَ اللهْوِ والشَّهَواتِ وضَاعَتْ لَدَيْهِمْ حُرْمُة الدِّينِ واغْتَدَتْ ... نُفُوسُهُمُو في الفِسْقِ مُنْغَمِسَاتِ وقدْ فَسَدَتْ أَخْلاقُهُمْ وتَغَيَّرتْ ... وأضْحَتْ خِلالُ الخِزْيِ مُنْتَشِرَاتِ وَسَارَ الخَنَا فِيْهِمْ فلَسْتُ أرَى سِوَى ... كَتَائِبِ فُسَّاقٍ وجَمْعَ طغَاةِ فَمِنْهُمْ كَذُوْبٌ في الوِدَادِ مُخَادِعٌ ... أراهُ صَدِيقِي وهُوَ رأْسُ عُداتِي يُقابِلُنِي بالبِشْرِ واللطْفِ عِنْدَمَا ... يَرَانِي ويَدْعُو لِيْ بِطُولِ حَيَاتِي وإنْ غِبْتُ عنه سَبَّني وأَهَانَني ... وَعَدَّ عُيُوبي للوَرَى وَهَنَاتِي ومِنهُمْ شَقِيٌّ هَمُّهُ الفِسْقُ والزِنَا ... ولَوْ كانَ عُقْبَاهُ إلى الهَلَكَاتِ تُلاقِيهِ يَجْرِي خَلْفَ مُسْلِمَةٍ بِلاَ ... حَيَآءٍ ولا خَوْفٍ مِنَ اللَّعَنَاتِ

كَأنْ لَمْ يُفَكِّرْ أنَّ تِلْكَ كَأخْتِهِ ... فَيَغْمِزُهَا لِلْحَظِ والغَمَزَاتِ وَيُبْدِي لَهَا الإِعْجَابَ غِشًّا وَخِدْعةً ... ولمْ يَرْعَ حقَّ اللهِ في الحُرُمَاتِ وآخَرُ أَمْسَى لِلْعُقَارِ مُعَاقِرًا ... وأَصْبَحَ في خَبلٍ وفي سَكَرَاتِ تَرَاهُ إذَا مَا أَسْدَلَ الليلُ سِترَهُ ... عَلَيهِ وَوَافِى بَادِيَ الظلُمَاتِ يُدِيْرُ ابْنَةَ العُنْقُودِ بَينَ صِحَابِهِ ... ويَطْربُ بينَ الكأس والنَّغمَاتِ وَقَدْ أَغْفَلَ المِسْكِيْنُ ذِكْرَ مَمَاتِهِ ... وَما سَيُلاقِي مِنْ جَوَى النَّزَعَاتِ يتِيْهُ عَلَى كُلِّ العِبادِ بِعُجْبِهِ ... وَيَخْتَالُ كِبْرًا نَاسِيًا لِغَدَاةِ غَدَاةَ يُوارَى فِي التُّرابِ ويَغْتَدِي ... طَعامًا لَدُودِ القَبْرِ والحَِشَرَاتِ وآخَرُ مَغْرُورٌ بكَثْرَةِ مَالِهِ ... وما عِنْدَهُ فِي البَنْكِ مِنْ سَنَدَاتِ يُفاخِرُ خَلْقَ اللهِ بالْجَاهِ والغِنَى ... وبالْمَالِ لا بالفَضْلِ والْحَسَنَاتِ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ المالَ فَانٍ وأَنَّهُ ... يَزُولُ كَسُحبِ الصّيْفِ مُنْقَشِعَاتِ ...

وَذَا شَاهِدٌ بالزُّور إنْ يُسْتَعِنْ بِهِ ... أَخُو شِقْوةٍ يَشْهَدْ بِكُلِّ ثَبَاتِ ولَمْ أَدْرِ مَاذَا قَدْ أَعَدَّ لِموْقِفٍ ... بِهِ يَقِفُ العَاصِيْ بغَيْرِ حُمَاةِ وذَا آكِل مَالَ اليَتِيْمِ وَلَمْ يَدَعْ ... لَهُ عِنْدَ رَدِّ الحَقِّ غَيْرَ فُتَاتِ وفي بَطْنِهِ قَدْ أَدْخَلَ النّارَ عامِدًا ... وأصْبَحَ مَحْرُوْمًا مِنَ النَّفَحَاتِ وَذَلِكَ مُغْتابٌ وَهَذا مُنَافِقٌ ... لِحِطَّتِهِ قَدْ عُدَّ فِي النّكِرَاتِ وَهَذا يَغُشُّ الناسَ فِي البَيْعِ والشِرَا ... وأَرْبَاحُهُ مَنْزُوْعَةُ البَرَكَاتِ وَهَذَا حَوَى كُلَّ الخَنَا وَصِفَاتهُ ... مَعَ الخَلْقِ والخَلاَّقِ شَرُّ صِفَاتِ وكَمْ مُعْلِنٍ لِلْفِطْرِ والنّاسُ صُوَّم ... يُجَاهِرُ فِي الإفْطَارِ في الطُّرُقَاتِ وَلَيْسَ يُبَالِي بانْتِقَامِ إلهِهِ ... وَتَعْذِيْبِهِ لِلأَنْفُسِ النَّجِسَاتِ وَكَمْ مِنْ غَنِيٍّ مُسْتَطِيْعٍ تَرَاهُ لاَ ... يُبَادِر بِحَجِّ البَيْتِ قَبْلَ فَوَاتِ فَيَسْعَى بِنَفْسٍ مِلْؤُها البِرُّ وَالتُّقَى ... لِتَلْبِيَةِ الرَّحْمَن في عَرَفَاتِ

وَلَمْ أَرَ إِلاَّ النَّزْرَ فِيْهِمْ مُسارِعًا ... لإِحْيَاءِ دِيْنِ اللهِ بِالصَّلَوَاتِ وما الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ إِلاَّ وَسَائلٌ ... عَلَى المُتّقي تَسْتَنْزِلُ الرَّحَمَاتِ وَتَنْهَى عَنْ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ الذي ... يَزُجُّ بِمَنْ يَأتِيْهِ في الكُرُبَاتِ وَيَنْدُرُ أَنْ أَلْقَى غَنِيًّا بمالِهِ ... يَجُودُ لِذِي جُوعٍ وَذَاتِ عُرَاةِ فَمَا ائْتَمَرُوا بالأمْرِ كَلاَّ وَلاَ انْتَهَوْا ... عَنْ النَّهْيِ حَتَّى سوَّدُوا الصَّفَحَاتِ وعاثُوا فَسادًا فِي البِلادِ فَأصْبَحُوا ... بعِصْيَانِهِمْ في أسْفَلِ الدَّرَجَاتِ خَلاَئِقُ يَأْبَاهَا الرَّشِيْدُ لِقُبْحِهَا ... وَلاَ يَرْتَضِيْهَا غَيْرُ أَحْمَقَ عَاتِي ويُنْكِرُها ذُوْ العَقْلِ والرَّأْيِ والحِجَا ... ويَخْجَلُ مِنْهَا صادقُ العَزَمَاتِ وَمَنْ يَتَّخِذْها مَنْهَجًا خَابَ سَعْيُهُ ... ولا يَقْتَنِيْ مِنْهَا سِوَى الحَسَرَاتِ إِذا جَاءَ وَقْتُ الصَّيْفِ شَدَّ رِحالَهُ ... إِلَى الغَرْبِ يَلْهُوْ والشَّبَابُ مُوَاتِي كأنَّ بَنِي الإِسْلاَمِ في عَصْرِنا غَدَوْا ... لِهَدْمِ عُلا الإِسْلامِ شَرَّ دُعاةِ

فَتُوبُوا عِبَادَ اللهِ للهِ وَارْجِعُوا ... إِلَيْهِ تَنَالُوا مُنْتَهَى الرَّغَبَاتِ وَلاَ تَقربُوا مَا لاَ يَحِلُّ وأَبْعِدُوا ... نُفُوسَكُمُو حَتَّى عن الشُّبُهَاتِ وأَدُّوا حُقوقَ اللهِ وارعَوْا حُدودَهُ ... كَمَا يَنْبَغِي في الجَهْرِ والخَلَواتِ وَلاَ تَهِنُوا يَومًا وَلاَ تَحْزَنُوا لِمَا ... يُصِيْبُكُمُو فِي الحَقِّ مِنْ عَقَبَاتِ تَفُوزُوا برِضْوانِ الإِلهِ ولُطْفِهِ ... ويُغدِقْ عَلَيْكم أنْعُمَاً وهِبَاتِ ... وَيَفْتَحْ لَكُمْ بَابَ القَبولِ ويَسْتَجِبْ ... إِذا مَا دَعَوْتُمْ صالِحَ الدَّعَوَاتِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ فِي النَّسْلِ قُرَّةَ أعْيْنٍ ... وَيَرْزُقَكُمُ مِنْ أطيَبِ الثَّمَرَاتِ ويُمْدِدْكُمُ بالنَّصْرِ حَتَّى إِذا طَغَى ... عَلَيْكُمْ عدُوٌّ رَدَّهُ بِشَتَاتِ فَمَا حَلَّ هَذَا الحَالُ إِلاَّ لِنَبْذِكُمْ ... تَعَالِيمَ دِينِ اللهِ نَبْذَ نَوَاةِ وَمَا سلَّطَ اللهُ العَدُوَّ عَلَيْكُمُ ... فَلَم يَبْقَ فِيْكُمْ غَيْرُ بعضِ رُفاتِ سِوَى بُعْدِكُمْ عَنْ دِينِهِ ولأنّكمْ ... قَنِعْتُمْ عَن الأعْمَالِ بالكلِمَاتِ انْتَهَى

واها لدنيا إذا ما أقبلت قتلت

هَذِهِ أَبْيَاتٌ مُخْتَارَةٌ مِن قَصِيْدَةِ لِبَعْضِ العُلَمَاءِ رَدًا عَلَى مَنْ قَالَ بالطَّبِيعَةِ وَاهًا لِدُنْيَا إِذَا مَا أَقْبَلَتْ قَتَلَتْ ... وشَوْطُ إِقْبَالِهَا فَوْتٌ وَإِدْبَارُ دَسَّتْ لَكَ السُّمَّ في حَلْوَى زَخَارِفِهَا ... وَزَيَّنَتْ لَكَ مَا عُقْبَاهُ أَضْرَارُ وعِشْتَ دَهْرًا مِنَ الأَعْوَامِ مُنْتَظِرًا ... في مَلْعَبٍ كُلُّهُ جُرْمٌ وإِصْرَارُ حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقْتُ المَقْتِ وَانْتَشَبَتْ ... يَا لاَهِيًا لِلْمَنَايَا فِيْكَ أَظْفَارُ خَابَتْ ظُنُوْنُكَ فِي دُنْيا مُخَادِعَةٍ ... أَلْوَتْ عِنَانَكَ عَمَّا كُنْتَ تَخْتَارُ يَا ذَا الوِجَاهَةِ والجَاهِ العَرِيْضِ لَقَدْ ... خَاَنَتْ عُهُوْدَكَ أَعْوَانٌ وَأَنْصَارُ أَلْقَوْكَ فِي حُفْرَةٍ هَالَتْكَ وَحْشَتُهَا ... كَأَنَّها مِخْدَعٌ يُغْلَى بِهِ القَارُ وَغَادَرُوْكَ وَمَا فِي الحيِّ مِن حَكَمٍ ... تشْكُو إِلَيْهِ وَمَا فِي الدَّارِ دَيَّارُ يَا رَاقِدًا وَمَضِيْقُ القَبْرِ مَضْجَعُهُ ... أَمَلَّكَ القِطْرُ أَمْ ضَاقَتْ بِكَ الدَّارُ

أَبعْدَ مَا فِي مَغَانِي الحَيِّ مِن سَعَةٍ ... تُغْنِي الضَّجِيْعَ عنِ الأمْيَالِ أَشْبَارُ خَلَوْتَ وَحْدَكَ لاَ خِلٌ وَلاَ خَدَمُ ... فَهَلْ تُنَاجِيْكَ بالإِصْلاَحِ أَفْكَارُ أَمْ أَنْتَ مِمَّنْ يَرَوْنَ المَوْتَ رَاحَتَهُمْ ... يَا حَبَّذَا الموْتِ لَوْلاَ الحَشْرُ والنَّارُ والقَبْرُ إِنْ لَمْ تَكُنْ فِيْهِ مُنَغِّصَةٌ ... حَاكْتْ زَوَايَاهُ رَوْضًا فِيْهِ أَزْهَارُ لَكِنَّهُ وَظَلاَمُ الزَّيْغِ يُوْحِشُهُ ... سِجْنٌ لَهُ مِنْ ذَوَاتِ النَّهْشِ عُمَّارُ فَهَلْ يُحَاكِي قُبُورَ القَوْمِ مَضْجَعُكُمْ ... أَمْ زَاحَمَتْكَ ظَلامَاتٌ وآصَارُ بِالأَمْسِ صَدْرًا أَخَا كِبْرٍ وَغَطْرَسَةٍ ... وَمَا سِوَى الصَّدْرِ نَهَّاؤٌ وَأَمَّارُ وَاليَوْمَ بَيْنَ هَوَامِ الأرْضِ مُضْطَجِعٌ ... في مَضْجَعٍ مَا بِهِ جَارٌ وَسُمَّارُ وَاهًا لِدُنْيَا إِذَا مَا أَقْبلَتْ قَتَلَتْ ... وشوْطُ إقْبَالِهَا فَوْتٌ وإِدْبَارُ ... تَمُرُّ بالمَرْءِ مَرَّ الطَّيْفِ بَاسِمَةً ... وخَلْفهَا مِن جُيُوْشِ الحُزْنِ جَرَّارُ إِذَا سَقَتْ كَأْسَ إِيْنَاسٍ أَخَا سَفَهٍ ... تَجَرَّعَ السُّمَّ مِنْهُ وَهُو مَخْتَارُ

وَمَا السُّمُوْمُ سِوَى لِذَاتِهَا وبِهَا ... كَمْ أَهْلَكَتْ أُمَمَاً فِي القَبْرِ قَدْ مَارُوْا تَزْهُو لأَهْلِ الهَوَى حَتَّى إِذَا ابْتَهَجُوْا ... جَاءَتْ بِمَا فيْهِ أرْزَاءٌ وَأَكْدَارُ يَا وَيْحَ مَنْ أَخَذَتْ يَوْمًا بمِخْنَقِهِ ... إِلى طَرِيْقٍ إِلَيْهَا يَنْتَهِي العَارُ ويَا نَدَامَةَ مَنْ لَمْ يَبْكِ إنْ ضَحِكَتْ ... فَضِحْكُها لِذَوِيْ اللَّذَاتِ إِنْذَارُ وَيَا خَسَارَةَ مَنْ أَنْسَتْهُ مَبْدَأَهُ ... ومُنْتَهَاهُ وَلَمْ يُوْقِظْهُ تَذْكَارُ كَالشَّابِِّ تُنْسِيْهِ عَصْرَ الشَّيْبِ غُرَّتُهُ ... حَتَّى إِذَا عَلِقَتْ بالأزْرِ أَوْزَارُ فَرَّ الشَّبَابُ وَظَلَّ الشَّيْبُ هَازِمَهُ ... إِنَّ الشَّبَابَ أَمَامَ الشَّيْبِ فَرَّارُ فَهَلْ لِذِي الجَاهِ أَنْ يَنْسَى مَنِيَّتَهُ ... والمَوْتُ فِي رَأْسِ رَبُّ الجَاهِ مِعْثَارُ وَكَمْ وَجِيْهٍ تَعَامَى عَنْ عَوَاقِبِهِ ... إِذْ هَابَهُ خَشْيَةً عَمْروٌ وَعَمَّارُ وَظَلَّ فِي زُخْرُفِ التَّضْلِيْلِ مُتَّجِرًا ... وَالنَّاسُ مِنْهُ بِسُوْقِ الزَّيْغِ تَمْتَارُ حَتَّى إِذَا مَا الرَّدَى لِلْمَوْت أضْجَعَهُ ... أضْحَى كأُضْحِيَةٍ مِنْ حَوْلِهَا دَارُوا

وَمَاتَ وَالخَوْفُ حَيٌّ بَيْنَ أَضْلُعهِ ... وَلِلمَخَازِيْ بِتِلْكَ الدَّارِ أَدْوَارُ أُفٍّ لِمُقْبِلَةٍ مَرَّتْ عَلَى عَجَلٍ ... كَأَنَّهَا الفَجْرُ لَمْ يُمِهلْهُ إِسْفَارُ كَأَنَّما أَنْتَ وَالدُّنْيَا وَمَا صَنَعَتْ ... أُلْعُوْبَةٌ بَاعَهَا الصِّبْيَانِ مِهْزَارُ أَلْهَتْهُمُو بُرْهَةً حَتَّى إِذَا تَلِفَتْ ... وَفَاتَهُم فِي المَسَا دُفٌّ وَمِزْمَارُ لَمْ يَلْبَثُوا فِي المَلاَهي غَيْرَ سَاعَتِهِمْ ... وَقَدْ دَهَتْهُمْ مُلِمَّاتٌ وأَكْدَارُ وَهَكَذَا كُلُّ حَالٍ لاَ بَقَاءَ لَهَا ... وَكُلُّنَا فِي الجَنَى لِلْمَوْتِ أَثْمَارُ وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ الأَيَّامُ مرْكَبَهُ ... فَكُلُّ أَوْقَاتِهِ ظَعْنٌ وَأَسْفَارُ تَبًّا لِدَارٍ أَرَتْنَا مِنْ مَلاَعِبِهَا ... عَجَائِبًا مَا أَتَاهَا الدَّهْر سَحَّارُ فَيَا أَخَا العِلْمِ لاَ يُنْجِيْكَ عِلْمُكَ إِنْ ... فَأتَتْكُ خَشْيَةُ رَبٍّ اسْمُهُ البَارُ وَيَا أَخَا المَالِ لاَ تَرْكَنْ لِكَثْرَتِهِ ... فَالمَالُ كَالمَاءِ كَرَّارٌ وَفَرَّارُ وَالجَاهُ ضَيْفٌ وَعُقْبَى الضَّيْفِ رِحْلَتُهُ ... وإِنْ دَعَتْهُ لِطُولِ المُكْثِ أَوْطَارُ

أخل لمن ينزل ذا المنزل

واضْرَعْ إلى اللهِ يَا مَنْ بَاتَ في سَعَةٍ ... مِنْ نِعْمَةِ اللهِ إِنَّ الدَّهْرَ دَوَّارُ ونِعْمَةُ اللهِ تأْتِي طَيَّ رَحْمَتِِهِ ... كَمَاطِرِ غَيْثُهُ الهَطَّالُ مِدْرَارُ لَكِنَّمَا الغَيُّ والطُّغْيَانُ يَنْقُصُهَا ... فَمَا تَهَنَّى بِهَا فِي الكَوْنِ كُفَّارُ ... وإِنْ تَقُلْ إِنَّ أَهْلَ البَغْيَ فِي نِعَمٍ ... فَرَكْبُهُمْ فِي طَرِيْقِ الغَمِّ سَيَّارُ والغَافِلُونَ لَهُمْ فِي القَبْرِ مُزْعِجَةٌ ... وَبَعْدَ فَصْل القَضَا عُقْبَاهُمُ النَّارُ انْتَهَى آخر: أخْلِ لِمَنْ ينْزِلُ ذَا المَنْزِلِ ... وارْحَلْ فَقَدْ آنَ أن تَرْحَلْ وارْحل بما قدْ كنتَ جمعتَهُ ... واحملْهُ إن خُلِّيتَ أن تحملْ هَيْهَاتَ لا تَخْرُجُ مِنْهُ بِشَيءٍ ... فافْعَلَنْ مَا شئِْتَ أنْ تَفْعَل واقْعُدْ مِن الغَيْضِ وإلاَّ فَقُمْ ... واطْلَعْ إلى الكواكَبِ أَوْ فَأنْزِلِ فَلَسْتَ بالخارِجِ إلاَّ بِمَا ... جِئْتَ فَسَلِّمْ ويْكَ واسْتَبْسِلْ وَخَلِّ هذي الأماني فما ... تُثْمِرُ إلا شَرَّ ما يُؤْكَلْ كَمْ مِن فَتًى طَوَّل آمالَِهُ ... فَقَصَّرَتْ دُنْيَاهُ ما طَوَّلْ فَجَاءَهُ الموتُ على غِرَّةٍ ... فَماتَ مِن قَبْلِ الذِي أَمَّلْ فيا إلهي الذِيْ جُوْدُهُ ... قَدْ غَمَرَ الآخِرَ وَالأَولْ رَحْمَاكَ يا رَحْمِنُ في فِتْيَةٍ ... لَيْسَ لَهُمْ دُوْنَكَ مِن مُؤمَّلْ قد حَجَبَتْهَا عَنْكَ آثَامُهَا ... وأنْزَلَتْهَا شَرَّ مَا مَنْزِلْ ولَيْسَ إلاَّ عَفْوُكَ المُرتَجَى ... فَدُلَّها مَاذا الذي تَعْمَل

يا قوم فرض الهجرتين بحاله

اللهم إنَّكَ تَعْلَمُ سِرَّنَا وَعَلاَنِيَتَنَا، وتَسْمَعُ كَلاَمَنَا وَتَرى مَكَانَنَا، لاَ يخْفَى عَليكَ شْيءُ مِن أَمْرنَا، نَحْنُ البُؤَسَاءُ الفُقَراءُ إليكَ المستغيثونَ المستجيرونَ بِكَ نَسْأَلك أَنْ تُقَيِّضَ لِدِينَكَ مَنْ يَنْصُرُهُ ويُزيلُ مَا حَدَثَ مِن الَبِدَعِ والمُنْكَراتِ، ويُقِيْمُ عَلَمَ الجِهَادِ ويَقْمَعُ أَهْلَ الزَّيْغِ والكُفْرِ والعِنَادِ، ونَسْألُكَ أنْ تَغْفِرَ لنَا ولِوَالِديْنَا وجميعِ المسلمين برحْمَتِكَ يا أَرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين. انْتَهَى * * * قال ابن القيم رحمه الله تعالى: يا قَومُ فَرْضُ الهِجْرَتَيْنِ بحَالِهِ ... واللهِ لم يُنْسَخْ إلى ذَا الآنِ فالهِجرةُ الأولَى إِلى الرحمَنِ بالْـ ... إِخْلاَصِ في سِرٍ وفي إعلانِ حتى يَكُونَ القَصْدُ وجهَ اللهِ بالْـ ... أقْوَالِ والأعمالِ والإيمانِ ويَكُونُ كُلُ الدينِ لِلرَّحمنِ ما ... لِسَوَاهُ شيء فيه مِن إنسان والحَبِ والبَغْضِ اللذَيْنِ هُمَا لكـ ... ـلِ ولايَةٍ وَعَدَاوةٍ أصْلان للهِ أيضًا هَكَذَا الإعْطَاءُ والسَّـ ... ـمع اللذانِ عَلَيْهِمَا يَقِفَانِ واللهِ هذا شطرُ دِينِ اللهِ والتَّـ ... ـحْكِيمِ لِلْمُخْتَارِ شَطْرٌ ثانِ والهجرةُ الأُخْرَى إلى المَبْعُوثِ بالْـ ... إسْلامِ والإِيمان والإِحسانِ أَتَرَوْن هَذي هِجْرَةَ الأَبْدَانِ لا ... واللهِ بَل هِيْ هِجْرَةٌ الإِيمانِ

قطعُ المَسَافَةِ بالقُلُوبِ إليهِ في ... دَرَكِ الأَصُولِ مَعَ الفُرُوْعِ وذانِ أبدًا إليهِ حُكْمُهَا لا غَيْرُهُ ... فالحُكْمُ مَا حَكَمَتْ به النَّصَانِ يا هجرةً طالَتْ مَسَافَتُهَا على ... مَنْ خُصَّ بالحِرمَانِ والخُذْلاَنِ يا هِجْرةً طَالَتْ مَسَافَتُهَا عَلَى ... كَسَلان مَنْخُوبِ الفُؤادِ جَبَانِ يا هِجْرَةً والعَبْدُ فوْقَ فِرَاشِهِ ... سَبَقَ السُّعاةَ لِمَنزلِ الرِّضْوَان سَارُوا أَحَثَّ السَيْرِ وهُوَ فَسَيْرُهُ ... سَيْرَ الدَّلِيْلِ ولَيْسَ بالذَّمِلانِ هَذَا وَتَنْظُرُهُ أَمَامَ الرَّكْبِ كَالْـ ... عَلَم العَظِيم يُشَافُ في القِيْعَانِ رُفِعَتْ لَهُ أعلامُ هَاتِيْكَ النُصُو ... صِ رُؤوسُها شَابَتْ مِن النِيْرانِ نارٌ هِيَ النُوْرُ المُبِيْنُ ولَمْ يَكُنْ ... لِيَراهُ إلا من لَه عَيْنَانِ مَكْحُولتَانِ بمِرْوَدِ الوَحْيَيْنِ لا ... بمَرَاودِ الآرَاءِ والهَذَيَانِ فلِذَاكَ شَمَّرَ نَحْوَهَا لَمْ يَلْتَفِتْ ... لا عن شَمَائِلِهِ ولا أيْمَانِ

يا قومُ لَو هَاجَرْتُمُو لَرَأَيْتُمُ ... أَعْلاَمَ طَيْبَةَ رُؤْيةً بعيانِ وَرَأَيْتُمُ ذاكَ اللِّوَاءَ وَتَحْتَهُ الرُّ ... سْلُ الكِرامُ وَعَسْكرُ الإِيمَانِ أصحابَ بَدْرٍ والأُلى قَدْ بَايَعُوْا ... أزكَى البَرِيَّةِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَكَذَا المُهَاجِرَةُ الأُلَى سَبَقُوا كَذَا الْـ ... أنْصَارُ أهْلُ الدارِ والإِيْمَانِ والتَّابِعُونَ لَهُم بِإِحْسَانٍ وَسَا ... لِكُ هَدْيِهِمْ أبدًا بكُلِ زَمَانِ ... لَكِنْ رَضِيْتُمْ بالأَمانِي وابْتُلِيـ ... ْتُم بالحظوظ ونَصْرَةِ الإخْوَانِ بَلْ غَرَّكُم ذَاكَ الغَرُوْرُ وسَوَّلَتْ ... لكمُ النُفُوسُ وَسَاوسَ الشيْطَانِ وَنَبَذْتُم غلَّ النُصُوصِ وَرَاءَكُمْ ... وقَنِعْتُمُ بقطارة الآذانِ وَتَرَكْتُمُ الوَحْيَيْنِ زُهْدَاً فِيْهِمَا ... وَرَغِبْتُمُ في رأْيِ كُلِّ فُلانِ وعَزَلْتُمُ النَّصَيْنِ عَمَّا وُلِيَّا ... لِلْحُكْم فيه عَزْلَ ذِي عُدْوَانِ

وَزَعَمْتُمُ أنَّ لَيْسَ يَحْكُم بَيْنَنَا ... إلا العُقُولُ ومَنْطِقُ اليَوْنَانِ حَتَّى إذا انْكَشَفَ الغِطَاءُ وَحُصِّلَتْ ... أعْمَالُ هذا الخَلْقِ بالمِيْزَانِ وإذا انْجَلَى هَذَا الغُبَارُ وَصَارَ مَيـ ... ـدَانُ السَّبَاقِ تَنَالُه العَيْنَانِ وبَدَتْ على تِلكَ الوُجُوهِ سِمَاتُهَا ... وسْم المَلِيْكِ القَادِرِ الدَّيَانِ مُبْيَضَّةً مِثْلَ الرِّياضِ بجنَّةٍ ... والسُوْدُ مِثْلَ الفَحْمِ لِلنّيْرَانِ فَهُنَاكَ يَعْلَمُ رَاكِبٌ ما تَحْتَهُ ... وهُنَاكَ يُقْرَعُ نَاجِذُ النَّدْمَانِ وهُنَاكَ تَعْلَم كُلُّ نَفْسٍ مَا الذِي ... معَهَا مِن الأَرباحِ والخُسْرَانِ وهُنَاكَ يَعْلَمُ مُؤْثِرُ الآراءِ والشَّـ ... طحاتِ والهَذَيَانِ والبُطْلانِ أيَّ البَضَائِعِ قَد أَضَاعَ وما الذي ... مِنْهَا تَعَوَّضَ في الزَمَانِ الفَانِ سُبْحَانَ رَبِ الخَلْقِ قَاسمِ فَضْلِهِ ... والعَدْلِ بَيْنَ الناسِ بالمِيْزَانِ لو شَاءَ كان النَاسُ شَيْئًا واحِدًا ... ما فِيْهمُ مِن تَائِهٍ حَيْرَانِ

الدهر يعقب ما يضر وينفع

لَكِنَّه سُبْحَانَه يَخْتَصُّ بالْفضلِ ... العَظيِمِ خُلاَصَة الإِنسانِ وسِوَاهُمُ لا يَصْلَحونَ لِصَالِحٍ ... كَالشَّوكِ فَهْوَ عِمَارَةُ النِيْرَانِ وعِمَارَةُ الجَنَاتِ هُمْ أهلُ الهُدَى ... اللهُ أكْبَرُ لَيْسَ يَسْتوِيَان فَسَلِ الهِدَايَةَ مَنْ أَزمَّة أَمْرِنَا ... بِيَدَيْهِ مَسْألةَ الذَلِيْلِ العَانِ وسَلِ العِيَاذِ من اثْنَتَيْنَ هُمَا اللتَا ... نِ بهُلْكِ هَذا الخلقِ كافِلَتَانِ شَرِ النُفُوسِ وسَيئ الأعْمَالِ مَا ... واللهِ أعظَمُ مِنْهُمَا شَرَّانِ وَلَقد أتَى هَذَا التعوُذُ مِنْهُمَا ... في خُطْبَةِ المَبْعُوثِ بالقُرانِ لو كَانَ يَدْرِيْ العَبْدُ أَنَّ مُصَابَهُ ... في هذِهِ الدنيا هُو الشَّرانِ جَعَلَ التَّعَوُذَ منهما دَيْدَانَهُ ... حَتَّى تَراهُ دَاخِلَ الأكْفَانِ انْتَهَى آخر: الدهْرُ يُعقب ما يَضَرُّ وينفع ... والصبر أحمدُ ما إليه يُرْجَعُ والمَرْءُ فيما منه كان مَصيرهُ ... حينَا، وليس عن المنية مَدْفع فاحذر مفَاجأة المَنُونِ فإنه ... لا يُلْتِجَى منها ولا يُسْتَشْفعُ أيْنَ الذين تجمَّعُوا وتَحَصَّنُوا ... وتوثَّقُوا وتجيَّشُوا وتمنَّعُوا

وتعَظَّمُوا وتحَشَّمُوا وتَجَبَّرْوا ... وتَكَبَّرُوا وتمَوَّلُوا وتَرفَّعُوا صاحَتْ بهم نُوَبُ الزمان فأسْرَعُوا ... وحَدَا بهم حَادِى البِلىَ فتقطَّعُوا ألَّا احْتَمَوْا عنه بعَضْبٍ بَاتِرٍ ... أو مانَعُوهُ بالذي قد جَمَّعُوا كانَتْ مَنَازِلُهم بِهِمْ مأنُوسَةً ... فَتفرَّقَتْ أوْصَالُهم وتَضَعْضَعُوا واسْتَوْطَنُوا الأجْدَاثَ بَعْدَ قُصُورهِم ... وسَفَتْ على الآثارِ ريحٌ زَعْزَعُ ماذا أعَدُّوا في الجواب لِمُنْكَرٍ ... أنْ غَرَّهُم فيه وماذَا يُصْنَعِ وجَدُوا الذي عَملُوا، فَوَجْهٌ أبْيَضٌ ... بجَمِيل طاعَتِهِ وَوَجْهٌ أسْفَعُ أبُنَيّ كُن مُتَمَسِّكًا بنَصِيْحَتي ... ما دُمْتَ حَيًا فالنصيحةُ تنفعُ واحْذَرْ مُجَاوَرةَ الحَسُودِ فإنَه ... بِخلافِ ما في نفسِهِ يَتَذَرَّعُ وعَلَيْكَ بالحقِّ الجميل فإنه ... مِن كُلَ شيءٍ يُقْتَنَى لكَ أنْفَعُ وتَجنَّب الدُنيا وكُن مُتَعَفِّفَّا ... فالحرُّ يَرْضَى بالقليل ويَفْنَعُ وخُذِ الكتابَ بقُوَّةٍ واعْمَلْ بما ... أمَرَ المهيمنُ فهو حقٌّ يُتْبَعُ واسْلُكْ سَبيلَ رَسُولِهِ في أمْرِهِ ... تَنْجُو به فهو الطَّريقُ المهْيَعُ واعْلَمْ بأنَّ الله لَيْسَ كمثْلِهِ ... شيءٌ، إليه مَصِيرُنَا والمرْجِعُ حَيٌّ قَدِيرٌ واحِدٌ مُتَنَزِّهٌ ... صمَدٌ تَذِلُّ له الرقابُ وتَخْضَعُ مُتَكلِّمٌ عَدْلٌ جَوَادٌ مُنْعِمٌ ... بالقِسْطِ يُعْطِي من يشاء ويَمْنَعُ ذُو العَرْش لا تخفى عليه سَريرَةٌ ... منَّا ويَعْلَمُ ما نَقُولُ ويَسْمَعُ في الحشر يَظْهَرُ لِلْعِباد بلُطْفِهِ ... كُلُّ يَذِلُّ لَهُ وَكُلٌّ يَضْرَعُ بالعَدْل يحكم في القيامةِ بِيْنَنَا ... ونَبِيُنَا فِينَا إليه يشفَعُ خَيْرُ البريَّةِ بَعْدَهُ صِدِّيقُه ... هو في الخِلافةِ سَابقٌ مُسْتَتبِعُ وكَذَلِكَ الفاروقُ أكْرَمُ صَاحِبٍ ... مِن بَعدِهِ حَبْرٌ جَوَادٌ سَلفَعُ ... ومُجَهِّز الجيش العظيم، ومن ثوَى ... مُسْتَسْلِمًا في الدار وهو يُبَضَّعُ

يا قاعدا سارت به أنفاسه

وحَسِيْبُهُ ونِسَيْبُهُ وصَفِيُّهُ ... وحُسَامُهُ ذاكَ البَطينُ الأنْزَعُ لَهُم المنَاقِبُ والمواهَبُ والعُلا ... وهُمُ الصَّواحِبُ والنجُومُ الطُّلعُ وهم الذين بهم يَفُوزُ مُحِبُّهُمْ ... يومَ المعَادِ وكُلُّ ذُخْرٍ يَنْفَعُ انْتَهَى قال ابنُ القيم رحِمَهُ الله: يا قاعِدًا سَارَتْ بِهِ أَنْفَاسُهُ ... سَيْرَ البَرِيْدِ وَلَيْسَ بالذَّمِلاَنِ حَتَّى مَتَى هَذَا الرُقَادُ وَقَدْ سَرَى ... وَفْدُ المَحَبّةِ مَعْ أُوْلِي الإِحْسَانِ وَحَدَتْ بِهِم عَزَمَاتُهُم نَحْوَ العُلَى ... لاَ حَادِيَ الرُكْبَانِ والأَضْعَانِ رَكِبُوْا العَزَائِمَ واعْتَلَوا بِظُهُورِهَا ... وَسَرَوْا فما حَنُّوْا إلى نُعْمَانِ سَارُوْا رُوَيْدًا ثُمِّ جَاءُوا أَوَّلاً ... سَيْرَ الدَّلِيْلِ يَؤُمُ بالرُكْبَانِ سَارُوْا بإثبَاتِ الصِّفَاتِ إِلَيْهِ لاَ التّـ ... ـعطِيْلِ وَالتَّحْرِيْفِ والنُكْرَانِ عَرَفُوهُ بالأَوْصَافِ فامْتَلأَتْ قُلُوْ ... بُهُمُ لَهُ بالحُبِ والإيْمَانِ فَتَطَايَرَتْ تلكَ القُلُوبُ إِلَيْهِ بالـ ... أشْواقِ إذ مُلِئَتْ مِن العِرْفَانِ

وَأَشَدُّهُم حُبَاً لَهُ أدْرَا هُمُوْ ... بِصِفَاتِهِ وَحَقائِقِ القُرآنِ فالحُبُّ يَتْبَعُ لِلشُّعُورِ بِحَسْبِهِ ... يَقوَى وَيَضْعُفُ ذَاكَ ذُوْ تِبْيَانِ وَلِذَاكَ كَانَ العَارِفُون صِفَاتِهِ ... أَحْبَابَهُ هُمْ أَهْلُ هَذَا الشَّانِ وَلِذَاكَ كَانَ العَالِمُونَ بِرَبِهِمْ ... أَحْبَابَه وَبِشِرْعَةِ الإِيْمَانِ وَلِذَاكَ كَانَ المُنْكِرُونَ لَهَا هُمُ الْـ ... أَعْدَاءُ حَقًا هُمْ أُولُو الشَّنَآن وَلِذَاكَ كَانَ الجَاهِلونَ بِذَا وَذَا ... بُغَضَاؤهُ حَقًا ذَوِيْ شَنَآنِ وَحَيَاةُ قَلْبِ المَرْءِ في شَيْئَين مَنْ ... يُرْزَقْهُمَا يَحْيَى مَدَى الأَزْمَانِ في هَذِهِ الدُنْيَا وفي الأخرَى يَكُوْ ... نُ الحَيَّ ذَا الرضْوَانِ والإِحْسَانِ ذِكْرِ الإِلَهِ وحُبِِّهِ مِن غَيْرِ إِشْـ ... ـرَاكِ بِهِ وَهُمَا فمُمْتَنِعَانِ مِن صَاحِبِ التعطيلِ حَقَّاً كَامتنا ... عِ الطائِر المَقْصُوصِ مِن طَيْرَانِ

أَيُحِبُهُ مَنْ كَانَ يُنْكِرُ وَصْفَهُ ... وَعُلُوَّهُ وَكَلاَمَهُ بِقُرانِ لاَ وَالذِي حَقًا عَلَى العَرْشِ اسْتَوى ... مُتَكَلِمًا بالوَحْيِ والفُرقَانِ اللهُ أَكْبَرُ ذَاكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْ ... تِيْهِ لِمَنْ يَرْضَى بلا حُسْبَانِ ... وَتَرى المُخَلَّفَ في الدِّيَارِ تَقُوْلُ ذَا ... إِحْدَى الأَثَافِي خُصَّ بالحِرْمَانِ اللهُ أَكْبَرُ ذَاكَ عَدْلُ اللهِ يَقْـ ... ـضِيْهِ على مَن شَاءَ مِن إنْسَانِ وَلَهُ عَلَى هَذَا وَهَذَا الحَمْدُ في الْـ ... أُوْلَى وفي الأخْرَى هُمَا حَمْدَانِ حَمْدٌ لِذَاتِ الرَّبِ جَلَّ جَلاَلُه ... وكذاكَ حَمْدُ العَدْلِ والإِحْسَانِ يا مَن تَعُزُ عَلَيْهُمُ أَرْوَاحُهُمْ ... وَيَرَوْنَ غَبْنًا بَيْعَهَا بِهَوَانِ وَيَروْنَ خُسْرانًا مُبِيْنًا بَيْعَهَا ... في إِثرِ كُلِ قَبِيْحَةِ وَمُهَانِ وَيَرَوْنَ مَيْدَانَ التَّسَابُقِ بَارِزًا ... فَيُتَارِكُونَ تَقَحُّمَ المَيْدَانِ

وَيَرَوْنَ أَنْفَاسَ العِبَادِ عَلَيْهِمُ ... قَدْ أُحْصِيَتْ بالعَدِ والحُسْبَانِ وَيَرَوْنَ أَنَّ أَمَامَهُمْ يَوْمَ اللِّقَا ... للهِ مَسْأَلَتَانِ شَامِلَتَانِ ماذا عَبَدْتُمْ ثُمَّ ماذَا قَدْ أَجبْـ ... ـتُمْ مَن أَتَى بالحَقِ والبُرْهَانِ هاتُوا جَوابًا لِلسُّؤالِ وَهَيِئُوا ... أَيْضَاً صَوَابًا لِلْجَوابِ يُدَانِ وَتَيَقَنُوا أَنْ لَيْسَ يُنْجِيْكُمْ سِوَى ... تَجْرِيْدِكُم بِحَقَائِقِ الإِيْمَانِ تَجْرِيْدُكُم تَوْحِيْدَهُ سُبْحَانَه ... عن شِرْكَةِ الشَيطانِ والأَوْثَانِ وَكَذَاكَ تَجْرِيدُ اتِّباعِ رَسُولِهِ ... عن هَذِهِ الآراءِ والهَذَيانِ واللهِ مَا يُنْجِي الفَتَى مِنْ رَبِهِ ... شَيءٌ سِوَى هَذَا بلا رَوَغَانِ يَا رَبُّ جَرِّدْ عَبْدَكَ المِسْكِيْنَ رَا ... جِي الفَضْلَ مِنْكَ أضْعَفَ العُبْدَانِ لم تَنْسَهُ وَذَكَرْتُه فاجْعَلْهُ لاَ ... يَنْسَاك أنْتَ بَدَأْتَ بالإِحْسَانِ

وَبِهِ خَتَمْتَ فَكُنتَ أَوْلَى بالجَمِيْـ ... ـلِ وبالثَّنَاءِ مِنَ الجَهُولِ الجَانِي فالعَبْدُ لَيْسَ يَضِيْعُ بَيْنَ خَوَاتِمٍ ... وَفَواتِحِ من فَضْلِ ذِي العِرْفَانِ أَنْتَ العَلِيْمُ بِهِ وَقَدْ أَنْشَأْتَهُ ... مِنْ تُرْبَةٍ هِيَ أَضْعَفُ الأَرْكَانِ والضَّعْفُ مُسْتَوْلٍ عَلَيْنَا مِن جَمِيْـ ... ـع جِهَاتِنا سِيمَا مِن الإِيمانِ يا رَبُّ مَعْذِرةً إِلَيْكَ فَلَمْ يَكُنْ ... قَصْدُ العِبَادِ رُكُوبَ ذَا العِصْيَانِ لَكِنْ نُفُوسٌ سَوَّلَتْهَا وَغَرَّهَا ... هَذَا العَدُوُّ لَهَا غُرُوْرَ أَمَانِ فَتَيَقَنْتْ يَا رَبُّ أَنَّكَ واسِعُ الـ ... ـغُفْرانِ ذُوْ فَضْلٍ وَذُو إحْسَانِ وَسَعَتْ إلى الأَبَوَيْنِ رَحْمَتُكَ الَّتِي ... وَسِعَتْهُمَا فعَلاَ بِكَ الأَبِوَانِ هَذَا ونَحْنُ بَنُوهُمَا وحَلُوْمُنَا ... في جَنْبِ حِلْمِهمِا لَدَى المِيْزَانِ جُزْءٌ يَسِيْرٌ والعَدُوُ فَوَاحِدٌ ... لَهُمَا وَأَعْدَانَا بلا حُسْبانِ ...

يا من يروم الفوز في الجنات

وَمَقَالُنَا ما قَالَه الأَبَوانِ قَبْـ ... ـلَ مَقَالَةِ العَبْدِ الظَّلُومِ الجَانِ نَحْنُ الأُلَى ظَلَمُوا وإنْ لَمْ تغفر الـ ... ـذَنْبَ العَظِيْمَ فَنَحْنُ ذُوْ خُسْرَانِ يَا رَبُّ فانْصُرْنَا على الشيطان ليـ ... ـسَ لَنَا بِهِ لَوْلاَ حِمَاكَ يَدَانِ انْتَهَى آخر: يَا مَنْ يَرُوْمُ الفَوزَ في الجَنْاتِ ... بِالمُشْتَهَى وَسَائِرِ اللَّذَاتِ انْهَضْ إِلى السَّجْدَاتِ فِي الأَسْحَارِ ... واحْرَصْ على الأَوْرَادِ وَالأَذْكَارِ واحذَرْ رِياءَ النَّاسِ فِي الطَّاعاتِ ... فِي سَائِرِ الأَحْوَالِ وَالأَوْقَاتِ واخْتَرْ مِن الأَصْحَابِ كلَّ مُرْشِدِ ... إِنَّ القَرِيْنَ بِالقَرِيْنِ يَقْتَدِي وصُحْبَةُ الأَشْرَارِ دَاءٌ وَعَمَى ... تَزِيْدُ في القَلْبِ السَّقِيْمَ السَّقَمَا فإِن تَبِعْت سُنَّةَ النَّبِي ... فاحْذَرْ قَرِيْنَ السُوءِ والدَّنِي واخْتَرْ مِن الزَّوْجَاتِ ذَاتَ الدِّيْنِ ... وكُنْ شُجَاعًا فِي حِمَى العَرِيْنِ وزَوِّدْ الأَوْلادَ بالآدابِ ... تَحْفَظْ قُلُوبَهُم مِن الأَوْصَابِ

يا أيها الرجل المريد نجاته

وهَذِّبِ النُفُوسَ بالقُرْآنِ ... ولا تَدَعْهَا نُهْبَةَ الشَّيْطَانِ واحْرِصْ عَلَى مَا سَنَّه الرَّسُولُ ... فَهَو الهُدَى وَالحَقُّ إِذْ يَقُولُ دَعْ عَنْكَ ما يَقُولُه الضَّلاَّلُ ... فَفِيْهِ كُلُّ الخُسْرِ وَالوَبَالُ وأَصْدَقُ الحَدِيْثِ قَولُ رَبِّنَا ... وخَيْرُ هَدْي اللهِ عَن نَبِيِّنَا انْتَهَى وقال ابن القيم رحمه الله: يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُرِيْدُ نَجَاتَهُ ... اسْمَعَ مَقالَةَ نَاصِحٍ مِعْوَانِ كُنْ فِي أُمُورِك كُلِّهَا مُتَمَسِّكًا ... بالوَحْيِ لا بِزَخَارِفِ الهَذَيَانِ وانْصُرْ كِتَابَ اللهِ والسُنَنَ التيِ ... جَاءَتْ عن المَبْعُوْثِ بالقُرْآنِ واضْرِبْ بسَيْفِ الوَحْيِ كُلَّ مُعَطِّلٍ ... ضَربَ المُجَاهِدِ فَوقَ كُلِّ بَنَانِ واحْمِلْ بِعَزْمِ الصِدْقِ حَمْلَةَ مُخْلصٍ ... مُتَجَرِدٍ للهِ غَيْرَ جَبَانِ واثْبُتْ بِصَبْركَ تَحْتَ ألْوِيَةِ الهُدَى ... فإِذَا أُصِبْتَ فَفِيْ رِضَا الرَّحْمنِ

واجْعَلْ كِتَابَ اللهِ والسُّنَنَ التِي ... ثَبَتَتْ سَلاَحَكَ ثُمَّ صِحْ بِجَنَانِ مَن ذَا يُبَارِزُ فلْيُقَدِّمْ نَفْسَهُ ... أَوْ مَنْ يُسَابِقُ يَبْدُ فِي المَيْدَانِ ... واصْدَعْ بمَا قَالَ الرَّسُوْلُ ولاَ تَخَفْ ... مِن قِلَّةِ الأَنْصَارِ والأَعْوَانِ فاللهُ نَاصِرُ دِيْنِهِ وَكِتَابِهِ ... واللهَ كَافٍ عَبْدَهُ بأَمَانِ لاَ تَخْش مِنْ كَيْدِ الْعَدوِّ وَمَكْرِهِم ... فَقِتَالهُم بالكِذْبِ والبُهْتَانِ فَجُنودُ أتْبَاعِ الرَّسُوْلِ مَلاَئِكٌ ... وَجُنُودُهُم فَعَسَاكِرُ الشَيطَانِ شَتَانَ بَيْنَ العسْكَرِيْنِ فَمَنْ يَكُنْ ... مُتَحَيِّزًا فَلْيُنْظُرِ الفِئَتَانِ واثْبُتْ وَقَاتِلْ تَحْتَ رَايَاتِ الهُدَى ... واصْبِرْ فَنَصْرُ اللهِ رَبِّكَ دَانِ واذْكُرْ مُقَاتَلَهُمْ لِفُرْسَانِ الهَدَى ... للهِ دَرُّ مُقَاتِلِ الفُرْسَانِ وادْرَأْ بلَفْظِ النَّصِ في نَحْرِ العِدَى ... وارْجُمْهُمُ بِثَوَاقِبِ الشُّهبَان

لاَ تَخْشَ كَثْرَتَهُم فَهُمْ هَمَجُ الوَرَى ... وَذُبَابُه أَتَخَافُ مِن ذُبَّانِ واشْغَلْهُمُ عِنْدَ الجِدَالِ بِبَعْضِهِمْ ... بَعْضًا فَذَاكَ الحَزْمُ لِلْفُرْسَانِ وإِذَا هُمُو حَمَلُوا عَلَيْكَ فَلا تَكُنْ ... فَزِعًا لِحَمْلَتِهِمْ وَلاَ بِجَبَانِ واثْبُتْ وَلاَ تَحْمِلْ بلاَ جُنْدٍ فَمَا ... هَذَا بمَحْمُودٍ لَدَى الشُجْعَانِ فإِذَا رَأَيْتَ عِصَابَة الإِسْلاَمِ قَدْ ... وافَتْ عَسَاكِرَهَا مَعَ السُلْطَانِ فَهُنَاكَ فاخْتَرِقِ الصُفُوفَ ولا تَكُنْ ... بالعَاجزِ الوَانِى ولا الفَزْعَان وتعرَّ مِن ثوبَين مَنْ يلبسْهُمَا ... يلقَ الرَّدَى بمذَمَّةٍ وهَوَان ثوبٍ مِنَ الجَهْلِ المُرَكَّبِ فَوْقَهُ ... ثَوْبُ التَّعَصُّبِ بِئْسَتِ الثَّوْبَانِ وَتَحَلَّ بالإِنْصَافِ أَفْخَرَ حُلَّةٍ ... زِيْنَتْ بِهَا الأعْطَافُ والكَتِفَانِ واجْعَلْ شِعَارَكَ خَشْيَةَ الرَّحْمَنِ مَعْ ... نُصْحِ الرسول فَحَبَذَا الأَمْرَانِ وٍَتَمَسكَنَّ بحَبْلِهِ وبِوَحْيِهِ ... وَتَوَكَّلَنَّ حَقِيْقَةَ التُّكْلاَنِ

فالحَقُّ وَصْفُ الرَّبِ وهْو صِرَاطُهُ ... الْهَادِي إليهِ لِصَاحِب الإيمانِ وهو الصَّراطُ عليهِ رَبُّ العرشِ أيْـ ... ـضًا وذَا قد جَاءَ في القُرآنِ والحَقُ مُنْصُورٌ وَمُمْتَحَنٌ فَلاَ ... تَعْجَبْ فَهَذِي سُنَّةُ الرحمنِ وبذَاكَ يَظْهَرُ حُزْبُهُ مِن حِرْبِهِ ... ولأجْلِ ذَاكَ الناسُ طَائِفَتَانِ ولأَجْل ذَاكَ الحَرْبُ بَيْنَ الرسِْل ... والْكَفارِ مُذْ قَامَ الوَرَى سِجْلانِ لكِنَّمَا العُقْبَى لأَهْل الحَقِ إنْ ... فاتَتْ هُنَا كَانَتْ لَدَى الدَّيَانِ واجْعَلْ لِقَلْبِكَ هِجْرَتَيْنِ وَلاَ تَنْم ... فَهُمَا عَلَى كُلِّ امْرئ فَرْضَانِ فالهِجْرةُ الأَولَى إلَى الرَّحْمنِ بالـ ... إخْلاصِ في سِرٍّ وفي إعْلانِ ... فالقَصْدُ وجهُ اللهِ بالأَقْوَالِ والـ ... أَعْمَالِ والطَّاعَاتِ والشُّكْرَانِ فَبِذَاكَ يَنْجُو العَبْدُ مِنْ إشْرَاكِهِ ... ويَصِيْرُ حَقًا عَابِدَ الرَّحْمَنِ والهجْرةُ الأُخْرَى إِلَى المَبْعُوثِ ... بالحَقِ المُبِيْنِ وَوَاضِحَ البُرهَانِ فَيَدُوْرُ مَعْ قَوْلِ الرَّسُوْلِ وَفِعْلِهِ ... نَفْيًا وإثْبَاتًا بِلاَ رَوَغَانِ وَيُحَكِّمُ الوَحْيَ المُبِيْنَ عَلَى الَّذِي ... قَالَ الشُيُوْخُ فَعِنْدَهُ حَكَمَانِ

لا يَحْكُمَانِ ببَاطِل أَبَدًا وكُـ ... ـلُّ العَدْلِ قَدْ جَاءَتْ به الحَكَمَانِ وَهُمُا كتابُ اللهِ أعْدَلُ حَاكِمٍ ... فيه الشِّفَا وَهِدَايَةُ الحَيْرَانِ وَالحَاكِمُ الثَّانِيْ كَلاَمُ رَسُوْلِهِ ... مَا ثَمَّ عُيْرُهُمَا لِذِي إيْمَانِ فإذَا دَعَوْكَ لِغَيْرِ حُكْمِهِمَا فَلاَ ... سَمْعًا لِدَاعِي الكُفْرِ والعَصْيَانِ قُلْ لاَ كَرَامَةَ لا وَلاَ نُعْمَاً وَلاَ ... طَوْعًا لمِنْ يَدعُوْ إِلى الطَّغْيَانِ وإِذَا دُعِيْتَ إِلَى الرَّسُوْلِ فَقُلْ لَهُمْ ... سَمْعًا وَطَوْعًا لَسْتُ ذَا عِصْيَانِ وَإِذَا تَكَاثَرَتِ الخُصْوْمُ وَصَيَّحُوْا ... فاثْبُتْ فَصَيْحَتُهُمْ كَمِثْلِ دُخَانِ يَرْقَى إلَى الأَوْجِ الرَّفِيْعِ وَبَعْدَهُ ... يَهْوِيْ إِلَى قَعْرِ الحَضِيْضِ الدَّانِي هَذَا وإنَّ قِتَالَ حِزْبِ اللهِ بالـ ... أعمَالِ لا بكتائِبِ الشُجْعَانِ واللهِ مَا فَتَحُوا البِلاَدَ بكَثْرَةٍ ... أَنّي وَأَعْدَاهُمْ بِلاَ حُسْبَانِ وَكَذَاكَ مَا فَتَحُوا القُلُوبَ بِهَذِهِ الـ ... آراءِ بَلْ بالعِلْمِ والإيْمَانِ وَشَجَاعَةُ الفُرْسَانِ نَفْسُ الزُهْدِ في ... نَفْسٍ وذَا مُحْذُوْرُ كُلِّ جَبَانِ

وشَجَاعَةُ الحُكَّامِ والعُلَمَاءِ زُهْدٌ ... في الثَّنَا مِن كُلِّ ذي بُطْلاَنِ فإذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِقَلْبٍ صَادِقٍ ... شُدَّتْ رَكَائِبُهُ إلَى الرَّحْمَنِ واقْصِدْ إلَى الأَقْرَانِ لاَ أَطْرَافِهَا ... فالعِزُّ تَحْتَ مَقَاتِلِ الأَقْرَانِ واسْمَعْ نَصِيْحَةَ مَنْ لَهُ خَبَرٌ بِمَا ... عِنْدَ الوَرَى مِنْ كَثْرَةِ الجَوَلاَنِ مَا عِنْدَهُمْ واللهِ خَيْرٌ غَيْرُ مَا ... أَخَذوْهُ عَمَّنْ جَاءَ بالقُرْآنِ والْكُلُّ بَعْدُ فَبدْعَةٌ أَوْ فَرِيَةٌ ... أَوْ بَحْثُ تَشْكيْكٍ وَرَأْيُ فُلاَنِ فاصْدَعْ بأَمْرِ اللهِ لا تَخْشَ الوَرَى ... في اللهِ واخْشَاهُ تفُزْ بأَمَانِ واهْجُرْ وَلَو كُلَّ الوَرَى في ذَاتِهِ ... لا في هَوَاكَ وَنَخْوَةِ الشَّيْطَانِ واصْبِرْ بغَيْرِ تَسَخُّطٍ وشَكَايَةٍ ... واصْفَحْ بِغَيْرِ عِتَابِ مَن هُوَ جَانِ واهْجُرهُم الهَجْرَ الجَمِيْلَ بلاَ أَذَى ... إنْ لَمْ يكُنْ بُدُّ مِن الْهِجْرَانِ ... وانْظُرْ إِلَى الأَقْدَارِ جَارِيَةً بمَا ... قَدْ شَاءَ مِن غَيٍّ ومِن إيّمَانِ

واجْعَلْ لِقَلْبِكَ مُقْلَتَيْنِ كِلاَهُمَا ... بالحَقّ في ذَا الخَلْقِ نَاظِرَتَانِ فانْظُرْ بعَيْنِ الحُكْمِ وارْحَمْهُمْ بِهَا ... إذْ لا تُرَدُّ مَشِيْئةُ الدَّيَان وانْظُرْ بعَيْنِ الأمْر واحْمِلْهُمْ عَلَى ... أَحْكَامِهِ فَهُمَا إِذًا نَظَرَانِ واجْعَلْ لِوَجْهِكَ مُقْلَتَيْنِ كِلاَهُمَا ... مِنْ خَشْيَةِ الرَّحْمَنِ بَاكِيَتَانِ لَوْ شَاءَ رَبُّكَ كُنْتَ أَيْضًا مَثْلَهُمْ ... فالقَلْبُ بَيْنَ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ واحْذَرْ كَمَائِنَ نَفْسِكَ اللاَّتِي مَتَى ... خَرَجَتْ عَلَيْكَ كُسِرْتَ كَسْرَ مُهَانِ وإِذَا انْتَصَرْتَ لَهَا فَأَنْتَ كَمَنْ بَغَى ... طَفْيَ الدَّخَانِ بَمَوْقَدِ النِّيْرَانِ واللهُ أَخْبَرَ وَهْو أَصْدَقُ قَائِلٍ ... أَنْ سَوْفَ يَنْصُرُ عَبْدَهُ بأَمَانِ مَنْ يَعْمَلِ السوءَى سَيُجْزَي مِثْلَهَا ... أوْ يَعْمَل الحُسَنَى يَفُزْ بِجِنَانِ هَذِيْ وَصِيَّةُ نَاصِحٍ وَلِنَفْسِهِ ... وَصَّى وَبَعْدُ لِسَائِرِ الإِخْوَانِ انْتَهَى

أتأمل في الدنيا تجد وتعمر

آخر: أَتَأَمَلُ في الدُنْيَا تَجِدُ وَتَعْمُرُ ... وأنْتَ غَدًا فِيْهَا تَمُوتُ وتُقْبَرُ تُلَقِّحُ آمَالاً وتَرْجُوْ نِتَاجِهَا ... وَعُمْرُكَ مِمَّا قَدْ تُرَجِِّيْهِ أَقْصَرُ تَحُومُ عَلَى إدْرَاكِ مَا قَدْ كُفِيْتهُ ... وتُقْبِلُ في الآمَالِ فيهَا وتُدْبِرُ وَهذَا صَبَاحُ اليَومِ يَنْعَاكَ ضَوْؤُهُ ... وَلَيْلَتُهُ تَنْعَاكَ إِنْ كُنْتَ تَشْعُرُ ورِزْقُكَ لا يَعْدُوْكَ إِمَّا مُعَجَّلٌ ... على حَالَةٍ يَومًا وإِمَّا مُؤَخَّرُ فَلاَ تَأْمَنَ الدُنْيَا وإنْ هِيَ أَقْبَلَتْ ... عَلَيْكَ فَمَا زَالَتْ تَخُونُ وَتَغْدِرُ فَمَا تَمَّ فِيها الصَّفْوُ يَوْمَاً لأَهْلِهِ ... ولا الرَّنْقُ إِلاَّ رَيْثَمَا يَتَغَيَّرُ وَمَا لاَحَ نَجْمٌ لاَ وَلاَ ذَرَّ شَارِقٌ ... عَلَى الخَلْقِ إلاَّ حَبْلُ عُمْرِكَ يَقْصُرُ تَطَّهَّرْ وأَلْحِقْ ذَنْبَكَ اليَوْمَ تَوْبَةً ... لَعَلَّكَ مِنْهَا إِنْ تَطَهَّرْتَ تَطْهَرُ وَشَمِّرْ فَقَدْ أَبْدَى لَكَ المَوْتُ وَجْهَهُ ... وَلَيْسَ يَنَالُ الفَوْزَ إلاَّ المُشَمِّرُ فَهَذِيْ اللَّيَالِي مُؤْذِنَاتُكَ بِالبِلَى ... تَرُوْحُ وأَيَّامٌ كَذَلِكَ تُبْكِرُ

لقد درج الأسلاف من قبل هؤلاء

وأَخْلِصْ لِدِيْنِ اللهِ صَدْرَاً ونِيَّةً ... فإنَّ الَّذِيْ تُخْفِيْهِ يَوْمَاً سَيَظْهَرُ تَذَكَّرْ وَفَكِّرْ بِالَّذِي أَنْتَ صَائِرٌ ... إِلَيْهِ غَدَاً إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يُفَكِّرُ فَلاَ بُدَّ يَومًا أَنْ تَصِيْرَ لِحُفْرَةٍ ... بأثْنَائِهَا تُطْوَى إلى يَومِ تُنْشَرُ انْتَهَى آخر: لَقَدْ دَرَجَ الأسْلاَفُ مِن قَبْلِ هَؤُلاءِ ... وَهِمَّتُهم نَيْلُ المكَارِمِ وَالفَضْلِ وَقَدْ رَفَضُوا الدُّنْيَا الغَرُورَ وَمَا سَعَوا ... لهَا وَالذِيْ يَأْتي يُبَادَرُ بِالبَذْلِ فَقِيْرُهُمْ حُرٌ وَذُوْ المَالِ مُنْفِقٌ ... رَجَاءَ ثَوَابِ اللهِ في صَالِحِ السُّبْلِ لِبَاسُهُم التَّقْوَى وَسِيْمَاهُم الحَيَا ... وَقَصْدُهُمُ الرَّحْمَنُ في القَوْلِ وَالفَعْلِ مَقَالُهُم صِدْقٌ وَأَفْعَالُهُم هُدىً ... وَأَسْرَارُهُم مُنْزُوعَةُ الغِشِّ وَالغِلِّ خُضُوْعٌ لِمَوْلاَهُمْ مُثُوْلٌ لِوَجْهِهِ ... قُنُوتٌ لَهُ سُبْحَانَهُ جَلَّ عَنْ مِثْلِ انْتَهَى آخر: أيا نَفْسُ لِلْمَعْنَى الأجَلِّ تَطَلَّبِي ... وكُفِّى عن الدارِ الَّتي قدْ تَقَضَّتِ

أيا ابن آدم والآلاء سابغة

فَكَمْ أَبْعَدَتْ إِلْفًا وكمْ كدَّرَتْ صَفًا ... وكَمْ جدَّدَتْ من تَرْحَةٍ بَعْدَ فَرْحَة فَلَوْ جُعِلَتْ صَفْوًا شُغِلْتُ بِحُبها ... وَلَمْ يَكُ فَرْقٌ بَيْنَ دُنْيا وجَنَّةِ لَعُمْرُكَ مَا الدنيا بِدَارِ أَخِي حِجَا ... فَيَلْهُو بها عن دَارِ فَوْزٍ وجَنَّةِ عن المَوْطِنَ الأسْنَى عن القُرْبِ واللِّقا ... عن العَيْشِ كُلِّ العَيْشِ عند الأحِبَّةِ فَوالله لو ظُلْمةُ الذّنْبِ لم يَطِبْ ... لَكَ العَيْشُ حَتَّى تَلْتَحِقْ بالأحِبَّةِ انْتَهَى آخر: أيَا ابْنَ آدَمَ والآلاَءُ سَابِغَةٌ ... ومُزْنَةُ الجُوْدِ لاَ تَنْفَكُّ عَن دِيَمِ هَلْ أَنْتَ ذَاكِرُ مَا أُولِيْتَ مِنْ حَسَنٍ ... وشاكِرٌ كُلَّ مَا خُوِّلْتَ مِنْ نِعَمِ بَرَاكَ بَارِيءُ هَذا الخَلْقِ من عَدَمٍ ... بَحْتٍ ولَوْلاَهُ لَمْ تَخْرُجْ مِن العَدَمِ أَنْشَاكَ مِنْ حَمَأ ولاَ حَرَاكَ بِهِ ... فَجِئْتَ مُنْتصِبِاً تَمْشِيْ عَلَى قَدَمِ مُكَمَّل الأدَوَاتِ آيَةً عَجَبَاً ... مُوَفَّرَ العَقْلِ مَن حَظٍ ومِن فهِمِ تَرَى وتَسْمَعُ كُلاًّ قَدْ حُبِيْتَ بِهِ ... فَضْلاً وتَنْطِقُ بالتَّبْيِيْنِ والكَلِمِ هَدَاكَ بالعِلْمِ سُبْلَ الصَّالِحِيْنَ لَهُ ... وكُنْتَ مِن غَمَرَاتِ الجَهْلِ في ظُلَمِ مَاذَا عَلَيْكَ لَهُ مِن نِعْمَةٍ غَمَرَتْ ... كُلَّ الجِهَاتِ ولم تَبْرَحْ ولم تَرِمِ غَرَّاءُ كالشمسِ قَدْ ألْقَتْ أَشِعَّتهَا ... حَتَى لَيُبْصِرهَا عَلَيْكَ كُلُّ عَمِي ... فاشكر ولَسْتَ مُطِيْقًا شُكَرهَا أَبَدَا ... ولَوْ جَهِدْتَ فَسدِّدْ وَيْكَ والتَزِمِ رِزْقٌ وَأَمْنٌ وإيْمَانٌ وَعَافَيِةٌ ... مَتَى تَقُوم بشُكْرِ هَذِهِ النِّعَمِ انْتَهَى

حمدت الذي أغنى وأقنى وعلما

آخر: حَمَدْتُ الّذي أغْنَى وَأَقْنَى وَعَلَّمَا ... وَصَيَّرَ شُكْرَ العَبْدِ لِلخَيْرِ سُلَّمَا وأُهدِي صَلاَةً تَسْتَمِرَّ عَلَى الرّضَا ... وَأَصْحَابِهِ والآل جَمْعَاً مُسَلَّمَا أَعَادَ لَنَا في الْوَحْي والسَّنَنِ الَّتِي ... أَتَانَا بِهَا نَحْوَ الرَّشَادِ وعَلَّمَا أَزَالَ بِهَا الأَغْلاَف عَنْ قَلْبِ حَائِرٍ ... وَفَتَّحَ آذانًا أُصِمَّتْ وَأَحْكَمَا فيا أَيُّهَا البَاغِي استنَارَةَ عَقْلِهِ ... تَدَبَّرْ كِلاَ الوَحْيَينِ وانْقَدْ وَسَلِّمَا فَعُنْوانُ إسْعَادِ الفَتَى في حَيَاتِهِ ... مَعَ اللهِ إقبالاً عليهِ مُعَظِّمَا وَفَاقِدُ ذَا لا شَكَّ قَدْ مَاتَ قَلْبُهُ ... أَو اعْتَلَّ بالأمْراضِ كالرِّينِ والعَمَا وآيةً سُقْمٍ في الجَوَارِحِ مَنْعُهَا ... مَنَافِعَهَا أو نَقْصُ ذَلكَ مِثْلَمَا وَصِحتُها تَدرِي بِإتْيَان نَفْعِهَا ... كنُطْقِ وَبَطْشٍ وَالتَّصَرُّفِ والنَّمَا وَعَيْنُ امْتِرِاضِ القَلبِ فقدُ الذي لَهُ ... أُرِيْدَ مِن الأخْلاصِ والحُبِّ فاعْلَمَا وَمَعْرِفَةٌ والشَّوْقُ إِليه إنابَةً ... بِإيْثَارِه دُونَ المَحبَّاتِ فَاحْكمَا

وَمُوثِرُ مَحْبُوبٍ سِوَى اللهِ قَلْبُهُ ... مَرِيْضٌ على جُرْفٍ مِنَ المَوْتِ والعَمَى وَأَعْظَمُ مُحْذُورٍ خَفَى مَوْتُ قَلْبِهِ ... عَلَيْهِ لِشُغْلِ عَنْ دَوَاهُ بِصَدِمَا وآيَةُ ذَا هُونُ القَبَائحِ عِنْدَهُ ... وَلَوْلاَهُ أَضْحى نَادِمًا مُتَألِّمَا فَجَامِعُ أمْراضٍ القلوبِ اتَّباعُهَا ... هَواهَا فخَالِفَها تَصِحَّ وَتَسْلَمَا وَمِن شُؤْمِهِ تَرْكُ اغتِدَاءٍ بِنَافِعٍ ... وَتَرْكُ الدَّوا الشَافِي وَعَجْزُ كِلاَهُمَا إِذا صَحّ قَلبُ العَبْدِ بَانَ ارتِحَالُهُ ... إِلى دَارِهِ الأخْرَى فَرَاحَ مُسَلّما وَمِنْ ذاكَ إحْسَاسُ المُحِبّ لِقَلْبِهِ ... بِضَرْبٍ وَتَحْرِيْكٍ إلى اللهِ دَائِمَا إلى أَنْ يُهَنَّا بِالإنَابَةِ مُخْبِتًا ... فَيَسْكُنُ في ذَا مُطْمَئِنًا مُنَعَّمَا وَمِنْها دَوَامُ الذِكْر في كُلِّ حَالَةٍ ... يَرى الأُنسَ بالطّاعَات للهِ مَغْنَمَا وَيَصْحَبُ حُرَّا دَلَّهُ في طَرِيْقِهِ ... وكان مُعِيْنَا ناصحًا مُتِيَمِّمَا وَمنها إِذَا مَا فَاتَه الوِرْدُ مَرَّةً ... تَرَاهُ كَئِيْبًا نَادِمًا مُتَأَلِّمَا

وَمِنْهَا اشْتِياقُ القَلْبِ في وَقْت خِدْمَةٍ ... إِليْهَا كَمُشَتَدٍّ به الجُوعُ والظَّمَا ... وَمِنْهَا ذَهَابُ الهَمِّ وَقْتَ صَلاَتِهِ ... بِدُنْيَاهُ مُرتَاحَا بِها مُتَنَعِّمَا وَيَشْتَدُّ عَنْهَا بَعدَهُ لِخُروُجِهِ ... وَقَدْ زَالَ عنهُ الهَّمُ والغَمُّ فاسْتمَا فَأكْرِمْ بِهِ قَلْبًا سَلِيْمًا مُقَرَّبًا ... إلى اللهِ قَدْ أضْحَى مُحِبًّا مُتَيَّمَا وَمِنْهَا اجْتِمَاعُ الهَمِّ منهُ بِرّبِّهِ ... بِمَرضَاتِهِ يَسْعَى سَرِيعًا مُعَظِّمَا وَمِنْهَا اهْتِمَامٌ يُثْمِرُ الحِرْصَ رَغْبَةً ... بِتَصْحِيْحِ أَعْمَالٍ يَكُونُ مُتَمِّمَا بِإِخْلاَصِ قَصْدٍ وَالنَّصِيْحَةِ مُحْسِنًا ... وَتَقْيِيْدِهِ بالاتِّبَاعِ مُلازِمَا وَيَشْهَدُ مَعْ ذا مِنَّةَ اللهِ عِنْدَهُ ... وَتَقْصِيْرَهُ في حَقِّ مَوْلاَهُ دَائِمَا فسِتٌ بهَا القَلْبُ السَليمُ ارْتِدَاؤهُ ... وَيَنْجُو بِهَا مِنْ آفَةِ الموتِ والعَمَى فَيَارَبِّ وَفِّقْنَا إلى مَا نَقُولُهُ ... فَمَازِلْتَ يَاذَا الطَّوْلِ بَرًّا ومُنْعِمَا فَإِنِي وَإنْ بَلَغْتُ قَولَ مُحَقِّقٍ ... أُقِرُّ بِتَقْصِيرِيْ وَجَهْلِي لَعَلَّمَا

عرى الأعمار يعلوها انفصام

وَلَما أَتَى مِثْلِي إلى الجَوِّ خَالِيًا ... مِنَ العِلمِ أَضْحَى مُعْلِنَاً مُتَكّلِّمَا كَغَابِ خَلا مِنْ أُسْدِهِ فَتَواثَبَتْ ... ثَعَالِبُ مَا كَانَتْ تَطَا فِي فِنَا الحِمَى فيَا سَامِعَ النَّجْوَى وَيَا عَالِمَ الخَفَا ... سَأُلْتُكَ غُفْرَانَاً يكونُ مَعَمِّمَا فَأَجْرَأَنِي أَلاَّ اضْطِرَارٌ رَأَيْتُهُ ... تَخَوُّفْتُ كَوْنِي إنْ تَوقَّفْتُ كَاتِمَا فأْبَدَيْتُ مِن جُرَّاهُ مُزْجَي بِضاعَتي ... وَأَمَّلْتُ عَفْوًا مِن إلهي وَمَرْحَمَا فَمَا خَابَ عَبْدٌ يَسْتَجِيرُ بِرَبِّهِ ... أَلَحَّ وَأَمْسَى طَاهِرَ القَلْبِ مُسْلِمَا وَصَلَّوا عَلَى خَيْر الآنامِ محمدٍ ... كَذا الآلِ والأصحاب مَا دَامَتْ السَّمَا انْتَهَى آخر: عُرىَ الأعمارِ يَعْلُوها انْفِصَامُ ... وأمْرُ الله ما منه اعْتِصَامُ سَواءٌ في الثَّرَى مَلِكٌ وعَبْدٌ ... ثَوى النَّعمانُ حَيثُ ثَوى عِصَامُ أَعِدَّ لِمَوقِفِ العَرْضِ احْتِجَاجًا ... لَعلَّكَ لَيسَ يَقْطَعُكَ الخِصَامُ ولا يَعْظُمْ سَوَى التَّفْريطِ خَطْبٌ ... عَليكَ فإِنَّهُ الخَطْبُ العُظَامُ أبنْ ليْ هَلْ تُبَارِزُ أَمْ تُوَلِّي ... إِذا شَرِكَتْ بِكَ الحَرْبُ العُقامُ ولم تَعْرِفْ وَقَد فَجِئ انْتِقالٌ ... أَغَفْرٌ لِلذُّنُوبِ أَمِ انتِقَامُ تَوقَّ مِن السِّفار على اغْترَارٍ ... فَلَيْسَ لِساكِني الدُّنيا مُقامُ

إلى متى يا عين هذا الرقاد

وإِنّ الموتَ للأَتْقَى شِفَاءٌ ... كَمَا أنّ الحَيَاةَ لَهُ سَقَامُ ... حَذارِ حَذَارِ إِنكَ في بِحَارٍ ... مِن الدُّنْيَا طَمَتْ فَلَهَا التِطَامُ وتَعْلَمُ أَنَّهَا تُرْدِي يَقِينًا ... ومِنَّا في غَوَارِبِها اقْتِحَامُ وإِنَّ من العَجَائِبِ أنْ أَمَرَّتْ ... مَوارِدُهَا وإنْ كَثُرَ الزِّحَامُ انْتَهَى آخر: إلى مَتَى يَا عَيْنُ هَذَا الرُّقادُ ... أَمَا آنَ أنْ تَكْتَحِلِيْ بِالسُّهَادِ تَنَبَّهِيْ مِنْ رَقْدَةٍ وَانْظُرِيْ ... مَا فَاتَ مِنْ خَيرٍ عَلَى ذِي الرُّقَادِ يَا أَيُّهَا الغَافِلُ في نَوْمِهِ ... قُمْ لِتَرى لُطْفَ الكَرِيمِ الجَوَادِ مَوْلاَكَ يَدْعُوكَ إلى بَابِهِ ... وَأنتَ في النَّومِ شَبْيهُ الجَمَادِ وَيَبْسُطُ الكَفَّينِ هَلْ تَائِبٌ ... مِنْ ذَنْبِهِ هَلْ مَنْ لَهُ مِنْ مُرَادِ وَأَنْتَ مِنْ جَنْبٍ إلى جَانِب ... تَدُورُ فِي الفُرْشِ وَلِيْنِ المِهَادِ يَدْعُوْكَ مَوْلاكَ إلى قُرْبهِ ... وَأنتَ تَختَارُ الجَفَا والبِعَادِ كَمْ هَكَذا التَّسْوِيْفُ في غَفْلَةٍ ... لَيْسَ عَلى العُمْرِ العَزِيْزِ اعْتِمَادِ لَقَدْ مَضَى لَيْلُ الصِّبَا مُسْرِعًا ... وَنَيْرُ صُبحِ الشَّيْبِ فَوْقَ الفُؤَادِ

ألا ارعواء لمن كانت إقامته

أَفِقْ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ ... رَحْمَتُهُ عَمَّتْ جَمِيْعَ العِبَادِ انْتَهَى آخر: ألاَ اِرْعِوَاءَ لِمَنْ كَانَتْ إِقَامَتُهُ ... عِنْدَ الَمَذاييْعِ والتِّلْفَازِ والطَّرَبِ مُضَيِّعَاً فِيْهَا عُمُرًا مَا لَهُ عِوَضٌ ... إِذا تَصرَّمَ وَقْتٌ مِنْهُ لَمْ يَؤُبِ أَيَحْسِبُ الْعُمْرَ مَرْدُودَاً تَصَرّمُهُ ... هَيْهَاتَ أنْ يَرْجِعَ الماضِيِ مِنَ الْحُقُبِ أَمْ يَحْسَبُ العُمْرَ مَا وَلَّتْ أوَائِلُهُ ... يُنَالُ بَعْدَ ذَهَابِ الْعُمْرِ بِالذَّهَبِ فَبَادِرِ الْعُمْرَ قَبْلَ الفَوْتِ مُغْتَنِمًا ... مَا دُمْتَ حَيَّاً فإِنَّ الموتَ في الطَّلَبِ وَأحْرِصْ وبَادِرْ إِذَا مَا أُمكَنَتْ فُرَصٌ ... في كَسْبِ مَا تُحْمَدَنْ عُقْبَاهُ عَنْ رَغَبِ مِنْ نَفَعِ ذِي فَاقَةٍ أَوْ غَوْثِ ذِي لَهَفٍ ... أَوْ فِعْلِ بِرِّ وإِصْلاَحٍ لِذِي شَغَبِ فَالْعُمْرُ مُنْصَرِمٌ والوَقتُ مُغْتَنَمٌ ... والدَّهْرُ ذُو غِيرٍ فاجْهَدْ بِهِ تُصِبِ فاعْمَلْ بِقَوْلِي وَلاَ تَجْنَحْ إلى فَدَمٍ ... مُخَادِع مُدَّعٍ لِلْعِلْمِ والأدَبِ

لله در رجال واصلوا السهرا

يَرَى السَّعادَةَ في كَسْبِ الحُطَامِ وَلَوْ ... حَوَاهُ مَعَ نَصَبٍ مِنْ سُوءِ مُكْتَسَبِ ... فَالرَّأيُ ما قُلْتُهُ فاعْمَلْ بهِ عَجِلاً ... وَلاَ تُصِخْ نَحْوَ فَدْمٍ غَيْرٍ ذِي حَدَبِ فَغَفْلَةُ الْمُرْءَ مَعَ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ ... عَنْ واضحٍ بَيِّنٍ مِنْ أَعْجَب العَجَبِ انْتَهَى آخر: للهِ دَرُّ رِجَالٍ وَاصَلُوا السَّهَرا ... وَاسْتَعْذَبُوا الوَجْدَ وَالتَّبْرِيْحَ وَالفِكَرا فُهُمْ نُجُومُ الْهَدَي وَاللَّيْلُ يَعْرِفُهُم ... إِذْا نَظَرْتَهُمُو هُمْ سَادَةٌ بُرَرَا كُلُّ غَدَا وَقتهُ بِالذِّكْرِ مُشْتَغِلا ... عَمَّا سِوَاهُ وَللَّذَاتِ قَدْ هَجَرَا يُمْسي وَيُصْبِحُ فِي وَجْدٍ وَفي قَلَقٍ ... مِمَّا جَنَاهُ مِن العِصيان مُنْذَعِرَا يَقُولُ يَا سَيِّدِي قَدْ جِئْتُ مُعْتَرِفًا ... بِالذَّنْبِ فَاغْفِرْهُ لِي يِا خَيْر مِن غَفَرَا حَمَلْتُ ذَنْبَا عَظِيْمًا لاَ أَطِيْقُ لَهُ ... وَلَمْ أَطِعْ سَيِّدِي فِي كُلِّ مَا أَمَرَا عَصَيْتُهُ وَهْوَ يُرخي سِتْرَهُ كَرَمًا ... يَا طَالَما قَدْ عَفَا عَنِّي وَقَدْ سَتَرا وَطَالَمَا كَانَ لِي فِي كُلِّ نَائِبَةٍ ... إِذا اسْتَغَثْتُ بِهِ مِنْ كُرْبةٍ نَصَرا

ألا يا غواني من أرادت سعادة

وَإنَّنِي تَائِبٌ مِمَّا جَنَيْتُ وَقَدْ ... وَافَيْتُ بَابَكَ يَا مَوْلاَيَ مُعْتَذرًا لَعَلَّ تَقْبَلُ عُذْرِي ثم تَجْبُرُنِي ... يَوْمَ الحِسَابِ إِذْا قُدَّمْتُ مُنْكَسِرا وَقَدْ أَتَيْتُ بَذُل رَاجِيًا كَرَمًا ... إِلَيْكَ يَا سَيِّدِي قَدْ جِئْتُ مُفْتَقِرَا ثم الصلاة على المختارِ سَيِّدِنَا ... عِدادَ ما غَابَ مِن نَجْمٍ وما ظَهَرَا انْتَهَى آخر: ألاَ يَا غَوَانِي مَنْ أرادت سَعَادَةً ... وتُوقَي عَذَابًا بالسِّنَا صَارَ مُحْدِقَا فَأَكْثَرُ أَهْلُ النارِ هُنَّ حَقِيْقَةً ... رَوَيْنَا حَدِيْثًا فِيْهِ صِدْقًا مُصَدَّقَا تُخَلِي التَّبِاهِي تُبْدلُ اللَّهْوَ بالبُكَا ... وتبْذُلُ كُلَّ الجَهْدِ بالزُّهْدِ والتُّقَى وتَعْتَاضُ عَنْ لِينٍ بِدُنْيًا خُشُوْنَةً ... وعن يَابِسٍ في الدِّيْنِ أَخضَرَ مُوْرِقَا رَعَى اللهُ نِسْوَانًا تَبِيْتُ قَوَانِتًا ... ويُصْبِحُ مِنْهَا القَلْبُ بالخَوْفِ مُحْرِقَا تَظَلُّ عنِ المَرْعَى الخَصِيْب صَوَائِمًا ... ويُمْسِيْ سَمِيْنُ البَطْنِ بالظَّهْرِ مُلْصَقَا تَرَى بَيْنَ عَيْنٍ والسُّهَادِ تَوَاصُلاً ... وَبَيْنَ الكَرَى والعَبْنِ مِنْهَا تَفَرُّقَا

وَبَيْنَ مِعَاءٍ والغِذَاءِ تَقَاطُعًا ... وبَيْنَ خُلُوفِ المِسْكِ والثَّغْر مُلْتَقَى تَرَى نَاحِلاتٍ قَارِئاتٍ مَصَاحِفًا ... وَلُؤْلُؤُ بَحْرِ الدُّرِّ في الْوَرْدِ مُشْرِقَا ... فَدَتْها مِن الآفاتِ كُلُّ نُفُوسِ مَنْ ... يُخَالِفُهَا فِي الوِصْفِ غَرْبًا وَمَشْرِقَا خَلِيْليَّ إنَّ المَوْتَ لا شَكَّ نَازِلٌ ... وبَيْنَ الأَحِبَّا لا يَزَالُ مُفَرِّقَا فَجُدَّا لِدَارٍ لا يَزْوُل نَعِيْمُهَا ... بِهَا الحُسْنُ واللَّذاتُ والمُلْكُ والبَقَا ولُقْيَا حِسَانٍ نَاعِمَاتٍ مُنَعَّمٌ ... بِهِنَّ سَعِيْدٌ سَعْدَ ذَلِكَ مَنْ لَقَا كَوَاعِبَ أَتْرَابٍ زَهَتْ فِي خِيَامِهَا ... بِظِلِّ نَعِيْمٍ قَطُّ مَا مَسَّهَا شَقَا كَدُرٍّ ويَاقُوتٍ وبَيْضِ نَعَامةٍ ... كَسَاهَا الْبَهَا والنُّوْرُ والحُسْنُ رَوْنَقَا تُغَنِّي بِمَا لَمْ تَسْمَع الخَلْقُ مِثْلَهُ " ... وَقَدْ حَبَّرَتْ صَوْتًا رَخِيْمًا مُشَوِّقَا غِنَاهُنَّ نَحْنُ الخَالِدَاتُ فَقَطُّ مَا ... نَبِيْدُ وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ شَقَا ولا سَخَطٌ والرَّاضِيَاتُ بِنَا الْمُنَى ... فَطُوبِي لِمَنْ كُنَّا لَهُ مِن أُولِي التُّقَى انْتَهَى

أو ما سمعت بشأنهم يوم المزيد

قال ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهً اللهُ في شأن أهل الجنة وما أُعِدَّ لهم من الكَرَامة: أَوَ مَا سَمِعْتَ بِشَأْنِهِم يَومَ المزيـ ... ـدِ وأنَّه شانٌ عَظِيْمُ الشَّانِ هوَ يَوْمُ جَمْعَتِنَا وَيَومُ زِيَارَةِ ... الرَّحمانِ وَقْتَ صَلاَتِنَا وَأَذَانِ والسَّابقونَ إلى الصَّلاةِ هُمُ الأُلَى ... فازُوْا بذَاكَ السَّبْقِ بالإِحسانِ سَبْقٌ بَسَبْقٍ والمُؤَخَّرُ هَا هُنَا ... مُتَأَخّرٌ في ذَلِكَ المَيْدَانِ والأَقْرَبُونَ إِلَى الإِمَامِ فَهُمْ أُولُو ... الزُلْفَي هُنَاكَ فَهَا هُنَا قُرْبَانِ قُربٌ بِقُربٍ والمبُاعَدُ مِثْلُهُ ... بُعْدٌ بِبُعْدٍ حِكْمَةُ الدَّيَانِ ولَهُم مَنَابِرُ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرجَدٍ ... ومَنَابرُ اليَاقُوتِ والعِقْيَانِ هَذَا وأَدْنَاهُمْ ومَا فِيْهِمْ دَنِي ... مَن فَوْقَ ذاكَ المِسْكِ كالكُثبانِ مَا عِنْدَهُمْ أَهْلُ المَنَابِرِ فَوْقَهُم ... مِمَّا يَرَونَ بِهمْ مِنَ الإِحسانِ فَيَرَوْنَ ربَّهُمُ تَعالى جَهْرَةً ... نَظَرَ العِيَانِ كَما يُرَى القَمَرانِ ويُحَاضرُ الرحمنُ وَاحِدَهُم مُحَا ... ضَرةَ الحَبيْب يقوُلُ يا ابنَ فُلانِ

إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا

هَل تَذكُرُ اليومَ الذي قَدْ كُنْتَ فيـ ... ـهِ مُبَارِزًا بالذنب والعِصيانِ فيقولُ ربِّ أَمَا مَنَنْتَ بغَفْرَةٍ ... قِدْمِاً فإنَّكَ واسعُ الغُفْرانِ فَيُجِيْبُه الرحمنُّ مَغْفِرَتِي الَّتِيِ ... قد أَوصَلَتْكَ إِلى المَحَلِ الدَّانِي انْتَهَى آخر: إِلى اللهِ أُهْدِي مِدْحَتِيْ وَثَنَائِيَا ... وَقَوْلاً رَصِيْنًا لا يَنِي الدَّهْرَ بَاقِيَا إلى المَلِكِ الأَعْلَى الذِي ليس فَوْقَهُ ... إلهٌ ولا رَبٌ يَكُوْنُ مَدَانِيا أَلا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِيَّاكَ والرَّدَى ... فَإِنَّكَ لاَ تَخْفىَ مِن اللهِ خَافِيَا وَإِيَّاكَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ ... فَإِنَّ سَبِيْلَ الرُّشْدِ أَصْبَحَ بَادِيَا إلى أَنْ قَالَ: وَأَنْتَ الذِي مِنْ فَضْلِ مَنٍّ وَرَحْمَةٍ ... بَعَثْتَ إِلى موسى رسُولا مُنَادِيَا

فَقُلْتَ لَهُ فَاذْهَبْ وَهَارُونَ فَادْعُوَا ... إلى اللهِ فِرْعَوْنَ الذي كَانَ طَاغِيَا وَقُوْلاَ لَهُ أَأَنْتَ سَوَّيْتَ هَذِهِ ... بِلاَ وَتَدٍ حَتَّى اطَمَأَنَّتْ كَمَا هِيَا وَقُوْلاَ لَهُ أَأَنْتَ رفعتَ هَذه ... بلا عَمَدٍ ارفقْ إذًا تَكُ بَانِيَا وَقُوْلاَ لَهُ أَأَنَتْ سَوَّيْتَ وَسْطَهَا ... مُنِيْرًا إِذَا مَا جَنَّهُ اللَّيْلُ هَادِيَا وَقُوْلاَ لَهُ مَنْ يُرْسِلُ الشَّمْسَ غُدْوَةً ... فَيصْبحُ مَا مَسَّتْ مِنْ الأَرْضِ ضَاحِيَا وَقُوْلاَ لَهُ مَنْ يُنْبِتُ الحَبَّ في الثَّرَى ... فَيُصْبِحُ مِنهُ البَقْلُ يَهْتَزُّ رَابِيَا وَيُخْرِجُ مِنْهُ حَبَّهُ فَي رُؤُسِه ... فَفِيْ ذَاكَ آيَاتٌ لِمنْ كَانَ وَاعِيا وَأَنْتَ بِفَضْلٍ مِنْكَ نَجَّيْتَ يُوْنُسَا ... وَقَدْ بَاتَ في بَطْنٍ لِحُوْتٍ لَيَالِيَا اللهم إنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ في الأَمْرِ، وَالعَزِيْمَةَ عَلَى الرُّشْدِ وَنَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ أنْ تَغْفِرَ لَنَا وَلَوَالِدَيْنَا وَلِجَمْيعِ المُسْلِمْينَ برَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمدٍ وعلى آلهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِين.

خلقنا لأحداث الليالي فرائسا

آخر: خُلِقْنَا لأَحْدَاثِ الليَالِي فَرائِسَا ... تَزَفُّ إِلى الأَجْدَاثِ مِنَّا عَرائِسَا تُجَهِّز مِنَّا لِلْقُبُورِ عَسَاكِرًا ... وَتُرْدِفُ أَعْوَادُ المَنَايَا فَوَارِسَا إِذا أَمَلٌ أَرْخَى لَنَا مِنْ عَنَانِهِ ... غَدا أَجَلٌ عَمَّا نُحَاوِلُ حَابِسَا أَرَى الغُصْنَ لَمَّا اجْتُثَّ وَهْوَ بِمَائِهِ ... رَطِيْبًا وَمَا إِنْ أَصْبَحَ الغُصْنُ يَابِسَا نَشِيدُ قُصُورًا لِلْخُلُودِ سَفَاهَةً ... وَنَصْبِرُ ما شِئْنَا فُتُورًا دَوَارِسَا وقد نَعَتِ الدُّنْيَا إِلينَا نُفُوسَنا ... بِمَنْ مَاتَ مِنَّا لَوْ أَصَابَتْ أَكَايِسَا لَقَد ضَرَبَتْ كِسْرَى المُلُوكِ وَتُبَّعًا ... وَقَيْصَرُ أَمْثَالاً فَلَم نَرَ قَائِسَا ... نَرَى ما نَرَى مِنْهَا جِهَارًا وَقَدْ غَدَا ... هَوَاهَا عَلَى نُوْرِ البَصِيرةِ طَامِسَا وقد فَضَح الدنيا لَنَا الموتُ وَاعِظًا ... وَهَيْهَاتَ مَا نَزْدَادُ إِلا تَقَاعُسَا انْتَهَى آخر: غفلتُ وليس الموتُ في غفلةٍ عنِّي ... وما أَحَدٌ يَجْني عَليَّ كَما أَجنْي

وإني امرؤ بالطبع ألغي مطامعي

أُشَيِّدُ بُنَيَانِي وأَعْلَمُ أَنَّنِي ... أَزُولُ، لِمَنْ شيّدتُه ولِمَنْ أبْنِي كَفَانِيَ بالموتِ المُنغِّص وَاعِظًا ... بِما أَبْصَرَتْ عَيني وما سَمِعتْ أُذْنِي وكم للمنايا مِن فُنُونٍ كثيرة ... تُمِيتُ وقد وطَّنْتُ نَفْسِي عَلَى فَنِّ ولو طرقَتْ ما اسْتأذَنَتْ مَن يُحبني ... كما أَفْقَدَتْنِي مَن أُحِبُّ بلا إذْنِ وقد كُنْتُ أفِدي نَاظِريه مِن القذَى ... فَغَطَّيْتُ ما قد كُنْتُ أفِديهِ بالعَيْنِ سَتَسْجُنُنيِ يا ربِّ في القبر بُرْهَةً ... فلا تَجعلِ النيرانِ مِن بَعدِهِ سِجْنِي وَلي عندَ رَبِي سَيِئاتٌ كَثيرةٌ ... ولكنني عَبدٌ به حَسَنُ الظَّنِّ انْتَهَى آخر: وَإنِّيْ امْرُؤٌ بِالطَّبْعِ أُلْغِيْ مَطَامِعِيْ ... وَأزْجُرُ نَفْسِيْ طَابِعًا لاَ تَطَبُّعَا وَعِنْدِيْ غِنَى نَفْسٍ وَفَضْلُ قَنَاعَةٍِ ... وَلَسْتُ كَمَنْ إنْ ضَاقَ ذَرْعًا تَضَرَّعَا وَإنْ مَدَّ نَحْوَ الزَّادِ قَوْمٌ أَكُفَّهَا ... تَأَخَّرْتُ بَاعًا إنْ دَنَا القَوْمُ أَصْبُعَا وَمُذْ كَانَتْ الدُّنْيَا لَدَىَّ دَنِيْئَةً ... تَعَرَّضْتُ لِلإْعْرَاضِ عَنْهَا تَرَفُّعَا

هذا ونصر الدين فرض لازم

وَذَاكَ لِعِلْمِيْ إِنَّمَا اللهُ رَازِقٌ ... فَمَنْ غَيْرُهُ أَرْجُو وَأَخْشَى وأُجَزَعَا فَلاَ الضَّعْفُ يُقَصِي الرِّزْقَ إنْ كَانَ دَانِيًا ... وَلاَ الحَوْلُ يُدْنِيْهِ إذَا مَا تَجَزَّعَا فَلاَ تَبْطِرَنْ إنْ نِلْتَ مِنْ دَهْرِكَ الغِنَى ... وَكُنْ شَامِخًا بِالأَنْفِ إنْ كُنْتَ مُدْقِعًا فَقَدْرُ الفَتَى مَا حَازَهُ وَأَفَادَهُ ... مِنْ العِلْمِ لاَ مَالٌ حَوَاهُ وَجَمَّعَا فَكُنْ عَالِمًا في النَّاسِ أَوْ مُتَعَلِّمًا ... وَإنْ فَاتَكَ القٍسْمَانِ أَصْغِ لِتَسْمَعَا وَلاَ تَكُ لِلأَقْسَامِ مَا اسْتَطَعْتَ رَابِعَا ... فتُدْرَأَ عَنْ ورْدِ النَّجَاةِ وَتُدْفَعَا انْتَهَى * * * وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: هَذَا وَنَصْرُ الدِّيْنِ فَرْضٌ لاَزِمٌ ... لا لِلْكِفَايَةِ بَلْ عَلَى الأَعْيَانِ بِيَدٍ وإمَّا باللِّسَانِ فإِنْ عَجزْ ... تَ فَبِالتَّوَجُّهِ والدُّعَا بِجَنَانِ مَا بَعْدَ ذَا واللهِ للإِيمانِ حَبَّةُ ... خَرْدَلٍ يَا نَاصِرَ الإِيمانِ بِحَيَاةِ وَجْهِكَ خَيْرِ مَسْئُولٍ بِهِ ... وَبِِنُوْرِ وَجْهِكَ يَا عَظِيْمَ الشَّانِ وَبِحَقِ نِعْمَتِكَ الَّتِيْ أَوْلَيْتَهَا ... مِن غَيْرِ مَا عِوَضٍ ولا أَثْمَانِ

وبحَقِ رَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ جَمْيعَ ... الخَلقِ مُحْسِنَهُم كَذاك الجانِي وبحقِ أسْمَاءٍ لَكَ الحُسْنَى مَعَاً ... فِيْهَا نُعُوتُ المَدْحِ لِلرَّحْمنِ وبحَقِ حَمْدِكَ وهُوَ حَمْدٌ وَاسعَ الْـ ... أكْوَانِ بلْ أَضْعَافٌ ذِي الأَكْوَانِ وبأَنَّكَ اللهُ الإِلهُ الحَقُّ مَعْبُوْدُ ... الوَرَى مُتَقَدِّسٌ عَنْ ثَانِ بَلْ كُلُ مَعْبُودٍ سِوَاكَ فَبَاطِلٌ ... مِن دُوْنِ عَرْشِكَ لِلثَّرَى التَّحْتَانِي وبِكَ المَعَاذُ ولا مَلاَذَ سِوَاكَ أنْـ ... ـتَ غِيَاثُ كُلِ مُلَدِّدٍ لَهْفَانِ مَنْ ذَاكَ لِلْمُضْطَرِ يَسْمَعُهُ سِوَا ... كَ يُجِيْبُ دَعْوَتَهُ مَعَ العِصْيَانِ إنَّا تَوَجَّهْنَا إِليْكَ لِحَاجَةٍ ... تُرْضِيْكَ طَالِبُهَا أَحَقُّ مُعَانِ فاجْعَلْ قَضَاهَا بَعْضَ أَنْعُمِكَ الَّتِي ... سَبَغَتْ عَلَيْنَا مِنْكَ كُلِّ زَمَانِ انْصُرْ كِتَابَكَ والرَّسُولَ وَدِيْنَكَ الـ ... ـعَالِي الذي أَنْزَلْت بالبُرْهَانِ واخْتَرْتَهُ دِيْنًا لِنَفْسِكَ واصْطَفَيْـ ... ـتَ مُقِيْمَهُ مِن أمَّةِ الإِنسانِ وَرَضِيْتَهُ دِيْنًا لِمَنْ تَرَضَاهُ مِن ... هَذَا الوَرَى هُو قَيِّمُ الأَدْيَانِ وَأَقِرَّ عَيْنَ رَسُوْلِكَ المَبْعُوثِ بالدِّ ... ينِ الحَنِيْفِ بنَصْرِهِ المُتَدَانِ

وانْصُرْ به النَّصْرَ العَزِيْزَ كَمِثْلِ مَا ... قَدْ كُنْتَ تَنْصُرُهُ بِكُلِ زَمَانِ يا رَبُّ وانْصُرْ خَيْرَ حِزْبِيْنَا عَلى ... حِزْبِ الضَّلالِ وَعَسْكَرِ الشَّيْطَانِ يَا رَبُّ وَاجْعَلْ شَرَّ حِزْبَيْنَا فِدًا ... لِخيارِهِم وَلِعَسْكَرِ القُرْآنِ يَا ربُّ واجْعَلْ حِزْبَكَ المَنْصُوْرَ ... أَهْلَ تَرَاحُمٍ وَنَواصُلٍ وَتَدَانِ يَا رَبُّ وَاحْمهُمُ مِن البِدَعِ التي ... قدْ أُحْدَثَتْ في الدِّينِ كُلَّ زَمَانِ يَا رَبُّ جَنِّبْهُم طَرَائِقهَا التي ... تُفْضِي بِسَالِكِهَا إلى النِّيْرَانِ يَا رَبُّ واهْدِهِمُ بِنُوْرِ الوَحْي كَيْ ... يَصِلُوا إلَيْكَ فَيَظْفَرُوا بِجِنَانِ ... يَا رَبُّ كُنْ لَهُمْ وَلِيًا نَاصِرًا ... واحْفَظهُمُ مِنْ فِتْنَةِ الفَتَّانِ وانْصُرْهُمُ يا رَبُّ بالحقِّ الَّذِي ... أَنْزَلْتَه يا مُنْزِلَ القُرآنِ يَا رَبُّ إنَّهُمُ هُمُ الغُرَبَاءُ قَدْ ... لَجَؤُوا إِلَيْكَ وَأَنْتَ ذُوْ الإِحْسَانِ يَا رَبُّ قَدْ عَادُوا لأَجْلِكَ كُلَّ هَـ ... ـذا الخَلْقِ إلا صَادِقَ الإِيمانِ

قَدْ فَارَقُوْهُم فِيْكَ أَحْوَجَ ما هُمُ ... دُنْيَاً إلَيْهِم في رَضَا الرَّحمنِ وَرَضُوا وَلاَيَتَكَ الَّتِيْ مَنْ نَالَهَا ... نَالَ الأَمَانَ وَنَالَ كُلَّ أَمَانِ وَرَضُوا بِوَحْيِكَ مِنْ سِوَاهُ وَمَا ارْتَضَوْا ... بِسوَاهُ مِنْ آرَاءِ ذِي الهَذَيَانِ يا رَبُّ ثَبِّتْهُمْ على الإِيْمانِ ... واجْعَلْهُمُ هَدَاةَ التَّائِهِ الحَيْرانِ وانْصُرْ عَلَى حِزْبِ النَّفَاةِ عَسَاكِرَ الـ ... إِثْبَاتِ أَهْلَ الحَقِّ والعِرْفَانِ وَأَقِمْ لأَهْلِ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ الْـ ... أَنْصَارَ وانْصُرْهُمُ بِكُلِّ زَمَانِ واجْعَلْهُمُ لِلْمُتَّقِيْنَ أَئِمَّةً ... وارْزُقْهُمُ صَبْرًا مَعَ الإِيْقَانِ تَهْدِيَ بِأَمْرِكَ لاَ بِمَا قَدْ أَحْدَثُوا ... وَدَعَوْا إليهِ النَّاسَ بالعُدْوانِ وأَعِزَّهُمْ بالحَقِّ وانْصُرْهُمْ بِهِ ... نِصْرًا عَزِيْزًا أَنْتَ ذُوْ السُّلْطانِ واغْفِرْ ذُنُوبَهُمُ وَأَصْلِحْ شَأْنَهُمْ ... فَلأَنْتَ أَهْلُ العَفْوِ والغُفْرَانِ وَلَكَ المَحَامِدُ كُلُّها حَمْدًا كَمَا ... يُرْضِيْكَ لاَ يَفْنَى عَلَى الأَزْمَانِ

أسير الخطايا عند بابك واقف

مِلءَ السَّمواتِ العُلَى والأَرْضِ والْـ ... مَوْجُودِ بَعْدُ وَمُنْتَهى الإِمْكانِ مِمَّا تَشَاءُ وَرَاءَ ذَلِكَ كُلِّهِ ... حَمْدًا بِغَيْر نِهَايَةٍ بِزَمَانِ انْتَهَى آخر: أَسِيْرُ الخَطَايَا عِنْدَ بَابِكَ وَاقِفُ ... بِهِ وَجَلٌ مِمَّا بِهِ أَنْتَ عَارِفُ يَخَافُ ذُنُوبًا لَمْ يَغِبْ عَنْكَ غَيْبُهَا ... وَيَرْجُوْكَ فِيْهَا فَهْوَ رَاجٍ وَخَائِفُ فَمَنْ ذَا الذِيْ يُرْجَى سِوَاكَ وَيُتَّقَى ... وَمَا لَكَ في فَصْلِ القَضَاءِ مُخَالِفُ فَيَا سَيِّدِيْ لا تُخْزِنِيْ في صَحِيفَتى ... إِذَا نُشِرَتْ يَوْمَ الحِسَابِ الصَّحَائِفُ وَكُنْ مُؤْنِسِيْ في ظُلْمَةِ القَبْرِ عِنْدَمَا ... يَصَدُّ ذُوُو القُرْبَى وَيجْفُو المُؤَآلِفُ لَئِنْ ضَاقَ عَنّيْ عَفْوُكَ الوَاسِعُ الذِي ... أُرَجِيَ لأَسْرَافِيْ فَإنِّي لَتَالِفُ انْتَهَى آخر: خُزَّانُ وَحْي اللهِ لَمْ يُرَ غَيْرُهُم ... أَهْلاً لِحِفْظَ كَلامِهِ المُخْتَارِ لَكِنْ عَلَيْهمِ أَنْ يَقُومُوْا بالذِي ... فيهِ مِن المَشْرُوْع لَلأَبْرَار صِدْقٌ وإِخْلاَصٌ وحُسْنُ عِبَادَةٍ ... وقِيَامُ لَيْلٍ مَعْ صِيَامِ نهارِ وتَوَرُّعٍ وتَزَهُّدٍ وتَعَفُفٍ ... وتَشَبُّهٍ بخلائِقِ الأَخْيَارِ وديَانَةٍ وصِيَانَة وأَمَانَةٍ ... وتَجَنُّبٍ لِخَلائِقِ الأَشْرارِ وأَدَاءِ فَرْضٍ واجْتِنَاب مَحَارِمٍ ... وإِدَامَةٍ لِلْحَمْدِ والأَذْكارِ

يا جامع المال إن العمر منصرم

يا حَامِل القُرآنِ إنْ تَّكُ هَكَذا ... فَلَكَ الهَنَاءُ بفوْزِ عُقْبَى الدَّارِ وَمَتى أَضَعْتَ حُدُوْدَهُ لم تَنْتَفِعْ ... بحُرُوْفِهِ وسَكَنْتَ دَارَ بَوَارِ اللَّهُمَّ أعْطنا مِن الخير فوقَ مَا نَرْجوهُ، وأصْرف عَنا مِن السوءٍ فوقَ مَا نَحْذر، فإنك تَمحُو مَا تَشَاء وَتَثْبت وعندك أُم الكِتاب. ... اللَّهُمَّ واجعلنَا ممَّن يأخُذ الكِتاب باليمين، واجعلنَا يَوم الفزع الأكبرِ آمنين، وأَوصلنَا بِرَحْمَتِكَ وَكَرَمِكَ إلى جَناتِ النعيم، واغْفِر لَنَا وَلَوَالِدَيْنَا ولَجميع المسلمين، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَم الرَّاحِمين، وصلى الله على محمدٍ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ أَجْمعين. آخر: يا جامعَ المالِ إن العُمَر مُنْصَرِمٌ ... فابخلْ بمالكَ مَهْمَا شِئْتَ أو فَجُدِ ويا عزيزًا يَخِيطُ العُجْبُ ناظرَهُ ... أذْكُرْ هَوَانَكَ تَحْتَ التُربِ واتّئِدِ قالوا تَرَقى فُلانُ اليومَ مَنْزِلةً ... فَقُلْتُ يُنزلُهُ عنها لِقَاءُ غَدِ كَمْ وَاثِقٍ باللياليِ مَدَّ رَاحَتَهُ ... إلى المَرَامِ فَنَادَاهُ الحِمامُ قَدِ وباسطٍ يَدَهُ حُكْمًا ومَقْدِرَةً ... وَوَارِدُ الموتِ أدْنَى مِن فمٍ لِيدَ كم غَيَّرَ الدهرُ مِن دَارُ وسَاكِنِها ... لا عن عَمِيدِ ثنى بَطْشًا ولا عُمَدِ

زيادة المرء في دنياه نقصان

زَالَ الذِي كَانَ لِلْعَلْيَا بهِ سَنَدٌ ... وزَالَتِ الدَّارُ بالعَلْيَاءِ فالسَّندِ تباركَ الله كَمْ تَلْقَى مَصَائِدَها ... هَذِي النُجومُ على الدَانِينَ والبُعَدِ تَجرِي النُجُومُ بِتَقْرِيِبِ الحِمامَ لَنَا ... وهُنَّ مِن قُرْبِهِ منها على أمَدِ لا بُدَّ أَنْ يَغْمِسَ المِقْدَارُ مُدْيَتَهُ ... في لَبَّةِ الجَدْيِ منها أَوْ حَشَا الأسَدِ عَجِبْتُ مِن آمِلٍ طُولَ البقاءِ وقدْ ... أخْنَى عليه الذي أخْنَى على لُبَدِ ... يَجُرّ خَيْطُ الدُجَى والفَجْرِ أَنْفُسَنَا ... لِلترْبِ ما لا يَجُرُّ الحَبْلُ مِن مَسَدِ هذِي عَجَائِبُ تَثْنيِ النفسَ حَائِرةً ... وَتُقْعِدُ العقلَ مِن عَيٍّ على ضَمَدِ مالي أسَرٌ بِيَومٍ نِلْتُ لَذَتَهُ ... وقد ذَوَىَ مَعَهُ جُزْءٌ مِن الجَسَدِ لاُّتْرَكَنَّ فريدًا في التُراب غَدًا ... ولو تَكَثَّرَ ما بَينَ الوَرى عَدَدي ما نافِعي سَعَةٌ فغي العيشِ أو حَرَجٌ ... إن لم تَسعْني رُحْمى الواحِدِ الصَّمد انْتَهَى آخر: زِيادةُ المرءِ في دُنياهُ نقصانُ ... ورْبحُهُ غير مَحْضِ الخيرِ خُسْرِانُ وكُلُ وجْدَانِ حَظٍ لا ثباتَ لَهُ ... فإن مَعْناهُ في التَّحْقِيقِ فِقْدَانُ

يا عامرًا لخِرابِ الدهرِ مُجْتَهدًا ... بالله هَلْ لَخِرابِ الدهرِ عُمْرانُ ويا حَرِيصًا على الأمْوالِ تَجْمَعُهَا ... أنَسَيْتَ أنَّ سُروُرَ المالِ أَحْزانُ زَعِ الفؤادَ عن الدنيا وزُخْرُفها ... فَصَفْوُهَا كَدَرٌ والوَصْلُ هُجْرَانُ وأرعِ سَمْعَكَ أمثالاً أَفَصِلُّها ... كما يُفَصَّلُ ياقوتَّ ومَرْجَانَ أحْسِن إلى الناسِ تَستَعْبِدْ قُلوبَهُمُ ... فَطالمَا إسْتَعْبَدَ الإنسانَ إحسانُ يا خادمَ الجسمِ كم تَسْعَى لِخِدْمَتِهِ ... أَتَطْلُبُ الربحَ مِمَّا فِيه خُسرانُ أقْبِلْ على النفسِ واستكْمِلْ فَضَائِلَهَا ... فأنْتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانُ وإنْ أسَاءَ مُسِيء فَلْيَكُنْ لَكَ فِي ... عُروضِ زَلَّتِهِ عَفْوَّ وغُفرانُ وكن على الدهرِ مِعوانًا لِذِي أملِ ... يَرجُو نَدَاكَ فإنَّ الحرَّ مِعوانُ واشدُدْ يَدَيْكَ بحبلِ اللهِ مُعْتَصِمًا ... فإنهُ الركنُ إن خَانَتْكَ أركَانُ مَن يَتق الله يُحمَد في عَواقِبهِ ... ويَكْفِهِ شَرَّ مَن عَزُوا ومَن هَانُوا مَن استعَانَ بغيرِ اللهِ في طلبٍ ... فإنّ ناصِرَهُ عَجْزٌ وخُذْلانُ مَن كان لِلْخَيرِ مَنَّاعًا فليسَ لَهُ ... على الحقيقةِ إخوانٌ وأخْدَانُ مَن جَادَ بالمالِ مَالَ الناسُ قَاطِبةً ... إليهِ والمالُ لِلإنسانِ فَتَّانُ مَن سَالَم الناسَ يَسْلَم مِن غَوَائِلهِمْ ... وعاشَ وهو قَرِيْرُ العَينِ جَذْلانَ من كان لِلْعقلِ سُلطانَّ عليه غَداَ ... وما على نفسِهِ لِلْحِرْصِ سُلْطَانُ مَن مَدَّ طَرفًا بفَرطِ الجَهلِ نَحْوَ هَوَىً ... أغَضَى على الحقِ يومًا وهو خَزْيَانُ مَن استشارَ صُروفَ الدهرِ قَامَ لَهُ ... على حقيقةِ طبعِ الدهرِ بُرْهَانُ ... مَن يِزْرعِ الشرَ يُحْصُد في عواقِبهِ ... نَدَامةً ولِحَصْدِ الزَّرْعِ إبَّانُ مَن استنام إلى الأشرارِ نَامَ وفي ... قَمْيصِهِ مِنْهُمُو صِلَّ وثُعْبَانُ كُنْ رَيّقَ البِشرِ إنَّ الحرَّ هِمَّتُهُ ... صَحْيفَةٌ وعليها البشرُ عُنوانُ ورافقِ الرفقَ في كُلِ الأمُور فَلَمْ ... يِنْدَمُ رِفيقٌ ولم يَذْمُمْهُ إنسانُ ولا يَغُرنْكَ حَظٌ جَرَّهُ خَرَقٌ ... فالخَرْقُ هَدْمٌ ورِفْقُ المرءِ بُنْيَانُ أحْسِنْ إذا كَانَ إمكانٌ وَمَقْدِرَةٌ ... فلن يدُوْمَ علىَ الإِحسانِ إمكانُ

فالروضُ يزْدِانُ بالأنوار فَاغِمُهُ ... والحُر بالعدلِ والإِحسانِ يُزْدَانُ صُنْ حُرَّ وَجْهِكَ لا تَهْتِكْ غَلاَلَتَهُ ... فَكُلُ حُرٍ لِحُرِّ الوَجْهِ صَوَّانُ دَعِ التكاسُلَ في الخيراتِ تَطْلُبُهَا ... فَليسَ يَسْعَدُ بالخيراتِ كَسْلاَنُ لا ظلَّ لِلمَرْء يَعْرَى مِن نُهىً وَتُقَىً ... وإن أظَلََّلتْهُ أوراقٌ وأفْنَانُ والناسُ أعوانُ مَن وَالَتْهُ دَوْلَتُهُ ... وهُمْ عَلَيهِ إذا عَادَتْهُ أَعْوَانُ سَحْبَانُ مِن غيرِ مالٍ باقِلٌ حَصرٌ ... وباقِلٌ في ثَرَاءِ المالِ سَحْبِانُ لا تُوْدِعِ الِسّرَ وَشَّاءً بهِ مَذِلاً ... فَمَا رَعَى غَنَمًا في الدَّوِ سِرْحَانُ لا تَحسَبِ الناسَ طبعًا واحدًا فَلَهُمْ ... غَرَائِزُ لستَ تُحْصِيْهنَّ ألْوَانُ ما كُلُ مَاءِ كَصَدَّاءٍ لِوارِدِهِ ... نَعَمْ ولا كُلُ نَبْتٍ فهو سَعْدَانُ لا تَخْدِشَنَّ بِمطْلٍ وَجْهَ عَارِفَةٍ ... فالِبرُّ يَخْدِشُهُ مَطْلٌ ولَيَّانُ لا تَسْتَشِرْ غَيْرَ نَدْبٍ حَازِمٍ يِقِظٍ ... قد اسْتَوىَ عِندَهُ سِرٌ وإعْلاَنُ فَللتَدابِيرِ فُرسانٌ إذا رَكَضُوا ... فيها أبَرُّوا كما لِلْحَرْبِ فُرْسَانُ وللأُمُوْرِ مَوَاقِيْتٌ مُقَدَّرة ... وكُلُ أمرٍ لِهَ حَدٌ وَمِيْزَانُ فلا تكَنْ عَجِلاً في الأمر تَطْلبُهُ ... فليسَ يُحْمَدُ قَبْلَ النُّضْجِ بُحْرانُ كَفَى مِن العيش ما قَدْ سَدَّ مِن عَوَزٍ ... فَفِيْهِ لِلْحُرٍ قُنْيَان وغُنْيِانُ وذُو القَناعةِ راضِ مِن مَعْيِشَتهِ ... وصَاحبُ الحِرْصِ إن أثْرىَ فَغَضْبَانُ حَسْبُ الفَتَى عَقْلُه خِلاً يُعَاشِرُهُ ... إذا تَحَامَاهُ إخْوانٌ وخِلانُ هُمَا رَضِيْعَا لِبانٍ حِكْمَةٌ وتُقَى ... وسَاكِنَا وَطُنٍ مَالٌ وطُغْيَانُ إذا نَبَا بِكريمٍ مَوْطِنٌ فَلَهُ ... ورَاءَهُ في بَسيْطِ الأرضِ أوْطَانُ يا ظالمًا فِرحًا بالعِزِ سَاعَدَهُ ... إنْ كُنْتَ في سِنَةٍ الدهرُ يَقْظانُ ما اسْتِمْرأ الظُلُمَ لو أَنْصَفْتَ آكِلُهُ ... وَهَلْ يَلَذُّ مَذَاقُ المرءِ خُطْبَانُ ... يا أيُها العالِمُ المرضُي سِيْرَتُهُ ... أبْشِرْ فأنْتَ بِغيرِ الماءٍ رَيَّانُ ويا أخا الجهلِ لو أصبحتِ في لُجَجَ ... فَأنْتَ ما بَيْنَهَا لا شَكِّ ظمْآنُ لا تَحسْبِنَّ سُروُرًا دائمًا أبَدًا ... مَن سَرَّهُ زَمَن سَآءتْهُ أزْمَانُ

خبت نار نفسي باشتعال مفارقي

يا رافلاً في الشباب الوَجْفِ مُنْتَشيًا ... مِن كأسِهِ هَلْ أصابَ الرُّشْدَ نُشْوَانُ لا تَغْتَرِرْ بِشَبابٍ زَائِل خَضِلٍ ... فَكَمْ تقَدّمْ قِبْلَ الشّيْبَ شُبُّانُ ويا أخا الشيبِ لو ناصَحْتَ نفسَكَ لمْ ... يَكُنْ لِمثْلِكِ في الإسْرافِ إمْعَانُ هَبِ الشبيبةَ تُبْلى عُذْرَ صَاحِبها ... ما عُذْرُ أشَيْبَ يَسْتَهْويِهِ شَيطانُ كُلُ الذُنُوبِ فِإنَّ اللهَ يَغْفُرهَا ... إنَّ شَيَّعَ المرِءَ إخلاصٌ وإيمانُ وكُلُ كَسْرٍ فإنَّ الله يَجْبَرُهُ ... وما لِكَسْرِ قَنَاةِ الدِينِ جُبْرانُ انْتَهَى قال الإمام الشافعي رحمه الله: خَبَتْ نَارُ نَفْسِي باشْتِعَالِ مَفَارِقِي ... وَأَظْلَمَ لَيْلِي إِذْ أَضَاءَ شِهَابُهَا أَيَا بُوْمَةً قَدْ عَشَّشَتْ فَوْقَ هَامَتي ... عَلَى الرَّغْمِ مِنّي حِيْنَ طَارَ غُرَابُهَا رَأَيْتِ خَرَابَ العُمْرِ مِنّي فَزُرْتِنِي ... وَمَأْوَاكِ مِنْ كلِ الدِّيَارِ خَرَابُهَا أَأَنْعَم عَيْشًا بَعْدَ مَا حَلَّ عَارِضِي ... طَلاَئِعُ شَيْبٍ لَيْسَ يُغْنِي خِضَابُهَا إِذَا اصْفَرَ لَوْنُ المَرْءِ وابْيَضَّ شَعُرُهُ ... تَنَغَّصَ مِنْ أَيَامِهِ مُسْتَطَابُهَا وَعِزَةُ عُمْرِ المَرْءِ قَبْلَ مَشِيْبهِ ... وَقَدْ فَنِيَتْ نَفسٌ تَوَلّى شَبَابُهَا فَدَعْ عَنْكَ سَوْآتِ الأمورِ فإِنَّهَا ... حَرَامٌ على نَفْسِ التَّقِيي ارْتِكابُهَا وَأَدِّ زَكاةَ الجَاهِ واعْلَمْ بِأَنَّهَا ... كَمِثْلِ زَكَاةِ المَالِ تَمَّ نِصابُهَا

وَأَحْسِنْ إلى الأَحْرارِ تَمْلكْ رِقابَهُمْ ... فَخَيْرُ تِجَارَاتِ الرِّجَالِ اكْتِسَابُها وَلاَ تَمْشِيَن في مَنْكِبِ الأَرْضِ فَاخِرًا ... فَعَمَّا قَليلٍ يَحْتَوِيْكَ تُرَابُهَا وَمَنْ يَذُقِ الدُّنْيَا فإني طَعمتُهَا ... وَسِيْقَ إِليْنَا عَذْبُهَا وَعَذَابُهَا فَلم أَرَهَا إِلاَّ غُرُورًا وَبَاطِلاً ... كَمَا لاَحَ في ظَهْرِ الفَلاةِ سَرَابُهَا ومَا هِيَ إلاَّ جِيْفَةٌ مُسْتَحِيْلَةٌ ... عَلَيْهَا كِلاَبٌ هَمُّهُنَّ اجْتِذَابُهَا فإنْ تَجْتَنِبْها كُنْتَ سِلْمًا لأَهْلِهَا ... وإنْ تَجْتَذِبْهَا نَازَعَتْكَ كِلاَبُهَا إذا انْسَدَ بابٌ عَنْكَ مِنْ دُونِ حَاجَةٍ ... فَدَعْهَا لأُخْرَى يَنْفَتِحْ لَكَ بَابُهَا فإنَّ قُرَابَ البَطْنِ يَكْفِيكَ مِلؤُهُ ... وَيَكْفِيكَ سَوآتِ الأُمُورِ اجْتِنَابُها ... فَطُوبى لِنَفْسٍ أَوْطَنَتْ قَعْرَ بَيْتِها ... مُغَلَقَةَ الأبوابِ مُرْخَىً حِجَابُهَا فَيَارَبِّ هَبْ لِي تَوْبةً قَبْلَ مَهْلَكٍ ... أُبَادِرُهَا مِنْ قَبْلِ إِغْلاقِ بَابِهَا انْتَهَى

ألا قل لأهل الجهل من كل من طغى

وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: أَلاَ قُلْ لأَهلِ الجهلِ مِن كُل مَن طَغى ... على قَلِبهِِ رَيْنٌ مِن الرَّيْبِ والعَمَى لَعَمْرِي لقد أَخْطَاتُمُوا إِذْ سَلَكْتُمُ ... طَرِيقَةَ جَهْلٍ غَيُّهَا قَد تَجَهَّمَا أَيَحْسَبُ أَهْلُ الجَهْلِ لَمَّا تَعَسُّفُوا ... وجَاءُوا مِن العُدوانِ أَمْرًا مُحَرَّمَا بِأَنَّ حِمىَ التَّوْحِيدِ لَيسَ بِرَبْعِهِ ... ولا حِصْنِهِ مَنْ يَحْمِهِ أَنْ يُهَدَّمَا وظَنَّوا سَفَاهًا أَنْ خَلَا فَتَواثَبَتْ ... ثَعَالِبُ مَا كَانَتْ تَطَا في فِنَا الحِمَى أَيَحْسَبُ أَعْمَى القَلْبِ أَنَّ حُمَاتَهُ ... غُفَاةٌ فَمَا كَانُوا غُفَاةً وَنُوَّمَا فإن كَانَ فَدْمٌ جَاهِلٌ ذُو غَبَاوَةٍ ... رَأَى سَفَهًا مِن رَأْيِهِ أَنْ تَكَلَّمَا بِقَولٍ مِن الجَهْلِ المُركَّبِ خَالَهُ ... صَوابًا وقَد قَالَ المَقَالَ المُذَمَّمَا سَنَكْشفُ بالبرُهانِ غَيْهَبَ جَهْلِهِ ... وَيَعْلَمُ حَقًا أَنَّه قَدْ تَوَهَّمَا ونُظْهِرُ مِن عَوْرَاتِهِ كُلَّ كَامِنٍ ... لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ جَاءَ إِفْكًا ومَأْثَمَا رُوَيْدًا فأَهْلُ الحَقِ وَيْحَكَ في الحِمىَ ... وقَدْ فَوَّقُوْا نَحْوَ المُعَادِيْنَ أَسْهُمَا

وتِلْكَ مِن الآياتِ والسُّنَنِ الَّتيِ ... هِيَ النُورُ إِنْ جَنَّ الظَّلاَمُ وأَجْهَمَا فَيِا مَنْ رَأَى نَهْجَ الضَّلاَلةِ نَيِّرٍا ... ومَهْيَعَ أَهْلِ الحَقَّ والدِيْنِ مُظْلِمَا لَعَمْرِي لَقَدْ أَخْطَأتَ رُشْدَكَ فاتَّئِدْ ... ورَاجِعْ لِما قَدْ كَانَ أَقْوَى وأَقْوَمَا مِن المَنْهَجِ الأَسْنَى الذِي ضَاءَ نُورُهُ ... ودَعْ طُرُقًا تُفْضِي إِلى الكُفْرِ والعَمَى وملةَ إبراهيمَ فاسْلُكْ طَرِيْقَهَا ... وعَادِ الذي عَأدَهُ إِنْ كُنْتَ مُسْلِمَا وَوَالِ الذِي وَالىَ وإِيَّاكَ أَنْ تَكُنْ ... سَفِيْهًا فَتُحْظَى بالهَوَانِ وتَنْدَمَا أَفِي الدِينِ يَا هَذَا مُسَاكَنَةُ العِدَا ... بِدَارِ بِهَا الكُفْرُ ادْلَهَمَّ وأَجْهَمَا وأَنْتَ بِدَارِ الكُفْرِ لَسْتَ بمُظْهِرٍ ... لِدِيْنِكَ بَيْنَ الناسِ جَهْرًا ومُعْلِمَا بِأَيِّ كِتابٍ أَمْ بإِيَّةِ آيةٍ ... أَخَذْتَ عَلَى هَذَا دَلِيلاً مُسَلَّمَا وإِنَّ الذِي لا يُظْهِرُ الدِينَ جَهْرَةً ... أَبَحْتَ لَهُ هَذَا المَقَامَ المُحَرَّمَا إِذَا صَامَ أَوْ صَلَّى وقَدْ كَانَ مُبْغِضًا ... وبالقَلْب قَدْ عَادَى ذَوِى الكُفْرِ والعَمَى

ثَكَلَتْكَ هَلْ حَدَّثْتَ نَفْسَكَ مَرَّةً ... بمِلَّةِ إِبْراهِيمَ أَوْ كُنْتَ مُعْدِمَا ... فَفِي التِرمِذِي أنَّ النبيَ مُحَمَّدًا ... بَريءٌ مِن المَرْءِ الذِي كَانَ مُسْلِمَا يُقِيْمُ بِدَارِ أَظْهَرَ الكُفْرَ أَهْلُهَا ... فَيَاوَيْحَ مَن قَد كَانَ أَعْمَى وأَبْكَمَا أَمَا جَاءَ آياتٌ تَدُلُ بِأَنَّهُ ... إِذا لَمْ يُهَاجِرُ مُسْتَطِيْعٌ فإِنَّمَا جَهَنَّمُ مَأْوَاهُ وسَاءَتْ مَصِيْرَهُ ... سِوى عَاجزٍ مُسْتَضْعَفٍ كَانَ مُعْدِمَا فَهَلْ عِندُكُمْ عِلْمٌ وبُرهَانُ حُجَّةٍ ... فَحَيًا هَلا هَاتُوا الجَوابَ المُحَتَّمَا ولَن تَستَطِيعُوا أَنْ تَجِيئُوا بحُجَّةٍ ... لِتَدْفَعَ نَصًا ثَابِتًا جَاءَ مُحْكَمَا وَلِكِنَّمَا الأَهواءُ تَهْوي بأَهْلِهَا ... فَوَيْلٌ لِمنْ أَلْوَتْ بِهِ مَا تألَما أَلاَ فَأَفَيْقُوا وارْجِعُوا وَتَنَدَّمُوا ... وفِيئُوا فإِن الرُشْدَ أَوْلَى مِن العَمَى وظَنيِ بأن الحُبَّ للهِ وَالْوَلا ... عَليهِ تَوَلَّى عَنْكُمُو بَلْ تَصَرَّمَا وحُبَّكُم الدُنْيَا وإيثَار جَمْعِهَا ... على الدِين أَضْحَى أَمْرُهُ قَدْ تَحَكَّمَا

لِذَلِكَ دَاهَنْتُم وَوَالَيْتُمُ الذِي ... بأَوضَارِ أَهْلِ الكُفْرِ قَدْ صَارَ مُظْلِمَا وَجَوَّزْتُمُو مِن جَهْلِكُمْ لِمُسَافِرٍ ... إِقَامِتَه بَيْنَ الغُواةِ تَحَكُّمَا بَغَيرِ دَليلٍ قَاطِعٍ بَلْ بِجَهْلِكُمْ ... وتَلْبِيْسِ أَفَّاكٍ أَرَادَ التَّهَكُّمَا وقد قُلْتُمو في الشَّيخِ مَن شَاعَ فَضْلُهُ ... وأَنْجَدَ في كُلِّ الفُنُونِ وَأتْهَمَا إِمامِ الهُدَى عَبْدِ اللطيفِ أَخِي التُّقَى ... فَقُلْتُمْ مِن العُدْوانِ قَولاً مُحَرَّمَا مَقَالَةَ فَدْمٍ جَاهِلٍ مُتَكَلِّفٍ ... يَرَى أَنَّهُ كُفْوٌ فَقَال مِن العَمَى يُنَفِرُ بَلْ قَدْ قُلْتُمُو مِن غَبَائِكُمْ ... يُشَدِّدُ أَوْ قُلْتُمْ أَشَدَّ وأَعْظَمَا ولَيْسَ يَضُرُّ السُحْبَ في الجَوٍ نابِحٌ ... وهَلْ كَانَ إِلا بالإغَاثَةِ قَدْ هَمَى فَيَدعْوُ لَهُ مَن كَانَ يَحْيا بِصَوْبِهِ ... ويُنِْجِيه مَن كَانَ أَعْمَى وأَبْكَمَا أَيُنْسَبُ لَلَتنْفِيْرِ وَهْوَ الذِي لَهُ ... رَسَائِل لم يَعْلَمْ بِهَا مَن تَوَهَّمَا يُؤنِّبُ فيها مَن رَأَى منه غِلْظةً ... ويَأْمُرُ أَنْ يَدْعُو بِلِيْنِ ويَحْلُمَا

ويُنْسَبُ لِلتَّشْدِيدِ إِذ كَانَ قَد حَمَى ... حِمَى المِلَّةِ السَّمْحَاءِ أَنْ لا تَهَدَّمَا وغَارَ عَلَيها مِن أُنٌّاسٍ تَرَخَّصُوا ... وقَدْ جَهِلُوا الأَمرَ الخَطِيْرَ المُحَرَّمَا فَلَوْ كُنْتُمُو أَعْلَى وأَفْضَلَ رُتْبَةً ... وأَزْكَى وأَتْقَى أَوْ أَجَلَّ وأَعْلَمَا يُشَارُ إِليكُم بالأَصَابِعِ أَوْ لَكُمْ ... مِن العِلمِ ما فُقْتُمْ بِهِ مَن تَقَدَّمَا لَكُنَّا عَذَرْنَاكُمْ وقُلْنَا أَئِمَّةً ... جَهَابِذَةً أَحَرْىَ وأَدْرَى وأَفْهَمَا ولَكَّنكُمْ مِن سَائِر الناس مَالكْم ... مِن العِلم مَا فُقْتُمِ بِه مَنْ تَعَلَّمَا ... ومِن أصْغَرِ الطُلاَبِ لِلْعِلْمِ بَلْ لَكُمْ ... مَزِّيةُ جَهْلِ غَيُّهَا قَدْ تَجَهَّمَا لِذَلِكَ أَقْدَمْتُمْ لِفَتْحِ وَسَاِئِلٍ ... وقَدْ سَدَّهَا مَن كَانَ باللهِ أَعْلَمَا ثَكِلْتُكُمُو هَلْ حَدَّثَتْكُمْ نُفُوسُكُمْ ... بِخَرقِ سِيَاجِ الدِينِ عُدْوًا وَمَأثَمَا وإنَّ الحُمَاةَ الناصرينَ لِرَبِّهمْ ... ولِلدِينِ قَدْ مَاتُوا فَمَنْ شَاءَ أَقْدَمَا على ما يَشَا مِن كُلِّ أَمْرٍ مُحَرَّمٍ ... ولَيسَ لَهُ مِن وَازِعٍ أَنْ تَكَلَّمَا

وإن حِمَى التَّوْحِيْدِ أَقْفَرَ رَسْمُهُ " ... فَقُلْتُم وَلَم تَخْشَوا عِتَابًا ومَنْقَمَا فَنَحْنْ إذًا والحَمْدُ للهِ لَمَ نَزَلْ ... عَلَى ثَغْرةِ المَرمَى قُعُودًا وجُثَّمَا أَلا فاقْبَلُوا مِنَّا النَّصِيْحَةَ واحْذَرُوْا ... وفِيْئُوا إِلى الأَمرِ الذِي كان أَسْلَمَا وإِلا فإنَّا لا نُوافِقُ مَنْ جَفَا ... وَيَسْعَى بأَنْ يُوْطَى الحِمَى أَوْ يُهَدَّمَا كَمَا أَنَّنَا لا نَرتَضِي جَوْرَ مَن غَلاَ ... وزَادَ على المشروعِ إِفكًا ومأثَمَا ويا مُوثِر الدُنيَا على الدين إِنَّمَا ... عَلَى قَلِبْكَ الرَّانُ الذِي قَدْ تَحَكَّمَا وعَادَيْتَ بَلْ وَاليْتَ فِيها ولمْ تَخَفْ ... عَواقِبَ مَا تَجْنِي ومَا كَانَ أَعْظَمَا أَغَرَّتْكَ دُنْيَاكَ الدَّنِيَّةُ رَاضِيًا ... بزَهْرَتِهَا حَتَّى أَبَحْتَ المُحَرَّمَا تَروُقُ لَكَ الدُنْيَا ولذاتُ أهْلِهَا ... كأَن لَمْ تَصِرْ يَوْمًا إِلى القَبْرِ مُعْدِمَا خَلِيًا مِن المالِ الذِي قَدْ جَمَعْتَهُ ... وفارَقْتَ أَحْبَابًا وقَدْ صِرتْ أَعْظُمَا ولَمَّا تُقَدِّمْ مَا يُنَجِيْكَ فِي غَدٍ ... مِن الدين ما قَدْ كانَ أَهْدَى وأَسْلَمَا

الله أعظم مما جال في الفكر

وذلكَ أَنْ تَأْتِي بدِينِ مُحَمَّدٍ ... ومِلّةِ إبراهيمَ إِن كُنْت مُسْلِمَا تُوالِي على هَذَا وتَرْجُو بِحْبِّهِمْ ... رِضَا الملكِ العَلاَّمِ إِذ كَانَ أَعْظَمَا وتُبْغِضُ مَن عَادَى وتَرجْوُ بِبُغْضِهِمْ ... مِن اللهِ إِحسانًا وجُودًا ومَغْنَمَا فهذا الذِي نَرضَى لِكُلِّ مُوَحِّدً ... ونَكْرَهُ أَسَبابًا تُرِدْهُ جَهَنِّمَا وصل إلهي ما تأَلق بَارِقٌ ... على المُصْطَفى مَن كَان باللهِ أَعْلَمَا وآلٍ وأَصحابٍ ومَن كان تابِعًا ... وتابعهم مَا دَامتِ الأَرضُ والسَّمَا انْتَهَى آخر: اللهُ أَعْظَمَ مِمَّا جَالَ في الفِكَر ... وَحُكْمُهُ في البَرَايَا حُكْمُ مُقْتَدِرِ مَوْلَىً عَظِيْمٌ حَكِيْمٌ وَاحِدٌ صَمَدٌ ... حَيُّ قَدير مُرِيد فَاطِرُ الفِطَرِ يَا رَبُّ يَا سَامِعَ الأَصْواتِ صَلِّ عَلَى ... رَسُولِكَ المُجْتَبَى مِنْ أَطْهَرِ الْبَشَرِ ... وَآلِهَ والصِّحَابِ الْمُقْتَدِيْنَ بِهِ ... أَهْل التُّقَى وَالوَفَا وَالنُّصْحِ لِلْبَشَرِ أَشْكُو إِلَيْكَ أُمُورًا أَنْتَ تَعْلَمُهَا ... فُتورَ عَزْمِي وَمَا فَرَّطْتُ في عُمُرِي

وَفَرْطَ مَيْلِي إلى الدّنْيَا وَقَدْ حَسَرَتْ ... عَنْ سَاعِد الَغدْرِ في الآصَالِ وَالْبُكَرِ يَا ربَّ زِدْنِيَ تَوْفِيْقَاً وَمَعْرِفَةً ... وحُسْنَ عَاقِبَةٍ في الوِرْدِ وَالصَّدَرِ قَدْ أصْبَحَ الْخَلْقُ في خَوْضٍ وفي ذُعُرٍ ... وَزوْرِ لَهْوٍ وَهُمْ في أَعْظَمِ الخَطَرِ وَلِلْقِيَامَةِ أَشْرَاطٌ وَقَدْ ظَهَرَتْ ... بَعْضُ الْعَلاَمَاتِ وَالْبَاقِي عَلَى الأَثَرِ قَلَّ الْوَفَاءُ فلا عهْدٌ وَلاَ ذِمَمُ ... واسْتَحْكَمَ الجَهْلُ في الْبَادِيْنَ وَالْحَضَرِ دَعَوْا لأَدْيَانِهِمْ بالبَخْسِ مِنَ سُحْتٍ ... وأظْهَرُوا الفِسْقَ والعُدْوَانَ بالأَشَرِ وجَاهَرُوا بالْمَعَاصِي وارْتَضَوا بِدَعًا ... عَمّتْ فَصَاحِبُها يَمْشِي بِلاَ حَذَرِ وَطَالِبُ الْحَقّ بَيْنَ النّاسِ مُسْتَتِرٌ ... وَصَاحِبُ الإِفْكِ فِيْهِم غَيْرُ مُسْتَتِرِ والْوَزْنُ بالْوَيْلِ والأَهْوَاءِ مُعْتَبَرٌ ... وَالْوزْنُ بالْحَقّ فِيْهِمِ غَيْرُ مُعْتَبَرِ وَقَدْ بَدَاَ النَّقْضُ بالإِسْلاَمِ مُشْتَهرًا ... وبُدِّلَتْ صَفْوَةُ الْخَيْرَاتِ بِالْكَدَرِ فَسَوْفَ يَخْرُجُ دَجّالُ الضَلاَلَةِ في ... هَرْجٍ وَقَحْطٍ كَمَا قد جَاءَ في الْخَبَرِ

وَيَدَّعِي أنَّهُ رَبُّ الْعِبَادِ وَهَلْ ... تَخْفَى صِفَاتُ كَذوبٍ ظَاهِرِ الْعَوَرِ فَنَارُهُ جَنَّة طُوْبَي لِدَاخِلِها ... وَزُوْرُ جَنّتِهِ نَارٌ مِنَ السُّعُرِ شَهْرٌ وَعَشْرٌ لَيَالِي طول مُدَّتِِهِ ... لَكِنّهُ عَجَبٌ في الطُّولِ وَالْقِصَرِ فَيَبْعَثُ اللهُ عِيْسَى نَاصِرًا حَكَمًا ... عَدْلاً وَيَعْضِدُه بالنَّصْرِ والظَّفَرِ فَيَتْبَعُ الْكَاذِبَ الْبَاغِي ويَقْتُلُهُ ... وَيَمْحَقُ اللهُ أَهْلَ الْبَغْي والضَّرَرِ وَقَامَ عِيْسَى يُقِيْمُ الحَق مُتَّبِعًا ... شَرِيْعَةَ المُصْطَفَىٍ المُخْتَارِ مِنْ مُضَرِ في أَرْبَعِيْنَ مِنَ الأعْوَامِ مُخْصِبَةٌ ... فَيَكْسِبُ الْمَالَ فِيْهَا كُلُّ مُفُتْقِرِ حَتَّى إِذَا أَنْفَذَ اللهُ الْقَضَاءَ دَعَا ... عِيْسَى فَأَفْنَاهُمُ المَوْلَى عَلَى قَدَر وَعَادَ لِلنَّاسِ عِيْدُ الْخَيْرِ مُكْتَمِلاً ... حَتَّى يَتِمَّ لِعِيْسَى آخِرُ الْعُمُرِ والشَّمْسُ حِيْنَ تُرَى في الْغَرْبِ طَالِعَةً ... طُلُوعُها آيَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْكِبَرِ

فَعِنْدَ ذَلِكَ لاَ إيْمَانَ يُقْبَلُ مِنْ ... أَهْلِ الجُحُودِ وَلاَ عُذْرٌ لِمُعَتَذِرِ وَدَابةٌ في وُجُوهِ المؤمِنِيْنَ لَهَا ... وَسْمٌ مِنْ النُّورِ وَالكُفَّارِ بالْقَتَرِ وَخَلْفَها الْفِتْنَةُ الدَّجَّالُ قَبْلَهُمَا ... أَوْ بَعْدُ قَدْ وَرَدَ القَوْلاَنِ في الْخَبَر وَكَمْ خَرَابٍ وَكَمْ خَسْفٍ وَزَلْزَلَةٍ ... وَفَيْحِ نَارٍ وآيَاتٍ مِنَ النُّذُرِ ... وَنَفْخَةٌ تُذْهِبُ الأَرْواحَ شِدَّتُهَا ... إِلاَّ الّذِيْنَ عُنُوا في سُوَرَةِ الزُّمَرِ وأَرْبَعُونَ مِنَ الأَعْوَانِ قَدْ حُسِبَتْ ... لِكَيْ تُبَثَّ بِهَا الأَرْوَاحُ في الصُّوَرِ قَامُوا حُفَاةً عُرَاةً مِثْلَ مَا خُلِقُوا ... مِنْ هَوْلِ مَا عَايَنُوا سَكْرَى بِلاَ سُكُرِ قَوْمٌ مُشَاةٌ وَرُكْبَانٌ عَلَى نُجُب ... عَلَيْهِمَا حُلل أَبْهَىَ مِن الزهرِ وَيُسْحَبُ الظَّالِمُونَ الكَافِرُونَ عَلَى ... وُجُوهِهِمْ وَتْحِيْطُ النَّارُ بالشَّرَرِ والشَّمْسُ قَدْ أُدْنِيَتْ والنَّاسُ في عرَقٍ ... وفي زِحَامٍ وَفي كَرْبٍ وفي حَصَرِ

وَالأَرْضُ قَدْ بُدِّلَتْ بيْضَاءَ لَيْسَ لَهَا ... مَخْفَى ولاَ مَلْجَأٌ يَبْدُو لِمُسْتَتِرِ طَالَ الْوُقُوفُ فَجَاؤوُا آدَمًا فَرَجوا ... شَفَاعةً مِنْ أَبِيْهِمْ أَوَّل الْبَشَرِ فَرَدَّ ذَاكَ إِلَى نُوحٍ فَرَدَّ هُمُو ... إِلى الخَلِيْل فَأَبْدَى وَصْفَ مُفْتَقِرِ إِلى الْكَلِيْمِ إِلى عِيْسَى فَرَدَّهُمُو ... إِلى الْحَبِيْبِ فَلَبَّاهَا بِلاَ حَصَرِ فَيَسْأَلُ الْمُصْطَفَى فَصْلَ الْقَضَاءِ لَهُمْ ... لِيَسْتَرِيْحُوا مِنَ الأَهْوَالِ وَالْخَطَرِ تُطْوَىَ السَّمَواتُ وَالأمْلاَكُ هَابِطَةٌ ... حَوْلَ الْعِبَادِ لِهَوْلٍ مُعْضِلٍ عَسِرِ والشَّمْسُ قَدْ كُوِّرَتْ وَالْكُتُبِ قَدْ نُشِرَتْ ... والأَنْجُمُ انْكَدَرَتْ نَاهِيْكَ عَنْ كَدَرِ وَقَدْ تَجَلَّى إِلَهُ العَرْشِ مُقْتَدِرًا ... سُبْحَانَهُ جَلَّ عَنْ كَيْفٍ وَعَنْ فِكَرِ فَيَأْخُذُ الْحَقَّ لِلْمَظْلُومِ مُنْتَصِفًا ... مِنْ ظَالمٍ جَار بالْعُدْوَانِ وَالْبَطَرِ وَالوَزْنُ بالقِسْطِ وَالأعْمَالُ قَدْ ظَهَرَتْ ... وَوَزْنُهَا عِبْرَةٌ تَبُدُو لِمُعْتَبِرِ

وُكُلُّ مَنْ عَبَدَ الأَوْثَانَ يَتْبَعُها ... بإِذْنِ رَبِّي وَصَارَ الْكُلُّ في سَقَرِ وَالمُسْلِمُونَ إِلَى المِيْزَانِ قَدْ قُسِمُوا ... ثَلاَثَةً فاسُمَعُوا تَقْسِيمَ مُخْتَصِرِ فَسَابِقٌ رَجَحَتْ مِيْزَانُ طَاعَتِهِ ... لَهُ الْخُلُودُ بِلاَ خَوْفٍ وَلاَ ذُعُرِ وَمُذْنِبٌ كَثُرَتْ آثَامُهُ فَلَهُ ... شَفْعٌ بِأَوْزَارِه أَوْ عَفْوُ مُغْتَفِرِ وَوَاحِدٌ قَدْ تَسَاوَتْ حَالَتَاهُ لَهُ ... حَبْسٌ طَوِيْلٌ وَبَيْنَ البِشْرِ وَالحَصَرِ ويُكْرِمُ اللهُ مَثْوَاهُ بِجَنَّتِهِ ... بِجُوْدِ فَضْلٍ عَمِيْمٍ غَيْرِ مُنْحَصِرِ وفي الطَّرِيقِ صِرَاطٌ مُدَّ فَوْقَ لَظَى ... كَحَدٍّ سَيْفٍ سَطَا فِي دِقَّةِ الشَّعَرِ الناسُ في وِرْدِهِ شَتَّى فَمُسْتَبِقٌ ... كالبَرْقِ والطَّيْرِ أوْ كَالخَيْلِ في النَّظَرِ سَاعِ ومَاشٍ ومُخْدَشٍ وَمُعْتَلِقٍ ... نَاجٍ وَكَمْ سَاقِطٍ في النارِ مُنْتَشِرِ لِلْمُؤْمِنِيْن وُرُوْدٌ بَعْدَهُ صَدَرٌ ... والكافِرُون لَهُمْ وِرْدٌ بِلاَ صَدَرِ

فَيَشْفَعُ المُصْطَفَى والأنبياءُ وَمَنْ ... يَخْتَارُهُ المَلِكُ الرَّحْمنُ في زُمَرِ ... في كُلّ عَاصٍ لَهُ نَفْسٌ مُقَصِّرَةٌ ... وقَلْبُهُ عَنْ سِوَى الرَّبِّ العَظِيْمِ بَرِي فَأَوَّلُ الشُفَعَا حَقًا وآخِرُهمْ ... مُحَمَّدٌ ذُو البَهَاءِ الطَّيِبِ العَطِرِ والحَوْضُ يَشْرِبُ مِنْهُ المُؤْمِنُونَ غَدَاً ... كالأَرْيِ يَجْرِيْ عَلَى اليَاقَوْتِ والدُّرَر وَيَخْلُقُ اللهُ أَقْوَامَا قَدْ احْتَرَقُوْا ... كَانُوا أُولِي العِزَّة الشَّنْعَاءِ والنَّجَرِ والنارُ مُثْوىً لأَهْلِ الكُفْرِ كُلِّهِمُ ... طِبَاقُهَا سَبْعَةٌ مُسْوَدَّةُ الحُفَرِ جَهَنَّمٌ وَلَظَى والحَطْمُ بَيْنَهُمَا ... ثُمَّ السَّعِيْرُ كَمَا الأَهْوَال في سَقَرِ وَتَحْتَ ذَاكَ جَحِيْمٌ ثُمَّ هَاوِيَةٌ ... يَهْوِيْ بِهَا أبَدَاً سُحْقَاً لِمُحْتَقِرِ في كُل بَابٍ عُقُوْبَاتٌ مُضَاعَفَةٌ ... وكُلُ وَاحِدَةٍ تَسْطُو عَلَى النَّفَرِ فِيهَا غِلاَظٌ شِدَادٌ مِنْ مَلاَئِكَةٍ ... قُلُوبُهُمْ شِدَّة أقْسَى مِن الحَجَرِ

لَهُمْ مَقَامِعُ لِلتَّعْذِيْبِ مُرْصَدَةٌ ... وكُلُ كسْرٍ لَدَيْهِمْ غَيْرِ مُنْجِبِرِ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ شَعْثَاءُ مُوْحشَةٌ ... دَهْمَاءُ مُحْرِقَةٌ لَوَّاحَةُ البَشَرِ فِيها الجَحِيْمُ مُذِيْبٌ لِلْوُجُوْهِ مَعَ ألْـ ... أَمْعَاءِ مِنْ شِدَّةِ الإحْرَاقِ والشَّرَرِ فِيْهَا الغِسَاقُ الشَّدِيْد البَرْدِ يَقْطَعُهمْ ... إذَا اسْتَغَاثُوا بِحَرَّ ثُمَّ مُسْتَعِرِ فِيْهَا السَّلاسِلُ والأَعْلاَلُ تَجْمَعُهُمْ ... معَ الشَّيَاطِيْنِ قَسْرًا جَمْعَ مُنْقَهِرِ فِيْهَا العَقَارِبُ والحَيَّاتُ قَدْ جُعِلَتْ ... جُلُودُهُمْ كالبِغَالِ الدُّهْمِ والحُمُرِ والجُوْعُ والعَطَشُ المَضْنِي لأنْفُسِهِم ... فِيْهَا وَلاَ جَلَدٌ فِيْهَا لِمُصْطَبِرِ لَهَا إذَا مَا غَلَتْ فَوْرٌ يُقَلِّبُهُمْ ... مَا بَيْنَ مُرْتَفِع مِنْهَا وَمُنْحَدِرِ جَمْعُ النَّوَاصِيْ مَعَ الأَقْدَامِ صَيَّرَهُمْ ... كالقَوْسِ مَحْنِيَّةً مِنْ شِدَّةِ الوَتَرِ لَهُمْ طَعَامٌ مِن الزَّقُوْمِ يَعْلَقُ في ... حُلُوْقِهِمْ شَوْكُهُ كالصَّابِ والصَّبِرِ

يَا وَيْلَهُم تُحْرِقُ النّيْرَانُ أَعْظُمَهُمْ ... بالمَوتِ شَهْوَتُهُمْ من شِدَّةِ الضَّجَرِ ضَجَّوْا وَصَاحُوا زَمَانَاً لَيْسَ يَنْفَعُهُمْ ... دُعَاءُ دَاعٍ ولا تَسْلِيْمُ مُصْطَبِرِ وَكُلُّ يَوْمٍ لَهُمْ في طُوْلِ مُدَّتِهِمْ ... نَزْعٌ شَدِيْدٌ مِن التَّعْذِيْب والسَّعَرِ كَمْ بَيْنَ دَارِ هَوَانٍ لا انْقِضَاءَ لَهَا ... وَدَارِ أَمْنٍ وَخُلْدٍ دَائِمِ الدَّهَرِ دَارِ الَّذِيْنَ اتَّقَوْا مَوْلاَهُمُ وَسَعَوْا ... قَصْدَاً لِنَيْل رضَاهُ سَعْيَ مُؤْتَمِرِ وآمَنُوْا واسْتَقَامُوْا مِثْلَ مَا أُمِرُوْا ... واسْتَغْرَقُوْا وَقْتَهُمْ في الصَّوْمِ والسَّهَرِ وَجَاهَدُوا وانْتَهَوا عَمَّا يُبَاعِدُهُمْ ... عَنْ بَابِهِ وَاسْتَلانُوا كُلَّ ذِيْ وَعرِ جَنَّاتُ عَدْنٍ لَهُم مَا يَشْتَهُوْنَ بِهَا ... في مَقْعَدِ الصّدْقِ بَيْنَ الرَّوْضِ والزَّهَرِ ... بِنَاؤُهَا فِضَّةٌ قَدْ زَانَهَا ذَهَبٌ ... وَطِيْنُهَا المِسْكُ والحَصْبَا مِنَ الدُّرَرِ أَوْرَاقُهَا ذَهَبٌ مِنْهَا الغُصُونُ دَنَتْ ... بِكُلّ نَوْعٍ مِن الرَّيْحَانِ والثَّمَرِ

أَوْرَاقُهَا حُلَلٌ شَفَّافَةٌ خُلِقَتْ ... واللُّؤْلؤُ الرَّطْبُ والمرْجَانُ في الشَّجَرِ دَارُ النَّعِيْمِ وَجَنَّاتُ الخُلُودِ لَهُمْ ... دَارُ السَّلاَمِ لَهُمْ مَأْمُوْنَةُ الغِيَرِ وَجَنَّةُ الخُلْدِ والمَأْوى وَكَمْ جَمَعَتْ ... جَنّاتُ عَدنٍ لَهُمْ مِن مُوْنِقٍ نَضِرِ طِبَاقُهَا دَرَجَاتٌ عَدُّهَا مائةٌ ... كُلُّ اثْنَتَيْنِ كَبُعْدِ الأَرْضِ والقَمَرِ أَعْلَى مَنَازِلها الفِرْدَوْسُ عَالِيَهَا ... عَرْشُ الإِلَهِ فَسَلْ واطْمَعْ ولا تَذَرِ أَنْهَارُهَا عَسَلٌ مَا فِيْهِ شَائِبَةٌ ... وخَالِصُ اللَّبَنِ الجَارِي بِلاَ كَدَرِ وأَطْيَبُ الخَمْرِ والمَاءِ الذِي خَلِيَتْ ... مِنَ الصُدَاعِ ونُطْقِ اللَّهْوِ والسَّكَرِ والكُلُّ تَحْتَ جِبَالِ المِسْكِ مَنْبَعُهَا ... يُجْرُوْنَهُ كَيْفَ شَاءُوْا غيْرَ مُحْتَجَرِ فِيْهَا نَوَاهِدُ أَبْكَارٌ مُزَيَّنَةٌ ... يَبْرُزْنَ مِن حُلَلٍ في الحُسْنِ والخَفَرِ نِسَاؤُهَا المُؤْمِنَاتُ الصَّابِرَاتُ عَلَى ... حِفْظِ العُهُوْدِ مَعْ الإِمْلاَقِ والضَّرَرِ

كَأَنَّهُنَّ بُدُوْر في غُصُوْن نَقَا ... عَلَى كَثِيْبٍ بَدَتْ في ظُلْمَةِ السَّحَرِ كُلُّ امرِيءٍ مِنْهُمْ يُعْطَى قُوَى مِائَةٍ ... في الأكْلِ والشُرْبِ والإفْضَا بِلاَ خَوَرٍِ طَعَامُهُمْ رَشْحُ مِسْكٍ كُلَّمَا عَرقُوْا ... عَادَتْ بُطُوْنُهُمُ في هَضْمِ مُنْضَمِرِ لاَ جُوْعَ لاَ بَرْدَ لاَ هُمٌ وَلاَ نَصبٌ ... بَلْ عَيْشُهُمْ عن جَمِيْعِ النَّائِبَاتِ عَرِي فِيْهَا الوَصَائِفُ والْغِلْمَانُ تَخْدُمُهُمْ ... كلُؤْلُؤ في كَمَالِ الحُسْنِ مُنْتَثِرِ فِيْهَا الغِنَا والجَوَارِي الغَانِيَاتُ لَهُمْ ... بأحْسَنِ الذِكْرِ لِلْمَوْلَى مَعَ السَّمَرِ لِبَاسُهُمْ سُنْدُسٌ حُلاَهُمُ ذَهَبٌ ... وَلُؤْلُؤُ وَنَعِيْمٌ غَيْرُ مُنْحَصِرِ والذِكْرُ كَالنَّفَسِ الجَارِي بِلاَ تَعَبٍ ... وَنُزِّهُوا عَن كَلاَم اللَّغْوِ والهَذَرِ وأَكْلُهَا دَائِمٌ لاَ شَيْءَ مُنْقَطِعٌ ... كَرِّرْ أَحَادِيْثَهَا في أَطْيَبِ الخَبَرِ فِيْهَا مِنَ الخَيْرِ مَا لَمْ يَجْرِ في خَلَدٍ ... وَلَمْ يَكُنْ مُدْرَكًا لِلسَّمْعِ والبَصَرِ

فِيْهَا رِضَا المَلكِ المَوْلَى بِلاَ غَضَبٍ ... سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ نَفْعٌ بِلاَ غِيَرِ لَهُمْ مِن اللهِ شَيْءٌ لاَ نَظِيْرَ لَهُ ... سَمَاعُ تَسْليمِهِ وَالفَوْزُ بِالنَّظَرِ بغَيْرِ كَيْفٍ وَلا حَدٍّ ولا مَثلٍ ... حَقًأ كَمَا جَاءَ في الْقُرْآنِ والخَبَرِ وهْيَ الزِّيَادَةُ والحُسْنَى الَّتِيْ وَرَدَتْ ... وأعْظَمُ المَوْعِدِ المَذْكُور في الزُّبُرِ للهِ قَوْمٌ أَطَاعُوْهُ وَمَا قَصَدُوا ... سَوَاهُ إِذْ نَظَرُوْا الأَكْوَانَ بالعِبَرِ ... وَكَابَدُوْا الشَّوْقَ والأنْكَادُ قُوتهُمُ ... ولازَمُوْا الجِدَّ والأَذْكَارَ في البُكَرِ يَا مَالِكَ المُلْكِ جُدْ لِيْ بالرِّضَا كَرَمًا ... فأنْتَ لِيْ مُحْسِنٌ في سَائِرِ العُمُرِ يا رَبِّ صَلِّ عَلَى الهَادِي البَشِيْرِ لَنَا ... وآلهِ وانْتَصِرْ يَا خَيْر مُنْتَصِرِ مَا هَبَّ نَشْرُ الصَّبَا واهْتَزَّ نَبْتُ رُبَا ... وفاحُ طِيْبُ شَذَا في نَسْمَةِ السَحَرِ أَبْيَاتُهَا تِسْعُ عَشْرٍ بَعْدَهَا مائَةٌ ... كَلاَمُهَا وَعْظُها أَبْهَى من الدُّرَر اللهمَّ وفقْنا لمعرِفَتِكَ بأسمائِكَ وصِفاتِكَ وأَفعالِكَ، وارزقْنا الرِّضَا بِقضَائِكَ وَقَدَرِكَ والتوكُّلَ عليكَ في كُلِّ ضيقٍ وَسَعةٍ وشدةٍ وَرَخَاءٍ وكلِّ ما

تبارك من شكر الورى عنه يقصر

تيسَّرَ، واغفِرْ لنا ولوالدِينا ولجميعِ المسلمينَ بِرَحْمَتِكَ يا أرحمَ الراحمين، وصلى اللهُ على محمدٍ وعَلى آله وصحبه أجمعين. آخر: تَبَارَكَ مَنْ شُكْرُ الوَرَى عَنْهُ يَقْصُرُ ... لِكَوْنِ أَيَادِي جُوْدِهِ لَيْسَ تُحْصَرُ وَشَاكِرُهَا يَحْتَاجُ شُكْرَاً لِشُكْرِهَا ... كَذَلِكَ شُكْرُ الشُّكْرِ يَحْتَاجُ يُشْكَرُ فَفِيْ كُلِّ شُكْرٍ نِعْمَةٌ بَعْدَ نِعْمَةٍ ... بِغَيْرِ تَنَاءٍ دُوْنَهَا الشُّكْرُ يَصْغُرُ فَمَنْ رَامَ يَقْضِيِ حَقٍّ وَاجِبِ شُكْرهَا ... تَحَمَّلَ ضِمْنَ الشُّكْر مَا هُو أَكْبَرُ تَسَبِّحُهُ الحِيْتَانُ في الْمَا وفي الْفَلاَ ... وُحُوْشٌ وَطَيْرٌ في الهَوَاء مُسَخَّرُ وَفي الفُلْكِ وَالأَمْلاَكِ كُلٌ مُسَبِّحٌ ... نَهَارَاً وَلَيْلاً دَائِمَاً لَيْسَ يَفْتُرُ تُسَبِّحُ كُلُّ الكَائِنَاتِ بحَمْدِهِ ... سَمَاءٌ وَأَرْضٌ وَالجِبَالُ وَأَبْحَرُ جَمْيَعًا وَمَنْ فِيْهنَّ وَالكُلُّ خَاشِعٌ ... لِهَيْبَتِهِ العُظْمَى وَلاَ يَتَكَبَّرُ لَهُ كُلُّ ذرَّاتِ الوُجُوْدِ شَوَاهِدٌ ... عَلَى أنهُ البَارِيْ الإِلَهُ المُصَوِّرُ دَحَا الأَرْضَ وَالسَّبْعَ السَّمَاوَاتِ شَادَهَا ... وَأَتْقَنَهَا لِلْعالَمِيْنَ لِيَنْظُرُوا وَأَبْدَعَ حُسْنَ الصُّنْعِ في مَلَكُوْتِهَا ... وَفي مَلَكُوْتِ الأَرْضِ كَيْ يَتَفَكَّرُوا وَأَوْتَدَهَا بِالرَّاسِيَاتِ فَلَمْ تَمِدْ ... وَشًقَّقَ أَنْهَارَاً بِهَا تَتَفَجَّرُ وَأَخْرَجَ مَرْعَاهَا وَبَثَّ دَوَابَهَا ... وَلِلْكُلِّ يَأَتِي مِنْهُ رَزْقٌ مُقَدَّرُ مِنْ الحَبِّ ثُمَّ الأبِّ والقَضْبِ وَالكَلاَ ... وَنَخْلٍ وَأَعْنَابٍ فَوَاكِهُ تُثْمِرُ فأَضْحَتْ بِحُسْنِ الزَّهْرِ تَزْهُوْ رِيَاضُهَا ... وَفِي حُلَلٍ نَسْجُ الرَّبِيْعِ تَبَخْتَرُ وَزَانَ سَمَاءً بِالمَصَابِيْحِ أَصْبَحَتْ ... وأَمْسَتْ بِبَاهِي الحُسْنِ تَزْهُوْ وَتُزْهَرُ تَرَاهَا إِذَا جَنَّ الدُّجَى قَدْ تَقَلَّدَتْ ... قَلاَئِدَ دُرِّيٍّ لِدُرٍّ تُحَقِّرُ ... فَيَا نَاظِرًا زَهْرَ البَسَاتِيْنَ دُوْنَهَا ... أَظُنُّكَ أَعْمَى لَيْسَ لِلْحُسْنِ تَبْصِرُ وَيَا مَنْ لَهَا إِنَّ المَحَاسِنَ كلَّهَا ... بدَارٍ بهَا مالا عَلَى القَلْبِ يَخْطُرُ وَلاَ سمِعَتْ أُذْنٌ وَلاَ الْعَيْنُ أَبْصَرَتْ ... وَمَا تشْتهيْهِ النَّفْسُ في الحَالِ يَحْضُرُ

تَزِيْدُ بَهَاءً كُلَّ حِيْنٍ وَعَيْشُهَا " ... يَزِيْدُ صَفَاءً قطُّ لاَ يَتَكَدَّرُ مِنْ الدُّرِّ وَاليَاقُوْتِ تُبْنَى قُصًوْرُهَا ... وَمِنْ ذَهَبٍ مَعْ فِضَّةٍ لاَ تَغَيَّرُ وَمَا يُشْتَهَى مِنْ لَحْمِ طَيْر طَعَامُهَا ... وَفَاكِهةٍ مِمَّا لَهُ يُتَخَيَّرُ وَمَشْرُوْبُهَا كَافُوْرُهَا وَرَحٍيْقُهَا ... وَتَسْنِيْمُهَا والسَّلْسَبِيْلُ وَكَوْثَرُ وَمِنْ عَسَلٍ وَالخَمْر نَهْرَانِ جَوْفُهَا ... وَنَهْرَانِ ألبَانٌ وَمَاءٌ يُفْجَّرُ وغَالي حريرِ فُرُشُهَا ولباسُها ... وحَصبَاؤُهَا والتُربُ مسكٌ وجوهرُ ومنْ زَعْفَرَانٍ نَبْتُهَا وَحَشٍيْشُهَا ... وَمِنْ جَوْهَرٍ أَشْجَارُهَا تِلْكَ تُثْمِرُ فَوَاكِهُ تَكْفِي حَبَّةٌ لِقَبِيْلَةٍ ... أُدِيْمَتْ أُبِيْحَتْ لا تُبَاعُ وَتُحْجَرُ وَأَكْوَابُهَا مَنُ فِضَّةٍ لاَ كَبِيْرَةٍ ... عَلى شَارِب مِنْهَا وَلا هِيَ تَصْغُرُ وَمِنْ ذَهَبٍ زَاهِي الجَمَالِ صِحَافُهَا ... يَلِذُّ بِهَا عَيْشٌ بِهِ العَيْنُ تَقْرُرُ وَأَزْوَاجُهُا حُوْرٌ حٍسَانٌ كَوَاعِبٌ ... رَعَابِيْبُ أَبْكَارٌ بِهَا النُّوْرُ يَزْهُرُ هَرَاكِيْلُ خُودَاتٌ وَغيدٌ وخُرَّدٌ ... مَدَى الدَّهْرِ لاَ تَبْلَىَ وَلا تَتَغَيَّرُ نَشَتْ عُرُبًا أَتْرَاب سِنٍّ قَوَاصِرٍ ... لِطَرْفٍ كَحِيْلٍ لِلْمَلاحَةِ يَفْتُرُ عَوَالي الحُلَى وَالحَلْيُ عَيْنٌ فَوَاخِرٌ ... زَكَتْ طَهُرَتْ مِنْ كُلِّ مَا يُتَقَذَّرُ ثُوَتْ في خِيَامِ الدُّرِّ في رَوْضَةِ البَهَا ... عَلَى سُرُرِ اليَاقُوْتِ تَغْدُو وَتَحْضُرُ مِلاحٌ زَهَتْ في رَوْنَقِ الحُسْنِ وَالبَهَا ... وَكُلُّ جَمَالٍ دُوْنَهُ الَمَدْحُ يَقْصُرُ وَمَا الْمَدَحُ فَيْمَنْ نَشْرُهَا وَابْتِسَامُهَا ... يُضِيءُ الدَّيَاجِي وَالوُجُوْدَ يُعَطِرُ وَمَنْ يَعْذُبُ البَحْرُ الأُجاجُ بِرْيقِهَا ... وَمَنْ حُسْنهَا لِلْعالَمِينَ يُحَيِّرُ وَمَنْ لَوْ بَدَتْ مِنْ مَشْرِقٍ ضَاءَ مَغْربٌ ... وَحَارَ الوَرى مِنْ حُسْنِهَا حِيْنَ تَظْهَرُ وَمَنْ مُخُّهَا مِنْ تَحْتِ سَبْعِيْنَ حُلَّةً ... يُرَى كَيْفَ مُوْفي المَدْحِ عَنْهَا يُعَبِّرُ فَخَيْرٌ مِن الدُّنْيَا جَمِيْعًا خِمَارُهَا ... فأَحْسِنْ بِمَنْ تَحْتَ الخِمَارِ مُخَمَّرُ وَأَحْقِرْ برَبَّاتِ الْمَحاسِن وَالتَّيِ ... بتَشْبيهِ أَوْصَافِ الجنَانِ تُصَدَّرُ

فَمَا الفِضَّةُ البَيْضَاءُ شِيبَتْ بِعَسْجِدٍ ... وَمَا البَيْضُ مَكْنُونُ النَّعَام المُسَتَّرُ بَهَاءً وَحُسْنًا مَا الْيَوَاقِيْتُ في الصَّفَا ... وفي رَوْنَقِ مَا اللُّؤْلٌؤ الرَّطْبُ يُنْثَرُ ... وَمَا شَبَّهَ الرَّحْمَنُ مِنْ بَعْضِ وَصْفِها ... بَبَيْضٍ وَيَاقُوتٍ فَذَلِكَ يُذْكَرُ عَلى جِهَةِ التَّقْرِيْبِ لِلذهْنِ إِذْ لَنَا ... عُقُوْلٌ عَلَيْهَا فَهْمُ مَا يَتَعَسَّرُ تَبَارَكَ مُنْشِي الخَلْقِ عَنْ سِرِّ حِكْمَةٍ ... هُوَ اللهُ مَوْلانَا الحَكَيْمُ المُدَبّرُ إِذا مَا تَجَلَّى اللهُ لِلْخَلْقِ جَهْرَةً ... تَعَالَى لِكلِّ المُؤْمِنِيْنَ لَيَنْظُرُوا وَقَدْ زُيِّنَتْ جَنَّاتُ عَدْنٍ وَزُخْرفَتْ ... نَسُوا كلَّ مَا فَيْهَا لَمَا مِنْهُ أَبْصَرُوا جَمَالاً وَوَصْفًا جَلَّ لَيْسَ كَمِثْلِهِ ... وَفَضْلاً وَإِنْعَامَاً يَجِلُّ وَيَكْبُرُ نَعِيْمٌ وَلَذَّاتٌ وَعِزٌّ وَرِفْعَةٌ ... وَقُرْبٌ وَرِضْوَانٌ وَمُلْكٌ وَمَتْجَرُ بِمَقْعَدِ صِدْقٍ في جِوَارِ مَلِيْكِهمْ ... هَنِيئًا لِمَسْعُودٍ بِذَلِكَ يَظْفُر أَيَا سَاعَةً فِيهَا السَّعَادَاتُ يُجْتَلَى ... عَلى وَجْهِهَا دُرُّ العِنَايَاتِ يُنْثَرُ وَيَا سَاعَةً فِيْهَا المفاخِرُ تُرْتَقَى ... عُلاهَا وَخَلْعَاتُ الكِرَامِ تُنَشَّرُ أَلاَ مُشْتَرٍ جَنَّاتِ خُلْدٍ وَخَيْرَها ... وَحُوْرًا حِسَانًا في المَلاَحَةِ تَفخَرُ أَلاَ بَائِعُ الفَانِي الحقيرِ بِبَاقي ... خَطِيْرٍ وَمُلكٍ لَيْسَ يَبْلَى وَيَدمُرُ أَلاَ مُفْتَدٍ مٍنْ نَارِ حَرٍّ عَظِيْمَةٍ ... أُلوْفُ سِنْينٍ تِلْكَ تُحْمَى وَتُسْعَرُ لَها شَرَرٌ كَالقَصْرِ فِيْهَا سَلاسِلٌ ... عِظامٌ وَأَغلالٌ فَغُلُّوا وَجُرْجِرُوا عُصَاةٌ وَفُجَّارٌ وَسَبْعٌ طِبَاقُهَا ... وَسَبْعِيْنَ عَامًا عُمْقُهَا قَدْ تَهَوَّرُوا وَحَيَّاتُهَا كَالبُخْتِ فِيْهَا عَقَارِبٌ ... بِغَالٌ وضَرْبٌ وَالزَّبَانِيُ يَنْهَرُ غَلِيْظٌ شَدِيْدٌ في يَدَيْهِ مَقَامِعٌ ... إِذَا ضَرَب الصُّمَّ الجِبَالَ تَكَسَّرُ وَمَطْعُومُهُمْ زَقُّوْمُهَا وَشَرَابُهُمْ ... حَمِيْمٌ بَهَا أَمْعَاؤُهُمْ مِنْهُ تَنْدُرُ وَيُسْقَوْنَ أَيْضَا مِنْ صَدِيدٍ وَجِيفَة ... تَفَجَّرُ مِنْ فَرْجِ الذِي كَانَ يَفْجُرُ وَقَدْ شَابَ مِنْ يَوْمٍ عَبُوسٍ شَبَابُهُم ... لِهَوْلٍ عَظِيْمِ لِلْخَلائِقِ يُسْكِرُ

فَيَا عَجَبًا نَدْرِي بِنَارٍ وَجَنَّةٍ ... وَلَيْسَ لِذَيْ نَشْتَاقُ أَوْ تِلْكَ نَحْذَرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ وشَوْقٌ وَلا حَيَا ... فَمَاذَا بَقِي فِيْنَا مِنَ الخَيْر يُذْكَرُ وَلَيْسَ لحِرَّ صَابِريْنَ وَلاَ بَلاَ ... فَكَيْفَ عَلى النِّيْرَانِ يَا قَوْمُ نَصُبِرُ وَفَوْتُ جِنَانِ الخُلْدِ أَعْظَمُ حَسْرَةً ... عَلى تِلْكَ فَلْيَسَتَحْسِر المُتَحَسِّرُ فَأُفًّ لَنَا أُفٍّ كِلابُ مَزَابِلٍ ... إلى نَتْنِهَا نَغْدَو وَلاَ نَتَدَبَّرُ نَبِيْعُ خَطِيْرًا بِالحَقِيْرِ عِمَايَة ... وَلَيْسَ لَنَا عَقْلٌ وَلُبُّ مُنَوَّرُ فَطُوْبَى لِمَنْ يُؤْتَى القَنَاعَةَ وَالتُّقَى ... وَأَوْقَاتُهُ في طَاعَةِ اللهِ يَعْمُرُ ... فَيَا أَيُّهَا الأَخْوَانُ مِنْ كُلِّ سَامِعٍ ... لَهُ فَهْمُ قَلبٍ حَاضِرٍ يَتَذَكَّرُ أَلاَ إِنَّ تَقْوَى اللهِ خَيْرُ بِضَاعَةٍ ... لِصَاحِبها رِبحٌ بِهَا لَيْسَ يَخْسَرُ وَطَاعَتُهُ لِلْمُتَّقِى خَيْرُحرفةٍ ... بِهَا يَكْسِبُ الخَيْرَاتِ وَالسَّعْيُ يُشْكَرُ إِذَا أَصْبحِ البَطَّالُ في الحَشْرِ نَادِمًا ... يَعُضُّ عَلى كَفٍّ أَسىً يَتَحسَّرُ فَطُوْبَى لِمَنْ يُمْسِيْ وَيُصْبحُ عَامِلاً ... عَلى كُلِّ شَيءٍ طَاعَة اللهِ يُؤْثِرُ بِهَا يَعْمُرُ الأَوْقَاتَ أَيَّامَ عُمْرِهِ ... يُصَلّي وَيَتْلُو لِلكِتَابِ وَيَذْكُرُ وَيَأْنَسُ بِالمَوْلَى وَيَسْتَوْحِشُ الوَرَى ... وَيَشْكُرُ في السَّرَّا وَفي الضَّرَّا يَصْبِرُ وَيَسْلُوْ عنَّ اللَّذَّاتِ بالدُّونِ قَانِعُ ... عَفِيْفٌ لَهُ قَلبٌ نَقِيٌّ مُنَوَّرُ حَزِيْنٌ نَحِيْلٌ جِسْمُهُ ضَامِرُ الحَشَا ... يَصُوْمُ عَنَّ الدُّنْيَا عَلى المَوْتِ يُفْطِرُ إِذَا ذُكِرَتْ جَنَّاتُ عَدْنٍ وَأَهْلُهَا ... يَذُوْبُ اشْتِيَاقًا نَحْوَهَا وَيُشَمِّرُ وَيَعْلُو جَوَادَ العَزْمِ أَدْهَمَ سَابِقًا ... وَأَبْيَضَ مَجْنُوبَاً عَن النُّوْرِ يُسْفِرُ فَأَدْهَمُ يَسْقِي مَاءَ عَيْنٍ وَأَبْيَضٌ ... لِصَبْرٍ عَلى صَوْمِ الهَجِيْرِ يُضَمَّرُ وَيَرْكُضُ في مَيْدَانِ سَبْقٍ إلى العُلا ... وَيَسْرِي إلى نَيْلِ المَعَالي وَيَسْهَرُ فَمَجْدُ العُلاَ مَا نَالهُ غَيْرُ مَاجِدٍ ... يُخَاطِرُ بالرُّوْحِ الخَطِيْرَِويظفَرُ سَأَلْتُ الذِيْ عَمَّ الوُجُودَ بِجُودِهِ ... وَمَنْ مِنْهُ فَيْضُ الفَضْل لِلْخَلْق يَغْمُرُ

مشيب النواصي للمنون رسول

يَمُنُّ عَلَيْنَا فِي قَبُولِ دُعَائِنَا ... وَيُلْحِقُنَا بِالصَّالِحِيْنَ وَيَغْفِرُ وَأَزَكْى صَلاةِ اللهِ ثُمَّ سَلامِهِ ... عَلى المُصْطَفَى مَا لاَحَ فِيْ الأُفْقِ نَيِّرُ انْتَهَى آخر: مشِيبُ النَّواصِيِ للِمنون رَسَول ... يُخَبّرنُا أنَّ الثَّواءَ قَلِيلُ فَصْيْحٌ إذا نَادىَ وإن كان صَامِتًا ... مُثيرُ المعَانِي للِنُفوسِ عَذُولُ فَواعَجَبًا مِن مُوقِنٍ بفَنَائِهِ ... وآمَالُه تَنْمُو ولَيسَ يَحُولُ أَمِن بَعْدِ ما جَاوَزْتُ سَبْعين حَجَّةً ... وقد آنَ مِنِّي للِقُبورِ رَحيِلُ أُؤمِلُ آمَالاً وأَرْغَبُ في الغِنَى ... بدارٍ غنَاهَا يَنْقَضي ويَزُولُ وإنَّ امْرءاً دُنْياَهُ أَكْبَرُ هَمهِ ... ويُؤْثِرُهَا حُبًا لَهَا لَجَهوُلُ فَكَمْ عَالمٍ والجَهْلُ أَوْلىَ بِعِلْمِهِ ... لَهُ مقُولٌ عِندَ الخِطابِ طَويْلُ وكَمْ مِن قَصِيرٍ في عُلُومِ كَثيرةٍ ... لَهُ مَخْبَرٌ لِلصَّالِحَاتِ وَصُولُ ... فَمَا العِلُم إلاَّ خَشْيَةُ الله والتُقى ... فكلُ تَقي في العُيونِ جَلِيلُ فيا رَبِ قَدْ عَلَّمْتَني سُبُلَ الهُدَى ... فأصْبَحْتُ لا يَخْفَى عَليّ سَبيْلُ ويَارَبَّ هَبْ لي مِنْكَ عَزمًا على التُقى ... فأنْتَ الذِي مَا ليِ سِوَاهُ يُنِيْلُ انْتَهَى آخر: أَفي كُلَّ يَوْمٍ لي مُنىً أَسْتَجِدُّها ... وأسْبَابُ دُنيا بالغروُرِ أوْدُّهَا؟ وَنَفْسٌ تَزَيَّا ليتَهَا في جَوَانحٍ ... لِذِي قُوَّةٍ يَسْطِيْعُهَا فَيَردُهُّا نَعَامَهُ عَمْدًا وهَي جدُّ بَصِيرَةٍ ... كَمَا ضَلَّ عن عَشَواءَ باللّيل رُشْدُها

عجبا لعيني كيف يطرقها الكرى

إذا قُلْتُ يومًا: قَدْ تَنَاهى جماحُها ... تَجَانَف لي عَنْ مَنْهَج الحَقِّ بُعْدُها وأُحسَبُ مَولاهَا كَمَا يَنْبغي لَهَا ... وإنِّيِ مِنْ فَرْطِ الإِطَاعَةِ عَبْدُها وأهْوَى سَبيلاً لا أُرَىَ سَالِكَاً بهَا ... كَأّنِّيَ أَقْلاَهَا وغيري يَوَدُّها وأنْسَى ذُنُوبًا قَد أتَتْ فَاتَ حَصْرُهَا ... حِسَابي ورَبيِّ لِلْجَزَاءِ يَعُدُّها أُقرُّ بِهَا رَغْمَاً ولَيْسَ بِنَافعِي ... -وقَدْ طُوَيَتْ صُحْفُ المَعَاذير- جَحْدُها انْتَهى آخر: عَجَبًا لِعَيني كَيْفَ يَطْرقُها الكَرى ... ولِحْيِلَتي وقد انْجلَى عنِّي المِرَا ألْهُوْ وأعلَمُ أنُّهُ قَدْ فُوِّقَتْ ... نَحْويَ سِهامُ الْحَتفِ أمْ حَيْني كَرَى وإذا هَمَمْتُ بتَوبَةٍ وإنَابَةٍ ... عَرضَتْ لِيّ الدنيا فعُدْتُ القَهْقَرَى كَمْ قد سَمِعْتُ وقَدْ رأيتُ مَوَاعِظًا ... لَوْ كُنْتُ أَعْقِلُ حِينَ أسْمَعُ أوْ أرَى أيْنَ الذين طَغَوْا وجَارُوا واعْتَدَوْا ... وعَتَوْا وطَالُوا واسْتَخفُّوا بالوَرَى أوَ لَيْسَ أعْطَتْهُمْ مَقَالِيد العُلا ... حتى لقد خَضَعَتْ لهم أسْدُ الشَّرَى وتمسَكُوا بحِبَالها لكِنّهَا ... فَصَمَتْ لهم منها وثيِقاتِ العُرَى ما أَخْلَدَتْهم بَعدَ سَالِفِ رِفْعَةٍ ... بَلْ أَنْزَلَتْهُم مِن شَمارِيْخ الذُّرَى وإلى البِلَى قد نَقِّلُوا وتَشَوَّهَتْ ... تِلْكَ المحَاسِنُ تَحتَ أطَباقِ الثَّرى لَوْ أخْبَرُوْكَ بحَالِهم ومَآلهِم ... أبْكَاكَ دَهْرَكَ ما عليهم قَدْ جَرَى

ناد القصور التي أقوت معالمها

أفْنَاهُمُ مَنْ لَيْسَ يَفْنى مُلْكُهُ ... ذُو البَطْشةِ الكُبْرَى إذَا أَخَذَ القُرَى فاصْرِفْ عن الدنيا طماعَكَ إنما ... مِيْعَادُهَا أبَدًا حَدِيْثٌ يُفَترى ... وصِلَ السُّرَى عنها فما يُنْجِيْكَ مِنْ ... آفاتِها إلاَّ مُواصَلةُ السُّرَى انْتَهَى آخر: نَادِ القُصورَ التي أقوَتْ مَعالِمُها ... أيْنَ الجسُومُ التي طابَتْ مَطَاعِمُهَا أيْنَ المُلُوكُ وأبْنَاءُ الملوك ومَن ... أَلْهاهُ ناضِرُ دُنياهُ وناعِمُها أينَ الأُسودُ التي كانَتْ تُحاذِرُهَا ... أُسْدُ العَرِينِ ومِن خَوفٍ تُسالِمُهَا أيْنَ الجُيوشُ التي كانَتْ لَو اعْتَرضَتْ ... لَهَا العُقَابُ لخانَتْها قَوادِمُهَا أينَ الحِجَابُ ومَن كان الحِجَابُ لَهُ ... وأيْنَ رُتْبتُهُ الكبرىَ وخادِمُها أينَ الذين لهَوْا عَمَّا لهُ خُلِقُوا ... كَمَا لَهَتْ في مَرَاعِيهَا سَوائِمُهَا أينَ البيُوتُ التي مِن عَسْجدٍ نُسجَتْ ... هَلُ الدنَانيرُ أغنَتْ أمْ دَرَاهِمُهَا أَينَ الأسِرَّةُ تَعْلوها ضَراغِمِها ... هَلِ الأسِرَّةُ أغْنَتْ أمْ ضَرَاغِمُهَا هذِي المعَاقِلُ كانَت قَبلُ عَاصِمَةً ... ولا يَرَى عِصَمَ المغرورِ عاصِمُها أينَ العُيونُ التي نامَتْ فما انَتَبَهَتْ ... وَاهًا لها نَوْمَةً ما هَبَّ نائِمُهَا انْتَهَى آخر: هذه أبيات في ذكر وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الشباب والمشيب: لاحَ المشيبُ بعَارِضَيْكَ كَما تَرى ... وعَلَى المشيبِ بأُمِ رأسِك كَوْثَرا ومضَى الشبابُ بجنسهِ مُتَصَرِمًا ... بَعْدَ الشباب تراه أخضرَ أَغْبَرَا والشيبُ في رأسِ الفَتَى لِوَقَارِه ... فإذا تَعَلاهُ المشيبُ تَوقَّرَا وبلوغُه لِلأَربعينَ أشُدُهُ ... والشيبُ يا هذا تَراهُ تَكَاثرَا فإذا انتهى الستُون حانَ حَصَادُهُ ... كالزرعِ عنْدَ حَصَادِ ذلكَ أصْفرَا إنَّ النبيّ محمدًا ورسوله ... صلى عليه اللهُ مَعَ كل الورى

يا بائع الدين بالدنيا وباطلها

ما قامَ في دُنياهُ غَيَرُ ثلاثةٍ ... مَن بعدِ ستيْنَ وذلكَ حُررَا والموتُ يغشاهُ يُعَالِجُ رُوحَهُ ... والدَّمْعُ كالحبات منهُ تَنَاثرَا وحبيبهُ جِبريلُ عِنْدَ يَميِنهِ ... أيضًا وميكائيلُ كان الأَيْسَرَا إذ قال عِزرائيلُ يَا خَيْرَ الوَرى ... الربُ يُقْرِئُكَ السلامَ الأوفَرَا إنِّي نَزَلَتُ لِقَبْضِ رُوحِكَ قَاصِدًا ... مَا جِئْتُ نَحْوَكَ يَا مُحمدُ زَائِرًا ... إن أنْتَ قلتَ اقبض قبضتُ برحمةِ ... وأنا تَراني يَا مُحَمَّدُ حَاضِرا أو أنْتَ لم تَأمُرْ رَجَعْتُ إلى السَما ... فيها أُسَبِِّحُ ذا الجَلاِلِ الأكْبَرا قال النبيُّ مُحَمَّدٌ لِحَبيْبهِ وخَلِيلهِ ... جِبْرِيلُ يَا جِبْرِيلُ أوْجِزْ بَشِّرا قال الجنانُ تَفَتحتْ أبْوَابُها ... وَالحورُ منها مشرقاتٌ تَنْظُرَا لِقُدوم رُوْحِكَ يَا مُحَمَّدُ يَنْظُروا ... هَيهاتَ في الجناتِ حَظًا وَافَرا والأرضُ رُجَّتْ والسمواتُ العُلى ... والشمسُ والقَمَرُ المنيرُ تَغيَّرا أسفًا لِخَير الأنبياء مُحَمَّدٍ ... خَير البَرِيةِ مُنْذِرًا ومُبَشِّرَا صَلُوا عَليه وسَلِموا وتَرَحَّمُوا ... وابكَوا الذُنوبَ لَعَلَها أنْ تُغْفَرا ثم الصلاةُ على النبيِ محمدٍ ... ما لاحَ نجمٌ في السماءِ وأدْبَرَا آخر: يَا بَائعَ الدِّيْنِ بِالدُنْيَا وبَاطِلِهَا ... تَرْضَىَ بِدِيِنْكَ شَيْئًا لَيْسَ يسْوَاهُ حَتَّى مَتَى أنْتَ في لَهْوٍ وفي لَعِبٍ ... وَالموتُ نَحَوكَ يَهْوِى فَاغِرًا فَاهُ ما كُلُ مَا يَتَمَنَّى المَرءُ يُدْرِكُهُ ... رُبَّ امْرِءٍ حَتْفُهُ فِيْمَا تَمَنَّاهُ تَغْتَرُّ بالجَهْل في الدنيا وزخْرُفِهَا ... إنَّ الشَّقِيَّ لَمَنْ غَرَّتْهُ دُنْيَاهُ ما أقْرَب الموتَ في الدنْيا وأبْعَدهُ ... وما أمَرَّ جَنَا الدُنْيَا وَأحْلاَهُ بَيْنَا الشَّقِيْقِ عَلَى إلْفٍ يُسَرُّ بِهِ ... إذْ صَارَ اغْمَضَهُ يَوْمًا وسَجَّاهُ يَبْكِيْ عَلَيْهِ قَلِيْلاً ثُمَّ يُخْرِجُهُ ... فَيُمْكِنُ الأرْضَ مِنْهُ ثُمَّ يَنْسَاهُ وَكُلُ ذِيْ أجِلٍ يَوْمًا سَيَبْلُغُهُ ... وَكُلُ ذِيْ عَمَلٍ يَوْمًا سَيَلْقَاهُ

خليلي عوجا عن طريق العواذل

وَقَال الشَّيْخَ عَليّ بْنُ حُسَيْنٍ بْن الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الوَهَّاب رَحَمِهُم اللهُ، حينَ جَلَوْ مِن الدّرْعِيّةِ بَعْدَ اسْتِيْلاءِ الأَعْدَاءِ عَلَيْهَا، سُقْنَاهَا لَعَلَّ المُسْلِميْن يَسْتَيْقِظون مِنْ رَقْدَتِهم، وَيَرْجِعُون إلى اللهِ، وَيَأْمُرون بالمَعْرُوفِ، وَيَنْهَون عَنْ المنكَرِ قَوْلاً وَفِعْلا، ً وَيَخْشَوْن العُقوبَةَ الَّتي إِذا جَاءت لا تخصًّ الظَّالِمِيْنَ. شِعْرًا: خَلِيْلَيَّ عُوْجَا عَنْ طَرِيْقِ العَوَاذِلِ ... بِمَهْجُورِ لَيْلى فابْكِيَا في الْمَنَازِلِ لَعَلَّ انْحِدَارَ الدَّمْعِ يُعْقِبُ رَاحَةً ... مِنْ الوَجْدِ أَو يَشْفِيْ غَلِيْلَ البَلاَبِلِ أَرَى عَبْرَةً غَبْرَاءَ تَتْبَعُ أُخْتَهَا ... على إِثْرِ أُخْرَى تَسْتَهِلُّ بِوَابِلِ تُهَيِّجُ ذِكْرَاً لِلأُمُوْرِ التِي جَرَتْ ... تُشَيْبُ النَّوَاصِي وَاللَّحَا للأمَاثِلِ ... وَتُسْقِطُ مِنْ بَطْنِ الحَوامِل حَمْلهَا ... وَتُذْهِلُ أَخْيَارَ النِّسَاءِ المَطَافِلِ فَبَيْنَا نَسُودُ النَّاسَ والأَمْرُ أَمْرُنَا ... وَتَنْفُذُ أحْكَامٌ لَنَا في القَبَائِلِ وَتَخْفِقُ رَايَاتُ الجِهَادِ شَهِيْرَةً ... بِشَرْقٍ وَغَرْبٍ يَمْنَةً وَشَمَائِلِ

تَبَدَّلَتَ النَّعْمَاءُ بُؤْسًا وَأَصْبَحَتْ ... طُغَاةٌ عُتَاةٌ مَلْجَئًا لِلأَرَاذِلِ وَبَثَّ عُتَاةُ الدِّيْنِ في الأرَضِ بَغْيَهُم ... وَرَيْعَتْ قُلُوبُ المُؤْمِنِيْنَ الغَوَافِلِ وَأَقْبَلَ قَادَاتُ الضَّلاَلَةِ وَالرَّدَى ... وَسَادَاتُهَا في عَسْكَرٍ وَجَحَافِلِ وَشُتِّتَ شَمْلُ الدِّيْنِ وَانْبَتَّ أصْلُهُ ... فَأَضْحَى مُضَاعًا كَالبُدُوْرِ الأَوَافِلِ وَفَرّ َعَنِ الأَوْطَانِ مَنْ كَانَ قَاطِنًا ... تَرَاهُمْ فُرَادَى نَحْوَ قِطْرٍ وَسَاحِلِ وَفُرِّقَ شَمْلٌ كَانَ لِلْخَيْرِ شَاملاً ... وَزَالَتْ وُلاَةُ المُسْلِمِيْنَ الأَعَادلِ وَسَادَ شِرَارُ الخَلْقِ في الأَرْضِ بَعُدْهُمْ ... وَدَارَتْ رَحىً لِلأَرْذَلِيْنَ الأَسَافِلِ فأَصْبَحَتِ الأَمْوَالُ فِيهِمْ نَهَائِبًا ... وَأَضْحَتْ بِهَا الأَيْتَامُ خُمْصَ الحَوَاصِلِ فَكَمْ دَمَّرُوْا مِن مَسْكَنٍ كَانَ آنِسًا ... وَكَمْ خَرَّبُوْا مِن مَرْبَعٍ وَمَعَاقِلِ وَكَمْ خَرَّبُوْا مِن مَسْجِدٍ وَمَدارِسِ ... يُقَامُ بِهَا ذِكْرُ الضُّحَى والأَصَائِلِ وَكَمْ قَطَعُوْا مِن بَاسِقَاتٍ نَوَاعِمٍ ... وَكَمْ أَغْلَقُوْا مِن مَعْقَلِ وَمَنَازِلِ

وَكَمْ أَهْلَكُوا حَرْثًا وَنَسْلاً بِبَغِيْهِمْ ... وَكَمْ أَيْتَمُوْا طِفْلاً بِغَدْرٍ وَبَاطِلِ وَكَمْ هَتَكُوا سِتْرًا حَيِّيًا مُمَنَعًا ... وَكَمْ كَشَفُوا حُجْبَ العَذَارَى العَقَائِلِ وَكَمْ حَرَّقُوا مِن كُتْبِ عِلْمٍ وحِكْمةٍ ... وفِقْهٍ وَتَوْحِيدٍ وَشَرْحِ مَسَائِلِ وَكَمْ هَدَمُوْا سُوْرًا وَقَصْرًا مُشَيَّدًا ... وَحِصْنًا حَصِيْنًا أَوْهَنُوْا بالمَعَاوِلِ وكَمْ أَسَرُوْا مِن حَاكِمٍ بَعْدَ عَالِمٍ ... وَكَمْ زَلْزَلُوْا مِنْ مُحْصَنَاتِ غَوَافِلِ وَكَمْ قَتَلُوا مِنْ عُصْبَةِ الحَقِ فِتْيَةً ... تُقَاةً هُدَاةً في الدُّجَى كَالمَشَاعِلِ يَذُوْدُوْنَ عَن وِرْدِ الدَّنَايَا نُفُوسَهُمْ ... وَيَسْعَونَ جُهْدًا لإِقْتِنَاءِ الفَضَائِلِ فَمَا بَعْدَهُمْ وَاللهِ في العَيْشِ رَغْبَةٌ ... «لدى مُخْلِصٍ حُرٍّ كَرِيْمِ الشَّمَائِلِ» مَضَوْا وَانْقَضَتْ أَيَّامُهُمْ حِيْنَ أَوْرَثُوا ... ثَنَاءً وَمَجْدًا كَالهُدَاةِ الأَوائِلِ فَوَا أَسَفا مِنْ فَقْدِهِمْ وَفِرَاقِهِمْ ... وَوَاسَوْءَتَا مِنْ بَعْدِ أَهْلِ الفَضَائِلِ فَجَازَاهُمُ الرَّبُّ الكَرِيْمُ بِرحْمَةٍ ... تَعُمُّ عِظَامًا أُوْدِعَتْ في الجَنَادِلِ

وَأَبْقَى لَهُمْ نَصْرًا وَأَهْلاً مُؤَثَّلاً ... يُعِزُّ هُدَاةَ الدِّيْنِ بَيْنَ الجَحَافِلِ لَقَد بَخِلَتْ عَيْنٌ تَضنُّ بِمَائِهَا ... عَلى فَقدِهِمْ أو دَمْعُ عَيْنٍ تُهَامِلِ ... فَقَدْ كُسِفَتْ شَمْسُ المَعَارِفِ بَعْدَهُمْ ... وَسَالَتْ جُفُونٌ بالدُّمُوعِ الهَوَاطِلِ فَكَمْ عَاتِقٍ غَرَّاءَ تَبْكِيْ بِشَجْوِهَا ... وَأَرْمَلَةٍ ثَكَلَى وَحُبْلَى وَحَائِلِ يَنُحْنَ بِأَكْبَادٍ حِرَارٍ وَعَبْرَةٍ ... وَيَكْظِمْنَ غَيْظًا في الجَوانِبِ دَاخِل يُرَجِّعْنَ أَلْحَانَ التَّعَزّيْ بِحُرْقَةٍ ... وَيُظْهِرْنَ صَبْرَاً عَنْ شُمَاةٍ وَعَاذِلِ فَلَوْ شَهِدَتْ عَيْنَاكَ يَوْمَ رَحِيْلِهِمْ ... عَنْ المَسْكَن الأعْلَى الرَّفِيْعِ المَنَازِلِ وَفُرِّقَتْ الأَحْبَابُ في كُلِّ قَرْيَةٍ ... وَسَارَ بِهِمْ حِزْبُ العَدُوِّ المُزَايِلِ يَسُوقُوْنَهُمْ سَوْقًا عَنِيْفًا بِشِدَّةٍ ... وَيُزْجُونَ أَشْيَاخًا بِتِلْكَ القَوَافِلِ لَذَابَتْ جُفُون العَيْنِ وَاحْتَرَقَ الحَشَا ... وَسَالَتْ خُدُوْدٌ بالدُّمُوعِ السَّوَائِلِ فَقدْ عَاثَت الأَحْزَابُ في الأَرْضِ بَعْدَهُمْ ... بِكلِّ مكانٍ ناصِبِيْنَ الحَبَائِلِ

فَكَمْ غَارَةٍ غَبْرَاءَ يُكرَهُ وَرْدُهَا ... عَلى إِثْر أُخْرَى بَيْنَ تِلْكَ القَبَائِلِ وَكَمْ فِتْنَةٍ كُبْرَى تُتَابِعُ أُخْتَهَا ... عَلى إِثرِ صُغْرَى مِنْ قَتِيْلٍ وَقَاتِلِ تَرَى خَيْلَهُم في كُلِّ يَوْمٍ مُغِيْرَةً ... عَلى دَاخِلٍ أَو خَارِجٍ أَوْ مُسَابِلِ عَسَى وَعَسَى أَنْ يَنْصُرَ اللهُ دِيْنَنَا ... وَيَجْبُرَ كَسْرًا مًثْقَلاً بالحَبَايِلِ وَيَعْمُرَ لِلسَّمْحَاءِ رُبُوعًا تَهَدَّمَتْ ... وَيُعْلِى مَنَارًا لِلْهُدَى غَيْرَ زَائِلِ فَيَظْهَرُ نُوْرُ الحَقّ يَعْلُو سَنَاؤُهُ ... فَيُضْحِيْ ظَلامُ الشِّرْكِ وَالشَّكِّ زَائِل وَيَكْسِرَ أعْلاَمَ الضَّلاَلَةِ إنَّهُ ... قَرِيْبٌ مُجِيْبٌ مُسْتَجِيْبٌ لِسَائِلِ وَيَطْمِسَ آثَارَ الفَسَادِ بِدِيْمَةٍ ... مِنْ النَّصْرِ هَتَّانِ الجَوانِبِ وَابِلِ فَيَنْبُتُ زَرْعُ الحَقِّ أَخْرَجَ شطأه ... مُسِحًّا بِخيْرٍ لِلثِّمَارِ الحَوَاصِلِ إِلَهِي فَحَقِّقْ ذَا الرَّجَاءَ فإِنَّنَا ... عَبِيْدُكَ تُبْنَا لَسْتَ عَنَّا بِغَافِلِ أَغِثْنَا أَغِثْنَا وَارْفَعِ الضُّرَّ وَالبَلاَ ... بِعَفْوِكَ عَنَّا يَا قَرِيْبُ لآمِلِ

فَإنْ لَمْ تُغِثْنَا يَا قَرِيْبُ فَمَنْ لَنَا ... لِنقصدَ في دَفْعِ الأُمُوْرِ الثَّقائِلِ إِلَيْكَ أَنَبْنَا فَاغْفِرْ الذنْبَ والخَطَا ... إِلَيْكَ رَجَعْنَا فَارْجِع الخَيْرَ كَامِلِ فَقَدْ سَامَنَا الأَعْدَاءُ سَوْمًا مُبَرِّحًا ... بِقَتْلٍ وَأَسْرٍ مُوْثَقًا بالحَبَائِلِ عَلى غَيْرِ جُرْمٍ غَيْرِ تَوْحِيْدِ رَبّنا ... وَهَدْمِ قِبَابِ المُشْرِكِيْنَ الأَبَاطِلِ وَأَمْرٍ بِمَعْرُوْفٍ وإِنْكَارِ مُنْكَرٍ ... وَفِعْلِ صَلاَةٍ في الجَمَاعَةِ حَافِلِ وَأَخْذِ زَكَاةِ المَالِ فَرْضَاً مُؤَكَّدًا ... يُرَدُّ لِذِي فَقْرٍ وَغُرْمٍ وَعَامِلِ وَحَجٍ وَتَقْوِيْم الجِهَادِ لأَنَّهُ ... أَمَانٌ وَعِزٌ عَنْ مَذَلَّةِ خَاذِلِ ... إِذَا مَا مَلَكْنَا قَرْيَةً أَوْ قَبِيْلَةً ... أَقَمْنَا بِهَا شَرْعَ الهُدَاةِ الكَوَامِلِ فَنَهْدِمُ أَوْثَانًا وَنَبْنِي مَسَاجِدًا ... وَنَكْسِرُ مِزْمَارًا وَطَبْلاً لِجَاهِلِ وَنَقْطَعُ سُرَّاقًا وَنَرْجُمُ مُحْصنَاً ... وَنَجْلِدُ سَكْرَانًا بِنَصِّ الرَّسَائِلِ نَكُفُّ ظُلُومَ البَدْوِ والحَضْرِ إنْ غَدَا ... يُغِيرُ عَلَى حَقِّ الضِّعَافِ الأَرَامِلِ

وَنَتْبَعُ آثَارَ الرَّسُولِ وَصَحْبِهِ ... مَعَ السَّلَفِ البِرِّ التُّقَاةِ الأفَاضِلِ كَأَحْمَدَ والنُّعْمَانِ قُلْ لِيْ وَمَالِكٍ ... كَذَا الشافِعِي رُكْنِ الحديثِ وَنَاقِلِ فَمَاذَا عَلَيْنَا إِذْ سَلَكْنَا سَبِيْلَهُمْ ... بِقَوْلٍ وَفِعْلٍ مُسْعِدٍ فَنُوَاصِلِ أَلاَ أَيُّهَا الإِخْوَانُ صَبْرًا فَإِنَّنِيْ ... أَرَى الصَّبْرَ لِلْمَقُدُوْرِ خَيْرَ الوَسَائِلِ وَلاَ تَيْأَسُوْا مِنْ كَشْفِ ذَا الكَرْبِ وَالبَلاَ ... فَذُوْ العَرْشِ فَرَّاجُ الأُمُوْرِ الجَلاَئِلِ عُيُونُ القَضَا لَيْسَتْ نِيَامًا وَسَهْمُهُ ... مُصِيْبٌ فَمَا يُخْطِي عُيُونَ المَقَاتِلِ فَطَوبَى لِعَبْدٍ قَامَ للهِ مُخْلِصًا ... تَرَنَّمَ في مِحْرَابِهِ مُتَمَايِلِ يَمُدُّ يَدَيْهِ سَائِلاً مُتَضَرِّعًا ... لِرّبٍّ قَرِيْبٍ بالإِجَابَةِ كَافِلِ فَجَاءَتْ سِهَامُ اللَّيْلِ تَهْوِيْ بِسرْعَةٍ ... إِلى ظَالِمٍ عَنْ ظُلْمِهِ مُتَغَافِلِ أَصَابَتْ نِيَاطَ القَلْبِ في وَسْطِ نَحْرِهِ ... فَآبَ بِخُسْرَانٍ وَحَرِّ بَلاَبِلِ فَقُمْ قَارِعًا لِلْبَابِ والنَّابِ نَادِمًا ... عَلى مَا جَرَى وَأَقْبِل عَلَيهِ وَسَائِلِ

بأمر دنياك لا تغفل وكن حذرا

وَأَمَّا بَنُوْ الدُنْيَا فلا تَرْج نَفْعَهُمْ ... فَلاَ مُرْتَقَى مِنْهُمْ يُرَجَّى لِنَازِلِ فإنّي تَتَبْعتُ الأَنَامَ فَلَمْ أَجِدْ ... سِوَى حَاسِدٍ أَوْ شَامِتٍ أَوْ مُعَاذِلِ فَلَمْ أَرَ أَنْكَى لِلْعَدُوِّ مِنَ الدُّعَا ... كَرَمْي بِنَبْلٍ أُوْتِرَتْ بالمَنَاصِلِ فَلاَ تَدْعُ غَيْرَ اللهِ في كُلِّ حَالَةٍ ... وَخَلِّ جَمِيْعَ الخَلْقِ طُرًا وَعَازِلِ سَأَلْتُكَ يَا ذَا الجُوْدِ وَالمَنِّ والعَطَا ... تَجُودُ وَتَعْفُوْ عن عُبَيْدِكَ يَا وَلِي وَتُرْسِلَ طَاعُونًا وَرِجْزًا ونِقْمَةً ... وَطَعْنًا لِطَعَّانٍ وَقَتْلاً لِقَاتِلِ يَعْم لأَحْزَابِ الضَّلاَلِ وَصَحْبِهِمْ ... بِسَوْطِ عَذَابٍ عَاجِلٍ غَيْرِ آجِلِ فَإِنَّكَ قَهَّارٌ على كُلِّ قَاهِرٍ ... وَأَمْرُكَ غَلاَّبٌ لِكُلِّ مُحَاوِلِ وَأَزْكَى صَلاَةً لاَ تَنَاهَى عَلَى الذِيْ ... لَهُ انْشَقَّ إِيوانٌ لِكِسْرَى بِبَابِلِ مُحَمَّدُ والأَصْحَابُ مَا هَبَّتِ الصَّبَا ... وَآلُ رَسُولِ اللهِ زَيْنُ المَحَافِلِ انْتَهَى آخر: شعرا: بأَمْر دُنْياك لا تَغْفُلْ وكُنْ حَذِرًا ... فَقَدْ أَبانَتْ لأَرْبابِ النُّهَي عِبَرًا

يا نائما والمنون يقضي

فأيُّ عَيْشٍ بِهَا ما شَابَهُ غِيَرٌ ... وَأَيُّ صَفْوٍ تَنَاهَى لَم يَصِرْ كَدِرًا كَمْ سَالِم أَسْلَمَتْهُ لِلرَّدَى فَقَضَى ... حَتْفًا وَلَم يَقْضِ مِن لَذَّاتها وَطِرًا ومُتْرَفٍ قَلَبَتْ ظَهْرَ المِجَنِّ لَهُ ... فَعَادَ بَعْدَ عُلوِّ القَدْرِ مُحْتِقَرًا فابْعِدَنْهَا ولا تَحْفَلْ بِزخُرُفِهَا ... وَغُضَّ طَرْفَكَ عَنْهُ قَلَّ أو كَثُرًا فَكُلُّ شَيءٍ تَرَاهُ العَيْنُ مِن حَسَنٍ ... كَرُ الأَهِلَّةِ لا يُبٍقي لَهُ أَثَرًا واصْحَبْ وصِل وَوَاصِلْ كُلّ آَونَةٍ ... عَلَى النبي سَلامًا طَيِّبًا عَطِرًا وَصَحْبِهِ ومَنِ اسْتَهْدَى بِهَدْيِهِمُوْ ... فَهُمْ أَئِمَّةُ مَن صَلَّى ومَن ذَكَرًا انْتَهَى آخر: يَا نَائِمًا وَالْمَنُونَ يَقْضِي ... وَغَائِبًا وَالْحِمَامُ أَوْفَى جَاءَكَ أَمْرٌ وَأَيُّ أَمْرٍ ... طَمَّ عَلَى غَيْرِهِ وَعَفَّى هَلْ بَعْدَ هَذَا الْمَشِيبِ شَيْءٌ ... غَيْرَ تُرَابٍ عَلَيْكَ يُحْثَى فَلَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ سَهْلًا ... ولا بِشَيْءٍ عَلَيْكَ يَخْفَى مِنْ بَعْدِ مَا الْمَرْءُ فِي بَرَاحٍ ... يَهْتَزُّ تِيهًا بِهِ وَظَرْفَا سَاكِنُ نَفْسٍ قَرِيرُ عَيْنٍ ... يَرْشُفُ ثَغْرَ النَّعِيمِ رَشْفَا إِذْ عَصَفَتْ فِي دَارِهِ رِيحٌ ... تَقْصِفُ كُلَّ الظُّهُورِ قَصْفَا فباتَ فِي أَهْلِهِ حَصِيدًا ... قَدْ جَعَفَتْهُ الْمَنُونُ جَعْفَا فَعَادَ ذَاكَ النَّعِيمُ بُؤْسًا ... وصَارَ ذَاكَ السُّكُونُ رَجْفَا وسِيقَ سَوْقًا إِلَى ضَرِيحٍ ... يُرْصَفُ بِالرَّغْمِ فِيهِ رَصْفًا وبَاتَ لِِلدَّوْدِ فِيهِ طَعْمٌ ... ولِلْهَوامِّ الْعِطَاشِ رَشْفَا ولَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ رَهِينًا ... بِكُلِّ مَا قَدْ هَفَا وَأَهْفَا انْتَهَى آخر: باتُوا على قُلَلِ الأجْبَالِ تَحْرُسُهُمْ ... غُلْبُ الرِجالِ فَلَمْ تَنْفَعْهُم القُلَلُ ...

واسْتُنْزِلُوا بَعْدَ عِزٍ عن مَعَاقِلِهم ... إِلى مَقَابِرِهِمْ يا بئْسَ مَا نَزَلُوْا نَادَاهُمُ صَارِخُ مِن بَعدِمَا دُفُنوا ... أَيْنَ الأَسِرَّةُ والتِيْجَانُ والحُلَلُ أَيْنَ الوُجُوهُ التِيْ كانَتْ مُحَجِّبَةً ... مِنْ دُوْنِها تُضْربُ الأَسْتارُ والكِلَلُ أَينَ الرُماةُ أَلَمْ تَمْنَعْ بأَسْهُمِهِمْ ... لَمَّا أَتَتْكَ سِهَامُ الْمَوْتِ تَنْتَصِلُ هَيْهَاتَ ما كَشَفُوا ضَيْمَا ولا دَفَعُوا ... عَنْكَ المَنِيَّةَ إِذْ وَافَى بِكَ الأَجَلُ ولا الرُّشَى دَفَعَتْهَا عَنْكَ لَو بَذَلُوا ... ولا الرُّقَى نَفَعَتْ فِيهَا ولاَ الحِيَلُ ما سَاعَدُوكَ ولاَ وَاسَاكَ أَقْرَبُهُم ... بَلْ سَلَّمُوكَ لَهَا يَا قُبْحَ ما فَعَلُوْا مَا بَالُ قَبرِكَ لا يَأتِي به أَحدٌ ... وَلاَ يَدُوْرُ بِهِ مِن بَيْنِهِم رجُلُ ما بَال ذِكْرِكَ مَنْسِيًا ومُطَّرَحًا ... وَكُلُهُمُ باقْتِسَامِ الَمْالِ قَدْ شُغِلُوْا ما بَالُ قَصْرِكَ وَحْشًا لا أنِيْسَ به ... يَغْشَاكَ مِن كَنَفَيهِ الرّوْعُ والوَهَلُ لا تُنْكِرَنَّ فَمَا دامَتْ على مَلِكٍ ... إلاَّ أنَاخَ عليه الموتُ والوَجَلُ

وكَيْفَ يَرَجُو دَوَامَ العَيْشِ مُتَّصلاً ... وَرُوْحُه بحِبالِ الموتِ مُتَّصِلُ وجِسْمُهُ لِبُنَيَّاتِ الرَّدَى غَرَضٌ ... ومالُه زَائِلٌ عَنْهُ ومُنْتَقِلُ فأَفْصَحَ القَبْرُ عَنْهُم حِيْنَ سَاءلَهُم ... تِلْكَ الوُجُوهُ عَلَيَها الدُوْدُ يَقْتَتِلُ قَدْ طَالمَا أكَلُوا فِيهَا وما شَرِبُوا ... فأصْبَحُوا بَعدَ طُولِ الأْكلِ قَدْ أُكِلُوا وطَالَما كَنَزُوا الأَمْوَالَ وادَّخَروا ... فَخَلَّفُوهَا عَلَى الأَعْدْاءِ وارْتَحَلُوْا وطَالَما شَيَّدُوا دُورًا لِتُحْصِنَهُمْ ... فَفَارُقُوْا الدُوْرَ والأهْلِيْنَ وانْتَقَلُوا أَضْحَتْ مَسَاكِنُهُم وَحْشًا مُعَطَّلةً ... وسَاكنُوهَا إلى الأَجْدَاثِ قَدْ رَحَلُوا سَلِ الخَلِيْفةَ إِذْ وَافَتْ مَنِيَّتُهُ ... أَيْنَ الجُنُودُ وأَيْنَ الخَيْلُ والخَوَلُ أَيْنَ الكُنُوزُ الَّتِي كانَتْ مَفَاتِحُها ... تَنُوءُ بالعُصْبَةِ المُقْوِيْنَ لَوْ حَمَلُوْا أَيْنَ العَبِيدُ الَّتِي أَرْصَدْتَهُمْ عُدَدًا ... أَيْنَ الحَديدُ وأَينَ البِيْضُ والأَسَلُ أَيْنَ الفَوارسُ والغِلْمَانُ ما صَنَعُوا ... أَيْنَ الصَوارِمُ والخِطِّيَةُ الذُبْلُ

خبت مصابيح كنا نستضيئ بها

أَيْنَ الكمُاةُ أَلَمْ يَكْفُوا خَلِيْفَتَهُم ... لمَّأ رَأوهُ صَرِيْعًا وَهْوَ يَبْتَهِلُ أَيْنَ الكُمَاةُ الَّتِي ماجُوا لِمَا غَضِبُوا ... أَيْنَ الحُمَاةُ الَّتِي تُحْمَى بِهَا الدُوَلُ انْتَهَى آخر: خَبَتْ مَصَابِيْحُ كُنَّا نَسْتَضِيْئُ بِهَا ... وَطَوَّحَتْ لِلْمَغِيْبِ الأَنْجُمُ الزَّهَرُ ... واسْتَحْكَمَتْ غُرْبَةُ الإسْلاَمِ وانكَسَفَتْ ... شَمْسُ العُلُومِ التي يُهْدَى بِهَا البَشَرُ تُخُرِّمَ الصَّالِحُونَ المُقْتَدَى بِهِمُ ... وقامَ مِنهُم مَقَامَ المُبْتَدَا الخَبَرُ فَلَسْتَ تَسْمَعُ إِلا كَانَ ثُمَّ مَضَى ... وَيَلْحَقُ الفَارِطُ البَاقِيْ بِمَنْ غَبَرُوا والناسُ في سَكْرَةٍ مِن خَمْرِ جَهْلِهِمُ ... والصَّحْوُ في عَسْكَرِ الأَمْوَاتِ لَوْ شَعِرُوا تَلْهُو بزُخْرُفِ هَذَا العَيْشِ مِن سَفَهٍ ... لَهوَ المُنَبِّتِ عُوْدًا مَا لَهُ ثَمَرُ وَتَسْتَحِثُّ مَنَايَانَا رَوَاحِلَنَا ... لِمَوقِفٍ مَالَنَا عَنْ دُوْنِهِ صَدَرُ إِلاَّ إِلى مَوْقِفٍ تَبْدُوا سَرَائِرُنَا ... فِيْهِ وَيَظْهَرُ لِلْعَاصِيْنَ مَا سَتَرُوْا فَيَا لَهُ مَصْدَرًا مَا كَانَ أَعْظَمَهُ ... الناسُ مِن هَوْلِهِ سَكْرَى وَمَا سَكِرُوْا

فَكُنْ أَخِيْ عَابِرًا لا عَامِرًا فَلَقَدْ ... رَأَيْتَ مَصْرَعَ مَنْ شَادُوْا وَمَنْ عَمَرُوْا اسْتُنْزِلُوا بَعْدَ عِزٍ عَن مَعَاقِلِهِم ... كَأَنَّهُم مَا نَهَوْا فيهَا ولا أَمَّرُوْا تُغَلُّ أَيْدِيْهِمُو يَوْمَ القِيَامَةِ إِنْ ... بَرُّوْا تُفَكُّ وفي الأَغْلاَلِ إِنْ فَجَرُوْا وَنُحْ عَلى العِلْمِ نَوْحَ الثَّاكِلاَتِ وَقُلْ ... والهَفَ نَفْسِيْ عَلى أَهْلٍ لَهُ قُبِرُوْا الثَّابِتِيْنَ عَلَى الإِيْمَانِ جُهْدَهُم ... والصَّادِقِيْنَ فَمَا مَانُوْا ولا خَتَرُوْا الصَّادِعِيْنِ بأَمْر اللهِ لَو سَخِطُوْا ... أَهْلُ البسِيْطَةِ مَا بَالَوْا ولَوْ كَثُرُوْا السَّالِكِيْنَ عَلَى نَهْجِ الرسُولِ عَلَى ... ما قَرَّرَتْ مُحْكَمُ الآيَاتِ والسُوَرُ العَادِلِيْنَ عَن الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا ... والآمِرِيْنَ بخَيْرٍ بَعْدَ مَا ائْتَمَرُوْا لَمْ يَجْعَلُوا سُلَّمًا لِلْمَالِ عِلْمَهُمُو ... بَلْ نَزَّهُوْهُ فَلَمْ يَعْلُقْ بِهِ وَضَرُ فَحَيَّ أَهْلاً بِهِمْ أَهْلاً بِذِكْرِهِمُو ... الطَّيبِيْنَ ثَنَاءً أَيْنَمَا ذُكِرُوْا أَشْخَاصُهُم تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى وَهُمُو ... كَأَنَّهُم بَيْنَ أَهْلِ العِلْم قَدْ نُشِرُوْا

هَذِيْ المَكَارِمُ لاَ تَزْوِيْقُ أَبْنِيَةٍ ... وَلاَ الشُفُوفُ الَّتِيْ يُكْسَى بِهَا الجُدُرُ والعِلْمُ إِنْ كَانَ أَقْوالاً بِلاَ عَمَلٍ ... فَلَيْتَ صَاحِبَهُ بالجَهْلِ مُنْغَمِرُ يَا حَامِلَ العِلْمِ والقُرْآنِ إِنَّ لَنَا ... يَوْمًا تُضَمُّ بِهِ المَاضُوْنَ والأخَرُ فَيَسْأَلُ اللهُ كُلاً عَنْ وَظِيْفَتِهِ ... فَلَيْتَ شِعْرِي بِمَاذَا مِنْه تَعْتَذِرُ وَمَا الجَوابُ إِذَا قالَ العَلِيْمِ أَذَا ... قَالَ الرسولُ أَوِ الصِّدِّيْقُ أَوْ عُمَرُ والكُلُ يَأْتِيْهِ مَغْلَولَ اليَدَيْنِ فَمِنْ ... نَاجٍ وَمِنْ هَالِكٍ قَدْ لَوَّحَتْ سَقَرُ فَجَدِّدُوْا نِيَةً للهِ خَالِصَةً ... قُومُوْا فَرُادَى وَمَثْنَى واصْبِرُوْا وَمُرُوْا وَنَاصِحُوا وَانْصَحُوا مَنْ وَلِيَ أَمْرَكُمُ ... فالصَّفْوُ لاَ بُدَّ يَأْتِي بَعْدَه كَدَرُ ... واللهُ يَلْطُفُ في الدُّنْيا بِنَا وَبِكُمْ ... وَيَوْمَ يَشْخَصُ مِن أَهْوَالِهِ البَصَرُ وَصَلِّ رَبِّ عَلَى المُخْتَارِ سَيِّدِنَا ... شَفِيْعِنَا يَوْمَ نَارِ الكَرْبِ تَسْتَعِرُ مُحَمَّد خَيْرِ مَبْعُوْثٍ وَشِيْعَتِهِ ... وَصَحْبِهِ مَا بَدَا مِن أُفْقِهِ قَمَرُ انْتَهَى

يقولون لي هلا نهضت إلى العلا

ولبعض العلماء: يَقُولُون ليْ هَلاَّ نَهَضَتَ إلى العُلاَ ... فما لَذَّ عَيْشُ الصَّابِرِ المُتَقَنِّعِ وَهَلاَّ شَدَّدْتَ العِيس حَتَى تَحُلَّها ... بِمِصْرٍ إلى ظل الجَنابِ المُرَفِّعِ فَفِيْهَا قُضَاةٌ لَيْسَ يَخفَى عَلَيْهمُو ... تَعَيُّنُ كَوْنِ العِلْمِ غَيْرَ مُضَيَّعِ وفيها شُيُوخُ الدِينِ والفَضْلِ والأُلى ... يُشِيْرُ إليهم بالعُلا كُلُّ أُصْبُعِ وفِيْهَا وفِيْهَا والمَهَانَةً ذلَّةٌ ... فَقُمُ واسْعَ واقْصِدْ بَابَ رِزْقِك واقْرَعِ فَقُلْتُ نُعْمْ أَسْعَى إِذَا شِئتُ أَنْ أُرَى ... ذَلِيْلاً مُهَانًا مُسْتَخَفًا بِمَوضَعِي وأَسْعَى إذَا مَا لَذَّ لِيْ طْولُ مَوْقِفي ... عَلَى بَابِ مَحْجُوْبِ اللِّقَاءِ مُمَنَّعِ وأَسْعَى إذَا كانَ النِّفَاقُ طرِيْقَتي ... أَرُوْحُ وأَغْدُوْ في ثِيَابِ التَّصَنُّعِ وأَسْعَى إذَا لم يَبْقَ فيَّ بَقِيَّة ... أُرَاعِيْ بها حَقَّ التُّقَى والتَّوَرُعِ فكَمْ بَيْنَ أَرْبَابِ الصُدُوْرِ مَجَالِسًا ... تُشَبُّ بَهَا نَارُ الغَضَى بَيْنَ أَضْلُعِيْ وكَم بَيْنَ أَرْبَاب العُلُومِ وأَهْلِهَا ... إذَا بَحَثُوْا في المُشْكِلاتِ بِمَجْمِع مُنَاظَرةً تُحمي النُّفْوسَ فَتَنْتَهي ... وقدْ شَرعُوا فِيْهَا إِلىَ شَرِّ مَشْرِعِ إِلىَ السَّفَهِ المُزْرِي بِمَنْصِبِ أهْلِهِ ... أَو الصَّمِتِ عن حَقٍ هُنَاكَ مُضَيَّعِ فَإِمَّا تَوَقَّى مَسْلَكَ الدِيْن والتُقَى ... وإِمَّا تَلَقَّى غُصَّةَ المُتَجَرّع انْتَهَى اللهم عَلَمْنَا ما يَنْفَعُنَا وانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتُنَا، ولا تَجْعَلْ عِلْمَنَا وَبَالاً عَلَيْنَاَ، اللَّهُمَّ قَو مَعْرفَتَنَا بِكَ وَبِأَسْمَائِكَ وَصِفقَاتِكَ، وَنَوِّرْ بَصَائِرَنَا وَمَتِّعْنَا بأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارنَا وَقُوَّاتِنَا يا رَبَّ العالمين، واغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلَجِمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ بِرَحْمِتَكَ يَا أَرَحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وصلَّى الله على محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجْمَعِيْنَ.

أحاط بتفصيل الدقائق علمه

وقالَ بَعْضُهُمْ في مَدْحِ اللَّطِيْفِ الخَبِيْرِ جَلَّ وَعَلاَ وَذَكَرَ بَعْضَ أَلْطَافِهِ: أَحَاطَ بِتَفْصِيلِ الدَّقَائِقِ علْمُهُ ... فَأتْقَنَها صُنْعَاً وَأحْكَمَها فِعْلاَ فَمِنْ لُطْفِهَ حِفْظُ الْجَنِيْنِ وَصَوْنُهُ ... بمُسْتَوْدَعٍ قَدْ مَرَّ فِيْهِ وَقَدْ حَلاَّ تَكَنَّفَهُ بِاللُّطْفِ في ظُلُمَاتِهِ ... وَلاَ مَالَ يُغْنِيهِ هُناكَ وَلاَ أَهْلاَ وَيَأَتِيِه رِزْقٌ سَابِغٌ مِنْهُ سَائِغٌ ... يَرُوحُ لَهُ طَوْلاً وَيَغْدُو لَهُ فَضْلاَ وَمَا هُوَ يَسْتَدْعِي غِذَاءً بِقِيْمَةٍ ... ولا هُوَ مِمَّنْ يُحْسِنُ الشُّرْبَ وَالأَكْلاَ جَرَى في مَجَارِي عِرْقِهِ بتَلَطُّفٍ ... بِلاَ طَلَبٍ جَرْيًا عَلى قَدْرِهِ سَهْلاَ وَأَجْرَى لَهُ في الثَّدْي لُطْفَ غِذَائِهِ ... شَرابًا هَنِيْئًا مَا أَلَذَّ وَمَا أَحْلاَ وَألْهَمَهُ مَصَّاً بِحِكْمَةٍ فَاطِرٍ ... لهُ الْحَمْدُ وَالشِّكْرُ الْجَزِيْلُ بِمَا أَوْلاَ وَأَخَّرَ خَلْقَ السِّنِّ عَنْهِ لِوَقْتِهَا ... فأبُرَزَهَا عَوْنًا وَجَاءَ بِهَا طَوْلاَ وَقَسَّمَها لِلْقَطْعِ وَالْكَسْرِ قِسْمَةً ... وَلِلطَّحْنِ أعْطَى كُلَّ قِسْمِ لَهَا شَكْلاَ

وَصَرَّفَ فِي لَوْكِ الطّعَام لِسَانَهُ ... يُصَرِّفُهُ عُلْوًا إذَا شَاءَ أوْ سُفلا وَلَوْ رَامَ حَصْرًا في تَيَسُّرِ لُقْمَةٍ ... وألْطَافِهِ فِيْمَا تَكَنَّفَها كَلاَّ فَكَمْ خَادِمٍ فٍيْها وَكَمْ صانِع لَّهَا ... كَذلِكَ مَشرُوبٌ وَمَلْبَسُهُ كلاَّ وَكَمْ لُطِفٍ مِن حَيْثُ تَحْذَرُ أكرَمَتْ ... ومَا كُنْتَ تَدِرْي الفَرْعَ مِنها وَلاَ الأَصْلاَ وَمِنْ لُطْفِهِ تَكْلِيْفُهُ لِعَبادِهِ ... يسَيْرًا وأعْطَاهُمْ مِن النِّعِمِ الْجَزْلاَ وَمِنْ لُطْفِهِ تَوْفِيْقُهُمْ لاِنابَةٍ ... تُوَصّلُ لِلْخَيْراتِ مِن حَبْلِهم حَبْلا وَمِنْ لُطْفِهِ بَعْثُ النَّبِي مُحَمَّد ... لَيَشْقِعَ في قَوْمِ وَلَيْسُوا لَها أهْلاَ وَمِنْ لُطْفِهِ حِفْظُ الْعَقائِدِ مِنْهُمُو ... وَلَوْ خَالَفَ الْعاصِي الُمُسِيءُ وَإنْ زَلاَّ وَمِنْ لُطْفِهِ إخْراجُهُ عَسَلاً كَمَا ... تُشاهِدُ مِمَّا كَان أَوْدَعَهُ النَّحْلاَ وَإخْرَاجُهُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ مُجَاوِرٍ ... دَمَاً لَبَنًا صِرْفًا بلاَ شَائِبٍ رِسْلاَ وَإِخْرَاجُهُ مِنْ دُوْدَةٍ مَلْبَسًا لَّهُ ... رُوَاقَاً عَجِيْبًا أحْكَمَتْهُ لَنَا غَزْلاَ

اعلم هديت وخير العلم أنفعه

وَأعْجَبُ مِنْ ذَا خَلْقُهُ الْقَلَبَ عَارِفًا ... بِهِ شَاهدَاً أنْ لاَّ شَبِيْهَ وَلاَ مِثْلاَ وَأَلْطَافُ في الْبَحْرِ الْمُحِيطِ فَخُذْ بِمَا ... بَدَا لَكَ واشْهَدْهَا وَإياكَ وَالْجَهْلاَ وَصَلِّ عَلى الْمُخْتَارِ أفْضَلِ مُرْسَلٍ ... عَلَى خَالِصِ الْعِرْفَانِ بِاللهِ قَدْ دَلاَّ انْتَهَى ... اللَّهُمَّ اخْتِم لَنَال بخَاتِمِةِ السعادَة، واجْعَلْنَا مِمَّنْ كُتَبْتَ لَهُمُ الْحُسْنَى وزِيَادَةَ، واغْفِرْ لَنَا ولِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيع الْمُسْلِمْينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرَحَم الرّاحِمْينَ، وَصلى اللهُ عَلى مُحَمّدِ وآلِهِ وصَحَبْهِ أجْمَعِيْن. آخر: اعْلَمْ هُدِيْتَ وَخَيْرُ العِلْمِ أَنْفَعُهُ ... أنَّ اتبَاعَ الهَوى ضَرْبٌ مِنْ الخَبَلِ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ عَلى ... إنْعَامِهِ وَتَعالَى اللهُ خَيْرُ وَلِيّ فَكَمْ وَكَمْ ضَلَّ بالأَهْوَاءِ وَطَاعَتِهَا ... مِنْ عَاقِلٍ جَامِعٍ لِلْعِلْمِ وَالعَمَلِ هُوَ الهَوَانُ كَمَا قَالُوا وَقد سُرِقِت ... النُّوْنُ مِنْهُ فَجَانِبْهُ وَخُذْ وَمِلِ وَأَقْبِلْ عَلى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَالْزَمَهَا ... في كلِّ حِيْنٍ وَلاَ تَخْلُدْ إلى الكَسَلِ وَلا تُخَالِفْ لَهُ أَمْرًا تَبَارَكَ مِنْ ... رَبٍّ عَظيْمٍ وَسِرْ في أَقْوَمِ السُّبُلِ

وَخُذْ بِمَا في كِتَابِ اللهِ مُجْتَهدًا ... مُشْمِّرًا وَاحْتَرِزْ مِنْ سَوْفَ وَالأَمَلِ وَلا تُعَرِّجْ عَلى دَار الغُرُوْرِ وَدا ... رالخُلُفِ وَالزُّوْرِ وَالنِّسْيَانِ لِلأَجَلِ وَاحْذَرْ مُصَاحَبَةَ المَرْءِ المُضِيعِ فَقَدْ ... صَارُوا إلى الشَّرِّ وَالعِصْيَانِ وَالزَّلَلِ وَأَصْبَحُوا في زَمَانٍ كُلُّهُ فِتَنٌ ... وَبَاطِلٌ وَفَسَادٌ بَيِّنٌ وَجَلِيْ هُوَ الزَّمَانُ الذِي قَد كانَ يَحْذَرُهُ ... أَئِمَّة الحَقِّ مِنْ حَبْرٍ ومِنْ بَدَلِيْ هُوْ الزَّمَانُ الذِيْ لاَ خَيْرَ فِيهِ وَلاَ ... عُرْفٌ نَرَاهُ عَلَى التَّفْصِيْلِ وَالجُمَلِ هُوْ الزَّمَانُ الذِيْ عَمَّ الحَرَامُ بِهِ ... وَالظُّلْمُ مِنْ غَيْرِ مَا شَكٍّ وَلا جَدَلِ أَيْنَ القُرَانُ كِتَابُ اللهِ حُجَّتُهُ ... وَأَيْنَ سُنَّةُ طَهَ خَاتَم الرُّسُل وَأَيْنَ هَدْيُ رِجَالِ اللهِ مِنْ سَلَفٍ ... كانَ الهُدَى شَأنُهم في القَوْل وَالعَمَلِ أَكُلُّ أَهْلِ الهُدَى وَالحَقِّ قَدْ ذَهَبُوا ... بالمَوْت أَمْ سُترُوا يَا صَاحِبِي فَقُلِ وَالأَرْضُ لا تَخُلُو مِنْ قَوْمٍ يَقُوْمِ بِهِمْ ... أَمْرُ الإِلهِ كَمَا قد جَاءَ فَاحْتَفِلِ

بكيت فما تبكي شباب صباكا

فَارْجُ الالَهَ وَلا تَيْأَسْ وَإنْ بَعُدَتْ ... مَطَالِبُ إنَّ رَبَّ العَالَمِيْنَ مَلِي وَفي الالَهِ مَلِيْكِ العَالَمِيْنَ غِنَىً ... عَنْ كُلِّ شيءٍ فَلازِمْ بَابَهُ وَسَلِِ هُوَ القَرِيْبُ المُجِيْبُ المُسْتَغَاثُ بِهِ ... قَلْ حَسْبِيَ اللهُ مَعْبُودِي وَمُتَّكَلِي وَاسْأَلُهُ مَغْفِرَةً وَاسْأَلهُ خَاتِمَةً ... حًسْنَى وَعَافِيَةً وَالجَبْرَ لِلْخَلَلِ وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِلصَّالِحَاتِ وَمَا ... يُرْضِيهِ عَنّا وَيَحْفَظنَا مِن الخَطَلِ وَأَنْ يُصَلّي عَلى المُخْتَارِ سَيِّدِنَا ... مُحَمِّدٍ مَا بَكَتْ سُحْبٌ بِمُنْهَمِلِ ... وَالآل وَالصَّحْبِ مَا غَنَّتْ مُطَوَّقَةٌ ... عَلى الغُصُوْنِ فأشْجَتْ وَاجِدًا وَخَليِ انْتَهَى آخر: بَكَيْتَ فَمَا تَبْكِيْ شَبَابَ صَبَاكَا ... كَفَاكَ نَذِيْرُ الشَّيْبِ فِيْكَ كَفَاكَا أَلَمْ تَرَ أَنَّ الشَيْبَ قَدْ قَامَ نَاعِيًا ... مَكَانَ الشَّبَابِ الغَضِّ ثُمَّ نَعَاكَا أَلَمْ تَرَ يَوْمًا مَرَّ إِلا كَأَنَّهُ ... بإهلاكه لِلْهَالِكِيْنَ عَنَاكَا أَلاَ أَيُّهَا الفَانِي وقَدْ حَانَ حَيْنُهُ ... أَتَطْمَعُ أَنْ تَبْقَى فَلَسْتَ هُنَاكَا

وصيتي لك يا ذا الفضل والأدب

سَتَمْضِيْ وَيَبْقَى مَا تَرَاهُ كَمَا تَرَى ... فَيَنْسَاكَ مَنَ خَلَّفْتَهُ هُوَ ذَاكَا تَمُوتُ كَمَا مَات الّذينَ نَسِيْتَهُمْ ... وَتُنْسَى وَيَهْوى الحَيُ بَعْدَ هَوَاكَا كَأَنَّكَ قَدْ أُقْصِيْتَ بَعْدَ تَقَرُّبٍ ... إِليْكَ وَإِنْ بَاكٍ عَلَيْكَ بَكَاكَا كَأَنَّ الذيْ يَحْثُو عَلَيْكَ مِن الثَّرَى ... يُرِيْدُ بِمَا يَحْثُو عَلَيْكَ رِضَاكَا كَأَنَّ خُطُوْبَ الدَّهْرِ لَمْ تَجْرِ سَاعَةً ... عَلَيْكَ إذا الخَطْبُ الجَلِيْلُ دَهَاكَا تَرَى الأَرْضَ كَمْ فِيْهَا رُهُونٌ كَثِيْرَةٌ ... غُلِقْنَ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهْنَّ فِكَاكَا انْتَهَى آخر: وَصِيَّتِيْ لَك يَا ذَا الفَضْلِ وَالأَدَبِ ... إنْ شِئْتَ أنْ تَسْكُنَ العَالِي مِنَ الرُّتَبِ وَتُدْرِكَ السَّبْقَ وَالغَايَاتِ تَبْلُغُها ... مُهَنَّأً بِمَنَالِ القَصْدِ وَالأَدَبِ تَقْوَى الإِلَهِ الذِي تُرْجَى مَرَاحِمُهُ ... الوَاحِدُ الأَحْدُ الكَشَّافُ لِلْكُرَب الْزَمْ فَرَائِضَهُ وَاتْرُكْ مَحَارِمَهُ ... وَاقْطَعْ لَيَالِيْكَ والأيَّامَ في القُرَبِ وَأشْعِرِ القَلْبَ خَوْفًا لا يُفَارِقُهُ ... مِنْ رَبِّهِ مَعَهُ مِثْلٌ مِنْ الرَّغَبِ

وَزَيِّن القَلْبَ بالإخْلاَصِ مُجْتَهِدًا ... وَاعْلَمْ بأنَّ الرِّيَا يُلْقِيْكَ في العَطَبِ وَنَقِّ جَيْبَكَ مِنْ كُلِّ العُيُوبِ وَلاَ ... تَدْخُلْ مَدَاخِلَ أهْلِ الفِسْقِ والرَّيَبِ وَاحْفَظْ لِسَانَكَ مِنْ طَعْنٍ على أَحَدٍ ... مِن العِبَادِ وَمِنْ نَقْلٍ وَمِنْ كَذِبِ وَكُنْ وَقُوْرًا خَشُوْعَاً غَيْرَ مُنْهَمِكٍ ... في اللَّهُوِ وَالضِّحْكِ وَالأَفْرَاحِ وَاللَّعِبِ وَنَزِّهِ الصَّدْرَ مِنْ غشٍّ وَمِنْ حَسَدٍ ... وَجَانِبِ الكِبْرَ يَا مِسْكِيْنُ وَالعُجُبِ وَارْضَ التَّوَاضُعَ خُلَقَاً إنّهُ خُلُقُ الْـ ... أخْيَارِ فَاقْتَدْ بِهِم تَنْجُو مِنْ الوَصَبِ وَخَالِفِ النَّفْسَ وَاسْتَشْعِرْ عَدَاوَتَهَا ... وَارْفُضْ هَوَاهَا وَمَا تَخْتَارُهُ تُصِب ... وَإنْ دَعَتْكَ إلى حَظٍّ بِشَهْوَتِهَا ... فَاشْرَحْ لَهَا غِبَّ مَا فِيْهِ مِنَ التَّعَبِ وَازْهَدْ بِقَلْبَكَ في الدَّارِ الَّتِي فَتَنَتْ ... طَوَائِفًا فَرَأوْها غَايَةَ الطَّلَبِ تَنَافَسُوْهَا وَأَعْطَوْهَا قَوَالِبَهُم ... مَعَ القُلُوبِ فَيَا للهِ مِنْ عَجَبِ وَهْيَ التِيْ صَغُرَتْ قَدْرًا وَمَا وَزَنَتْ ... عِنْدَ الإِلَهِ جَنَاحًا فَالْحَرِيْصُ غَبِي

وَخُذْ بَلاَغَكَ مَنْ دُنْيَاكَ وَاسْعَ بِهِ ... سَعْيَ المُجِدِّ إلى مَوْلاَكَ وَاحْتَسِبِ وَاعْلَمْ بِأَنَّ الذِيْ يَبْتَاعُ عَاجِلَهُ ... بِآجِلٍ مِنْ نَعِيْمٍ دَائِمٍ يَخِبِ وَإنْ وَجَدْتَ فَوَاسِ المُعْوِزِينَ تَفِضْ ... عَلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الأرْزَاقُ فَاسْتَجِبِ وَإنْ بُلِيْتَ بِفَقْرٍ فَارْضَ مُكْتَفِيًا ... بِاللهِ رَبِّكَ وَارْجُ الفَضْلَ وَارْتَقِبِ وَاتْلُ القُران بِقَلْبٍ حَاضِرٍ وَجِلٍ ... عَلى الدَّوَامِ وَلاَ تَذْهَلْ وَلا تَغِبِ واذْكُرْ إلهَكَ ذِكْرَاً لا تُفَارِقُهُ ... وَادْعُ الآلهَ وَقُلْ يَا فَارِج الكُرَبِ يَا رِبِّ إنَّكَ مَقْصُوْدِيْ وَمُعْتَمَدِي ... وَمُرْتَجَايَ بِدُنْيَايَ وَمُنْقَلَبِي فَاغْفِرْ وَسَامِحْ عُبَيْدَاً مَا لَهُ عَمَلٌ ... بِالصَّالِحَاتِ وَقَدْ أَوْعَى مِن الحُوبِ انْتَهَى اللَّهُمَّ قَوِّ إيْمَانَنَا بِكَ وَبِمَلائِكَتِكَ وَبِكُتُبِكَ وَبِرُسُلِكَ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَبِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَثَبِّتْنَا عَلَى قَوْلِكَ الثَّابِتِ في الحَياةِ الدنْيَا وفي الآخِرَةِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وجِمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمينَ، وصَلَى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

يا آمن الساحة لا يذعر

آخر: يَا آمِنَ السَّاحَةِ لاَ يَذْعَرُ ... بَيْنَ يَدَيْكَ الفَزَعُ الأَكْبَرُ وإِنَّمَا أَنْتَ كَمَحْبُوسِةٍ ... حُمَّ رَدَاهَا وَهِي لاَ تَشْعُرُ والمَرْءُ مَنْصُوبٌ لَهُ حَتْفُهُ ... لَوْ أَنَّه مِن عَمَهٍ يُبْصِرُ وهَذِهِ النَّفْسُ لَهَا حَاجَةٌ ... والعُمْرُ عَن تَحْصِيِلِهَا يِقْصُرُ وكُلَّمَا تُزْجَرُ عَن مَطْلَبٍ ... كَانَتْ بِهِ أكلف إِذْ تُزْجَرُ وإِنَّمَا تَقْصُرُ مَغْلُوْبَةُ ... كَالمَاءِ عَن عُنْصُرهِ يِقْصُرُ ورُبَّمَا أَلْقَت مَعَاذِيْرَهَا ... لَوْ أَنَّهَا وَيْحَهَا تُعْذَرُ ونَاظِرُ المَوْت لَهَا نَاظِرٌ ... لَوْ أَنَّهَا تَنْظُرُ إِذْ يَنْظُرُ وزَائِرُ المَوْتِ لَهُ طَلْعَةٌ ... يُبْصِرُهَا الأَكْمَهُ وَالمُبْصِرُ وَرَوْعَةُ المَوْت لَهَا سَكْرَةٌ ... مَا مِثْلُهَا مِن رَوْعَةٍ تسْكِرُ ... وبَيْنَ أَطْبَاقِ الثَّرَى مَنْزِلٌ ... يَنْزِلُهُ الأَعْظَمُ وَالأَحْقَرُ يَتْرُك ذُوْ الفَخْرِ بِهِ فَخْرَهُ ... وَصَاحِبُ الكِبْرِ بِهِ يَصْغُرُ قَدْ مَلَأتْ أَرْجَاءَهُ رَوْعَةٌ ... نَكِيْرُهَا الْمَعْرُوفُ وَالمُنْكَرُ وَبَعْدُ مَا بَعْدُ وَأَعْظِمْ بِهِ ... مِن مَشْهَدٍ مَا قَدْرُهُ يَقْدَرُ يُرْجَفُ مِنْهُ الوَرَى رَجْفَةً ... يَنْهَدُّ مِنْهَا المَلأُ الأكْبَرُ ولَيْسَ هَذَا الوَصْفُ مُسْتَوْفِيًا ... كل الَّذِي من وَصفه يذكرُ وإِنَّمَا ذَا قَطْرَةٌ أُرْسَِلَتْ ... مِنْ أَبْحُرٍ تَتْبَعُهَا أَبْحُرُ وقَدْ أَتَاكَ الثَِّبْتُ عَنْهُ بِمَا ... أَخْبَركَ الصَّادِقُ إِذْ يِخْبِرُ فاعْمَلْ لَهُ وَيْكَ وَإلاَّ فَلاَ ... عُذْرٍ وَمَا مِثْلُكَ مَنْ يُعْذَرُ انْتَهَى آخر: كل يَزَوْلُ وَكَلٌ هَالكٌ فَان ... إلا الإلهُ ومَا للهِ مِن ثانِ

قَضَى وَقَدَّرَ تَقْدِيْرَاً فأتْقَنَهُ ... سُبْحَانَهُ هُوَ ذُو عِزٍ وسُلْطَانِ فَارْضَوا بِمَا قَدَّرَ الجَبَّارُ واحْتَسِبُوا ... إنَّ الرَّضَا بالقَضَا حَقٌ لِدَيَّانِ وَبَادِرُوْا بِثَنَاءِ اللهِ وارْتَجِعُوْا ... عِنْدَ المَصَائِبِ في سِرٍ وَإِعْلاَنِ لا تَأسَفَنَّ عَلَى مَا فَاتَ مِن عَرَضٍ ... فَالرَّبُ يَخْلِفُهُ فَضْلاً بإحْسَانِ هَذِي الحَيَاةُ وَرَبي صَفْوُهَا كَدَرٌ ... لاَ بُدَّ زَائِلَةٌ عَن كُل إنْسَانِ يَشْقَى اللَّبِيْبُ وَيُمْسِي فِيْهَا ذَا عَطَبٍ ... تَبَاً لَهَا دَارُ أكْدَارٍ وأَحْزَانِ إنَّ المُصَابُ الذِي يَأتِي بِلاَ عَمَلِ ... يومَ المَعَادِ وَمَنْ يُجْزَى بِحِرْمَانِ وما أَصَابَ جَمِيْعَ الناس مِن ضَرَرٍ ... إلاَّ بِظُلْمِهُمُو شُؤْمٍ وَعِصْيَانِ نَسْتَغْفِرُ اللهَ قَدْ بَانَتْ جَرَاءَتُنَا ... عَلَى الإلهَ ولم نَسْخَطْ لِشَيْطَانِ نَحْنُ المُسِيْؤُونَ نَحْنُ التَّابِعُوْنَ هَوَى ... نَحْنُ الأُلَى خَلَطُوا ذَنْبَا بِعَصْيَانِ وَنَحْنُ في غَفْلَةٍ عَمَّا أُرِيْدَ بِنَا ... وَالكُلُّ في سَكْرَةٍ وَيْحَاً لِسَكْرَانِ انْتَهَى

علامة صحة للقلب ذكر

آخر: عَلاَمَةُ صِحَّةٍ لِلْقَلْبِ ذِكرٌ ... لِذِيْ العَرْشِ المُقَدَّسِ ذِيْ الجَلاَلِ وَخِْدَمَةُ رَبِنَا في كُلِ حَالٍ ... بلا عَجْزٍ هُنَالِكَ أَو كَلاَلِ ... ولا يَأْنَسْ بِغَيْرِ اللهِ طُرَاً ... سِوَى مَن قَد يَدُلُ إِلى المَعَالِي وَيَذْكُرُ رَبَّهُ سِرًا وَجَهْرَاً ... وَيُدْمِنْ ذِكْرَهُ في كُلِ حَالِ وفيها وَهُوَ ثِانِيْهَا إِذَا مَا ... يَفُوتُ الوِرْدُ يَومًا لاشْتِغَالِ فَيَأْلَمُ لِلْفُواتِ أَشَّدَ مِمَّا ... يفوتُ على الحريصِ مِن الفِضَالِ ومنها شُحُّهُ بالوقْتِ يَمْضِي ... ضياعًا كالشَّحِيْحِ بِبَذْلِ مَالِ وأيضًا مِن عَلاَمَتِه اهْتِمَامٌ ... بِهَمٍ واحدٍ غَيْرِ انْتِحَالِ فَيَصْرفُ هَمَّه للهِ صِرْفًا ... وَيَتْرُكُ مَا سِوَاهُ مِنْ المَوَالِ وأيضًا مِن عَلاَمَتِه إِذَا مَا ... دَنَا وَقْتُ الصلاةِ لِذِي الجَلاَلِ وَأَحْرَمَ دَاخِلاً فِيْهَا بِقَلْبٍ ... مُنِيْبٍ خَاضِعٍ في كُلِّ حَالِ

تَنَاءَى هَمُّهُ والغَمُّ عَنْهُ ... بِدُنْيَاً تَضْمَحِلُ إِلَى زَوَالِ وَوَافَى رَاحَةً وَسُرُوْرَ قَلْبٍ ... وَقرَّةَ عَيْنِهِ وَنَعِيْمَ بَالِ وَيَشْتَدُ الخُرُوجُ عَلَيْهِ فِيْهَا ... فَيَرْغَبُ جَاهِدًا في الابْتِهَالِ وَأَيْضَاً مِن عَلاَمَتِهِ اهْتِمَامٌ ... بِتَصْحِيْحِ المَقَالَةِ والفِعَالِ وَأَعْمَالٍ وَنِيَّاتٍ وَقَصْدٍ ... عَلى الإخْلاَصِ يَحرصُ بالكَمَالِ أَشَدًّ تَحَرُصًا وَأَشَّدَّ هَمَّاً ... مِن الأَعْمالِ تَمَّتْ لاَ يُبَالِي بَتَفْرِيْطِ المُقَصِر ثُمَّ فِيْهَا ... وإِفْرَاطٍ وَتَشْدِيْدٍ لِغَالِي وَتَصْحِيْحِ النَّصِيْحَةِ غَيْرَ غِشٍ ... يُمَازِجُ صَفْوَهَا يَوْمًا بِحَالِ وَيَحْرِصُ في اتَّبَاعِ النَّصُ جَهْدًا ... مَعَ الإحسانِ في كُلِّ الفِعَالِ وَلاَ يُصْفِي لِغَيْرِ النَّصِ طُرًا ... ولا يَعْبَأ بآرَاءِ الرِّجَالِ فَسِتُّ مَشَاهِدٍ لِلْقَلْبِ فِيْهَا ... عَلاَمَاتٌ عن الدَّاءِ العُضَالِ

وَيَشْهَدُ مِنْهُ لِلرَّحْمنِ يَوْمًا ... بِمَا أَسْدَى عَلَيْهِ مِنْ الفِضَالِ وَيَشْهَدُ مِنْهُ تَقْصِيْرًا وَعَجْزًا ... بِحَقِ اللهِ في كُلِّ الخِلاَلِ فَقَلْبٌ لَيْس يَشْهَدُهَا سَقِيْمٌ ... وَمَنْكُوسٌ لِفَعْلِ الخَيْرِ قَالِي فإِنْ رُمْتَ النَّجَاةَ غَدًا وَتَرْجُو ... نَعِيْمًا لا يَصِيْرُ إِلى زَوَالِ نَعِيْمٌ لا يَبِيْدُ وَلَيْسَ يَفْنَى ... بِدَارِ الخُلْدِ في غُرَفٍ عَوَالِ فلا تُشْرِكْ بِرَبِّكَ قَطُ شَيْئًا ... فإِن اللهَ جَلَّ عَن المِثَالِ إِلهٌ وَاحِدٌ أَحَدٌ عَظِيْمٌ ... عَلِيْمٌ عَادِلٌ حَكَمُ الفِعَالِ ... رَحِيْمٌ بالعِبَادِ إِذَا أَنَابُوا ... وتابُوا عن مُتَابَعةِ الضَّلاَلِ شَدِيْدُ الانْتِقَامِ لِمَنْ عَصَاهُ ... وَيُصْلِيْهِ الجَحِيْمَ ولا يُبَالِي فَبَادِرْ بالذِيْ يَرْضَاهُ تُحْظَى ... بِخَيْرٍ في الحَيَاةِ وفي المآل ولازِمْ ذِكْرَهُ في كُلِّ وَقْتٍ ... ولا تَرْكَنْ إِلَى قِيْلٍ وَقَال

وأَهْلُ العِلْمِ نَافِسْهُمْ وَسَائِلْ ... وَلاَ يَذْهَبْ زَمَانُكَ في اغْتِفَالِ وَأَحْسِنْ وانْبَسِطْ وارْفُقْ وَنَافِسْ ... لأَهِْلِ الخَيْرِ في رُتَبِ المَعَالِي فَحُسْنُ البِشْرِ مَنْدُوْبٌ إِلَيْهِ ... وَيَكْسُو أَهْلَهُ ثَوْبَ الجَمَالِ وَأَحْبِبْ في الإِلهِ وَعَادِ فِيْهِ ... وَابْغِضْ جَاهِدًا مِنْهُ وَوَالِ وَأَهْلَ الشِرْكِ بَايِنْهُم وَفَارِقْ ... وَلاَ تَرْكَنْ إِلَى أَهْلِ الضَّلاَلِ وَتَشْهَدُ قَاطِعًا مِن غَيْرِ شَكٍ ... بِأَنّ اللهَ جَلَّ عَن المِثَالِ عَلاَ بالذَّاتِ فَوَقَ العرْشِ حَقًا ... بلا كَيْفٍ ولا تَأْوِيْلِ غَالِ عُلُوُّ القَدْرِ والقَهْرِ اللَّذَانِ ... هُمَا للهِ مِن صِفَةِ الكَمَالِ بِهَذَا جَاءَنَا في كُلِّ نَصٍّ ... عن المَعْصُومِ في صَحْبِ وَآلِ وَيَنْزِلُ رَبُنَا في كُلِّ لَيْلٍ ... إِلَى أَدْنَى السَّمواتِ العَوَالِي لِثُلْثِ اللَّيْلِ يَنْزِلُ حِيْنَ يَبْقَى ... بِلا كَيْفٍ عَلى مَرِّ اللَّيالِي

يُنَادِيْ خَلْقَهُ هَلْ مِن مُنِيْبٍ ... وَهَلْ مِن تَائِبٍ في كُلِ حَالِ وَهَلْ مِن سَائِلٍ يَدْعُو بِقَلْبٍ ... فَيُعْطَى سُؤْلَهُ عِنْدَ السُؤَالِ وَهَلْ مُسْتَغْفِرٍ مِمَّا جَنَاهُ ... مِن الأَعْمَالِ أَوْ سُوءِ المَقَالِ وَيَشْهَدُ أَنَّمَا القُرآنُ حَقَاً ... كَلاَمُ اللهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِلاَلِ وَلا تَمْوِيْهِ مُبْتَدِعٍ جَهُولٍ ... بِخَلْقِ القَولِ عَن أَهْلِ الضَّلاَلِ وآياتُ الصِفَاتِ تُمَرُّ مَرًا ... كَمَا جَاءَتْ عَلَى وَجْهِ الكَمَالِ وَرُؤْيَا المُؤْمِنِيْنَ لَهُ تَعَالَى ... عِيَانًا في القِيَامَةِ ذِيْ الجَلاَلِ يُرَى كَالبَدْرِ أَوْ كَالشَّمْسِ صَحوًا ... بلا غَيْمٍ وَلاَ وَهْمٍ خَيَالِ وَمِيْزَانُ الحِسَابُ كَذَاكَ حَقًا ... مَعَ الحَوْضِ المُطَهَّرِ كَالزَلالِ وَمِعْرَاجُ الرَّسُوْلِ إِلَيْهِ حَقًا ... بِنَصٍّ وَارِدِ لِلشَّكِ جَالِي كَذَاكَ الجَسْرُ يُنْصَبُ لِلبرَايَا ... على مَتْنِ السَّعِيْرِ بلا مُحَالِ

أجل ذنوبي عند عفوك سيدي

فَنَاجٍ سَالِمٍ مِن كُلِ شَرٍ ... وَهَاوٍ هَالِكٍ لِلنَّار صَالِي ... وَتُؤْمِنُ بالقَضَا خَيْرًا وَشَرًا ... وبالمقُدُورِ في كُلِّ الفِعَالِ وأنَّ النارَ حَقٌ قَدْ أعِدَتْ ... لأَعْدَاءِ الرُّسُولِ ذَوِي الضَّلالِ بحِكْمَةِ رَبِنَا عَدْلاً وَعِلْمًا ... بأحْوَالِ الخَلائِقِ في المَآلِ وأَنَّ الجَنَّةَ الفِرْدَوْسَ حَقٌ ... أُعِدَتْ لِلْهُدَاةِ أوُلِي المَعَالِي بِفَضْلٍ مِنْهُ إِحْسَانًا وَجُودًا ... بلا شَكٍ هُنَالِكَ لِلسُّؤال وكُلٌ في المَقَابِرِ سَوْفَ يُلْقَى ... وَتَكْرِيْمًا لَهُمْ بَعْدَ الوِصَالِ نَكِيْرًا مُنْكَرًا حَقًا بِهَذَا ... أَتَانا النَّقْلُ عن صَحْبٍ وَآلِ وَأَعْمَالاً تُقَارِنُهُ فَإمَّا ... بِخَيْرٍ قَارَنْتْ أَوْ سُوءِ حَالِ انْتَهَى آخر: أَجَلُ ذُنُوبِي عِنْدَ عَفْوِكَ سَيِّدِيْ ... حَقِيْرٌ وإِنْ كَانَتْ ذُنُوبِي عَظَائِمَا وما زِلْتَ غَفَّارًا وَمَا زَلْتَ رَاحِمَاً ... وما زِلْتَ سَتَّارًا عَلَيَّ الجَرَائِمَا

صبرت على بعض الأذى خوف كله

لَئِنْ كُنْتُ قَدْ تَابَعْتُ جَهْلِيَ في الهَوَى ... وَقَضَّيْتُ أَوْطَارَ البَطَالَةِ هَائِمَا فَهَا أَنَا قَدْ أَقْرَرْتُ يَا رَبُّ بالذِيْ ... جَنَيْتُ وَقَدْ أَصْبَحْتُ حَيْرَانَ نَادِمَا انْتَهَى آخر: صَبَرْتُ على بَعْضِ الأَذَىَ خَوفَ كُلِّه ... والْزَمْتُ نَفْسِي صَبْرَهَا فاسْتَقَرَّتِ وَجَرَّعْتُهَا المَكُرُوهَ حَتَّى تَدَرَّبَتْ ... وَلَوْ حُمِّلَتُهُ جُمْلَةً لاشْمَأَزَّتِ فَيَا رُبَّ عِزٍ جَرَّ لِلنَّفْسِ ذِلَّةً ... وَيَا رُبَّ نَفْسِ بالتَّذَلُلِ عَزَّتِ ومَا العِزُّ إلاَّ خَيْفَةُ الله وَحْدَهُ ... وَمَنْ خَافَ مِنْهُ خَافَهُ مَا أَقَلَّتِ وما صِدْقَ نَفْسِي إنَّ في الصِّدْقِ حَاجَتِي ... فأرْضَى بِدُنْيَايَ وَإنْ هيَ قَلَّتِ وأَهْجُرُ أَبْوَابَ المُلُوكِ فَإنَّنِي ... أَرَى الحِرْصَ جَلاَبًا لِكُلِّ مَذَلَّةِ إِذَا مَا مَدَدْتُ الكَفَّ ألتَمِسُ الغنَى ... إلى غَيْرِ مَن قَالَ اسْألُونِيْ فَشُلَّتِ إِذا طَرَقَتْنِي الحَادِثَاتُ بِنَكْبَةٍ ... تَذَكَّرْتُ مَا عُوْفِيْتُ مِنْهُ فقلَّتِ وَمَا نَكْبَةٌ إلا وللهِ مَنَّةٌ ... إِذا قَابَلَتْهَا أَدْبَرَتْ واضْمَحَلَّتِ انْتَهَى

هو الموت ما منه ملاذ ومهرب

آخر: هُوَ المَوْتُ ما مِنْهُ مَلاذٌ ومَهْرَبُ ... مَتَى حُطَّ ذَا عَنْ نَعْشِهِ ذَاكَ يركَبُ نُشَاهِدُ ذَا عَيْنَ اليَقِيْنِ حَقِيْقَةً ... عَلَيْهِ مَضَى طِفْلٌ وَكَهْلٌ وَأَشْيَبُ وَلَكِنْ عَلاَ الرَّانُ القُلُوبَ كَأَنَّنا ... بِمَا قَدْ عَلِمْنَاهُ يَقِيْنَاً نُكَذِّبُ نُؤَمِلُ آمَالاً وَنَرْجُو نَتَاجَهَا ... وَعَلَّ الرَّدَى مِمَّا نُرَجِيْهِ أَقْرَبُ وَنَبْنِي القُصُورَ المُشْمَخِراتِ في الهَوَى ... وفي عِلْمِنَا أَنَّا نَمُوتُ وَتَخْربُ وَنَسْعَى لِجَمْعِ المَالِ حِلاً ومأْثمًا ... وَبالرَّغْمِ يَحْوِيْهِ البَعِيْدُ وأَقْرَبُ نُحَاسَبُ عَنْهُ داخلاً ثُم خَارِجَاً ... وَفَيْمَا صَرَفْنَاهُ وَمِنْ أَيْنَ يُكْسَبُ ويُسْعَدُ فِيهِ وَارِثٌ مُتَعَفِفٌ ... تَقِيٌ وَيَشْقَى فيه آخَرُ يَلْعَبُ وَأَوَّلُ مَا تَبْدُو نَدَامَةُ مُجْرِمٍ ... إذَا اشتَدَّ فيه الكَرْبُ والرُّوْحُ تُجْذَبُ وَيُشْفِقُ مِنْ وَضْعِ الكِتَابِ وَيَمْتَنِي ... لَوْ انْ رُدَّ لِلدُّنْيَا وَهَيْهَاتَ مَطْلَبُ وَيَشْهَدُ مِنَّا كُلُّ عُضْوٍ بِفِعْلِهِ ... وَلَيْسَ على الجَبَّارِ يَخْفَى المُغَيَّبُ

إذا قِيْلَ أَنْتُمْ قد عَلِمْتُمْ فَمَا الذي ... عَمِلْتُمْ وَكُلٌ في الكِتَابِ مُرَتَّبُ وَمَاذَا كَسَبْتُمْ في شَبَابِ وصِحَّةٍ ... وفي عُمُرٍ أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تُحْسَبُ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي ما نَقُولُ وما الذي ... نُجِيْبُ به والأمْرُ إذْ ذَاكَ أَصْعَبُ إلى اللهِ نَشْكُو قَسْوَةً في قُلُوبِنَا ... وفي كُلِّ يَوْمٍ وَاعِظُ المَوْتِ يَنْدُبُ ولله كَمْ غَادٍ حَبِيبٍ ورائِحٍ ... نُشَيّعُهُ لِلْقَبْرِ والدَّمْعُ يَسْكُبُ أَخٌ أَوْ حَمِيمٌ أَو تقيٌ مُهَذَبٌ ... يُوَاصِلُ في نصْحِ العِبَادِ وَيَدْأبٌ نُهَيْلُ عليهِ التُربَ حَتِّى كَأَنَّهُ ... عَدُوٌ وفي الأْحْشَاءِ نَارٌ تَلَهَّبُ وَما الحالُ إلاَّ مِثْلُ مَا قَالَ مَنْ مَضَى ... وَبِالجُمْلَةِ الأَمْثَالُ لِلنَّاسِ تُضْرَبُ لِكُلِّ اجْتَمَاعٍ مِن خَلَيْلَيْنِ فِرْقَةٌ ... وَلَوْ بَيْنَهُمْ قَدْ طَابَ عَيْشٌ وَمَشْرَبُ وَمِن بَعْدِ ذَا حَشْرٌ وَنَشْرٌ وَمَوْقِفٌ ... وَيَوْمٌ بِهِ يُكْسَى المَذَلَّةَ مَذُنِبُ إذا فَرَّ كُلٌ مِن أَبِيْهِ وَأُمِّهِ ... كَذَا الأُمُّ لَم تَنْظُرْ إليهِ ولا الأَبُ

إذا ما حذرت الأمر فاجعل إزاءه

وَكَمْ ظَالِمٍ يَدْمَى مِن العَضِّ كَفُهُ ... مَقَالَتُهُ يا وَيْلتِي أَيْنَ أَذْهَبُ إذَا اقْتَسَمُوا أَعْمَالَهُ غُرَمَاؤُهُ ... وَقِيْلَ لَهُ هَذَا بِمَا كُنْتَ تَكْسِبُ وَصُكَّ لَهُ صَكٌ إِلَى النَّارِ بَعْدَمَا ... يُحَمَّلُ مِنْ أَوزَارِهِمْ وَيُعَذَّبُ ... وَكَمْ قَائِلٍ واحَسْرَتَا لَيْتَ أَنَّنَا ... نُرَدُّ إِلَى الدُنْيَا نُنِيْبُ وَنَرْهَبُ فُحُثُوْا مَطَايَا الأرْتِحَالِ وَشَمِّرُوْا ... إلى اللهِ والدَّارِ التِيْ لَيْسَ تَخْرُبُ فَمَا أَقْرَبَ الآتِي وأَبْعَدَ مَن مَضَى ... وَهَذَا غُرابُ البَيْنِ بالدَّارِ يَنْعُبُ وَصَل إلهيِ ما هَمَى الودْقُ أَوْ شَدَا ... عَلَى الأَيْكِ سَجَّاعُ الحَمَامِ المُطَرِّبُ عَلَى سَيِّدِ السَّادَاتِ والآلِ كُلِّهِم ... وأصحابِهِ ما لاحَ في الأُفُقِ كَوْكَبُ انْتَهَى آخر: إِذا ما حَذِرْتَ الأَمْرَ فاجْعَلْ إِزاءَه ... رُجُوعًا إلى رَبٍّ يَقيِكَ المَحَاذرِا ولا تَخْشَ أَمرًا أنتَ فيه مُفْوِّضٌ ... إلى اللهِ غَايَاتٍ لَهُ ومَصَادِرَا وكُنْ للذِي يَقْضِي بهِ اللهُ وحدَهُ ... وإنْ لَمْ تُوافِقُه الأَمَانيُّ شَاكِرَا ولا تَفْخَرنْ إلاَّ بثوبِ صِيانَةٍ ... إذا كُنْتَ يَومًا بالفَضِيلة فَاخرَا وإنِّي كَفِيلٌ بالنَّجاةِ مِن الأَذَى ... لِمنْ لم يَبِتْ يَدْعُو سِوى اللهِ نَاصِرا انْتَهَى

إلى الله نشك قسوة وتوحدا

آخر: إِلى اللهِ نَشْكُ قَسْوةً وَتَوَحَّدَا ... وَنَرْجُوْهُ غُفْرَانًا فَرَبُّكَ أَوْحَدُ وَدُوْنَكَ مِنِّي النُّصْحَ يَا ذَا المُوَحِّدُ ... قُمِ اللَّيلَ يَا هَذا لَعَلَّكَ تَرْشُدُ إِلى كَمْ تَنَامُ الليلَ والعُمْرُ يَنْفَدُ تَيَقَّظْ وَتُبْ فاللهُ لِلْخَلْقِ رَاحِمُ ... وإِنِّي لِنَفْسِي نَاصِحٌ وَمُلاُزِمُ فَقُمْ لاَ تَنَمْ فالشَّهْمُ باللَّيْلِ قَائِمُ ... أَراكَ بِطُوْلِ اللَّيلِ وَيْحَكَ نَائِمُ وَغَيْرُكَ في مِحْرابِهِ يَتَهَجَّدُ لَقَدْ فَازَ أَقْوَامٌ وَنَحْن نُشَاهِدُ ... أَمَا تَسْتَحِي أَوْ تَرْعَوِي أَوْ تُجَاهدُ فَلَيْسَ سَواءٌ قَائِمٌ ذَا وَرَاقِدُ ... وَلَوْ عَلِمَ البَطَّالُ مَا نَالَ زَاهدُ مَن الأَجْرِ والإحْسَان مَا كَانَ يَرْقُدُ فَكَمْ قَدْ أَكَلْنَا والتَّقِيُّونَ صُوَّمُ ... وَنُمْنا وَهُمْ باللَّيْلِ يَبْكُونَ قُوَّمُ وَلَوْ مُفْلِسٌ يَدْرِي وَهَلْ أَيْنَ خَيَّمُوْا ... لَصَامَ وَقَامَ الليلَّ والناسُ نُوَّمُ إِذَا مَا دَنَا مِنْ عَبْدِهِ المُتَفَرِّدُ وَأَسْبَلَ في الدَّاجِي دُمُوعًا بِعَبْرَةٍ ... وتابَ وَأَبْدَى الخَوْفَ مِن كُلِّ هَيْبَةٍ ...

وَقَامَ وصَلَّى خَائِفًا فِي مَحَبَّةٍ ... بِحَزْمٍ وَعَزْمٍ واجْتِهَادٍ وَرَغْبَةٍ وَيَعْلَمُ أَنَّ اللهَ ذُوْ العَرْشِ يُعْبَدُ فَحَاذِرْ مِن الدُنْيَا وَمِنْ لَدْغِ صِلِّهَا ... فَلَيْسَ لَهَا عَهْدٌ يَفِي لَوْ لِخِلِّهَا فَسَافِرْ وَطَلِّقْهَا ثَلاَثًا وَخَلِّهَا ... وَلَوْ كَانَتِ الدُنْيَا تَدُوْمُ لأَهْلِهَا لَكَانَ رَسُولُ الله فِيْهَا مُخَلَدُ أَلَمْ يَأْنِ أَنْ نَخْشَعْ وَأَيْنَ التَّهَجُدُ ... أَفي سِنَةٍ كُنَّا أَمِ القَلْبُ جَلْمُدُ تَيَقَّظْ أَخِيْ وَاحْذَرْ وإِيَّاكَ تَرْقُدُ ... أَتَرْقُدُ يَا مَغْرُوْرُ والنارُ تُوْقَدُ فلا حَرُّهَا يَطْفَى ولا الجَمْرُ يَخْمُدُ أَمَا لَوْ عَلِمْنَاها نَهَضْنَا إِذًا شَظَى ... نَعُجُّ وَبَعْضُ القَوْمِ لِلبَعْضِ أَيْقَظَا وَلَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنًا بِتَذكَارِنَا اللَّظَى ... أَلاَ إِنَّهَا نَارٌ يُقَالُ لَهَا لَظَى فَتَخْمُدُ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا تُوْقَدُ على الخَمْسِ تَوْدِيْعًا بِجِدٍّ فَصَلِّهَا ... وَحَافِظْ على تِلْكَ النَّوافِلِ كُلِّهَا وَتُبْ عَن ذُنُوبٍ لا تَذِلُ بِذُلِّهَا ... فَيَا رَاكِبَ العِصْيَانِ وَيْحَكَ خَلِّهَا

سَتْحْشَرُ عَطْشَانَاً وَوَجْهَكَ أَسْوَدُ أَلاَ إنَّ أَهْلَ العِلْمِ في عِلْمِ غَيْبَهِ ... لَهُمْ كُلُ خَيْرٍ مِن إلَهِي بِقُرْبِهِ سَمَوْا بالهُدَى والناسُ مِن فَوْقِ تُرْبِهِ ... فَكَمْ بَيْنَ مَسْرُوْرٍ بِطَاعَةِ رَبِّهِ وآخَرُ بالذَّنْبِ الثَّقِيْلِ مُقَيَّدُ إذَا كُوِّرَتْ شَمْسُ العِبَادِ وأنْجُم ... وَقُرِبَتِ النَّارُ العَظِيْمَةً تُضْرَمُ وُكُبْكِبَ هَذَا ثُمَّ هَذَا مُسَلَّمُ ... فهذَا سَعِيدٌ في الجِنَان مُنَعَّمُ وهَذَا شقيٌ في الجحيم مُخَلَّد وقد كان هذا الحُكْمُ مِن ربنا مَضى ... ولا بُدَّ هذا الحكم في الحشرِ يُمْتَضَى إلهِي أَنِلْنِي العَفْوَ مِنْكَ مَعَ الرِضَا ... إِذا نُصِبَ المِيْزَانُ لِلفصلِ والقَضَا وقد قَامَ خَيرُ العالمين محمدُ نَبِيٌ الهُدى المَعْصُومُ عن كُلِ زلَّةِ ... شَفيعٌ الوَرَى أكْرِمْ بِهَا مِن فَضِيْلَةِ وَمِلَّتُهُ يَا صَاحِبي خَيْرُ مِلَّةِ ... عَلَيْهِ صلاةُ اللهِ في كُلِّ لَيْلَةِ مَعَ الآلِ والأصحابِ ما دَارَ فَرقَدُ انْتَهَى ...

قال ابن عباس ويرسل ربنا

مِن النُّونِيَةِ في سَمَاعِ أهْلِ الجَنَّةِ: قالَ ابنُ عباسٍ وَيُرْسَلُ رَبُنا ... رِيْحَاً تَهُزُ ذَوَائِبَ الأغْصَانِ فَتُثِيْرُ أَصْوَاتَاً تَلَذُ لِمَسْمَعِ الْـ ... إنْسانِ كالنَّغَمَاتِ بالأَوْزَانِ يَا لَذَةَ الأَسْمَاعِ لاَ تَتعَوَّضِي ... بلَذَاذَةِ الأَوْتَارِ وَالعِيْدَانِ أَوْ مَا سَمِعْتَ سَمَاعَهُم فِيْها غِنَا ... ءَ الحُورِ بالأَصْوَاتِ والألْحَانِ وَاهًا لِذَيَّاكَ السَّمَاعِ فَإنَّهُ ... مُلِئَتْ بِهِ الأُذانِ بالإحْسَانِ وَاهًا لِذَيَّاكَ السَّمَاعِ وطِيْبِهِ ... مِن مِثْلِ أَقْمَارٍ على أَغْصَانِ وَاهًا لِذَيَّاكِ السَّمَاعِ وَلَمْ أَقُلْ ... ذَيَّاكَ تَصْغِيْرًا لَهُ بِلِسَانِ ما ظنَّ سامعُه بِصَوْتٍ أَطْيَبَ الْـ ... أَصْواتِ مِن حُوْرِ الجِنانِ حِسَانِ نحنُ النَّواعِمُ والخَوَالِدُ خَيِّرا ... تٌ كامِلاتُ الحُسْنِ والإحسَانِ

لسَنَا نَمُوتُ ولا نَخَافُ ومالَنَا ... سَخَطٌ ولا ضَغنٌ مِنَ الأضْغانِ طُوبى لِمنْ كُنَّا لَهَ وكَذَاكَ طُوْ ... بيَ لِلذَّي هُوَ حَظُنَا لَفْظَانِ نَزِهْ سَمَاعَكَ إنْ أَرَدْتَ سَمَاعَ ... ذَيَّاكَ الغِنَا عَن هَذه الأَلْحَانِ لا تُؤْثِر الأدْنَى على الأعْلَى فَتُحْـ ... ـرَمَ ذَا وَذَا يَا ذِلَّةَ الحِرْمَانِ إنَّ اخْتَيَارَك للسَّماعِ النازلِ الْـ ... أدَنْى على الأعلى مِن النُقْصَانِ واللهِ إنَّ سَمَاعَهم في القَلْب والْـ ... إيمانِ مِثْلُ السُّمِّ في الأبْدَانِ واللهِ ما انْفَكَ الذِي هُوَ دَأبُهُ ... أبدَاً مِن الإشْرَاكِ بالرَّحْمنِ فالقَلْبُ بَيْتُ اللهِ جَلَّ جَلالُه ... حُبًا وإخْلاَصًا مَعَ الإحْسَانِ فإذَا تَعَلَّقَ بالسَّمَاعَ أصَارَهُ ... عبْدًا لِكُلِ فُلاَنَةٍ وَفُلاَنِ حُبُّ الكِتَابِ وَحُبُّ ألْحَانِ الغِنَا ... في قَلْبِ عَبدٍ ليَسَ يَجْتَمِعَانِ ثَقُلَ الكِتَابُ عَلَيُهمو لَمَّا رَأَوَا ... تَقيْيْدَهُ بشَرائعِ الإِيمانِ

تمسك بتقوى الله فالمرء لا يبقى

واللَّهُوُ خَفَّ عَلَيْهمُ لَمَّا رَأوا ... ما فيه مِن طَربٍ ومِن ألْحَانِ قُوتُ النُّفوسِ وإنَّمَا القُرْآنُ قُو ... تُ القَلْبِ أنَّى يَسْتَوِي القُوتَانِ ولِذَا تَرَاهُ حَظُ ذِي النُّقْصَانِ كَالْـ ... جُهَالِ والصِبيانِ والنِّسوانِ وألذُهُم فِيه أقلُهُمُ مِن الْـ ... ـعَقْلِ الصحيح فَسَلْ أخَا العِرْفانِ يَا لَذَّةَ الفُسَّاقِ لَسْتِ كَلَذَّةِ الْـ ... أبْرَارِ في عَقْلِ ولا قُرْآنِ انْتَهَى ... آخر: تَمَسَّكْ بِتَقْوَى اللهِ فالمَرءُ لاَ يَبْقَى ... وكلُ امرِيءٍ ما قَدَّمَتْ يَدُهُ يَلْقَى ولا تَظْلِمَنَّ الناسَ في أَمْرِ دِيْنِهِم ... ولا تَذكُرَنْ إِفكَاً ولا تَحْسِدَنْ خَلْقَا ولا تَقْرَبَنْ فِعْلَ الحَرَامِ فإِنَّهُ ... لَذَاذَتُه تَفْنَى وأَنْتَ بِهِ تَشْقَى وعَاشِرْ إِذا عَاشَرْتَ ذَا الدِّيْنِ تَنْتَفِعْ ... بِعِشْرَتِهِ واحْذَرْ مُعَاشَرَةَ الحَمْقَى ودَارِ عَلى الإطلاَقِ كُلاً ولا تَكُنْ ... أَخَا عَجَلٍ في الأَمْرِ واسْتَعْمِلِ الرِّفْقَا وَخَالِفْ حُظُوظَ النَّفْسِ فِيْمَا تَرُوْمُهُ ... إِذا رُمْتَ لِلْعَلْيَا أَخَا اللُّبِّ أَنْ تَرْقَى

قضى الله أن لا تعبدوا غيره حتما

تَعَوَّدْ فِعَالَ الخَيْرِ جَمْعًا فَكُلَّمَا ... تَعَوَّدَهُ الإنسانُ صَارَ لهَ خُلْقَا انْتَهَى في الحث على بر الوالدة آخر: قَضَى اللهُ أنْ لا تَعْبُدوا غَيْرَهُ حَتْما ... فَيَا وَيْحَ شَخْصٍ غَيْرَ خَالِقِهِ أَمَّا وَأَوْصَاكُمُو بالوَالِدَيْنِ فَبَالِغُوا ... بِبرِّهِمَا فَالأَجْرُ في ذَاكَ وَالرُّحْمَا فَكَمْ بَذَلاَ مِن رَأْفَةٍ وَلَطَافَةٍ ... وَكَمْ مَنَحا وَقْتَ احْتِيَاجِكَ مِنْ نُعْمَا وَأُمُّكَ كَمْ بَاتَتْ بِثِقْلِكَ تَشْتَكِيْ ... تُوَاصِلُ مِمَّا شَقَّها البُؤْسَ وَالغَمَّا وَفي الوَضْعِ كَمْ قَاسَتْ وَعِنْدَ وِلاَدِهَا ... مُشِقًّا يُذِيْبُ الجِلْدَ وَاللَّحْمَ وَالعَظْمَا وَكَمْ سَهِرَتْ وِجْدًا عَلَيْكَ جُفُونُها ... وَأَكْبَادُهَا لَهْفَاً بِجِمْرِ الأَسَا تَحْمَى وَكَمْ غَسَّلَتْ عَنْكَ الأذَى بِيَمِيْنِهَا ... حُنُوًّا وَاشْفَاقَاً وَأَكْثَرَتِ الضَّمَّا فَضَيَّعْتَهَا لمَّا أَسَنَّتْ جَهَالَةً ... وَضِقْتَ بِهَا ذَرْعَاً وَذَوَّقْتَهَا سُمَّا وَبِتَّ قَرِيْرَ العَيْن رَيَّانَ نَاعِمًا ... مُكِبًّا على اللَّذَاتِ لا تَسْمَعُ اللَّوْمَا

فلا تطع زوجة في قطع والدة

وَأُمُّكَ في جُوعٍ شَدِيْدٍ وَغُرْبَةٍ ... تَلِيْنُ لها مِمَّا بِهَا الصَّخْرَةُ الصَّمَا أَهَذَا جَزَاهَا بَعْدَ طُوْلِ عَنَائِهَا ... لأَنْتَ لَذُو جَهْلٍ وَأَنْتَ إِذًا أَعْمَى انْتَهَى آخر: فلا تُطِعْ زَوْجَةً في قَطْعِ وَالِدَةٍ ... عليكَ يَا ابْنَ أَخِيْ قَدْ أَفْنَتِ العُمُرَا فَكَيْفَ تُنْكِرُ أُمَّا ثُقْلُكَ احْتَمَلَتْ ... وَقَدْ تَمَرَّغْتَ في أَحْشَائِهَا شُهُرَا وَعَالَجَتْ بكَ أَوْجَاعَ النِّفَاسِ وَكَمْ ... سُرَّتْ لمَّا وَلَدَتْ مَوْلُودَهَا ذَكَرَا وَأَرْضَعَتْكَ إلى حَوْلَيْنِ مُكْمَلَةً ... في حَجْرِهَا تَسْتَقِي من ثَدْيِهَا الدُّرَرَا وَمِنْكَ يُنْجِسُهَا ما أَنْتَ رَاضِعُهُ ... مِنْهَا وَلاَ تَشْتَكِي نَتْنًا وَلاَ قَذَرَا وَقُلْ هُوْ اللهُ بالآلاَفِ تَقْرَؤُهَا ... خَوْفًا عَلَيْكَ وَتُرْخِي دُوْنَكَ السُّتُرا وَعَامَلَتْكَ بإحْسَانٍ وَتَرْبِيَةٍ ... حَتَّى اسْتَويْتَ وَحَتَّى صِرْتَ كَيْفَ تَرَى فَلاَ تُفَضِّلْ عَلَيْهَا زَوْجَةً أَبَدًا ... وَلاَ تَدَعْ قَلْبَهَا بالقَهْرِ مُنْكَسِرَا

أعوذ برب العرش من كل فتنة

وَالوَالِدُ الأَصْلُ لا تُنِكِرْ لِتَرْبِيَةٍ ... وَاحْفَظْهُ لا سِيَّما إِنْ أَدْرَكَ الكِبَرَا فَمَا تُؤَدِّي لَهُ حَقًّا عَلَيْكَ وَلَوْ ... عَلَى عُيُونِكَ حَجَّ البَيْتَ وَاعْتَمَرا انْتَهَى ... آخر: أعوُذُ برَبِّ العَرشِ مِن كُلِّ فِتْنَةٍ ... وَأَسَألُهُ عَفْوًا لِكُلِّ خَطِيئَة وحفْظَا لِدِيْني ثمُ دُنْيَايَ ثمُ مَا ... أُكِنُّ وَما أُبْدِيهِ مَعْ حُسْنِ نِيَّةِ فَأحْيَا مِحِبَّا لِلنَّبَي وآلِهِ ... وأَصْحَابِهِ في خَيْرِ هَدْيٍ وسُنَّةِ فمِنْ هَدِيْ خَيرِ الْخَلْقِ إِعْفَاءٌ لِحْيَةٍ ... ومِنْ هَدْيهِ يا صَاحِ لُبْسٌ لِعِمَّةِ وقد جَاءَ أَقَوْامٌ عُتَاةٌ تَجَاسَرُوْا ... على هَدْمِ أعْلامِ الهُدَى بِوَقَاحَةِ ويَا ليَتْهَمُ لمَّأ عَن الحَق أَعْرَضُوا ... بأفْعَالِهِم مَا عَارَضُوا بَصَراحَةِ هُمُ مَثّلوُا مِن جَهْلهِمِ بُوجُوهِهِمْ ... لقَدْ بلَغُوا في ذَاكَ حَدَّ الشَّنَاعَةِ أقُولُ لِمَنْ أمْسَى عن الدِّينْ نَاكِبًا ... مُعَاندَ أعْلامَ الهُدَى لِلشِرّيعَةِ يُجَاهِرُ في نُكْرٍ ويُبْدِيْ تَشبُهًا ... بأعْدَاءِ دِينٍ يا لَهَا مِن خَسَارَةِ

تبارك من لا يعلم الغيب غيره

يُمَثَّلُ في وَجْهٍ بحَلْقِ لِلِحْيَةِ ... لعَمْرْي لقدْ سَاوَى لِوَجْهٍ بِعَانَةِ فأصبَح مِنْهُ الوَجْهُ اسْتًا مَشوَّهًا ... لَدَى كُلِّ ذِيْ عَقّلٍ بأقَبَحِ صُوْرَةِ تَعَوّدَ هَذَا الخُلْقَ طَبْعًا لأنَّهُ ... يُلائِمُ ما يَعْتَادُهُ مِن خَلاَعَةِ «فَأُفٍ عَلَى مَن ضَيَّعُوا هَدْيَ دِيْنِهمْ ... وسارُوا على نَهْجِ العِدِا في الطرِيقةِ» انْتَهَى آخر: تَبَارَكَ مَنْ لاَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ غَيْرُهُ ... وَمَنْ لَمْ يَزْلَ يُثْنَى عَلَيْهِ وَيُذْكَرُ عَلاَ فِي السَّمَواتِ الْعُلَى فَوْقَ عَرْشِهِ ... إلى خَلْقِهِ في البَرِّ وَالْبَحْرِ يَنْظُرُ سَمِيْعُ بَصِيْرٌ قَادِرٌ وَمُدَبِّرٌ ... وَمَنْ دُوْنَهُ عَبْدٌ ذَلِيْلٌ مُدَبَّرُ يَدَاهُ لَنَا مَبْسُوطَتَانِ كِلاَهُمَا ... يَسِحَّانِ وَالأيْدِي مِنَ الْخَلْقِ تَقْتُرُ وَإِنْ فِيْهِ فَكَّرْنَا اسْتَحَالَتْ عُقُولُنا ... وَأُبْنَا حَيَارَى واضْمَحَلَّ التَّفَكُّرُ وَإنْ نَقَّرَ الْمُخْلُوْقُ عَنْ عِلْمَ ذَاتِهِ ... وَعَنْ كَيْفَ كَانَ الأمْرُ تَاهَ المُنَقِّرُ

إذا موجد الأشياء يسر للفتى

وَلَوْ وَصَفَ النَّاسُ الْبَعُوْضَةَ وَحْدَهَا ... بِعِلْمِهِمُو لَمْ يُحْكِمُوْهَا وَقَصَّرُوْا فَكَيْفَ بِمَنْ لاَ يَقْدِرُ الخَلْقُ قَدْرَهُ ... وَمَنْ هُوَ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَغَيَّرُ انْتَهَى آخر: إذا مُوْجِدُ الأشْيَاءِ يَسَّرَ لِلْفَتَى ... ثَمَاني خِصَالٍ قَلَّمَا تَتَيَسَّرُ ... كَفافٌ يَصُونُ الحُّرَ عن بَذْلِ وَجْهِهِ ... فيُضْحِي ويُمْسِيْ وهو حُرٌ مُوَقَّرُ وَمَكْتَبَةٌ تَحْوِيْ تَعَالِيْمَ دِيْنِنَا ... ومَسْجِدُ طِينٍ بالقَدِيمِ يُذَكِّرُ ومَفْروْشُهُ الحَصْبَا كما كان أولاً ... أو الرَّمْل لا فُرْشٌ بِهَا نَتَفَكَّرُ ورابِعُهَا في كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ ... يُنَادِيْ لِخَمْس في المَسَاجدِ يَجْهَرُ وخامِسُها عَزَّتْ وقَلَّ وجُوْدُهَا ... صَدِيقٌ على الأيَّامِ لا يَتَغَيَّرُ وبَيْتٌ خَلِيٌ من شُرُوْرٍ تَنَوَّعَتْ ... لَهَا عِنْدَ أصْحَابِ الرّذِيْلَةِ مَظْهَرُ وجِيْرَانُهُ أَصْحَابُ دِينٍ وغَيْرَةٍ ... إذَا اسَّتُنْصِرُوْا لِلدِّينِ هَبُّوْا وَشمَّرُوْا

احفظ هداك إله الخلق يا ولدي

مَجَالِسُهُمْ فيما يَحُثُ عَلَى التُّقَى ... ورُؤْيَتُهُمْ بالتَّابِعِينَ تُذَكِّرُ وثَامِنُهَا قَوَّامَةُ اللَّيلِ دأْبُهَا ... تُصَلِّيْ وتَتْلُو لِلْكِتَابِ وتذَكِّرُ تُسَلِّيْ عَنِ الدُّنْيَا وَمَنْ وُلِّعُوْا بِهَا ... وتَخْدِمُهُ طُوْلَ النَّهارِ وَتَشْكُرُ فهذا الذي قَدْ نَالَ ملْكًا بِلا أذَى ... ولم يَعْدُهُ عِزٌ ومَجْدٌ ومَفْخرُ انْتَهَى آخر: احْفَظْ هَدَاكَ إلهُ الخَلْقِ يا وَلَدِي ... وَصِيَّةً لَكَ مِن خَيْر الوِصِيَّاتِ إنَّ المَعَالَيْ سَمَاوَاتٌ مُرَكَّبَةٌ ... سَبْعٌ كَترْكِبة السَّبْعِ السَّمَاوَاتِ عَقْلٌ وحِلْمٌ وصَبْرٌ والأنَاةُ وبالْـ ... عِلْم العَزيرِ وإخْلاصِ الدِّيَانَاتِ ثمَّ المرُوءَةُ فاحْرَصْ في ارْتَقَاءِ مَرَا ... قِيْهَا ولا تَشْتَغِلْ عَنْهَا بِلَذَّاتِ كُلُّ لَذَّةِ عَيْشٍ لا يُصَاحِبُهَا ... رِضا الإِلهِ فَمِن عَيْشِ البَهِيْمَاتِ انْتَهَى وقَال آخر: لَعَمْركَ مَا يُغْني الثَّرَاءُ عن الفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يومًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ آخر: إذا ما صَارَ فُرْشِي مِن تُرَابِ ... وبِتُّ مُجَاوِرَ الربَّ الرَّحِيْمِ فَهَنُّونِي أصيْحَابِي وقولُوُا ... لَكَ البُشْرَى قَدِمْتَ على الكَرِيمِ

أتذهل بعد إنذار المنايا

آخر: أَتَذْهَلُ بَعْدَ إنْذَارِ المنَايَا ... وقَبْلَ النَّزْعِ أَنْبَضَتِ الحنَايَا؟ رُويْدَك لا يَغُرُّك كَيْدُ دُنيا ... هِيَ المِرْنَانُ مُصْمِيَةُ الرَّمَايَا ... أَتَرجْوُ الخُلدُ في دَارِ التَّفاني ... وأَمْنَ السِّرْبِ في خُطَطِ البَلايَا؟ وتُغْلِقُ دُوْنَ رَيْبِ الدَّهرِ بَابَاً ... كَأَنَّ لآ آمِنٌ قَرْعَ الرَّزايَا وأنَّ الموتَ لازمَةُ قِرَاهُ ... لُزُومَ العَهْدِ أَعْنَاقَ البَرَايا لَنَا في كُلِّ يَومٍ مِنْهُ غازٍ ... لَهُ المِرْبَاعُ مِنَّا والصَّفَايَا انْتَهَى آخر: كم ذا أُؤمِّلْ عفوًا لسْتُ أكْسَبهُ ... ويلٌ لِجلْدِي يِومَ النَّارِ مِن أَمَلي قولٌ جميلٌ وأفعالٌ مُقبَّحةٌ ... با بُعدَ ذَا القولِ في الدُّنيا مِن الْعَمَلِ يا بؤْسَ لِلْعَيشِ غُرَّ العالِمُونَ بهِ ... والجاهِلونَ مَعًا في الأعْصُرِ الأَوَلِ مَضَوا جميعًا فلا عَينٌ ولا أثرٌ ... حَانُوا وحَالُوا وهذَا الدَّهُر لم يَحُلِ كأنَّهم بِعْد ما استَمْطَوا جَنّائزَهُم ... لم يَمْتَطُوا صَهَواتِ الخِيِل والإِبلِ قالوا: فَرغْتَ مِن الأشغال؟ قلتُ لهم: ... لو لم أكنْ بانتظارِ الموتِ في شُغُلِ إنّي لأعلم عِلمًا لا يُخَالِجُه ... شَكٌّ، فأطْمَعُ للدُّنيا ويُطْمَعُ لي بأنَّه لا محيصَ عنْ مَدى سَفَرِي ... ولا دواءَ لما أُشكُوه مِن عِلَلِي وأنَّني سوفَ ألقى ما يُطِيْح به ... كيدي وتَذْهبُ عنه ضُلّلاً حِيَلي وكيفَ يُطبِقُ جَفْنًا بالكرى رَجَلٌ ... وَرَاءَهُ للرَّدى حادٍ مِن الأجَلِ؟ أم كيفَ يُصْبِحُ جَذلانًا وليسَ لَهُ ... عِلمُ الآلهِ بعُقْبى ذلك الجَذَلِ؟ يا راقدًا ونِداءُ اللهِ يُوقظُهُ ... ألا تزوَّدتَ فِينا زَادَ مُرْتَحِلِ؟ انْتَهَى آخر: إِنَّ أُولِي العِلْمِ بِما فِي الفِتَنْ ... تَهَيُّبُوها مِن قَدِيمِ الزَّمَنْ فاستَعصَمُوا الله وكانَ التُّقَى ... أَوْفَى لَهُمْ فِيها مِنَ أوفى الجُنَنْ

واجتَمَعُوا في حُسْنِ تَوفيقِهِ ... وافْتَرَقُوا في كُلِّ سَعيٍ حَسَنْ فعَالِمٌ مُسْتَمجِدٌ عامِلٌ ... يَسْلُكُ بالنّاسِ سَواءَ السُّنَنْ يَنْثُرُ مِنْ فِيه لَهُمْ جَوْهَرًا ... مِن عِلْمِهِ لَيسَ لَهُ مِنْ ثَمَنْ يَقْسِمُهُ طُلاَّبهُ بَيْنَهُم ... قِسْمَةَ تَعديلٍ بِقَدْرِ الفِطَنْ وبُهْمَةٌ مُخْتَرِطٌ سَيْفَهً ... يَغْمِدُهُ في هَامِ أَهْلِ الوَثَنْ ... يَلْبَسُ مِنْ إِيمانِهِ لأْمَةً ... فَضْفَاضَةً يَغْنىَ بَها عَن مِجَنّ وحابِسٌ في بَيْتِهِ نَفسَهُ ... مُعَتزِلٌ مُستَمسِكٌ بالسُّنَنْ يَأخُذُ مِن دُنْيَاهُ قُوتًا لَهُ ... مُقْتَنِعًا مِثلَ عِذارِ الرَّسَنْ قَد جَعَلَ البَيْتَ كَقَبْرٍ لَهُ ... وبُرْدُهُ فيهِ لهُ كالكفَنْ فهوَ خَفيفُ الظهرِ لكنَّهُ ... أَثْقَلُ في مِيزانهِ مِن حَضَنْ وهاربٌ شُحًّا عَلى دِينِهِ ... إِلى البَرارِي ورءوس القُنَنْ يأنَسُ بالوَحْدَةِ في بِيدِها ... أَكْثَرَ مِن تأنيسِهِ بالسَّكَنْ لا يَرْهَبُ الأُسْدَ ومَن لم يَخُنْ ... سَيِّدَهُ في عَهْدِهِ لم يُخَنْ وتائِبٌ مِنْ ذَنْبِهِ مُشْفِقٌ ... يَبكي بُكاءَ الواكِفَاتِ الهُتُنْ تَخالهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ ... في ظُلَمِ اللَّيْلِ كمِثْلِ الغُصُنْ إنْ مَهَّدَ النَّاسُ لِدُنْيَاهُمُ ... شمَّرَ في تَمهِيدِهِ لِلْجَنَنْ كأنَّما الأرضُ لهُ أَيكَةٌ ... وهوَ بِهَا قُمْريَّةٌ في فَنَنْ وصَامِتْ في قَلْبِهِ مِقْوَلٌ ... بالذِّكْرِ لله طويلٌ لَسِنْ تراهُ كالأبْلَهِ في ظَاهِرٍ ... وهوَ مِنَ أذْكى النَّاسِ فيما يَظُنْ قد نوَّرَ الله لَهُ قَلْبَهُ ... بالذِّكْرِ في السِّرِّ لهُ والعَلَنْ فإِنْ يَبِنْ بالْفِكْرِ عَن صَحبِهِ ... فَجِسمُهُ بيْنَهُمُ لم يَبِنْ

وإِنْ لَغَوْا وهو جَليسٌ لهُمْ ... لم يَلجِ اللَّغوُ لهُ في أُذُنْ في مَلَكُوتِ الله سُبحانَهُ ... تَجولُ أَلبابُ لُباب الفِطَنْ فَهُمْ خُصوصُ الله في أَرضِهِ ... حقًّا، بِهِمْ تُدرَأُ عَنَّا المِحَنْ سَمَوْا بِفَضْلِ الله نحوَ التي ... مَنْ حَلَّ في جِيرَتِهَا قَد أَمِنْ ونَزَّهُوا الأَنْفُسَ عَن مَنْزِلٍ ... نازِلهُ مُسْتَوفِزٌ للظَّعَنْ وسَمَّرُوا الخَيلَ ليَومٍ بهِ ... يُنكَبُ مَنْ يَركَبُ فوقَ الهُجُنْ فَلَيتَنِي كنتُ لَهُمْ خادِمًا ... وليتَني إِذْ لم أَكُنْ لم أَكُن ومَنْ سِوَاهمْ فَرِجالٌ رَجَوْا ... أنْ يَعْبُروُا البَحرَ بِغَيْر السُّفُنْ وإِنَّما قَصَّرَ بي عَنْهُمُ ... حُبِّي لِدارٍ مُلِئَتْ بالفِتَنْ لا غارَت الدُّنيا ولا أَنْجَدَتْ ... فالعاقِلُ الحرُّ بِهَا مُمْتَحنْ تَميلُ للأَحَمقِ مِنْ أَهْلِها ... وهيَ عَلى عاقِلِهِمْ تَضْطَغِنْ ... يا عَجَبًا مِن غَفلَتي بعد أَنْ ... نادَانِيَ الشَّيْبُ أَلا فارْحَلنْ! وأَدْرِكِ الفائِتَ مِن قَبْلِ أَنْ ... يَفْجَأَكَ الموتُ فَلا تُنظَرَنْ أَقْبَحُ مَنْ تَرمُقُهُ مُقْلَةٌ ... مُبْصِرَةٌ، شَيخُ خَليعُ الرَّسَنْ تَقْتَادُهُ الدَّهْرَ دَواعي الهَوَى ... إِلى الصِّبَا مِثْلَ اقْتِيادِ الْبُدُنْ يَأَمُلُ آمالَ فَتىٍ يافِعٍ ... كأَنَّهُ ليْسَ بِشَيْخٍ يَفَنْ ليسَ جَمَالُ الشَّيخِ إِلاّ التُّقى ... والمحوُ للسُّوءِ بِفِعْلٍ حَسَنْ شُغِلْتُ بالوَصْفِ ولو أَنَّني ... أُشْغَلُ بِالْمَوصُوفِ كُنْتُ الفَطِنْ ولَمْ أَبِعْ رُشْدًا بِغيٍّ ولَمْ ... أَرْضَ بِعَقْلي مثلَ هذَا الغَبَنْ إِنَّا إلى الله لقدْ حاقَ بِي ... ما يُورِثُ الخِزْيَ غَدًا والحَزَنْ والحَمْدُ لله فَفِي كَفِّهِ ... مَنْحٌ لِمَنْ شاءَ وفِيها المِنَنْ

فجد ولا تغفل وكن متيقظا

وَهْوَ الّذي أَرْجُو فَإِن لمْ يَكُنْ ... عِنْدَ رَجائي فيهِ طَوْلاً فَمَنْ؟ انْتَهَى آخر: فُجُدَّ ولا تَغْفُلْ وَكُنْ مُتَيَقِّظًا ... فَعَمَّا قَلِيْلِ يَتْرُكُ الدَّارَ عَامِرُ وَشَمِّرْ ولا تَفْتُرْ فَعُمْرُكَ زَائِلٌ ... وَأَنْتَ إِلى دَارِ الإِقَامَةِ صَائِرُ وَلاَ تَطْلُبِ الدُنْيَا فإِنَّ نَعِيْمَهَا ... وإن نِلْتَ منها غِبَّهُ لَكَ ضَائِرُ أَمَا قَدْ نَرى في كُلِّ يَومٍ وليلةٍ ... يَرُوْحُ عَلَيْنَا صَرْفُهَا وَيُبَاكِرُ تَعَاوْرُنا آفَاتُهَا وَهُمُومُهَا ... وَكَمْ قَدْ نَرَى يَبْقَي لَهَا المُتَعَاوِرُ فَلاَ هُوَ مَغْبُوطٌ بِدُنْيَاهُ - آمِنٌ ... وَلا هُوْ عن تَطْلاَبِهَا النَّفْسَ قَاصِرُ اللَّهُمَّ أَيْقِظْنَا مِنْ سَنَةِ الغَفْلَةِ، وَوَفَّقْنَا لاغْتِنَامِ أَوْقَاتِ المُهْلَةِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. آخر: أأحُورُ عنْ قَصْدِي وقد بَرِحَ الخَفا ... وَوَقَفْتُ مِنْ عُمِري القَصيرِ عَلى شفا وَأرَى شُؤونَ العَينْ تُمْسِكُ ماءَها ... ولَقَبْلَ ما حَكَتِ السَّحابَ الوُكَّفَا وأَخَاَلُ ذاكَ لِعَبْرةَ عَرَضَتْ لَهَا ... مِن قَسْوَةٍ في القَلْبِ أَشْبهَت الصَّفَا ولَقَل ليْ طُولُ البُكاءِ لِهَفْوَتي ... فَلَرُبّما شَفَعَ البُكاءُ لَمِنْ هَفَا

دع عنك ما قد كان في زمن الصبا

إنَّ المَعَاصِيَ لا تُقيمُ بِمَنْزِلٍ ... إِلاَّ لِتَجْعَلَ مِنْهُ قَاعًا صَفْصَفا ... ولَوْ أَننَي دَاوْيْتُ مَعْطَبَ دَائِها ... بِمرَاهمِ التَّقْوّى لوَافَقَتِ الشِّفَا ولعِفْتُ مورِدَها المَشُوبَ بِرْنُقِها ... وغَسَلْتُ رَيْنَ القلْبِ في عَيْنَ الصَّفا وهزَمْتُ جَحْفَل غَيِّها بإنابَةٍ ... وسَلَلْتُ مِنْ نَدَمٍ عَلَيْها مُرْهَفَا وهَجَرْتُ دُنْيا لم تَزَلْ غَرَّارَةً ... بِمُؤَمِّلِيها المُمْحِضِينَ لها الوَفا سحَقَتْهُمُ ودِيارَهُمْ سَحْقَ الرَّحا ... فَعَلَيْهمِ وعَلى دِيارِهُم العَفَا ولقد يُخافُ عليهمُ من رَبِّهِمْ ... يَوْمَ الجَزَاءِ النَّارَ إِلاَّ إنْ عَفا إِنَّ الجوَادَ إِذا تَطَلّبَ غايةٍ ... بَلَغَ المَدى مِنْها وبَذَّ المُقْرفا شَتَّانَ بَيْنَ مُشَمِّرٍ لِمَعادِهِ ... أَبدًا وآخرَ لا يَزالُ مُسَوِّفَا إِنِّي دَعَوتُكَ مُلْحِفًا لِتُجِيرَني ... مِمَّا أخَافُ فَلا تَرُدَّ المُلْحِفَا انْتَهَى آخر: دَعْ عَنْكَ مَا قَدْ كَانَ في زَمَنِ الصِّبَا ... وَاذْكُرْ ذُنُوْبَكَ وَابْكِهَا يَا مُذْنِبُ واذْكُرْ مُنَاقَشِةَ الحِسَابِ فَإِنَّهُ ... لا بُدَّ يُحْصَى مَا جَنَيْتَ وَيُكْتَبُ لَمْ يَنْسَهُ المَلَكَانِ حِيْنَ نَسِيْتَهُ ... بَلْ أَثْبَتَاهُ وَأَنْتَ لاَهٍ تَلْعَبُ وَالرُّوْحُ فِيْكَ وَدِيْعَةٌ أُوْدِعْتَهَا ... سَتَرُدُّهَا بالرَّغْمِ مِنْكَ وَتُسْلَبُ وَغُرُورُ دُنْيَاكَ التيْ تَسْعَى لَهَا ... دَارٌ حَقِيْقَتُهَا مَتَاعٌ يَذْهَبُ واللَّيْلَ فاعْلَمْ والنَّهَارَ كِلاَهُمَا ... أَنْفَاسُنَا فِيْهَا تُعَدُّ وَتَحْسَبُ وَجَميْعُ مَا خَلَّفْتَهُ وَجَمعْتَهُ ... حَقًا يَقِيْنًا بَعْدَ مَوْتِكَ يُنْهَبُ تَبًا لِدَارٍ لاَ يَدُوْمُ نَعِيْمُهَا ... وَمَشِيْدُهَا عَمَّا قَلِيْلٍ يَخْرَبُ وَعَوَاقِبُ الأَيَّامِ في غُصَّاتِهَا ... مَضَضٌ يَذلُ لَهَا الأَعَزُّ الأَنْجَبُ فَعَلَيْكَ تَقْوَى اللهِ فالزَمْهَا تَفُزْ ... إِنَّ التَّقِيَّ هُوَ البَهِيُّ الأَهْيَبُ وَاعْمَلْ بِطَاعَتِهِ تَنَلْ مِنهُ الرِّضَا ... إِنَّ المٌُطِيْعَ لَهُ لَدَيْهِ مُقَرَّبُ وَاقْنَعْ فَفِيْ بَعْض القَنَاعَةِ رَاحَةٌ ... واليَأْسُ مِمَّا فَاتَ فَهُوَ المَطْلَبُ

إن الحياة منام والمآل بنا

وَاخْتَرْ قَريْنَكَ واصْطَفِيْهِ تَفَاخُرًا ... إِنَّ القَرِيْنَ إِلى المُقَارِنِ يُنْسَبُ وَدَع الكَذُوْبَ فَلاَ يَكُنْ لَكَ صَاحِبًا ... إِنَّ الكَذُوْبَ لَبِئْسَ خِلاً يُصْحَبُ واحْفَظْ لِسَانَكَ واحْتَرِزْ من لَفْظِهِ ... فالمَرْءُ يَسْلَمُ باللِّسَانِ وَيَعْطَبُ وِزِنِ الكَلاَمَ إِذَا نَطَقْْتَ ولا تَكُنْ ... ثَرْثَارَةً في كُلِّ نَادٍ تَخْطُبُ ... وارْعَ الأَمَانَةَ والخِيَانَةَ فاجْتَنِبْ ... واعْدِلْ ولا تَظْلِمْ يَطِيْبُ المَكْسَبُ واحْذَرْ مُصَاحَبَةِ اللئِيْمٍ فإِنَّهُ ... يُعْدِيْ كَمَا يُعْدِي الصَّحِيْحَ الأَجْرَبُ واحْذَرْ مِن المَظْلُومِ سَهْمًا صائِبًا ... واعْلَمْ بأنَّ دُعَاءَه لاَ يُحْجَبُ فَاحْفَظْ هُدِيْتَ نَصِيْحَةً أَوْلاَكَهَا ... بَرٌّ نَصُوحٌ لِلأَنَامِ مُجَرِّبُ صَحِبَ الزَّمَانَ وَأَهْلَهُ مُسْتَبْصِرا ... وَرَأَى الأُمُورَ وَمَا تَؤُوْبُ وَتُعْقِبُ اللَّهُمَّ اخْتِمْ لَنَا بِخَاتِمَةِ السَّعَادَةِ، وَاجْعِلْنَا مِمَّنْ كُتِبَتْ لَهُم الحُسْنَى وزِيَادَة، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيْع المُسْلِمِينْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وصلى اللهُ على مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. آخر: إِنَّ الحَيَاةَ مَنَامٌ والمَآلُ بِنَا ... إلى انْتِبَاهٍ وَآتٍ مِثْلُ مُنْعَدِمِ وَنَحْنُ في سَفَرٍ نَمْضِيْ إِلى حُفَرٍ ... فَكُلُّ آنٍ لَنَا قُرْبٌ مِنْ العَدَمِ وَالمَوْتُ يَشْمَلُنَا وَالحَشْرُ يَجْمَعُنَا ... وَبالتُّقَى الفَخْرُ لاَ بِالمَالِ وَالحَشَمِ صُنْ بِالتَّعَفُّفِ عِزَّ النَّفْسِ مُجْتَهِدًا ... فالنَّفْسُ أَعْلَى مِنْ الدُّنْيَا لِذِي الهِمَمِ وَاغْضُضْ عُيُونَكَ عَنْ عَيْبِ الأنَامِ وَكُنْ ... بِعَيْبِ نَفْسِكَ مَشْغُولاً عَنْ الاُمُمِ

طوبي لمن في مراضي ربه رغبا

فَإنَّ عَيْبَكَ تَبْدُوْ فِيْكَ وَصْمَتُهُ ... وَأنْتَ مِنْ عَيْبِهِمْ خَالٍ مِنْ الوَصَمِ جَازِ المُسِيءَ بِإحْسَانٍ لِتَمْلِكهُ ... وكُنْ كَعُودٍ يَفُوحُ الطِّيْبُ في الضُّرَمِ وَمَنْ تَطَلَّبَ خِلاًّ غَيْرَ ذِيْ عِوَجٍ ... يَكُنْ كَطَالِبِ مَاءٍ مِنْ لَظَى الفَحَمِ وَقَدْ سَمِعْنَا حِكَايَاتِ الصَّدِيقِ وَلَمْ ... نَخُلْهُ إِلاَّ خَيالاً كَانَ فِيْ الحُلُمِ إِنَّ الإِقَامَةَ فِي أَرضِ تُضامُ بَهِا، ... وَالأَرْضُ وَاسِعَةٌ ذُلُّ فَلاَ تُقِمِ وَلاَ كَمَالَ بِدَارٍ لاَ بَقَاءَ لَهَا ... فيَالَهَا قِسْمَةٌ مِنْ أَعْظَمِ القِسَمِ دَاْرٌ حَلاَوَتُهَا لِلْجَاهِلينَ بِهَا ... وَمُرُّهَا لِذَوِيْ الألْبَابِ وَالهِمَمِ أَبْغِي الخَلاَصَ وَمَا أَخْلَصْتُ في عَمَلٍ ... أَرْجُو النَّجَاةَ وَمَا ناجَيْتُ فِيْ الظُّلَمِ لَكِنَّ لِي أَمَلاً فِي اللهِ يُؤْنِسُنِيْ ... وَحُسْنُ ظَنِّ بِهِ ذَا الجُوْدِ والْكَرَمِ انْتَهَى آخر: طُوبي لِمن في مَراضِي رَبِّه رَغِبَا ... وعن مَصَارِع أَهْلِ اللَّهْو قُدْ هَرَبَا قَدْ وَطَّنَ النَفسَ أَنَّ اللهَ سَائِلُهُ ... فَفَرَّ منه إِلَيهِ مَهْيَبًا هَرَبَا ... وللتُقَي مَرْكَبٌ يَنْجُو برَاكِبِهِ ... فيا نَجَاةَ الذِي مَعْ أهْلِهِ رَكبِا

لا يأمن الموت إلا الخائن البطر

وللْهُدَى رُفْقَةٌ فاسَعَدْ بِصُحْبتهِمْ ... فيا سَعَادَةَ مَن أهل الهدُى صَحبَا للهِ دَرٌّ عِبَادٍ قُرْبَهُ طَلَبُوْا ... لم يَطْلُبُوْا فِضَّةً منه وَلا ذَهَبَا سارُوْا بَعزْمٍ وتَشْمِيْرِ ومَا اتَّخَذُوْا ... في سَيْرٍ دُنْيَاهُمُو لَهْوًا ولا لَعِبَا الصِّدْقُ مَرْكبُهمْ والحَقُ مَطْلَبُهْمْ ... لاَ زُوْرَ مَازجَ دَعْوَاهُم ولا كَذِبَا انْتَهَى آخر: لا يَأمَنِ المَوْتِ إلاَّ الخَائِنُ البَطِرُ ... مَن لَيْسَ يَعْقِلُ مَا يَأتِي وما يَذَرُ ما يَجْهَلُ الرُّشْدَ مَن خَافَ الإِلَه ومَن ... أَمَسْى وهِمَّتُه في دِيْنِهِ الفِكَرُ فَيْمَا مَضَى فِكْرَةٌ فِيْهَا لِصَاحِبَها ... إنْ كَانَ ذا بَصَرٍ بالرَّأيِ مُعْتَبِرُ أَيْنَ القُرُوْنُ وأيْنَ المُبْتَنُونَ لَنَا ... هَذِي المَدَائِنُ فِيْهَا الْمَاءُ والشَّجَرُ وأَيْنَ كِسَرى أنُو شُرْوانَ مَالَ به ... صَرفُ الزَّمانِ وأفْنَى مُلْكَهُ الغِيَرُ بَلْ أيْنَ أهلُ التُّقَى بَعْدَ النَّبِي ومَن ... جَاءَتْ بفَضْلِهُم الآياتُ والسُّوَرُ اعْدُدْ أبَا بَكْرٍ الصِّدِيقَ أوَّلَهُمْ ... ونادِ مِن بَعدِه في الفَضْلِ يَا عُمَرُ وَعُدَّ مِن بَعْدِ عُثْمانٍ أبَا حَسَنٍ ... فإِن فَضْلَهُمَا يُرْوَى ويُذَّكَرُ لم يَبْقَ أهلُ التُقَى فِيْهَا لِبّرِهُمُ ... ولا الجَبَابِرَةُ الأملاكُ ما عَمَرُوا

أرى الصبر محمودا وعنه مذاهب

فاعْمَلْ لِنَفْسِكَ واحْذرْ أَنْ تُورِّطَهَا ... في هُوَّةٍ مَالَهَا وِرْدٌ ولا صَدَرُ ما يَحْذَرُ اللهَ إِلاَّ الرَّاشِدُونَ وقَدْ ... يُنْجِي الرَّشيْدَ مِنَ المَحْذُوْرَةِ الحَذَرُ والصَّبْرُ يُعْقِبُ رِضْوانًا وَمَغْفِرةً ... مَعَ النَّجَاحِ وَخَيرُ الصُحْبَةِ الصَبِرُ الناسُ في هذِه الدُنيا عَلَى سَفرٍ ... وعن قَرِيبٍ بِهِم مَا يَنْقَضِي السَّفَرُ فَمِنْهُمُ قَانِعٌ رَاضٍ بعِيْشَتِهِ ... ومِنُهُمُ مُوْسِرٌ والقَلْبُ مُفْتَقِرُ ما يُشَبعُ النَّفْسَ إنْ لَمْ تُمْسِ قَانعةً ... شَيءٌ ولَو كثُرَتْ في مِلْكِهَا البِدَرُ والنَّفْسُ تَشْبَعُ أَحْيَانًا فَيُرْجِعُهَا ... نَحْوَ المجَاعَة حُبُّ العَيْشِ والبَطَرُ والمَرْءُ ما عَاشَ في الدُنْيَا لَه أَثَرٌ ... فَمَا يَمُوتُ وفي الدُنْيَا لَهُ أثَرُ انْتَهَى حث على الصبر وانتظار الفرج من العزيز الحكيم آخر: أَرَى الصَّبْرَ مَحْمُودَاً وَعَنْهُ مُذَاهِبٌ ... فكيف إذَا مَا لَم يكُنْ عَنْهُ مَذْهَبُ هُنَاكَ يَحِقُّ الصَّبْرُ والصَّبْرُ واجبٌ ... وما كانَ مِنْهُ لِلضَّرُورَةِ أَوْجَبُ

اصبر ففي الصبر خير لو علمت به

هُوَ الْمَهْرَبُ المُنْجِيْ لِمَنْ أَحْدَقَتْ بِهَ ... مَكَارِهُ دَهْرٍ لَيْسَ مِنْهُنَّ مَهْرَبُ أَعُدُ حَلالاً فيهِ لَيْسَ لِعَاقِل ... مِن الناسِ إنْ أُنْصِفْنَ عَنْهُنَّ مَرْغَب لَبُوسُ جَمَالٍ جُنَّةٌ مِن شَمَاتَةٍ ... شِفَاءُ أسىً يُثْنَى بِهِ ويُثَوَّبُ فَيَا عَجَبَاً لِلشَّيْءِ هَذِي خِلاَلُهُ " ... وَتَاركُ ما فيهِ مِن الحَظِّ أَعْحَبُ انْتَهَى آخر: اصْبِرْ فَفِي الصَّبْرِ خَيْرٌ لَوْ عَلِمْتَ بِهِ ... لَكُنْتَ بارَكْتَ شُكرًا صَاحِبَ النِّعِمِ واعلمْ بأنَّكَ إنْ لَمْ تَصْطَبِرْ كَرَمًا ... صَبَرْتَ قَهْرَاً على ما خُطَّ في الْقَلَمِ انْتَهَى آخر: إذا اشْتَمَلَتْ عَلى اليَأْسِ القُلُوْبُ ... وَضَاقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيْبُ وَأَوْطَأَتْ المَكَارِهُ وَاطْمَأَنَّتْ ... وَأَرْسَتْ في أَمَاكِنِهَا الخُطُوْبُ وَلَمْ تَرَ لانْكِشَافِ الضُّرِّ وَجْهًا ... وَلاَ أَغْنَى بِحِيْلَتِهِ الأَرِيْبُ أَتَاكَ عَلَى قُنُوطٍ مِنْكَ غَوْثٌ ... يَمُنُّ بِهِ اللطِيْفُ المُسْتَجِيْبُ

وكم لله من لطف خفي

وَكُلُّ الحَادِثَاتِ إِذَا تَنَاهَتْ ... فَمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قرِيْبُ آخَرُ: وَكَمْ للهِ مِنْ لُطْفٍ خَفِيٍّ ... يَدِقُّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيّ وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ ... وَفَرَّجَ لَوْعَةَ القَلْبِ الشِّجِيِّ وَكَمْ هَمٍّ تُسَاءُ بِهِ صَبَاحًا ... فَتَعْقُبُهُ المَسَرَّةُ بِالعَشِيِّ إِذَا ضَاقَتْ بِكَ الأسْبَابُ يَوْمًا ... فَثِقْ بِالوَاحِدِ الأَحَدِ العَلِيِّ تزهيد فيما يَفْنَى وترغيب فيما يبقى آخر: نَبْنِي وَنَجْمَعُ وَالآثارُ تَنْدَرِسُ ... وَنَأَمَلُ اللُّبْثَ والأعمارُ تُخْتَلَسُ ذَا اللُّبِّ فَكِّرْ فَمَا في العَيْشِ مِن طَمَعٍ ... لا بُدَّ مَا يَنْتَهِي أَمْرٌ وَيَنْعَكِسُ أَيْنَ المُلُوْكُ وَأَبْنَاءُ المُلوكِ وَمَن ... كانُوا إِذَا النَّاسُ قَامُوا هَيْبَةً جَلَسُوا

وَمَنْ سُيُوفُهُمُ في كُلِّ مُعْتَرَكٍ ... تَخْشَى وَدُوْنَهُم الحُجَّابُ وَالحَرَسُ أَضْحَوْا بِمَهْلَكَةٍ في وَسْطِ مَعْرَكَةٍ ... صَرْعَى وَصَاُروا بِبَطْنِ الأَرْضِ واْنَطَمُسوا وَعَمَّهُهُم حَدَثٌ وَضَمَّهُمْ جَدَثٌ ... بَاتُوْا فَهُم جُثَثٌ في الرَّمْسِ قَدْ حُبِسُوا كَأَنَّهُم قَطُ مَا كَانَوا وَمَا خَلَقُوْا ... وَمَاتَ ذِكْرُهم بَيْنَ الوَرَى وَنُسُوا واللهِ لَو عَايَنَتْ عَيْنَاكَ مَا صَنَعَتْ ... أَيْدِي البِلَى بِهِمُو وَالدُودُ يَفْتَرِسُ لَعَايَنَتْ مَنْظرًا تُشٍجَى القُلُوْبُ لَهُ ... وَأَبْصَرَتْ مُنْكَرًا مِنْ دُوْنِه البَلَسُ مِن أَوْجُهٍ نَاظِرَاتٍ حَارَ نَاظِرُهَا ... في رَوْنَقِ الحُسْنِ مِنْهَا كَيْفَ يَنْطَمِسُ وَأَعْظُمٍ بَالِيَاتٍ مَا بِهَا رَمَقُ ... وَلَيْسَ تَبْقَى لِهَذَا وَهْيَ تُنْتَهَسُ وَأَلْسُنٍ نَاطِقَاتٍ زَانَهَا أَدَبٌ ... مَا شَأْنُهَا شَانهَا في المَنْطِقِ الخَرَسُ حَتَّامَ يَاذَ النُّهَى لاَ تَرْعَوي سَفَهًا ... وَدَمْعُ عَيْنَيْكَ لاَ يَهْمِي وَيَنْبَجِسُ

لقد خاب من غرته دنيا دنية

اللَّهُمَّ اهْدِنَا بِهُدَاكَ إِلَى صِرَاطِكَ المُسْتَقِيْم، وَوَفِّقْنَا لِلقِيَامِ بِحَقِّكَ عَلى الوَجْهِ المَطْلُوبِ يَا كَرِيْمُ، وَاجْعَلْنَا يَا مَوْلاَنَا مِمَّنْ أَتَاكَ بِقَلْبٍ سَلِيْمٍ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ بِرَحْمَتكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ علَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. آخر: لَقَدْ خَابَ مَنْ غَرّتْهُ دُنْيا دَنِيَّةٌ ... وما هِيَ أنْ غرَّتْ قُرُونًا بطَائِلِ أَتَتْنَا عَلى زِيِّ العَزِيز بُثَينَةٍ ... وَزِيْنَتِها فِي مِثْلِ تِلْكَ الشَّمَائِلِ فَقُلْتُ لَهَا غُرِي سِوَايَ فإنَّني ... عَزوفٌ عن الدنيا وَلَسْتُ بجاهِلِ وَهَبْها أَتتْنا بالكُنوزِ وَدُرِّها ... وأَمْوَالِ قارُوْنٍ وَمُلْكِ القَبائِلِ أَليْسَ جَمِيْعًا لِلفَناءِ مَصِيرُها ... وَيُطْلبُ مِنْ خُزّانِها بالطَّوائِلِ فَغُرِّيْ سِوايَ إِنَّنِيْ غَيْرُ رَاغِبٍ ... لِمَا فِيكِ مِنْ عِزٍ وَمُلْكٍ ونائِلِ وَقَدْ قَنِعَتْ نَفْسِي بِمَا قد رُزِقْتُهُ ... فَشأُنَكِ يا دُنْيَا وأَهْلَ الغَوَائِلِ ... فإنّي أَخَافُ اللهِ يَوْمَ لِقَائِهِ ... وأَخْشَى عِقَابًا دائِمًا غَيْرَ زائِلِ انْتَهَى

نبي تسامى في المشارق نوره

من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - نَبيُ تَسَامَى في الْمَشارقِ نُورُهُ ... فَلاَحَتْ هَوادِيِهِ لأهْل المَغَارِبِ أَتَتْنَا بِهِ الأَنْبَاءُ قَبْلَ مَجِيئِهِ ... وَشَاعَتْ بِهِ الأخْبَارُ في كُلِّ جَانِبِ وَرَامَ اسْتِرَاقَ السَّمْع جِنٌ فَزَيَّلَتْ ... مَقَاعدَهُمْ مِنْهَا رُجُومُ الْكَوَاكِب هَدَانَا إلى مَا لَمْ نَكُنْ نَهْتَدِي لَهُ ... لِطُول العَمَى مِن وَاضِحَاتِ المذَاهِبِ وَجَاءَ بِآيَاتٍ تبَيَّنَ أنَّهَا ... دَلاَئِلُ جَبَّارٍ مُثِيبٍ مُعَاقِبِ فَمِنْهَا انْشِقَاقُ البَدْرِ حيْنَ تَعَمَّمَتْ ... شُعُوبُ الضِّيا مِنْهُ رُؤوسَ الأخَاشِبِ وَمِنْهَا نُبُوعُ الماء بَيْنَ بَنَانِه ... وَقَدْ عَدِمَ الوُرَّادُ قُرْبَ المَشارِبِ فَرَوَّى بِهِ جَمًا غَفِيرًا وَأَسْهَلَتْ ... بِأَعْنَاقِهِ طَوْعًا أَكُفُّ المذَانِبِ وبِئْرٍ طَغَتْ بِالماء مِنْ مسِّ سَهْمِهِ ... وَمِنْ قَبْلُ لَمْ تَسْمَحْ بِمَذْقَةِ شَارِبِ وَضَرْعٍ مَرَاهُ فَاسْتَدَرَّ وَلَمْ يَكُنْ ... بِهِ دِرَّةٌ تصْغَى إِلَى كَفِّ حَالِبِ وَنُطْقٍ فَصِيحٍ مِنْ ذِرَاع مُبَينَةٍ ... لِكيْد عُدُوٍّ لِلْعَدَاوَةِ نَاصِبِ وَمِنْ تِلْكُم الآياتِ وَحْيٌ أتىَ بِهِ ... قَرِيبُ المآتِي مُسْتَجِمُّ العَجَائِبِ تَقاصَرتِ الأفْكَارُ عَنْهُ فَلَمْ يُطِعُ ... بَلِيغًا وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ خَاطِبِ حَوَى كُلَّ عِلْمٍ وَاحْتوى كُلَّ حِكْمَةٍ ... وَفَاتَ مَرَامَ المُسْتَمِرِّ المُوارِبِ أَتَانَا بِهِ لا َعَنْ رَويَّةِ مُرْتَئي ... وَلاَ صُحْفِ مُسْتَمْلٍ وَلاَ وَصْفِ كَاتِبِ يُواتيِهِ طَوْرًا في إجَابَةِ سَائِلٍ ... وَإفْتَاءٍ مُسْتَفْتٍ وَوَعْظِ مُخَاطِبِ وَإتْيَانِ بُرْهانِ وَفَرْضِ شَرَائِع ... وَقَصِّ أحادِيثِ وَنَصِّ مَآرِبِ وَتَصْرِيفِ أمْثَالٍ وَتَثْبَيتِ حُجَّة ... وَتَعْرِيفِ ذِي جَحْد وَتَوْقِيفِ كَاذِب وَفي مَجْمَعِ النَّادِي وَفي حَوْمَةِ الوَغَي ... وَعِنْدَ حُدوثِ المُعْضِلاَتِ الغَرَائِبِ فيَأَتِي عَلى مَا شِئْتَ مِنْ طُرُقاتِهِ ... قَوِيمَ المَعانِي مُسْتِدرَّ الضَّرَائِبِ يُصَدِّقُ مِنْهُ البَعْضُ بَعْضا كَأَنَّمَا ... يُلاحِظُ مَعْنَاهُ بِعَيْنِ المُرَاقِبِ وعَجْزُ الوَرَى عَنْ أنْ يَجِيئُوا بمثْلِ مَا ... وَصَفْنَاهُ مَعْلُومٌ بِطُولِ التَّجارُبَ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ أكْرَمَ مُنْجَبِ ... جَرَى في ظُهُورِ الطَّيِّبِينَ المنَاجِبِ

لكل شيء إذا ما تم نقصان

عَلَيْهِ سَلاَمُ اللهِ في كُلِّ شَارقٍ ... أَلاَحَ لَنَا ضَوْءَا وفي كُلِّ غَارِبِ انْتَهَى ... آخر: لِكُلّ شَيءٍ إذا مَا تَمَّ نُقْصَانُ ... فلا يُغَرَّ بطِيْبِ العيش إنسانُ هي الأمورُ كَما شَاهَدْتُها دُوَلُ ... مَن سَرَّهُ زمنُ ساءتْه أزْمَان وعَالَم الكَوْنِ لا تَبقَى محاسِنُه ... ولا يَدُوْمُ على حالٍ لَهَا شَانُ يُمزّقُ الدهرُ حَتْمًا كُلُّ سَابِغَةٍ ... إِذا نَبَتْ مشرفيات وخِرْصَان ويُنْتَضَى كُلُّ سَيْفٍ لِلفَنَاءِ ولو ... كان ابنَ ذِي يَزَنٍ والغِمْدُ غِمدانُ أين الملوكُ ذَوو التّيْجانِ مِنَ يَمنِ ... وأين منهم أكاليل وتِيْجانُ وأينَ ما شَادَهُ شَدَّادُ مَن إِرَمٍ ... وأين ما سَاسَه في الفُرس ساسان وأينَ ما حَازَهُ قَارونُ مِن ذَهبٍ ... وأينَ عاد وشدادٌ وقَحْطانُ أتىَ على الكُلّ أَمْرٌ لا مَردَّ لَهُ ... حتى قَضَوا فَكَانَّ الكلَّ ما كانوا وصَارَ مَا كَانَ مِن مُلْكٍ ومِن مَلِكٍ ... كَما حَكَى عن خَيَالِ الطَيْف وَسْنَانُ دَارَ الزمانُ على دارَا وقَاتِلِهِ ... وأمَّ كِسْرى فما آواهُ إِيْوَانُ كأنما الصَّعْب لم يَسْهُلْ لَه سَبَبُ ... يومًا ولم يِمْلِكِ الدُنْيَا سُلَيْمانُ فَجَائعُ الدهرِ أنواعٌ مُنِوَّعَةٌ ... وللزمانِ مَسَرِّاتٌ وأحزَانُ ولِلْمَصَائِبِ سُلْوانُ يُهَّوِنُها ... وَما لِمَا حَلَّ بالإسلامِ سُلْوَانُ دَهىَ الجزيرةَ أمر لا عَزَاءَ لهُ ... هَوىَ لَهُ أحْدٌ وانْهَدَّ ثَهْلاَنُ أصَابَها العينُ في الإسلامِ فارْتَزأتْ ... حتى خَلَتْ منه أقطار وبلدانُ فإسأل بلنسيةً ما شأنُ مُرْسيةٍ ... وأينَ قُرطبةٌ أَمْ أَيْنَ جَيَّانُ وأَيْنَ حِمْصٌ وما تَحوِيهِ مِن نُزَهٍ ... ونَهْرُها العِذْبُ فَيَّاضٌ وَمْلآنُ كَذا طُلَيْطلةٌ دَارُ العُلُومِ فَكَمْ ... مِن عَالمٍ قَدْ سَمَا فِيهَا لَه شَانُ وَأيْنَ غرْنَاطةٌ دِارُ الجهادِ وكَمْ ... أسْدٍ بها وهُمُ في الحَرْبِ عُقْبِانُ

وأيْنَ حَمْراؤُها العَلْيَا وزُخْرُفُها ... كَأنها مِن جِنانِ الخُلْدِ عَدْنانُ قَوَاعِدٌ كُنَّ أَرَكانَ البلادِ فَما ... عَسَى البقاءُ إذا لم تَبْقَ أركانُ وَالماءُ يَجْرِي بسَاحَاتِ القُصُور بها ... قَدْ حَفَّ جَدوَلَهَا زَهْرٌ وَرَيْحَانُ وَنهْرُها العَذْبُ يَحْكِي في تَسَلْسُلِهِ ... سُيُوفَ هِنْدٍ لَها في الجوِّ لَمْعانُ وأينْ جَامِعُها المشْهُوْرُ كَمْ تُلُيَتْ ... فِي كُلِّ وَقُتٍ بِه آي وَفُرْقَانُ وعَالِمٌ كان فَيه لِلْجَهُولِ هُدَى ... مُدَرِّسٌ ولَه في العِلْمِ تِبْيَانُ ... وعابِدٌ خاضعٌ لله مُبْتَهِلٌ ... والدَمْعُ منه عَلَى الخَدَّين طُوفَانُ وأيْنَ مَالِقَةٌ مَرْسَى المراكب كَمْ ... أرْسَتْ بِسَاحَتِهَا فُلْك وغُرْبانُ وكَم بداخِلِهَا مِن شَاعِرِ فَطِنٍ ... وذِي فُنُونٍ لَهُ حذْقٌ وتِبْيَانُ وكَمْ بِخَارِجها مِن مَنْزَهٍ فَرِجٍ ... وَجَنَّةٍ حَوْلَهَا نَهْرٌ وبُسْتانُ وأينَ جَارَتُها الزَّهْرَا وقُبَتَّهُا ... وأينَ يا قَومُ أَبْطَالُ وفُرْسَانُ وأيْنَ بَسْطةُ دَار الزَّعْفَرِانِ فَهَلْ ... رَآى شَبِيْهَاً لَها في الحُسْنِ إِنسَانُ وكَمْ شُجَاع زَعِيْمٍ في الوَغَى بَطلٍ ... تَبْكِيْه مِن أَرْضِهِ أهلَّ وَوِلْدَانُ وَوَادِيَاً مَن غَدَتْ بالكُفْرِ عَامِرةً ... وَرَدَّ تَوْحِيْدَهَا شِرْكٌ وطُغْيَانُ كذا المَريَّةُ دَارُ الصَّالحِينَ فَكَمْ ... قُطْبٌ بِهَا عَلَمٌ بَحْرٌ له شَانُ تَبْكِيْ الحَنيفيةُ الَبْيضَاءُ مِن أَسَفٍ ... كما بَكَى لِفِرَاقِ الإِلفِ هَيْمَانُ حتَّى المحَارِيْب تِبْكِي وهي جَامِدَة ... حتَّى المَنَابرَ تَبْكِيْ وهي عِيْدَانُ على دِيارٍ مِن الإسلامِ خَالِيةٍ ... قَدْ أقْفَرَتْ ولهَا بالكُفْرِ عُمْرَانُ حَيْثُ المساجِدَ قَدْ أَمْسَتْ كَنَائِسَ ما ... فيْهِنَّ إِلا نَوِاقِيْس وصُلْبَانُ يا غافلاً ولَهُ في الدهرِ مَوْعِظَةٌ ... إن كُنْتَ في سِنَةٍ فالدهرُ يَقْظَانُ وماشيًا مَرحَاً يُلْهِيْهُ مَوْطَنُهُ ... أبَعْدَ حِمْصٍ تَغُرُ المرء أوْطَانُ تِلْكَ المصُيْبَةُ أنْسَتْ مَا تَقَدَّمَهَا ... ومَالَهَا مَعْ طَوِيْل الدهرِ نِسْيَانُ يا رِاَكَبِيْنَ عِتَاقَ الخَيْلَ ضَامِرةً ... كَأَنَّهَا في مَجَالِ السَّبْقِ عقْبَانُ وحِامِلَيْنَ سُيُوفَ الهِنْدِ مُرْهَفَةً ... كَأَنَّها في ظَلامِ الليلِ نِيْرَانُ

ألا إنما الدنيا مطية راكب

ورَاتِعِينَ وَرَاءَ النَّهْرِ في دَعَةٍ ... لَهُمْ بِأوطَانِهِم عِزٌ وسُلْطَان أَعِنْدَكُمْ نَبَأ مِن أمرِ أندَلُسِ ... فَقَدْ سَرَى بِحَدِيْثِ القَوْمِ رُكْبَانُ كَم يَسْتَغِيْثُ صَنَادِيدُ الرِجَالِ وهُمْ ... أسْرَى وقَتْلَى فلا يَهْتَزُ إِنسانُ ماذا التقاطعُ في الإسلامِ بَيْنَكُمُ ... وأنتُمُ يا عِبَادَ الله إخوانُ ألا نُفُوسٌ أبِيَّاتٌ لها هِمَمٌ ... أمَا عَلَى الخَيْرِ أنْصَارٌ وأعْوَانُ يَا مَن لِنُصْرَةِ قَوْمٍ قُسِمّوُا فِرَقَاً ... سَطَا عَلَيْهْم بها كُفْرٌ وطُغْيَانُ بِالأمْس كانُوا مُلْوكَاً في مَنَازِلهِمْ ... واليومَ هُمْ في قُيُودِ الكُفِر عُبْدَانُ فَلَو تَرَاهُم حَيَارى لا دلِيْلَ لَهُمْ ... عَلَيْهِمُ مِن ثِيَابِ الذُلٍ ألْوَانُ ولو رَأَيْتَ بُكَاهُم عِنْدَ بَيْعِهِمُ ... لهَالَكَ الأَمْرُ واسْتَهْوتْكَ أحْزَانُ ... يارُبَّ طِفْلٍ وأُمٍ حِيلَ بَينَهُمَا ... كَمَا تُفَرّقُ أرْوَاحٌ وَأَبْدَانُ وَطِفْلَةٍ مِثْلَ حُسْنُ الشَمِس إذ طَلَعَتْ ... كَأنَمَا هِيَ يِاقُوْتٌ ومَرْجَانُ يَقُودُهَا العِلْجُ لِلْمَكْرُوهِ مُكْرَهَةً ... والعَيْنُ بَاكَيِةٌ والقَلْبُ حَيْرَانُ لِمثْلِ هَذَا يَذُوْبُ القَلْبُ مِن كَمدٍ ... إنْ كَانَ في الْقَلْب إسْلاَم وإيمانُ هَلْ لِلجَهادِ بها مِن طَالب فَلَقَدْ ... تَزَخْرَفَتْ جَنَّةُ الْمأْوَى لَها شَانُ وأشْرَف الحُوْرُ والوِلدَانُ مِن غُرَفٍ ... فَازَتْ ورَبِّ بهذا الخَيْرِ شُجْعَانُ ثم الصلاةُ على المختارِ مِن مُضَرٍ ... مَاهَبَّ رِيحُ الصَّبَا واهْتَزَّ أغْصَانُ انْتَهَى آخر: ألاَ إِنّما الدٌّنيا مَطِيَّةُ راكِبِ ... تَسِيرُ بِهِ في مَهْمَهٍ وسَباسِبِ فإمَّا إلى خَيْر يًسُرُّ نَوالُهُ ... وإمّا إلى شَرٍّ وسُوءِ مَعاطِبِ فَلوْلاَ ثَلاَثٌ هُنَّ أَفْضَلُ مَقْصِدٍ ... لمَا كُنْتُ في طُول الحياةِ براغَبِ مُلازَمَةُ خَيْرِ اعتقِادٍ مُنزَّهًا ... عَن النَّقْصِ والتَّشِبيهِ رَبَّ المَواهِبِ ونَشْرُ عُلُومٍ للشَّرِيعةِ ناظِمًا ... عُقُودَ مَعانِيهَا لِتَفْهيمِ طَالِبِ وصَوْنيَ نَفْسِي عَن مُزاحَمَةٍ عَلَى ... دَنِىِّ حُطامٍ أَوْ عَلِيِّ مَنَاصِبِ

أنت المسافر والدنيا الطريق

ففِي ذَاكَ عِزٌّ بالقُنُوعِ وَرَاحَةٌ ... مُعَجَّلةٌ مِن خَوْفِ ضِدٍّ مُغالِبِ وحَسبُكَ في ذا قَوْلُ عالِمِ عَصْرِهِ ... مَقالُ مُحِقٍّ صادِقٍ غَيْرِ كاذِبَ كَمالُ الفَتَى بالعِلْمِ لا بالمناصِبِ ... ورُتْبةُ أهْلِ العِلْمِ أسْنَى المَرَاتِبِ انْتَهَى حث على صيانة الوقت واسْتِغْلاَلِهِ في الباقيات الصالحات آخر: أَنْتَ المُسَافِرُ والدُنْيَا الطَّرِيْقُ وَأَنْـ ... ـفَاسٌ خُطَاكَ وَرَأْسُ المَرْءِ إيْمَانُ فاجْعَلْ لِنَفْسِكَ تَقْوَى اللهِ مَدْرَجَةً ... فَلِلإسَاءَاتِ قُطَّاعٌ وأَعْوَانُ يَا قَومٌُ دُنْيَاكُمُوْ دَارٌ مُزَوَّقَةٌ ... لكِنْ لَهَا وُضِعَتْ في الرَّمْلِ أَرْكَانُ لَهَا سُقُوفٌ بِلاَ أُسٍ مُزَخْرَفَةٌ ... وكَيْفَ يُبْنِيَ بِغْيْرِ الأُسَِ بُنْيَانُ كَمْ فَاتِحٍ عَيْنَهُ فَيْهَا تَخَطَّفَهَ ... أيْدِي الرَّدَى قَبْلَ أَنْ تَنْضَمَّ أَجْفَانُ هِيَ السَّرَابُ وَمَاءٌ الوَجْهِ تُهْرِقُهُ ... ولا يَرَى فِيهِ وَجْهَ الماءِ عَطْشَانُ رَحًى يَدُوْرُ دَقِيْقٌ شَأْنُهُ عَجَبٌ ... غَدَا لِكُلِّ خَلِيْلٍ وَهْوَ طَحَّانُ يَسُرُّ كُلُّ فَتًى طُوْلُ الزَّمَانِ بِهِ ... ولِلْفَتَى حَاصِلُ الأزْمَانِ إِزْمَانُ

فبادر إلى الخيرات قبل فواتها

آخر: فَبَادِرْ إلى الخَيْرَاتِ قَبْلَ فَوَاتِهَا ... وَخَالِفْ مُرَادَ النَّفْسِ قَبْلَ مَمَاتِهَا سَتَبْكِيْ نُفُوسٌ في القِيَامَةٍ حَسْرَةً ... عَلى فَوْتِ أَوْقَاتٍ زَمَانَ حَيَاتِهَا فَلاَ تَغْتَرِرْ بِالعِزِّ وَالمَالِ والمُنَى ... فَكَم قَدْ بُلِيْنَا بانْقِلاَبِ صِفَاتِهَا آخر: تَزَوَّدْ مِن الدنيا بِسَاعَتِكَ التي ... ظفِرتَ بها ما لم تَعُقْكَ العَوائِقُ فلا يومُكَ الماضِي عليكَ بِعَائِدٍ ... ولا يَومُكَ الآتِي بِهِ أَنْتَ وَاثِقٌ آخر: يَا غَافِليْنَ أَفِيْقُوا قَبْلَ مَوْتِكُمُ ... وَقَبْلَ يُؤْخَذُ بالأَقْدَامِ واللِّمَمِ والنَّاسُ أَجْمَعُ طُرًا شاخِصُوْنَ غَدًا ... لاَ يَنْطِقُونَ بِلاَ بَكْمٍ وَلاَ صَمَمِ والْخَلْقُ قَدْ شُغِلُوا والْحَشْرُ جَامِعُهُمْ ... واللهُ طَالِبُهُم بالْحِلّ والْحَرَمِ وَقَدْ تَبَدَّى لأَهْلِ الْجَمْعِ كُلِّهِم ... وَعْدُ الإِلهِ مِنَ التّعْذِيبِ والنِّقَمِ وَكُلُّ نَفْسٍ لَدَى الْجَبّارِ شَاخِصَةٌ ... لاَ يَنْطِقُونَ بِلاَ رُوْحٍ مِنَ الزَّحَمِ

بسم الذي أنزلت من عنده السور

آخر: بِسْمِ الذِي أُنْزِلَتْ مِنْ عِنْدِهِ السُّوَرُ ... الحَمْدُ للهِ أَمَّا بَعْدُ يَا عُمَرُ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا تُبْقِى وَمَا تَذَرُ ... فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ قَدْ يَنْفَعُ الحَذَرُ ... واصْبِرْ عَلَى القَدَرِ المَقْدُورِ وارْضَ به ... وإِنْ أَتَاكَ بِمَا لا تَشْتَهِي القَدَرُ فَمَا صَفَا لامْرِئٍ عَيْشٌ يُسَرُّ بِهِ ... إِلاَّ وَأَعْقِبَ يَوْمًا صَفْوَهُ كَدَرُ قد يَرعَوِي المَرْءُ يَوْمًا بَعْدَ هَفْوَتِهِ ... وتَحْكمُ الجَاهِلَ الأَيَّامُ والعِبَرُ إِنَّ التُّقَى خَيْرُ زَادٍ أَنْتَ حَامِلُهُ ... والبِرُّ أَفْضَلُ مَا تَأَتِي وَمَا تَذَرُ مَن يَطْلُبِ الجَوْرَ لا يَظْفُرْ بِحَاجَتِه ... وطَالِبُ العَدْلِ قَدْ يُهْدَى لَهُ الظَّفَرُ وفي الهُدَى عِبَرٌ تُشْفَى القُلُوبُ بِهَا ... كالغَيْثِ يَحْيَى بِهِ مَنْ مَوتِهِ الشَّجَرُ وَلَيْسَ ذُو العِلْمِ بالتَّقْوَى كَجَاهِلِهَا ... ولا البَصِيرُ كَأَعْمَى مَالَهُ بَصَرُ والذِّكْرُ فِيْهِ حَيَاةٌ لِلْقُلُوبِ كَمَا ... تَحْيَا البِلادُ إِذَا مَا جَاءَهَا المَطَرُ والعِلْمُ يَجْلُو العَمَى عَن قَلْبِ صَاحِبه ... كمَا يُجَلِّي سَوادَ الظُّلمَةِ القَمَرُ

لا يَنْفَعُ الذِّكْرُ قَلْبًا قَاسِيًا أَبدًا ... وهَلْ يَلِيْنُ لِقَوْلِ الوَاعِظِ الحَجَرُ ما يَلْبَثُ المَرْءُ أَنْ يَبْلَى إِذَا اخْتَلَفت ... يَوْمًا عَلَى نَفْسِهِ الرَّوْحَاتُ وَالبِكَرُ والَمْرءُ يَصْعَدُ رَيْعَانُ الشَّبَابِ بِهِ ... وكُلُّ مُصْعِدَةٍ يَوْمًا سَتَنْحَدِرُ وكُلُّ بَيِتٍ سَبَيْلَى بَعْدَ جِدَّتِهِ ... ومِن وَرَاءِ الشَّبَابِ المَوْتُ والكِبَرُ والمَوْتُ جِسْرٌ لِمَنْ يَمْشِيْ عَلَى قَدَمِ ... إِلَى الأُمُورِ التِي تُخْشَى وَتَنْتَظَرُ فَهُمْ يَمُرُّونَ أَفْوَاجًا وَتَجْمَعُهَم ... دَارٌ يَصِيْرُ إِلَيْهَا البَدْو والحَضَرُ كَمْ جَمْعُ قَوْمٍ أَشَتَّ الدَّهُر شَمْلَهُم ... وَكُلُّ شَمْلٍ جَمِيْعٍ سَوْفَ يَنْتَثِرُ وَرُبَّ أَصْيَدَ سَامَ الطَّرْفِ مُقْتَضِبًا ... بالتَّاج نِيْرانُه لِلْحَرْبِ تُسْتَعرُ يَظَلُّ مُفْتَرِشَ الدِّيْبَاجِ مُحْتَجِبًا ... عَلَيْهِ تُبْنِى قِبَابُ المُلْكِ وَالحُجَرُ إِلَى الفَنَاءِ وَإِن طَالَتْ سَلامَتُهُم ... مَصِيْرُ كُلِّ بَنِي أنثَى وَإِنْ كَبُرُوا إِذا قَضَتْ زُمَرٌ آجالَها نَزَلَتْ ... علَى مَنَازِلِهِم مِنْ بَعْدِهَا زُمَرُ

أَصْبَحْتُمُ جُزُرًا لِلْمَوْتِ يَأْخُذُكُمْ ... كَمَا البَهَائِمِ فِي الدُّنْيَا لَكُمْ جُزُرُ أَبَعْدَ آدَمَ تَرْجُونَ الخُلُودَ وَهَل ... تَبْقَى الفُرُوعُ إِذَا مَا الأَصْلُ يَنْعَقِرُ وَلَيْسَ يَزْجُرُكُمْ مَا تُوعَظُونَ بِهِ ... وَالبَهْمُ يَزْجُرُهَا الرَّاعِي فَتَنْزَجِرُ لا تَبطُرُوا واهْجُروا الدُّنْيا فإِنَّ لهَا ... غِبًا وَخِيْمًا وَكُفْرُ النِّعْمَةِ البَطَرُ ثُمّ اقْتَدُوا بالأُلَى كَانُوا لَكُمْ غُرَرًا ... ولَيْسَ مِن أُمَّةٍ إِلا لَهَا غُرَرُ مَتَى تَكُونُوا عَلَى مِنْهَاجِ أَوَّلِكُمْ ... وتَصْبِرُوا عَن هَوَى الدُّنْيَا كَمَا صَبَرُوا مَالِي أَرَى النَّاسَ والدُّنْيَا مُوَليَّةٌ ... وَكُلُّ حَبْلِ عَلَيْهَا سَوْفَ يَنْبَتِرُ ... لا يَشْعُرُونَ إِذَا مَا دِيْنَهُم نُقِصُوا ... يوْمًا وَإِنْ نُقِصَتْ دُنْيَاهُم شَعِرُوا حَتّى مَتَى أَكُ في الدُّنْيا أَخَا كَلَفٍ ... في الخَدِّ مِنِّي إِلى لَذَّاتِهَا صَعرُ ولا أَرى أَثَرًا لِلذكْرِ في جَسَدِي ... والحَبْلُ في الحَجَرِ القَاسِي لَهُ أَثَرُ لَوْ كَانَ يُسْهِر لَيِْلي ذِكْرُ آخِرتِي ... كَمَا يُؤرِّقَنِي لِلْعَاجِل السَّفَرُ

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل

إِذًا لَدَاوَيْتُ قَلْبًا قَدْ أَضَرَّ بِهِ ... طُولُ السِّقامِ وَكَسْرُ العَظْمِ يَنْجَبِرُ ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى المَعْصُومِ سَيِّدِنَا ... ما هَبَّت الرِّيْحُ واهْتَزَّتْ بِهَا الشَّجَرُ انْتَهَى آخر: إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلا تَقُلْ ... خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيْبُ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفَلُ سَاعَةً ... وَلا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيْبُ لَهَوْنَا لَعَمْرُ اللهِ حَتَّى تَتَابَعَتْ ... ذُنُوبٌ عَلَى آثَارِهِنَّ ذُنُوْبُ فَيَالَيْتَ أَنَّ اللهَ يَغْفِرُ مَا مَضَى ... وَيَأْذَنُ في تَوْبَاتِنَا فَنَتُوْبُ أَقُوْلُ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيَّ مَذَاهِبِيْ ... وَحَلَّ بِقَلْبِيْ لِلْهُمُومِ نُدُوْبُ لِطُوْلِ جِنَايَاتِي وَعُظْمِ خَطِيْئَتِي ... هَلَكْتُ وَمَا لِي في المَتَابِ نَصِيْبُ وَيُذْكِرُنِي عَفْوُ الكَريْمِ عَنْ الوَرَى ... فَأَحْيَا وَأَرْجُوْ عَفْوَهُ وَأَنِيْبُ فَأَخْضَعُ في قِولي وَأَرَغْبُ سائلاً ... عَسَى كَاشِفُ البَلْوى عَلَيَّ يَتُوبُ انْتَهَى

يا نفس كفي فطول العمر في قصر

توبيخ للنفس وتضرع إلى الله وحث على الاستعداد لليوم الآخر يا نَفْسُ كُفِي فَطُولُ العُمرِ في قِصَرٍ ... وما أَرَىَ فِيكِ لِلتَّوِبيخِ من أَثَرِ يا نَفْسُ قَضَيْتُ عُمْرِي في الذُنُوبِ وقَدْ ... دَنَا المماتُ ولم أَقْضِ مِنْ الوَطَرِ يا نَفْسُ غَرَّكِ مِن دُنْيَاكِ زُخْرُفُهَا ... ولم تَكُوني بهَوْلِ الموتِ تَعْتَبِري يا نَفْسُ بالَغْتِ بالعِصيانِ غاوِيَةً ... ولَمْ تُبَالِي بتَحْذِيْرٍ ومُزْدَجَرِ آخر: يَا مَنْ يُجِيْبُ دُعَا المُضْطَرِّ في الظُّلَمِ ... يَا كَاشِفَ الضُّرِّ وَالبَلْوَى مَعَ السِّقَمِ قَدْ نَامَ وَفْدُكَ حَوْلَ البَيْتِ وَانْتَبَهُوا ... وَأَنَتَ عَيْنُكَ يَا قَيُوْمُ لَمْ تَنَمِ هَبْ لِيْ بِجُوْدِكَ فَضْلَ العَفْوِ عَنْ جُرمِي ... يَا مَنْ إليه أشَارَ الخلْقُ في الحَرَمِ إنْ كَانَ عَفْوُكَ لاَ يُدْرِكْهُ ذُوْ سَرَفٍ ... فَمَنْ يَجُوْدُ عَلى العَاصِيْنَ بالكَرَمِ آخر: مَثِّلْ لِنَفْسِكَ أَيُّهَا المَغْرُوْرُ ... يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَاءُ تَمُورُ

قد آن بعد ظلام الجهل إبصاري

قَدْ كُوِّرَتْ شَمْسُ النَّهَارِ وَأُضْعِفَتْ ... حَرًّا عَلَى رُؤُسِ العِبَادِ تَفُوْرُ وَإِذَا الجِبَالُ تَعَلَّقَتْ بِأَصُولِهَا ... فَرَأَيْتَهَا مِثْلَ السَّحَابِ تَسِيْرُ وإِذَا النُّجُومُ تَسَاقََطَتْ وَتَنَاثَرَتْ ... وتَبَدَّلَتْ بَعْدَ الضِّيَاءِ كُدُوْرُ وإِذَا العِشَارُ تَعَطَّلَتْ عَنْ أَهْلِهَا ... خَلَتِ الدِّيَارُ فَمََا بِهَا مَعْمُوْرُ وإِذَا الوُحُوشُ لَدَى القِيَامَةِ أُحْضِرَتْ ... وتَقُوْلُ لِلأمْلاكِ أَيْنَ نَسِيْرُ فَيُقَالُ سِيْرُوا تَشْهَدُوْنَ فَضَائِحًا ... وَعَجَائِبًا قَدْ أُحْضِرَتْ وَأُمُوْرُ وإِذَا الجَنِيْنُ بِأُمِّهِ مُتَعَلِّقٌ ... خَوْفَ الحِسابِ وَقَلْبُهُ مَذْعُوْرُ هَذَا بِلا ذَنْبٍ يَخَافُ لِهَولِهِ ... كَيْفَ المُقِيْمُ عَلَى الذُّنُوْبِ دُهُوْرُ انْتَهَى آخر: قد آنَ بعد ظلامِ الجهلِ إبصارِي ... الشيبُ صُبْحٌ بَناجِينيِ بإسفارِ لَيلُ الشبابِ قصيرٌ فاسْر مُبْتدرًا ... إنّ الصَّباح قُصَارَى المُدْلِجِ السارِى كَم اغترارىَ بالدنيا وزُخْرُفِهِا ... أَبْني بِنَاها على جُرْفٍ لَهَا هَارِي

نور الحديث مبين فادن واقتبس

وَوَعْدِ زُورٍ وعَهْد لاَ وَفَاء لَه ... تَعلَّمَ الغَدْرَ منها كُلُّ غَدَّارِ ... دارٌ مآثِمُهَا تَبْقى ولّذتُها ... تَفْنى ألا قُبِّحَتْ هَاتيكَ مِن دارِ فَلَيتَ إذ صفِرت مما كَسَبْتُ يَدِي ... لم تَعتِلقْ مِن خَطَايَاهَا بأوْزَارِ ليس السعيدُ الذي دُنياه تُسعِدُهُ ... إن السَّعِيدَ الذي يَنْجُوَ مِن النارِ انْتَهَى آخر: نُورُ الحَدِيْثِ مُبِينٌ فادْنُ وَاقْتَبِِسِ ... وَاحْدُ الرِّكَابَ لَهُ نَحْوَ الرِّضَا النَّدُسِِ مَا العِلْمُ إِلا كِتَابُ اللهِ أَوْ أَثَرٌ ... يَجْلُو بِنُورِ هُدَاهُ كُلَّ مُلْتَبِسِ نُوْرٌ لِمُقْتَبِسٍ خَيْرٌ لِمُلْتَمِسِ ... حِمى لِمُحْتَرِسٍ نُعْمَى لِمُبْتَئِسِ فاعْكُفْ بِبَابِهِمَا عَلَى طِلابِهِمَا ... تَمْحُو العَمَى بِهِمَا عَنْ كُلِّ مُلْتَبِسِ وَرِدْ بِقَلْبِكَ عَذْبًا مِنْ حِيَاضِهِمَا ... تَغْسِلْ بِمَائِهِمَا مَا فِيْهِ مِنْ دَنَسِ واقْفُ النَّبِيَّ وَأَتْبَاعَ النَّبِي وَكُنْ ... مِنْ هَدْيِهِم أَبَدًا تَدْنُو إِلى قَبَسِ

إذا ما الليل أظلم كابدوه

والْْزَمْ مَجَالِسَهُمْ وَاحْفَظْ مَجَالِسَهُم ... وَانْدُبْ مَدَارِسَهُم بِالأَرْبَعِ الدُّرُسِ واسْلُكْ طَرِيْقَهُمُ وَاتْبَعْ فَرِيقَهُمُ ... تَكُنْ رَفِيْقَهُمُ فِي حَضْرَةِ القُدُسِ تِلْكَ السَّعَادَةُ إِنْ تُلْمِمْ بِسَاحَتِهَا ... فَحُطَّ رَحْلَكَ قَدْ عُوْفِيْتَ مِنْ تَعَسِ آخر: إِذَا مَا اللَّيْلُ أَظْلَمَ كَابَدُوْهُ ... فَيُسْفِرُ عَنْهُمُو وَهُمُوْ رُكُوْعُ أَطَارَ الخَوْفُ نَوْمَهُمُو فَقَامُوْا ... وَأَهْلُ الأَمْنِ في الدُّنْيَا هُجُوْعُ لَهُمْ تَحْتَ الظَّلاَمِ وَهُمْ سُجُوْدٌ ... أَنِيْنٌ مِنْهُ تَنْفَرِجُ الضُّلُوْعُ وخُرْسٌ في النَّهَارِ لِطُوْلِ صَمْتٍ ... عَلَيْهِمْ مِنْ سَكِيْنَتِهِمْ خُشُوْعُ * * * (مُقَطَّعَات في التَّزْهِيْدِ في الدنيا والحثِ على صِيَانةِ الوقت) لَحَى الله دُنيا لا تَكُونُ مَطِيَّةً ... إلى دارِك الأخرى تزُمّ وتركبُ عَجِبْتُ لِمَن يَرْجُو الرَّضا وهُو مُهْمِلٌ ... وتَسْويْفُنَا مَعْ ذلكَ العِلمِ أَعْجَبُ

أطل جفوة الدنيا ودع عنك شأنها

ومَا هذه الأيامُ إلاّ مَرَاحِلٌ ... وأجْدَرْ بها تُقْضَى قَرِيْبًا وتَنْضِبُ إذا كانَت الأنفاسُ لِلعُمْر كَالخُطَا ... فإنَّ المدَى أَدْنَى مَنالاً وأَقْرَبُ انْتَهَى آخر: أَطِل جَفْوَةَ الدُنْيَا وَدَعْ عَنْكَ شَأْنَهَا ... فَمَا الغَافِلُ المَغْرُوْرُ فِيها بِعَاقِلِ وَلَيْسَ الأَمَانِي لِلْبَقَاءِ وإِن جَرَتْ ... بِهَا عَادَةٌ إلا تَعَالِيْلُ بَاطِلِ يُسَارُ بِنَا نَحْوَ المَنُونِ وَإِنَّنَا ... لَنُسْعَفُ في الدُنْيَا بطَيِ المَرَاحِلِ غَفَلْنِا عَن الأَيَّامِ أَطْوَلَ غَفْلَةٍ ... ومَا حُوْبُهَا المَجْنِيُّ مِنْهَا بِغَافِلِ انْتَهَى آخر: بِرُوحِي أُناسًا قَبْلَنا قَد تَقَدَّمُوا ... ونَادوْا بنِا لَو أَنَّنا نَسْمَعُ النِّدَا وَسَارَتْ بهم سَيْرَ المطِيّ نُعوشُهم ... وبَعْضُ أَنِين القَادِمينَ لهُم حُدَا وأَمْسَوْا عَلى البَيْدَاءِ يَنْتَظِرونَنَا ... إلى سَفَرٍ يَقْضِي بأن نَتَزَوَّدَا فَرِيدُونَ في أجْدَاثِهِم بِفِعَالِهِم ... وكَمْ مِنْهُمُ مَن سَاقَ جُنْدًا مُجَنَّدا تَساوَوْا عِدىً تَحتَ الثَرَى وأَحِبَةً ... فلا فَرقَ ما بَينَ الأحِبَّةِ والعِدَى

قف بالمقابر واذكر إن وقفت بها

سَلِ الدهرَ هَلْ أَعْفَى مِن الموتِ شَائِبًا ... غَدَاةَ أَدارَ الكَاسَ أمْ رَدَّ أَمْردًا انْتَهَى آخر: قِفْ بالمَقَابِرِ واذْكُرْ إنْ وَقَفْتَ بِهَا ... للهِ دَرُّكَ مَاذَا تَسْتُرُ الحُفَرُ فَفيْهِمُ لَكَ يَا مَغْرُوْرُ مَوْعِظَةٌ ... وَفِيْهِمُ لَكَ يَا مَغْرُوْرُ مُعْتَبَرُ كَانُوْا مُلُوْكًا تُوَارِيْهِمْ قُصُوْرُهُمُ ... دَهْرَاً فَوَارَتْهُمُ مِن بَعْدِهَا الحُفَرُ انْتَهَى آخر: يَمْشُونَ نَحْوَ بُيُوتِ اللهِ إذ سَمِعُوا ... أللهُ أكْبَرُ في شَوْقٍ وفي جَذَلِ أرْوَاحُهُم خَشَعَتْ لله في أَدَبِ ... قُلُوبُهُم مِن جَلاَلِ اللهِ في وَجَلِ نَجْوَاهُمُ رَبَّنَا جئْنَاكَ طَائِعَةً ... نُفُوسُنَا وعَصَيَنَا خادعَ الأمَلِ إذا سَجَى اللَّيْلُ قَامُوُهُ وأعْيُنُهُمْ ... مِن خَشْيَةِ اللهِ مِثْلَ الجَائِدِ الهَطِل هُمُ الرِجَال فلا يُلْهِيْهِمُ لَعِبٌ ... عَن الصلاةِ ولا أُكْذُوبَةُ الكَسَلِ انْتَهَى آخر: لا في النهار ولا في الليل لِي فرحٌ ... فَما أبالي أطَالَ الليلُ أم قَصُرَا

لعمري لقد نوديت لو كنت تسمع

لأنَّنِي طُولَ لَيْلِي هَائِمٌ دَنِفٌ ... وبالنهارِ أقاسِي الهَمَّ والفِكَرَا آخر: لَعَمْرِي لَقْد نُودِيْتَ لَوْ كُنْتَ تَسْمَعُ ... أَلَمْ تَرَ أَنَّ المَوتَ مَا لَيْسَ يُدْفَعُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ النَّاسَ في غَفَلاَتِهِمْ ... وَأنَّ المَنَايَا بَيْنَهُم تَتقَعْقَعُ أَلَمْ تَرَ لَذَّاتِ الجَدِيْدِ إلى البلَى ... أَلَمْ تَرَ أَسْبَابَ الأُمُوْر تَقَطَّعُ ألَمْ تَرَ أنَّ المَوْتَ يَهْتَزُّ سَيْفُهُ ... وَأَنَّ رِمَاحَ المَوْتِ نَحْوَكَ شُرَّعُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الدَّهْرَ في كُلِّ سَاعَةٍ ... لَهُ عَارِضٌ فِيْهَ المَنِيَّةُ تَلْمَعُ أَيَا بَانِيَ الدُّنْيَا لِغَيْرِكَ تَبْتَنِي ... وَيَا جَامِعَ الدُّنيا لِغَيْرِكَ تَجْمَعُ انْتَهَى آخر: وَلَمَّا قَسَا قَلْبِيْ وَضَاقَتْ مَذَاهِبِيْ ... جَعَلْتُ الرَّجَا مِنِّيْ لِعَفْوِكَ سُلَّمَا تَعَاظَمَنِي ذَنْبِيْ فَلَمَّا قَرَنْتُهُ ... بِعَفْوِكَ رَبِّي كَانَ عَفُوُكَ أَعْظَمَا وَمَا زِلْتَ ذا عَفْوٍ عَن الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ ... تَجُوْدُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَا

أجاعتهم الدنيا فخافوا ولم يزل

آخر: أَجَاعَتْهُمْ الدُّنْيَا فَخَافُوا وَلَمْ يَزَلْ ... كَذَلِكَ ذُو التَّقوىَ عَنْ العَيْشِ مُلْجَمَا أَخُو طَيءٍّ دَاوُدُ مِنْهُمُ وَمِسْعَرٌ ... وَمِنْهُم وهَيْبٌ وَالْعَرِيبُ بْنُ أَدْهَمَا وَفي ابْنِ سَعِيْدٍ قُدْوَةُ البِرِّ وَالنُّهَى ... وفي الوَارِثِ الفَارُوْقِ صِدْقًا مُقَدَّمَا ... وَحَسْبُكَ مِنْهُمْ بالفُضَيْلِ مَعَ ابْنِهِ ... وَيُوسُفَ إنْ لَمْ يَألُ أَنْ يَتَسَلَّمَا أَوْلِئكَ أَصْحَابِي وَأَهْلُ مَوَدَّتِيْ ... فَصَلَّى عَلَيْهم ذُو الجَلاَلِ وَسَلَّمَا فَمَا ضَرَّ ذَا التَّقْوَى نِصَالُ أَسِنَّةٍ ... وَمَا زالَ ذُو التَّقْوَى أَعَزَّ وَأَكْرَمَا وَمَا زَالَتْ التَّقْوَى تُرِيْكَ عَلى الفَتَى ... إِذَا مَحَّضَ التَّقْوَىِ مِنْ العِزِّ مِيْسَمَا انْتَهَى آخر: اجْعَل شِعَارَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ التُقَى ... قَد فَازَ مَن جَعَل التُقَى إشْعَارَهُ واسْلُكْ طريقَ الحقِّ مُصْطَحِبًا بهِ ... إخْلاصَ قلْبَكَ حَارِسًا إسْرَارَهُ وإذا أَرَدْتُ القُرْبَ مِن خيرِ الورَىَ ... يَوم القِيَامَةِ فاتَّبعْ آثَارُهُ

ونفسك فازجرها عن الغي والخنا

آخر: ونَفسَكَ فازْجُرْها عَن الغَي والخَنَا ... ولا تَتَّبْعها فَهْيَ أُسُ المَفَاسِدِ وحَاذِرْ هَواهَا مَا اسْتطعَتَ فَإِنَّهُ ... يَصُدُّ عَن الطاعاتِ غَيْرَ المُجَاهِدِ وإن جهادَ النَّفس حَتْمٌ على الفتى ... وإنَّ التُّقىَ حَقًّا لِخَيْرُ المقَاصِدِ فإنْ رُمْتَ أن تُحْظى بنَيْل سعادةٍ ... وَتُعْطى مَقَامَ السالكينَ الأَمَاجِدِ فبادِرْ بِتَقْوَى الله واسْلُكْ سبيلها ... وَلاَ تَتَّبعْ غَيَّ الرجيم المُعَانِدِ وإِيَّاكَ دُنْيا لا يَدُومُ نَعِيْمُهَا ... وإنكَ صَاحِ لَسْتَ فيها بِخَالِدِ تَمَسَّكَ بِشَرعِ اللهِ وَالْزَمْ كِتَابهُ ... وبِالعِلمِ فاعْمَلْ تَحْوِ كُلَّ المَحَامِدِ انْتَهَى آخر: تَجهَّزِي بجَهازٍ تَبلَغينَ به ... يا نفسُ قَبلَ الرّدَى لم تُخْلقَي عَبثَا وساَبِقِي بَغْتَةَ الآجال وانْكَمشِي ... قَبْلَ اللّزِام فلا مَلْجَا ولا غَوثَا ولا تَكُدِّي لِمَنْ يَبْقَى وتَفتَقرِي ... إِنّ الرّدَى وارِثُ البَاقِي ومَا وَرِثَا وأخْشَيْ حَوادِثَ صَرْفِ الدَهر في مَهَلٍ ... واسْتَيَقِظِي لا تكوُنِي كالّذي بَحَثا عنْ مُدْيَةٍ كانَ فيهَا قَطْعُ مُدَّتِهِ ... فَوافَتْ الحرْثَ محروُثًا كَمَا حُرِثَا مَنْ كانَ حينَ تُصِيْبُ الشّمسُ جَبهتَهُ ... أَو الغُبارُ يَخَافُ الشَّيْنَ والشَّعَثَا ويَأْلَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقىَ بَشاشَتُهْ ... فَسوفَ يَسكُنُ يَوْمًا رَاغمًا جَدثَا

كيف احتيالي إذا جاء الحساب غدا

في قَعْرِ مُوحِشَة غَبْرَاءَ مُقْفِرَةٍ ... يُطِيلُ تَحْتَ الثَرا في جَوْفِهَا اللَّبَثَا انْتَهَى ... آخر: كَيْفَ احْتِيَالي إِذا جَاءَ الْحِسَابُ غَدَاً ... وَقَدْ حُشِرْتُ بِأَثْقَالِي وَأَوْزَارِي وَقَدْ نَظَرْتُ إِلى صُحْفي مُسَوَدَّةٍ ... مِنْ شؤْمِ ذَنْبٍ قَدَيْم العَهْدِ أَوْ طَارِي وَقَدْ تَجَلَّى لِبَسْطِ الْعَدْلِ خَالِقُنَا ... يَوْمَ الْمَعادَ وَيَوْمَ الذُّلِّ والعَارِ يَفُوزُ كُلُّ مُطِيْع لِلْعَزِيْزِ غَدَاً ... بِدَارِ عَدْنٍ وأشْجَارٍ وَأَنْهَارِ لهُمْ نَعْيِمٌ خُلُودٌ لا نَفَادَ لَهُ ... يُخَلَّدُوَنَ بِدَارِ الْواحِدِ الْبَّارِي وَمَنْ عَصَى في قَرَارِ النّارِ مَسْكَنُهُ ... لا يِسْتَرِيْحُ مِنَ التَّعْذَيْبِ في النَّارِ فَابْكُوا كَثِيْرًا فَقَدْ حُقَّ الْبُكَاءُ لَكُمْ ... خَوْفَ الْعَذَابِ بِدَمْع وَاكِفٍ جَارِي آخرُ: يا عَجَبًا للنَّاسِ كَيفَ اغْتَدَوْا ... في غَفْلَةٍ عَمَّا وَرَاءَ المماتْ لَوْ حَاسبَوا أنْفُسَهُم لم يَكُنْ ... لَهُم على إِحدى المعَاصِي ثَباتْ مَن شَكَّ في اللهِ فذاكَ الذي ... أُصِيْبَ في تَمْييزه بالشَّتَات يُحيْيهُمُ بَعد البِلى مِثْلَ مَا ... أَخْرَجَهُم مِن عَدمٍ لِلْحَيَاةْ * * * حث على الرضا بما قدره الله والصبر وانتظار الفرج سَلامٌ عَلَى دَارِ الغُرُورِ فإِنَّهَا ... مُنَغَّصَةٌ لِذَاتُهَا بِالفَجَائِعِ فإِنَّ جَمَعَتْ بَيْنَ المُحِبيْنَ سَاعَةً ... فَعَمَّا قَلِيْلٍ أَرْدَفَتْ بِالموانِعِ

آخَرُ: حَاسِبْ زَمَانَكَ في حَاليْ تَصَرُّفِهِ ... تَجِدْهُ أَعْطَاكَ أَضْعَافَ الذِي سَلَبَا نَفْسِيْ التِي تَمْلكُ الأَشْيَاءَ ذَاهِبَةٌ ... فَكَيْفَ أَبْكِيْ عَلَى شَيءٍ إِذَا ذَهَبَا آخَرُ: لا تَعْتِبِ الدَّهْرَ في خَطْبٍ رَمَاكَ بِهِ ... إِذا اسْتَرَدَّ فَقِدْمًا طَالَمَا وَهَبَا وَرَأْسُ مَالِكَ وَهْيَ الرُّوْحُ إِنْ سَلِمَتْ ... لاَ تَأْسَفَنَّ لِشَيءٍ بَعَدَهَا ذَهَبَا آخرُ: وَلَوْلاَ الأَسَى مَا عِشْتُ في الناسِ سَاعَةً ... وَلَكِنْ مَتَى نَادَيْتُ جَاوَبَنِي مِثْلِيْ آخر: إذا اشْتَدَّتِ البَلْوَى تُخُفِّفَ بالرَّضَا ... عن اللهِ قَدْ فَازَ الرَّضِيُّ المُرَاقِبُ وَكَمْ نِعْمَةٍ مَقْرُوْنَةٍ بِبَلِيَّةٍ ... على الناسِ تَخْفَى والبَلاَيَا مَوَاهِبُ قال بعضُهم: اصْبِرْ لِكُلِّ مُصِيْبَةٍ وَتَجلَّدِ ... واعْلَمْ بأَنَّ المَرْءَ غَيْرُ مُخَلَّدِ

فإِذا ذَكَرْتَ مُصِيْبَةً تَسْلُو بِهَا ... فاذْكُرْ مُصَابكَ بالنبيِ مُحَمَّدِ آخر: لا تَيْأَسَنَّ إذا ما الأمرُ ضِقْتَ به ... ذَرْعًا ونَمْ مُسْتَرِيحًا خالي البَالِ ما بيْنَ رَقْدَةِ عَيْنٍ وانتبَاهَتِهَا ... يُقَلَّبُ الدَّهْرُ مِنْ حَالٍ إلى حَالِ آخر: كلُّ مَنْ لاَقَيْتُ يَشْكُو دَهْرَهُ ... لَيْتَ شِعْريْ هَذِهِ الدُّنْيَا لَمِنْ آخر: أَلَحَّ عَليَّ السُقْمُ حَتَّى ألِفْتُهُ ... ومَلَّ طِبْيْبِي جَانبي والعَوائدُ آخر: تَعَوَّدْتُ مَسَّ الضُرِّ حتى ألِفْتُهُ ... وأَسْلَمني طُولُ البلاءِ إلى الصَّبْرِ ... وَوَسَّعَ صَدْري للأذَى كثرةُ الأذى ... وكانَ قديما قد يَضيقُ به صَدْرِي إذا أنا لم أقْبَلْ من الدهر كُلَّما ... تكرهْتُهُ قد طَالَ عُتْبِي على الدهر وَقَالَ آخَرُ: رُوِّعْتُ بالبَيْنِ حتى ما أراعُ لَهُ ... وبالمَصَائِبِ في أهْلِي وجِيْرانِ

آخر: وَلَمَا رَأَيْتُ الدَّهْرَ يُؤْذِنُ صَرْفُهُ ... بَتَفْرِيْقِ مَا بَيْنِيْ وَبَيْنَ الحَبَائِبِ رَجَعْتُ إلى نَفْسِيْ فَوَطّنُتَها عَلَى ... رُكُوْب جَمِيْل الصَّبْرِ عِنْدَ النَّوَائِبِ وَمَنْ صَحِبَ الدُّنْيَا عَلى سُوءِ فِعْلِهَا ... فَأَيَّامُهُ مَحْفُوفَةٌ بِالمَصَائِبِ فُخُذْ خِلْسَةً مِنْ كُلِّ يَوْمٍ تَعِيْشُهُ ... وَكُنْ حَذِرَاً مِنْ كَامِنَاتِ العَوَاقِبِ وقال آخر: وما خَيْرُ عَيْشٍ نِصْفُهُ سِنَةُ الكَرَى ... وَنِصْفٌ بِهِ نَعْتَلُّ أَوْ نَتَوَجَّعُ مَعَ الوَقْتِ يَمْضِيْ بُؤْسُهُ وَنَعِيْمُهُ ... كَأنْ لَمْ يَكُنْ والوَقْتُ عُمْرُكَ أَجْمَعُ ويقول الآخر: طُبِعَتْ عَلى كِدَرٍ وَأَنْتَ تَرُوْمُهَا ... صَفَوًا مِن الأقْذَارِ والأَكْدَارِ وَمُكَلفُ الأَيَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا ... مُتَطَّلِبٌ في النارِ جَذْوَةَ نَارِ وإذا رَجَوْتَ المُسْتَحِيْل فَإِنَّمَا ... تَبْنِيْ الرِّجَاءَ عَلَى شَفيرٍ هَارِ آخر: وما اسْتَغْرَبَتْ عَيْنَي فِرَاقًا رَأَيْتُهُ ... ولا أَعْلَمَتْني غَيْرَ ما القَلْبُ عَالِمُهْ

آخر: وهَبْنِي مَلَكْتُ الأرضَ طُرًا ونِلْتُ مَا ... أُنِيْلَ ابْنُ دَاوُدٍ مِن المالِ والمُلْكِ أَلَسْتُ أخَلِّيهِ وأُمْسِي مُسَلَّمًا ... بِرَغْمِي إِلى الأهْوال في مَنْزِلٍ ضَنْكِ آخر: مَتَى تَسْتَزِدْ فَضْلاً مِنَ العُمْرِ تَغْتَرِفْ ... بسِجْلَيْكَ مِنْ أَرْيِ الخُطُوْب وصَابِهَا يُسَرُّ بِعُمْرانِ الدِّيَارِ مُظَلَّلٌ ... وعُمْرانُها يَدْنُوهُ بِهَا مِن خَرَابِهَا ولم أَرتَضِ الدُنْيَا أوَانَ مَجِيْئهَا ... فَكَيْفَ ارْتِضَائِيهَا أَوانَ ذَهَابهَا آخر: لم يَبْقَ في العَيْشِ غَيْرُ البُؤسِ والنَّكَدِ ... فاهْرَبْ إلى الموتِ مِن هَمٍ ومِن كَمَدِ ... مَلأَتَ يَا دَهْرُ عَينِي مِن مَكَارِهِهَا ... يَا دَهْرُ حَسْبُكَ قَدْ أسْرَفْتَ فاقْتَصِدِ آخر: أَظَرِيْفُ إِنَّ العَيْشَ كَدَّرَ صَفْوَهُ ... ذِكْرُ المنِيَّةِ وَالقُبُورِ الهُوَّل دُنْيًا تَدَاوَلَهَا العِبَادُ ذَمِيْمَةً ... شِيبَتْ بِإكْرَاهَ مِنْ نَقِيْعِ الحَنْظَلِ وأُموْرُ وَقْت لا تَزَالُ مُلِمَّةً ... وَلَهَا فَجَائِعُ مِثْلُ وَقْعِ الجَنْدَلِ

آخر: الموتُ في كُلّ حِينٍ يَنْشُرُ الكَفَنَا ... ونَحْنُ في غَفلةٍ عَمَّا يُرادُ بِنَا لا تَطْمِئِنَّ إلى الدُنيا وَبَهْجَتِها ... وإنْ تَوَشَّحْتَ مِنْ أَثْوَابِهَا الحَسَنا أَيْنَ الأحِبَّةُ والجِيرانُ ما فَعَلُوا ... أينَ الذين هُمُ كانُوا لَنا سَكَنَا سَقَاهُمُ الموتُ كأسًا غَيرَ صَافِيَةٍ ... فَصَيَّرَتْهُمْ لأَطْباقِ الثَّرَى رُهُنَا تَبْكِيْ المَنَازِلُ مِنُهمْ كُلَّ مُنْسَجِمٍ ... بالمَكْرُمَاتِ وتَرْثي البِرَّ والمِنَنَا حَسْبُ الحِمَامِ لَوَ ابْقاهُمْ وأَمْهَلَهُمْ ... ألاَّ يَظُنّ على مَعْلُومِهِ حَسَنَا انْتَهَى آخر: وَمَا فرْشُهُمْ إِلا أَيَامِنُ أُزْرهِمْ ... وما وُسْدُهم إِلاَّ مِلاَءٌ وَأَذْرُعٌ وَمَا لَيْلُهم فِيْهِنَّ إِلا تَخَوُّفٌ ... وَمَا نَوْمُهُم إِلا عِشَاشٌ مُرَوَّعُ وَأَلْوَانُهُم صُفْرٌ كَأنَّ وُجُوْهَهُمْ ... عَلَيْهَا جِسَامًا مَا بهِ الوَرْسُ مُشْبَعُ نَوَاحِلُ قَدْ أَزْرَى بهَا الجُهْدُ والسُّرَى ... إلى اللهِ في الظَّلْمَاءِ والنَّايُ هُجَّعُ وَيَبْكُونَ أَحْيَانًا كأنَّ عَجِيْجَهُمْ ... إِذَا نَوَّمَ النَّاسُ الحَنِيْنُ المُرَجَّعُ

وَمَجْلِسِ ذِكْرٍ فيهم قَدْ شَهدْتُهُ ... وَأَعْيُنُهُمْ مِنْ رَهْبَةِ اللهِ تَدْمَعُ انْتَهَى * * * حث على صيانة الوقت وحفظه واستغلاله بالأعمال الصالحة شِعْرًا: تَغَنَّمْ سُكُوْنَ الحَادِثَاتِ فَإِنَها ... وَإِنْ سَكَنَتْ عَمَّا قَلِيْلٍ تَحَرَّكُ وَبَادِرْ بِأَيَّامِ السَّلاَمَةِ إِنَّهَا ... رِهَانٌ وَهَلْ لِلرَّهْنِ عِنْدَكَ مَتْرَكُ شِعْرًا: نَهارُكُ بَطَّالٌ ولَيْلُكَ نَائِمٌ ... وعَيْشُكَ يا مِسْكينُ عَيْشَ البَهائِم آخر: وَعَظَتْكَ أَجْدَاثٌ وَهُنَّ صُمُوْتُ ... وَسُكَّانُهَا تَحْتَ التُرَابِ خُفُوْتُ أَيَا جَامِعَ الدُّنْيَا لِغَيْرِ بَلاَغِهِ ... لِمَنْ تَجْمَعِ الدُّنْيَا وأَنْتَ تَمُوْتُ آخر: نَهَارٌ مُشْرِقٌ وظَلاَمُ لَيْلٍ ... أَلَحَّا بِالبَيَاضِ وبالسَّوادِ هُمَا هَدَمَا دَعَائِمَ عُمْرِ نُوْحٍ ... ولُقْمَانٍ وشَدَّادٍ وعَادِ

فيَا بَكْرَ بن حَمَّادٍ تَعجَّبْ ... لِقَومٍ سَافَروْا مِنْ غَيْرِ زَادِ تَبِيْتُ على فِرَاشِكَ مُطْمَئِنًا ... كأنَّكَ قَدْ أمِنْتَ مِنَ المَعَادِ فَيَا سُبْحَانَ مَنْ أرْسَى الرَّوَاسِي ... وَأوْفَدَهَا عَلى السَّبّعُ الشِدَادِ آخر: إذا أمْسَيْتَ فابْتَدِرِ الصَّبَاحَا ... ولا تُمْهلْهُ تَنْتَظِرِ الصَّيَاحَا وتُبْ مما جَنَيْتَ فَكَمْ أُناسٍ ... قَضَوْا نَحْبًا وقَدْ نَامُوا صِحَاحا آخر: ولا تُرْجِ فِعْلَ الصالحات إلى غدٍ ... لَعَلَّ غدًا يأتِي وأنْتَ فقِيْدُ آخر: ما عُذْرُ مَنْ يَعْمُر بُنْيَانَهُ ... وعُمْرُهُ مُسْتَهْدَمٌ يَخْرَبُ آخر: عَجِبْتُ لِتَغْريْسِي نَوى النَّخْلِ بَعدَمَا ... طلَعْتُ على السِتِيْنَ أَوْ كِدْتُ أَفْعَلُ وأدْرَكْتُ مِلء الأرضِ نَاسًا فأصْبَحُوا ... كأهل دِيَارٍ أَدْلَجُوا فَتَحَمَّلُوا وما الناسُ إلا رُفْقَةٌ قَد تَحَمَّلَت ... وأخْرَى تُقَضَّي حَاجَهَا ثم تَرْحَلُ ...

قال بعضهم: قُمْ يا مُحَمَّدُ واسْتَمِعْ لي يَا عُمَرْ ... واسْتَيقِظَا فالدينُ يَدْعُو لِلنَّصرْ وغَداَ بنوُ الإِسلامِ في زَيغِ فمَا ... يَسْعَونَ إلا لِلْملاهِي والبَطَرْ تَركُوا هُدى الدِينِ الحَنيِف المُعْتَبَرْ ... واسْتبدلُوا العَيْنَ الصحيحة بالعَوَرْ ونَسوُا أُصُولَ الدِينِ مِنَ دهَشْ وقَدْ ... أضْحَى نَصيْرُ الشَّرْعِ فيهم مُحْتَقَرْ والدِينُ يَدْعُوهُم وهمُ في غَفْلَةٍ ... وقُلوُبُهم ضَّلتْ وَقَدْ عَمِيَ البَصَرْ حَتَّى تَشَتَّتَ شَمْلُهُ واصَّدَّعَتْ ... أَرْكَانُهُ وأساءَ مَثْواهُ الضَّرَرْ فإلى مَتَى هَذَا السُكوُتُ وقَدْ دَنَا ... وَقْتُ الجهَادِ وَمَالنَا عَنهُ مَفَرْ عَارٌ وَأيْمُ الله أنْ نَلْهُو وَقَدْ ... كَادَتْ مَعَالِمُ دِيْنِنَا أنْ تَنْدَثِرْ فَكَفَاكُمو زيغًا وهَجْرًا فامْدُدُوْا ... أَيْدِي الخلاصِ وأيّدُوا الدِينَ الأَغَرْ وذَرُوا جدالَ الملحدين فإنهم ... فَقَدُوا الرشادَ وكَانَ مَأواهمُ سَقَرْ وكَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ بعض السلف تَرَاهُ مَكِيْنَاً وَهُوَ لِلَّهْوِ مَاقِتٌ ... بِهِ عَنْ حَدِيثِ القَومِ مَا هُوَ شَاغِلُهْ وأَزْعَجَهُ عِلْمٌ عَنْ الجَهْلِ كُلِّهِ ... وَمَا عَالِمٌ شَيْئًا كَمَنْ هُوَ جَاهِلُهْ عَبُوسٌ عَنْ الجُهَّالِ حِيْنَ يَرَاهُمُو ... فَلَيْسَ لَهُ مِنْهُم خَدِينٌ يُهَازِ لَهُ

تَذَكَّرَ مَا يَلْقَى مِنْ العَيْشِ آجلاً ... فأشْغَلهُ عَنْ عَاجِلِ العَيْشِ آجلُهْ آخر: تَعَافُ القَذا في الماءِ لا تَسطِيعُهُ ... وتكرعُ في حَوضِ الذُنُوب فتشْرَبٌ وتُؤْثِرُ في أكْل الطَّعَامِ ألَذَّهُ ... ولا تَذْكُرُ المُخْتَارَ من أيْنَ تَكْسَبُ وتَرْقُدُ يا مِسْكِينَ فَوْقَ نَمارِقٍ ... وفي حَشْوهَا نارٌ عَليكَ تَلَهَّبُ فَحَتَّى مَتَى لا تَسْتَفيْقُ جَهالَةً ... وأنْتَ ابنُ سَبْعَيْنٍ بِديْنِكَ تَلْعَبُ آخر: امْنَعْ جُفُونَكِ طُوْلَ الَّيْلَ رَقْدَتَهَا ... وامْنَعْ حَشَاكِ لَذِيْذَ الرِّيِ والشبَّعَا واسْتَشْعِرِ البِرِّ والتَّقْوَى ودُمْ بِهِمَا ... حَتَّى تَنَالَ بِهنَّ الفَوْزَ والرِّفَعَا آخَرُ: وَرَبِّكَ لَوْ أَبْصَرْتَ يَوْمَاً تَتَابَعَتْ ... عَزَائمهُمْ حَتَّى لقَدْ بَلَغُوا الجَهْدَا لأبْصَرْتَ قَوْمًا جَانَبُوا النَّوْمَ وَارْتَدَوْا ... بأرْدِيَةِ التّسْهَادِ واسْتَقْرَبُوا البُعْدَا ... وَصَامُوا نَهَارًا دَائِمًا ثُمَّ أَفْطَرُوا ... عَلى بُلَغ الأقْوَاتِ وَاسْتَعْمَلُوا الكَدَّا

وإن جهاد الكفر فرض كفاية

أُوْلِئكَ قَوْمٌ حَسَّنَ اللهُ فِعْلَهُمْ ... وَأَوْرَثَهُم مِنْ حَسْنِ فِعْلِهِمُ الْخُلْدَا * * * مَا ضَرَّ مَنْ كَانَ الفِرْدَوْسُ مَسْكَنَهُ ... مَاذا تَحَمَّلَ مِن بُؤْسٍ وَإِقْتَارِ تَرَاهُ يَمْشِيْ كَئِيْبًا خَائِفًا وَجلاً ... إِلَى المَسَاجِدَ يَسْعَى بَيْنَ أَطْمَارِ وَمِمَّا يُنْسَبُ إلى الشَّافِعِيّ: يَا لَهْفَ قَلْبِيْ عَلى شَيْئَيْنِ لَوْ جُمعَا ... عِنْدِيْ لَكُنْتُ إِذًا مِنْ أَسْعَدِ البَشَرِ كَفَافِ عَيْشٍ يَقِيْنِي شَرَّ مَسْأَلَةٍ ... وَخِدْمَةِ العِلْمِ حَتَّى يَنْتَهِيْ عُمُرِي انْتَهَى الناظم: وَإِنَّ جِهَادَ الكُفْرِ فَرْضُ كِفَايَةٍ ... وَيَفْضُلُ بَعْدَ الفَرْضِ كُلَّ تَعَبُّدِ لأَنَّ بِهِ تَحْصِيْنَ مِلَّةِ أَحْمَدٍ ... وَفَضْلَ عُمُومِ النَّفْعِ فَوْقَ المُقَيَّدِ فَللهِ مَنْ قَدْ بَاعَ للهِ نَفْسَهُ ... وجُوْدُ الفَتَى فِي النَّفْسِ أَقْصَى التَّجَوُّدِ وَمَنْ يَعْزُ إِنْ يَسْلَمْ فأَجْرٌ ومَغْنَمٌ ... وإِنْ يرْدَ يَظْفَرْ بالنَّعِيْمِ المُخَلَّدِ وَمَا مُحْسِنٌ يَبْغِيْ إِذَا مَاتَ رَجْعَةً ... سِوَى الشُّهَدَا كَيْ يَجْهَدُوْا فِي التَّزَوُدِ

لِفَضْلِ الّذِي أُعْطُوا وَنَالُوا مِنَ الرِّضَا ... يَفُوقُ الأَمَانِيْ فِي النَّعِيْمِ المُسَرْمَدِي كَفَى أَنَّهُمْ أَحْيَا لَدَى اللهِ رُوْحُهُمْ ... تَرُوْحُ بِجَنَّاتِ النَّعِيْمِ وَتَعْتَدِي وغُدْوَةُ غَازٍ أَوْ رَواحُ مُجَاهِدٍ ... فَخَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا بِقَوْلِ مُحَمَّدِ يُكَفَّرُ عَنْ مُسْتَشْهَدِ البَرِّ مَا عَدَا ... حُقُوقَ الوَرَى والكُلُّ فِي البَحْرِ فَاجْهَدِ وَقَدْ سُئِلَ المْخُتَارُ عَنْ حَرِّ قَتْلِهِمْ ... فَقَالَ يَرَاهُ مِثْلَ قَرْصَةِ مُفْرَدِ كُلُوْمُ غُزَاةِ اللهِ ألوَانُ نزْفِهَا ... دَمٌ وكَمِسْكِ عَرْفُهَا فَاحَ في غَدِ ولَمْ يَجْتَمِعْ فِي مَنْخِرِ المَرْءِ يَا فَتَى ... غُبَارُ جِهَادٍ مَعْ دُخَانٍ لَظَى اشْهَدِ كَمَنْ صَامَ لَمْ يُفْطِرْ وقَامَ فَلَمْ يَنَمْ ... جِهَادُ الفَتَى في الفَضْلِ عِنْدَ التَّعَدُّدِ لَشَتَانَ مَا بَيْنَ الضَّجِيْعِ بِفُرْشِهِ ... وسَاهِرِ طَرْفٍ لَيْلَةً تَحْتَ أَجْرَدِ يُدَافِعُ عَنْ أَهْلِ الهُدَى وحَرِيْمِهِمْ ... وأَمْوَالِهِم بالنفس والمَالِ واليَدِ وَمَن قَاتَلَ الأَعْدَا لإِعْلاَءِ دِيْنِنَا ... فَذَا فِيْ سَبِيْلِ اللهِ لاَ غَيْرُ قَيِّدِ

وَيَحْسنُ تَشْيِيْعُ الغُزَاةِ لِرَاجِلٍ ... وَحَلَّ بلاَ كُرْهٍ تَلَقِِّيهُمُ اشْهَدِ ... وأَهْلُ الكِتَابِ والمجُوسُ إِنْ تَشَا اغُزُهُمْ ... بِغَيْرِ دُعَاءٍ إذْ بإِبْلاغِهِمْ بُدِي ويُغْزَوْنَ حَتَّى يُسْلِمُوْا أَوْ يُسَلِّمُوْا ... صَغَارًا إِلَيْنَا جِزْيَةَ الذل عَنْ يَدِ وَغَيْرُ أُلَى فَلْيُدْعَ قَبْلَ قِتَالِهِ ... إِلى أَشْرَفِ الأدّيَانِ دِيْنِ مُحَمَّدِ وَعَرِّفْهُ بالبُرْهَانِ حَتْمَ اِّبَاعِهِ ... ولا تَقْبَلَنْ مِنْه سِوَاهُ بأَوْطَدِ وإنَّ رِبَاطَ المَرْءِ أَجْرٌ مُعَظَّمٌ ... مُلازِمُ ثَغْرٍ لِلِّقَا بالتَّعَدُّدِ ويَجْرِيْ عَلى مَيْتٍ بِهِ أَجْرُ فِعْلِهِ ... كَحَي وَيُؤْمَنْ بافْتِتَانِ بمُلْحَدِ ولا حَدَّ في أَدْنَاهُ بَلْ أرْبَعُوْنَ في التَّـ ... ـمَامِ ويُعْطَى أَجْرَ كُلِّ مُزَيَّدِ وأَفْضَلُهُ مَا كَانَ أخْوَفَ مَرْكَزًا ... وأَقْرَبَ مِن أرضِ العَدُوِّ المُنَكِدِ وذَلِكَ أَثْنَى مِن مُقَامٍ بمَكَةٍ ... وفي مَكَةٍ فَضْلُ الصَّلاةِ فَزَيِّدِ ومَنْ لَمْ يُطِقْ في أرْضِ كُلِّ ضَلاَلةٍ ... قِيَامًا وَإِظهَارًا لِدِيْنِ مُحَمَّدِ

نرضى بما قدر الرحمن مولانا

فَحَتْمٌ عَلَيْهِ هِجْرَةٌ مَعَ أَمْنِهِ الْـ ... هَلاَكَ ولَوْ فَرْدًا وَذَاتَ تَعَدُّدِ بِلاَ مَحْرَمٍ مَشْيًا وَلَوْ بَعُدُ المَدَى ... لِفِعْلِ الصَّحَابِيَاتِ مَعْ كُلِّ مُهْتَدِ انْتَهَى آخر: نَرْضَى بما قَدَّرَ الرحمنُ مَوْلاَنَا ... وما يَكُونُ ومَا مِنْ أمْرِهِ كَانَا وَالحْمَدُ للهِ حَمْدَ الحِامِدِينَ لَهُ ... حَمْدًا كَثِيْرًا كَمَا يُرِضْيهِ رِضْوانَا أَلاَ فإنَّا لَهُ مَاضٍ تَصَرُفُهُ ... فَيْنَا لَعْمرِي أَلاَ إلَيْهِ رُجْعَانَا قَضَى وَقَدَّرَ أنَّ المَوْتَ دَائِرَةٌ ... كُؤوسُهُ في الوَرَى لَمْ تُبْقِ إنْسَانَا فَأْيْنَ عَادٌ وكِسْرَى وابنُ ذِي يَزَنٍ ... ومَن يُوَازِرْهُمْ ومَن لَهُمْ عَانَا لَمْ يَمْنَعِ الموتَ عَنهم حَاجِبُونَ وَلَمْ ... يُبْقِ البِلةَ لَهُمُ صَرْحًا وإيْوَانَا بَلْ أيْنَ صَفْوَةٌ خَلْقِ الله قاطِبَةً ... وأرْجَحَ الناسِ عِند اللهِ مِيْزانَا تَجَرَّعَ الكُلُّ كَأْسَ المْوَتِ وانْتَقلُوا ... عن هَذِهَ الدَّارِ شِيبَانًا وشُبَّانَا فَتِلْكَ مَوْعِظَةٌ لإنْفُسٌ فُجِعَتْ ... أضْحَتْ وقَدْ لَقِيْتَ هَمَّأ وَأحْزَانَا انْتَهَى

قل الحماة وما في الحي أنصار

(قصائد تَحْتَوِي على مواعظ ونصائح وعِبَر) آخر: قَلَّ الْحُمَاةُ وَمَا فِي الْحَيِّ أَنْصَارُ ... وَدَبَّرَ الأمْرَ أَحْدَاثٌ وأغْمَارُ وَأَصْبَحَتْ دَارُنَا تَبْكيِ لِفُرقْتِهَا ... كُلَّ الْكِرَامِ الَّذِي بالْجِدِّ قَدْ سَارُوا سَارُوا جمِيعًا فصاروا لِلْوَرَى سَمَرًا ... يَتْلُو لِذِكْراِهُمُ فِي الْحَي سُمَّارُ لَهْفِيْ عَلَيْهِمْ لَوْ أنَّ الَّلْهفَ ينْفَعُنِي ... جَدَّدْتُ لَهْفي وَدَمْعُ العَيْنِ مِدْرَارُ ما فَي الزَّمَانِ فتًى نَرْجُوهُ في حَدَثٍ ... وَلا رِجَالاً لَهُمْ في المجْدِ إخْطَارُ وَلاَ مُعينًا عَلَى بَلْوَى يُدَافِعُهَا ... إِذَا الْغَرِيبُ جِفَاهُ الصَّحْبُ وَالْجَارُ سِوَى لِئَامٍ لَهُمْ بالْغِشِّ سَرْبَلةٌ ... وفي الْقُلُوبِ لَهُمْ بالضِّغْنِ إعْصَارُ والْحِقْدُ وَالغِلُّ والْبَغْضَاءُ بَيْنَهُمُ ... لا يُفْلِحُوا أبَدًا وَالْخَيْرُ يَنْهَارُ وَيَحْسدُونَ عَلَى النَّعْمَاءِ صَاحِبَهَا ... وَيَشْمَتُونَ إذَا مَا حَلَّ إعْسَارُ وَالَّلْمْزُ فِيهِمْ وَكُلَّ الْقُبْح قَدْ جَمَعُوا ... وفي الْقُلُوبِ مِنَ الأحْقَادِ أوْغَارُ لا خَيْرَ فِيهِمْ وَلاَ نُصْحا نُؤَمِّلُهُ ... قَدْ فَارَقُوا الرُّشْدَ إنْ حَلُّوا وَإنْ سَارُوا وَإنْ بَدَا لَكَ أمْرٌ بالْمُنَى خَلِعٌ ... أوْلَوْكَ غَدْرًا وَفي أفْعَالِهِم جَارُوا لا تقْرَبَنَّ لَهُمْ لا زِلْت مُدَّرِعًا ... ثوْبَ العفَافِ وَحُطَّتْ عَنْكَ آصَارُ وَاطْلُبْ جَلِيسَا كَرِيمَ النَّفْسِ مُلْتَمِسًا ... حُسْنَ الطِّباعِ وَلاَ تَعُرُوهُ أغْيَارُ

حياتك في الدنيا قليل بقاؤها

إِنْ غِبْتَ حَاطَ وَلاَ تُلْفِيهِ مُنْتَقِصًا ... لِلْعِرْضِ مِنْكَ ولِلزَّلاَّتِ غَفَّارُ هذَا هُوَ الخِلُّ فالْزَمْ إِنْ ظَفِرْتَ بهِ ... وَمِثْلُ هَذَا لأهْلِ اللُّبِّ مُخْتَارُ وَقَلَّ مِثْلاً وما ظَنِّي تُحَصِّلُهُ ... قَدْ قَلَّ فِي النَّاسِ هَذَا الْيَوْمَ أَحْرَارُ فأْنَسْ بِرَبِّكَ قعْرَ الْبَيْتِ مُلْتَزِمًا ... إِلى المماتِ فهذَا اليَوْمَ إِبْرَارُ وَللِصَّلاَةِ فَلاَ تُهْمِلْ جَمَاعَتَهَا ... مَعْ جُمْعَةٍ فَرْضُهَا ما فِيهِ إِنْكَارُ وَالصِّدْقَ وَالْبرَّ لا تَعْدُوهُمَا أَبَدًا ... مَنْ نَالَ ذَا فَلَهُ في الْحَمدِ أَذْكارُ وَالْزَمْ عفَافًا ولا تَتْبَعْ طرِيقَ هَوًى ... إِنَّ الْهَوَى لِلْوَرَى يَا صَاحِ غَرَّارُ وَاذْكُرْ إِلهًا لهُ في خَلْقِهِ مِنَنٌ ... تَجِرِى عَلَى النَّاسِ مِن جَدْوَاهُ أَنْهَارُ وَاحْفَظْ لِسَانَكَ عن لَغْوٍ وعن رَفَثٍ ... ما نالَ فَضْلاً مدَى الأيَّامِ مِهْذَارُ وَارْحَمْ يَتِيمًا غَدَا باليُتْمِ مُتَّصِفًا ... وَامْنَحْهُ لُطْفًا تُنَحَّى عَنْكَ أَوْزَارُ وَصِلْ قَرِيبًا ولا تَقْطَعْ لَهُ رَحِمًا ... إنَّ الْقَرِيبَ لَهُ بالْحَقِّ إِيثَارُ وَبِرَّ جَارًا ولا تَهْتِكْ مَحَارِمَهُ ... قَدْ جَاءَ فِيهِ مِنَ الآثَارِ إِخْبَارُ وَكُنْ حَلِيمًا ولا تَغْضَبْ عَلَى أَحَدٍ ... فالحْلُم فِيهِ لأهْلِ الحِلْمِ إسْرَارُ وَتَمَّ نَظْمِي وَصلَّى خَالِقِي أَبَدًا ... عَلَى الْمُشَفَّعِ مَنْ بالرُّشْدِ أَمَّارُ وَآلِهِ الْغُزِّ مَعْ صَحْبٍ أُولِى كَرَمٍ ... ما هَبَّتِ الرِّيحُ أَوْ مَا سَارَ سَيّارُ انْتَهَى آخر: وقال يحذر من طول الأمل في الدنيا: حَيَاتُكَ في الدُّنْيَا قَلِيْلٌ بَقَاؤُهَا ... ودُنْيَاكَ يَا هَذَا شَدِيْدٌ عَنَاؤُهَا ولا خَيْرَ فيْهَا غَيْرَ زَادٍ مِنَ التَّقَى ... يُنالُ بِهِ جَنَّاتُ عَدْنٍ وَمَاؤُهَا

بَلَى إِنَّهَا لِلْمُؤْمِنِيْنَ مَطِيَّةٌ ... عَلَيْهَا بُلُوغُ الخَيْرِ والشَّرُ دَاؤُهَا وَمَنْ يَزْرَعِ التَّقْوى بِهَا سَوْفَ يَجْتَنِي ... ثِمَارًا مِنَ الفِرْدَوْسِ طَابَ جَنَاؤُهَا نُؤَمِلُ أَنْ نَبْقَى بِهَا غَيْرَ أَنَّنَا ... عَلَى ثِقَةٍ أَنَّ المَمَاتَ انْتَهَاؤُهَا فَكُنْ أَيَّهَا الإِنْسَانُ في الخَيْرِ رَاغِبًا ... يلُوحُ مِن الطَّاعَاتِ فِيْكَ بَهَاؤُهَا وَجَانِبْ سَبِيْلَ الغَي واتْرَكْ مَعَاصِيًا ... يُذِيبُكَ مِنَ نَارِ الجَحِيْمِ لَظَاؤُهَا فلا بُدَّ يَوْمًا أن تَمُوتَ بمشْهَدٍ ... يُسَاعِدُ مَنْ نَاحَتْ عليْكَ بُكاؤُهَا وَتَنْزِلَ قَبْرًا - لا أَبالَكَ - مُوحِشًا ... تَكُونُ ثَرَى أُمٍّ عَلَيْكَ ثَرَاؤُهَا وَتبْقَى بهِ ثَاوٍ إلى الحشْرِ وَالجَزَا ... وَنَفْسُكَ يَبْدُو في الْحِسابِ جَزَاؤُهَا فإمَّا تكونُ النَّفْسُ ثَمَّ سعِيدَةً ... فَطوبَى وَإِلاَّ فالضَّرِيعُ غِذاؤُهَا يُسَاقُ جَمِيعُ النَّاسِ في مَوْقِفِ القَضَا ... وَتُنْشَرُ أَعْمَالٌ يَبِينُ وَباؤُهَا هُنالِكَ تَبْدُو لِلْعِبادِ صَحائِفٌ ... فتُوضَعُ في المِيزانِ وَالذَّنْبُ دَاؤُهَا وكم مِنْ ذَلِيلٍ آخِذٍ بشمالِهِ ... صحِيفَتَهُ السَّوْدَا الشَّدِيدُ بَلاَؤُهَا وآخَرُ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ آخِذٌ ... صحِيفَتَهُ البَيْضَاءَ طابَ لِقاؤُهَا فيَأتِي نَبيُّ اللهِ للرَّبِّ سَاجِدًا ... فيُثْنِي بِنَعْمَاءٍ يجلُّ ثَنَاؤُهَا فيَدْعُوهُ رَبُّ العَرْشِ: سَلْنِي فإنني ... لِنَفْسِك بالمحْبوبِ عِنْدِي رِضَاؤُهَا فقالَ: إِلهِي أُمَّتِي مِنْكَ تَرْتَجىِ ... لأَشْفَعَ بَعْدَ الإِذْنِ فهْوَ مُناؤُهَا فيُعْطيهِ مَوْلاَهُ الكَرِيمُ شَفَاعَةَ ... لأُمَّتِهِ الغرَّاءِ طَابَ هَنَاؤُهَا فيَرْجِعُ طهَ مُسْتَقِيمٌ سُرُورُهُ ... تَخَالُ بهِ البُشْرَى جَلِيًّا ضِيَاؤُهَا ...

تطاول ليلي في اكتساب المعائب

فيَحْمدُ مَوْلاَهُ الْجَلِيلُ ثَنَاؤُهُ ... عَلَى نِعَمٍ لاَ يُسْتَطَاعُ انْحِصَاؤُهَا هُنَالِكَ أمَّ المصطَفى جَنَّةَ الْعُلاَ ... وَأُمَّتُهُ تَقْفُو كذَا شُهَداؤُهَا وَيَسْقِي رَسُولُ اللهِ مَنْ شَاءَ كَوْثَرًا ... بآنِيَةٍ عَدُّ النٌُّجُوم اقْتِفَاؤُهَا فَيَارَبِّ أوْرِدْنَا جَمِيعًا لِحَوْضِهِ ... لِتُرْوَى نُفوسٌ مِنْهُ طَالَ ظَمَاؤُهَا وَأَتْمِمْ لَنَا حُسْنَ الْخِتَامِ إذُّا دَنَتْ ... وَفاةٌ وَحَانَتْ لِلْحَيَاةِ انْمِحَاؤُهَا وَهَوِّنْ عَلَى الرُّوحِ المَمَاتَ فإنَّهَا ... تحِبُّ الْبَقَا لكِنْ لِقَاكَ هَواؤُهَا وَفي الْقبْرِ ثَبِّتْهَا عَلَى قَوْلِكَ الهُدَى ... إذَا سُئِلَتْ كَيْ يَسْتَقِيمَ بَقَاؤُهَا وإنْ نُفِخَتْ في الصُّور نَفْخَةُ بعْثِنَا ... فقُلْ أَنْتُمُ أهْل الْيَمينِ أُولاَؤُهَا فَنَحْنُ اعْتَمَدنْا الفَضْلَ مِنْكَ مَعَ الرَّجَا ... فَحَقِّقْ رَجَا نَفْسٍ لَدَيْكَ رَجَاؤُهَا وَصَلِّ على المَخْتَارِ طهَ مُحَمَّدٍ ... شَفِيعِ الْبَرَايَا يَوْمَ يَأتِي نِدَاؤُهَا وآلِ وأصحابٍ مَدَى الدَّهرِ ما بَدَا ... نَهَارٌ وما جَنَّ اللَّيَالِي دُجَاؤُهَا انْتَهَى وقال آخر: تَطَاوَلَ ليْليِ في اكْتِسَابِ المَعَائِبِ ... وَبتُّ حَلِيفَ الذَّنْبِ عَدًّا بكاتِبِ وَلم يَرْتَدِعْ خَوْفًا مِنَ اللهِ جَانِبِي ... وَلمَّا قَسَا قلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي جَعَلْتُ الرَّجَا مِنِّي لِعَفْوِكَ سُلَّمَا لَبِسْتُ قِميصَ الذَّنْبِ جَهْرًا وَخِلْتُهُ ... يُدَنِّسُ أَعْمَالِي لِهذَا تَرَكْتُهُ ولم أعْتَمِدْ يَوْمًا عَلَى ما عَمِلْتُهُ ... تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فلَمَّا قَرَنْتُهُ بِعَفْوِكَ صَارَ الْعَفْوُ يا رَبِّ أَعْظَمَا

لمن جدث أبصرته فشجاني

آخر: لِمَنْ جَدَثٌ أَبْصَرْتُهُ فَشَجَانِي ... وأرْسَلَ فِي شَجْوِ الهُمُومِ عِنَانِي سَفَكْتُ عَلَيْهِ أَدْمُعِي فَسَقَيْتُهُ ... كَمَا هُوَ مِنْ كَأْسِ الشُّجُونِ سَقَانِي وقَفْتُ بِهِ حَيْرَانَ وَقْفَةَ هَائِمٍ ... أُعَالِجُ قَلْبًا دَائِمَ الخَفَقَانِ وما بِيَ مَنْ في القَبْرِ لَكْنِ رَأَيْتُهُ ... على حَالَةٍ فِيهَا وشِيْكَ أَرَانِي آخر: لِمَنِ الأقْبُرُ فِي تِلْكَ الرُّبَى ... مَلَأَتْ صَدْرِي شَجْوًا وَأَسَى لِمَنِ الأوْجُهُ فِيهَا كَسَفَتْ ... بَعْدَ حُسْنٍ وَجَمَالٍ وَضِيَا لِمَنِ الأجْسَامُ فِيهَا بَلِيَتْ ... بَعْدَ زَهْوٍ وَشَبَابٍ وَانْتِشَا ومَنِ الْفُرْسَانُ فِيهَا قَدْ نَسُوا ... رَوْعَةَ الْحَرْبِ بِرَوْعَاتِ الثَّرَا ... ورَمَوْا إِذْ هَتَفَ الْمَوْتُ بِهِمْ ... بِسُيُوفِ الْهِنْدِ رَوْعًا وَالْقَنَا ومَنِ الْخُرَّدُ فِيهَا شَدَّمَا ... فَتَكَتْ قَبْلَ آسَادِ الشَّرَا نَظَرَ الْمَوْتُ إِلَيْهَا فَغَدَتْ ... تَنْفُرُ الْأَنْفُسُ مِنْهَا إِذْ تُرَى لِمَنِ الْأَقْبُرُ فِي تِلْكَ الرُّبَى ... أَلْبَسَتْ جِسْمِيَ أَثْوَابَ الضَّنَا يَا جُفُونًا أَرْسَلَتْ أَدْمُعَهَا ... مَا بِذَا بَأْسٌ لَوْ أَرْسَلْتِ الدَّمَا صَاحِ يَا صَاحِ وَنِيرَانُ الْجَوَى ... عَلِقَتْ مِنِّي بِأَثْنَاءِ الْحَشَا لا تَظَنَنَّ بُكَائِي لَهُمُو ... لَيْسَ وَاللهِ لَهُمْ هَذَا الْبُكَا إِنَّمَا أَبْكِي لِنَفْسِي لا لَهُمْ ... فَكَأَنِي اليَوْمَ فِيْهِمْ أَوْ غَدَا هَامِدُ الْجَمْرَةِ مَوْهُونُ الْقُوَى ... دَائِمُ الحَسْرُةِ مَقْطُوعُ الْعُرَى رَبِّ يا ربِّ ويا رَبَّ الوَرَى ... ما تَرَى في عَبْدِ سُوءِ مَا تَرى كَفَر الإحْسَانَ قِدْمًا وبَغَى ... وطَغَى ثم طَغَى ثم طَغَى ما تَرَى في أمْرِهِ يَا مَنَ تَرى ... كُلَّ شيء وهو رَبُّ لا يُرَى لَيْسَ إلاَّ عَفْوُكَ المَرْجُوُّ أوْ ... دَفْعَةٌ تُنْزِلُهُ قَعْرَ لَظَى

أمدد يمينك من دنياك آخذة

وعِيَاذًا بكَ يا مَوْلايَ أنْ ... يَلْتَوِيْ في يَدِهِ حَبْلُ الرَّجَا وَإذَا أسْلَمْتَه رَبِّ فَمَنْ ... يُقْصَدُ اليَوْمَ لَهُ أوْ يُرْتَجَي انْتَهَى آخر: أُمْدُد يَمِيْنَكَ مِن دُنْيَاكَ آخِذة ... كِتَابَ فَوْزِكَ إِذْ تَحْتَلُّ أَخْرَاكَا فَلَسْتَ تُدْرِكُ مَا فِي ذَاكَ مِن أَمَل ... إِلاَّ بِوَاسِطَةٍ مِن دَار دُنْيَاكَا فإنْ تَكَاسَلْتَ أَوْ قَصَّرْتَ فِي طَلَبٍ ... كُنْتَ المُخَيَّبَ والمطلُوب إذْ ذَاكا يا نَائِمَ القلْبِ عَن أَمْرٍ يُرَادُ بِهِ ... نَبِّههُ وَيْحَكَ إِنَّ الأَمْرَ حَاذَاكَا واشْدُدْ حُزَيْمَكَ وَاكْشِفْ سَاعِدَيْكَ لهُ ... فَرُبَّمَا حُمدَتْ بِالجِدِّ عُقْبَاكَا كَمْ رابِحٍ بِكِتَابٍ كَانَ أَمْلأَهُ ... هُنَا بما شَاءَ لا مَنْ كَانَ أَفْاكَا فَظَلَّ مُرْتَقِيًا أَدْرَاجَ مَكْرُمَةٍ ... فِي عَدْنٍ أَوْ نَازلاً فِي النَّار أَدْراكَا وَطَلْعَةُ المَوْت تُبْدِي عَن حَقيقةٍ مَا ... تُمْلِي فَإيَّاكَ أَنْ تَنْسَاهُ إِيَّاكَا انْتَهَى اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّوْمُ يَا بَدِيْعَ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ، نَسْأَلُكَ أنْ تُوفَّقَنَا لِمَا فِيْهَ صَلاَحُ دَيْنِنَا وَدُنْيَانَا، وَأَحْسِنْ عَاقَبَتَنَا وَأَكْرِمْ مَثْوَانَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى الله على مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمعِيْنَ. ... آخر: أَلَم تَسْمَعْ عَنِ النَّبَأِ العَظَيمِ ... وعن خطْبِ خُلِقَتَ لَهُ جَسِيمِ وَزِلْزَالٍ يَهُدُّ الأرْضَ هَدًّا ... ويَرْمِي في الحَضِيْضَةِ بِالنُّجُومِ وأَهْوالٍ كَأَطْوَادِ رَوَاسَي ... تَلَاطَمُ فِي ضُلُوعِ كَالهَشِيمْ فَمِن رَاسٍ يَشِيْبُ ومِن فؤادٍ ... يَذُوْبُ ومِن هُمُومٍ فِي هُمُومِ وسَكرانٍ ولَمْ يَشْرَبْ لِسُكْرٍ ... وهَيْمَانٍ ولَمْ يَعْلَقْ بِرِيم ومُرْضِعَةٍ قَدْ اذْهَلَها أَسَاهَا ... فَمَا تَدْرِي الرَّضِيعَ مِن الفََطِيمِ وَمُؤْتَمةٍ تَوَلَّتْ عن بَنِيْهَا ... وأَلْقَتْ بِاليَتِيمَةِ وَاليَتِيمِ

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل

وحُبْلَى أَسْقَطَتْ ذُعْرًا وَخَوْفًا ... فياللهِ لِلْيَوْمِ العَقِيمِ وهَذا مَشْهَدٌ لا بُدَّ مِنْهُ ... وجَمْعٌ لِلْحَدِيثِ وَلِلْقَدِيم وما كِسْرَى وَقَيْصَرُ وَالنَّجَاشِي ... وتُبَّعُ وَالقُرُوْمُ بَنُو القُروْمِ بِذَاكَ اليَوم إِلاَّ في مَقَامِ ... أَذَلَّ مِن التُرابِ لِذِي السَّلِيمِ وما لِلْمَرء إِلاَّ مَا سَعَاهُ ... لدِارِ البؤسِ أوْ دَارِ النَّعِيمِ وأَنْتَ كما عَلِمْتَ وَربِّ أَمْرٍ ... يَكُونُ أَذاهُ أَوْقَعَ بِالعَلِيمِ فَدَعْ عَيْنَيْكَ تَسَبْحْ فِي مَعِيْن ... وَقَلْبُكَ ذَرْهُ يَقْلُبُ في جَحِيم وشُقَّ جُيُوب صَبْرِكَ شَقَّ ثَكْلى ... تَعَلَّقَتِ ابنها رَجُلاً سَهُوم وَمَاذَا الأَمْرُ ذَلِكُمُ وَلَكِنْ ... تُشَبَّهُ بِالبِحَارِ يَدُ الكَرِيْمِ انْتَهَى آخر: إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلا تَقُلْ ... خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيْبُ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفَلُ سَاعَةً ... وَلا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيْبُ لَهَوْنَا لَعَمْرُ اللهِ حَتَّى تَتَابَعَتْ ... ذُنُوبٌ عَلَى آثَارِهِنَّ ذُنُوْبُ فَيَا لَيْتَ أَنَّ اللهَ يَغْفِرُ مَا مَضَى ... وَيَأْذَنَ في تَوْبَاتِنَا فَنَتُوْبُ أَقُوْلُ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيَّ مَذَاهِبِيْ ... وَحَلَّ بِقَلْبِيْ لِلْهُمُومِ نُدُوْبُ لِطُوْلِ جِنَايَاتِيْ وَعُظْمِ خَطِيْئَتِي ... هَلَكْتُ وَمَا لِي في المَتَابِ نَصِيْبُ

ومجرر خطية يوم الوغي

وَيُذْكِرُنِي عَفْوُ الكَريْمِ عَنْ الوَرَى ... فَأَحْيَا وَأَرْجُو عَفْوَهُ وَأَنِيْبُ انْتَهَى ... آخر: ومُجَرِّرٍ خَطِّيَّةً يَوْمَ الوَغَي ... مُنْسَابَة مِن خَلْفِهِ كَالأَرْقَمِ تَتَضَاءَلُ الأَبْطَالُ سَاعَةَ ذِكْرِهِ ... وتَبِيْتُ مِنهُ فِي إِبَاءَةِ ضَيْغَمِ شَرِسُ المَقَادَةِ لا يَزَالُ رَبِيْئَةً ... وَمَتَى يُحِسُّ بنارِ حَرْبٍ يُقْدِمِ تَقَعُ الفَرِيْسَةُ مِنْهُ في فَوْهَاءَ إِنْ ... يُطْرَحْ بِهَا صُمُّ الحِجَارَةِ يُحْطَمِ ظَمَآنَ للِدَّمِ لا يَقُوُمُ بِرَيِّهِ ... إِلا المُرَّوقُ في الجُسُومِ مِن الدَّمِ جَاءَتْهُ مِن قِبَلِ المَنُونِ إِشَارَةٌ ... فَهَوَى صَرِيْعًا لِلْيَديْنِ وَلِلْفَمِ وَرَمَى بِمُحْكَمِ دِرْعَهِ وَبُرمْحِهِ ... وامْتَدَّ مُلْقى كَالبَعِيْرِ الأَعْظَمِ لا يَسْتَجِيْبُ لِصَارِخٍ إِنْ يَدْعُهُ ... أَبَدًا وَلا يُرْجَى لِخَطْبٍ مُعْظَمِ ذَهَبَتْ بِسَالَتُهُ وَمَرَّ غَرَامُهُ ... لَمَّا رَأَى خَيْلَ المَنِيَّةِ تَرْتَمِي يَا وَيْحَهُ مِن فَارِسٍ مَا بَالُهُ ... ذَهَبَتْ فُرُوْسَتُهُ وَلَمَّا يُكْلَمِ هَذِي يَدَاهُ وَهَذِه أَعْضَاؤُهُ ... ما مِنْهُ مِنْ عُضْوٍ غَدَا بِمُثَلَّمِ هَيْهَاتَ مَا خَيْلُ الرَّدَي مُحْتَاجَةٌ ... لِلْمَشْرَفِيِّ وَلا السِّنَانِ اللَّهذَمِ هِيَ وَيْحَكُمْ أَمْرُ الإِلهِ وَحُكْمُهُ ... واللهُ يَقْضِيْ بِالقَضَاءِ المُحْكَمِ يَا حَسْرةً لَو كَانَ يُقدَرُ قَدْرُهَا ... ومُصيْبَةً عَظَمَتْ وَلَمَّا تَعْظُمِ خَبَرٌ عَلِمْنَا كُلُّنَا بِمَكَانِهِ ... وكَأَنَّنَا في حَالِنَا لَمْ نَعْلَمِ اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّوْمُ يَا بَدِيْعَ السَّمَواتِ وَالأَرْض، نَسْأَلُكَ أنْ تُوفَّقَنَا لِمَا فِيْهَ صَلاَحُ دَيْنِنَا وَدُنْيَانَا، وَأَحْسِنْ عَاقَبَتَنَا وَأَكْرِمْ مَثْوَانَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ برحمتك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى الله على مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمعِيْنَ.

أباد ذا الموت أملاكا وما ملكوا

آخر: أَبَادَ ذَا المَوْتُ أَمْلاكًا وَمَا مَلَكَوا ... وَدَارَ مُسْتَعْقِبًا عَليهِمُ الفَلَكُ رَمَي بِهِم حَيْثُ لا قِيْعَانَ تُمْسِكُهُمْ ... وَلاَ مِرَارًا بِهَا المَرْميُّ يَمْتَسِكُ هَوَتْ هَوِىَّ ثَقِيل الصَّخْرِ أمُّهُمُ ... فَلا حَسِيْسَ وَلا رِكزٌ وَلا حَرَكُ غَدَتْ رُؤوِسُهُمُ من تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ... وَزُلْزِلَتْ بِهِم الأَطْباقُ وَالدَّرَكُ يا بَطْشَةً مِن حَكِيْمٍ مَا بِهَا مَهَلٌ ... وَغَضْبَةً مِنْ عَزِيْز مَا بِهَا دَرَكُ جُرُّوا مِن اللَّهْوِ مَلأي مِنْ أَعِنَّتِهِمْ ... حَتَّى إِذَا ما رَأَوْا خَيْلَ الرَّدى بَرَكُوا حُطُّوْا بِدَارِ البِلَى في مَنْزِلٍ حَرِجٍ ... وَلَيْتَهُمْ وَيْحَهُمْ فِيْهِنَّ لَوْ تُرِكُوا ... لَطَالَمَا نَقَضُوا مُلْكًا وَمَا هَدَمُوْا ... عِزًّا وَمَا هَتَكُوا سِتْرًا وما فَتَكُوا مَرُّوْا وَمَا بَلَغُوا كُلَّ الذي طَلَبُوْا ... وَلا قَضَوْا وَطَرًا مِن كُلَّ ما تَرَكُوا أَضْحَاهُمُ اليَومَ صَرْفُ الدَّهرِ إِذْ هَلَكُوا ... كَمَا أَضَلَّهُم بِالأَمْسِ إِذْ مَلَكُوا انْتَهَى آخر: وشَيَّعُوْهُ جَمَاعَاتٌ تَطُوْفُ بِهِ ... تُعْشِى العُيُونَ بِمَرْآهَا وَكَثْرِتِهَا مِنْ بَيْنِ باكٍ يَكُفُّ فَيْضَ دَمْعَتِهِ ... وبَيْنَ صَارخةٍ تُفْرِعْ بَصْرِخَتِهَا حَتَّى أتَوا حُفَرًا إزَاءَ بَلدَ تِهِمْ ... فَغَادَرُوْهُ بِهَا رَهْنًا لِوَحْشَتِهَا وما دَرَوْا هَلْ تَلَقتْهُ بِنَفْحَتِهَا ... دَارُ المَقَامَةِ أوْ نارٌ بِلَفْحَتِهَا ثُمَّ انثَنَوْا نَحْوَ أَمْوَال قَدْ احْرَزَهَا ... لِلنَّائِباتِ فَحَازُوْهَا بِجُمْلَتِهَا وَذَاكُمُ البَائِسُ المَغْرُوْرُ ما دَفَعَتْ ... عَنْهُ القَضَاءَ ولا اسْتَشْفَى بَلَذَتِهَا لَكِنْ تَحَمَّلَ منها كُلَّ فَادِحَةٍ ... مِنَ الكَبَائِرِ لا يِقْوَى لِعِدَّتِهَا وما بَكَتْهُ السَّما والأرضُ حِيْنَ مَضَى ... ولا الرَّيَاضُ نَضَتْ أثْوَابَ زَهْرَتِهَا انْتَهَى آخر: ماذا تُؤْمِّلُ والأيَّامُ ذَاهِبَةٌ ... ومِنْ وَرَائِكَ للأيَّامِ قُطَّاعُ وصَيْحَةٍ لِهُجْومِ المَوْت مُنْكَرةٌ ... صُمَّتْ لِوَقْعَتِهَا الشَّنْعَاءِ أَسْمَاعُ وغُصَّةٍ بِكُؤوسٍ أَنْتَ شَارِبُهَا ... لَهَا بِقَلْبِكَ آلامُ وَأَوْجَاعُ

واذكر رقادك في الثرى

يا غَافِلاً وهْوَ مَطْلُوبٌ وَمُتَّبَعٌ ... أَتَاكَ سَيْلٌ مِن الفُرْسَانِ دَفَّاعُ خُذْهَا إِلَيْكَ طِعَانًا فِيْكَ نَافِذةً ... تَعْدِي الْجَلَيْسَ وأَمْرُ لَيْسَ يُسْطَاعُ إنَّ المنِيَّةَ لَوْ تُلْقَى عَلَى جَبَلٍ ... لأَصْبَحَ الصَّخْرُ مِنْهُ وَهْوَ مَيَّاعُ انْتَهَى آخر: واذكُرْ رُقَادَكَ في الثَّرى ... فِي قَعْرٍ مُظْلِمَةٍ بَهَيمْ قد نُحِّيتْ تِلْكَ الحُلَى ... واستُبْدَلَتْ تِلْكَ الرُّسُومْ وتُرِكْتَ وَيْحَكَ مُفْرَدًا ... لا أَهْلَ فِيْهِ وَلاَ حَمِيْمْ حَيْرَانَ تَفْزَعَ لِلبُكَا ... لَهْفَان تَأنَسُ بِالغُمُوْمْ ... حَتَّى يُنَادَى بِالوَرَى ... فَتَقُوُمَ أَسْرَعَ مَا تَقُوْمْ عُرْيانَ مُصْطَفِقَ الْحَشَا ... هَيْمَانَ مُجْتَمِعَ الهُمُوْمْ والناسُ قَدْ رَجَفَتْ بِهِمْ ... حَرْبٌ هُنَالِكُمُو عَقِيمْ فِي مَأزَقٍ تَهْفُو بِهِ ... لَفَحَاتُ نِيْرانِ السَّمُومْ وَبَدَتْ هُنَاكَ سَرَائِرٌ ... قَدْ كُنْتَ قَبْلُ لَهَا كَتُومْ وَرَأَيْتَ في مَحْصُوْلِهَا ... مَا شِئْتَ مِنْ خُسْرٍ وَشُومْ آخر: ولَمَّا حَلَلْنَا مِنْ بِجَايةَ جَانِبًا ... تُصَانُ به تِلْكَ الجُسُوْمُ وتُكْرَمُ وَجَدْتُ لها طِيبًا وَرَوْحًا وَرَاحَةً ... كَأني لأنْفَاسِ الصِّبَا أَتَسَنَّمُ فَقُلْتُ لِصَحْبِي ما الذي أَمْرَجَتْ له ... مَقَابِرُ منها لا طِيءٌ وَمُسَنَّمُ فَأَوْهَمْتُهُم أَنِّي جَهِلْتُ وَإِنَّنِي ... لأَدْرَى بِذَاكَ الأَمْرِ مِنهم وأَفْهَمُ فقالوا طَلَبْنَا عِلْمَ ذَاكَ فلم نَجِدْ ... سوى رِمَمٍ ممن تُحِبُّ وتُعْظِمُ تَضَوَّعَ بَطْنُ الأَرْضِ منها كأنما ... تَفَتَّقَ مِن دَارِيْنَ مِسْكٌ مُخَتَّمُ فَفَاضَتْ دُمُوْعي عند ذاك وَرُبَّمَا ... تَشَهّرَ بالدَّمْعِ السرارُ المُكتَّمُ خَلِيْلَيَّ مَا بَالِي وَبَالُ مَصَائِبٍ ... يُرَاعُ لِذِكْراها فُؤادِي وَيُكْلَمُ

قطعت زماني حينا فحينا

ومِمَّا شَجَانِي وهو أَعْظَمُ أنني ... قَذَفْتُ بها مُسْوَدَّة الجَوف تَلْطِمُ وَلَمْ أَدْرِ ما كانت تَحِيَّةُ خِصْمِهِ ... لَهُ هل بِبُشْرَى أم بِشَنْعَاءَ تَقْصِمُ وَأَعْظَمُ منه مَوْقِعًا وَأَشَدَّهُ ... وما خَصَّنِي أَدْهَى عَليَّ وَأَعْظَمُ بأَني في تِلْكَ المَسَالكِ سَالِكٌ ... أُسَاقُ إِليها إِنْ أَبَيْتُ وَأُرْغَمُ وما أَنَا أَدْرِي ما أُلاقِي وما الذي ... عَلَيْه إذَا مَا كانَ ذَلِكَ أَقْدَمُ فَهَلْ مِنْ دَمٍ أَبْكِيهِ صِرْفًا فإنما ... يُبكَّي عَلى هَذَا من المُقْلَةِ الدَّمُ انْتَهَى آخر: قَطَعْتُ زَمَانِي حِيْنًا فَحِيْنَا ... أَدِيْر مِن اللَّهْوِ فِيْهِ فُنُونَا وَأَهْمَلتُ نَفْسِي وَمَا أَهْمِلَتْ ... وَهَوَّنْتُ مِنْ ذَاكَ مَا لَمْ يَهُوْنَا ورُبَّ سُرُورٍ شَفَىَ غَلَّةً ... وَلِى فَأعْقَبَ حُزْنًا رَصِيَنا وكم آَكِلٍ سَاعَة مَا يُرِيْد ... يُكَابِدُ مَا أَوْرثَتْهُ سِنِيْنَا ... وما كَانَ أَغْنَي الفَتَى عَن نَعيم ... يَعُودُ عَلَيهِ عَذَابًا مُهِيْنَا وكِمْ وَعَظَتْنِي عِظَاةُ الزَمان ... لَو انْيِ أُصِيْخُ إِلَى الوَاعِظيْنَا وكم قد دَعَانِي دَاعي الْمنُون ... وأسْمَعَ لو كُنْتُ فِي السَّامِعِيْنا وماذا أؤمِّل أو أَرْتَجيه ... وقد جُزْتُ سَبْعًا على الأَرْبَعِيْنَا فلو كانَ عَقْلِي مَعِي حَاضِرًا ... سَمِعْتُ لَعَمْرِي منه أَنِيْنَا ولَنْ يَبْرَحَ الْمَرْءُ فِي رَقْدَةٍ ... يَغِطُّ إلى أنْ يُوَافي المُنوْنَا فَتُوْقِظُهُ عِندَها رَوْعَة ... تَقطِّعُ منه هُنَاكَ الوَتِيْنَا وَإذْ ذَاكَ يَدْرِي بِمَا كان فِيه ... وتَجْلُو الحَقَائِقُ مِنْهُ الظُّنُونَا انْتَهَى آخر: وما تَبْنِيهِ في دُنْيَاكَ هَذِي ... سَتَلْقَاهُ مِنَ الأيَّام هَدْمُ وجِسْمُكَ وَيْكَ أسْرَعُهُ انْهَدامًا ... وهَلْ يَبْقَى مَعَ الساعَاتِ جِسْمُ ومَن تَتْبَعْهُ تابِعَةُ المنَايَا ... مُحَالٌ أنْ تَبقَّى مِنْه رَسْمُ

لأمر ما تصدعت القلوب

وَلَيْتَكَ لَمْ تَكْنْ إلاَّ مَنُوْنٌ ... يُضَاعَفُ بَيْنَها كَرْبٌ وغَمُّ ولكنْ بَعْدَهَا يَوْمٌ عَصِيْبٌ ... طَوِيْلُ الكرْبِ ذِكْرَاهُ تَصُمُّ وَمَا تِلْكَ الكُروْبُ كَمَّا عَهِدْنَا ... وَلاَ هِيَ ما يُعْبِرُ عنه فَهْمُ ولا تَغْتَر بالأسْماء جَهْلاً ... فَرُبَّتَ مَعْنَيَيْنِ عَلَيْهِمَا اسْمُ يُسَمَّى الكوْكَبُ الدُرِّيُ نَجْمًا ... ومُنْبَسِطُ النَّبَاتِ كَذَاكَ نجْمُ شَعِرا: لأَمْرِ مَا تَصَدَّعَتِ القُلُوبُ ... وَبَاحَ بِسِرِّهَا دَمْعٌ سَكِيْبُ وَبَاتَتْ في الجَوَانِحِ نَارُ ذِكْرَى ... لَهَا مِن خَارِجٍ أَثَرٌ عَجِيْبُ وَمَا خَفَّ اللَّبِيْبُ لِغَيْر شَيءٍ ... وَلا أَعْيَا بِمَنْطِقِهِ الأَرِيْبُ ذَرَاهُ لائِمَاهُ فَلا تَلُوْمَا ... فَرُبَّتَ لائِمٍ فيه يَحُوبُ رَأَى الأَيَّامَ قَدْ مَرَّتْ عَلَيهِ ... مُرُوْرَ الرِّيْحِ يَدْفَعُهَا الهَبُوبُ وَمَا نَفَسٌ يَمُرُّ عَلَيهِ إِلا ... ومِنْ جُثْمانِهِ فِيهِ نَصِيْبُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ لَوْ يَدْرِي مَقَامٌ ... بِهِ الوِلْدَانُ مِن رَوْعِ تَشِيْبُ وَهَذَا المَوتُ يِدُنِيْهِ إِليهِ ... كَمَا يُدْني إِلى الهَرَمِ المَشَيْبُ ... مَقَامٌ تُسْتَلذُ بِهِ المَنَايَا ... وَتُدْعَي فِيهِ لَوْ كَانَتْ تُجِيْبُ وماذا الوَصْفُ بَالِغُهُ وَلَكِنْ ... هِيَ الأَمْثَالُ يَفْهَمُهَا اللَّبِيْبُ انْتَهَى آخر: يَا بَاكِيًا مِن خِيْفَةِ الموتِ ... أصَبْتَ فارْفَعْ مِن مَدَى الصَّوْتِ ونَادِ يَا لَهفِي على فسْحَةٍ ... في العُمْرِ فَاتَتْ أيَّمَا فَوْتِ ضيَّعْتُهَا ظالِمًا نَفْسِي ولَمْ ... أُصْغِ إلى موْتٍ ولا مَيْتِ يا ليْتَهَا عَادَتْ وهَيْهَاتَ أَنْ ... يَعُوْدَ ما قَدْ فَاتَ يَا لَيْتِ فَخَلِّ عن هَذِي الأماني ودَعْ ... خَوْضَكَ في هَاتِ وفي هَيْتِ

يا رب يا من هو العلام في الأزل

وبَادِرِ الأَمْرَ فما غَائِبٌ ... أَسْرَعُ إِتْيَانًا مِنَ المَوْتِ كَمْ شَائِدٍ بَيْتًا لِيَغْنَى بِهِ ... مَاتَ وَلمْ يُفْرَغْ مِن البَيْتِ انْتَهَى اللَّهُمَّ وَفّقْنَا لِصَالِحِ الأعْمَالَ، ونَجِّنَا من جميعِ الأهْوَالِ، وأَمَنّا مِنَ الفَزَعِ الأكْبَرِ يومَ الرْجْفِ والزِلْزَال، واغْفِرْ لَنَا ولِوَالِدَيْنَا، وَلِجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ الأحْيَاءِ منهم والميتين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وصَلى اللهُ على محمدِ وآلِهِ وصحبه أجمعين. تَضَرع إلَى رَبِّ العِزةِ والجلال: يَا رَبِّ يا مَنْ هُوَ العَلاَّمُ في الأَزَلِ ... بالسِّرِ والجَهْرِ مِن قَوْلِي ومِن عَمَلي ثَبِّتْ بِفَضْلِكَ قَلْبِيْ يَا رَحِيْمُ وجُدْ ... لِيْ بالرِّضَا واعْفُ يَا رَحْمن عَن زلَلِي (جَرَائِمِي لَسْتُ أُحْصِيْهَا لِكَثْرَتِهَا ... أرْجُوْكَ يَا سَيِّدِيْ عَنْهَا تَجَاوَز لِي حَسْبِي رِضَاكَ ولا أَرْجُوْ سِوَاكَ وَلاَ ... أُحْصِي ثَنَاكَ وإني فِيْكَ ذُوْ أَمَلِ) خَلَقْتَنَا مِن تُراب ثم من عَلقٍ ... وسَوْفَ تَبْعَثُنَا لِلْمَوْقِفِ الجَلِلِ ذَنْبِي عَظِيْمٌ وقَلْبِيْ خَائِفٌ وَجِلٌ ... ومِنْكَ يُرْجَى أمَانُ الخَائِفِ الوَجلِ رَبِّ اكْفِنِي شَرَّ نَفْسِي واللَّعِيْنَ وَهَبْ ... لِيْ تَوْبَةً واهْدِنِي قَبْلَ انْقَضَى أجَلِي زَادَتْ عُيُوبِيْ فآمِّنْ رَوْعَتِي وأقِلْ ... يَا رَبَّنَا عَثْرَتي وانْظُر بِلُطْفِكَ لِي سَهِّلْ بِفَضْلِكَ رِزْقِي واغْنِنِي أبَدَا ... عَنْ سَائِرِ الخَلْقِ يَا مَنْ لا يَزالُ عَلِي شُغِلْتُ باللَّهُوِ عن ذِكِر الالهِ ولَـ ... ـكِنْ عَفوهُ يَرْتَجِيْهِ كُلُّ مُبْتَهلِ صَبَابَتِي عَظُمَتْ إذْ مُقْلِتَي حُرِمَتْ ... طِيبَ الكَرى ونَمَا يَاسَيِّدِيِ زَلَلِي ... ضَيَّعْتُ عُمْريَ في لَهْوِ وفي لَعِبٍ ... وفي فُتُورٍ وفي عَجْز وفي كَسَلِ أَرْجُوْكَ عَفْوَكَ يَا مَنْ قَدْ تَنَزَّه عن ... ضِدٍ ونِدٍ وعَنْ كَيْفَ وعَنْ مَثلِ ظَنِّي جَمِيْلٌ بِهِ أرْجُو النَّجَاةَ غَدًا ... والعَفْوَ عمَا مَضَى يَا مُنْتَهَى أَمَلِي عَامَلْتَنِي مِنْكَ بالأَلْطَافِ والمِنَنِ ... مُذْ كُنْتُ طِفلاً ومِنْكَ اللُّطْفُ لم يَزَلِ

وريان من ماء الشباب إذا مشى

غَطَّى الصَّدَا قَلْبِي الصَّادِي فَعَنْهُ أزِلْ ... حَتَّى لِغَيرِكَ يا مَوْلاَيَ لَمْ أمِلِ فإنَّ لِي فِيْكَ ظَنًا لَمْ يَزَلْ حَسَنًا ... فَعَافِنِي مِنْ أَذَى الأسْقَامِ والعِلَلِ انْتَهَى آخر: ورَيَّانَ مِن مَاء الشَّبَابِ إذا مَشَى ... يَمِيْدُ عَلَى حُكْم الصِّبَا وَيَمِيْدُ تعَلْقَ مِن دُنْيَاهُ إِذْ عَرَضَتْ لَهُ ... خَلوبًا لألْبابِ الرجال تَصِيْدُ فأصْبَحَ منها في حَصِيْدٍ وقائِم ... ولِلْمَرْءِ منها قائمٌ وحَصِيْدُ خَلاَ بِالأمانِي واسْتَطَابَ حَدِيْثَها ... فَيَنْقُصُ مِن أطْماعِهِ ويَزِيْدُ وأدْنَتْ لَهُ الأَشْيَاءَ وَهْيَ بَعَيْدَةٌ ... وتَفْعَلُ تُدْنِي الشيءَ وهْوَ بَعيِْدُ أُتِيْحَتْ لَهُ مِن جَانِب الموتِ رَمْيَةٌ ... فَراحَ بها المَغْرُورُ وهْوَ حَصِيْدُ وَصَارَ هَشِيْمًا بَعْدَمَا كَانَ يَانِعًا ... وعَادَ حَدِيْثا يَنقضِيْ وَيَبِيْدُ كأَنْ لَمْ يَنَلْ يَوْمًا مَن الدَّهْرِ لَذَّةً ... ولا طَلَعَتْ فيه عَلَيْه سُعُودُ تَبَارَكَ مَن يُجْرِي عَلَى الْخَلْقِ حُكْمَهُ ... فَلَيْسَ لِشَيءٍ مِنْهُ عنه مَحيْدُ انْتَهَى

تبا لطالب دنيا لا بقاء لها

آخر: تَبًا لِطَالِبِ دُنْيَا لاَ بَقَاءَ لَهَا ... كَأَنَّمَا هِيَ في تَعْرِيْفِهَا حُلمُ صَفَاؤُهَا كَدَرٌ سُرُوْرُهَا ضَرَرٌ ... أَمَانُهَا غَرَرٌ أَنْوارُهَا ظُلَمُ شَبَابُهَا هَرَمٌ رَاحَاتُهَا سَقَمٌ ... لَذَّاتها نَدَمٌ وُجْدَانُهَا عَدَمُ لا يَسْتَفِيْقُ مِن الأَنْكَادِ صَاحِبُهَا ... لَوْ كَانَ يَمْلِكُ ما قَدْ ضُمِّنَتْ أَرْمُ فَخَلِّ عَنْهَا وَلاَ تَرْكَنْ لِزَهْرَتِهَا ... فإنَّهَا نِعَمٌ في طَيِّها نِقَمُ وَاعْمَلْ لِدَارِ نَعِيْمٍ لاَ نَفَادَ لَهَا ... ولا يُخَافُ بها مَوْتٌ ولا هَرَمُ انْتَهَى آخر: رَفَعْتَ عَرْشكَ في الدنيا وَتُهْتَ بِهِ ... وما بِهَا لِلَبيْب تُرْفَعُ العُرُشُ وبِتّ فِيها على فُرْشٍ مُلَيَّنَةٍ ... ولَو عَقَلْتَ لَمَا لاَنَتْ لَكَ الفُرشُ وَظِلْتَ تَسْعَى لآِمالٍ وَتَفْرشُهَا ... ولِلْمَوَارِيْثِ مَا تَسْعَى وتَفْتَرِشُ كم كانَ قَبْلَكَ مِن مَأسُورِ رَغْبَتِهِ ... بِالحِرْصِ تُلْدَغُ جَنْبَاهُ وَتُنَتَهشُ يَمْسِي ويُصْبَحُ فِي حِلٍ وفي ظَعَنٍ ... يَضُمُّ هَذَا إلى هَذَا ويَحْتَوِشُ عَطْشان لِلْمَالِ مُحْمَاة جَوَانِحُهُ ... ألْقَى على صَدْرِهِ لِسَانِهُ العَطَشُ حَتَّى إِذَا قِيْلَ قَدْ تَمَّتْ مَطَالِبُهُ ... وَطَافَ مِن حَوْلِهِ أَهْلُوْه واْحَتوشُوا مَدَّتْ إِليه يَدٌ لِلْمَوْتِ بِاطِشَةٌ ... خَشْنَاءُ لاَ دَهَشَ فيها ولا رَعَشُ فَقصَّعَتْهُ وقِدْمًا كَانَ ذَا جيَدٍ ... وأجْهَشَتْهُ ولَمَّا يَدْرِ مَا الْجَهَشُ فَبَاتَ مُسْتَلَبًا وباتَ وارثُهُ ... وقد تغَطَوْا بِذَاكَ المال وافْتَرَشُوا أمَا سَمِعَتَ بِأَمْلاكٍ مَضَوا قِدَمًا ... شُمُّ الأنْوفِ بِرَوض الملك قد عَرَشُوا إِنْ دُوفِعُوا دَفَعُوا أَوْ زُوحِمُوا زَحَمُوا ... أوْ غُوْلِبُوا غَلبُوا أو بُوْطِشُوا بَطشُوا جَاءَتْهُمُو وَجُنُودُ اللهِ غَالِبَةٌ ... كَتَائِبٌ لِلْمَنَايَا كِلُهَا حَبَشُ فَضَعْضَعَتْ جَنَبَاتٍ عِزِّهمِ وَرَمَتْ ... مَنَارَهُم بِظَلاِمِ مَا بِهِ غَبَشُ لَطَالَمَا أكلُوا وَطَالَما شَربُوا ... وطالَما رَفَعُوا الآجامَ واعْتَرشُوا مَرُوْا ولا أثر منهم بِدَارِ همُو ... ولا حَسِيْسَ وَلا رِكْزٌ ولا وَقَشُ قد كان لِلْقَوْمِ آمالٌ مَبَسِّطةٌ ... فأصْبَحُوا قبضُوا الآمال وَانْكَمَشُوْا انْتَهَى

قد طواك الزمان شيئا فشيئا

غيره: قَدْ طَوَاكَ الزَّمانُ شَيْئًا فشيْئا ... وبَرَتْكَ الخُطُوب جُزْءًا فَجُزْءَا كان ما كَانَ وانْقَضَتْ مُدَّةُ الْـ ... ـعُمْر وَوَلَّى الشبَابُ خَبَرًا ومَرْءَا وقَديْمًا قَدْ أعْلَمَتكَ اللَّيَالِي ... أنَّ أدْوَاءَهَا تَفُوتُكَ بُرْءَا فأدْرِكْ منها فائتًا بِمَتَابٍ ... بِلْ بإيْمَانٍ أنْشِيءَ اليَومَ نَشْئَا واتِخَّذْ لِلْهِيَامُ وْيَحَكَ ريًا ... واتَّخِذ لِلْسُّهُومِ وَيْلَكَ فَيْئَا وإذَا ما خَرَقْتَ بالدِين خَرْقًا ... فارْفِيْنهُ بالإِنَابَةِ رَفْئَا ... وإذَا ما وَرَدْتَ مَوْرِد دُنيًا ... فلْيَكُنْ ما وَرَدْتَ مِن ذَاكَ ظمْئا ولْتَدَعْهَا تَخَيُّلاً وأمَانِي ... أَلْبَسَتْ قَلْبَكَ المُغَفَّلَ صَدْأَ وَإِذَا مَا الحِمَامُ جَاءَكَ يَوْمًا ... لَمْ تَجِدْ مِن جَمِيْعِ ذَلِكَ شَيْئَا انْتَهَى وهذه قصة الذبيح إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام. الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ على ... إنعامِهِ فهو ذُو الإنعامِ والنِّعمِ وبَعْدَ هَذا فآلافُ الصلاة على ... مُحَمَّدٍ سَيِّدِ العُربانِ والعَجَمِ والآلِ والصحبِ ثم التابعينَ لَهُمْ ... ما لاَحَ بَرقٌ وسَحَّتْ أعينُ الدِيمِ إني نَظَمْتُ لأَمرٍ للخَلْيِلِ بما ... أدَّاهْ فِكْرِيْ وما أَبْدَى به قَلَمِ فبينما كانَ إبراهيمُ مُضْطَجِعًا ... العَبْنُ نائَمةٌ والقلبُ لَمْ يَنَمِ رَأىَ مَنَامًا بِأنَّ اللهِ يأَمَره ... بِذَبْحِ ابن صَدْوْقِ القولِ ذِي الشِّيَمِ أَعِنْي أبا العَرَبِ إسماعيلَ قال به ... جَماعةٌ مِن ذَوِي الألبابِ والحِكَمِ وَبَعْضُهم قال إسحقَ الذبيحَ وقد ... تَوَاتَر القولُ فِيْمَنْ قَبْلُ كَانَ سُمِي نَاداهُ إني أَرَى في النومِ ذَبْحَكَ يَا ... بُنَىَّ فانْظُرْ فَمَا رُؤْيَايَ بالحُلُمِ فقال يَا أَبَتِ افْعَلَ ما أَمرْتَ بِهِ ... مُبَادِرًا أَنْتَ أَمْرَ اللهِ لَنْ تُلَمِ لَكِنَّ وَالدَتِي وَارَحْمَتَاهُ لَهَا ... ماذَا يَحِلُ بِهَا إنْ خُبِرَّتْ بِدَمِ فأقْرِي وَالدَتِي مِنّي السَلامَ وقُلْ ... لَهَا اصْبِرِي لِقضاءِ الله واعْتَصِمِ

حَولْ لِوَجْهِكَ عِند الذبح يا أَبَتي ... واغْضُضْ بِطَرفِكَ لا تَجزَعْ لِسَفك دَمِي فإنَما أَنَا عَبْدُ اللهِ يَفْعَلُ بِي ... ما شاءَ واللهُ ذُوْ فَضْل وذُوْ كَرَمِ فاسْتَسْلَمَا ثم سَارَا عَازِمَيْنِ عَلَى ... إنْفَاذِ أَمْرِ إلِهٍ مُحْيِي الرِمَمِ فَجَاءَ إبِليسُ يَسْعَى وهُوَ ذُو عَجَلٍ ... فَي زَيِّ شَيْخٍ كَبِيْرِ السِّنِ ذِيْ هَرَمِ فقالَ أنْتَ خَلْيِلُ اللهِ تَسْمَعُ مَا ... يُوحِيْهِ إبْلِيسُ في الأضْغَانِ والحُلُمِ أَجَابَه اخْسأْ عَدَّوَ اللهِ إنكَ إبْـ ... ـلِيْسُ اللَّعَيِنُ قَرِيْنُ الشِّرِ والنَّدَمِ فَرَاحَ عنه وَوَلَّى خَاسِئًا خَجِلاً ... يَقولُ قَدْ فَاتَنِي المطْلُوبُ وَا ألَمِي ثم انْثَنَى نَحَو إسماعيلَ مُمْتَحِنًا ... له يَقُولُ ادْنُ مِني واسْتَمِعْ كَلَمِ أَبُوكَ يَزْعُمُ أنَّ الله يَأْمُرُهُ ... بِذَبْحِكَ اليومَ ما هَذَا من الشيم فقالَ إنْ كان ربُّ العرشِِ يأْمُرُه ... فإنني صابرٌ راض بلا ندمِ ... وطَاعةُ الربِ فَرْضٌ لا مَحِيصَ لَنَا ... عَنهَا لأَنْ كُتِبَتْ في اللَّوحِ بالقلَمِ فارْجِعْ بِكبرِكَ عَنَّا إنَّنَا بَرءَآ ... مِنْكَ فإنكَ مَطْرُودٌ مِن الرحِمِ فراحَ عنه لِنَحْوِ الأم قال لَهَا ... إنَّ ابنَكِ اليومَ مَذْبُوحٌ على وَهَمِ مَن أجْلِ رُؤيا رَآها الشيخُ حَقَّقَهَا ... يُريْدُ انْجَازَهَا هَلْ ذَا بِمُلْتَزَمِ قالتْ نَعَمْ ما لَهُ بُدٌ وكيفَ لَهُ ... بأنْ يُخَالِفَ مَن أَنْشَاهُ مِن عَدَمِ لَمَّا رَأىَ اليَأْسَ مِنْهُمْ رُدَّ مُكْتَئِبًا ... يَرنُّ أرْنَانَ ذاتِ الثُكْلِ واليُتُمِ إذا فاتَه مَا جَرَى منهُ وَأمَّلَهُ ... وباءَ بالخِزْيِ والخُذْلانِ والنَّدَمِ وانقادَ لِلذَّبح إسماعيلُ مُحْتَسبًا ... لِحُكْم مَوْلاَهُ يَمشِيْ حَافِي القَدَمِ فبينما هُوَ مُنْقَادٌ لِسَيَّدِهِ ... ما فِيهِ مِن جَزَعٍ كَلاَّ ولا سَئمِ أَتَى الخَلِيْلُ بِسكِّينٍ فأشْحَذْهَا ... حَتَّى غَدَتْ مِثْلَ بَرْقٍ في دُجَى الظُلَمِ فقال يا أَبَتَاهُ ارْفَعْ ثِيَابَكَ لا ... يُصِيْبُهَا قَذَرٌ عندَ اصْطَبَابِ دَمِيْ ويَفْجَعُ الأُمَّ مَهْمَا شَاهَدَتْهُ كَذَا ... فاللهُ يُعْصِمُهَا مِن زَلَّةَ القَدَمِ والأُمُ يا وَالدِي مَهْمَا رَجَعْتَ لَهَا ... فاطْلُبْ لِي الحِلَّ مِنْهَا واحْفَظْ الذَمَمِ

اعتزل ذكر الغواني والغزل

وأَمْرَ مَوْلاَيَ نَفّذْهُ بِذَبِحْكَ لِي ... واشحذ لشفرة ذَبحي يا أبا الكرمِ كيما يهون عليَّ المَوت إن له ... لشِدَّةً لَمْ تَصِفْهَا أَلْسُنُ الأُمَمِ قال الخليلُ فِنِعْمَ العَونُ أَنْتَ عَلَى ... مَرْضَاةِ رَبِي فثِقْ باللهِ واعْتَصِمِ فَجَاءَ بِالحَبْل شَدَّ الاِبنَ ثُمَّ بَكَى ... لِرِقَّةٍ غَلَبتْهُ فَهْوَ لَمْ يُلَمِ أَمَرَّ شَفْرَتَهُ بالنَّحْرِ فانْقَلَبَتْ ... عَنْهُ ثلاثًا ولَمْ يَمْسَسْه مِن أَلَمِ فقال إنْ شَقَّ ذَا والنَّفْسُ ما سَمَحَتْ ... فَكُبَّ وَجْهِيْ فإنِي غَيْرُ مُهَتضِمِ فَكَبَّهُ مِثْلَ مَا أوْصَاهُ فانْقَلَبَتْ ... إذْ ذَاكَ شَفَرَتُهُ لَمْ تَفْرِ مِن أَدَمِ والأَرْضُ رَجَّتْ وأَمْلاَكُ السَّما جَأَرَتْ ... والوَحْشُ عَجَّتْ وَعَمَّ الخَطْبُ في الأُمَمِ والله ذُو العَرْشِ فَوقَ العَرْشِ يَعْجِبُ مِن ... إِيْمَانِ عَبْدَيْهِ مَا عنه بِمُنْكِتمِ أَوْحَى لِجَبريلَ أنْ أَدْركْهُمَا عَجلاً ... بِكَبْشِ ضَانٍ رُبِيْ في رَوْضَةِ النَّعَمِ أَيْ أرْبِعَينَ خَرِيْفًا في الجِنَانِ رَعَىَ ... يُسْقَى مِن انْهَارِهَا عَذْبًا بِلا وَحَمِ فَجَاءَ بالكَبْشِ جِبْريْلُ الأُمِينُ إلىَ ... ذاكَ الخليل النَّبِيْلِ الطَّاهِرِ العَلَمِ فقال هَذَا الفِدَا مِن عَنْدِ رَبَّكَ عَنْ ... هَذَا الذَّبْيحِ جَزَا هَذا دَمٌ بِدَمِ فَكَبَّرَ الله جُبْرائِيلُ حِيْنَئِذٍ ... والكَبْشُ كَبَّرَ أيْضًا نَاطِقًًا بِفَمِ ... ثم الخَلِيلُ كَذاكَ الإبِنُ مَا بَرحَا ... مُكَبِّرِيْنَ وذَا شُكْرٌ على النَعَمِ وسَرَّ أَهلَ السَما والأَرضِ حَالُهُما ... واغْتَمَ إبْلِيسُ غَمًا غَيْرَ مُنْصَرِمِ عَواقبُ الصَّبْرِ تُنْجِي مَن يُلاَزَمُهَا ... والحمدُ للهِ هَذا آخِرُ الكَلِمِ ثم الصَلاةُ على المختارِ أحْمَدُ مَا ... غَنَّتْ مُطَوَّقَةٌ في الأيكِ بالنِعَمِ والآلِ والصحبِ ثم التابعينَ لَهُمْ ... ما لاحَ فَجْرٌ فأجْلَى غَيْهَبَ الظُلَمِ انْتَهَى آخر: اعتَزلْ ذكر الغواني وَالغَزَلْ ... وَقُلِ الفصل وجانبْ من هَزَلْ وَدَعِ الذِّكرى لأيام الصِّبا ... فَلأيام الصِّبا نجمٌ أَفَلْ إن أهْنا عِيشَةٍ قَضَيْتَهَا ... ذهَبتْ لذَّاتُهَا وَالإثْمُ حَلّ واتْرُكِ الغادَةَ لاَ تَحْفَل بِها ... تُمْس فِي عِزّ رَفِيْعٍ وَتُجلّ

وَافتَكرْ في مُنتهى حُسْنِ الَّذِي ... أَنْتَ تهواهُ تَجدْ أَمرًا جَللْ وَاهجُرِ الخمرةَ إِنْ كُنْتَ فَتًى ... كيفَ يسعَى فِي جُنون من عَقَلْ واتَّقِ الله فتقوى اللهِ مَا ... باشرَتْ قلْبَ امرِئ إِلاَّ وَصَلْ ليْسَ مَنْ يقطعُ طُرْقًا بَطَلاً ... إِنَّما مَن يتَّقي الله بَطلْ صدِّقِ الشرْعَ ولا تَركَنْ إلى ... رَجُلٍ يرصُدُ فِي الليل زُحَلْ حارَتِ الأفكار في قُدرة مَن ... قد هدانا سَبْلَنا عزّ وجلْ أيْن نمرودُ وَكنعانُ ومَن ... مَلَكَ الأَرضَ وولّى وعَزَلْ أيْن عادٌ أينَ فِرعوْنَ وَمَنْ ... رَفَعَ الأهرامَ مَن يَسمعْ يَخَلْ أينَ مَن سَادُوا وَشَادُوا وبنوْا ... هَلَكَ الكُلُّ فَلَمْ تُغْنِ القُلِلْ أينَ أربابُ الحِجَى أَهلُ النُّهَى ... أَيْنَ أَهْل العلمِ والقومُ الأُوَلْ سيُعيدُ اللهُ كُلاَّ منهم ... وسَيجْزِي فاعِلاً ما قَد فَعلْ يا بُنيّ اسمَعُ وصايا جَمَعتْ ... حِكَمًا خُصّت بها خيرُ المِللَ اطْلبِ العلمَ وَلاَ تكسَلْ فَمَا ... أَبْعدَ الْخَيْرَ عَلَى أَهْلِ الكَسَلْ واحتَفِلْ للفِقْهِ في الدّينِ وَلاَ ... تَشتَغِلْ عَنْه بمالٍ وَخِوَلْ واهْجُر النَّومَ وَحَصِّلْه فَمَنْ ... يَعرفِ المطلوبَ يحقِرْ ما بَذَلْ لا تقل قَد ذهَبَتْ أربابُه ... كلُّ منْ سارَ على الدَّربِ وَصَلْ ... في ازديادِ العلمِ إرغامُ العِدَى ... وجَمالُ العلم إِصلاحُ العملْ جَمِّلِ المنطِقَ بالنَّحوِ فَمَن ... حُرِمَ الإِعرابَ بالنُّطق اخْتَبلْ انظم الشَّعرَ ولازمْ مَذهَبِي ... في اطِّراح الرِّفد لا تَبغِ النِّحَلْ فَهْوَ عُنوانٌ على الفَضْلِ وَمَا ... أحْسنَ الشِّعْرَ إِذَا لَمْ يُبْتَذَلْ ماتَ أهلُ الجود لم يبْقَ سوى ... مُقْرِفٌ أو مَن على الأصل اتَّكلْ

أنا لا أختارُ تقبيلَ يدٍ ... قَطعُها أَجْملُ من تلك القُبَل إنْ جَزْتَنِي عنْ مَديحِي صِرْتُ فِي ... رِقِّها أولا، فيكفيني الخَجَلْ مُلْكُ كسرى عنه تُغْني كِسْرةَ ... وعنِ البحرِ اكْتفاءٌ بالوَشَلْ أَعذبُ الألفاظِ قَوْلي لَكَ: خُذْ ... وأمرُّ اللّفظِ نُطقي بلَعَلْ اعتبرْ {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ} ... تلْقَه حقًّا {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} ليس ما يَحْوى الفَتَى من عزْمهِ ... لا ولا ما فات يومًا بالكَسَلْ اطْرحِ الدنيا فَمِنْ عاداتِها ... تخفِضُ العالي وتُعلِي مَنْ سَفُلْ عيشةُ الرّاغب في تحصيلها ... عِيشَةُ الزّاهد فيها أو أَقلّ كمْ جهول وَهْوَ مُثْرٍ مُكثِرٌ ... وعليل ماتَ منها بِالعِلَل كم شجاعٍ لم ينلْ منها الْمُنى ... وجَبانٍ نالَ غَاياتِ الأملْ فاتْركِ الحِيلَة فيها واتَّئِدْ ... إِنَّما الحيلةُ فِي تْركِ الحِيَلْ أَيُّ كفَّ لم تنلْ مما تُفِدْ ... فَرَماها الله مِنْهُ بالشَّلَلْ لا تَقلْ أَصْلي وفصْلي أبَدًا ... إِنَّما أصلُ الفَتَى ما قَدْ حَصَلْ قد يَسودُ المرءُ مِن غَيْرِ أَبٍ ... وبِحُسْنِ السَّبكِ قد يُنْفى الزَّغَلْ وكَذا الوَرد مِنَ الشوْكِ ومَا ... يَطَلعُ النَّرجِسُ إِلا مِنْ بَصَلْ مَعَ أنِّي أحْمدُ الله عَلى ... نَسبِي إِذْ بِأَبي بَكْرِ اتَّصلْ قيمةُ الإِنسانِ مَا يُحْسُنُه ... أَكْثَرَ الإِنسانُ منه أو أَقَلْ اُكْتُمِ الأَمْريْنِ فَقرًا وغِنىً ... واكْسَبِ الفِلْسَ وَحاسِبْ مَنْ مَطَلْ وادَّرعْ جِدًّا وَكدًّا وَاجْتَنِبْ ... صُحبةَ الحَمْقى وأربابَ الدُّوَلْ بَيْن تبذيرٍ وبُخْلٍ رتْبةٌ ... وَكِلاَ هذَيْن إِنْ زادَ قَتلْ لاَ تَخُضْ في حقِّ ساداتٍ مضوْا ... إِنَّهم ليسوا بأهلٍ للزَّلَلْ

وتغافَل عن أُمورٍ إِنهُ ... لم يَفُزْ بِالحَمْدِ إِلاَّ مَنْ غَفلْ ... ليس يَخلُو المرءُ مِن ضِدٍّ وَلَوْ ... حاوَلَ العُزْلةَ فِي رأْس جَبَلْ مِلْ عنِ النَّمَّامِ وَازْجُرهُ فَمَا ... بَلَّغَ المكْروهَ إِلاَّ مَنْ نَقَلْ دارِ جِارَ السوْءِ بالصَّبرِ فإِن ... لم تَجِدْ صبْرًا فما أحلى النُّقَلْ جانِبِ السُّلْطَان واحْذَرْ بَطْشَهُ ... لاَ تُعَانِدْ مَنْ إِذا قالَ فَعلْ لا تَلِي الحُكْمَ وإنْ هُمْ سَألُوا ... رغبةً فيكَ وَخَالِفْ مَن عَذَلْ إنَّ نِصفَ الناسِ أَعداء لِمَنْ ... وُلِيَ الأَحْكامَ هذا إِنْ عَدَلْ فَهْو كالمحبوسِ عنْ لَذَّاتِهِ ... وَكِلاَ كَفَّيْه فِي الحَشْرِ تُغَلّ إِن للنَّقصِ وَالاستِثْقالِ فِي ... لَفْظَةِ القاضِي لَوَعظًا وَمَثَل لا توازي لذةُ الحكمِ بِما ... ذاقَه الشخصُ إِذا الشخصُ انْعزلْ فالوِلاياتُ وإِن طابَتْ لِمَن ... ذاقَها فالسُّمّ في ذاكَ العَسَلْ نَصَبُ المَنْصِبِ أَوْهى جَلَدِي ... وَعَنَائِي مِنْ مُداراةِ السّفلْ قصِّر الآمالَ في الدُّنْيا تَفُزْ ... فَدليلُ العَقْلِ تَقْصيرُ الأملْ إنَّ مَنْ يَطْلُبهُ الموْت عَلى ... غِرَّةٍ مِنهُ جَديرٍ بِالوَجَلْ غِبْ وَزرْ غِبًّا تَزِدْ حُبًّا فمَن ... أَكثرَ التّردادَ أَقصاهُ المَلَلْ خُذْ بنصلِ السيفِ واتْركْ غَمْدَهُ ... واعتبر فَضْلَ الفَتَى دونَ الحُلَلْ لا يضُرُّ الفضلَ إِقلالٌ كَمَا ... لا يضُرُّ الشمسَ إِطَباقُ الطَّفَلْ حبُّكَ الأوطانَ عجزُ ظاهِرٌ ... فاغْتَرِبْ تَلْقَ عَنِ الأَهْل بَدَلْ فَبِمُكْثِ الماءِ يبقى آسنًا ... وسُرَى البدْرِ بِهِ البدرُ اكْتَملْ أَيَّها العَائِبُ قَوْلِي عَبَثًا ... إِنَّ طِيبَ الوردِ مُؤْذٍ لِلْجُعَلْ عَدِّ عَنْ أَسهُمِ قَوْلِي وَاسْتَتِرْ ... لاَ يُصِيبَنَّكَ سَهْمٌ مِن ثُعَلْ

تدبر كتاب الله ينفعك وعظه

لا يغُرَّنَّكَ لِينٌ من فتىً ... إِنَّ للحيَّاتِ لينًا يُعْتزلْ أَنا مِثلُ الماءِ سهلٌ سائِغٌ ... وَمتى سُخِّنَ آذى وَقَتلْ أَنا كالْخَيْزورِ صَعبٌ كَسْرُهُ ... وَهْو لَدْنٌ كيف ما شئْتَ انْفَتلْ غيرَ أنيّ في زَمانٍ مَنْ يَكُنْ ... فيه ذَا مالٍ هُو الموْلى الأجلّ واجبٌ عندَ الورى إكرامُهُ ... وقليلُ المالِ فِيهم يُسْتَقَلّ كلُّ أهلِ العصْرِ غمْرٌ وأَنا ... منهمُ فاتركُ تَفاصِيل الجُمْلْ وَصلاة وسلامًا أبدًا ... للنبيِّ المصطفى خيرِ الدُّولْ ... وَعلى الآل الكِرامِ السُّعَدا ... وَعلى الأَصحابِ والقومِ الأُوَلْ مَا ثَوَى الرَّكْبُ بِعُشَّاقٍ إِلى ... أَيْمنِ الْحيِّ وَما غَنَّى رَمَلْ انْتَهَى آخر: تدبَّرْ كِتابَ اللهِ يَنْفَعْكَ وَعْظُهُ ... فإن كِتَابَ اللهِ أبْلَغُ واعِظِ وبِالعَيْنِ ثم القَلْبِ لاحِظْهُ واعْتَبِرْ ... مَعَانِيَهُ فَهْوَ الهُدَى لِلْمُلاحِظِ وأَنْتَ إذَا أتْقَنْتَ حِفْظَ حُرُوْفِهِ ... فَكُنْ لِحُدوْدِ اللهِ أقْوَمَ حافِظِ ولا يَنْفَعُ التَّجْوِيْدُ لاَفِظَ حُكْمِهِ ... وإنْ كانَ بالقُرْآنِ أفْصَحَ لافِظِ ويُعْرَفُ أهْلُوهُ بإحْيَاءِ لَيْلِهِمْ ... وصَوْمِ هُجَيْري لاهِجِ القَيْظ قَائِظِ وغَضّهِمْ الأبْصَارَ عن كُلِ مَأْثَمٍ ... يَجُرُّ بتَكْرِيرِ العَيُوْنِ اللَّواحِظِ

ولكننا والحمد لله لم نزل

وكَظمهِمُو للْغَيْظِ عِنْدَ اسْتعارِهِ ... إذَا عَزَّ بَيْنَ الناسِ كَظْمُ المَغَائِظِ وأخْلاَقُهُم مَحْمُودَةٌ إنْ خَبَرْتَهَا ... فَلَيْسَتْ بأخْلاقٍ فِظَاظٍ غَلائِظِ تَحَلَّوْا بآدابِ الكِتَابِ وأَحْسَنُوا التَّـ ... ـفَكُّرَ في أَمْثَالِهِ والموَاعِظِ فَفَاضَتْ على الصَّبرِ الجَمِيْلِ نُفُوْسُهُمْ ... سَلاَمٌ على تِلكَ النُفُوسِ الفَوَائِظِ انْتَهَى آخر: ولكِنَّنَا والحمدُ للهِ لَمْ نَزَلْ ... عَلَى قَولِ أصحابِ الرّسولِ نُعَوَّلُ نُقَرُّ بِأَنَّ اللهَ فَوْقَ عِبَادِهِ ... عَلَى عَرْشِهِ لَكِنَّمَا الكَيْفُ يُجْهَلُ وكُلُّ مَكَانٍ فَهْوَ فِيْهِ بِعِلْمِهِ ... شَهِيْدٌ عَلَى كُلَّ الوَرَى لَيْسَ يَغْفُلُ ومَا أَثبتَ البَارِي تَعَالَى لِنَفْسِهِ ... مِنْ الوَصْفِ أَوْ أَبْدَاهُ مَن هَوَ مُرْسَلُ فَنُثْبِتُهُ للهِ جَلَّ جَلالُهُ ... كَمَا جَاءَ لا نَنْفِيْ وَلا نَتَأَوَّلُ هُوَ الوَاحِدُ الحيُّ القَدِيْر لَه البقَا ... مَلِيْكٌ يُوَلي مَنْ يَشَاءُ وَيَعْزِلُ سَمِيْعٌ بَصِيْرٌ قَادِرٌ مُتَكَلمٌ ... عَلِيْمٌ مُرَيْدٌ آخِرٌ هُوَ أَوْلُ تَنَزَّهَ عَنْ نِدٍّ وَوَلْدٍ وَوَالِدٍ ... وَصَاحِبَةٍ فاللهُ أَعْلَى وَأَكْمَلُ ولَيْسَ كَمِثْل اللهِ شَيءٌ وَمَا لَهُ ... شَبِيْهٌ وَلا نِدٌّ بِرَبِّكَ يَعْدِلُ وإِنَّ كِتَابَ اللهِ مِنْ كَلِمَاتِهِ ... وَمِن وَصْفِهِ الأَعْلى حَكِيْمٌ مُنَزَّلُ هو الذِكْرُ مَتْلوٌ بِأَلْسِنَةِ الوَرَى ... وفي الصَّدْرِ مَحْفُوْظٌ وفي الصُّحِف مُسْجَلُ ... فَأَلفَاظُهُ لَيْسَتْ بِمَخْلوقَةٍ وَلا ... مَعَانِيه فَاتْرَكْ قَوْلَ مَنْ هُوَ مُبْطِلُ وقد أَسْمَعَ الرحمنُ مُوسَى كَلامَهُ ... على طُورِ سِيْنَا والإِلَهُ يُفَضِّلُ ولِلطُور مَوْلانَا تَجَلَّي بِنُورِهِ ... فَصَارَ لِخَوْفِ اللهِ دَكًّا يُزَلْزَلُ وإِنَّ عَلَيْنَا حَافِظِيْنَ مَلائِكًا ... كِرَامًا بِسُكَّانِ البَسِيْطةِ وُكَّلُوا

فَيُحْصُونَ أَقْوالَ ابْنِ آدَمَ كُلَّهَا ... وأَفْعَالَهُ طُرا فَلا شَيءَ يُهْمَلُ ولا حَيَّ غَيْرُ اللهِ يَبْقَى وَكُلُّ مَنْ ... سِوَاهُ لَهُ حَوضُ المَنيَّةِ مَنْهَلُ وإِنَّ نُفُوسَ العَالمَيْنَ بِقَبْضِهَا ... رَسُولٌ مِنَ اللهِ العَظِيْمِ مُوَكَّلُ ولا نَفْسَ تَفْنَي قَبْلَ إِكْمَالِ رِزْقِهَا ... ولَكِنْ إِذَا تَمَّ الكِتَابُ المُؤَجَّلُ وسِيَّانِ مِنْهُمْ مَن وَدي حَتْفَ أَنْفِه ... ومَن بالظُبَا وَالسَّمْهَرِيَّةِ يُقْتَلُ وَإِنَّ سُؤَالَ الفَاتِنَيْنَ مُحَقَّقٌ ... لِكُلِ صَرِيعٍ في الثَّرَى حِيْنَ يُجْعَلُ يَقُولانِ: مَاذَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟ مَا الَّذِي ... تَدِيْنُ؟ ومَن هذا الذي هُوَ مُرْسَلُ؟ فيارَبُّ ثَبّتْنَا عَلَى الحق وَاهْدِنَا ... إِلَيْهِ وَأنْطِقْنَا بِهِ حِيْنَ نُسْأَلُ وإِنَّ عَذَابَ القَبْرِ حَقٌّ وَرُوحُ مَن ... وَدَى في نَعِيمٍ أَوْ عَذَابٍ سَتجْعَلُ فأَرْوَاحُ أصحابِ السعادةِ نُعِّمَتْ ... بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ ومَا هُوَ أَفْضَلُ وتَسْرَحُ فِي الجَنَّاتِ تَجْنِي ثِمَارَهَا ... وتَشْرَبُ مِنْ تِلْكَ المِيْاهِ وَتَأْكُلُ ولَكِنْ شَهِيْدُ الحَرْبِ حَيٌّ مُنَعَمٌ ... فَتَنْعِيْمُهُ لِلرُّوْحِ والجِسْمِ يَحْصُلُ وأَرْواحُ أَصْحَابِ الشَّقَاءِ مُهَانةٌ ... مُعَذَّبَةٌ لِلْحَشْرِ وَاللهُ يَعْدِلُ وإِنَّ مَعَادَ الرُّوْحِ وَالجِسْمِ وَاقِعٌ ... فَيَنْهَضُ مَن قَدْ مَاتَ حَيًّا يُهَرْوِلُ وصِيْحَ بِكْلِّ العَالَمِيْنَ فَأُحْضِرُوا ... وقِيْلَ: قِفُوهُمْ لِلْحِسَابِ لِيُسْأَلُوا فذَلِكَ يَومٌ لا تُحَدُّ كُرُوْبُهُ ... بِوَصْفٍ فإِنَّ الأَمْرَ أَدْهَى وَأَهْوَلُ يُحَاسَبُ فِيْهِ المَرْءُ عَنْ كُلِّ سَعْيِهِ ... وكُل يُجَازَى بِالذِي كَانَ يَعْمَلُ وَتُوْزَنُ أَعْمَالُ العِبَادِ جَمِيْعُهَا ... وقَدْ فَازَ مَن مِيْزَانُ تَقْوَاهُ يَثْقُلُ وفي الحَسَنَاتِ الأَجْرُ يُلْقَى مُضَاعَفًا ... وبِالمِثْلِ تُجْزَى السَّيِئَاتُ وَتَعْدَلُ ولا يُدْرِكُ الغُفْرَانَ مَن مَاتَ مُشْرِكًا ... وأَعْمَالُهُ مَرْدُوْدَةٌ لَيْسَ تُقْبَلُ ويَغْفِرُ غَيْرَ الشِرْكِ رَبِّي لِمَنْ يَشَا ... وحُسْنُ الرَّجَا وَالظَّنِّ باللهِ أَجْمَلُ وَإِنَّ جِنَانَ الخُلْدِ تَبْقَى وَمَنْ بِهَا ... مُقِيْمًا عَلَى طُوْلِ المَدَى لَيْسَ يَرْحَلُ أُعِدَّتْ لِمَنْ يَخْشَى الإِلَهُ وَيَتِّقِي ... ومَاتَ عَلَى التَّوحِيدِ فَهُوَ مُهَلَّلُ ...

انتبه من كل نوم أغفلك

وينظر من فيها إلى وجه رَبِّه ... بذا نطق الوحي المبين المنزَّل وإن عَذَابَ النَّار حقٌّ وَإِنَّهَا ... أُعِدَّتْ لأَهْلِ الكُفْرِ مَثْوَى وَمَنْزِلُ يُقِيْمُونَ فِيها خَالدِين عَلَى المَدَى ... إذا نَضِجَتْ تِلْكَ الجُلُودُ تُبَدَّلُ ولم يَبْقَ بِالإِجْمَاعِ فِيْهَا مُوَحّدٌ ... ولَوْ كَانَ ذَا ظُلْمٍ يَصُوْلُ وَيَقْتُلُ وإنَّ لِخَيْرِ الأَنْبِيَاءِ شَفَاعَةً ... لَدَى اللهِ في فَصْلِ القَضَاءِ فَيَفْصِلُ ويَشْفَعُ لِلْعَاصِيْنَ مِنْ أَهْلِ دِيْنِهِ ... فيخرجهم من نارهم وهي تشعل فَيُلْقَونَ في نَهْرِ الحَيَاةِ فَينْبتُوا ... كَمَا في حَمِيْل السَّيْلِ يَنْبُتُ سُنْبُلُ وإنَّ لَهُ حَوْضًا هَنِيْئًا شَرَابُهُ ... مِن الشّهد أَحْلَى فَهْوَ أَبيضُ سَلْسَلُ يُقَدَّرُ شَهْرًا في المَسَافَةِ عَرْضُهُ ... كَأيلَةَ مِن صَنْعَا وَفِي الطُّوْلِ أَطْوَلُ وكِيْزَانُهُ مِثْلُ النُجُومِ كَثِيْرَةٌ ... وَوَّرَادُهُ حَقًّا أَغَرُّ مُحَجَّلُ مِن الأَمَّةِ المُسْتَمْسِكِيْنَ بِدِيْنِهِ ... وَعَنْهُ يُنَحَّى مُحْدِثٌ ومُبَدَّلُ فَيا ربِّ هَبْ لِيْ شَرْبةٌ مِن زُلاَلِهِ ... بِفَضْلِكَ يَا مَنْ لَمْ يَزَلْ بِتَفَضَّلُ [غيره] انَتَبِهْ مِن كُلِ نَوْمٍ أَغْفَلَكْ ... واخْشَ رَبًّا بالعَطَايَا جَمَّلَكْ تَابعِ المُختارَ واسلكْ نَهْجَهُ ... فهو نُورٌ مَن مَشَى فِيهِ سَلَكْ ثِقْ بِمَوْلاكَ وكُنْ عَبْدًا لَهُ ... إن عبدَ اللهِ في الدُنْيَا مَلِكْ جَدِّد التَّوْبَ على مَا قَدْ مَضَى ... مِن زَمَانٍ بالمَعَاصِي أَشْغَلَكْ حَاسِبِ النَفْسَ وعَلّمْهَا الرِضَا ... بالقَضَا واعْصِ هَوَاهَا تَرْضَ لَكْ خُذْ مِن التَّقْوَى لِبَاسًا طَاهِرًا ... فالتُّقَى خَيْرُ لِبَاسٍ يُمْتَلَكْ دَاومِ الذِكْرَ لِخَلاّقِ الوَرَى ... واتْرُكِ الأَمْرَ لِمَنْ أَجْرَى الفَلَكْ ذُلَّ واخْضعْ واستقِمْ واعْبُدْ لَهُ ... مُخْلِصًا يَفْتَحُ بَابَ الخَيْرِ لَكْ رَوِّحِ القَلْبَ لِهُ واعْكِفْ عَلَى ... بَابِهِ فَهْوَ الذِيْ قَدْ فَضّلَكْ زَيِّن البَاطِنَ بالتَّقْوَى تفُزْ ... حَسِّنِ الظَّاهِرَ تُعْطَى أَمَلَكْ سَلَّم الأَمْرَ لَهُ تَسْلَمْ فَكَمْ ... مِن فَتَى إذْ سَلَّمَ الأَمْرَ سَلَكْ

دوام حال من قضايا المحال

شُقَّ حُجْبَ الكَونِ لِلْمَعْبُودِ لا ... تَلْتَفِتْ إلاَّ إليْهِ يَقْبَلَكْ صُنْ عَنْ الدنيا لِسَانًا ويَدًا ... وفُؤادًا ولَهُ اخلِصْ عَمَلَكْ ضُمَّ أحْشَاكَ عَلَى تَوْحِيْدِهِ ... فَهْوَ نُورٌ يُذهِبُ الدَّاجِى الحَلِكْ ... طِبْ لَهُ واقْنَعْ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ ... فَهْوَ كَافٍ فَضْلُه قَدْ شَمَلَكْ ظنَّ خَيْرًا تَلْقَ ما قَدْ تَرْتَجِي ... مِن جَمِيْعِ الخَيْرِ حَتَّى يَقْبَلَكْ عُدْ إليهِ كُلَّمَا حَلَّ البَلاَ ... علَّ تَسْلَمْ مِن رَجيْمٍ سَوَّلَكْ خُضْ بِحَارَ العُذْرِ في جَنْحِ الدُجَى ... لكَرِيْمٍ بالعَطَايَا خَوَّلَكْ فاتْرَكِ التَّدْبِيْرَ والعِلْمَ لَهُ ... اسْألِ المَوْلَى يُصْفِّيْ مَنْهَلَكْ قُلْ بِذُلٍّ: يَا رَحِيْمُ الرُّحَمَا ... يَا مُنَجِّي بالعَطَايَا مَن هَلَكْ كُنْ مُجِيْرًا ونَصِيْرًا وحِمىً ... لِعُبَيْدٍ مُذْنِبٍ قَدْ سَأَلَكْ لُذْتُ بالبَابِ فَحَاشَا أَنْ أُرَى ... تَعِبًا والأَمْرُ والتَّدْبِيْرُ لَكْ مَرَّ عَيْشِي والخَطَا أَبْعَدنِي ... واعْتِقَادِي الصَّفحُ عَمَّا كَانَ لَكْ نَجِّنَا مِن كُلِّ كَرْبٍ وبَلا ... يَوْمَ يَلْقَى العَبْدُ مَكْتُوْبَ المَلَكْ هَبْ لَنَا السِتْرَ ولا تَفْضَحْ لَنَا ... يَا إلهي واعْفُ عَمَّنْ سَاءَلَكْ يَا مُجِيْبَ العَفْوِ يَسِّرْ أَمْرَنَا ... واقْضِ عَنَّا مَا لِمَخْلُوقٍ ولَكْ وتَحَنَّنْ بالعَطَايَا كَرَمًا ... أَنْتَ مَوْلاَنَا وأَوْلَى مَنْ مَلَكْ انْتَهَى آخر: دَوَامُ حَالٍ مِن قَضَايَا المُحَالْ ... واللُّطْفُ مَوْجُودٌ علَى كُلِّ حَالْ والنصرُ بالصبرِ مُحَلَّى الظُّبى ... والجَدُ بالجَدِ مَرِيشُ النِّبَالْ وعادة الأيْامِ مَعْهُوْدَةٌ ... حَرْبٌ وسَلْمٌ والليَّالِي سِجَالْ وما على الدهرِ انْتِقَادٌ على ... حالٍ فإنَّ الحَالَ ذَاتُ انْتِقَالْ مَن لِلِّيالِي بائتِلافٍ وكِمْ ... مِن اعْتِبَارٍ باخْتِلافِ اللِّيَالْ أَخْذٌ عَطَاءٌ، مِحْنَةٌ مِنْحَةٌ ... تَفُرُّقٌ جَمْعٌ، جَلالٌ جَمَالْ حَالُ انْتِظَام وانْتِثَارٍ مَعًا ... كَأنَّمَا هذِي اللَّيالِي لألْ

وهَلْ سَنا الصبحِ وجُنحُ الدُّجَى ... لِخِلْقَةِ الأَضْدَادِ إلاَّ مِثَالْ والظُّلَمُ الحُلْكُ على نُوْرِهَا ... تَدُلُّ والعُسْرُ بِيُسْرٍ يُدَالْ والسَّيْفُ قَدْ يَصْدَأً في غِمْدِهِ ... ثُمَّ يُجَلِّيِ صَفْحَتَيْهِ الصِّقَالْ والشمسُ بَعْدَ الغيمِ تُجْلَى كَمَا ... لِلْغَيْثِ مِن بَعْدِ القُنُوطِ انْهِمَالْ والفرَجُ الموْهُوبُ تَجْرِي بِهِ ... لطَائِفٌ لَمْ تَجْرِ يَوْمًا بِبَالْ ... فَصَابِرِ الدَّهْرَ بحَالَيْهِ مِن ... حُلْوٍ ومُرٍّ واعْتِدَا واعْتِدالْ فَمَا لَهُ صَبْرٌ عَلَى حَالَةٍ ... وإنَّمَا الصَّبْرُ حُلِيُّ الرِجَالْ ولا يَضِيُق صَدْرُكَ مِن أَزْمَةٍ ... ضَاقَتْ فَصُنْعُ اللهِ رَحْبُ المَجَال وانْظُر بِلُطِف العقل كم كُرْبةٍ ... فَرَّجَهَا لُطْفٌ كَحَلِّ العِقالْ وكِلْ إليْهِ كُلَّ حَاجٍ فَمَا ... لِذِي حجيً إلاَّ عَليْهِ اتْكَالْ وكلّ بَدْءٍ فله غاية ... وغاية الخَطْب الشديدِ انحلالْ وكل عَوْدٍ فله آية ... وآية العَقْل اعتبار المآل وفي مآل الصَّبْر عُقْبى الرِّضَا ... من فَرَج يُدني وأَجْر يُنَال عجبت للعبد الضعيف القُوَى ... يُغَرُّ بالرب الشديد المِحال يَهْوِي مع الآمال مُسْتَرْسِلاً ... طلوع الهوى حيث أمالته مال تخدعه النفس بتخييلها ... وهل خيال النفس إلا خَبال يخال أن الأمر جارٍ عَلَى ... تدبيره هيهاتَ مما يَخَالْ الخَلْق والأمر لمن لم يزل ... في مُلْكه المَلْك وما إن يَزَال والفعل والترك دليل عَلَى ... مراده والكلُّ طوعُ انفعال يعطِي فلا مَنْع ويقضِي فلا ... دَفْع ويُمضِي حكمه لا يُبال يُدَبِّر الأمر فعن أمره ... تقدير ما في الكون سُفْلٍ وعال يُضِل يَهْدي حكمة أنْفَذت ... فضلاً وعدلاً في هُدىً أو ضَلال

وحكمة البارئِ في حكمه ... ما لمجال العقل فيها مجال والرب لا يُسألُ عن فعله ... قَدْ قُضِيَ الأمر ففيم السؤال؟! فيا أخا الفكر اشتغالاً بما ... في غيره للفكر حَقَّ اشتغال سلِّم، ففي التسليم من كل ما ... ينفذ تسليم وتنعيم بال وارْضَ بما فاتك أو نلتَه ... فعكسه ما لك فيه مجال وفوِّضِ الأَمرَإلى الحقِّ لا ... تركنْ من الدُّنيا لحَالٍ مُحَالْ فذو الحِجى فيما اتقى وارتجَى ... بالعَدْل حالٍ ومن العَذْل خال يرضَى بقسْمِ الرَّبِ كلَّ الرضَا ... في كل ِّحالٍ ما عن العَهْدِ حَالْ يرى خلال الشكر والصبر في ... ما سرَّ أو ساءَ أبرَّ الخلالْ فهْو على الحالَيْن قد نال من ... مُناه في الدارين أقصى مَنال ... ما أقصر الدنيا على مَرِّها ... كالظل ما أقصر مَدّ الظلال! فافطَن لها حزمًا ففي ظلها ... ما قال يومًا حازم حيث قال ما يَقَظات العيش إلا كَرىً ... ولا مَرَائيَ العين إلا خيال يا ليت شعري والمُنى عِبرة ... والشعر قول قد ينافي الفِعال هل يستحيل العهد من صَبْوتي ... فقد مضى عهد الصِّبا واستحال والشّيب هل يوقظني صبحُه ... فالنّوم في ليلٍ من اللهو طَال وكِسرتي من عُسْرتي هل تقي ... وعَثْرتي من عِبرتي هل تُقال هذا زماني في تولٍّ وفي ... عزمي توانٍ والهوى في توال حالُ من احتل بدار البَلا ... ولم يحدِّث نفسه بارتحال يا رَبِّ ما المَخلَصُ من زَلَّتي ... لا عملٌ لا حجةٌ لا احتيال يا رَبِّ ما يلقاك مثلي به ... عن طاعة لم ألقها بامتثال يا رَبِّ لا أحملُ حَرَّ الصَّبا ... فكيف بالنار لضعفي احتمال أمْ كَيْفَ عُذْرِي وقَدْ اعْذرْتَ لِي ... بأَخْذِ حِذْري مِن دَواعِي النَّكَالْ

سأنظم من فخر النبي محمد

رَحْمَتَك اللَّهُمَّ فَهيَ الَّتِي ... لَهَا علَى العَاصِينَ مِثْلِي انْثِيَالْ ولا تُعَامِلْنَا بأَعْمَالَنَا ... لَكِنْ رَجا آمالِنَا صِلْ وَوَالْ انْتَهَى آخر: سَأَنْظِمُ مِنْ فَخْرِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ... لآلِئَ لاَ يَبْلَى جَدِيدُ نِظَامِهَا تَضَوَّعَ طِيبًا عَرْفُها فَكأَنَّه ... تَضَوُّعُ أزْهَارٍ بدَتْ مِنْ كِمامِهَا سَجَايا أَبَتْ إلاَّ السِّمَاكَيْنِ مَنْزِلاً ... فَفَاقَ عَلَى العَلياءِ عِلْقُ مَقَامِهَا خِلاَلٌ إذَا لاحَتْ قِبَابٌ لَدَى عُلاً ... تُنيفُ فَتَعْلُوْهَا قَبابُ خِيَامِهَا إِذَا يَمَّمُوا يَوْمًا إمَامَ مَكارِمٍ ... فَأَحْمَدُ قَدْ أَضْحَى إمامَ إمَامِهَا فَكَم ذُو عُلاً أَوْمَا لِدَرْكِ مَقَامِهَا ... فَمَرَّ وَلَمْ يُدْرِكْ مَرَامِي مرامِهَا وَكَمْ َظامِيءٍ قَدْ رَامَ يُرْوَى بَرِيِّهَا ... فَآبَ وَقَدْ أَضْحى عَليلَ أُوَامِهَا لِذَاكَ العُلاَ قَلْبِي مَشُوقٌ بِحُبِّهِمْ ... وَقَدْ شُوِّقَتْ نَفْسِي بِطُولِ مُقامِها فَللهِ عَيْنٌ لاَ تَمَلُّ بُكَاءَهَا ... وَقَدْ حُرِمَتْ فِيْهَ لَذِيذَ مَنَامِهَا وَنَفْسٌ عَلَى بُعْدِ الدِّيَارِ قَرِيحَةٌ ... تُطَارِحُ فِي البَلْوَى حَمَام حِمامِهَا ... وَعمرٌ مَضَتْ أَيامُ شَرْخِ شَبَابِهِ ... وَقَدْ قَدَّ صَرْفُ الدَّهْرِ غُصْنَ قَوامِهَا فَيَا نَسْمَةَ الأسحارِ مِنْ نَحْوِ يثْرِبٍ ... أَلِمِّي بِنَفْسٍ قَدْ ذَوَتْ بضِرامِهَا وَيَا حَادِيَ الأظْعَانِ نَحْوَ قِبَابِهِمْ ... أَلاَ فَاخْصُصِ العَلْيَا بِطِيبِ سَلاَمِهَا انْتَهَى آخر: يا أَيُّهَا العَاصِي الْمُسِيء إِلَى مَتَى ... تَعْصِي الإِلَه وَتغْتَذِي بِنَوالِهِ قُمْ فِي الدَّيَاجَي طَالبًا مَرضَاتَه ... واخضع وَذل لعزه وَجلالهِ واْخَضْع إِلَيْهِ وَنَادِهِ بِتَذَلُّلِ ... يَا مَنْ يَجُودُ عَلَى الكَئِيْب الوَالِهِ يا مَنْ إِذَا سَأَل الْمُقَصِّرُ عَفْوَهُ ... فَهُوَ الْمُجِيْبُ بِفَضْلِهِ لِسُؤَالِهِ حَاشَاك تَمْنَعُه رِضَاكَ وَقد أَتَى ... مُتَنَصِّلاً مِنْ عُظْمِ قُبْحِ فِعَالِهِ

يا من له ستر علي جميل

لا يَبْتَلِيْهِ بالبِعَادِ وبالجَفَا ... يا سَيِّدِي أَنْتَ العَليمُ بِحَالِهِ * * * مقتطفات قصار تتضمن سؤلاً وتَضَرُعًا والتجاءً إلى رب العزة والجلال ... تبارك وتعالى وتقدس تضرع إلى الله جل جلاله آخر: يا مَنْ لَهُ سِتْرٌ عليَّ جَمِيْلُ ... هَلْ لي إليكَ إذَا اعْتَذَرْتُ قبولُ أَبْدَيْتَني ورَحِمْتَنِي وسَتَرْتَنِيْ ... كَرَمًا فانت لِمَنْ رجاك كَفِيْلُ وعَصَيْتُ ثُمَّ أتَيْتُ عَفْوًا واسِعًا ... وعَليَّ سَتْرُكَ دَائِمًا مَسْدُوْلُ فَلَكَ المَحَامِدُ والمَحَاسِنُ والثَّنَا ... يا مَن هو المقصود والمَسْؤولُ تَضَرُّع إلى رب العِزةِ جَلَّ وعلا يا مَن لهُ السِتْرُ الجميل على الورى ... ويجود بالإفضال منه وبالقِرَى أبْدَيتني وَرحمْتَنِي وسَتَرْتَني ... وَهَدَيْتَنِي لُطْفًا فَكُنْتُ مُقَصِّرَا فارْحَمْ بِعَفْوكَ ذلَّتِي يا سَيِّدِيْ ... ومَصُوْنَ وجْهَيْ في التُّراب مُعَفَّرَا ثناء على رب العزة جَلَّ جَلاَلُه وتَضرعٌ إليه آخر: كرِّرْ عَليَّ الذَّكْرَ مِن أسْمَائِهِ ... واجْلُِ القُلُوبَ بنُوْرِهِ وضِيَائِهِ اسْمٌ بِهِ الكَوْنُ اسْتَنَارَ ضِيَاؤُهُ ... في أَرْضِهِ وفَضَائِهِ وسَمَائِهِ لا يَحْصُر الوُصَّافُ بَعْضَ صفَاتِهِ ... كَلاَّ ولا يَدْرُوْنَ كُنْهَ سنائِهِ حارَتْ عُقُولُ القَومِ عند صِفَاتِهِ ... ضاءَتْ قلوب الخَلْقِ مِنْ ألآئِهِ يا رَبِّ باسْمِكَ ارْتجى مِنْكَ الرضا ... والعَفْو عن عبدٍ رُزِي بِخَطَائِهِ

من رام أن يأخذ الأشيا بقوته

يا رَبِّ أسْأَلُكَ الإِعَانَةَ في غَدٍ ... بعَظِيْمِ اسْمِكَ فَهْوَ عَيْنُ دَوَائِهِ يا رَبِّ عَبْدُكَ قَدْ بَرِاهُ سِقَامُه ... قَدْ حَارَتْ الأَفْكَارُ في أدْوَائِهِ يا رَبِّ باسْمِكَ أرْتَجِيْ مِنْكَ الشِّفَا ... أنْتَ المُرَجَّى دَائِمًا لِشَفَائِهِ ارْحَمْ غَرِيْقًا في بِحَارِ ذُنُوْبِهِ ... وأَجِرْهُ حَقًا مِنْ قُيُوْدِ عَنَائِهِ حث على التوكل على الله جل وعلا مَن رَامَ أَنْ يَأْخُذَ الأَشْيَا بقُوّتِهِ ... يَفُوتُه القَصْدُ تحْقِيْقًا مَعَ التَّعَبِ فاقْنَعْ بِرِزْقِكَ إنَّ الرَّزْقَ مُنْقَسِمٌ ... بأتي إليْكَ مِن الرَّزاق بالسَبَبِ ... يا طالب الرِزْقِ في الدُنْيَا بِقُوَّتِهِ ... تَدُوْرُ مِن بَلَدٍ فيها إلَى بَلَدِ أَتْعَبْتَ نَفْسَكَ فيْمَا لَيْتَ تُدْرِكُهُ ... وضَاعَ عُمْرُكَ في هَم وفي نَكَدِ لَوْ طِرْتَ بَيْنَ السَّما والأرضَ مُجْتَهِدَاً ... لِتَجْمَعَ المال غَيْر الرزْقِ لم تَجِدِ اُقْصُرْ عَنَاكَ فإنَّ الرِزْقَ مُنقِسِمٌ ... يأتي إليْكَ ولَوْ مِن جَبْهة الأسَدِ لا تَعْجلَنَّ فَلَيْسَ الرِزْقُ بالعَجَلِ ... الرِّزْقُ في اللوح مَكتُوبٌ مَعَ الأجَلِ فَلَوْ صَبَرْنا لَكَان الرِزْق يَطْلُبُنَا ... لَكِنَّهُ خُلِقَ الإِنسانُ مِن عَجَلِ آخر: يا طَالِبَ الرِّزْقِ الهَنِيء بقُوَّة ... هَيْهَاتَ أنْتَ بِبَاطِل مَشْغُوْفُ رَعَتِ الأُسُوْدُ بقُوِّةٍ جَيَفَ الفَلاَ ... ورَعَى الذُبَابُ الشَّهْدَ وهو ضَعِيْفُ آخر: كَمْ مِنْ قَوِيّ قَوِيٌّ في تَكَسُّبِهِ ... مُسَدَّدُ الرَّأْيِ عَنْهُ الرِّزْقُ مُنْحَرِفُ ومِنْ ضَعِيْفٍ ضَعِيْفٌ في تَكَسُّبِهِ ... كَأَنَّهُ مِنْ خَلِيْج البَحْرِ يَغْتَرِفُ آخر: مَضَى الزَّمَانُ وَعَيْشِيْ عَيْشُ تَنْكِيدْ ... وَالعُمْرُ وَلّى وَلَمْ أظفرْ بِمِقُصُوْدِ

وَالِ اليَقِيْنَ وَعَادِ الشَّكَ أجْمَعَهُ ... عَظِمْ إلَهَكَ لا تَرْكَنْ لِمَنْقودِ فَالخَطْبُ عَمَّ وَصَارَ النَّاسُ كُلُّهُم ... مُعَظِّمِيْنَ لِبِدْعِيٍّ وَمَرْدُوْدِ هَذَا الزَّمَانُ الذِي كُنَّا نُحَاذِرُهُ ... في قَوْلِ كَعْبٍ وفي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودِ فَصَاحِبُ الدِّيْنِ مَمْقُوتٌ وَمُنْكَتِمٌ ... وَصَاحِبُ الفِسْقِ فِيْهِم غَيْرُ مَضهُودِ كُلٌّ يُقَلِّدُ في الأَهْوَاءِ صَاحِبَهُ ... حَتّى البَلاَد لَهَا شَأْنٌ بِتَقْلِيْدِ وَالأَمْرُ بِالعُرْفِ ثمَّ النَّهْيُ عَنْ نُكُرٍ ... صَارَا لَدَيْنَا بلا شَكٍ كَمَفُقُودِ إِذَا نَصَحْتَ لِشَخْصٍ قَالَ أنْتَ كَذَا ... فِيْكَ العُيُوْبُ لَدَيْنَا غَيْرُ مَحْمُوْدِ أضْحَى تَفَاخُرُهُمْ في حُسْنِ بِزَّتِهِمْ ... وَمَنْزِلٍ حَسَنٍ عَالٍ بِتَشْيِيْدِ وَجَمْعِ حُلْيٍ وَخُدَّامٍ وأمْتِعَةٍ ... أيَّامُهمْ فَنِيْتَ في جَمْعِ مَنْقُوْدِ تَلْقَى الأَمِيْرَ مَعَ المأمُوْرِ في وَهَنٍ ... عَنْ رَفْعِ مَظلَمَةٍ أوْ نَفْعِ مَنْكُوْدِ لِنَيْلِ دُنْيَاهُمُ كالأُسْدِ ضَارِيَةٍ ... وَكُلُّهَم في الهَوَى مُبْدٍ لِمَجْهُودِ

إذَا رَأَوْا صَالَحًا يَدْعُو لِنَيْلِ هُدَى ... تَأنَّبُوُهُ بإيْذَاءٍ وَتَبَعَيْدِ حُكْمُ القَوَانِيْنِ قَالُوا فِيْهِ مَصْلَحَةُ ... وَفي الرِّبَا سَاعَدَتْ شِيْبٌ لِمَوْلُوْدِ ... أهْلَ الحِجَى وَالنُّهىَ مَالُوا لِمُحْدَثَةٍ ... قَالُوا الشَّرِيْعَةً لا تَكْفِيْ لِمقْصُودِ أَبْدَوْا لنا بِدَعًا مَا كُنّا نَعْرِفُهَا ... وَجَانَبُوا نَهْجَ تَوْفِيْقٍ وَتَسْدِيْدِ تَلْقَى الهَوَى وَالرِّبَا وَالجَوْرَ مُرْتَكَبًا ... وَالعِلْم وَالنُّصْحَ فِيْهِمْ غَيْرَ موْجُوْدِ وَالهَرْجَ وَالمَرْجَ تَلَقَاهَا مَرُوَّجَةً ... وَالدِّيْن وَالسَّمْتَ في جِلْبَابِ مَرْدُوْدِ وَقُلِّدَ الأمْرَ لِكْعَيُّ أخُوْ بِدَعٍ ... لِجَلِبِ أمْرٍ وَفِكرٍ غَيْرِ مَحْمُوْدِ مُحالِفُ الشَّرِّ لَمْ يَظْفَرْ بِحَاجَتِهِ ... لَوْ نَالَ خَيْرًا قُصَارَاهُ لِتَبْديْدِ البُهْتْ وَالذَّمُّ وَالإيْذاءُ قَدْ وُجَدَتْ ... لَكُلِّ مُنْتَسِبٍ يَوْمًا لِتَوْحِيْدِ فَالدِّيْنُ في غُرْبَةٍ وَالنَّاسُ أَكُثَرُهُمْ ... بخُبْثِ طَبْعٍ يُوَالِيْ كُلَّ مَطْرُوْدِ صَارَ الذِيْ كَانَ تَأتَمُّ الهُدَاةُ بهِ ... وَتَقْتَفِيْهِ بأَمْرٍ غَيْرِ مَعْهُوْدِ

مَنْ كَانَ يَهْجُرُ ذَا بِدْعٍ وَمَظْلَمَةٍ ... أَمْسَى يُبَاشِرُهَا مَنْ غَيْرِ تَرْدِيْدِ فَالكُلُّ يَسْرِيْ لِمَا يَهْوَاهُ خَاطِرُهُ ... لَمْ يَلْتَفِتْ لِمَرَاضِي خَيْرِ مَعْبُودِ حَقُّ القَرِيْبِ وَحَقُّ الجَارِ أهْمَلَهُ ... مَنْ كَانَ نَعْرِفُهُ بِالدِّيْنِ وَالجُوْدِ تُجَّارُهُمْ لَمْ تُزَكِّ وَيْلُ أُمِّهِمُ ... مِنْ شَرِّ عَاقِبَةٍ في يَوْم مَوْعُوْدِ لاَ يَرْبُ سُحْتٌ كَمَا قَالَ الإِلَهُ لكُمْ ... كَسْبُ الحَرامِ طَرِيْقٌ غَيْرُ مَحْمُوْدِ أَيْنَ الفِرَارُ وكَمْ مِنْ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ ... وَسُنَّةٍ دَرَسَتْ مِنْ غَيْرِ تَعْدِيدِ كَمْ مِنْ طَرِائِقِ سُوْءٍ بَانَ مَنْكَرُهَا ... وَمَنْهَلُ الحَقِّ أضْحَى غَيْرَ مَوْرُوْدِ فَمَا الطَّرِيْقَةُ إلاَّ نَهْجُ أحْمَدَ مَعْ ... أصْحَابِهِ السَّادَةِ الغُرِّ الصَّنَادِيْدِ فَاخْلِصْ لِرَبَّكَ وَاتبعْ نَهْجَ سَيِّدِنَا ... قَوْلاً وَفِعْلاً تَنَلْ فَوْزًا بتَسْدِيد ثَعَالِبُ السِّوْءِ نَادَتْ في أرَانِبِهَا ... هَذَا زَمَانُكِ عِيْشي عَيْشَ مَحْمُوْدِ مَا فِيْ الأنَامِ حُمَاةٌ غَيْرَ مَنْ رَحَلُوا ... وَمَنْ بَقِي عِنْدَنَا في زِيِّ مَلْحُوْدِ

وَاغُرْبَةَ الدِّيْنِ وَالإِيْمَانِ في زَمنٍ ... أهْلُ الهُدَى بَيْنَ مَقْهُوْرٍ وَمَضهُوْدِ إنْ دَامَ هَذَا وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَيْرٌ ... لَمْ يُبْكَ مَيْتٌ وَلَمْ يُفْرَحْ بِمَوْلُوْدِ وَفَارِق الكُلَّ لا تَلْوِ عَلى أحَدٍ ... أرضَا بأرْضٍ وَخِلاَنًا بِمَوْجُوْدِ مَنْ كَانَ نأْمُلُهُ في كَشْف مُعْضِلةٍ ... أبْدَى بِعُذرٍ وَلا أجْدَى بِمَقْصُوْدِ فأيُّ أرْض بِهَا الإسْلامُ في شَرَفٍ ... وَسُنَّةُ المُصْطَفَى تَزْهَوْ بتجْدِيْدِ أيْنَ الفِرَارُ وَأيُّ الدَّارِ نَلْقَى بِهَا ... وُلاتَهَا كُلَّ مَيْمُوْنٍ وَمَحْمُوْدِ عُمْرِيْ غَدَا بَيْنَ وَاشٍ ثُمَّ مُبْتَدِعٍ ... يَا رَبِّ يَسِّرْ بأنَصَارٍ لِتَوْحِيْدِ ... يَا صَاحِ مَنْ رَامَ فَوْزًا يَمْشِيَنَّ عَلَى ... طَرِيْقَةِ المُصْطَفَى يُحْظَى بِتَسْعِيدِ وَآلِهِ ثُمَّ أصْحَابٍ لَهُ تَبَعٌ ... فَازُوا بِسَبْقٍ وَفَاقُوْنَا بِتَسْدِيدِ وَقَادَةِ الخَيْرِ كَالنُّعْمَانِ أولِهمْ ... وَأحْمَدَ وَابْنِ إدْريسٍ أخي الجُودِ وَمَالِكٍ كُلِّهِمْ كَانُوا أئِمَّتَنَا ... أئِمَّةُ النَّاسِ قَدْ جَاؤُوا بِمَقْصُوْدِ

اعلم هديت وخير العلم أنفعه

نَوَاقِصُ الدِّيْنِ عَشْرٌ تِلْكَ فَافْهَمَهَا ... لِكَيْ تَنَالَ نَعِيْمَاً غَيْرَ مَحُدُوْدِ وَحُبَّ في اللهِ لا تَرْكَنْ لِمُبتَدِعٍ ... وَاهْجُرْ رِجَالَ الخَنَا حُبًّا لِمَعْبُودِ وَلاَزِمِ السُنَّةُ الغَرَّاءَ تَنْجُ بِهَا ... عِنْدَ اللِّقاءِ بِفَوْزٍ غَيْرِ مَحْدُوْدِ وَلاَ تُرَافِقْ لأهْوَاءٍ تُلّفِّقُهَا ... أقْوَامُ سُوْءٍ بِلاَ شَكِّ وَتَرْدِيدِ خَيْرُ الأمُورِ أخِي مَا كَانَ مَرْجِعُهُ ... إلى الرَّسُولِ بِلاَ شَكِّ وَتَرْدِيدِ فامْسِك عَلَيْهِ وَجَانِبْ كُلَّ مُنْحَرِفٍ ... لِكَيْ تَفُوزَ بِدَارِ الخُلْدِ والجُودِ انْتَهَى آخر: اعْلَمْ هُدِيْتَ وَخَيْرُ العِلْمِ أَنْفَعُهُ ... أنَّ اتبَاعَ الهَوى ضَرْبٌ مِنْ الخَبَلِ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ عَلى ... إنْعَامِهِ وَتَعَالَى اللهُ خَيْرُ وَلِي فَكَمْ وَكَمْ ضلَّ بالأَهْوَاءِ وَطَاعَتِهَا ... مِنْ عَاقِلٍ جَامِعٍ لِلْعِلْمِ وَالعَمَلِ هُوَ الهَوَانُ كَمَا قَالُوا وَقد سُرقَت ... النُّوْنُ مِنْهُ فَجَانِبْهُ وَخُذْ وَمِلِ

وَأَقْبِلْ عَلى طَاعَةِ الرَّحْمنِ وَالزمْهَا ... في كَلِّ حِيْنٍ وَلا تَخْلُدْ إلى الكَسَلِ وَلاَ تُخَالِفْ لَهُ أمْرًا تَبَارَكَ مِنْ ... رَبٍّ عَظِيْمٍ وَسِرْ في أَقْوَمِ السُّبُل وَخُذْ بِمَا في كِتَابِ اللهِ مُجْتَهدًا ... مُشْمِّرًا وَاحْتَرِزْ مِنْ سَوْفَ وَالأَمَلِ ولاَ تُعَرِّجْ عَلى دَارِ الغُرُوْرِ وَذا ... الخُلفِ وَالزُّوْرِ وَالنِّسْيَانِ لِلأَجَلِ وَاحْذَرْ مُصَاحَبَةَ المَرْءِ المُضَيْعِ فَقَدْ ... صَارُوا إلى الشَّرِّ والعِصْيَانِ وَالزَّلَلِ وَأصْبَحُوا في زَمَانٍ كُلُّهُ فِتَنٌ ... وَبَاطلٌ وَفَسَادٌ بَيِّنٌ وَجلِيْ هُوَ الزَّمَانُ الذِي قَد كانَ يَحْذَرُهُ ... أَئِمَّة الحَقِّ مِنْ حبْرٍ ومِنْ بَدَلِيْ هُوَ الزَّمَانُ الذِيْ لاَ خَيْرَ فِيهِ وَلاَ ... عُرْفٌ نَرَاهُ عَلَى التَّفْصِيْلِ وَالجُمَلِ هُوَ الزَّمَانُ الذِيْ عَمَّ الحَرَامُ بِهِ ... وَالظُّلْمُ مِنْ غَيْرِ مَا شَكٍّ وَلا جَدَلِ أَيْنَ القُرَآنً كِتَابُ اللهِ حُجَّتُهُ ... وَأَيْنَ سُنَّةُ طَهَ خَاتَمِ الرُّسُل وَأَيْن هَدْيُ رِجَالِ اللهِ مِنْ سَلَفٍ ... كانَ الهُدَى شأْنُهم في القَوْل وَالعَمَلِ ...

أحاطت به أحزانه وهمومه

أَكُلُّ أهْلِ الهُدَى وَالحَقِّ قَدْ ذَهَبُوا ... بالمَوْتِ أَمْ سُترُوا يَا صَاحِبِيْ فُقُلِ وَالأَرْضُ لا تَخْلُو مِنْ قوْمٍ يَقُوْم بِهِمْ ... أَمْرُ الإِلهِ كَمَا قد جَاءَ فَاحْتَفِلِ فَارْجُ الإلَهَ وَلا تَيْأَسْ وَإنْ بَعُدَتْ ... مَطَالَبٌ إنَّ رَبَّ العَالمِيْنَ مَلِيْ وَفي الإلَهِ مَلِيْكِ العَالَمِيْنَ غِنَىً ... عَنْ كُلِّ شَيءٍ فَلازِمْ بَابَهُ وَسَلِيْ هُوَ القَرِيْبُ المُجِيْبُ المُسْتَغَاثُ بِهِ ... قَلْ حَسْبِيَ اللهُ مَعْبُودِيْ وَمُتَّكَلِيْ وَأَسْأَلُهُ مَغْفِرَةً وَاسْأَلهُ خَاتِمَةً ... حُسْنَى وَعَافِيَةً وَالجَبْرَ لِلْخَلَلِ وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِلصَّالِحَاتِ وَمَا ... يُرْضِيْهِ عَنّا وَيَحْفَظْنَا مِن الخَطَلِ وَأَنْ يُصَلّي عَلى المُخْتَارِ سَيِّدِنَا ... مُحَمِّدٍ مَا بَكَتْ سُحْبٌ بِمُنْهَمِلِ والآَل وَالصَّحْب مَا غَنَّتْ مُطَوَّقةٌ ... عَلى الغُصُوْنِ فأشْجَتْ وَاجِدًا وَخَليْ انْتَهَى آخر: أَحَاطَتْ بِهِ أَحْزَانُهُ وهُمُومُهُ ... وأْبْلسَ لَمَّا أعْجَزَتْهُ المَقَادِر فَلَيْسَ لَهُ مِنْ كُرْبَةِ المَوْتِ فَارِجٌ ... وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا يُحَاذِرُ نَاصِر وَقَدْ جَشَّأَتْ خَوْفَ المنِيَّةِ نَفْسُهُ ... تُرَدِّدُهَا مِنْهُ اللَّهَا وَالحَنَاجِر

ألا إنما الدنيا متاع غرور

فَكَمْ مُوْجَعٌ يَبْكِي عَلَيْهِ مُفْجَعٌ ... وَمُسْتَنجْدٌ صَبْرًا وَمَا هُوَ صَابِرُ وَمُسْتَرْجِعٍ دَاعٍ لَهُ اللهَ مُخْلِصًا ... يَعْدِّدُ مِنْهُ كُلَّ مَا هُو ذَاكِرُ وَكَمْ شَامِتٍ مُسْتَبْشِرٍ بِوَفَاتِهِ ... وَعَمَّا قَلِيْلٍ لِلَّذِي صَارَ صَائِرُ وَحَلَّ أَحَبُّ القَوْمِ كَانَ بِقُرْبِهِ ... يَحُثُّ عَلى تَجْهَيْزِهِ وَيُباَدِرُ وشَمَّرَ مَنْ قَدْ أَحْضَرُوهُ لِغَسلِهِ ... وَوُجِّهَ لَمَّا فَاضَ لِلْقَبْرِ حَافرُ وَكُفِّنَ في ثَوْبَيْنِ وَاجْتَمَعُوا لَهُ ... مُشَيّعُهُ إِخْوَانُهُ وَالعَشَائِرُ فَلَوْ أبْصَرَتْ عَيْنَاكَ أَوْلاَدَهُ الذِي ... عَلى فَقْدِهِ مِنْهُمْ قُلُوبٌ تَفَطَّرُ لَعَايَنْتَ مِنْ قُبْحِ المنِيَّةِ مَنْظَرًا ... يُهَالُ لِمَرْآهُ وَيَرْتَاعُ نَاظِرُ أَكَابِرُ أَوْلاَدٍ يَهِيْجُ اكْتِئَآبُهُمْ ... إِذَا مَا تَنَاسَوْهُ البَنُوْنَ الأَصَاغِرُ وَربّةُ نِسْوَانٍ عَلَيْهِ جَوَازِعٌ ... مَدَامِعُهُمْ فَوْقَ الخُدُودِ غَوَازِرُ ثَوَى مُفْرَدَاً في لَحْدِهِ وَتَوَزَّعَتْ ... مَوَارِيْثَهُ أَوْلاَدُهُ وَالأَصَاهِرُ وَأَحْنَوا إِلَى أَمْوَالِهِ يَقْسِمُوْنَهَا ... فَلاَ حَامِدٌ مِنْهُمْ عَلَيْهَا وَشَاكِرُ فَيَا عَامِرَ الدُّنْيَا وَيَا سَاعِيَاً لَهَا ... وَيا آمِنًا مِمَّا تَدُوْرُ الدَّوَائِرُ ... سَتَلْقَى الَّذيْ لاَقَى عَلَى الرّغْم آنِفًا ... فَخُذْ أهبةً وَاحْرصْ فَمَا لَكَ عَاذر انْتَهَى آخر: أَلاَ إنما الدُّنيا مَتَاعُ غُرُورِ ... ودارُ بَلاَءٍ مُؤذِنٍ بِثُبُور ودَارُ مُلِمَّاتٍ وَدَارُ فَجَائِعِ ... ودارُ فَنًا في ظُلْمَةٍ وَبُحُورِ ودارُ خَيَالٍ مِن شُكُوكٍ وَحِيْرَةٍ ... وَدَارُ صُعُودٍ فِي الْهَوَى وَحُدُورِ وإن امرؤ لم يَنْجُ فيها بنفْسِهِ ... على مَا يَرَى فيها لَغَيرُ صَبُورِ ولا بُدَّ من يَومَينِ يَومِ بَليَّةٍ ... إِرادةُ جَبَّارٍ وَيَومِ نُشُورِ كأَنِّي بيَومِ ما أَخَذْتُ تَأَهُّبًا ... لِرَبّي رَوَاحِي مَرةً وَبُكُورِي كَفَى حَسْرةً أَن الحوادث لم تَزَلْ ... تُصَيِّرُ أَهْلَ المُلْكِ أَهْلَ قُبُورِ

فيا معشر الحكام من كل مسلم

ألا رُبَّ أبناءِ اتِّسَاعٍ وَفَرْحَةٍ ... وَزَهْرَةِ عَيْشٍ مُوِنق وَحُبُورِ وأَبْنَاءِ لَذَّاتٍ وَظِلّ مَصَانِعٍ ... وَظِلّ مَقَاصِيْر وَظِلّ قُصُورِ نَظَرتُ إليهم في بُيوتٍ مِن الثَّرَى ... مُسَتَّرةٍ مِن رَضرَضٍ بسُتورِ وكَم صُوَرٍ تَحتَ التُرَابِ مُقِيْمَةٍ ... عَلَى غير أَبْشَاٍر وَغَير شُعُورِ ثَوَتْ في سَرَابِيْلٍ عليها مِن الحَصى ... ومِنْ لَخَفٍ مِن جَنَدَلٍ وَصُخُورِ إذا ما مَرَرْنَا بِالقُبُور لِحَاجَةٍ ... مَرَرْنَا بِدُوْرِ هُنَّ أَجْمَلُ دُوْرِ ألا رب جبَّارِ بها مُتَكَبر ... ويَا رُبَّ مُخْتَالٍ بها وفَخُورِ خلِيْليَّ كَمْ مِن مَيِّتٍ قد حَضَرْتُهُ ... ولكِنَّني لم أَنْتَفِعْ بِحُضُورِي وكَمْ مِن خُطُوبٍ قد طَوتْنِي كَثَيْرَة ... وكَمْ مِن أُمُورٍ قَدْ جَرَتْ وَأمُورِ وَكَمْ مِن لَيالٍ قَدْ أَرَتْني عَجَائِبًا ... لهُنّ وأيَّامٍ خَلَتْ وشُهُورِ ومَن لَم تَزدْهُ السِّنُ ما عَاشَ عِبْرةً ... فَذَاكَ الذِي لاَ يَسْتَضِيءُ بِنُورِ مَتَى دَامَ فِي الدُّنيا سُرُوْرٌ لأِهْلِهَا ... فأَصْبَحَ فِيها واثِقًا بسُروْرِ؟ انْتَهَى آخر: فَيَا مَعْشَرَ الحُكَّامِ مِن كُلِّ مسلٍم ... بِنَا فانْهَضُوا نَحْوَ المَعَالي وشَمِّروُاْ لِنَعْمُرَ مَجْدًا قَدْ بَنَتْهُ سَرَاتُنَا ... فاعْلوا وعن كُلِّ النقائِص سَوّرُواْ وسَيْروا بِنَا نَقْفُو شَرِيْعَةَ أحَمْدٍ ... نَبيّ أَتَى بالعَدْلِ والبِر يَأْمُرُ ... وَخَافُوا إِلَهَ العَرشِ في هَضْمِ أُمَّةٍ ... لَهَا نبأْ في الذِكر يُتْلَى وَيُذْكَرُ وما الْهَضْمُ إلا أن تُضَامَ شُعُوبُكُم ... وما العُذْرُ عنَد الله أن تَتَأَخَّرُوْا فَسِيْرُوا بهَا نَحوَ الأَمَامَ نَسُرُّكُمْ ... فَلَيْسَتْ جُنُودًا بل هِيَ الأسْدُ تَزْأَرُ إذا أُوتِي الرَّاعُونَ حُسْنَ قِيَادَةٍ ... وصِدْقًا فإنَّ الجنْدَ جُنْدٌ مُظَفَّرُ فَمَا نَهَضَ الكَابُونَ فَضْلاً وإنَّمَا ... رَأَوْنَا نِيَامًا ثم قَامُوا وزَمَّرُواْ وقَدْ جَاءَ في التَّنِزِيلِ وَعْد مُحَقَّقٌ ... بأَنكُمُ إنْ تَنصُرُوْا الله تُنَصَرُواْ

فأمسوا رميما في التراب وعطلت

وهلْ نَصْرُهُ إلا اتباعُ كِتَابِهِ ... وَتَحْكِيمُ مَا قَالَ الرسولُ المُطَهَّرُ فَيَا قَادَةَ الدِّينِ الحَنِيفِ تَنَاصَرُوا ... وخَلُّوا أُمُورًا عَن عُلاَكم تُقَهْقِرُ ولا تُسْلِمُوا أبْنَاءَ دِيْنٍ مُقَدَّسٍ ... لِكُلِّ غَبِيٍّ بالقَبَائِحِ يَجْهَرُ ومَجْهُولِ حالٍ قَد رَأى العِلْمَ صَنْعَةً ... ويَكْفِيهِ مِنه أَنْ يُقَالَ مُحَرَّرُ فَمَنْ يا أباةَ الضَّيْمِ لِلدِّيْنِ بَعدَكُم ... ومَن لِلْشَّبَابِ النَّاشِئيْنَ يُبَصِّرُ تَجَافَوا عن الجافِينَ في كُلِّ مَعْهَدٍ ... وَمَدْرَسَةٍ فيها المعارِفُ تُنْشَرُ كذاكَ عن الغالينَ وابْغُوا أَفاضِلاً ... فَضَائِلُهُمْ في الناشِئِيْنَ تُؤَثِّرُ فَمِرْآة أَخْلاَقِ المُعَلِّم طِفْلُهُ ... ومَا فِيه في تِلْمِيْذِهِ لَكَ يَظهَرُ فَأَوْلُوهُم مِنكم رِقَابَةَ مُخْلِصٍ ... تُمَحِّصُ مِن أَخْلاَقهِمْ وَتُطَهِّرُ فَمَهْمَا اسْتَقَمْتُمْ تَسْتَقِيْمُ شُعُوْبُكُم ... وإنْ تُبْصِرُوا أَنْتُم فَكُلٌ سَيَبْصِرُ انْتَهَى اللهُم يا عالمَ الخَفياتِ وَيَا سَامِعَ الأَصْواتِ ويَا بَاعِثَ الأَمْوَاتِ وَيَا مُجِيَب الدَعَوَاتِ وَيَا قَاضِيَ الحَاجَات يَا خَالَق الأَرْضِ والسَّمواتِ أَنْتَ اللهُ الاحدُ الصمدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد الوَهَّابُ الذي لا يَبْخَلُ والحَليمُ الذي لا يَعْجَلُ لا رادَّ لأمْركَ ولا مُعَقِّبَ لِحُكَمِكَ، نَسْأَلكَ أنْ تغفرَ ذنوبَنَا وتُنورَ قلوبنَا وَتُثَبِّتَ مَحَبَّتَكَ في قُلوبنَا وَتُسْكِنَنَا دَارَ كَرَامَتِكَ إنك عَلَى كُلِ شَيْءٍ قَدير، وَصَلَّى اللهُ على محمدٍ وآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنُ. آخر: فَأَمْسَوا رَمِيْمًا فِي التُّرابِ وَعُطلتْ ... مَجَالِسُهُمْ مِنْهُمْ وَأخلي الْمَقَاصِرُ وَحَلُّوا بِدَارٍ لاَ تَزَاوُرَ بَيْنَهُمْ ... وَأَنَّى لِسُكَانَ القُبُورِ التَّزَاوُرُ فَمَا أَنْ تَرَى إِلاَّ قُبُوْرًا ثَوَوْا بِهَا ... مُسَطحَةً تَسْفِيْ عَلَيْهَا الأَعَاصِرُ فَمَا صَرَفَتْ كَفَّ الْمَنِيَّةِ إِذْ أَتَتْ ... مُبَادَرَةٌ تَهْوي إِلَيْهَا الذَّخَائِرُ

إليك رسول الله منا تحية

وَلاَ دَفَعَتْ عَنْهُ الْحُصَونُ الّتِي بَنَى ... وَحَفَّتْ بهَا أَنْهَارهُ والدَّسَاكِرُ وَلاَ قَارَعَتْ عَنْهُ الْمَنِيَّةَ حِيْلَةٌ ... وَلاَ طَمِعَتْ في الذّبِّ عَنْهَا الْعَسَاكِرُ أَتَاهُ مِنَ الجَبَّار مَالاَ يَرُدُّهُ ... وأمْرٌ قَضَاهُ اللهُ لاَ بُدَّ صَائِرُ مَلْيكٌ عَزِيْزٌ لاَ يُرَدُّ قَضَاؤُهُ ... حَكِيْمٌ عَلِيْمٌ نَافِذُ الأَمرِ قَاهِرُ عَنَى كُلُّ ذِي عِزّ لِعزَّةِ وَجْهِهِ ... فَكَمْ مِنْ عَزِيْرٍ لِلْمُهَيْمِن صَاغِرُ لَقَدْ خَضَعَتْ واسْتَسْلَمَتْ وَتَضاءَلَتْ ... لِعِزَّةِ ذِي الْعَرْش الْمُلُوكُ الْجَبَابِرُ انْتَهَى آخر: إِليْكَ رَسُولَ اللهِ منَّا تَحِيَّةً ... وَصَلَّى عَلَيْكَ العَابِدُ المُتَهجِّدُ فَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ هَادٍ وَمُهْتَدٍ ... نَبيُّ هُدَىً للأَنْبِيَاءِ مُؤَيَّدُ وَقَدْ قَالَ حَسَّانٌ وفي الشِّعْرِ شَاهِدٌ ... تُجَدِّدُهُ الأَيَّامُ يُرْوَى وَيُنشدُ أَغَرُّ عَلَيْهِ لِلْنُّبوِّةِ خَاتَمٌ ... مِن اللهِ مَشْهُوْدٌ يَلُوْحُ وَيُشْهدُ وَضَمَّ الإِلهُ اسْمَ النَّبِيّ إِلَى اسْمِهِ ... إِذَا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أَشْهَدُ فَقُلْتُ شَبِيْهًا بِالذِيْ قَالَ إنَّنِي ... بِهِ مُؤْمِنًا حَقًّا لِرَبِّي مُوَحِّدُ فَلاَ يُقْبَلُ التَّوْحِيْدُ إِلاَّ بِذِكْرِهِ ... لِيَقْرِنَهُ عِنْدَ النِّدَاءِ المُوَحِّدُ وَمَا جَاءَ يَدْعُونَا بِغَيْر دَلاَلَةٍ ... وَلَكِنْ بآيَاتٍ تَدُلُّ وَتَشْهَدُ وَمِنْ ذَاكَ جِذْعٌ حَنَّ شَوْقًا إِلى الرِضَا ... ومَا زَالَ سَاعَاتٍ يَمِيْلُ وَيُسْنَدُ وَقَدْ سَمِعُوا صَوْتًا مِن الجذْع بَيِّنًا ... فَيَا عَجَبًا مِمَّنْ يَشُكُّ وَيُلحِدُ وَمِنْ ذَاكَ شَاةٌ خِلْوَةُ الضَّرْع مَسَّهَا ... فَدَرَّتْ بِغَزْرٍ حَافِلٍ يَتَزَيَّدُ فَقامَ إِلَيْهَا الحَالِبَانِ فَأَتْرَعَا ... أَوَانِيْهِمَا وَالضَّرْعُ مَلآنَ أَبْرَدُ وَسَارَ إلى البَيْتِ المقَدَّسِ لَيْلةً ... مَسِيْرَةَ شَهْرٍ وَارِدًا لَيْسَ يُطْرَدُ ... يُخَبِّرُ بالعِيْر التيْ في طَريْقِهِ ... لِيْوقِن أَهْلُ الشِّرْكِ ذَاك فَيَسْعَدُوا

لا بد للضيق في الدنيا من الفرج

وَمِنْ ذَاكَ أَخْبَارٌ عَن الغَيْب قَالَها ... يُعَايَنُ مِنْهَا الصِّدْقُ فِيْهَا وَيُوْجِدُ فسُؤْدَدُهُ بِاللهِ إِذْ كَانَ وَحْيُهُ ... إِليْهِ وَهَلْ فَوْقَ النُّبُوَّةِ سُؤْدَدُ فَأَظْهَرَ بالإسْلامِ دَعْوَةَ صَادِقٍ ... فَضَلَّ بِهِ قَوْمٌ وَقَوْمٌ به هُدُوا تُسَلِّمُ أَحْجَارٌ عَليْهِ فَصِيْحَة ... إذَا مَا خَلا في حَاجَةٍ يَتَفَرَّدُ وَيُسْمَعُ مِنْ أَصْوَاتِهَا في طَرِيْقِهِ ... تُمَجِّدُه إنَّ النَّبِيَّ مُمُجَّدُ وَأَنْشَأَ رَبِّيْ مُزْنَةً فَوْقَ رَأْسِهِ ... رَآهَا بُحِيْرُ الرَّاهِبُ المُتَعَبِّدُ تُظَلِّلُهُ منْ كُلِّ حَرٍّ يُصِيْبُهُ ... تَقِيْمُ عليهِ مَا أَقَامَ فَيَرْكُدُ وَإِنْ سَارَ سَارَتْ لا تُفَارِقُ رَأْسَهُ ... فَقَالَ لَهُم هَذا النَّبِيُّ محَمَّدُ حَلِيْمٌ رَحِيْمٌ لَيِّنٌ مُتَواضِعٌ ... سَخِيٌ حَيِيُّ عَابِدٌ مُتَزَهِّدُ انْتَهَى آخر: لا بد للضّيق في الدنيا من الفرج ... فافتح أكفّ الرجا والْحقْ بألف رجي واعلم بأنك مفتون وممتحن ... بما لديك من الأشياع والحرج والكل يذهب إن حزنًا وإن فرحًا ... فكن إذا ضاق أمر غيرَ منزعج وأَظهر البسطَ في كل الأمور وإن ... ضاقت عليك فقل: يا أزمةُ انفرجي واشكر على كل حال أنت فيه فما ... عن حكمة قد خلا أمر إليك يجي واصبر وصابر لأحكام الإله ولا ... تضجر وإياك في الدنيا من اللجج وأطلِق النفس من سجن الهموم يفز ... غريقُ قلبك يا هذا من الُّلجج فربما رِفعة من خفضة ظهرت ... وسافلٌ قد رقى عالياً من الدرج وظلمة الليل إن زادت فإن لها ... نورًا يشعّ عدا الأقمار والسرج والضد للضد مجعول يزول به ... وليس ماض مع الآتي بممتزج يا حالة النقص ما عنّي الكمالُ نأى ... ونفحة المسك في ضمن الدم اللزج وكلّ شيء له وقت يكون به ... فلا تكن في القضايا غيرَ مبتهج وحُكمُ ربك فاصبر في الوجود له ... فإن حجَّتَه تعلو على الحجج

أتيت إليك يا رب العباد

وارفع وساوسك اللاتي تسوق إلى ... إتعاب نفسك واترك سيرك الهمج اذكر إلهك في سرّ وفي علن ... تنجو غدًا من لهيب النار والوهج ... وبالصلاة فَوَالِيْ والسلام على ... طه الرسول إلينا واضح النهج والآل والصحب والأتباع أجمعهم ... بالخير ما هبّ ريحٌ طيّبُ الأرج انْتَهَى [قصيدة لأحد الزاهدين] أتيت إِليكَ يا رَبَّ العِبَادِ ... بإفلاسِي وذُلِّي وانْفِرَادِي وهَا أَنَا واقفٌ بالبابِ أَبْكِي ... زَمَانًا مَا بَلَغْتُ بِهِ مُرَادِي عَسَى عفوٌ يُبَلِّغُنِي الأَمَانِي ... فقَدْ بَعُدَ الطريقُ وقَلَّ زَادِي ومَالِي حِيْلةٌ إِلا رَجَائِي ... ومنْكَ على المَدَى حُسْنُ اعْتِقَادِي ولَوْ أقصيتَنِي وقَطَعْتَ حَبْلِي ... وحَقّكَ لاَ أَحُولُ عن الوِدَادِ فجْدْ بالعَفوِ يَا مَولايَ وارْحَم ... عُبَيْدًا ضَلَّ عن طُرقِ الرَّشادِ وقَدْ وَافَى بِبَابِكَ مُسْتَجِيْرًا ... يَخَافُ مِن القَطِيعَةِ والبِعَادِ آخر: إذا شِئْتَ أَنْ تَرْثي فَقِيْدًا مِن الوَرَى ... وَتَدْعُو لَهُ بَعْد النَّبِيِّ الْمُكَرّمِ فِلا تَبكِيَنْ إِلاَّ عَلىَ فَقْدِ عالم ... يُبَادِرُ بالتَّفْهِيْم لِلْمُتَعَلّمِ وفَقْدِ إِمَامٍ عَالِمٍ قَامَ مُلْكُهُ ... بِأَنْوَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ لاَ بِالتَّحْكُّمِ وفَقْدِ شُجَاعٍ صَادِقٍ فِي جِهَادِهِ ... وَقَدْ كُسِرَتْ رَايَتُهُ فِي التَّقَدُّمِ وفَقْدِ كَرِيْمٍ لاَ يَمَلّ مِن العَطَا ... لِيُطْفِئَ بُؤسَ الفَقْرِ عَن كُلّ مُعْدَمِ وفَقْدِ تَقِي زَاهِدٍ مُتَوَرِّعٍ ... مُطِيع لِرَبّ العَالَمِيْنَ مُعَظِمِ فَهُم خَمْسَةٌ يُبْكِى عَلِيْهِم وَغَيُرهُم ... إِلَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أَمُّ قَشْعَمِ اَنْتَهَى والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كأنك لم تسمع بأخبار من مضى

آخر: كَأَنَّكَ لََم تَسْمَعْ بِأخْبَارِ مَن مَضَى ... ولمْ تَرَ فِي البَاقِيْنَ مَا يَصْنَعُ الدَّهْرُ فإنْ كَنْتَ لا تَدْرِي فَتِلْكَ دِيَارُهُم ... عليها مَجَالُ الريح بَعْدَك وَالقَطْرُ وهَلْ أَبْصَرْت عَيْنَاكَ حَيًّا بِمَنْزلٍ ... على الأَرْض إِلاَّ بِالفَنَاءِ لَهُ قَبْرُ وأَهْل الثَّرَى نَحْوَ الْْمَقَابِر شُرَّع ... ولَيْسَ لَهم إلا إلى رَبِّهمْ نَشْرُ على ذاكَ مَرُّوا أَجْمَعون وَهكَذَا ... يَمُرُّونَ حتّى يَسْتَردَّهُم الْحَشْرُ ... فلا تَحْسَبَنَّ الوفْرَ مَالاً جَمَعْتَهُ ... ولَكِنَّ مَا قَدَّمْتَ مِن صَالحٍ وَفْرُ ولَيْسَ الذي يَبْقَى الذي أنتَ جَامِع ... ولكنَّ مَا أوْلَيْتَ منه هُو الذُّخْرُ قَضَى جَامِعُو الأَمْوَالِ لم يَتَزَوَّدُوا ... سِوَى الفَقْرَ يَا بُؤْساً لِمَنْ زَادُهُ الفَقْرُ بَلى سَوْفَ تَصْحُو حِيْنَ يَنْكَشِفُ الغَطَا ... وتَذَكر قَولِي حِيْنَ لا يَنْفَعُ الذِّكْرُ وما بَينَ مِيْلادِ الفَتَى وَوفَاتِهِ ... إذا نَصَحَ الأَقْوَامُ أَنْفُسَهُم عُمْرُ لأَنَّ الذي يَأْتِي كَمِثْل الذي مَضَى ... وما هُو إِلاَّ وَقْتُكَ الضَّيّقُ النِّزْرُ فصَبْرًا عَلَى الأَوْقَاتِ حَتَّى تَحُوزَهَا ... فعمَّا قَلِيْل بَعْدَهَا يَنْفَعُ الصَّبْرُ انْتَهَى آخر: فَلِلَّهِ دَرُّ الْعَارِفِ النَّدْبِ إِنَّهُ ... تَسِحُّ لِفَرْطِ الوَجْدِ أَجْفَانُهُ دَمَا يُقِيْمُ إِذَا مَا اللّيلُ مَدّ ظَلاَمَهُ ... عَلَى نَفْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ مَأْتَمَا فَصِيْحًا بِمَا قَدْ كَانَ مِن ذِكْرِ رَبَّهِ ... وَفِيْمَا سِوَاهُ فِي الوَرَى كَانَ أَعْجَمَا وَيَذْكُرُ أَيَّامًا مَضَتْ مِنْ شَبَابِهِ ... وَمَا كَانَ فِيْهَا بِالجَهَالَةِ أَجْرَمَا فَصَارَ قَريْنَ الْهَمِّ طُوْلَ نَهَارِه ... وَيَخْدِمُ مَوْلاَه ُإِذَا الليلُ أَظْلَمَا

إلى كم إذا ما غبت ترجى سلامتي

يَقُولُ إِلَهِيْ أَنْتَ سُؤْلِي وَبغْيَتِي ... كَفَى بِكَ لِلرَّاجِيْنَ سُؤْلاً وَمَغْنَمَا عَسَى مَنْ لَهُ الإِحْسَانُ يَغْفِرُ زَلَّتِيْ ... ويَسْترُ أَوْزَارِيْ وَما قَدْ تَقَدَّمَا انْتَهَى آخر: إلىْ كَمْ إِذَا مَا غِبْت تُرْجَى سَلامَتِي ... وَقَدْ قَعَدَتْ بِي الْحَادِثَاتُ وَقَامَتِ وَعُمِّمْتُ مِن نَسْجِ القَتِيْر عِمامَة ... رُقُومُ البِلَى مَرْقومة بِعِمَامَتِي وَكُنْتَ أَرَى لِي في الشَّبَابِ عَلاَمَةً ... فَصِرْتُ وَإنِي مُنْكِرٌ لِعَلاَمَتِي وما هِيَ إِلا أَوْبَة بَعدَ غَيْبَة ... إِلَى الغَيْبَةِ القُصْوَى فَثَمَّ قِيَامَتِي كَأَنِّي بِنَفْسِي حَسْرَةً وَندَامَةً ... تُقَطَّع إذ لَمْ تُغْنِ عَنِّي نَدَامَتِي مُنَى النَّفْسِ مِمَّا يُوْطِئُ المَرْءَ عَشْوَة ... إِذا النَّفْسُ جَالتَ حَوْلَهُنَّ وَحَامَتِ وَمَنْ أَوْطَأتُه نَفْسُهُ حَاجَة فَقَدْ ... أَسَاءَتْ إِليْهِ نَفْسُهُ وَأَلاَمَتِ أَمَا وَالذِي نَفْسِيْ لَهُ لَوْ صَدَقْتُهَا ... لَرَدَّدْتُ تَوْبِيْخِي لَهَا وَمَلاَمَتِي فَللهِ نَفْسٌ أَوْطَأَتْنِي مِن العَشَا ... حُزُوْنًا وَلَوْ قَوَّمْتُهَا لاسْتَقَامَتِ ...

أسأت فما عذري إذا انكشف الغطا

وَللهِ يَوْم أَي يَوْمٍ فَظَاعَةً ... وَأَفْظَعُ مِنْهُ بَعْدُ يَوْمِ قِيَامَتِي وَللهِ أَهْلِي إِذْ حَبَونِي بِحُفْرَةٍ ... وَهُمْ بِهَوانِي يَطْلُبُون كَرَامَتِي وَللهِ دُنْيَا لاَ تَزَالُ تَرُدَّنِي ... أَبَاطِيْلُهَا فِي الجَهْلِ بَعْدَ اسْتِقَامَتِي وَللهِ أَصْحَابُ الْمَلاعِبِ لَوْ صَفَتْ ... لَهُمْ لَذَّةُ الدُنْيَا بِهِنَّ وَدامتِ وَللهِ عَيْنٌ أَيْقَنَتْ أَنَّ جَنَّةً ... ونارًا يَقِيْنٌ صَادِقٌ ثُمَّ نَامَتِ آخر: أَسَأتُ فَمَا عُذْرِي إِذَا انْكَشفَ الغِطَا ... وأَظْهَرَ رَبُّ العَرْشِ مَا أَنَا أسْتُرُ إِذَا اللهُ نَادَانِي بِيَوْمِ قِيَامَةٍ ... تعَدَّيْتَ حَدَّ العِلْمِ هَلْ أَنْتَ تُوْجَرُ أَسَأتَ إِلَى خَلْقِي وَحَقِّي تَرَكْتَهُ ... فأيْنَ الحَيَا مِنِّي فَإِنِّي أَكْبَرُ دَعَوْتَ إِلى عِلْمٍ وَأَظْهَرْتَ حِكْمَةً ... وأَنْتَ عَلى الدُّنْيَا عَكُوفٌ مُشَمِّرُ وَخَالَفْتَ مَا قَدْ قُلْتَ وازْدَدتَ غَفْلَةً ... وَقَلْبُكَ لِلَّذَاتِ وَالغِشِّ يُضْمِرُ ظَنَنْتَ بِأَنِّي مُهْمِلٌ لامْرءٍ عَصَى ... كَأَنَّكَ لَمْ تَعْلَمْ بِأَنَّكَ تُحْشَرُ

صن الحسن بالتقوى وإلا فيذهب

هُنَالِكَ يَمْتَازُ المُسِيْؤوُنَ كُلُّهُمْ ... فَوَاحَسْرَتَا إِنْ كُنْتُ مِمَّنْ يُحَسَّرُ فَيَا حِيُّ يَا قَيُّومُ يَا خَيْرَ رَاحِمٍ ... وَمَنْ هُو لِلزلاتِ والذَّنْبِ يَغْفِرُ عَصَيْتُكَ مِنْ لُؤْمِي وَنَفْسِي ظَلَمْتُهَا ... وَذنْبِي فِي عُمْرِي يَزِيْدُ وَيَكْثُرُ وَلَكِنَّنِي إِنْ جِئْتُ ذَنْبًا وَزَلَّةُ ... أَرَجيْكَ يَا رَحْمَنُ لِلْوَهْنِ تَجْبُرُ وَتَغْفِرُ لِي ذَنْبِي وَتُصْلِحُ عِيْشَتِيْ ... وتَرْحَمُ آبَائِي فإِنَّكَ تَقْدِرُ وَأَرْجُوكَ يَا رَحْمَنُ إِذْ مَا سَتَرتَنِي ... بِدُنْيَايَ في يَوْمِ القِيَامَةِ تَسْتُرُ انْتَهَى آخر: صُنِ الحُسْنَ بالتَّقْوَى وإلا فَيَذْهَبُ ... فَنُورُ التُقَى يَكْسُو جَمَالاً وَيكْسِبُ وَمَا يَنفَعُ الوَجْهَ الجَمِيْلَ جَمَالُهُ ... وَلَيْسَ لَهُ فِعْلٌ جَمِيْل مُهَذَّبُ فَيا حَسَنَ الوَجْهِ اتَّقِ اللهَ إنْ تُرِدْ ... دَوَامَ جَمَالٍ لَيْسَ يَفْنَى وَيَذْهَبُ يَزِيْدُ التُقَى ذَا الحُسنِ حُسْنَاً وَبَهْجَة ... وَأما المَعَاصِي فَهْيَ لِلْحُسْنِ تَسْلِبُ وَتَكْسِفُ نُورَ الوَجْهِ بَعدَ بَهَائِهِ ... وَتَكسُوهُ قُبْحَاً ثم لِلْقَلْبِ تَقْلِبُ

غفلت وحادي الموت في أثري يحدو

فَسَارِعْ إلَى التَّقْوَى هُنَا تَجِدِ الهَنَا ... غَدَاً في صَفَا عَيْشٍ يَدُوْمُ وَيَعْذُبُ فَمَا بَعْدَ ذِيْ الدُّنْيَا سِوَى جَنَّةٍ بِهَا ... نَعِيْمٌ مُقِيْمٌ أَوْ لَظَىً تَتَلَهَّبُ انْتَهَى آخر: غَفَلْتُ وَحَادِيْ المَوتِ فِي أَثَرِيْ يَحْدُوْ ... فَإِنْ لَمْ أَرُُُُحْ يَوْمِيْ فَلا بُدَّ أَنْ أَغْدُ أَنَعِّمُ جِسْمِيْ بِاللَّبَاسِ وَلِيْنِهِ ... وَلَيْسَ لِجِسْمِيْ مِنْ لِبَاسِ البِلَى بُدُّ كَأَنِّيْ بِهِ قَدْ مَرَّ في بَرْزخِ البِلَى ... وَمِِنْ فَوْقِهِ رَدْمٌ وَمِنْ تَحْتِهِ لَحْدُ وَقَدْ ذَهَبَتْ مِنِّيْ المَحَاسِنُ وَانْمَحَتْ ... وَلَمْ يَبْقَ فَوْقَ العَظْمِ لَحْمٌ وَلا جِلْدُ أَرى العُمْرَ قَدْ وَلَّى وَلَمْ أَدْرِك المُنَى ... وَلَيْسَ مَعِيْ زَادٌ وَفي سَفَرِيْ بُعْدُ وَقَدْ كُنْتُ جَاهَرْتُ المُهَيْمِنَ عَاصِيًا ... وَأَحْدَثْتُ أَحْدَاثًا وَلَيْسَ لَهَا رَدُّ وَأَرْخَيْتُ خَوْفَ النَّاسِ سِتْرًا مِنْ الحَيَا ... وَمَا خِفْتُ مَنْ سِرّيْ غَدًا عِنْدَهُ يَبْدُو بَلَى خِفْتُهُ لَكِنْ وَثِقْتُ بِحِلْمِه ... وَأَنْ لَيْسَ يَعْفُو غَيْرُهُ فَلَهُ الحَمْدُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيءٌ سِوَى المَوْتِ والبلى ... عَن اللَّهْوِ لَكِنْ زَالَ عَنْ رَأْيِنَا الرُّشْدُ

إذا شغل الضياع آلات لهوهم

عَسَى غَافِرُ الزَّلاتِ يَغْفِرُ زَلَّتِي ... فَقَدْ يَغْفِرُ المَوْلَى إِذَا أَذْنَبَ العَبْدُ أَنَا عَبْدُ سُوْءٍ خُنْتُ مَوْلاي عَهْدَهُ ... كَذَلِكَ عَبْدُ السُّوءِ لَيْسَ لَهُ عَهْدُ فَكَيْفَ إِذَا أُحْرِقْتْ بِالنَّارِ جُثَّتِي ... وَنَارُكَ لا يَقْوَى لَهَا الحَجَرُ الصَّلْدُ أَنَا الفََرْدُ عِنْدَ المَوْتِ وَالفَرْدُ في البِلَى ... وَأُبَعَثُ فَرْدًا فَارْحَمْ الفَرْدَ يَا فَرْدُ انْتَهَى اللَّهُمَّ انْظُمْنَا في سِلْكِ الفَائِزِيْنَ بِرَضْوَانِكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ المُتَّقِيْنَ الذِيْنَ أَعْدَدْتَ لَهُمْ فَسِيْحَ جِنَانِكَ، وَأَدْخِلْنَا بِرَحْمَتِكَ في دَارِ أَمَانِكَ، وَعَافِنَا يَا مَوْلاَنَا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنْ جَمِيْعِ البَلاَيَا وَأَجْزِلْ لَنَا مِنْ مَوَاهِب فَضْلِكَ وَهِبَاتِكَ وَمَتِّعْنَا بالنَّظَر إلى وَجْهِكَ الكَرِيْمِ مَعَ الذِيْنَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّيْنَ وَالصِّدِّيْقِيْنَ وَالشَّهَدَاءِ والصَّالِحِيْنَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالميِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلى اللهُ على مُحَمدٍ وعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعَيْنِ. آخر: «إذا شَغَّلَ الضُّيَاعُ آلاتِ لَهُوِهِمْ ... وَطَابَ لَهُمْ عَنْدَ المَلاَهِيَ مَحْفَلُ» «وَسُرُّوْا بِمَا فِيْهِ هَلاَكُ نُفُوْسِهِمْ ... وَدِيْنُهُمُ وَالأَهْلُ وَالمَالُ أَوَّلُ» «فَقُمْ وَتَوَضّأ واقْصِدْ الماجِدَ الّذي ... إذا مَا مَضَى الثُّلْثَانِ لِلَّيْلِ يَنْزِلُ» «يَقُولُ أَلاَ مِنْ سَائِل يُعْطَ سُؤْلَهُ ... ومُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرْ لَهُ مَا يُؤَمِّلُ» ...

فلا ترج إلا الله في كل حادث

«ومِنْ مُذْنِبٍ مِمَّا جَنَى جَاءَ تَائِبًا ... إلَى غَافِرٍ لِلّذَنْبِ لِلتَّوْبِ يَقْبَلُ» «وَكَرِّرْ سُؤَالاً وَالدٌُّعَا بِتَضَرُّعٍ ... لَعَلّكَ تُحْظَى بِالفَلاَحِ فَتُقْبَلُ» «وَقُلْ عَبْدُكَ المِسْكِيْنُ قَدْ جَاءَ تائِبًا ... وَيَرْجُوْكَ توْفِيْقًا ولِلْعَفْوِ يَأْمَلُ» «فَجُدْ وَتَجَاوَزْ يَا جَوادُ لِمَنْ أتَى ... وَلَيْسَ لَهُ إلاَّ رَجَاؤُكَ مَوْئِلُ» انْتَهَى آخر: فَلاَ تَرْجُ إِلاَّ اللهَ في كُلِّ حَادِثٍ ... فأَلْقِ إِليهِ بَثَّ شَكْوَاكَ تُحْمَدِ لَهُ المُلْكُ بِالأَكْوَانِ لا بُمُؤَازِرِ ... وَلا بِنَصِيْرٍ في الدِّفَاعِ لِمُعْتَدٍ قَرِيْبٌ وَلَكِنْ بِالذُّنُوبِ تَبَاعَدَتْ ... مَسَائِلُنَا عن رَوْضِ إِحْسَانِهِ النَّدِي فَقُمْ قَارِعًا لِلْبَابِ وَالنَّابِ نَادِمًا ... عَلَى مَا جَرَى وَارْفَعْ دُعَاءكَ يَصْعَدِ وَقُمْ سَائِلاً وَالدَّمْعُ في الخَدِّ سَائِلٌ ... تَجِدْ مَا تَشَا مِن لُطْفِهِ وَكَأنْ قَدْ وَقُمْ زُلَفًا في اللَّيْلِ إن نَشَرَ الدُّجَى ... جَنَاحَ غُدافٍ يُلْبِسُ الكَوْنَ عَن يَدِ وَرُدَّ ظَلامَ اللَّيْلِ بالذِّكْرِ مُشْرِقًا ... فَقَدْ فَازَ مَن بالذِّكْرِ يَهْدِي وَيَهْتَدِي وَأَمَّا بَنُو الدُّنْيَا فلا تَرْجُ نَفْعَهُمْ ... فَلاَ مُنْجِدٌ فِيْهِم يُرَجَّي لِمُجْتَدِ فَإِنِّي تَتَبَعْتُ الأَنَامَ فلم أَجِدْ ... سِوَى شَامِتٍ أو حَاسِدٍ أو مُفَنِّدِ وَقَدْ رَضَعُوا ثَدْي المَهَابَةِ كُلُّهُم ... وَكُلٌّ بِذَيْلِ الذُّلِ أَصْبَحَ مُرْتَدِ فَلَمْ أَرَ أَرْمَى بالسِّهَامِ مِن الدُّعَا ... إلى مَقْتَل الأَعْدَاءِ مِن قَوْسِ مِذْوَدِ وَعَمَّا قَلِيْلٍ يُدْرِكُ السَّهْمُ صَيْدَهُ ... فَكَمْ صَادَ سَهْمُ اللَّيْلِ مُهْجَةَ أَصْيَدِ وَأُوْصِيْكَ بِالتَّقْوَى لِرَبِّكَ إِنَّهُ ... سَيَحْمَدُ تَقْوَاهُ المُوَّفُق في غَدِ وَخُذْ لَكَ من دُنْيَاكَ زَادًا فَإِنَّمَا ... أَقَامَكَ في الدُّنْيَا لأَخْذِ التَّزَوُدِ وَعَمَّا قَلِيْلٍ قَد أَنَاخَ رِكَابُنَا ... بِقَصْرِ خَلِيٍّ مُظْلِمِ الجَوِّ فَدْفَدِ فَإِنَّ اللَّيَالِي كَالمَرَاكِبِ تَحْتَنَا ... تَرُوْحُ بِنَا في كُلِّ حِيْنٍ وَتَغْتَدِي فَيَا حَبَّذَا جَنَّاتُ عَدْنٍ فَإِنَّهَا ... تَحُطُّ رِحَالَ القَادِمِ المُتَزَوِّدِ

هو الوقت فاصبر ما على الوقت معتب

وَلَيْسَ لَنَا إِلاَّ الرَّجَاءُ فَإِنَّهُ ... يُبَلِّغُنَا مِن فَضْلِهِ خَيْرَ مَقْعَدِ والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم. آخر: هُوَ الوقتُ فَاصْبِرْ مَا عَلَى الوقت مَعْتَبُ ... وَلَيْسَ لَنَا مِمَّا قَضَى اللهُ مَهْرَبُ وَلاَ بُدَّ مِنْ كَأْسِ الحِمَامِ ضَرُورَةً ... وَمَنْ ذَا الّذِي مِنْ كَأْسِهِ لَيْسَ يَشْرَبُ وَمَا يَعْمُرُ الدُّنْيَا الدَّنِيَةَ حَازِمٌ ... إذَا كَانَ فِيْهَا عَامِرُ العُمْرِ يَخْرَبُ وإنَّ عَلِيًّا ذَمَّهَا فِي كَلاَمِهِ ... وَطَلَّقَهَا وَالجَاهِلُ الغِرُّ يَخْطُبُ أَلاَ إنَّ هَذَا الكَوْنَ فِيْهِ مَوَاعِظٌ ... لِمُتَّعِظٍ مِن ظُلْمَةِ القَبْرِ يَهْرَبُ فَكَمْ مِنْ عَظِيْمِ البَأْسِ صَارَتْ عِظَامُهُ ... أَوَانيَ مِنْها المَاءُ يَا قَوْمُ يُشْرَبُ وَيُنْقَلُ مِنْ أرْضِ لأُخْرَى وَمَا دَرَى ... فَوَاهًا لَهُ بَعْدَ البِلَى يَتَغَرَّبُ انْتَهَى آخر: وإنْ تُبْدِ يَوْمًا بالنَّصيحَةِ لامْرِئ ... بِتُهْمَتِهِ إيَّاكَ كَانَ مُجَازِيَا وَإنْ تَتحلَّى بالسماحةِ والسَّخا ... يُقَالُ سَفِيْهٌ أَخْرَقٌ لَيْسَ وَاعِيَا وَإنْ أَمْسكتَ كفَّاكَ حالَ ضَرورةٍ ... يُقَالُ شَحِيْحٌ مُمْسِكٌ لا مُسَاوِيَا وَإنْ ظَهرَتْ من فيك يَنبُوعُ حِكمةٍ ... يُقَولُونَ مِهْذارًا بَذِيًّا مُبَاهيَا وَعَنْ كُلِّ مَا لاَ يَعِنُّ إنْ كُنْتَ تَارِكًا ... يَقُولُونَ عَنْ عِيٍّ مِنَ العَجْزِ صَاغيَا وَإنْ كنتَ مِقدامًا لكلِّ مُلمةٍ ... يُقَالُ عَجُولٌ طَائِشُ العَقْلِ وَاهيَا وَإنْ تَتغَاضَ عن جَهالةِ نَاقصٍ ... يَعُدُّوكَ خَوّارًا جَبَانًا وَلاهيَا وَإنْ تَتقَاصَى باعْتزالكَ عنهُمُو ... يَخَالُوكَ مِنْ كِبْرٍ وَتِيْهٍ مُجَافِيَا وَإنْ تَتَدَانَ مِنْهُمُ لِتَأَلُّفٍ ... يَظُنُّوكَ خَدَّاعًا كَذُوْبًا مُرَائيَا

يا منفق العمر في حرص وفي طمع

تَرَى الظُّلْمَ مِنْهُم كَامِنًا في نُفُوسِهم ... كَذَا غَدْرُهُم في طَبْعِهِمْ مُتَوَارِيَا فَفِيْ قُوَّةِ الإنْسَانِ يَظْهَرُ ظُلْمُهُ ... وَفي عَجْزِهِ يَبْقَى كَمَا كَانَ خَافِيَا وَهَيْهَاتَ تَنْجُو مِنْ غَوَائلِ فِعْلِهم ... وَأَقْوَالِهِم مَهْمَا تكُنْ مُتَحَاشِيَا فَمَنْ رَامَ إِرْضَاءُ الأنامِ بقَوْلِهِ ... وَفِعْلٍ غَدَا لِلْمُسْتَحِِيْلِ مُعَانِيَا وَمَنْ ذَا الذِيْ أَرْضَى الخَلاَئِقَ كُلَّهُم ... رَسُولاً نبيًّا أَمْ وَلِيًّا وَقَاضِيَا وَأَعْظَمُ مِنْ ذَا خَالِقُ الخَلْقِ هَلْ تَرَى ... جَمِيْعَ الوَرَى في قِسْمَةٍ مْنْهُ رَاضِيَا إذَا كَانَ رَبُّ الخَلْقِ لَمْ يُرْضِ خَلْقَهُ ... فَكَيْفَ بِمَخْلُوقٍ رِضَاهُمْ مُراجِيَا ... فَلازِمْ رِضَا رَبِّ العِبَادِ إذًا وَلاَ ... تُبَالِ بِمَخْلُوقٍ إذَا كُنْتَ زَاكِيا وَسَدِّدْ وَقَارِبْ مَا اسْتَطَعْتَ فَإنَّمَا ... يُكَلَّفُ عَبْدٌ فِعْلَ مَا كَانَ قَاوِيَا انْتَهَى آخر: يا مُنْفِقَ العُمْرِ فِي حِرْصٍ وَفِي طَمَعٍ ... إِلَى مَتَى قَدْ تَوَلَّى وَانْقَضَى العُمُرُ إلى مَتَى ذَا التَمَادِي فِي الضَّلَالِ أَمَا ... تَثْنِيكَ مَوْعِظَةٌ لَوْ يَنْفَعُ الذِّكْرُ بادِرْ مَتَابًا عَسَى مَا كَانَ مِنْ زَلَلٍ ... وَمَا اقْتَرَفْتَ مِن الْآثَامِ يَغْتَفِرُ وجَنِّبِ الْحِرْصَ وَاتْرُكْهُ فَمَا أَحَدٌ ... يَنَالُ بِالْحِرْصِ مَا لَمْ يُعْطِهِ الْقَدَرُ وَلا تُؤَمِّلْ لِمَا تَرْجُو وَتَحْذَرُهُ ... مَنْ لَيْسَ فِي كَفِّهِ نَفْعٌ وَلَا ضَرَرُ وَفَوِّضِ الْأَمْرَ لِلرَّحَمَنِ مُعْتَمِدًا ... عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ وَاحْذَرْ هُجُومَ الْمَنَايَا وَاسْتَعِدَّ لَهَا ... مَا دَامَ يُمْكِنُكَ الْإِعْدَادُ وَالْحَذَرُ انْتَهَى آخر: فَهُبُّوا أُهِيْلَ العِلْمِ مِنْ رَقْدَةِ الهَوَى ... ومِيْلُوا إلَى نَهْجِ الرَّشَادِ وَخَالِفُوْا هَوَىَ النَّفْسِ إنَّ النَّفْسَ مِنْ أَكْبَرِ العِدَا ... وَلِلْعَبْدِ فِيْهَا إنْ أطَاعَ المَتَالِفُ

أرى الوقت أغنى خطبه عن خطابه

وَحُثُّوا مَطَايَا العَزْمِ في طَلب العُلاَ ... فَقَدْ مَاتَ أهْلُوهُ الكِرَامُ السَّوَالِفُ وَنَحْنُ إذَا مَاتُوْا نَمُوْتُ بِمَوْتِهِمْ ... إذَا لَمْ يَكُنْ مِنّا عَلَى النَّهْجِ عَارِفُ فَأَحْيُوا مَوَاتَ العِلْمِ مِنْكُمْ بِعَطْفَةٍ ... إلَى العِلْمِ كَيْ تَحْيَا بِتِلْكَ الوَصَائِفُ فَلاَ خَيْرَ يُرْجَى في الحَيَاةِ عَلَى الهَوَى ... إذَا لَمْ يَكُنْ فَيْنَا إلَى العِلْمِ صَارِفُ بِضَاعَتُنَا المُزْجَاةُ فِيْهِ قَلِيْلَةٌ ... وَقَدْ كَانَ فِيْنَا جِسْمُهُ وَهْوَ نَاحِفُ وَعَمَّا قَلِيْلٍ سَوْفَ يُطْوَى سِجِّلُهُ ... وَتَذْهَبُ أرَبَابٌ لَهُ وَطَوَائِفُ انْتَهَى آخر: أرَىَ الوقت أَغْنَى خَطْبُهُ عن خِطَابِهِ ... بِوَعْظٍ شَفَى ألْبَابَنَا بِلُبَابِهِ لَهُ قُلَّبٌ تُهْدَى القُلُوبُ صَوَاديًا ... إليه وتَعْمَى عن وَشِيكِ انْقِلابِهِ هُوَ اللَّيْثُ إلاَّ أنَّهُ وهْوَ خَادِرٌ ... سَطَا فأغَابَ اللَّيثَ عن أُنْسِ غابِهِ وهَيهاتَ لَمْ تَسْلَمْ حَلاوَةُ شَهْدِهِ ... لِصَابِ إليهِ من مَرَارَةِ صَابِهِ ... مُبيْدٌ مَبَادِيهِ تَغُرُّ وإنَّما ... عَوَاقِبُهُ مَخُتومَةٌ بِعِقَابِهِ أَلَمْ تَرَ مَن سَاسَ المَمالِكَ قَادِرًا ... وسَارَتْ مُلُوكُ الأرَضِ تَحتَ رِكَابِهِ ودَانَتْ لَهُ الدنيا وكَادَتْ تُحِلُّهُ ... عَلَى شُهْبِهَا لَوْلاَ خُمُودُ شِهَابِهِ لَقَدْ أسْلَمَتْهُ حَصْنُهُ وحُصُونُهُ ... غَدَاةَ غَدا عَن كَسْبِهِ باكْتِسَابِهِ فَلا فِضَّةٌ أنْجَتْهُ عندَ انْفَضَاضِهِ ... ولا ذَهَبٌ أغْنَاهُ عِنْدَ ذَهَابِهِ سَلا شَخْصَهُ وُرَّاثُهُ بترُاثِهِ ... وأَفْرَدهُ أتْرَابُهُ بِتُرابِهِ انْتَهَى آخر: لَنَا كُلَّ يَوْمٍ رَنَّةٌ خَلْفَ ذَاهِبٍ ... ومُسْتَهْلَكٌ بَيْنَ النَّوى والنَوَائِبِ وقَلْعَةُ إخْوَانٍ كَأنَّا وَرَاءَهُمْ ... نُرَامِقُ أعْجَازَ النُّجُومِ الغَوَارِبِ

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي

نُوادِعُ أحْدَاثَ اللَّيالِي عَلَى شَفَا ... مِن الحَرْبِ لَوْ سَالمنَ مَنْ لَمْ يُحَارِبِ وَنَأْمَلُ مِن وَعْدِ المُنَى غَيْرَ صَادِقٍ ... وَنأْملُ مِن وَعْدِ الرَّدَى غَيْرَ كاذِبِ إلى كَمْ نُمَنَّى بالغُرُورِ ونَنْثَنِي ... بأعْنَاقِنَا لِلْمُطْمِعَاتِ الكَواذِبِ نُراعُ إذا مَا شِيْكَ أخْمُصُ بَعْضِنَا ... وأقُدامُنا مَا بَيْنَ شَوْكِ العَقَارِبِ وَنَمْشِي بآمَالٍ طِوَالٍ كَأننَا ... أمِنَّا بَنَات الخَطْبِ دُونَ المَطَالِبِ نَعَمْ إنَّهَا الدُنيا سُمُومٌ لِطَاعِمٍ ... وَخَوْفٌ لِمَطلوبِ وَهَمٌ لِطَالِبِ وَإنَّا لَنَهْواهَا مَعَ الغَدرِ والقِلاَ ... ونَمْدَحُهَا مَعْ عِلْمِنَا بالمَعائِبِ ومَن كانتِ الأيَّامُ ظَهْرًا لِرَحْلِِهِ ... فيا قُرْبَ مَا بَيْنَ المدَى والرَّكَائِبِ تَحِلُ الرَّزَايَا بالرِّجَالِ وتَنْجَلِي ... ورُبَّ مُصابٍ مُقْلِعٍ عن مَصَائِبِ انْتَهَى اللهم وفقنا لاتباع الهدى، وجنبنا أسباب الهلاك والشقا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. آخر: ولَمَّا قَسَا قَلْبِي وضَاقَتْ مَذَاهِبِي ... جَعَلْتُ الرَّجَا مِنِّي لِعَفْوِكَ سُلَّمَا تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ ... بِعَفْوكَ رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا فَلِلَّهِ دَرُّ العَارف النَّدْبِ إِنَّهُ ... تَسُحُّ لِفَرْطِ الوَجْدِ أَجْفَانُهُ دَمَا يُقِيمُ إِذَا مَا اللَّيْلُ مَدَّ ظَلَامَهُ ... عَلَى نَفْسِه مِنْ شِدَّةِ الخَوْفِ مَأْتَمَا ... فَصِيحًا إِذَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ رَبِّهِ ... وفِيمَا سِوَاهُ فِي الوَرَى كَانَ مُعْجَمَا ويَذْكُرُ أَيَّامًا مَضَتْ مِنْ شَبَابِهِ ... وما كَانَ فِيهَا فِي الْجَهَالَةِ أَجْرَمَا فَصَارَ قَرِينَ الهَمِّ طُولَ نَهَارِهِ ... ويَخْدِمُ مَوْلَاهُ إِذَا اللَّيْلُ أَظْلَمَا يَقُولُ إِلَهِي أَنْتَ سُؤْلِي وَبُغْيَتِي ... كَفَى بِكَ لِلرَّاجِينَ سُؤْلًا وَمَغْنَمَا

أستغفر الله ربي في مناجاتي

فأنْتَ الَّذِي غَذَّيْتَنِي وَكَفَلْتَنِي ... وما زِلْتَ مَنَّانًا عَلَيَّ وَمُنْعِمَا رَجَوْتُكَ مَوْلَى الْفَضْلِ تَغْفِرُ زَلَّتِي ... وتسْتُرُ أوزَارِي وَمَا قَدْ تَقَدَّمَا انْتَهَى دعاءٌ وتَضرعٌ إلى الله عز وجل أَسْتغْفِرُ الله رَبي في مُنَاجَاتي ... فَهْوَ العلِيمُ بآثامِي وَزَلاَّتي وَهُوَ الغَفُورُ ولي في عَفْوه طَمَعٌ ... إذَا بَسَطْتُ لَهُ كَفَّ الضَرَاعَاتِ ما لي سِوَى بَابِهِ بابٌ أَلوْذُ بِهِ ... إنْ نَاءَ ظَهَرِي بأَوْزَارِ الخَطِيْئاتِ سُبْحَانَهُ وَسِعِتْ سَاحَاتُ رَحْمِتِه ... أَهْلَ الأراضي وسُكَّانَ السَّمَواتِ أدْعُوْكَ يَا رَبِّ والآمالُ تَدْفعُني ... وأَسْتَغِيْثُ بأهْدَى الاسْتِغَاثَاتِ إنّي أناجِيْكَ والقُرآنُ وَجَّهَني ... إليْكَ والنَّفْسُ لَمْ تَقْضِ اللُّبَاناتِ أرجُوْكَ تَحْقِيْقِ ما بالنَّفْسِ مِن أمَلٍ ... وكُنْ مُعِيني على إدْرَاكَ غَايَاتي لَقَدْ دَعْوتُكَ أرْجُو مِنْكَ مَغْفِرَةً ... وما نُؤِمِّل مَرْهُوْنٌ لِمِيْقَاتِ أَنْتَ الكريمُ الذي قَدْ عَمَّ نائِلُهُ ... أَهْلَ الأَراضِي وسُكَانَ السَّمواتِ انْتَهَى اللَّهُمَّ اعذْنَا بِمَعافَاتِكَ مِنْ عُقُوبِتَكَ، وَبِرضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، واحْفَظ جَوارِحَنَا مِن مُخَالَفَة أمْرك، واغْفِرْ لَنَا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجميعَ المسلمين الأحياء منهم والميتين بِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمين، وَصَلَّى اللهُ على محمدٍ وآله وصَحبِهِ أجمعين. آخر: ألَمْ تَرَ أنَّ المَرْءَ يُوْدِى شَبَابُهُ ... وأنَّ المَنَايَا لِلرِجَالِ تُشَعِّبُ فَمِنْ ذَائِقٍ كَاسًا مِن المَوْتِ مُرَّةً ... وآخَرُ أُخْرَى مِثْلِهَا يَتَرَقَّبُ لَهَا مِنْهُمُ زَادٌ حَثِيْثٌ وَسَائِقٌ ... وَكُلٌ بكأْسِ المَوْتِ يَوْمًا سَيَشْرَبُ

سنوا هجرة المختار فيها حوادث

وَمَا وَارِثٌ إلاَّ سَيُوْرَثُ مَالُهُ ... ولا سَالِبٌ إلاَّ قَرِيْبًا سَيُسْلَبُ وَلاَ آلِفٌ إلاَّ سَيَتْبَعُ إلفَهُ ... ولا نِعْمَةٌ إلاَّ تَبِيْدُ وَتَذْهَبُ ... وما مِن مُعَانٍ في المَصَائِب جَمَّةٌ ... يُعَاوِرُهَا العَصْرَانِ إلا سَيَعْطَبُ أَرَى النَّاسَ أصْنَافَاً أقَامُوا بِغُرْبَةٍ ... تُقَلِبُهُمْ أيَامُهَا وَتَقَلَّبُ بِدَارِ غُرُورٍ حُلْوَةٍ يَعْمَرُوْنَهَا ... وَقَدْ عَايَنُوا فِيْهَا زَوَالاً وَجَرَّبُوا يَذُمُونَ دُنْيَا لا يَريْحُونَ دَرَّهَا ... فَلَمْ أَرَ كالدٌّنْيَا تُذَمُ وَتُحْلَبُ تَسُرُّهمُ طَوْرَاً وَطَورَاً تُذِيْقُهُم ... مَضِيْضَ مَكَاوٍ حَرُّهَا يَتَلَهَّبُ انْتَهَى ولبعضهم قَصِيدة سَمَّاهَا بواعِثَ الفِكْرَةِ في حَوَادِثِ الهِجْرَة: سِنُّوا هِجْرَةِ المخَتارِ فِيهَا حَوَادِثٌ ... فَخُذْ نَثْرَها في كُلِّ عَامٍ وأحْكِمِ مُصَلَّى قُبًا في (أوَّلٍ) ثُمَّ مَسْجِدٌ ... بُنِي وبُيُوتٌ والصَّلاةَ فأتْمِمِ وَخَلْفُ أذَانِ جُمْعَةٍ ماتَ أسْعَدٌ ... بَراءٌ وعَبْدٌ للهِ أسْلَم فاسْلَمِ و (ثانٍ) صِيَامُ فِطْرَةٍ أمَّ كَعْبةً ... وغَزْوَةُ وُدَّانٍ بُوَاطَ المُغَنِّمِ عَشِيْرٌ وبَدْرٌ عُرْسُ عَائِش مِثْلُهُ الـ ... ـبَتُوْلُ ومَوْتٌ لاِبْن مَظْعُونَ أكْرِمِ سَوِيْقُ سُلَيْمٍ قَيْنُقَاعَ ومِسْوَرٌ ... ومَرْوَانُ والنُعْمانُ سُرُّوا بِمَقْدَمِ كذا ابنُ زُبَيْرٍ مثْل مَوْتِ رُقَيَّةٍ ... أَبُو بِنْتِ هِنْد إنْمَارُ كَانَتْ بِمَعْلَمِ غَزَا أُحُدًا في (ثالثٍ) قَتْلُ حَمْزَةٍ ... وَذَا أَمْرٍ والخَمْرُ رُدَّتْ فَحَرِّمِ وحَمْرَاءُ مَعْ بَدْرٍ أخِيْرًا بِنَاؤُهُ ... بِزَيْنَبَ ذَاتِ البِرِّ كَسْبًا لِمُعْدِمِ كَذَا حَفْصَةٌ مَعْ أمِّ كُلْثُومَ زُوِّجَتْ ... أَتَى حَسَنٌ قَبْلَ الحُسَيْنِ المُقَدَّمِ وفي (رَابعٍ) تَزْويْجُ هِنْدٍ مَعُوْنَةٌ ... نَضِيرٌ وقَصْرٌ والتَّيَمُّم فَافْهَمِ مُرَيُسِيْعُ إفْك والرِّقاعُ ومَوْعِدٌ ... وَرَحْمٌ ومَوْتُ أمِّ المَسَاكِين عَظِّمِ وصل لخوف ثم (في الخَمْسِ) خَنْدَقٌ ... قُرَيْظةُ سَعْدٍ مَاتَ دُومَةُ فافْهَمِ ضِمَامٌ أَتَى إسْلامِ عَمْرٍو وخَالِدٍ ... وعُثْمانُ الدَّارِي التزَلْزُلُ فاعْلَمِ وَفي (سَادِسٍ) لَحْيَانُ ذُوْ قُرَدٍ بِهِ ... حُدَيْبَةُ اسْتَسْقَى ابْنُ خَوْلَةَ أعْظِمِ

إذا رمت أن تنجو من النار سالما

مُقَوقِسُ أهْدَى والظهارُ وخاتَمٌ ... لِشَيرويَةَ الطَّاعُون حَجٌّ لِمُسْلَمِ وخَيْبَرُ في (سَبْعٍ) صَفِيَّةُ رَمْلَةٌ ... زوَاجُهَمَا ذُوْ الحَبْس آبُوا بأَنْعُمِ قُدُوْمُ أبِي هِرٍ هَدَانَا عَطِيَّةٌ ... قَضَى عُمْرة تَزْوِيْجُ مَيْمُونَةَ أنَعْمِ و (ثامِنُ) عامٍ مُؤْتَة الفَتْحِ أَسْلَمُوا ... ومَوْلِدُ إبْرَاهِيم نَجْلُ المَعَظَّمِ حُنَيْنٌ غَلاَءٌ طَائِفٌ نصْبُ مِنْبرٍ ... وبِنْتُ رسول الله زَينَبُ سَلِّمِ ... (بِتِسْعٍ) تَبُوكٌ والوُفُودُ وجزية ... وحَجُ أبِي بَكْرٍ ومَوْتُ أُم كُلثُمِ ومَاتَ ابنُ بَيْضَا والنَّجَاشِيِ وعُرْوَةٌ ... قَتِيْلُ ثَقِيْفٍ والسَّلُوْلِيَّ فافْهَمِ لِعَانٌ وَايْلاَءٌ وبُوْرَانُ مُلِّكَتْ ... لِقَتْلِ فَتَى شَيْروَتَةٍ بِتَظَلُّمِ وفي (العَاشِرٍ) إبْرَاهِيْمُ مَاتَ ومَوْلِدٌ ... لِنَجْلِ أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ أَعْظِمِ جَرِيْرُ اهْتَدَى ظَلَّتْ بأَسْوَدَ عَنْسَةٍ ... كُسُوْفٌ بِخُلْفٍ حَجْةُ الِتِّم أَتْمِمِ وسَبْعٌ وعِشْرُوْنَ المَغَازِي ومِثْلُهَا ... سَرَايَاهُ مَعْ عِشْرِيْنَ أرِّخْ لِمَقْدَمِ أُصِبْنَا (لإِحْدَى عَشْرَةٍ) بنَبِّيِنَا ... فَيا عُظْمَةُ رُزْء لَدَى كُلِّ مُسْلِمِ بِهَا بَايَعُوْا الصِّدِّيْقَ رِدَّةَ وابْكِيَنْ ... لِفَاطِمَةٍ مَعْ أُمِّ أيْمَنَ واخْتِمِ انْتَهَى آخر: إذَا رُمْتَ أن تَنْجُو مَن النارِ سَالِمًا ... وتَنْجُوَ مِن يَوْمٍ مَهُوْلٍ عَصَبْصَبِ وتُحْظَى بِجَنَّاتٍ وحُوْرٍ خَرَائِدٍ ... وتَرْفُل في ثَوبٍ مَن المَجْدِ مُعْجِبِ وفي هَذِهِ الدنيا تَعِيْشُ مُنَعَّمًا ... عَزْيزًا حَمِيْدًا نَائِلاً كُلَّ مُطْلَبِ فَمِلَّةَ إبْرَاهِيْمَ فاسْلُكْ سَبِيْلَهَا ... هِي العُرْوَةُ الوُثْقَى لأهْلِ التَّقَرُّبِ فَعادِ الذي عَادَى وَوَال الذي لَهُ ... يُوَالِي وأبْغِضْ في الإلِه وأحْبِبِ فَمَنْ لَمْ يُعَادِ المُشْرِكِينَ ومَنْ لَهُمْ ... يُوَالِي ولم يُبْغِضْ وَلَم يتَجَنَّبِ فَلَيْسَ عَلى مِنْهَاجِ سُنَّةِ أحْمَدٍ ... ولَيْسَ عَلَى نَهْج قَويْمٍ مُقَرِّبِ واخْلِصْ لِمَولاَكَ العِبَادَةَ رَاغِبًا ... إليه مُنِيْبًا في العِبَادَةِ مُدْئِبِ

يا ذا الجلال ويا ذا الجود والكرم

مُحَبًا لأهْلِ الخَيْرِ لا مُتَكَرِّهًا ... ولا مُبْغِضًا أوْ سَالِكًا مَنْهَجًا وَبِي وكُنْ سَلِسًا لَبِيْبًا مُهَذَّبًا ... كَرَيْمًا طَلِيْقَ الوَجْهِ سَامِي التَّطَلُبِ إلى كُلِّ مَن يَدْنُو إلى مَنهَجِ التُّقَى ... فَخَيِر الوَرَى أهْلُ التُّقَى والتَّقَرُّبِ ومَنْهُجُهُمْ خَيّرُ المَنَاهِجِ كُلّهَا ... ومَوْكَبُهُمْ يَوْمَ اللِّقَا خَيْرُ مَوْكَبِ فَهَذا الذي يُرْضَى لِكلِ مُوحِدِ ... وهذا الذي يُنْجِي بَيَومٍ عَصَبْصَبِ وذلِكَ يَومٌ لَوْ عَلِمْتَ بِهَوْلِهِ ... لَبِتَّ لَعَمْرِي سَاهدًا ذَا تَقَلُّبِ وَلَمْ تَتَلَذَّذْ بالحَيَاةِ وَطِيبِهَا ... وَأصْبَحْتَ فيها خَائِفًا ذَا تَرَقُبِ انْتَهَى قصيدة فيها تَضَرُّعٌ إلى رَبَ العِزِة والجَلالِ والكِبريَاء والعَظمة: يا ذَا الجَلالِ ويا ذَا الجُوَدِ وَالكَرمِ ... قَدْ جِئْتُكَ خَائِفًا مِن زَلَّةِ القَدَمِ ذَنْبِي عَظِيمٌ وَأَرْجُوْ مِنْكَ مَغْفِرةً ... يَا وَاسِعَ العَفْوِ والغُفْرانِ وَالكَرَمِ دَعَوْتُ نَفْسِي إِلَى الخَيْرَاتِ فَامْتَنَعَتْ ... وَأَعْرَضَتْ عَن طَرِيْقِ الخَيْر والنِّعَمِ خَسِرْتُ عُمْرِي وَقَدْ فَرَّطْتُ فِي زَمَنِي ... في غَيْرِ طَاعَةِ مَوْلاَيَ فَيَا نَدَمِي حَمَلْتُ ثِقْلاً مِنَ الأَوْزَارِ فِي صِغَريْ ... يَا خَجْلَي فِي غَدٍ مِن زَلَّةِ القَدَمِ رَاحَ الشَّبَابُ وَوَلَّى العُمْرِ فِي لَعِبٍ ... وما تَحَصَّلْتُ مِن خَيْرِ وَلَمْ أَقُمِ زَمَانَ عَزْمي قَدْء ضَيَّعْتُهُ كَسَلاً ... وَالعُمْرُ مِنِّيْ انْقَضَى فِي غَفْلَةِ الحُلُمِ قَدْ انْقَضَتْ عِيْشَتِي بِالذُّلِ وَاأسَفِي ... إِنْ لَمْ تَجدْ خَالِقي بِالعَفْوِ وَالكَرَمِ ذِي حَالَتي وَانْكِسَارِي لا تُخَيِّبُنِي ... إِذَا وَقَعْتُ ذَلِيْلاً حَافِي القَدَمِ أَتَيْتُ بِالذُّلِ والتَّقْصِيْر وَالنَّدمِ ... أَرْجُو الرَّضَا مِنْكَ بِالغُفْرانِ وَالكَرَمِ سَارَ المجدُّونَ فِي الخَيْرَاتِ وَاجْتَهَدُوا ... يا فَوْزَهُم غَنِمُوْا الجَنَاتِ وَالنِّعَمِ شِفَاءُ قَلْبِي ذِكْرُ الله خَالِقِنَا ... يَا فَوْزَ عَبْدٍ إِلى الخَيْرَاتِ يَسْتَقِمِ صَفَتْ لأهْلِ التُّقَى أَوْقَاتُهُم سَعِدُوْا ... نَالُوا الهَنَا وَالمُنَى بالخَيْرِ والكَرَمِ ضَيَّعْتُ عُمْرِي وَلا قَدَّمْتُ لِي عَمَلاً ... أَنْجُو بِهِ يَوْمَ هَوْلِ الخَوْفِ والزَّحَم

خل ادكار الأربع

طُوْبَى لِعَبْدٍ أَطَاعَ الله خَالِقَهُ ... وَقَامَ جُنْحَ الدُّجَى بالدَّمْعِ مُنْسَجِمِ ظَهْرِيْ ثَقِيْلٌ بِذَنبي آهِ واأسَفِي ... يَومَ اللقَا إِذْ الأَقْدَامُ في زِحَمِ أَرْجُوكَ يَا ذَا العُلا كَرْبي تُفْرِّجُهُ ... واشْفِ بِفَضْلِكَ لِي بَلْوَايَ مَعْ سَقَمِ غَفَلْتُ عَنْ ذِكْرِ مَعْبُوْدِي وَطَاعَتِهِ ... وقَدْ مَشَيْت إِلى العِصْيَانِ في هَمِمِ فَاغْفِرْ ذُنُوبِي وَكُنْ يَا رَبِّ مُنْقِذَنَا ... مِن الشَّدَائِد وَالأَهْوَالِ وَالتُّهَمِ قد أَثْقَلَتْنِي ذُنُوبٌ مَا لهَا أَحَدٌ ... سِوَاكَ يَا غَافِرَ الزَّلاتِ واللِّمَمِ كُنْ مُنْجِدِيْ يَا إِلهي واعْفُ عَنْ ذَلَلي ... وَتُبْ عَليَّ مِن الآثامِ واللَّمَمِ لاَحَ المَشِيْبُ وَوَلىَّ العُمْرُ فِي لَعِبٍ ... وصِرْتُ مِن كَثْرةِ الأَوْزَارِ في نَدَمِ مَضَى زَمَانِي وَمَا قَدَّمْتُ مِن عَمَلٍ ... يا خَجْلَتِي مِن إِلهي بارِيَ النَّسَمِ نَامَتْ عُيُوني وأهْلُ الخَيرِ قَدْ سَهِرُوْا ... أَجْفَانُهُمْ في ظَلامِ اللَّيلِ لَمْ تَنَمِ قَامُوا إلى ذِكْرِ مَوْلاهُم فَقَرِّبَهُمْ ... وخَصَّهُم بالرِّضَا وَالفَضْلِ وَالكَرَمِ ... ولَيْسَ لِي غَيْرُ رَبِّ الخَلْقِ مِنْ سَنَدٍ ... أرْجُوْهُ يُوْلِيْني بالغُفْرانِ وَالكَرَمِ لاَ أَرْتَجي أَحَدًا يَوْمَ الزِحَامِ سِوى ... رَبِّ البَرَّيةِ مَوْلى الفَضْلِ والكَرِمِ ثم الصلاةُ عَلَى المُخْتَارِ مِنْ مُضَرٍ ... مُحَمَّدٍ المُصْطَفى المَخْصُوص بِالكَرَمِ انْتَهَى هذه منظومة وعظية: خَلِ ادَّكَارَ الأَرْبُعِ ... والمَعْهَدِ المُرْتَبِعِ والظَّاعِنِ المُوَدَّعِ ... وعَدِّ عَنهُ وَدَعِ واندُبْ زَمَانًا سَلَفَا ... سَوَّدَتَ فِيهِ الصُّحُفَا ولَمْ تَزَلْ مُعْتَكِفَا ... على القِبَيْحِ الشَّنِعِ كَمْ لَيْلَةٍ أَوْدَعْتَهَا ... مآثِمًا أَبْدَعَتْهَا لِشَهْوةٍ أَطَعْتَهَا ... في مَرْقِدٍ ومَضْجَعِ

وكَمْ خُطًى حَثَثْتَهَا ... في خِزْنَةٍ أَحْدَثْتَها وتَوْبَةٍ نَكَثْتَها ... لِمَلْعَبٍ وَمَرْتَعِ وكَمْ تَجَرَّأْتَ عَلَى ... رَبِّ السَّماواتِ العُلىَ ولم تُرَاقِبْهُ وَلاَ ... صَدَقْتَ فِيْمَا تَدَّعِيْ وكَم غَمَطتِ بِرَّهُ ... وكَمْ أَمِنْتَ مَكْرَهُ وكَم نَبَذْتَ أَمْرَهُ ... نَبْذَ الحذَا المُرَقَّعِ وكَمْ رَكَضْتَ في اللَّعِبْ ... وفُهْتَ عَمْدًا بالكَذِبْ ولم تُراع مَا يَجِبْ ... مِن عَهْدِهِ المُتَبَّعِ فالْبَسْ شَعَار النَّدَمِ ... واسْكُبْ شآبيْبَ الدَّمِ قَبْلَ زَوَالِ القَدمِ ... وقَبْلَ سُوءِ المَصْرَعِ واخْضَعْ خْضُوُعَ المُعْتَرفْ ... ولُذْ مَلاَذَ المُقْتَرفْ واعْصِ هَوَاكَ وانْحَرَفْ ... عَنهُ انْحرَافَ المُقْلِعِ إِلاَمَ تَسْهُو وَتَنِى ... ومُعْظَمُ العُمْرِ فَنِى فِيمَا يَضُرُّ المُقْتَنِى ... ولَسْتَ بالمُرْتَدِعِ أَما تَرى الشَّيْبَ وَخَطْ ... وخَطَّ في الرأسِ خُطَطْ ومَن يَلِحْ وخْطَ الشَّمَطْ ... بِفَوْدِهِ فَقَدْ نُعِي وَيْحَكِ يا نَفْسُ احْرَصِي ... على ارْتِيَادِ المَخْلَصِ وطَاوِعِى وأخْلِصِى ... واسْتَمِعِى النُّصْحَ وَعِي واعَتِبريِ بمَنْ مَضَى ... مِن القُرونِ وانْقَضَى واخْشَيْ مُفَاجَأَةَ القَضَا ... وحَاذِرِي أَنْ تُخْدَعِي وانْتِهَجِي سُبْلَ الهُدَى ... وادَّكِرِيْ وَشْك الرَّدَى آهًا لَهُ بَيْتُ البِلَى ... والمَنْزلِ الفَقْر الخَلاَ

كأني بنفسي وهي في السكرات

ومَوْرِدِ السَّفْرِ الأُولَى ... واللاَّحِقِ المَُتَبَّعِ بَيْتٌ يُرىَ مَن أُودِعَهْ ... قد ضَمَّهُ واسْتَوْدَعَهْ بَعْدَ الفَضَاءِ والسَّعَةْ ... قَيْدَ ثَلاثِ أَذْرُعِ لا فَرْقَ أَنْ يَحلَّهُ ... دَاهِيَةٌ أَوْ أَبْلَهُ أَوْ مُعْسِرٌ أَوْ مَنْ لَهُ ... مُلْكٌ كَمُلْكِ تُبَّعِ وبَعدَهُ العَرْضُ الذِي ... يَحْوِي الحَيِيَّ وَالبذِى والمُبْتَدِي والمُحْتَذِي ... ومَنْ رَعَى ومَن رُعِي فيَا مَفَازَ المُتِقَّى ... ورِبْحَ عَبْدٍ قَدْ وُقِي سُوءَ الحِسَابِ المُوِبقِ ... وهَوْلَ يَومِ المَفْزَعِ ويا خَسَارَ مَنْ بَغَى ... ومَن تَعَدَّى وطَغَى وشَبَّ نِيْرانَ الوَغَى ... لِمَطْعَمِ أَوْ مَطْمَعِ يا مَن عَليهِ المُتَّكَلْ ... قَد زَادَ مَا بي مِن وَجَلْ لِمَا اجْتَرمْتُ مِن زَلَلْ ... فِي عُمْرِيِ المُضَيَّعِ فاغْفِرْ لِعَبْدٍ مُجْتَرِمْ ... وارْحَمْ بُكَاهُ المُنْسْجِمْ فأنتَ أَوْلَى مَن رَحِمْ ... وخَيْرَ مَدْعُوٍّ دُعِي انْتَهَى آخر: كأني بِنفْسِي وهْيَ في السَّكَرِاتِ ... تُعَالجُ أنْ ترْقَي إلى اللَّهَوَاتِ وقَدْ زُمَّ رَحْلي واسْتَقَلَّتْ رَكائبِي ... وَقَدْ آذَنَتْني بالرحِيْلِ حُدَاتِي إِلَى مَنْزل فيه عَذابٌ وَرَحْمُةٌ ... وَكَمْ فِيهِ مِن زَجْرٍ لنَا وعِظَاتِ ومْنْ أَعْيُنٍ سَالَتْ عَلَى وَجَنَاتِهَا ... ومِنْ أوجُهٍ في التُربِ مُنْعَفِرَاتِ ومِن وَارِدٍ فيه عَلَى مَا يَسُرُّهُ ... ومِن وَارِدٍ فيه عَلَى الحَسَرَاتِ ومِن عَاثرٍ ما أنْ يُقَالَ لَهُ لَعَا ... على مَا عَهِدْنا قَبْلُ في العَثَرَاتِ

ومِن مَلكٍ كانَ السُّروْرُ مِهَادُهُ ... مَعَ الآنَسِاتِ الخُرَّدِ الخَفِراتِ غَدَا لا يَذُودُ الدُّودُ عَن حُرِّ وجْهِهِ ... وكان يَذُوْدُ الأُسْدَ في الأَجَماتِ وعُوَّضَ أُنْسًا مِن ضِبَاءِ كِنَاسِهِ ... وَأرَامِهِ بالرُّقْشِ والحَشَرَاتِ وصارَ بِبَطْنِ الأرضِ يَلْتَحفُ الثَّرى ... وكان يَجُرُّ الوَشْيَ وَالحَبَراتِ وَلَمْ تُغْنِهِ أَنَصَارُهُ وجُنُودُهُ ... ولم تَحْمِهِ بِالبيضِ والأسَلاَتِ وَمِمَّا شَجَانِي والشُجُوْنُ كَثِيْرَة ... ذُنُوبٌ عِظَامٌ أَسْبَلَتْ عَبَراتِ وَأَقَلَقَنِي أنِّي أمُوْتُ مُفرِّطًا ... عَلَى أَنِّنِيْ خَلَّفْتُ بَعْدُ لَدَاتِي وَأغْفَلْتُ أمْرِي بَعدهُم مُتثَبِطًا ... فَيَا عَجَبًا مِنِّي ومِن غَفَلاتِي إِلَى الله أشَكُوْ جَهْلَ نَفْسِي فإنَّها ... تَمِيْلُ إلى الرَّاحَاتِ والشَّهَوَاتِ ويا رُبَّ خِلٍّ كُنْتُ ذَا صِلَةٍ لَهُ ... يَرَى أنَّ دَفْنِي من أَجَلِّ صلاتِي وَكُنْتُ لَهُ أُنْسًا وشَمْسًا مُنْيرَةً ... فَأَفْرَدَنِي في وَحْشَةِ الظُلُماتِ سَأضْرِبُ فُسْطَادِي على عَسْكَرِ البِلَى ... وأُرْكُزُ فِيْهِ للنُّزُلِ قَنَاتِي وَأرْكَبُ ظَهْرًا لاَ يَؤُوْبُ بِرَاكِبٍ ... ولا يُمْتَطَى إلاَّ إلىَ الهَلَكَاتِ ولَيْسَ يُرَى إلاَّ بِسَاحَة ظَاعِنٍ ... إلى مَصْرَعِ الفَرْحاتِ والنَّزَحَاتِ يُسَيِّرُ أدْنَى النَّاسِ سَيْرًا كَسَيْرِهِ ... بِأَرْفَعِ مَنْعِيّ مَن السَّرَوَاتِ فطَورًا تَراهُ يَحْمِلُ الشُمَّ وَالرُّبَا ... وطَوْرًا تراهُ يَحْمِلُ الحَصَيَاتِ وَرُبَّ حَصَاةٍ قَدْرُهَا فَوْقَ يَذْبُلٍ ... كَمقْبُوْلِ ما يُرْمَيَ مِن الجَمَراتِ وكُلُّ صَغِيْر كانَ للهِ خَالِصًا ... يُرَبِّى على ما جَاءَ في الصَّدَقَاتِ وكُلُ كَبِيْرٍ لاِ يَكُوْنُ لِوَجْهِهِ ... فَمِثْلُ رَمَادٍ طَارَ في الهَبَوَاتِ ولَكِنَّهُ يُرْجَى لِمَنْ مَاتَ محْسِنًا ... ويُخْشَى عَلَى مَنْ مَاتَ في غَمَراتِ وَمَا اليَوْمُ يَمْتَازُ التَّفَاضُل بَيْنَهُم ... ولكِنْ غَدًا يَمْتَازُ في الدَّرَجَاتِ إذَا رُوِّعَ الخَاطِيٍ وَطَارَ فُؤآدُهُ ... وَأَفْرخَ رَوْعُ البِّرِ في الغُرُفَاتِ وما يَعْرِفُ الإنْسانُ أيْنَ وَفَاتُهُ ... أفَي البَرِّ أمْ في البَحْرِ أمْ بِفَلاَةِ

فَيا إخْوَتي مَهْمَا شَهِدتُمْ جَنَازَتي ... فقُومُوْا لِربِيْ وأسْألُوْهُ نَجَاتِي وجُدُّوْا اْبِتَهالاً في الدُعَاءِ واخْلِصُوْا ... لَعَلَّ إلهي يَقْبَلُ الدَّعَواتِ وقُولُوا جَمِيْلاً إن عَلِمتُم خِلاَفَهُ ... وأَغْضُوْا عَلَى ما كانَ مِن هَفَوَاتِي ولا تَصفُوني بالذِيْ أنا أهْلُهُ ... فَأَشْقَى وَحَلُّوني بِخَيْرِ صِفَاتِي ولا تَتَنَاسَوْني فَقدْمًا ذَكَرْتكمُ ... وَوَاصَلْتكُم بالبرِّ طُوْلَ حَيَاتِي وبالرَّغْمِ فارَقْتُ الأحِبَّةَ مِنْكُمُ ... وَلَمَّا تُفَارِقِني بِكُمْ زَفرَاتِي وإنْ كُنْتُ مَيْتًا بَيْنَ أيَدِيْكُمُ لَقًا ... فَرُوْحِيَ حَيٌّ سَامِعٌ لِنُعَاتِي أناجِيْكُم حيًا وإنْ كُنْتُ صَامِتًا ... أَلاَ كُلُكُم يَوْمًا إلىَّ سَيَاتِي ولَيْسَ يَقُوُم الجِسْمُ إلا بِرُوْحِه ... هُوَ القُطْبُ والأعْضَاءُ كالأَدَوَاتِ ولا بُدَّ يَوْمًا أنْ يَحُوْرَ بِعَيْنِهِ ... لِيُجْزَى على الطَّاعَاتِ والتَّبَعَاتِ وإلاَّ أكُنْ أهْلاً لِفَضْل ورحمةٍ ... فَرَبِي أهْلُ الفَضْلِ والرَّحَمَاتِ فما زِلْتُ أرْجُو عَفْوَهُ وجِنَانَهُ ... وَأَحْمَدُه في اليُسْرِ والأَزِمَاتِ وأسْجُدُ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَذَلُّلاً ... وأَعْبُدُهُ في الجَهْرِ والخَلَوَاتِ ولَسْتُ بِمُمْتَنٍ عليه بِطَاعتِي ... لَهُ المنُّ في التَّيْسْيْرِ للحَسَنَاتِ اللَّّهُمَّ انْهَجْ بِنَا مَنَاهِجَ المُفْلِحِين، وألْبِسْنَا خِلَعَ الإِيْمَانِ واليَقَيْن، وَخْصَّنَا مِنْكَ بالتَّوفِيْقِ المُبين، وَوَفّقْنَا لِقْولِ الحَقِ واتْبِاعِهِ وخلّصْنَا مِنَ البَاطِل وابْتِدَاعِهِ، وَكُنْ لَنَا مُؤَيَّدا وَلاَ تَجْعَل لِفَاجِرِ عَلَيْنَا يَدَا، وَاجْعَلْ لَنَا عَيْشًا رَغَدا، وَلاَ تُشْمِتْ بِنَا عَدوَّاً وَلاَ حَاسِدًا، وارْزُقْنَا عِلْمَاً نَافِعًا وَعَمَلاً مُتَقَبَّلا، وَفَهْمَاً ذَكِيًّا صَفِيّا وَشِفَاً مِنْ كُلّ دَاء، واغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَميعِ المُسْلَمِيْنَ بِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الراحمين وصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وصِحْبِهِ أجْمَعِيْنَ.

ما دار دنيا للمقيم بدار

آخر: مَا دَارُ دُنْيا لِلْمُقِيمِ بِدَارِ ... وبِها النُفوسُ فَريْسَةُ الأقْدارِ مَا بَيْنَ لَيلٍ عاكفٍ ونَهارِهِ ... نَفَسَانِ مُرتَشِفَانِ للأَعْمَارِ طُولُ الحياةِ إذا مَضَى َكَقصِيْرهَا ... واليُسْرُ للإنْسَانِ كالإِعْسَارِ والعَيشُ يَعْقِبُ بالمرارَةِ حُلْوَهُ ... والصَّفْوُ فِيه مُخَلَّفُ الأكْدَارِ وكأنما تَقْضِي بُنَيَّات الرَّدَى ... لِفَنَائِنَا وَطَرًا مِن الأَوْطَارِ والمَرْءُ كَالطَّيْفِ المُطيفِ وعُمْرُهُ ... كَالنَّوم بَيْنَ الفَجْرِ والأَسْحَارِ خَطْبٌ تَضَاءَلَتَ الخَطُوُبُ لِهَوْلِهِ ... أَخْطَارُهُ تَعْلُو عَلَى الأَخْطَارِ نُلْقِي الصَّوارِمَ والرمَاحَ لِهَولِهِ ... ونَلَوْذُ مِن حَرْبٍ إلى اسْتِشْعَارِ إنَّ الذين بَنَوا مَشيدًا وانْثنوا ... يَسْعَونَ سَعْيَ الفاتِكِ الجَبَّارِ ... سْلُبوا النَّضَارَةَ والنَّعِيْمَ فأَصْبَحُوا ... مُتَوَسِّدِيْنَ وَسَائِدَ الأحْجَارِ تَركُوا دِيارَهُمُ علَى أَعْدَاهِمُ ... وتَوسَّدُوا مَدَرًا بِغَير دِثَارِ خَلَطَ الحِمَامُ قَويَّهمُ بِضَعْيفِهم ... وَغَنيَّهمُ سَاوَى بِذِي الإِقْتَارِ والخَوْفُ يُعْجِلُنا عَلىَ آثارِهِم ... لا بُدَّ مِن صُبْحٍ المُجِدِّ السَّارِي وتَعَاقُبِ المَلَوَيْن فِينَا ناثِرٌ ... بأكَرِّ مَا نَظَمَا مِن الأَعْمارِ انْتَهَى آخر: قِفْ بِالقُبُورِ بِأَكْبَادٍ مُصَدَّعَةً ... وَدَمْعَةٍ مِن سَوَادِ القَلْبِ تَنْبَعِثُ وَسَلْ بِها عن أُنَاسٍ طَالَمَا رَشَفُوا ... ثَغْرَ النَّعِيمِ وَمَا فِي ظِلِّهِ مَكَثُوا مَاذَا لَقُوا فِي خَبَايَاهَا وَمَا قَدِمُوا ... عَلَيْهِ فِيهَا وَمَا مِنْ أَجْلِهِ ارْتَبَثُوا وعَن مَحَاسِنِهِمْ أَنْ كَانَ غَيَّرَهَا ... طُولُ الْمُقَامِ بِبَطْنِ الْأَرْضِ وَاللَّبَثُ وَمَا لَهُمْ حَشَرَاتُ الْأَرْضِ تَنْهَشُهُمْ ... نَهْشًا تَزُولُ لَهُ الْأَعْضَاءُ وَالنَّجَثُ وَتِلْكُمُ الْفَتَيَاتُ إِذْ طُرِحْنَ بِهَا ... هَلْ كَاَن فِيهِنَّ ذَا التَّغْيِيرُ وَالشَّعثُ

إني بليت بأربع ما سلطوا

فإنْ يُجِبْكَ عَلَى لَِأَيٍِ مُجِيبْهُمُو ... وَلَنْ يُجِيبَ وَأَنَّى يَنْطِقُ الْجَدَثُ فانْظُرْ مَكَانَكَ فِي أَفْنَاءِ سَاحَتِهِمْ ... فَإنَّهُ الْجِدُّ لَا هَزْلٌ وَلَا عَبَثُ انْتَهَى آخر: إِني بُلِيتُ بِأَرْبعٍ مَا سُلِّطُوا ... إِلاَّ لأَجْلِ شَقَاوَتي وَعَنَائِي إِبْلِيْس والدُنْيَا ونَفْسِي وَالهَوَى ... كيفَ الخََلاصُ وكُلُّهُم أَعْدَائِي إبْلِيْس يَسْلُكُ في طَرِيق مَهَالِكي ... والنَّفْسُ تَأْمُرُني بِكُلِّ بَلائِي وأرَى الهَوَى تَدْعو إليه خَوَاطِري ... في ظُلْمَة الشُبُهَاتِ وَالآراءِ وزَخَارِفُ الدُنيا تَقُولُ أما تَرَى ... حُسْنِيْ وفَخْرَ ملاَبِسِي وَبَهَائِي انْتَهَى آخر: ألا أيَّهُا اللاَّهِي وَقَدْ شَابَ رَأْسُهُ ... أَلَمَّا يَزعْكَ الشَّيْبُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ أَتَصْبُو وَقَدْ نَاهَزْتَ خَمْسينَ حِجَّةً ... كَأَنَّكَ غِرٌ أو كَأَنَّكَ يَافِعُ حَذَارِ مِن الآفَاتِ لا تَأَمَنَّنها ... فَتَخْدَعُكَ الآفاتُ وَهِي خَوَادعُ أَتَأَمَنُ خَيْلا لا تَزَالُ مُغيرةً ... لَهَا كُل يَوْمٍ في أُنَاسٍ وَقَائِعُ

فلا تجزعن للبين كل جماعة

وَتَأملُ طُولَ العُمْرِ عندَ نَفَادِهِ ... وَبِالرأسِ وَسْمٌ لِلْمَنيَّةِ لامِعُ انْتَهَى وَيقُول الآخرُ: فلا تَجْزَعَنْ لِلْبَيْنِ كل جَمَاعَةٍ ... وَرَبِّكَ مَكْتُوْبٌ عَلَيْهَا التَّفَرُّقُ وَخُذْ بالتَّعَزِّي كُلَّ مَا أَنْتَ لاَبِسٌ ... جَدِيْدًا عَلَى الأيَّامِ يَبْلَى وَيَخْلَقُ فَصَبْرُ الفَتَى عَمَّا تَوَلَّى فَفَاتَهُ ... مِنْ الأمْرِ أَوْلَى بالسَّدَادِ وَأَوْفَقُ وَإِنَّكَ بالاشْفَاقِ لا تَدْفَعُ الرَّدَى ... وَلاَ الخَيْرُ مَجْلُوبٌ فَمَا لَكَ تُشْفِقُ كَأَنْ لَمْ يَرُعْكَ الدَّهْرُ أَوْ أَنْتَ آمِنٌ ... لأَحْدَاثِهِ فِيْمَا يُغَادِي وَيَطْرُقُ انْتَهَى مقتطفات للاعتبار والاتعاظ والاستشهاد آخر: يَشْتاق كُلُ غَرِيْبٍ عند غرْبتِهِ ... ويَذْكُرُ الأهَلَ والجيْرانَ والسَّكَنا ولَيَسَ لِي وَطَنٌ أمْسَيْتُ أذْكُرُهُ ... إلاَّ المَقَابِرَ إذْ كَانَتْ لَهُمُ وَطَنَا انْتَهَى آخر: أشتَاقُ أهْلِي وَأوْطَانِي وقَدْ مُلِكَتْ ... دُوْني وأفْنَى الرَّدَى أهْلِي وأحْبَابِي فأسْتَرِيْحُ إلى رُؤْيَا القُبُوْر فَفِي ... أمْثَالِهَا حَلَّ إخْوانِي وأَتْرَابِي ولَسْتُ أحْيَا حَيَاةً أَسْتَلِذُ بِها ... مِنْ بَعدهِم ولِحَاقُ القَوْمِ أَوْلَى بِي انْتَهَى

خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم

آخر: خَلَتْ دُوْرُهُم مِنْهُمْ وَأقْوَتْ عِرَاصُهُمْ ... وَسَاقَهُمُ نَحْوَ الْمَنَايَا المَقَادِرُ وَخَلَّوْا عَنْ الدُّنْيَا وَمَا جَمَعُوا لَهَا ... وَضَمَّهُم تَحْتَ التُرابِ الحَفَائِرُ انْتَهَى آخر: وَفي ذِكْرِ هَوْلِ المَوْتِ وَالقَبْرِ والْبِلَى ... عَنُّ اللَّهْوِ وَاللَّذَاتِ لِلْمَرْءِ زَاجِرُ أَبَعْدَ اقْتِرَابِ الأَرْبعِيْنَ تَرَبُّصٌ ... وَشَيْبُ قَذالٍ مُنْذِرٌ للأَكَابِرِ كَأَنَّكَ مَعْنيٌّ بِمَا هُوَ ضَائِرُ ... لِنَفْسِكَ عَمْدًا أَوْ عَنْ الرُّشْدِ حَائِرُ انْتَهَى آخر: وَلم تَتَزَوَّدْ لِلرَّحِيْل وَقَدْ دَنَا ... وَأَنْتَ عَلَى حَالٍ وَشِيْكٍ مُسَافِرُ فَيَا لَهْفَ نَفْسِيْ كَمْ أُسَوِّفُ تَوْبَتِي ... وعُمْرِي فَانٍ والرَّدَى لِيَ نَاظِرُ وَكُلُ الذي أَسْلَفْتُ في الصُحْفِ مُثْبَت ... يُجَازِي عَلَيْهِ عَادِلُ الحُكْمِ قَادِرُ انْتَهَى آخر: لهفي على عُمُري الذي ضَيَّعْتُهُ ... في كل ما أَرْضى وَيُسْخطُ مَالِكي ... وَيْلِيْ إذا عَنَتِ الوُجُوهُ لِرَبَّهَا ... ودُعِيْتُ مَغْلُولاً بوجْهٍ حَالِكَ وَرَقيبُ أَعْمَالي يُنَادِي قائِلاً ... يا عَبْدَ سُو أَنْتَ أوَّلُ هَالِكَ لم يَبْقَ مِن بَعدِ الغِوايةِ مَنْزِلٌ ... إلاَّ الجحيمُ وسوءُ صُحْبَةِ مَالِكَ انْتَهَى آخر: تُخَرِّبُ مَعْمُوْرًا وَتَعْمُرُ فَانِيا ... فَلا ذاكَ مَوْفُوْرٌ ولا ذَاكَ عَامِرُ وَهَلْ لَكَ إِنْ وَافَاكَ حَتْفُكَ بَغْتَةً ... وَلَم تَكْتَسِبْ خَيْرًا لَدَى اللهِ عَاذِرُ أَتَرْضَى بِأَنْ تَفْنَى الحَيَاةُ وَتَنْقَضِي ... وَدِينُكَ مَنْقُوصٌ وَمَالِكَ وَافِرُ انْتَهَى آخرُ: كم ضَاحكِ والمَنَايَا فَوْقَ هَامَتِهِ ... لَوْ كَانَ يَعْلَمِ غَيْبًا مَاتَ مِنْ كَمَدِ

يفني البخيل بجمع المال مدته

مَنْ كَانَ لَمْ يُؤْتَ عِلْمًا فِي بَقَاءِ غَدٍ ... مَاذَا تَفَكُرُهُ في رِزْقِ بَعْد غَدِ انْتَهَى آخر: فامْهَدْ لنَفْسِك والأقلامُ جَارَيةٌ ... والتَّوْبُ مُقْتَبَلٌ فالله قد وَعَدا انْتَهَى آخر: يُفْنِي البَخِيْل بِجَمْعِ المَالِ مُدَّتَهُ ... وِلِلْحَوادِثِ وَالوُرَّاثِ مَا يَدَعُ كَدُوْدَةِ القَزِّ مَا تَبْنِِيْهِ يَهْدِمُهَا ... وَغَيْرُهَا بِالذي تَبْنِيْهِ يَنْتَفِعُ انْتَهَى آخر: وذِيْ حِرْصٍ تَرَاهُ يَلِمُّ وَفْرًا ... لِوَارِثِهِ وَيَدْفَعُ عَن حِمَاُه كَكَلْبِ الصَّيْدِ يُمْسِكُ وهْوَ طَاوٍ ... فَرِيسَتَهُ لِيَأكُلَهَا سِوَاهُ انْتَهَى آخر: يا لَهْفَ قلبي على مالٍ أفَرِّقُهُ ... على المقِلِّيْنَ مِن أهل المُرُوءات إنَّ اعْتِذَارِي إلى مَن جَاء يَطْلُبني ... ما لَيسَ عندي لَمِنْ إحْدِى المُصِيْبَاتِ ... آخر: قُلْ لِيْ بِرَبِّكَ مَاذَا يَنْفَعُ المَالُ ... إِنْ لم يُزَيِّنْهُ إِحْسَانٌ وَإفْضَالُ المالُ كَالمَاءِ إنْ تُحْبَسْ سَوَاقِيه ... يَأْسَنْ وإنْ يَجْرِ يَعْذُبْ مِنْهُ سِلْسَالُ تَحْيَا على الْمَاءِ أغْرْاسُ الرِّيَاضِ كَمَا ... تَحْيَا على المَالِ أَرْوَاحٌ وَآمالُ إنَّ الثَّرَاءَ إِذَا حِيلَتْ مَوَارِدُهُ ... دُوْنَ الفَقِيْرِ فَخَيرٌ منهُ إقْلاَلُ

تمر لداتي واحدا بعد واحد

آخر: تَمُرُّ لِدَاتِي واحِدًا بَعْدَ واحِدِ ... وأَعْلَمُ أَنِي بَعْدَهُمُ غَيْرُ خالِدِ وأَحْمِلُ مَوْتَاهُمْ وأَشْهَدُ دَفْنَهُمْ ... كأَنِّي بَعِيدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ شَاهِدِ فها أَنَا في عِلْمِيِ بِهِم وَجَهَالِتي ... كَمُستَيْقِظٍ يَرنُو بِمُقلَةِ رَاقِدٍ! انْتَهَى آخر: يا آمنَ الأقدارِ بَادِرْ صَرْفَها ... واعْلَمْ بأَنَّ الطَّالِبِينَ حثَاثُ خُذْ مِن تُراثِكَ مَا استطعت فإنِمَّا ... شُركَاؤُك الأَيَّامُ والوُرَّاثُ ما لِي إِلى الدُّنْيا الغَرُورَةِ حَاجَة ... فليُخُزَ ساحرُ كَيدِها النَّفَّاثُ انْتَهَى آخر: والمرءُ يُبْلَيِْه فِي الدنيا ويَخْلقُهُ ... حِرْصٌ طَوِيْلٌ وعُمْرُ فيهِ تَقْصِيْرُ يُطَوِّقُ النحْرِ بِالآمالِ كَاذِبَةً ... ولَهْذَمُ الموتِ دُوْنَ الطَّوْق مَطْرُوْرُ جَذْلاَنَ يَبْسِمُ فِي أَشْراكِ مِيتَتِهِ ... إن أَفْلَتَ النَّابُ أرْدَتْهُ الأَظَافِيْرُ انْتَهَى آخر: «أُؤَمِّلُ أَنْ أَحُيَا وَفي كُلِّ سَاعَةٍ ... تَمُرُّ بِيَ المَوْتَى تُهُزُّ نُعُوشُها» «وهَلْ أَنَا إلاَّ مِثْلَهم غَيْرَ أنَّ لِي ... بَقَايا ليَالٍ في الزمَانِ أَعِيْشُهَا» آخر: يا أيُّهَا البَانِي الناسِي مَنِيَّتهُ ... لا تأمَنَنَّ فإنَّ الموتَ مَكتُوبُ على الخلائِقَ إن سُرُّوا وإن حَزنُوا ... فالموتُ حَتْفٌ لِذِي الآمالِ مَنْصُوبُ لا تَبْنِيَنَّ دَيارًا لَسْتَ تَسْكنُها ... ورَاجِعِ النُسْكَ كَيْمَا يُغْفَر الحُوبُ ...

ست بليت بها والمستعاذ به

آخر: نَسِيْرُ إلى الآجَالِ في كُلِّ لَحْظَةٍ ... وَأيامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ مَرَاحِلُ وَقَال الآخَرُ: وَمَا نَفَسٌ إِلاَّ يُبَاعِدُ مَوْلِدَاً ... وَيُدْنِي المَنَايَا لِلنُّفُوسِ فَتَقْرُبُ انْتَهَى آخر: سِتٌّ بُلِيْتُ بِهَا والمُسْتَعاَذُ بِهِ ... مِن شَرِّهَا مِنْ إليهِ الخَلْقُ تَبْتَهِلُ نَفْسِي وإبليسُ والدُنْيا التي فَتَنَتْ ... مَنْ قَبْلَنَا وَالهَوَى والحِرْصُ والأمَلُ إنْ لم تَكُنْ لَكَ يا مَوْلاَيَ واقِيَةٌ ... مِن شَرِّهَا فَلَقَدْ أعْيَتْ بِنَا الحِيَلُ انْتَهَى آخر: تَصْفُو الحَيَاةُ لِجَاهِلِ أَوْ غَافِلٍ ... عَمَّا مَضَى مِنْها وَمَا يُتَوقَّعُ وَلِمَنْ يُغَالِطُ في الحَقَائِقِ نَفْسَهُ ... وَيَسُومُهَا طَلَبُ المُحَالِ فَتَطْمَعُ انْتَهَى آخر: ضيَّعْتَ وَقْتَكَ فانقضَى في غَفْلَةٍ ... وطَوَيْتَ في طَلَبِ الخَوادِعِ أدْهُرا أَفهِمْتَ عن هذا الزمانِ جَوَابَه ... فَلَقَدْ أبانَ لَكَ العِظَاتِ وكَرَّرَا

أتبني بناء الخالدين وإنما

عايَنْتَ مَا مَلأَ الصُدُورَ مَخَافَةً ... وكَفَاكَ مَا عايَنْتَهُ مَن أخْبَرا انْتَهَى آخر: لاَ تَغتَرَّ بِشَبَابٍ نَاعِمٍ خَطِلٍ ... فكمْ تَقَدَّمَ قَبْلَ الشِّيْبِ شُبَّانُ انْتَهَى آخر: أَتَبْنِي بِنَاءَ الخَالِدين وإِنَّمَا ... مَقَامُكَ فيها لَوْ عَرَفْتَ قَلِيْلُ لَقَدْ كَانَ في ظِلِّ الأرَاكِ كِفَايَةٌ ... لِمَنْ كَانَ يَوْمَاً يَقْتَفِيْهِ رَحِيْلُ انْتَهَى آخر: تَبنِي المنازِلَ أعمارٌ مُهَدَّمَةٌ ... مِن الزمانِ بأنفاسٍ وَسَاعَاتِ انْتَهَى آخر: إذا اكْتَسَبِ المالَ الفَتَى مِن وُجُوْهِهِ ... وأحْسَنَ تَدبِيرًا لَهُ حِيْنَ يَجْمَعُ ومَيَّزَ في إنْفَاقِهِ بَينَ مُصِلحٍ ... مَعِيْشَتَهُ فِيمَا يَضُرُ وَيَنْفَعُ وأَرْضَى به أَهْلَ الحُقُوقِ ولم يُضِعْ ... بهِ الذٌخْرَ زَادًا لِلَّتي هِيَ أَنْفَعُ فَذَاكَ الفَتَى لا جَامِعَ المالِ ذاخِرًا ... لأولادِ سُوءٍ حَيْثُ حَلّوُا وأَوْضَعُوْا انْتَهَى آخر: إِلى كَمْ ذا التراخي والتمادِي ... وحادي الموت بِالأرْوَاحِ حَادِي فلو كُنّا جَمَادًا لاَتَّعَظْنَا ... ولَكِنا أَشدُّ مِن الجَمَادِ

أبدا تفهمنا الخطوب كرورها

تُناديِنا المَنِيَّةُ كُلَّ وقتٍ ... وَمَا نُصْغَي إلى قَولِ المُنَادَي وأنفاسُ النفوسِ إلى انْتِقَاصٍ ... ولكِن الذُنُوبَ إِلَى ازْدِيَادِ إذا ما الزرعُ قَارَنَه إصْفِرَارُ ... فليسَ دَواؤُهُ غيرَ الحَصَادِ كَأَنَّكَ بِالمشِيْب وقد تَبَدَّي ... وبالأُخرى مُنَادِيْهَا يُنَادِي انْتَهَى آخر: أَبَدًا تُفهِّمُنَا الخُطُوبُ كُرُوْرَهَا ... ونَعُودُ فِي عَمَهٍ كَمَنْ لاَ يَفْهَمُ تَلْقَى مَسَامِعَنا العِظَاتُ كَأَنَّمَا ... فِي الظِلِّ يَرْقُمُ وَعْظَهُ مِن يَرْقُمُ وصَحَائِفُ الأَيَّامِ نَحْنُ سُطُورُهَا ... يُقْرَا الأَخِيرُ وَيدْرج المُتَقَدِّمُ لَحَدٌ على لَحَدٍ يُهَالُ ضَرِيْحُهُ ... وبأعْظُمِ رِمَمٌ عليها أعْظَمُ مَن ذَا تَوفَّاهُ المنُونُ وقَبْلَنَا ... عَادٌ أَطاحَهُمُ الحِمَامُ وَجُرْهُم والتُّبَعَانِ تَلاحَقَا ومُحَرِّقٌ ... والمْنِذرَانِ وَمَالِكٌ ومُتَمِّمُ اللهم أنا نسألُكَ مِن النعمة أتَمَّهَا، ومِن العِصْمَة عن المعاصي دَوَاَمَها، ومِن رَحْمَتِكَ شمُوْلَهَا، ومِن العافية حُصُولَهَا، ومِن العَيْشِ أرْغَدَه، ومِن العُمْر أسْعَدَهُ، ومِن الإِحسانِ أتَمَّهُ، ومِن الإِنعام أعَمَّهُ، ومِن الفَضْلِ أعْذَبَه، ومِن اللَّطْفِ أقْرَبَه، ونسألك أن تغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين. آخر: لا تَحْسِدَنَّ غَنِيًا في تنعُمِهِ ... قد يَكثُر المالُ مَقْرُوْنًا بِهِ الكَدَرُ تَصْفُو العُيونُ إذا قَلَّتْ مَوَارِدُهَا ... والمَاءُ عِنْدَ ازْدِيَادِ النِّيلِ يَعْتَكِرُ

يا عين فابكي على الإخوان لو بدم

أُوْلئِكَ قَوْمٌ حَسَّنَ اللهُ فِعْلَهُمُ ... وَأَوْرَثَهُم مِنْ حُسْنِ فِعْلِهِمُ الْخُلُدَا * * * مَا ضَر مَنْ كَانَ الفِرْدَوْسُ مَسْكَنَهُ ... مَاذا تَحَمَّلَ مِن بُؤْسٍ وَإِقْتَارِ تَرَاهُ يَمْشِيْ كَئِيبًا خَائِفًا وَجلاً ... إِلَى المَسَاجِدِ يَسْعَى بَيْنَ أَطْمَارِ وَمِمَّا يُنْسَبُ إلى الشَّافِعِيّ: يَا لَهْفَ قَلْبِيْ عَلى شَيْئَيْنِ لَوْ جُمعَا ... عِنْدِيْ لَكُنْتُ إِذًا مِنْ أَسْعَدِ البَشَرِ كَفَافِ عَيْشٍ يَقِيْنِي شَرَّ مَسْأَلَةٍ ... وَخِدْمَةِ العِلْمِ حَتَّى يَنْتَهِيْ عُمُرِيْ انْتَهَى وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: يا عينُ فابِكِي عَلَى الإِخوانِ لَوْ بِدَمِ ... وابْكِِي ولا تَسْأمِي يا عَينُ وانْسَجِمِ واْبكِي لِمُجْتَمَعٍ مِنْهم عَلَى طَلَبٍ ... لِلْعِلمِ بُدِّد مِنْهُ كُلُ مُنْتَظِمِ سَعَى بِهِمْ وَوَشى قَوْمٌ ذَوُو ضَغَنٍ ... وذُوُو شِقَاقٍ وتَفْرِيقٍ لِمُلْتِئِمِ فانْبَتَّ مِن حَبْلِهمْ مَا كَانَ مُتَّصِلاً ... وانْحَلَّ مِنْهُ لَعَمْرِي كُلُ مَنْبَرِمِ واللهِ مَا لَهُمُو ذَنْبٌ بِهِ نُقِمُوا ... إلاَّ لِهِجْرَانِ ذِيْ الإجْرَامِ والتُّهَمِ ومِلَّةٍ سَلُكُوهَما لِلْخَلِيْلِ عَفَا ... بُعْدُ المَشايِخِ مِنها الرَّسْمُ فَهْوَ عَمِ اللهُ أكْبَرُ إنْ كَانَتْ لمعْضِلةً ... وحَادثًا فَادحًا في الدَّين ذَا عِظَمِ واللهُ أكْبَرُ إنْ كَانَتْ لَدَاهِيَةً ... شَنْعَاءَ كَمْ أوْبَقَتْ واللهِ مِنْ أُمَمِ

فَقُلْ لِبَاهِتِهِمْ ظُلْمًا وشَانِئِهِمْ ... بُشْرَاكَ بُشْرَاكَ بالخُسرانِ والنَّدمِ للهِ دَرُهُمُو مِن عُصْبَةٍ سَلَكُوا ... لِلْعلْمِ مَهْيَعَ صِدْقٍ غَيْرَ مُتَّهَمِ جَاؤوا إلى طَلَبِ التَّوحِيْدِ لَيْسَ لَهُمْ ... فِي غَيْرِهِ مِن إرَادَاتٍ ولا هِمَمِ جَاؤوا لِكَي يَفْقَهُوا في الأصل حَيُثُ عَفَتْ ... مِنْهُ الرُّسُومُ وأضْحَى دَارِسَ العَلَمِ فَغَارَ قَوْمٌ فَدَامٌ مِن سَفَاهَتِهِمْ ... لمَّا رأوْهُمْ إلَى ذِي الأصْلِ ذُو هِمَمِ مَا آثَرُوهُ مِنَ الأصْلِ الأصيلِ ومَا ... قَامُوا بِهِ مِن مُعَاداتٍ لِذِي التُهَمِ ومِن مُوالاتِ مَن كَانَتْ عِنَايَتُهُمْ ... بالأصْلِ ثابتَةُ الأقدام والقَدَمِ لَيْسُوا يَرَوْنَ أخَا الَّتْعليْمِ فِيْهِ وَفِي ... رَسَائِل الشيخ ذَا عِلْمِ ولا حكمِ والعِلْمُ عِنْدَهُمُو مَا قَالَهُ الفُقَهَا ... وَحبَّذَا هُوَ بَعْدَ الأصلِ حَيْثُ نمُى تَالله إنْ كَانَ ذَا ذَنْبًا لَقَدْ هَزلَتْ ... واخْلَولَقَ العِلْمُ فِيما بَيْنَنَا وعَمِ وَاعِفتاهُ وَوَاغَوْاثَاهُ واحَزَنَا ... إنْ شَاعَ ذلكَ بَيْنَ العُرْبِ والعَجَمِ وإنْ يَكُنْ شَغَبَ الوَاشُونَ وانْتَصَرُوا ... بالقِيلِ فِيهم وبالتحرِيفِ لِلْكَلِمِ فَهِذِه سُنَّةٌ لَيْسَتَ بِمُحْدَثَةٍ ... كَانَتْ لِمَنْ قَبْلَهُم في سَالِفِ الأُمَمِ تَبًا لهم مِن وُشَاةٍ مَا لَهُم قَدَمٌ ... في العِلْمِ رَاسِخَةٌ واللهِ أوْ قِدَمِ لَكِنهُم شُغِفُوْا بالجَاهِ بَلْ فُتِنُوْا ... بالقِيْلِ والقَالِ فِعْلَ الآفِكِ الأثِمِ تَبًا لَهُم مِن سُعَاةٍ حَاسِدِينَ لَقَدْ ... جَاؤوا بِقِيلٍ لَعَمْرِي شِيْبَ بالأضمِ تَبًا لَهُم مِن سُعَاةٍ إنَّهُم لَهُمُو ... أحَقُّ بالذَّمِ مَخْفُوفُونَ لِلْكَلِمِ يَا قَوْمُ واللهِ تكْفِيْرُ الذينَ عَصَوْا ... حَاشَا وكَلاَّ فَما هَذَا بِمُلْتَزَمِ كَلاَّ ولاَ لاَزِمُ الهِجْرَانِ عِنْدهُمُو ... تَصْلِيكُمُ فارْعَوُوْا عن وَصْمَةِ الوَذَمِ فإنْ يَكُنْ لازمًا فأْتُوا بِحُجِّتِكُمْ ... وأنْصتُوا لِجَوابٍ غَيْر مُنْفَصِمِ وإنَّمَا الهَجْرُ كالتَّعزِير عِندهُمُو ... لِكَي يَفِيؤُوا ذَوُو الإِجْرَامِ بالنَّدَمِ والحَمدُ لله حَمْدًا لا انْحِصَارَ لَهُ ... ذِي المْنِّ والفَضْلِ والإِحسانِ والنِعَمِ ثُمَّ الصَّلاةُ مَعَ التَّسِلْيمِ مَا نَشَأَتْ ... بِيْضٌ يَعَالِيْلُ وانْهلَّتْ بِمُنْسَجِمِ

سؤآل فهل مفت من القوم ينظم

عَلَى النَّبِي الأمِيْنِ المُصْطَفَى شَرَفًا ... أوْفي الأنامِ عَلَى الإِطلاقِ بالذِمَمِ والآلِ والصحبِ ثم التابِعينَ لَهُمْ ... أهْلِ الفَضَائلِ في الإِسلامِ والقدمِ الإقامة بدار الكفر للشيخ سليمان بن سحمان سُؤآلٌ فَهَلْ مُفْتٍ مِن القومِ يَنْظِمُ ... جَوابًا عَلى هذا السؤالِ ويَرْقُم بما شاء من نَثْرٍ ونَظْمٍ مُنضَّدٍ ... يُبَيِّنُ مَا وَجْهُ الدَّلِيلِ ويُفْهِمُ ولِكنْ بقَالَ اللهُ جَلَّ ثَناؤُهُ ... ومَا قَالَه الزاكِي النبيُّ المُكَرَّمُ أهْل جَائزٌ في الدِين أن يَمْكُثَ الفَتَى ... بِدارٍ بها الكفارُ حلُّوا وَخَيَّمُوْا وأحْكَامُهم تُجْرِي علَى مَنْ بِسَفْحِهَا ... وما مِنْهُمُو مَن يُستَهَانُ ويُهْضَمُ وقَدْ أوْجَبَ اللهُ العظيمُ على الفَتَى ... يُهَاجِرُ عن أرْضِ بِها الكُفْرُ مُظْلِمُ سِوى مَنْ لَهُ اسْتَثْنَى الإِلهُ لِضَعْفِهِ ... وحِيْلَته أوْ لَيْسَ بالسُبْلِ يَعْلمُ فبالله مَا حُكْمُ المُقِيْم بِدَارِهِمْ ... ومَا صِفَة الإِظهارِ لِلدِّيْنِ فِيهِمُ أملَّةَ إبْراهيمَ حقًا أبِنْ لَنَا ... بِتَوضِيْحِ مَعْنَاهَا الذِي هُوَ أقُوْمُ فهذا مَحَطُ الرَّحْلِ إنْ كُنْتَ مُقْدِمًا ... ومَدْحَضَةُ الأقدامِ إنْ كُنْتَ تُقْدِمُ أمِ المرءُ يَكْفِيْهِ الصلاةُ وصَوْمُهُ ... وإظْهَارُهُ في الصَحَّبِ أنِّي لمُسِلُم وأبْغِضُ أهْلَ الكُفرِ لَكِنْ أخَافُهُمْ ... فَلَستُ أُرِيهِمْ ما يُسيءُ ويُؤْلِمُ ولَيْسَ بِشَرْطِ أُنْ أصَرِّحَ عِنْدهُم ... بِتكفيرِهِمْ جَهْرًا ولا أَتَكَلَّمُ وكَيْفَ وأموالي لَدَيْهِمْ وعنْدَهُمْ ... مَعَاشِي وأوْطَانِي فَكيْفَ التَّقَدُّمُ إذَا لَمْ أُوافِقْهُم وَرَبِيَ عَالِمٌ ... بِمَا يَنْطَوِي قَلْبِي عَليه ويَكُتمُ مِن الحُبِ للإسلامِ والدِينِ والهُدَى ... وبُغْضِي لأَهلِ الكُفْرِ واللهُ يَعْلمُ فإن كَانَ هذا الحُبُّ والبُغْضُ كَافيًا ... ولَوْ لَمْ يصرحْ بالعَدَاوَةِ فِيْهِمُو

أف لها دنيا فلا تستقر

فَمَا وَجْهُ هَذَا مِن كِتَابٍ وسُنةٍ ... أِجِيْبُوْا عَلى هذا السُؤالِ وأَفْهِمُوا وقال آخر: يَذُمُّ الدُنْيَا أُفٍّ لَهَا دُنْيَا فلا تَسْتَقِرَّ ... وعَيشُها بالطَّبْعِ مُرٌّ كَدِرْ جَمِيلةُ المَنْظِرِ لَكِنَّها ... أقْبَحُ شَيءٍ عِنْدَ مَنْ يَخْتَبِرْ قَدْ وَحِلَ العَالِمُ في سِجْنَها ... فَكُلُ جِنْسٍ تَحْتَ بُؤسِ وضُرّ فَقِيْرُهَا يَطْلُبُ نَيلَ الغِنَى ... وذُو الغِنَى يَجمعُ كَيْ يَدَّخِرْ فَذَاكَ لِلإِمْلاقِ فِي حَسْرةٍ ... وذَاكَ خَوفَ الفقرِ تَحْتَ الْحَذَرْ ... والزاهُد العابدُ في كُلْفةٍ ... مِن شَعَثِ الصَّوم وطُولِ السَّهَرْ وخوفِ مَا يَلْقاهُ مِن رَبِهِ ... في آخِرِ الأمْرِ إذَا مَا حُشِرْ وهَمُّهُ في القُوتِ مِن حِلِّهِ ... صَعْبٌ شَدِيدٌ مُسْتَحِيلٌ عَسِرْ والفاسِقُ المُذْنِبُ في وَصْمَةٍ ... مُسَفَّهُ الرَّأْيِ قَبِيْحُ الأثَرْ لَيْسَ بِمأْمُونٍ وَلاَ آمنِ ... مُذَمَّمٍ في قَوْمِهِ مُحْتَقَرْ مُنْخَفِضُ الرُتْبِة بَيْنَ الوَرَى ... يَفْتَخِرُ النَّاسُ ولا يَفْتَخِرْ والحُوْتُ والطَّيْر ووَحْشُ الفَلاَ ... في كُلَفٍ مِن ورْدها والصَّدَرْ فالوَحْشُ لا يأمَنُ مِن قَانِصٍ ... أَوْ حَابِلٍ أَوْ أسَدٍ مُحْتَضِرْ أوْ جَارِحٍ يُدِرِكُهَا بَغْتةً ... في الجَوِ لا يضرِبُ إلاَّ كَسَرْ والطيرُ في الأقْفاصِ سَجْنًا لَهَا ... تَنوحُ فيه نَوْحَ صَبٍّ أُسِرْ والمَلِكُ الأعْظَمُ في خُطَّةٍ ... مِن شِدَّةِ الأمْرِ وطُوْلِ السَّهَرْ وخوفِهِ مِن مَلِكٍ غَادِرٍ ... إذَا رَأىَ الفُرْصَةَ فيه غَدَرْ إمَّا بسُمٍّ أوْ سِلاحٍ، فلا ... يأمَنُ حَالَيْ سَفَرٍ أوْ حَضَر يَستشعِر الخِيْفةَ مِن مَلْبسٍ ... أوْ مَطْعَمٍ أوْ مَشْرَبٍ أوْ خَضِرْ فالنَّاسُ في أمْنِ بِهِ، وهْوَ فِي ... تَوَهُّمِ الخوفِ فَلاَ يَنْحَصِرْ

يا نفس ما عيشك بالدائب

والحوتُ في اللُّجِّ عَلَى بُعْدِه ... مِن مَلْمَسِ الكَفِّ ولَمْحِ البَصَرْ يُدْلِي لَهُ الصَّيَادُ خِيطَانَهُ ... والطَّعْمُ فيْهَا فَوقَ عُقْفِ الإِبَر حَتَّى إذَا أوْقَعَهُ جَرَّه ... جَرَّ عَنِيْفٍ جَار لَمَّا قَدَر والبَعْضُ مِنْهَا آكِلٌ بَعْضَهُ ... فَمَا جَفا يأكُلُ مَا قَدْ صَغُر مَصَائِبٌ جَلَّتّ وَلكِنَّنِي ... أوْرَدْتُ مِنْهَا نُبذةَ المُخْتَصِر تَقْدِيرُ مِن لا حُكْمَ إلاَّ لَهُ ... في كُلِّ مَا يأتِي وفيما يَذَرْ حَذَّرتُكَ الدنيا فلا تَحْتَقِرْ ... نَصِيْحَتي عِنْدَكَ نِصْفُ الخَبرَ وقال: ما أبْعَدَ الأشياءَ مما يَسُرّ ... فِعلا وأدْناها إلى ما يَضُرّ فالخير في النادر إلمامُهُ ... والشرُّ ليلا ونهارًا يَكُر والداءُ فيما لَذَّ أوْ ما حَلاَ ... والنفعُ في كل كريهٍ ومُر أوَّلَ مَا تَشْربُ يأتِي القَذى ... فَاكَ وتَبغِي صَرْفهُ لا يَمُر ... حَتَّى إذَا حَاوَلْتَ إخْراجَه ... بِصَبِّ بَعْضِ الماءِ وَلَّى وفَرّ كأنه يَقْصِدُ ذَاكَ الذِي ... يَفْعَلُ مُخْتَارًا لِكَيْدٍ وشَرّ وقال آخر: يا نَفسُ مَا عيشُك بالدائبِ ... فَقصِّرِي من أملٍ خَائبِ وَيْكِ أمَا يكفيك أن تُبصِري ... جَنَائزا تَنُقل بالراتب بالطفلِ والبالغِ والمُتبدِي ... شبابَه والكَهْلِ والشائب من والدٍ أو ولد أو أخٍ ... أو من غريبٍ عنكِ أو صاحِب فهل تَبَقَّى لك من حُجّةٍ ... إلا غرور الأمل الكاذب أمَا عجيبٌ أنّ ذا كلَّه ... موفر في شره الكاسب

ومن عاش في الدنيا طويلا تكررت

لو لم يكن شيء سوى الموتِ كا ... ن الزهدُ في الدنيا من الواجب أو لم يكن موتُ لكانتْ همـ ... ـومُ الدهرِ تَنْفِي رغبةَ الراغب فكيفَ والإِنسانُ من بعدِه ... مُناقَشْ من عالمٍ حاسِب قد أنْذَرَ الوعظُ وأسْماعُنَا ... عن كلِّ ما يذكُر في جانب آخر: ومن عاش في الدنيا طويلا تَكررتْ ... عَليه مَسَراتٌ لَهَا وفَجائِعُ لَعَمْرُكَ مَا سَاوَىَ البَقَاءُ أقلَّ مَا ... يُكَابِدُهُ فيها الفَتَى ويُصارِعُ حَلا فهْوَ مِثْلُ الشهدِ في فَمِ ذائقٍ ... يَلَذُّ، وفي أثْنَائِهِ السُمُّ نَاقِعُ يُسَرُّ امْرؤ بالكَسْبِ وهْوَ مُحقِّقٌ ... بأنَّ الذي يَحْوِي مَعَ الموتِ ضائِعُ ويَحتالُ في دَفْعِ المَخوفِ وعُمْرُهُ ... تُمزِّقهُ سَاعاتُهُ وهْوَ وادِعُ ويأمنُ حَمَلاتِ المنايا وعِنْدَهُ ... لآبائهِ مِن بَطْشِهنَّ مَصَارِعُ تَغُولُ الملُوكَ الصِّيدَ قَسْرًا، ودُونَها ... عِتاقُ المَذاكِي والرِّمَاحُ الشَّوَارِعُ حَياةُ الوَرَى سِجنٌ فِسيّانَ مُطْلَقٌ ... لَديها ومَن ضَاقَتْ عَليه الجَوامِعُ وللنفسِ في تِلك القَناعةِ راحةٌ ... وعِزٌ ولَكِنْ لَيْسَ في النَّاسِ قانِعُ ومَن كَانَتِ الآمالُ أقواتَ نَفْسِه ... تَطاولَ منها أكْلُهُ وهْو جَائِعُ لَقَدْ نَطَقَتْ فينا الليالِي فأفْصحَتْ ... بِوَعْظٍ لَوْ انَّ الوَعْظَ لِلْمَرءِ نافِعُ ولَكِنْ إذَا مَا صُمَّ قَلْبٌ فقلَّما ... تُفيدُ - وإنْ طالَ الكَلامُ - المَسامِعُ ومن نَكَدِ الأيامِ فرقة مَوْطِنٍ ... نأى فنأى عنه الصديقُ المُطَاوِعُ ولا سَيَّما أرْضٌ كأرْضِي، وأسْرة ... كَقَومِي وَعْيشٌ مِثْلُ عَيشىَ يانِعُ ثلاثٌ إذَا عَدَّدْتُها لَمْ يكن لَهَا ... على صحةِ التقسيم في الفَصْلِ رَابعُ سُرُوْرٌ ولذاتٌ صَفَتْ مِن كَبَائرٍ ... نَهتْها النُّهَى عن قُرْبِنا والشَّرائِعُ خَلتْ هذه الآثارُ مِني ومَا خَلَتْ ... لَهَا مِن جَنَانِي في السُّوَيْدَا مَوَاضِعُ

من النونية لابن القيم رحمه الله

فيا أهلَ وُدِّى، هل لمن بانَ عنكمُ ... إلى عَوْدةٍ في مِثْلِ مَا كَانَ شَافِعُ فَلِي بعدَكم شوقٌ أثار تأسُّفا ... يًصغِّر عندي كلَّ مَا أنَا صَانِعُ فما بكثيرٍ قَرْعُ سِنِّى لأَجْلِهِ ... ولا بِعظِيمٍ أنْ تُعَضَّ الأصابعُ عليكم سلامٌ تَقْتَفِيه سَلاَمَةٌ ... لَهُ تَبَعٌ أمْيَالُهَا وطَلائِعُ سلامٌ كأنفاسِ الرِّياضِ تَفَتَّحَتْ ... مِن النَّوْرِ في أبْرَادِهِنَّ وَشَائِعُ وقال ابن القيم رحمه الله في جوَاب المُثِيْبِ لِصِفاتِ الله إذَا سَأَلَه اللهُ تعالى يَوْمَ القِيَامَة: والآخرون أتوْا بما قد قاله ... من غير تحريف ولا كتمان قالوا تلقينا عقيدتنا عن الـ ... ـوحيين بالأخبار والقرآن فالحكم ما حكما به لا رأى أهـ ... ـل الاختلاف وظن ذي الحسبان آراؤهم أحداث هذا الدين نا ... قضة لأصل طهارة الإيمان آراؤهم ريح المقاعد أين تلـ ... ـك الريح من روْح ومن ريحان قالوا وأنت رقيبنا وشهيدنا ... من فوق عرشك يا عظيم الشان إنا أبيْنا أن ندين ببدعة ... وضلالة أَوْ إفْكِ ذي بهتان لكن بما قد قلته أو قاله ... من قد أتانا عنك بالفرقان وكذاك فارقناهمُ حين احتيا ... ج الناس للأنصار والأعوان كيلا نصير مصيرهم في يومنا ... هذا ونطمع منك بالغفران فمن الذي منا أحق بأمنة ... فاختر لنفسك يا أخا العرفان لا بد أن نلقاه نحن وأنتمُ ... في موقف العرض العظيم الشان وهناك يسألنا جميعًا ربنا ... ولديه قطعًا نحن مختصمان فنقول قلت كذا وقال نبينا ... أيضًا كذا فإمامنا الوحيان فافعل بنا ما أنت أهل بعد ذا ... نحن العبيد وأنت ذو الإحسان أفتقدرون على جواب مثل ذا ... أم تعدلون على جواب ثان

ما فيه قال الله قال رسوله ... بل فيه قلنا مثل قول فلان وهو الذي أدَّت إليه عقولنا ... لما وزنَّا الوحي بالميزان أن كان ذلكم الجواب مخلَّصا ... فامضوا عليه يا ذوي العرفان تالله ما بعد البيان لمنصف ... إلا العناد ومركب الخذلان * * * (فصل في تحميل أهل الإثبات للمعطلين شهادة تؤدى عند رب العالمين) وقال رحمه الله: يا أيها الباغي على أتباعه ... بالظلم والبهتان والعدوان قد حملوك شهادة فاشهد بها ... إن كنت مقبولا لدى الرحمن واشهد عليهم أن سئلت بأنهم ... قالوا إله العرش والأكوان فوق السموات العلى حقًا على العر ... ش استوى سبحان ذي السلطان والأمر ينزل منه ثم يسير في الـ ... أقطار سبحان العظيم الشان وإليه يصعد ما يشاء بأمره ... من طيبات القول والشكران وإليه قد صعد الرسول وقبله ... عيسى بن مريم كاسر الصلبان وكذلك الأملاك تصعد دائما ... من ههنا حقًا إلى الديان وكذاك روح العبد بعد مماتها ... ترقى إليه وهو ذو إيمان واشهد عليهم أنه سبحانه ... متكلم بالوحي والقرآن سمع الأمين كلامه منه وأدَّ ... اه إلى المبعوث بالفرقان هو قول رب العالمين حقيقة ... لفظًا ومعنى ليس يفترقان واشهد عليهم أنه سبحانه ... قد كلم المولود من عمران سمع ابن عمران الرسول كلامه ... منه إليه مسمع الآذان

واشهد عليهم أنهم قالوا بأ ... ن الله ناداه وناجاه بلا كتمان واشْهَدْ عليهم أنهم قالوا بأ ... ن الله نادى قبله الأبوان واشهد عليهم أنهم قالوا بأ ... ن الله يسمع صوته الثقلان والله قال بنفسه لرسوله ... إني أنا الله العظيم الشان والله قال بنفسه لرسوله ... اذهب إلى فرعون ذي الطغيان والله قال بنفسه حم معْ ... طه ومع يس قول بيان واشهد عليهم أنهم وصفوا الإلـ ... ـه بكل ما قد جاء في القرآن وبكل ما قال الرسول حقيقة ... من غير تحريف ولا عدوان واشهد عليهم أن قول نبيهم ... وكلام رب العرش ذا التبيان ... نص يفيد لَدَيْهِمُو علم اليقيـ ... ـن إفادة المعلوم بالبرهان واشهد عليهم أنهم قد قابلوا التـ ... ـعطيل والتمثيل بالنكران إن المعطل والممثل ما هما ... متيقنيْن عبادة الرحمن ذا عابد المعدوم لا سبحانه ... أبدًا وهذا عابد الأوثان واشهد عليهم أنهم قد أثبتوا ... الأسماء والأوصاف للديان وكذلك الأحكام أحكام الصـ ... ـفات وهذه الأركان للإيمان قالوا عليم وهْو ذو علم ... ويعلم غاية الأسرار والإعلان وكذا بصير وهْو ذو بصر ويبـ ... ـصركلَّ مرئِي وذِي الأكوان وكذا سميع وهْو ذو سمع ويسـ ... ـمع كل مسموع مِن الأكوان متكلمٌ وله كلامٌ وصْفُهُ ... ويكلم المخصوصَ بالرضوان وهو القويُ بقوةٍ هيَ وصْفُهُ ... وعليكَ يقدر يا أخا السلطان وهو المريد له الإرادة هكذا ... أبدًا يريد صَنَائِعَ الإِحسان والوصُف مَعْنىً قائم بالذات والـ ... أسماء أعلامٌ له بِوزانِ أسماؤه دلت على أوصافه ... مشتقة منها اشتقَاقَ معان

وصفاته دَلَّتْ على أسمائِهِ ... والفِعل مَرْتَبطٌ به الأمران والحكم نسبتها إلى متعلقَا ... تٍ تَقْتَضِي آثارها ببيان ولربما يعني به الأخبار عن ... آثارها يعني به أمران والفعل إعطاء الإرادة حكمها ... مع قدرة الفعال والإمكان فإذا انتفت أوصافه سبحانه ... فجميع هذا بيِّن البطلان واشهد عليهم أنهم قالوا ... بهذا كله جهرًا بلا كتمان واشهد عليهم أنهم بُرءَاءُ من ... تأويل كل محرف شيطان واشهد عليهم أنهم يتأوَلو ... ن حقيقة التأويل في القرآن واشهد عليهم أن تأويلاتهم ... صرف عن المرجوح للرجحان واشهد عليهم أنهم حملوا النصو ... ص على الحقيقة لا المجاز الثاني إلا إذا ما اضطرهم لمجازها المضـ ... ـطر من حسن ومن برهان فهناك عصمتها إباحته بغيـ ... ـر تجانف للإثم والعدوان واشهد عليهم أنهم لا يكفرو ... نكم بما قلتم من الكفران ... إذ أنتمُ أهل الجهالة عندهم ... لستم أُولِي كفر ولا إيمان لا تعرفون حقيقة الكفران بل ... لا تعرفون حقيقة الإيمان إلا إذَا عاندتمُ ورددتمُ ... قول الرسول لأجل قول فلان فهناك أنتم أكفر الثَّقَلَيْنِ من ... إنس وجن ساكني النيران واشهد عليهم أنهم قد أثبتوا الـ ... أقدار واردة من الرحمن واشهد عليهم أن حجة ربهم ... قامت عليهم وهْو ذو غفران واشهد عليهم أنهم هم فاعلو ... ن حقيقة الطاعات والعصيان والجبر عندهم محال هكذا ... نفي القضاء فبئست الرايان واشهد عليهم أن إيمان الورى ... قول وفعل ثم عقد جَنان

والله ما إيمان عاصينا كإيـ ... ـمان الأمين منزل القرآن كلا ولا إيمان مؤمننا كإيـ ... ـمان الرسول معلم الإيمان واشهد عليهم أنهم لم يخلدوا ... أهل الكبائر في حَمِيمٍ آن بل يخرجون بإذنه بشفاعة ... وبدونها لمساكن بجنان واشهد عليهم أن ربهمُ يُرى ... يوم المعاد كما يُرى القمران واشهد عليهم أن أصحاب الرسو ... ل خيار خلق الله من إنسان حاشا النبيين الكرام فإنهم ... خير البرية خيرة الرحمن وخيارهم خلفاؤه من بعده ... وخيارهم حقًا هما العمران والسابقون الأولون أحق ... بالتقديم ممن بعدهم ببيان كل بحسب السبق أفضل رتبة ... من لاحق والفضل للمنان * * * (فصل في عهود المثبتين مع رب العالمين) يا ناصر الإِسلام والسنن التي ... جاءت عن المبعوث بالفرقان يا من هو الحق المبين وقوله ... ولقاؤه ورسوله ببيان اشرح لدينك صدر كل موحد ... شرحًا ينال به ذرى الإيمان واجعله مؤتمًا بوحيك لا بما ... قد قاله ذو الافك والبهتان وانصر به حزب الهدى واكبت بِهِ ... حزب الضلال وشيعة الشيطان وانعش به من قصده إحْيَاءَهُ ... واعصمه من كيد امرئ فتان واضرب بحقك عنق أهل الزيغ والتـ ... ـبديل والتكذيب والطغيان فوحق نعمتك التي أوليتني ... وجعلت قلبي واعي القرآن وكَتَبْتَ في قلبي متابعة الهدى ... فقرأت فيه أسطر الإِيمان ونشلتني من حب أصحاب الهوى ... بحبائل من محكم الفرقان

وجعلت شربي المنهل العذب الذي ... هو رأس ماء الوارد الظمآن وعصمتني من شرب سفل الماء تحـ ... ـت نجاسة الآراء والأذهان وحفظتني مما ابتليت به الألى ... حكموا عليك بشرعة البهتان نبذوا كتابك من وراء ظهورهم ... وتمسكوا بزخارف الهذيان وأريتني البدع المضلة كيف ... يلقيها مزخرفة إلى الإنسان شيطانه فيظل ينقشها له ... نقش المشبه صورة بدهان فيظنها المغرور حقًا وهي في التـ ... ـحقيق مثل الآل في القيعان لأجاهدن عداك ما أبقيتني ... ولأجعلن قتالهم ديداني ولأفضحنهم على روس المَلاَ ... ولأفرينَّ أديمهم بلساني ولأكشفن سرائرا خفيت على ... ضعفاء خلقك منهم بيان ولأتبعنهمُ إلى حيث انتهو ... حتى يقال أبعد عَبَّادَانِ ولأرجمنهم بأعلام الهدى ... رجم المريد بِثَاقِبِ الشهبانِ ولأقعدن لهم مراصد كيدهم ... ولأحصرنهُمُ بكل مَكَانِ ولأجعلن لحومهم ودماءهم ... في يوم نصرك أعظم القربان ولأحملن عليهمُ بعساكر ... ليست تفر إذا التقى الزحفان ... بعساكر الوحيين والفطرات والـ ... ـمعقول والمنقول بالإحسان حتى يبين لمن له عقل من الـ ... أوْلى بحكم العقل والبرهان ولأنصحن الله ثم رسوله ... وكتابه وشرائع الإيمانِ إن شَاءَ ربي ذا يكون بحوله ... إنْ لَم يشأ فالأمرُ لِلرَّحمنِ تمَّ هذَا الجُزْءُ الأول بِعَوْنِ الله وَتَوْفِيْقِهِ، وَنسْألُ اللهُ الحَيَّ القَيَّوْمَ العَلِيَّ العَظِيْمَ ذا الجَلاَلِ والإِكْرَامِ، الوَاحِدَ الأَحَدَ الفَرْدَ الصَّمَد الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كفوًا أَحَد - أنْ يُعِزَّ الإسْلاَمَ والمُسْلِمِيْنَ، وأنْ يَخْذُلَ الكَفَرَةَ والمُشْرِكِيْنَ

وأَعْوَانَهُمْ وأنْ يُصْلِحَ من في صلاحه صَلاحٌ للإِسْلامِ والمُسْلِمِيْنَ، وَيُهْلِكَ منْ في هلاَكِهِ عز وصلاح للإِسْلامِ والمُسْلِمِيْنَ، وَأَنْ يَلُمَّ شَعَث المُسْلِمِيْنَ وَيَجْمَعَ شَمْلَهُمْ وَيُوَحِّدَ كَلِمَتَهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَ بِلادَهُمْ، ويُصْلِحَ أولادَهُمْ، وَيَشْفِي مَرْضَاهُمْ، وَيُعَافِي مُبْتَلاَهُمْ، وَيَرْحَمَ مَوْتَاهُمْ، وَيَأخُذَ بِأَيْدِيْنَا إلى كُلِّ خَير، وَيَعْصِمَنَا وأيَّاهم مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَيَحْفَظنا وإيَّاهم مِن كُلِّ ضُرٍ، وأن يَغْفِرَ لنا ولوالدينا وجميع المسلمين بِرَحْمَتِهِ إنَّه أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وصلى الله على محمد وعلى آله وَصَحْبِهِ أجمعين. والله المسؤول أن يجعل عملنا هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به نفعًا عامًا إنه سميع قريب مجيب على كل شيء قدير. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ للهَ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ، ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَسْتَهْدِيه، ونَتُوبُ إليه، ونَعُوذُ بِهِ مِن شُرورِِ أَنْفُسِنَا وسَيِئاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه، ومَن يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ لا إلهَ إلاَّ الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ. وأشْهدُ أنَّ مُحَمدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه الدَّاعِي إلى التوحيد، الساعيَ بالنًّصْحِ لِلْقرِيبِ والبَعِيد، المُحَذِّرَ لِلْعُصَاةِ مِن نارٍ تَلَظَّى بِدَوَامِ الوَقِيد، المُبَشِّرَ لِلْمؤْمِنِينَ بِدَارٍ لا يَنْفَذُ نَعِيمُهَا ولا يَبِيد، صَلَّى الله عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ، صَلاَةً لا تَزَالُ عَلَى كَرِّ الجَدِيدَيْنِ في تَجْدِيدٍ، وسَلِّم تَسْلِيمًا كَثِيرًا. وَبَعْد .. فَبِمَا أَنِّي رَأيتُ إقْبَالَ كَثِيرٍ من النَّاسِ عَلَى القَصَائِدِ الَّتِي فِي كُتُبِنَا فَعَزَمْتُ عَلَى جَمعِ مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا مِمَّا يَحْتوِي عَلَى حِكَمٍ وَأَحْكَامٍ ومَوَاعِظَ وَفَوَائِدَ وَآدَابٍ وَأَخْلاقٍ فَاضِلاتٍ، وَقَصَصٍ فيها عِبَر، وَتَزْهِيدٍ فيما يَفْنَى وتَرغيبٍ فِيمَا يَبْقَى وَتَرْهِيبٍ مِمَّا يَضُرُّ عَاجِلاً وَآجلاً. وعَزَمْتُ عَلَى طَبْعِهَا وَقَفًا للهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَعَادَتِنَا في كُتْبِنَا، رَاجِيًا مِنَ اللهِ تَعَالَى أنْ تَكونَ سَبَبًا مُبَاركًا لِحَثِ النَّاسِ عَلَى التَّمَسُكِ بِكِتَابِ اللهِ والعَمَلِ بِهِ وَالإكْثَارِ مِنْ تِلاوَتِهِ وتَدَبُّرِهِ وَدَعْوَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَالتَّمَسُّكِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالعَمَلِ بِهَا وَدَعْوَةِ النَّاسِ إلَيْهَا. وتَصْحِيحِ العَقِيدَةِ الَّتِي هِيَ أَسَاسُ كُلِّ عَمَلٍ وَالتَّذْكِيرِ بِاليَّومِ الآخِر. والتَحذيرِ من الإنهماكِ في الدنيا والإخلادِ إليها وزينتِهَا والإنغماسِ في شهواتِها وملاذِها والتزودِ في العملِ الصالحِ وصيانةِ الوقتِ .. وسَمَّيتُهَا «مَجْمُوعَةَ القَصائِدِ الزُّهْدِيَّة».

ومَن أرادَ طباعتَهُ وقفًا لوجهِ اللهِ تَعَالَى لا يُرِيدُ بِهِ عَرَضًا مِن الدنيا فقَد أُذِنَ له وجزَاه اللهُ عني وعَن المسلمينَ خَيرًا. وصلَّى اللهُ عَلَى مُحمدٍ وآلهِ وصحبهِ وسلَّم. عبد العزيز بن محمد السلمان

قالَ الشيخُ إسحاقُ بنُ عبدُ الرحمنِ آل الشيخِ رحمهُ الله الحَمْدُ للهِ اللّطِيفِ الهادِي ... إِلَى سُلُوكِ مَنْهَجِ الرّشادِ مِنَ خَصَّهُ بِفَضْلِهِ فَقَامَا ... بحَقِّهِ وشَكَرَ الإِنْعَامَا أحْمَدُهُ سُبْحانَهُ وتَعَالَى ... حَمِدًا كَثِيرًا طَيِّبًا تَوَالَى كَمَا يُحِبُّ وكَمَا يُرْضِيهِ ... لَهُ الثّنَا والمَجْدُ لا أُحْصِيهِ عَرَفْنَا مِن فَضْلِهِ الإِسْلاَمَا ... لَوْلاَهُ كُنَّا نُشْبِهُ الأَنْعَامَا شَهِدْتُ بالصَّدْقِ اليَقِينِ أَنْ لاَ ... إِلهَ إلاَّ اللهُ رَبًّا وَجَلا وإنَّهُ قَدْ أَنْزَلَ الفَرْقَانَا ... عَلَى النَّبيِّ العَرَبِيِّ تِبْيَانَا فأَرْشَدَ الخَلْقَ لِهَذا الدِينِ ... بِسَيفِهِ وشَرْعِهِ المُبِينِ صَلَّى عَلَيهِ اللهُ ثُمَّ سَلَّمَا ... مَعْ آلهِ والصحْبِ مَا غَيثٌ همَا وبَعْدُ فالعِلْمُ بأَصْلِ الدِّينِ ... حَتْمٌ عَلَينَا لازِمُ التَّبْيِينِ لأنَّهُ سَفِينَةُ الوُصُولِ ... إلَى بُلُوغِ غَايَةِ المَأْمُولِ وهَذِهِ أُرْجُوزَةٌ نَظَمْتُهَا ... في مُدِّةٍ مِن غُرْبَتِي أَقَمْتُهَا فِي بَلْدَةٍ مَعْدُومَةِ الأَنِيسِ ... جَعَلْتُ فِيهَا كُتُبِي جَلِيسِي بَيَّنْتُ أَنْواعًا مِن العِبَادَهْ ... إخْلاَصُهَا حَقِيقَةُ الشَّهَادَهْ ورَدُّ إفْكِ مَن إلينَا نَسَبَا ... عَظَائِمًا فِيهَا عَلَينَا كَذِبَا مُسْتَغْفِرًا ذَنْبِي وأَرْجُو رَبِّي ... قَبُولَهَا والصّفْحَ فَهْوَ حَسْبِي فَهُوَ الَّذِي يُرْجَى تَعَالَى لا سِوَى ... بِهِ ألُوذُ مِن مُضِلاَّتِ الهَوَى وأَرْتَجِي لِي مِنْهُ حُسْنَ الخَاتِمَهْ ... وعِصْمَتِي عَنْ شَرِّ نَفْسِي الأثِمَهْ والمُسْلِمينَ والقَرِيبِ والوَلَدْ ... فَهُوَ الذِي يُعْطِي المُرِيدَ مَا قَصَدْ

بيانُ توحِيدِ العَبُودَية ... الذي دَعَتْ إليه الرُسُل إذَا أَرَدْتَ أَصْلَ كُلِّ أَصْلِ ... والحِكْمَةَ الكُبْرَىِ لِبَعْثِ الرُسْلِ فإنَّهُ عبَادَةُ الإِلهِ ... وتَرْكُ مَا يُدْعَى مِن الأَشْبَاهِ ... مِن دُونِ مَوْلانَا المَلِيكِ البَاقِي ... مُوْلِي الجَمِيلِ الخَالِقِ الرَّازَاقِ قَدْ شَهِدَ اللهُ العظيمُ المَاجِدُ ... بِأنَّهُ الإِلهُ نِعْمَ الشَّاهِدُ وخَلْقُهُ أَمْلاَكُهُمْ والعُلَمَا ... أَشْهَدَهُمْ فَشَهِدُوا إذْ أَلْهَمَا فَخَابَ عَبْدٌ جَعَلَ المَخْلُوقَا ... نِدًا لَهُ وأَبْطَلَ الحُقُوقَا اللهُ رَبَّانَا وأَسْدَى النِّعْمَهْ ... لِنُخْلِصَ التِّوْحِيدَ هَذِي الحِكْمَهْ فَمَا لَبِثْنَا أَنْ دَعَا المُضْطَرُّ ... مَنْ لَيسَ ذَا نَفْعِ ولا يَضُرُّ دَسِيسَةٌ فيهِمْ مِن اللّعِينِ ... يُوحِي بِهَا فِي الناسِ كُلَّ حِينِ فصل ... في بيان ضَلال من يُنادي الأموَات والغَائبين وَدَعْوةُ الأَمْوَاتِ تُبْطِلُ العَمَلْ ... وتَسْلَخُ الإِيمانَ خَابَ مَنْ فَعَلْ شَبَّهْتُ مَن يَدْعُو دَفِينًا فِي الثَّرَى ... بِطَالِبِ العُرْيَانِ سِتْرًا مَنْ عَرَا وصَرْفُ حَقِّ اللهِ لِلْمِخُلوقِ ... ظُلْمٌ عَظِيمٌ جَاءَ في المَنْطُوقِ لَو قَدَّرَ الإِلهَ حَقَّ القَدْرِ ... مَا قَالَ يا مَعْرُوفُ أَوْ يَا الْبَدْوِي وإنْ نَصَحَتَ قَائِلاً لا تُشْرِكْ ... بِخَالِقِكْ وبَاعِثِكْ لِحَشْرِكْ لَقَالَ أَنْتَ المُلْحِدُ الوَهَّابِي ... أَنْتَ الجَهُولُ مُنْكِرُ الأَسْبَابِ جَحَدْتَ قَدْرَ سَيِّدِي الجِيلانِيُ ... والعَيدَرُوسِ المُسْتَغَاثُ الثَّانِي والبَدَوي وَسَيِّدِي الرِفَاعِي ... مَحَطُّ رَحْلِ المُسْتَجِيرِ الدَّاعِي

وهُمُ أُنَاسٌ كُوشِفُوا فأشْرَفُوا ... عَلَى الغُيُوبِ فَلهُمْ تصَرّفُ أَقُولُ دَعْوًى كُلَّهُا - ضَلاَلُ ... وقَوْلَةً مَصُنُوَعَةً - مُحَالُ سَفَاسِطٌ يَصْبُو إليهَا الفَاسِقُ ... يَمُجُّهَا السُّنِيُّ ذَاكَ الحَاذِقُ هَلْ كَانَ أَمْرُ الكَوْنِ بِالتَّناوُبِ ... أَمْ دَفْعَةٌ أَمْ حَصَصًا في الغَالِبِ فصل ... في حَقِّ الأَوْلِياءِ الشّرعِي وَالأَوْلِيَاءُ حَقُّهُمْ مَحَبَّتِي ... لاَ جَعْلُهُمْ جَهْلاً بِهَذِي الرُّتْبَةِ وَاللهِ مَا قَالَ الوَليُّ ادْعُونِي ... وَإنْ دَهَاكُمْ مَا دَهَى نَادُونِي في غُنْيَةِ الجَيلِيِّ رَدُّ الشِّرْكِ ... فارْجِعْ إِليهَا لاَ تَكُنْ فِي شَكِّ ... حَتَّى العَجِينِ مِلْحَهُ سُؤالُهُ ... نَصُّوهُ قَالُوا تَرْكُهُ أَولَى لَهُ قَدْ خَرَجُوا مِن عُهْدَةِ البَيَانِ ... لَكِنَّكُمْ مِن جُمْلَةِ العُمْيَانِ حَاشَاهُمُوا أنْ يَسْمَعُوا القُرْآنا ... وَيَرْتَضُوا أَنْ تَسْلُكُوا طُغْيَانَا لاَ يَعْلَمُ الْمَاضِي ومَا يَصِيرُ ... إلاَّ العَلِيمُ القَادِرُ البَصِيرُ وإنْ تَقُلْ هُمْ سَبَبٌ في النَّفْعِ ... فَبِالبَلاغِ لاَ كَزَعْمِ البِدْعِي ما السَّببُ العَادِيُّ مِن ذَا البَابِ ... فارْجِعْ تَرَى دَلاَئِلَ الصَّوابِ كَمْ سَبَبٌ يَفْعَلُهُ الإِنسانُ ... هُو هُلْكُهُ يَسْخَطُهُ الدَّيَانُ مُسَلَّمُ الثُبُوتِ هَذا عِنْدَهُمْ ... لَكنِّهُمْ لاَ يَعْرفُونَ رُشْدَهُمْ يَاءُ النِدَا الطَّلِبَيِّ إلَى العَلِي ... قَدْ وُجِّهَتْ مَا وُجِّهْتُ إلى الوَلِي إنْ قُلْتَ رَبِّي خَالِقُ الأَفْعَالِ ... قُلْنَا نَعمَ يَنْهَى عَنِ الأَمْثَالِ قَدْ خَلَقَ الأَفْعَالَ مِنَّا وقَضَى ... مَا خَلْقُهَا مُسْتَلْزِمٌ مِنْهُ الرضَا أَرَادَهَا إرَادةً كَونِيَّهْ ... لَكِنَّهُ يَرْضَى لَنَا الشَّرْعِيَّهْ

حَاشَا وكَلا أَنْ يُحِبَّ المَعْصِيَهْ ... بَلْ شَاءهَا لِحِكْمَةٍ مَقْتَضْيِهْ إنْ جَادَلُوا بِمَا رَمَيتَ ظَنُّوا ... نُهُوضَها لِغَارَةٍ أَشَنُّوا قُلْ خَلَقَ الحَكِيمُ فِعْلَ العَاصِي ... فلا تَلُمْ مُرْتَكِبَ المَعَاصِي نَسْألكُم هلِ النِّكَاحُ عَادِي ... والأكْلُ والشُربُ إذَنْ لِلصَّادِي لأَنَّ هَذا فِي عُمُومِ القَاعِدَهْ ... مِن جَهْلِكُمْ لَمْ تَفْهَمُوا مَفَاسِدَهْ فالاعْتِزَالُ وطَرِيقُ المُجْبِرَهْ ... مَا عَنْهُمَا بٌدُّ لَكُمْ مَا المَعْذِرَهْ فَوَاصِلُ المُعْتَزِلِيُّ قَدْ قَالاَ ... مَا الشَّرُ خَلْقُ رَبِنَا تَعَالَى بِضِدِّهِ الجَبْرِيُ قَالَ العَاصِي ... مُمْتَثِلٌ مُحَقِّقُ الإِخْلاصِ لَكِنَّمَا السُّنِيُّ طَوعُ الشَّرْعِ ... وَلَمْ يَزَلْ يَسْعَى بِبَذْلِ الوُسْعِ قَدْ عَبِدَ المَولَى بِفِعْلِ الأَمْرِ ... مُخَالِفًا لِلْقَدَرِيِّ والجَبْرِي يَقُولُ: لِي كَسْبٌ ولَكِنْ خَالِقِي ... خَلاَّقُهُ رِبْحِي وإثْمي لاَحقِي مُفَادُ كُتْبِ اللهِ هَذَا والرُسُلْ ... مَا نَفْعُهُمْ إنْ كَانَ تَحْصِيلُ حَصَلْ * * * فَصْل ... فِي إيضَاحِ ما مَرَّ مِن إطْلاَقِ الأَسْبَابِ في نَقْصِ أَصْلِهِم وَعِنْدَنَا الأسَبابُ مِنْهَا مَا حُمِدْ ... فَفِعْلُهُ كَيسٌ إذَا لَمْ تَعْتَمِدْ وبَعْضُهَا عَنهُ النَّبِيِّ يَنْهَى ... فابْحَثْ عَنِ المَطْلُوبِ تَدْرِي الكُنْهَا والاحْتِجَاجُ مُطْلَقًّا بالقَدَرِ ... مَعْ تَرْكِكَ الأَسْبَابِ رَأْسُ المُنْكَرِ فَفِي الحَدِيثِ أحَرَصْ عَلَى مَا يَنْفُعُكُ ... وَاحْذَرْ تَقُلْ لَولاَ فَعَنْهَا يَمْنَعُكْ قَالَ الرَّسُولُ لِلصَّحَابَةِ اعْمَلُوا ... فَكُلُّكُمْ يَلْقَى وَلا تَتَّكِلُوا فَارْجِعْ إلَى رَدِّ التَّقِي الْهَادِي ... مَقَالَهُمْ تَجِدْهُ يُرْوِي الصَّادِي سَرَّحْتُ طَرْفِي بُرْهَةً فِي غَرَرِهْ ... لَكِنَّ نَظْمِي قَاصِرٌ عَنْ أَكْثَرِهْ

فصل والدِين هُوَ الإِسلامُ عِنْدَ اللهِ ... مَنْ يَتَّبِعْ سِوَاهُ فَهْوَ اللاَّهِي فأسْلِمِ الوَجْهَ لِمَنْ أحَياكَا ... وَانقَدْ لَهُ تَلْقَ غَدًا مُنَاكَا لا تَحْسَبِ الإِيمانَ فِعْلَ القَلْبِ ... مِن دُونِ أَعْمَالٍ نَشَتْ عَنْ حُبِّ فَيُطْلَقُ الإِسلامُ في مَوَاضِعْ ... وَيُقْصَدُ العَمُوُمُ عِنْدَ السَّامِعْ وَيُقْرَنَانِ مِثْلَ قَولِ (آمَنُوا ... وعَمِلُوا) والحُكْمُ فِيهِ بَايِنُ هُمَا سَوَاءٌ عنْدَ أهْلِ الحِفْظِ ... والخُلْفُ مِن بَابِ النَزِاعِ اللَّفْظِي وعِنْدَهُم إسْلاَمُكَ الحَقِيقِي ... مُرَادِفُ الإِيمَانِ بالتَّحِقِيقِ إذْ جَزْؤُهُ الأَعمَالُ عِنْدَ السَّلَفِ ... خِلافُ قَولِ المُرْجِئِ المُنْحَرِفِ وكَونُهُ جُزْءًا لَهُ إِذَا انْتَفَى ... يَنْتَفِي الإِيمانُ هَذَا في خَفَى والسَّلَفُ المُاضُونَ عَنْهُ سَكَتُوا ... وإنَّمَا الأَخْلاَفُ عَنْهُ نَكَثُوا وعِلْمُ مِثْلِي قَاصِرٌ عن جَزْمِي ... أَرْجُو إلهِي أَنْ يُقَوِّي فَهْمِي فكَانَ إسْلاَمٌ مِن التَّسْلِيمِ ... بالظاهرِ اسْتَدْعَى إلى التَّقْسِيمِ يَشْتَرِكُ النِّفَاقُ والإِيمَانُ ... فِي أصْلِهِ فَلَزِمَ البَيَانُ أمَّا نِفَاقُ العَمَلِ المُخَفّفِ ... فإِنَّ إيمَانًا بِهِ لا يَنْتَفِي قُلْ فَاسِقٌ بِفِعْلِهِ الكَبِيرَهْ ... وَمُؤْمِنٌ بِحُسْنِ بَعْضِ السْيَرَهْ فَظَاهِرٌ الأَعْمَالِ قُلْ إسْلاَمُ ... خَوفَ اشْتَرِاكٍ قَالَهُ الأعْلاَمُ ... لأنَ في حَدْيِثِ عَبْدِ القَيسِ ... مَعْنًى صَرِيحٍ عِنْدَ أَهْلِ الكَيْسِ فَاعْتَبِرَنَّ الأَصْلَ إنْ قَرَنْتَا ... ظَهْرًا وَبَطْنًا مِثْلَ مَا عَلِمْتَا ومَا أَتىَ «لا يَزِني وهْوَ مُؤْمِنُ» ... أَي كَامِلٌ لَمْ يَنْفِهِ المُؤْتَمنُ يُوَضِّحُهْ «وإنْ زَنَى وإِنْ سَرَقْ» ... فاحْذَرْ تُضَاهِي فِي الضِّلالِ مَنْ مَرَق وقالَ قَومٌ يَلْزَمُ التَّغَايُرُ ... قَالُوا لأَنَّ فِيهِ نَصٌ ظَاهِرُ

فَفِي صَحْيحِ مُسْلمٍ «أَوَ مُسْلِمُ»؟ ... كَرَّرَهَا النَّبِيُ عَلَّ نَفْهَمُ (قالتِ الأَعْرابُ) ظنُوهَا لَهُمْ ... نَصَّا يُفِيدُ الفَرْقَ دَعْ إشْكَالَهُمْ من أَجْلِ ذَا قَدْ قَالَ بالعُمُومِ ... وبالخُصُوصِ حَافِظُ العُلُومِ نُدْوَةُ الزَّاكِي تَقِيُّ الدِينْ ... لِيجَمَعَ النُصُوصَ عَنْ يَقِينْ مِثلُهُ الإِمامُ أيضًا أَحْمَدُ ... مَعَ البُخَارِي لاَحِظًا ما أقَصُدُ كُلُّ مَن آمَن فَهْوَ المُسِلمُ ... مِن غَيرِ عَكْسٍ والإِلهُ أَعْلَمُ فصل ... في مَسألة الأسماءِ والصفاتِ واعتقادهَا عَلَى ما يَليق بِالله تَعَالَى ... من غَير تأويلٍ يُفْضِي إلى تَعطِيل أو تَكييف يُفْضِي إلى تَمثِيل وَفَوِّضِ الأمُورَ إخْلاَصًا إلَى ... مَنْ قَدْ تَعَالَى عَن سَمِيٍّ وَعَلا عُلوَ قَدْرِ وَعُلوَّ الذَّاتِ ... سُبْحَانَ رَبِي كَامِلِ الصِّفَاتِ مُنزَهٍ عَمًّا يَقُولُ الجَهْمِيُّ ... مُعَطِّلُ الأَوصَافِ عَبْدُ الوَهْمِ مُكَابِرُ المَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ ... مُكَذِّبُ القُرْآنِ والرَّسُولِ فَكُلُّ مَن أَوَّلَ فِي الصِّفَاتِ ... مِن غَيرِ مَا عِلْمٍ ولا إثْبَاتِ فَقَدْ تَعَدّى إِذْ صِفَاتُ الكَامِلِ ... كَذَاتِهِ في النَّفْي لِلْمُمَاثِلِ وكُلَّهُا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلاَ ... إنْ لَمْ تَصُنْهَا حَاذِرِ التَّبْدِيلاَ أَسْمَعَهَا النَّبِيُ مِنَّا البَدَوِيَّ ... والحَضَرِيَّ المَدَنِيَّ والقَرَوِيَّ ولم يَقُلْ إنَّ اعْتِقَادَ الظَّاهِرِ ... مِنْهَا ضَلاَلٌ فاطْلُبُوا مِن مَاهِرِ قَدْ كَابَر المَولَى وقَالَ جَهْلاَ ... عُقُولُنَا بالاتِّبَاعِ أَولَى أيَعْلَمُ العَلاَفُ والفَارَابِي ... صَوَابَهَا ويَجْهَلُ الصَّحَابِي هَذَا مِن الطَّعْنِ عَلَى الرَّسُولِ ... أُوصِيكَ يَا سُنِيُّ بالمَنْقُولِ ...

أَمَا تَرى اخْتِلاَفَ أَهْلِ العَقْلِ ... فِيهِ وحُسْنَ مَا نَحَا ذُو النَقْلِ كُنْ مُؤْمِنًا بِجْمْلَةِ الأَوصَافِ ... وَذَا الجَدَالِ احْذَرْهُ لا تُصَافِي فَمَالِكٌ مِن دَارَةٍ قد أَخْرَجَا ... مُجَادِلاً يَبْغِي الأُمُورَ عِوَجَا فادْرُجْ عَلَى مَا قَدْ نَحَاهُ السَّلَفُ ... فَغَيرُهُ واللهِ فِيهِ التَّلَفُ مَا فِيهِ تَفْرِيطٌ ولا إفْرَاطُ ... كُنْ وَسَطًا يَا حَبَّذَا الأَوسَاطُ والكَيفُ مَمْنُوعٌ، ذَرِ التَّمْثِيلاَ ... وحَاذِرِ الجُحُودَ والتَّعْطِيلاَ ونَزِّهِ البَارِي عَنِ الحُلُولِ ... والاتِّحَادِ واقْضِ بالمَنْقُولِ ولا تُطِعْ أَئِمَّةَ الضَّلاَلِ ... مِن جَاحِدٍ مُعَطِّلٍ أَو غَالِي فَجَاحِدُ الصِّفَاتِ عَبْدُ العَدَمِ ... وسَالِكُ التّشْبِيهِ عَبْدُ الصَّنَمِ فَصْل ... في بَيَان أَنوَاع التَّوحيدِ الذي هُوَ حَقُّ اللهِ عَلَى العَبيد وَحَقِّقِ التَّوحِيدَ إَخْلاَصًا ولاَ ... تَبْغِ عَن الدِّينِ القَوِيمِ مَعْدِلاَ لأَنَّ فِيهِ وَقَعَ الخِصَامُ ... وشُرِعَ الجِهَادُ والإِمَامُ يَقُولُ جَلَّ (ولقدْ بَعَثْنَا) ... فافْهَمْ خِطَابًا عَمَّ مَا اسْتَثْنَى (إنِ اعْبُدْوا اللهَ) اتْركُوا الطَاغُوتَا ... مَا صَحَّ إخْلاَصٌ وهَذَا يُوتَى قَدْ عَدَّه أهْلُ البَيَانِ شَرَْطًا ... لِصِّحةٍ فاسْلُكْ طَرِيقًا وَسْطَا مَعْنَاهُ أَنْ تُحَقِّقُوا العِبَادَهْ ... وتُخْلِصُوا النِيَّاتِ والإِرادَهْ في الخَوفِ والحُبِّ مَعَ الرَّجَاءِ ... والذَّبْحِ والنَّذْرِ مَعَ الدُعَاءِ وتَسْتَعِينُوا تَسْتَغِِيثُوا تَخْضَعُوا ... تَوَكَّلُوا ثَم اسْتَعِيذُوا واخْشَعُوا للهِ إذْ جَمِيعُهَا يُسَمَّى ... عِبَادَةً واللَّفْظُ مِنْهَا عَمَّا فَصَرْفُه لِغَيرِهِ سُبْحَانَهْ ... شِرْكٌ بِهِ مُخَالفِ مَنْ دَانَهْ

قَدْ جَعَلَ الحُبَّ لَهُ والرَّغْبَهْ ... دُونَ الرّسُولِ فِي عِتَابِ العُصْبَهْ وجَعَلَ الصَّلاةَ والأَنْسَاكَا ... لَهُ تَعَالَى حَاذِرِ الإِشْرَاكَا (تَعَالَوا اتْلُ) لَفْظَ النَّكِرَهْ ... وآيَةً في الجِنّ غَيظَ الكَفَرَهْ في سِيَاق النّفْي قَالُوا إنَّها ... تَعُمُّ فاعْرفَ لاَ حُرِمْتَ فَنَّهَا وقَولُهُ {ومَا خَلَقْتُ الجنَا} ... قَدْ قَطَّعَتْ كُلّ الشُكُوكِ عَنَّا لأَنَهَّا هِيَ الحِكْمَةُ الشَّرْعِيَّهْ ... لَهَا خُلِقْنَا حِكْمَةً مَرْعِيِّهْ ... قَدْ رَضِيَهَا دِينًا لَنَا وَمِلَّهْ ... أَقَامَهَا بوَاضِحِ الأدِلَهْ وَصَّى أُولِي العَزْمِ بِهَا العَزِيزُ ... إنَّ السَّعِيدَ مَنِ لِهَا يَحُوزُ وحَقُّهُ سُبْحَانَهُ عَلَينَا ... تَوحِيدُهُ لَولاَهُ مَا اهْتَدِينَا وحَقَّنَا عَلَيهِ بالإِخْلاصِ ... أَوجَبَهُ فَضْلاً بِلاَ قِيَاسِ ومُحُكَمُ القُرْآنِ يَكْفِي المُنْصِفَا ... إذَا رَأىَ البُرْهَانَ فِيهِ اعْتَرَفَا ومَا أَتَى في سُورَةِ الأحْقَافِ ... وفَاطِرٍ مَعْ سَبَأٍ قُلْ كَافِي إنْ قَالَ فِي الأصْنَامِ ذَا فاسْأَلْهُ ... هلْ يَعْرِفُ القْرْآنَ كَي يَقْبَلَهُ قُلْ فِي جِدَالِ ابْن الزَّبْعَري لِلنَّبِيّ ... فِي آيَةِ التَّعْمِيمٍ تنْبِيهُ الغَبِي قدْ أَخْرَجَتْ مَا بَعْدَهَا مَنْ سَبقَتْ ... مِن رَبَّنَا الحُسْنَى لَهُمْ وفَرَّقَتْ إنَّ قَرَيشًا وَافَقَتْ إذْ سَمِعَتْ ... تِلْكَ الغَرَانِيقَ العُلَى فَسَجَدَتْ وقد نَهَانَا عَن دُعَاءِ الأنِبيَا ... في سُورَةِ الإِسْرَاءِ عَنْهُ نُبِّيَا قَدْ خَصَّهُمْ بالذِّكْرِ والمَلاَئَكَهْ ... مَعْ قُرْبِهِم لِتبْطُلَ المُشَارَكَهْ ويَقْتَضِي إنَّ الذَيِنَ دُونَهُمْ ... أَولَى ولَكِنْ حَكَّمُوا ظُنُونَهُمْ قَدْ عَارِضُوا هَذَا بِتَلْفِيقٍ الشُّبَهْ ... وغَيَّرُوا الأسْمَاءَ مِن قبح الشَّبَهْ ولَقَّبُوا أهلَ الهَدَى ألْقَابَا ... شَنِيعَةً فالمَوعِدُ الحِسَابَا وَطَعنُوا في دِينٍ مَن دَعَاهُمْ ... أَنْ يُخْلِصُوا لِرَبِّهِمْ دُعَاهُمْ سَمَّوهُمُوا خَوَارِجًا قَدْ كَفَرُوا ... مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ نَحْوَهُمْ بَلْ حَجَرُوا

وَخَالَفُوا المَذَاهِبَ المَشْهُورَهْ ... ويُنْكِرُوا الزِيَارَةَ المَأْثُورَهْ وزَعَمُوا بأنَّه مَن أَعْصُرِ ... والناسُ قَدْ عَادُوا لِسُبْلِ المُنْكِرِ وأنَّهُ بِمُطْلَقِ التَّوَسُّلِ ... بالصَّالِحِينَ أُحْكِمَ بِتَكْفِيرٍ جَلِي حَاشَاهُمُوا مِن هَذِه الأَقْوَالِ ... صُدُورُهَا لا شَكَّ مِن جُهَّالِ وقَتَلُوا جَمْعًا كَثِيرًا عُلّمًا ... مِن بَلْدَةِ الأحْسَا وأَهْرَقُوا الدِّمَا نَعَمْ ولَكِن يقَتضِيهِ الشَّرْعُ ... بِقَتْلِهِمْ مَنْ لِلْفَلاحِ يَدْعُو وكُلُهُمْ قُرِّاءُ في المَسَاجِدِ ... مِن أَهْلِ نَجْدٍ مَا لِقَولِي جَاحِد قَدْ عَدَّهمُ حُسَينُ في تَارِيخِهِ ... فادْمَغْ بِهِ الكَذَابَ في يَا فُوخِهِ وإنَّهُ قَدْ قُتِلَ المُصَلِّي ... عَلَى النَّبِي بأَشْرَفِ المَحَلِ ويَنْهَبُ الأمْوَالَ والأوقَافَا ... يُبْطِلُهَا ويَدَّعِي الإِنْصَافَا ... وَيَدّعِي بأنَّه يُجَاهِدْ ... مَعْ هَدْمِهِ الِربَاطَ والمَسَاجِدْ وإنَهُ يقُولُ إنَّمَا النَّبِي ... كَرِمَّةٍ في القَبْرِ تَحْتَ النُّصُبِ سَوطِي بِه نَفْعٌ ولَيسَ فِيهِ ... نَفْعٌ لَهُمْ وخَابَ مَنْ يَأْتِيهِ وإنَّهُمِ قَدْ كشَفُوا الحَجابَا ... عَنْ قَبْره وقَلَّعُوا الأخْشَابَا وأسْقَطوا مِن بَغْيِهِمْ لِحُرْمَتِهْ ... وكَفَّرُوا مِن غَيِّهِمْ لأمّتِهْ قَدْ عَمَّمُوا بالكُفْرِ مَنْ سِوَاهُمْ ... أقُولُ حَاشَاهُمْ إذَا حَاشَاهُمْ عنِ ضِدِّهِمْ نَقَلْتُمُوا مَا قُلْتُمُ ... جَهِلْتُمُوا بَدَّعْتُمُوَا ضَلَّلْتُمُوا لأَنَّكُمْ واللهِ قَومٌ بُهْتُ ... مِثْلَ اليَهُودِ أَبَدًا شَابَهُتُمْوا جَوَابُنَا يَا فِرْقَةَ الطُغْيَانِ ... سُبْحَانَكَ اللَّهُمْ مِن بُهْتَانِ أقُولُ وامْقُتْ يَا إِلهِي مِنَّا ... مَنْ أبْغَضَ الهَادِي ومَا قَدَّ سَنَّا سَلَّمْتُ أنَّ فِي البِلادِ الشَّاسِعَهْ ... مَن قَاتَلوُا مِن غَيرِ مَا مُرَاجَعَهْ واخْطَئُوا فِي نَادِرِ الوَقَائِعْ ... ما القَدْحُ فِينَا والمَلاَمُ رَاجِعْ

ما قَدَح الخَطا مِن أسَامَه ... وخالدٍ في المُصْطفى مَنْ لامهْ ولَيسَ مِن شَرْطِ الدُعَاةِ العِصْمَهْ ... إذَا صَفَى إخْلاَصُهُمْ مِن وَصْمَهْ قَدْ قَالَ أصْحَابُ النَبِيِّ اجْعَلْ لَنَا ... الأَنْوَاطَ حَقًِ قَومِ مُوسَى خَلِّنَا مِنَ طْعن ذِي طَعْنٍ فإنَّ الحَقَّا ... كالشمسِ فانْصُرْ مَا تَراهُ الصّدْقَا ولم تُكَفَّر غَيرُ قومٍ جَعلُوا ... وَسَائِطًا يَدْعونَهُمْ وسَألُوا الأمواتَ والغُيَّابَ مَا لا يَقْدِرُ ... عَلِيهِ إِلاَّ اللهُ وَهُوَ الأكْبَرُ وشَرْطُهُ يا ذَا قِيَامُ الحُجَّهْ ... وعنْدَنَا في ذَاكَ أقْوَى حُجَّهْ رُكْنٌ الصَّلاةِ عِنْدَنَا صَلاتُنَا ... عَلَى الرسُولِ ما سَخَا عِدَاتُنَا هُوَ عِنْدَنَا أَحَبُّ مِن نُفُوسِنَا ... لِشَرْعِهِ تَقْدَيمُنَا تَقْدِيسُنَا فصل ... في الزيَّارَة الشَّرعية وعِنْدَهُ التَّفْصِيلُ في الزَّيَارَهْ ... فاعْرِفْهُ بالتَّصْرِيحِ لا الإِشَارَهْ مَن قَالَ زُورُوا قَالَ لا تَشُدُّوا ... رَحلاً إلى غَيرِ الذي أَعُدُّ كِلاَهُمَا قَدْ قَالَهُ الشَّفِيعُ ... فاَنْكِرُوا النَّصَينِ أَو أَطِيعُوا نَدِينُ مَولاَنَا بإتيَانِ النَّبِي ... إتْيَانَ تَسْلِيمِ وَهَذا مَذْهَبِي ... لاَ كَالذي يَزُورُهُ اسْتِمْدَادَا ... مَعْ لَعْنِهِ مَنْ جَعَلَ الأَعْيَادَا ولَعْنِهِ مَنْ جَعَلَ القُبُورَا ... مَسَاجِدًا فاجْتَنِبْ المَحْظُورَا فصل ... في بيان الشفاعة المثبتة والمنفية شَفَاعَةٌ مِن قَبْلِ يَومِ المَوقِفِ ... أَو دُونَ إذْنِ اللهِ هَذَا مُنْتَفِي أَوِ لَّلذِي لا يَرْتَضِيهِ المَولَى ... قَدْ أَبْطَلَتْهُ واضِحَاتٌ تُتْلَى

وعِندَهُ لا تَطْلَبُ الشَّفَاعَهْ ... مِن غَيرِ مَولاَنَا بِشَرْطِ الطَّاعَهْ لأَنَّهَا مَوعُودَةُ فِي المَوقِفِ ... لِمُخَلِصٍ لا مُشْرِكٍ مُنْحَرفِ قُلْ يَا إِلهِ الحِقَّ شَفّعْ عَبْدَكَا ... مُحَمدًا فِينَا وحَقّقْ وَعْدكَا وعَافِنَا مِنْ فِتْنَةِ الإِشْرَاكِ ... لأَنَّها حِبَالَةُ الأشْرَاكِ فصل في تغييرهم اسم الشرك الأكبر ... وتسميته توسُّلاً توصلاً إلى الضلال وتعميةً عَلَى الجهَّال قَدْ فَتَحُوا لِلشّرْكِ بَابًا وَاسَعَا ... بِشُبَهٍ وأَبْطَلُوا الشَّرَائِعَا قَالَ لَهُمْ جُهَّالُهُمْ لاَ تَسْجُدُوا ... وَكُلُّ شَيءٍ فافْعَلُوهُ تَرْشُدُوا نادُوا الدَّفِينَ عَاكِفِينَ رُكَّعَا ... قُولُوا النِدَاء هَذَا ولَيسَ بالدُّعَا أَقُولُ فالخُضُوعُ والخَشُوعُ ... لُبَّ السُّجُودِ إنَّهْ المَمْنُوعُ وقَدْ نَهَى أَنْ يَسْتَغِيثَ أَحَدُ ... بِأَحَدٍ أَو يَسْتَعِيذَ أَحْمَدُ نَهَاهُمُوا عن فِعْلِ شَيءِ يَقْدِرُ ... عَلَيهِ سَدًّا لِلَّذِي هُو أَكْبَرُ لِمَ تَعْرِفُوا مَقَاصِدَ الشَّرِيعَهْ ... فَجِئْتُمُوا بِبَدَعٍ فَظِيعَهْ شَبَّهْتُمُوا عَلَى الطَّغَامِ والبقَرْ ... بأنَّ إجْمَاعًا عَلَى هذا اسْتَقَرْ ولَمْ يُخَالِفْ غَيرُ أَهْلِ العَارِضْ ... بِلاَ دَلِيلٍ عِنْدَهُمْ يُعَارِضْ مَعْ أَنَّ أصْحَابَ الإِمامِ أحْمَدُ ... قَدْ أطْلَقُوا عِبَارَةً لا تُجْحَدُ دلِيلُهم تَوَسُّلُ الصّحَابَهْ ... أقُولُ أَبْعَدْتُمْ عَنِ الإَصَابَهْ مِن جَهْلِكُمْ لَمْ تَفْهَمُوا المَقْصُودَا ... أَحْدَثْتمُوا مَا لَمْ يُكُنْ مَعْهُودَا في السّلَفِ المَاضِينَ أهْلُ العِلْمِ ... الخُائِضِينِ فِي بِحَارِ الفَهْمِ بِفِعْلِهِ المَخَّصوصِ مَن ذَا يُنْكِرُهْ ... في الزَّمَنِ المَخْصُوصِ أَو مَن يَحْضُرُهْ ... لاَ بَأْسَ يَسْتَسْقِي بأهْلِ الدِينِ ... في مُمْحِلاتِ القَحْطِ والسِّنِينِ فَيَخْرُجُ الصَلاَحُ لِلْمُصَلَّى ... فَيَرْفَعُونَ الأيدِي نَحْوَ الأعَلَى

مِنْ أَينَ صَحَّ أنَّهُ بالغَائِبْ ... والمَيّتِينَ تُدْفَعُ النوائِبْ وفي عُدُولِ الرَّاشِدِ الفَارُوقِ ... عَنِ الرَّسُولِ عِنْدَ ذِي التَّحْقِيقِ مِن بعْدِهِ بِعَمِّهِ مُسْتَسْقِيًا ... بِحَاظِرٍ يَدْعُو شَجَاء الأَغْبِيَا قَالَ لَهُ قَّمْ فادْعُ يَا عَبَّاسُ ... وهَذِهِ أسْقَطَهَا الأرْجَاسُ ولا يُقًاسَ المَيتُ بالأَحْيَاءِ ... هُو فَارِقٌ والجَهْلُ رَأْسُ الدَّاءِ مَا فِيه واللهِ لَهُمْ تَعَلُّقُ ... ومَنْ يَزِغْ عَن الصَّوَابِ أحْمَقُ لَو كَانَ للْجَوازِ فِيمَا يَزْعَمُ ... مَنْ ضَلَّ عَادُوا عِنْدَ دَهْيا تُؤْلِمُ وسَألُوهُ حيثُ كَانَ المَحْيَا ... مِثْلَ المَمَات وَيحَهُ مَا اسْتَحْيَا حَتَّى السُؤالِ بالنَّبِي الحَنَفِي ... يُنْكِرُهُ حَكَاهُ كُلُّ مُنْصِفُ يَقُولُ لا تَسْأَلْ بِغَيرِ الخَالِقِ ... أَو بِاسْمِهِ أَو وَصْفِهِ المُطَابِقِ لَو كَانَ حَيًا قُلْتُمُ تَوَهَّبَا ... واخْتَارَ دِينَ المَارِضي تَمْذَهَبَا فأينَ أَينَ خَرْقُنَا الإِجْمَاعَا ... وقَولُنَا عَن الهُدَاةِ شَاعَا ولِلإمَامِ ابن عَقِيلٍ الحَنْبَلي ... عِبَارَةٌ بِهَا الشُكُوكُ تَنْجَلِي عنها سلِ التقِيَّ في رَسَائِلهْ ... وابْحَث ترى الإِقناعَ فِي مَسَائِلِهْ اتْبَعْ أَخِي في الدِين مَنْ تَقَدَّمَا ... واحْذَرْ شُرُوحًا شُرِحَتْ وادِي عَمَا إعلَمِ أُيها الأخ أني قد اعْتَنْيتُ بِتَشْكيلهَا كعَادَتي في أغلبِ القصَائِد وقد حذفت منهَا ما لا يُرتضى كَمَا عَملنَاهُ في غيرها من القصَائدِ التي نَجِد فيهَا ما لا يَصلُح من الغُلُّوِ الذي قَلُّ مَن يَنْتَبِهُ لهُ. قال السفاريني رحَمهَ الله: الحَمُدُ لله القَويّ البَاقي ... مُسَبِّبِ الأسباب والأَرزاقِي حَيٌ عَلِيُمٌ قادِرٌ مَوجُودُ ... قَامَتْ بِهِ الأشْيَاءُ والوُجُودُ

دلَّتْ عَلَى وُجُودِهِ الحَوَادِثُ ... سُبْحَانَه وَهْوَ الحِكيمُ الوارثُ ثُمَّ الصلاةُ والسلامُ سَرْمَدا ... عَلَى النبِيِّ المُصْطَفى كَنْزِ الهُدى وآلهِ وصَحْبهِ الأبْرارِ ... مَعَادِنِ التّقْوى مَع الأسرارِ وبَعْدُ فاعْلَمْ أنَّ كُلَّ العِلْمِ ... كالفَرعِ لِلتَّوحِيدِ فاسْمَع نَظْمِي ... لأَنَّهُ العِلْمُ الذِي لا يَنْبَغِي ... لِعَاقِلٍ لِفَهْمِهِ لَمْ يَبْتَغِي لِيَعْلَمِ الواجبَ والمُحَالَى ... كَجَائِزٍ في حَقِّه تَعَالَى وصَارَ مِن عَادَةِ أَهْلِ العِلْمِ ... أَنْ يَعْتَنُوا فِي سَبْرِ ذَا بالنِظمِ لأنّهُ يَسْهُلُ لِلْحِفْظِ كَمَا ... يَرُوقُ لِلسَّمْعِ ويَشْفَي مِن ظَمَا فَمنْ هُنَا نَظَمْتُ لِي عَقِيدَهْ ... أُرْجُوزَةً وَجِيزَةً مُفِيدَهْ نَظَمْتُهَا فِي سِلْكِهَا مُقدِّمَهْ ... وسَتَّ أبْوابِ كَذَاكَ خَاتِمَهْ سَمَّيتُهَا بِالدرُّةِ المضيهْ ... في عَقْد أَهْلِ الفِرْقَةِ المَرْضِيَّهْ عَلَى اعْتِقَادِ ذِي السَّدادِ الحَنبَلِي ... إمَامِ أَهْلِ الحَقِ ذِي القَدْرِ العَلِي حَبْرِ المَلا فَرْدِ العُلَى الرَّبانِي ... رَبَّ الحِجىَ مَاحِي الدُجَى الشَّيبانِي فإنَّه إمَامُ أهْلِ الأثرِ ... فَمَنْ نَحَا مَنْحَاهُ فَهُوَ الأثَرِي سَقَى ضَرِيحًا حَلّهُ صَوبُ الرضَا ... والعَفْوُ والغُفْرَانُ مَا نَجُمٌ أضَا وحَلَّهُ وسَائِرَ الأئَمَهْ ... مَنَازِلَ الرِضْوَانِ أَعَلَى الجَنَّهْ مقدمة اعْلَمْ هُدِيتَ أَنَّه جَاءَ الخَبَرْ ... عن النَّبيِّ المُقْتَفَى خَيرِ الْبَشَرْ بِأَنَّ ذَا الأُمَّةَ سَوفَ تَفْتَرِقْ ... بِضْعًا وسَبْعِينَ اعْتِقَادًا والمُحِقْ ما كانَ مِن نَهْجِ النبِي المُصْطَفَى ... وصَحبِه مِن غَيْر زَيغ وجَفَا ولَيسَ هَذا النصُّ جَزْمًا يُعتَبرْ ... في فِرْقَةٍ إلاَّ عَلَى أهْلِ الأثَرْ فأثبتِ النُصُوصَ بِالتّنْزِيهِ ... مِن غَيرِ تَعْطِيلِ ولا تَشِبيهِ فَكُلُّ مَا جَاءَ مِن الآيَاتِ ... أَو صَحًّ في الأخْبَارِ عَن ثِقَاتِ

مِن الأَحَادِيثِ نُمِرُّهَا كَمَا ... قَدْ جَاءَ فاسْمَعْ مِنْ نِظَامي واعْلَمَا ولا نَرُدُّ ذَاكَ بالعُقُولِ ... لِقَولِ مُفْتَرِ بِهِ جَهُولِ فَعَقْدُنَا الإِثْبَاتُ يَا خَلِيلِي ... مِن غَيرِ تَعْطِيلِ ولا تَمْثِيلِ فَكُلُّ مَن أوُّلَ في الصّفَاتِ ... كَذَاتِهِ مِن غَيرِ مَا إثْبَاتِ فَقَدْ تَعَدَّى واسْتَطَالَ واجْتَرَى ... وخَاضَ في بَحْرِ الهَلاكِ وافْتَرَى ألَمْ تَرَ اخْتِلاَفَ أَصْحَابِ النَّظَرْ ... فِيهِ وحُسْنَ مَا نَحَاهُ ذُو الأثَرْ فإنَّهمُ قَدْ اقْتَدَوا بالمُصْطَفَى ... وصَحُبِهِ فَاقْنَعْ بِهَذَا وكَفَى [الباب الأول في معرفة الله تَعَالَى] أَوَّلُ واجبٍ عَلَى العَبِيدِي ... مَعْرِفَةُ الإِلهِ بالتّسْدِيدِي بأنَّهُ وَاحِدٌ لاَ نَظِيرَ ... لَهُ ولا شِبْهَ ولا وَزِيرَ صِفَاتُه كَذَاتِهِ قَدِيمَهْ ... أَسْمَاؤُهُ ثَابِتَةٌ عَظِيمَهْ لهُ الحَيَاةُ والكَلامُ والبَصَرْ ... سَمْعٌ إرَادَةٌ وعلمٌ واقَتَدَرْ وقُدْرَةٌ تَعَلُّقَتْ بمُمْكِنِ ... كَذَا إرَادَةٌ فَعِ واسْتَبِنِ والعِلْمُ والكَلامُ قَدْ تَعَلّقَا ... بِكُلِ شَيءٍ يَا خَليلِي مُطْلقَا وَسَمْعُهُ سُبْحَانَهُ كَالبَصَرِ ... بِكُلِّ مَسْمُوعٍ وكُلِّ مُبْصَرِ وأنَّ ما جَاءَ مَعَ جِبْرِيل ... مِن مُحْكَمِ القُرْآن والتَّنْزِيل كَلاَمُهُ سُبْحَانَهُ كِريمُ ... أعْيَى الوَرَى بالنص يَأ عَليمُ ولَيسَ في طَوقِ الوَرَى مِن أَصْلِهِ ... إنْ يَسْتَطِيعُوا سُورَةً مِن مِثْلِهِ سُبْحَانَهَ قَدْ اسْتوَى كَمَا وَرَدْ ... مِن غَير كَيفَ قَدْ تَعَالَى أَنْ يُحَدْ ولا يُحِيطُ عِلْمُنَا بِذَاتِهِ ... كَذاكّ لا يَنْفَكًّ عن صِفَاتِهِ وكُلُّ مَا قَدْ جَاءَ في الدَّليلِ ... فَثَابِتٌ مِن غَيرِ مَا تَمْثِيلِي مِن رَحْمَةٍ ونَحْوِهَا كَوَجْهِهِ ... وَيَدِهِ وكُلِّمَا مِنْ نَهْجِهِ

وعَينِهِ وصِفَةِ النُزُولِ ... وخَلْقِهِ فَاحْذَرْ مِنَ النُزُولِ فَسَائِرُ الصِّفَاتِ والأَفْعَالِ ... ثابِتَةٌ للهِ ذي الجَلالِي لَكِنْ بِلا كَيفٍ ولا تَمْثيلي ... رَغْمًا لأهْلِ الزّيغِ والتَّعْطِيلِ نُمِرُّهَا كَمَا أَتَتْ في الذِكْرِ ... مِن غَيرِ تَأْوِيلٍ وغَيرِ فِكْرِ وَيسَتِحْيلُ الجَهْلُ والعَجْزُ كَمَا ... قَدِ اسْتَحَالَ المَوتُ حَقًا والعَمَى فَكلُّ نَقْصٍ قَدْ تَعَالَى اللهُ ... عَنْهُ فَيَا بُشْرَى لِمَنْ وَالاَهُ وَكُلُ مَا يُطْلبُ فِيهِ الجَزْمُ ... فَمَنْعُ تَقْلِيدٍ بِذاكَ حَتْمُ لأنّهُ لا يُكْتَفَى بالظِّنِ ... لِذِي الحِجَى في قَولِ أَهْلِ الفَنِّ وقِيلَ يَكْفِي الجَزْمُ إجْمَاعًا بِمَا ... يُطْلَبُ فِيهِ عِنْدَ بَعْضِ العُلَمَا فالجَازِمُونَ مِن عَوَامِ البَشَرِ ... فَمُسْلِمُونَ عِنْدَ أَهْلِ الأَثَرِ [الباب الثاني] وسائِرُ الأشْيَاءِ غَيرُ الذاتِ ... وغَيرُ مَا الأَسْماءِ والصِّفاتِ مَخْلُوقَةٌ لِرَبِّنَا مِن العَدَمْ ... وَضَلّ مَنْ أَثْنَى عَلَيها بالقِدَمْ وَربُّنَا يَخْلُقُ باخْتِيَارِ ... مِن غَيرِ حَاجَةٍ ولا اضْطِرَارِ لَكِنَّهُ لا يَخْلُقُ الخَلْقَ سُدَى ... كَمَا أَتَى فِي النَّصِ فاتْبَعِ الهُدَى أَفْعَالُنَا مَخْلُوقَةٌ للهِ ... لِكَنَّهَا كَسْبٌ لَنَا يَا لاهِي وكُلُّ مَا يَفْعَلهُ العِبَادُ ... مِن طَاعَةٍ أَو ضِدِّهَا مُرَادُ لِرَبّنَا مِن غَير مَا اضْطِرَارِ ... مِنْهُ لَنَا فافْهَمْ ولا تُمَارِ وكُلُّ ما منْهُ تَعَالَى يَجمُلُ ... لأنّه عَن فِعْلِهِ لا يُسْألُ فِإنْ يُثِبْ فإنّهُ مِن فَضْلِهِ ... وإنْ يُعَذِّبْ فِبَمَحْضِ عَدْلِهِ فكُلُّ مَنْ شَاءَ هُدَاهُ يَهْتَدِي ... وإن يُرِدْ ضَلالَ عَبدِ يَعتَدِي

والرِزْقُ مَا يَنْفَعُ مِن حَلاَلِ ... أَو ضِدَّهِ فَحُلْ عَنِ المُحَالِ لأنّهُ رَزُّاقُ كُلِّ الْخَلْقِ ... ولَيسَ مَخْلُوقٌ بغَير رَزْق ومَنْ يَمُتْ بقَتْلِهِ مِن البَشَرْ ... أَو غَيرِهِ فَبالقَضَاءِ والقَدَرْ ولم يَفُتْ مِن رِزْقِهِ ولاَ الأَجَلْ ... شَيءٌ فَدَعْ أَهْلَ الضَّلاَلِ والخَطَلْ [الباب الثالث في الأحكام] وَوَاجبٌ عَلَى العِبَادِ طُرَّا ... أَنْ يَعْبُدُوهُ طَاعَةً وبِرّا وَيَفعَلُوا الفِعْلَ الذِي بِهِ أَمَرْ ... حَتْمًا ويَتْركُوا الذِي عَنهُ زَجَرْ وكُلَّ مَا قَدَّرَ أَو قَضَاهُ ... فَوَاقِعٌ حَتْما كَمَا قَضَاهُ ولَيسَ وَاجبٌ عَلَى العَبْدِ الرِّضَا ... بِكُلِّ مَقْضِيٍّ ولَكِنْ بالقَضَا لأنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ تَعَالَى ... وذَاكَ مِن فِعْلِ الذِي تَقَالَى وَيَفْسُقُ المُذْنِبُ بالكَبِيرهْ ... كَذَا إذا أَصَرَّ بالصَّغِيرَهْ لا يَخْرُجُ المَرْءُ مِن الإِيمَانِ ... بِمُوبِقَاتِ الذَّنْبِ والعِصْيَانِ وَوَاجبٌ عَلَيهِ أَنْ يَتُوبا ... مِن كُلِّ مَا جَرَّ عَليهِ حُوبَا وَيقْبَلُ المَولَى بِمَحْضِ الفَضْلِ ... مِنْ غَيرِ عَبْدٍ كَافِرٍ مُنْفَصِلِ مَا لَم يُتْبِعَنَّ كُفرَهُ بِضِدِّهْ ... فَيَرتَجِعْ عَن شِرْكِهِ وَصَدِّهْ ... ومَنْ يَمُتْ ولَمْ يَتُبْ مِن الخَطَا ... فأَمْرُهُ مُفَوَّضٌ لِذِي العَطا فإنْ يَشَا يَعْفُ وإنْ شُاءَ انْتَقَمْ ... وإنْ يَشَا أعْطَى وأجْزَلَ النِّعَمْ وقيلَ في الدُرُوزِ والزَّنَادِقهْ ... وسَائِرِ الطّوائِفِ المُنَافِقَهْ وكُلِّ دَاعٍ لابْتِدَاعِ يُقْتَلُ ... كَمَنْ تَكرَرْ نُكْثُهُ لا يُقْبَلُ لأنَّهُ لمْ يَبْدُ مِن إيمَانِهِ ... إلاَّ الذِي أذَاعَ مِن لِسَانِهِ كملْحِدِ وسَاحِرٍ وسَاحِرَهْ ... وَهُمْ عَلَى نِيَّاتِهمْ في الآخِرَهْ قُلْتُ وإنْ دَلَّتْ دَلائِلُ الهُدَى ... كَمَا جَرَى لِلْعَيلَبُونيّ اهْتَدَى

فَإِنُّهُ أَذَاعَ مِن أَسْرَارِهِمْ ... ما كان فِيهِ الهَتكَ عَن أسْتَارِهِمْ وكَانَ لِلدِّينِ القَوِيمِ نَاصِرَا ... فَصَارَ مِنَّا بَاطِنًا وظَاهِرَا فَكُلُّ زِنْدِيقٍ وكُلُّ مَارِقِ ... وجَاحِدٍ ومُلْحِدٍ مُنَافِقِ إذا اسْتَبَانَ نُصْحُهُ للدِّينِ ... فَإنَّهُ يُقْبَلُ عَنْ يَقِينِ إيمَانُنُا قَولٌ وقَصْدٌ وعَمَلْ ... تَزِيدُهُ التَّقْوى ويَنْقُصْ بالزَّلَلْ ونَحْنُ فِي إيمَانِنَا نَسْتَثِنْ ... مِن غَيرِ شَكٍّ فاسْتَمِعْ واسْتَبِنْ نُتَابِعُ الأخْيَارَ مِن أهْلِ الأَثَرْ ... ونَقْتَفِي الآثَارَ لاَ أُهْلَ الأَشَرْ ولا نَقُلْ إيمَانُنَا مَخْلُوقُ ... ولا قَدِيمٌ هَكَذَا مَطْلُوقُ فإنَّهُ يَشْمَلُ لِلصَّلاَةِ ... ونَحْوَهَا مِن سَائِر الطَّاعَاتِ فَفِعْلُنَا نَحْوَ الرُكُوعِ مُحْدَثُ ... وكُلُّ قرآنٍ كَرِيمٍ فَابْحَثُوا وَوَكَّلَ اللهُ مِن الكِرَامِ ... اثْنَينِ حَافِظَينِ للأَنامِ فَيَنكَتِبَانِ كُلَّ أفْعَالِ الوَرَى ... كَمَا أَتَى في النّصِ مِن غَيرِ امْتِرَا [الباب الرابع في أشرَاط السَّاعة] وَكُلُّ مَا صَحَّ مِن الأَخْبَارِ ... أَو جَاءَ في التَّنْزِيلِ وَالآثَارِ مِن فِتْنَةِ البَرْزَخِ والقُبُورِ ... وَمَا أَتَىَ فِيهَا مِن الأُمُورِ وأَنَّ أَرْوَاحَ الوَرَى لَمْ تُعْدَمِ ... مَعْ كَونِهَا مَخْلُوقَةً فاسْتَفِهِمِ فَكُلُّ مَا عَن سَيِّدِ الخَلْقِ وَرَدْ ... مِن أَمْرِ هَذَا البَابِ حَقٌ لا يُرَدْ ومَا أَتَى في النَّصِ مِن أَشْرَاطِ ... فَكُلُّهُ حَقٌّ بِلاَ شِطَاطِ مِنهَا الإِمامُ الخَاتِمُ الفَصيحُ ... مُحَمَّدُ المَهْدِيُّ والمَسِيحُ وَأنَّهُ يَقْتُلُ لِلدٌّجَالِ ... بِبَابِ لُدٍّ خَلَّ عَنْ جَدَالِ ... وأمْرَ يَأجَوجَ ومأجُوجَ أَثْبِتِ ... فَإنَّهُ حَقٌّ كَهدَم الكَعبَةِ

وإنَّ مِنْهَا آيَةُ الدُّخَانِ ... وإنَّهُ يُذهَبُ بالقَرْآنِ طُلُوعُ شَمُسِ الأُفقِ مِن دَبُورِ ... كَذَاتِ أجْيَادٍ عَلَى المَشْهُورِ وآخرُ الآياتِ حَشْرُ النارَ ... كَمَا أتَى فِي مُحْكَمِ الأخْبَارِ فَكُلُّهَا صَحَّتْ بِها الأخُبارُ ... وسَطَّرَتْ آثَارَهَا الأخْيَارُ وأجْزمْ بِأمْرِ البَعْثِ والنَشُورِ ... والحَشْرِ جَزْمًا بَعْدَ نَفخِ الصُورِ كَذا وقْوفِ الخَلْقِ لِلْحِسَابِ ... والصُحْفِ والمِيزانِ لِلثَّوُابِ كَذَا الصراطُ ثم حَوضُ المَصْطفَى ... فيَا هنَا لِمنُ بِه نَالَ الشِّفَا عنهُ يُذَادُ المُفْتَرِي كَمَا وَرَدْ ... ومَنْ نَحَا سُبْلَ السَّلاَمَهْ لَمْ يُرَدْ فكُنْ مُطْيعًا وَاقْفُ أَهْلَ الطَّاعَهْ ... في الحَوضِ والكَوثَرِ وَالشَّفَاعَهْ فإنَّها ثَابِتَةٌ لِلمُصْطَفَى ... كَغَيرِهِ مِن كُلِّ أربَابِ الوَفَى مِن عَالِمٍ كَالرُّسُلِ والأبرَارِ ... سِوى التِي خُصّتْ بِذِي الأنوَارِ وَكُلُّ إنسان وَكُلُّ جَنّةِ ... فِي دَارِ نَارٍ أَو نَعِيمِ جَنَّةِ هُمَا مَصِيرُ الخلقِ من كُل الوَرَى ... فَالنَّارُ دَارُ مَن تَعَدَّى وَافْتَرَى ومَنْ عَصَى بذَنْبِهِ لَمْ يَخْلُدِ ... وإنْ دَخَلْهَا يَا بَوارَ المُعْتَدِي وَجنَّةُ النَّعِيمِ للأَبْرَارِ ... مُصُونَةٌ عَن سَائِرِ الكُفْارِ واجِزِم بأنَّ النَّارَ كالجَنَّةِ فِي ... وجودِهَا وأنَّهَا لَم تَتْلَفِ فَنَسْألُ اللهَ النَعِيمَ والنَظرْ ... لِرَبَّنَا مِن غَيرِ مَا شَينٍ غَبَرْ فَإنَّهُ يَنْظرُ بالأبصَارِ ... كَمَا أَتى في النَّصِ والأخبَارِ لأنه سُبَحَانه لمْ يُحْجَبِ ... إلا عَنِ الكَافِرِ وَالمكَذِّبِ [الباب الخامس] في النبوة ... وذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - وفضله وذكر بعض الأنبياء وفضل الصحابة] وَمِن عظيمِ منَّةِ السَّلامِ ... ولطفِهِ بسائرِ الأنامِ

إن أرشَد الخَلقَ إلى الوصولِ ... مُبينًا لِلحقِّ بالرسولِ وَشَرط من أُكرِم بالنبوَّهْ ... حريةٌ ذُكورةٌ كقوَّهْ ولا تُنالُ رتبةُ النبوَّهْ ... بالكَسبِ والتهذِيب والفتوَّهْ لكنَّهَا فضلٌ من المولَى الأَجلِّ ... لِمن يَشاءُ من خَلقهِ إلى الأَجَلِ ... ولَم تَزلْ فِيما مَضَى الأنباءُ ... من فَضلهِ تَأتِي لِمن يَشاءُ حتى أتَى بالخاتَمِ الذي ختَمْ ... بهِ وإعلانًا عَلَى كُلِّ الأُممْ وخَصَّه بذاك كالمَقامِ ... وبعثَهُ لسائرِ الأنَامِ ومُعجِزَةُ القرآنِ كَالمعراجِ ... حقًا بلا مَيْنٍ ولا اعوِجَاجِ فكَم حبَاهُ ربُّه وفضَّلهُ ... وخصَّهُ سبحانَهُ وخوَّلهُ وَمُعجزاتُ خاتَمِ الأنبياءِ ... كثيرةٌ تَجِلُّ عن إحصَائي منهَا كلامُ اللهِ مُعجِزُ الورَى ... كذا انشقاقُ البدرِ من غير امتِرَا وَأفضلُ العالَمِ مِن غَير امتِرَا ... نَبيُّنا المبعوثُ في أمِّ القُرَى وَبعدُهُ الأفضَلُ أَهلُ العَزمِ ... فالرُسلُ ثُم الأَنبِيَا بِالجَزْمِ وإن كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمْ سَلِمْ ... مِن كُلِّ ما نَقصَ وَمِن كُفْر عُصِمْ كذاكَ من إفْكٍ وَمن خِيَانَةِ ... لوَصفِهم بالصِّدقِ وَالأمَانَةِ وَجَائزٍ فِي حَقِّ كلِّ الرسُلِ ... النَّومُ والنِكاحُ مِثلُ الأَكْلِ ولَيسَ في الأمَّةِ بِالتحقيقِ ... في الفَضلِ وَالمعروفِ كالصَّدِّيقِ وَبَعدُه الفَاروقُ مِن غَيْر افْتِرَا ... وبَعدُه عُثمَانُ فَأترُكِ الْمِرَا وبَعْدَ فالفَضلُ حَقِيقًا فاسْمَع ... نِظَامي هَذا لِلبَطِين الأَنْزَعْ مُجَدِّلِ الأبطَالِ مَاضِي العَزْمْ ... مُشجِعِ الرِّجَال وَافِي الحَزمِ وافِي النَّدى الهدُى مُردِي العِدَا ... مُجلِي الصَّدى يَا وَيل مَن فِيهِ اعْتدَى فَحُبُّهُ كحُبهِم حتمًا وَجبْ ... وَمن تَعدَّى أو قَلى فَقَد كَذَبْ

وَبَعدُ فَالأفضَلُ بَاقِي العَشرةِ ... فَأَهلُ بَدْرٍ ثُمَّ أَهْلِ الشَّجَرةِ وَقيلَ أَهلُ أحُدٍ المقَدَّمهْ ... والأَوَّلُ أَولَى لِلنُّصُوصِ الْمُحْكَمَهْ وعائشة في العلم مع خديجهْ ... في السبق فافهم نكتة النتيجهْ وليس في الأمة كالصحابة ... في الفضل والمعروف والإِصابة فإنهم قد شاهدوا المختارا ... وعاينوا الأسرار والأنوارا وجاهدوا في الله حتى بانا ... دين الهدى وقد سما الأديانا وقد أتى في محكم التنزيل ... من فضلهم ما يشفي للغليل وفي الأحاديث وفي الآثار ... وفي كلام القوم والأشعار ما قد ربا من أن يحيط نظمي ... عن بعضه فاقنع وخذ عن علم ... واحذر من الخوض الذي قد يزري ... بفضلهم مما جرى لو تدري فإنه عن اجتهاد قد صدر ... فأسلم أذل الله من لهم هجر وبعدهم فالتابعون أحرى ... بالفضل ثم تابعوهم طرا وكل خارق أتى عن صالح ... من تابع لشرعنا وناصح فإنها من الكرمات التي ... بها نقول فأقف للأدلة ومن نفاها من ذوي الضلال ... فقد أتى في ذاك بالمحال فإنها شهيرة ولم تزل ... في كل عصر يا شقا أهل الزلل وعندنا تفضيل أعيان البشر ... عَلَى ملائك ربنا كما اشتهر ومن قال سوى هذا افترا ... وقد تعدى في المقال واجترا [الباب السادس في ذكر الإمِامَة ومتعلقاتها] ولا غنى لأمة الإسلام ... في كل عصر كان عن إمام يذب عنها كل ذي جحودِ ... ويعتني بالغزو والحدودِ وفِعل معروف وترك منَكر ... ونصر مظلوم وقمع كفر وأخذ مال الفيء والخراجِي ... ونحوه والصرف في منهاجي

ونصبه بالنصر والإِجماع ... وقهره فخل عن الخداع وشرطه الإسلام والحرية ... عدالة سمع مع الدرية وكن مطيعًا أمره في ما أمر ... ما لمْ يكن بمنكر فيحتذر واعلم بأن الأمر والنهي معًا ... فرضًا كفاية عَلَى من قد وعا وإن يكن ذا واحد تعينا ... عليه لكن شرطه أن يأمنا فأصبر وزل باليد واللسان ... لمنكر واحذر من النقصان ومن نهى عمَّا له قد ارتكب ... فقَد أتى مما به يقضي العجب فلو بدا بنفسه فذادها ... عن غيّها لكان قد أفادها هَذِهِ القَصِيدَة تتعلق بالعقيدة الحمْدُ للهِ حَمْدًا لَيسَ مُنْحَصِرًا ... عَلَى أَيَادِيهِ ما يَخْفى وما ظَهَرا ثُمَّ الصَّلاةُ وَتَسْلِيمُ الْمُهَيمن ما ... هَبَّ الصَّبَا فَأَدَرَّ العَارِضَ المْطَرَا عَلَى الّذِي شَادَ بُنْيَانَ الْهُدَى فَمَا ... وَسَادَ كُلَّ الْورَى فَخْرًا وما افْتَخَرَا نَبِيُّنا أَحْمَدُ الهَادِي وَعِتْرتِهِ ... وَصَحْبُهُ كُلُّ مَنْ آوى وَمَنْ نَصَرَا ... وَبَعْدُ فالْعِلْمُ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ أَحَدٌ ... إلاَّ سَمَا وَبِأَسْبابِ الْعُلَى ظَفَرَا لاسِيّما عِلْمُ أَصْلِ الدِّين أَنَّ بِهِ ... سَعَادَةُ الْعَبْدِ والمَنْجَى إذا حُشِرَا باب ما تعتقده القلوب وتنطقُ بِهِ الألسن ... من واجب أمور الديانات وَأَوَّلُ الْفَرْضِ إيمَانُ الْفُؤادِ كَذَا ... نُطقُ اللّسانِ بِمَا فِي الذِّكْر قَدْ سُطِرَا أَنَّ الإِلهَ إلهٌ واحِدٌ صَمَدٌ ... فلا إلهَ سِوى مَنْ لِلأَنامِ بَرَا رَبُّ السَّمواتِ والأَرْضِين لَيسَ لَنَا ... رَبٌّ سِواهُ تَعَالَى مَنْ لَنَا فَطَرَا وأَنّهُ مْوجِدُ الأَشْياءِ أجْمَعِهَا ... بلا شَرِيكٍ ولا عَونٍ ولا وُزَرَا

وَهُوَ المُنَزَّهُ عَنْ وِلْدٍ وصَاحِبَةٍ ... وَوالِدٍ وَعَنِ الأشْبَاهِ والنُّظَرَا لاَ يَبْلُغَنْ كُنْهَ وَصْفِ اللهِ واصِفُهُ ... ولا يُحيطُ بِهِ عِلْمًا مَنِ افْتَكَرَا وَأَنَّهُ أَوَّلٌ بَاقٍ فَلَيسَ لَهُ ... بَدْءٌ ولا مُنْتَهى سُبْحانَ مَنْ قَدِرَا حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ والْكَلامُ لَهُ ... فَرْدٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ما أَرادَ جَرَى وَأَنَّ كُرْسِيَّه وَالْعَرْشَ قَدْ وَسِعَا ... كُلَّ السَّمواتِ وَالأَرْضِينَ إِذْ كَبِرا قد اسْتَوى فَوقَ ذاكَ الْعَرْش خَالِقُنَا ... بِذَاتِهِ فَاسْأل الْوَحْيين والْفِطَرا أَنَّ الْعُلوَّ بِهِ الأَخبارُ قَدْ وَرَدَتْ ... عَنِ الرَّسُولِ فَتابِعْ مَنْ رَوَى وَقَرَا فاللهُ حَقٌّ عَلَى المُلْكِ احْتَوَى وعَلَى الْـ ... ـعَرْش اسْتوى وَعَنِ التَّكْييفِ كُنْ حَذِرَا والله بِالْعِلْم في كُلِّ الأَمَاكِنِ لا ... يَخْفاهُ شَيءٌ سَمِيعٌ شاهِدٌ وَيَرَى وَأَنَّ أَوصافَهُ لَيسَتْ بِمُحْدَثةٍ ... كَذاكَ أسْماؤُهُ الحُسْنى لِمَنْ ذَكَرا وَأَنَّ تَنْزِيلَهُ الْقُرآنَ أَجْمَعَهُ ... كَلاَمُهُ غَيرَ خَلْقٍ أَعْجَز الْبَشَرَا وَحْيٌ تَكَلَّمَ مَولاَنَا العَزِيزُ بِهِ ... وَلَمْ يَزَلْ مِنْ صِفاتِ الله مُعْتَبَرا يُتْلَى وَيُحْمَلُ حِفْظًا فِي الصُّدُورِ كَمَا ... بالخَطِّ يَثْبِتُهُ في الصُّحُفِ مِن زُبُرا وَأَنَّ مُوسَى كَلِيمُ اللهِ كَلَّمَهُ ... إِلهُهُ فَوقَ ذاكَ الطُّورِ إِذْ حَضَرَا فاللهُ أَسْمَعَهُ مِن غَير واسِطَةٍ ... مِنْ وَصْفِهِ كَلِمَاتٍ تَحْتَوي عِبَرَا حتّى إذا هَامَ شَوقًا في مَحَبَّتِهِ ... قالَ الْكَلِيمُ إِلهي أَسْألُ النَّظَرا إِلَيكَ قالَ لَهُ الرَّحْمن مَوعِظَةً ... أَنَّى تَرانِي ونُوري يُدْهِشُ الْبَصَرَا فانْظُرْ إِلى الطَّور إِنْ يَثْبُتْ مَكَانَتَهُ ... إذا رَأَى بَعْضَ أَنْوارِي فَسَوفَ تَرى حَتى إذا مَا تَجَلَّى ذُو الْجَلاَلِ لَهُ ... تَدَكْدَك الطُّورُ مِنْ خَوفٍ وما اصْطَبَرا ... فصل ... في الإيمان بالقدر، خيره وشرّه وبالْقَضَاءِ وبِالأَقْدارِ أَجْمَعِهَا ... إيمَانُنَا وَاجِبٌ شَرْعًا كَمَا ذُكِرَا

فَكُلُّ شَيءٍ قَضَاهُ اللهُ فِي أَزَلٍ ... طُرًّا وفِي لَوحِهِ الْمَحْفوظ قَدْ سُطِرَا وكُلُّ ما كَانَ مِنْ هَمٍّ وَمِنْ فَرَحٍ ... وَمِنْ ضَلاَلٍ وَمِنْ شُكْرانِ مَنْ شَكَرَا فإنّهُ مِنْ قَضَاءِ اللهِ قَدَّرَهُ ... فلا تَكُنْ أَنْتَ مِمَّنْ يَنْكِرُ الْقَدَرَا واللهُ خَالِقُ أفْعَالِ الْعِبادِ وَما ... يَجْري عَلَيهِمْ فَعَنْ أَمْرِ الإِلَهِ جَرَى فَفِي يَدَيهِ مقادِيرُ الأُمُورِ وَعَنْ ... قضائِهِ كُلُّ شَيءٍ في الْوَرَى صَدَرا فَمَنْ هَدى فَبِمَحْضِ الْفَضْلِ وَفَّقَهُ ... وَمَنْ أَضَلَّ بِعَدْلٍ مِنْهُ قَدْ كَفَرا فَلَيسَ في مُلْكِهِ شَيء يَكُونُ سِوَى ... مَا شَاءَهُ اللهُ نَفْعًا كانَ أَو ضَرَرا فصل ... في عذاب القبر وفتنته وَلَمْ تَمُتْ قَطّ مِنْ نَفْسٍ ومَاَ قُتِلَتْ ... من قبْل إكْمَالِهَا الرِّزْقَ الذي قُدِرَا وَكُلُ رُوحٍ رَسُولُ الْمَوت يَقْبِضُهُا ... بإِنْنِ مَولاهُ إِذْ تَسْتَكْمِل الْعُمُرا وَكُلًّ مَنْ مَاتَ مَسْئولٌ ومُفْتَتَنٌ ... مِنْ حِين يُوضَعُ مَقْبُورًا لِيُخْتَبَرا وَأَنَّ أَرواحَ أصْحَابِ السَّعادَةِ فِي ... جَنّاتِ عَدْنٍ كَطَيرٍ يَعْلِقُ الشَّجَرا لكِنّمَا الشُّهداءُ أَحْياءُ وَأَنْفْسُهُم ... في جَوفِ طَيرٍ حِسَانٍ تُعْجِبُ النَّظَرَا وَأَنّها في جِنانِ الْخُلْدِ سَارِحَةٌ ... مِنْ كُلّ ما تَشْتَهِي تَجْنِي بها ثَمَرَا وَأَنَّ أَرْواحَ مَنْ يَشْقى مُعَذَّبَةٌ ... حَتَّى تَكُونَ مَعَ الْجُثْمانِ في سَقَرا فصل ... في البعث بعد الموت والجزاء وَأنَّ نَفْخَةَ إسْرافيل ثانِيَةً ... في الصُّورِ حَقًّا فَيَحْيَا كُلُّ مَنْ قُبِرَا كَمَا بَدَا خَلْقَهُم ربِّي يُعيِدْهُم ... سُبْحانَ مَنْ أَنْشَأَ الأَرْوَاحَ وَالصُّورَا حَتَّى إذا مَا دَعَا لِلْجَمْع صَارِخُهُ ... وَكُلُّ مَيتٍ مِنَ الأمواتِ قَدْ نُشِرَا

قَال الإِلهُ قِفْوهُمْ لِلسُّؤَال لِكَي ... يَقْتَصَّ مَظلُومُهُمْ مِمَّنْ لَهُ قَهَرَا فَيُوقَفُونَ ألُوفًا مِنْ سِنِينهِمُ ... والشَّمْسُ دَانِيةٌ وَالرَّشْحُ قَدْ كَثُرَا ... وَجَاءَ رَبُّكَ والأَمْلاكُ قَاطِبَةً ... لَهُمْ صَفُوفٌ أَحَاطَتْ بالوَرى زُمَرَا وجيءَ يَومَئِذٍ بالنّارِ تَسْحَبُهَا ... خُزَّانُهَا فأَهالَتْ كُلَّ مَنْ نَظَرَا لَهَا زَفِيرٌ شدِيدٌ مِنْ تَغَيُّظِهَا ... عَلَى العُصاةِ وَتَرْمِي نَحْوَهُمْ شَرَرَا وَيُرْسِلُ اللهُ صُحفَ الْخَلْقِ حَاوِيةً ... أَعْمَالَهُمْ كُلَّ شَيءٍ جَلَّ أَو صَغُرَا فَمَنْ تَلَقّتْهُ بِالْيُمْنى صَحِيفَتُهُ ... فَهُو السَّعِيدُ الّذِي بالْفَوزِ قَدْ ظَفَرَا وَمَنْ يَكُنْ بالْيَدِ الْيُسْرى تَناوَلَهَا ... دَعَا ثُبُورًا وَلِلنِّيرانِ قَدْ حُشِرا وَوَزْنُ أعْمَالِهم حَقًّا فإنْ ثَقُلَتْ ... بالْخَيرِ فازَ وَإنْ خَفَّتْ فَقَدْ خَسِرَا وَأَنَّ بالْمِثْل تُجْزَى السَّيئاتُ كَمَا ... يكُونُ في الْحَسَناتِ الضِّعْفُ قَدْ وَفَرا وكُلُّ ذَنْب سِوَى الإِشْراكِ يَغْفَرُهُ ... رَبِّي لِمَنْ شَاءَ وَلَيسَ الشِّرْكُ مُغْتَفَرَا وَجَنّةُ الْخُلْدِ لا تفَنى وساكِنها ... مخلّدٌ لَيسَ يَخْشَى الموتَ والْكِبرَا أَعَدَّها اللهُ دَارًا لِلْخُلُودِ لِمَنْ ... يَخْشى الإِلَهَ ولِلنَّعْماءِ قَدْ شَكَرا وَيَنْظُرون إِلى وَجْهِ الإِلهِ بِهَا ... كَمَا يَرى الناسُ شَمْسَ الظُّهْرِ وَالقْمَرَا كَذَلِكَ النّارُ لا تَفْنى وَسَاكِنُهَا ... أَعَدَّهَا اللهُ مَولاَنا لِمَنْ كَفَرَا ولا يُخَلَّدُ فِيهَا مَنْ يُوَحِّدُهُ ... وَلَو بِسَفْكِ دَمِ الْمَعْصُوم قَدْ فَجَرَا وكَمْ يُنَجِّي إِلهي بالشفاعَةِ مِنْ ... خَيرِ الْبَرِيَّة مِن عاصٍ بهَا سَجَرَا فصل ... في الإيمان بالحوض وأَنَّ لِلمُصْطَفَى حَوضًا مَسَافَتُهُ ... ما بَينَ صَنْعا وبُصْرى هَكَذَا ذُكِرا أَحْلى مِنَ الْعَسَل الصَّافِي مَذاقَتُهُ ... وإِنَّ كيزانَهُ مِثْلَ النُّجُوم تُرى وَلَمْ يَرِدْهُ سوى أَتْباعُ سُنَّتِهِ ... سِيمَاهُم أنْ يَرى التَّحْجِيلَ والغُرُرَا

وكَمْ يُنَحَّى وَيُنْفى كُلُّ مُبْتَدِعٍ ... عَنْ وِرْدِهِ وَرِجالٌ أَحْدَثُوا الْغِيَرَا وأَنَّ جَسْرًا عَلَى النِّيران يَعْبُرُهُ ... بِسُرْعةٍ مَنْ لِمِنْهَاج الهُدَى عَبَرَا وأَنّ إيمَاننا شَرْعًا حَقِيقتُهْ ... قَصْدٌ وَقَولٌ وَفِعْلٌ لِلَّذِي أَمَرَا وَأَنّ مَعْصِيَةَ الرَّحْمنِ تُنْقِصُهُ ... كَمَا يَزيُدُ بِطاعَاتٍ الَّذِي شَكَرا وأَنَ طاعَةَ أُولي الأَمْرِ واجِبَةٌ ... مِنَ الْهُداةِ نُجُوم الْعِلْمِ والأُمَرَا إلاَّ إذا أَمَرُوا يَومًا بِمَعْصِيَةٍ ... مِنَ المَعَاصِي فَيُلْغَى أَمْرُهُمْ هَدَرَا وَأَنّ أَفْضَلَ قَرْنٍ لَلَّذِينَ رَأوا ... نَبِيَّنا وَبِهِمْ دِينُ الهُدى نُصِرَا ... أعْنِي الصّحَابةَ رُهْبانًا بِلَيلِهِمُ ... وفي النَّهَارِ لَدَى الْهَيجَا لَيُوثُ شَرَى وَخَيرُهُمْ مَنْ وَلِيَ مِنْهُمْ خلافَتَهُ ... والسَّبْقُ في الْفَضْلِ لِلصِّدِّيقِ مَعْ عُمَرا والتّابِعُون بإحْسانٍ لَهُمْ وكَذا ... أَتباعُهُم مِمَّنْ قَفَى الأَثَرَا ووَاجِبٌ ذِكْرُ كُلٍّ مِنْ صَحَابَتِهِ ... بالْخَيرِ والْكَفِّ عَمَّا بَينَهُم شَجَرَا فلا تَخُضْ في حُرُوب بَينَهُم وَقَعَتْ ... عن اجْتهادٍ وَكُنْ إِنْ خُضْتَ مَعْتَذِرَا والاقْتِداءُ بِهِمْ في الدِّين مُفْتَرَضٌ ... فاقْتَدِ بِهِمْ وَاتبَعِ الآثارَ والسُّوَرَا وَتَرْكُ مَا أَحْدَثَهُ المُحْدِثون فَكَمْ ... ضَلالةٍ تُبِعَتْ وَالدِّيِنُ قَدْ هُجِرَا إِنَّ الهُدى ما هَدَى الهَادِي إِلَيه ومَا ... بِهِ الْكِتابُ كَتَابُ اللهِ قَدْ أمَرَا فلا مِراءَ وما في الدِّين مِنْ جَدَلٍ ... وَهَلْ يُجَادِلُ إلاَّ كُلُّ مَنْ كَفَرا فَهَاكَ في مَذْهَبِ الأَسْلافِ قَافِيةً ... نَظَمًا بَدِيعًا وَجِيزَ اللَّفْظِ مُخْتَصَرا يَحْوي مُهمّات بابٍ في الْعَقِيدة مِنْ ... رَسَائِلِ ابْن أبِي زَيد الّذي شُهِرَا والحّمدْ للهِ مَولاَنَا ونَسْألهُ ... بأنْ يثُبتَنَا ويُعْلي لَناَ قَدْرَا وأنْ يصَلِّي عَلي المَبْعُوثِ سَيّدِنَا ... مَنْ أنْذَر الثَّقَليَنِ الجِنَّ وَالبشَرَا وَدِينُه نَسَخَ الأدَيانَ أجْمَعَهَا ... وليس يُنْسَخُ ما دَامَ الصَّفا وَحِرَا مُحَمَّدٌ خَيرُ كُلِّ العَالَمَينَ بِهِ ... خَتْمُ النَّبيّين والرُّسْل الْكِرامِ جَرَا

وَلَيسَ مِنْ بَعْدِه يُوحَى إلَى أَحَدٍ ... وَمَنْ أَجَازَ فَحَلِّلْ قَتْلَهُ هَدَرَا والآلِ والصَّحْبِ ما ناحَتْ عَلَى فَنَنٍ ... وُرْقٌ ومَا غَرَّدَتْ قَمْرِيَّةٌ سَحَرَا هذه قَصِيدة في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - أزَلْنا ما فيها مِن الغُلُو الذي ما تنُبِه لَهُ وتركنا أيضَا التَّشْبِيبَ الذي في أوَّلِهَاَ أَحْمَدُ الْهادِي إلى سُبُل الْهُدى ... كَمْ بَدا مِنْه لأَهْل أرَّضِ نُصْحُ هاشِميُّ فُرَشِيٌّ طاهِرٌ ... حَسنَ الأخلاقِ زاكي الأصل سَمْحُ جاءَ بالدِّين الحنيفيِّ وقَدْ ... طَبَّقَ الأَرْضَ مِنَ الإِشراك جُنْحُ فأَرَى النَّاسَ الهُدى بَعْدَ الرَدى ... فإذا الحقُّ تَجَلَّى مِنْهُ صُبْحُ فأبى مِنْهُمْ كِلابٌ كَيدُهُم ... حِينَ خَافُوا أُسْدَ الإِسلامِ نَبْحُ ثُمَّ لَمَّا رَامَ تَمْزِيقَ الدُّجَا ... جَاءَهُ مِنْ فَجْرِ نُورِ اللهِ رُمْحُ فَانْجلَى الشُرْكُ وَوَلَّى دُبْرَهُ ... وعَلَتْ لِلدِّينِ آطَامٌ وَصُرْحُ وَبَدَتْ أَعْلامُ إِسْلامٍ بِهَا ... صَارَ لِلأصَنامِ تَكْسِيرٌ وَطَرْحُ ... وَبِهِ الرَّحْمَنُ قَدْ أَنَقَذَنَا ... مِنْ لَظَى نَارٍ لأهْلِ الكُفْرِ تَلْحُ هُوَ خَيرُ الْخَلْق طُرًّا وَبِهِ ... لِلنّبِيِّين جَرَى خَتْمٌ وَفَتْحُ فَبِه قَدْ بُدُوا واخْتُتِمُوا ... فَهُوَ كَالْمِسكِ لَهُ في الْخَتْمِ نَفْحُ فَاقَ في حِلْمٍ وَحُكْمٍ وَحِجًى ... زَانَهُ صِدْقٌ وَصَبْرٌ ثُمَّ صَفْحُ عَزُمُهُ مَاضٍ وَأَمَّا عِلمُهُ ... فَهُو كالبَحْرِ فلا يُزُرِيهِ نَزْحُ فَهُوَ في يَوم الوَغى لَيثُ عِدًى ... وَهُو في يَومِ النَّدى غَيثٌ يَسِحُ كَفُّهُ عَارِضُ جُودٍ هَاطِلٌ ... جَادَ بَالجُودِ فلا يَعْرُهُ شُحُ وإذا مَا ثَارَ نَقْعٌ وَعَدَتْ ... عَادِياتٌ وبَدَا مِنْهُنَّ ضَبْحُ والْتَقَى البِيضُ وأطْرَافُ الْقَنَا ... في مَجَالٍ وَحَمَى لِلبَلِّ نَضْحُ

لَمْ يَكُنْ كَيدُ الْعِدَا هَائِلُهُ ... أَيَهُولُ الضَّيغَمَ الْمِقْدامَ سَرْحُ كمْ لَهُ مِنْ مَوطِنٍ فيه ارْتَوى ... مِنْ دِمَا أَعْدائِهِ سَيفٌ وَرُمْحُ كُلّ مَنْ حَارَبَهُ دَانَ لَهُ ... بَعْدَ أَنْ يُثْخِنَهُ قَتْلٌ وَجُرْحُ حَرْبُهُ نَارٌ عَلَى أَعْدائِهِ ... فَنَجَا مَنْ هُوَ لِلْمْخَتارِ صُلْحُ جَاءَهُ الْكُفّارُ فِي أَحْزابِهِمْ ... لِيُزِيلُوا شِرْعَةَ الْحَقِّ وَيَمْحُ فَتَوَلَّوا هُرَّبًا بَلْ خُيَّبًا ... مَا شَفُوا غَيظَا وَمَا لِلزِنْد قَدَحُ غَنَمٌ بالنَّطْح صالَتْ وَأَبى ... جَبَلُ الإسْلام أَنْ يُوهيهِ نَطْحُ وَلَهُ صَحْبٌ لُيُوثٌ هَمُّهُم ... لِدَمِ الْكُفّارِ في الْهَيجاءِ سَفْحُ لَمْ يُلاقُوا أَحَدًا إِلاَّ انْثنى ... وَتَولّى وَلَهُ في الْعَدْوِ جَمْحُ فَهُمُ الشُّجْعَانُ إِن جَاء الضّيا ... وَهُمُ الرُّهْبانِ مَهْما جَنَّ جُنْحُ وَهُمُ الْقَومُ إذا مَا عَبَسَتْ ... وَاكْفَهَرّت أَوْجُهٌ لِلْحَرْبِ كُلْحُ لاَ ترى فَخْرًا إذا نالُوا ولاَ هُم ... جَزعًا إنْ نالَهُمْ في الْحَرْبِ قَرْحُ كَمْ سَقُوا حِزْب الْعِدَى كأْسَ الرَّدَى ... وَهُوَ فِي الذَّوقِ مِنَ الْعَلْقَمِ صَرْحُ فَهُمُ الأَنْصارُ لِلدِّينِ لَهُمْ ... أبدًا في نُصْرةِ الإِسْلام كَدْحُ ُ بَذَلُوا الأَنْفُسَ والأَنْفَسَ مِنْ ... مَا لَهُم للهِ ما ضَنٌّوا وَشَحُّوا حَسْبهُم مِنْ مالِهمْ سَابغَةٌ ... وَجَوادُ ثُم صَمْصامٌ وَسَمْحُ فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ ذَنْبِي كُلَّهُ ... وَاسْتُر الْعَيبَ فَلاَ يُبْدِيهِ فَصْحُ وَأَجِبْ رَبِّي دُعائِي إِنَّهُ ... لِقَضاءِ الحاجِ مِفْتَاحٌ وَنَجْحُ ... وَأَتِمَّ الْحَمْدَ للهِ عَلَى ... فَضْلِهِ والْفَضْلُ مِنْ ذِي الْعَرْشِ منْحُ وَصَلاةُ اللهِ مَعْ تَسْلِيمِهِ ... مَا جَرى فُلْكٌ لهُ فِي الْبَحْرِ سَبْحُ أَبدًا يَهْدِي إلى خَيرِ الْوَرَى ... مَنْ لَهُ في كُتُبِ الرَّحْمنِ مَدْحُ أَحْمَدُ والآلُ والصَّحْبُ وَمَنْ ... لَهُمْ يَقْفُو عَلَى الأَثْرِ وَيَنْحُو

فها سنة المعصوم خيرة خلقه

مَا حَدَى بالْعِيسِ حَادِيهَا ومَا ... أَطْرَبَ السَّمْعَ مِنَ السَّاجِعِ صَدْحُ * * * فَهَا سُنَّةُ المَعْصُومِ خِيرَةِ خَلْقِهِ ... شَكَتْ بِلِسانِ الحَالِ طُولَ جَفَاهَا فَنَسْألُ رَبُّ العَرْشِ تَيِسْيرَ مَخْلِصٍ ... يُزَيلُ ظَلاَمًا قَدْ طَمَا وَعَلاَهَا فَتًى قَدْ جَنى مِنْ كُلِّ فَنٍ ثِمَارَهُ ... وَأَمَّ إِلى هَامِ العُلَى فَعَلاهَا قَريبٌ إِلى أَهْلِ الشَريعَة والتُّقَى ... وَيَبْعُد عَمَّن يَرْتَضِي بِسِواهَا عَفِيفٌ عَنْ الأَموالِ إلاَّ بِحَقِّها ... وَعَنْ زَهْرَةِ الدُّنيا يُطيلُ جَفَاهَا يُوالِي وَيُدْنِي أَهْلَ سُنَّةِ أَحْمَدَ ... بَعيدٌ لِمَنْ يَهْدِي بِغَيرِ هُدَاهَا تَراهُ إِلى دَارِ الإِقامَةِ ظَاعِنًا ... يَرَى زَهرَةَ الدُّنْيا يَطِيرُ هبَاهَا يَحُفُّ بِهِ قَومٌ عَلَى كُلِّ سَابِحٍ ... مُنَاهُمْ مُنَاوَاةُ العِدى وَلِقَاهَا يَقُودُ أسُودًا في الحُرُوبِ ضَيَاغِمًا ... تَعُدُّ المَنَايَا في الحُرُوبِ مُناهَا ويَعْروُهُمُوا عنْدَ المُلاقاتِ هِزَّةُ ... وَيُسْكِرُهُمْ دَمْعُ العِدَا ودِمَاهَا وَيَطربُهُمْ هَزُّ القَنَا بِأَكُفِّهِمْ ... وَوَقْعُ الْعَوالِي في صُدُورِ عِداهَا وَلاَ جَمَعوا مَالاً وَلاَ كَسَبُوا لَهُمْ ... مَسَاكِنَ لا يَرْضَى الإِلهُ بِنَاهَا وَمَا قَصَدُوا مِنْ سَفْكِهِمْ لِدَم العِدَى ... وَضَرْبِ طَلاَها بالطِّلا لِرَدَهَا سِوَى أنَّهُمْ يُحْيُونَ شِرْعَة أَحْمَدٍ ... وَيُعْلُونَ مِنْها مَا وَهَى لِعُلاَهَا وَلا هَمُّهُمْ جَمْع الحُطانِ فَزَخْرَفُوا ... قُصُورًا وَلاَ بَاهَوا بِرَفْعِ بِنَاهَا وَلاَ قَصْدَهُمْ مِمَنْ أَبَادَوهُ بِالقَنا ... وَتَطْويقُهم بالسيفِ بيضَ طَلاَهَا سِوى رَفْع أعْلاَمِ الشّريَعِة في الْوَرَى ... وَيَنُفُونَ عَنْهَا باطِلاً بِدَوَاهَا سَيَنْجابُ عَنْها بِالصَّوَارِمِ مَا دَجَا ... فَيُشْرِقُ في ألآفَاقِ نُورُ سَنَاهَا وَتَنْفُذُ أَحْكَامُ الشّريعَةَ فِيهِمُوا ... وَوَيلٌ لِمَنْ يَهْدِي بِغَيرِ هُداهَا وَيَغسِل عَنٌها السَّيفُ أوسَاخَ بِدْعَةٍ ... فَتَسْمُقُ أنْوارُ الهُدَى فَنَرَاهَا وَتَنْفُذُ في الطَّاغِي سِهَامُ قِسِيّهِم ... فَتَظْهَرُ أَحْكَامُ الهُدَى بِهُدَاهَا ...

فَيَا مَنْ لَهُمْ في الدِينِ أَقْصَرُ هِمَّةٍ ... إِلَى كَمْ تُمَنُّونَ النُفُوسَ مُنَاهَا نَرَى كُلَّ يَومٍ مُنْكَرَاتٍ فَظيعَةً ... وَلاَ نَتَحَامَى عَارَهَا وَعَرَاهَا وَمَا حَصَلَ الإِنْصَافُ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ ... فَحَيَّ هَلاَ يَا مَنْ يُرِيدُ حِمَاهَا تَعَالَوا بِنَا نُحْيِ رِياضًا مِنَ العَلَى ... وَنَرْفَعُ أعْلاَمَ الهُدَى وَذُرَاهَا وَفُكُّوا عَنِ الأفْكارِ أَقْيادَ شُغْلِهَا ... لِنَنْظُرَ في عُقْبَى مَآلِ عُلاَهَا فَمَا اللهُ عَمَا تَعْمَلونَ بِغَافِلٍ ... سَيَجزِي العِدَى يَومَ الجِزَا بِجَزَاهَا فَفِي الذِّكْرِ أَخْبارٌ بِسُوءِ مَآلَهِم ... إِذَا رَامَها مَنْ شَاءَهَا سَيَرَاهَا بِرِبِّكُمواْ رُدُّو إسْلاَمي عَلى أمرِي ... عَنْ السُّنَّةِ الغَرَا أَمَاطَ قَذَاهَا خَلِيليَّ هَلْ مِنْ سَامِعٍ لِشَكِيَّتِي ... إِذَا بُحْتُ بالشَّكْوَى يَبُلُّ صَدَاهَا فَإِنْ تَجِدَاهُ فَاكْشِفَا عَنْ نِقَابِها ... وَإلاَّ فَبِالكُفْءِ الكَريمِ عِدَاهَا أَلَمْ تَسْمَعُوا تَحْرِيفَ سُنَّةِ أَحْمَدَ ... وَسَومِ الأَعَادِي في مُرُوجِ حِمَاهَا إِذَا قِيلَ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُولُه ... يَقُولُونَ قَال الأكْثَرُونَ سِوَاهَا بِلادٌ جَبَينَاهَا وَسُسْنَا أُمُورَهَا ... فَنَحْنُ كَمَنْ قَدْ سَاسَهَا وَجَبَاهَا وَإِنْ قِيلَ ما شَأْنُ المَزَامِيرِ والغِنَا ... بَلِ الظُّلْمُ قَالُوا كَي نُخِيفَ عِدَاهَا وَآذَانُهُمْ صُمُّ عَنِ الحَقِّ والهُدَى ... وَأَبْصَارُهُمْ قَدْ طَالَ عَنْهُ عَمَاهَا فَصَدُّوا وَمَا رَدُّوا شَرِيدًا وَهَدَّموا ... قَواعِدَ خَيرُ المُرسَلينَ بَنَاها فَتَبًا لَها تَبًّا وَسُحْفًا لِفِرْقَةٍ ... جَمِيعُ الضَّلالاتِ اشْتَرتْ بِهُدَاهَا وَبُعْدًا لَها بُعْدًا وَتَبًّا لها وَمَنْ ... يُحَاولُ مِنْهَا في الجَهَالَةِ جَاهَا فَغَوثَاه وَا غَوثَاهُ هَلْ مِنْ مُثَابِرٍ ... يُزِيلُ قَذَاهَا سَيفُهُ وَشَجَاهَا إذا سُلَّ مِنْ نُورِ الشَّريعةِ صَارِمًا ... عَلَى ظُلْمَةٍ لِلظَّالمينَ جَلاهَا فيا لِلْعُقُولِ السّامياتِ إِلَى العُلا ... وَيَا مَنْ مُنِحْتُمْ أَنْفُسًا وَهُدَاهَا أَلَسْنَا نَرَى في كُلِّ يَومٍ مَنَاكِرًا ... فَنُعْرِضُ لا نَنْهَى وَلا نَتَنَاهَا وَمَا كَانَ مِنَّا صَادِمٌ لِمُشَاغِب ... أَدَارَ مِنَ الْحَرْبِ الضَّرُوسِ رَحَاهَا

فَحيّ هَلاَ نُحْيِي مِنَ الْوَحْي سُنَّةً ... وَقَدْ سَنْحَتْ عَينٌ تُطِيلُ كَرَاهَا وَهُبُّوا فَقَدْ طَالَ المَنامُ وَشَمِّرُوا ... لِنَسْبَحْ في غَمْرَاتِها وَحُلاَهَا فَقَدْ وَعَدَ الرَّحْمَنُ نُصْرَةَ دَينِهِ ... وَلَكِنْ قَضَى أَنْ للأُمُورِ مَدَاها وَأَنْزَلَ في التَّنْزِيلِ أَخْبَارَ مَنْ طَغَى ... وَكَمْ ضُمِّنَتْ «طَ. سْ» مِنْهَ وَ «طَاهَا» ... فَيَا لَعِبَادِ الله هَلْ مِنْ مُحَقِّقٍ ... عَلَى شِرْعَةِ المُختَارِ رَدَّ رُوَاهَا خَلَيلَيَّ هَلاَ قَد وَجَدْتُمْ مُهَذَّبًا ... إِذَا بُثَّتِ الشِّكْوَى إِلَيهِ وَعَاهَا فَإن تَجِدَاهُ فالمَرَامَ وَجَدْتُما ... وَإِلاَّ فَصُونَا وَجْهَهَا وَقَفَاهَا فَوَاحَزَنًا مِنْ هَجْرِ سُنَّةِ أَحْمَدَ ... بِغَيرِ تَحَاشٍ وانْتَهاكِ حِمَاهَا إِذَا قِيلَ مَا هَذِي المَقَايِيسُ وَالهَوى ... يَقُولُونَ عَادَاتٌ وَنَحْنُ نَرَاهَا وَمُلْكٌ وَأراضٍ قدْ جَبَينَا خَراجَها ... كَمَا سَاسَها مَنْ قَبْلَنا وَجَبَاهَا وَإِنَّ قِيلَ ما شأْنُ المَظَالِمِ جَهْرَةً ... يَقُولُونَ إِرْهَابٌ فَقُلْتُ بَلاهَا قُلوبٌ لَهُمْ لاَ تَعْقِلُ الحقَّ بَلْ وَلاَ ... تَلِينُ لِذِكرِ اللهِ عِنْدَ قَسَاهَا

مقطعات في التزهيد في الدنيا والحث على صيانة الوقت

مَقَطَّعَات في التَّزْهِيدِ في الدنيا والحثِ عَلَى صِيَانةِ الوقت يُحِبُّ الفَتَى طُول البَقَاءِ كَاَّنَّهُ ... عَلَى ثِقَةٍ أنَّ البَقَاءَ بَقَاءُ إذَا مَا طَوَى يَومًا طَوَى اليَومُ بَعْضَهُ ... وَيَطْوِيهِ إنْ جَنَّ المَسَاءُ مَسَاءُ زِيَادَتُهُ فِي الجِسْمِ نَقْصُ حَيَاتِهِ ... وَأَنَّى عَلَى نَقْصِ الحَيَاةِ نَمَاءُ انْتَهَى آخر: سَلِ المَدائِن عَمَّنْ كَانَ يَمْلِكُهَا ... هَلْ أنَسَتْ مِنْهُمْ مِن بَعْدِهمْ خَبَرا فَلَو أَجَابَتْكَ قالتْ وهيَ عَالمةٌ ... بِسِيرَة الذاهِبِ الماضِي وَمْن غَبَرَا أَرَتْهُمْ العِبَرَ الدُنْيَا فما اعْتَبَروا ... فَصَيَّرتْهُمْ لِقَومٍ بَعْدَهُمْ عبَرَا انْتَهَى آخر: نَبْكِي عَلَى الدُّنْيَا وَمَا مِنْ مَعْشَرٍ ... جَمَعَتْهُم الدُّنْيَا فَلَمْ يَتَفَرَّقُوا أَينَ الأكَاسِرَةُ الجَبَابِرةُ الأُلَى ... كَنَزُوا الكُنُوزَ فمَا بَقَينَ ولاَ بَقُوا مِنْ كُلِّ مَنْ ضَاقَ الفَضَاءُ بِجَيشِهِ ... حَتَّى ثَوَى فَحَوَاهُ لَحْدٌ ضَيِّقُ فَالمَوتُ آتِ وَالنُّفُوسُ نَفَائِسٌ ... والمُسْتَغَرُ بمَا لَدَيهِ الأَحْمَقُ انْتَهَى ووجد مكتوب عَلَى جدار محلة قديمة بغربي بغداد: هذِي مَنَازِلُ أَقْوَامٍ عَهِدْتُهُمُ ... في خَفْضِ عَيشٍ وِعزٍّ مَا لَهُ خَطَرُ صَاحَتْ بِهِمْ نائباتُ الدَّهِر فانقَلبُوا ... إِلَى القُبُورِ فَلا عَينٌ ولا أَثَرُ آخر: تَرَى الذي اتَّخَذَ الدُنْياَ لَهُ وَطَنًا ... لمَ يَدْرِ أَنَّ المَنَايَا عَنْهُ تُزْعِجُهُ مَن كَانَ يَعْلَمُ أنَّ المَوتَ مَدْرَجُهُ ... والقَبْرَ مَنْزِلُهُ والبَعْثَ مَخْرَجُهُ وَأَنَّهُ بَينَ جَنَّاتٍ سَتَبْهَجُهُ ... يَومَ القِيَامَةِ أَو نَارٍ سَتنْضِجُهُ

ألا أيها المغرور في نوم غفلة

فَكُلُّ شَيءٍ سَوَى التَّقْوَى بِهِ سَمَجٌ ... وَمَا أَقَامَ عَلَيهِ فَهُوَ أَسْمَجُهُ انْتَهَى آخر: أَلاَ أيُها المَغْرورُ في نَومِ غَفْلَةٍ ... تَيَقَّظْ فإنَّ الدَّهَرَ للنَّاسِ نَاصِحُ فكَمْ نائِم في أوَّلِ الليلِ غَافِلٍ ... أَتَاهُ الرَّدَى في نَومِهِ وهو صَابِحُ فَشَقَّ عَلَيه الليلُ جَيبَ صَبَاحِهِ ... وقَامَتْ عَليهِ لِلطُّيُورِ نَوائحُ انْتَهَى حث عَلَى قيام الليل آخر: إِذَا مَا اللَّيلُ أَظْلَمَ كَابَدُوهُ ... فَيُسْفِرُ عَنْهُمُوا وَهُمُوا رُكُوعُ أَطَارَ الخَوفُ نَومَهُمُوا فَقَامُوا ... وَأَهْلُ الأَمْنِ في الدُّنْيَا هُجُوعُ لَهُمْ تَحْتَ الظَّلاَمِ وَهُمْ سُجُودٌ ... أَنِينٌ مِنْهُ تَنْفَرِجُ الضُّلُوعُ وَخُرْسٌ في النَّهَارِ لِطُولِ صَمْتٍ ... عَلَيهِمْ مِنْ سَكِينَتِهِمْ خُشُوعُ انْتَهَى حث عَلَى الأعمال الصالحة آخر: فَبَادِرْ إلى الخَيرَاتِ قَبْلَ فَوَاتِهَا ... وَخَالِفْ مُرَادَ النَّفْسِ قَبْلَ مَمَاتِهَا سَتَبْكِي نُفُوسٌ في القِيَامَةٍ حَسْرَةً ... عَلَى فَوتِ أَوقَاتٍ زَمَانَ حَيَاتِهَا فَلاَ تَغْتَرِرْ بالعِزِّ وَالمَالِ والمُنَى ... فَكَم قَدْ بُلِينَا بانْقِلاَبِ صِفَاتِهَا انْتَهَى

أجل ذنوبي عند عفوك سيدي

آخر: أَجَلُّ ذُنُوبِي عِنْدَ عَفْوِكَ سَيِّدِي ... حَقِيرٌ وإِنْ كَانَتْ ذُنُوبِي عَظَائِمَا وما زِلْتَ غَفَّارًا وَمَا زِلْتَ رَاحِمًا ... وما زِلْتَ سَتَّارًا عَلَيَّ الجَرَائِمَا ... لَئِنْ كُنْتُ قَدْ تَابَعْتُ جَهْلِيَ في الهَوَى ... وَقَضَيتُ أَوطَارَ البَطَالَةِ هَائِمَا فَهَا أَنَا قَدْ أَقْرَرْتُ يَا رَبُّ بالذِي ... جَنَيتُ وَقَدْ أَصْبَحْتُ حَيرَانَ نَادِمَا انْتَهَى وَقَالَ آخَرُ: وَلَما رَأَيتُ لوقْتٍ يُؤْذِنُ صَرْفُهُ ... بِتَفْرِيقِ مَا بَينِي وَبَينَ الحَبَائِبِ رَجَعْتُ إلى نَفْسِي فَوَطّنَتُهَا عَلَى ... رُكُوبِ جَمِيلِ الصَّبْرِ عِنْدَ النَّوَائِبِ وَمَنْ صَحِبَ الدُّنْيَا عَلَى سُوءِ فِعْلِهَا ... فَأَيَّامُهُ مَحْفُوفَةٌ بِالمَصَائِبِ فَخُذْ خَلْسَةً مِنْ كُلِّ يَومٍ تَعِيشُهُ ... وَكُنْ حَذِرًا مِنْ كَامِنَاتِ العَوَاقِبِ انْتَهَى آخر: وَلَيسَ الأَمَانِي لِلْبَقَاءِ وإِن جَرَتْ ... بِهَا عَادَةٌ إلا تَعَالِيلُ بَاطِلِ يُسَارُ بِنَا نَحْوَ المَنُونِ وَإِنَّنَا ... لَنُسْعَفُ في الدُنْيَا بطَيِّ المَرَاحِلِ

قف بالمقابر واذكر إن وقفت بها

غَفَلْنَا عَن الأَيَّامِ أَطْوَلَ غَفْلَةٍ ... ومَا حُوبُهَا المَجْنِيُّ مِنْهَا بِغَافِلِ انْتَهَى آخر: قِفْ بالمَقَابِرِ واذْكُرْ إِنْ وَقَفْتَ بِهَا ... للهِ دَرُّكَ مَاذَا تَسْتُرُ الحُفَرُ فَفِيهِمُ لَكَ يَا مَغْرُورُ مَوعِظَةٌ ... وَفِيهِمُ لَكَ يَا مَغْرُورُ مُعْتَبَرُ كَانُوا مُلُوكًا تُوَارِيهِمْ قُصُورَهُم ... دَهْرًا فَوَارَتْهُمُ مِن بَعْدِهَا الحُفَرُ انْتَهَى اللهم يا مُصْلحَ الصَّالحِينَ أَصْلحْ فَسَادَ قُلُوبِنَا واسْتُرْ في الدنيا والآخِرَةِ عُيُوبَنَا واغفرْ بعَفْوِكَ ورحمتِكَ ذَنوبَنَا وَهَبْ لَنا مُوبِقاتِ الجَرَائِر واسترْ عَلينا فَاضِحَاتِ السَّرَائِر ولا تُحْلِنَا في مَوقَفِ القِيَامَةِ مِن بَرْدِ عَفْوِكَ وَغُفْرانِكَ ولا تَتُرُكْنَا مِن جَمِيلِ صَفْحِكَ وَاحْسَانِكَ واغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدينَا وَلَجِميع المسلمين برحمتكَ يا أرحمَ الراحمين، وصلِّ الله عَلَى محمدٍ وعَلَى آلِهِ وصحبه أجمعين. آخر: لَعَمْرُكَ مَا حَيٌّ وإنْ طَالَ سَيرُهُ ... يُعَدُّ طَلِيقًا والمنُونُ لَهُ أَسْرُ ولا تَحْسَبَنَّ المَرْءَ فيهَا بِخَالِدٍ ... ولكِنَّهُ يَسْعَى وغايتُهُ القَبْرُ آخر: قِفْ بالقُبُور ونادِ المُسْتِقرَّ بِهَا ... مِنْ أعْظُمٍ بَليَتْ فيها وأجْسَادِ

نراع لذكر الموت ساعة ذكره

قَوَمٌ تَقَطَّعَتِ الأسْبَابُ بَينَهُوا ... بَعْدَ الوصَالِ فَصَارُوا تَحْتَ ألْحَاد واللهِ لَو بُعْثَرُوا يَومًا ولَو نُشِرُوا ... قَالُوا بأن التُّقَى مِنْ أعْظِم الزَّادِ انْتَهَى آخر: نُراعُ لِذِكْرِ الموتِ سَاعَةَ ذِكْرِهِ ... وتَعْتَرِضُ الدُّنْيَا فَنَلهُوا ونَلْعَبُ يَقينٌ كأنَّ الشَّكَ غَالِبُ أمرِهِ ... عَلَيهِ وعِرْفَانٌ إلى الجَهْلِ يُنْسَبُ انْتَهَى ويقال إنه كان عَلَى قبر يَعُقوب بنَ لَيث مَكْتوبًا هذه الأبيات عَمِلَها قبلَ مَوتِه وأمَرَ أن تُكْتَبَ عَلَى قبره وهي هذه: سَلامٌ عَلَى أهِل القُبورِ الدَّوارِسِ ... كَأَنَّهُمُ لم يَجْلِسُوا في المجالسِ ولم يَشْرَبُوا مِن بَارد الماءِ شربةً ... ولم يَأَكُلُوا ما بَين رَطْبٍ ويابسِ فقد جَاءنِي الموتُ المهُولُ بِسَكْرَةٍ ... فَلَم تُغْنِ عَني أَلْفُ آلافِ فارِسِ فَيَا زَائِرَ القَبْرِ اتَّعِظ واعْتَبِرْ بِنَا ... ولا تَكُ في الدنيا هُدِيتَ بآنِسِ خراسَانُ نَحويها وأطرافَ فارِسٍ ... وما كُنْتُ عن مُلْكِ العِرَاقِ بآيِسِ سَلامٌ عَلَى الدُنْيَا وطِيبِ نَعِيمِهًا ... كَأَنْ لم يَكُنْ يَعُقوبُ فِيها بِجَالِسِ انْتَهَى آخر: قِفْ بالقُبُورِ وَقُلْ عَلَى سَاحَاتِهَا ... مَنْ مِنكُمُ المَغْمُورُ في ظُلُمَاتِهَا وَمَنِ المُكَرَّمُ مِنكمُ في قَعْرِهَا ... قَدْ ذَاقَ بَرْدَ الأَمْنِ مِن رَوعَاتِهَا

إلام تجر أذيال التصابي

أَمَّا السُكُونُ لِذِي العُيُونِ فَوَاحِدٌ ... لاَ يَسْتَبِينُ الفَضْلُ في دَرَجَاتِهَا لَو جَاوَبُوكَ لأَخْبَرُوكَ بِأَلْسُنٍ ... تَصِفُ الحَقَائِقَ بَعْدُ مِن حَالاَتِهَا أَمَّا المُطِيعُ فَنَازِلٌ في رَوضَةٍ ... يُفْضِي إِلى مَا شَاءَ مِن دَوحَاتِهَا ... والمُجْرِمُ الطَّاغِي بِهَا مُتَقَلِّبٌ ... في حُفْرَةٍ يأوِي إِلى حَيَّاتِهَا وَعَقَارِبٌ تَسْعَى إِليهِ فَرُوحُهُ ... فِي شِدَّةِ التَّعْذِيبِ مِن لَدَغَاتِهَا انْتَهَى آخر: إلامَ تَجرُّ أذَيالَ التَّصَابِي ... وشَيبُكَ قَدْ نَضَأ بُرْدَ الشَّبَابِ بَلالُ الشيب في فَودَيكَ نَادَي ... بأعَلَى الصَّوتِ حَيَّ عَلَى الذَّهَابِ خُلِقْتَ مِن التُرَابِ وعن قَرِيبٍ ... تُغَيَّبُ تَحْتَ أطبَاقِ التُّرابِ طَمِعْتَ إقامَةً في دَارِ ظَعْنِ ... فلا تَطْمَعْ فِرِجْلُكَ في الرِّكَابِ وأرْخَيتَ الحِجَابَ وسَوفَ يأتِي ... رَسُولٌ لَيسَ يُحْجَبُ بَالحِجَابِ أعَامِرَ قَصْرَكَ المرفوعَ أَقْصِرْ ... فإنَّكَ سَاكِنُ القَبْرَ الخَرَابِ آخر: خَلتْ دُورُهُمْ مِنْهُمْ وَأقْوَتْ عِراصُهُمْ ... وَسَاقَهُمُ نَحْوَ الْمَنَايَا المَقَادِرُ

إن الليالي من أخلاقها الكدر

وَخَلَّوا عَنْ الدُّنْيَا وَمَا جَمَعُوا لَهَا ... وَضَمَّهُمُ تَحْتَ التُّرَابِ الحَفَائِرُ انْتَهَى آخر: وَفِي ذِكْرِ هَولِ المَوتِ وَالقَبْرِ وَالبِلَى ... عَنْ اللَّهْوِ وَاللَّذَاتِ لِلْمَرْءِ زَاجِر أَبَعْدَ اقْتِرَابِ الأَرْبَعِينَ تَرَبُّصٌ ... وَشَيبُ قَذالٍ مُنْذِرٌ للأَكَابِر انْتَهَى آخر: إِنَّ اللَّيَالِي مِنْ أَخْلاَقِهَا الكَدَرُ ... وَإِنْ بَدَا لَكَ مِنْهَا مَنْظَرٌ نَظِرُ فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِمَّا تَغُرُّ بِهِ ... انْ كَانَ يَنْفَعُ مِنْ غِرَّاتِهَا الحَذَرُ قَدْ أَسْمَعَتْكَ اللَّيَالِي مِن حَوَادِثِهَا ... مَا فِيهِ رُشْدُكَ لَكِنْ لَسْتَ تَعْتَبِرُ يَا مَنْ يُغَرُّ بدُنْيَاهُ وَزُخْرٌفِهَا ... تَاللهِ يُوشِكُ أَنْ يُودِي بِكَ الغَرَرُ وَيَا مُدِلاًّ بحُسْنٍ رَاقَ مَنْظَرُهِ ... لِلْقَبْرِ وَيحَكَ هَذَا الدَّلُّ وَالفَخَرُ تَهْوَى الحَيَاةَ وَلاَ تَرْضَى تُفَارِقُهَا ... كَمَنْ يُحَاوِلُ وِرْدًا مَا لَهُ صَدَرُ كُلُّ امْرِئٍ صَائِرٌ حَتْمًا إِلى جَدَثٍ ... وَإنْ أَطَالَ مَدى آمَالِهِ العُمُرُ انْتَهَى ...

للموت فاعمل بجد أيها الرجل

آخر: لِلْمَوتِ فَاعْمَلْ بِجِدٍ أَيُّهَا الرَّجُلُ ... واعْلَمْ بِأَنَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ مُرْتَحِلُ إِلَى مَتَى أَنْتَ فِي لَهُوٍ وَفِي لَعِبٍ ... تُمْسِي وَتُصْبِحُ في اللَّذَّاتِ مُشْتَغِلُ كَأَنَّنِي بِكَ يَاذَا الشَّيبِ فِي كُرَبٍ ... بَينَ الأحِبَّةِ قَدْ أَودَى بِكَ الأَجَلُ لَمَّا رَأوْكَ صَرِيعًا بَينَهُمْ جَزِعُوا ... وَوَدَّعُوكَ وقَالُوا قَدْ مَضَى الرَّجُلُ فَاعْمَلْ لِنْفْسِكَ يَا مِسْكِينُ فِي مَهَلٍ ... مَا دَامَ يَنْفَعُكَ التِّذْكَارُ وَالْعَمَلُ إنَّ التَّقِيَّ جِنَانُ الْخُلْدُ مَسْكَنُهُ ... يَنَالُ حُورًا عَلَيها التَّأجُ وَالْحُلَلُ وَالْمُجْرِمِينَ بِنَارٍ لا خُمُودَ لَهَا ... فِي كُلّ وَقْتٍ مِنَ الأَوقَاتِ تَشْتَعِلُ انْتَهَى هذه قصيدة جميلة أزلنا ما فيها من الغلو وعوضنا عنه ما بين الأقواس: كَأُنَ نُجُومًا أَومَضَتْ في الغَيَاهِبِِ ... عُيُونُ الأَفَاعِي أَو رُءُوسُ العَقَارِبِ إذا كانَ قَلْبُ المَرْءِ في الأَمْرِ حَائِرًا ... فَأَضْيَقُ مِن تِسْعِينَ رَحْبُ السَبَاسِبِ وتَشْغَلُني عَنِي وعَن كُلِّ رَاحَتِي ... مَصَائِبُ تَقْفُوا مِثْلَهَا في المَصَائِبِ

إذَأ مَا أَتَتْنِي أَزْمَةٌ مُدْلَهِمَّةٌ ... تُحِيطُ بِنَفْسِي مِن جَمِيعِ الجَوَانِبِ تَطَلَّبْتُ هَلْ مِن نَاصِرٍ أَو مُسَاعِدٍ ... أَلُوذُ بِهِ مِن خَوفِ سُوءِ العَواقِبِ «فَلَسْتُ أَرَى إِلاَّ الذِي فَلَقَ النوى ... هو الواحِدُ المُعْطِي كَثِيرُ المَواهِبِ» «ومُعْتَصَمُ المُكْرُوبِ في كُلِّ غَمْرةٍ ... ومُنْتَجَعُ الغُفْرَانِ مِن كُلِّ هَائِبِ» «مُجِيبُ دُعا المُضْطَرِّ عِندَ دُعَائِهِ ... ومُنْقِذُهُ مِن مُعْضِلاتِ النَّوائِبِ» «مُعِيدُ الوَرَى في زَجْرَةٍ بَعد مَوتِهِم ... لِفَصْلِ حُقُوقٍ بَينَهُم ومَطَالِبِ» ففي ذَلِكَ اليومِ العَصِيبِ تَرَى الوَرَى ... سُكَارَى وَلاَ سُكْرٌ بِهِم مِن مَشَارِبِ حُفَاةً عراةٌ خَاشِعِينَ لِرَبِّهِم ... فَيَا وَيحَ ذِي ظُلْمٍ رَهِينَ المَطَالِبِ فيأتوا لِنُوحٍ والخَلِيلِ وَادَمٍ ... ومُوسَى وعِيسَى عِنْدَ تِلْكَ المَتاعِبِ لَعَلَّهُمُ أَنْ يَشْفَعُوا عِندَ رَبِّهم ... لِتَخْلِيصِهِمْ مِن مُعْضِلاَتِ المَصَاعِبِ فما كان يُغْنِي عَنْهُمُوا عند هَذِهِ ... نَبِيّ ولم يُظْفِرْهُمُ بالمآرِبِ هَنَاكَ رسولُ الله يَأْتِي لِرَبهِ ... لِيَشْفَعْ لِتَخْلِيصِ الوَرَى مِن مَتَاعِبِ

فَيَرْجِعُ مَسْرُورًا بِنَيلِ طِلابِهِ ... أصَابَ مِن الرحمنِ أَعَلَى المَراتِبِ سُلالةُ إسماعيلَ والعِرْقُ نَازِعُ ... وأَشْرَفُ بَيتٍ مِن لُؤَي بنِ غالبِ ... بِشَارَةُ عِيسَى والذي عنه عَبَّرُوا ... بِشِدَّةِ بَأسِ بالضَّحُوكِ المُحَارِبِ ومَن أَخْبَرُوا عنه بِأَنْ لَيسَ خُلْقُهُ ... بِفَظٍ وفي الأَسْوَاقِ لَيسَ بِصَاخِبِ ودَعْوَةُ إبْراهِيمَ عندَ بِنَائِهِ ... بِمَكَّةَ بَيتًا فيهِ نَيلُ الرَّغَائِبِ جَمِيلُ المُحَيَّا أَبْيَضُ الوَجْهِ رَبْعَةً ... جَلِيلُ كَرَادِيسَ أَزَجُ الحَواجِبِ صَبِيحٌ مَلِيحٌ أَدْعَجُ العَينِ أَشْكَلٌ ... فَصِيحٌ لَهُ الإِعْجَام لَيس بشَائِبِ وأَحْسَنُ خَلْقِ الله خُلْقًا وخِلْقَةً ... وأَنْفَعُهُم لِلْنَّاس عِندَ النَّوائِبِ وأَجْوَدُ خَلْقِ اللهِ صَدْرًا ونائِلاً ... وأَبْسَطُهُم كَفًا عَلَى كُلِّ طَالِبِ وأَعْظَمُ حُرٍّ لِلمَعَالِي نُهُوضُهُ ... إلى الْمَجدِ سَامٍ لِلعَظائِمِ خَاطِبِ تَرى أَشْجَعَ الفُرسَانِ لاذّ بِظَهْرِهِ ... إذَا احْمَرَّ بَأسٌ في بَئِيسِ المَواجِبِ وأذَاهُ قَومٌ مِن سَفَاهَةِ عَقْلِهِم ... ولَم يَذْهَبُوا مِن دَينِهِ بِمَذاهِبِ

فمَا زَالَ يَدْعُو رَبَّهُ لِهُدَاهُمُ ... وإنْ كَانَ قَدْ قَاسَى أَشَدَّ المَتَاعِبِ ومَا زالَ يَعْفُو قَادرًا مِن مُسِيئِهِمْ ... كما كانَ مِنه عَندَ جَبْذَةَ جَاذِبِ ومَا زالَ طُولَ العُمرِ للهِ مُعْرِضًا ... عَن البَسْطِ في الدُنيا وعَيشِ المَزَارِبِ بَدِيعُ كَمَالٍ في المَعالِي فلا امْرؤٌ ... يكُونُ لَهُ مِثْلاً ولا بِمُقَارِبِ أتَانَا مُقِيمَ الدِينِ مِن بَعدِ فَتْرِةٍ ... وتَحْرِيفِ أدْيَانٍ وطُولِ مَشَاغِبِ فَيَا وَيلَ قَومٍ يُشْرِكُونَ بِرَبِهم ... وفيهم صُنُوفٌ مِن وَخِيمِ المَثَالِبِ ودِينُهُم مَا يَفْتَرونَ بِرَأْيِهِم ... كَتَحْرِيمِ حَامٍ واخْتِرَاعِ السَّوائِبِ ويَا وَيلَ قَومٍ حَرَّفُوا دِينَ رَبِّهِم ... وَأفْتَوا بِمَصْنُوعٍ لِحفْظِ المناصِبِ ويَا وَيلَ مَن أطْرَى بِوَصْفِ نَبِيِّهِ ... فَسَمَاهُ رَبَّ الخَلْقِ إطْرَاءَ خَائِبِ ويَا وَيلَ قَومٍ قَدْ أَبَارَ نُفُوسَهُمْ ... تَكَلُّفُ تَزْوِيقٍ وَحُبُّ المَلاَعِبِ ويَا وَيلَ قَومٍ قَدْ أَخَفَّ عُقُولَهُم ... تَجَبُّرُ كِسْرَى واصْطِلاَمُ الضَّرائِبِ فأدْرَكَهُم فِي ذَاكَ رَحْمَةُ رَبّنَا ... وقَدْ أَوجَبُوا مِنْهُ أَشَدَّ المَعَائِبِ

فَأَرْسَلَ مِنَ عَلْيَا قُرَيشٍ نَبِيَّهُ ... ولَم يَكُ فِيمَا قَدْ بَلَوهُ بِكَاذِبِ ومِنْ قَبْلِ هَذَا لَم يُخَالِطْ مَدَاس الْـ ... ـيَهُودِ وَلَمْ يَقْرأ لَهُم خَطَّ كَاتِبِ فأَوضَحَ مِنْهَاجَ الهُدَى لِمَنْ اهْتَدَى ... ومَنَّ بِتَعْلِيمٍ عَلَى كُلِّ رَاغِبِ وأَخْبَرَ عَن بَدْءٍ السماءِ لَهُمْ وعَنْ ... مَقَامٍ مَخُوفٍ بَينَ أيدِي المُحَاسِبِ وعن حُكْمِ رَبِّ العَرْشِ فيما يُعِينُهُم ... وعَنْ حِكَمٍ تُرْوَى بِحُكْمِ التَجَارِبِ ... وأَبْطَلَ أَصْنَافَ الخَنَا وأبَادَها ... وأَصْنَافَ بَغْيٍ لِلْعُقُوبَةِ جَالِبِ وبَشَّرَ مَن أَعْطَى الرَّسُولَ قِيَادَةً ... بِجَنَةِ تَنْعِيمٍ وحُورٍ كَوَاعِبِ وَأَوعَدَ مَن يَأبَى عِبَادَةَ رَبِّهِ ... عُقُوبَةَ مِيزَانٍ وَعِيشَةَ قَاطِبِ فأنْجَى بِهِ منْ شَاءَ رَبِي نَجَاتَهُ ... ومَنْ خَابَ فَلْتَنْدَبْهُ شَرُّ النَّوادِبِ فَأَشْهَدَ أنَّ اللهَ أَرْسَلَ عَبْدَهُ ... بحَقٍ ولاَ شَيءَ هُنَاكَ بِرَائِبِ وقد كَانَ نُورُ الله فِينَا لِمُهْتَدٍ ... وصِمْصَامُ تَدمِيرٍ عَلَى كُلِّ نَاكِبِ وأَقْوَى دَلِيلٍ عِندَ مَن تَمَّ عَقْلُهُ ... عَلَى أنَّ شُرْبَ الشَّرْعِ أَصْفَى المَشَارِبِ

تَوَاطُؤُ عُقُولٍ في سَلاَمَةِ فِكْرِهِ ... عَلَى كُلِّ مَا يأتِي بِهِ مِن مَطَالِبِ سَمَاحَةُ شَرْعٍ في رَزَانَةِ شِرْعَةٍ ... وتَحْقِيقِ حَقٍّ في إشَارَةِ حَاجِبِ مَكَارِمُ أَخْلاَقٍ وَإِتْمَامُ نِعْمَةٍ ... نُبُوَّة تألِيفٍ وسُلْطَانُ غَالِبِ نُصَدِّقُ دِينَ المُصْطَفَى بِقُلُوبِنَا ... عَلَى بَيِّنَاتٍ فَهْمُهَا مِن غَرَائِبِ بَرَاهِينُ حَقٍّ أَوضَحَتُ صِدْقَ قَولِهِ ... رَوَاهَا وَيَرْوِي كُلُّ شِبٍ وشَائِبِ ومِنْ ذَاكَ كَمْ أُعْطَى الطعامَ لِجَائِهٍ ... وكَمْ مَرَّةٍ أَسْقَى الشَّرابَ لِشَارِبِ وكَمْ مِن مَريضٍ قَد شُفِي مِن دُعَائِهِ ... وإن كَانَ قَدْ أَشْفَى لِوَجْبَةِ وَاجِبِ ودَرَّتْ لَه شَاةٌ لَدَى أُمِّ مَعْبَدٍ ... حَلِيبًا ولا تَسطَاعُ حَلْبَةَ حَالِبٍ وقَدْ سَاخَ في أَرْضِ حِصَانُ سُرَاقَةٍ ... وفيهِ حَدِيثٌ عن بَرَاءِ بنِ عَازِبِ وقَدْ فَاحَ طِيبًا كَفُّ مَنْ مَسَّ كَفَّهُ ... ومَا حَلَّ رَأْسًا حَبْسُ شَيبِ الذَّوائِبِ وأَلْقَى شَقِيُّ القَومِ فَرْثَ جَزُورِهِمْ ... عَلَى ظَهْرِهِ والله لَيسَ بِعَازِبِ فأُلْقُوا بِبَدرٍ في قَلِيبٍ مُخَبَّثٍ ... وَعَمَّ جَمِيعَ القَومِ شُؤْمُ المَدَاعِبِ

وأخْبَر أَنْ أَعْطَاهُ مَولاَهُ نُصْرةً ... ورُعْبًا إلى شَهْرٍ مَسِيرةَ سَارِبِ فأَوفَاهُ وَعْدَ الرُعْبِ والنَّصْرِ عَاجِلاً ... وَأَعْطَى لَهُ فَتْحَ التَّبُوكِ ومَارَبِ وأخْبَرَ عَنْهُ أَنْ سَيَبْلُغُ مُلْكُهُ ... إلى ما رأى مِن مَشْرِقٍ ومَغَاَرِبِ فأسْبَلَ رَبُّ الأَرْضِ بَعْدَ نَبِيِّهِ ... فُتُوحًا تُوَارى مَا لَها مِن مَنَاكِبِ وكَلَّمَهُ الأَحْجَارُ والعُجْمُ والحَصَى ... وَتَكْلِيمُ هَذا النَّوعِ لَيسَ بِرَائِبِ وحَنَّ لَهُ الجِذْعُ القَدِيمُ تَحَزُّنًا ... فإنَّ فِرَاقَ الحُبِّ أدْهَى المَصَائِبِ وأَعْجَبُ تِلْكَ البَدرُ يَنْشَقُّ عِندَهُ ... وما هُو في إعْجَازِهِ مِن عَجَائِبِ وشَقَّ لَهُ جِبريلُ بَاطِنَ صَدْرِهِ ... لِغَسْلِ سَوَادٍ بالسُوَيدَاءِ لاَزِبِ ... وأَسْرَة عَلَى مَتْنِ البُرَاقِ إلى السَّمَا ... فيا خَيرَ مَرْكُوبٍ ويَا خَيرَ رَاكِبِ ورَاعَتْ بَلِيغُ الآي كُلَّ مُجَادِلٍ ... خَصِيمٍ تَمَادَى في مِرَاءِ المَطَالِبِ بَرَاعَةُ أُسْلُوبِ وَعَجْزُ مُعَارِضِ ... بَلاغَةُ أَقْوالٍ وأَخْبَارُ غَائِبِ وسَمَّاهُ رَبُّ الخَلْقِ أسْمَاءَ مِدْحَةٍ ... تُبَيِّنُ مَا أَعْطَى لَهُ مِن مَنَاقِبِ

رَءُوفٌ رَحِيمٌ أَحْمَدٌ وَمُحَمَّدٌ ... مُقْفَى ومِفْضَالٌ يُسَمَّى بِعَاقِبِ إذا مَا أَثَارُوا فِتْنَةً جَاهِلِيَّةً ... يَقُودُ بِبَحْرٍ زاخِرٍ مِن كَتَائِبِ يَقُوم لِدَفْعِ اليَأسِ أَسْرَعَ قَومِهِ ... بِجَيش مِن الأَبْطَالِ غُرِّ السَّلاَهِبِ أَشٍدَاءُ يَومَ البَأْسِ مِنْ كُلِّ بَاسِلٍ ... ومِنْ كُلِّ قَرْمٍ بالأسِنَّةِ لاَعِبِ تَوَارُثُ إقْدَامًا ونُبْلاً وجُرْأَةً ... نُفُوسُهُمَ مِن أَمَّهَاتٍ نَجَائِبٍ جَزَى الله أَصْحَابَ النبيِّ مُحَمَّدٍ ... جَمِيعًا كَمَا كانُوا لَهُ خَيرَ صَاحِبِ وآلُ رَسولِ الله لا زَالَ أَمْرُهُم ... قَوِيمًا عَلَى إرْغَامِ أَنْفِ النَّواصِبِ ثلاثُ خِصَالٍ مِن تَعَاجِيبِ رَبِّنَا ... نَجَابَةً أَعْقَابٍ لِوَالِدِ طَالِبِ خِلاَفَةُ عَبَّاسِ وَدِينِ نَبِيِّنَا ... تَزَايدَ في الأَقْطَارِ مِن كُلِّ جَانِبِ يُؤيِدُ دِينَ الله في كُلِّ دَورَةٍ ... عَصَائِبُ تَتْلُو مِثْلَهَا مِن عَصَائِبِ فَمِنْهُم رِجَالٌ يَدْفَعُونَ عَدُوَّهُمْ ... بِسُمْرِ القَنَا وَالمُرْهَفَاتِ القَواضِبِ ومِنهُم رِجَالٌ يَغْلِبُونَ عَدُوَّهُمْ ... بِأقْوَى دَلِيلٍ مُفْحِمٍ لِلْمُغاضبِ

ومنهُم رِجَالٌ بَيَّنُوا شَرْعَ رَبّنَا ... ومَا كَان فِيهِ مِن حَرَامٍ وَوَاجِبِ ومنهم رِجَالٌ يَدْرَسُونَ كِتَابَهُ ... بِتَجْوِيدِ تَرْتِيلٍ وحِفْظِ مرَاتِبِ ومنهم رِجالٌ فَسَّرُوهُ بِعلْمِهِمْ ... وَهُمْ عَلَّمُونَا ما بِهِ مِن غَرائِبِ ومِنهم رِجالٌ بالحَدِيثِ تَوَلَّعُوا ... ومَا كَانَ فِيهِ مِن صَحِيحٍ وَذَاهبِ ومنهم رِجَالٌ مُخْلِصُونَ لِرَبّهِم ... بِأنْفُسِهِم خُصْبُ البِلادِ الأَجَادِبِ ومنهم رجالٌ يُهْتَدَى بِعِظَاتِهِم ... قِيَامٌ إلى دِينِ مِنَ اللهِ وَاصِبِ عَلَى اللهِ ربِ الناسِ حُسْنُ جَزَائهِم ... بمَا لا يُوَافِي عَدَّهُ ذِهْنُ حَاسِبِ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَذْكُرْ جَمَالَ بُثَينَةٍ ... ومَن شَاءَ فَلْيَغْزِلْ بِحُبِ الرَبَائِبِ سَأَذْكُرُ حُبي لِلْحَبِيبِ مُحَمَّدٍ ... إذا وَصَفَ العُشَّاقُ حُبَّ الحَبَائِبِ ويَبْدُو مُحَيَّاهُ لِعَينِي في الكَرَى ... بِنَفْسِي أَفْدِيهِ إذنْ وَالأقَارِبِ وتُدْرِكُنِي في ذِكْرِّهِ قَشْعَرِيرَةٌ ... مِنَ الوِجْدِ لاَ يَحْوِيهِ عِلْمُ الأجَانِبِ ... وأُلْفِي لِرُوحِي عِندَ ذَلِكَ هَزَّةً ... وأُنْسًا وَرَوْحًا فيه وثْبَةُ واثِبِ

لعمرك ما تغني المغاني ولا الغنى

وأنَّكَ أَعَلَى المُرسَلِينَ مَكَانَةً ... وأَنْتَ لَهُم شَمْسٌ وهُم كَالثَّواقِبِ وصَلِّ إلهي كلَّمَا ذَرَّ شَارِقٌ ... عَلَى خَاتَمِ الرُّسُلِ الكِرَامِ الأَطَايِبِ انْتَهَى اللَّهُمَّ يَا مَنْ خَلَقَ الإِنْسَان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وَبِقُدْرَتِهِ التي لاَ يُعْجِزُهَا شَيءٌ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. نَسْأَلكَ أَنْ تَهْدِينَا إلى صِرَاطِكَ المُسْتَقِيم صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّ الله عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. آخر: لَعَمْرُكَ مَا تُغْنِي المَغَانِي وَلاَ الغِنَى ... إذَا سَكَنَ المُثْرِي الثَّرَى وَثَوى بِهِ فَجُدْ في مَرَاضِي اللهِ بالمالِ رَاضِيًا ... بِمَا تَقْتَنِي مِنْ أجْرِهِ وَثَوَابِهِ وَعَاصِ هَوَى النَّفْسِ الذِي مَا أَطَاعَهُ ... أخُو ظُلَّةٍ إلاَّ هَوَى مِن عقابِهِ وَحَافِظْ عَلَى تُقْوَى الآلهِ وَخوفِهِ ... لِتَنْجُوَ مِمَّا يُتَّقَى مِنْ عِقَابِهِ ولا تَلْهُ عَنْ تَذْكَارِ ذَنْبِكَ وَابْلُهُ ... بِدَمْعٍ يُضَاهِي المُزْنَ حَالَ مُصَابِهِ

فكم ولد للوالدين مضيع

وَمَثِّلْ لِعَينَيكَ الحِمَامَ وَوَقْعَهُ ... ورَوعَةَ مُلْقَاهُ وَمَطْعَمَ صَابِهِ وَإنَّ قُصَارى مُنْزل الحَيِّ حُفْرَةٌ ... سَيَنْزِلُها مُسْتَنْزَلاً عَنْ قِبَابِهِ فَواهًا لِعَبْدٍ ساءَهُ سُوءُ فِعْلِهِ ... وَأَبْدَى التَّلاَفِي قَبلَ إغلاَقِ بَابِهِ انْتَهَى آخر: فَكَم وَلَدٍ لِلْوَالِدَينِ مُضَيَّعٌ ... يُجَازِيهِمَا بُخْلاً بِمَا نَحلاهُ طَوَى عَنْهُمَا القُوتَ الزَّهِيدَ نَفَاسَةً ... وَجَرَّاهُ سَارًا الحُزْنَ وَارْتَحَلاهُ وَلاَمَهُمَا عَنْ فَرْطِ حُبِّهِمَا لَهُ ... وَفَي بُغْضِهِ إيَّاهُمَا عذلاهُ أَسَاءَ فَلَمْ يَعْدِلْهُمَا بِشِرَاكِهِ ... وَكَانَا بِأَنْوَارِ الدُّجَى عَدَلاَهُ يُعِيرُهُمَا طَرْفًا مِن الغَيظِ شافِنًا ... كأنهما فِيمَا مَضَى تَبلاَهُ يَنَامُ إذا ما أدنَفَا وَإذَا سَرَى ... لَهُ الشَّكْوُ بَاتَ الغِمْضَ مَا اكْتَحَلاَهُ إنْ ادَّعَيَا فِي وُدِّهِ الجُهْدَ صُدِّقَا ... وَمَا اتُّهِمَا فِيهِ فَيَنْتَحِلاَهُ ... يَغُشُّهُمَا فِي الأمْرِ هَانَ وَطَالَمَا ... أفَاءا عليهِ النُّصْحَ وَانْتَحَلاَهُ

عليك ببر الوالدين كليهما

يَسُرُّهُمَا أَنْ يَهْجُرَ القَبْرَ دَهْرَهُ ... وَأنَّهُمَا مِنْ قَبْلِهِ نَزَلاَهُ وَلَو بِمُشَارِ العَينِ يُوحِي إلَيهِمَا ... لوشْكِ اعْتِزَالِ العَيشِ لاعْتَزلاَهُ يَوَدَّانِ إكْرَامًا لَو انْتَعَلَ السُّها ... وَإِنْ حَذِيَا السَّلاَءَ وَانْتَعَلاَهُ يَذُمُّ لِفَرْطِ الغَيِّ مَا فَعَلاَ بِهِ ... وَأحْسِنْ وَأجْمِلْ بالذِي فَعَلاَهُ يَعُدَّانِهِ كَالصَّارِمِ العَضْبِ فِي العِدَا ... بِظَنِّهِمَا وَالذَّابِلَ اعْتَقَلاَهُ وَيُؤْثِرُ في السِّرِّ الكَنِينِ سَوَاءَهُ ... فَيَنْقُلُهُ عَنْهُ وَمَا نَقَلاَهُ انْتَهَى آخر: عَلَيكَ بِبرِّ الوَالِدَينِ كِلَيهِمَا ... وَبِرِّ ذَوِي القُرْبَى وَبِرِّ الأَباعِدِ وَلاَ تَصْحَبَنَّ إِلاَّ تَقِيًّا مُهَذَّبًا ... عَفِيفًا زَكِّيًا مُنْجِزًا لِلْمَوَاعِدِ وَقَارِنْ إِذَا قَارَنْتَ حُرًّا مُؤَدَّبًا ... فَتىً من بَنِي الأحْرَارِ زَينِ المَشَاهِدِ وَكُفَّ الأذَى وَاحْفَظْ لِسَانَكَ واتَّقِ ... فَدَيتُكَ في وُدِّ الخِليلِ المُسَاعِدِ وَغْضَّ عَنْ المَكْرُوهِ طَرْفَكَ وَاجْتَنِبْ ... أَذَى الجَارِ وَاسْتَمْسِكْ بِحَبْلِ المَحَامِدِ

بطيبة رسم للرسول ومعهد

وَكُنْ وَاثِقًا باللهِ في كُلِّ حَادِثٍ ... يَصُنْكَ مَدَى الأَيامِ مِنْ شَرِّ حَاسِدِ وَباللهِ فاسْتَعْصِمْ وَلاَ تَرْجُ غَيرَهُ ... وَلاَ تَكُ لِلنَّعْمَاءِ عَنْهُ بِجَاحِدِ انْتَهَى آخر: بِطَيبَةِ رَسْمٍ للرَّسُولِ وَمَعْهَدُ ... مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرُّسُومُ وتَهْمُدُ وَلا تَنْمَحِي الآياتُ مِنْ دَارِ حَرْمَةٍ ... بِهَا مِنْبَرُ الهادِي الذِي كَانَ يَصْعَدُ وَوَاضِحُ آياتٍ وبَاقِي مَعَالِمٍ ... وَرَبْعٌ لَهُ فِيهَا مُصَلَّى ومَسْجِدُ بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسْطَهَا ... مِنَ اللهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ مَعَالِمُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى العَهْدِ آيُهَا ... أتَاهَا البِلَى فالآيُ مِنْهَا تَجَدَّدُ عَرَفْتُ بِهَا رَسْمَ الرَِّسُولِ وعَهْدَهُ ... وقَبْرًا بِهِ وَارَاهُ فِي التُّرْبِ مَلْحَدُ وَهَلْ عَدَلَتْ يَومًا رَزِيَّةٌ هَالِكٍ ... رَزِيّةَ يَومٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ تَقَطَّعَ فِيهِ مَنْزِلُ الوَحْي عَنْهُمُ ... وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ ويُنْجِدُ

يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ ... وَيُنْقِذُ مِنْ هَولِ الخَزَايَا ويُرْشِدُ ... إِمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهُمُ الحَقَّ جَاهِدًا ... مُعَلِّمُ صِدْقٍ إِنْ يُطِيعُوهُ يَسْعَدُوا عَفُوٌ عَن الزَّلاَتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ ... وأنْ يُحْسِنُوا فَاللهُ بالخَيرِ أَجْوَدُ فَبَينَاهُمُوا فِي نِعْمَةِ اللهِ بَينَهُمْ ... دَلِيلٌ بِهِ نَهْجُ الطَّرِيقِةِ يُقْصَدُ عَزِيزٌ عَلَيهِ أَنْ يَحِيدُوا عَنِ الهُدَى ... حَرِيصٌ عَلَى أنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا عَطُوفٌ عَلَيهِمْ لاَ يُثَنِّي جَنَاحَهُ ... إلى كَنفٍ يَحْنُو عَلَيهِمْ وَيَمْهَدُ فَبَينَاهُمُوا فِي ذَلِكَ النُّورِ إِذْ غَدى ... إِلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنَ المَوتِ مُقْصِدُ فَأَصْبَحَ مَحُمُودًا إِلى اللهِ رَاجِعًا ... يُبكِيهِ جَفْنُ المُرْسَلاتِ ويَحْمَدُ وأَمْسَتْ بِلاَدُ الحُرْمِ وَحْشًا بِقَاعُهَا ... لِغَيبَةِ مَا كَانَتْ مِنْ الوَحْي تَعْهَدُ قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللَّحْدِ ضَافَهَا ... فَقِيدٌ يُبَكِّيهِ بِلاَطٌ وَغَرْقَدُ ومَسْجِدُهُ فَالمُوحِشَاتُ لِفقْدِهِ ... خَلاَءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ

فَابَكِي رَسُولَ اللهِ يَا عَينُ عََبْرَةً ... ولا أعْرِفَنْكِ الدَّهْرَ دَمْعُكِ يَجْمُدُ ومَا لَكِ لا تَبْكِينَ ذَأ النِّعْمَةِ الَّتِي ... عَلَى النّاسِ مِنْهَأ سَابِغٌ يَتَغَمَّدُ فَجُودِي عَلَيهِ بالدُّمُوعِ وأعْوِلِي ... لِفَقْدِ الّذِي لاَ مِثْلَهُ الدَّهْرَ يُوجَدُ وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمَّدٍ ... ولا مِثْلَهُ حَتَّى القِيَامَةَ يُفْقَدُ أَعَفَّ وَأَوفَى ذِمَّةً بَعْدَ ذِمَّةٍ ... وأقْرَبَ مِنْهُ نَائِلاً لاَ يُنَكَّدُ وأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطَّرِيفِ وتَالِدٍ ... إِذَا ظَنَّ مِعْطَاهٌ بِمَا كَانَ يُتْلَدُ وَأَكْرَمَ حَيَّا فِي البُيُوتِ إِذَا انْتَمَى ... وأكْرَمَ جَدًا أبطَحِيًّا يُسَوَّدُ وأَمْنَعَ ذِرْوَاتٍ وأثَبَتَ فِي العَلَى ... دَعَائِمَ عَزٍّ شَاهِقَاتٍ تُشَيَّدُ وأَثْبَتَ فَرْعًا في الفُرُوعِ ومَثْبَتًا ... وعُودًا غَذَاهُ المُزْنُ فَالعُودُ أَغْيَدُ رَبّاهُ وَلِيدًا فاسْتَتَمَّ تَمَامُهُ ... عَلَى أكْرَمِ الخَيرَاتِ رَبٌّ مُمَجَّدُ تَنَاهَتْ وُصَاةُ المُسْلِمِينَ بِكَفِّهِ ... فَلا العِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلاَ الرَّأْيُ يُفْنَدُ

نور من الرحمن أرسله هدى

أَقُولُ وَلا يُلْفَى لِقَولِيَ عَائِبٌ ... مِنَ النّاسِ إِلاّ عَازِبُ العَقْلِ مُبْعَدُ ولَيسَ هَوَائِي نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ ... لَعَلِّي بِهِ في جَنَّةِ الخُلْدِ أُخْلَدُ مَعَ المُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ ... وفِي نَيلِ ذَاكَ اليِومِ أَسْعَى وأَجْهَدُ انْتَهَى آخر: نُورٌ مِنَ الرَّحْمنِ أَرْسَلَهُ هَدَى ... لِلتَّاسِ فَازْدَهَرَ الزَّمَانُ وأينَعَا ... دَعْ عَنْكَ إيوَانًا لِكِسْرَى عِنْدَمَا ... هَتَفُوا بِمَولِدِهِ هَوَى وتَصَدَّعَا واذْكُرْهُ كَيفَ أَتَى شُعُوبًا فُرِّقَتْ ... أَهْوَاءُهَا كُلٌّ يُصَحِّحُ مَا ادَّعَا فَهَدَاهُمْ لِلْحَقِّ حَتَّى أَصْبَحُوا ... فِي اللهِ إِخْوَانًا تَرَاهُمْ رُكَّعَا أَبْنَاءَ أَخْيَافٍ تَجَمَّعَ شَمْلُهُمْ ... وَغَدَوا بِدِينِ اللهِ شِعْبًا أمْنَعَا فَتَحْوا لَهُ الدُّنْيا فَسَارَ مُظَفَّرًا ... وَبَنَوا لَهُ حِصْنًا أَشَمَّ مُمَنَّعَا بَذَلُوا النُّفُوسَ رَخِيصَةً فِي نَصْرِهِ ... فَتَنَسَّمُوهَا مِن السَّلاَمِ الأَرْفَعَا انْتَهَى

خبت مصابيح كنا نستضيء بها

آخر: خَبَتْ مَصَابِيحُ كُنَّا نَسْتَضِيءُ بِهَا ... وَطَوَّحَتْ لِلْمَغَيبِ الأَنْجُمُ الزَّهْرُ واسْتَحْكَمَتْ غُرْبَةُ الإسْلاَم وانكَسَفَتْ ... شَمْسُ العُلُومِ التي يُهْدَي بِهَا البَشَرُ تُخُرِّمَ الصَّالِحُونَ المُقْتَدَى بِهِم ... وقامَ مِنهُم مَقَامَ المُبْتَدَا الخَبَرُ فَلَسْتَ تَسْمَعُ إِلا كَانَ ثُمَّ مَضَى ... وَيَلْحَقُ الفَارِطُ البَاقِي بِمَنْ غَبَرُوا والناسُ في سَكْرَةٍ مِن خَمْرِ جَهْلِهِمْ ... والصَّحْوُ في عَسْكَرِ الأَمْوَاتِ لَو شَعَرُوا نَلْهُو بزُخْرُفِ هَذَا العَيشِ مِن سَفَهٍ ... لَهوَ المُنَبِّتُ عُودًا مَا لَهُ ثَمَرُ وتَسْتَحِثُّ مَنَايَانَا رَوَاحِلَنَا ... لِمَوقِفٍ مَا لَنَا عَنْ دُونِهِ صَدَرُ إِلاَّ إِلى مَوقِفٍ تَبْدُو سَرَائِرُنَا ... فِيهِ وَيَظْهَرُ لِلْعَاصِينَ مَا سَتَرُوا فَيَا لَهُ مَصْدَرًا مَا كَانَ أَعْظَمَهُ ... الناسُ مِن هَولِهِ سَكْرَى وَمَا سَكِرُوا

فَكُنْ أخِي عَابِرًا لا عَامِرًا فَلَقَدْ ... رَأَيتَ مَصْرَعَ مَنْ شَادُوا وَمَنْ عَمَرُوا اسْتُنْزِلُوا بَعْدَ عِزٍ عَن مَعَاقِلِهِم ... كَأَنَّهُم مَا نَهَوا فيهَا ولا أَمُرُوا تُغَلُّ أَيدِيهِمُوا يَومَ القِيَامَةِ إِنْ ... بَرُّوا تُفَكُّ وفي الأَغْلاَلِ إِنْ فَجَرُوا وَنُحْ عَلَى العِلْمِ نَوح الثَّاكِلاَتِ وَقُلْ ... وا لهْفَ نَفْسِي عَلَى أَهْلٍ لَهُ قُبرُوا الثَّابِتِينَ عَلَى الإِيمَانِ جُهْدَهُم ... والصَّادِقِينَ فَمَا مَانُوا ولا خَتَرُوا الصَّادِعِينَ بأمْرِ اللهِ لَو سَخِطُوا ... أَهْلُ البَسِيطَةِ مَا بَالَوا ولَو كَثُرُوا السَّالِكِينَ عَلَى نَهْجِ الرسُولِ عَلَى ... مَا قَرَّرَتْ مُحْكَمُ الآيَاتِ والسُّوَرُ العَادِلِينَ عَن الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا ... والآمِرِينَ بخَيرٍ بَعْدَ مَا ائْتَمَرُوا لَمْ يَجْعَلُوا سُلَّمًا لِلْمَالِ عِلْمَهُمُوا ... بلْ نَزَّهُوهُ فَلَمْ يَعْلُقْ بِهِ وَضَرُ فَحَيَّ أَهْلاً بِهِمْ أَهْلاً بِذِكْرِهِمُوا ... الطَّيبِينَ ثَنَاءً أَينَمَا ذُكِرُوا ... أَشْخَاصُهُم تَحْتَ أطْبَاقِ الثَّرَى وَهُمُوا ... كَأَنَّهُم بَينَ أَهْلِ العِلْمِ قَدْ نُشِرُوا

هَذِي المَكَارِمُ لاَ تَزْوِيقُ أَبْنِيَةٍ ... وَلاَ الشُفُوفُ الَّتِي يُكْسَى بِهَا الجُدُرُ والعِلْمُ إِنْ كَانَ أَقْوَالاً بِلاَ عَمَلٍ ... فَلَيتَ صَاحِبَهُ بالجَهْلِ مُنْغَمِرُ يَا حَامِلَ العِلْمِ والقُرْآنِ إِنَّ لَنَا ... يَومًا تُضَمُّ بِهِ المَاضُونَ والأُخَرُ فَيَسْأَلُ اللهُ كًلاً عَنْ وَظِيفَتِهِ ... فَلَيتَ شِعْرِي بِمَاذَا مِنْه تَعْتَذِرُ وَمَا الجَوابُ إذَا قالَ العَلِيم أذَا ... قَالَ الرسولٌ أَوِ الصِّدِّيقُ أَو عُمَرُ والكُلُ يَأْتِيهِ مَغْلَولَ اليَدَينِ فَمِنْ ... نَاجٍ وَمِنْ هَالِكٍ قَدْ لَوَّحَتْ سَقَرُ فَجَدِّدُوا نِيَةً للهِ خَالِصَةً ... قُومُوا فَرُادَى وَمَثْنَى واصْبِرُوا وَمُرُوا وَنَاصِحُوا وَانْصَحُوا مَنْ وَلِيَ أَمْرَكُمُ ... فالصَّفْوُ لا بُدَّ يَأْتِي بَعْدَه كَدَرُ واللهُ يَلْطُفُ في الدُّنْيا بِنَا وَبِكُمْ ... وَيَومَ يَشْخَصُ مِن أَهْوَالِهِ البَصَرُ وَصَلِّ رَبِّ عَلَى المُخْتَارِ سَيِّدِنَا ... شَفِيعِنَا يَومَ نَارِ الكَرْبِ تَسْتَعِرُ مُحَمَّدٍ خَيرِ مَبْعُوثٍ وَشِيعَتِهِ ... وَصَحْبِهِ مَا بَدَا مِن أُفْقِهِ قَمَرُ انْتَهَى

فيا أيها الناسي ليوم رحيله

آخر: فَيَا أَيُّها النّاسِي لِيَومِ رَحِيلِهِ ... أَرَاكَ عن الموتِ المُفِرَقِّ لاَهِيا أَلا تَعْتَبِرُ بالرَّاحِلْينَ إلى الْبلَى ... وتَرْكِهُمُ الدّنْيَا جَمْيعًا كَمَا هِيَا وَلَمْ يَخْرُجُوا إلا بِقُطنَّ وخِرْقَةٍ ... وَمَا عَمَّرُوا مِنْ مَنْزِلٍ ظَلَّ خَالِيَا وَأَنْتَ غَدًا أو بَعْدهُ في جِوارِهِمْ ... وَحِيدًا فرِيدًا في المَقابِر ثَاوِيَا انْتَهَى آخر: تَيَقَنْتُ أنِّي مُذْنِبٌ وَمُحَاسَبٌ ... ولم أدرِ هَلْ نَاجٍ أنا أو مُعَاقَبُ ومَا أنَا إلا بَينَ أمْرَينِ وَاقِفٌ ... فإمَّا سَعِيدٌ أمْ بِذَنِبْي مُطَالَبُ وقد سَبَقْتَ مِنّي ذُنُوبٌ عَظِيمَةٌ ... فَيا لَيتَ شِعْرِي ما تَكُونُ العَوَاقِبُ فَيَا مُنْقِذَ الغَرْقَى وَيا كَاشِفَ البَلا ... وَيا مَنْ لَهُ عِندَ المماتِ مَوَاهِبُ أغِثْنَا بغُفْرانٍ فإنَّك لَم تَزَلْ ... مُجِيبًا لمِنْ ضَاقَتْ عليهِ المَذَاهِبُ انْتَهَى ...

أفنى شبابك كر الطرف والنفس

آخر: أَفْنَى شَبَابَكَ كَرُّ الطَّرْفِ والنَّفَسِ ... فالمَوتُ مُقْتَرِبٌ والدَّهْرُ ذُو خَلَسِ لاَ تَأَمَنِ الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفِسٍ ... وإِن تَمَنَّعْتَ بالحُجُّابِ وَالحَرَسِ فَلاا تَزَالُ سِهَامُ المَوتِ صَائِبَةً ... في جَنْبٍ مُدَّرِعٍ مِنْهَا وَمُتَّرِسِ أَرَاكَ لَسْتَ بِوَقَّافٍ ولا حَذِرٍ ... كالحَاطِب الخَابِطِ الأَعْوَادِ في الغَلَسِ ترْجُو النَّجَاةَ وَلَم تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا ... إِنَّ السَّفينَةَ لا تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ أنَىَّ لَكَ الصَّحْوُ مِن سُكْرٍ وَأَنْتَ مَتَى ... تَصِحُّ مِن سَكْرَةٍ تَغْشَاكَ مِن نَكَسِ ما بَالُ دِينِكَ تَرْضَى أَن تُدَنِّسَه ... وثوبُكَ الدَّهْرَ مَغْسُولٌ مِن الدَّنَسِ لا تأمَنِ الحَتْفَ فِيمَا تَسْتَلِذُ وإنْ ... لانتْ مَلاَمِسُهُ في كَفٍّ مُلْتَمِسِ الحَمْدُ لله شُكْرًا لا شَرِيكَ لَهُ ... كَمْ مِن حَبِيبٍ مِن الأهْلِينَ مُخْتَلَسِ انْتَهَى آخر: سَبَقَ القَضَاءُ بكُلِّ مَا هُوَ كَائِنُ ... واللهُ يَأ هَذَا لِرِزْقِكَ ضَامِنُ

وفي دون ما عاينت من فجعاتها

تُعْنَى بِمَا تُكْفَى وتَتْرُكُ مَا بِهِ ... تُعَنَّى كَأنَّكَ لِلْحَوَادِثِ آمِنُ أو مَا تَرى الدُنيا ومَصْرَعَ أهْلِهِا ... فاعْمَلْ لِيومِ فِراقِهَا يَا خائِنُ واعْلَمْ بأنَّكَ لا أبَا لَكَ في الذي ... أَصْبَحْتَ تَجْمَعُهُ لِغَيرِكَ خَازِنُ يا عامِرَ الدُنَيا أَتَعْمُرُ في الذي ... لم يَبْقَ فِيه مَعَ المنيَّةِ سَاكِنُ المَوتُ شيءٌ أنْت تَعْلَمُ أنهُ ... حَقٌ وأنْتَ بِذِكْرِهِ مُتَهَاوِنُ إنَّ المَنِيَّةَ لا تُؤَامِرُ مَنْ أَتَتْ ... في نَفْسِهِ يَومًا ولا تَسْتَأذِنُ انْتَهَى آخر: وفي دُونِ ما عَايَنْتَ مِن فَجَعَاتِهَا ... إلى دَفْعِهَا دَاعٍ وبالزْهُدِ آمِرُ وَتَعَلَّقَتْ فِيكَ الخُصُومُ وَأَنْتَ فِي ... يَومِ الحِسَابِ مُسَلْسَلٌ مَجْرُورُ وَتَفَرَّقَتْ عنكَ الجُنُودُ وَأَنْتَ فِي ... ضِيقِ القُبُورِ مُوَسَّدٌ مَقْبُورُ وَوَدِدْتَ أنَّكَ مَا وَلِيتَ وَلاَيَةً ... يَوَمًا ولا قَالَ الأنامُ أمِيرُ وَبَقِيتَ بَعْد العِزِ رَهْنَ حَفِيرَةٍ ... فِي عَالَمِ المَوتَى وَأَنْتَ حَقِيرُ

تزود ما استطعت لدار خلد

وَحُشِرْتَ عُرْيَانًا حَزِينًا بَاكِيًا ... قَلِقًا وَمَا لَكَ في الأنَام مُجَيرُ ... أَرَضِيتَ أَنْ تَحْيَا وَقَلْبُكَ دَارِسٌ ... عَافِي الخَرَابَ وجِسْمُكَ المَعْمُورُ أرَضِيتَ أَنْ يُحْظَى سِوَاك بِقُرْبِهِ ... أَبَدًا وَأَنْتَ مُعَذَّبٌ مَهْجُورُ مَهِّدْ لَنَفْسِكَ حُجَّةً تَنجُو بِهَا ... يَوَمَ المَعَادِ وَيَومَ تَبْدُو العُورُ انْتَهَى آخر: تَزَوَدْ مَا اسْتَطَعَتْ لِدَارِ خُلْدٍ ... فَخَيرُ الزَّادِ زَادُ المُتَقِينَا ولا يَغْرُرْكَ في الدُنْيَا ثَرَاءٌ ... هُنَاكَ تَرَى أُجُورَ العَامِلِينَا تَبَصَّرْ يَا هَدَاكَ اللهُ إِنَّا ... نَسِيرُ عَلَى طَرِيقِ السَّابِقِينا فإنَّ الموتَ غَايَةُ كُلِّ حَيٍ ... وَبَطنُ الأرضِ مَثْوَى العَالَمِينَا أَلَمْ تَعْلَمْ بِأَنَّ اللاَّءَ كَانُوا ... مُلُوكًا في القُرُونِ الغَابِرينَا أَضَاعُوا العُمْرَ في لَهْوٍ وَظُلْمٍ ... وَحَادُوا عَنِ طَرِيقِ المُتَّقِينَا ولم يجِدُوا لِدَفْعِ الموتِ عَنْهُم ... سَبِيلاً فاسْتَكَانُوا صَاغِرِينَا

وسائرة لم تسر في الأرض تبتغي

نَعِيمُ الخُلْدِ لا يَفْنَى فَسَارعْ ... لأَعمالِ العِبَادِ الصالحِينِا انْتَهَى قَالَ بَعْضُهُم يَصِفُ دَعْوَةَ المَظْلُومِ وُهُو في الحَقِيقَةِ لُغْزٌ. وسَائِرَةٍ لم تَسْرِ في الأرضِ تَبْتَغِي ... مَحَلاً وَلَم يَقْطَعْ بِهَا البِيدَ قَاطِعُ سَرَتْ حَيثُ لَمْ تَحْدُ الرِّكَابُ وَلَم تُنَخْ ... لِوِرْدٍ ولم يَقْصُرْ لَهَأ القَيدَ مَانِعُ تَمرُّ وَرَاءَ اللَّيل واللَّيلُ ضَارِبٌ ... بجُثْمَانِهِ فَيهِ سَمِيرٌ وَهاجِعُ إذَا وَفَدَتْ لَم يَرْدُدِ اللهُ وِفْدَهَا ... عَلَى أَهْلِهَا وَاللهُ رَاءٍ وسَامِعُ تَفَتَّحُ أبْوَابُ السَّمَاوَاتِ دُونَهَا ... إذَا قَرَعَ الأَبْوَابَ مِنهُنَّ قَارِعٌ انْتَهَى حَول أرْوَاحِ الشهَدَاء وقال ابن القيم رحمه الله: فالشَّأنُ لِلأرْوَاحِ بَعْدَ فِراقِهَا ... أبدانهَا واللهِ أَعْظَمُ شَانِ إِمَّا عَذَابٌ أَو نعِيمٌ دَائِمٌ ... قَدْ نُعِّمَتْ بالرَّوحِ والرِّيحَانِ وتَصِيرُ طَيرًا سَارِحًا مَعْ شِكْلهَا ... تَجْنِي الثِّمَارَ بجَنَّةِ الحَيَوانِ

وإن نفخة إسرافيل ثانية

وَتَظَلُ وَارِدَةً لأَنْهَارِ بِهَا ... حَتَّى تَعُودَ لذَلِكَ الجُثْمَانِ ... لَكِنَّ أَرْوَاحَ الذِينَ اسْتُشْهِدُوا ... في جَوفِ طَيرٍ أَخْضَر رَيَّانِ فلَهُمْ بِذَاكَ مَزِيَّةٌ في عَيشِهِم ... وَنَعيمُهُم لِلرُّوحِ والأبْدَانِ بَذَلُوا الجُسُومَ لِربِهم فأَعَاضَهُمْ ... أجْسَامَ تِلكَ الطيرِ بالإِحْسَانِ وَلَهَا قَنَادِيلُ إليهَا تَنْتَهِي ... مَأوًى لَهَا كَمَساكِنِ الإِنْسَانِ فالرُوحُ بَعدَ الموتِ أَكْمَلُ حالَةً ... مِنْهَا بهذِي الدَارِ في جُثْمَانِ وَعَذَابُ أَشقَاهَا أَشَدُّ مِن الذِي ... قَد عَايَنَتْ أَبْصَارُنَا بِعيَانِ انْتَهَى نظم في البعث بعد الموت والجزاء وإنَّ نَفْخَةَ إسْرافِيلَ ثانِيةً ... في الصُورِ حَقًّا فَيَحْيَا كُلُّ مَن قُبِرَا كما بَدَا خَلْقَهُم رَبي يُعِيدُهُمُ ... سبحانَ من أنَشْأَ الأرواحَ والصُوَرا حتى إذا مَا دَعَا لِلْجَمْع صَارِخُهُ ... وَكُلُّ مَيتٍ مِن الأمواتِ قَد نُشِرَا قَالَ الإِِلهُ: قِفْوهُمْ لِلسُؤَال لِكَي ... يَقْتَصَّ مَظلُوُمُهُم مِمَّنْ لَهُ قَهَرا فَيُوقَفُونَ أُلُوفًا مِن سِنِينهِمُ ... والشمسُ دَانِيةٌ وَالرشحُ قَدْ كَثُرا وجاءَ رَبُّكَ والأملاكُ قَاطِبةٌ ... لَهُم صُفُوفُ أَحَاطَتْ بالوَرَى زُمَرا

وفي الناس من ظلم الورى عادة له

وَجيءَ يَومَئِذٍ بالنارِ تَسْحَبُهَا ... خُزَّانُهَا فأَهَالَتْ كُلَّ مَنْ نَظَرا لهَا زَفِيرٌ شَدِيدٌ مِن تَغَيُّظِهَا ... عَلَى العُصاةِ وتَرْمِي نَحْوَهُمْ شَرَرَا وَيُرسلُ اللهُ صُحْفَ الخَلْقِ حَاوِيةً ... أَعْمَالَهُمْ كُلُّ شَيءٍ جَلَّ أَو صَغُرَا فَمَنْ تَلَقْتُه بِالْيُمْنى صَحَيِفَتُهُ ... فَهُوَ السَّعيدُ الذي بالفوزِ قَدْ ظَفَرَا وَمنْ يكُنْ باليدِ اليُسْرى تَنَاوَلَهَا ... دَعَا ثُبُورًا وَلِلنّيرانِ قَدْ حُشِرَا وَوَزْنُ أعْمَالِهم حَقًا فإنْ ثَقُلَتْ ... بالخَيرِ فازَ، وإنْ خَفَّتّ فَقَدْ خَسِرَا وأن بالمثل تُجْزَى السَّيئَاتُ كَمَا ... يَكُونَ في الحَسَناتِ الضِّعْفُ قَدْ وَفَرا وَكُلُّ ذَنْبَ سِوَى الإِشراكِ يَغْفَرُهُ ... رَبِي لمن شَاء ولَيسَ الشِرِكُ مُغْتَفَرَا وَجنةُ الخُلْدِ لا تَفْنَى وسَاكِنُها ... مُخَلَّدُ ليسَ يَخْشَى الموتَ والكِبرَا أَعَدَّها اللهُ دَارًا لِلْخُلودِ لِمَنْ ... يَخْشَى الإِلهَ ولِلنّعْماءِ قَدْ شَكَرَا وَينظرون إِلى وَجْهِ الإِلهِ بِها ... كَما يَرى الناسُ شَمْسَ الظَهُرْ والقَمَرا كذلكَ النَارُ لا تَفْنَى وسَاكَنُها ... أَعَدَّهَا اللهُ مَولاَنا لِمَنْ كَفَرَا ولا يُخَلَّدُ فِيهَا مَنْ يُوَحِّدُهُ ... ولو بِسَفْكِ دَمِ المعَصُوم قَدْ فَجَرَا ... وكم يُنَجِّي إِلِهي بالشفاعَةِ مِنْ ... خَيرِ البَرَِّيِة مِنْ عَاصٍَ بهَا سُجِرَا انْتَهَى اللَّهُمَّ أيقَظنا مِن نَوم الغَفْلَةِ، ونَبِّهْنَا لاغتَنامِ أوقاتِ المُهْلَةِ، وَوَفِقّنَا لِمَصَالِحنا، واعْصْمِنَا مِنْ قَبَائِحنا وذُنُوبِنَا، ولا تؤاخِذْنَا بِمَا انْطَوتْ عليه ضمائِرنا وَأكَنَّتْهُ سَرَائِرَنَا، واغفِر لَنَا وِلَوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يَا أَرحَم الراحمين وَصلِّ الله عَلَى محمد وعَلَى آله وصحبه أجمعين. آخر: وفي الناسِ مَن ظُلْمُ الوَرى عادةٌ لهَ ... ويَنْشُرُ أَعْذَارًا بِهَا يَتَأوَّلُ جَرِيءٌ عَلَى أَكْلِ الحَرامِ ويَدَّعِي ... بِأنَّ له فِي حِلَّ ذَلِكَ مَحْمَلُ

تألق برق الحق في العارض النجدي

فَيَا آكَلَ المالِ الحرامَ أبِنْ لَنا ... بِأيِّ كِتَابٍ حَلَّ ما أَنْتَ تأكُلُ أَلَمْ تَدرِ أنَّ اللهَ يَدْرِي بِمَا جَرَى ... وبَينَ البَرايَا في القِيَامَةِ يَفْصِلُ حَنَانَيكَ لا تَظْلِمْ فَإنَّكَ مَيِّتٌ ... وبالبَعْثِ عَمَّا قَدْ تَولَّيتَ تُسْأَلُ وتُوقَفُ لِلْمَظْلُومِ يَأْخُذُ حَقَّهُ ... فَيَأخُذُ يَومَ العَرْضِ مَا كُنْتَ تَعْمَلُ ويأخْذُ مِن وِزْرٍ لِمَنْ قَدْ ظَلَمْتَهُ ... فَيُوضَعُ فَوقَ الظهْرِ منكَ ويُجْعَلُ فَيَأَخْذُ مِنْكَ اللهُ مَظْلَمَةَ الذي ... ظَلَمْتَ سَرِيعًا عَاجِلاً لاَ يُؤجَلُ تَفِرُّ مِن الخَصْمِ الذِي قَدْ ظَلَمْتَهُ ... وَأَنْتَ مَخُوفٌ مُوجَفُ القَلْبِ مُوجَلُ تَفِرُّ فَلاَ يُغْنِي الفِرَارُ مِن القَضَا ... وإنْ تَتَوجَّلْ لاَ يُفِيدُ التَّوَجُلُ فَيَقْتَصَّ مِنْكَ الحَقَّ مَن قَدْ ظَلمَتْهُ ... بلا رَأْفَةٍ كَلاَ وَلا مِنْكَ يَخْجَلُ انْتَهَى آخر: تَأَلَّقَ بَرْقُ الحَقِّ في العارضِ النَّجْدِي ... فَعَمَّ جَمِيعَ الكَونِ في الغَورِ والنَّجْدِ وَأَورَقَتِ الأَشْجَارُ وانْتَهَضَتْ بِهَا ... يَوانعُ أنواعٍ من الثَمَرِ الرَّغْدِ

وأَشْرَقَتِ الأَنْوَارُ مِن زَهْرِ وَرْدِهِ ... وأَعْبَقَتِ الأَقْطَارُ مِن طِيبِهِ النّدِ وَغَرَّدَتِ الأَطْيَارُ بِالذِكْرِ تُطْرِبُ الـ ... ـمَسَامِعَ جَهْرًا فَوقَ أَغْصَانِهَا المُلْدِ وقامَ خطيبُ الكَائِنَاتِ لِرَّبِّهَا ... عَلَى الخِصْبِ بَعدَ المَحَلِّ بِالشُكْرِ والحَمْدِ فَذَاكَ الحَيَا يُحْيِي القُلُوبَ رَبِيعُهَا ... وَمَطعومُهَا مَشْرُوبُها طَيِّبُ الورْدِ فَهَا نَحْنُ نَجْنِي مِن ثِمارِ غِرَاسِهَا ... ونَرجُو جَنَاهُ العَفْوَ في جَنَّةِ الخُلْدِ ... فإِنْ كُنْتَ مُشْتَاقًا إِلَى ذَلِكَ الجَنَا ... فَذُقْهُ تَجِدْ طَعمًا أَلذَّ مِن الشَّهْدِ هُوَ الوَحْيُ دِينُ اللهِ عِصْمَةُ أَهْلِهِ ... وَحَظُّهُمُ الأَوفَى وَجَدُّهُمُ المَجْدِي به يُنْتَجَى والناسُ في هَلَكَاتِهِمْ ... به يُرْتَجَى نَيلُ الرغَائِبِ والرِفْدِ به الأَمْنُ في الدنيا وفي الحَشْرِ واللِقَا ... ومِن قَبْلُ عِنْدَ الاحْتِضَارِ وفي اللَّحْدِ به تَصْلُحُ الدنيا به تُحْقَنُ الدِّمَا ... به يُحْتَمَى مِن كُلِّ بَاغٍ وذِي حِقْدِ به زُعْزِعَتْ أَرْكَانُ كِسْرَى وَقَيصَرَ ... ولم يُجْدِ مَا حَازَا مِن المَالِ والجُنْدِ

وأَمْثَالُها في السَّالِكينَ طَرِيقُهُمْ ... أَرَانَا كَمَا قَد قَالَهُ صَادِقُ الوَعْدِ فَلِلَّهِ حَمْدٌ يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ ... عَلَى نِعَمٍ زَادَتْ عَنِ الحَصْرِ والعَدِّ فَأَعْظَمُهَا بَعْثُ الرَّسولِ مُحَمَّدٍ ... أَمِينِ إِلَهِ الحَقِّ وَاسِطَةِ العِقْدِ دَعَانَا إِلَى الإسلامِ دِينِ الهِنَا ... وتَوحِيدِهِ بِالقَولِ والفِعْلِ والقَصْدِ هَدَانَا بِهِ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ والعَمَى ... وأنْقَذَنَا بَعْدَ الغِوَايَةِ بِالرُّشْدِ حَبَانَا وأعْطَانَا الذِي فَوقَ وَهْمِنَا ... وأَمْكَنَنَا مِن كُلِّ طَاغٍ وَمُعْتَدِ وأَيَّدَنَا بِالنَّصْرِ وَاتَّسَعَتْ لَنَا ... مَمَالِكُ لاَ تَدْعُو سِوَى الوَاحِدِ الفَرْدِ فَنَسْأَلُهُ إِتْمَامَ نِعْمَتِهِ بِأنْ ... يُثَبِّتَنَا عِنْدَ المَصَادِرِ كَالوِرْدِ فيا فوزَ عبدٍ قَامَ للهِ جَاهِدًا ... عَلَى قَدَمِ التجريدِ يَهْدِي وَيَسْتَهْدِي وَجَرَّدَ في نَصْرِ الشَّرِيعَةِ صَارِمًا ... بِعَزْم يُرَى أَمْضَى مِن الصَّارِمِ الهِنْدِي وتابَعَ هَدْيَ المُصْطَفَى الطُهْرَ مُخْلِصًا ... لِخَالِقِهِ فِيمَا يُسِرُّ وَمَا يُبْدِي

يأتي على الناس إصباح وإمساء

ويَا حَسْرَةَ المَحْرُومِ رَحْمَةَ رَبِهِ ... بإعْرَاضِهِ عن دِينِ ذِي الجُودِ والمَجْدِ لَقَدْ فَاتَه الخَيرُ الكَثِيرُ وَمَا دَرَى ... وَقَد خَابَ واختارَ النُحُوسَ عَلَى السَّعْدِ ومِن بَعْدِ حَمْدِ اللهِ أَزْكَى صَلاَتِهِ ... وَتَسلِيمِهِ الأَوفَى الكَثِيرِ بِلاَ حَدِ عَلَى المصطَفَى خَيرِ الأنامِ وآلِهِ ... وأصحابهِ أهْل السَّوابِقِ وَالزُهْدِ انْتَهَى آخر: يَأْتِي عَلَى الناسِ إِصْبَاحٌ وَإِمْسَاءٌ ... وَحُبَّنَا هَذِهِ الدُنْيَا هُوَ الدَّاءُ كَمْ أَيقَظَتْ بصُروفٍ مِن حَوَادِثِهَا ... وكلُنا لِصُرُوفِ الدَّهْرِ نَسَّاءُ أَينَ المُلُوكُ وَأَبْنَاءُ المُلُوكِ وَمَنْ ... قادُوا الجُنُودَ ونَالُوا كُلَّ مَا شَاؤُا وَأَينَ عَادٌ وأقْيَالُ المُلُوكِ وَمَنْ ... كانَتْ لَهُم عِزَّةٌ في المُلْكِ قَعْسَاءُ قَدْ مُتِّعُوا بِقَلِيلٍ مِنْ زَخَارِفِهَا ... في عِزَّةٍ فَإذَا النَّعْمَاءُ بأْسَاءُ نَالُوا يَسِيرًا مِنَ اللَّذات وانْصَرفُوا ... عَن دَارِهَا واقْتفَى اللَّذَاتِ أَسْوَاءُ انْتَهَى

ثوى في قريش خمس عشرة حجة

آخر: ثَوَى فِي قُرْيشٍ خَمْسَ عَشْرَةَ حَجَّةً ... يُذَكِّرُ لَو يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا وَيَعْرِضُ فِي كُلِّ المَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ يَرَ مَنْ يُؤْوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيًا فَلَمَّا أَتَانَا واطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى ... وكنا لَهُ عَونًا مِن اللهِ بَادِيَا يَقُصُّ لَنَا مَا قَالَ نُوحٌ لِقَومِهِ ... وَمَا قَالَ مُوسى إذَا أَجَابَ المناديا فأصْبَحَ لا يَخْشَى مِنَ النّاسِ وَاحدًا ... قَرِيبًا ولا يَخْشَى مِن الناسِ نَائِيَا بَذَلْنَا لَهُ الأَمْوَالَ مِنَ جُلِّ مَالِنَا ... وأَنْفُسُنَا عِنْدَ الوَغَى والتَّآسِيَا نُعَادِي الذِي عَادَى مِن الناسِ كُلِّهِمْ ... جَمِيعًا وَلَو كانَ الحَبِيبَ المُوَاسِيَا ونَعْلَمُ أَنَّ اللهَ لا َرَبَّ غَيرهُ ... وأنَّ كِتَابَ اللهِ أَصْبَحَ هَادِيَا انْتَهَى آخر: عَجِبْتُ لِما تَتَوقُ النفْسُ جَهْلاً ... إليه وقَدْ تَصَرَّمَ لانْبِتَاتِ وعِصْيَانِي العَذُول وَقَد دَعَانِي ... إلى رُشْدِي وما فِيهِ نَجَاتِي

أُؤَمِّلُ أَنْ أَعِيشَ وكلُّ يَومٍ ... بسَمْعِي رَنَّةٌ مِن مُعْوِلاتِي وأَيدِي الحَافِرينَ تَكِلُّ مِمَّا ... تُسَوِّي مِن مَسَاكِنَ مُوحِشَاتِ نُرَاعُ إذَا الجَنَائِزُ قَابَلَتْنَا ... ونَسْكُنُ حِينَ تَخْفَي ذَاهِبَاتِ كَرَوعَةِ ثُلَّةٍ لِظُهُورِ ذِئْبٍ ... فَلمَّا غَابَ عَادَتْ رَاتِعَاتِ فإنْ أَمَّلْتَ أَنْ تَبْقَى فَسَائِلْ ... بِمَا أَفْنَى القُرُونَ الخَالِيَاتِ فَكَم مِن ذِي مَصَانِع قَدْ بَنَاهَا ... وشَيَّدَهَا قَلِيلُ الخَوفِ عَاتِي قَلِيلُ الهَمِّ ذِي بَالٍ رَخِي ... أَصَّمَ عن النَّصَائحِ والعِظَاتِ فَبَاتَ وما يُرَوَّعُ مِن زَوَالٍ ... صَحِيحًا ثُمَّ أَصْبَحَ ذَا شِكَاتِ فَبَاكَرهُ الطَّبِيبُ فَرِيحَ لَمَّا ... رَآهُ لا يُجِيبُ إلى الدُّعَاةِ فَلَو أَنَّ المُفَرِّطَ وهْوَ حَيٌ ... تَوخَّى البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ انْتَهَى ...

وتحدث الأرض التي كنا بها

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ في ذِكْرِ بَعْضِ أهْوَالِ يَومِ القِيَامَةِ وَتُحَدِّثُ الأرضُ التِي كُنَّا بهَا ... أَخْبَارَهَا في الحَشْرِ للِرَّحْمَانِ وتَظلُّ تَشْهَدُ وهْيَ عَدْلٌ بالذي ... مِن فَوقِها قد أحَدَثَ الثَّقلانِ وتُمَدُّ أيضًا مِثْلَ مَدِّ أدِيمِنَا ... مِن غيرِ أودِيةٍ ولا كُثْبَانِ وتَقِيءُ يومَ العَرضِ مِن أكبادِهَا ... كالأسْطِوَانِ نَفَائِسَ الأثْمَانِ كلٌّ يراهُ بعَينِهِ وعِيَانِهِ ... ما لامِرْئٍ بالأخذِ منه يَدَانِ وكذا الجِبالُ تُفَتُّ فَتًّا مُحْكَمًا ... فتعودُ مِثْلَ الرَّمْلِ ذِي الكُثْبَانِ وتكونُ كالعِهْنِ الذي ألوانُهُ ... وصِبَاغُه مِن سَائِر الألْوَانِ وتُبَسُ بَسًا مِثْلَ ذاكَ فَتَنْثَنِي ... مِثْلَ الهَبَاءِ لِنَاظِرِ الإِنسانِ وكَذَا البِحَارُ فإِنَّها مَسْجُورَةٌ ... قد فُجرتْ تَفْجِيرَ ذِي السُلطَانِ وَكَذَلِكَ القَمرَانِ يَأْذَنُ ربُنَا ... لَهَمَا فَيَجْتَمِعَانِ يَلْتَقِيَانِ

وبالقدر الإيمان حتم وبالقضا

هَذِي مُكَوَّرةٌ وَهذَا خَاسِفٌ ... وكِلاَهُمَا في النارِ مَطْرُوحَانِ وكَواكِبُ الأفلاكِ تُنْثَرُ كُلَّهَا ... كَلآلِئ نُثِرَتْ عَلَى مَيدَانِ وَكَذا السماءُ تُشَقُّ شَقًّا ظاهِرًا ... وتَمُورُ أيضًا أيَّمَا مَوَرَانِ وتَصَيرُ بعدَ الانْشَقَاقِ كمِثِل ... هَذا المهْل أو تكُ وَرْدةَ كدِهَانِ انْتَهَى آخر: وَبالقَدَرِ الإِيمان حَتْمٌ وبالقَضَا ... فما عنهما لِلْمَرْءِ في الدِّينْ مَعْدِلُ قَضَى رَبُنا الأشَيَاءَ مِن قَبْلِ كَونِهَا ... وَكُلُّ لَدَينَا في الكِتَابِ مُسَطَّرُ فَمَا كَانَ مِن خَيرٍ وشرٍّ فكُلُهُ ... مِن اللهِ والرّحمنُ مَا شَاءَ يَفْعَلُ فبالفضلِ يَهدِي مَن يشاء مِن الوَرَى ... وبالعدلِ يُردِي مَن يَشاءُ ويَخْذِلُ ومَأ العبدُ مَجْبُورًا ولَيسَ مُخَيرًا ... ولَكِنْ لَهُ كَسْبٌ ومَا الأمْرُ مُشْكِلُ وإنَّ خِتَام المُرْسَلِينَ مُحَمَّدٌ ... إلى الثقلين الجنِ والإِنسِ مُرْسَلُ بأفْضَلِ دِينِ لِلْشَّرائِعِ نَاسِخٍ ... ولا يَعْتَرِيهِ النَّسْخُ مَا دَامَ يَذْبُلُ فَمَا بَعْدَهُ وحْيٌ مِن اللهِ نَازِلٌ ... عَلَى بَشَرٍ والمُدَّعِي مُتَقَوِّلُ ونَعْتَقِدُ الإِيمانَ قَولٌ ونِيَّةٌ ... وفِعْلٌ إذَا مَا وافَقَ الشرعَ يُقْبَلُ ويَنْقُصُ أحْيَانًا بِنُقْصَانِ طَاعةٍ ... ويَزْدَادُ إنْ زَادَتْ فَيَنْمُو ويَكْمُلُ ... وَدُونَكَ مَن نَظْمِ القَرِيضِ قَصِيدَةً ... وجِيزَةَ ألفاظٍ جَنَاهَا مُذلّلُ بَدْيَعةُ حُسْنِ يُشْبِهُ الدُّرَ نَظْمُهَا ... ولِكَنَّهُ أحْلَى وأغْلَى وأجْمَلُ عَقيدةُ أهْلِ الحَقِّ والسلفِ الأُلَى ... عَلَيهِمْ لِمَنْ رَامَ النَّجَاةَ المُعَوّلُ

صاح استمع نصحا أتاك مفصلا

فَدُونَكَها تَحْوِي فَوَائِدَ جَمَّةً ... من العلم قد لا يحتويها المطوّلُ فَيَا رَبِّ عَفْوًا مِنْكَ عَمَّا اجْتَرَحْتُهُ ... مِن الذنبِ عن عِلْمٍ وما كنتُ أجْهَلُ فإني عَلَى نَفْسِي مُسيءٌ ومُسرفٌ ... وظَهْرِي بأوزَارِ الخَطِيئاتِ مُثْقَلُ فَهَبْ لِي ذُنُوبي واعْفُ عنها تَفَضُّلاً ... عَليَّ فمِنْ شَأْنِ الكَرِيمِ التَّفَضُّلُ وأحْسَنُ ما يزهو به الخَتْمُ حَمْدُ مَن ... بِأَسمَائِهِ الحُسْنَى لَهُ نَتَوَسّلُ وأزكى صلاةً والسلامُ عَلَى الذِي ... بَهِ تَمَّ عِقْدُ الأنْبِيَاءِ وكُمِّلُوا مُحَمَّدٌ المُخْتَارُ مَا هَلَّ عَارضٌ ... عَلَى بَلَدٍ قَفْرٍ ومَا اخْضَرَّ مُمْحِلُ انْتَهَى هذه قصِيدة وَعْظية تُزْعجُكَ عن الدنيا الفانية وتُزَدّدُكِ فيها إن كُنْتَ ذا عقل وبَصيّرةَ صاحِ اسْتَمِعْ نُصْحًا أتاكَ مُفصَّلاً ... كَتَفَصُّلِ العِقِيانِ فَوقَ لآلِي بادِرْ بَقَايَا عُمْرِكَ الفَانِي فَلاَ ... تَصْرِفْهُ إلاَّ فِي الرِّضَا المُتَوَالِي واشْغَلْ فُؤآدَكَ دَائِبًا مُتَفَكِّرًا ... فِيمَا يَلِيقُ بمَنْصِبِ الإِجْلاَلِ

واخْلِصْ عِبَادَتَكَ التِي بَاشَرْتَها ... فِي القَولِ والأَحْوالِ والأَفْعَالِ واشْغلْ بذِكْرِ اللهِ قَلْبَكَ لاَهِجًا ... بصِفَاتِهِ العُلْيَا بِلا إمْلاَلِ واجْعَلْ مَمَاتَك نَصْبَ عَينَيكَ إِنَّهُ ... أَولَى الأُمُورِ وأنصَحُ الأحْوَالِ واعْلَمْ بأنَّكَ بَعْدَ ذاك مُحَاسَبٌ ... فاضْبُطْهُ لا تَكُ فِيه ذَا إهْمَالِ واعْلَم بأنَّكَ بَعدَ ذلِكَ صَائِرٌ ... إما إلى بُؤْسِ أَوِ الإِفْضَالِ وادْأَبْ عَلَى حِفْظِ الشَّرِيعَةِ سَالِكًا ... سُبْلَ الهُدَى لاَ قَالِيًا أَو غَالِي وابْدَأْ بحِفْظِ القَلْبِ عن شُبُهَاتِهِ ... واعْرفْ مَسَاوِيَهَا عَلَى الإِجْمَالِ ثم اسْقِهِ مَاءَ الحياةِ بِوَاعِظٍ ... مِن مُحْكَمٍ التَنزِيلِ في إجْلاَلِ واحْرِسْ فَرَاغكَ بالتَّذَكُّرِ إنَّهُ ... عُمُرٌ إذَا مَا ضَاعَ مِنْكَ لَغَالِي واحْفَظْ جَوَارِحَكَ الَّتِي أُوتِيتَهَا ... عن كلِ مَا يَقْضِي بكُلِ نَكَالِ واعْلَمْ بأنَك مَا خُلِقْتَ سَبَهْللاً ... فاعْبُد إلهَ العَرْشِ بالإِقْبَالِ

خنت العهود وقد عصيت تعمدا

واجْعَلْ سِلاَحَكَ دَعْوَةً بإنَابَةٍ ... والْجَأْ إلَى مَولاَكَ غَيرَ مُبَالِي ... واسْأَلْهُ لا تَسْأَمْ فإِنَّكَ عَبْدُهُ ... فَهْوَ الكَرِيمُ ورَبُّ كُلِ نَوَالِ يا رَبُ فاقْطَعْ عَن فُؤَآدِي كُلَّ مَا ... أرجُوهُ إلا مِنْكَ مِنْ آمَالِ واغْسِلهُ مِن دَرَنِ الذُنُوبِ فإنَّهُ ... مَرَضُ القُلُوبِ وَمُوجِبُ الإعْلاَلِ وأرِحْهُ مِن مَرَضِ الرِّياءِ فإنَّهُ ... أصْلُ الفَسَادِ وأفْسَدُ الأشْغَالِ وأخْتُم لَنَا بالخَيرِ عَاجِلِهِ الذِي ... تَبْدُو حَلاَوةُ ذَوقِهِ بمَآلِ واجْعَلْ صَلاَتَكَ دَائِمًا تَتْرَى عَلَى ... كَنْزِ المَعَالِي السَّيِدِ المِفْضَالِ وكذَا عَلَى آلٍ لَهُ وَصَحَابَةٍ ... أهْلِ العُلاَ والعِزِّ والإِجْلاَلِ انْتَهَى شِعْرَا: خُنْتُ العُهُودَ وقد عَصَيتُ تَعَمُّدَا ... وَا خَجْلَتي وفَضِيحَتي مِنْهُ غَدَا وا خَجْلَتي مِمَّنْ يَرَانِي دَائِمَا ... أَعْصِي ويَسْتُرُني عَلَى طُولِ الْمَدَا فلَيَنْدَمَنَّ المُذْنِبُ العَاصِي إذَا ... لَمْ يَنْتَبْه مِن قَبْل أَنْ يَأْتِ الرَّدَى مَا الأَمْرُ سَهْلٌ فاسْتَعِدَّ إِلى اللِّقَا ... واعْلَمْ بَأَنَّكَ لا تكُونُ مُخَلَّدَا واذكُرْ وقُوفَكَ في المَعَادِ وأنْتَ في ... كَرْب الحِسَاب وأنْتَ عَبْدًا مُفْرَدَا

ننسى المنايا على أنا لها غرض

سَوَّفْتَ حَتَّى ضَاعَ عُمْرُكَ بَاطِلاً ... وأَطَعْتَ شَيطَانَ الغِوَايَةِ والعِدَا فانْهَضْ وتُبْ مِمَّأ جَنَيتَ وقُمْ إلى ... بابِ الكَريمِ وَلُذْ بِهِ مَتَفَرّدَا وادْعُوهُ في الأسْحَارِ دَعْوَةَ مُذْنِبٍ ... واعْزِمْ وتُبْ واحْذَرْ تَكُنْ مُتَرَدِّدَا واضْرَعْ وقُلْ: يَا رَبِّ جِئتُكَ أَرْتجي ... عَفْوًا ومَغْفِرَةً بِهَا كَي أَسْعَدَا فلَعَلَّ رَحْمَتَهُ تعُمُ فإنَّهَا ... تَسَعُ العِبَادَ ومَنْ بَغى ومَن اعْتَدى وإِذَا أَرَدْتَ بأنْ تَفُوزَ وَتَتَّقِي ... نارَ الجَحِيمِ وحَرَّهَا المُتَوَقِّدَا أَخْلِصْ لِمنْ خَلَقَ الخَلائِقَ واعْتلَى ... فَوقَ السمواتِ العَلَى وتفَرَّدَا ثم الصلاةُ عَلَى النبيِ مُحَمَّدٍ ... خِيرِ الوَرَى نَسَبًا وأَكْرَمَ مَحْتَدَا انْتَهَى آخَر: نَنْسَى المنَايَا عَلَى أَنَّا لَهَا غَرَضٌ ... فَكَمْ أُنَاسٍ رَأَينَاهُم قَدْ انقَرَضُوا إِنَّا لَنَرْجُو أُمُورًا نَسْتَعِدُّ لَهَا ... والموتُ دُونَ الذِي نَرْجُوهُ مُعْتَرِضُ لله دَّرِ بَني الدُنْيَا لَقَدْ غَبِنُوا ... لِمَا اطْمَأنُوا بِهِ مِن جَهْلِهِم وَرَضُوا مَا أَرْبَحَ اللهُ في الدُنْيَا تِجَارَةَ إِنْـ ... ـسَانٍ يَرى أَنَّها مِن نَفْسِه عِوَضُ لَبْئْسَتِ الدارُ دارًا لا نَرَى أَحَدًا ... مِن أَهْلِهَا نَاصِحًا لَم يَعْدُهُ غَرَضُ ما بَالُ مَنْ عَرَفَ الدُنْيا الدَّنِيَّةَ لا ... يَنكَفُّ عن عَرَضِ الدُنْيَا وَيَنْقَبضُ

من ليس بالباكي ولا المتباكي

تَصِحُّ أَقْوَالُ أَقْوَامٍ بِوَصْفِهِمْ ... وفي القُلُوبِ إِذا كَشَّفَتْهَا مَرَضُ والناسُ في غَفْلَةٍ عَمَّا يُرَادُ بِهِم ... وَكُلُهُمُ عن جَدِيدِ الأَرْضِ مُنْقَرِضُ والحَادِثَاتُ بِهَا الأَقْدَارُ جَارِيَةٌ ... وَالمَرْءُ مُرْتَفِعٌ فِيهَا وَمُنْخَفِضُ يَا لَيتَ شِعْرِي وَقَدْ جَدَّ الرَّحِيلُ بِنَا ... حَتَّى مَتَى نَحْنُ في الغِرَّاتِ نَرْتَكِضُ نَفْسُ الحِكِيمِ إِلى الخيرَاتِ سَاكِنَةٌ ... وَقَلْبُه مِن دَوَاعِي الشَّرِ مُنْقَبِضُ اصْبِرْ عَلَى الحَقِ تَسْتَعْذِبْ مَغَبَّتَهُ ... والصبرُ لِلْحَقِ أَحْيانًا لَهُ مَضَضُ وما اسْتَرَبْتَ فكُنْ وَقَّافَةً حَذِرًا ... قد يُبْرَمُ الأَمرُ أَحْيَانًا فَيَنْتَقِضُ انْتَهَى شعرًا مقولا عَلَى لسان حال الدنيا فيه عِبَر ومواعظ: مَنْ لَيسَ بالبَاكِي ولا المُتَباكي ... لِقَبيحِ ما يَأتي فَلَيس بِزَاكِ نادَتْ بِيَ الدُّنيا فقلْتُ لَها: أقْصِري ... مَا عُدَّ في الأكياسِ مَنْ لَبَّاكِ ولَمَّا صفَا عنْدَ الآلهِ ولا دَنَا ... مِنهُ امْرُؤٌ صافَاكِ أو دَاناكِ ما زِلْتِ خادِعَتِي بِبَرْقٍ خُلَّبٍ ... ولو اهْتَديتُ لَما انْخَدَعْتُ لِذَاكِ قالَتْ أَغَرَّكَ مِن جَناحِكَ طُولُهُ ... وكَأنْ بِهِ قَدْ قُصَّ في أشْراكِي تَالله ما في الأَرْضِ مَوضِعُ راحَةٍ ... إِلاّ وقَد نُصِبَتْ عَلَيهِ شِباكي طِرْ كَيفَ شِئْتَ فأنْتَ فيها وَاقِعٌ ... عَانٍ بِهَا لا يُرتَجَى لِفَكاكِ

مَنْ كانَ يَصْرَعُ قِرْنَهُ في مَعْرَكٍ ... فَعَلَّى صَرْعَتُهُ بِغَيرِ عِرَاكِ ما أعْرِفُ العَضْبَ الصَّقِيلَ ولا القَنا ... وَلَقَد بَطَشْتُ بِذِي السِّلاحِ الشَّاكِي كَمْ ضَيغَمٍ عَفَّرْتُهُ بعَرِينِهِ ... ولَكَمْ فَتَكْتُ بأفْتَكِ الفُّتَّاكِ فأجَبْتُها مُتعجِّبًا مِن غَدْرِها ... أَجَزَيتِ بالبَغْضاءِ مَن يَهْوَاكِ لأَجَلْتُ عَينيِ في بَنِيكِ فَكلُّهمْ ... أسْراكِ أَو جَرحاكِ أو صَرعاكِ لَو قارَضُوكِ عَلَى صنِيعكِ فِيهِمُ ... قَطَعُوا مَدى أعمارِهِمْ بِقِلاكِ طُمِسَتْ عُقُولُهُمُ ونُورُ قُلوبِهمْ ... فتهافَتُوا حِرْصًا عَلَى حَلْواكِ فَكأَنَّهُمْ مثلُ الذُّبابِ تَساقطتْ ... في الأَرْيِ حَتَّى استُؤصِلُوا بِهَلاكِ ... لا كُنْتِ مِن أمٍّ لَنا أكَّالةٍ ... بعدَ الوِلادَةِ، ما أَقَلَّ حَياكِ! ولقَد عَهدْنا الأمَّ تلْطُفُ بابْنِهَا ... عَطْفًا عَلَيهِ وأنْتِ ما أقْسَاكِ! ما فَوقَ ظهرِك قاطِنٌ أو ظاعِنٌ ... إلا سَيُهْشَمُ في ثِفالِ رَحاكِ أنتِ السَّرابُ وأنتِ داءٌ كامِنٌ ... بينَ الضُّلوع فَما أعَزَّ دَواكِ يُعْصَى الإلَهُ إذا أَطِعتِ وطاعَتي ... لله رَبِّي أنْ أشُقَّ عَصاكِ فَرْضٌ عَلَينا بِرُّنا أمَّاتِنا ... وعَقوقُهنَّ مُحَرَّمٌ إلاَّكِ ما أن يَدُومَ الفقرُ فيكِ ولا الغِنى ... سِيَّانَ فَقْرُكِ عِنْدِنَا وغِناكِ أينَ الجَبابرةُ الأُلَى وَرِياشُهُمْ ... قَد بَاشَرُوا بَعدَ الحَريرِ ثَراكِ ولَطَالمَا رُدُّوا بأرديةِ البَها ... فَتَعوَّضُوا مِنهَا رِداءَ رَداكِ كانَتْ وُجُوهُهمُ كَأقمَارِ الدُّجى ... فَغَدتْ مُسَجَّاةً بِثَوبِ دُجاكِ وَغَنَتْ لِقَيُّومِ السَّماواتِ العُلا ... رَبِّ الجَميعِ، وَقَاهرِ الأَمْلاكِ وجَلالِ ربِّي لو تَصِحُّ عَزَائِمي ... لزَهِدْتُ فيكِ ولابتَغَيتُ سِواكِ وأخَذْتُ زَادِي منْكِ مَنْ عَمَل التُّقَى ... وشَدَدْتُ إِيمانِي بنَقْضِ عُراكِ وحَطَطْتُ رَحْلِي تَحْتَ ألويَةِ الْهُدَى ... ولَمَا رَآنِي اللهُ تَحْتَ لِواكِ مَهْلاً عَلَيكِ فَسَوفَ يَلْحَقُكِ الفَنَا ... فَتُرَي بِلا أَرْضٍ ولا أفْلاكِ ويُعيدُنا رَبٌ أَمَاتَ جَمِيعَنَا ... ليَكُونَ يُرَضِي غَيرَ مَنْ أَرضَاكِ

أحن اشتياقا للمساجد لا إلى

واللهِ ما المَحْبوبُ عِنْدَ مَليكِهِ ... إلا لَبِيبٌ لم يَزَلْ يَشْنَاكِ هَجَر الغَوانِي واصِلاً لِعَقائِلٍ ... يَضْحَكْنَ حُبًّا للولِيِّ البَاكي إنِّي أرِقْتُ لَهُنَّ لا لِحَمائِمٍ ... تَبْكي الهَدِيَلَ عَلَى غُصُونِ أراكِ لا عَيشَ يَصْفُو لِلْمُلوكِ وإنَّما ... تَصْفُو وَتُحْمَدُ عِيشَةُ النُّسّاكِ ومَنَ الإلَهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلاتُهُ ... عَددَ النُّجُومِ وعِدَّةَ الأَمْلاكِ انْتَهَى اللهُمَ يَا مَنْ لاَ تَضُرُّهُ الْمعصِيَةُ ولاَ تَنْفَعُه الطَّاعَةُ، أيقِظْنَا مِن نَومِ الغَفْلَةِ، وَنَبّهنْا لاغْتِنَام أوقَاتِ المُهْلَةِ، وَوَفّقْنَا لِمصَالِحِنَا، واعْصِمْنًا مِنْ قَبَائِحنِا وذُنُوبِنا، ولا تؤُاخِذْنَا بمَا انْطَوَتْ عليهِ ضَمائِرُنا وأكَنَّتْهُ سَرَائِرُنا مِنْ أنْواعِ القَبَائِحِ والمَعَائِبِ التي تَعْلَمُها مِنّا، واغْفِرّ لَنَا ولِوالِدينَا ولِجميعِ المُسْلِمينَ الأحْياءِ مِنهُمْ والميِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يا أرحْمَ الرّاحِمينَ .. وصَلِّ اللهُ عَلَى مُحَمّدٍ وعَلَى آلهِ وَصَحْبِه أجْمعين. ... آخر: «أحِنُّ اشْتِيَاقًا لِلمَسَاجِدِ لا إلى» ... قُصُورٍ وفُرْشٍ بالطِّرَازِ مُوَشَّحُ وأَمْنَحُ وُدِّي لِلمَسَاكِينِ صافيًا ... أُجَالِسُهُم والهَجْرَ لِلْغَيرِ أَمْنَحُ فَفِي ذُلِّ نَفْسِي عِزُّهَا وَبِمَوتِهَا ... حَيَاةٌ لأَجلِ الغَالِي بالدُونِ أَسْمِحُ «لَنَا باعْتِزَالٍ لَذَّ في جَانِبَ الهَوَى ... مُجَاوَرَةُ الأسْفَارِ لِلْصَّدْرِ تَشْرَحُ» «فَإنْ شِئْتَ تَفْسِيرًا مُرَادَا مُحَقَّقٍ ... وإن شِئْتَ تَوحِيدًا بِهِ المرءُ يُفْلِحُ»

يا أيها العبد قم لله مجتهدا

«وإن رَمُتَ كُتْبًا لِلحَدِيثِ وشَرْحِهِ ... وَجَدَتَ ولِمْ يَعْدُوكَ أُنْسٌ وَمَرْبَحُ» «وإن رُمْتَ آدَابًا وَتَارِيخَ مَنْ مَضَى ... وَجَدْتَ وَفَاتَ الوَقْتُ والفِكْرُ يَسْرَحُ» «وإن رُمْتَ كُتْبَ الفِقْهِ أَو كُتْبَ أَصْلِهِ ... تَنَاوَلْتَ أحْكَامًا بِهَا القَلْبُ يَفْرَحُ وَتَسْلَمُ مِن قِيلٍ وَقَالَ وَمِن أَذَى ... جَلِيسٍ ومِن واشٍ يَنِمُ ويَجْرَحُ انْتَهَى آخر: يَا أَيُّهَا العَبْدُ قُمْ للهِ مُجْتَهِدًا ... وانْهَضْ كَمَا نَهضَتْ مِن قَبِلكَ السُّعَدَا هَذِي لَيَالِي الرِضَا وافَتْ وأَنْتَ عَلَى ... فِعْلِ القَبِيحِ مُصِرًّا ما جَلَوتَ صَدَا قُمْ فاغْتَنِمْ لَيلَةً تَحْيَا النُفُوسُ بِهَا ... ومِثْلُهَا لَمْ يكُنْ في فَضْلِهَا أَبَدَا طُوبَى لِمَنْ مَرَّةً في العُمْرِ أَدْرَكَهَا ... ونَالَ مِنهَا الَّذِي يَبْغِيهِ مُجْتَهِدَا فَلَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ قَالَ خَالِقُنَا ... مِن أَلْفِ شَهْرٍ هَنِيئًا مَنْ لَهَا شِهِدَا ويَنْزِلُ الرُوحُ فِيهَا والملائِكُ مِنْ ... عِنْدِ المُهَيمِنِ لا نُحْصِي لَهُم عَدَدَا يا فَوزَ عَبْدٍ حُظِي فِيَها فَوَفَّقَهُ ... رَبِّي قَبُولاً فعَاشَ عِيشَةَ السُعَدَا

فهموا عن الملك الكريم كلامه

وفَازَ بالأَمْنِ والغُفْرانِ مُغْتَبطًا ... ونالَ ما يَرْتَجِي مِنْ رَبّهِ أَبَدَا فَاطلُبْ مِن اللهِ إنْ وَافَيتَهَا سَحَرًا ... جَنَّاتِ عَدْنٍ تكُنْ مِنْ جُمْلَةِ السُعَدَا واْبكِ وَنُحْ وتَضَرَّعْ في الدُجَا أَسَفًا ... عَلَى كَبَائِرَ لا تُحْصِي لَها عَدَدَا ثم الصَّلاة عَلَى المُخْتَارِ ما طَلَعَتْ ... شَمْسٌ وما سَارَ سَارٍ في الفَلا وَحَدَا انْتَهَى آخر: فَهِمُوا عن المَلِكِ الكَرِيم كَلامَهُ ... وأَقَامَ أمْرَهُم الرَّشَادُ فَقَامُوا وتَوَسَّلوا بَمَدَامِعٍ مُنْهَلَةٍ ... تَحْتَ الدَّيَاجِي والأنامُ نِيَامُ وَتلَوا مِن الذِّكْرِ الحَكِيمِ جَوَامِعًا ... جُمِعَتْ لَهَا الأَلْبَابُ والأفْهَامُ يَا صَاحِ لَو أبْصَرْتَ لَيلَهُمُ وَقَدْ ... صَفَتِ القُلُوبُ وَصُفَّتِ الأقْدَامُ لِرَأيتَ نُورَ هِدَايَةٍ قَدْ حَفَّهُمْ ... فَسَرى السُرُورُ وأشْرَقَ الإظْلاَمُ فَهُمُ العَبِيدُ الخَادِمُونَ مَليكَهُم ... نِعْمَ العَبِيدُ وأَفْلَحَ الخُدَّامُ سَلِمُوا مِن الآفاتِ لَمَّا اسْتَسْلَمُوا ... فَعَلَيهمُوا حَتَّى المَمَاتِ سَلاَمُ آخر: إِنَّ القَنَاعَةَ كَنْزٌ لَيسَ بالفَانِي ... فَاغْنَمْ أُخَيَّ هُدِيتَ عَيشَهَا الفَانِي وَعِشْ قَنُوعًا بلا حِرْصٍ وَلاَ طَمَعٍ ... تَعِشْ حَمِيدًا رَفِيعَ القَدْرِ وَالشَّانِ لَيسَ الغَنِيُّ كَثِيرَ المَالِ يَخْزُنُهُ ... لِحَادِثِ الدَّهْرِ أَو لِلْوَارِثِ الشَّانِي

مثل وقوفك أيها المغرور

يُجَمِّعُ المَالَ مِنْ حِلٍّ وَمِنْ شُبَهٍ ... وَلَيسَ يُنْفِقُ في بِرٍّ وَإِحْسَانٍ يَشْقَى بِأَمْوَالِهِ قَبْلَ المَمَاتِ كَمَا ... يَشْقَى بِهَا بَعْدَه في عُمْرِهِ الثَّانِي إِنَّ الغَنِّيَّ غَنِيُّ النَّفْسِ قَانِعُهَا ... مُوَفَّرُ الحَظِّ مِنْ زُهْدٍ وَإِيمَانِ بَرٌّ كَرِيمٌ سَخِيُّ النَّفْسِ يُنْفِقُ مَا ... حَوَتْ يَدَاهُ مِن الدُّنْيَا بإِيقَانِ مُنَوَّرُ القَلْبِ يَخْشَى اللهَ يَعْبُدُهُ ... وَيَتَّقِيهِ بِإسْرَارٍ وإَعِلاَنِ مُوَفَّقٌ رَاسِخٌ في العِلْمِ مُتَّبِعٌ ... أَثَرَ الرَّسُولِ بِإخْلاَصٍ وَإحْسَانِ انْتَهَى آخر: مثِّلْ وُقُوفَكَ أَيُّهَا المَغْرُورُ ... يَومَ القِيَامَةِ والسَّمَاءُ تَمُورُ مَاذَا تَقُولُ إِذَا وَقَفْتَ بِمَوقِفٍ ... فَرْدًا وَجَاءَكَ مُنْكَرٌ وَنَكِيرُ مَاذَا تَقُولُ إِذَا وَقَفْتَ بِمَوقِفٍ ... فَرْدًا ذَلِيلاً وَالحِسَابُ عَسِيرُ وَتَعَلَّقَتْ فِيكَ الخُصُومُ وَأَنْتَ فِي ... يَومِ الحِسَابِ مُسَلْسَلٌ مَجْرُورُ وَتَفَرَّقَتْ عنكَ الجُنُودُ وَأَنْتَ فِي ... ضِيقِ القُبُورِ مُوَسٌدٌ مَقْبُورُ

أبعد بياض الشيب أعمر منزلا

وَوَدِدْتَ أَنَّكَ مَا وَلِيتَ وِلاَيَةً ... يَوَمًا ولا قَالَ الأنامُ أمِيرُ وَبَقِيتَ بَعْدَ العِزِّ رَهْنَ حُفَيرَةٍ ... فِي عَالَمِ المَوتَى وَأَنْتَ حَقِيرُ وَحُشِرْتَ عُرْيَانًا حَزِينًا بَاكِيًا ... قَلِقًا وَمَا لَكَ في الأنَامِ مُجَيرُ أَرَضِيتَ أَنْ تَحْيَا وَقَلْبُكَ دَارِسٌ ... عَافِي الخَرَابِ وجِسْمُكَ المَعْمُورُ أَرَضِيتَ أَنْ يُحْظَى سِوَاكَ بِقُرْبِهِ ... أَبَدًا وَأَنْتَ مُعَذَّبٌ مَهْجُورُ ... مَهِّدْ لنَفْسِكَ حُجَّةً تَنجُو بِهَا ... يَوَمَ المَعَادِ وَيَومَ تَبْدُو العُورُ انْتَهَى آخر: أَبَعْدَ بَيَاضِ الشِّيبِ أعْمُرُ مَنْزِلاً ... سِوى القبرِ إنِّي إنْ عَمَرتُ لأحْمَقُ يُخْبِرُنِي شَيبِي بأنِّيَ مَيَّتٌ ... وشِيكًا فَيَنْعَانِي إليَّ ويَصْدُقُ يُخَرَّقَ عُمْرِي كُلَّ يَومٍ وَلَيلَةٍ ... فَهَلْ مُسْتَطاعٌ رَقْعُ مَا يَتَخَرَّقُ كَأنِّي بِجِسْمِي فَوقَ نَعْشِي مُمَدَّدًا ... فَمِنْ سَاكِتٍ أو مُعْوِلٍ يَتَحَرَّقُ إِذَا سُئِلُوا عَنِّي أجَابُوا وَأَعْوَلُوا ... وَأَدمُعُهُم تَنْهَلُ هَذَا المُوفَّقُ

نخطو وما خطونا إلا إلى الأجل

وغُيِّبْتُ في صَدْعٍ مِنَ الأرْضِ ضَيِّقٍ ... وأُودِعْتُ لَحُدًا فَوقَهُ الصَّخْرُ مُطْبَقُ ويَحثُو عليَّ التُربَ أوثَقُ صَاحِبٍ ... ويُسْلِمُنِي لِلْقَبْرِ مَن هُوَ مُشْفِقُ فَيَا رَبُّ كُنْ لِي مُؤْنِسًا يَومَ وَحْشَتِي ... فَإنِّي بِمَا أنْزَلْتَهُ لَمُصَدِّقُ انْتَهَى آخر: عِبَر وَمَواعِظ لِمَنْ كانَ له قَلب نَخْطو ومَا خَطْوُنَا إلاَّ إلَى الأَجَلِ ... وَنَنْقَضِي وَكَأنَّ العُمْرَ لَمْ يَطُلِ والعَيشُ يُؤْذِنُنُا بالمَوتِ أَوَّلُهُ ... وَنَحْنُ نَرْغَبُ في الأيَّامِ وَالدُوَلِ يَأْتِي الحِمَامُ فَيُنْسِي المَرءَ مُنْيَتَهُ ... وَأَعْضَلُ الدَّاءِ مَا يُلْهِي عَنِ الأَمَلِ تُرْخِي النَّوَائِبُ عن أعْمَارِنَا طَرْفًا ... وَنَسْتَقِرُّ وَقَدْ أَمَسْكَنَ بالطَوْلِ لا تَحْسَبِ العَيشَ ذَا طُولٍ فَتَتْبَعُهُ ... يَا قُرْبَ مَا بَينَ عُنْقِ المَرْءِ وَالكَفَلِ سَلَّى عَنْ العَيشِ أنَّا لا نَدُومُ لَهُ ... وَهَوَّنَ المَوتَ مَا نَلْقَى مِنْ العِلَلِ لَنَا بِمَا يَنْقَضِي مِنْ عُمْرِنَا شُغُلٌ ... وَكُلُّنَا عَلِقُ الأحْشَاءِ بِالغَزَلِ وَنَسْتَلِذُّ الأمَانِي وَهْيَ مُرْدِيَةٌ ... كَشَارِبِ السُّمِّ مَمْزُوجًا مَعَ العَسَلِ انْتَهَى

صل الإله على قوم شهدتهم

آخر: صَلَّ الإلَهُ عَلَى قَومٍ شَهْدتُهُم ... كانُوا إذا ذَكَرُوا أَو ذُكِّرُوا شَهِقُوا كَانُوا إذَا ذَكَرُوا نارَ الجَحِيمِ بَكَوْا ... وإنْ تَلا بَعْضُهُم تَخْوِيفَهَا صَعِقَوا مِنْ غَيرِ هَمْزٍ مِن الشَّيطانِ يَأْخُذُهُمْ ... عِندَ التِلاوَةِ إلاَّ الخوفُ والشَفَقُ صَرْعَى مِن الحُزْنِ قَدْ سَجَّوا ثِيَابَهُمُ ... بَقِيَّةُ الرُوحِ في أودَاجِهِمْ رَمَقُ ... حَتَّى تَخَالهُمُ لَو كُنْتَ شَاهِدَهُم ... مِن شِدَّةِ الخَوفِ والاشْفاقِ قَدْ زَهَقُوا صانُوا العُيونَ عن العَوَراتِ جُهْدَهُمُ ... وفي لُحْومِ الوَرَى والكِذْبِ ما نَطَقُوا انْتَهَى آخر: كَأنِّي بِنَفْسِي قد بَلغْتُ مَدَى عُمْري ... وأنكَرتُ ما قد كُنتُ أعْرِف مِنْ دَهْرِي وطَالَبَنِي مَن لاَ أَقُوُمُ بِدَفْعِهِ ... وحُوِّلْتُ مِن دَارِي إِلى ظُلْمَةِ القَبْرِ وَفَازَ بِمِيراثِي أناسٌ فَشَتَّتُوا ... بإِفْسَادِهِم مَا كُنْتُ أَجْمَعُ في عُمْرِي وأَهْمَلَنِي مَنْ كَانَ يُبْدِي مَحَبَّتِي ... وأُخْلِصُهُ وُدِّي ويَغْمِرُهُ بِرِّي

يا خائف الموت لو أمسيت خائفه

ولَمْ يَسْخُ لِي مِنْهُمْ صَدِيقٌ بِدَعْوَةٍ ... إِذَا مَا جَرَى يَومًا بحَضْرَتِهِ ذِكْرِي وأَضْحَى لِبَيتِي سَاكِنٌ مُبْهَجٌ بِهِ ... وَفِي اللَّحْدِ بَيتِي لاَ أقُومُ إِلى الحَشْرِ فَيَا شِقْوَتِي إنْ لَمْ يَجُدْ بنَجَاتِهِ ... إِلهي ولَمْ يَجْبُرْ برَحْمَتِهِ فَقْرِي فَقَدْ أَثْقَلَتْ ظَهْرِي ذُنُوبٌ لَو أنَّهَا ... عَلَى ظَهْرِ طُورٍ أثْقَلَتْهُ مِن الوِزْرِ انْتَهَى آخر: يا خائفَ الموتِ لو أَمْسَيتَ خَائِفَهُ ... كَانَتْ دُمُوعُكَ طُولَ الدَّهْرِ تَنْبَجِسُ أَمَا يَهُولُكَ يَومٌ لا دِفَاعَ لَهُ ... إِذْ أَنْتَ في غَمَرَاتِ المَوتِ مُنْغَمِسُ أَمَا تَهُولُكَ كَأْسٌ أَنْتَ شَارِبُهَا ... وَالعَقلُ مِنْكَ لِكُوبِ الْمَوتِ مُلْتَبِسُ لِلْمَوتِ ما تَلِدُ الأَقْوَامُ كُلُّهُمُ ... ولِلْبِلَى كُلُّ ما بَنَوا وَمَا غَرَسُوا إِيَّاكَ إيَّاكَ والدُنْيَا وَلَذَّتَهَا ... فالموتُ فِيهَا لِخَلْقِ اللهِ مُفْترِسُ إِنَّ الخَلاَئِقَ في الدُنْيَا لَوِ اجْتَهَدُوا ... أَنْ يَحْبَسُوا عنكَ هَذا الموتَ ما حَبَسُوا

أسير الخطايا عند بابك يقرع

إِنَّ المَنِيَّةَ حَوْضٌ أَنْتَ تَكْرَهُهُ ... وأَنْتَ عَمَّا قَلِيْلٍ سَوفُ تَنْعَمِسُ مَا لِي رَأَيْتُ بَنِي الدُنْيَا قَدْ افَتَتَنُوا ... كَأَنَّمَا هَذِهِ الدُنْيَا لَهُمْ عُرُسُ إِذَا وَصَفْتَ لَهُمْ دُنْيَاهُم ضَحِكُوا ... وَإِنْ وَصَفْتَ لَهُمْ أُخْرَاهُم عَبَسُوا ما لي رَأَيْتُ بَنِيْ الدُنْيَا وإخْوتِهَا ... كَأَنَّهُمْ لِكِتَابِ اللهِ مَا دَرَسُوا انْتَهَى شعرا: هذه تحتوي على دعاء وتضرُّع إلى الله جلَّ وعلا: أَسِيْرُ الْخَطَايَا عِنْدَ بَابِكَ يَقْرَعُ ... يَخَافُ وَيَرْجُو الفَضْلَ فَالفَضْلُ أَوْسَعُ ... مُقِرُّ بِأَثْقَالِ الذُّنُوبِ وَمُكْثِرٌ ... وَيَرْجُوكَ فِي غُفْرانِهَا فَهْوَ يَطْمَعُ فَإِنَّكَ ذُوْ الإِحْسَانِ وَالجُوْدِ وَالعَطَا ... لَكَ المَجْدُ وَالإِفْضَالُ وَالمَنُّ أَجْمَعُ فَكُمْ مِن قَبِيْحٍ قَدْ سَتَرْتَ عَنَ الوَرَى ... وَكَمْ نِعَمٌ تَتْرَى عَلَيْنَا وَتَتْبَعُ وَمَنْ ذَا الذِي يُرْجَى سِوَاكَ وَيُتَّقَى ... وَأَنْتَ إِلهُ الخَلْقِ مَا شِئْتَ تَصْنَعُ فَيَا مَنْ هُوَ القُدُّوْسُ لا رَبَّ غَيْرَهُ ... تَبَارَكْتَ أَنْتَ اللهُ لِلْخَلْقِ مَرْجِعُ

وَيَا مَنْ عَلَى العَرْشِ اسْتَوى فَوْقَ خَلْقِهِ ... تَبَارَكْتَ تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ وَتَمْنَعُ بِأَسْمَائِكَ الحُسْنَى وَأَوْصَافِكَ العُلَى ... تَوَسَّلَ عَبْدٌ بَائِسٌ يَتَضَرَّعُ أَعِنِّيْ على المَوْتِ الْمَرِيْرَةِ كأْسُهُ ... إِذَا الرُوُّحُ مِنْ بَيْنِ الجَوانِحِ تُنْزَعُ وَكُنْ مُؤْنِسِي في ظُلْمَةِ القَبْرِ عِنْدَمَا ... يُرَكَّمُ مَنْ فَوْقِي التُّرَابُ وَأُودَعُ وَثَبِّتْ جَنَانِي لِلسُّؤَالِ وَحُجَّتِي ... إِذَا قِيْلَ مَنْ رَبٌّ وَمَنْ كُنْتَ تَتْبَعُ وَمِنْ هَوْلِ يَوْمٍ الحَشْرِ وَالكَرْبِ نَجَّنِي ... إِذَا الرُّسْلُ وَالأَمْلاكُ وَالنَّاسُ خُشَّعُ وَيَا سَيِّدِي لا تُخزنِي في صَحِيْفَتِي ... إِذَا الصَّحْفُ بَيْنَ العَالَمِيْن تُوَزَّعُ وَهَبْ لِي كِتَابِي بِاليَمِيْنِ وَثَقّلنْ ... لِمِيْزَانِ عَبْدٍ فِي رَجَائِكَ يَطْمَعُ وَيَا رَبِّ خَلِّصْنِي مِن النَّارِ إِنَّهَا ... لَبِئْسَ مَقَرٌّ لِلْغُوَاةِ وَمَرْجِعُ أَجِرْنِي أَجِرْنِي يَا إِلَهِي فَلَيْسَ لِي ... سِوَاكَ مَفَرُّ أَوْ مَلاذٌ وَمَفْزَعُ وَهَبْ لِيْ شِفَاءً مِنْكَ رَبِّي وَسَيِّدِي ... فَمَنْ ذَا الذِي لِلْضُّرِّ غَيْرُكَ يَدْفَعُ

وإياك والدنيا الدنية إنها

فَأَنْتَ الذِي تُرْجَى لِكَشْفِ مُلِمَّةٍ ... وَتَسْمَعُ مُضْطَّرًا لِبَابِكَ يَقْرَعُ فَقَدْ أَعْيَتِ الأَسْبَابُ وَانْقَطَعَ الرَّجَا ... سِوَى مِنْكَ يَا مَنْ لِلْخَلائِقِ مَفْزَعُ إِلَيْكَ إِلهي قَد رَفَعْتُ شِكَايَتِي ... وَأَنْتَ بِمَا أَلْقَاهُ تَدْرِي وَتَسْمَعُ فَفَرِّجْ لَنَا خَطْبًا عَظِيْمًا وَمُعْضِلاً ... وَكَرْبًا يَكَادُ القَلْبُ مِنْهُ يُصَدَّعُ وَمَاذَا عَلَى رَبِّي عَزِيْزٌ وَفَضْلُهُ ... عَلَيْنَا مَدَى الأَنْفَاسِ يَهْمِي وَيَهمَعُ فَكَمْ مِنَحٍ أَعْطَى وَكَمْ مِحَنٍ كَفَى ... لَهُ الحَمْدُ وَالشُّكْرانُ وَالمَنُّ أَجْمَعُ وَأَزْكَى صَلاةِ اللهِ ثُمَّ سَلامُهُ ... عَلَى المُصْطَفَى مَنْ في القِيْامَةِ يَشْفَعُ انْتَهَى هذه قصيدة تحتوي على الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة: وَإِيَّاكَ والدُّنْيَا الدَّنِيَّةَ إِنَّهَا ... هِيَ السِّحْرُ في تَخْيِيْلِهِ وَافْتِرَائِهِ مَتَاعُ غُرُوْرٍ لا يَدُوْمُ سُرورُها ... وَأَضْغَاثُ حُلْمٍ خَادِعٍ بِهَبَائِهِ ... فَمَن أَكْرَمَتْ يَوْمًا أَهَانَتْ لَهُ غَدًا ... وَمَنْ أَضْحَكَتْ قَدْ آذنَتْ بِبُكَائِهِ

وَمَن تُسْقِهِ كَأْسًا مِن الشَّهْدِ غُدْوَةً ... تُجَرِّعُهُ كَأْسَ الرَّدَى في مَسَائِهِ وَمَن تَكْسُ تَاجَ المُلْكِ تَنْزَعُهُ عَاجِلاً ... بِأَيْدِي المَنَايَا أَوْ بِأَيْدِ عِدَائِهِ أَلاَ إنَّها لِلْمَرْءِ مِن أَكْبَرِ العِدَا ... وَيَحْسَبُهَا المَغْرُوْرُ مِن أَصْدِقَائِهِ فَلَذَّاتُها مَسْمُومَةٌ وَوُعُودُها ... سَرَابٌ فَمَا الظَّامِي رَوَى مِن عَنَائِهِ وَكَمْ في كِتَابِ الله مِنْ ذِكْرِ ذَمِّهَا ... وَكَمْ ذَمَّهَا الأَخْيَارُ مِن أَصْفِيَائِهِ فَدُوْنَكَ آياتِ الكِتَابِ تَجِدْ بِهَا ... مِنْ العِلْمِ مَا يَجْلُو الصَّدَا بِجَلائِهِ وَمَنْ يَكُ جَمْعُ المَالِ مَبْلَغَ عِلْمِهِ ... فَمَا قَلْبُهُ إِلا مَرِيْضًا بِدَائِهِ فَدَعْهَا فإِنَّ الزُّهْدَ فِيْهَا مُحَتَّمٌ ... وإِنْ لَمْ يَقُمْ جُلُّ الوَرَى بِأدَائِهِ وَمَن لَم يَذَرْهَا زَاهِدًا في حَيَاتِهِ ... سَتَزْهَدُ فِيهِ النَّاسُ بَعْدَ فَنَائِهِ فَتَتْرُكُهُ يَوْمًا صَرِيْعًا بِقَبْرِهِ ... رَهِيْنًا أَسِيْرًا آيِسًا مِنْ وَرَائِهِ وَيَنْسَاهُ أَهْلُوْهُ المُفَدَّى لَدَيْهِمُ ... وَتَكْسُوهُ ثَوبَ الرُّخْصِ بَعْدَ غَلائِهِ

وَيَنْتَهِبُ الوُرَّاثُ أَمْوَالَهُ التي ... على جَمْعِهَا قاسَى عَظِيْمَ شَقَائِهِ وَتُسْكِنهُ بَعدَ الشَّوَاهِقِ حُفْرةً ... تَضِيقُ بهِ بَعْدَ اتِّسَاعِ فَضَائِهِ يُقِيمُ بهَا طولَ الزمانِ وَمَا لَهُ ... أَنيسٌ سوى دُودٍ سَعَى في حَشائِهِ فَوَاهًا لَهَا مِن غُربةٍ ثم كُرْبَةٍ ... ومن تُربةٍ تَحْوِي الفَتَى لِبَلائِهِ وَمِن بَعدِ ذا يَومُ الحِسَابِ وَهوْلُه ... فَيُجزَى به الإِنسانُ أَوْ فى جَزائِهِ وَلاَ تَنْسَ ذِكَر الموتِ فالموتُ غائبٌ ... ولا بُدَّ يَوْمًا لِلْفَتَى مِن لِقَائِهِ قَضَى اللهُ مَوْلانَا عَلى الخَلْقِ بالفَنَا ... ولا بدَّ فِيهم مِن نُفُوذِ قَضَائِهِ فَخُذْ أُهْبَةً لِلْمَوتِ مِن عَمَلِ التُّقَى ... لِتَغْنَمَ وقْتَ العُمْرِ قَبْلَ انْقَضَائِهِ وإِيَّاكَ والآمالَ فالعُمْرُ يَنقَضِي ... وَأَسْبَابُهُا مَمْدُوْدَةٌ مِن وَرَائِهِ وَحَافِظْ على دِينِ الهُدَى فَلَعلَّهُ ... يَكونُ خِتامَ العُمْرِ عندَ انْتِهَائِهِ فَدَوْنَك مِنِّي فاسْتَمعها نَصِيْحَةً ... تُضَارِعُ لَونَ التِّبْرِ حَالَ صَفَائِهِ

يا نفس توبى فإن الموت قد حانا

وصَلِّ على طُوْلِ الزمانِ مُسَلِّمًا ... سَلامًا يَفُوقُ المِسْكَ عَرْفُ شَذَائِهِ عَلى خاتَمِ الرسْلِ الكِرَامِ مُحَمَّدٍ ... وأَصحابهِ والآلِ أَهل كِسَائِهِ واتْبَاعِهم في الدينِ مَا اهْتَزَّ بِالرُّبَى ... رِياضٌ سَقَاهَا طَلُّهَا بِنَدَائِهِ انْتَهَى ... هذه قصيدة تحتوي على الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة: يَا نَفْسُ تُوبِى فَإنَّ المَوْتَ قَدْ حَانَا ... وَاعْصِي الْهَوى فالْهَوى مَا زَالَ فَتَّانَا أَمَا تَرَيْنَ المَنَايَا كَيْفَ تَلْقُطُنَا ... لَقْطًا فَتُلْحِقُ أُخْرَانَا بأُوْلاَنَا في كُلِ يَوْمٍ لَنَا مَيْتٌ نُشَيِّعُه ... نَرَى بِمَصْرَعهِ آثَارَ مَوْتَانَا يَا نَفْسُ مَا لِي ولِلأَمْوَالِ أَتْرُكُهَا ... خَلْفِي وَأُخْرَجُ مِن دُنْيَايَ عُرْيَانَا أَبَعْدَ خَمْسِيْنَ قَدْ قَضَيْتُهَا لَعبَا ... قد آنَ أَنْ تَقْصُري قَدْ آنَ قَدْ آنا ما بَالُنَا نَتَعَامَى عَن مَصَائِرنَا ... نَنْسَى بِغَفْلَتِنَا مَن لَيْسَ يَنْسَانَا نَزْدَادُ حِرْصًا وَهَذَا الدهرُ يَزْجُرَنَا ... كَأَنَّ زَاجِرنَا بالحِرصِ أَغْرَانَا

سبحان من حمدته ألسن البشر

أيْنَ المُلوكُ وَأَبْنَاءُ المُلُوكِ وَمَن ... كانَتْ تَخِرُّ لَه الأَذْقَانُ إِذْغَانَا صَاحَتْ بِهِم حَادِثَاتُ الدهرِ فانْقَلَبُوا ... مُسْتبْدِلِيْنَ مِن الأَوْطَانِ أَوْطَانَا خَلَّوا مَدَائِنَ كَانَ العِزُ مَفْرَشُهَا ... واسْتُفْرِشُوْا حُفُرًا غُبْرًا وَقِيْعَانَا يا رَاكضًا في مَيَادِينِ الهَوَى مَرِحًا ... وَرَافِلاً في ثِيَابِ الغَيِّ نَشْوَانَا مَضَى الزمانُ وَوَلَّى العُمْرُ في لَعِبٍ ... يَكفيكَ مَا قَدْ مَضَى قَد كَانَ مَا كَانَا انْتَهَى آخر: هذه تحتوي على الثناء على الله وتمجيده: سبحانَ مَن حَمِدتْهُ ألْسُنُ البَشَرِ ... في السِرِّ والجَهْرِ والآصالِ والبُكَرِ وَفي دُجى اللِّيْلِ تَدْعُو ثُمَّ السَّحَرِ ... بالشُّكرِ والذِّكْرِ والآياتِ والسُّورِ تُولِيهِ حَمْدًا وتَتْلُو بَعْدَه سُوَرًا سُبحانَ مَن نَزّهَتْه ألْسُنٌ عَزَفَتْ ... عَنْ كُلِّ ما يُوهمُ التَّشْبِيه إذ وَصَفتْ صَفا لَهَا مَوْرِدُ التحقيقِ حِينَ صَفَتْ ... فَلَمْ تُفَارِقْهُ حتىَ أَثْبَتَتْ ونَفَتْ ولم تَدَعْ شُبهةً تُؤْذِي ولا ضَرَرَا سُبحانَ مَنْ شُكْره في الدَيْنِ مُفْتَرضُ ... ولَيْسَ يُشْبِهُهُ جِسْمٌ ولا عَرَضُ يَنْهي ويأمُرُ ما فِي ذا وذا غَرَضُ ... فاذكُرْ لِنُعْماهُ ذِكْرًا لَيْسَ يَنْقرضُ فَمَنْ تَحَدَّثَ بالنُّعْمَى فَقَدْ شَكَرَا سُبحانَ مَن خَضَعَ السَّبعُ الطِّباقُ لَهُ ... وأَعْظَمَتْهُ قُلوبٌ حَشْوُها وَلَهُ تُرِيْد أن تَعْلَمَ الأَبْقَى وتَعْقِلُهُ ... طُوبَى لِمَنْ اَمَّلَ الأبْقَى وأمَّ لَهُ

واسْتَكْثَرَ الزادَ لَمَّا آنسَ السَّفَرا سُبحانَ مَن زَيَّنَ الأفلاكَ بالشُّهُبِ ... وبَيَّن الدِّينَ بالآياتِ والكُتيبِ ولَمْ يَدَعْنا لدَى لَهْوٍ وفي لَعِبِ ... لكن نهانا وآتَانَا عَلَى الرَّتَبِ حتى انتهينا وأذعنّا لِمَا أَمَرَا سُبحانَ مَنْ جَعَلَ الأشياءَ تَخْتَلِفُ ... فَتَارَةً تَتَنَاءَى ثُم تَأْتَلِفُ هذا الظلامُ بِنُور الصبُّحِ يَنْصرِفُ ... كَمَا الضَّلالُ لنُورِ العلْمِ لا يَقِفُ فسَلْه نُورًا يُنِيرُ السَّمْعَ والبَصرَا سُبحانَ مَنْ خَلَقَ الأخلاقَ والخِلقَا ... والشمسَ والبَدْرَ والظَّلْماء والغَسَقَا يَروقُكَ الكُلُّ مَجْمُوعًا ومُفْتَرِقَا ... وانْظُرْ لِنَفْسَك واسْلُكْ نَحْوَهُ طُرقَا فأَسْعدُ الناسِ مَنْ في نَفْسِهِ نَظَرَا سُبحانَ مُنزلِ ماءِ المُزْنِ في المَطَرِ ... يَرْوِي النباتَ ويَسْقِي يانِعَ الثَّمْرِ كَأَنَّما الزُّهْرُ تُهْدِيهِ إلى الزَّهَرِ ... إذَا رَأيتَ تَلاقِيهَا عَلى قَدَرِ رَأَيْتَ صُنَع قَديرٍ أحْكَمَ القَدَرَا سُبحانَ مَنْ فَجَّر الأنهارَ فانْفَجَرَتْ ... وقَدّرَ الخَيرَ في إجْرائِهَا فَجَرِتْ فزِينةُ الأرضِ بالأَزْهَارِ قَدْ ظَهَرتْ ... ولِلْبَصِيرَةِ عَيْنٌ كُلَّمَا نَظَرَتْ رَأَتْ جَمالاًً وإجْمالاً ومُعْتَبرَا سُبحانَ مَنْ خَلَق الإِنْسَانَ مِن عَلَقِ ... وأعْقَبَ الليلةَ اللَّيْلاءَ بالغَسَقِ يا بَهجْة الشمسِ دُونِي عُذْتِ مِن فَلَقِ ... ويا سَنَا البَدْرِ عَارِضْ حُمْرةَ الشَّفَقِ حتى تُعِيدَ لَنَا مِن ليْلِنا سَحَرَا سُبحانَ مَنْ عَلَّمَ الإِنْسَانَ بالقَلمِ ... وَسلَّطَ الهمَّ والبَلْوى عَلَى الهِمَمِ فقاوَمَتْها جُنودُ الصَّبْر والكَرَمِ ... ثُمَّ ابْتَلىَ قَلْبَ غَيْرِ العَارف الفَهِمِ فَمَا أَطاقَ ولا أَوفَى ولا صَبَرَا

سُبحانَ مَنْ خَلَق الإِنْسَانَ مِن عَجَلِ ... فَلَيْسَ يَمْشي إلى شَيءٍ عَلَى مَهَلِ ولا يَقُولُ سِوى: هَذا وذلكَ لِي ... مُقَسِّم الحَالِ بَيْنَ الحِرْصِ والحِيَلِ فَلَيْسَ تَلْقاه إلاَّ ضارِعًا حَذِرَا سُبحانَ مَنْ زَانَهُ بالعِلْم والأَدِبِ ... وبالفضائِل والإِيمانِ والطَّلَب فَلا يَزالُ حَلِيْفَ الفِكْرِ والتَّعَبِ ... رَامَ الكَمالَ فَلَمْ يَبْلُغْ ولَمْ يَخِبِ ولَمْ يَرِد بعدُ في رِيٍّ ولا صَدَرَا ... سُبحانَ مَنْ شانُهُ بالكِبْرِ والأشَرِ ... يُمْسي ويُصبحُ في غَيٍّ وفي بَطَرِ مَرَدَّدُ العَزْمِ بَيْنَ الجُبْنِ وَالخَوَرِ ... لا يَسْتَفِيقَ مِنَ الشَّكْوَى إلَى البَشَرِ وَلا يُزَحْزَحُ عَنْ ظُلْمٍ إذَا قَدَرَا سُبْحَانَ مُحْرِقِهِ فِي وَقْدَةِ الْحَسَدِ ... فَلا يَزَالُ أَخَا غَيْظٍ وَفِي نَكَدِ كالبحرِ يَرْمي إلى العَيْنَينِ بالزَّبَدِ ... إذَا رَأَى أَثَرَ النُّعْمَى عَلَى أَحدِ يَودّ لَوْ كَانَ أَعْمَى لا يَرى ضَجَرَا سُبحانَ مَنْ خَصَّ بالإِيمان أنفُسَنَا ... وخافَهُ مِن عَذَابِ النَّارِ أنْفَسُنَا لولاهُ لَمْ نَعْرِف المعروفَ والحَسنَا ... ولا استَفَدنَا لِسَانًا نَاطِقًا لَسِنَا ولا دَرَيْنا: أَباحَ الشرعُ أو حَظَرَا؟ سُبحانَ مَنْ جَعَلَ الإِيمانَ بالقَدَرِ ... والحشْرَ والنَّشْرَ مَنْجِاةً مِن الضَّرَرِ فَلا خُلودَ مَعَ الإِيمانِ في سَقَرِ ... ولا وًصولَ إِلَى أَمْنِ بلا حَذَرِ حتى تكونَ لأمْر اللهِ مُؤْتَمِرَا سُبحانَ مَنْ هو يَومَ الفصلِ يَجْمعُنَا ... ولِلنْعيمِ بِفَضْلٍ منه يَرْفعُنَا مِن بَعْدِ رُؤْيِة أهْوالٍ تُرَوِّعُنَا ... يُرَى لَهَا وَالِهًا هَيْمانَ أوْرَعُنَا حَيرانَ عُرْيانَ يُبْدِي كلَّ مَا سُتِرَا سُبحانَ مَنْ يَحْشُرُ الإِنْسَانَ مُكْتَئِبَا ... خوفَ الجَزاءِ ويُجْزيهِ بما كَسَبَا

سير المنايا إلى أعمارنا خبب

ويَحْكُمُ الحُكْم يُمضِيهِ كَمَا وَجبَا ... فالقاسِطونَ إلى نِيرانِهِ عُصَبَا والمُقْسِطون إلى جنّاتِهِ زُمَرَا سُبْحانَ مَنْ فَضَّلَ الإِسلامَ في الأُمَمِ ... بالطَّيِّبِ الطاهرِ المَبْعوثِ في الحَرَمِ سُبْحانَ مَنْ خَتَمَ الأَديَانَ في الأَزَلِ ... بِالمِلّة السَّمْحةِ البَيْضاءِ في المِلَلِ أتَى بها خيرُ مأمور ومُمْتَثِلِ ... محمدٌ خَاتَمُ الساداتِ والرُّسلِ وخيرُ مَن حجّ بيتَ الله واعتمرَا صَلَّى الإِلَهُ عَليْهِ مَا بَدَا قَمرُ ... وما سَرَتْ في الدياجي أنجمٌ زُهُرُ وما تباينَتِ الأشكالُ والصُّوَرُ ... وما تُدُورِسَتِ الآيَات والسُّوَرُ وما قَضى مُؤْمنٌ مِن حَاجةٍ وطَرَا انْتَهَى ... آخر: سَيْرُ الْمنايَا إلى أعْمَارِنا خبَبُ ... فَمَا تَبِينُ وَلا يَعْتاقُهَا نصَبُ كَيْفَ النَّجَاءُ وأيْدِيهَا مُصَمِّمَةٌ ... بِذَبحِنَا بِمُدِيٍّ لَيْسَتْ لهَا نُصُبُ وَهَلْ يُؤَمِّلُ نَيْلَ الشَّمْلِ مُلْتَئمًا ... سَفْرٌ لَهُمْ كُلَّ يَومٍ رِحْلَةٌ عَجَبُ وَمَا إقامَتُنَا في مَنْزِلٍ هَتَفَتْ ... فِيْهِ بِنَا مُذْ سَكْنَا رَبْعَهُ نُوَبُ وآذنَتْنَا وقَدْ تَمَّتْ عِمَارَتُهُ ... بَأَنَهُ عَنْ قِريْبٍ دَاثِرٌ خَربُ أزْرَتْ بِنَا هَذِهِ الدُنْيَا فَمَا أمَلٌ ... إلاَّ لِرَيْبِ الْمَنَايَا عِنْدَهُ أَرَبُ هذَا ولَيْسَتْ سِهَامُ الموتِ طَائشةً ... وهَلْ تَطِيْشُ سِهَامٌ كُلُّهُ نُصُبُ انْتَهَى

وكل من نام بليل الشباب

آخر: وَكُلُّ مَنْ نَامَ بِلَيْلِ الشَّبابْ ... يُوقِظُهُ الدَّهْرُ بِصُبْحِ المَشيبْ يَا رَاكِبَ العَجْزِ أَلا نَهْضَةٌ ... قد ضَيَّقَ الدَّهْرُ عَلَيكَ المَجَالْْ لا تَحْسِبَنَّ أَنَّ الصِّبَا رَوْضَةٌ ... تَنَامُ فِيهَا تَحْتَ فَيْءِ الظِّلاَلْ فَالعَيشُ نَومٌ والرَّدَى يَقْظَةٌ ... وَالمَرءُ مَا بَيْنَهُمَا كَالخَيَالْ وَالعُمر قَدْ مَرّ كَمرِّ السَّحَابْ ... والمُلْتَقَى بالله عَمَّا قَرِيب وَأَنْتَ مَخْدُوعٌ بِلَمْعِ السَّرَابْ ... تَحْسَبُهُ مَاءً ولاَ تَسْتَرِيبْ فَكُلُّ مَنْ يَرْجُو سِوَى الله خَابْ ... وإنَّمَا الفَوزُ لِعَبدٍ مُنِيبْ يَسْتَقْبِلُ الرُّجْعى بِصِدْقِ الْمَتَابْ ... وَيَرقُبُ الله الشَّهِيدَ القَرِيبْ يَا حَسرَتَا مَرَّ الصِّبَا وانْقَضَى ... وأَقْبَلَ الشَّيْبُ يَقُصُّ الأَثَرْ وا خَجْلَتا وَالرَّحْلُ قَدْ قُوِّضَا ... وَمَا بَقِي في الخُبْرِ غَيْرُ الخَبَرْ وَلَيتَنِي لَوْ كُنْتُ فِيمَا مَضَى ... أدَّخِرُ الزَّادَ لِطُولِ السَّفَرْ قَدْ حَانَ مِن رَكْبِ التَّصَابِي إِيابْ ... ورَائِدُ الرُشْدِ أَطَالَ المَغِيبْ انْتَهَى آخر: هذه قصيدة عظيمة وعظية تزعجُكَ عن الدنيا وتزهدك فيها إن كنت صَاحِب عقل قَطَّعْتُ مِنْكِ حَبائِل الآمَالِ ... وَحَطَطْتُ عَنْ ظَهَرِ المَطِي رِحالي وَيَئسِتُ أنْ أَبقَى لشيء نِلتُ مِمّا ... فيكِ، يَا دُنيا، وَأَنْ يَبقَى لِي ... فَوَجَدْتُ بَرْدَ اليّأسِ بَيْنَ جَوانحِي، ... وَأَرَحْتُ مِنْ حِلِّي وَمِنْ تَرْحَالِي وَلَئِنْ بَئِسْتُ، لَرُبّ بَرْقَةِ خُلّبِ ... بَرَقَتْ لذي طَمَعٍ، وَبَرْقَةِ آل

مَا كانَ أَشأمَ، إِذْ رَجاؤكِ قاتلي، ... وَبَناتُ وَعْدِكِ يَعْتَلِجْنَ بِبَالِي فَالآن، يا دُنيا، عَرَفَتُكِ فاذهبِي، ... يَا دَار كُلّ تَشَتَتٍ وَزَوَالِ وَالآنَ صَارَ لِي الزَّمَانُ مُؤدِّبًا، ... فَغَدَا عَليّ وَرَاحَ بِالأَمْثَالِ وَالآنَ أَبصَرْتُ السَبيلَ إِلى الهُدَى، ... وَتَفَرَّغَتْ هِمَمِيْ عَنْ الأَشْغَالِ وَلَقَدْ أَقَامَ لِي المَشِيبُ نُعَاتَهُ، ... يُفْضِي إِلي بِمَفْرقٍ وَقذَالِ وَلَقَدْ رأَيْتُ المَوْتَ يُبْرِقُ سَيْفَهُ ... بِيَدِ المَنيَّةِ: حَيثُ كنتُ، حِيالِي وَلَقَدْ رَأَيْتُ عُرَى الحَياتِ تَخَرَّمَتْ، ... وَلَقَدْ تَصَدّى الوَارِثُونَ لِمَالِي وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَلَى الفَنَاءِ أَدَّلةً، ... فِيْمَا تَنَكّرَ مِنْ تَصَرفِ حَالِي وَإِذَا اعتَبْرتُ رَأيتُ خَطْبَ حوادِثٍ ... يَجريْنَ بِالأَرْزَاقِ، وَالآجَالِ وَإِذَا تَنَاسبتِ الرّجالُ، فما أَرَى ... نَسَبًا يُقاسُ بصالِحِ الأَعْمالِ وَإِذَا بحَثْتُ عَنِ التَّقِيِّ وَجَدْتُهُ ... رَجُلاً، يُصَدِّقُ قَوْلَهُ بِفعَالِ وَإِذَا اتْقَى اللهَ امْرُؤٌ، وَأَطَاعَهُ، ... فَيَداهُ بَيْنَ مَكَارِمٍ وَمعَالِ وَعَلَى التَّقِيِّ، إِذَا تَرَسّخَ فِي التُّقَى، ... تَاجَانِ، تَاجُ سَكينَةٍ، وَجَلالِ وَاللَّيْلُ يَذْهَبُ وَالنَّهارُ، تَعَاوُرًا ... بِالخَلْقِ في الإِدْبارِ، وَالإِقبالِ وَبِحَسْبِ مَنْ تُنْعَى إِلَيهِ نَفْسُهُ ... مِنْهُ بِأَيَّامٍ خَلَتْ، وَلَيَالِ اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ فأَنْتَ فِي ... عِبَرٍ لَهُنَّ تَدَارُكٌ، وَتَوَالِ يَبكِي الجَديدُ وَأَنْتَ فِي تَجْديدِه، ... وَجَميعُ مَا جَدَّدْتَ منهُ، فَبَالِ يَا أيّها البَطِرُ الذي هو في غَدٍ، ... في قَبْرِهِ، مُتَفَرِّقُ الأَوْصالِ حَذَفَ المُنَى عَنهُ المُشَمِّرُ في الهُدى، ... وَأَرَى مُنَاكَ طَويلَةَ الأَذْيَالِ وَلَقَلّ مَا تَلْقَى أَغَرَّ لِنَفْسِهِ ... مِنْ لاَعِبٍ مَرحٍ بها، مُختالِ يا تاجِرَ الغَيَّ الُمضِرَّ بِرُشْدِهِ، ... حَتَّى مَتَى بالغَيَّ أنْتَ تُغَالِي الحَمْدُ للهِ الحَميدِ بِمَنّهِ ... خَسِرَتْ، وَلم يَرْبَحْ يَدُ البَطَّالِ للهِ يَوْمٌ تَقْشَعِرَّ جُلُودُهُمْ، ... وَتَشِيبُ مِنْه ذَوَائِبُ الأطْفالِ

لقد أيقظ الإسلام للمجد والعلى

يَوْمُ النَّوازِلِ والزَّلازِلِ، وَالحَوا ... مِلِ فيهِ، إذْ يَقِذفْنَ بالأحْمَالِ يِوْمٌ التَّغاُبنِ، والتَّبايُنِ والتنَّا ... زُلِ، وَالأمُورِ عَظيمَةِ الأهْوَالِ ... يَوْمٌ يَنَادَي فيهِ كُلُّ مَضَلَِّلٍ ... بِمُقَطعَاتِ النَّار، والأغْلالِ لِلْمُتَّقِينَ هُناكَ نَزْلُ كَرامَةٍ، ... عَلَتِ الوُجُوهَ بنَضرةٍ، وَجَمالِ زُمَرٌ أضَاءَتْ لِلْحِسَابِ وُجُوهُها، ... فَلَهَا بَرِيقٌ عِندَهَا وَتَلالي وَسَوَابِقٌ غُرٌّ، مُحَجَّلَةٌ، جَرتْ ... خُمْصَ البُطونِ، خَفِيفَةَ الأثَقالِ مِنْ كُلّ أَشْعَثَ كَاَنَ أَغْبَر ناحِلاً، ... خَلِقَ الرّداءِ، مُرَقعَ السِّرْبالِ حِيِلُ ابنِ آدَمَ في الأمُورِ كَثيرَةٌ، ... وَالمَوْتُ يَقطعُ حِيلَةَ المُحْتَالِ نَزَلُوا بأَكْرَمِ سَيَّدٍ، فأظَلّهُمْ ... في دارِ مُلْكِ جَلالَةٍ، وَظِلالِ وَمِنَ النَّعاةِ إلى ابنِ آدَمَ نَفْسَهُ، ... حَرَكُ الخُطَى، وطُلُوعُ كُلِّ هِلالِ ما لِيْ أرَاكَ لِحُرّ وَجْهِكَ مُخْلِقًا، ... أَخْلقْتِ، يا دنُيْا، وُجُوهَ رِجالِ قِسْتَ السؤّالَ، فكانَ أعْظَمَ قيمةً ... مِنْ كُل عَارِفَةٍ جَرَتْ بسُؤُالِ كُنْ بالسؤالِ أشَدَّ عَقْدِ ضَنَانَةٍ، ... مِمّنْ يَضِنّ عَليَكَ بالأمْوَالِ وَصُنِ المَحامِدَ ما استَطَعتَ، فإنّها ... في الوَزْنِ تَرْجُحُ بَذْلَ كلّ نَوَالِ وَلَقَدْ عَجِبْتُ مِنَ المُثَمَّرِ مالَهُ، ... نَسيَ المُثَمَّرُ زِينَةَ الإقْلالِ وَإذا امْرُؤٌ لَبِسَ الشٌّكُوكَ بِعَزْمِهِ، ... سَلكَ الطّريقَ عَلى عُقودِ ضَلالِ وَإذا ادَّعَتْ خُدَعُ الَحوادِث قَسْوَةً، ... شَهِدَتْ لُهنّ مَصارِعُ الأبْطالِ وِإذا ابتُليتَ ببَذْلِ وَجْهِكَ سائِلاً، ... فابْذُلْهُ لِلْمتَكَرّمِ المِفْضَالِ وَإذا خَشِيْتَ تَعَذٌّرًا في بَلْدَةٍ، ... فاشْدُدْ يَدَيْكَ بعاجِلِ التّرْحالِ وَاصْبِرْ عَلَى غِيَرِ الزّمانِ، فإنّما ... فَرَجُ الشّدائِدِ مِثلُ حَلِّ عِقالِ انْتَهَى آخر: لَقَدْ أَيْقَظَ الإِسْلامُ لِلْمَجدِ والعُلَى ... بَصَائِرَ أَقْوَامٍ عَن المَجْدِ نُوَّمِ

أجنب جيادا من التقوى مضمرة

فَأَشْرَقَ نُورُ العِلْمِ مِنْ حُجَرَاتِهِ ... عَلَى وَجْهِ عَصْرٍ بالجَهَالَةِ مُظْلِمِ وَدَكَّ حُصُوْنَ الجَاهِلِيَّةِ بالهُدَى ... وَقَوَّضَ أَطْنَابَ الضَّلاَلِ المُخَيِّمِ وَأَنْشَطَ بالعِلْمِ العَزَائِمَ وابْتَنَى ... لأَهْلِيْهِ مَجْدًا لَيْسَ بالمُتَهَدِّمِ وَأَطْلَقَ أَذْهَانَ الوَرَى مِنْ قُيُودِها ... فَطَارَتْ بأَفْكَارِ عَلَى المَجْدِ حُوَّمِ ... وَفَكَّ أُسَارَ القَوْمِ حَتَّى تَحَفَّزُوا ... نُهوضًا إلى العَلْياءِ مِنْ كُلِّ مجْثِمِ وَعَمَّا قَلِيْلٍ طَبَّقَ الأَرْضَ حُكْمُهُمْ ... بِأَسْرَعَ مِنْ رَفْع اليَدَيْنِ إلى الفَمِ انْتَهَى آخر: أَجنِبْ جِيَادًا مِن التَّقْوى مُضَمَّرةٌ ... لِلْسَّبْقِ يَومَ يَفُوزُ النَّاسُ بِالسَّبَقِ تَمُرُّ مَرَّ الرِّيَاحِ الهُوجِ عَاصِفَةً ... أَوْ لَمْحَةِ البَرْقِ إِذْ يَجْتَازُ بالأُفُقِ وارْكُضْ إلىَ الغَايَةِ القُصْوى وَخَلِّ لَهَا ... عِنَانَ صِدْق رَمَى في فِتْيَةٍ صُدُقِ فإنَّ خلْفَكَ أعْمَالاً مُثْبِّطَةً ... وَلَسْتَ تَنْهَضُ إلا وَيْكَ بالعَنَقِ كَمْ حَلَّ عَزْمُكَ مِن دُنْيا مُعَرِّجَةٍ ... بِقَصْدِكَ اليومَ عن مَسْلُوْكَةِ الطُّرُقِ يَا غَافِلاً وَالمَنَايَا مِنْهُ ذَاكِرَةٌ ... وَضَاحِكًا والرَّدَى مِنْهُ عَلَى حَنَقِ قَطَعْتَ عُمْرَكَ في سَهْو وفي سِنَةٍ ... وَمِنْ أَمَامِكَ لَيْلٌ دَائِمُ الأرَقِ انْتَهَى

أرى الناس في الدنيا، معافى ومبتلى

اللَّهمُ بارِكْ في أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَنَوِّرِ قُلُوبِنَا وَأَصْلِح ذَاتَ بَيْنِنَا وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا واهدِنَا سُبُل السَّلامِ وَنَجِّنَا مِنَ الظُلُمَاتِ إلى النور وَجَنِّبْنَا الفواحشَ ما ظهرَ مِنْها وَمَا بَطنَ واغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيْعِ المسلمينَ بِرَحْمَتِكَ يا أَرحَمَ الراحمينَ وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. آخر: أَرَى النَّاسَ في الدنّيا، مَعافًى وَمُبتلَى ... وَمَا زَالَ حُكمُ الله في الأَرْضِ مُرْسَلا مَضَى في جَميعِ النَّاسِ سَابقُ عِلمهِ ... وَفَصَّلَهُ، مِن حيثُ شَاءَ، وَوَصّلا وَلَسْنَا عَلى حُلْوِ القَضَاءِ وَمُرّهِ ... نَرَى حُكَمًا فينا، مِنَ اللهِ، أَعْدَلا بَلى خَلْقَهُ بِالخَيرِ وَالشّرِّ، فِتْنَةً ... لِيَرْغَبَ مِمّا فِي يَدَيْهِ وَيَسألا وَلَمْ يَبْغِ إِلا أَنْ يَبُوءَ بِفَضْلِهِ ... عَلينَا، وَإِلا أَنْْْ نَتُوبَ، فَيَقْبَلا هُوَ الأحَدُ القَيّومُ مِنْ بَعدِ خَلقِه ... وَمَا زالَ في دَيمومَةِ المُلْكِ أَوّلا وَمَا خَلَقَ الإِنْسَانَ إِلاَّ لغايَةٍ ... وَلَمْ يَتْرُكِ الإِنْسَانَ في الأرْضِ مُهمَلا كَفَى عبِرَةً أَنِّي وَأَنّكَ، يا أخي ... نُصَرَّفُ تَصرِيفًا لَطِيفًا، وَنُبتَلى كأنّا، وَقد صِرْنَا حَديثًا لغَيْرِنَا ... نُخاضُ كما خُضْنَا الحديثَ لَمن خَلا تَوَهَّمْتُ قَوْمًا قَدْ خَلَوا، فَكَأنَّهم ... بِأَجْمَعِهِم كانُوا خَيَالاً تُخِيِّلا ... وَلَستُ بِأَبْقَى منهُم في ديِارِهِمْ ... وَلكِنّ لي فيها كتابًا مُؤجَّلا وَما النّاسُ إلاَّ مَيّتٌ وَابنُ مَيّتٍ ... تَأجّلَ حَيٌّ مِنهُمُ، أَوْ تَعَجّلا وَلا تَحْسَبَنَّ الله يُخْلِفُ وَعْدَهُ ... بما كَانَ أَوْصَى المُرْسَلِيْنَ، وَأَرْسَلا هوَ المَوْتُ يا ابنَ المَوْتِ وَالبَعثُ بعدهُ ... فمِنْ بينِ مَبعوثٍ مُخفًّا، وَمُثقَلا وَمِنْ بَينِ مَسحوبٍ على حُرّ وَجْهِه ... وَمنْ بِينِ مَنْ يَأتِي أَغَرّ مُحَجَّلا عَشِقْنَا، مِنَ اللَّذاتِ، كل مَحرَّمٍ ... فأُفِّ عَلَيْنَا ما أَغَرَّ وَأَجْهَلا رَكَنّا إلى الدّنْيا فَطَالََ رُكُونُنا ... وَلَسنَا نَرَى الدّنْيا، عَلَى ذَاكَ، مَنزِلا

يا من يريد طريقة تدنيه من

لَقَدْ كَانَ أقْوَامٌ مِنَ النَّاسِ قَبلَنا ... يَعافُونَ مِنْهُنّ الحَلالَ المُحَلَّلا فَلِلَّهِ دارٌ مَا أَحَثّ رَحِيلَها ... وَما أَعرَضَ الآمَالَ فيها وَأَطْوَلا أَبَى المَرْءُ إِلاَّ أَنْ يَطُولَ اغْترارُهُ ... وَتَأبَى بِهِ الحالاتُ إِلاَّ تَنَقّلا إِذَا أمّلَ الإِنْسَانُ أَمْرًا، فَنَالَهُ ... فَمَا يَبْتَغي فَوْقَ الذي كَانَ أَمّلا وَكَمْ من ذَلِيلٍ عَزّ مِنْ بَعد ذِلّةٍ ... وَكَمْ من رَفِيعٍ صارَ في الأَرْض أَسفَلا وَلَمْ أَرَ إِلا مُسْلمًا في وَفاتِهِ ... وَإنْ أَكثَر الباكِي عَلَيهِ، وَأعْوَلا وَكَمْ مِن عَظِيمِ الشّأنِ في قعرِ حُفرةٍ ... تَلَحّفَ فيها بالثَّرى، وَتَسَرْبَلا أَيَا صاحِبَ الدّنْيا وَثِقْتَ بِمَنْزِلٍ ... تَرَى المَوْتَ فِيْه، بالعِبادِ مُوَكَّلا تُنافِسُ في الدّنْيا لِتَبلُغَ عِزّها ... وَلَسْتَ تَنَالُ العِزّ حتى تُذَللاَّ إذا اصْطَحَب الأقوامُ كَانَ أَذَلُّهُم ... لأصحابِهِ نَفَسًا، أَبَرَّ وَأَفْضَلا وَمَا الفَضْلُ في أَنْ يُؤثِرَ المَرءُ نَفْسَهُ ... وَلكِنَّ فَضْلَ المَرْءِ أَنْْ يَتَفَضّلا انْتَهَى آخر: هذه قَصِيْدَةٌ وعْظِيَّةُ ألق لها سمعك وحظر قَلْبَكَ وتَدَبَّرهَا. يا مَن يريدُ طَريقةً تُدْنيه مِنْ ... ربَّ العبادِ بصالحِ الأعْمَالِ وتُقيمُه للإستقَامةِ بعدُ في الْـ ... أَحوالِ والأَعْمَالِ والأَقوالِ وكذاكِ تُوصِلُهُ إليها إنْ يَكُنْ ... ذَا هِمَّةٍ لِمَوَاقِعِ الأَفضالِ هِيَ أَنْ تُرِدْ تَحْصِيلَهَا شَيئانِ أَمَّا ... الأَوَّلُّ المَقْصُودُ في الأَمثالِ حِفظُ الخَواطِرِ بِالحِراسةِ ثم كُنْ ... حَذِرًا مِنَ التَّفْرِيطِ وَالإِهمالِ بلْ لا تَكُونُ مَعَ الخَواطِرِ غَافِلاً ... مُسْترسلاً في مُدَّةِ الإِمهالِ أوْ مُؤْثِرًا كُلَّ الفَسَادِ بِأسْرِهِ ... منهَا يَجِيءُ وَلَيْسَ ذَا إِشْكَالِ ... ولأَنَّها لِلنَّفْسِ والشَّيطانِ بَذْ ... رٌ في القُلوبِ بِغَيرِ مَا إِقلالِ فإذا تمكَّنَ بَذْرُهَا مِنْ أَرْضِهَا ... بِالسَّقْي من ذِي الفاجِرِ المُجْتَالِ إذا قَدْ يَصيرُ بِسَقْيهَا مُتَعاهِدًا ... والعَبْدُ في الغَفَلاتِ عَنْ ذِي الحَالِ

حَتَّى تَصِيْرَ إِذَا إرَادَتٌ كَذا ... حَتَّى تَصِيْرَ عَزَائِمُ الأفعالِ وَيَظَلُّ يَسْقِيهَا وَيُدْمِنُ سَقْيها ... حَتَّى تُغِلَّ بَأَخْبَثِ الأَعْمالِ هَيْهَاتَ إِنَّ الدَّفعَ وهي خَوَاطِرٌ ... لَوْ كَانَ ذَاكَ بِأَيسرِ الأَحْوَالِ فَهُنَاكَ يَصْعُب دَفْعُها مِن بَعدِ أن ... صَارَتْ هُنَاكَ إِرَادَةَ الأَعمالِ وَهُو المفرِّطُ حَيْثُ كَانَتْ خَاطِرًا ... شَيْئًا ضَعِيفًا غَيْرَ ذِي إحْمَالِ مِثلَ الشرارة هانَ مِنها بدؤُها ... والشأْنُ كلُّ الشأْنِ في الإِهمالِ حَتَّى إذَا عَلقتْ هَشِيمًا يَابسًا ... وتمكَّنتْ مِنْ ذَاكِ بِالإِشعالِ عَجَز المفرِّطُ بعدُ عنْ إطفائِها ... يَا خَيْبَةَ المتَكَاسِلِ البَطَّالِ * * * فإذا أَردتَ طريقةً في حِفْظِها ... إذ كُنْتَ ذا حِرْصٍ وَذَا إِقبالِ فاسمعْ إِذَن أَسْبَابَ موصلةً إلى ... تلكَ الطريقِ بِأَوضحِ الأَقوالِ عِلْمٌ بربكَ جازمٌ مِنْ أَنَّه ... بِالاطلاعِ ولَيْسَ ذَا إهمالِ لِلْقَلْبِ بالنظرِ الذِي هو وصفُه ... والعلمِ بالخطراتِ في الأَحوالِ وكذا الحَياء مِنَ الإِله فإنَّهُ ... سَبَبٌ لَهَا بِالحفظِ والإِكمالِ وكذاكَ إِجلالٌ لَهُ مِنْ أنْ يُرَى ... في بيتِه المخلوقِ للإِجلالِ كالحبِّ والتعظيمِ جَلَّ جلالُه ... تلكَ الخَواطِرُ تَحضُّ بالأغلالِ وكذاكَ إيثارٌ لَهُ سُبْحانَه ... وهُوَ الغَنيُّ فَجَلَّ عنْ أَمثالِ عَنْ أَنْ يُسَاكنَ قلبَكَ المَربُوبَ غير ... الحُب للمعبودِ ذِي الإِفْضَالِ فَتَظَلَّ تَسْتَعِرُ اسْتِعَارًا يَأْكلُ الإ ... يْمَانَ مِنْ حُبٍّ وَمِنْ إِجلالِ مَعَ كُلِّ ما فِي القلبِ مِنْ خَيْرٍ فَيَذْ ... هَبُ جُمْلَةً وَالعَبْدُ في إِغْفالِ وكَذَا مِنَ الأَسبابِ عِلْمُكَ إِنَّمَا ... تِلكَ الخَواطِرُ غَيْرُ ذِي إِشكالِ كالحَبِّ يُلقَى لِلطُّيُورِ لِصَيْدِهَا ... والعَبْدُ مَقْصُودًا لِذِي الأَحبالِ

يَصْطَادهُ الشيطانُ في فَخِّ الرَّدَى ... والطُّعْمُ فيه خَواطِرُ الإِضلالِ وكَذَا مِن الأَسباب عِلْمُك أنَّها ... وخَواطِرِ الأَعمالِ وَالأَقوالِ ... كالحبِّ والإِيْمانِ لَنْ يَتَلاقيَا ... في القلبِ إلا كَالْتِقَا الأَبطالِ بَلْ إِنَّ دَاعِي الحُبِّ ثُمَّ إِنَابَة ... ضِدَّ الخَواطرِ فاسْتَمِعْ لِمَقَالِ مِنْ كلِّ وَجْهٍ وَالقِتَال فَقَائِمٌ ... حَتَّى يكونَ الضدُّ ذَا إِذْلالِ لَوْ كَانَ قَلبُكَ ذَا حَيَاةٍ ضَرَّهُ ... أَلمُ المُصَابِ فَصَارَ ذَا إِقْبَالِ لكنَّ قَلْبَكَ في البَطَالَةِ غَافِلٌ ... مَا كَانَ ذا هَمٍ وَذَا إِشْغَالِ وكذَا مِنَ الأَسبابِ تَعْلمُ أنها ... بَحْرٌ عَميقٌ مِنَ بُحُورِ خَيَالِ والقلبُ يَفْرَقُ بَعْدَ مَا يَدْخُلْ بِهِ ... وَيَتَيِهُ ثُمَّ بِظُلْمةِ الأَهوالِ فَيَظَلُّ يَطْلُبُ لِلْخَلاصِ فَلَمْ يَجِدْ ... مِنْ ذَاكَ نَهْجًا يُنْج مِنْ أَوْبَالِ أَوَ مَا تَرى أَنَّ الخَوَاطِرَ كلَّمَا ... غَلبَتْ لِقَلبِكَ صَارَ ذَا إِذْلالِ قَدْ أورثَتْهُ وَسَاوِسًا ذَلَّ بِهَا ... حَتَّى اغْتَدى بالغَيرِ ذُو إِشْغالِ عَزلَتهُ عَنْ سُلطَانِه وَمحِلِّهِ ... عَنْ ذِي المَحَلِ المُشمَعِلِّ العَالِ وعَلَيه أَفسدَتْ الرَّعَايَا كُلَّهَا ... فالملكُ والسلطانُ في اضْمِحْلالِ ورَمَتْهُ في الأَسرِ الطويلِ مُتَبَّلاً ... بِيَدِ الهَلاكِ يُجَرُ بِالأَغْلالِ * * * * ... * * * وإذَا عَلِمْتَ بأَنَّ هَذا كُلَّهُ ... في الخَاطر النَّفْسيِّ ذِي الإِضلالِ فَخَواطِرُ الإِيْمانِ في قَلْبِ الفَتَى ... لِلْخَيْر أَصْلٌ لَيْسَ ذَا إِشْكَالِ فَمَتَى بَذَرْتَ خَواطِرَ الإِيْمانِ في ... أَرْضِ القُلوبِ بِغَيْرِ ما إِهْمَالِ مِنْ خَشْيِةٍ وَمَحبَّةٍ وَإِنَابَةٍ ... وَكَذَا رَجَاءِ ثَوَابِ ذِي الإِفْضَالِ وكذَلكَ التَّصديقُ بِالوَعْدِ الذِي ... تَرْجُوْهُ مِنْه بِصَالِحِ الأَعْمَالِ

وَسَقَيْتَها مُتَكَرِّرًا مُتَعَاهِدًا ... وَحَفِظْتَهَا بِالحِفْظِ والإِكْمَالِ فهناكَ تُثْمرُ كُلَّ فِعْلٍ طيِّبٍ ... مِنْ صَالِحَاتِ القولِ وَالأَفْعَالِ وَهُنَاكَ تملأُ قَلْبَه الخَيراتُ والـ ... ـطَّاعَاتُ لِلْمَعْبُودِ ذِي الإِجْلاَلِ وَهُنَاكَ السُلْطانُ في سُلْطَانِهِ ... قَدْ يَسْتَقرُّ بِأَكْمَلِ الأَحْوالِ وكَذَا رَعِيَّتُهُ اسْتِقَامَةُ رَغْبَةٍ ... بَعْدَ اسْتَقَامَتِه مِنَ الإِضلالِ * * * واعْلَمْ بأنْ لا بُدَّ مِنْ شَرْطَيْن لا ... تَغْتَرَّ بِالإِغفالِ وَالإِهمالِ أَنْ لا تَكُونَ لِوَاجبٍ أَوْ سُنَّةٍ ... بِالتَّركِ ذُوْ عَجْزٍ وَذُوْ إِغْفَالِ ... أوْ تَجْعَل الأَضَّدادَ مَوْضِعَ خَشْيَةِ ... الرَّحمنِ مِنْ حُبٍّ ومِنْ إِجْلالِ * * * هَذَا وثَانِي ذَيْنِكَ الشَّيئَينِ إِنْ ... رُمْتَ المقالَ فَخُذْهُ بالإِجمالِ صِدْقُ التَّأهُّبِ للقَاءِ فإنَّه ... مِنْ أَبْلَغِ الأَسْبَابِ وَالأَعْمالِ فَمَتَى اسْتَعدَّ وكَانَ هَذَا شَأْنَه ... والشأْنُ كُلُّ الشأْنِ في الإِقبالِ انْحَلَّتْ الدُّنيا جَمِيْعًا وانْجَلَتْ ... عَنْ قَلْبه فاشْتَاقَ لِلْتَّرْحَالِ وهُنَاكَ يُخْبِتُ قَلبُه للهِ جَلَّ ... اللهُ عن ندٍ وعَنْ أمْثَالِ وغَدَا بِهِمَّتِهِ مُنِيْبًا عَاكِفًا ... بِالقَولِ وَالأَعْمالِ والأَحْوالِ وهُنَاكَ يُحدثُ هِمَّةً أُخرى بِها ... يَرْجُو الفلاحَ بِموقِفِ الأَهْوالِ فَتَكُونُ نِسْبَةُ قَلْبِه فِيها إلى الـ ... أُخْرَى كَهَاذِي الدَّارِ بِالأَطفالِ أَوَ لَيْسَ بَطْنُ الأُم كَانَ حجَابَهَا ... لِلْجِسْمِ في الدُّنيا بلا إِشكالِ فَكَذَا حِجَابُ القلبِ كَانَ هُوَ الهَوى ... والنَّفْسُ مِنْ أَحراه بالإِضلالِ * * *

للموت فاعمل بجد أيها الرجل

والحاصِلُ المقْصُودُ أَنَّ جَمِيْعَ أَعْـ ... ـمَالِ القلوبِ وسائِرِ الأَعْمَالِ مِفْتَاحُها صِدْقُ التأَهُبِ لِلُّقا ... والفَاتِحُ المَعْبُودُ ذُو الإِجلالِ انْتَهَى آخر: لِلْمَوْتِ فَاعْمَلْ بِجِدٍ أَيُّهَا الرَّجُلُ ... واعْلَمْ بِأنَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ مُرْتَحِلُ إِلَى مَتَى أَنْتَ فِي لَهْوٍ وَفِي لَعِبٍ ... تُمْسِي وَتُصْبِحُ في اللَّذَّاتِ مُشْتَغِلُ كَأَنَّنِي بِكَ يَاذَا الشَّيْبِ فِي كُرَبٍ ... بَيْنَ الأحِبَّةِ قَدْ أوْدَى بِكَ الأَجَلُ لَمَّا رَأْوكَ صَرِيْعًا بَيْنَهُمْ جَزعُوا ... وَوَدَّعُوكَ وقَالُوا قَدْ مَضَى الرَّجُلُ فَاعْمَلْ لِنْفْسِكَ يَا مِسْكِيْنُ فِي مَهَلٍ ... مَا دَامَ يَنْفَعُكَ التَّذْكَارُ وَالْعَمَلُ إنَّ التَّقِيَّ جِنَانُ الْخُلْدُ مَسْكَنُهُ ... يَنَالُ حُوْرًا عَلَيْها التَّاجُ وَالْحُلَلُ وَالْمُجْرِمِينَ بِنَارٍ لا خُمُودَ لَهَا ... فِي كُل وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ تَشْتَعِلُ انْتَهَى آخر: هَذِهِ قَصِيْدةٌ وعْظِيَّةٌ أَلْقِ لَهَا سَمْعَكَ، وتأمّلْهَا بدقَّة أنِسْتُ بِلأَواءِ الزمانِ وَذُلِّهِ ... فيا عِزَّةَ الدنيا عليكِ سَلامُ إِلَى كَمْ أَعَانِي تِيْهَهَا ودَلالَهَا ... أَلَمْ يَأَنِ عَنْهَا سَلْوةُ وَسَآمُ وَقَد أَخْلَقَ الأَيَّامَ جِلْبابَ حُسْنِهَا ... وأُضْحَتْ وديبَاجُ البَهَاءِ مَسَامُ عَلَى حِيْنِ شَيْبٍ قد أَلَمَّ بَمَفْرِقِي ... وعَادَ رُهَامُ الشَّعْرِ وَهْوَ ثَغَامُ

طَلائِعُ ضَعْفٍ قَدْ أَغَارَتْ عَلَى القُوى ... وثَارَ بِمْيَدَانِ المِزَاجِ قِتَامُ فَلاَ هِيَ فِِي بُرْجِ الْجَمَالِ مُقِيْمَةٌ ... ولاَ أَنَا فِي عَهْدِ الْمُجُونِ مُدَامُ تَقَطَّعَتْ الأَسْبَابُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ... ولَمْ يَبْقَ فِيْنَا نِسْبَةٌ وَلِئآمُ وعَادَتْ قَلُوصُ العَزْمِ عَنِّي كَلِيْلَةً ... وقَدْ جُبَّ مِنْهَا غَارِبٌ وَسَنَامُ كأنِي بِهَا وَالقَلْبُ زُمَّتْ رِكَابُه ... وقُوِّضَ أَبْيَاتٌ لَهُ وَخِيَامُ وَسِيْقَتْ إِلَى دَارِ الْخُمُولِ حُمُولُهُ ... يَحُنُّ إِلَيْهَا وَالدُّمُوعُ رُهَامُ حَنِينَ عجُولٍ غَرَّهَا البَوُّ فانْثَنَتْ ... إليْهِ وَفِيْهَا أَنَّةٌ وضُغَامُ تَوَلَّتْ ليَالٍ لِلمَسَرَّاتِ وانْقَضَتْ ... لِكُلِ زَمَانٍ غَايَةٌ وَتَمَامُ فَسَرْعَانَ مَا مَرَّتْ وَوَلَّتْ وَلَيْتَهَا ... تَدُوْمُ وَلَكِن مَا لَهُنَّ دَوَامُ دُهُورٌ تَقَضَّتْ بِالمسَرَّاتِ سَاعَةً ... وَيَومٌ تَوَلَّى بِالْمَسَاءَةِ عَامُ فَلِلَّهِ دَرُّ الغَمِّ حَيثُ أَمَدَّنِي ... بِطُولِ حَيَاةٍ وَالْهُمُومُ سِهَامُ أَسِيْرُ بِتَيْمَاءِ التَّحَيْرِ مُفْرَدًا ... وَلِيْ مَعَ صَحْبِي عِشْرَةٌُ وَنَدَامُ وكَمْ عِشْرَةٍ مَا أَوْرَثَتْ غَيْرَ عُسْرَةٍ ... وَرُبَّ كَلاِمِ فِي القُلُوبِ كَلاَمُ فما عِشْتُ لاَ أَنْسَى حُقُوقَ صَنِيْعِهِ ... وَهَيِهَات أَنْ يُنْسَى لَدَيَّ ذِمَامُ كَمَا اعْتَادَ أَبْنَاءُ الزَّمَانِ وَأَجْمَعَتْ ... عَلَيْهِ فِئَامٌ إثْرَ ذَاكَ قِيَامُ خَبَتْ نَارُ أَعْلاَمِ الْمَعَارِفِ وَالْهُدَى ... وشُبَّ لِنِيرَانِ الضَّلالِ ضُرَامُ وكَانَ سَرِيرُ العِلْمِ صَرْحًا مُمَرَّدًا ... يُنَاغِي القِبابَ السَّبْعَ وَهِي عِظامُ مَتينًا رَفيْعًا لاَ يُطَارُ غُرابُهُ ... عَزيْزًا مَنِيْعًا لاَ يَكَادُ يُرَامُ يَلُوحُ سَنَا بَرْقِ الهُدَى مِنْ بُرُوْجِهِ ... كَبَرْقٍ بَدَا بَيْنَ السَّحَابِ يُشَامُ فَجَرَّتْ عَلَيْهِ الرَّاسِيَاتُ ذُيُولَهَا ... فَخَرَّتْ عُرُوْشٌ مِنْهُ ثُمَّ دَعَامُ وسِيْقَ إِلَى دَارِ الْمَهانَةِ أَهْلُهُ ... مَسَاقَ أَسَيْرٍ لاَ يَزَالُ يُضَامُ كَذَا تَجْرِيَ الأَيَّامُ بَيْنَ الوَرَى عَلَى ... طَرَائِقَ مِنْهَا جَائِرٌ وَقِوَامُ فما كُلُّ مَا قَدْ قِيْلَ عِلْمٌ وَحِكْمَةٌ ... ومَا كُلُ أَفْرادِ الحَدِيْدِ حُسَامُ

ولِلْدَّهْرِ ثاراتٌ تمرُّ على الفَتَى ... نَعِيْمٌ وَبُؤْسٌ، صِحَّةٌ وسَقَامُ ... ومنَ يَكُ فِي الدُنيا فَلاَ يَعْتِبنَّهَا ... فلَيْسَ عَلَيْهَا مَعْتَبٌ وَمَلاَمُ أَجِدُّكَ مَا الدنيا وماذَا مَتَاعُهَا ... وماذَا الذي تَبْغِيْهِ فَهْوَ حُطَامُ تَشَكَّلَ فِيْهَا كُلُّ شَيْءٍ بِشَكْلِ مَا ... يُعَانِدُهُ وَالنَّاس عَنْهُ نِيَامُ تَرَى النَّقْصَ فِي زِيِ الكَمَالِ كَأَنَّمَا ... عَلَى رَأْسِ رَبَّاتِ الحِجَالِ عِمَامُ فَدَعْهَا وَنعْمَاهَا هَنِيْئًا لأِهلِهَا ... ولا تَكُ فِيْهَا رَاعيًا وسَوَامُ تَعَافُ العَرانِيْنُ السِمَّاطَ عَلى الخِوى ... إِذَا ما تَصَدَّى لِلطَّعَامِ طَغَامُ عَلَى أَنَّهَا لاَ يُسْتَطاعُ مَنَالُهَا ... لِمَا لَيْسَ فِيْهِ عُرْوَةٌ وَعِصَامُ ولَوْ أَنْتَ تَسْعَى إِثْرَهَا أَلْفَ حِجَّةٍ ... وقَدْ جَاوَزَ الطِبْيَيْنِ مِنْكَ حِزَامُ رَجَعْتَ وقَدْ ضَلَّتْ مَساعِيْكَ كُلّهَا ... بِخُفَيْ حُنَينٍ لاَ تَزَالُ تُلاَمُ هَبْ أَنَّ مَقَالِيْدَ الأُمُورِ مَلَكْتَهَا ... ودَانَتْ لَكَ الدُنيا وأَنْتَ هُمَامُ ومُتِّعْتَ بِاللَّذَاتِ دَهْرًا بِغِبْطَةٍ ... ألَيْسَ بِحَتْمٍ بَعْدَ ذَاكَ حِمَامُ فَبَيْنَ البَرَايَا وَالخُلُودِ تَبَايُنٌ ... وبَيْنَ الْمَنَايَا وَالنُّفُوس لِزَامُ قَضَيَّةٌ اِنْقادَ الأَنَامُ لِحكْمِهَا ... وما حَادَ عَنْهَا سَيِدٌ وغُلاَمُ ضروريةٌ تَقضي العقولُ بصِدقها ... سَل إن كانَ فيها مِرْيَةً وخِصَامُ سَل الأَرْضَ عَن حالِ الملوكِ الَّتي خَلَتْ ... لَهم فَوقَ، فَوقَ الفرقدين مَقَامُ بأَبوَابهِم للوَافِدِينَ تراكُمٌ ... بأَعتَابِهم للعاكِفين زِحامُ تُجْبكَ عن أسرار السُّيوفِ التي جَرَتْ ... عَلَيْهم جَوابًا لَيْسَ فيه كَلاَمُ بِأَنَّ المَنَايَا أَقَصْدَتْهُم نِبَالُها ... وما طَاشَ عَنْ مَرْمَى لَهُنَّ سِهَامُ وَسِيْقُوا مسَاقَ الغابِرينَ إلى الرَدى ... وأقفرَ منهم مَنْزِلٌ ومَقَامُ وَحَلُوا مَحلاً غَيْرَ ما يَعهدُونَه ... فلَيْسَ لَهم حتى القيام قِيامُ أَلَمَّ بهم رَيبُ المنونِ فَغَالَهُم ... فهم بَيْنَ أطباقِ الرُغَامِ رُغَامُ انْتَهَى

أيا علماء الدين ما لي أراكم

آخر: أَيَا عُلَمَاءُ الدِّيْنِ مَا لِيْ أَرَاكُم ... تَغَاضَيْتُم عَنْ مُنْكَرَاتِ الأَوَامِرِ أَمَا الأَمْرُ بالمَعْرْوفِ والنَّهْيُ فَرْضُكُم ... فَأَعْرَضْتُمُ عَنْ ذَاكَ إعْرَاضَ هَاجِرِ أَمَا أَخَذَ المِيْثَاقَ رَبِّيْ عَلَيْكُمُ ... بِأَنْ تَنْصَحُوا بالحَقِّ أَهْلَ المَنَاكِرِ فَإِنْ هُمُ عَصَوْكُمُ فَاهْجُرُوُهُم وَهَاجِرُوا ... تَنَالُوا بِنَصْر الدِّيْنِ أَجْرَ المُهَاجِرِ ... إذَا كَانَ هَذَا حَالُ قَاضٍ وَعَالِمٍ ... وَحَالُ وَزِيْرٍ أَوْ أَمِيْرٍ مُظَاهِرِ وَلَمْ تَنْتَهُوا عَنْ غَيِّكُمْ فَتَرَقَّبُوا ... صَوَاعِقَ قَهَّارٍ وَسَطْوَةَ قَاهِرِ فَمَا الله عَمَّأ تَعْمَلُوْنَ بِغَافِلٍ ... وَلَكِنَّه يُمْلِيْ لِطَاغٍ وَفَاجِرِ انْتَهَى آخر: قِفْ بالقُبُورِ وَقُلْ عَلَى سَاحَاتِهَا ... مَنْ مِنكُمُ المَغُمُوْرُ في ظُلُمَاتِهَا وَمَنِ المُكَرَّمُ مِنكمُ في قَعْرِهَا ... قَدْ ذَاقَ بَرْدَ الأَمْنِ مِن رَوَعَاتِهَا أَمَّا السُكُونُ لِذِي العُيُونِ فَوَاحِدٌ ... لاَ يَسْتَبِيْنُ الفَضْلُ في دَرَجَاتِهَا

فؤاد ما يقر له قرار

لَوْ جَاوَبُوْكَ لأَخْبَرُوْكَ بِأَلْسُنِ ... تَصِفُ الحَقَائِقَ بَعْدُ مِن حَالاَتِهَا أَمَّا المُطِيْعُ فَنَازِلٌ في رَوْضَةٍ ... يُفْضِيَّ إِلى مَا شَاءَ مِن دَوَحَاتِهَا والمُجْرِمُ الطَّاغِيْ بِهَا مُتَقَلِّبُ ... في حُفْرَةٍ يأوِيْ إِلى حَيَّاتِهَا وَعَقَارِبٌ تَسْعَى إِليْهِ فَرَوْحُهُ ... فِي شِدَّةِ التَّعْذِيْبِ مِن لَدَغَاتِهَا انْتَهَى آخر: فُؤادٌ ما يَقِرُ لَهُ قَرَارٌ ... وأجْفَانٌ مَدَامِعُهَا غِزَارُ ولَيْلٌ طَالَ بالأنكادِ حَتَّى ... طَنَنْتُ اللَّيلَ لَيْسَ لَهُ نَهَارُ ولِمْ لاَ والتُّقَى حُلَّتْ عُرَاهُ ... وبانَ على بَنِيْهِ الانْكِسَارُ لِيَبْكِ مَعِيْ على الدِّيْنِ البَوَاكِي ... فَقَدْ أضْحَتْ مَوَاطِنُه قِفَارُ وَقَدْ هُدَّتْ قَوَاعِدُهُ اعْتِدَاءً ... وَزَالَ بِذَاكُمُوْا عنه الوَقَارُ وَأَصْبَحَ لا تُقَامُ لَهُ حُدُوْدٌ ... وأَمْسَى لاَ يُبَنَّ لَهُ شِعَارُ وَعَادَ كَمَا بَدَا فِيْنَا غَرِيْبًا ... هُنَالِكَ مَا لَهُ في الخَلْقِ جَارُ

إن الليالي من أخلاقها الكدر

فَقد نَقَضُوا عُهُودَهُمُوا جِهَارًا ... وَأَسْرَفُوا في العَدَاوَةِ ثم سَارُوْا انْتَهَى آخَرُ: إِنَّ اللَّيَالِيْ مِنْ أَخْلاَقِهَا الكَدَرُ ... وَإِنْ بَدَا لَكَ مِنْهَا مَنْظَرٌ نَظِرُ فَكُنْ عَلى حَذَرٍ مِمَّا تَغُرُّ بِهِ ... إنْ كَانَ يَنْفَعُ مِنْ غِرَّاتِهَا الحَذَرُ قَدْ أَسْمَعَتْكَ اللَّيَالِي مِن حَوَادِثِهَا ... مَا فِيهِ رُشْدُكَ لَكِنْ لَسْتَ تَعْتَبِرُ ... يَا مَنْ يُغَرُّ بدُنْيَاهُ وَزُخُرُفِهَا ... تَاللهِ يُوْشِكُ أَنْ يُودِيْ بِكَ الغَرَرُ وَيَا مُدِلاًّ بحُسْنٍ رَاقَ مَنْظَرُهِ ... لِلْقبْرِ وَيْحَكَ هَذَا الدَّلُّ وَالفَخَرُ تَهْوَى الحَيَاةَ وَلاَ تَرْضَى تُفَارِقُهَا ... كَمَنْ يُحَاوِلُ وِرْدًا مَا لَهُ صَدَرُ كُلُّ امْرِئٍ صَائِرً حَتْمًا إِلى جَدَثٍ ... وَإِنْ أَطَالَ مَدى آمَالِهِ العُمَرُ انْتَهَى آخر: أَلاَ يَا خَائِضًا بَحْرَ الأمانِي ... هَدَاكَ اللهُ ما هَذَا التَّوَانِي أَضَعْتَ العُمْرَ عِصْيَانًا وَجَهْلاَ ... فَمَهْلاً أَيُّهَا المغْرُوْرُ مَهْلاَ مَضَى عُمْرُ الشَّبَابِ وأنْتَ غَافِلْ ... وفي ثَوبِ الْعَمَى والغَي رَافِلْ إلَى كَمْ كالبَهائِم أَنْتَ هَائِمُ ... وفي وَقْتِ الغَنَائِمٍ أَنْتَ نَائِمْ وَطَرْفُكَ لا يُرَى إِلاَّ طَمُوْحََا ... ونَفْسُكَ لَمْ تَزَلْ أَبَدَا جَمُوْحَا

يا غافلا عن ساعة مقرونة

وقَلْبُكَ لا يُفيْقُ مِن المعَاصَي ... فَوَيْلَكَ يَوْمَ يُؤْخَذُ بالنَّواصِي بِلاَلُ الشيْبِ نادَى في الْمَفَارِقْ ... بِحَىَّ عَلَى الذَّهَابِ وأَنْتَ غَارِقْ بَبَحْرِ الإِثْمِ لا تُصْغِي لِوَاعِظْ ... وَلَوْ أطْرَى وأَطْنَبَ في المَواعِظْ وقَلْبُكَ هَائِمٌ في كُلِ وَادِ ... وجَهْلُكَ كُلَّ يَوْمَ في ازْدِيَادِ عَلَى تَحْصِيْلِ دُنْيَاكَ الدَّنِيَّهْ ... مُجِدٌ في الصبَّاحِ وفي العَشَيَّهْ وجَهْلُ المرء في الدُنْيَا شَدِيْدُ ... وَلَيْسَ يَنَالُ مِنْهَا ما يُرِيْدُ وكَيْفَ يَنَال في الأخْرى مَرَامَهْ ... ولَمْ يَجْهَدْ لِمَطْلَبِهَا قُلامَهْ انْتَهَى آخر: يا غافلاً عن سَاعَةٍ مَقْرُونَةٍ ... بنوَادِبٍ وصَوَارِخٍ وثَوَاكِلِ قَدِّمْ لنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ صَالِحًا ... فالمَوْتُ أَسْرَعُ مِن نُزُولِ الهَاطِلِ حَتَّامَ سَمْعُكَ لا يَعِي لِمُذَّكِرٍ ... وصَمِيْمُ قَلْبِكَ لا يَلِيْنُ لِعَاذِلِ تَبْغِي مِنَ الدُّنْيا الكَثيْرَ وإِنَّمَا ... يَكْفِيْكَ مِنْ دُنْيَاكَ زَادُ الرَّاحِلِ آيُ الكِتابِ يَهُزُّ سَمْعَكَ دَائِمًا ... وتَصُمُّ عَنْها مُعْرِضًا كَالغَافِلِ كَمْ لِلإلهِ علَيْكَ مِن نِعَمٍ تُرَى ... وَمَواهِبٍ وفَوائِدٍ وفَوَاضِلِ كمْ قَد أَنَالَكَ مِن مَوَانِحِ طَوْلِهِ ... فاسْأَلْهُ عَفْوًا فهُوَ غَوثُ السَّائِلِ

على الدين فليبكي ذوو العلم والهدى

غُربَةُ الإسلام على الدِّينِ فلْيبْكِي ذوُو العِلم والهُدى ... فقدْ طَمَسَتْ أَعلامُهُ في العَوالِمِ وقَدْ صَارَ إقبالُ الوَرى وَاحتيالُهم ... عَلَى هذه الدُّنيا وجمعِ الدراهمِ وإصْلاَحِ دُنياهُم بإفسادِ دِينِهم ... وتحصيلِ ملذُوذَاتِها والمطاعمِ يُعادُون فيهَا بل يُوالُون أَهلهَا ... سَواءً لَديهم ذُو التُّقى والجَرَائمِ إِذْ انْتَقَصَ الإنسانُ مِنها بما عَسَى ... يكونُ لهُ ذُخْرًا أتى بِالعَظَائمِ وأبْدى أعَاجِيبًا مِن الحزنِ والأسى ... على قِلَّةِ الأَنصارِ منْ كلِّ حازمِ وناحَ عَليْهَا آسفًا مُتَظَلِّمًا ... وبَاحَ بما في صدْرهِ غَيْرَ كاتمِ فأمَّا على الدِّينِ الحنيفِي والهُدى ... ومِلَّةِ إبراهيم ذاتِ الدِّعائمِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا والذِي فَلَقَ النَّوى ... مِنَ الناسِ مَن بَاكٍ وآسٍ ونَادمِ وقَدْ دُرسَتْ منها المعالمُِ بلْ عَفَتْ ... ولَمْ يَبْقَ إلا الاسمُ بينَ العَوالمِ فلا آمرٌ بالعُرفِ يُعرفُ بيْنَنَا ... ولا زَاجِرٌ عن مُعْضِلاتِ الجَرائمِ ومِلَّةُ إبراهيمَ غُودِرَ نَهجُها ... عَفَاءً فأضْحَتْ طامِساتِ المَعَالمِ وقَدْ عُدِمَتْ فِينا وكَيْفَ وقَدْ سَفَتْ ... عَلَيْهَا السوافي في جمِيع الأقَالمِ وما الدِّينُ إلا الحُبُّ والبُغْضُ والوَلاَ ... كَذَاكَ البَرء مِنْ كلِّ غاوٍ وآثِمِ ولَيْسَ لَهَا مِن سَالِكِ مُتمسِّكِ ... بِدِينِ النبيّ الأَبطحيِّ ابنِ هاشِمِ فَلَسنَا نَرَى مَا حَلَّ بالدينِ وانْمحَتْ ... به المِلَّةُ السمحاءُ إحدى القواصمِ فنأسَى على التقصيرِ مِنَّا ونَلْتَجِي ... إلَى اللهِ في مَحْوِ الذنوبِ العظائمِ فَنَشْكُو إلى اللهِ القُلُوبَ التي قَسَتْ ... ورَانَ عَلَيْهَا كَسْبُ تِلكَ المَآثِمِ أَلسْنَا إذا مَا جَاءنَا مُتَضَمِّخٌ ... بأَوضارِ أهلِ الشركِ من كلِّ ظالمِ نَهشُّ إليهم بالتحيَّةِ والثَّنَا ... ونُهْرعُ في إِكْرَامِهم بالوَلاَئِمِ وقَدْ بَرءَ المَعْصُومُ مِنْ كلِّ مُسلمٍ ... يُقيمُ بِدارِ الكفرِ غَيرَ مُصَارمِ

والله حرم مكث من هو مسلم

ولكنَّما العَقْلُ المَعيْشِيُّ عِنْدنَا ... مَسَالمَةُ العَاصِين مِنْ كُلِّ آثِمِ فيا مِحْنةَ الإسلامِ مِنْ كلِّ جَاهلٍ ... ويَا قِلَّةَ الأَنَصارِ مِن كُلِّ عَالمِ وهذَا أَوانُ الصَبْرِ إنْ كُنْتَ حَازِمًا ... عَلَى الدِّينِ فاصْبِرْ صَبْرَ أهْلِ العَزَائِمِ فَمَنْ يَتَمَسَّكْ بالحَنِيْفِيَّةِ التِي ... أَتَتْنَا عَن المعصومِ صَفْوةَ آدمِ ... لَهُ أجْرٌ خَمْسِينَ امرءًا مِنْ ذَوِي الهُدى ... مِنْ الصَّحبِ أصْحَابِ النَّبيِّ الأَكارِمِ فَنُحْ وابْكِ واسْتَنْصِرْ بَربِّكَ رَاغِبًا ... إليهِ فإنُّ اللهَ أَرْحَمُ رَاحِمِ لِيَنْصُرَ هَذا الدِّينَ مِنْ بَعْدِ مَا عَفَتْ ... مَعَالِمُهُ في الأرضِ بَيْنَ العَوَالِمِ وصلِّ على المعصومِ والآلِ كلِّهُم ... وَأصحابِهِ أهْلِ التُقى والمَكَارِمِ بِعَدِّ وَمِيْضِ البَرْقِ والرَّمْلِ والحَصَى ... وما انْهَلَّ وَدْقٌ مِنْ خِلالِ الغَمَائِمِ * * * آخر: وَاللهُ حرَّم مُكْثَ مَنْ هو مُسْلمٌ ... في كلِّ أَرضِ حَلَّهَا الكُفَّارُ ولهُمْ بِهَا حُكْمُ الوِلاَيةِ قاهِرٌ ... فارْبَأْ بِنفسكَ فالمقَامُ شَنَارُ وانْظُرْ حَديثًا في البَراءَةِ قَدْ أَتَى ... نَقلُ الثُّقَاتِ رُواتُه الأَخْيَارُ فيه البَراءَةُ بالصَّراحةِ قَدْ أَتَتْ ... مِن مُسلمٍ وكَذلكَ الآثارُ قَدْ صَرَّحت فِيمَنْ أَقَامَ بِبَلْدَةٍ ... مُسْتوطِنًا وَوُلاتُهَا الكُفَّارُ والمرءُ لَيْسَ بِمظهرٍ للدِّين بَلْ ... لِلْمُكثِ في أَوطَانِه يَخْتَارُ إلا الَّذي هُوَ عَاجِزٌ مُستضعَفٌ ... فالنَّصُّ جَاءَ بِعُذرِه لا العَارُ والحبُّ والبُغضُ الَّذي هو دينُنا ... وَعداوةٌ في اللهِ وهْيَ عِيَارُ وكَذا الموَالاةُ الَّتِي لِجَلالِه ... إِنْ أَمْعنَتْ في ذلِكَ الأَنْظَارُ أَمرٌ محالٌ في ولايةِ مَنْ طَغَى ... لَوْ كَانَ حَقًّا ما دَهَاكَ قَرارُ أوْ مَا سَمعْتَ بِقيلهِم لنبيِّهم ... والمُؤمنينَ أُوْلَئِكَ الفُجَّارُ فانْظُرْ إلى الأعْرَافِ إذْ قالُوا لهُ ... أَعْنِي شُعَيْبًا قومُهُ الأَشْرَارُ

هو الله معبود العباد فعامل

وانْظُرْ إلى ما قال في الكَهفِ الَّذي ... فِيْهِ البيَانُ لِمَنْ لَهُ إِبْصَارُ أو مَا تَرَى أنَّ القُلُوبَ إذَا امْتَلَتْ ... حُبًّا وإيمَانًا لَهَا أَنْوَارُ وَلَهَا بِذلِكَ غَيرةٌ فَتَغَارُ مِنْ ... رُؤيا المَعَاصِي والسَّعِيدُ يَغَارُ واحْذَرْ مَقَالَةَ جاهِلٍ إذْ غَرَّه ... مِنْ جَهْلِهِ الإِعْرَاضُ والغَرَّارُ إذ قال نُظهرُ دِيننَا جهلاً ولَمْ ... يَدْرِ الفَتَى المسكينُ مَا الإِظهارُ فاسْمَع إذن إظهَارَه عن ظَاهرِ الـ ... ـقرآنِ بَلْ جَاءَتْ بِهِ الآثَارُ إظهَارُ هذا الدِّينِ تصريحٌ لهم ... بالكفرِ إذ هُمْ مَعْشَرٌ كُفَّارُ وعَداوةٌ تَبْدُو وَبُغْضٌ ظَاهِرٌ ... يا للعقولِ أَمَا لَكُم أَشْعَارُ ... هَذا ولَيْسَ القلبُ كَافٍ بُغْضُه ... والحُبُّ مِنه ومَا هُو المِعْيارُ لكنَّما المعيارُ أنْ تَأْتِي بِهِ ... جَهْرًا وتصريحًا لهم إذ جَارُوا فاسأَل إلهكَ رَاغبًا مُتَضَرِّعًا ... أنْ لا يُضلَّكَ بالهوَى الغَرَّارُ واسأَلهُ في غَسقِ اللَّيالِي والدُّجَى ... أَنْ لا يَصُدَّكَ عَنْ هُدَاكَ شَرَارُ وعَلَى النَّبيِّ وصحبِه والآلِ مَا ... هبَّ النسيمُ ومَاضَتِ الأَنْوارُ أَزكى الصَّلاةِ مع السَّلامِ هَدِيَّةً ... مَا انْهَلَّ مِنْ مُغْدَودِقِ أمْطَارُ آخر: هو اللهُ معبودُ العبادِ فعَامِلِ ... فَلَيْسَ سِوَى الموْلَى لِرَاجٍ وآمِلِ أَلَيْسَ الذي يَرضىَ إذا مَا سأَلتَهُ ... وَيغْضَبُ مِنْ تَرْكِ السُّؤالِ لِسائِلِ وللهِ آلاءٌ عَليْنَا عَدِيدةٌ ... وأَلْطَافهُ تَتْرى بكُلِّ الفَواضِلِ فَكَمْ ظُلَمٍ جَلَى وكَمْ فِتَنٍ وَقَى ... وكَمْ فادحٍ مِنْ مُعْضِلاتِ النَّوازِلِ أَزَاحَ حَنَادِيسًا سَجَتْ بِدُجَائِهِ ... يَعَالِيلَ كُفرٍ قَدْ غَشَّتْ بِالعَوَاضِلِ كَعَارِضِ بُؤسٍ مُكْفَهِرٍّ عِنَانُهُ ... لَهُ زَجَلٌ بالموجِفَاتِ القَلاقِلِ طَمَى وَطفَا فالجوُّ بالجَوْرِ أَكْلَفٌ ... وأَرْجَاؤُهُ مُغْبَرَّةٌ بالزَّلازِلِ

بَطَاغِيةِ الأٌّتراكِ مَنْ تركُوا الهُدى ... وهَدُّوا مِن الإِسلامِ شُمَّ المعاقلِ وَزلْزلةُ الإِحساءِ منهُم مَهَابَةً ... وفَرَّ البَوادِي واعْتَلى كلُّ واعلِ وَرحَّبَ أَقوامٌ بهم وتَأَلَّبُوا ... وحَضُّوْا على حِزْبِ الهُدى كلَّ جاهِلِ وساءتْ ظُنُونٌ مِنْ أُناسِ كَثِيْرةٍ ... وقَدْ أَزعَجَتْهُم مُوْجِفاتُ البلابِلِ وقَدْ أَظَهَرُوا لِلْكُفْرِ والفِسقِ والخَنَا ... ولِلْحُكْمِ بالقَانُونِ أَبْطَلَ باطِلِ ولِلْمَكْرِ والمَكْرُوْهِ والفُحشِ جَهْرةً ... ومَا اللهُ عَمَّا يَعْمَلُونَ بِغَافِلِ وَجَاءُوا مِنَ الفَحْشَاءِ مَا لاَ يعدُه ... ويُحْصِهِ إلاَّ اللهُ أَحْكَمُ عادِلِ يُزِيلُ الرَّواسِيَ مَكْرُهم وخِداعُهم ... يُشيبُ النواصِيَ إذْ أَتى بالهَوائِلِ لِذَلِكَ زَلَّتْ بِابنِ حِمْدَانَ رجْلُه ... إلى هُوةِ الأَهوى وأَسفَلِ سَافِلِ فتَعسًا لَهُ مِنْ جَاهلٍ ذِي غبَاوَةٍ ... وتَبًا لَهُ مِن زَائِغٍ ذِي دَغَائِلِ لَقَدْ زَاغَ عَنْ نَهجِ الشريعةِ وارْتَضى ... وِلايةَ أَحَبابِ الضَلالِ الأَراذلِ وظَنَّ سَفاهًا ظَنَّ سُوءٍ بِرَّبهِ ... ولَيْسَ لَعَمْرِي لِلْمعَالِ بآهِلِ كَمَا ظَنَّ غَوْغَاءُ الكُويتِ سَفَاهَةً ... سُمُوًّا وعِزًا بالطُغاتِ الأَسافِلِ ... وأَوبَاشِ حَمْقَاءِ الحَسَاءِ ذَوُوْ الغَبَا ... وأَشياعُهم مِنْ كلِّ غَاوٍ وجَاهِلِ أَمَا علمُوا أَنَّ الإِله لِدِينِهِ ... يَغارُ ويُخْزِي كُلَّ باغٍ مُخَاتلِ ويُعلِي ذَوِي الإِسلامِ والدِّينِ والهُدى ... ولكنَّ أَهلَ الرَّيبِ مِنْ كلِّ واغِلِ بُغاثٌ إذا أَبْصَرْنَ بَازًا وإنْ خَلَى ... لَهَا الجوُّ صَالتْ كالبَوازِي البَواسِلِ وإن جَنَّ دَيْجُورُ الضلالةِ أبْصَرَتْ ... وَجالتْ بليلٍ حَالِكِ اللونِ حائِلِ وإنْ طَلعتْ شمسٌ مِن الدِّينِ والهُدى ... تَجَحَّرْنَ واسْتَوْحَشْنَ مِنْ كلِّ صائِلِ لئن كَانَ أَعداءُ الشريعةِ قَدْ طَغَوا ... وضاقَ بأَهلِ الدِّينِ رَحْبُ المنازلِ وقَدْ أقبلُوا والأرضُ ترجفُ منهمُو ... لَقَدْ أَدبُروا كالمعصراتِ الجوافلِ يَسوقهمُوا ريحٌ مِن الرعبِ عاصفٌ ... وبَرْقُ صِفاحِ المرهفات الصواقلِ

وزَجْلُ رُعُودِ المارتين وقَدْ هَمتْ ... بِوَبْلٍ لأَعداءِ الشَّريعةِ قاتِلِ وضَربٍ يُزِيلُ الهامَ عنْ مَكنَاتِه ... وقَدْ أُسْعِرَتْ نَارُ الوغى بالجحافِلِ بأَيدِي رجال لا تَطِيشُ عُقُولُهم ... ولا يَعْتَرِيْهَا خِفْةٌ لِلْزَّلازِلِ إذا عَظُمَ الهُولُ استعدُوا لدفعهِ ... بحزمٍ وصَبرٍ وانتضُوا للنَوَازلِ صوارمَ عزمٍ لَيْسَ يفللُ حدّها ... وإن جَلَّ بغيٌ مِنْ عدوٍّ مزائِلِ لعمْري لَقَدْ أَولاكَ مولاكَ رِفعةً ... وذِكرًا جميلاً مَا لَه مِنْ مُماثلِ وفَخرًا أَطيدًا بالثَّنَا متأَلِّقٌ ... يَقصُرُ عن إدراكهِ كلُّ فاضلِ فَإن رُمتَ أَن تحيا عزيزًا مؤيدًا ... وتصبحُ في ثوبٍ مِنَ المجدِ رافلِ فاعدِدْ لأَعداءِ الشريعة فَيلقًا ... مِنَ الحزمِ مَقرونًا بعزمٍ وَنائلِ ولا تأَمنَنْ مَنْ خوَّن اللهُ إنهُم ... ذَوُوْ المكرِ فاحْذَرهُم وكُنْ غيرَ خامِل لَقَدْ ضلَّ سعيٌ مِنْ أخي ثقةٍ بِهم ... وخَابَ وأَضحَى عادِمًا لِلْفَضَائِلِ وفازَ فَتىً فاجَأهمُو بحُسامِه ... وجَاهدهُم للهِ لا لِلْمآكلِ ولا لِلعُلى في الأَرض والملكِ إذ هُما ... عنْ الآجلِ الأَعلَى عُجالُةُ جاهلِ فعاملْهُ بالتقوى لِتَقْوى على العِدَى ... وتَنْجُو في يومٍ عَصِيْبٍ وهَائِلِ فَثِقْ واعْتَصِمْ باللهِ ذِي العرشِ واسْتَقِمْ ... أَلَيْسَ هُو المَوْلى لِرَاجٍ وآمِلِ وأزكى صلاةٍ يُبْهِرُ البدرَ حسنُها ... على السيِّدِ المعصومِ سَامي الفضائِلِ وأَصحابِه والآلِ مَا قَالَ قَائلٌ ... هُو اللهُ معبودُ العبَادِ فعَاملِ اللهُمَّ مَكِّنْ حُبَّك في قُلوبِنا وأَلْهِمْنَا ذِكْرَكَ وشُكْرَكَ ووفّقْنا لامْتِثَالِ طَاعَتِكَ وأمْرِكَ واغْفِرْ لَنَا ولِوالِديْنَا ولجَمِيع المُسْلِمينَ بِرَحْمتِك يَا أرْحمَ الرّاحِمِين وصلِّ الله على مُحَمّد وآلهِ وصحْبِهِ أجمْعِين. * * *

ثار القريض بخاطري فدعوني

تأمل هذه القصيدة بدقة لِتَنْظر كيفَ يفعل المجرمُون بالمسلمين في السٌّجُون نسأل الله العافية: ثارَ القَرِيضُ بِخَاطرِي فَدعُونِي ... أَفْضِي لكُم بِفجَائِعِي وشَجُونِي فالشِعْرُ دَمْعِي حِيْنِ يَعَصِرُني الأسَى ... والشعرُ عُودي يومَ عَزْفِ لُحُونِي كم قال صَحْبِي أَيْنَ غُرُّ قَصَائِدٍ ... تُشْجِي القُلوبَ بلِّحنهَا المَحْزُوْنِ؟ وتُخَلِّدُ الذِكْرَى الألِيْمَةَ لِلْوَرَى ... تُتْلى عَلىَ الأجْيَالِ بَعْدَ قُرُونِ ما حِيْلتِي والشِعْرُ فَيْضُ خَواطِرِي ... مَا دُمْتُ أَبْغِيْهِ ولا يَبْغِيْنِي؟! واليَومَ عَاودنِي المَلاكُ فَهَزَّنِي ... طَرَبًا إلىَ الإِنْشَادِ والتَّلحِيْنِ أُلهِمْتُهَا عَصْمَاءَ تَنْبُعُ مِن دَمِي ... ويَمُدُّهَا قَلْبِي ومَاءُ عُيُونِي نُونِيَةٌ والنُونُ تَحْلُو فِي فَمِيَ ... أبَدًا فكِدْتُ يٌثَالُ لِي «ذُو النُونِ» صَوَّرْتُ فِيْهَا مَا اسْتَطَعْتُ بِرْيشتي ... وتركْتُ للأيَّامِ مَا يُعْيِيْنِي ما هِمْتُ فِيها بالخَيَالِ فَإنَّ لِي ... بِغَرَائِبِ الأَحْدَاثِ ولا قَانُونِ أنْسَتْ مَظَالِمُهُمْ مَظالِمَ مَن خَلُوْا ... حَتَّى تَرَحَّمْنَا عَلَى «نِيْرُوْنِ»! * * * يا سَائِلي عن قِصِّتِي، اسْمَعْ إنَّها ... قَصَصٌ مِن الأهْوَالَ ذَاتُ شُجُونِ أمَسِكْ بِقَلْبِكَ أنْ يَطِير مُفزَّعًا ... وتَوَلَّ عن دُنْيَاكَ حَتَّى حِينِ فالْهَولُ عَاتٍ والحقائِقُ مُرَّةٌ ... تَسْمُو عَلىَ التَّصْوِيرِ والتَّبِيينِ والخَطْبُ لَيسَ بخطْبِ مِصْرٍ وَحْدَهَا ... بَلْ خَطْبُ هذا الْمَشْرِقِ المِسْكَينِ في لَيلةٍ لَيلاء مِن نِوفَمْبرٍ ... فُزِّعْتُ من نَومِي لِصُوتِ رَنِينِ فإذا «كِلابُ الصَّيدِ» تَهْجِمُ بَغْتَةً ... وتَحُوطنِي عَن شَمْأَلٍ ويَمِينِ فَتَخَطّفُونِي مِن ذَوِيِّ وأقْبَلُوا ... فَرَحًا بصَيدٍ لِلطَّغاةً سَمَينِ وعُزْلتُ عن بَصَرِ الحَيَاةِ وَسَمْعِهَا ... وقُذِفْتُ في قَفَص العَذابِ الهُونِ في سَاحةِ «الحَرْبيِّ» حَسْبك باسْمَهِ ... مِن بَاعِثٍ لِلرَّعْبِ قَدْ طَرحوني ما كِدْتُ أدخُلُ بَابَهُ حَتَى رأَتْ ... ... عَينَايَ مَا لَم تَحْسَبْهُ ظُنُونِي في كُلِّ شِبْرٍ لِلْعَذابِ مَنَاظِرٌ ... يَنْدَى لَهَا - واللهِ - كُلُّ جَبِينِ فتِرَى العَسَاكِرَ والكِلاَبَ مُعَدَّةً ... لِلنَّهْشِ طِوعَ القَائِدِ المَفْتُونِ ... هَذِيِ تَعَضُّ بِنَابِهَا وزَمِيلُهَا ... يَعْدُو عَلَيكَ بِسَوطِهِ المَسْنُونِ ومَضَتْ عَليَّ دَقائِقٌ وكَأنَّهَا ... مِمَّا لَقِيتُ بِهَنَّ بِضْعُ سِنِينِ

يا ليَتَ شِعْرِي مَا دَهَانِي وما جَرَى؟ ... مَا زِلْتُ حِيًّا أمْ لقِيتُ مَنَونِي؟ عَجَبًا!! أسِجْنٌ ذَاكَ أمْ هُوَ غَابَةُ؟ ... بَرَزَتْ كَوَاسِرُهَا جِيَاعَ بُطُونِ؟ أَأَرَى أَمْ أَرَى شِقَّي رَحَى ... جَبَّارةٍ لِلْمُؤْمِنِينَ طَحُونِ؟ وَاهًا!! أَفِي حُلْمٍ أَنَا أَمْ يَقْظَةٍ ... أَمْ تِلْكَ دَارُ خَيَالَةٍ وفُتُونِ؟! لاَ .. لاَ أَشُكُ .. هِيَ الحَقِيقةُ حَيَّةٌ ... أأَشُكُ فِي ذَاتِي وَعَينِ يَقِينِي؟! هَذِيُ مِقَدِّمَةُ الكِتَابِ فَكَيفَ مَا ... تَحْوي الفُصُولُ السُودُ مِن مَضْمُون؟! هَذا هُوَ «الحَرْبيُّ» مَعْقِلُ ثَورةٍ ... تَدْعُو إلى التَّحْرِيرِ والتَّكْوِينَ؟! فِيهِ زَبَانِيةٌ أُعِدُّوَا لِلأْذَى ..... ... وتَخَصَّصُوا في فَنِّهِ المَلْعُونِ مُتَبلِّدُونَ ... عُقُولُهُم بأُكُفِّهِمْ ... وأكُفُّهُمْ لِلشَّرِّ ذَاتُ حَنِينِ لا فَرْقَ بَينهُمُو وبَينَ سِيَاطِهِمْ ... كُلٌ أَدَاةٌ فِي يَدَيْ مَأفُونِ! يَتَلَقَفُونَ القَادِمينَ كَأَنَّهُمْ ... عَثَرُوا على كَنْزِ لَدَيكَ ثِمَينِ بالرِّجْل .. بالكَربَاج ... بَاليدِ .. بالعَصَا ... وبِكُل أُسْلُوبٍ خَسِيسِ دُومِ ....... لا يَعْبئُونَ بَصَالِحٍ ولَوِ أَنَّهُ ... في زُهْدِ عِيسَى أَو تُقَى هَارُونِ لا يَرْحَمُونَ الشَّيخَ وهو مُحَطِّمٌ ... والظّهْرُ مِنْهُ تَراهُ كَالعُرْجُونِ لا يُشْفقُونَ عَلىَ المَرِيضِ وَطالَمَا ... زَادُوا أذاهُ بِقَسْوَة وجُنُونِ تَاللهِ أَينَ الآدَمِيَّةُ مِنْهُمُو؟ ... مِنْ مِثْلِ مَحْمُودِ ومِن يَاسِينِ؟ مِن جودةٍ أو مِن ديابٍ ومصطفى ... وحمَادةٍ وعَطِيةٍ وأمِينِ لا تَحْسَبوهُمْ مُسْلِمِينَ مِن اسْمِهمْ ... لاَ دِينَ فِيهمْ غَيرَ سَبِّ الدِينٍ جَلادُ ثورتِهمْ وسَوطُ عذابهم ... سَمُّوه زُورًا قائِدا لِسَجونِ! وَجْهٌ عَبُوسٌ قَمْطَرِيٌّ حَاقِدٌ ... مُسْتَكْبِرُ القَسَمَاتِ وَالعَرْنِينِ فِي خَدِّهِ شَجٌّ تَرَى مِن خَلْفِهِ ... نَفْسًا مُعَقَّدَةً وقَلْبَ لَعِينِ مُتَعَطِّشٌ لِلَسُّوءِ، فِي الدَّمِ وَالِغٌ ... في الشِّرِ مَنْقُوعٌ، بِهِ مَعْجُونِ هَذا هُوَ الحِرْبِيٌّ مَعْقِلُ ثَورَةٍ ... تَدْعُو إلى التَّطْوِيرِ والتَحَّسْينِ! هُوَ صُورَةِ صُغْرَى اسْتَعْيِرَتْ مِن لَظًى ... فِي ضِيقِهَا وعَذَابِهَا المَلْعُونِ هُوَ مَصْنَعٌ لِلْهَولِ كَمْ أَهْدَى لَنَا ... صُوَرًا تُذَكِّرُنَا بِيَومِ الدِّينِ ... هُوَ فِتْنَةٌ في الدِينِ لَولاَ نَفْحَةٌ ... مِن فَيضِ إيمَانٍ وبَرْدِ يِقِينِ

قُلْ لِلْعَواذِلِ إنِ رَمَيتُمِ مِصْرَنَا ... بِتَخَلّفِ التّصنِيعِ والتّعْدِينِ مِصْرُ الحَدِيثَةِ قَدْ عَلَتْ وتقدمَتْ ... في صَنْعَةِ التَّعْذِيبِ والتَّفْرِينِ!! وَتَفَنَّنَتْ - كَي لا يَمَلَّ مُعَذّبٌ - ... فِي العَرْضِ والإخْرَاجِ والتَّلِوينِ! أسَمِعْتَ بالإنسانِ يُنْفَخُ بُطْنُهُ ... حَتَى يُرَى فِي هَيّئةِ «البَالُونِ»؟! أسَمِعْتَ بالإنسانِ يُضْغُطُ رأسُهُ ... بالطّوقِ حَتّى يَنْتَهِي لِجُنُونِ! أسَمِعْتَ بالإنسانِ يُشْعَلُ جِسْمُهُ ... نَارًا وقدَ صَبَغُوهُ بـ: «الفَزْلِينِ»؟ أسَمِعْتَ ما يَلْقَى البَرئُ وَيصَطَلِي ... حَتَّى يَقُولَ: أنَا المُسِيءُ .. خُذُونِي! إنْ كُنْتَ لَمْ تَسْمَعْ فَسَلْ عَمَّا جَرَى ... مِثْلِي .. ولاَ يُنْبِيكَ مِثْلُ سَجِينِ واسْأَلْ ثَرى «الحَرْبيِّ» أَو جُدْرَانَهُ ... كَمْ مِن كَسْيرٍ فِيهِ أَو مَطْعُونَ!؟ وسَلِ السَّياطَ السُودَ كَمْ شَربَتْ دَمًا ... حَتىَّ غَدَتْ حُمْرًا بِلاَ تَلْوِينِ! وسَلَ «الَعَرُوسَةَ» قُبّحَتْ مِنَ عَاهِرٍ ... كَمْ مِن جَرِيحٍ عِنْدَهَا وَطَعِينِ! كَمْ فِتْيَةٍ زُفُوا إليهَا عُنْوَةً ... سَقَطُوا مِنَ التَّعْذِيبِ والتَّوهِينِ وأَسْألْ «زَنَازِينَ» الجلِيدِ تُجِبكَ عَن ... فَنّ العَذابِ وصَنْعَةِ التّلْقِينِ بالنارِ أو بالزَّمهْرَيرِ .. فتِلْكَ فِي ... حِينٍ، وهَذَا الزَّمْهَرِيرُ بحِينِ يُلْقَى الفَتَى فِيهِ لَيالِيَ عَارِيًا ... أَو شِبْهَ عَارٍ في شَتَا كَانُونِ وهُنَاكَ يُمْلِىِ الاعترافَ كَمَا اشْتَهَوا ... أو لاَ ... فَوَيلُ مُخَالِفٍ وَحَرُونِ وسَل «المُقَطَّمَ» وهْوَ أَعْدَلُ شَاهِدٍ ... كَمْ مِن شَهِيدٍ في التِّلالِ دَفِينِ قَتلَتْهُ ظُغْمَةُ مِصْرَ أَبشَعَ قِتْلةً ... لا بِالرَّصَاصِ ولا القَنَا المَسْنُونِ بَلْ عَلَّقُوهُ كَالذَّبِيحَةِ هُيّئَتْ ... لِلْقَطْعِ والتَّمْزِيقِ بالسِّكِين .. وتَهَجَّدُوه فِيهِ لَيَالي كُلُّهَا ... جَلَدٌ وهُمُ فِي الجَلْدِ أهْلُ فُنُونِ فإذا السَّيَاطُ عَجِزْنِ عَن إنْطَاقِهِ ... فالْكَيُّ بِالنِيرَانِ خَيرُ ضَمْين!! ومَضَتْ لَيَالٍ والعَذَابُ مُسَجَّرٌ ... لِفَتَى بِأيدِي المُجْرِمِينَ رَهِينِ لَمْ يَعْبَئُوا بِجِرَاحِهِ وصَدِيدِهَا ... لَمْ يَسْمَعُوا لِتَأوُّهٍ وأنِينِ قَالُوا: اعْتَرِفْ أَوْ مِتْ .. فأَنْتَ مُخَيرٌ!! ... فأبَىَ الفَتَى إلاَّ اخْتِيَارَ مَنُونِ وجَرَى الدَّمُ الدَّفاقُ يَسْطُرُ في الثَّرى: ... يَا إخْوتِي اسْتُشْهِدْتُ فاحْتِسَبُونِي لا تَحْزَنُوا؟ إنّي لِرَبِيِ ذَاهِبٌ ... أَحْيَا حَيَاةَ الحَرُ لا المَسْجُونِ ... وامْضُوا عَلىَ دَرْبِ الهُدى لا تَيئسُوا ... فاليَأْسُ أَصْلُ الضَعْف والتَّوهينِ

أَمَّاهُ حَسْبُكِ أَنْ أَمُوتَ مُعَذَّبًا ... فِي اللهِ لاَ فِي شَهْوَةٍ ومُجُونِ مَا خُنْتُ دِينِي أَو حِماي ولَمْ أكنْ ... يَومًا عَلىَ حُرْمَاتِهِ بِضَنِينِ فَلَيسَأَلُوا عَني «القَنَاةَ» ويَسْألُوا ... عَنِّي «اليَهُودَ» فَطَالَمَا خَبِرُونِي * * * سُحْقًا لِجَزَّارِينَ كَمْ ذَبَحُوا فَتىً ... مُسْتَهْتِرِينَ كَأَنَّهُ ابْنُ لَبُونِ!! فإذا قَضَى ذهَبُوا بِجُثتِهِ إلَى ... تَلِّ المُقَطَّمِ وهْوَ غَيرُ بَطِينِ لَفَّوهُ فِي ثَوبٍ الدُجَى وتَسَلَّلُوا ... سَارِينَ بَينَ مَفَاوِزٍ وحُزُونِ وَارَوهُ ثُمَّ مَحَوا مَعَالِمَ رَمْسِهِ ... فَغَدا كَسِرٍّ في الثَّرَى مَكْنُونِ أخْفَوهُ عن عَينِ الأنَامِ ومَا دَرَوا ... أَنَّ الإِلهَ يَرَاهُمُ بِعيونِ اللَّيلُ يَشْهَدُ والكُوَاكِبُ والثَّرَى ... وكَفَى بِهِمْ شُهَدَاء يَوَمِ الدِينِ * * * قالُوا: مُحَاكَمَةً، فَقُلْتُ: رِوَايَةً ... أَعْطَوا لِمُخْرِجِهَا وِسَامَ فُنُونِ! هِيَ شَرُّ مَهْزِلَة ومَأْسَاةٍ مَعًا ... قَدْ أَضْحَكَتْني مِثْلَ مَا تُبْكِيني!! أرأيتَ مَحْكِمَةً تَرأَّسَهَا امْرُؤٌ ... يَدْعُوهُ منَ عَرفُوهُ بـ «المَجْنُونِ» أَرَأيتَ أَحْرَارًا رَمَوْا ِبهمُو لَدَى ... قَاضٍ عَديمٍ دِينُهُ مَأبُون والوَيلُ لامْرِئٍ اسْتِباحَ لِنَفْسِهِ ... إظْهَارَ تَعْذِيبٍ ودَفْعِ ظُنُونِ سَيَعُودُ «لِلْحَرْبِيِّ» يَأْخُذُ حَظَّهُ ... وَجَزَاءَهُ الأَوفَى مِن «البَسْيُونِي» * * * أَنَا إنْ نَسِيتُ فَلَسْتُ أَنْسَى لَيلَةً ... فِي سَاحَةِ الحَرْبِيِّ ذَاتَ شُجُونِ عُدْنَا المَساءَ مِن المُحَاكِمَةِ التِي ... كَانَتْ فُصُولَ فُكَاهَةِ ومُجُونِ مَا كَادَ يَعْرُونَا الكَرىِ حَتَّى دَعَا ... دَاعِي الرَّدى .. وكَفَاكَ صَوتُ أمَينِ فَتَجَمَّعَ «الإِخْوَانُ» مِمَّنْ حُوكِمُوا ... ذا اليَومِ مِن طَنْطَا إِلىَ بَسْيُوَنِ أَمَّا الأَولَى سَيُحَاكَمُونَ فأحضِرُوا ... لِيَرَوا يقينًا لَيسَ بالمَظْنُونِ وإذَا بقَائِدِنَا المُظَفَّرِ حَمْزَةٍ ... في عَسْكَرٍ شَاكِي السلاحِ حَصْينِ حَشدَ الجُنُودَ وصَفَّهَا بمَهَارَةِ ... وِكَأنَّهُ عَمْرو بأجْنَادِينَ!!

وأَحَاطَنَا ببَنَادِقِ ومَدَافِعَ ... فَغَرَتْ لَنَا فَاهَا كَفِي التَنينَ!! ... طَابُورُ «تَكْدِيرٍ» ثَقِيلُ مُرْهِقُ ... فِي وَقْتِ أَحْلاَمٍ وآنِ سُكُونِ نَعْدُو كَمَا تَعْدُو الظِّبَاءُ يسُوقُنَا ... لَهَبُ السِيَاطِ شَكَتْ مِن التَّسْخِينِ ومَضَتْ عَلينَا سَاعَتَانِ وكُلُنَا ... عَرَقُ تَصَببَ مِثْلَ فَيضِ عُيُونِ مَنْ خَرِّ إغْمَاءً يُفِقْ عَجْلاً عَلىَ ... ضَرَبَاتِ سَوطٍ لِلْعَذَابِ مُهِينِ ومن ارْتَمَى فِي الأرضِ مِن شَيخُوخَةٍ ... أَو عِلَّةٍ .. داسُوهُ دَوسَ الطِينِ لَمْ يَكْفِ حَمْزَةَ كُلُ مَا نُؤْنَا بِهِ ... مِن فَرْط إعْياءٍ ومِن تَوهِينِ فَأتىَ يُوَزِّعُ بالمُفَرِّق دَفْعَةً ... بالسَّوطِ مِن عِشْرِينِ لِلْخمْسِينِ كُلٌ يَنَالُ نَصِيبَهُ بِنَزَاهَةِ ... في العَدِّ والإتْقَانِ والتَّحْسِينَ!! وإذا نسِيتُ فَلَسْتُ أنْسَى خُطْبَةً ... مَا زَالَ صَوتُ خَطِيبِهَا يُشْجِينِي إذْ قَالَ حَمْزَةُ - وهْوَ مُنْتفِخٌ - فَلَمْ ... يَتْرُكْ لِفِرعَونَ وَلا قَارُونِ: أَينَ الأُلَى اصْطَنَعُوا البُطُولةَ وادَّعَوا ... أَنِي أعْذِبُّهُمْ هُنَا بِسُجُونِي! أَظَنَنْتُمُوا هَذَا يُخَفِّفُ عَنْكُمُوا؟ ... كَلاً، فأَمْرُكُمُ انْتَهَى، وسَلُونِي؟! أَمْ تحَسْبُونَ كَلامَ أَلْفٍ مِنْكُمُوا ... عَنْكُمِ وعن تَعْذِيبِكُمْ يَثْنِينِي؟! إنِّي هُنَا القَانُون، أعْلىَ سُلْطةٍ ... مَنْ ذَا يُحَاسِبُ سُلْطةَ القَانُونِ؟! مُتَفَرِّدٌ فِي الحُكْمِ دُونَ مُعَقِّبٍ ... مَن ذَا يُخَالِفُنِي ومَنْ يَعْصِينِي؟! فإذا أَرَدْتُ وَهَبْتُكُمْ حُرِّيَةً ... أَو شِئْتُ ذُقْتُمْ مِن عَذَابِي الهُونِ مَنْ مِنُكُمُو سَامَحْتُهُ فِبَرَحْمَتِي ... وإذا أَبَيتُ فَذَاكَ طَوعُ يَمِينِي ومَنْ ابْتَغَى مَوتًا فَهَا عِنْدِي لَهُ ... مَوتُ بِلاَ غُسْلٍ ولا تكْفِينِ!! يا فَارِسَ الوَادِي وقَائِدَ سِجْنِهِ ... أَبَنُو الكِنَانَةِ أَمْ بَنُو صِهْيُونِ؟! هَلاَّ ذَهَبْتَ إِلىَ الحُدُودِ حَميتَهَا ... وأَرَيتَنَا أفْكَارَ نَابِلْيَونِ؟! اذْهَبْ لِغَزَّةَ يا هُمَامُ وأَنْسِنَا ... بِجِهَادِكَ الدَّامِي صَلاَحَ الدِينِ!! أَفَضِدُّنَا كَبْشُ النِّطَاحِ .. ونَعْجَةً ... في الحَرْبِ جَمَّاءٌ بِغَيرِ قُرُونِ؟! * * * قُلْ لِلِّذي جَعَلَ الكِنَانَةَ كُلَّهَا ... سِجْنًا وَبَاتَ الشِّعْبُ شَرَّ سَجِينِ يَا أَيُها المَغْرُورُ في سُلْطَانِهِ ... أَمِنَ النِّضَارِ خُلقْتَ أَمْ مِن طِين؟ يا مَنْ أَسَأْتَ لِكُلِ مَنْ قَدْ أحْسَنُوا ... لَكَ دَائِنِينَ فكَنُتَ شَرْ مُدِينِ يا ذِئْبَ غَدْرٍ نَصِّبُوهُ رَاعِيًا ... والذِئْبُ لَمْ يَكُ سَاعَةً بِأَمِينَ ...

أما آن عما أنت فيه متاب

يا مَنْ زَرَعْتَ الشَرَّ لنْ تَجْنيَ سِوَى ... شَرِّ وحِقدٍ فِي الصُدَورَ دَفِينِ سَيَزُولُ حُكْمُكَ يا ظَلُومٌ كَمَا انْقضَتْ ... دُوَلٌ أولاَتُ عَسَاكِرٍ وحُصُونِ سَتَهُبُّ عَاصِفَةٌ تَدُكُ بِنَاءَهُ ... دَكًّا ... ورُكْنُ الظُلْمً غَيرُ رَكِينِ ماذا كَسَبْتَ وقد بَذَلْتَ مِن القُوَى ... والمَالِ بَالآلافِ وَالْمِلْيُونِ؟ أَرْهَقْتَ أعْصَابَ البلاد ومَالَهَا ... ورجَالَهَا في الهَدْمِ لا التَّكْوِين وأدَرْتَ مَعْرَكَةً تأجّجَ نَارُها ... مَعَ غير «چانِ بولٍ» ولا «كوهين» هَلْ عُدْتَ، إلا بالهَزِيمَةِ مَرَّةً ... ورَبِحْتَ غَير خَسَارَةِ المغْبُونِ؟ وحَفَرْتَ في كُلِّ القُلُوبَ مَغَاوِرًا ... تَهْوِي بِهَا سُفْلاً إلى سَجِّينِ وبَنَيتَ مِن أَشْلائِنَا وعِظَامِنَا ... جَسْرًا بِهِ نَرْقَى لِعِلِّيِّينِ وصَنَعْتَ باليد نَعْشَ عَهْدِكَ طَائِعًا ... وَدَقَقْتَ إسْفَينًا إلى إسْفِينِ وَظَنَنْتَ دَعْوَتَنَا تمُوتُ بِضَرْبَةٍ ... خَابَتْ ظُنُونُكَ فَهْيَ شَرُّ ظُنُونِ بَلِيَتْ سِيَاطُكَ والعَزَائِمُ لم تَزَلْ ... مِنَا كَحَدِّ الصَّارِمِ المَسْنُونِ إنَّا لعَمْرِي إنْ صَمَتْنَا بُرْهَةً ... فالنَّارُ فِي البُرْكَانِ ذاتُ كُمُونِ تَاللهِ ما الطُغْيَانُ يَهْزِمُ دَعْوةً ... يَومًا، وفي التَّارِيخِ بَرُّ يَمِينِي ضَعْ فِي يَدَي القَيدَ، أَلْهِبْ أَضْلُعِي ... بِالسَّوطِ، ضَعْ عُنْقِي عَلىَ السِّكِينِ! لنْ تَسْتَطِيعَ حِصَارَ فِكْرَي سَاعَةً ... أو نَزْعَ إيمَانِي ونُورِ يَقِينِي! فالنُوِرُ في قَلِبِي .. وقِلْبِي فِي يَدَي ... رَبي .. ورَبي نَاصِرِي ومُعِينِي! سَأَعِيشُ مُعْتَصِمًا بحَبْلِ عقيدِتي ... وأَمُوتُ مُبْتَسِمًا لِيَحْيَا دِينِي! آخر: أَما آنَ عَمَّا أَنْتَ فيه مَتَابُ ... وهَلْ لَكَ مِن بعدِ البِعادِ إيابُ تَقَضَّتْ بِكَ الأعمارُ في غير طاعةٍ ... سِوى عَمل تَرْضَاهُ وهْوَ سَرَابُ إذا لم يَكُنْ للهِ فِعلك خالِصًا ... فكلُ بناءِ قد بَنَيُتَ خَرابُ فلِلِعَمَلِ الإخلاصُ شرطٌ إذا أتَى ... وقَدْ وَافقتْهُ سُنةٌ وكِتَابُ وقد صِينَ عن كُلِّ ابتداعٍ وكيف ذا ... وقد طبَّق الآفاق منه عُبَابُ طغى الماءُ مِن بَحرِ ابتداعٍ على الوَرَى ... ولم يَنْجُ منه مَرْكَبٌ وركَابُ وطُوفِانُ نُوح كانَ في الفُلك أهلُه ... فنَجََّاهُمُ والكافِرُونَ تَبَابُ

فأنَّى لَنَا فَلْكٌ يُنَجِّي وَلَيتَهُ ... يَطِيرُ بِنَا عَمّا نَراهُ غَرَابُ ... وأينَ إلَى أَينَ المَطَارُ وكُلَّمَا ... عَلىَ ظَهْرِهَا يَأْتِيكَ عَنْهُ عُجُابُ نُسَائِلُ مَن دَارَ الأَراضِي سِياحَةً ... عَسَى بَلْدةٌ فِيها هُدًى وصَوَابُ فَيُخْبِرُ كُلٌّ عَن قَبَائِحِ مَا رَأى ... ولَيسَ لأِهْلِيها يَكُونُ مَتَابُ لأَنهِّمُ عَدُّوا قَبَائِحَ فِعْلِهِمْ ... مَحَاسِنَ يُرْجَى عِنْدَهُمَّ ثَوابُ كقومِ عُرَاةٍ في ذُرَى مِصْرَ مَا عَلاَ ... عَلىَ عَورَةٍ مِنْهُم هُنَاكَ ثِيَابُ يَدُورُون فِيها كَاشِفِي عَوَرَاتِهِمْ ... تَوَاتَرَ هَذَا لاَ يُقَالُ كِذَابُ يعُدُّونَهُمْ في مِصْرِهَا فُضَلاَءُ هُمْ ... دُعَاؤُهُمْ فِيما يَرَونَ حُجَابُ وفِيها وفِيها كُلَّمَا لا يَعُدُّهُ ... لِسَانٌ ولا يَدْنُوا إليهِ خِطابُ وفي كُلِّ مِصْرٍ مِثْلُ مِصْرَ وإنَّمَا ... لِكُلٍّ مُسَمَّى والجَميعُ ذِئابُ تَرَى الدِينَ مِثْلَ الشَّاةِ قَدْ وَثَبَتْ لَهَا ... ذِئَابٌ ومَا عَنْهُ لَهُنَّ ذَهَابُ فَقَد مَزَّقتْهُ بَعْدَ كُلَّ مُمَزّقٍ ... فلَم يَبقَ مِنهُ جُثَّةٌ وَإهَابُ وَلَيسَ اغْتِرَابُ الدِينِ إِلاَّ كَما تَرى ... فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الاغْترابِ إِيَابُ فيا غُرْبَةً هَلْ يُرْتجَى مِنْكِ أَوبَةٌ ... فَيُجْبَرُ مِن هَذَا البِعَادِ مُصَابُ فَلَمْ يَبْقَ لِلرَّاجِيِ سَلاَمَةُ دِينِهِ ... سِوَى عُزْلَةٍ فِيهَا الجَلِيسُ كِتَابُ كِتَابٌ حَوَى كُلَّ العُلُوم وكُلُّ مَا ... حَوَاهُ مِن العِلْمِ الشَّرِيفِ صَوَابُ فإنْ رُمْتَ تَارِيخَا رَأَيتَ عَجَائِبًا ... تَرَى آدَمًا إذْ كانَ وهْوَ تُرَابُ ولاقَيتَ هَابيلاً قَتِيلَ شَقِيقِهِ ... يُوَارِيهِ لَمَّا أَنْ أَرَاهُ غُرَابُ وتَنْظُرُ نُوحًا وهْوَ فِي الفُلْكِ قَدْ طَفَا ... عَلىَ الأَرْضِ مِن مَاءِ السَّمَاءِ عُبَابُ وإِنْ شِئْتَ كُلُّ الأَنْبِياءِ وقَومِهِمْ ... وما قَالَ كُلٌ مِنْهُمُ وأجَابُوا

ترَى كَلَّ مَا تَهوىَ ففِي القَومِ مؤْمِنٌ ... وَأكثرُهُم قَدْ كذّبُوهُ وخَابُوا وجَنَّاتِ عَدْن حُورَهُا ونَعِيمَهَا ... ونَارًا بِهَا لِلْمُشْرِكِينَ عَذَابُ فتِلكَ لأرْبابِ التُّقَاءِ وهذِهِ ... لِكّلِّ شقيٍّ قدْ حواهَ عِقابَ فإنْ تُرِدِ الوَعْظَ الذِي إنْ عَقَلْتَهُ ... فإنَّ دُمُوعَ العَينِ عَنْهُ جَوَابُ تجَدْهُ ومَا تَهْوَاهُ مِن كُلِّ مَشْرَبٍ ... فلِلرُّوحِ مِنْهُ مَطْعَمٌ وشَرَابُ وإنْ رُمْتَ أبْرَزَ الأدلةِ في الذي ... تُرِيدُ فَمَا تَدْعُوا إليهِ تُجَابُ تَدلُ عَلىَ التَّوحِيدِ فِيه قَوَاطِعٌ ... بِهِا قُطِّعَتْ لِلْمُلْحِدِينَ رِقَابُ وما مَطْلَبٌ إِلاَّ وفِيهِ دَلِيلُهُ ... وَلَيسَ عَليه لِلذَّكِي حِجَابُ ... وفيه الدَّوَا مِن كُلِّ دَاءٍ فِثِقْ بِهِ ... فَوَاللهِ ما عَنْهُ يَنُوبُ كِتَابُ وفي رُقْيَةِ الصَّحْبِ الدّيغِ قَضَّيةٌ ... وقَرَّرَهَا المُخْتَارُ حِينَ أصَابُوا ولَكِنَّ سُكَّانَ البَسِيطةِ أَصْبَحُوا ... كَأَنَّهمُ عَمَّا حَوَاهُ غِضَابُ فلا يَطْلُبُونَ الحقَّ مِنْهُ وإنَّمَا ... يَقُولُونَ مْن يَتُلُوهُ فَهْوَ مُثابُ وإنْ جَاءَهُم فِيه الدلِيلُ مُوَافِقًا ... لِمَا كَانَ للآباء إلِيهِ ذَهَابُ رَضَوهُ وإلاَّ قِيلَ هَذَا مُؤَوَّلٌ ... ويُرْكَبُ في التأويلِ فِيه صِعَابُ تَرَاهُ أَسِيرًا كُلُّ حَبْرٍ يَقُودُهُ ... إلى مَذْهَبٍ قَدْ قَرَّرَتْهُ صِحَابُ أَتُعْرِضُ عَنْهُ عَن رِيَاضٍ أَرِيضَةٍ ... وَيعْتَاضُ جَهْلاً بالرياضِ هِضَابُ يُرِيكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وغَيرُهُ ... مَفَاوِزَ جَهْلٍ كُلَّهُا وشِعَابُ يَزيدُ عَلىَ مَرِّ الجَدِيدَينِ جِدَّةً ... فَألفَاظُهُ مَهْمَا تَلوتَ عِذابُ وآياتُهُ في كُلِّ حِينٍ طَرِيَّةٌ ... وتَبْلُغُ أَقْصَى العُمْرِ وهيَ كِعَابُ وفِيهِ هُدًى لِلْعَالِمينَ وَرَحْمَةٌ ... وفيه عُلَومٌ جَمّةَ وثوابُ فَكُلُ كَلامٍ غيرُهُ القِشْرُ لاَ سِوَى ... وذا كُلَّهُ عِنْدَ اللَّبِيبِ لُبَابُ دَعُوا كُلَّ قَولٍ غَيرَهُ ما سِوَى الذِي ... أَتَى عَن رَسُولِ الله فَهْوَ صَوَابُ

وعَضُّوا عَلَيهِ بِالنَّواجِذِ واصْبِرُوا ... عَلَيهِ ولَو لَم يَبْقَ في الفَمِ نَابُ تَرَوا كُلَّما تَرْجُونَ مِن كُلِّ مَطْلُبٍ ... إذَا كَانَ فِيكُمْ هِمَّةٌ وَطِلاَبُ أَطِيلُوا على السَّبْعِ الطِوَالِ وُقَوفَكم ... تَدُرُّ عَلَيِكُم بالْعُلُوم سَحَابُ وَكم مِن أَلُوَفٍ في المِئيِن وكَمْ بِهَا ... أُلُوفًا تَجِدْ مَا ضَاقَ عَنه حِسَابُ وفي طَي أثْنَاءِ المَثَانِي نَفَائِسُ ... يَطِيبُ لَهَا نَشْرٌ ويُفْتَحُ بَابُ وكمْ مِن فًصُولٍ في المُفَصَّلِ قَدْ حَوَتْ ... أصُوُلاً إليهَا لِلَّذكِيِّ مَآبُ وما كان في عَصْرِ الرُسُولِ وصَحْبِهِ ... سِوَاهُ لِهَدْيِ العَالِمَينَ كِتَابُ تَلاَ فُصِّلَتْ لَما أَتَاهُ مُجَادِلٌ ... فأُبْلِسَ حَتَّى لا يَكُونُ جَوَابُ أَقَرَّ بِأَنَّ القَولَ فِيه طَلاَوَةٌ ... وَيعلُو لا يَعْلو عَلَيهِ خِطَابُ وأَدْبَرَ عَنْهُ هَائِمًا في ضَلاَلِهِ ... يُدَبِّرُ مَاذَا في الأنَامِ يُعَابُ وقال وَصِيُّ المُصْطَفَى لَيسَ عِنْدَنَا ... سِوَاهُ وإلاَّ مَا حَوَاهُ قِرَابُ وإلاَّ الذِي أعْطاهُ فَهْمًا إلَهَُهُ ... بآياتِه فاسْألْ عَسَاكَ تُجَابُ فَمَا الفَهْمُ إلاَّ مِن عَطَايَاهُ لا سِوَى ... بَلِ الخَيرُ كُلُ الخَيرِ مِنْهُ يُصَابُ ... آخر: بَكَتْ عَينِي وحُقَّ لَهَا بُكَاهَا ... عَلَى نَفْسِي التِي عَصَتِ الإِلها ومَن أولَى بِطُولِ الحُزْن منها ... وبالآثامِ قَدْ قَطَعَتْ مَدَاهَا فلا تَقْوَى تَصُدُّ عَن المَعَاصِي ... ولا تَخْشَىَ الإِلهَ ولا تَنَاهَى تَتُوبُ مِن الإِسَاءَةِ في صَبَاحٍ ... وتَنْقُضُ قَبْلَ أن يَأتِي مَسَاهَا وتنْكُثُ عَهْدَهَا حِينًا فحِينًا ... كَأنَّ الله فيه لا يَراهَا وَتَقْعُدُ عن حُقُوقِ الله عَمْدًا ... وَتَبْغِي دَار مَالاً وَجاهَا

يا ملبسي بالنطق ثوب كرامة

آخر: ذُنُوبِي إنْ فَكَّرتُ فيها كَثِيرةٌ ... ورَحْمةُ رَبِي مِن ذُنُوبِيَ أوسَعُ وَمَا طَمَعِي في صَالحٍ إنْ عَمِلْتُه ... وَلَكِنَّني في رَحْمَةِ الله أطْمَعُ فإنْ يَكُ غُفْرانٌ فَذَاكَ بِرَحْمَةٍ ... وَإن تَكُنِ الأُخْرَى فَمَا كُنْتَ تَصْنَعُ مَلِيكِي ومَعْبُودِي وَرَبّي وحَافِظِي ... وَإنَّي لَهُ عَبْدٌ أُقِرُّ وأخْضَعُ قَصِيدةُ تَحْتَوِي عَلى الثّناء والشُّكرِ والحَمْدِ والتّضرُّعِ إلى الله عَزَّ وَجّل: يَا مُلَبِّسِي بالنُّطْقِ ثَوبَ كَرَامَةٍ ... وَمُكَمِّلِي جُودًا بِهِ وَمُقَوِّمِي خُذْني إِذَا أَجَلي تَنَاهَى وانْقَضَى ... عُمْرِي عَلى خَطٍ إِلْيكَ مُقَوِّمِي وَاكْشِفْ بِلُطْفِك يَا إلَهِيَ غُمَّتِي ... وَاجْلِ الصّدَا عَنْ نَفْس عَبْدِكَ وَارْحَمِ فَعَسَايَ مِنْ بَعْدِ المَهَانَةِ أكْتَسىِ ... حُلَلَ المَهَابِةِ في المَحَلِّ الأَكْرَمِ وَأَبُوءُ بالفِرْدَوسِ بَعْدَ إَقَامَتي ... في مَنْزلٍ بَاد السَّمَاجَةِ مُظْلِمِ فَقَدْ اجْتَوَيتُ ثَوايَ فِيهِ وَمَنْ تَكُنْ ... دَارُ الغُرُورِ لَهُ مَحَلاً يَسْأَمِ دَارٌ يُغَادِرٌ بُؤْسَهَا وَشَقَاءَها ... مَنْ حَلَّهَا وَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْعَمِ وَيَعُودُ صَافي عَيشِهِ وَحَيَاتِهِ ... كَدِرًا فَلاَ تَجْنَحْ إِلَيهَا تَسْلَمِ فَبِكَ المَعاذُ إِلَهَنَا مِنْ شَرِّهَا ... وَبِكَ المَلاَذُ مِنَ الغِوَايَةِ فَاعْصِمِ وَعَلَيكَ مُتَّكَلي وَعَفُوُكَ لَمْ يَزَلْ ... قَصْدِي فَوَاخَسَرَاهُ إنْ لَم تَرْحَم يَا نَفْسُ جُدِّي وَادْأَبِي وَتَمَسَّكِي ... بِعُرَى الهُدَى وَعْرَى المَوَاتِعِ فَافْصِمِ لاَ تُهْمِلي يَا نَفْسُ ذَاتَكِ إن فِي ... نَسْيَانها نِسْيَانُ رَبِّكِ فاعْلَمِي وَعَلَيكَ بالتّفْكِيرِ في الآئِهِ ... لِتَبَوَئِي جَنَّاتِهِ وَتَنْعَمِي وَتَيَمَّمِي نَهْجَ الهِدَايَةِ إِنَّهُ ... مُنْجٍ وَعَنْ طُرْقِ الضَّلاَلَة أحْجِمِي ...

أرى وخط المشيب دليل سير

لاَ تَرْتَضِي الدُّنْيَا الدَّنِيَّةَ مَوطِنًا ... تُعْلَي عَلَى رُتَبِ السَّوارِي الأَنْجُمِ وَتُعَايِنِي مَا لاَ رَأَتْ عِينٌ وَلاَ ... أُذُنٌ إِلَيهِ وَعَتْ فَجِدِّي تَغْنَمِي وَتُشَاهِدِي مَا لَيسَ يُدْرَكُ كُنْهُهُ ... بالفِكْرِ أَو بِتَوَهُّمِ المُتَوهِّمِ قُدْسٌ يَجُلُّ بأَنْ يَحُلَّ جَنابَهُ ... يا نَفْسُ إِلاَّ كُلُّ شَهْمٍ أَيهَمِ وتُجَاوِرِي الأَبْرَارَ في مُسْتَوطَنِ ... لاَ دَاثِرِ أَبَدًا وَلاَ مُتَهَدِّمِ يَا أَيٌُّها المَغُرُورُ شِبْتَ وَلَمْ تَعُدْ ... عَمَّا لَهَجْتَ بِهِ وَلَمْ تَتَنَدَّمِ وَاعْكِفْ عَلَى تَمْجِيدِ مُوجِدِكَ الذّي ... عَمَرَ الوُجَودَ الجُودُ مِنْهُ وَعَظِّمِ فَبِذِكْرِهِ تَشْفَى النَّفُوسُ مِنَ الجَوَى ... فَعَلَيهِ إِنْ آثَرْتَ بُرْؤَكَ صَمِّمِ أكْرِمْ بِنِفْسِ فَتَىً رَأَى سُبُلَ الهُدَى ... تَهْوِي فَمَالَ إِلى الصِّرَاطِ الأَقْوَمِ ذَاكَ الذِي يُحْظَى بِيَومِ مَعَادِهِ ... مُلْكًا سَجِينَ الدَّهْرِ لَمْ يَتَصَرَّمِ يَا جَابِرَ العَظْمِ الكَسِير وَغَافِرَ الْـ ... ـجُرْمِ الكَبِير لِكُلِّ عَبْدٍ مُجْرِمِ مَا لِي إِلَيكَ وَسَيلَةٌ وَذَرَيعَةٌ ... أَنْجُو بِهَا إِلاَّ اعْتِقَادُ المُسْلِمِ فَاقْبِلْ بِمَنِّكَ تَوبِتي مِنْ حَوبَتِي ... فَعَسَى سَعَادَةُ أَوبَتي لَمْ أُجْرِمِ حَمْدًا لَكَ اللَّهُمَّ يُنْمَى مَا جَلا ... وَضْحُ الصبَاحِ سَوَادَ لَيلٍ أَسْحَمِِ وَعَلى نَبِيَّكَ ذِي الثَّنَاءِ وَآلِهِ ... السَّادَةِ الأَمَنَاءِ صلِّ وَسَلِّمِ وَعَلى صَحَابَتِهِ الذِينَ بنَصْرِهِ ... قَامُوا ونارُ الكُفْر لَمْ تَتَضَرَّم أَرَى وخَطَّ المَشِيبِ دَليلُ سَيرٍ ... إلىَ دَارٍ صَفَتْ مِنْ كُلِّ غِشِّ بِهَا فَازَ التَّقِيُّ بِفِعْلِ خَيرٍ ... ونَالَ مِن المُهَيمنِ صَفْوَ عَيشِ يُنِيلُ العَفْوَ رَبِّي كُلَّ عَبْدٍ ... بتَقْوَى اللهِ بَينَ النَّاسِ يَمْشِي

تغازلني المنية من قريب

ويُخْزِي كُلَّ أفَّاكِ أثِيمٍ ... وَيَجْزْي كُلَّ خَتَّارٍ بِبَطْشِ إذَا رُمْتَ الرَّضَا والعَفْوَ مِنْهُ ... تَنَزَّهْ عَنْ قَبِيحِ الفِعْلِ وامْشِ وله أيضًا - رحمه الله ورضي عنه: تُغازِلُنِي المَنِيَّةُ من قَريبٍ ... وتَلْحَظُنِي مُلاحَظَةَ الرَّقيبِ وتَنْشُر لِي كِتابًا فيهِ طَيٌِّّ ... بِخَطِ الدَّهْرِ أَسْطُرُه مَشِيبِي كِتابٌ في مَعانِيهِ غُموضٌ ... يلوحُ لكُلّ أَوَّابٍ مُنِيبِ أَرى الأَعْصارَ تَعصِرُ مَاءَ عُودِي ... وقِدْمًا كنْتُ ريَّانَ القَضيب ِ أدالَ الشَّيبُ يا صَاحِ شَبابِي ... فَعُوِّضْت البَغيضَ من الحبيبِ ... وَبُدَّلتُ التَّثاقُلَ مِنْ نَشاطِي ... ومِنْ حُسْنِ النَّضارَةِ بِالشُّحوبِ كَذاكَ الشَّمْسُ يعلوها اصفِرارٌ ... إِذَا جنحَتْ ومالَتْ للغُروبِ تُحارِبُنا جُنودٌ لاَ تُجارَى ... ولا تُلْقَى بِآسادِ الحُرُوبِ هيَ الأقدارُ والآجالُ تأْتِي ... فَتَنْزِلُ بِالمُطَبِّبِ والطَّبِيبِ تُفَوِّقُ أَسْهُمًا عن قَوسِ غَيبٍ ... وما أَغْراضُها غَيرُ القُلوبِ فأَنِّى بِاحْتِراسٍ مِنْ جُنودٍ ... مؤيَّدَةٍ تُمَدُّ مِنَ الغُيوبِ وما آسَى عَلى الدُّنيا ولكنْ ... على ما قد ركبتُ من الذُّنوبِ فيا لَهفي على طولِ اغتِراري ... ويا وَيحي من اليومِ العَصِيبِ إِذا أَنا لم أَنُحْ نَفْسِي وَأَبكي ... على حُوبي بِتَهْتَانٍ سَكوبِ فَمَنْ هذَا الّذِي بَعْدي سَيبكي ... عليها من بَعيدٍ أو قريبِ؟ آخر: أَيَعْتَزُّ الفَتَى بِالْمَالِ زَهْوًا ... وما فِيها يفُوتُ عن اعْتِزَازِ ويَطَّلُبُ دَولَةَ الدُّنْيا جُنُونًا ... ودَولَتُها مُحَالِفةُ المَخَازِي

الشيب نبه ذا النهى فتنبها

ونحَنُ وكُلُّ مَن فِيهَا كَسَفْرٍ ... دَنَا مِنّا الرِّحِيلُ على الوفَازِ جَهِلْنَاهَا كَأنْ لَمْ نَخْتَبِرْها ... عَلَى طُولِ التَّهانِي والتَّعازِي ولَمْ نَعْلَمْ بأنْ لا لَبْثَ فِيهَا ... ولاَ تَعْرِيجَ غَيرَ الاجْتِيَازِ انْتَهَى وقال رحمة الله عليه: الشَّيبُ نَبَّهَ ذَا النُّهَى فَتَنَبَّها ... ونَهى الجَهُولَ فَما اسْتَفاقَ ولا انْتَهى بلْ زادَ نَفْسي رغْبَةً فتهافَتَتْ ... تَبْغي اللُّهى وكأَنْ بِها بَينَ اللَّها فَإلى متى أَلْهُوا وأَفْرَحُ بالْمُنى ... والشَّيخُ أَقْبَحُ ما يَكونُ إِذا لَها ما حُسْنَه إلا التُّقى لا أَنْ يُرَى ... صَبًّا بأَلحاظِ الجآذِرِ والْمَها أَنّى يُقاتِلُ وهو مَفْلولُ الظُّبا ... كابِي الجَوادِ إِذا اسْتقلَّ تَأَوَّها مَحَقَ الزَّمانُ هِلالَهُ فَكأَنَّما ... أَبْقَى لَهُ مِنْهُ عَلى قَدْرِ السُّها فَغَدا حَسِيرًا يَشْتَهي أَنْ يَشْتَهي ... ولكَمْ جَرى طلقَ الجَمُوحِ كما اشْتَهى إِنْ أَنَّ أَوّاهٌ وأجْهَشَ في البُكا ... لِذُنوبهِ ضَحِكَ الظَّلُومُ وقَهْقَها

قد بلغت الستين ويحك فاعلم

لَيسَتْ تُنَهْنِهُهُ العِظاتُ ومِثْلُهُ ... في سِنِّهِ قَد آنَ أن يَتَنَهْنَها ... فَقَدَ اللِّدَّاتِ وزَادَ غَيًّا بَعدَهُمْ ... هَلاَّ تَيَقَّظَ بَعْدَهُمْ وتَنَبَّها؟! يا وَيحَهُ ما بالُهُ لا ينْتَهِي ... عَنْ غَيِّهِ؛ والعُمْرُ مِنْهُ قد انتَهى؟! قد كانَ مِن شِيَمي الدَّها فترَكتُهُ ... عِلْمًا بِأَنَّ مِنَ الدَّها تُرْكُ الدَّها وَلَوَ أنني أَرضى الدَّناءَةَ خُطَّةً ... لَوَدِدْتُ أني كنْتُ أَحْمَقَ أَبْلَها فلقَدْ رأَيتُ الْبُلْهَ قد بَلَغُوا المَدى ... وتَجَاوَزُوهُ وازْدَرَوا بأُولِي النُّهى منْ ليسَ يَسْعى في الخَلاصِ لِنَفْسِهِ ... كانتْ سِعايَتُه عَلَيها لا لَها إنَّ الذُّنوبَ بِتَوبَةٍ تُمْحَى كَما ... يَمْحُو سُجودُ السَّهْوِ غَفْلَةَ مَنْ سَها وقال أيضًا - رضي الله عنه -: قدْ بَلَغْتَ السِّتِّينَ ويحَكَ فاعْلَمْ ... أَنَّ ما بَعْدَها عَلَيكَ تَلَوَّمْ فَإذا ما انْقضَتْ سِنُوكَ ووَلَّتْ ... فَصَلَ الحاكِمُ القَضاءَ فَأَبرَمْ أنتَ مِثلُ السِّجِلِّ يُنشَرُ حِينًا ... ثمَّ يُطْوى من بَعدِ ذاكَ ويُخْتَمْ

يا رب حقق توبتي بقبولها

كيفَ يَلتَذُّ بالحَياةِ لَبِيبٌ ... فَوَّقَتْ نَحْوَهُ المَنِيَّةُ أَسْهُمْ ليسَ يَدْري مَتى يُفاجِيهِ مِنْها ... صائِبٌ يَقْصِفُ الظُّهُورَ ويَقصِمْ ما لِغُصْني ذَوَى وكانَ نَضِيرًا ... ولِظَهْري انْحَنى وكانَ مُقَوَّمْ ولِحَدّي نَبا وكانَ مُبِيرًا ... وَلِجيشِي انْثَنى وكانَ عَرَمْرَمْ ولدَهْرِي أَدالَ شَرْخَ شَبابي ... بِمَشِيب عِنْدَ الحِسانِ مُذَمَّمْ فأنا اليومَ عَنْ هواهُنَّ سالٍ ... وقَديمًا بِهِنَّ كُنْتُ مُتَيَّمْ! لو بِرَوقِ الزَّمانِ يَنْطَحُ يومًا ... ركنَ ثَهْلاَنَ هدَّهُ فَتهدَّمْ! نحنُ في مَنْزِلِ الفَناءِ ولكِنْ ... هُو بابٌ إِلى البقاءِ وسُلَّمْ ورَحَى الْمَوتِ تَسْتَدِيرُ عَلَينا ... أبدًا تَطْحَنُ الجَمِيعَ وتَهْشِمْ وأَنا مُوقنٌ بِذاكَ عَلِيمٌ ... وفعَالي فِعالُ مَنْ لَيسَ يَعْلَمْ وكذا أَمْتطِي الهُوَينَا إلى أنْ ... أُتَوَفَّى فَعِنْدَ ذلِكَ أَنْدَمْ! فَعَسَى مَنْ لَهُ أُعَفِّرُ وَجْهِي ... سَيَرَى فاقِتَي إِليهِ فَيَرْحَمْ فَشَفِيعي إِليه حُسْنُ ظُنُوني ... ورَجائي لهُ، وأَنِّيَ مُسْلِمْ وله الحمدُ أنْ هداني لِهَذا ... عَدَدَ القَطْرِ ما الحَمَامُ تَرَنَّمْ إليهِ ضَراعَتِي وابتِهَالي ... في مُعافَاةِ شَيبَتِي من جَهَنَّمْ آخر: يَا رَبِّ حَقِّقْ تَوبَتِي بِقَبُولِهَا ... واشْفِ القُلُوبَ بأمْرِكَ الفَعَّالِ وامْحُ الشَّقَاوةَ بالسَّعَادَةِ والْغِنَى ... بِكَفَايَةٍ يَرْتَاحُ مِنْهَا بَالِي أرْجَوكَ في الدَّارَينِ قَطْعَ عَلائِقي ... عَمَّنْ سِوَاكَ فأنْتَ أولَى وَالِ عَوَّدْتَنِي اللُطْفَ الجَمِيلَ تَكَرُّمًا ... فاجْعَلُه دَوَمًا يَا عَظِيمُ نَوَالِي

سر على مهلك يا من قد عقل

ثُمَّ اكْسُنِي سِتْرَ الحَيَاةَ وفي المَمَا ... تِ وبَعْدَهُ وَاشْملْ بِذَاكَ عِيَالي وبِكَلِمَةِ لتَّوحِيدِ يَا مَولى الوَرَى ... اجْعَل خَتَامَ القَولِ والأعْمَالِ ثُمَّ الصَّلاةً عَلَى النبيِ وآلهِ ... مَا هَامَ ذُو وجْدٍ بِذَاتِ جَمَالِ سِرْ على مَهلِك يا من قد عقل ... واجتهد في الخير قولاً وعمل وإذا ما شئت تسمو وتجلّ ... (اعتزل ذكرَ الغواني والغزلْ) (وقلِ الفصلَ وجانبْ مَن هزلْ) إن تذكرْتَ أويقاتِ الصِّبا ... أو تُقِسْ ريحَ الدّبُور بالصَّبا فاترك القول لِوَقْتٍ ذهبا ... (ودَع الذكرى لأيام الصِّبا) (فلأيام الصبا نَجمٌ أفلْ) هذه نفسك قد أهملتها ... وعلى فعل الدنى ربيتها كم لذِيذًا سالفًا غذيتها ... (إن أهنأ عيشة قضَّيها) (ذهبت لذّاتها والإِثمُ حلّ) خالفِ المرأة لا تَسمَع لها ... فَالرَّزايا جُمعت في رَأيها وإذا قالت فلا تُصْغِ لها ... (واترك الغادة لا تَحفَل بها) (تُمْسِ في عزّ رفيع وتجلّ) فضّلِ الأُخرى ولا ترغب بذي ... حبُّها رأس الخطايا فَانبَذِ واجتنب قول صقيع وبّذي ... (وافتكر في منتهى حُسن الَّذِي) (أنت تهواه تجدْ أمرًا جللْ)

إن شرب الخمر للمرءِ فتن ... ودليلٌ للمعاصي والفتَن فَانبذ الرجس الخبيث الممتهن ... (واهجر الخمرة إن كنت فتًى) (كيف يسعى في جنون من عقل؟!) ... فلها الله تعالى حرّما ... والذي يقربها قد ظَلَما فهي أُمّ الخُبث لحمًا ودما ... (واتق الله فتقوى الله مَا) (باشرَتْ قلبَ امرئ إلا وصل) فهنيئًا للذي قد عَمِلا ... صالحًا ثم اتقى المولى علا في جنانٍ آمنًا قد نزلا ... (ليس من يقطع طُرقًا بطلا) (إنما من يتقِ الله البطل) فعلى مولاك كن مُتكلا ... فهو يَكفيك ويُعطي الأملا وإذا كنت رزينًا عاقلا ... (صدِّق الشرع ولا تركن إلى) (رجل يرصد في الليل زحل) إنَّ أمر الله حتمٌ سُلَّمَنْ ... فتَقبَّل مغلقًا باب الفتنْ وارض بالله حكيمًا ذا منن ... (حارت الأفكار في قدرة مَن) (قد هدانا سبْلَنا عز وجلّ) ربنا المبدئُ حيّ لم ينم ... أوجد العالَم حقًّ من عدَم حُكمه يَنفُذ فينا إذ حكم ... (كَتَبَ الموتَ على الخلق فكم) (فلّ مِن جيشٍ وأفنى مِن دُوَل) غرت الدنيا غريرًا فافتتن ... كَنَّزَ المالَ وأخفى وخَزَن ثم ولّى لم ينل غير الكفَن ... (أين نمرودُ وكنعانُ ومن) (ملك الأرض وولّى وعزلْ)

ِأين إسكندرُ سلطانُ الزمن ... قَهر الدنيا وأفنَى وسَجَن أين قارونُ وإقيالُ اليمن ... (أين عادٌ أين فرعونُ ومن) (رفع الأهرام من يسمعْ يَخَلْ) أين من عاثوا فسادًا وعتوا ... وأذلوا واستبدوا وطغوا أين من نالوا السبايا واقتنوا ... (أين من سادوا وشادوا وبنوا) (هلك الكلّ فلم تُغْن القُلَلْ) هذه الآثار لو توقنها ... قد عفت لِما خلت أزُمُنها عبرة جلّت لِمن يفطنها ... (أين أربابُ الحجا أهل النهى) (أين أهل العلم والقومْ الأُوَل) ... إن تكن تحظى بعلم عنهمُ ... فهمو نحو البلا قد يَمَّموا بَلِيت أجسامهم والأعْظُم ... (سيُعيد الله كلاً منهم) (وسيجزي فاعلاً ما قد فعل) كلُّ نفس كسبت ما صنعت ... حَفِظت أعمالها أو ضيٌعت قم وبلّغ ناصحًا أُذنًا وعت ... (أي بُنيّ اسمعْ وصايا جَمَعَتْ) (حِكمًا خُصَّت بها خيرُ المللْ) وتأملْها تجدْها مغنما ... وإلى أوج المعالي سُلَّما فهي تحكي عِقد دُرٍّ نُظِما ... (أطلب العلم ولا تكسل فما) (أبعد الخير على أهل الكسل) من يكن يحظى بفقه حصلا ... فبه يرقَى المقامات العلا فابتغِ الجِد وخلِّ الكسلا ... (واحتفل للفقه في الدين ولا) (تشتغل عنه بمال وخِول)

إنَّ علم الفقه من أَولى المنن ... وهو كنز ما له قط ثمن فاسعَ في تحصيله يا ذا الفطن ... (واهجرِ النوم وحصّلْه فمن) (يعرفِ المطلوب يحقِرْ ما بذل) لا تقل: قد شُتتت أصحابُه ... لا تقل: قد بُددت أحزابُه لا تقل: قد فُرّقَت طلابُه ... (لا تقل: قد ذهبت أربابُه) (كلُّ من سار على الدرب وصل) اتخذْ شيخًا يجنّبْك الردى ... ويُبَيِّنْ لك أعلام الهدى إن تشأْ ترغمْ عدوًا حاسدًا ... (في ازديادِ العلم إرغامُ العِدا) (وجمالُ العلم إصلاحُ العملْ) أو ما يكفيك أو يُرضيك أنْ ... تُكمِد الحاسد لِما تنطقَنْ فترى فيهم علاماتِ الحزَنْ ... (جَمِّل المنطق بالنحْوِ فمن) (حُرِمَ الإِعرابَ بالنّطق اختبلْ) فهو مفتاح كلام العربِ ... وكملْحٍ في طعامٍ طيبِ وإذا رُمْت كمال الأدبِ ... (انظمِ الشعر ولازمْ مذهبي) (في اطّراح الرِّفد لا تَبغِ النحل) ... إنما الشِّعر شعار الحُكما ... وهو نور العقل يجلو الظُّلَما حكمة تُهدى إلى مَن فَهِما ... (فهو عنوانٌ على الفضل وما) (أحسنَ الشعرَ إذا لم يُبتذَل) كنتُ في أنس بِجِيران اللِّوى ... نُتقِن الدرس ونُحصى ما حوى رحلوا عني فقاسيت الجوى ... (مات أهل الجود لم يبق سوى) (مُقرِفٌ أو مَن على الأصل اتَّكلْ)

كم سعى الناس لنحْسٍ أنكدِ ... ورجوا كل خبيثٍ مُفسدِ أنا عنهم في مقام مفرَدِ ... (أنا لا أختار تقبيلَ يَدِ) (قطعها أجملُ مِن تلك القُبل) تلك كفّ لِلَئيمٍ مُسرفِ ... حازت الشحّ وبالبخل تَفِي فاعتبر فيها مقال المنصِفِ ... (إن جَزتْني عن مديحي صِرْتُ في) (رِقّها أولا، فيكفيني الخجل) حُلْوة الأُخرى بدنيا مُرةُ ... مُرة الأخرى بدنيا حُلوةُ كلُّ شيء لك فيه عِبرةُ ... (مُلْك كسرى عنه تغني كِسرَةُ) (وعن البحر اكْتفاءٌ بالوشل) أبعدِ المطلَ عن النفس وجُذ ... وإلى الأطماع يومًا لا تلذ وبرب العرش من بُخلٍ فعُذْ ... (أعذب الألفاظ قولي لك: خُذْ) (وأمر اللفظ نطقي بلعلّ) فعلام الشحُّ يؤذي دينَهم ... وترى الحقد ينمّي حزنهم أين من يفقه عني أين هُم؟ ... (أعتبر {نَحْنُ قَسَمْنَا بَينَهُمْ}) (تلْقَه حقًا {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}) لا تُنازِعْ حاكمًا في حُكمِهِ ... أو عليمًا ماهرًا في علمه أو رئيسًا قد علا في قومِه ... (ليس ما يحوي الفتى من عزمه) (لا ولا ما فات يومًا بالكسل) إنما الدنيا على حالاتها ... تجلب التنغيص في لذاتها شأنها الإيذاء في ساعاتها ... (اطْرحِ الدنيا فمن عاداتها) (تخفض العالي وتُعلي من سفل) ...

قد مضى الجاهل في تبجيلها ... وسعى سعيًا إلى تذليلها وغدًا يرغب في تسهيلها ... (عيشةُ الراغب في تحصيلها) (عيشةُ الزاهد فيها أو أقلّ) كم غبيّ في هواها يسهر ... وعليم عن مناها يُدبِر كسرت قومًا وقومًا تنصُرُ ... (كم جهولٍ وهو مثرٍ مُكثِر) (وعليم مات منها بالعِللْ) قلّل السعي وكن متّزنا ... ما قضاه الله لابدّ لنا لا يزيد المرء بالسعي غنى ... (كم شجاع لم ينل فيها المنى) (وجبان نال غاياتِ الأملْ) فوّض الأمر لربي واستعدّ ... ثم سر نحو المعالي واجتهد نابذًا دنياك عنها مبتعد ... (فاترك الحيلة فيها واتئد) (إنما الحيلة في ترك الحِيَل) خالقُ الأنفسِ أحصاها عدد ... ثم غذَّاهم فلم ينس أحد فابذل الخير وكن خير سند ... (أيُّ كفٍّ لم تنل مما تَفِد) (فرماها الله منه بالشلل) ليس بالآباء تدعى مفردًا ... أو بخالٍ ثم عمٍّ تسعدا بل بنفس كنت منها مجهدًا ... (لا تقُلْ أصْلي وفَصْلي أبدَا) (إنما أصل الفتى ما قد حصل) إنما المرء بخُلقٍ طيِّبِ ... كيفما كان بصدرٍ رَحبِ في اكتساب المجد أو في أدبِ ... (قد يسود المرء من غير أبِ)

(وبِحُسن السّبك قد يُنفى الزغل) إن يكن شخصٌ على القوم سما ... فأبوه آدم تُربٌ وما وكذاك المِسْك دمُّ عُلِما ... (وكذا الورد من الشوك وما) (يطلع النرجس إلا من بصل) قد بذلتُ النصح فاعلمْ واعملا ... واقرأ القرآن تُكْسَ الحُللا وخبرتُ الدهر فاخترتُ العلا ... (مع أني أحمد الله على) (نسبي إذ بأبي بكر اتصل) ... رتبة المرء بما يتقنه ... عاملاً منه الذي يمكنُه حبذا لو يُبتغَى أحسنُه ... (قيمة الإِنسان ما يُحسنُه) (أكثرَ الإِنسانُ منه أو أقلّ) فإذا كنتَ لبيبًا فطنا ... حازمًا في أمره لم يُهَنا لا تكن بالسر يومًا مُعلِنا ... (اكتم الأمرين فقرًا وغنى) (واكسِب الفِلسَ وحاسبْ مَن مَطل) زُر لأهل العلم دومًا واقتربْ ... وكذا وقِّر لمن منهم نُسِب وتورّعْ عن حرامٍ واكتسب ... (وادّرع جِدًّا وكَدًّا واجتنب) (صحبة الحمقى وأرباب الدّوَل) صاحبُ الشحِّ دهتْه حسرهْ ... يده في عنْقه مغلولهْ وعلى المُسرف حلَت لومهْ ... (بين تبذير وبخل رتبهْ) (وكلا هذين إن زاد قتلْ) لا تعادي معشرًا عنّا نأَوا ... ويحسن القول وصّوا وقضَوا "

واتَّخذْهم قدوةً فيما رأَوا ... (لا تخُضْ في حقّ سادات مضَوا) (إنهم ليسوا بأهلٍ للزَّلل) فاز من أحسن فيهم ظنهُ ... ربك المعطي يوفي وزنهُ والزمِ الصمت وأحكم حصنهُ ... (وتغافلْ عن أمور إنهُ) (لم يفز بالحمد إلا مَن غفلْ) ساعد الخلَّ وسامح لا تَهِنْ ... وإذا يكبو بسيرٍ فأَعِن ثم إن أُوذيتَ بالصبر استعِنْ ... (ليس يخلو المرء من ضدٍّ وإن) (حاول العزلة في رأس جبل) لا تُبِنْ قولك أو تفتح فمَا ... تُشمتِ الأعداءَ مما دهمَا إن ترُمْ في عصرنا أن تَسلمَا ... (ملْ عن النمّام وازجره فمَا) (بلغ المكروهَ إلا من نَقَل) ادفع الشر بخير واستعن ... بإلهٍ من يكن معْه يُعِنْ فإذا الباغي حميم قد أَمِنْ ... (دارَ جارِ السوء بالصبر وإنْ) (لم تجد صبرًا فما أحلى النُّقل) ... انصر الحق وأسِّس عرشه ... واهجر الباطل واترك نبشه وابذل النصح وحاذر غِشه ... (جانب السلطان واحذر بطشه) (لا تعاند من إذا قال فعل) منصب الحكم مقامٌ شاغلُ ... وهو للمرء كنارٍ تُشعَلُ فتباعدْ عنه يا من يعقلُ ... (لا تَلِ الحكمَ وإن هم سألوا) (رغبة فيك، وخالف من عذل)

إنّ والي الحكم دومًا ممتحَن ... وله دامت بلايا ومحَن وهو بين الخلق قِدْمًا ممتهن ... (إن نصف الناس أعداءٌ لمن) (وُلِّي الأحكامَ، هذا إن عدل) لم يحز يومًا على حالاته ... راحة في نفسه أو ذاته وهو لاهٍ عن قضا حاجاته ... (فهْو كالمحبوس عن لذّاته) (وكلا كفّيه في الحشر تُغلّ) ولتكن في مثل هذا الموقفِ ... حيث لم يَلفَ له من مسعفِ قائلاً فيه بقول المنصفِ ... (إنّ للنقص والاستثقال في) (لفظة القاضي لَوَعظًا ومَثَل) اتّعظ يا من قضى أو حَكَما ... سوف يلقى الشخص ما قد قدّما وهو إن يعروه عزل نَدِما ... (لا توازى لذّةُ الحكم بما) (ذاقه الشخص إذا الشخص انعزل) قيل في الحكم سرور ومِحَن ... وكذاك السّقمُ يجري للبدن فاتخذ في دوحة العز فَنن ... (فالولايات وإن طابت لمن) (ذاقها فالسم في ذاك العسل) إن لوم الناس أوهى كبدي ... وعنا المنصب أضنى جسدي نحِّ عني حكمهم يا سندي ... (نَصَبُ المنصب أوهى جَلَدِي) (وعنائي من مداراة السُّفَل) دَارِهم في دَارِهم حتى تَجُزْ ... وارضِهم في أَرضِهم كيما تفُزْ والفتى في كلِّ شيءٍ لا يحُز ... (قَصِّر الآمال في الدنيا تفُز) (فدليل العقل تقصير الأمل) ...

خاب من كان يطيل الأملا ... يرتجي الخلد وينسى الأجلا غافلاً في غيه مسترسلا ... (إن من يطلبُه الموت على) (غرةٍ منه جديرٌ بالوجل) صِلْ صديقًا لم تغيره المحن ... وإذا زرت فقلِّلْ في الزمن قد رُوينا فيه عن جدِّ الحسن ... («غِبْ وزُرْ غِبًّا» تزدْ حُبًّا فمن) (أكثرَ التردادَ أقصاه المَللْ) من رأى المجد بثوب عنده ... أو بمال ليس يحصى عَدّه فهو مغرور تعدّى حده ... (خذ بحد السيف واترك غمده) (واعتبر فضلَ الفتى دون الحُلل) من يكن بالفقر يومًا وُسِمَا ... وله فضلٌ جليل عُلِما فله الإِكرام حتمًا لَزِما ... (لا يضرّ الفضلَ إقلالٌ كما) (لا يضر الشمسَ إطباقُ الطَّفَل) إنما الأسفار خيرٌ ظاهر ... وهو للأسرار يومًا شاهر أَمَر الهادي بهذا «سافِرُوا» ... (حبّك الأوطان عجزٌ ظاهر) (فاغترب تلْق عن الأهل بَدَلْ) فالذي سافر يحظى بالمنى ... وتسلى بأعاجيب الدنا فاترك الأهل وخلّ الوطنا ... (فبمكُثِ الماء يبقى آسنا) (وسُرى البدر به البدرُ اكتمل) فعلام اللوم يا من عبثا ... لم لا تترك قولَ الخبثا واسْرِ كالبدر الذي لم يلبثا ... (أيها العائب قولي عبثا) (إنَّ طيب الورد مؤذ بالجُعَل)

إنَّ ذا التخميس حق ما نُظِر ... مثله فليعتبر من يعتبر فاستفد من وعظه لا تحتقِر ... (عدِّ عن أسهم قولي واستتر) (لا يصيبنّك سهم من ثُعَل) احتَرس من ذي هدوء ماعتَا ... لا تحاول أن تسيءَ المخبِتَا ربما قد كان سيفًا مصلتا ... (لا يغرنَّك لِين من فتَى) (إنَّ للحيات لِينًا يُعتزَل) ... فتواضعْ فهو خير بالغ ... واحترس فالخب مؤذٍ والغُ ذاك قول فيه حقٌّ دامغ ... (أنا مثل الماء سهلٌ سائغ) (ومتى سُخِّن آذى وقتل) أنا ممن قد تعالى قدره ... لست ممن قد تناهى شره وبدا بين الأنام وزره ... (أنا كالخيزور صعب كسره) (وهو لَدْنٌ كيفما شئت انفتل) قول ذي الفقر ثقيل في الأذُن ... كيفما كان وفي القدر ثمن فاتْبع الحكمة تسعدْ لا تُهَن ... (غير أني في زمانِ من يَكُن) (فيه ذا مال هو المولى الأجلّ) أو يكن عيرًا يرى إعظامهُ ... وكرام الأصل هم خدَّامهُ وعلى الرأس علت أقدامهُ ... (واجب عند الورى إكرامُهُ) (وقليلُ المال فيهم يُستقلّ) إنْ تُحققْ لن تجد من فطنَا ... مرتضًى في دينه قد حسنا

أحمامة البيدا أطلت بكاك

إنما العصمة للرسل جنَى ... (كلُّ أهل العصر غمرٌ وأنا) (منهم فاترك تفاصيل الجُمل) بكمال النظم أرجو المددا ... مِن إله قد تعالى أحدا وله الحمد وشكر سرمدا ... (وصلاة وسلامًا أبدا) (للنبي المصطفى خير الدول) ما دعا داع إليها وهدى ... أو سعى سعي رشادٍ وهدى أو خبا نجمٌ بأفق وبدا ... (وعلى الآل والكرام السُّعدا) (وعلى الأصحاب والقوم الأول) آخر: أَحمامَةَ البَيدا أَطَلْتِ بُكاكِ ... فَبِحَقِّ رَبِّكِ ما الّذي أبكاك؟ إِنْ كانَ حقًّا ما ظنَنْتُ فإِنِّ بِي ... فوقَ الذي بكِ من شَديدِ جَواكِ إِنّي أَظُنُّكِ قد دُهِيتِ بِفُرْقَةٍ ... من مُؤنِسٍ لَكِ فارتَمَضْتِ لِذاكِ لكنَّ ما أَشكوهُ مِنْ فَرْطِ الجَوَى ... بِخِلافِ ما تَجدينَ من شَكْواكِ أَنا إِنَّما الذُّنوبَ وأَسْرَها ... ومُنايَ في الشَّكوى مَنالُ فَكاكِي ... وإِذَا بكَيتُ سَأَلتُ رَبّي رَحْمَةً ... وتَجاوُزًا، فَبُكايَ غَيرُ بُكاكِ وقال رحمه الله يذم الدنيا: مَنْ لَيسَ بالبَاكِي ولا الْمُتَباكي ... لِقَبيحِ ما يَأْتي فَلَيسَ بِزَاكِ نادَتْ بِيَ الدُّنيَا فقلْتُ لَها اقْصِري ... ما عُدَّ في الأَكْياسِ مَنْ لَبَّاكِ ولمَا صَفا عِنْدَ الإِلهِ ولا دَنا ... منهُ امْرُؤٌ صَافاكَ أَو دَاناكِ ما زِلْتِ خادِعَتي بِبَرْقٍ خُلَّبٍ ... ولو اهْتَديتُ لمَا انْخَدَعْتُ لِذاكِ

قالَتْ: أَغَرَّكَ مِن جَناحِكَ طولُهُ ... وكَأَنْ بِهِ قَدْ قُصَّ في أَشْراكِي تَالله ما في الأَرْضِ مَوضِعُ راحَةٍ ... إلاّ وقَد نُصِبَتْ عَلَيهِ شِباكي طِرْ كَيفَ شِئْتَ فأنْتَ فيها واقعٌ ... عَانٍ بِهَا لا يُرتَجَى لِفَكاكِ مَن كانَ يَصْرَعُ قِرنهُ في مَعْرَكٍ ... فَعَليَّ صَرْعَتُهُ بِغَيرِ عِرَاكِ ما أَعرِفُ العَضْبَ الصَّقِيلَ ولا القَنا ... ولقد بَطَشْتُ بِذِي السِّلاحِ الشَّاكي كَم ضَيغَمٍ عَفَّرْتُهُ بِعَريِنهِ ... ولكَمْ فَتكْتُ بأَفْتَكِ الفُتَّاكِ فأَجَبْتُها مُتعجّبًا مِن غَدْرِها ... أَجَزَيتِ بالبَغْضاءِ مَن يَهْواكِ لأَجَلْتُ عَيني في بَنِيكِ فَكلُّهمْ ... أَسْراكِ أَو جَرحاكِ أو صَرعاكِ لَو قارَضُوكِ على صَنِيعكِ فِيهِمُ ... قَطَعُوا مَدى أعمارِهِمْ بِقِلاَكِ طُمسَتْ عُقولُهمُ ونُورُ قُلوبِهمْ ... فتهافَتُوا حِرْصًا على حَلْواكِ فَكأَنَّهُمْ مِثْلُ الذُّبابِ تَساقطتْ ... في الأَرْيِ حَتَّى استُؤصِلُوا بِهَلاكِ لا كُنْتِ مِن أُمِّ لَنا أَكّالَةٍ ... بعدَ الوِلادَةِ، ما أَقَلِّ حَياكِ! ولقَد عَهِدْنا الأمَّ تَلْطُفُ بابْنِهَا ... عَطْفًا عَلَيهِ وأَنْتِ ما أَقْسَاكِ ما فَوقَ ظهرِكِ قاطِنٌ أو ظاعِنٌ ... إِلا سَيُهْشَمُ في ثفالِ رَحاكِ أنتِ السَّرابُ وأنتِ داءٌ كامِنٌ ... بينَ الضُّلوعِ فَما أَعَزَّ دَواكِ! يُعْصَى الإِلهُ إِذا أُطِعتِ وطاعَتِي ... لله رَبّي أنْ أَشُقَّ عَصاكِ فَرْضٌ عَلَينا بِرُّنا أُمَّأتِنا ... وعُقوقُهنَّ مُحَرَّمٌ إِلاّكِ! ما إِنَ يدُومُ الفقرُ فيكِ ولا الغِنى ... سِيَّانَ فَقْرُكِ عِندَنا وغِناكِ أينَ الجَبابرةُ الأُلى ورِياشُهُمْ ... قد باشَروُا بَعدَ الحَرير ثَراكِ ولطالمَا رُدُّوا بأَرديةِ البَها ... فَتَعوَّضُوا مِنْها رِداءَ رَدَاكِ كانت وجُوهُهمُ كأَقمار الدُّجى ... فَغَدَتْ مُسَجَّاةً بِثَوبِ دُجاكِ ...

لو كنت في ديني من الأبطال

وَعَنَتْ لقَيُّومِ السَّماواتِ العُلا ... رَبِّ الجَميعِ، وقاهرِ الأَمْلاكِ وجَلالِ ربِّي لو تَصِحُّ عَزائِمي ... لزَهِدْتُ فيكِ ولابْتَغَيتُ سِواكِ وأَخَذْتُ زادِي منْكِ مِنْ عَمَلِ التُّقَى ... وشَدَدْتُ إيماني بنَقْضِ عُراكِ وحَطَطْتُ رَحْلي تَحْتَ أَلوِيَةِ الهُدى ... ولمَا رآني الله تَحتَ لِواكِ مَهْلاً عَلَيكِ فَسَوفَ يَلْحَقُكِ الفَنا ... فَتُرَي بلا أَرْضٍ ولا أفْلاكِ ويُعيدُنا رَبٌّ أماتَ جَمِيعَنا ... لِيَكُونَ يُرْضي غَيرَ مَنْ أرضاكِ والله ما الْمَحْبوبُ عِنْدَ مَليكِهِ ... إِلا لَبيبٌ لم يَزَلْ يَشْناكِ هَجرَ الغَوانِي واصِلاً لِعَقائلٍ ... يَضْحَكْنَ حُبُّا لِلولِيِّ البَاكي إِنِّي أرِقْتُ لَهُنَّ لا لِحَمائِمٍ ... تَبْكي الهَدِيلَ عَلى غُضُونِ أراكِ لا عَيشَ يَصْفُو لِلْمُلوكِ وإنَّما ... تَصْفُو وَتُحْمَدُ عِيشَةُ النُّسّاكِ ومِنَ الإِلهِ عَلى النِّبِيِّ صَلاتُهُ ... عَددَ النُّجومِ وعِدَّةَ الأَمْلاكِ قال - رضي الله عنه - يرغب في ثواب الآخرة: لو كنتُ في ديني من الأبْطالِ ... ما كُنْتُ بالواني ولا البَطَّالِ ولبسْتُ منهُ لأْمَةً فضفاضةً ... مسرودَةً من صالحِ الأَعمالِ لكنّني عَطَّلتُ أقْواسَ التُّقَى ... من نَبْلِها فَرَمَتْ بِغَيرِ نِبَالِ وَرَمَى العدوُّ بسهمِهِ فأَصابَني ... إذْ لم أْحَصِّنْ جُنَّةً لنِضالِ فأَنا كَمنْ يَلْقى الكتيبةَ أَعزَلاً ... في مَأْزِق متعرِّضًا لِنِزالِ لولا رَجَاءُ العَفْوِ كنتُ كناقِعٍ ... بَرْحَ الغَليلِ بِرشْفِ لَمْعِ الآلِ شابَ القَذالُ فآنَ لي أن أَرعَوي ... لو كنتُ مَتَّعِظًا بِشَيبِ قَذالِ ولوَ أنّني مُسْتَبْصِرًا إِذْ حَلَّ بِي ... لَعَلِمْتُ أَنَّ حُلولَهُ تَرْحالِي

فَنَظَرْتُ في زَادٍ لِدارِ إِقامَتِي ... وسَأَلتُ رَبي أَنْ يَحُلَّ عِقالِي فلكَمْ هَمَمْتُ بِتَوبةٍ فَمُنِعْتُها ... إِذْ لمْ أَكُنْ أَهْلاً لَها، وبَدا لِي ويَعزُّ ذاكَ عليَّ إِلا أنَّني ... مُتَقَلِّبٌ في قَبْضَةِ المُتَعالِي ووصَلْتُ دُنيا سَوفَ تَقْطَعُ شَأْفَتي ... بِأُفولِ أَنْجُمِها وخَسْف هِلالِي شَغَلَتْ مُفْتّنَ أَهْلِهَا بِفُتونِها ... ومِنَ المُحَالِ تشاغلٌ بِمُحالِ لا شيءَ أخْسَرُ صَفْقَةً مِنْ عالِمٍ ... لَعِبَتْ بهِ الدُّنيا معَ الجُهَّالِ فغَدا يُفَرِّقُ دِينَهُ أَيدِي سَبا ... ويُزيلُه حِرْصًا لِجَمْعِ المالِ ... لا خَيرَ في كَسْبِ الحَرامِ وقَلَّما ... يُرجى الخَلاصُ لِكاسبٍ لِحَلالِ ما إِنْ سَمِعْتُ بِعائلٍ تُكْوى غَدًا ... بالنَّارِ جَبْهَتُهُ عَلى الإِقلالِ وإذا أردْتَ صَحيحَ مَنْ يُكوى بها ... فاقْرَأْ عَقيبةَ سُورةِ الأَنْفالِ ما يَثْقُلُ المِيزانُ إِلا بامْرئٍ ... قَد خَفَّ كاهِلهُ مِنَ الأَثْقالِ فَخُذِ الكَفافَ ولا تَكُن ذا فضْلَةٍ ... فالفَضْلُ تُسْأَلُ عَنْهُ أَيَّ سُؤالِ ودَعِ الْمَطارفَ والْمَطِيَّ لأَهْلِهَا ... واقنَعْ بأَطْمارٍ ولُبْسِ نِعالِ فَهُمُ وأَنْتَ وفَقْرُنا وغِناهُم ... لا يَسْتَقِرُّ ولا يَدُومُ بِحَالِ وطُفِ البِلادَ لكَي تَرى آثارَ مَنْ ... قَدْ كانَ يَملِكُها مِنَ الأَقْيالِ عَصَفَتْ بِهمْ رِيحُ الرَّدى فذَرَتْهُمُ ... ذَرْوَ الريَّاحِ الهُوجِ حِقْفَ رِمالِ وتَزلْزلَتْ بِهِم المنابِرُ بَعْدَ ما ... ثَبتتْ وكانُوا فَوقَها كَجِبَالِ واحْبِسْ قَلُوصَك سَاعَةً بِطُلولِهِمْ ... واحْذَرْ عَليكَ بِها مِنَ الأَغوالِ فلكمْ بهَا من أَرْقَمٍ صِلّ وكمْ ... قَدْ كانَ فيها مِنْ مَهًا وغَزالِ ولكَمْ غَدَتْ مِنْهَا وراحَتْ حَلْبةً ... للحَرْبِ يَقْدُمُها أَبو الأَشْبالِ فَتَقطَّعَت أَسْبابُهُمْ وتَمزَّقَتْ ... ولَقَبْلَ ما كانوا كَنَظْمِ لآَلِ

ألا خبر بمنتزح النواحي

وإِذا أَتَيتَ قُبورَهُمْ فاسأَلْهُمُ ... عَمَّا لَقوا فيها مِنَ الأَهْوالِ فسَيخُبِرونَكَ إِنْ فَهِمْتَ بِحالِهِمْ ... بِعبارَةٍ كالوَحْيِ لا بِمَقالِ إِنّا بِها رَهْنٌ إِلى يَومِ الجَزا ... بِجَرائِم الأَقوالِ والأَفْعالِ مَنْ لا يُراقِبُ رَبَّهُ ويَخافُهُ ... تَبَّتْ يَدَاهُ وما لَهُ مِنْ والِ وله أيضًا رحمه الله: أَلا خَبَرُ بِمُنتَزِحِ النَّواحي ... أَطِيرُ إِليهِ مَنْشُورَ الجَناحِ فأَسأَلَهُ وأُلطِفَهُ عَساهُ ... سيأُسُو ما بِدِيني مِنْ جِراحِ ويَجْلو ما دَجى مِن لَيلِ جَهْلي ... بِنُورِ هُدَى كُمُنْبَلِجِ الصَّباحِ فأَبصُقُ في مُحَيَّا أُمِّ دَفْرٍ ... واَهْجُرُها واَدْفَعُها براحي وأَصْحُو مِنْ حُمَيَّاها وأَسْلُو ... عَفافًا عن جَآذِرِها المِلاح وأصْرِفُ هِمَّتي بالكُلِّ عَنْها ... إِلى دارِ السَّعادةِ والنَّجاحِ أفي السِّتّينَ أهْجَعُ في مَقِيلي ... وحَادي الْمَوتِ يُوقِظُ للرَّواحِ وقد نَشَرَ الزَّمانُ لِواءَ شَيبي ... لِيَطْوِيَني ويَسْلُبَني وِشَاحِي ... وقد سَلَّ الحِمامُ عَليَّ نَصْلاً ... سَيَقتُلُني وإِنْ شاكَتْ سِلاحي ويَحْمِلُني إِلى الأَجْداثِ صَحْبِي ... إِلى ضِيقٍ هُناكَ أَو انْفِسَاحِ فَأُجْزى الخَيرَ إِنْ قدَّمتُ خَيرًا ... وشَرًّا إِنْ جُزيتُ على اجْتراحي وها أَنا ذا عَلى عِلْمي بِهذا ... بَطيءُ الشَّأْوِ في سَنَنَ الصَّلاحِ ولِي شَأْوٌ بمَيدانِ الخَطايا ... بَعِيدٌ لا يُبارى بالرياحِ فَلو أني نَظَرْتُ بِعَينِ عَقْلِي ... إذنْ لَقَطَعْتُ دَهرِي بالنِّياحِ

لماذا أنت تغفل عن رقيب

ولم أَسحَب ذُيُولِي في التَّصابي ... ولَمْ أَطْرَبْ بِغانيَةٍ ردَاحِ وكنتُ اليَومَ أَوَّابًا مُنيبًا ... لَعَلِّي أَنْ تفوزَ غَدًا قِداحي إِذا ما كُنْتُ مَكُبُولَ الخَطايا ... وعانِيَهَا فَمنْ لي بالبرَاحِ فهَلْ مِنْ توبَةٍ مِنْها نَصُوحٍ ... تُطيِّرُني وتأْخذُ لي سَراحِي فَيَا لَهْفي إِذا جُمِعَ البَرايَا ... على حِزْبِي لَدَيهِمْ وافْتِضاحي ولولا أَنني أرْجُو إِلهِي ... ورَحْمَتَهُ يَئِسْتُ مِنَ الفَلاحِ آخر: لِمَاذَا أَنْتَ تَغْفُلُ عن رَقيبٍ ... بَراكَ فَذا يَراكَ ولَيس يَغْفُلْ وتُشْغَلُ عنهُ مَفْتُونًا بِدُنْيًا ... ومن سوى البَرايَا لَيس يُشْغَلْ يُنَادِي كلَّ ذي قَلْبٍ سَلِيمٍ ... لحَضْرَتِه وأنتَ أراكَ تَكْسَلْ فقُمْ في كلِّ وَقْتٍ باجتهادٍ ... أجِبْ وَأقْبِلْ على مَولاكَ تُقْبَلْ تنالُ مقامَ صِدْقٍ في حُضُورٍ ... بحَضْرةِ مَنْ عليه الكُلُّ عَوَّلْ اللَّهُمَّ نَوِّرْ قُلُوبَنَا بِنُورِ الإيمَانِ وَثَبِّتْهَا عَلى قولِكَ الثّابِت في الحياةِ الدُّنْيَا وَفي الآخِرَةِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ وَتَوفَّنَا مُسْلِمِينَ وَالْحِقْنَا بِعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ يَا أَكْرَمَ الأكْرَمِينَ وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. هذه قصيدة وعظية تزعجك عن الدنيا وتزهدك فيها وتَحثُكَ على الآخرة: حِيَلُ البِلَى تَأْتِي على المُحْتَالِ، ... ومَسَاكِنُ الدُّنْيا، فَهُنَّ بَوَالِ شُغِلَ الأُلى كنَزُوا الكُنوزَ عن التُّقى، ... وَسَهَو، بِبَاطِلِهِم، عَنِ الآجالِ سَلِّمْ على الدُّنْيا سَلامَ مُوَدِّعٍ، ... وَارْحَلْ، فَقَدْ نُودِيتَ بالتِّرْحالِ مَا أَنْت، يَا دُنْيَا، بِدَارِ إِقَامَةٍ، ... مَا زِلْتِ، يَا دُنْيا، كَفَيءِ ظِلالِ

وَخَفَفْتِ، يَا دُنْيا، بِكُلّ بَلِيِّةٍ، ... وَمُزِجْتِ، يَا دُنْيَا، بِكُلِّ وَبَالِ قَدْ كُنْتِ يَا دُنْيا مَلَكْتِ مَقادَتِي، ... فَقَرَيتِني بوَساوِسٍ وَخَبَالِ حَوَّلْتِ، يَا دُنْيَا، جَمَالَ شَبِيبَتِي ... قُبْحًا، فَماتَ لِذَاكَ نُورُ جَمَالي غَرَسَ التَّخَلُّصُ مِنكِ بَينَ جَوانِحِي ... شَجَرَ القَنَاعَةِ، والقَنَاعةُ مالي الآنَ أَبْصَرْتُ الضَلالَةَ وَالهُدَى ... والآنَ فِيكَ قَبِلْتُ مِن عُذَّالِي وَطويتُ عَنْكِ ذُيُولَ بُرْدَي صَبْوَتِي، ... وَقَطَعْتُ حَبْلَكِ مِن وِصَالِ حِبالِي وَفَهِمْتُ مِنْ نُوَبِ الزَّمانِ عِظَاتِهَا، ... وَفَطِنْتُ لِلأَيَامِ وَالأَحْوَالِ وَمَلَكْتُ قَودَ عِنانِ نَفْسِي بالهُدى، ... وَطَوَيتُ عَن تَبْعِ الهَوَى أَذيالِي وتَنَاوَلَتْ فِكْري عَجائِبُ جَمَّةٌ ... بِتَصَرُّفٍ فِي الحالِ بَعْدَ الحالِ لَمّا حَصَلتُ على القَنَاعةِ، لَم أَزَلْ ... مَلِكًا، يرَى الإِكْثارَ كالإِقْلالِ إِنَّ القَنَاعةَ بِالكَفَافِ هِيَ الغِنَى، ... وَالفَقْرُ عَينُ الفَقْرِ في الأَمْوَالِ مَن لم يكن في الله يَمَنَحُكَ الهوَى، ... مَزَجَ الهَوَى بِمَلالَةٍ، وَثِقالٍ وَإذا ابنُ آدَمَ نالَ رِفْعَةَ مَنزِلٍ، ... قُرِنَ ابنُ آدَمَ عِندَها بسِفالِ وَإذا الفتَى حَجَبَ الهَوَى عَن عقَلِه، ... رَشَدَ الفتى، وَصَفا مِنَ الأَوحالِ وإذا الفتَى لَزِمَ التَّلَوُّنَ لم يَجِدْ ... أَبَدًا لَهُ، في الوَصْلِ طعمَ وِصَالِ وَإذا تَوَازَنَتِ الأُمُورُ لفَضْلِهَا، ... فالدّينُ مِنْهَا أَرْجَحُ المِثْقَالِ أَمسَتْ رِياضُ هُداكَ منكَ خَوَالِيًا، ... وَرِياضُ غَيِّكَ مِنْكَ غَيرُ خَوَالِ قَيّدْ عَنِ الدُّنْيا هَوَاكَ بِسَلْوَةٍ، ... وَاقْمَعْ نَشاطَكَ فِي الهوَى بِنَكالِ وَبِحَسْبِ عَقْلِكَ بالزَّمانِ مُؤدِّبًا؛ ... وَبِحْسِبِه بِتَقَلُّبِ الأَحْوالِ بَرِّدْ بيأسِكَ عَنْكَ حَرَّ مَطَامِعٍ، ... قَدَحَتْ بِعَقْلِكَ أَثْقَبَ الأَشْعَالِ قَاتِلْ هَوَاكَ، إِذَا دَعَاكَ لِفِتنَةٍ؛ ... قَاتِلْ هَوَاكَ هُنَاكَ، كُلَّ قِتالِ ... إِنْ لم تكنْ بَطَلاً إِذَا حَمِيَ الوَغَى ... فاحذَرْ عَليَكَ مَوَاقِفَ الأَبْطالِ اخْزَنْ لسانَكَ بالسّكوتِ عَنِ الخَنا ... وَاحْذَرْ عَليَكَ عوَاقِبَ الأَقْوَالِ

فما لك ليس يعمل فيك وعظ

وَإذا عَقَلْتَ هَوَاكَ عَنْ هَفَوَاتِهِ، ... أَطْلَقْتَهُ مِن شِينِ كُلّ عِقَالِ وَإذا سكَنْتَ إلى الهُدَى، وَأَطَعْتَهُ، ... أُلْبِسْتَ حِلَّةَ صالحِ الأَعْمالِ وَإذا طَمِعْتَ لَبِسْتَ ثَوبَ مَذَلَّةٍ، ... إِنَّ المَطامِعَ مَعْدِنُ الإِذْلالِ وَإذا سَحَبْتَ إِلى الهَوَى أَذْيَالَهُ، ... كَسَبَتْ يَداكَ مَوَدَّةَ الجُهّالِ وَإذا حَلَلْتَ عنِ اللّسانِ عِقالَهُ، ... أَلقَاك مِن قِيلٍ عَلَيكَ وَقالِ وَإذا ظَمِئْتَ إلى التُّقَى أَسْقَيتَهُ ... مِنْ مَشرَبٍ عَذْبِ المَذاقِ، زُلالِ وَإذا ابتُليتَ ببَذْلِ وَجْهِكَ، سَائِلاً، ... فابْذُلْهُ للمُتَكَرّمِ المِفْضَالِ إِنّ الشَّرِيفَ، إذا حَباكَ بِوَعْدِهِ، ... أَعْطَاكَهُ سَلِسًا، بِغَيرِ مِطالِ ما اعتاضَ باذِلُ وَجْهِهِ بِسُؤالِهِ ... عِوَضًا، وَلَو نَالَ الغِنى بِسُؤالِ عَجَبًَا عَجِبْتُ لمُوقِنِ بِوَفَاتِهِ، ... يَمْشِيِ التَّبَخْتُرَ، مِشيَةَ المُختالِ وقال آخر: فما لَكَ لَيسَ يَعملُ فيكَ وَعْظٌ، ... وَلا زَجْرٌ، كأْنَكَ مِنْ جَمَادِ سَتَنْدَمُ إنْ رَحَلْتَ بغيرِ زَادٍ ... وتَشْقَى، إذْ يُناديكَ المُنادِي فَلا تَأمَنْ لِذِي الدّنْيا صَلاحًا، ... فإنْ صَلاحَها عَينُ الفَسَادِ ولا تَفْرَحْ بِمَالٍ تَقْتَنيهِ، ... فإنّكَ فِيهِ مَعْكُوسُ المُرادِ وتُبْ مِمِّا جَنَيتَ، وأنْتَ حَيٌ، ... وكُنْ مُتَنَبّهًا، قَبلَ الرّقادِ أتَرْضَى أنْ تكونَ رفيقَ قَومٍ، ... لُهمْ زَادٌ وأنْتَ بِغَيرِ زَادِ وقال الشيخ سليمان بن سحمان: أَلاَ قُلْ لِذَي جَهْلٍ بِكَلِّ الحَقائِقِ ... وأَقْومِ مِنْهاجٍ لأَهْلِ السَّوابِقِ ومَنْ سَلكُوا نهجًا مِن الدِّينِ واضِحًا ... وكَانَ لَعَمْرو اللهِ أهْدَى الطَّرائقِ أُولئكَ أصحابُ النَّبِيِّ محمَّدٍ ... ذَوو العلمِ والتَّحقيقِ أَزكى الخلائقِ

إذا مَا أَتى نَحْوَ المدينَةِ قَاصِدًا ... مِن الصَّحبِ ذُو شَوقٍ إليهِ وشائِقِ يُصلَّى به أَعني التَّحية أوَّلاً ... ومِنْ بَعِدها يأْتي بذِلَّةِ وَامِقِ وَيأْتِي بَتَسْليمٍ عَلَى خَيرِ مُرْسَلٍ ... كَمَا هُوَ في مَنْصُوصِ أهْلِ الحَقَائِقِ أَهَلْ أَنْتَ أهدَى أم صحابةُ أَحْمَدٍ ... وتابعُهم أهلُ النُّهى والسَّوابِقِ ... كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ فيما ادَّعيتَه ... وجِئْتَ بِهِ مِنْ مُنْكَرَاتِ المخَارِقِ وَجَازَفْتَ فيما قُلْتَه مُتشدِّقًا ... وكَنْتَ بقولِ الزُّورِ أحذَقَ ماذِقِ وخالفتَ نَصَّ المصْطَفَى ونَبِذْتَه ... وَرَاءَكَ ظِهرِيًّا ولَمَّا تُوَافِقِ فَمَنْ قَالَ لا تَشْدُدْ رِحَالكَ نَحْوَه ... عَلى القصدِ بلْ في ضمنِ شيءٍ مُطَابقِ فَقَدْ وَافَقَ النَّصَّ الشريفَ ولَمْ يَحِدْ ... عنِ المنهجِ الأَسْنى ورَبِّ المشارِقِ وَوَافَق أصْحَابَ النَّبي محمَّدٍ ... وخَالَفَ ما قَدْ قَالَه كُلُّ مَارِقِ وما خَالَفَ الإِجماعَ يا فَدْمُ فاتَّئِدْ ... ولا تَتَّبع أقوالَ طَاغٍ ومَارِقِ غَلا واعْتدَى في الدِّيِنِ وهُوَ يَظُنُّه ... بذلكَ في أَهدى طريقٍ مُوافِقِ وقد حَادَ عن نَهْجِ الشَّرِيعةِ وارْتَضَى ... مَقَالةَ غَالٍ جَاهلٍ ذِي مَخَارِقِ وقَالَ عِنادًا لِلْهُدَاةِ الَّذِينَ هُمْ ... أَحَقُّ وأهْدَى مِن غوىٍّ مُنَافقِ وكنْ قاصدًا بالسِّيرِ منك زيارَةً ... لمن حلَّها رغمًا لأَنِف المُمَارِقِ وواللهِ ما منَّا لِذلِكَ مُنْكِرٌ ... ولكنَّنا نَدْعُو لأَهْدَى الطَّرَائِقِ وَذلكَ أَنَّ الشَّدَّ لِلرَّحْل إنَّمَا ... لِمسْجِدِهِ قَدْ كَانَ قولاً لِصَادِقِ يَنَالُ بِه الإِنسانُ فَضْلاً مُحَقَّقًا ... لِقَاصِدِهِ ليَسْتْ بأَقوالِ مَاذِقِ ومِنْ بعدِ ذَا فَاقْصِدْ إلى القبرِ زَائرًا ... وسَلِّم على المعصومِ أزكَى الخَلائِقِ وسرْ نَحْوَهُ في ذِلَّةٍ وتَواضُعٍ ... وتَوقِيرِ مُشتاقٍ إليهِ وشَائِقِ وسَلِّم عَلى الصِّدِّيق بَعْدَ نَبيِّنَا ... ومِنْ بَعدِه الفارُوقُ غَيظَ المنافِقِ وإيَّاكَ أنْ تَأخُذْ بأَقوالِ مارِقٍ ... تلُوذُ بِهِ مِنْ كَلِّ خَطْبٍ مُضَائِقِ وكنْ لائذًا باللهِ جَلَّ جَلالُه ... لِتَنْجُوَ في يَومِ البُكَا والتَشَاهُقِ

فيا أيها الغادي على ظهر ضامر

فَحَقُّ نَبِيِّ اللهِ طَاعَةُ أمْرِهِ ... وتَصْدِيقُهُ والانْتِهَا مِن مُشَافِقِ وتَوقيرهُ والاتَباعُ لِهَدْيِه ... فأمَّأ الَّذِي للهِ رَبِّ الخَلائِقِ فذلِكَ مُخْتَصُّ بهِ دُونَ عَبْدِهِ ... فَدَعْ عَنْكَ ما قَدْ أحْدَثُوا مِنْ شَقَاشِقِ وصلَّى على المعصومِ ربُّ وإلهُ ... وأصحابُه أهلُ العُلَى والسَّوابِقِ وقال رحمه الله: فيا أَيُّها الغَادِي على ظَهْرِ ضَامرٍ ... تَجُوبُ فيافِي البيدِ وخدًا بلا مَلَلْ تَحَمَّلْ هَدَاكَ اللهُ منِّي رِسَالةً ... نَصِيحَةَ ذِي وُدٍّ إلى كُلِّ مَن عَقَلْ ورامَ نَجَاةَ النَّفسِ مِن هَفَواتِهَا ... ومِنْ كُلِّ مكروهٍ يُسِيءُ ومِنْ زَلَلْ فَمَنْ كَانَ ذَا قَلْبٍ سَلِيمٍ مُوَفَّقٍ ... خَلىٍّ مِنَ الأَهوا ومِنْ مُعضِل الخَطَلْ تَوخَّ الَّذي يُنِجيهِ يَومَ مَعَادِه ... وفي هَذه الدُّنيا يَكُونُ عَلَى وَجَلْ فإنَّ إرَادَاتِ النُّفُوسِ كثيرَةٌ ... فَمَنْ رَامَ نَهْجًا لِلْنَّجاةِ عَن الخَلَلْ فإنَّ طَرِيقَ الرُّشْدِ لِلْحَقِّ نَيِّرٌ ... يَبِينُ لِذي قَلْبٍ سليمٍ مِن الدَّغَلْ فَفِي سُنَّةِ المَعْصُومِ خِيرَةِ خَلْقِه ... وأَصْحَابِه والتَّابعينَ مِنَ الأُوَلْ نَجَاةٌ عن الإِفراطِ في الدِّينِ عِنْدَمَا ... يَقُولُ الفَتَى في الدين قولاً ويَنْتَحلْ وفيها عنِ التَّفريطِ مَا يَزَعُ الفَتَى ... ويَزْجُرُه مِنْ جَهْلِهِ وعَنِ الجَدَلْ فهذا كلامُ الله جَلَّ جَلالُه ... وذِي سُنَّةُ المَعْصُومِ تُتْلى لِمَنْ سَأَلْ مُدَوَّنةٌ مَعْلُومَةٌ يَقتَدِي بِهَا ... أُولُو العلمِ والتَّقوى إلى خَيرِ مُنْتَحَلْ وقَدْ أَوضحُ الأَعْلاَمُ مِنْ كُلِّ عَالِمٍ ... مَعَالِمهَا لِلْسَالِكينَ بلاَ خَلَلْ وقَدْ بَيَّنُوا أَحْكَامَ منْ كَانَ كَافِرًا ... وحُكْمَ التِّولِّي والمُوَالاةِ والعِلَلْ فَمَنْ رَامَ تَكْفِيرًا بِغَيرِ مكّفِّرٍ ... فَعِلَّتُه الإِفْرَاطُ في القَولِ والعَمَلْ وقَدْ سَلَكَتْ - أَعْنِي الخَوارِجَ - في الوَرَى ... طَرِيقًا إلى ذِي المَسْلَكِ الوَعْرِ والوَحَلْ بِهِ مَرقُوا مِنْ دِينِهم ولأَجْلِهِ ... غَدَوا مِنْ شِرارِ النَّاسِ في شَرِ مُنْتَحَلْ

ومَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ أَتَى بمُكفِّرٍ ... فَعِلَّتُه التَّفريطُ إذ كَانَ قَدْ جَهِلْ فإنْ كَانَ فيمَا يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّه ... مِن الدِّين بالعِلمِ الضَّرُورِيِّ قَدْ حَصَلْ كَمِثْلِ الدُّعَا والحُبِّ والخوفِ والرَّجَا ... وسَائِرِ مَا يَأْتي بِهِ العَبدُ مِنْ عَمَلْ وذَلِكَ مُخْتَصُّ بِحَقِّ إلَهِنَا ... فَصَرْفُ الفَتَى لِلْغَيرِ، هَذا مِنَ العَضَلْ وفَاعلُ هذَا كَافِرٌ لاعتِدَائِه ... وتَكْفِيرُهُ لا شَكَّ فيهِ ولا جَدَلْ وإن كَانَ هذَا في خُصًوصِ مَسَائلٍ ... يَجِيءُ بِها مَنْ زَلَّ في الدِّين واسْتَزَلْ كَمَا هوَ في الأَهواءِ والبِدعِ الَّتي ... مَسَائِلُها تَخْفَى عَلَى بَعْضِ مَنْ نَقَلْ فَيَخْفَى عَليهِ الحَقُّ عندَ اجْتِهَادِهِ ... ولَيسَ جليًّا حُكْمُهَا لِمَنْ اسْتَدَلْ ولَيسَ ضَرُورِيًا مِنَ الدِينِ فالَّذي ... عليه تَقيُّ الدِّين إن كَانَ قَدْ جَهِلْ وعن خَطَأٍ أَو كَانَ ذَا بتَأَوُّلٍ ... فَذَا القَول كُفْرٌ والمعيَّنُ لَمْ يَقُلْ بِتَكْفِيرِهِ حَتَّى يُقَامَ بِحُجَّةٍ ... عَلِيهِ فيأْتي أَو يَئُوبَ فيعْتَدِلْ وغَيرُ تقىِّ الدِّينِ قَالَ بِكُفْرِهِ ... ونَحْنُ إلى مَا قَالَهُ الشَّيخُ نَنْتَحِلْ وأَصلُ بَلاءِ القومِ حَيثُ تَورَّطُوا ... هُوَ الجَهْلُ في حُكمِ المُوالاةِ عَنْ زَللْ ... فمَا فَرَّقُوا بَينَ التَّولِّي وحُكْمِهِ ... وَبينَ المُوالاةِ التي هي في العملْ أَخَفُّ ومنها ما يُكْفِّرُ فِعْلُهُ ... ومنها يكُونُ دُونَ ذلِكَ في الخَلَلْ وفي الهجرِ إذْ لا يُحْسِنُونَ لِفِعْلِهِ ... ولا مَعَ مِنْ هذَا يَعامَل مَنْ فَعلْ فلِلْهَجْر وَقْتٌ فيهِ يُهْجَرُ منِ أَتَى ... بِمَا يُوجب الهِجرانَ مِنْ غير مَا مَهَلْ وَوَقْتٌ يُرَاعَى فيهِ مَا هو رَاجحٌ ... وأَصْلَحُ للدِّنيا ولِلْدِّينِ والمَحَلْ وشخصٌ بِهذَا لا يُعَامَلُ جهرَةً ... لِدَرْءِ الفَسَادِ المستفادِ مِنَ الزَّلَلْ ويُهجرُ شخصٌ حيثُ يَرتَدعُ الوَرَى ... ويَنْزَجِرُ الغَوَاغَاءُ مِن أَمَّةِ السُّفَلْ ويَنْجَعُ في المهجورِ مِنْ غَيرِ عِلَّةٍ ... يَجيءُ بِهَا المهجُورُ مِنْ سائِرِ العَضَلْ إلى غَيرِ هَذا مِنْ مَفَاسِدِهِ الَّتِي ... يَئُولُ بِهَا الآتِي إلى مُعضِلٍ جَلَلْ وقَدْ قَالَ أَهْلُ العلمِ مِنْ كُلِّ عَالمٍ ... وقَرَّرَهُ حَبْرٌ إمامٌ هُوَ الأَجَلْ

سيروا على نجب العزائم واجعلوا

إِمَامُ الهُدَى أَعنى ابنَ تيميةَ الرِضَا ... بمسألةِ الِهجران مِنْ فاعِلِ الزَّلَلْ بأَنْ الوَرَى عندَ الخوارج حُكمُهم ... مُثابُونَ إنْ جَاءُوا بما يُصلِحُ العَمَلْ وأهْلُ عِقابٍ إن أسَاءوا وأذنَبُوا ... ولا حَقِّ في الإِسلامِ عِنْدَ ذَوِي الخَطَلْ وأهلُ الهُدَى والعلمِ والدِّينِ والتُّقَى ... يَقُولُونَ بالتَّحقيقِ اللَّازماتِ بلا خَلَلْ يُعامَلُ فِي الهِجْرَانِ فِي قَدْرِ ذَنْبِهِ ... ويُعطَى الحقُوقَ اللازمَاتِ بِلا خَلَلْ ويَجْتَمِعُ الأَضْدَادُ في العَبدِ كُلُّها ... فَمِنْ حَسَنِ فيها ومِن سَيءِ الزَّلَلْ كَخَيرٍ وشرٍّ والنِفاقِ وضِدِّه ... وكُفرٍ وإسْلامٍ وجِدٍّ مَعَ الهَزَلْ وبِرِّ وفُجْرٍ والفُسوقِ مَعَ التُّقَى ... ومَعْصِيَةٍ مَعْ طاعةٍ حِينَ تُفْتَعَلْ كَذَا سُنَّةٌ مَعْ بِدْعَةٍ واجتماعُها ... كَمَا هُو مَعْلُومٌ إلى غَيرِ ذِي العِلَلْ فَيُحْمدُ مِنَ وَجْهٍ على حَسَاتِهِ ... ويَثْنَى عَليهِ بَلْ يُحَبُّ إذَا فَعَلْ كَمَا أنَّهُ بالفِعْلِ لِلْخَيرِ والتُقَى ... يُثَابُ بِلا شَكٍ على ذلِكَ العَمَلْ فَحَقٌّ لِذيِ فَضْلٍ مُرَاعَاةُ فَضْلِهِ ... بِقَدْر الذِي قَدْ يَسْتَحِقُ بِهِ الأجَلْ يُوالَى عَلَى هذَا وتُرعَى حقُوقُه ... وكلُّ على مِقْدَارِ فَضْلٍ بِه حَصَلْ ويُبْغَضُ مِن وَجْهٍ على هَفَواتِه ... وزلاَّتِه والسِّيِئاتِ مِنَ العَضَلْ كَمَا أَنَّه بالسَّيِئاتِ وفعلِها ... يُعَاقَبُ تَنْكِيلاً وزَجْرًا عَن الخَطلْ يُراعَى الَّذي قَدْ كَانَ أَصلحَ لِلْفَتَى ... وأَنَفعَ للدُّنيا ولِلْدِّينِ والعِلَلْ يُعَادَى على هذَا بمقدارِ ذَنْبِه ... ويَرْحَمُه بالزَّجرِ عَنْهَا لينْفَتِلْ ... وقال ابن القيم رحمه الله: سيروا على نجب العزائم واجعلوا ... بظهورها المسرى إلى الرحمن سبق المفرِدُ وهو ذاكر ربه ... في كل حال ليس ذا نسيان لكن أخا الغفلات منقطع به ... بين المفاوز تحت ذي الغيلان صيد السباع وكل وحش كاسر ... بئس المُضيفُ لا عجْزَ الضِّيفان

وكذلك الشيطان يصطاد الذي ... لا يذكر الرحمن كل أوان والذكر أنواع فأعلى نوعه ... ذكر الصفات لربنا المنان وثُبُوتُها أصل لهذا الذكـ ... ـر والنافي لها داع إلى النسيان فلذاك كان خليفة الشيطان ذا ... لا مرحبًا بخليفة الشيطان والذاكرون على مراتبهم فأعـ ... ـلاهم أولو الإيمان والعرفان بصفاته العليا إذا قاموا بحمـ ... ـد الله في سرٍّ وفي إعلان وأخص أهل الذكر بالرحمن أعـ ... ـلِمهم بها هم صفوة الرحمن وكذاك كان محمد وأبوه إبـ ... ـراهيم والمولود من عمران وكذاك نوح وابن مريم عندنا ... هم خير خلق الله من إنسان لمعارفٍ حصلت لهم بصفاته ... لم يؤتها أحدٌ من الإِنسان وهم أولو العزم الذين بسورة الـ ... أحزاب والشورى أتَوا ببيان وكذلك القرآن مملوء من الـ ... أوصاف وهي القصد بالقرآن ليصير معروفًا لنا بصفاته ... ويصير مذكورًا لنا بِجنان ولسان أيضًا مع محبتنا له ... فلا جلَّ ذا الإِثبات في الإِيمان مثل الأساس من البناء فمن يرم ... هدم الأساس فكيف بالبنيان والله ما قام البناء لدين رسـ ... ـل الله بالتعطيل للديَّان ما قام إلا بالصفات مفصلا ... إثباتَها تفصيلَ ذي عرفان فهي الأساس لديننا ولكل ديـ ... ـن قبله من سائر الأديان وقال: الرب رب والرسول فعبده ... حقًا وليس لنا إله ثان فلذاك لم نعبده مثل عبادة الـ ... ـرحمن فعل المشرك النصراني كلا ولم نغلُ الغلوَّ كما نهى ... عنه الرسول مخافة الكفران ... لله حَقٌ لا يَكُونُ لِغَيرهِ ... ولِعَبْدِهِ حَقٌ همَا حَقَّانِ

لا تجعلوا الحَقَين حقًا واحدًا ... مِن غَيرِ تمييزٍ ولا فُرقانِ فالحج للرحمن دون رسوله ... وكَذَا الصَّلاة وذبح ذَا القربان وكذا السجودُ ونَذْرُنا ويَمِينُنَا ... وكَذَا الرجاءُ وخَشَيِةُ الرحمنِ وكَذَا العبادةُ واسْتِعَانَتُنَا بِهِ ... إياكَ نَعْبُدُ ذانِ تَوحِيدانِ وعليهما قامَ الوُجُودُ بأسْرِهِ ... دَنيًا وأخْرَى حَبذا الرُكنان وكذلك التسبيح والتكبير والتـ ... ـهليل حقٌّ إلهنا الديان لكنما التعزير والتوقير حق ... للرسول بمقتضى القرآن والحب والإِيمان والتصديق لا ... يختص بل حقان مشتركان هذي تَفَاصِيلُ الحُقُوقِ ثَلاَثَةٌ ... لا تَجْهَلُوهَا يا أُولي العدوان حَقُ الإِلهِ عِبَادَةٌ بالأمر لا ... بِهَوى النفوسِ فَذاكَ لِلْشَّيطانِ مِن غَير إشراكٍ بِه شيئًا هُمَا ... سَبَبَا النجاةِ فَحبذَا السَّببانِ ورسوله فهو المطاع وقوله الـ ... ـمقبول إذ هو صاحب البرهان والأمر منه الحتم لا تخيير فيـ ... ـه عند ذي عقل وذي إيمان من قال قولاً غيره قمنا على ... أقواله بالسَّبْرِ والميزان إن وافقت قولَ الرسول وحكمه ... فعلى الرءوس تشال كالتيجان أو خالفت هذا رددناها على ... من قالها مَن كان مِن إنسان أو أشكلت هنا توقفنا ولم ... نجزم بلا علمٍ ولا برهان " هذا الذي أدى إليه علمنا ... وبه ندين الله كل أوان فهو المطاع وأمره العالي على ... أمر الورى وأوامر السلطان وهو المقدَّم في محبتنا على الـ ... أهلين والأزواج والولدان وعلى العباد جميعهم حتى على الـ ... ـنَفْسِ التي قد ضمَّها الجنبان

بحمد الله نبدأ في المقال

معارضة بدء الأمالي هذه القصيدة ينبغي لطالب العلم أن يتدبرها لأن فيها من صفات الله الذاتية والفعلية والتفاصيل الشيء الكثير: وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: بِحَمْدِ اللهِ نَبْدَأُ في المَقَال ... ونُثنِي بالمَدِيحِ لِذِي الجَلال إلهِ العَالِمَينَ وكُلِّ حيٍّ ... تَفَرَّد بالعُبُودَةِ والكَمَالِ ومَوصُوفٍ بأوصَافٍ تَعَالَتْ ... عن التَّشبيه أو ضَرْبِ المِثالِ ومِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ على نَبِيٍّ ... هُوَ المَعْصُومُ أحْمَدُ ذُو الجَمَالِ زَكِيُّ النَّفْسِ مَنْبَعُ كُلِّ خَيرٍ ... كَرِيمُ المُحتَدَى سَامِي المعَالي فإنِّي قَدْ رَأَيتُ نِظَامَ شَخْصٍ ... تَهوَّر في المَقَالَةِ لا يُبالِي نِظَامًا في العَقِيدَةِ لا سَدِيدًا ... ولا مَنْظُومُهُ مثل اللآلي كما قد قاله فيما قد نماه ... وخال نظامه عالٍ وحالي وقَدْ أَخْطَا بِمَا أَبْدَاهُ مِمَّا ... لَهُ قَدْ قَالَ في بَعضِ الأَمَالِي فَبَعْضٌ قَدْ أَصَابَ القَولَ فِيهِ ... وبَعْضٌ جَاءَ بالزُّورِ المُحَالِ فهذا بعضُ ما قَدْ قَالَ فيهَا ... مِن الزُّورِ المُلَفَّقِ والضَّلالِ صِفاتُ الذَّاتِ والأَفْعَالِ طُرًّا ... قَدَيمَاتٌ مَصُونَاتُ الزَّوالِ فَهَذَا بَعْضُهُ حَقُّ وبَعْضٌ ... فمِنْ قَولِ المُعْطِّلة الخَوالِي صِفَاتُ الذَّاتِ لاَزِمَةٌ وحقُّ ... قَدِيمَاتٌ عَدِيمَاتُ المِثَال فَخُذْ مِنْهُنَّ أَمْثِلَةً وقُلْ لِي ... جُزِيتَ الخَيرَ مِنْ كُلِّ الخِصَالِ عَليمٌ قَادِرٌ حيٌّ مُرِيدٌ ... بَصِيرٌ سَامعٌ لِذَوِي السُؤال وأفْعَالُ الإِلهِ فإنَّ فِيهَا ... لأَهِلِ الْحَقِّ مِن أهْلِ الكَمَالِ كَلامًا فاصلاً لا رَيّبَ فيه ... وحقًّا عن أَمَاثِلَ ذِي مَعالِ قَديمٌ نَوعُها إنْ رُمتَ حقًّا ... وآحَادُ الحَوادِثِ بالفِعالِ فَيَضْحَكُ ربُّنا مِنْ غيرِ كَيفٍ ... ويَفْرَحُ ذُو الجَلالِ وذُو الجَمالِ

بِتَوَبَةِ عَبْدِهِ مِمَّا جَنَاهُ ... ويَسْخَطُ إنْ جَنَى سُوءَ الفِعالِ ومُنْتَقِمٌ بِمَا قَدْ شَاءَ مِمَّنْ ... تَعَدَّى واعْتَدَى مِنْ كُلِّ غَالِ ... ويَرحَمُ مَن يَشاءُ بِغَيرِ كَيفٍ ... يُحِبُّ المُحْسِنِين ذَوِي النَّوالِ ويَغْضَبُ رَبُّنا وكَذَاكَ يَرضَى ... وأَفْعَالُ الإِلهِ مِنَ الكَمَالِ ويَخْلُقُ رَبُّنا ويَجِي ويَأْتِي ... بلا كَيفٍ ويَرْزُقُ ذُو التَّعالِي ويَنْزِلُ رَبُّنا مِنْ غَيرِ كَيفٍ ... ويَهْبِطُ ذُو المَعَارِجِ والجَلالِ ويَقْهَرُ رَبُّنا ويُرَى تَعالَى ... وذِي الأوصافِ أمْثِلةُ الفِعَالِ ولسْنَا كالذينَ تَأَوَّلُوهَا ... بِأَنواعٍ مِن القَولِ المُحَالِ ولَكِنَّا سنُجْرِيهَا كَمَا قَدْ ... أَتَى في النَّصِّ والسُّوَرِ العَوالِي وأَهْلُ البَغْيِ مِنْ بَطْرٍ وغَيٍّ ... يُسَمُّونَ الصِّفاتِ لِذِى الكَمالِ حُلُولَ حَوادِثٍ بَغْيًا وقَصْدًا ... لِتَنْفِيرِ الوَرَى عَنِ ذِى الفِعَالِ ومِمَّا قَالَ فيما كَانَ أَمْلَى ... وذَاتًا عن جِهَاتِ السِّتِ خَالِ تَعَالى اللهُ عَمَّا قَالَ هَذا ... فَذَا قَولٌ لأَربابِ الضَّلالِ فإنَّ الله مِن غَيرِ امْتِرَاءٍ ... على السَّبعِ العُلى والعَرشِ عَالِ على العَرْشِ اسْتَوى مِن غَيرِ كَيفٍ ... فإنَّ الله جَلَّ عَنِ المِثَالِ وعَنْهَا بَايِنٌ ولَهُ تَعالى ... عُلوُّ الذَّاتِ مِنْ فَوقِ العَوالي وقَهْرٌ لِلْخَلائِقِ والبَرايَا ... وقَدْرٌ والكَمَالُ لِذِى الجَمَالِ ومَعْنَىً بَاطِلٌ لا شَكَّ فِيهِ ... ومِنْهِ اغْترَّ أربابُ الضَّلالِ ولابْنِ القَّيِّمِ الثِّقةِ المُزَكَّى ... بإتْقَانٍ وحِفْظٍ واحْتِفَالِ كَلامٌ في البَدَائعِ مُسْتَبِينٌ ... بِتَفْصِلِ لِلَيلِ الشَّكِّ جَالِ ويَعْسُرُ نَظْمُ ما قَد قَالَ فيها ... مِن التَّفصيلِ في هذَا المَجَال فَقَوَّى قَولَ أهلِ الحقِّ فيه ... وأَوهَى قَولَ أَهْلِ الاعتزَال فَرَاجِعْهُ تَجْدْ قَولاً سدِيدًا ... مُفِيدًا شَافيًا سَهْلَ المَنَالِ

وأَنَّ الله جَلَّ لَهُ صِفاتٌ ... وأَسماءٌ تَعَالَتْ عَنْ مِثَالِ وتَكْفِي سُورَةُ الإِخلاص وصفًا ... لِرَبِّي ذِى المَعَارِج والجَلالِ وما قَدْ جَاء في الآيَاتِ يَومًا ... عَنْ المعصومِ صَحَّ بلا اخْتِلالِ وفيما قَالَه الرَّحْمنُ رَبِّي ... وما أَبْدَى الرَّسولُ مِن المَقَالِ شِفَاءٌ لِلْسِّقَامِ وفيهِ بُرءٌ ... ومُقْنِعُ كُلِّ أَرْبَابِ الكَمَالِ ورُؤْيا المُؤمنينَ لَهُ تَعَالى ... أَتَتْ بالنَّصِّ عَنّ صَحْبٍ وآلِ ... عنِ المعصومِ عِشْرِينًا وبِضْعًا ... أَحَادِيثًا صِحَاحًا كاللَّئَالِي وفي القُرآنِ ذَلِكَ مُستَبينٌ ... فَيَا بُعْدًا لأَهْلِ الاعْتِزَالِ لَقَدْ جَاءُوا من الكُفرانِ أَمرًا ... يَهُدُّ الرَّاسياتِ مِنَ الجِبَالِ وإنَّ المُؤْمِنِينَ لِفَي نَعِيمٍ ... نَعِيمٍ لا يَصِيرُ إلَى زَوالِ وإنَّ أَلَذَّ مَا يَلْقَونَ فِيهَا ... مِن الَّذَّاتِ رُؤْيَةُ ذِى الجَمَالِ ونُؤمنُ بالإِلهِ الحَقِّ ربًّا ... عَظِيمًا قَدْ تَفَرَّدَ بالكَمَالِ إلهًا وَاحِدًا صَمَدًا سَمِيعًا ... بَصِيرا ذَا المَعَارِجِ والجَلالِ قَدِيرًا ماجِدًا فَرْدًا كَرِيمًا ... عَلِيمًا واسِعًا حَكَمَ الفِعَالِ لَهُ الأَسماءُ والأَوصَافُ جَلَّتْ ... عن التَّشْبِيهِ أو ضَرْبِ المِثَالِ ونُؤْمِنُ أَنَّمَا قَدْ شَاءَ رَبِّي ... فَحَقٌّ كَائِنٌ في كُلِّ حَالِ وإنْ مَا شَاءَهُ أَحَدٌ ومَا لَمْ ... يَشَأْهُ اللهُ كَانَ مِن المُحَالِ وأَقَسامُ الإِرادَةِ إنْ تُرِدْها ... فأَرْبَعَةٌ مُوَضَّحةٌ لِتَالِ فَمَا قَدْ شَاءَهُ شَرْعًا ودِينَا ... مِن العَبْدِ المُوَفَّق لِلْكَمَالِ بِمَا وَقَع المقدَّرُ مِن قَضَاءٍ ... بِذَلِكَ في الوُجُودِ بِلا اخْتِلالِ مِن الطَّاعَاتِ فَهْو لَهَأ مُحِبُّ ... إلهي رَاضِيًا بالامْتِثَالِ فَهَذَا قَدْ أَرَادَ اللهُ دِينًا ... وشَرْعًا كَونَه في كُلِّ حَالِ ورَبُّ العَرشِ كَوَّنَها فَكَانَتْ ... ولَولاَ ذَاكَ مَا كَانَتْ بِحَالِ

وثانيهَا الَّذِي قَدْ شَاءَ دِينًا ... مِن الكُفَّار أَصْحَابِ الوَبَالِ مِن الطَّاعَاتِ لَو وَقَعتْ وصَارَتْ ... عَلى وَفْقِ المحَبَّةِ بالفِعَالِ ولكنْ لَمْ تَقَعْ مِنْهُم فَباءُوا ... لَعَمْرِيِ بالخَسَارِ وبالنَّكَالِ وثالُثهَا الَّذِي قَدْ شَاءَ كَونًا ... بِتَقْدِيرِ الحَوَادِثِ لِلْوَبَالِ كَفِعْلٍ لِلْمَعَاصِي أو مُبَاحٍ ... فَلَمْ يأْمُرْ بِهَا رَبُّ العَوالي ولَمْ يَرْضَ بِهَا مِنهُم وكَانَتْ ... عَلى غَيرِ المحبَّة لِلْفِعَالِ فإنَّ الله لا يَرْضَى بِكُفْرٍ ... ولا يَرْضَى الفَوَاحِشَ ذُو الجَلالِ فَلَولاَ أنَّهُ قَدْ شَاءَ هَذا ... وقَدَّرَ خلْقَهُ في كُلَّ حَالِ لَمَا كَانَتْ ولَمْ تُوجَدْ عِيانًا ... فَمَا قَدْ شَاءَ كَانَ بلا اخْتِلالِ ورَابعُهَا الَّذِي مَا شَاءَ رَبِّي ... لَهُ كَونًا ولا دِينَا بِحَالِ ... فَذا مَا لَمْ يَكُن مِن نَوعِ هَذا ... ولا هَذَا وهَذَا في المِثَالِ كأَنْواعِ المَعَاصِي أو مُباحٍ ... فهذا الحَقُّ عنْ أهْلِ الكَمَالِ فَخُذْ بالحقِّ واسْمُ إلَى المَعَالِي ... ودَع قَولَ المُخبِّطِ ذَ الخَيَالِ ولِلْعَبْدِ المَشِيئَةُ وَهْيَ حَقُّ ... أَتَتْ بالنَّصِّ فِي أيٍ لِتَالِ وبَعْدَ مَشِيئَةٍ وَهْيَ حَقُّ ... هُدِيتَ الرُّشْدَ في كُلِّ الخِلاَلِ وأعْمَالُ العِبَادِ لهُم عَلَيهَا ... لَعمْرِي قُدْرَةٌ بالافْتعَالِ ومَا الأَفْعَالُ إلاَّ باخْتيَارٍ ... ورَبِّي ذُو المَعَارِجِ والجَلالِ لِذَلِكَ خَالِقٌ ولَهمْ كَمَا قَدْ ... أَتَى في النَّصِّ فاسْمَعْ لِلْمَقَالِ ونُؤْمِنُ بالكِتَابِ كَمَا أَتَانَا ... وبِالرُّسْلِ الكِرَامِ ذَوِي الكَمَالِ ونُؤْمِنُ بالقَضَا خَيرًا وشَرًا ... وبالقَدَرِ المُقَدَّرِ لا نُبَالي وأَمْلاَكِ الإِلهِ وإنَّ مِنْهم ... لَعَمْرِي مُصْطَفَينَ لِذِي الجَلالِ وإنَّ الجنَّةَ العُليَا مَئَآبٌ ... لأَهْلِ الخَيرِ مِنْ غَيرِ انْتِقَالِ وإنَّ النَّارَ حَقُّ قَدْ أُعِدَّتْ ... لأَهْلِ الكُفْرِ أصْحَابِ الوَبَالِ

وإنَّ شَفَاعَةَ المَعْصُومِ حَقُّ ... لأَصْحَابِ الكَبَائِرِ عَنْ نَكَالِ ونُؤْمنُ بالحِسَابِ وذَاكَ حَقُّ ... وكُلُّ سَوفَ يُجْزَى بانْتِحَالِ وكُلُّ سَوفَ يُؤتَى يَومَ حَشْرٍ ... كِتَابًا باليَمِينِ أوِ الشِّمَالِ ونُؤْمِنُ أنَّ أعْمالَ البَرايَا ... سَتُوزَنُ غَيرَ أصْحَابِ الضَّلالِ فَلَيستْ تُوزنُ الأَعْمَالُ منهُم ... كَأَهْلِ الخَيرِ مِنْ أهْلِ الكَمَالِ ولَكِنْ كَي لِتُحْصَى ثُمَّ يُلْقَى ... إلى قَعْرِ النُّهى بِذَوِي النّكَالِ ونُؤمِنُ أَنَّنَا لاَ شَكَّ نَجْرِيَ ... على مَتْنِ الصِّرَاطِ بكُلُّ حَالِ فَنَاجٍ سَالمٌ مِنْ كُلِّ شَرٍّ ... وهَاوٍ هَالِكٌ لِلنَّارِ صَالِ وأنَّ البَعْثَ بَعْدَ الموتِ حَقُّ ... لِيَومِ الحَشْرِ مَوعِدُ ذِي الجَلالِ ومِعْرَاجُ الرَّسول إليهِ حَقُّ ... بِذَاتِ المُصطفَى نَحْوَ العَوالِ وفي المِعْرَاجِ رَدٌّ مُسْتَبِينٌ ... على الجَهميَّة المُغَلِ الغَوالِي ومَنْ يَنحُو طَرِيقَتَهُمْ بِبَغْي ... وعُدْوَانٍ وقَولٍ ذِي وَبَالِ " بَِأْوِيلٍ وتَحْرِيفٍ وهَذا ... هُوَ التَّعْطِيلُ عِنْدَ ذَوِي الكَمَالِ وأنَّ الحَوضَ لِلْمَعْصُومِ حَقُّ ... لأَهْلِ الخَيرِ لا أَهْلِ الضَّلالِ ... ونُؤمِنُ أَنَّهُ مِنْ غَيرِ شَكٍّ ... سَيَأْتي الفَاتِنَانِ بكُلِّ حَالِ إلى المَقْبُورِ ثمَّةَ يَسْألانِهِ ... فَنَاجٍ بالثَّبَاتِ بِلا اخْتِلالِ سِوَى مَنْ كَانَ يَومًا ذَا مَعَاصٍ ... سَيَلْقَى غِبَّها بَعْدَ السُّؤَالِ إذَا مَا لَمْ تُكَفِّرْ تِلْكَ عَنْهُ ... بأشياءَ مُمَحَّصَةٍ بِحَالِ وآخَرُ بالشَّقَاوَةِ سَوفَ يَلْقَى ... عَذَابَ القَبْرِ مِنْ سُوءٍ الفِعَالِ ونُؤمِنُ بالَّذِي كانُوا عَلَيهِ ... خِيارُ النَّاسِ مِنْ صَحْبٍ وآلِ كَذَاكَ التَّابعُونَ وتَابِعُوهُمْ ... عَلَى دِينِ الهُدَى والانْتِحَالِ وإنَّ الفَضْلَ لِلْخُلَفَاءِ حَقُّ ... وتَقْدِيمَ الخِلافَةِ بالتَّوَالِي أَبُو بَكْرٍ فَفَارُوقُ البَرايَا ... فَذُو النُورَينِ ثُمَّ عَليُّ عَالِ

عَلى مَنْ بَعْدَه وهُمُوا فَهُمْ هُمْ ... نُجُومُ الأَرْضِ كَالدُّرَرِ الغَوالِي وكَالأَعْلاَمِ لِلْحَيرَانِ بَلْ هُمْ ... هُدَاةٌ كَالرَّعَانِ مِنَ الجِبالِ وكُلِّ كَرَامَةٍ ثَبَتَتْ بِحَقٍّ ... فَحَقُّ لِلْولِّي بلا اخْتلالِ نَوالٌ مِن كَرِيمٍ حَيثُ كَانُوا ... بِطَاعَةِ رَبِّهم أهْلَ انْفِعَالِ ولَيسَ لَهُمْ نَوالٌ أَو حِبَاءٌ ... لِمَنْ وَالاَهُمُو مِنْ ذِي الخَيَالِ ونَوعٌ وهُوَ ما قَدْ كَانَ يَجْرِي ... لأَهْلِ الخَيرِ مِن أهْلِ الكَمَالِ مِن الرَّحمنِ تكْرِمَةً وفَضْلاً ... لِشَخْصٍ ذِي تُقى سَامِي المَعَالي ولَكِنْ لَيسَ يُوجِبُ أنْ سَيُدْعَى ... وَيُرْجَى أو يُخَافُ بِكُلِّ حَالِ فَمَا في العَقْلِ مَا يَقْضِي بِهَذَا ... ولا فِي الشَّرعِ يَا أَهْلَ الوَبَالِ وفَارقُ ذَلِكَ النَّوعَينِ أمْرٌ ... هُوَ الفَصْلُ المُحَكَّمُ في المَقَالِ سُلُوكُ طَرِيقَةِ المَعْصُومِ حَقًّا ... وتَوحِيدٌ بإخْلاصِ الفِعَالِ فَمَنْ يَسْلُكْ طَرِيقَتَهُ بِصِدْقٍ ... فَمِنْ أَهْلِ الوَلاَ لاَ ذِي الضَّلالِ ومَنْ يَسْلُكْ سِوَاهَا كَانَ حَتْمًا ... بِلاَ شَكٍّ يُخَالِجُ ذَا انْسِلالِ ونُؤْمِنُ أَنَّ عِيسَى سَوفَ يأْتِي ... لِقَتْلِ الأَعْوَرِ البَاغِي المُحالِ ويَقْتُلُ لِلْيَهُودِ وَكُلِّ بَاغٍ ... ويَحْكُمُ بالشَّريعَةِ لا يُبَالِي ورَبِّي خَالِقٌ مُحْيٍ مُمِيتٌ ... هُوَ الحَقُّ المُقَدرُ ذُو التَّعَالِي وبالأسْبَابِ يَخْلُقُ لا كَقَولٍ ... لِقَومٍ عِنْدَها قَولُ الضَّلالِ وفي القُرْآن ذَلِكَ مُسْتَبِينٌ ... فَأَنْبأَنَا بِهِ والحَقُّ جَالِ ... لِرَيبِ الشَكِّ عَنْ كُلِّ اعْتِقَادٍ ... صَحِيحٍ عن أَمَاثِلَ ذِي مَقَالِ على هَذَا ابنُ حَنْبَلَ وهْوَ قَولٌ ... لأَهْلِ الحقِّ مِن أَهْلِ الكَمَالِ ومَنْ يَنْسُبْ إليه غَيرَ هَذا ... فَقَدْ أَخْطَا خَطَاءً ذَا وَبَالَ

ومِمَّا قَالَ فِيمَا زَاغَ فيه ... وأعْنِي في القَصِيدةِ ذَا الأَمالِي ومَا أَفْعَال خَيرٍ في حِسَابٍ ... مِن الإِيمانِ مَفْرُوضُ الوِصَالِ بَلِ الأعْمَالُ والأفْعَالُ حَقٌ ... مِن الإِيمانِ فاحْفَظْ لِي مَقالِي يَزِيدُ بِطَاعَةِ الإِنسانِ يَومًا ... ويَنقصُ بالمَعَاصِي ذِي الوَبَالِ وهَذا قَولُ أَهْلِ الحَقِّ مِمَّن ... هُمُ الأَعلامُ مِن أهْلِ الكَمَالِ ودَعنِي مِن خُرافَاتٍ وَهَمْطٍ ... لأَربابِ الجَهَالَةِ والضَّلالِ وإنَّ السُّحتَ رِزْقٌ لا حَلاَلٌ ... حَرَامٌ كُلُّهُ لا كَالحلالِ وتَكْفِيرٌ بِذَنْبٍ لا نَرَاه ... لأهْلِ القِبْلةِ المُثْلىَ بحالِ ولَكِنْ مَنْ أَتَى كُفرًا بَواحًا ... وأَشْرَكَ في العِبَادَةِ لا نُبَالِي وإنَّ الهِجْرَةَ المُثَلَى لَفَرْضٌ ... عَلى ذِي قُدْرَةٍ بالانْتِقَالِ ولم تُنْسَخْ بِحُكْمِ الفَتْحِ بَلْ ذَا ... بِذَاكَ الوَقْتِ والإِسلامُ عَالِ فإنْ عادَتْ وصَارَت دارَ كفرٍ ... فهاجِرْ لا تطفِّف باعْتِزالِ لأَنَّ المُصْطَفى قَدْ قَالَ ما قَدْ ... رَوَى الإِثباتُ مِن أهْلِ الكَمَال بِذكْرٍ بالبَراءةِ مِنْ مُقيمٍ ... بِدَارِ الكفر بَينَ ذَوي الضَّلالِ وذَا مِنْ مُسْلِمٍ إذْ جَاءَ ذَنْبٌ ... كَبِيرٌ بالإِقَامَةِ لا يُبَالِي رَوَى ذَا الترْمِذيُّ كَذَاكَ جَاءَتْ ... بِهِ الآيَاتُ وَاضِحَةُ لِتَالِ وجُمْلةُ كُلِّ مُعْتَقَدٍ صَحِيحٌ ... رَوَاهُ النَّاسُ عَن صَحْبٍ وآلِ وعن سَلَفٍ رَوَى خَلَفٌ ثِقَاتٌ ... لَنَا بالنَّقلِ عَنْهُم باحْتِفَالِ فإنَّا باعْتِقَادٍ واحْتِفَالٍ ... لَهُ بالأَخْذِ في كُلِّ الخِلاَلِ فإن رُمتَ النَّجَاةَ غَدًا وتَرْجُو ... نَعِيمًا لا يَصِيرُ إلى زَوَالِ نَعِيمًا لاَ يَبِيدُ ولَيسَ يَفْنَى ... بِدَارِ الخُلْدِ في غُرَفٍ عَوالِ وحُورًا في الجِنَانِ مُنعَّماتٍ ... مَلِيحَاتِ التَّبَعُّلِ والدَّلالِ فَلاَ تُشْرِكْ بِرَبِّكَ قَطُّ شَيئًا ... وأَخْلِصْ في العِبَادَةِ والفِعَالِ ولا تَذْهِبْ إلى الأمْواتِ جَهْلا ... لِنَفْعٍ أو لِضُرٍّ أو نَوَالِ ...

ولا تَجْعَلُ وسَائِط تَرتَجِيهِمْ ... فإنَّ الله رَبَّكَ ذَا الكَمَالِ عَلِيمٌ قَادِرٌ بَرُّ كَرِيمٌ ... بَصِيرٌ سَامِعٌ لِذَوِي السُّؤَالِ ولَيسَ بِعَاجِزٍ فيُعَانُ حَاشَا ... ولَيسَ بِغَائِبٍ أو ذِي اشْتغَالِ فلا يَدْرِي بأحْوَالِ البَّرايا ... فَتَدْعُو مَنْ يُخَبِّرُ بالسُّؤَالِ فَتَجْعَلُهُ الوَسَاطَةُ إنَّ هَذَا ... لَعَمْرِي مِنْ مَزَلاَّتِ الضَّلالِ وهَذا يَقْتَضِي أنْ لَيسَ رَبِّي ... مُرِيدَ النَّفعِ أو بَذلَ النَّوالِ ولا الإِحسانُ إلاَّ مِنْ شفيعٍ ... يُحَرِّكُه فَيَعْطِفُ ذُو الجَلالِ لِحَاجتِهِ ورغبَتِه إليهِ ... وهَذَا لا يكونُ لِذِي الكَمَالِ أَلَيسَ اللهُ خَالقَ كُلِّ شيءٍ ... ومَالِكَهُ وَرَبُّكَ ذُو التَّعَالِي ومَنْ ذَا شَأْنُهُ ولَهُ البَرَايَا ... بأجمَعِها الأسَافِلُ والأَعالِي أكَانَ يَكُونُ عَونًا أو شَفْيِعًا ... يُخبِّرُ بالغَوامِضِ والفِعَالِ ويُكرهُه على ما لَيسَ يَرْضَى ... تَعالى ذُو المَعَارج والمعالِي أَكَانَ يَكُونُ من يَخشاهُ رَبِّي ... ويرجْوه لتبليغِ المَقالِ ويشفعُ عنده كرهًا عليه ... كَمَا عندَ الملوكِ من الموَالِي لِحَاجَتِهم ورغبَتهم إليهم ... لخوفٍ أو رَجاءٍ أو نَوالِ تَعالَى اللهُ خَالِقُنَا تَعالى ... تَقَدَّسَ بَل تَعَاظَمَ ذْو الجَلالِ أَلَيسَ اللهُ يَسْمَعُ مَنْ يُنَاجِي ... كَمَنْ يَدْعُو بِصَوتٍ بالسُّؤَالِ وأَصْوَاتُ الجَمِيعِ كَصَوتِ فَردٍ ... لَدَى الرَّحمنِ وهْوَ عَلىَ العَوالِي فَلاَ يَشْغَلْه سَمْعٌ عن سَمَاعٍ ... لِمَنْ يَدْعُو ويَهْتِفُ بانْتِهَالِ ولا يَتَبَّرمُ الرحْمن رَبِّي ... بالْحَاحِ المُلِحِّينَ المَوَالِي ولا يُغْلِطْه كَثرةُ سَائِلِيهُ ... جَميعًا بالتَّضَرُّعِ والسُّؤَالِ بِكُلِّ تَفَنُّنِ الحَاجَاتِ مِنْهم ... وأصْنَافِ اللُّغَاتِ بِلاَ اخْتِلالِ فَيُعطِي مَن يَشَاء ما قَدْ يَشَاءُ ... ويَمْنَعُ مَا يَشَاءُ مِن النَّوالِ أَلَيسَ اللهُ يُبْصِرُ كُلَّ شَيءٍ ... بِلاَ شَكٍّ ويُبْصِرُ ذُو الجَلالِ

دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّودَا تَعالى ... وأَعْطَى تِلْكَ في ظُلَم اللَّيالِي عَلَى صَخْرٍ أَصَمَّ ذَوِي سَوَادٍ ... شَدِيدٍ حَالِكٍ مِثْلِ الكُحَالِ ومُجْرِي القُوتَ في الأعْضَاءِ مِنْها ... وأَعْضَاءِ البعُوضِ بِكُلِّ حَالِ ... ومَدَّ جَنَاحَهِ في جُنْحِ لَيلٍ ... وأعْرَاقُ النِّياطِ بلا اخْتلالِ ويَعلمُ ما أَسَرَّ العبدُ حُقًا ... وأخْفَى مِنْهُ فاسْمعْ للمقالِ فَمَنْ ذَا شَأْنُه أَيَصِحُّ شَرْعًا ... وعَقْلاً أنْ يُشَارِكَه المَوالِي مَعَاذَ اللهِ مَا هَذا بِحَقٍّ ... ولا في العَقْلِ عِنْدَ ذَوِي الكَمَالِ أَفِي مَعْقُولِ ذِي حُجْرٍ عُدُولٍ ... إلى مَيتٍ رَمِيمٍ ذٍي اغْتِفَالِ عَدِيمِ السَّمعِ لَيسَ يَراهُ يَومًا ... عَدِيمَ العِلمِ لَيسَ بِذِي نَوالِ وَيتْرُكُ عَالمًا حَيًّا قَدِيرًا ... بَصِيرًا سَامعًا في كُلِّ حَالِ كَرِيمًا مُحْسنًا بَرًّا جَوادًا ... رَحِيمًا ذُو الفَواضِلِ والنَّوالِ لَعَمِري إنَّ مَنْ يَأْتِي بِهَذَا ... لَذُو خَبَلٍ مِن الإِسلامِ خَالِ وعَقلٌ يَرْتَضِي هَذَا لَعَمْرِي ... سَقِيمٌ زَائِغٌ وَاهِ المَقَالِ وأَهلُوَه أضلُّ النَّاسِ طُرًّا ... وأسفهُهُم وأَولى بالنَّكَالِ فلا يَغُرُوكَ إقرارٌ بِمَا قَدْ ... أَقرَّ المشركون ذَوُو الضَّلالِ بأَنَّ الله خَالِقُ كُلِّ شيءٍ ... ومَالِكُه وذا باقْتِلالِ ورَزَّاقٌ مُدَبِّرُ كُلِّ أَمْرٍ ... وَحيٌّ قَادِرٌ رَبُّ العَوَالِي فَهَذَا قَدْ أَقَرَّ بِهِ قُريشٌ ... فَلَمْ يَنَفَعْهُمُوا فاسْمَعْ مَقالِي وهُمْ يَدْعُونَ غَيرَ اللهِ جَهْرًا ... وجَهْلاً بالمُهَيمِنِ ذِي الجَلاَلِ ولِلأَشَجارِ والأَحْجَارِ كَانَتْ ... عِبَادَتُهم بِذَبْحٍ مَعْ سُؤالِ وللأمواتِ هَذا كَانَ مِنْهُمْ ... بِخَوفٍ مَعْ رَجَاءٍ وانْذِلاَلِ ونَذْرٍ واسْتِغَاثَةِ مُسْتَضَامٍ ... فَبَاءُوا بالوَبَالِ وبالنَّكَالِ وإنَّ الحَقَّ إنْ تَسْلُكْهُ تَنْجُو ... مِنَ الإِشراكِ ذِي الدَّاءِ العُضَالِ

طَرِيقُ المصْطفى المَعْصُومِ حَقًّا ... بِتَوحِيدِ المُهَيمِنِ ذِي الكَمَالِ بأَفْعَالٍ لَهُ وَحِّدْهُ فِيهَا ... وبالأَفْعَالِ مِنْكَ بلا اخْتِلالِ بأَنْواعِ العِبَادةِ مِنْ رَجَاءٍ ... وخَوفٍ وَالتَّوَكُّل والسُّؤَالِ وذبْحٍ واسْتِغاثَةِ مُسْتَغِيثٍ ... ونَذْرٍ واسْتِعَانَةِ ذِي الجَلالِ ولا تَخْضَعْ لِغَيرِ الله طُرًّا ... ولا تَخْشَاه في كُلِّ الفِعالِ وبالرَّغْباءِ والرَّهْبَاءِ مِنْه ... بِتَعظِيمٍ وحُبٍّ وانْذِلاَلِ لِربِّكَ لاَ لِمَخْلُوقٍ ومَيتٍ ... ضَعِيفٍ عَاجِزٍ في كُلِّ حَالِ ... فَوَحِّدْهُ وأفْرِدْهُ بِهَذِا ... ودَعْنَا مِن مَزَلاَّتِ الضَّلالِ وَأوضَاعٍ لأفَّاك جَهولٍ ... حِكَايَاتٍ مُلفَّقَةٍ لِغالِ وكُلُّ طَرِيقَةٍ خَرَجَتْ وزَاغَتْ ... عَنِ المَشْرُوعِ بالقَولِ المُحَالِ فإنَّا مِنْ طَرَائِقِهِمْ بَرَاءٌ ... إلىَ الله المُهَيمِنِ ذِي الجَلالِ فَتَبْرأُ مِنْ ذَوِي الإِشْراك طُرًّا ... ومِن جَهْمِيَّةٍ مُغْلٍ غَوالِ ومِنْ كُلِّ الرَّوافضِ حَيثُ زَاغْوا ... فَهُمْ أَهْلُ المَنَاكِرِ والضَّلالِ ومِنْ قولِ النَّواصِبِ حَيثُ ضَلَّتْ ... حُلُومُهمُو بِقَولٍ ذِي وَبَالِ ومِنْ قولِ الخوارجِ قَدْ بَرِئْنَا ... ويَا بُعدًا لأَهْلِ الاعْتِزَالِ بِما قَالُوهُ وانتَحَلُوهُ مِمَّا ... يُخَالِفُ دِينَ أَرْبَابِ الكَمَالِ فَقَدْ جَاءُوا مِنَ الكُفْرَان أَمْرًا ... عَظِيمًا واجْتِرَاءً بالمُحَالِ ونَبْرأُ مِن أَشَاعِرَةٍ غُوَاةٍ ... قَفَوا جَهْمًا بِرَأْي وانْتَحَالِ ومِنْ جَبْرِيَّةٍ كَفَرَتْ وَضَلتْ ... ونَبْرأُ جَهْرَةً مِنْ كُلِّ غَالِ كَنَا في قُدْرَةِ الرَّحمنِ رَبِّي ... وتَقْدِيرِ المُهَيمِنِ ذِي الجَلاَلِ ومِنْ قَولِ ابْنِ كُلاَّب بَرِئْنَا ... فَلَسْنَا مِنْهُمُو أَبَدًا بِحَالِ ومِنْ قَولِ ابْنِ كَرَّامٍ ومِمَّن ... نُمِي بالاقْتِرانِ ذَوي الضَّلالِ وأَهْلِ الوَحْدةِ الكُفَّارِ إذْ هُمْ ... أَضَلُّ النَّاسِ في كُلِّ الخِلاَلِ ومِن أَهْلِ الحُلولِ ذَوِي المَخَازِي ... فقدْ جَاءُوا بِقَولٍ ذِي وَبَالِ

ومِمَّنْ قَالَ بالإِرجَاءِ يَومًا ... ومِن كُلِّ ابْتِداعٍ في وانْتِحَالِ يُخَالفُ شَرْعَ أَحمدَ ذِي المعَالِي ... وأَصْحَابٍ كِرَامٍ ثُمَّ آلِ ونَبْرأُ مِنْ طَرَائِقَ مُحْدَثاتٍ ... مَلاهٍ مِنْ مَلاعِبِ ذِي الضَّلالِ بألحانٍ وتَصْدِيَةٍ ورَقْصِ ... ومِزْمارٍ ودُفٍّ ذِي اغْتِيَالِ وأَذكَارٍ مُلَفَقَّةٍ وشِعْرٍ ... بأَصوَاتٍ تَرُوقُ لِذِي الخَبَالِ فَحِينًا كالكِلابِ لَدَى انْتِحَالٍ ... وحِينًا كالحَمِيرِ أو البِغَالِ وتَلْقَى الشَّيخَ فِيهمْ مِثْلَ قِرْدٍ ... يُلاَعبُهُمْ ويَرْقُصُ في المَجَالِ بأيِّ شَرِيعَةٍ جَاءَتْ بِهذَا ... فَلَمْ نَسْمَعْهُ في العُصُرِ الخَوالِي فأمَّا عَنْ ذَوِي التَّقْوى فَحَاشَا ... فَهُمْ أَهْلُ التُّقَى والاِبْتِهَالِ وأَهْلُ الاتِّباعِ ولَيسَ مِنْهُمْ ... لَعَمْرِي ذُو ابْتِدَاعٍ في انتحالِ ... وكَانَ سُلُوكُهم حقًّا عَلَى مَا ... عَليِه الشَّرعُ دَلَّ مِنَ الكَمَالِ بأَذكَارِ وأَورَادٍ رَوَوهَا ... عن الإِثباتِ عنْ صَحْبٍ وآلِ وحَالٍ يَشْهدُ الشَّرْعُ المُزكَّى ... لَهُ بالاقْتِضَا في كُلِّ حَالِ ومَعْ هَذَا إذا مَا جَاءَ حَالٌ ... بأَمْرٍ وَارِدٍ لِذَوِي الكَمَالِ مِن النُكَتِ الَّتِي لِلْقُومِ تُرْوَى ... وتُعْرَضُ في الفَنَا فِي ذي المَجالِ أَبَوا أنْ يَقْبَلُوهَا ذَاكَ إلاَّ ... بِحُكْمِ الشَّاهِدَينِ بلا اخْتِلالِ كِتَابُ الله أو نَصُّ صَحِيحٌ ... صَرِيحٌ واضِحٌ لِذَوي المَعَالِي وقدْ قَالُوا ولا يَغْرُرْكَ شَخْصٌ ... إلى الآفاقِ طَارَ ولا يُبَالِي ويَمْشِي فَوقَ ظَهْرِ الماءِ رَهْوًا ... ويَأْتِي بالخَوَارِقِ بالفِعَالِ ولَمْ يَكُ سَالِكًا في نَهْجِ مَنْ قَدْ ... أَتَى بالشَّرعِ في كُلِّ الخِصَالِ فَذلكَ مِنْ شَيَاطِينِ غُوَاةٍ ... لِمَنْ وَالاهُمُو مِنْ كُلِّ غَالِ فَدَعْ عَنْكَ ابْتِدَاعًا واخْتِرَاعًا ... وسِرْ في إثْرِ أصْحَابِ الكَمَالِ ولَمْ نَسْتوعِبْ المَفْرُوضَ لَكِنْ ... ذَكَرْنَا جُمْلةً فِي ذَا المَجَالِ

وإذا أردت ترى مصارع من ثوى

فأَحبِبْ في الإِلهِ وعَادِ فيه ... وأَبغِضْ جَاهدًا فِيه وَوَالِ وأَهْلَ العلمِ جَالٍسْهم وسَائِلْ ... ولا تَرْكَنْ إلى أَهْلِ الضَّلالِ ولا يَذْهَبْ زَمَانُكَ في اغْتِفَالِ ... بلا بَحْثٍ وفي قِيلٍ وَقَالِ ومُرْ بالعُرْفِ وانْهَ عن المنَاهِي ... فَذَا مِنْ شأنِ أربَابِ الكَمَالِ دَعَانِي واقْتَضَى نَظْمِي لِهَذا ... قَرِيضٌ قَدْ رَأَيتُ لِذي الأمَالِي وحَقُّ إجَابَةٍ لِسُؤال خِلٍّ ... وقَدْ سَاعَفْتُهُ بالامْتِثَالِ فَعَارَضْتُ الَّذي لا نَرْتَضيه ... وأَبْقَيتُ الَّذِي لِلْشَّكِّ جَالِ وزِدْنَا فيه أَبْحَاثًا حِسَانًا ... عليهِ النَّاسُ في العُصرِ الخَوالِي فَيَاذَا العَرْشِ ثَبِّتْني وكُنْ لِي ... نَصِيرًا حَافِظًا ولِمَنْ دَعَا لِي وحَقِّقْ فِيكَ آمَالِي وجُدْ لِي ... بِعِلْمٍ نَافِعٍ يَاذَ الجَلالِ وصِلْ حَبْلي بِحَبْلِكَ واعْفُ عَنِّي ... جَمِيعَ السُّوءِ مِنْ كُلِّ الفِعَالِ وصَلِّ اللهُ ما قَدْ صَابَ ودْقٌ ... ولاَحَ البَرْقُ في ظُلَمِ اللَّيالِي عَلَى المعْصُومِ أَحْمَدَ ذِي المعَالِي ... وأتباعٍ وأَصحابٍ وآلِ * * * الحكم بغير ما أنزل الله وقال رحمه الله تعالى: وَإذَا أَرَدتْ تَرى مًَصَارِعَ مَن ثَوَى ... مِمَّنْ تَربَّص وارْتَضَى بِهَوانِ وتَرُومُ مِصْدَاقَ الذي قَدْ قَالَه ... شَيخُ الوُجُودِ العَالمِ الربانِ فاستقْرئ الأَخبارَ مِمَّنْ جَاءَهُم ... ماذا رَأَوْا مِنْ أُمَّةٍ الكُفْرانِ نَبَذُوا الكتابَ وَرَاءَهُم واسْتَبْدَلُوا ... عَنْ ذَاكَ بالقَانُونِ ذِي الطُغِيَانِ

بعزك ياذ الكبريا والمراحم

وَعَنْ الأَذان اسْتَبْدلُوا مِنْ زَيعِهِم ... بالبُوقِ تَشْرِيعًا مِنَ الشَّيطانِ وَكَذَا مَسَبَّةُ رَبِنَا سُبْحَانَه ... والجَعْلُ للأَنْدَادِ لِلرِّحمانِ وكَذَاكَ شُرْبُ المُسْكِراتِ مَعَ الزِّنا ... وكَذَا اللُّواطُ وسَائِرُ النكرانِ وَكَذَلِكَ الإِرفاضَ قَامَ شعارُهم ... بَلْ أَظْهَرُوا كُفْرَانَهُم بأَمَانِ هَلْ يُرْتَضى بالمُكْثِ بَينَ ظُهُورِهم ... عَبْدٌ يَشُمُّ رَوَائحَ الإِيمانِ واللهِ مَا يَرْضَى بهذا مُؤْمِنٌ ... أَنَّى يَكُونُ ولَيسَ في الإِمكانِ حَاشَى الذي ما اسْطَاعَ يَومًا هجرةً ... أو مُظْهِرًا لِلدِّينِ ذَا تِبْيَانِ لَكِنَّمَا المَقْصُودُ مَنْ لَمْ يَرفعُوا ... رَأْسًا بِمَا قَدْ جَاءَ في القُرآن أَو صَحَّ في الأخْبارِ عن خَيرِ الوَرَى ... والصَّحْبِ والأَتْبَاعِ بالإِحسانِ وَرَضُوا وِلاَيةَ دَولةٍ قَدْ عَارضتْ ... أَحْكَامَهُ بِزْبالةِ الأَذْهَانِ وَضَعُوا وِلاَيةَ دَولةٍ قَدْ عَارضتْ ... أَحْكَامَهُ بِزْبالةِ الأَذْهَانِ وَضَعُوا قُوانِينًا تُخَالِفُ وَحْيَه ... واسْتَبْدَلُوا الإِيمَانَ بالكفرانِ فسَلِ المقيمَ بضِلِّهِمْ وحِمَاهُمُوا ... هَلْ أَنكرُوا مَا فيه مِنْ طُغْيَانِ أَو زَايَلُوا أَصْحَابَه أَو قاطعُوا ... أخْدَانَهم مِنْ كُلِّ ذِي خُسْرانِ لِكَنَّهم قَدْ آثُروا الدُّنيا على الْـ ... أُخْرَى فَيا سُحْقًا لِذِي العِصيَانِ بلْ لَيتَهُم كَفُوا عنْ اسْتِجْلابِهم ... مَنْ غابَ مِن صَحْبٍ ومِن إخْوَانِ بِلْ صَحَّ عن بعضِ المَلا تَسْفِيهُهُمْ ... أَحْلاَم أَهْلِ الحقِّ والإِيمانِ تَبًا لِهَاتِيكَ العُقُولِ ومَا رَأَتْ ... واسْتَحْسَنَتْ مِنْ طَاعةِ الشيطان انْتَهَى * * * آخر: بِعزِّكَ ياذَ الكبْريَا والمَراحِم ... ومَعْرُوفِك المعروفِ بينَ العوالمِ وأَسمَائك الحسنى وَأَوَصافِك العُلى ... فأَنَتْ الَّذي تُرْجى لِكَشْفِ العَظائم أَبِدْ فِئَةً خَانَتْ بِعَهدكَ واعْتَدَتْ ... ورَامَتْ لِهذَا الدِّينِ إحْدَى القَواصِمِ فأَبْدِلْهُمو يَا ربِّ بالعِزِّ ذِلَّةً ... وقُوَّتَهُم بالضَعْفِ يا ذا المراحِمِ

لَقَدْ أَملُّوا في الأرضِ بَغْيًا بظُلْمِهم ... وإفسادِهم فيهَا وهَتكِ المَحَارِم وإهلاكِهم لِلْحَرْثِ والنسلِ جهرةً ... وسَومِهِمُو لِلْخَلقِ سَومَ البَهَائِمِ فجاءُوا على غيظِ وفَيظِ عَدَاوةٍ ... لِمَنْ قَامَ بالإِسلامِ سَامِي الدعائمِ يُرِيدُون أنْ يَستأصلُوا الدينَ والهُدَى ... وأنْ يَرفُعوا رَاياتِ باغِ وظَالِمِ فيبقى ذوُو الإِسلامِ غَرْثَى أَذلَّةً ... وتَعْلُو البَوادِي باجتباءِ المظالمِ ولِكَنَّهُم والحمدُ للهِ لَمْ تَزَلْ ... بِهمْ خِيفَةٌ مِنْ ماضياتِ المَلاحِمِ فَمَالُوا إلى الإِسلام بَعْدَ احتفالِهم ... وإعمالِهم لِلْعَمُلاتِ الرَوَاسِمِ فآبُوا بِحَمْدِ اللهِ لَمْ يُدْرِكُوا المُنى ... وَلكِنَّهُم آبُوا بحُوبِ المآثمِ فَيَا مِحْنةَ الإِسلامِ مِنْ كُلِّ فاجِرٍ ... وكُلِّ جَهِولِ بالحدُودِ وغَاشمِ ومِنْ مُدَّعٍ لِلدِّينِ والحقِّ ثُمَّ لا ... يُحَامِي عَنْ الإِسلامِ عِنْدَ التزاحمِ ومُنتسبٍ لِلْعِلْمِ أَضْحَى بِعلمِه ... يسَوُسُ به الدُّنيا وجَمْعِ الدراهمِ ولَكِنَّهُ أَضْحَى عَنْ الحقِّ نَاكِبًا ... بتَرْكِ الهُدى مَيلاً إلى كُلِّ ظَالِمِ سَيَعْلمُ مَنْ أَضْحَى يُقلدَ لِلْهَوَى ... ويَقْرَعُ غَيظًا آسِفًا سِنَ نَادِمِ ويَسْعى بتَفرِيق الجماعةِ رَاضِيًا ... عنْ الدِّينِ بالدُّنيَا ونَيِلِ المطاعمِ وَبَا بِعقابِ اللهِ يومَ معادِنَا ... وفي هَذه الدُّنيا بحُوبِ المآثمِ أَمَا في كِتابِ الله ما كَانَ شَافيًا ... وفي سُنَّةِ المُخْتَارِ صَفْوَةُ آدَمِ ففي سُورة الشُّورَى بَيانٌ لِمُبتغٍ ... طَريقَ الهُدَى فَاسْأَل بِهَا كلَّ عالِمِ فَقَد شَرَعَ الله اتباعَ محمَّدٍ ... وإخوانِه واللهُ أَعْدلُ حاكمِ وفي سُورةِ الأَنعامِ أَوضَحُ حُجَّةٍ ... وأَقطعُها حقًا لِكُلِّ مُخَاصِمِ وفي آلِ عمرانَ البيانُ وإنَّه ... لأَوضحُ تِبْيَانٍ على أنفِ رَاغِمِ ويا حَزن الإِسلامِ والدينِ والهُدى ... علَى أَهلهِ السامين أَعْلَى المكَارِمِ ... وحِزْبُ الإِلهِ الخَائِظِي حَومَةَ الوَغَى ... ويَحْمُونَها بالمُرهفَاتِ الصَّوَارِمِ ومُنْتَسِبٍ لِلْعِلمِ غَيرَ مُذَبْذًبٍ ... ولا آخذٍ فِي الله لَومَةِ لائمِ

أستغفر الله عما كان من زلل

فيا رَبُّ يا مَنانُ يا فَالِقَ النَوَى ... ويَا فَالِقَ الإَصباحِ يَا خَيرَ حاكمِ ويَا رَافعَ السبعِ الطِباقِ وعَالِيًا ... عَلَى عَرِشِه بِالذاتِ فَوقَ العَوالِمِ ويَا سَامعَ النَجوَى وأَخَفَى ومُبْصِرًا ... بِكُلِّ جَميعِ المُبْصَراتِ وعَالِمِ أَقمْ عَلَم الإِسلامِ بَعْدَ انْدِرَاسِهِ ... وثَبِّتْ حُمَاةَ الدِّينِ يا ذا المَرَاحِمِ وبَدِّدْ بنَصْرِ الدِينِ شَمْلَ ذَوِي الرَّدَى ... وأَنَصارِهمْ مِنْ كُلِّ باغِ وظَالِمِ فيا رَاكبًا عَوجَاءَ صَادِقَةَ السُّرَى ... مُوَثَّقَةَ الاتسَاعِ دَرْمَ المناسِمِ عَرْندسَةً تُغرِي الهجيرَ بِوَخْذِها ... وأَرْقَالِها في طَامِسَاتِ المعَالِمِ تَحَمَّلْ هَداكَ اللهُ مِنِّي تَحِيَّةً ... إلى الصحبِ مِنْ أَخ وخِلٍ ملازمِ تَحيَّةَ مَكْلُومِ الفُؤادِ مِنَ النوَى ... فعينَاه تَهْمِي بالدُمُوعِ السواجمِ بِعَّدِّ وَمِيضِ البَرقِ والوَدْقِ أَودَعا ... هَدِيلاً على الأَغصانِ وُرْقُ الحمائمِ وَصَلَّى إلهى كُلَّ مَا أَنْهَلَّ وابِلٌ ... على السيدِ المعصومِ صَفْوَةَ آدَمِ وأَصحابِهِ والآلِ مَا عاذَ والتَجا ... بِعِزِكَ يَا ذَا الكبْرِيا وَالمَرَاحِمِ انْتَهَى وقال آخر: أَسْتَغفِرِ الله عَمَا كَانَ مِن زَلَلِ ... ومِنْ خَطَأٍ تَخَطَّا بالمُصِيبَاتِ ولَيسَ إلا إلى الرَّحمنِ مُنْتجَعِي ... فَهْوَ العَليمُ بأَحْوالِي ونِيَّاتِ وهْوَ الرَّحيمُ ومَلْجَا مَنْ يَلْوذُ بِهِ ... الكَاشِفُ الغَمِ القَاضِي لِحَاجَاتِ وقَدْ مَدَدْتُ حِبَالِي رَاجِيًا فَرَجًا ... ومُنْشدًا قِيلَ دَاعٍ ذِي امْتِحَانَاتِ فقُلْتُ مُشْتَكِيًا مَا قَالَ مُبْتَهِلاً ... باللهِ مُرْتَجيًا تَفْرِيجَ أَزْمَاتِ فَصِلْ حِبَالِي وأَوصَالِي بَحَبلكَ يا ... ذَا الكِبْرياءِ وَحَقِّقْ فيكَ رَغْبَاتِي أَنَا الذَّلِيلُ أَنَا المِسْكينُ ذُو شَجَنِ ... أَنَا الفَقْيرُ إلى ربِّ السماواتِ أَنَا الكَسِيرُ أَنَا المُحْتَاجُ يَا أَمَلي ... جُدْ لِي بِفَضْلِكَ واعفُ عن خَطيئاتِ أَنَا الغَريبُ فلا أَهلٌ ولا وَطَنٌ ... أَنا الوَحِيدُ فكُنْ لِي في مُلِمَّاتِ

أَنا العُبَيدُ الذِي مَا زِلتُ مُفْتَقِرًا ... إليكَ يَا سَيِدي فِي كلِّ حَالاتِي لا أَسْتَطِيعُ لِنَفْسِي جَلْبَ مَنْفَعَةٍ ... ولا عَن النَّفْسِ لِي دَفْعَ المَضَرّاتِ ... مَا لِي سِوَاكَ ولا لِي عَنْكَ مُنْصَرَفٌ ... ذِكْرَاكَ في القَلْبِ قُرآنِي وآياتِي أَنَتْ القَدِيرُ عَلى جَبْري بوَصْلِك لِي ... أَنَتْ العليمُ بأَسْرارِ الخَفِيّاتِ أَدعوكَ يَا سيِّدي يَا مُشتَكَى حَزَنِي ... يَا جَابري يَا مُغيثي في مُهِمَّاتِي فانظر إلى غُربتي وارحَمْ ضَنَا جَسدي ... يَا رَاحمَ الخَلقِ يَا بَارِى البريّاتِ وقَدْ دُهِيتُ فلم يُسْمَعْ وقُلْتُ فَمَا ... أَجْدَى لَدَى ناصِري فاسمعْ شِكاياتِ أَنَتْ المغيثُ وأَنَتْ المستعانُ ولا ... تَخْفَى عليكَ إرادتِي وغَاياتِي وناصِري غَاضَنِي بَلْ هَاضنِي وشَفَى ... أَوغَارَ قَومٍ بَغَوا وا عُظْمَ لَوعاتِي يَا قَادِرًا قاهرًا مَن كَانَ ذَا عَنَتٍ ... أَنْتَ القديرُ لِقَهْرِ الظالِمِ العَاتِي يَا ربِّ فاغفرْ لمن لَمْ يدْرِ ما قَصدُوا ... وما أَراد الأَعادِي مِنْ مَضّراتِ وأَنُتَ يَا سَيِدي يَا مُنْتَهَى أَمَلِي ... تَدْرِي وتَعْلمُ مَقُصودِي ونِيَّاتِي والرَّاحمُ الكافلُ الكافي لآمِلِهِ ... الماجِدُ الغَافرُ المَاحِي لِزلاَّتِ ومَا اقْتَرَحْتُ ومَا قَدْ كُنتُ مُجْتَرحًا ... مِن الذُنوبِ فإنِي ذُو الخَطِيئاتِ وإبْسُطْ بِفَضِلِكَ لِي مَا كُنتُ آمُلُه ... يَا مَنْ لَه الفَضْلُ مَحْضًا في البَريَّاتِ ومَن لَه الجُودُ والموجُودُ أَجْمَعُهُ ... والخَلْقُ والأَمرُ ثم الكَائِنُ الآتِي وعبدُكَ المشتكِي والمُرتَجِي فَرَجًا ... لاَطِفْه وارْحَمْه واحْفُفْ بالعِنَايَاتِ وَصَلِّ يَا رَبِّ مَا هَبَّ النسيمُ ومَا ... غَنَّى الحمَامُ على أَفنانِ أَيكَاتِ عَلَى النَّبيِّ الأَمِينِ المُصطْفَى شَرف ... والآلِ والصحب أصحَابِ الكراماتِ انْتَهَى

متفرقات كلها حول الثناء على الله جل وعلا وتقدس

متفرقات كلها حولَ الثناء على الله جلَّ وعلا وتقدس، والحث على طاعته والبعد عن معاصِيه: آخر: أطِعِ الإِلهَ ولا تُطِعْ لِهَواكَا ... إنَّ الإِلهَ إذَا أَطَعْتَ هَدَاكَا واعْلَمْ بِأنَّكَ لا تَسُودُ وَلَنْ تَرى ... سُبْلَ الرَّشَادِ إذَا أَطَعْتَ هَوَاكَا آخر: مِن شِيَمِ العَاقلِ خَوفُ رَبِّه ... وأنْ يَكُونَ تَابِعًا لأَمْرِه يَدفَعُ أضْغَانَ العِدَا بِوُرْدِهِ ... ما أكْسَبَ المَقْتَ امْرأ كَكِبرِهِ آخر: الدِّينُ أصْلُ أُصُول الخَير قَاطِبةً ... فكُنْ هُدِيتَ بِحَبْلِ الدِّينِ مُعْتَلِقَا آخر: إذا شئِتَ أنْ تَلْقى عَدُوَّكَ رَاغِمًا ... وتَفْتُلَه غَمًا وتُحْرِقُهُ هَمَّا فأخْلِصْ لربِ العَرْشِ واتبَعْ رَسُولَهُ ... فَمَنْ يَتَّبعْ يَزْدَادُ حَاسِدُهُ غَمَّا آخر: تَوكل على الرحمن في كُلِ حَاجَةٍ ... أرَدْتَ فإنَّ الله يَقْضِي ويَقْدِرُ مَتَى ما يُردْ ذُو العَرْشِ أمْرًا لِعَبْدِهِ ... يُصِبْهُ وما لِلْعَبْدِ ما يتَخَيَّرُ وقد يُهْلَكُ الإِنسانُ مِن حَيثُ أمْنِهِ ... ويَنْجُو بإذْنِ اللهِ من حَيثُ يَحْذَرُ آخر: كَمْ مِن أَبٍ قَدْ عَلا بابْنِ ذُرَى شَرَفا ... كَمَا عَلَتْ بِرَسْول اللهِ عَدْنَانُ وقَلَّ مَنْ ضُمِّنَتْ خَيرًا طَوِّيتُهُ ... إلاَّ وفي وجْهِهِ لِلْخَيرِ عُنوَانُ

غيره: إنَّ الوقُوفَ على الأَبْوابِ حِرْمَانُ ... والعَجْزُ أن يَرْجُوَ الإِنسانَ إنْسانُ عَلاَمَ تأملُ مَخْلُوقًا وتَقْصُدُهُ ... إن كَانَ عندَكَ بالرَّزَاقِ إيمَانُ عَطَاءُ كُلٍّّ سِوَى الرحمنِ مَنْقَصَةٌ ... فَكَيفَ إنْ كَانَ بَعْدَ الحِرصِ حِرْمَانُ آخر: لا تَخْضَعَنَّ لِمَخْلُوقٍ عَلَى طَمَعٍ ... فإنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ مِنْكَ في الدِينِ واسْتَرْزِقِ الله مَمَّا في خَزَائِنِه ... فإنما الرِزْقُ بين الكَافِ والنُونِ ... آخر: ازْهَدْ إذا الدنيا أنالَتْكَ المُنَى ... فَهُنَاكَ زُهْدُكَ مِن شُرُوطِ الدِّينِ فالزْهْدُ في الدنيا إذَا هِي أعْرضَتْ ... وَأَبَتْ عَلَيكَ كَتَوبَةِ العِنِّينِ آخر: فصُدَّ عن الدنيا إذَا هِي أَقْبَلَتْ ... وَلَو بَرَزَتْ في زِيِّ عَذْرَاءَ نَاهِدِ إذَا المَرْءُ لَمْ يَزْهَدْ وقَدْ صَبَغَتْ لَهُ ... بِعُصْفُرِهَا الدنيا فَلَيسَ بِزَاهِدِ آخر: إذَا مَا كَانَ عنْدِي قُوتُ يَومٍ ... طَرَحْتُ الهَمَّ عَنِّي يا سَعِيدُ وَلَمْ تَخْطُر هُمُومُ غَدٍ بِبَالِي ... لأَنَّ غَدًا لَهُ رِزْقٌ جَدِيدُ آخر: مَنْ عَرَفَ الله فَلَمْ تُغْنِهِ ... مَعْرِفَةُ الله فَذَاكَ الشَّقِي ما يَصْنَعُ المرءُ بِعِزِّ الغِنَى ... الْعَزُّ كُلَّ العِزِّ لِلْمُتَّقِي

آخر: إذا المرءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيابًا مِن التُّقَى ... تَقَلَّبَ عُريانا وإنْ كَانَ كاسِيَا وخَيرُ خِصَالِ المرءِ طَاعَةُ رَبِّهِ ... ولا خَيرَ فيمَنْ كَانَ للهِ عَاصِيَا آخر: ألا إنَّما التَّقْوىَ هِيَ العِزُّ والكَرَمْ ... وحُبُّكَ لِلْدُّنْيَا هُوَ الذُلُّ والنَّدَمْ ولَيسَ عَلَى عَبْد تقيٍّ نَقيصَةٌ ... إذَا صَحَّحَ التَّقْوى وَأنْ حَاكَ أو حَجَمْ آخر: مَنِ اتَّقَى الله فَذَاكَ الذِي ... سِيقَ إليهِ المَتْجَرُ الرَّابِحُ فاسْمُ بعَينَيكَ إلى نِسْوَةٍ ... مُهُورُهُنَّ العَمَلُ الصَّالِحُ لا يُخْرِجُ الحَورَاءَ مِن خِدْرِهَا ... إلا امْرَؤٌ مِيزَانُهُ رَاجِحُ آخر: لَنِعْمَ فَتَى التَّقْوى فَتًى طَاهِر الخُطَا ... خميصٌ مِن الدنيا تَقِيُ المَسَالِكِ فَتًى مَلَكَ الأهْواءَ أنْ يَعْتَبِدْنَهُ ... وما كلُ ذِي لُبٍّ لَهُنَّ بِمَالِكِ آخر: إذا المَرْءُ أعْطَىَ نَفْسَهُ كُلَّ شَهْوَةٍ ... ولَمْ يَنْهَهَا تَاقَتْ إلى كُلِّ بَاطِلِ ... وسَاقَتْ إليهِ العَارَ والإِثْمَ لِلَّذِي ... دَعَتْهُ إليهِ مِن حَلاَوَةِ عَاجِلِ آخر: أَقْرِرْ بِذَنْبِكَ ثُمَّ اطْلُبْ تَجَاوُزَهُ ... عَنْهُ فإنْ جُحُودَ الذَّنْبِ ذَنْبَان آخر: ولَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ ... ولَكِنِ التقَّيُّ هُوَ السَّعِيدُ وتَقْوَى اللهِ خَيرُ الزَّادِ ذُخْرًا ... وعِنْدَ اللهِ للأتَقًْى مَزِيدُ ومَا لاَ بُدَّ أنْ يَأتِي قَرِيبٌ ... ولَكِنِ الذِي يَمْضِي بَعِيدُ

آخر: وإذا افْتَقَرْتَ إلى الذَّخَائِر لَمْ تَجِدْ ... ذُخْرًا يَكُونُ كَصَالِحِ الأعْمَالِ آخر: إذا ما الْفَتَى أرْضَى الذي خَلَقَ الوَرَى ... تُضِيءُ لَهُ الآفَاقُ مِن كُلِّ جَانِبِ وإنْ هُوَ لَمْ يَظْفَرْ بِحُسْنِ رضائِهِ ... كَسَتْهُ يَدُ الأيامِ حُلَّةَ خَائِبِ قال أحدُ الزُهَّاد: ذَهَبَ الشَّبابُ بِجَهْلِهِ وبِعَارِهِ ... وأَتَى المَشِيبُ بِحِلْمِهِ وَوَقَارِهِ شَتَّانَ بَينَ مُبِعِّدٍ مِن رَبَّهِ ... بِغُرُورِهِ وَمُبَشَّرٍ بِجِوَارِهِ مَا زِلْتُ اَمُرَحُ بالشَّبابِ جَهَالَةً ... كَالطَّرْفِ يَمْرَحُ مُعْجَبًا بِعِذَارِهِ وسَحَبْتُ أثوَابَ البَطَالَةِ لاهِيًا ... وَجَررْتُ مِن بَطَرٍ فُضُولَ إزَارِهِ حَتَى تَقَلْصَ ظِلُّهُ فَتَكَشَّفَتْ ... عَورَاتُه وبَدَا قَبِيحُ عَوارِهِ لَمْ أُحْظَ مِنْهُ بطائِل غير الأسَى ... وتَنَدُّمٍ مِنّي عَلَى أَوزَارِهِ والآنَ قَدْ خَطَّ المشيبُ بِمَفْرقِي ... بِمَوَاعِظٍ والحقُّ في تَذْكَارِهِ وَالنَّفْسُ تَركَبُ غيَّهَا لا تَرعَوي ... عَنْهُ ولا تُصْغِي إلى إنْذَارِهِ لَهَفِي عَلى عمرٍ يَمُرُّ مُضَيَّعًا ... مُحْصًى عَليَّ بلَيلِهِ ونَهارِهِ آخر: لَومٌ يُعِيذُكَ مِن سُوءٍ تُفَارُقهُ ... أَبْقَى لِعِرْضِكَ من قَولٍ يُدَاجِيكَا وقَدْ رَمَى بِكَ في تَيهَاءَ مُهْلِكَةٍ ... مَنْ بَاتَ يَكْتُمُك العَيبَ الذِي فِيكَا

آخر: تَردَّ رِدَاءَ الصَّبْرِ عنْدَ النَّوائِب ... تَنَلْ من جَمِيلِ الصَّبرِ حُسْنَ العَواقِبِ ... وكُنْ صَاحِبًا لِلْحِلْمِ في كلِّ مَوطِنٍ ... فَمَا الحِلْمُ إلا خَيرُ خِدْنٍ وصَاحِبِ وكُنْ طَالِبًا لِلِّرِزْقِ مِن وجْهِ حِلِّهِ ... تَنَالُ مِن الخَيَراتِ أزْكَى الرغَائِبِ وكُنْ حَامِدًا للهِ في كُلِّ حَالَةٍ ... يُنْلكَ مِن النَّعْماءِ جَزْلَ المَواهبِ آخر: ولَمَّا رَأيتُ الشَّيبَ حَلّ بِمَفْرِقِي ... نَذِيرًا بِتَرْحَالِ الشَّبابِ المُفَارِقِ رَجَعْتُ إلى نَفْسي فَقُلْتُ لَهَا انْظُرِي ... إلى مَا أتَى هَذَا ابْتِدَاءُ الحَقَائِقِ دَعِي دَعَواتِ اللَّهْوِ قَدْ فَاتَ وقْتُهَا ... كَمَا قَدْ أفَاتَ اللَّيلُ نُورَ المَشَارِقِ دَعِي مَنْزِلَ اللَّذاتِ يَنْزِلُ أهْلُهُ ... وجُدِّي لِمَا تُدعَيْ إليهِ وسَابِقي آخر: أَتَلْهُو بَينَ بَاطِيَةٍ وزِيرِ ... وأنْتَ مٍِن الهَلاَكِ عَلَى شَفِيرِ فَيا مَنْ غَرَّهُ أمَلٌ طَوِيلٌ ... بِه يَدْنُوا إلى أجَلٍ قَصِيرِ أَتَفْرَحُ والمَنِيَّةُ كل يَومٍ ... تُرِيك مَكَانَ قَبْرِكَ في القُبُورِ هي الدنيا وإنْ سَرَّتْكَ يَومًا ... فإنَّ الحُزْنَ عاقِبَةُ السُّرُورِ سَتُسْلَبُ كُلَّ مَا جَمَّعْتَ فِيهَا ... كَعَارِيَةِ تُرَدُّ إلى مُعِيرِ وتَعْتَاضُ اليَقِينَ من التَّضَنِّي ... ودَارَ الحَقِ مِن دَارِ الغُرُورِ آخر: عَجِبْتُ لِلْمَرْءِ في دُنْيَاهُ تُطْمِعُهُ ... في العَيشِ والأَجَلُ المَحْتُومُ يَقْطَعُهُ يُمْسِي ويُصْبِحُ في عَشْواءَ يَخْبِطُهَا ... أَعْمَى البَصِيرةِ والآمَالُ تَخْدَعُهُ بالدُنْيَا يَغْتَرُّ مَسْرُورًا بِصُحْبَتِهَا ... وقَدْ تَيَقَّنَ أنَّ المَوتَ يَصْرَعُهُ

ويَجْمَعُ المالَ حِرْصًا لا يُفَارِقُهُ ... وقَدْ دَرَى أنَّهُ لِلْغَيرِ يَجْمَعُهُ تَرَاهُ يُشْفِقُ مِن تَضْيِيعِ دِرْهَمِهِ ... ولَيسَ يُشفِقُ مِن دِينٍ يُضَيِّعُهُ وأَسْوَءُ النَّاسِ تَدْبِيرًا لِعَاقِبَةٍ ... مَنْ أنْفَقَ العُمْرَ فِيمَا لَيسَ يَنْفَعُهُ آخر: أدعوَكَ يَا رَبِّ مُضْطرًا على ثِقَةِ ... بِمَا وَعَدْتَ كَمَا المُضْطَرُ يَدْعُوكَا دَارِكْ بِعَفْوكَ عَبْدًا لَمْ يَزَل أبدًا ... في كُلِّ حالٍ مِن الأحْوَالِ يَرْجُوكَا طَالَتْ حياتي ولَمَّا أَتَّخِذْ عَمَلاً ... إلا مَحَبَّةَ أقْوامٍ يُحِبُوكَا ... آخر: إنْ شِئْتَ فَوزًا بِمَطْلُوبِ الكِرَامِ غَدًا ... فاسْلُكْ مِن العَمَلِ المَرْضِي مِنْهَاجَا واغْلِبْ هَوَى النَّفْسِ لا يَغْرُرْكَ خَادِعُهُ ... فكُلُّ شيءٍ يَحُطُّ القَدْرَ مِنْهَاجَا آخر: ولو قِيلَ لِي مَاذَا تُرِيدُ مِن المُنَى ... لَقُلْتُ مُنَايَ مِنْ إلهِيَ التَّقَرُّبُ فَكُلُ بَلاَءٍ في رِضَاهُ غَنِيمَةٌ ... وكُلُ عَذَابٍ في مَحَبَّتِهِ عَذْبُ آخر: إذا بَسْر اللهُ الأمُورَ تَيَسَّرتْ ... ولانَتْ قُواهَا واسْتَقَادَ عَسِيرُهَا فَكَمْ طامِعٍ في حَاجَةٍ لا يَنَالُهَا ... وكم آيِس منها أتاهُ بَشِيرُهَا آخر: مَن كَانَ يَرْغَبُ في النجاة فما لَه ... غَيرُ أتِّبَاع المُصْطَفَى فيما أَتَى ذَاكَ السَّبيلُ المُسْتَقْيمُ وغَيرُهُ ... سُبْلُ الغَوَايةِ والضلالةِ والرَّدَى فاتْبَعْ كِتَاب الله والسُنّن الَّتي ... صَحَّتْ فَذَاكَ إذَا اتَّبَعْتُ هو الهُدَى

وَدَعِ السُؤال بِكَمْ وَكَيفَ فإنَّهُ ... بَابُ يَجْرُ ذَوِي البَصِيرَةِ لِلْعَمَى الدِّينُ ما قَالَ النَّبِيُ وصَحْبُهُ ... والتابُعْونَ ومَنْ مَنَاهَجِهُم قَفَا آخر: سَكَنْتُكِ يا دَارَ الفَنَاءِ مُصَدِّقًا ... بأني إلَى دَارَ البَقَاءِ أَصِيرُ وأعْظَمُ مَات في الأمْرِ أنِي صائِرٌ ... إلَى عَادِلٍ في الحُكْمِ لَيسَ يَجُورُ فيا لَيتَ شِعْرِي كَيفَ ألْقَاهُ عِنْدَهَا ... وزَادِي قَلِيلُ والذُنُوبُ كَثِيرُ فإنْ يَكُ عَفْوٌ من غَنِي ومُفْضِلٍ ... فَثَمَّ نَعِيمٌ دَائِمٌ وسُرُورُ آخر: أقيمَا عَلَى بَابِ الرحِيمِ أقِيمَا ... ولا تَنِيَا في ذِكْرِهِ فَتَهِيمَا هُوَ اللهُ مَنْ يَقْرَعْ عَلَى الصِّدْقِ بَابَهُ ... يَجِدْهُ رَءوفًا بالعِبَادِ رَحِيمَا آخر: ومَن رَامَ في سُوقِ المعالي تجارةً ... فَلَيسَ سِوَى تَقْوَى الإِلهِ نُقُودُهَا آخر: لا تَرْكَننَّ لِمخلوقٍ وكُنْ أبَدا ... مِمَّنْ تَوكَّلَ في الدنيا على الله ... ولا تَمِلْ لِسِوَاهُ مَا حَيِيتَ فَمَنْ ... يَرْجُو سِوَى الله هَاوٍ حَبْلُهُ واهِ آخر: مِن الله فاسْأل كُلَّ أمُرٍ تُرِيدُهُ ... فَمَا يَمْلِكُ الإِنْسَانُ نَفْعًا ولا ضََرَّا ولا تَتَواضعْ لِلْولاَةِ فإنَّهُم ... مِن الكِبْرِ في حَالٍ تَمُوجُ بِهِم سُكْرَا وإيَّاكَ أنْ تَرْضَى بِتَقْبِيلِ رَاحَةٍ ... فَقَدْ قَيل عَنْهَا أنها السَّجْدَةُ الصُغْرَا

آخر: وكَيفَ أَخَافُ الفَقْرَ والله رَازِقِي ... وأرْزَاقُ هَذا الخَلْق في العُسْرِ والْيُسْرِ تَكَفَّلَ بِالأَرْزَاقِ لِلْخَلْقِ كُلِهِمْ ... ولِلْضَّبِ في البَيدَاءِ وَلِلْحُوتِ في البَحْرِ آخر: إنَّ ابْنَ آدَمَ حَينَ يُلْحِفُ سائِلٌ ... يَنْقَدُّ من حَنَقٍ عَلَيهِ فَيَنْهَرُهْ واللهُ إنْ يَقْصُدْهُ عَبْدٌ مُلْحِفٌ ... بسُؤالِهِ يُدْنِيهِ مِنْهُ ويَشْكُرُهْ فَسَلِ الإِلهَ ولُذْ بِهِ لا تَنْسَهُ ... فاللهُ يَذْكُرُ عَبْدَهُ إذْا يَذْكُرُهْ آخر: وأُعْرِضُ عن ذِى المالِ حتى يُقَالَ لِي ... لَقَدْ جاء مِنْهُ جَفْوةً وتَعَظُّمَا ومَا بِي جَفَاءٌ عن صَدِيقٍ ولا أَخٍ ... ولِكَنَّهُ فِعْلِي إذا كُنْتُ مُعْدِمَا آخر: تَبَلَّغْ مِن الدنيا بأيسَرِ زَادِ ... فإنكَ عنها راحِلٌ لِمَعَادِ وغُضَّ عن الدنيا وزُخْرُفِ أهْلِهَا ... جُفُونَكَ واكْحُلْهَا بِطِيبِ سُهَادِ وجَاهِدْ عن اللَّذاتِ نَفْسَكَ جَاهِدًا ... فإنَّ جِهَادَ النَّفْسِ خَيرُ جِهَادِ ومَا هَي إلاَّ دَارُ لَهْوٍ وفِتْنَةٍ ... وإنَّ قُصَارَى أهْلِهَا لِنَفَادِ آخر: فِهموا عن المَلِكِ الكَرِيم كلامَهُ ... وأقَامَ أمْرَهُم الرَّشَادُ فَقَامُوا وتَوَسَّلوا بَمَدَامِعٍ مُنْهَلةٍ ... تَحْتَ الدَّيَاجِي والأنامُ نِيَامُ وَتلَوا مِن الذَكْرِ الحكيمِ جَوَامِعًا ... جُمِعَتْ لَهَا الأَلْبَابُ والأَفْهَامُ يَا صَاحِ لَو أَبْصَرْتَ لَيلَهُمُ وَقَدْ ... صَفَتِ القُلُوبُ وصُفَّتِ الأقْدَامُ

لِرَأيتَ نُورَ هِدَايَةٍ قَدْ حَفَّهُمْ ... فَسَرى السُرُورُ وأشْرَقَ الإظْلاَمُ فَهُمُ العَبِيدُ الخَادِمُونَ مَليكَهُم ... نِعْمَ العَبِيدُ وَأفْلَحَ الخُدَّامُ ... سَلِمُوا مِن الآفاتِ لَمَّا اسْتَسْلَمُوا ... فَعَلَيهِمُوا حَتَّى المَمَاتِ سَلاَمُ آخر: لَقَدْ فَازَ المُوَفَّقُ لِلْصَّوابِ ... وعاتَبَ نَفْسَه قَبْلَ العِتَابِ ومَنْ شَغَل الفؤاد بِذْكِرِ مَولَى ... يُجَازِي بالجَزِيلِ مِن الثَّوابِ فَذَاكَ يَنَالُ عِزًّا لا كَعِزٍ ... مِنَ الدُنْيَا يَصِيرُ إلى الذَّهَابِ تَفكَّرْ في المَمَاتِ فَعَنْ قَريبٍ ... يُنَادَى بالمَجِيءِ إلى الحِسَابِ وقَدِّمْ مَا تُرَجِّي النَّفْعَ منه ... لِدَار الخُلْدِ واعمَلْ بالكِتَابِ ولا تَغْتَرَّ بالدُنْيَا فَعَمَّا ... قَرِيبٍ سَوفَ يُؤذَنَ بالخَرَابِ آخر: لا يَخْدَعَنَّكَ عَن دِينِ الهُدَى نَفَرٌ ... لَمْ يُرْزَقُوا في التِمَاسِ الحَقِ تَايِيدَا عُمْيُ القُلُوبِ عَرَوا عن كلِ فائِدةٍ ... لأنَّهُمْ كَفَرَوا بالله تَقلْيدَا آخر: إذا انْقَطَعَتْ أعْمَالُ بِرٍ عن الوَرَى ... تَعَلَّقَ بالرَّبِ الرحيم رَجَاؤُهُ فأَصْبَحَ حُرًا عِزَّةً وقَنَاعَةً ... عَلَى وَجْهِهِ أَنْوَارُهُ وَضِيَاؤهُ وإنْ عَلِقَتْ بالخَلْقِ أطْمَاعُ نَفْسِهِ ... تَبَاعَدَا مَا يَرْجُو وَطَالَ عناؤُهُ فلا تَرْجُ إلاَّ اللهَ لِلْخَطْبِ وحْدَهُ ... ولَو صَحَّ في خِلٍّ الصَّفَاءِ صَفَاؤهُ آخر: فَشَمِرْ مَا اسْتَطَعْتَ السَّاقَ واجْهَدْ ... لَعَلَّكَ أن تَفُوزَ بِذِي العَطَايَا

وصُمْ عن لَذَّةٍ حُشِيَتْ بَلاَءً ... لِلَذَّاتِ خَلُصْنَ مِن البَلاَيَا ودَعْ أمْنِيَّةً إنْ لَمْ تَنَلْهَا ... تَعذَّبْ أو تَنَلْ كَانَتْ مَنَايَا ولا تَسْتَبْطِ وَعْدًا مِن رَسُولٍ ... أتَى بالحَقِ مِن رَبِّ البَرايَا فهذا الوَعْدُ أدْنَى مِنْ نِعَيمٍ ... مَضَى بالأمْسِ لَو وفِّقْتَ رَايَا آخر: ولَيسَ بِمَنْسُوبٍ إلى العِلْمِ والنُّهَى ... فَتىً لا تُرَى فيه خَلاَئِقُ أرْبَعُ فَأوَّلُهَا تَقْوى الإِلهِ الَّتي بِهَا ... يُنَالُ جَسِيمُ الخَيرِ والفَضْلُ أجْمَعُ وثَانِيِةٌ صِدْقُ الحَيَاءِ فإنَّهُ ... طِبَاعٌ عَلَيهِ ذُو المُرُوءَةِ يُطْبَعُ وثَالِثةٌ حِلْمٌ إذَا الجَهْلُ أطْلَعَتْ ... عَلَيهِ خبايًا مِن فُجُورٍ تَسَرَّعُ ... ورَابِعَةٌ جُودٌ بِمِلْكِ يَمِينَهِ ... إذَا نَابَهُ الحَقُّ الذي لَيسَ يُدْفَعُ آخر: إذا أنْتَ لَمْ تَزْرَعْ وأبْصَرْتَ حَاصِدًا ... نَدِمْتَ عَلى التَّفْرِيط في زَمَنِ البَذْرِ كَذَلِكَ إنْ قَدَّمْتَ خَيرًا وَجَدْتَهُ ... وإن تكُنْ الأخْرَى فَمَا لَكَ مِنْ عُذْرِ آخر: ذَخِيرَة المَرْءِ في أيَّامِ مُدَّتِهِ ... تَقْوى الإِلهِ وإحْسَانٌ يُقَدِّمُهُ وأسْعَدُ النَّاس في الدنيا وآخِرَةٍ ... من يَذْكُرِ الله لا يَفْتُر ويَحْمَدُهُ آخر: اإضْرَعْ إلى اللهِ لا تَضْرَعْ إلى الناسِ ... وَاقْنَعْ بِعِزٍ فإنَّ العِزَّ بالْيَاسِ فالرزْقُ عن قَدَرٍ يَجْرِي إلى أجَلٍ ... مِن عِنْدِ لا غَافِلٍ عَنَّا ولا نَاسِ فَكَيفَ أَبْتَاعُ فَقْرًا حاظِرًا بغِنَى ... وكَيفَ أطْلُبُ حَاجَاتِي من النَّاسِ

آخر: اعْلَمْ بأنِّكَ لا أبَا لَكَ في الذي ... أصْبَحْتَ تَجْمَعُهُ لِغَيرِكَ خَازِنُ فَلَقَدْ رَأيتَ مَعَاشِرًا وعَهِدْتَهُمْ ... ومَضَوا وأنْتَ مُعَايِنٌ ما عَايَنُوا ورَأيتَ سُكَّانَ القُصُور وما لهمْ ... بَعْدَ القُصُورِ سِوَى القُبُورِ مَسَاكِنُ جَمَعُوا وَمَا انْتَفَعُوا بِذَاكَ وأصْبَحُوا ... وهُمُ بِمَا اكْتَسَبَوا هُنَاكَ رَهَائِنُ لَو قَدْ دُفِنْتَ غَدًا وأقَبَلَ نَافِضًا ... كَفَّيهِ عَنْكَ مِن التُرَابِ الدَّافِنُ لَتَشَّاغَل الوُرَّاثُ بَعْدَكَ بالذِي ... ورِثُوا وأسْلَمَكَ الوَلِيُّ البَاطِنُ آخر: كُلُ حَيٍّ آمِلٌ مَدَّ الأَجَلْ ... والمَنَايَا هُنَّ آفَاتُ الأمَلْ لاَ تَغُرنْكَ آبَاطِيلُ المُنَى ... والْزَمْ القَصْدَ ودَعْ عَنْكَ العِلَلْ إنَّما الدُنْيَا كَظِلٍ زَائِلٍ ... حَلَّ فِيهِ رَاكِبٌ ثُمَّ ارْتَحَلْ آخر: اغْنَ عَن المَخْلُوقِ بالخَالِقِ ... تَغْنَ عن الكَاذِبِ والصَّادِقِ واسْتَرْزِقِ الرحمنَ مِن فَضْلِهِ ... فَلَيسَ غَيرُ اللهِ مِنْ رَازِقِ مَنْ ظَنَّ أنَّ النَّاسَ يُغْنُونَهُ ... فَلَيسَ بالرحمن بالواثِقِ ... آخر: نَادَيتُ سُكَّانَ القُبُورِ فَأُسْكِتُوا ... وَأَجَابَنِي عَن صَمْتِهِمْ تُرْبُ الحَصَى قَالَ أتدْرِي مَا فَعَلتُ بِسَاكني ... مَزَّقْتُ لَحْمَهُوا وخَرَّقْتُ الكِسَا وحشَوتُ أعْيُنَهُمْ تُرَابًا بَعْدَمَا ... كَانَتْ تَأذى باليسيرِ مِن القَذَا أمَّا العِظامُ فإنِّني مَزَّقَتُهَا ... حَتَّى تَبَايَنْتِ المَفَاصِلُ والشِّوا

لك الحمد اللهم يا خير واهب

وقال آخر: لَكَ الحمدُ اللَّهم يَا خَيرَ وَاهِب ... ويَا خَيرَ مَرْجُوٍ لِنَيلِ المآرِبِ ويَا خَيرَ مَن يُرْجَى لِكَشْفِ مُلَّمِةٍ ... ويَا خَيرَ مَن يُسْدِي العَطَا والمَواهِبِ لَكَ الحمدُ حَمْدًا يَمْلأُ الأرضَ والسَّماء ... ويَمْلأُ مَا بَينَ الثَّرى والكَواكِبِ لَكَ الحمدُ كُلَّ الحَمْدِ إذ كُنْتَ أهْلَهُ ... على نِعَمٍ تَرْبُو عَلَى عَدِّ حَاسِبِ على كَبْتِ أحْزَابِ الضَّلالَةِ والرَّدَى ... ومَحْقٍ لِصِنْدِيدٍ كَفُورٍ مُشَاغِبِ وكَسْرٍ لأَوثَانٍ وهَدْمِ مَشَاهِدٍ ... يَلُوذُ بِهَا الكُفَّارُ من كُلَّ نَاكِبِ ويَدْعُونَهَا حُبًّا وخَوفًا وخَشْيِةً ... وهَذَا لَعَمْرِي مِن كَبِيرِ المَصَائِبِ بذا كَانَ ذَا نَقَضًا لِدِينِ مُحَمَّدٍ ... نَبِّيِّ الهَدى خَتْمِ الكِرَامِ الأطَايِبِ وهَذَا هُو الإِشْرَاكُ باللهِ وَحْدَهُ ... فَأعِظِمْ بِه نُكرًا وخِيمَ العَواقِبِ فَسِرْنَا بِحَمْدِ اللهِ والشُكْرِ والثَّنَاء ... عَلَى المنْهَجِ الأسْنَى أجِلِ المَطَالِبِ وكانُوا لَدَى حِصْنٍ طَويل مُمنَّع ... لَدَيهِمْ مِنَ العُدَّاتِ أُهْبَةُ حَارِبِ فَزَعْزَعَهُم رَبِي وشَتَّتَ شَمْلَهُمْ ... فَمَا بَينَ مَقْتُولٍ ومَا بَينَ هَارِبِ ومَا بَينَ مَجْدُولٍ عَلَى أُم رَأْسِهِ ... ومَا بَينَ مَكْلُومٍ شَدِيدِ المَعَاطِبِ تَرىَ الطَّيرَ مَعْ غَرْثَ السِبَاعِ عَصَائِبًا ... تَنُوبُهُمُو مِن كُلِّ قُطْرٍ وجَانِبِ وأورَثَنَا رَبِي دِيارَ ذَوِي الرَّدَى ... وأمْوَالَهُمْ رَغَمًا على أنْفِ غَاضِبِ بِأَيدِي ذَوِي بَأْس شِدَادٍ أَعِزَّةٍ ... خَلاَ أنَّهُمُ لِلصَّحْبِ أهْلُ تَحَابُبِ جَحَاجِحُ في الهَيجا مَرَاوِيعُ في الوَغَى ... بِأَيدِهْمُو بِيضُ الرِّقَاقِ المَضَارِبِ عَلَى عَارِفَاتٍ لِلطِّعَانِ عَوَابسِ ... بِهِنَّ كَلُومٌ بَينَ دَامٍ وجَالِبِ إذَا اسْتُنْزِلُوا عَنْهُنَّ لِلطَّعْنِ أرْقَلُوا ... إلَى الموتِ إرْقَالِ الجِمَالِ المِصَاعِبِ " فَهمُ يَتَساقَونَ المَنِيَّةَ بَينَهُمْ ... يَرَونَ لِقَاهَا مِن كَبِيرِ المَكَاسِبِ نُفُوسٌ لَهُم كَانَتْ لَدَيهِمْ ثَمِينَةً ... وقَدْ أرْخَصُوهَا في قِتَالِ المُحَارِبِ ... ومِن بَعْدِ ذا سِرْنَا عَلَى مَن تَألَّبُوا ... وصَدُّوا لِوَفْدِ الله أكْرَمَ نَائِبِ

ولَكِنَّهمُ في بَلْدَةٍ وَمَحَلَّةٍ ... بِهَا بَيتُ رَبِّ العَرْشِ أغْلَبَ غَالِبِ فلا يُرتَضَى فِيهَا قِتَالٌ وفِتْنَةٌ ... بِذَا قَدْ أتَى نَصٌ بأعْلَى المَراتِبِ ولَكنَ مَولانَا الكَرِيم بِفَضْلِهِ ... أزالَ العِدا مِن غَيرِ ضَرْبِ القَواضِبِ فَخامَرهُم رُهْبٌ شَدِيدٌ فأُرْجِفُوا ... وفَرَّوا سِرَاعًا مِن جَمِيعِ الجَوانِبِ فَلَمَّا تَحَقَقْنَا وَطَابَ لَنَا المُنَى ... بِفَضْل وَليِّ الفَضْلِ مُسْدِي المَواهِبِ دَخَلْنَا نُلِبِّي حَاسِرِينَ رُءُوسَنَا " ... وطُفْنَا بِذِي الأنْوَارِ بَينَ الأَخَاشِبِ دَعَونَا وكَبَّرنَا عَلى المَرْوِ والصَّفَا ... وتِلْكَ البِقَاعِ النَّيِراتِ الأطَائِبِ وَوَاللهِ لَمْ نَسْفِكْ دِمَاءً ولَمْ يَكُنْ ... سِوَى الحَرمِ العَالِي لَنَا مِنْ مَآرِبِ مَعَ الهَدْمِ لِلأَوَثَانِ والشِّرْكِ وَالرَّدَى ... وتَجْويدِنَا التَّوحِيدَ أوجَبَ وَاجِبِ فَشُكْرًا لِمَنْ أسْدَى الجَمِْيلَ بصُنْعِهِ ... فَتِلْكَ لَعَمْرِي مِن عَجِيبِ العَجَايِبِ فَيَا أيُّها المُزْجِي ذَبُولاً عَرَنْدَسًا ... عُذَافَرةً تَطْوِي طَوِيلَ السَّبَاسِبِ إذَا مَا رَأتْ لِلسَّوطِ ظِلاً رَأيتَها ... كَقَائِدَةِ الآرَامٍ رِيعَتْ بِطَالِبِ تَحَمَّلْ هُدِيتَ الخَيرَ مِنِّي تَحِيَّةً ... إلى مَلِكٍ سَامِى الذُرَى والمَناقِبِ وقُلْ بَعْدَ تَسْليمٍ مَعَ البُعْدِ والنَّوى ... لَيَهْنِكَ يَا ابْنَ الأمْجَدَيِنَ الأطَائِبِ فَحَكِّمْ بِهَا شَرْعَ الإِلهِ ودِينَهُ ... تَنَلْ مِن إلهِ العَرْشِ أسْنَى المَطَالِبِ وكُنْ شَاكرًا للهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ... فَقَيْدُ الأيادِي شُكْرُ مُسْدٍ وَوَاهِبِ ومِنْ مُبِلغٍ عَنِي حُسَينًا وفَيصَلاً ... وأعْوانَهُمْ مِن كُل فَدْمٍ وعَائِبِ بأنَّا بِحَمْد الله لا رَبَّ غَيرُهُ ... عَلَى مَنْهَجِ المُخْتَارِ خَتْمَ الأطَائِبِ فَلاَ نَدْعُو إلاَّ الله جَلَّ جَلاَلُه ... تَقَدَّسَ عَن نِدٍ وقَولٍ لِكَاذِبِ ونَدْعُو إلى التَّوحِيدِ سِرًّا وَجَهْرَةً ... إلى أنْ يكُونَ الدينُ خَالِي الشَّوائِبِ ونَأْمُرُ بالتَّقْوَى وَننْهَى عَن الرَّدَى ... ونَدْعُو لِحج البَيتَ لاَ فِعْلِ كَاذِبِ ومَنْ صَدَّ عَنْ هَذَا تَمَرَّدَ واعْتَدىَ ... سَنُسْقِيهِ كَأسًا مِنْ سُمُومِ العَقَارِبِ ونُلْقِمُهُ صَخْرًا ونَشْدَخُ رَأْسَهُ ... إلى أنْ يُرَى للهِ أوَّلَ آيبِ

الحمد لله العظيم عرشه

وقُلْ لِلعِدَى في كُلِ قُطْرٍ وجَانِبٍ ... بِكُل النَّواحِي عُجْمُهَا والأعَارِبِ أَنيبُوا وَإلاَّ فاسْتِعدُّوا وأَجْمِعُوا ... لِبْيضِ وفُرْسَانٍ وجُرْدٍ شَوَازِبِ جُنُودٌ تُرِيك في ضِيَا الشَّمْسِ ظُلْمَةً ... تُرى البَيضَ فيها كالنُجُومِ الثَّواقِبِ إذَا مَا غَزَوا بالجَيِشِ حَلَّقَ فَوقَهُم ... عَصَائِبُ طَيرٍ تَهْتَدِي بِعَصَائِبِ تُلازَمُهُمُ حتَّى يُغِرْنَ مَغَارَهُمْ ... مِن الضَّارِيَاتِ بالدمَاءِ الَّدوَارِبِ هُمُو مَعْشَرُ الإِخوانِ دَامَ سُرُورُهُم ... ولا سُرَّ مَن يَرْمُيهُمُو بالمَعَائِبِ لَهُمْ أُسْوةٌ في فِعْلِ صَحْبِ نَبِّيهم ... وهِمِّتُهُم مَصْرُوفَةٌ في العَوَاقِبِ فَيا رَبِّي يَا مَنَّانُ يَا مَنْ لَهُ البَقَاءُ ... ويَا خَيرَ مَن يُرْجَى لِنَيل المآرِبِ أَعِذْهُم مِن الإِعْجَابَ مَعْ كُلِّ فِتْنَةٍ ... وثَبِتْهُمُو يَا رَبِّ يَا خَيرَ وَاهِبِ وصَلِّ إِلهي مَا تألقَ بَارِقٌ ... ومَا انْهَلَّ وَدْقٌ مِن خِلالِ السَّحَائِبِ ومَا طَلَعَتْ شَمْسٌ ومَا حَنَّ راعِدٌ ... عَلَى السَّيِدِ المُخْتَارِ مِن نَسْلِ غَالِبِ كَذا الآلُ والأصحابُ مَعْ كُلِ تَابعٍ ... وتَابِعِهم مَا ضَاءَ نُورُ الكَوَاكِبِ هذه أرْجُوزَةٌ فيها عِبَرٌ وَمَواعِظ ذُكِر فيها كثيرُ من الخُلْفَاء: الحَمْدُ للهِ العَظِيمِ عَرْشُهُ ... القَاهِرِ الفَرْدِ القَوِيِّ بَطشهُ مُقَلِّبِ الأيَامِ والدُهُورِ ... وجَامِعِ الأنَامِ لِلنُشُورِ ثُمَّ الصَّلاةُ بِدَوامِ الأَبَدِ ... عَلَى النَّبِي المُصْطَفَى مُحَمَّدِ وآلهِ وصَحْبِهِ الكِرَامِ ... السَّادَةِ الأَئِمَةِ الأَعْلامِ وبَعْدُ إن هَذه أُرجوزةٌ ... نَظمتها لَطِيفَةٌ وجِيزَهْ نَظَمّتُ فيها الرَّاشِدِينَ الخُلَفَا ... مَن قَامَ مِنْ بَعْدَ النبي المصطفَى ومَنْ تَلاهَمْ وهلُمَّ جَرَّا ... جَعَلْتُهَا تَبْصِرةً وذِكْرَى لِيَعْلَمَ العَاقِلُ ذُو التبصير ... كَيفَ جَرَتْ حَوَادثُ الأُمُورِ وكُلُ ذِي مَقْدِرَةٍ ومُلْكِ ... مُعَرَّضُونَ لِلْفَنَا والهُلْكِ

وفي اخْتَلافِ اللِيلِ والنَّهَارِ ... تَبّصِرةٌ لِكُلِ ذِي اعْتِبَارِ والمَلِكُ الجَبَّارُ في بِلاَدِهِ ... يُورِثُهُ مَنْ شَاءَ مِن عِبَادِهِ وكُلُّ مَخْلُوقِ فلِلْفَنَاء ... وكُلُ مُلْكٍ فإلَى انْتِهَاءِ ولا يَدُومُ غَيرُ مُلْكِ البَارِي ... سُبْحَانَهُ مِن مَلِكٍ قَهَّارِ مُنْفَردٍ بالعِزِّ والبَقَاءِ ... ومَا سِوَاهُ فإلَى انْقِضَاءِ أَوَّلُ مَن بُويِعَ بالخِلاَفِةِ ... بَعْدَ النَّبِي ابْنُ أبي قُحَافَهْ أعْنِي الإِمَامَ الهَادِيَ الصِّدِيقَا ... ثُمَّ ارْتَضَى مِن بَعْدِهِ الفارُوقَا الفَاتِحَ البِلادَ والأمْصَارَا ... واسْتَأصَلَتْ سُيُوفُهُ الكُفَّارِا وقَامَ بالعَدْلِ قِيامًا يُرْضِي ... بِذَاكَ جَبَّارُ السَّمَاء والأرْضِ ورَضِيَ النَّاسُ بِذِي النُورَينِ ... ثُمَّ عَليٍّ وَالدِ السِّبْطَينِ ثُمَّ أَتَتْ كَتَائِبُ مَعَ الحَسَنْ ... كَادُوا بأنْ يجَدِّدُوا بِهَا الفِتَنْ فأَصْلَحَ اللهُ عَلَى يَدَيهِ ... كَمَا عَزَا نَبِيُّنَا إليهِ وجَمَعَ النَّاسَ عَلَى مُعَاوِيَةْ ... وَنَقَلَ القِصَّةَ كُلُّ رَوِايَةْ فَمَهَّدَ المُلْكَ كَمَا يُرْيِدُ ... وقَامَ فِيهِ بَعْدهُ يَزِيدُ ثُمَّ ابْنُهُ وكَانَ بَرًّا رَاشِدَا ... أعَنْي أبَا لَيلَى وكَانَ زَاهِدَا فَتَركَ الإمْرةَ لاَ عَنْ غَلَبَهْ ... ولَمْ يَكُنْ إليهَا مِنْهُ طِلْبَهْ وابنُ الزُبَيّرِ بالحِجَازِ يَدْأبُ ... في طَلَبِ المُلْكِ وفيهِ يَنْصِبُ وأهلُ شامٍ بَايَعُوا مَرْوَانَا ... بحُكْمِ مَنْ يَقُولُ كُنْ فَكَانَا ولَمْ يَدُمْ في المُلْكِ غَيرَ عَامِ ... وعَافَصَتْهُ أسْهُمُ الحِمْامِ واسْتَوثَقَ المُلْكَ لِعَبْدِ المَلِكِ ... ونَارُ نَجْمِ سَعْدِهِ في الفَلكِ وكُلُ مَن نَازَعَهُ في المُلْكِ ... خَرَّ صَرِيعًا بِسُيُوفِ الهُلْكِ وقَتلَ المُصْعَب بالعرَاقِ ... وَسَيَّرَ الحَجَاجَ ذَا الشِّقَاقِ إلى الحِجَازِ بِسُيُوفِ النِّقَمِ ... وابْنُ الزُبَيرِ لاَئِذٌ بالحَرَمِ

فَجَارَ بَعْدَ قَتْلِهِ بِصَلْبِهِ ... ولَمْ يَخَفْ في أمْرِهِ مِن رَبِّهِ وعِنْدَمَا صَفَتْ لَهُ الأُمْورُ ... تَقَلَّبَتْ بِجِسْمِهِ الدُهُورُ ثُمَّ أتَىَ مِن بَعْدِهِ الوَلِيدُ ... ثُمَّ سُلَيمانُ الفَتَى الرَّشِيدُ ثُمَّ اسْتَفَاضَ في الوَرَى عَدْلُ عُمَرْ ... تَابَعَ أمْرَ رَبِّهِ كَمَا أَمَرْ وكَانَ يدعى بأشج القومِ ... وذِي الصلاة والتقى والصومِ فَجَاءِ بِالَعَدْلِ وبالإِحسانِ ... وكَفَّ أهْلَ الظُلْمِ والطُغْيَانِ مُقْتَديًا بِسُنَّةِ الرَّسُولِ ... والرَّاشِدِينَ مِن ذَوي العُقُولٍ فَجُرِّعَ الإِسْلامُ كأْس فَقْدِهِ ... ولَمْ يَرَوا مِثْلاً لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ يَزْيِدُ بَعْدَهُ هِشَامُ ... ثُمَّ الوَلِيدُ فُتَّ مِنْهَ الهَامُ ثُمَّ يَزْيِدُ وهَو يُدْعَى النَّاقِصَا ... فَجَاءَه حِمَامُهُ مُعَافِصَا ولَمْ تَطُلْ مُدَّةُ إبْرَاهِيما ... وكَانَ كُلَّ أَمْرِهِ سَقِيمَا وأُسْندَ المُلْكُ إلى مَرْوَانَا ... فَكَانَ مِن أُمُورِهِ مَا كَانَا ... وانْقَرَضَ المُلْكُ عَلَى يَدَيهِ ... وحَادِثُ الدَّهْرِ سَطَا عَلَيهِ وقَتْلهُ قَدْ كَانَ بالصَّعِيدِ ... ولَمْ تُفِدْهُ كَثْرةُ العَدِيدِ وكَانَ فِيه حَتْفُ آلِ الحَكَمِ ... واسْتُنْزِعَتْ عَنْهُمُ ضُرُوبُ النِعَمِ ثُمَّ أتَى مُلْكُ بَنِي العَبَّاسِ ... ما زَالَ فِينَا ثَابِتٌ الأَسَاسِ وجَاءَتِ البَيعَةُ مِن أرْضِ العَجَمْ ... وقُلِّدَتْ بَيعَتهمُ جُلُّ الأُمَمْ وكُلُ مَن نَازَعَهُم مِن الأُممْ ... خَرَّ صَرِيعًا لِليَدَينِ والفَمْ وقَدْ ذَكَرتُ مَن تَولَى مِنْهُمُ ... حِينَ تَولَى القَائِمُ المُستَعْصِمُ أَوَّلُهمُ يُنْعَتُ بالسَّفَاحِ ... وبَعْدَهُ المَنْصُورُ ذُو الجَنَاحِ ثُمَّ أتَىَ مِن بَعْدِه المَهْدِيُ ... يَتْلُوه مُوسَى الهادِيُ الصَّفِيُ وجَاءَ هَارُونُ الرَّشِيدُ بَعْدَهُ ... ثُمَّ الأَمِين حِينَ ذَاقَ فَقْدَهُ وقَامَ بَعْدَ قَتْلِهِ المأْمُونُ ... وبَعْدَهُ المُعْتَصِمُ المكِينُ

واسْتَخْلفَ الوَاثِقُ بَعْدَ المُعْتَصِمْ ... ثُمَّ أخُوُهُ جَعْفَرُ مُوفِي الذِّمَمْ وأخْلَصَ النِيَّة في التَوَكُّلِ ... للهِ ذِي العَرشِ الجَلْيِلِ الأَولِ فأدْحَضَ البِدْعةَ في زَمَانِهِ ... وقَامَت السُنِّةُ في أوَانِهِ ولم يُبَقَّ فِيهَا بِدْعَةٌ مُضِلَّهْ ... وأَلْبِسَ المُعْتَزِليَّ ثَوبَ ذِلَّهْ فرحمة الله عَلَيَنا وعَلَيهْ ... ما غَار نَجْمٌ في السماء أو بَدَا وبَعْدَهْ اسْتَوَلَى وقَام المُعْتُمِدْ ... ومَهَّدَ المُلْكَ وسَاسَ المُعْتَضِدْ وعِنْدَمَا اسْتُشْهِدَ قَام المُنْتَصِر ... والمُسْتَعِينُ بَعْدَهُ كَما ذُكِرْ وجَاءَ بَعْدَ مَوتِهِ المُعْتَزُّ ... والمُهْتَدِي المُلْتَزِمُ الأعَزُ والمُكْتَفِي في صُحْفِ العُلاَ أسْطُرْ ... وبَعْدَهُ سَاسَ الأُمُورَ المُقْتَدِرْ واسْتَوثَقَ المُلْكُ بِعز قاهِرِ ... وبَعْدَهُ الرَّاضِي أخُو المَفَاخِرِ والمُتَّقِي مِن بَعْدِ ذَا المُسْتَكْفِي ... ثُمَّ المُطِيعُ ما بِهِ مِن خُلْفِ والطَّائِعُ الطَّائِعُ ثُمَّ القَادِرُ ... والقَائِمُ الزَّاهِدُ وَهُوَ الشَّاكِرُ والمُقْتَدِي مِن بَعْدِهِ المُسْتَظْهِرُ ... ثُمَّ أتَى المُسْتَرشِدُ المُوَقَّرُ وبَعْدَهُ الرَّاشِدُ ثُمَّ المُقْتَفِي ... وحِينَ مَاتَ اسْتَنْجَدُوا بِيُوسُفِ المُسْتَضِي والعَدْلُ قِيلَ في أَفْعَالِهِ ... والصِّدْقُ أيضًا قِيلَ في أقْوالِهِ والنَّاصَرُ الشَّهْمُ الشَّدِيدُ البَاسِ ... ودَامَ طُولَ مُكْثِهِ في النَّاسِ ... ثُم تَلاهُ الظَّاهِرُ الكَرِيمُ ... وعَدْلُهُ بَعْضُ بِهِ عَلِيمُ ولِمْ تَطُلْ أيَّامُهُ في المَمْلَكَةْ ... غَيرَ شُهُورٍ واعْتَرتْهُ الهَلَكَهْ وعَهْدُهُ كَانَ إلى المُسْتَنْصِرِ ... العَادِلِ البَرِ الكَرِيمِ العُنْصُرِ دَامَ يَسُوسُ النَّاسَ سَبْعَ عَشْرَهْ ... وأشْهُرًا بِعَزَمَاتِ بَرَّهْ ثُمَّ تَوَّفى عَامَ أربَعِينَا ... وفي جُمادَى صَادَفَ المنُونَا وبايعَ الخَلائِقُ المُسْتَعْصِمَا ... فَقَامَ بالأمْرِ الذي قَدْ ألزمَا فأرْسَلَ الرُسْلَ إلى الآفاقِ ... يَقضُونَ بالبَيعَةِ والوفَاقِ

دع عنك ذكر الهوى والمولعين به

وشَّرفُوا بذِكْره المَنَابِرَا ... ونَشَرُوا في جُودِه المَفَاخِرَا وسَارَ في الآفاقِ حُسْنُ سْيَرتِهْ ... وعَدْلِهِ المذكور في رَعِيَّتِهْ وقال شيخنا عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله: دَعْ عَنْكَ ذِكْرَ الهَوَى وَالمُولَعِينَ بِهِ ... وانْهَضْ إلى مَنْزِلٍ عَالٍ به الدُّرَرُ تَسْلُو بِمَرْبابِهِ عن كلِّ غَالِيَةٍ ... وَعَنْ نَعَيمٍ لِدُنْيا صَفْوُهَا كَدرُ وعن نَدِيمٍ به يَلْهُو مُجَالِسُهُ ... وعن رِيَاضٍ كَسَاهَا النُّورُ والزَّهَرُ انْهَضْ إلى العِلْمِ في جِدٍ بِلا كَسَلِ ... نُهُوضَ عَبْدٍ إلى الخَيرَاتِ يَبْتِدرُ واصْبِرْ على نَيلِهِ صَبْرَ المُجِدِّ لَهُ ... فَلَيسَ يُدْرِكُهُ مَنْ لَيسَ يَصْطَبَرُ فَكَمْ نُصُوصٍ أَتَتْ تُثْنِي وَتَمْدَحُهُ ... لِلْطَّالبينَ بها مَعْنَى وَمُعْتَبَرُ أَمَا نَفَى الله بَينَ العَالَمِينَ بِهِ ... وَالجَاهِلِينَ مُسَاوَاةً إِذَا ذُكِرُوا وقَالَ لِلْمُصْطَفَى مَعْ مَا حَبَاهُ بِهِ ... ازْدَدْ مِن العِلُمِ في عِلْمٍ بِه بَصَرُ وخَصَّصَ اللهُ أَهْلَ العِلْمِ يُشْدُهُم ... عَلَى العِبَادة والتَّوحِيدِ فَاعْتَبِرُوا وَذَمُّ خَالِقنَا لِلْجَاهِلِينَ بِهِ ... في ضِمْنِهِ مَدْحُ أَهْلِ العِلْمِ مُنْحَصرُ وفي الحَدِيثِ إنْ يُرِدْ رَبُّ الوَرَى كَرمًا ... بِعَبْدِهِ الخَيرَ وَالمَخْلُوقُ مُفْتَقِرُ أَعْطَاهُ فِقْهًا بِدِينِ اللهِ يَحْمِلُهُ ... يَا حَبَّذَا نِعَمًا تَأْتِي وتُنْتَظَرُ أَمَا سَمِعْتَ مِثَالاً يُسْتَضَاءُ به ... وَيِسْتَفِزُّ ذَوِي الأَلْبَابِ إِنْ نَظَرُوا بأنَّ عِلمَ الهُدَى كَالغَيثِ يُنْزِلُهُ ... على القُلُوبِ فمنها الصَّفْوُ والكَدَرُ أمَّا الرِياضُ التي طَابَتْ فَقَدْ حَسُنَتْ ... منها الرُبَى بِنَبَاتٍ كُلُّه نَضِرُ فأصْبَحَ الخَلْقُ والأَنْعَامُ راتِعَةً ... بِكُلِّ زَوجٍ بَهِيجٍ ليس يَنْحَصِرُ وبَعْضُها سَبَخٌ لَيْسَتَ بِقَابِلَةٍ ... إِنْبَاتَ عُشْبٍ بِهِ نَفْعٌ وَلا ضَرَرُ ... يَكْفِيكَ بِالعِلْمِ فَضْلاً أَنَّ صَاحَبَهُ ... بِالعِزِّ نَالَ العُلا وَالخَيرُ يُنْتَظَرُ يَكْفِيكَ بالجَهْلِ قُبْحًا أنَّ صَاحَبَهُ ... يَنْفِيهِ عَن نَفْسِهِ وَالعِلْمُ يُبْتَكَرُ

يا طالبا لعلوم الشرع مجتهدا

يَكْفِيكَ بالجَهْلِ قُبْحًا أنَّ مُؤْثِرَهُ ... قَدْ آثَرَ المَطْلَبَ الأَدْنَى وَيفْتَخِرُ أيُّ المَفَاخِرِ تَرضَى أَنْ تُزَانَ بِهَا ... أَجَهْلُكَ النَّفْسَ جَهْلاً مَا لَهُ قَدَرُ أَمْ بِالجَهَالَةِ منك في شَرِيعَتِهِ ... كَيفَ الصَّلاةُ وَكَيفَ الصَّومُ وَالطُّهُرُ أَمْ كَيفَ تَعْقِدُ عَقْدًا نَافِذًا أَبَدًا ... كَيفَ الطَّلاقُ وَكَيفَ العِتْقُ يا غُدَرُ أَم افْتِخَارُكَ بِالجَهَل البِسَيطِ نِعَم ... وَبِالمُرَكَّبِ لا تُبْقِي ولا تَذَرُ تَبًّا لِعَقْلٍ رَزين قَدْ أَحَاطَ بِهِ ... مَعْ الجَهَالَةِ رَينُ الذَّنْبِ والغَرَرِ كَمْ بَينَ مَن هُوَ كَسْلانٌ أَخُو مَلَلٍ ... فَمَا لَهُ عَن ضَيَاعِ الوَقِتِ مُزْدَجَرُ قَدْ اسْتَلانَ فِراشَ العَجْزِ مُرَتَفقًا ... حَتَّى أَتَى المُضْعِفانِ: الشَّيبُ وَالكِبَرُ وَبَينَ مَنْ هُو ذُو شَوقٍ أَخُو كَلَفٍ ... عَلَى العُلُومِ فَلا يَبْدُو لَهُ الضَّجَرُ يَرْعَى التّقِيَّ وَيَرْعَى من تَحفَظُهِ ... أَوقَاتَُهُ مِن ضَياعِ كُلُّهُ ضَرَرُ لا يَسْتَريحُ ولا يُلْوي أَعِنَّتَهُ ... عن الوُصُول إلى مَطْلُوبِهِ وَطَرُ تُلْفِيهِ طَورًا عَلَى كُتْبٍ يُطَالِعُهَا ... يَحْلُو لَهُ مَن جَنَاهَا مَا حَوَى الفِكَرُ تُلْهِيهِ عن رَوضَةٍ غَنَّاءَ مُزْهِرةٍ ... أَطْيَارُهَا غَرَّدت والماءُ مُنْهَمِرُ وبَاحثًا تارةً مَعْ كُلِّ مُنْتَسِبٍ ... يَبْغِي الرَّشَادَ فَلا يَطْغَى وَيَحْتَقِرُ وَاهًا لَهُ رَجُلاً فَرْدا مَحَاسِنُهُ ... بِالحَزْمِ والعَزْمِ هَانَ الصَّعْبُ والعُسُرُ وقال رحمه الله تعالى يمدح شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومؤلفاتهما: يَا طَالِبًا لِعُلُوم الشَّرعِ مُجْتَهِدًا ... يَبْغِي انْكِشَافَ الحقِ وَالعِرْفَانِ احْرِصْ عَلى كُتْبِ الإِمَامَينِ اللذين ... هما المَحَكُّ لِهِذه الأَزْمَانِ العَالِمَينِ العَامِلِينِ الحَافِظَينِ ... المُعْرِضَينِ عن الحُطَامِ الفَانِي عَاشَا زَمَانًا دَاعِيَيْنِِ إلى الهُدَى ... مَن زَائِغٍ ومُقَلَّدٍ حَيرَانِ صَبرا النفُوسَ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهَا ... لِلْقَلْبِ والأَقْوَالِ وَالأَرْكَانِ

كَمْ نَالَهُمْ من نَكْبَةً وَأذيَّةٍ ... هَانَتْ لِذَاتِ الخَالِقِ الدَّيَانِ نَشَرَ الإلهُ لَهُم ثَنَاءً صَادِقًا ... إِذ أَحْسَنُوا في العِلْمِ وَالإِيمَانِ فَقُلُوبُ أَهْلِ الخَيرِ مِن حُبِّ لَهُم ... قَدْ أُشْرِبَتْ وَثَنَاؤُهُمْ بِلِسَانِ أَعْنِي به شَيخَ الوَرَى وَإِمَامَهُمْ ... يُعْزَى إِلى تَيمِيَّةِ الحَرانِ ... وَالآخَرُ المَدْعُوُ بابْنِ القَيِّمِ ... بَحْرِ العُلُومِ العَالِمِ الرَّبَانِي فَهُمَا اللذاننِ قَدْ أَودَعَا في كُتْبهِمْ ... غُرَرَ العُلُومِ كَثِيرِةِ الأَلوانِ فيها الفَوَائِدُ وَالمَسَائِلِ جُمِّعَتْ ... مِنْ كلِّ فَاكِهَةٍ بِهَا زَوجَانِ إنْ رُمْتَ مَعْرِفَةَ الإِلَهِ وَما لَه ... مِن وَصْفِهِ وَكَمَالِهِ الرَّبَانِي أَو رُمْتَ تَفْسِيرَ الكِتَابِ وَمَا حَوَى ... مِن كَثْرَةِ الأَسْرَارِ وَالتِّبْيَانِ أَو رُمْتَ مَعْرِفَةَ الرَّسُولِ حَقِيقَةً ... وجَلالةَ المَبْعُوثِ بِالفُرْقَانِ أَو رُمْتَ فِقْهَ الدِينِ مُرْتَبِطًا به ... أَصْلُ الدَّلِيلِ أَدْلَّةَ الإِتْقَانِ أَو رُمْتَ مَعْرِفَةََ القَصَائِدِ كُلّهَا ... لِلْمُبْطِلِينَ وَرَدَّهَا بِبيَانِ أَو رُمْتَ مَعْرِفَةِ الفُنُونِ جَمِيعِهَا ... مِن نَحْوِهَا والطِّبِ لِلأَبْدَانِ تَلْقَ الجَمِيعَ مُقَرَّرًا وَمُوضَّحًا ... قَدْ بَيَّنَاهَا أَحْسَنَ التَّبْيَانِ جَمَعَتْ عَلَى حُسْنِ العِبَارِةِ رَونَقًا ... وَبِهَاءَ مَعْنَى جَلَّ ذُو الأتْقَانِ تَدْعُو القُلُوبَ إِلى مَحَبَّةِ رَبِّهَا ... وَالذِكْرِ لِلْرَحمنِ كُلَّ أَوانِ يَدْرِي بِهَذَا من له نَوعُ اعْتَنَا ... في كُتْبِهم مَع صِحَّةِ العِرْفَانِ فَاحْمَدِ إِلهَ الخَلْقِ إِنْ كُنْتَ امْرَأً ... تَشْتَاقُهَا وَتُحِبُّهَا بِجَنَانِ وَاحْمَدْ إِلَهَ الخَلْقِ أَيضًا ثَانِيًا ... في نَشْرِهَا في هَذِهِ الأَزْمَانِ حَتَّى غَدَتْ بَينَ العِبَادِ كَثِيرةً ... مَشْهُورَةً في سَائِرِ البُلْدانِ فَعَسَى الذِي بَعْث القروم لنشرها ... أَن يبعث العَزَمَاتِ بَعد تَوانِ حتى تكون إلى العلوم سريعة ... مشتاقة للعلم والعرفان

إني أرى الناس عن دين لهم رغبوا

ويزيل عن هذه القلوب موانعًا ... عاقت وصول العلم والإيقان ويلم هذا الدين بعد تشعث ... قَد كَادَ أَنْ يَنْهَدَّ لِلأَرْكَانِ وَيُفَتِّحُ الأَبوابَ بَعد مُضِيِّهَا ... دَهْرًا عَلَى التَّغْلِيقِ وَالأَدْرَانِ وَيُؤَلِّفُ الرَّحمنُ بَعْدَ تَفَرقٍ ... أَرْوَاحَ أَهْلِ العِلْمِ وَالإِيمَانِ بِجَلالِهِ وَجَمَالِهِ مُتَوَسِّلاً ... يَا دَائِمَ المَعْرُوفِ والإِحْسَانِ وَعلى الرَّسُولِ مُصَلِّيًا وَمُسَلِّمًا ... وَالصَّحْبِ وَالاتْبَاعِ بالإِحْسَانِ وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمة الله عليه: إني أرى الناس عن دِينٍ لهمْ رَغِبُوا ... باعُوا النفيسَ بدين بَيع خُسْرَانِ كُونُوا لأُخْراكُمْو غَرْسًا فإنَّ لَكُم ... يَومًا أَمَرَّ فلا تَلْهُوا كَعُمْيَانِ وَجَدِّدُوا دْيِنَكُم في كُلِ آوِنَةٍ ... وجَاهِدُوا مَنْ بَغَوا تُحْضَوا بِغُفْرانِ هَذي الأعادِي أتُتْكُم في أسَافِلِكُم ... وفَوقَكُم جُمْلةٌ تَبًّا لِوَسْنَانِ قَلَدْتُمُو فْعِلهمُ حَتَّى وَلَو دَخَلُوا ... جُحْرًا لِضَبٍّ دَخَلْتُم فِعْلَ عُمْيَانِ مَا هَمُكُم غَيرَ جَمْعِ المالِ مِن سَفَهٍ ... يَا وَيلَكُم مِن عَظِيمِ البَطْشِ دَيَّانِ وقال عفا الله عنه: وَمِلةَ إبْرَاهِيمَ فاسْلُكْ طَرِيقَها ... وَعادِ الذي عَادَاه إنْ كُنْتَ مُسْلِمَا وَوَالِ الذِي وَالَى وإيَّأكَ لا تَكْنُ ... سَفِيهًا فَتَحْظَى بالهَوانِ وتَنْدَمَا أَفِي الدِين يَا هَذَا مُسَاكَنَةُ العِدَا ... بِدَارٍ بِهَا الكُفْرُ ادْلهمَّ وأجْهمَا وأَنْتَ بِدَارِ الكُفْرُ لَسْتَ بَمُظْهِرٍ ... لِدِينِكَ بَينَ النَّاسِ جَهْرًا ومُعْلِمَا (بأيّ كِتَابٍ أمْ بأيَّةِ سُنَّةٍ) ... أخَذْت علىَّ هَذَا دَلْيِلاً مُسَلَّمَا وأنَّ الذي لا يُظْهِرُ الدِّينَ جَهْرَةً ... أبَحْتَ لَهُ هَذَا المقامَ المُحَرَّمَا إذَا صَامَ أو صَلَى وَقَدْ كَانَ مُبْغِضَاً ... وبالقَلْبِ قَدْ عَادَى ذَوِي الكُفْرِ والعَمَى

المرء لابد لو قد عاش من قفس

ثَكِلْتُكَ هَلْ حَدَّثَتَ نَفْسَكَ مَرَّةً ... بِملَّةِ إبْراهيمَ أمْ كُنْتَ مُعْدِمَا فَفِي التِرْمِذي أنَّ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا ... بَرِيءُ مِن المَرءِ الذِي كَانَ مُسْلِمَا يُقِيمُ بِدَارِ أَظهَرَ الكُفْرَ أهْلُهَا ... فيا وَيحَ مَن قَدْ كَانَ أعْمَى وأبْكَمَا أمَا جَاءَ آياتٌ تَدُلُّ بِأَنَّهُ ... إذَا لَمْ يُهَاجِرْ مُسْتَطِيعٌ فإنَّمَا جَهَنَّمُ مَأْوَاهُ وسَاءَتْ مَصِِيرَه ... سِوَى عَاجِزٍ مُسْتَضْعَفٍ كَانَ مُعْدِمَا فَهَلْ عِنْدَكُم عِلْمٌ وبُرْهَانُ حُجَّةٍ ... فَحَيِهَّلاً هَاتُوا الجَوابَ المُحتَّمَا ولَنْ تَسْتَطِيعُوا أن تَجْيِئُوا بحُجَّةٍ ... لِتَدْفَعَ نَصًا ثَابتًا حَاءَ مُحْكَمَا ولَكِنَّما الأَهْواءُ تَهْوِي بأهْلِهَا ... فَوَيلٌ لِمَنْ ألوَتْ بِهِ مَا تَألمَا أَلاَ فأَفِيقُوا وارْجِعُوا وتَنْدَمُوا ... وفِيئُوا فإنَّ الرُشْدَ أولَى مِنَ العَمَى وَظَنِّي بأنَّ الحُبَ للهِ والوَلاَ ... عَلَيهِ تَوَلَّى عَنْكُمُو بَلْ تَصَرَّمَا وحُبُّكمْ الدُّنيا وإيثَار جَمْعِهَا ... عَلَى الدِينِ أضْحَى أمَرهُ قَدْ تَحَكَّمَا لِذَلِكَ دَاهَنْتُم وَوَاليتمُو الذِي ... بأَوَضَارِ أهْلِ الكُفْرِ قَدْ صَارَ مُظْلِمَا وجَوَّزْتمُو مِنْ جَهلِكُم لِمُسَافِرٍ ... إقَامَتَهُ بَينَ الغُوَاةِ تَحَكُمَا بِغَيرِ دَليلٍ قَاطعٍ بَلْ بِجَهْلِكم ... وتَلْبِيسِ أفَّاكٍ أرَادَ التَّهَكُمَا ... وقال عفا الله عنه مخمسًا أبياتًا أولُهَا لا تأْمَنِ الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفسِ إلى آخرها قال: المرء لابد لو قد عاش من قفس ... يبقى الإلهُ ويَفْنى كلُّ نفس يا من تنعَّم في دنياه بالنَّفَس ... (لا تأمن الموت في طرف ولا نفس ولو تمنعت بالحجاب والحرس) لا بدَّ لو أنَّ نفس المرء عائدة ... من غصة الموت لو عن ذاك لائذة فاحذر سهام المنايا فهي آخذة ... (واعلم بأن سهام الموت نافذة

كثير الورى مالوا وقد رفضوا الأخرا

في كل مدرع منا ومترس) دنست دينك بالأدنى فأركسه ... وقمت تحوي من الدينار أرجسه ولا تبالي بما للدين دنسه ... (ما بال دينك ترضى بأن تدنسه وثوب جسمك محفوظ من الدنس) طاوعت نفسك والشيطان أهلكها ... حتى أراها الهوى العاتي مهالكها أضللت نهجا من كان سالكها ... (ترجو النجاة ولا تسلك مسالكها إن السفينة لا تمشي على اليبس) وقال رحمه الله: كثيرُ الوَرَى مالُوا وقَدْ رَفَضُوا الأُخْرَا ... إلىَ هَذِي الدُنيا الدَّنِيةِ والضَّرْا وجُلُّهُمُو لاَهٍ بِهَا مُتَغَافِلٌ ... ولَيسَ لَهُم نَاهٍ فَيَأْطُرَهُمْ أَطْرَا ومنَ نَالَ مَالاً مِنْهُمُو مَالَ خَدُّهُ ... مِن الكِبْرِ يَمْشِي مِشْيَةً مَرِحًا صَعْرَا تَكَبَّرَ مِن جَهْلٍ وخَالَ بأنّهُ ... عَظِيمٌ ولم يَخْشَ العِقَابِ الذِي يُدْرَا فَيَا ويحَهُ لَو كَانَ يَعْرِفُ رَبَّهُ ... تَواضَعَ لِلْمَولَى ولَمْ يَرْتضِ الكِبْرَا ومَا العِزُّ إلاَّ فِي التَّواضُع يَا فَتَى ... وفِي الكِبْرِ ذِلٌ والذِي فَلَقَ البَحْرَا وفي سُورَةٍ لِلْمُؤْمِنينَ أيَحْسَبُوا ... لِمَوعِظةٍ فاسْمَعْ لَهَا حِينَ ما تَفْرَا وغَالبهُم مَنْعٌ وهَاتِ ومَا لَهُم ... سِوَى هَاتِ مِن هَمٍّ وَمَنْعُهُمُو التبْرَا وقدْ أعْرَضُوا عن نَهْيِهم لِمَناكِرٍ ... لِحظٍ خَسِيسِ زَائِلٍ يَا لَهَا كِبْرَا إذَا قِيلَ هَذَا مُنْكَرٌ صَمَّمُوا عَلَى ... سُكُوتٍ وقالُوا لا نُطِيقُ لَها نُكْرَا وإنْ قِيلَ هَذَا دِرْهَمٌ رَكَضُوا لَهُ ... وفَلُّوا بُنُودًا فِي حُصُولٍ لَهُ قَسْرَا فَهُمْ يَخْتُلُوا الدُنْيَا بِدِينِهِمُو وَلاَ ... لَهُم زَاجِرٌ مِنهم فَيَزْجُرُهُم زَجْرَا فَيَا نَاهِجًا نَهْجًا لِذاكَ أفِقْ أفِقْ ... ويَا جَامِعَ الأمْوَالِ أوعَيتهَا جَمْرَا ... سَتُكْوَى جِبَاهٌ والجُنُوبُ بِهَا وفِي ... ظُهُورٍ لَهُمْ حَقًا نَجِد إنْ تَسَلْ خُبْرَا

إلهي أقل منا العثار فإننا

ويَا مُعْرِضًا عن دِينِهِ وإلههِ ... أَمَا آنَ أنْ تَخْشَى الذِي أنْزَلَ الذِكْرَا وَيَا لاَهِيًا فِي لَهوهِ وخُمُورِهِ ... وفي رَقْصِهِ أقصر زَمِامَ الهَوى قَصْرَا وَيَا مَن تَمادَى في المعَاصِي ولَمْ يَخَفْ ... عَظِيمًا شَدِيدَ البَطْشِ إنَّكَ مُغْتَّرَا فهادِمُ لَذَّاتِ الوَرَى فِي نُحُورِكُم ... ومِن خَلْفِكُم حَادٍ لَهُ يَهْدِمُ العُمْرَا ومَا هَذِهِ الدُنيا بِدَارِ إقَامة ... سَتَرْحَلُ عَنْ دُنْياكَ هَذِي إلَى الأُخْرَا ويَا لَيتَهُ موتٌ بَلَى إنَّ بَعْدَهُ ... لَهْولٌ شَدِيدٌ هَولُهُ يَقْصِمُ الظَّهْرَا وَكُلٌ يَجَازَى بالذي كَانَ زَارِعًا ... فَمنْ زَارِعٍ خَيرًا ومِن زَارِعٍ شَرَا فَتُوبُوا إلَى مَولاَكُمُو وتَقَرَّبُوا ... إليهِ بِطَاعَاتِ لَهُ تَغُنَمُوا الأَجْرَا وصَلُّوا صَلاة الخَمْسِ مِثْلَ مُوَدّعٍ ... وأدُّوا زَكَاةَ المالِ لاَ تَفْعَلُوا الكُفْرَا وصُومُوا وَحُجُّوا البَيتَ لَيسَ لِغَيرِهِ ... وكُونُوا جَمِيعَاً إخْوَةً واهْجُرُوا النُكْرَا وحَامُوا عَلَى دِينِ الهُدَى وابْذُلُوا لَهُ ... جهِادًا تَنَالُوا المَجْدَ والعِزَ والنَّصْرَا ولا تُخْلِدُوا في الأرْضِ عن نَصْرِ دِينِهِ ... تَذِلُوا فإنَّ اللهَ سَائلكُم طُرَّا ولا تَرْكنُوا نَحْوَ الأُولَى كَفَرَوُا بِهِ ... فَتَصْلاَكُمُو نَارٌ فَأبْدُوا لَهُمْ هجْرَا فَلَيسَ لَكُم عُذْرٌ فَيُنْجِيكُمو إذَا ... عُرضْتُم عَلَى مَن يَعْلَمُ السِّرَّ وَالجَهْرَا مُرُوا النَّاسَ بالمَعْرُوفِ وانْهَوا بِجُهْدِكُمْ ... عن المُنْكِر واخْشَوا قَادِرًا قاهِرًا يُدْرَا فإنْ قُلْتُمُو لا نَسْتَطِيعُ فَلَيسَ ذَا ... بِمجْدٍ لَدَى مَن عِنْدَهُ النارُ في الأُخْرَا ولَمْ تُحْبَسُوا يَومًا وَلَمْ تُضْرَبُوا بَلَى ... عَصَاكُم فَسَيفٌ فاتَّقُوا اللهَ يَا القُرَّا * * * إلهي أقِلْ مِنَّا العِثَارَ فإنَّنَّا ... غَرِيبُونَ في الدُنْيَا وخُطَّا فَهَبْ غفْرَا عَسَى وعَسَى مِن نَظْرَةٍ صَمَديةٍ ... تُبَدِّلُ أحْوَالاً وتُصْلِحُ مُزْوَرَّا وتَهْدِي مُلوكَ المُسلِمينَ جَمِيعَهِمْ ... مَعَ العلَمَا كَي يَنْصُرْوا المِلَّةَ الغَرَّا عَسَى وعَسَاها عَلَّها وَلَعَلَّهَا ... يُقَدِّرُّهَا مَنْ يَملِكُ النَّفْعَ والضَّرَّا

بما قدمت أيدي الورى ستعذب

وأخْتِمُ نَظْمِي بالصَّلاةِ مُسَلِّمًا ... عَلَى المُصْطَفَى الهايِ النَّذِيرِ أبِي الزَّهْرَا وتَابِعهِم والتَابِعِين عَلَى الهُدَى ... إلى مَطْلُعٍ مِن مَغْربٍ شَمْسُها الفَجْرَا وقال آخر: تأمل هذه القصيدة بدقة فيها عِبر ومواعظ وتزهيد فيما يفنى: بِمَا قَدَّمَتْ أَيدِي الوَرَى سَتُعَذَّبُ ... فَنَاجٍ بِخَدْشٍ والكَثِيرُ يُكَبْكَبُ أَمَا يَسْتَحِث من كان يَلْهُو ويَلْعَبُ ... (ذُنُوبُكَ يا مَغْرُورُ تُحَصْىَ وتُحْسَبُ) (وَتُجمع في لَوحٍ حَفِيظٍ وَتُكْتَبُ) وَأَنْتَ بِمَا لا يُرْتَضَى كُلَّ لَيلَةٍ ... أَمَا تَتَّقِي مَولاكَ في كُلِّ فِعْلَةٍ تَبِيتُ بِلَذَّاتٍ وتَلْعَابِ طِفْلَةٍ ... (وَقَلْبُكَ في سَهْوٍ وَلَهْوٍ وَغَفْلَةٍ) (وَأَنْتَ عَلَى الدُّنيا حَرْيصٌ مُعَذَّبُ) فَلَو تَسْتَطِعْ أَخْذَ التُّقى وَرَحْلِهِ ... أَخَذْتَ وَلَو فِي بَيتِهِ وَمَحَلهِ وَأَنْتَ على كَنْزِ القَلِيلِ وَجلِّهِ ... (تُبَاهِي بِجَمْعِ المَالِ من غَيرِ حِلِّهِ) (وتَسْعَى حَثِيثًا في المَعَاصِي وَتُذْبِبُ) وَتُعْرِضُ عَن فِعْلِ المَرَاضِي وَتَرْتَضِي ... فِعَالاً تُنَافِي فِعْلَةَ الدِّينِ الرَّضِي أَمَا تَرْعَوي يا من على لَهْوهِ رَضِي ... (أَمَا العُمْرُ يَفْنَى والشبيبةُ تَنْقَضِي) (أَمَا العُمْرُ آتٍ وَالمَنِيَّةُ تطلبُ) فَلا تَغْتَرِر وَاحْذَرْ فَدُنْياكَ يا الغَدِي ... إِذَا أَضْحَكتكَ اليَومَ أَبْكَتْكَ في الغَدِ أَتَلْهُو بِدَارٍ لا تَدُومُ لِمَرْغَدِي ... (أَمَا تَذْكُر القَبْرَ الوَحِيشَ وَلَحْدَه) (بِه الجِسْمُ مِن بَعْدِ العمَارِةِ يَخْرَبُ) وتَقْتَتِلُ الدِيدَانُ لا شَكَّ حَولَهُ ... وَمَا أَحَدٌ يَنْعِي ولا يَع عَولَهُ أَمَا آنَ أَنْ تَخْشَى العَزِيزَ وَطولَهُ ... (أَمَا تَذْكُر اليومَ الطَّوِيلَ وَهَولَهُ) (وَمِيزَانَ قِسْطٍ لِلْوَفَاءِ سَيُنْصَبُ) فَتُوزَنُ أَعْمَالٌ فَتُخْزى رِجَالُهُ ... وكُلٌ يُجَازَى مَا جَنَتْهُ فِعَالُهُ

وَوَيلٌ لِمَنْ ضَاقَتْ عَليه مَجَالُهُ ... (أَمَا جَاءَ أَنَّ اللهَ جَلَّ جَلالُهُ) (إِذَا هَتَكَ العَبْدُ المَحارمَ يَغْضَبُ) فَيَهتكُ ستْرَ الظالِمِينَ بِغِرَّةٍ ... وَكُلَّهُمُو عَضَّ الأَكُفَّ بِحَسْرَةٍ ولاتَ مَنَاصٍ حِينَ جَادُوا بِعَبْرةٍ ... (أَمَا الواحدُ الدَّيانُ جَلَّ بِقُدْرَةٍ) (يُنَاقَشُ عَنْ كُلِّ الذُنُوبِ وَيَحْسِبُ) ... فَيُنصِفُ لِلْمَظْلُومِ مِمَّنْ لَهُ افْتَرَى ... وَيَقْصِمُهُ قَصْمًا فَيَبْقَى مُقَحْطَرَا أَمَا زَاجِرٌ يَزْجُركَ يا من تَبَخْتَرَا ... (أَمَا تَذْكُرُ المِيزَانَ وَيحَكَ مَا تَرَى) إِذَا كُنْتَ في قَعْرِ الجَحِيمِ مُكَبْكَبُ) أَمَا تَمْشِين بَينَ الوَرَى مُتَوَاضِعًا ... أَمَا تَتَّقِي رَبًّا أَلا تَكُ خَاضِعًا أَحَاطَكَ ظَهْرًا ثُمَّ بَطْنًا وَرَاضِعًا ... (كَأَنَّكَ مَا تَلْقَى عَلى الأَرْضِ مَوضِعَا) (وَمِنْ بَعْدُ تَلْهُو بِالشَّبَابِ وَتَلْعَبُ) رَأَيتَ ولَمْ تَشْعُرْ نَذِيرًا وَنَاهِيًا ... وَكُنْتَ بِدُنْيَاكَ الدَّنِيَّةِ سَاهِيًا سَهِرْتَ وآثَرْتَ الغِنَى وَمَلاهِيًا ... (تَرُوحُ وَتَغْدُو في مَرَاحِكَ لاهِيًا) (وسَوفَ بِأشْرَاكِ المَنِيَّةِ تَنْشبُ) أَتَحْسَبُ أنَّ الله أَنْشَا الوَرَى سُدَى ... سَيأتِيكَ مَا مِنْهُ تَكُونُ مُكَسَّدًا وَتُنْزَعُ رَوحٌ ثُمَّ تَبْقَى مُجَسَّدَا ... (وتَبْقَي صَرِيعًا في التُرابِ مُوَسَّدَا) (وَجِسْمُكَ مِن حَرٍ بِهِ يَتَلَهَّبُ) وَمَالَكَ عَن دَفْعِ الأَذِيَةِ صَولَةٌ ... وَمَالَكَ مُذْ جَاءَ المُقَدَّرُ حِيلةٌ تَنُوحُ وَتَبْكِي بِالدُمُوعِ أَهيلَة ... (وحَولَكَ أَطْفَالٌ صِغَارٌ وَعَولَةٌ) (بِهِم بَعْدَ مَغْدَاكَ البَنُونُ تَشَعَّبُ) أَيادِي سَبَا خَلْفًا وَيَمْنَى وَيَسْرَةً ... وَكُنْتَ رَهِينًا لِلْمَنَايَا وَقسرَةً وجَاءَكَ مَا أَودَى إليها وَمَسَرَّةً ... (وقَدْ ذَرَفَتْ عَينَاكَ بِالدَّمْعِ حَسْرَةً) (وخَلَّفْتَ لِلْوُرَّاثِ مَا كُنْتَ تَكْسِبُ) وتَسْعَى لَهُ مِن تَالِدٍ وَمُحَصَّلٍ ... وَتَسْهَرُ لَو فِي سَدِّ يَأْجُوجَ تُوصِلُ

وبِتَّ وَلَمْ تَسْمَعْ وُصَاةً لِمُوصِلٍ ... (تُعَالج نَزْعَ الرُوحِ من كُل مَفْصِلٍ) (فلا رَاحِمٌ يُنْجِي ولا ثَمَّ مَهْرَبُ) وَضَاقَتْ عَلَيكَ الرُوحُ بَعْدَ مُرُوجِهَا ... وَأُنْزلْتَ عِنْدَ البَابِ بَعْدَ بُرُوجِهَا وَقُرِّبتِ الأَكْفانُ بَعْدَ عُرُوجِهَا ... (وغُمِّضَتِ العَينَان بَعْدَ خُرُوجِهَا) (وبُسِّطَتِ الرِجْلان والرَّأَسُ يُعْصَبُ) وَقَامَ سِرَاعُ النَّاسِ لِلْنَّعش يُحْضِرُوا ... وَحَفَّارُ قَبْرٍ في المَقَابِرِ يَحْفُرُ وَجَدَّ الذِي في حَول نَادِِيكَ حُضَّرٌ ... (وقَامُوا سِرَاعًا في جهَازِكَ أَحْضَرُوا) (حَنُوطًا وَأَكْفَانًا وَلِلْمَاءِ قَرَّبُوا) ... وَصَبُّوا عَلَيكَ المَاءَ وَأَنَّ سُمُوعَهُ ... وَحَنَّ قَرِيبٌ بِالبُكَا وَرُبُوعُهُ وَكُلُّ شَقِيقٍ جَاءَ جَدَّ زُمُوعُهُ ... (وغَاسِكُكَ المحزُونُ تَبْكِي دُمُوعُهُ) (بِدَمْعٍ غَزِيرٍ وَاكِفٍ يَتَصَبَّبُ) كَصَيِّبِ مُزْنٍ وَدقُهُ مُتفرقٌ ... حَزِينٌ وَمِن مَا دَمْعه مُتَفَرّقٌ وَكُلُّ رَحِيمٍ قَلْبُهُ مَتَحَّرِقٌ ... (وكُلُّ حَبِيبٍ لُبُّهُ مُتَحرِقٌ) (يُحَرِّكُ كَفَّيْهِ عَلَيكَ وَيَنْدُبُ) وَجَاؤوا بِأَثوابٍ وَطِيب بِطَيِّهَا ... (وقَدْ نَشَرُوا الأَكْفَانَ مِن بَعْدَ طَيِّهَا) وَقَدْ بَخَّرُوا مَنْشُورَهُنَّ وَطَيَّبُوا وَخَاطُوا الذي يَحْتَاجُ مِنْهَا وَأَخْرَجُوا ... طَرَأيدَ لِلْتحِزيمِ مِنْهَا وَأَدْلَجُوا جَمِيعًا بِتَجهازٍ وَجِسْمَكَ أَدْرَجُوا ... (وألقوك فيها بَينَهُنَّ وَأَدْرَجُوا) (عَلَيكَ مَثَانِي طَيّهنَّ وَعَصَّبُوا) وَشَالُوكَ من بَينِ الأَخِلّا مُجَرَّدًا ... وَمَا لكَ خَلْفًا قَدْ تَركْتَ وَخُرَّدا وَصَلَّوا وُقُوفًا ثُمَّ زَفَّوكَ وُرَّدًا ... (وفي حُفْرةٍ ألقَوكَ حَيرَانَ مُفْرَدَا) (تَضُمُّكَ بَيدَاءٌ مِن الأَرْضِ سَبْسَبُ) بَعيدٌ عَلَى قُرْبِ المَدَى يَعْلَمُونَهُ ... وسَائِلُكَ المُجْهَادُ لا يَسْمعُونَهُ

وَقَبْرَكَ قَامُوا بَعْدَ ذَا يَسِمُونَهُ ... (ورَاحُوا لِمَا خَلَّفْتَ يَقْتَسَمُونَهُ) (كأنَّكَ لَمْ تَشْقَى عَليهِ وَتَتْعَبُ) وَتَسْهَرُ حَتَّى كَادَ ظَهْرُكَ يَنْهَصِرْ ... وَجِسْمُكَ مَهْزُولٌ بِسَعْيِكَ مُنْعَصِرْ وَخَلَّفْتَهُ طُرًّا وَمَالَكَ مُنْتَصِرْ ... (فيا أَيُّهَا المَغْرُورُ حَسْبُكَ فَاقْتَصِرْ) (وخَفْ مِن جَحِيمٍ حَرُّهَا يَتَلَهَّبُ) وَلا تَمْشِ مِن بَينَ البَرَّيةِ مُسْبِلا ... وَكُنْ صَالِحًا بَرًا تَقِيًا مُحَسْبلاَ وَتُبْ عَن ذُنُوبٍ لا تَكُنْ متُكَرْبِلاَ ... (وجَانِبْ لِمَا يُرْديِكَ فِي حُفْرَةِ البِلى) (فَكُلٌ يُجَازَى بِالذِي كَانَ يَكْسِبُ) مَآكِلُ مَا نحْتَاجُ مِنْهَا لِقُوتِنَا ... شَبِيهُ حَرَام وَالسَّمِيعُ لِصَوتِنَا يُجَازِي بِعَدْلٍ لا مَفَرَّ لِفَوتِنَا ... (إذُّا كَانَ هَذَا حَالُنَا بَعْدَ مَوتِنَا) (فَكَيفَ يَطِيبُ اليَومَ أَكْلٌ وَمَشْرَبُ) ... وَقُدَّامُنَا َقَبْرٌ بِهِ المَرْءُ أَلْكَنُ ... وَلَو أَنَّهُ سَحْبانُ مَأثم أَلْسَنُ وَكَيفَ رَبَتْ مِنَّا لُحُومٌ وأَعْكُنُ ... (وكَيفَ يَطِيبُ العَيشُ وَالقَبْرُ مُسْكَنُ) (بِهِ ظُلُمَاتٌ غَيهَبٌ ثُمَّ غَيهَبُ) وَخَوفٌ بِهِ حَزْنٌ طَوِيلٌ وَرَعْشَةٌ ... وَلَيتَكُ تَسْلَم لا يُصِيبُكَ نَهْشَةٌ وَمُنْكَرٌ إِذْ يَسْأَل يَهلْك وَدَهْشَةٌ ... (وهَولٌ وَدِيدَانٌ وَرَوعٌ وَوَحْشَةٌ) (وَكُلُّ جَدِيدٍ سَوفَ يَبْلَي وَيَذْهَبُ) وَمِنْ بَعْدِ ذَا يَومٌ وَإِنَّ حِسَابَهُ ... أَلِيمٌ مَهُولٌ مُفْزِعٌ وَعِقَابُهُ عَظِيمٌ لِعَاصٍ مَا أَشَدَّ عَذَابَهُ ... (فَيَا نَفْسُ خَافِي الله وَارْجي ثَوَابَهُ) (فَهَادِمُ لَذَّاتِ الفَتَى سَوفَ يَقْرُبُ) فَيَأْخُذُ أَطْفَالاً وَيَأْخُذُ رِمَّةً ... وَيَأْخُذُ شُبَّانًا وَيَهْدِمُ نِعْمَةً فَخَلِي بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ وَعَسْمَةً ... (وَقُولِي إِلهي أَولنِي مِنْكَ رَحْمَةً)

يا من علا وتعالى عن خليقته

(وعَفْوًا فَإِنَّ الله لِلْذَّنْبِ يُذْهِبُ) وَخُذْ بِيَدِي نَحْوَ الطَّريقِ المُحَمَّدِي ... وَكُنْ بِي رَحِيمًا وَاسْتَقِمْ بِي عَلى الهُدَى وَلا تُخْزِنِي في الحَشْرِ وأطْلِقْ مُقَيَّدِي ... (وَلا تُحْرِقَنْ جِسْمِي بِنَارِكَ سَيِّدِي) (فجِسْمِي ضَعِيفٌ وَالرَّجَا مِنْكَ أَقْرَبُ) وُجُودُكَ مَنَّانِي ولو كنت أَحْقَرَا ... وَعَفْوكَ رَجا مَنْ هَفَا وَتَقَحْطَرَا وَإِنَّي وإنْ كنت البَعِيدَ ومَنْ وَرَى ... (فَمَالِي إِلاَّ أَنْتَ يَا خَالِقَ الوَرَى) (عَلَيكَ اتِّكَالِي أَنْتَ لِلْخَلْقِ مَهْرَبُ) وَأَنْتَ مَلاذٌ لِلْوَرَى فِي رُجُوعِهَا ... مُجِيبٌ لمن يَدْعُو بِهَامِي دُمُوعِهَا فَتَرْجُوكَ تَسْمَعْ مِنْ صَمِيمِ سَمِيعِهَا ... (وَنَدْعُو بِغُفْرَانِ الذُنُوبِ جَمِيعِهَا) (وخَاتِمَةِ العُمْرِ التِي هِيَ أَطْلُبُ) وَأَسألُ طُولَ الدَّهْرِ مَا نَاءَ طَارِقُ ... (وصَل إِلهي كُلَّ مَا نَاضَ بَارِقُ) (وَما طَلَعَتْ شَمْسٌ ومَا لاحَ كَوكَبُ) وَمَا حَنَّ رَعْدٌ فِي دَيَاجِي لَيَالِهِ ... ومَا انْهَلَّ سَارٍ مُغْدِقٍ مِنْ خِلالِهِ وَمَا أمَّ بَيتَ الله من كلِّ وَالِهِ ... (على أَحْمَدِ الطُّهْرِ النَّذِيرِ وآلِهِ) (فَهُو خَيرُ أَهْلِ الأَرْضِ طُرًا وَأَطْيَبُ) وأَكمُل مَن حَلَّ الصَّفَا وَالمُحَصَّبَا ... وأحْلاهُمُو خَلْقًا وخُلقًا وَمَنْصِبَا وأَصْحَابِهِ ما اخْضَرَّ عُودٌ وأَخْصَبَا ... (كَذَاكَ سَلامُ اللهِ مَا هَبَّتِ الصِّبَا) (وهَبَّتْ شَمالٌ مَع جَنُوبٍ وَهَيدَبُ) ... وقال رحمه الله: يَا مَن عَلاَ وتَعَالَى عَن خَلِيقَتِهِ ... يَا غَافر الذَّنْبِ عَن جَانِي جَنيَّتِهِ يَا قَابِلَ التَّوبِ عَن عَانٍ لِزَلَّتِهِ ... (يَا مَنْ لَهُ الفَضْلُ مَحْضًا في بَرِّيتهِ) (وهْوَ المأمَّلُ في الضَّراءِ والباسِ) عَلَى الوَرَى نِعَمٌ تَترىَ عَمَمْتَ بِهَا ... سَاهٍ ولاهٍ ومَنْ قَدْ كَانَ مُنْتَبِهَا

قريح القلب من وجع الذنوب

جُدْ لِي بِجُودِكَ عَمَّا كَانَ مُشْتَبِهَا ... (عَوَّدْتَنِي عَادَةً أنْتَ الكَفِيلُ بِهَا فَلاَ تَكِلْني إلى خَلْقٍ مِن النَّاسِ يَا مَنَ عَلى عَرْشِهِ عَالٍ بِعِزَّتِهِ ... الطُفْ بِعَبْدِكَ واحْفَظْ مَن يَحُوزُ بِهِ وعُذْهُ مِن كُلِّ شَيطَانٍ وأزَّتِهِ ... ولا تُذِلَّ لَهُم مَن بَعْدِ عزَّتِهِ وَجْهَي المِصْونَ ولا تَخْفِضْ لَهُمْ رَأْسِي) قَسَّمْتَ أرزاقَهم في مَاضِيَ القَدَرِ ... حَتَّى العُصَاةِ وحَتَّى كُلِّ ذِي أشَرِ مِن قَاعِدِينَ وَوُسْنَانٍ ومُنْتَشِر ... (فابْعَث عَلَى يَدِ مَنْ تَرضَاهُ مِن بَشَرِ رِزْقِي وَصُنِّيَ عَنْ مَنْ قَلْبُهُ قَاسِي) مَا خَابَ رَاجِيكَ بَلْ لاَ بُدَّهُ يَصِلُ ... وقَدْ مَدَدْتُ حِبَالِي عَلَّهَا تَصِلُ حَبْلِي مِن النَّاسِ إلاَّ عَنْكَ مُنْفَصِلُ ... (امْنُنْ فَحَبْلُ رَجَائِي فِيكَ مُتَّصِلُ) بِحُسْنِ صُنْعِكَ مَقْطُوعٌ مِن النَّاسِ) تَضرُّعٌ إلى الله جَلَّ وَعَلاَ آخر: قَريحُ القَلْبِ مِن وَجَعِ الذُنُوبِ ... نَحِيلُ الجِسْمِ يَشْهَقُ بالنَّحِيبِ أضَرَّ بِجِسْمِهِ سَهَرُ اللَّيالِي ... فَصَارَ الجِسْمُ مِنْهُ كَالقَضِيبِ وغَيَّرَ لَونَهُ خَوفٌ شَدِيدٌ ... لِمَا يَلْقَاهُ مِنْ طُولِ الكُرُوبِ يُنَادِي بالتَّضَرُّع يَا إلهي ... أقلْنِي عَثْرَتي واسْتُرْ عُيُوببي فَزعْتُ إلى الخَلائِقِ مُسْتَغِيثًا ... وَلَم أرَ في الخَلاَئِقِ مِن مُجِيبِ وأنْتَ تُجِيب مَنْ يَدْعُوكَ رَبِي ... وتَكَشْفُ ضُرَّ عَبْدِكَ يَا حَبِيبِي ودَائِي بَاطِن وَلَدَيكَ طِبٌ ... ومَن لِي مِثْلُ طِبِّكَ يَا طَبِيبَي آخر: تَحَرَّزْ مِن الدُنيا فإنَّ فِنَاءَهَا ... مَحَلُّ فَنَاءٍ لاَ مَحَل بَقَاءِ وصَفْوَتُهَا مَمَزُوجَةٌ بِكُدُورَةٍ ... ورَاحَتُهَا مَقْرونَةٌ بِعَنَاءِ

عجبت لجازع باك مصاب

آخر: عَجِبْتُ لِجَازِع بَاكٍ مُصَابٍ ... بأهْلٍ أو حَمِيمٍ ذِي اكْتِيَابِ شَقِيقُ الجَيبِ دَاعِي الوَيلِ جَهْلاً ... كَأنَّ المَوتَ كَالشَّيءِ العُجَابِ لَهُ مَلَكٌ يُنَادِي كُلَّ يَومٍ ... لِدُوا لِلْمَوتِ وابْنُوا لِلْخَرَابِ آخر: أعَاذِل ذَرِيني وانْفِرَادِي عَن الوَرَى ... فَلَسْتُ أرَى فيهم صَدَيقًا مصافِيَا ندمَايَ كُتْبٌ أسْتَفِيدُ عُلُومَهَا ... أحَبِائي تُغْنِي عَنْ لِقَاءِ الأعَادِيَا وأنْفَعُهَا القُرآنُ فَهْوَ الذِي بِهِ ... نَجَاتِي إذَا فَكَّرْتُ أو كُنْتُ تَالِيَا لَقَدْ جُلْتُ في غَرْبِ البِلاَدِ وشَرْقِهَا ... أنَقِّبُ عَمَّنْ كَانَ للهِ دَاعِيَا فَلَمْ أرَ إلاَّ طَالِبًا لِرِيَاسَةٍ ... وجَمَّاعَ أمْوَالٍ وشَيخًا مُرَائِيَا قَبَضْتُ يَدِي عَنْهُمْ وآثَرْتُ عُزْلَةً ... عن النَّاسِ وَاسْتَغْنَيتُ باللهِ كَافَيَا آخر: إنَّ الذَينَ بَنَوا مَشِيدًا واعْتَلَوا ... واسْتَمْتَعُوا بالأهْلِ والأولاَدِ جَرَتِ الرِّيَاحُ على مَحَلِّ دِيَارِهِمْ ... فَكأنَّهُمْ كَانَوا عَلَى مِيعَادِ وأرَى النَّعِيمَ وكُلُّ مَا يُلْهَى بِهِ ... يَومًا يَصِيرُ إلى بِلى وَنَفَادِ آخر: المَوتُ لاَ وَالدًا يُبْقِي وَلاَ وَلَدَا ... هَذَا السَّبيِلُ إلىَ أنْ لا تَرَى أحَدَا كَانَ النَّبِيُ ولَمْ يَخْلُدْ لأُمتِهِ ... لَو خَلَّد اللهُ خَلْقًا قَبْلَهُ خَلَدَا لِلْمَوتِ فِينَا سِهَامٌ غَيرُ خَاطِئَةٍ ... مَنْ فَاتَهُ اليَومَ سَهْمٌ لَمْ يَفُتْهُ غَدًا

ذهب الذين عليهم وجدي

آخر: ذَهَبَ الذيِنَ عَليهِمُ وُجْدِي ... وَبَقِيتُ بَعْدَ فِرَاقِهِمْ وَحْدِي مَن كَانَ بَينَكَ في التُراب وبَينَهُ ... شِبْرَانِ فَهُو بِغَايَةِ البُعْدِ لَو كُشِفَتْ لِلْخَلْقِ أطْبَاقُ الثَّرى ... لَمْ يُعْرَف المَولَى مِنَ العَبْدِ مَن كَانَ لاَ يطأُ التُرابَ بِرجِلِهِ ... يَطَأُ التُّرابَ بِنَاعِمِ الخَدِ آخر: جَنْبِي تَجَافَى عَن الوَسَادِ ... خَوفَا مِن المَوتِ وَالمعَادِ مَن خَاف مِن سَكْرَةِ المَنَايَا ... لَمْ يَدْرِ مَا لَذَّةُ الرَّقَادِ إذَا بَلغَ الزَّرْع مُنْتَهَاه ... لاَ بُدَّ لِلْزَّرْعِ مِن حَصَادِ آخر: يَا طَالِبَ الصَّفْوِ في الدنيا بلا كَدَرِ ... طَلَبْتَ مَعْدُومَةً فايأس من الظَّفَرِ واعْلَمْ بأنَّكَ مَا عُمِّرتَ مُخْتَبَرٌ ... بالخَيرِ والشَّرِ والمَيسُورِ والعُسُرِ أنَّى تَنَال بِهَا نَفْعًا بِلاَ ضَرَرٍ ... وإنَّهَا خُلِقَتْ لِلْنَّفْعِ والضَّرَرِ آخر: الحَمْدُ للهِ حَمْدًا لاَ نَفَادَ لَهُ ... ولا انْقِضَاءَ مَدَى الرَّوحَاتِ والبُكَرِ حَمْدًا يُوافِي لِمَا أسْدَاهُ مِن نِعَمٍ ... كَذَا يُكَافِي مَزيدًا غَيرَ مُنْحَصِرِ ثُمَّ الصَّلاةُ عَلى المُخْتَارِ سَيِّدنَا ... مَنْ خَصَّهُ اللهُ بالقُرآنِ والسُورِ مُحمَّد ذَاكَ قُلْ أزْكَى الوَرَى نَسبًا ... ومَحْتَدًا وهو خَير البَدْوِ وَالحَضَرِ والآل والصَّحبْ مَا هَبَّ الصَّبا وَمَا ... بَكَى الغَمَامُ عَلَى الزَّيزاءِ بالمَطَرِ وبَعْدُ لَمَّا ألحَّ الأَخُّ يَسْألُنِي ... سَيف الذِي عن سَبِيلِ الرُشْدِ لَمْ يَحرِ

خِلٌّ صَديقٌ لِنَهْجِ الحق مُتَّبعٌ ... فَلَم أجْد مِنْه مِن عُذْرِ لِمُعْتَذِرِ لأَنْظُر الآنَ فِي تَسْطير مُعْتَقَدٍ ... قَدْرًا بِه مِنْهُ مَا أبْدى مِن الغَرِرِ قَدَّمْتَ رِجْلاً وقَدْ أخَّرَتُ ثَانيةً ... خَوفًا إذ المرْءُ لَمْ يَسْلَمْ مِن الخَطَرِ فَقُلْتُ بَعْدَ اسْتَخَارِ اللهِ مُمْتَطِيًا ... رَكَائِبَ الفِكْرِ والامْعانِ بالنَّظَرِ خُذْ مُجْمَلَ القَولِ والتَّفْصِيلِ تَحْظ بِهِ ... تَرَى بَعَينَيكَ مَا يُغْنِي عن الخَبَرِ مِنْ جَمْعِ عَالِمنَا النَّحْرِير الَّفَهُ ... ذَاكَ ابنُ سحمَان بالقَولِ الصوابِ حَرِ كَمْ شُبْهَةٍ مِن أُولي الإِلْحادِ أبْطَلَهَا ... رَأَيتُ قَائِلَهَا وَلَّى على الدُّبُرِ ماَ زَالَ فِينَا مَدَى الأيامِ مُنْتَصِرًا ... لِلدِّين في فُسْحَةٍ مِن وَاسِع العمُرِ أجَلْتُ فِكْري بِقَولٍ فيهِ مِنْ سُننٍ ... وَفيهِ سَفْسَافُ أوضَاعٍ لِذِي أشَرِ مَا قَالَه مُنْصِفٌ أو مُهْتَدٍ أبَدًا ... عَجِبْتُ مِن نَظْمِهِ اللؤْلُؤْ مَعَ البَعَرِ فاللهُ عن سَيِّئ التَّمثيلِ حَذَّرَنَا ... ثُمَّ الرسول فحذَر غَايةَ الحَذَرِ فأظهرَ الدينَ بَعْدَ الاخْتفَا فعلا ... عَلَى الظِّلالِ وعَادَ الكُفْرُ في صِغَرِ وقَالَ للنَّاسِ إنِّي قَدْ تَركُتُمُو ... عَلَى المَحَجَّةِ بيضَاً فاتْبِعُوا أَثَرِ فالليلُ مِنْهَا شَبيه بالنَّهار فَلاَ ... فِيهَا اعْوجَاجٌ ولا شَيءٌ مِن الوَعَرِ ... مَن زَاغَ عَنها فَلاَ تَبكُوا لَهُ أسفًا ... إنْ لَم يَتب فَهْوَ حَتْمٌ مِن أُولِي سَقَرِ فأَصلُها الآيُ قُرآنٌ مُنَزَّلَةٌ ... وفَرْعُهَا كُلُ مَا قَدْ صَحَّ مِن خَبَرِ عن الثِّقَات الأُولى أولاَكَ قُدْوَتُنَا ... أكْرِم بِهمْ سَادَةً كالأنْجُمِ الزهرِ فالكُلُ يَدْعُو إلى تَوحِيدِ خَالِقِنَا ... فَصَحَّ لَمْ يَمْتَرِ في ذَاكَ مِن بَشَرِ إلا الذِي أخَذَ الشيطانُ نَاصِيَةً ... مِنْهُ فأوقَعَهُ فِي الشّكِ والحيَرِ فَمَنْ يَخُوضُ بأسْماءٍ وفي صِفَةٍ ... لله جَلَّ عن الأشْبَاهِ والصُّوَرِ ويَجْعلُ الرَّأْيَ والأشْيَاخُ قُدْوَتهُ ... وَلم يُعَرِّجْ إلى مَا صَحَّ في الأَثَرِ فَذَاكَ قَدْ فَاتَهَ التَّوفِيقُ وانْعَكَسَتْ ... طباعُهُ فَهْو معْدُودٌ مِن الحُمُرِ لاَ فْرقَ إن قَالَ مَا قَالَ الألَى سَلَفُوا ... إنَّا وَجَدْنَا فَهَا نَحْنُ عَلَى أثَرِ

فإنَّها أمُمٌ ضلَّتْ مَنَاهِجَهَا ... عَن السبيلِ الذِي مَا فِيه مِن وَعَرِ فَنَحْنُ مِن فَضْلِ رَبٍّ عَارِفُون بِهِ ... وعَاملُونَ بِمَا قَدْ جَاءَ في الزُّبُرِ قراءةُ الذَّاتِ تَفِسْيرٌ لَهَا وَكَذا ... صِفَاتُهُ لَمْ نَخُضْ في بَحْرِ ذِي كَدَرِ نُقَدِّسُ الله رَبي أنْ يُحيطَ بِهِ ... شَيءٌ مِن الظَّن وَالأوهَامِ والغِيَرِ عَلَى السمواتِ فَوقَ العَرْشِ مُسْتَويًا ... بِالذاتِ والقَهْرِ مِمَّا صَحَّ مِن خَبَرِ تَنْزِيلُهُ لَمْ نَزدْهُ أو نُنقصهُ ... لَفْظُ اسْتَوى جَاءَ في سَبْعِ من السُورِ ولَم نَقُلْ صُورَةً أو بالذِرِاعِ نُقِلْ ... ولَمْ نَصِفْهُ بِمَا يُنْسَبْ إلى البَشَرِ بَلْ ذِي أقاوِيل ذِي التَّجْسِيمِ قَالَ بِهَا ... مَنْ قَدَ تَنَاهَى بطُرْقِ الشَّك والغَرَرِ مِن قَولِ تِلْكَ الَّتِي زَاغَتَ بَصَائِرُهُمُ ... عن الهُدَى فَهَوَى في أبْحُرِ الخَطَرِ أمَّا ابنُ تَيمِي مَع تَلِمِيذِهِ فَهُمَا ... أدْرَى بأحْوَالِ أهْل الزَّيغِ والضَّرَرِ قد أوضحا كل ما قد صح من سند ... فاشرب ذلالا ولا تشرب من الكدر وهدما كل ما قَدْ شِيدَ مِن بِدَعٍ ... حَتَّى أضَاءَ سَبيلُ الرُشْدِ بالسَّفَرِ سَلِ الأشَاعِرَ مَعْ أوبَاشِ مُعْتَزِلٍ ... والمَاتُريدِي والجَبْرِي والقَدَرِ سَلِ النَّصَارَى فَكَمْ مِن فِرْقَةٍ دَحَضُوا ... بالحَق لَمْ نَسْتَطِعْ لِلْعَدِّ فاقْتَصِرِ وسَلْ عن الجَهْمِ إذْ هَدُّوا مَعَاقِلَهُ ... كَذَا الرَّوافِض أهْلُ الشِّرِكِ والأشَرِ هُمُ أكْفَرُ النَّاسِ لَمَّا أنْ غَلَوا وطَغَوا ... وَالشَّتْمُ مِنهم فَفِي الصِّدِّيقِ مَعَ عُمرِ كَذَاكَ نالُوا مِن أم المُؤْمِنينَ فَيَا ... عَلَيهِمُ اللَّعنُ فِي الآصَالِ والبُكَرِ آه لِدِين غَدَا مِن بَينِهِمِ هَدَفٌ ... يُرْمَى ولا فِي حُمَاة الدِينِ ذُو ظَفَرِ ... يَا لِلرَّجَالِ وأصْحَابِ الرسُولِ رُمُوا ... بالسُوءِ عَدْوًا وظُلْمًا مِن أولي القَدَرِ هَذا الزمانُ الذِي كُنَّا نُحَاذِرُهُ ... العُرفُ نُكْرٌ وَصَارَ العُرفُ كَالنُكُرِ والكَسْبُ رَانَ عَلى الأَلْبَابِ فانْتَكَسَتْ ... أحْرَى لَهَا الحَجْبُ يَومَ البَعْثِ لِلصّوَرِ يَا صاحِ فارْغَبْ لذي الشَّيخَينِ مُقْتَدِيا ... فالشَّمْسُ إذْ طَلَعَتْ تُغْنِي عن القَمَرِ وخُذْ بِكُتْبِهِمَا إنْ كُنْتَ ذَا وَرَعٍ ... واخْشَ الإلهَ لِتُدْركَ لَذَّةَ العُمُرِ

ثم اعتقد كاعتقاد للهداة مضوا

هُمَا أبانَا لَنَا مَا كَانَ مِن شُبَهٍ ... لِكَي نُمَيِّز فَنَحْذَر غَايَةَ الحَذَرِ جَزَاهُمَا اللهُ عَنَّا كُلِّ صَالِحةٍ ... سَقَى ضَرِيحَيمهِمَا سَحًّا مِن المَطَرِ أوصِيكَ أُوصِيكَ لاَ أوُصِيكَ وَاحِدَةً ... بِالعِلمِ يَا صَاحِ كَمْ في العِلمِ مِن وَطَرِ تُدْرِكْ بِهِ الفَوزَ فِي دُنْيَا وَآخِرةٍ ... والذكْرُ يَبْقَى إذَا تذكر لَدى النَّفَرِ مَن كَانَ باللهِ ذَا عَلمٍ ومَعْرفَةٍ ... مَعَ التُّقى فَهْوَ مَن خَوفِ الإِلهِ حَرِ بِضَاعَةُ العِلمِ لا يُوذِيِكَ مَحْمَلُهَا ... في الصَّدْرِ مخْزُونَةً كالتِّبْرِ وَالدُرَرِ لاَ يَسْتَطِيعُ لَهَا لِصٌ فَيسرقُهَا ... ولا تعنيكَ في الأسفَار والحضرِ تَفْنَى الملُوكُ ويَفْنَى كُلُّ مَا مَلَكُوا ... وَلَسَت تَنْظُرُ مِن عَينٍ ولا أثَرِ كَذَالِكَ المالُ إمَّا مَاتَ صَاحِبُهُ ... أو فَاتَهُ فَبَقِي في الهمِّ والحَسَرِ بَينَاهُ قَد كَانَ مَحْبُوبًا لَدَى أُمم ... أمْسَى ذَليلاً وفِي أثْوابِ مُفْتَقِرِ لا كنْ أخا العِلمِ في عِز وفِي شَرَفٍ ... وَدَأْبُهُ يَجْتَنِي مِن يَانِع الثَّمَرِ كَمْ مِن وَضِيعٍ وَضِيعِ القَدْرِ فِي مَلاَءٍ ... رَقَى بِهِ العِلْمُ عِنْدَ الأنْجُمِ الزَّهَرِ كَمْ مِن رَفِيعٍ رَفِيعِ القَدْرِ ذُو جَهلٍ ... كَأنَّه فِي المَلاَ ثَورٌ مِن البَقَرِ لا تَفْخَرَنَّ بِدنْيًا لا بَقَاءَ لَهَا ... بَلْ بالتُقَى وبِكَسْبِ العِلمِ فافْتَخِرِ وارْحَلْ رِكَابكَ عَنْهَا مُمْعِنًا هَرَبًا ... كابْن السَّبِيلِ الذِي قَدْ جَدَّ في السفر فصل في اعتقاد أهل السنة والجماعة ثم اعْتَقِدْ كاعْتِقَادٍ لِلْهُداةِ مَضَوا ... هُمُ الجَماعَةُ مَا سَارُوا بِهِ فسرِ هُمُ يُؤمنُونَ بأنَّ الله جَلَّ إذَا ... بَقي مِن الليلِ ثُلثٌ أوَّلَ السَّحَرِ يَنْزِل إلى ذِي السَّما الدُنيا يُنَادِهِمُ ... هَلْ سائِلٌ لِي فَأعْطِي كُلَّ مُفْتَقِرِ أو تَائِبٌ مُقْلعٌ بالذَّنْبِ مُعْتَرِفٌ ... كَذاكَ مستَغفرٌ مِن الذُنُوبِ بَرِ سَلِّمْ لِذَا وَارْفَعِ الكَفَّينِ مُنْحَرِفًا ... عن التَّحَارِيفِ والتَّكْييفِ فاقْتصِرِ

فَلَيسَ كَاللهِ شَيءٌ مِن بريَّتهِ ... سُبْحَانَهُ وَهو ذُو سَمْعٍ وذُو بَصَرِ فاللهُ مِن فَوقِنَا يَدْرِي تَقَلبنَا ... ويُبْصرُ النَّمْلَ إذَ يمشي عَلَى الصَّخَرِ يَسْمَعْ أنِينَ ذَوي الشَّكْوى إذَا دنِفُوا ... ويَرْزُقُ الطَّيرَ والأفْراخُ لَمْ تَطرِ كَذَاكَ قَدْ آمنوا بِاللهِ خَالِقَهمِ ... وبالملائكِ مَعْ مَن جَاءَ بالنُذُرِ وبالكتابِ وبَعْثٍ بَعْدَ مَوتِهِم ... يَومَ القيامِ مِن الأَجْداثِ والحُفَرِ غُرْلاً وحُفْيًا وعُرْيًا مِثْلَمَا وُلِدُوا ... وَليسَ مِن مَلْجَأ أو ثمَّ مِن وَزَرِ ويُؤمِنُونَ بأقْدارِ الإلهِ مَعًا ... فالخيرُ والشَّر مِن تدبير مُقْتَدِرِ ومُنْكَرٌ ونَكِيرٌ يَسْألانِ لَنَا ... في القَبْرِ ما الربُّ ما المُرسَل مِن البَشَرِ ما الدّينُ فَورًا أجِبْ مَاذَا تَدْينُ بِهِ ... إنْ كُنْتَ مِن أُمَّة المبعُوثِ بالسُّوَرِ فَثَبِّتِ اللهُ عِنْدَ السُؤْلِ مَنْطِقَنَا ... وَعَافِنَا مِن عَذَابِ القَبْرِ والسَّعرِ فَقَدْ يَكُونُ جَحِيمًا حَسْبَ سَاكِنِهِ ... أو رَوضَةً مِن رِياض الخُلْدِ ذي الثمرِ وبالحسابِ وبالميزانِ يَنْصِبُهُ ... لِلْعَدلِ مَا فيهِ مِن بَخْسٍ ولا غَرَرِ كَذَا الصراطُ إذَا يُضْرَبْ لمعْبَرِهمِ ... مِن فَوقِ جَسْرِ لَذَاتِ الهَولِ والشَّرَرِ كَيفَ المُرُورُ عَليهِ إذْ مَسَافَتُهُ ... ألفانِ مَعْ ثَالِثٍ قَدْ جَاءَ في الأثَرِ ألْفٌ صُعُودٌ وألْفٌ مُسْتو وَكَذَا ... ألفٌ هُبُوطٌ فَهَلْ نَسْلَمْ مِن الخَطَرِ في الحَر كَالجَمْرِ مَعْ رَوغِ الثعالبِ بَلْ ... فِي حِدَّة السِّيفِ بَلْ فِي دِقَّة الشَّعرِ فَمنَ نَجَا فَبعفْو الله سَلَّمَهُ ... وَمَن هَوى فَبِعَدْلِ الله في سَقَرِ والنارُ حَقٌ أعَاذَ اللهُ أَجْسُمَنَا ... مِنْهَا بِعَفْوٍ وأنْجانَا مِن السَّعَرِ كذاك جناته فالله يسكننا ... منها الفراديس ذات الفرش والسرر كَذَلكَ الكوثر المُعْطاه سَيِّدُنا ... وُرَّدُهُ هُمُ ذَوُو التحجيل والغُرَرِ ... وما سِوَاهُم يُنَحَّى لَيسَ يَطْعَمُهُ ... لأنَّهُ لَمْ يُتَابعْ سَيِّدَ البَشَرِ يَا ربِّ إنا ضعافٌ فاسْقِ ظَمْأتَنَا ... مِنْ حَوضِ عَبْدِكَ يَومَ الوِرْدِ والصَّدَرِ وهو المُشَّفَّعُ عِنْدَ الاحْتِيَاجِ إذَا ... تألَّمَ النَّاسُ مِن حَشْرٍ ومِن ضَرَرِ

حوراء زارتني فطال تجلدي

واللهُ يَنْزِلُ يومَ الحَشْرِ في ظُلَلٍ ... مِن الغَمَامِ يَرَوهُ رُؤْيَة القَمَرِ مِن بَعْدَ مَا يَتْبَعُ الضُّلَّال آلهَةً ... فَيُورِدُوهُم بِذَاتِ الهَولِ والشَّررِ فَيكْشِفُ الحُجْبَ عنه كَي يُشاهِدهُ ... مَن كَانَ يَعْبُدُهُ قَدْ فَازَ بالنَّظَرِ فَلا يُضَامُونَ إذ يَرَونَهُ أبَدَا ... لَدَى الزِيارَةِ أُعْطُوا قُوَّةَ البَصَرِ حَقًا وبالحقِ يَقْضِي اللهُ بَينَهُمُ ... بالعَدْلِ مَا ثَمَّ مِن بَخْسٍ ولا غَرَرِ واللهُ أسْألُهُ عَفْوًا ومَغْفَرِةً ... مِن زَلَّةٍ سَبَقَتْ لِلْفِكْرِ والحَذَرِ ثم الصَّلاةُ عَلى أزَكَى بَريَّتِهِ ... مُحَمَّدٍ القُرشَي الهاشِمِي المُضَرِ والآلِ والصحب ما أضَا البُرُوقُ وَمَا ... حَنَّ الرُعُودُ وسَحَّ المُزْنُ بالمَطَرِ مَعَ السلامِ كَمَا هَّبَّ النسيمُ لَنَا ... دأْبًا ومَا نَاحَ قَمْرِيٌّ عَلَى الشَّجَرِ آخر: حَورَاءُ زَارتْنِي فَطَالَ تَجَلُّدِي ... حَذَرًا عليها مِن عُيونِ الحُسَّدِ وتُجِيلُ مِسْوَاكَا عَلَى رَتْلٍ بَدَا ... فَسَألْتُهَا في صُورَةِ المُتَعبدِ مِمَّنْ فقالَتْ إنَّني مِن بَلْدَةٍ ... مِن أرْضِ طَيبَةَ مٍِن مُهَاجَرِ أحْمَدِ مِن مَعْشَرٍ فِيهَا بِفاسِدِ رَأْبِهِمْ ... قَدْ أحْدَثُوا في الدِينِ مَا لَمْ يُعْهَدِ مِنْ رَفْعِهم فَوقَ القُبُورِ مَشَاهِدًا ... وصَلاتِهِم أولَى بها مِن مَسْجِدِ هَذَا إذَا مَا أزْمَةٌ أزَمَتْ بِهِم ... لَمْ يَلْجَؤوا إلا لِصَاحِبِ مَشْهَدِ ويَرونَ ذَبحًا والنُذُور لِأهْلِهَاَ ... ودُعَاءَهُم أهْل البَقِيعِ الغَرْقَدِ من أفضل القربات عند شيوخهم ... والسبق للاجي لها المتردد ويرون أعياد القبور ووردهم ... شبه النبيح أو قراءة مولد وإذَا ذَكَرْتَ الآي أو أثرًا أتَى ... لَمَزُوكَ لَمْزَ المُنْكِرِ المُتَبَعِّدِ فَخَرَجْتُ أطْلُبُ رُفْقَةً قَدْ آثَرُوا ... نَصَّ الكِتابِ ونَصَّ شَرْعِ مُحَمَّدِ فَقَدِمْتُ مكَّةَ والعراق ومِصْرَ والشـ ... ـامَ المُبَارَك رَغْبَةً في المُرْشِدِ

فأتاحَ لِي رَبُّ العِبادِ بِفَضْلِهِ ... رَجُلاً يَرَى فَرْضًا هِدَايَةَ مُهْتَدِ قال اقْصُدِي نَجْدًا بِهَا أهْلٌ لَهَا ... لَمْ تَسْمَعِي مُنْهِمُ نِدَا يَا سَيّدِي ... فَقَدِمْتُهَا وارْتَحْتُ في عَرَصَاتِهَا ... جَذْلاَنةً مِن بَعْدِ قَطْعِ الفَدْفَدِ فِيهَا أُنَاسٌ كَانَ مِن دَيدَانِهِمْ ... حُبُّ الرَّسُولِ وحُبُّ كُل مُوَحّدِ لَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ شَيئًا إنَّمَا ... فُطُرِوا عَلَى التَّوحِيدِ مُذْ رَضَعُوا الثَّدِي ويَرَونَ أنَّ مِن الضَّلاَلِةَ مَنْ يَزُرْ ... قَبْرًا لِيَسْألَهُ الشَّفَاعَةَ في غَدِ أو جَلْب مَنْفَعَةٍ وَدَفْع مَضَرَّةِ ... هَذَا لَعَمْري في الجَحِيم مُخَلَّدِ ويَرُونَ مَنعَ مُسَافِرٍ لِديَارِ أهْـ ... ـل الشرْكِ لِلسَّكْنَى ولِلْمُتَردِّدِ بَلْ قَرَّرُوا بأدَلَّةٍ معْلُومَةٍ ... حَتَّى يُصَرِّحَ بالعَداوَةِ يَبْتَدِي فِيهَا ذوو الإشْرَاكِ مَعَ زَوجَاتِهمْ ... والقَلْبُ يُبْغِضُهُمْ بِغَيرِ تَوَدُّدِ أوَلَيسَ قَدْ نَفَتِ المُجَادِلُ عَنْهُم الْـ ... إِيمانَ يَا مَنْ يَسْتَفِيقُ ويَهْتَدِي هَذَا وَكْم مِنْ آيةٍ نَزَلَتْ بِذَا ... أو مِن حَدِيثٍ قَدْ أتانَا مُسْنَدِ هي في الوَرَى مَشْهُورَةٌ مَعْلُومَةٌ ... إلاَّ عَلَى أَعْمَى البَصِيرَةِ مُفْسِدِ أو مَنْ يُقَلِّدُ في الأُصُولِ مَشَائِخًا ... كَانُوا رَمَادًا في القُبُورِ الهُمَّدِ في جِيدِه غِلٌ مِن التَّقْلِيدِ لاَ ... يَلْوِي عَلَى نَصٍّ صَرِيحٍ مُرْشِدِ ويَرَونَ مَعْ تَجْرِيدِهِم تَوحَيدَهُ ... تَجرِيدُ سُنَّةِ ذِي الفَضائِلِ أحْمَدِ مثلاً زمان كلِّ نوعٍ منهما ... لِقسِيمِهِ شَرطٌ بِذا فَتَقَيَّدِ هَذِي عَقَيدَتُهُم تَلَقَّوهَا عَن الـ ... ـحبْرِ التَّقِي الشَّيخِ أطْيَبِ مَحْتَدِ ذِي المَنْقَباتِ الغُرِّ والشِّيَمِ التِي ... يَفْنَى الزَّمَانُ وذِكْرُهَا لَمْ يَنْفَدِ دَرَجُوا عَلَى هَذَا جَمِيعًا مَا بِهِم ... مَنْ شَذَّ عَن هَذَا السَّبِيلِ الأوحَدِ فأجَبْتُهَا إنَّ الذِين عَهِدُتُ فِي ... أقْطَارِ نَجْدٍ في الزمانِ الأبْتَدِ قَدْ أقْفَرتْ مِنهمُ دِيَارٌ بَعْدَمَا ... عَمَرَتْ بِهِم فالرَّبْعُ صَافِي المورِدِ بِالله قُومِي فانْدبُي زَمَنًا مَضَى ... واذرِي الدُّموعَ الجامِدَات وبَدِّدِ

فالدارُ لَيسَتْ دَارَ عَهْدِكَ كَيفَ لاَ ... والدِينُ في نَقْصٍ بِغَيرِ تَزَودِ وتَبَدَّلَتْ بِمعَاشِرهُمْ يدَّعُو ... نَ طَرِيقَةَ الشيخِ الذكِي الأمْجَدِ لَكِنَّهُم مَا حَقَّقُوهَا مِثْلَ مَا ... سَلَف الأُولى مِن كَلِ هادٍ مُهْتَدِ ومَن ادَّعَى تَحْقِيقَهَا في عَصْرِنَا ... يَرْمُونَهُ بالمُعْضِلاِتِ النُكَّدِ بَلْ يَنْسِبُونَ لَهُ شَنَائِعَ لَم تَكُنْ ... زُورًا وَهَذَا مِنْهُمُو بِتَعَمُّدِ مِن بِدعةٍ وضَلالةٍ مَذْمُومَةٍ ... أو خارِجِي في الشَّرِيعَةُ مُلْحِدِ يا لَيتَهُمْ رَفَعُوا بِنَصِّ نَبِّيهِمْ ... رَأسًا وَهم بالحَقِّ أهْلُ تَقَيُدِ لَكِنَّهم قَد أعْرَضُوا وتَعَوَّضُوا ... بالدِينِ دُنْيًا والهُدَى بِتَمَرُّدِ واللهُ مَا خُلقَ العِبَادَ لِجَمْعِهَا ... أو لِلتَّنَافُسِ فِعْلَ طاغٍ مُعْتَدِ أَوْ أنْ يَكُونَ المالُ أكْبَرَ هَمِّهِ ... أبَدًا يَرُوحُ لَهُ الزَّمَانُ وَيَغْتَدِي لَو كَانَ يَدْرِي العَبْدُ أنَّ مَقَامَهُ ... فِيها قَلْيلٌ مَا فَتًى بِمُخَلَّدِ وَجَمِيعُ أمْوَالٍ لَهُ وقُصُورُهُ ... مِن غَيرَ شَكٍّ في الرَّواحِ أو الغَدِ ذُو غُرْبَةٍ بَينَ المَقَابِرِ فَوقَهُ ... أطْبَاقُ تُرْبٍ لِلثَّرَى مُتَوسِّدِ رُصِفَتْ عَلَيه جَنَادِلٌ مِن بَعْدِ مَا ... يَخْتَالُ في عَالِي الثِيابِ ويَرْتَدِي وأنِيسُهُ الأعْمَالُ في ظُلُماتِهِ ... إنْ كَانَ مِن أهْلِ النَّعِيمِ السَّرْمَدِي أو لاَ فإنَّ مَقَامَهُ في حُفْرَةٍ ... فِيهَاُّ لَهِيبُ النارِ ذَاتِ تَوَقُّدِ لَو كَانَ لِلْعَبْدِ يَقِينٌ صَادِقٌ ... فِيمَا ذَكَرْتُ رأيتَهُ في المَسْجِدِ أو مَجْلِسِ يَدْعُو إلى مَعْبُودِهِ ... جَهْرًا وَيَنْشُرُ فِيهِ سُنَّةَ أحْمَدِ ولَرُبَّمَا قَدْ هَامَ مَعْ وَحْشِ الفَلا ... مِنْ شِدَّةٍ الشوقِ الذِي لَمْ يعُهَدِ فاعْذُرْهُ يَا مَنْ لَمْ يَذُقْ مَا ذَاقَهُ ... إنْ ذُقْتَ مَا قَدْ ذَاقَهُ فَلْتُحْمَدِ هَذَا وَأُوصِي كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ ... بِوَصَّيِةٍ إنْ حَلَّ فِيهَا يَسْعَدِ إنْ يَسْتَقِيمَ عَلَى صِرَاطِ إلَهِهِ ... قَولاً وفِعْلاً مَعْ جَنَانٍ مُهْتَدِ وَمَدَارُهُ تجَرْيُدُه التَّوحِيدَ مَعْ ... تَجْرِيدِهِ لِنُصُوصِ شَرْعِ مُحَمَّدِ

أحسين إني واعظ ومؤدب

وتَدُلُّ يَا هَذَا عَلاَمَاتٌ عَلَى ... مَن يَدَّعِي هَذَا الطَّرِيقَ الأرْشَدِ مِنْهَا وَأعْظَمُهَا فَخَشْيَةُ رَبِّنا ... سِرًا وجَهْرًا في الرَّوَاحِ وفي الغَدِ وكَذَا قَبُولُ الحَقِ مِمَّن قَالَهُ ... أكْرِمْ بِهَا مِن خَصْلَةٍ لَمْ تُوجَدِ في غَالِبِ الناسِ الذِينَ عَرَفْتُهُمْ ... والمِحْنَةُ العُظْمَى مِن المُسْتَرْشِدِ أمَّا التَّعَصُّبُ فَهْوَ دَاءُ تَظَلُّلٍ ... مَا كَانَ بَينَ مُعَاشِرٍ في مَحْشَدِ إلاَّ تَنَاكَرَتِ القُلُوبُ وَأدْبَرَتْ ... وتَبَدَّلَتْ بَعْدَ البَيَاضِ بِأسْوَدِ وكَذَاكَ مِنْهَا ذِكْرُهُ لإِلههِ ... فَلِسَانُهُ رَطْبٌ بِلهْجَتِهِ نَدِي مَنْ حَبَّ شيئًا كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَهُ ... مَا سَابِقٌ لِلْقَومِ غَيرُ مُفَرِّدِ والزُهْدُ في الدُنيا فأمْرٌ شَاهدٌ ... لِمَحَبَّةِ الأُخْرَى بِغَيرِ تَرَدُّدِ ومِلاكُه الوَرَعُ الصَّدُوقُ فَمَنْ يُرِدْ ... تَحْقِيقَ مَا قَدْ قُلْتُه فَلْيُرْشِدِ ودُعَاؤُنَا في وَقْتَ كُلِّ إجَابَةٍ ... لاَسِيَّمَا في كُل عَرْصَةِ مَسْجِدِ أَنْ يَنْصُرَ الديِنَ وَيَجْمَعَ شَمْلَنَا ... وكَذاكَ يَمْنَحُنَا طَرِيقَةَ مَن هُدِي ونَكُونَ مِن أنصارِ دِينِ نَبِّيِهِ ... وبِنَصرِهِ في كُلِّ وَقْتٍ نَهْتَدِي ثُمَّ الصَّلاة مَعَ السلام جَمِيعِهِ ... أبَدًا عَلَى خير الأنام مُحمد وعَلَى القَرابَةِ والصَّحَابَةِ كُلِّهِم ... أهْلِ الفَضَائِلِ والمَقَامِ الأَحْمَدِ مِن مَا يُنْسَبهُ لِلإِمام علي - رضي الله عنه -: أَحُسَينُ إِنِّي وَاعِظٌ وَمَؤَدِّبُ ... فافْهَمْ فإنَّ العَاقِلَ المُتَأَدِّبُ واحْفَظْ وصِيَّةَ وَالدِ مُتَحَنِّنِ ... يَغْذُوكَ بِالآدَابِ كَيلا تَعْطَبُ أَبُنَيَّ إِنَّ الرَّزِقَ مَكْفُولٌ بِهِ ... فَعَلَيكَ بِالإجْمَالِ فِيمَا تَطْلُبُ لا تَجْعَلَنَّ المَالَ كَسْبَكَ مُفْردَا ... وتُقَى إِلهكَ فَاجْعَلَنْ مَا تَكْسِبُ كَفَلَ الإِلَهُ بِرِزْقِ كُلِّ بَرِيَّةٍ ... والمَالُ عَارِيَةٌ تَجِيءُ وَتَذْهَبُ والرِّزْقُ أَسْرَعُ مِن تَلَفُتِ نَاظِرٍ ... سَبَبًا إِلى الإِنْسَانِ حِينَ يُسبَّبُ ومِنْ السُيُولِ إِلى مَقَرِّ قَرَارِهَا ... والطَّيرِ لِلأَوكَارِ حِينَ تَصَوَّبُ

أَبُنَّيَ إِنَّ الذِّكْرَ فِيهِ مَوَاعِظٌ ... فَمَنْ الذِي بِعِظَاتِهِ يَتَأَدَّبُ اقْرأ كِتَابَ اللهِ جَهْدَكَ وَاتْلُهُ ... فِيمَنْ يَقُومُ بِهِ هُنَاكَ وَيَنْصِبُ بِتَكَرُّرٍ وَتَخَشُّعٍ وَتَقَرُّبٍ ... إنَّ المُقَرَّبَ عِنْدَهُ المُتَقَرِّبُ واعْبُدْ إِلهكَ ذَا المَعَارِج مُخْلِصًا ... وأَنْصِتْ إِلى الأَمْثَالِ فِيمَا تُضْرَبُ وإِذَا مَرَرْتَ بِآيَةٍ مَخْشِيَّةٍ ... تَصِفُ العَذَابِ فَقِفْ وَدَمْعُكَ يُسْكَبُ يَا مَن يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ بِعَدْلِهِ ... لا تَجْعَلَنِّي في الذِينَ تُعَذِّبُ إنِّي أَبُوءُ بِعَثْرَتِي وَخَطِيتِي ... هَرَبًا وَهَلْ إِلاَّ إِليكَ المَهَربُ وإذَا مَرَرْتَ بآيَةٍ في ذِكْرِهَا ... وُصِفَ الوَسِيلةُ وَالنَّعِيمُ المُعْجِبُ فاسْأَلْ إِلهكَ بِالإِنَابَةِ مُخْلِصًا ... دَارَ الخُلُودِ سُؤال مَن يَتَقَرَّبُ واجْهَدْ لَعَلَّكَ أَنْ تَحِلَّ بِأَرْضِهَا ... وَتَنَالَ رَوحَ مَسَاكِنٍ لا تَخْرَبُ وَتَنَالَ عَيشًا لا انْقِطَاعَ لِوَقْتِهِ ... وتَنَالَ مُلْكَ كَرَامةِ لا تُسْلَبُ بَادِرْ زَمَانَكَ إِنْ هَمَمْتَ بِصَالِحٍ ... خَوفَ الغَوَالِب إِذْ تَجِيءُ وَتَذْهَبُ وإذَا هَمَمْتَ بِسَيئٍ فَاغْمِضْ لَهُ ... وتَجنَّبِ الأَمْرِ الذِي يُتَجَنَّبُ واخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْصَّدِيقِ وَكُنْ لَهُ ... كَأَبٍ عَلَى أَولادِهِ يَتَحَدَّبُ ... والضَّيفَ أَكْرِمْ مَا اسْتَطَعْتَ جِوَارَهُ ... حَتَّى يَعُدُّكَ وَارِثًا يُتَنَسَّبُ واجْعَلْ صَدِيقَكَ مَن إِذَا آخَيتَهُ ... حَفِظ الإِخَاءَ وَكَانَ دُونَكَ يَضْرِبُ واطْلُبْهُمُو طَلَبَ المَرِيضِ شِفَاءَهُ ... ودَعِ الكَذوبَ فَلَيسَ مِمَّنْ يُصْحَبُ واحْفَظْ صَدِيقَكَ فِي المَوَاطِنِ كُلِّهَا ... وعَلَيكَ بِالمَرْءِ الذِي لا يَكْذبُ واقْلِ الكَذُوبَ وقُرْبَهُ وَجِوَارَهُ ... إِنَّ الكَذُوبَ مُلَطِّخٌ مَن يَصْحَبُ يُعْطِيكَ مِن فَوقِ المُنَى بِلِسَانِهِ ... ويَرُوغ عَنْكَ كَمَا يَروغُ الثَّعْلَبُ واحْذَرْ ذَوِي المَلْقِ اللِّئَامِ فَإِنَّهُم ... في النَّائِبَاتِ عَلَيكَ مِمَّنْ يَحْطِبُ يَسْعَونَ حَولَ المَرْءِ مَا طَمِعُوا بِهِ ... وإذَا نَبَا دَهْرٌ جَفَوا وَتَغَلَّبُوا ولَقَدْ نَصَحْتُكَ إِنْ قَبِلْتَ نَصِيحَتِي ... والنُّصْحُ أَرْخَصُ مَا يُبَاعُ وَيُوهَبُ

عليك سلام الله يا شهر إننا

قصيدة في شهر الصيام عَلَيكَ سَلامُ الله يَا شَهْرُ إنَّنَا ... رَأينَاكَ مَوسِم لِلْزَّمَانِ اسْتَفْدنَاهُ عَلَيكَ سَلاَمُ الله شَهْرُ صِيَامِنَا ... وشهْرُ تَلاَفِينَا لِوَقْتٍ أضَعْنَاهُ تَفُوحُ ثُغُورُ الصَّائِمِينَ مَسَاءَهُ ... فَلا المِسْكُ يَحْكِيهَا بِنَفْحَةِ رَيَّاهُ عَلَيكَ سَلاَمُ الله شَهْرُ قِيَامِنَا ... وشَهْرٌ بِه القُرْآنُ يَزْهُو بِقُرَّاهُ تَطِيبُ بِهِ الأصْوَاتُ مِن كُلِ وِجْهَةٍ ... وتَعْذبُ مِنْهُ بالدِّرَاسَةِ أفْوَاهُ وتُصْغِي لَهُ الأسْمَاعُ عِنْدَ قِرَاءَةٍ ... ويَسْتَيقِظُ السَّاهِي بِقُوةِ فحْواهُ ويَزْدَادُ بالتَّكْرِارِ حُسْنًا وبَهْجَةً ... كَأنْ لَمْ نَكُنْ قَبْلَ السَّماعِ سَمْعَناهُ فلِلِهِ شَهْرٌ عَظَّمَ اللهُ فَخْرَهُ ... بِتَنْزِيلِهِ لَمْ يُحْظَ بالذكْرِ إلاَّ هُو وللهِ شَهْرٌ في لَيَالِيهِ لَيلَةٌ ... بِألْفِ هِلاَلٍ كَيفَ تُحْصَى مَزَايَاهُ تُفَتَّحُ أبْوابُ السَّماء كَرَامَةً ... وجَنَاتُ عَدْنٍ قَدْ أُعِدَّتْ لِلقْيَاهُ وتُغْلَقُ أبْواب الجحِيم وتُصْفَد الشَّـ ... ـيَاطِينُ تَكْمِيلاً بِذَاكَ لِسَراهُ يُنَادِي مُنَادٍ بَاغِي الخَيرِ أقْبِلَنْ ... ويَا باغِي العُدْوَانِ لا تَنْسَى عُقبَاهُ فيا لَيتَ شِعْري أيُّنَا مُتَقَبَّلٌ ... فقُومُوا نُهَنِّيهِ فَمَا كَانَ أهْنَاهُ ومَنْ ذَا الذِي أضْحَى بَعِيدًا مُطَرَّدًا ... فَقُومُوا نُعَزِّيهِ فَيَا كَسْرَ قَلْبَاهُ فَلَنْسأَل الله الكَريمَ بأن لاَ يَكُنْ ... بآخِر عَهْدٍ مِن لِقَاكَ عَهدْنَاهُ وصَلِّ إله العَالمينَ تَفَضُّلاً ... عَلَى الصَّادِقِ المَصْدُوقِ خَيرِ بَرَايَاهُ كَذَا الآل والأصْحَابِ طُرًا ومَن قَفَا ... سَبِيلهُمُو مُسْتَمْسِكًا بِهُدَاهُ ... وقال أحَدُ العلماء واعِظًا أحَدَ تَلاَمِيذِهِ: أيَا نَجْلَ إبرَاهِيمَ تَطُلبُ وَاعِظًا ... وَلاَ وَعْظَ كالقُرآنِ والسُّنَّةِ الْغَرَّا

تَدَبَّرْ كتابَ اللهِ عِنْدَ تَهَجُّجٍ ... وَلاَ سِيَّمَا والنَّاسُ في نَومِهِمْ سَكْرَى يُلاَقْيِكَ مِنْ مَولاَكَ أَكْبَرُ وَاعِظٍ ... عَلَى قَلْبِكَ الْمُشْتَاقِ أَنْوَارُهُ تَتْرَى وَأَقْبِلْ عَلَى الفِقْهِ المُعَظَّمِ قَدْرُهُ ... هُوَ الْمَنْهَجُ المأْمُونُ والْحُجَّةُ الْكُبْرَى تَكُنْ نافِعًا لِلْمُسْلِمِينَ وَحَيثُمَا ... تَحِلُّ عَلَى قَومٍ تَكُنْ فيهِمُ صَدْرًا وَلاَ تُضِعِ الأَوقَاتَ فِي غَيرِ صَالِحٍ ... فَمنْ ضَيَّعَ الأوقَاتَ نَالَ بِهَا خُسْرَا فعُمْرُ الْفَتَى ما عاشَ مَزْرَعُ سَعْيِهِ ... فَمنْ لمْ يُرَاعِ الوقْت لاَ يَعْمُرُ الأُخْرَى وَلاَ تَصْحَبَنَّ النَّاسَ إِلاَّ بِحَالَةٍ ... تُصِيبُ حَلاَلَ الرِّزْق أَو تَكْسِب الأجْرَا وفي كلِّ عَقْدٍ أَنْتَ مُجْرِيهِ فابْنِهِ ... عَلَى الشَّرْعِ حَتَّى لا تُصِيبَ بِهِ وِزْرا وقال أحَدُ العُلماءِ رحَمُه الله حَاثًا أحَدَ تَلامِذَتِهِ عَلَى طَلب العلم ومُوصيه بوصايا نافِعَةٍ: أَيَا نَجْلَ الأمَاثِلِ آلٍِ بَكْرٍ ... وَمَنْ نَالَ الْفَخَارَ بغَيرِ نُكْرِ تفَنَّنْ في العُلُومِ فكلُّ فَضْلٍ ... حَواهُ العلْمُ في بَرٍّ وَبَحْرِ ولا تسْأمْ وَلاَ تطْلَبْ سَوَاهُ ... وقابِلْهُ بتَقْرِيرٍ وفِكْرِ وجانِبْ جاهِلاً عنْهُ تلاَهَى ... بِأنْوَاعِ المكاسِبِ خَوفَ فَقْرِ

فَإِنَّ الرِّزْقَ قَدَّرَهُ إِلهِي ... فلْلأَسْبَابِ تَغْطِيَةٌ لِسِرِّ فَإِنْ نَنْظُرْ لأَسْبَابِ البَرايَا ... لِجلْبِ مَعِيشَةٍ أَو دَفْعِ ضُرِّ وَجَدْنَا العلْمَ أَقْوَاهَا لِدَفْعٍ ... وَأَحْظَاهَا بِمَكْرُمَةٍ وَيُسْرِ فَقَدْ سَجَدَ الملاَئِكُ حِينَ أَرْبَى ... عليهِمْ آدَمٌ بالْعِلْمِ فَادْرِ وكمْ بالعلْمِ نَالَ الْعِزَّ قَومٌ ... وَكمْ بالعِلْمِ أَثْرَى بَعْدَ عُسْرِ وَأَعْنِي عِلْمَ شرْعِ اللهِ فِينَا ... وَلاَ أَعْنِي بِهِ عِلْمًا لِعَصْرِ فإنَّ تَعَلُّمَ العصْرِيِّ جَهْلٌ ... يُوَافِقُ كُلَّ مَفْتُونٍ وَدَهْرِي فَلاَ تَطْلُبْ بعِلْمِ اللهِ دُنْيَا ... ففِي هذَا الْهَوانُ وكلُّ خُسْرِ وَدُنْيَاكَ الَّتِي لاَ بُدَّ نُطْهَا ... بأمْثَلِ مَنْ تَرَى يَسْعى بأَجْرِ وَلاَ تَحْزَنْ على ما فَاتَ مِنْهَا ... وَقَدْ عُوِّضْتَ عَنْهَا بالأَبَرِّ وما قَدْ فَاتَ لَمْ يَذْهَبْ ولكنْ ... تراهُ في الصَّحِيفَةِ يومَ نشْرِ ... وَإِنْ تَعْفُ فإِنَّ العَفْوَ خَيرٌ ... وَخَيرُ النَّاسِ ذُو عَفْوٍ وَصَبْرِ وَإِنْ تُضْطَرَّ في حالٍ لِشَيءٍ ... فسَلْ أَقوَى وَأَرْحَمَ كلَّ بَرِّ قَرِيبٌ مِنْكَ إِنْ تَدْعُوهُ يَسْرِى ... لَهُ التَّصْرِيفُ في خَلْقٍ وَأَمْرِ وَحَسِّنْ بالإِلهِ الْبَرِّ ظَنًّا ... تَجِدْهُ عِنْدَ ذَاكَ لِكلِّ بَرِّ وعظِّمْ أَمْرَهُ في كُلِّ حَالٍ ... تُعَظَّمْ في الأنَامِ بِكلِّ قدْرِ وَقَرِّبْ نَفْسكَ الدُّنْيَا إِلَيهِ ... بأخْلاَقٍ يَرَاهَا كُلُّ حَبْرِ تَرَاهَا في الْكِتَابِ عَلَيكَ تُتْلَى ... فَحَقِّقْهَا وَرَاقِبْها بحَصْرِ

وجاهِدْ نَفْسَكَ الدُّنْيَا عَلَيهَا ... لتَحْظَى بالْكمَالِ وَطِيبِ ذِكْرِ وَجَانِبْ لِلْفُضُولِ وَكُلِّ لَغْوٍ ... ففِي هذَا إِضَاعَةُ كُلِّ حُرِّ وأعْطِ الْجَارَ وَالْقُرْبَى حُقُوقًا ... قضَاهَا اللهُ في آياتِ ذِكْرِ وَصَفِّ النَّفْسَ مِنْ حَسَدٍ وَبَغْيٍ ... وَلاَقِ النَّاسَ في لُطْفِ وَبِشْرِ وبالْمَعْرُوفِ فأمُرْ لاَ تُبَالِى ... وَقُمْ بالنَّهْىِ عَنْ فُحْشٍ وَنُكْرِ وَتِلْكَ نَصِيحَةٌ جَاءَتْ إلَيكُمْ ... دَعَاها حُبُّكُمْ يا آلَ بَكْرِ فأنتُمْ قُرَّةٌ لِلعَينِ دُمْتُمْ ... على نَهْجِ الرَّشَادِ بِكلِّ عَصْرِ * * * وقال: كَذبَتْ أُرُبَّا حِينَ أنْكَرَتِ السَّمَا ... كشَّافُهَا لِقُلُوبِهَا ذَاتِ الْعَمَى إِنَّ السَّماءَ لِلُطْفِها كَزُجَاجَةٍ ... تخْفى لَدَى الْجَارِي فَجرِّبْ تَعْلَمَا وَاقْرَأْ لِتُهْدَى آيَةَ الصَّرْحِ الَّذِي ... سَوَّى سُلَيمَانٌ عَلَى حُوتٍ وَمَا وَانْظُرْ إِلَى الصَّرْحِ اخْتَفَى مَعَ قُرْبِهِ ... فكَيفَ لاَ تَخْفَى على بُعْدٍ سَمَا لكنْ غبَارُ الْجَوِّ يُخْفِى لُطْفَهَا ... فلِذَا أُرِينَاهَا إِرَاءً مُحْكمًا ........................................... ... .............................................. ...................................... ... ............................................ واعْلَمْ إِذَا قَدْ سُلِّمَتْ هذِى لهُمْ ... فالدِّينُ قدْ جَثُّوهُ جَثٍّا مُعْظَمَا وَانْظرْ ورَاجِعْ بعْدُ ما قد حَرَّفُوا ... آىَ الكِتَابِ تَعَنُّنَا وتَعَظُّمَا بَلْ كَذَّبُوا الرُّسْلَ الكِرامَ وَجَهَّلُوا ... خَيرَ الأَنَامِ مُحَمَّدًا ما أعْظَمَا

حمدا لرب قاهر منان

هَلْ كانَ يُدْعَى وَاحِدٌ منهُمْ عَلَى ... هذِى الْجَرائمَ في الشَّرِيعَةِ مُسْلِمَا سُحْفًا لهَا مِنْ فِرْقَةٍ خَدَّاعَةٍ ... سَحَرُوا غَبِيًّا مُؤْمِنًا مُسْتَسْلِمَا مَهْ لا تُعَظِّمْ زُخْرُفًا خَدَعُوا بِهِ ... قد كانَ نَقْضُهُمُ الشَّرِيعَةَ أَعْظَمَا بَاعُوا الشَّريعَةَ للْأَعَادِي بالدُّنَا ... وَاسْتَبْدَلُوا عَارًا بهَا وَالمَأْثَمَا جَاهدْهُمُو إنْ كَنْتَ عَبْدًا مُؤْمِنَا ... إنَّ الدَفَاعَ عن الشَّرِيعَة حُتِّمَا وقال: هذه قصيدة تشرح لك الواقع عن حال الناس اليوم وما وقعوا فيه من الفتن من رِبَا ومخالطة كفار وفساق ومداهنات وَحَثٌ على طاعة الله: حَمْدًا لِرَبٍّ قَاهِرٍ مَنَّانِ ... يُعْطِى ويَمْنَعُ مَا لَهُ مِنْ ثَانِى وَهَبَ الْحَيَاةَ لقَلْبٍِ عبْدٍ مُؤْمِنٍ ... وَأَمَاتَ قلْبَ مُنَافِقٍ بالرَّانِ وَلَقَدْ بُلِينَا وَهْوَ وَعْدٌ ثَابِتٌ ... بِأَرَاهِطٍ في سَائِرِ الْبُلْدَانِ حَلُّوا الْبِلاَدَ وَأَفْسَدُوا فِي حَيِّهَا ... لمجَالِهِمْ فِي سَاحَةِ الأدْيَانِ إمَّا مَسِيحِىٌّ عَرَفْنَا حَالَهُ ... أَو جَاهِلٌ جَارَاهُ فِي الإِفْتَانِ وَإذَا الْفَسَادُ أَلَمَّ فِي أَجْنَادِهِ ... وَجَبَ الدِّفَاعُ عَلَى ذَوِي الْعِرْفَانِ ولقَدْ أَبَانَ كِتَابُ رَبِّي أَنَّهُ ... أَخَذَ الْعُهُودَ عَلَيهِمُ لِبَيانِ فَلِذَا أقُولُ مُحَذِّرًا لأخِي نُهى ... قَبِلَ النَّصِيحَةَ غَايَةَ الإِمْكَانِ عُذْ بِالْمُهَيمِنِ مِنْ هَوًى فَتَّانِ ... مَا تِلْكَ إِلاَّ فِتْنَةُ الشَّيطَانِ مِنْ كُلِّ عَصْرِيٍّ هَوَاهُ مُرْسَلٌ ... ما قَيَّدَتْهُ رِبْقَةُ الإِيمَانِ نَعقَتْ شَيَاطِينٌ فلّبَّتْ صَوتَهَا ... بسَخَافَةِ الأْحْلاَمِ وَالأَذْهَانِ

نَبَذُوا كِتَابِ اللهِ خَاْفَ ظُهُورِهِمْ ... وَلِسُنَّةِ الْمُخْتَارِ مِنْ عَدْنَانِ وَلِسَائِرِ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِهِ ... الْبَالِغِينَ مَرَاتِبَ الإحْسَانِ وَالذَّاكِرِ الرَّبَّ الْعَظِيمَ صِفَاتُهِمْ ... في سَابِقِ الإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ وَالتَّابِعِينَ نَبيَّهُمْ في هَدْيهِ ... مُتَبَتِّلِينَ بطَاعَةِ الرَّحْمنِ المُكْثرِينَ صِيَامَهُمْ وَصَلاَتَهُمْ ... لمَّا دَعَاهُمْ وَاعِظُ الْقْرْآنِ لمَّا رَأَوا أَنَّ النَّبِيَّ المُصْطَفى ... مُتَوَرِّمُ الأقْدَامِ في ذَا الشَّانِ النَّاصِرِينَ الشَّرْعَ فِيمَا بَينَهُمْ ... إِذْ نَصْرُهُمْ في نُصْرَةِ الدَّيَّانِ لَكِنَّما هَذِي المَرَاتِبُ صَعْبَةٌ ... تَبْغِي كِرَامًا مِنْ بَنِى الإِنْسَانِ لمَّا رَأَى حَمْقَى الْوَرَى في عَصْرِنَا ... في طَبْعِهِمْ عَنْهَا نُفُورَ تَوَانِ ... صَدُّوا صُدُودَ المُعْجَبِينَ برَأْيِهِمْ ... وَتَكَبَّرُوا كَتَكَبُّرِ السَّكْرَانِ هُمْ شَابهُوا فِي حَالِهِمْ إِذَا ... أَرْدَاهُ طِيبٌ عَاشَ بالإِنْتَانِ وَحَكَوا خَفَافيشًا تَطِيرُ بِظُلْمَةٍ ... إِذْ كَانَ يُعْشِيهَا سَنَا النِّيرَانِ فاسْتَبْدَلُوا عَنْهَا لِسُوءِ حُظُوظِهِمْ ... بمُؤَلَّفَاتٍ مِنْ ذَوِى الطُّغْيَانِ

قَومٌ هُمُ عُجْمُ القُلُوبِ وَإنْ دَعَوا ... أَتْبَاعَهُمْ بِفَضَاحَةٍ وَبَيَانِ مُتَجَبِّرِينَ عَلَى الْكِرَامِ بأَلْسُنٍ ... أَبْذَى وَأَخْبَثَ مِنْ أَذَى الثُّعْبَانِ مُتَلَبِّسِينَ بِدَعْوَةٍ مَرْضِيَّةٍ ... لكنَّهَا مَرْضِيَّةُ الشَّيطَانِ هُمْ يَحْمِلونَ عَلَى الجميلِ بِزَعْمِهِمْ ... لكنَّما حَمَلُوا عَلَى الْحِرْمَانِ هُمْ حَسَّنُوا لَكُمُ الْفَسَادَ فَقُلْتُمُ ... هَذَا الصَّلاَحُ المُسْتَجِدُّ الدَّانِى وَاللهُ يَدءعُوكُمْ إِلَى جَنَّاتِهِ ... وَبما أَتى فِي مُحْكَمِ التِّبْيَانِ وَهُمُ دَعوكُمْ لِلْهَوَى فأَجَبْتُمُ ... أَينَ الْهُدَى يَا مُدَّعِى الإِيمَانِ هُمْ أَورَثُوا تُبَّاعَهُمْ في دِينِهِمْ ... كَسَلاً يُؤَدِّيهِمْ إِلَى خُسْرَانِ هُمْ زَنْدَقُوُهمْ شكَّكُوهُمْ في الْهُدَى ... هُمْ أُولِعُوا بالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ هُمْ سَدَّدُوا طُرُقَ الصَّلاَحِ علَيهِمْ ... هُمْ رَغَّبُوهُمْ في الْحَقِيرِ الفْانَي وَاللهُ لم يُمنْعْ تَطَلُّبَ عِيشَةٍ ... لكنْ مَعَ الإِجْمَالِ وَالتُّكْلاَنِ

إلى أن يقول: مَلؤوا المسَامِعَ وَالدَّفَاتِرَ دَعْوَةً ... لِصَنَائعِ الدُّنْيَا وِلِلْعُمْرَانِ أَوَمَا دَعُونَا مَرَّةً لرِعَايَةٍ ... لِحُدُودِ دِينِ اللهِ وَالإِيمَانِ أَحكامُ رَبِّى قَدْ أُضِيعَتْ بَينَهُمْ ... وَهُمُ علَيها جَامِدُو الأَذْهَانِ لكنمَّا يَدْعُونَنا لِهَوَاهمُ ... حُبٌّ لِدُنْياهُمْ بِلاَ بُرْهَانِ وَهُمُ عَلَى ذَا زَاعِمُونَ بأنَّهُمْ ... رَامُوا نُهُوضَ الدِّينِ في الْبُلْدَانِ إلى أنْ قال رحمه الله: والله أَخْبَرَ إِنْ نَصَرْنَا دِينَهُ ... يَنْصُرْ لنا بالنَّصَّ في القُرْآنِ أَنْتُمْ تَنَوَّرْتُمْ بقَولٍ باطِلٍ ... لاَ بلْ تَدَمَّرْتُمْ عَلَى خُسْرَانِ صرْتُمْ إِذًا أُضْحُوكةً بينَ الْوَرَى ... تَتَقَلَّدُونَ الْفَخْرَ بالْهَذَيَانِ أتُرَى أْرْبَّا علَّمَتْ أَمْثَالَكُمْ ... آلاتِ حَرْبٍ أَمْ عُلُومَ هَوَانِ إِنِّى أخَافُ إِنْ بُليِتَ بِعِلْمِهِمْ ... أَنْ تَخْدِمَ الدَّهْرِىَّ والنَّصْرَانِي ... وَتُمَدِّحَ الْكُفَّارَ تَفخْيِمًا لَهُمْ ... لَمَّا بُليِتَ مِنَ الضَّلاَلِ بِرَانِ فَتَبِينُ عَنْ حِزْبِ الْفَلاَحِ وَأهْلِهِ ... وتكُونُ مِنْ حِزْبِ الْفَرِيقِ الثَّانى مَا بالُكُمْ لاَ تَعْقِلُونَ رَشَادَكُمْ ... تُلْقُونَ لِلأَعْدَاءِ كُلِّ عِنَانِ

هَلْ مِثْلُ أصْحَابِ النَّبِيِّ مُقَلَّدٌ ... صِدِّيقٍ أَو فَارُوقٍ أَو عُثْمَانِ وَأَبِى الْحُسَينِ وَتابِعِيهِمْ فِي الْهُدَى ... وَالتَّابِعِي الأْتْبَاعِ بالإِحْسَانِ هَلْ مِثْلُ أَحْمَدَ والْمُقَدَّمِ مَالِكٍ ... والشَّافِعِيِّ الشَّهْمِ والنُّعْمَانِ هَلْ فِيكُمُ مَمَّنْ تَبِعْتُمْ عَنْ هُدًى ... مِنْ جهْبذٍ جَالٍ عَنِ الأْذْهَانِ كالْعَسْقَلاَنِي أَو فَتى تَيمِيَّةٍ ... أَعْني أَبَا الْعَبَّاسِ عَالِي الشَّانِ أَو كَعِياضِ الْحَبْرِ في تَحْقِيقِهِ ... والنَّاقِدِ الْعَينِيّ لدَى الإِتْقَانِ هَذَا وَكَمْ أَمْثَالُهُمْ مِنْ جهْبذٍ ... مَلأَ الْبَسِيطَةَ بالْهُدَى رَبَّانِي مَنْ يَبْغِ مِنْكُمْ غَيرَ أَرْبَابِ الْهُدَى ... يَرِدِ الضَّلاَلَةَ في عَمَى الْحَيرَانِ هَدْيُ الْمُشَفَّعِ هَدْيُنَا وَشِعَارُنَا ... حَمْدُ الإِلهِ وَعِلْمُنَا رَحْمَانِي وَاللهِ لَو قُمْنَا بِهَا كَكِرَامِنَا ... خَضَعَتْ لِهَيبَةِ عِزَّنَا الثَّقَلاَنِ لكنَّنَا جُرْنَا اتِّبَاعًا لِلْهَوَى ... وَلِمُتْبِعِ الأهْواءِ كلُّ هَوَانِ يَا أَيُّهَا الْمِسْكِينُ نَفْسَكَ فارْعَهَا ... لاَ تُلْقِهَا في هُوَّةِ الْخُسْرَانِ فَالْعِلْمُ يُؤْخَذُ عَنْ تَقِيٍّ تَابعٍ ... للشَّرْعِ لاَ عَنْ ذِي هَوًى بَطْرَانِ

قد قال رب العالمين وسارعوا

إلى أن قال: قدْ قالَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَسَارِعُوا ... فأَجِبْ وَجَنِّبْ حَالَةَ الْكَسْلاَنِ وَاسمَعْ مَوَاعِظَ عنْ إلهِكَ جَمَّةً ... تُتْلى عَلَيكَ بمُحْكَم التِّبْيَانِ وَخُذِ الصِّفَاتِ المُنْجِيَاتِ جِمِيعَها ... عِنْدَ التَّهَجُّدِ عَنْ سَنا الْقُرْآنِ وَاتْرُكْ سَفَاهاتِ الأَسَافِلِ إِنَّهَا ... تَرْمِيكَ يَومَ الْبَعثِ بِالْحِرْمَانِ وَاعْمَلْ لِدَارٍ لاَ يَزُولُ نَعِيمُهَا ... قدْ خَابَ مَنْ باعَ المُقِيمَ بِفَانِ أَتُحِبُّ أَنْ تُعْطَى الْفَخَامَةَ ها هُنَا ... وَتُصِيبَ يَومَ الْحَشْرِ حَالَ هَوَانِ وَاحْرِصْ عَلَى عِلْمِ الشَّرِيعَةِ إِنَّهَا ... حِفْظُ الْبَرِيَّة عَنْ هَوَى الشَّيطَانِ أَصْحَابُهَا هُمْ وَارِثُونَ نَبِيِّهِمْ ... أَنْعِمْ بِذَاكَ الإِرْثِ للإِنْسَانِ هذَا وَخُذْ نُورًا أَتَى عَن حِكْمَةٍ ... يمْحُو ظَلاَمَ الْجَهْلِ وَالطُّغْيَانِ * * * ... وقال رحمه الله تعالى: فصل في الحثِّ على القرآن وَاتْلُ كِتَابَ اللهِ في أَوقَاتِ ... مُلاَحِظًا تَدبُّرَ الآياتِ تهدْيِك لِلْبَارِي فتَرْجُو رَحْمَتَهْ ... حِينًا وَحِينًا مُذْ تَخَافُ سَطْوتَهْ

فهْوَ الْعُلُومُ وَالْكمالُ وَالشَّرَفْ ... لا يعتَرِيهِ باطِلٌ وَلاَ جَنَفْ وَالْحَظْ إِلَى الْجَنَّةِ في الْقُرْآنِ ... تَزِدْكَ في عِبادَةِ الرَّحْمنِ وَالحظْ إِلى النَّارِ تجِدْهَا ناهِيَهْ ... عَن طُرُقٍ إِلى الْفَسَادِ غاوِيهْ وَانْظرْ إِلَى نَفْسِكَ في دُنْيَاكَا ... تَجِدْكَ مُنْقُولاً بها لِذَاكَا فَابْذُلْ منَ الأسْبَابِ ما يُنْجِيكَا ... فَتُدْرِكَ الرَّحْمَةَ مِنْ بارِيكَا ومنها في مواضعٍ أخرى: وَاعْلَمْ بأَنَّ الرِّزْقَ رَبِّي قدَّرَهْ ... فالسَّعْيُ فِيهِ سَبَبٌ مَا كَثَّرَهْ فكَمْ ضَعِيفٍ سادَ في دُنْيَاهُ ... وَكمْ قَوِىٍّ سعْيُهُ مَا أَغْنَى وَلاَ تَكُنْ أَيضًا مُضِيعًا للسَّبَبْ ... فبَذْلُهُ بالشَّرْعِ رُبَّمَا وَجَبْ وَلاَزِمِ التَّقْوَى تَكُنْ أَنْتَ الأجَلّ ... فهْيَ الَّتِي تُنْجِيكَ مِنْ بَينِ الْعَمَلْ وَهْيَ امْتِثَالُ مَا إِلهُنَا أَمَرْ ... وَالْكَفُّ عَنْ كلِّ الَّذِي عنْهُ زَجَرْ وَباشِرِ المَسْلِمَ بالتَّحِيَّه ... أَو كَلِمَاتٍ عِنْدَهُ مَرْضِيِّهْ

وَانْصَحْ لهُ نُصْحَ الصَّدِيقِ الصَّادِقِ ... وَلاَقِهِ في الأمْرِ كالمُوَافِقِ إِلاَّ إِذَا أَتَى الرَّدَى أَو قالَ بِهْ ... فَرُدَّهُ باللُّطْفِ حتَّى يَنْتَبِهْ وَلاَ تَرُدَّ مِنْ جَلِيسِكَ الْخَبَرْ ... وَلاَ تُضَعِّفْهُ فذَا لَهُ ضَرَرْ وَإِنْ أَتَى بهَفْوَةٍ في المجْلِسِ ... فَاسْتُرْ عَلَيهِ سَتْرَ خِلٍّ مُؤْنسِ وَلاَ تُعَقِّبْهُ بذِكْرَاهَا أَبَدْ ... فالْحُرُّ لَمْ يَشْمتْ وَلم يَفْضَحْ أَحَدْ وَجَاهِدِ النَّفْسَ عَلَى حَمْلِ الأَذَى ... مِنْ مُسْلِمٍ تَكُنْ إِمَامًا يُحْتَذى وَاجْهَرْ إِذَا لُقِيتَ بالسَّلاَمِ ... بِذَاكَ وَصَّى سَيِّدُ الأنَامِ لاَ تَجْعَلَنْ إشَارَةً تَحِيَّهْ ... تكُنْ عَدُوَّ السُّنَّةِ السَّنِيَّهْ إنَّ السَّلاَمَ هيئَةُ الأبْرَارِ ... وَمَنْ يُشِيرُ تَابِعُ الْكُفَّارِ وَاحْذَرْ مِنَ التَّصْفِيقِ بَعْدَ الْخُطَبِ ... كَهيئَةِ الإِمَاءِ عِنْدَ اللَّعِبِ فقدْ نَهَى الرِّجَالَ سَيَدُ البَشَرْ ... عَنْ فِعْلِهِ فَذَاكَ شَيءٌ مُحْتَقَرْ ... وَاعْرَفْ كَرَامَاتِ الرِّجَالِ بالِّلحَى ... سودَا وَبَيضَا كالصَّبَاحِ اتَّضَحَا فَهْيَ لَهُمْ فَضْلٌ عَلَى النِّسَاءِ ... مِيزًا وَحُسْنًا عِنْدَ كُلِّ رَائى وأمَرَ الرَّسُولُ أَنْ تُوَفَّرَا ... فحلْقُهَا يُعَدُّ قُبْحًا مُنْكَرَا

خفافيش هذا الوقت كان لها ضرر

والْحَلْقُ لِلِّحْيَةِ مَعْ ضِيقِ السَّلَبْ ... يعْتَادُهُ أَهْلُ الضَّلاَلِ وَالرِّيَبْ وَمِثْلُهُ اللَّهْوُ بأنْوَاعِ اللَّعِبْ ... حَاشَا لِعَاقِلِ إِلَيهِ يَنْتَسِبْ لأنَّهُ مُضَيِّعُ الأوقَاتِ ... وَمُذْهِبٌ لأشْرَفِ الصِّفَاتِ وَهَادِمٌ لِلدِّينِ وَالمَرُوءَةِ ... وَيَسِمُ الإِنْسَانَ بالسَّفَاهَةِ آخر: خَفَافِيشُ هَذَا الوَقْتِ كَانَ لَهَا ضَرَرْ ... وَأوبَاشُهَا بَينَ الوَرَى شَرُّهَا ظَهَرْ يَعِيبُونَ أهْلَ الدِّينِ مِن جَهْلِهِم بِهِمْ ... كَمَا عَابَتِ الكُفَارُ مَنْ جَاءَ مِنْ مُضَرْ يَقُولُونَ رَجْعِيُونَ لَمَّا تَمَسَّكُوا ... بِنَصِّ مِن الوَحْيَينِ كَانَ لَهُ الأثَرْ وإعْفَائِهِم تِلْكَ اللِّحَى لِجَمالِهَا ... وتَرْكِ سَوَادٍ حِينَ كَانَ بِهِ غَرَرْ وحَمْلِهُمُو تِلْكَ العُصِيَّ لأنَّهَا ... لَدَيهِم حَمَقَاتٌ ومِسْوَاكَ مُطَّهَرْ وذَمّهُمُو مَعْ سُخْرِهِم لِحُرُوبِنَا ... بِسَيفٍ وَرْمْحٍ فِعْلَ مَن مَاتَ أو غَبَرْ ثَكِلتُكُمُو يَا أجْهَلَ النَّاسِ فاسْتُروا ... مَخَازِيكُمُو لا تَكْشِفُوهَا فَتَنْتَشِرْ مَتَى كُنْتُمُو أهْلاً لِكُلِ فَضِيلةٍ ... مَتَى كُنْتُمُو حَرْبًا لِمَنْ حَادَ أو كَفَرْ مَتَى دُسْتُمُو رَأْسَ العَدُوِّ بِفيلَقٍ ... وقُنْبُلَةٍ أو مِدْفَعٍ يَقْطَعُ الأثَرْ تَعِيبُونَ أشْيَاخًا كِرَامًا أعِزَّةً ... جَهَابِذَةً نُورُ البَصِيرةِ والبَصَرْ فَمَنْ لَمْ يُوقِّرْ أشْيَبَ الرأْسِ واللِّحِىَ ... فَلَيسَ حَرِيًّا بالسَّعَادِةٍ والظَفَرْ ومَن وَقَّرَ الأشياخَ فَهْوَ مُوَفَّقٌ ... سَعِيدٌ بِهَذي الدَّارِ والأجْرُ مُدَّخَرْ فَهُمْ بَركَاتٌ لِلْبِلادِ وأهْلِهَا ... بِهمْ يَدْفَعُ اللهُ البَلاَيَا عَن البَشَرْ ولَو لَمْ يَكُنْ طِفْلٌ وشُبَّانُ رُكَّعٌ ... وَبِهُمْ رَتيعٌ صُبَّ مِنْ فَوقِنَا الحَجَرْ فَيَا مُدَّعَي الإِسلامَ باللهِ فاقْبَلُوا ... نَصِيحَةَ مَن يَرْضَى لكُم كُلَّ مُفْتَخَرْ

تأوبني ليل بيثرب أعسر

عَلَيكمُ بِتَقْوَى اللهِ جَلَّ جَلاَلُهُ ... وَحِفْظِ صَلاةٍ في الجَمَاعِةِ تُنْتَظَرْ فما هذِه الدُنْيَا بِدَارِ إقَامَةٍ ... سَيَرْحَلُ عَنْهَا كُلُ مَنْ نَامَ أو سَهَرْ وَيا مَن تَمَادَى في الضَّلاَلةِ والعَمَى ... أَمَا آنَ أنْ تَخْشَى الإِلَهَ كَمْنَ حَضَرْ فَربُّكَ بِالمِرْصَادِ أنْ كُنْتَ غَافِلاً ... سَرِيعُ انْتَقامٍ أخْذُهُ أحْذّ مُقْتَدِرْ ... وَرَبُّكَ لاَ تَخْفَى عَلَيهِ خَفِيَّةٌ ... وَيَعْلَمُ وَسْواسَ الصُدُورِ ومَنْ أسَرْ فَتُوبُوا إلى المَولَى جَمِيعًا وسَارِعُوا ... إلى جَنَّةٍ المَأْوَى وسَوَوهُ مُؤْتَمَرْ تَنَالُوا بِدَنْيَاكُم جَمَالاً ورِفْعَةً ... وَعِزًا وتَمْكِينَاً كَذَا الذَّنْبُ يُغْتَفَرْ ويَا آمِرِي بالعُرْفِ بِاللهِ فأْمُرْوا ... بِعلْمٍ وحِلْمٍ كَي بِذَا النَّاسُ تَأْتَمِرْ وقُومُوا عَلَى أولادِكُم قَبْل أمْرِكُمْ ... كَمَا فَعَلَ الفَارُوقُ أعْنِي بِهِ عُمَرْ ويَا عُلَمَاءَ المُسلِمينَ فأخْلِصُوا ... مَعَ اللهِ نِيَّاتٍ لَكُم وانْبُذُوا الأشَرْ فإنَّ صَلاَحَ النَّاسِ طُرًّا صَلاَحُكُمْ ... وكُونُوا لِوَالي الأمْرِ أنْفَعَ مُؤْتَزَرْ وأحْسَن مَا يَحْلُو الخِتَامُ بِذَكْرِهِ ... صَلاةٌ وتَسْلِيمٌ عَلى سَيِّدِ البَشَرْ مُحَمَّدٍ المَعْصُومِ والآلِ كُلِّهِم ... وأصْحَابِهِ والتَابعينَ عَلَى الأثَرْ وقال حسان يُرْثِي أهْلَ مُؤْتَةَ .. جَهَّزَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جَيشًا ليِقْتَصَّ ِمَّنْ قَتَلُوا الحارِثَ بن عُمير الأزَدِي: تَأَوَّبَنَي لَيلٌ بِيَثْرِبَ أعْسَرُ ... وهَمٌ إذَا مَا نَوَّمَ النَّاسُ مُسْهِرُ لِذِكْرَى حَبِيبٍ هَيَّجتْ ثَمَّ عَبْرَةً ... سَفُوحًا وأسْبَابُ البُكَاءِ التَّذكُرُ بَلاءٌ وفِقْدَانُ الحَبِيبِ بَلِيَّةٌ ... وَكَمْ من حَبِيبٍ يُبْتَلى ثُمَّ يَصْبرُ رَأيتُ خِيَارَ المُؤْمِنِينَ تَوارَدُوا ... شَعُوبَا وقَدْ خُلِّفْتُ فِيمَنْ يُؤَخَّرُ فلا يُبْعِدَنَّ الله قَتْلَى تَتَابَعُوا ... بِمُؤْتَةَ مِنْهُم ذو الجناحَينِ جَعْفَرُ وزَيدٌ وعَبْدُ اللهِ حِينَ تَتَابَعُوا ... جَمِيعًا وأسْبَابُ المَنيَّة تَخْطُرُ

كان الضياء وكان النور نتبعه

غَدَاةَ غَدَوا بالمُؤْمِنِينَ يَقُودُهُمْ ... إلى الموت مَيمُونُ النَّقِيبَةِ أزْهَرُ أغَرُّ كَلَونِ البَدْرِ من آلِ هَاشِمٍ ... أبِيٌّ إذَا سِيمَ الظُلاَمَة مِجْسَرُ فَطَاعَن حَتَّى مَاتَ غَيرَ مُوسَّدٍ ... بمُعْتَرَكٍ فِيهِ الفَنَا يَتَكَسَّرُ فَصَارَ مَعَ المُسْتَشْهِدينَ ثَوَابُهُ ... جِنَانٌ وملتَفُّ الحدائِقِ أَخضَرُ وَكُنّا نَرَى فِي جَعْفَرٍ مِنْ مُحَمّدٍ ... وَفَاء وَأَمْرًا ... حَازِمًا حِينَ يَأْمُرُ فَمَا زَالَ فِي الإسْلامِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... دَعَائِمُ عِزٍ لا تُرَامُ وَمَفْخَرُ هُمُوا جَبَلُ الإسْلامِ وَالنّاسُ حَولَهُ ... رِضَامٌ إِلَى طَودٍ يَرُوقُ وَيَقْهَرُ هُمُوا أَوْلِيَاءُ اللهِ أَنْزَلَ حُكْمَهُ ... عَلَيْهِم وَفِيهُم ذَا الكِتَابُ الْمُطَهّرُ بَهَا لِيلُ مِنْهُم جَعفَرٌ وَابنُ أمِّهِ ... عَلِيٌ وَمَنهُم أَحْمَدُ الْمُتَخِيّرُ وَحَمْزَةُ وَالْعَبّاسُ مِنْهُمْ وَمِنْهُمُ ... عَقِيلٌ وَمَاءُ الْعُودِ مِنْ حَيْثُ يُعْصَرُ ... وقال يُرْثِي النبي - صلى الله عليه وسلم -: كَانَ الضِّيَاءَ وكَانَ النَّوْرَ نَتْبَعُهُ ... بَعْدَ الإِلهِ وكَانَ السَّمْعَ والبَصَرَا فَلَيْتَنَا يَوْمَ وَارَوْهُ بِمَلْحَدِهٍ ... وَغيَّبُوهُ وألقَوْا فَوْقَهُ المَدَرَا لَمْ يَتْرُكِ اللهُ مِنَّا بَعْدَهُ أَحَدًا ... ولَمْ يَعيش بَعْدَهُ أنْثَى ولا ذَكَرَا ذَلَّتْ رِقَابُ بَنِي النجارِ كُلِّهِمُ ... وكَانَ أمْرًا مِن أمْرِ اللهِ قَدْ قُدِرَا وقال - رضي الله عنه - في يوم بدر: أَلا يَا لَقَومِ هَلْ لِمَا حُمَّ دَافِعُ ... وهَلْ مَضَى مِنْ صَالِحِ العَيْشِ رَاجع تَذَكَّرْتُ عَصْرًا قَدْ مَضَى فَتَهافَتَتْ ... بَنَاتُ الحَشَا وانْهَلَّ مني المدَامِعُ صَبَابَةُ وَجْدٍ ذَكَّرَتْنِيْ أحِبَّةً ... وقَتلَي مَضَوْا فيهم نُفَيْعٌ وَرَافِعُ

وقل إن يكن يوم بأحد يعده

وسَعْدٌ فأضْحَوْا في الجِنَانِ وأوحَشَتْ ... مَنَازِلُهُمْ والأرْضُ منهم بَلاقِعُ وَفَوْا يَوْمَ بَدْرٍ لِلْرَّسُوْلِ وفوقهُمْ ... ظِلاَلُ المَنَايَا والسُيُوف اللَّوامِعُ دَعَا فأجَابُوهُ بِحَقٍ وكُلُّهُمْ ... مُطِيْعٌ لَهُ في كل أمْرٍ وَسَامِعُ فَمَا بَدَّلُوْا حَتَّى تَوافَوْا جَمَاعَةٍ ... ولا يقْطَعُ الآجَال إلاَّ المَصَارِعُ لأنَّهم يَرجُونَ مِنْهُ شَفَاعةً ... إذَا لَمْ يَكُنْ إلاَّ النَّبِيّيْنَ شَافِعُ وذلِكَ يَا خَيْرَ العِبَادِ بَلاَؤُنَا ... ومَشْهَدُنَا فِي الله والموت نَافِعُ لَنَا القَدَمُ الأوْلَى إليْكَ وخَلْفُنَا ... لأوَّلِنَا فِي طَاعَةِ اللهِ تَابِعُ ونَعْلَمُ أنَّ المُلْكَ للهِ وَحْدَهُ ... وأنَّ قضَاءَ اللهِ لاَبُدَّ وَاقِعُ وقال - رضي الله عنه - في يوم أُحُد: وقُلْ إنْ يَكُنْ يَومٌ بأُحْدٍ يَعُدُّهُ ... سَفِيْهٌ فإنَّ الحَقَّ سَوْفَ يَشِيْعُ وقَدْ ضَارَبَتْ فِيْهِ بَنُو الأوْسِ كُلُهُمْ ... وكَانَ لَهُمْ ذِكْرٌ هُنَاكَ رَفِيْعُ وحَامَى بَنُو النَّجَارِ فيهِ وضَارَبُوا ... ومَا كَانَ مِنهُم في اللِّقَاءِ جزوعُ أمَامَ رَسُولِ اللهِ لاَ يَخُذُلُوْنَهُ ... لَهُمْ ناصِرٌ من رَبِّهمْ وشَفِيْعُ بأيْمَانِهِمْ بِيْضٌ إذَا حَمِىَ الوَغَى ... فَلابُدَّ أنْ يَرْدى بِهنَّ صَرِيْعُ كَمَا غَادَرَت في النَّقْعِ عُثمانَ ثَاوِيًا ... وسَعْدًا صَرِيعًا والوَشِيْجُ شُرُوْعُ وقَدْ غَادَرَتْ تَحْتَ العَجَاجَةِ مُسْنَدًا ... أُبَيًا وقَدْ بَلَّ القمِيْصِ نَجِيْعُ بِكَفِّ رسُولِ الله حَتَّى تَلَفَّفَتْ ... عَلَى القَومِ مِمَّا قَدْ يُثِرْنَ نُقُوْعُ أُوْلئِكَ قَوْمِي سَادَةٌ مِنْ فُروعهِمْ ... ومِن كُلِّ قَومٍ سَادَةٌ وفُروْعُ ... بِهِنَّ يُعِزُّ اللهُ حِيْنَ يُعِزُّنَا ... وإنْ كَانَ أمْرٌ يَا سَخِيْنُ فَظِيْعُ فإن تذكروا قتلى وحمزة فيهمُ ... قتيل ثوى لله وهو مطيع فإنَّ جِنَانَ الخُلْدِ مَنْزِلُهُ بِهَا ... وَأمْرُ الذِيْ يَقْضِي الأُمْورَ سَرِيْعُ وقَتْلاَكُمُ في النارِ أفْضَلُ رِزْقِهِم ... حَمِيْمٌ مَعًا في جَوْفِهَا وضَرِيْعُ

دوام الورى ما لا يكون لرئم

تَذَكُّرِيْ لِلْبِلَى في قَعْرِ مُظْلِمَةٍ ... أصَارَ بِيْ زَاهدًا في المَالِ والرُّتَبِ إنِّي أٌُسَرُّ بِحَالٍ سَوْفَ أُسْلَبُهَا ... عَمَّا قَرِيْبٍ وأبْقَى رِمَّةَ التُّرُبِ آخر: دَوام الوَرَى مَا لاَ يكُوْنُ لِرَئِمِ ... بِدارِ الفَنَا مِن عُرْبِهَا والأعَاجِمِ ومَا هَذِهِ الدنيا بِدَارِ إقَامَةٍ ... سَيَرْحَلُ عَنْهَا عَالِمٌ بَعْدَ عَالِمِ ولا يَبْقَ إلاَّ اللهُ جَلَّ جَلاَلُهُ ... هُوَ الواحِدُ الدَّيانُ أحْكَمُ حَاكِمِ فَنَسْألُ مَوْلاَنَا الثَّبَاتَ عَلَى الهُدَى ... ومَغْفِرَةً تَمْحُوْ الذُنُوبَ بِدَائِمِ وأخْتِمُ نَظْمِي بالصَّلاةِ مُسَلِمًا ... على المُصْطَفَى المَبْعُوثِ من نسْلِ هَاشِم آخر: طَارَتْ بِنَا لِدِيَارِ البَيْنِ أطْيَارُ ... فأقْفَرتْ بَعْدَنَا الأوْطَانُ والدَّارُ ولِلْمَقَادِيْرِ يَجْرِي العَبْدُ كَيْفَ تَشَا ... بِحِكْمَةِ اللهِ يَرْضَاهَا ويَخْتَارُ قَضَىَ وَقَدَّرَ فِيْنَا الموتَ أجْمَعَنَا ... ونَحْنُ للهِ بالمَقْضِّي صُبَّارُ والموتُ نَغَصَ دُنْيَانَا وَزَهْرَتَهَا ... وسَوْفَ تَفْنَى ومَا في الحَيِّ دَيَّارُ نسيْرُ بِمَوتانا مَسَاءً وبُكْرِةً ... وسَوْفَ بنا بَعْدَ المَمَاتِ يُسَارُ ولابُدَّ يَومًا أن نَزُوْرَ حَفَائِرًا ... يُجَاوِرُنَا فِيْهَا تُرَابٌ وأحْجَارُ ولابُدَّ أن تَبْلَى جُسُوْمٌ تَنَعَّمَتْ ... بِلَذَّاتِ دُنْيَا سَوْفَ تَفْنَى وتَنْهَارُ آخر: قُلْ لِلْذِي تَاهَ في دنياهُ مُفْتَخِرًا ... ضَاعَ افْتِخَارُكَ بَيْنَ المَاءِ والطِّيْنِ إذَا تَفَقَدْتَ في الأجْداثِ مُعْتَبِرًا ... هُنَاكَ تَنْظُرُ تِيْجَانَ السَّلاطِيْنِ

آخر: إنَّ المَشِيْبَ نَعَى إليَّ شَبَابِيْ ... وَوَجَدْتُ مَوْتِيْ مِيْتَةَ الأتْرَابِ طَوْرًا أُعَادُ وَتَارَةً أنَا عَائِدٌ ... أوْ دَافِنٌ حَيًا مِن الأحْبَابِ فإلىَ مَتَى ألْقَى وأسْمَعُ نَاعِيًا ... ومَوَاقِفَ تُخْشَى وعَرْضَ كِتابِيْ ... وَجِلاً فَيَا أسَفًا لِبُعْدِ مَسَافَتِي ... وقَلِيْلِ زَادٍ واقْتِرَبِ ذَهَابِيْ آخر: لَوْ لَمْ تَكُنْ نارٌ ولا جَنَّةٌ ... لِلْمَرْءِ إلاَّ أنَّهُ يُقْبَرُ لَكَانَ فِيْهِ واعِظٌ زَاجِرٌ ... نَاهٍ لِمَنْ يَسْمَعُ أوْ يُبْصِرُ آخر: يَا غَادِيًا في غَفْلَةٍ ورَائِحَاً ... إلىَ مَتَى تسْتَحْسِنُ القَبَائِحَا وكَمْ إلىَ كَمْ لا تَخَافُ مَوْفِفَاً ... يَسْتَنطِقُ اللهُ بِهِ الجَوَارِحَا يَا عَجَبًا مِنْكَ وكُنْت مُبْصِرَا ... كَيْفَ تَجَنَّبتَ الطَّرِيْقَ الوَاضِحَا أمْ كَيْفَ تَرْضَى أنْ تَكُوْنَ خَاسِرًا ... يَوْمَ يَفُوزُ مَنْ يَكُوْنُ رَابِحَا آخر: وَلَمَا رَأيْتُ الشَّيْبَ أيْقَنْتُ أنَّهُ ... نَذِيْرٌ لِجِسْمِي بانْهِدَامِ بِنَائِهِ إذَا ابْيَضَّ مُخْضَرُّ النَّبَاتِ فإنَّهُ ... دَلِيْلٌ عَلَى اسْتِحْصَادِهِ وَفَنائِهِِ آخر: تَعَافُ القذافي الماء لا تَسْتَطِيْعُهُ ... وتَكْرَعُ في حَوضِ الذُنُوبِ فَتَشْرَبُ وتُؤْثِرُ مِنْ أكْلِ الطَّعَامِ ألَذَّهُ ... ولا تَذْكُرُ المُخْتَارَ مِن أيْنَ يُكْسَبُ

وتَرْقُدُ يَا مِسْكَيْنُ فَوْقَ نَمَارِقٍ ... وفي حَشْوِهَا نَارٌ عَلَيْكَ تَلَهَّبُ فَحَتَّى مَتَى لاَ تَسْتَفِيْقُ جَهَالَةً ... وأنْتَ ابْنُ سَبْعِيْن بِدِيْنِكَ تَلْعَبُ آخر: لا تَطْمئِنَّ إلى الدُنيا وَبَهْجَتِهَا ... وإنْ تَوشَّحْتَ مِنْ أثْوَابِهَا الحَسَنَا أيْنَ الأحِبَّةُ والجيرانُ مَا فَعَلُوا ... أيْنَ الذين هُمُ كَانُوا لَنَا سَكَنَا سَقَاهُمُ الموتُ كأسًا غَيْرَ صَافيَةٍ ... فَصَيَّرَتْهُمْ لأَطْباقِ الثَّرَى رُهُنَا تَبْكِيْ المَنَازِلُ مِنْهُمْ كُلَ مُنْسَجِمٍ ... بِالمكرُمَاتِ وتَرْثي البِرَّ والمِنَنَا حَسْبُ الحِمَامِ لَوْ أبْقَاهُمْ وأمْهَلَهُمْ ... ألاَ يَظُنّ عَلَى مَعْلومِهِ حَسَنَا آخر: أَيَا مَنْ عَاشَ في الدنيا طَوِيْلاً ... وَأفْنَى العُمْرَ في قِيْلٍ وقَال وأتْعَبَ نَفْسَهُ فِيْمَا سَيَفْنَى ... وجَمْعٍ مِنْ حَرَامٍ أوْ حَلالِ هَبِ الدُنيَا تُسَاقُ إليْكَ عَفَوًا ... ألَيْسَ مَصِيْرُ ذَلِكَ لِلزَّوالِ ... آخر: مَضَى عَصْرُ الشَّبَابِ كَلَمِحْ بَرَقٍ ... وعَصْرُ الشَّيْبِ بالأَكْدارِ شِيْبَا ومَا أعْدَدْتُ قَبْلَ الموتِ زَادًا ... لِيَوم يَجْعَلُ الوُلْدَانَ شِيْبَا آخر: مُحَمَّدُ مَا أعْدَدْتَ لِلْقَبْرِ والبِلَى ... ولِلْمَلَكيْنِ الواقِفَيْنِ عَلَى القَبْرِ وأنْتَ مُصِرٌ لا تُراجعُ تَوْبَةً ... ولا تَرْعَوِيْ عَمَّا يُذَمُّ مِن الأَمْرِ سَيَأتْيِكَ يَومٌ لا تُحَاوِلُ دَفْعَهُ ... فَقَدِّمْ لَهُ زَادًا إلى البَعْثِ والنَّشْرِ

من أحس لي أهل القبور ومن رأى

وقال أبُو العَتَاهِيَة: مَنْ أحَسَّ لِي أهْلَ الْقُبورِ وَمَنْ رَأى ... مَنَ أحَسْهُمْ لي بَيْنَ أَطْبَاقِ الثْرى مَنَ أَحَسَّ لِي مَنْ كُنْتُ آلَفُهُ وَيَأْ ... لَفُني فَقَدْ أَنْكَرْتُ بُعْدَ المُلْتَقى مَنَ أحسَهُ لي إذْ يُعالِجُ غُصَّةً ... مُتَشاغِلاً بِعِلاجِهَا عَمِّنْ دَعَا مَنَ أحَسِّهُ لي فَوْقَ ظَهْرِ سرِيرِهِ ... يَمْشي بِهِ نَفَرٌ إلى بَيْتِ الْبِلى يا أيُّها الْحَيُّ الَّذي هُوَ مَيِّتٌ ... أفْنيْتَ عُمْرَكَ بِالتَّعَلُّلِ وَالْمُنى أمَّا المَشيبُ فَقَدْ كَسَاكَ رِداءَهُ ... وَابْتَزَّ عَنْ كَتِفَيْكَ أثْوابَ الصِّبا وَلَقَدْ مَضى القُرْنُ الِّذينَ عَهِدْتَهُمْ ... لِسَبيلِهِمْ وَلَتَلْحَقَنَّ بِمَنْ مَضَى وَلَقَلِّ مَا تَبْقى فَكُنْ مُتَوَقّعًا ... وَلَقَلِّ مَا يَصْفو سُرورُكَ إنْ صَفَا وَهِيَ السَِبيلُ فَخُذْ لِذلِكَ عُدَّةً ... فَكَأَنَّ يَوْمَكَ عَنْ قَريبٍ قَدْ أَتى إنَّ الْغنِى لَهُوَ الْقُنوعُ بِعَيْنِهِ ... مَا أَبْعَدَ الطَّبِعَ الْحَريصَ مِنَ الْغِنى لا يَشْغَلَنَّكَ لَوْ وَليْتَ عَنِ الَّذي ... أَصْبَحْتَ فيهِ ولا لَعَلِّ ولا عَسى خالِفْ هَواكَ إذا دَعاكَ لِريبَةٍ ... فَلَرُبِّ خَيْرٍ في مُخَالَفَةِ الْهَوى عَلَمَ الْمَحَجَّةِ بَيِّنٌ لِمريدِهِ ... وَأرى القْلُوبَ عَنِ الْمَحَجَّةِ في عَمى وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِهَالِكٍ وَنَجَاتُهُ ... مَوْجودَةٌ وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِمَنْ نَجَا وَعَجِبْتُ إذْ نَسِيَ الْحمِامَ وَلَيْس مِنْ ... دونِ الْحمامِ وَإنْ تَأَخَّرَ مُنْتَهى ساعاتُ لَيْلِكَ والنهَّارِ كِلَيْهِمَا ... رُسُلٌ إلَيْكَ وَهُنْ يُسْرِعْنَ الْخُطى وَلَئِنْ نَجَوْتَ فَإِنما هِيَ رَحْمَةُ الْـ ... ـمَلِكِ الرَّحيمِ وَإنْ هَلَكْتَ فَبِالْجَزا يا ساكِنَ الدُّنْيَا أمِنْتَ زوالها ... ولقد ترى الأيام دائرة الرحى أين اللألى بنوا الحصون وَجنَّدوا ... فيها الجنُودَ تَعَزُّزًا أيْنَ الألى ... أَيْنَ الْحُماةُ الصابِرونَ حمِيَّةً ... يَوْمَ الْهِياجِ لِحَرِّ مُجْتَلَبِ القْنَا

وَذّوُو المَنابِرِ وَالْعَساكِرِ وَالدسَّا ... كِرِ وَالمَحاضِرِ وَالمدَائِنِ وَالْقُرى وَذَوُوا المَواكِبِ والمَراكِبِ والكَتا ... ئِبِ وَالنَّجِائِبِ وَالمَراتِبِ في الْعُلى أفْنَاهُمُ مَلِكُ الملُوكِ فأَصْبَحوا ... ما مِنْهُمُ أَحَدٌ يُحَسُّ وَلا يُرى وَهُوَ الْخَفيُّ الظاهِرُ المَلِكُ الَّذي ... هُوَ لَمْ يَزَلْ مَلكًا على الْعَرْشِ اسْتَوى وَهُوَ المُقَدِّرُ وَالمُدَبِّرُ خَلْقَهُ ... وَهُوَ الَّذي في المُلْكِ لَيْسَ لَهُ سِوى وَهُوَ الَّذي يَقْضي بِما هُوَ أَهْلُهُ ... فينَا وَلا يُقْضى عَلَيْهِ إذا قَضى وَهُوَ الَّذي بَعَثَ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا ... صَلَّى الإِلهُ عَلى النَّبِيِّ المُصْطَفى وَهُوَ الَّذي أَنْجِى وَأَنْقَذَنَا بِهِ ... بَعْدَ الضلاَّلِ منَ الضَّلالِ إلى الْهُدى حَتى مَتى لا تَرْعَوي يا صاحِبي ... حَتّى مَتى حَتّى مَتى وَإلى مَتى وَاللَّيْلُ يَذْهَبُ وَالْنَّهارُ وَفيهِما ... عِبَرٌ تَمُرُّ وَفِكْرَةٌ لأُولي النُّهى حَتى مَتى تَبْغي عِمارَةَ مَنْزِلٍ ... لا تأْمَنُ الرَّوْعاتِ فيهِ وَلا الأَذى يا مَعْشَرَ الأَمْواتِ يا ضيفانَ تُرْ ... بِ الأَرْضِ كَيْفَ وَجَدْتمُ طَعْمَ الثُّرى أَهْلَ الْقُبورِ مَحا التُّرابُ وُجوهكُمْ ... أهْلَ الْقُبورِ تَغَيَّرَتْ تِلْكَ الْحُلى أَهْلَ الْقُبورِ كَفى بِنَأْيِ دِيارِكُمْ ... إنَّ الدِّيارَ بِكُمْ لشَاحِطَةُ النَّوى أَهْلَ الْقُبورِ لا تَواصُلَ بَيْنَكُمْ ... مَنْ ماتَ أصْبَحَ حَبْلُهُ رَثَّ الْقُوَى كَمْ مِنْ أَخٍ ليَ قَدْ وَقَفْتُ بِقَبْرِهِ ... فَدَعَوْتُهُ للهِ دَرُّكَ مِنْ فَتى أأُخَيَّ لَمْ يقِكَ المَنيَّةَ إِذْ أَتت ... ما كانَ أَطْعَمَكَ الطَّبيبُ وَما سَقى أَأُخَيَّ لَمْ تُغْنِ التَّمائِمُ عَنْكَ ما ... قَدْ كُنْتُ أحْذَرُهُ عَلَيْكَ وَلا الرُّقى أَأُخَيَّ كَيْفَ وَجَدْتَ مَسَّ خُشونَةِ الْـ ... ـمَأوى وَكَيْفَ وَجَدْتَ ضيقَ المُتَّكا قَدْ كُنْتُ أفُرَقُ مِنْ فرِاقِكَ سالِمًا ... فَأَجَلُّ منْهُ فِراقُ دائِرَةِ الرَّدى فَالْيَوْمَ حُقَّ لِيَ التَّوَجُّعُ إِذْ جَرى ... قَدَرُ الإِلهِ عَلَيَّ فيكَ بِما جَرى تَبْكيكَ عَيْني ثُمَّ قَلْبي حَسْرَةً ... وَتَقَطُّعًا مِنْهُ عَلَيْكَ إذا بَكى

لدوا للموت وابنوا للخراب

وَإذا ذَكَرْتُكَ يا أُخَيِّ تَقَطَّعَتْ ... كَبِدي فَأُقْلِقَتِ الْجَوانِحُ وَالْحَشَا وقال رحمه الله تعالى: لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنوا لِلْخَرابِ ... فَكُلُّكُمُ بَصيرُ إلى ذَهابِ لِمَنْ نَبني وَنَحْنُ إِلى تُرابٍ ... نَصيرُ كمَا خُلِقْنا مِنْ تُرابٍ أَلاَ يا مَوْتُ لَمْ أرَ مِنْكَ بُدًّا ... أبَيْتَ فَلا تَحيفُ وَلا تُحابي كَأَنَّكَ قَدْ هَجَمْتَ عَلى مَشيبي ... كَمَا هَجَمَ الْمَشيبُ عَلى شَبابي ويَا دُنْيايَ ما لِيَ لا أراني ... أسومُكِ مُنْزِلاً إِلا نبا بي وَما لِيَ لَسْتُ أحْلُبُ مِنْكَ شَطْرًا ... فَأَحْمَدَ غِبَّ عاقَبِةِ الْحِلابِ وَما لِيَ لا أُلِحُّ عَلَيْكَ إِلاّ ... بَعَثْتَ الْهَمَّ لي مِنْ كُلِّ بابِ أراكَ وَإِنْ طُلِبْتَ بِكُلِّ وَجْهٍ ... كَحُلْمِ النَّوْمِ أوْ ظِلِّ السَّحابِ أوِ الأَمْسِ الَّذي وَلَّى ذَهابًا ... فَلَيْسَ يَعودُ أوْ لُمْعِ السُّراب وَهذا الْخَلْقُ مِنْكَ عَلى وِفازِ ... وَأرْجُلُهُمْ جَميعًا في الرِّكابِ وَمَوْعِدُ كُلِّ ذي عَمَلٍ وَسَعْيٍ ... بِما أسْدى غَدًا دارُ الثَّوابِ تَقَلِّدْتُ الْعِظامَ مِنَ الْخَطايا ... كَأَني قَدْ أمِنْتُ مِنَ الْعِقابِ ومهما دمت في الدنيا حريصا ... فإني لا أُوَفَّقُ للصواب سَأسْألُ عَنْ أُمورٍ كُنْتُ فيها ... فَما عُذْري هُناكَ وَما جَوابي بأَيَّةِ حُجَّةٍ أحْتَجُّ يَوْمَ الْـ ... ـحِسابِ إذ دُعِيْتُ إِلىَ الحِسْابِ هُما أمْرانِ يُوضِحُ عَنْهُما لي ... كِتابي حينَ أنْظُرُ في كِتابي فَإما أنْ أُخَلَّدَ في نَعيمٍ ... وَإمّا أنْ أُخَلَّدَ في عَذابِ

ألا من لنفس في الهوى قد تمادت

وقال أيضًا: ألاَ مَنْ لنَفْسٍ في الهَوَى قد تَمَادَتِ ... إذا قُلْتُ قَدْ مالَتْ عن الجهل عَادِتِ وحَسْبُ امْرِئ شَرًّا بِإهمالِ نَفْسِهِ ... وإمْكانِها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أرادَتِ تَزاهَدْتُ في الْدُّنْيا وإنِّي لَراغِبٌ ... أرى رَغْبَتي مَمْزوجَةً بِزَاهادَتي وَعَوَّدْتُ نَفْسي عادَةً فَلَزِمْتُها ... أراهُ عَظيمًا أنْ أُفارِقَ عادَتي إِرادَةُ مَدْخولٍ وعَقْلُ مُقَصِّرٍ ... ولَوْ صَحَّ لي عَقْلي لَصَحَّتْ أرادَتِي ولَوْ طابَ لي غَرْسي لَطابَتْ ثِمارُهُ ... ولَوْ صَحَّ لي غَيْبي لَصَحَّتْ شَهادَتي أيا نَفْسُ ما الدُّنْيا بِأَهْلٍ لِحُبِّها ... دَعِيها لأَقْوامٍ علَيْها تَعادَتِ أَلا قَلَّما تَبْقْى نُفوسٌ لأَهْلِهِا ... إِذا رَاوَحَتْهُنَّ الْمَنايا وغادَتِ أَلا كُلُّ نَفْسٍ طالَ في الْغَيِّ عُمْرُها ... تَموتُ وإِنْ كانَتْ عَنِ الْمَوْتِ حادَتِ ألا أيْنَ مَنْ ولى بِهِ اللَّهْوُ والصِّبا ... وأيْنَ قُرونٌ قَبْلُ كانَتْ فَبادَتٍ كأَنْ لمْ أكُنْ شَيْئًا إِذا صِرْتُ في الثَّرى ... وصارَ مِهادي رَضْرَضًا وَوِسادَتي ... وما مَلْجَأٌ لي غَيْر مَنْ أنا عَبْدُهُ ... إلى اللهِ رَبِّي شِقْوَتي وَسعادَتي * * * وقال رحمه الله: سَلامٌ على قبْرِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ... نَبِيِّ الْهُدى والْمُصْطَفى والْمُؤَيَّدِ نَبيّ هَدانا اللهُ بَعْدَ ضَلالَةِ ... بِهِ، لَمْ نَكُنْ نَوْلا هُداهُ لِنَهْتَدي فكانَ رَسولُ اللهِ مِفْتَاحَ رَحْمَةٍ ... مِنَ اللهِ أهْداها لِكُلِّ مُوَحِّدِ وكانَ رَسولُ اللهِ أفْضَل مَنْ مَشى ... عَلى الأَرْضِ إِلا أنَّهُ لمْ يُخَلَّدِ شَهِدْتُ عَلى أنْ لا نُبُوَّةَ بَعْدَهُ ... وَأنْ لَيْسَ حَيٌّ بَعْدَهُ بِمُخَلَّدِ وأنَّ الْبِلى يَأْتي عَلى كُلِّ جِدِّةِ ... وَأنَّ المْنَايا لِلْعِبِادِ بِمَرْصِدِ

كأنا وإن كنا نياما عن الردى

تَبارَكَ مَنْ يَجْري الْفِراقُ بِأمْرِهِ ... ويَجْمَعُ مِنْ شَتَّى عَلى غَيْرِ مَوْعدِ أيا صاحِ إنَّ الدّارَ دارُ تَبَلُّغِ ... إلى بَرْزَخِ الْمَوْتى وَدارُ تَزَوُّدِ ألَسْتَ تَرى أنَّ الْحَوادِثَ جَمَّةٌ ... يَروحُ عَلَيْنا صَرْفُهُنِّ وَيَغْتَدي تَبَلَّغْ مِنَ الدُّنْيا وَنَلْ مِنْ كَفافِها ... ولا تَعْتَقِدْها في ضَميرٍ ولا يَدِ وكُنْ داخِلاً فيها كَأنَّكَ خارِجٌ ... إلى غَيْرها مِنْها مِنَ الْيَوْمِ أوْ غَدِ وقال رحمه الله: كأنَّا وإنْ كُنَّا نِيَامًا عن الرَّدَى ... غَدًا تَحْتَ أحْجَارِ الصَّفَيْحِ المُنَضَّدِ تُرَجيّ خُلودَ الْعَيْشِ حَيْنًا وَضِلَّةً ... ولَمْ نَرَ مِنْ آبائنِا مِنء مُخَلَّدِ لَنا فِكْرَةٌ في أَوَّلينا وعِبْرَةٌ ... بِها يَقْتَدي ذُو الْعَقَلِ فيها ويَهْتَدي ولكنِنَّا نَأْتي الْعَمى وعُيونُنا ... إلَيْهِ رَوانٍ هكَذا عَنْ تَعَمُّدِ كَأَنّا سَفاهًا لمْ نُصَبْ بِمُصيبَةٍ ... ولَمْ نَرَ مِنًا مَيِّتًا جَوْفَ مُلْحَدِ بَلى كمْ أخٍ لي ذي صَفاءٍ حَثَوْتُهُ ... عَلى الرَّغْمِ مِنّي مُلْحَدَ الرَّمْسِ بالْيَدِ أُهيلُ عَلَيْهِ التُّرْبَ مِنْ كُلِّ جانِبِ ... أَرى ذاكَ مِنّي حَقَّ زادِ المُزَوِّدُ وَقَدْ كُنْتُ أَفْدِيهِ وَأَخْذَرُ نَأْيَهُ ... وَأَفْزَعُ إمَّا بَاتَ غيرَ مُمَهَّدِ لِكُلِّ أخي ثُكْلٍ عَزاءٌ وأُسْوَةٌ ... إِذا كانَ مِنْ أهْلِ التُّقى في مُحَمِّدِ ومَنْ يَأْمَنْ الأَيّامَ، أمّا اتٌّساعُها ... فَخَبْلٌ وَأما ضِيقُها فَشُديدُ وأيُّ بني الأَيّامِ إِلاَّ وعِنْدَهُ ... مِنَ الدِّهْرِ عِلْمٌ طارِفٌ وتَليدُ يَرى ما يَزيدُ والزِّيادَةُ نَقْصُهُ ... أَلا إنَّ نَقْصَ الشَّيءِ حينَ يَزِيدُ ... ومِنْ عَجَبِ الدُّنيا يَقينُكَ بالْفَنَا ... وأنَّكَ فيها لِلْبَقاءِ مِريدُ ألَمْ تَرَ أَنَّ الْحَرْثَ والنَّسْلَ كَلَّهُ ... يَبيدُ ومِنْهُ قائِمٌ وحَصيدُ لَعَمْري لَقَدْ بادَتْ قُرونٌ كَثيرَةٌ ... وأنتَ كمَا بادَ الْقُرونُ تَبيدُ

الخير والشر عادات وأهواء

وكَمْ صارَ تَحتَ الأَرْضِ مِنْ خامِدٍ بِهِا ... وقَدْ كانَ يَبْني فَوْقَها ويَشيدُ وقال رحمه الله: الخَيْرُ والشَّرُ عاداتٌ وأهْواءُ ... وَقدْ يَكونُ مِنَ الأَحْبابِ أعْدَاءُ لِلْحلْمِ شَاهِدُ صِدقٍ حينَ ما غَضَبٌ ... وَلِلْحَليمِ عن الْعَوْراتِ إغْضاء كُلٌّ لَهُ سَعْيُهُ والسَّعْيُ مُخْتَلِفٌ ... وكُلُّ نَفْسٍ لَها في سَعْيِها شاءُ لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ عِنْدَ عالِمِهِ ... مَنْ لَمْ يَكُنْ عالِمًا لمْ يَدْرِ ما الدّاءُ الْحَمدُ لله يَقْضي ما يَشاء ولا ... يُقْضى علَيْهِ وَما لِلْخَلْق ما شاؤوا لَمْ يُخْلَقِ الْخَلْقُ إلاّ لِلْفَناءِ مَعًا ... نَفْنى وَتَفنى أحاديثٌ وأسماءُ يا بُعْدَ مَنْ ماتَ مِمَّنْ كانَ يُلْطِفُهُ ... قامَتْ قِيامُتُهُ والنّاسُ أحياءُ يُقْصي الخَليلُ أخاهُ عِندَ مِيتَتِهِ ... وَكُلُّ مَنْ ماتَ أقْصَتْهُ الأَخِلاَءُ لَمْ تَبْكِ نَفَسَكَ أيامَ الحَياةِ لِما ... تَخْشى وأَنْتَ عَلى الأمْواتِ بَكاءُ أسْتَغفِرُ الله مِنْ ذْنبي وَمن سَرَفي ... إني وإنْ كنْتُ مَسْتورًا لَخَطَاءُ لَم تَقَتْحَمْ بِي دَواعي النَّفْسِ مَعْصِيَةً ... إلاَّ وَبَيني وبَينَ النُّورِ ظَلماءُ كمْ راتِعٍ في ظِلالِ العَيْشِ تَتْبَعُهُ ... مِنْهُنَّ داهِيَةٌ تَرْتَجُّ دَهْياءُ وَلِلْحَوادِثِ ساعاتٌ مُصَرَّفَةٌ ... فِيهنَّ لِلْحَيْنِ إدْناءٌ وَإقْصاءُ الْحَمَدُ للهِ كُلٌّ ذُو مُكاذَبَةٍ ... صارَ التَّصادُقُ لا يُسْقى بهِ المْاء

لعمرك ما الدنيا بدار بقاء

وله أيضًا: لَعَمْرُكَ ما الدُّنْيا بِدارِ بَقاءِ ... كَفاكَ بِدارِ المَوْتِ دارَ فَناءِ فَلا تَعْشَقِ الدُّنْيا أُخَيَّ فإنما ... تَرى عاشِقَ الدُّنْيا بِجُهْدِ بَلاءِ حَلاوَتُها مَمُزوجَةٌ بِمَرارَةٍ ... وَراحَتُها مَمْزوجَةٌ بِعَناءِ فَلا تَمْشِ يَومًا في ثِيابِ مَخِيلةٍ ... فإِنْكَ مِن طين خُلِقُتَ وَماءِ لَقَلْ امْرُؤٌ تَلْقاهُ للهِ شاكِرًا ... وَقَلّ امْرُؤٌ يَرْضى لَهُ بِقَضاءِ وَللهِ نَعْماءٌ عَلَيْنا عَظيمَةٌ ... وَللهِ إحْسانٌ وَفَضْلُ عَطاءِ وَما الدّهْرُ يَومًا واحِدًا في اخْتِلافهِ ... وَما كُلُّ أيّامِ الْفَتى بِسَواءِ ... ومَا هُوَ إلاّ يَومُ بُؤْسِ وَشِدْةٍ ... وَيَومُ سُرورٍ مَرّةً وَرَخاءِ وَما كُلُّ ما لمْ أرْجُ أُحْرَمُ نَفْعَهُ ... وَما كُلُّ مَا أرْجوهُ أهْلَ رَجاءِ إذا ما خَليلٌ حَلّ في بَرْزَخِ الْبِلى ... فَحَسبي بِهِ نَأيًا وَبُعْدَ لِقاءِ أَزورُ قُبورَ المُتْرَفينَ فَلا أرى ... بَهاءً، وَكانوا قَبْلُ أَهْلَ بَهاءِ وَكُلٌّ رَماهُ واصِلٌ بِصَرِيْمَةِ ... وَكُلٌّ بِدَاءِ المَوْتِ كُلُّ دَوَاءِ طلبت فما ألفيت للموت حيلة ... ويعيا بداء الموت كل دواء وَنَفْسُ الْفَتى مَسْرورَةٌ بِنَمائِهَا ... وَلِلنَّقْصِ تَنْمي كُلُّ ذاتِ نماءِ وَكمْ مِنْ مُفَدَّى ماتَ لمْ أرَ أهْلَهُ ... حَبَوْهُ وَلا جادوا لَهُ بِفِداءِ أمامَكَ يا نَدْمانُ دارُ سَعادَةٍ ... يَدومُ النَّما فيها وَدارُ شَقاءِ خُلِقْتَ لإِحدى الغْايَتَيْنِ فَلا تَنَمْ ... وَكُنْ بَيْنَ خَوْفٍ مِنْهُما وَرَجاءِ وَفي النَّاسِ شَرٌّ لَوْ بَدا ما تَعاشَروا ... وَلكِنْ كَساهُ اللهُ ثَوْبَ غِطاءِ

ألا نحن في دار قليل بقاؤها

وقال رحمه الله تعالى: أَلاَ نَحْنُ في دارٍ قَليلٍ بَقاؤُها ... سَريعٍ تَدانيها وَشيكٍ فَناؤُها تَزَوّدْ مِنَ الدُّنْيا التُّقى وَالنّهى فَقَدْ ... تَنَكْرَتِ الدُّنْيا وَحانَ انْقِضاؤُها غَدًا تَخْرَبُ الدُّنْيا وَيَذْهَبُ أهْلُها ... جَميعًا، وَتُطْوى أرْضُها وَسَماؤُهَا وَمَنْ كَلَّفَتْهُ النَّفْسُ فَوْق كَفافِها ... فَما يَنقْضي حتَّى الْمَماتِ عَناؤُها تَرَقَّ مِنَ الدُّنْيا إلى أيِّ غايَةٍ ... سَمَوْتَ إلَيْها فَالْمَنايا وَراؤُها وقال أيضًا: أَلاَ في سَبيل اللهِ ما فاتَ مِنْ عُمْري ... تَفاوَتُ أيّامي بِعُمْري وما أدْري فَلا بُدَّ مِنْ مَوْتٍ ولا بُدَّ مِنْ بِلًى ... ولا بُدَّ مِنْ بَعْثٍ ولابُدَّ مِنْ حَشْرِ وإنّا لَنَبْلَى ساعَةً بَعْدَ ساعَةٍ ... عَلى قَدْرٍ للهِ مُخْتَلِفٍ يَجْزي وَنَأْمُلُ أَنْ نَبْقى طَويلاً كَأَنَّنا ... عَلى ثِقَةٍ بِالأَمْنِ مِنْ غِيَرِ الدِّهْرِ ونَعْبَثُ أحْيانًا بِما لا نُريدُهُ ... ونَرْفَعُ أعْلامَ الْمَخِيَلةِ والْكِبْرِ وَنَسْمو إلى الدُّنْيا لِنَشْرَبَ صَفْوَها ... بِغَيْرِ قُنوعٍ عَنْ قَذاها ولا صَبْرِ فَلَوْ أَنَّ ما نَسْمو إلَيْهِ هُوَ الْغِنى ... وَلكِنَّهُ فَقْرٌ يَجُرُّ إِلى فَقْرِ عَجبِْتُ لِنَفسي حينَ تَدْعو إلى الصِّبا ... فَتَحْمِلُني مِنْهُ عَلى الْمَرْكَبٍِ الْوَعْرِ يَكونُ الْفَتى في نَفْسِهِ مُتَحَرِّزًا ... فَيَأْتيهِ أمْرُ اللهِ مَنْ حيث لا يدري ... وما هي إلا رقدة غير أنها ... تطول على من كانَ فيها إلى الْحَشْرِ * * * وقال أيضًا: كَأَنَّكَ قَدْ جاوَرْتَ أهْلَ الْمَقابِرِ ... هُوَ الْمَوْتُ يا ابْنَ الْمَوْتِ إنْ لمْ تُبادِر تَسَمَّعْ مِنَ الأيّامِ إنْ كُنْتَ سامِعًا ... فَإنَّكَ فيها بَيْنَ ناهٍ وآمِرٍ

ولا تَرْمِ بالأَخْبارِ مِنْ غَيْرِ خِبْرَةٍ ... ولا تَحْمِلِ الأَخْبارَ عَنْ كُلِّ خابِرِ فكَمْ مِنْ عَزِيزٍ قَدْ رَأيْنا امتِناعَهُ ... فَدَارَتْ عَلَيْهِ بَعْدُ إحدى الدَّوائِرِ وكْم مَلِكٍ قَدْ رُكِّمَ التُّرْبُ فَوْقَهُ ... وعَهْدي بِهِ في الأَمْسِ فَوْقَ الْمَنابِرِ وكمْ دائِبٍ يُعْنَى بِما لَيْس مُدْرِكًا ... وَكَمْ وَارِدٍ ما لَيْسَ عَنْهُ بِصادِرِ ولَمْ أرَ كالأَمْواتِ أبْعَدَ شُقَّةً ... عَلَى قُرْبِها مِنْ دارِ جارٍ مُجاوِرٍ لَقَدْ دَبَّرَ الدُّنْيا حَكيمٌ مُدَبِّرٌ ... لَطيفٌ خَبيرٌ عالِمٌ بالسَّرائِرِ إذا أَبْقَتِ الدُّنْيا عَلى الْمَرْءِ دِينَهُ ... فَما فاتَهُ مِنْها فَلَيْسَ بِضائِرِ إذا أَنْتَ لَمْ تَزْدَدْ عَلى كُلِّ نِعْمَةٍ ... خُصِصْتَ بِها شُكْرًا فَلَسْتَ بِشاكِرِ إذا أَنْتَ لَمْ تَطْهُرْ مِنَ الْجَهَلِ وَالْخَنَا ... فَلَسْتَ عَلى عَوْمِ الْفُراتِ بِطاهِرِ ذ إذا لَمْ تَكُنْ لِلْمَرْءِ عِنْدَكَ رَغْبَةٌ ... فَلَسْتَ عَلى ما فِي يَدَيْهِ بِقَادِرِ إذا كُنْتَ بالدُّنْيا بَصيرًا فَإِنَّما ... بَلاغُكَ مِنْها مِثْلُ زادِ المْسُافِرِ وَما الْحُكْمُ إِلاَّ ما عَلَيْهِ ذَوُو النُّهى ... وَما النَّاسُ إلاَّ بَيْنَ بَرٍّ وَفاجِرِ وَما مِنْ صَباح مَرَّ إلاَّ مُؤَدِّبًا ... لأَهْلِ الْعُقولِ الثَّابِتاتِ الْبَصائِرِ أراكَ تُساوى بِالأصاغِرِ في الصِّبا ... وَأَنْتَ كَبيرٌ مِنْ كِبارِ الأَكابرِ كَأَنَّكَ لَمْ تَدْفِنْ حَميمًا وَلَمْ تَكُنْ ... لَهُ في حِياضِ الْمَوْتِ يَوْمًا بِحاضِرِ وَلَمْ أرَ مِثْلَ الْمَوْتِ أكَثَرَ ناسِيًا ... تَراهُ وَلا أوْلَى بِتَذْكارِ ذاكِرِ وَإِنَّ امْرَأ يَبْتاعُ دُنْيا بِدينِهِ ... لَمُنْقَلِبٌ مِنها بِصَفْقَةِ خَاسِرِ وَكُلُّ امْرِئٍ لَمْ يَرْتَحِلْ بِتِجارَةٍ ... إلى دارِهِ الأُخْرى فَلَيْسَ بِتاجِرِ رَضيتُ بِذي الدُّنُيا لِكُلِّ مُكابِرِ ... مُلِحٍّ عَلى الدُّنْيا وَكُلِّ مُفَاخِرِ ألَمْ تَرَها تَرْقيهِ حَتَّى إذا صَبا ... فَرَتْ حَلْقَهُ مِنْها بِمُدْيَةِ جازِرِ وَما تَعْدِلُ الدُّنْيا جَناحَ بَعوضَةٍ ... لَدَى اللهِ أوْ مِقْدارَ زَغْبَةٍ طائِرِ

المرء آفته هوى الدنيا

فَلَمْ يَرْضَ بالدُّنْيا ثَوابًا لِمُؤْمِنٍ ... وَلَمْ يَرْضَ بالدُّنْيا عِقابًا لِكافِرِ ... وقال رحمه الله تعالى: الْمَرْءُ آفَتُهُ هَوى الدُّنْيا ... وَالْمَرْءُ يَطْغى كُلَّما اسْتَغْنى إني رَأيْتُ عَواقِبَ الدُّنْيا ... فَتَركْتُ ما أهْوى لِما أَخْشى فَكَّرْتُ في الدُّنْيا وَجِدَّتِها ... فَإذا جَميعُ جَديدها يَبْلى وَإِذا جَميعُ أُمورِها عُقَبٌ ... بَيْنَ البَرِيَّةِ قَلَّما تَبْقى وَبَلَوْتُ أكْثَرَ أَهْلِها فَإِذا ... كُلُّ امْرِئٍ في شَأْنِهِ يَسْعى وَلَقَدْ بَلَوْتُ فَلَمْ أَجِدْ سَبَبًا ... بِأعَزَّ مِنْ قَنَعٍ وَلاَ أَعْلى وَلَقَدْ طَلَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ كَرَمًا ... أَعْلى بِصاحِبِهِ مِنَ التَّقْوى وَلَقَدْ مَرَرْتُ عَلى القْبُورِ فَما ... مَيَّزْتُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالمَوْلى ما زالَتِ الدُّنْيا مُنَغّصَةً ... لَمْ يَخْلُ صاحِبُها مِنَ البَلْوى دارُ الْفَجائِعِ وَالْهُمومِ وَدا ... رُ الْبَثِّ وَالأَحْزانِ وَالشَّكْوى بَيْنا الْفَتى فيها بِمَنْزِلَةٍ ... إذْ صارَ تحْتَ تُرابِها مُلْقى تَقْفو مسَاويها مَحاسِنَها ... لا شَيْءَ بَيْنَ النَّعْيِ وَالْبُشْرى وَلَقَلَّ يَوْمٌ ذَرَّ شارِقُهُ ... إلاّ سَمِعْتُ بِهالِكٍ يُنْعى الْمَرْءُ يوقِنُ بالْقَضاءِ وَما ... يَنْفَكُ أنْ يُعْنى بِما يُكْفى لِلْمَرْءِ رِزْقٌ لا يَموتُ وَإِنْ ... جَهَدَ الخَلائِقُ دونَ أَنْ يَفْنى يا بانِيَ الدّارِ الْمُعِدَّ لَها ... ماذا عَمِلْتَ لِدارِكَ الأُخْرى وَمُمّهِّدَ الْفُرُشِ الْوَثيرَةِ لا ... تُغْفِلْ فِراشَ الرَّقْدَةِ الْكُبرى

ألا لله أنت متى تتوب

لَوْ قَدْ دُعيتَ لَما أَجَبْتَ لما ... تُدْعى لَه فَانْظُرْ لِما تُدْعى أتُراكَ تُحْصي مَنْ رَأَيْتَ مِنَ الْـ ... أَحْياءِ ثُمَّ رَأَيْتَهُمْ مَوْتى فَلَتَلْحَقَنَّ بِعَرْصَةِ الْمَوْتى ... وَلَتَنْزِلَنَّ مَحَلَّةَ الْهَلْكى مَنْ أَصْبَحَتْ دُنْياهُ غايَتَهُ ... فَمَتى يَنالُ الْغايَةَ الْقُصْوى بِيَدِ الْفَناءِ جَميعُ أَنْفُسِنا ... وَيَدُ البْلىِ فَلَها الَّذِي يُبْنى لا تَغْتَررْ بِالْحادِثاتِ فَما ... لِلْحادِثاتِ عَلى امْرئٍ بُقْيا لا تَغْبِطَنَّ أَخَاً بِمَعْصِيَةٍ ... لا تَغْبِطَنْ إلا أَخا التَّقْوى سُبْحانَ مَنْ لا شَيْء يَعْدِلُهُ ... كمْ مِنْ بَصيرٍ قَلْبُهُ أعْمى سُبْحانَ مَنْ أعطاك من سعة ... سُبْحانَ مَنْ أعطاك ما أعطى فَلَئِنْ عَقَلْتَ لَتَشْكُرَنَّ وَإنْ ... تِشْكُرْ فَقَدْ أَغْنى وَقَدْ أَقْنى وَلَئِنْ بَكَيْتَ لِرْحْلَةٍ عَجِلاً ... نَحْوَ الْقُبورِ فَمِثْلُها أَبْكى وَلَئِنْ قَنِعْتَ لَتَظْفَرَنَّ بِما ... فيهِ الْغنِى وَالرّاحَةُ الْكُبْرى وَلَقَلِّ مَنْ تَصْفو خَلائِقُهُ ... وَلَقَلِّ مَنْ يَصْفو لَهُ الْمَحْيا وَلَرُبَّ مَزْحَةِ صادِقٍ بَرَزَتْ ... في لَفْظَةٍ وَكَأَنَّها أَفْعى وَالْحَقُّ أَبْلَجُ لا خَفاءَ بِهِ ... مُذْ كانَ يُبْصِرُ نورَهُ الأَعْمى وَالْمَرْءُ مُسْتَرْعًى أَمانَتَهُ ... فَلْيَرْعَها بِأَصَحِّ ما يُرْعى وَالرِّزْقُ قَدْ فَرَضَ الإِلهُ لَنا ... مِنْهُ وَنَحْنُ بِجَمْعِهِ نُعْنى عَجَبًا عَجِبْتُ لِطالِبٍ َذَهَبًا ... يُفْنى وَيَرْفُضُ كُلِّ ما يَبْقى حَقَاً لَقَدْ سَعِدَتْ وَما شَقِيَتْ ... نَفْسُ امْرِئٍ يَرْضى بِما يُعْطى وقال رحمه الله تعالى: أَلاَ للهِ أَنْتَ مَتى تَتوبُ ... وَقَدْ صَبَغَتْ ذَوائِبَكَ الْخُطوبُ

أمع الممات يطيب عيشك يا أخي

كَأَنَّكَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَيَّ حَثٍّ ... يَحُثُّ بِكَ الشُرُوْقُ وَلا الْغُروبُ أَلَسْتَ تَراكَ كُلَّ صَباحِ يَوْمٍ ... تُقَابِلُ وَجْهَ نائِبَةٍ تَنوبُ لَعَمْرُكَ ما تَهُبُّ الريحُ إِلا ... نَعاكّ مُصَرِّحًا ذاكَ الْهُبوبُ أَلاَ للهِ أَنْتَ فَتىً وَكَهْلاً ... تَلوحُ عَلى مَفارِقِهِ الذُّنوبُ هُوَ الْمَوْتُ الَّذي لا بُدِّ مِنْهُ ... فَلا يَلْعَبْ بِكَ الأَمَلُ الُكّذوبُ وَكَيْفَ تُريدُ أَنْ تُدْعى حَكيمًا ... وَأَنْتَ لِكُلِّ ما تَهْوى رَكوبُ وَما تَعْمى الْعُيونُ عَنِ الْخَطايا ... وَلكِنْ إنَّما تَعْمى القْلُوبُ وَتُصْبِحُ ضاحِكًا ظَهْرًا لِبَطْنٍ ... وَتَذْكُرُ ما اجْتَرَمْتَ فَلا تَذوبُ أَلَمْ تَرَ، إنّما الدُّنْيا حُطامُ ... تَوَقَّدُ بَيْنَنا فيها الْحُروبُ إِذا نافَسْتَ فيهِ كَساكَ ذُلاًّ ... وَمَسَّكَ في مَطالِبهِ اللُّغوبُ أَراكَ تَغيبُ ثُمَّ تَؤوبُ يَوْمًا ... وَيُوشِكُ أَنْ تَغيبَ وَلا تُؤوبُ أَتَطْلُبُ صاحِبًا لا عَيْبَ فيهِ ... وَأَيُّ النّاسِ لَيْسَ لَهُ عُيوبُ رَأَيْتُ النّاسَ صالِحُهُمْ قَليلٌ ... وَهُمْ، وَاللهُ مَحْمودٌ، ضُروبُ وَلَسْتُ مُسَمِّيًا بَشَرًا وَهوبًا ... وَلكِنَّ الإِلهَ هُوَ الْوَهوبُ فَحاشَ لِرَبِّنا عَنْ كُلِّ نَقْصٍ ... وَحاشَ لِسائِليه أَنْ يَخيبوا قال رحمه الله: أَمَعَ المَماتِ يَطِيْبُ عَيْشُكَ يا أَخِيْ ... هَيْهَاتَ لَيْسَ مَعَ المَماتِ يَطِيْبُ رُغْ كُيْفَ شِئْتَ عَنِ الْبِلى فَلَهُ عَلى ... كُلِّ ابْنِ أُنْثى حافِظٌ وَرَقِيْبُ وَلَقَدْ حَلَبْتَ الدَّهْرَ أَشْطُرَ دَرِّهِ ... حِقَبًا وَأَنْتَ مُجَرِّبٌ وَأَرِيبُ وَالمَوْتُ يَرْتَصِدً النُّفوسَ وَكُلُنا ... لِلْمَوْتِ فيهِ وَلِلتُّرابِ نَصِيْبُ إنْ كُنْتَ لَسْتَ تَنُيِْبُ إنْ وَثَبَ الْبِلى ... بَلْ يا أَخِي فَمَتى أَرَاكَ تُنِيْبُ

قد سمعنا الوعظ لو ينفعنا

للهِ دَرُّكَ عَائِبًا مُتَسَرِّعًا ... أُيَعِيبُ مَنْ هُوَ بِالْعُيوبِ مَعِيْبُ وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِغَفْلِتَي وَلِغِرَّتي ... وَالمَوْتُ يَدْعُونِي غَدًا فَأُجِيْبُ وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِطُولِ أَمْنِ مَنِيَّتي ... وَلَها إليَّ تَوَثُّبٌ وَدَبِيْبُ للهِ عَقْلي ما يَزالُ يَخونُني ... وَلَقَدْ أَرَاهُ وَإِنَّهُ لَصَلِيْبُ للهِ أَيامٌ نَعِمْتُ بِلِيْنِها ... أيامَ لِيْ غُصْنُ الشَّبابِ رَطِيْبُ إنَّ الشبابَ لنَافِقٌ عِنْدَ النِّسا ... ما لِلْمَشِيْبِ مِنَ النِّساءِ حَبِيْبُ وقال رحمه الله: قَدْ سَمِعْنا الْوَعْظَ لَوْ يَنْفَعُنا ... وَقَرَأنا جُلِّ آياتِ الُكُتُبْ كُلُّ نَفْسِ سَتُوفّى سَعْيَها ... وَلَها ميقاتُ يَوْمٍ قَدْ وَجَبْ جَفَّتِ الأَقْلامُ مِنْ قَبْلُ بِما ... خَتَمَ اللهُ عَلَيْنا وَكَتَبْ كَمْ رَأَيْنا مِنْ مُلوكٍ سادَةٍ ... رَجَعَ الدَّهْرُ عَلَيْهِم فَانْقَلِبْ وَعَبيدٍ خُوِّلوا ساداتِهِم ... فَاسْتَقَرَّ الْمُلْكُ فيهِمْ وَرَسَبْ لا تَقولَنِّ لِشَيءٍ قَدْ مَضى ... لَيْتَهُ لَمْ يَكُ بِالأمْسِ ذَهَبْ وَاسْعَ لِلْيَوْمِ وَدَعْ هَمَّ غَدٍ ... كلُّ يَوْمٍ لَكَ فيهِ مُضْطَرَبْ يَهْرُبُ الْمَرْءُ مِنَ الْمَوْتِ وَهَلْ ... يَنْفَعُ الْمَرْءِ مِنَ الْمَوْتِ الَهَرَبْ كُلُّ نَفْسٍ سَتَقُاسي مَرَّةً ... كُرَبَ الْمَوْتِ فَلِلْمَوْتِ كُرَبْ أَيُّها ذا الناس ما حَلِّ بِكُمْ ... عَجَبًا مِنْ سَهوِكُمْ كُلَّ الْعَجَبْ أَسَقامٌ ثُمَّ مضوْتٌ نازِلٌ ... ثُمَّ قَبْرٌ وَنُشورٌ وَجَلَبْ وَحِسابٌ وَكِتابٌ حافِظٌ ... وَمَوازينُ وَنارٌ تَلْتَهِبْ وَصِراطٌ مَنْ يَزُلْ عَنْ حَدِّهِ ... فَإِلى خزِيٍ طَويلٍ وَنَصَبْ حَسْبِيَ اللهُ إلهًا واحِدًا ... لا لَعَمْرُ اللهِ ماذا بِلَعِبْ ...

المنايا تجوس كل البلاد

وقال رحمه الله تعالى: الْمَنايا تَجوسُ كلِّ الْبِلادِ ... والْمَنايا تُفْني جَميعَ الْعِبادِ لَتَنالَنَّ مِنْ قُرونٍ أراها ... مِثْلَ ما نِلْنَ مِنْ ثَمودٍ وعادِ هُنَّ أفْنَيْنَ مَنْ مَضى مِنْ نزِارٍ ... هُنَّ أفْنَيْنَ مَنْ مَضى مِنْ إيادِ هَلْ تَذَكَّرْتَ مَنْ خَلا مِنْ بَنى سا ... سانَ أرْبابِ فارِسٍ والسَّوادِ هَلْ تَذَكَّرْتَ مَنْ مضى بني الأصـ ... ـفر أهل القباب كالأطواد أَيْنَ أيْنَ النَّبِيًُّ صَلى عَلَيْهِ ... اللهُ مِنْ مُهْتَدٍ رَشيدٍ وهادِ أَيْنَ دَاوُدُ أَيْنَ أَيْنَ سُلَيْما ... نُ الُمَنيُع الأَعْراضِ والأَجْنادِ رَاكِبُ الرّيحِ فاهِرُ الْجِنِّ والإِنْـ ... ـسِ بِسُلْطانِهِ مُذِلُّ الأَعادي أَيْنَ نُمْرودُ وابْنُهُ أَيْنَ قَارُو ... نُ وهامانُ ذُو الأَوْتادِ إنَّ في ذِكْرِنا لَهُمْ لاعْتبِارًا ... ودَليلاً عَلى سَبيلِ الرَّشادِ وَرَدُوا كُلُّهُمْ حِياضَ الْمَنايا ... ثُمَّ لمْ يَصْدِروا عَنِ الإِيرادِ أَيُّها الُمُزْمِعُ عنِ الدُّنْـ ... ـيا تَزَوَّدْ لِذاكَ مِنْ خَيْرِ زَادِ لَتَنالَنَّكَ اللَّيالِي وَشِيْكًا ... بِالْمَنايا فَكُنْ عَلى اسْتِعْدادِ أتَناسَيْتَ أمْ نَسِيتَ الْمَنايا ... أنَسِيْتَ الْفِرَاقَ لِلأَوْلادِ أنَسِيْتَ الْقُبورَ إذْ أَنْتَ فيها ... بَيْنَ ذُلٍّ وَوَحْشَةٍ وَانْفِرادِ أَيُّ يَوْمٍ يَوْمُ السِّباقِ وإذ أنْتَ ... تَنادى فما تُجيبُ الْمُنادي أَيُّ يَوْمٍ يَوْمُ الْفِراقِ وإذْ نَفْـ ... ـسُكَ تَرْقى عَنِ الْحَشِا والْفُؤادِ أَيُّ يَوْمٍ يَوْمُ الْفِراقِ وَإذ أنْـ ... ـتَ مِنَ النَّزْعِ في أَشَدِّ الْجِهِادِ أَيُّ يَوْمٍ يَوْمُ الصُّراخِ وإِذْ يَلْـ ... ـطِمْنَ حُرَّ الُوْجوهِ والأَجْيادِ باكِياتٍ عَلَيْكَ يَنْدُبْنَ شَجْوًا ... خافِقاتِ الْقُلوبِ والأَكْبادِ

ألا كل مولود فللموت يولد

يَتَجاوَبْنَ بِالرَّنينِ وَيَذْرِفْـ ... ـنَ دُموعًا تَفيضُ فَيْضَ الْمَزادِ أَيُّ يَوْمٍ نَسيت يَوْم التَّلاقي ... أيّ يَوْمٍ نَسيت يَوْم التَّنادِي أَيُّ يَوْمٍ يَوْمُ الْوْقوفِ إلى اللهِ ... ويَوْمٌ الْحِسابِ والإِشْهادِ أَيُّ يَوْمٍ يَوْمُ الْمَمَرِّ على النّا ... رِ وأَهْوالِها العِظامِ الشِّدادِ أَيُّ يَوْمٍ يَوْمُ الْخَلاصِ مِنَ النّا ... رِ وهَوْلِ الْعَذابِ والأَصْفادِ كَمْ وكَمْ في الْقُبورِ مِنْ أهْلِ مُلْكٍ ... كَمْ وكَمْ في الْقُبورِ مِنْ قُوّادِ ... كَمْ وكَمْ في الْقُبورِ مِنْ أهْلِ دُنْيا ... كَمْ وكَمْ في الْقُبورِ مِنْ زُهّادِ لَوْ بَذَلْتُ النًُّصْحَ الصَّحيحَ لِنَفْسي ... لَمْ تَذُقْ مُقْلَتايَ طَعمَ الرُّقادِ لَوْ بَذَلْتُ النًُّصْحَ الصَّحيحَ لِنَفْسي ... هِمْتُ أُخْرى الزَّمانِ في كُلِّ وادٍ بُؤسَ لي بُؤسَ مَيِّتًا يَوْمَ أُبكى ... بيْنَ أَهلي وحاضِرِ الْعُوادِ كَيْف أَلْهو وكَيْفَ أَسلو وأنْسى الْـ ... ـمَوْتَ والْمَوْتُ رائِحٌ بي وَغادِ أيُّها الوْاصِلي سَتَرْفُضُ وَصْلي ... عَنْكَ لَوْ قَدْ أُذِقتَ طَعْمَ افْتقِادي يا طَويلَ الرُّقادِ لَوْ كُنْتَ تَدْري ... كُنْتَ مَيْتَ الرُّقادِ حَيَّ السُّهاد وقال رحمه الله تعالى: أَلا كُلُّ مَوْلودٍ فَلِلْمَوْتِ يُولَدُ ... ولَسْتُ أَرى حَيًّا لِشَيْءٍ يُخَلِّدُ تَجَرَّدْ مِنَ الدُّنْيا فَإنَّكَ إنَّما ... سَقَطْت إلى الدُّنْيا وأنْتَ مُجَرَّدُ وأفْضَلُ شَيْءٍ نِلْتَ مِنها فإنَّهُ ... مَتاعٌ قَليلٌ يَضْمَحِلُّ ويَنْفَدُ وكَمْ مِنْ عَزيزٍ أذْهَبَ الموتُ عَزَّهُ ... فَأصْبَحَ مرحومًا وقَدْ كانَ يُحْسَدُ فَلا تَحْمَدِ الدُّنيا ولكِنْ فَذُمَّها ... وما بالُ شَيْءٍ ذَمَّهُ اللهُ يُحْمَدُ وقال أيضًا: تَبَارَكَ مَنْ فَخْري بأنَّي لَهُ عَبْدُ ... وسُبْحانَهُ سُبْحانَهُ ولَهُ الْحَمْدُ

أرى الشيء أحيانا بقلبي معلقا

ولا مُلْكَ إِلا مُلْكُهُ عَزَّ وجْهُهُ ... هُوَ الْقَبْلُ في سُلْطانِهِ وهُوَ الْبَعْدُ فَيا نَفْسُ خافي اللهَ واجْتَهِدي لَهُ ... فَقَدْ فاتَتِ الأَيّامُ واقْتَرَبَ الْوَعْدُ فَخَيْرُ الْمَماتِ قَتْلَةٌ في سَبيلِهِ ... وخَيْرُ الْمَعاشِ الْخَفُّ والْحِلُّ والْقَصْدُ تَشَاغَلْتُ عَمّا لَيْسَ لي مِنْهُ حِيلَةٌ ... ولا بُد مِمّا لَيْسَ مِنْهُ لَنا بُدُّ عَجِبْتُ لِخَوْضِ النّاسِ في الْهَزْلِ بَيْنَهُمْ ... صراحًا كَأنَّ الهَزْلَ بَيْنَهُمُ جِدُّ نَسُوا المَوْتَ فارْتاحوا إلى اللَّهْوِ والصِّبا ... كَأنَّ الْمَنايا لا تَروحُ وَلا تَغْدُو وقال رحمه الله: أَرى الشَّيْءَ أحْيانًا بِقَلْبي مُعَلَّقا ... فَلا بُدَّ أنْ يَبْلى وَأَنْ يَتَمَزَّقا تَصَرَّفْتُ أَطْوارًا أرى كُلَّ عِبْرَةٍ ... وَكانَ الصِّبا مِنّي جَديدًا فَأخْلقَا وَكُلُّ امْرِئٍ في سَعْيِهِ الدَّهْرُ رُبَّما ... تَفَتَّحَ أحْيانًا لَهُ أَوْ تَغَلَّقا ومَنْ يُحْرَمِ التَّوْفيقَ لَم يُغْنِ رَأْيُهُ ... وحَسْبُ امْرِئٍ مِنْ رَأْيِهِ أنْ يُوَفقَّا وَما زادَ شَيْءٌ قَطُّ إلا لِنَقْصِهِ ... وما اجْتَمَعَ الإلْفانِ إلا تَفَرَّقا ... أنا ابْنُ الأَلى بادُوا فَلِلْمَوْت نسْبتي ... فَيا عَجَبًا ما زِلْتُ بِالْمَوْتِ مُعْرِقا وَثِقْتُ بِأيّامى عَلى غَدَارتِها ... وَلمْ تُعْطِِني الأَيّامُ مِنْهُنَّ مَوْثِقا ألاَ حُقَّ لِلْعاني بِما هُوَ صائِرٌ ... إلَيْهِ وَشيكًا أنْ يَبيتَ مُؤَرَّقا أَيا ذِكْرَ مَنْ تَحْتَ الثرى مِنْ أَحِبَّتي ... وَصَلْتُ بِهِمْ عَهْدي عَلى بُعْدِ مُلْتَقى تَشَوَّقْتُ فَارْفَضَّتْ دُموعِي وَلم أكُنْ ... بِأوَّلِ مَحْزونٍ بَكى وَتَشَوَّقا وقال رحمه الله تعالى: الرِّفْقُ يَبْلُغُ ما لا يَبْلُغُ الْخَرَقُ ... وقَلَّ في النّاسِ مَنْ يَصْفُو لَهُ خُلُقُ لَمْ يَقْلَقِ الْمَرْءُ عَنْ رُشْدٍ فَيتْرُكهُ ... إلاَّ دَعاهُ إلى ما يَكْرَهُ الْقَلَقُ الْباطِلُ الدَّهْرَ يُلْفى لا ضِياءَ لَهُ ... وَالْحَقُّ أَبْلَجُ فيهِ النُّورُ يَأْتَلِقُ مَتى يُفِيقُ حَريصٌ دائِبٌ أَبَدًا ... وَالْحرْصُ داءٌ لَهُ تَحْتَ الْحَشا قَلَقُ

يَسْتَغْنِمُ النّاسُ مِن قَوْمٍ فَوائِدَهُمْ ... وإِنَّما هِيَ في أعناقِهِمْ رَبَقُ ويَجْهَدُ النّاسُ في الدُّنيا مُنافَسَةً ... ولَيْسَ لِلناسِ شَيْءٌ غَير ما رُزِقوا يا مَنْ بَنى الْقَصْرَ في الدُّنيا وشَيَّدَه ... أسَّسْتَ قَصْرَكَ حَيْثُ السَّيْلُ والْغَرَقُ لا تَغْفُلَنَّ فَإنَّ الدّارَ فانِيَةٌ ... وشُرْبُها غُصَصٌ وَصَفُوْها رَنَقُ وَالْمَوْتُ حَوْضٌ كَرِيهٌ أنْتَ وارِدُهُ ... فانْظُرْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ يا مَئِقُ اسْمُ الْعَزيزِ ذَليلٌ عِنْدَ ميتَتِه ... واسْم الْجَديدِ، بُعَيْدَ الْجِدَّةِ، الْخَلَقُ يَبلى الشَّبابُ وَيُفْني الشَّيْبُ نَضْرَتَهُ ... كَما تَساقَطُ عَنْ عِيدانهِا الْوَرَقُ ما لي أَراكَ وما تَنْفَكُ مِنْ طَمَعٍ ... يَمْتَدُّ مِنْكَ إِلَيْهِ الطَّرْفُ والْعُنُقُ تَذُمُّ دُنْياكَ ذَمًّا ما تَبوحُ بِهِ ... إلاَّ وأَنتَ لها في ذاكَ مُعْتَنِقُ فلَوْ عَقَلْتُ لأَعْدَدْتُ الْجَهِازَ لِما ... بَعْدَ الرَّحيلِ بها ما دامَ بي رَمَقُ إذا نَظَرْتَ مِنَ الدُّنْيا إلى صُوَرٍ ... تَخَيَّلَتْ لَكَ مِنْها فَوْقَها الْخَرَقُ فاذْكُرْ ثَمودًا وعادًا أَيْنَ أَيْنَ هُمُ ... لَوْ أَنّ قَوْمًا بِقُوا مِنْ قَبْلِهِم لَبَقُوا ما نَحْنُ إِلاَّ كَرَكْبٍ ضَمَّهُ سَفَرٌ ... يَوْمًا إلى ظلِّ فَيْءٍ ثَمَّةَ افْتَرَقوا ولا يُقيمُ عَلى الأَسلافِ غابِرُ هُمْ ... كَأَنَّهُمْ بِهِمُ مَنْ بَعْدَهمْ لَحقوا ما هَبَّ أَوْ دَبَّ يَفْنى لا بَقاءَ لَهُ ... والْبَرُّ والْبَحْرُ والأَقْطارُ والأُفُقُ نَسْتَوْطِنُ الأَرْضَ دارًا لِلْغُرورِ بِها ... وَكُلُّنا راحِلٌ عَنْها فَمُنْطَلِقُ لَقَدْ رَأَيْتُ وما عَيْني بِراقِدَةٍ ... نَبْلَ الْحَوادِثِ بَيْنَ الْخَلْقِ تَخْتَرِقُ ... كَمْ مِنْ عَزيزٍ أَذَلَّ الْمَوْتُ مَصْرَعَهُ ... كانَتْ عَلى رَأْسِهِ الرّاياتُ تَخْتَفِقُ كُلُّ امْرِئٍ فَلَهُ رِزْقٌ سَيَبْلُغُهُ ... واللهُ يَرْزُقُ لا كَيْسٌ وَلا حُمُقُ إذا نَظَرْتَ إلى دُنْياكَ مُقْبِلَةً ... فَلا يَغُرَكَ تَعْظيمٌ وَلا مَلَقُ أُخَيَّ إِنّا لَنَحْنُ الفْائِزونَ غَدًا ... إنْ سَلَّمَ اللهُ مِنْ دارِ لَها علَقُ

نسيت منيتي وخدعت نفسي

فَالْحَمْدُ للهِ حَمْدًا لا انْقِطاعَ لَهُ ... ما إنْ يُعَظَّمُ إلا مَنْ لَهُ وَرِقُ وَالْحَمْدُ للهِ حَمْدًا دائِمًا أَبَدًا ... فازَ الّذينَ إلى ما عِنْدَهُ سَبَقوا وَالْحَمْدُ لله شُكْرًا لا نَفادَ لَهُ ... الناسُ في غَفْلةٍ عَما لَهُ خُلِقوا ما أغْفَلَ النّاسَ عَنْ يَوْمِ ابْتعِاثِهِمُ ... وَيَوْمِ يُلْجِمُهُمْ في الْمَوْقِفِ الْعَرَقُ قال رحمه الله: نَسِيتُ مَنيِتَّي وَخَدَعْتُ نَفْسِي ... وَطَالَ عَلَيِّ تَعْمِيْرِيْ وَغَرْسِيْ وَكُلُّ ثَمِينَةٍ أَصْبَحْتُ أُغْلي ... بِهَا سَتُبَاعُ مِنْ بَعْدِي بِوَكْسِ وَمَا أَدْرِي وَإنْ أمَّلْتُ عُمْرًا ... لَعَلي حِينَ أُصْبِحُ لَسْتُ أُمْسِيْ وَسَاعَةُ مَيْتَتِي لابُدَّ مِنْهَا ... تعَجِّلُ لقْلَتِي وتُحِلُّ حَبْسيْ أَمُوتُ وَيكْرَهُ الأَحْبابُ قُرْبي ... وَتَحْضُرُ وَحْشَتِي وَيَغِيبُ أُنْسِيْ أَلاَ يَا سَاكَنَ الْبَيْتِ الْمُوَشى ... سَتُسْكِنكَ الْمَنِيَّةُ بَطْنَ رَمْسِ رَأيْتُكَ تَذْكُرُ الدُّنيَا كَثِيرًا ... وَكَثْرَةُ ذِكْرِها لِلْقَلْبِ تُقْسِي كَأَنَّكَ لا تَرَى بِالْخَلْقِ نَقْصًا ... وَأَنْتَ تَراهُ كُلَّ شُرُوقِ شَمْسٍ وَطَالِبِ حَاجَةٍ أَعْيَا وَأَكْدَى ... وَمُدْرِكِ حَاجةٍ في لِينِ مَسِّ ألا وَلَقَلَّ مَا تَلْقَى شَجِيٍّا ... يضيعُ شَجَاهُ إلاَّ بِالتَّأَسِّي وقال أيضًا: مَا يَدْفَعُ الْمَوْتَ أرْصَادٌ وَلا حَرَسُ ... مَا يَغْلِبُ الْمَوْتَ لا جِن وَلا أَنَسُ مَا إنْ دَعَا الْمَوْتُ أَمْلاكًا وَلا سُوَقًا ... إلاَّ ثَنَاهُمْ إِلَيْهِ الصَّرْعُ والْخُلَسُ لِلْمَوْتِ مَا تَلِدُ الأَقْوامُ كُلُهُم ... وَلِلْبِلَى كُلُّ مَا بَنَوْا وَمَا غَرَسُوا هَلاَّ أُبَادِرُ هذَا الْمَوْتَ في مَهَلٍ ... هَلاَّ أُبَادِرُهُ مَا دَامَ بي نَفَسُ يَا خَائِفَ الْمَوْتِ لَوْ أَمْسَيْتَ خَائِفَةُ ... كَانَتْ دُمُوعُكَ طُولَ الدَّهْر تَنْبَجِسُ

الله كاف فمالي دونه كاف

أَمَا يَهُولُكَ يَوْمٌ لا دِفَاعَ لَهُ ... إِذْ أنْتَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ مُنْغَمِسُ أمَا تَهُولُك كأسٌ أنتَ شاربُها ... والْعقلُ منكَ لِكُوبِ الموت مُلْتَبِسُ ... إيَّاكَ إيَّاكَ وَالدُّنْيَا وَلذَّتَهَا ... فَالْمَوْتُ فِيهَا لِخلْقِ اللهِ مُفْتَرِسُ إِنَّ الْخَلائِقَ فِي الدُّنْيَا لَوِ اجْتَهَدُوا ... أَنْ يَحْبِسُوا عَنْكَ هذَا الْمَوْتَ مَا حَبَسُوا إِنَّ الْمَنِيَّةَ حَوْضٌ أَنْتَ تَكْرَهُهُ ... وَأَنْتَ عَمَّا قَليلٍ فِيهِ تَنْغَمِسُ مَالي رَأيْتُ بَسنِي الدُّنْيَا قَد افْتَتنُوا ... كَأنَّما هذِهِ الدُّنْيَا لَهُمْ عُرُسُ إذَا وَصَفْتُ لَهُمْ دُنْيَاهُمُ ضَحِكُوا ... وَإنْ وَصَفْتُ لَهُمْ أُخْرَاهُمُ عَبَسُوا مَالي رَأَيْتُ بَني الدُّنُيا وَإِخوْتَهَا ... كَأَنَّهُمْ لَكتاب اللهِ مَا دَرَسُوا وقال أيضًا: اللهُ كافٍ فَمالي دونَهُ كافِ ... عَلى اعْتِدائي عَلى نَفْسي وإسْرافي تَشَرَّفَ النّاسُ بِالدُّنْيا وقَدْ غَرِقوا ... فيها فَكُلٌّ عَلى أَمْواجِها طافٍ هُمُ الْعَبيدُ لِدارٍ قَلْبُ صاحِبهِا ... ما عاشَ مِنْها عَلى خَوْفٍ وإيجافِ حَسْبُ الْفَتى بِتُقى الرَّحْمنِ مِنْ شَرَفٍ ... وما عَبيدُكِ يا دُنْيا بِأشْرافِ يا دارُ كَمْ قَدْ رَأيْنا فيكِ مِنْ أثَرٍ ... يَنْعى الُمُلوكَ إلَيْنا دارِسٍ عافِ أوْدى الزَّمانُ بِأسْلافي وخَلَّفَني ... وسَوْفَ يُلْحقَني يَوْمًا بِأسْلافي كَأَنَّنا قَدْ تَوافَينْا بِأَجْمَعِنا ... في بَطْنِ ظَهْرٍ عَلَيْهِ مَدْرَجُ السافي أُخَيِّ عِنْدي مِنَ الأَيامِ تجْرِبَةٌ ... فيما أَظُنُّ وعِلْمٌ بارعٌ شافِ لا تَمْشِ في الناسِ إلا رَحْمَةً لَهُمُ ... ولا تُعامِلْهُمُ إِلاّ بِإنْصافِ واقْطَعْ قُوى كُلِّ حِقْدٍ أنْتَ مُضْمِرُهُ ... إنْ زَلَّ ذُو زَلَّةٍ أوْ إنْ هَفا هافِ وارْغَبْ بِنَفْسِكَ عَما لا صَلاحَ لَهُ ... وأَوْسِعِ النَّاسَ مِنْ بِرٍّ وإلْطافِ وإِنْ يَكُنْ أحْدٌ أوْلاكَ صالِحَةً ... فَكافِهِ فَوْقَ ما أوْلى بِأضْعافِ وَلا تُكَشِّفْ مُسيئًا عَنْ إساءَتِهِ ... وَصِلْ حِبالَ أخيكَ القْاطِعِ الْجافي

من نافس الناس لم يسلم من الناس

فَتَسْتَحِقَّ مِنَ الدُّنْيا سَلامَتَها ... وتَسْتَقِلَّ بِعِرْضٍ وافِرٍ وافِ ما أَحْسَنَ الشُّغْلُ في تَدْبيرِ مَنْفَعَةٍ ... أهْلُ الْفَراغِ ذوو خَوْضٍ وإِرْجَافِ وقال أيضًا: مَنْ نافَسَ النَّاسَ لم يَسْلَمْ مِنَ النَّاسِ ... حَتَّى يُعَضَّ بأَنْيابٍ وَأَضْراسِ لاَ بأْسَ بالْمَرءِ ما صَحَّتْ سَرِيرَتُهُ ... ما النَّاسُ إلاَّ بِأَهْلِ الْعلمِ وَالنَّاسِ كَاسَ الأُلَى أَخَذوا لِلْمَوْتِ عُدَّتَهُ ... وما الْمُعِدُّونَ لِلدُّنْيا بِأَكْياسِ حَتَّى مَتى والْمَنَايا لِيْ مُخَاتِلَةٌ ... يَغْتَرُّني فِي صُرُوفِ الدَّهْرِ وَسْواسِي أَيْنَ الْمُلُوكُ التي حُفَّتْ مَدائِنُها ... دُونَ الْمَنايا بِحُجّابٍ وحُرَّاسِ لَقَدْ نَسِيتُ وكأْسُ الْمَوْتِ دائِرةٌ ... فِي كَفِّ لاَ غافِل عَنْها ولا ناسِ لأَشْرَيَنَّ بِكأْسِ الْمَوْتِ مُنْجَدِلاً ... يَوْمًا كَما شَرِبَ المْاضُونَ بِالْكاسِ أَصْبَحْتُ أَلْعَبُ وَالسَّاعاتُ مُسْرِعَةٌ ... يُنْقُصْنَ رِزْقِي ويَسْتَقْصِبنَ أَنْفَاسِي إِنِي لأَغْتَرُّ بِالدُّنْيا وَأَرْفَعُها ... مِنْ تَحْتِ رِجْلِي أَحيْانًا عَلى رَاسِي ما اسْتَعْبَدَ الْمَرْءَ كَاسْتِعْبادِ مَطْمَعِهِ ... ولاَ تَسَلَّى بمِثْلِ الصَّبْرِ والْياسِ * * * وقال رحمه الله: عِبَرُ الدُّنْيا لَنا مَكْشوفَةٌ ... قَدْ رَأى مَنْ كانَ فيها وَسَمِعْ وأخُو الدَّنْيا غَدًا تَصْرعُهُ ... فَبِأَيِّ الْعَيْشِ فيها يَنْتفِعْ وَأَرى كُلَّ مُقيمٍ زائِلاً ... وأرى كُلِّ اتِّصالٍ مُنْقَطِعْ واعْتِقادُ الْخَيْرِ والشَّرِّ أسى ... بَعْضُنا فيهِ لِبَعْضٍ مُتِّبِعْ أُمَمٌ مَزْروعَةٌ مَحْصودَةٌ ... كُلُّ مَزْروعٍ فَلِلْحَصْدِ زُرِعْ

ألا رب ذي أجل قد حضر

إنَّما الدُّنْيا عَلى ما جُبِلَتْ ... جِيفَةٌ نَحْنُ عَلَيْها نَصْطَرِعْ التَّقِيُّ الْبَرُّ مَنْ يَنْبُذُها ... والمُحامي دونَها الخَبُّ الْخَدِعْ فَسَدَ النّاسُ وصاروا إنْ رَأَوْا ... صالِحًا في الدّينِ قالوا مُبْتَدِعْ اِنْتَبِهْ لِلُمَوْتِ يا هذا الَّذي ... عِلَلُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ تَقْتَرِعْ خَلِّ ما عَزِّ لِمَنْ يَمْنَعُهُ ... قَدْ تَرى الشَّيْء إذا عَزَّ مُنِعْ وَاسْلُ في دُنْياكَ عَمّا اسْطَعْتَهُ ... وَالْهُ عَنْ تَكْليفِ ما لمْ تَسْتَطِعْ * * * وقال أَيضًا: أَلاَ رُب ذِي أَجَلٍ قَدْ حَضَرْ ... كَثيرِ التَّمَنّي قَليلِ الْحَذَرْ إِذا هَزَّ في الْمَشْيِ أعْطافَهُ ... تَعَرِّفْتَ في مَنْكِبَيْهِ الْبَطَرْ يُؤَمِّلُ أكْثَرَ مِنْ عُمْرِهِ ... وَيَزْدادُ يَوْمًا بِيَوْمٍ أشَرْ وَيُمسي ويُصبِحُ في نَفْسِهِ ... كَريمَ الْمَساعِي عَظِيمَ الْخَطَرْ تَكونُ لَهُ صَوْلَةٌ تُتَّقى ... وَأمرٌ يُطاعُ إذا مَا أَمَرْ يَريشُ وَيَبْريِ وفي يَوْمِهِ ... لَهُ شُغُلٌ شاغِلٌ لَوْ شَعَرْ ... يَعٌُدُّ الْغُرورَ ويَبْني الْقُصُورَ ... وَيَنْسى الْفَناءَ ويَنْسى الْقَدَرْ ويَنْسَى الْقُرونَ وَرَيْبَ الْمَنونِ ... ويَنْسى الْخُطوبَ ويَنْسى الْغِيَرْ ويَنْسى شُهورًا تُحِيلُ الأُمورَ ... فَإمّا بِخَيرٍ وإمّا بِشَرْ يُجَرِّعُهُ الْحِرْصُ كَأْسَ الْفَنا ... وَيَحْمِلُهُ فَوْقَ ظَهْرِ الْغَرَرْ وَكَمْ مِنْ ملُوكٍ عَهِدْناهُمُ ... تَفانَوْا ونحنُ مَعًا بِالأّثَرْ أَما تَعْجَبونَ لأَهْل الْقُبورِ ... كَأَنَّهُمُ لَمْ يَكونوا بَشَرْ أَخَيَّ أَضَعْتَ أُمورًا أراكَ ... لنَفْسكَ فيها قَليلَ النَّظَرْ

فَحَتى مَتى أنتَ ذو صَبْوَةٍ ... كَأنْ لَيْسَ تَزْدادُ إلا صِغَرْ تُؤَمِّلُ في الأَرْضِ طولَ الْحَياةِ ... وعُمْرُكَ يَزْدادُ فيها قِصَرْ أَرى لَكَ ألاَّ تَمَلَّ الْجَهَازَ ... لِقُرْبِِ الرَّحيلِ وبُعْدِ السَّفَرْ وأنْ تَتَدَبَّرَ ماذا تَصيرُ ... إِلَيْهِ فَتُعْمِلَ فيهِ الْفِكَرْ وأنْ تَسْتَخِفِّ بِدارِ الْغرورِ ... وأنْ تَسْتَعِدَّ لإِحْدى الُكُبَرْ هِيَ الدّارُ دارُ الأَذى والْقَذى ... ودارُ الْفَناءِ ودارُ الْغَرَرْ وَلَوْ نِلْتَها بِحذَافيرِها ... لَمِتَّ ولَمْ تَقْضِ مِنها الْوَطَرْ لَعَمْري لَقَدْ دَرَجَتْ قَبْلَنا ... قُرونٌ لَنا فيهِمُ مُعْتَبَرْ فَيا لَيْتَ شِعْري أبَعْدَ الْمَشيبِ ... سوى الْمَوْتِ مِنْ غائِبٍ يُنْتَظَرْ كَأنَّكَ قَدْ صِرْتَ في حُفْرَةٍ ... وصارَ عَلَيْكَ الثَّرى وَالْمَدَرْ فَلا تَنْسَ يَوْمًا تُسَجّى عَلى ... سَريرِكَ فَوْقَ رِقابِ الْبَشَرْ وقَدِّمْ لِذاكَ فَإنَّ الْفَتى ... لَهُ ما يُقَدِّمُ لاَ مَا يَذَرْ ومَنْ يَكُ ذا سَعَةٍ في الغِنَى ... يُعَظَّمْ وَمْن يَفْتَقِرْ يُحْتَقَرْ وحتّى تَراهُ قَصيرَ الْخُطى ... بَطيءَ النهُّوضِ كَلِيلَ النَّظَرْ أيا مَنْ يُؤَمِّلُ طولَ الْحَياةِ ... وطولُ الْحَياة عَلَيْهِ ضَرَرْ إذا ما كَبِرْتَ وبانَ الشَّبابُ ... فَلا خَيْرَ في الْعَيْشِ بعْد الْكِبَرْ آخر: ونَفْسَكَ فازْجُرْهَا عن الغَي والخَنَا ... ولا تَتَّبعْها فَهْيَ أُسُّ المَفَاسِدِ وحَاذِرْ هَواهَا ما اسْتَطَعْتَ فإنَهُ ... يَصُدُ عن الطاعاتِ غَيْرَ المُجَاهِدِ وإن جِهَادَ النَّفسْ حَتْمٌ عَلى الفَتَى ... وإنَّ التُقَى حَقًا لَخَيْرُ المقَاصِدِ ... فإنْ رُمْتَ أن تَحْظَى بِنَيْل سَعَادَةٍ ... وَتُعْطَى مَقَامَ السالِكينَ الأَمَاجِدِ فبادِرْ بتَقْوىَ الله واسْلُكْ سَبِيْلَها ... وَلاَ تَتَّبعْ غَيَّ الرجيم المُعَانِدِ وإِيَّاكَ دُنْيًا لا يَدُوْمُ نَعِيْمُهَا ... وإنكَ صَاحِ لَسْتَ فيها بِخَالِدِ تَمَسَّكَ بِشَرعِ اللهِ والزمْ كَتابَهُ ... وبالعِلمِ فاعْمَلْ تَحْوِ كُلَّ المَحَامِدِ انْتَهَى

طول التعاشر بين الناس ممول

قال رحمه الله: طُولُ التَّعاشُرِ بَيْنَ النّاسِ مَمُولُ ... ما لابْنِ آدَمَ إنْ كَشَّفْتَ مَعُقولُ لِلْمَرْءِ ألْوانُ دُنْيا رَغْبَةً وَهَوًى ... وعَقْلُهُ أَبَدًا ما عاشَ مَدْخولُ يا راعِيَ النَّفْسٍ لا تُغْفِلْ رِعايَتَها ... فَأنْتَ عَن كُلِّ ما اسْتُرْعِيتَ مٍْسؤولُ خُذْ ما عَرَفْتَ وَدَعْ ما أَنْتَ جاهِلُهُ ... لِلأَمْرِ وَجْهانِ: مَعْروفٌ ومَجْهولُ وَاحْذَرْ فَلَسْتُ مِنَ الأَيْامِ مُنْقَلِتًا ... حَتّى تَغولَكَ مِنْ أيّامِكَ الْغُولُ لَنْ تَسْتَتِمَّ جَميلاً أَنْتَ فاعِلُهُ ... إلا وأَنْتَ طَليقُ الْوَجْهِ بُهْلولُ ما أَوْسَعَ الْخَيْرَ فَابْسُطْ رَاحَتَيْكَ بِهِ ... وَكُنْ كأَنَّكَ عِنْدَ الشَّرِّ مُغْلُولُ الْحَمْدُ للهِ في آجالِنا قِصَرٌ ... نبْغي الْبَقاءَ وفي آمالِنا طُولُ نَعوذُ بِاللهِ مِنْ خِذْلانِهِ أبَدًا ... فإنَّما النّاسُ مَعْصومٌ وَمَخْذولُ إنّي لَفِي مَنْزِلٍ ما زِلْتُ أعُمُرُهُ ... عَلى يَقيني بِأنّي عنْهُ مَنْقولُ وَأنَّ رَحْلي وَإنْ أوْثَقْتُهُ لَعَلى ... مُطِيَّةٍ مِنْ مَطايا الْحَيْنِ مَحمولُ فَلَوْ تَأهَّبْتُ والأَنْفاسُ في مَهَلٍ ... وَالْخَيْرُ بَيْني وَبَيْنَ الْعَيْشِ مَقْبولُ وادِي الْحَياةِ مَحَلٌّ لا مُقامَ بِهِ ... لِنازِلايهِ ووادي الْمَوْتِ مَحلْولُ والدَّارُ دارُ أَباطيلٍ مُشّبَّهَةٍ ... الْجِدُّ مُر بِها والْهَزْلُ مَعْسُولُ وَلَيْسَ من مَوْضِعٍ يَأْتيهِ ذُو نَفَسٍ ... إلا وَلِلْمَوْتِ سَيْفٌ فيهِ مَسْلولُ لمْ يُشْغَلِ الْمَوْتُ عَنا مُذْ أُعِدَّ لَنا ... وَكُلُّنا عَنْهُ بِاللَّذاتِ مَشْغولُ ومَنْ يَمُتْ فَهُوَ مَقْطوعٌ وَمُجْتَنَبٌ ... وَالْحَيُّ ما عاشَ مَغْشِيٌّ ومَوْصولُ كُلْ ما بَدا لَكَ فَالآكالُ فانِيَة ... وَكُلُّ ذِي أُكُلٍ لابُد مَأْكولُ وَكُلُّ شَيءٍ مِنَ الدُّنْيا فمُنْتَقَصٌ ... وكُلُّ عَيْشِ مِنَ الدُّنْيا فَمَلْولُ سُبْحانَ مَنْ أَرْضُهُ لِلْخَلْقِ مائِدَةٌ ... كُلٌّ يُوافِيهِ رِزْقٌ مِنْهُ مَكْفولُ

أيا عجبا للناس في طول ما سهوا

غَدَّى الأَنامَ وَعَشَّاهُمْ فَأوْسَعُهُمْ ... وَفَضْلُهُ لِبُغاةِ الْخَيْرِ مَبْذُولُ ... يا طالِبَ الْخَيْرِ أَبْشِرْ وَاسْتَعِدَّ لَهُ ... فَالْخَيْرُ أجْمَعُ عِنْدَ اللهِ مَأْمولُ وقال رحمه الله تعالى: أيا عَجَبا لِلناسِ في طُولِ ما سَهَوْا ... وَفي طُولِ ما اغْتَرُّوا وَفي طُولِ ما لهوا يَقولُونَ نَرْجُو اللهَ دَعْوى مَريضةً ... وَلَوْ أنَّهُم يَرْجُونَ خافُوا كَمَا رَجَوْا تَصابى رِجالٌ مِنْ كُهُولٍ وَجِلَّةٍ ... إلى اللَّهْوِ حَتّى لا يُبالُونَ ما أَتَوْا فَيا سَوْءَتا لِلشَّيْبِ إذْ صارَ أهْلُهُ ... إذا هَيِّجَتْهُمْ لِلصِّبا صَبْوَةٌ صَبَوْا أَكَبَّ بَنُو الدُّنْيا عَلَيْها وَإِنَّهُمْ ... لَتَنْهاهُمُ الأيَّامُ عَنْها لَوِ انْتَهَوْا مَضى قَبْلَنا قَوْمٌ قُرُونٌ نَعُدُّها ... وَنَحْنُ وَشِيكَا سَوْفَ نَمْضي كَمَا مَضَوْا ألا في سبيلِ اللهِ أيُّ نَدامَةٍ ... نَمُوتُ كَمَا ماتَ الأُلى كُلَّما خَلَوْا وَلَمْ نَتَزَوَّدْ لِلْمَعادِ وَهَوْلِهِ ... كَزادِ الَّذِينَ اسْتَعْصَمُوا اللهَ وَاتَّقَوْا ألا أيْنَ أَيْنَ الْجَامِعُونَ لِغَيْرِهِمْ ... وما غَلَبُوا غَشْمًا علَيْهِ وما احْتَوَوْا وقال أيضًا: مَتى تتَقَضّى حاجَةُ الْمُتَكَلِّفِ ... ولا سِيَّما مِنْ مُتْرَفِ النَّفْسِ مُسْرِفِ طَلَبْتُ الْغِنى في كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ أجِدْ ... سَبيلَ الْغنِى إلاّ سَبيلَ التَّعْفُّفِ إذا كُنْتَ لا تَرْضى بِشَيْءٍ تَنالُهُ ... وكُنْتَ عَلى ما فاتَ جَمَّ التَّلَهُّفِ فَلَسْتَ مِنَ الْهَمِّ الْعَريضِ بِخارِجِ ... ولَسْتَ منَ الْغَيْظِ الطَّويلِ بِمُشْتَفٍ أَراني بِنَفَسي مُعْجَبًا مُتَغَرِّرًا ... كأني عَلى الآفاتِ لَسْتُ بِمُشْرِفِ وإني لَعَيْنُ الْبائِسِ الْواهِنِ الْقَوى ... وعيْنُ الضَّعيفِ الْبائِسِ الْمُتَطَرِّفِ وَلَيْسَ امْرُؤٌ لمْ يَرْعَ مِنْكَ بِجَهْدِهِ ... جَميعَ الَّذي تَرْعاهُ مِنْهُ بِمُنْصِفِ خَلِيلَيَّ ما أكفى الْيَسيرَ مِنَ الَّذي ... نُحاوِلُ إِنْ كُنا بِما كَف نَكْتَفي

ما للفتى مانع من القدر

وما أكْرَمَ الْعَبَدَ الْحَريصَ عَلى النَّدى ... وأشْرَفَ نَفْسَ الصّابِرِ الُمُتَعَفِّفِ وقال: ما لِلْفَتى مانِعٌ مِنَ الْقَدَرِ ... والُمَوْتُ حَوْلَ الْفَتى وبِالأَثَرِ بَيْنا الْفَتى بِالصَّفاءِ مُغْتَبِطٌ ... حَتّى رَماهُ الزَّمانُ بِالْكَدَرِ كمْ في اللَّيالي وَفي تَقَلُّبِها ... مِنْ عِبَرٍ لَلْفَتى ومِنْ فِكَرِ سائِلْ عَنِ الأَمْرِ لَيْسَ تَعْرِفُهُ ... فَكُلُّ رُشْدٍ يَأْتيكَ في الْخَبَرِ ما أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالصَّوابِ فَقُلْ ... واحْذَرْ إِذا قُلْتَ مَوْضِعَ الضَّرَرِ ... ما طَيِّبُ الْقَوْلِ عِنْدَ سامِعِه الْـ ... ـمُنْصِتِ إِلاّ كَطَيِّبِ الثَّمَرِ لِلشَّيْبِ في عارِضَيْكَ بارِقَةٌ ... تنْهاكَ عَمّا أرى مِنَ الأَشَرِ ما لَكَ مُذْ كُنْتَ لاعِبًا مَرِحًا ... تَسْحَبُ ذَيْلَ السَّفاهِ والْبَطَرِ تَلْعَبُ لَعْبَ الصَّغيرِ جَهْلاً وقَدْ ... عَمَّمَكَ الدَّهْرُ عِمَّةَ الْكِبَرِ لَوْ كُنْتَ لِلْمَوْتِ خائِفًا وَجِلاً ... أقْرَحْتَ مِنْكَ الْجُفونَ بالْعِبَرِ طَوَّلْتَ مِنْكَ الْمُنى وأنْتَ مِن الْـ ... أَيّامِ في قِلَّةٍ وفي قِصَرِ للهِ عَيْنَاكَ تَكْذِبانِكَ في ... ما رَأَتا مِنْ نَصَرُّف الْغِيَرِ يا عجبا لي أقمت في وطن ... ساكنه كلهم على سفر ذَكَرْتُ أَهْلَ الْقُبورِ من ثِقَتي ... فانهل دمعي كوابل المطر فقل لأَهْلِ الْقُبورِ: يا ثِقَتي! ... لَسْتُ بنِاسيكُمُ مَدى عُمُري يا ساكِني باطِنَ الْقُبورِ أَمَا ... لِلْوارِدينَ الْقُبورَ مِنْ صَدَرِ ما فَعَلَ التّارِكونَ مُلْكَهُمُ ... أهْلُ الْقِبابِ الْعظامِ والْحُجَرِ هَلْ يَبْتَنونَ الْقُصورَ بَيْنَكُمُ ... أمْ هَلْ لَهُمْ مِنْ عُلا ومِنْ خَطَرِ ما فَعَلَتْ مِنْهُمُ الْوُجوهُ أقَدْ ... بُدِّدَ عَنْها مُحاسِنُ الصُّوَرِ

رضيت لنفسك سوءاتها

اللهُ في كُلِّ حادِثٍ ثِقَتي ... واللهُ عِزّي واللهُ مُفْتَخَري لَسْتُ مَعَ اللهِ خائِفًات أَحَدًا ... حَسْبي بِهِ عاصِمًا مِنَ الْبَشَرِ وقال أيضًا: رَضِيتَ لِنَفْسِك سَوْءَاتِها ... وَلَمْ تَأْلُ حُبًّا لِمَرْضاتِها وَحَسَّنْتَ أقْبَحَ أعْمالِها ... وصَغَّرْتَ أكْبَرَ زَلاَّتِها وَكمْ مِنْ سَبيلِ لأَهْلِ الصِّبا ... سَلَكْتَ بِهِمْ في بُنَيّاتِها وأَيُّ الدَّواعي دَواعي الْهَوى ... تَطَلَّعْتَ عَنْها لآفاتِها وأُي الْمَحارِمِ لَمْ تَنْتَهِكْ ... وأيً الْفَضائِحِ لَمْ تاتِها كَأَنِّي بِنَفْسِكَ قَدْ عُوجِلَتْ ... عَلى ذاكَ في بَعْضِ غِرّاتِها وقامَتْ نَوادِبُها حُسَّرًا ... تَداعى بِرَنَّةِ أصْواتِها ألَمْ تَرَ أنَّ دَبيبَ اللَّيالي ... يُسارِقُ نَفْسَكَ ساعاتِها وهذي الْقِيامَةُ قَدْ أشْرَفَتْ ... عَلى الْعالَمينَ لمِيقاتِها وَقَدْ أقبلَتْ بِموازيِنها ... وأهْوالِها وبِرَوْعاتِها ... وإنا لَفي بَعْضِ أَشْراطِها ... وأيّامِها وعَلاماتِها رَكَنّا إلى الدّارِ دارِ الْغُرو ... رِ إذْ سَحَرَتْنا بِلَذّاتِها

الحرص لؤم ومثله الطمع

وقال أيضًا: الْحِرْصُ لُؤْمٌ وَمِثْلَهُ الطَّمَعُ ... ما اجْتَمَعَ الْحِرْصُ قَطُّ وَالْوَرَعُ لوْ قَنِعَ النَّاسُ بِالْكَفافِ إذًا ... لا تَّسَعوا في الَّذي بِهِ قَنعوا لِلْمَرْءِ فيما يُقيمُهُ سَعَةٌ ... لكِنْهُ ما يُريدُ ما يَسَعُ يا حالِبَ الدَّهْرَ دَرَّ أَشْطُرِهِ ... هَلْ لَكَ في ما حاسَبْتَ مُنْتَفَعُ يا عَجَبَا لامْرِئٍ تُخادِعُهُ ... السَّاعاتُ عَنْ نَفْسِهِ فَيَنْخَدِعُ عَجِِبْتُ مِنْ آمِنٍ بِمَنْزِلَةٍ ... تَكْثُرُ فيها الْهُمومُ وَالْوَجَعُ عَجِبْتُ مِنْ مَعْشَرٍ وقَدْ عرفَوا الْـ ... ـحَقُّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَما رَجَعُوْا النَّاسُ في زَرْعِ نَسْلِهِمْ وَيَدُ الْـ ... ـمَوْتِ بِها حَصْدُ كُلٌّ ما زَرَعُوا ما شَرَفُ الْمَرْءِ كالْقَناعَةِ وَالصَّـ ... ـبْرِ عَلى كُلِّ حادِثٍ يَقَعُ | لَمْ يَزَلِ الْقانِعونَ أَشْرَفَنا ... يا حَبَّذا الْقانِعونُ ما قَنعوا لِلْمَرْءِ في كُلِّ طَرْفَةٍ حَدَثٌ ... يُذْهِبُ مِنه ما لَيْسَ يُرْتَجَعُ مَنْ يَضقِ الصَّبْرُ عنْ مُصِيبَتِهِ ... ضاقَ وَلَمْ يَتَّسِعْ بِهِ الْجَزَعُ الشَّمْسُ تَنْعاكَ حينَ تَغْرُبُ لَوْ ... تَدْرب وَتَنْعاكَ حينَ تَطَّلِعُ حَتَّى متى أَنْتَ لاعِبٌ أَشِرٌ ... حَتَّى مَتى أَنْتَ بِالصِّبا وَلِعُ إنَّ الْمُلوكَ الأُلَى مَضَوْا سَلَفًا ... بادوا جَميعًا وَبادَ ما جَمَعوا يا ليت شعري عن الذين مضوا ... قبلي إلى الترب ما الذي صنعوا بُؤْسًا لَهُم أيَّ مَنْزِلٍ نَزَلُوا ... بُؤْسًا لَهُمْ أَيَّ مَوْقِعٍ وَقَعوا الْحمْدُ للهِ كُلُّ مَنْ سَكَنَ الدُّ ... نْيا فَعْها بِالْمَوْتِ يَنْتَطِعُ

كأنني بالديار قد خربت

وَكَأنَّني بِكَ في قَمِيْصٍ مُدْرَجًا ... في رَيْطَتَيْنِ مُلَفَّفٌ وَمُحَنَّطُ لا رَيْطَتَينِ كَرَيْطَتَىْ مُتَنَسِّمٍ ... رُوحَ الْحَياةِ ولا الْقَمِيْصُ مُخَيَّطُ وقال أيضًا: كأَنَّني بِالدّيارِ قَدْ خَرِبَتْ ... وَبِالدُّموعِ الْغزِارِ قَدْ سُكِبَتْ فَضَحْتِ لا بَلْ جَرَحْتِ واجْتَحْت يا ... دُنْيا رِجالاً عَلَيْكِ قد كَلِبَتْ الموْتُ حَقٌّ والدارُ فانِيةٌ ... وكُلُّ نفسٍ تُجْزى بما كَسَبتْ ... يا لَكِ مِنْ جِيفَةٍ مُعَفَّنَةِ ... أيُّ امْتِناعِ لَها إذا طُلِبَتْ ظَلَّتْ عَلَيْها الْغُواةُ عاكِفَةً ... وَما تُبالِي الْغُواةُ ما رَكِبَتْ هي الَّتي لَمْ تَزَلْ مُنَغِّصَةً ... لا دَرَّ دَرُّ الدُّنْيا إذا احْتُلِبَتْ وَالنَّاسُ في غَفْلَةٍ وَقَدْ حَلَّتِ الْـ ... آجالُ في وَقْتهِا وقَدْ قَرُبَتْ ما كُلُّ ذي حاجَةٍ بِمُدْرِكِها ... كَمْ مِنْ يَدٍ لا تَنالُ ما طَلَبَتْ في النَّاسِ مَنْ تَسْهُلُ الْمَطالِبُ أحْـ ... ـيانًا عَلَيْهِ وَرُبَّما صَعُبَتْ وَشِرَّةُ النَّفسِ رُبَّما جَمَحَتْ ... وَشَهْوَةُ النَّفْسِ رُبَّما غَلَبَتْ مَنْ لَمْ يَسَعْهُ الْكَفافُ مُقْتَنِعًا ... ضاقَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيا بِما رَحُبَتْ وَبَيْنَما الْمَرْءُ تَسْتَقيمُ لَهُ الدُّ ... نْيا عَلى ما اشْتَهى إذِ انْقَلَبَتْ ما كَذَبَتْني عَيْنٌ رَأيْتُ بها الْـ ... أمْواتَ وَالْعَيْنُ رُبَّما كَذَبَتْ وأَيُّ عَيْشٍ والْعَيْشُ مُنْقَطِعٌ ... وأيُّ طَعْمٍ لِلّذَّةٍ ذَهَبَتْ وَيْحَ عُقُولِ الُسْتَعْصِمين بِدا ... رِ الذُّلِّ في أَيِّ مَنْشَبٍ نَشِبَتْ مَنْ يُبْرِمُ الإِنْتِقاضَ مِنْها وَمَنْ ... يُحْمِدُ نيرانَها إذا الْتَهَبَتْ وَمَنْ يُعَزّيهِ مِنْ مَصائِبِها ... وَمَنْ يُقيلُ الدُّنْيا إذا نَكَبَتْ يا رُبَّ عَيْن لِلشَرِّ جالِبَةٍ ... فَتِلْكَ عَيْنٌ تَشْقى بِما جَلَبَتْ

إياك أعني يا بن آدم فاستمع

وقال رحمه الله: إيّاكَ أعْني يا بْنَ آدَمَ فَاسْتَمِعْ ... وَدَعِ الرُّكونَ إلى الْحَياةِ فَتَنْتَفِعْ لَوْ كانَ عُمْرُكَ ألْفَ حَوْلٍ كامِلٍ ... لَمْ تَذْهَبِ الأَيّامُ حَتَّى تَنْقَطِعْ إنَ الْمَنِيَّةَ لا تَزالُ مُلِحَّةً ... حَتَّى تُشَتِّتَ كُلَّ أَمْرٍ مُجْتَمِعْ فاجْعِلْ لِنَفْسِكَ عُدَّةً لِلِقاءِ مَنْ ... لَوْ قَدْ أتاكَ رَسولُهُ لَمْ تَمْتَنِعْ شُغِلَ الْخَلائِقُ بِالْحَياةِ وأغْفَلوا ... زَمَنًا حَوادِثُهُ عَلَيْهِمْ تَقْتَرِعْ ذَهَبّتْ بِنا الدُّنْيا فَكَيْفَ تَغُرُّنا ... أمْ كَيْفَ تَخْدَعُ مَنْ تَشاءُ فَيَنْخَدِعْ وَالْمَرْءُ يوطِنُها وَيَعْلَمُ أنَّهُ ... عَنْها إِلَى وَطَنِ سِواها مُنْقَلِعْ لَمْ تُقْبِلِ الدُّنيا عَلى أَحَدٍ بزِينَتِها ... فَمَلَّ مِنَ الْحَياةِ ولا شَبِعْ يا أَيُّها الْمَرْءُ الْمُضَيِّعُ دِينَهُ ... إِحْرازُ دينِكَ خَيْرُ شَيْءٍ تَصْطَنِعْ واللهُ أَرْحَمُ بالْفَتى مِنْ نَفْسِهِ ... فَاعْمَلْ فَما كُلِّفْتَ ما لَمْ تَسْتَطِعْ والْحَقُّ أفْضَلُ ما قَصَدْتَ سَبِيلَهُ ... واللهُ أَكْرَمُ مَنْ تَزورُ وتَنْتَجِعْ ... فَامْهَدْ لِنَفْسِكَ صالحًا تُجْزى بِهِ ... وانْظُرْ لِنَفْسِكَ أيَّ أمْرٍ تَتَّبِعْ واجْعَلْ صَديقَكَ مَنْ وفى لِصَديقِهِ ... واجْعَلْ رَفيقَكَ حينَ تنْزِلُ مَنْ يَرِعْ وامْنَعْ فُؤادَكَ أنْ يَميلَ بِكَ الْهَوى ... واشْدُدْ يَدَيْكَ بِحَبْلِ دينِكَ واتَّزِعْ واعْلَمْ بِأنَّ جَميعَ ما قَدَّمْتَهُ ... عِنْدَ الإِلهِ مُوَفَّرٌ لَكَ لَمْ يَضعْ طُوبى لِمَنْ رُزِقَ الْقُنوعَ ولَمْ يُردْ ... ما كانَ في يَدِ غَيرِهِ فَيُرى ضَرِعْ ولَئِنْ طَمِعْتَ لَتَضْرَعَنَّ فَلا تَكُنْ ... طَمِعًا فَإنَّ الْحُرَّ عَبْدٌ ما طَمِعْ إِنّا لَنَلْقى الْمَرْءَ نَشْرَهُ نَفْسُهُ ... فَيَضيقُ عَنْهُ كُلُّ أمرٍ مُتَّسِعْ وَالْمَرْءُ يَمْنَعُ ما لَدَيْهِ وَيَبْتَغي ... ما عِنْدَ صاحِبِهِ ويَغْضَبُ إنْ مُنِعْ ما ضَرَّ مَنْ جَعْلَ التُّرابَ فِراشَهُ ... أَلاَّ يَنامَ عَلى الْحَريرِ إذا قَنَعْ

ما لي أفرط فيما ينبغي ما لي

وقال أيضًا: مَا لِيْ أُفَرِّطُ فِيْمَا يَنْبَغي ما لِي ... إنِّي لأُغْبَنُ إِدْبارِي وإِقْبَالِي الْيَوْمَ أَلْعَبُ والأَيْامُ مُسْرِعَةٌ ... في هَدْمِ عُمْري وَفي تَصْرِيفِ أحْوالِي يَجْري الْجَديدانِ وَالأقْدارُ بَيْنهَما ... تَغْدو وَتَسْري بِأرْزاقٍ وَآجالٍ يا مَنْ سَلاَ عَنْ حَبِيبٍ بَعْدَ غَيْبَتِهِ ... كَمْ بَعْدَ مَوْتِكَ مِنْ ناسٍ وَمِنْ سَالِ كَأنَّ كُلَّ نَعيمٍ أَنْتَ ذائِقُهُ ... مِنْ لَذَّةِ الْعَيْشِ يَحْكِيْ لَمْعَةَ الآلِ لا تَلْعَبَنَّ بِكَ الدُّنْيا وأنْتَ تَرى ... ما شِئْتَ مِنْ عِبَرٍ فِيها وَأَمْثالِ الْغَيُّ في ظُلْمَةٍ وَالرُّشْدُ في صُوَرٍ ... مُسَرْبَلاتٍ بِإِحْسانٍ وَإِجْمالِ وَالْقَوْلُ أَبْلَغُهُ ما كانَ أَصْدَقَهُ ... والصِّدْقُ في مَوْقِفٍ مُسْتَسْهَلٍ عَالِ وقال أيضًا: لا تَعْجَبَنَّ مِنَ الأَيّامِ وَالدُّوَلِ ... ومِنْ خُطوبٍ جَرَتْ بِالرِّيْثِ والْعَجَلِ مَنْ يَأْمَنُ الْمَوْتَ إِذْ صارَتْ لَهُ عِلَلٌ ... تَكونُ في الزُّبدِ أحْيانًا وفي الْعَسلِ ولَيْسَ شَيْءٌ وَإنْ طالَ الزَّمانُ بِهِ ... إلاّ سَيَفْنى عَلى الآفاتِ وَالْعَللِ أما الْجِدَيِدانِ في صَرْفِ اخْتِلافِهِما ... فَقَدْ وَجَدْتَ مَقالاً فيهِما فَقُلِ وقَدْ أتاكَ نَذيرُ الْمَوْتِ يَقْدُمُهُ ... في عارِضَيْكَ مَشيبٌ غَيْرُ مُنْتَقِلِ يا لِلَّيَالِي ولِلأَيّامِ إنَّ لَها ... في الْخَلْقِ خَطْفًا كَخَطْفِ الْبَرْقِ في مَهَل ماذا يَقولٌُ امْرُؤٌ لَيْستْ لَهُ قَدَمٌ ... يَوْمَ الْعِثارِ ويَوْمَ الْكَبْوِ والزَّلَلِ رُبَّ امْرِئٍ لاعِبِ لاهٍ بِزُخْرُفِ ما ... يُلْهيهِ عَنْ نَفْسِهِ بِاللَّهْوِ مُشْتَغِلِ ... اضْرِبْ بِطَرْفِكَ في الدُّنْيا فإِنَّ لَهُ ... ما شِئْتَ مِنْ عِبَرٍ فيها ومِنْ مَثَلِ لَنْ يُصْلِحَ النَّفْسَ إِنْ كانَتْ مُصَرِّفَةً ... إلا التَّنَقُّلُ مِنْ حالٍ إلى حالِ فَنَحْمَدُ اللهَ ما نَنْفَكُّ مِنْ نُقَلٍ ... كُلٌّ إلى الْمَوْتِ في حَلٍّ وَتَرْحالِ وَالشَّيْبُ يَنَعى إلى الْمَرْءِ الشَّبابَ كما ... يَنْعى الأَنيسَ إِلَيْهِ الْمَنْزِلُ الْخَالي

سل القصر أودى أهله أين أهله

لأَظْعَنَنَّ إلى دَارٍ خُلِقْتُ لَها ... وخَيْرُ زادِي إِلَيْها خَيْرُ أعْمالِي ما حِيَلةُ الْمَوْتِ إِلا كُلُّ صَالِحَةٍ ... أوْ لا، فَلا حِيلَةٌ فيهِ لِمُحْتالِ وَالْمَرْءُ ما عاشَ يَجْري لَيْسَ غايَتُهُ ... إلا مُفارَقَةً لِلأهْلِ وَالمْالِ إنّي لآمُلُ والأَحْداثُ دائِبَةٌ ... في نُشْرِ يَأْسِ وفي تَقْريبِ آمالِ وقال رحمه الله: سَلِ الْقَصْرَ أوْدى أَهلُهُ أَيْنَ أهْلُهُ ... أكُلُّهُمُ عَنْهُ تَبَدَّدَ شَمْلُهُ أكُلُّهُمُ حالَتْ بِهِ الْحالُ وانْقَضَتْ ... وزَلَّتْ بِهِ عَنْ حَوْمَةِ الْعِزِّ نَعْلُهُ أكُلُّهُمُ لا وَصْلَ بَينيْ وبَيْنَهُ ... إذا ماتَ أوْ وَلّى امْرُؤٌ بانَ وَصْلُهُ خَلِيلَيَّ, ما الدُّنيا بِدارِ فكاهَةٍ ... ولا دَارِ لَذّاتٍ لِمَنْ صَحَّ عَقْلُهُ تَزَوَّدْتُ تَشميرَ الْمَشْيبِ وَجِدَّهُ ... وفارَقَني زَهُوْ الشَّبابِ وَهَزْلُهُ وَكَمْ مِنْ هَوًى لي طال مَا قَدْ رَكِبْتُهُ ... ومِنْ عاذِلٍ لِيْ رُبَّما طَالَ عَذْلُهُ وعَذْلُ الْفَتى ما فيهِ فَضْلٌ لِغَيْرِهِ ... إذا ما الْفَتى عَنْ نَفْسِهِ ضاقَ عَذْلُهُ لَعَمْرُكَ إنَّ الْحَقَّ لِلنَّاسِ واسِعٌ ... وَلكِنْ رَأيْتُ الْحَقَّ يُكْرَهُ ثِقْلُهُ وَلِلْحَقِّ أهْلٌ لَيْسَ تَخْفى وُجوهُهُم ... يَخِفُّ عَلَيْهِمْ حَيْثُ ما كانَ حَمْلُهُ وَما صَحَّ فَرْعٌ أصْلُهُ الدَّهْرَ فاسِدٌ ... وَلكِنْ يَصِحُّ الْفَزْعُ ما صَحَّ أصْلُهُ وما لامْرِئٍ مِنْ نَفْسِهِ وتَليدِهِ ... وطارِفِهِ إلاَّ تُقاهُ وبَذْلُهُ وَما نالَ عَبْدٌ قَطُّ فَضْلاً بِقُوَّةٍ ... وَلكِنَّهُ مَنُّ الإِلهِ وفَضْلُهُ لَنا خالِقٌ يُعْطي الَّذي هُوَ أهْلُهُ ... وَيَعْفو ولا يَجْزي بِما نَحْنُ أهْلُهُ أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ زالَ فَاللهُ بِعْدَهُ ... كما كُلُّ شَيْءٍ كانَ فَاللهُ قَبْلهُ أَلاّ كُلُّ شَيْءٍ ما سِوَى اللهِ زَائِلٌ ... أَلا كُلُّ ذِي نَسْلٍ يَموتُ وَنَسْلُهُ

أهل القبور عليكم مني السلام

أَلاَ كُلُّ مَخْلوقٍ يَصْيِرُ إلَى الْبِلى ... أَلاَ إِنَّ يَوْمَ الْمَيْتِ لِلْحَيِّ مِثْلُهُ أَلاَ ما عَلاماتُ الْبِلى بِخَفِيَّةٍ ... ولكِنَّما غَرَّ ابْنَ آدَمَ جَهْلُهُ وَحَسْبُكَ مِمَّنْ إِنْ نَوَى الْخَيْرَ قالَهُ ... وإنْ قالَ خَيْرًا لمْ يُكَذِّبْهُ فِعْلُهُ وقال رحمه الله تعالى: أَهلَ الْقُبورِ عَلَيْكُمُ مِنِّي السَّلامْ ... إنِّي أُكَلِّمُكُمْ ولَيْسَ بِكُمْ كَلامْ لا تَحْسَبُوا أنَّ الأَحِبَّةَ لَمْ يَسُغْ ... مِنْ بَعْدكُمْ لَهُمُ الشَّرابُ وَلا الطَّعامْ كَلاَّ لَقَدْ رَفَضُوكُمُ واستَبْدَلوا ... بِكُمُ وَفَرَّقَ ذاتَ بَيْنِكُمُ الْحِمامْ والْخَلْقُ كُلُّهُمُ كَذاكَ فَكُلُ مَنْ ... قَدْ ماتَ لَيْسَ لَهُ عَلى حَيٍّ ذِمامْ ساءَلْتُ أجْداثَ الْمُلوكِ فَأخْبَرَتْـ ... ـنِي أنَّهُمْ فيهِنَّ أعضاءٌ وَهامْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أجسادِهِمْ تِلْكَ الَّتي ... غُذِيَتْ بِأنْعَمِ عِيشَةٍ إلا الْعِظامْ للهِ ما وارى التُّرابُ مِنَ الأُلى ... كانُوا الْكِرَامَ هُمُ ذُكِرَ الْكِرامْ للهِ ما وارى التُّرابُ مِنَ الأُلى ... كانوا وجارُهُمُ مَنِيعٌ لا يُضامْ أفْناهُمُ مَنْ لَمْ يَزَلْ يُفْني الْمُلو ... كَ ولِلفَناءِ ولِلْبلى خُلِقَ الأَنامْ يا صاحِبَيَّ نَسِيتُ دارَ إقامَتي ... وَعَمَرْتُ دارًا لَيْسَ لي فيها مُقامْ ما نِلْتُ مِنْها لَذَّةً إِلاَّ وَقَد ... أَبَتٍ الْحَوادِثُ أَنْ يَكونَ لها دَوامْ وقال: عَلى رَسولِ اللهِ مِنِّي السَّلام ... ما كانَ إلاَّ رَحْمَةً لِلأنامْ

لعظيم من الأمور خلقنا

أَحْيا بِهِ اللهُ قُلوبًا كَما ... أحْيا مَواتَ الأَرْضِ صَوْبُ الْغَمامْ أَكْرِمْ بِهِ لِلْخَلْقِ مِنْ مُبْلِغٍ ... هادٍ ولِلنّاسِ بِهِ مِنْ إِمامْ وأَصْبَحَ الْحَقُّ بِهِ قائِمًا ... وأَصْبَحَ الْباطِلُ دَحْضَ الْمَقامْ كانَ رَسولُ اللهِ يَدْعو إِلى ... مَدْرَجَةِ الْحَقِّ ودارِ السَّلامْ يا عَيْنُ قَدْ نِمْتِ فَاسْتَنبِهي ... ما اجْتَمَعَ الْخَوْفُ وَطِيبُ الْمَنامْ أَكرَهُ أَنْ أَلْقى حِمامِي وَلا ... بُدَّ لِحَيٍّ مِنْ لِقاءِ الْحِمامْ لابُدَّ مِنْ مَوْتٍ بِدارِ الْبِلى ... وَاللهُ بَعْدَ الْمَوْتِ يُحْيي الْعِظامْ يا طالِبَ الدُّنْيا ولَذَّاتِهَا ... هَلْ لكَ في مُلْكٍ طَويلِ المُقامْ مَنْ جاوَرَ الرَّحْمنَ في دَارِهِ ... تَمَّتْ لَهُ النِّعْمَةُ كُلَّ التَّمامْ وقال أيضًا: لِعَظيمٍ مِنَ الأُمورِ خُلِقْنا ... غَيْرَ أَنَّا مَعَ الشقَّاءِ نِيامُ لا نُبالي ولا نَراهُ غَرامًا ... ذا لَعَمْري لَوِ اتَّعَظْنا الْغَرامُ مَنْ رَجَوْنا لَدَيْهِ دُنْيا وصَلْنا ... هُ وقُلْنا لَهُ عَلَيْكَ السَّلامُ ... ما نُبالي أَمنْ حَلالٍ جَمَعْنا ... أَمْ حَرامٍ وَلا يَحِلُّ الْحَرامُ هَمُّنا اللَّهْوُ والتَّكاثُرُ في الْما ... لِ وهذا الْبِناءُ والْخُدّامُ كَيْفَ نَبْتاعُ فَانِيَ الْعَيْشِ بالدَّا ... ئِمِ أَيْنَ الْعُقولُ والأَحْلامُ لَوْ جَهِلْنا فَناءَها وَقَعَ الْعُذْ ... رُ ولكِنَّ كُلَّنا عَلاَّمُ وقال رحمه الله تعالى أيضًا: سَمَّيْتَ نَفْسَكَ بالْكلامِ حَكيما ... ولَقَدْ أَراكَ عَلى الْقَبيحِ مُقِيما

لا يذهبن بك الأمل

ولَقَدْ أَراكَ مِنَ الْغَوايَةِ مُثْرِيًا ... ولَقَدْ أَراكَ مِنَ الرَّشادِ عَدِيما مَنَعَ الْجَديدانِ البَقاءَ وأَبْلَيا ... أُمَمًا خَلَوْنَ مِنَ الْقُرونِ قَديما أَغْفَلْتَ مِنْ دارِ الْبَقاءِ نَعيمَها ... وطَلَبْتَ في دارِ الْفَناءِ نَعيما وعَصَيْتَ رَبَّكَ يا ابْنَ آدَمَ جاهِدًا ... فَوَجَدْتَ رَبَّكَ إذْ عَصَيْتَ حَلِيما وسَألْتَ رَبَّكَ يا ابْنَ آدَمَ رَغْبَةً ... فَوَجَدْتَ رَبَّكَ إذْ سَألْتَ كَرِيما ودَعَوْتَ رَبَّكَ يا ابْنَ آدَمَ رَهْبَةً ... فَوَجَدْتَ رَبَّكَ إذْ دَعَوْتَ رَحيما فَلَئِنْ شَكَرْتَ لَتَشْكُرَنَّ لِمُنْعِمٍ ... ولَئِنْ كَفَرْتَ لَتَكْفُرَنَّ عَظيِما فَتَبارَكَ اللهُ الَّذي هُوَ لَمْ يَزَلْ ... مَلِْكًا بِما تُخَفي الصُّدورُ عَليما وقال رحمهُ الله تبارك وتعالى: لاَ يَذْهَبَنَّ بَكَ الأَمَلْ ... حَتَّى تُقَصِّرَ في العَمَلْ إني أرى لَكَ أنْ تَكو ... نَ منَ الْفَناءِ عَلى وَجَلْ فَقَدِ اسْتَبانَ الْحَقُّ وَا ... تَّضَحَ السَّبيلُ لِمَنْ عَقَلْ مالي أَراكَ بِغَيْرِ نَفْـ ... سِكَ لا أَبَا لَكَ تَشْتَغِلْ خُذْ لِلْوَفاةِ مِنَ الْحَيا ... ةِ بِحَظِّها قَبْلَ الأَجَلْ وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْـ ... ـسَ بِغافلٍ عَمَّنْ غَفَلْ ما إن رَأُيْتُ الَوالِدا ... تِ يَلِدْنَ إلاَّ لِلثَّكَلْ فَكأَنَّ يَوْمَكَ قَدْ أَتى ... يَسْعى إِلَيْكَ عَلى عَجَلْ وَكَأَنَّني بِالْمَوْتِ أَغْـ ... ـفَلَ ما تَرى بِكَ قَدْ نَزَلْ أَيْنَ الْمَرازِبَةُ الْجَحا ... جِحَةُ الْبَطارِقَةُ الأُوَلْ وذَوو التَّفاضُلِ في الْمَجا ... لِسِ وَالتَّرَفُّلِ في الْحُلَلْ وذَوو الْمَنابِرِ والأَسِرَّةِ ... والْمَحاضِرِ والْخَوَلْ ...

ألا هل إلى طول الحياة سبيل

وذَوو الْمَشاهِدِ في الْوَغى ... وذَوو الْمَكايِدِ والْحِيَلْ سَفَلَتْ بِهِمْ لَججُ الْمَنِيّةِ ... كُلُّهُمُ فيمَنْ سَفَلْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بَعْدَهُمْ ... إلاَّ حَدِيثٌ أوْ مَثَلْ قُمْ فَابْكِ نَفْسَكَ وَارْثِها ... ما دُمْتَ وَيْحَكَ في مَهَلْ لا تَحْمِلَنَّ عَلى الزَّما ... نِ فَما عَلَيْهِ مُحْتَمَلْ عِلَلُ الزَّمانِ كَثيرةٌ ... فَتَوَقَّ مِنْ تِلْكَ الْعِلَلْ فَالْحَمْدُ للهِ الَّذي ... هُوَ لا يَزالُ ولَمْ يَزَلْ وإنِ اتَّقَيْتَ فَإنَّ تَقْـ ... ـوى اللهِ مِنَ خَيْرِ النَّفَلْ وإِذا اتَّقى اللهَ الْفَتى ... فيما يُريدُ فَقَدْ كَمَلْ وقال رحمه الله تعالى: أَلا هَلْ إِلى طولِ الْحَياةِ سَبيلُ ... وَأنى وَهذا الْمَوْتُ لَيْسَ يُقيلُ وَإِنِّي وَإنْ أَصْبَحْتُ بِالْمَوْتِ مُوقنًا ... فَلي أَمَلٌ دونَ الْيَقينِ طَويلُ وَمَنْزِلِ حَفقٍ لا مُعَرَّجَ دُونَهُ ... لِكُلِّ امْرئٍ يَومًا إِلَيْهِ رَحيلُ أَرى عِلَلَ الدُّنْيا عَلَيَّ كَثيرَةً ... وصاحِبْها حَتّى الْمَماتِ عَليلُ إذا انْقَطَعَتْ عَنِّي مِنَ الْعَيْشِ مُدَّتي ... فَإنَّ غَناءَ الْباكِياتِ قَلِيلُ سَيُعْرَضُ عَنْ ذِكْري وتُنْسى مَوَدَّتي ... ويَحْدُثُ بَعْدي لِلْخَليلِ خَليلُ وفي الْحَقِّ أَحيانًا لَعَمْري مَرارَةٌ ... وَثِقْلٌ عَلى بَعْضِ الرِّجالِ ثَقيلُ وَلَمْ أَرَ إِنْسانًا يَرى عَيْبَ نَفْسِهِ ... وإنْ كانَ لا يَخْفى عَلَيْهِ جَميلُ وَمَنْ ذا الَّذي يَنْجو مِنَ الناسِ سالِمًا ... وَللنّاسِ قالٌ بالظُّنونِ وَقيلُ أَجَلَّكَ قَوْمٌ حينَ صِرْتَ إِلى الْغِنى ... وَكُلُّ غَنِّيٍ في الْعُيونِ جَليلُ

أراعك نقص منك لما وجدته

وَلَيْسَ الْغِنى إلاَّ غِنّى زَيَّنَ الْفَتى ... عَشِيَّةَ يَقْرِي أَوْ غَداةَ يُنيلُ وَلَمْ يَفْتَقِرْ يَوْمًا وَإنْ كانَ مُعْدَمِاً ... جَوادٌ وَلَمْ يَسْتَغْنِ قَطُّ بَخيلُ إذا مالَتِ الدُّنْيا إلى الْمَرْءِ رَغَّبَتْ ... إلَيْهِ وَمالَ الناسُ حَيْثُ يَميلُ وقال رحمه الله تعالى: أَرَاعَكَ نَقْصٌ مِنْكَ لَمّا وَجَدْتَهُ ... وما زِلْتَ في نَقْصٍ وأَنْتَ وَليدُ سَقَطْتَ إِلى الدُّنْيا وحِيْدًا مُجَرَّدًا ... وتَمْضي عِنِ الدُّنيا وأَنتَ وَحِيْدُ وحِدْتَ عَن الْمَوْتِ الذي لَنْ تَفوتَهُ ... ولا بُدَّ مِمّا أنتَ عَنْهُ تَحيدُ ... ومِنْ رُشْدِ رَأْي المرْءِ أنْ يَمْحَض التُّقى ... وإنَّ امْرَأ مَحْضَ التُّقى لَسَعيدُ هِيَ النَّفْسُ إِنْ تَصْدُقْكَ تَمْنَحْكَ نُصْحَا ... وأَنتَ عَلَيْها إِنْ صَدَقت شهيدُ وما الْعَيْشُ إلاَّ مُسْتَفادٌ ومُتْلَفٌ ... وما الناسُ إِلا مُتْلِفٌ ومُفيدُ هُوَ اللهُ رَبِّي والْقَضاء قَضاؤُهُ ... ورَبِّي على ما كان مِنْهُ حَميدُ وقال رحمه الله: سَتَنْقَطِعُ الدُّنْيا بِنُقْصانِ ناقِصٍ ... مِنَ الْخَلْقِ فيها أَوْ زِيادَةٍ زائِدِ وَمَنْ يَغْتَمْ يَوْمًا يَجِدْهُ غنيمَةً ... ومَن فاتَهُ يَوْمٌ فَلَيْسَ بِعِائِد وما الْمَوْتُ إلا مَوْرِدٌ عَنْهُ مَصْدَرٌ ... وما النّاسُ إِلا وارِدٌ بَعْدَ وارِدِ وقال رحمه الله تعالى: إنا لَفي دارِ تَنْغِيصِ وتَنْكيدِ ... دارٌ تُنادي بها أيامُها: بِيدي لَقَدْ عَرَفْناكِ يا دُنيا بِمَعْرِفَةٍ ... صَحَّتْ لَنا، فانْقُصي إنْ شِئتِ أوْ زيدي نَرى اللَّيالِيَ والأيّامُ مُسْرِعَةً ... فينا وفيكِ بِتَفْريقِ وَتْبعيدِ جَدَّ الرَّحيلُ عَنِ الدُّنْيا، وساكِنُها ... يَرْجو الْخُلودَ ولَيْسَتْ دارَ تَخْلِيدِ

يا نفس ما هو إلا صبر أيام

يا نَفْسُ لِلْمَوْتِ بي عَيْنٌ مُوَكَّلَةٌ ... في كُلِّ وَجْهٍ فَروغي عَنْهُ أوْ حيدي إنْ كانَتِ الدّارُ لَيْسَتْ لي ببِاقِيَةٍ ... فَما عَنائي بِتَأْسيسٍ وتَشْييدِ وَلي مِنَ الْمَوْتِ يَوْمٌ لا دِفاعَ لَهُ ... لَوْ قَدْ أتاني لَقَدْ ضَلَّتْ أَقاليدي الْحَمْدُ للهِ كُلُّ الْخَلْقِ مُنْتَقَصٌ ... مُصَرَّفٌ بَيْنَ خِذْلانِ وَتَأْييد وَكُلُّ ما وَلَدَتْهُ الْوالِداتُ إلى ... مَوْتٍ تُؤَدِّيهِ ساعاتُ الْمَواليدِ وقال رحمه الله تعالى: يا نَفْسُ ما هوَ إلاَّ صَبْرُ أيّامِ ... كأَنَّ لَذَّتَها أضْغاثُ أحْلامِ يا نَفْسُ ما ليَ لا أنْفَكُّ مِنْ طَمَعٍ ... طَرْفي إِلَيْهِ سَريعٌ طامِحٌ سامِ يا نَفْسُ كُوني عَنِ الدُّنْيا مُباعِدَةً ... وَخَلِّفِيها فإِنَّ الحْقَّ قُدامِي يا نَفْسُ ما الذُّخْرُ إلاَّ ما انْتَفَعْتُ بِهِ ... في الْقْبرِ يَوْمَ يَكُونُ الدَّفْنُ إِكْرَامِي أمَّا الْمَشيِبُ فَقَدْ أدِّى نَذارَتَهُ ... وَقَدْ قَضى ما عَلَيْهِ مُنْذُ أعْوَامِ ذ إنّي لاسْتَكْثِرُ الدُّنْيا وَأُعْظِمُها ... جَهْلاً وَلَمْ أرَها أهْلاً لإعْظامِ يا ذَا الَّذي يَوْمُهُ آتٍ بِساعَتِهِ ... وَإنْ تَأخرَ عَنْ عامٍ إلى عامِ فَلَوْ عَلا بِكَ أقْوامٌ مَناكِبَهُمْ ... حَثُّوْا بِنَعْشِكَ إِسْراعًا بِإقْدامِ ... في يَوْمِ آخِرِ تَوْديعٍ تُوَدَّعُهُ ... تُهْدى إلى حَيْثُ لا فَادٍ ولا حَامٍ ما النَّاسُ إلا كَنَفْسٍ في تَقارُبِهِمْ ... لَوْلا تَفاوُتُ أرْزاقٍ وأَقْسامِ كمْ لابْنِ آدَمَ مِنْ لَهْوٍ ومِنْ لَعِبٍ ... ولِلْحَوادِثِ مِنْ شَدٍّ وَإقْدامِ كمْ قَدْ نَعَتْ لَهُمُ الدُّنْيا الْحُلولَ بِها ... لوْ أنَّهُمْ سَمِعوا مِنْها بِأفْهامِ وَكم تَخَرَّمَتِ الآجال مِنْ بَشَرٍ ... كانُوا ذَوِي قُوَّةٍ فيها وَأجْسامِ

أيا عجب الدنيا لعين تعجبت

يا ساكِنَ الدّارَ تَبْنِيها وَتَعْمُرُها ... وَالدّارُ دارُ مَنِياتٍ وَأسْقامِ لا تَلْعَبَنَّ بِكَ الدُّنْيا وَخُدْعَتُها ... فَكَمْ تَلاعَبَتِ الدُّنْيا بِأقْوامِ يا رُبَّ مُقْتَصِدٍ عَنْ غَيْر تَجْرِبَةٍ ... ومُعْتَدٍ بَعدَ تَجْريبٍ وإحْكامِ وَرُبَّ مُكْتَسِبٍ بِالْحِلْمِ واقِيَةً ... وَرُبَّ مُسْتَهْدِفٍ بِالْبَغْيِ لِلرّامي وقال رحمه الله: أيا عَجَبَ الدُّنْيا لِعَيْنٍ تَعَجَّبَتْ ... وَيا زَهْرَةَ الأيَامِ كَيْفَ تَقَلَّبَتْ تُقَلِّبُني الأَيّامُ عَوْدًا وَبَدْأةً ... تَصَعَّدَتِ الأَيامُ لِيْ وَتَصَوَّبَتْ وَعاتَبتُ أيْامِي عَلى مَا تَروعِني ... فَلَمْ أَرَ أيّامِي مِنَ الرَّوْعِ أَعْتَبتْ سَأَنْعي إلى الناسِ الشَّبابَ الَّذي مَضى ... تَخَرَّمَتِ الدُّنْيا الشَّبابَ وشَيِّبَت ولِيْ غايَةٌ يَجْري إلَيْها تَنَفُّسي ... إذا ما انْقَضَتْ تَنْفيسَةٌ لِيْ تَقَرَّبَتْ وتُضْرَبُ لِي الأَمْثالُ في كُلِّ نَظْرَةِ ... وَقَدْ حَنَّكَتْنِي الحادِثاتُ وَجَرَّبَتْ تَطَرَّبُ نَفْسي نحْوَ دُنيا دَنِيَّةٍ ... إلى أيِّ دَارٍ وَيْحَ نَفْسي تَطَرَّبَتْ وأُحْضِرَتِ الشُّحَّ النُّفوسُ فَكُلُّها ... إذا هِيَ هَمَّتْ بالسَّماحِ تَجَنَّبَتْ لَقَدْ غَرَّتِ الدُّنْيا قُرونًا كَثيرَةً ... وأَتْعَبَتِ الدُّنْيا قُرُوُنًا وأنْصَبَتْ هِي الدّارُ حادي الْمَوْتِ يَحْدو بأهْلِها ... إذا شَرَّقَتْ شَمْسُ النِّهارِ وَغَربَتْ بُليتُ مِنَ الدُّنْيا بِغُولٍ تَلَوَّنَتْ ... لَها فِتَنٌ قَدْ فَضَّضَتْها وَذَهَّبَتْ وما أعْجَبَ الآجالَ في خُدَعاتِها ... ومَا أعْجَبَ الأرْزاقَ كَيْفَ تَسَبَّبَتْ رَأيتُ بَغيضَ النَّاسِ مَنْ لا يُحِبُّهُمْ ... يَفُوزُ بِحبِّ النَّاسِ نَفْسٌ تَحَبَّبَتْ وقال رحمه الله: حِيَلُ الْبِلَى تَأْتِي عَلَى المُحْتَالِ ... ومَسَاكِنُ الدُّنْيَا فَهُنَّ بَوَالِ شُغِلَ الأُلى كَنَزوا الْكُنوزَ عنِ التُّقى ... وَسَهَوا بِباطِلِهِمْ عَنِ الآجَالِ سَلِّم على الدُّنْيا سَلامَ مُودَّعٍ ... وارْحَلْ فَقَدْ نُودِيتَ بالتِّرْحالِ

ما أَنْت يَا دُنْيا بِدَارِ إِقَامَةٍ ... مَا زِلْتِ يَا دُنْيا كَفَيءِ ظِلالِ وَخُفَفْتِ يَا دُنْيا بِكُلّ بَلِيِّةٍ ... وَمُزِجْتِ يَا دُنْيَا بِكُلِّ وَبَالِ قَدْ كُنْتِ يَا دُنْيا مَلَكْتِ مَقادَتِي ... فَقَرَيْتِيني بوَساوِس وَخَبَالِ حَوَّلْتِ يَا دُنْيا جَمَالَ شَبِيْبَتِي ... قُبْحًا فَماتَ لِذَاكَ نُورُ جَمَالِي غَرَسَ التَّخَلُّصُ مِنْكِ بَيْنَ جَوانِحِي ... شَجَرَ القَنَاعَةِ والقَنَاعةُ مَالِي الآنَ أَبْصَرْتُ الضَلالَةَ وَالْهُدَي ... والآنَ فِيْكَ قَبِلْتُ مِن عُذَّالِي وَطَوَيْتُ عَنْكِ ذُيولَ بُرْدَيْ صَبْوَتِي ... وقَطَعْتُ حَبْلَكِ مِن وِصَالِ حِبَالِي وَفَهِمْتُ مِن نُوَبِ الزَّمانِ عِظَاتِهَا ... وَفَطِنْتُ لِلأَيَامِ وَالأَحْوَالِ وَمَلَكْتُ قَوْدَ عِنانِ نَفْسِي بالهُدى ... وَطَوَيْتُ عَن تَبْعِ الهَوَى أَذْيَالِي وتَنَاوَلْتْ فِكْري عَجَائِبُ جَمَّةٌ ... بِتَصَرُّفٍ فِي الحالِ بَعْدَ الحالِ لَمَّا حَصَلْتُ عَلى القَنَاعَةِ لمْ أَزَلْ ... مَلِكًا يَرى الإِكْثارَ كالإِقْلالِ إِنَّ القَنَاعَةَ بِالْكِفَافِ هِيَ الْغِنَى ... والْفَقْرُ عَيْنُ الفَقْرِ في الأَمْوَالِ مَنْ لمْ يَكُنْ في اللهِ يَمْنَحُكَ الْهَوَى ... مَزَجَ الْهَوَى بِمَلالَةٍ وَثِقالٍ وَإذا ابْنُ آدَمَ نالَ رِفْعَةَ مَنْزِلٍ ... قُرِنَ ابْنُ آدَمَ عِنْدَها بسِفَالِ وَإذا الفَتَى حَجَبَ الهَوَى عَن عَقْلِه ... رَشَدَ الفَتَى وَصَفَا مِن الأَوْجَالِ وإذا الفتى خبط الأمور تعسفا ... حمد الحرام وذم كل حلال وَإذا الفَتَى لَزِمَ التَّلَوُّنَ لَمْ يَجِدْ ... أَبَدًا لَهُ، في الوَصْلِ طعمَ وِصَالِ وَإِذا تَوَازَنَتِ الأُمُورِ لِفَضْلِهَا ... فَالدّينُ مِنْها أَرْجَحُ الْمِثقْالِ أَمْسَتْ رِياضُ هُداكَ مِنْكَ خَوالِيًا ... وَرِياضُ غَيِّكَ مِنْكَ غَيْرُ خَوالِ قَيِّدْ عَنْ الدُّنْيا هَواكَ بِسَلْوَةٍ ... وَاقْمَعْ نَشاطَكَ فِي الْهَوَى بِنَكالِ وَبِحَسْبِ عَقْلِكَ بالزَّمانِ مُؤدِّبًا ... وَبِحَسْبِهِ بِتَقَلُّبِ الأَحْوالِ بَرِّدْ بيأسِكَ عَنْكَ حَرَّ مَطَامِعٍ ... قَدَحَتْ بِعَقْلِكَ أَثْقَبَ الأَشْعَالِ

قاتِلْ هَواكَ إِذَا دَعاكَ لِفِتنَةٍ ... قاتِلْ هَواكَ هُناكَ كُلَّ قِتالِ إِنْ لَمْ تَكُنْ بَطَلاً إِذَا حميَ الوَغَي ... فَاحْذَرْ عَلَيْكَ مَوَاقِفَ الأَبْطَالِ اخْزُنْ لِسَانَكَ بالسُّكوتِ عَنِ الخَنَا ... وَاحْذَرْ عَلَيْكَ عَوَاقِبَ الأَقْوَالِ وإذا عَقَلْتَ هَوَاكَ عَن هَفَوَاتِهِ ... أَطْلَقْتَهُ مِن شِيْنِ كُلِّ عِقَالِ وإذا سَكَنْتَ إِلى الهُدَى وَأَطَعْتَهُ ... أُلْبِسْتَ حِلَّةَ صَالحِ الأَعْمَالِ وإذا طَمِعْتَ لَبِسْتَ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ ... إِنَّ المَطَامِعَ مَعْدِنُ الإِذْلالِ وإذا سَحَبْتَ إِلى الهَوَى أَذْيَالَهُ ... كَسَبَتْ يَداكَ مَوَدَّةَ الجُهَالِ وإذا حَلَلْتَ عَنْ اللِّسانِ عِقَالَهُ ... أَلقَاك مِن قِيْلٍ عَلَيْكَ وَقَالِ وإذا ظَمِئْتَ إِلى التُّقَى أَسْقَيْتَهُ ... مِنْ مَشْرَبٍ عَذْبِ المَذاقِ زُلالِ وإذا ابْتُليتَ بِبَذْلِ وَجْهِكَ سَائِلاً ... فَابْذُلْهُ لِلْمُتَكَرّمِ المِفْضَالِ إِنَّ الْكَريمَ إِذَا حَباكَ بِوَعْدِهِ ... أَعْطَاكَهُ سَلِسًا، بِغَيرِ مِطالِ مَا اعْتاضَ باذِلُ وَجْهِهِ بِلِسانهِ ... عِوَضًا وَلَوْ نالَ الْغِنَى بِسُؤالِ وإذا السُّؤالُ مَعَ النَّوالِ قَرَنْتَهُ ... رَجَحَ السُّؤالُ وَخَفَّ كُلُّ نَوالِ عَجَبًا عَجِبْتُ لِمُوْقِنٍ بِوَفَاتِهِ ... يَمْشِيِ التَّبَخْتُرَ مِشْيَةَ المُخْتَالِ رَجِّ العُقُولَ الصَّافِياتِ فإنها ... كَنْزُ الكُنُوزِ وَمَعْدِنُ الإِفْضَالِ صَافِ الكِرَامَ فإنهم أَهْلُ النُّهَى ... وَاحْذَرْ عَلَيْكَ مَوْدَةَ الأَنْذَالِ صِلْ قاطِعيكَ وَحَارِمِيكَ وَأَعْطِهِم ... وإذا فَعَلْتَ فَدُمْ بِذاكَ وَوالِ وَالْمَرءُ لَيْسَ بِكامِلٍ في قَوْلِهِ ... حَتَّى يُزَيِّنَ قَوْلَهُ بِفَعالِ ولَرُبَّما ارْتَفَعَ الوَضِيعُ بِفِعِلهِ ... وَلَرُبَّما سَفَلَ الرَّفيعُ العَالِي كَمْ عِبْرَةٍ لِذَوي التَّفَكُّرِ والنُّهَى ... في ذا الزَّمانِ وَذَا الزَّمَانِ الخَالِي كَمْ مِن ضَعِيْفِ الْعَقْلِ زَيَّنَ عَقْلَهُ ... مَا قَدْ رَعَى وَوَعَى مِنَ الأَمْثَالِ كَمْ مِنْ رِجالٍ في الْعُيونِ وَمَا هُمُ ... في الْعَقْلِ إِنْ كَشَفَّتَهُم بِرِجالِ

تعالى الواحد الصمد الجليل

وقال أيضًا: تَعالى الْواحِدُ الصَّمَدُ الْجَليلُ ... وَحاشا أنْ يَكونَ لَهُ عَدِيلُ هُوَ الْمَلِكُ الْعَزِيزُ وكُلُّ شَيْءٍ ... سِواهُ فَهُوَ مُنْتَقَصٌ ذَليلُ وَما مِنْ مَذْهَبٍ إلاَّ إلَيْهِ ... وإَنَّ سبيلَهُ لَهُوَ السَّبيلُ وَإِنَّ لَهُ لَمَنَّا لَيْسَ يُحْصى ... وَإِنَّ عَطَاءَهُ لَهُوَ الْجَزيلُ وَكُلُّ قَضائِهِ عَدْلٌ عَلَيْنا ... وَكُلُّ بَلائِهِ حَسَنٌ جَميلُ وَكُلُّ مُفَوَّهٍ أثنى عَلَيْهِ ... لِيَبْلُغَهُ فَمُنْحَسِرٌ كََليلُ أَيا مَنْ قَدْ تَهاوَنَ بالْمَنايا ... وَمْن قَدْ غَرَّهُ الأَمَلُ الطَّويلُ ألَمْ تَرَ أَنَّما الدُّنيا غرُورٌ ... وأَنَّ مُقامَنا فيها قَليلُ * * * وقال رحمه الله تعالى: سَبَقَ القضاءُ بِكل ما هُوَ كائِنُ ... واللهَ يا هذا لِرِزقِك ضامِن تُعْنى بما تُكْفى وَتْرُكُ ما بِهِ ... توصى كَأَنَّكَ لِلْحَوادِثِ آمِنُ أَوَما تَرى الدُّنيا ومَصْدَرُ أهْلِها ... ضَنْكٌ ومَوْرِدُها كَرِيهٌ آجِنُ واللهِ ما انْتَفَعَ الْعَزِيزُ بِعِزِّهِ ... فيها ولا سَلِمَ الصَّحِيحُ الآمِنُ والْمَرْءُ يُوطِنُها ويَعْلَمُ أَنَّهُ ... عَنْها إِلى وطَنٍ سِواها ظاعِنُ يا ساكِنَ الدُّنيا أَتَعْمُرُ مَسْكَنَاً ... لَمْ يَبْقَ فيهِ مَعَ الْمَنِيَّةِ ساكِنُ الْمَوْتُ شَيْءٌ أَنتَ تَعْلَمُ أنَّهُ ... حَقٌّ وأنتَ بِذِكْرِهِ مُتَهاوِنُ إنَّ الْمَنِيَّةَ لا تُؤامِرُ مَنْ أَتَتْ ... في نَفْسهِ يَوْمًا ولا تَسَتأْذِنُ اعْلَمْ بِأنَّكَ لا أَبا لَكَ في الَّذي ... أَصْبَحْتَ تَجْمَعُهُ لِغَيْرِكَ خازِنُ فَلَقَدْ رَأيْتَ مَعاشِرًا وعَهِدْتَهُمْ ... فَمَضَوْا وأنْتَ مُعايِنٌ ما عايَنُوا ورَأَيْتَ سُكَّانَ الْقصورِ وما لَهُمْ ... بَعْدَ القْصُورِ سِوى الْقُبورِ مَساكِنُ

ايت القبور فنادها أصواتا

جَمَعُوا فَما انْتَفَعُوا بِذاكَ وأَصْبَحوا ... وهُمُ بِما اكْتَسَبُوا هُناكَ رَهائِنُ لَوْ قَدْ دُفِنْتَ غَدًا وأَقْبَلَ نافِضًا ... كَفَّيْهِ عَنْكَ مِنَ التُّرابِ الدّافِنُ لَتَشاغَلَ الوُرّاثُ بَعْدَكَ بالَّذي ... وَرِثوا وأَسْلَمَكَ الْوَلِيُّ الْباطِنُ قارِنْ قَرِينَكَ واسْتَعِدَّ لِبَيْنِهِ ... إنَّ الْقَرِينَ مِنَ الْقَرينِ مُبايِنُ والْبَسْ أخاكَ فإِنَّ كُلَّ أخٍ تَرى ... فَلَهُ مَساوٍ مَرَّةً ومَحاسِنُ وقال أيضًا: ايتِ الْقُبورَ فَنادِها أصْواتَا ... فَإِذا أَجَبْنَ فَسائِلِ الأَمْواتَا أيْنَ الْمُلوكُ بنَو الْمُلوكِ فَكُلُّهُمْ ... أَمْسى وَأَصْبَحَ في التُّرابِ رُفاتَا كَمْ مِنْ أَبٍ وَأَبي أَبٍ لَكَ بيْنَ أطْـ ... ـباقِ الثَّرى قَدْ قيلَ كانَ فَماتا وَالدَّهْرُ يَوْمٌ أنْتَ فيه وَآخَرٌ ... تَرْجوهُ أوْ يَوْمٌ مَضَى لَكَ فاتا هَيْهاتَ إنَّكَ لِلْخُلودِ لَمُرْتَجٍ ... هَيْهاتَ مِمَّا تَرْتَجي هَيْهاتا ما أسْرَعَ الأَمْرَ الَّذي هُوَ كائِنٌ ... لابُدَّ مِنْهُ وَأقْرَبَ الْميقاتا وقال أيضًا: ألَيْسَ قَريبًا كُلُّ ما هُوَ آتِ ... فَما لي وَما لِلشَّكِّ والشُّبْهاتِ أُنافِسُ في طيبِ الطَعامِ وَكُلُّهُ ... سَواءٌ إذا ما جاوَزَ اللَّهَواتِ وَأسْعى لِما فَوْقَ الْكَفافِ وَكُلَّما ... تَرَفَّعْتُ فيهِ ازْدَدْتُّ في الْحَسَراتِ وأطْمَعُ في الْمَحْيا وعَيْشِيَ إِنَّما ... مَسالِكُهُ مَوْصولَةٌ بِمَماتِ ولِلْمَوْتِ داعٍ مُسْمِعٌ غَيْرَ أَنَّني ... أرى النّاسَ عَنْ داعيهِ في غَفَلاتِ فَللَّهِ عَقْلي إِنَّ عقْلي لَناقِصٌ ... ولَوْ تَمَّ عَقْلي لاغْتَنَمْتُ حَياتي وَللهِ نَفْسي إنَّها لَبَخيلَةٌ ... عَلَيِّ بِما جادَتْ بِهِ لأُولاتٍ

جمعت من الدنيا وحزت ومنيتها

وقال أيضًا: جَمَعْتَ مِن الدُّنْيا وحُزْتَ ومُنِّيتها ... وما لَكَ إِلاَّ ما وَهَبْتَ وأمْضَيْتَا وما لَكَ مِما يَأْكُلُ النّاسُ غَيْرُ ما ... أكَلْتَ مِنَ الْمالِ الْحَلالِ فَأفْنَيْتَا ومَا لَكَ إِلاَّ كُلُّ شَيْءٍ جَعَلْتَهُ ... أَمامَكَ لا شَيْءٌ لِغَيْرِكَ بَقَّيْتَا وَما لَكَ مِمّا يَلْبَسُ النّاسُ غَيْرُ ما ... كَسَوْتَ وإلاَّ ما لَبِسْتَ فَأبْلَيْتَا وما أنْتَ إلاَّ في مَتاعٍ وَبُلْغَةٍ ... كَأنَّكَ قَدْ فارَقْتَها وتَخَلَّيْتَا فَلا تَغْبِطَنَّ الْحَيَّ في طُولِ عُمْرِهِ ... بِشَيْءٍ تَرى إِلاَّ بِما تَغْبِطُ الْمَيْتا أَلا أيُّهذا الْمُسْتَهينُ بِنَفْسِهِ ... أراكَ وقَدْ ضَيَّعْتَها وتَناسَيْتا إذا ما غُبِنْتَ الْفَضْلَ في الدِّينِ لَمْ تُبَلْ ... وإِنْ كانَ في الدُّنْيا قَطَبْتَ وبالَيْتا وَإِنْ كانَ شَيْءٌ تَشْتَهيهِ رَأَيْتَهُ ... وَإِنْ كانَ ما لا تَشْتَهيهِ تَعامَيْتا لَهِجْتَ بِأنْواع الأَباطيل غِرَّةً ... وأَدْنَيْتَ أَقْوامًا عَلَيْها وأَقْضَيْتا وَجَّمْعتَ ما لا يَنْبَغي لَكَ جَمْعُهُ ... وقَصَّرْتَ عَمّا يَنْبَغي وتَوانَيْتا وصَغَّرْتَ في الدُّنْيا مَساكِنَ أهْلِها ... فَباهَيْتَ فيها بِالْبِناءِ وعالَيْتا وأَلْقَيْتَ جِلْبابَ الْحَيا عَنْكَ ضِلَّةً ... فَأصْبَحْتَ مُخْتالاً فَخورًا وأمْسَيْتا وجاهَرْتَ حَتّى لَمْ تَرَعْ عَنْ مُحَرَّمٍ ... ولَمْ تَقْتَصِدْ فيما أَخَذْتَ وأَعْطَيْتا ونافَسْتَ في الأَمْوالِ مِنْ غَيْرِ حِلِّها ... وأَسْرَفْتَ في إِنْفاقِها وتَعَدِّيْتا وأَجْلَيْتَ عَنْكَ الْغُمْضَ في كلِّ حِيلَةٍ ... تَلَطَّفْتَ في الدُّنْيا بها وتَأنَّيْتا تَمَنى الْمُنى حَتّى إذا ما بَلَغْتَها ... سَمَوْتَ إِلى ما فَوْقَها فَتَمَنَّيْتَا أَيا صاحِبَ الأَبْياتِ قَدْ نُجِّدَتْ لَهُ ... سَتُبْدَلُ مِنْها عاجِلاً غَيْرَها بَيْتا لَكَ الْحَمْدُ يا ذا الْمَنِّ شُكْرًا خَلَقْتَنا ... فَسَوَّيْتَنا فيمَنْ خَلَقْتَ وسَوَّيْتا وكَمْ مِنْ بَلايا نازِلاتٍ بِغَيْرِنا ... فَسَلَّمْتَنا يا رَبِّ مِنْها وعافَيْتا

تمسك بالتقى حتى تموتا

أَيا رَبِّ مِنّا الضَّعْفُ إنْ لَمْ تُقَوِّنا ... على شُكْرِ ما أَبْلَيْتَ مِنْكَ وأَوْلَيْتا ... أيا رَبِّ نَحْنُ الْفائِزونَ غَدًا لَئِنْ ... تَوَلَّيْتَنا يا رَبِّ فيمَنْ تَوَلَّيْتا أَيا مَنْ هُوَ الْمَعْروفُ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ ... تَبارَكْتَ يا مَنْ لا يُرى وتَعالَيْتا وقال أيضًا: تَمَسَّكْ بالتُّقى حَتّى تَموتا ... وَلا تَدَعِ الْكَلامَ أو السُّكوتا وَقُلْ حَسَنًا وأَمْسِكْ عَنْ قَبيحٍ ... ولا تَنْفَكَّ عَنْ سُوءٍ صَموتا لَكَ الدُّنْيا بِأجْمعَهِا كَمالاً ... إذا عَوفيتَ ثُمَّ أَصَبْتَ قوتا إذا لَمْ تَحْتَفِظْ بالشَّيْءِ يَوْمًا ... فَلا تَأْمَنْ عَلَيْهِ أَنْ يَفوتا يُعَلِّلُني الطَّبيبُ إلى قَضاءٍ ... فَإِمّا أنْ أُعافى أَوْ أمُوتَا سَقى اللهُ الْقُبورَ وَساكِنِها ... مَحَلاًّ أَصْبَحُوا فيها خُفُوتَا وقال رحمه الله: كَأنَّ المَنايا قَدْ قَرَعَنْ صِفَاتِي ... وقَوَّسْنَي حَتّى قَصَفْنَ قَناتِي وَباشَرْتُ أَطْباقَ الثَّرى وَتَوَجَّهت ... بِنَعْييِ إلى منْ غِبْتُ عَنْهُ نُعاتِي فَيا عَجَبًا مِنْ طولِ سَهْوي وغَفْلَتي ... وما هُوَ آتٍ لا مَحالَةَ آتٍ حُتوفُ الْمَنايا قاصِداتٌ لِمَنْ تَرى ... مُوافينَ بالرَّوْحاتِ والْغَدَواتِ وكَمْ مِنْ عَظيمٍ شَأْنُهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ ... بِمُهْجَتِهِ الأَيّامُ مُنْتَظِراتِ رَأَيْتُ ذَوي قُرْباهُ تُحِثيْ أكُفُّهُمْ ... عَلَيْهِ تُرابَ الأَرْضِ مُبْتَدِرَاتِ وقامَتْ عَلَيْهِ حُسَّرٌ مِنْ نِسائِه ... يُنادِينَ بالْوَيْلاتِ مُحْتَجرِاتِ

يا رب عيش كان يغبط أهله

وقال رحمه الله تعالى: يا رُبَّ عَيْشٍ كانَ يُغْبَطُ أهْلُهُ ... بِنَعيمِهِ قَدْ قيلَ كانَ فَزالا يا طالِبَ الدُّنْيا لِيُثْقِلَ نَفْسَهُ ... إِنَّ الْمُخِفَّ غَدًا لأَحْسَنُ حالا إنَّا لَفي دارٍ نَرى الإِكْثارَ لا ... يَبْقى لِصاحِبِهِ ولا الإقلاْلا أَأُخَيَّ إِنَّ الْمالَ إنْ قَدَّمْتَهُ ... لَكَ لَيْسَ إنْ خَلَّفْتَهُ لَكَ مالا أَأُخَىَّ كُلٌّ لا مَحالَةَ زائِلٌ ... فَلِمَنْ أَراكَ تُثَمِّرُ الأَمْوالا أأخي شأنك بالكفاف وخلِّ مَنْ ... أثرى ونافس في الحطام وغالى كَمْ مِنْ مُلوكٍ زالَ عَنْهُمْ مُلْكُهُمْ ... فَكَأَنَّ ذاكَ الْمُلْكَ كانَ خَيالا حَتَّى مَتى تُمْسي وتُصْبِحُ لاعِبًا ... تَبْغي الْبَقاءَ وتأَمُلُ الآمِالاَ ولَقَدْ رَأَيْتَ الْحادِثاتِ مُلِحَّةً ... تَنْعى الْمُنى وتُقَرِّبُ الآجِالاَ ... ولَقَدْ رَأَيْتَ مَساكِنًا مَسْلُوبَةً ... سُكَّانُها ومَصانِعَا وظِلالاَ ولَقَدْ رَأَيْتَ مَنِ اسْتَطاعَ بِجَمْعِهِ ... وَبنى فَشَيَّدَ قَصْرَهُ وأَطَالاَ ولَقَدْ رَأَيْتَ مُسَلَّطًا ومُمَلَّكًا ... وَمُفَوَّهًا قَدْ قِيْلَ قالَ وقَالاَ ولَقَدْ رَأَيْتَ المَوْتَ كَيْفَ يُبيدُهُمْ ... شِيبًا وكَيْفَ يُبيدُهُمْ أطْفالاَ ولَقَدْ رَأَيْتَ المَوْتَ يُسْرِعُ فيهِمُ ... حَقًّا يَمِينًا مَرَّة وشِمَالاَ فَسَلِ الْحَوادِثَ لا أَبَا لَكَ عَنْهُمُ ... وسَلِ الْقُبورَ وَأَحْفِهِنَّ سُؤَالاَ فَلَتُخْبِرَنَّكَ أنَّهُمْ خُلِقوا لِما ... خُلِقوا لَهُ فَمَضَوْا لَهُ أَرْسالاَ ولَقَلَّ ما تَصْفو الْحَياةُ لأَهْلِها ... حتَّى تُبَدِّلَ مِنُهُمْ أبْدالاَ ولَقَلَّ ما دامَ السُّرورُ لِمَعْشِرٍ ... وَلَطالَما خانَ الزَّمانُ وغَالاَ

ولَقَلَّ ما تَرْضى خِصالاً مِنْ أَخٍ ... آخَيْتَهُ إِلاَّ سَخِطتَ خِصالاَ ولَقَلَّ ما تَسْخو بِخَيْرٍ نَفْسُهُ ... حَتَّى يُقاتِلَها عَلَيْهِ قِتالاَ أَأُخَيَّ إِنَّ الْمَرْءَ حَيْثُ فِعالُهِ ... فَتَولَّ أحْسَنَ ما يَكونُ فِعالاَ فَإذا تَحامَى النَّاسُ أَنْ يَتَحَمَّلوا ... لِلْعارِفاتِ فَكُنْ لَها حَمَّالاَ أَقُصِرْ خُطاكَ عَنِ الْمَطامِعِ عِفَّةً ... عَنْها فإنَّ لَها صَفا زَلالاَ والْمالُ أوْلى بِاكْتِسابِكَ مُنْفقًا ... أوْ مُمْسِكًا إنْ كانَ ذاكَ حَلالاَ وإِذا الْحُقوقُ تَواتَرَتْ فَاصْبِرْ لَها ... أبَدًا وَإنْ كانَتْ عَلَيْكَ ثِقَالاَ فَكَفى بِمُلْتَمِسِ التَّواضُعِ رِفْعَةً ... وكَفى بِمُلْتَمِسِ الْعُلُوِّ سِفَالاَ أَأُخَيَّ مَنْ عَشِقَ الرئاسَةَ خِفْتُ أنْ ... يَطْغى ويُحْدِثَ بِدْعَة وضَلالاَ أَأُخَيَّ إِنَّ أمامَنا كُرَبًا لَها ... شَغْبٌ وإِنَّ أَمامَنا أَهْوالاَ أَأُخَيَّ إنَّ الدَّارَ مُدْبِرَةٌ وإنْ ... كُنَّا نَرى إدْبارَها إقْبالاَ أَأُخَيَّ لا تَجْعَلْ عَلَيْكَ لِطالِبٍ ... يَتَتَبَّعُ الْعَثَراتِ مِنْكَ مَقَالاَ فَالْمَرْءُ مَطْلوبٌ بِمُهْجَةِ نَفْسِهِ ... طَلَبًا يُصَرِّفُ حالَهُ أَحْوالاَ وَالْمَرْءُ لا يَرضى بِشُغْلٍ واحِدٍ ... حَتَّى يُوَلِّدَ شُغْلُهُ أشْغالا وَلَرُبَّ ذِيْ عُلَقٍ لَهُنَّ حَلاوَةٌ ... سَيَعُدْنَ يَوْمًا ما عَلَيْهِ وَبالاَ وَأَرى التَّواصُلَ في الْحَياةِ فَلا تَدَعْ ... لأخِيكَ جُهْدَكَ ما حَيِيْتَ وصَالاَ أَأُخَيَّ إِنَّ الْخَلْقَ في طَبَقَاتِهِِ ... يُمْسي وَيُصْبِحُ لِلإِلهِ عِيالاَ وَاللهُ أكْرَمُ مَنْ رَجَوْتَ نَوالَهُ ... واللهُ أَعظَم مَنْ يُنِيلُ نَوالاَ ... مَلِكٌ تَواضَعَتِ الْمُلوكُ لِعِزِّهِ ... وَجلالِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى لا شَيْءَ مِنْهُ أَدَقُّ لطف إِحاطَةٍ ... بالْعالَمينَ ولا أجَلُّ جَلاَلاَ

يا رب شهوة ساعة قد أعقبت

وقال رحمه الله تعالى: يا رُبَّ شَهْوَةِ ساعَةٍ قَدْ أعْقَبَتْ ... مَنْ نالَها حُزْنًا هُناكَ طَويلاَ عَظُمَ الْبَلاءُ بها عَلَيْهِ وإِنَّما ... نالَ الْمُفَضِّلُ لِلشَّقاءِ قَليلاً فإذا دَعَتْكَ إِلى الْخَطيئَةِ شَهْوَةٌ ... فاجْعَلْ لِطَرْفِكَ في السَّماءِ سَبيلاً وخَفِ الإِلهَ فإِنَّهُ لَكَ ناظِرٌ ... وكَفى بِرَبِّكَ زاجِرًا وَسَؤولاَ ماذا تَقولُ غَدًا إذا لاقَيْتَهُ ... بِصَغائِرَ وَكَبائِرَ مَسْؤولاَ وقال رحمه الله تعالى: اهْرَبْ بِنَفْسكَ مِنْ دُنْيًا مُظَلِّلَةٍ ... قَدْ أهْلَكَتْ قَبْلَكَ الأحْيَاءِ والمِلَلاَ مُرٌّ مذاقَةُ عُقْباها وَأوَّلُها ... غَدارَةٌ تُكْثِرُ الأحزانَ والْعلَلاَ إنْ ذُقتُ حَلْواءَها عادَتْ عَواقِبُها ... مَرارَةً يَجْتَويْها كُلُّ مَنْ أَكَلاَ لَمْ يَصْفُ شُرْبُ امْرِئٍ فيها فأعْجَبَهُ ... إِلاَّ تَكَدِّرَ أوْ أَمْسى لَهُ وَشلاَ زَوّالَةٌ ذاتُ إبْدالٍ بِصَاحِبِها ... تَرْضى بِطَارِفها مِنْ تالِدٍ بَدَلاَ يَرْضى بِها ذاكَ مِنْ هدا ويَطْعَمُ ذا ... ما كانَ هذا بِهِ مِنْ كَسْبِهِ جَذِلاَ تُذِلُّ هذا لِهذا بَعدَ عِزَّتِهِ ... وَقَدْ تَرى ذا لِهذا مَرَّةً خَوَلاَ لَمْ تَعْتَذِرْ قَطُّ مِنْ ذَنْبٍ إلى أَحَدٍ ... والْحُرُّ مُعْتَذِرٌ إِنْ زَلَةً فَعَلاَ هِيَ الَّتي لَمْ تَدُمْ مِنْها مَوَدَّتُها ... لِصاحِبٍ قَطُّ إِلاَّ صارَمَتْ عَجَلاَ وَلَسْتَ حَقَّا بِهَوْلِ الْمَوْتِ مُنْقَلِبًا ... حَتّى تُعايِنَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَهْوالاَ أمَّلْتَ أَكَثَرَ مِمّا أنْتَ مُدْرِكُهُ ... والْعُمْرُ لابُدَّ أنْ يَفْنى وإِنْ طَالاَ حَتّى مَتى أَنتَ بالآْمالِ مُشْتَبِكٌ ... إذا انْقَضى أَمَلٌ أمَّلْتَ آمالاَ ألمْ تَرَ الْمَلِكَ الأُمِّيَّ حينَ مَضى ... هَلْ نالَ حَيٌّ مِنَ الدُّنيا كما نالاَ أفناهُ مَنْ لَمْ يُفْني الْمُلوكَ فَقَدْ ... أَمسى وأَصبَحَ عَنْهُ الْمُلْكَ قَدِ زالاَ

ألا من لمهموم الفؤاد حزينه

كَمْ مِنْ مُلوكٍ مَضى رَيْبُ الزَّمانِ بِهِمْ ... قَدْ أَصْبحوا عِبَرًا فِيْنَا وأَمْثالاَ وقال أيضا: أَلاَ مَنْ لِمَهْمومٍ الْفُؤادِ حَزينِهِ ... إِذا ابْتَزَّ مِنْهُ الْعَزْمَ ضَعْفُ يَقينِهُ وإذْ هُوَ لا يَدْري لَعَلِّ كِتابَهُ ... سَيُعْطاهُ مَنْشورًا بِغَيْرِ يَمِينِهِ ويَلْتَمِسُ الإِحْسانَ بَعْدَ إساءَةٍ ... فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَيْرَ مُعِينِهِ إذا ما اتَّقَى اللهَ امْرُؤٌ في أُمورِهِ ... وكانَ إلَى الْفِرْدَوْسِ جُلُّ حَنيِنِهِ سَعى يَبْتَغي عَوْنًا على الْبِرِّ والتُّقى ... لِيَبْتاعَهُ مِنْ مالِهِ بِثَمينِهِ فَصَفِّ الْخَدِينَ ما اسْتَطَعْتَ منَ الْقذى ... أَلاَ إِنَّما كُلُّ امْرِئٍ بِخَدينِهِ وخَيْرُ قَرينٍ أنْتَ مُقْتَرِنٌ بِهِ ... قَرينٌ نَصيحٌ مُنْصِفٌ لِقَرينِهِ وَكُلُّ امْرِئٍ فيهِ وَفيهِ فَدارِهِ ... عَلى ذاكَ وَاحْمِلْ غَثَّهُ لِسَمينِهِ لِكُلٍّ مُقامٌ قائِمٌ لا يَجوزُهُ ... فَدَعْ غَيَّ قَلْبٍ خائضٍ في فُتونِهُ وأَفْضَلُ هَدْيٍ هَدْيُ سَمْتِ مُحَمَّدٍ ... نَبِيّ تَنَقاهُ الإِلهُ لِدِينِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ في النُّصْحِ رَحْمَةً ... وفي بِرِّهِ بالْعالَمِينَ وَلِينِهِ إِمامُ هُدًى يَنْجابُ عَنْ وَجْهِهِ الدُّجى ... كَأنَّ الثُرَيَا عُلِّقَتْ بِجَبِينِهِ وقال أيضًا: أتَدْري أَيُّ ذُلٍّ السُؤالِ ... وفي بَذْلِ الْوُجوهِ إلى الرِّجالِ يَعِزُّ عَلى التَّنَرُّهِ مَنْ رَعاهُ ... ويَسْتَغْني الْعَفيفُ بِغَيْرِ مَالِ إِذا كانَ النَّوالُ بِبَذْلِ وَجْهي ... فَلا قُرِّبْتُ مِنْ ذاكَ النَّوالِ مَعاذَ اللهِ مِنْ خُلُقٍ دَنِيءٍ ... يَكونُ الْفَضْلُ فيهِ عَلَيَّ لاَ لِي تَوَقَّ يَدًا تَكونُ عَلَيْكَ فَضْلاً ... فَصانِعُها إلَيْكَ عَلَيْكَ عالِ يَدٌ تَعْلو يَدًا بِجَميلِ فِعْلٍ ... كَما عَلَتِ الْيَمينُ عَلى الشِّمالِ

كأني بالتراب عليك ردما

وُجوهُ الْعَيْشِ مِنْ سَعَةٍ وضيقٍ ... وحَسْبكَ والتّوَسُّعَ في الْحَلالِ أتُنْكِرُ أَنْ تُكونَ أخا نَعيمٍ ... وأَنتَ تَصيفُ في فَيءِ الظِّلالِ وأنتَ تُصيبُ قُوتَكَ في عَفافٍ ... وِرَيَّا إنْ ظَمِئتَ مِنَ الزُّلالِ مَتى تُمْسي وتُصْبِحُ مُسْتَريحًا ... وأنْتَ الدَّهْرَ لا تَرْضى بِحالِ تُكابِدُ جَمْعَ شَيءٍ بَعْدَ شَيْءٍ ... وتَبْغي أنْ تكونَ رَخِيَّ بالِ وقَدْ يَجْري قَليلُ المالِ مَجْرى ... كثير الْمال في سَدِّ الْخِلالِ إذا كانَ الْقَليلُ يَسُدُّ فَقْري ... وَلمْ أَجِدِ الْكَثِيرَ فَلا أُبالي هِيَ الدُّنيا رَأَيْتُ الْحُبَّ فيها ... عَواقِبُهُ التَّفَرُّقُ عَنْ تَقالِ تُسَرُّ إذا نَظَرْتَ إِلى هِلالٍ ... ونَقْصُكَ أنْ نَظَرْتَ إلى الْهِلالِ وقال أيضًا: كَأَنِّي بالتُّرابِ عَلَيْكَ رَدْما ... بِرَبْعٍ لا أرى لَكَ فيهِ رَسْمَا بِرَبْعٍ لَوْ تَرَى الأَحْبابَ فيهِ ... رَأَيْتَ لَهُمْ مُباعَدَةً وَصَرْمَا أَلاَ يا ذَا الَّذي هُوَ كُلَّ يَوْمٍ ... يُساقُ إِلى الْبِلى قِدْمًا فَقَدْمَا ضَرَبْتَ عَنِ أدِّكارِ الْمَوْتِ صَفْحًا ... كَأنَّكَ لا تَراهُ عَلَيْكَ حَتْمَا أَلَمْ تَرَ أنَّ أقْسامَ الْمَنايا ... تُوَزَّعُ بَيْنَنا قِسْمًا فَقِسْمَا سَيُفْنيِنا الَّذي أَفنى جَدِيسًا ... وأفْنى قَبْلَها إرَمًا وَطّسْمَا وَرُبَّ مُسَلَّطٍ قَدْ كانَ فينا ... عَزيزًا مُنْكَرَ السَّطَواتِ ضَخْمَا وَلَوْ يَنْشَقُّ وَجْهُ الأَرْضِ عَنْهُ ... عَدَدْتَ عِظامَهُ عَظْمًا فَعَطْمَا وكمْ مِنْ خُطْوَةٍ مَنَحَتْهُ أَجْرًا ... وكمْ مِنْ خُطْوةٍ مَنَحَتْهُ إثْمَا تَوَسَّعْ في حَلالِ اللهِ أكْلاً ... وَإلاَّ لمْ تَجِدْ لِلْعَيْشِ طَعْمَا فَإِنَّكَ لا تَرى ما أنْتَ فيهِ ... وأنْتَ بِغَيْرِهِ أعْمَى أصَمَّا

إن قدر الله أمرا كان مفعولا

أرَى الإِنْسانَ مَنْقوصًا ضَعيفًا ... وما يَأْلُو لِعِلْمِ الْغَيْبِ رَجْما أشَدُّ النَّاسِ لِلْعلْمِ ادِّعاءٌ ... أقَلُّهُمُ بِما هُوَ فيهِ عِلْمَا وَفي الصِّمْتِ الْمُبَلِّغِ عَنْكَ حُكْمٌ ... كما أنَّ الْكَلامَ يَكونُ حُكْمَا إذا لمْ تَحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ طَيْشٍ ... أَسَأْتَ إجَابَةً وَأَسَأْتَ فَهْمَا وقال أيضًا: إنْ قَدَّرَ اللهُ أمرًا كانَ مَفْعولا ... وكَيْفَ نَجْهَلُ أمرًا لَيْسَ مَجْهولاَ إنّا لَنَعْلَمُ أنَّأ لاحِقونَ بِمَنْ ... وَلَى ولكِنَّ في آمالِنا طُولاَ ضَمِنْتُ لِلطّالِبِ الدُّنيا وزينَتَها ... ألاَّ يَزالَ بِها ما عاشَ مَشْغولاَ يا رُبَّ مَنْ كانَ مُغَترًّا بِناصِرِهِ ... أَمْسى وأَصْبَحَ في الأَجْدَاثِ مَجْدُوْلاَ ورُبَّ مُغْتَبِطٍ بالْمالِ يأْكُلُهُ ... يَوْمًا ويَشْرَبُهُ إذْ صَارَ مَأْكَّولاَ ما زالَ يَبْكي عَلى الْمَوْتى ويَنْقُلُهُمْ ... حَتَّى رَأَيْناهُ مَبْكِيًّا ومَنْقُولاَ وقال رَحِمَهُ الله تَعَالَى: أَيا بَني الدُّنيا ويا جِبرَةَ الْـ ... ـمَوْتى إِلى كَمْ تُغْفِلونَ السَّبيلْ إنا عَلى ذاكَ لَفي غَفلَةٍ ... والْمَوْتُ يُفْني الْخَلْقَ جيلاً فجيلْ ... إنِّي لَمَغرورٌ وإِنَّ الْبِلَى ... يُسْرِعُ في جِسْمي قَليلاً قَليلْ تَزوَّدْنَ لِلْمَوْتِ زادًا فَقَدْ ... نادى مُناديهِ الرَّحيلَ الرَّحيلْ كَمْ مِنْ عَظيمِ الشَّأْنِ في نَفسِهِ ... أَصْبَحَ مُغتَزًّا وأمسى ذَليلْ يا خاطِبَ الدُّنيا إِلى نَفسهِا ... إِنَّ لَها في كُلِّ يَوْمٍ عَويلْ ما أَقْتَلَ الدُّنْيا لأَزْواجِها ... تَعُدُّهُمْ عَدًّا قَتِيلاً قَتِيلْ اُسْلُ عَنِ الدُّنيا وعَنْ ظِلِّها ... فإنَّ في الْجَنَّةِ ظِلاًّ ظَليلْ

تنكبت جهلي فاستراح ذوو عذلي

وإنَّ في الْجَنَّةِ لَلرَّوْحَ والرَّ ... يْحانَ والرّاحَةَ والسَّلْسَبيلْ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ نالَ الرِّضا ... مِمّا تَمَنّى واسْتَطابَ الْمَقِيلْ وقال أيضًا: تَنَكَّبْتُ جَهْلي فاسْترَاحَ ذَوُو عَذْلي ... وأَحْمَدْتُ غِبّ الْعَذْلِ حينَ انْقَضى جَهْلي وأَصْبَحَ لي في الْمَوْت شُغْلٌ عَنِ الصِّبا ... وفي الْمَوْتِ شُغْلٌ شاغِلٌ لِذَوِي الْعَقْلِ إذا أنا لَمْ أُشغَلْ بِنَفْسي فَنَفْسُ مَنْ ... مِنَ النّاسِ أَرْجو أَنْ يَكونَ بِها شُغْلي وإنْ لَمْ يَكُنْ عَقلٌ يَصونُ أمانَتي ... وعرْضي وَدِيني ما حَييتُ فَما فَضلي أَحِنُّ إلى الدُّنْيا حنِينًا كأَنَّني ... وَلَسْتُ بِها مُسْتَوْفِزًا قَلِقَ الرَّحْلِ وَمَن ذا عَلَيْها لَيْسَ مُسْتَوْحِشًا بِها ... وَمْغْتَربًا فيها وإنْ كانَ ذا أَهْلِ سَأمَضْي وَمَنْ بَعْدي فَغَيْرُ مَخَلَّدٍ ... كَما لمْ يُخَلِّدْ بَعْدُ مَنْ قد مَضى قَبلْي لَعَمْرُكَ ما الدُّنْيا بِدارٍ لأَهْلِها ... ولَوْ عَقَلوا كانُوا جَميعًا عَلى رِجْلِ وما تَبْحَثُ الساعاتُ إلا عَنِ الْبِلى ... ولا تَنْطَوي الأَيّامُ إِلاّ عَلى ثُكْلِ وإِنّا لَفي دَارَ الْفِراقِ وَلَنْ تَرى ... بِها أَحَدًا ما عاشَ مُجْتَمِعَ الشَّمْلِ قال أيضًا: شَرِهْتُ فَلَسْتُ أَرْضى بِالْقَليلِ ... وَما أنْفَكُّ مِنْ حَدَثٍ جَليلِ وَما أنْفَكُّ مِنْ أمَلٍ يُعَنى ... وَما أنْفَكُّ مِنْ قالٍ وَقِيلِ أَلاَ يا عاشِقَ الدُّنْيا الْمُعنَّى ... كأَنَّكَ قَدْ دُعيتَ إلى الرَّحيلِ أَمَا تَنْفَكُّ مِنْ شَهَواتِ نَفْسٍ ... تَجورُ بِهِنِّ عَنْ قَصْدِ السَّبيلِ لَئِنْ عُوفِيتَ مِنْ شَهَواتِ نَفْسٍ ... لَقَدْ عُوفِيتَ مِنْ شَرٍّ طَويلِ وَلِلدُّنْيا دَوائِرُ دائِراتٌ ... لِتَذْهَبَ بِالْعَزيزِ وبالذَّليلِ وَلِلدُّنْيا يَدٌ تَهَبُ الْمَنايا ... وتَسْتَلِبُ الْخَليلَ مِنَ الْخَليلِ ...

امهد لنفسك واذكر ساعة الأجل

وما لَكَ غَيْرُ تَقْوى اللهِ مالٌ ... وغَيْرُ فعالِكَ الْحَسَنِ الْجَميلِ وَقارُ الْحِلْمِ يَقْرَعُ كُلَّ جَهْلٍ ... وعَزْمُ الصَّبْرِ يَنْهَضُ بِالْجَليلِ وقال أيضًا: اِمْهَدْ لِنَفْسِكَ واذْكُرْ ساعَةَ الأَجَلِ ... ولا تُغَرَّنَّ في دُنْياكَ بِالأَمَلِ سَابِقْ حُتُوفَ الرَّدى واعْمَلْ عَلى مَهَلٍ ... ما دُمْتَ في هذِهِ الدُّنْيا عَلى مَهَلِ واعْلَمْ بِأنَّكَ مَسْؤولٌ ومُفْتَحَصٌ ... عَمّا عَمِلْتَ ومَعْروضٌ عَلى الْعَمَلِ لا تَلْعَبَنَّ بِكَ الدُّنْيا وزُخْرُفُها ... فإِنَّها قُرِنَتْ بِالظِّلِّ في الْمَثَلِ لا يحْرُزُ النَّفْسَ إلاّ ذُو مُراقَبَةٍ ... يُمْسي ويُصْبِحُ في الدُّنْيا عَلى وَجَلِ ما أقْرَبَ الْمَوْتَ مِنْ أهْلِ الْحَياةِ وما ... أحْجَى اللَّبيبَ بِحُسْنِ الْقَوْلِ والْعَمَلِ والْمَوْتُ مَدْرَجَةٌ لِلنّاسِ كلِّهِم ... قَسْرًا، إِلَيْهِ بِكُرْهٍ مَجْمَعُ السُّبُلِ ما أَحْسَنَ الدِّينَ والدُّنْيا إذا اجْتَمَعا ... وأقْبَحَ الكْفْرَ والإِفْلاسَ بِالرِّجُلِ وقال رحمه الله: نعَى نَفْسِي إليَّ مِن اللَّيَالِيْ ... تَصَرُّفُهُنَّ حَالاً بَعْدَ حَالِ فَمالي لَسْتُ مشْغولاً بِنَفْسي ... وما لي لا أَخافُ الْمَوْتَ ما لي لَقَدْ أَيْقَنْتُ أني غَيْرُ باقٍ ... ولكنِّي أَراني لا أُبالي أَمَا لي عِبْرَةٌ في ذِكْرِ قَوْمٍ ... تَفانَوْا، رُبَّما خَطَروا بِبالي كأَنَّ مُمَرِّضِي قَدْ قامَ يَمْشي ... بنَعْشي بَيْنَ أرْبَعَةٍ عِجالِ وخَلْفي نُسْوَةٌ يَبْكِينَ شَجْوًا ... كَأنَّ قُلوبَهُنَّ عَلى مَقالِ سَأقْنَعُ ما بَقيتُ بِقوتِ يَوْمٍ ... ولا أبْغي مُكاثَرَةً بِمالٍ تَعالَى اللهُ يا سَلْمَ بْنَ عَمْرٍو ... أَذَلَّ الْحِرْصُ أعْناقَ الرِّجالِ هَبِ الدنيا تُسَاقُ إليْكَ عَفْوَاً ... ألَيْسَ مَصِيْرُ ذَاكَ إلى زَوَالِ فَمَا تَرْجُوْ بِشَيْءٍ لَيْسَ يَبْقَىَ ... وشِيْكًا ما تُغيِّرُهُ اللَّيَالِي

ما لي رأيتك راكبا لهواكا

وقال أيضًا: لا تَنْسَ واذْكُرْ سَبيلَ مَنْ هَلَكا ... ستَسْلُكُ الْمَسْلَكَ الَّذي سَلَكا أَنتَ سَيَخْلُو الْمَكانُ مِنْكَ كما ... أَخلاْهُ مَنْ كانَ فيهِ قَبْلُ لَكا كَأنَّ ذا الْعَينِ في تَطَرُّفِها ... لَعبًا ولَهْوًا قَدْ عايَنَ الْهَلَكا مَنْ لم يَحُزْ ما لَهُ فالْـ ... آفاتُ أوْلى مِنْهُ بِما ملَكا وقال أيضًا: ما لي رَأَيْتُكَ راكِبًا لِهَواكَا ... أَظَنَنْتَ أنَّ اللهَ لَيْسَ يَراكا انْظُرُ لِنَفْسِكَ فالْمَنِيَّةُ حَيْثُ ما ... وجَّهْتَ واقِفَةٌ هُناكَ حِذاكا خُذْ مِنْ حَراكِكَ لِلسُّكونِ بِحَظِّهِ ... مِنْ قَبْلِ أنْ لا تسْتَطِيعَ حَراكا لِلْمَوْتِ داعٍ مُزْعِجٌ وكَأنَّهُ ... قَدْ قامَ بَينَ يَدَيْكَ ثُمَّ دَعاكا وَلِيَوْمِ فَقْرِكَ عُدَّةٌ ضَيّعْتَها ... والْمَرْءُ أفْقَرُ ما يَكونُ هَناكا لَتُجَهَّزَنَّ جِهَازَ مُنْقطِعِ الْقُوى ... ولَتَشْحَطَنَّ عَنِ الْقَريبِ نَواكا ولَيُسْلِمَنَّكَ كُلُّ ذي ثِقَةٍ وإنْ ... ناداكَ باسْمِكَ ساعَةً وبكاكا وإلى مَدًى تَجْري وتِلْكَ هِيَ الَّتي ... لا تُسْتَقالُ إذا بَلَغْتَ مَداكا يا لَيْتَني أَدْري بِأيِّ وَثيقَةٍ ... تَرْجو الْخُلودَ وما خُلِقْتَ لِذاكا يا جاهِلاً بالْمَوْتِ مُرْتَهَنًا بِهِ ... أَحَسِبْتَ أَنَّ لِمَنْ يَموتُ فِكَاكا لا تكذبَنَّ فَلَوْ قَدِ احْتُفِرَ الْحَشا ... بَطَلَ احْتِيالُكَ عِنْدَهُ ورُقاكا حاوَلْتَ رِزْقَكَ دونَ دِينَكَ مُلْحِفًا ... والرِّزْقُ لَوْ لمْ تَبْغِهِ لِبَغاكا وجَعَلْتَ عِرْضَكَ لِلْمَطامِعِ بِذْلَة ... وكَفى بِذلِكَ فِتْنَةً وهَلاكا وأَراكَ تَلْتَمِسُ الْغِنى لِتنالهُ ... وإذا قَنعتَ فَقَدْ بَلَغْتَ غِناكا ولَقَدْ مَضى أبَواكَ عَمّا خَلَّفا ... ولَتَمْضِيَنَّ كما مَضى أَبَواكا لَوْ كُنْتَ مُعْتَبِرًا بِعُظْمِ مُصِيبَةٍ ... لَجَعَلْتَ أُمَّكَ عِبْرَةً وَأَباكا ما زِلْتَ توعَظُ كَيُ تُفيقَ مِنَ الصِّبا ... وَكَأنَما يُعْنى بِذاكَ سِواكا

أيا جامعي الدنيا لمن تجمعونها

قَدْ نِلْتَ مِنْ شَرْخِ الشَّبابِ وَسُكْرِهِ ... وَلَقَدْ رَأَيْتَ الشّيْبَ كَيْفَ نَعاكا لنْ تَستَريحَ مِنَ التَّعَبُّدِ لِلْمُنى ... حَتَّى تُقَطِّعَ بالعْزاءِ مَناكا وبَّخْتَ عَبْدَكَ بالْعَمى فأفَدْتَهُ ... بَصَرًا وأنتَ مُحَسِّنٌ لِعَمَاكا كَفَتِيلَةِ الْمِصْباحِ تُحْرقُ نَفْسَها ... وتُنيرُ واقِدَها وأنتَ كَذاكا ومِنَ السَّعادَةِ أَنْ تَعفَّ عَنِ الْخَنا ... وتُنيلَ خَيْرَكَ أوْ تَكُفَّ أذاكا وقال: أَيَا جامِعِي الدُّنْيا لِمَنْ تَجْمَعُونَها ... وتَبنُونَ فيها الدُّورَ لا تَسْكُنونَها وَكمْ مِنْ مُلوكٍ قَدْ رَأَيْنا تَحَصَّنَتْ ... فَعَطَّلَتِ الأيّامُ مِنْها حُصُونَها وَكَمْ مِنْ ظُنونٍ لِلنُّفوسِ كَثيرَةٍ ... فَكَذَّبَتِ الأَحْداثُ مِنْها ظُنونَها وَإنَّ الْعُيونَ قَدْ تَرى غَيْرَ أَنَّهُ ... كَأنَّ الْقُلوبَ لمْ تصَدِّقْ عُيونَها أَلاَ رُبّ آمالٍ إذا قيلَ قَدْ دَنَتْ ... رَأَيْتَ صُروفَ الدَّهْرِ قَدْ حُلْنَ دُونَها أَيا آمِنَ الأيّامِ مُسْتَأْنِسًا بِهِا ... كَأَنَّكَ قَدْ وَاجَهْتَ مِنْها خَؤٌونَها لَعَمْرُكَ ما تَنْفَكُّ تَهْدي جَنازَةً ... إِلى عَسْكَرِ الأَمْواتٍ حَتّى تَكونَها ذَوِي الودِّ مِنْ أهْلِ الْقُبورِ عَلَيْكمُ ... سَلامٌ أَمَا مِنْ دَعْوَةٍ تَسْمَعُونَها سَكَنْتُمْ ظُهورَ الأَرْضِ حِينًا بِنَضْرَةٍ ... فمَا لَبِثَتْ حَتّى سَكَنْتُمْ بُطونَها وَكُنْتُمْ أُناسًا مِثْلَنا في سَبيلِنا ... تَضِنُّونَ بِالدُّنْيا وَتَسْتَحْسِنُونَها وَما زَالَتِ الدُّنْيا مَحَلّ تَرَحُّل ... تَجُوسُ الْمَنايا سَهْلَها وحُزُونْهَا وَلِلنَّاسِ آجالٌ قِصارٌ سَتَنْقَضي ... وَلِلنَّاسِ أرْزاقٌ سَيَسْتَكْملونَها وقال رحمه الله: بَلِيْتَ ومَا تَبْلَى ثِيَابُ صِبَاكَا ... كَفَاكَ مِنَ اللَّهْوِ المُضِرِّ كَفَاكَا ألَمْ تَرَ أَنَّ الشَّيْبَ قَدْ قامَ ناعِيًا ... مَقامَ الشَّبابِ الْغَضِّ ثُم نَعاكا تَسَمَّعْ وَدَعْ مَنْ أَغْلَقَ الْغَيّ سَمْعَهُ ... كأني بِداعٍ قَدْ أتى فَدَعاكا

الوقت ذو دول والموت ذو علل

ألا لَيْتَ شِعْري كَيْفَ أَنْتَ إذا الْقُوى ... وَهَتْ وَإذا الْكَرْبُِ الشَّديدُ عَلاكا تَمُوتُ كَما ماتَ الَّذينَ نَسِيتَهُمْ ... وَتُنْسى وَتَهْوى الْعِرْسُ بَعْدُ سِواكا تَمَنَّيْتَ حَتَّى نِلْتَ ثُمَّ تَرَكْتَها ... تَنَقَّلُ بَيْنَ الْوارِثينَ مُناكا إذا لَمْ تَكُنْ فِي مَتْجَرِ الْبِرِّ وَالتُّقى ... خسِرْتَ نَجاةً وَاكْتَسَبْتَ هَلاَكا إذا أنْتَ لَمْ تَعْزِمْ عَلى الصَّبْرِ لِلأذى ... رَمَيْتَ الَّذي مِنْهُ الأَذَى وَرَماكا إذا كُنتَ تَبْغي البِرّ فاكْفُف عَن الأذى ... وَما الْبِرُّ إِلاَّ أَنْ تَكُفَّ أَذاكا أَخوكَ الَّذي مِنْ نَفْسِهِ لَكَ مُنْصِفٌ ... إِذا الْمَرْءُ لَمْ يُنْصِفْكَ لَيْسَ أَخاكا وقال: الوَقْتُ ذُو دُوَلٍ والْمَوْتُ ذُو عِلَلٍ ... والْمَرْءُ ذُو أَمَلٍ والنَّاسُ أشْباهُ وَلمْ تَزَل عِبَرٌ فِيهِنَّ مُعْتَبَرٌ ... يَجْري بِها قَدَرٌ واللهُ أَجْراهُ يَبْكي وَيَضْحَكُ ذُو نَفْسٍ مُصَرَّفَةٍ ... واللهُ أَضْحَكَهُ واللهُ أبْكاهُ والْمُبْتَلى فَهُوَ الْمَهُجورُ جانِبُهُ ... والنَّاسُ حَيْثُ يَكونُ الْمالُ والْجاهُ والْخَلْقُ مِنْ خَلْقِ رَبِّي قَدْ يُدَبِّرُهُ ... كُلٌّ فَمُسْتَعْبَدٌ واللهُ مَوْلاهُ طُوبى لِعَبْدٍ لِمَوْلاهُ إِنابَتُهُ ... قَدْ فازَ عَبْدٌ مُنيِبُ الْقَلْبِ أوّاهُ ... يا بائِعَ الدّينِ بِالدُّنْيا وَباطِلِها ... تَرْضى بدينِكَ شَيْئًا لَيْسَ يَسْواهُ حَتّى مَتى أنْتَ في لَهْوٍ وفي لَعِبٍ ... والْمَوْتُ نَحْوَكَ يَهْوي فاغِرًا فاهُ ما كُلُّ ما يَتَمَنّى الْمَرْءُ يُدْرِكُهُ ... رُبّ امْرِئٍ حَتْفُهُ فيما تَمَنَّاهُ إِنَّ الْمُنى لَغُرورٌ ضلَّةً وَهَوًى ... لَعَلَّ حَتْفَ امْرِئٍ في الشَّيْءِ يَهْواهُ تغْتَرُّ لِلْجَهْلِ بِالدُّنْيا وَزُخْرُفِها ... إنَّ الشَّقِيَّ لَمَنْ غَرَّتْهُ دُنْياهُ كَأنَّ حَيًّا وَقَدْ طالَتْ سَلامَتُهُ ... قَدْ صارَ في سَكَرات الْمَوْت تَغْشاهُ

اكره لغيرك ما لنفسك تكره

والنَّاسُ في رَقْدَةٍ عَما يُرادُ بِهِمْ ... وَلِلْحَوادِثِ تَحْريكٌ وَإِنْباهُ أنْصِفْ هُدِيتَ إذا ما كُنْتَ مُنْتَصَفِاً ... لا تَرْضَ لِلنَّاسِ شَيْئًا لَسْتَ تَرْضاهُ يا رُبّ يَوْمٍ أتَتْ بُشْراهُ مُقْبِلَةً ... ثُمَّ استَحالَتْ بِصَوْتِ النَّعْيِ بُشراهُ لا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْروفِ أصْغَرَهُ ... أحْسِنْ فَعاقِبَةُ الإِحْسانِ حُسْناهُ وَكُلُّ أمْرٍ لَهُ لا بُدَّ عاقِبَةٌ ... وَخَيْرُ أمْرِكَ ما أحْمَدْتَ عُقْباهُ تَلْهو وَلِلْمَوْتِ مُمْسانا وَمُصْبَحُنا ... مَنْ لَمْ يُصبِّحْهُ وَجْهُ الْمَوْت مَسَّاهُ كمْ مِنْ فَتىً قَدْ دَنَتْ لِلْمَوْتِ رِحْلَتُهُ ... وَخَيْرُ زادِ الْفَتى لِلْمَوْتِ تَقْواهُ ما أقْرَبَ الْمَوْتَ في الدُّنْيا وأفْظَعَهُ ... وما أَمَرَّ جَنى الدُّنْيا وأَحْلاهُ كمْ نافَسَ الْمَرْءُ في شَيْءٍ وَكايَدَ فِيـ ... ـهِ النَّاسَ ثُمَّ مَضى عَنْهُ وَخَلاَّهُ بَيْنا الشَّفيقُ عَلى إِلْفٍ يُسَرُّ بِهِ ... إِذْ صَارَ أَغْمَضَهُ يَوْمًا وَسجَّاهُ يَبْكِي عَلَيْهِ قَليِلاً ثُمَّ يُخْرجُهُ ... فَيُمْكنُ الأَرْضَ مِنْهُ ثُمَّ يَنْساهُ وَكُلُّ ذِي أَجلٍ يَوْمًا سَيبَلُغُهُ ... وَكُلُّ ذِي عَمَلٍ يَوْمًا سَيَلْقَاهُ * * * وقال: اكْرَهْ لِغَيْرك مَا لِنَفْسِكَ تَكَرْهُ ... وافْعَلْ بِنَفْسِكَ فِعْلَ مَنْ يَتَنَزَّهُ وَادْفَعْ بِصَمْتِكَ عَنْكَ خَاطِرةَ الخَنَا ... حَذَرَ الجَوَابِ فإنَّهُ بِكَ أَشْبَهُ وَكِلِ السَّفيهَ إِلى السَّفاهَةِ وانْتَصِفْ ... بِالْحَلْمِ أوْ بِالصَّمْتِ مَمَّنْ يَسْفَهُ وَدَعِ الْفُكاهَةَ بِالْمِزاحِ فإنَّهُ ... يَرْدَى وَيَسْخُفُ مَنْ بِهِ يَتَفَكَّهُ والصَّمْتُ لِلْمَرْءِ الْحَليمِ وقايَةٌ ... يَنْفي بِها عَنْ عِرْضِهِ ما يكْرَهُ لا تَنْسَ حِلْمَكَ حينَ يَقْرَعُكَ الأَذى ... مِنْ كُلِّ مَنْ يَجْني عَلَيْكَ ويجْبَهُ فَلَرُبَّمَا صَبَرَ الْحَليمُ عَلى الأَذَى ... حَتَّى يُرى وَكَأنَّهُ يَتَدَلَّهُ ...

تصبر عن الدنيا ودع كل تائه

ولَرُبَّما حَجَبَ الْحَليمُ جَوابَهُ ... بِالصَّمْتِ مِنْهُ وإِنَّه لَمُفَوَّهُ وَلَرُبَّما جَمَحَ السفاهُ بِذي الْحِجى ... حَتَّى يُذَلِّلَهُ الدَّنِيءُ الأَسْفَهُ وَلَرُبَّما نَسَي الْوَقُورُ وَقارَهُ ... حَتَّى تَراهُ جاهِلاً يًَتَدَهْدَهُ وَلَرُبَّما نَهْنَهْتَ عَنْكَ ذَوِي الْخَنا ... بِالصَّمْتِ إلاَّ أحْجَموا وتَنَهْنَهوا إِنَّ الْحَليم عَنِ الأَذَى مُتَحَجِّبٌ ... وَعَنِ الْخَنا مُتَوَفِّرٌ مُتَنَزِّهُ والْبَغْيُ يَصْرَعُ أَهْلَهُ وَيُرِيكَهُمْ ... وَجَميعُهُمْ مِنْ صَرْعِهِ يَتَأَوَّهُ ولَقَدْ أَراكَ تَعِبْتَ في طَلَبِ الْغِنى ... شَرِهَاً وَلَيْسَ يَنالُهُ مَنْ يَشْرَهُ وأَرَاكَ في الدُّنْيَا وأنْتَ مُنَازِعٌ ... وَمُنَافِسٌ وَمُمَازِحٌ وَمُقَهْقِهُ قُلْ لِلَّذِينَ تَشَبَّهوا بَذِوي التُّقى ... لا يَلْعَبَنَّ بِنَفْسِهِ مُتَشَبِّهُ هَيْهاتَ لا يَخْفى التُّقى مِنْ ذِي التُّقى ... هَيْهاتَ لا يَخْفى امْرُؤٌ مُتَأَلِّهُ إنَّ الْقُلوب إذا طَوَتْ أَسْرارَها ... أبْدَتْ لَكَ الأَسْرارَ مِنْها الأَوْجُهُ وقال أيضًا: تَصَّبرْ عَنِ الدُّنْيا وَدَعَْ كُلَّ تائِه ... مُطيعِ هَوًى يَهْوِي بِهِ في الْمَهامِهِ دَعِ النَّاسَ وَالدُّنْيا فَبَيْنَ مُكالِبٍ ... عَلَيْها بِأَنْيابٍ وَبَيْنَ مُشافِهِ وَمَنْ لَمْ يُحاسِبْ نَفْسَهُ في أُمورِهِ ... يَقَعْ في عَظيمٍ مُشْكِلٍ مُتَشابِهِ وَما فازَ أهلُ الْفَضْلِ إلاَّ بِصَبْرِهِمْ ... عَنِ الشَّهَواتِ واحْتِمالِ الْمَكارِهِ وقال رحمه الله تعالى: كَأنْ قَدْ عَجلَ الأَقْوامُ غَسْلَكْ ... وقامَ النّاسُ يَبْتَدِرُونَ حَمْلَكْ ونُجِّدَ بِالثَّرى لَكَ بَيْتُ هَجْرٍ ... وأَسْرَعَتِ الأَكُفُّ إلََيْهِ نَقْلَكْ

كأن يقيننا بالموت شك

وَأَسْلَمَكَ ابْنُ عَمِّكَ فيهِ فَرْدًا ... وأَرْسَلَ مِنْ يَدَيْهِ أخوكَ حَبْلَكْ وَحاوَلَتِ الْقُلوبُ سِواكَ ذِكْرًا ... أَنِسْنَ بِوَصْلِهِ ونَسِينَ وصْلَكْ وصارَ الْوارِثونَ وأنْتَ صِفْرٌ ... مِنَ الدُّنْيا لِمالِكَ مِنْكَ أَمْلَكْ إذا لمْ تَتَّخِذْ لِلْمَوْتِ زادًا ... ولَمْ تَجْعَلْ بِذِكْرِ الْمَوْت شُغْلَكْ فَقَدْ ضَيَّعْتَ حَظَّكَ يَوْمَ تُدْعى ... وأَصْلَكَ حينَ تَنْسُبُهُ وفَصْلَكْ أَراكَ تَغُرُّكَ الشَّهَواتُ قِدْمًا ... وكم قد غرت الشهوات مثلك أمَا وَلَتَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَنايا ... كما ذهبت بمن كان قبلك بخلت بما ملكت فقف رويدا ... كأنك قد وهبت فلم يجز لك ... كأنك عن قريب بالمنايا ... وقَدْ شَّتْنَ بَعْدَ الْجَمْعِ شَمْلَكْ أَلا للهِ أنْتَ مَحَلّ عِلْمٍ ... رَأَيْتَ الْعِلْمَ لَيْسَ يَكُفُّ جَهْلَكْ أَلاَ للهِ أَنْتَ حَسَبْتَ فعِلي ... عَلَيَّ فَعِبْتَهُ وَنَسِيتَ فِعْلَكْ أَلاَ للهِ أنْتَ دَعِ التَّمَنّي ... ولا تَأْمَنْ عَواقِبَهُ فَتَهْلَكْ وَخُذْ في عَذْلِ نَفْسِكَ كُلَّ يَوْمٍ ... لَعَلَّ النَّفْسَ تَقْبَلُ مِنْكَ عَذْلَكْ أَلَمْ تَرَ جِدَّةَ الأَيَّامِ تَبْلى ... وَأَنَّ الْحادِثاتِ يُردْن قَتْلَكْ ألا فاخُرُجْ مِنَ الدُّنْيا مُخِفٍّا ... وَقَدِّمْ عَنْكَ بَيْنَ يَدَيْكَ ثِقْلَكْ رَأَيْتُ الْمَوْتَ مَسْلَكَ كُلِّ حَيٍّ ... وَلَمْ أرَ دونَهُ لِلْحَيِّ مَسْلَكْ وقال أيضًا: كَأنَّ يَقينَنا بِالْمَوْتِ شَكُّ ... وما عَقْلٌ عَلى الشَّهَواتِ يَزْكُو تَرى الشَّهواتِ غالِبَةً عَلَيْنا ... وَعِنْدَ الْمُتقينَ لَهُنَّ تَرْكُ لَهَوْنا وَالْحَوادِثُ واثباتٌ ... لَهُنَّ بِمَنْ قَصَدْنَ إلَيْهِ فَتْكُ وَفي الأَجْداثِ مِنْ أهْلِ الْمَلاهي ... رَهائِنُ ما تَفوتُ ولا تُفَكُّ

ألم تري يا دنيا تصرف حالك

وَلِلدُّنْيا عِداتٌ بِالتَّمَنّي ... وَكُلُّ عِداتِها كَذِبٌ وَإفْكُ وَما مُلْكٌ لِذي مُلْكٍ بِباقٍ ... وَهَلْ يَبْقى عَلى الْحَدَثانِ مُلْكُ أَلاَ إنَّ الْعبادَ غَدًا رَميمٌ ... وَإنَّ الأَرْضَ بَعْدَهُمُ تُدَكُّ وقال أيضًا: أَلَمْ تري يا دُنْيا تَصَرُّفَ حالِكِ ... وَغَدْرَكِ يا دُنْيا بِنا وانْتِقالكِ فَلَسْتِ بِدارٍ يَسْتَتِمُ بِك الرِّضَا ... وَلَوْ كُنْتِ في كَفِّ امْرِئٍ بِكَمالِكِ حَرامُكِ يا دُنْيا يَعودُ إلى الضَّنا ... وذو اللُّبِّ فينا مُشْفِقٌ مِنْ حَلالِكِ أَلِيْفُكِ يا دُنْيَا كَثيرٌ غُمومُهُ ... فَلَيْسَ النَّجاةُ مِنْكِ غَيرَ اعتزالِكِ أَيا نَفْسُ لا تَسْتَوِطِني دارَ قُلْعَةٍ ... ولكنْ خُذي في الزّادِ قَبلَ ارِتِحالِكِ أَيا نَفْسُ لا تَنْسَيْ كِتابَكِ واذْكُري ... لَكِ الْوَيلُ إِنْ أُعطيتِهِ بِشمِالِكِ أَيا نَفْسُ إِنَّ الْيَوْمَ يَوْم تَفَرُّغ ... فَدونَكِهِ مِنْ قَبْلِ يَوْمِ اشْتِغَالِكِ ومَسؤولَةٌ يا نَفْسُ أنْتِ فَيَسري ... جَوابًا لِيَوْمِ الْحَشْرِ قَبْلَ سُؤالِكِ ومِسْكِيْنَةٌ يا نَفْسُ أنْتِ فَقيرَةٌ ... إِلى خَيْرِ ما قَدَّمْتِهِ مِنْ فِعالِكِ هُوَ الْمَوْتُ فاحْتاطِي لَهُ وأبْشِري إذا ... نَجَوْتِ كَفافًا لا عَلَيْكِ ولا لِكِ ... وقال أيضًا: أُحِبُّ مِنَ الإِخوْانِ كُلّ مُؤاتِ ... وَفِيٍّ يَغُضُّ الطَّرْفَ عَنْ عَثَراتي يُوافِقُني في كُلِّ خَيْرٍ أُريدُهُ ... وَيَحْفَظُني حَيًّا وبَعْدَ وَفاتي ومَنْ لي بِهذا لَيْتَ أنّي أَصَبْتُهُ ... فَقاسَمْتُهُ ما لي مِنَ الْحَسَناتِ تَصَفَّحْتُ إخواني فَكانَ أَقَلُّهُمْ ... عَلى كَثْرَةِ الإِخْوانِ أهْلَ ثِقاتِ وقال أيضًا: أَشْرِبْ فُؤادَكَ بِغْضَةَ اللَّذاتِ ... واذْكُرْ حُلولَ مَنازِلِ الأَمْواتِ

كأنك في أهيلك قد أتيتا

لا تُلْهِيَنَّكَ عَنْ مَعادِكَ لَذَّةٌ ... تَفْنى وَتورِثُ دائِمَ الْحَسَراتِ إنَّ السَّعيدَ غَدًا زَهيدٌ قانِعٌ ... عَبَدَ الإِلهَ بِأَحْسَنِ الإِخباتِ أَقِمِ الصَّلاةَ لِوَقْتِها بِطهورِها ... وَمِنَ الضَّلالِ تَفاوُتُ الْمِيقاتِ وَإذا اتَّسَعْتَ بِرِزْقِ رَبِّكِ فَاجْعَلَنْ ... مِنْهُ الأَجَلَّ لأَوْجُهِ الصَّدَقاتِ في الأَقْرَبينَ وفي الأَباعِدِ تارَةً ... إِنَّ الزَّكاةَ قَرينَةُ الصَّلَواتِ وَارْعَ الْجِوارَ لأَهْلِهِ مُتَبَرِّعًا ... بِقَضاءِ ما طَلَبوا مِنَ الْحاجاتِ وَاخْفِضْ جَناحَكَ إِنْ رُزِقْتَ تَسَلُّطًا ... وَارْغَبْ بِنَفْسِكَ عَنْ هَنٍ وَهَناتِ وقال أيضًا: كَأنَّك في أُهَيْلِكَ قَدْ أُتيتا ... وفي الْجيرانِ وَيْحَكَ قَدْ نُعيتا كَأنَّكَ كُنْتَ بَيْنَهُمُ غَريبًا ... بِكَأسِ المَوْتِ صِرْفًا قَدْ سُقيتا وأَصْبَحَتِ المَساكِنُ مِنْكَ قَفْرًا ... كَأنَّكَ لمْ تَكُنْ فيها غَنيتا كَأنَّكَ والْحُتوفُ لهَا سِهامٌ ... مُفَوَّقَةٌ بِسَهْمِكَ قَدْ رُميتا وَإنَّكَ إِذْ خُلِقْتَ خُلِقْتَ فَرْدًا ... إلى أَجَلٍ تُجيبُ إذا دُعيتا إِلى أَجَلٍ تُعَدُّ لَكَ اللَّيالي ... إذا وَفَّيْتَ عِدَّتَها فَنيتا وكُلُّ فَتًى تُغافِصُهُ الْمَنايا ... ويُبْليهِ الزَّمانُ كَما بَليتا فَكَمْ مِنْ مُوجعٍ يَبْكيكَ شَجْوًا ... ومَسْرورِ الْفؤادِ بِما لَقيتا وقال أيضًا: مِسْكينُ مَنْ غَرَّتِ الدُّنيا بِآمالِهْ ... كَمْ قَدْ تَلاعَبَتِ الدُّنيا بِأَمثالِهْ يَنْسى الْمُلِحُّ على الدُّنيا مِنَيَّتَهُ ... بِطُولِ إدْباره فيها وإقْبالِهْ

أما والله إن الظلم لؤم

يا بُؤْسَ لِلْجاهِلِ الْمَغْرورِ كَيْفَ أبى ... أنْ يُخْطِرَ الْمَوْتَ في الدُّنْيا عَلى بالِهْ الْمَرْءُ يُنْقِذُهُ ما كانَ قَدَّمَ في الدُّ ... نْيا مِن احْسانِهِ فيها وإِجْمالِهْ يا مَنْ يَموتُ غَدًا ماذا اعْتَدَدْتَ لِكَرْ ... بِ الْمَوْتِ عِنْدَ غَواشِيهِ وأَهْوالِهْ يموتُ ذو الْبِرِّ والتَّقْوى فَتَغْبِطُهُ ... ولا تُنافِسُهُ في بَعْضِ أَعْمالِهْ استَغْنِ بِاللهِ عَمَّنْ كُنْتَ تَسْأَلُهُ ... فَاللهُ أفْضَلُ مَسْؤولٍ لِسُؤالِهْ وقال أيضًا: ما حالُ مَنْ سَكَن الثَّرَى ما حالُهُ ... أمْسى وَقَدْ قُطِعَتْ هُناكَ حِبالُهُ أَمْسى وَلا رَوْحُ الْحَياةِ تُصِيبُهُ ... يَوْمًا وَلا لُطْفُ الْحَبيبِ يَنالُهُ أمسى وحيدا موحشا متفردا ... متشتتا بعد الحميع عياله أَمْسى وَقَدْ دَرَسَتْ مَحاسنُ وَجْهِهِ ... وَتَفَرَّقَتْ في قَبْرِهِ أَوْصَالُهُ وقال: أَمَا وَاللهِ إنَّ الظُلْمَ لُؤمٌ ... ومَا زَالَ المُسِيءُ هُوَ الظلومُ إلى دَيَّانِ يَوْمَ الدِّيْنِ نَمْضِيْ ... وعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الخُصُوْمُ لأَمْرٍ ما تَصَرَّمَتِ اللَّيَالِي ... وَأَمْرٍ مَا تُوُلِّيَتِ النُجُوْمٌ سَتَعْلَمُ في الحِسابِ إِذا الْتَقَيَنْا ... غَدًا عِنْدَ الإِلهِ مَنِ الْمَلُومُ سَيَنْقَطِعُ التَّرَوُّحُ عَنْ أُناسٍ ... مِنَ الدُّنْيا وَتَنْقَطِعُ الْغِّمومُ تَلُومُ عَلى السّفاهِ وأنْتَ فيهِ ... أَجَلُّ سَفاهَةً مِمَّنْ تَلومُ وتلتمس الصلاح بغير حلم ... وإن الصالحين لهم حلوم تَنامُ ولَمْ تَنَمْ عَنْكَ الْمَنايا ... تَنَبَّهْ لِلْمَنِيَّةِ يا نَؤوُمُ تَموتُ غَدًا وأنْتَ قَريرُ عَيْنٍ ... مِنَ الْغَفَلاتِ في لُجَجٍ تَعومُ لَهَوْتَ عَنِ الْفَناءِ وأنْتَ تَفْنَى ... وما حَيٌّ عَلى الدُّنْيا يَدُوْمُ

لقد طال يا دنيا إليك ركوني

تَرُوْمُ الْخُلْدَ في دَارِ الْمَنايا ... وكَمْ قَدْ رَامَ غَيْرُكَ ما تَرُومُ سَلِ الأَيّامَ عَنْ أُمَمٍ تَقَضَّتْ ... سَتُخْبِرُكَ الْمَعالِمُ والرُّسومُ وما تَنْفَكُّ مِنْ زَمَنٍ عَقُوُرْ ... بِقَلْبِكَ مِنْ مَخالِبِهِ كُلُومُ إذا ما قُلْتَ قَدْ زَجَّيْتُ غَمًّا ... فَمَرَّ تَشَعَّبَتْ مِنْهُ غُمُومُ وقال: لَقَدْ طَالَ يا دُنْيَا إليْكِ رُكُونِي ... ودَامَ لُزُوْمِي ضَلَّتِي وَفُتُوني وطالَ إِخائي فيكِ قَوْمًا أَراهُمُ ... وكُلُّهُمُ مُسْتَأْثِرٌ بِكِ دوني وكُلُّهُمُ عَنِّي قَلِيلٌ غنَاؤُهُ ... إذا غَلِقَتْ في الهالِكينَ رُهوني فَيارَبِّ إِنَّ النّاسَ لا يُنْصِفُونَني ... وكَيْفَ ولَوْ أَنْصَفْتُهُمْ ظَلَموني وإِنْ كانَ لي شَيْءٌ تَصَدَّوْا لأَخْذِهِ ... وإِنْ جِئْتُ أَبْغي شَيْئَهُمْ مَنَعوني وإِنْ نالَهُمْ رِفْدي فَلا شُكْرَ عِنْدَهُمْ ... وإِنْ أَنَا لَمْ أَبْذُلْ لَهُمْ شَتَموني وإِنْ وَجدوا عِنْدي رَخاءً تَقَرَّبوا ... وإِنْ نَزَلَتْ بي شِدَّةٌ خَذَلوني وإِنْ طَرَقَتْني نَكْبَةٌ فَكهوا بِها ... وإِنْ صَحِبَتْني نِعْمَةٌ حَسَدوني سَأمْنَعُ قَلْبي أَنْ يَحِنَّ إِلَيْهِمُ ... وأَحجُبُ عَنْهُمْ ناظِري وجُفَوني وأَقْطَعُ أيامي بِيَوْمِ سُهولَةٍ ... أُزَجِّي بِهِ عُمْري ويَوْم حُزُونٍ أَلا إِنَّ أصْفى الْعَيْشِ ما طَابَ غِبُّهُ ... وما نِلْتُهُ في عِفَّةٍ وسُكونِ وقال أيضًا: مَنْ يَعِشْ يَكْبَرْ وَمَنْ يَكْبَرْ يَمُتْ ... وَالمْنَايا لا تُلالي ما أَتَتْ كَمْ وَكَمْ قد دَرَجَتْ مِنْ قَبْلِنا ... مِنْ قُرونٍ، وقُرونٍ قَدْ مَضَتْ أَيُّها الْمَغْرورُ ما هذا الصِّبا ... لَوْ نَهَيْتَ النَّفْسَ عَنْهُ لانْتَهَتْ أنَسيتَ الْمَوْتَ جَهْلاً والْبِلى ... فَسَلَتْ نَفْسُكَ عَنْهُ ولَهَتْ

الحمد لله اللطيف بنا

نَحْنُ في دارِ بَلاءٍ وأذًى ... وشَقاءٍ وعَناءٍ وعَنَتْ مَنْزِلٌ ما يَثْبُتُ الْمَرْءُ بِهِ ... سالِمًا إِلاّ قَليلاً إنْ ثَبَتْ بَيْنَما الإِنْسانُ في الدُّنْيا لَهُ ... حَرَكاتٌ مُسْرِعاتٌ إذْ خَفَتْ أَبَتِِ الدُّنْيا على سكانها ... في البلى والنقص إلا ما أتت إنما الدنيا متاع بلغة ... كَيْفَما زَجَّيْتَ في الدُّنْيا زَجَتْ رَحِمَ اللهُ امْرَءًا أنَصَفَ مِنْ ... نَفْسِهِ إذْ قالَ خَيْرًا أوْ صَمَتْ وقال أيضًا: الْحَمْدُ للهِ اللَّطيفِ بِنا ... سَتَرَ الْقَبِيحَ وَأظْهَرَ الْحَسَنا ما تَنْقَضِي عَنَّا لَهُ مِنَنٌ ... حَتّى يُجَدِّدَ ضِعْفَها مِنَنا فَلَوِ اهْتَمَمْتُ بِشُكْرِ ذاكَ لَما ... أصْبَحْتُ بِالَّلذَّاتِ مُفْتَتَنا أَوْطَنْتُ دارًا لا بَقاءَ لهَا ... تَعِدُ الْغُرُورَ وَتُنْبِتُ الدَّرَنا ما يَسْتَبِينُ سُرورُ صاحِبِها ... حَتّى يَعودَ سُرورُهُ حَزَنا عَجَبًا لهَا لا بَلْ لِمُوطِنِها الْـ ... ـمَغْرورِ كَيْفَ يَعُدُّها وَطَنا بَيْنا الْمُقِيمُ بِها عَلى ثِقَةٍ ... في أهْلِهِ إِذْ قيلَ قَدْ ظَعَنا وقال: رُوَيْدَكَ لا تَسْتَبْطِ ما هُوْ كائِنٌ ... أَلاَ كُلُّ مَقْدُورٍ فَسَوْفَ يَكونُ سَتَذْهَبُ أَيَّامٌ سَتَخْلُقُ جِدَّةٌ ... سَتَمْضي قُرونٌ بَعْدَهُنَّ قُرونُ سَتَدْرُسُ آثارٌ وَتَعْقبُ حَسْرَةٌ ... سَتَخَلُو قُصورٌ شُيِّدَتْ وَحُصونُ

ألحت مقيمات علينا ملحات

وقال أيضًا: أَلَحَّتْ مُقِيْمَاتٌ عَلَينا مُلِحّاتُ ... لَبالٍ وأيّامٌ بِنَا مُسْتَحَثّاتُ نَحِنُّ مِنَ الدُّنْيا إلى كُلِّ لَذَّةٍ ... ولكِنَّ آفاتِ الزَّمانِ كَثيرَاتُ وكَمْ مِنْ ملوك شيدوا وتحصنوا ... فما سبقوا الأيام شيئا ولا فاتوا ولكِنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ غَبْطَتِهِمْ ماتُوا ولكِنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ غَبْطَتِهِمْ ماتُوا وكم من أُناس قَدْ رَأيْنا بغِبْطَةٍ ... ولكنهم من بعد غبطتهم ماتوا لَقَدْ أغْفَلَ الأَحْياءُ حَتّى كَأَنَّهُمْ ... بِما أغْفَلوا مِنْ طاعَةِ اللهِ أمواتُ أَلاَ رُبَّما غَرَّ ابْنَ آدَمََ أنَّهُ ... لَهُ مُدَّةٌ تَخْفى عَلَيْهِ ومِيقاتُ وَكُلُّ بَني الدُّنْيا يُعَلِّلُ نَفْسَهُ ... بِمَرِّ شُهْورٍ وهيَ لِلْعُمْرِ آفاتُ أخِي إنَّ أمْلاكًا تَوَافَوْا إلى الْبِلى ... وكَانَتْ لَهُمْ في مُدَّةِ الْعَيْشِ آياتُ ألَمْ تَرَ إِذْ رُصَّتْ عَلَيْهِمْ جَنادِلٌ ... لَهُمْ تَحْتَها لُبْثٌ طَوِيْلٌ مُقِيْمَاتُ دَعِ الشَّرّ وابْغِ الْخَيْرَ في مُسْتَقَرّهِ ... فَلِلْخَيْرِ عَادَاتٌ ولِلشَّرِّ عَادَاتُ وما لَكَ منِنْ دُنْياكَ مَالٌ تَعُدُّهُ ... على غيْرِ ما تُعْطِيه مِنْها وتَقْتاتُ الأرجُوزة ذات الأمثال لأبي العتاهية الحمدُ للهِ عَلَى تَقْدِيْرِهِ ... وحُسْنِ ما صَرَّفَ مِنْ أُمُوْرِهِ الْحَمْدُ للهِ بِحُسْنِ صُنْعِهِ ... شُكْرًا عَلى إعْطائِهِ ومَنْعِهِ يخيرُ لِلْعَبْدِ وإنْ لَمْ يَشْكُرُهْ ... وَيَسْتُرُ الْجَهْلَ عَلى مِنْ يُظْهِرُهْ خَوَّفَ مَنْ يَجْهَلُ مِنْ عِقابِهِ ... وأَطْمْعَ الْعامِلَ في ثَوابِهِ وَأَنْجَدَ الْحُجِّةَ بالإِرْسالِ ... إلَيْهِمُ في الأَزْمُنِ الْخَوالي نَسْتَعْصِمُ اللهَ فَخَيْرُ عاصِم ... قَدْ يُسْعِدُ الَمَظْلومَ ظُلْمُ الظّالِمِ فَضَّلَنا بِالْعَقْلِ وَالتَّدْبِيرِ ... وَعِلْمِ ما يَأْتي مِن الأُمورِ

يا خَيْرَ مَنْ يُدْعى لدى الشَّدائِدِ ... ومَنْ لَهُ الشُّكْرُ مَعَ الْمَحامِدِ أنْتَ إِلهي وبِكَ التَّوْفيقُ ... والْوَعْدُ يُبْدِي نورَهُ التَّحْقِيقُ ... حَسْبُكَ مِمَّا تَبتغيهِ الْقُوتُ ... ما أكثر القوت لمن يموت إن كان لا يغنيك ما يكفيك ... فَكُلُّ ما في الأَرْضِ لا يُغْنيكا الفقر فيما جاوز الكفاف ... مَنْ عَرَفَ اللهَ رَجا وَخافَا إِنَّ الْقَلِيلَ بالْقَلِيلِ يَكْثُرُ ... إِنَّ الصَّفاءَ بالْقَذى ليَكْدُرُ يا رُبَّ مَنْ أَسْخَطَنا بِجَهْدِهِ ... فَنَسْأل الله دَوَامَ حَمْدِهِ ومَنْ لَمْ يَصِلْ فَارْضَ إِذا جَفاكَا ... لا تَقْطَعَنَّ لِلْهَوى أَخَاكَا اللهُ حَسِبْي في جَميعِ أَمْرِيْ ... بِهِ غَنائِي وإِلَيْهِ فَقْرِي لَنْ تُصْلِحَ الناسَ وأَنْتَ فاسِدُ ... هَيْهاتَ ما أَبْعَدَ ما تُكابِدُ التَّرْكُ لِلدُّنْيا النَّجاةُ مِنْها ... لَمْ تَرَ أَنْهى لَكَ مِنْها عَنْها لِكُلِّ ما يُؤْذِي وإِنْ قَلَّ أَلَمْ ... ما أَطْوَلَ اللَّيْلَ عَلى مَنْ لَمْ يَنَمْ مَنْ لاحَ في عارِضِهِ القتيرُ ... فَقَدْ أَتاهُ بالْبِلى النذَّيرُ مَنْ جَعَلَ النَّمّامَ عَيْنًا هَلَكَا ... مُبْلِغُكَ الشَّرَ كَباغِيهِ لَكَا يُغْنِيكَ عَنْ قَوْلِ قَبيحٍ تَرْكُهُ ... قَدْ يُوهِنُ الرَّأْيَ الأَصيلَ شَكُّهُ لِكُلِّ قَلْبٍ أَمَلٌ يُقَلِّبُهْ ... يَصْدُقُهُ طَوْرًا وَطَوْرًا يكْذِبُهُ الْمَكْرُ والْخِبُّ أَداةُ الْغادِرِ ... والْكَذب الْمَحْضُ سِلاحُ الْفاجِرِ لَمْ يَصْفُ لِلْمَرْءِ صَديقٌ يَمذُقُهْ ... لَيْسَ صَديقُ الْمَرْءِ مَنْ لا يَصْدُقُهْ مَعْروف مَنْ مَنَّ بِهِ خَدَاجُ ... ما طابَ عَذْبٌ شَابَه عَجَاجُ ما عَيْشُ مَنْ آفَتُه بقَاؤُهُ ... نَغَّصَ عَيْشًا طَيِّبا فَنَاؤُهُ إِنَّأ لَنَفْنى نَفَسًا وطَرْفَا ... لَمْ يَتْرُكِ الْمَوْتُ لإلْفِ إِلْفَا

وَلِلْكَلامِ باطِنٌ وَظاهِرُ ... في سَاعَةِ الْعَدْلٍ يَمُوتُ الْفاجِرُ عَلِمْتَ يا مُجاشِعُ بنُ مَسْعَدَهْ ... أنّ الشَّبابَ والْفَراغَ والْجِدَهْ مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَهْ يا لِلشَّبابِ الْمَرِحِ التَّصابي ... رَوائِحُ الْجَنَّةِ في الشَّبابِ لَيْسَ عَلى ذِي النُّصْحِ إِلا الْجَهْدُ ... الَشَّيْبُ زَرْعٌ حَانَ مِنْهُ الْحَصْدُ الْغَدْرُ نَحْسٌ والْوَفاءُ سَعْدُ هِيَ الْمَقاديرُ فَلُمنِي أَوْ فَذَرْ ... تَجْري الْمَقاديرُ عَلى غَرْزِ الإِبَرْ إِنْ كُنْتُ أَخْطَأْتُ فَما أَخْطَا الْقَدَرْ ... إنَّ الْفَسادَ بَعْدَهُ الصَّلاحُ ... يا رُبَّ جِدٍّ جَرّهُ الْمزِاحُ ما تَطْلُعُ الشَّمْسُ وَلا تَغِيبُ ... إلاَّ لأَمْرٍ شَأْنُهُ عَجِيْبُ لِكُلِّ شَيْءٍ مَعْدِنٌ وَجَوْهَرُ ... وأَوْسَطٌ وأَصْغَرٌ وأَكْبَرُ وكُلُّ شَيْءٍ لاحِقٌ بِجَوْهَرِهْ ... أَصْغَرُهُ مُتَّصِلٌ بأَكْبَرِه مَنْ لَكَ بالْمَحْضِ وَكُلٌّ مُمْتَزِجْ ... وَسَاوِسٌ في الصَّدْرِ مِنْكَ تَعْتَلِجْ مَنْ لَكِ بالْمَحْضِ وَلَيْسَ مَحْضُ ... يَخْبُثُ بَعْضٌ وَيَطِيْبُ بَعْضُ لِكُلِّ إِنْسانٍ طَبيعَتانِ ... خَيْرٌ وَشَرٌّ وَهُمَا ضِدّانِ إنَّكَ لَوْ تَسْتَنْشِقُ الشَّحِيْحَا ... وَجَدْتَهُ أَخْبَثَ شَيْءٍ رِيْحَا عَجِبْتُ لَمّا ضَبَّني السُّكَّوتُ ... حَتَّى كَأَنِّي حائِرٌ مَبْهُوتُ كَذا قَضى اللهُ فَكَيْفَ أَصْنَعُ ... والصَّمْتُ إنْ ضَاقَ الْكَلامُ أَوْسَعُ نَعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ ... ما أَوْلَعَ الشَّيْطانَ بالإِنْسانِ خَيْرُ الأُمورِ خَيْرُها عَواقِبا ... مَنْ يُرِدِ اللهُ يَجِدْ مَذاهِبا الْجُودُ مِمَّا يُثْبِتُ الْمَحَبَّهْ ... وَالْبُخْلُ مِمَّا يُثْبِتُ الْمَسَبَّهْ لِكُلِّ شَيْءٍ أَجَلٌ مَكْتُوبُ ... وطَالِبُ الرِّزْقِ بِهِ مَطْلُوبُ

لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبٌ وعاقِبَهْ ... وكُلُّها آتِيَةٌ وَذاهِبَهْ يا عَجَبًا مِمَّنْ يُحِبُّ الدُّنْيا ... وَلَيْسَ لِلدُّنْيا عَلَيْهِ بُقْيَا الصِّدْقُ والْبِرُّ هُمَا الْوِقَاءُ ... يَوْمَ تَقومُ الأَرْضُ والسَّماءُ وكُلُّ قَرْنٍ فَلَهُ زَمانُ ... ولَمْ يَدُمْ مُلْكٌ ولا سُلْطانُ ما أَسْرَعَ الْمَوْتَ وإنْ طَالَ الْعُمُرْ ... ورُبَّما كانَ قَليلاً فَكَثُرْ مَسَرَّةُ الدُّنْيا إِلى تَنْغِيْصِ ... ورُبَّما أَكْدَتْ يَدُ الْحَرِيْصِ ما هِيَ إلاَّ دُوَل بَعْدَ دُوَلْ ... تَجْرِي بِأَسْبابٍ تَأَتَّى وَعِلَلْ ما قَلَبَ الْقَلْبَ كَتَقْلبيبِ الأَمَلْ ... لِلْقَلْبِ والآمالِ حَلٌّ ورَحَلْ وكُلُّ خَيْرٍ تَبَعٌ لِلْعَقْلِ ... وكُلُّ شَرٍّ تَبَعٌ لِلْجَهْلِ لِكُلِّ نَفْسٍ هِمَمٌ ونَجْوى ... لا كَرَمٌ يُعْرَفَ إلاّ التَّقْوَى لِيَجْهَدِ الْمَرْءُ فَما يَعْدُو الْقَدَرْ ... وَرُبَّما قادَ إِلى الْحَيْنِ الْحَذَرْ ما صاحِبُ الدُّنْيا بِمُسْتَرِيحِ ... والدَّاءُ دَاءُ النَّهِمِ الشَّحِيْحِ لَمْ نَرَ شَيْئًا يَعْدِلُ الَّسلامَهْ ... لا خَيْرَ فيما يُعْقِبُ النَّدامَهْ ... بِحَسْبِكَ اللهُ فَما يَقْضي يَكُنْ ... وما يُهَوِّنْهُ مِنَ الأَمْرِ يَهُنْ كَمْ مِنْ نقيِّ الثّوْبِ ذِي قَلْبٍ دَنِسْ ... فَالْمُوحِشُ الْباطِل والْحَقّ أَنَسْ تَحَرَّ فيما تَطْلُبُ الْبَلاغَا ... واغْتَنِم الصِّحَةَ والْفَرَاغا الْمَرْءُ يَبْغي كُلَّ مَنْ يَبْغِيْهِ ... وكُلُّ ذِي رِزْقٍ سَيَسْتَوْفِيهِ في كُلِّ شَيْءٍ عَجَبٌ مِنَ الْعَجَبْ ... وكُل شَيْءٍ فَبِوَقْتٍ وَسَبَبْ الْحَقُّ ما كانَ أَحَقَّ ما اتُّبِعْ ... ورُبَّما لَجَّ لَجُوجٌ فَرَجَعْ الأَمْرُ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الأَمْرِ ... كُلُّ امْرِئٍ يَجْرِي ولَيْسَ يَدْرِي دُنْيايَ يا دُنْيايَ غُرِّي غَيْرِي ... إنِّي مِنَ الله بِكُلِّ خَيْرِ لِكُلِّ نَفْسٍ صِبْغَةٌ وَشِيْمَهْ ... وَلَنْ تَرى إلاَّ لذِي عَزيمَهْ

لا تَتْرُكِ الْمَعْروفَ حَيْثُ كُنْتا ... وَاعْزِم عَلى الْخَيْرِ وَإِنْ جُبُنْتَا الْحَمْدُ للهِ كَثيرًا شُكْرا ... اللهُ أَعْلى وَأَعَزُّ أَمْرَا لابُدَّ مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ بُدُّ ... وَالْغَيُّ لا يَنْزِلُ حَيْثُ الرُّشْدُ ما شاءَ رَبِّي أنْ يَكونَ كَانَا ... وَالْمَرْءُ يُرْدِي نَفْسَهُ أَحْيَانَا كُلُّ يُناغِي نَفْسَهُ بِهاجِسِ ... تَعَلُّقٌ مِنْ عُلَقِ الْوَساوِسِ نَسْتَوفِقُ اللهَ لِمَا نُحِبُّ ... ما أَقْبَحَ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ يَصْبُو في كُلِّ رَأْسٍ نَزْوَةٌ وَطَرْبَهْ ... رُبَّ رضًا أفْضَلُ مِنْهُ غَضْبَهْ كمْ غَضْبَةٍ طابَتْ بِها الْمَغَبَّهْ يا عاشِقَ الدُّنْيا تَسَلَّ عَنْها ... وَيْلي عَلى الدُّنْيا وَوَيْلي مِنْها ما أَسْرَعَ السَّاعاتِ في الأَيّامِ ... وَأَسْرَعَ الأَيّامَ في الأَعْوامِ لِلْمَوْتِ بي جِدٌّ وَأَيُّ جِدِّ ... وَلَسْتُ لِلْمَوْتِ بِمُسْتَعِدِّ هَلْ أُذُنٌ تَسْمَعُ ما تُسَمِّعُ ... قَوارِعُ الدَّهْرِ التي تُقَرِّعُ ما طابَ فَرْعٌ لا يَطِيْبُ أصْلُهُ ... احْذَرْ مُؤاخاةَ اللّئيمِ فِعْلُهُ انْظُرْ إذا آخَيْتَ مَنْ تُؤاخِي ... ما كُلُّ مَنْ آخَيْتَ بِالْمُؤاخِي الْحَمْدُ للهِ الْكَثيرِ خَيْرُهُ ... لمْ يَسَعِ الْخَلْقَ جَميعًا غَيْرُهُ لَمْ نَرَ مَنْ دامَ لَهُ سَرُورُ ... وَصاحِبُ الدُّنْيا بِها مَغْرُورُ نَعوذُ باللهِ مِنَ حُسْنِ بَدٍ مَكانُهُ ... وَالْمَرْءُ لَنْ يُسْلِمَهُ إِحْسانُهُ مَنْ يَأْمَنُ الْمَوْتَ ولَيْسَ يُؤْمَنُ ... نَحنُ لَهُ في كُلِّ يَوْمٍ نُؤْذَنُ ... يا رُبِّ ذِي خَوْفٍ أَتَى مِنْ مَأْمَنَهْ ... كَمْ مُبْتَلًى مِنْ يَأْسِهِ بِأَمَنَهْ

اسْتَغْنِ باللهِ تَكُنْ غَنيًا ... اِرْضَ عَنِ اللهِ تَعِشْ رَضِيَّا يا رَبِّ إِنَّا بِكَ يا عَظِيمُ ... إنَّكَ أَنْتَ الْواسِعُ الْحَكِيمُ يَكونُ ما لا بُدَّ أنْ يَكونَا ... وكُلُّ راجٍ رَجَّمَ الظُّنونا سُبْحَانَ مَنْ لا تَنْقِضِيُ مَوَاهِبُهْ ... سُبْحانَ مَنْ لا يَخيب طالِبُهْ لمْ يَعْدَمِ اللهُ وَللهِ الْقِدَمْ ... والسَّابِقُ اللهُ إِلى كُلِّ كَرَمْ ما كُلُّ شَيْءٍ يُبْتَغى يُنالُ ... وطالِبُ الْحَقِّ لَهُ مَقَالُ أَفْلَحَ مَنْ كانَ لَهُ تَفَكُّرُ ... ما كُلُّ ذِي عَيْشٍ يَرى ما يُبْصِرُ وَكُلُّ نَفْسٍ فَلَها تَعَلُّلُ ... وإنَّما النَّفْسُ على ما تُحْمَلُ وَعادَةُ الشَّرِّ فَشَرُّ عادَهْ ... والْمَرْءُ بَيْنَ النَّقْصِ والزِّيادهْ لِكُلِّ ناعٍ ذاتَ يَوْمٍ ناعِ ... وإِنَّما النَّعْيُ بِقَدْرِ النَّاعي وَكُلُّ نَفْسٍ فَلَها دَواعِ ما أَكْرَهَ الإِنْسانَ للتَّفَضُّلِ ... وإِنَّما الْفَضْلُ لِكُلِّ مُفْضِلِ رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ وأَنْتَ أهْلُهُ ... مَنْ لَزِمَ التَّقْوى أَنارَ عَقْلُهُ ما غايَةُ الْمُؤْمِنِ إِلاّ الْجَنَّهْ ... تَبارَكَ اللهُ الْعَظِيمُ الْمِنِّهْ يا عَجَبًا لِلَّيْلِ والنَّهارِ ... لا بَلْ لِساعاتهِما الْقِصارِ ما أَطْحَنَ الأَيّامَ لِلْقُرونِ ... كمْ لامْرِئٍ مِنْ مَأْمَنٍ خَئُونِ يا رُبَّ حُلْوٍ سَيَعودُ سُمَّا ... وَرُبَّ حَمْدٍ سَيَعودُ ذَمَّا وَرُبَّ سِلْمٍ سَيَعودُ حَرْبا ... وَرُبَّ إحْسانٍ يَعودُ ذَنْبا الْمَوْتُ لا يُفْلِتُ حَيٌّ مِنْهُ ... كمْ ذائِقٍ لِلْمَوْتِ لاهٍ عَنْهُ ما أَسْرَعَ الْبَغَْيَ لِصَرْعِ البُّاغِي ... وَرُبَّ ذِي بَغْيٍ مِنَ الْفَراغِ لِكُلِّ جَنْبٍ ذاتَ يَوْمٍ مَصْرَعُ ... والْحَقُّ ذُو نُورٍ عَلَيْهِ يَسْطَعُ لا تَطْلُبِ الْمَعْرُوفَ إلاّ مِنْ أخِ ... يَسُومُكَ الْوُدَّ بِهِ سَوْمَ السَّخي

الزَّهْدُ في الدُّنْيا هُوَ الْعَيْشُ الرَّخِي يا رُبَّ شُؤْمٍ صارَ لِلْبَخيلِ ... أكْرِمْ بِأَهْلِ الْعِلْمِ بالْجَميلِ مَنْ كانَ في الدُّنْيا لَهُ زَهادَهْ ... فَعِنْدَهَا طابَتْ لَهُ الْعِبادَهْ أَصْلِحْ ومَنْ يُصْلِحْ فَماذا يَرْبَحْ ... والشَّيْءُ لا يَصْلُحُ إِنْ لَمْ يُصْلَحْ ... كُلُّ جَديدٍ سَيَعودُ مُخْلِقَا ... وَمَنْ ....... أصابَ مَرْفِقا ما انْتَفَعَ الْمَرْءُ بِمِثْلِ عَقْلِهْ ... وخَيْرُ ذُخْرِ الْمَرْءِ حُسْنُ فِعْلِهُ لَمْ يَزَلِ اللهُ عَلَيْنا مُنْعِما ... في كُلَّ وَقْتٍ يِا لبَيْبُ فافْهَمَا ومَنْ طَغى عاشَ فَقيرًا مُعْدِما الْيُبْسُ والْبَأْسُ لأَهْلِ الْبَاسِ ... وَسَادةُ النّاسِ خِيارُ النَّاسِ أَيُّ بِناءٍ لَيْسَ لِلْخَرابِ ... وأَيُّ آتٍ لَيْسَ لِلذَّهابِ كَأنَّ شَيْئًا لمْ يَكُنْ إِذا انْقَضَى ... وما مَضى مِمَّا مَضى فَقَدْ مَضى ما أَزْيَنَ الْعَقْلَ لِكُلِّ عاقِلِ ... ما أشْيَنَ الْجَهْلَ لِكُلِّ جاهِلِ بُؤْسى لِمَنْ قالَ بِما لا يَعْلَمُ ... وصاحِبُ الْحَقِّ فَلَيْسَ يَنْدَمُ الْخَيْرُ أهْلٌ أنْ يُحَبَّ أهْلُهُ ... والْحَقُّ ذُو خِفٍّ ثَقِيلٍ حَمْلُهُ والْحَيْنُ خَتَّالٌ لَطيٌ خَتْلُهُ أَيْنَ يَفِرُّ الْمَرْءُ أَيْنَ أيْنا ... كُلُّ جَميعٍ سَيُلاقي بَيْنا إِلَيْكِ يا دُنْيا إِلَيْكِ عَنِّي ... ماذا تُريدينَ تَخَلَّيْ مِنّي يا دارُ دارَ الْهَمِّ والْمَعاصي ... هَلْ فِيكِ لي بابٌ إِلَى الْخَلاصِ نَطلُبُ أنْ نَبْقى وَلَيْسَ نَبْقى ... كُلُّ سَيَلْقى اللهَ حَقًّا حَقَّا لِكُلِّ عَيْنِ عِبْرَةٌ فيما تَرى ... والْحَقُّ محْفُوفٌ بِأَعْلامِ الْهُدى يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ وَيَنْفيِهِ الْهَوى كمْ بارَكَ اللهُ لِقَلْبي فاتَّسَعْ ... وَاللهُ إِنْ بارَكَ في شَيْءٍ نَفَعْ لا تُتْبِعِ الْمَعْروفَ مِنْكَ مَنَّا ... أُخَيَّ أَحْسِنْ بِأخِيكَ الظَّنّا

سُبْحانَكَ اللَّهُمَ سَلِّمْ سَلِّمِ ... وَتَمِّمِ النُّعْمى عَلَيْنا تَمِّمِ طُوبَى لِمَنْ صَحَّتْ بَناتُ حِسِّهِ ... وَمَنْ كَفاهُ اللهُ شَرَّ نَفْسِهِ كمْ دَوْلَةٍ سَوْفَ يَكونُ غَيْرُها ... وَسَوْفَ يَفْنى شَرُّها وَخَيْرُها يا عَجَبًا للدَّهْرِ في تَقَلُّبهْ ... الْمَرْءُ مُذْ كانَ عَلى تَوَثُّبِهْ ما بَيْنَ نابَيْهِ وَبَيْنَ مِخْلَبِهْ ما أَعْظَمْ الْحُجَّةً إنْ عَقَلْنا ... ما يَغْفُلُ الْمَوْتُ وَإِنْ غَفَلْنا اعْتَبِر الْيَوْمَ بأمْسِ الذَّاهِبِ ... وَاعْجَبْ فَما تَنْفَكُّ مِنْ عَجائِبِ تَرَى الأُمورَ تُقْبِلُ وتَمْضِي ... وَاللهُ في كُلِّ الأُمورِ يَقَضي ... تَبَارَك اللهُ العَزيز المُقْتَدرِ ... يا صاحِبَ التَّسْوِيفِ ماذا تَنْتَظِرْ مَنْ قَنِع اسْتَغْنَى واسْتَحْيَا ... وَالْمَوْتُ ما أَسْرَعَهُ وأَوْحى يا رَبِّ إنِّي بِك أَنْتَ رَبي ... ومِنْكَ إحْسانٌ ومِنّيْ ذَنِبْي أَسْتَغْفِرُ اللهَ فَنِعْمَ الْقادِرُ ... اللهُ لِيْ مِنْ شَرِّ ما أُحاذِرُ حَتّى مَتى الْمُذْنِبُ لا يَتُوبُ ... أَما تَرى ما تَصْنَعُ الخُطُوبُ ما الْمُلْكُ إلاَّ الْجاهُ عِنْدَ اللهِ ... الْجاهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرُ جَاهِ كَاسَ امْرُؤٌ مُنْتَظِرٌ لِلْمَوْتِ ... وكَاسَ مَنْ بادَرَ قَبْلَ الْفَوْتِ سَبِيلُ مَنْ ماتَ هُوَ السَّبِيلُ ... بقاؤُنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَلِيلُ قَدْ يَضْحَكُ الْقَلْبُ بِعَيْنٍ تَبْكِي ... وَالأَخْذُ قَدْ يَجْري بِمَعْنى التَّرْكِ لا بُدَّ لا بُدَّ مِنَ الْحَوادِثِ ... تَمُرُّ تَطْوِي حادِثًا بِحَادِثِ لا عَيْشَ إلاَّ عَيْشُ أَهْلِ الآخِرَهْ ... إنَّا لَنَعْمى والْعُيُونُ ناظِرَهْ الْمَوْتُ حَقٌّ لَيْسَ فِيهِ شَكُّ ... تَفْنى الْمُلوكُ وَيَبِيْدُ الْمُلْكُ الله رَبِّي وَهُوَ الْمَلِيْكُ ... لَيْسَ لَهُ في مُلْكِهِ شَرِيْكُ

اللهُ يُفْنِيْنَا وَلَيْسَ يَفْنَى ... لَهُ الْجَلالُ والصِّفاتَ الْحُسَنى اللهُ مَوْلانا وَنِعْمَ الْمَوْلَى ... فَقُلْ لِمَنْ يَعْصِيهِ أَوْلى أَوْلى ما هُوَ إلا عَفْوُهُ وَحِلْمُهُ ... سُبْحانَ مَنْ لا حُكْمَ إلاّ حُكْمُهُ نَتَائِجُ الأَحْوَالِ مِنْ لا وَنَعَمْ ... وَالنَّفْسُ مِنْ بَيْنَ صُمُوتٍ وَعَدَمْ يَذْهَبُ شَيْءٌ وَيَجِيءُ شَيُ ... مَا هُوَ إلاّ رَشَدٌ وَغَيُّ وإِنَّمَا الْعِلْمُ بِعَيْنٍ وَأَثَرْ ... وإِنَّما التَّعْلِيمُ عِلْمٌ وَخَبَرْ نَحْنُ مِنَ الدُّنْيا عَلى وَفازِ ... طُوبى لِمَنْ أَسْرَعَ في الْجِهازِ وكُلُّ مأْخُوذٍ فَسَوْفَ يُتْرَكُ ... وَالمُلْكُ لاَ يَبْقَى وَلاَ المُمَلَّكُ أَتَتْ مُلُوكٌ وَمَضَتْ مُلُوكُ ... غَرَّتْهُمُ الآمالُ والشُّكُوكُ الْمَلِكُ الْحَيُّ هُوَ الْمُمِيتُ ... لَهُ الْجَمِيعُ وَلَهُ الشَّتِيْتُ في كُلِّ شَيْءٍ عِبْرَةٌ مِنَ الْعِبَرْ ... وُكلُّ شَيْءٍ بِقَضاءٍ وقَدَرْ رَبِّي إِلَيْهِ تُرْجَعُ الأُمورُ ... أَسْتَغْفِرُ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ عَمِلْتُ سُوءًا وظَلَمْتُ نَفْسي ... وَخِبْتُ يَوْمي وأَضَعْتُ أَمْسي وَلي غَدٌ يُؤْخَذُ مِنِّي لَهُمَا ... هُما الدّّليلانِ عَلى ذاكَ هُمَا ... يا عَجّبًا مِنْ ظُلَمِ الذُّنُوبِ ... إِنَّ لَها رَيْنًا عَلى الْقُلوبِ اللهُ فَعَّالٌ لِمَا يَشاءُ ... غَدًا غَدًا يَنْكَشِفُ الْغِطَاءُ كَمْ شِدَّةٍ مِنْ بَعْدِها رَخاءُ إِنَّ الشَّقِيَّ لَلشَّقِيُّ الْخَائِنُ ... وكُلنُّا عَمَّا نَراهُ بائِنُ كُلُّ سَيْفْنَى عاجِلاً وَشِيْكَا ... تَرْحَلُ عَنْ تَيَّا وتَنْأَى تِيكَا نَاهِيْكَ مِمَّا سَتَرَى نَاهِيكَا وكُلُّ شَيْءٍ مُقْبِلٌ مُوَلِّ ... وكُلٌُّ ذِي شَيْءٍ لَهُ مُخَلِّ رَضِيتُ بِاللهِ وبِالْقَضاءِ ... ما أَكْرَمَ الصَّبْرَ عَلى الْبَلاءِ

نَلْعَبُ والدَّهْرُ بِنَا سَرِيْعُ ... والْمَوْتُ فِيْنَا دَائِبٌ ذَرِيْعُ كُلُّ بَنْي الدُّنْيا لَها صَرِيْعُ أَلاَ انْتَبِهْ ثُمَّ انْتَبِهْ يا ناعِسُ ... أُخَيَّ لا تَلْعَبْ بِكَ الْوَساوِسُ دُنْيايَ يا دُنْيايَ يا دارَ الْفِتَنْ ... يا دَارُ يا دَارُ الْهُمومِ والْحَزَنْ لِكُلِّ هَمٍّ فَرَجٌ مِنَ الْفَرَجْ ... تَثَقَّفَ الْحَقُّ فَما فِيهِ عِوجْ يا عَجَبًا ما أَسْرَعَ الأَيَّاما ... عَجِبْتُ لِلنَّائِمِ كَيْفَ نَامَا يا عَجَبًا كُلٌّ لَهُ تَصْرِيفُ ... صَرَّفَهُ الْمُصَرِّفُ اللَّطِيفُ وأَيُّ شَيْءٍٍ لَيْسَ فيهِ فِكْرَهْ ... وأَيُّ شَيْءٍ لَيْسَ فيهِ عِبْرَهْ نَرى افْتِراقًا ونَرى اجْتِمَاعَا ... نَرى اتِّصالاً وَنَرى انْقِطَاعَا المُؤْمِنُ الْمُخْلِصُ لا يَضِيعُ ... وَحِكُمَةُ اللهِ لَهُ رَبِيْعُ حَتّى مَتى لا تَرْعََوِي حَتّى مَتى ... لَقَدْ عَصَيْتَ اللهَ كَهْلاً وفَتى ما أقْرَبَ النَّقْصَ مِنَ النمَّاءِ ... وكُلُّ مَنْ تَمَّ إِلىَ فَناءِ أرى الْبِلى فِيْنَا لَطيفَ الْفَحْصِ ... بَيْنَ الزِّياداتِ وبَيْنَ النَّقْصِ إنْ كُنْتَ تَبْغي أَنْ تَكونَ أمْلَسا ... فَكُنْ مِنَ الدُّنْيا أَصَمَّ أَخْرَسا وَارْغَبْ إِلى اللهِ عَسى اللهُ عَسى يا ذا الَّذي اسْتِيِقاظُهُ مُشْتَبِهُ ... لاَ رَاقِدُ أنْتَ ولا مُسْتَنْبِهُ مَنْ آثَرَ الْمُلْكَ على الْكَيْنُونَهْ ... كانَ مِنَ الْمُلْكِ على بَيْنُونَه لِيَخْشَ عَبْدٌ دَعْوَةَ الْمَظْلومِ ... وحِكْمَةَ الْحَيِّ بِها الْقَيُّومِ وَيْحَكَ يا مُغْتَصِبَ الْمِسْكِينِ ... وَيْحَكَ مِنْ دَيَّانِ يَوْمِ الدّيِّنِ ... الدِّينُ للهِ هُوَ الدِّيَّانُ ... وَحُجَّةُ اللهِ هِيَ السُّلْطَانُ تُدانُ يَوْمًا مَا كَما تَدِينُ ... وَيْحَكَ يا مِسْكِينُ يا مِسْكِينُ

لِمِثْلِ هذا فَلْيُبَكِّ الْبَاكِي ... حَسْبُكَ بالْبُيُودِ مِنْ هَلاَكِ لَيْسَ الرِّضَا إِلاَّ لِكُلِّ راضِ ... وَكُلُّ أمْرِ اللهِ فِينا ماضِ السُّخْطُ لا يَبْرَحُ كُلَّ سَاخِطِ ... أيُّ هَوًى فيهِ سُقُوطُ السَّاقِطِ لا تَتْبَعِ النَّفْسَ عَلى مَا تَهْوَى ... ولازِمِ الرُّشُدَ لِكَيْ لا تَغْوَى مًَنْ ضاقَ حَلَّتْ نَفْسُهُ في الضِّيقِ ... لَيْسَ امْرُؤٌ ضاقَ على الطَّريقِ ما أَوْسَعَ الدُّنْيا على الْمُسامِحِ ... ما فازَ إلاَّ كُلُّ عَبْدٍ صالِحِ عاقِبَةُ الصَّبْرِ لَهَا حَلاوَهْ ... وعادَةُ الشَّرِّ لَها ضَراوَهْ تَعَزَّ بالصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ ... ولا تُخَلِّ النَّفْسَ حِينَ تَشْرَهُ النَّفْسُ إِنْ اَتْبَعْتَها هَوَاهَا ... فاغِرةٌ نَحْوَ هَواهَا فَاهَا لا تَبْغِ ما يَجْزِيْكَ مِنْهُ دُونَهُ ... وإنْ رَأَيْتَ النَّاسَ يَطْلُبونَهُ أَيُّ غِنًى لِلْمَرءِ في الْقُنوعِ ... والْمَرْءُ ذُو حِرْصٍ وَذو وَلُوعِ الْمَرْءُ دُنْياهُ لَهُ غَرَّارَهْ ... والنَّفْسُ بِالسُوءِ لَهُ أَمّارَهْ ما النَّفْسُ إِلاَّ كَدَرٌ وصَفْوُ ... طَعْمٌ لَهُ مُرُّ وطَعْمٌ حُلْوُ لِكُلِّنا يَا دَارُ مِنْكِ شَجْوُ ... وبَعْضُنا مِنْ شَجْوِ بَعْضٍ خِلْوْ مَا زَالَتِ الدُّنْيا لَنا دارَ أَذى ... مَمَزُوجَةَ الصَّفْوِ بِأَلُوانِ الْقَذى الْخَيْرُ والشَّرُّ بها أَزْوَاجُ ... لِذا نِتاجٌ ولِذا نِتاجُ سُبْحانَ رَبّي فالِقِ الإِصْباحِ ... ما أَطْلَبَ الْمَساءَ لِلصَّباحِ إنَّ الْجَدِيدَيْنِ هُما هُما هُما ... هُما هُما دائِرَةٌ رَحاهُما يا دارُ دارَ الْباطِلِ الْمُعَتَّقِ ... عَلِقْتُ مِمَّنْ فِيكِ كُلَّ مَعْلَقِ لا عَيْشَ إلاَّ عَيْشُ أهْلِ الْحَقِّ ... دارُ خلُودٍ لِحِسابِ الْحَقِّ مَا عَيْشُ مَنْ ضَلِّ الرِّضى بِعَيْشِ ... السَّاخِطُ الْعَيْشِ كَثِيرُ الطَّيْشِ جَدَّ بِنا الأَمْرُ ونَحْنُ نَلْعَبُ ... وكُلُّ آتٍ فَكذَاكَ يَذْهَبُ

يَنْعى حَياةَ الْحَيِّ مَوْتُ الْمَيِّتِ ... يُسْمِعُهُ النِّعْيَ بِصَوْتٍ صَيِّتِ عَلَيْكَ لِلنَّاسِ بنُصْحِ الْجَيْبِ ... وَكُنْ مِنَ النَّاسِ أَمِينَ الْغَيْبِ إرْضَ مِنَ الدُّنْيا بِما يَقُوتُكَا ... واعْلَمْ بأنَّ الرِّزْقَ لا يَفُوتُكَا ... الْقُوتُ مِنْ حِلٍ كَثيرٌ طَيِّبُ ... وَالْحَظْرُ بِكْرٌ تارَةً وَثِيِّبُ أصْلُ الْخَطاياِ خَطْرَةٌ وَنَظْرَةُ ... وَغَدْرَةٌ ظاهِرَةٌ وَفَجْرَةُ لِيَسْلَمِ النَّاسُ جَمِيعًا مِنْكَا ... وَارْضَ لَعَلَّ اللهَ يَرْضى عَنْكا تَبارَكَ اللهُ وَجَلَّ اللهُ ... أعْظَمُ ما فاهَتْ بِه الأَفْواهُ مَا أَوْسَع اللهَ لِكُلِّ خَلْقِهِ ... كُلٌّ فَفي قَبْضَتِهِ وَرِزْقِهِ بالله تَقْوى لأَداءِ حَقِّهِ كُلُّ امْرِئٍ فس شَأنِهِ يُرَقِّعُ ... وَالرَّقْعُ لا يَبْقى ولا الْمُرَقِّعُ ما أَشْرَفَ الْكَسْبَ مِنْ الْحَلالِ ... ما أَكْرَمَ السَّعْيَ عَلى الْعِيالِ ما أَكْذَبَ الآمالَ عِنْدَ الْحَيْنِ ... وَالْخَيْرُ في إصْلاحِ ذاتِ الْبَيْنِ أَيُّ رَجاءٍ لَيْسَ فيهِ خَوْفُ ... وَرُبما خانَتْ عَسى وَسَوْفُ ما هُوَ إِلاّ الْخَوْفُ وَالرَّجاءُ ... لا تَرْجُ مَنْ لَيْسَ لَهُ حَيَاءُ يا عَيْنُ يا عَيْنُ أَما رَأَيْتِ ... أَما رأَيْتِ قَطُّ قَبْرَ مَيْتِ يا عَيْنُ قَدْ نُكِيْتِ إِنْ بَكَيْتِ بَيْتُ الْبِلَى أَقْصَرُ بَيْتٍ سَمْكَا ... سُبْحانَ مَنْ أَضْحَكَنا وأَبْكى يا لِلْبِلى يا لِلْبِلى يا لِلْبِلى ... إنَّ الْبِلى يُسْرِعُ تَغْييرَ الْحِلا لابُدَّ يَوْمًا يُحْصَدُ الْمَزْرُوْعُ ... وَكُلُّنا عَنْ نَفْسِهِ مَخْدُوْعُ نَحْنُ جَميعًا كُلُّنا عَبِيْدُ ... مَلِيْكُنا مُقْتَدِرٌ حَمِيدُ لَنا مَلِيكٌ مُحْسِنٌ إِلَيْنا ... مَنْ نَحْنُ لَوْلا فَضْلُهُ عَلَيْنا أَكْثَرُ ما نُعْنى بِهِ وَلُوعُ ... طُوبى لِمَنْ كانَ لَهُ قُنُوعُ

سُبْحانُ مَنْ ذَلَّتْ لَهُ الأَشْرافُ ... أَكْرَمُ مَنْ يُرْجى وَمْن يَخافُ ما هُوَ إِلا الْعَزْمُ والتَّوَكُّلُ ... الْبِرُّ يَعْلو والْفُجورُ يَسْفُلُ كمْ مَرَّةٍ حَفَّتْ بِكَ الْمَكارِهُ ... خارَ لَكَ اللهُ وأَنْتَ كارِهُ إِذا جَعَلْتَ الْهَمَّ هَمِّا واحِدا ... نَعِمْتَ بالاً وغَنيِتَ رَاشِدا يا عَجَبًا لِلنَّفْسِ ما أَشْرَدَها ... مَا أقْرَبَ النَّفْسَ وما أَبْعَدَها النَّفْسُ أَعْدى لَكَ مِمّا تَحْسِبُ ... حَسْبُكَ مِنْ عِلْمِكَ مَا تُجَرِّبُ يَا عَجَبًا يَا عجَبًا يَا عَجَبَا ... يَا َعجبًا لِمَنْ لَهَا ولَعبِا يَا عَجَبًا لِلطَّرْفِ كَيْفَ يَطْمَحُ ... يَا عَجَبًا لِلْمَرْءٍ كَيْفَ يَفْرَحُ ... مَا أَسْرَعَ الْمَوْتَ لِذي طَرْفٍ طَمَحْ ... لَمْ يَتْرُكِ الْمَوْتُ لِذِي لُبٍّ فَرَحْ يا رَبِّ يا رَبِّ لَقَدْ أَنْعَمْتا ... يا رَبِّ ما أحْسَنَ ما عَلَّمْتا يا رَبِّ أَسْعِدْنِي بِما عَلَّمْتَني ... ولا تُهِنِّي بَعْدَ إذْ أكْرَمْتَني دَعْ عَنْكَ يا هذا بُنَياتِ الطُّرُقْ ... إنْ لَمْ تَصُنْ وَجْهَكَ يا هذا خَلُق دَعْ عَنْكَ ما لَيْسَ بِهِ مُسْتَمْتَعُ ... وَشَرُّ مَا حَاوَلْتَ مَا لاَ يَنْفَعُ وَخَيْرُ أَيَّامِكَ يَوْمَ تَنْعَمُ ... وَشَرُّ أَيَّامِكَ يَومَ تَظْلِمُ وَخَيْرُ مَا قُلْتَ بِهِ مَا يُعْرَفُ ... وَشَرُّ مَنْ صاحَبْتَ مَنْ لا يُنْصِفُ وخَيْرُ مَنْ قارَنْتَ مَنْ لا يَخْرُقُ ... وشَرُّ مَنْ خالْفْتَ مَنْ لا يَرْفُقُ كُلٌّ إِذا ما مَسَّهُ الضُّرُّ شَكَا ... وكُلُّ مَنْ أَبْكَتْهُ دُنْياهُ بَكَى يا عَيْنُ ما لَكِ لا تَبْكْيِنَا ... تَبَصَّرِي إِنْ كُنْتِ تُبْصِرِيْنَا ما أعْجَبَ الأَمْرَ لِمَنْ تَعَجَّبا ... مَا أَسْرَعَ الْقَلْبَ إذا تَقَلَّبا يَحُلُّ قَلْبُ الْمَرْءِ حَيْثُ مالُهُ ... مَا كُلُّ مَنْ أطْمَعَني أنالُهُ قَدِّمْ لِمَا بَيْنَ يَدَيْكَ قَدِّمِ ... أُفٍّ وتُفٍّ لِعَبيدِ الدِّرْهَمِ الصِّدْقُ والْبِرُّ أَصِبْنا تَوْأَمَا ... والْمُسْلِمُ الْبَرُّ يَبَرُّ الْمُسْلِمَا

لا سَعَةٌ أوْسَعَ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقْ ... مَنِ اعْتَدى تَاهَ ومَنْ تاهَ حَمُقْ ما كُلُّ مَعْقُودٍ لَهُ وَثِيْقَهْ ... وَالصِّدْقُ ما كانَتْ لَهُ حَقَيِقَهْ فِي الْغَيِّ خُسْرَانٌ وفي الرُّشْدِ دَرَكْ ... أَوْسَعُ خَيْرِ الْمَرْءِ خَيْرٌ مُشْتَرَكْ ما زالَتِ الدُّنْيا سُكُونًا وحَرَكْ يا عَيْنُ أَبْغِي مِنْكِ أَنْ تَجُودِي ... بأَدْمُعٍ تَنْهَلُّ كالْفَرِيدِ يَئِسْتُ في الدُّنْيا مِنَ الْخُلودِ يُحِقُ لِي يا عَيْنُ أَنْ بَكَيْتُ ... أَبْكِي لِعِلْمي بِالَّذي أتَيْتُ أنَا الْمُسِيءُ الْمُذْنِبُ الْخَطَّأءُ ... في تَوْبَتي عَنْ حَوْبَتي إبْطَاءُ ما عِنْدَ يَوْمِي ثِقَةٌ لِيْ بِغَدِ ... لابُدَّ مِنْ دارِ خُلُودِ الأَبَدِ يا حَزَني يا حَزَني يا حَزَني ... لا بُدَّ أَنْ يَتْرُكَ رُوحي بَدَني يا يَوْمُ يَوْمَ الْبَيْنِ والشُّحُوطِ ... يا يَوْمُ يَوْمَ الْعُوُدِ والْحُنُوطِ يا يَوْمُ يَوْمَ الْعَلَزِ الشَّديدِ ... يا يَوْمُ يَوْمَ النَّفَسِ الْبَعيدِ يا يَوْمُ يَوْمَ الأَجَلِ الْمَعْدُودِ ... يا يَوْمُ يَوْمَ الْمَنْهَلِ الُمَوْرُودِ ... يا يَوْمُ يَوْمَ السِّدْرِ وَالْكافُورِ ... يا يَوْمُ يَوْمَ الْكَفَنِ الْمَنْشُورِ يا يَوْمُ يَوْمَ الْخَتمِ بِالْوَفاةِ ... يا يَوْمُ يَوْمَ الْهَجْرِ لِلْحُماةِ يا يَوْمُ يَوْمَ الْمَيِّتِ الُمُسَجَّى ... عَلى سَرِيرٍ لِلْبِلى يُزَجَّى يا يَوْمُ يَوْمَ الرَّنَّةِ الطَّوِيلَهْ ... يا يَوْمُ يَوْمَ الْعَجْزِ عَنْ ذي الْحِيلَهْ يا يَوْمُ يَوْمَ لَيْسَ عَنْهُ مَدْفَعُ ... يا يَوْمُ يَوْمَ النَّفْسِ حِيْنَ تُرْفَعُ صارَ امْرُؤٌ فيهِ إلى ما فِيهِ ... يُسْعِدُهُ ذلِكَ أوْ يُشْقِيهِ

ما أشْغُلَ الْمَيِّتَ عَنْ باكِيهِ أَسْلَمَ مَقْبُورًا مُشَيِّعُوهُ ... انْصَرَفُوا عَنْهُ وَخَلِّفوهُ ساعَةَ سَوَّوْا تُرْبَهُ عَلَيْهِ ... وَلَّوْا وَلمْ يَلْتَفِتوا إلَيْهِ سَيَضْحَكُ البْاكُونَ بَعْدَ الْمَيْتِ ... لا بَلْ سَيَلْهُونَ بِلَوْ وَلَيْتِ إنَّا إلَى اللهِ لَراجِعُونا ... حَتّى مَتى نَحْنُ مُضَيِّعُونا بَيْنا امْرُؤٌ بَيْنَ يَدَيْكَ حَيَّا ... إِذْ صِرْتَ لا تُبْصِرُ مِنْهُ شَيَّا أَعانَنا اللهُ عَلى لِقائِهِ ... كَمْ مُخْطِئٍ ذِي عَجَبٍ بِرائِهِ ما الناسُ إلاّ وَارِدٌ وَصادِرُ ... الطَّمْعُ لِلْغالِبِ فَقْرٌ حاضِرُ طُوبى لِمَنْ يَقْنَعُ ما أَغْناهُ ... وَيْحَ مَنِ اسْتَعْبَدَهُ هَواهُ أُخَيَّ لا تَذْهَبْ بِكَ الْمَذاهِبُ ... أَظَلَّكَ الْمَوْتُ وأنْتَ لاعِبُ أُخَيَّ إِنَّ الْمَوْتَ قَدْ أَظَلَّكَا ... هَلْ لَكَ أَنْ تُعْنَى بِهِ لَعَلَّكا اللهُ رَبِّي قُوَّتِي وَحَوْلِي ... اللهُ لِي مِنْ يَوْمِ كُلِّ هَوْلِ يا رَبِّ سَلِّمْنا وَسَلِّمْ مِنّا ... وَتُبْ عَلَيْنا وَتجاوَزْ عَنَّا يا رَبِّ إِنَّا بِكَ حَيْثُ كُنَّا كمْ فَلْتَةٍ لِيْ قَدْ وُقِيْتُ شَرَّهَا ... مَا أَنْفَعَ الدُّنْيا وَما أَضَرَّها إِنَّا مِنَ الدُّنْيا لِفَي طَرِيقِ ... إِلَى الْغَسَاقِ أَوْ إِلَى الرَّحِيقِ ما هِيَ إِلاَّ جَنَّةٌ وَنارُ ... أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ اعْتِبارُ كَاسَ امْرُؤٌ مُتَّعظٌ بِغَيْرِهِ ... دَعْ شَرَّ ما تأْتي وَخُذْ في خَيْرِهِ خَلاَ أَخٌ عَنْكَ فَلا تُخَلِّهِ ... مَنْ لَكَ يَوْمًا بِأَخيكَ كُلِّهِ مَنْ يَسْألِ النَّاسَ يَهُنْ عَلَيْهِمُ ... بُؤْسَى لِمَنء حاجَتُهُ إلَيْهِمُ أنَّى تَرى مُجْتَمِعًا لا يَقْتَرِقْ ... وَكُلُّ ما زادَ فَلِلنَّقْصِ خُلِقْ ... مَنْ يَسْألِ النَّاسَ يُخَيِّبُوهُ ... وَيُعْرِضُوا عَنْهُ وَيُصْغِرُوهُ

رغيف خبز يابس

مَنْ صَنَعَ النَّاسَ تَكَنَّفُوهُ ... وَاقْتَرَبوا مِنْهُ وَكَرَّموهُ سُبْحانَ مَنْ باعَدَ في تَقَدُّمِهْ ... نَعْصِيهِ في قَبْضَتِهِ بِأَنْعَمِهْ كِلاَ الْجَدِيدَيْنِ بِنا حَثِيثُ ... مِنَ الْخُطوبِ عَجِلٌ مَكيِثُ طُوبى لِمَنْ طابَ لَهُ الْحَدِيثُ ... ما يَسْتَوِي الطَّيِّبُ والْخَبِيثُ وقال رحمه الله تعالى: رَغِيفُ خُبْز يابِسٍ ... تَأكُلُهُ في زَاوِيَهْ وكُوْزُ مَاءٍ بارِدٍ ... تَشْرَبُهُ مِن صَافِيَهْ وغُرْفَةٌ ضَيِّقةٌ ... نَفْسُك فِيها خَالِيَهْ أوْ مَسْجِدٌ بِمَعْزِلِ ... عن الوَرَى في نَاحِيَهْ تَدْرُسُ فِيه دَفْتَرًا ... مُسْتَنِدًا لِسَارِيهْ مُعْتَبرًا بِمَنْ مَضَى ... مِن القُرونِ الخَالِيَهْ خَيرٌ مِن السَّاعَاتِ في ... فَيْءِ القُصُورِ العَالِيَهْ تَعْقِبُهَا عُقُوبَةٌ ... تُصْلَى بِنَارٍ حَامِيَهْ فَهَذِهِ وَصِيَّتِي ... مُخْبِرةٌ بِحَالِيَهْ طُوْبَى بِمَنْ يَسْمَعُهَا ... تِلكَ لَعَمْرِيْ كَافِيَهْ فاسْمَعْ لِنُصْحِ مُشْفِقٍ ... يُدْعَى أبا العَتَاهِيَهْ وقال رحمه الله: ألا مَنْ لي بِأُنْسُكَ يا أُخَيَّا ... وَمَنْ لِيْ أَنْ أَبُثَّكَ ما لَدَيَّا طَوَتْكَ خُطُوبُ دَهْرِكَ بَعْدَ نَشْرٍ ... كَذاكَ خُطُوبُهُ نَشْرًا وَطَيّا فَلَوْ نَشَرَتْ قُواكَ ليَ الْمَنايا ... شَكَوْتُ إِلَيْكَ ما صَنَعَتْ إلَيَّا بَكَيْتُكَ يا أُخَيَّ بِدَمْعِ عَيْني ... فَلَمْ يُغْنِ الْبُكاءُ عَلَيْكَ شَيَّا وكانَتْ في حَياتِكَ لي عِظاتٌ ... وأَنْتَ الْيَوْمَ أَوْعَظُ مِنْكَ حَيَّا

كأن الأرض قد طويت عليا

وقال رحمه الله: كَأنَّ الأَرْضَ قَدْ طُوِيَتْ عَلَيَّا ... وقَدْ أُخْرِجْتُ مِمَّا في يَدَيَّا كأَنَّي يَوْمَ يُحْثى التُّرْبُ فَوْقي ... مَهيلاً لَمْ أَكُنْ في النَّاسِ حَيَّا كَأَنَّ الْقَوْمَ قَدْ دَفَنُوا وَوَلَّوْا ... وكُلٌّ غَيْرُ مُلْتَفِتٍ إِلَيَّا كَأَنْ قَدْ صِرْتُ مُنْفَرِدًا وَحِيْدًا ... ومُرْتَهَنًا هُناكَ بِما لَدَيَّا كَأَنْ بِالْباكِياتِ عَلَيِّ يَوْمًا ... وما يُغْنِي الْبُكاءُ عَلَىَّ شَيَّا ذَكَرْتُ مَنِيَّتي فَبَكَيْتُ نَفْسي ... أَلاَ أَسْعِدْ أُخَيَّكَ يا أُخَيّا وقال رحمه الله: إنَّ السَّلامَةَ أنْ تَرْضى بِما قُضِيا ... لَيَسْلَمَنَّ بِإِذْنِ اللهِ مَنْ رَضِيا الْمَرْءُ يَأْمُلُ وَالآمالُ كاذِبَةٌ ... والْمَرْءُ تَصْحَبُهُ الآمالُ ما بَقِيا يا رُبَّ باكِ عَلى مَيْتٍ وَباكِيَةٍ ... لمْ يَلْبَثا بَعْدَ ذاكَ الْمَيْتِ أنْ بُكِيا وَرُبِّ ناعٍ نَعى حِينًا أَحِبَّتَهُ ... ما زالَ يَنْعى إلى أنْ قِيلَ قَدْ نُعِيا عِلْمي بِأنّي أذُوقُ الْمَوْتَ نَغَّصَ لي ... طِيبَ الْحَياةِ فَما تَصْفو الْحَياةُ لِيا كمْ مِنْ أخٍ تَغْتَذي دُودُ التُّرابِ بِهِ ... وكانَ حيًّا بِحُلْوِ الْعَيْشِ مُغْتَذِيِا يَبْلى مَعَ الْمَيْتِ ذِكْرُ الذّاكِرِينَ لَهُ ... مَنْ غابَ غََيْبَةَ مَنْ لا يُرْتَجى نُسِيا مَنْ ماتَ ماتَ رَجاءُ النَّاسِ مِنْهُ فَو ... لَّوْهُ الْجَفاءَ وَمَنْ لا يُرْتَجى جُفِيَا إنَّ الرَّحِيلَ عَنِ الدُّنْيا لَيُزْعِجْني ... إِنْ لمْ يَكُنْ رائِحًا بي كانَ مُغْتَدِيا الْحَمْدُ للهِ طُوبى لِلسَّعيدِ وَمَنْ ... لمْ يُسْعِدِ اللهُ بِالتَّقْوى فَقَدْ شَقِيا كمْ غافِلٍ عَنْ حِياضِ الْمَوْتِ في لَعِبٍ ... يُمْسي وَيُصْبِحُ رَكَّابًا لِما هَوِيا وَمُنْقَضٍ ما تَراهُ الْعَيْنُ مُنْقَطِعٌ ... ما كُلُّ شَيْءٍ يُرَى إلاَّ لِيَنْقَضِيا وله أيضًا: يا مَنْ يُسَرُّ بِنَفْسِهِ وَشَبابِهِ ... أنى سُرِرْتَ وَأنْتَ في هُلَسِ الرَّدى

تخفف من الدنيا لعلك أن تنجو

أهْلَ الْقُبورِ لا تَواصُلَ بَيْنَكُمْ ... مَنْ ماتَ أصْبَحَ حَبْلُهُ رَثَّ الْقُوَى يا مَنْ أَقامَ وَقدْ مَضى إِخوانُهُ ... ما أَنْتَ إلاّ واحِدٌ مِمَّنْ مَضَى أَنَسيتَ أَنْ تُدْعى وَأَنْتَ مُحَشْرِجٌ ... ما إنْ تُفيقُ وَلا تُجيبُ لِمَنْ دَعا أَمّا خُطاكَ إلى الْعَمى فَسَريعَةٌ ... وَإلى الهُدى فَأَراكَ مُنْقَبضَ الْخُطا وقال أيضًا: تَخَفَّفْ مِنَ الدُّنْيا لَعَلَّكَ أنْ تَنْجُو ... فَفي الْبِرِّ والتَّقْوى لَكَ الْمَسْلَكُ النَّهْجُ رَأَيْتُ خَرابَ الدَّارِ يَحكيهِ لَهْوُهَا ... إِذا اجْتَمَعَ المِزْمارُ وَالْعودُ وَالصَّنْجُ أَلا أيُّها المَغْرورُ هَلْ لَكَ حُجَّةٌ ... فأَنتَ بِها يَوْمَ الْقِيامَةِ مُحْتَجُّ تَدَبَّرْ صُروفَ الحادِثاتِ فَإِنَّها ... بِقَلْبِكَ مِنْها كُلِّ آوِنَةٍ سَحْجُ ... وَلا تَحْسَبِ الحالاتِ تَبقى لأَهْلِها ... فَقَدْ تَسْتَقيمُ الحالُ طَوْرًا وَتَعْوَجُّ مَنْ اسْتَطْرَفَ الشَّيءَ اسْتَلَذَّ اطِّرافَهُ ... وَمَنْ مَلَّ شَيئًا كانَ فيهِ لَهُ مَجُّ إِذا لَجَّ أهْلُ اللُّؤْمِ طاشَتْ عُقولُهُمْ ... كَذاكَ لَجَاجاتُ اللِّئامِ إِذا لَجُّوا تَبَارَكَ مَنْ لَمْ تَشْفِ إلاّ بِه الرُّقى ... ولم يَأْتَلِفْ إِلاّ بِه النَّارُ والثَّلْجُ وقال أيضًا: الْحَمْدُ للهِ كُلٌّ زائِلٌ بالِ ... لا شَيْءَ يَبْقى مِنَ الدُّنْيا عَلى حَالِ يا ذا الَّذي يَشْتهي ما لا ثَوابَ لَهُ ... تَبْغي الثَّوابَ فَكُنْ حَمَّالَ أثْقالِ لا خَيرَ في الْمالِ إلاّ أنْ تُقَدِّمَهُ ... إنْ لمْ تُقَدِّمْهُ ما تَرْجو مِنَ الْمالِ أَما وَدَيَّانِ يَوْمِ الدّينِ ما طَلَعَتْ ... شَمْسٌ ولا غَرَبَتْ إلاَّ لآجالِ كُلٌّ يَمُوتُ وَلَكِن نَحْنُ فِي لَعِبٍ ... وَالْمَوتُ مُحْتَجِبٌ عَنَّا بِآمَالِ وقال أيضًا: ألا رُبَّ أحزانٍ شَجاني طُروقُها ... فَسَكَّنْتُ نَفْسي حينَ هَمَّ خُفوقُها وَلَنْ يَستَتِمَّ الصَّبْرَ إلاَّ مَنْ لا يَرُبُّهُ ... ولَنْ يَعْرِفَ الأحزانَ مَنْ لا يَذوقُها

أحمد الله على كل حال

وَلِلنْاسِ خَوضٌ في الْكَلامِ وَأَلْسُنٌ ... وَأقْرَبَها مِنْ كُلِّ خَيْرٍ صَدُوقُها وَما صَحَّ إِلاَّ شاهِدٌ صَحَّ غَيْبُهُ ... وَما تُنْبِتُ الأغْصانَ إلاَّ عُروقُها أَراني بِأعْباثِ الْمَلاعِب لاهِيًا ... وَباللَّهْوِ لَوْلا جَهْلُ نَفْسي وَمُوقُها أُرَقِّعُ مِنْ دُنْيايَ دُنْيا دَنِيَّةً ... وَدارًا كَثيرًا وَهْيُها وَخُروقُها فَإِنْ كانَ لي سَمْعٌ فَقَدْ أَسْمَعُ النِّدا ... يُنادي غُروبُ الشَّمسِ لي وَشُروقُها وقال: أَحْمَدُ اللهَ عَلى كُلِّ حالِ ... إنَّما الدُّنْيا كَفَيْءِ الطِّلالِ إنَّما الدُّنيا مُناخٌ لِرَكْبٍ ... يُسْرِعُ الْحَثَّ بِشَدِّ الرِّحالِ رُبَّ مُغَترٍّ بِها قَدْ رَأَيْنا ... نَعْشَهُ فَوْقَ رِقابِ الرِّجالِ مَنْ رَأى الدُّنيا بِعَيَنْي بَصيرٍ ... لَمْ تَكَدْ تَخْطُرُ مِنْهُ بِبالِ إنَّما الْمِسكينُ حَقًّا يَقينًا ... مَنْ غَدا يأمَنُ صَرْفَ اللَّيالي لَيْسَ مالٌ لَمْ يُقَدِّمْهُ ذُخرا ... رَبُّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِمالِ ما أرى لي ظالِمًا غَيرَ نَفْسي ... وَيْحَ نَفْسي ما لِنَفْسي وَمَا لِي يا مُضَيِّعَ الْجِدِّ بِالْهَزْلِ مِنْهُ ... مَنْ يُبالي مِنكَ مَا لا تُبالي ... وقال في مُرَابطة عَبَّادَان: سَقَى اللهُ عَبَّادانَ غَيْثًا مُجَلِّلاَ ... فإِنَّ لهَا فَضْلاَ جََدِيدًا وأوَّلا وَثَبَّتَ مَنْ فيها مُقيمًا مُرابٍطًا ... فَما إنْ أرى عَنْها لَهُ مُتَحَوَّلا إذا جِئْتَها لَمْ تلْقَ إلاَّ مُكَبِّرًا ... تَخلَّى عَنِ الدُّنْيا وإلاَّ مُهَللاِّ فأكْرِمْ بِمَنْ فيها عَلى اللهِ نازِلا ... وأكْرِمْ بِعَبّادانَ دارًا ومَنْزلا وقال أيضًا: قُلْ لأَهْلِ الإِكْثارِ وَالإِقْلالِ ... كُلُّكُمْ مَيِّتٌ عَلى كُلِّ حَالِ

غفلت وليس الموت عني بغافل

ما أَرى خالدًا على قِلَةِ الْما ... لِ وَلاِ باقِيًا لِكَثْرَةِ مالِ عَجَبًا لِيْ وَلاِغْترِاري بِدَارٍ ... لَسْتُ أَبْقى لَها ولا تَبْقى لِيْ ما تَصافَى قَوْمٌ عَلىغَيْرِ ذاتِ اللهِ ... إِلاَّ تَفَرَّقُوا عَنْ تَقَالِ ومَتى شِئْتَ أنْ تُطَعَّمَ بِالذُّ ... لَّ فَرُمْ ما حَوَتْهُ أَيْدِي الرِّجالِ وقال أيضًا: غَفَلْتُ ولَيْسَ الْمَوْتُ عَنّي بِغافِلِ ... وإِنّي أَراهُ لِي لأَوَّلَ نازِلِ نَظَرْتُ إلى الدُّنْيا بِعَيْنٍ مَريضَةٍ ... وَفِكْرَةِ مَغْرورٍ وتَدْبيرِ جاهِلِ فَقُلْتُ هِيَ الدِّارُ التَّي لَيْسَ غَيْرُها ... وَنافَسْتُ مِنْها في غُرُورٍ وباطِلِ وَضَيَّعْتُ أَهْوالاً أمامِي طَوِيلَةً ... بِلَذَّةِ أيّامٍ قِصارٍ قَلائِلِ وقال أيضًا: طالَما احْلَوَّ لِي مَعاشي وَطابا ... طالَما سَحَّبْتُ خَلْفي الثِيِّابَا طالَما طاوَعْتُ جَهْلي وَلَهْوي ... طالَما نازَعْتُ صَحْبِي الشَّرابَا طَالَما كُنْتُ أُحِبُّ التَّصابي ... فَرَماني سَهْمُهُ وَأَصَابَا أيُّها الْباني قُصورًا طِوالاً ... أيْنَ تَبْغي هَلْ تُريدُ السَّحَابَا إنَّما أنْتَ بوادي الْمَنايا ... إنْ رَماكَ الْمَوْتُ فيهِ أَصَابَا أيُّها الْباني لِهَدْمِ اللَّيالِي ... ابْنِ ما شِئْتَ سَتَلْقى خَرابَا أأمِنْتَ الْمَوْتَ وَالْمَوْتُ يَأبى ... بِكَ وَالأَيامُ إلاّ انْقِلابا هَلْ تَرى الدُّنْيا بَعْيَني بَصِيرٍ ... إنَّما الدُّنْيا تُحَاكِي السَّرَابَا إنَّما الدُّنْيا كَفَيْءٍ تَوَلَّى ... أوْ كَما عايَنْتَ فيهِ الضَّبَابَا نارُ هذا الْمَوَتِ في النَّاسِ طُرَّا ... كُلَّ يَوْمٍ قَدْ تَزيدُ الْتِهابا ... إنَّما الدُّنْيا بَلاءٌ وَكَدٌّ ... وَاكْتِئابٌ قَدْ يَسوق اكْتِئابا ما اسْتَطابَ الْعَيْشَ فيها حَليمٌ ... لا وَلا دامَ لَهُ ما استَطابا

كم للحوادث من صروف عجائب

أيُّها الْمَرْءُ الَّذي قَدْ أبى أنْ ... يَهْجُرَ اللَّهْوَ بِها وَالشَّبابا وَبَنى فيها قُصورًَا ودُورًا ... وَبنى بَعْدَ الْقِبابِ الْقِبابا وَرَأى كُلَّ قَبيحٍ جَميلاً ... وأبى لِلْغَيِّ إلاّ ارْتِكابا أنْتَ في دارٍ تَرى الْمَوْتَ فيها ... مُسْتَشيطًا قَدْ أذَلَّ الرِّقابا أبَتِ الدُّنْيا على كُلِّ حَيٍّ ... آخِرَ الأَيامِ إلا ذَهابا إنَّما تَنْفي الْحَياةَ الْمَنايا ... مِثْلَما يَنْفي الْمَشيبُ الشَّبابا ما أرى الدُّنْيا على كُلِّ حَيٍّ ... نالَها إلاّ أذًى وَعَذابا بيْنَما الإِنْسانُ حيٌّ قَوِيٌّ ... إذ دَعاهُ يَوْمُهُ فَأجابا غَيْرَ أنَّ الْمَوْتَ شَيْءٌ جَليلٌ ... يَتُرُكُ الدُّورَ يَبابًا خَرابا أيُّ عَيْشٍ دامَ فيها لِحَيٍّ ... أيُّ حَيٍّ ماتَ فيها فَآبا أيُّ مُلْكٍ كانَ فيها لِقَوْمٍ ... قَبْلَنا لَمْ يُسْلَبوهُ اسْتلاِبا إنَّما داعي الْمَنايا يُنادي ... احْمِلوا الزّادَ وَشُدّوا الرِّكابا جَعَلَ الرَّحْمنُ بَيْنَ الْمَنايا ... أنْفُسَ الْخَلْقِ جَميعًا نِهابا لَيتَ شِعْري عَنْ لِساني أيَقْوى ... يَوْمَ عَرْضي أنْ يَرُدَّ الْجَوابا لَيتَ شِعْري بِيَمِيِنَي أُعْطى ... أمْ شِمالي عِنْدَ ذاكَ الْكِتابا سامِحِ النّاسَ فَإنّي أَراهُمْ ... أصْبَحوا إلاّ قَليلاً ذِئابا أَفْشِ مَعْروفَكَ فيهم وَأكْثِرْ ... ثُمَّ لا تَبْغِ عَلَيْهِ ثَوابا وَسَلِ اللهَ إذا خِفْتَ فَقْرًا ... فَهْوَ يُعْطيكَ الْعَطايا الرِّغابا وقال أيضًا: كَمْ لِلْحَوادِثِ مِنْ صُروفِ عَجائِبِ ... وَنَوائِبٍ مَوْصولَةٍ بِنَوائِبِ وَلَقَدْ تَفاوَتَ مِنْ شَبابِكَ وَانْقَضى ... ما لَسْتَ تُبْصِرُهُ إلَيْكَ بِآيِبِ تَبْغي مِنَ الدُّنْيا الْكَثيرَ وَإنَّمَا ... يَكْفيكَ مِنْها مِثْلُ زادِ الرّاكِبِ

تبارك رب لا يزال ولم يزل

لا يُعْجِبَنَّكَ ما تَرى فَكأنَّهُ ... قَدْ زالَ عَنْكَ زَوالَ أَمْسِ الذّاهِبِ أَصْبَحْتَ في أَسْلابٍ قَوْمٍ قَدْ مَضَوْا ... وَرِثوا التَّسالُبَ سالِبًا عَنْ سالِبِ ... وقال أيضًا: تَبارَكَ رَبُّ لا يَزالُ وَلَمْ يَزَلْ ... عَظيمَ الْعَطايا رازِقًا دائِمَ السَّيْبِ لِهَجْتُ بِدارِ المَوْتِ مُسْتَحْسِنًا لَها ... وَحَسْبيِ لدارِ المَوْتِ بِالمَوْتِ مِنْ عَيْبِ لِيَخْلُ امْرُؤٌ دونَ الثِّقاتِ بِنَفْسِهِ ... فَما كُلُّ مَوْثوقٍ بِهِ ناصِحُ الْجَيْبِ لَعَمْرُك ما عَيْنٌ مِنَ المَوْتِ في عَمَى ... وَما عَقْلُ ذي عَقْلٍ مِنَ الْبَعْث في رَيْبِ وَما زالَتِ الدُّنْيا تُرى النّاسَ ظاهِرًا ... لَها شاهدٌ مِنْهُ يَدُلُّ عَلى غَيْبِ وقال أيضًا: سُبْحانَ مَنْ يُعْطي بِغَيْرِ حِسابِ ... مَلِكِ المُلوكِ وَوارِثِ الأَرْبابِ وَمُدَبِّر الدُّنْيا وَجاعِلِ لَيْلِها ... سَكَنًا وَمُنْزِلِ غَيْثِ كُلِّ سَحابِ يا نَفْسُ لا تَتَعَرَّضي لِعَطِيَّةٍ ... إِلاّ عَطِيَّةَ رَبِّكِ الْوَهّابِ يا نَفْسُ هَلاّ تَعْمَلينَ فَإنَّنا ... في دارِ مُعْتَمَلٍ لِدارِ ثَوابِ وقال أيضًا: ما يُرْتَجى بِالشَّيْءِ لَيْسَ بِنافِعِ ... ما لِلْخُطوبِ وَلِلزَّمانِ الْفاجِعِ وَلَقَلَّ يَوْمٌ مَرَّ بِي أوْ لَيْلَةٌ ... لمْ يَقْرَعا كَبِدي بِخَطْبٍ رائِعِ كمْ مِنْ أسيرِ الْعَقْلِ في شَهَواتِهِ ... ظَفِرَ الْهَوى مِنْهُ بِعَقْلٍ ضائِعِ سُبْحانَ مَنْ قَهَرَ الْمُلوكَ بِقُدْرَةٍ ... وَسِعَتْ جَميعَ الْخَلْقِ ذاتِ بَدائِعِ أيُّ الْحَوادِثِ لَيْسَ يَشْهَدُ أنَّهُ ... صُنْعٌ ويَشْهَدُ بِاقْتِدارِ الصّانِعِ ما النَّاسُ إِلاَّ كَابْنِِ أُمٍّ واحِدٍ ... لَوَلا اخْتِلافُ مَذاهِبٍ وطَبائِعِ والحَقُّ في الْمَجْرى أغَرُّ مُحَجَّلٌ ... تَلْقاكَ غُرَّتُهُ بِنُورٍ ساطِعِ

الشيء محروص عليه إذا امتنع

ما خَيْرُ مَنْ يُدْعَى لِيُحْرِزَ حَظَّهُ ... مِنْ دِينِهِ فَيكونُ غَيْرَ مُطاوعِ ما لاِمْرِئٍ عَيْشٌ بِغَيْرِ بَقائِهِ ... ماذا تُحِسُّ يَدٌ بَغَيْرِ أصابِعِ أتُطالِعُ الآمالَ مُنْتَظَرًِا وَلا ... تَدْري لَعَلَّ الْمَوْتَ أوَّلُ طالِعِ وإِذا ابْنُ آدَم حَلَّ في أكْفانِهِ ... حَلَّ ابْنُا أُمِّكَ في الْمَكانِ الشّاسِعِ وإذا الخُطُوبُ جَرَتْ عَلَيكَ بِوَقْعِها ... تَرَكَتْكَ بَينَ مُفَجَّعٍ أَوْ فاجِعِ كَمْ مِنْ مُنًى مَثُلَتْ لِقَلْبِكَ لَمْ تَكُنْ ... إلا بِمَنْزِلَةِ السَّرابِ اللاَّمِعِ لُذْ بالإِِلهِ مِنَ الرَّدى وطُروقِهِ ... فَتَحُلَّ مِنْهُ في الْمَحَلِّ الْواسِعِ وقال رحمه الله: الشَّيْءُ مَحْروصٌ عَلَيْهِ إذا اَمْتَنَعْ ... وَلَقَلَّ مَنْ يَخْلو هَواهُ مِنْ وَلَعْ والْمَرْءُ مُتَّصِلٌ بَخَيْرِ صَنيعِهِ ... وبِشَرِّهِ حَتى يُلاقِي ما صَنَعْ ولَمِنْ يَضيقُ عَنِ المَكارِمِ ضَيقَة ... ولِمَنْ تَفَسَّحَ في الْمَكارِمِ مُتَّسَعْ والنّاسُ بَيْنَ مُسَلِّمٍ رَبِحَ الرِّضا ... فِيمَا يَمَضُّ وبَيْنَ مَنْ خَسِرَ الْجَزَعْ والْحَقُّ مُتَّصلٌ ومُتَّصَلٌ بِهِ ... فَإِذا سَمِعْتَ بِمَيِّتٍ فَقَدِ انْقَطَعْ ولَرُبَّ مُرٍّ قَدْ أفادَ حَلاوَةً ... ولَرُبَّ حُلْوٍ في مَغَبَّتِهِ شُنَعْ وأمامَكَ الْوَطَنُ الْمَخوفُ سَبيُلُه ... فَتَزَوَّدِ التَّقْوى إلَيْهِ ولا تَدَعْ لَيْسَ الْمُوفّى حَظَّهُ مِنْ مالِهِ ... إلاّ الْمُوفى زادَ هَوْلِ الْمُطَّلَعْ واعْلَمْ بِأَنَّكَ لَسْتَ تَطْرِفُ طَرْفَةَ ... إلاّ تَفاوَتَ مِنْكَ ما لا يُرْتَجَعْ عَبْدُ الْمَطامِعِ في لِباسِ مَذَلَّةٍ ... إنَّ الذَّليلََ لَمَنْ تَعَبَّدَهُ الطَّمَعْ وَلَرُبَّما مُحِقَ الْكَثَيرُ وَرُبَّما ... كَثُرَ الْقَليلُ إِلَى الْقَليلِ إِذا جُمِعْ والْمَرْءُ أَسْلَمُ ما يَكونُ بِدينِهِ ... عِنْدَ التَّحَفُّظ والسَّكِينَةِ والْوَرَعْ

أما بيوتك في الدنيا فواسعة

وقال رحمه الله: أَمَّا بُيوتُكَ في الدُّنْيَا فَوَاسِعَةٌ ... فَلَيْتَ قَبْرَكَ بَعد الموتِ يَتْسِعُ وَلَيْتَ ما جَمَعَتْ كَفّاكَ مِنْ نَشَبٍ ... يُنْجيكَ مِنْ هَوْلِ ما إنْ أَنْتَ مُطَّلِعُ أَيَفْرَحُ النّاسُ بِالدُّنْيا وَقَدْ علِموا ... أنَّ الْمَنازِلَ في لَذَاتِنا قلَعُ مَنْ كانَ مُغْتَبِطًا فيها بِمَنْزِلَةٍ ... فَإِنَّهُ لِسِواها سَوْفَ يَنْتَجِعُ وكُلُّ ناصِرِ دُنْيا سَوْفَ تَخْذُلُهُ ... وكُلُّ حَبْلٍ عَلَيْها سَوْفَ يَنْقطِعُ ما لي أَرى النّاسَ لا تَسْلو ضَغائِنهُمْ ... ولا قُلوبُهُمُ في اللهِ تَجْتَمِعُ إِذا رَأَيْتَ لَهُمْ جَمْعًا تُسَرُّ بِهِ ... فَإنَّهُمْ حينَ تَبْلو شَأْنَهُمْ شِيَعُ يا جامِعَ الْمالِ في الدُّنْيا لِوارِثِهِ ... هَلْ أَنْتَ بِالْمالِ بَعْدَ الْمَوْتِ تَنْتَفِعُ لا تُمْسِكِ الْمالَ واسْتَرْضِ الإِلهَ بِهِ ... فإنَّ حَسْبَكَ مِنْهُ الرِّيُّ والشِّبَعُ وقال أيضًا: أَلاَ إِنَّ وَهْنَ الشَّيْبِ فيكَ لَمُسْرِعُ ... وأَنْتَ تَصابى دائِبًا لَسْتَ تُقْلِعُ سَتُصْبِحُ يَوْمًا مَا مِنَ النّاسِ كُلِّهِمْ ... وَحَبْلُكَ مَبْتوتُ الْقُوى مُتَقَطِّعُ فَلِلّهِ بَيْتُ الْهَجْرِ لَوْ قَدْ سَكَنْتَهُ ... لَوُدِّعْتَ تَوْدِيعَ امْرِئٍ لَيْسَ يَرْجِعُ وقال أيضًا: جَزَعْتُ ولكِنْ ما يَرُدُّ لِيَ الْجَزَعْ ... وَأَعْوَلْتُ لَوْ أغْنى الْعَويلُ وَلَوْ نَفَعْ أَيا ساكِني الأَجْداثِ هَلْ لِي إِلَيْكُمُ ... عَلى قُرْبِكُمْ مِني مَدى الدَّهْرِ مُطَّلَعْ فَوَاللهِ ما أَبْقى لِيَ الدَّهْرُ مِنْكُمُ ... حَبيبًا وَلا ذُخْرًا لَعَمْري وَلا وَدَعْ فَأَيُّكُمُ أبْكي بِعَيْنٍ سَخينَةٍ ... وَأَيُّكُمُ أَرْثِي وَأَيُّكُمُ أدَعْ أَيا دَهْرُ قَدْ قَلَّلْتَني بَعْدَ كَثْرَةٍ ... وَأوْحَشْتَني مِنْ بَعْدِ أُنْسٍ وَمُجْتَمعْ

ألا كل ما هو آت قريب

وقال أيضًا: ألاَ كُلُّ ما هُوَ آتٍ قَريبُ ... ولِلأَرْضِ مِنْ كُلِّ حَيٍّ نَصِيْبُ وَلِلنّاسِ حُبٌّ لِطولِ الْبَقا ... ءِ فيها وَلِلْمَوْتِ فيهِمْ دَبِيْبُ وَكَمْ مِنْ أُناسٍ رَأَيْناهُمُ ... تَفانَوْا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَرِيبُ وَصاروا إلى حُفْرَةٍ تُجْتَوى ... وَيُسْلِمُ فيها الْحَبِيبَ الْحَبِيبُ أرى الْمَرْءَ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ ... فَأَعْجَبُ والأَمْرُ عِنْدي عَجِيبُ ومَا هُوَ إلاّ على نَقْصِهِ ... فَيَوْمًا يَشِبُّ وَيَوْمًا يَشِيبُ ألاّ يَعْجَبُ الْمَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ ... إذا مَا نَعاهَا إلَيْهِ الْمَشِيْبُ إذا عِبْتَ أمْرًا فَلا تَأْتِهِ ... وَذُو اللُّبِّ مُجْتَنِبٌ ما يَعِيْبُ وَدَعْ ما يَريبُكَ لا تَأْتِهِ ... وَجُزْهُ إلى كُلِّ ما لا يَرِيْبُ أراكَ لِدُنْياكَ مُسْتَوْطِنًا ... ألَمْ تَدْرِ أنَّكَ فيها غَرِيْبُ أغَرَّكَ مِنْها نَهارٌ يُضيءُ ... وَلَيْلٌ يَجُنُّ وَشَمْسٌ تَغِيْبُ فَلا تَحْسَبِ الدّارَ دارَ الْغُرو ... رِ تَصْفو لِساكِنِها أَوْ تَطِيْبُ وقال أيضًا: أنَلْهو وأيّامُنا تَذْهَبُ ... وَنَلْعَبُ وَالْمَوْتُ لا يَلْعَبُ عَجِبْتُ لِذي لَعِبٍ قَدْ لَها ... عَجِبْتُ وَما لِيَ لا أعْجَبُ أيَلْهو وَيَلْعَبُ مَنْ نَفْسُهُ ... تَموتُ وَمَنْزِلُهُ يَخْرَبُ نَرى كُلَّ ما ساءَنا دائِبًا ... عَلى كُلِّ ما سَرَّنا يَغْلِبُ نَرى الْخَلْقَ في طَبَقاتِ الْبِلى ... إذا ما هُمُ صَعَّدوا صَوَّبُوا نَرى اللَّيْلَ يَطْلُبُنا وَالنَّهارَ ... وَلَمْ نَدْرِ أيُّهُما أطْلَبُ أحاطَ الْجَديدانِ جَمْعًا بِنا ... فَلَيْسَ لَنا عَنْهُما مَهْرَبُ ...

لم لا نبادر ما نراه يفوت

وَكُلُّ لَهُ مُدَّةٌ تَنْقَضي ... وَكُلُّ لَهُ أَثَرٌ يُكْتَبُ إلى كَمْ تَدافِعُ نَهْيَ الْمَشيـ ... ـب يا أيُّها اللاعِبُ الأَشْيَبُ وَما زِلْتَ تجْري بِكَ الْحَادِثاتُ ... فَتَسْلَمُ مِنْهُنَّ أوْ تُنْكَبُ سَتُعْطى وتُسْلَبْ حَتّى تَكون ... نَ نَفْسُكَ آخِرَ ما يُسْلَبُ وقال رحمه الله: لِمَ لا نُبادِرُ ما نَراهُ يَفوتُ ... إذْ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنا سَنَموتُ مَنْ لَمْ يُوالِ اللهَ والرُّسُلَ الَّتي ... نَصَحتْ لَهُ فَوَلِيُّهُ الطَّاغوتُ عُلَماؤُنا مِنّا يَرَوْنَ عَجائِبًا ... وَهُمُ على ما يُبْصِرونَ سُكوتُ تُفْنِيهُمُ الدُّنْيا بِوَشْكِ زَوالِها ... فَجَمِيعُهُم بِغُرورِها مَبْهوتُ وَبِحَسْبِ مَنْ يَسْمو إلى الشّهَوات ما ... يَكْفيهِ مِنْ شَهَواتِهِ وَيَقوتُ يا بَرْزَحَ الْمَوْتَى الَّذِي نَزَلوا بِهِ ... فَهُمُ رُقودٌ فِي ثَراهُ خُفوتُ كَمْ فيكَ مِمَّنْ كانَ يوصَلُ حَبْلُهُ ... قَدْ صارَ بَعْدُ وَحَبْلُهُ مَبْتوتُ وقال أيضًا: يا رُبَّ رِزْقٍ قَدْ أَتى مِنْ سَبَبْ ... لو سَلَّمِ الْعَبْدُ إِلَيْهِ الطَّلَبْ وَرُبَّ مَنْ قَدْ جاءَهُ رِزْقُهُ ... مِنْ حَيْثُ لا يَرْجوا وَلا يَحْتَسِبْ ما أَنْفَعَ الْعَقَلَ لأَصْحابِهِ ... نَتيجَةُ الْعَقْلِ تَمامُ الأَدَبْ ما يَسْتَقيمُ الأَمْرُ إِلا الْتَوى ... وَلا يَجِيءُ الشَّيْءُ إِلاّ ذَهَبْ وَالدَّهْرُ لا تَفْنى أَعاجيبُهُ ... في كُلِّ ما فَكَّرْتَ فيهِ عَجَبْ وقال أيضًا: لَقَدْ لَعِبْتُ وَجَدَّ الْمَوْتُ في طَلَبي ... وَإنَّ في الْمَوْتِ لي شُغْلاً عَنِ اللَّعِبِ لَوْ شَمَّرْتُ فِكْرَتي فيما خُلِقْتُ لَهُ ... ما اشْتدَّ حِرْصي على الدُّنْيا وَلا طَلَبِي سُبْحانَ مَنْ لَيْسَ مِنْ شِيْءٍ يُعادِلُهُ ... إنَّ الْحَريصَ على الدُّنْيا لَفي تَعَب

يا نفس أين أبي وأين أبو أبي

ِ وقال أيضًا: يا نَفْسُ أَيْنَ أَبَي وَأَيْنَ أَبُو أَبِي ... وَأَبُوهُ، عُدِّيْ لاَ أَبَا لَكِ وَاحْسُبِي عُدّي فَإنِّي قَدْ نَظَرْتُ فَلَمْ أجِدْ ... بَيْني وَبَيْنَ أَبِيِّكِ حَيًّا مِنْ أبِ أفَأَنْتِ تَرْجِيْنَ السَّلامَةَ بَعْدَهُمْ ... مَهْلاً! هُدِيْتِ لِسَمْتِ وَجْهِ الْمَطْلَبِ قَدْ ماتَ مَا بَيْنَ الْجَنِيْنِ إلى الرَّضيـ ... ـعِ إِلى الْفَطِيمِ إِلى الْكَبِيرِ الأَشْيَبِ ... فَإِلى مَتى هذا أَرَانَي لاعِبًا ... وَأرَى الْمَنونَ إِذَا أتَتْ لَمْ تَلْعَبِ وقال أيضًا: بَكَيْتُ عَلى الشَّبابِ بِدَمْعِ عَيْني ... فَلَمْ يُغْنِ الْبُكاءُ وَلا النَّحيبُ فَيا أسَفا أسِفْتُ عَلى شَبابٍ ... نَعاهُ الشَّيْبُ وَالرَّأسُ الْخَصيبُ عَريتُ مِنَ الشَّبابِ وَكانَ غَضًّا ... كَما يَعْرى مِنَ الوَرَقِ الْقَضيبُ فَيا لَيْتَ الشَّبابَ يَعودُ يَوْمًا ... فَأُخْبِرَهُ بِما صَنَعَ الْمَشيبُ وقال أيضًا: مَا لِلْمَقابِرِ لا تُجِيْـ ... ـبُ إِذا دَعاهُنَّ الْكِئَيْبُ حُفَرٌ مُسَتَّرَةٌ عَلَيْـ ... ـهِنَّ الْجَنادِلُ وَالْكَثِيْبُ فيهِنَّ ولْدانٌ وَأَطْـ ... ـفَالٌ وَشُبانٌ وَشِيْبُ كَمْ مِنْ حَبِيْبٍ لَمْ تَكُنْ ... نَفْسِي بِفُرْقَتِهِ تَطِيْبُ غادَرْتُهُ في بَعْضِهِنَّ ... مُجَدَّلاً وَهُوَ الْحَبيبُ وَسَلَوْتُ عَنْهُ وَإِنَّما ... عَهْدِي بِرْؤْيَتِهِ قَرْيبُ وقال أيضًا: طَلَبْتُكِ يا دُنْيا فَأَعْذَرْتُ في الطَّلَبْ ... فَما نِلْتُ إِلا الْهَمَّ وَالْغَمَّ والنَّصَبْ فَلَمَّا بَدَا لِي أنَّني لَسْتُ واصِلاً ... إلى لَذَّةٍ إلا بِأَضْعَافِها تَعَبْ

ننافس في الدنيا ونحن نعيبها

وأَسْرَعْتُ في دِيني وَلَمْ اقْضِ بُغْيَتي ... هَرَبْتُ بِدِيْني مِنْكِ إِنْ نَفَعَ الْهَرَبْ تَخَلْيْتُ مِما فيكِ جُهْدي وَطاقَتي ... كَما يَتَخَلّى الْقَوْمُ مِنْ عَرَّةِ الْجَرَبْ فَما تَمَّ لي يَوْمًا إِلى اللَّيْلِ مَنْظَرٌ ... أُسَرُّ بِهِ لَمْ يَعْتَرِضْ دونَهُ شَغَبْ وَإِنّي لَمِمَّنْ خَيَّبَ اللهُ سَعْيَهُ ... إِذا كُنْتُ أرْعى لَقْحَةً مُرَّةَ الْحَلَبْ أرى لَكَ أنْ لا تَسْتَطيبَ لِخِلَّةٍ ... كَأَنَّكَ فيها قَدْ أمِنْتَ مِنَ الْعَطَبْ ألَمْ تَرَها دارَ افْتراقٍ وَفَجْعَةٍ ... إِذا ذَهَبَ الإِنْسانُ فيها فَقَدْ ذَهَبْ أُقَلِّبُ طَرْفي مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ... لأَعْلَمَ ما في النَّفْسِ وَالْقَلْبُ يَنْقَلِبْ وَسَرْبَلْتُ أخْلاقي قُنوعًا وَعِفَّةً ... فَعِنْدي بِأَخْلاقي كُنوزٌ مِنَ الذَّهَبْ فَلَمْ أَرَ خُلْقًا كَالْقُنوعِ لأَهْلِهِ ... وَأنْ يُجْمِلَ الإِنْسانُ ما عاشَ في الطَّلَبْ وَلَمْ أرَ فَضْلاً تَمَّ إلاَّ بِشِيمَةٍ ... وَلَمْ أَرَ عَقْلاً صَحَّ إلاَّ عَلَى أَدَبْ وَلَمْ أَرَ في الأَعْداءِ حِيْنَ خَبَرْتُهُمْ ... عَدْوًّا لِعَقْلِ الْمَرْءِ أَعْدَى مِنَ الْغَضَبْ ... وَلَمْ أرَ بَيْنَ الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ خُلْطَةً ... وَلَمْ أرَ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيْتِ مِنْ سَبَبْ وقال رحمه الله: نُنافِسُ في الدُّنْيا وَنَحْنُ نَعيبُها ... لَقَدْ حَذَّرَتْناها لَعَمْري خُطوبُها وَما نَحْسَبُ السّاعاتِ تُقْطَعُ مُدَّةً ... على أنَّها فينا سَريعٌ دَبيبُها وِإنّي لِمَمَّنْ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَالْبِلى ... ويُعْجِبُني رَوْحُ الْحَيَاةِ وطيبُها فَحَتّى مَتى حَتّى مَتى وإلى مَتى ... يَدومُ طُلوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ غُروبُها أيَا هادِمَ اللَّذاتِ ما مِنْكَ مَهْرَبٌ ... تُحاذِرُ نَفْسي مِنْكَ ما سَيُصيبُها كَأني بِرَهْطي يَحْمِلونَ جَنازَتي ... إلى حُفْرَةٍ يُحثى عَلَيَّ كَثيبُها فَكَمْ ثَمَّ مِنْ مُسْتَرْجِعٍ مُتوجِّعٍ ... وباكِيَةٍ يَعْلو عَلَيَّ نَحيبُها وداعِيَةٍ حَرَّى تُنادي وإِنَّني ... لَفي غَفْلَةٍ عَنْ صَوْتِها ما أُجيبُها رَايْتُ الْمَنايا قُسِّمتْ بَيْنَ أنْفُسٍ ... وَنَفْسي سَيَأْتي بَعْدَهُنَّ نَصيبُها

لشتان ما بين المخافة والأمن

وقال أيضًا: لَشَتَّانَ ما بَيْنَ الْمَخافَةِ والأَمْنِ ... وَشَتَّانَ ما بَيْنَ السُّهولَةِ وَالْحَزْنِ تَنَزَّهْ عَنِ الدُّنْيا وَإلاَّ فإنَّها ... سَتَأْتِيكَ يَوْمًا في خَطَاطِيفِها الْحُجْنِ إذا حُزْتَ ما يَكْفِيكَ مِنْ سَدِّ خَلَّةٍ ... فَصِرْتَ إلى ما فَوْقَهُ صِرْتَ في سِجْنِ أيا جامِعَ الدُّنْيا سَتَكْفِيكَ جَمْعَها ... ويا بانيَ الدُّنْيا سَيَخْرَبُ ما تَبْني ألا إنَّ مَنْ لا بُدَّ أنْ يَطْعَمَ الرَّدى ... وَشِيكًا حَقِيقٌ بِالْبُكاءِ وَبالْحُزْنِ تَعَجَّبْتُ إِذْ أَلْهُو وَلَمْ ارَ طَرْفَةً ... لَعَيْنِ امْرئٍ مِنْ سَكْرَةِ الْمَوْتِ لا تُدْني أَياَ عَيْنُ كَمْ حَسَّنْتِ لي مِنْ قَبِيحَةٍ ... وما كُلُّ ما تَسْتَحْسِنينَ بِذِي حَسْنِ كَأَنَّ امْرءًا لَمْ يَغْنَ في النَّاسِ ساعَةً ... إِذا نُفِضَتْ عَنْهُ الأَكُفُّ مِنَ الدِّفْنِ ألا هَلْ إِلى الْفِرْدَوْسِ مِنْ مُتَشَوِّقٍ ... تَحِنُّ إلَيْها نَفْسُهُ وَإِلى عَدْنِ وما يَنْبَغي لي أنْ أُسَرِّ بِلَيْلَةٍ ... أَبِيتُ بِهِا مِنْ ظالِمٍ لي عَلى ضَغْنِ ومَنْ طابَ لي نَفْسًا بِقُرْبٍ قَبِلْتُهُ ... وَمَنْ ضاق عَنْ قُرْبي فَفي أوْسَعِ الإِذْنِ لَعَمْرُكَ ما ضاقَ امْرُؤٌ بَرَّ واتَّقى ... فَذو الْبِرِّ وَالتَّقْوى مِن اللهِ في ضَمْنِ وَأَبْعِدْ بِذي رَأْيٍ مِنَ الْحُبِّ لِلتُّقى ... إذا كانَ لا يُقْصِي عَلَيْها ولا يُدْنِي وقال أيضًا: للهِ عاقِبَةُ الأُمورِ جَميعا ... أخْشى التَّفَرُّقَ أنْ يكونَ سَريعَا أَفَتَأْمَنُ الدُّنْيا كأَنَّكَ لا تَرى ... في كُلِّ وَجْهٍ لِلْخُطوبِ صَريعَا أصْبَحْتَ أعْمى مُبْصِرًا مُتَحَيِّرًا ... في ضَوْءِ باهِرَةٍ أصَمَّ سَمِيعا لِلْمَوْتِ ذِكْرٌ أنْتَ مُطَّرِحٌ لَهُ ... حتى كأنَّكَ لا تَراهُ ذَريَعا ما لي أَرى ما ضاعَ مِنْكَ كأَنَّما ... ضَيَّعْتَهُ مُتَعَمِّدًا لِيَضيعَا

رجعت إلى نفسي بفكري لعلها

وَتَشَوَّفَتْ لِذَوي مَخايِلِها الْمُنى ... وَكتَمْنَ سُمًّا تَحْتَهُنَّ نِقَيْعَا وَإلى مَدًى سَبَقَتْ جِيادُ ذَوي التُّقى ... فأَصَبْنَ فيهِ مِنَ الْحَياءِ رَبِيْعَا وَلَتُفْتَنَنَّ عَنِ الْهُدى إنْ لَمْ تَكُنْ ... لأَعِنَّةِ الدُّنْيا إِلَيْهِ خَليعَا كَمْ عِبْرَةٍ لَكَ قَدْ رَأَيْتَ إن اعْتَبَرْ ... تَ بِها وَكمْ عَجَبًا رَأَيْتَ بَدِيْعَا إنْ كُنْتَ تَلْتَمِسُ السَّلامَةَ في الأُمُو ... رِ فَكُنْ لِرَبِّكَ سامِعًا وَمُطيعا وقال أيضًا: رَجَعْتُ إلى نَفْسي بِفِكْري لَعَلَّها ... تُفارِقُ ما قَدْ غَرَّها وَأَذَلَّها فَقُلْتُ لهَا يا نَفْسِ ما كُنْتُ آخِذًا ... مِنَ الأَرْضِ لَوْ أصْبَحْتُ أَمْلِكُ كُلَّها فَهلْ هِيَ إلاّ شَبْعَةٌ بَعْدَ جَوْعَةٍ ... وإلاّ مُنى قَدْ حانَ لي أنْ أمَلَّها ومُدَّةُ وَقْتٍ لمْ يَدَعْ مرُّ ما مَضى ... عَليَّ مِنَ الأَيّامِ إلاّ أقَلَّها أَرى لَكَ نَفْسًا تَبْتَغي أنْ تُعِزَّها ... ولَسْتَ تُعِزُّ النَّفْسَ حَتّى تُذلِهَّا وقال رحمه الله: أَلَمْ يَأْنِ لي يا نَفْسُ أنْ أَتَنَبَّها ... وَأنْ أتْرُكَ اللَّهْوَ الْمُضِرَّ لِمَنْ لَها أَرَى عَمَلي لِلشَّرِّ مِنِّي بِشَهْوَةٍ ... وَلَسْتُ أَرُومُ الْخَيْرَ إلاَّ تَكَرُّها كَفى بامْرِئٍ جَهْلاً إذا كانَ تابِعًا ... هَواهُ مِنَ الدُّنْيا إِلى كُلِّ ما اشْتَهى وفي كُلِّ يَوْمٍ عِبْرَةٌ بَعدَ عِبْرَةٍ ... وفي الْمَوْتِ ناه لِلْفَتى لَوْ هُوَ انْتَهى وَكُلُّ بَنِي الدُّنْيا عَلى غَفَلاتِهِ ... تُواجِهُهُ الأَقْدَارُ حَيْثُ تَوَجَّها وقال أيضًا: عَجَبًا عَجَبْتُ لِغَفْلَةِ الإِنْسانِ ... قَطَعَ الْحَياةَ بِغرَّةٍ وأمانِ فَكَّرْتُ في الدُّنيا فكانَتْ مَنْزِلاً ... عِنْدي كَبَعْضِ مَنازِلِ الرُّكْبانِ عِندي جَميعُ النّاسِ فيها واحِدٌ ... فَقَليلُها وكَثِيرُها سِيّانِ

يا واعظ الناس قد أصبحت متهما

فإلى مَتى كَلَفي بِما لَوْ كُنْتُ تَحْـ ... ـتَ الأَرْضِ ثُمَّ رُزِقْتُهُ لأتأني أَبْغي الْكَثيرَ إِلى الْكَثيرِ مُضاعَفًا ... ولَوِ اقْتَصَرْتُ عَلى الْقَليلِ كَفاني للهِ دَرُّ الْوارِثينَ كَأنَّني ... بِأخَصِّهِمْ مُتَبَرِّمًا بِمَكاني قَلِقًا يُجَهِّزُني إلى دارِ الْبِلى ... مُتَحَرِّيًا لِكَرامَتي بِهَواني مُتَبَرِّئًا مِني إذا نُضِدَ الثَّرى ... فَوْقي طوى كَشْحًا عَلى هِجْراني وقال أيضًا: يا وَاعِظَ النَّاسِ قَدْ أَصْبَحْتَ مُتَّهَمًا ... إذْ عِبْتَ مِنْهُمْ أُمُورًا أنْتَ تأتِيها كالْمُلْبِسِ الثَوْبَ مِنْ عُرْي وَعَورْتُهُ ... لِلنَّاسِ بادِيَةُ ما إنْ يُوارِيها وأَعْظَمُ الإِثْم بَعْدَ الشِّرْكِ نَعْلَمُهُ ... في كُلِّ نَفْسٍ عَماها عَنْ مَساويها وشُغْلُها بِعُيوبِ النَّاسِ تُبْصِرُها ... مِنْهُمْ وَلا تُبْصِرُ الْعَيْبَ الَّذي فيها وقال: تَزَوَّدْ مِن الدُنَيا مُسِرًّا وَمُعْلِنا ... فَما هُوَ إلاَّ أنْ تُنادى فَتَظْعَنا يُريدُ امْرُؤٌ أَلاَّ تُلَوَّنَ حالُهُ ... وتأْبى بِهِ الأَيّامُ إِلاَّ تَلَوُّنا عَجِبْتُ لِذي الدُّنْيا وقَدْ حَطَّ رَحْلَهُ ... بِمُسْتَنِّ سَيْلٍ فابْتَنى وَتَحَصَّنا تَزَيَّنْ لِيَوْمٍ الْعَرْضِ ما دُمْتَ مُطْلَقًا ... وما دَامَ دُونَ الْمُنْتَهى لَكَ مُمْكِنا ولا تُمْكِنَنَّ النَّفْسَ مِنْ شَهَواتِها ... ولا تَرْكَبَنَّ الشَّكَّ حَتّى تَيَقَّنَا وما النَّاسُ إلاّ مِنْ مُسيءٍ ومُحْسِنٍ ... وكمْ مِنْ مُسيءٍ قَدْ تَلافَى فَأحْسَنا إِذا ما أرَادَ الْمَرْءُ إِكْرامَ نَفْسِهِ ... رَعاها وَوَقَّاهَا الْقَبيحَ وزَيَّنا ألَيْسَ إذا هانَتْ عَلى الْمَرْءِ نَفْسُهُ ... وَلمْ يَرْعَها كانَتْ عَلى النَّاسِ أهْوَنا وقال أيضًا: أُفِّ لِلدُّنْيا فَلَيْسَتْ لي بِدارْ ... إنَّما الرّاحَةُ في دارِ الْقَرارْ

إن دارا نحن فيها لدار

أَبَتِ السّاعاتُ إلاّ سُرْعَةً ... في بِلى جَسْمي بِلَيْلٍ وَنَهارْ إنَّما الدُّنْيا غُرورٌ كُلُّها ... مِثْلُ لَمْعِ الآلِ الأَرْضِ الْقِفارْ يا عِبادَ اللهِ كُلٌّ زائِلٌ ... نَحْنُ نُصْبٌ لِلْمَقاديرِ الْجَوارْ وقال أيضًا: إنَّ دارًا نَحْنُ فيها لَدارُ ... لَيْسَ فيها لِمُقيمٍ قَرارُ كمْ وَكمْ قَدْ حَلَّها مِنْ أُناسِ ... ذَهَبَ اللَّيْلُ بِهِمْ وَالنَّهارُ فَهُمُ الرَّكْبُ أصابوا مُناخًا ... فاسْتَراحوا ساعَةً ثُمَّ ساروا وَهُمُ الأَحْبابُ كانوا ولكِنْ ... قَدُمَ الْعَهْدُ وَشَطَّ الْمَزارُ ... عَمِيَتْ أَخْبارُهُمْ مُذْ تَوَلَّوْا ... لَيْتَ شِعْري كَيْفَ هُمْ حَيْثُ صاروا أَبَتِ الأَجْداثُ ألا يُزُورُوا ... ما ثَوَوْا فيها وأَنْ لا يُزاروا ولَكَمْ قَدْ عَطَّلوا مِنْ عِراصٍ ... وَدِيارٍ هِيَ مِنْهُمْ قِفارُ وَكَذا الدُّنْيا عَلى ما رَأَيْنا ... يَذْهَبُ النّاسُ وتَخْلو الدِّيارُ كَيْفَ ما فَرَّ مِنَ الْمَوْتِ حَيٌّ ... وهْوَ يُدْنيهِ إلَيْهِ الْفرِارُ إنَّما الدُّنْيا بَلاغٌ لِقَوْمٍ ... هُوَ في أَيْديهِمُ مُسْتَعارُ فَاعْلَمَنْ واسْتَيْقِنَنْ أنَّهُ لا ... بُدَّ يَوْمًا أَنْ يُرَدَّ الْمُعارُ وقال أيضًا: لِلنّاسِ في السَّبْقِ بَعْدَ الْيَوْمِ مِضْمارُ ... والْمُنْتَهى جَنَّةٌ لا بُدَّ أوْ نارُ الْمَوْتُ حَقٌّ ولكِنْ لمْ أزَلْ مَرْحًا ... كَأنَّ مَعْرِفَتي بِالْمَوْتِ إنْكارُ إنّي لأَعْمُرُ دارًا ما لِساكِنِها ... أهْلٌ وَلا وَلَدٌ يَبْقى وَلا جارُ فبِئْسَتِ الدّارُ لِلْعاصي لِخالِقِه ... وَهْيَ لِمَنْ يَتَّقيهِ نِعْمَتِ الدّارُ

ألا يا نفس ما أرجو بدار

وقال رحمه الله تعالى: أَلاَ يا نَفْسُ ما أَرْجو بِدارِ ... أرى مَنْ حَلَّها قَلقَ الْقَرارِ بِدارٍ إنَّما اللَّذاتُ فيها ... مُعَلَّقَةٌ بِأيّامٍ قِصارِ نَرى الأَمْوالَ أرْبابًا عَلَيْنا ... ومَا هِيَ بَيْنَنا إِلا عَوارِ كَأنْي قَدْ أخَذُّتُ مِنَ الْمَنايا ... أَمانًا في رَواحي وَابتِكاري إذا ما الْمَرْءُ لمْ يَقنَعْ بِعَيْش ... تَقَنَّعَ بِالْمَذَلَّةِ والصَّغارِ قال أيضًا: لأَمْرٍ ما خُلِقْتَ فَما الْغُرورُ ... لأَمْرٍ ما تُحَثُّ بِكَ الشُّهورُ ألَسْتَ تَرى الخُطْوبَ لهَا رَواحٌ ... عَلَيْكَ بِصَرْفِها وَلَها بُكُورُ أَتَدْري ما يَنوبُكَ في اللَّيالي ... وَمَرْكَبُكَ الْجَموحُ بِكَ الْعَثورُ كَأَنَّكَ لا تَرى في كُلِّ وَجْهٍ ... رَحى الْحَدَثانِ دائِرَةً تَدورُ أَلا تَأْتي الْقُبورَ صَباحَ يَوْمٍ ... فَتَسْمَعَ ما تُخَبِّرُكَ الْقُبورُ فإنَّ سُكونَها حَرَكٌ يُناجي ... كَأَنَّ بُطونَ غائِبِها ظُهورُ فَيالَكِ رَقْدَةً في غِبِّ كَأْسٍ ... لِشارِبهِا بِلًى وَلَهُ نُشورُ لَعَمْرُكَ ما يَنالُ الْفَضْلَ إِلاَّ ... تَقِيُّ الْقَلْبِ مُحْتَسِبٌ صَبورُ ... أُخَيَّ أما تَرى دُنْياكَ دارًا ... تَموجُ بِأَهْلِها وَلَها بُحورُ فَلا تَنسَ الْوَقارَ إِذا اسْتَخَفَّ الْـ ... ـحِجى حَدَثٌ يَطيشُ لَهُ الْوَقورُ وَرُبَّ مُهَرِّ شٍ لَكَ في سُكونٍ ... كَأَنَّ لِسانَهُ السَّبُعُ الْعَقورُ لِبَغْيِ النَّاسِ بَيْنَهُمُ دَبيبٌ ... تَضايَقُ عَنْ وَساوِسِهِ الصُّدورُ أُعيذُكَ أنْ تُسَرَّ بِعَيْشِ دارِ ... قَليلاً ما يَدومُ بِها سُرورُ بِدارٍ لا تَزالُ لِساكِنيها ... تُهَتَّكُ عَنْ فَضائِحِها السُّتورُ ألاَ إنَّ الْيَقين عَلَيْهِ نورٌ ... وَإنَّ الشَّكَّ لَيْسَ عَلَيْهِ نورُ

أجل الفتى مما يؤمل أسرع

وإنْ اللهَ لاَ يَبْقى سِواهُ ... وَإنْ تَكُ مُذْنِبًا فَهُوَ الغْفَورُ وَكَم عايَنْتَ مِنْ مَلِكٍ عَزيزٍ ... تَخَلَّى الأَهْلُ عَنْهُ وَهُمْ حُضورُ وَكَمْ عايَنْتَ مُسْتَلَبًا عَزيزًا ... تَكَشَّفُ عَنْ حَلائِلِهِ الْخُدورُ وَدُمِّيَتِ الْخُدودُ عَلَيْهِ لَطْمًا ... وَعُصِّبَتِ الْمَعاصِمُ والنُّحورُ ألَمْ تَرَ أنَّما الدُّنْيا حُطامٌ ... وَأنَّ جَميعَ ما فيها غُرورُ وقال رحمه الله تعالى: أجَلُ الْفتى مِمْا يُؤَمِّلُ أَسْرَعُ ... وأراهُ يَجْمَعُ دائِبًا لا يَشْبَعُ قُلْ لي لِمَنْ أَصبَحتَ تَجْمَعُ ما أرى ... ألِبَعْلِ عِرْسِكَ لا أبَا لَكَ تَجْمَعُ لا تَنْظُرَنَّ إِلى الْهَوى وانْظُرْ إلى ... رَيْبِ الزَّمانِ بِأهْلِهِ ما يَصْنَعُ الْمَوْتُ حَقٌّ لا مَحالَةَ دُونَهُ ... وَلِكُلِّ مَوْتٍ عِلَّةٌ لا تُدْفَعُ والْمَوْتُ داءٌ لَيْسَ يَدْفَعُهُ الدَّوا ... إِما أَتَى وَلِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ كمْ مِنْ أَخٍ قَد حِيلَ دونَ لِقائِهِ ... قَلْبي إلَيْهِ مِنَ الْجَوانِحِ يَنْزِعُ شَيَّعْتُهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ مُوَلِّيًا ... عَنْ قَبِرِهِ مُستَعْبِرًا أسْتَرْجِعُ فَعَلى الصِّبا مِنّي السَّلامُ وأهلِه ... ما بعْدَ ذا في أَنْ أُخَلَّدَ مَطمَعُ وقال أيضًا: يا ساكِنَ الدُّنْيا لَقَدْ أوْطَنْتَها ... وَأمِنْتَها عَجَبًا وَكَيْفَ أَمِنْتَها وَشَغَلْتَ قَلْبَكَ عَنْ مَعادِكَ بِالْمُنى ... وَخَدَعْتَ نَفْسَكَ بالْهَوى وَفَتَنْتَها إنْ كُنْتَ مُعْتَبِرًا فَقَدْ أبْصَرتَ أحْـ ... ـوالَ الشَّبِيبَةِ مِنْكَ وَاسْتَيْقَنْتَها أوَلَمْ تَرَ الشَّهَواتِ كَيْفَ تَنَكَّرَتْ ... عَمَّا عَهِدْتَ وَرُبَّما لَوَّنْتَهَا أكْرَمْتَ نَفْسَكَ بالْهَوانِ لَها وَلَوْ ... كَرُمَتْ عَلَيْكَ نَصَحْتَهَا وَأهَنْتَهَا ... يا ساكِنَ الدُّنْيا كَأَنَّك خِلْتَ ... أنَّكَ خالِدٌ فَجَمَعْتَها وَخَزَنْتَها

ألا ليت شعري كيف أنت إذا القوى

يا ساكِنَ الدُّنْيا طَفِقْتَ تُزَيِّنُ الدُّ ... نْيا بِما لا يَسْتَقيمُ فَشِنْتَها اُذْكُرْ أَحِبَّتَكَ الَّذينَ ثَكِلْتَهُمْ ... اُذْكُرْ رُهُونًا في التُّرابِ رَهَنْتَها وَلخَيْرُ ما قَدَّمْتَ سُنَّةُ صالِحٍ ... لِلصّالِحينَ فَعَلْتَها وَسَنَنْتَهَا وقال: أَلا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ أَنْتَ إذا الْقُوى ... وَهَتْ وَإذا الْكَرْبُ الشَّديدُ عَلاكا تَمُوتُ كَما ماتَ الَّذينَ نَسِيتَهُمْ ... وتُنْسَى وَتَهْوى الْعِرْسُ بَعْدُ سِواكا تَمَنَّيْتَ حَتَّى نِلْتَ ثُمَّ تَرَكْتَها ... تَنَقَّلُ بَيْنَ الْوارِثينَ مُناكا إذا لَمْ تَكَنْ فِي مَتْجَرِ الْبِرِّ والتُّقى ... خَسِرْتَ نَجاةً واكْتَسَبْتَ هَلاكا إذا أنْتَ لَمْ تَعْزِمْ عَلى الصَّبْرِ لْلأذى ... رَمَيْتَ الَّذي مِنْهُ الأَذى وَرَماكا إذا كُنتَ تَبْغي البِرَّ فاكْفُفْ عَنِ الأذى ... وَما الْبِرُّ إلاَّ أَنْ تَكُفَّ أَذاكا أَخوكَ لَّذي مِنْ نَفْسِهِ لَكَ مُنْصِفٌ ... إِذا الْمَرْءُ لَمْ يُنْصِفْكَ لَيْسَ أَخاكا وقال: لِيَبْكِ عَلى نَفْسِهِ مَنْ بَكى ... فَما أوْشَكَ الْمَوْتَ ما أوْشكَا فلا تَبْكِيَنَّ عََلَى هالِكٍ ... فإِنَّ قُصاراكَ أنْ تَهْلِكا أتَطْمَعُ في الْخُلْدِ بَعْدَ الَّذينَ ... رَأَيْتَهُمُ قَدْ مَضَوْا قَبْلَكا وقال أيضًا: أيا رَبِّ يا ذَا الْعَرْشِ أنْتَ رَحِيمُ ... وأَنْتَ بِمَا تُخِفْي الصُّدورُ عَلِيمُ فَيا رَبِّ هَبْ لي مِنْكَ حِلْمَا فَإنَّني ... أَرَى الْحِلْمَ لَمْ يَنْدَمْ عَلَيْهِ حَلِيمُ ويَار رَبِّ هَبْ لي مِنْكَ عَزْمًا عَلى التُّقَى ... أُقيمُ بِهِ ما عِشْتُ حَيْثُ أُقيمُ أَلاَ إِنَّ تَقْوَى اللهِ أَكْرَهُ نِسْبَةٍ ... تَسامى بِها عِنْدَ الْفَخارِ كَريمُ إذا ما اجْتَنَبْتَ النَّاسَ إلاّ عَلى التُّقى ... خَرَجْتَ مِنَ الدُّنْيا وأنْتَ سَليمُ

اعلم بأنك لا أبا لك في الذي

أراكَ أمْرَءًا تَرْجو مِنَ اللهِ عَفْوَهُ ... وأنْتَ عَلى ما لا يُحِبُّ مُقيمُ فَحَتّى مَتى تَعْصِي ويَعْفو إلى مَتى ... تَبَارَكَ رَبِّي إنِّهُ لَرَحيمُ وَلَوْ قَدْ تَوَسَّدْتَ الثَّرى وافْتَرشْتَهُ ... لَقَدْ صِرْتَ لا يَلْوِي عَلَيْكَ حَميمُ تَدُلُّ عَلَى التَّقْوى وأنْتَ مُقَصِّرٌ ... أَيا مَنْ يُداوي النّاسَ وهُوَ سقيمُ وإنَّ امْرَءًا لا يَرْتَجي النَّاسُ نَفْعَهُ ... ولَمْ يَأْمَنوا مِنْهُ الأذى لَلَئِيمُ ... وإنَّ امرءًا لَمْ يَجْعَلِ البِرَّ كَنْزَهُ ... وَإنْ كَانَتِ الدُنْيَا لَهُ لَعَدِيمُ وإنَّ امْرَءًا لمْ يُلْهِهِ الْيَوْمَ عَنْ غَدٍ ... تَخَوُّفُ ما يَأْتي بِهِ لَحَكيم ومَنْ يأْمَنِ الأَيَّامَ جَهْلاً وقَدْ رَأى ... لَهُنَّ صُروفًا كَيْدُهُنَّ عَظيمُ فَإنَّ مُنى الدُّنْيا غُرورٌ لأَهْلِها ... أبى اللهُ أنْ يَبْقى عَلَيْهِ نَعيمُ آخر: اعْلَمْ بأنِّكَ لا أبَا لَكَ في الذي ... أصْبَحْتَ تَجْمَعُهُ لِغَيْرِكَ خَازِنُ فَلَقَدْ رَأَيْتَ مَعَاشِرًا وعَهِدْتَهُمْ ... ومَضَوْا وأنْتَ مُعَايِنٌ ما عَايَنُوْا ورَأيْتَ سُكَّانَ القُصُور ومَا لهمْ ... بَعْدَ القُصُورِ سِوَى القُبُورِ مَسَاكِنُ جَمَعُوا وَمَا انْتَفَعُوا بِذَاكَ وأصْبَحُوْا ... وهُمُ بِمَا اكْتَسَبَوْا هُنَاكَ رَهَائِنُ لَوْ قَدْ دُفِنْتَ غَدًا وأقَبَلَ نَافِضًا ... كَفَيْهِ عَنْكَ مِن التُرَابِ الدَّافِنُ لَتَشَّاغَل الوُرَّاثُ بَعْدَكَ بالذِي ... ورِثُوا وأسْلَمَكَ الوَلِيُّ البَاطِنُ آخر: لَقَدْ فَازَ المُوَفَّقُ لِلْصَّوابِ ... وعاتَبُ نَفْسَه قَبْلَ العِتَابِ ومَنْ شَغَل الفؤاد بِذْكِرِ مَوْلَى ... يُجَازِيْ بالجَزِيْلِ مِن الثَّوابِ فَذَاكَ يَنَالُ عِزًا لا كَعِزٍّ ... مِنَ الدُنْيَا يَصِيْرُ إلى الذَّهَابِ تَفكَّرْ في المَمَاتِ فَعَنْ قَريْبٍ ... يُنَادَى بالمَجِيْءِ إلى الحِسَابِ وقَدِّمْ مَا تُرَجِّي النَّفْعَ منه ... لِدَار الخُلْدِ واعمَلْ بالكِتَابِ ولا تَغْتَرَّ بالدُنْياَ فَعَمَّا ... قَرِيْبٍ سَوْفَ يُؤْذَنَ بالخَرَابِ

لا والد خالد ولا ولد

وأَذْلَلْتُ نَفْسي الْيَوْمَ كَيْما أُعِزَّها ... غَدًا حَيْثُ يَبْقَى الْعِزُّ لي ويَدومُ ولِلْحَقِّ بُرْهانٌ ولِلْمَوْتِ فِكْرَةٌ ... ومُعْتَبَرٌ لِلْعالَمينَ قَديمُ وقال أيضًا: لا والِدٌ خالِدٌ وَلا وَلَدُ ... كُلُّ جَليدٍ يَخونُهُ الْجَلَدُ كَأنَّ أهْلَ الْقُبورِ لمْ يَسْكُنوا الدُّورَ ... وَلَمْ يَحْيَ مِنْهُمُ أحَدُ وَلمْ يَكونوا إِلا كَهَيْئَتِهِمْ ... لَم يُولَدوا قَبْلَها وَلَم يَلِدوا يا ناسِيَ الْمَوْتِ وهْوَ يَذْكُرُهُ ... هَلْ لَكَ بِالْمَوْتِ إنْ أتاكَ يَدُ يا ساكِنَ الْقُبَّةِ الْمُطيفِ بِها ... أحْراسُهُ والْجُنودُ والْعُدَدُ دارُكَ دارٌ يَموتُ ساكِنُها ... دارُكَ يُبْلي جَديدَها الأَبَدُ ... تَخْتالُ في مُطْرَفِ الصِّبا مَرَحًا ... يَخطرُ مِنْكَ الذِّراعُ والْعَضُدُ تَبْكىَ عَلى مَنْ مَضى وأنْتَ غَدًا ... يُورِدُكَ الْمَوْتُ في الَّذي وَرَدوا لَوْ كنْتَ تَدْري ماذا يُريدُ بِكَ الْـ ... ـمَوْتُ لأبْلى جُفونَكَ السَّهَدُ وقال رحمه الله: ألا لِلْمَوْتِ كَأْسٌ أيُّ كأسِ ... وأنْتَ لِكَأْسِهِ لابُدَّ حَاسِ إِلى كَمْ والْمَعادُ إلى قَريبٍ ... تُذَكِّرُ بِألْمَعَادِ وأَنْتَ ناسِ وكَمْ مِنْ عِبْرَةِ أَصْبَحْتَ فِيها ... يَلينُ لَهَا الْحَدِيدُ وأنْتَ قاسِ بِأَيِّ قُوّى تَظُنُّكَ لَيْسَ تَبْلى ... وقَدْ بَلِيَتْ عَلى الزَّمَنِ الرَّواسي وما كُلُّ الظُّنونِ تَكُونُ حَقًّا ... ولا كُلُّ الصَّوابِ عَلى الْقِياسِ وكُلُّ مَخِيَلةٍ رُفِعَتْ لِعَيْنِ ... لَهَا وَجْهَانِ مِنْ طَمَعٍ ويَاسِ وفِي حُسْنِ السَّرِيرَةِ كُلُّّ أُنْسٍ ... وفِي خُبْثِ السَّرِيرَةِ كُلُّ بَاسِ ولَمْ يَكُ مُضْمِرٌ حَسَدًا وبَغْيًا ... لِيَنْجُوَ مِنْهُمِا رَأْسًا بِرَاسِ

أتطمع أن تخلد لا أبا لك

ومَا شَيْءٌ بِأخْلَقَ أَنْ تَراهُ ... قَلِيَلا مِنْ أخِي ثِقَةٍ مُؤاسِ ومَا تَنْفَكُّ مِنْ دُوَلٍ تَراها ... تَنَقَّلُ مِنْ أُناسٍ في أُناسِ وقال أيضًا: أتَطْمَعُ أنْ تُخلَّدَ لا أبا لَكْ ... أمِنْتَ مِنَ الْمَنِيَّةِ أنْ تَسالَكْ أما واللهِ إنَّ لَهَا رَسولاً ... وأُقْسِمُ لَوْ أتاكَ لَما أقالَكْ تَنَظَّرْ حَيْثُ كُنْتَ قُدومَ مَوْتٍ ... يُشَتِّتُ بَعْدَ جَمْعِهِمُ عِيالَكْ كَأنِّي بِالتُّرابِ عَلَيْكَ رَدْمًا ... وبِالْباكينَ يَقْتَسِمونَ مالَكْ ألا فاخرُجْ مِنْ الدُّنيا جَميعًا ... وزَجِّ مِنَ الْمَعاشِ بِما زَجا لَكْ فَلَسْتَ مُخَلِّفًا في النّاسِ شَيْئًا ... ولا مُتَزَوِّدًا إلاَّ فَعِالَكْ آخر: كُلُ امْرِئٍ فكما يدين يُدَان ... سُبْحَانَ مَن لَم يَخْلُ مِن عِلْمِهِ مَكَانُ سُبْحَانَ مَن يُعْطي المنى بخواطِرٍ ... في النفس لم يَنطِق بِهنَّ لِسَانُ سُبْحَانَ مَن لا شيءَ يَحْجُبُ عِلْمَهُ ... فالسِّرُّ أجْمَعُ عِنْدَهُ إعْلاَنُ سُبْحَانَ مَن هُوَ لا يَزَالُ مُسَبَّحًا ... أبَدًا ولَيْسَ لِغَيْرِهِ السُّبْحَانُ سُبْحَانَ مَن تَجْرِي قَضَايَاهُ عَلَى ... مَا شَاءَ منها غَائبا وعِيَانُ سُبْحَانَ مِنْ هُوَ لا يَزَالُ ورِزْقُهُ ... لِلْعَالَمينَ تَبَارَكَ المَنَانُ سُبْحَانَ مَن في ذكْرِهِ طُرُقُ الرِضَا ... مِنْهُ وفيه الرَّوحُ والرَّيْحَانُ مَلِكٌ عَزِيْزٌ لا يُفَارِق عِزُّهُ ... يُعْصَى ويُرْجَى عِنْدَهُ الغُفْرانُ مَلِكٌ لَهُ ظَهْرُ الفَضَاءِ وبَطْنُهُ ... لم تُبْلِ جِدَّةَ مُلْكِهِ الأَزمَانُ مَلِكٌ هُوَ الْمَلِكُ الذي مِنْ حِلْمِهِ ... يُعْصَى ويَرُجَى عِنْدَهُ الإِحْسَانُ يَبْلَى لِكُلِّ مُسَلَّطٍ سُلْطَانُهُ ... واللهُ لا يَبْلَى لُهُ سُلْطَانُ

كل حي إلى الممات يصير

كمْ يَسْتَصِمًّ الغافِلونَ وقَدْ دُعُوا ... وَغَدا وَراحَ عَليْهِمُ الْحَدَثانُ أَبْشِرْ بِعَوْنِ اللهِ إنْ تَكُ مُحْسِنًا ... فَالْمَرْءُ يُحْسِنُ طَرْفَةً فَيُعَانُ فَنِيَ التَّعَزُّزُ عَنْ مُلوكٍ أصْبَحَتْ ... في ذِلَّةٍ وَهُمُ الأَعِزَّةَ كانُوا أَأُسَرُّ في الدُّنْيا بِكُلِّ زِيادَةٍ ... وزِيادَتي فيها هِي النُّقْصانُ وَيْحَ ابْنِ آدَمَ كَيْفَ تَرْقُدُ عَيْنُهُ ... عَنْ رَبِّهِ وَلَعَلَّهُ غَضْبانُ وَيحَ ابْنِ آدَمَ كَيْفَ تَغْفُلُ نَفْسُهُ ... وَلَهُ بِيَوْمِ حِسابِهِ استْيِقانُ يَوْمُ انْشِقاقِ الأَرْضِ عَنْ أهْلِ الْبِلى ... فيها وَيَبْدو السُّخْطُ والرِّضْوانُ يَوْمُ الْقِيامَةِ يَوْمَ يُظْلِمُ فيهِ ظُلْـ ... ـمُ الظَّالِمينَ وَيُشْرِقُ الإِحْسانُ يا عامِرَ الدُّنْيا لِيَسْكُنَها وَلَيْـ ... ـسَتْ بِالَّتِي يَبْقى لهَا سُكَّانُ تَفْنى وَتَفْنى الأَرْضُ بَعْدَكَ مِثْلَما ... يَفْنى الْمُناخُ وَيَرْحَلُ الرُّكْبانُ أَهْلَ الْقُبورِ نَسِيتُكُمْ وَكَذاكُمُ الإِ ... نْسانُ مِنْهُ السَّهْوُ وَالنِّسْيانُ أَهْلُ البِلَى أنْتُمْ مُعَسْكَرُ وحْشَةٍ ... حَيْثُ اسْتَقَرَّ البُعْدُ والهِجْرَانُ وقال أيضًا: كُلُّ حَيٍّ إِلى الْمَماتِ يَصيرُ ... كُلُّ حَيٍّ مِنْ عَيْشِهِ مُغْرورُ لا صَغيرٌ يَبْقى عَلى حادِثِ الدَّهرِ، ... ألا لا ولَيْسَ يَنْجو الْكَبيرُ كَيْفَ نَرْجو الْخُلودَ أوْ نَطْمَعُ الْعَيْـ ... ـشَ وأبياتُ سالِفينا الْقُبورُ رُبَّ يَوْمٍ يَمُرُّ قَصدًا عَلَينا ... تَسفيُ الرِّيحُ تُرْبَها وتَمورُ مِنْهُمُ الْوالِدُ الشَّفيقُ عَلَينا ... والأَخُ الْمُمْحِضُ الْوَصولُ الأَثيرُ وابْنُ عَمٍّ وجارُ بَيْتٍ قَريبٍ ... وصَديقٌ وزائِرٌ ومَزورُ يا لَها زَلَّةً وضِلَّةَ رَأْيٍ ... لَيسَ مِنّا في جَهْلنا مَعذورُ أَوْرَدَتْنا الدُّنيا وما أصْدَرَتْنا ... إنَّ هذا مِنْ فِعْلِنَا لَغُرورُ ...

الظن يخطيء تارة ويصيب

وقال رحمه الله تعالى: الظنُّ يُخْطِيءُ تَارَةً ويُصِيْبُ ... وجَمِيْعُ مَا هُوَ كَائِنٌ فَقَرِيْبُ تَصْبُو النُفُوسُ إلىَ البَقَاءِ وَطْولِهِ ... إنَّ البَقَاءَ إلَى النُفُوسِ حَبِيْبُ ولَقَدْ عَجِبْتُ مِن الزَّمَانِ وَصَرْفِهِ ... حَتَّى انْحَسَرْتُ وإنَّنِيْ لَعجِيْبُ وعَجِبْتُ أنْ المرءَ في غَفَلاتِهِ ... والحَادِثَاتُ لَهُنَّ فِيْهِ دَبِيْبُ يَا مَنْ يَعِيْبُ وَعَيْبُهُ مُتَشّعِّبٌ ... كَمْ فِيْكَ مِنْ عَيْبٍ وأنْتَ تَعِيْبُ للهِ دَرُّكَ كَيْفَ أنْتَ وَغَايَةً ... يَدْعُوكَ رَبُّكَ عِنْدَهَا فَتُجِيْبُ أَمِنَ البِلَى تَرجُو النَّجَاةَ، ولِلْبِلَى ... مِن كُلِّ ناحِيَةٍ عَلَيْكَ رَقِيْبُ وإنِ اعَتَبْرتَ فللزَّمَانِ تَقَلُّبٌ ... والصَّفْوُ يَكْدُرُ وَالشَّبَابُ يَشِيْبُ وبِحَسْبِ عُمْرِكَ بالأَهِلَّةِ مُفْنِيًا ... والشَّمسُ تَطلعُ مَرَّةً وتَغِيْبُ يَا صَاحِبَ السَّقَُم الطبيْبُ بِدَائِهِ ... حَتَّى مَتَى تَضْنَي وأنْتَ طَبيْبُ قَدْ يُغفل الفَطِنُ المُجَرِّبُ حَظَّهُ ... حَتَّى يَضِيْعَ وَإنَّهُ للَبيْبُ وإذَا اتَّقَى اللهَ الفَتَى وأطَاعَهُ ... فَهُنَاكَ يَصْفُو عَيْشُهُ ويَطِيْبُ وقال أيضًا: ألا إنَّ رَبي قَوِيٌّ مَجيدُ ... لَطيفٌ جَليلٌ غَنِيٌّ حميدُ رَأَيْتُ الْمُلوكَ وَ'نْ عَظُمَتْ ... فَإنَّ الْمُلوكَ لِرّبي عَبيدُ تُنافِسُ في جَمْعِ هذا الْحُطامِ ... وَكُلٌّ يَزولُ وَكُلٌّ يَبيدُ وكَمْ بادَ جَمْعٌ أُولو قُوَّةٍ ... وحِصْنٌ حَصينٌ وقَصرٌ مَشيدُ ولَيْسَ بِباقٍ على الْحادِثاتِ ... لِشَيءٍ مِنَ الْخَلْقِ رُكْنٌ شَديدُ وأيُّ مَنيعٍ يَفوتُ الْفَنا ... إِذا كانَ يَفْنى الصَّفا والْحَديدُ ألا إنَّ رَأْيًا دَعا الْعَبْدَ أنْ ... يُنيبَ إلى اللهِ رَأْيٌ رَشيدُ

لطائر كل حادثة وقوع

فَلا تَتَكَثَّرْ بِدار الْبِلَى ... فَإِنَّكَ فيها وَحيدٌ فَريدُ أرى الْمَوْتَ دَيْنًا لَهُ عِلَّةٌ ... فَتِلْكَ الَّتي كُنْتَ مِنها تَحَيدُ تَيَقَّظْ فإنَّكَ في غَفْلَةٍ ... يَميدُ بِكَ السُّكْرُ فيمَنْ يَميدُ كَأنَّكَ لَمْ تَرَ كَيْفَ الْفَنا ... وَكَيْفَ يَموتُ الْغُلامُ الْجَليدُ وكَيْفَ يَموتُ المُسْنُّ الكَبيرُ ... وكَيْفَ يَموتُ الصَّغيرُ الْوَليدُ ومَنْ يَأْمَنُ الدَّهْرَ في وَعْدِهِ ... ولِلدَّهْرِ في كُلِّ وَعْدٍ وَعيدُ ... أراكَ تُؤَمِّلُ وَالشَّيْبُ قَدْ ... أَتَاكَ بِنَعْيِكَ مِنْهُ بَريدُ وتَنْقُصُ في كُلِّ تَنْفيسَةٍ ... وأَنْتَ بِظَنِّكَ فيها تَزيدُ وإحْسانُ موْلاكَ يا عَبْدَهُ ... إِلَيْكَ مَدى الدَّهْرِ غَضٌّ جَديدُ تُريدْ مِنَ اللهِ إحسانَهُ ... فَيُعْطَيكَ أكثَرَ ممّا تُريدُ ومَنْ شَكَرَ اللهَ لَمْ يَنْسَهُ ... ولَمْ ينقَطِعْ عنْهُ مِنْهُ الْمَزيدُ وما يَكْفُرُ الْعُرْفَ إلاَّ شَقٍيٌّ ... وما يَشكُرُ اللهَ إلا سَعيدُ وقال رحمه الله: لِِطائِرِ كُلِّ حادِثَةٍ وُقوعُ ... ولِلدُّنْيا بِصاحِبها وَلُوعُ تُريدُ الأَمْنَ في دارِ الْبَلايا ... وما تَنْفَكُّ مِنْ حَدَثٍ يَروعُ وَقَدْ يَسْلو الْمَصائِبَ مَنْ تَغَزَّى ... وَقَدْ يَزْدادُ في الْحُزْنِ الْجَزوعُ هِيَ الآجالُ والأَقْدارُ تَجْري ... بِقَدْرِ الدَّرِّ تُحْتَلَبُ الضُّروعُ هِيَ الأَعْراقُ بالأَخْلاقِ تَنْمي ... بِقَدْرِ أُصولِها تَزْكو الْفُروعُ فَبالأَيّامِ يُحْصَدُ كُلُ زَرْعٍ ... لِيَومِ حَصِادَهِ زُرِعَ الزُّرُوعُ تَشَهَّى النَّفْسُ والشَّهَواتُ تَنْمي ... فَلَيْسَ لِقَلْبِ صاحِبهِا خُشوعُ وما تَنْفَكُّ دائِرَةُ بِخَطْبٍ ... وما يَنْفَكُّ جَماعٌ مَنوعُ مُعَلَّقَةَ بِثُغْرَتِهِ الْمَنايا ... وفَوْقَ جَبينِهِ الأجَلُ الْخَدوعُ

ما رأيت العيش يصفو لأحد

رَأَيْتُ الْمَرْءَ مُغْتَرِمًا يُسامي ... ورائِحَةُ الْبِلى مِنْهُ تَضوعُ عَجِبْتُ لِمَنْ يَموتُ وَلَيْسَ يَبْكي ... عَجِبْتُ لِمَنْ تَجِفُّ لَهُ دُموعُ وقال أيضًا: ما رَأيْتُ الْعيْشَ يَصْفو لأحَدْ ... دونَ كَدٍّ وَعناءٍ ونَكَدْ كُنْ لِما قَدَّمْتَهُ مُغْتَنِمًا ... لا تُؤَخِّرْ عَمَلَ الْيَوْمِ لِغَدْ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَهْمًا قاتِلاً ... لَيْسَ يَفْدي أحَدًا مِنْهُ أحَدْ قَدْ أرى أَنْ لَسْتُ في الدُّنْيا ولَوْ ... بَقِيَتْ لي دائِمًا طولَ الأَبَدْ إنَّني مِنْها غدًا مُرْتَحِلٌ ... أوْ أراني راحِلاً مِنْ بَعْدِ غَدْ أجْمَعُ المالَ لِغَيري دائِبًا ... وأُقاسي الْعَيْشَ مِنْهُ في كَبَدْ لِمَنِ المالُ الذي أجمَعُهُ ... ألِنَفْسي أمْ لأَهْلي والْوَلَدْ ما يُبالي وَلَدي بَعْدي إذا ... غَيَّبوا والِدَهُمْ تَحتَ اللِّبَدْ وأصابوا ما لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ... ألِغَيٍّ قَدْ مَضى أمْ لِرَشَدْ وقال أيضًا: إنَّ الْقَريرَةَ عَيْنُهُ عَبْدُ ... خَشِيَ الإِلهَ وعَيْشُهُ قَصْدُ عَبْدٌ قَليلُ النَّوْمِ مُجْتَهِدُ ... للهِ، كُلُّ فَعِالِهِ رُشْدُ نَزِهٌ عَنِ الدُّنْيا وباطِلِها ... لا عَرْضُ يَشْغَلُّهُ ولا نَقْدُ مُسْتَجْهلٌ في اللهِ مُحْتَقرٌ ... هَزْلُ الْمَخافَةِ عِنْدَهُ جِدُّ مُتَذَلِّلٌ للهِ مُرْتَقِبٌ ... ما لَيْسَ مِنْ إتْيانِهِ بُدُّ رَفَضَ الْحياةَ على حَلاوَتِها ... واختْارَ ما فيهِ لَهُ الْخُلْدُ يَكْفيهِ ما بَلَغَ المَحَلَّ بِهِ ... لا يَشْتَكي إنْ نابَهُ جَهْدُ

أيا نفس مهما لم يدم فذريه

فَاشْدُدْ يَديْكَ إذا ظِفِرْتَ بِه ... ما الْعَيْشُ إلاَّ الْقَصْدُ والزُّهْدُ قال أيضًا: أيا نَفْسُ مَهْما لَمْ يَدُمُ فَذَرِيهِ ... وَلِلْمَوْتِ رَأْيٌ فِيكِ فَانْتَظِريهِ مَضى مَنْ مَضى مِنَّا وَحيدًا بِنَفْسِهِ ... وَنَحْنُ وَشِيكًا لا نَشُكُّ نَلِيهِ بَنُو الْمَرْءِ يُسْلِيهِمْ عَنِ الْمَرْءِ بَعْدَهُ ... إذا ماتَ ما أسَلاهُ بَعْدَ أبيهِ رَأَيْتُ أَقلَّ النُاسِ هَمَّأ أشَدَّهُمْ ... قُنوعًا وَأَرْضاهُمْ بِما هُوَ فِيهِ فَطُوبى لِمَنْ لَمْ يَلْقَ أمْرًا قَضى لَهُ ... بِهِ اللهُ إلاَّ سَرَّهُ وَرَضِيهِ وَلا خَيْرَ في مَنْ ظَلَّ يَبْغي لِنَفْسِهِ ... مِنَ الْخَيْرِ ما لا يَبْتَغِي لأَخيهِ وقال أيضًا: إنَّ الْحَوادِثَ لا مَحالَةَ آتِيَهْ ... مِنْ بَيْنِ رائِحَةِ تَمُرُّ وغادِيَهْ فَلَرُبَّما اعْتُبِطَ السَّليمُ فُجاءَةً ... ولَرُبَّما رُزِقَ السَّقيمُ العافِيَهْ اللهُ يَعْلَمُ ما تُجِنُّ قُلُوبُنا ... واللهُ لا تَخْفَى عَلَيْهِ خافِيَهْ أيْنَ الأُلى كَنَزُوا الْكُنوزَ وَأمّلُوا ... أيْنَ الْقُرونُ بَنُو الْقُرونِ الْخَاليَهْ دَرَجُوا فَأصْبَحَتِ الْمَنازِلُ مِنْهُمُ ... قَفْرًا وأصْبَحَتِ الْمَدائِنُ خالِيَهْ عَجَبًا لِمَنْ يَنْسى الْمَقَابِرَ والْبِلى ... سُبْحانَ مَنْ يُحيْي الْعِظامَ الْبالِيَهْ آخر: طُوْبَي لِعَبْدٍ أَكْمَلَ الفَرْضَا ... وأحْسَنَ النِيَّةَ والقَرْضَا يَعْرِضُ بَلْوَاهُ عَلَى رَبِّهِ ... ويَحْذَرُ الموقِفَ والعَرْضَا مُسْتَصْحِبُ العَبْرةِ مَهْمَا رَنَا ... إلى السَّماءِ ابْتَدَرَ الأَرْضَا إنْ لَمّ يَنْل صَالِحَةً وادَّعَا ... شَدَّ إليها الرَّحْلَ والعَرْضا كَمْ سَاءَ ظَنًا بالذِيْ سَرَّهُ ... وحَاسَبَ النَّفْسَ فَلَمْ يَرْضَا آخر: طُوبَى لِعَبْدٍ أَكْمَلَ الفَرْضَ ... وَأَحْسَنَ النِّيَّةَ وَالقَرضَ يَعْرِضُ بَلْوَاهُ عَلَى رَبِّهِ ... وَيَحْذَرُ المَوْقِفَ وَالعَرْضَ مُسْتَصْحِبُ العَبْرَةَ مَهْمَا رَنَا ... إلَى السَّمَاءِ ابْتَدَرَ الأَرْضَ إنْ لَمْ يَنَلْ صَالِحَةً وَادَّعَى ... شَدَّ إلَيْهَا الرَّحْلَ وَالعَرَضَ كَمْ سَاءَ ظنًّا بِالَّذِي سَرَّهُ ... وَحَاسَبَ النَّفْسَ فَلَمْ يَرْضَ آخر:

لأبكين على نفسي وحق ليه

لَقَدْ خَسِرَ السَّاعِي إلىَ غَيرِ رَبِهِ ... نِفَاقًا وهَلْ بَعْدَ الرِيَاءِ نِفَاقُ سَتَلْقَى الذي قَدَّمْتَهُ وَذَخَرْتَهُ ... وفِاقًا ألا إنَّ الجَزَاءَ وفَاقُ تَجَهَّزْ بِزَادِ صَالِحِ أوْ بَسَيِّئٍ ... فَلَيْسَ لِغَير الطَّيباتِ نَفَاقُ بأيِّ وُجْوهٍ تَرْتَجِي فَضْلَ رَبِنَا ... ولكنْ وُجُوْهُ المُذْنِبينَ صِفَاقُ وقال: لأبْكِيَنَّ عَلى نَفْسي وَحُقَّ لِيَهْ ... يا عََيْنُ لا تَبْخَلي عَنّي بِعَبْرَتِيَهْ لأبْكِيَنَّ لِفِقْدانِ الشَّبابِ وَقَدْ ... نادى الْمَشِيبُ عَنِ الدُّنْيا بِرِحْلَتِيَهْ لأبْكِيَنَّ عَلى نَفْسي فَتَسْعِدنُي ... عَيْنٌ مُؤَرَّقَةٌ تَبْكي لِفُرْقَتِيَهْ لأبْكِيَنَّ عَلى نَفْسي فَيُسْعِدنُي ... أهْلِي وَمَنْ كانَ حَوْلي مِنْ أحِبَّتِيَهْ لأبْكِيَنَّ ويَبْكِيْني ذَوْو ثِقَتي ... حَتَّى الْمَماتِ أَخِلاَّئِي وإخْوَتِيَهْ لأبْكِيَنَّ فَقَدْ جَدَّ الرَّحيلُ إلى ... بَيْتِ انْقِطاعي عَنِ الدُّنْيا وَوَحْدَتِيَهْ يا بَيْتُ بَيْتَ الرَّدى يا بَيْتَ مُنْقَطَعي ... يا بَيْتُ بَيْتَ الرَّدى يا بَيْتَ غُرْبَتِيَهْ يا بَيْتُ بَيْتَ النَّوى عَنْ كلِّ ذي ثِقَةٍ ... يا بَيْتُ بَيْتَ الرَّدى يا بَيْتَ وَحْشَتِيَهْ يا نَأْيَ مُنْتَجَعي يا هَوْلَ مُطَّلَعي ... يا ضِيقَ مُضْطَجَعي يا بُعْدَ شُقَّتِيَهْ يا عَيْنُ كمْ عَبْرَةٍ لِيْ غَيْرِ مُشْكِلَةٍ ... إنْ كُنْتُ مُنْتَفِعًا يَوْمًا بِعَبْرَتِيَهْ يا عَيْنُ فَانْهَمِلي إِنْ شِئْتِ أوْ فَدَعِي ... أمَّا الزَّمانُ فَقَدْ أوْدَى بِجِدِّتِيَهْ يا كُرْبَتي يَوْمَ لا جارٌ يَبَرُّ ولا ... مَوْلًى يُنَفِّسُ إلاَّ اللهُ كُرْبَتِيَهْ ... يَوْمًا أُقَلِّبُ فيهِ شاخِصًا بَصَري ... تَمِيدُ بي في حِياضِ الْمَوْتِ سَكْرَتِيَهْ إذا تَمَثلَ لِيْ كَرْبُ السِّياقِ وقَدْ ... قَلَّبْتُ طَرْفِيْ وقَدْ رَدَّدْتُ غُصَّتِيَهْ إذْ حَثَّ بي عَلَقٌ عالٍ وحَشْرَجَ في ... صَدْري ودَارَتْ لِكَرْبِ الْمَوْتِ مُقْلَتِيَهْ

أين القرون الماضيه

أُمْسي وَأُصْبِحُ في لَهْوٍ وفي لَعِبٍ ... ماذا أُضَيِّعُ في يَوْمي وَلَيْلَتِيَهْ إنّي لأَلْهُوا وَايََّّامي تُنَقِّلُني ... حتّى تَسُدَّ بيَ الأَيَّامُ حُفْرَتِيَهْ ماذا أُضَيِّعُ مِنْ طَرْفِي وَمِنْ نَفَسي ... لِغَفْلَتي وهُما في حَذْفِ مُدَّتِيَهْ أَلْهُو وَلي رَهْبَةٌ في كُلِّ حادِثَةٍ ... وإِنَّما رَهْبَتي فَرْعٌ لِرَغْبَتِيَهْ الرُّشْدُ يُعْتِقُني لَوْ كُنْتُ أتْبَعُهُ ... والْغَيُّ يَجْعَلُني عَبْدًا لِشَهْوَتِيَهْ يَا نَفْسُ ضَيَّعْتِ أَيَّامَ الشَّبَابِ وَهَـ ... ـذَا الشَّيبُ فَاعْتَبِرِي بِالشَّيْبِ عِبْرَتِيَه يا نَفْسُ وَيْحَكِ ما الدُّنْيا بِباقِيَةٍ ... فَشَمِّري وَاجْعَلي في الْمَوْتِ فِكْرَتِيَهْ لَئِنْ رَكَنْتُ إِلَى الدُّنْيا وَزَينَتِها ... لأخْرُجَنَّ مِن الدُّنْيا بِحَسْرَتِيَهْ أشْكُو إلى اللهِ تَضْيِيعي ومَسْكَنَتي ... أشْكُوا إلى اللهِ تَقْصيِري وقَسْوَتِيَهْ واللهُ واللهُ رَبي الْمُسْتَغاثُ بِهِ ... واللهُ ربي بِهِ حوْلي وقُوَّتِيَهْ المْالُ ما كانَ قُدامي لآخِرَتي ... ما لمْ أَقُدِّمْهْ مِنْ مَالي فَلَيْسَ لِيَهْ وقال أيضًا: أَيْنَ الْقُرونُ الْماضِيَهْ ... تَرَكوا الْمَنازِلَ خالِيَهْ فَاسْتَبْدَلَتْ بِهِمُ دِيا ... رُهُمُ الرِّياحَ الْهاوِيَةْ وتَشَتَّتَتْ عَنْها الْجُمو ... عُ وفارَقَتْها الْغاشِيَةْ فَإذا مَحَلٌّ لِلْوُحو ... شِ ولِلْكِلابِ الْعاوِيَةْ دَرَجوا فَما أبْقَتْ صُرو ... فُ الدَّهْرِ مِنْهُمْ باقِيَهْ فَلَئِنْ عَقَلْتُ لأَبْكِيَنَّهُمُ ... بِعَيْنٍ باكِيَهْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بَعْدَهُمْ ... إلاَّ الْعِظامُ الْباقِيَهْ للهِ دَرُّ جَماجِمٍ ... تَحْتَ الْجَنادِلِ ثاوِيَهْ وَلَقَدْ عَتَوْا زَمَنًا كَأَ ... نَّهُمُ السِّباعُ الْعاوِيَهْ

في نِعْمَةٍ وَغَضارَةٍ ... وَسَلاَمَةٍ وَرَفاهِيَهْ قَدْ أصْبَحُوا في بَرْزَخٍ ... وَمَحلَّةٍ مُتَرَاخِيَهْ ما بَيْنَهُمْ مُتَفاوِتٌ ... وَقُبُورُهُمْ مُتْدانِيَهْ والدَّهْرُ لا تَبْقى عَلَيْـ ... ـهِ الشَّامِخَاتُ الرَّاسِيَهْ وَلَرُبَّ مُعْتَرٍّ بِهِ ... حَتى رَماهُ بِداهِيَهْ يا عاشِقَ الدَّارِ الَّتي ... لَيْسَت لَهُ بِمْؤاتِيَهْ أحَبَبْتَ دارً لَمْ تَزَلْ ... عَنْ نَفْسِها لَكَ ناهِيَهْ أَؤُخَيَّ فَارْمِ مَحاسِنَ الدُّ ... نْيا بِعَيْنٍ قالِيَهْ وَاعْصِ الْهَوى فيما دَعا ... كَ لَهُ فَبْئْسَ الدَّاعِيَهْ أتُرى شَبابَكَ عائِدًا ... مِنْ بَعْدِ شَيْبِكَ ثانِيَهْ أوْدى بِجدَّتِكَ الْبِلى ... وَأرى مُنَاكَ كَمَا هِيَهْ يا دارُ ما لِعُقولِنا ... مَسْرورَةً بِك راضِيَهْ إنَّا لَنَعْمُرُ مِنْكِ نا ... حِيَةً ونُخْرِبُ ناحِيَهْ ما نَرْعَوي لِلْحادِثا ... تِ وَلا الْخُطوبِ الْجارِيَهْ واللهُ لا يَخفى عَلَيْـ ... ـهِ مِنَ الْخَلائِقِ خافِيَهْ عَجَبًا لَنا وَلِجَهْلِنا ... إِنَّ الْعُقولَ لَواهِيَهْ إنَّ الْعُقُولَ لَذاهِلا ... تٌ غافِلاتٌ لاهِيَهْ إنَّ الْعُقُولَ عَنِ الْجِنا ... نِ وحورِهِنَّ لَساهِيَهْ أَفَلاَ نَبيعُ مُحَلَّةً ... تَفْنى بِأُخْرى باقِيَهْ نَصْبُو إلى دارِ الْغُرُو ... رِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ ما هِيَهْ فكأنَّ أنْفُسَنا لَنا ... فيمَا فَعَلْنَ مُعادِيهْ

خربت دار مقام كنت تنزلها

آخر: خَرَّبْتَ دَارَ مُقَامٍ كُنْتَ تَنْزلُهَا ... فَمَا عَمَرْتَ دِيارَ الهُوْنِ والحِلَلاَ فاليَوْمَ تَخْلَعُ مَا عَاليْتَ مِن حُللٍ ... إذْ لَمْ تُظَاهِرْ مِنَ التَّقْوَى بِهَا حُلَلاَ لا تَحْجِبُ الموتَ ما أرسَلْتَ مِن حُجُبٍ ... ولا يُكَلُ وإنْ كَلِلْتَهَا كللاَ يا جَامِدَ الدَّمْعِ لَوْ أَنْصَفْتَ كُنْتَ حَرِيْ ... إنْ تجْرِيَ الدْمَعَ لا أن تُجرِيَ الغَلَلاَ لا تَفْرَحَنَّ بِمَا أوتَيْتَ مِنْ سَعَةٍ ... فَهْيَ الغُلُولُ وإنْ سَمَّيْتَهَا غَلَلاَ ولَوْ دَفَعْتَ بِنَفْسٍ أنْتَ مُهْلِكُهَا ... أوْرَدتَّهَا نَهَلاً في الأجْرِ بَلْ عَلَلاَ أمَا وَرَبِّكَ والأوزَارُ عاثِرَةٌ ... لَقَدْ تَجَلْتَ ذَنْبًا فَادِحًا جَلَلاَ ماذا يَرُوْقُكَ مِن دَارِ كَأنَّكَ قَدْ ... أصْبَحْتَ تمثْلُ في أطْلاَلِهَا طَلَلاَ ... بَلْ كَيْفَ يَثْبُتُ مَنْ زَلَّتْ بِهِ قَدَمٌ ... عَلى الصِّراطِ ومَا أنْ يَحْملَ الزَّلَلاَ أمْ كَيْفَ تَرْفَعُ مُخْتَلاًّ تُقَدِمُهُ ... إلى بَصِيْرٍ بِهِ لا يَقْبَلُ الخَلَلاَ قال رحمه الله: ألَمْ تَرَ أنَّ الْحَقَّ أَبْلَجُ لائِحُ ... وأنَّ لَجاجاتِ النُّفوسِ جَوائِحُ إذا الْمَرْءُ لَمْ يَكْفُفْ عَنِ النّاسِ شَرَّهُ ... فَلَيْسَ لَهُ ما عاشَ مِنْهُمْ مُصالِحُ إذا كَفَّ عَبْدُ اللهِ عَمّا يَضُرُّهُ ... وأكْثَرَ ذِكْرَ اللهِ فالْعَبْدُ صالِحُ إذا الْعَبْدُ لَمْ يَمْدَحْهُ حُسْنُ فَعالِهِ ... فَلَيْسَ لَهُ والْحَمْدُ للهِ مادِحُ إذا ضاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ لَمْ يَصْفُ عَيْشُهُ ... وما يَسْتَطيبُ الْعَيْشَ إلا المْسُامِحُ وبَيْنا الْفَتى والْمُلْهِياتُ يُذِقْنَهُ ... جَنَى اللَّهْوِ إِذْ قامَتْ عَلَيْهِ النَّوائِحُ وإِنَّ امْرَءًا أصْفاكَ في اللهِ وُدَّهُ ... وكانَ عَلى التَّقْوى مُعينًا لَصالِحُ وإِنَّ ألَبَّ الناسِ مَنْ كانَ هَمُّهُ ... بِما شَهِدَتْ مِنْهُ عَلَيْهِ الْجَوارِحُ

انظر لنفسك يا شقي

وقال: انْظُرْ لِنَفْسِكَ يا شَقِي ... حَتَّى مَتى لا تَتَّقي أَوْما تَرى الأيّامَ تَخْـ ... ـتَلِسُ النفُّوسَ وَتَنْتَقي أُنْظُرْ بِطَرْفِكَ هَلْ تَرى ... في مَغْرِبٍ أَوْ مَشْرِقِ أَحَدًا وَفَى لَكَ في الشَّدا ... ئِدِ إنْ لَجَأْتَ بِمَوْثِقِ كمْ مِنْ أَخٍ أَغْمَضْتُهُ ... بِيَدَيْ نَصيحٍ مُشْفِقِ وَيَئِسْتُ مِنْهُ فَلَسْتُ أطْـ ... ـمَعُ أَن يَعيشَ فَنَلْتَقِي لاَ تَكْذِبَنَّ فإنَّهُ ... مَنْ يَجْتَمِعْ يَتَفَرَّقِ والْمَوْتُ غايَةُ مَنْ مَضى ... مِنّا ومَوْعِدُ مَنْ بَقِي وقال أيضًا: للهِ دَرُّ ذَوي الْعُقولِ الْمُشْعِباتِ ... أخَذوا جَنيعًا في حَديثِ التُّرَّهاتِ وَأَمَا وَرَبِّ الْمَسْجِدَيْنِ كِلَيْهِما ... وَأَمَا ورَبِّ مِنًى وَرَبِّ الرّاسِيَاتِ وأَمَا وَرَبِّ الْبَيتِ ذي الأَسْتارِ وَالْـ ... ـمَسْعى وَزَمْزَمَ وَالْهَدايا الْمُشْعَراتِ إنَّ الَّذي خُلِقَتْ لَهُ الدُّنْيا ومَا ... فيها لَنازِلَةٌ تَحِلُّ عَنِ الصِّفاتِ فَلْيَنْظُرِ الرَّجُلُ اللِّبيبُ لِنَفْسِهِ ... فَجَميعُ ما هُوَ كائِنٌ لا بُدَّ آتِ عِشْ ما بَدا لَكَ أنْ تَعيشَ بِغِبْطَةٍ ... ما أقْرَبَ الْمَحْيا الطَّويلَ مِنَ الْمَماتِ ... فَتَجافَ عَنْ دارِ الْغُرورِ وعَنْ دَوا ... عِيهَا وكُنْ مُتَوقِّعًا لِلْحادِثاتِ أَيْنَ الْمُلوكُ ذَوْو الْمَنابِرِ والدَّسا ... كِرِ والْعَساكِرِ والْقُصورِ الْمُشْرِفاتِ والْمُلْهِياتُ فَمَنْ لَها والْغادِيا ... تُ الرّائِحاتُ مِنَ الْجِيادِ الصافِناتِ هُمْ بَيْنَ أطْباقِ التُّرابِ فَنادِهمْ ... أَهْلَ الدِّيار الْخالِياتِ الْخاوِياتِ هَلْ فيكُمُ مِنْ مُخْبِرٍ حَيْثُ اسْتَقَرَّ ... قَرارُ أَرْواحِ الْعِظامِ الْبالِياتِ

من الناس ميت وهو حي بذكره

فَلَقَلَّ ما لَبِثَ الْعَوائِدُ بَعْدَكُمْ ... وَلَقَلَّ مَا ذَرَفَتْ عُيونُ الْباكِياتِ وَالدَّهْرُ لاَ يُبْقي على نَكباتِهِ ... صُمَّ الجِبالِ الرَّاسِياتِ الشَّامِخاتِ مَنْ كَانَ يَحْشَى اللهَ أصْبَحَ رَحمةً ... لِلْمؤمِنينَ وَرَحْمَةً لِلْمؤمِناتِ وإذا أرَدت ذَخيرَةً تَبْقى فنا ... فِسْ في ادِّخارِ الْباقياتِ الصَّالِحاتِ وَخَفِ الْقِيامَةَ ما اسْتَطَعْتَ فإنِّما ... يَوْمُ الْقِيامَةِ يَوْمُ كَشْفِ المُخْبَآت وقال أيضًا: مِنَ النّاسِ مَيْتٌ وهْوَ حَيٌّ بِذِكْرِهِ ... وحَيٌّ سَليمٌ وهْوَ في النّاسِ مَيِّتُ فَأمّا الَّذي قَدْ ماتَ والذِّكْرُ ناشِرٌ ... فَمَيْتٌ لَهٌُ دِينُ بِهِ الْفَضْلُ يُنْعَتُ وَأَمّا الَّذي يَمْشي وقَدْ ماتَ ذِكْرُهُ ... فَأَحْمُقُ أفْنى دينَهُ وهْوَ أمْوَتُ سَأضْرِبُ أمْثالاً لِمَنْ كانَ عاقِلاً ... يَسيرُ بِها مِنِّي رُوِيٌّ مُبَيِّتُ وما زالَ مِنْ قَوْمي خَطيبٌ وشاعِرٌ ... وحاكِمُ عَدْلٍ فاصِلٌ مُتَثّبِّتُ وحَيَّةُ أرْضٍ لَيْسَ يُرجى سَليمُها ... تَراها إلى أعْدائِها تَتَفَلَّتُ وقال أيضًا: الْمَوْتُ لا والِدًا يُبْقي ولا وَلَدا ... ولا صَغيرًا ولا شَيْخًا ولا أَحَدَا كان النَّبِيُّ فَلمْ يَخْلُدْ لأُمِّتِهِ ... لَوْ خَلَّدَ اللهُ حَيًّا قَبْلَهُ خَلَدَا لِلْمَوْتِ فينا سِهامٌ غَيْرُ مُخْطِئَةٍ ... مَنْ فاتَهُ الْيَوْمَ سَهْمٌ لمْ يَفُتْهُ غَدَا ما ضَرَّ مَنْ عَرَفَ الدُّنْيا وغِرَّتَها ... ألاّ يُنافِسَ فيها أهْلَها أبَدَا وقال أيضًا: تَخَفَّفْ مِنَ الدُّّنْيا لَعَلَّكَ تُفْلِتُ ... وإلاَّ فَإني لا أظُنُّكَ تَثْبُتُ ألَمْ تَرَ أنَّ الْحِلْمَ لِلْجَهْلِ قاطِعٌ ... وأَنْ لِسانَ الرُّشْدِ لِلْغَيِّ مُسْكِتُ

ألا أين الألى سلفوا

لِكُلِّ امرِئٍ مِنْ سَكْرَةِ الْمَوْتِ سَكْرَةٌ ... وأيُّ امْرِئ مِنْ سَكْرَةِ الْمَوْتِ يُفْلَتُ عَجِبْتُ لِمَنْ قَرَّتْ مَعَ الْمَوْتِ عَيْنُهُ ... لِحَصْدِ الرَّدى ما ظَلَّتِ الأَرْضُ تُنْبِتُ وقال: أَلاَ أيْنَ الأُلى سَلَفوا ... دُعُوا لِلْمَوْتِ واخْتُطِفوا فَوافَوْا حينَ لا تُحَفٌ ... ولا طُرَفٌ ولا لطَفُ تُرَصُّ عَلَيْهِمُ حُفَرٌ ... وتُبني ثمَّ تَنْخَسِفُ لَهُمْ مِنْ تُرْبِها فُرُشٌ ... وَمِنْ رَضْراضِها لُحُفُ تَقَطَّعَ مِنْهُمُ سَبَبُ الرَّ ... جاءِ فَضُيِّعُوا وَجُفوَا تَمُرُّ بِعَسْكَرِ الْمَوْتى ... وَقَلْبُكَ مِنْهُ لا يَجِفُ كَأنَّ مُشَيِّعيكَ وَقَدْ ... رَمَوْا بِكَ ثَمَّ وانْصَرَفُوا فُنُونُ رَدَاكِ يا دُنْيا ... لَعَمْري فَوْقَ ما أصِفُ فََأنْتِ الدّارُ فيكِ الظُّلْمُ ... والْعُدْوانُ والسَّرَفُ وأَنْتِ الدّارُ فِيْكِ الْبَغْـ ... ـيُ وَالْبَغْضاءُ وَالشَّنَفُ وأَنْتِ الدّارُ فِيكِ الْهَمُّ ... والأَحْزانُ وَالأََسَفُ وأَنْتِ الدّارُ فِيْكِ الْغَدْ ... رُ وَالتنَّغْيصُ والْكُلَفُ وَفِيْكِ الْحَبْلُ مَضْطَربٌ ... وفيكِ الْبالُ مُنْكَسِفُ وَفيكِ لِساكِنيكِ الْحَيْنُ ... والآفاتُ والتَّلَفُ وقال أيضًا: يُسْلِمُ الْمَرْءَ أَخُوهُ ... لِلْمنَايا وأَبُوهُ وأبُو الأَبْناءِ لا يَبْـ ... ـقَى ولا يَبْقى بَنوهُ رُبَّ مَذْكُورٍ لِقَوْمٍ ... غابَ عَنْهُمْ فَنَسُوهُ

وإِذا أفْنى سِنِيهِ الْـ ... ـمَرْءُ أَفْنَتْهُ سنُوهُ وكأَنْ بالْمَرْءِ قَدْ يَبْـ ... ـكِي عَلَيْهِ أَقْرَبوهُ وكأَنَّ الْقَوْمَ قَدْ قا ... مُوا فَقالُوا أدْرِكُوهُ سَائِلُوهُ كَلِّمُوهُ ... حَرِّكُوهُ لَقِّنُوهُ فإذا اسْتَيْئَسَ مِنْهُ الْـ ... ـقَوْمُ قالُوا حَرِّفُوهُ حَرِّفوهُ وَجِّهُوهُ ... مَدِّدُوهُ غَمِّضُوهُ عَجِّلُوهُ لِرَحيلٍ ... عَجِّلُوا لا تَحْبِسُوهُ اِرْفَعوهُ غَسِّلوهُ ... كَفِّنُوهُ حَنِّطوهُ ... فَإِذا ما لُفَّ في الأَكْـ ... ـفانِ قالُوا فاحْمِلوهُ أخْرجوهُ فَوْقَ أعْوا ... دِ الْمَنايا شَيِّعُوهُ فَإِذا صَلَّوْا عَلَيْهِ ... قِيلَ هاتُوا وَاقْبِرُوهُ فإذا ما استودعوه الـ ... أَرضَ رَهْنًا تَرَكُوهُ خَلَّفوهُ تَحْتَ رَدْمٍ ... أَوْقَروهُ أثْقَلوهُ أبْعَدوهُ أسْحَقوهُ ... أَوْحَدُوهُ أَفْرَدُوهُ وَدَّعُوهُ فارَقُوهُ ... أسْلَمُوهُ خَلَّفُوهُ وَانْثَنَوْا عَنْهُ وَخَلَّوْ ... هُ كَأَنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ وكَأَنَّ الْقَوْمَ فيما ... كانَ فيهِ لَمْ يَلُوهُ ابْتَنى النَّاسُ مِنَ الْبُنْـ ... ـيانِ ما لَمْ يَسْكُنُوهُ جَمَعَ النَّاسُ مِنَ الْأَ ... مْوالِ ما لَمْ يَأْكُلوهُ طَلَبَ النَّاسُ مِنَ الآ ... مالِ ما لَمْ يُدْرِكوهُ كُلُّ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ النّا ... سُ إِمامًا تَرَكوهُ ظَعَنَ الْمَوْتى إلى ما ... قَدَّموهُ وَجَدُوهُ

ستباشر الأجداث وحدك

طَابَ عَيْشُ الْقَوْمِ ما كَا ... نَ إذا الْقَوْمُ رَضُوهُ عِشْ بِما شِئْتَ فَمَنْ تَسْـ ... ـرُرْهُ دُنْياهُ تَسُوهُ وإِذا لمْ يُكْرِمِ النَّا ... سَ امْرُؤٌ لمْ يُكْرِمُوهُ كُلُّ مَنْ لمْ يَحْتَجِ النَّا ... سُ إِلَيْهِ صَغَّرُوهُ وإِلى مَنْ رَغِبَ النّا ... سُ إِلَيْهِ أكْبَرُوهُ مَنْ تَصَدّى لأَخيهِ ... بِالْغِنى فَهُوَ أخُوهُ فَهْوَ إِنْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ ... يَُرَأَ مِنْهُ ما يَسُوهُ يُكْرَمُ الْمَرْءُ وَإِنْ ... أَمْلَقَ أقْصاهُ بَنُوهُ لَوْ رَأى النَّاسُ نَبيًّا ... سائِلاً ما وَصَلُوهُ وَهُمُ لَوْ طَمِعُوا في ... زادِ كَلْبٍ أَكَلوهُ لا تَراني آخِرَ الدَّهْـ ... ـرِ بِتَسْآلٍ أَفُوهُ إنَّ مَنْ يَسْأَلْ سِوَى الرَّحـ ... ـمنِ يَكْثُرْ حارِمُوهُ وَالَّذي قامَ بِأرْزا ... قِ الْوَرى طُرًّا سَلوهُ وَعَنِ النَّاسِ بِفَضْلِ اللهِ ... فَاغْنَوْا وَاحْمَدوهُ تَلْبَسوا أثْوابَ عِزٍّ ... فاسْمَعوا قَوْلي وَعُوهُ إنَّما يُعْرَفُ بِالْفَضْـ ... ـلِ مَنِ النَّاسِ ذَوُوهُ أفْضَلُ الْمَعْروفِ ما لمْ ... تُبْتَذَلْ فيهِ الْوُجُوهُ أنْتَ ما اسْتَغْنَيْتَ عَنْ صا ... حِبِكَ الدَّهْرَ أخُوهُ فإذَا احْتَجْتَ إليْهِ ... سَاعَةً مَجَّكَ فُوْهُ وقال: سَتْباشِرُ الأجداث وَحدَكْ ... وسَيَضْحَكُ الْباكونَ بَعْدَك وسَتَسْتَجدُّ بِكَ الْبِلى ... وسَتُخْلِقُ الأيّامُ عَهْدَكْ

إن السلاطين الذين اعتلوا

وسَيَشْتَهي الْمُتَقَرِّبو ... نَ إليْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ بُعْدَكْ للهِ دَرُّكَ ما أجَدَّ ... كَ في الْمَلاعِبِ ما أَجَدَّكْ الْمَوْتُ ما لا بُدَّ مِنْهُ ... عَلى احتِرازِكَ مِنْهُ جَهْدْكْ فَلَيُسْرِعَنَّ بِكَ الْبِلَى ... ولَيَقْصِدَنَّ الْحَيْنُ قَصْدَكْ ولَيُفْنِيَنَّكَ بالّذي ... أفْنى أباكَ بِهِ وَجدَّكْ لَوْ قَدْ ظَعَنْتَ عَنِ الْبُيو ... تِ ورَوْحِها وسَكَنْتَ لَحْدَكْ لَمْ تَنْتَفعْ إِلا بِفِعْلٍ ... صالِحٍ إِنْ كانَ عِنْدَكْ وإذا الأَكُفُّ مِنَ التُّرا ... بِ نُفِضْنَ عَنْكَ تُرِكْتَ وحْدَكْ وكأنَّ جَمْعَكَ قَدْ غَدا ... ما بَيْنَهُمْ حِصَصًا وكَدَّكْ يَتَلَذَّذونَ بما جَمَعْـ ... ـتَ لهُمْ ولا يَجدونَ فَقْدَكْ آخر: إنَّ السَّلاطِيْنَ الذين اعْتَلَوْا ... في حُفَرِ هَاوِيَةٍ قَدْ هَوَوْا ناداهم ما لهم بَعْدَمَا ... قَدْ طبقوا الأرضَ مَضَوْا وانزوَوْا مَا بَالُ أغْصَانِهم ذُبَّلٌ ... وما لهُم تَحتَ الثَّرى قَدْ ثَوَوْا أُنْظُرْ إلىَ دَارِهَمْ بَعْدهمِ ... خَاليَةً خَاويَةً إذْ خَوَوْا وَادْخُلْ بلا إذْنٍ ولاَ رِقْبَةٍ ... واعْلُوْا ذُرَى كُلِ مَنِيْعٍ أوَوْا إنْ لَم تُفِدْ مِن حَالِهِم عِبْرَةً ... فاهْوَ هَوَاهُمْ واجْتَوِ ما اجْتَوَوْا ... وقال رحمه الله: أَشَدُّ الْجِهادِ جِهادُ الْهَوى ... وَما كَرّمَ المَرْءَ إلاّ التُّقى وأخْلاقُ ذِي الْفَضْلِ مَعْروفَةٌ ... بِبَذْلِ الْجميلِ وَكَفِّ الأَذى وَكُلُّ الْفُكاهاتِ مَمْلولَةٌ ... وَطولُ التَّعاشُرِ فيهِ الْقِلى وَكلُّ طَريفٍ لَهُ لَذَّةٌ ... وَكُلُّ تَلِيدٍ سَريعُ الْبِلى

نصبت لنا دون التفكر يا دنيا

وَلا شَيْءَ إِلا لَهُ آفَةٌ ... وَلا شَيْءَ إِلاّ لَهُ مُنْتَهى وَلَيْسَ الْغِنى نَشَبٌ في يَدٍ ... ولكِنْ غِنى النَّفْسِ كُلُّ الْغِنى وَإنَا لَفي صُنُعٍ ظاهِرٍ ... يَدُلُّ عَلى صانِعٍ لا يُرى وقال أيضًا: نَصَبْتِ لَنا دُوْنَ التَّفَكُّرِ يَا دُنْيا ... أَمَانِيَّ يَفْنى الْعُمْرُ مِنَ قَبْلِ أَنْ تَفْنى مَتى تَنْقَضي حَاجَاتُ مَنْ لَيْسَ واصِلاً ... إِلى حاجَةٍ تَكونَ لَهُ أُخْرى لِكُلِّ امْرِئٍ فيما قَضى اللهُ خُطَّةٌ ... مِنَ الأَمْرِ فيها يَسْتَوي الْعَبْدُ والْمَوْلى وَإنَّ امْرَءًا يَسْعى لِغَيْرِ نِهايَةٍ ... لَمُنْغَمِسٌ في لُجَّةِ الْفاقَة الْكُبْرى وقال أيضًا: أَمَا مِنَ الْمَوْتِ لِحَيِّ نَجَا ... كُلُّ امْرئٍ آتٍ عَلَيْهِ الْفَنَا تَبارَكَ اللهُ وَسُبْحانَهُ ... لِكُلِّ شَيْءٍ مُدَّةٌ وَانْقِضَا يُقَدِّرُ الإِنْسانُ في نَفْسِهِ ... أمْرًا وَيَأْباهُ عَلَيْهِ الْقَضَا وَيُرْزَقُ الإِنْسانُ مِنْ حَيْثُ لا ... يَرْجو وَأَحْيانًا يُضِلُّ الرَّجا الْيَأْسُ يَحْمي لِلْفَتى عِرْضَهُ ... وَالطَّمَعُ الْكاذِبُ داءٌ عَيَا ما أَزْيَنَ الْحِلْمَ لأَرْبابِهِ ... وَغايَةُ الْحِلْمِ تَمامُ التُّقى وَالْحَمْدُ مِنْ أَرْبَحِ كَسْبِ الْفَتى ... وَالشُّكْرُ لِلْمَعْروفِ نِعْمَ الْجَزا يا آمِنَ الدَّهْرِ عَلى أَهْلِهِ ... لِكلِّ عَيْشٍ مُدَّةٌ وانْتِهَا بَيْنا يُرى الإِنْسانُ في غِبْطَةٍ ... أَصْبَحَ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ الْبِلى لا يَفْخَرِ النّاسُ بِأَنْسابِهِمْ ... فَإِنَّما النّاسُ تُرابٌ وَمَا

وما من فتى إلا سيبلى جديده

آخر: ومَا مِن فتًى إلا سَيَبْلَى جَدِيْدُهُ ... وتُفْنِى الفَتَى الرَّوْحَاتُ والدُّلُجَاتُ يَغُرُّ الفَتَى تَحْرِيكُهُ وسُكُونُهُ ... ولا بُدَّ يَوْمًا تَسْكُنُ الحَرَكَاتُ وَمَنْ يَتَتَبَّعْ شَهْوَةً بَعْدَ شَهْوَةٍ ... مُلِحًّا، تَقَسَّمْ عَقْلَهُ الشَّهَواتُ وَمَنْ يَأْمَنُ الدُّنْيا ولَيْسَ لِحُلْوهِا ... ولا مُرِّها فيما رَأَيْتَ ثَباتُ أَجابَتْ نُفوسٌ داعِيَ اللهِ فَانْقَضَتْ ... وَأُخْرى لِداعي المَوْتِ مُنْتَظِراتُ وَما زالَتِ الأَيّامُ بِالسُّخْطِ وَالرِّضا ... لَهُنَّ وَعيدٌ مَرَّة وَعِداتُ إذا ازْدَدْتَ مالاً قُلْتَ مالي وَثَرْوَتي ... وما لَكَ إِلاَّ اللهُ والْحَسَناتُ وقال أيضًا: مَا أَقْرَبَ المَوْتَ جِدَّا ... أَتَاكَ يَشْتَدُّ شَدَّا يَا مَنْ يُرَاحُ عَلَيْهِ ... بِالْمَوْتِ طَوْرًا وَيُغدَى هَلْ تَسْتَطِيعُ لِمَا قَدْ ... مَضَى مِنَ العَيْشِ رَدَّا الغَيُّ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ ... يَرَاهُ ذُو العَقْلِ رُشْدَا سَامِحْ أُمُورَكَ رِفْقَا ... وَاجْعَلْ مَعَاشَكَ قَصْدَا مِنْ حَزْمِ رَأْيِكَ ألاَّ ... تَكُونَ لِلمَالِ عَبْدَا مَا تَأْتِهِ مِنْ جَمِيلٍ ... يُكسِبْكَ أَجْرًا وَحَمْدَا تَمُوتُ فَرْدًا وَتَأْتِي ... يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدَا طُوبَى لِعَبْدٍ تَقِيٍّ ... لَمْ يَأْلُ فِي الخَيْرِ جُهْدَا وقال أيضًا: أَلاَ إِنَّ لي يَومًا أُدانُ كما دِنْتُ ... سَيُحْصي كِتابي ما أسَأْتُ وَأحْسَنْتُ أَمَا وَالَّذي أَرْجوهُ لِلْعَفْوِ إِنَّهُ ... لَيَعْلَمُ ما أَسْرَرْتُ مِنّي وأَعْلنْتُ

هل على نفسه امرؤ محزون

كَفى حَزَنًا أني أُحَسِّنُ وَالْبِلى ... يُقَبِّحُ ما زَيَّنْتُ مِني وَحَسَّنْتُ وَأَعْجَبُ مِنْ هذا هَناتٌ تَغُرُّني ... تَيَقَنْتُ مِنْهُنَّ الَّذي قَدْ تَيَقَّنْتُ تَصَعَّدْتُ مُغْتَرًّا وَصَوَّبْتُ في الْمُنى ... وَحَرَّكْتُ مِنْ نَفْسي إِلَيها وَسَكَّنْتُ وكَمْ قَدْ دَعَتْني هِمَّتي فَأجَبْتُها ... وكَمْ لَوَّثَتْني هِمَّتي فَتَلوَّثْتُ مُعاشَرَةُ الإنْسانِ عِنْدي أمانَةٌ ... فَِإنْ خُنْتُ إنْسانًا فَنَفْسي الَّذي حُنْتُ ولي ساعَةٌ لا شَكَّ فيها وَشيكَةٌ ... كَأنّيَ قَدْ حُنِّطْتُ فيها وَكُفِّنْتُ أَلَمْ تَرَ أنَّ الأَرْضَ مَنْزِلُ قُلْعَةٍ ... وَإنْ طالَ تَعْميرِي عَلَيها وَأزْمَنْتُ وَإنِّي لَرهْنٌ بِالْخُطوبِ مُصَرَّفٌ ... وَمُنْتَظِرٌ كَأسَ الرَّدى حَيثُما كُنْتُ وقال أيضًا: هَلْ عَلى نَفْسِهِ امْرُؤُ مَحْزُونُ ... مُوقِنٌ أنَّهُ غَداً مَدْفُونُ فَهْوَ لِلْمَوتِ مُسْتَعِدٌّ مُعَدٌّ ... لا يَصُونُ الْحُطامَ فيما يَصونُ يا كَثِيرَ الكُنوزِ إِنَّ الَّذي يَكْـ ... ـفيكَ مِما أكْثَرْتَ مِنْها لَدُونُ كُلُّنا يُكْثِرُ الْمَذَمَّةَ لِلدُّنْـ ... ـيا وكُلٌّ بِحُبِّها مُفْتونُ لتَنَالَنَّكَ الْمَنايا وَلَو أَنَّكَ ... في شاهِقٍ عَلَيكَ الْحُصونُ وتَرى مَنْ بِها جَميعًا كَأنْ قَدْ ... غَلِقَتْ مِنْهُمُ ومِنْكَ الرُّهُونُ أيُّ حَيٍّ إلاّ سَيَصْرَعُهُ الْمَو ... تُ وإلاَّ سَتَسْتَبِيِهِ الْمَنونُ أَينَ آباؤُنا وآباؤهُمْ قَبْلُ ... وأينَ الْقُرونُ أَينَ الْقُرونُ كَمْ أُناسٍ كانُوا فأفْنَتْهُمْ الأَيـ ... ـامُ حَتَّى كَأنَّهُمْ لَمْ يكُونُوا لِلْمَنايا ولابْنِ آدَمَ أيّا ... مٌ ويَومٌ لا بُدَّ مِنْهُ خَئُونُ والتَّصاريِفُ جَمَّةٌ غادِياتٌ ... رائِحاتٌ وَالْحادِثاتُ فُنُونُ

طال شغلي بغير ما يعنيني

ولِمَرِّ الْفَناءِ في كُلِّ يَومٍ ... حرَكاتٌ كَأنَّهُنَّ سُكونُ والْمَقادِيرُ لا تَناوَلُها الأَو ... هامُ لُطْفًا وَلا تَراها الْعُيُونُ وسَيَجْزي عَلَيكَ ما كَتَبَ اللهُ ... ويَأْتِيكَ رِزْقُكَ الْمَضْمُونُ وَسَيَكْفِيكَ ذا التَّعَزُّزِ وَالْبَغي ... مِنَ الدَّهْرِ حَدُّهُ الْمَسْنونُ وَالْيَقينُ الشِّفاءُ مِنْ كُلِ هَمٍّ ... ما يُثِيرُ الْهُمومَ إلاَّ الظنُّونُ فازَ بِالرَّوحٍ والسَّلامَةِ مَنْ كا ... نَتْ فَضولُ الدُّنْيا عَلَيهِ تَهونُ وَالْغِنى أنْ تُحَسِّنَ الظَّنَّ بِاللهِ ... وَتَرْضَى بِكُلِّ أمْرٍ يَكونُ وَالَّذي يَمْلِكُ الأُمورَ جَميعًا ... مَلِكٌ جَلَّ نُورُهُ الْمَكْنونُ وَسِعَ الْخَلْقَ قُدْرَةً فَجَميعُ الْـ ... ـخَلْقِ فيها مُحَدَّدٌ مَوزُونُ كُلُّ شَيءٍ فَقَدْ أحاطَ بِهِ اللهُ ... وَأحْصاهُ عِلْمُهُ الْمَخْزْونُ إنَّ رَأْيَا دَعا إلى طاعَةِ اللهِ ... لَرَأْيٌ مُبارَكٌ مَيمونُ وقال أيضًا: طالَ شُغْلِي بِغَيرِ ما يَعْنِينِي ... وَطِلابَي فَوقَ الَّذي يَكْفِيني وَاحْتِيالي بِما عَلَيِّ وَلا لي ... وَاشْتِغالي بِكُلِّ ما يُلْهيني وأرى ما قَضى علَيَّ إلهي ... مِنْ قَضاءٍ فإنَّهُ يأْتِيني وَلَو أنّي كَفَفْتُ لَمْ أَبْغِ رِزْقي ... كانَ رِزْقي هُوَ الَّذي يَبْغِيني أحْمَدُ اللهَ ذا المْعَارِجِ شُكْرًا ... ما عَلَيها إلاَّ ضَعيفُ الْيَقينِ وَلَعَمْرِي إنَّ الطَّريقَ إِلى الْحَـ ... ـقِّ مُبِينٌ لِلنَّاظِرِ الْمُسْتَبِينِ وَيحَ نَفْسي إني أراني بِدُنْيا ... يَ ضَنِينًا وَلا أضِنُّ بِديِني لَيتَ شِعْري غَدًا أَؤعْطَى كِتابي ... بِشِمالِ لِشَقِوتَي أَمْ يَميني

إلهي لا تعذبني فإني

وقال أيضًا في مرضه الذي مات فيه: إِلَهي لا تُعَذِّبني فَإِنّي ... مُقِرٌّ بِالَّذي قَد كانَ مِنّي وَما لي حيلَةٌ إِلّا رَجائي ... وَعَفوُكَ إِن عَفَوتَ وَحُسنُ ظَنّي فَكَم مِن زِلَّةٍ لي في البَرايا ... وَأَنتَ عَلَيَّ ذو فَضلٍ وَمَنِّ إِذا فَكَّرتُ في نَدَمي عَلَيها ... عَضَضتُ أَنامِلي وَقَرَعتُ سِنّي يَظُنُّ الناسُ بي خَيرًا وَإِنّي ... لَشَرُّ الناسِ إِن لَم تَعفُ عَنّي أُجَنُّ بِزَهْرَةِ الدُّنْيا جُنونًا ... وأُفْني الْعُمْرَ فيها بِالتَّمَنِّي وَبَينَ يَدَيَّ مُحْتَبَسٌ طَوِيلٌ ... كأَنّي قَدْ دُعِيتُ لَهُ كأَنّي وَلَو أنِّي صَدَقْتُ الزُّهْدَ فيها ... قَلَبْتُ لأَهْلِها ظَهْرَ الْمِجَنِّ آخر: نَهْنِهْ دُمُوعَكَ كُلُّ حَيٍّ فَانِ ... واصبْرْ لِقَرْع نَوائِبِ الحَدَثَانِ يا دَارِيَ الحَقَّ الَّتي لَمْ أبْنِهَا ... فِيمَا أشَيِّدُهُ مِن البُنْيَانِ كَيفَ العَزاءُ ولا مَحَالَةَ إنَّنِي ... يَومًا إليكَ مُشَيّعٌ إخْوَانِي نَعْشًا يُكفْكِفُهُ الرِجَالُ وفَوقهُ ... جَسَدٌ يُبَاعُ بأوكَسِ الأَثمانِ لَولا الإِلهُ وأنَّ قَلْبِي مُؤمِنٌ ... والله غَيرُ مُضَيِّعٌ إيمَانِ لَضَنَنْتُ أو أيقَنْتُ عِنْدَ مَنِيِّتِي ... أنِّ المَصِيرَ إلى مَحَلِّ هَوَانِ فَبِنُورِ وَجْهِكَ يا إلهَ مَرْحَمٍ ... زَحْزِحْ إليكَ عَن السَّعِيرِ مَكَانِي وامْنُنْ عَلَيَّ بتَوبَةٍ ترْضَى بِهَا ... يَا ذَا العُلَى والمَنِّ والإِحْسَانِ آخر: أينَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا أينَ أينَا ... مِنْ أُنَاسِ كانُوا جَمالا وزَينَا إنَّ دَهْرًا أتَى عَليهِم فأفْنَى ... مِنْهُمُ الجَمْعَ سَوفَ يأتِي عَليِنَا خَدَعَتْنَا الآمَالُ حَتَّى طَلَبْنَا ... وجَمَعْنَا لِغَيرِنَا وسَعَينَا

سكر الشباب جنون

وَابْتَنَينا وما نُفَكِّرُ في الدَّهْـ ... ـرِ وفي صَرْفِهِ غَداةَ ابْتَنَينا وابْتَغَينا مِنَ الْمَعاشِ فُضُولاً ... لَو قَنِعْنا بِدُونِها لاكْتَفَينا وَلَعَمْري لَنَمْضِيَنَّ ولا نَمْضي ... بِشَيءٍ مِنها إذا ما مَضَينا وافْتَرَقْنَا في الْمَقْدُراتِ وسَوَّى اللهُ ... في الْمَوتِ بَينَنا فاسْتَوَينا كَمْ رَأَينا مِنْ مَيِّتٍ كانَ حَيًّا ... وَوَشِيكًا يُرى بِنا ما رأينا ما لَنا نَأْمَنُ الْمَنايا كَأنّا ... لا نَراهُنَّ يَهْتَدِينَ إلَينا عَجَبًا لامرِئٍ تَيَقَّنِ أنَّ الْـ ... ـمَوتَ حَقٌّ فَقَرَّ بالْعَيشِ عَينا وقال أيضًا: سُكْرُ الشَّبابِ جُنونُ ... والنّاسُ فَوقٌ ودُونُ ولِلأُمورِ ظُهورٌ ... تَبْدو لَنا وظُنونُ وللزَّمانِ تَثَنٍّ ... كما تَثَنّى الْغُصونُ ِمِنَ الْعُقولِ سُهولٌ ... مُعْروفَةٌ وَحُزونُ فِيهِنَّ رَطْبٌ مُؤَاتٍ ... مِنْهُنَّ كَزٌّ حُرُونُ إنّي وَإنْ خانَني مَنْ ... أَهْوى فَلَسْتُ أخونُ لا أُعْمِلُ الظَّنَّ إِلا ... فيما تَسوغُ الظُّنونُ يا مَنْ تَمَجَّنَ مَهْلاً ... قَدْ طالَ مِنْكَ الْمُجونُ هَوَّنْتَ عسْفَ اللَّيالي ... هَوَّنْتَ ما لا يَهونُ يا لَيتَ شِعْري إذا ما ... دُفِنْتَ كَيفَ تَكونُ لَو قَدْ تُرِكْتَ صَريعًا ... وَقَدْ بَكَتْكَ الْعُيونُ لَقَلَّ عَنْكَ غَناءً ... دَمْعٌ عَلَيكَ هَتُونُ لا تَأْمَنَنَّ اللَّيالي ... فَكُلُّهُنَّ خَئُونُ

لمن طلل أسائله

إِنَّ الْقُبُورَ سُجونٌ ... ما مِثْلُهُنَّ سُجونُ كَمْ في الْقُبورِ قُرونٌ ... مِمَّنْ مَضى وقُرونُ ما في الْمَقَابِرِ وَجْهٌ ... عَنِ التُّرابِ مَصونُ لَتُفْنِيَنَّا جَميعًا ... وإِنْ كَرِهْنا الْمَنونُ أَمَّا النُّفوسُ عَلَيها ... فَلِلْمَنايا دُيونُ لا تَدْفَعُ الْمَوتَ عَمَّنْ ... حَلَّ الْحُصونَ الْحُصونُ ما لِلْمَنايا سُكونٌ ... عَنَّا ونَحْنُ سُكونُ وقال رحمه الله: لِمَنْ طَلَلٌ أُسائِلُهُ ... مُعْطَّلَةٌ مَنازِلُهُ غَداةَ رَأيتُهُ تَنْعى ... أعالِيَهُ أسافِلُهُ وَكُنْتُ أَراهُ مَأْهولاً ... وَلكِنْ بادَ آهِلُهُ وما مِنْ مَسْلَكٍ إلاَّ ... وَرَيبُ الدَّهْرِ شامِلُهُ فَيَصْرَعُ مَنْ يُصارِعُهُ ... وَيَنْضُلُ مَنْ يُناضِلُهُ يُنازِلُ مَنْ يَهُمُّ بِهِ ... وَأَحْيانًا يُخاتِلُهُ وَأحْيانًا يُؤَخِّرُهُ ... وَتاراتٍ يُعاجِلُهُ كَفاكَ بِهِ إِذا نَزَلَتْ ... عَلى قَومٍ كَلاكِلُهُ وَكمْ قَدْ عَزَّ مِنْ مَلِكٍ ... يَحُفُّ بِهِ قَنابِلُهُ يَخافُ النَّاسُ صَولَتَهُ ... ويُرْجَى مِنْهُ نائِلُهُ وَيَثْني عِطْفَهُ مَرَحًا ... وَتُعْجِبُهُ شَمَائِلهُ فَلَمَّأ أنْ أتاهُ الْـ ... ـحَقُّ وَلَّى عَنْهُ باطِلُهُ

فَغَمَّضَ عَينَه لِلْمَو ... تِ واسْتَرْخَتْ مَفاصِلُهُ فَما لَبِثَ السِّياقُ بِهِ ... إِلى أنْ جِاءَ غاسِلُهُ فَجَهَزّهُ إِلى جَدَثٍ ... سَيَكْثرُ فِيهِ خاذِلُهُ وَيُصْبِحُ شاحِطَ الْمَثْوى ... مَفَجَّعَةً ثَواكِلُهُ مُخَمَّشَةً نَوادِبُهُ ... مُسَلَّبَةً غَلائِلُهُ وَكَمْ قَدْ طالَ مِنْ أَمَلٍ ... فَلَمْ يُدْرِكْهُ آمِلُهُ رَأَيتُ الْحَقَّ لا يَخْفى ... وَلا تَخْفى شَواكِلُهُ ألا فانْظُرْ لِنَفْسِكَ أَيَّ ... زادٍ أنْتَ حامِلُهُ لِمَنْزِلِ وَحْدَةٍ بَينَ الْـ ... ـمَقَابِرِ أَنْتَ نازِلُهُ قَصيرِ السَّمْكِ قَدْ رُصَّتْ ... عَلَيكَ بِهِ جَنَادِلُهُ بَعيدِ تَزاوُرِ الْجِيرا ... نِ ضَيِّقَةٍ مَداخِلُهُ أأيَّتُها الْمقَابِرُ ... فيكِ مَنْ كُنا نُنازِلُهُ وَمَنْ كُنَّا نُتاجِرُهُ ... وَمَنْ كُنَّا نُعامِلُهُ ... وَمَنْ كُنَّا نُعَاشِرُهْ ... وَمَنْ كُنَّا نُدَاخِلُهْ وَمَنْ كُنَّا نُفَاخِرُهُ ... وَمَنْ كُنَّا نُطَاوِلَهُ وَمَنْ كُنَّا نَشَارِبُهْ ... وَمَنْ كُنَّا نُوَاكِلُهْ وَمَنْ كُنَّا نَرافِقُهْ ... وَمَنْ كُنَّا نُنَازِلُهْ وَمَنْ كُنَّا نُكَارِمُهْ ... وَمَنْ كُنَّا نُجَامِلُهْ وَمَنْ كُنَّا لهُ ألْفًا ... قَلْيلاً ما نُنَازِلُهْ وَمَنْ كُنَّا لَهُ بالأَمْـ ... ـسِ إخْوَانًا نُواصِلُهْ فَحَلَّ مَحَلَّةً مَن حَلَّهَا ... صُرِمَتْ مِنْهُ حَبَائِلُهْ إلاَ أنَّ المَنِيَّةَ مَنْـ ... ـهَلٌ والخَلْقُ نَاهِلُهْ

خانك الطرف الطموح

أوَاخِرُ مَنْ تَرَى تَفْنَى ... كَمَا فَنِيَتْ أوائِلُهْ لَعَمْرُكَ مَا اسْتَوى في الأمْـ ... ـرِ عَلِمُهُ وجَاهِلُهْ لِيَعْمَلْ كُلُّ ذِي عَمَلٍ ... بِأَنَّ اللهَ سَائِلُهْ فأسْرَعَ فَائِزًا بالخَيرِ ... قَائِلُهُ وفَاعِلُهْ وقال أيضًا: خانَكَ الطَّرْفُ الطَّموحُ ... أيُّها الْقَلْبُ الجْمَوحُ لِدَواعي الْخَيرِ والشَّرِّ ... دُنُوٌّ ونُزوحُ هَلْ لِمَطْلوبٍ بِذَنْبٍ ... تَوبَةٌ مِنْهُ نَصوحُ كَيفَ إِصْلاحُ قُلوبٍ ... إنَّما هُنَّ قُروحُ أحْسَنَ اللهُ بِنا أَنَّ ... الْخَطايا لا تَفوحُ فإِذا الْمَسْتورُ مِنّا ... بَينَ ثَوبَيهِ فُضِوحُ كَمْ رَأينا مِنْ عَزِيزٍ ... طُوِيَتْ عَنْهُ الْكُشوحُ صاحَ مِنْهُ بِرَحيلٍ ... صائِحُ الدَّهْرِ الصَّدوحُ مَوتُ بَعْضِ النّاسِ في ألأَرْ ... ضِ عَلى بَعْضٍ فُتُوحُ سَيَصيرُ الْمَرْءُ يَومًا ... جَسَدًا ما فيهِ رُوحُ بَينَ عَينَي كُلِّ حَيٍّ ... عَلَمُ الْمَوتِ يَلوحُ كُلُّنا في غَفلَةٍ والْـ ... ـمَوتُ يَغُدو ويَروحُ لِبَني الدُّنْيا مِنَ الدُّنْـ ... ـيا غَبوقٌ وَصبوحُ ... رُحْنَ في الْوَشْيِ وأصْبَحْـ ... ـنَ عَلَيهِنَّ الْمُسوحُ كُلُّ نَطّاحٍ مِنَ الدَّهْـ ... ـرِ لَهُ يَومٌ نطوحُ

أيها الراقد ذا الليل التمام

وقال بعضهم رحمه الله تعالى: أَيُّهَا الرَّاقِدُ ذَا اللَّيلَ التَّمَامْ ... قُمْ بِجِدٍّ فَاللَّيَالِي فِي انْصِرَامْ وَتَقَرَّبْ بِصَلاَةٍ وَصِيَامْ ... وَابْتَهِلْ للهِ فِي جُنْحِ الظَّلاَمْ فَعَسَى تلْحَقُ بِالْقَومِ الْكِرَامْ أَيُّهَا الرَّاقِدُ ذَا اللَّيلَ الطَّوِيلْ ... لَيسَ فِي الدُّنْيَا مَقَامٌ يَا نَبِيلْ ضُرِبَتْ وَاللهِ أَبْوَاقُ الرَّحِيلِ ... وَسَرَى الرَّكْبِ بِوَخْدٍ وَذَمِيلْ يَتَبَارونَ إِلَى دَارِ السَّلاَمْ أَيُّهَا الرَّاقِدُ كَمْ هَذَا الْهُجُودْ ... مَا تَرَى الْقَومَ اسْتَعَدُّوا لِلْوُفُودْ بِقِيَامٍ وَرُكُوعِ وَسُجُودْ ... وخُشُوعٍ وخُضُوعٍ لِلْوَدُودْ وَدُمُوعٍ تَتَجَارَى كالْغَمَامْ أَيُّهَا الرَّاقِدُ كَمْ هَذَا الْكَرَى ... إِنَّ أَهْلَ اللهِ جَدُّوا في السُّرَى طَلَّقُوا الدُّنْيَا وَمَرُّوا زُمَرَا ... أَفَتَرْضَى أَنْتَ أَنْ تَبْقَى وَرَى فاسْتَعِنْ بِاللهِ وَانْهَضْ بِاهْتِمَامْ أَيُّهَا الرَّاقِدُ كَمْ هَذَا الرُّقَادْ ... قُمْ بإِخْلاَصٍ وَجِدٍّ وَاجْتِهَادْ

عجبت لذي اغترار واعتزاز

وَتَزَوَّدْ فالتُّقَى أَفْضَلُ زَادْ ... إِنَّ أَهْلَ الْجِدِّ فَازُوا بِالْمُرَادْ مَنْ يُطِعْ مَولاَهُ يَظْفَرْ بِالْمَرَامْ كَيفَ يَهْنَى بِمَنامِ وَسُبَاتْ ... عَالِمٌ أَنْ سَوفَ يَلْقَى السَّكَرَاتْ وَيَذُوقَ الْمُرِّمِنْ كاسِ الْمَمَاتْ ... رَبِّ وَفِّقْنَا وَأَيَّدْ بِالثَّبَاتِ عِنْدَمَا نجْرَعُ كاسَاتِ الحِمَامْ إنَّمَا الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَغُرُورْ ... كلُّنَا فِيهَا عَلَآ وَشْكِ الْعُبُورْ لاَ تَغُرَّنَّكَ هَاتِيكَ الْقُصُورْ ... كلُّ مَنْ فِيهَا سَيَمْضِى لِلْقُبُورْ مُلْصِقًا بالرَّغْمِ خَدًّا لِلرَّغَامْ آهِ مِنْ ذِكْرِ الْلِلَى مَا أَوجَعَهْ ... آهِ مِنْ دَاعِ النَّوَى مَا أَسْمَعَهْ آهِ مِنْ هَولِ اللِّقَا مَا أَفْظَعَهْ ... آهِ مِنْ كاسِ الرَّدَى مَا أَبْشَعَهْ رَبِّ ثَبِّتْنَا لَدَى ذَاكَ الْمَقَامْ ... وقال آخر: عَجِبْتُ لِذِي اغْتِرَارٍ واعْتِزَازٍ ... وذِي سَفَرٍ أَطَلَّ عَلَى وفَازِ تَبَسَّطَ في الذنوبِ وفي الخَطَايَا ... ويَشْهَدُ بالقِصَاصِ وبالتَّجَازِي يُجَاهِرُ بالكَبَائِر عَدْل رَبٍّ ... عَلَى مِثْقَالِ ذَرَّتِهَا يُجَازِي مُنافٍ لِلْحَقِيقَةِ مُسْتَرِيحٍ ... إلى خُدَعِ الإِحَالَةِ والمَجَازِي تَخَطَّى الأرْضَ أمالاً طِوَالاً ... ومُهْلِكُهُ يُحَادِي أَو يُوَازِي

يود الفتى طول البقاء وطوله

هُو الموتُ الذي لا بُدَّ منه ... سَوَاءً بالقُصَورِ أو المَفَازِي تُقَدِّرْ وَيكَ أنكَ منه نَاجٍ ... وَإنَّكَ في حَبَائِلِهِ لَنَازِي وما الإِنْسانُ مَهْمَا حَادَ عَنْهُ ... سِوَى عُصُفُورَةٍ في كَف بَازِ آخر: يَوَدُّ الفَتَى طُولَ البَقَاءِ وطُولُهِ ... يُوَرِّثُهُ ثُكْلَ الأَحِبَّةِ والبَدَنْ وَأَيُّ اغْتِبَاطٍ في حَيَاةِ مُرَزَّءٍ ... يَرُوحُ عَلى بَثٍ ويَغْدُو عَلى شجنْ زِيَادَتُهُ نَقْصٌ وَجِدَّتُهُ بِلَى ... وَرَاحَتُهُ كَرْبٌ وهُدْنَتُهُ دَخَنْ إذَا فوَّقَ السَّهمُ المصِيبُ فَقَلْبُهُ ... ومَنْ صَانَ فِيه مِن أعِزَّتِهِ مِجَنْ فَيَا عَجَبًا لِلْمَرْءِ يَلْتَذُّ عِيشَةً ... مُنَغَّصَةً لُزَّتْ مَعَ الموتِ في قَرَنْ أرَى كُلَّ حَيٍّ لِلْمَنِيَّةِ حَامِلاً ... فَيَا وَيحَهُ مِمَّا تَحَمَّل واحْتضَنْ وإنَّ الفَتَى تِرْبُ الحَوادِثٍ ناشئًا ... وكَهلاً ولكِنَّ الشَّقِىَ مَنِ اسْتَشَنْ ونُلْدَغُ من جُحْرٍ مِرَارًا فَنَغْتَرِي ... كَأنَّ لُعَابَ القاتِلاتِ سَقِيطُ مَنْ ولَو دَرَتِ الأنْعَامُ وهْيَ رَوَاتِعٌ ... مِن الموتِ مَا نَدْرِي لما رَأَتِ السِّمَنْ فَكَيفَ بِهذا الخَطْبِ نامَتْ عُيُونُنَا ... وأيسَرُهُ ذَاد القطَاةَ عن الوَسَنْ وَأودَعَ حَيَّاتَ اللِّصَابِ لِصَابَهَا ... وَرَفَّعَ سِرْبَ العُصْمِ فَوقَ ذُرَى القَنَنْ وَلَمْ أرَى مِثْلَ المَوتِ حقًا كَبَاطِلٍ ... وَكُلٌ فَيَاللهِ بالموتِ مُرْتَهَنْ أإخْوانَنَا والحَشْرُ أدْنَى لِقَائِكُمْ ... سَلاَمٌ تَقَدَّمْتُمْ ونَحْنُ على السُنَنْ أإخْوانَنَا لَمْ يَبْقَ إلا تَحَّيةً ... أزُورُ بهَا تِلْكَ المَعَاهِدِ والدِّمَنْ أإخْوَانَنَا هَلْ تَسْمَعُونَ تَحِيَّتِي ... ودُونَكُمُ مَا يَحْجِبُ السِّرَ والعَلَنْ آخر: قَضَاءٌ مِن الرحمنِ لَيسَ لَهُ رَدُّ ... وسَكْرَتُ مَوتٍ لَيسَ من وِرْدِهَا بُدُّ وكأسٌ أدَارَتْهَا يَدُ العَدْلِ بَينَنَا ... فَيَشْرَبُهَا المَولَى كَمَا يَشْرَبُ العَبْدُ سَقَتْ أُمَّ عَمْرٍو والذينَ سَقَتْهُمُوا ... دِرَاكًا وَكَانْتَ لاَ يُنْهْنِهُها الصَّدُّ

نح وابك فالمعروف أقفر رسمه

ومَا أَخْطَأَتْ خَيرَ الثلاثَةِ عِنْدَهَا ... ولا قَصَّرَتْ عن غيرهِمْ عِنْدَنا بَعْدُ وشَبَّ عَنِ الطَّوقِ المُعَارِ فَرَدَّهُ ... ومَا اعْتَاضَ مِنْهُ مِن شَبِيبَتِه رِدُّ ومِن قَبْلُ مَا أَرْدَتْ أَباهُ حَيَاتهُ ... وَطوَّقَهُ مِن قَبْلِ تَطْوِيقِهِ اللَّحْدُ وأمْثلُ مَا قَالُوهُ فَرَّ لِوَجْهِهِ ... وأجَفْلَ مَذْعُورًا كَمَا يَجْفُلُ الرُبْدُ وعَزَّزَ منه القَابِضَانِ بِثَالِثٍ ... فَأصْبَحَ رَهْنًا لا يَرُوحُ ولا يغْدُ وعَمْرُو بْنُ هِنْدٍ غَالَهُ نَفْثُ أرْقَمٍ ... بِكَفِّ ابن لَيلَى وَعُدُهُ بالرَّدىَ نَقْدُ وكَرَّتْ عَلَى الزَّبَاءِ إثْرَ جَذِيمَةٍ ... وحُمَّ لَها مِن مِثْلِ مَا جَرَّعَتْ وِرْدُ ولَو مَلَكتهُ رَايَهُ يَومَ بَقَّةٍ ... لَمَا فاتَهُ مِن يوم مَكْروهِهَا وعْدُ ومَا بَلَغَ الثَّارُ الْمُنْيِمُ قَتْيَلَهَا ... وهَلْ تَبْلُغُ الأَنَبَاءُ مَن دُونَهُ اللَّحْدُ ولَمْ تُحْصِنِ الزِّياءَ قُنَّةُ شاهِقٍ ... تُسَامِيهِ أوهَامُ الخُطُوبِ فَيَرْتَّدُ ولا نَفَقٌ يَسْتَبْطِنُ الأرْضَ غَامِضٌ ... طَوَتْهُ كَمَا يُطْوَى الضَّمِيرُ فَمَا يَبْدُو وجَرَّتْ عَلَى مَغْنَى قَصِيرٍ ذُيُولَهَا ... ولَمْ تُنْجِهِ مِنْهَا العَصَا وَهي تَشْتَدُ وإنْ خَالَهُ مِن شِدَّةِ الرَّكْضِ ناجِيًا ... فَمَا كَانَ إلاَّ بَينَ أنْيَابِهَا يَعْدُ ووأينَ مِن الجَعْدِيِّ آلُ مُحَرِّقٍ ... تَوَالَو فلا سِبْطٌ يُعَدُّ ولا جَعْدُ تَذَكَرَهُمْ والأرْضَ مِنْهُم بَلاقِعٌ ... فلَم يَتَمَالك دَمْعُهُ وهُوَ الجَلْدُ وكَمْ بَينَ أطْبَاقِ الثَّرى من مُوَسَدٍ ... لَهُ المُقْرِبانِ المَهْرُ والسابِحُ النَّهْدُ آخر: نُحْ وابْكِ فالمعروف أقْفَرَ رَسْمُهُ ... وَالمنكرُ اسْتَعْلَى وَأَثَّرَ وَسْمُهُ لَمْ يَبْقَ إِلا بِدعةٌ فَتَّانَةٌ ... بهوى مُضِل مُسْتَطِير سُمُّهُ وطَعَامُ سُوءٍ من مَكَاسِبَ مُرَّةٍ ... يُعْمِي الفؤادَ بِدَائِهِ ويُصِمُّهُ فَفَشَا الرَّيَاءُ وغِيبَةُ ونَمِيمَةٌ ... وقَسَاوةَ مِنْهُ وأثْمَر إِثْمُهُ لَمْ يَبْقَ زَرْعٌ أَو مَبِيعٌ أَو شِرَى ... إِلاَّ أُزِيلَ عَن الشَّرِيعَةِ حُكْمُهُ

دع الدنيا لطالبها

فَلِكَيفَ يُفْلحُ عَابِدٌ وعِظَامُهُ ... نَشَأَتْ عَلَى السُّحْتِ الحَرَامِ وَلَحْمُهُ هذا الذي وَعَدَ النَّبِيُ المُصْطَفَى ... بظُهُورِهِ وَعْدًا تَوثقَ حَتْمُهُ هذا لعَمْرُ إِلهِكَ الزَّمن الذِي ... تَبدُو جَهَالَتُهُ وَيُرْفَعُ عِلْمُهُ هذا الزمانُ الآخِرُ الكَدِرُ الذِي ... تَزْدَادَ شِرَّتُهُ ويَنْقُصُ حِلْمُهُ وَهَتِ الأَمَانَةُ فِيهِ وانْفَصَمَتْ عُرَى التَ ... ـقْوَى بِهِ والبِرُّ أَدْبَرَ نَجْمُهُ كَثُرَ الرِّيَا وَفَشَا الزِّنَا ونَمَا الخَنَا ... وَرَمَي الهَوَى فيهِ فَأَقْصد سَهْمُهُ لَمْ يَبْقَ إِلا ظالِمٌ هُوَ مُرْتَشٍ ... أَو حَاكِمٌ تَخْشَى الرِّعيَّةُ ظُلْمَهُ وَالصَّالِحُونَ عَلَى الذهَابِ تَتَابَعُوا ... فَكَأَنَّهُم عِقْدٌ تَنَاثَرَ نَظْمُهُ لَمْ يَبْقَ إِلا رَاغِبٌ هو مُظْهِرٌ ... لِلزُّهِد والدُنْيَا الدَّنِيَّةِ هَمُّهُ لَولاَ بَقَايَا سُنَّةٍ ورِجَالِهَا ... لَمْ يَبْقَ نَهْجٌ وَاضِحٌ نأَتَّمُهُ يَا مُقْبِلا في جَمْعِ دُنْيَاً أَدْبَرَتْ ... كَبِنَاءٍ اسْتَولَى عَلَيهِ هَدْمُهُ هَذِي أَمَاراتُ القِيَامَةِ قَدْ بَدَتْ ... لِمُبَصَّر سَبَقَ العَوَاقَبَ فَهْمُهُ ظَهَرَتْ طُغَاتُ التُركِ وَاجتَاحُوا الوَرَى ... وأبادَهُم هَرْجٌ شَدِيدٌ حَطْمُهُ وَالشمس آنَ طُلُوعها مِن غَرْبِهَا ... وخُرُوجُ دَجَّالٍ فظيعٍ غَشْمُهُ وآنَ لِيَأْجُوج الخُرُوجُ عَقيبَهُ ... مِنْ خَلْفِ سَدٍّ سَوفَ يُفْتَحُ رَدْمُهُ فاعْمَلَ لِيَومِ لا مَرَدَّ لِوَقْعِهِ ... يُقْصِي الوَلِيدَ بِهِ أبُوهُ وَأُمُّهُ آخر: دَعِ الدُنْيَا لِطَالِبهَا ... لِتَسْلَم مِن مَعَاطِبْهَا ولا يَغْرُرْكَ عَاجِلهَا ... وفَكِّرْ في عَوَاقِبْهَا إِنَّ سِهَامَ افتهَا ... مَشُوبةٌ في أطايِبْهَا إنَّ بَرَيقَ دِرْهَمهَا ... لأَفْتَكُ مِن عَقَارِبْها كُنْ مُتَدَرِّعَ التَقوى ... تَحَصَّنُ مِن قَوضِبْهَا إنَّ سِهَامَ فِتْنَتهَا ... لَتَرْشُقْ مِن جَوَانِبْهَا تُبِيحكَ في مَحَاسِنهَا ... لِتَذْهَلَ عَن مَعَايِبْهَا

يا قسوة القلب مالي حيلة فيك

فَتُبِدي لِيَنَهَا خِدْعًا ... لَتَنْشَبَ في مَخَالِبْهَا فكُنْ مِن أُسْدِهَا لَيُثًا ... ولا تَكُ مِن ثَعَالِبْهَا فإنَّكَ إن سَلِمْتَ بِهَا ... فإنَّكَ مِن عَجَائِبهَا وجَانِبْهَا فإنَّ البِرَّ ... يَدْنُو مِن مُجَانِبْهَا وكُنْ منها على حَذَرٍ ... فإنَّكَ مِن مَطَالَبْهَا فَكَمْ مَن صَاحِبِ صَحَبَتْ ... ولَم تَنْصَحْ لِصَاحِبْهَا ... وصَادقها لِيَنْهَبَهَا ... فأصْبَحَ مِن مَنَاهِبْهَا فلا تَطْمَعْ مِن الدنيا ... بِصَافٍ في شَوائِبْهَا فإنَّ مَجَامِعَ الأَكْدَا ... رِ صُبَّتْ في مَشَارِبْهَا وكُنْ وَجلاً مُنْيبَ الْـ ... ـقَلْبِ تَسْلَمْ مِن نَوئِبهَا وَسَلْ رَبَّ العِبادِ العَو ... نَ مِنه عَلَى مَصَائِبهَا وله أيضًا رحمه الله ورضي عنه: يا قَسْوةَ القَلْبِ مَالِي حِيلةٌ فِيكَ ... مَلَكْتِ قَلْبِي فأَضْحَى شَرَّ مَمْلوكِ حَجَبْتِ عَنِي إِفادَاتِ الخُشُوعِ فَلا ... يَشْفِيكِ ذِكْرٌ وَلا وَعْظٌ يُدَاوِيكِ ومَا تَمَادِيكِ مِن كُثْفِ الذُنُوبِ وَلَـ ... ـكِنَّ الذُنُوبَ أَرَاهَا مِن تَمَادِيكِ لَكِن تَمَادِيكِ مِن أَصْلِ نَشَأتِ بِهِ ... طَعام سُوءٍ عَلَى ضَعْفٍ يُقَوِّيكِ وأَنْتَ يا نَفسُ مَأْوَى كُلِّ مُعْضِلةٍ ... وَكُلُ دَاءٍ بِقلبِي مِن عَوادِيكِ أَنتِ الطَّلِيعَةُ لِلشَّيطَانِ في جَسَدِي ... فَلَيسَ يَدْخُلُ إِلا مِن نَواحِيكِ لَمَا فَسَحْتِ بِتَوفِيرِ الحظُوظِ لَهُ ... أَضْحَى مَعَ الدَّم يَجْرِي في مَجَارِيكِ وَالَيتِهِ بِقَبُولِ الزُورِ مِنْكِ فَلَنْ ... يُوَالِي الله إِلا مَن يُعَادِيكِ مازِلْتِ في أسْرِهِ تَهْوِينَ مَوثقَةٌ ... حَتَّى تَلِفْتِ فَأَعيانِي تَلافِيكِ يَا نَفْسُ تُوبِي إلى الرحمنِ مُخْلِصَةً ... ثم اسْتَقِيمِي عَلَى عَزْمٍ يُنَجِيكِ

ما هذه الأرواح في أشباحها

واسْتَرِرْكِي فَارِطَ الأوقَاتِ واجْتَهِدِي ... عَسَاكِ بالصِدْقِ أنْ تَمْحَي مَسَاوِيكِ واسْعَي إلَى البِرَّ والتَّقْوىَ مُسَارِعَةً ... فَرُبَّما شُكِرَتْ يَومًا مَسَاعِيكِ ولَنْ يَتِمْ لَكِ الأَعْمَالُ صَالِحةً ... إِلا بِتَركِكِ شَيئًا شَرّ مَتْرُوكِ حُبُّ التَّكَاثُرِ في الدُّنْيَا وَزِينَتهَا ... فَهْيَ التِي عَن طِلابِ الخَيرِ تُلْهِيكِ لا تُكْثِري الحِرْصَ في تَطْلابِهَا فَلَكَمْ ... دَمٌ لَهَا بِسُيُوفِ الحِرْصِ مَسْفُوكِ بَلِ اقْنَعِي بِكَفَافِ الرِّزْقِ رَاضِيَةٌ ... فَكُلَّمَا جَاَز مَا يَكْفِيكِ يُعْطِيكِ ثُمَّ اذْكُرِي غُصصَ الموتِ الفَظِيع تَهُنْ ... عَلَيكِ أَكْدَارُ دُنْيا لا تُصَافِيكِ وَظُلْمَةَ القَبُرِ لا تَخْشَي وَوَحْشَتَهُ ... عِنْدَ انْفِرَادِكِ عَن خِلِ يُوَالِيكِ والصَّالِحَاتِ لِيَومِ الفَاقَةِ ادَّخِرِي ... في مَوقفٍ لَيسَ فَيهِ مِن يُوَاسِيكِ وأَحْسِنِي الظَّنَّ بِالرحمنِ مُسْلِمَةً ... فَحُسْنُ ظَنِّكِ بِالرحمنِ يَكْفِيكِ آخر: ما هذه الأرواح في أشباحِها ... إلاَّ وَدَائِعُ في غَدٍ سَتُسَلَّمُ وإذا أَتَى المَرْءَ الحِمَامُ فَمالَهُ ... مُتأَخَّرٌ عنه وَلا مُتَقَدَّمُ والنَّاسُ سَفْرٌ والزَّمَانُ مَطِيَّةٌ ... والعُمْرُ بِيدٌ والقُبُورُ مُخَيَّمُ هذا قُصَارِي مَبْلغُ الدُنْيَا فَكُنْ ... يَقظًا ولا يَغْرُوكَ مِنْهَا مبْسِمُ والعُمْرُ ثَوبٌ والصِفَاتُ رُقومُهُ ... فاخْتَرْ بأَيِ الوَصِْفِ ثَوَبَكَ تَرْقُمُ والعُمْرُ رَأْسُ المالِ فاحْفَظْهُ فما ... قَدْ ضَاعَ مِن عُمْرِ الفَتَى لا يُغْرَمُ جَدَّ الزمانُ وأنْتَ بَعْدُ لَهَازِلٌ ... لاَهٍ يُغِيرُ بِكَ الزَمَانُ ويُتْهِمُ فاعْمَلْ لِنَفْسِكَ صالِحَاً تُجَزْي بِهِ ... يَومَ الحِسَاب فإن عُمْرَكَ مَوسِمُ واجْعَلْ مِنَ العِلْمِ الشرِيفِ المرتَضَى ... عِلْمًا يَدُلُّكَ إنَّ دَهْرَكَ مُظْلِمُ أطع الإِلهَ ولا تُضِعْ أحْكَامَهُ ... إنَّ المُطْيِعَ عَلَى المُضِيعِ مُقَدَّمُ آخر: أتَهْزَأُ بالدُعَاءِ وتَزدَرِيهِ ... ومَا يُدْرِيكَ ما فعَلَ الدُعَاءُ سِهَام اللَّيلِ لا تُخْطكي وَلكِنْ ... لَهَا أمَدٌ ولِلأَمَدِ انْتِهَاءُ

نموت جميعا كلنا غير ما شك

دُعَا المظلومِ لَيسَ لَهُ مَرَدٌ ... ولا حَجُبٌ تَقِيهِ ولا سَمَاءُ وكَمْ أفْنَى ودَمَّرَ مِن مُلُوكِ ... أبادَهُمُ بِهِ لَمَّا أَسَاؤا وصَاروا عِبْرةً للخَلْقِ لَمَّا ... أحَاطَ بِهم مِن اللهِ البَلاَءُ فلا تغْرُرْكَ أيامٌ حِسَانٌ ... ولا تَظْلمْ فَذَاكَ لَهُ جَزَاءُ فإنَّ اللهَ يَا هَذا غَيُورٌ ... فلا يُهْمِلْ إذا رُفعَ الدعَاءُ وقال رحمه الله: نَموتُ جَميعاً كُلُّنا غَيرَ ما شَكِّ ... وَلا أحَدٌ يَبْقى سِوى مالِكِ المُلْكِ أَيا نَفْسُ أَنْتِ الدَّهْرَ في حال غَفْلَة ٍ ... وَلَيسَتْ صُروفُ الدَّهْرِ غافلَةً عَنْكِ أَيا نَفْسُ كمْ لي مِنْكِ مِنْ يَوم صَرعةٍ ... إلى اللهِ أشْكو ما أُعالِجُهُ مِنْكِ أَيا نَفْسُ إِنْ لمْ أبْكِ مِمَّا أخافُهُ ... عَلَيكِ غَداً يَومَ الْحِسابِ فَمَنْ يَبكي أَيا نَفْسُ هذي الدّارُ لا دارُ قُلْعَةٍٍ ... فَلا تَجْعَلِنَّ الْقَصْدَ إلاّ إِلى تِلْكِ أَيا نَفْسُ لا تَنْسَي عَنِِ اللهِ فَضْلَهُ ... فَتَأْيِيدُهُ مُلْكي وَخِذْلانُهُ هُلْكي وَلَيسَ دَبيبُ الذَّرِّ فَوقَ الصَّفاة في ... الظَّلامِِ بِأخْفى مِن رِياءٍ ولا شِرْكِ وقال رحمه الله: أفْنَيتَ عُمْرَكَ باغَتِرارِك ... ومَناكَ فيهِ وانتِظارِك ونَسيتَ ما لا بُدَّ مِنْـ ... ـهُ وكانَ أَولى بادِّكارِكْ فإنِ اعْتَبَرْتَ بما تَرى ... فَكفَاكَ عِلْمًا باعْتِبارِكْ لَكَ سَاعةٌ تَأْتيكَ مِنْ ... ساعاتِ لَيلِكَ أو نَهارِكْ بادِرْ بِجِدِّكَ قَبلَ أنْ ... تُقْصَى وتُزْعَجَ مِن قَرارِكْ مِنْ قَبلِ أنْ يَتَثاقَلَ الزُّ ... وّارُ عَنكَ وعَنْ مَزارِكْ مِنْ قَبلِ أنْ تُلْقَى ولَيسَ ... النَّأْيُ إلاَّ نأْيَ دارِكْ

رأيت الشيب يعدوكا

أأُخَيَّ فاذْخَرْ ما اسْتَطَعْـ ... ـتَ لِيَومِ بُؤْسِكَ وافْتِقارِكْ فَلَتَنزِلَنَّ بِمَنْزِلٍ ... تَحْتاجُ فيهِ إلى ادِّخارِكْ وقال: رَأَيتُ الشَّيبَ يَعْدُوكَا ... بِأَنَّ الْمَوتَ يَنْحُوكَا فَخُذْ حِذْرَكَ يا هذا ... فإنِّي لَسْتُ آلُوكا وَلا تَزْدَدْ مِنَ الدُّنْيا ... فَتَزْدادَنْ بِها نُوكا فَتَقْوَى اللهِِ تُغْنيكا ... وَإنْ سُمِّيتَ صُعْلُوكا تَناوَمْتَ عَنِ الْمَوتَ ... وَداعي الْمَوتَ يَدْعوكا وَحاديهِ وَإِنْ نِمْتَ ... حَثيثُ السَّيرِ يَحدوكا فَلا يَومُكَ يَنْساكَ ... وَلا رِزقُكَ يَعْدوكا مَتى تَرْغَبْ إلى النَّاسِ ... تَكُنْ لِلنَّاسِ مَمْلوكا إذا ما أنْتَ خَفَّفْتَ ... عَنِ النَّاسِ أحَبُّوكا وَإنْ ثَقَّلتَ مَلُّوكا ... وَعابوكَ وَسَبُّوكا إذا ما شِئْتَ أنْ تُعْصى ... فَمُرْ مَنْ لَيسَ يَرْجُوكا وَمُرْ مَنْ لَيسَ يَخْشاكا ... فَيَدْمَى عِنْدَها فوكا وقال رحمه الله: الْمَرْءُ مُسْتَأْئِرٌ بِما مَلَكا ... ومَنْ تَعامى عَنْ قَدْرِهِ هَلَكا مَنْ لمْ يُصِبْ مِنْ دُنْياهُ آخِرَةً ... فَلَيسَ مِنْها بِمُدْرِكٍ دَرَكا لِلْمَرْءِ ما قَدَّمَتْ يَداهُ مِنَ الْـ ... ـفَضْلِ وَلِلْوارِثينَ ما تَرَكا يا سكرةَ الْمَوتِ قَدْ نَصَبْتِ لهِـ ... ـذا الْخَلْقِ في كُلِّ مُسْلَكٍ شَرَكا يا سَكْرَةَ الْمَوتِ أنْتِ واقِفَةٌ ... لِلْمَرْءِ في أيِّ آيَةٍ سَلَكا

الخلق مختلف جواهره

أُخَيَّ إنَّ الْخُطوبَ مُرْصَدَةٌ ... بالْمَوت لا بُدَّ مِنْهُ لِي ولَكا ما عُذْرُ مَنْ لمْ تَنَمْ تَجاربُهُ ... وحَنْكَتْهُ الأُمورُ فاحْتَنَكا خُضْتَ الْمُنى ثُمَّ صِرْتَ بَعْدُ إلى ... مَولاكَ في وَحْلِهِنَّ مُرْتَبِكا ما أَعْجَبَ الْمَوتِ ثُمَّ أعْجَبُ مِنْـ ... ـهُ مُؤْمِنٌ مُوقِنٌ بهِ ضَحِكا حُقَّ لأهْلِ الْقُبورِ مِنْ ثِقَتي ... إنْ حَنَّ قَلْبي إلَيهِمُِ وَبَكى وقال أيضًا: الْخَلْقُ مُخْتَلِفٌ جَواهِرُهُ ... ولَقَلَّ ما تَزْكُو سَرائِرُهُ ولَقَلًَّ ما تَصْفو طَبائِعُهُ ... ويَصِحُّ باطِنُهُ وظاهِرُهُ والنّاسُ في الدُّنيا ذُوُو ثِقَةٍ ... والدَّهْرُ مُسْرِعَةٌ دَوائِرُهُ لا خَيرَ في الدُّنيا لِذي لازَمَنا ... نَفِدَتْ لهُ فيها بَصائِرُهُ لَو أَنَّ ذِكْرَ الْمَوتِ لازَمَنا ... لَمْ يَنْتَفِعْ بالْعَيشِ ذاكِرُهُ كَمْ قَدْ ثَكِلْنا مِنْ ذَوي ثِقَةٍ ... ومُعاشِرٍ كُنّا نُعاشِرُهُ أينَ الْمُلوكُ وأَينَ عِزَّتُهُمْ ... صاروا مَصيرًا أنتَ صائِرُهُ فَسَبيلُنا في الْمَوتِ مُشَتَركٌ ... يَتْلو أصاغِرَهُ أَكابِرُهُ مَنْ كانَ عِنْدَ اللهِ مُذَّخِرًا ... فَسَتَسْتَبينُ غَدًا ذَخائِرُهُ أَمِنَ الْفَناءَ عَلى ذَخائِرِهِ ... وجَرى لَهُ بالسَّعْدِ طائِرُهُ يا مَنْ يُريدُ الْمَوتِ مُهْجَتَهُ ... لا شَكَّ ما لَكَ لا تُبادِرُهُ هَلْ أنتَ معْتَبِرٌ بِمَنْ خَرِبَتْ ... مِنْهُ غَداةَ قَضى دَساكِرُهُ وبِمَنْ خَلَتْ مِنْهُ أسِرَّتُهُ ... وبِمَنْ خَلَتْ مِنْهُ مَنابِرُهُ وبِمَنْ خَلَتْ مِنْهُ مَدائِنُهُ ... وتَفَرَّقَتْ عَنْهُ عساكِرُهُ

أخ طالما سرني ذكره

وبِمَنْ أذَلَّ الدَّهْرُ مَصْرَعَهُ ... فَتَبَرَّأَتْ مِنْهُ عَشائِرُهُ مُسْتودَعًا قَبْرًا قَدَ أثْقَلَهُ ... فيها مِنَ الْحَصْباءِ قابِرُهُ دَرَسَتْ مَحاسِنُ وجْهِهِ ونَفى ... عَنْهُ النَّعيمُ فَتِلْكَ ساتِرُهُ فَقَريبُهُ الأَدْني مُجانِبُهُ ... وَصديقُهُ مِنْ بَعْدُ هاجِرُهُ يا مُؤْثِرَ الدُّنْيا وطالِبَها ... والْمُسْتَعِدَّ لِمَنْ يُفاخِرُهُ نَلْ ما بَدا لَكَ أنْ تَنالَ مِنَ الدُّ ... نْيا فَإنَّ الْمَوتِ آخِرُهُ وقال: أخٌ طالمَا سَرَّني ذِكْرُهُ ... فَقَدْ صِرْتُ أَشْجى لَدى ذِكْرِهِ وقَدْ كُنتُ أغْدو إِلى قَصْرِهِ ... فَقَدْ صِرْتُ أغدوا إلى قَبْرِهِ وكُنتُ أُراني غَنِيٍّا بِهِ ... عَنِ النّاسِ لَو مُدَّ في عُمْرِهِ وكُنتُ مَتى جِئْتُ في حاجَةٍ ... فأمْري يَجوزُ عَلى أمرِهِ فَتًى لَمْ يُخَلِّ النَّدى ساعَةً ... عَلى يُسْرِهِ كانَ أو عُسْرِهِ تَظَلُّ نَهارَكَ في خَيرِهِ ... وتأَمَنُ لَيلَكَ مِنْ شَرِّهِ فَصارَ عَليٌّ إلى رَبِّهِ ... وكانَ عَليٌّ فَتى دَهْرِهِ أتَتْهُ الْمَنِيَّةُ مغُتْالَةً ... رُوَيدًا تَخَلَّلُ مِنْ سِتْرِهِ فَلَمْ تُغْنِ أجنادُهُ حَولَهُ ... ولا الْمُسْرِعونَ إلى نَصْرِهِ وقال: يا ساكَنِ الْقَبْرِ عَنْ قَليلِ ... ماذا تَزَوَّدْتَ لِلرَّحيلِ الْحَمْدُ للهِ ذِي الْمَعالي ... والْحَولِ والْقُوَّةِ الْجَليلِ إنَّا لَمُسْتَوطِنونَ دارًا ... نَحْنُ بِهَا عَابِرُو سَبيلِ دَارُ أَذًى عليلٌ ... يَشْكو أذَاهَا إلى عَليلِ

رويدك لا تستبط مأ هو كائن

كَمْ شاهِدٍ أنَّها سَتَفْنى ... كِمْ: َمنْظِلٍ مُقْفِرِ مُحيلِ كَمْ مُسْتَظلٍّ بِظِلِّ مُلْكٍ ... أُخْرِجَ مِنْ ظِلِّهِ الظِلَّيلِ لابُدَّ لِلْمُلْكِ مِنْ زَوالٍ ... عَنْ مُسْتَدالٍ إِلَى مُدِيلِ كَمْ تَرَكَ الدَّهرُ منْ أُناس ... يَدْعونَ بالْوَيلِ والْعَوِيلِ كَمْ نَغْصَ الدَّهْرُ مِنْ مَبيتٍ ... عَلى سَريرٍ ومِنْ مَقيل كَمْ قَتَلَ الدَّهْرُ مِنْ أُناسٍ ... مَضَوا وكَمْ غالَ مِنْ قِبَيلِ هَيهاتَ للأَرْضِ مِن عَزيزٍ ... يَبْقى عَلَيها وَلا ذَلِيلِ يا عَجَبًا مِنْ جُمودِ عَينٍ ... لَمْ تَعْرَ مِنْ حَادِثٍ جَلِيلِ كَأَنِّني لَمْ أُصَبْ بِإلفٍ ... وَلا قَرينٍ ولا دَخِيلِ ولا رَفِيقٍ ولا صَدِيقٍ ... ولا شَفِيقٍ ولا عَدِيلِ ما لِي إذا ما ثَكِلْتُ خِلاًّ ... ثَنَيتُ صَدْرًا عَلى خَليلِ مَحَلُّ مَنْ ماتَ لَيسَ يَلْوِي ... بِهِ وَصولٌ عَلى وَصولٍ يا نَفْسُ لابُدَّ مِنْ فَنِاءٍ ... فَقَصِّري الْعُمْرَ أَو أَطِيلِي ما أَقْطَعَ الْمَوتَ لِلأَماني ... والأَمَلِ النّازِحِ الطَّوِيلِ ما أَخْوَضَ النّاسَ مُنْذُ كَانُوا ... في كُلِّ قالٍ وكُلِّ قِيلِ ما أَفضَلَ الرَّفْضَ لِلمَلاحِي ... والصَّبْرَ لِلفادِحِ الْجَلِيلِ ما أَزْيَنمَ الْجُودَ مِنْ حَلِيفٍ ... مَا أَشْيَنَ الْبُخْلَ لِلْبَخِيلِ * * * وقال رحمه الله: رُوِيدَكَ لا تَسْتَبْطِ مَأ هُوَ كائِنٌ ... ألاَ كُلُ مُقْدُورٍ فَسَوفَ يَكُونُ سَتَذْهَبُ أيامٌ وتَخْلُقُ جِدَّةٌ ... وتَمْضِي قُرُونٌ بَعْدَهُنَّ قُرُونُ وتَدْرُسُ آثارٌ وتَعْقِبُ حَسْرَةٌ ... وتَخْلُو قُصُورٌ شُيِّدَة وحُصُونُ

مؤاخاة الفتى البطر البطين

سَتُقْطَعُ آمالٌ وَتَذْهَبُ جِدَّةٌ ... سَيَغْلَقُ بِالْمُسْتَكْثِرينَ رُهُونُ سَتَنْقِطِعُ الدُّنْيا جَميعًا بِأهْلِها ... سَيبَدْو مِنَ الشَّأْنِ الْحَقيرِ شُئُونُ وَما كُلُّ ذِي ظَنٍّ يُصِيبُ بِظَنِّهِ ... وقَدْ يُسْتَرَابُ الظَّنُّ وهُوَ يَقِينُ يَحُولُ الْفَتى كالْعُودِ قَدْ كانَ مَرَّةً ... لَهُ وَرَقٌ مُخْضَرَّةٌ وغُصُونُ نَصُونُ فَلا نَبْقى ولا ما نَصُونُهُ ... ألاَ إِنَّنا الْمِحادِثاتِ نَصُونُ وَكمْ عِبْرَةٍ لِلنَّاظِرينَ تَكَشَّفَت ... فَخانَتْ عُيونَ النَّاظِرينَ جُفُونُ نَرى وَكَأنَّا لا نَرى كُلَّ ما نَرى ... كَأنَّ مُنانا لِلْعُيونِ شُجُونُ وَكمْ مِنْ عَزيزٍ هانَ مِنْ بَعْدِ عِزّةٍ ... أَلاَ قَدْ يَعِزُّ الْمَرَءُ ثُمَّ يَهُونُ أَلاَ رُبِّ أسْبابٍ إِلى الْخَيرِ سَهْلَةٌ ... وَلِلشَّرِّ أسْبابٌ وَهُنَّ حُزُونُ وقال أيضًا: مُؤَاخاةُ الْفَتى الْبَطِرَ الْبَطِينِ ... تُهَيِّجُ قَرْحَةَ الدَّاءِ الدَّفِينِ وَتُدْخِلُ في الْيَقِينِ عَلَيكَ شَكَّا ... وَلا شَيءٌ أَعَزَّ مِنَ الْيَقينِ فَدَعْهُ وَاسْتَجِرْ باللهِ مِنْهُ ... فَجارُ اللهِ في حِصْنٍ حَصِينِ أَأَغْفُلُ وَالْمَنايا مُقْبِلاتٌ ... عَلَيَّ وَأَشْتَرِي الدُّنْيا بِدِينِي وَلَو أني عَقَلْتُ لَطالَ حُزْني ... وَرُمْتُ إِخَاءَ كُلِّ أخٍ حَزِينِ وأظْمَأْتُ النَّهارَ لِرَوحِ قَلْبي ... وَبتُّ اللَّيلَ مُفْتَرِشًا جَبِينيِ ... وقال: يا أيُّها الْمُتَسَمِّنُ ... قُلْ لِي لِمَنْ تَتَسَمَّنُ سَمَّنْتَ نَفْسَكَ لِلْبلى ... وَبَطِنْتَ يا مُسْتَبْطِنُ وأسَأْتَ كُلَّ إسَاءةٍ ... وَظَنَنْتَ أنَّكَ تُحْسِنُ ما لِي رأيتُكَ تَطْمَئِنُّ ... إِلَى الْحَياةِ وَتَرْكَنُ

عجبا لأرباب العقول

يا ساكِنَ الْحُجُراتِ ما ... لَكَ غَيرُ قَبْرِكَ مَسْكَنُ الْيَومَ أنْتَ مُكاثِرٌ ... وَمُفاخِرٌ مُتَزَيِّنُ وَغَدًا تَصِيرُ إلى الْقُبو ... رِ مُحَنَّطٌ وَمُكَفَّنُ أَحْدِثْ لِرَبِّكَ تَوبَةً ... فَسَبِيلُها لَكَ مُمْكِنُ وقال أيضًا: سَهَوتُ وغَرَّني أَمَلي ... وقَدْ قَصَّرْتُ في عَمَلي ومَنْزلَةٍ خُلِقْتُ لَها ... جَعَلْتُ بِغَيرِها شِغُلُي أَرى الأَيَّامَ مُسْرِعَةً ... تُقَرِّبَني إِلَى أجَلِي وقال: عَجَبًا لأَرْبابِ الْعُقولِ ... وَالْحِرْصِ في طَلَبِ الْفُضُولِ سُلاَّبِ أَكْسِيةَ الأَرَا ... مِلِ والْيَتامى والْكُهولِ والْجامِعينَ الْمُكْثِر ... ينَ مِنَ الْخِيانَةِ والْغُلُولِ وَالْمُؤْشِرينَ لِدارِ رِحْـ ... ـلَتِهِمْ عَلى دارِ الْحُلولِ وَضَعُوا عُقولَهُمُ مِنَ الدُّ ... نْيا بِمَدْرَجَةِ السُّيولِ وَلَهَوا بِأطْرافِ الْفُرُو ... عِ وَأَغْفَلُوا عِلْمَ الأُصولِ وَتَبَعَّوُا جَمْعَ الْحُطا ... مِ وَفارَقوا أَثَرَ الرَّسُولِ ولَقَدْ رَأَوا غِيلانَ رَيـ ... ـبِ الدَّهْرِ غُزولاً بَعْدَ غُولِ * * * وقال أيضًا: عَجَبًا ما يَنْقَضى مِنى لِمَنْ ... مالَهُ إِنْ سِيمَ مَعْروفًا حَزِنْ لَمْ يَضِرْ يُخْلُ بَخِيلٍ غَيرَهُ ... فَهُوَ الْمَغْبونُ لَو كانَ فَطِنْ يا أَخا الدُّنْيا تَأهَّبْ لِلْبِلى ... فَكأَنَّ الْمَوتَ قَدْ حَلَّ كَأَنْ ...

يا نفس قد أزف الرحيل

كمْ إِلَى كَمْ أنْتَ في أُرْجُوحةٍ ... تَتَمَنّى زَمَنًا بَعْدَ زَمَنْ وَمَتى ما تَتَرَجَّحْ في الْمُنى ... تَتَعَرَّضْ لِمَضّلات الْفِتَنْ حَبذَّا الإِنْسانُ ما أكْرَمَهُ ... مَنْ يُسِئْ يخْذَلْ وَمَنْ يُحْسِنْ يُعَنْ رُبَّ يأْس قَدْ نَفى عَنْكَ الْمُنى ... فَاسْتَراحَ الْقَلْبُ مِنْها وَسَكَنْ سَاهِلِِ النَّاسَ إذا ما غَضِبُوا ... وإِذا عَزَّ صَديقُكَ فَهُنْ وإذا ما الْمَرْءُ صَفّى صِدْقَهُ ... وافَقَ الظَّاهِرُ مِنْهُ ما بَطَنْ وإذا ما وَرَعُ الْمَرْءِ صَفا ... اسْتَسرَّ الْخَيرُ مِنْهُ وَعَلَنْ عَجَبًا مِنْ مْطمَئِنٍ آمِنٍ ... أَوطَنَ الدُّنْيا وَلَيسَتْ بِوَطَنْ وقال أيضًا: يا نَفْسُ قَدْ أُزِفَ الرَّحيلُ ... وأَظَلَّكِ الْخَطْبُ الْجِليل فَتَأهَّبي يا نَفْسِ لا ... يَلْعَبْ بِكِ الأمَلُ الطَّويلُ فَلَتَنْزِلِنَّ بِمَنْزِلِ ... يَنْسى الْخَليلَ بِهِ الْخَليلُ وَليَرْكَبَنَّ عَلَيكِ فيهِ ... مِنَ الثَّرى ثِقْلٌ ثَقِيلُ قُرِنَ الْفَناءُ بِنا فَما ... يَبْقى الْعَزيزُ ولا الذَّلِيلُ لا تَعْمُرِ الدُّنْيا فَلَيـ ... ـسَ إِلَى الْبَقاءِ بِها سَبِيلُ يا صاحِبَ الدُّنْيا أبِالدُّ ... نْيا تُدِلُّ وَتَسْتَطِيلُ كُلٌّ بُفارِقُ رُوحَه ... وَبِصَدْرِهِ مِنْها غَلَيلُ عَمّا قَلِيلِ يا أخا الـ ... ـشَّهَواتِ أنْتَ لهَا قَتِيلْ فَإذا اقْتَضاكَ الْمَوتُ نَفْـ ... ـسَكَ كُنْتَ مِمَّنْ لا يُحِيلْ فَهُناكَ ما لَكَ ثَمَّ إلاَّ ... فِعْلُكَ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ إني أُعِيذُكَ أنْ يَميلَ ... بِكَ الْهَوى فيمَنْ يَمِيلُ

أرى الموت لي حيث اعتمدت كمينا

والْمَوتُ آخِرُ عِلَّةٍ ... يَعْتَلُّها الْبَدَنُ الْعَلِيلُ لِدِفاعِ دَائِرَةِ الرَّدى ... يَتَضَايَقُ الرَّأْيُ الأَصِيلُ فَلَرُبَّما عَثَرَ الْجَوا ... دُ وَرُبَّما حارَ الدَّليلُ ولَرُبَّ جِيلٍ قَدْ مَضى ... يَتْلُوهُ بَعْدَ الْجِيلِ جِيلُ وَلَرُبَّ باكِيَةٍ عَلَيَّ ... غَناؤهُا عَنِّي قَليلُ وقال أيضًا: أَرى الْمَوتَ لي حَيثُ اعْتَمَدْتُ كَمينَا ... فَأصْبَحْتُ مَهْمُومًا هُناكَ حَزِينَا سَيُلْحِقُني حادِي الْمَنايا بِمَنْ مَضى ... أخَذْتُ شِمالاً أَو أخَذْتُ يَمِينَا يَقِينُ الْفَتى بالْمَوتِ شَكٌّ وشَكُّهُ ... يَقينٌ ولكِنْ لا يَراهُ يَقِينا عَلَينا عُيُونٌ لِلْمَنونِ خَفيَّةٌ ... تَدِبُّ دَبِيبًا بالْمَنِيَّةِ فِينَا وما زالَتِ الدُّنيا تُقَلِّبُ أَهْلَها ... فَتَجْعَلُ ذا غَثَّا وذاكَ سَمِينَا وقال أيضًا: كُنْ عِنْدَ أَحْسَنِ ظَنِّ مَنْ ظَنّا ... وإِذا ظَنَنْتَ فأحْسِنِ الظَّنّا لا تُتْبِعَنَّ يَدًا بَسَطْتَ بِها الْـ ... ـمَعْرُوفَ مِنْك أَذًى ولا مَنَّا وَالْعَتْبُ يَنْعَطِفُ الْكَرِيمُ بِهِ ... وَيُرَى اللَّئِيمُ عَلَيهِ مُسْتَنًا وَلَرُبَّ ذِي إِلْفٍ يُفارِقُهُ ... فَإِذا تَذَكَّرَ إلْفَهُ حَنَّا وَلَقَلَّ ما اعْتَقَدَ امْرُؤٌ هِبَةً ... إلا رَأَيتَ لهُ بها ضَنا عَجَبًا لنا وَلِطُولِ غَفْلَتِنا ... وَالْمَوتُ لَيسَ بِغافِلٍ عَنَّا سَنَبِينُ عَمَّا نَحْنُ فيهِ لِمَنْ ... سَيَبِينُ بَعْدُ عَنِ الَّذي بِنَّا يا إخْوَةً خُنَّا الْمُحِيطَ بِنَا ... عِلْمًا وَأنْفُسَنا الَّتِي خُنَّا إنَّا وإنْ طالَ الزَّمانُ بِنا ... غَرَضُ الْحَودِثِ حَيثُما كُنَّا

الجود لا ينفك حامده

الْخَيرُ خَيرٌ كَأسْمِهِ ... وَالشَّرُّ شَرٌّ كَأسْمِهِ سُبْحانَ مَنْ وَسِعَ الْعِبا ... دَ بِعَدْلِهِ في حُكْمِهِ وَبِعَفْوِهِ وَبِعَطْفِهِ ... وبِلُطْفِهِ وبِحِلْمِهِ وجَميعُ ما هُوَ كائِنٌ ... يَجْري بِسابِقِ عِلْمِهِ قَدْ أسْعَدَ اللهُ أمْرَءًا ... أرْضاهُ مِنْهُ بِقِسْمِهِ وقال أيضًا: الْجودُ لا يَنْفَكُّ حامِدُهُ ... وَالْبُخْلُ لا يَنْفَكُّ لائِمُهُ وَالْعِلْمُ حَيثُ يَصِحُّ عالِمُهُ ... وَالْحِلْمُ حَيثُ يَعِفُّ حالِمُهُ وإذا امْرُؤٌ كَمَلَتْ لَهُ شُعَبُ التَّـ ... ـقْوى فَقَدْ كَمَلتْ مَكارِمُهُ وَالصِّدْقُ حِصْنٌ دونَ صاحِبِهِ ... بُنِيَتْ عَلى رُشْدٍ دَعائِمُهُ وَالْمَرْءُ لا يَصْفُو هَواهُ ولا ... يَقْوى عَلى خُلُقٍ يُداوِمُهُ ... وَالنَّفْسُ ذاتُ تَخَلُّقٍ وَبِها ... عَنْ نُصْحِها داءٌ تُكاتِمُهُ وَالدَّهْرُ يُسْلِمُ مَنْ يكونُ لَهُ ... سَلِْمًا ويُرْغِمُ مَنْ يُراغِمُهُ وَلَقَدْ بَلِيتُ وَكُنْتُ مُطَّرِفًا ... وَالشَّيءُ يُخْلِقُهُ تَقادُمُهُ وَكَأنَّ طَعْمَ الْعَيشِ حينَ مَضى ... حُلُمٌ يُحَدِّثُ عَنْهُ حالِمُهُ يا رُبّ جِيلٍ قَدْ سَمِعْتُ بهِ ... وَرَأيتُ قَدْ هَمَدَتْ خَضارِمُهُ وجَميعُ ما نَلْهو بِهِ مَرَحًا ... مِنْ لَذَّةٍ فَالْمَوتُ هادِمُهُ وَالنَّاسُ في رَتْغِ الْغُرورِ كَما ... رَتَعَتْ حِمى الْمَرْعى بِهائِمُهُ كُلٌّ لَهُ أَجَلٌ يُراوِغُهُ ... ويَحِيدُ عَنْهُ وهْوَ لازِمُهُ يا ذَا النَّدامَةِ عِنْدَ مِيتَتِهِ ... والْمَوتُ لَيسَ يُقالُ نادِمُهُ أما الْمُقِلُّ فَأَنْتَ تَحْقِرُهُ ... فَإذا اسْتَراشَ فأنْتَ خادِمُهُ

سكن يبقى له سكن

ما بالُ يَومِكَ لا تُعِدُّ لَهُ ... فَلَيَقْدَمَنَّ عَلَيكَ قادِمُهُ رَفَدَتْ عُيونُ الظَّالِمينَ وَلمْ ... تَرْقُدْ لِمَظْلومٍ مَظالِمُهُ وَالصُّبْحُ يُغْبَنُ فيهِ لاعِبُهُ ... واللَّيلُ يُغْبَنُ فيهِ نائِمُهُ ومَنِ اعْتَدى فاللهُ خاذِلهُ ... وَمَنِ اتَّقى فَاللهُ عاصِمُهُ وقال: نَعْمُرُ الدُّنيا وما الدُّنْـ ... ـيا لَنا دارُ إقامَهْ إنَّما الْغِبْطَةُ وَالْحَسْـ ... ـرَةُ في يَومِ الْقِيامَهْ * * * قال رحمه الله: سَكَنٌ يَبْقَى لَهُ سَكَنُ ... ما بِهذا يُؤْذِنُ الزَّمَنُ نَحْنُ في دارٍ يُخَبِّرُنَا ... عَنْ بَلاها ناطِقٌ لَسِنُ دارُ سَوءٍ لَمْ يَدُمْ فَرَحٌ ... لامْرئٍ فيها وَلا حَزَنُ ما تَرى مِنْ أهْلِها أحَداً ... لَمْ تَمُلْ فيها بهِ الْفِتَنُ عَجَباً مِنْ مَعْشَرٍ سَلَفُوا ... أيَّ غَبْنٍ بَيِّنٍٍ غُبِنُوا وَفَّروا الدنيَا لغيرهِم ... وَابْتَنَوا فيها وما سَكَنُوا تَرَكُوها بَعْدَ ما اشْتَبَكَتْ ... بَينَهُمْ في حُبِّها الإحَنُ كُلُّ حَيٍّ عِنْدَ مِيتَتِهِ ... حَظُّهُ من مالِهِ الْكَفَنُ ... إنَّ مالَ الْمَرْءِ لَيسَ لَهُ ... مِنْهُ إلاَّ ذِكْرُهُ الْحَسَنُ ما لَهُ مِمَّا يُخَلِّفُهُ ... بَعْدُ إلا فِعْلُهُ الْحَسَنُ في سَبيلِِ الله أنْفُسُنَا ... كُلُّنَا بالْمَوتِ مُرْتَهَنُ

نهنه دموعك كل حي فان

وقال أيضًا: نَهْنِهْ دُموعَكَ كُلُّ حَيٍّ فَانِ ... واصبْرْ لِقَرْع نَوائِبِ الحَدَثَانِ يا دَارِيَ الحَقَّ الَّتي لَمْ أبْنِهَا ... فِيمَا أشَيِّدُهُ مِن البُنْيَانِ كَيفَ العَزاءُ ولا مَحَالَةَ إنَّنِي ... يَومًا إليكَ مُشَيّعٌ إخْوَانِي نَعْشًا يُكفْكِفُهُ الرِجَالُ وفَوقهُ ... جَسَدٌ يُبَاعُ بأوكَسِ الأَثمانِ لَولا الإِلهُ وأنَّ قَلْبِي مُؤمِنٌ ... والله غَيرُ مُضَيِّعٌ إيمَانِ لَضَنَنْتُ أو أيقَنْتُ عِنْدَ مَنِيِّتِي ... أنِّ المَصِيرَ إلى مَحَلِّ هَوَانِ فَبِنُورِ وَجْهِكَ يا إلهَ مَرَحِمٍ ... زَحْزِحْ إليكَ عَن السَّعِيرِ مَكَانِي وامْنُنْ عَلَّي بتَوبَةٍ ترْضَى بِهَا ... يَا ذَا العُلَى والمَنِّ والإِحْسَانِ وقال أيضًا: أيا مَنْ بَينَ باطيةٍ وَدَنِّ ... وَعُودٍ في يَدَي غاوٍ مُغنِّ إذا لَمْ تَنْهَ نَفْسَكَ عَنْ هَواها ... وَتُحْسِنْ صَونَها فإلَيكَ عَنِّي فإنَّ اللَّهْوَ وَالْمَلْهى جُنونٌ ... وَلَسْتُ مِنَ الْجنُونِ وَلَيسَ مِنِّي وَأيُّ قَبيحٍ أقْبَحُ مِنْ لبَيِبٍ ... يُرى مُتَطَرِّباً في مِثْلِ سِنّي إذا ما لَمْ يَتُبْ كَهْلٌ لِشَيبٍ ... فَلَيسَ بِتائِبٍ ما عاشَ ظَنّي آخر: ولَمَّا رَأيتُ الشَّيبَ حَلّ بِمَفْرِقِي ... نَذِيرًا بِتَرْحَالِ الشَّبَابِ المُفَارِقِ رَجَعْتُ إلى نَفْسي فَقُلْتُ لَهَا انْظُرِي ... إلى مَا أتَى هَذَا ابْتِدَاءُ الحَقَائِقِ دَعِي دَعَوَاتِ اللَّهْوِ قَدْ فَاتَ وَقْتُهَا ... كَمَا قَدْ أفَاتَ اللَّيلُ نُورَ المَشَارِقِ دَعِي مَنْزِلَ اللَّذاتِ يَنْزِلُ أهْلُهُ ... وجُدِّي لِمَّأ تُدعْي إليهِ وسَابِقي

أين القرون بنو القرون

وقال أيضًا: أينَ الْقُرونُ بنَوُ الْقُرونِ ... وَذَوُو الْمَدائِنِ والْحُصونِ وَذَوُو التَّجَبُّرِ في الْمَجا ... لِسِ وَالتَّكَبُّرِ في الْعُيونِ كانُوا الْملُوكَ فأيّهُمْ ... لَمْ يُفْنِهِ رَيبُ الْمَنونِ أو أيُّهُمْ لم يُلْفَ في ... دارِ الْبلَى غَلِقَ الرُّهونِ وَلَقَدْ غَنُوا في عِيشةٍ ... لَيستْ لأنْفَسِهِمْ بِدُونِ صاروا حَديثاً بَعْدَهُمْ ... إِنَّ الْحَديثَ لَذُو شُجُونِ وَالدَّهرُ دائِبَةٌ عَجا ... ئِبُ صَرْفهِ جَمُّ الْفُنونِ لابُدَّ فيهِ لآمِنِ الأ ... يّانِ مِنْ يَومٍ خَؤُونِ وقال يوبخ الخاطئ وينذره: فَيا مَنْ باتَ يَنْمُوا بالخَطَايَا ... وعَينُ اللهِ سَاهِرَةٌ تَرِاهُ أمَا تَخْشَى مِن الدَيانِ طَرْدًا ... بِجِرُمٍ دائمًا أَبدًا تَراهُ أَتَعْصِي اللهَ وهو يَراكَ جَهْرًا ... وتَنْسَى في غَدٍ حقًا تَراهُ وتَخلُو بالمعَاصِي وهو دَانٍ ... إليكَ ولَيسَ تَخشَى مِنْ لِقَاهُ وتُنْكِرُ فِعْلَهَا وَلَها شُهُودُ ... بِمَكْتُوبٍ عَلَيكَ وقَدْ حَوَاهُ فيا حُزْن المُسِيءُ لِشُؤمِ ذَنْبٍ ... وبَعْدَ الحُزْنِ يَكْفِيهِ حماهُ فَيَنْدُبُ حَسْرَةً مِن بَعدِ مَوتٍ ... ويَبْكِي حَيثُ لا يُجْدِي بُكَاهُ يَعُضُ اليَدَّ مِن نَدَمٍ وحُزْنٍ ... وَيَنْدُبُ حَسْرةً مَا قَدْ عَرَاهُ فبادِرْ بالصلاحِ وأنْتَ حَيٌ ... لَعلّكَ أنْ تَنَالَ بِهِ رِضَاهُ وقال رحمه الله: نَغَّصَ الموتُ كُلَّ لَذَّةِ عَيش ... يَا لَقَومِي لِلْمَوتِ ما أوحَاهُ

أين المفر من القضا

عَجَبًا إِنَّهُ إذا مَاتَ مَيتٌ ... صَدَّ عَنْهُ حَبِيبُهُ وَجَفاهُ حَيثمُا وَجَّهَ امْرُؤٌ لِيَفُوتَ الْـ ... ـمَوتَ فالْمَوتُ واقِفٌ بِجِذاهُ إنَّما الشَّيبُ لابْنِ آدَمَ ناعٍ ... قامَ في عارِضَيهِ ثُمَّ نَعاهُ مَنْ تَمَنّى الْمُنى فأغْرَقَ فيها ... ماتَ مِنْ قَبْلِ أنْ يَنالَ مُناهُ ما أذَلَّ الْمُقِلَّ في أَعْيُنِ النَّا ... سِ لإِقْلالِهِ وَما أَقْماهُ إنَّما تَنْظُرُ الْعُيونُ مِنَ النَّا ... سِ إلى مَنْ تَرْجُوهُ أو تَخْشاهُ وقال أيضًا: أَينَ الْمَفَرُّ مِنَ الْقَضا ... ءِ مُشَرِّقًا وَمُغَرِّبا اُنْظُرْ تَرى لَكَ مَذْهَبًا ... أَو مَلْجَأً أَو مَهْرَبَا سَلِّمْ لأَمْرِ اللهِ وَارْ ... ضَ بِهِ وَكُنْ مُتَرَقِّبَا وَلَقَلَّ ما تَنْفَكُّ مِنْ ... حَدَثٍ يَجِيءُ لِيَذْهَبَا وَكَذاكَ لَمْ يَزَلِ الزَّما ... نُ بأهْلِهِ مُتَقَلِّبَا يَزْدادُ مِنْ حَذَرِ الْمَنِـ ... ـيَّةِ بالْفرارِ تَقَرُّبَا فَلَقَدْ نَعاكَ الشّيبُ يَو ... مَ رَأَيتَ رَأْسَكَ أشْيَبَا ذَهبَ الشَّبابُ بِلَهْوِهِ ... وَأتى الْمَشيبُ مُؤَدِّبَا وكَفاكَ ما جَرَّبْتَهُ ... حَسْبُ امْريءٍ ما جَرَّبَا يُمسي وَيُصْبِحُ طَالِبُ الدُّ ... نْيَا مُعَنَّى مُتْعَبَا يَبْني الْخَرابَ وإِنَّما ... يُبْنَى الْخَرابُ لِيَخْرَبَا وقال أيضًا: مَنْ أَحَبَّ الدُّنْيا تَحَيَّرَ فيها ... وَاكْتَسى عَقْلُهُ الْتبِاسًا وتِيُّها رُبَّما أتْعَبَتْ بَنِيها عَلى ذا ... كَ فَدَعْها وَخَلِّها لِبَنِيهَا

يا نفس أنى تؤفكينا

قَنِّعِ النَّفْسَ بالْكَفافِ وَإِلاَّ ... طَلَبَتْ مِنْكَ فَوقَ ما يَكْفِيهَا إنَّما أنْتَ طُولَ عُمْرِكَ ما عُمِّرْ ... تَ في السَّاعَةِ الَّتي أنْتَ فِيها وَدَعِ اللَّيلَ والنَّهارَ جَميعًا ... يَنْقُلانِ الدُّنْيا إِلى سَاكِنِيهَا لَيسَ فيما مَضى وَلا في الَّذي لَمْ ... يَأْتِ مِنْ لَذَّةٍ لِمُسْتَحْلِيهَا وقال: يا نَفْسُ أنّى تُؤْفَكِينا ... حَتّى مَتى لا تَرْعَوينا حَتّى مَتى لا تَعْقِلـ ... ـينَ وَتَسْمَعِينَ وَتُبْصِرينا أصْبَحْتِ أطْوَلَ مَنْ مَضى ... أمَلاً وأَضْعَفَهم يَقينا وَلَيأْتِيَنَّ عَلَيكِ ما ... أَفنى الْقُرونَ الأَوَّلِينا يا نَفْسُ طالَ تَمَسُّكي ... بِعُرَى الْمُنى حِينًا فَحِينا يا نَفْسُ إِلاَّ تَصْلُحي ... فَتَشَبَّهي بالصَّالِحينا وَتَفَكَّري فيما أقُو ... لُ لَعَلَّ قَلْبَكِ أنْ يَلِينا أَينَ الأَلى جَمَعوا وكا ... نُوا لِلْحَوادِثِ آمِنيِنا أفناهُمُ الأَجَلُ الْمُطِلُّ ... على الْخَلائِقِ أجْمَعينا فَإذا مَساكِنُهُمْ وَما ... جَمعوا لِقَومٍ آخرِينا * * * وقال أيضًا: لَتَجْدَ عَنَّ الْمَنايا كُلَّ عِرْنِينِ ... والْخَلْقُ يَفْنى بِتَحْريكٍ وَتَسْكينِ إنْ كانَ عِلْمُ امْرِئٍ في طولِ تَجْرِبَةٍ ... فإنَّ دونَ الَّذي جَرَّبْتُ يَكْفِيني إني لأَقْبَلُ مِنْ نَفْسي الْمُنى طَمَعًا ... وَالنَّفْسُ تَكْذِبُني فيما تُمَنِّيني وَمِنْ عَلامَةِ تَضِييعِي لآخِرَتِي ... أنْ صِرْتُ تُغْضِيُني الدُّنْيا وَتُرْضِيني

تفكر قبل أن تندم

يا مَنْ تَشَرَّفَ بالدُّنْيا وَطِينَتهِا ... لَيسَ التَّشَرُّفُ رَفْعَ الطِّينِ بالطِّينِ إِذا أرَدتَ شَريفَ النَّاسِ كُلِّهِمُ ... فانْظُرْ إلى مَلِكٍ في زِيِّ مِسْكينِ ذاكَ الَّذي عَظُمَتْ في الله حُرْمَتُهُ ... وَذاكَ يَصْلُحُ لِلدُّنْيا وَلِلدِّينِ وقال أيضًا: تَفَكَّرْ قَبْلَ أنْ تَنْدَمْ ... فَإِنَّكَ مَيِّتٌ فَاعْلَمْ ولا تَغْتَرَّ بِالدُّنْيا ... فَإِنَّ صَحيِحَها يَسْقَمْ وَإِنَّ جَدِيدَها يَبْلى ... وإنَّ شَبابَها يَهْرَمْ وَإنَّ نَعيمَها يَفْنى ... فَتَركُ نَعيمِها أحْزَمْ ومَنْ هذا الَّذي يَبْقى ... على الْحَدَثانِ أو يَسْلَمْ رَأيتُ النَّأسَ أتْباعًا ... لِذي الدّينارِ والدِّرْهَمْ وَما لِلْمَرْءِ إِلاَّ ما ... نَوى في الْخَيرِ أو قَدَّمْ وقال حسان يَبْكي جَعْفَرَ بنَ أبي طالب - رضي الله عنه -: ولَقَدْ بَكَيتُ وعَزَّ مَهْلِكُ جَعْفَرٍ ... حِبِّ النَّبِي عَلَى البَريَّةِ كُلِّهَا ولَقَدْ جَزِعْتُ وقُلْتُ حِينَ نُعِيتَ لِي ... مَن لِلْجِلادِ لَدَى العُقَابِ وظِلهَا بالبِيضِ حِينَ تُسَلُّ مِن أغْمَادِهَا ... ضَرْبًا وَإنْهالِ الرِّماحِ وَعَلَّهَا بَعْدَ ابْن فاطِمَةَ المُبَارَكِ جَعْفَرٌ ... خَيرِ البَّرِيَّةِ كُلِّهَا وأجَلِّهَا رُزْءًا. وأكْرَمِهَا جَمِيعاً مَحْتَداً ... وأعَزِّهَا مُتَظَلمًا وأذلِّهَا لِلْحَقِّ حِينَ يَنُوبُ غَيرَ تَنَحُّلٍ ... كَذِبًا وأنْداهَا يَدًا وأقَلِّهَا فُحْشًا وأكْثَرهَا إذَا مَا يُجْتَدَى ... فَضْلاً وأنْدَاهَا يَدًا وأبَلَّهَا

نام العيون ودمع عينك يهمل

وقال كَعْبُ بنُ مالِك - رضي الله عنه -: نَامَ العُيونُ ودَمْعُ عَينِكَ يُهْمِلُ ... سَحا كَمَا وَكَفَ الطَّبابُ المُخْضَلُ في لَيلةٍ وَرَدَتْ عَليَّ هُمُومُهَا ... طورًا أَحُنُّ وتارَةً أتَمَلْمَلُ واعْتَادَني حُزْنٌ فَبِتُّ كأنَّنِي ... بِبَنَاتِ تَعْشِ والسِّماكِ مُوكَّلُ وكأنَّمَا بَينَ الجَوَانِح والحَشَا ... مِمَّا تَأوبِنِي شِهَابٌ مُدْخَلُ وَجْدًا عَلى النَّفرَ الذينَ تَتَابَعُوا ... يَومًا بِمُوتَهَ أُسْنِدُوا لَمْ يُنْقَلُوا صلى الإِلهُ عَلِيهِمُوا مِن فِتْيَةٍ ... وسَقَا عظامَهُمُوا الغمَامُ المُسْبِلُ صَبروا بِمُوتَةَ للإِلهِ نُفُوسَهُمْ ... حَذَرَ الرَّدَى ومَخَافةً أنْ يَنْكَلُوا فَمَضَوا أمَامَ المُسْلِمينَ كَأنَّهُمْ ... فُتُقٌ عَلَيهِمَّ الحَدِيدُ المُرْفَلُ إذْ يَهتدُون بِجَعْفَرٍ ولِوَائِهِ ... قُدَّامَ أوَّلِهِمْ فَنِعْمَ الأوَّلُ حَتَّآ تَفَرَّجَت الصُّفوفُ وجَعْفرٌ ... حَيثُ الْتَقَى وعْثُ الصُّفُوف مُجَدَّلُ فَتَغَيَّرَ القَمرُ المُنْيرُ بِفَقْدِهِ ... والشَّمْسُ قَدْ كُسِفَتْ وكَادَتْ تَأْفُلُ قَرْمٌ عَلا بُنْيَانُهُ مِن هَاشِمٍ ... فَرْعًا أشَمَّ وسُؤْدَدًا مَا يُنْقَلُ قَومٌ بِهِم عَصَمَ الإِلَهُ عِبَادَهُ ... وعَلِيهِمُ نَزَلَ الكِتَابُ المنْزَلُ لا يُطْلِقُونَ إلى السَّفاه حُبَاهُمُوا ... وتَرَى خطيبهُمُوا بِحَقٍ يَفْصِلُ بِيض الوُجُوهِ بُطُونَ أكُفِهِم ... تَنْدَى إذا اعْتَذرَ الزَّمانُ المُمْحِلُ وَبِهَدْيِهمْ رَضى للإِلهُ لِخَلْقِهِ ... وبِحَدِّهم نُصِرِ النَّبِيُ المُرْسَلُ وقال أَبُو العَتَاهِيةْ: الْمَرْءُ يَطْلُبُ وَالْمَنِيَّةُ تَطْلُبُهْ ... وَيَدُ المُنُونِ تُدِيرُهُ وَتُقَلِّبُهْ لَيسَ الْحَرِيصُ بِزائِدٍ في رزْقِهِ ... اللهُ يقْسِمُهُ لَهُ وَيُسَِبِّبُهْ لا تَغْضَبَنَّ على الزَّمانِ فَإنَّ مَنْ ... يُرْضي الزظَّمانُ أقَلُّ مِمَّنْ يُغْضِبُهْ أيُّ امْرِيءٍ إِلا عَلَيهِ مِنَ الْبِلى ... في كُلِّ ناحِيَةٍ رَقيبٌ يَرْقُبُهْ

حلم الفتى مما يزينه

الْمَوتُ حَوضٌ لا مَحالَةَ دونَهُ ... مُرٌّ مَذاقَتُهُ كَريهٌ مَشْرَبُهْ وَتَرى الَفتى سَلِسَ الْحَديثِ بِذِكْرِهِ ... وَسْطَ النَّدِىِّ كَأنَّهُ لا يَرْهَبُهْ وَأَسَرُّ مَأ يَلْقى الْفتى في نَفْسِهِ ... يَبْتَزُّهُ نابُ الزَّمانِ وَمِخْلَبُهْ وَلَرُبَّ مُلْهِيَةٍ لِصاحِبِ لَذَّةٍ ... ألْفَيتُها تَبْكي عَلَيهِ وَتَنْدُبُهْ مَنْ كانَتِ الدُّنْيا مِنْ أكِبَرِ هَمِّهِ ... نَصَبَتْ لَهُ مِنْ حُبِّها ما يُتْغِبُهْ فَاصِبْرْ على الدُّنْيا وَطُولِ غُمُومِهَا ... ما كُلُّ مَنْ فيها يَرى ما يُعْجِبُهْ ما زَالَت الدنيا تَلاَعَبُ بالْفَتَى ... طَورًا تُخَوِّلُهُ وَطَورًا تَسْلُبُهْ مَنْ لَمْ يَزَلْ مُتَعَجِّبًا مِنْ كُلِّ ما ... يَأتيهِ في الأَيَّامِ طَالَ تَعَجُّبُهْ * * * حِلْمُ الْفَتى مِما يُزَيِّنُهُ ... وتَمامُ حِلْيَةِ فَضْلِهِ أَدَبُهْ والأَرْضُ طَيِّيَةٌ وكُلُّ بَني ... حَوَّاءَ فيها واحِدٌ نَسَبُهْ إيتِ الأُمورَ وأَنْتَ تُبْصِرُها ... لا تَأْتِ ما لَمْ تَدْرِ ما سَبَبُهْ وقال أيضًا: عَجِبْتُ لِلنّارِ نامَ راهِبُها ... وجَنَّةِ الخُلْدِ نامَ راغِبُها عَجِبْتُ لِلْجَنَّةِ الَّتي شَوَّقَ اللهُ ... إلَيها إذْ نامَ طالِبُها إنّا لَفي ظُلَمةٍ مِنَ الْحُبِّ لِلدُّ ... نْيا وَأَهْلُ التُّقى كَواكِبُها مَنْ لَمْ تَسَعْهُ الدُّنْيا لِبُلْغَتِهِ ... ضاقَتْ عَلى نَفْسِهِ مذَاهِبُها مَنْ سامَحَ الْحادِثاتِ ذَلَّتْ لَهُ الْـ ... أَرْضُ ولانَتْ لَهُ مَناكِبُها وَالْمَرْءُ ما دامَ في الْحَياةِ فَلا ... يَنْفَكُّ مِنْ حاجَةٍ يُطالِبُها يا عَجَبًا لِلدُّنْيا كَذا خُلِقتْ ... مادِحُها صادِقٌ وَعائِبُها

ما كل ما تشتهي يكون

وقال أيضًا: ما كُلُّ ما تَشْتَهي يَكُونُ ... وَالدَّهْرُ تَصْرِيفُهُ فُنونُ قَدْ يَعْرِضُ الْحَتْفُ في حِلابٍ ... دَرَّتْ بِهِ اللَّقْحَةُ اللَّبُونُ الصَّبْرُ أنْجى مَطِيِّ عَزْمٍ ... يُطْوى بِهِ السَّهْلُ وَالْحُزونُ وَالسَّعْيُ شَيءٌ لَهُ انْقِلابٌ ... فَمِنْهُ فَوقٌ ومِنْه دُونُ وَرُبَّما لانَ مَنْ تُعاصِي ... وَرُبَّما عَزَّ مَنْ يَهونُ وَرُبَّ رَهْنٍ بِبَيتِ هَجْرٍ ... في مِثْلِهِ تَغْلَقُ الرُّهونُ لَمْ أَرَ شَيئًا جَرى بِبَينٍ ... يَقْطَعُ ما تَقْطَعُ الْمَنونُ ما أَيسَرَ الْمُكْثَ في مَحَلٍّ ... مالَ إِلَيهِ بِنا الرُّكونُ لا يَأْمَنَنَّ امْرُؤٌ هَواهُ ... فَإِنَّ بَعْضَ الْهوى جُنونُ وكُلُّ حِينٍ يَخونُ قَومًا ... أيُّ الأحايينِ لا يَخونُ إذا اعْتَرى الْحَينُ أَهْلَ مُلْكِ ... خَلَتْ لَهُ مِنْهُمْ الْحُصونُ كَرُّ الْجَدِيدَينِ حَيثُ كانا ... مِمَّا تَفانَتْ بهِ الْقُرونُ وَلِلْبِلى فِيهِمُ دَبِيبٌ ... كَأَنَّ تَحْريكَهُ سُكونُ وقال أيضًا: ما استَعبَدَ الْحِرْصُ مَنْ لَهُ أدَبُ ... لِلْمَرْءِ في الحِرْصِ همّةٌ عَجَبُ للهِ عَقْلُ الْحَريصِ كَيفَ لَهُ ... فِي كُلِّ مَا لا يَنالُهُ أَرَبُ ما زالَ حِرْصُ الْحَرِيصِ يُطْمِعُهُ ... في دَرْكِهِ الشّيءَ دونَهُ الْعَطَبُ ما طابَ عَيشُ الْحَريصِ قَطُّ وَلا ... فارَقَهُ التعْسُ مِنْهُ وَالنَّصَبُ الْبَغْيُ والْحِرْصُ والْهَوَى فِتَنٌ ... لَمْ يَنْجُ مِنَهْا عُجْمٌ وَلا عَرَبُ لَيسَ على الْمَرْءِ في قَناعَتِهِ ... إنْ هِيَ صَحَّتْ أَذىً وَلا نَصَبُ

لا عذر لي قد أتى المشيب

مَنْ لَمْ يَكُنْ بِالكَفافِ مُقْتَنِعاً ... لَمْ تَكْفِهِ الأرْضُ كُلُّها ذَهَبُ مَنْ أمْكَنَ الشَّكَّ مِنْ عَزيمَتِهِ ... لَمْ يَزَلِ الرَّأْيُ مِنْهُ يَضْطَرِبُ مَنْ عَرَفَ المَوتَ لمْ يَزَلْ حَذِراً ... يَحْذَرُ شِدَّاتِهِ وَيَرْتَقِبُ مَنْ لَزِمَ الحِقْدَ لَمْ يَزَلْ كَمِداً ... تُغرِقُهُ في بُحورِها الْكُرَبُ الْمَرْءُ مُستَأْنِسٌ بمَنْزِلَةٍ ... تُقْتَلُ سُكّانُها وَتُستَلَبُ وَالْمَرْءُ في لَهْوِهِ وَباطِلِهِ ... وَالْمَوتُ في كُلِّ ذَاكَ مُقْتَرِبُ يا خائِفَ الْمَوتِ لَسْتَ خائِفَهُ ... وَالْعُجْبُ وَاللّّهْوُ مِنْكَ وَاللَّعِبُ دارُكَ تَنْعى إلَيكَ ساكِنَهَا ... قَصْرُكَ تُبْلي جَديدَهُ الْحِقَبُ يا جامِعَ المالِ مُنْذُ كانَ، غَداً ... يَأْتِي عَلَى ما جَمَعْتَهُ الْحَرَبُ إيَّاكَ أنْ تَأْمَنَ الزَّمانَ فَما ... زالَ عَلَينَا الزَّمانُ يَنْقَلِبُ إيَّاكَ وَالظُّلْمَ إنَّهُ ظُلَمٌ ... إيَّاكَ وَالظَّنُّ إِنَّهُ كَذِبُ بَينا تَرى الْقَومَ في مَحَلَّتهِمْ ... إذْ قيلَ بادوا بِلى وَقَدْ ذَهَبُوا يا بانَي الْقَصْرِ يا مُشَيِّدَهُ ... قَصْرُكَ يُبْلي جدَيدَهُ الْحِقَبُ إنِّي رَأَيتُ الشَّريفَ مُعْتَرِفاً ... مُصْطَبِراً لِلْحقُوق إذْ تَجِبُ وَقَدْ عَرَفْتُ اللِّئامَ لَيسَ لَهُمْ ... عَهْدٌ وَلا خُلَّةٌ وَلا حَسَبُ احِذَرْ عَلَيكَ اللِّئامَ إنَّهُمُ ... لَيسَ يُبالونَ مِنْكَ ما رَكِبُوا فَنِصْفُ خُلْقِ اللِّئامِ مُذْ خُلِقوا ... ذُلٌّ ذَليلٌ وَنِصْفُهُ شَغَبُ فِرَّ مِنَ اللُّؤْمِ واللِّئامِ وَلا ... تَدْنُ مِنْهُمْ فَإنَّهُمْ جَرَبُ وقال يُعَاتِبُ نَفْسٍه: لا عُذْرَ لِي قَدْ أتَى المشِيبُ ... فلَيِتَ شِعْرِي مَتَى أتُوبُ إبليسُ قَدْ غَرِّني ونَفْسِي ... ومَسّني منهما اللُّغُوبُ

سبحان علام الغيوب

ولَسْتُ أدْرِي إذَا أتَاني ... رَسُورُ رَبِّي بما أُجِيبُ ... هَلْ أنا عِنَد الجوابِ مِنِّي ... أُخْطِيءُ في القولِ أمْ أًصِيبُ أمْ أنا يَومَ الحسابِ ناجٍ ... أمْ لِيَ في نارِهِ نَصِيبُ يَا رَبِّ جُدْ لِي عَلَى رَجَائِي ... بِمنَّةٍ مِنْكَ لا أُخِيبُ بَكَتْ عَيني عَلَى ذَنْبِي ... ومَا لاَقَيتُ مِن كَرْبِي فَيَا ذُلّي ويَا خَجَلِي ... إذَا مَا قَالَ لِي رَبِي أَمَا اسْتَحييتَ تَعْصِيني ... ولا تَخْشَى مِن العُتْبِ وتُخْفِي الذَّنْبِ مِن خَلْقِي ... وتأْبَى في الهَوَى قُرْبِي فتُبْ مَمَّا جَنَيتَ عَسَى ... تَعُودُ إلَى رِضَا الرَّبِّ وقال أيضًا: سُبْحانَ عَلامِ الْغُيوبِ ... عَجَبًا لِتَصْرِيفِ الْخُطوبِ تَعْرو فُروعَ الآمِنيـ ... ـنَ وَتَجْتَني ثَمَرَ القُلوبِ حَتّى مَتى يا نَفْسُ تَغْـ ... ـتَرّينَ بِالأَمَلِ الْكذوبِ يا نَفْسُ توبي قَبْلَ أَنْ ... لا تَسْتَطيعي أَنْ تَتوبي وَاسْتَغْفِري لِذٌُنوبكِ الرَّ ... حْمنَ غَفَّارَ الذَّنوبِ أمّأ الْحَوادِثُ فَالرِّيا ... حُ بِهِنَّ دائِمَةُ الْهُبوبِ وَالمَوتُ خَلْقٌ واحِدٌ ... وَالْخَلْقُ مُخْتَلِفُ الضُّروبِ وَالسَّعْيُ في طَلَبِ التُّقى ... مِنْ خَيرِ مُكْتَسَبِ الْكَسوبِ وَلَقَلَّ ما يَنْجو الفَتَى الْـ ... ـمَحْمودُ مِنْ لَطْخِ العُيوبِ آخر: لا تَجْزَعَنَّ مِن الهُزَالِ فَرُبَّما ... ذُبِحَ السَّمين وعُوفِيَ المْهَزُولُ واجْعَلْ فُؤادَكَ لِلتَّواضُعِ مَنْزِلاً ... إنَّ التَّواضُعَ بالشريف جَمِيلُ

فآليت لا أرثى لها من كلالة

وإذَا وَلَيت أُمُورَ قَومٍ مَرَّةً ... فاعْلمْ بأنَّكَ عَنْهُمْ مَسْئُولُ وإذَا حَمَلْتَ إلى القُبُورِ جَنَازةً ... فاعْلمْ بأنَّكَ بَعْدَهَا مَحْمُولُ يَا صَاحِبَ القَبر المنْقَّشِ سَطْحُهُ ... ولَعَلَّهُ مِن تَحِتْهِ مَغْلُولُ مَا يَنْفَعَنَّكَ أنْ يكُون مُنَقَشًا ... وعَلِيهِ مِن حِلقِ العَذابِ كُبولُ لا تَغْتَرِرْ بِنَعِيمهِمْ وبِمُلْكِهِمْ ... المُلْكُ يَفْنَى والنَّعِيمُ يزُولُ آخر: فآليتُ لا أرْثى لَهَا مِنْ كَلالَةٍ، ... ولاَ مِنْ حَفىً حتى تَزُورَ مُحمَدَا مَتَى مَا تُنَاخي عند بابِ ابْنِ هاشِمٍ ... تُرِيحِي وَتَلْقَىْ مِنْ فَوَاضِلِهِ ندَا نَبيٌ يَرَى مَا لا تَرَونَ، وَذِكْرُهُ ... أغَارَ لَعَمْرِي في البِلادِ وَأنْحدَا لَهُ صَدَقَاتٌ مَا تُغِبُّ، وَنَائِلٌ، ... وَلَيسَ عَطَاءُ اليَومِ مَانِعَهُ غَدَا أَجِدَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ مُحَمَّدٍ، ... نَبِيُّ الإِلهِ حَينَ أوصَى وَأَشْهَدَا إذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التّقَى، ... وَلاقَيتَ بَعْدَ المَوتِ مَن قَدْ تَزَوّدَا نَدِمْتَ عَلَى أنْ لا تَكُونَ كِمثْلِهِ، ... وأنَّكَ لَمْ تُرْصِدْ لِمَا كَانَ أَرْصَدَا فَإيّاكَ وَالمَيتَاتِ، لا تأكُلَنّهَا، ... وَلا تأخُذَنْ سَهَمْاً حَدِيدًا لِتَفْصِدَا وَذَا النُّصُب المَنْصُوبَ لا تَنَسُكّنَّهُ، ... وَلا تَعْبُدِ الأَوثَانَ، وَاللهَ فَاعْبُدَا وَصَلّ عَلَى حَينِ العَشِيَّاتِ وَالضُّحَى، ... وَلا تَحْمَدِ الشَّيطانَ، وَاللهَ فاحْمدَا وَلا السّائِلَ المَحْروُمَ لاَ تَتْرُكَنَّهُ ... لِعَاقِبةً، وَلاَ الأَسْيِرَ المُقَيَّدَا وَلا تَسْخَرنْ مِن بَائِسِ ذِي ضَرَارَةٍ، ... وَلا تَحْسَبَنَّ المَرْءَ يَومًا مُخَلَّدَا وَلا تَقْرَبَنَّ جَارَة، إنَّ سِرَهَا ... عَليكَ حَرَامٌ، فانْكِحَنْ أَو تأبَّدَا آخر: فيها أبيات فيها إقْوَى، بَدَّلْنَا ما فيه الإِقْوَى بما ليس فيه. لا تُخْدَعَنَّ فلِلْحَبِيبِ دَلاَئلُ ... ولَدَيه من لُطْفِ الحَبِيبِ فضائِلُ منها تَنَعَّمُهُ بِمَا يُبْلَى بِهِ ... وسُرُورُهُ في كُلِّ مَا هُوَ فَاعِلُ

إذا قربت الساعة يا لها

فالمَنْعُ منه عَطِيَّةٌ مَعْروفَةٌ ... والفَقْرُ إكرامٌ وَلُطْفٌ عَاجِلٌ وَمِنَ الدَّلائَلِ أنْ يُرَى مُتَحَفِظًا ... مُتقَشِفًا في كل مَا هُوَ نَازِلُ وَمِنَ الدَّلائَلِ أنْ يُرَى مَن شَوقِهِ ... مِثْلَ السَّقِيم وفي الفُؤادِ غَلائِلُ وَمِنَ الدَّلائَلِ أنْ يُرَى مِن أُنْسِهِ ... مُسْتَوحِشًا مِن كل ما هو شَاغِلُ وَمِنَ الدَّلائَلِ أنْ يُرَى مُتبَسِّمًا ... والقَلْبُ فيه مَعَ الحَنِينِ بَلاَبِلُ وَمِنَ الدَّلائَلِ حُزْنهُ ونَحيبُه ... في كُل يَومِ زفَرَةٌ وعَوِيلُ وَمِنَ الدَّلائَلِ أُنْسُه بين الوَرَى ... والقَلْبُ من خَوف الحساب عَليلُ وَمِنَ الدَّلائَلِ أنْ يُرَى مُتَمَسِّكًا ... بِسُؤال مَن يُحْظى لَدَيه السَّائِلُ وَمِنَ الدَّلائَلِ أنْ تَراهُ باكِيًا ... أنْ قَدْ رآه على قَبَائِحَ عَاقل وَمِنَ الدَّلائَلِ أن تَراهُ مُسَافرًا ... نَحْوَ الجَهادِ لِبَتَّبِعْهُ الفَاصِلُ ... وَمِنَ الدَّلائَلِ أنْ يُرَى مُسْتَحْضِرًا ... أن لا شَبِيءهَ لِرَبِهِ ومَثِيلُ وَمِنَ الدَّلائَلِ أنْ تَرَاهُ مُسْلِمًا ... كُلَّ الأمُورِ ويَرْتجيهِ يُقِيلُ ذِكْرُ بَعْضِ أحْوَالِ وأَهوالِ القِيَامة آخر: إذَا قَرُبَتِ الساعةُ يَا لَهَا ... وزُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا تَسِيرُ الجِبَالُ عَلَى سُرْعَةٍ ... كَمرِّ السُّحابِ تَرَى حَالَها وتَنْفَطِرُ الأرْضُ من نَفْخَةٍ ... هُنَالِكَ تُخْرِجُ أثقالَهَا ولا بُدَّ مِن سَائِلٍ قَائِلٍ ... مِن الناسِ يَومَئِذٍ مَالَهَا تُحَدِّث أخْبَارَهَا رَبَّهَا ... ورَبُّكَ لا شَكَ أوحَالَهَا ويَصْدُرُ كُلٌ إلَى مَوقِفٍ ... يُقِيمُ الكُهُولَ وأطْفَالَهَا تَرَى النَّفْسُ ما عَملَتْ مُحْضرًا ... وَلَو ذَرَّةً كَانَ مِثْقَالَهَا يُحَاسَبُهَا مَالِكٌ قَادِرٌ ... فإمَّا عَلَيهَا وإمَّا لَهَا نَرَى الناسَ سَكْرَى بلا خَمْرةٍ ... ولَكِنْ تَرى العَينُ مَا هَالَهَا

إلام تجر أذيال التصابي

ذُنُوبِي بِلائِي فَمَا حِيلِتي ... إذَا جئْتُ بالبَعْث حَمَّالَهَا نَسِيتُ الْمَعَادَ فَيَا وَيلَتي ... وأعْطِيتُ لِلْنَّفْسِ آمَالَهَا آخر: إلامَ تَجرُّ أذَيال التَّصَابِي ... وشَيبُكَ قَدْ نَضَا بُرْدَ الشَّبَابِ بَلالُ الشيب في فَودَيكَ نَادَي ... بأعْلَى الصَّوتِ حَيَّ عَلى الذَّهَابِ خُلِفْتَ مِن التُرَابِ وعن قَرِيبٍ ... تُغَيَّبُ تَحْتَ أطبَاقِ التُّرابِ طمعْتَ إقامَةً في دَارِ ظعْنِ ... فلا تَطمعْ فِرَجْلُكَ في الرِّكَابِ وأرْخَيتَ الحِجَابَ وسَوفَ يأتِي ... رَسُولٌ لَيسَ يُحْجَبُ بَالحِجَابِ أعَامِرَ قَصْرَكَ المرفوعَ أُقْصُرْ ... فإنَّكَ سَاكِنُ القَبْرَ الخَرَابِ وقال كعب بن مالك - رضي الله عنه -: عَجبْتُ لأَمرِ اللهِ واللهِ قادرُ ... عَلَى مَا أرَادَ لَيسَ لله قاهِرُ قَضَى يومَ بَدْرٍ أنْ نُلاَقِيَ مَعْشَرًا ... بَغَوا وسَبِيلُ البغي بالنَّاسِ جَائِرُ وقدْ حَشَدُوا واسْتَنْفَرُوا مَن يَلهِمُوا ... مِن النَّاسِ حَتَّى جَمْعَهُمْ مَتُكَاثِرُ وسَارَتْ إلينَا لاَ تُحَاولُ غَيرَنَا ... بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعٌ وعَامِرُ وَفِينَا رَسُولُ اللهِ والأَوسُ حَولَهُ ... لَهُ مَعْقِلٌ مِنءهُمْ عَزِيزٌ ونَاصِرُ وجَمْعُ بَنِي النَجارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يَمِيسُونَ في الْمَاذِيّ والنَّقْعُ ثائِرُ فَلَمَّا التَقَينَاهُمْ وكُلٌ مُجَاهِدٌ ... لأَصْحَابِه مُسْتَبْسِلُ النَّفْسِ صَابِرُ شَهدْنَا بأنَّ اللهَ لا رَبَّ غَيرَهُ ... وأنَّ رسُولَ الله بالحَقِّ ظاهِرُ وَقَدْ عُرِيَتْ بيضٌ خِفَافٌ كَأنَّهَا ... مَقَابِيسُ يُزْهِيهَا لِعَينَيكَ شَاهِرُ بِهنَّ أبدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَلَّدَّدُوا ... وكَانَ يُلاَقِي الحَينَ مَنْ هُوَ فَاجِرُ فَكُبَّ أبُو جَهْلٍ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ ... وعُتْبَةُ قَدْ غادَرْنَهُ وَهُو عَاثِرُ

أجدك ما لعينك لا تنام

وشَيبَةُ والتَّيمِيَّ غُادَرْنَ في الوغَى ... وَما مِنْهُمْوا إلاَّ بِذِي العَرْش كَافِرُ فَأَمْسَوا وَقُودَ النَّارِ في مُسْتَقَرِهَا ... وكُلُ كُفُورٍ في جَهَنَّمَ صَائِرُ تَلَظَّى عَلَيهِمْ وهْيَ قَدْ شَبَّ حَمْيُهَا ... بِزُبْرِ الحَدِيدِ والحِجَارَةِ سَاجِرُ وكَانَ رسولُ الله قَدْ قَالَ أقْبِلُوا ... فَوَلَّوا وَقَالُوا إنَّما أنْتَ سَاحِرُ لامْرٍ أرَادَ اللهُ أنْ يَهْلكُوا بِهِ ... وَلَيسَ لأَمْرِ حَمَّهُ اللهُ زَاجِرُ ومما قيل من الرثاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول أبي بكر - رضي الله عنه -: أجِدَّكَ مَا لِعَينكَ لا تَنَامُ ... كأنَّ جُفُونَهَا فِيها كِلاَمُ بِوَقْعِ مُصِيبَةٍ عَظُمَتْ وجَلَّتْ ... فَدَمْعُ العَينِ أهْوَنُه انْسِجَامُ فُجِعْنَا بالنبي وكان فِينَا ... فَنَحْنُ اليَومَ لَيسَ لَنَا قِوامُ نَنُوحُ ونَشْتَكِي مَا قَدْ لَقِينَا ... ويَشْكُو فَقْدَه البَلَدُ الحْرَامُ كَأَنَّ أنُوفَنَا لاَقَينَ جَدْعًا ... لِفَقْدِ مُحَمَّدٍ فيها اصْطِلاَمُ لِفَقْدِ أعَزَّ أبْيَضَ هاشِمِيٍ ... إِمَامَ نُبُوَّةٍ وبِهِ الخِتَامُ أمِينٌ مُصْطَفَى لِلْخَير يَدْعُو ... كَضَوءِ البَدْرِ زَايَلَهُ الظَّلامُ سَأَتبعُ هَدْيَهُ مَا دُمْتُ حَيًا ... طِوَالَ الدَّهْرِ ما سَجَعَ الحَمَامُ كَأنَّ الأرْضَ بَعْدَكَ طَارَ فيهَا ... فأشْعَلَها لِسَاكِنَهَا ضِرَامُ وفَقْدُ الوَحْي إذْ وَلَّيتَ عَنَّا ... وَوَدَّعَنا مِن اللهِ الكَلامُ سِوَى أنْ قَدْ ـَرَكْتَ لَنَا سِرَاجًا ... تُوارِيهِ القَراطِيسُ الكِرَامُ لَقَدْ وَرَّثْتَنَا مِرْآةَ صِدْقٍ ... عَلَيكَ بِهِ التَّحِيَّةُ والسَّلامُ مِن الرحمن في أعْلى جِنَانٍ ... مِن الفِرْدَوصِ طَابَ بِهَا المَقَامُ رَفِيقُ أبِيكَ إبراهيمَ فَيهِ ... ومَا في مِثْلِ صُحْبَتِهِ نَدَامُ ... وإسْحَاقُ وإسْمَاعِيلُ فيهِ ... بِمَا صَلَّوا لِرَبهِمُوا وَصَامُوا

ما زلت مذ وضع الفراش لجنبه

وقال عمرُ بنُ الخطابِ يَرْثي رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَا زِلْتُ مُذْ وَضَعَ الفِرَاشَ لِجَنْبِهِ ... وثَوَى مَرِيضًا خَائِفًا أتَوَقَّعُ شَفَقًا عَلَيهِ أنْ يَزُولَ مَكَانَهُ ... عَنَّا فَنَبْقَى بَعْدَهُ نَتَوَجَّعُ وإذَا تَحَدَّتْنَا الحَوَادِثُ مَن لَنَا ... بالوحْي مِن رَبٍ رَحيمٍ يَسْمَعُ لَيتَ السَّماءُ تَفَطًَّرتْ أكْنَافُهَا ... وتَنَاثَرَتْ فِيهَا النُجُومُ الطُّلَّعُ لَمَّا رَأيتَ النَّاسَ هَدَّ جَمِيعهُمْ ... صَوتٌ يُنَادِي بالنَّعِي فَيُسْمَعُ وسَمِعْتُ صَوتًا قَبْلَ ذَلِكَ هَدَّنِي ... عَبَّاهُ يَنْعَاهُ بِصَوتٍ يَقْطَعُ فَلْيَبْكِهِ أهْلُ المَدِائِنِ كُلِّهَا ... والمُسْلِمُونَ بِكُلِّ أرْضٍ تُجْدَعُ وقال عَلِيُ بنُ أبِي طالب يَرْثِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أَلاَ طَرَقَ النَّاعِي بِلَيلٍ فراعَي ... وأرَّقنِي لَمَّا اسَتَقَلَّ مُنَادِيَا فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا رَأَيتُ الذي أتَى ... أَغيرَ رسُولَ اللهِ إنْ كُنْتَ نَاعِيَا فَحَقَّقْتُ مَا أشفَقْتُ مِنْهُ ولَمْ يَنَلْ ... وكَانَ خَلِيلي عُدَّةً وجَمَاليَا فَوَالله مَا أنْسَاكَ أحْمَدُ مَا مَشَتْ ... بِي العِيسُ في أرْضٍ وجَاوَزْتُ وَادِيَا وَكُنْتُ مَتَى أهْبِطْ مِن الأرْضِ بُقْعَةً ... أرَى أثَرًا مِنْهُ حَدِيدًا وعَافِيَا مِنَ الأُسْدِ قَدْ أخْفَى العَرْين مَخَافَةً ... تَهَأدَى سِبَاعُ الطَّيرِ مِنْهُ تعَاديَا شَدِيدٌ حَوِيُّ الصَّدْرِ مِنْهُمْ مُشَدَّدٌ ... هُوَ الموتُ مَعْدِيًا عَليهِ وَعَادِيَا وقالت عاتكةُ بنتُ عبدِ المطلب تَرْثِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: عَينَيَّ جُودًا طِوَالَ الدهرِ وَانْهَمِرِا ... سَكْبًا وسَحًا بِدَمْعٍ غَيرِ تقتِيرِ يَا عَينُ واسْتَحْسِري بالدَّمْعِ واحْتِفِلي ... حَتَّى الْمَمَاتِ بِسَجْلٍ غَيرِ مَنْزُورِ يَا عَينُ وانْهَمِلي بالدَّمْعِ واجْتَهِدِي ... لِلْمُصْطَفَر دُونَ خَلْقِ اللهِ بالنُورِ

ألا يا عين ويحك أسعديني

بِمُسْتَهَلٍّ مِن الشُؤْبُوبِ ذِي سُبُلٍ ... فَقَدْرُ رُزِئْتِ نَبِيَّ العَدْلِ والخَيرِ وكُنْتُ مِن حَذَرٍ لِلْمَوتِ مُشْفِقَةً ... ولِلْذِي خُطَّ مِن تِلْكَ المَقَادِيرِ مِنْ قَقْدِ أزْهَرَ ذِي خُلْقٍ وَذِي فَخَرٍ ... صَافٍ مِنَ الغَيبِ والعَاهَاتِ والزُورِ وقالت أرْوَى بِنْتُ عَيدِ المطلب تُرْثِي رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ألاَ يَا عََينُ ويحَكِ أسْعِدِينِي ... بِدَمْعٍ مَا بَقِيتُ وَطَاوعِينِي ألاَ يَا عَينُ ويحَكِ واسْتَهِلِي ... عَلى غَيث البِلادِ وأسْعِدِينِي فإنْ عَذَلَتْكِ عَاذلةٌ فَقُولِي ... عَلاَمَ وفِيمَ ويحَكِ تَعْذُلِينِي عَلَى نُورِ البِلادِ مَعًا جِمِيعًا ... رَسُولَ الله أحْمَدَ فاتْرُكِينِي وَأنْ لا تقْصُرِي بالعَذْل عَنِّي ... فَلُومِي مَا بَدَالكِ أودَعِينِي لأَمْرٍ هَدَّنِي وأدَكَّ رُكْنِي ... وشَيَّبَ بَعْدَ جِدَّتِهَا قُرُونِي وقالت صفيةُ بنتُ عبد المطلب ترثي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لُهِفَ قَلْبِي وبِتُّ كالمَسْلُوبِ ... أرَّقَ اللَّيلُ مُقْلَةَ المَحْرُوبِ مِن هُمُوم وحَسْرةٍ وقَذَتْنِي ... لَيتَ أني سَبَقتُهَا لشُعُوبِ حِينَ قالُوا إنَّ الرِّسُول أمْسَى ... وَافَقَتْهُ مَنِيَّةُ المكَتُوبِ إذْ رَاَينَا أنَّ النَّبِيَّ صَرِيعٌ ... فأشَابَ القَذَالَ أيَّ مُشِيبِ إذْ رَاَينَا بُيُوتَهُ مُوحِشَاتٍ ... لَيسَ فِيهِنَّ بَعْدَ عَيش حبِيبِ أورَثّ القَلْبَ ذَاكَ حُزْنًا طَويلاً ... خَالَطَ القَلْبَ فهو كالمَرْعُوبِ لَيتَ شِعْرِي وكيف يُمْسي صَحِيحًا ... بَعْدَ أنْ بينَ بالرسُولِ القريبِ أعْظَمُ النَّاسِ في البَرِيَّةِ حَقًا ... سَيِّدُ النَّاس حُبُّهُ في القُلُوبِ فَإلَى اللهِ ذَاكَ أشْكُو وحَسِبْيَ اللهُ ... مَولى وحَوبَتِي ونحِيبِي

أفاطم فابكي ولا تسأمي

وقالَتْ أيضًا: أفاطِمُ فابْكِي ولا تَسْأمِي ... بَصَحْبِكِ مَا طَلَعَ الكَوكَبُ هُوَ المُرْءُ يُبْكي بِحَقِّ البُكَا ... هُوَ المَاجِدُ السَّيِدُ الطَّيِبُ فأوحَشتُ الأرْضُ مِن فَقْدِهِ ... وَأنَّ البَرِيَّةَ لا تُنْكَبُ فَمَالِي بَعْدَكَ حَتَّى الْمَمَا ... تِ إلاَّ الجَوى الذَّاحِلُ المُصْلِبُ بَبَكِّي الرسُولَ وحُقَّتْ لَهُ ... شُهُودُ المدِينَةِ والغُيَّبُ لِتَبْكَكَ شَمْطَاءُ مضْرُورَةً ... إذَا حُجِبَ النَّاسُ لا تُحْجَبُ لِيَبْكَكَ شَيخٌ أبُو وَلْدِةٍ ... يَطُوفُ بعَقْوَتِهِ أشْهَبُ ويَبْكِكَ رَكْبٌ إذَا أرْمَلُوا ... فَلَك يَكْفِ مَات طَلَبَ المَطْلَبُ وتبكي الأَبَاطِحُ مِن فَقْدِهِ ... وتَبكِيهِ مَكَّةُ والأخْشَبُ وتَبْكِيهِ عَذْرَاءُ مِن فَقْدِهَا ... بِحُزْنٍ وتُسْعِدُهَا الثَّيِبُ فَعَينِيَ مالَكَ لا تَدْمَعِي ... وحُقَّ لِدَمْعِكَ مَا يَسْكُبُ وقال حَسَّانُ يُعَدِّدُ مَحَاسِن الأنصَار: قَومٌ هُمُ شَهدوا بَدْرًا بأجْمَعِهِمْ ... مَعَ الرسولِ فما آلُوا ومَا خَذَلُوا وبايَعُوهُ فَلَم يَنْكُثْ بِهِ أَحَدٌ ... مِنهم ولَمْ يكُ في إيمَانِهم دَخَلُ ويَومَ صُبْحِهِمُ في الشِعْبِ مِن أُحُدٍ ... صَرْفٌ رَصِينٌ كَحَرِّ النَّارِ مُشتَعِل وَيَومَ ذِي قُرُدٍ يَومَ اسْتَثَارَ بِهِم ... عَلَى الجِيَادِ فَمَأ خَامُوا ولا نَكَلُوا وَذَا العَشِيرةِ جَاسُوهَا بِخَيلِهِمُ ... مَعَ الرَّسُولِ عَلَيهَا البَيضُ والأسَلُ ويَومَ وَدَّانَ أجْلَوا أهْلَهُ رُقَصًا ... بالخَيلِ حَتَّى نَهَانَا الحَزْنُ والجَبَلُ ولَيلَةٍ طَلَبُوا فيها عَدُوَّهُمُ ... لله واللهُ يَجْرِيهمْ بِمَا عَمِلُوا وغَزوَةٍ يَومَ نَجْدٍ ثُمَّ كَانَ لَهُمْ ... مَعَ الرَّسُولِ بِهَا الأسْلابُ والنَّفَلُ

وأنا مع الهادي النبي محمد

وَلَيلَةٍ بِحُنَينٍ جَالَدُوا مَعَهُ ... فيهَا يَعُلُّهُمُ بالخَرْبِ إذْ نَهَلُوا وعَزْوَة القَاعِ فَرَّقْنَا العَدُوَّ بِهِ ... كَمَا تَفَرَّقَ دَن المَشْرَبِ الرسلُ ويَومَ بُيُوِيعَ كَانُوا أهْلَ بَيعَتِهِ ... عَلَى الجِلاَدِ فآسَوهُ وَمَا عَدَلُوا وعَزْوَةُ الفَتْحِ كَانُوا في سَرِيَّتِهِ ... مُرَابِطِينَ فَما طَاشُوا ومَا عَجِلُوا ويَومَ خَيبَر كَانُوا في كَتِيبَتِهِ ... يَمْشُونَ كُلُهُم مُسْتَبْسِلٌ بَطَلُ بالبْيضِ تَرْعُشُ في الأيمَانِ عَارِيَةً ... تَعُوجُ في الضَّرِب أحْيَانًا وتَعْتَدِلُ ويَومَ سَارَ رَسُولُ اللهِ مُحْتَسبًا ... إلى تَبُوكَ وهمُ رَايَاتُهُ الأُوَلُ وسَاسَةُ الحَرْب إنْ حَرْبٌ بَدَتْ لَهُمُوا ... حَتَّى بَدَا لَهُمْ الإِقْبَالُ وَالقَفَلُ أُولئكَ القَومُ أنْصَارَ النبي وهُمْ ... قَومِي أَصِيرُ إليهِمْ حِينَ أتَّصِلُ مَاتُوا كِرَامًا ولَمْ تَنْكُثْ عُهُودُهُمُوا ... وقَتْلُهُمْ في سَبِيلِ اللهِ إذْ قُتِلُوا وقال عَبَاسُ بنُ مِرْدَاس: وأَنَّا مَعَ الهَادِي النبي مُحمَّدٍ ... وَفِينَا ولَمْ يَسْتَوفِهَا مَعْشَرٌ ألْفَا بِفِيتَانِ صِدْقٍ مِن سُلْيمٍ أعِزَّةٍ ... أطَاعُوا فَمَا يَعْصُونَ من أمْرِهِ أمْرَا خِفَافٌ وذَكْوَانُ وعَوفٌ تَخَالُهُمْ ... مَصَاعِبَ زَافَتْ في طُروقَتَهَا كلْفَا كأن نَسِيِجَ الشُهْبِ والبِيضِ مُلْبسٌ ... أُسُودًا تَلاَقَتَ في مَرَصِدِهَا غُضْفَا بنا عَزَّ دِينُ اللهِ غَيرَ تَنَحُّلٍ ... وزدِنَا على الحي الذي معه ضَعْفَا بمكة إذ جئنا كأنَّ لِوَاءَنَا ... عِقَابٌ أرَادَتْ بَعءدَ تَحْلِقِهَا خَطْفَا عَلَى شُخَّصِ الأبصار تَحِسْبُ بَينَهَا ... إذَا هي جَالَت في مَرَاوِدهَا عَزْفَا غَدَاةَ وَطِئنَا المُشْرِكِينَ وَلَمنْ نِجِدْ ... لأَمْرِ رسول اللهِ عَدْلاً ولا صَرْفَا وقال دَعْبَل الخُزَاعِي: ذَكَرْتُ مَحَلَّ الربع مِن عَرَفَاتِ ... فأجْرَيتُ دَمْعَ العَينِ بالعَبَراتِ

أمن بعد تكفين النبي ودفنه

وقدَ عَزَّني صَبري وهَاجَتْ صَبَابَتِي ... رُسُومُ دِيَار مُقْفِراتِ عُرَاتِ مَدَارِسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِن تِلاَوَة ... ومَنْزِلُ وحْي مُقْفِرِ العَرَصَاتِ لآلِ رسُولِ اللهِ بالخَيفِ مِن مِنَى ... وباللَّيتِ والتَّعْرِيفِ والجَمَراتِ دِيَارُ عَليٍ والحُسِينِ وجَعْفَرٍ ... وحَمْزَةَ والسَّجَاد ذي الثَّفَنَاتِ دِيَار لِعَبْد اللهِ والفَضْلِ صِنْوُهُ ... نَجِيِّ رسولِ اللهِ في الخَلَواتِ مَنَازِلُ كَانَتْ لِلْصَّلاَةِ ولِلْتُّقَى ... ولِلْصَّومِ والتَّطْهِيرِ والحَسَنَاتِ مَنَازِلُ جبْريل الأمِين يَحُلُّهَا ... مِن اللهِ بالتسليمِ والرَّحَمَاتِ مَنَازِلُ وحْي اللهِ مَعْدِنُ عِلْمِهِ ... سَبِيلُ رَشَادٍ وَاضِحُ الطُّرُقَاتِ فأينَ الأُولَى شَطَّتْ بِهمْ غُرْبَةُ النَّوى ... فأمْسَينَ في الأقْطَار مُفْتَرِقاتِ هُمُوا آلُ مِيراثِ النَّبِي إذَا انْتَمَوا ... وهُم خَيرُ سَادَةٍ وخَيرُ حُمَاةِ مَطَاعِيمُ في الإعْسَارِ في كُلِّ مَشْهَدٍ ... لَقَدْ شُرِّفُوا بالفَضْلِ والبَركَاتِ أئمَّةُ عَدْلٍ يُقْتَدَى بِفَعَالِهمْ ... وتُؤْمَنُ مِنهم زَلَّهُ العَثَراتِ سأبْكيهُمُ مَا ذَرَّ في الأُفق شارِقٌ ... ونادَى مُنَادِي الخَيرِ لِلْصَّلَوَاتِ رَثَى بعضهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أمِنْ بَعْدِ تَكْفِينْ النبي ودَفْنِهِ ... بأثوابِهِ أسْلِي على هالك ثَوى رُزِئْنَا رسول الله فِينَا فَلَنْ نَرَى ... بِذَاكَ عِديلاً ما حَيِينَا مِن الرَّدَى وكَانَ لَنَا كالحِصْنِ مِنْ دُونِ أهْلِهِ ... لَهُ مَعْقِلٌ حِرْزٌ حَرِيزٌ مِن العِدَا وَكَانَ بِمَرْآهُ نَرَى النُّورَ وَالهُدَى ... صَبَاحًا مَسَاءً رَاحَ فِينَا أَوِ اهْتَدَى لَقَدْ غَشِيَتْنَا ظُلْمةٌ بَعْد مَوتِهِ ... نَهارًا فَقَدْ زَادتْ عَلَى ظُلْمَةِ الدُّجَى فَيَا خَيرَ مَن ضَمَّ الجوانِحَ والحَشَا ... ويَا خَيرَ مَيت ضَمَّهُ التُّرْبُ والثَّرى كأن أمُور الناسِ بَعْدَكَ ضُمِّلَتْ ... سَفِينةَ مَوجٍ حِينَمَا البَحْرُ قَدْ سَمَا وضَاقَ فَضَاءُ الأرْضِ عَنهُم بِرَجِّهِ ... لِفَقْدِ رسُولِ الله إذْ قِيلَ قد مَضَى

الحمد لله الجميل المفضل

فَقَد نَزَلَتْ بِالمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ ... كَصَدْعِ الصَّفَا لا شَعبِ لِلصَّدَى فِي الصفا فَلَمْ يَسْتَقِلّ النَّاسُ تِلْكَ مُصِيبَةً ... وَلَنْ يُجْبَرَ العَظْمُ الذِي مِنْهم وَهَى ... وفي كُلِّ وَقْتٍ لِلْصَّلاةِ يُهِيجُهُ ... بِلاَلٌ ويَدْعُو بِاسْمِهِ كُلَّمَا دَعَا ويَطْلُبُ أقْوامٌ مَوَارِيثَ هَالِكٍ ... وفِينَا مَوَارِيثُ النُّبوُّةِ والهُدَى وقال آخر: الحَمْدُ للهِ الجميلِ المُفْضِلِ ... المُسْبغ المُولِي العطاءَ المُجْزِلِ شُكْرًا عَلى تَمْكِينِهِ رَسُولِهِ ... بالنَّصرِ مِنْهُ عَلَى الغُوَاة الجُهَّلِ كَمْ نِعْمَةٍ لا أسْتَطِيعُ بُلٌوغهَا ... جُهْدًا ولو أعْمَلْتُ طَاقَةَ مِعْوَلِي لله أصْبَحَ فَضْلُهُ مُتَظَاهِرًا ... منه عَليَّ سَألْتُ أمْ لَمْ أسْأَلِ قَدْ عَايَنَ الأحْزَابُ مِن تَأيِيدِهِ ... جُنْدَ النبي وذِي البَيَانِ المُرسَلِ مَا فيه مَوعِظَةٌ لِكُلِ مُفَكِرٍ ... إنْ كَانَ ذَا عَقْل وإنْ لَمْ يَعْقِلِ وقال رحمه الله تعالى تضرع إلى الله جلا وعلا وتَقًدس: فَيا سَامِعَ الدُعا، وَيَا رَافِع السَّما ... ويَا دَائم البَقَا، ويَا وَاسِعَ العَطَا لِذِي الفَاقَةِ العَدِيم ويَا عَلاَّمَ الغُيُوبْ، ويَا غَافِرَ الذنوبُ ... ويَا سَاتِرَ العُيُوب، ويَا كَاشِف الكُرُوبُ عن المُرْهَقِ الكَظِيم ويَا فَائِقَ الصِّفَاتْ، ويَا مُخِرِجَ النباتْ ... ويَأ جَامِعَ الشَّتَاتْ، ويا مُنْشِئ الرُّفاتْ مِن الأعْظُمِ الرَّمِيمْ

وَيَا مُنْزِلَ الغِيَاثْ، مِن الدُّلَّحِ الحِثَاثْ ... عَلَى الحَزْنِ والدِّمَاثْ، إلى الجُوَّع الغِراثْ ويَا خَالَق البُروجْ، سَمَاءُ بَلاَ فُرُوج ... مَعَ اللَّيل ذي الوُلُوج، عَلى الضَوءِ ذِي البلُوج يُغْشِي سَنَاءَ النُجُومْ ويَا فَالقَ الإِصْبَاح، وَمُسسِّرْ النَّجَاحْ ... ويَا مُرْسِلَ الرِّيَاحْ، بُكُورًا مَعَ الرَّواحِ ويَا مُنْشِيَ الغُيُوم ويَا هَادِي لِلرَّشَادْ، ويا مُلْهِمَ السَّدادْ ... ويَا رَازِقَ العِبَادْ، ويَأ مُحْيِي البِلاَدْ وَيَا فَارِجَ الغُمُومْ ويَا مَنْ بِهِ أعُوذَ، ويَا مَنْ بِهِ ألُوذْ ... ومَن حِلْمُهُ النُفوذْ، فما عنه لِي شُذُوذْ تَبارَكْتَ يَا حَلِيمْ وَيَا مُطْلِقَ ألأَسِيرْ، ويَا جَابِرَ الكَسِيرْ ... ويَا مُغْنِيَ الفَقْيِرْ، ويَا غَاذِي الصَّغِيرْ ويَا مَالكَ النَّواصِي، لِلْمُطِيعي والعَوَاصِي ... فَمَا عَنْه مِن مَنَاصِ، لِعَبدٍ ولا خَلاصْ لِمَاضٍ ولا مُقيمْ ... وَيَا مَنْ هُوَ سَميع، ومَن عَرْشُهُ رَفِيعْ ... ومَن خَلْقُهُ البَدِيع، ومَن جَارُهُ المَنِيعْ مِن الظالم الغَشُومْ

ولكن ببدر سائلو من لقيتم

ويَا مَلْجَأَ الضَّعِيفْ، ويا مَفْزَعَ اللَّهِيفُ، ... تَبَاركْتَ مِن لَطِيفْ، رَحِيمٍ بِنَا رَءوفْ خَبيرٌ بِنَا كَرِيم ويَا مَن قَضَى بحَقْ، عَلى أنْفُسْ كُلِّ الخلْق ... وفَاةً بِكُلِّ أُفْقْ، فما يَنْفَعُ التَّوَقْ منَ الموتِ والحُتُومْ ويَا صَاحب الجلال، وذَا العِزِّ والجَمَالْ ... وذَا المَجد والفِعَال، ويا شَديد المحَال تَعالَيتَ مِن حَليمْ أجِرْني مِن الجَحِيم، ومِن هَولِهَا العظيم ... ومِن عَيشهَا الذميم، ومِن حَرِّهَا المُقِيمْ ومِن مَائِهَا الحَميمْ فَيَا رَبِّ يَا مَنَّانْ، ويَا دائِمَ الإحسانْ ... ويَا مَنزل القرآن، فَرِّحْ قلبي بالرِضْوَانْ يَومَ المَجْمَعِ العَظيم وقال كعب بن مالك مُجِيبًا لِهُبَيرةَ بنِ أبِي وهْب: ولكِنْ بِبَدْرٍ سَائِلُو مَن لَقِيتمُ ... مِن النَّاسِ والأَنباءُ بالغَيبِ تَنْفَعُ وإِنا بأرضِ الخوفِ لَو كَانَ أهْلُها ... سِوانَا لَقَدْ أُجْلُوا بليلٍ فَأَقشَعُوا إذَا جَاءَ مِنَّا رَاكبٌ كَانَ قَولُه ... أَعدُو لِمَا يُزْجِى ابنُ حَربٍ ويَجْمَعُ فَمَهْمَا يَهُمُّ النَّاسَ مِمَّا يَكِيدُنَا ... فَنَحْنُ لَهُ مِن سَائِر النَّاسِ أوسَعُ فلو غَيْرنَا كَانَتْ جَمِيعًا تكِيدُهُ الْـ ... ـبَرِيَّةُ قَدْ أَعْطَوا يَدًا وتَوَرَّعُوا نُجَالِدُ لا تَبْغِي عَلَينَا قِبيلَةٌ ... مِن النَّاسِ إلا أنْ يُهَانُوا ويفظعوا

عرفت ديار زينب بالكثب

ولَمَّا ابْتَنُوا بالعَرض قالتْ سُيوفنا ... عَلَى مَا إذَا لَمْ نَمْنَعِ العَرضَ تَزْرَعُ وفينَا رَسُولُ اللهِ نَتْبَعُ أمَرَهُ ... إذَا قَالَ فِينَا القَولَ لا نَتَظَلَّعُ تَدَلَّى عَلَيهِ الرُّوحُ مِن عِنْد رَبِّهِ ... يُنَزِّلُ مِن جَوِّ السماءِ ويَرْفَعُ نُشَاوِرُهُ فيمَا نُريدُ، وقَصْرُنَا ... إذَا ما اشْتَهَى أَنَا نُطِيعُ ونَسْمَعُ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ لَمَّا بَدَوا لَنَا ... ذَرُوا عَنْكُم هَول المَنياتِ واطْمَعُوا وكُونُوا كَمَن يَشْرِي الحياةَ تَقَرُّبًا ... إلَى مَلِكٍ يُحْيَا لَدَيه ويُرْجَعُ ولَكِنْ خُذُوا مِيثاقَكُم وتَوكَّلُوا ... عَلَى الله إنَّ الأمْرَ للهِ أجْمَعُ فَسِرنَا إليهِمْ جَهْرةً في رِحَالِهِمْ ... ضُحِيًا عَلَينَا البيضُ لا نَتَخَشَّعُ ... بِمَلْمُومةٍ فيها السَّنَّورُ والقَنَا ... إذَا ضَربُوا أقْدَامَهَا لا تَوَرَّعُ فَجِئْنَا إلى مَوجٍ مِن البَحْرِ وَسْطُهُ ... أحَابِيشُ مِنْهُم حَاسِرٌ ومُقَنَّعُ ثَلاَثةُ آلافٍ ونَحنُ عِصابةٌ ... ثَلاثُ مِئِينِ إنْ كَثُرْنَا فأرْبَعُ نُغَاوِرُهُم تَجْرِي المنيةُ بَينَنَا ... نُشَارِعُهُم حَوضَ المَنَايَا ونَشْرَعُ تَهادَى قِسِيُّ النَّبْعِ فِينَا وفيهُمُ ... ومَا هُوَ إلاَّ اليَثْرَبِيُّ المُقَطَّعُ وَمنْجُوفَةٌ حرميةٌ صَاعِدَّيةٌ ... يُذَرُّ عَلَيها السُّمُ سَاعَةَ تُصْنَعُ تُصَوِّبْ بأبدانِ الرِجالِ وَتَارةً ... تَمُرُّ بأعْرَاضِ البصارِ تَقَمْقَعُ وقال حسان بن ثابت: عَرَفْتُ دِيَارَ زَينبَ بالكَثِبِ ... كَخَطِّ الوَحْيِ في الوَرِقِ القَشِيب تَداوَلَها الرياحُ وكُلُ جَونٍ ... مِن الوَسْمِي مُنْهَمِرٌ سَكُوب فأمْسَى رَسْمُها خَلِقًا وأمْسَتْ ... يَبَابًا بَعدَ سَاكِنِهَا الحَبِيب فَدَعْ عَنْكَ التذكُر كُلَّ يَومٍ ... وَرُدَّ حَرَارةَ الصَّدرِ الكَئِيب وخَبِّرْ بالذي لا عَيبَ فِيهِ ... بصِدقٍ غَيرِ إخْبَارِ الكَذُوب بِمَا صَنَعَ المليكُ غَدَاةَ بَدْرٍ ... لَنا في المشركينَ مِن النَّصِيب

أسائلة أصحاب أحد مخافة

غَداةَ كَأنَّ جَمْعُهُمْ حِرَاءٌ ... بَدَتْ أركَانُه جَنْحَ الغُروب فلاقَينَاهُم مِنّا بِجَمْعٍ ... كَأُسْدِ الغَابِ مُرْدَانٍ وشِيب أمَامَ مُحمَّدٍ قَدْ وَازَرُوهُ ... عَلَى الأعْدَاءِ في لَفْحِ الحُروب بأيَديهم صَوَارِمُ مُرْهَفاتٌ ... وكُلُّ مجَرِّبٍ خَاطِي الكُعُوب بَنُو الأوسِ الغَطَارِفِ وَازَرَتْهَا ... بَنُو النَّجَارِ في الدِّينِ الصَّلِيب فَغَادَرْنَا أبَا جَهْلٍ صَرِيعًا ... وَعُتْبَةَ قَدْ تَركْنَا بالجُبُوب وَشْيبَةَ قَدْ تَركْنَا في رِحَالٍ ... إذَا نَسَبُوا ذَوِي حَسَبٍ حَسِيب يُنَادِيهم رَسُولُ اللهِ لَمَّا ... قَذَفْنَاهُم كَبَاكِبَ في القَلِيب وقالت صفية بنت عبد المطلب تبكي أخاها حمزة بن عبد المطلب: أَسَائِلةٌ أصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً ... بَنَاتُ أبِي مِن أعَجمٍ وخَبِيرِ فَقَال الخيبرُ إنَّ حَمزةَ قد ثَوى ... وزْيرَ رسولِ الله خَير وَزَيرِ دَعاهُ إلهُ الحقِ ذُو العرشِ دَعْوةً ... إلَى جَنَّةٍ يَحْيا بِهَا وسُرُورِ فذلِكَ مَات كَنا نُرجِّى ونَرتَجِي ... لِحمزةَ يومَ الحشرِ خَيرَ مَصِيرِ ... فوَ الله لا أنسَاكَ ما هبَّتِ الصبَّا ... بُكَاءَ حزِينٍ مَحضَرِي ومَسْيِريِ عَلَى أَسَدِ اللهِ الذي كَانَ مُدْرَها ... يَذُودُ عن الإِسلامن كُلَّ كَفُورِ فَيا ليتَ شُلْوِي عند ذَاكَ وأعْظُمِي ... لَدَى أصْبُعٍ تَعتَادُنِي ونُسُورِ أقُولُ وقد أعْلَى النَّعيُ عَشِيرِتِي ... جَزَى اللهُ خَيرًا مِن أخٍ ونَصِيرِ وقال كعب بن مالك يبكي حمزة بن عبد المطلب: طَرَقْتْ هُمُومُكَ فالرُقَادُ مُسَهِّدُ ... وجَزِعْتَ أنْ سُلِحَ الشبابُ الأغْيَدُ ودَعَتْ فَؤادَكَ لِلهَوى ضمرية ... فَهَواكَ غُورِيٌّ وصَحْوُكَ مُنَجِدُ فَدَعِ التَّمارِيَ في الغِوايَةِ سَادِرًا ... قَدْ كُنْتَ في طَلَب الغِوَايَةِ تُفْنِدُ

بكت عيني وحق لها بكاها

ولَقَدْ أتَى لَكَ أنْ تَنَاهَى طَائِعًا ... أو تَسْتَفِيقُ إذَا نَهَاكَ المُرشِدُ ولَقَدْ هَدَدْتَ لِفَقْدِ حَمْزَةَ هَدَّةً ... ظَلَّتْ بَنَاتُ الخَوفِ مِنها تَرْعُدُ وَلَو أنَّهُ فَجِعَتْ حِرَاءُ بمثلِهِ ... لَرأيتَ رَاسِي صَخْرِهَا يَتَبَدَّدُ قَومٌ تَمَكَّنَ في ذُؤُابَةِ هَاشِمٍ ... حَيثُ النُبوَّةُ والنَّدَى والسُؤْدَدُ والعاقِرُ الكُومُ الجِلادُ إذا غَدَتْ ... رَيحٌ يَكَادُ المَاءُ مِنها يَجْمُدُ والتاركُ القِرْنَ الكَمِيَّ مُجَدَّلاً ... يَومَ الكَرِيهَةِ والقَنَا يَتَفَصَّدُ وتَراهُ يَرْفُلُ في الحَديدِ كَأنَّه ... ذُو لِبْدةٍ شَثِنُ البَاثِنِ أرْبَدُ عَمُّ النَّبي مُحمَّدٍ وصَفِيُّهُ ... وَرَدَ الحِمامَ فَطَابَ ذَاكَ الموردُ وأتَى المنِيَّةَ مُعْلِمًا في أُسْرَةٍ ... نَصَرُوا النَّبيَّ ومنهمُ المُسْتَشْهَدُ ولَقَدْ أخَالُ بِذَاكَ هِنْدًا بَشَّرَتْ ... لِتُمِيتَ دَاخَلَ غُصَّةٍ لاَ تَبْرُدُ ومِمَّا صَبَحْنَا بالعَقَنْقَلِ قَومَهَا ... يَومًا تَغيَّبَ فيه عَنها الأسْعَدُ وبِبئْر بَدْرٍ إذْ يَرُدُّ وجُوهَهُمْ ... جِبْرِيُلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحمَّدُ حَتَّى رَأيتَ لَدَى النَّبيِّ سَرَاتهَمُ ... قِسْمَينِ نَقْتُلُ مَنْ نَشاءُ ونَطْرُدُ فأقامَ بالعَطَنِ المعْطَّنِ مِنهمُ ... سَبْعُونَ عُتْبةُ مِنْهمُ والأسْودُ وابْنَ المغيرةِ قَدْ ضَرْبنَا ضَرْبَةً ... فَوقَ الوَرْيدِ لَهَا رَشَاشٌ مُزْبِدُ وأُميَّةَ الجَمْحِيُّ قَوَّمَ مَيلَهُ ... عَصْبٌ بأيدِي المُؤْمِنِينَ مُهَنَّدُ فَأتاكَ فَلُّ المشركينَ كَأنَّهم ... والخَيلُ تَثْفُنُهُمُ نَعَامٌ شُرَّدُ شَتَّانَ مَن هُوَ في جَهَنَّمَ ثَارِيًا ... أبَدًا ومَن هُوَ الجِنانِ مُخَلَّدُ وقال عبد الله بن رَواحة يبكي حمزة بن عبد المطلب وقال ابن هشام أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك: بَكَتْ عَيِنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا ... وما يُغْنِي البُكَاءُ ولاَ العَوِيلُ عَلَى أسَدِ الإِلهِ غَدَاةَ قَالُوا ... أحَمْزَةُ ذاكُم الرجلُ القَتِيلُ

سائل قريشا غداة السفح من أحد

أُصِيبَ المسلِمُونَ بِهِ جَميعًا ... هُنَاكَ وقَدْ أُصِيبَ بِه الرَّسُولُ أبا يَعْلَى لَكَ الأركَانُ هُدَّتْ ... وأنْتَ الماجِدُ البَرُّ الوَصُولُ عَلَيكَ سَلامُ رَبَّكَ في جِنَانٍ ... مُخَالِطُهَا نَعِيمٌ لا يَزُولُ ألاَ يَا هَاشِمُ الأخْيارِ صَبْرًا ... فَكُلُّ فِعَالِكُم حَسَنٌ جَمِيلُ رَسُولُ اللهِ مَصْطَبِرٌ كَرِيمُ ... بِأَمْرِ اللهِ يَنْطِقُ إذْ يَقُولُ ألاَ مِن مُبْلِغٍ عَنِّي لُؤيًّا ... فَبَعْدَ اليومِ دَائِلةٌ تَدُولُ وقَبْلَ اليومِ مَا عَرفُوا وذَاقُوا ... وقَائِعنَا بِهَا يَشْفِي الغَلِيلُ نَسيتُمْ ضَرْبَنَا بِقَلِيبِ بَدْرٍ ... غَدَاةَ أتَاكُم الموتُ العَجِيلُ غَدَاةَ ثَوى أبُو جَهْلٍ صَرِيعًا ... عَلَيه الطَّيُر حَائِمةٌ تَجُولُ وعُتْبةُ وابْنُه خَرَّا جَميعًا ... وشَيبةَ عَضَّه السَّيفُ الصَّقِيلُ قال ابن إسحاق وقال كعب بن مالك أيضًا في يوم أحُد: سَائِلْ قُريشًا غَداةَ السفحِ مِن أُحُدٍ ... ماذَا لَقِينَا ومَا لاقَوا مِن الهَربِ فَكَمْ تَرَكْنَا بِهَا مِن سَيدٍ بَطَلٍ ... حَامِي الذَمَارَ كَرِيم الجِدِّ والحَسَبِ فِينَا الرسُولُ شَهَابٌ ثم نَتْبَعُهُ ... نُورٌ مَضِيءٌ لَهُ فَضْلٌ عَلى الشُهُبِ الحقُ مَنْطِقُهُ والعَدْلُ سِيرتُهُ ... فَمنْ يُجِبْهُ إليه يَنْجُ مِن تَبَبِ نَجْدُ المقدمِ مَاضِي الْهِّم مُعْتزمٌ ... حينَ القُلوبِ عَلى رَجْفٍ مِن الرُعُب نَمْضِي ويَذْمُرنَا مِن غَير مَعْصِيَةٍ ... كأنَّه البَدرُ لَمْ يُطْبَعْ عَلَى الكَذِبِ بَدَا لَنَا فاتَّبعناهُ نُصَدِّقُهُ ... وكَذَّبُوهُ فكُنَّا أسْعَدَ العَرِبِ جَالُوا وجُلْنَا فما فَاءُوا ولا رَجَعُوا ... ونَحنُ نَثْفُنُهُمْ لَمْ نأَلُ في الطَّلبِ ليسَا سَواءً وشَتَّى بَينَ أمْرِهِمَا ... حْزِبُ الإِلهِ وأهْلِ الشركِ والنُصُبِ آخر: وخَيلٌ تراها بالفَضَاءِ كأنَّها ... جَرَادٌ صَبَا في قَرَّةٍ يَتَرّتَّعُ فَلَمَّا تلاقينا ودَارَتْ بِنَا الرَّحَى ... ولَيسَ لأَمْرِ حَمَّهُ اللهُ مَدْفَعُ ...

أعرض عن العوراء إن أسمعتها

ضَرَبْنَاهُمُ حَتَّى تَرَكْنَا سَرَاتَهُمْ ... كأنَّهمُ بالقَاعِ نَخْلٌ مَصَرَّعُ لَذُنْ غُدْوَةً حَتَّى اسْتَفَقْنَا عَشِيَةً ... كَأنَّ ذَكَانا حَرُّ نَارٍ تَلَفَعُ ورَاحُوا سِرَاعًا مُرْجَعِينَ كَأنَّهم ... جَهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَ الريحُ مُقْلِعُ وَرُحْنَا وأُخْرَانَا بِطَاءً كَأنَّنَا ... أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ بِبيشَةَ ضُلَّعُ فَنِلْنَا وَنَالَ القَومُ مِنَّا وَرُبَّمَا ... فَعَلْنَا ولكِنْ مَا لَدَى اللهِ أوسَعُ ودَارَتْ رَحَانَا واسْتَدارَتْ رَحَاهُم ... وقَدْ جَعَلُوا كُلٌ مِنَ الشَّرِ يَشْبَعُ ونَحْنُ أُنَاسٌ لاَ نَرَى القَتْلَ سُبَّةً ... عَلَى كُلِّ مَن يَحْمِي الذِّمَارَ ويَمْنَعُ جِلادٌ عَلَى رَيبِ الحَوادِث لاَ نَرَى ... عَلى هالِكٍ عَينًا لَنَا الدَّهْرَ تَدْمَعُ بَنُو الحَرْبِ لاَ نَعْيَا بِشَيءٍ نَقُولُهُ ... وَلا نَحْنُ مِمَّا جَرَتِ الحَرْبُ نَفْزَعُ بَنُو الحَرْبِ أنْ نَظْفُرْ فَلَسْنَا بِفُحَّشِ ... ولا نَحْنُ مِن أظْفَارِهَا نَتَوَجَّعُ وكُنَّا شِهابًا يَتَّقِى الناسُ حَرَّهُ ... ويُفْرِجُ عنه مَن يَليهِ ويَسْفَعُ شَدَدْنا بِحَولِ اللهِ أعْظمَ شِدَّةٍ ... عَلَيكم واطْرَافُ الأسِنَّةِ شُرَّعُ فَكرَّ القَنَا فِيكُمْ كَأنَّ فُرُوعَهَا ... عَزَا لِي مَزَادٍ مَاؤْهَا يَتَهَرَّعُ وقال حسان: أعْرِضْ عَن العوراءِ إنْ أُسْمِعْتَهَا ... واقْعُدْ كأنَّكَ غَافِلٌ لاَ تَسْمَعُ والزَمْ مُجَالَسَةَ الكرامِ وفِعْلَهُم ... وإِذَا اتَّبعْتَ فَأبْصِرَنْ مَن تَتَبْعُ لا تَتْبَعَنَّ غَوَايَةً لِصَبَابَةٍ ... إنَّ الغَوَايَةَ كُلَّ شَرٍ تجْمَعُ والشُّرْبَ لا تَقْرَب وخُذ مَعْرُوفَهُ ... تُصْبِحْ صَحِيحَ الرأسِ لاَ تَتَصَدَّعُ ومما قيل في بدر من الشعر: أَأَلْمَمَ أمْرًا كَانَ مِن أعْجَبِ الدَّهْرِ ... ولِلْحَينِ أسْبَابٌ مُبَيَّنَةُ الأمْرِ وما ذَاكَ إلاَّ أنَّ قَومًا أفادَهُم ... فَخَانُوا تَواصَوا بالعُقُوقِ وبالكُفرِ

أبلغ قريشا وخير القول أصدقه

عَشَيَّةَ رَاحُوا نَحوَ بَدْرٍ بِجمْعِهِمْ ... فكانُوا رهُونًا لِلرَّكِيَّةِ مِن بَدْرِ وكُنَّا طَلَنَا العِيرَ لا نَبْغِ غَيرَهَا ... فَسَارُوا إلينَا فالتَقَينَا عَلى قَدْرِ فَلَمَّا التَقَينَا لَمْ تكُنْ مثنَوِيةٌ ... لَنَا غَير طَعْنِ بالمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ ونَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَةَ الغَيِّ ثاوِيًا ... وشَيبَةَ في قَتْلَى تُجَرْجَرُ بالجُفْرِ وعُمْرٌو ثَوى فِيمَنْ ثَوى من حُمَاتِهم ... فَشُقَّتْ جُيُوبُ النائِحَاتِ عَلى عَمْرِو جُيُوبُ نساءٍ من لؤَيِّ بن غَالِبٍ ... كَرَامٍ تَفَرَّ عْنِ الذَّوائِب مِن فِهْرِ أُولَئِكَ قَومكٌ قُتِّلُوا في ظلالِهِمْ ... وخلَوا لِوَاءً غَيرَ مُحْتَضَرِ النَّصْرِ لِوَاء ضَلالٍ قادَ إبْليسُ أهْلَهُ ... فَخَاسَا بهم إنَّ الخَبِيثَ إلى غَدْرِ وقالَ لَهُم إذْ عَايَنَ الأمْرَ وَاضحًا ... برِئْتُ إليكُم ما بي اليَومَ مِن صَبْرِ فإنِّي أرَى مَا لا تَرَونَ وإنَّنِي ... أخَافُ عِقَابَ اللهِ وَاللهُ ذُو قَسْرِ فَقَدَمَهُم لِلْحَينِ حِينَ تَورَّطُوا ... وكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبِر القَومُ ذُو خُبْرِ فَكَانُوا غَدَاةَ البِئْرِ ألفًا وجَمْعُنَا ... ثلاثُ مِئِينٍ كالمُسَدَّمَةِ الزُهْرِ وفينا جُنُودُ الله حِينَ يُمدُّنَا ... بِهِم في مَقَامِ ثُمَّ مُسْتَوضح الزُهْرِ فَشَدَّ بِهِم جِبْرِيل تَحْتَ لِوَائِنَا ... لَدَى مَأْزِقٍ فِيهِ مَنَاياهُمُو تَجْرِي وقال كعب بن مالك: أَبْلِغْ قُرَيشًا وخَيرُ القَولِ أصْدَقُهُ ... والصِدْقُ عند ذَوِي الألْبابِ مَقْبُولُ أنْ قَدْ قَتَلْنَا بِقَتْلاَنَا سَرَايِكُم ... أهْلَ اللِّواءِ فِفِيمَ يَكْثُرُ القْيلُ ويَومَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا مَدَدٌ ... فَيهِ مَعَ النَصْرِ مِيكَالٌ وجِبْرَيلُ إنْ تَقْتُلُونَا فَدِينُ الحَقِّ فِطْرَتُنَا ... والقَتْلُ في الحَقِّ عندَ اللهِ تَفْضِيلُ وإنْ تَروا أمْرَنَا في رَأيَكُم سَفَهًا ... فَرَأْيُ مَن خَالَفَ الإِسْلاَمَ تَضْلَيلُ فلا تَمنَّوا لِقَاحَ الحَرْبِ واقْتَعِدُوا ... إنَّ أخَا الحَرْبِ أصْدَى اللَّونِ مَشْغُولُ إنَّ لَكُم عِنْدَنَا ضرْبًا تُرَاحُ لَهُ ... عُرْجُ الضِبَاعِ لَهُ خَذْمٌ رَعَابِيلُ

ثوى في قريش خمس عشرة حجة

إنَّا بَنُو الحَرْبِ نُمْرِيهَا ونُنْتِجُهَا ... وعندنا لِذَوِي الأضْغَانِ تَنْكِيلُ إنْ يَنْجُ منه ابْنُ حَرْبٍ بَعْدَمَا بَلَغَتْ ... منه التَّراقِي وأمْرُ اللهِ مَفْعُولُ فَقَدْ أفَادَتْ لَهُ حِلْمًا ومَوعِظَةً ... لِمنْ يَكُونُ لَهُ لُبٌّ ومَعْقُولُ ولَو هَبَطْتُمْ بِبَطْنِ السَّيلِ كافَحَكُم ... ضَرْبٌ بِشَاكِلَةِ البْطَحَاء تَرْعِيلُ تَلْقَاكُمُ عُصُبٌ حَولَ النَّبِي لَهُمْ ... مِمَّا يُعِدُّونَ لِلْهَيجَا سَرَابِيلُ مِن جُذْمِ غَسَّانَ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... لا جُبَنَاءَ ولا مِيلٌ مَعَازِيلُ يَمْشُونَ نَحْوَ عِمَايَاتِ القِتَالِ كَمَا ... تَمْشِي الْمَصَاعِبَةُ الأُدْمُ المَرَاسِيلُ أو مِثْلَ مَشْى أُسُودِ الظِّلِ الْتَقَهَا ... يَومٌ رَذَاذٌ مِن الجَوزَاءِ مَشْمُولُ في كلِّ سَابِغَةٍ كالنهي مُحْكَمَةٍ ... فِئَامُها فَلحٌ كالسَّيفِ بُهْلُولُ تَرُدُّ حَدَّ قرَان النَّبْلِ خَاسِئَةً ... ويَرجِعُ السَّيفُ عِنْهَا وهو مَفْلُولُ وقَدْ قَذَفْتَمُ بِسَلْعٍ عن زُهُورِكُمُ ... ولِلْحَيَاةِ ودَفْعُ الموتِ تأْجِيلُ مَا زَالَ في القَومِ وتْرٌ مِنكُمُ أبَدًا ... تَغْفُو السلام علَيهِ وهو مَطْلُولُ عَبْدٌ وحُرٌّ كَريمٌ موثَقٌ قَنَصًا ... شَطْرَ المَدِينَةِ مأسُورٌ ومَقْتُولُ كُنَّا نُؤَمِّلُ أُخْراكُم فأعْجَلَكُم ... مِنَّا فَوَارِسُ لا عُزْلٌ ولا مِيلُ إذَا جَنَى فيهم الجَاني فَقَدْ عِلِمُوا ... حَقًا بأنَّ الذي قَدْ جَرَّ مَحْمُولُ آخَرُ يَذكُرُ أولَّ مَبْعَثِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: ثَوَى في قُرَيش خَمْسَ عَشْرة حَجَّةً ... يُذَكِّرُ لَو يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا ويَعْرِضُ في أهْل المواسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَم يَرَ مَن يُؤْوي ولَم يَرَ دَاعِيَا فلمَّا أتَانَا واطْمَأنَّ بِهِ النَّوى ... وأصْبحَ مَسْرُورًا بِطَيبَةَ رَاضِيَا وَألْفَى صَدَيقًا واطْمَأنََّتْ بِه النَّوى ... وكَانَ لَهُ عَونًا مِن اللهِ بَادِيَا يَقُصُّ لَنَا مَا قَالَ نُوحٌ لِقَومِهِ ... ومَا قَالَ مُوسَى إذْ أجَابَ المنادِيَا وأصْبَحَ لا يَخْشَى مِن النَّاسِ واحدًا ... قَرِيبًا ولا يَخْشَى مِن النَّاسِ نَائِيَا

أيقظ جفونك يا مسكين من سنة

بَذَلْنَا لَهُ الأمْوَالَ من جُلّّ مالِنَا ... وأنْفُسَنَا عند الوَغى والتَآسِيَا نُعَادِي الذِي عَادَى مِن النَّاسِ كُلِّهمْ ... جَمِيعًا ولَو كَانَ الحَبِيبَ المُوَاسِيَا ونَعْلَمُ أنَّ اللهَ لاَ رَبَّّ غَيرَهُ ... وإنَّ كتاب الله أصْبَحَ هَادِيَا انْتَهَى آخر: هذه قصيدة وعظية تُحرِّك القلب لطاعة الله وتزهِّده في الدنيا أيقِظْ جُفُونَكَ يَا مِسْكَينُ مِن سِنَةٍ ... وَانْظُر بِعَقْلِكَ ما في الأَرْضِ من عِبَرِ بالأمْسِ كُنْتَ مَعَ الصِّبْيَانِ في لَعِبٍ ... غَضَّ الشبَابِ قَليلَ الهَمِّ والفِكَرِ وقد كَبِرْتَ وحَانَ الشَّيبُ مِنْكَ ولا ... أرَاكَ تَنْظُرُ يَا مَغْرُورُ في الكِبَرِ تَبعْتَ ويحَكَ دُنْيا لا بَقَاءَ لَهَا ... تُمْسِي وتُصْبِحُ مَسْرُورًا عَلَى النُكُرِ أمَا اعْتَبَرْتَ بِمَا شَيَّعْتَ مِن سَلَفٍ ... إلى القُبُورِ مِن الأشْيَاخِ والصِّغَرِ وأنْتَ في كُلِّ يَومٍ زَائِدًا أمَلاً ... والدَّهْرُ يَهْدِمُ مِنْكَ العُمْرَ فابْتَدِرِ يَا مَن مَضَى عُمْرهُ المكْنُونِ في سَفَهٍ ... وفي المُحَال وفي اللَّذَّاتِ والبَطَرِ أينَ الشَّبَابُ الذي قَدْ كُنْتَ تَحْمِدُهُ ... مَضَى سَرِيعًا كِمثْلِ اللَّمحِ في البَصَرِ وقَدْ أتَى لَكَ شَيبٌ لا زَوَالَ لَهُ ... إلاَّ بِمَوتِكَ يَا مَغْرُورُ فانْتَظِرِ إنَّ الرَّحِيلَ حَقِيقٌ فاسْتَعِدَّ لَهُ ... وقَدْ أتَاكَ نَذيرُ الشَّيبِ فازْدَجِرِ بَادِرْ متَابَكَ يَا مِسْكِينُ في عَجَلِ ... قَبْلَ المنُون وبَادِرْ فُسْحَةَ العُمُرِ ... حَافِظْ عَلى الخَمسِ في الأوقاتِ إنَّ لَهَا ... فَضْلاً وَقُلْ يَا إلهي نَجِّ مِن سَقَرِ طُوبَى لِعَبْدٍ تقَيٍّ خَائِفٍ وَجلٍ ... خَافَ الذُنُوبَ وَبَاعَ النَومَ بالسَّهَرِ وقَامَ بالليلِ للرَّحمن مُبتَهلاً ... يَتْلُو الكتَابَ ودَمْعُ كَالمَطَرِ إنْ كُنْتَ تَبْغِي جنَانَ الخُلْدِ تَسْكُنُهَا ... مَعَ الحِسَانِ ذَوَاتِ الغُنْجِ والحَوَرِ تُسْقَى بِهَا سَلْسَبِيلاً طَابَ شَارِبُهَا ... مِن كَفَّ غَانِيَةٍ أضْوَى منَ القَّمَرِ في قُبَّةٍ مِن لُجَين جَلَّ صَانِعُهَا ... قَدْ خَصَّهَا بَاخْتِلالِ النَّحْلِ والنَّهَرِ والطَّيرُ فيها عَلى الأغْصَانِ عَاكِفَةً ... أصْوَاتُهَا كَحَنِينِ العُودِ والوَتَرِ والحُورَ يَمْشِينَ في حُلْي وَفي حُلَل ... كَمَا أتَى في بَيَانِ الذِكْرِ والسُوَرِ واعْكِفْ عَلَى سُنَّةِ الهادِي وتَابِعهِ ... وَاتْبَعْ طَريقَتَهُم تَقْفُوا عَلى الأثَرِ

مقتطفات على حرف الهجاء

واعْلم بأَنَّكَ عَنْ أهْلِيكَ مُرْتَحِلٌ ... عَمَّا قَلِيلٍ لَبَيتِ الدُودِ والمَدَرِ لاَ تَأمَنَّنَ مِن الدُنْيَا وزَهْرَتِهَا ... لأنَّهَا كَسِراجٍ لاَحَ لِلْبَصَرِ أينَ الأحَبَّةُ والجيرَانُ مَا صَنَعُوا ... صَارُوا لَنَا خَبَرًا مِن أعْظَمِ الخَبَرِ أينَ الملُوكُ الذِي عَاشَرْتَهمْ زَمَنًا ... صَارُوا جَمِيعًا إلى الأجْدَاثِ والحُفَرِ أينَ القُصُورُ التي كَانَت مُعَمَّرةً ... حُصُونُهَا مُلِئَتْ بالبُسْطِ وَالسُرُرِ أينَ الوجُوهُ التي كَانَتْ مُنَعَّمَةً ... أينَ الخُدُودُ الَّتِي تَسْبِي أولي النَّظَرِ صَارُوا جَمِيعًا إلى ضِيقِ القُبُور وقد ... صَارَتْ مَحَاسِنُهُم مِن أقْبَحِ الصَّوَرِ ونَحْنُ عَمَا قَلِيلٍ لاحِقُونَ بِهِمْ ... فانظر لِنَفْسِكَ واحْذَرْ غَايَةَ الحَذَرِ (وصَلِّ رَبِّ عَلَى المَبُعُوثِ سَيِدِّنَا ... عِدَادِ وَبْلٍ وَمَا يُسْقَى مِنَ الشَّجَرِ) (وَالآلِ والصَّحْبِ مَعْ مَنْ يَقْفُ سِيرَتَهُم ... عَلَى طَرِيقِ الهُدَى في العُسْرِ واليُسُرِ) [مقتطفات على حرف الهجاء] آخر: [حرف الألف] تَبَارَكَ ذُو العُلاَ والكِبْرِيَاءِ ... تَفَرَّدَ بالجَلالِ وبالبَقَاءِ وسَوَّى المَوتُ بَينَ الخَلْقِ طُرًّا ... وَكُلُّهُم رَهَائِنُ لِلْفَنَاءِ وَدُنْيَانَا - وَإنْ مِلْنَا إِليهَا ... وطَالَ بِهَا المَتَاعُ - إلىَ انْقِضاءِ ألاَ إنَّ الرُّكُونَ عَلىَ غُرُورٍ ... إلَى دَارِ الفَنَاءِ مِنَ الفَنَاءِ وقاطِنُها سَرِيعُ الظَّعْنِ عَنْها ... وَإنْ كَانَ الحَرِيصَ على الثَّوَاءِ حرف الباء يُحَوَّلُ عَنْ قَرِيبٍ مِن قُصُورٍ ... مُزَخْرفَةٍ إِلىَ بَيتِ التُّرَابِ فيُسْلَمُ فيه مَهْجُورًا فَرِيدًا ... أَحَاطَ بِهِ شُحُوبُ الاِغْتِرَابِ وهَولُ الحَشْرِ أفْظَعُ كُلِّ أَمْرٍ ... إذَا دُعِيَ ابنُ آدمَ لِلْحِسَابِ وألْفَى كُلَّ صَالِحَةٍ أتَاهَا ... وسَيئةٍ جَنَاهَا في الكِتَابِ لَقَدْ آنَ التَّزَوُّدُ إنْ عَقَلْنَا ... وأَخْذُ الحظِّ منْ بَاقِي الشَّبابِ حرف التاء فَعُقْبَى كُلِّ شَيءٍ نَحْنُ فِيهِ ... مِن الجَمْعِ الكَثِيفِ إِلىَ شَتَاتِ وَمَا حُزْناهُ مِن حِلٍّ وَحُرْمٍ ... يُوَزَّعُ في البَنِينَ وفي البَنَاتِ

حرف الثاء

وفِيمَنْ لَم نُؤَهِّلْهُمْ بِفَلْسٍ ... وقِيمَةِ حَبَّةٍ قَبْلَ المَمَاتِ وتَنْسَانَا الأحِبَّةُ بَعْدَ عَشْرٍ ... وَقَدْ صِرْنَا عِظَامًا بَالِيَاتِ كَأنّا لَمْ نُعَاشِرْهُمْ بِوُد ... ولم يَكُ فِيهِمُ خِلٌّ مُؤاتِ حرف الثاء لِمَنْ يَا أيُّهَا المَغْرُورُ تَحْوِي ... مِنَ المَالِ المُوَفَّرِ وَالأَثَاثِ سَتَمْضِي غَيرَ مَحْمُودٍ فَرِيدًا ... وَيَخْلو بَعْلُ عِرْسِكَ بالتُّرَاثِ وَيَخْذُلُكَ الوَصيُّ بِلاَ وَفاءٍ ... وَلا إصْلاحِ أَمر ذِي التِيَاثِ لَقَدْ وفَّرْتَ وِزْرًا مَرَّ حِينًا ... يَسُدُّ عَلَيكَ سُبْلَ الانْبِعَاثِ فمَا لَكَ غَيرَ تَقْوى اللهِ حِرْزٌ ... وَلا وَزَرٌ ومَا لَكَ مِن غِيَاثِ حرف الجيم تُعَالِجُ بالتَّطَبُّبِ كُلَّ دَاءٍ ... ولَيسَ لِدَاءِ ذَنْبِكَ مِن عِلاَجِ ... سِوَى ضَرَع إلىَ الرَّحْمن مَحْضٍ ... بنِيَّةِ خائِفٍ ويَقِينِ رَاجِ وَطُولِ تَهَجُّدٍ بطِلابِ عَفْوٍ ... بلَيلٍ مُدْلَهِّمِ السِّتْرِ داجِ وإظْهَارِ النَّدَامةِ كُلَّ وَقْتٍ ... عَلىَ مَا كُنْتَ فِيهِ مِن اعْوِجَاجِ لعَلَّكَ أَنْ تَكُونَ غَدًا عَظِيمًا ... بِبُلْغَةِ فَائِزٍ مَسْرُورِ نَاجِ حرف الحاء عَلَيكَ بِمَنْعِ نَفْسِكَ عَنْ هَواهَا ... فَمَا شَيءٌ أَلَذَّ مِنَ الصّلاحِ تَأَهَّبْ لِلْمَنيَّةِ حِينَ تَغْدُو ... كَأنَّكَ لا تَعِيشُ إلىَ الرَّوَاحِ فكَمْ مِنْ رَائِحٍ فِينَا صَحِيحٍ ... نَعَتْهُ نُعَاتُهُ قَبْلَ الصَّبَاحِ وَبَادِرْ بالإِنَابَةِ قَبْلَ مَوتٍ ... علَى مَا فِيكَ مِنْ عِظَمِ الجُنَاحِ ولَيسَ أَخُو الرَّزانَةِ مَنْ تَجَافَى ... وَلكِنْ مَنْ تَشَمَّرَ لِلْفَلاحِ حرف الخاء وإنْ صَافَيتَ أَو خَالَلْتَ خِلاًّ ... فَفِي الرحمنِ فاجْعَلْ مَنْ تُؤاخِي وَلا تَعْدِلْ بتقْوَى اللهِ شَيئًا ... وَدَعْ عَنْكَ الضَّلاَلَةَ والتَّرَاخِي

حرف الدال

فَكَيفَ تَنَالُ في الدُّنيا سُرُوُرًا ... وأَيّامُ الحَياةِ إِلىَ انْسِلاخِ وإنَّ سُرُورَهَا فيمَا عَهِدْنَا ... مَشُوبٌ بالبُكَاءِ وبالصُّرَاخِ فَقَدْ عَمِيَ ابنُ آدَمَ لا يَراهَا ... عَمًى أفْضَى إلىَ صَمَمِ الصّمَاخِ حرف الدال أخَي قدْ طَالَ لُبْثُكَ فِي الفَسَادِ ... وبِئْسَ الزَادُ زَادُكَ لِلْمَعَادِ صَبا مِنْكَ الفُؤاد فَلَمْ تَزَعْهُ ... وَحِدْتَ إلى مُتَابَعَةِ الفُؤادِ وقادَتْكَ المَعَاصي حَيثُ شَاءَتْ ... وأَلْفَتَكَ امْرَءًا سَلِسَ القِيَادِ لَقَدْ نُودِيتَ لِلتَّرحَالِ فاسْمَعْ ... ولا تَتصَامَمَنَّ عن المُنَادِي كَفَاكَ مَشيبُ رأسِكَ مِنْ نَذِيرٍ ... وَغالَبَ لَونُهُ لَونَ السَّوادِ حرف الذال ودُنْيَاكَ التِّي غَرَّتْكَ مِنْهَا ... زَخَارِفُها تَصِيرُ إلى انْجِذَاذِ تَزَحْزَحْ عَنْ مَهَالِكِهَا بِجُهْدٍ ... فَمَا أصْغَى إِليهَا ذُو نَفَاذ لَقدْ مُزِجَتْ حَلاَوتُها بسُمٍّ ... فَمَا كالحِذْرِ مِنْها مِن مَلاذِ عَجِبْتُ لمُعْجَبٍ بنَعِيمِ دُنْيا ... ومَغْبوُنٍ بِأَيَّامٍ لِذَاذِ ... ومُؤْثِرٍ المُقَامَ بأرْضِ قَفْرٍ ... عَلَى بَلَدٍ حَصِيبٍ ذِي رَذَاذِ حرف الراء هَلِ الدُّنْيَا ومَا فِيهَا جَمْيعًا ... سِوَى ظِلٍّ يَزُولُ مَعَ النَّهَارِ تَفَكَّرْ أَينَ أصْحَابُ السَّرَايَا ... وأرْبابُ الصَّوَافِنِ والعِشَارِ وأينَ الأَعْظَمُونَ يَدًا وبَأْسًا ... وأَين السَّابقُونَ لِذِي الفَخَارِ وأيَنَ القَرْنُ بَعْدَ القَرْنِ منهُمْ ... مِنَ الخُلَفَاءِ والشُّمِّ الكِبَارِ كَأنْ لَمْ يُخْلَقُوا أو لَمْ يَكُونُوا ... وهَلْ أحَدٌ يُصَانُ مِنَ البَوَارِ حرف الزاي أَيَعْتَزُّ الفَتَى بالمَالِ زَهْوًا ... وما فِيها يفُوتُ عن اعْتِزَازِ ويَطْلُبُ دَولَة الدُّنْيا جُنُونًا ... ودَولَتُها مُحَالِفَةُ المَخَازِي ونَحْنُ وكُلُّ مَن فِيهَا كَسَفْرٍ ... دَنَا مِنّا الرَّحِيلُ على الوَفَازِ

حرف السين

جَهِلْناهَا كَأنْ لَمْ نَخْتَبِرْها ... على طُولِ التَّهانِي والتَّعازِي ولَمْ نَعْلَمْ بِأنْ لاَ لَبْثَ فِيهَا ... ولاَ تَعْرِيجَ غَيرَ الاجْتيَازِ حرف السين أَفِي السَّبخَاتِ يَا مَغْبُونُ تبْني ... وَمَا أَبْقَى السَّباخُ عَلىَ الأَسَاسِ ذُنُوبُكَ جَمّةٌ تَتَرْى عِظَامًا ... وَدَمْعُكَ جَامِدٌ والقَلْب قَاسِي وأيّامًا عَصَيتَ الله فِيهَا ... وقَدْ حُفِظَتْ عَلَيكَ وأَنْتَ نَاسِي فكَيفَ تُطِيقُ يَومَ الدِّينِ حَمْلاً ... لأَوزارِ الكَبائِرِ كَالرَّواسِيِ هُوَ اليَومُ الذي لا وُدَّ فِيهِ ... ولا نَسَبٌ ولا أحَدٌ مُوَاسِي حرف الشين عَظِيمٌ هَولُهُ والناسُ فِيهِ ... حَيَارَى مِثْل مَبْثُوثِ الفَرَاشِ بهِ تَتَغَيَّرُ الأَلْوانُ خَوفًا ... وتَصْطَكُّ الفَرَائصُ بارْتِعَاشِ هُنَالِكَ كُلُّ مَا قَدَّمْتَ يَبْدُو ... فَعَيبُكَ ظاهِرٌ والسِّرُّ فَاشِ تَفَقَّدْ نَقْصَ نَفْسِكَ كُلَّ يَومٍ ... فَقَدْ أودَى بِهَا طَلَبُ المَعَاشِ ألاَ لِمْ تَبْتَغِي الشَّهَواتِ طَورًا ... وَطورًا تكْتَسِي لِينَ الرِّيَاشِ؟ حرف الصاد عَلَيكَ مِن الأُمُورِ بِمَا يُؤدّي ... إِلىَ سَنَنِ السَّلامَةِ والخَلاَصِ ... ومَا تَرْجُو النَّجاةَ به وشِيكًا ... وفَوزًا يَومَ يُؤخَذُ بالنَّواصِي فَلَيسَ تنَالُ عَفْو اللهِ إلا ... بتَطْهِيرِ النُّفُوسِ مِنَ المَعَاصِي وَبِرِّ المُؤْمِنِينَ بكُلِّ رِفْقٍ ... وَنُصْحٍ للأدَانِي والأَقاصِي وإنْ تَشْدُدْ يَدًا بالخَيرِ تُفْلحْ ... وَإنْ تَعْدِل فَمَا لَكَ مِنْ مَنَاصِ حرف الضاد وأصْلُ الحَزْمِ أنْ تُضْحِي وتُمْسِي ... وَربُّكَ عَنْكَ في الحَالاَتِ رَاضِ وأنْ تَعْتَاضَ بالتّخْلِيطِ رُشْدًا ... فإنَّ الرُّشْدَ مِن خَيرِ اعْتِيَاضِ وَدَعْ عَنْكَ الذِي يُغْوِي ويُرْدِي ... ويُورِثُ طُولَ حُزْنٍ وارْتِمَاضِ وَخُذْ باللَّيلِ حَظَّ النفسِ واطْرُدْ ... عن العَينَينِ مَحْبُوبَ الغِمَاضِ فإنَّ الغَافِلينَ ذَوِي التَّوَانِي ... نَظَائِرُ لِلْبهَائِمِ في الغِيَاضِ

حرف الطاء

حرف الطاء كَفَى بالمَرْءِ عَارًا أَنْ تَرَاهُ ... مِن الشَّأن الرّفِيعِ إلى انْحِطَاطِ على المَذْمُومِ مِن فِعْلٍ حَرِيصًا ... على الخَيراتِ مُنْقَطِعَ النَّشاطِ يُشِيرُ بِكِفَّهِ أَمْرًا ونَهْيًا ... إلى الخُدّامِ مِن صَدْرِ البِسَاطِ يَرَى أنَّ المَعَازِفَ والمَلاهَي ... مُسَبِّبَةُ الجَوَازِ على الصَّراطِ لقدْ خابَ الشَّقيُّ وضَلَّ عَجْزًا ... وزَالَ القلْبُ منْهُ عن النِّيَاطِ حرف الظاء إذَا الإنسانُ خَانَ النَّفْسَ مِنْهُ ... فَمَا يَرْجُوهُ رَاجٍ لِلْحِفَاظِ ولا وَرَعٌ لَدَيهِ ولاَ وَفاءٌ ... ولاَ الإِصْغَاءُ نَحْوَ الاتِّعَاظِ وما زُهدُ الفُتَى في حَلْقِ رأسٍ ... ولا بِلِبَاس أَثْوَابِ غِلاظِ وَلكنْ بالهُدَى قَولاً وفِعْلاً ... وإدْمانِ التَّخَشَّعِ في اللِّحَاظِ وإعْمَالِ الذي يُنْجِي ويُنْمِي ... بِوُسْعٍ والفِرارُ مِنَ الشُّواظِ حرف العين لِكُلّ تفرُّقِ الدُّنْيَا اجْتمَاعٌ ... فَمَا بَعْدَ المَنُونِ مِن اجْتِمَاعِ فِرَاقٌ فاصِلٌ ونَوًى شَطُونٌ ... وشُغْلٌ لا يُلبِّثُ لِلْوَدَاعِ وَكُلُّ أُخُوَّةٍ لا بُدَّ يَومًا ... وإنْ طَالَ الوِصَالُ إلىَ انْقِطاعِ وَإنَّ مَتَاعَ ذِي الدُّنْيا قَلِيلُ ... فَما يُجْدِي القَليلُ مِنَ المَتَاع ... وَصَارَ قَلِيلُها حَرِجَا عَسِيرًا ... تَشَبَّثَ بَينَ أنْيَابِ السِّباعِ حرف الغين وَلَم يَطْلُبْ عُلُوَّ القَدْرِ فِيها ... وعِزَّ النَّفْسِ إلا كُلُّ طَاغِ وإنْ نَالَ النفوسَ مِن المَعَالي ... فليسَ لنَيلِها طِيبُ المَسَاغِ إذا بَلغ المُرَادَ عُلاً وعِزًّا ... تَوَلَّى واضْمَحَلَّ مَعَ البَلاغِ كَقَصْرٍ قَدْ تَهَدَّمَ حَافَتَاهُ ... إذا صَارَ البِنَاءُ إلى الفَرَاغِ أقُولُ وَقَدْ رَأَيتُ مُلُوكَ عَصْرِي ... أَلاَ لاَ يَبْغِيَنَّ المُلْكَ بَاغِ

حرف الفاء

حرف الفاء أَأَقْصُدُ بالمَلاَمَةِ قَصْدَ غَيري ... وَأمْري كُلُّه بَادِي الخِلاَفِ وَلَمْ لا أَبْذُلُ الإِنْصَافَ مِنِّي ... وَأبْلُغُ طَاقَتِي في الاِنتِصَافِ لِيَ الوَيلاتُ إنْ نَفَعَتْ عِظَاتي ... سِوَايَ وليسَ لِي إلاّ القَوَافِي حرف القاف أَلاَ إنَّ السِّباقَ سِبَاقُ زُهْدٍ ... ومَا فِي غَيرِ ذلِكَ مِنْ سِبَاقِ ويَفْنَى مَا حَواهُ المُلْكُ أَصْلاً ... وَفِعْلُ الخَيرِ عِنْدَ اللهِ بَاقِ سَتَأْلَفُكَ النَّدامَةً عَنْ قَرِيبٍ ... وتَشْهَقُ حَسْرةً يَومَ المَسَاقِ أَتَدْري أَيَّ ذَاكَ اليَومِ فَكِّرْ ... وأيقِنْ أنَّهُ يَومُ الفِرَاقِ فِرَاقٌ لَيسَ يُشْبِهُهُ فِرَاقٌ ... قَد انْقَطَعَ الرَّجاءُ عنِ التَّلاقيِ حرف الكاف عَجِبْتُ لِذِي التَّجَارِبِ كَيفَ يَسْهُو ... وَيَتْلُو اللَّهْوَ بَعْدَ الاحْتِباكِ ومُرْتَهَنُ الفَضَائِحِ والخَطَايَا ... يُقَصِّرُ باجْتهادٍ لِلْفَكَاكِ وَمُوبقُ نَفْسِهِ كَسَلاً وجَهْلاً ... وَمُوردُها مَخُوفَاتِ الهَلاكِ بتَجْدِيدِ المَآثِمِ كُلَّ يَومٍ ... وقَصْدٍ لِلْمُحرَّمِ بانْتِهاكِ سَيَعْلَمُ حَينَ تَفْجَؤُهُ المَنَايَا ... ويَكْثُفُ حَولَهُ جَمْعُ البَواكِي حرف اللام فإنّ سُدُورَهُ أَمْسَى غُرُورًا ... وحَلَّ بِهِ مُلِمَّاتُ الزَّوَالِ وَعُريَ عَنْ ثِيَابٍ كَانَ فِيهَا ... وأُلْبِسَ بَعْدُ أْثْوَابَ انتِقَالِ وبَعْدَ رُكُوبِهِ الأفْرَاسَ تِيهًا ... يُهَادَى بَينَ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ ... إلىَ قَبْرٍ يُغَادَرُ فِيهِ فَرْدًا ... نأَى مِنْهُ الأَقاربُ والمَوَالِي تَخَلَّى عَنْ مُوَرِّثِهِ وَوَلَّى ... وَلَمْ تَحْجُبهْ مَأثُرَةُ المَعَالِي حرف الميم ولَمْ يَمْرُرْ بهِ يَومٌ فَظِيعٌ ... أَشَدَّ علَيهِ مِنْ يَومِ الحِمَامِ ويَومُ الحَشْرِ أفْظَعُ منهُ هَولاً ... إذا وَقَفَ الخَلائِقُ بالمَقَامِ

حرف النون

فكَمْ مِنْ ظَالِمٍ يَبْقَى ذَلِيلاً ... ومَظْلُومٍ تَشَمَّرَ لِلْخِصَامِ وشَخْصٍ كَانَ في الدُّنْيا فَقِيرًا ... تَبَوَّأَ مَنْزِلَ النُّجْبِ الكِرَامِ وعَفْوُ اللهِ أَوسَعَ كُلَّ شَيءٍ ... تَعَالَى اللهُ خَلاَّقُ الأَنَامِ حرف النون إلهٌ لاَ إلهَ لَنَا سِوَاهُ ... رَءوفٌ بالبَريَّةِ ذُو امْتِنَانِ أُوحِّدُهُ بإخْلاصٍ وحَمْدٍ ... وَشُكْرٍ بالضَّمِيرِ وَباللِّسَانِ وَأَفْنَيتُ الحَيَاةَ ولَمْ أصُنْهَا ... وَزُغْتُ إِلى البَطَالَةِ والتَّوَانِي وأسْألُهُ الرِّضَا عَنّي فإنّي ... ظَلَمْتُ النَّفْسَ في طَلَبِ الأَمَانِي إلَيهِ أَتُوبُ مِنْ ذَنْبي وَجَهْلي ... وَإسْرَافي وخَلْعي لِلْعِنَانِ حرف الواو فإنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ... وَلِيُّ قَبُولِ تَوبَةِ كُلِّ غَاوِي أؤمِّلُ أنْ يُعَافِيَنِي بِعَفْوٍ ... ويُسْهِنَ عَينَ إبْلِيسَ المُنَاوِي وَيَنْفَعَنِي بمَوعِظَتِي وَقَولِي ... وَيَنْفَعَ كُلَّ مُسْتَمِعٍ وَرَاوِي ذُنُوبِي قَدْ كَوَتْ جَنْبَيَّ كَيًّا ... أَلاَ إنَّ الذُّنُوبَ هِي المَكَاوِي فَلَيسَ لِمَنْ كَوَاهُ الذَنْبُ عَمْدًا ... سِوَى عَفْوِ المُهَيمِنِ مِنْ مُدَاوِي حرف الهاء وَقَعْنَا في الخَطَايا والبَلاَيا ... وفي زَمَنِ انْتِقَاضٍ واشْتِبَاهِ تَفانى الخيرُ، والصُّلحَاءُ ذَلُّوا ... وَعَزَّ بِذُلِّهِمْ أَهْلُ السَّفَاهِ وَبَاءَ الآمِروُنَ بِكُلِّ عُرْفٍ ... فَمَا عَنْ مُنْكَرٍ في الناسِ نَاهِ فَصَار الحُرُّ لِلْمَمْلُوكِ عَبْدًا ... فَمَا لِلْحُرِّ مِنْ قَدرٍْ وجَاهِ فَهَذا شُغْلُهُ طَمَعٌ وجَمْعٌ ... وَهَذا غَافِلٌ سَكْرانُ لاهِ ... حرف اللام ألف يُبَذِّرُ مَا أَصَابَ ولا يُبَالِي ... أسُحْتًا كَانَ ذَلِكَ أَم حَلاَلاَ فَلا تَغْتَرَّ بالدُّنْيا وذَرْهَا ... فَمَا تَسْوى لكَ الدُّنيا خِلاَلاَ

حرف الياء

أتَبْخَلُ تَائِهًا شَرِهًا بِمَالٍ ... يَكُونُ عليكَ بَعْدَ غَدٍ وَبَالاَ فَما كَانَ الذي عُقْبَاهُ شَرٌّ ... وَمَا كَانَ الخَسِيسُ لَدَيكَ مالاَ فَبِتُّ مِنَ الأُمُورِ بكَلِّ خَيرٍ ... وأَشْرَفِهَا وأُكْمَلِهَا خِصَالا حرف الياء وَكُنْ بَشًّا كَرِيمًا ذَا انْبِسَاطٍ ... وفِيمَنْ يَرْتَجِيكَ جمِيلَ رَأْي بَعِيدًا عن سَماعِ الشَّرِّ سَمْحًا ... نَقِيِّ الكَفِّ عَنْ عَيبِ وَثَأْي مُعِينًا لِلأْرامِلِ واليَتَامَى ... أمِينَ الجَيب عَنْ قُرْبٍ ونَأَي وَصُولاً غَيرَ مُحْتَشِمٍ زَكِيًّا ... حَمِيدَ السَّعْيِ في إنْجازِ وَأْي تَلَقَّ مَوَاعِظِي بقَبُول صِدقٍ ... تَفُزْ بِالأَمْنِ عِنْدَ حُلُولِ لأْيِ حرف الألف إلى دُنْياكِ انْظُرْ باعْتِبَارِ ... تَجِدْها دارَ ذلٍّ مَعْ فَنَاءِ إلىَ كَمْ تَحْمِلُ الأَوزارَ فِيهَا ... مَعَ الشَّهَواتِ تَسْري يا مُرَائِي أمَا آنَ انْتِبَاهُكَ مِنْ غُرُورٍ ... بهِ أَصْبَحْتَ بَينَ الأغْبِيَاءِ تَيَقَّظْ وانْتَبِهْ واقْبِلْ بقَلْبٍ ... على مَولاك تَظْفَر باهْتداءِ وَقِفْ بالبابِ واطْلُبْ مِنهُ فَتْحًا ... عَسَى تَحْظَى بصُبْحٍ أَو مَسَاءِ حرف الباء إلهُ العَرْشِ يَقْبَلُ كُلَّ عَبْدٍ ... إليهِ فَازَ مِنْ فورٍ أَجَابَا ورَاقَبَ ربَّهُ في كُلِّ أَمْرٍ ... وحَاسَبَ نَفْسَهُ ولَهُ أنَابَا وبالأسْحارِ يَطْلُبُ مَنْحَ فَضْلٍ ... فَيَفْتح لِلْقَبُولِ الحَقَّ بَابَا لِيَمْنَحَ كُلَّ مَنْ وَافَى ذلِيلاً ... إِلىَ أعْتَابهِ وَبَكَى وَتَابَا حرف التاء تَبِيتُ على المَعَاصِي والمَسَاوِي ... فأَنْتَ بِغَفْلَةٍ واللهِ بتَّا يُدِيمُ عَلَيكَ إحْسَانًا وفَضْلاً ... وأَنْتَ تُدِيمُ لُؤُمًا أينَ كُنْتَا وبالعِصْيَانِ تَخْطُرُ باخْتِيَالٍ ... سَكِرْتَ مِنَ الغُرورِ وَمَا صَحَوتَا

حرف الثاء

أَفِقْ مِنْ غَفْلَةٍ وأَنِبْ لِرَبٍّ ... تَنَلْ منهُ السَّماحَ إذَا أبَنْتَا وتَظْفَرُ بالقَبولِ وبالأماني ... وفي الدّارَين بالإِسعادِ فُزْتَا حرف الثاء تُعاهِدْ مَن بَرَاكَ بكُلِّ يَومٍ ... عَلىَ السَّيرِ الحَمِيدِ وأنْتَ نَاكِثْ لَكَ اتَّسَعَ المَجَالُ وأنَتَ لاهٍ ... وَإِبْلِيسُ اللَّعِينُ بِفِيِكَ نَافِثْ عَلَيكَ اسْتَحْوَذَ الشّيطَانُ حَتَّى ... عَصَيتَ وأَنْتَ بالعِصْيَانِ مَاكِثْ حَلَفْتَ بأنْ تَتُوبَ عنِ الْمَعَاصِي ... بِمَنْ سَوّاكَ لَكِنْ أنْتَ حَانِثْ فَكَيفَ تُجِيبُ يَومَ الحَشْرِ قُلْ لِي ... إذا كَانَ الحِسَابُ لِكُلِّ حَادِثْ حرف الجيم سَرَيتَ مَعَ الأَسافِلِ والأَدَانِي ... تَرُومُ بكُلِّ شَائِنةٍ وُلُوجَا رَكِبْتَ سَفِينَةَ العِصيَانِ تَجْرِي ... بِبَحْرِ الهَمِّ لَمْ تَبْغِ الخُرُوجَا ... لِذَاكَ غرقْتَ في لُجِيِّ تِيهٍ ... رَسَبْتَ مَعَ الهَوانِ ولَن تَمُوجَا فكَيفَ تَرُومُ إنْقَاذًا لِتَطْفُو ... إذا مَا كُنْتَ لِلمَولَى لَجُوجَا حرف الحاء أمَا آنَ الرُجُوعُ إلَى الصَّفُوحِ ... عَن الزَّلاَتِ والفِعْلِ القَبْيحِ تُبَادِرُهُ بِقُبْحِ الفِعْلِ سِرًّا ... ولا تَخْشاهُ بالقَول الصَّريحِ هَدَاكَ إِلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ... وأنْتَ ضَلَلْتَ عَنْ هَذا الصَّحِيحِ وَفي دُنياكَ تُؤْثِرُ كُلَّ فانٍ ... عنِ البَاقي المُعَزِّزِ والمَلِيحِ فهذا مِنْكَ شَرُّكَ مَعْ قُنُوطٍ ... بهِ يَهْوَى الكنود معَ الشَّحِيحِ حرف الخاء فؤادُكَ غائبٌ بينَ الأمانِي ... عنِ المَحْبُوب في كَرْخٍ وبَلْخِ تسيرُ مع الهَوَى في كلِّ فجٍّ ... وَقَلبُكَ طائرٌ يَهْوِي بفخِّ تَظَلُّ أسَيرَ تَفْرِيطٍ فَظِيعٍ ... بهِ تَنْحَطُّ في نَسْخٍ وَمَسْخِ يُنَادِيكَ الحَبيبُ بكلِّ وَقْتٍ ... إِلَيَّ إِليَّ بَادِرْ بالتَّوَخِّي تَوَخَّ الصِّدْقَ واتْرُكْ طُرْقَ غَيٍّ ... لَتُحْظَى بالقَبُولِ بِيَومِ نَفْخِ

حرف الدال

حرف الدال مَوَاهِبُ ذِي الجَلاَلِ عَلَيكَ تَتْرى ... بِإحْسَانٍ وَأَنْتَ بِهَا كَنُودُ يَزيدُكَ مِنْهُ فَضْلاً كُلَّ يَومٍ ... وأنْتَ بضِدِّهِ أَبَدًا تَزِيدُ تَغُرُّكَ أُمُّ دَفْرٍ بِألأمَانِي ... عن العُقْبَى لِتَغْفَلَ يَا بَعِيدُ أَلاَ فَانْهَضْ إِلَى الوّهَّابِ واشْكُرْ ... لَهُ نِعَمًا غِزَارًا لا تَبِيدُ إذَا وَالَيتَ بِالطَّاعَاتِ شُكْرًا ... بإخْلاَصٍ فَأنتَ إذَن سَعِيدُ حرف الذال رُكُونُكَ لِلسِّوِي أقْصَاكَ حَتّى ... غَدَوتَ لِكُلِّ ذي سَفَهٍ مَلاَذَا مَعَ الأَغْيَارِ سِرْت عَلىَ غُرُورٍ ... بهِ أصْبَحْتَ مَفْتُونًا لِمَاذا؟ فَمَا هَذَا الرُّكُونُ إِلَى سِواهُ ... وَما أحْرَزْتَ فائِدةً وَمَاذا فَلاَ تَرْكَنْ إِلَى أَحَدٍ سِوَاهُ ... وجَانِبْ كُلَّ مَنْ هَاذَى وآذَى تَنَلْ منهُ القَبُولَ وفَيضَ عَفْوٍ ... رِضَاهُ غَدَا لِمَنْ بحِمَاهُ لاَذَا حرف الراء رَضِِيتَ بأنْ تُقِيمَ على فَسَادٍ ... إقَامَةَ كُلِّ زِنْدِيقٍ جَسُورِ ولَمْ تَحْفَظْ إِلَى مَولاَكَ عَهْدًا ... وَلَمْ تَسْمَعُ مَقَالاً مِنْ نَذِيرِ لِذَاكَ غَدَوتَ مطْرُودًا شَرِيدًا ... بِمَهْمَهِ شَرِّ جَهْلٍ مُسْتَطِيرِ بِهِ قَصَّرْتَ عَنْ عَمَلٍ شَرِيفً ... وَسِرْتَ مَعَ الزَّمانِ علَى غُرُورِ أَلَمْ تَعْلَمْ بأنَّكَ عَنْ قَرِيبٍ ... بِأَوزَارٍ تَسِيرُ عَلَى قَدِيرِ حرف الزاي تَرُومُ الشَّهْدَ مِنْ أنْيَابِ أَفْعَى ... وَطَعْمَ الدِّبْسِ مِنْ مِلْحِ انْجليزي كِلاَ الأَمْرَينِ لَمْ يَطْلُبْهُ إلاَّ ... جَهُولٌ جَهْلُهُ المُرْدِي غَرِيزِي لِذَاكَ سَرَيتَ بالإِفْسَادِ تَرْجُو ... صَلاحَ الحَالِ مِن مَلِكِ عَزِيزِ رُويدَكَ غَرّكَ الشيطانُ حَتّى ... ضَلَلْتَ عنِ الحَقِيقَةِ يَا عَزِيزِي إذا رُمْتَ الصَّلاحَ أنَبْ لِرَبٍّ ... تَفْزْ بالخَيرِ والحِرْزِ الحَرِيزِ

حرف السين

حرف السين إلى كمْ ذا التَّمَادِي بالدَّسَائِسْ ... وأَنْتَ بِحَمْأةِ البُهْتانِ غَاطِسْ تُسَاعِدُ كُلَّ نَمّامٍ بإفْكٍ ... وتَغْتالُ الأكَارِمَ والأَوانِسْ تُسَابِقُ كُلَّ شَيطانٍ رَجيمٍ ... بما تُبْدِيهِ مِنْ فِتَنِ الوَسَاوِسْ أضَعْتَ العُمْرَ في زُورٍ وَوزْرٍ ... وَلَهْوٍ معْ ذَوِي الغَدْرِ الأَبَالِسْ فعَجِّلْ بالمَتَابِ لِنَيلِ عَفْوٍ ... لِتُحْبَى مِنْ جَنَا مَا أَنْتَ غَارِسْ حرف الشين أَرَى وَخَطَ المَشِيبِ دَلِيلَ سَيرٍ ... إِلَى دَارٍ صَفَتْ مِنْ كُلِّ غِشِّ بِهَا فَازَ التَّقِيُّ بفِعْل خَيرٍ ... ونالَ مِن المُهَيمن صَفْوَ عَيشِ يُنِيلُ العَفْوَ رَبِّي كُلَّ عَبْدٍ ... بتَقْوَى اللهِ بَينَ النَّاسِ يَمْشِي ويُخْزِي كُلَّ أفَّاكٍ أثِيمٍ ... وَيَجْزْي كُلَّ خَتَّارٍ بِبَطْشِ إذَا رُمْتَ الرِّضَا والعَفْوَ مِنْهُ ... تَنَزَّهْ عَن قَبِيحِ الفِعْلِ وامْشِ حرف الصاد إلامَ وأَنْتَ في زَهْوٍ وَلَهْو ... وإنَّ العُمْرَ مُعْظمُهُ تَقَلَّصْ تُعاقِرُ خَنْدَرِيسَ السُّوء دَومًا ... نَدِيمُكَ مَنْ إِلَى الفَحْشَا تَرَبَّصْ ... وتَهْجُرُ كُلَّ ذِي هَدْيٍ قَوِيمٍ ... وَتُوصِلُ كُلَّ زِنْدِيقٍ تَمَلَّصْ بِذَا أطْفَأْتَ نُورَ العَقْلِ حتى ... ضَلَلْتَ عنِ الهِدَايَةِ يَا مُنْغَّصْ أَنِرْ بإِنَابَةٍ لله عَقْلاً ... لَهُ نُورُ الهُدَى بالحقِّ حَصْحَصْ حرف الضاد عَلاَمَ رَغِبْتَ بالأَوزَار حَتّى ... رَغِبْتَ عن القيامِ بكُلِّ فَرْضِ بِضُرِّ الناسِ كَمْ تَغْدُو وَلُوعًا ... بأنَيابِ تُمَزِّقُ كُلَّ عِرْضِ فوَا عَجَبًا لِمُغْتَالٍ زَنِيمٍ ... بِزُورِ القَولِ والبُهَتانِ يَمْضِي ولَمْ يَخْتَرْ سُلُوكًا غَيرَ غَدْرٍ ... بِهِ قَرَضَ الأكارِمَ شَرَّ قَرْضِ يَظَلُّ على الفَسادِ ولَيسَ يَدْري ... بأنَّ الله بَينَ الناسِ يَقْضِي

حرف الطاء

حرف الطاء حَذارِ حَذارِ مِن شيطان إنْسِ ... بِهِ لَعِبَ الهَوَى مَعَ شَرِّ رَهْطِ يُرِيكَ تَمَلُّقًا مِن غَيرِ أصْلِ ... ويُبْدِي لِلْخِداعِ لِسانَ بَسْطِ رُوَيدَكَ لا تُغَرَّ بِهِ وحاذِرْ ... وُقُوعَكَ في حَضِيضِ هَوانِ سُخْطِ فلا تَصْحَبْ سِوَى خِلٍّ تَحَلَّى ... بإيمانٍ قَويمٍ لَيسَ يُخْطِي تَنَلْ عِزًّا ومَجْدًا واعْتِبَارًا ... وَرَبُّكَ خَيرَ فَضَلٍ منه يُعْطِي حرف الظاء دَعِ التَّعْلِيلَ والتَّسويفَ واقبِلْ ... عَلىَ مَولاَك تَغْنَمْ نَيلَ حَظِّ أدِمْ بالحَزْمِ إقْبَالاً عَليهِ ... عَسَى تَحْظَى بِتَوفِيقٍ وحِفْظِ ونَقِّ القَلْبَ مِن شُبُهاتِ زَيغٍ ... تَراهُ مَعْنويًّا ثمَّ لَفْظِي ورِدْ حَوضَ الشِّرِيعَةِ مَعْ صَفاءٍ ... وَجَانِبْ كُلَّ ذِي حَسَدٍ وَغَيظِ وَرَقِّ النْفسَ بالعِرْفَانِ تَزْكُو ... وتَظْفَر بالمُنَى مِنْ كُلِّ وَعْظِ حرف العين أَفِقْ مِن غَفْلةِ الآمَالِ تَسْلَمْ ... وقُمْ للهِ أوَّابًا مُطِيعَا وخَالِفْ كُلَّ شَيطانٍ مَرِيدٍ ... وَنَفْسَكَ والهَوَى ثَمَّ الرِّقِيعَا فنِعْمَ العَبْدُ أنْتَ بِغَيرِ شكٍّ ... إذَا أَصْبَحَتَ لِلدَّاعِي سَمِيعَا بَصيرًا بالعَوَاقِب في أمُورٍ ... بِهَا أحْسَنْتَ ما عِشْتَ الصَّنِيعا تَمَسَّكْ بالشَّرِيعةِ واحْتَرِمْهَا ... تَنَلْ مِن فَضْلِهَا الشَّرَفَ الرَّفِيعَا ... حرف الكاف عَليكَ بخلْعِ أغيارٍ لِئامٍ ... إذا رُمْتَ المَعَزَّةَ في سُرَاكا وَسِرْ بالصِّدْقِ في أجلى طريقٍ ... بهِ نُورُ الهُدَى يَسْمُو السِّمَاكا ونَقِّ القَلْبَ مِنْ شَهَوات نَفْسٍ ... وحَقَق بالمَسير صَفَا هُدَاكا بذَاكَ الفكرُ يَصْفُو من شكُوكٍ ... وأوهَامٍ بها نلْتَ ارتِبَاكا حرف اللام لماذَا أنْتَ تَغْفُلُ عن رَقيب ... بَراكَ فَذا يَراك وليس يَغْفُلْ

حرف الميم

وتُشْغَلُ عنهُ مُفْتُونًا بِدُنْيًا ... ومن سوى البَرايَا لَيس يُشْغَلْ يُنادِي كلَّ ذي قَلْبٍ سَلِيمٍ ... لحَضْرَتِه وأنتَ أراكَ تَكْسَلْ فقُمْ في كلِّ وَقْتٍ باجتهادٍ ... أجِبْ وَأقْبِلْ على مولاكَ تُقْبَلْ حرف الميم مَسِيركَ في طَريقِ القَومِ يَحْلُو ... إذا كانَ المسيرُ معَ الكِرامِ إذَا صاحَبْتَهُمْ أصْبَحْتَ مِنْهُمْ ... وَنِلْتَ بقُرْبِهمْ أقْصَى مَرَامِ رجالٌ أَخْلَصُوا للهِ حتّى ... حباهُمْ رَبُّهُمْ أسْمَى مَقَامِ حرف الواو وعَظِّم شأنَ ربِّك حيثُ أبْدَى ... وُجُودَ الخَلْقِ إبْداعًا وسَوَّى فأسْعَدَ بَعْضَهُم والبعض أشْقَى ... فَريقًا قَد هدى وفَريقًا اغْوى بِذَا حكَم الإلهُ على البَرايا ... فمِنهُم فازَ ذُو فضلٍ وتَقْوَى حرف اللام ألف عَجيبٌ منْكَ إذْ تُبْدي اعِتراضًا ... به أخْطَأتَ واللهِ المَقَالا فتُبْ للهِ منْ كلِّ اعتِراضٍ ... وَطَهِّرْ فكرَكَ المغرورَ حَالا لأنَّ الله يَفْعلُ في البَرايا ... كما شاءَتُ إرادتُهُ كَمَالا دَعِ المَخْلُوقَ للخَلاَّقِ واحْذَرْ ... لأنَّ الاِعْتَراضَ غَدا ضَلالاَ وثِقْ باللهِ في قَولٍ وفِعْلٍ ... بَلَغْتَ من الكَمالِ بهِ وِصَالاَ حرف الياء إلى مَولاَكَ سَلِّمْ كُلَّ أمْرٍ ... تَفُزْ في كلِّ صُبْحٍ أو عَشِيّ وصُنْ منكَ الفُؤادَ بحُسْنِ سَيرٍ ... بإخْلاصٍ على النهج السَّوِيّ ومِنْ مَولاكَ اطْلُبْ مَنْحَ فَضْلٍ ... تَنَلْ منهُ صَفَا العيشِ العَنيّ وأكثِرْ مِنْ صَلاتِكَ مَعْ سلامٍ ... على أسْمَى نَبيٍّ هاشِميّ صلاةُ اللهِ يَتْلُوها سَلامٌ ... عليهِ دامَ كالمِسْكِ الزَّكيّ * * * آخر: اقْرأْ كتاب الله أن رمت الهدى ... أو رمت ترقى ذروة الإحسان واعكف بقلبك في أرَائِكِ روضة ... مملوءة بالعلم والإيمان

وانظر إلى تركيبه واعمل به ... إن كنت ذا بصر بهذا الشان هذا ولا ينجيك طب في التي ... ترجو بغير مشيئة الرحمن فاسأله في غسق الليالي والدجى ... يا دائن المعروف والسلطان وانظر إلى ما قاله عَلَم الهدى ... عند ازدحام عساكر الشيطان أشكو إليك حوادثًا أنزلتها ... فتركتني متواصل الأحزان من لي سواك يكون عند شَدَائِدِي ... إن أنت لم تكلأ فمن يكلاني لولا رجاؤك والذي عودتني ... من حُسن صنعك لاستُطِير جناني واذكر مآثر أقوام قد انتدبوا ... يوما لنصر الدين بالإحسان من صالحي الإخوان أعلام الهدى ... من وطَّدوا التوحيد ذا الأركان قامت بهم أركان شرعة أحمد ... وعلت سيوف الحق والإيمان وغدا الزمان بذكرهم متبسمًا ... يبدي سنا للطالب الولهان سارت بهم أبناء مجد في الورى ... يغشى سناها عابد الأوثان قد جددوا للدين أوضح منهج ... يبدي حَنِينَ لِسَالِكٍ الحيران حتى علا في عهدهم شأن الهدى ... وانقضَّ ركن الشرك في الأديان أما العقائد أن ترد تحقيقها ... عنهم بلا شك ولا كتمان إن الإله مقدَّس سبحانه ... رب عظيم جلَّ عن حدثان حقا على عرش السماء قد استوى ... ويرى ويسمع فوق ست ثمان يعطي ويمنع من يشاء بحكمة ... في كل يوم ربنا ذو شان خضعت لعزة وجهه وجلاله ... حقًا وجوه الخلق والأكوان بل كل معبود سواه فباطل ... من دون عرش للثرى التحتاني فاحذر توالي في حياتك غيره ... من كل معبود ومن شيطان واحذر طريقة أقوام قد افتتنوا ... في حب أدنى أو خسيس فان واقطع علائق حبها وطلابها ... إذ قطعوا فيها عرى الإيمان ...

لهفي عليهم لهفة من واله ... متوجعًا من قلة الأعوان قد صاده المقدور بين معاشر ... في غفلة عن نصرة الرحمن واستبدلوا بعد الهدى طرق الهوى ... لما عموا عن واضح البرهان واقطع علائق حبهم في ذاته ... لا في هواك ونخوة الشيطان واهجر مجالس غيهم إذ قطعوا ... فيها عرى التوحيد والإيمان لاسيما لما ارتضاهم جاهل ... ذو قدرة في الناس مع سلطان لما بدا جيش الضلالة هادمًا ... ربع الهدى وشرائعه الإحسان قوم سكارى لا يفيق نديمهم ... أبد الزمان يعود بالخسران قوم تراهم مهطعين لمجلس ... فيه الشقاء وكل كفر دان بل فيه قانون النصارى حاكمًا ... من دون نصٍّ جاء في القرآن بل كل أحكام له قد عطلت ... حتى الندا بين الورى بأذان ويرون أحكام النبي وصحبه ... في شرعه من جملة الهذيان ويرون قتل القائمين بدينه ... في زعمهم من أفضل القربان والفسق عندهمو فأمر سائغ ... يلهو به الأشياخ كالشبان المنع في قانونهم وطريقهم ... غصب اللواط كذاك والنسوان فانظر إلى أنهار كفر فجرت ... قد صادمت لشريعة الرحمن بل لا يزال لجريها بين الورى ... من هالك متجاهل خوان والله لولا الله ناصر دينه ... لتفصمت فينا عرى الإيمان فالله يجزي من سعى في سدها ... من أمة التوحيد والقرآن والله يعطي من يشاء بفضله ... فوق الجنان عطية الرضوان وكذا يجازي من سعى في رفعها ... ما قد أعد لصاحب الكفران يا رب فاحكم بيننا في عصبة ... شدوا ركائبهم إلى الشيطان

نموت جميعا كلنا غير ما شك

سلوا سيوف البغي من أغمادها ... وسعوا بها في ذلة وهوان واستبدلوا بعد الدراسة والهدى ... بالقدح في صحب وفي إخوان صرفوا نصوص الوحي عن أوضاعها ... وسعوا بها في زمرة العميان فتحوا الذرائع والوسائل للتي ... يهوي هواها عابد الصلبان وسعوا بها في كل مجلس جاهل ... أو مشرك أو أقلف نصراني وقضوا بأن السير نحو ديارهم ... في كل وقت جائز بأمان لم يفقهوا معنى النصوص ولم يعوا ... ما قال أهل العلم والعرفان ما وافق الحكم المحل ولا هو اسـ ... ـتوفى الشروط فصار ذا بطلان فادرأ بها في نحرهم تلقى الهدى ... وارجمهو بثواقب الشهبان واقعد لهم في كل مقعد فرصة ... واكشف نوابغ جهلهم ببيان حتى يعود الحق أبلج واضحًا ... يبدو سنا للسالك الحيران وقضوا بأن العهد باق للذي ... ولي الولاية شيعة الشيطان تبا لهم من معشرٍ قد أشربوا ... حب الخلاف ورشوة السلطان وقضوا له بالجزم أن متابه ... قد هد ما أعلى من البنيان وطلابه للأمر والحرب الوبي ... فعلى طريق العفو والغفران آخر: نَموتُ جَمِيعًا كُلُّنا غَيرَ مَا شَكٌ ... وَلاَ أحَدٌ يَبْقَى سِوَى مَالِكِ المُلْكِ أيَا نَفْسُ أنْتِ الدهر في حَالِ غَفْلَةٍ ... ولَيسَتْ صُرُوف الدهرِ غَافِلَةً عَنْكِ أيَا نَفْسُ كَمْ لِي عَنْكِ مِن يَوم صَرْعَةٍ ... إلى الله أشْكُو مَا أعالجُهُ مِنْكِ أيَا نَفْسُ إنْ لَمْ أبْكَ مِمَّأ أخَافُهُ ... عَلِيكِ غَدًا عِنْدَ الحِسَابِ فَمَنْ يَبْكِي أيَا نَفْسُ هَذِي الدَّارُ لاَ دَارُ قلعَةٍ ... فلا تَجْعَلِنَّ القَصْدَ في مَنْزِلِ الإِفكِ أيَا نَفْسُ لا تَنْسَي عن اللهِ فَضْلهُ ... فَتأييدُهُ مُلْكِي وخِذْلاَنُهُ هُلْكِي

يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي

ولَيسَ دَبِيبُ الذَّرِ فَوقَ الصَّفَاةِ في ... ظَلاَمٍ بأَخْفَى مِن رِيَاءٍ وَلاَ شِرْكِ آخر: قالوا غَدَا العِيدُ مَاذَا أنْتَ لابِسُهُ ... فَقُلْتُ حُلَّةَ تَقْوى حُبُّهَا جُرعَا فَقْرٌ وصَبْرٌ هُمَا ثَوبَانِ تَحْتَهُمَا ... قَلْبٌ يَرَى إلْفَهُ الأعْيَادَ والجُمَعَا أولَى الملابِسِ أنْ تَلْقَى الحَبِيبَ بِهِ ... يَومَ الزِّيَارَةِ في الثَّوبِ الذي خَلَعَا من مَا نُسِبَ إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يا سَائِلِي عَن مَذْهَبي وعَقِيدتِي ... رُزِقَ الهُدَى مَن لِلْهِدَايةِ يَسْأَلُ اسْمَعْ كَلامَ مُحَقِقٍ في قَولِهِ ... لا يَنْثَنِي عَنْهُ ولا يَتَبَّدلُ حُبَّ الصَّحَابةِ كُلِّهم لِي مَذْهَبُ ... وتَابِعِهِمْ فيما يَقُولُ ويَفْعَلُ ولِكُلِّهم قَدْرٌ وفَضْلٌ سَاطِعٌ ... لَكِنَّمَا الصِدِّيقُ مِنْهُمْ أفْضَلُ وأقُولُ في القُرآنِ مَا جَاءَتْ بِهِ ... آياتُه فَهْوَ الكَرَيمُ المُنْزَلُ وجميعُ آياتِ الصّفاتِ أُمِرُّهَا ... حَقًّا كَمَا نَقَلَ الطِّرَازُ الأوَّلُ وأرُدُّ عُهْدَتَهَا إلى نُقَّالِهَا ... وأصُونُهَا عَن كُلِّ مَا يُتَخَيَّلُ قُبْحٌ لِمَنْ نَبَذَ القُرآنَ ورَاءَهُ ... وإذَا اسْتَدَلَّ يَقُولُ قَالَ الأخْطَلُ والمؤمنونَ يَرونَ حَقًا رَبَّهمُ ... وإلى السماءِ بِغَيرِ كَيفٍ يَنْزِلُ وأُقِرُّ بِالميزانِ والحوضِ الذِي ... أَرْجُوا بأنِي مِنْهُ رَيًا أنْهَلُ وكذا الصراطُ يُمَدُّ فوقَ جَهنَّمٍ ... فَمُوحِّدٌ نَاجٍ وآخرُ مُهْمَلُ والنَّارُ يَصْلاَها الشقيُّ بحكمة ... وكذا التقيُّ إلى الجنان سَيَدْخُلُ ولِكُلِّ حَيٍّ عَاقِلٍ في قَبْرِهِ ... عَمَلٌ يقارنُه هُنَاكَ ويسْأَلُ هذا اعتقَاد الشافعيِّ ومالِكٍ ... وأَبي حَنيفةَ ثم أحمدَ يُنْقَلُ فإنِ اتَّبَعْتَ سَبيلَهم فَمُوفَّقٌ ... وإن ابْتَدَعْتَ فمَا عَليكَ مُعَوَّلُ

واعجبا للمرء في لذته

آخر: واعجبًا لِلْمرءِ في لَذَّتَهْ ... يَجرُّ ذَيلَ التِيهِ في خَطْرَتِهْ يَزْجُرُهُ الوعظُ فَلا يَنْتَهِي ... كَأَنَّه الميتُ في سَكْرتِهْ يُبَارِزُ اللهَ بِعِصْيَانِهِ ... جَهْرًا ولا يخشاه في خَلوته وإن يَقع في شدَّة يبتهل ... فإن نَجا عَادَ إلى عَادتِه ارغَبْ لمولاكَ وكُنْ رَاشِدًا ... واعْلَمْ بأنَّ العِزَّ في خَدْمَتِهْ واتّل كِتَابَ الله تُهْدَى بِهِ ... واتَّبعِ الشرعَ عَلى سُنَّتِهْ لا تَحرِصَنْ فالحرصُ يُزرِي بالفَتَى ... ويُذْهِبُ الرَونَقَ مِن بَهْجَتِهْ والحظُّ لا تَجلِبُهُ حِيلَةٌ ... كَيفَ يَخَافُ المرءُ مِن فَوتَتِهْ مَا فَاتَكَ اليومَ سَيأتِي غَدًا ... مَا في الذي قُدِّرَ مِن حَيلَتِهْ والرِزقُ مضمونٌ ومِنْ وَاحِدٍ ... مَفَاتِحُ الأشْيَارِ في قَبْضَتِهْ قَدْ يُرزَقُ العَاجِزُ مَعْ عَجْزِهِ ... ويُحْرَمُ الكَيَّسُ مَعَ فِطْنَتِهْ لاَ تَنْهَرِ المسْكِينَ يَومًا أتَى ... فَقَدْ نَهاكَ الله عن نَهْرَتِهْ إنْ عَضَّكَ الفَقْرُ فكُنْ صَابرًا ... على الذي نَالَكَ مِن عَضَّتِهْ أَو مسَّكَ الضُرُّ فَلا تَشْتَكِ ... إلاَّ لِمنْ تَطْمَعُ في رحَمتِهْ وهو الإِلهُ القَادِرُ القَاهر ... مدَبِّرُ الأشْيَاءِ في حِكْمَتِهْ ... لِسانَكَ احْفَظْهُ ومِنْ نُطْقِهِ ... واحْذَرْ عَلَى نَفْسِكَ مِنْ عَثْرَتِهْ فالصمتُ زَينُ وَوَقَارٌ وَقَدْ ... يُؤْتَى عَلَى الإِنْسانِ مِن لَفْظِتِهْ مَنْ أطْلقَ القولَ بلا مُهْلَةٍ ... لا شَكَّ أنْ يَعْثرُ في عَجلَتِهْ مَن لَزم الصمتَ نَجَا سَالِمًا ... لا يَنْدَمُ المرءُ عَلَى سَكْتَتِهْ مَن أظْهرَ الناسَ على سِرِّه ... يَسْتَوجِبُ الكَيَّ عَلَى مُقْلَتِهْ مَن مَازحَ الناسَ اسْتخَفُّوا بِهِ ... وكَانَ مَذْمُومًا عَلَى مَزْحَتِهْ مَنْ جَعَل الخَمَرَ شِفاءً لَهُ ... فَلا شَفَاه الله مِن عِلَّتِهْ مَن نَازَعَ الأقْيالَ في أمرِهِم ... بَاتَ بَعْيَد الرأس عن جُثَّتِهْ

لا توردن على سمعي من الكلم

من لاعبَ الثعبانَ في كَفِّهِ ... هَيهاتَ أنْ يَسلمَ مِن لَسْعَتِهْ مَن عاشَر الأحمقَ في حَالِهِ ... كَانَ هُو الأحمقُ في عِشْرَتِهْ لا تَصْحَبِ النذَل فتردَى بِهِ ... لا خَيرَ في النَّذْلِ ولا صُحْبَتِهْ مَن اعتراكَ الشكَ في جِنْسِهِ ... وحَالِهِ فانْظُرْ إلَى شِيمَتِهْ مَن غرَسَ الحنظلَ لا يَرتَجِي ... أنْ يَجْتَنِي السُكَّرَ مِن غَرْسَتِهْ مَن جَعَلَ الحقَّ لَهُ ناصِرًا ... أيدَهُ اللهُ عَلَى نُصْرَتِهْ واقْنَعْ بِمَا أعطاكَ مِن فَضْلِهِ ... واشْكُر لِمَولاكَ عَلَى نِعْمَتِهْ وانْظُرْ إلى الحُرِ وأحْوالِهِ ... واجْلِسْهُ بينَ النَّاسِ في رُتْبَتِهْ لا بَاركَ اللهُ العلي في امْرِئٍ ... يَلْدَغُ كَالعقرِب في لَدْغَتِهْ لا تَطْلبِ الإحسانَ مِن غادرٍ ... يَرُوغُ كالثَّعلبِ في رَوغَتِه لا خيرَ في الجارِ إذا لَمْ يَكُنْ ... ذَا عِفَّةٍ يُؤْثِرُ في عِفَّتِهْ الناسُ خُدَّام لِذي نِعْمَةٍ ... وكُلُهم يَرْغَبُ في خِدْمَتِهْ وإنْ تَزوجْتَ فَكُنْ حَاذقِا ... واسْألْ عن الغُصْنِ وعن مَنْبَتِهْ وابْحَثْ عن الصِّهْرِ وأحْوالِهِ ... مِن عُنْصِر الحَي وذِي قُرْبَتِهْ يَا حَافَر الحُفْرَةِ أقْصِرْ فَكَمْ ... مِنْ حَافِرٍ يُصْرعُ في حُفْرَتِهْ إذَا دَعَا المَظْلُومُ في لَيلِهِ ... فَزِعًا لِيَقْبَل الله في دَعْوَتِهِ سَيما إذا كَانَ أخَا حُرْقَةٍ ... وباتَ يَسْقِي الدمعَ مِن عَبْرَتِهْ أكَرمْ غَريبَ الدارِ واعْمَلْ عَلَى ... رَاحَتِهِ مَا دَامَ في غُرْبَتِهْ آخر: لا تُورِدَّنَ عَلى سَمْعِي مِن الكَلِمِ ... عِند المُلاَقاةِ إلاَّ طَيِّبَ الحِكَمِ إمَّا سُؤالٌ لِقَصْدِ الرُشْدِ حَرَّرَهُ ... ذُو فِطْنَةٍ آخِذٌ لِلْعِلْمِ عَن عُلُمِ لَيسَ المِرَاءُ وَرَدُّ الحقِ مَذْهَبُهُ ... وإنَمَّا هُوَ بالتَّحْصِيلِ ذُو نَهَمِ أو زُبْدَةٌ مِن فُنُونِ العِلم خَالِصةً ... عن التَّشَكْكِ والتَّخْلِيطِ والوَهمِ أو نُكْتَةٌ لذَوِي الآدابِ مُطْرِبَةً ... يَهْتَزُّ مِنها فُؤادُ الحاذِي الفَهِمِ

دعوت إلى دار السلام فلبينا

أو سِيرةٌ لأُنَاسِ أصْبَحُوا رِمَمًا ... تَحْتَ التُرابِ وَقَدْ كَانُوا ذَوِي هِمَمِ أو خُبْرَ قَولٍ عن الأحْبَابِ تَنْقُلْه ... لَيسَ اغْتِيَابًا ولا هَتْكًا لِمُنْكِتِمِ إيَّاكَ إيَّاكمَ أعْرَاضَ الرِجَالِ وإنْ ... رَاقَتْ بِفْيِكَ فإنَّ السُّم في الدَّسَمِ لاتُتْخِمَنْ مِن لُحومِ الناسِ تَأْكُلهَا ... فَرُبَّ مَخْمَصةٍ خَيرٌ مِن التُّخمِ وَأعْطِ الرجالَ مِن التّوقيرِ حَقَّهُمُ ... ولا تُعادِ امْرَءًا مِنْهُمْ عَلَى التُّهَمِ وإنْ أخْذتَ عن الأحبارِ عِلْمهُمُ ... فَجَازِهِمْ بجَمِيلِ الذِكْرِ في الأُمَمِ فللشيوخ حقُوقٌ إذْ بِعِلْمهُمُ ... خَرَجْتَ مِن مُوحِش التَّغْفِيلِ والظُلَم وإنْ رَأَيتَ جَمِيلاً فافْشِهِ كَرَمًا ... وإنْ رَأيتَ قَبِيحًا كُنْ كَذِي صَمَمِ هذي النصيحةُ مِني لِلْجَلِيسِ لِمَا ... في حَقِ صُحْبَتِهِ عِنْدِي من الذمَمِ آخر: دَعُوتَ إلى دار السلام فَلَبينَا ... وسَعْيًا على العَينين إن كَانَ يُجْدِيَنَا وقُلْتَ وتَهْدِي مَن تَشَاء فاهْدنا ... فإنَّا بِهَذا قَدْ دَعَونَا ولَبَّينَا وَعَلَّمتَنَا نَدْعُو بها في صَلاتِنا ... إذَا مَا قَرأْنَا الحَمْد فيها وصَلَّينَا فَنَدعُوا بها سَبْعًا وعَشْرًا بيومَنا ... ولَيلَتَنَا فِيما فَرَضْتَ وَأدَّينَا وَحَاشكَ تَدْعُونَا وتأْمُرُ بالدُعَا ... وتُغْلقُ عَنَّا البابَ إذْ نَحْنُ وَافَينَا دُعَاؤُكَ إيَّانَا وتَعْلِيمُنَا الدُعَا ... دَلِيلٌ عَلَى أنَّ الكَرِيمَ سَيُعْطِينَا لَكَ المثلُ الأعْلَى فإنَّ بَنِي الدُنَا ... إذَا مَا دَعَوا أعطوا وفَضْلُكَ كَافِينَا ولَولاَكَ فَضْلاً مِنْكَ لَمْ نَعْرِفَ الدُعَا ... ولا هَادِيًا بالوَحْي والخَير يَأْتِينَا إذَا نَزلَ الأبرارُ جَنَّتَكَ التي ... وَعَدْتَ تَراهُم حَامِدِينَ ومُثْنِينَا عَلَى ما هَدَى لَولاَهُ لَمْ نَدْرِ مَا الهُدى ... ولا أي دِين في القِيامة يُنْجِينَا فَلِلَّهِ كَلُّ الفَضْلِ فِي كُلِّ حَالَةٍ ... وَمِنْ فَضْلِهِ إجْرَاؤُهُ الْحَمْدُ فِينَا ... وتَعْلِيمِنَا كَيفَيَّةَ الحمدِ والثَّنَا ... وإرْسِالِهِ خَيرِ النَّبِيِّينَ هَادِينَا

جميع الثنا والحمد بالشكر أكمل

مُحَمدٍ الهادِي إلى سُنَنِ الهُدَى ... فَصَلِّى عَلَيهِ اللهُ والآلُ أهْلِينَا القول الأسنى في نظم الأسماء الحسنى تأليف الشيخ حسين بن علي بن حسين بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى جَميعُ الثَّنا والحمدُ بالشكْرِ أكْملُ ... وللهِ مَجمُوعُ الثلاثة أجعَلُ له الحمد أغلى الحمد والشكر والثنا ... أعَزَّ وأزْكَى ما يكونُ وأفْضَلُ له الحمدُ حَمْدًا طيبًا ومباركًا ... كثير فضيل حاصلٌ متحصلُ مَلاَ العَرشَ والكُرسِيَّ مَعَ الأَرْضِ والسما ... ومِلءَ الذي بَينَ الطَرائِقِ يَفْصِلُ وإني بحمدِ الله والشكرِ والثنا ... لِنَيلِي مِن اللهِ الرِضَا أتَوسَّلُ إلى الله أُهْدِي الحمدَ والشكرَ والثَّنَا ... لَه الحمدُ مَولاَنَا عليه المُعوَّلُ وأشهد أن الله لا رَبَّ غَيرَه ... كَريمٌ رَحِيمٌ مُرْتَجَى ويُؤَمَّلُ وأشهدُ أَنَّ مَا رَبَّ بَلّ لاَ مُدِبِّرٌ ... سِواهُ ولَولاهُ الوُجُودُ مُعَطَّلُ قَدِيرٌ كَرِيمٌ مُحْسِنٌ وله البَقَا ... جَوادٌ ولِلْخَيراتِ فهو المُنَوّلُ ومَن دُونَه عَبدٌ ذليلٌ مُدَبَّرٌ ... مُقِلٌّ مِن الأوزارِ أو مُتَحَمِّلُ هُوَ الله ذُو العِزِ القَدِيم إلَهنَا ... عَزِيزٌ مُعِزٌ مَنْ لَهُ يَتَذَلَّلُ هَوَ الواحِدُ الفردُ المهيمن ربنا ... هو الواحدُ المَوجُودُ والمُتَفَضِّلُ جَوادٌ كَريمٌ مُحْسنٌ دَائِمُ النَّدَى ... وَجَودَاهُ لا تَبْلَى ولا تَتَبَدلُ عَفُوٌ يُحبُ العفوَ مِن كُلِّ خَلْقِهِ ... عن الجُودِ والإحسانِ لا يَتَحَوَّلُ

إذا سُئِلَ الخيراتِ أَعْطَى جَزِيلَها ... ويَرفَعُ مَكْرْوهَ البَلا ويُزَوَّلُ تَبارَكَ فَهْوَ اللهُ جَلَّ جَلاَلَهُ ... جَوادٌ كَريمٌ كَامِلٌ لا يُمَثَّلُ يَسِحُ من الخَيراتِ سَحًا عَلى الوَرَى ... فَيغْنِي ويقْنِي دَائِمًا ويُحَوَّلُ تَجِلُّ عن الأَوصَافِ عِزَّةُ ذَاتِهِ ... أَعَزّ مِن الأَوصَافِ أَعْلَى وأكْمَلُ إذَا أكْثَر المُثْنِي عَليه مِن الثَّنَا ... فَذُو العَرْشِ أعْلَى في الجَلالِ وأَجْمَلُ بِأسْمَائِهِ الحُسْنَى مَا يُؤْذِنَ الوَرَى ... عَلَى بَعْضِ مَدْلُولاتِهَا لَو تَأمَّلُوا ... فَفِي اسْمِهِ «ربُّ» مُدَبِّرُ خَلْقَهُ ... وفي «اللهِ» مَعْنَىً لِلْعِبادَةِ يَشْمَلُ وفي اسْمِهِ «اللهُ» الإِلهُ إشَارَةٌ ... إلى أنَّه المَعْبُودُ والنِّدُ يَبْطُلُ وفي اسْمِهِ «الغَفَّارُ» يَغْفِرُ لِلْوَرَى ... إذا انْتَقَلُوا عن غَيهِم وتَنَقَّلُوا وفي اسْمِهِ «القَاضِي» فَيَقْضِي بِمَا يَشَاء وفي «قَادِرِ» ما شَاءَ رَبُّكَ يَفْعَلُ ... وفي اسْمِهِ «الأعْلَى» عُلُوُّ جَلاَلِهِ ... وفي اسْمِهِ «الصَّبَارُ» يُمْلِي وَيُمْهِلُ وفي اسْمِهِ «الفَّعَالُ» يَفْعَلُ مَا يَشَاه ... حَكِيمٌ فَلا عَمَّا يَدَبِّرُ يُسْألُ وفي اسْمِهِ «الجَبَّارُ» يَجْبُر كَسْرَنَا ... ولِلعُسْرِ باليُسْرَينِ فِينَا يُبَدِّلُ وفي اسْمِهِ «الجَبَّارُ» رِفْعَةُ ذَاتِهِ ... وَأخْذٌ عَلَى العَاصِي شَدِيدٌ ومُعْضِلُ وفي اسْمِهِ «المُعْطِي» الكَريم دَلاَلَةٌ ... عَلَى أنَّهُ يُعْطِي دَوَامًا ويَبْذِلُ وفي اسْمِهِ «السَّتَارُ» أسْتَارُهُ الَّتِي ... عَلَى أَكْثَر العَاصِينَ تُرْخَى وتُسْدَلُ وفي اسْمِهِ «البَاقِي» دَليلٌ بَقَائِهِ ... جَدِيدًا وأنَّ الخَلْقَ يَبْلَى ويُسْمَلُ وفي اسْمِهِ «القَيُومُ» أهْدَى دَلاَلَةً ... عَلَى أنَّهُ عَن خَلْقِهِ لَيسَ يَغْفُلُ وفي اسْمِ «عَزْيزٍ» عِزَّةٌ مُسْتَمِرَّةٌ ... بِهَا يُهْلِكُ العَاصِي لَهُ ويُنَكِّلُ وفي «ناصرٍ» نَصْرُ لِمَنْ شَاء إذْ يَشَا ... ومَن لا يَشَا يَبْقَى حَسِيرًا وَيُخْذَلُ وفي اسْمِهِ «الهادِي» فَيَهْدِي إلى الهُدَي ... ويَهْدِي إلى النَّهْدَينِ في المَهْدِ أَطْفُلُ وفي اسْمِهِ «الكَافِي» الوَكِيل وفي اسْمِهِ ... «حَسيبٍ وَكيلٌ» أنَّهُ لَيسَ يُهْمِلُ وفي اسْمِهِ «الرحمنِ» رَحْمَتهُ الوَرَى ... وفي اسْمِهِ «ربِّ» عَلَيهِ التَّوكُلُ وفي اسْمِهِ «القَاضِي» فَيَقْضِي بِمَا يَشَا ... ويَقْضِي غَدًا بَينَ البَرايَا فَيَعْدلُ

وفي اسْمِهِ «الخلاَّقُ» لَمْ يَخْلُقِ الوَرَى ... سِوَاهُ «جَوَادٌ» دَائمٌ لَيسَ يَغْفُلُ وفي اسْمِهِ «البارِي» بَرَى كُلَّ خَلْقِهِ ... وَألْطَافُه تَتْرَى دَوَامًا وَتَنْزِلُ «عَليمٌ» فَلا يَخْفَي عَليهَ مِن الوَرَى ... ولَو غَابَ في شِقِّ من الأَرضِ خَرْدَلُ «حَسيبٌ» فَيُحْصِي كُلَّ شَيءٍ وفي الذِي ... جَرَى بَينَنَا يَومَ القِيَامةِ يَفْصِلُ «خَبِيرٌ» فَيَقْضِي مَا يَشَاءُ وكُلَّ مَا « ... قَضَاه مَضَى حَتْمًا ولا يَتَفتَّلُ «لَطِيفٌ» بِألَطْافٍ كثرٍ وبَعْضُها ... يُرَى ظَاهرًا بَينَ الوَرَى يَتَخَلَّلُ «سَمِيعٌ» فَلاَ صَوتٌ خَفيٌ يَفُوتُهُ ... وَإنْ دَقَّ جِدًا واخْتَفَى لَيسَ يُشْكِلُ و «برٌ» يُحبُّ البِرَّ يَرْفَعُ أَهْلَهُ ... عَلَى النَّاسِ في يَومِ الجَزَاءِ يُفَضِّلُ «حَكِيمٌ» فَيَقْضِي مَا يَشاءُ بِحِكْمَةٍ ... «حَليمٌ فلا يَخْشَي فَواتًا فَيُعْجِلُ ... «كَبِيرٌ جَليلٌ مَاجِدٌ وَاجِدٌ» لَهُ ... مِن الجُودِ والإِحسانِ مَا لَيسَ يُجْهَلُ «ودودٌ رُحِيمٌ» بالمطِيعِ مِن الوَرَى ... فَمَنْ جَاءَهُ يَمْشِي أَتَاهُ يُهْرْوِلُ وفي اسْمِهِ «التوابِ» يَقْضِي بِتَوبَةٍ ... لِمَنْ تَابَ صِدْقًا يَسْتَجِيبُ وَيَقْبَلُ وفي «أحَدٍ» سُبْحَانَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ... نَظِيرٌ ولا مِثْلٌ بِهِ يَتَمَثَّلُ وفي «صَمَدٍ» سُبْحَانَه يَصْمُدُ الوَرَى ... إِليهِ جَمِيعًا أَصمدٌ لَيسَ يَأْكُلُ وفي اسْمِهِ «الأعْلَى» كَمالُ عُلُوه ... أَعَزَّ وَأَعْلَى مَا يَكُونُ وَأكْمَلُ وفي اسْمِهِ «المُعْطِي» يُغْيِثُ إِغَاثَةً ... بِهَا كَرْبُ مَن يَدْعُو بِهِ يَتَحَلَّلُ وفي اسْمِ «مُجَيبٍ» يَسْتَجِيبُ لِمَنْ دَعَا ... وَيُعْطِي لِمَنْ شَا مَا يَشَا حِينَ يُسْأَلُ وفي كُلِّ اسْمٍ لِلْإِلهِ دِلالةٌ ... وفيها مَعَانِي جُودِهِ لَو تَأمَّلُوا وفي كُلِّ فردٍ لَو أُحيطَ بِعلْمهِ ... مَعَانٍ وَلَكَنْ مَنْ لَهَا يَتَوَصَّلُ يَبْيَنُ وَيَبْدُو بالتَّأمُلِ بَعْضُهَا ... تَأمُّلُ مَن في عِلْمِهَا مُتَوَغِّلُ يَبِينُ لِمَنْ يَتْلُو الكتابَ مُرَتِلاً ... وَمُدَّبِرًا آيَاتِهِ يَتَعَقَّلُ هُوَ اللهُ فَوقَ العرشِ عَالٍ عَلَى الوَرَى ... عَليه اسْتَوى كَيفَ اسْتَوى لَيسَ يُعْقَلُ أَبانَ لَنَا فِي الذِكْرِ عِلْمَ اسْتَوائِهِ ... عَلَى عَرْشِهِ والكَيفُ يَخْفَى وَيُجْهَلُ

وَمن قَالَ في كيفَ اسْتَوى فَهْوَ كَاذِبٌ ... عَلَى اللهِ فِيمَا قَالَه مُتَقَوِّلُ وَمذْهبُنَا: أنْ لا نُشَّبِهَ رَبَّنا ... وأنْ لا نَقْلْ: كَيفَ اسْتَوَى أَو نُعِطِّلُ وأشْهدُ أَنَّ اللهَ لَيسَ كَمِثْلِهِ ... لَهُ العِزُّ والتَّدبِيرُ والحُكْمُ والعُلُو وأشْهَدُ أَنَّ «الأوَّلُ» اللهُ وَحْدَه ... وَ «آخِرُ» يَبْقَى سَرْمَدًا يَتَبَتَّلُ هُو اللهُ مُبْسُوطُ اليَدَينِ كِلاَهُمَا ... تَسِحُ مِن الإِحسانِ سَحَّاءَ وتَهْطُّلُ إذا وَعَدَ المَوعُودَ أنْجَزَ وَعْدَهُ ... سَرِيعًا بِلاَ رَيبٍ ولا شَكَّ يَحْصُلُ «قَرِيبٌ مُجِيبٌ» يَسْتَجِيبُ لِمَنْ دَعَا ... «جَوَادٌ» إذا أعْطَى العَطا يَتَجَزَّلُ يَسِحُ مِن الإحسانِ سَحًا عَلَى الوَرَى ... «وَهُوبٌ، جَوادٌ، مُحْسنٌ» مُتَفَضِّلُ تَبَارَكَ لا يُحصَي عَلَى ذَاتِهِ الثَّنَا ... وَلَو بِالثَّنَا كُلُ الخَلائِق أَجْمَلُوا إذا كَانَ شُكْرُ العَبْدِ نَعْمَاهُ نِعْمَةً ... فأينَ يُطَاقُ الشُكْرُ مِن أَينَ يَحْصُلُ فَسُبْحَانَ مَن كُلُ الوَرَى سَجَدُوا لَهُ ... إذا سَبَّحُوا أَو كَبَّرُوهُ وَهَلَّلُوا قَضَى الله أَنْ لا يَعْبُدُ الخَلْقُ غَيرهُ ... وأنْ لاَ بِهِ شيءٌ وإنْ جَلَّ يَعْدِلُ «عَلِيمٌ» بأحْوَالِ الوَرَى وبِمَا جَرَى ... ومَا لَيسَ يَجْرِي لَو جَرَى كَيفَ يَحْصُلُ ... «لَطِيفٌ» فَلا يَخْفَى عَلِيهِ مِن الوَرَى ... خَفِيٌّ ولاَ يَنْسَى وَلاَ الربُّ يَذْهَلُ لَهُ تُرْفَعُ الأَعْمَالُ في كُلِّ لَحْظَةٍ ... بِأيدِي كِرامٍ كَاتِبينَ وتُحْمَلُ عَلَيهِ اعْتَمادِي واتْكَالِي وَرَغْبَتِي ... وَإِصْلاحُ شأْنِي مُجْمَلٌ وَمُفَصَّلُ تَعَالَى فَأخْلاَقُ البَرايَا بِمَا قَضَي ... وقَدَّرَهُ مِن أيِّ شَكْلٍ تَشَكَّلُوا فَمِنْهُمْ مُنِيبٌ مُسْتَجِيبٌ لِرَبِهِ ... صَبُورٌ عَلَى الضَّرَا لَهَا يَتَحَمَّلُ يُجِبُّ اكْتِسَابَ الصَّالِحَاتِ مِن التُّقَى ... ومِن زِينَةِ الدُّنْيَا مُقِلٌ مُقَلِّلُ مُطْيعٌ سِرِيعٌ في أَوَامِرِ رَبِّهِ ... مُنِيبٌ إلى مَعْبُودِهِ مُتَذَلِّلُ كَثِيرُ البُكَا مِن خَشْيَةِ اللهِ رَبَّهِ ... مَفَاصِلهُ يُخْشَيى عَلَيها تَفَصَّلُ لَه في النَّدَى رَوضُ وَفِي الجُودِ مَنْهَلٌ ... ومِنْ ذَا إلى ذَا دَائِمًا يَتَنَقَّلُ إِذا جئْتَهُ تَبْغِي النَّدَىَ وَجَدْتَهُ ... رَحْيَبًا خَصِيبًا بِالنَّدى يَتَهَلَّلُ

يُبَادِرُ في المَعْرُوفِ مَهْمَا أَتَيتَهُ ... كَأنَّكَ تُعْطِيهِ الذِي أَنْتَ تَسْألُ يُجِبُّ اكْتَسَابَ المَالِ وَالجُودُ عِنْدَهُ ... أَعَزُّ مِن الدُّنْيَا جَمِيعًا وَأفْضَلُ تَقِيُّ نَقِيُّ العِرْضِ مَصْحُوبُهُ النَّدَى ... زَهِيٌّ بَهِيٌ إنْ تَكَلَّمَ مِقْوَلُ جَرِيءٌ عَلَى الأَعْدَا قَرِيبٌ مِن النَّدَى ... سَرِيعٌ إلى الهَيجَا يَقُولُ وَيَفْعَلُ قَرِيبٌ النَّدى والجُودِ مَا حَلَّ حَلَّهُ ... وأنْ يَرْتَحِلْ يَتْبَعْهُ حَالاً ويَرْحَلُ جَمِيعُ صِفَاتِ الجُودِ مُسْتَوجِبٌ لَهَا ... مِن الأصْلِ في أصْلِ النَّدَى مُتَأصِّلُ وفي الناسِ مَن يَبْذُلْ لِدُنْيَاهُ دِينَهُ ... ويَرضَى بِذَا عن ذا بَدِيلاً يُبَدَّلُ يَنَالُ بِهِ مَالاً وجَاهًا ورِفْعَةً ... ويَشْقَى ويَرْدَى في المعَادِ وَيَسْفُلُ وَفِي الناسِ مَن ظُلْمُ الوَرَى عَادةٌ لَهُ ... وَيَنْشُرُ أَعْذَارًا بهَا يَتَأوَّلُ جَرِيءٌ عَلَى أَكْلِ الحَرامِ ويَدَّعِي ... بأنَّ لَهُ في حِلَّ ذلك مَحمَلُ فَيَا آكِلَ المَالَ الحرامَ أَبِنْ لَنَا ... بأي كتابٍ حِلُّ مَا أَنْتَ تَأْكُلُ ألَمْ تَدْرِ أنَّ الله يَدْرِي بِمَا جَرَى ... وبَينَ البَرايا فِي القَيِامَةِ يَفْصِلُ حَنَانِيكَ لاَ تَظْلِمْ فإنَّكَ مَيِّتٌ ... وبالموتِ عَمَّا قَدْ تَوَلَّيتَ تُسْألُ وتُوقَفُ لِلْمَظْلُومِ يَأْخُذٌ حَقَّهُ ... فَيَأْخُذُ يَومَ العَرْضِ مَا كُنْتَ تَعْمَلُ وَيأخذُ من وزرِ لمنْ قَد ظَلَمْتَهُ ... فَيَأْخُذُ يَومَ العَرْضِ مَا كُنت تَعْمَلُ فَيَأْخُذُ مِنْكَ اللهُ مَظْلَمَةَ الذِي ... ظَلَمْتَ سَرِيعًا عَاجِلاً لا يُؤَجَّلُ تَفِرُّ من الخَصْمِ الذِي قَدْ ظَلَمْتَهُ ... وأنْتَ مَخْوفٌ مُوجَفُ القَلْبِ مُوجَلُ ... تَفِرُّ فَلا يُغْنِي الفِرَارُ مِن القَضَا ... وأن تتوجَّل لا يفيد التوجُّل فَيَقْتَصُ مِنْكَ الحقَ مَنْ قَدْ ظَلَمْتَهُ ... بِلاَ رَأْفَةٍ كَلاَّ ولا مِنْكَ يَخْجَلُ وفي الناسِ أَهلُ البِرِ والصِّدق والوَفَا ... وَللعدْلِ أَهْلٌ يَعْدِلُونَ إِذَا وَلُوا وفي الناسِ مَن بِالكِبْرِ يَسْتَحْقِرُ الوَرَى ... وَيَطْغَى إن اسْتَغْنَى إذا يَتَمَوَّلُ فَخُورٌ إذا وَلاَّهُ مَولاهُ نِعْمَةً ... مَرُوحٌ وَمُخْتَالٌ بِهَا يَتَبَهْلَلُ شَحِيحٌ ولَو عَمَّنْ يَعُولُ بِنَفْسِهِ ... بأَدْنَى قَليلٍ نَاقِصِ القَدْرِ يَبْخَلُ

حَسُودٌ عَدُوُّ الجُودِ والبَذْلِ والنَّدَى ... يَصُدُّ عن الخَيَراتِ عَنْهَا يُخَذِّلُ جَبَانٌ عن الأعْدَا بَعِيدٌ مِن النَّدَى ... جَمُوعٌ مَنُوعٌ في الخَنَا مُتَوَغِّلُ جَمِيعُ خِصَالِ الشَّرِ مُسْتَصْحِبٌ لَهَا ... وعَن كُلِّ أسْبَابِ المَعَزّةِ أَعْزَلُ وفي الناسِ مَن لاَ يَملأُ البَحْرُ بَطْنَهُ ... فَقِيرُ فُؤادٍ دَائِمًا يَتَسَّوَّلُ وفي الناس من يُغرِي الوَرَى بِلِسَانِهِ ... وبَينَ البَرايَا لِلنَّمِيمَةِ يَحْمِلُ يَرَى أنَّ في حَمْلِ النَّمِيمَةِ مَكْسَبًا ... تَراهُ بها بَينَ الوَرَى يَتأكَّلُ وَفي الناس أفَّاكٌ حَيُولٌ مُخَادِعٌ ... غَشُومٌ ظَلُومٌ مَاكِرٌ مُتَحَيِّلُ وَكُلٌ سَيأْتِي فَرْعُهُ مِثْلَ أصْلِهِ ... وعن مِثْلِ شَكْلِ الأصْلِ لاَ يَتَحَوَّلُ فَأهْلُ النَّدَى والجُودِ لا يَبْرَحُ النَّدَى ... مَعَ الجُودِ فِيما أنْسَلُوا يَتَسَلَسَلُ ونَسْلُ شِرارِ الناسِ في الشَّرِ وَالرَّدَى ... عَلَى سُنَنِ الآباءِ أرْدَى وأرْذَلُ عَلَى سُنَنِ الآبا وأخْلاقِ مَن مَضَى ... وإنْ مُتَّعَتْ تِلك النُسُولُ وأطْوَلُ فَنَسْلُ جَبِانٍ أو بَخِيلٍ كَمِثْلِهِ ... ونَسْلُ الزَّكِي الفَحْلِ أزْكَى وأَفْحَلُ جَنىَ الكَرْمِ يَأتِي طَيِّبًا مِثْلَ أصْلِهِ ... ويَأْتي جَنَاءُ الحَنْظَلِيَّةِ حَنْظَلُ وَأُوصِي بِتَقْوَى الله كُلَّ مُكَلَّفٍ ... إليهَا أفِيئُوا أيها الناسُ أقّبِلُوا وَعُضُّوا عَلَيهَا بالنَّواجِذِ إنَّهَا ... هُدَى اللهِ يَهْدَي لِلْخَلائِق فاقْبَلُوا خُذُوا بالهُدَي أخْذًا قَويًا فإنَّهُ ... نَجَاةٌ ومَنْ يَأخُذُ بِهِ لا يُضَلَّلُ وأدُوا فُرُوضَ الديِن بَعْدَ أدَائِهَا ... كَوَامِلَ في أوقَاتِهَا وتَنَفَّلُوا عَلَيكُم بِتَقْوَى اللهِ لاَ تَتْرُكُونَها ... فإنَّ التُقَى أقْوَى وَأَولَى وأَعْدَلُ لِباسُ التُّقَى خَيرُ الملابِسِ كُلِّهَا ... وأَبْهَى لِبَاسِ في الوُجُود وَأجْمَلُ فَمَا أَحْسَنَ التَّقْوَى وأَهْدَى سَبِيلَهَا ... بِهَا يَنْفَعُ الإنْسَانَ مَا كَانَ يَعْمَلُ فَيَا أيُهَا الإِنْسَانُ بادِرْ إلى التُقَى ... وَسَارِع إلى الخَيراتِ مَا دُمْتَ مُهْمَلُ ... وَأكْثرْ مِن التَّقْوَى لِتَحْمِدَ غِبَّهَا ... بِدَارِ الجَزَا دَارٌ بِها سَوفَ تَنْزِلُ وقدَِّمْ لِمَا تَقْدَمْ عَلَيهِ فَإنَّما ... غَدًا سَوفَ تُجْزَى بالذِي أنْتَ تَفْعَلُ

وأحْسِنْ ولا تُهْمِلْ إذَا كُنْتَ قَادرًا ... فَدَارُ الفَنَا الدُّنْيَا مَكَانَ التَّرحُّلُ وسَارِعْ إلى الخَيراتِ لا تُهْمِلَنَّهَا ... فإنَّكَ إنْ أَهْمَلْتَ مَا أنْتَ مُهْمِلُ ولَكِنْ سَتُجْزَي بالذِي أنْتَ عَامِلٌ ... وَعَمَّا مَضَى مِن كُلِّ مَا نِلْتَ تُسْألُ فَلا تُلْهِكَ الدُّنْيَا فَرَبُّك ضَامِنٌ ... لِرِزْقِ البَرايَا ضَامِنٌ مُتَكَفِّلُ فَمَنْ آثَرَ الدُنْيَا جَهُولُ وَمَنْ يَبعْ ... لآُخْرَاهُ بالدنيا أَضَلُ وأَجْهَلُ فَلذَّاتُها والعِزُّ والجَاهُ والغِنَى ... بأضدَادِهَا عَمَّا قَلِيلِ تَبَدَّلُ فَمَنْ عَاشَ في الدنيا وإنْ طَالَ عُمْرُهُ ... فلا بدَُّ عَنْهَا رَاغِمًا سَوفَ يُنْقَلُ وَينزِلُ دَارًا لا أَنيسَ لَهُ بِهَا ... لِكُلِ الوَرَى رَجْعًا مَعَادُ ومُوئِلُ وَيبقَى رَهِينًا في التُرابِ بما جَنَى ... إِلَى بَعْثِهِ مِن أَرْضِهِ حينَ يَنْسِلُ يُهَالُ بأهوالِ يَشِيبُ ببَعْضِهَا ... ولا هَولاً إلا بَعْدَهُ الهولُ أهْوَلُ وفي البعث بعد الموتِ نَشْرُ صَحائِفٍ ... ومِيزانُ قِسْطٍ طَائِشٍ أو مُثَقَّلُ وحَشْرٌ يَشِيبُ الطِفْلُ مِن عُظْمِ هَولهِ ... ومِنْهُ الجبالُ الراسياتُ تَزَلْزَلُ ونارٌ تَلَظَى في لَظَاهَا سَلاَسِلٌ ... يُغَلُّ بِهَا الفُجَّارُ ثم يُسَلْسَلُوا شَرابُ ذَوِي الإِجْرامِ فِيهَا حَمِيمُهَا ... وَزقُّومُها مَطْعُومُهُمْ حِينَ يَأكلُوا حَمِيمٌ وغسَّاقٌ وآخرُ مِثْلُهُ ... مِن المُهْلِ يَغْلِي في البُطُونِ ويَشْعلُ يَزِيدُ هَوَانًا مَنْ هَوَاهَا فَلا يَزَلْ ... إلى قَعْرِهَا يَهْوِي دَوَامًا ويَنْزِلُ وفي نِارهِ يَبْقَى دَوامًا مُعَذَّبًا ... يَصِيحُ ثُبُورًا وَيلَه يَتَوَلْوَلُ عليها صراطٌ مَدْحَضٌ ومَزَلَّةٌ ... عليه البَرايَا في القِيَامةِ تُحْمَلُ وَفيها كلاليِبٌ تَعَلَّقُ بالوَرَى ... فهذا نَجَا منها وهَذَا مُخَرْدَلُ فلا مُجْرٍمٌ يَفْدِيهِ مَا يَفْتَدِي بِهِ ... وإنْ يَعْتَذِرُ يَومًا فلا العُذْرُ يُقْبَلُ فَهَذَا جَزَاءُ المُجْرِمِينَ عَلَى الرَّدى ... وهذا الذي يومَ القِيَامةِ يَحْصُلُ أعوذُ بِربِّي مِن لَظَى وعَذابِها ... ومِن حَالِ مَن يَهْوَي بِها يَتَجَلْجَلُ

ومِن حالِ مَن في زَمْهَرِيرٍ مُعَذَّبٌ ... ومَنْ كَانَ بالأَغْلاَلِ فِيها مُكَبَّلُ وجناتُ عدنٍ زُخْرِفَتْ ثم أُزْلفَتْ ... لِقَومٍ على التَّقوى دوامًا تَبَتَّلوُا بِها كُلُ مَا تَهْوى النفوسُ وتَشْتَهِي ... وقُرَّةَ عَينٍ لَيسَ عَنْهَا تَرَحُّلُ ... ملابسهم فيها حرير وسندس ... واستبرق لا يعتريهِ التنحلُ ومأكولهم من كل ما يشتهونَه ... ومن سلسبيلٍ ُربهم يتسلسلُ وأزواجهم حور حِسان كواعب ... على مثل شكل الشمس بل هنَّ أشكل يُطافُ عليهم بالذي يَشتهونَه ... إذا أكلوا نوعًا بآخر بدِّلوا بها كل أَنواع الفواكه كلها ... وسكانها مهما تمنوه يحصلُ فواكهها تدنو إلى من يريدها ... تناولها عند الإرادة يسهلُ وأنهارها الألبان تجري وأعسل ... وخمر وماء سلسبيل معسلُ يقال لهم: طبتم سلمتم من الأذى ... سلام عليكم بالسلامة فادخلوا بأسباب تقوى الله والعملِ الذي ... يحب إلى جنات عدن توصلوا إذا كان هذا والذي قبله الجزا ... فحق على العينين بالدمع تهملُ وحق على من كان بالله مؤمنًا ... يقدم له خيرًا ولا يتعللُ وإن يأخذ الإنسان زادًا من التقوى ... ولا يسأم التقوى ولا يتململُ وإن أمام الناس حشرًا وموقفًا ... ويومًا طويلاً ألف عام وأطولُ فيا لك من يوم على كل مبطل ... فظيع وأهوال القيامة تعضلُ تكون به الأطوادُ كالعهن أو تكن ... كثيبًا مهيلاً أهيلاً يتهلهلُ به ملة الإسلام تقبل وحدها ... وأما غيرها مِن أَي دِينٍ فَيَبْطِلُ بِهِ يُسْأَلُونَ النَّاسَ مَاذا عَبَدْتمُوا ... وماذا أَجبتم من دَعَا وهو مُرْسَلُ حِساب الذي ينقاد عرضٌ مُخَفَّفٌ ... ومن لَيسَ منقادًا حِسابٌ مُثَقَّلُ ومِن قبلِ ذَا فالموتُ يأتيكَ بَغتة ... وهيَّاتَ لا تدري مَتَى الموتُ يَنْزِلُ كُؤئوسُ المنايا سَوفَ يَشْربُها الوَرَى ... عَلَى الرَّغْمِ شُبَّانٌ وشِيبٌ وَأَكْهُلُ

إني امرء ليس في ديني لغامزة

حنانيك بادرها بخير فإنما ... على آلة الحدبَا سريعًا ستُحملُ إذا كنت قد أيقنت بالموت والفنا ... وبالبعث عما بعده كيف تغفلُ أيصلح إهمال المعاد لمنصف ... وينسى مقام الحشر من كان يعقلُ إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التقى ... أبن لي أبن يوم الجزا كيف تغفلُ أترضى بأن تأتي القيامةِ مُفلسًا ... على ظهرك الأوزار في الحشر تحملُ إلهي لك الفضل الذي عمم الورى ... وجودًا على كل الخليقة مسبلُ وغيرُكَ لو يملك خزائنكَ التي ... تزيد مع الإنفاقِ لا بد يبخلُ ... وإني بك اللهم ربي لواثقٌ ... وما لي بباب غير بابك مدخلُ أعوذ بك اللهم من سوء صنعنا ... ومن أن تكن نعماك عنا تحولُ وإني لك اللهم في الدين مخلص ... وهمِّي وحاجاتي بجودك أنزلُ إلهي فثبتني على دينك الذي ... رضيت به دينًا وإياه تقبلُ وهب لي من الفردوس قصرًا مشيَّدًا ... ومن بخيرات بها أتعجلُ ولله حمد دائم بدوام ... مدى الدهر لا يفنى ولا الحمد يكملُ مداد كلام الله عدة خلقه ... رضا نفسه ينمو ويسمو ويفضلُ يزيد على وزنِ الخلائق كلها ... وأرجح من وزن الجميع وأثقلُ وإني بحمد الله بالحمد أبتدي ... وأُنهي بحمد الله قولي وأكملُ صلاة وتسليمًا وأزكى تحيةً ... تعمُّ جميع المرسلين وتشملُ وأزكى صلاة الله ثم سلامه ... على المصطفى أزكى البرية تَنزلُ نبيٌّ زكيُّ الأصل والفرع أصله ... مع الفرع في أصل الندى متأصلُ جميع خصال الخير مستوعب لها ... إلى سوحة تهوي وتأوي وتكملُ وقال آخر: إني امْرُءٌ لَيسَ في دَينِي لِغَامِزَةٍ ... لِينٌ ولَسْتُ عَلى الإِسلامِ طَعَّانَا فلا أسُبُّ أبَا بَكْرٍ ولا عُمَرًا ... ولَنْ أسُبَّ مَعَاذَ اللهِ عُثْمَانَا

خذ من الجاروش والأرز

ولا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ أشْتِمُهُ ... حَتَّى أُوَسَّدَ تَحْتَ التُرْب أكْفَانَا ولا الزُّبَيرَ حَوَاريَّ الرسُولِ ولا ... أُهْدِي لِطَلْحَةَ شَتْمًا عَزَّ أو هَانَا ولا أقُولُ عَليًّا في السَّحَابِ إذَن ... قَدْ قُلْتُ واللهِ ظُلْمًا ثُمَّ عُدْوَانَا ولا أقُولُ بَقَولِ الجَهْمِ أنَّ لَهُ ... قَولاً يُضَارِعُ الشِّرْكِ أحْيَانَا ولا أقُولُ تَخَلَّى مِن خَليقَتِهِ ... رَبُّ العِبادِ قول الأمْرَ شَيطَانَا ما قال فرعونُ هذا في تَمَرُّدِهِ ... فرعَونُ مُوسَى ولا هَامَانُ طُغْيَانَا الله يَدْفَعُ بالسُلْطَانِ مُعْضِلةً ... عَن ديِننا رَحْمَةً مِنْهُ ورِضوانَا لْولاَ المُهَيمِنْ لَمْ تأْمَنْ لنا سُبُلٌ ... وَكَانَ أضْعَفُنَا نَهْبًا لأقْوَانَا وقال رحمه الله: خُذْ مِن الجارُوشِ والْـ ... أرُزِّ الخُبْزِ الشَّعِيرْ واجْعَلَنْ ذَاكَ حَلاَلاً ... تَنْجُ مِن حَرِّ السَّعِيرْ وانأَ ما اسْطَعْتَ هَدَا ... كَ اللهُ عَنْ دَارِ الأَمِيرْ لا تَزُرْهَا واجْتَنِبْهَا ... إنَّهَا شَرُّ مُزُور تُوهِنُ الدِّين وتُدْ ... نِيكَ مِن الحُوبِ الكَبيرْ قَبْلَ أنْ تَسْقُطَ يَا ... مَغْرُورُ في حُفْرَةِ بِيرْ وَارْضَ يَا ويحَكَ مِنْ ... دُنْيَاكَ بالقُوتِ اليَسِيرْ إنَّها دَارُ بَلاَءٍ ... وزَوَالٍ وغُرُورْ أمَا تَرَى قَدْ صَرَعَتْ ... قَبْلَكَ أصْحَاب القُصُورْ كَمْ بِبَطْنِ الأرْضِ مِن ... ثاوِ شَرِيفٍ وَوَزِيرْ وَصَغِيرِ الشَّأْن عَبْدٍ ... خَامِلِ الذِّكْرِ حِقِيرْ لَو تَصَفَّحْتَ وُجْو ... هَ القَومِ في يَومٍ نَضِيرْ لَمْ تُمَيِّزْهُمْ وَلَمْ ... تَعْرِفْ غَنِيًا مِن فَقِيرْ

الحمد لله رب العالمين على

خَمَدَوا فَالقَومُ صَرْعَى ... تَحْتَ أشْقَاقِ الصُخُور واسْتَووا عِنْدَ مَلِيكٍ ... بِمَسَاوِيهِمْ خَبِيرْ إحْذَرِ الصَّرْعَةَ يَا ... مَسْكِينُ مِن أمْرٍ عَثُورْ أينَ فَرْعَونَ وهَا ... مَانُ ونُمْرُودُ النُسُورْ أوَمَا تَحْذَرُ مِنْ ... يَومٍ عَبُوسِ قَمْطَرِيرْ اقْمَطَرَّ الشَّرُ فِيهِ ... بِعَذابِ الزَّمْهَرِيرْ في الحث على العلم لِحافظ حَكَمِي رحمه الله: الحمد لله ربِ العالمين عَلَى ... آلائِهِ وهُوَ أهْلُ الحمدِ والنِعَمِ ذِي الملكِ والملكوتِ الواحدِ الصمدِ الـ ... ـبَرِّ المُهَيمين مُبْدِي الخلقِ مِن عَدَمِ مَنْ عَلَّمَ النَّاسَ مَا لا يَعْلَمُونَ وبالْـ ... ـبَيَانِ أنْطَقهَمُ والخطَ بالقَلَمِ ثم الصلاةُ على المختارِ أكْرمِ مَبْـ ... ـعُوثٍ بخيرِ هُدَى في أفضلِ الأُمَمِ مَا لاَحَ نَجْمٌ ومَا شَمْسُ الضُحى طَلَعَتْ ... وعدَّ أنفاس ما في الكون مِن نَسَمِ وبعد مَن يردِ اللهُ العظيمُ بِهِ ... خيرًا يُفَقِّههُ في دِينِهِ القَيِّمِّ وحَثَّ رَبِي وحَضَّ المؤمنينَ عَلَى ... تَفَقُّهِ الدِين مَعْ انذارِ قومِهِمِ وامتَنَّ رَبِي عَلَى كُلِّ العِبَادِ وكُلُ الرُ ... سُلِ بالعِلمِ فاذكُرْ أكْبَرَ النِعَمِ يَكْفِيكَ في ذَاكَ أُولَى سُورةٍ نَزَلَتْ ... عَلَى نَبَيِّكَ أعْنِي سُورَةَ القَلَمِ ... كَذاكَ في عِدَّةِ الآلاءِ قَدَّمَهُ ... ذِكْرًا وَقَدَّمَهُ في سُورَةِ النعَمِ وَمَّيزَ اللهُ حَتَّى في الجَوَارِحِ مَا ... مِنْهَا يُعَلَّمُ عن باغٍ ومُغْتَشِمِ وذَمَّ رَبِي تَعَالى الجَاهلينَ بِه ... أشَد ذَم فهم أدنَى مِن البَهَمِ ولَيسَ غبطة إلا في اثنتين هُمَا ... الإِحسانُ في المال أو في العِلم والحِكَمِ ومِن صِفَاتِ أُولي الإِيمان نَهْمَتُهُمْ ... في العِلْمِ حَتَّى اللِّقا أغْبِطْ بِذِي النَّهَمِ العِلمُ أعلى وأحَلَى ما لَه اسَتَمَعَتْ ... أُذْنٌ وأعربَ عَنْهُ نَاطَقٌ بِفَمِ العِلمُ غايِتُهُ القُصوى ورُتْبَتهُ الْـ ... ـعَلْياءُ فاسْعَوا إليه يا أُولِي الهِمَمِ

العِلمُ أَشرفُ مَطْلُوبٍ وَطَالِبُهُ ... للهِ أكْرمُ مَن يَمْشِي عَلَى قَدَمِ العِلمُ نُورٌ مُبَينٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ ... أهْلُ السَّعَادَةِ والجهُالُ في الظُلَمِ العِلمُ أعَلىَ حَياةٍ لِلعِبَادِ كَمَا ... أهْلُ الجَهَالَةِ أمْواتٌ بِجَهْلِهِمِ لاسَمْعَ لا عَقْلَ بَلْ لا يُبْصِرُونَ وفي ... السَّعِيرِ مُعْتَرِفٌ كُلٌ بِذَنْبِهِمِ فالجَهلُ أصلُ ضَلالِ الخلقِ قاطبةً ... وأصلُ شقْوتهِم طُرًا وظُلْمِهِمِ والعلمُ أصل هُدَاهُم مَعَ سَعَادَتِهِمْ ... فَلاَ يَضلُ ولا يَشْقَى ذَوُو الحِكَمِ والخَوفُ وَالجَهلُ والحزْنُ الطَّويلُ بِهِ ... وعَنِ أُولِي العِلمِ مَنْفِيَانِ فاعْتَصِمِ العلمُ واللهِ مِيراثُ النُبُوَّةِ لاَ ... مِيرَاثَ يُشْبِهُهُ طُوبَى لِمقْتَسِمِ لأنه إرثُ حَقٍ دَائمٍ أَبدًا ... ومَا سِوَاهُ إلى الإِفْنَاءِ والعَدَمِ ومنه إرْثُ سليمان النبوةَ والْـ ... ـفَضْلَ المبينَ فما أولاهُ بالنعِمِ كذا دَعَا زكريا رَبَّهُ بِولِي ... الآلِ خَوفَ الموالي مِن ورائهِمِ العِلمُ مِيزَانُ شَرْعِ اللهِ حَيْثُ بِهِ ... قَوَامٌ هُوَ بِدُونِ العِلْمِ لَمْ يقُمِ وكُلَّما ذُكر السلطان في حُجج ... فالعلم لا سلطة الأيدي لمحتكم فَسُلْطَةُ اليد بالأبدان قاصرة ... تكون بالعدل أو بالظلم والغشم وسلطة العلم تنقاد القلوب لها ... إلى الهدى وإلى مرضاة ربهم ــ ويذهب الدين والدنيا إذا ذهب الـ ... ـعلْمُ الذي فيه منجاة لمعتصم العلم يا صاح يستغفر لصاحبه ... أهل السموات والأرضين من أمم كذاك تستغفر الحيتان في لحجٍ ... من البحار له في الضوء والظلم وخارج في طلاب العلم محتسبًا ... مجاهد في سبيل الله أي كمي وأن أجنحة الأملاك تبسطها ... لطالبيه رضًا منهم بصنعهم ... والسالكون طريق العلم يسلكهم ... إلى الجنان طريقًا بارئ النسم والسامع العلم والواعي ليحفظه ... مؤديًا ناشرًا إياه في الأمم فيا نضارته إذ كان متصفًا ... بذا بدعوة خير الخلق كلهم

يا طالب العلم لا تبغ به بدلا

كفاك في فضل أهل العلم أن رفعوا ... من أجله درجات فوق غيرهم وكان فضل أبينا في القديم على ... الأملاك بالعلم من تعليم ربهم كذاك يوسف لم تظهر فضيلته ... للعالمين بغير العلم والحكم وما اتباع كليم الله للخضر المـ ... ـعروف إلا لعلمٍ عنه منبهم مع فضله برسالات الإِله له ... وموعد وسماع منه للكلم وقدم المصطفى بالعلم حامله ... أعظِم بذلك تقديمًا لذي قَدَمِ كفاهمو أن غدوا للوحي أوعية ... وأضحت الآي منه في صدورهم وَأَنْ غدوا وكلاء في القيام به ... قولاً وفعلاً وتعليمًا لغيرهم وخصهم ربنا قصرًا بخشيته ... وعقل أمثاله في أصدق الكلم ومع شهادته جاءت شهادتهم ... حيث استجابوا وأهل الجهل في صمم ويشهدون على أهل الجهالة با ... لمولى إذا اجتمعوا في يوم حشرهم والعالِمون على العباد فضلهمو ... كالبدر فضلاً على الدريِّ فاغتنم وعالم من أُولي التقوى أشد على الـ ... ـشيطان من ألف عبَّاد بِجمعِهِم وموت قوم كثيرو العد أيسر من ... حبرٍ يموت مصابٌ واسع الألمِ كما منافعه في العالم اتسعت ... وللشياطين أفراح بموتهم تاللهِ لو علموا شيئًا لَما فرحوا ... لأنَّ ذلك من إعلام حتفهم هم الرجوم بحق كل مسترق ... سمعًا كشهب السما أعظم بشهبهم لأنها لكلا الجنسين صائبة ... شيطان أنس وجن دون بعضهم هم الهداة إلى أهدى السبيل وأهـ ... ـل الجهل عن هديهم ضلوا لجهلهم وفضلهم جاء في نص الكتاب وفي الحـ ... ـديث أشهر من نار على علم نبذة في وصية طالب العلم يا طالب العلم لا تبغِ به بدلاً ... فقد ظفرت وربِّ اللوح والقلم وقدِّس العلم واعرف قدر حرمته ... في القول والفعل والآداب فالتزم

واجهد بعزمٍ قويٍّ لا انثناء له ... لو يعلمُ المرء قدر العلم لم ينم ... والنصح فابذله للطلاب محتسبًا ... في السر والجهر والأستاذ فاحترم ومرحبًا قل لمن يأتيك يطلبه ... وفيهم احفظْ وصايا المصطفى بِهِم والنَّيَّةَ اجعل لوجه الله خالصةً ... أنَّ البناء بدون الأصل لم يقم ومن يكن ليقول الناس يطلبه ... أَخسِر بصفقته في موقف الندم ومن به يبتغي الدنيا فليس له ... يوم القيامة من حظٍّ ولا قسم كَفَاهُ مَا كان في شورى وهود وفي ... الإِسراء موعظة للحاذق الفهم إياك واحذر مما رَاءَ السَّفيه به ... كذا مباهاة أهل العلم لا تَرُمِ فإنَّ أبغض كلّ الخلق أجمعهم ... إلى الإِله ألدُّ الناس في الخصم والعجب فاحذر إنَّ العجب مجترف ... أعمال صاحبه في سيله العرم وبالمهم المهم ابدأ لتدركه ... وقدم النصَّ والآراء فاتهم قدِّم وجوبًا علوم الدين إن بها ... يبين نهج الهدى من موجب النقم وكل كسرٍ الفتى فالدين جابره ... والكسر في الدين صعب غير ملتئم دع عنك ما قاله العصري منتحلاً ... وبالعتيق تمسَّك قط واعتصم ما لعلم إلا كتاب الله أو أثر ... يجلو بنور هداه كل منبهم ما ثمَّ علم سوى الوحي المبين وما ... منه استمدَّ ألا طوبى لمغتنم والكتم للعلم فاحذر إِنَّ كاتمه ... في لعنة الله والأقوام كلِّهم ومنْ عُقُوبَتِه أنْ في الْمِعَادِ لهُ ... مِن الجحيم لِجَامًا لَيسَ كَاللُّجُمُ وَصَائِنُ العِلْم عَمَّنْ لَيسَ يَحْمِلُهُ ... مَاذَا بِكِتْمان بَلْ صَونُ فَلاَ تَلُمِ وإِنما الكَتْمُ مَنْعُ العِلْمِ طَالِبَهُ ... مِن مُسْتَحِقٍّ لَهُ فَافْهَمْ وَلاَ تَهمِ وأَتْبِعِ العِلْم بِالأعْمَالِ وادْعُ إِلَى ... سَبِيلِ رَبِّكَ بِالتِّبْيَانِ وَالحِكَمِ واصبِرْ عَلَى لاَحِقٍ مِن فِتنةٍ وأَذَى ... فِيهِ وفي الرُسِْلِ ذِكْرَى فَاقتَدِه بِهِمِ

لَوَاحِدٌ بِكَ يَهْدِيهِ الإِلهُ لَذَا ... خَيرٌ غَدًا لَكَ مِن حُمْرٍ مِن النَّعَمِ وَاسْلُكْ سَواءَ الصِّراطِ الْمُسْتَقِيم وَلا ... تَعْدِلْ وقُلْ رَبِيَ الرحمنُ وَاسْتَقِمِ ارْوِ الحديثَ ولازمْ أهْلَهُ فهم الـ ... ـناجونَ نصًّا صَرِيحًا لِلرَّسُولِ نمُي سامِتْ مَنَابِرهُم واحْمِلْ مَحَابِرَهُم ... والزمْ أكَابِرَهُم في كُلِّ مُزْدحَمِ اسْلُكْ مَنَارَهُمو والزَمْ شِعَارَهُمُ ... واحْطُطْ رِحَالِكِ إنْ تَنْزِلْ بِسَوحِهِمِ هُمُ العُدُولُ لِحَملِ العِلم كَيفَ وَهُمْ ... أُولُو المكارِمِ والأخلاقِ والشِيَمِ هُمُ الأفاضلُ حَازُوا خَيرَ مَنْقَبَةٍ ... هُمُ الأُولَى بِهِم الدِّينُ الحنيفُ حُمِي هُمُ الجَهَابِذَةُ الأعْلامُ تَعْرِفُهُمْ ... بَينَ الأنامِ بِسِيماهُم وَوَسْمِهِمِ هُم ناصرُوا الدِين والحَامُونَ حَوزَتَهُ ... مِن العَدُوِّ بِجَيشٍ غَير مُنْهَزِمِ هُمُ البُدُورُ ولكِنْ لاَ أُفُول لَهُمْ ... بَلِ الشُمُوسُ وقَدْ فاقُوا بِنُورِهِمِ لَمْ يَبْقَ لِلْشَّمْسِ مِن نُورٍ إذَا أفَلَتْ ... ونُورُهٌم مُشْرقٌ مِن بَعْدِ رَمِسْهِمِ لَهُم مَقَامٌ رَفيعٌ لَيسَ يُدْرِكُهُ ... مِن العِبَادِ سِوَى السَّاعِي كَسَعْيِهِمِ أبْلِغْ بحُجّتِهِمْ أرْجحْ بِكِفَّتِهِم ... في الفَضْل إنْ قِسْتَهُمْ وزْنًا بِغَيرِهِمِ كَفَاهُمُوا شَرَفًا أنْ أصْبَحُوا خَلَفًا ... لِسَّيدِ الحُنَفَا فِي دِينِهِ القَيِمِ يُحْيوُنَ سُنَّتهُ مِن بَعْدِهِ فَلَهُمْ ... أولَى بِهِ مِن جَمِيعِ الخَلْقِ كُلِّهِمِ يروون عنه أحاديث الشريعة لا ... يألون حفظًا لها بالصدر والقلم ينفون عنها انتحال المبطلين وتحـ ... ـريف الغلاة وتأويل الغويِّ اللئم أدَّوا مقالته نصحًا لأمَّته ... صانوا روايتها عن كلِّ متهم لم يلههم قط من مال ولا خولٍ ... ولا ابتياع ولا حرث ولا نعم هذا هو المجد لا ملك ولا نسب ... كلاَّ ولا الجمع للأموال والخدم فكل مجد وضيع عند مجدهمو ... وكل ملك فخدام لملكهم والأمن والنور والفوز العظيم لهم ... يوم القيامة والبشرى لحزبهم فإن أردت رقيًا نحو رتبتهم ... ورُمتَ مجدًا رفيعًا مثل مجدهم

عج بالمعالم والربوع

فاعمد إلى سلم التقوى الذي نصبوا ... واصعد بعزم وجُدْ مثل جدِّهم واعكف على السنة المثلى كما عكفوا ... حفظًا مع الكشف عن تفسيرها ودم واقرأ كتابًا يفيد الاصطلاح به ... تدري الصحيح من الموصوف بالسقم فهي المحجة فاسلك غير منحرف ... وهي الحنيفية السمحاء فاعتصم وحي من الله كالقرآن شاهده ... في سورة النجم فاحْفَظْهُ ولا تهم خير الكلام ومن خير الأنام بدا ... من خير قلب به قد فاه خير فم وهي البيان لأسرار الكتاب فبا ... لأعراض عن حُكمها كن غير متَّسم حكِّم نبيَّك وانقد وأرض سُنته ... مع اليقين وحول المشك لا تحم واعضض عليها وجانب كل محدثة ... وقل لذي بدعة يدعوك لا نعم فما لذي ريبة في نفسه حرج ... مما قضى قط في الإيمان من قسم ... «فلا وربِّك» أقوى زاجرًا لأولي ... الألباب والملحد الزنديق في صمم آخر: تَجَهَّزْ إلى الأجْدَاثِ وَيحَكَ والرَّمْسِ ... جَهَازًا من التَّقْوى لأَطْوَل مَا حَبْسِ فإنَّكَ لا تَدْرِي إذَا كُنْتَ مُصْبِحًا ... بأحْسَنَ مَا تَرْجُو لَعَلَّكَ تُمْسِي سَأُتْعِبُ نَفْسِي كَي أُصَادِفَ رَاحَةً ... فإنَّ هَوَانَ النَّفْسِ أكْرَمُ لِلنَّفْسِ وأزْهَدُ في الدُّنْياَ فإنَّ مُقِيمَهَا ... كَضَاعِنِهَا مَا أشْبَهَ اليَومَ بالأمْسِ آخر: عُجْ بالمَعَالِمِ والرُبُوعْ ... واسْألْ بِهِنَّ عن الرُّجُوعْ أينَ الذينَ عَهِدْتُهُمْ ... يَا دَارُ في العِزِّ المَنِيعْ والنَّهْي والأمْرِ المُطَا ... عِ بِذُرْوة القَصْرِ الرَّفِيعْ إنْ لَمْ تُجِبكَ ديَارُهُمْ ... يَا صَاحِ بالأمْرِ الفَظِيعْ فلِسَانُ حالِهِمُو يَقُولْ ... لا تَنْظُرنَّ إلى الجُمُوعْ قَدْ أصْبَحَتْ مَهْجُورَةً ... مِن بَعْدِ مَنْظَرِهَا البُّدِيعْ هَيهَات أنْ يَنْجُو غَدًا ... يَومَ الحِسَاتِ سَوَى المُطِيعْ

أيا من عمره طال

آخر: أيا مَنْ عُمْرُهُ طَالْ ... إلَى كَمْ أنْتَ بَطَّالْ جَمِيعُ الدهر نَقَّالْ ... عَلَى ظَهْرِكَ أثْقَالْ تُبَارِزُ بالمَعَاصِي ... وعَن الطَّاعَةِ قَاصِي يَدعُو اللهَ بالخَلاصِ ... ومَا عِنْدَهُ إقْبَالْ إلى الغِيبَةِ يَرْتَاحْ ... ومَا عِنْدَهُ إصْلاحْ ومَا يُرْضِيهِ يا صَاحْ ... سِوَى القِيلِ مَعَ القَالْ تَمُدُّ الطَّرْفَ في الصَّومْ ... ولا تَخْشَ من اللَّومْ لِيُكْتَبْ مِنك في اليَومْ ... وفي اللَّيلَةِ أفْعَالْ فَتُبْ في الشَّهْرِ كَي تُحْظَى ... وكَمِّلْ صَومَهُ فَرْضَا لَعَلَّ اللهَ أنْ يَرْضَى ... ويُصْلِحْ مِنْكَ أحْوَالْ آخر: يَا صَاحِب العَقلِ السَّلِيمْ ... إسْمَعْ كَلامًا مِن عَلِيمْ بادِرْ إلى الأعْمَالِ مَا ... دُمْتَ لِتَنْجُو مِن جَحِيمْ يَا مَن يُحَدِّثْ نَفْسَهُ ... بِدُخُول جَنِّاتِ النَّعِيمْ لا تَرْجُوَنْ سَلامَةً ... مِنْ غَيرِ مَا قَلْبٍ سَلِيمْ واسْمَعْ كَلامًَا صَادِقًا ... يَهْدِيكَ في قَولٍ سَلِيمْ إنْ كُنْتَ مُتَّقْيًا فأ ... نْتَ عَلَى الصِّراطِ المُسْتَقِيمْ كُنْ خَائِفًا وراجيًا ... وظُنَّ خَيرًا بالكَرِيمْ واذْكُرْ وُقُوفَكْ عَارِيًا ... والنَّاسُ في أمْرٍ عَظِيمْ إمَّا إلَى دَارِ الشَّقَا ... وَةْ أو إلَى دَارِ النَّعِيمْ فاغْنَمْ حَيَاتَكْ واجْتَهِدْ ... وتُبْ إلَى الرَّبِ الرَّحِيمْ هذي وَصِيَّتْ مُخْلِصٍ ... يَرْجُو مِن المَولَى الكَرِيمْ غُفْرَانَهُ فَهْوَ الذِي ... يَعْفُو عَن الذَّنْبِ العَظِيمْ

لا نلت مما أرتجيه سرورا

آخر: لاَ نِلْتُ مِمَّا أَرْتَجِيهِ سُرُورَا ... إن كان قَلْبِي عن رَجَاكَ نَفُورَا والمرءُ لَيسَ بِصَادِقَ في حُبّهِ ... إنْ لَمْ يَكُنْ في النائِبات صَبُورَا للهِ قومٌ أَخْلَصُوا في حُبِّهِ ... فكَسَا وجُوهَهُمُ الوَسِيمَةَ نُورًا ذَكَرُوا النَّعِيمَ فَطَلَّقُوا دُنْْيَاهُمُو ... زُهْدًا فَعَوضَهُم بِذَاكَ أَجُورًا قامُوا يُنَاجُونَ الإلهَ بِأَدْمُعٍ ... تَجْري فَتَحْكِي لُؤلُؤًا مَنْثُورًا سَتَروا وُجُوهَهُمُو بِأَسْتَارِ الدُّجَى ... لَيلاً فَأَضْحَتْ في النَّهَارِ بُدُورًا عَمِلُوا بِمَا عَلِمُوا وَجَادُوا بالذي ... وَجَدُوا فَأَصْبَحَ حَظهُم مَوفُورًا وإِذَا بَدَا لَيلٌ سَمِعْتَ حَنِينَهُمْ ... وَشِهَدْتَ وجْدًا مِنْهُمُو وزَفِيرًا تَعِبُوا قَلِيلاً في رِضَا مَحْبُوبِهِم ... فَأَرَاحَهُم يَومَ اللِّقَاءِ كَثِيرًا صَبَرُوا عَلى بَلْوَاهُمُو فَجَزَاهُمُو ... يَومَ القِيَامَةِ جَنَّةً وحَرِيرًا يَا أَيُّهَا الغِرُّ الحَزِينُ إِلى مَتَى ... تُفْنِي زَمَانَكَ بَاطِلاً وَغُرُورًا بَادِرْ زَمَانَكَ واغْتَنِمْ سَاعَاتِهِ ... وَاحْذَرْ تَوانًا كَي تَحَوُزَ أَجُورًا وَاضْرعْ إِلى المَولى الكَريمِ وَنَادِهِ ... يَا وَاحِدًا في مُلكِهِ وَقَدِيرًا مَا لي سِوَاكَ وَأَنْتَ غَايَةُ مَقْصَدِي ... وإِذَا رَضِيتَ فَنِعْمَةٌ وسُرُورًا ... آخر: شَمِّر عَسَى أَنْ يَنْفَعَ التَّشْمِيرُ ... وانْظُرْ بِفْكركَ مَا إليهِ تَصِيرُ طوَّلْتَ آمالاً تكَنَّفَهَا الهَوَى ... ونسِيتَ أنَّ العُمْرَ منكَ قصِيرُ قد أفْصَحَتْ دُنْيَاكَ عن غدَرَاتِها ... وأَتَى مَشِيبُكَ وَالمشِيبُ نَذِيرُ دَارٌ لَهَوتَ بِزَهْوهَا مُتَمَتِّعًا ... تَرْجُو المقامَ بهَا وَأَنْتَ تسيرُ واعْلَمْ بأنَّكَ رَاحِلٌ عَنْهَا ولَو ... عُمِّرْت فيهَا مَا أقامَ ثَبِيرُ لَيسَ الغِنَىُّ في العَيشِ إلا بُلْغَةَ ... ويسِير ما يَكْفِيكَ منه كثيرُ

وإياك والدنيا الدنية إنها

لا يَشْغَلَنَّكَ عَاجلٌ عَن آجلٍ ... أبَدًا فَمُلْتَمِسُ الحَقِيرِ حَقِيرُ ولَقَدْ تَسَاوَى بَينَ أَطْبَاقِ الثَّرى ... في الأرْضِ مأمُورٌ بهَا وأمِيرُ آخر: وَإِيَاكَ والدُّنْيَا الدَّنِيَّةَ إِنَّهَا ... هِيَ السِّحْرُ في تَخْيِيلِهِ وَافْتِرَائِهِ مَتَاعُ غُرُورٍ لا يَدُومُ سُرورُها ... وَأَضْغَاثُ حُلْمٍ خَادِعٍ بِهَبَائِهِ فَمَن أَكْرَمَتْ يَومًا أَهَانَتْ لَهُ غَدًا ... وَمَنْ أَضْحَكَتْ قَدْ آذنَتْ بِبُكَائِهِ وَمَن تُسْقِهِ كَأْسًا مِن الشَّهْدِ غُدْوَةً ... تُجَرِّعُهُ كَأْسَ الرَّدَى في مَسَائِهِ وَمَن تَكْسُ تَاجَ المُلْكِ تَنْزَعْهُ عَاجِلاً ... بِأَيدِي المَنَايَا أَو بِأَيدِ عِدَائِهِ أَلا إنَّها لِلْمَرْءِ مِن أَكْبَرِ العِدَا ... وَيَحْسَبُهَا المَغْرُورُ مِن أَصْدِقَائِهِ فَلَذَّاتُها مَسْمُومَةٌ وَوُعُودُها ... سَرَابٌ فَمَا الظَّامِي رَوَى مِن عَنَائِهِ وَكَمْ في كِتَابِ الله مِنْ ذِكْرِ ذَمِّهَا ... وَكَمْ ذَمَّهَا الأَخْيَارُ مِن أَصْفِيَائِهِ فَدُونَكَ آياتِ الكِتَابِ تَجِدْ بِهَا ... مِنْ العِلْمِ مَا يَجْلُو الصَّدَا بِجَلائِهِ

وَمَنْ يَكُ جَمْعُ المَالِ مَبْلَغَ عِلْمِهِ ... فَمَا قَلْبُهُ إِلا مَرِيضًا بِدَائِهِ فَدَعْهَا فإِنَّ الزُّهْدَ فِيهَا مُحَتَّمٌ ... وَإِنْ لَمْ يَقُمْ جُلُّ الوَرَى بِأدَائِهِ وَمَن لَم يَذَرْهَا زَاهِدًا في حَيَاتِهِ ... سَتَزْهَدُ فِيهِ النَّاسُ بَعْدَ فَنَائِهِ فَتَتْرُكُهُ يَومًا صَرِيعًا بِقَبْرِهِ ... رَهِينًا أَسِيرًا آيِسًا مِنْ وَرَائِهِ وَيَنْسَاهُ أَهْلُوهُ المُفَدَّي لَدَيهِمُ ... وَتَكْسُوهُ ثَوبَ الرُّخْصِ بَعْدَ غَلائِهِ وَيَنْتَهِبُ الوُرَّاثُ أَمْوَالَهُ التي ... على جَمْعِهَا قاسَى عَظِيمَ شَقَائِهِ وَتُسْكِنهُ بَعْدَ الشَّوَاهِقِ حُفْرةٌ ... تَضِيقُ بِهِ بَعْدَ اتِّسَاعِ فَضَائِهِ يُقِيمُ بِهَا طُولَ الزَّمانِ وَمَا لَهُ ... أَنيسٌ سوى دُودٍ سَعى في حَشائِهِ ... فَوَاهًا لَهَا مِن غُربةٍ ثم كُرْبَةٍ ... ومِن تُربَةٍ تَحْوِي الفَتَى لِبَلائِهِ وَمِن بَعدِ ذا يَومُ الحِسَابِ وَهولُه ... فَيُجزَى بِهِ الإِنسانُ أَوفَى جَزائِهِ وَلاَ تَنْسَ ذِكرَ الموتِ فالموتُ غائبٌ ... وَلا بُدَّ يَومًا لِلْفَتَى مِن لِقَائِهِ

سأحمد ربي طاعة وتعبدا

قَضى الله مَولانَا عَلى الخَلْقِ بالفَنَا ... ولا بدَّ فِيهم مِن نُفُوذِ قَضَائهِ فَخُذْ أهْبَةً لِلْمَوتِ مِن عَمَلِ التُّقَى ... لِتَغْنَمَ وَقْتَ العُمْرِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ وإِيَّاكَ والآمالَ فالعُمْرُ يَنْقَضِي ... وأسْبَابُهُا مَمْدُودَةٌ مِن وَرَائِهِ وَحَافِظْ على دينِ الهُدَي فَلَعلَّهُ ... يَكونُ خِتامَ العُمْرِ عندَ انتِهَائِهِ فَدُونَك مِنّي فاسْتَمعها نَصِيحَةً ... تُضَارِعُ لَونَ التِّبْرِ حَالَ صَفَائِهِ وصَلّي عَلى طُولِ الزمانِ مُسَلِّمًا ... سَلامًا يَفُوقُ المِسْكَ عَرْفُ شَذَائِهِ عَلى خاتَمِ الرسْلِ الكِرَامِ مُحَمَّدٍ ... وأَصحابِهِ والآلِ أَهل كِسَائِهِ وأتْبَاعِهم في الدينِ ما اهْتَزَّ بِالرُّبَا ... رِياضٌ سَقاهَا طَلُّهَا بِنَدائِهِ هذه القصيدة الشيبانية عدَّلنا فيها بعض أبيات وكان بعضها فيه شيء لا يصلح. سَأَحْمَدُ رَبِّي طَاعَةً وَتَعَبُّدًا ... وَأنْظِمُ عِقْدًا فِي العَقِيدَةِ أَوحَدَا وَأَشْهَدُ أَنَّ اللهَ لاَ رَبَّ غَيرَه ... تَعَزَّزَ قِدْمًا بِالْبَقَاء وَتَفرَّدًا هُوَ الأَوَّلُ المُبْدِى بِغَيرِ بِدَايَةٍ ... ولا بعده شَيءٌ علا وتوحَّدَا سمِيعٌ بَصِيرٌ عَالِمٌ مُتَكَلِّمٌ ... قَدِيرٌ يُعِيدُ الْعَالَمِينِ كَمَا بَدَا

مُرِيدٌ أَرَادَ الْكَائِنَاتِ لِوَقْتِهَا ... قَديرٌ فَأَنْشَا ما أَرَادَ وَأَوجَدَا إِلَهٌ عَلَى عَرْشِ السَّمَاءِ قَدِ اسْتَوَى ... وَبَايَنَ مَخْلُوقاتِهِ وَتَوَحَّدَا إِذِ الْكَونُ مَخْلُوقٌ وَرَبي خَالِقٌ ... لَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْكَونِ رَبًّا وَسَيِّدَا وَلَيسَ كَمِثْلِ الله شَيءٌ وَلَا لَهُ ... شَبيهٌ تَعَالى رَبُّنَا وتَوحَّدَا وَمَنْ قَالَ في الدُّنْيا يَرَاهُ بِعَينِهِ ... فَذَلِكَ زِنْديقٌ طَغى وَتَمَرَّدَا وَخَالَفَ كُتْبَ الله وَالرُّسْلَ كُلَّهُمْ ... وَزَاغَ عَن الشَّرْعِ الشَّرِيف وَأَبْعَدَا وَذَلِكَ مِمَّنْ قَالَ فِيهِ إِلهُنَا ... يُرَى وَجْهُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَسْوَدَا وَلَكِنْ يَرَاهُ فِي الجِنَانِ عِبادُهُ ... كما صَحَّ فِي الأَخْبَارِ نَرْوِيهِ مُسْنَدَا وَنَعْتَقِدُ الْقُرْآنَ تَنْزِيلَ رَبِّنَا ... بِهِ جاءَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ «مُحَمَّدَا» وَأَنْزَلَهُ وَحْيًا إِليهِ وَأَنَّهُ ... هُدَى الله يَا طُوبى بِهِ لِمَنْ اهْتَدَى كلام كريم مُنْزَلٌ من إلهنا ... بِأَمْرٍ وَنَهْيٍ وَالدَّلِيلُ تَأَكَّدَا ... كَلَامُ إِلهِ الْعَالَمِينَ حَقِيقَة ... فَمَنْ شَكَّ فِي هَذا فَقَدْ ضَلَّ وَاعْتَدَى وَمِنْهُ بَدَا قَولاً وَلَا شَكَّ أنهُ ... يَعُودُ إِلَى الْرَّحْمنِ حَقًا كما بَدَا فَمنْ شَكَّ فِي تَنْزِيلِه فَهْوَ كافِرٌ ... وَمَنْ زَادَ فِيهِ قَدْ طَغَى وَتَمَرَّدَا وَمَنْ قالَ مَخْلُوقٌ كَلَامُ إِلهِنَا ... فَقَدْ خَالَفَ الإِجْمَاعَ جَهْلاً وَأَلْحَدَا وَنُؤْمِنُ بِالْكُتُبِ الَّتِي هِيَ قَبْلَهُ ... وَبِالْرُّسْلِ حَقَّا لَا نُفَرِّقُ كالْعِدَا وَإِيمَانُنَا قَولٌ وَفِعْلٌ وَنِيِّةٌ ... وَيَزْدَادُ بِالتَّقْوَى وَيَنْقُصُ بِالرَّدَى فَلَا مَذْهَبَ التَّشْبِيِه نَرْضَاهُ مَذْهَبًا ... وَلَا مَقْصدَ التَّعْطِّلِ نَرْضَاهُ مَقْصِدَا وَلَكِنْ بِالقُرْآنِ نَهْدِي وَنَهْتَدِي ... وَقَدْ فَازَ بِالقُرْآنِ عَبْدٌ قَدْ اهْتَدَى وَنُؤْمِنُ أَنْ الخَيرَ وَالشَّرَّ كُلَّهُ ... مِنَ الله تَقْدِيرًا عَلَى العَبْدِ عُدِّدَا فَمَا شَاءَ رَبُّ العَرْشِ كَانَ كَمَا يَشَا ... وَمَا لَمْ يَشَا لَا كَانَ فِي الْخَلْقِ مُوجَدَا وَنُؤْمِنُ أَنَّ المَوتَ حَقٌّ وَأَنَّنَا ... سَنُبْعَثُ حَقًّا بَعْدَ مَوتِنَا غَدَا

وَأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرَ حَقٌّ وَأَنَّهُ ... عَلَى الْجِسْمِ وَالرُّوحِ الذِّي فِيهِ أَلْحِدَا وَمُنْكَرُهُ ثُمَّ النَّكِيرُ بِصُحْبَةٍ ... هُما يَسْألَانِ الْعَبْدَ فِي الْقَبْرِ مُقْعَدَا وَمِيزَانُ رَبِّي وَالصِّرَاطُ حَقِيقَةً ... وَجنََّتُهُ وَالنَّارُ لَمْ يُخْلَقَا سُدَى وَأَنَّ حِسَابَ الخَلْقِ حَقٌّ أَعَدَّهُ ... كَمَا أَخْبَرَ القُرْآنُ عَنْهُ وَشَدَّدَا وَحَوضُ رَسُولِ الله حَقًّا أَعَدَّهُ ... لَهُ اللهُ دُونَ الرُّسلِ مَاءً مُبَرْدَا وَيَشْرَبُ مِنْهُ الْمُؤْمِنونَ وَكِلُّ مَنْ ... سُقِي مِنْهُ كَأَسًا لَمْ يَجِدْ بَعْدَهُ صدَى أَبارِيقُهُ عَدُّ النُّجُومِ وَعَرْضُهُ ... كَبُصْرَى وَصَنْعًا فِي المَسَافَةِ حُدِّدَا وَأَنَّ رَسُولَ الله أَفْضَلُ مَنْ مَشَى ... عَلَى الأَرْضِ مِنْ أَولَادِ آدَمَ أَو غَدَا وَأَرْسَلَهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ رَحْمَةً ... إِلَى الثَّقَلَينِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ مُرْشِدَا وَأْسَرى بِهِ لَيلاً إِلَى الْعَرْشِ رِفْعَةً ... وَأَدَْاهُ مِنْهُ قَابَ قَوسَينَ مُصْعِدَا وَخَصَّصَ مُوسى رَبُّنَا بِكَلَامِهِ ... عَلَى الطُّورِ نَادَاهُ وَأَسْمَعَهُ النَّدَا وَكِلُّ نَبِي خَصَّهُ بِفَضِيلَةٍ ... وَخَصَّصَ بالقرآن رَبِّي مُحَمَدَا وَأَعْطَاهُ فِي الحَشْرِ الشَّفَاعَةَ مِثْلَ ما ... رُوِي في الصَّحِيحَينِ الحَدِيثُ وَأُسْنِدَا فَمَنْ شَكَّ فيهَا لَمْ يَنَلْهَا وَمَنْ يَكُنْ ... شَفِيعًا لَهُ قَدْ فَازَ فَوزًا وَأُسْعِدَا وَيَشْفَعُ بَعْدَ المُصْطَفى كُلُّ مُرْسَلٍ ... لِمَن عَاشَ فِي الدُّنْيَا وَمَاتَ مُوَحدَا وَكِلُّّ نَبِيٍّ شَافِعٌ وَمُشَفَّعٌ ... وَكُلُّ وَلِيٍّ فِي جَمَاعَتِهِ غَدَا ... وَيَغْفِرُ دُونَ الشَّرْكِ رَبِّي لِمَن يَشَا ... وَلَا مُؤْمِنٌ إِلَّا لَهُ كافِرٌ فِدَا وَلَمْ يَبْقَ فِي نَارِ الجَحِيمِ مُوَحِّدٌ ... وَلَو قَتَلَ النَّفْسَ الحَرَامَ تَعَمُّدَا وَنَشْهَدُ أَنَّ اللهَ خَصَّ رَسُولَهُ ... بِأَصْحَابِهِ الأَبْرَارِ فَضْلاً وَأَيَّدَا فَهُمْ خَيرُ خَلْقِ الله بَعْدَ أَنْبِيَائِهِ ... بِهِم يَقْتدِي فِي الدَّينِ كُلُّ مَنِ اقْتَدَى وَأَفْضَلُهُمْ بَعْدَ النَبِيِّ «مُحَمَّدٍ» ... أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ذُو الفضلِ والنَّدَى لَقَدْ صَدَّقَ الْمُخْتَارَ في كُلِّ قَولِهِ ... وَآمَنَ قَبْلَ النَّاسِ حَقًّا وَوَحَّدَا

أما المشيب فقد كساك رداؤه

وَفادَاهُ يَومَ الْغَارِ طَوعًا بِنَفْسِهِ ... وَوَاساهُ بِالأَمْوَالِ حَتَّى تَجَرَّدَا وَمِنْ بَعْدِهِ الفَارُوقُ لَا تَنْسَ فَضْلَهُ ... لَقَدْ كَانَ لِلإِسْلَامِ حِصْنًا مُشَيَّدَا لَقَدْ فَتَحَ الفَارُوقُ بَالسَّيفِ عَنْوَةً ... كثيرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ وَمَهَّدَا وَأَظْهَرَ دِينَ الله بَعْدَ خَفَائِهِ ... وَأَطْفَأَ نَارَ المُشْرِكِينَ وَأَخْمَدَا وَعُثْمَانُ ذُو النَّورَينِ قَدْ مَاتَ صَائِمًا ... وَقَدْ قَامَ بِالقُرْآنِ دَهْرًا تَهَجُّدَا وَجَهَّزَ جَيشَ الْعُسْرِ يَومًا بِمَالِهِ ... وَوَسَّعَ لِلْمُخْتارِ والصَّحْبِ مَسْجِدَا وَبَايَعَ عَنْهُ المُصْطَفَى بِشِمَالِهِ ... مُبَايَعَةَ الرَّضْوَانِ حَقًّا وَأَشْهَدَا وَلاَ تَنْسَ صِهْرَ المُصْطَفَى وَابْنَ عَمَّهِ ... فَقَدْ كَانَ حَبْرًا لِلْعُلُومِ وَسيدَّا وَفادَى رَسُولَ الله طَوعًا بِنَفْسِهِ ... عَشِيَّةَ لِمَا بالْفِرَاشِ تَوَسَّدَا وَمَنْ كانَ مَولَاهُ النَّبِيُّ فَقَدْ غَدَا ... عَليٌّ لَهُ بِالحَقِّ مَولًى وَمُنْجِدَا وَطَلْحَتُهُمْ ثُمَّ الزُّبَيرُ وَسَعْدُهُمْ ... كَذا وَسَعِيدٌ بِالسَّعَادَةِ أُسْعِدَا وكانَ ابْنُ عَوفٍ باذِلَ المَالِ مُنْفِقًا ... وكانَ ابْنُ جَرَّاحٍ أَمينًا مؤيَّدًا وَلاَ تَنْسَ بَاقِيَ صَحْبِهِ وَأَهْلَ بَيتِهِ ... وَأَنْصَارَهُ وَالتَّابِعِينَ عَلَى الهُدَى فَكُلَّهُمُ أَثْنَى الإِلَهُ عَلَيهِمُ ... وَأَثْنَى رَسُولُ الله أَيضًا وَأَكَّدَا فَلَا تَكُ عَبْدًا رَافِضِيًا فَتَعْتَدِى ... فَوَيلٌ وَوَيلٌ فِي الْورَىَ لِمَنْ اعْتَدَى وَنَسْكُتَ عَنْ حَرْبِ الصَّحَابَةِ فالَّذِي ... جَرَى بَينَهُمْ كانَ اجْتِهادًا مُجَرَّدَا وَقَدْ صَحَّ فِي الأَخْبَارِ أَنَّ قَتِيلَهُمْ ... وَقَاتِلَهُمْ فِي جَنَّةِ الخُلْدِ خُلَّدَا فَهذَا اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ إِمامِنَا ... وَمالِكِ والنُّعْمانِ أَيضًا وَأَحْمَدَا فَمَنْ يَعْتَقِدْهُ كُلَّّهُ فَهْوَ مُؤْمِنٌ ... وَمَنْ زَاغَ عَنْهُ قَدْ طَغَى وَتَمَرَّدَا وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. شِعْرَا: أَمَّا المشِيبُ فقد كَسَاكَ رِدَاؤُه ... وأَزَالَ عَنْ كَتْفَيكَ أَرْدِيَةَ الصِّبَا

يا رب صل على من حل بالحرم

ولَقَدْ مَضَى القَومُ الذِينَ عَهدْتَهُمْ ... لِسَبيلِهمْ ولَتْلَحَقَنَّ بمَنْ مَضَى وَلَقَلَّما تَبْقَى فَكُنْ مُتَفَطِّنًا ... ولَقَلَّمَا يَصْفُو سُرُورُكَ إنْ صَفا وهُوَ السَّبيل فَخُذْ لِذَلِكَ عُدَّةً ... فكَأَنَّ يَومَكَ عن قَلِيلٍ قَدْ أَتَى لا يُشْغِلَنَّكَ لَو وَلَيتَ عن الذِي ... أَصْبَحْتَ فيهِ ولا لَعَلَّ ولاَ عَسَى عَلَمُ المَحَجَّةِ بَيِّنٌ لِمُريدِهِ ... وأَرَى القُلُوبَ عِن المَحَجَّةِ في عَمَى ولَقَدْ عَجبْتُ لِهَالِكٍ ونَجَاتُهُ ... مَوجُودَةٌ ولَقَدْ عَجِبْتُ لِمَنْ نَجَا وعَجِبْتُ إِذْ أَخْشَى الحِمَامَ ولَيسَ لي ... دُونَ الحِمَامِ وإنْ تَأَخَّرَ مُنْتَهَى مَعَ أَنْ سَاعَاتِ النَّهارِ تَدِبُّ لِي ... رُسُلاً وَإِنِّي لا أزالُ عَلَى الخَطَا فلَئِنْ نَجَوتُ فإِنَّمَا هِيَ رَحْمَةُ الرّ ... رَّبِّ الرحيم وإنْ هَلَكْتُ فبالْجَزَا يا سَاكِنَ الدُنْيَا أَمِنْتَ زَوَالَهَا ... ولَقَدْ نَرى الأَيامَ دَائِرةَ الرَّحَا أَينَ الَّذِي بَنَوا الحُصُونَ وجَنَّدُوا ... فيها الجُنُودَ وأَوثَقُوا فيها الْعُرى وذَوُو الْمَفَاخِر والمَنَابِر والْمَحَا ... ضر والَعَسَاكِرِ والدَّسَاكِرِ والقُرَا أفْنَاهُمُو مِلَكُ المُلُوكِ فأصْبَحُوا ... ما فيهمُو أَحَدٌ يُحَسُّ وَلاَ يُرَى آخر: يا رب صلِّ على من حل بالحرم ... محمد المصطفى المخصوص بالكرم يا رب صل على خير الأنام ومَن ... أرسلتَه رحمةً مِن أوسط الأمم أتيتُ بالذل يا رَبِّ وَبالندم ... أَرجُو الرضا منكَ بالغفران والكرم ذِي حَالتي وانكِسَارِي لا تُخَيِّبنِي ... إِذَا وَقَفْتُ ذَلِيلاً حَافِيَ القَدَمِ قَدْ انْقَضَتْ عِيشَتِي بِالذُّلِ وَاأسَفِي ... إِنْ لَمْ تَجُدْ خَالِقي بِالعَفْوِ وَالكَرَمِ حَمَلْتُ ثِقْلاً مِنَ الأَوزَارِ فِي صِغَري ... يَا خَجْلَي فِي غَدٍ مِن زَلَّةِ القَدَمِ خَسِرْتُ عُمْرِي وَقَدْ فَرَّطْتُ فِي زَمَنِي ... فِي غَيرِ طَاعَةِ مَولاَيَ فَيَا نَدَمِي دعوت نفسي إلى الخيرات فامتنعت ... وأعرضتْ عن طريق الخير والنعم

ذنبي عظيم وأرجو منك مغفرة ... يا واسع العفو والغفران والكرم راح الشباب وولى العمر في لَعِبٍ ... وما تحصلت من خير ولم أقم ... زمان عزمي قد ضيعته كسلاً ... والعمر مني انقضى في غفلة الحلُم سار المجدون في الخيرات واجتهدوا ... يا فوزهم غنموا الجنّات والنعم شفاءُ قلبي ذكر الله خالقنا ... يا فوز عبد إلى الخيرات يستقم صَفَتْ لأهْلِ التُّقَى أَوقَاتُهُم سَعِدُوا ... نَالُوا الهَنَا وَالمُنَى بالخَيرِ والكَرَمِ ضَيَّعْتُ عُمْرِي وَلا قَدَّمْتُ لِي عَمَلاً ... أَنْجُو بِهِ يَومَ هَولِ الخَوفِ والزَّحَم طوبى لعبد أطاع الله خالقه ... وقام جنح الدجى بالدمع منسجم ظهري ثقيل بذنبي، آه واأسفي ... يوم اللقاءِ إذ الأقدام في زحم عليك يا ذا العلا كربي تفرّجه ... واشف بوصلك لي بلواي مع سقمي غفلت عن ذكر معبودي وطاعته ... وقد مشيت إلى العصيان في همم فاغفر ذنوبي وكن يا رب منقذنا ... مِن الشدائد والأهوال والتهم قد أثقلتني ذنوب ما لها أحد ... سواك يا غافر الزلات واللمم كن منجدي يا إلهي واعف عن ذلل ... وتب عليَّ من الآثام واللمم لاحَ المَشِيبُ وَوَلىَّ العُمْرُ فِي لَعِبٍ ... وَصِرْتُ مِن كَثْرةِ الأَوزَارِ في نَدَمِ مَضَى زَمَانِي وَمَا قَدَّمْتُ لَي عَمَلاً ... يَا خَجْلَتِي مِن إِلهي بارِي النَّسَمِ نَامَتْ عُيُوني وأهْلُ الخَيرِ قَدْْ سَهِرُوا ... أَجْْفَانُهُمْ فِي ظَلامِ اللَّيلِ لَم تَنَمِ قَامُوا إِلى ذِكْرِ مَولاهُم فَقَرِّبَهُمْ ... وَخَصَّهُم بالرِّضَا وَالفَضْلِ وَالكَرَمِ وَلَيسَ لِي غَيرُ رَبِّ الخَلْقِ مِنْ سَنَدٍ ... أرْجُو نَجَاتِي مِنهُ عِند مُزْدَحِمِ لا أَرْتَجي أَحَد يَومَ الزِحَامِ سِوى ... رَبِّ البَرَّيةِ مُنْشِيهَا مِنَ العَدَمِ ثم الصلاة على المختار من مضر ... خِير الخلائق من عرب ومن عجم والآل ما قال مَخْلُوقُ لِخَالِقِهِ ... أتَيتُ بالذُلِ والتقصيرِ والندمِ

أتعصى الله وهو يراك جهرا

آخر: أَتْعِصِى اللهَ وهو يَرَاكَ جَهْرًا ... وتَنْسَىَ في غدٍ حَقًا لِقَاهُ وَتَخْلُو بالمِعَاصِي وهو دَانٍ ... إِلَيكَ ولَسْتَ تَخْشَى مِن سُطَاهُ وَتُنِكُر فِعْلَهَا ولَهُ شُهُودٌ ... على الإنْسَانِ تَكْتُبُ ما حَوَاهُ فَوَيلُ العَبْدِ مِن صُحْفٍ وفيها ... مَسَاوِيه إِذا وَافَى مَسَاهُ ويا حَزَنَ المُسِيء لِشُؤم ذَنْبٍ ... وبَعْدَ الحُزْنِ يَكْفِيهِ جَوَاهُ ويَنْدَمُ حَسْرةً مِن بَعْد فَوتٍ ... ويَبْكِي حَيثُ لا يُجْدِي بُكَاهُ ... يَعَضُ يَدَيهِ مِنْ أَسَفٍ وحُزْنٍ ... ويَنْدَمُ حَسْرةً مِمَّا دَهَاهُ فَكُنْ باللهِ ذَا ثِقَةٍ وَحَاذِرٍ ... هُجُومَ الموتُ مِنْ قَبْل أَنْ تَرَاهُ وبادِرْ بالمَتِابِ وأَنْتَ حَيٌّ ... لَعَلَّكَ أَن تَنَالَ به رِضَاهُ وتَقْفُ المُصْطَفَى خَيرَ البَرَايَا ... رَسُولاً قَدْ حَبَاهُ واجْتَبَاهُ عَلَيهِ مِن المُهَيمِن كُلَّ وَقْتٍ ... سَلامٌ عَطَّرَ الدُنْيَا شَذَاهُ آخر: تَتُوبُ من الذُنُوبِ إِذَا مَرِضْتَا ... وتَرْجِعُ لِلذُنُوبِ إِذَا بَرِيتَا إِذَا مَا الضُرُّ مَسَّكَ أَنْتَ بَاكٍ ... وأَخْبَثُ ما تَكُونُ إِذَا قَويتَا فَكَم مِنْ كُرْبَةٍ نَجَّاكَ مِنْهَا ... وكَمْ كَشَفَ البَلاءَ إِذا بُلِيتَا وَكَمْ غطَّاكَ فِي ذَنْبٍ وَعَنْهُ ... مَدَى الأيامِ جَهْرًا قَدْ نُهِيتَا أَمَا تَخْشَى بِأَنْ تَأتي المَنَايَا ... وأَنْتَ على الخَطَايَا قَدْ دُهِيتَا وتَنْسَى فَضْلَ رَبٍّ جَادَ فَضْلاً ... عَليكَ ولا ارْعَوَيتَ ولا خَشِيتَا وَكَمْ عاهَدْتَ ثم نَقَضْتَ عَهْدًا ... وأَنْتَ لِكُلِّ مَعْرُوفٍ نَسِيتَا فَدَارِكَ قَبْلَ نَقْلِكَ مِنْ دِيَارِكَ ... إِلَى قَبْرٍ تَصِيرُ وَقَدْ نُعِيتَا

فيا ويح من شبت على الزيغ نفسه

آخر: فَيا وَيحَ مَن شَبَّتْ على الزَّيغِ نَفْسُهُ ... إلى أن دَهَاهَا الشّيبُ وهو نَذِيرُ وماتَ ومَا لاقَى سِوَى الخِزْي والشَّقَا ... وَوَبخَهُ بَينَ القُبُورِ نَكِيرُ ولاَقَى إلهَ العَرْشِ فِي ثَوبِ حَسْرةٍ ... وقد كان في ثَوبِ الغُرُورِ يَدُورُ فقَال خُذُوهُ لِلَجَحِيمِ مُكَبَّلاً ... وصَلَّوهُ نارًا إنّهُ لَكَفُورُ ويا فَوزَ مَن أَدَّى مَنَاسِكَ دَينِه ... وعاشَ سَليمَ القلْبِ وهْوَ طَهُورُ وتَابَعَ دِينَ الحَقِّ فِقْهًا وحِكْمَةً ... ولبَّى نِدَاءَ اللهِ وهْوَ شَكُورُ فَهَذا الذِي في الخُلْدِ يَنْعَمُ بالُه ... وَتَحْظَو بهِ بَينَ الأرَائِكِ حُورُ فَلاَ تُهْمِلُو يا قَومُ آدابَ دِينِكمْ ... فَهَجْرُ طرِيق الأنْبِيَاءِ فُجُورُ وما العَيشُ إلاَّ غَمْضَةٌ والتِفَاتَةٌ ... وحُلْوُ أَمَانِي فَوتهُنَّ مَرِيرُ وما المَرْءُ إلاَّ طائِرٌ وَجَناحُهُ ... مُرُورُ لَيَالِي العُمْرِ وهْوَ قَصِيرُ ومَا الموَتَ إلاَّ جَارِحٌ لا يَعوُقُهُ ... إذا انقَضَّ بُنْيَانٌ عَلاَ وقُصُورُ

ورامِي المَنَايَا لا تُرَدُ سِهامُه ... سَواءٌ لدَيهَا حَاكِمٌ وحَقِيرُ ... وإنّا وإنْ عِشْنَا زَمَانا مُطوَّلاً ... وطابَ لدَينَا العَيشُ وهْوَ نَظِيرُ فَبَطْنُ الثَرَى حَتْمًا مَحَطُّ رِحَالِنا ... وهُلْ ثَمَّ حَيٌّ مَا حَوَتَهْ قُبُورُ ويَا لَيتَها كَانَتْ نِهَايَةُ ظَعْنِنَا ... ولكِنَّ عُقْبَى الظَّاعِنينَ نُشُورُ وحَشْرٌ مَهُولٌ وازْدِحَامٌ بمَوقِفٍ ... علىَ كُلِّ إخْوانِ الضَيَاعِ عَسِيرُ ومَصْرَفُهُ سِجْنٌ لِمنْ عاشَ لاهِيًا ... بهِ لهَبٌ يَشْوِي الحَشا وسَعِيرُ وخُضْرُ جِنَانِ لِلَّذِي ماتَ تَائِبًا ... وكانَ لهُ في الدَّاجِيَاتِ زَفيرُ فلا تُسْلِمُوا لِلنَّارِ حُرَّ وُجُوهِكُمْ ... ولا تُغْضَبُوا الرحمنَ فَهْوَ غَيُورُ وتُوبُوا إليهِ واسأَلُوه حَنَانَهُ ... فَواللهِ ربي إنَّهُ لغَفُورُ ولاَ يَغْتَرِرْ ذُو الجَاهِ مِنُكُمْ بجاهِهِ ... فأكْبَرُ عَاتٍ في المَعَادِ حَقِيرُ وعَن جاهِهِ والمالِ مَنْ مَاتَ خَارِجٌ ... وأَغَنَى غَنِيٍّ إذ يمَوُتُ فَقِيرُ

وَلاَ تُلْهِكُم دُنْيًا أَبادَتْ وأهْلَكَتْ ... مُلُوكَ قُرُونٍ عَدُّهُنَّ كَثِيرُ وإنّا وإنْ كَانَتْ أَسافِلُ قَومِنا ... تَسَاوَى لَدَيهِم مُؤْمِنٌ وكَفُورُ وبَاعُوا بدُنْيَاهُم فَضَائلَ دِينِهم ... وفَاسِقُهُمْ لِلْمَاكِرينَ نَصِيرُ فَقَدْ أَسْخُطْوا الرَّحْمنَ حَتَى أَهَانَهُمْ ... ولَيسَ لَهُمْ لِلاِنْتِقَامِ شُعُورُ فَمِنَّا أُنَاسَ فِي الدَّيَاجي نَواحُهُمْ ... تَبين لَهُمْ عِندْ البُّكَاءِ صُخُورُ يُنَادُونَ يَا رَحْمَنُ لُطْفًا فَإنَنَا ... عَهِدْنَاكَ عَطْفًا لِلَّهُوفِ تَجِيرُ فَيَا مَصْلِحَ الأحْوَالِ جَمَّلْ شُئُونَنَا ... فأنْتَ لإصْلاَحِ الشُئُونِ جَدِيرُ وأَنْتَ إلهُ العَالِمينَ بأَسْرِهِمْ ... وأنْتَ سَمِيعٌ عَالِمٌ وبَصِيرُ فَلاَ يَأْسَ إذْ أَنْتَ القَدِيرُ وكُلُّ مَنْ ... تَوَلاَّهُ يَأسٌ مِنْكَ فَهْو كَفُورُ وصَلِّ وسَلّم يا إلهي تَفَضُلاً ... عَلَى مَنْ بِذِكْرَاهُ القُلُوبُ تُنِيرُ مَحَمَّدُ قُطْبُ المُرْسَلِينَ ومَنْ رَحَى ... رِسالتِهِمْ جَمْعًا عليه تَدُورُ

وكيف قرت لأهل العلم أعينهم

يَا غافلاً عنْ صُروفِ الدَّهْرِ في سِنَةٍ ... والدَهْرُ يُوقِظُ بالآياتِ والعِبَر كَمْ ذَا تَنَامُ وَعَينُ الدَّهْرِ سَاهِرَةٌ ... لَهُ حَوَادِثُ في الغُدْوَاتِ والبُكَر لا تَأْمن الدَّهْرَ وأحذَرْ مِن تَقَلُّبِهِ ... فَشِيمَةُ الدَّهْرِ شَوبُ الصَّفْوِ بالكَدَر وارغَبْ بِنَفْسِكَ عَمَّا سَوفَ تُدْرِكُه ... فِعْل اللبِيبِ أخِي التَّحْقِيقِ والنَّظَر ماذَا يَغرُّكَ مِن دارِ الفَنَاءِ ومِنْ ... عُمْر يَمُرُّ كَمِثْلِ اللَّمْحِ بالبَصَر فامْهَدْ لِنَفْسِكَ فالساعاتُ فَانيَةٌ ... والعُمْرُ مُنْتَقَصٌ والمَوتُ في الأَثَر آخر: وَكَيفَ قَرَّتْ لأَهْل العِلمِ أَعْيُنُهم ... أَو اسْتَلَذَوا لَذيذَ النَومِ أَو هَجَعَوا والْمَوتُ يُنْذِرُهُم جَهْرًا عَلانِيَةً ... لَو كانَ لِلقومِ أَسْمَاعٌ لَقد سَمِعُوا والنارُ ضاحِيَةٌ لا بُدَّ مَورِدُهُمْ ... ولَيسَ يَدْرُونَ مَن يَنْجُو وَمَنْ يَقَعُ قَدْ أَمْسَتْ الطَّيرُ وَالأَنعامُ آمِنةً ... والنّونُ في البَحرِ لا يُخْشَى لهَا فَزَعُ

لله در السادة العباد

والآدِمي بهذَا الكَسْبِ مُرْتَهَنٌ ... لَهُ رَقيبٌ على الأَسْرارِ يَطَّلِعُ حَتَّى يُرَى فِيه يومَ الجَمْعِ مُنْفَرِدًا ... وَخَصْمُهُ الجِلْدُ وَالأَبْصَارُ وَالسَّمَعُ وإذْ يَقُومُونَ والأَشْهَادُ قَائِمَةٌ ... والجنُّ وَالإِنْسُ والأملاكُ قد خَشعُوا وطارتْ الصُّحْفُ في الأَيدِي مُنْشَّرَةً ... فيها السَّرَائرُ والأَخْبَارُ تُطَّلَعُ فكيفَ بالنّاسِ والأنباءُ واقعةٌ ... عَمَّا قَلِيلٍ وَمَا تَدْرِي بِمَا تَقَعُ أَفِي الجِنَانِِ وَفَوزٍ لا انقطاعَ لَهُ ... أمْ فِي الجَحِيمِ فَلا تُبْقِي ولا تَدَعُ تَهْوِي بُسُكَّانِهَا طَورًا وَتَرْفُعُهُمْ ... إِذَا رَجَوا مَخْرَجًا مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا طَالَ البُكاءُ فَلَم يَنْفَعْ تَضرُّعُهُم ... هَيهَاتَ لا رِقّةٌ تُغْنِي وَلا جَزَعُ آخر: للهِ دَرُّ السَّادَة العُبَّادِ ... في كلِّ كَهْفٍ قَدْ ثَوَوا أَو وَادِي أَلْوَانُهُم تُنْبِيكَ عَنْ أَحْوَالِهم ... ودُمُوعُهُمْ عَن حُرْقَةِ الأَكْبَادِ كَتَمُوا الضِّنَى حِفْظًا لَهُمْ وتَحَمَّلُوا ... سُقْمَ الهَوَى ومَشَقَّةَ الأَجْسَادِ هَجَروا المَرَاقِدَ في الظَّلامَ لِرَبّهمْ ... واسْتَبْدَلوا سَهَرًا بِطِيبِ رُقَادِ لا يَفْتُرونَ إذا الدُّجَى وافاهُمُو ... مِن كَثْرةٍ الأَذكار والأَورَادِ

يا من يعاهد وينكث

ورَأَوا عَلاَمَاتِ الرَّحِيلِ فَبَادَرُوا ... تَحْصِيلَ ما الْتَمَسُوا مِن الأَزْوَادِ فإِذا اسْتَمَالَ قُلُوبَهُم دَاعِي الهَوَى ... ذَكرُوا البِلَى في ظُلْمَةِ الأَلْحَادِ نَظَرُوا إِلَى الدُنْيَا تَغُرُّ بأهْلِهَا ... بِوصَالِهَا وتَكِرُّ بالأَبْعَادِ فَتَجَنَّبُوهَا عِفَّةً وتَزَهُّدًا ... وتَزوُّدُوا مِن صَالِحِ الأَزْوَادِ ومَضَوا عَلى مِنْهَاج صَحْبِ نَبيّهمْ ... فَنَجْوَا غَدًا مِنْ هَولِ يَوم مَعَادِ آخر: يَا مَن يُعَاهِدْ ويَنْكُثْ ... عَلَى الطَّاعِة أنْ يَمْكُثْ ولَو أقْسَم فهْوَ يَحْنِثْ ... كأنُه طِفْلٌ يَعْبِثْ أمَا تَخْشَى مَنْ سَوَّاكْ إلى مَتَى تُهْمِلْ نَفْسَكْ ... ناسٍ مَصِيرَكْ في لَحْدِكْ وَأنْتَ في القَبْرِ وحْدَكْ ... والدُودُ لاَهٍ في جِسْمِكْ وَقَدْ جَفَاكَ أخَاكْ إنْ كُنْتَ مِثلي عَاصِي ... عَن الطَّاعَةِ مُتَقَاصِي فَتُبْ فَورًا بإخْلاصِ ... قَبْلَ يُؤْخَذْ بالنَّواصِي ولا تأْمَلْ باخْلاصْ أَفِقْ وقُمْ وابْكِ مَعِي ... عَلَى الذَّنْبِ بأدْمُعِي وقُلْ يَا رَبِّ كُنْ مَعِي ... عَسَاكَ تُدْرِكْ مُنَاكْ عند اسْتِماعِ المَلاهِي ... تَحْضُرْ بِجِسْمِكْ يَا لاَهِ أَمَا تَخْشَى مِن إلهي ... مَنْ لا تَخْفَى عليهْ خافِي وَهْوَ عَلاَّمُ الغُيُوبْ احْذَرْ مَصَائِدَ ذُنُوبِكْ ... وفَكِّرْ وانْظُر عَيُوبَكْ ممَّا جَنَتْهُ عَيُونُكْ ... تَجِدْهَا شَيئًا يَهُولُكْ

وَيحَكَ انْتَبِهْ لِنَفْسِكْ ... قَبْلَ أنْ تُدْخَلْ في رَمْسِكْ واعْمَل ليَومِكْ وأمْسِكْ ... واحْتَطْ لِرُوحِكْ وجسْمِكْ لِتَسْلَمْ مِن الهَلاَكْ اعْمَلْ حِذَارَ النَّدَامَهْ ... إذَا أرَدتْ السَّلاَمَهْ وتَأمَنْ مِن الملامهْ ... إذَا قَامَتِ القِيَامَهْ وقَدْ قَامَتِ الأمْلاَكْ وقُمْتَ تَقْرَأ كِتَابَكْ ... وقد عَايَنْتَ أعْمَالَكْ وشَهِدَتْ فِيهَا أعْضَاؤُكْ ... بِمَا كَانَ مِنْ أفْعَالِكْ فَانْتَبِهْ قَبْلَ الهَلاكْ إذَا عَايَنْتَ جَهَنَّمْ ... وقَدْ خِفْتَ أنْ لاَ تَسْلَمْ وقَدْ قَال لَكَ مَالِكْ ... كَمَا قَالَ لأَمْثَالِكْ تَيَقَّنْتَ بالهَلاَكْ ... كَمْ كُنْتَ تَجْنِي وتَأمَنْ ... وَتَقُولُ أَنَا مُؤْمِنْ ولم تَخَفْ مِن المُؤْمِن ... خَلاَّقِ الخَلْقِ المُهيمِنْ وأنْتَ تَعْمَلْ يَرَاكْ كَمْ أوقَاتٍ قَدْ تَتَالَتْ ... ومِنْ خُطًا قد تَوالَتْ سَرِيعًا عَنْكَ وبَانَتْ ... في مَعَاصٍ ومَا فَاتَتْ فيما يُغْضِب الرحمن كَمْ قَدْ سَمِعْتَ المواعِظْ ... تُتْلَى ولا عِرْقٌ نابَضْ أيضًا ولاَ دَمْعٌ فَائِضْ ... خَوفًا من بَاسطٍ قَابِضْ ويحَكَ فَمَا أقْسَاكْ كَمْ مُغْتِرِ في شَبَابِهْ ... لاهٍ عن عَرْضِ حِسَابِهْ ومَا حَوَاهُ كِتَابُهْ ... مِمَّا جَنَى في شَبَابِهْ

أسفي على فقد الرسول طويل

مِنْ مُوجِبَاتِ الهَلاَكْ إنْ كُنْتَ أضْمَرْتَ تَوبَهْ ... صَادِقَةً عن الحَوبِهْ مُصَمِّمًا في ذِي النَّوبهْ ... فَلا تَحَدَّثْ في أوبَهْ وأقِبْل واخْضِعْ لِمَولاَكْ فإنَّ الرَّبَ قَرِيبْ ... ولِلْدُّعَاءِ مُجِيبْ إذَا دَعَاهُ اللَّبِيبْ ... وهَو مُخْلِصْ ومُنْيبْ رَاجٍ مِنْهُ لِلْغُفْرانْ بادِرْ وقْتَكْ حَالاً واحْرصْ ... عَلَى ارْتَيادٍ لِلْمَخْلَصْ قَبْلَ أنْ لا تَقْدِرْ تَخْلِصْ ... ولم تَجِدْ مِنْ مَنَاصْ إذَا بُؤتَ بالخُسْرَانْ آخر يَرْثِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أسَفِي عَلَى فَقْدِ الرَّسُولِ طَوِيلُ ... أسَفٌ مَدَى الأيَّامِ لَيسَ يَزُولُ رُزْءٌ تَكَادُ الأرضُ منهُ والسَّمَا ... هَذِي تميدُ لَهُ وَتِلْكَ تَمِيلُ غَمَرَ القُلُوبَ بِحُزْنِهِ وبِوَجْدِهِ ... فَلِكُلِّ قَلْبٍ لَوعَةٌ وعَوِيلُ بأَبِي وأُمِي مَن ثَوى في تُرْبَةٍ ... وَالحُزْنُ في قَلْبِي عَلَيهِ يَجُولُ والجَوُّ أظْلَمَ بَعدَ مَوتِ المُصْطَفَى ... والعَينُ أدْمُعُهْا عَلَيهِ تَسيلُ أسَفَا عَلَى مَن جَاءَنَا بِهدَايَةٍ ... وعَلَيهِ حَقًا أُنْزِلَ التَّنْزِيلُ ولَهُ الإِلَهُ أتَى بِتَأْيِيدٍ لَهُ ... وعَلَيه مِنْهُ شَاهِدٌ وَدَلِيلُ يا نَفْسُ لا بالموتِ تَعْتَبرِي وَلاَ ... تُصْغِي لِذِي نُصْحٍ لَكِ سَيقُولُ يَا نَفْسُ بَعْدَ المُصْطَفَى أفَتَطْمَعِي ... في الخُلْدِ كَلاَّ مَا إليه سَبِيلُ يَا نَفْسُ كَمْ تَعْصِي إلهكِ جَهْرَةً ... وَالقَلْبُ مِنّي بالذُنٌوبِ عَلِيل يَا نَفْسُ تُوبِي مِن ذُنُوبِكِ إنَّهُ ... مَن يَعْصِ رَبِّ العَرْش فَهْو ذَلِيلُ

لو جرى الدمع على قدر المصاب

يَا نَفْسُ كَمْ تَعْصِي وَرَبُّكِ نَاظِرٌ ... وَيَرَى فِعَالَكِ والدَّجَى مَسْدُولُ يَا نَفْسُ لاَ تَرْجي البَقاءَ فإنَّهُ ... سَيفُ المَنَايَا في الوَرَى مَسْلُولُ كَيفَ الطَّرِيقُ إلى النَّجَاةِ وإنَّنِي ... بِقُيُودِ ذَنْبِي دَائِمًا مَغْلُولُ مَا حِيلَتي إلاَّ البُكَاءُ وقَدْ غَدَا ... حُزْنِي عَلَى قُبْحِ الذُنُوب يَطُولُ مِنْ بَعْدَ مَوتِ المُصْطَفَى هَلَ لامْرِئٍ ... في الدَّهْرِ يَومًا لِلْبَقَاءِ سَبِيلُ وهو النبيُّ المُصْطَفى والمُجْتَبَى ... ونَبِيُّ حَقٍّ لِلْوَرَى وَرَسُولُ صلى عليه اللهُ جَلَّ جَلاَلُهُ ... مَا حَنَّ مُشْتَاقٌ وسَارَ دَلِيلُ آخر: لَو جَرَى الدَمْع عَلَى قَدْرِ المصاب ... شابَهَتْ أجْفَانُنَا سَحَّ السَّحَابْ مَاتَ خَيرُ الخَلْقِ مَن قد خَصَّهُ ... رَبُّهُ بالصَّحْبِ مِن خَيرِ صِحَابْ كُلُ حَيٍّ ذَائِقٌ كَأْسَ الفَنَا ... هَكَذا المَسْطُورُ في أُمّ الكِتَابْ أيُّها الناس لكم بالمُصْطَفَى ... أُسْوَةٌ فالموتُ يُدْنِي لِلذَّهَابْ فَثِقُوا باللهِ وارْضَوا وخُذُوا ... مَا قَضَى اللهُ بَصَبْرٍ واحْتِسَابْ واعْلَمُوا أنَّ النَّبِي المُصْطَفَى ... شَافِعٌ مُشَفَّعٌ يَومَ المَآبْ ... فَعَليه اللهُ صَلِّ دَائِمًا ... كُلَّمَا أَمْطَر قَطْرٌ مِنْ سَحَابْ آخر: كَيفَ تَلْتَذُ جُفُوني بالمنام ... بَعْد شُرْبِ المُصْطَفَى كَأْسَ الحِمَامْ أمْ لِقَلْبِي رَاحَةٌ مِن بَعْدِهِ ... وجُفْوَيِن بالبكَاء سَحَّتْ دَوَامْ إنْ يَكُنْ غَابَ عن الدُنيا ففي ... جَنَّةِ المأْوَى لَهُ أعْلَى مَقَامْ لَكِنِ المَقْدُورُ حَتْمٌ لاَزِمٌ ... مَا لَنَا مِن بأسِهِ مِن اعْتِصَامْ لَيسَ في الدنيا بُكَاءٌ لامْرِئٍ ... بَعْدَ مَوتِ المُصْطَفَىَ خَيرِ الأنَامْ

يا سائلا عن حميد الهدي والسنن

أحمدُ الهادِي الشفيعُ المرتَضَى ... في البَرايَا سَيّدُ الرُسْلِ الكِرَامْ فَعَليه الله صَلَّى كُلَّمَا ... هَلَّ وَبْلٌ مِن رَفِيعَاتِ الغَمامْ آخر: يَا سَائلاً عن حَمِيدِ الهَدْي والسنُنِ ... اُطْلُبْ هُدِيتَ عُلُومَ الفقهِ والسُّنَنِ وعَقْدَ قَلْبِكَ فاشْدُدْهُ على ثَلَجٍ ... لاَ تَطْوِيَنْهُ عَلَى شَكٍّ ولا دَخَنِ واسْلُكْ سَبْيل الأُلَى حَازُوا نُهًى وتُقَى ... كَانُوا فَبَانُوا حِسَانَ السِّرِ والعَلَنِ هُمُ الأَئِمَّةُ والأقْطَابُ مَا انْخَدَعُوا ... وَلاَ شَرَوا دِينَهُمْ بالبَخْسِ والغَبَنِ أصْحَابُ خَيرِ الوَرَى أحْبَارُ مِلَّتِهِ ... خَيرُ القُرُونِ نُجُوِمُ الدَّهْرِ والزَّمَنِ وتَابِعُوهُم عَلَى الهَدْيِ القَوِيمِ هُمُ ... أهْلُ التُّقَى والهُدَى والعِلْمِ والفِطَنِ آخر: وَيحَكْ تَنَبَّهْ لِنَفْسِكْ ... وَاعْمَلْ لِيَومِ الوَعِيدْ فالموتُ يأتِيكَ بَغْتَهْ ... ولَيسَ عَنْهُ مَحِيدْ إنْ كُنْتَ يَا صَاحِ نَائِمْ ... فاذْكُرْ بَيتَكَ الجَدِيدْ فيه تَسْكُنْ أنْتَ وَحْدَكْ ... مَمْنُوعٌ عَمَّا تُرِيدْ مِقْدارُهُ مِتْرٌ عَرْضًا ... في ثَلاثٍ لا تَزِيدْ وصِرْتَ وَحْدَكْ في لَحْدِكْ ... مُفْلِسٌ غَرِيبٌ وَحِيدْ وَالدُّود يَرْتَعْ في جِسْمِكْ ... يَأْكُلْ منْهُ ما يُرِيدْ تَبْقَى فِيهِ مُتَحَيِّرْ ... عَمَّا يِرُيدْ بَعِيدْ أهْلُ القُبُورِ تَمَنَّوا ... مَا أنْتَ فِيهِ تُجِيدْ وَلَسْتَ تَدرْي مِن هُو ... مِنْهُمْ شَقِيٌّ أو سَعِيدْ ...

شباب تولى ما إليه سبيل

فَدَعْ دُمُوعَكَ تَجْرِي ... إنَّ الحِسَابَ شَدِيدْ كُلُّ القُلُوبِ قَدْ لاَنَتْ ... إلاَّ قَلْبَكْ كَالحَدِيدْ نَسْيِتَ يَومَ التَّلاَقي ... إذِ القَلْبُ في الوَرِيدْ نَسِيتَ يَومَ المَجْيءِ ... مَعَ السَّائِقِ والشَّهِيدْ قُلْ لِي بِرَبِّكَ مَاذَا ... تَرَى حَالَةَ العَبِيدْ إذَا جِيءَ بِجَهَنَّمْ ... أمَامَ كُلِّ شَهِيدْ وقد جَاءَتْ تَشْهُقْ غَيظًا ... عَلَى الكَافِرِ العَنِيدْ ورآهَا كُلُّ مُجْرِمْ ... ولا عَنْهَا مِن مَحِيدْ يَومَ المَمَرِّ حُفَاةً ... عَلَى الصِرَاطِ المَدِيدْ وَهُنَاك تَتَذكَّرْ ... قَولَ النَّاصِحِ الرَّشِيدْ لأنَّ الحَالَة قَدْ فاتَتْ ... عَلَى المُشْرِكِ العَنِيدْ ولَو مِلْءُ الأرضِ يَبْذِلْ ... مِن التَّالِدْ والجَدِيدْ فَلَنْ يُقْبَلْ ذَاكَ مِنْهُ ... لِفَوتِ الأمْرِ لأكَيدْ وَلَنْ يَنْجُو سِوَى شَخْصٍ ... أطَاعَ الرَّبَّ الحَمِيدْ وقال آخر: شبابٌ تَولَّى ما إليهِ سَبِيلُ ... وشَيبٌ تَبدَّى لَيسَ منهُ مُقْيِلُ فَهَذَا كَلَيلِ الوَصْلِ لَونًا ومُدَّةً ... وذَا كَنَهارِ الهَجْرِ فهْو طَوِيلُ فأَطْيَبُ عَيشِ المرءِ عَصْرُ شَبَابِهِ ... ومِنْ سَعْدِه لَو مَاتَ حِينَ يَزُولُ فلا تحْسَبَنَّ العمرَ بَعْدَ شَبِيبَةٍ ... فَكُلُّ حَياةٍ بَعْدَ ذَاكَ فُضُولُ إذَا الشيخُ أثْرَى فهْو أفقرُ مُعْدِمٍ ... وإن صَحَّ بَعدَ الشَّيبِ فهْو عَلِيلُ بَكَى النَّاسُ أيامَ الشَّبيبةِ قَبْلَنَا ... بُكَاءً أطالُوا فيه وهْو قَلِيلُ

أسفي على زمن الشباب الزائل

وقال في المعنى: أَسَفِي على زَمَنِ الشباب الزَّائِلِ ... أَسَفٌ أُدِيمُ عليه عَضَّ أنَامِلي وَلَّى فَلاَ طَمَعٌ بعَطْفَةِ هَاجِرٍ ... مِنهُ ولا أمَلٌ لأَوبَةِ رَاحِلِ هَذَا عَلَى أنَّ العَفافَ وهِمَّتي ... لَمْ يُظْفِرَ حَظِّي لَدَيهِ بِطَائِلِ وقال في الوعظ: كُنْ من الدنيا على وَجَلِ ... وتَوَقَّعْ بَغْتةَ الأَجَلْ فَعُقُولُ النَّاسِ لاهِيَةٌ ... في الهَوى والكَسْبِ والأملْ يَجْرعُ الإِنسانُ لَذَّتَها ... وهْيَ مِثْلُ السُّمِّ في العَسَلْ أنءتَ مِن دُنياكَ في شُلُلٍ ... والمَنَايا فِيكَ في شُغُلْ كُلُّ ما فيها يَزُولُ فلا ... فَرْقَ بَينَ الهَمِّ والجَذَلْ يَا مَرِيضًا لم يَجِدْ ألَمَا ... أنْتَ لَو تَدْرِي أبُو العِللْ يَا بَصِيرًا لَيسَ يُبصِرُ مَا ... فيهِ مِن عَيبٍ ومِن زَلَلْ لَو أرَاكَ العَقْلُ أيسَرَهُ ... كِدْتَ أنْ تَفْنَى مِن الخَجَلْ لِلْهُدَى نُورٌ يَدلُّ عَلَى ... آخرِ الأَشْيَاءِ بالأُوَلْ فابتدِرْ مَا سَوفَ تَذْكُره ... نادِمًا مَا دُمْتَ في مَهَلْ لَيسَ يُجْدِي القَولُ مَنْفَعَةً ... حِينَ تُبِديهِ بِلاَ عَمَلْ وإذا مَا الفَهْمُ عَازَكَ لَمْ ... تَنْتَفِعْ بالوَعْظِ والعَذَلْ وقال في المعنى: إذَا دَانَتْ لَكَ الدُّوَل ... ففَكِّرْ كَيفَ تَنْتَقِلُ فلو سَمَحَتْ بِهَا الأّيا ... مُ لَمْ يَسْمح بِهَا الأَجَلُ

إذا شرفت نفس الفتى عافت الذلا

فلا يَغُرُرْ بِكَ التَّسوِيـ ... ـفُ والآمَالُ والعِلَلُ فإنَّكَ إنْ تَجِدْ أَمَلاً ... تَجِدَّدَ بَعْدَهُ أَمَلُ فَمَا يُرْوِيكَ مِن دُنيا ... كَ لاَ عَلٌّ ولا نَهَلُ وإنَّكَ كُلُّ مَا جَمَّعْـ ... ـت يَبْقَى حِينَ تَرْتَحِلُ فَمَا لَكَ مِنه فِيمَا بَعْـ ... ـدُ إلاَّ الإِثْمُ والزَّللُ وبَطْشةُ فابِضِ الأرْوا ... حِ لَيسَ لأَخْذِهَا مَهَلُ عَجِبْتُ لآمِنِ سَاهٍ ... لَهُ بِحَياتِهِ جَذَلُ وجَيشُ الموتِ يَطْلُبُه ... وقد ضَاقَتْ بهِ السُّبُلُ ومَا في قَصْدِهِ شَكٌ ... ولا يَدْرِي مَتَى يَصِلُ وسِيّانِ الجَبَانُ لَديـ ... ـهِ عِنْدَ البَطْشِ والبَطَلُ وقال: إذَا شَرُفتْ نَفْسُ الفتى عافتِ الذُّلاّ ... ولو كابَدَتْ مِن فَرْطِ ضِيقَتِهَا غُلاَّ ولَو حاز مُلْكَ الأرضِ والعَيشَ خَالِدًا ... بِذِلَّةِ يَومٍ وَاحِدٍ تَرَكُ الكُلاّ لَهُ سَيفُ صَبْرِ مُغْمَدٌ في قَنَاعَةٍ ... إذَا ثَارَ جَيشٌ مِن مَطامِعِهِ سُلاَّ ذكر من رثى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أبو بكر الصدّيق يرثي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عَينِ فَابْكي ولا تَسْأمي ... وَحُقّ البُكاءُ عَلى السّيدِ! عَلى خَيرِ خلْقِ الله عِنْدَ البَلا ... ءِ أمْسَى يُغَيَّبُ في المُلْحَدِ فَصَلّى المَلِيكُ وَلِيُّ العِبَادِ ... وَرَبّ البِلادِ عَلى أحْمَدِ فَكَيفَ الحَيَاةُ لِفَقْدِ الحَبِيب ... وَزَينِ المَعَاشِرِ في المَشْهَدِ؟ فَلَيتَ المماتَ لَنَأ كُلِّنا ... وكُنَا جَميعًا مَعَ المُهْتَدِي!

لما رأيت نبينا متجدلا

وقال أبوُ بكر الصّدَيق أيضًا: لَمَّا رَأيتُ نَبِيّنَا مُتجَدِّلاً ... ضَاقَتْ عَلَيّ بِعَرْضِهِنّ الدُّورٌ وارْتَعْتَ رَوعةَ مُسَتهامٍ وَالِهٍ ... والعَظءمَ مَنّش وَاهِنٌ مَكْسُورُ أَعَتِيقُ وَيحَكَّ إنْ حِبَّكَ قَدْ ثَوَىَ ... وَبَقِيتَ مُنفَرِدًا وأَنْتَ حَسِيرُ يا لَيتني مِن قبْلِ مَهْلَكِ صَاحِبِي ... غُيَبْتُ فِي جَدَثٍ عَليَّ صُخُورُّ فَلتَحْدُثَن بَدائِعٌ مِن بَعْدِهِ ... تَعْيَا بِهِنّ جَوَانِحٌ وَصًدُورُ وقال أبوٌ بكر أيضًا: باتَتْ تَأوّبُني هُمُومٌ حُشدٌ ... مِثْلُ الصُّخُورِ فأَمْستْ هَدَّتِ الجَسَدا يا لَيتَني حَيثُ نُبئْتُ الغَدَاةَ بِهِ ... قالُوا الرسولُ قد أمسَى مَيِّتًا فُقِدَا لَيتَ القِيامَةَ قامَتْ بعدَ مَهْلَكِهِ ... وَلا نَرَى بَعدَهُ مَالاً ولاَ وَلَدًا! وَالله أُثْني عَلى شيءٍ فُجِعْتُ بِهِ ... مِنَ البَريةِ حتى أُدْخُلَ اللَّحَدَا كَمْ لِيَ بَعْدَكَ مِن هَمٍّ يُنَصّبُني ... إذا تَذكّرتُ أنّي لاَ أرَاكَ بَدا! كان الصَفَاءَ في الأخلاقِ قد عُلِمُوا ... وفي العَفافِ فَلَمْ نَعْدِلْ بهِ أَحَدَا نَفْسِي فِداؤُكَ مِن مَيتٍ وَمِن بَدَنٍ ... مَا أَطْيَبَ الذِّكرَ والأخلاقَ والجَسَدَا! قال وقال عبدُ الله بن أنيس يرثي النبي صلى الله عليه وسلم: تَطَاوَلَ لَيلِي واعْتَرَتْني القَوَارِعُ ... وَخَطْبٌ جَلِيلٌ لِلْبَلِيَةِ جَامِعُ! غَدَاةَ نَعَى النّاعي إلَينَا مَحَمدًا ... وتِلْكَ الَّتِي تَسْتكُّ منْها المسَامِعُ فلَو رَدَ مَيتًا قَتْلُ نَفْسِي قَتَلْتُهَا! ... وَلكِنَّهُ لا يَدْفَعُ الموتَ دَافِعُ فآليتُ لاَ أُثنِي عَلىَ هُلْكِ هَالِكٍ ... مِن الناسِ، مَا أَوفَى ثَبيرٌ وفَارِعُ ولَكِنّني بَاكٍ عَلَيهِ وَمُتْبِعٌ ... مُصِيبتَهُ. إنّي إلى اللهِ رَاجِعُ!

والله ما حملت أنثى ولا وضعت

وَقَدْ قَبَضَ اللهُ النّبييّنَ قَبْلَهُ ... وَعَادٌ أصِيبَتْ بالرُّزَى والتبابِعُ فيَا ليتَ شعْريّ مَن يَقُومُ بأَمْرِنا؟ ... وَهَلْ في قُرَيشٍ مِن إمَامٍ يُنازَعُ؟ ثَلاثَةُ رَهْطٍ مِنْ قُرَيشٍ هُمُ هُمُ ... أَزِمّةُ هَذَا الأَمْرِ، واللهُ صَانِعُ عَلِيٌّ أَوِ الصِّدّيقُ أَو عُمَرٌ لَها، ... وَلَيسَ لَهَا بَعْدَ الثلاثةِ رَابعُ! فَإنْ قَالَ مِنّا قَائِلٌ غَيرَ هَذِهِ ... أبَينَا، وَقُلْنَا: اللهُ رَاءٍ وَسامعُ فَيَا لقُرَيشٍ! قَلَدُوا الأَمْرَ بَعْضَهم ... فَإنّ صَحيحَ القَولِ لِلنّاسِ نافِعُ وَلا تُبْطِئُوا عَنْها فَوَاقًا فَإنّهَا ... إِذَا قُطِعَتْ لَمْ يُمْنَ فيهَا المَطَامِعُ عن خالد بن يزيد عن سعيد، يعني ابن أبي هلال، أن حسان بن ثابت قال وهو يرثي رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله مَا حَمَلَتْ أنْثَى ولا وَضَعَتْ ... مِثْلَ النّبيّ رَسُولِ الأمّةِ الهَادي أَمْسَى نِسّاؤُك عَطّلنَ البيوتَ، فمَا ... يَضربنَ خلْفَ قَفَا سِتْرٍ بأَوتْادِ مِثلَ الرّوَاهبِ يَلْبَسْنَ المُسُوحَ، وقد ... أَيقَن بالبُؤسِ بَعْدَ النِّعْمَةِ البادِي! وقال حسان بن ثابت أيضًا يرثي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: آلَيتُ حِلْفَةَ بَرٍّ غَيرَ ذِي دَخَلٍ ... مِنّي، ألِيَّةَ حَقٍّ غَيرَ إفْنَادِ! باللهِ ما حَمَلَتْ أنْثى وَلاَ وَضَعَتْ ... مِثْلَ النبيّ، نَبِيّ الرّحْمةِ الهَادِي وَلا مَشَى فَوق ظَهْرِ الأرْضِ مِن أحَدٍ ... أوفَى بِذِمّةِ جَارٍ أَو بِمِيعَادِ مَن الّذِي كانَ نُورًا يُسْتَضاءُ بهِ ... مُبَارَكَ الأَمْرِ ذَا حَزمٍ وإرْشَادِ مُصَدِّقًا لِلنَّبِيِّينَ الأُلَى سَلَفُوا ... وأَبْذَلَ النّاسِ لِلْمَعْروفِ لِلْجَادِي خِيَرَ البَرِيّةِ إنِّي كُنْتُ في نَهَرٍ ... جَارٍ، فأصْبحتُ مِثْلَ المُفْرَد الصّادِي! وقال حسانُ يَرثيه، صلى الله عليه وسلم: مَا بالُ عَينِكَ لا تَنَامُ! كأنّما ... كُحِلتْ مآقِيها بكُلحلِ الأرْمَدِ؟ جَزَعًا على المَهْدِي أَصْبَحَ ثَاوِيًا ... يَا خَيرَ مَن وَطئَ الحَصَى لا تُبْعَدِ

يا عين جودي بدمع منك إسبال!

يَا وَيحَ أَنْصَارِ النبيّ وَرَهْطِهِ! ... بَعدَ المغَيَّبِ في سَوَاءِ المُلْحَدِ جَنْبِي يَقِيكَ التّرْبَ لَهْفِي ليَتْنَي ... كُنْتُ المُغيِّبَ في الضَّرِيحِ المُلْحَد! يا بِكْرَ آمِنَةَ المُبارَكَ ذِكْرُهُ ... وَلَدَتْهُ مُحْصَنَةٌ بسَعدِ الأَسْعُدِ نُورًا أَضَاءَ عَلى البَرِيّةِ كُلِّهَا، ... مَنْ يُهْدَ لِلنُّورِ المُبارَكِ يَهتَدِي أأقِيمُ بَعْدَكَ بالمدِينَةِ بَينَهُمْ ... يَا لَهْفَ نَفِسي لَيتَني لَمْ أولَدِ بأبي وأُمِي مَنْ شَهِدْتُ وَفَاتَهُ ... في يَومِ الإثنَينِ النبيّ المهتْدَي فَظَلِلْتُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مُتَلَدِّدًا ... يَا لَيتَني صُبّحْتُ سُمَّ الأَسْوَدِ أَو حَلَّ أمرُ اللهِ فِينَا عَاجِلاً ... في رَوحَةٍ مِنْ يومِنَا أَو مِن غَدِ فَتَفُوم سَاعَتُنَا فَنَلْقى سيّدًا ... مَحْضًا مَضَارِبُهُ كَريمَ المحْتِدِ يا رَبِّ! فَاجْمَعْنَا مَعًا وَنَبِيَّنَا ... في جَنَةٍ تُفقئ عَيُونَ الحُسَّدِ في جَنّةِ الفِرْدَوسِ واكْتُبها لَنا ... يا ذَا الجَلالِ وذا العُلا وَالسُّؤْدَدِ وَاللهِ أَسْمَعُ مَا حَيِيتُ بهالِكٍ ... إلاَّ بَكَيتُ عَلى النبيّ مُحَمّدِ ضَاقَتْ بالأنْصارِ البِلادُ فأصبحُوا ... سُودًا وُجُوهُهُمُ كَلَونِ الإثْمِدِ وَلَقَدْ وَلَدْنَاهُ وَفِينَا قَبْرُهُ ... وَفُضُولُ نِعمَتِهِ بَنا لا تُجْحَدِ وَاللهُ أَهْدَاهُ لَنَا وهَدَى بِهِ ... أنْصَارَهُ في كُلِّ سَاعَةٍ مَسْهَدِ صَلَى الإلَهُ وَمَنْ يَحُفُّ بعَرْشِهِ ... والطّيَبُونَ عَلى المُبَارَكِ أحْمَدِ! وقال حسانُ بنُ ثابت يَرثِي النبي: صلى الله عليه وسلم: يَا عَينِ جُودِي بدَمْعٍ مِنْكِ إسْبالِ! ... وَلا تَمَلِّنّ مِنْ سَحٍّ وإعْوَالِ! لا يَنْفَدَنّ لِيَ بعد اليَومِ دَمْعُكُمَا ... إنّي مُصَابٌ وإنّي لَسْتُ بالسَّالِي فَإِنَّ مَنْعَكُما مِنْ يَعْدِ بَذْلِكُمَا ... إِيَّايَ مِثْلُ الذِي قَدْ غُرَّ بالآلِ! لَكِنْ أَفِيضِي على صَدْرِي بأرْبَعَةٍ ... إنَّ الجوَانِحَ فِيها هَاجِسٌ صَالِي

يا عين فابكي بدمع ذرى

سَحَ الشَّعيبِ وماءِ الغَرْبِ يَمْنَحُهُ ... سَاقٍ يُحَمَلُهُ سَاقٍ بإذْلالِ حَامي الحقِيقَةِ نَسألُ الوَدْيِقَةِ فَكَّـ ... ـاكُ العُنَاةِ، كَرِيمٌ مَاجِدٌ عَالِ! عَلى رَسُولِ لَنَا مَحضٌ ضَريبَتُهُ ... سَمْحِ الجليقَةِ، عَفٍّ غَيرِ مِجْهالِ! كَشَافِ مَكرُمَةٍ، مِطْعَامِ مَسغَبَةٍ ... وَهّابِ عَانِيَةٍ وَجْنَاءَ شِمْلالِ! عَفٍّ مَكَاسِبُهُ، جَزْلٍ مَوَاهِبُهُ، ... خَير البَرِيّةِ سَمْحٍ غَيرِ نَكَالِ! وَاري الزنادِ وقوّادِ الجِيَاد إلى ... يومِ الطْرَادِ، إذا شَبَتْ بأجْذالِ وَلا أزكي عَلى الرحمنِ ذا بَشَرٍ، ... لكِنْ عِلْمَكَ عنْدَ الوَاحِدِ العالي! إني أرى الدَهْرَ والأيّامَ يَفْجَعُني ... بالصّالحينَ، وأبْقَى نَاعِم البَالِ! يا عَينٍ فابكي رَسولَ الله إِذْ ذُكرَتْ ... ذَاتُ الإلَهِ، فنعْمَ القائدُ الوَالي! وقال كَعبُ بنُ مالك يَرثِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: يَا عَينِ فَابكي بدَمْعٍ ذَرَى ... لِخَيرِ البّرِيّةِ وَالمُصْطَفَى! وَبَكِّي الرّسُولَ! وحُق البُكاءُ ... عَلَيهِ، لَدى الحرْبِ عنْدَ اللّقَا! عَلى خَيرِ مَنْ حَمَلَتْ نَاقَةٌ ... وَأتْقَى البَرِيّةِ عِنْدَ التَّقَى عَلى سَيدٍ مَاجِدٍ جَحْفَلٍ، ... وَخَيرِ الأنَامِ وخَيرِ اللهَا! لَهُ حَسَبٌ فَوقَ كُل الأنَا ... مِ منْ هاشمٍ ذلكَ المرْتَجَى نُخَصّ بما كَانَ من فَضْلِهِ، ... وكَانَ سِرَاجًا لنَا في الدّجَي! وكَانَ بَشِيرًا لَنَا مُنْذِرًا، ... وَنُورًا لَنَا ضَوءُهُ قدْ أضَا فأنْقَذَنَا اللهُ في نُورِهِ، ... ونَجّى برَحْمَتِهِ من لَظَى! وقالتْ أرْوَى بنْت عبد المطلب أيضًا: ألا يا رَسولَ الله كُنْتَ حَبَيبَنَا ... وكُنْتَ بِنا بَرًّا ولمْ تَكُ جافِيَا! وكُنْتَ بِنَا بَرًا رءوفًا وَرَاحِمًا ... ليبَكِ عليكَ اليومَ مَن كان باكِيا! لَعَمْرُكَ مَا أبكي النبيّ لِموتِهِ! ... ولكِنْ لِهَرْجٍ كان بَعدَكَ آتيَا

يا عين جودي، ما بقيت، بعبرة

كَأنّ عَلى قَلبي لِذِكْرِ مُحَمّدٍ، ... ومَأ خِفتُ مِن بعدِ النبيّ المَكاوِيا أفاطِمَ صَلىَ اللهُ، رَبّ مُحَمّدٍ، ... عَلى جَدَثٍ أَمْسَى بيَثرِبَ ثَاوِيا! أبَا حَسَنٍ فَارَقْتَهُ وتَرَكْتَهُ ... فَبَكِّ بحُزْنٍ آخرَ الدّهرِ شَاجِيَا! فِدًى لِرَسُولِ اللهِ أُمّي وَخَالَتي ... وَعَمّي وَنَفْسي قُصْرَةً ثمّ خَاليا صَبَرْتَ وَبَلَّغْتَ الرّسالَةَ صَادِقًا ... وقُمْتَ صَليبَ الدينِ أبْلَجَ صَافيا! فَلَو أن رَبّ النّاسِ أبقَاكَ بَينَنَا ... سَعِدْنَا، ولكنْ أمرُنا كان ماضِيا! عَلَيكَ منَ اللهِ السّلامُ تَحِيّةً، ... وَأُدخِلْتَ جنّاتٍ من العدنِ رَاضِيا! وقالت عاتكة بنت عبد المطلب: يا عَينِ جودي، ما بقِيتِ، بعَبرَةٍ ... سَحًّا على خَيرِ البَرِيّةِ أحْمَدِ يا عَينِ فاحتَفلي وَسُحّي وَاسْجُمي ... وَابكي عَلى نُورِ البلادِ مُحَمّدِ! أنّى، لَكِ الوَيلاتُّ! مثلُ مُحَمّدٍ ... في كل نائِبَةٍ تَنُوبُ وَمَشهَدِ؟ فابكي المبارَكَ والموفَّقَ ذا التّقَى، ... حَامي الحقيقيةِ ذا الرّشادِ المرْشِدِ مَنْ ذا يَفُكَ عَنِ المغَلِّلِ غُلَّهُ ... بَعدَ المغَيَّبِ في الضّريحِ الملحَدِ؟ أمْ مَنْ لكلّ مُدَفَّعٍ ذي حاجَةٍ ... وَمُسَلْسَلٍ يَشكو الحديدَ مُقَيَّدِ؟ ... أمْ مَنْ لوَحْيِ اللهِ يُتْرَكُ بَينَنَا ... في كلّ مُمْسى لَيلَةٍ أو في غَدِ؟ فَعَلَيكَ رَحْمةً رَبّنَا وَسَلامُهُ، ... يا ذا الفَوَاضِلِ وَالنّدَى وَالسِّودَدِ هَلاّ فَدَاكَ الموتَ كُلُّ مُلَعَّنٍ ... شَكْسٍ خلائقُهُ لَئِيمِ المَحْتِدِ؟ وقالت عاتكة بنت عبد المطلب أيضًا: أعَينَيَّ جُودا بالدّموعِ السّوَاجِمِ ... عَلى المصْطَفَى بالنّورِ من آل هاشمِ عَلى المُصْطفَى بالحق والنّورِ والهُدى ... وبَالرّشْدِ بَعدَ المندَباتِ العَظائمِ

أعيني جودا بدمع سجم

وَسُحَّا عليهِ وَابكيِا، ما بَكَيتُما، ... عَلى المرْتَضى للمُحْكَماتِ العزَائم على المرْتضى للبرّ والعَدْلِ والتّقَى، ... وَللدّينِ والإسْلامِ بعدَ المظَالِم على الطّاهرِ الميمونِ ذي الحلمِ والنّدى ... وذِي الفَضْلِ وَالدّاعي لخيرِ التراحمُ أعَينَيّ ماذا، بَعدَما قد فُجِعْتُمَا ... بهِ، تَبكيَانِ الدّهرَ من وُلدِ آدمِ فَجُودا بسَجْلٍ وانْدُبا كلّ شارِقٍ ... رَبيعَ اليَتَامَى في السّنينَ البَوَازِمِ وقالت صفية بنت عبد المطلب أيضًا: أعَينَي جْودا بدَمّعٍ سَجَمْ ... يُبادِرُ غَرْبًا بِمَا مَنْهَدِمْ أعَينَيّ فاسْحَنْفِرَا وَاسْكُبَا ... بِوَجْدٍ وَحُزْنٍ شَدِيدِ الألَمْ عَلى مَن اصْطَفَاهُ رَبِّ العِبَادِ ... وَرَبّ السَمَاءِ وَبَارِي النّسَمْ عَلى المُرْتَضَى لِلْهُدَى وَالتّقَى ... وَلِلرَشْدِ وَالنورِ بَعْدَ الظُّلَمْ عَلى الطّاهِرِ المُرْسَلِ المُجْتَبَى ... رَسُولٍ تَخَيّرَهُ ذُو الكَرَمْ وقالت صفية بنت عبد المطلب أيضًا: أرِقْتُ فَبِتُّ لَيلي كالسّلِيبِ ... لِوَجْدٍ في الجَوَانِحِ ذي دَبِيبِ! فَشَيبّني، ومَا شَابَتْ لِدّاتي، ... فَأمْسَى الرأس مِنّي كَالعَسِيبِ لِفَقْدِ المُصْطَفَى بالنّورِ حَقًّا، ... رَسُولِ اللهِ، ما لَكَ مِنْ ضَرِيبِ كَرِيمِ الخيِمِ أرْوَعَ مَضْرَحِيٍّ ... طَوِيلِ البَاعِ مَنْتَجَبٍ نَجيبِ! ثِمَالِ المُعْدَمِينَ وَكُلِّ جَارٍ ... وَمَأوَى كُلِّ مَضْطَهَدٍ غَرِيبِ فَإما تُمْسِ في جَدَثٍ مُقيمًا ... فَقِدْمًا عِشتَ ذا كَرَمٍ وَطيبِ! وَكُنْتَ مُوَفَّقًا في كُلِّ أمْرٍ ... وَفيما نَابَ منْ حَدَثِ الخُطُوبِ

عين جودي بدمعة تسكاب

وقالت صفية بنت عبد المطلب: عَينِ جُودِي بدّمْعَةٍ تَسْكَابِ ... للنبي المَطَهَّرِ الأوَابِ وانْدُبي المُصْطَفَى فَعُمّي وَخُصّي ... بدُمُوعٍ غَزِيرَةِ الأسرَابِ عينِ مَنْ تَنْدُبينَ بَعْدَ نَبِيٍّ ... خَصّه اللهُ رَبَنّا بالكِتَابِ فَاتِحٍ خَاتِمٍ رَحيمٍ رَءوفٍ، ... صَادِقِ القِيلِ طَيَبِ الأثْوَابِ مُشْفِقٍ نَاصِحٍ شَفِيقٍ عَلَينَا ... رَحْمَةٍ من إلَهِنَا الوَهْابِ رَحْمَةُ اللهِ وَالسّلامُ عَلَيهِ ... وَجَزَاهُ المَليكُ حُسْنَ الثَوَابِ! وقالت صفية بنت عبد المطلب أيضًا: آبَ لَيلي عَلَيّ بالتّسْهَادِ ... وَجَفَا الجَنْبَ غَيرُ وَطْءِ الوِسَادِ وَاعْتَرَتْني الهُمُومُ جِدًّا بوَهْنٍ ... لأمُورٍ، نَزَلْنَ حَقًّا، شِدَادِ رَحْمَةً كَانَ للبَرِيّةِ طُرًّا ... فَهَدَى مَنْ أطَاَعُه للسّدَادِ طَيّبُ العُودِ وَالضّريبَةِ وَالشّـ ... ـيمِ مَحْضُ الأنْسَابِ وَارِي الزّنَادِ أبْلَجٌ صَادِقُ السّجيةِ عَفٌّ ... صَادِقُ الوَعْدِ مُنْتَهَى الرُّوّادِ! عَاشَ مَا عَاشَ في البَرِيّةِ بَرًّا ... وَلَقَدْ كَانَ نُهْبَهَ المُرْتَادِ ثُمّ وَلّى عَنّا فَقيدًا حَميدًا ... فَجَزَاهُ الجِنَانَ رَبُّ العِبَادِ! وقالت هند بنت الحارث بن عبد المطلب ترثي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يا عينِ جودي بدمعٍ منكِ وَابتَدرِي! ... كَمَـ تَنَزّلَ مَاءُ الغَيثِ فَانتَعَبَا أو فيضُ غَرْبٍ على عاديّةٍ طُوِيَتْ ... في جَدْوَلٍ خَرِقٍ بالماءِ قدْ سَرِبَا لَقَدْ أتَتْني منِ الأنباء مُعْضِلَةٌ ... أنّ ابنَ آمِنَةَ المأمُونَ قدْ ذَهَبَا

أشاب ذؤابتي وأذل ركني

أن المبَارَكَ وَالمَيمونَ في جَدَثٍ ... قد ألْحَفُوهُ تُرَابَ الأرْضِ وَالحدَبا ألَيسَ أوسَطَحكُم بَيتًا وَأكرَمَكُمْ ... خَالاً وَعَمًّا كَرِيمًا لَيسَ مؤتَشَبَا قال: وقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف أخت مِسْطح بن اثاثة تَرْثي النبيّ، صلى الله عليه وسلم: أشَابَ ذُؤَابَتي وَأذَلّ رُكْني ... بُكاؤُكِ، فاطِمَ، الميتَ الفقيدا فَأعْطيتَ العَطاءَ فلَمْ تُكَدِّرْ ... وَأَخْدَمْتَ الوَلائدَ وَالعَبيدَا وَإنّك خَيرُ مَنْ رَكِبَ المطَايَا ... وَأكْرَمُهُمْ إذا نُسِبُوا جُدُودا! رَسُولُ اللهِ فَارَقَنَا، وَكُنّا ... نُرَجّي أنْ يَكُونَ لَنَا خُلُودَا أفَاطِمَّ فَاصْبرِي فَلَقَدْ أصَابَتْ ... رَزِيئَتُكِ التّهَائِمَ وَالنُّجُودَا وَأهْلَ البرّ وَالأبْحَارِ طُرًّا، ... فَلَمْ تُخْطئْ مُصَيبَتُهُ وَحيدًا ... وقالت هند بنت أثاثة أيضًا: ألا يَا عَينِ بَكِّي لاَ تَمَلِّي، ... فَقَدْ بَكَرَ النّعيُّ بِمَنْ هَوِيتُ وَقَدْ بَكَرَ النّعيُّ بَخَيرِ شَخْصٍ، ... رَسُولِ اللهِ حَقًّا مَا حَيِيتُ وَلَو عِشْنَا، وَنَحْن نَرَاكَ فِينَا ... وَأمرُ اللهِ يَتركُ، مَا بَكَيتُ فَقَدْ بَكَرَ النّعيُّ بذَاكَ عَمْدًا ... فَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَةُ مَنْ نُعيتُ وَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبتَهُ وَجَلّتْ ... وكُلَّ الجهْدِ بَعْدَكَ قدْ لَقيت إلى رَبّ البرِيّةِ ذَاكَ نَشْكُوا ... فإنّ اللهَ يَعْلَم مَا أُتِيت أفَاطِمُ إنّه قد هُدّ رُكْني ... وَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَةُ من رُزِيتُ وقالت هند بنت اثاثة أيضًا: قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أنباءٌ وهَنبَثَةٌ ... لَو كُنْتَ شاهدَها لم تَكثرِ الخُطَبُ إنّأ فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الأرْضِ وَابلَها ... فاحتلْ لقَومكَ وَاشهدهمْ ولا تغبِ

أمست مراكبه أوحشت

قَدْ كنتَ بدرًا ونورًا يُستَضاءُ بهِ ... عَلَيَكَ تُنزَلُ من ذي العزّةِ الكتبُ وكَانَ جبريلُ بالآياتِ يَحْضُرُنا ... فغابَ عَنّا وكلُّ الغَيبِ مُحْتَجِبُ فَقَدْ رُزِئْتُ أبًا سَهْلاً خَليقَتُهُ ... مَحْضَ الضّرِيبَةِ والأعراق والنسبِ وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نُفيل ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمْسَتْ مراكِبُهُ أوحَشَتْ، ... وَقَدْ كانَ يَرْكَبُها زَينُهَا وأمْسَتْ تُبَكي عَلى سَيّدٍ ... تُرَدّدُ عَبْرَتَهَا عَينُهَا وَأمْسَتْ نِساؤكَ ما تَسْتَفِيقُ ... مِنَ الحُزْنِ يَعْتَادُها دَينُها وَأمْسَتْ شَوَاحِبَ مِثْلَ النَّصَا ... لِ قَدْ عُطّلَتْ وكَبَا لَونُهَا! يُعالِجْنَ حُزْنًا بَعيِدَ الذّهابِ، ... وَفي الصّدْرِ مُكْتَنِعٌ حَينُهَا يُضَرِّبْنَ بالكّفَ حُرّ الوُجُوهِ ... عَلى مِثْلِهِ جَادَها شُونُهَا هُو الفَاضِلُ السّيَدُ المُصْطَفَى ... عَلى الحَقّ مُجْتَمِعٌ دِينُهَا فكَيف حَياتيَ بَعْدَ الرّسُولِ ... وَقَدْ حَانَ مِنْ مِيتَةٍ حَينُهَا؟ وقالت أم أيمن ترثي النبي، صلى الله عليه وسلم: عَينِ جُودي! فَإنّ بَذْلَكِ لِلدّمْـ ... ـعِ شِفَاءٌ، فَأكْثِري مِنَ البُكاءِ حِينَ قالوا: الرّسُولُ أمْسى فَقيدًا ... مَيّتًا، كانَ ذاكَ كُلّ البَلاءِ! وَابْكيِا خَيرَ مَنْ رُزِئْناهُ في بالدّنْـ ... ـيَا وَمَنْ خَصّهُ بِوَحْي السّمَاءِ بِدُمُوعٍ غَزِيرَةٍ مِنْكِ حَتّى ... يَقْضِيَ اللهُ فِيكِ خَيرَ القَضَاءِ فَلَقَدْ كَانَ ما عَلِمتُ وَصُولاً ... وَلَقَدْ جَاءَ رَحْمَةً بالضّيَاءِ! وَلَقَدْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ نُورًا ... وَسِرَاجًا يُضِيءُ في الظِّلْمَاءِ طَيّبَ العُودِ وَالضّرِيبةِ وَالمَعْـ ... ـدِنِ وَالخِيمِ خَاتَمَ الأنبياءِ

ضرمت حبالك بعد وصلك زينب

القَصِيدَةُ الزَّينَبِيَّة ضرَمَتْ حِبَالَكَ بَعد وصلك زينبُ ... والدَّهر فيه تصرُّمٌ وتقلُّبُ واستنفرتْ لَمّا رأتك وطالما ... كانت تحن إلى لقاك وترهبُ فدع الصبا فلقد عداك زمانه ... وازهدْ فعمرك منه ولَّى الأطيب ذهب الشباب فما له من عودةٍ ... وأتى المشيب فأين منهُ المهربُ ضيف ألم إليك لم تحفل به ... فترى له أسفًا ودمعًا يُسكَبُ دع عنك ما قد فات في زمن الصِّبا ... واذكُر ذُنُوبَكَ وابكها يا مُذنِبُ واخش مُناقشة الحساب فإنَّهُ ... لا بُد يُحصَى ما جنيتَ ويكتبُ لم يَنْسَهُ الملكانِ حين نسيتهُ ... بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعبُ والروحُ فيكَ وديعةً أُودعِتَها ... سترُدُّها بالرغم منك وتُسلبُ وغُرور دُنياك التي تسعى لها ... دارٌ حقيقتُها متاعٌ يذهبُ والليل فاعلم والنهار كلاهما ... أنفاسنا فيها تُعدُّ وتُحسبُ وجميعُ ما حصلته وجمعته ... حقًّا يقينًا بعد موتك يُنهَبُ تبًا لدار لا يدومُ نعيمها ... ومشيدها عما قليلَ يَخْرَبُ فاسمع هُديتَ نصائحًا أولاكها ... بَرُّ نصوح عاقل متأدبُ صحب الزمان وأهله مستبصرًا ... ورأى الأمور بما تئوب وتعقبُ أهدى النصيحة فاتَّعظ بمقالِهِ ... فهو التقيُّ اللَّوذَعِيُّ الأدرب لا تأمن الدهرَ الصروفَ فإنَّه ... لا زال قِدْمًا للرجال يُهذْبُ وكذلك الأيان في غصَّاتِها ... مضضٌ يذِلُّ له الأعزُّ الأنجبُ فعليك تقوَى اللهِ فالزمها تَفزْ ... إنَّ التقيَّ هو البَهيُّ الأهيبُ

واعمل لطاعته تَنلْ منه الرضا ... إنَّ المطيعَ لربِه لمقرَّبُ فاقنع ففي بعض القناعة راحةٌ ... واليأس مما فات فهو المطلبُ وإذا طمعت كُسيت ثوب مذلةٍ ... فلقد كُسي ثوب المذلة أشعبُ وألقِ عدوَّك بالتحية لا تكن ... منه زمانك خائفًا تترقَّبُ واحذره يومًا إنْ أتى لك باسمًا ... فالليث يبدو نابه إذ يغضبُ إنَّ الحقودَ وإنْ تقادم عهده ... فالحقدُ باقٍ في الصدورِ مُغيٍّبُ وإذا الصديق رأيته متعلقًا ... فهو العدو وحقه يتجنَّبُ لا خير في ود امرئ متملقٍ ... حلو اللسان وقلبه يتلهَّبُ يلقاك يحلف إنَّه بك واثقٌ ... وإذا توارى عنك فهو العقربُ يعطيك من طرف اللِّسان حلاوةً ... ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ واختر قرينك واصطفيه تفاخرًا ... إن القرين إلى المقارن يُنسَبُ إنَّ الغنيَّ من الرجال مكرم ... وتراه يُرجى ما لديه ويُرهَبُ ويُبشُّ بالترحيب عند قدومهِ ... ويُقام عند سلامهِ ويُقَرَّبُ والفقر شين للرجال فإنهُ ... يُزْرَى به الشهمُ الأديبُ الأنسبُ واخفض جناحك للأقارب كلَّهمْ ... بتذلل واسمح لهم إنْ أذنبوا ودع الكذوب فلا يكن لك صاحبًا ... إنَّ الكذُوبَ لبئس خِلاُّ يُصْحَبُ وذر الحسودَ ولو صفا لك مرةً ... أبعدْه عن رؤياك لا يُستَجلَبُ وزنِ الكلام إذا نطقت ولا تكن ... ثرثارةً في كل نادٍ تَخْطُبُ واحفظ لسانك واحترز من لفظه ... فالمرء يسلم باللسانِ ويَعطِبُ والسرَّ فاكتمْه ولا تنطق به ... فهو الأسير لديك إذ لا يُنشَبُ واحرص على حفظ القلوب من الأذى ... فرجوعها بعد التنافر يَصعُبُ إنَّ القلوبَ إذا تنافرَ وُدها ... شِبْهُ الزُّجاجة كسرُها لا يُشْعَبُ وكذاك سر المرء إنْ لم يطوِهِ ... نشرته ألسنة تزيد وتكذبُ

لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليس بزائدٍ ... في الرزق بل يُشْقِي الحَريص ويُتعِبُ ويظلُّ ملهوفًا يروم تحيلاً ... والرزق ليس بحيلةٍ يُسَتجْلَبُ كم عاجزٍ في النَّاسِ يُؤتى رزقه ... رغدًا ويُحرمَ كيِّسٌ ويَخَيِّبُ أدِّ الأمانة والخيانة فاجتنِبْ ... واعدل ولا تظلم يطيبُ المكسَبُ وإذا بليتَ بنكبةٍ فاصبِرْ لها ... من ذا رأيتَ مُسلَّمًا لا يُنكَبُ وإذا أصابك في زمانك شدَّةٌ ... وأصابَك الخطبُ الكرِيهُ الأصعَبُ فادعُ لربك إنه أدنى لِمنْ ... يدعوه من حبل الوريد وأقربُ ... كنْ ما استطعت عن الأنام بمعزل ... إنَّ الكثير من الورى لا يُصحبُ واجعل جليسك سيدًا تحظى به ... حَبرٌ لبيبٌ عاقلٌ متأدبُ واحذر من المظلوم سهمًا صائبًا ... واعلم بأنَّ دعاءَهُ لا يُحْجَبُ وإذا رأيتَ الرزقَ ضاق ببلدةٍ ... وخشيتَ فيها أنْ يَضيق المكسبُ فارحل فأرض الله واسعة الفضا ... طولاً وعرضًا شرقها والمغربُ * * *

الحمد لله لا يحصى له عدد

نظم الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي، رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله لا يحصى له عددُ ... ولا يحيط به الأقلام والمِددُ حَمْدًا لِرَبِي كَثِيرًا دَائِمًا أبَدًا ... في السِر والجَهْرِ في الدارَينِ مُسْتَرَدُ مِلْءَ السمواتِ والأَرْضِينَ أجْمَعِهَا ... ومِلْءَ مَا شَاءَ بَعْدُ الواحِدُ الصَّمَدُ ثم الصلاةُ على خيرِ الأنامِ رَسُو ... لِ الله أحَمْدَ مَعْ صَحْبٍ بِهِ سَعدُوا وأَهْلِ بَيتٍ النَبِي والآلِ قاطِبَةً ... والتَابِعْينَ الأُلَى لِلدِّينِ هُمْ عَضُدُ والرُسْلِ أَجْمَعِهِمْ والتَابِعِينَ لهُمْ ... مِن دُوَنِ أَنْ يَعْدِلُوا عَمَّا إِليهِ هُدُوا أَزْكَى صَلاةٍ مَعَ التَسْلِيمِ دَائِمَةٍ ... مَا إنْ لَهَا أَبَدًا حَدٌ ولا أَمَدُ وبَعْدُ ذِي فِي أُصُولِ الدِينِ «جَوهَرة ... فَرِيدَةٌ» بِسَنَا التَوحِيرِ تَتَقِدُ بِشَرْحِ كُلِ عُرَى الإسلامِ كَافِلَةٌ ... ونَقْضِ كُلِ الذِي أَعْدَاؤُهُ عَقَدُوا وَمَا أُبَرِئُ نَفْسِي مِن لَوَازِمِهَا ... وأَحْمَدُ اللهَ مِنْهُ العَونُ والرّشَدُ واللهَ أَسْأَلُ مِنْهُ رَحْمَةً وهُدَى ... فَضْلاً ومَا لِي إلاَّ اللهُ مُسْتَنَدُ

مقدمة في بَرَاءَةِ المتبعين من جراءة المبدعين وافترات المبتدعين إِنِّي بَرَاءٌ مِن الأَهْوَا ومَا وَلَدَتْ ... وَوَالدِيهَا الحَيَارَى سَاءَ مَا وَلَدُوا واللهِ لَسْتُ بجَهْمِيٍ أَخَا جَدَلٍ ... يَقُولُ فِي اللهِ قَولاً غَيرَ مَا يَرِدُ يكذِّبون بأسماء الإِله وأو ... صاف له بل لِذَات الله قد جحدوا كلا ولست لربِّي من مشبِّهة ... إذ من يشبهه معبوده جسد ولا بمعتزليٍّ أو أخا جبر ... في السيئات على الأقدار ينتقدُ كلا ولست بشيعي أخا دغل ... في قلبه لصحاب المصطفى حقدُ كلا ولا ناصبي ضدَّ ذلك بل ... حبُّ الصحابة ثم الآل نعتقدُ وما أرسطو ولا الطوسي أئمَّتنا ... ولا ابن سبعين ذاك الكاذب الفندُ ولا ابن سينا وفارابيه قدوتنا ... ولا الذي لنصوص الشر يستندُ مؤسس الزيغ والإلحاد حيث يرى ... كل الخلائق بالباري قد اتحدُوا ... معبوده كلُّ شيء في الوجود بدا ... الكلب والقرد والخنزير والأسدُ ولا الطرائق والأهواء والبدع الـ ... ـضلال ممن على الوحيين ينتقدُ ولا نُحكم في النص العقول ولا ... نتائج المنطق الممحوق تعتمدُ لكن لنا نصُّ آيات العقول وَمَا ... عن الرسول رُوي الإِثبات معتمدُ لنا نصوص الصحيحين اللذين لها ... أهل الوفاق وأهل الخلف قد شهدوا والأربع السُنن الغر التي اشتهرت ... كلٌّ إلى المصطفى يعلو له سندُ كذا الموطَّا مع المستخرجات لنا ... كذا المسانيد للمحتج مستندُ مستمسكين بها مستسلمين لها ... عنها تذبُّ الهوى إنا لها عضدُ ولا نصيخ لعصري يفوه بما ... يناقض الشرع أو إياه يعتقدُ

يرى الطبيعة في الأشيا مؤثرة ... أين الطبيعة يا مخذول إذ وجدوا وما مجلاتهم وردى ولا صدري ... وما لمعتنقيها في الفلاح يدُ إذ يدخلون بها عاداتهم وسجا ... ياهم وحكم طواغيت لهم طردوا محسنين لها كيما تروج على ... عمي البصائر ممن فاته الرشدُ من أحلَّ ذلك قد أضحى زنادقة ... كثيرهم لسبيل الغي قد قصدوا يرون أن تبرز الأنثى بزينتها ... وبيعها البضع تأجيلاً وتنتقدُ من أجل ذلك بالإِفرنج قد شغفوا ... بهم تزيوا وفي زي التقى زهدوا وبالعوائد منهم كلها اتصفوا ... وفطرة الله تغييرًا لها اعتمدوا على صحائفهم يا صاح قد عكفوا ... ولو تلوت كتاب الله ما سجدوا وعن تدبُّر حُكم الشرع قد صرفوا ... وفي المجلات كل الذوق قد وجدوا وللشوارب أعفوا واللحى نتفوا ... تشبهًا ومجاراة وما اتأدوا قالوا رقيَّا فقلنا للحضيض نعم ... تفضونَ منه إلى سجّين مؤتصدُ ثقافة مِن سماج ساء ما ألفوا ... حضارة من مروج هم لها عمدوا عصرية عصرت خبثًا فحاصلها ... سم نقيع ويا أغمار فازدردوا موت وسمَّوه تجديد الحياة فيا ... ليت الدعاة لها في الرمس قد لحدوا دعاة سوء إلى السوأى تشابهت الـ ... ـقلوب منهم وفي الإضلال قد جهدوا ما بين مستعلن منهم ومستتر! ... ومستبد ومن بالغير محتشدُ لهم إلى دركات الشر أهويةٌ ... لكن إلى درجات الخير ما صعدوا ... وفي الضلالات والأهوا لهم شبه ... وعن سبيل الهدي والحقِّ قد بلدوا صمٌّ ولم سمعوا بكمٌ ولو نطقوا ... عميٌ ولو نظروا بهت بما شهدوا عموا عن الحق صموا عن تدبُّره ... عن قوله خرسوا في غيهم سمدوا كأنهم إذ ترى خشب مسندة ... وتحسب القوم أيقاظًا وقد رقدوا باعوا بها الدين طوعًا عن تراض وما ... بالوا بذا حيث عند الله قد كسدوا

يا غربة الدين والمستمسكين به ... كقابض الجمر صبرًا وهو يتقدُ المقبلين عليه عند غربته ... والمصلحين إذا ما غيرهم فسدوا إن أعرض الناس عن تبيانه نطقوا ... به وإن أحجموا عن نصره نهدوا هذا وقد آن نظم العقد معتصمًا ... بالله حسبي عليه جلَّ أعتمدُ أبواب أمور الدين والذين قول بقلب واللسان وأعمـ ... ـال بقلب وبالأركان معتمدُ يزداد بالذِّكر والطاعات ثم له ... بالذنب والغفلة النقصان مطردُ وأهله فيه مفضول وفاضله ... منهم ظلوم وسبَّاق ومقتصدُ وهاك ما سأل الرُّوح الأمين رسو ... لَ الله عن شرحه والصحب قد شهدوا فكان ذاك الجواب الدِّين أجمعه ... فافهمه عقدًا صفا ما شابهُ عقدُ باب الإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته بالله نؤمن فرد واحد أحد ... ولم يلد لا ولم يولد هو الصمدُ ولا إله ولا رب سواه ولم ... يكن له كفوًا من خلقه أحدُ حي سميع بصير جل مقتدر ... عدل حكيم عليم قاهر صمدُ هو العلي هو الأعلى هو المتعا ... لي كل معنى علوّ الله نعتقدُ قهرًا وقدرًا وذاتًا جلَّ خالقنا ... ما حلّ فينا ولا بالخلق متحِدُ في سبع آيٍ من القرآن صرح بـ «اسـ ... ـتوى على العرش» ربي فهو منفردُ ولفظ فوق أتى مع اقتران بمن ... ودونها لمريد الحق مستندُ وفي السماء اتلها في الملك وانسجه ... وكم حديثًا بما يعلو به السندُ وتعرج الرُّوح والأملاك صاعدةً ... أما إلى ربهم نحو العلى صعدوا وهكذا يصعد المقبول من عملٍ ... من العباد لمن إياه قد عبدوا

كذا عروج رسول الله حين سرى ... قل لي إلى من له قد كان مصطعدُ ... وحين خُطبته في جمعٍ حُجته ... أشار رأسٌ له نحو العُلى ويدُ أليس يشهد ربُّ العرش جلَّ على ... تبليغه ثم أهل الجمع قد شهدوا وسُنَّ رفع المصلِّي في تشهده ... سبابة لعلو الله يعتقدُ وكل داع إلى من رافع يده ... إلا إلى من يجي من عنده المددُ وكم لهذا براهينا مؤيدة ... وحين يسمعها الجهمي يرتعدُ ونحن نثبت ما الوحيان تثبته ... من أنَّ ذا العرش فوق العرش منفردُ يدنو كما شاء ممَّن شا ويفعل ما ... يشا ولا كيف في وصفٍ له يَرِدُ مستيقنين بما دلَّت عليه ومِن ... ثلاثة الأوجه أعلم ذكرها يردُ دلَّت على ذات مولانا مطابقة ... به تليق بها الرحمن منفردُ كذا تضمَّنت المشتقَّ من صفة ... نحو العليم بعلمٍ ثم تطردُ كذلك استلزمت باقي الصفات كما ... للقدرة استلزم الرحمن والصمدُ وكل ما جاء في الوحيين من صفة ... لله نثبتها والنص نعتمِدُ صفات ذات وأفعال نمرُّ ولا ... نقول كيف ولا ننفي كمن جحدوا لكن على ما بمولانا يليق كما ... أراده وعناه الله نعتقدُ وفي الشهادة علم القلب مشترط ... يقينه أنقد قبول ليس يفتقدُ إخلاصك الصدق فيها مع محبتها ... كذا الولا والبرا فيها لها عُمَدُ فيه تُوالي أولي التقوى وتنصرهم ... وكلُّ أعدائه إنا لهم لعدو

فصل والشرك جعلك ندا للإِله ولم ... يشارك الله في تخليقنا أحدُ تدعوه ترجوه تخشاه وتقصده ... لدفع شر ومنه الخير ترتفدُ وعلمه بك مع سَمعِ الدعاء وقد ... رةٍ وسلطان غيب فيه تعتقدُ مثل الألي بدا الأموات قد هتفوا ... يرجون نجدتهم من بعد ما لُحدوا وكم نذروا وقربانًا لهم سرقوا ... ظلمًا ومن أنفَس المنقوش كم نقدوا وكم قِبابًا عليها زخرفت ولها ... أعلى النسيج كساء ليس يفتقدُ فهم يلوذون في دفع الشرور بها ... كما لها في قضا الحاجات قد قصدوا ويصرفون لها كل العبادة دو ... ن الله جهرًا وللتوحيد قد جحدوا إن لم تكن هذه الأفعال يا علما ... شركًا فما الشرك قولوا لي أو ابتعدوا ... إن لم تكن هذه شركًا فليس على ... وجه البسيطة شرط قط ينتقدُ باب الإيمان بالملائكة وبالملائكة الرسل الكرام عبا ... د الله نؤمن خابوا من لهم عبدوا من دون ربي تعالى والتباب لمن ... كانوا له ولهم والمرسلين عدو بل هم عباد كرام يعملون بأمـ ... ـر الله ليس له ندٌّ ولا ولدُ منهم أمينٌ لِوَحْيِ الله يبلغه ... لرسله وهو جبريل به يغدُ وللرياح وقَطر والسحاب فمـ ... ـكيال بذاك إليه الكَيل والعددُ

كذلك بالصُّور إسرافيل وُكِّل وهـ ... ـو الآن منتظر أن يأذن الصمدُ وحاملو العرش مع من حولهم ذكروا ... وزائرو بيته المعمور ما افتقدوا والحافظون عينًا الكاتبون لِما ... نسعى وفي الحشر إذ يؤتى بهم شهدوا وآخرون بحفظ العبد قد وُكِلوا ... حتى إذا جاءه المقدور لم يفدوا والموت وكل حقًا بالوفاة لرُو ... ح العبد قيضًا إذا منها خلا الجسدُ ومنكرٌ ونكير وكِّلا بسؤا ... ل العبد في القبر عمَّا كان يعتقدُ كذاك رضوان في أعوانه خزنوا ... لجنة الخلد يشري من بها وعدوا كذا زبانية النيران يقدمهم ... في شأنها مالك بالغيظ يتقدُ وآخرون فسيَّاحون حيث أتوا ... مجالس الذكر حفُّوا من بها قعدوا وغيرهم من جنود ليس يعلمها ... إلا العليم الخبير الواحد الأحدُ باب الإيمان بكُتب الله المنزلة وكتبه بالهدى والحق منزلة ... نورًا وذكرى وبشرى للذين هُدوا ثم القرآن كلامُ الله ليس كما ... قال الذين على الإِلحاد قد مردوا جعدٌ وجُهْم وبِشر ثم شيعتهم ... إلاَّ فبُعدًا لهم بُعدًا وقد بعدوا تكلَّم الله رب العالمين به ... قولاً وأنزله وحيًا به الرشد نتلوه نسمعه نراه نكتبه ... خطًّا ونحفظهً بالقلب نعتقدُ وكلُّ أفعالنا مخلوقة وكذا ... آلاتنا الرق والأقلام والمددُ

وليس مخلوقًا القرآن حيث تُلي ... أو خُط فهو كلام الله مستردُ والواقفون فشر نِحلة وكذا ... لفظية ساء ما راحوا وما قصدوا ... باب الإيمان بالرسل عليهم السلام والرسل حق بلا تفريق بينهم ... وكلهم للصراط المستقيم هُدوا وبالخوارق والإعجاز أيدهم ... ربي على الحق ما خانوا وما فندوا وفضَّل الله بعض المرسلين على ... بعض بما يشاء في الدنيا وما وُعدوا من ذاك أعطى لإبراهيم خلَّته ... كذا لأحمد لم يشركهما أحد وكلم الله موسى دون واسطة ... حقًا وخطَّ له التوراة فاعتمدوا وكان عيسى بإذن الله يبرئ من ... عِلاَّت سوء ويُحيي الميت قد فُقدوا والكل في دعوة التوحيد ما اختلفوا ... أمَّا الفروع ففيها النسخ قد تجدُ إلاَّ شريعتنا الغرا فليس لها ... من ناسخ ما رسَى في أرضه أحدُ إذا كان أحمد ختم المرسلين فمَن ... مِن بعده رام وحيًا كاذبٌ فندُ وكان بعثته للخلق قاطبة ... كان النبيون أحياء لها قصدوا باب الإيمان باليوم الآخر واليوم الآخر حقٌّ ثم ساعته ... بمنتهى علمها الرحمن منفردُ والموت حقٌّ ومن جاءت منيته ... بأي حتف فبالمقدور مفتقدُ ما أن له عنه من مستأخر أبدًا ... كلا ولا عنه من مستقدم يجدُ كل إلا أجل يجري على قدر ... ما لامرئ عن قضاء الله ملتحدُ

وفتنة القبر حقٌّ والعذاب به ... لكافر ونعيم للألي سعدوا وللقيامة آيات إذا وجبت ... فليس من توبة تجدي وتلتحِدُ من ذاك أن تستبين الشمسُ طالعةً ... من حيث مغربها والخلق قد شهدوا كذاك دابة للأرض تكلمهم ... جهرًا وتُفرِّق بالتمييز من تجدُ نزول عيسى لدجال فيقتله ... وفتح سد عباد ما لهم عددُ كذا الدخان وريح وهي مرسلة ... لقبض أنفس من للدين يعتقدُ وغيرها من أمور في الكتاب جرت ... ذكرى وصحَّ بها في السنة السندُ والنفخ في الصور حقٌّ أولاً فزع ... فصعقة فقيام بعدما رقدوا والوزن بالقسط والأعمال محضرة ... في الصحف تنشر والأشهاد قد شهدوا والجسر ما بين ظهراني الجحيم كما ... في النص إن أحد إلا لها قد يَرِدُ يجوزه الناس بالأعمال تحملهم ... عليهم ليس القوى ذو العدِّ والعُدَدُ ... كالبرق والطرف أو مرِّ الرياح وكالـ ... ـجياد أو كركاب النوق تنشردُ وذاك يعدو وذا يمشي عليه وذا ... زحفًا وذا كبَّ في نار به تقدُ والنار حقٌّ وجنات النعيم ولا ... تقول نفنى ولا ذا الآن تُفتقدُ هذي لأعدائه قد أُرصدت أبدًا ... وذي لأحبابه والكلُّ قد خلدوا وحوض أحمد قد أعطاه خالقه ... غوثًا لأمته في الحشر إذا تَرِدُ والرسل تحت لواء الحمد تحشر إذ ... ذاك اللوا لختام الرسل ينعقدُ كذا المقام له المحمود حيث به ... في شأنه كلُّ أهل الجمع إذ وفدوا وفي عصاة أولي التوحيد يخرجهم ... من الجحيم ويدريهم بما سجدوا

وبعده يشفع الأملاك والشهدا ... والأنبياء وأتباع لهم سعدوا فيخرجونهمو فحمًا قد امتحشوا ... من الجحيم قد اسودّوا وقد خمدوا فيطرحون بنهر يَنبُتون به ... نبتَ الحبوب بسيل جاءَ يطَّرِدُ ثم الشفاعة ملكٌ للإِله ولا ... شريك جلَّ له في ملكه أحدُ فليس يشفع إلاَّ من يشاء وفي ... من شاء حين يشاء الواحد الصمدُ ويخرج الله أقوامًا برحمته ... بلا شفاعة لا يُحصَى لهم عددُ وليس يخلد في نار الجحيم سوى ... من كان بالكفر عن مولاه يبتعدُ يا عظم ما ركبوا يا سوء ما نكبوا ... عن ربهم حجبوا من فضله بعدوا باب الإيمان بالنظر إلى الله عزَّ وجل في الدار الآخرة والمؤمنون يرون الله خالقهم ... يوم اللقا وعده الصدق الذي وعدوا يرونه في مقام الحشر حين ينا ... ديهم ليتبع الأقوام ما عبدوا فيتبع المجرم الأنداد تقدمهم ... إلى جهنم وردا ساء ما وردوا والمؤمنون لمولاهم قد انتظروا ... إذا تجلى لهم سبحانه سجدوا إلا المنافق يبقى ظهره طبقًا ... إذ في الحياة إذا قيل اسجدوا مردوا كذا لزيادة في يوم المزيد إذا ... على النجائب للرحمن قد وفدوا فالأنبياء كذا الصديق والشهدا ... على منابر نور في العلا قعدوا

وغيرهم من أولي التقوى مجالسهم ... كثبان مسك ألاَّ يا نَعمت المهدُ من فوقهم أشرف الرحمن جلَّ ونا ... داهم سلام عليكم كلهم شهدوا يرونه جهرةً لا يمترون كما ... للشمس صحوا يرى من ما به رَمدُ ... هناك يذهل كل عن نعيمهمو ... بذا النعيم فيا نُعمى لهم حَمِدوا وذا لهم أبدًا في كلِّ جمعتهم ... بشرى وطوبى لمن في وفدهم يفدُ باب الإيمان بالقدر خيره وشره كذلك بالقدر المقدور نؤمن مِن ... خير وشر وذا في ديننا عُمدُ ولا منافاة بين الشرع والقدر الـ ... ـمحتوم لكن أولو الأهواء قد مردوا فإنَّ الإيمان بالأقدار مرتبط ... بالشرع ذا دون هذا ليس ينعقدُ إياه نعبد إذعانًا لشرعته ... بالنهي منزجرين الأمر نعتمدُ ونستعين على كلِّ الأمور به ... إذ كُلُّها قدرٌ من عنده ترِدُ أحاط علمًا بها ربي وقدَّرها ... دقًّا وجلا ومن يشقى ومن سعدوا من قبل إيجادها حقًا وسطرها ... في اللوح جفَّت بها الأقلام والمددُ كيفية وزمان والمكان فلا ... يعدو امرؤ ما قضاه الواحد الصمدُ بقول «كُن» ما يشا أمضى بقدرته ... بالخلق والأمر رب العرش منفردُ وقدرة العبد حقًّا مع مشيئته ... لكن لما شاء منه الله نعتقدُ إذا كان ذاتًا وفعلاً كلُّه عدم ... إلا إذا جاءه من ربه المددُ من يهده الله فهو المهتدى وكذا ... من شاء إضلالَه أنَّى له الرشدُ مجمل أركان الإسلام هذا وقد بني الإسلام فادر على ... خمس دعائم فاحفظ إنها العمدُ هي الشهادة فاعلم والصلاة مع الـ ... ـزكاة والصوم ثم الحج فاعتمدوا

وذروة الدين أعلاها الجهاد حمى ... لحقه ولأهل الكفر مضطهدُ جامع وصف الإحسان هذا والإحسان في سرٍ وفي علن ... أصل ومعتاد عن خير الورى يردُ إن تعبد الله باستحضار رؤيته ... إياك ثم كمن إياه قد شهدوا باب نواقض الإسلام، أعاذنا الله منها وليس يخرج من الإسلام داخله ... إلا بإنكار ما فيه به يردُ أما المعاصي التي من دون ذاك فلا ... تكفير إلا لمن للحل يعتقدُ والكفر إن كان عن جهل الكفور فتكـ ... ـذيب ككفر قريش حينما مردوا ... أو كان عن علمه فهو الجحود ككفـ ... ـار اليهود الألي بالمصطفى جحدوا أو بالإِباء مع الإقرار فهو عِنا ... د كالرحيم إذ الأملاك قد سجدوا أو أبطن الكفر بالإسلام مستترًا ... فهو النفاق فهذي أربع تَردُ

مقابلات لقول القلب مع عمل ... مسه وقول لسان معه ينعقدُ كذا لسائر أعمال الجوارح فاعـ ... ـلم أربع قابلتها فاستوى العددُ باب شرك دون شرك وكفر دون كفر ... وظلم دون ظلم وفسوق دون فسوق ونفاق دون نفاق والشرك قد جاء منه أصغر وهو الـ ... ـرياء ممن سوى الرحمن ما عبدوا كمن يصلي لربي ثم زينتها ... لما يرى أن إليه قاعد أحدُ كذلك الحلف بالمخلوق من وثن ... كذا الأمانة والآباء والولدُ وبالشهادة فالساهي يكفر كي ... يقر في القلب معناها ويرتصدُ ونحو لولا فلان كان كيت وما ... شاء الإله وشئت الكل منتقَدُ وهكذا كلُّ لفظ فيه تسوية ... بالله جلَّ ولكن ليس يعتقدُ ولانتفاء التساوي جاز «ثم» مكا ... ن الواو نصًا وأهل العلم ما انتقدوا والكفر والظلم فاعلم والفسوق كذا ... النفاق كل على نوعين قد يردُ فالكفر بالله معلوم وسمي بالـ ... ـكفر القتال الذي الإسلام يعتمدُ والظلم للشرك وصف ثم أطلق في ... تظالم الخلق منه الغشُّ والحسدُ والفسق في وصف إبليس اللعين أتى ... وقاذف ما عن الإسلام يبتعدُ كذا النفاق أتى في الكفر أقبحه ... وجاء في وصف ذي خلف لما يعدُ

أو خاصموا فجروا أو عاهدوا غدروا ... والخائنين ومن إن حدَّثوا فندوا باب معنى النصوص ... التي فيها نفي الإيمان عن مرتكب بعض المعاصي وحيث ما نفي الإيمان في أثر ... عمن عصى من التوحيد قد عقدوا فالمستحل أو المقصود فارقه ... إيمانه حالة العصيان يصطعدُ أو المراد به نفي الكمال وعن ... تفسيرها بعض أهل العلم قد قصدوا تكون أرهب أما أن نكفره ... فقد رددنا على القرآن إذ نجدُ ... أن أثبت الله للجاني الأخوة والإ ... يمان ما قال فيه كافر وعدو باب التوبة وشروطها وتقبل التوبة - اعلم - قبل حشرجة الـ ... ـصدور من كل ذنب ناله أحدُ شروطها يا أخي الإِقلاع مع ندم ... ولا يعود له بل عنه يبتعدُ وإن يكن فيه حق الآدمي فتحـ ... ـلُّ حيث أمكن وليعرض له القُوَدُ باب حكم السحر والكهانة ... والتنجيم والتطير والاستسقاء بالأنواء والعين والسحر حق وقوعًا باطل عملاً ... فمنه حِرز ومنه النفث والعقدُ وحُكمه الكفر في نصِّ الكتاب أتى ... وحُدَّ فاعله بالسيف يحتصدُ ثم الكهانة كفرٌ والتطير والـ ... ـتنجيم والنوء ممَّن فيه يعتقدُ والعين حقٌّ وبالمقدور ثورتها ... وليغتسل عائن منها لمن يجدُ

باب ... حكم الرقي والتعاليق ثم الرقي إن تكن بالوحي دون تصـ ... ـرف ولا صرف قلب ليس ينتقدُ وللصحابة خلف في تعليق آ ... يات الكتاب ووردٌ للنبي يَردُ والمنع أولى فأمَّا ما عداه فلا ... خلاف في منعه إذ فيه مستندُ باب الخلاف ومحبة الصحابة ... وأهل البيت - رضي الله عنهم - ثم الخليفة من بعد النبي هو الـ ... ـصديق أسعد من بالمصطفى سعدوا وبعده عمر الفاروق ذاك أبو ... حفص له الضد والأعوان قد شهدوا كذاك عثمان ذو النورين ثالثهم ... يظلمه باء أهل البغي إذ قصدوا كذا عليٌّ أبو السبطين رابعهم ... بالحقِّ معتضد للكفر مضطهدُ فهؤلاء بلا شكٍّ خلافتهم ... بمقتضى النص والإِجماعِ منعقدُ وأهل بيت النبي والصحب قاطبةً ... عنهم نذبُّ وحب القوم نعتقدُ والحق في فتنة بين الصحاب جرت ... هو السكوت وأن الكلَّ مجتهدُ والنصر أن أبا السبطين كان هو الـ ... ـمحقُّ من رد هذا قوله فندُ ...

تبًا لرافضه سحقًا لناصية ... قُبحًا لمارقةٍ ضلُّوا وما رشدوا باب ... وجوب طاعة أولي الأمر ثم الأئمَّة في المعروف طاعتهم ... مفروضة وفِي العهد الذي عقدوا ولا يجوز خروج بالسلاح عليـ ... ـهم ما أقاموا على السمحاء واقتصدوا أما إذا أظهروا الكفر البواح فقا ... تلوا أئمَّة كفر حيثما وجدوا باب وجوب النصيحة في الدين ... والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم النصيحة قل فرض بكل معا ... نيها هي الدين فاعلم إذ هي العمدُ لله والرسل والقرآن ثم ولا ... ة الأمر ثم عموم المسلمين هدوا والأمر بالعرف مع علم به ولعفو ... خذ وأعرض عن الجهال يتَّئدوا كذلك النهي عن نكر ومورده ... قول فسخطًا إذا لم تستطعه يدُ

باب ... الشرع وأصول الفقه والشرع ما أذن الله العظيم به ... من الكتاب وآثار النبي تردُ مما رَوى العدل محفوظًا ومتصلاً ... عن مثله صحَّ مرفوعًا به السندُ والقول والفعل والتقرير حيث أتى ... عن الرسول فللتشريع يُعتمدُ إلا إذا جاء برهان يُخصِّصه ... المصطفى أو بشخص فيه ينفردُ والأصل في الأمر فاعلم للوجوب فلا ... يصل للمندوب إذ لا صارف يردُ والنهي للحظر إذ لا نص يصرفه ... إلى الكراهة هذا الحق يُعَتقدُ ومستوى الطرفين أدع المباح فلا ... يلام في فعله أو تركه أحدُ وما به يُنتفى حكم فمانعه ... وعكسه سبب يدريه مجتهدُ والشرط ما رُتب الإِجزا وصحته ... عليه أو نفي حكم حين يفتقدُ ونافذ وبه اعتدَّ الصحيح كما ... نقيضه باطلٌ ليست له عمدُ ثم الوسيلة تعطي حكم غايتها ... فرضًا وندبًا وحظرًا عنه يبتعدُ والرخصة الإِذن في أصل لمعذرة ... وضدها عزمة بالأصل تنعقدُ ... والأصل أن نصوص الشرع محكمةٍ ... إلا إذا جا بنقل الأصل مستندُ وأيُّ نص أتى مثل يعارضه ... وأمكن الجمع فهو الحقُّ يعتمدُ وحيث لا ودريت الآخر اقضِ به ... نسخًا لحكم الذي من قبله يَرِدُ أولاً فرجِّح متى تبدو قرائن تر ... جيح عليها احتوى مَتن أو السندُ والمطلق أحمل على فحوى مقيدِه ... وخصَّ ما عمَّ بالتخصيص إذ تجدُ والحظر قدم على داعي إباحته ... كذا على النفي فالإِثبات معتضدُ هكذا الصريح على المفهوم فاقضِ به ... وهكذا فاعتبر إن أنت منتقدُ وأيُّ فرع أنت في الأصل علَّته ... أو كان أولى بها فالحكم يطَّردُ

ولا تقدم أقاويل الرجال على ... نصِّ الشريعة كالغالين إذ جحدوا ولا تقلِّد وكن في الحق متبعًا ... إن اتباعك فالتعلُّم هو الرشدُ إذ الأئمة بالتقليد ما أذنوا ... لكن نرد المورد العذب الذي وردوا ولتستعن بمفهوم القوم إن لهم ... بصائر كم بها ينحل متعقَّدُ وأعلم الأمة الصحب الألي حضروا ... مواقع الشرع والتنزيل قد شهدوا أدرى الأنام بتفسير الكتاب وأفـ ... ـعال الرسول وأقوالٍ له تردُ إجماعهم حجة قطعًا وخلفهمو ... لم يعده الحق فليعلمه مجتهدُ اردد أقاويلهم نحو النصوص فما ... يوافق النصَّ فهو الحق معتضدُ ما لم تجد فيه نصًّا قدم الخلفا ... إذ هم بنص رسول الله قد رشدوا فالتابعون بإحسانٍ فتابعهم ... من الأئمَّة للحقِّ المبين هدوا كالسبعة الأنجم الزهر الذين يرى ... إجماعهم مالك كالنص يعتمدُ وابن المبارك والبصري هو الحسن الـ ... ـمرضي حقًا وحمَّادًا همو حمدوا كذاك سفيان مع سفيان ثم فتى الأ ... وزاع فاعلم ومن أقرانهم عددُ ثم الأئمَّة نعمان ومالكهم ... والشافعي أحمد في ديننًا عمدُ وغيرهم من أولي التقوى الذين لهم ... بصائر بضياء الوحي تتَّقدُ أولئك القوم يحيا القلب إن ذُكروا ... ويذكر الله إن ذكرهمو تردُ أئمَّة النقل والتفسير ليس لهم ... سوى الكتاب ونصُّ المصطفى سندُ أحبار ملَّته أنصار سنَّته ... لا يعدلون بها ما قاله أحدُ أعلامها نشروا أحكامها نصروا ... أعداءها كسروا نقالها نقدوا ... هم الرجوم لسراق الحديث كما ... لكلِّ مسترق شهب السما رصدُ بدور تم سوى أن البدور لها ... غيبوبة أبدًا والنقص مطردُ وهم مدى الدهر ما زالت مآثرهم ... في جدَّةٍ وانجلاء منذما وسدوا أولئك الملأ الغرُّ الألى ملئا الـ ... أقطار علمًا وغير النص ما اعتقدوا

ألا قل لذي جهل تهور في الردى

كلٌّ له قدم في الدين راسخةٌ ... وكلهم في بيان الحقِّ مجتهدُ فإن أصاب له أجران قد كملا ... والأجر مع خِطئه والعفو متعدُ والحق ليس بفرد قط منحصرًا ... إلاَّ الرسول هو المعصوم لا أحدُ صلَّى عليه إله العرش فاطره ... مُسلمًا ما بأقلام جرى المددُ والآل والصحب ثم التابعين لهم ... والحمد لله لا يُحصَى له عددُ * * * وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: ألا قُلِ لِذِي جَهْلٍ تَهوَّرْ في الرَّدَى ... وأظْهَرَ مَكْنُونًا مِن الغَيِّ لا يُجْدِي وفَاهَ بتَزْوِيرٍ وإِفكٍ ومُنْكَرٍ ... وظُلْمٍ وعُدوانٍ على العالمِ المَهِدي وزوَّرَ نَظْمًا للأَميرِ مُحَمَّدٍ ... وحَاشَاهُ مِن إفكِ المزَوِّرِ ذِيْ الجَحْدِ لَعَمْرِي لَقد أَخطأْتَ رُشْدَكَ فاتَّئِد ... فلستَ على نهجٍ مِن الحقِ مُسْتَبْدِ وقد صحَّ أَنَّ النَّظم هذا مقول ... تقوّله هذا الغبيُّ على عمد وما كان هذا النظمُ منظومَ عالم ... نقيٍّ تقيِّ الهدى للورى يَهدى ولكنَّه جهلٌ صريح مركَّبٌ ... ومنشئه عن منهج الرُّشد في بعد وهأَنذا أُبدى مخازيه جهرةً ... وأَنقُضُ ما يُبديه بالحقِّ والرُّشد لتعلم أَنَّ الفَدم هذا مزوِّرٌ ... وأَنَّ الَّذي أَبداه من جهله المردي يُخالف ما قال الأَميرُ محمَّدٌ ... وقرَّر في التطهير تقرير ذي نقد فأَزرى به من حيث يحسِب أَنَّه ... أَشاد له بيتًا رفيعًا من المجد فَجاءَ على تزويره بدلائِلَ ... تعود على ما قال بالرَّدَّ والهدِّ

إذا صحّ ما قلنا لديك فقولهُ ... رجعت عن النَّظم الذي قلت في النجدي رجوعٌ عن الحقِّ الَّذي هو ذاكر ... عن السلف الماضين من كل ذي رُشد إلى الغيّ من كفرٍ وشرك وبدعة ... إلى غير ذا من كل أَفعال ذي الطرد فلو صحَّ هذا وهو لا شكَّ باطلٌ ... وزورٌ وبهتانٌ من النَّاظم المبدي لكان لعمَرى ضحكةً ومناقضًا ... لما قال في منظومه عن ذوى الجَحْد فدونك ما أَبدى عن المدح والثنا ... وما قال في ذم المخالف والضد قفى واسألي عن عالمٍ حلَّ ساحها ... به يَهتدي من ضَلَّ عن منهج الرُّشد محمدٍ الهادي لسُنَّة أَحمد ... فيا حبذا الهادي ويا حَبذا المهدي لقد أَنكرت كلُّ الطوائف قولهُ ... بلا صَدرٍ في العلم منهم ولا ورْد وما كلُّ قولٍ بالقبول مقابَلٌ ... ولا كلُّ قولٍ واجِبُ الطرد والرَّد سوى ما أتَى عن ربِّنا ورسوله ... فذلك قولٌ جل يا ذا عن الندِّ وأما أقاويلُ الرِّجال فإِنَّها ... تدور على قدر الأَدلَّة في النَّقد لقد سرني ما جاءَني من طريقه ... وكنتُ أَرى هذي الطريقةَ لي وحدي ... وقد جاءَت الأَخبارُ عنه بأَنَّه ... يُعيد لنا الشَّرع الشريف بما يبدي وينشر جهرًا ما طوى كلُّ جاهلٍ ... ومبتدعٍ منه فَوَافَقَ ما عندي ويعمُرُ أَركانَ الشريعة هادمًا ... مشاهدَ ضلَّ النَّاسُ فيها عن الرُّشد أَعادوا بها معنى سُواع ومثلِه ... يغوثَ ووُدٍّ بئس ذلك من وُدّ وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ... كما يهتف المضطرُّ بالصَّمد الفرد وكم عقروا في ساحها من عقيرة ... أُهلت لغير الله جهرًا على عمد وكم طائف حول القبور مقبِّلٍ ... ومستلم الأَركان منهن باليد

فهذا هو المعروفُ من حال شيخنا ... ودعوته للحقِّ بالحقِّ والرُّشد فسار مسيرَ الشمس في كبد السما ... وطبَّق من غرب البلاد إلى الهند ولم تَبقَ أَرض ليس فيها مجدِّدٌ ... علَى إِثره يقفو ويهدي ويستهدي فقل للَّذي أَبدى خزايةَ جَهْله ... وأَبرز منظومًا خليًا من الرُّشد أَعد نظرًا فيما توهَّمتَ حسنَهُ ... فإنك لم تنطق بحقٍّ ولا رشد ودعنا من القول المزوَّر والهَذَا ... ومن إفكك الواهي ومن جَهلِك المردي فقدْ وافقَ الشيخُ الإِمامَ محمَّدًا ... وصحَّ له عَنه خلاف الَّذي تُبدي فَظَنَّ به خَيرًا وقد كان أَهلَه ... وكان على حقِّ وبالحقِّ يستهدي وقد جاءَهم من أَرضه متهوِّكٌ ... جهول يسمى مِرْبَدا وهو ذو جَحْد ففاه ببهتان وإِفك مزوَّرٍ ... وكان عن التحقيق والحقِّ في بُعد وقد كان ذا جهل وليس بعالم ... وقد أَنكر التوحيد للواحد الفرد وظنَّ طريق الرُّشد غيَّا بزعمه ... وقد أَلف المأْفونُ كُفْرانَهُ المردي فأَشرقه نور الهدى حين ما بدا ... وقرَّ إلَى صنعا وفاه بما يبدي فما غرَّهم من جهله وافترائه ... زخارفُ ما أَبداه ذو الزَّور والحقد إلى أَن تولى ذلك العصرُ وانقضى ... وجاءَ أُناس بعدهم من ذوى الطَّرد فساغ لديهم زخرفُ القول وارتضوا ... من الظلم والعدوان أقوال ذي الجحد وقد زعم المأْفون أَن رسائلا ... أَتاهم بها فيها التجاوزُ للحدِّ يكفر فيها الشيخُ من كان مُسلما ... وفي زعمه كلُّ الأَنام على عمد ولفَّق في تكفيرهم كلَّ حجّة ... تراها كبيت العنكبوتِ لدى النقد

وذا فرية لا يمتري فيه عاقلٌ ... على أَنَّه زورٌ من القَول مستبدِ ... وقد كان في الإعراض سترٌ لجهله ... ولكنه أَبدى مخازيه عن قصد لِيخْدع مأْفونًا ومن كان جاهلا ... وليس على نهج من الحقِّ والرُّشد فما كفَّر الشيخُ الإِمامُ محمَّدٌ ... جميع الورى حاشاه من قول ذي الطَّرد ولا قال في تلك الرسائل كلها ... بتكفير أهل الأَرض من كلِّ مستهد ولكنما تكفيره لمن اعتدى ... وحاد عن التوحيد بالجعل للنّد فيدعو سوى المعبود جلَّ جلاله ... ويرجوه بل يخشاه كالمنعم المسدي وينسِك للأموات بل يستغيثهم ... ويندُب من لا يملك النفع للعبد وذلك إِشراك به لاتخاذه ... مع الله مألوهًا شريكًا بما يبدي من الحبِّ والتعظيم والخوف والرجا ... ومن كل مطلوب من الله بالقصد فإن كان عبادُ القبور لديكمو ... هم المسلمين المؤمنين ذوي الرُّشد وهم كلُّ أَهل الأَرض والكل مُسلم ... وما مِنْهمو مِنْ كافرٍ جاعلِ النِّد وما قد تُلي من آية في ضلالهم ... ومن سُنةٍ للمصطفى خيرِ من يهْدى ملفقةٌ ليست لديكم بحجة ... وتلك كبيت العنكبوت لدى النقد فما فوق هذا من ضلال وفريةٍ ... يجيء بها أهلُ العناد ذوو الطَّرد وقد أَنكرت كلُّ الطوائف قولَه ... بلا صَدَرٍ في الحقِّ منهم ولا وِرْد كما قاله أَعني الأَمير محمّدًا ... وقد كان ذا علم عليما بما يُبدي وقالوا كما قد قلتموه تحكما ... وهنْطًا وخرْطًا لا يُفيد ولا يُجدي تجرَّا على تكفير كل موحدٍ ... مصلٍّ مزك لا يحول عن العهد ثَكلْتُكَ هل هذا كلامُ محقَّق ... كعالم صنعا ذي الدِّرايةِ والنقد

فجرتُم وجُرتم بالأَكاذيب والهذا ... ووضع مُحالات على العالم المهدي كقولك في منظوم مَيْنك فريةً ... عليه بما تبديه من جهلكَ المُردي وقد جاءَنا عن ربِّنا في براءَةٍ ... براءَتُهم من كلِّ كفرٍ ومن جَحد فإِخواننا سماهم الله فاستمع ... لقول الإِله الواحد الصَّمد الفرد أَقول تأَمَّل لا أبا لك نصَّها ... تجدْ منهلا عذبًا أَلذّ من الشهد ففيها البيان المستنيرُ ضياؤه ... لمنْ كان ذا قلبٍ شهيدٍ وذا رُشد ولكنَّ أَهل الزَّيغ في غَمراتِهم ... وفي غيهم لا يرعوون لمن يهدي وآذانُهم صمٌّ عن الحقِّ والهدى ... وأبصارهم عن رؤية الحقِّ كالرُّمد ... أليست لمن تابوا من الكفر والرَّدى ... ولم يشركوا شيئا بمعبودِنا الفرد وصلُّوا وزكوا واستقاموا على الهدى ... فهم إخوةٌ في الدِّين من غير ما ردِّ فأَين الدّليلُ المستفادُ بأنهم ... إذا لم يتوبوا لم يكونُوا ذوي جَحْدِ فما كفَّر الشيخُ الإِمامُ محمَّدٌ ... سوى من دعا الأَموات من ساكن اللحد ومن لم يَتُبْ من كُفره وضلاله ... وإِشراكه بالسيَّد الصَّمد الفَرد وأَجرى دماهُم طاعةً وتقربًا ... إلى الله في قتلِ الملاحدةِ اللُّد فما كلُّ من صلَّى وزكَّى موحّدًا ... فأَبْدِ دليلا غير ذا فهو لا يُجدي ودعنا من التمويه فالحقٌّ واضح ... وليس به لَبْسٌ لدى كلِّ مستهدي أَلا فأَرُونا يا ذوي الغيِّ والهوى ... كلامًا سوى هذي الأَكاذيب مستبدي وجيئوا بتطهير اعتقادٍ لسيد ... إمامٍ محقٍّ ذي الدراية والنقد فَقَابل ما قلتم بما في كتابه ... وما قاله في الاحتجاج على الضدِّ لَكي تعلموا أَنَّ الأَمير محمَّدًا ... بريءٌ من المنظوم والشرح والردِّ

وتستيقنوا أنَّ الأَكاذيب هذه ... ملفقةٌ لفَّقتموها على عمد ويعلم أَهلُ العلم بالله أَنكم ... بذلتم على تلفيقها غايةَ الجُهد لكي تطمسوا أَعلام سنَّة أَحمد ... بتزوير أَفَّاك جهول وذي حقد وقولك في منظوم ميْنك ضلَّةٌ ... ولبسٌ وتمويهٌ على الأَعين الرُّمد وقد قال خَيْرُ المرسلين «نَهَيْتُ عن» ... فما باله لم ينتهِ الرَّجل النَّجدي أَقول نعم هذي الأَحاديث كلُّها ... مدونة مرويةٌ عن ذوي النقد وليس بها والحمد لله حُجةٌ ... على ترك مرتدٍّ عن الدِّين ذي جحد فمنصوصها في ترك من أَظهر الهدى ... وباطنُه في الاعتقاد على الضدِّ فدلَّت على تركٍ لمن كان مُظهرا ... من الدِّين أَركانا فَتَدْرأ عن حدِّ فيجري له حكمُ الظواهر جهرةً ... وباطنُ ما يخفي إلى الواحد الفرد فإِن أَظهر الكفر الَّذي هو مبطنٌ ... فليس له من عاصمٍ موجب يُجْدِي وليس على الإِطلاق ما أَنت مطلقٌ ... ففي ذاك تفصيلُ يبِينُ لذي الرُّشد فقد همَّ خيرُ المرسلين محمدٌ ... بإحراق من صلى وذاك على عمد لأَنهمو لم يحضروا في جماعة ... وقد فُرضت عينا على كلِّ مستهدي ولولا الذَّراري والنِّساءُ معلَّلا ... لأَحرقهم فيها فباءُوا بما يردي ... وما كان هم المصطفى بضلالةٍ ... ولا باطلٍ لكن بحقٍّ وعن رشد وقد قتل الفاروق من ليس راضيًا ... بحكم النبيِّ المصطفى كامل المجدِ ولم ينههُ المعصومُ عن قتل مثله ... ولا عابه في قتله ثَمَّ عن عمد كما برئَ المعصومُ من قَتْلِ خالدٍ ... جذيمةَ لمَّا أَخطئوا باذلي الجهد

وقالوا أَتينا قاصدين حقيقةً ... بذلك أَسلمنا ولم يدرِ بالقصد فأَنكر هذا المصطفى ووداهمو ... جميعًا فخُذْ بالعلم عن كلِّ مستهدي ولم ينتهِ عن قتل من كان خارجا ... عليه عليٌّ بل أَباد ذوي اللَّد وهم إِنَّما فرّوا من الكفر فاعتدوا ... وكانت صلاةُ القوم في غاية الجد ويحقر أَصحابُ النَّبيِّ صلاتَهم ... مع القوم من حُسن الأداءِ مع الجهد خلا أَنَّه لم يأخذ المال منهمو ... ولم يُجرمنَّا في خطاء ولا عمد فما قتل الشيخ الإِمامُ محمَّدٌ ... لملتزم الإِسلام ممن على العهد ولكنَّما تكفيرُه وقتاله ... لعبّاد أَوثانٍ طغاة ذوي جحد فقاتل من قدْ دانَ بالكفر واعتدى ... وكفَّ أَكفَّ المُلسمين ذوي الرُّشد عن المُسلمين الطائعين لربِّهم ... ولم يشركوا بالواحد الصَّمدِ الفرد وهبْ أَن هذا قولُ كلِّ منافق ... يصدّ عن التوحيد بالجدِّ والجهدِ فما كلُّ قولٍ بالقبولِ مقابل ... فحقِّق إذا رمت النجاة لما تبدي فلا تُلقِ للفُساق سمعك واتئِد ... ففيه وعيدٌ ليس يخفى لِذِي النقد وما مِرْبدٌ في قوله بمُصدَّق ... وقد كان زنديقًا لدى كلِّ مستهدي فهذى تصانيفُ الإِمام شهيرة ... مدونةٌ معلومةٌ لذوي الرُّشد وقولُك أَيضًا في الأَئمَّة إنهم ... أناس أَتوا كلَّ القبائح عن عمد فقال له بعضُ الصَّحابة سائلاً ... وقاتلهم حتى يفيئوا إِلى القصد فقال لهم لا ما أَقاموا صلاتَهم ... نهى عن قتال القوم فاسْمع لما أَبدي أولئك قومٌ مُسلمون أَئمَّةٌ ... أَتوا بمعاصٍ منكَرات ولا تُجدي ولم يُشْرِكوا بالله جلَّ جلالُه ... ولم يتركوها قاصدين على عمد

ولكنهم قد أخَّروها لِفِسْقِهم ... وعُدوْانِهم أَو للتَّكاسل في الجدِّ ومسأَلةُ الإِنكار بالسَّيف جهرةً ... تجرُّ أُمورًا معضلاتٍ وقد تُردي وفيها فسادٌ بالخروج عليهمو ... بأَنكر مما أَنكروه من الجُند ... فماذا على الشَّيخ الإِمام محمَّدٍ ... إذا لم يقاتِلْ من ذكرتُ بما تبدي ولكنْ على الكُفر البواح الَّذي بهِ ... أَباح دماءَ القوم من كل ذي جحد فإِيرادُ ذا في ضمن هذَا تعنتٌ ... ولَبس وإِيهامٌ على الأَعين الرُّمد | وقولُك في مزبور ما أَنت ناظمٌ ... كأَنَّك قد أَفصحت بالحقِّ والرشدِ أبن لي أَبن لي لمْ سفكْت دماءَهُم ... ولم ذا نهبْتَ المال قصدًا على عمد وقد عصموا هذا وهذا بقول لا ... إله سوى اللهِ المهيمنِ ذي المجد أقول نعمْ خُذ في البيان أدلةً ... تدلَّ على غيرِ المراد الذي تُبدي فمن كان قد صلَّى وزكى ولم يجئْ ... بما ينقضُ الإِسلام من كلِّ ما يُردي فدعواك في قتلٍ ونهبِ تحكمٌ ... وزورٌ وبهتانٌ وذلك لا يجدي ومنْ بدَّل الإِسْلام يومًا بِناقضٍ ... لذلك بالكفرانِ والجعلِ للنِّد وكالمنعِ عن بذْل الزَّكاةِ فحُكمُه ... كأَحْكامِ مُرتَدٍّ عن الدِّينِ ذي جَحْدِ إذا قَاتلوا بغْيًا إمامًا أَردَّها ... وذا قولُ أَصحابِ النبيِّ ذوِي الزهدِ ولو شَهدُوا أَن لا إِله سِوى الَّذي ... على العرشِ من فوقِ السَّمواتِ ذي مجْدِ فما عَصَمتْهم من صحابةِ أَحْمد ... ولكنَّهم قد قاتلوهم على عمْدِ وَسَمَّوهُمُو أَهْلَ ارْتِدَادٍ جَمِيعُهُم ... وَإجمَاعُهُم حتمٌ لَدَى كُلِّ مُسْتَهْدِي وما فَرّقوا بيْنَ المقرِّ وجاحِدٍ ... كما هو معلومٌ لدى كُلِّ ذي نَقْدِ وليس علينا من خلافِ مُخالفٍ ... لمن هُمْ حُماةُ الدِّينِ بالجدِّ والجهْدِ

أولئك أَصحابُ النَّبي محمَّدٍ ... فهم قدوةٌ للسالكينَ على القَصْدِ ومِنْ بعدهم مِمَّن يخالفُ لم يكن ... يقاربُهم هيهاتَ ما الشَّوكُ كالورِدِ وهُم في جميعِ الدِّين أَهْدى طَريقة ... وأَقرب للتَّقوى وأَقومَ في الرُّشْدِ وأَيْضًا بنُو القَدَّاحِ قَد كانَ أَمْرُهم ... شهيرًا ومعروفًا لَدى كُل ذي نَقْدِ وأجمع أهلُ العلمِ مِنْ كُل جهْبذٍ ... على كُفرِهم والحقُّ في ذاكَ مُسْتَبْدِ وقد أَظهرُوا لَفْظَ الشَّهادةِ جهرةً ... وأَن رسول الله أَفضلُ منْ يَهْدي وقد أَبطنوا للكفرِ لكن تَظَاهروا ... بما أَظهرُوا للنَّاسِ ما ليس بالمُجْدِي فلمَّا أَبانوا بعضَ أَشياءَ خالَفُوا ... بها الشرع باءُوا بالخَسارَة والطَّردِ فمن كان هذا حالُه فَهْو كافرٌ ... حلالُ دمٍ والمالُ يُنْهَبُ عنْ قَصْدِ فذاك بإِجماعِ الصَّحابةِ كلهم ... وهذا بإِجماعِ الهُداةِ ذَوِي الرُّشْدِ ... وأمَّا البغاةُ الخارِجُون فحكمُهم ... إذا خَرجوا أَو قَاتَلونَا على عمْدِ وقاتِلهُم حتَّى يفيئوا إلى الهُدى ... ولا نأخذُ الأَموال نهبًا كما تُبْدِي ومُهما يقُل فينا العدُوُّ فإِنَّهم ... يقولون معروفًا وآخرَ لا يُجدِي فما كان معروفًا من الدين واضِحًا ... كإِجْماعِ أَصحابِ النبي ذَوِي الرُّشْدِ على قَتلِ مُرْتَدٍّ وآخذٍ لِمالِه ... ومانِع حقِّ المالِ منْ غيرِ ما جحْدِ فما فَرَّقوا بينَ المُقِرِّ وجاحِدٍ ... ولا بينَ مُرْتدٍ إِلى الجعْلِ للنِّد وإِجماعِ أَهلِ العلمِ مِنْ بعدِ عصْرِهم ... على قَتْل جهمٍ والمريُسيِّ والجَعْدِ وغيلانَ بل كفرُ العبيدِين والَّذي ... على رأْى جهْمٍ في التَّجهمِ والجحد وكُلِّ كفورٍ مِنْ ذَوِي الشِّركِ والرَّدى ... فتكفيرُهم عنَّا صحيحٌ بلا ردِّ وما لَفَّقوا الأَعداء مِنْ قَتْلِ مُسْلِمٍ ... ونُهْبةِ أَموالٍ تَجِلُّ عن العدِّ

فمحض أَكَاذِيبٍ وتَزْويرُ آفكٍ ... وظلمٌ وعُدوانٌ وذلكَ لا يُجْدِي وقولكَ تمويهًا وإلزامُ مُفْتَرٍ ... بما لم يكُنْ مِنَّا بِفعلٍ ولا عقْدِ وقال ثلاثٌ لا يحِلُّ بغيرِها ... دمُ المسلمِ المعصومِ في الحلِّ والعقْدِ وقال عليٌّ في الخوارجِ إنَّهُم ... من الكُفرِ فَرُّوا بعْد فِعْلِهِمُ المردِي ولَمْ يَحفِر الأَخْدودَ في باب كِنْدَةِ ... ليحرقَهم فافْهم إذا كنتَ تَسْتَهْدِي أَقولُ نعم هذَا هو الحقُّ والهُدَى ... ونحنُ على ذَا الأَمرِ نَهدِي ونَسْتَهْدِي ولم نَتَجاوزْ في الأُمورِ جميعِها ... بحمدِ ولىِّ الحَمْدِ منصوصَ مَا تُبْدِي ولكن أَطعْتَ الكاشحينَ بمينِهم ... بتزوير بهتانٍ على العالمِ المُهْدِي بأَنَّأ قَتَلْنا واستَبَحْنَا دِمَاءَهَم ... وأَموالَهَم هذِي مقالَة ذي الْحِقْد وحَاشا وكَلاَّ ما لِهَذَا حقيقَةٌ ... وليسَ له أَصل يقرَّرُ في نَجْدِ وأَعجبُ من هذَا التَّهورِ كُلِّه ... مقالُك في هَمْطٍ وخَرْطٍ على عَمْدِ وأَبديْتَ جْهْلاً في نظامِك والَّذي ... شرحتَ به المنظومَ مِنْ جهلِكَ المردِي كقولِكَ عن بحرِ العلومِ محمَّدٍ ... إمام الهُدَى المعروفِ بالعِلْمِ والنَّقْدِ وقد قلتَ في المختارِ أَجمعَ كلُّ مَنْ ... حَوَى عصرَه مِنْ تَابِعيِّ ذَوِي رُشْدِ على كُفره هذا يقينًا لأَنَّه ... تَسمَّى نبيًّا لا كَمَا قلتَ في الجَعْدِ فذلك لم يُجمِع على قتلِه ولا ... سوى خَالِدٍ ضحَّى به وهوَ عن قَصْدِ أَقولُ لَعَمْرِي قد تجارَى بِكَ الهَوى ... إِلى جَحْد معلومٍ من الدِّين مُستَبْدِ ... ويعلم هذا بالضَّرورَةِ إنَّه ... بإِجماعِ أَهل العِلْمِ من كُلِّ مُسْتَهْدِي وأَوردتَ همْطًا لا يسوغُ لعالِمٍ ... حكايتُه في شرح منظومِك المردِي

وتنقضُ ما أَبرمتَه بتهورٍ ... يعودُ على ما قلتَ بالرَّدِّ والهَدِّ وحقَّقتَ في المختار ما قال شيخُنا ... بإِجماع أَهلِ العلم مِنْ كلِّ ذي نَقْدِ على كفرِه لمَّا تَنَبَّا وبعدَه ... تناقضُ ما حقَّقْتَ بالهدِّ والرَّدِّ على أنَّ ذا الإجماعَ عن مثل مصعب ... وكابن الزُّبير الفاضل العَلَم الفرد وكالفاجر الحجّاج من كان ظالما ... وعبد المليك الشهم ذي العِلْم والمجد وإن أولاءِ القومِ ليسوا بحجَّةٍ ... وليسوا ذَوِي علْم وليسوا ذَوِي رشد وطَّلاب مُلك لا لِدينٍ ولا هدىً ... وأَرباب دولات ودنْيا ذوو حقد فَمنْ مِثْلِهم لا يستجيزُ محقِّقٌ ... حكايةَ إِجماع يقرَّر عن عمِد فَناقَضَ ما قد قال في النَّظم أوَّلاً ... بما قاله في الشَّرح بالهمْط ذو اللَّد ومات هكذا يحكي ذوو العِلم والهُدى ... ولا منْ له عقْلٌ وعلمٌ بما يبدي وأغفل ذكرَ التَّابعين ذَوِي التَّقى ... خلاصة أهل العلم في الحلِّ والعقد ليُوهم ذا جهل غبيًا بأَنَّمَا ... حكايةَ إِجماع الأَئمَّة لا يجدي فقل للغبىِّ الفَدْم لو كنتَ منصفًا ... خليًا من الأَغراضِ والغلِّ والحقدِ لما حدَّث عن نهج الأَئمَّة كلّهم ... وجئت بهذر لا يفيد لدى النقد ووالله ما أَدري علامَ نسيْتَ ما ... تلفَّقه من جهِلك الفاضح المُردي إلى الشيخِ والشيخُ المحقّق لم يقل ... بإِجماع أَعيان الملوك ولا الجند ولكنْ حكى إِجماعَ كلِّ محقق ... من السلف الماضين من كلِّ ذي مجد كما هو معلومٌ لدى كلِّ عَالم ... ولو كنتَ ذا علم لأَنصفَت في الرَّد وقولك في الجعد ابن درهم إِنَّه ... على قتله لم يَجْمَع النَّاس عن قصد

فذا فِرية لا يَمتري فيه عارفٌ ... وفيه من الإِغضاءِ ما ليس بالمجدي على خالد القَسرى إذْ كان عاملا ... لمروان هذا قول من ليس ذا نَقْد فإِجماع أَهل العلم من بعد قتله ... على أَنه مستوجبٌ ذاك بالحدّ وقد شكروا هذا الصنيعَ لخالد ... كما هو معلوم لدى كل مستهدي وما أَحد في عصر خالد لم يكن ... يرى قتله بل قرورا ذاك عن قصد وأَحسنُ قصدٍ رامه خالدُ الرضيُّ ... بذلك وجهَ الله ذي العرش والمجد ... وقد ذكر ابنُ القيمِّ الثقةُ الرضىُّ ... على ذاك إِجماع الهدى ذَوِي الرُّشد وذلك لا يَخْفَى على كلِّ عالم ... فقد قال بالكفر الصَّريح على عمد وأَظهرَ هذا القول بل كان داعيا ... ولا شك في تكفيره عند ذي النقد فَدعْنا منَ التَّمويهِ فالحقُّ واضحٌ ... وإِجماعٌ أهلِ العِلْمِ كالشَّمْسِ مُستبدِ وما كانَ قصدًا سيئًا قتلُ خالدٍ ... لجعدٍ عدوِّ اللهِ ذي الكفر والجحدِ كما قُلتَه ظنًّا وإِفكًا وفِرْيةً ... على أَنَّه قَدْ غارَ للهِ مِنْ جَعْدِ فنالَ به شكرًا وفوزًا ورِفْعةً ... فنرجُو له الزُّلْفى إلى جَنَّةِ الخُلْدِ ودَعواكَ في الإِجْماعِ إِنكارُ أَحْمد ... فذاكَ لأَمْرٍ قد عَنَاهُ منَ الضِّد يَرون أُمورًا محدثاتٍ ويَذْكروا ... على ذلكَ الإِجْمَاعَ مِنْ غيرِ مَا نَقْدِ فأنكرَه لا مُطْلَقًا فهْو قد حكَى ... على بعضِ ما يرويه إِجماعَ مَنْ يَهْدِي كَما ذكرَ ابنُ القَيمِّ الأَوحدُ الَّذي ... أتى بنفيِس العلمِ في كلِّ ما يُبْدي على قتلِ جَعْدٍ في قصيدتهِ الَّتي ... أَبانَ بها شَمْسَ الهِدَايةِ والرُّشدِ وفيها حَكَى الإِجماع في غيرِ مَوضِعٍ ... وفي غيرِها مِنْ كُتْبِه عَنْ ذَوِي النَّقْدِ وقد كانَ مِنْ سَاداتِ أَصحابِ أَحمد ... ويَحكِى منَ الإِجْماعِ أَقوالَ ذي الْمجْد

وقد ذَكَرَ الإِجْماعَ بعضُ ذَوِي النُّهى ... فَسَلْ عنه أَهلٌ للإِصابَةِ مِنْ نَجْدِ وذَلِكَ لا يَخْفَى لَدَى كُلِّ عَالِمٍ ... ففي كُتبِ الإِجْماعِ ذَاكَ بِلا عَدِّ فما وجْهُ هذا الاعتِراضِ بِنَفْيه ... وقد كانَ معلومًا لدى كلِّ مُستَهْدِ كَدَعْواه في أَنَّ الصَّحابَةَ أَجْمَعوا ... على قَتْلِهم والسَّبْى والنَّهْبِ والطَّردِ لِمَنْ لِزكاةِ المَالِ قَدْ كَانَ مَانِعًا ... وذَلِكَ مِنْ جَهْلٍ بصاحِبِه يُردِي وقولُكَ فيمَا قَالَه الشَّيخُ حَاكِيًا ... على ذَلِكَ الإِجماعَ مِنْ غَيْر مَا جَحْدِ وذَلِكَ في أَنَّ الصَّحابَةَ أَجْمَعوا ... على قَتْلِهم والسَّبِى والنَّهبِ والطَّرْدِ لِمَنْ لِزكاةِ المالِ قَدْ كَانَ مَانِعًا ... نَعمْ قَدْ ذَكَرْنَا في الجوابِ وفي الرَّدِّ جوابُكَ عَمَّا قَدْ ذكرْتَ مُفَصَّلٌ ... فَرِدْه تَجِدْ طَعْمًا أَلذَّ مِنَ الشَّهْدِ حَكَى ذَاك عن شيخِ الوُجودِ أَخِي التُّقَى ... إِمَامِ الهُدَى السَّامِي إلى ذِروةِ المَجِد وذَاكَ أَبو العَبَّاسِ أَحمدُ ذُو النُّهى ... وفي ذَاكَ ما يكْفِي لِمَنْ كَانَ ذا رُشْدِ وقولُكَ إيهامًا كأَنَّكَ عَارِفٌ ... وأَنَّكَ ذُو حَقٍّ وفي الحَقِّ مستَهدِ فقد كانَ أَصْنَافُ العَصَاةِ ثَلاثةً ... كما قَدْ رَواه المُسْنِدُونَ ذَوُو النَّقْدِ ... وقد جاهَد الصِّدِّيقُ أصنَافَهُمُ وَلَم ... يكَفِّر منْهمْ غيرَ مَنْ ضَلَّ عَنْ رُشْدِ أَقولُ لعمرِي ما أَصبْتَ ولم تَسِرْ ... على منْهَجِ الصَّديق ذي الرُّشْدِ والْمَجد فسيرَتُه مَعْ صَحْبِ أَحمَد كلِّهم ... مقرَّرةٌ معلومَةٌ عِنْدَ ذي النَّقْدِ فكفَّر مَنْ قَدْ آمَنوا بِطُلَيْحَةٍ ... وبالأَسْودِ العَنْسِيَّ ذي الكفرِ والجَحْدِ مسيلمةَ الكذَّابِ والكُلُّ كَافِرٌ ... سِوَى الأَسَدِى لمَّا أَنَاب إلى الرُّشْدِ وطَائِفَةٌ قَدْ أَسْلَمُوا لكنِ اعْتَدَوْا ... بمنعِ زكاةِ المالِ قصدًا على عَمْدِ فراجَعَهُ الفاروقُ فيهِمْ مُعَلاًّ ... فناظرَه الصِّدِّيقُ ذي الجِدِّ والجَهْدِ

فآب إلى ما قد رآهُ وأَجْمَعوا ... جميعًا على قتلِ الغُواثِ ذَوِي الطَّردِ وسَمَّوهُمُو أَهلَ ارتِدادٍ جميعَهُم ... وما فَرَّقُوا بينَ المقرِّ وذِي الجَحدِ ولا بَيْنَ مَنْ يَدعُو مع اللهِ غيرَه ... كما هو معلومٌ لَدَى كُلِّ مُستَهْدِ فإِن كنتَ ذَا علمٍ فعَن صَحْبِ أَحمدٍ ... أَبِنْ ذَلكَ التَّفريقَ بالسَّند المُجدِي وإِلاَّ فَدَعْنَا مِنْ خِلافِ مُخَالفٍ ... لإِجماعِ أَصحابِ النَّبيِّ ذَوِي الرُّشْدِ فما غيرُهم أَهْدَى طريقًا وَلَمْ يَكُنْ ... يُقَارِبُهُم تَا للهِ مَا الشَّوْكُ كَالْوَرْدِ ومَنْ ردَّ إِجماعُ الصَّحابَةِ بالَّذِي ... يَراه الْخُلوفُ القاصِرونَ عَلى عَمدِ فما ذاكَ إِلا مِنْ سَفَاهَةِ رَائِه ... ونُقْصَانِه في الدِّين والعقلِ والعَقْدِ فما صحَّ بعدَ الاجتمِاعِ اختلافُهم ... وكيفَ وقَدْ كَانُوا جميعًا ذَوِي رُشْدِ ودَعْنَا من التَّأْويلِ فهْوَ ضَلالةٌ ... وليس له فينا مَساغٌ ولا يُجدِي كقولِكَ إِذْ سُمُّوا هُمُو أَهلُ رِدَّةٍ ... فَذلكَ تَغلِيبٌ وذا ليسَ بالمُجْدِى وقد كنتُ قبلَ الآنِ أَحسبُ أَنَّه ... تَوهُّمُ صِدقِ المُفْتَرِي مِنْ ذَوِي الحِقْدِ فلمَّا تأَملتُ النِّظَام وجَدْتُه ... مع الشَّرحِ في غىٍّ وبَغْي عَلَى عَمْدِ فما عَرَف الكفرَ المبيحَ لِقَتْلِهم ... وَسَبْي ونَهْب المَال مِن غَيْر مَا رَدِ ولا عَرَف الإِسلامَ حَقًّا وكَونَه ... لَهُم عاصمًا مِنْ كُلِّ مَا كانَ قَدْ يُرْدِي فيأَيُّها الغَاوِى طريقةَ رُشْدِه ... ثَكِلْتُك مِنْ غاوِ قَفَا إِثْرَ ذي حِقْدِ وصدَّقَ ما يعتادُه مِنْ تَوَهُّم ... بتلفيقِ تمويهٍ وهَمْطٍ بلا رُشْدِ أَفِقْ عن مَلامٍ لا أبا لَك لمْ يَكنْ ... بحقٍّ ولا صِدْقٍ ولا قولِ ذي نَقْدِ وقولُك يا أعمى البصيرَةِ بَعْدَ ذَا ... مِنَ الهَمْطِ في مزبور مَيْنِكَ عَنْ عَمْدِ وهَذَا لعمرِى غيرَ ما أَنتَ فيه مِنْ ... تجاريك مِنْ قتلٍ لمَنْ كَانَ في نَجْدِ ...

فإنَّّهُمُو قَدْ بايعوكَ على الهُدَى ... ولم يجعلوا للهِ في الدِّين مِنْ نِدِّ وقد هَجَروا مَا كَانَ مِنْ بِدْعٍ ومِنْ ... عبادةِ من حلَّ المقابرَ في اللَّحْدِ فما لَك في سَفْكِ الدِّمَا قَطُّ حُجَّةٌ ... خَفِ اللهَ واحْذَرْ ما تُسِرُّ وما تُبْدِي وعامِلْ عبادَ اللهِ باللُّطْفِ وادْعُهم ... إلى فعلِ ما يَهْدِي إلى جَنَّةِ الخُلْدِ ورُدَّ عليهِم ما سَلَبْتَ فإِنَّه ... حرامٌ ولا تغتَرَّ بالعزِّ والجَدِّ ولا بِأُنَاسٍ حَسَّنُوا لكَ مَا تَرى ... فما همُّهُمْ إلا الأَثَاثُ معَ النَّقْدِ يريدونَ نَهْبَ المسلمينَ وأَخْذَ ... مَا بأَيديهمُو مِنْ غَيْر خوفٍ ولا حَدِّ فراقِب إِلهَ العرشِ مِنْ قبل أَنْ تُرى ... صريعًا فلا شيءٌ يُفيدُ ولا يُجْدِي نَعَم واعلموا أَنِّى أَرى كلَّ بدْعَة ... ضَلالاً على مَا قلتُ في ذلِكَ العَقْدِ ولا تحسبُوا أَنِّى رجعتُ عن الَّذِي ... تَضَمَّنَه نظمِي القديمُ إِلى نَجْدِ بلى كُلُّ ما فيهِ هُوَ الحَقُّ إِنَّما ... تُجاريكَ مِنْ سَفْكِ الدِّما ليس مِن قَصْدِ وتكفيرُ أَهْلِ الأَرضِ لستُ أَقولُه ... كما قلتَه لا عَنْ دليلٍ به تَهْدِي وها أَنَا أَبْرا مِن فِعالِكَ في الوَرَى ... فمَا أَنتَ في هذَا مُصيبٌ ولا مَهدِي ودُونَكَها مِنِّى نصيحةَ مُشفِقٍ ... عليكَ عَسى تُهدَى لهذَا وتَسْتَهدي وتُغلِقُ أَبوابَ الغُلُوِّ جَميعَها ... وتأْتِي الأُمورَ الصَّالحاتِ عَلى قَصْدِ وهَذَا نِظَامِي جَاءُوا للهِ حُجَّةً ... عليكَ فقابِلْ بالقبولِ الَّذِي أُبْدِي أقولُ لعَمرى ما أَصبتَ ولم تَكُن ... على مَنهجٍ يِنَجيكَ عَن زُورِك المُردِي فقد كانَ شيخُ المسلمينَ محمَّدًا ... على المنهج الأَسْنَى وكانَ على الرُّشدِ فسارَ على مِنهاجِ سُنَّةِ أَحمَدٍ ... ومَنهج أَصحابِ النَّبي ذَوِي المَجْدِ

وما قاتَلَ الشَّيْخُ الإِمَامُ محمَّدٌ ... سوى أُمَّةٍ حَادُوا عَنِ الحَقِّ والقَصْدِ يُنادُون زيدًا والحسينَ وخالدًا ... ومَن كَان في الأَجداثِ مِن سَاكنِ اللَّحْدِ وقدْ جَعلُوا للهِ جَلَّ جَلاَلُه ... نَدِيدًا تعالى اللهُ عن ذَلِكَ النِّدِ وقاتلَهم لمَّا أَبَوْا وتمَرَّدُوا ... وقد شَرَّدُوا عَن دَعْوةِ الحقِّ لِلضِّدِّ فعمَّن أَخذتَ الزُّورَ ممَّا نَظمتَه ... وسطَّرتَه في الرَّقِّ جهرًا على عَمْدِ أَعن مِرْبَدٍ مَن فَرَّ عن دينِ أَحمَدٍ ... وقد أَشرقَت أَنوارُه في رُبى نَجْدِ وقد هَاضَهُ بل غَاضَه وأَمضَّه ... تَلأْلُؤ نورِ الحقِّ مِن كَوكَبِ الرُّشْد وقد أَلِفَ المَأْفُونُ ما كانَ قومُه ... عليهِ مِنَ الإِشراكِ والجعل للنِّدِّ ... ولمَّا استجابُوا واستقامُوا على الهُدى ... تضايقَ لمَّا لم يَجِدْ مَنْ لَه يُجْدِى فَفَرّوا بذِي تُرَّهاتِ وضَلَّةٍ ... يَصُدُّ بها أَهْلُ الغِوايَةِ واللَّدِّ عن الدِّينِ والتقوى ذَوِي الإِفْكِ والرَّدى ... وهيهاتَ قَدْ بَان الرَّشادُ لِذي نَقْدِ فقولُك عمَّن صدَّ عن دينِ أَحمَدٍ ... بتزويرهِ إفْكًا وبُهْتًا عَلى عَمدِ فإنَّهمُو قد بايعوكَ على الهُدَى ... ولم يَجْعَلوا للهِ في الدِّينِ مِنْ نِدِّ تَهوُّرَ أَفَّاك وتزويرَ مُبْطِلٍ ... تَجارَى به الأَغواءُ والحَسَدُ المردِي فما بايَعُوا بَعْدَ الضَّلالِ على الهُدَى ... وقاتلَهُمْ حاشَا وكلاَّ فما تُبْدِي من الزُّورِ والبهتانِ ليسَ بثابتٍ ... وليس له أَصلٌ فدعْ عنكَ ما يُرْدِي ولا هجرُوا ما كانَ مِن بِدَعٍ ومِنْ ... عِبَادةِ مَنْ حَلَّ المقابرَ في اللَّحْدِ فلو آمَنُوا باللهِ مِنْ بعدِ غيِّهِمُ ... وتابُوا عن الإِشراكِ بالصَّمدِ الفَرْدِ لمَا سُفِكَتْ تلكَ الدِّماءُ وقُتِّلوا ... بلا حُجَّةٍ هَذَا مِنَ الكذِبِ المردِي

ولكنَّهم في غَيِّهم وَضلاَلِهم ... وطُغْيانِهم لا يهتدونُ لمن يَهْدِي نعم كانَ مِنْهُم مَنْ أَجابَ تَزَنْدُقًا ... وحَادَ أَخيرًا عن مُوافَقَةِ الرُّشْدِ إلى الكفرِ والإِشراكِ باللهِ جهرَةً ... فقاتلهُمْ عمدًا وقصدًا لِذِي القَصْدِ فخافَ مِنَ المولى عقوبةَ تركِهمْ ... على كفرِهم حتَّى يَفِيئُوا لما يُبْدي وعاملَ أَهلَ الحقِّ باللُّطفِ والَّذِي ... يَحيد عن الإِسلامِ بالصَّارِم الهِنْدِي وقد قام يدْعوهم إِلى الله برُهَةً ... مِن الدَّهر لم يَأْلُ اجتهادًا بما يُبْدي وعامَلَهم باللُّطفِ والرِّفْقِ دَاعيًا ... إلى فِعْل ما يَهْدِي إِلى جَنَّة الخُلْدِ فلمَّّا أَبَوْا واستكبرُوا وتمرَّدُوا ... عن الدِّينِ واستعدَوا غُواةَ ذَوِي جَحْدِ أَحلَّ بِهِم ما قَدْ أَحلَّ نَبِيُّهم ... بمن كفروا باللهِ مِنْ كُلِّ ذي طَرْدِ إِلى أَنْ أَنابُوا واستجابُوا وأَذَعَنُوا ... لمن قامَ يدعُوهم إِلى منهجِ الرُّشْدِ فنالُوا به عِزًّا وحمْدًا ورفعَةً ... ودَانَ لهُم بالدِّين من صَدَّ عَنْ جَهْدِ وقولُك فارْدُدْ ما نهبَتَ تَحَكَّمٌ ... ثَكِلتُكَ هل تَدْرِي غوائلَ ما تُبْدِي أَيُرجع أَموالاً أُبيحت بِكُفرهِمْ ... إليهِم وهلْ هَذِي مَقالةُ ذي نَقْدِ أَهذَا حرامٌ ويلَ أُمِّكَ أَو أَتَى ... بِذَلكَ وَحْيٌ مستبينٌ لِذِي رُشْدِ فلو أَنَّ ما تحكي من الزُّور كَائن ... لكانَ حَرامًا لا يُباحُ ولا يُجدي وما عزَّ شمسُ الدِّينِ في نصرةِ الهَدى ... تُعزِّزُه بالجاهِ والعِزِّ والجَدِّ ... ولا بِأُناس حسَّنُوا البغي بالهَوَى ... ولا هَمُّهم إلا الأَثاثُ مَعَ النَّقْدِ كما قُلتَه فيما تَهورَّتَ قَائِلا ... بما لم يَقُل أَهلُ الدِّرَايَةِ في نَجْدِ وما قلتُمو بالمَيْنِ مِنْ هَذَيَانِكم ... كقولكَ تمويهًا عَلى الأَعينِ الرُّمْدِ يريدُون نهبَ المسلمينَ وأَخذَ مَا ... بأَيديهمو من غيرِ خوفٍ ولا حَدِّ

ثكلتُكَ هل هَذِي مَقالةُ عالمٍ ... تقيٍّ نقيٍّ عارفٍ أَو أَخي رُشْدِ أَيرجعُ أَموالاً إِلى كُلِّ من دَعا ... سِوَى الله معبودًا مِنَ الخلقِ لا يُجدِي يُنادُون زيدًا طالبينَ برغبةٍ ... ومَنْ كانَ في الأجَداثِ مِنْ سَاكنِ اللَّحدِ وتاجًا وشُمسَانًا ومن كانَ يدَّعي ... ولايتَه الجهالُ مِنْ غيرِ ما عَدِّ ويدعُون أَشجارًا كثيرًا عديدَةً ... لعَمرى وأَحجارًا تُرادُ لِذِي القَصْدِ وغارًا وقَدْ آوتْ إِليهِ بزعمهِمْ ... هُنالِكَ بنتٌ للأَميرِ عَلَى جَهْدِ وقد رامَ منها فاسقٌ أَن يريدَها ... بسوءٍ فعادَ الغَارُ منغلقَ السَّدِّ وكانَ لها المَوْلى مُجيرًا وعاصِمًا ... فيدعونَه مِنْ أَجلِ ذَاكَ ذَوُو اللَّدِ وفَحَّالُ نخلٍ يختلفْنَ نِساؤُهُم ... إليهِ بإِهداءِ القرابينِ عَنْ عَمْدِ إذا لَمْ تَلِدْ أَو لم تُزَوَّجْ لِيعْطِها ... بنينَ وزوْجًا عاجِلاً غيرَ ذي صَدِّ وكلُّ قُرى نجدٍ بهِنَّ معابِدٌ ... كثيرٌ بلا حَدِّ يُحدُّ ولا عَدِّ فإِنْ كَانَ هَذَا ليسَ عِنْدَك مُخرجًا ... مِنَ الدِّين مَنْ يَأْتِي به مِنْ ذَوِي الجَحْدِ لأَنَّهمو قَد آمَنُوا بمحَمَّد ... عليه صلاةُ اللهِ ما حَنَّ من رَعْدِ ولا اعتقدُوا فيمَنْ دَعَوْه بإِنَّه ... إلهٌ مع الرَّحمنِ ذي العَرْشِ والمَجْدِ ولكنَّهُمْ قومٌ أَتَوْا بجَهالَةٍ ... وغَرَّهُمُ الشَّيطانُ ذو الغَدْرِ والطَّرْدِ فزيَّن للجهَّالِ أَنَّ ذَوِي التُّقَى ... من الصَّلحَا والأَولياءِ ذَوِي الرُّشْدِ لهم شفعاءُ ينفعونَ وأَنَّهم ... يضرَّون هذَا قولُه عن ذَوِي اللَّدِّ فمنْ أَجْل هَذا كانَ هذَا اعتقادَهم ... كم اعتقد الكُفَّارُ مِنْ قبلُ في النِّدِّ ولكنْ أَولاءِ القومِ ليسُوا كمَنْ مَضَى ... فقدْ أَثبتوا التَّوحيدَ للواحِدِ الفَرْدِ فمَا الأَوليَا والصالحون لَديهمُو ... بآلهَةٍ حَاشَا فليسُوا ذَوِي مَجْدِ

فهذَا مقالُ الفدمِ لا دَرَّ دَرُّه ... كما هُوَ معلومٌ مِنَ الشِّرْحِ مُسْتَبْدِ فإِنْ كانَ هذَا ليسَ بالكفرِ جَهْرَةً ... لدَى الفَدْمِ أَو كفر اعتقادٍ كما يُبْدِي فليسَ على نهْجٍ من الدِّينِ واضحًا ... وليسَ بِذِي عِلْمٍ وليسَ بِذِي رُشْدِ ... وإِن كانَ هَذا غايَةً الكفر والرَّدَى ... وأَديانُ عُبَّادِ القبورِ ذَوِي الجَحْدِ فما بالُ هَذا الطَّعنُ ويحكَ جهرَةً ... على مَنْ مَحَا تِلْكَ المعابدَ مِنْ نَجْدِ وترميهِ بالبهتانِ والزُّورِ زَاعِمًا ... بِأَنَّكَ ذُو نصح وتَهْدِي وتَسْتهدي فهلاَّ نصحتَ اليومَ نفسَكَ مزرِيًا ... عليهَا ومُستعْدٍ عليها بما تُبْدِي لتنجوَ في يومٍ عظيمٍ عَصَبْصَب ... مِنَ الإِفْكِ والبهتانِ للعالم المُهْدِي فإِنَّكَ قد أَوغلتَ في الشَّرِّ قَائِلاً ... بما ليسَ معلومًا لدى كلِّ ذي نَقْدِ وكلُّ الَّذِي قد قلتَ في الشيخِ فريةُ ... بلا مريةٍ والحقُّ كالشمسِ مُستَبْدِي وأُعجبُ شيءٍ قولُه بعدَ هَذْرِه ... وتلفيقُه زورًا مِنَ القولِ لا يُجْدِي ولا تحَسُبُوا أَنِّى رجعتُ عنِ الَّذِي ... تَضَمَّنه نَظْمي القديمُ إِلى نَجْدِ بلى كلُّ ما بِه فيهِ هُوَ الحَقُّ إِنَّما ... تَجاريكَ من سَفْكِ الدِّمَا ليسَ مِن قَصدِ أقولُ نَعم كلُّ الَّذِي قالَ أَوَّلاً ... هُو الحقُّ والتحقيقُ من غير ما رَدِّ وكلُّ الَّذي قد قالَ في النَّظمِ أَوَّلاً ... يعودُ على القولِ المزَوَّرِ بالهَدِّ لمن كانَ ذا قلبٍ خَلِىٍّ مِنَ الهَوى ... فقد عاشَ عصرًا بعدَ ما قالَ في العِقْدِ ولم يُبدِ ردًّا أَو رُجوعًا عَن الَّذي ... تقدَّمَ أَو طعنًا بأَوضاعِ ذي الْحِقْدِ إِلى أَن تَقضَّى ذلكَ العصرُ كلُّه ... ولم يشتهَرْ ما قيلَ مِنْ كُلِّ ما يُبْدِي وتصديقُ ذا أَنَّ الَّذي قال لم يكن ... ولا صارَ هذا القتلُ والنَّهبُ في نجد لمنْ بَايَعُوا طوْعًا على الدِّينِ والهُدى ... ولم يجعَلُوا للهِ في الدِّين مِن نِدِّ

وقَدْ هَجَروا ما كانَ من بِدَعٍ ومِنْ ... عِبَادةِ من حَلَّ المقابِرَ في اللَّحْدِ فصحَّ يقينًا أَنَّ هَذَا مُقَوَّلٌ ... على الحبْر بحرِ العِلْمِ ذي الفَضْل والنَّقْد إذا تمَّ هذَا واستبانَ لمنصف ... خَلىٍّ مِنَ الأَغراضِ ليسَ بِذي حِقْدِ ولا حَسد قد غامرَ الغَيُّ قلبَه ... وصار به غِلّ على كلِّ ذي رُشْدِ وأَبصر في منظومِه متَأمَّلاً ... مقاصِدَ مَا قَدْ رَامَه بالَّذِي يُبْدِي وما قالَه في الشَّرحِ مِنْ هَذَيانِه ... وتلفيقِه ما لا يُفيدُ ولا يُجْدِي تيقَّنَ أَنَّ الشَّيخَ كَانَ على الهُدَى ... وكانَ على نَهْجٍ قَويمٍ مِنَ الرُّشُدِ فما جَاءَ هَذَا الوغْدُ فيمَا هَذَى بهِ ... بحقٍّ وتحقيقٍ لدَى كلِّ ذي نَقْدِ ولكن بِتَزْويرٍ وتأْليفِ جَاهِلٍ ... ولو كانَ ذا عِلْمٍ لأَنْصَفَ في الرَّدِّ وجاءَ ببرهانٍ وأَقومِ حُجَّةٍ ... تَدُلُّ على ما قَالهَ في الَّذِي يُبْدِي ... وإِنْ كَانَ هَذَا النَّظْمُ والشَّرحُ ثابتًا ... عن السَّيِّدِ المشهورِ بالعلْمِ والرُّشْدِ وأَعنِي به البَدْرَ المنيرَ محمَّدًا ... ووافقَ أَهلَ الزَّيغ والطَّرد والجَحْدِ وصَدَّقَ أَهْلَ الغىِّ في هَذَيَانِهم ... بما قَالَه نظمًا ونَثْرًا مِنَ الرَّدَّ وكانَ له في ذَا ونوع من الهَوى ... وداخَلَه شيءٌ من الحَسَدِ المُرْدِي فليسَ بمعصومٍ ولا شَكَّ أَنَّه ... بِذَلكَ قدْ أَخْطَا وجاءَ بما يُرْدِي وعُوقبَ بالهذْرِ الَّذِي قالَ حيثُ لم ... يكنْ بصوابٍ مستقيمٍ ولا يُجْدِي وناقضَ ما قد قَالَه في اعتِقَادِه ... وما قالَه فيما تَقَدَّم في العِقْدِ وقدْ شَاعَ هَذَا النَّظمُ عنه وشرحُه ... وساغَ لدَى قومٍ كثيرٍ ذَوِي حِقْدِ فلا غَرْوَ مِنْ هَذَا ولا بِدْعَ بَلْ لَه ... بِذَلكَ أَمثالٌ كثيرٌ بلاَ عَدِّ وماذَا عَسَى لو قالَ ما قالَ جَهْرَةً ... فقد كَانَ قَدْ أَخْطَا وحَادَ عَنِ الرُّشْدِ

وأَنكرَ أهلُ العلم مِنْ كُلِّ جَهْبَذ ... علَيْه أُمورًا ظَنَّها غايةَ الرُّشْدِ فقدْ رَدَّ صديقٌ عليه وقَد رأَى ... مقالتَه الشَّنْعَا فأَحْسنَ في الرَّدِّ وأَنصفَ لَما قالَ بالحقِّ والهُدى ... وجَاءَ بتبيانٍ يلوحُ لِذِي النَّقْدِ ورَدَّ الأَباطِيلَ الَّتي قدْ أَتَى بِهَا ... وأَلَّفها في شرحِ منظومهِ المُرْدِي وخالفَ ما قَدْ قَالَه كُلُّ عالِم ... مُحقٍّ ويَدْرِي الحقَّ ليسَ بذِي لُدِّ وقد قالَ قومٌ مِنْ ذَوِي الغيّ والرَّدى ... كما قالَه هَذَ المبَهْرِجُ عَنْ قَصْدِ وقَدْ زَعمُوا أَنَّ الإِمامَ محمَّدًا ... يكَفِّر أَهلَ الأَرضِ طُرَّا على عَمْدِ ويقتلُهم من غيرِ جُرمٍ تجبُّرًا ... ويأْخذُ أَموالَ العبادِ بلاَ حَدِّ ومن لم يُطِعْهُ كانَ باللهِ كَافِرًا ... إِلى غيرِ هذَا مِنْ خُرافاتِ ذي اللَّدِّ وقد أَجْلَبُوا مِن كُلِّ أَربِ ووِجْهَة ... وصالُوا بأَهلِ الشِّرْكِ مِنْ كُل ذي حِقْدِ فبادُوا وما فادُوا وما أَدْرَكُوا المُنى ... وآبوا وقدْ خابُوا وحادُوا عَن الرُّشد وأَظهرَه المولَى على كُلِّ مَنْ بَغَى ... عليهِ وعادَاهُ بلا موجِبٍ يُجْدِي وأَظهرَ دينَ اللهِ بعْدَ انْطِمَاسِه ... وأَعْلَى له الأَعلامَ عَالِيةَ المَجْدِ وساعدَه في نُصرة الدِّينِ والهُدى ... أَئمّةُ عَدْلٍ مُهتدونَ ذُوو رُشْدِ وقد نَالَ مجدًا أَهلُ نَجْدٍ ورفعةً ... بآل سعودِ واستَطالُوا عَلى الضِّدِّ بإِظهارِ دِينِ اللهِ قسرًا ودَعْوَةً ... إِلى اللهِ بالتَّقوى وبالصَّارِم الهِنْدِي وقامَ بهذَا الأَمرِ مِنْ بَعْدِ مَنْ مَضَى ... بَنُوهم وقد سَارُوا على مَنْهج الرُّشْدِ ... وقد جاهَدُوا أَعداءَ دَينِ محمَّدٍ ... وقد جرَّهم قومٌ طغاةٌ إِلى نَجدِ لكى يطمِسُوا أعلامَ سُنَّةِ أَحمَدٍ ... ويَعْلُو بها أَهلُ الرَّدَى مِنْ ذَوِي الجَحْدِ

تلألأ نور الحق في الخلق وانتشر

وقد جَهدُوا في مَحْو أَعلامِهِ العُلَى ... وإطْفَاءِ أَنوار له غايَةَ الجَهْدِ فما نَالَ منْ عَادهُمو مِنْ ذَوِي الرَّدى ... مُنَاهُم فباءُوا بالخَسارَةِ والطَّردِ ونالَ ذَوُو الإِسْلامِ عِزًّا وَرَفْعَةً ... ومَجْدًا بنصر الدِّينِ والكَسْر للضِّدِّ فَمَا زالَ تأْييدُ الإِلهِ يمدُّهُم ... بنصرٍ وإِسْعَافٍ على كلِّ ذي حِقْدِ وأزكى صَلاةً يبهرُ المسكَ عَرفُها ... على السَّيِّد المعصومِ أَفضلِ من يَهْدِى وأَصحابهِ والآلِ معْ كُلِّ تَابعٍ ... وتابِعِهم والتَّابعينَ عَلى الرُّشْدِ قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تلأْلأَ نُورُ الحقِّ في الخلْق وانْتشرْ ... وآضَ انْتِكاصًا طالِعُ الغيِّ وانْكَدَرْ وجَلاَّ مَصَابِيح الهَدى كُلَّما دَجَا ... مِن الشِّرْكِ فانجابتْ غياهِبُ ما اعْتَكَرْ فأَضْحَى بنَجْدٍ مَهْيَعَ الحَقِّ ناصِعًا ... بمَهْدِ إِمامٍ قامَ للهِ وانتصَرْ وأَعْلَنَ بالتَّوحِيدِ للهِ فاعْتلَتْ ... به المِلَّةُ السَّمَحَا على كُلِّ مَنْ كَفَرْ وجَاهَدَ في ذاتِ الإِلهِ وما ارْعَوى ... إِلى زَيغِ خُفَّاشِ البَصَائِر والبَصَرْ وجادَلَهُ الأَخبارُ فيما أَتى بِه ... فأَدْحَض بالآياتِ والنَّصِّ والأَثر زَخَارِفَ زُورٍ لِفَّقُوْهَا بِمَكْرهم ... ورَامُوا بما قَد لَفَّقُوا الفَوْزَ والظَّفرْ فأَلْزَمَ كُلاًّ عَجْزَهُ فَتَطَأَطَأَتْ ... جِباهٌ لَهُ قد غرَّهَا التِّيهُ والصَّعَرْ وأَظْهرَهُ المَوْلَى على كُلِّ مَنْ بَغى ... عليهِ وَأَولاهُ مِن العِزِّ مَا بَهَرْ وسَارَ بحَمْدِ اللهِ في الأَرْضِ ذِكْرُه ... ولم تَخْلُ أَرضٌ لَيسَ فيها لَهُ خبَرْ فَعَابَ عليهِ النَّاكِبُونَ عنِ الهُدَى ... سُلوكَ طَريقِ المُصْطفَى سَيِّدِ البَشرْ كَحَال الَّذِي أَبْدى معَرَّةَ جَهْلِه ... ولَيسَ له في العِلْم وِرْدٌ ولا صَدَرْ

هُوَ الأَحْمَقُ الزِنِّديقُ يُوسُفُ مَنْ غدا ... بمَوضُوعِه أُعْجُوبَةً لِمَنِ اعْتَبرْ فَفَاه بمَحْضِ الكُفْرِ مُفْتَخِرًا بِه ... فبُعدًا لِمَنْ قد فاهَ بالكُفْرِ وافْتَخَرْ ولَوْ أَنَّ منْ يَعوِي يُلقَّمُ صَخْرَةً ... لأَصْبَحَ صخْرُ الأَرضِ أَغلَى مِن الدُّرَرْ فأَنْشا عُيوبًا بالفَهَاهَةِ قَدْ وَهَتْ ... وَوَازَرَ مَنْ قَدْ قَال بالكُفْرِ واشْتَهَرْ بأَضغاثِ أَخلامٍ وتمويهِ مُفْتَرٍ ... وتَخْبيطِ معتوهٍ وتخليطِ منْ سَكِرْ وَلا كَالْغَوِيِّ الفارسيِّ الَّذِي انْتَحى ... مقَالةَ جَهْمٍ واقَتْفَى مِنْه بالأَثَرْ ... فإِنَّهما قَالاَ مَسَائِلَ قد وَهَتْ ... وقد لفَّقَا فيها مِنَ الكُفْرِ ما سَطَرْ فقالا بأَنَّ المُصْطفَى سيِّدَ الوَرَى ... لَفِي قَبْرِه حَيٌّ يُشَاهِدُ مَنْ حَضَرْ ويَسْمَعُ مَن يَدْعُو ويَكْشِفُ كَرْبَه ... إذا ما دُعي بَلْ عنده النَّفعُ والضَّرَرْ ويأْكُلُ في القَبْرِ الشَّريفِ وإِنَّهُ ... يَصُومُ بِه بَلْ قَدْ يَحُجُّ ويَعْتَمِرْ وَكُلُّ جَمِيْعِ الأَنبيِاءِ فَثَابِتٌ ... لهُمُ إلهٌ في كُلِّ ما خُطِّ أَوْ سُطِرْ وقالاَ بأَنَّ الإِسْتِوَا لَيسَ ثابتًا ... ولَيسَ إلهُ العرشِ مِنْ فَوقِه اسْتَقَرْ فسُبحانَكَ اللَّهُمَّ تَسِبْيحَ مُثْبِتٍ ... لأَسماءِ قهَّارٍ وَأوصَافِ مُقْتَدِرْ لَقَدْ بَلغَا في غايَةِ الكفرِ مَبْلغًا ... تَلَكَّأَ عنه الفَهْمُ والوَهُمُ وانْبَهَرْ فَكُفْرُ أَبي جَهْلٍ وأَجْلافٍ قَوْمِه ... لَقَدْ قَصَّرُوا في الكُفرِ عَنْ بَعْضِ مَا ذَكَرْ أَلَمْ يَسْمَعَا ما قَالَهُ جَلَّ ذِكْرُه ... وأَنزَلَهُ في مُحْكَمِ الآيِ والسُّوَرْ بَتكْفيرِ مَنْ يَدْعُو سِوَاهُ برَهْبَةٍ ... ورَغْبَةِ مَلْهُوفٍ وإمْلاقِ مُفْتَقِرْ فَقَدْ جَاءَ في الآياتِ في غَيرِ مَوْضعٍ ... وما لَيسَ في هَذي القَصِيدةِ مُنْحَصِرْ ومنْ يَسَتغِثْ يَومًا بغَيرِ إِلههِ ... ويَدعُوه أَو يَرجُو سِوى اللهِ مِنْ بَشَرْ يُحِبُّ كَحُبِّ اللهِ مَن هُو مُشْرِكٌ ... بِهِ مُستِعينٌ وَاجِلُ القَلْب مُقْشَعِرْ

فَذَلِكَ بالرَّحمنِ جَلَّ جَلاَلُه ... تعالى عن الأَمثالِ والنِّدِّ قَدْ كَفَرْ ولا شَكَّ في تَكْفِيرِ مَنْ ذاكَ شأْنُه ... ونَاهِيْكَ مِن كُفرٍ تَجَهَّمَ واعْتَكرْ فَلِلهِ حَقٌّ لا يكونُ لِغَيْرِهِ ... بإخلاصِ توحِيدٍ وإِفرادِ مُقْتَدِر ولِلْمُصْطفَى تَصْدِيقُه واتِّبَاعُه ... وتَعزِيرهُ بَلْ نَقْتَفِي ما لَهُ أَمَرْ ونَجْتَنِبُ المنهِىَّ سَمْعًا وطاعَةً ... ولا نَقْتَفِي ما قَدْ نَهى عنه أَو زَجَرْ ودَعْواهُما أَنَّ النَّبيَّ محمَّدًا ... لِفَي القبرِ حيٌّ لم يَمت مَوْتَةَ البَشَرْ مُكَابَرةٌ للهِ جَلَّ جَلالُه ... ولِلْوحْي والمعصومِ والصَّحبُ والفِطَرْ أَباللهِ أَمْ بالوحْي أَمْ بكلَيْهِما ... وبالمصطَفى الهَادِي أَمْ السَّادَةِ الغُرَرْ تَجارَيْتُما أَمْ سُخْرِيَاءُ بِوَحْيِه ... أَمَا لَكُمَا عن مَهْيَعِ الكُفرِ مُزْدَجَرْ أَعِنْدَكُمَا أَنَّ الصَّحَابَة قد بَغَوْا ... بجعلِهمُو مِنْ فوقِه التربُ والحجَرْ إذَا كَانَ حِيًّا قَادِرًا ذَا إِرَادَةٍ ... يُشاهِدُهم تَاللهِ ما ذَاكَ في الفِطَرْ وقد أَخْطَئُوا لَمَّا بِعَمِّ نَبيِّهِمْ ... بدَعْوتِه اسْتَسْقَوْا عن الجُدْبِ بالْمَطرْ وقَدْ صَارَ خُلْفٌ في المسائِلِ بَعْدَه ... كَتَوْرِيْثِ ذِي الأَرحامِ والجدَّ في أَخَرْ ... فَلَمْ يَحْضُرُوْا حَوْلَ الضَّرِيْحِ لِيُفْتِهم ... ويَحْكُمَ فِيْمَا بَينَهم كانَ قَدْ شَجَرْ أَهَذَا جَفَاءٌ وانْتِقَاصٌ لِقَدْرِهِ ... مِن الصَّحبِ أَمْ هذَا هُو الحَقُّ يا بَقَرْ وأَمَّا حَيَاةُ الأَنبيَاءِ في قُبُورِهمْ ... فمَا صَحَّ في تَحْقِيْقِها النَّصُّ والخَبرْ ولكِنَّهُم أَحْيَا وأَكمَلُ حَالةً ... مِن الشُّهَدا يا فاقِدَ الرُّشدِ والنَّظَرْ وأَمَّا الَّذين استُشْهِدُوا فكَما أَتَى ... بِه النَّصُّ في أَرْوَاحِهم وقَد اشْتَهَرْ بِأَجوافِ طَيرٍ جَاءَ في النِّصِّ إنَّها ... لَتَسْرحُ في الجنَّاتِ تَعْلَقُ للثَّمرْ

وذلكَ عندَ اللهِ لا في قُبورِهم ... وفي جَنَّةِ الْفِردَوسِ فافْهم لِما ذُكِرْ ومَنْ قال في الأَجداثِ كانَتْ حياتُهم ... فقد كابَرَ القرآنَ عَمْدًا وقد كَفرْ وإسْرَاؤُهُ بالمُصْطَفَى فِبَذَاتِه ... إِلى ربِّهِ لا شَكٍّ في ذلَكَ الخَبَرْ وأَمَّ جَميعَ الأَنبياءِ بإيلِيا ... وصلَّى بِهِم فِيهَا وفي ذَاكَ مُفْتخَرْ وقد قِيلَ في المَعْمُورِ كانَتْ صَلاتُه ... ولَكِن لِلْحُفَّاظِ في ضَبْطِها نَظَرْ وأَسْرى به نَحْو السَّمواتِ صاعِدًا ... إلى الملِكِ الأَعلَى فَسُبْحَانَ مَن قَهُرْ ولَيسَ دَلِيلاً أَنَّهم في قُبورِهم ... يُصَلُّونَ لا واللهِ ما ذَاك في الأَثَرْ ولا أنَّهُمْ أَحْيَا كَمِثْلِ حَيَاتِهم ... بأَبْدَانِهم بَلْ تِلْكَ أَقْوالُ مَنْ فَجَرْ وَلَمْ يَرَهُ الْمُخْتَارُ ثَمَّ بِعَيْنِه ... فقدْ جَاءَ في الأَخبارِ ما هُو مُعْتَبرْ فَرُؤيتُهُ لله جلَّ جَلالُه ... فمُطْلَقَةٌ حَقًّا كَمَا جَاءَ في الأَثَرْ وإِلاَّ فرؤْيَا بالفُؤادِ لرَبِّنَا ... مُقَيَّدَةٌ هَذَا كَلاَمُ ذَوِي النَّظَرْ كَأَحْمَدَ والحَبْرِ بْنِ عَباس قَبْلَهَ ... مَعَ العُلَمَاءِ الجِلَّةِ السَّادَةِ الغُرَرْ ونَفَيُ اسْتِوَاءِ الرَّبِّ مِن فَوقِ عرشهِ ... فَكُفرٌ وتَعْطِيْلٌ لِمَنْ بَرَأَ البَشَرْ فَنَشْهَدُ أَنَّ اللهَ جَلَّ بِذَاتِهِ ... عَلَى عَرْشِه مِن فَوقِ سَبْعِ قَدْ اسْتَقَرْ عَلَيْهِ عَلاَ سبحَانَهُ وبِحَمْدِهِ ... ومُرتَفِعًا مِن فَوقِه عَزٍّ مَنْ قَهَرْ عُلوًّا وقَهْرًا واقْتِدَارًا بِذَاتِه ... كَمَا هُو مَذْكُورٌ عن السَّادَةِ الغُرَرْ فَفِي سَبْعٍ آياتٍ مِن الذِّكرِ قدْ أَتَى ... وبالنَّقلِ عن خَيْرِ البَريَّةِ قد صَدَرْ تَعَالَى عن التَّشبيهِ والمِثْلِ لِلْوَرَى ... فَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ فَيُذْكَرُ أَو يَذَرْ

ولا كُفْوَا في أَسْمَائِه وصِفاتِهِ ... ومَن كَيَّفَ البَارِي فقد كَابَر الفِطَر وقد كَانَ مِعْرَاجُ الرَّسولِ حَقِيْقَةً ... وفِيْهِ دَلِيْلٌ واضِحٌ لِمَنْ افْتَكَرْ على أنَّه فوقَ السموات قَدْ علاَ ... عَلى عَرْشِهِ بالذَّاتِ والقَدْرِ والقَهَرْ ... وَيْنزِلُ في الثُّلْثِ الأَخِيْرِ إِلهنَا ... إلى سَمَاءِ الدُّنْيا يُنادِي إِلى السَّحَرْ أَهَلْ تائبٌ مِنْ ذَنْبِهِ مُتَضَرَّعٌ ... فأَغْفِرُ مَا يَأْتِي به قَلَّ أَوْ كَثُرْ وهَلْ سَائِلٌ يَدْعُو فأكْشَفُ كُرْبَهُ ... فإِنِّى أَنَا الوَهَّابُ والوَاسِعُ الأَبرْ فَسُبْحانَهُ مِنْ عَالِمٍ حَاطَ عِلْمُهُ ... بِكُلِّ جَمِيْعِ الخلْقِ في البَرِّ والبَحَرْ ويَسْمَعُ أَصْواتَ الخلائِقِ كُلِّهَا ... وُيْبصِرُ مَشْيَ الذَّرِّ بالليلِ في الحَجرْ وَكُلُّ أَحَادِيْثِ الصِّفاتِ فإِنَّها ... تَمُرُّ كَمَا جَاءَتْ عَلىَ وَقْفِ مَا أَمَرْ ولا نتَجَارَى كالَّذين تَعَمَّقُوا ... وَرَامُوا بِتأْوِيلاتِهِمْ نَفْيَ ما أقَرْ وهَذا اعْتِقادٌ لِلأَئِمَّةِ قَبْلَنا ... أُولئِكَ هُمْ أَهلُ الدِّرَايَةِ والنَّظَرْ كأَحْمَدَ والنُعْمَانِ ثمَّتْ مالَكُ ... كَذَاكَ الإِمَامُ الشافِعيّ الذِي نَصَرْ وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ تَابِعيٍّ على الهُدَى ... وقَبْلَهُمُ الأَمجَادُ والسَّادةُ الغُرَرْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّبيِّ مُحَمِّدٍ ... لَنَا نَقَلُوا الإِثْبَاتِ عن سَيِّدِ البَشَرْ وَكُلُّ إِمامٍ لِلأَئِمَّةِ تَابِعٌ ... نفَوْا بِدْعَةَ الجَهْمِي مَا مِنْهُ قَدْ ظَهَرْ فَوَازَرَ جَهْمًا فِرْقَةُ الغَيِّ واقْتَفَوْا ... بآثارِهِ فاللهُ يُدْخِلُهُمْ سَقَرُ ولا غَرْوَ أَنْ يَهْجُو العِدَا كُلُّ مَنْ دَعَا ... إِلى المِلَّةِ السّمْحَاءِ واللهَ قد نَصَرْ فَلَيْسَ يَضرٌّ السُّحبَ سَبٌّ لِمُلْحدٍ ... كَمَا لا يَضُرُّ الصُّحبَ كَلْبٌ إِذا نَهَرْ

على قلة الداعي وقلة ذي الفهم

فإِنْ يمجُّ أَعْدَاءُ الشَّرِيَعِة قَاسِمًا ... لَقَدْ زَادَ في مِقْدَارِه هَجْوُ مَنْ كَفَرْ أَيَمْجُّ امْرأَ قد سَارَ في الأَرضِ صِيْتُهُ ... وَوازَرَ أَهْلَ الدِّينِ في السِّرِ والجَهرْ بِزُورٍ وبُهتانٍ وحَاشَاهُ إنَّهُ ... لعن زَيْفِ ما قد لفَّق الكاذِبُ الأَشِرْ بأَحْمَدِ مَنْشُورٍ وأَمْنِع مَعْقِل ... وناهيكِ مِنْ مجدٍ به اعتزَّ واشْتَهَرْ فَتَعْسًا له من قائِلٍ لقد ارْتَدى ... ولا شكَّ جلبابًا مِنَ الْخِزْى واتَّزَرْ وبُعدًا له مِنْ سَالِكٍ لمهَالِكٍ ... لقدْ هَام في وادٍ من العِيِّ وانَحَسَرْ وتبًّا له من جاهِلٍ مُتَمعْلِم ... لقد خاضَ في بحرٍ من الجهلِ واغْتَمَر فَيَا رَبِّ يا مَنَّانُ يا مَنْ لَهُ الثَّنَا ... ويا مَلِكَ الأَملاكِ يا خَيْرَ مُقْتَدِرْ ويا فالقَ الإِصبَاحِ والحَبِّ والنَّوى ... ومَنْ هُو للسَّبْع السَّموات قد فَطَرْ ويا سَامِعَ النَّجْوَى وعَالمَ ما انْطَوى ... عليه ضَمِيْرُ العبدِ كالجَهْرِ ما أَسَرْ أعِذْنَا مِنَ الأَهواءِ والبدَع الَّتِي ... بِسَالِكها تَهْوِيْ ولابُدَّ في سَقَرْ وصَلِّ إِلهى كُلَّمَا آضَ بَارِقٌ ... ومَا انْهطَلَتْ جَوْنُ الغَمايِم بالمَطَرْ ... على المصْطَفى والآلِ والصَّحْبِ كُلَّما ... تلأْلأَ نورُ الحقِ في الخَلْقِ وانْتَشَرْ وقال رحمه الله تعالى: على قلةِ الداعي وقلةِ ذي الفهمِ ... وكثرةِ من يعمَى عن الحقِّ بل يُصمي أبكي وما مثلي يُظَن بدمعه ... فوا غربة الإِسلام وا قلة العلمِ أَركن من الأَركان يا قومنا اجترى ... على هدد أعمى وبالغ في الهدمِ وأَنتم سيوفُ اللهِ في كلِّ موطنٍ ... لكم علمٌ يهديكمُو لاح كالنجمِ فصولوا بوحي اللهِ واحتملُوا الأَذى ... فما بعد هذا للمخالِف من سلمِ

أَينكر أُقوام علينا بزعمهم ... مهاجرة العاصين قُبِّحَ من زعم وذاك لأَغراض وذو العرش عالمٌ ... كساهُم رَداها في البريةِ من قدم فحرفتُهمْ زورٌ وبهتٌ وما لهم ... سوى الطعنِ في الإِخوان يا قوم من سهم نعوذ بربِّ الناسِ من كلِّ طاعنٍ ... علينا بسوء قد تهوَّرَ في الإِثمِ متى جادلوا فالله موهُن كَيدهم ... فكم قدْ ظَفرتم بالدليلِ على الخِصم فقولوا لهم رَد التنازع بيننا ... إلى الله والمبعوث خيرًا ولي العزم فأَهلا به أَهلا وسمعًا لحكمهِ ... ففِيه شفا عِييْ وفيه جلا فهمِ أَما هجر المعصومُ كعبًا وصحبه ... وقَدْ صدقُوا فيما ادَّعَوه بلا كتمِ أَمَا ضربَ الفاروقُ مدَّة هجرة ... صبيغًا بعام آخذًا ذاك عن علمِ وليس لإِنسان يقولُ برأْيهِ ... وذا عملُ الفاروقِ ما الحكمُ كالحكم وقولوا لهم إِنَّ البخاريَّ محمدًا ... يُصرحُ أَن الحدَ خمسون مع عزم على توبة لا بدَّ من ضربِ مدةٍ ... إلى أَن يزول الرَّيبُ فالويلُ للبُكمَ حَكى البغوي هذا فسل متجاهلا ... عن الحقِّ وليرشد إذا كان ذا فهم فإِن قال بالتخصيصِ فهو مكابرٌ ... يقال له هذا هوى والهوى يُعمي فأبدِ دليلاً واضحًا بخلافِ ما ... به تُرجم النحريرُ لا زعم ذي الوهم فإِنَّ ضعيفَ الرأْي لا يستطيعه ... وليس له ذوقٌ ولم يكُ ذا شتمٍ ولكنه والله يهديه دأْبَه ... يجحدُ وجوبَ الدعوةِ البراء يرمي ويحلفُ مع هذا يمينًا وإِنه ... لأَكذبَ فيها من سَجاح وما تنمِ ويشكو إلى السلطان حرفةَ من مضى ... وحاشاه أن يؤوي المخالفَ أَو يحم وما أَنكر الإِخوانُ والله دعوةً ... إلى الله بل هم عارفون وذوو فهم ...

تلألأ نور الحق في الخلق واستما

يقولون حاشا ما نثرب داعيًا ... إذا ما دعا يومًا إلى الله ذا جرم وباعده حتى تبيِّن حالَه ... ولم يتوصلْ كالغبيِّ إِلى إِثم فإِن صدقَ المهجورُ فهو مقدَّمٌ ... على غيره من صاحبٍ وذوي رَحم وحقّ امرئٍ لله هاجَر نحونا ... أَكيد وفي الأَموال إن عال ذو سهم فهذا الذي قلنا وهذا اعتقادُنا ... فمن كان ذا ردٍّ فلا يك ذا كَتمِ فإِن كان حقًّا فالرِّشادُ قبوله ... وإِلا مع المنثورِ نرميه بالنظم وصلِّ على الهادي أَمين إلهه ... وأَصحابه والآل ما ضاء من نجمِ وقال رحمة الله عليه: تلأَلأَ نورُ الحقِّ في الخلق واستما ... وبان لمن بالحقِّ قد كان مغرَما محاسنُ ما يدعو إِليه محمَّدٌ ... نبي الهدى من كان بالله أَعلما من الدِّين والتوحيدِ والنورِ والهدى ... فليس بها لبس على مَنْ تَجَشَّما وسار إِلى أَعلى بها متيمِّمًا ... على المنهجِ الأَسنى الذي كان أَقوما ومستيقنًا بل مؤمنًا ومصدقًا ... بأَنَّ رسولَ اللهِ قد كان أَحكما وأَعلم بالحقِّ الذي قد أَتى به ... عن اللهِ إذ قد كان لا شكِّ قيِّما ومن ذاك أَن الحج ركنٌ وفرضه ... على الخلقِ طرًا كان أَمرًا مُحتَّما ولا عذرَ في هذا لِمَنْ كان قادرًا ... عليه بِلاَ عُذْرِ ولا كان مُعْدَما وسَنَّ رسولُ الله فيه مناسكًا ... تقدمه فيها الخليلُ لِتَعْلما فسار على منهاجِه وطريقه ... ليُحيي مِنها مَا عفا وتَهَدَّما فمن صدَّق المعصومَ فيما أتى به ... وكان به مُتْيَقِّنًا ومعظِّمَا

تيقَّنَ من غير ارتيابٍ ومريةٍ ... بأَن الذي قد سَنه كانَ أَحكما وحِكْمَتُهُ مَعْلُومةٌ مُسْتَنِيرةٌ ... لِمَنْ كانِ لِلشَّرْعِ الشريفِ مُقدِّما ولَمْ يَسْتربْ في شَرْعِه باعْتِرَاضِهِ ... على النقلِ بالعقلِ الذي كان مُظلِما كَهَذا الذي أَبْدَى لِسُوءِ اعْتِقَادِهِ ... سُؤالاً وقد أَضْحَى به مُتَهَكِّمَا وأَظهر أَن الحقَّ لم يستبن له ... وقد كان لا يخفى على مَن تَعلَّما وقد كان معلومًا من الدين واضحًا ... ومِنْهَاجُهُ قدْ كَان والله لهجما ومن كان لا يدري بها وهو جاهلٌ ... فيكفيه منها أَن يكونَ مُسلما ويؤمن بالشرع الذي قد أَتى به ... أَجلُّ الورى مَن كان بالله أَعلما ... ولكنهم في غَرَّةٍ مِن ضَلاَلِهم ... وفي غَيِّتهِمْ بُعْدًا لِمَنْ كان مُجْرِمَا فقل لزعيم القومِ ناصرِ مَن غدا ... عن الخير مُزْوَرًا وقد حازَ مأْثما ثكلتك من خَبٍّ لئيم هبينغ ... يرى أَن ما أَبداه حقًّا فأقدما وأَظهر مكنونًا من الغيِّ جهرةً ... لدى الناسِ مكشوفَ القِناع ليُعلما وقل للغوي الفدمِ ويَحك ما الذي ... دعاك إِلى أَن قلت قولاً محرَّما أَخِلْتَ طريقَ الحقِّ ليس بواضحٍ ... وأَن طريق الغَيِّ قد كان قَيِّمَا لعمري لقد أَخطأتَ رُشْدك فاتَّئد ... فلست بكُفوٍ أَن ترى متقدَّما فقدْ حُدتَ عن نهج الهداةِ وإنما ... سلكتَ طريقًا للضلالةِ مُظلما طريقًا وخيمًا للغواةِ الذين هم ... فلاسفة دهرية أَورثوا العمى كنحو ابن سينا بل أَرسطو وقومه ... وأَتباعه ممن مضى وتَقَدَّما طريقتهم ما تقضيه عقولُهم ... وإن خالفَ الشرعَ الشريفَ المُقدما فسرتَ على آثارِ من ضلَّ سعيهم ... وكانوا ببيداءِ الضلالةِ هُوّما وآثار أَقوام يروا أَن دينَهم ... ومذهَبهم قد كان أَهدى وأَحكما

فما تقتضى آراؤهم وعقولُهم ... وما استحسنوا من ذاك قد كان أَقوما لذا عارضوا المنقولَ مما أَتى به ... من الشرعِ من قد كان بالله أعلما بمعقولٍ ما قدْ أصّلوه برأْيهِم ... وقانون كفرٍ أَحْدَثٌوه تحكما ورَدوا بِذي القانونِ أَحكام شرعه ... فقالوا به شرًّا عظيمًا ومأْثما وقد رامَ هذا الوغدُ أَن يقتدي بهم ... وأَن يقتفي آثار مَنْ كانَ أَظلما فعارضَ ما قد سنَّه سيد الورى ... لأُمته في الحجِّ نُسكٌا وأَحكما بمعقولِه في بعضِ أسئلة له ... توهمها حقًا فأَدَّتْ إِلى العَمى فيسأل عن تقبيلنا الحجرَ الذي ... لدى الركنِ موضوعًا هناك مُعظَّما وقد كانَ في تقبيلهِ واستلامه ... مظاهرةَ الأَوثانِ فيما تَوهَّما على زعمه فيما يَراه بِعقْلِه ... وقد كان معلومًا من الشرعِ مُحكما وعن سعينا بين الصفاء ومروةٍ ... وعن رملٍ قد سنَّه مَنْ تَقدَّمَا وما القصدُ في ذبحِ الذبايح في منًى ... وإدخالهم في النسكِ أَمرًا مُحَرَّما كمنع الورى عَن أَكلهم من لحومِها ... ودفن لها في الأَرض ظُلمًا ومأْثما ولو صُرفت فيما يَراه بعقلِه ... لإِصلاح آبار تُعَدُّ وترتما ... لحجاج بيتِ الله أَو طرقٍ لهم ... وتنظيفها أَو في تكايا ليعلما ويعرفُ منها القصدُ والنفعُ للورى ... فتبًا لهذا الرأْي ما كان أَوخَمَا وما القصدُ في رمي الجمارَ التي رمى ... بهنَّ خليلُ اللهِ من كان قدْ رَما وسنَّ رسولُ اللهِ ذلك واقتفى ... بآثارِ من قد كان بالله أَعلما وما القصد في وضع البنائن حاجزًا ... لدجى عرفاتٍ عن سواها لتُعلما وهل ذاك حدُّ فاصلٌ بين ربنا ذذ ... وبين الورى فيما رأَى وتَوَهَّما

أَم القصد حدٌّ فاصلٌ بين جنةٍ ... ونار فهذا قَوْلُ مَنْ كان أَظلما ويسأَل عمن قد أَتى من بلاده ... وقد جابَ أَخطارًا لها وتَجَشَّمَا فما كان مقبولا لديه لأَنَّه ... لدى عرفاتٍ لم يقِفُ حين أقدما وقد جاء إيمانًا وحبًا وطاعةً ... لمولاه يرجو العفو إذ كان مُجرما ومن كان فيها واقفًا متقدِّمًا ... ولكنه للَّهو أَضحى مُقدَّما وفي لعب أَو في ممارسة لما ... يروقُ له في أَهله قبل من عمى فذلك مقبولٌ لديه ولو أتى ... بشيءٍ من المكروُه أَو كان مُجْرما فأَية مقصودٍ وأَية حكمةٍ ... لذاك اقتضت لَمَّا لها الشرعُ أَحكما أَيحسن منا أَن نحج ولم نكن ... بحكمتها ندري فما هي لتعلما ويسأَل عمَّن كان للناسِ مرشدًا ... وبالعلمِ والإِصلاحِ للناس قَدْ سَما وقد عاش دهرًا ثم مات ولم يكن ... إلى البيت ممَّن قد أَهلَّ وأَحرما وقد كان فيما قبل يرحلُ دائمًا ... إِلى أيّ أَرض شاءها مُتَيمَّمَا فما السبب الدَّاعي إِلى ترك حجةٍ ... وقد كان ذا علمٍ وكان مُعلِّما كذلك عن حال الملوك ونحوهم ... من الوزرا ممن عسى أن يعظما وكالأَغنياءِ المترفين وغيرِهم ... من الناسِ ممنْ لَيْس قد كان مُعدما ونحن نرى الحجاجَ من كلِّ وجهةٍ ... سواهم فما عذر الذي كان أَجرما وما السرُّ في تركِ الملوكِ وغيرهم ... من الأَغنيا الحجَّ فرضًا محتمًا وما القصدُ في هذا لمن كان قادرًا ... على الحجِّ ممن قد أَساءَ وأَجْرَمَا فهذا اعتراضُ الفدمِ للشرعِ بالَّذي ... تخيله في عقلِه وتَوَهَّما ودُونَك في المنثور ما قد أَجبته ... وقد كان حقَّا أَن يهاضَ ويهضما

وإياك شربا للخمور فإنها

ولكن تركنا البسطَ من أَجل أَنه ... أَجاب سوانا من أَجاد وأَحكما ... فللَّهِ ربِّ الحمدُ والشكرُ والثَّنا ... على قمعِ زنديقٍ تَحدَّى وغمغما وظنَّ غباءً من سفاهةِ رأْيه ... بأَنَّ الحمى أَقوى فجاء وأَقدما ليهدمَ من أَعلامٍ سُنةٍ أَحمد ... مناسكَ حجٍّ سنَّها مَنْ تقدما فغودِرَ مَجْدُولاً على أُمِّ رأْسه ... كإِخوانِهِ ممَّن عَتا وتدهكما وخال طريقَ الحق دحضًا مُزلّة ... وأنَّ طريقَ الغَيّ قَدْ كَانَ لهجما فتبًّا له من جاهلٍ ما أَضلَّه ... وأَبعده عن منهجِ الرُّشدِ إِذ سما فأَبصرَه من كان بالله مؤمنًا ... وللشرعِ أَضحى مذعنًا ومُسلّمَا وعارضَه من لم يكن مؤمنًا به ... كهذا الغبيِّ الفدْمِ لما تَكلَّما وصلِّ على المعصومِ ربُّ وآله ... وأَصحابِه ما دامت الأَرضُ والسما وما انهلَّ صوبُ المزنِ سحًا وكلما ... على المصطفى صلَّى الإِلهُ وَسَلَّما آخر: وَإيَّاكَ شُرْبًا لِلْخُمُورِ فَإِنَّهَا ... تُسَوِّدُ وَجْهَ العَبْدِ في اليَوْمِ مَعْ غَدِ أَلاَ إِنَّ شُرْبَ الخَمْرِ ذَنْبٌ مُعَظَّمٌ ... يُزِيْلُ صِفَاتِ الآدَمِي المُسَدَّدِ فَيُلْحَقُ بالأَنْعَامِ بَلْ هُو دُونَهَا ... يُخَلِّطُ في أَفْعَالِهِ غَيْرَ مُهْتَدِ وَيَسْخَرُ مِنْهُ كُلُّ رَاءٍ لِسُوْءِ مَا ... يُعَايِنُ مِن تَخْلِيْطِهِ وَالتَّبَدُدِ

يُزِيْلُ الحَيَا عَنْهُ وَيَذْهَبُ بالغِنَا ... وَيُوقِعُ في الفَحْشَا وَقَتْلِ المُعَرْبَدِ وَكُلُّ صِفَاتِ الذَّمِ فِيْهَا تَجَمَّعَتْ ... كَذَا سُمِّيَتْ أُمَّ الفُجُوْرِ فَأسْنِدِ فكَمَ آيةٍ تُنْبِي بِتَحْرِيْمِهَا لِمَنْ ... تَدَبَّرَ آياتِ الكِتَابِ المُمَجَّدِ وَقَدْ لَعَنَ المختارُ في الخَمْرِ تِسْعَةً ... رَوَاه أبُو داود عن خَيْرِ مُرْشِدِ وَأَقْسَمَ رَبُّ العَرْشِ أَنْ لَيُعَذِبَنْ ... عَلَيْهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عن مُحَمَّدِ وَمَا قَدْ أتَى في حَظْرِهَا بالِغٌ إذَا ... تَأمَلْتَهُ حَدَّ التَّوَاتُرِ فَاهْتَدِ وأجْمَعْ على تَحْرِيْمِهَا الناسُ كُلُهُم ... فَكَفِّرْ مُبِيْحِيْهَا وفي النَّارِ خَلِّدِ وإِدْمَانُها إحْدَى الكَبَائِرِ فاجْتَنِبْ ... لَعَلَّكَ تُحْظَى بالفَلاَحِ وَتَهْتَدِي وَيَحْرُمُ مِنْهَا النَّزْرُ مِثْلُ كَثِيْرِهَا ... وَلَيْسَتْ دَوَاءً بَلْ هِيَ الدَّاءُ فابْعِدِ فَمَا جَعَلَ اللهُ العَظِيْمُ دَوَاءَنَا ... بِمَا هُوَ مَحْظُورٌ بِمِلَّةِ أَحْمَدِ وَكُلُّ شَرَابٍ إنْ تَكَاثَرَ مُسْكِرٌ ... يُحَرَّمُ مِنْهُ النَّزْرُ بالخَمْرِ فاعْدِدِ

أعوذ برب العرش من كل فتنة

ومِنْ أيِّ شَيْءٍ كَانَ يَحْرُمُ مُطْلَقًا ... وَلَو كَانَ مَطْبُوْخَاً بِغَيْرِ تَقَيُّدِ فَسِيَّانِ مِن بُرٍ وَمِنْ ذُرَةٍ ومِنْ ... شَعِيْرٍ وَتَمْرٍ أَيْ وكُلِ مُعَوِّدِ سِوَى لِظَمَا المُضْطَّرِ إنْ مُزِجَتْ بِمَا ... يُرَوِّيْ ولِلْمغْتَصِ إجْمَاعًا ازْرُدِ ثَمَانِيْنَ فاجْلِدْ مُسْلِمًا شَارِبًا رِضًا ... عليها بإسْكارِ الكِثِيْرِ المُزَبِّدِ آخر: أعوُذُ برَبِّ العرشِ مِن كُلِّ فِتْنَةٍ ... وَأَسَالُهُ عَفْوًا لِكُلِّ خَطِيئَة وحِفْظًا لِدِيْني ثمُ دُنْيَايَ ثمُ مَا ... أُكِنُّ ومَأ أُبْدِيهِ مَعْ حُسْنِ نِيَّةِ فَأحْيَا مِحِبَّا لِلنَّبِي وآلِهِ ... وأصْحَابِهِ في خَيْرِ هَدْيٍ وسُنَّةِ فمِنْ هَدْيِ خَيرِ الْخَلْقِ إِعْفَاءُ لِحْيَةٍ ... ومِنْ هَدْيهِ يا صَاحِ لُبْسٌ لعِمَّةِ وقَدْ جَاءَ أقَوْامٌ عُتَادٌ تَجَاسَرُوْا ... على هَدْمِ أعْلامِ الهُدَى بِوَقَاحَةِ ويَاليَتْهَمُ لمَّا عَنِ الحَقِّ أَعْرَضُوا ... بأفْعَالِهِم مَا عَارَضُوا بَصَراحَةِ

ضلال ما يؤمله اللئام

هُمُ مَثّلُوا مِن جَهْلهِمِ بُوجُوهِهِمْ ... لقَدْ بلَغُوا في ذَاكَ حَدَّ الشَنّاعَةِ أقُولُ لِمَنْ أَمْسَى عن الدِّيْن نَاكِبًا ... مُعَانِدَ أعْلامَ الهُدَى لِلشِرّيعَةِ يُجاهِرُ في نُكْرٍ ويُبْدِيْ تَشبُّهًا ... بأعْدَاءِ دِينٍ يا لَهَا مِن خَسَارَةِ يُمَثَّلُ في وَجْهٍ بحَلْقِ لِلِحْيَةِ ... لَعَمْرْي لقَدْ سَاوَى لِوَجْهٍ بِعَانَةِ فأَصْبَح مِنْهُ الوَجْهُ أُسْتًا مُشَوَّهًا ... لَدَى كُلِّ ذِيْ عَقّلٍ بأقَبَحِ صُوْرَةِ تَعَوّدَ هَذَا الخُلْقَ طَبْعًا لأَنَّهُ ... يُلائِمُ ما يَعْتَادُهُ مِن خَلاَعَةِ «فَأُفٍ عَلَى مَن ضَيَّعُوا هَدْيَ دِيْنِهمْ ... وسارُوا على نَهْجِ العِدَا في الطَّرِيقةِ» وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: ضَلالٌ ما يُؤَمِّلهُ اللئَامُ ... وآلٌ لامِهٌ ذاكَ المَرَامُ سَيْلَقَى مَن يُؤَمِّلُهُ تَبَابَا ... ويَلْقَى مَن يغَرُّ بهِ الحِمامُ وهَلْ بالقِيل يسَمُو ذُو شِقَاقٍ ... وسَاعٍ بالنَّمِيْمَةِ مُسْتَهَامُ فما أَحْلَى مَقَالَتَهُم وأَشْهَى ... زَخَارِفَ مَا تُمَوِّههُ اللَئِامُ فما يُلقونه فَمُجَاجُ نَحْلٍ ... ولكن في تَحَسِّيهِ سِمَامُ فأَبِصْرْهُم وأَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ... سَتَنْجَابُ الغَمَامَةُ والقَتَامُ

وإِنّ الحَقَّ أَبلجُ مُسْتَنِيْرٌ ... ويَعْلُو وَجْهَ صَاحبهِ الوَسَامُ ومَنْصُورٌ ومَمْتَحَنٌ ولَكِنْ ... لَهُ العُقْبَى وليَس له انْعِدَامُ وإنَّ البَاطِلَ المُردِي لَذَامُ ... وَيْعلُو وَجْهَ صَاحِبهِ الظَّلامُ فلا يَغْرُرْكَ إذْ يَعْلُو ويَطْفُو ... فَلَيْسَ لِبَاطِلٍ أَبَدًا دَوَامُ ولَيْسَ لِمَنْ سَعَى بالقِيْلِ يَومًا ... سُمُوٌ أَوْ لِبُغْتَيِهِ انْتِظَامُ أَيَسمُو مَن سَعَى بِالقِيلِ حَاشَا ... وَكلاَّ أَن يَكُونَ لَهُم مَقَامُ أَيَسْمُو مَن سَعىَ بالقِيلِ يَومًا ... بِقَومِ مَا أَتَى بِهمُو الحُطَامُ ولكن يَطْلُبُونَ العِلْمَ لَمَّا ... لِهَذا الأَصلِ قَدْ تَركَ الأَنَامُ وهَلْ يَا قَوْمُ غَيرَ الأَصل عِلْمٌ ... ولَوْلاَ الأَصْلُ ما انْكَشَفَ الظَّلامُ وكُنَّا في غَيَاهِبِه حَيَارَى ... وفي الإِشْرَاكِ قَدْ وَقَعَ الفِئَامُ فَأطلع شمسَ هذا الأَصلِ حبرٌ ... هو الشيخُ المعظَّمُ والإمامُ فأَشرق نورُه فسما بنَجدٍ ... منارَ الحقِّ وانكشف القَتامُ وأَطَّدَ رُكْنَ هذا الأَصل حتَّى ... رسَت منه المعالمُ والدّعامُ فلما أَن تضَاءلَ ذَاكَ فِينا ... وعمَّ الجهلُ وانسدلَ الظلامُ تَوخَّى نُورَه قَومٌ فجَاءُوا ... فَبَدَّدَ شمْلهم ووهى النظامُ وإنَّ الحادثاتِ وإِن أَساءت ... لَيسْمُو مِن حَوَادِثها كِرَامُ ويَرسُبُ حِينَ ما تَبْدُو فِئَامٌ ... مِن الأَقوام أَنْذالٌ لِئَامُ وما أَدري ولكن لَيتَ شِعري ... أَأَيقاظٌ أُولئك أَم نيامُ فما كلٌ بمعذورٍ ببغضٍ ... ولا كلٌ على بغضٍ يلامُ ولا كُلٌ مَقَالَةٍ قُيِلَتْ صَوابٌ ... يَكُونُ لَهَا بِفِي الدهر ابتسامُ

لقدْ رام الوشاةُ مَرَام سوءٍ ... ولكنَّ ذاكَ لَو عَلموهُ ذامُ لَقدْ رَامُوا لأَهلِ الحقِّ خَسفًا ... وحَتى آلَ إِن قَعَدُوْا وقَامُ ولكن بالنميمةِ وهو شومٌ ... على الساعين إذ شَغبوا وَلامُ أُناسًا كان هَجْرُهُمُو صوَابًا ... على المشروعِ وهْوَ لَهمُ إِمامٌ وما بدعٌ أَتوا بالهجرِ لكن ... عليه الناس والسلف الكرامُ وكانَ الهجر كالتعزير حُكمًا ... وتأْديبًا لينزجر الأَنامُ! عن الأَمرِ المُحرَّمِ والمَعاصي ... وهل إلا بذلكمو القوامُ فعابَ عليهم الهجران قومٌ ... وقالوا إِنَّه أَمرٌ حَرامُ ولولا ذاك ما قَعَدُوا وقامُ ... على أَن لا يكون لهم مُقَامُ ولو كَانُوا يَرَون الهجرَ حقًا ... لَما رامُوا لَهم خسفًا وسامُ ... وإن الذيمَ ما انتجعوه فيهم ... وهل فَوق الذي راموه ذَام وقد خاضُوا لِلُجَّته عُبابًا ... وساروا نحو زاخرِه وعامُ ومما قِيلَ في الإِخوانِ عَنهم ... كلامٌ ليس يحمله النظامُ فقالوا فيهمُو زُورًا وحافوا ... وَمَا خافوا مَعَرِّته الفِدامُ بأَن الهاجرين لِكُلِ عاصٍ ... وقاموا بِالعداوةِ واستقامُ رَأوا رأيِ الخَوارجِ أَن هذا ... لِزُورٍ ما تَضَمَّنه الخِصَامُ وما فاهوا به أَبدًا وهذا ... هو البهتانُ والإِفكُ الحَرامُ وإِن تعجب لِما انتجعوهُ فِيهمْ ... مِن البَهْتٍ المُحَرمِ حِين قامُ على الإِخوانِ إِذ عابوا أُنَاسا ... على تلك الجرائمِ قد أَقامُ فإِنَّ أَشَدَّ بَلْ أَولى وأَحرى ... رُكُوبٌ للمَحَارِم حينَ لامُ

على هَجْرِ العُصَاةِ ومَنْ تَرَدَّى ... بثَوب المنكراتِ وقدْ ألامُ وإِن أَشدَّ من هذا لَسَعْيٌ ... بقطع معاشهم لَمَّا استقامُ وقاموا بالعداوةِ حَسْبَ ما هُم ... يَرَوْنَ الهَجْرَ واجِبُه يُقامُ وما بالذنبِ يكَفُر كُلُّ عاصٍ ... لَدَيْنَا أُيُّها القَومُ اللئامُ ولكنَ مَن أتى بالكفرِ يَومًا ... وبالإِشراكِ يَعرفُه الأنامُ فهذا قَولُنا وبه سَمَوْنَا ... وما بالبَهْتِ يَنْتَقِمُ الكِرامُ فهذِي الحَالةِ الشنعاءِ منهم ... كم قَدْ حُرِّرَتْ وبها الخِصامُ وهذِي حالةُ الإِخوانِ فاعلم ... حقيقةَ ما تضمَّنه النظامُ فأَيُّ الحالتين يكونُ جرمًا ... ومن بالذيم يُعرف أَو يُلامُ فوا غوثاه وا غوثاه ممَّن ... أَثاروا الشر فانسدلَ الظلامُ فهذا الصنفُ ممَّن قال زورا ... على الإِخوان بلْ شغبوا ولامُ وقد راموا مذلَّتَهم جهارًا ... وفي أَبعادهم قعدُوا وقامُ وصنف لم يَرَوا ما قيلَ فيهم ... صوابًا بلْ رَأَوا ما قيل ذامُ وأَمرًا باطلاَ لا شك فيه ... وواشوقاه لو دأَبوا ودَامُ ولكن لم يَعادوهُم ووالوا ... لهذا الضرب فانعكسَ المرامُ فهذا فيهمو بيتٌ قديمٌ ... به تشفى الحرارةُ والسقامُ إذا صافا مُحبك من تعادى ... فقد عَاداك وانقطعَ الكلام ... وصنفٌ ثالثٌ همج رعاعٌ ... هم الأَتباع والنُعم السّوام فلا دينٌ ولا علمٌ وعقلٌ ... لديهم بل همُ القومُ الطغام فهذا كان أَمرَ الناس فيما ... جرى فيه التهاجرُ والخصامُ

ألا فذراني من جهول وغاشم

وصلَّى الله ما حنَّتُ رعودٌ ... وماضَ البرق وانسجم الغمام وما هبَّ النسيمُ ولاح نجمٌ ... بأُفق الجوّ أَو هتف الحمامُ على المعصومِ مع صحبٍ وآل ... صلاةُ يستنير بها الختامُ وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: ألا فَذَرَاني من جهولٍ وغاشمٍ ... ومِن سَقَط الأَوباشِ شِبه البهائم خفافيشُ أَعشاها من الحقِ شمسُه ... فهم بينَ مرتابٍ جهولٍ ولائمِ وبين حسودٍ يعدُّ معرفةَ الهُدى ... لسالك نهجِ الحقِّ من كل حازمِ فَدَعْهُم وما قالوا من الزّورِ والهوى ... ومن ترهاتِ قد أَتت بالعَظَائِم فيا لائمًا من كان بالحقِّ مقتدٍ ... ومستمسكًا أَقصِرْ فَلَسْتَ بسالمِ ولستَ على نهجٍ من الحقٍّ لاحبٍ ... تفوزُ به يوم اللقا والتخاصمِ أَتنسبُ من أحيوا من السننِ التي ... أَميتِت وأَضحت دارساتِ المعالمِ أُمورًا لها قد سَنَّ أَفضلُ خلقِه ... فعاب على إحيائها كلُّ آثم إلى الفئةِ البُعدِ الخوارجِ إنَّ ذا ... لَمِن أَعظم البهتان بينَ العوالم وما ذاكَ إِلا أَنهم قد تَمسكُوا ... بهَديِ النبي الأَبطحيّ ابن هاشِم ولم يرتضُوا إِلا الحديثَ وأَهلَه ... لهم سندٌ في كل أَمرٍ ولازم فيا حبذا نهجَ الحديثِ وإِنه ... لنعم طريقُ الأَعظمين الأَكارِم كأَحمد ذي التقوى ومالك ذي النهى ... وكالشافعي وابن المدينِي وعاصِم وكابنَ معينٍ والبخارِي ومسلمٍ ... وكلُّ إمامٍ في الحديثِ وعالم أُولئك هم أَهل الداريةِ والهدى ... وهم قدوةُ السارِي لشأوى المكارمِ

فإن كان منْ يَتْلُو أَو يقُفَّ طريقَهم ... بآثارهم يبغى الهُدى غير ظالمِ خوارج فاشهدْ أَننا نحن هكذا ... وكلُّ إمام أَلمعيٍّ وحاكمِ فإِن أَخطئوا يومًا وعابوا لمن على ... مذاهب أَشياخ هداة أَكارم قد اجتهدوا في نصر سُنةِ أَحمدٍ ... وتبيين أَحكام الهدى للعوالم فليس خُطَاهم بالإِعابة موجبًا ... لبهتَانِهم بالمُعْضلاتِ العظَائم ... كما أَن من أَخطا من العلماءِ لا ... يُذمم إِذَا أَخطا وليس بآثم بلى بل له أَجرٌ بحَسبِ اجتهاده ... فإن كنتَ لا تدِري فسلْ كلَّ عالم وإِن كان هجران العصاةِ ومقْتهم ... وملَّة إبراهيم ذاتِ الدعائم بحبٍ وبُغضِ والمعاداتِ والولا ... خروجٌ كفعلِ المارقين البهائم فنشهدُكم بل نُشْهدُ الله أَننا ... بهذا ندين الله بينَ العَوالم ونرجُو من الله الثباتَ على الهدى ... على ملَّةِ المعصومِ صَفْوَةِ آدم كذلك أَنكرنا على كلِّ منْ يرى ... إقامته بين الغواةِ الغواشم مباحًا له والنصُّ في ذاكَ واضح ... بتحريمها إذ قد أتى بالجرائم وساكنِ عبادِ القبورِ تساهلاً ... بما كان يأْتى من عُضالِ المآثم وتسفيهِ آراءٍ الهدَاةِ لنهيهم ... وتنفيرِهم عن من أَتى بالعظَائمِ وإِنكارِهم جهرًا على من لأَرضِهم ... يُسافِرُ من عَاصٍ مُدِيم وآثم إذا لم يكنْ للدِّين والحقِّ مَظهرًا ... وهذَا هو الحقُّ المبينُ لرائم وذلك سدًّا للذريعةِ حيث لا ... بصاحبهَا تُفضِي لكفرٍ ملازمِ فخَالَ سِفاهًا منْ تَقاصَرَ فهمُه ... وعَضَّ على الدنيا بأَنيابِ ظَالم بأَنا نَرى رأْى الخَوَارِجِ أَنَّ ذا ... لجهلٍ صريحٍ من حَسودٍ ولائم

يلوم أناس أن نظمت رواية

فيا ليتَ شِعْرِي هَلْ له بمذَاهب ... الخوارج تحقيقٌ وإِدراكُ عَالِم أَم الفدمُ لا يدري بمذهب مَنْ غَلا ... ولا مَنْ جَفا في الدين شِبه البهائم فيحسب جهلاً أَن إِنكار مثل ذا ... يَئُول إلى تكفير أَهل الجرائم فحاشا وكلاَّ ليس ذلك قِيلهم ... وليسَ لما قالوه يومًا بلازم فهذا الذي كنا نَرى ونَحُبه ... لإِخواننا من عُربها والأَعاجِم وإِنا على هذا على الكُره والرِضا ... على أَنف راضٍ منِ مُعادٍ ورَاغِمِ فإِن كان حقًا فاقبلوا الحقِّ وارعووا ... وفيئوا فإِن الله أرحمُ راحِم وإِلا فجيئوا بالدليل وأُبرزوا ... جوابًا صوابًا قاطعًا للتخاصم وَصَلّ على خيرِ الأَنامِ محمَّدٍ ... وأَصحابهِ والآل أَهل المكارم وقال رحمه الله تعالى: يلوم أُناسٌ أَن نَظمتُ روايةً ... عن الثقة الشيخ الرَّفيع الدَّعائم إِمامِ الهدى السامىِ إِلى رتبةِ العلا ... فحلَّ ذرى هَام السُّها والنعائم وأَعني به البحرَ الخضمَ ابن حنبلٍ ... إِمامًا هُمَامًا عالمًا أَي عالِم وصحَّحها واختارَها علمُ الهُدى ... وشمس المعاني المرتَضى في العَوالِم وذاكَ هُو البحرُ ابن تيميةِ الرضي ... وشيخ الورى فليتئدْ كلُّ لائم أَقرَّ له بالفضلِ والعلمِ والتُقى ... ذوو العلمِ من عُرب الورى والأَعاجم فلو أَنَّ هذا اللائم اليوم حازم ... سليم الأَضحى قارعًا سنَّ نادم ولكنه لا فقه فيما أظنُّه ... لديه ولا يَدرى اقتضاء التلازم فإِن كان هذا اللَّومُ للشيخِ مَنْ غَدَتْ ... مآثرهُ معلومةً في العوَالم

فخطبٌ جسيمٌ وهو ليس بواحِدٍ ... فكم لامه من جاهلٍ غير عالمِ وما خِلتُ مَنْ يخْشى الإِله يَلومُهُ ... على أَنه إِن لام أَخنعُ لاَئم على نَشْره العلمَ الشَّريفَ لأَهلِه ... وطُلابِه يا ويح باغٍ وظَالمِ ومن لا يرى إلا التعصبَ مذهبًا ... فليس يَرى قولاً صوابًا بالحاكم وليس أَخا التقليدِ يومًا بعالِم ... وإِن خاله الجهالُ أَفضلَ عالم بإِجماع أَهل العِلم من كل عالمٍ ... وذلك كالأَعمى لدى كلُّ حازم وإِن كان هذا اللومُ لي فهو جَاهلٌ ... فهلْ قلتُ من عندى مقالاً لناقمِ وهل قلت إلا قولَ شيخِ محقِّقٍ ... فلستُ لأَقوالِ الهداةِ بكاتم وإن لامني في نقلها واختيارها ... جَهول بأقوال الثقاة الأكارمِ ولازَم لومي إذ نظمتُ اختياره ... حقيقته للشيخ بعد اللائم إذ القولُ قولُ الشيخ أحمد ذي التقى ... وماذا عسى أَن قِيل ذا نظم ناظِم وما الفرقُ بين النظمِ والنثرِ لو دَرى ... حقيقةَ ما يَهْذُو به كلُّ ناقِم فإِن كان نظمًا فهو لا وجْه عِنْده ... لتعليقه في الرِّق يومًا لراقم وإِن كان نثرًا كان ذلك جائزًا ... فسبحان من أَعطاه فهم التَلازم وسبحان من أَعطاه في الفِرق بينما ... يعلِّقُ من نظمٍ ونثرٍ لراسم فيا ليت شِعْرِي هَلْ رأَى الكتب الَّتي ... بهَامِشَها ما قالَه كلٌّ عالِم وَقَدْ عَلمتُ تلك المقالاتِ كلَّها ... مسطرة في الكتب يومًا لرائمِ ولكن أرادوا نقلها لهوامشَ ... ليعلمها الطَّلابُ من كلِّ حازم فيتَّبعوا القوْلَ الصوابَ الذي له ... شواهدُ من نصِّ النبي ابن هَاشِم عليه صلاةُ اللهِ ثم سلامُه ... مَدى الدهرِ ما انساح السحاب بساجم ...

يا أيها الباغي على اتباعه

وأَصحابِه والآل مع كلِّ تابعٍ ... أُولئك هُمْ أَهل التُقى والمكارمِ قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «فصل في تحميل أهل الاثبات للمعطلين شهادة تؤدَّى عند رب العالمين» يا أيها الباغي على اتباعه ... بالظلم والبهتان والعدوان قد حملوك شهادة فاشهد بها ... إن كنت مقبولاً لدى الرحمن واشهد عليهم أن سُئلت بأنهم ... قالوا إله العرش والأكوان فوق السموات العلى حقا على الـ ... ـعرش استوى سبحان ذِي السلطان والأمر ينزل منه ثم يسير في ... الأقطار سبحان العظيم الشان وإليه يصعد ما يشاء بأمره ... من طيبات القول والشكران وإليه قد صعد الرسول وقبله ... عيسى بن مريم كاسر الصلبان وكذلك الأملاك تصعد دائمًا ... من هاهنا حقا على الديان وكذاك روح العبد بعد مماتها ... ترقى إليه وهو ذو إيمانِ واشهد عليهم أنه سبحانه ... متكلم بالوحي والقرآنِ سمع الأمين كلامه منه وأدّ ... اه إلى المبعوث بالفرقانِ هول قول ربِّ العالمين حقيقة ... لفظا ومعنى ليس يفترقانِ واشهد عليهم أنه سبحانه ... قد كلم المولود من عمرانِ سمع ابن عمران الرسول كلامه ... منه إليه مسمع الآذانِ واشهِد عليهم أنهم قالوا بأ ... نَّ الله ناداه وناجاه بلا كتمانِ واشهِد عليهم أنهم قالوا بأ ... نَّ اللهَ نادى قبله الأبوانِ واشهد عليهم أنهم قالوا بأ ... نَّ الله يسمع صوته الثقلانِ والله قال بنفسه لرسوله ... إني أنا الله العظيم الشأنِ والله قال بنفسه لرسوله ... اذهب إلى فرعون ذِي الطغيانِ والله قال بنفسه «حم» مع ... «طه» ومع «يس» قول بيانِ واشهِد عليهم أنهم وصفوا الإله ... بكل ما قد جاء في القرآنِ وبكلا ما قال الرسول حقيقة ... من غير تحريف ولا عدوانِ واشهِد عليهم أنَّ قول نبيهم ... وكلامَ ربِّ العرش ذا التبيانِ ... نصُّ يفيد لديهم علم اليقـ ... ـين إفادة المعلوم بالبرهانِ

واشهد عليهم أنهم قد قابلوا ... التعطيل والتمثيل بالنكرانِ أنَّ المعطل والممثل ما هما ... متيقنين عبادة الرحمنِ ذا عابد المعدوم لا سبحانه ... أبدًا وهذا عابد الأوثانِ واشهد عليهم أنهم قد أثبتوا الأ ... سماء والأوصاف للديَّانِ وكذلك الحكام أحكام الصـ ... ـفات وهذه الأركان للإيمانِ قالوا عليم وهو ذو علم ... ويعلم غاية الإسرار والإعلانِ وكذا بصير وهو ذو بصر ... ويبصر كلَّ مرئيٍّ وذِي الأكوانِ وكذا سميع وهو ذو سمع ... ويسمع كلّ مسموع من الأكوانِ متكلم وله كلام وصفه ... ويكلِّم المخصوص بالرضوانِ وهو القوي بقوة هي وصفه ... وعليك يقدر يا أخا السلطانِ وهو المريد له الإرادة هكذا ... أبدًا يريد صنائع الإحسانِ والوصف معنًى قائم بالذات ... والأسماء أعلام له بوزانِ أسماؤه دلَّت على أوصافه ... مشتقَّة منها اشتقاق معانِ وصفاته دلَّت على أسمائه ... والفعل مرتبط به الأمرانِ والحكم نسبتها إلى متعلِّقا ... ت تقتضي آثارها ببيانِ ولربما يعني به الإخبار عن ... آثارها يعني به أمرانِ والفعل إعطاء الإرادة حُكمها ... مع قدرة الفعَّال والإمكانِ فإذا انتفت أوصافه سبحانه ... فجميع هذا بيِّن البطلانِ واشهد عليهم أنهم قالوا ... بهذا كله جهرًا بلا كتمانِ واشهد عليهم أنهم بَراء من ... تأويل كلِّ محرِّفٍ شيطانِ واشهد عليهم أنهم يتأولو ... ن حقيقة التأويل في القرآنِ هم في الحقيقة أهل تأويل الذي ... يعني به لا قائل الهذيانِ واشهد عليهم أن تأويلاتهم ... صرف عن المرجوح للرجحانِ واشهد عليهم أنهم حَملوا النصو ... ص على الحقيقة لا المجاز الثاني إلا إذا ما اضطرَّهم لمجازها ... المضطرُّ من حسٍّ ومن برهانِ فهناك عصمتها إباحته بغير ... تجانف للإثم والعدوانِ ... واشهد عليهم أنهم لا يكفّرو ... نكم بما قلتم من الكفرانِ إذا أنتم أهل الجهالة عندهم ... لستم أولى كفر ولا إيمانِ لا تعرفون حقيقة الكفران بل ... لا تعرفون حقيقة الإيمانِ إلاَّ إذا عاندتم ورددتم ... قول الرسول لأجل قول فلانِ

فهناك أنتم أكفر الثقلين من ... إنس وجن ساكني النيرانِ واشهد عليهم أنهم قد أثبتوا ... إلاَّ قدار وإرادة من الرحمنِ واشهد عليهم أنَّ حجة ربِّهم ... قامت عليهم وهو ذو غفرانِ واشهد عليهم أنهم هم فاعلو ... ن حقيقة الطاعات والعصيانِ والجبر عندهم محالٌ هكذا ... نفى القضاء فبئست الرايانِ واشهد عليهم أنَّ إيمان الورى ... قول وفعل ثم عقد جنانِ ويزيد بالطاعات قطعًا هكذا ... بالضدِّ يمسي وهو ذو نقصانِ والله ما إيمان عاصينا كإيـ ... ـمان الأمين منزَّل القرآنِ كلا ولا إيمان مؤمنًا كإيـ ... ـمان الرسول معلِّم الإيمانِ واشهد عليهم أنهم لم يخلدوا ... أهل الكبائر في حميم آنِ بل يخرجون بإذنه بشفاعة ... وبدونها المساكن بجنانِ واشهد عليهم أن ربهم يُرَى ... يوم المعاد كما يُرى القمرانِ واشهد عليهم أن أصحاب الرسو ... ل خيار خلق الله من إنسانِ حاشا النبيِّين الكرام فإنهم ... خير البرية خيرة الرحمنِ وخيارهم خلفاؤه من بعده ... وخيارهم حقًّا هما العُمَرانِ والسابقون الأولون أحق بالتـ ... ـقديم ممن بعدهم ببيانِ كل بحسب السبق أفضل رتبة ... مِن لاحقٍ والفضل للمنان إِنَّ الشهيدَ حَياتُه مَنْصُوصَةَ ... لا بالقياس القائمِ الأركانِ هذا مَع النَّهيِ المؤكَّدِ أَنَنا ... نَدْعُوه مَيْتًا ذَاكَ في القُرآنِ ونِساؤُه حِلٌ لنا مِن بَعْدِهِ ... والمالُ مَقْسومُ على السَّهْمَانِ هذَا وإِنَ الأرضَ تأكُلُ لَحْمهُ ... وسَباعُهَا مَعْ أُمَّةِ الدِيْدَانِ لكنه مَعْ ذاكَ حَيٌّ فارِحٌ ... مُسْتبشرٌ بكرامة الرحمنِ فالرسل أولى بالحياة لديه مع ... موت الجسوم وهذه الأبدانِ ... وهي الطريَّة في التراب وأكلها ... فهو الحرام عليه بالبرهانِ ولبعض أتباع الرسول يكون ذا ... أيضًا وقد وجدوه رأى عِيانِ فانظر إلى قلب الدليل عليهم ... حرفًا بحرفٍ ظاهر التبيانِ لكن رسول الله خصَّ نساؤه ... بخصيصةٍ عن سائر النسوانِ خُيِّرن بين رسوله وسواه فاخـ ... ـترن الرسول لصحَّة الإيمانِ شَكَر الإله لهنَّ ذاك وربنا ... سبحانه للعبد ذو شكرانِ

قصر الرسول على أولئك رحمةً ... منه بهنَّ وشكر ذِي الإحسانِ وكذاك أيضا قصرهنَّ عليه ... معلومٌ بلا شكٍّ ولا حسبانِ زوجاته في هذه الدنيا وفي ... الأخرى يقينٌ واضح البرهانِ فلذا حُرِّمن على سواه بعده ... إذ ذاك صون عن فراشٍ ثانِ لكن أتين بعده شرعية ... فيها الحداد وملزم الأوطانِ هذا ورؤيته الكليم مصلِّيًا ... في قبره أثرٌ عظيم الشانِ في القلب منه حسيكة هل قاله ... فالحقُّ ما قد قال ذو البرهانِ ولذاك أعرض في الصحيح محمد ... عنه على عمدٍ بلا نسيانِ والدارقطني الإمام أعله ... برواية معلومة التبيانِ أنسٌ يقول رأى الكليم مصليًا ... في قبره فاعجب لذا الفرقانِ فرواه موقوفًا عليه وليس ... بالمرفوع وأشواقًا إلى العرفانِ بين السياق إلى السياق تفاوتٌ ... لا تطرحه فما هما سيَّانِ لكن تقلّد مسلِمًا وسواه ... ممَّن صحَّ هذا عنده ببيَانِ فرواته الأثبات أعلام الهدى ... حفَّاظ هذا الدين في الأزمانِ لكنَّ هذا ليس مختصًّا به ... والله ذو فضلٍ وذو إحسان فروى ابن حبَّان الصدوق وغيره ... خبرًا صحيحًا عنده ذا شانِ فيه صلاة العصر في قبره الذي ... قد مات وهو محقَّق الإيمانِ ذ فتمثل الشمس الذي قد كان ير ... عاها لأجل صلاة ذِي القربانِ عند الغروب يخاف فوت صلاته ... فيقول للملكين هل تدعانِ حتى أصلِّي العصر قبل فواتها ... قالا ستفعل ذاك بعد الآنِ هذا مع الموت المحقَّق لا الذي ... حُكيت لنا بثبوته القولانِ ... هذا وثابت البناني قد دعا الر ... حمن دعوة صادق الإيقانِ أن لا يزال مصلِّيًا في قبره ... أن كان أعطى ذاك من إنسانِ لكن رؤيته لموسى ليلة المعـ ... ـراج فوق جميع ذِي الأكوانِ يرويه أصحاب الصحاح جميعهم ... والقطع موجبه بلا نكرانِ ولذاك ظنَّ معارضًا لصلاته ... في قبره إذ ليس يجتمعانِ وأُجيب عنه بأنه أُسرِي به ... ليراه ثَمَّ مشاهد بعِيانِ فرآه ثَمَّ وفي الضريح وليس ذا ... يتناقض إذ أمكن الوقتانِ هذا ورد نبينا التسليم مَن ... يأتي بتسليم مع الإحسان

ما ذاك مختصًّا به أيضا كما ... قد قاله المبعوث بالقرآنِ من زار قبر أخٍ له فأتى ... بتسليمٍ عليه وهو ذو إيمانِ ردَّ الإله عليه حقًّا رُوحَه ... حتى يردَّ عليه ردَّ بيانِ وحديث ذكر حياتهم بقبورهم ... لِما يصحُّ وظاهر النكرانِ فانظر إلى الإسناد تعرف حاله ... إن كنت ذا علمٍ بهذا الشانِ هذا ونحن نقول هم أحياء ... لكن عندنا كحياة ذِي الأبدانِ والترب تحتهم وفوق رءوسهم ... وعن الشمائل ثم عن أيمانِ مثل الذي قد قلتموه معاذنا ... بالله من إفكٍ ومن بهتانِ بل عند ربهم تعالى مثل ما ... قد قال في الشهداء في القرآن لكن حياتهم أجلُّ وحالهم ... أعلى وأكمل عند ذِي الإحسان هذا وأمَّا عرض أعمال العبا ... د عليه فهو الحق ذو إمكانِ وأتى به أثرٌ فإن صحَّ الحـ ... ـديث به فحقٌّ ليس ذا نكرانِ لكنَّ هذا ليس مُختصًّا به ... أيضًا بآثار رُوين حسانِ فعلى أبي الإنسان يَعرِض سعيه ... وعلى أقاربه مع الإخوانِ ِ إن كان سعيًا صالحًا فرحوا به ... واستبشروا يا لذَّة الفرحانِ أو كان سعيًا سيئًا حزنوا وقا ... لوا ربِّ ارجعه إلى الإحسانِ ولذا استعاذ من الصحابة من روى ... هذا الحديث عقيبه بلسانِ يا رب أني عائد من خزية ... أخزَى بها عند القريب الداني ذاك الشهيد المرتضى ابن رواحة ... المحبوب بالغفران والرضوانِ ... لكن هذا ذو اختصاص والذي ... للمصطفى ما يعمل الثقلانِ هذِي نهايات لأقدام الورى ... في ذا المقام الضنك صعب الشانِ والحقُّ فيه ليس تحمله عقو ... ل بني الزمان لغلظة الأذهانِ ولجعلهم بالرُّوح مع أحكامها ... وصفاتها للإلف بالأبدانِ فارضِ الذي رَضِي الإله لهم به ... أتريد تنقض حكمة الدَّيانِ؟ هل في عقولهم بأنَّ الرُّوح في ... أعلى الرفيق مقيمة بجنانِ وتُرَدُّ أوقات السلام عليه من ... أتباعه في سائر الأزمانِ وكذاك أن زُرت القبور مُسلِّمًا ... رُدَّت لهم أرواحهم للآنِ فهم يَرُدُّون السلام عليك لـ ... ـكن لستَ تسمعه بذِي الأُذُنانِ هذا وأجواف الطيور الخضر ... مسكنها لدى الجنات والرضوانِ

من ليس يحمل عقله هذا فلا ... تظلمه واعذرْه على النكرانِ للروح شأن غير ذِي الأجسام لا ... تهمله شأنَ الرُّوح أعجب شانِ وهو الذي حَار الورى فيه فلم ... يعرفه غير الفرد في الأزمانِ هذا وأمرٌ فوق ذا لو قلته ... بادرت بالإنكار والعدوانِ فلذاك أمسكت العنان ولو أرى ... ذاك الرفيق جريت في الميدانِ هذا وقولي إنها مخلوقةٌ ... وحدوثها المعلوم بالبرهانِ هذا وقولي إنها ليست كما ... قد قال أهل الإفك والبهتانِ لا داخل فينا ولا هي خارجٌ ... عنَّا كما قالوه في الديانِ والله لا الرحمن أثبتم ولا ... أرواحكم يا مدَّعي العرفانِ عطلتم الأبدان من أرواحها ... والعرش عطَّلتم من الرحمنِ وقال رحمه الله ذاكرًا بعض صفات الله: هو واحدٌ في وصفه وعلوِّه ... ما لِلْوَرَى رَبُّ سِوَاهُ ثانِ وهو القديم فلم يَزَلْ بِصِفَاته ... مُتوَحّدًا بل دَائِمَ الإِحسانِ والنَّقْصُ في أمْرينِ سَلْبُ كمالَه ... أو شركةُ بالواحِدِ الرحمنِ إنَّ الكمال بكثرة الأوصاف لا ... في سلبها ذا واضح البرهان ما النقص غير السلب حسبُ وكلُّ نقـ ... ـصٍ أصله سلب وهذا واضح التبيانِ فالجهل سلب العلم وهو نقيصة ... والظلم سلب العدل والإحسانِ ... متنقِص الرحمن سالب وصفه ... حقًّا تعالى الله عن نقصانِ وكذا الثناء عليه ذِكر صفاته ... والحمد والتمجيد كلّ أوانِ ولذاك أعلم خلقه أدراهم ... بصفاته من جاء بالقرآن وله صفاتٌ ليس يُحصيها سِوَا ... هُ مِن مَلائكةِ ولا إنسانِ ولذاك يُثنَى في القيامة ساجدًا ... لَمَّا يراه المصطفى بعيانِ بثناء حمد لم يكن في هذه الدنيا ... ليحصيه مدى الأزمانِ وثناؤه بصفاته لا بالسلو ... ب كما يقول العادم العرفانِ والعقل دلَّ على انتهاء الكون ... أجمعه إلى ربٍّ عظيم الشانِ وثبوت أوصاف الكمال لذاته ... لا يقتضى إبطال ذا البرهانِ والكون يشهد أن خالقه تعا ... لى ذو الكمال ودائم السلطانِ

وكذا يشهد أنه سبحانه ... فوق الوجود وفوق كلِّ مكانِ وكذا يشهد أنه سبحانه ... المعبود لا شيء من الأكوانِ وكذا يشهد أنه سبحانه ... ذو حكمةٍ في غاية الإتقانِ وكذا يشهد أنه سبحانه ... ذو قدرة حيٌّ عليمٌ دائم الإحسانِ وكذا يشهد أنه الفعال ... حقًّا كلَّ يوم ربنا في شانِ وكذا يشهد أنه المختار في ... أفعاله حقًّا بلا نُكرانِ وكذا يشهد أنه الحيُّ الذي ... ما للمات عليه من سلطانِ وكذا يشهد أنه القيوم قا ... م بنفسه ومقيم ذِي الأكوانِ وكذا يشهد أنه ذو رحمة ... وإرادة ومحبةٍ وحنانِ وكذا يشهد أنه سبحانه ... متكلِّمٌ بالوحي والقرآنِ وكذا يشهد أنه سبحانه ... الخلاَّق باعث هذه الأبدانِ لا تجعلوه شاهدًا بالزور ... والتعطيل تلك شهادة البطلانِ وإذا تأمَّلت الوجود رأيته ... إن لم تكن من زمرة العميانِ بشهادة الإثبات حقًّا قائمًا ... لله لا بشهادة النكرانِ وكذاك رُسل الله شاهدةٌ به ... أيضًا فسل عنهم عليم زمانِ وكذاك كُتب الله شاهدة به ... أيضًا فهذا مُحكم القرآنِ وكذلك الفِطَر التي ما غِيرت ... عن أصل خِلقتها بأمرٍ ثانِ ... وكذا العقول المستنيرات التي ... فيها مصابيح الهدى الرباني أترَون أنا تاركو ذا كَّله ... لشهادة الجهمي واليوناني وقال رحمه الله: إِن الذي نزل الأمين به على ... قلبِ الرسولِ الواضحِ البرهانِ هوَ قولُ رِبي اللفظ والمعنى جمـ ... ـيعًا إِذ هما أخوان مصطحِبانِ لا تقطعوا رَحِمًا تولَّى وَصْلَها ... الرحمنُ تَنْسلِخُوا مِن الإيمانِ ولقد شفانا قولُ شاعرِنا الذي ... قال الصوابَ وَجَاءَ بالإحسانِ إنَّ الذي هو في المصاحف مُثْبَت ... بأناملِ الأشياخِ والشُبانِ هو قولُ ربي آيُهُ وحُرُوفُهُ ... ومِدَادُنا والرقُ مَخْلُوقانِ والله أكبرَ مَن على العرش استوى ... لكِنهُ اسْتَولَى على الأكوانِ والله أكبرُ ذو المعارج مَن إليه ... تَعْرُجُ الأملاكُ كُلَّ أَوانِ واللهُ أكبرُ مَن يَخافُ جَلاله ... أمْلاكه من فوقِهمِ ببيانِ واللهُ أكبرُ من غَدَا لسَرْيرِهِ ... أَطَّ بِهِ كالرَّحْلِ لِلرُكْبَانِ

واللهُ أكبرُ مَن أتانا قولُهُ ... مِن عِندِهِ مِن فوق سِتِ ثمانِ نَزَلَ الأَمِينُ به بأمْرِ اللهِ مِن ... رَبٍ علىِ العَرش اسْتوى الرحمنِ واللهُ أكَبرُ قاهرٌ فَوقَ العَبا ... دِ فلا تَضَعْ فوقيَّةَ الرحمنِ من كُل وَجْهٍ تِلكَ ثابِتَةٌ لَهُ ... لا تَهْضِمُوها يا أوُلى البُهْتَانِ قَهْرًا وقد رأو استواءَ الذَاتِ فُوْ ... قَ العَرشِ بالبُرْهَانِ فَبِذاتِه خَلَق السَّمَواتِ العُلى ... ثم استوى بالذات فافْهَمْ ذانِ فَضميرُ فِعْلِ الاستواءِ يَعُوْدُ ... لِلذَّات التِي ذُكِرَتُ بلا فُرْقانِ هُوَ رَبُنا هو خالِقٌ هو مُسْتوٍ ... بالذاتِ هذِي كُلها بِوزَانِ والله أكبرُ ذُو العُلُوِّ المَطْلَقِ ... المَعْلُوم بالفِطَراتِ والإيْمانِ فعُلُوُّهُ مِن كُلِّ وَجْهٍ ثابتٍ ... فالله أكَبرُ جَلَّ ذُو السُلْطانِ واللهُ أكبرُ مَن رَقَّى فَوقَ الطِّبَا ... قِ رَسُولُه فَدَنا مِن الدَّيانِ وإليهِ قَدْ صَعدِ الرسولُ حَقِيْقَةً ... لا تُنِكْرُوْا المعْرَاجَ بالبْهَتانَ وَدَنا مِن الجَبارِ جَلَ جَلاَلُهُ ... ودَنَا إليْهِ الرَّبُ ذُو الإِحْسَانَ واللهُ قد أَحْصَى الذي قَد قُلْتُمُ ... في ذَلكِ المعْراجِ بالميزانِ ... قُلْتمُ خَيَالاً أوْ أَكَاذِيْبًا أو ... المِعْراجِ لم يَحْصُلْ إلى الرحمنِ إذْ كَانَ ما فوقَ السَّمواتِ العُلى ... رَبٌّ إليْهِ مُنْتَهى الإنسان واللهُ أكبرُ مَنْ أَشَارَ رَسُولُه ... حَقًا إليهِ بأَصْبُعٍ وَبَنَانِ في مَجْمَعِ الحجِ العَظِيمِ بموقِفٍ ... دُوْنَ المُعَرَّفِ مَوْقِفِ الغُفْرَانِ مَن قالَ مِنكم مَن أشار بأصْبُعٍ ... قُطِعَتْ فِعِنْدَ الله يَجْتَمَعانِ واللهُ أكبرُ ظاهرٌ مَا فَوقَه ... شَيءٌ وشَأنُ الله أعْظَمُ شانِ واللهُ أكبرُ عرشُهُ وَسِعَ السَّما ... والأَرضَ والكُرْسَيّ ذَا الأَركانِ وكذلكَ الكُرْسِيُّ قَدْ وَسعَ الطِّبَا ... قَ السَّبعَ والأَرضينَ بالبُرْهَانِ والربُ فوقَ العَرشِ والكرسي لا ... يَخفى عليهِ خَوَاطِرُ الإنسانِ «فصل في مصارع النفاة والمعطلِّين بألسنة ... أمراء الإثبات الموحدين» وإذا أردت تَرى مصارع من خلا ... من أمة التعطيل والكفران وتَراهم أسرى حقير شأنهم ... أيديهم غلت إلى الأذقان وتراهم تحت الرماحِ دَرِيْئَةً ... ما فيهم مِن فارِسٍ طَعَّانِ

وتراهم تحت السيوف تنوشهم ... مِن عن شمائلهم وعن أيمان وتراهم انسلخوا من الوحيين ... والعقل الصحيح ومقتضى القرآن وتراهم والله ضحكة ساخر ... ولطالما سخروا من الإيمان قد أوحشت منهم ربوع زادها الـ ... ـجبار إيحاشًا مدى الأزمان وخلت ديارهم وشتت شملهم ... ما فيهم رجلان مجتمعان قد عطَّل الرحمن أفئدةً لهم ... مِن كل معرفة ومن إيمان إذ عطلوا الرحمن مِن أوصافه ... والعرشَ أخلوه مِن الرحمن بل عطَّلوه عن الكلام وعن صفا ... تِ كماله بالجهل والبُهتان فاقرأ تصانيفَ الإمامِ حقيقة ... شيخ الوجود العالم الرباني أعنى أبا العباس أحمد ذلك ... البحر المحيط بسائر الخلجان واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظير ثان وكذاك منهاج له في رده ... قول الروافض شيعة الشيطان وكذاك أهل الاعتزال فإنه ... أرداهم في حفرة الجبان ... وكذلك التأسيس أصبح نقضه ... أعجوبة للعالم الرباني وكذاك أجوبة له مِصْرِيَّةُ ... في سِتِ أسفارٍ كُتْبنَ سِمانِ وكذا جَوابٌ للنصارى فيه ما ... يشْفِي الصُدورَ وأنه سِفْرانِ وكذاك شرحُ عقيدةِ للأصبها ... نيى شارح المحصولِ شرحَ بيان فيها النُبُوَّاتُ التي إثباتُها ... في غاية التقرير والتبيانِ والله لا ما ولَّى الكلام نظيره ... أبدًا وكُتبهم بكلِّ مكانِ وكذا حدوث العالم العلويِّ ... والسفليِّ فيه في أتمِّ بيان وكذا قواعد الاستقامة أنها ... سِفران فيما بيننا ضخمان وقرأتُ أكثرها عليه فزادني ... والله في علم وفي إيمانِ هذا ولو حدثتُ نفسي أنه ... قبلي يموتُ لكان هذا الشانِ وكذاك توحيد الفلاسفة الأُلى ... توحيدهم هو غاية الكفران سِفر لطيفٌ فيه نقض أصولهم ... بحقيقة المعقول والبرهان وكذاك تسْعينيةٌ فيها لهُ ... رَدٌّ عَلى مَن قال بالنفساني تِسعُونَ وَجْهًا بَينتْ بُطْلانَهُ ... أعْنِي كَلاَمَ النفسِ ذا الوِجدانِ وكذا قواعدُهُ الكبار وأنها ... أوفى من المائتين في الحسبان لم يتسع نظمي لها فأسوقها ... فأشرت بعض إشارة لبيان

ألا بلغن عنى لحي رسالة

وكذا رسائله إلى البلدان ... والأطراف والأصحاب والإخوانِ هي في الورى مبثوثة معلومة ... تُبتاع بالغالي من الأثمان وكذا فتاواه فأخبرني الذي ... أضحى عليها دائمَ الطوفان بلغ الذي ألفاه منها عدَّة ... الأيام من شهر بلا نقصانِ سفر يقابل كلَّ يوم والذي ... قد فاتني منها بلا حسبان هذا وليس يقصر التفسير عن ... عشر كبار ليس ذا نقصان وكذا المفاريد التي في كلِّ ... مسألة فسفر واضح التبيان ما بين عَشر أو تزيدُ بضعفها ... هي كالنجوم لسالكٍ حيران وله المقامات الشهيرة في الورى ... قد قامها لله غيرُ جبان نصر الإله ودينه وكتابه ... ورسوله بالسيف والبرهان أبدى فضائحهم وبيَّن جهلهم ... وأرى تناقضهم بكلِّ زمان ... وأصارهم والله تحت نعال ... أهل الحق بعد ملابس التيجانِ وأصارهم تحت الحضيض وطالما ... كانوا هم الأعلام للبلدانِ ومن العجائب أنه بسلاحهم ... أرادهم تحت الحضيض الداني كانت نواصينا بأيديهم فما ... منالهم إلاَّ أسير عان فغدت نواصيهم بأيدينا فلا ... يلقوننا الإنجيلَ أمان وغدت ملوكهم مماليكا لأنْـ ... ـصارِ الرسول بمنَّةِ الرحمنِ وأتَتْ جُنودُهمِ التي صالوا بها ... منقادةً لِعَساكَر الإيمانِ يَدْري بهذا مَن له خَبَرٌ بما ... قَدْ قالهُ في ربِّه الفِئَتانِ والقَدم يوحشنا وليس هناكم ... فحضُوره ومَغِيبُهُ سُيَانِ آخر: ألا بلغن عنى لِحَيٍ رسَالَةً ... تَعِيها رجالٌ أو نِسَاءُ صَوالَح لِعالمهم أو طالبِ العِلمِ رائمٍ ... لإظهارِ دِينِ اللهِ فيهِ يناصِح أقولُ لهُ: قُمْ وادعُ لِلدينِ دَعْوَةً ... تُجبْهَا عَوامٌ أو خَواصٌ جحَاجِح ولا تَخْشَ في إظهار دِين مُحمد ... بقولة قال تأتسيه كناتح ولا تَخْشَ تكذيبا وإنكار جاحد ... وهزءَ جهول ضلَّ والحق صابح وغِيبة همَّاز وضغْنَ مُشاحِن ... يُسَاعِده من لِلْعَوائد "رَاكح" ولَيْسَ لمَا تَبْني يَدُ الله هَادمٌ ... ولَيسَ لأمْر الله أن جاءَ ضَارح

وَبَيِّنْ لهُمْ أنَّ العَوَائِدَ بَهْرَجتْ ... وسُتننا لاحَتْ عَليها لوائِح ولَهْوُ الشبابِ اليوم قَدْ بَارَ سُوْقُهُ ... وقامَتْ عَلى سُوْق الصلاح المِدائِح وأهلُ الدنا اليومَ انْزَوَى ظلُّ جَاهه ... وسُنَتْنَا قدْ ظللتُها الدوائح وُمنكِرْ هذا الدين قَدْ خَفَ وَزْنُهَ ... وَمُظْهِرُهُ مِيْزَانُهُ اليوم رَاجح وناصِره قدْ صَارَ في الناس عَالِيا ... ومُنْكرُهُ لِلْخاصِ والعَام دَانِح وإِنَّ إلهَ العَرْش قَدْ مَن مِنَّةً ... عَلَينا ومَنْ يشْكُرْ فذلك رَابح ومن كفَر الأنعامَ واتبع الهَوى ... فِفيِ بَدئِهِ بَلْهُ القيامة طائحُ وذاكَ بأَنْ قَدْ بين الدين في امرئٍ ... لنا نَسبا نَعْلُو به ونُطَامِح فإنْ نحْنَ أويْنَاهُ نَنْصًر قَوْلَهُ ... نفُزْ ونَحُزْ نعماه والكلُّ فالح وأنْ قد أضَعْنَاه أفادَ بِغَيْرنا ... مَصَائب قوم عند قوم مصالح ولو نَفَعَتْ قرُبَى فَقَطْ فِيْهِ مَا رَدَى ... أبو طالب عمْ النبي وتارح وما ضَرَّ شَمْسًا أنْ نَفىَ العين ضوءها ... وما ضَرٌ حَوْضا أنْ أبتْهُ القَوامح أطايب أَرْضِ تُخْرج النَبتْ رَائعًا ... بإذْنِ الإِلهِ إنْ أفاضَتْ دَوَائِح ولو هَمَعَتْ دِيْمًا لَمَا أنْبَتَتْ وَلوَ ... بَسَابِسَ نَبت في الأراضي المَوَالِح فَلا يَمْنَعُ الإرشادَ عُدْمُ قَبولهم ... فمدخلهم موْلاهم أنت فاتح فإنكَ إنْ بَلَغْتَهمُ ضَاعَ عُذْرَهُمْ ... فَسَاقِيْهُم الموَلى فإنكَ جَادِح مُطِيعٌ لِمَا قَدْ قالهُ سَيّدُ الوَرَى ... به «بَلِّغُوْا عَنَي» أتتْهُ صَحائِح وأمرٌ بُمَعْرُوْفٍ ونَهْيٌ لمِنكر ... على شرطِهِ للناس بالحَق قَارح وفهَمْهُمْو مَا يَلْزَم المَرْءَ عَقْدَهُ ... مِن الدين مما سهلته القرَائح وغُسْلاً وضوءًا أَوْ صَلاةً زَكَاتُهُم ... وصوْمًا وبيْعا ثُم كيْفَ يُنَاكِح وَوَاجبُهَا مسْنُونُها مستحبها ... ومَنْهِيَّهَا فالكل في الكُتْب وَاضُح وعلم نِسَاء سترهنَّ بأن ترى ... على غير وجهِ والأكفِّ القواسح وعِلْمُهُم والإحسانَ كَيْفَ يُراقِبوْ ... نَ مَوْلاهمو ذو جدِّهِمْ والصَمَادح وكِيفَ تُراعَى نِيَّةٌ في جَمِيْعِهَا ... لِيَرْعَاهُ ذُوْ فَهمْ يَطيْعك لائح وكَيفَ التَّخَلِّي عن صِفَاتٍ ذَميْمَةِ ... وكيفَ التحلِّيْ بالحميدةِ ناصح

لا تطلبن من غير ربك حاجة

بِنَفْسِكَ فابْدأ حَائِدًا عن هوى الهوى ... لَدَى سَوْمِهَا ترْعَى وَإنكَ كابح أَضَرُّ عَدُوٍّ مَن بدَاركَ سَاكنٌ ... مُطِيْعٌ لشيْطَانٍ وللدين قَابِح سَلاَمةُ عَيْبِ النفس عَزت لِمَا لَها ... يَكونُ خِلالُ المُنْكراتِ المسَارِح فلا تَسْتَطِيعُ التَّرْكَ عَن شَهواتِهَا ... ولَمْ تَحْتَملْ ذُلا كَذاك السَّبَادِح لِجَاؤُكَ بالمولىَ وتُقْلِيْلُ مَطْعَم ... دَوَاءً لأَدْواءِ النُفْوس مُطَحْطِح وبالأصْغَرَيْن احْفَظْ، وبالأجْوَفَيْنِ والْـ ... ـجَوَاسيْسِ صُنْ دَوْمًا تُطِعْكَ الجَوَارِح تُبَاعٌ لِقُرْآنِ النَبيِّ وصَحْبِه ... وتابعهِم تِرْيَاقُ مَنْ هُوَ صَالح عليه صلاةُ الله ثم عليهمُ ... كذاك سلام بالرياحِيْن فائح وقال بعضُهمْ في سؤال الرحمن تعالى: لا تَطْلُبَنْ مِن غَيرِ ربكِ حَاجَةً ... إنْ كُنْتَ بالرحمن ذَا إٍيمانِ ومَن الذي يَسْتَبْدِلُ الضَعَفاءَ ... والفُقَراءَ والبُخَلاءَ بالرحمنِ أو يَشتَرِيِ الظُلماتِ بالأنوارِ أو ... يَرضَى يَعُودُ بأخْسَرِ الخُسرانِ فَوِّضْ إِلى المعبودِ أمَركَ كلَّه ... وافزعْ إلى المولى بِغيرِ تَواني واقرَعْ إذا نَامَ الأنامُ وغَلَّقُوا ... أبوابَهُمْ بابَ النوالِ الهانِي بابَ الذي بَسَط اليدَينِ بِلَيلِهِ ... ونهارِهِ لِتَداركِ العِصيانِ ويَداهُ مَبْسُوطانِ للإحسانِ ما ... قُبَضَتْ يَدٌ خَوفًا مِن النُقْصَانِ بابَ الذي إنْ لَم تَسَلْهُ فَضْلَهُ ... يَغْضَبْ فَكَيفَ يَردُّ بالحِرمانِ بابَ المجيبِ إذا دَعاه مُرْتَجٍ ... لاَجٍ إليهِ ما لَه مِن ثاني الواعدُ العبدَ الإِجابةَ إنْ دَعا ... في آيَتَيْ بُشْرى مِن القرآن بابَ الذي نَبَّا الرسولُ بقُربِهِ ... لِيُبَشِّرَ الجهُلاَ مِن العُبْدانِ بَابٌ إذا لم تَأْتِهِ مُتَذَلِلاً ... لم تُحْظَ بالإِيمانِ والغُفرانِ وخَسرتَ في كلِ الأمورِ فَلَمْ تَفُزْ ... بِمُنًى وَعُدْتَ بِخَيْبَةٍ وهَوِانِ بابَ الذي يُغْنِيْكَ عن زَيْدٍ وعن ... عَمروٍ وعن ثانٍ وعن أعْوانِ بابَ الذي إنْ يُعْطِ كُلاًّ سُؤْلَهُ ... لم يُلْفَ مُنْتَقصًا مَدَى الأزمانِ بابَ الذي لَوْ يَتَّقيه الخلقُ ما ... زَادوُه في مُلْكٍ ولا سُلطانِ

يا طالب الحق المبين ومؤثرا

فصل في بيان الاستغناء بالوحي المنزل من السماء عن تقليد الرجال والآراء» يا طالب الحق المبين ومؤثرا ... علم اليقين وصحة الإِيمان اسمع مقالة ناصح خَبرَ الذي ... عند الورى مُذْ شَبَّ حتى الآن ما زال مذ عقدت يداه أزاره ... قد شد ميزره إلى الرحمن وتخلُّل الفترات لِلْعَزَامَاتِ ... أمر لازم لطبيعة الإِنسان وتولد النقصان من فتراته ... أو ليس سائرنا بني النقصان طاف المذاهب يبتغي نورًا ... ليهديه وينجيه من النيران وكأنه قد طاف يبغي ظلمة ... الليل البهيم ومذهب الحيران والليل لا يزداد إلى قوّة ... والصبح مقهور بذي السلطان حتى بَدَتْ في سيره نار على ... طور المدينة مطلع الإيمان فأتى ليقبسها فلم يمكنه مع ... تلك القيود منالها بأمان لولا تداركه الإِله بلطفه ... ولى على العقبين ذا نكصان لكن توقف خاضعًا متذللا ... مستشعر الإفلاس من أثمان ... فأتاه جند حل عنه قيوده ... فامتدَّ حينئذ له الباعان والله لولا أن تحل قيوده ... وتزول عنه ربقة الشيطان كان الرقيُّ إلى الثريا مصعدًا ... من دون تلك النار في الإِمكان فرأى بِتِلْكَ النار آطام المدينة ... كالخيام تشوفها العينان ورأى على طرقاتها الأعلام قد ... نصبت لأجل السالك الحيران ورأى هنالك كلَّ هاد مهتد ... يدعو إلى الإِيمان والإِيقان فهناك هنَّأ نفسه متذكرًا ... ما قاله المشتاق منذ زمان والمستهام على المحبة لم يزل ... حَاشَا لذكرا كم من النسيان

لو قيل ما تهوى لقال مبادرًا ... أهوى زيارتكم على الأجفان تالله إن سمح الزمان بقربكم ... وحللت منكم بالمحل الداني لأعفِّرن الخدَّ شكرًا في الثرى ... ولأكحِّلنَّ بتربكم أجفاني إن رمت تبصر ما ذكرتُ فغضَّ طر ... فًا عن سوى الآثار والقرآن واترك رسوم الخلق لا تعبأ بها ... في السعد ما يغنيك عن دبران حدق لقلبك في النصوص كمثل ما ... قد حدَّقوا في الرأي طول زمان واكحل جفون القلب بالوحيين ... واحذر كحلهم يا كثرة العميان فالله بيَّن فيهما طُرق الهدى ... لعباده في أحسن التبيان لم يخرج الله الخلائق معهما ... لخيال فلتان ورأي فلان فالوحي كاف للذي يعني به ... شاف لداء جهالة الإِنسان وتفاوت العلماء في أفهامهم ... للوحي فوق تفاوت الأبدان والجهل داء قاتل وشفاؤه ... أمران في التركيب متفقان نصُّ من القرآن أو من سنة ... وطبيب ذاك العالم الرباني والعلم أقسام ثلاث ما لها ... من رابع والحق ذو تبيان علم بأوصاف الإِله وفعله ... وكذلك الأسماء للرحمن والأمر والنهي الذي هو دينه ... وجزاؤه يوم المعاد الثاني والكل في القرآن والسنن التي ... جاءت عن المبعوث بالفرقان والله ما قال امرؤ متحذلق ... بسواهما إلا من الهذيان إن قلتم تقريره فمقرَّر ... بأتمِّ تقرير من الرحمن ... أو قلتم إيضاحه فمبين ... بأتم إيْضاح وخَيرِ بَيَانِ أوْ قُلتُم إيجازه فهو الذي ... في غايةِ الإيجازِ والتبيانِ أوْ قُلتُم مَعناهُ هَذا فاقصُدُوا ... مَعْنَى الخِطابِ بعينه وعيان أوْ قُلتُم نَحْنُ التراجم فاقصدوا ... المعنى بلا شَططٍ ولا نقصان

أوْ قُلتُم بِخِلافِهِ فكلامكم ... في غَاية الإنكار والبطلان أوْ قُلتم قسنا عَليه نظيره ... فقياسكم نوعان مختلفان نوع يخالف نصَّه فهو المحا ... ل وذاك عند الله ذو بطلانِ وكلامنا فيه وليس كلامنا ... في غيره أعني القياس الثاني ما لا يخالف نصه فالناس قد ... عملوا به في سائر الأزمان لكنه عند الضرورة لا يصا ... ر إليه بعد ذا الفقدان هذا جواب الشافعي لأحمد ... لله درك من إمام زمان والله ما اضطر العباد إليه ... فيما بينهم من حادث بزمان فإذا رأيت النص عنه ساكتا ... فسكوته عفو من الرحمن وهو المباح إباحة العفو الذي ... ما فيه من حرج ولا نكران فأضف إلى هذا عموم اللفظ ... والمعنى وحسن الفهم في القرآن فهناك تصبح في غنى وكفاية ... عن كل ذي رأي وذي حسبان ومقدرات الذهن لم يُضمن لنا ... تبيانها بالنصِّ والقرآن وهي التي فيها اعتراك الرأي من ... تحت العجاج وجولة الأذهان لكن هنا أَمْرانِ لو تمَّا لَما ... احتجنا إليه فحبذا الأمران جمع النصوص وفهم معناها المرا ... د بلفظِها والفهم مَرتَبتَان إحداهما مدلول ذاك اللفظ ... وضعًا أو لزومًا ثم هذا الثاني فيه تفاوتت الفهوم تفاوتا ... لم ينضبط أبدًا له طرفان فالشيء يلزمه لوازم جمة ... عند الخبير به وذي العرفان فبقدر ذاك الخبر يحصى من لوا ... زمه وهذا واضح التبيان ولذاك من عرف الكتاب حقيقة ... عرف الوجود جميعه ببيان وكذاك يعرف جملة الشرع الذي ... يحتاجه الإنسان كلَّ زمان علمًا بتفصيل وعلمًا مجملا ... تفصيله أيضًا بوحيٍ ثانِ ...

وكفاية النصين مشروط بتجريد

وكلاهما وحيان قد ضمنا لنا ... أعلى العلوم بغاية التبيان ولذاك يعرف من صفات الله ... والأفعال والأسماء ذي الإحسان ما ليس يعرف من كتاب غيره ... أبدًا ولا ما قالت الثقلان وكذاك يعرف من صفات البعث ... بالتفصيل والإجمال في القرآن ما يجعل اليوم العظيم مشاهدًا ... بالقلب كالمَشْهُوْدِ رأي عيان وكذاك يعرف من حقيقة نفسه ... وصفاتها بحقيقة العرفان يعرف لوازمها ويعرف كونها ... مخلوقة مربوبة ببيان وكذاك يعرف ما الذي فيها من ... الحاجات والأعدان والنقصان وكذاك عرف ربه وصفاته ... أيضًا بلا مثل ولا نقصان وهنا ثلاثة أوجه فافطن لها ... إن كنت ذا علم وذا عرفان بالضد والأولى كذا بالامتناع ... لعلمنا بالنفس والرحمن فالضد معرفة الإِله بضد ما ... في النفس من عيب ومن نقصان وحقيقة الأولى ثبوت كماله ... إذ كان معطيه على الإحسان «فصل في بيان شروط كفاية النصين والاستغناء بالوحيين» وكفاية النصين مشروط بتجـ ... ـريد التلقي عنهما لمعان وكذاك مشروط بخلع قيودهم ... فقيودهم غلٌّ إلى الأذقان وكذاك مشروط بهدم قواعد ... ما أنزلت ببيانها الوحيان وكذاك مشروط بإقدام على ... الآراء أن عريت عن البرهان بالردِّ والإبطال لا تعبا بها ... شيئا إذا ما فاتها النصَّان لولا القواعد والقيود وهذه ... الآراء لاتسعت عرى الإِيمان

لكنها والله ضيقةٍ العرى ... فاحتاجت الأيدي لذاك توان وتعطلت من أجلها والله ... أعداد من النصين ذات بيان وتضمنت تقييد مطلقها وإطلاق ... المقيد وهو ذو ميزان وتضمنت تخصيص ما عمته ... والتعميم للمخصوص بالأعيان وتضمنت تفريق ما جمعت ... وجمعا للذي وسمته بالفرقان وتضمنت تضييق ما قد وسعتـ ... ـه وعكسه فلتنظر الأمران ... وتضمنت تحليل ما قد حرَّمتـ ... ـه وعكسه فلتنظر النوعان سكتت وكان سكوتها عفوا فلم ... تعف القواعد باتساع بطان وتضمنت إهدار ما اعتبرت كذا ... بالعكس والأمران محذوران وتضمنت أيضًا شروطًا لم تكن ... مشروطة شرعًا بلا برهان وتضمنت أيضَا موانع لم تكن ... ممنوعة شرعًا بلا تبيان إلا بأقيسةٍ وآراء وتقليد ... بلا علم أو استحسان عمن أتت هذي القواعد من ... جميع الصحب والأتباع بالإحسان ما أسسوا إلا اتباع نبيهم ... لا عقل فلتان ورأي فلان بل أنكروا الآراء نصحًا منهم ... لله والداعي وللقرآن أو ليس في خلف بها وتناقض ... ما دلَّ ذا لبٍّ وذا عرفان والله لو كانت من الرحمن ما ... اختلفت ولا انتقضت مدى الأزمان شبه تهافت كالزجاج تخالها ... حقًا وقد سقطت على صفوان والله لا يرضى بها ذو همة ... علياء طالبة لهذا الشان فمنالها والله في قلب الفتى ... وثباتها في منبت الإيمان كالزرع ينبت حولها دغل ... فيمنعه النما فتراه ذا نقصان وكذلك الإِيمان في قلب الفتى ... غرس من الرحمن في الإنسان والنفس تنبت حوله الشهوات ... والشبهات وهي كثيرة الأفنان

يا من يريد ولاية الرحمن

فَيَعُوْدُ ذَاكَ الغَرسُ يَبْسًا ذاوِيًا ... أوْ ناقِصَ الثَّمَراتِ كُلَّ أوَانِ فتراه يحرث دائبًا ومغلّه ... نزر وَذَا من أعظم الخسران والله لو نكش النبات وكان ذا ... بَصَرٍ لِذَاكَ الشوكِ والسَّعْدَانِ لأَتى كأمثالِ الجِبالِ مَغَلُّهُ ... ولَكَانَ أضْعَافًا بلا حسبان وقال رحمه الله تعالى: يا من يريد ولاية الرحمن دو ... ن ولاية الشيطان والأوثان فارِقْ جميعَ النَّاس في إشراكهم ... حتى تنال ولاية الرحمنِ يكفيكَ مَن وسع الخلائق رحمة ... وكفاية ذو الفضل والإحسانِ يكفيكَ مَن لم تخل من إحسانه ... في طرفة كَتَقَلُّبِ الأجفانِ يكفيكَ رَبٌ لم تزل ألطافه ... تأتي إليك برحمة وحنانِ ... يكفيكَ رَبٌ لم تزل في سِتْرِهِ ... ويَراكَ حينَ تَجيءُ بالعَصيانِ يكفيكَ رَبٌ لم تزل في حِفْظِهِ ... وَوقَايةٍ منه مَدَى الأزمانِ يكفيكَ رَبٌ لم تزل في فَضْلِهِ ... متَقَلبًا في السِّرِ والإِعلانِ يَدعُوه أهلُ الأرضِ مَعْ أهل السما ... ء فكُلُ يومٍ رَبُنَا في شانِ وهو الكفيلُ بكلِّ ما يَدْعُونَهُ ... لا يَعْتَرِي جَدْوَاهُ مِن نُقْصَانِ فتوسطُ الشُفَعاءِ والشُركَاءِ ... والظهراءِ أمْرٌ بَيِّنُ البُطْلانِ وَقَالَ ابْنُ القيّمِ رَحِمَهُ اللهُ في صِفَةِ عُرَائِس أَهْلِ الجَنَّةِ وَحًسنِهنَّ وَجَمَالِهنّ وَوِصَالِهنَّ. وَإْذَا بَدتَ فِي حُلَّةٍ مِن لُبْسِهَا ... وَتَمَايَلَتْ كَتَمَايُلِ النَّشْوَانِ

تَهْتَزُّ كَالغْصَنِ الرَّطِيْبِ وَحَمْلُه ... وَرْدٌ وَتفَاحٌ عَلَى رُمَّانِ وَتَبَخْتَرَتْ فِي مَشْيِهَا وَيَحقُ ذَا ... كَ لِمْثْلِهَا فِي جَنَّةِ الْحَيَوانِ وَوَصَائِفٌ مِن خَلْفِهَا وَأَمَامِهَا ... وَعَلَى شَمَائِلهَا وَعَن أَيْمَانِ كَالبَدْرِ لَيْلَةَ تِمِّهِ قَدْ حُفَّ فِي ... غَسَقِ الدُّجَى بِكَواكِبِ الْمِيزَانِ فَلِسَانُهُ وَفُؤادُهُ والطَّرفُ فِي ... دَهَشٍ وَإِعْجَابٍ وَفِي سُبْحَانِ فَالقَلبُ قَبْلَ زِفَافِهَا فِي عُرْسِهِ ... وَالعُرَسُ إثْرَ العُرْس مُتَّصِلانِ حَتَّى إِذَا مَا وَاجَهَتْهُ تَقَابَلا ... أَرَأَيْتَ إِذْ يَتَقَابَلُ القَمَرَانِ فَسلِ المُتَيَّم هَلْ يَحِلُ الصبرُ عَن ... ضَمٍ وَتَقْبِيلٍ وَعَن فُلْتَانِ وَسَلِ المُتَيَّم أَينَ خَلَّفَ صَبْرَهُ ... فِي أَي وَادٍ أَمْ بِأيّ مَكَانِ وَسَلِ المُتَيَّم كَيفَ حَالَتُه وَقَدْ ... مُلِئَتْ لَهُ الأُذْنَانِ وَالعَينَانِ

مِن مَنِطقٍ رَقَّتْ حَوَاشِيهِ وَوَجْـ ... ـهٍ كَمْ بِهِ لِلشَّمْسِ مِن جَرَيَانِ وَسَلِ المُتَيَّمَ كَيفَ عِيشَتَه إذًا ... وَهُمَا عَلَى فُرَشَيهِمَا خَلَوَانِ يَتَسَاقَطَانِ لَئِآلئًا مَنْثُورَةً ... مِن بَينَ مَنْظُومٍ كَنَظْمِ جُمَانِ وَسَلِ المُتَيَّم كَيفَ مَجْلِسُه مَعَ الْـ ... ـمَحْبُوب فِي رَوحٍ وَفِي رَيحَانِ وَتَدورُ كَاسَات الرَّحِيقِ عَلَيهِمَا ... بأكُفٍ أَقْمارٍ مِن الولْدَانِ يَتَنَازَعَانِ الكَأسَ هَذا مَرَّةَ ... وَالْخُودُ أُخْرَى ثُمَّ يَتَكِئَانِ فَيَضُمُّهَا وَتَضُمُّهُ أَرَأَيتَ مَعْـ ... ـشُوقَينِ بَعدَ البُعْدِ يَلْتَقِيَانِ غَابَ الرَّقِيبُ وَغَابَ كُلُّ مَنْكَدٍ ... وَهُمَا بِثَوبِ الوَصْلِ مُشْتَمِلانِ أَتْرَاهُمَا ضَجرَينِ مِن ذَا العَيشِ لاَ ... وَحَياةِ رِبِّكَ مَا هُمَا ضَجرَان ... وَيزَيدُ كُلُّ مِنْهُمَا حُبًا لِصَا ... حِبْهِ جَدِيدًا سَائر الأَزْمَانِ

وَوَصَالُهُ يَكْسُوه حُبًّا بَعْدَهُ ... مُتَسَلْسِلاً لاَ يَنْتَهِي بِزَمَانِ فَالوَصْلُ مَحْفُوفٌ بحُبٍ سَابِقٍ ... وَبِلاَحِقٍ وَكِلاَهُمَا صِنْوَانِ فَرْقٌ لَطِيفٌ بَينَ ذَاك وَبَينَ ذَا ... يَدْرِيهِ ذُو شُغْلٍ بِهَذَا الشَّانِ وَمَزِيدُهُم في كُلِّ وَقْتٍ حَاصِلٌ ... سُبْحانَ ذِي المَلكُوتِ والسُلْطَانِ يا غَافلاً عَمَّا خُلِقْتَ لَهُ انْتَبِهْ ... جَدَّ الرَّحِيلُ وَلَستَ باليَقْظَانِ سَارَ الرِفَاقُ وَخَلفُوكَ مَعَ الأُولى ... قَنعُوا بِذَا الحَظِ الخَسِيسِ الفَانِ ورأَيتَ أَكْثَرَ مَنْ تَرَى مُتَخَلِّفًا ... فَتَبَعْتهُم فَرَضِيتَ بالحِرْمَانِ لَكنْ أَتَيتَ بخُطَّتَي عَجْزٍ وَجَهْلٍ ... بَعْدَ ذا وَصحِبْتَ كُلَّ أمَانِ مَنّتْكَ نَفْسُكَ باللحُوقِ مَعَ القُعُو ... دِ عَن المَسِيرِ وَرَاحَةِ الأبْدَانِ وَلَسَوفَ تَعْلَمُ حِينَ يَنْكَشِفُ الغِطَا ... ماذا صَنَعْتَ وَكُنْتَ ذَا إِمْكَانِ

ولقد روينا أن شغلهم الذي

قالَ ابْنُ القيّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَقَدْ رَوَينَا أَنَّ شُغْلَهُم الذِي ... قَدْ جَاءَ في يس دُونَ بَيَانِ شُغْلُ العرُوسِ بعِرسِهِ مِن بَعدِمَا ... عَبِثَتْ به الأشْوَاقُ طُولَ زَمَانِ باللهِ لا تَسْأَلْهُ عَنْ أَشْغَالِهِ ... تِلكَ اللَّيالِي شَأنُه ذُو شَانِ واضْرِبْ لَهُم مَثَلاً بصَبٍ غَابَ عن ... مَحْبُوبِهِ في شَاسِعِ البُلْدَانِ والشَّوقُ يُزْعِجُهُ إِليهِ وَمَا لَهُ ... بلِقَائِهِ سَبَبٌ مِن الإِمْكَانِ وَافَى إِليهِ بَعد طُولِ مَغِيبِهِ ... عنه وَصَارَ الوَصْلُ ذَا إِمْكَانِ أَتَلُومُه أَنْ صَارَ ذا شُغْل بِهِ ... لا والذي أَعْطَى بلا حُسْبَانِ يا ربُّ غَفْرًا قد طَغَتْ أَقْلاَمُنَا ... يا ربُّ مَعْذِرَةً مِن الطُغْيَانِ واللهُ أَعْلَمُ وَصلى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعَينَ.

أو ما سمعت منادي الإيمان

وقَالَ ابْنُ القَيّم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إلى آخِرِهِ: أَوَ مَا سَمِعْتَ مُنَادِيَ الإِيمَانِ ... يُخْبرُ عن مُنَادِي جَنّةِ الحَيَوانِ يا أهْلَها لَكُمُ لدَى الرحمن وَعْـ ... ـدُ هْوَ مُنْجِزُهُ لكُمْ بضَمَانِ قالُوا أَمَا بَيَّضْتَ أَوجُهَنَا كَذَا ... أَعْمَالَنَا ثَقَّلْتَ في المِيزَانِ وَكَذَاكَ قَدْ أَدْخَلْتَنَا الجَناتِ حِيـ ... ـن أَجَرْتَنَا مِنْ مَدْخَلِ النِيرانِ فيقولُ عِنْدِي مَوعِدٌ قَدْ آنَ أنْ ... أُعْطِيكُمُوهُ بِرَحْمَتِي وَحَنَانِي فَيَرونَهُ مِن بَعْدِ كَشْفِ حِجَابِهِ ... جَهْرًا رَوَى ذَا مُسْلِم بِبَيَانِ وَلَقَدْ أَتَانَا في الصَّحِيحَينِ اللَّذيـ ... ـن هُمَا أَصَحُّ الكُتْبِ بَعدَ قُرآنِ بِروَايَةِ الثِّقَةِ الصَّدُوقِ جَريرٍ الْـ ... ـبجَلِيِّ عَمَّن جَاء بالقُرْآنِ ذ أَنَّ العِبَادَ يَرونَهُ سُبْحَانَهُ ... رُؤْيا العِيَانَ كَمَا يُرَى القَمَرَانِ فإنْ اسْتَطَعْتُمْ كُلَّ وَقْتٍ فاحْفَظُوا الْـ ... ـبَرْدَينِ ما عِشْتُم مَدَى الأزمانِ

أو ما علمت بأنه سبحانه

شَوقًا إليهِ وَلَذَةِ النَّظَرِ الذِي ... بجَلاَلِ وَجْهِ الربِ ذِي السُلْطَانِ فالشَّوقُ لَذَةٌ رُوُحه في هَذِهِ الدُّ ... نْيَا وَيَومَ قِيَامَةِ الأبْدَانِ تلْتَذُ بالنَّظَرِ الذي فَازَتْ بِهِ ... دُونَ الجَوارِح هَذِهِ العَينَانِ واللهِ مَا في هَذِهِ الدُنْيَا أَلَذُّ ... مِن اشْتِيَاقِ العَبْدِ لِلرَّحْمَنِ وكَذَاكَ رُؤْيَةُ وَجْهِهِ سُبْحَانَهُ ... هِيَ أَكْمَلُ اللَّذَاتِ لِلإِنْسَانِ «فصل في كلام الرب جل جلاله مع أهل الجنة» أو ما علمت بأنه سبحانه ... حقًّا يكلم حِزبهِ بِجنان فَيَقُولُ جَلَّ جلالهُ هَلْ أنْتُمُو ... رَاضُونَ قالُوا نَحْنُ ذُو رِضْوَانِ أم كَيفَ لا نرضى وقد أعطيتنا ... ما لم ينله قطُّ من إنسان هل ثم شيء غير ذا فيكون ... أفضل منه نسأله من المنان فيقول أفضل منه رضواني فلا ... يغشاكم سخط من الرحمن ويذكر الرحمن واحدهم بما ... قد كان منه سالف الأزمان منه إليه ليس ثم وساطة ... ما ذاك توبيخا من الرحمن لكن يعرفه الذي قد ناله ... من فضله والعفو والإحسان ويسلم الرحمن جل جلاله ... حقًا عليهم وهو في القرآن ...

وكذاك يسمعهم لذيذ خطابه ... سبحانه بتلاوة الفرقان فكأنهم لم يسمعوا من قبل ذا ... هذا رواه الحافظ الطبراني هذا سماع مطلق وسماعنا ... القرآن في الدنيا فنوع ثانِ والله يسمع قوله بوساطة ... وبدونها نوعان معروفان فسماع موسى لم يكن بوساطة ... وسماعنا بتوسط الإِنسان من صيّر النوعين نوعًا واحدًا ... فمخالف للعقل والقرآن ولقد رَوَى بَضْعٌ وَعشْرُونَ امْرُوءٌ ... مِن صَحْبِ أَحْمَدَ خِيرِة الرّحْمَنِ أَخْبَارَ هَذَا البابِ عَمَّنْ قَد أَتَى ... بالوَحْيِ تَفْصِيلاً بلا كِتْمَانِ وأَلَذُّ شَيءٍ لِلْقُلُوبِ فَهَذِهِ الْـ ... أَخبارُ مَعْ أَمْثَالِهَا هِيَ بَهْجَةً الإيمَانِ واللهِ لَولا رُؤْيَةُ الرَّحْمَنِ في الْـ ... جَنَّاتٍ ما طَابَت لِذِي العِرْفَانِ أَعْلَى النَّعِيمِ نَعِيمُ رُؤْيَةِ وَجْهِهِ ... وَخِطَابُه في جَنَّةِ الحَيَوانِ وأَشدُ شَيءٍ في العَذَابِ حِجَابُهُ ... سُبْحانَه عن سَاكِنِي النِيرَانِ وإِذَا رَآهُ المُؤْمِنُونَ نَسُوا الَّذِي ... هُمْ فِيه مِمَّا نَالَتِ العَينَانِ

ويرونه سبحانه من فوقهم

فإذا تَوَارَى عَنْهُم عَادُوا إِلَى ... لَذَّاتِهم مِن سَائِرِ الأَلْوَانِ فَلَهُم نَعِيمٌ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ سِوَى ... هَذَا النَّعِيمِ فَحَبَذَا الأَمْرَانِ أَو مَا سَمِعْتَ سُؤَالَ أَعْرفِ خَلْقِه ... بجَلاَلِهِ الُمَبْعُوثِ بالقُرْآنِ «فصل في رؤية أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى ونظرهم إلى وجهه الكريم» ويرونه سبحانه من فوقهم ... نظر العيان كما يُرى القمران هذا تواتر عن رسول الله لم ... ينكره إلاَّ فاسد الإِيمان وأتى به القرآن تصريحا ... وتعريضا هما بسياقه نوعان وهي الزيادة قد أتت في يونس ... تفسير من قد جاء بالقرآن ورواه عنه مسلم بصحيحه ... يروي صهيب ذا بلا كتمان وهو المزيد كذاك فسره أبو ... بكر هو الصديق ذو الإيقان وعليه أصحاب الرسول وتابعو ... هم بعدهم تبعية الإحسان ولقد أتى ذكر اللقاء لربنا الر ... حمن في سور من الفرقان ولقاؤه إذ ذاك رؤيته حكى الإ ... جماع فيه جماعة ببيان وعليه أصحاب الحديث جميعهم ... لغة وعرفًا ليس يختلفان هذا ويكفي أنه سبحانه ... وصف الوجوه بنظرة بجنان وأعاد أيضًا وصفها نظرًا وذا ... لا شكَّ يفهم رؤية بِعِيَان وأتت أدَاةُ إليَّ لرفع الوهم مِن ... فكرٍ كذاك ترقب الإِنسان

وإضافة لمحل رؤيتهم بذكر ... الوجه إذ قامَتْ به العينان تالله ما هذا بفكرٍ وانتظا ... ر مغيب أو رؤيةٍ لجنان ما في الجنان من انتظار مؤلم ... واللفظ يأباه لذي العرفان لا تفسدوا لفظ الكتاب فليس ... فيه حيلة يا فرقة الروغان ما فَوقَ ذا التصريح شيء ما الذي ... يأتي به من بعد ذا التبيان لو قال أبين ما يقال لقلتم ... هو مجمل ما فيه من تبيان ولقد أتى في سورة التطفيف أن ... القوم قد حجبوا عن الرحمن فيدل بالمفهوم أن المؤمنين ... يرونه في جنة الحيوان وبذا استدل الشافعي وأحمد ... وسواهما من عالمي الأزمان وأتى بذا المفهوم تصريحًا بآ ... خرها فلا تخدع عن القرآن وأتى بذاك مكذبًا للكافرين ... الساخرين بشيعة الرحمن ضحكوا من الكفار يومئذ كما ... ضحكوا هم منهم على الإِيمان وأثابهم نظرا إليه ضد ما ... قد قاله فيهم أولو الكفران فلذاك فسرها الأئمة أنه ... نظر إلى الرب العظيم الشان لله ذاك الفهم يؤتيه الذي ... هو أهله من جاد بالإحسان وروى ابن ماجة مسندا عن جابر ... خبرًا وشاهده ففي القرآن بينا هم في عيشهم وسرورهم ... ونعيمهم في لذة وتهان وإذا بنور ساطع قد أشرقت ... منه الجنان قصيها والداني رفعوا إليه رءوسهم فرأوه نور ... الرب لا يخفى على إنسان

يا من يريد نجاته يوم الحساب

وإذا بربهم تعالى فوقهم ... قد جاء للتسليم بالإحسان قال السلام عليكم فيرونه ... جهرًا تعالى الرب ذو السلطان مصداق ذا يس قد ضمنته ... عند القول من رب بهم رحمن من رد ذا فعلى رسول الله رد ... وسوف عند الله يلتقيان في ذا الحديث علوُّه ومجيئه ... وكلامه حتى يرى بعيان هذِي أصول الدين في مضمومه ... لا قول جهم صاحب البهتان وكذا حديث أبي هريرة ذلك ... الخبر الطويل أتى به الشيخان فيه تجلى الرب جل جلاله ... ومجيئه وكلامه ببيان وكذاك رؤيته وتكليم لمن ... يختاره من أمة الإنسان فيه أصول الدين أجمعها فلا ... تخدعك عنه شيعة الشيطان «فصل في تعيين أَنَّ اتباعَ السنةِ والقُرآنِ طريقةُ النجاةِ من النيرانِ» يا مَن يُريدُ نَجَاتَهُ يومَ الحِسا ... ب مِن الجحيمِ ومِوقدِ النِيرانِ اتبعْ رسَولَ اللهِ في الأقوالِ والأ ... عْمَالِ لا تخرجْ عن القُرآنِ وخُذِ الصَّحَيحَينِ اللذين هُمَا ... لِعَقْدِ الدَّينِ والإِيمانِ واسِطتانِ واقرأهُمَا بعدَ التجردِ مِن هوى ... وتَعَصُّبٍ وحمية الشيطان واجعلهما حَكمًا ولا تَحكُم عَلى ... ما فيهما أصْلا بقَولِ فُلانِ واجعلْ مَقَالتَه كبَعْضِ مَقَالةِ الأ ... شياخ تَنْصُرهَا بِكلِ أَوَانِ وانْصُرْ مَقَالتَه كَنَصِركَ للذِي ... قَلَّدتَه مِن غَيرِ مَا بُرهَانِ قَدِّرْ رسولَ اللهِ عَنْدَكَ وحْدهُ ... والقَولَ منه إليكَ ذُو تبْيانِ ماذا تَرَى فَرْضًا عليكَ مُعَيَّنًا ... إنْ كُنْتَ ذا عَقلٍ وذَا إيمانِ عَرْضَ الذي قالُوا على أقوالِهِ ... أو عَكْسُ ذاكّ فذانَكَ الأمْرانِ هِي مَفْرَقُ الطُرقاتِ بينَ طَرِيقنَا ... وطريق أهْلِ الزيغِ والعُدوانِ

قَدِّر مَقَالاتِ العبادِ جَميعِهم ... عَدَمًا ورَاجِعَ مَطْلَعَ الإِيمانِ واجعَلْ جُلُوسَكَ بَينَ صَحْبِ مُحمدٍ ... وتَلَقَّ مَعْهُم عنه بالإحسانِ وتَلَقَّ عَنهُم ما تَلَقَوهُ هُمُ ... عنه مِن الإِيمانِ والعِرفانِ أَفَلَيسَ في هَذا بَلاَغُ مُسَافِرٍ ... يَبْغِي الإِلهَ وَجنَّةَ الحَيَوَانِ لَولاَ التَّنَافُسُ بَينَ هَذا الخلق ما ... كَانَ التفرقُ قَطُ في الحُسَبَانِ فالربُ رَبٌ واحدٌ وكتابُهُ ... حَقٌ وفَهْمُ الحقِ مِنْهُ دَانِ ورَسُولهُ قدْ أوضَحَ الحَقَّ المبيـ ... ـنَ بِغايَةِ الإيضاحِ والتِّبيَانِ ما ثَمَّ أوضحُ مِن عِبارَتهِ فَلاَ ... يَحَتَاجُ سَامِعُهَا إلى تَبْيَانِ والنُصحُ منهُ فَوق كُلِّ نَصَيّحَةٍ ... والعِلْمُ مأخُوذُ عَن الرحمنِ فلأيّ شِيءٍ يَعْدلُ الباغِي الهُدَى ... عن قَولِهِ لَولاَ عَمَى الخُذْلانِ فالنقلُ عنه مصَدَّقٌ والقولُ مِن ... ذِي عِصْمَةٍ ما عِنْدَنَا قَولانِ والعكسُ عندَ سِواهُ في الأَمَرَينِ يا ... مَن يَهتَدِي هَلْ يَستوِي النَّقْلان تالله قد لاحَ الصباحُ لِمَنْ لهُ ... عَينَانِ نَحُو الفجرِ ناظرتانِ وأَخُوُ العَمَايَةِ في عَمَايَتِهِ يَقُو ... لُ الليلُ بَعدُ أيَسْتَوِي الرَجُلانِ تاللهِ قد رُفَعِتْ لَكَ الاعِلامُ إنْ ... كُنْتَ المُشَمِّرَ نِلْتَ دَارَ أمانِ وإذا جَبُنْتَ وكُنْتَ كَسْلاَنًا فَمَا ... حُرِمَ الوصُوُلَ إليه غَيرُ جَبَانِ فاقدِمْ وعِدْ بالوَصْلِ نَفْسَكَ واهج الْـ ... ـمقْطُوعَ مِنهُ قاطعَ الإِنْسانِ عن نيلِ مَقْصَدِهِ فذاكَ عَدُوُهُ ... ولَو أنَّهُ منه القَرِيب الداني «فصل في صِفة الجنة التي أعدها الله ذو الفضل والمنة لأوليائه المتمسِّكين بالكتاب والسنة» فاسْمَعْ إذن أوصَافَها وصِفَاتِ هَا ... تِيكَ المنازِلِ رَبَّةِ الإحسانِ هِي جنةُ طابَتْ وطابَ نَعِيمُهَا ... فنعيمُهَا بَاقٍ ولَيسَ بِفَانِ دارُ السلامِ وجَنَّةُ المأوىَ ومَنْزِلُ ... عَسْكَرِ الإِيمانِ والقُرآنِ

فالدارُ دارُ سَلامةٍ وخِطابُهم ... فيها سَلاَمٌ واسمُ ذَي الغُفْرانِ «فصل في عدد درجات الجنة وما بين كل درجتين» دَرَجَاتَها مائةُ وما بَين اثْنَتَينِ ... فذاكَ في التحقيقِ لِلْحُسَبانِ مِثلُ الذي بَينَ السماءِ وبَينَ هَـ ... ـذِي الأرض قُولُ الصَادِقِ البُرهانِ لَكِنَّ عَالِيها هُوَ الفِرَدَوسُ مُسْـ ... ـقُوِفٌ بِعرش الخالِق الرحمنِ وَسَطُ الجِنانِ وعُلْوها فلِذَاكَ كَا ... نَتْ قُبَّةً مِن أحْسنِ البُنْيانِ مِنْهُ تَفَجَّرُ سائِرُ الأَنهارِ ... فالمَنْبُوعُ مِنه نازلٌ بِجِنانِ «فصل في أبواب الجنة» أَبوابُها حقٌ ثَمَانِيَةٌ أتَتْ ... في النص وهْيَ لِصَاحِبِ الإحسانِ بابُ الجهاد وذَاكَ أعْلاَهَا وَبَا ... بُ الصَّومِ يُدْعَى البَابُ بِالرَّيانِ ولِكُلِّ سَعْيٍ صَالحٍ بابٌ ورَبُّ ... السَّعي مِنهُ دَاخِلٌ بأَمَانِ ولَسَوفَ يُدْعى المرءُ مِن أبوابها ... جَمْعًا إذ أَوفَى حُلَى الإِيمانِ مِنهم أبُو بكرٍ هُوَ الصَّدِيقُ ذَا ... كَ خَليفَةُ المبعوثِ بالقُرآنِ ... «فصل في مِقْدار ما بينَ البابِ والبابِ مِنها» سَبْعُونَ عَامًا بَينَ كُلِّ اثنين ... منها قُدَّرَتْ بالعَدِ والحُسْبانِ هَذا حَدِيثُ لَقِيطٍ المعروف ... بالخَبَر الطَويل وذا عظيم الشان وعليه كُلُ جَلالةٍ ومَهَابةٍ ... ولكُم حَواهُ بَعْدُ مِن عِرفان

«فصل في مِقْدارِ ما بَينَ مِصْراعَى البابِ الواحِد منها ... لَكنَّ بينهما مَسيرةُ أربَعينَ رَواهُ حَبرُ الأمة الشيبانِي» في مُسَنْدٍ بالرفعِ وهو لِمُسْلمٍ ... وَقْفٌ كَرفُوعٍ بِوَجْهٍ ثانِ «فصل في مفتاح باب الجنة» هذا وفَتْحُ البابِ لَيسَ بِمُمْكِنٍ ... إلاَّ بِمفتَاحٍ عَلَى أَسْنَانِ مفتاحُه بشهادةِ الإخلاصِ ... والتَوحِيدِ تلكَ شَهَادةُ الإِيمانِ أَسْنَانُه الأعْمَالُ وهْيَ شَرائِعُ ... الإِسْلامِ والمفتاحُ بالأَسْنانِ لاَ تُلْغِيَنْ هَذا المِثَالَ فَكم بهِ ... مِن حَلِّ إشَكَالٍ لِذِي العِرفانِ «فصل في مَنْشُورِ الجنة الذي يُوَقَّعُ بهِ لِصَاحِبِهَا» هذا ومَن يَدْخُلْ فَلَيسَ بِدَاخِلٍ ... إلاَّ بِتوقِيعٍ مِنَ الرحمنِ وكذاكَ يُكْتَبُ لِلْفَتَى لِدُخُولِهِ ... مِن قَبْل تَوقيعان مَشْهُورَانِ إِحْدَاهُمَا بَعْدَ المَمَاتِ وعَرْضِ أرْ ... وَاحِ العِبَادِ بِه عَلَى الدَّيَانِ فيقولُ رَبُّ العَرْشِ جَلَّ جَلاَلُهُ ... لِلْكاتِبين وهُمْ أُولُو الدَّيوانِ ذا الاسْمَ في الدِيوانِ يُكْتَبُ ... ذَاكَ ديوَانُ الجِنَانِ مُجاورَ المنانِ دِيوانُ عِلّيينَ أَصْحَابِ القُرآ ... نِ وسُنَّةِ المبعُوثِ بالقُرآنِ فإذا انْتَهَى لِلْجِسْرِ يَومَ الحشرِ ... يَعْطَىَ لِلدَّخُولِ إذَا كِتابًا ثانِ عُنْوانُهُ هَذا كَتابٌ مِن عَزِيزِ ... رَحِمٍ لِفُلاَن ابْن فُلاَنِ فَدَعُوهُ يُدَخْلُ جَنَّة المأْوى الَّتي ارْ ... تَفَعَتْ ولَكِنْ القُطُوفَ دَوَانِ هَذا وقَدْ كُتِبَ اسْمُهُ مذ كَانَ في ... الأرْحَامِ قَبْلَ وِلاَدَةِ الإِنْسانِ

بَلْ قَبْلَ ذلكَ وهْوَ وَقْتُ القَبْضَتَـ ... ـينِ كِلاَهُمَا لِلْعَدْلِ والإحِسانِ سُبْحَان ذِي الجَبَرُوتِ والملكُوتِ ... والإجْلالِ والإكْرَامِ والسُّبْحانِ واللهُ أكْبَرُ عَالِمُ الأسْرارِ ... والإِعْلامِ واللَّحظاتِ بالإجفانِ والحمدُ لله السميع لِسَائِر ... الأصْواتِ مِن سِرِّ ومن إعْلانِ ... وهُوُ الموحَّدُ والمسَبَّحُ والمُمَجَّدُ ... والحَمِيدُ ومُنَزِّلُ القُرآنِ والأَمْرُ مِن قَبْلُ ومِن بَعْدُ لَهُ ... سُبحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السُلْطانِ «فصل في صفوف أهل الجنة» هذا وإنَّ صُفُوفَهم عشرونَ مَعْ ... مائَةٍ وهَذِي الأُمَّةُ الثُلثُانِ يَرْوِيهِ عَنه بُرَيدَةٌ إسْنادُهُ ... شَرْطُ الصَّحَيحِ بِمُسْنِدِ الشَّيَبانِي ولَهُ شَواهدُ مِن حَدِيثِ أبي هُرَيرَةَ ... وابن مَسْعُودٍ وحبْرِ زَمَانِ أعْنِي ابْنَ عَبَاسٍ وفِي إسْنَادِهِ ... رَجُلُ ضعِيفٌ غَير ذِي إِتْقَانِ ولَقَدْ أتَانَا في الصحيحِ بأنَّهُمْ ... شَطْرٌ ومَا اللَّفْظَانِ مُخْتَلِفَانِ إذْ قَالَ أرْجُو أنْ تَكُونوا شَطرهُمْ ... هَذا رَجَاءٌ مِنْهُ لِلرَّحْمَنِ أَعطاهُ رَبُّ العَرْشِ مَا يَرْجُو وَزَا ... دَ مِن العَطَا أفْعَالُ ذِي الإحسانِ «فصل في صفة أولِ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجنة» هذا وأولُ زُمْرَةٍ فَوجُوهُهُمْ ... كَالبَدْرِ لَيلَ السّتِ بَعْدَ ثَمَانِ السابقُونَ هُمُ وقَدْ كَانُوا هُنَا ... أَيْضًا أَولِي سَبْقٍ إِلىَ الإحْسَانِ «فصل في صِفةِ الزُمْرَةِ الثانية» والزُّمْرَةُ الأْخْرَى كأضْوءِ كوكَبٍ ... في الأُفق تَنْظُرُهُ بِهِ العَينَانِ أمْشَاطُهم ذَهَبٌ ورَشحُهُمو فَمِـ ... ـسْكٌ خَالِصٌ يَا ذِلَّةَ الحِرْمَانِ

«فصل في تَفَاضُل أَهْل الجنةِ في الدرجات العُلَى» ويَرَى الذينَ بِذَيلِهَا مَنْ فَوقَهُم ... مِثْلَ الكَواكِبِ رُؤْيَةً بِعَيانِ ما ذاكَ مُخْتَصًّا بَرُسْلِ اللهِ بَلْ ... لَهُمُ ولِلصّدِيقِ ذِي الإِيمَانِ «فصل في ذَكرِ أعلَى أهل الجنة مَنْزِلَةً وأدْنَاهُمْ» هَذَا وأعْلاَهُمْ فَنَاظَرُ رَبَّهُ ... في كُلِّ يَومٍ وقْتَهُ الطَّرَفَانِ لَكِنَّ أدْنَاهُمْ وما فِيهمْ دَنِي ... إذْ لَيسَ في الجناتِ مِن نُقْصَانِ فهو الذِي تَلْقَى مَسَافَة مُلِكْهِ ... بِسِنْينَنا ألفَانِ كَامِلَتَانِ فَيَرَى بِهَا اقْصَاهُ حَقًا مِثْلَ رُؤْ ... يَتِهِ لأَدْنَاهُ القَرِيبِ الدَّانِيِ أوَ مَا سَمِعْتَ بأنَّ آخَرَ أهْلِهَا ... يُعْطِيهِ رَبُّ العَرْشِ ذُو الغُفْرانِ أضْعَافَ دُنْيانَا جَمِيعًا عَشْرَ ... أمْثَالٍ لَهَا سُبْحَانَ ذِي الإحسانِ ... «فصل في ذكر سن أهل الجنة» هذا وسًّنُهُم ثلاثٌ مَعْ ثَلاَ ... ثِينَ التي هِيَ قُوةٌ الشُبَّانِ وصَغِيرُهُمْ وكَبِيرهُمْ في ذا عَلَى ... حَدٍّ سَوءا ما سِوَى الوِلْدَانِ ولَقَدْ رَوى الخُضَريُ أَيضًا أنَّهُمْ ... أبْنَاءُ عَشرِ بَعْدَهَا عَشْرانِ وكَلاهُمَا في التَّرمْذَيِّ ولَيسَ ذا ... بِتَنَاقُض بَلْ هَهُنَا أمْرَانِ حَذْفُ الثِلاثِ ونيّفٌ بَعْدَ العُقُو ... دِ وَذِكْرِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ سِيَّانِ عنا اتِّساعٍ في الكَلامِ فَعِنْدَمَا ... يَاتُوا بتَحْرِيرٍ فَبِالمِيزَانِ «فصل في طُول قَامَات أهل الجنةِ وعَرْضِهم» والطُولُ طُولُ أبْيهمُ سِتُّونَ لَكِنْ ... عَرْضُهُم سَبْعُ بِلاَ نُقْصَانِ الطُولُ صَحَّ بِغَيرِ شَكٍ في ... الصَحِيحَينِ اللذين هما لنَا شَمْسَانِ

والعَرْضُ لَمْ نَعْرِفْهُ في إحْداهُمَا ... لَكِنْ رَوَاهُ أحْمَدُ الشَّيبَانِي هَذَا ولاَ يخْفَى التَنَّاسُبُ بَينَ هَذَا ... العَرْضِ والطُولِ البدِيعِ الشانِ كُلُ على مِقْدارِ صَاحِبِهِ وذَا ... تَقْدِيرُ مُتْقنِ صَنْعَةِ الإِنْسانِ «فصل في حلاهم وألوانهم» ألْوانُهُم بَيضٌ ولَيسَ لَهُم لُحَى ... جُعْدُ الشُعُورِ مِكَحَّلُو الأَجْفَانِ هذا كمالُ الحُسْنِ في أبْشَارِهِمْ ... وشُعُورِهِم وكَذَلِكَ العَينَانِ «فصل في لِسَانِ أهْلِ الجنة» وَلَقَدْ أَتَى أَثَرٌ بأَنَّ لِسَانَهُمْ ... بالمنْطِقِ العَرَبِي خَيرِ لِسَانِ لَكِنَّ في إسْنادَهِ نَظَرٌ ففِـ ... ـيهِ رَاويَان ومَا هُمَا ثبْتَانِ أعَني العَلاءَ هُو ابنُ عَمْرو ثم ... يَحَيىَ الأشْعَريُ وذَانِ مَغْمُورَانِ «فصلٌ في رِيحِ أهل الجنة مِن مَسِيرةِ كَمْ يُوجَد» والريحُ تُوجَدُ مِن مَسِيرةِ أرْبعِينَ ... وإنْ تَشَأ مائةً فَمَرْويَّانِ وكَذَا رُوي سَبْعِينَ أيضًا صَحَّ ... هَذَا كُلُّهُ وأتَى بِهِ أَثَرانِ ما في رِجَالهِمِا لَنَا مِن مَطْعَنٍ ... والجمعُ بَينَ الكُلِّ ذُو إمْكَانِ ولَقَدْ أتَى تَقْدِيرُهُ مِائَةً بِخَمْسٍ ... ضَرْبُهَا مِنْ غَيرِ مَا نُقَصَانِ «فصل في أنهار الجنة» أنْهَارُهَا في غَير أُخْدُودِ جَرَتْ ... سُبْحَانَ مُمْسِكها عن الفَيَضَانِ ... مِن تَحتِهم تَجْرِي كَما شَاءوا مُفَـ ... ـجَّرَةً وما لِلْنْهرِ مِن نُقْصَانِ عَسَلٌ مَصَفَّى ثم مَاءٌ ثُمَّ ... خَمْرٌ ثُمَّ أنْهَارُ مِن الأَلْبَانِ

واللهِ ما تْلِكَ الموادَ كَهذِهِ ... لِكَنْ هُمَا في اللَّفْظِ مُجْتَمعَانِ هَذا وَبَينَهُمَا يَسِيرُ تَشَابُهٍ ... وهُوَ اشْتَراكٌ قَامَ بالأذْهَانِ «فصل في طعام أهل الجنة» وطَعَامُهُم مَا تشْتَهيه نُفُوسُهُمْ ... ولُحُومُ طَيرِ ناعِمٍ وسِمَانِ وفَوَاكهُ شَتَّى بِحَسْبِ مُنَاهُمُ ... يا شِبْعَةً كَمُلَتْ لِذِي الإِيمَانِ لحم وخَمْرٌ والنسا وفواكهٌ ... والطَّيبُ مَعْ رَوحٍ ومَعْ رَيحَانِ وصَحافُهم ذَهَبٌ تَطُوفُ عَلَيهُم ... بأكُفِّ خُدَّامٍ مِن الوِلْدَانِ وانْظُر إلى جَعْلِ الَّلذاذةٍ لِلْعُيُو ... نِ وشَهْوةٍ لِلنَّفْسِ في القُرآنِ لِلْعَينِ مِنها لَذَّة تَدْعُو إلَى ... شَهوِاتِها بالنَّفْسِ والأمْرَانِ سَبَبُ التَّنَاوُلِ وهْوَ يُوجِبُ لَّذةً ... أُخْرَى سِوَى ما نَالَتِ العَينانِ «فصل فيب شرابهم» يُسْقَونَ فيها مِن رَحِيقٍ خَتْمُهُ ... بالمِسْكِ أوَّلُهُ كَمِثْلِ الثانِي مِن خمرَة لَذَّتْ لِشَارِبِها بلاَ ... غَولٍ ولا دَاءٍ ولا نُقْصَانِ والخمرُ في الدنيا فهذَا وَصْفُها ... تَغْتَالُ عَقْلَ الشارِبِ السَّكْرانِ وبها مِن الأدْواءِ ما هَي أهْلُهُ ... ويُخَافُ مِن عَدمٍ لِذِيِ الوِجْدَانِ فَنَفَى لَنَا الرحمنُ أجْمَعَهَا عنَ ... الخمْرِ التي في جَنَّةِ الحَيَوانِ وشَرَابُهُم مِن سَلْسَبْيلٍ مَزْجُهُ ... الكَافُورُ ذَاكَ شَرَابُ ذِي الإِحْسانِ هَذا شَرَابُ أولِي اليمين ولكن ... الأبْرَارُ شُرْبُهُمُ شَرَابُ ثانِ يُدْعَى بِتسْنيم سَاَمٍ شَرابُهمْ ... شُرْبُ المقَرَّبِ خِيرَةِ الرحمنِ صَفَّى المُقَرَّبُ سَعْيهُ فَصَفَى لَهُ ... ذَاكَ الشَّرابُ فَتلكَ تَصْفِيَتَانِ لَكِنَّ أصحابَ اليمينِ فأهْلُ مَزْ ... جٍ بالمُبَاحِ ولَيسَ بالعِصْيَانِ

مُزِجَ الشرابُ لَهُم كَما مَزَجُوا هُمُ ... الأعْمَالَ ذَاكَ المَزْجُ بالمِيزانِ هَذا وذُو التَّخْلِيط مَزْجًا أمْرُهُ ... والحُكْمُ فِيهِ لِرِّبِهِ الدَّيَانِ «فصل في مَصْرفِ طَعَامِهِم وشرابهم وهضمه» هَذَا وتَصْريفُ المآكِل منهم ... عَرَقٌ يَفَيضُ لَهُمْ مِن الأبْدَانِ ... كَرَوائِحِ المسَكِ الذي ما فيهِ ... خِلْطٌ غَيرَهُ مِن سائِر الألْوانِ فَتَعُودُ هَاتْيكَ البُطُونُ ضوَامِرًا ... تبْغِي الطَّعامِ عَلَى مَدَى الأزْمانِ لا غائِطٌ فيها ولا بَولٌ ولا ... مَخَطٌ ولا بَصْقٌ مِن الإِنسانِ ولهم جُشَاءٌ رِيحُهُ مِسْكٌ يكُو ... ن بِهِ تَمَامُ الهضْمِ بالإحْسَانِ هذا وهذا صَحَّ عنهُ فَوَاحِدُ ... في مُسْلمٍ ولأحمْدَ الأثرانِ «فصل في لِباسِ أهل الجنة» وهم الملوكُ على الأسرَّةِ فوقَ هَا ... تِيكَ الرُءوسِ مُرَصَّعُ التِيجَانِ ولِبَاسُهُم مِن سُنْدِسٍ خُضْرِ ومِن ... إسْتَبْرقِ نَوعانِ مَعْرُوفانِ ما ذاكَ مِن دُودٍ بنَى مِن فَوقِهِ ... تَلْكَ البُيوتَ وعَادَ ذا الطَّيرانِ كَلاَّ ولا نُسِجَتْ عَلَى المِنوال ... نُسْجَ ثيابِنَا بالقِطْنِ والكَتَّانِ لَكِنَّها حُللٌ تشَق ثمارها ... عنْهَا رأيتَ شَقَائِق النُعْمَانِ بَيض وخُضْرٌ ثُمَّ صُفْرٌ ثُمَّ ... حُمْرٌ كالِرِّيَاطِ بأحْسَنِ الألْوانِ لاَ تَقْرَبُ الدَّنَسَ المُقَرِّب لِلْبِلَى ... ما لِلْبَلى فِيهنَّ مِن سُلْطانِ ونَصِيفُ إحْدَاهُنَّ وهو خِمَارُهَا ... لَيستْ لَهُ الدنيا مِن الإثمانِ سَبْعُونَ مِن حُللٍ عَليها لاَ تَعُو ... قُ الطَّرفَ عن مُخٍّ وَرا السَّاقَانِ * * *

الحاشر البر الرحيم العاقب

أبيات في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -: الحاشر البر الرحيم العاقب الـ ... ـماحِي رُسُوَمَ الشرك والتكذِيبِ ذو المعجزاتِ فَكُلُ ذُي بَصَرٍ غَدَا ... لِصَوابِهَا بالعين ذَا تَصْوِيبِ كالشمس ضَاءَتْ للأَنَامِ وأَشْرَقَتْ ... إلاَّ عن المكْفُوفِ والمَحْجُوبِ وانْشَقَّ بَدْرُ التِّمِ مُعْجِزَةً لَهُ ... وبِهِ أَتَاهُ النَّصْرُ قَبْلَ مَغِيبِ وبِفَتْحِ مَكَّةَ قد عَفَا مِمَّنْ هَفَا ... فأَتوهُ بالتَّرغِيبِ والتَّرْهِيبِ وأَزَالَ بالتَّوحِيدِ ما عَبَدُوهُ مِنْ ... صَنَمٍ بِرَأْيِ ثابتٍ وصَليبِ وسَقَى الطُغَاةَ كَئوُسَ حَتْف عَجَّلَتْ ... لِلْمُؤْمِنينَ ذَهَابَ غَيظِ قُلُوبِ لَمْ يَحْتَمُوا مِنْ مِيمٍ طَعْنَاتٍ وَلاَ ... أَلِفَاتِ ضَرْباتٍ بلاَم حُرُوبِ نَطَقَ الجَمادُ بكفِّهِ وبِهِ جَرَا ... مَاءٌ كَما يَنْصَبُّ مِنْ أنْبُوبِ والعَينُ أورَدَهَا وجَادَ بِهَا كَما ... قَدْ رَدَّهَا كالشمسِ بعد غُرُوبِ وَلَهُ مَنَاقِبُ أَعْجَزَتْ عَن عَدِّهَا ... مِنْ حَافظٍ واعٍ ومِن حَيسُوبِ يا سَيِّدَ الرُسْلِ الذي مِنْهَاجُهُ ... فَاقَ الوَرَى بالفضل والتَّهْذِيبِ أُسْرِي بِجِسْمِكَ لِلْسَّماءَ فَبُشِّرتْ ... أَمْلاَكُهَا وحَبَتْكَ بالتَّرْحِيبَ فَعَلَوتَ ثُمَّ دَنوتَ ثَم بَلَغتَ مَا ... لاَ يَنْبَغِي لِسِوَاكَ مِن تَقْرِيبِ وخُصِصْتَ فَضْلاً بالشَفَاعَةِ في غَدٍ ... ومَقَامِكِ المَحْمُودِ والمَحْبُوبِ والأَنْبِيَاء وَقَدْ رُفِعْتَ جَلاَلَةً ... في الحَشْرِ تَحْتَ لِوَائِكَ المنْصُوبِ يَحْبُونَ رَبَّكَ مِن مَحَامِدِهِ الَّتِي ... تُعْطَى بها ما شِئْتَ مِن مَطْلُوبِ ويَقُولُ قُلْ يُسْمَعْ وسَلْ تُعْطَى المُنى ... واشْفَعْ تُشَفَّعْ في رَهِين ذُنُوبِ صَلَّى عليكَ وسَلَّم اللهُ الذي ... أعْطَاكَ فَضّلاً لَيسَ بالمَحْسُوبِ وعَلى القَرَابَةِ والصحَابِة كُلِّهِم ... ما أُتْبعَ المَفْرُوضُ بالمَنْدُوبِ ما أطْرَبَتْ أمْدَاحُهُم مُدَّاحَهُمْ ... واشْتَاقَ مَهْجُورٌ إلى مَحْبُوبِ

قال ابن القيم رحمه الله: «فصل في بيَان توحيد الأنبياء والمرسلين ومُخَالَفَتِهِ لتوحيد الملاحدة والمُعَطِّلِين» فاسْمَعْ إذن تَوحِيدَ رُسْل الله ثم ... اجْعَلْهُ داخلَ كِفَّةِ المِيزَانِ مَعَ هَذِه الأنْواعِ وانْظُرْ أيَّها ... أولىَ لَدَى المِيزَانِ بالرُجحانِ توحِيدُهُم نَوعَان قَولِي وفِعْـ ... ـليٌ كِلا نَوَعَيهِ ذُو بُرهَانِ فالأوَلُ القَولِيُّ ذُو نَوعَين أيضـ ... ـًا في كِتابِ الله مَوجُودَانِ إحْدَاهُمَا سَلْبٌ وذَا نَوعَانِ ... أيضًا فِيه مذْكُورَانِ سَلْبُ النَّقَائِصِ والعُيُوبِ جَمِيعِها ... عَنْهُ هُما نوعانِ مَعْقُولانِ سَلْبُ لِمُتِّصَّلٍ ومُنْفَصِلٍ هُمَا ... نَوعانِ مَعْرُوفانِ أمَّا الثانِي سَلْبُ الشرِيكِ مَعَ الظِهير مَعَ ... الشفيعِ بدُونِ إذْنِ المالِكِ الدَّيانِ وكذاك سَلْبُ الزوجِ والولد الذِي ... نَسَبُوا إليهِ عابِدُو الصُلْبَانِ وكذاكَ نَفْيُ الكُفْءِ أيضًا ... والوَلِي لنا سِوَى الرحمن ذِي الغُفْرِانِ والأَولُ التنزيهُ لِلرِحْمنِ عن ... وَصْفِ العُيُوبِ وكلِّ ذِي نُقْصَانِ كالموتِ والإِعياءِ والتَّعَبِ الذِي ... يَنْفي اقْتدُارَ الخَالِقِ المَنَّانِ والنومِ والسنة التي هِيَ أصْلهُ ... وعُزَوبِ شيءٍ عنه في الأكْوَانِ وكَذلِكَ العَبَثُ الذي تَنْفِيهِ ... حِكْمَتُهُ وَحَمْدُ اللهِ ذِي الإتْقَانِ وكَذَاكَ تَرْكُ الخَلْقِ إهْمَالاً سُدى ... لا يُبْعَثُونَ إلىَ مَعَادٍ ثانِ كَلاَّ ولا أمْرٌ ولا نَهْيٌ ... عَليهم مِن إله قادِرٍ دَيَّانِ وكَذَاكَ ظُلْمُ عِبَادَةِ وهُوَ ... الغَنِيُّ فَمَا لَهُ والظُلْمُ للإِنْسَانِ وكَذاكَ غَفْلَتُهُ تَعَالى وهَو عَلاَّ ... مُ الغُيوبِ فظاهِرُ البطلانِ وكَذَلِكَ النِسيَانُ جَلَّ إلهُنَا ... لا يَعْتَرِيهِ قَطُ مِن نِسْيَانِ

وكذَاكَ حَاجَتُهُ إلى طَعْمٍ وَرِزْ ... قٍ وهُوَ رَزَّاقٌ بلا حُسْبانِ هَذا وثاني نَوعَي السَّلْبِ الذِي ... هُوَ أوَّلُ الأنْوَاعِ في الأوزانِ تَنْزِيهُ أوصَافِ الكَمَالِ لَهُ عن ... التَّشْبيهِ والتَمثيلِ والنُكْرِانِ لَسْنَا نُشَبّهُ وصْفَهُ بِصِفاتِنَا ... إنَّ المُشَبِّهَ عابِدُ الأوثانِ ... كَلاَّ ولا نُخْلِيهِ مِن أوصَافِهِ ... إِنَّ المُعَطَّلَ عَابِدُ البُهْتَانِ مَنْ مَثَّلَ اللهَ العظيمَ بِخَلْقِهِ ... فَهْوَ النَّسِيبُ لِمُشْرِكٍ نَصْرَانِي أو عَطَّلَ الرحمنَ عَن أوصَافِهِ ... فَهْوَ الكَفُورُ ولَيسَ ذا إيمَانِ «فصل في النوع الثاني من النوع الأول وهو الثُبوت» هَذا ومِن تَوحِيدهم إثْباتُ أو ... صَافِ الكَمالِ لِربنا الرحمنِ كَعُلُوِّهُ سُبْحَانَه فَوقَ السَّما ... وَاتِ العُلَى بل فَوقَ كُلِّ مَكَانِ فهو العَلِيُّ بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ ... إذْ يَسْتَحْيلُ خِلافُ ذا بِبَيَانِ وهو الذي حقًّا على العرش اسْتَوى ... قَدْ قَامَ بالتَّدْبيرِ للأكْوانِ حيٌّ مُرْيدٌ قَادرٌ مُتَكَلِّمٌ ... ذُو رَحْمَةٍ وإرَادةٍ وحَنَانِ هُوَ أولٌ هو آخَرٌ هو ظَاهرٌ ... هو باطنٌ هيَ أرْبعٌ بوزانِ ما قَبْلَهُ شَيءٌ كَذَا ما بَعْدَهُ ... شَيءٌ تعالى اللهُ ذُو السَلطَانِ ما فَوقَه شيءٌ كَذَا ما دُونَه ... شيءٌ وذا تَفْسِيرُ ذِي البُرهَانِ فانْظُرْ إلى تَفْسِيرِهِ بتَدَبُّرٍ ... وتبَصُّرٍ وتَعَقُلٍ لِمَعَانِ وانْظْر إلى ما فِيهِ من أنْواعِ ... مَعْرِفَة لِخَالِقِنَا العظيم الشانِ وهو العَليُّ فَكَلُ أنواعِ ... العُلُوِّ لَهُ فثابِتَةٌ بلا نُكّرانِ وهو العظيمُ بِكُلِ مَعْنَىً يُوجبُ ... التَّعْظِيمَ لا يُحْصِيه مِن إنْسَانِ وهو الجليلُ فكُلُ أوصَافِ الجَلاَ ... لِ لَهُ مَحَقّقَةٌ بَلا بَطْلانِ

وهو الجميلُ على الحقيةِ كَيفَ لا ... وَجَمَالُ سَائِرِ هَذِه الأكْوانِ مِن بَعْضِ آثار الجميلِ فَرَبُّها ... أولَى وأجْدَرُ عَندَ ذِيَ العِرفان فَجمَالَهُ بالذاتِ والأوصَافِ ... والأفْعالِ والأسْمَاءِ والبُرهَانِ لا شَيءَ يُشْبِهُ ذَاتَه وصفاتِه ... سُبْحَانَهُ عن إفْكِ ذِي البُهْتَانِ وهو المجيدُ صِفَاتُه أوصَافُ تَعْظِـ ... ـيمٍ فشأنُ الوَصْفِ أعظمُ شَانِ وهو السميعُ يَرى ويَسمعُ كُلَّ ما ... في الكَون مِن سِرٍّ ومِن إعْلانِ ولِكُلِ صَوتٍ منه سَمْعٌ حَاضِرٌ ... فالسِّرُ والإعلانُ مُسْتَويَانِ والسَّمْعُ منه واسعُ الأصْواتِ لا ... يَخفَى عَليه بَعِيدُها والدانِي وهو البصيرُ يَرى دَبِيبَ النَمّلْةِ ... السَّوداءِ تحتَ الصَخرِ والصُّوانِ ويَرَى مجارِي القُوتِ في أعْضَائِها ... ويَرَى بياضَ عُروقها بعِيانِ ... ويَرَى خَياناتِ العُيونِ بلَحْظِها ... ويَرَى كذاكَ تَقَلُّبَ الأجْفَانِ وهو العليمُ أحَاطَ عِلْمًا بالذِي ... في الكَونِ مِن سِرِّ إعْلانِ وبكُلِ شيءٍ عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ ... فَهْوَ المحيطُ ولَيسَ ذَا نِسْيَانِ وكذاكَ يَعلمُ ما يكونُ غَدًا ومَا ... قد كانَ والموجودَ في ذَا الآنِ وَكذاكَ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ لَو كَانَ كَيـ ... ـفَ يَكُونُ ذَاكَ الأَمْرُ ذَا إمْكَانِ «فصل» وهو الحميدُ فكِلُ حَمْدٍ واقعٍ ... أو كَانَ مَفْرُوضًا مَدَى الأزْمَانِ مَلأَ الوجودَ جَميعَهُ ونَظَيرَهُ ... مِنْ غَيرِ ما عَدٍّ ولا حُسْبَانِ وهو أهْلهُ سُبْحَانَهُ وبِحَمْدِهِ ... كُلُ المحامِدِ وصْفُ ذِي الإِحسَانِ «فصل» وهو المِكُلّمُ عَبْدَهُ مُوسَى ... بتَكْليمِ الخِطابِ وَقَبْلَهُ الأبَوانِ كَلِماتُه جَلَّتْ عن الإحصاء ... والتَّعْدَادِ بَلْ عن حَصْرِ ذِي الحسْبَانِ

لَو أنَّ أشْجَارَ البِلادِ جَمِيعهَا ... والأَقْلاَمُ تَكْتَبُهَا بكَلِّ بَنَانِ والبَحْرَ تُلْقَى فِيهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ ... لِكَتابَةِ الكَلمَاتِ كُلَّ زَمَانِ نَفِدَتْ ولَمْ تَنْفَدْ بِهَا كَلِمَاتُهُ ... لَيسَ الكَلامُ مِن الإِله بفانِ وهو القديرُ ولَيسَ يُعْجزه إذا ... ما رَامَ شَيئا قَطُّ ذُو سُلْطانِ وهو القويُّ لَهُ القُوَى جَمْعًا تَعا ... لَى رَبُّ ذِي الأكْوانِ وهو الغَنيُّ بذَاتِه فغناهُ ذَا ... تيٌّ لَهُ كالجُودِ والإِحْسَانِ وَهو العزيز فلن يُرام جنابه ... أنَّى يُرام جناب ذي السلطان وهو العزيزُ القاهرُ الغلاَّبُ لم ... يَغْلِبْه شيءٌ هَذه صِفَتَانِ وهو العزْيزُ بقُوةٍ هِيَ وَصْفُهُ ... فالِعَزُّ حِينَئِذٍ ثَلاَثُ مَعَانِ وهْيَ التي كَمَلُتْ لَهُ سُبْحَانَهُ ... مِن كُلَّ وَجْهٍ عادِمِ النُقْصَانِ وهو الحكيمُ وذاكَ مِن أوصَافِهِ ... نَوعانِ أيضًا مَا هُمَا عَدَمانَ حِكَمٌ وأحْكامٌ فَكُلٌ مِنْهُما ... نَوعانِ أَيْضًا ثَابتَا البُرْهَانِ والحُكْمُ شَرْعَيٌ وكَونيٌ ولا ... يَتَلازَمان ومَا هُما سِيَّانِ بَلْ ذَاكَ يُوجَدُ دُونَ هَذا مُفْردًا ... والعكْسُ أَيْضًا ثُمَّ يَجْتَمِعَانِ لَنْ يَخْلُو المربُوبُ مِن إحْدَاهُمَا ... أو مِنْهُمَا بَلْ لَيسَ يَنْتَفِيَانِ ... لَكنَّما الشَّرْعِيٌ مَحْبُوبٌ لَهُ ... أبَدًا ولَنْ يَخْلُو مِن الأكْوانِ هُوَ أمْرُهُ الدِينيُ جاءَتْ رُسْلُهُ ... بِقِيَامِهِ في سَائِرِ الأزْمَانِ لَكِنَّما الكَونِيُّ فَهْوَ قَضَاؤُهُ ... فَي خَلْقِهِ بالعَدْلِ والإِحْسَانِ هُو كُلُّه حَقٌ وعَدْلٌ ذُو رِضًا ... والشأنُ في المقَضِيِّ كُلَّ الشانِ فلذاكَ نَرضَى بالقَضَاءِ ونَسْخَطُ ... الْمَقْضِيَّ حِينَ يكونُ بالعِصْيَانِ فالله يَرْضَى بالقَضَاءِ ويَسْخَطُ ... الْمَقْضِيَّ مَا الأمْرانِ مُتَّحِدَانِ فَقَضَاؤُهُ صِفَةٌ بِهِ قَامَتْ ومَا ... الْمَقْضِيُّ إلاَّ صَنْعَةُ الإِنْسانِ

والكَونُ مَحْبُوبٌ ومَبْغُوضٌ لَهُ ... وكَلاهُمَا بِمَشِيئِةِ الرَّحْمِنِ هَذا البَيَانُ يُزِيلُ لَبْسًا طَالَمَا ... هَلَكَتْ عَلَيهِ النَّاسُ كُلَّ زَمَانِ ويَحِلُّ مَا قَدْ عَقَّدَوا بأُصُولِهم ... وبُحُوثِهِم فافْهَمْهُ فَهْمَ بَيَانِ مَنْ وافقَ الكَونَّيَّ وافَقَ سُخْطَهُ ... أو لَمْ يُوافَقْ طَاعَةَ الدَّيَانِ فلذاكَ لا يَعْدُوهُ ذَمٌّ أو فَوَا ... تُ الحَمْدِ مَعْ أجْرٍ ومَعْ رِضْوانِ ومُوَافِقُ الدِينِيُ لا يَعْدُوهُ أجْرٌ ... بَلْ لَهُ عِنْدَ الصَوَابِ اثْنَان «فصل» والحِكْمَةُ العُلْيا عَلَى نَوعَينِ أيـ ... ـضَاً حُصِّلاَ بِقَواطِعِ البُرْهَانِ إحْدَاهُمَا في خَلْقِهِ سُبْحَانَهُ ... نَوعانِ أيضَا لَيسَ يَفْتَرِقَانِ إحْكَامُ هَذا الخَلْقِ إذْا إيجَادُهُ ... في غَايةِ الإحْكامِ والإتْقَانِ وصُدُورُهُ مِن أجْلِ غَاياتٍ لَهُ ... ولَهُ عَلَيهَا حَمْدُ كُلِّ لِسَانِ والحكمةُ الأخْرى فحكمةُ شَرْعِهِ ... أيضًا وفيها ذَانكَ الوَصْفَانِ غَايَاتُها الَّلائِي حُمِدْنَ وكَونُهَا ... في غايةِ الإتقانِ والإِحْسَانِ «فصل» وهو الحَيِّيُ فَلَيسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ ... عندَ التَّجَاهْرِ مِنه بالعِصْيَانِ لَكِنَّه يُلقِي عَليه سِتْرَهُ ... فَهُوَ السَّتِيرُ وصاحِبُ الغُفْرانِ وهو الحكيمُ فلا يُعَاجِلُ عَبْدَهُ ... بعُقُوبة لَيتُوبَ مِن عِصيانِ وهو العَفُوُّ فَعَفْوهُ وَسَعَ الوَرَى ... لَولاَهُ غَارَ الأرضُ بالسُكانِ وهو الصَّبُورُ علَى أذَى أعْدَائِهِ ... شَتَمُوهُ بَلْ نَسَبُوهُ لِلْبُهْتَانِ قالُوا لَهُ ولَدٌ ولَيسَ يُعْيَدُنَا ... شَتْمًا وتَكذِيبًا مِن الإِنْسانِ ...

هَذا وذَاكَ بِسَمْعِهِ وبِعِلْمِهِ ... لَو شَاءَ عَاجَلهُم بِكُلِ هَوَانِ لكن يُعَافِيهم ويَرْزُقْهُمُ وهُمْ ... يُؤْذُونَهُ بالشِّرْكِ والكُفْرَانِ «فصل» وهو الرقِيبُ عَلَى الخَواطِر واللَّوَا ... حِظِ كَيفَ بالأفْعَالِ بالأرَكَانِ وهو الحفيظُ عليهم وهُو الكَفِيلُ ... بحفظِهِم مِن كُلِ أمْرٍ عَانِ وهو اللِطيفُ بِعَبْدِهِ ولِعَبْدِهِ ... واللُّطْفُ في أوصَافِهِ نَوعانِ إدْرَاكُ أسْرارِ الأمُورِ بِخبْرَةٍ ... واللُّطْفُ عِنْدَ مَوَاقِعِ الإِحْسَانِ فَيُرِيكَ عِزَّتَهُ ويَبْدِي لطفهُ ... والعَبْدُ في الغَفَلاتِ عن ذا الشانِ «فصل» وهو الرفيقُ يُحبُّ أهْلَ الرِفْقِ بَلْ ... يَعُطِيهُم بالرِفقِ فَوقَ أمَانِ وهو القَرِيبُ وقُرْبُهُ المَختَصُّ ... بالدّاعِي وعَابِدِهِ عَلَى الإِيمَانِ وهو المجيَبُ يَقُولُ مَن يَدعُو أُجِبْهُ ... أنا المجِيبُ لِكُلِّ مَن نَادَانِي وهو المجيبُ لِدَعْوَةِ المضْطَرِّ إذْ ... يَدْعُوهُ في سِرٍّ وفي إعْلانِ وهو الجَوادُ فَجُودُهُ عَمَّ الوُجُوِ ... د جَمِيعَهُ بالفَضْلِ والإِحْسَانِ وهو الجَوادُ فلا يُخَيِّبُ سَائِلاً ... وَلَو أنَّهُ مِن أُمَّةِ الكُفْرانِ وهو المغيثُ لِكُلِّ مَخْلُوقَاتِهِ ... وكَذَا يَجُيبُ إغَاثَةَ اللَّهفَانِ «فصل» وهو الوَدُودُ يُحِبُّهُم ويُحبُّهُ ... أحْبَابُهُ والفَضْلُ لِلْمَنَّانِ وهو الذي جَعَلَ المحبة في قُلُو ... بِهِمَ وجَازَاهُم بِحُبِّ ثَانِ هَذا هُوَ الإِحْسَانُ حَقًّا لاَ مُعَا ... وَضَةً ولا لِتَوقُّعِ الشُكْرِانِ لكن يُحبُّ شَكُورَهُم وشُكُورُهُمْ ... لاَ لاحِتَياجٍ مِنْهُ لِلشُّكْرانِ

وهو الشُكُورُ فلنْ يَضَيِّعَ سَعْيَهُمْ ... لَكِنْ يُضاعِفهُ بلا حُسْبَانِ ما لِلْعِبَادِ عليه حَقٌّ واجبٌ ... هُو أوجَبَ الأجرَ العَظِيمَ الشانِ كَلاَّ ولا عَمَلٌ لَديه ضَائعُ ... إن كَانَ بالإخلاصِ والإِحِسانِ إنْ عُذبُوا فبِعَدْلِهِ أو نُعِّمُوا ... فبفَضَلِهِ والحَمْدُ للرَّحمنِ «فصلٍ» وهو الغفورُ فَلو أتَى بقُرابَها ... مِن غَيرَ شِرْكٍ بَلْ مِن العِصَيانِ ... لاقَاهُ بالغُفْران مِلءَ قُرابِها ... سُبْحَانَهُ هو وَاسعُ الغُفْرانِ وكَذِلكَ التّّوابُ مِن أوصَافِهِ ... والتَّوبُ في أوصَافِهِ نوعانِ إذْنٌ بِتَوبةِ عَبْدِهِ وقَبُولِهَا ... بَعْدَ المتَابِ بمنَّةِ المَنَانِ «فصل» وهو الإِلهُ السيدُ الصمدُ الذي ... صَمَدَتْ إليه الخلقُ بالإذِعانِ الكاملُ الأوصَافِ مِن كُل الوُجُو ... هـ كَمَالُهُ ما فيه مِن نُقْصَانِ وكَذِلكَ القَهارُ مِن أوصَافِهِ ... فالخلقُ مَقْهُورُونَ بالسُلْطانِ لَو لَمْ يَكُنْ حَيًّا عَزْيزًا قادرًا ... ما كَانَ مِن قَهْرٍ ولا سُلْطانِ وكَذلِكَ الجبارُ مِن أوصَافِهِ ... والجَبْرُ في أوصَافِهِ قِسْمَانِ جَبْرُ الضعيفِ وكُلَّ قَلبٍ قد غَدا ... ذَا كَسْرةٍ فالجَبْرُ منهُ دَانِ والثاني جَبْرُ القَهرِ بالعزِّ الذي ... لاَ يَنْبَغِي لِسِواهُ مِن إنْسانِ ولَهُ مَسَمًّى ثالثٌ وهُوَ العُلُوُّ ... فَلَيسَ يَدْنُو مِنْه مِن إنْسَانِ مِن قَولِهمْ جَبَّارَةٌ لِلْنَّخْلةِ ... العُلْيا التي فاتَتْ لِكُلِ بَنانِ

«فصل» وهو الحَسِيبُ كِفَايةً وحَمَايةً ... والحَسْبُ كَافي العَبْدُ كُلَّ أوانِ وهو الرشيدُ فقولهُ وفعالُهُ ... رُشْدٌ وَرَبُكَ مُرْشِدُ الحَيرانِ وكلاهُما حَقٌ فهذا وَصْفُهُ ... والفعلُ للإرشاد ذَاكَ الثانِي والعَدْلُ مِن أوصَافِهِ في فِعْلِهِ ... وَمَقَالِه والحُكْمُ بالميزانِ فَعَلى الصِراطِ المستقيم إلهنَا ... قَولاً وفِعْلاً ذَاكَ في القُرآنِ «فصل» هَذا وِمن أوصَافِهِ القُدُوسُ ذُو ... التَّنْزِيهِ بالتعظُّمِ للرَّحْمنِ وهو السلامُ عَلَى الحقيقِة سالمٌ ... مَن كلِ تَمثيلٍ ومِن نُقْصَانِ والبَرُ في أوصَافِهِ سُبْحَانه ... هو كَثرةُ الخيراتِ والإِحسانِ صَدَرَتْ عن البِرِّ الذي هو وَصْفُهُ ... فالبِرُّ حِينَئِذٍ لَه نَوعانِ وصفٌ وفعلُ فهو بَرٌ مُحْسِنٌ ... مُولِي الجميلَ ودائمُ الإِحْسِانِ وكَذلِكَ الوهابُ مِن أسمائِهِ ... فانْظر مَوَاهِبَهُ مَدَى الأَزَمَانِ أهْلُ السمواتِ العُلىَ والأرضِ عن ... تِلكَ المواهبِ لَيسَ يَنْفَكَّانِ ... وكَذلِكَ الفتاحُ مِن أسمائِهِ ... والفَتْحُ في أوصَافِهِ أمْرانِ فَتْحٌ بحكْمٍ وهو شرعُ إلهنِا ... والفَتحُ بالأقدارِ فَتْحٌ ثانِ والربُ فَتَّاحٌ بِذَينِ كِليهما ... عَدْلاً وإحسانًا مِن الرحمنِ وكَذلِكَ الرزاقُ مِن أوصَافِهِ ... والرزقُ مِن أفعالِهِ نَوعانِ رِزْقٌ عَلَى يَدِ عبدِهِ ورَسُولِهِ ... نوعانِ أَيْضًا ذَان مَعْرُوفانِ رِزْقُ القُلُوبِ العِلمُ والإِيمانُ ... والرِزْقُ المُعَدُّ لِهذِهِ الأبْدانِ هَذا هُو الرزقُ الحلالُ وَرَبُنَا ... رَزَّاقُهُ والفَضْلُ لِلْمَنَّانِ والثَّانِي سَوقُ القوتِ للأعْضاءِ في ... تِلْكَ المجارِي سَوقُهُ بوزانِ

هذا يكونُ مِن الحلال كما يكُو ... نُ مِن الحرامِ كِلاهُمَا رَزْقانِ واللهُ رَازِقُه بِهَذا الاعْتَبا ... ر ولَيسَ بالإطَلاقِ دُون بَيَانِ «فصل» هَذَا ومن أوصافِهِ القَيُومُ ... والقَيُومُ في أوصَافِهِ أمْرَانِ أحَدُهُمَا القَيُومُ قَامَ بِنَفْسِهِ ... والكونُ قَامَ به هُمَا الأمْرَانِ فالأوَّلُ اسْتِغْنَاؤُهُ عن غَيرِهِ ... والفَقْرُ من كُلِّ إليهِ الثانِي والوصفُ بالقَيومِ ذُو شأنٍ عَظَيمٍ ... هكذا مَوصُوفُه أَيْضًا عَظيمٌ الشانِ والحيُ يَتْلُوهُ فأوصَافُ الكَمَا ... لِ هُمَا لأفْقِ سَمَائها قُطْبانِ فالحيُ والقَيُومُ لَنْ تَتَخَلَّفَ ... الأوصَافُ أصَلاً عَنهُمَا بِبَيانِ هو قابضٌ هو باسطٌ هو خَافِضٌ ... هو رافعٌ بالعَدْلِ والمِيزانِ وهو المعزُّ لأهْلِ طَاعَتِه وذَا ... عِزٌّ حقِيقيٌّ بِلا بُطْلانِ وهو المذلُّ لِمَنْ يَشَاءُ بِذِلِةِ الدا ... رَين ذُلُّ شَقَا وذُلُّ هَوانِ هُوَ مَانعٌ مُعْطٍ فهذا فَضْلُهُ ... والمنعُ عَينُ العَدْلِ لِلْمنَانِ يُعْطَي برَحْمِتِهِ ويَمْنَعُ مَن يَشَا ... ءُ بِحِكْمِتِهِ واللهُ ذُو سُلطانِ «فصل» والنورُ من أسمائِهِ أَيْضًا ومِن ... أوصَافِهِ سُبْحَانَ ذِي البُرهَانِ قال ابنُ مَسعودٍ كَلاَمًا قَدْ حَكا ... هُ الدارِمي عَنْهُ بِلا نُكرانِ ما عندهَ لَيلٌ يكونُ ولا نَها ... رٌ قُلْتُ تحتَ الفُلْكِ يُوجَدُ ذانِ نُورُ السمواتِ العُلى مِن نُورِهِ ... والأرْضِ كَيفَ النجَمُ والقَمرانِ ... من نُور وَجْهِ الربِ جَلَّ جَلاَلُهُ ... وكذا حَكاهُ الحافظُ الطبراني

فِبه اسْتَنارَ العرشُ والكُرسيُ مَعْ ... سَبْعِ الطِباقِ وسَائِرِ الأكْوانِ وكِتابُهِ نُورٌ كَذلِكَ شَرْعُهُ ... نُورٌ كَذَا المبعوثُ بالفُرقانِ وكَذلِكَ الإِيمانُ في قَلبِ الفَتَى ... نُورٌ عَلى نُورٍ مَعَ القُرآنِ وحِجَابُهُ نُورِ فلو كَشَفَ الحِجَا ... بَ لأحْرَقَ السُّبُحَاتِ للأكْوانِ وإذا أتَى لِلْفَصْلِ يُشْرِقُ نُورُهُ ... في الأرْضِ يَومَ قِيَامَةِ الأبْدانِ وكُّذاكَ دَارُ الربِ جناتُ العُلى ... نُورٌ تَلأَلأَ لَيسَ ذَا بُطْلاَنِ والنُورُ ذُو نَوعَينِ مَخْلُوقٌ ... وَوَصْفٌ ما هُمَا وَاللهُ مَتَّحدَانِ وكَذَلِكَ المخلُوقُ ذَو نَوعَينِ ... مَحْسُوسٌ ومَعْقُولٌ هُمَا شَيئانِ احْذَرْ تَزلْ فَتَحْتَ رِجْلِكَ هُوَّةٌ ... كَمْ قَدْ هَوى فيها عَلى الأزْمَانِ مَن عَابِدٍ بالجَهْلِ زَلِّتْ رِجْلُهُ ... فَهَوى إلى قَعْرِ الحَضِيضِ الدانِي لاحَتْ لَهُ أنوارُ آثارِ العِبَا ... دَةِ ظنَّها الأنْوارَ لِلْرَّحْمِنِ فأتَى بكُلِّ مُصْيبَةٍ وبَليِّةٍ ... ما شَئْتَ مِن شَطْحِ ومِن هَذيانِ وكَذَا الحُلوليُ الذي هو خدْنُهُ ... مِن هَا هُنَا حَقًّا هما أخَوَانِ ويُقَابلُ الرَجُلين ذُو التَّعِطْيل ... والحُجْبِ الكَثْيفَةِ مَا هُما سِيَّانِ ذَا في كَثافَةِ طبْعِهَ وظَلاَمِهِ ... وبِظُلْمِةِ التَّعْطَيلِ هَذا الثاني والنورُ مَحُجْوبٌ فَلا هَذا ولا ... هَذَا لَهُ مِن ظُلمةٍ يَرَيانِ «فصل» وهُوَ المُقَدِّمُ والمُؤَخِّرُ ذَانِكَ ... الصِّفَتَانِ للأَفْعَالِ تَابعَتَانِ وهُمَا صفاتُ الذاتِ أَيْضًا إذْ هُمَا ... بالذَاتِ لا بالغِيرِ قَائِمتَانِ ولذَاكَ قَدْ غَلِطَ المقَسمُ حِينَ ... ظَنَّ صِفَاتِهِ نَوعَانَ مُخَتَلفانِ إنْ لَمْ يُردْ هَذا ولَكِن قَدْ أرَا ... دَ قيامَها بالفعل ذِي الإِمكانِ والفعلُ والمفعولُ شيءٌ واحدٌ ... عندَ المُقَسِّم مَا هُمَا شَيئانِ

فلذاكَ وَصْفُ الفعلِ لَيسَ ... لَديهِ إلاَّ نِسْبَةٌ عَدَميَّةٌ ببيانِ فجميعُ أسْمَاء الفعال لَديهِ ... لَيسَتْ قَطُّ ثابتَةٌ ذَوَاتُ مَعانِ مَوجُودَةٌ لَكَنْ أُمُور كُلُها ... نِسَبٌ تُرَى عدَميَّةُ الوِجْدَانِ هَذا هُو التَّعِطَيلُ للأْفْعَالِ ... كالتَّعْطِيلِ للأوصَافَ بالميزانِ ... فالحقُّ أنَّ الوَصْفَ لَيسَ بِمورد ... التَّقَسيمَ هَذا مُقْتَضى البُرهانِ بَلْ مَوردُ التقسيم ما قَدْ قَامَ ... بالذاتِ التي لِلْواحِدِ الرحمنِ فَهُمَا إذن نَوعَانَ أوصَافٌ ... وأفْعَالٌ فهذِي قِسْمَةُ التبيانِ فالوَصْفُ بالأفعالِ يَسْتَدْعي قِيا ... مَ الفعلِ بالمَوصُوفِ بالبُرهانِ كالوصف بالمعنىَ سِوَى الأفعالِ مَا ... أنْ بين ذِينِكَ قَطُّ مِن فُرقانِ ومن العجائِبِ أنَّهم رَدُّوا عَلى ... مَنِ أثبتَ الأسْماءُ دُونَ مَعَانِ قامَتْ بِمَن هِي وَصْفُه هَذا مُحَا ... لٌ غَيرُ مَعْقُولِ لِذِي الأذْهَانِ وأَتوا إلى الأوصَافِ باسْمِ الفِعْل قَا ... لُوا لَمْ تَقُمْ بالواحِدِ الديَّانِ فانْظُرْ إليهم أبْطَلُوا الأصلَ الذي ... رَدُّوا بهِ أقْوَلَهُمْ بوزَانِ إن كَانَ هَذا ممكنًا فَكَذَاكَ قَو ... لُ خُصُومِكُم أَيْضًا فَذُو إمَكانِ والوِصْفُ بالتقديم والتأخِير كَو ... نِيٌ ودِينِيٌّ هُمَا نَوعَانِ وكِلاَهُمَا أمْرٌ حقَيقيٌ ونِسْبِيُّ ... ولا يخفَى المثالُ على أولي الأذَهانِ والله قَدَّرَ ذَاكَ أجْمَعهُ بإحكَا ... مٍ وإتقانٍ مِن الرحمنِ «فصل» هَذا ومنِ أسمائِهِ ما لَيسَ يُفْردُ ... بَلْ يُقَالُ إذا أتَى بِقَرانِ وهي التي تُدْعَى بمزدُوَجاتِها ... إِفْرَادُهَا خَطرٌ عَلَى الإِنْسانِ إذْ ذَاكَ مُوهُم نَوعَ نَقْصٍ جَلَّ ... رَبُّ العَرشِ عن عَيبٍ وعن نُقصانِ كالمانعِ المعِطي وكالضَّارِ الذي ... هو نافعٌ وكَمَالُه الأمرانِ

ونظير هَذا القابضُ المقرونُ ... باسم الباسطِ اللفظانِ مُقْترنانِ وكَذا المعزُّ مَعَ المذلِّ وخافِضِ ... مَعْ رَافعٍ لفظانِ مُزْدَوِجَانِ وحَديثُ إفرادِ اسْمِ مْنَتَقمِ فَمو ... قُوفٌ كَمَا قَدْ قالَ ذُو العِرفانِ ما جَاءَ في القرآن غَير مُقَيِّدٍ ... بالمجرمينَ وجَابِذُو نَوعَانِ «فصل» ودِلالُة الأسماء أنواعٌ ثلا ... ثَ كُلُها مَعْلُومَةٌ بِبَيانِ دَلَّتْ مُطَابقة كَذاكَ تَضَمُّنًا ... وكَذا التزَامًا واضحَ البُرهانِ أمَا مُطابَقُةُ الدلالةِ فَهْي أنَّ ... الاسمَ يُفَهَمُ منه مَفْهُومانِ ذَاتُ الإِلهِ وذلكَ الوصفُ الذي ... يُشَقُّ منه الاسمُ بالميزانِ لَكِن دَلالَتُه عَلَى إحْدَاهُمَا ... بتَضَمُّنِ فافْهَمْهُ فَهْمَ بَيَانِ وكَذا دَلالَتُه عَلى الصفة التي ... ما اشْتُقَّ مِنها فالتزامٌ دَانِ وإذا أردْتَ لِذا مِثَالاً بيَنًا ... فمِثالُ ذَلِكَ لَفْظَةُ الرحمنِ ذاتُ الإِله وَرَحْمَةٌ مَدلُولُها ... فَهُما لِهَذا اللفظِ مَدْلُولانِ إحْدَاهُمَا بَعْضٌ لِذا الموضوع ... فَهْيَ تَضَمُّنُ ذَا واضِحُ التبيانِ لكنَّ وَصْفَ الحيِّ لازِمُ ذَلِكَ ... المَعْنَى لُزومَ العِلْمِ للرحمنِ فَلِذا دَلاَلَتُه عَلَيه بالتزا ... مٍ بَيّنِ والحَقُ ذُو تبيانِ وقال رحمه الله تعالى «فصل في النوع الثاني من نوعي توحيد الأنبياء ... والمرسلين المخالف لتوحيد المعطِّلين والمشركين» هذا وثاني نَوعيَ التوحِيدِ تَّو ... حِيدُ العِبادَةِ مِنْكَ للرحمنِ أَنْ لا تكونَ لِغَيره عَبْدًا ولا ... تَعبُدْ بغير شِريعَةِ الإيمانِ فَتقومُ بالإسلامِ والإيمانِ ... والإحسانِ في سَرِّ وفي إعلانِ

والصدقُ والإخلاص رُكْنَا ذلك ... التّوحِيدِ كالرُكَنين للِبنيَانِ وحَقِيقَةُ الإخلاص توحِيدُ المُرا ... دِ فلا يُزَاحِمُه مُرادٌ ثانَ لَكِنمْ مُرادُ العبدِ يَبقَى واحِدًا ... ما فِيهِ تَفْرِيقٌ لَدَى الإنسانِ إِنْ كَانَ رَبُكَ واحدًا سُبْحَانَهُ ... فاخصُصْهُ بالتوحِيدِ مَعْ إحسانِ أو كان ربّك واحدًا أنشاكَ لَم ... يُشركه إذ أنشاك رَبُ ثانِ فكذاك أيضًا وَحْدَهُ فاْعُبُده لاَ ... تُعْبُدْ سِواهُ يا أخَا العِرفانِ والصدقُ توحيدُ الارادة وهو بَذْ ... لُ الجَهْدِ لا كَسَلاً ولا مُتَوانِ والسنةُ المُثْلى لسَالكِهِا فَتَو ... حِيدُ الطريقِ الأعظمِ السُلطاني فَلِواحدٍ كُنْ واحدًا في واحِدٍ ... أَعْنَى سِبيلَ الحق والإيمانِ هَذِي ثلاثٌ مُسْعِداتٌ للذي ... قَدْ نَالهَا والفَضْلُ لِلمَنَّانِ فإذا هيَ اجَتَمَعَتْ لِنَفْسٍ حُرَّةٍ ... بَلغَتْ مِن العَلْياءِ كُلَّ مَكَانِ لله قلبٌ شامَ هَاتيكِ البُروُ ... ق مِن الخيَامِ فَهَمَّ بالطَّيَرانِ لَولا التَّعلُلُ بالرَجاءِ تَصَدَّعَتْ ... أعْشَارُهُ كَتَصَدُّعِ البُنَيَانِ وَتَراهُ يَبْسُطُهُ الرجاءُ فَيَنْثَنِي ... مُتَمايلاً كَتَمايُلَ النّشْوانِ ... وَيُعودُ يقْبِضُه الإياسُ لكونهِ ... مُتَخَلِّفًا عَن رُفْقةِ الإحْسَانِ فَتَراهُ بَينَ القَبْضِ والبَسْطِ اللَّذا ... نِ هُمَا لأفُقْ سَمَائِهِ قُطْبانِ وبدا له سُعْدُ السُعُود فِصَارَ ... مَسْرَاهُ عَلَيه لاَ عَلَى الدُّبرانِ لله ذِيَّاكَ الفَرْيقُ فإنَّهُمْ ... خُصُّوا بِخَالِصَةٍ مِن الرحمنِ شُدَّتْ رَكَائِبُهُم إلى مَعْبُودَهِمْ ... ورَسُولِهِ يا خَيبةَ الكَسْلانِ تمَّ هذَا الجُزْءُ الثاني من القصائد الزهديات بعَون الله وَتَوفِيقِه وَنسْألُ الله الحَيَّ القَيَّوم العَليّ العَظِيمَ ذا الجَلاَلِ والإِكْرَامِ الوَاحِدَ الأحَدَ الفَرْدَ الصَّمَدَ الذي لَمْ يَلدْ وَلَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كفوًا أُحَد أنْ يُعِزَّ الإِسْلاَمَ والمُسْلِمِينَ وأنْ يَخْذُلَ الكَفَرَةَ والمُشْرِكْيِنَ وَأعْوَانَهُمْ وأنْ يُصْلِحَ من في صلاحه صَلاحُ للإِسْلامِ والمُسْلِمِينَ وَيُهْلكَ منْ في هَلاكِهِ عز وصلاح للإسْلامِ والمُسْلِمِينَ وَأنْ يَلُمَّ شَعَثَ المُسْلِمِينَ وَيَجْمَعَ شَمْلَهُمْ وَيُوَحِّدَ كَلمَتَهُمْ وَأنْ يَحْفَظَ بَلادَهُمْ ويُصْلِحَ أولادَهُمْ وَيَشْفِي مَرْضَاهُمْ وَيُعَافِي مُبْتَلاَهُمْ وَيَرْحَمَ مَوتَاهُمْ وَيَأخُذَ

بِأيدينَا إلى كُلِّ خَيرِ وَيَعْصِمَنَا وأيّاهم مِنْ كِّلِّ شَرٍّ وَيَحْفظنا وإيَّاهم مِن كُلَّ ضُرِ وأنْ يَغْفِرَ لنا ولوالدينا وجميع المسلمين بِرَحْمَتِيه إنَّه أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .. وصلى الله على محمد وعلى آله وَصَحْبِهِ أجمعين. والله المسئول أن يجعل عملنا هذا خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به نفعًا عامًا إنه سميع قريب مجيب على كلِّ شيء قدير. والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلِّم تسليمًا كثيرًا. وقف لله تعالى ومَن أرادَ طِبَاعَتهِ اِبْتِغَاءَ وَجْه الله تَعَالى لا يُرِيدُ به عرضًا مِن الدنيا فقد أُذِنَ لَه في ذلك وَجَزَى اللهُ خيرًا من طَبَعَهُ وَقْفًا لله، أو أعانَ على طبعه، أَو تَسَبَّبَ لِطَبْعِهِ وتوزيعه على إخوانه المسلمين. عبد العزيز المحمد السلمان المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض سابقًا

§1/1